قواعد ابن رجب ت مشهور

ابن رجب الحنبلي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المحقق

مقدمة المحقق إنَّ الحمدَ للَّه؛ نحمدُه، ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللَّه من شرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالِنا، مَن يهده اللَّه؛ فلا مضلَّ له، ومَن يُضْلِل؛ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬1). {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬2). {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬3). أما بعد: ¬

_ (¬1) آل عمران: 102. (¬2) النساء: 1. (¬3) الأحزاب: 70 - 71.

أهمية الكتاب وفائدته

فهذا هو كتاب "القواعد الفقهية" للإمام ابن رجب الحنبلي، يأخذ مكانه اللائق به في المكتبة التراثية، بعد ضبط نصَّه، والتعليق عليه، وتخريج أحاديثه وآثاره، وتوثيق نقولاته، وإثبات شرح الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -حفظه اللَّه ورعاه- عليه. * أهمية الكتاب وفائدته: فائدة كتابنا هذا تنبع من طبيعة مادته، وقد، "اهتم الفقهاء بالقواعد الفقهية لما فيها من سهولة العلم والاحاطة بأحكام الفروع دون حفظها، والإلمام بمدلولاتها دون جمعها، ولما يترتب عليها من انتظام الكليات للجزئيات، ولولا القواعد الفقهية لكانت الأحكام الفقهية فروعًا متناثرة تتناقض في ظواهرها، بيان اتففت في مدلول بواطنها" (¬1). قال الزركشي: "أما بعد، فإن ضبط الأمور المنتشرة في القوانين المتّحدة، وهو أوعى لحفظها، وأدعى لضبطها، وهي إحدى حِكَم العدد التي وضع لأجلها. والحكيم إذا أراد التّعليم لا بد له أن يجمع بين بيالين، إجمالي تتشوَّف إليه النفس، وتفصيليّ تسكن إليه. ولقد بلغني عن الشيخ قطب الدين السنباطي -رحمه اللَّه- أنَّه كان يقول: الفقه معرفة النظائر. وهذه القواعد تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على نهاية المطلب" (¬2). ¬

_ (¬1) المدخل للفقه الإسلامي (ص 227) للدكتور عبد اللَّه الدرعان. (¬2) المنثور (1/ 65 - 66).

وفائدة كتابنا هذا جليلة، فما حواه من القواعد كثيرة العدد، عظيمة المدد، وكاد أن يستوعب مسائل الفقه جميعًا في تخريجها عليها، فيحصّل الناظرُ فيه تفصيلًا بديعًا للمسائل مع ذكر قواعدها "وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف" (¬1). وتظهر قيمة هذا الكتاب من اعتماد كثير من العلماء المحققين لنقولاته، فكتاب "الإنصاف" -مثلًا- للمرداوي مُسْتودَعٌ لكتاب "القواعد"، وذكر المرداوي في "مقدمته" (1/ 17) عند ذكره الاختلاف بين الأصحاب في مسائل متجاذبة المآخذ، قال: "فالاعتماد في معرفة المذهب من ذلك على ما قاله المصنف، والمجد، والشارح، وصاحب الفروع، والقواعد الفقهية، والوجيز. . . ". وقال (1/ 17): "فإن اختلفوا، فالمذهب: ما قدمه صاحب "الفروع" فيه في معظم مسائله، فإن أطلق الخلاف، أو كان من غير المعظم الذي قدّمه، فالمذهب: ما اتفق عليه الشيخان -أعني: المصنف والمجد- أو وافق أحدهما الآخر في أحد اختياريه، وهذا ليس على إطلاقه، وإنما هو في الغالب، فإن اختلفا فالمذهب مع من وافقه صاحب "القواعد الفقهية" أو الشيخ تقي الدين. . . ". ثم قال: "فإن لم يكن لهما -أي: الموفق والمجد- ولا لأحدهما في ذلك تصحيح، فصاحب القواعد الفقهية. . . ". قال: "وهذا الذي قلنا من جث الجملة، وفي الغالب، وإلا فهذا لا يطرد ألبتة". ¬

_ (¬1) من "الفروق" للقرافي (1/ 3).

توثيق نسبة الكتاب للإمام ابن رجب

فكتاب "القواعد" لا يمثل صورة استنباط للمسائل الشوارد وردها لأصولها فقط، بينما يمثل أيضًا الحكم الذي استقر عند فقهاء الحنابلة نتيجة قواعدهم المعروفة. والشاهد من هذا النقل إظهار قيمة ترجيحات وتصحيحات ابن رجب في هذا الكتاب. ومن الفوائد في هذا الباب الي تظهر قيمة هذا الكتاب: أن سليمان بن حمدان (ت 1397 هـ) ألف "إتحاف الأريب الأمجد في معرفة الرواة عن الإمام أحمد" (¬1) وامتاز كتابه بذكر اختيارات المترجمين، وأكثر من النقل عن كتابنا "القواعد" هذا (¬2). * توثيق نسبة الكتاب للإمام ابن رجب: كتاب "القواعد" صحيح النسبة لصاحبه ابن رجب، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: أولًا: ذكره ابن رجب في كتبه الأخرى، فذكره -مثلًا- في شرحه على "صحيح البخاري" المسمى "فتح الباري" (6/ 142 - 143 - ط مكتبة الغرباء) فقال في مسألة: تعمَّد المأموم سبق إمامه:. . . "ولو كان سبق الإمام سهوًا حتَّى دركه إمامُه اعتدَّ له بذلك عند أصحابنا وغيرهم خلافًا لزُفر، وقد بسطتُ القولَ على ذلك في كتاب القواعد في الفقه" واللَّه أعلم". قلت: والمسألة في كتابنا هذا (1/ 487). ¬

_ (¬1) منه نسخة خطية بجامعة الإمام ابن سعود، وبلغ به إلى حرف العين. (¬2) من "المدخل المفصل" (1/ 433) للشيخ بكر أبو زيد حفظه اللَّه.

تحقيق اسم الكتاب

ثانيًا: نسبه له جمع من الأعلام، مثل: ابن حجر العسقلاني في "الدرر الكامنة" (2/ 322) و"إنباء الغمر بأنباء العمر" (1/ 460)، والنُّعيمي في "الدارس في تاريخ المدارس" (2/ 77)، وابن مفلح في "المقصد الأرشد" (2/ 82)، ويوسف بن عبد الهادي في "الجوهر المنضد" (ص 49)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (6/ 339)، وابن حُميد النجدي في "السحب الوابلة" (ص 197)، وابن حُميد السُّبيعي في "الدُّرّ المنضَّد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد" (ص 48/ رقم 144)، وابن بدران في "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (ص 457)، وحاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/ 1359)، وإسماعيل البغدادي في "هدية العارفين" (1/ 528)، وكحالة في "معجم المؤلفين" (5/ 118)، والزِّركلي في "الأعلام" (295/ 3)، وغيرهم كثير. ثالثًا: نقل منه كثيرٌ من الحنابلة، ولا سيما المرداوي في "الإنصاف"، وأكثر جدًا، وقدّم اختيار صاحبه على غيره، على ما مضى في (أهمية الكتاب وفائدته). رابعًا: الموجود على طرَّة النسخ الخطيّة، يظهر بوضوحٍ أن الكتاب لابن رجب، ولا سيما المثبت في أول وآخر نسخة (أ)، حيث أثبت ابن رجب خطه علبها، على ما سيأتي في (وصف النسخ الخطيّة). * تحقيق اسم الكتاب: ذكره له جلّ مترجميه بعنوان "القواعد الفقهية"، كما في "المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد" (2/ 82) لابن مفلح، و"الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد" (ص 49) ليوسف بن عبد الهادي، و"الدر المنضد في

أسماء كتب مذهب الإمام أحمد" (ص 48/ رقم 144) للسبيعي و"الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة" (2/ 322) لابن حجر، و"الدارس في تاريخ المدارس " (2/ 77) للنُّعيميّ، و"شذرات الذهب" (2/ 339) لابن العماد الحنبلي، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (ص 146 - ط عبد اللَّه التركي) لابن بدران، وغيرهم. وسماه المصنِّف في "فتح الباري" (6/ 143) بـ"القواعد في الفقه"، وطبع بعنوان "القواعد في الفقه الإسلامي"، في مصر قديمًا، سنة 1352 هـ، ثم سنة 1392 وثم عن دار الكتب العلمة، دون أي تعليق أو ضبط أو مراجعة على نسخ خطية. وجاء اسم الكتاب على طرة النسخ الخطية "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" (¬1)، وكذا ذكره إسماعيل باشا البغدادي في "هدية العارفين" (1/ 527) وعمر رضا كحالة في "معجم المؤلفين" (5/ 118) وهذا العنوان هو الذي اعتمدناه، بناءً على وروده هكذا في النسخ الخطة، وأما قول مترجميه "القواعد الفقهية" إنما هو تسمية له بموضوعه. ¬

_ (¬1) وسماه بهذا الاسم غيرُ واحد من المعاصرين، منهم: الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "المدخل المفصَّل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" (2/ 934)، والدكتور محمد صدقي البورنو في كتابيه "الوجير في إيضاح قواعد الفقه الكلية" (ص 41) و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 109)، والدكتور على النَّدْوي في كتابه "القواعد الفقهية" (ص 256). وسماه بعض الباحثين المعاصرين "القواعد الكبرى في الفروع"! انظر: "ابن رجب الحنبلي وأثره في توضبح عقيدة السلف" (1/ 119). ثم وجدتُ إسماعيل باشا في "هدية العارفين" (1/ 527، 528) يفرّق بين "تقرير القواعد" و"القواعد الكبرى"!!.

تعريف عام بالكتاب

* تعريف عام بالكتاب (¬1): بنى ابنُ رجب مباحثَ هذا الكتاب على مئة وستين قاعدة، وأردفها بفصل يحتوي على فوائد تلحق بالقواعد في مسائل مشهورة، فيها اختلاف في المذهب، وتنبني على الاختلاف فيها فوائد متعددة، وقد بلغ عددها إحدى وعشرين فائدة، معظمها ذات شأن في الفقه الإسلامي. قال الشيخ بكر أبو زيد: "ألحق في كتاب القواعد: "فوائد في مسائل يترتب على الخلاف فيها فوائد. وهي تعني "أثر الخلاف في تكييف الأحكام الفقهية" وهي لفتة نفيسة، حقيقة بإفرادها في التأليف" (¬2). وذكر ابن رجب في الديباجة مقصده من تأليف هذا الكتاب، وأنه كتبه على استعجال، فقال: "فهذه قواعد مهمة، وفوائد جمّة، تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيَّب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيّد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد، فليمعن الناظر في النظر، وليوسّع العذر إنّ اللبيب من عذر، فلقد سنح بالبال على غاية من الإعجال كالارتجال أو قريبًا من الارتجال في أيامٍ يسيرةٍ وليال، ويأبى اللَّهُ العصمةَ لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، واللَّه المسؤول أن يوفّقنا لصواب القول والعمل، وأن يرزقنا اجتناب أسباب الزّيغ والزلل، إنه قريب مجيب لمن سأل، لا يخيب من إياه رجى وعليه توكل" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "المدخل الفقهي العام" (2/ 960 - 961) للشيخ الأستاذ مصطفى الزرقاء، و"القواعد الفقهية" (ص 257 - 258) للنَّدْوي، و"ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهية" (ص 115 - 116، 244 - 245) لأمينة الجابر. (¬2) المدخل المفصل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2/ 934). (¬3) تقرير القواعد وتحرير الفوائد (1/ 3 - 4).

ففي هذا النص الذي قدم به ابن رجب لكتاب "القواعد" يظهر منه الأمور الآتية: أولًا: يريد ابن رجب أن يضبط أصول المسائل الفقهية حتى لا يضيع طالب العلم بين شارد المسائل، وكثرة القضايا. ثانيًا: "يضع ابن رجب تحت عنوان (قاعدة) موضوعًا فقهيًا، ثم يتناوله بإيضاحٍ مسهب، وتفصيل معجب" (¬1) على وفق أصول المذهب. ويذكر تحت القاعدة الواحدة مسائل متعددة من أبواب مختلفة، ويختارها بدقة، بحيث يكون بين ذكرها وبين القاعدة ارتباط وثيق، ومع هذا فهو يقحم في النادر بعض المسائل الفقهية داخل القاعدة. فذكر -مثلًا- في القاعدة (السابعة والخمسون بعد المئة) ذكر ابن رجب القاعدة وذكر معها مسائل حين قال: (إذا تغير حال المرأة التي في العدة بانتقالها من رق إلى حرية أو طرأ عليها سبب موجب لعدة أخرى من الزوج كوفاته فهل يلزمها الانتقال إلى عدة الوفاة أو إلى عدة أخرى). تلك هي القاعدة التي يترتب عليها صور وخلاف فقهي، لكن ابن رجب استطرد بعد ذلك وقال: إن كان زوجها متمكنًا من تلافي نكاحها في العدة لزمها الانتقال وإلا فلا إلا ما يستثنى من ذلك من الإبانة في المرض. وهذا الصنيع مقصود أيضًا من ابن رجب لأنه يريد أن يضع القاعدة وأن يوجز مسائل صورها داخل القاعدة، ليكون عند لقارئ تصوَّرٌ كليٌّ للقاعدة بمسائلها، وتأتي الصور موضحة لهذه المسائل (¬2). ويعمل في كثير من الأحايين على ترتيب المسائل بدقة فائقة تحت القاعدة ¬

_ (¬1) المدخل الفقهي العام (2/ 961). (¬2) ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهية (ص 252 - 253).

الواحدة. * مثال ذلك: ما ذكره في القاعدة التاسعة والخمسون فيما يتعلق بالعقود التي لا ترد إلا على موجود بالفعل أو بالقوة. تكلم فيها عن الانفساخ الحكمي بالتلف. فذكر مسائله مرتبة: * ذكر مسائل تلف المبيع في مدة الخيار هل يسقط الخيار أو لا يسقط. * ثم ذكر تلف بعض المبيع المعيب. * ثم ذكر تلف العين المعيبة كلها. وهذا القصد من ابن رجب يدل على عقليته الرتيبة المنظمة وترتيبه المسائل ترتيبًا منطقيًا (¬1). ثالثًا: ويمتاز كتابنا هذا بأنه "يورد (القواعد) على النسق المألوف في كتب القواعد بصيغة موجزة، وهذا قليل بالموازنة بينه والكتب المشهورة الأخرى في هذا الباب، ولا ضَيْرَ في ذلك، فإنّ الكتاب في محتوياته وغضونه تضمَّن معظم القواعد المشهورة المتداولة، وإن اختلف الأسلوب والصِّياغة في بيانها" (¬2). ولذا قد تجد بعض القواعد في طيات المباحث (¬3)، وبعضها مصاغ بعبارات طويلة لا يلمح ¬

_ (¬1) ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهية (ص 253). (¬2) القواعد الفقهية (ص 258) للنَّدوي. (¬3) من أمثلة ذلك: أن في القاعدة الثالثة والأربعين الخاصة بما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد، ذكر تحت هذه القاعدة ثلاثة أقسام، ثم عقد بعدها فصلًا فيما قبض من مالكه بعقد لا يحصل به الملك، وجعل تحت هذا الفصل ثلاثة أقسام: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = - القسم الأول: ما قبضه أخذه لمصلحة نفسه؛ كالعارية، فهو مضمون في ظاهر المذهب. - القسم الثاني: ما أخذه لمصلحة مالكه خاصة؛ كالمودع، فهو أمين محض، لكن اذا تلفت الوديعة من بين ماله، ففي ضمانه خلاف. - القسم الثالث: ما قبضه لمنفعة تعود إليهما وهو نوعان: * أحدهما: ما أخذه على وجه الملك، فتبيَّن فساده أو على وجه السوم. * أما الأول: فهو المقبوض بعقد فاسد، وهو المضمون في المذهب، لأنَّه قبضه على وجه الضمان. * وأما الثاني: وهو المقبوض على وجه السوم، فبعض الأصحاب يحكي في ضمانه روايتين، وابن عقيل صحح الضمان. * الثاني: ما أخذ لمصلحتها على غير وجه التمليك لعينه، كالرهن، والمضاربة، والشركة، فهذا كله أمانة على المذهب. فلماذا جنح ابن رجب إلى هذا، ولم يجعلها صورًا ولا مسائل له؟ ألمزيد عناية بهذه الأنواع من المعاملات؟ أو لأنها زيادة فائدة مع ملاحظة أنه قال في مقدمة الكتاب: (هذه قواعد مهمة تنظم له منشور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد). فهل الإضافات فوق القواعد وبعد المسائل والصور التي ذكرها تحت القواعد هي المقصودة من قوله: (وتقيد له الشوارد)؟ لعله هذا. خامسًا: والدليل على هذا: أنَّ ابن رجب في القاعدة السادسة والخمسين بعد المئة الخاصة بتصنيف المهر قبل استقراره، ذكر ترديدًا لأقسامه وقال: (فهذه خمسة أقسام) ثم ذكر سادسًا فقال: (وبقي هنا قسم سادس، وهي: الفرقة الإجبارية). فإذن: الإِضافات الزائدة على القواعد سواء كانت فصولًا أو أقسامًا، هي في التصور العلمي عند ابن رجب تقييد للشوارد، فكأن المسألة في تصور ابن رجب بالنسبة لكتاب القواعد: أنه يشتمل على نظم منثور المسائل في سلك واحد، وتلك هي القواعد المئة والستون بما وضعه تحتها من مسائل أو صور أو أقسام أو أنواع، وبما ذكره من طرق العلماء في استنباط الأحكام لهذه المسائل. ثم هناك نوع آخر، هو: الأمور الشوارد التي تلحق بالقواعد، أو تلحق بالمسائل والصور. ولذلك نجد ابن رجب في آخر الكتاب يعقد فصلًا خاصًا لمجموعة من الفوائد ذكر فيها عديدًا من المسائل، وفي آخر الفصل وهو تتمة الكتاب ألحق بالفصل فائدتين، وصفهما أنهما كقاعدتين؛ لكثرة ذكرهما في مسائل الفقه وانتشار فروعهما. وإذن: فكتاب القواعد هو نظم منثور المسائل في سلك واحد، أو تقييد الشوارد التي تقرب كل متباعد. من "ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهة" (ص 249 - 251).

منها أنها قاعدة إلا بعد تمحيص وبحث (¬1). وتلمح في بعض الأحايين أنَّه يقصد تقديم قاعدة على أُخرى، ويظهر في ذلك دقة فائقة. (¬2). رابعًا: يسهب ابن رجب في النقل عن أئمة الحنابلة ومن كتبهم المعتمدة، ويظهر اختياراتهم، وأقوال الإمام أحمد على وجه الخصوص، وينقل عن "مسائله" باختلاف الروايات المنقولة عنه، على وجه فيه تحقيق وتحرير، وتدقيق وتفصيل، بحيث يذكر التعقبات أو المؤاخذات على النقل أو الفهم أو التخريج، ويكاد في بعض الأحايين يخرج بقاعدة من خلال الاستقراء عن خطأ يقع فيه بعضهم، أو وهم يتخيّله، فذكر -مثلًا- في (2/ 194) أنّ أبا بكر بن عبد العزيز ينقل كلام أحمد بالمعنى الذي يفهمه منه، فيقع فيه تغيير شديد، وذكر أيضًا في (3/ 257) أن القاضي أبا يعلى كثيرًا ما يظن أقوال سفيان في "مسائل ابن منصور" أنها أقوال لأحمد. خامسًا: "قصد ابن رجب في كتابه هذا أن يعرض الفقه الحنبلي بصورة منضبطة، تجعل مسائله في عقد نظيم، كما أن الشوارد من المسائل تقيد حتَّى يقرب المتباعد منها، وهذا هو مسلك فقهي إلا أنَّه جديد وفريد. وعلى هذا فكاب "القواعد" كتاب فقه، ليس له نظير في الأشباه والنظائر، كما أنَّه لا يسير على المألوف من تدوين كتب الفقه" (¬3). ¬

_ (¬1) ولذا قال الأستاذ الزرقاء في "المدخل" (2/ 961) عن هذا الكتاب: "ولكنه على كل حال ليس مجموعة قواعد فقهية ذات نصوص عامة دستورية بالمعنى السالف البيان"!! (¬2) انظر: "ابن رجب الحنبلى وآثاره الفقهة" (ص 247 - 248). (¬3) ابن رجب وآثاره الفقهية (ص 244 - 245).

سادسًا: هذا الكتاب يدلل على أصالة ابن رجب في علم الفقه، وأن له فيه يدًا طولى، وأن عنده فيه عقلية إحصائية تجمع مسائل العلوم تحت منضبط واحدٍ، وقد صدق من قال عنه، وذكر له هذا الكتاب: "يدل على معرفة تامة بالمذهب" (¬1). فهذا الكتاب يمثل عقلية ابن رجب الفقهية الإبداعية، كما أن "شرح العلل للترمذي" يدلل على عقليته الحديثية الإبداعية. ومن الجدير بالذكر "أن ابن رجب في عرضه للمسائل كان عقلية واعية منفتّحة، لأنه ينقل آراء العلماء، ويرجح في بعض الأَحايين، وفي بعض الأحايين يذكر الرأي الذي يميل إليه صراحة، ويشير للآخر دون ذكره" (¬2) فيقول -مثلًا- في (القاعدة الحادية والثلاثين): "وظاهر كلام أحمد. . . " (¬3) وفي (القاعدة السادسة والعشرين): ". . . على أصح الوجهين" (¬4)، وهكذا. سابعًا: لم يهمل ابن رجب في هذا الكتاب مذاهب العلماء الأُخرى، بل ذكر فيه مذاهب بعض الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، فضلًا عن سائر الأئمة المتبوعين، ولكن كان كذلك عند الحاجة وبقدر ما تحتاجه بعض المسائل، ويظهر ذلك جليًّا في الفهرس الخاص في هذا النوع، من المجلد الرابع. ثامنًا: كما أنَّه لم يهمل فيه الأدلة النصيّة والآثار السلفية، وإن لم يكن ذلك من مقاصده، لانشغاله بلمّ شعث المسائل تحت قاعدة واحدة، والغالب ¬

_ (¬1) انظر: (مدح العلماء للكتاب). (¬2) "ابن رجب وآثاره الفقهية" (ص 248). (¬3) "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" (1/ 229). (¬4) "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" (1/ 207).

مدح العلماء له

على هذه المسائل أنها جزئية تفصيلية لم يرد فيها دليل. ومع هذا فقد ذكر جملة من الآيات والأحاديث، وأشار في بعض الأحايين إلى درجة الأحاديث، والغالب عليه فيها أنَّه يذكرها بإيماءٍ وإيجاز، أو يثير إلى أصولها دون ذكرٍ لمفرداتها. * مدح العلماء له: مدح هذا الكتابَ جميعُ مَنْ نظر فيه، فضلًا عن مطالعيه، وقد أفصح غير واحدٍ عن ذلك، فقال يوسف بن عبد الهادي، المعروف بـ (ابن المِبْرَد) (¬1) (المتوفى 909 هـ): "وكتاب "القواعد الفقهيّة" مجلد كبير، وهو كتاب نافع من عجائب الدَّهر، حتَّى أنَّه استُكْثِرَ عليه، حتَّى زعم بعضُهم أنَّه وجد قواعدَ مبدَّدَةً لشيخ الإسلام ابن تيمية فجمعها، وليس الأمر كذلك، بل كان رحمه اللَّه فوق ذلك" (¬2). وقال ابن مفلح (المتوفى 884 هـ): و"القواعد الفقهية" تدلُّ على معرفةٍ تامّةٍ بالمذهب" (¬3). وقال ابن حجر (المتوفى 852 هـ): ¬

_ (¬1) ضبطه بعضُ ناشري كتبه "ابن المبرِّد" بتشديد الدال، وهو خطأ، صوابه بتسكين الباء الموحدة التحتية والراء المفتوحة. (¬2) "الجوهر المنضّد في طبقات متأخِّرى أصحاب أحمد" (ص 49)، ونقله -دون عزوه- حاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/ 1359)، وجعله ابن بدران في "المدخل" (ص 457) وغير واحد من المعاصرين -كما سيأتي قريبًا- من كلام حاجي خليفة!!. (¬3) "المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد" (2/ 82)، والمذكور عبارة النُّعيمي (المتوفى 927 هـ) في "الدارس في تاريخ المدارس" (2/ 77)، وابن العماد (المتوفى 1089) في "شذرات الذهب" (6/ 339).

الجهود المبذولة حول الكتاب

و"القواعد الفقهية" أجاد فيه" (¬1). وذكر هذا الإعجاب غير واحدٍ من المعاصرين، فقال بعضهم عنه: "أما الكتاب فهو من أنفس وأحفل الكتب للقواعد في الفقه الحنبلي، وحمل من الثَّروة الفقهية ما يَجلُّ عن الوصف والبيان، وقديمًا وجدنا العلماء يثنون عليه، يقول صاحب "كشف الظنون": "وهو كتاب نافع من عجائب الدهر"، وإن مما يدهش العقل أن المؤلف صنّفه في أيامٍ يسيرة" (¬2). وقال الأُستاذ مصطفى الزّرقاء عنه: "وهو كتاب عظيم القيمة، يحمل من الثروة الفقهية ما يجل عن الوصف، وقد وصفه صاحب "كشف الظنون" بأنه من العجائب" (¬3). * الجهود المبذولة حول الكتاب: عرف العلماءُ أهمية هذا الكتاب من زمن بعيدٍ، ولذا تتابعوا على خدمته، وظهرت هذه الخدمة على ألوانٍ متعدِّدة، نحصرها فيما يلي: أولًا: اختصاره: اختصر هذا الكتاب جماعة (¬4)، منهم: الأول: عبد الرزاق الحنبلي (المتوفى 819 هـ) له "مختصر قواعد ابن رجب". ¬

_ (¬1) "الدرر الكامنة" (2/ 322)، عنه ابن حُميد في "السحب الوبلة" (ص 197). (¬2) "القواعد الفقهية" لعلي النَّدْوي (ص 257). (¬3) "المدخل الفقهي العام" (2/ 961). (¬4) "المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" (2/ 934 - 935).

ثانيا: ترتيبه مع تهذيبه

الثاني: أحمد بن نصر اللَّه بن أحمد بن محمد بن عمر المخزومي المعروف بـ "المحب بن نصر اللَّه" (المتوفى 844 هـ) له أيضًا: "مختصر قواعد ابن رجب". الثالث: عبد اللَّه بن عبد الرحمن أبا بطين (المتوفى 1121 هـ) له أيضًا "مختصر قواعد ابن رجب". ثانيًا: ترتيبه مع تهذيبه: رتب هذا الكتاب مع تهذيبٍ له اثنان -فيما أعلم-: أحدهما: يوسف بن عبد الرحمن بن الحسن زين الدين أبي البشرى عبد الرحمن التّادفي الحلبي الحنبلي (المتوفى 900 هـ). قال الشيخ راغب الطباخ في ترجمته: "ووقف على "قواعد ابن رجب" في مذهب الحنابلة، فإذا هو كتاب يفتقر إلى التهذيب، وحسن الترتيب، فهذبه تهذيبًا، ورتّبه ترتيبًا عجيبًا، وعرض ما وضعه وهو يومئذ بالقاهرة على الإمامين الجليلين الحنبليين: الشهاب أحمد الشيشني، والبدر محمد السعدي، فقرَّظا له تقريظًا حسنًا، وناهيك بالمثنَّى بذكره عالمًا" (¬1). والآخر: الشمس محمد بن عثمان بن حسين الجَزِيْريّ ثم القاهري الحنبلي (المتوفى 888 هـ). قال السخاوي في ترجمته: "وشرع في ترتيب فروع "قواعد" ابن رجب، ولو عُمِّر وتفرَّغ للاشتغال، لسادَ، عوَّضهُ اللَّه الجنّة" (¬2). ¬

_ (¬1) "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" (5/ 327 - 328). (¬2) "وجيز الكلام في الذيل على دُول الإسلام" (3/ 947) ونحوه في "الضوء اللامع" (8/ 142).

وقام بتهذيبه الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين، وسمَّاه بـ: "نيل الأرب من قواعد ابن رجب" وذكره له الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "المدخل المفصَّل" (2/ 936) وقال: "لم يطبع". ووقفتُ عليه بخطّه، وهذا نصُّ ديباجته: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وبه نستعين، وعليه نتوكل، الحمد اللَّه الذي بيَّن قواعد الدين على لسان رسوله أحمد، وفقه من أراد به خيرًا وأيَّد، وأُصلِّي وأسلِّم على أفضل الخلق محمد، وعلى آله وأصحابه الرُّكع السُّجْد. وبعد: فإِنَّ كتاب "قواعد الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيباني" الذي ألفه ذو المقام الرفيع المشيد لقد حوى من الحسن وجمع المعاني ما به عن غيره تفرد، وصل فيه قواعد بنى عليها من فروع الفقه ما تبدَّد، وكان من الصعب حفظ هذه القواعد بفروعها الشوارد؛ فاستخرت اللَّه تعالى في اختصار قواعده الحسان وحذف فروعها تقربًا إلى اللَّه تعالى، ورجاء لسهولة حفظها وحيث قلت: والمذهب أو ظاهر المذهب كذا أو عن قول وهو المذهب فمن عندي، والمراد به ما ذهب إليه المتأخرون: كصاحبي "المنتهى" و"الإقناع" ومرادي بضمير الجمع الأصحاب المتأخرون وبالشيخ حجر العلوم أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام إبن تيمية الحراني وسميته "نيل الأرب من قواعد ابن رجب". واللَّه أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله وأن يجعله خالصًا لوجهه إنه جواد كريم.

وقد أشرنا حذو كل قاعدة إلى صفحتها من الأصل تسهيلًا على الناظر. . . ". * وهذا نصُّ خاتمته: " وإلى هنا انتهى بنا القلم، وقد ذكر المصنف رحمه اللَّه في آخر كتابه فوائد وهي أن هناك مسائل الخلاف فيها مشتهر؛ وللخلاف فيها مسائل كثيرة تنبني على ذلك الاختلاف، لأن بعض مسائل الخلاف يكون كالشجرة ذا فروع منتشرة لكن لما رأينا أن ذكر الأصل وحذف الفرع لا يأتي بالمقصود، وأن ذكر الكل يخرج بنا عن الاختصار لم يبق إلا الترك بالكلية، والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد للَّه مدى الأزمان والأوقات، وصلى اللَّه على محمد خير البريات وعلى آله وأصحابه المجتهدين في إخلاص الأعمال والطاعات. قال ذلك محرره محمد الصالح العثيمين غفر اللَّه له وجميع المسلمين حرر في 26/ 1/ 1370". * * *

ثالثا: فهرسته

ثالثًا: فهرسته: اشتغل غير واحدٍ من العلماء بترتيب مسائل "قواعد ابن رجب" على الكتب والأبواب الفقهية المعتادة، وقد ظفرتُ بجماعةٍ قاموا بذلك، منهم: أولًا: جلال الدين أبو الفرج نصر الدين البغدادي، له "فهرست كتاب "تقرير وتحرير الفوائد"، مطبوع في آخر كتابنا هذا في طليعة مجلد الفهارس. ثانيًا: وفي المكتبة الأزهرية مخطوط برقم (614) وعنه مصورة في جامعة أم القرى بمكة الكرمة برقم (88) بعنوان: "كشف المسائل في كتاب تقرير القواعد وتحرير الفوائد" لابن رجب. قال الشيخ بكر أبو زيد: "لعله كتاب العلاء المرداوي (المتوفى سنة 885 هـ): "فهرست القواعد الأصولية"" (¬1). فإن صح هذا الظن فيكون هذا الفهرست للقواعد لا المسائل، والأمر يحتاج إلى نظر في النسخة الخطية، ولم يتسنَّ لي ذلك، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه. ثالثًا: وقد عمل الشيخ فوزان السابق (المتوفى سنة 1373 هـ) فهرسًا فقهيًا لفروعه، مطبوع (¬2). رابعًا: شروحه: لم أظفر بشرح لكتابنا هذا، إلا ما قام به فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -حفظه اللَّه- وفسح مدته، وبارك اللَّه في جهوده، ونفع به- من إملاءات عليه في حلقاته التعليمية في بريدة من المملكة العربية السعودية، وفيه ¬

_ (¬1) "المدخل المفصل" (2/ 935). (¬2) "المدخل المفصل" (2/ 934).

خامسا: طبعاته

تعليقات نفيسة على مواطن كثيرةٍ من هذا الكتاب، وقد عملتُ على تفريغها، وأثبتُّها في مواطنها من طبعتنا هذه، وللَّه الحمد والمنة. خامسًا: طبعاته: طبع هذا الكتاب أكثر من مرة، وأشهر طبعاته طبعة الأستاذ طه عبد الرؤوف سعد، وقد ظهرت أول مرة في القاهرة، عن مكتبة الخانجي، سنة 1352 هـ -1933 م، في (454 صفحة) (¬1). وشاب هذه الطبعة نقص في عبارات، وتحريف وتصحيف في مواطن كثيرة في عدة كلمات، نبّهنا عليها في هوامش الكتاب. ولم يخل هذا السقط والتحريف والتصحيف من جميع طبعات الكتاب، قال الدكتور عبد اللَّه الغفيلي عن كتابنا هذا: "وقد طبع عدة مرات، منها طبعة بالقاهرة سنة 1352 هـ - المطبعة الخيرية، ولكن جميع الطبعات لا تخلو من السقط والتحريف والتصحيف، وهو جدير بأن يعنى به، ويطبع طبعة علمية محررة ومحققة" (¬2). * النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: اعتمدتُ في تحقيق كتاب "القواعد" على ثلاث نسخ خطية، هذا وصفها: الأول: ورمزت لها بنسخة (أ). ¬

_ (¬1) "ذخائر التراث العربي الإسلامي" (1/ 120). (¬2) "ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف" (1/ 119).

وهي نسخة محفوظة في مكتبة (أسد أفندي) الملحقة (¬1) بالمكتبة السليمانية، ورقمها (505) وصنِّف تحت موضوع: "التَّصوُّف"!! وفي أوَّله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الحمد للَّه الذي مهَّد قواعد الدِّين، بكتابه المحكم، وشيَّد معاقد العلم بخطابه، وأحكم وفقّه في دينه مَنْ أراد به خيرًا من عباده، وفهَّم وأوفق من شاء على ما شاء من. . . ". وفي آخره على اليسار بخط المصنف: "بلغ مقابلة لجميع الكتاب بأصلي لذي بخطي بحضوري، وذلك [في] مجالس آخرها عاشر شوال سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة. وكتبه مؤلِّفُه عبد الرحمن لن أحمد بن رجب الحنبلي، عفا اللَّه عنه، وصلى اللَّه على محمد وآله وصحبه وسلم". وكتب بعصهم (غير ناسخ المخطوط) بخط مغاير طبعًا، على يمين خطه ما نصُّه: "آخر كتاب "الطبقات"!! على مذهب إمام الأئمة ناصر السنة، الإمام الربانيّ أبي عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، -رضي اللَّه عنه-، وأرضاه، وجعل الجنّة مأواه. والحمد للَّه وحده، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم". فهذا المكتوب على يمين خط المصنِّف من أن الكتاب هو "الطبقات" خطأ، ¬

_ (¬1) مكتبة (أسد أفندي) تقع في بناية المكتبة السليمانية نفسها، مقابل جامع السليمانية في اسطنبول، ولذلك وصفتها بـ (الملحقة).

فالجملة كلها دخيلة، بنيت على خطأ (¬1). وهذه النسخة نفيسة جدًا، وتظهر نفاستها من مقابلتها على نسخة المصنف (¬2)، ففي هوامشها إلحاقات وتصويبات، وضرب الناسخ على بعض السطور فيها. وفي هوامش هذه النسخة تعليقات نفيسة بخطوط متغايرة، يظهر منها أنها كانت في تملك بعض العلماء، وهذه التعليقات فيها شرح وزيادة إيضاح لكلام المصنف أو بيان لمبهم أو تفصيل لمجمل (انظر -على سبيل المثال- 1/ 196، 260، 370، 383). أو ترجيح وتصحيح القول (انظر -على سبيل المثال- 1/ 285). أو ذكر اختيار محقق من العلماء (انظر -على سبيل المثال- 1/ 69، 134، 383). ولم يذكر الناسخ اسمه، ولكنها كتبت في حياة المصنف، وقوبلت على أصوله، وبعض الأوراق بخط المصنف بتمامها، وفيه خط آخر، فهي بمجموعها فيها ثلاثة خطوط. الثانية: ورمزت لها بحرف (ب). وهي نسخة محفوظة في مكتبة وليّ الدين أفندي التابعة (¬3) للمكتبة السليمانيّة، ورقمها (1421)، وتقع في (342) ورقة. وقبله في المخطوطة ¬

_ (¬1) هذا كلام الزِّركلي في "الأعلام" (3/ 295)، وهو مطابق لحقيقة الأمر. (¬2) وفي هوامشها: "بلغ قراءة على الشيخ"، انظر: (1/ 259). (¬3) مكتبة (ولي الدين) لها بناية خاصة بالقرب من جامعة اسطنبول، لكنها تابعة إداريًا للمكتبة السليمانية ولهذا وصفتها بـ (التابعة).

"فهرست كتاب تقرير القواعد وتحرير الفوائد" لجلال الدين أبي الفرج نصر الدين البغدادي (¬1). وأوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وهو حسبي ونعم الوكيل. الحمد للَّه الذي مهّد قواعد الدين بكتابه المحكم، وشيَّد معاقد العلم بخطابه. . . ". وآخره: "والحمد للَّه وحده، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه، ووافق الفراغ من كتابته على يد أفقر عباد اللَّه وأحوجهم إلى رحمة ربه تعالى. . . أحمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم الفتوحي الحنبلي. . . ". فالناسخ هو عالم كبير من علماء الحنابلة، وهو والد صاحب "منتهى الإرادات"، وله "شرح الوجيز" لم يتم. كان عالمًا عاملًا متواضعًا طارحًا للتكلُّف، انفرد في زمنه بمعرفة مذهبه، وصار عليه المعول فيه، وقد شارك في الحديث، وسار فيه السَّير الحثيث. ووردفي ترجمته أنه "فقير الحال، كثير العيال، وقد حصَّل بعض الوظائف والكتب النَّفيسة، واستمر على جلالته حتَّى مات في ذي الحجة، سنة 949 في القاهرة، وخلَّف أولادًا نجباء، وذِكْرًا حسنًا رحمه اللَّه تعالى وإيانا" (¬2). وورد أيضًا أنه "كتب بالأجرة وغيرها، وتكسب بالشهادة، ثم ولي عاقدًا فاسخًا بعد سعي كبير" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: طليعة (المجلد الرابع)، الخاص بالفهارس، ففيه تفصيل بهذا. (¬2) "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" (ص 69). (¬3) "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" (ص 69)، وترجمته في "الضوء اللامع" (1/ 349)، و"شذرات الذهب" (8/ 276).

وله على الكتاب هوامش مفيدة، فيها نقولات نفيسة عن العلماء، وفي بعضها ترجيح وذكر اختيار لبعض المحققين من علماء المذهب (انظر -على سبيل المثال- 1/ 41، 42، 64، 65، 123، 128، 510، 511)، وفي بعضها تعقّب للمصنف، وفي بعضها مزيد توضيح لعبارة غامضة أو بيان لمبهم. وهكذا (انظر -على سبيل المثال- 1/ 63، 92، 94، 116، 117، 118، 119، 121، 127، 128، 136، 389 و 2/ 23، 108) وهذه النسخة مضبوطة، وعلى هوامشها تصحيحات وإلحاقات. وفي آخرها كلام فيه مدح وثناء لكتاب "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" بخط متأخّرٍ مغاير لخطِّ النَّاسخ، فلعله بخط بعض متملّكيها، ولعل الناسخ قد كتب هذا الكتاب بالأجرة، كما ذكر في ترجمته (¬1). الثالثة: ورمزت لها بحرف (ج). وهذه النسخة من محفوظات مكتبة الرياض العامة، تحت رقم (431/ 86) وتقع في (218) ورقة، وفي بدايتها "فهرست تقرير القواعد". وفي أولها: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ربِّ يسِّر وأعن يا كريم. اللهم عونًا منك، فالمعان نريد. قال الشيخ الإمام العلامة، والبحر الفهامة: أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي رحمه اللَّه تعالى ورضي عنه: الحمد للَّه الذي مهد قواعد الدين بكتابه المحكم. . . ". ¬

_ (¬1) ولا يفوتني أن أشكر الأخ الباحث الكريم عبد الحق التركماني لتفضّله بإرسال هذه النسخة والتي قبلها من تركيا، فله من اللَّه جزيل الأجر، ومني جزيل الشكر.

نشرتنا من الكتاب وعملي فيه

وفي آخرها: "وهو حسبنا، ونعم الوكيل، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على سيّدنا محمد سيّد الأوّلين والآخرين، صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم الدِّين. تمَّ الكتابُ بعون الملك الوهَّاب ضحوة الاثنين رابع عشر المحرم، من شهور 1334 هـ بقلم أسير ذنوبه وخطاياه، الفقير إلى عفو مولاه، المعلّق بكرم معبوده ورجاه: عمر بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن محمد بن علي بن حمد بن معيوف. اللهم اغفر لكاتبه ولوالديه ووالديهما وذريتهما وأحبابه فيك، ولمن قال آمين، آمين، آمين، آمين". وعلى هوامش هذه النسخة إلحاقات وتصويبات، مما يدل على أنها مقابلة على نسخةٍ جيَّدة، ولذا كتب الناسخ في آخرها: "بلغ مقابلة" وكذا على هوامش كثيرٍ من أوراقها (¬1). * نشرتنا من الكتاب وعملي فيه: تمتاز نشرتنا من هذا الكتاب بالآتي: أولًا: قمتُ بمقابلة الكتاب على ثلاث نسخ خطية، سبق وصفها. ثانيًا: أثبتُّ الفروق بين النسخ الخطية وطبعة الأستاذ طه عبد الرؤوف في الهامش، ونبّهتُ على التحريفات والتصحيفات والسقط الواقع في المطبوع. ثالثًا: أثبتُّ ما على حواشي النسخ الخطية أو بعضها من تعليقاتٍ نفيسة، ¬

_ (¬1) ولا يفوتني ان اتقدَّم بجزيل الشكر للدكتور الشيخ يوسف الوابل، مدير مكتبة الحرم المكي، لسماحه بتصوير هذه النسخة، فجزاه اللَّه خيرًا، وبارك فيه.

فيها زيادة إيضاحٍ، أو بيان وهم، أو تعقب للمصنف، أو ذكر للراجح في المذهب. رابعًا: حاولتُ جاهدًا توثيق النقولات من الكتب التي نقل منها المصنِّف (¬1)، وتعبتُ في ذلك، إذا أغلب نقولات المصنف كانت بالفحوى والإيماء والإشارة، إلا في القليل النادر إذ ينقل فيه المصنف كلام العلماء بالنص. واستعنتُ بما نقله المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" من فروع هي اختيارات للمترجمين عنده، وفي بعض الأحايين يتعقّبهم وينَكّت على كلامهم، فإن فعل أشرت أو نقلت كلامه وأنشط في بعض المسائل، فأثبت مظانها من الكتب المشهورة في المذهب، ولعلي أذكر (أحيانًا) فيها اختيارات بعض المحققين من العلماء، أو الراجح فيها وفق الدليل أو مذاهب العلماء الأخرى ولعلي أزيد بعض المسائل مما لها صلة بالقاعدة، فاتت المصنف، وهذا في القليل النادر كما في مبحث (القرعة). خامسًا: أثبتُّ شرح الشيخ العلامة محمد بن الصالح العثيمين -حفظه اللَّه- على الكتاب، وذلك بتفريغ ما أملاه على مواطن عديدة منه ثم قمت بتوزيعها على مواطنها من الكتاب، ووضعتُ علامة (ع) عقب كلامه. سادسًا: خرجتُ الأحاديث والآثار التي ذكرها المصنِّف، وبيّنتُ درجتها من حيث الصحة والحسن والضعف، وأثبتُّ نصَّ الأحاديث والآثار التي أومئ إليها المصنف، ولم يذكر لفظها. سابعًا: عرفتُ بالأعلام غير المعروفين، وبالكتب التي لم تطبع (¬2)، وحاولتُ ¬

_ (¬1) وهي المطبوعة تحت اليد، وإلا فهو نقل من كتب كثيرة جدًّا، بحضها ما زال مخطوطًا، وبعضها مفقود، ويصعب على الباحث توثيق هذه القول جميعًا. (¬2) أو طبعت أثناء تحقيقي للكتاب.

ذكر نسخها الخطية، إنْ ظفرتُ بذلك. ثامنًا: أثبتُّ في الحواشي رسالة بتمامها للإمام ابن رجب، هي "قاعدة في إخراج الزكاة على الفور" بتحقيق الدكتور الوليد آل فريان، واستفدتُ من تعليقاته عليها. انظر: (التعليق 3/ 287 - 292) ونقلتُ جل ما يلزم من كتابه "كتاب القول الصواب في تزويج أمهات أولاد الغياب". انظر: (3/ 173 - 174، 175، 175 - 176). تاسعًا: صنعتُ فهارس علمية تحليلية للكتاب، وأفردتُ لها مجلدًا خاصًا، واشتملت هذه الفهارس على الآتي: أولًا: تحقيق "فهرست تقرير القواعد وتحرير الفوائد" لجلال الدين أبي الفرج نصر الدين البغدادي، وهو عبارة عن ترتيب مسائل "القواعد" على الأبواب الفقهية المعتادة. ثانيًا: فهرس الآيات القرآنية (ورتبتُه على حسب ترتيبها في القرآن الكريم). ثالثًا: فهرس الأحاديث الشريفة (ورتبتُه على الحروف). رابعًا: فهرس الآثار السلفية (ورتبته على حسب قائليها). خامسًا: فهرس القواعد الفقهية (ورتبتها على الحروف، واستخرجت منها ما لم يكن واضحًا، أو كان في أثناء الشرح). سادسًا: فهرس الفوائد الفقهية والعلمية (ورتبتها على الحروف، لأن الفهرس الأول مرتب على الأبواب، وهذا الفهرس أوسع منه). سابعًا: اختيارات أئمة الحنابلة وفقهائهم (ورتبتُه على أسماء الأئمة

والفقهاء، ثم ذكرتُ المباحث تحت اسم كل عالمٍ وفقيه، ورتبتُها على الحروف). ثامنًا: مذاهب الصحابة وعلماء الأمصار وسائر الفقهاء من غير الحنابلة ورتبته كالذي قبله). تاسعًا: فهرس الأعلام (ورتبتُه على الحروف). عاشرًا: فهرس الطوائف والفرق والمذاهب والجماعات (ورتبتُه على الحروف). حادي عشر: فهرس كتب مسائل الإمام أحمد (ورتبتُه على أسماء أصحاب المسائل للإمام). ثاني عشر: فهرس الكتب (ورتبته على الحروف). ثالث عشرة: فهرس الغريب والمصطلحات العلمية (ورتبتُه على الحروف). رابع عشر: وأخيرًا، فهرس أسماء المُتَعقِّبين من العلماء والمصنِّفين (ورتبته على أسماء مَنْ تُعُقَّب من العلماء، وأدرجتُ تحت كل اسم عالم المسائل الفقهية، ورتبتُها على الحروف، ونصصتُ على المسألة وعلى اسم المتعقِّب). وأخيرًا. . . هذا جهدي أضعه بين يدي العلماء وطلبة العلم النُّبهاء، طالبًا منهم تسديدي وتصويبي فيما ندَّ عني، أو لم تطله يدي، واللَّه هو الهادي، وهو -سبحانه- المرجوّ أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يضع له القبول في الأرض، وأن ينفعني به يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى اللَّه بقلب سليم، وآخر دعوانا أنِ الحمد للَّه رب العالمين. وكتب أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان الأردن - عثمان ص. ب 620520

صورة عن الورقة الأولى من نسخة (أ)

صورة عن اللوحة الأخيرة من نسخة (أ)، وعلى يمين الصفحة خط المصنف وفيه أنه قوبل على أصله الذي بخطه

صورة طرة نسخة (ب)، وهي بخط العالم المحقق أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي (المتوفى سنة 949 هـ)

صورة عن اللوحة الأولى من نسخة (ب)، وهي بخط العالم المحقق أحمد بن عبد العزيز ابن علي الفتوحي (المتوفى سنة 949 هـ)

صورة عن اللوحة الأخيرة من نسخة (ب)، وهي بخط العالم المحقق أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي (المتوفى سنة 949 هـ)

صورة عن اللوحة الأولى من نسخة (ج)

صورة عن اللوحة الأخيرة من نسخة (ج) وفيها اسم الناسخ وتاريخ النسخ

ترجمة المصنف

ترجمة المصنف * اسمه ونسبه. * مولده. * أسرته. * نشأته ورحلته. * وفاته. * ثقافته ومؤلفاته. * عقيدته ومذهبه. * مكانته العلمية وثناء العلماء عليه. * شيوخه. * تلاميذه. * * *

اسمه ونسبه

* اسمه ونسبه: (¬1). هو الإمام الحافظ زين الدين عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام المقرئ المحدث ¬

_ (¬1) مصادر ومراجع ترجمته: يمكن تقسيم المصادر والمراجع التي ترجمت للحافظ ابن رجب الحنبلي إلى ثلاثة أقسام: مطبوعة، ومخطوطة، وجهود المعاصرين في ذلك. فأما القسم الأول: المصادر والمراجع المطبوعة: - ذيل التقييد في رواة السنن والمسانييد لتقي الدين الفاسي (ت 832 هـ) (2/ 72). - الرد الوافر لابن ناصر الدين (ت 842 هـ): 106. - إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر (ت 852 هـ) (3/ 176). - الدرر الكامنة لابن حجر (ت 852 هـ): (2/ 427، 428). - لحظ الألحاظ لابن فهد المكي (ت 871 هـ): (180). - الدليل الشافي على المهل الصافي لابن تغري (ت 887 هـ): (1/ 398). - المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي لابن تغري (ت 874 هـ) (7/ 163 - 164). - المقصد الأرشد لابن مفلح (ت 884 هـ): (2/ 81). - الجوهر المنضد لابن عبد الهادي (ت 909 هـ): (46). - ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطى (ت 911 هـ). (367). - طبقات الحفاظ للسيوطي (ت 911 هـ): (367). - الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي (ت 927 هـ): (2/ 76). - الشهادة الزكية لمرعي الكرمي (ت 1033 هـ): (49). - كشف الظنون لحاجي خليفة (ت 1067 هـ) (1/ 59، 79) (2/ 1097، 1400). - شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (ت 1089 هـ): (6/ 339). - صلة الخلف بموصول السلف للروداني (ت 1094 هـ): (276). - البدر الطالع للشوكاني (ت 1250 هـ): (1/ 328). - السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حميد (ت 1295): (197). - التاج المكلل لصديق حسن خان (ت 1307 هـ): (325). - إيضاح المكنون لإسماعيل باشا (ت 1339 هـ): (1/ 122، 355).

شهاب الدين أحمد ابن الشيخ الإمام المحدث أبي أحمد رجب (¬1) عبد الرحمن ¬

_ - هدية العارفين لإسماعيل باشا (ت 1339 هـ): (1/ 527). - الرسالة المستطرفة لمحمد بن جعفر الكتاني (ت 1345 هـ): (147). - منادمة الأطلال لابن بدران (ت 1346 هـ): (236). - مختصر طبقات الحنابلة للشطي (ت 1379 هـ): (71، 72). - الأعلام للزركلي (ت 1395 هـ): (4/ 67). - فهس الفهارس لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني: (2/ 636). - معجم المؤلفين لعمر كحالة: (5/ 118). - معجم المؤرخين الدمشقيين لصلاح الدين المنجد: (218). - المستدرك على معجم المؤلفين لعمر كحالة: (345). وأما القسم الثاني: المصادر والمراجع المخطوطة: - التبيان شرح بديعة البيان لابن ناصر الدين (ت 842 هـ): ورقة (159). - تاريخ ابن قاضي شهبة (ت 851 هـ): (ورقة 140/ أ). - المنهج الأحمد للعليمي (ت 928 هـ) (ورقة 470، 471). وأما القسم الثالث: جهود المعاصرين في ذلك. فقد ترجم جل مَنْ حقق من المعاصرين كتب ورسائل لابن رجب له، وصنّف غير واحد من طلبة العلم مصنفات خاصة بابن رجب، ومن الجهود التي لها تميز في ذلك: - ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقدة السلف، للشيخ الدكتور عبد اللَّه بن سليمان الغفيلي، مطبوعة في مجلدين، عن دار المسير، سنة 1418 هـ. وهي أطروحة دكتوراه من الجامعة الإسلامية (واستفدتُ منها كثيرًا في هذه الترجمة). - ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهية، لأمينة محمد الجابر، مطبوعة في مجلد عن دار قطر بن الفجاءة بقطر، وهي عبارة عن أطروحة ماجستير من جامعة قطر. - ابن رجب الحنبلي وأثره في الفقه، للدكتور محمد بن حمود الوائلي، وهي أطروحة دكتوراة من كلية الشريعة بجامعة الأزهر، ولم تطبع بعد. - مقدمة أستاذنا الدكتور همام سعيد لتحقيقه "شرح علل الترمذي" لابن رجب (1/ 237 - 307) مطبوع عن مكتبة المنار - الأردن (واستفدت منها كثيرًا في هذه الترجمة). (¬1) وهم ابن فهد رحمه اللَّه تعالى في "لحظ الألحاظ" (ص 180) حيث جعل الاسم الواحد اسمين فقال: رجب بن عبد الرحمن، والصواب أن رجب لقب عبد الرحمن، وقد تبعه على هذا الوهم =

مولده

ابن الحسن (¬1) بن محمد بن أبي البركات مسعود السَّلامي (¬2) البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي (¬3). * مولده: ولد ابن رجب في بغداد سنة 736 هـ وأجمعت على ذلك مصادر ترجمته باستثناء بعضها "كالدرر الكامنة" لابن حجر، و"طبقات الحفاظ" للسيوطي و"ذيله على تذكرة الحفاظ" حيث ذكر أنَّه ولد سنة 706 هـ، وهذا هو تاريخ ولادة والده أحمد. وقد تابعهما على هذا الخطأ صاحب "كشف الظنون"، ومما يثبت خطأ هذا التاريخ ما ذكره العليمي في "المنهج" بقوله: "قدم مع والده من بغداد إلى دمشق وهو صغير سنة 744 هـ" وبذلك يتضح على وجه القطع أن مولده سنة ¬

_ = الدكتورة أمينة الجابر في رسالتها "ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهية" (ص 37). وترجم ابن ناصر الدين في "الرد الوافر" (ص 142) لوالد ابن رجب، وقال عنه: "كان يحب ابن تيمية ويميل بالمودّة إليه". (¬1) جميع المصادر تذكر الحسن إلا "المقصد الأرشد في تراجم أصحاب الإمام أحمد" لابن مفلح (2/ 81) و"الدارس في تاريخ المدارس" للنعيمي (2/ 76) و"الرسالة المستطرفة" للكتاني (ص 147). فإنها تذكر الحسين بدل الحسن. (¬2) قال السمعاني رحمه اللَّه تعالى: السّلامي بفتح السين المهملة واللام ألف المخففة وفي آخرها الميم. هذه النسبة إلى رجل وموضع. أما الرجل فهو منسوب إلى بني سلامان وهو بطن من قضاعة، وفيهم كثرة من الصحابة فمن بعدهم. . . . وأما المنسوب إلى موضع فهو مدينة السلام بغداد. . . "الأنساب" (7/ 208). (¬3) "الدرر الكامنة" (2/ 428)، و"الرد الوافر" (ص 106)، و"التبيان لشرح بديعة البيان" (ق 159)، و"المنهل الصافي" (7/ 193)، و"لحظ الألحاظ" (ص 180)، و"ذيل تذكرة الحفاظ" (ص 367)، و"المقصد الأرشد" (2/ 81)، و"الدارس في تاريخ المدارس" (2/ 76)، و"الرسالة المستطرفة" (ص 147).

أسرة ابن رجب

736 هـ. * أسرة ابن رجب: لم تتوسع المراجع التي بين أيدينا -على كثرتها- في التعريف بأسرة ابن رجب، وما ذكر في ثنايا هذه المراجع نثار لا يزيد على أسطر قليلة، ألقت بعض الضوء على حياة جده، أبي أحمد، وحياة والده أبي العباس، شهاب الدين أحمد. أما الجد عبد الرحمن المكنى بأبي أحمد، والملقب برجب، فكل ما ذكره عنه حفيده في طبقاته قوله: قرئ على جدي أبي أحمد -رجب بن الحسين- غير مرة- ببغداد وأنا حاضر، في الثالثة، والرابعة، والخامسة: أخبركم أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن إبراهيم البزاز سنة ست وثمانين وستّ مئة، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعي، أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو الحسن الداودي، أخبرنا أبو محمد السرخسي، أخبرنا أبو عبد اللَّه الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا المكي بن إبراهيم، حدثنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع، قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار (¬1). وهذا الخبر -على قصره- يكشف عن مكانة جده أبي أحمد وأنه مهتم بالحديث ويقرأ عليه الناس. ويدل هذا الخبر كذلك على أن سماعه كان سنة 686 هـ ومعنى هذا أن الرجل عمر، وكانت وفاته سنة 742 هـ. وأما أبوه فهو أبو العباس (¬2) شهاب الدين أحمد، ولد في بغداد صبيحة يوم السبت خامس عشر ربيع الأول سنة 706، ونشأ بها وسمع مشايخها، وقرأ ¬

_ (¬1) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 213)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 471). (¬2) "إنباء الغمر" (1/ 37)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 471).

نشأته ورحلته

بالروايات، ثم رحل إلى دمشق بأولاده سنة 744 هـ وسمع مشايخها كمحمد بن إسماعيل الخباز، ورحل إلى القدس، ثم حج سنة 749 هـ وبمكة أسمع ابنه عبد الرحمن "ثلاثيات البخاري" على الشيخ أبي حفص عمر، ثم رحل إلى مصر قبل سنة 756 وفيها روى عن أبي الحرم القلانسي، وفي ذلك يقول صاحب "المنهج الأحمد": وفيها روى عن أبي الجرم القلانسي، وذكره في مشيخته (¬1). وبعد ذلك جلس للإقراء بدمشق وانتفع به، وكان ذا خير ودين وعفاف ولقد سجل شيوخه في معجم خاص له، نقل منه ابن حجر كثيرًا في "الدرر الكامنة" (¬2) وقال عنه ابن حجر: "شيخنا"، ولا يعقل أن يكون ابن حجر قد تتلمذ فعلًا على والد ابن رجب هذا، ولعله قصد بهذه العبارة أن المقرئ شهاب الدين بن رجب هو شيخ شيوخه كالعراقي والهيثمي، وهذان من تلاميذه، فعلًا، ومن تلاميذه الذين أكدت المراجع أستاذيته لهم شمس الدين يوسف بن سيف الدين بن نجم الحنبلي الشيرازي (¬3) (ت 175 هـ)، وعبد اللَّه بن محمد بن قيم الضيائية. * نشأته ورحلته: قيض اللَّه -تعالى- لابن رجب عوامل كثيرة أسهمت في تكوين شخصيته العلمية الفذة، منها استعداده الفطري الموهوب، وأسرته الكريمة التي توارثت العلم كابرًا عن كابر، وعصره المزدحم بالثقافة الموسوعية، والمعرفة المتنوعة، ونوابغ العلماء في كل مضمار. ¬

_ (¬1) "المنهج الأحمد" (ق 457). (¬2) "الدرر الكامنة" لابن حجر (1/ 110، 114، 146، 238، 212، 2/ 155 و 3/ 257). (¬3) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 286)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 451).

هذه العوامل وجهت ابن رجب في مرحلة مبكرة نحو الطلب. وقبل سن التمييز أحضر مجالس العلم والعلماء، ولقد سجل هذا في "طبقاته"، فيقول أثناء ترجمة شيخه عبد الرحيم بن عبد اللَّه الزريراتي (ت 741 هـ): درس بالمجاهدية ببغداد، وحضرت درسه، وأنا إذا ذاك صغير لا أحقه (¬1). ويبدو أن هذا كان قبل الثالثة من عمره، لأنه يصرح بالتمييز بعد الثالثة، فيقول: قرئ على جدي أبي أحمد وأنا حاضر، في الثالثة، والرابعة، والخامسة (¬2) وما يهمنا من هذا أنَّه أحضر مجالس العلم وهو صغير لا يكاد يحق شيئًا. أما في الخامسة من عمره فقد فصل سماعاته بكل وعي ودقة وثقة، فنجده يقول: أخبرنا أبو الربيع علي بن عبد الصمد بن أحمد البغدادي، قرأت عليه وأنا في الخامسة (¬3). أو يحدد السنة التي سمع فيها فيقول: قرئ على أبي الربيع على ابن عبد الصمد، وأنا أسمع سنة 741 هـ ببغداد (¬4). وقد تلقى في هذا السن المبكر إجازات كبار العلماء في بغداد ودمشق، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مكانة أسرته العلمية، وأنها من الشهرة بحيث تكتب الإجازات إلى أبنائها، ويصرح ابن رجب بأنه تلقى الإجازات في طفولته البكرة فيقول: وذكر شيخنا بالإجازة الإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي البغدادي (¬5) (ت 739 هـ) -كما ذكر بعض علماء الشام الذين أجازوه، ¬

_ (¬1) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 436). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 213). (¬3) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 67). (¬4) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 176). (¬5) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 176).

كالقاسم بن محمد البرزالي (¬1) (ت 739 هـ)، ومحمد بن أحمد بن حسان التلي الدمشقي (¬2) (ت 741 هـ). وقد ذكرنا سني الوفاة لهؤلاء الشيوخ للدلالة على أن الإجازات كانت وابن رجب في الثالثة أو الخامسة، وأن بعضها تلقاها ابن رجب وهو في بغداد من كبار علماء الشام. هذه بدايات الطلب كما سجلتها بعض المراجع وأهمها كتاب ابن رجب نفسه "الذيل على طبقات الحنابلة"، ولكن أسرة ابن رجب، بما عرفت من مذاق العلم والرحلة فيه، لم تقف عند هذا الحد، بل حمل أحمد بن رجب أبناءه، ومنهم صاحبنا، وتوجه بهم نحو مركز الثقل، ومجتمع العلم والعلماء، فدخل بهم دمشق سنة 744 هـ، وبها سمع الوالد والولد كبار المسندين والمحدثين، وأدركا البقية الباقية من علماء القرن السابع، مثل شمس الدين محمد بن أبي بكر بن النقيب (ت 745 هـ) والإمام علاء الدين أحمد بن عبد المؤمن السبكي ثم النووي (¬3) (ت 749 هـ). وفي دمشق سمع ابن رجب محمد بن إسماعيل الخباز ¬

_ (¬1) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 184، 192). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 82). (¬3) جاء في كتاب "ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب، نشر المعهد الفرنسي وتحقيق لاوست والدهان، أثناء كلام الناشرين عن ابن رجب، (ص 17): "اما ابن النقيب الذي أجاز ابن رجب فهو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن لؤلؤ القاهري، المعروف بأبي النقيب المتوفى سنة 769 هـ، عن سبع وستين سنة، كما أفاده الطهطاوي في "التنبيه والإيقاظ" (ص 102)، فتكون ولادته سنة 702 هـ، ويكون هو أكبر من ابن رجب المولود سنة 736 هـ، فيصح أن يكون أستاذًا له. أما النووي، وهو محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي فولادته سنة 631 هـ، وتوفي سنة 676 هـ قبل ولادة ابن رجب بستين سنة؛ فلا تصور أن يكون إجازة منه لابن رجب قطعًا، فمما لا شك فيه أن لفظ النووي هنا تحريف إلا أن يكون المراد نوويًا آخر". =

(ت 756 هـ) ومحمد بن إسماعيل الحموي الدمشقي (ت 757 هـ)، ورحل إلى نابلس ليلتقي بجماعة من أصحاب عبد الحافظ بن بدران (¬1)، ثم إلى القدس فسمع الحافظ أبا سعيد العلائي (¬2). ورجع ابن رجب مع والده إلى بغداد سنة 748 هـ، وقد ذكر هذا في ¬

_ = وعقب الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في بحث له تحت عنوان "نظرة عابرة في ذيل طبقات الحنابلة، نشر المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق"، ونشر هذا البحث في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، مجلد 72 (ص 152). قال الأستاذ أبو غدة: "وقد هدتني المطالعة في "شذرات الذهب" إلى العثور على نووي يصح أن يكون هو شيخ ابن رجب الذي أجازه. قال ابن الحماد في وفيات سنة 749 هـ: وفيها مات علاء الدين أحمد بن عبد المؤمن الشافعي، قال ابن قاضي شهبة: "الشيخ الإمام السبكى، ثم النووي، نسبة إلى نوى من أعمال القليوبية، وكان خطيبًا بها، تفقه على الشيخ عز الدين النسائي، وغيره. . . ". ثم قال الأستاذ أبو غده: "وغالب الظن أن هذا النووي هو الذي أجاز ابن رجب، وأما ابن النقيب، فقد ذكرت أنَّه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن لؤلؤ المولود سنة 702، والمتوفى سنة 776 هـ، ومن المحتمل أن يكون هو شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن النقيب الدمشقي الشافعي المولود سنة 622 هـ والمتوفى سنة 745 هـ". انتهى كلام الشيخ أبي غدة. وتعقيبًا عليه قال شيخنا الدكتور همام: إن ما اختاره بالنسبة للنووي معقول لا سيما وأن رواية ابن رجب عنه كانت بالإجازة، وقد ذكر ابن فهد في ذيله على "تدكرة الحفاظ" (ص 118) وفاة هذا الشيخ سنة 749 هـ" ووصف بقوله: "الإمام الرباني". وأما ابن النقيب فإنني أرجح أن يكون محمد بن أبي بكر المتوفى سنة 745 هـ، لأن هذا دمشقي والآخر قاهري، ولأن وفاة ابن النقيب الدمشقي متقدمة وتناسب الرواية بالإجارة ويضاف إلى هذا أنَّه مشهور، ومن البارزين في عصره، قال ابن حجر في "الدرر الكامنة" (4/ 19) محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الدمشقى شمس الدين بن النقيب الشافعي، ولد سنة 166 هـ، ولازم النووي، قال العماد بن كثير: كان شجاعًا عالمًا. (¬1) "الديل على طبقات الحنابلة" (2/ 341). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 365).

"طبقاته" أثناء ترجمته لسليمان بن أحمد النهرماري البغدادي، فقال: وتوفي في جمادى الآخرة سنة 748 هـ، وصُلّيَ عليه بجامع قصر الخلافة، وحضرت الصلاة عليه، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب (¬1)، وفي بغداد قرأ على الشيخ أبي المعالي محمد بن عبد الرزاق الشيباني، وفي ذلك يقول: أخبرنا أبو المعالي محمد ابن عبد الرزاق الشيباني بقراءتي عليه سنة 749 هـ (¬2). ويحدد مكان هذه القراءة في موضع آخر فيقول: ببغداد (¬3). ومن بغداد يتوجه مع والده إلى الحج، وبمكة يسمع "ثلاثيات البخاري" من الشيخ أبي حفص عمر بن علي بن الخيل البغدادي (ت 759 هـ) (¬4) -عاد بعد ذلك إلى دمشق حيث لزم شيخه ابن قيم الجوزية إلى أن مات سنة 751 هـ. وأما رحلته إلى مصر فقد كانت قبل سنة 754 هـ وهي السنة التي توفي بها شيخه أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي وقد أكثر عنه، ونص على ذلك بقوله: قرأت على أبي الفتح محمد بن محمد الميدومي المصري بها (¬5). كما لقي بالقاهرة محمد بن إسماعيل الصوفي المعروف بابن الملوك (ت 756 هـ) وفي ذلك يقول: أخبرنا محمد بن إسماعيل الصوفي بالقاهرة (¬6) والجدير بالذكر أن والده كان يرافقه في هذه الرحلة (¬7)، فسمعا معًا أبا الحرم القلانسي (ت ¬

_ (¬1) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 441). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 289). (¬3) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 289، 109). (¬4) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 444). (¬5) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 118، 137، 138، 177، 180، 182، 187، 189، 196، 203، 206، 212، 222، 224، 229، 241). وغيرها من المواضع، التي تبين سماع ابن رجب من الميدومي وكثرة ذلك. (¬6) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 15، 41). (¬7) "لحظ الألحاظ" لابن فهد (ص 147)، و"المنهج الأحمد" (ق 457).

وفاته

765 هـ) (¬1). وفي سنة 763 هـ اتجه إلى الحج، وهناك التقى بالمشاهير من العلماء، ويبين هذا أثناء ترجمة شمس الدين محمد بن الشيخ أحمد السقا، فيقول: وقد جمعت بينه وبين قاضي قضاة مصر الموفق، وابن جماعة بمنى عام ثلاث وستين وسبع مئة (¬2). وبعد هذه الرحلة، الحافلة بالحركة والنشاط، استقر ابن رجب بدمشق، يدرس بمدارسها ويعقد المواعيد (¬3) الوعظية، فدرس بالمدرسة الحنبلية بعد وفاة ابن التقي 788 هـ وولي حلقة الثلاثاء بعد وفاة ابن قاضي الجبل سنة 771 هـ. وظل ابن رجب يخرج الطلبة النجباء، والعلماء الأكفياء، ويصنف الكتب النافعة، والرسائل القيمة حتَّى وافاه أجله. ولم تذكر لنا مصادر ترجمته شيئًا عن زواجه أو أولاده، وكل ما نعرفه أنَّه كان يسكن في المدرسة السكرية بالقصاعين منجمعًا عن الناس، أي منعزلًا عنهم، منصرفًا إلى أموره العلمية -رحمه اللَّه تعالى-. * وفاته: اتفقت مصادر الترجمة على أن وفاته -رحمه اللَّه- كانت سنة 795 هـ، وقول ابن تغري بردي في "المنهل الصافي" (¬4) أن وفاته كانت سنة خمس وسبعين وسبع مئة تصحيف ظاهر، ولم تتفق مصادر الترجمة على تحديد يوم الوفاة ¬

_ (¬1) "المنهج الأحمد" (ق 457). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 446). (¬3) تطلق على مجالس الوعظ المنتظمة. (¬4) "المنهل الصافي" لابن تغري بردى (7/ 163 - 164).

ثقافته ومؤلفاته

وشهرها، فبينما يذكر صاحب "المنهج الأحمد" أن ذلك كان ليلة الاثنين رابع رمضان المعظم، فإننا نجد صاحب "المنهل الصافي" يقول: إن ذلك كان في شهر رجب، وهو قول ابن ناصر الدين الذي نقله عنه صاحب "المنهج الأحمد" فقال: وأرخ الشيخ شمس الدين بن ناصر الدين -رحمه اللَّه- وفاته في شهر رجب، من السنة المذكورة، هي سنة 795 هـ، ثم قال: ودفن بمقبرة الباب الصغير، جوار قبر الشيخ الفقيه الزاهد أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي، ثم المقدسي، الدمشقي، المتوفى في ذي الحجة سنة 486 هـ، وهو الذي نشر مذهب الإمام أحمد ببيت المقدس، ثم بدمشق -رحمه اللَّه تعالى-، وقال ابن ناصر الدين: ولقد حدثني من حضر لحد ابن رجب أن الشيخ زين الدين بن رجب جاء قبل أن يموت بأيام، فقال له: احفر لي ههنا لحدًا، وأشار إلى البقعة التي دفن فيها، قال: فحفرت له، فلما فرغت نزل في القبر، واضطجع فيه، فأعجبه وقال: هذا جيد، ثم خرج، قال: فواللَّه ما شعرت بعد أيام إلا وقد أُتي به ميتًا، محمولًا على نعشه، فوضعته في ذلك اللحد، وواريته فيه (¬1) -رحمه اللَّه تعالى-. * ثقافته ومؤلفاته (¬2): تنوعت مؤلفات الحافظ ابن رجب رحمه اللَّه تعالى وآثاره العلمية فهو إضافة إلى ما ذكرنا من الأفذاذ الذين درسوا عليه وأسهم في بناء علومهم وثقافتهم، قد خلف العديد من المؤلفات التي شملت كثيرًا من العلوم الإسلامية في التفسير والفقه والحديث والتاريخ والعقيدة والوعظ وغيرها، وهي تشير إلى علو ¬

_ (¬1) "المنهج الأحمد" (ق 471). (¬2) مأخوذ من كتاب "ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف" (1/ 110 وما بعد) بتصرف وزيادة يسيرة.

همته وترفع من مكانته. وقد أجمع المترجمون له على أنها مؤلفات نفيسة ومفيدة. قال ابن فهد رحمه اللَّه: له المؤلفات السديدة والمصنفات المفيدة (¬1). وقال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى: صنف "شرح الترمذي" فأجاد فيه في نحو عشرة أسفار، وشرح قطعة كبيرة من البخاري. . . و"اللطائف في وظائف الأيام" بطريق الوعظ وفيه فوائد، و"القواعد الفقهية" أجاد فيها وقرأ القرآن بالروايات. . . (¬2). وقال النعيمي رحمه اللَّه تعالى: له تصانيف شتى مفيدة (¬3). وقال ابن العماد الحنبلي: له مصنفات مفيدة ومؤلفات عديدة (¬4). وقد كان لابن رجب رحمه اللَّه تعالى أسلوب متميز في كتاباته فهو يجمع بين وضوح العبارة وسهولة الأسلوب. يقول الدكتور محمد بن حمود الوائلي في وصف أسلوب ابن رجب في كتبه ورسائله: "تميزت كتابات ابن رجب بوضوح الأسلوب وطلاوة العبارة وحسن استقامة اللفظ كل ذلك مع عمق التفكير والغوص في المعاني، وابن رجب متأثر بثقافة عصره لذا رأيناه يذهب إلى السجع حينًا ويدعه حينًا متمسكًا بعبارات الفقهاء والمحدثين، يستوي في ذلك كتبه الكبيرة وكتبه الصغيرة" (¬5). ¬

_ (¬1) "لحظ الألحاظ" لابن فهد (ص 181). (¬2) "الدرر الكامنة" (2/ 429)، و"إنباء الغمر" (3/ 176). (¬3) "الدارس في تاريخ المدارس" (2/ 77). (¬4) "شذرات الذهب" (6/ 339). (¬5) ابن رجب الحنبلى وأثره في الفقه رسالة دكتوراه مكتوبة على الآلة الكاتبة (ص 133).

ويقول الأستاذ بشير عيون في وصف أسلوب ابن رجب أيضًا: "ولابن رجب أسلوب سهل طيع سلس، تراه يتناول موضوعه عادة بالتحليل والتقصي والإسهاب، وقد يستطرد أحيانًا ولكن استطراده ممتع لا يمل منه، وتراه أحيانًا يعمد إلى السجع وبعض المحسنات اللفظية، ويظهر أن ذلك كان شائعًا في عصره، ولكنه لا يلتزم ذلك، بل نراه أحيانًا أخرى يتحلل من قيود السجع لينطلق متحدثًا بأسلوب الفقهاء أو المحدثين أو الباحثين وهو كثير الاستشهاد بالآيات والأحاديث والحكم والأبيات الشعرية في كتاباته" (¬1). وقد قمت بتتبع وحصر لمصنفاته فبلغت (67) مصنفًا بين كتاب كبير ورسالة صغيرة فألفيتها ذات قيمة كبيرة، ولم تقتصر على ميدان واحد، بل وجدتها تنتظم مساحة واسعة من العلوم المختلفة. وقد قسمت الكلام على مؤلفات ابن رجب وآثاره العلمية إلى قسمين: القسم الأول: فيه بيان أسماء مؤلفات ابن رجب رحمه اللَّه تعالى التي ذكرها هو في كتبه أو نسبها إليه المترجمون له. القسم الثاني: فيه بيان بأسماء مؤلفات نسبت إلى ابن رجب وهي إما ليست له أو أنها أفردت من بعض كتبه ونسبت إليه ولم يؤلفها هو استقلالًا. القسم الأول: مؤلفات ابن رجب التي ذكرها في كتبه أو نسبها إليه المترجمون له، وقد رتبتها على حروف المعجم مع بيان المطبوع منها والمخطوط والإشارة إلى مكان النسخة الخطية حسب الإمكان لما لم يطبع منها وهي كالتالي: 1 - "الأحاديث والآثار المتزايدة في أن طلاق الثلاث واحدة" ذكرها ابن عبد الهادي (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "مقدمة كتاب اختيار الأولى" لابن رجب تحقيق بشير محمد عيون. (¬2) "الجوهر المنضد" (ص 50).

وقد استفاد من هذا الكتاب ابن عبد الهادي في كتابه: "سير الحاث في الطلاق الثلاث"، وهو كتاب مطبوع بمطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1953 م. 2 - "أحكام الخواتيم وما يتعلق بها": طبع مرتين آخرها طبعة مطابع الرحاب بالمدينة المنورة سنة 1407 هـ بتحقيق الدكتور محمد بن حمود الوائلي. 3 - "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى": طبع مرارًا وآخرها طبعة مكتبة دار الأقصى بالكويت سنة 1406 هـ بتحقيق جاسم فهيد الدوسري. 4 - "اختيار الأبرر سيرة أبي بكر وعمر": ويوجد مختصر له مخطوط في برلين برقم 9690. 5 - "إزالة الشنعة عن الصلاة بعد النداء يوم الجمعة": ذكره ابن عبد الهادي (¬1). 6 - "الاستخراج لأحكام الخراج": طبع عدة طبعات آخرها طبعة مكتبة الرشد بالرياض سنة 1409 هـ بتحقيق جندي محمود شلاش الهيتي. 7 - "الاستغناء بالقرآن في تحصيل العلم والإيمان": ذكره ابن رجب رحمه اللَّه تعالى في "نزهة الأسماع في السماع" (¬2) وفي "الخشوع في الصلاة" (¬3). وذكره ابن عبد الهادي (¬4) وحاجي خليفة (¬5) وصاحب كتاب "هدية العارفين" (¬6) وهو ¬

_ (¬1) "الجوهر المنضد" (50). (¬2) "نزهة الأسماع في السماع" (ص 84 - ط الحداد). (¬3) "الخشوع في الصلاة" (ص 29). (¬4) "الجوهر المنضد" (ص 51). (¬5) "كشف الظنون" (1/ 79). (¬6) "هدية العارفين" (1/ 527).

أصل كتاب ابن عبد الهادي "هداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن" وهو مخطوط، وتوجد له صورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية برقم 2206. 8 - "استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس": وهو مطبوع بمطبعة الإمام بمصر سنة 1363 هـ. 9 - "الاستيطان فيما يعتصم به العبد من الشيطان": ذكره ابن حميد (¬1). 10 - "إعراب أم الكتاب": ذكره ابن عبد الهادي (¬2). 11 - "إعراب البسملة": ذكره ابن عبد الهادي (¬3). 12 - "الإلمام في فضائل بيت اللَّه الحرام": ذكره إسماعيل باشا في "إيضاح المكنون" (¬4). 13 - "أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور": طبع مرتين آخرها بتحقيق أبي هاجر محمد السعيد زغلول -دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى سنة 1405 هـ. 14 - "أهوال القيامة": ذكره ابن العماد (¬5) وابن عبد الهادي (¬6). ¬

_ (¬1) "السحب الوابلة" (198). (¬2) "الجوهر المنضد" (ص 50). (¬3) "الجوهر المنضد" (ص 50). (¬4) "إيضاح المكنون" (1/ 122). (¬5) "شذرات الذهب" (6/ 339). (¬6) "الجوهر المنضد" (ص 50).

15 - "الإيضاح والبيان في طلاق الغضبان": ذكره ابن عبد الهادي (¬1). 16 - "البشارة العظمى في أن حظ المؤمن من النار الحمى": مخطوط ويوجد له نسخة في مكتبة جامعة الملك سعود المركزية تحت رقم (1817/ 9). 17 - "بيان الاستغناء بالقرآن في تحصيل العلم والإيمان" ذكره ابن رجب في "نزهة الأسماع" (ص 84 - ط الحداد)، وهو المتقدم برقم (7). 18 - "التخويف من النار والتعريف بحال أهل البوار": وقد طبع عدة مرات وقاربتُ على الانتهاء من تخريج أحاديثه وآثاره، وتوثيق نصوصه، وفهرسته، يسّر اللَّه نشره بمنّه وكرمه. 19 - "تسلية نفوس النساء والرجال عند فقد الأطفال": طبع بتحقيق الدكتور الشيخ وليد الفريان في مجلة الإفتاء عدد 23 بتاريخ 1409 هـ. 20 - "تعليق الطلاق بالولادة": مخطوط باستانبول برقم (5318). 21 - "تفسير سورة الإخلاص": طبع مرتين منها طبعة بتحقيق الأخ الشيخ محمد بن ناصر العجمي -الدار السلفية- الكويت سنة 1407 هـ. 22 - "تفسير سورة الفاتحة": ذكره ابن عبد الهادي (¬2). 23 - "تفسير سورة النصر": طبع مرتين آخرها بتحقيق الأخ الشيخ محمد بن ناصر العجمي -الدار السلفية- الكويت سنة 1407 هـ. 24 - "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم": وقد طبع مرارًا وهو كتاب عظيم النفع جدير بالعناية والاهتمام من قبل الباحثين ¬

_ (¬1) "الجوهر المنضد" (ص 50). (¬2) "الجوهر المنضد" (ص 50).

وطلاب العلم. 24/ ب- جزء في تعليق الطلاق بالولادة، وما أُشكل على الأصحاب في ذلك، ذكره في كتابنا هذا (1/ 101). 25 - "الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-": "بعثت بالسيف بين يدي الساعة"، طبع سنة 1349 هـ بمطبعة المنار. 26 - "حماية الشام بمن فيها من الأعلام": ذكره ابن حميد (¬1). 27 - "الخشوع في الصلاة": وهو كتاب "الذل والإنكسار للعزيز الجبار" وقد طبع مرارًا منها بتحقيق الأخ الثسيخ علي حمن علي عبد الحميد -دار عمّار- ومنها وقد وهم بعض من ترجموا لابن رجب حيث جعلوا هذا الكتاب كتابين لاختلاف العنوان وعند التحقيق تبين أنهما كتاب واحد. 28 - "ذم الخمر وشاربها"؛ طبع بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض سنة 1408 هـ بتحقيق الدكتور الشيخ الوليد بن عبد الرحمن الفريان. 29 - "ذم قسوة القلب": مخطوط، وتوجد نسخة له في مكتبة جامعة الملك سعود المركزية برقم (1817/ 8) ثم طبع بتحقيق الدكتور الشيخ وليد الفريان. 30 - "الذيل على طبقات الحنابلة": طبع مرارًا منها طبعة دار المعرفة -بيروت- لبنان. 31 - "الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة": ذكره ابن عبد الهادي (¬2). 32 - "كتاب السليب": ذكره ابن عبد الهادي (¬3). ¬

_ (¬1) " السحب الوابلة" (198). (¬2) "الجوهر المنضد" (ص 50). (¬3) المصدر السابق (ص 50).

33 - "سيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز": طبع بالرياض سنة 1378 هـ، ثم بتحقيق عفَّت وصال، عن دار ابن حزم، سنة 1413 هـ. 34 - شرح حديث "إن أغبط أوليائي عندي": مخطوط، وتوجد نسخة منه بمكتبة فاتح باستانبول برقم (5318). 35 - شرح حديث أبي الدرداء "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا": طبع مرارًا، منها طبعة مكتبة الخافقين - دمشق سنة 1402 هـ، تحقيق محمد الخيمي. 36 - شرح حديث شداد بن أوس "إذا كنز الناس الذهب والفضة": يوجد له نسخة خطية بمكتبة جامعة الملك سعود المركزية بالرياض تحت رقم (1817/ 8). 37 - شرح حديث عمّار بن ياسر "اللهم بعلمك الغيب": طبع بتحقيق إبراهيم بن محمد العرف -مكتبة السوادي- جدة، الطبعة الأولى سنة 1408 هـ. 38 - شرح حديث "لبيك اللهم لبيك": طبع بتحقيق الوليد آل فريان مكة المكرمة -دار عالم الفوائد- 1417 هـ. 39 - شرح حديث "ما ذئبان جائعان" ويسمى أيضًا "ذم الجاه والمال": طبع مرارًا آخرها بالكويت -الدار السلفية- سنة 1401 هـ، بتحقيق بدر البدر. 40 - شرح حديث "مثل الإسلام": مخطوط، وتوجد نسخة له في المكتبة السليمانية بتركيا برقم (5318). 41 - شرح حديث "يتبع الميت ثلاث": طبع بدار طيبة بالرياض سنة 1408 هـ بتحقيق سعد بن عبد الرحمن الحمدان. 42 - "شرح جامع الترمذي": وهو يقع في نحو عشرين مجلدًا كما ذكر

ذلك الحافظ ابن حجر (¬1) وهو من الكتب المهمة ولعله احترق في الفتنة التي وقعت في الشام عندما دخل التتار دمشق سنة 803 هـ وما وقع فيها من الفساد على يد تيمورلنك كما ذكر ذلك ابن قاضي شهبة (¬2). ولم يوجد من هذا الكتاب إلا شرح علل الترمذي وقد طبع عدة مرات أحدها بتحقيق أستاذنا الدكتور همام سعيد، وهو أطروحته للدكتوراه من جامعة الأزهر، نشر مكتبة المنار، الأردن - الزرقاء. ويوجد أيضًا عشر ورقات مخطوطة في المكتبة الظاهرية بدمشق وهي من كتاب اللباس. 43 - "شرح المحرر": ذكره ابن عبد الهادي (¬3). 44 - "شرح مولدات ابن الحداد": ذكره حاجي خليفة (¬4). 45 - "صدقة السر وبيان فضلها": طبع بتحقيق الوليد بن محمد الفريان بمجلة عالم الكتب، المجلد السابع، العدد الأول. 46 - "صفة النار وصفة الجنة": ذكره ابن عبد الهادي (¬5). 46/ م - طرق حديث زيد بن أرقم، والاختلاف فيه، وكلام الحفّاظ عليه، وتوجيه ما تضمّنه من توزيع الغرم، ذكره في كتابنا هذا (3/ 236). 47 - "غاية النفع في شرح حديث تمثيل المؤمن بخامة الزرع": طبع مرارًا آخرها طبعة مكتبة السوادي - جدة سنة 1408 هـ، بتحقيق: إبراهيم بن محمد العرف. 48 - "فتح الباري بشرح. صحيح البخاري": قال عنه ابن ناصر الدين ¬

_ (¬1) "الدرر الكامنة" (2/ 429)، و"إنباء الغمر" (3/ 176). (¬2) "تاريخ ابن قاضي شهبة" (3/ 488/ أ). (¬3) "الجوهر المنضد" (ص 51). (¬4) "كشف الظنون" (2/ 1911). (¬5) "الجوهر المنضد" (ص 49).

الدمشقي: "وشرح من أول صحيح البخاري إلى الجنائز شرحًا نفيسًا" (¬1). طبع بتحقيق مجموعة من المحققين عن مكتبة الغرباء المدينة المنورة 1416 هـ، وطبع عام 1417 هـ بتحقيق طارق بن عوض اللَّه محمد، دار ابن الجوزي الطبعة الأولى. 49 - "الفرق بين النصيحة والتعيير": طبع بتحقيق الدكتور نجم عبد الرحمن خلف -دار ابن القيم- الدمام، وبتحقيق الأخ علي حسن عبد الحميد عن دار عمار - الأردن. 50 - "فضائل الشام": مخطوط، وتوجد نسخة منه في المكتبة البلدية بالإسكندرية برقم (108) تاريخ، ويقوم الآن بتحقيقه الأخ محمد بن ناصر العجمي كما أفادني بذلك شخصيًا. 51 - "فضل علم السلف على علم الخلف": طبع مرارًا منها طبعة الدار السلفية بالكويت سنة 1407 هـ بتحقيق محمد بن ناصر العجمي. ويذكره بعض من ترجموا لابن رجب بعنوان "العلم النافع وفضله" ويجعلون هذا كتاب وهذا كتاب وهذا وهم لأنهما في الحقيقة كتاب واحد والاختلاف في العنوان فقط. 52 - "قاعدة غم هلال ذي الحجة": وقد طبعت هذه الرسالة في سنة 1375 هـ بتصحيح الشيخ سليمان الصنيع رحمه اللَّه تعالى. 53 - "القواعد الفقهية": (كتابنا هذا، وسبق التعريف به). 54 - "القول الصواب في تزويج أمهات أولاد الغياب": وقد طبع بتحقيق الدكتور عبد اللَّه الطريقي في سنة 1410 هـ -الطبعة الأولى- مكتبة المعارف ¬

_ (¬1) "الرد الوافر" (ص 106).

بالرياض. 55 - "كشف الكربة في وصف حال أهل العربة": وهو شرح حديث "بدأ الإسلام غريبًا. . . " طبع مرارًا منها طبعة بتحقيق بدر البدر -دار الأرقم- الكويت سنة 1404 هـ، ثم عن دار النفائس، الكويت، سنة 1414 هـ. 56 - "الكشف والبيان عن حقيقة النذور والأيمان": ذكره ابن رجب (¬1) وابن حميد (¬2). 57 - "كلمة الإخلاص وتحقيق معناها": طبع مرارًا، آخرها في دمشق سنة 1397 هـ بتحقيق زهير الشاويش. ويعرف هذا الكتاب في بعض المكتبات بعنوان "التوحيد" ولذلك غلط بعض من ترجم لابن رجب رحمه اللَّه تعالى في ذلك وجعلوهما كتابين وهما في الحقيقة كتاب واحد والاختلاف في العنوان فقط. 58 - "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف": طبع مرارًا منها طبعة دار الجبل - بيروت. 59 - "المحجة في سير الدلجة": طبع بتحقيق يحيى مختار غزاوي دار البشائر الإسلامية - بيروت، سنة 1404 هـ. 60 - "مختصر سيرة عمر بن عبد العزيز": طبع بالرياض سنة 1378 هـ. 61 - "مختصر فيما روي عن أهل المعرفة والحقائق في معالم الظالم السارق": حققه الوليد بن عبد الرحمن الفريان ونشره في مجلة البحوث الإسلامية، العدد السادس عشر. ¬

_ (¬1) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 371). (¬2) "السحب الوابلة" (197).

62 - "مسألة الصلاة يوم الجمعة بعد الزوال وقبل الصلاة ": ذكره ابن حميد (¬1). 63 - "مشيخة ابن رجب": قال ابن حجر: وخرج لنفسه مشيخة مفيدة (¬2). 64 - "منافع" (¬3) الإمام أحمد": ذكره ابن عبد الهادي (¬4). 65 - "نزهة الأسماع في مسألة السماع": طبع مرتين منها طبعة بتحقيق الوليد بن عبد الرحمن الفريان سنة 1470 هـ - الناشر: دار طيبة بالرياض. 66 - "نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" لابن عباس وهو شرح حديث "احفظ اللَّه يحفظك": طبع مرارًا ولكن أحسن الطبعات وأكملها، طبعة مكتبة دار الأقصى بالكويت سنة 1406 هـ بتحقيق محمد بن ناصر العجمي. 67 - "وجوب إخراخ الزكاة على الفور": وقد حققه الأستاذ عادل الجهني وقدمه موضوعًا لمادة البحث في السنة الرابعة من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سنة 1409 هـ، وطبع بتحقيق الدكتور الوليد بن عبد الرحمن آل الفريان، عن دار عالم الفوائد، سنة 1417 هـ، ووضعته في التعليق على كتابنا هذا (3/ 287 - 292). 68 - "وقعة بدر": ذكره ابن حميد (¬5). ¬

_ (¬1) "السحب الوابلة" (ص 198). (¬2) "الدرر الكامنة" (2/ 429). (¬3) لعله مناقب الإمام أحمد. (¬4) "الجوهر المنضد" (ص 51). (¬5) "السحب الوابلة" (198).

عقيدته ومذهبه

القسم الثاني: ويشتمل على الكتب التي تنسب لابن رجب وهي إما ليس له أو هي مأخوذة من بعض كتبه ولم يؤلفها هو استقلالًا. 1 - كتاب "مختصر شعب الإيمان": ينسب لابن رجب وممن نسبه لابن رجب، جندي محمود شلاش الهيتي في مقدمة كتاب الاستخراج لابن رجب حينما قام بتحقيقه، والحقيقة أن هذا وهم لأن الكتاب هو "مختصر شعب الإيمان" للقزويني وقد قارنت بينهما فوجدت أنهما شيء واحد، إضافة التي أنني لم أجد أحدًا ممن ترجم لابن رجب نسب هذا الكتاب إليه، وهذا الكتاب المنسوب لابن رجب توجد صورة له في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية برقم (666). 2 - "أسباب المغفرة": وهو مطبوع بتحقيق أشرف بن عبد المقصود وهو مأخوذ من كتاب "جامع العلوم والحكم". 3 - "بغية الإنسان في وظائف رمضان": المكتب الإسلامي سنة 1405 هـ وهو مأخوذ من كتاب "لطائف المعارف". 4 - "مجالس في سيرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-": دار ابن كثير - دمشق الطبعة الأولى سنة 1408 هـ تحقيق ياسين السواس ومحمود الأرناؤوط وهو مأخوذ من كتاب "لطائف المعارف". * عقيدته ومذهبه (¬1): - عقيدته: تتضح عقيدة ابن رجب رحمه اللَّه تعالى من خلال هذا الموضوع بشكل ¬

_ (¬1) مأخوذ من "ابن رجب الحنبلى وأثره في توضيح عقيدة السلف" (1/ 123 وما بعد).

عام إلا أنني رأيت أن أعطي صورة إجمالية عن عقيدته فهو رحمه اللَّه سلفي العقيدة على طريقة أهل الحديث يقول بما قال به الصحابة رضي اللَّه عنهم والتابعون والأئمة المشهورون من أئمة السلف الصالح رحمهم اللَّه تعالى الذين كانوا لا يألون جهدًا في نشر عقيدة أهل السنة والجماعة، والذين يؤمنون بأسماء اللَّه وصفاته التي ثبتت بكتاب اللَّه سبحانه وتعالى، وشهد بها له رسوله عليه الصلاة والسلام كما جاءت من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل. والحافظ ابن رجب رحمه اللَّه تعالى كباقي أئمة السلف رحمهم اللَّه تعالى لم يشغل نفسه بحشو المتفلسفة والمتكلمي من أمثال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ومن ماثلهم وسار على نهجهم، وإنما كان رحمه اللَّه تعالى حريصًا كل الحرص على اعتماد منهج السلف الصالح في جميع أبواب العقيدة، وكلامه في ثنايا مؤلفاته أكبر شاهد على هذا. ولم يكن ابن رجب رحمه اللَّه تعالى على معتقد السلف فحسب بل كان من الدعاة إليه. وسوف أشير إلى نبذة من أقواله التي تدل على معتقده. 1 - يقول رحمه اللَّه تعالى:. . . والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل، ولا يصح عن أحد منهم خلاف ذلك البتة (¬1). 2 - ويقول رحمه اللَّه تعالى أيضًا في شرحه لحديث اختصام الملأ الأعلى ". . . وأما وصف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لربه عز وجل بما وصفه به فكل ما وصف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) "فضل علم السلف على علم الخلف" (ص 33).

به ربه عز وجل لهو حق وصدق يجب الإيمان والتصديق به كما وصف اللَّه عز وجل به نفسه مع نفي التمثيل عنه. . . " (¬1). ومما يدل على عقيدته السلفية أيضًا نقده لبعض علماء الحنابلة الذين كان لهم شهرة كبيرة ومع ذلك كان عندهم ميل إلى التأويل في بعض كلامهم كابن الجوزي، يقول ابن رجب رحمه اللَّه تعالى وهو يذكر الوجوه التي تؤخذ على ابن الجوزي ومنها -أي من الوجوه التي تؤخذ عليه-: "وهو الذي من أجله نقم جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم من ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكرهم عليه في ذلك. ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف، وهو وإن كان متطلعًا على الأحاديث والآثار في هذا الباب، فلم يكن خبيرًا بحل شبهة المتكلمين وبيان فسادها. وكان معظمًا له لي الوفاء بن عقيل يتابعه في أكثر ما يجد في كلامه وإن كان قد رد عليه في بعض المسائل، وكان ابن عقيل بارعًا في الكلام، ولم يكن تام الخبرة بالحديث والآثار، فلهذا يضطرب في هذا الباب وتتلون فيه آراؤه، وأبو الفرج تابع له في هذا التلون" (¬2). ومراد ابن رجب أن ابن الجوزي يتبع ابن عقيل في آرائه، لأن ابن عقيل ليس هو شيخه المباشر، فابن الجوزي ولد قبل وفاة ابن عقيل بسنة. ¬

_ (¬1) "اختار الأولى في شرح حديت اختصام الملأ الأعلى" (ص 40، 41). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 414).

- مذهبه

- مذهبه: وأما مذهبه فهو على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه تعالى لأن البيئة التي عاش فيها والعلماء الذين تلقى العلم عنهم من علماء الحنابلة. وقد كانت له يد مشكورة في المذهب الحنبلي حيث ألف فيه كتابنا هذا "القواعد الفقهية" سلك فيه مسلك أهل الترجيح والاختيار في المذهب وقد كان هذا الكتاب مرجعًا لمن جاء بعده من العلماء، إضافة إلى أنَّه ألف كتابًا ترجم فيه لعلماء الحنابلة وهو "ذيل على طبقات الحنابلة" الذي ألفه العلامة ابن أبي يعلى رحمه اللَّه تعالى، ومع ذلك فكون ابن رجب رحمه اللَّه تعالى درس المذهب الحنبلي وتعلم المسائل منه إلا أن ذلك لم يحمله على التعصب المذموم الذي حدا ببعض من ينتسب إلى العلم إلى تقديم المذهب على سنة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يكن رحمه اللَّه تعالى يندد بغيره على حين أنَّه حين استوت له المعرفة، وبلغ مرحلة النضج كان يدعو إلى الاعتصام بالكتاب والسنة اللذين هما أصل الدين وملاكه، وإليهما المرجع في المسائل الشرعية. بل إنه رحمه اللَّه تعالى ذكر في بعض مؤلفاته أن الأصل الجامع والمرجع والحكم هو كتاب اللَّه وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهما مقدمان على قول كل أحد كائن من كان إذا تبين مخالفة القول لهما، وأقواله الدالة على هذه المعاني كلها كثيرة منها قوله رحمه اللَّه تعالى عند قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: ". . . وإن أفتاك المفتون. . . " (¬1) يعني أن ¬

_ (¬1) هذا جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد (4/ 194) عن أبي ثعلبة الخشني -رضي اللَّه عنه-، وقال ابن رجب رحمه اللَّه تعالى عن هذا الحديث. وهذا إسناد جيد. "جامع العلوم والحكم" (2/ 250) وقد تكلم رحمه اللَّه عن روايات وطرق هذا الحديث في الوضع المذكور.

ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم فهذه مرتبة ثانية وهو أن يكون الشيء مستنكرًا عند فاعله دون غيره، وقد جعله أيضًا إثمًا وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره للإيمان، وكان المفتى يفتي له بمجرد الظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي، فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي، فالواجب على المستفتي الرجوع إليه وإن لم ينشرح له صدره وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا يشرح به صدور كثير من الجهال، فهذا لا عبرة به. وقد كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أحيانًا يأمر أصحابه بما لا تنشرح به صدور بعضهم فيمتنعون من قبوله، فيغضب من ذلك كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة، فكرهه من كرهه فهم، وكما أمرهم بنحر هديهم والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوه، وكرهوا مفاوضته قريشًا على أن يرجع من عامه، وعلى أن من أتاه منهم برده إليهم. وفي الجملة فما ورد النص به فليس للمؤمن إلا طاعة اللَّه ورسوله كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لمُؤمنٍ وَلَا مُؤْمنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخيَرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ} (¬1). وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا، فإن ما شرعه اللَّه ورسوله يجب الإيمان والرضا به والتسليم له كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬2). ¬

_ (¬1) الأحزاب: (36). (¬2) النساء: (65).

وأما ما ليس فيه نص من اللَّه ورسوله، ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان المنشرح صدره بنور العرفة واليقين منه شيء، وحاك في صدره بشبهة موجودة ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه بل هو معروف باتباع الهوى، فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره بيان أفتاه هؤلاء الفتون (¬1). ويقول رحمه اللَّه تعالى أيضًا مبينًا أن المقصود هو إظهار الحق مهما خالف أقوال الرجال، وهذا من النصيحة للَّه ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، يقول: فرد المقالات الضعيفة، وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية، ليس هو مما يكرهه العلماء، بل مما يحبونه ويمدحون فاعله، ويثنون عليه فلا يكون داخلًا في باب الغيبة بالكلية، فلو فرض أن أحدًا يكره إظهار خطئه الخالف للحق، فلا عبرة بكراهته لذلك، فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفًا لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة، بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له سواء كان ذلك في موافقته أو مخالفته، وهذا من النصيحة للَّه ولكتابه ورسوله ودينه وأئمة المسلمين وعامتهم، وذلك هو الدين كما أخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله إذا تأدب في الخطاب وأحسن الرد والجواب فلا حرج عليه ولا لوم يتوجه إليه. . . وقد بالغ الأئمة الورعون في إنكار مقالات ضعيفة لبعض العلماء وردوها أبلغ الرد كما كان الإمام أحمد ينكر على أبي ثور وغيره مقالات ضعيفة تفردوا بها، ويبالغ في ردها عليهم، هذا كله حكم الظاهر، وأما في باطن الأمر، فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبيين الحق، ولئلا يغتر ¬

_ (¬1) "جامع العلوم والحكم" (2/ 259).

الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته، فلا ريب أنَّه مثاب على قصده، ودخل بفعله هذا بهذه النِّيَّة في النُّصح للَّه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم. . . وأما مراد الراد بذلك إظهار عيب من رد عليه وتنقصه وتبيين جهله وقصوره في العلم ونحو ذلك كان محرمًا سواء كان رده لذلك في وجه من رد عليه أو في كتابه، وسواء كان في حياته أو بعد موته، وهذا داخل فيما ذمه اللَّه تعالى في كتابه وتوعد عليه في الهمز واللمز ودخل أيضًا في قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع اللَّه عورته، ومن يتبع اللَّه عورته يفضحه ولو في جوف بيته" (¬1). وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين، فأما أهل البدع والضلالة ومن تشبه بالعلماء، وليس منهم، فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيرًا من الاقتداء بهم، ومن عرف منه أنَّه أراد برده على العلماء النصيحة للَّه ورسوله فإنه يجب أن يعامل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين. . . ومن تبعهم بإحسان، ومن عرف أنَّه أراد برده عليهم التنغيص والذم، وإظهار العيب، فإنه يستحق أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظرإؤه عن هذه الرذائل المحرمة (¬2). وهذا كله يدل على حرصه رحمه اللَّه تعالى على التمسك بالكتاب والسنة والاعتصام بهما. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 430، 424) وأبو داود في "السنن" (رقم 4885) والروياني في "المسند" (رقم 1312) وأبو يعلى في "المسند" (13/ 419) والطبراني في "التكبير" (11/ 186) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 247)، وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 94): "رواه الطبراني ورجاله ثقات" وانظر "علل الدارقطني" (6/ 309). (¬2) "الفرق بين النصيحة والتعيير" (ص 32 - 36).

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

* مكانته العلمية وثناء العلماء عليه (¬1): لقد أثنى على ابن رجب رحمه اللَّه تعالى كثير من العلماء وأشادوا بفضله ومكانته العلمية، وشهدوا له بالحفظ وسعة العلم والمعرفة والانصراف عن الدنيا والأقبال على العلم وذلك لتمكنه في علوم كثيرة، فاستحق بذلك ثناء العلماء عليه، وتقديرهم له، وأقوال العلماء التي سأذكر تبين مكانته العلمية بين علماء عصره: وصفه تلميذه علاء الدين ابن اللحام فقال: شيخنا الإمام العلامة الأوحد الحافظ شيخ الإسلام، مجلي المشكلات، وموضح المبهمات. . . (¬2). وقال أيضًا: شيخنا الإمام العالم الحافظ بقية السلف الكرام، وحيد عصره، وفريد دهره شيخ الإسلام زين الدين. . . (¬3). وقال ابن حجر: أتقن الفن، وصار أعرف أهل عصره بالعلل، وتتتبع الطرق، وكان لا يخالط أحدًا ولا يتردد إلى أحد. . . تخرج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق (¬4). وقال ابن فهد المكي: الإمام العالم الحافظ الحجة، والفقيه العمدة، أحد العلماء الزهاد، والأئمة العباد، مفيد المحدثين، واعظ المسلمين. . . وكان رحمه اللَّه تعالى إمامًا ورعًا زاهدًا مالت القلوب بالمحبة إليه، وأجمعت الفرق عليه، كانت ¬

_ (¬1) ما تحته مأخوذ من كتاب "ابن رجب الحنبلي وأثره في توضح عقيدة السلف" (1/ 130 وما بعد). (¬2) "الجوهر المنضد" (ص 49). (¬3) "الجوهر المنضد" (ص 49). (¬4) "إنباء الغمر" (3/ 176).

مجالس تذكيره الناس عامة نافعة وللقلوب صادعة (¬1). وقال ابن ناصر الدين: كان أحد الأئمة الحفاظ الكبار والعلماء الزهاد الأخيار (¬2). وقال أيضًا: الشيخ الإمام العلامة الزاهد القدوة البركة الحافظ العمدة الثقة، واعظ المسلمين ومفيد المحدثين. . . (¬3). وقال الحافظ ابن حجر: مهر في فنون الحديث أسماءً ورجالًا وعللًا وطرقًا واطلاعًا على معانيه. . . (¬4). وقال أيضًا: الشيخ المحدث الحافظ ... أكثر من المسموع وأكثر من الاشتغال حتى مهر. . . (¬5). وقال ابن عبد الهادي: الشيخ الإمام، أوحد الأنام، قدوة الحفاظ جامع الشتات والفضائل. . . الفقيه الزاهد البارع الأصولي المفيد المحدث (¬6). وقال برهان الدين ابن مفلح: الشيخ العلامة الحافظ الزاهد شيخ الحنابلة (¬7). وقال ابن قاضي شهبة: الشيخ الإمام العلامة الحافظ شيخ الحنابلة ¬

_ (¬1) "لحظ الألحاظ" (ص 180، 181). (¬2) "التبيان لبديعة البيان" ورقة (159). (¬3) "الرد الوافر" (ص 106). (¬4) "إنباء الغمر" (8/ 176). (¬5) "الدرر الكامنة" (2/ 428، 429). (¬6) "الجوهر المنضد" (ص 46، 47). (¬7) "المقصد الأرشد" (2/ 81).

وفاضلهم، أوحد المحدثين. . . (¬1). وقال العليمي: الشيخ الإمام العالم العامل العلامة الزاهد القدوة البركة الحافظ العمدة الثقة الحجة زين الملة والشريعة والدنيا والدين شيخ الإسلام وأحد الأعلام واعظ المسلمين مفيد المحدثين جمال المصنفين كان أحد الأئمة الحفاظ الكبار والعلماء الزهاد الأخيار (¬2). وقال السيوطي: الإمام الحافظ المحدث الفقيه الواعظ (¬3). وقال النعيمي: الشيخ العلامة الحافظ الزاهد شيخ الحنابلة (¬4). وقال ابن العماد الحنبلي: الشيخ الإمام العالم العلامة الزاهد القدوة البركة الحافظ العمدة الثقة الحجة الحنبلي المذهب (¬5). وقال مرعي بن يوسف الكرمي: الشيخ الإمام العلامة الزاهد القدوة الحافظ العمدة الثقة الحجة واعظ المسلمين، مفيد المحدثين. . . أحد الأئمة الزهاد والعلماء العباد. . . (¬6). ونختم ذلك بقول صاحب "الروضة الغنَّاء في تاريخ دمشق الفيحاء": هو الإمام الأصولي المحدث الفقيه الواعظ الشهير كان إمامًا في العلوم له مصنفات كثيرة (¬7). ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن قاض شهبة" ورقة (140/ أ)، وانظر "الجوهر المنضد" (47). (¬2) "المنهج الأحمد" (ورقة 470). (¬3) "طبقات الحفاظ" (ص 540). (¬4) "الدارس في تاريخ المدارس" (2/ 76). (¬5) "شذرات الذهب" (6/ 339). (¬6) "الشهادة الزكية" (ص 49). (¬7) "التاج المكلل" (ص 325).

شيوخ ابن رجب الحنبلي

وهكذا تظهر لنا هذه الأقوال والتي نقلناها من علماء كبار عاصروا ابن رجب أو تتلمذوا عليه أو قرأوا مؤلفاته، تظهر المنزلة الرفيعة التي تبوأها ابن رجب رحمه اللَّه تعالى بين علماء عصره. * شيوخ ابن رجب الحنبلي (¬1): لما كان المقام لا يتسع لذكر تراجم شيوخ ابن رجب، لأن هذا شيء يطول، فقد رأيت أن الفائدة تتحقق بما يلي: 1 - ذكر هؤلاء الشيوخ مرتبين على حروف المعجم، مع ذكر وفياتهم، إن وجد ذلك. 2 - بيان طريق التحمل سماعًا أو إجازة وزمان ذلك ومكانه. 3 - الإشارة إلى مراجع ترجمة كل شيخ، والمكان الذي بين أستاذيته لابن رجب. وهذا ثَبَتٌ بأسماء شيوخه: 1 - قاضي القضاة أبو العباس: أحمد بن الحسن بن عبد اللَّه، المشهور بابن قاضي الجبل (¬2) (693 - 771 هـ) سماعًا في دمشق. 2 - أبو العباس: أحمد بن سليمان الحنبلي، في بغداد، قراءة عليه (¬3). 3 - شهاب الدين، أبو العباس: أحمد بن عبد الرحمن الحريري المقدسي ¬

_ (¬1) ما تحته مأخوذة من مقدمة "شرح علل الترمذي" (1/ 251 وما بعد). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 453)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 461)؛ و"المقصد الأرشد" (رقم 38)؛ و"الدرر الكامنة" (1/ 129). (¬3) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 301)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 457).

الصالحي (663 - 758 هـ) في دمشق سماعًا (¬1). 4 - أحمد بن عبد الكريم البعلي، شهاب الدين (696 - 777 هـ) حدث ببلده وفي دمشق (¬2). 5 - عماد الدين، أبو العباس: أحمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد ابن قدامة المقدسي (ت 754 هـ) سمعه في دمشق (¬3). 6 - جمال الدين أبو العباس: أحمد بن علي بن محمد البابصري، البغدادي (707 - 750 هـ) سمعه في بغداد (¬4). 7 - شهاب الدين: أحمد بن محمد الشيرازي المعروف بـ (زغنش) (¬5). 8 - بشر بن إبراهيم بن محمود بن بشر البعلبكي، الحنبلي (681 - 761 هـ) سمعه في الشام (¬6). 9 - صفي الدين، أبو عبد اللَّه: الحسين بن بدران البصري البغدادي (712 - 749 هـ) قرأ عليه، في بغداد (¬7). ¬

_ (¬1) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 286)؛ و"المقصد الأرشد" (رقم 85)؛ و"المنهج الأحمد" ق 453). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 365)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 473)، و"الدرر الكامنة" (1/ 188). (¬3) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 439)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 452). (¬4) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 445)؛ و"المقصد الأرشد" (رقم 104)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 448). (¬5) "شذرات الذهب" (6/ 220)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 461). (¬6) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 200)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 455)؛ و"الدرر الكامنة" (2/ 12). (¬7) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 443)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 447)؛ و"المقصد الأرشد" (رقم 366)؛ و"الدرر الكامنة" (2/ 139).

10 - صلاح الدين، أبو سعيد: خليل بن كيكلدي العلائي (694 - 761 هـ) سمعه في القدس (¬1). 11 - جمال الدين أبو سليمان: داود بن إبرإهم العطار (665 - 752 هـ) سمعه في دمشق (¬2). 12 - بنت الكمال: زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم المقدسية (646 - 740 هـ) إجازة، وهو في بغداد (¬3). 13 - نجم الدين، أبو المحامد: سليمان بن أحمد النهرماري البغدادى الفقيه (ت 748 هـ) سمعه في بغداد (¬4). 14 - عز الدين: عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد اللَّه بن جماعة، قاضي المسلمين (¬5)، (694 - 767 هـ) قال عنه شيخنا، ولقيه في مصر ومكة. 15 - تاج الدين: عبد اللَّه بن عبد المؤمن بن الوجبة الواسطي، المقرئ 671 - 740 هـ) في بغداد (¬6). ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن قاضي شهبة" (2/ لوحة 156/ أ)؛ "لحظ الألحاظ" للحسيني (ص 43)؛ و"الدرر الكامنة" (2/ 179)؛ و"الذيل على طبقات الحنابلة" (ص 365). (¬2) "الدرر الكامنة" (2/ 185)؛ وانظر: "التنبيه والإيقاظ ذيل لحظ الألحاظ" (ص 77). (¬3) "الدرر الكامنة" (2/ 185). وانظر: "التنبيه والإيقاظ ذيل لحظ الألحاظ" (ص 77)؛ "الدرر الكامنة" (2/ 209)؛ و"الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 53، 82، 155). (¬4) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 441)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 446)؛ و"الدرر الكامنة" (2/ 248) وقال: (النهرماوي). (¬5) "الدرر الكامنة" (2/ 489)؛ و"لحظ الألحاظ" (ص 42)؛ وورد ذكره في "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 85). (¬6) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 444)؛ و"الدرر الكامنة" (2/ 276).

16 - تقي الدين، أبو محمد: عبد اللَّه بن محمد بن إبراهيم بن نصر بن فهد، المعروف بابن قيم الضيائية (669 - 761 هـ) (¬1) سمعه في دمشق. 17 - صفي الدين، أبو الفضائل: عبد المؤمن بن عبد الحق بن عبد اللَّه البغدادي الحنبلي (658 - 739 هـ) إجازة في بغداد (¬2). 18 - عز الدين، أبو يعلى: حمزة بن موسى بن أحمد بن بدران المعروف: بابن شيخ السلامية (712 - 769 هـ) (¬3) سمعه في دمشق. 19 - فخر الدين: عثمان بن يوسف بن أبي بكر النويرى الفقيه، المالكي (756 - 663 هـ) (¬4) سمعه في مكة سنة 749 هـ. 20 - علاء الدين، أبو الحسن علي بن الشيخ زين الدين المنجا بن عثمان ابن أسعد بن المنجا (673 - 763 هـ) سمعه في دمشق (¬5). ¬

_ (¬1) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 321)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 455)؛ و"الدرر الكامنة" (2/ 388). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 304)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 442)؛ و"المقصد الأرشد" (رقم 650)؛ و"الدرد الكامنة" (3/ 32). وجاء في "الدرر": "ابن عبد الخالق"!! والصحيح: ابن عبد الحق، و"لحظ الألحاظ" (ص 21)؛ و"التنبيه والإيقاظ" (ص 5). (¬3) "الذيل على طبقات الحنابلة" (3/ 443)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 460) و"المقصد الأرشد" (رقم 396)؛ و"الدرر الكامنة" (2/ 165). (¬4) "الدرر الكامنة" (3/ 67) وجاء "في تاريخ ابن قاضي شهبة"، أثناء ترجمة ابن رجب (3/ 95 - 1) (الفخر التوزري) وهو خطأ، إذا الفخر التوزري وهو عثمان بن محمد ونزيل مكه أيضًا وهو مالكي ولكنه توفي سنة 713 هـ. انظر: "الدرر" (3/ 64). (¬5) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 447)؛ "المنهج الأحمد" (ق 475)؛ و"المقصد الأرشد" (رقم 761)؛ و"الدرر الكامنة" (9/ 203).

21 - أبو الربيع: علي بن عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر البغدادى، (656 - 742 هـ) سمعه ببغداد وهو في الخامسة (¬1). 22 - عمر بن حسن بن مزيد بن أميلة المراغي، الحلبي، ثم الدمشقي (679 - 778 هـ) سمعه في دمشق (¬2). 23 - سراج الدين أبو حفص: عمر بن علي بن موسى بن خليل البغدادي (688 - 749 هـ) سمعه في دمشق (¬3). 24 - سراج الدين، أبو حفص: عمر بن علي بن عمر القزويني، محدث العراق (683 - 750 هـ) قراءة عليه في بغداد (¬4). 25 - علم الدين، أبو محمد: القاسم بن محمد البرزالي، مؤرخ الشام (665 - 739 هـ) إجازة من دمشق (¬5). 26 - عز الدين أبو عبد اللَّه: محمد بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (663 - 748 هـ) إجازة في دمشق (¬6). 27 - أبو عبد اللَّه: محمد بن أحمد بن تمام بن حسان الصالحي (651 - ¬

_ (¬1) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 445، 290، 221)؛ و"الدرر الكامنة" (3/ 132). (¬2) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 98)؛ و"الدرر الكامنة" (3/ 235). (¬3) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 444)؛ و"الدرر الكامنة" (3/ 256)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 447). (¬4) "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 67)؛ و"الدرر الكامنة" (3/ 256). (¬5) "البداية والنهاية" (4/ 186)؛ و"الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 184)؛ و"الدارس في تاريخ المدارس" (1/ 112). (¬6) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 441)؛ و"المنهج الأحمد" (447).

741 هـ) إجازة من دمشق (¬1). 28 - محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم الدمشقي الأنصاري العبادي من ولد عبادة بن الصامت، المعروف بابن الخباز (¬2) (667 - 756 هـ) سمعه في دمشق وأكئر عنه جدًّا. 29 - ناصر الدين، محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب، ينتهي نسبه بالعادل الأيوبي، ويلقب بابن الملوك (¬3) (674 - 756 هـ) سمعه في مصر وأخذ عنه كثيرًا. 30 - شمس الدين أبو عبد اللَّه: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعيد بن جرير الزرعي، ابن قيم الجوزية (691 - 751 هـ) (¬4) سمعه في دمشق ولازمه أزيد من سنة. 31 - أبو المعالي: محمد بن عبد الرزاق الشيباني في بغداد، قراءة عليه سنة 749 هـ (¬5). ¬

_ (¬1) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 433)؛ "المقصد الأرشد" (ص 229)؛ و"المنهج الأحمد" (ص 444). (¬2) "لحظ الألحاظ" (ص 180)؛ "الدرر الكامنة" (ص 404)؛ "المنهج الأحمد" (ق 453) و"الذيل على طبقات الحنابلة" (ص 1961 - 1/ 247، 2/ 50، 61، 78، 109، 113، 161، 169، 192)، وفي غيرها كثير. (¬3) "الدرر الكامنة" (4/ 8)؛ "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 41، 24). (¬4) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 448)؛ "المنهج الأحمد" (ق 449)؛ "الدرر الكامنة" (4/ 21). (¬5) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 89، 109، 247).

32 - صدر الدين، أبو الفتح: محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي (664 - 754 هـ) سمعه في مصر (¬1). 33 - فتح الدين، ألو الحرم: محمد بن محمد بن محمد القلانسي الحنبلي (683 - 765 هـ) سمعه في القاهرة (¬2). 34 - ابن النباش: ذكر ابن رجب أنَّه لازمه حتَّى الممات، ولم يذكر له تاريخ وفاة (¬3). 35 - شمس الدين يوسف بن نجم الحنبلي (ت 751 هـ) سمعه في دمشق (¬4). 36 - جمال الدين، يوسف بن عبد اللَّه بن العفيف المقدسي النابلسي (691 - 754 هـ) قرأ عليه "سنن ابن ماجة" بدمشق (¬5). هذا ما وفقي اللَّه إلى تحميله من شيوخ ابن رجب، استغرق مني دراسة طويلة، اطلعت أثناءها على كتب التراجم التي تناولت عصر ابن رجب وعلى كتب الطبقات كذلك، علمًا بأن من ترجموا لابن رجب لم يذكروا إلا عددًا قليلًا من الشيوخ، لا يزيد على الأربعة. ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن قاضي شهبة" (1/ 131/ ب)، "لحظ الأحاظ" لابن فهد (ص 180)؛ "الدرر الكامنة" (4/ 274)؛ "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 118، 137، 138، 140، 177، 180، 182، 187، 189، 196). (¬2) "لحظ الألحاظ" لابن فهد (ص 147)؛ "الدرر الكامنة" (4/ 353)؛ "المنهج الأحمد" (ق 457)؛ "تاريخ ابن قاضي شهبة" (3/ 175/ ب). (¬3) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 432)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 443). (¬4) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 286)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 451). (¬5) "الذيل على طبقات الحنابلة" (2/ 341)؛ "الدرر الكامنة" (4/ 239).

تلاميذ ابن رجب

* تلاميذ ابن رجب (¬1): رتبناهم على حروف المعجم مع مراعاة ولاداتهم ووفياتهم، وكيفية تحملهم عن ابن رجب، ومكانه: 1 - الشهاب أبو العباس: أحمد بن أبي بكر بن سيف الدين الحموي، الحنبلي ويعرف بابن الرسام، (773 - 844 هـ) أجازه ابن رجب، وقال في "الشذرات": وكان يعمل المواعيد وله كتاب في الوعظ على نمط كتاب شيخه ابن رجب (¬2). 2 - محب الدين أبو الفضل، أحمد بن نصر اللَّه بن أحمد بن محمد بن عمر، مفتى الديار المصرية، (765 - 844 هـ)، سمع ابن رجب في دمشق ولازمه (¬3). 3 - داود بن سليمان بن عبد اللَّه الزين الوصلي الدمشقي الحنبلي (764 - 744 هـ) سمع ابن رجب في دمشق (¬4). 4 - زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد الدمشقي الأصل المكي القرئ (772 - 853 هـ) سمع ابن رجب في دمشق (¬5). 5 - زين الدين عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الحنبلي المعروف بأبي شعر (780 - 844 هـ) سمع ابن رجب في دمشق (¬6). ¬

_ (¬1) ما تحته مأخوذ من مقدمة "شرح علل الترمذي" (1/ 261). (¬2) "المنهج الأحمد" (ق 491)؛ و"الضوء اللامع" (1/ 249)؛ "شذرات الذهب" (2/ 252). (¬3) "المنهج الأحمد" (ق 488)؛ و"شذرات الذهب" (7/ 250)؛ و"الضوء اللامع" (2/ 233). (¬4) "الضوء اللامع" (3/ 212). (¬5) "الضوء اللامع" (4/ 59 - 61). (¬6) "الضوء اللامع" (4/ 82)؛ و"شذرات الذهب" (7/ 253)؛ و"المنهج الأحمد" (ق 491).

6 - زين الدين أبو ذر، عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد المصري الحنبلي، المعروف بالزركشي (758 - 846 هـ) سمع ابن رجب في دمشق قبيل الفتنة اللنكية (¬1). 7 - علاء الدين أبو الحسن، علي بن محمد بن عباس البعلي الشهير بابن اللحام، ولد بعد الخمسين وسبع مئة في بعلبك، وتوفي سنة ثلاث وثمان مئة. سمع ابن رجب في دمشق (¬2). 8 - علاء الدين علي بن محمد بن علي الطرسوسي المزي، كان يعيش حتَّى سنة 850 هـ، وحضر على ابن رجب وقال: "إنه سمعه يقول: أرسل إلي الزين العراقي يستعين بي في شرح الترمذي" (¬3). 9 - علاء الدين أبو المواهب، علي بن محمد بن أبي بكر السلمي الحموي الحنبلي، ويعرف بابن المغلي (761 - 828 هـ)، أخذ عن ابن رجب في دمشق (¬4). 10 - أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن أبي بكر بن محمد السراج الحلبي الأصل الدمشقي الشافعي، يعرف بابن المزلِّق (بضم الميم وفتح الزاي وكسر اللام المشددة) (787 - 841 هـ) سمع ابن رجب في دمشق (¬5). ¬

_ (¬1) "المنهج الأحمد" (ق 491)؛ و"الضوء اللامع" (4/ 136). (¬2) "المنهج الأحمد" (ق 478)؛ "المقصد الأرشد" (ص 201)؛ "الضوء اللامع" (5/ 320)؛ و "الشذرات" (7/ 31). (¬3) "المنهج الأحمد" (ق 481)؛ "الضوء اللامع" (5/ 279). (¬4) "المنهج الأحمد" (ق 476)؛ "الضوء اللامع" (6/ 34). (¬5) "الضوء اللامع" (6/ 120).

11 - محب الدين أبو الفضل ابن الشيخ نصر اللَّه ولد سنة 765 هـ في بغداد، وأخذ عن ابن رجب في دمشق (¬1). 12 - قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن سعيد المقدسي الحنبلي قاضي مكة (771 - 855 هـ) سمع ابن رجب في دمشق (¬2). 13 - شهاب الدين أحمد بن علي محمد الأنصاري الحلبي ابن الشحام (781 - 864 هـ)، سمع ابن رجب في دمشق (¬3). 14 - عز الدين محمد بن بهاء الدين علي المقدسي الحنبلي (764 - 820 هـ) أخذ عن ابن رجب في دمشق (¬4). 15 - شمس الدين محمد بن خالد الحمصي القاضي، توفي سنة 830 هـ قرأ على ابن رجب في دمشق (¬5). 16 - شمس الدين أبو عبيد اللَّه محمد بن خليل بن طوغان الدمشقي الحريري الحنبلي، المعروف بابن المخصفي (746 - 803 هـ). سمع ابن رجب في دمشق (¬6). 17 - شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبادة الأنصاري الحنبلي ¬

_ (¬1) "المنهج الأحمد" (ق 448). (¬2) "المنهج الأحمد" (ق 494)؛ "الضوء اللامع" (6/ 390). (¬3) "الضوء اللامع" (3/ 41). (¬4) "المنهج الأحمد" (ق 481)؛ "شذرات الذهب" (ص 747). (¬5) "المنهج الأحمد" (ق 483)؛ "شذرات الذهب" (8/ 195). (¬6) "المنهج الأحمد" (ق 476)؛ "شذرات الذهب" (7/ 35).

الدمشقي، قاضي القضاة بدمشق، توفي سنة 820 هـ، سمع ابن رجب في دمشق (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "المنهج الأحمد" (ق 481) "شذرات الذهب" (7/ 148).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [وهو حسبي ونعم الوكيل] (¬1) [(رب يسر وأعن) قال الشيخ، الإمام، العالم، العلامة، أبو الفرج، زين الدين، عبد الرحمن [بن أحمد] (¬2) بن رجب، الحنبلي، [البغدادي] (2)] (¬3) [رحمه اللَّه ورضي عنه] (¬4): الحمد للَّه الذي مهد قواعد الدين (5) بكتابه المحكلم، وشيَّد معاقد العلم بخطابه وأحكم، وفقَّه في دينه (¬5) من أراد به خيرًا من عباده وفهَّم، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "تغمده اللَّه برحمته وأسكنه فسيح جنته". (¬5) قولة: "قواعد" و"فقه": فيها ما يسمى عند علماء البلاغة ببراعة الاستهلال، وهو الإتيان بما يدل على المقصود في الخطبة (ع).

وأوقف من شاء على ما شاء من أسرار مراده وألهم؛ فسبحان من حكم فأحكم! وحلل وحرَّم! وعرف وعلم! علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم. وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له شهادة تهدي (¬1) التي الطريق الأقوم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المخصوص بجوامع الكلم (¬2) وبدائع الحكم وودائع العلم والحلم والكرم، صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد؛ فهذه قواعد مهمة وفوائد جمة، تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد؛ فلينعم (¬3) الناظر فيه النظر، وليوسع العذر؛ إنَّ اللبيب مَنْ عذر؛ فلقد سنح بالبال على غاية من الإعجال؛ كالارتجال أو قريبًا من الارتجال؛ في أيام يسيرة وليال، ويأبى اللَّه العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطإ المرء في كثير صوابه (¬4). واللَّه المسؤول أن يوفقنا لصواب القول والعمل، وأن يرزقنا اجتناب أسباب الزيغ والزلل؛ إنه قريب مجيب لمن سأل، لا يخيب من إياه رجا وعليه توكل. ¬

_ (¬1) في (ب): "نُهدَى بها". (¬2) فيه أن هذه القاعدة تكون جامعة. (ع). (¬3) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) والمطبوع: "فليمعن". (¬4) الإنسان لا يخلو من الخطأ، لكن المنصف يرى الصواب ويرى الخطأ، فإذا صار الصواب أكثر، فليغتفر الخطأ، وإن كان الخطأ أكثر؛ اضمحل به الصواب. (ع).

1 - القاعدة الأولى الماء الجاري؛ هل هو كالراكد، أو كل جرية منه لها حكم الماء المنفرد؟

[(القاعدة الأولى)] (¬1) الماء الجاري؛ هل هو كالراكد (¬2)، أو كل جرية منه لها حكم الماء المنفرد؟ فيه خلاف في المذهب ينبني عليه مسائل [إحداها] (¬3): لو وقعت فيه نجاسة؛ فهل يعتبر مجموعه؟ فإن كان كثيرًا لم ينجس [بدون تغير] (¬4) وإلا نجس، أو تعتبر (¬5) كل جرية بانفرادها، فإن بلغت قلتين لم [تنجس] (¬6)، وإلا نجست (¬7)؟ ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "قاعدة"، والترقيم من (ج) والمطبوع. (¬2) الماء الجاري والراكد هل هما سواء أم يختلفان؟ فيه خلاف في المذهب، وهذه عندي ليست من القواعد، لكنها مسألة تتفرَّعُ عليا مسائل؛ فهي أشبه ما تكون بالمسائل التي يترتب عليها الخلاف، وتنبني عليها فوائد كثيرة. (ع). (¬3) في المطبوع: "أحدها"، والتصوب من (أ) و (ب) و (ج). (¬4) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "بغير". (¬5) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "يعتبر". (¬6) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، والتصويب من (ب). (¬7) الجرية: عبارة عن الدفعة من الماء. إنْ قلنا: كل جرية بحكم المنفرد؛ فإنه ينجس بمجر الملاقاة، فإنه إذا نجس الذي يقابل النجاسة نجس الذي بجانبه وهكذا؛ فيعم الماء كله. وإن قلنا: إن المعتبر هو المجموع؛ فحين ذلك ينظر: هل هو كثير فلا ينجس إلا =

فيه روايتان حكاهما الشيرازي وغيره. (والثانية): المذهب عند القاضي، والثانية: لو غمس الإناء النجس في ماء جار، ومرت عليه سبع جريات (¬1)؛ فهل ذلك غسلة واحدة أو سبع غسلات؟ ¬

_ = بالتّغيُّر؟ ومنه: لو سقط في هذا الماء الجاري بعير ميت؛ فهل ينجس؟ يقولون: إنْ قلنا: كلَّ جرية تعتبر منفردة؛ فالذي يحيط بالبعير كبير، وعليه؛ فلا ينجس إلا بالتغير، ولو سقطت فيه شعرة من كلب نجس؛ صار نجسًا؛ لأن الذي يلي الشعرة لا يبلغ قلَّتين، فينجس بالملاقاة، فيؤدي إلى أن ينجس نهر كبير من شعرة كلب، ولا ينجس بجيفة بعير، ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة: إنهما يعتبران شيئًا واحدًا، مع أن الصحيح على كل تقدير: أن الماء لا ينجس إلا بالتَّغير. (ع). قلت: انظر تخربج حديث القلَّتين في تعليقي على "الطهور" (ص 227 - 229) لأبي عبيد و"الخلافيات" (3/ رقم 935) للبيهقي، وفي الأخير بيان رجحان نجاسة الماء بالتغير، واللَّه الهادي. (¬1) استدل الحنابلة على تسبيع غسل النجاسة بحديث ابن عمر: "أمرنا بغسل الأنجاس سبعًا"، ذكره ابن قدامة في "المغني" وذكره في "الشرح الكبير" وقال: "ذكره القاضي" (يعني: أبا يعلى)، وعزاه في "شرح الإقناع" إلى القاضي، ولم يذكره الشيخ أبو محمد في "الكافي"، ولم يتعرض له الحافظ ضياء الدين المقدسي في "تخريج أحاديث الكافي"، ولكنه ذكر حديثًا لابن عمر، فقال: "روي عن ابن عمر أنَّه قال: كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، والغسل من البول سبع مرات؛ فلم يزل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسأل حتَّى جعلت الصلاة خمسًا، والغسل من البول مرة، والغسل من الجنابة مرة"، رواه الإمام أحمد في "مسنده" (2/ 109)، وأبو داود في "سننه" (رقم 247). قال الموفق والضياء: "في رواته أيوب بن جابر، وهو ضعيف"، أفاده ابن بدران في "العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية" (ص 145) وزاد: =

على وجهين حكاهما أبو الحسن بن الغازي تلميذ الآمدي، وذكر أن ظاهر كلام الأصحاب أن ذلك غسلة واحدة، وفي "شرح المذهب" (¬1) للقاضي: أن كلام أحمد يدل عليه، وكذلك لو كان ثوبًا ونحوه وعصره [عَقِيب] (¬2) كل جرية (¬3). ¬

_ = "وقد كشفتُ عن الأثر المسؤول عنه أكثر كتب الحديث المشهورة حتَّى "مصنف ابن أبي شيبة"؛ فلم أجد له أثرًا، لكن رأيتُ في كتاب "الانتصار في المسائل الكبار" (1/ 2/ 487) للإمام أبي الخطاب الكلوذاني ما نصه: روى موسى بن عقبة صاحب "المغازي" عن ابن عمر: أنَّه قال. . . (وذكره)، وكذلك عزاه القاضي أبو يعلى في كتابه "المفردات" إلى موسى بن عقبة، ولم يعزه هو ولا أبو الخطاب التي غيره، وهما إمامان كبيران؛ فيقتضي صنيعهما أنَّه لم يروه غيره؛ لأنهما ذكراه في مقام الاحتجاج على الخصم، وهو يقتضي تقوية الاستدلال، ثم إن من بعدهما قلّدهما فيه، واحتج به من غير عزوٍ إلى مخرجه ايهامًا للخصم، ومع ذلك؛ فحديث أبي داود المتقدم -على ضعفه- أقل منه، وأولى بالاعتبار". ثم أفاض الكلام على ما قصد الأصحاب من ذكر هذا الأثر، وبسط الكلام على مسألة غسل النجاسات؛ فراجع كلامه. (¬1) سيأتي التعريف به (ص 33). (¬2) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "عقب". (¬3) رجل معه إناء نجس، وأراد أن يطهره بماءٍ جارٍ، فإذا قلنا: كل جرية غسلة منفردة؛ فمتى مر عليه سبع جريات صار طاهرًا، لأنَّ كل جرية غسلة، والجرية تباشر الشيء إذا مر عليه الماء سبع مرات طهره، وإذا قلنا؛ إن الجاري كالراكد؛ فلا بد أن يخرجها من الماء ثم يعيدها ثم يخرجها ثم يعيدها حتَّى تتم سبع مرات. كذلك لو وضع فيه ثوبًا نجسًا ومر عليه سبع جريات، فإن قلنا: إن كل جرية لها حكم المنفرد ومر عليه سبع جريات، طهر، وإلا؛ فلا بد من إخراجه ثم عصره خارج الماء، وهذا كله مبني على أنَّه لا بد من سبع غسلات، والصحيح أنَّه لا يجب سبع غسلات إلا في سؤر الكلب، وأما في غيره؛ فمتى زالت النجاسة؛ طهر بأيِّ عددٍ كان. (ع).

(والثالثة): لو انغمس المحدث حدثًا أصغر في ماء جار للوضوء، ومرت عليه أربع جريات متوالية؛ فهل يرتفع بذلك حدثه أم لا؟ على وجهين، أشهرهما عند الأصحاب: أنَّه يرتفع حدثه. وقال أبو الخطاب في "الانتصار" (¬1): ظاهر كلام أحمد أنَّه لا يرتفع [حدثه] (¬2)؛ لأنه لم يفرق بين الجاري والراكد. قلت: بل نص أحمد على التسوية بينهما في رواية محمد بن الحكم، وأنه إذا انغمس في دِجْلَة؛ فإنه لا يرتفع حدثه حتَّى يخرج [حدثه] (¬3) مرتبًا (¬4). ¬

_ (¬1) (1/ 281) قال: "نص عليه [أي: أحمد]: إذا دخل الماء وهو يريد الوضوء، فإذا أخرج رأسه؛ جاز عنه غسل الوجه، ويتمضمض، ويستنشق، فإذا أخرج يديه؛ جاز عنه غسل يديه، ويمسح رأسه، ولم يفرق بين الماء الراكد والجاري". وقد نقله عنه صاحب "الفروع" (1/ 154) وصاحب "الإنصاف" (1/ 139). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع، ولعل الصواب حذفها. (¬4) من فروع هذا الخلاف: إنسان محدث حدثًا أصغر، فانغمس في الماء الذي يجري، ومر عليه أربع جريات، لماذا قلنا أربع؟ لأن فيه أربعة أعضاء، والترتيب لا بد منه، الجرية الأولى للوجه، والثانية لليدين، والثالثة للرأس، والرابعة للرجلين، نقول أربعة لأجل الترتيب؛ فهل يرتفع حدثه؟ يقول المؤلف: ينبني على الخلاف: إن قلنا بأن الماء الجاري كل جرية منه لها حكم المنفرد؛ فإنه يطهر، وإن قلنا: إنه واحد -الجاري كأنه راكد- ما يرتفع حدثه لو مر عليه أربعين مرة، لا بد أن يخرج منه مرتبًا، وهذا بقول: وهو الذي نص عليه الإمام أحمد رحمه اللَّه. لا بد أن يخرج مرتبًا، لا بد أن يخرج وجهه أولًا، ثم يديه.، ثم رجليه، وهذا الأخير =

(والرابعة): لو حلف لا يقف في هذا الماء، وكان جاريًا؛ لم يحنث عند أبي الخطاب وغيره؛ لأن الجاري يتبدل ويستخلف شيئًا فشيئًا؛ فلا يتصور الوقوف فيه، وقياس المنصوص أنَّه يحنث؛ لا سيما والعرف يشهد له، والأيمان مرجعها إلى العرف، ثم وجدت القاضي في "الجامع الكبير" (¬1) ذكر [نحو هذا] (¬2)، [واللَّه أعلم] (¬3). ¬

_ = هو الصواب بلا شك، ولو أنَّه انغمس في الماء الراكد وليس الجاري؛ يغسل وجهه، ثم يغسل يديه وهو داخل الماء -ما خرج من الماء-، ثم يمسح رأسه وكل رجليه، الظاهر في أنَّه يكفي، وظاهر كلامه أنَّه لا يكفي؛ لكن الظاهر أنَّه يكفي؛ لأن كل ماء يباشر عضوًا، فهو غير الماء الذي يباشر العضو الآخر؛ فلا يقال هنا: إن الرجل استعمل الماء مرتين لعضوين؛ لأن من المعلوم أن الماء الذي غسل به الوجه غير الذي يلي الدين، وهكذا، ولكن مع هذا نقول: إن الأحوط والأولى أن تخرج وتتوضأ مرتبًا كل عضو بعد الآخر، ولكن هذه المسائل التي يقولها العلماء تجدها مسائل نادرة عند الناس، ربما تقع إذا كنت في بحر تسبح فيه أو في نهر أو في مجمع ماء كبير، ويمكن أن يفعل هذا في بركة كبيرة: أنت واقف في ماء، أول جرية تأتي؛ تقول: هذه للوجه، والثانية لليدين، والثالثة للرأس، والرابعة للرجلين، أنت تقدرها، وهنا رتب لأنه نوى، عمل الجرية الأولى لما انفصلت ضاعت، أتت جرية جدبدة من جديد، والدلك ليس شرطًا؛ لأن الغسل في اللغة يطلق على مجرد وصول الماء المغسول بدون دلك، لكن التدلك أفضل. (ع). (¬1) صاحبه القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي، أكثر المصنف من النقل عنه في كتابنا هذا، ونقل كثيرًا من كتابه هذا "الجامع الكبير"، وقد عمل المصنف قطعة منه ولم يُتمّه، توفي سنة (458 هـ). انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 193 - 230)، و"سير أعلام النبلاء" (18/ 89). (¬2) في (أ) و (ب): "ونحوه"، ولعله الصواب. (¬3) إذا قلنا: الجاري كالراكد يحنث، وإذا قلنا: الجاري ليس كالراكد، وكل جرية =

2 - القاعدة الثانية شعر الحيوان في حكم المنفصل عنه لا في حكم المتصل، وكذلك الظفر

(القاعدة الثانية) (¬1) شعر الحيوان في حكم المنفصل عنه لا في حكم المتصل، وكذلك الظفر. هذا (¬2) هو جادة المذهب، ويتفرع على ذلك مسائل: - (منها): إذا مس شعر امرأة بشهوة لم ينتقض وضوؤه، وكذلك ظفرها، أو مسها بظفره أو شعره (¬3). ولهذه المسألة مأخذ آخر: وهو أن هذه الأجزاء ليست بمحل للشهوة (¬4) الأصلية، وهي شرط لنقض الوضوء عندنا (¬5). ¬

_ = لها حكم المنفرد؛ فإنه لا يحنث، والصحيح أنه يحنث، إحالة له على العرف، ولو أنّ المؤلف قد جاء بالمثال السابق في (الشعرة والبعير)؛ لأضعف القول بأنّ كلّ جرية لها حكم المنفرد. (ع). (¬1) في (أ) و (ب): "قاعدة". (¬2) كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، وفي (ج): "وهذا". (¬3) في المطبوع و (أ): "بشعره". (¬4) في (أ): "لمحل الشهوة". (¬5) المذهب أنه اذا مسها بشهوةٍ انتقض وضوؤه، ولكن إذا مسَّها بشعره أو بظفره، أو مسَّ شعرها أوظفرها لم ينتقض! لأن الشعر في حكم المفصل، وكذلك الظفر، وقيل: لا ينتقض من مأخذ آخر، وهو أن هذه الأجزاء ليست محلًّا للشهوة الأصلية، وهذا التعليل =

- (ومنها): أن الشعر لا ينجس بالموت ولا بالانفصال على المذهب، وكذا (¬1) ما طال من الظفر على احتمال فيه، أما على المشهور، فإن انفصل من آدمي (¬2)؛ لم ينجس على الصحيح، ومن غيره ينجس؛ لأنه كانت فيه حياة ثم فارقته حال انفصاله، فمنعه الاتصال من التنجيس (¬3)، فإذا انفصل؛ زال المنع، فنجس (¬4). - (ومنها): غسله في الجنابة والحدث. فأما الجنابة؛ ففي وجوب غسله وجهان، والذي رجحه صاحب "المغني" (¬5) وذكر أنَّه ظاهر كلام الخرقي: عدم الوجوب؛ [طردًا] (¬6) للقاعدة، ومن أوجبه؛ فيقول: وجب تعبدًا. نعم، إن كان وصول الماء إلى البشرة لا يمكن بدون غسله؛ وجب ¬

_ = فيه نظر، والصحيح خلاف هذا، بل الشعر يكون محلَّ شهوةٍ، والصحيح عدم النقض. (ع). (¬1) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب)، (ج): "وكذلك". (¬2) في (ج): "الأدمي". (¬3) كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج): "التنجس". (¬4) المذهب المشهور: أن ما انفصل من الحيوان -ولكن بشرط أن يكون طاهرًا في الأصل-؛ فهو طاهر، وما انفصل من حيوان نجس؛ فهو نجس؛ فشعر الكلاب مثلًا نجس؛ لأنه انفصل من حيوان نجس، وشعر الهر وشعر الشاة وما أشبهها طاهر، وشعر الآدمي طاهر، وكذلك الظفر. (ع). (¬5) قال في "المغني" (1/ 227) مع "الشرح الكبير": ". . . ولأن الشعر ليس من أجزاء الحيوان؛ بدليل أنَّه لا ينجس بموته ولا حياة فيه، ولا بنقض الوضوء مسه من المرأة ولا نطلق بطلاقه؛ فلم يجب غسله كثيابها". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

لضرورة وجوب إيصال الماء إلى ما تحته، وأما في الحديث الأصغر؛ فلا يجب غسل المسترسل منه على الصحيح (¬1)، وأما المحاذي [لمحل الفرض] (¬2)؛ فيجزئ إمرار الماء على ظاهره إذا (¬3) كان كثيفًا (¬4)؛ لأن إيصال الماء إلى الحوائل في الوضوء كافٍ؛ وإن لم تكن متصلة بالبدن اتصال خلقة (¬5)؛ كالخف والعمامة والجبيرة (¬6)؛ فالمتصل خلقة (*) أولى (¬7). ¬

_ (¬1) ما استرسل من الشعر متجاوزًا لمحل الفرض لا يجب غسله في الجنابة ولا في الحدث الأصغر، لأنه في حكم المنفصل، هذا قول. وهناك قول آخر: أنَّه يجب، ولكن تعبدًا أن يغسل في الجنابة، والذين قالوا بوجوب غسله في الجنابة يمكن أن يعللوا بتعليل آخر، وهو أنه تابع للرأس؛ فوجب غسله. أما في مسألة الوضوء؛ فإنَّ ما تجاوز محل الفرض لا يجب مسحه، وظاهر كلام المؤلف حتى في اللحية، وهذا خلاف المشهور، وهو أن شعر اللحية يجب غسله، ويعللون ذلك بأن الوجه مأخوذ من المواجهة، ومسترسل اللحية تحصل به المواجهة، بخلاف الرأس؛ فإنه مأخوذ من الترأس وهو العلو، وما استرسل من شعره ليس من ذلك، لا شك أنَّ غسل ما استرسل من الشعر احتياطًا أفضل، وهو ظاهر المذهب، هذا في الجنابة، أما في الحدث الأصغر، فما استرسل من الشعر فلا يجب مسحه. (ع). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "اللفرض". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إنْ". (¬4) فإذا كان ما استتر بشيء من غير الخلقة؛ لم يجب غسله، فمن باب أولى أنْ المستتر بشيء من أصل الخلقة لا يغسل. (ع). (¬5) كذا "خلقة" في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ): "حلقة"؛ بالحاء المهملة المفتوحة. (¬6) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ): "كالجبيرة والخف والعمامة"، وفي (ب): "كالجبيرة والعمامة والخف". (¬7) المشهور من المذهب أن إيصال الماء إلى ما تحت الشعر في غسل الجنابة =

- (ومنها): لو أضاف طلاقًا أو عتاقًا أو ظهارًا إلى الشعر أو الظفر؛ لم يثبت [به] (¬1) الطلاق ولا العتاق ولا الظهار على الأصح (¬2). - (ومنها): لو كان جيبه واسعًا تُرى (¬3) منه عورته في الصلاة، لكن له لحية كبيرة تستره؛ فالمذهب أنَّه يكفيه (¬4) في الستر. قال في "المغني" (¬5): "نص عليه"، مع أنَّه قرر في كتاب الحج: إن ¬

_ = واجب، وفي الحديث الأصغر غير واجب، ويقال -بزيادة تفصيل-: إن ما تحت الشعر باعتبار وصول الطهور إليه ينقسم ثلاثة أقسام: الأول: في الجنابة، فيجب إيصال الماء إلي ما تحته خفيفًا كان أو ثقيلًا. الثاني: في طهارة التراب (التيمم) لا يجب إيصال التراب إلى ما تحته، سواء كان في الجنابة أو في الحديث الأصغر، خفيفًا كان أو كثيفًا. الثالث: في الوضوء ففيه تفصيل: فإن كان كثيفًا؛ لم يجب إيصال الماء إلى ما تحته، وإنْ كان خفيفًا؛ وجب إيصال الماء إلى ما تحته، فصار عندنا شيئان مطلقان، وواحد فيه التفصيل، المطلقان هما: غسل الجنابة: يجب إيصال الماء إلى ما تحته مطلقًا، والتيمم؛ لا يجب مطلقًا، أما إذا كان وضوءً، ففيه تفصيل: إن كان خفيفًا؛ وجب الإيصال، وإن كان كثيفًا؛ لم يجب. هذه هي قاعدة المذهب في الشعر بالنسبة إلى إيصال الماء إلى ما تحته أو إيصال الطهور. (ع). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، (ب)، (ج). (¬2) في (أ): "على الصحيح". وقال الشيخ ابن عثيمين حفظه اللَّه: "إذا قال: شعرك طالق؛ لم تطلق، وإذا قال: ظفرك طالق؛ تطلق؛ لأن [الأول] في حكم المنفصل، و [الثاني] في حكم المتصل". (¬3) في (ب): "يرى". (¬4) كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، وفي (ج): "يكفي". (¬5) قال في "المغني" (1/ 340/ 812): "فعلى هذا متى ظهرت عورته له أو =

الستر بالمتصل كاليد [ونحوها] لا فدية فيه (¬1). وخالفه صاحب "شرح الهداية" (¬2)، وقال: هو ستر في الموضعين. ¬

_ = لغيره؛ فسدت صلاته، فإن لم تظهر لكون جيب القميص ضيقًا، أو شد وسطه بمئزر، أو حبل فوق الثوب، أو كان ذا لحية تسد الجيب فتمنع الرؤية، أو شد إزاره، أو ألقى على جيبه رداءً أو خرقة فاستترت عورته به؛ أجزأه ذلك، وهذا مذهب الشافعي" اهـ. (¬1) قال في "المغني" (3/ 153/ 2367): "ولنا: أن هذا لا يقصد به الستر غالبًا، فلم تجب به الفدية؛ كما لو وضع يده [أي: المحرم] عليه". ثم قال: "وإن ستر رأسه [أي: المحرم] بيديه، فلا شيء عليه لما ذكرنا، ولأن الستر بما هو متصل به لا يثبت له حكم الستر، ولذلك لو وضع يديه على فرجه لم تجزئه في الستر". قلت: وما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬2) شَرَحَ "الهداية" -وهو من تأليف محفوظ بن أحمد بن حسن الكَلْوذاني، (المتوفى سنة 510 هـ)، مطبوع بالرياض في جزئين- جمعٌ، منهم: عبد اللَّه بن الحسين بن عبد اللَّه العُكبَري محبُّ الدين أبو البقاء، المعروف بـ "الضرير" (ت 616 هـ)، له ترجمة في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 109 - 110) و"السير" (22/ 91 - 93). ومنهم: أسعد -ويسمى محمد- بن المُنْجَّى بن بركات بن المؤمل التَّنوخي، (ت 606 هـ)، من كتبه "النهاية في شرح الهداية" في بضعة عشر مجلدًا، له ترجمة في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 49 - 51)، و"السير" (21/ 436 - 437)، وذكره في "كشف الظنون" (2/ 2031) وقال: "بلغ نصفه إلى عشر مجلدات". ومنهم: إبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين النّهرواني الرزَّاز، (ت 556 هـ)، له "شرح الهداية"، قال ابن رجب: "كتب منه تسع مجلدات، ومات ولم يُكمله"، له ترجمة في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 239 - 241) و"المنهج الأحمد" (2/ 322 - 324) و"الدُّر المنضَّد" (ص 80) ولمجد الدين ابن تيمبة شرح عليه، سيأتي التعريف به في (ص 261)، وينقل المصنف منه كثيرًا، ولعله المراد هنا. وانظر عن سائر شروحه: "المدخل =

وتردد فيه القاضي في "شرح المذهب"؛ فجزم تارة بأن الستر بالمتصل ليس بستر في الإحرام ولا في الصلاة، ثم ذكر نص أحمد ورجع إلى أنَّه ستر في الصلاة دون الإِحرام؛ لأن القصد في ستر الصلاة تغييب لون البشرة، وفي الإحرام إنما يحرم الستر بما يستر به عادة (¬1). فأما إيجاب الفدية (¬2) به وضمانه [من] (¬3) الصيد (¬4) وتحريم نظره على الأجنبي؛ فلما يتعلق بجملة البدن من إزالة جماله وتأذي الصيد بترويعه وإثبات اليد عليه، وهو ممتنع، والافتتان بالمرأة، ولهذا لو انفصل شعر المرأة؛ جاز النظر إليه على ظاهر كلام أبي الخطاب في "الانتصار"، ¬

_ = المفصَّل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" للشيخ بكر أبو زيد (1/ 298، 792 - 714). (¬1) رجل له جيب واسع، وعليه قميص، فإذا ركع بدت عورته، ولكن له لحية كثيفة تستر هذه الفتحة من القميص؛ فهل يجزي؟ نعم يجزئ؛ وإن كانت متصلة به؛ لأنها في حكم المنفصل، وفي الإحرام كذلك، مع أنَّه قرر في كتاب الحج أن الستر بالمتّصل كاليد لا تجزئ، ولكن الصحيح أن اليد متصلة حقيقةً وحكمًا، فمن غطّى رأسه يده وهو محرم؛ فليس عليه فدية؛ فلا يشملها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا تخمّروا رأسه"، ولا يعد هذا تخميرًا، ثم إنّ هذا خلاف ما بدل عليه اللفظ في العادة، ولذلك لو أنَّ رجلًا حمل متاعه على رأسه لا فدية عليه. (ع). (¬2) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "الدية"، وهو خطأ. "والمراد: إذا حلقه في الإحرام". (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) أي: نتف ريش الصيد؛ فهل يضمن؟ نعم، يضمن؛ أي: نتف ريش صيدٍ -والريش في حكم المنفصل- وهو محرم، فإن الصيد يروعه نتف ريشه، فكان كقتله؛ فيضمن لأجل ذلك لأنه لا يمكن أن يطير، ولهذا قال: "تأذى الصيد بترويعه وإثبات اليد عليه"؛ لأنه لا يستطيع أن يطير، فيمسك. (ع).

وحكى صاحب "التلخيص" (¬1) فيه وجهين (¬2). * * * ¬

_ (¬1) نقل المصنف منه في أكثر من ثمانين موضعًا، ولم يُسمِّ صاحبه، ولعله "تخليص المطلب في تلخيص المذهب" لمحمد بن الخضر بن الخضر بن علي بن عبد اللَّه بن تيمية فخر الدين بن أبي القاسم، (ت 622 هـ)، له ترجمة في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 151 - 162) و"السير" (22/ 288 - 290) و"الدرّ المنضد" (ص 33). (¬2) من هذا أيضًا شعر المرأة المنفصل، أما إذا كان متصلًا بها؛ فهو يحرم النظر إليه؛ لأن النفس تتعلق بالمرأة نفسها، فلو فرض أن امرأة على كرسي هو لا يراها، ولكن شعرها قد نفشته على المسند الذي وراءها وهو يرى الشعر فقط؛ فهل يجوز النظر إليه أم لا يجوز؟ يقول المؤلف: لا يجوز، لأنه متصل بالمرأة التي هي محل الشهوة، لكن لو أنها قصت شعرها وألْقته في السوق، وجاء رجل يريد أن ينظر إلى هذا الشعر؛ يجوز أم لا؟ وهل يجوز ولو بشهوة؟ نفصل في هذا الأمر: إذا كان شعر امرأة معينة؛ فإنه لا يجوز النظر إليه بشهوة؛ لأنه يتذكرها وتتعلق نفمه بها. أما إذا كان شعر امرأة غير معينة، فهذا يكون تعلق الشهوة به كتعلق الشهوة بالمرأة مطلقًا، وكل إنسان تتعلق شهوته بالنساء عند تذكرهن، فهذا لا يؤثر شيئًا، هذا هو التفصيل في هذه المسألة. والمؤلف ذكر فيها وجهين، والصواب أن نقول: إن هذين الوجهين يتزلان على حالين: إنْ كان شعرَ امرأةٍ معيّنةٍ يحرم النظر اليه شرعًا، وإلا؛ فلا بأس. (ع).

3 - القاعدة الثالثة من وجبت عليه عبادة، فأتى بما لو اقتصر على ما دونه لأجزأه؛ هل يوصف الكل بالوجوب، أو قدر الإجزاء منه؟

(القاعدة الثالثة) من وجبت (¬1) عليه عبادة، فأتى بما لو اقتصر على ما (¬2) دونه لأجزأه؛ هل يوصف الكل بالوجوب، أو قدر الإجزاء منه (¬3)؟. ان كانت الزيادة متميزة منفصلة؛ فلا إشكال في أنها نفل بانفرادها؛ كإخراج صاعين منفردين في الفطرة ونحوها (¬4). ¬

_ (¬1) في (ب): "وجب". (¬2) في (ب): "على دونه". (¬3) وجبت عليه عبادة، فزاد فيها على الواجب، ولو قال المؤلف: فزاد على الواجب؛ لكان أوضح وأحرى، هو يقول: "فأتى بما لو اقتصر على ما دونه لأجزأه"، يعني: فأتى بزائد على الواجب، الزائد على الواجب هو ما لو اقتصر على ما دونه لأجزأه. إذن؛ القاعدة نقول فيها: من وجبت عليه عبادة فزاد فيها على الواجب؛ فهل يكون كله واجبًا، ويأخذ الكل بالوجوب، أو نقول: قدر الواجب هو الأصل الأول والباقي تطوع؟ هذا هو محل القاعدة. (ع). (¬4) لأن المؤلف رحمه اللَّه يقول: "إذا كانت الزيادة منفردة؛ فلا شك أنها نفل بانفرادها، مثل إخراج صاعين منفردين في الفطرة، الفطرة صاع، فأخرج رجل عن فطرته صاعين، نقول. الواجب صاع، والصاع الثاني نفل. رجل عليه عتق رقبة، فاعتق رقبتين عن ما عليه الواجب واحدة، والثانية نفل قطعًا؛ لأنها متميزة. رجل نذر أن يذبح أُضحية شاة، فذبح عن نذره شاتين، نقول: واحدة واجبة، والثانية =

وأما إن لم تكن متميزة؛ ففيه وجهان مذكوران في أصول الفقه، وينبني [عليها] (¬1) مسائل: - (منها): إذا (¬2) أدرك الإمام في الركوع بعد فوات قدر الإجزاء منه؛ هل يكون مدركًا له في الفريضة؟ ظاهر كلام القاضي وابن عقيل تخريجها على الوجهين، إذا قلنا: لا يصح اقتداء المفترض بالمتنفل. قال ابن عقيل: ويحتمل أن تجري الزيادة مجرى الواجب في باب الاتباع، خاصة إذ الاتباع قد يسقط الواجب كما في المسبوق، ومصلي الجمعة من امرأة وعبد ومسافر (¬3). ¬

_ = نفل" لا إشكال في هذا، لأن الزيادة منفردة. أما إذا لم تكن الزيادة منفردة؛ نقول: فيها وجهان، واعلم أن الفقهاء الحنابلة إذا قالوا وجهين، يعني وجهين عد الأصحاب، وإذا قالوا روايتين؛ يعني عن الإمام أحمد، وإذا قالوا قولين؛ فإما أن يكون روايتين أو وجهين، وإذا قالوا احتمالين؛ فهما قولان لكن دون الوجهين، فالحاصل أن المؤلف يقول: فيها وجهان إذا كانت غير منفردة، وهنا يجب التنبيه على شيء: أنَّه إذا فعل ذلك قاصدًا -مثلًا- أنّ الفطرة إخراج صاعين، فهذا بدعة؛ لأنه تغيير في الشرع، وأما إنْ قصد أنّ الأول هو الواجب والثاني يريد به التطوع، فهذا حسن، فيراعى هنا القصد، وينظر: هل العقيقة عن البنت بشاتين مثله؟ مثال آخر: رجل اشترى كيسًا من الأرُز لفطرته، وهو بجزم جزمًا مؤكّدًا أنَّه أكثر مما عليه، ويتصدَّق به؛ نقول: الواجب ما كان بقدر الأصواع، والزَّائد نفل، وهذا ليس بمنفصل، ولكن الكمية واضحة. (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "عليه". (¬2) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب): "لو". (¬3) قدر الإجزاء هو الطمأنية بقدر الذكر الواجب على قول بعض العلماء، فأدركه =

- (ومنها): إذا وجب عليه شاة، فذبح بدنة؛ فهل كلها واجبة أو سبعها؟ على وجهين (¬1). - (ومنها): إذا أدى عن خمس من الإبل بعيرًا، وقلنا يجزيه؛ فهل ¬

_ = المأموم بعد قوله: سبحان ربي العظيم (ثلاث مرات) -أي: بعد الواجب-، فأدركه في الركوع على هذه الحالة، وسبَّح معه؛ فهل يُعدَّ مدركًا للركوع؛ إذ قد أدركه في ركوع يُعدّ نفلًا؛ لأن ما زاد عن الواجب نفل، إن شاء رفع وقال: سمع اللَّه لمن حمدهُ، فإذا أدركه في ركوع يعتبر نفلًا، وائتمام المفترض بالمتنفل على قاعدتهم لا يصح، وعلى هذا لا يكون مدركًا للركوع، ولكن الصواب في هذه المسألة أن ائتمام المفترض بالمتنفل جائز؛ فعلى هذا يكون مدركًا للركوع على كل تقدير. ثم الصواب أيضًا في أصل المسألة: أن الزيادة في الركوع زيادة لا تتميز، وإذا كانت لا تتميز، فالكل في حكم الواجب، وعلى هذا إذا أدركه في آخر ركوعه يكون مدركًا للركوع حتَّى على القول بأنه لا يصح ائتمام المفترض بالمتنفل، لأن الصحيح أن الركوع هيئة واحدة لا ينفصل بعضها عن بعض. (ع). (¬1) هذا أيضًا على هذا النوع، ذبح بعيرًا، والواجب عليه شاة؛ هل تكون كلها واجة بمعنى أنَّه يلزمه أن يتصدق بها كلها، أو نقول: الواجب السبع، وما زاد فهو له؟ ينبني على الوجهين: الزيادة الآن متميزة أم غير متميزة؟ غير متميزة، لأن في كل عضو منها سبعًا واجبًا، وستة أسباع غير واجبة، وهذا غير مميز. يقول المؤلف: فيها وجهان: وجه يقول: إنها تكون كلها واجبة؛ فيلزمه أن يتصدق بها كلها. ووجه آخر يقول: إن الواجبَ السُبُعُ ففط، وما زاد؛ فهو نفل. والمذهب أنها تكون كلها واجبة، وأنه لا يجوز أن يبيع ما زاد على السبع، ولا يجوز أن يهبه إلا على سبيل الهدية، نعم، الهدية لا بأس، أما المعاوضة؛ فلا. (ع).

الواجب كله أو خمسه الواجب (¬1)؟ حكى القاضي أبو يعلى الصغير فيه وجهين: فعلى القول بأنه خمسه الواجب (1) يجزئ عن عشرين بعيرًا أيضًا. وعلى الآخر لا يجزئ عن العشرين (¬2)؛ إلا أربعة أَبْعِرَة (¬3). - (ومنها): إذا مسح رأسه كله دفعة واحدة، وقلنا: الفرض منه قدر الناصية؛ فهل الكل فرض أو قدر الناصية منه (¬4)؟ ¬

_ (¬1) في (أ): "واجب" بدون "الـ". (¬2) في (ب): "عشرين". (¬3) الخمس من الإبل فيها شاة، وهو أدى بعيرًا، والبعير يجزئ عن خمس وعشرين. وقوله: "وقلنا يجزئه" فيه إشارة إلى أن البعير لا يجزئ عن خمس من الإبل، ولا البعيران عن عشرة من الإبل، ولا الثلاثة عن خمس عشرة من الإبل، ولا الأربعة عن عشرين من الإبل، وهذه المسألة كما قال المؤلف: فيها خلاف. فمنهم من يقول: إن الشارع أوجب في كل خمس من الإبل شاة إلى الخمس والعشرين، فإذا أخرجت بعيرًا عن خمسة؛ فقد أخرجت من غير جنس الواجب؛ فلا يجزئ، وهذا دليل واضح جدًّا. وقال بعض العلماء؛ بل يجزئ؛ لأن الشارع إنما أوجب فيما دون الخمس والعشرين غنمًا رفعًا بالمالك، فإذا أراد المالك أن يزيد نفسه خيرًا، وأخرج عن الإبل التي دون الخمس والعشرين؛ أخرج عنها من الإبل؛ فقد رجع إلى الأصل؛ لأن الأصل في المال أن تجب زكاته من جنسه، والأرجح أنها تجزئ، لأنَّ الشارع ما يمكن أن يقول: الشاة تجزئ والبعير ما يجزئ، هذا بعيد من الشرع. (ع). (¬4) هذه المسألة فيه نظر؛ لأن كونه يمسح دفعة واحدة هذا غير ممكن، لأنه يبدأ بالمسح من الناصية إلى الخلف، فإذا قلنا: الواجب قدر الناصية؛ فمعناه إذا انتهت الناصية =

- (ومنها): إذا أخرج في الزكاة سنًا أعلى من الواجب؛ فهل كله فرض أو بعضه تطوع؟ قال أبو الخطاب: كله فرض (¬1). وقال القاضي: بعضه تطوع. وهو الصواب (¬2)؛ لأن الشارع أعطاه جبرانًا عن الزيادة. ¬

_ = تميز الواجب عن غيره، ولكن لعله أراد بالدفعة الواحدة أنَّه وضع يديه على رأسه كاملًا. (ع). قلت: واختار ابن عقيل في "الفنون" (1/ 194) أن الفرض الربع، وأن الاستبعاب للثلاثة أرباع سنة. وعن الإمام أحمد فيها ثلاث روايات، إحداهن -وهي ظاهر كلام الخرقي، والمختار لعامة الأصحاب-: وجوب استيعاب جميع الرأس بالمسح؛ لأنه سبحانه أمر بمسح الرأس، ولأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- مسح جميع رأسه، وفعله وقع بيانًا لكتاب ربه سبحانه، ولأنه سبحانه أمر بمسح الرأس وبمسح الوجه في التيمم، ثم في التيمم يجب الاستيعاب؛ فكذلك في مسح الرأس. انظر في المسألة: "المحرر" (1/ 12)، و"الكافي" (1/ 36)، و"المغني" (1/ 125)، و"الإفصاح" (1/ 73)، و"مجموع الفتاوى" (20/ 122 - 127)، و"الاختيارات العلمية" (11)، و"شرح الزركشي على الخرقي" (1/ 190)، و"الفروع" (1/ 147)، و"المبدع" (1/ 127)، و"الإنصاف" (1/ 161). (¬1) قال أبو الخطاب في "الهداية" (1/ 65): ". . . ومن وجب عليه سن، وليس عنده؛ أخذ منه الساعي سنًّا أعلا منه. . . ". (¬2) إذا أخرج أكثر من الواجب كأن تكون وجبت عليه بنت مخاض فأخرج بنت لبون؛ فهل نقول: الزائد من السن واجب أو بعضه تطوع؟ فيه خلاف مبني على القاعدة؛ لأن الواجب هنا لم يتميز، لكن صحح ابن رجب أن ما زاد على سنِّ الفرض؛ فهو تطوع، واستدل لذلك بمسألة الجُبْران، وهي أنَّه إذا كان عنده سن أقل من الواجب دفعه، ودفع معه شاتين أو عشرين درهمًا، وإن كان عنده سن أعلى من الواجب؛ دفعه وأخذ جبرانًا. =

فأما ما كان الأصل فرضيته ووجوبه، ثم سقط بعضه تخفيفًا، فإذا فعل الأصل؛ وُصِفَ الكل بالوجوب على الصحيح. فمن ذلك: إذا صلى المسافر أربعًا؛ فإن الكل فرض في حقه. وعن أبي بكر: أن الركعتين الأخيرتين تنفل (¬1) لا يصح (¬2) اقتداء المفترض به فيهما، وهو متمش على أصله، وهو عدم اعتبار نية القصر. والمذهب الأول (¬3)، ومنه إذا كفر الواطئ في الحيض بدينار؛ فإن الكل واجب؛ وإن كان له الاقتصار على نصفه. ذكره في "المغني" (¬4). ويتخرج فيه وجه من قول أبي بكر، فأما إن غسل رأسه بدلاً عن مسحه، وقلنا بالإجزاء؛ ففي السائل منه وجهان: أحدهما: أنه مستعمل في رفع حدث، لأن الأصل هو الغسل، وإنما ¬

_ = ولكن قد يعارَض ابن رجب في هذا التقدير بأن نقول في مسألة الزائد: أنه لم يرض أن يدفع ما زاد، فأُعطي مقابلًا له، والكلام على أنه رضي أن يدفع الزائد هنا؛ فينبغي أن يكون كله واجبًا. (ع). (¬1) في (أ) و (ب): "نفل". (¬2) في (أ): "لا يصح"، والتصويب من (ب) و (ج) والمطبوع. (¬3) ينبني على هذا ما لو جاء رجل، ووجد شخصًا مسافرًا يصلي ويتم، وأدركه في الركعتين الأخريين؛ فإنه لا نصح صلاته بناء على أن الزائد نفل، ولا تصح صلاة المفترض وراء المتنفل فى المذهب. والصحيح -كما علمنا فيما سبق-: أن إمامة المننفل بالمفترض جائزة. (ع). (¬4) قال في "المغني" (1/ 351 - "الشرح الكبير"): "فإن قيل: فكيف تخير بين شيء ونصفه؟ قلنا: كما نخير المسافر بين قصر الصلاة وإتمامها، فأيهما فعل؛ كان واجبًا، كذا ها هنا" اهـ.

سقط تخفيفًا. والثاني -وهو الصحيح-: أنه طهور؛ لأن الغسل مكروه؛ فلا يكون واجبًا، وقد يقال: والإِتمام في السفر مكروه أيضًا (¬1). ¬

_ (¬1) إن الإنسان إذا أتى بالواجب وزاد عليه، فله حالاتان: الحالة الأولى: أن تكون الزيادة متميزة. والحالة الثانية: أن تكون الزيادة غير متميزة. فإذا كانت الزيادة متميزة، فالزائدة نفل بلا شك، مثل أن يخرج الفطرة صاعين متفردين؛ فهنا يقال: الواجب هو الأول، والثاني نفل، ولا يمكن أن يكون واجبًا. ونقف عند هذه النقطة: هل يشرع للإنسان أن يخرج في الفطرة صاعين؟ لا، غير مشروع، لكن هذا للتمثيل، ويكون الصاع لا يؤخذ باسم الفطرة، يؤخذ على أنه تطوع؛ لأن الشيء المحدد شرعًا تكون الزيادة عليه باعتاره مشروعًا لهذا بعينه من البدعة، كما لو أراد الإنسان أن يزيد في أذكار الصلوات ثلاثة وثلاثين أراد أن يجعلها خمسة وثلاثين، نقول له: إذا كانت تريد بهذا الزائد أن يكون مما شرع دبر الصلاة؛ فهذا بدعة، لا تؤجر عليه، أما إذا أردت أن يكون ذلك على سبيل التطوع المطلق؛ فلا حرج عليك، لكن مع هذا لا ينبغي لك أن تقرنه بالذكر المشهور أمام الناس؛ لئلا يظنوه مشروعًا. خلاصة القاعدة عندنا: إن من زاد على ما يجب عليه في العبادة، فإذا كانت الزيادة منفردة؛ فهي نفل بلا إشكال، وإن لم تكن منفردة؛ فهل يكون كله واجبًا، أو الواجب هو مقدار الواجب، وما دون ذلك هو نفل؟ ذكر المؤلف في ذلك قولين للأصحاب، واستثنى بذلك ما إذا كان الأصل الزيادة، ولكنه نقل تخفيفًا على المكلف؛ فإنه إذا أتى بالأصل يكون الكل واجبًا، وكأنه يريد أن يكون ذلك وجه واحد، ولكن مع هذا ذكر الخلاف، وكذلك إذا كان واجبًا عليه هدي وذبح بعيرًا؛ فهل كله واجب أم لا؟ الصحيح أن كله واجب؛ إلا إذا نوى أن الواجب سُبُعه فقط؛ فهو على نيته. (ع).

4 - القاعدة الرابعة العبادات كلها -سواء كانت بدنية، أو مالية، أو مركبة منهما- لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب، أو قبل شرط الوجوب

(القاعدة الرابعة) (¬1) العبادات كلها -سواء كانت بدنية، أو مالية، أو مركبة منهما- لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب، أو قبل شرط الوجوب (¬2). ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة: ¬

_ (¬1) في (أ): "قاعدة". (¬2) معنى هذه القاعدة: إنَّ العبادات لها أسباب وشروط؛ فهل يجوز أن تقدَّم العبادات على أسبابها؟ الجواب: لا، لأنَّ السبب هو الموجب، ولهذا كان تعريفه: هو الذي يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم؛ فتقديم العبادة قبل وجود سببها لا يصح، منها: لو صلى الصَّلاة قبل وقتها لا تصح، ولو قدّم الزكاة قبل أن يتم النصاب لم يصح؛ لأن السبب في وجوب الزكاة ملك النصاب، ولكن تقديم العبادة عن شرط الوجوب جائز؛ مثل: يشترط لصحة الصلاة الوضوء، فله أن يقدّم الوضوء على إرادة الصلاة، مع أن الوضوء لا يجب إلا بعد إرادة الصلاة. ورجل أخرج كفارة اليمين قبل أن يحلف، قال: أنا أحلف أن لا أكلم فلانًا، لكن أريد أن أخرج الكفارة حتى إذا حنثت أكون قد كفرت؛ لم يجز، ولو أنه حلف أنْ لا يكلم فلانًا، قال: أُخرج الكفارة قبل أن أكلمه؛ جاز؛ لأن الأول أدى العبادة قبل سببها، والثاني قبل شرط وجوبها، وكذلك تقديم الزكاة قبل النصاب فغير جائز، ولكن قبل حولان الحول فجائز. (ع).

- (منها) (¬1): الطهارة سبب وجوبها الحديث، وشرط الوجوب فعل العبادة المشترط لها الطهارة؛ فيجوز تقديمها على العبادة؛ ولو بالزمن الطويل بعد الحديث. - (ومنها): الصلاة؛ فيجوز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر، والعشاء إلى وقت المغرب، لأن الشارع جعل الزوال سببًا لوجوب الصلاتين عند العذر دون عدمه (¬2)، ولهذا لو أدرك جزءً من وقت الزوال، ثم طرأ عليه عذر؛ لزمه قضاء الصلاتين على إحدى الروايتين، ولو زال العذر في آخر وقت العصر؛ لزمه الصلاتان بلا خلاف عندنا؛ فعلم أن الوقتين قد صارا في حال العذر كالوقت الواحد؛ لكنه وقت جواز بالنسبة إلى إحداهما ووجوب بالنسبة إلى الأخرى (¬3). ¬

_ (¬1) في (ب): "فمنها". (¬2) في (ج): "غيره". (¬3) يجوز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر بسبب شرعي، وكذلك تقديم صلاة العشاء إلى وقت المغرب، هذا مقيد، وقول المؤلف رحمه اللَّه: "لأن الشارع جعل الزوال سببًا لوجوب الصلاتين عند العذر" فيه نظر، فإن الزوال سبب لوجوب صلاة الظهر فقط، لا لوجوب صلاة العصر، ولذلك لو طرأ للإنسان مانع بعد زوال الشمس؛ كالمرأة أتاها الحيض بعد أن زالت الشمس، فإذًا تقضي إذا طهرت صلاة الظهر فقط، حتى على المذهب، لكن في رواية ثانية أنها تقضي الظهر والعصر، والصواب أنها لا تقضي إلا الظهر، وهذا هو المذهب؛ فهذا الفرع فيه نظر، ولذلك الصواب أنه لا يجوز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر إِلا لعذر، وإذا كان لعذر؛ فإنه من باب الرخصة، وليس من باب الجواز المطلق، وفرق ما بين الجواز مطلقًا والرخصة. وقوله أيضًا: "وإذا زال العذر قبل أن تغرب الشمس بركعة"، نقول: امرأة طهرت قبل أن تغرب الثسمس بركعة؛ يجب عليها صلاة العصر؛ فهل يجب عليها الظهر؟ =

- (ومنها): صلاة الجمعة؛ فإن سببها اليوم؛ لأنها تضاف إليه، فيجوز فعلها بعد زوال وقت النهى من أول اليوم؛ وإن كان الزوال هو وقت الوجوب (¬1). - (ومنها): زكاة المال يجوز تقديمها من أول الحول بعد كمال النصاب (¬2). - (ومنها): كفارات الإحرام إذا احتح إليها للعذر، فإن العذر سببها؛ فيجوز تقديمها بعد العذر وقبل فعل المحظور (¬3). ¬

_ = هذا شيء فيه خلاف، لكن يقول المؤلف: إنه بلا خلاف عندنا -أي: في مذهب الحنابلة-، ولعل الخلاف حصل بعد المؤلف، والصحيح أنه لا يجب عليها إلا صلاة العصر فقط، لقول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أدرك ركعة في أن تغرب الشمس؛ فقد أدرك العصر"، ولم يقل: والظهر. وإذا كان الوقتان وقت واحد عند وجود العذر، كالمطر والمرض والسفر؛ فليس معناه أنه كلما حصل سبب الوجوب لإحداهما وجبت الأخرى. (ع). (¬1) وقت صلاة الجمعة، جمهور أهل العلم يرون أنها لا تفعل إِلا بعد الزوال، وأن وقتها كوقت الظهر، ولكن تقدم أن الصحيح خلاف ذلك، ومذهب الإمام أحمد أن وقتها يبدأ من انتهاء وقت النهي، المؤلف بنى على هذا، قال: إنها تسمى صلاة يوم الجمعة، ولا تفعل في وقت النهي؛ لأنه وقت نهي، فعلى هذا لو قدمها من بعد خروج وقت النهي (يعني: بعد الساعة ما تقيد قدر رمح)؛ فإنه يجوز، ولكن وقت الوجوب بعد الزوال، ولكن المذهب أن وقت الوجوب والجواز هو هذا (أعني: من أول اليوم)، وعلى هذا لو أدركت المرأة مقدار ركعة من هذا الوقت، ثم حاضت؛ وجبت في حقها ظهر قضاءً. (ع). قلت: صلاة الجمعة صلاة قائمة برأسها؛ وهي غير الظهر، وهي ليست واجبة فى حق المرأة؛ فلا تلزم ذمتها بفرض الظهر إلا بعد دخول وقتها، واللَّه أعلم. (¬2) تقدمت آنفًا. (¬3) مثلاً: إنسان مريض وهو محرم محتاج إلى حلق الرأس؛ فقدم الفدية قبل أن =

- (ومنها): صيام التمتع والقران (¬1)؛ فإن سببه العمرة السابقة للحج في أشهره، فبالشروع في إحرام العمرة قد وجب السبب؛ فيجوز الصيام بعده، وإن كان وجوبه متأخرًا عن ذلك. وأما (¬2) الهدي؛ فقد التزمه أبو الخطاب في "انتصاره"، ولنا رواية: أنه يجوز ذبحه لمن دخل قبل العشر؛ لمشقة حفظه عليه إلى يوم النحر، وعلى المشهور لا يجوز في غير أيام النحر؛ لأن الشرع خصها (¬3) بالذبح (¬4). ¬

_ = يحلق رأسه؛ فجائز، وإن كان وقت وجوبها يكون بعد الحلق، وإنْ قدّمها قبل مرضه؛ فغير جائز لأنه فعلها قبل سببها. (ع). (¬1) في المطبوع و (أ) و (ب): "والقرأن" والتصويب من (ج). (¬2) كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ب) و (ج): "فأما". (¬3) في (ج): "خصصها". (¬4) المتمتع بالعمرة إلى الحج يجب عليه الهدي، فإن لم يجد؛ فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع، وهذا رجل أحرم بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج، فوُجِد سببُ الوجوب، وهو البداءة بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج؛ فهل يجوز أن يذبح الهدي الآن لوجود سبب الوجوب؟ أبو الخطاب التزمه بناءً على القاعدة، وهناك رواية عن أحمد لمن قدم قبل دخول ذي الحجة: أنه يجوز له أن يذبح هديه، والعلّة بالعمرة؛ لأنه عالم بحالة، وأنه فقير لا يقدر على الهدي. يقول المصنف: يجوزنا: على القاعدة، وهي قيام السبب، وقبل شرط الوجوب، والتفريق بينه وبين الهدي: أن الشرع جعل للهدي وقتًا محددًا، ولم يجعل للصيام كذلك. ومذهب الشافعي: جواز ذبح الهدي قبل يوم النحر، والصحيح عدم الجواز قبل يوم النحر، لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينحر إلا يوم النحر، والصحيح أن سبب الوجوب هو التحلل وليس الإحرام. والخلاصة: أنه لو كان جائز لفعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليتحلّل، ولكنه قال: "فلا أُحل حتى أنحر"، وبقي إلى يوم النحر. =

- (ومنها): كفارة اليمين يجوز تقديمها على الحنث بعد عقد اليمين؛ مالية كانت أو بدنية (¬1). - (ومنها): إخراج (¬2) كفارة القتل أو (¬3) الصيد بعد الجرح وقبل الزهوق. ¬

_ = على أن المعنى أنه من تمتع بالتحلل، أي: بما أحلَّ اللَّه له من محذورات الإحرام إلى الحج، هذا هو معنى الآية، ومن أجل هذه العلة ذهب بعض أهل العلم إلى أن القارن ليس عليه هدي، قالوا: لأن القارن ما تمتع بالعمرة، وهو لا يحل إلا يوم النحر، ولكن جمهور أهل العلم -ومنهم الأئمة الأربعة- على أن القارن عليه هدي، وعللوا ذلك بأنه أسقط أحدَ السّفرين، حبت جمع بين الحج والعمرة، ولو لم يجمع؛ لكان يلزمه سفر للعمرة، وسفر للحج، فيرون أن مناط الحكم هو سقوط أحد السفرين، وهذه العلة قد تناقش؛ فإنهم يقولون: لو أنه أحرم بالحج مفردًا، ثم أتى بالعمرة بعد ذلك؛ فليس عليه هدي، وإنْ كان قد سقط عنه أحدُ السفرين؛ فهذه العلة منقوضةٌ بشيئين: • بالمفرد، فإنه لا يلزمه الهدي إنْ أتى بالعمرة بعد الحج، وهي كذلك فيها. • وظاهر القرآن، لأن اللَّه قد أوجب الهدي على المتمتع. ولكن لا شك أن قول الجمهور أحوط، ويشهد له فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بسوقه للهدي. (ع). (¬1) كتب على هامش نسختي (أ) و (ب) هنا: "حكى ابن الزَّاغوني في رواية: لا يجوز تقديم الكفارة البدنية؛ كالصيام، وزعم ابن عقيل في أعمدة الأدلة" أنها أصح الروايتين، ولم يوافق على ذلك". قلت: وذكرها ابن رجب عنه في "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 184)، فقال: "وحكى -أي: ابن الزَّاغوني- فيه -أي: في كتابه "الإقناع"- رواية عن أحمد: أنه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث إذا كان صومًا، ويجوز بالمال" اهـ. (¬2) سقطت من (ب). (¬3) في (ج): "و".

- (ومنها): النذر المطلق، نحو: إن شفى اللَّه مريضي؛ فلله عليَّ أن أتصدق بكذا؛ فله أن يتصدق في الحال. ذكره ابن عقيل في "فنونه" (¬1). ويلتحق بهذه القاعدة ما يجوز تقديمه على شرط وجوبه بعد وجود سببه من غير العبادات؛ كالإبراء من الدية بين الجناية والموت (¬2)، وأما من القصاص (¬3)؛ ففيه روايتان، وكتوفية المضمون عنه للضامن الدين بين الضمان والأداء، وفيه وجهان، وكعفو الشفيع عن الشفعة قبل البيع، وفيه روايتان؛ فإن سبب الشفعة الملك وشرطها البيع، وأما إسقاط الورثة حقهم من وصية الموروث في مرضه؛ فالمنصوص عن أحمد أنه لا يصح، وشبهه في موضع بالعفو عن الشفعة؛ فخرجه الشيخ مجد الدين في "تعليقه على الهداية" (¬4) على روايتين، وكإيتاء المكاتَب رُبْعَ الكتابة بعد عقدها وقبل كمال الأداء، وهو جائز (¬5). ¬

_ (¬1) سيأتي التعريف به (ص 20). (¬2) سبب الوجوب: الجناية، وشرط وجوب الدية: الموت. (ع). (¬3) أي: هل له أن يقول: لا قود عليك وإن متّ؟ (ع). (¬4) هو "شرح الهداية" المتقدم (ص 14)، وسيأتى التعريف به (ص 261). (¬5) خلاصة ما سبق: ان العبادات يجوز فعلها بعد وجود سببها وقبل وجود شرطها، أما قبل وجود السبب؛ فليست بجائزة، وأما بعد وجوب الشرط، فهي جائزة من باب أولى، بل تجب إذا كان الأمر واجبًا، فرجل قال: أنا أريد أن أحلف ألا أدخل على دار فلان، وأكفر الآن قبل أن أحلف؛ فلا يجوز، لأنه ما حلف بعد، وما وجد السبب، فإن حلف ولم يدخل ثم قال: أكفّر؛ جاز؛ لأن السبب موجود، والشرط ما وجد بعد، وإذا دخل يجوز من باب أولى، بل يجب عليه. (ع).

5 - القاعدة الخامسة من عجل عبادة قبل وقت الوجوب، ثم جاء وقت الوجوب وقد تغير الحال بحيث لو فعل المعجل في وقت الوجوب لم يجزئه؛ فهل تجزئه أم لا؟

(القاعدة الخامسة) (¬1) من عجل عبادة قبل وقت الوجوب، ثم جاء وقت الوجوب وقد تغير الحال بحيث لو فعل المعجل في وقت الوجوب لم يجزئه؛ فهل تجزئه (¬2) أم لا؟ هذا على قسمين: (أحدهما): أن يتبين الخلل في نفس العبادة بأن يظهر وقت الوجوب أن الواجب غير المعجل، ولذلك صور: - (منها): إذا كفر بالصوم قبل الحنث، ثم حنث وهو موسر؟ قال صاحب "المغني" (¬3) لا يجزئه؛ لأنا تبينا أن الواجب غير ما أتى ¬

_ (¬1) في (أ): "قاعدة". (¬2) في (ج): "يجزه"، والصواب ما في المطبوع و (أ) و (ب). (¬3) قال في "المغني" (1/ 224 - "الشرح الكبير"): "قال ابن عبد البر: العجب من أصحاب أبي حنيفة! أجازوا تقديم الزكاة من غير أن يرووا فيها مثل هذه الآثار الواردة في تقدم الكفارة، ويأبون تقديم الكفارة مع كثرة الرواية الواردة فيها، والحجة في السنة، ومن خالفها محجوج بها". ثم قال عنه: "ولأن الصيام نوع تكفير؛ فجاز قبل الحنث كالتكفير بالمال، وقياس الكفارة على الكفارة أولى من قياسها على الصلاة المفروضة بأصل الوضع" اهـ.

به، وإطلاق الأكثر [ين] مخالف لذلك (¬1)؛ لأنه كان فرضه في الظاهر، فبرئ به، وانحلت يمينه، بمعنى أنها لم تبق منعقدة بالتكفير، فصادف فعل المحلوف عليه ذمة بريئة من الواجب؛ فلم يحصل به الحنث؛ لأن الكفارة حلته. وقد صرح أبو بكر عبد العزيز بأن الكفارة قبل الفعل تحل اليمين المنعقدة وبعده تكفر أثر المخالفة (¬2). ¬

_ (¬1) و (¬2) إذا فعل الإنسان العبادة قبل أن تجب عليه، ثم تغيرت حال هذا الرجل؛ بحيث لو فعل ما عجله وقت الوجوب، لم يجزئه؛ فهل يقوم بالإجزاء أو لا؟ يقول: هذا على قسمين: القسم الأول: أن يتبين الخلل في نفس العبادة. والقسم الثاني: أن يتبين الخلل في جهة أخرى. مثال ذلك فيما لو تبين في نفس العبادة: رجل حلف أن لا يدخل بيت فلان، ثم ندم وأراد أن يكفر عن يمينه، وما كان يستطيع الإطعام، فشرع في الصيام، فأكمل الصيام، ثم دخل بيت فلان، ولما كان وقت الحنث؛ كان قد ورث من قريبه المتوفى، فتغر حاله من الإعسار إلى الإيسار؛ فهل نقول: إن صيامه يجزئه؟ قال صاحب "المغني": "إنه لا يجزئه، لأنه في وقت الوجوب ليس من أهل الصيام، بل من أهل الإطعام أو العتق"، وقال الأكثرون: إنه يجزئه؛ لأنه بالصيام قد انحلت اليمين، فإذا انحلت اليمين، فحين ذلك صادف الحنث شخصًا برئ الذمة، وهذا القول هو الصحيح، واللَّه سحانه وتعالى سمى ذلك تحلة؛ فقال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]، فإذا كان هذا تحلة؛ فإنه يصادف الحنث شخصًا بريئًا ما عليه كفارة؛ لأنه قد حل بالتكفير السابق. [كذلك] النية، نية الحنث، لو قال: أنا الآن حلفت وأنا أُريد أنْ أفْتَكَّ من هذا اليمين حتى أصير حرًا، رحت أو لم أرّح؛ نقول: كفر الآن ولا حرج عليك، انحل اليمين نهائيًا.=

- (ومنها): إذا كفر المتمتع بالصوم، ثم قدر على الهدي وقت وجوبه؟ فصرح ابن الزاغونى في "الإقناع" (¬1) بأنه لا يجزئه الصوم، وإطلاق الأكثرين يخالفه (¬2)، بل وفي كلام بعضهم تصريح به، وربما أشعر كلام أحمد (¬3) بذلك؛ لأن صومه صح؛ فبرئت ذمته به، فصادف وقت وجوب ¬

_ = لو اغتنى في أثناء صيامه؛ فهل عليه إثم؟ لا، ما عليه صيام؛ لأنه يصادف آخر صيامه، وهو ليس أهلاً لذلك. (ع). قلت: والمثبت من (أ) والمطبوع، وفي (ب): "يخالف ذلك"، وفي (ج): "بخلاف ذلك". (¬1) قال ابن رجب: "في مجلد"، وصاحبه علي بن عبيد اللَّه بن نصر بن السري أبو الحسن الزَّاغوني (ت 527 هـ). انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 180 - 184)، و"السير" (19/ 605 - 607)، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (417). (¬2) في (ج): "بخلافه". (¬3) قال في رواية حنبل: "في المتمتع إذا صام أيامًا ثم أيسر: أرجو أن يجزئه الصيام، ويمضي فيه". وقال في رواية ابن منصور: "في متمتع لم يجد ما يذبح، فصام، ثم وجد يوم النحر ما يذبح؛ فمتى دخل في الصوم؛ فليس عليه". نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة" (3/ 347)، وعقب عليه بقوله: "ونقول في الكفارات كلها: إذا دخل في الصوم، يمضي فيه"، وقال: "وهذا أصل مطرد لنا في الكفارات كلها، إذا قدر على التكفير بالمال بعد الشروع في الصيام؛ لم يلزمه الانتقال؛ لأن الصومَ لا يبطل بوجود الرقبة والهدي". وما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه هو المذهب، وعليه الأصحاب؛ كما في "الإنصاف" (3/ 516). =

الهدي ذمة بريئة من عهدة الواجب. - (ومنها): إذا عجل عن أربع وعشرين من الإبل أربع شياه، ثم نتجت واحدة قبل الحول؛ ففيه وجهان: أحدهما: لا يجزئه، ويجب عليه إخراج بنت مخاض. والثاني: يجزئه عن العشرين، ويخرج عن الباقي خمس بنت مخاض. ولا يقال: إنه يجب عليه شاة عن الخمس الزائدة التي لم يؤد عنها؛ لئلا يفضي إلى إيجاب خمس شياه عن خمس وعشرين (¬1). - (ومنها): إذا صلى الصبي في أول الوقت، ثم بلغ؛ ففي وجوب الإعادة وجهان: المنصوص أنه يجب، واختار القاضي في "شرح المذهب" (¬2) خلافه؛ لأنه فعل المأمور يه في أول الوقت، فصادفه وقت ¬

_ = وانظر: "المغني" (3/ 480)، و"الفروع" (3/ 327)، و"المبدع" (3/ 178). (¬1) يخرج خُمس بنت مخاض؛ لأن أربعة أخماس بنت مخاض قد أجزأته على العشرين الأُولِ؛ فيبقى يخرج عن الخَمْس بنت مخاض؛ لأن خمسة وعشربن فيهنَّ بنتُ مخاض، إذا قسمت الواحدة على خمسة وعشرين يخرج خُمْس، لكن كيف يخرجه؟ يُقَدّر قيمته إلا إذا أراد أن يذبح بنت مخاض ويخرج خُمسها للفقراء، هذا جائز. (¬2) كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "شرح المهذب"، -هكذا خطأً- في خمسة مواطن، هي: (ص 8، 21، 37، 40، 343 - ط القديمة)، وفي سائر المواطن على الجادّة، وما أثبتناه هنا من "طبقات الحنابلة" (2/ 206) لابنه، وعده أستاذنا الشيخ محمد أبو فارس في كتابه "القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه الأحكام السلطانية" (ص 246) من كتبه المفقودة.

الوجوب وقد فعل المأمور (¬1)؛ فامتنع تعلق الوجوب به لذلك، وهذا بخلاف ما إذا حج ثم بلغ؛ فإن حجه ليس بمأمور به ولا معاقب على تركه؛ بخلاف الصلاة (¬2). (والقسم الثاني): أن يتبين الخلل في شرط العبادة المعجلة؛ فالصحيح أنه يجزئه، ويتفرع عليه مسائل: - (منها): إذا عجل الزكاة إلى فقير مسلم، فحال الحول وقد مات أو ارتد أو استغنى من غيرها (¬3). ¬

_ (¬1) في (ج): "المأمور به". (¬2) الصلاة التي يعاقب على تركها الصغير الذي لم يبلغ ليس من جهة اللَّه، ولكن من جهة وليه، "واضربوهم عليها لعشر"، أما الحج؛ فلا يعاقب على ذلك، والصحيح القول الثاني: وهو أنَّ الصبي إذا صلى ثم بلغ؛ فإنه لم تجب عليه الإعادة لأنه فعل ما أمر به، فبرئت ذمته منه. (ع). (¬3) يجزئه؛ لأن الخلل هنا في شرط العبادة المعجلة؛ إذ شرط الزكاة أن تصادف محلًّا، وهذا الرجل عجل الزكاة فتصدق على شخص مسلم فقير، وعند تمام الحول وإذا هذا الذي أخذ الزكاة صار غنيًا، يجزئه أم لا؟ يجزئه؛ لأن العبادة نفسها ما صارفيها خللًا، والخلل في شرطها، أي في الموضع الذي جعلت فيه. (ع). قلت: في (ج) زيادة: "يجزئه". وانظر في المسألة: "مسائل عبد اللَّه" (565)، و"مسائل أبي داود" (84)، و"مسائل ابن هانئ" (552)، و"المحرر" (1/ 225)، و"الكافي" (1/ 438)، و"شرح الزركشي" (2/ 425 - 426)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/ 85)، و"المبدع" (2/ 408)، و"الفروع" (2/ 571)، و"كشاف القناع" (2/ 310)، و"قواعد ابن اللحام" (ص 118).

- (ومنها): إذا جمع بين الصلاتين في وقت أولاهما بتيمم ثم دخل وقت الثانية وهو واجد للماء (¬1). - (ومنها): إذا قصر الصلاتين في السفر في وقت أولاهما ثم قدم قبل دخول وقت الثانية (¬2). * * * ¬

_ (¬1) يعيد أم لا؟ لا، ما يعيد؛ لأن العبادة وقعت في محلها؛ لأنه يجوز له الجمع، على وجه مأمور به؛ فلا يضر إذا تغيرت حاله بعد ذلك. اهـ. (ع). (¬2) وصل إلى البلد قبل دخول العصر، يلزمه أن يصلي العصر أم لا؟ الجواب: ما يلزمه؛ لأنه برئت ذمته، ولكن هنا سؤال: هل يقال: أن له أن يجمع وهو يعلم أن سيدخل البلد قبل العصر؟ نقول: له ذلك، ولكن الأفضل أن لا يجمع ما دام يعرف أنه سيصل قبل دخول وقت الثانية، إنما لو جمع، فلا حرج عليه؛ لأنه ما زال في سفر، ومثل ذلك لو علم أنه يقدم في آخر الوقت وأراد أن يصلي القصر؛ نقول: لا حرَج عليه. (ع).

6 - القاعدة السادسة إذا فعل عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه، ثم تبين بأخرة أن الواجب كان غيره؛ فإنه يجزئه

(القاعدة (¬1) السادسة) (1) إذا فعل عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه، ثم تبين بأخرة أن الواجب كان غيره؛ فإنه يجزئه. ولذلك صور: - (منها): إذا أحج المعضوب عن نفسه، ثم برئ؛ فإنه يجزئه على المذهب؛ لأنه فعل الواجب (¬2) عليه في وقته، لا سيما [إن] (¬3) قيل: إن ذلك عليه على الفور (¬4). ¬

_ (¬1) في (أ): "قاعدة". (¬2) في (ج): "الواجب عليه كان. . .". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) المعضوب: هو الذي لا يستطيع أن يحج، وذلك لمرض لا يُرجى بُرؤه، أحَجَّ أي: نوَّب من يحج عنه ثم برئ، فإنه يجزئه. وأما إذا علم أنه سوف يبرئ؛ فلا يحجج عنه أحد، وهذا يعود إلى عرف الناس؛ فالذي لا يرجى برؤه؛ كالسرطان والسل في الزمن السابق وما أشبه ذلك؛ فإذا أحجَّ عنه -أي: نوَّب- عنه ثم بعد ذلك أبرأه اللَّه؛ يجزئه الحج، سواء كان على الفور أم لا، والقول بالإجزاء إن كان الحج على الفور من باب أولى، والصحيح أنه على الفور. (ع). قلت: انظر في المسألة: "مسائل أبي داود" (135)، و"المحرر" (1/ 233)، و"الكافي" (1/ 520)، و"الفروع" (3/ 250)، و"شرح الزركشي" (3/ 42 - 43)، و"الإنصاف" (3/ 409).

- (ومنها): إذا كفر العاجز عن الصيام بالإطعام للإياس من برئه، ثم عوفي؛ فإنه لا يلزمه قضاء الصوم. - (ومنها): إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه؛ فإنها تعتد عندنا سنة، فإذا اعتدت سنة، ثم رأت الحيض؛ لم يلزمها الاعتداد به. - (ومنها): إذا صلى الظهر من لا جمعة عليه لأجل العذر، ثم زال العذر قبل تجميع الإمام؛ فإنه لا يلزمه إعادة الجمعة مع الإمام، وأما ما حكي عن أبي بكر أنه لا يجزئه فعل الظهر قبل تجميع الإمام؛ فمن الأصحاب من بناه على هذا الأصل، وأنه تجب (¬1) الإعادة لتبيننا أن الواجب عليه الجمعة، وليس هذا مأخذ أبي بكر؛ فإنه صرح بمأخذه، وهو أن وقت الظهر في حق من لا جمعة عليه إنما يدخل بفعل الجمعة من الإمام (¬2)، كما لا يدخل وقت الذبح في الأضاحي إلا بعد صلاة الإِمام. ويلتحق بهذه القاعدة: ما إذا خفي الاطلاع على خلل الشرط، ثم تبين؛ فإنه يغتفر في الأصح. - (فمن ذلك): إذا أدى الزكاة إلى من يظنه فقيرًا، فبان أنه غني؛ فإنها تسقط على أصح الروايتن. - (ومنها): إذا صلى المسافر بالاجتهاد إلى القبلة، ثم تبين الخطأ؛ فإنه لا إعادة (¬3) على الصحيح (¬4). ¬

_ (¬1) في (ج): "وأنه تجب عليه الإعادة". (¬2) في المطبوع: "الإمام". (¬3) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "لا إعادة عليه على الصحيح". (¬4) لكن بالاجتهاد، وليس بالتحري، هذا يكون عنده علم بعلامات القبلة، ثم =

- (ومنها): إذا حكم الحاكم بشهادة عدلين في الظاهر، ثم تبين فسقهما؛ ففي النقض روايتان، رجح ابن عقيل في "الفنون" عدمه، وبه جزم القاضي في (كتاب الصيد) من "خلافه" (¬1) والآمدي لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، والمشهور النقض؛ لتعلق حق الغير به، وأما إذا اصطاد بكلب علمه ثم أكل من الصيد؛ فإنه لا تحرم صيوده (¬2) المتقدمة على الصحيح؛ لكن مأخذه أنا لم نتبين فساد تعليمه لجواز أن يكون نسيه بعد تعلمه أو نسي إرساله، فأما الإعادة على من نسي الماء في رحله وتيمم ثم صلى، أو على من صلى صلاة شدة الخوف لسواد ظنه عدوًّا، فلم يكن أو كان بينه وبينه ما يمنع العبور؛ فإنه مبني على أنه فرط بترك البحث والتحقيق. * * * ¬

_ = اجتهد فأخطأ، أما لو كان في البيت أو في البلد ثم صلى ظانًّا أن هذه القبلة ثم تبين أنها ليست القبلة؛ فعليه الإعادة؛ لأن البلد ليس محلًا للاجتهاد؛ إذ حقه أن يسأل أو يخرج إلى المساجد وينظر. (ع). (¬1) اسمه: "التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة"، سيأتي التعريف به في التعليق على (ص 144 - 145)، وفي دار الكتب المصرية المجلد الرابع منه، تحت رقم (140 - فقه حنبلي)، وعنه مصورة في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية ذات رقم (18)، كما في "فهارسها" (1/ 330). (¬2) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ): "صويده".

7 - القاعدة السابعة من تلبس بعبادة، ثم وجد قبل فراغها ما لو كان واجدا له قبل الشروع لكان هو الواجب دون ما تلبس به؛ هل يلزمه الانتقال إليه، أم يمضي ويجزئه؟

(القاعدة السابعة) (¬1) من تلبس بعبادة، ثم وجد قبل فراغها ما لو كان واجدًا له قبل الشروع لكان هو الواجب دون ما تلبس به؛ هل يلزمه الانتقال إليه، أم يمضي ويجزئه؟. هذا على ضربين: أحدهما: أن يكود المتلبَّس (¬2) به رخصة عامة شرعت تيسيرًا على المكلف وتسهيلًا عليه، مع إمكان إتيانه بالأصل على ضرب من المشقة والتكلف؛ فهذا لا يجب عليه الانتقال منه بوجود الأصل؛ كالمتمتع إذا عدم الهدي فإنه رخص له في الصيام رخصة عامة، حتى لو قدر على الشراء بثمن في ذمته وهو موسر في بلده؛ لم يلزمه (¬3). (الضرب الثاني): أن يكون المُتَلَبَّس به إنما شرع ضرورة للعجز عن الأصل وتعذره بالكلية، فهذا يلزمه الانتقال إلى الأصل عند القدرة عليه؛ ¬

_ (¬1) في (أ): "قاعدة" بدون ترقيم. (¬2) في (ج): "للمتلبس به". (¬3) المتمتع الذي لم يجد الهدي؛ فله أن يصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع، لكن في أثناء الصوم وجد الهدي؛ هل يلزمه الانتقال أو لا يلزمه؟ يقول المؤلف: إنه لازمه؛ لأن هذا البديل شرع رخصة عامة وليس لتعذر الأصل بالكلية، ولكن من أجل الرخصة على المكلف. (ع).

ولو في إثناء التلبس بالبدل؛ كالعِدَّة بالأشهر؛ فإنها لا تعتبر بحال مع القدرة على الاعتداد بالحيض، ولهذا تؤمر من ارتفع حيضها لعارض معلوم أن تنتظر زواله ولو طالت المدة (¬1)، وإنما جوز لمن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه أن تعتد بالأشهر؛ لأن حيضها غير معلوم، ولا مظنون عوده، وسواء كانت هذه المعتدة مكلفة قبل هذا بالاعتداد بالحيض؛ كمن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فاعتدت بالأشهر ثم حاضت في أثنائها، أو لم تكن مكلفة به؛ كالصغيرة إذا حاضت في أثناء العدة بالأشهر (¬2). وها هنا مسائل [كثيرة] (¬3) مترددة بين الضربين: - (منها) (¬4): من شرع في صيام كفارة ظهار أو يمين أو غيرهما، ثم ¬

_ (¬1) ولهذا لو طلقت وهي ترضع؛ فإنّ عدتها تنتهي إذا حاضت ثلاث مرات، أمَّا لو بقيت سنتين وهي ترضع ولم يأتها الحيض؛ فالعدة سنتان، خلافًا لما يفهمه العوام أنها إذا كانت لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، والمقصود أنها متى كان تخلف حيضها لسببٍ معلوم يُرجى زواله، فالعدّة ثلاث حيضات، ولو طالت مدّتها. (ع). (¬2) فالاعتبار في العدة بالحيض، والأشهرُ فرع عنه، وعلى هذا؛ فلو شرعت في الاعتداد بالأشهر بناءً على أن الحيض لم يأتها، ثم أتاها في أثناء الأشهر؛ فإنه يلزمها أن تعتد بالحيض حتى لو لم يبق عليها إلا يوم واحد؛ لأن اللَّه يقول: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}، ومع وجود الحيض لا تكون آية، ومعه أيضًا لا تكون صغيرة لا تحيض، فإذا عاد عليها الحيض ولو في آخر يوم من الأشهر الثلاثة؛ انتقلت إليه، أما إذا انتهت الأشهر قبل أن يأتيها الحيض؛ فقد انتهت العدة، ولو جاءها الحيض بعد انتهاء الأشهر بلحظات. (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج). (¬4) في (ج): "فمنها".

وجد الرقبة؛ فالمذهب لا يلزمه الانتقال؛ لأن ذلك رخصة، فهو كصيام المتمتع، وفيه وجه يلزمه الانتقال؛ لأن الكفارات مشروعة للردع والزجر، وفيها من التغليظ ما ينافي الرخصة المطلقة، ولهذا يلزم شراء الرقبة بثمن في الذمة إذا (¬1) كان ماله غائبًا، ولو لم يجد من يبيعه رقبة بالدين وماله غائب؛ فهل يلزمه انتظاره، أو يجوز له العدول (¬2) إلى الصيام للمشقة، أو يفرق بين الظهار وغيره؟ على أوجه معروفة. - (ومنها): المتيمم إذا شرع في الصلاة، ثم وجد الماء؛ ففي بطلانها روايتان (¬3)؛ لأن التيمم من حيث كونه رخصة عامة؛ فهو كصيام المتمتع، ومن حيث كونه ضرورة يشبه العدة بالأشهر، وبيان الضرورة أنه تستباح معه الصلاة بالحدث، فإنه غير رافع له على المذهب؛ فلا يجوز (¬4) إتمام الصلاة محدثًا مع وجود الماء الرافع له (¬5). ¬

_ (¬1) في (ج): "إن". (¬2) كتب ناسخ (ب) على هامشها: "وهو الصحيح". (¬3) على هامش (ب) كتب أيضًا: "الصحيح: أنها تبطل". قلت: قال في "الإنصاف" (1/ 298): "إن وجده فيها؛ بطلت"، وفيه: "هذا المذهب بلا ريب؛ وعليه جماهير الأصحاب"، ونص عليه أحمد؛ كما في "مسائله وإسحاق" (1/ 19). (¬4) في (أ): "فلا يجوز له". (¬5) هذا مبني على كون التيمم رافعًا للحدث، أو مبيحًا للصلاة، فإن قلنا: إنه رافع للحدث؛ فقد ارتفع حدثه، وإن قلنا: إنه مبيح؛ فإن الحديث لم يرتفع، فإذا وجد الماء؛ فإنه لا يمكن أن يستبيح الصلاة بالتيمم؛ لأنه واجد للماء، وعندي أن هذا البناء فيه نظر؛ لأن القائلين بارتفاع الحديث بالتيمم يقولون: إن هذا الارتفاع ارتفاع مؤقت إلى أن يجد الماء، فإذا وجد الماء؛ زال الارتفاع، كذلك الاستباحة. =

- (ومنها): إذا نكح المعسر الخائف للعنت أمة، ثم زال أحد الشرطين؛ فهل ينفسخ نكاحه؟ على روايتين (¬1)، والنكاح فيه شوب عبادة (¬2). * * * ¬

_ = نعم، البناء الحقيقي أن يقال: الآن شرع في البدل أي شرع فيما يجب له البدل وهو الصلاة، ولما كان ابتداء الصلاة صحيحًا؛ لأنه لم يجد الماء؛ فليكن آخرها صحيحًا أيضًا وإن وجد الماء، مثل قولنا: إذا وجد المتمتع ثمن الهدي بعد أن شرع في الصوم؛ فإنه لا يلزمه، وهذا هو المأخذ الصحيح، والمذهب في هذه المسألة أنه يبطل تيممه، فتبطل صلاته، وعلى هذا فتلزمه الصلاة. وكذلك في الكفارات؛ فالظاهر أنه متى شرع في البدل؛ فإنه لا يلزمه الانتقال، وإلا؛ ألزمناه بالأصل أيضًا، فهذا الرجل يقول: أنا شرعت بالبدل وقد أذن لي فيه؛ فما الذي يبطله؟. ملاحظة: الغالب أنْ ما اتفق عليه الموفق ابن قدامة والمجد ابن تيمية هو المذهب، لا سيما إذا وافقهما القاضي أبو يعلى؛ وإن اختلفا، فما رجّحه القاضي هو المذهب. (ع). قلت: انظر في مسألة التيمم السابقة: "الخلافيات" (2/ 449 - 459) للبيهقي وتعليقنا عليه، وفيه ترجيح بطلان الصلاة. وقد استنكر جدًّا الحافظ ابن رجب القول بجواز التيمم بالتراب مع القدرة على الماء في كتابه "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 30). (¬1) كتب في هامش (ب): "الصحيح أنه لا ينفسخ". (¬2) الصواب أنه لا ينفسخ، والشرطان اللذان يبيحان نكاح الإماء: عدم وجود المهر للحرة، وخوف العنت، وهو الزِّنا. (ع).

8 - القاعدة الثامنة من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها؛ هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا؟

(القاعدة الثامنة) (¬1) من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها؛ هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا؟ هذا أقسام: (أحدها) (¬2): أن يكون المقدور عليه ليس مقصودًا في العبادة، بل هو وسيلة محضة إليها؛ كتحريك اللسان في القراءة، وإمرار الموسى على الرأس في الحلق والختان؛ فهذا ليس بواجب؛ لأنه إنما وجب ضرورة القراءة (¬3) والحلق والقطع، وقد سقط الأصل؛ فسقط ما هو من ضرورته، وأوجبه القاضي في تحريك اللسان خاصة، وهو ضعيف جدًّا (¬4). ¬

_ (¬1) في (أ): "قاعدة". (¬2) في (ج): "الأول". (¬3) في (ج): "للقراءة". (¬4) إذا قدر على فعل بعض دون بعض؛ فهل يلزمه الاتيان بما قدر عليه؟ هذا على أقسام: الأول: أن يكون هذا الشيء الذي قدر عليه ليس مقصودًا، لكنه وسيلة، مثل فرض اللَّه على المصلي أن يقرأ القرآن، وإذا قرأ تتحرك شفتاه. لكن هذا إنسان أخرس ما يقدر ينطق أبدًا، وأراد أن يصلي، هل يحرك لسانه وشفتيه؟ القاضي يوجب ذلك. =

(القسم الثاني): ما وجب تبعًا لغيره، وهو نوعان: (أحدهما): ما كان وجوبه احتياطًا للعبادة ليتحقق حصولها؛ كغسل المرفقين في الوضوء، فإذا قطعت اليد من المرفق، هل يجب غسل رأس المرفق الآخر أم لا؟ على وجهين، أشهرهما (¬1) عند الأصحاب الوجوب، وهو ظاهر كلام أحمد، واختيار (¬2) القاضي في (كتاب الحج) من "خلافه": أنه يستحب (¬3)، وحمل كلام [الإِمام] (¬4) أحمد على الاستحباب. هذا إذا بقي شيء من العبادة؛ كما في وضوء الأقطع، أما إذا (¬5) لم يبق شيء بالكلية؛ سقط التبع؛ كإمساك جزء من الليل في الصوم؛ فلا يلزم من أبيح له الفطر بالاتفاق. (والثاني): ما وجب تبعًا لغيره على وجه التكميل واللواحق؛ مثل رمي الجمار، والمبيت بمنى لمن لم يدرك الحج؛ فالمشهور: أنه لا يلزمه، ¬

_ = ومعلوم أن تحريك اللسان والشّفتين بدون نطق نوع من العدم، كذلك الإنسان المحرم بحج أو عمرة يلزمه الحلق، وهذا رجل أصلع لا شعر له؛ فهل عليه أن يمر الموسى على الجلد؟ وكذلك الختان في حق من ولد مختونًا؟ إمرار الموسى وسيلة محضية؛ فلا يجب. (ع). قلت: انظر في هذه الفروع: "الموافقات" (2/ 34 - 35 - بتحقيقي) للشاطبي. (¬1) في (ج): "الأشهر فيهما". (¬2) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب): "واختار". (¬3) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "مستحب". (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من (أ). (¬5) كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ب) و (ج): "أما إنْ".

لأن ذلك كله من توابع الوقوف بعرفة، فلا يلزم من لم يقف بها. وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى بلزومها، لأنها عبادات في نفسها مستقلة (¬1)، ومن أمثلة ذلك: المريض إذا عجز في الصلاة عن وضع وجهه (¬2) على الأرض وقدر على وضع بقية أعضاء السجود؛ فإنه لا يلزمه ذلك على الصحيح؛ لأن السجود على بقية الأعضاء إنما وجب تبعًا للسجود على الوجه وتكميلًا له (¬3). (والقسم الثالث): ما هو جزء من العبادة وليس بعبادة في نفسه [بانفراده] (¬4)، أو هو غير مأمور به لضرورة: (فالأول): كصوم بعض اليوم لمن قدر عليه وعجز عن إتمامه؛ فلا يلزمه (¬5) بغير خلاف. ¬

_ (¬1) الصواب الذي لا شك فيه أنها تسقط؛ لقول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحج عرفة"، فإذا فاته الوقوف بعرفة؛ فات الحج، فلا وجه للتشاغل بهذه الأمور، والمبيت بمنى ليست عادة إلا في الحج. (ع). (¬2) في (ب): "الجبهة". (¬3) هذا فيه نظر. والصواب: أن العاجز عن السجود على الوجه إنْ كان لا يتمكَّنُ من الدنو من الأرض؛ فيسقط الفرض، وإن كان يمكن يجب عليه أن يجد على بقية الأعضاء؛ لأنه حين يدنو يكون إلى السجود أقرب منه إلى الجلوس، فالصواب في هذه المسألة خلاف ما أطلقه المؤلف، فعليه إنْ كان قريبًا من السجود بجيث نكون هيئته كهيئة الساجد، ولكن ما يتمكن من مس جبهته الأرض أن يسجد ببقية أعضاء السجود، وإلا؛ فلا، واللَّه أعلم. (ع). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬5) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "يلزم".

(والثاني): كعتق بعض الرقبة في الكفارة؛ فلا يلزم القادر عليه إذا عجز عن التكميل؛ لأن الشارع قصده تكميل العتق مهما أمكن، ولهذا شرع السراية والسعاية (¬1)، وقال: "ليس للَّه شريك" (¬2)، فلا يشرع عتق ¬

_ (¬1) في هامش المطبوع: "السعاية: أن يعتق الشريك الففير نصيبه من العبد، ويستسعى العبد لتحصيل قيمة نصيب ما بقي منه، ليكون حرًا، فيعمل، ويكسب، ويصرف ثمنه إلى مولاه، والسراية: هي الحكم بسريان عتق باقيه تبعًا لعتق بعضه السابق". قلت: وتعريف السعاية غلط، كما سيأتي في كلام الشيخ ابن عثيمين حفظه اللَّه. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 3933)، والنسائي في "الكبرى" (4970)، وأحمد في "المسند" (5/ 75)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 107) وفي "المشكل" (13/ رقم 5381، 5382)، والطبراني في "الكبير" (1/ رقم 507)، والبيهقي في "الكبرى" (10/ 273)، وأبو نعيم في "المعرفة" (2/ 191/ رقم 777)؛ من طريق همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي المَليح، عن أسامة الهذلي، به. وإسناده صحيح، وقوّاه ابن حجر في "الفتح" (9/ 159). وخالف همامًا: * سعيد بن أبي عَروبة؛ كما عند: النسائي في "الكبرى" (4971)، وأحمد فى "المسند" (5/ 74)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 107) وفي "المشكل" (13 / رقم 5383)، والبيهقي في "الكبرى" (10/ 274)، والحارث بن أبي أسامة، ومن طريقه أبو نعيم في "المعرفة" (2/ 190/ رقم 776). * وهشام الدَّسْتُوائي؛ كما عند: النسائي في "الكبرى" (4972)، وأحمد (5/ 75)، والطحاوي في "المشكل" (13/ رقم 5384). فروياه عن قتادة عن أبي المليح ولم يتجاوزا به إلى أبيه؛ فروياه عن أبي المليح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا مرسل، وأجاب الطحاوي على هذه العلة بقوله في "المشكل" (13/ 425): ". . . وقد زاد عيهما عن قتادة فيه همام ما زاد، وهمام ممن لو روى حديثًا فتفرّد بروايته إياه وإن مأمونًا عليه، مقبولةٌ روايتهُ فيه، ومن كان كذلك في تفرُّده برواية حديث؛ كان =

بعض الرقبة (¬1). (القسم الرابع): ما هو جزء من العبادة وهو عبادة مشروعة في نفسه؛ فيجب فعله عند تعذر فعل الجميع بغير خلاف، ويتفرع عليه مسائل كثيرة: ¬

_ =كذلك في تفرُّده برواية زيادةٍ في حديث". ثم أسهب في بيان معناه، واختلاف العلماء في القول به، وقال: "فكان هذا الحديث صحيح الإسناد، مكشوف المعنى". وصححه شيخنا الألباني في "الإرواء" (5/ 359/ رقم 1522) وقال: "على شرط الشيخين". (¬1) تقدم في هامش (ص 46): "إن السعاية هي الترخيص للعبد الذي عن سيده بعضه أن يسعى في فكاك ما بقي من رقه"، وهذا غلط، لِيس بصحيح، والصواب: إن السعاية: إذا أعتق بعض الشركاء نصيه ولم يكن عند الشريك الآخر ما يوفي به بقية الثمن، فيُستسعى العبد لتحصيله قيمة نصيب ما بقي منه ليكون حرًا؛ فهذه السعاية، أما إذا أعتق الإنسان جزءً من عبده المملوك؛ فإنه يسري إلى باقيه تبعًا لعتق بعضه السابق؛ فهي السراية. بيني وبين رجل عبد، لي نصف وله نصف، فأعتقتُ نصفي الذي لدي من هذا العبد، إذا اعتقت؛ سرى إلى البقية وأعتق كله، ووجب علىّ لشريكي قيمة النصف، إذا كت أنا فقيرًا ما عندي شيء؛ فإنه يُعتق العبدُ كلَّه، لكن يستسعى فيما بقي، بمعنى أن يقال له: اذهب واكتسب وأوفِ سيدك الذي لم يعتقك نصيبه، هذه السعاية، وأما السراية؛ فهو رجل له عبد كامل فأعتق نصف العبد، قلنا: لا يُعتق نصفه، قال: نصفه يبقى لي، نقول: يسري العتق إلى جميعه سواءً كان غنيًّا أو فقيرًا. فالسراية: هي الحكم براية العتق لباقيه تبعًا لعتق بعضه السابق. فعتق بعض الرقبة يجوز، لكن إنْ كان ملكك سرى إلى جميعه، وإنْ كان ملكًا لغيرك سرى إلى الجميع، ولزمتَ بدفع القيمة؛ إِلا إنْ كنت فقيرًا، فيستسعى في البقية ويكون كله حرًّا. (ع).

- (منها): العاجز عن القراءة يلزمه القيام؛ لأنه وإن كان مقصوده الأعظم القراءة؛ لكنه أيضًا مقصود (¬1) في نفسه، وهو عبادة منفردة (¬2). - (ومنها): من عجز عن بعض الفاتحة؛ لزمه الإتيان بالباقي (¬3). - (ومنها): من عجز عن بعض غسل الجنابة؛ لزمه (¬4) الإتيان بما قدر منه؛ لأن تخفيف الجنابة مشروع ولو بغسل [بعض] (¬5) أعضاء الوضوء كما يشرع للجنب إذا أراد النوم أو الوطء أو الأكل (¬6) ويستبيح به اللبث في المسجد عندنا (¬7) ووقع التردد في مسائل أخر: ¬

_ (¬1) في (ب) تقديم وتأخير؛ فقال: "مقصود أيضًا". (¬2) هذا الفرق فيه نظر؛ لأنّ القيام ليس جزءً من القراءة، فالمصنف يقول: "من عجز عن القراءة؛ يلزمه القيام"؛ فيقال: هذه ليست عبادة واحدة؛ فالقيام شيء، والقراءة شيء آخر، هل القراءة جز من القيام؟ لا، ولهذا تجب القراءة على القاعد الذي لا يقدر على القيام، وليس القيام أيضًا جزءً من القراءة. (ع). (¬3) هذا صحيح؛ لأنه من عجز عن بعض الفاتحة لزمه الإتيان بالباقي، ولو أن المؤلف قال: لزمه الإتيان بما قدر عليه منها، لكان أوضح، أي: لو قال: "من عجز عن بعض الفاتحة لزمه الإتيان بالباقي" صحيح أن قصده المقدور عليه، لكن لو صرح به؛ لكان أولى، ووجه ذلك أن قراءة بعض الفاتحة عبادة في نفسها. (ع). (¬4) في (ج): "يلزمه"، ولعل الأصوب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من (ج) فقط. (¬6) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب): "الأكل أو الوطء". (¬7) أي: إذا توضأ الجنب؛ فله اللبث في المسجد؛ فالوضوء شرعًا يُخفف الجنابة. (ع).

- (منها): المحدث إذا وجد ما يكفي بعض أعضائه؛ ففي (¬1) وجوب استعماله وجهان، ومأخذ من لا يراه واجبًا: إما أن الحدث الأصغر لا يتبعض رفعه فلا يحصل به مقصود، أو أنه يتبعض لكنه يبطل بالإخلال بالموالاة فلا يبقى له فائدة، أو أن غسل بعض أعضاء المحدث غير مشروع بخلاف غسل بعض أعضاء الجنب كما تقدم (¬2). (ومنها): إذا قدر على بعض صاع في صدقة الفطر؛ فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين، ومأخذ عدم الوجوب أنه كفارة بالمال؛ فلا يتبعض كما لو قدر على التكفير بإطعام بعض المساكين، والصحيح الوجوب، والفرق بينه وبين الكفارة من وجهين: ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ): "وفي". (¬2) المذهب في هذه المسألة أنه يجب عليه أن يستعمل ما قدر عليه، وهذا أولى، لعموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. ولأن الإنسان إذا كان عليه جبيرة في بعض أعضاء الوضوء يتوضأ فيما لا جبيرة عليه، ويتيمم على الجبيرة؛ فالصواب في هذه المسألة المذهب: "أنه إذا وجد ماءً يكفي بعض أعضاء الوضوء؛ استعمله وتيمم للباقي، ومن وجد ماءً يكفي بعض بدنه في الجنابة يستعمله ويتيمم للباقي، ولكن أين يستعمله؟ يستعمله في أعضاء الوضوء يتوضأ لأن الوضوء شرعًا يخفف الجنابة، بخلاف ما لو صب الماء على ظهره أو بطنه، أو استخدمه في رفع الأذى؛ فإنه لا يستفيد من ذلك جواز المكث في المسجد، ولا النوم، وأما إذا وجد ماءً يكفي بعض أعضاءه في الحدث الأصغر؛ فذكر المؤلف في ذلك وجهين: أحدهما: وجوب الاستعمال مع التيمم عن الباقي. الثاني: عدم وجوب الاستعمال، ويتيمم للوضوء كله. والصحيح أنه يستعمل ما وجد. (ع).

(أحدهما): أن الكفارة بالمال تسقط إلى بدلٍ هو الصوم، بخلاف الفطرة. (والثاني): أن الكفارة لا بد من تكميلها، والمقصود من التكفير بالمال تحصيل إحدى المصالح الثلاث على وجهها، وهي العتق والإطعام والكسوة، وبالتلفيق يفوت ذلك؛ فلا تبرأ الذمة من الوجوب إلا بالإتيان بإحدى الخصال بكمالها أو بالصيام، وفي الفطرة لا تبرأ الذمة منها بدون إخراج الموجود (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رجل عنده نصف صاع للفطرة، وما يملك غيره؛ فيجب عليه إخراجه؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ولأن إخراج نصف الصاع فيه طعمة للمساكين، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في صدقة الفطر: "إنها طهرة للصائم، وطعمة للمساكين". وكذلك إنْ كان غير صائم. تجب عليه الفطرة؛ لأجل طعمة المساكين، وحديث ابن عمر صريح في فرضها على الصغير والكبير. والتلفيق في الكفارة لا يجوز، مثاله: لو وجد إطعام خمسة مساكين في كفارة اليمين؛ فليس له أن يطعمهم ويصوم يومًا أو يومين، وتكون الكفارة ملفقة حينئذٍ؛ ولأن هذا بدل، فإذا عجز عن إطعام العشرة؛ انتقل إلى بدل. ولكن لو لفَّق الطعام والكسوة؛ فالظاهر أنه يصح؛ لأنه من جنس واحد. (ع).

9 - القاعدة التاسعة [في] العبادات الواقعة على وجه محرم

(القاعدة التاسعة) (¬1) [في] (¬2) العبادات الواقعة على وجه محرم. إن كان التحريم عائدًا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها؛ لم يصح، وإن كان عائدًا إلى شرطها؛ فإن كان على وجه يختص بها؛ فكذلك أيضًا، وإن كان لا يختص بها؛ ففي الصحة روايتان (¬3) أشهرهما عدمها، وإن عاد إلى ما ليس بشرط فيها؛ ففي الصحة وجهان (¬4)، واختار ¬

_ (¬1) في (أ): "قاعدة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) قال هنا: "روايتين" وسيأتي قوله "وجهان": الفرق بينهما أن الروايتين عن الإمام أحمد، والوجهين للأصحاب، والمراد العلماء الكبار في المذهب إذا قالوا قولًا؛ صار قولهم هذا وجهًا. (ع). (¬4) إذا وقعت العبادة على وجه محرم، فإذا كان التحريم يعود إلى ذات العبادة؛ فإنها لا تصح؛ لأن الأمر والنهي متضادان؛ فكيف نقول بصحة شيء منهي عنه؟! وإذا عاد التحريم إلى شرط العبادة لا إلى ذاتها كما لو صلى في ثوب محرم عليه، هذا يعود إلى شرط ستر العورة، فإن كان على وجه يختص؛ فكذلك لا تصح، وإن كان على وجه لا يختص؛ ففيه روايتان، وإن عاد إلى أمر خارج، فإن العبادة تصح على قول الأكثر، مثل أن يصلي وعليه عمامة حرير؛ فهذا اللباس حرام، لكن لا يعود إلى شرط العبادة؛ لأن ستر الرأس ليس بشرط، بخلاف القميص من الحرير. وذكر المصنفُ هنا مثال صوم يوم العيد؛ النهي فيه عاد إلى ذات العبادة؛ لأن الشارع نهى عن صوم يوم العيد؛ فلا يصح. (ع). =

أبو بكر (¬1) عدم الصحة، وخالفه الأكثرون. فللأول (¬2) أمثلة كثيرة: - (منها): صوم يوم العيد؛ فلا يصح بحال على المذهب (¬3). ¬

_ = قلت: تشعّب كلام الأصوليين في هذه المسألة المسماة "هل النهي يقتضي الفساد"؛ فمنهم من فرق بين انفكاك محل النهي وعدمه، ومنهم من نظر إلى موطن النهي ووصفه وعينه، ومنهم من فرق بين حق اللَّه وعبده، والأخير نصره المازري واعترض عليه العلاني في كتابه "تحقيق المراد في أن النهي يقنضى الفساد"، وعلى اعتراضه اعتراضات. وانظر: "الموافقات" (2/ 536 - 542) للشاطبى وتعليقي عليه. (¬1) في نسخة (ب): "واختيار أبي بكر". (¬2) في نسخة (أ): "وللأول". (¬3) هذا يعود إلى ذات عبادة الصوم، وقد ثبت النهي عن صوم يوم العيد، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تصم يوم العيد"، والقول بالجواز مضاد لحكم الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذا نقول: لا يصح. (ع). قلت: أخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب مسجد بيت المقدس، 3/ 70/ رقم 1197، وكتاب الصيام، باب صوم يوم الفطر، 4/ 239/ رقم 1991)، ومسلم في "الصحيح" (كتاب الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، 2/ 799 - 800/ رقم 827)؛ عن أبي سعيد الخدري: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (29/ 288) بخصوص صوم يوم العيد ومنعه مخرجًا إياه على القاعدة المذكورة: ". . . قالوا: إنه قد يكون لوصف في الفعل لا في أصله؛ فيدل على صحته؛ كالنهي عن صوم يومي العيدين، قالوا: هو منهي عنه؛ لوصف العيدين لا لجنس الصوم، فإذا صام صح؛ لأنه سماه صومًا. فيقال لهم: وكذلك الصوم في أيام الحيض، وكذلك الصلاة بلا طهارة وإلى غير القبلة، جنس مشروع، وإنما النهي لوصف خاص وهو الحيض والحديث واستقبال غير القبلة، ولا يعرف بين هذا =

- (ومنها): الصلاة في أوقات النهي (¬1). - (ومنها): الصلاة في مواضع النهي؛ فلا يصح على القول بأن النهي للتحريم، وإنما يصح على القول بأن النهي للتنزيه، هذه طريقة المحققين؛ لأن كان من الأصحاب من يحكي الخلاف في الصحة مع القول بالتحريم (¬2). ¬

_ = وهذا فرق معقول له تأثير في الشرع؛ فإنه إذا قيل. الحيض والحديث صفة في الحائض والمحدث، وذلك صفة في الزمان (يعني: بالنسبة إلى صوم العيدين)؛ قيل: والصفة في محل الفعل -زمانه ومكانه- كالصفة في فاعله؛ فإنه لو وقف بعرفة في غير وقتها أو غير عرفة؛ لم يصح، وهو صفة الزمان والمكان، وكذلك لو رمى الجمار في غير أيام منى أو المرمى، وهو صفة في الزمان والمكان واستقبال القبلة هو لصفة في الجهة لا فيه، ولا يجوز، ولو صام بالليل؛ لم بصح، وكان كان هذا زمانًا، فإذا قيل: الليل ليس بمحل للصوم شرعًا؛ قيل: ويوم العيد ليس بمحل للصوم شرعًا، كما أن زمان الحيض ليس بمحل للصوم شرعًا؛ فالفرق لا بد أن يكون فرقًا شرعيًّا، فيكون معقولًا، ويكون الشارع قد جعله مؤثرًا في الحكم، بحيث علق به الحل أو الحرمة، الذي يختص بأحد الفعلين". (¬1) ورد نهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، فلا صلاة بعد طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح؛ لحديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات نهانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نصلي فيهن"، فلو أنَّ أحدًا صلى في هذا الوقت؛ لقلنا: إنك أتيت بعبادة منهي عنها بذاتها؛ فهي باطلة، ولو صححناها؛ لكان في ذلك مضادة لحكم اللَّه ورسوله، أمَّا الصلاة التي لها سبب؛ فإنها جائزة. (ع). (¬2) الصلاة في المواقع المحرمة؛ كأعطان الإبل، ورد نهى من النبي عليه الصلاة والسلام عنها؛ فالنهي يتعلق بمكانها، والصلاة في وقت النهي يعود إلى ذات العبادة، ويتعلق بزمانها؛ فالصلاة في أعطان الإبل لا تصح لأنه منهي عنها، ولو صححناها؛ لكان في هذا مضادة للرسول عليه الصلاة والسلام، ولا فرق بين النهي عن الصلاة في الزمان وعن الصلاة في المكان، لكن يقول المؤلف: إن هذا بناءً على أن النهي للتحريم، أما إذا قلنا: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إن النهي للتنزيه؛ فإنها تصح، ولكن تكون مكروهة، ومع هذا؛ فإن بعض العلماء يقول: إن الصلاة في أمكنة النهي صحيحة مع الإثم، فيفرقون بين الزمان وبين المكان، ولكن في النفس من هذا شيء، والأقرب أنها لا تصح إذا كان المكان منهي عنه لذاته، أما إذا كان المكان منهي عنه لحق الغير، كالصلاة في المغصوب؛ فإن الصحيح أن الصلاة تصح فيها. (ع). قلت: وضَّح شيخ الإسلام ابن تيمية فروع هذه المسألة والجامع بينها (اجتماع الأمر المطلق مع النص المطلق)، فقال في "مجموع الفتاوى" (19/ 299): "التحقيق أن الفعل المعين كالصلاة في الدار المعينة لا يؤمر بعينها ولا ينهى عن عينها، لأنه تكليف ما لا يطاق، فإنه تكليف للفاعل أن يجمع بين وجود الفعل المعين وعدمه، وإنما يؤمر بها من حيث هي مطلقة وينهى عن الكون في البقعة؛ فيكون مورد الأمر غير مورد النهي، ولكن تلازما في المعين، والعبد هو الذي جمع بين المأمور والمنهي عنه لا أن الشارع أمره بالجمع بينهما، ولم يعين النهي عن الجمع بينها؛ فأمره بصلاة مطلقة ونهاه عن كون مطلق. وأما المعين؛ فالشارع لا يأمر به ولا ينهى عنه كما في سائر المعينات، وهذا أصل مطرد في جميع ما أمر اللَّه به من المطلقات، بل في كل أمر؛ فإنه إذا أمر بعتق رقبة مطلقة كقوله؛ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أو بإطعام ستين مسكينًا، أو صيام شهرين متتابعين، أو بصلاة في مكان أو غير ذلك؛ فإن العبد لا يمكنه الامثال إلا بإعتاق رقبة معينة وإطعام طعام معبن لمساكين معينين، وصيام أيام معينة، وصلاة معينة في مكان معين؛ فالمعين في جميع المأمورات المطلقة ليس مأمورًا بعينه، وإنما المأمور به مطلق، والمطلق يحصل بالمعين. فالمعين فيه شيئان: خصوص عينه، والحقيقة المطلقة. فالحقيقة المطلقة هي الواجبة. وأما الحصول المعين؛ فليس واجبًا ولا مأمورًا به، وإنما هو أحد الأعيان التي يحصل بها المطلق، بمنزلة الطريق إلى مكة، ولا قصد للأمر في خصوص التعيين. قال: فتبين بذلك أن تعيين عين الفعل وعين المكان ليس مأمورًا به، فإذا نهى عن الكون فيه لم يكن هذا المنهي عنه قد أمر به، إذ المأمور به مطلق، وهذا المعين ليس من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لوازم المأمور به، وإنما يحصل به الامتثال كما يحصل بغيره. فإن قيل: إن لم يكن مأمورًا به؛ فلا بد أن يباح الامتثال به، والجمع بين النهي والإباحة جمع بين النقيضين، قيل: ولا يجب أن يباح الامتثال به، بل يكفي أن لا ينهى عن الامتثال به، فما به يؤدي الواجب لا يفتقر إلى إيجاب ولا إباحة، بل يكفي أن لا يكون منهيًّا عن الامتثال به، فإذا نهاه عن الامتثال به، امتنع أن يكون المأمور به داخلًا فيه من غير معصية، فها هنا أربع أقسام: 1 - أن يكون ما يمثل به واجبًا؛ كإيجاب صيام شهر رمضان بالإمساك فيه عن الواجب. 2 - وأن يكون مباحًا؛ كخصال الكفارة؛ فإنه قد أبيح له نوع كل منهما، وكما لو قال: أطعم زيدًا أو عمرًا. 3 - وأن لا يكون منهيًّا عنه؛ كالصيام المطلق والعتق المطلق؛ فالمعين ليس منهيًّا عنه ولا مباحًا بخطاب بعينه؛ إذ لا يحتاج إلى ذلك. 4 - وأن يكون منهيًا عنه؛ كالنهي عن الأضاحي المعيبة وإعتاق الكافر، فإذا صلى في مكان مباح؛ كان ممتثلًا لإتيانه بالواجب بمعين ليس منهيًّا عنه، وإذا صلى في المغصوب؛ فقد يقال: إنما نهي عن جنس الكون فيه لا عن خصوص الصلاة فيه، فقد أدى الواجب بما لم ينه عن الامتثال به، لكن نهي عن جنس فعله فيه، فاجتمع في الفعل المعين ما أمر به من الصلاة المطلق، وما نهي عنه من الكون المطلق، فهو مطيع عاص، ولا نقول: إن الفعل المعين مأمور له منهي عنه، ولكن اجتمع فيه المأمور به والمنهي عنه كما لو صلى ملابسًا لمعصية من حمل مغصوب. وقد يقال: بل هو منهي عن الامتثال به كما هو منهي عن الامتثال بالصلاة في المكان النجس والثوب النجس: لأن المكان شرط في صحة الصلاة، والنهي عن الجنس نهي عن أنواعه، (يعني من أنواعه الكون في المكان المغصوب)، فيكون منهيًا عن بعض هذه الصلاة، بخلاف المنهي عنه إذا كان منفصلًا عن أبعاضها كالثوب المحمول (يعني: وهو مغصوب)؛ فالحمل ليس من الصلاة؛ فهذا محل نظر الفقهاء، وهو محل للاجتهاد، لا أن =

- (ومنها): صيام أيام التشريق؛ فلا يصح تطوعًا بحال، والخلاف في صحة صومها فرضًا مبني على أن النهي هل يشمل الفرض أم يختص بالتطوع (¬1). ¬

_ = عين هذه الأكوان هي مأمور بها ومنهي عنها؛ فإن هذا باطل قطعًا، بل عينها وإن كان منهيًّا عنها؛ فهي مشتملة على المأمور به، وليس ما اشتمل على المأمور به المطلق يكون مأمورًا به. ثم يقال: ولو نهى عن الامتثال على وجه معين مثل أن يقال: صل ولا تصل في هذه البقعة، وخط هذا الثوب ولا تخطه في هذا البيت، فإذا صلى فيه وخاط فيه؛ فلا ريب أنه لم يأت بالمأمور به كما أمر، لكن هل يقال: أتى ببعض المأمور به أو بأصله دون وصفه؟ وهو مطلق الصلاة والخياطة دون وصف، أو مع منهي عنه بحيث يثاب على ذلك الفعل وإن لم يسقط الواجب أو يعاقب على المعصية، وقد تقدم القول في ذلك، وبينت أن الأمر كذلك (أي: يعاقب)، وهي تشبه مسألة صوم يوم العيد ونحوه مما يقول فيه أبو حنيفة بعدم الفساد". قلت: وسيأتي كلام ابن تيمية أيضًا في الصلاة في الدار المغصوبة وبالماء المغصوب قريبًا إن شاء اللَّه. (¬1) رجل صام أيام التشريق؛ فالنهي عائد إلى ذات العبادة متعلقًا بزمنها، فيكون كصوم يوم العبد فذا إذا كان تطوعًا؛ فلا يصح، وأما إنْ كان فرضًا كرجل عليه كفارة أو عليه قضاء رمضان؛ فينبني على الخلاف في النهي؛ هل هو للتطوع أم للعموم، والصحيح أن النهي عام؛ لحديث ابن عمر وعائشة رضي اللَّه عنهم، قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي". فهؤلاء يجوز لهم أن يصوموا أيام التشريق، ومن سواهم لا يجوز، وإنما جاز لهؤلاء للضرورة، لأن اللَّه قال: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196]، ولو لم يصم القارن والمتمتع في هذه الأيام؛ لانتهى الحج قبل أن يصوموا. (ع). قلت: والمثبت من نسخة (ب)، وفي المطبوع ونسخ (أ) و (ج): "التطوع". وأثر عائشة وابن عمر رضي اللَّه عنهما أخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم 1997، =

وللثاني أمثلة كثيرة: - (منها): الصلاة بالنجاسة وبغير سترة (¬1) وأشباه ذلك. ¬

_ = 1998، 1999)، والدارقطني في "سننه" (2/ 185)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 243)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 298)، والمذكور لفظ البخاري بحروفه. وانظر في المسألة: "مسائل ابن هانئ" (658)، و"المحرر" (1/ 231)، و"الكافي" (1/ 491)، و"الإنصاف" (3/ 351)، و"الفروع" (3/ 128)، و"المبدع" (3/ 56)، و"شرح منتهى الإرادات" (1/ 461). (¬1) لبس الثوب من شروط الصلاة: 1 - لأن فيه ستر العورة. 2 - امتثال أمر اللَّه عز وجل في قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. فإذا صلى بثوب نجس؛ فالنهي هنا يعود إلى شرط العبادة على وجه يختص، أي إنه لا يحرم عليك لبس الثوب النجس إِلا إذا كت تريد أن تصلي، وإلا لو فرض أن إنسانًا لبس ثوبًا في غير الصلاة؛ فلا بأس، ومن ذلك ثياب الجزارين التي تصاب بالدماء المسفوحة، وهي نجسة، ولهذا تجدهم إذا أرادوا أن يصلوا خلعوا هذه الثياب. ومن ذلك أيضًا: ثياب النساء؛ فإن كئيرًا من النساء تكون قد ابتليت بنوع من السلس؛ فلا تصلي في ثوبها الذي عليه نجاسة، مع ارتدائها إياه خارج الصلاة، ومنها أيضًا ثياب المرضعة، إذا تنجس من الرضيع لا حرج عليها أن تبقى في ثيابها حتى تصلي، المهم أن هذا النهي يعود إلى شرط العبادة على وجه يختص، أى أنه لا يحرم لبس الثوب النجس في غير الصلاة. وكذلك أيضًا قوله: "بغير السترة" يعود إلى شرطها على وجه يختص، عام في الصلاة وغيرها، اللهم إذا كان الإنسان في خلوة ما يشاهده أحد؛ فهذا فيه خلاف بين أهل العلم: هل يحرم عليه ان يتعرى في الخلوة أو لا يحرم؛ أما مع أهله؛ فلا يحرم؛ لأن اللَّه يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5، 6]. =

وللثالث أمثلة [كثيرة] (¬1): - (منها): الوضوء بالماء المغصوب (¬2). ¬

_ = والحاصل أن التمثيل بغير السترة فيه شيء من النظر، اللهم إلا أن يراد بالسترة هنا السترة الواجبة في الصلاة؛ لأن السترة الواجبة في الصلاة أغلظ من السترة الواجبة في النظر، فإذا أراد ذلك؛ فنعم. (ع). قلت: قال النووى في "شرح صحح مسلم" (4/ 32): "أما كشف الرجل عورته في حال الخلوة، بحيث لا يراه آدمي، فإن كان لحاجةٍ، جاز، وإنْ كان لغير حاجة؛ ففيه خلاف العلماء في كراهته وتحريمه، والأصح عندنا أنه حرام". قلت: والحاجة المشار اليها من بول أو استحداد أو معاشرة أهل من زوج وأمة يباح له وطؤهما، والاستمتاع بهما، وكذلك يجوز له الاغتسال عريانًا بحضرتهما وفي الخلوة، والتستر أفضل؛ لأن اللَّه أحق أن يستحى منه، قاله الحموي في "أحكام النظر" (ص 116). وناقش ابن القطان في "أحكام النظر" (ص 112) كلام النووي السابق. وانظر كتابي: "المروءة وخوارمها" (ص 149 - 150)، و"الموافقات" (3/ 390 - بتحقيقي) والتعليق عليه. (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) الوضوء شرط لصحة الصلاة، فإذا توضأ الإنسان بماء مغصوب، هل تصح صلاته أم لا؟ فيه روايتان؛ لأن التحريم هنا بعود إلى شرط العبادة، لكن على وجه لا يختص، ليس النهي عن استعمال المغصوب خاصًّا بالوضوء، بل لو استعملت الماء المغصوب في شرابك وطعامك وغسل ثيابك؛ صار حرامًا، ولهذا فيه روايتان عن الإمام أحمد. والصحيح أن الوضوء والصلاة تصح؛ لأن التحريم هنا لم يثبت بنص؛ مثل: "لا تتوضؤا بالمغصوب"، حتى يكون عائد على الشرط، لكن نهى عن استعمال المغصوب؛ لأنه حق للغير، فالنهي هنا ليس موقوفًا على العبادة نفسها ولكنه عن انتهاك حرمة مال الغير؛ فلهذا؛ فإن الرواية الثانية أنه يصح الوضوء بالمغصوب، والمذهب لا يصح. (ع). =

- (ومنها): الصلاة في الثوب المغصوب والحرير (¬1). وفي [الصحة] (¬2) روايتان (¬3)، وعلى رواية عدم الصحة؛ فهل المبطل ¬

_ = قلت: تلحق هذه المسألة بمسائل ذكرها شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (29/ 286)، ورجح عدم البطلان، قال رحمه اللَّه بعد كلام: "وكذلك الصلاة في الدار المغصوبة، والذبح بآلة مغصوبة، وطبخ الطعام بحطب مغصوب، وتسخين الماء بوقود مغصوب، كل هذا إنما حرم لما فيه من ظلم الإنسان، وذلك يزول بإعطاء المظلوم حقه، فإذا أعطاه ما أخذه من منفعة ماله، أو من أعيان ما له فأعطاه كرى الدار وثمن الحطب، وتاب هو إلى اللَّه تعالى من فعل ما نهاه عنه؛ فقد برئ من حق اللَّه وحق العبد، وصارت صلاته كالصلاة في مكان مباح، والطعام كالطعام بوقود مباح، والذبح بسكين مباحة، وإن لم يفعل ذلك؛ كان لصاحب السكين أجرة ذبحه، ولا تحرم الشاة كلها لأجل هذه الشبهة، وإذا أكل الطعام ولم يوفه ثمنه؛ كان بمنزلة من أخذ طعامًا لغيره يه شركة، ليس فعله حرامًا ولا هو حلالًا محضًا، فإن نضج الطعام لصاحب الوقود فيه شركة. وكذلك الصلاة (يعني: في الدار المغصوبة) يبقى عليه إثم الظلم ينقص من صلاته بقدره ولا تبرأ ذمته؛ كبراءة من صلى صلاة تامة، ولا يعاقب كعقوبة من لم يصل، بل يعاقب على قدر ذنبه، وكذلك أكل الطعام يعاقب على قدر ذنبه، واللَّه تعالى يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] ". (¬1) هذا يعود إلى شرط العبادة، وهو الستر بالثوب، وهل هو يختص أم لا؟ لا يختص؛ فالثوب المغصوب والحرير منهي عن لبسه، سواء في الصلاة أو في غير الصلاة، ومثل ذلك الثوب الذي فيه الصور منهي عن لبسه في الصلاة وغير الصلاة، فلو صلى الإنسان بهذه الثياب المحرمة؛ فهل تصح صلاته أم لا؟: فيه روايتان. (ع). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "الصحيح"، والصواب ما في المطبوع و (ب) و (ج). (¬3) فيه روايتان، وعلى رواية عدم الصحة؛ فالنهي عن لبس الثوب يعود إلى الشرط، لكن لا على وجه يختص، لو قال: لا تلبس الثوب في الصلاة؛ لصار يعود على شرطه على وجه يختص. (ع).

ارتكاب النهي في شرط العبادة، أم ترك الإتيان بالشرط المأمور به؟ للأصحاب فيه مأخذان ينبني عليهما لو لم يجد إلا ثوبًا مغصوبًا فصلى فيه؛ فإن عللنا بارتكاب النهي؛ لم تصح صلاته، وإن عللنا بترك المأمور صحت؛ لأنه غير واجد لسترة يؤمر بها (¬1)، وأما من لم يجد إلا ثوب حرير؛ فتصح صلاته فيه بغير خلاف على أصح الطريقين (¬2)؛ لإِباحة لبسه في هذه الحال (¬3). ¬

_ (¬1) لو صلى بثوب حرير أو مغصوب، وعنده مباح؛ فقد ترك المأمور لارتكاب المحظور، وإذا لم يجد ثوبًا مباحًا؛ فليس عنده شيء يؤمر به، فإذا صلى بهذا الثوب المحرّم صحت صلاته؛ لأنه لم يترك المأمور، وهو لبس الثوب المباح، وإذا قلنا: العلة ارتكاب النهي؛ فهذا الرجل ارتكب النهي بالصلاة في ثوب الحرير، يقال: هل نقول: ارتكبت محرمًا أو تركت مأمورًا؟ إن قلنا: تركت مأمورًا؛ فإنها تصح الصلاة في هذا الثوب، إذا لم يوجد ثوب تكون مأمورًا به، وإذا قلنا: العلة ارتكاب النهي؛ فأنت الآن ارتكبت النهي، سواء وجدت أم لم تجد، فلا تصح بناءً على الخلاف. والمذهب عدم صحة الصلاة في الثوب المغصوب؛ لأن الممنوع منه شرعًا، كالممنوع منه حِسًّا، لكن لو قال قائل: إذا كنت أعلم أن صاحب الثوب يسمح لي إذا كانت هذه حالتي؛ نقول: لا بأس إذا علمت أن هذا الرجل إذا علم أنه ليس عندك ثوب تصلي فيه فَسيسمح لك؛ فلا حرج. (ع). (¬2) في نسخة (أ): "الطريقين". (¬3) إذا لم يجد إِلا ثوب حرير أو ثوبًا فيه صور أو ما شابه ذلك مما حُرِّم لحقِّ اللَّه؛ يصلِّي به ولا إعادة، لأنَّ المحرَّم لحقِّ اللَّه إذا اضطررتَ إليه؛ فإنَّه يباح. (مسألة). رجل ليس عنده إلا ثوب نجس، وآخر ليس عنده إلا ثوب مغصوب، وثالث ليس عنده إلا ثوب حرير، أما الذي عنده ثوب نجس؛ فنقول له: صل فيه وأعدٍ الصَّلاة إذا وجدت ثوبًا طاهرًا، فتُفْرَض عليه صلاتان، وأما من لم يجد إلا ثوبًا مغصوبًا، لنقول له: صلِّ عريانًا؛ =

- (ومنها): الصلاة في البقعة المغصوبة، وفيها الخلاف. وللبطلان مأخذان أيضًا: أحدهما: أن البقعة شرط للصلاة، ولهذا لا تصح الصلاة في الأرجوحة ولا على بساط في الهواء (¬1). والثاني: أن حركات المصلي وسكناته في الدار المغصوبة هو نفس المحرم (¬2)؛ فالتحريم عائد إلى نفس الصلاة؛ وإن كان غير مختص بها؛ فهو كإخراج الزكاة والهدي من المال المغصوب (¬3). ¬

_ = لأن هذا ليس لك، فوجوده كالعدم، وأما من وجد ثوب حرير؛ فنقول له: صلِّ فيه ولا حرج؛ لأن هذا محرَّم لحقِّ اللَّه، وأنت في هذه الحال قد أُبيح لكَ أن تلبسه ولا تعيد، هذا هو المذهب. لكن في المسألة الأولى إذا لم يجد إلا ثوبًا نجسًا؛ الصحيح أنه يصلي فيه ولا إعادة عليه؛ لأنَّه مأمور بستر العورة، ومأمور بإزالة النجاسة عن الثوب؛ فستر العورة قادر عليه، وإزالة النجاسة عن الثوب عاجز عنها؛ فيكون هنا قد فعل ما كلف به؛ فصلاته صحيحة على القول الراجح. (ع). (¬1) ظاهر كلام المصنف أن هذه قضية مسلَّمة، ولا نزاع فيها، فأما الأرجوحة؛ فالصَّلاة لا تصح فيها لعدم الاستقرار، والسجود لا بد فيه من الاستقرار، وأما البساط في الهواء؛ فهو كذلك غير مستقر في عصر المؤلف، ولكن الطائرات يكون فيها الاستقرار تمامًا، ولا تدخل في كلام المؤلف، وكذا قال الفقهاء إذا كان السجود على الأشياء المنتفشة، مثل القطن والصوت، فضغطت عند السجود؛ فإن الصلاة تصح، وإلا؛ فلا. (ع). (¬2) إن حركات المصلي في الدار المغصوبة هو نفس المحرم، لكنه لا يختص، أي حرمة الحركات لا تختص بالصلاة، وإنما بمجرد وجوده في هذا المكان؛ لأنه لا حق له فيه. (ع). (¬3) وهذا أيضًا فيه خلاف: منهم من يقول: إنه صحيح، ومنهم من يقول: إنه غير =

وللرابع أمثلة: - (منها): الوضوء من الإناء المحرم (¬1). - (ومنها): صلاة من عليه عمامة غصب أو حرير أو في يده خاتم ذهب، وفي ذلك كله وجهان، واختيار أبي بكر عدم الصحة (¬2). وأما من عليه ثوبان أحدهما غصب؛ فقيل: هو مخرج على هذين الوجهين، وقيل: [بل] (¬3) هو كمن ليس عليه سوى الثوب المغصوب؛ لأن ¬

_ = صحيح، بخلاف ما لو أصبت شاةً وأهديتها؛ فهذا حرام، لأن التحريم وقع في عينها. (ع). قلت: انظر في هذا: "مدارج السالكين" (1/ 391 - 392 - ط الفقي). (¬1) هذا حرام، لكن لا يعود إلى ذات العبادة ولا إلى شرطها، يعني: إنسان يتوضأ من إناء فضة على القول بأن استعمال الفضة حتى في غير الأكل والشرب حرام؛ نقول: الوضوء صحيح، والفعل محرم، لماذا كان الوضوه صحيحًا؟ لأن هذا التحريم لا يعود إلى ذات العبادة ولا إلى شرطها؛ فشرطها الوضوء بالماء حتى لو وجدت الماء على الأرض، فتوضأت منه، فالإناء ليس بشرط. (ع). قلت: وحصر الشوكاني في "النيل" والصنعاني في "السبل" حرمة الأكل والشرب فقط في آنية الذهب والفضة، لظاهر النصوص، دونما الالتفات إلى أيّ علةٍ أو حكمة! (¬2) الصحيح هو الصحة؛ لأن هذا التحريم لا يعود إلى ذات العبادة ولا إلى شرطها، والعمامة ليست شرطًا في الصلاة، ويجوز للإنسان أن يصلي ورأسه مكشوف، ويجوز أن يصلي ورأسه مستور بغير عمامة؛ فليست العمامة شرط للصلاة، ولهذا نقول: إن الصلاة الآن تصح، وكذلك من في يده خاتم ذهب: الفعل حرام والصلاة صحيحة، لأن التحريم هنا لا يعود إلى الصلاة ولا إلى شرطها، يعني: ما قيل لنا: لا تصلوا في خاتم ذهب، بل قيل لنا: لا تلبسوا الذهب، أما الثوب الذي فيه التصاوير، فلا تصح الصلاة به لأن التحريم يعود إلى شرطها، وهو الثوب. (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين سقطت من (أ).

المباح [لم يتعين] (¬1) للستر، بل الستر حصل بواحد غير معين (¬2). وأما الحج بالمال المغصوب؛ ففي صحته روايتان: فقيل: لأن المال شرط لوجوبه، وشرط الوجوب كشرط الصحة (¬3)، ورجح ابن عقيل الصحة وجعله من القسم الرابع، ومنع كون المال شرطًا لوجوبه؛ لأنه يجب على القريب بغير مال، وليس بشيء، فإنه شرط في حق البعيد خاصة، كما أن المحرم شرط في حق المرأة دون الرجل، [واللَّه أعلم] (¬4). * * * ¬

_ (¬1) كذا فى المطبوع و (أ) و (ب)، وفي (ج): "غير متعين". (¬2) إذا كان على الإنسان ثوبان، أحدهما محرم والثاني مباح؛ فالمذهب أن الصلاة لا تصح؛ لأن المباح لم يتعين للسِّتر، بل الستر حصل بواحد غير معين؛ كرجل لبس ثوبين: ثوب حرير وثوب قطن، فصلى بهما؛ فلا تصح الصلاة، فإن قال قائل: الستر لم يختص به هذا المحرم؛ قلنا: ولم يتعين في هذا المباح، فالستر حاصل بأحدهما، فلا تصح الصلاة. وقال بعض أهل العلم -بعض الأصحاب-: إنها تصح الصلاة؛ لأن الستر لم يتعين في المحرّم، وفضل بعضهم فقال: إن كان الثوب المباشر للجسد هو المباح؛ صحت الصلاة، لأنَّ الستر حصل به، والأعلى يعتر زائدًا وفضلة، وإنْ كان المباشر للبدن هو الثوب المحرم، فالصلاة لا تصح، وهذا التفصيل جيد، على أنه ينظر إذا كان الذي يباشر الجسد هو الذي حصل به الستر، إذا كان مباحًا؛ فإن الصلاة صحيحة، وإنْ كان الخارج هو المباح؛ فإن الصلاة غير صحيحة. (ع). (¬3) كتب هنا على هامش نسخة (ب): "كالتوقف على كل منهما". (¬4) كذا في المطبوع و (ب)، وسقطت من نسخة (أ)، وفي نسخة (ج): "واللَّه سبحانه أعلم".

10 - القاعدة العاشرة الألفاظ المعتبرة في العبادات والمعاملات

(القاعدة العاشرة) (¬1) الألفاظ المعتبرة في العبادات والمعاملات. - (منها): ما يعتبر لفظه ومعناه، وهو القرآن، لإعجازه بلفظه ومعناه؛ فلا تجوز الترجمة عنه بلغة أخرى. - (ومنها): ما يعتبر معناه دون لفظه؛ كألفاظ عقد البيع وغيره من العقود وألفاظ الطلاق (¬2). - (ومنها): ما يعتبر لفظه مع القدرة عليه دون العجز عنه، ويدخل تحت ذلك صور: - (منها): التكبير والتسبيح والدعاء في الصلاة لا تجوز الترجمة عنه مع القدرة عليه، ومع العجز عنه؛ هل يلحق بالقسم الأول فيسقط، أو بالثاني فيأتي به بلغته؟ على وجهين (¬3). - (ومنها): خطبة الجمعة لا تصح مع القدرة بغير العربية على ¬

_ (¬1) في نسخة (أ): "قاعدة". (¬2) انظر تأصيلًا وتفصيلًا حسنًا في: "إعلام الموقعين" (2/ 4 - 5، 3/ 131 - ط محمد محيي الدين عبد الحميد)، وقد فرغت -وللَّه الحمد- من تحقيقه، يسر اللَّه نشره. (¬3) في هامش نسخة (ب): "الصحيح يأتي به".

الصحيح، وتصح مع العجز. - (ومنها): لفظ النكاح ينعقد (¬1) مع العجز بغير العربية ومع القدرة على التعلم (¬2)؛ فيه وجهان (¬3). - (ومنها): لفظ اللعان، وحكمه حكم لفظ النكاح. * * * ¬

_ (¬1) في نسخة (ج): "فينعقد". (¬2) في نسخة (ب): "التعليم". (¬3) على هامش (ب) كتب: "الصحيح أنه ينعقد".

11 - القاعدة الحادية عشرة من عليه فرض؛ هل له أن يتنفل قبل أدائه بجنسه أم لا؟

(القاعدة الحادية عشرة) (¬1) من عليه فرض؛ هل له أن يتنفل قبل أدائه بجنسه أم لا؟ هذا نوعان: (أحدهما) (¬2): العبادات المحضة؛ فإن كانت موسعة؛ جاز التنفل قبل أدائها؛ كالصلاة بالاتفاق، وقبل قضائها أيضًا؛ كقضاء رمضان على الأصح، وإن كانت مضيقة؛ لم تصح على الصحيح، ولذلك صور: - (منها): إذا تضايق وقت المكتوبة؛ هل ينعقد [التنفل المطلق] (¬3) حينئذ؟ على وجهين. - (ومنها): من عليه صلاة فائتة؛ هل يصح التنفل المطلق قبل قضائها؟ على وجهين؛ لأن قضاء الفوائت على الفور (¬4). ¬

_ (¬1) في نسخة (أ): "قاعدة". (¬2) في (ج): "الأول". (¬3) كذا في المطبوع وسقطت كلمة "المطلق" من (أ) و (ب) و (ج)، وفي (أ): "النفل". (¬4) انظر: "القواعد الفقهية النورانية" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 49 - 50).

- (ومنها): إذا شرع في التنفل بعد إقامة الصلاة المكتوبة؛ فهل تصح (¬1)؟ على وجهين؛ لأن الجماعة واجبة (¬2) - (ومنها): صوم رمضان لا يصح أن يصوم فيه عن غيره، فإن فعل؛ لم يصح عن نفله، وهل ينقلب عن فرضه؟ ينبني على وجوب نية التعيين (¬3). ¬

_ (¬1) في نسخة (أ): "يصح". (¬2) في "مسائل البغوي" للإمام أحمد (73/ 57، 58): "وسمعت أحمد يقول: إذا أقيمت الصلاة؛ فلا صلاة إلا المكتوبة". وقال أيضًا: "سمعت أحمد يقول: إذا سمع الرجل إقامة الصلاة ولم يركع ركعة الفجر؛ خرج إلى الصلاة" اهـ. قلت: ولعل هذا هو الصواب؛ لموافقه لظاهر قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة". رواه مسلم وغيره، وعند أحمد: "فلا صلاة إِلا التي أقيمت"، يؤيده حديث ابن عباس؛ قال: "كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة؛ فجذبني نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: أتصلي الصبح أربعًا؟! ". ففي الحديت شبَّه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة ابن عباس السنة عند البدء في الإقامة بمن يصلي الصبح أربع ركعات، والمشبَّه به غير جائز بمرةٍ، فكان كذلك المشبَّه، واللَّه أعلم. (¬3) هذا لا شك أنه لا يصح النفل؛ لأن الوقت مضيق، فلو أن الإنسان صام نفلًا في شهر رمضان ما صح النفل، لكن هل ينقلب إلى فرض وقد نواه نفلًا؟ قال: ينبني على وجوب نية التعيين، أي نعيين النية، والصواب بلا شك أن التعيين واجب، وعلى هذا؛ فلايصح نفلًا ولا فرضًا. صوم غير رمضان لا يصح في رمضان أبدًا، سواءً كان فرضًا أو نافلة؛ لأنّ الوقت مخصص له. (ع). قلت: في نسخة (أ): "التعين".

- (ومنها): إذا حج تطوعًا قبل حجة الإسلام؛ لم يقع عن التطوع، وانقلبت عن حجة الإسلام على المذهب الصحيح (¬1). - (ومنها): لو حج عن نذره أو عن نفل وعليه قضاء حجة فاسدة؛ وقعت عن القضاء دون ما نواه على المذهب أيضًا، فأما إن تنفل بالحج بعد قضاء حجة الإسلام وقبل الاعتمار أو بالعكس؛ فهل يجوز أم لا؟ قال في "التلخيص": ينبني على أن النسك هل هو على الفور أم ¬

_ (¬1) هذا مضيق باعتبار أن الحج لا بد أن يبدأ بفرضه قبل نفله، ولكن هنا يقول: إنه ينقلب عن الواجب؛ لأن الحج يختلف عن غيره، يجوز فيه قلب النية؛ حتى إذا حج عن غيره ولم يحج عن نفسه، ولبى عن غيره وأكمل الحج عن غيره، يكون الحج له مع أن النية من أولها إلى آخرها عن الغير، أو لو نوى نفلًا بهذا الحج -وهو ما أدى الفريضة- من أوله إلى آخره؛ انقلب إلى فريضة؛ لأن الحج في الحقيقة يختلف عن غيره من عدة وجوه. حديث ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سمع رجلًا يقول: "لبيك عن شبرمة. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: من شبرمة؟ قال: قريب لي أو أخ. قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة". (ع). قلت: أخرجه ابن ماجه في "سننه" (رقم 2903)، والطحاوي في "المشكل" (3/ 223)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 499)، وابن حبان في "صحيحه" (962 - زوائده)، والدارقطني في "السنن" (2/ 270)، والبيهقي في "الكبرى" (4/ 336) بلفظ: "اجعل هذه عن نفسك، ثم حج عن شبرمة". وانظر غير مأمور في المسألة: "مسائل أبي داود" (134)، و"الكافي" (1/ 522)، و"الشرح الكبير" (3/ 198)، و"الفروع" (3/ 265)، و"المبدع" (3/ 102)، و"الإنصاف" (3/ 416)، و"شرح الزركشي" (3/ 45 - 46)، و"كشاف القناع" (2/ 462)، و"شرح منتهى الإرادات" (2/ 287).

لا (¬1)، فإن قلنا: على الفور؛ لم يجز، وإلا؛ جاز، وفيه نظر (¬2). وأما الزكاة؛ فقال الأصحاب: يصح أن يتنفل بالصدقة قبل أدائها؛ وإن كانت على الفور. وكذلك نص أحمد في رواية مهنا فيمن عليه زكاة ونذر لا يبالي بأيهما يبدأ، وهذا إذا كان ماله يتسع لهما، فأما إن لم يتسع؛ فسنذكره (¬3). (النوع الثاني): التصرفات المالية؛ كالعتق والوقف والصدقة والهبة؛ إذا تصرف بها وعليه دين، ولم يكن حُجِر عليه؛ فالمذهب صحة تصرفه وإن استغرق ماله في ذلك (¬4)، واختار الشيخ تقي الدين رحمه اللَّه: أنه لا ينفذ شيء من ذلك مع مطالبة الغرماء، وحكاه قولًا في المذهب (¬5)، ويمكن ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "أو لا". (¬2) لا شك أن فيه نظر، والصواب أنه يجوز أن يتنفل بالعمرة من عليه فريضة الحج، وأن يتنفل بالحج من عليه فريضة العمرة، وذلك لأنّ أفعالهما تختلف، وزمنهما يختلف؛ فلا يضيق هذا على هذا. (ع). (¬3) رجل عليه زكاة؛ فهل له أن يتصدّق قبل إخراجها؟ هذا جائز، لأنه إنْ قلنا: إن الزكاة على التراخي ووقتها موسع؛ فالأمر ظاهر، وإن قلنا: هي على الفور، فإنه أيضًا جائز؛ لأنها غير موقتة بوقت محدود كالصلاة، كل هذا إذا كان ماله يتسع للزكاة والصدقة، أما إذا لم يتسع؛ فسيذكره. (ع). قلت: وكتب هنا مصحح (أ) على هامشها: "واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يصح، واحتج على ذلك بقوله سبحانه: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 17 - 19]. (¬4) كتب في هامش (أ): "وكذا هو اختيار الشيخين، وذكر عن مالك، وذكر صاحب "المغني" أن نفوذه لا يعلم فيه خلافًا". (¬5) انظر: "الاختبارات الفقهية" (ص 179) لشيخ الإسلام ابن تيمية.

تخريجه في المذهب من (¬1) أصلين (¬2): (أحدهما): ما نص عليه أحمد [رحمه اللَّه] (¬3) في رواية حنبل فيمن تبرع بماله بوقف أو صدقة وأبواه محتاجان: أن لهما رده، واحتج بالحديث المروي في ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) في (ج): "على"، ولعله الصواب. (¬2) التصرفات المالية؛ كالعتق والوقف والصدقة والهبة؛ إذا تصرف فيها الإنسان وعليه دين، إذا كان الدين لا يستغرق ماله، فالتصرف صحيح، وإذا كان الدين يستغرق ماله؛ فإما أن يحجر عليه، وإما أن لا يحجر، فإن حجر عليه (أي: مُنع مِن التصرف بواسطة القاضي)؛ فإن تصرفه لا يصح لأنه محجور عليه، وإن لم يحجر عليه وكان دينه مستغرقًا؛ فالمذهب أن تصرفه صحيح لأنه حر في ماله، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه أنه لا يصح مع مطالبة الغرماء، وهذا أصح؛ لأنهم لما طالبوه تعلق به حق الغرماء، مثاله: شخص عليه عشرة آلاف ريال دين، وما عنده إلا هذا العبد الذي يساوي عشرة آلف ريال فقط، فأعتقه مع مطالبة الغرماء بديونهم؛ فعلى المذهب يصح لأنه ما حجر عليه، وعلى رأي شيخ الإسلام ما يصح، ورأي الشيخ أصحُّ. (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) يشير المصنف إلى ما أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/ 611)، والخطيب في "تالي التلخيص" (رقم 310 - بتحقيقي)؛ عن عائشة؛ قالت: "تفوت رجل من مال نفسه بمال، فجاء أبوه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأعلمه ذلك؛ فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إليه، فقال له: اردُد على أبيك ما حبستَ عليه؛ فإنك ومالك كسهم من كنانته". وإسناده ضعيف، فيه الحارث بن عبيدة الحمصي الكلاعي، ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 224): "يأتي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد"، وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (20/ 1/ 81): "شيخ ليس بالقوي". =

(والثاني): أنه نص في (¬1) رواية أخرى على: [أن] (¬2) من أوصى لأجانب وله أقارب (¬3) محتاجون أن الوصية ترد عليهم. فتخرج من ذلك أن من تبرع وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين ليس له وفاء: أنه يرد، ولهذا يباع (¬4) المدبر في الدين خاصة على رواية (¬5). ونقل ابن منصور عن أحمد فيمن تصدق عند موته بماله كله، قال: هذا مردود، لو (¬6) كان في حياته؛ لم أجوز له إذا كان له ولد (¬7). ¬

_ = قلت: يشهد له حديث: "أنت ومالك لأبيك"، وسيأتي تخريجه مفصلًا في التعليق على (ص 433 - 444)، (¬1) في نسخة (ب): "من"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج)، وأثبتناها من (أ). (¬3) في نسخة (ج): "قرابة". (¬4) كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ب): "نبيع"، وفي (ج): "بيع". (¬5) المدبر: هو العبد الذي عن بعد موت صاحبه، يقول: إذا متُّ فأنت حر، فإذا مات وعليه دين، فإننا نقدم الدبن على التدبير؛ نبيع المدبر ونوفي الدين. (ع). (¬6) كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ): "ولو"، وفي (ج): "إنْ". (¬7) إحدى الروايتين عن أحمد: أنه لا يجوز التصدق بجميع ماله إذا كان له ولد؛ لأنه يدع واجبًا لتطوع. ولكن الرواية الثانية عن أحمد جواز ذلك، وفد فعل ذلك أبو بكر؛ فتصدق بماله كله، فإذا علم الإنسان من نفسه أنه سيحصل لأولاده ما يجب لهم ووثق بما عند اللَّه؛ فإنه يجوز أن يتصدق بماله كله، ولكن الأفضل أن لا يتصدق بزائد عن الثلث، ولهذا لما أراد كعب بن مالك أن يتصدق بماله، أو أبو لبابة بن المنذر أن يتصدق بماله بتوبة اللَّه عليه؛ قال له رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام: "أمسك عليك بعض مالك". (ع). قلت: أخرج أبو داود في "السنن" (2/ رقم 1678)، والترمذي في "جامعه" (4/ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = رقم 3675) -وقال: "هذا حديث حسن صحيح"-، والبزار في "البحر الزخار" (1/ رقم 270)، والدارمي في "السنن" (1/ 391) بإسنادٍ صحيح عن عمر؛ قال: "أمرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نتصدَّق، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلتُ: اليوم أسبق أبا بكر، إنْ سبقتُه يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر رضي اللَّه عنه بكل ما عنده؛ فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم اللَّه ورسوله. قلتُ: لا أسابقك إلى شيء أبدًا". وأخرجه عبد اللَّه بن أحمد في "زوائده على فضائل الصحابة" (رقم 527) من طريق آخر ضعيف. وأما حديث أبي لبابة بن عبد المنذر حين تاب اللَّه عليه أراد أن يتصدَّق بجميع ماله؛ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُجزيك من ذلك الثلث". أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 481)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الأيمان والنذور، باب فيمن نذر أن يتصدق بماله، 3/ 613 رقم 3320)، وأحمد في "المسند" (3/ 452 - 453)، والدارمي في "السنن" (1/ 391)، وهو حديث صحيح. وأما قصة توبة كعب بن مالك؛ فإنه قال: "قلتُ: يا رسول اللَّه! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى اللَّه وإلى رسوله. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أمسك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك. قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر". أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، 8/ 113 - 116/ رقم 4418)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، 4/ 2120/ رقم 2769). فالثابت قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمسك عليك بعض مالك" من غير تحديد بالثلث، وقول كعب: "أمسك سهمي الذي بخيبر" لا نعلم؛ هل هو بقدر ثلث ماله أو أكثر من ذلك أو أقل؟ قاله ابن العربي في "أحكامه" (2/ 1010).

12 - القاعدة الثانية عشرة المذهب أن العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه الواردة فيها من غير كراهة لبعضها

(القاعدة (¬1) الثانية عشرة) (1) المذهب أن العبادات الواردة على وجوه متعددة (¬2) يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه الواردة فيها من غير كراهة لبعضها؛ وإن كان بعضها أفضل من بعض، لكن هل الأفضل المداومة على نوع منها، أو فعل جميع الأنواع في أوقات شتى؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول (¬3). ¬

_ (¬1) في (أ): "قاعدة" بدون ترقيم. (¬2) كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج): "متنوعة". (¬3) هذه القاعدة مهمة: العبادات الواردة على وجوه متنوعة نحن أمامها بين أمور ثلاثة: إما أن نجمعها في آن واحد. وإما أن نقتصر على نوع منها دائمًا. وإما أن نفعل بعضها مرة وبعضها مرة. المؤلف لم يذكر إلا وجهين فقط، وهما: الأولى: أن نفعل هذا مرة وهذا مرة. والثانية: أن نقتصر على واحد منها ونداوم عليه. مع أن الاحتمال الأول وارد، وهو أن نجمعها. (ع). قلت: رجح ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص 453 وما بعد - بتحقيقي) -وهذا اختيار شيخه كما سيأتي في كلام المصنف- فعل جميع الأنواع في أوقات شتى، ونصره =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بقوَّةٍ، وهذه قاعدة سلفية مهمة، ومما قال رحمه اللَّه: "ذكر قاعدة في هذه الدعوات والأذكار. . .: قد سلك بعض المتأخرين -قلت: لعله يريد الإمام النووي؛ فالمذكور هناك: طريقته في كتابه "الأذكار". انظر مثالًا فيه (1/ 196)، وإنما أبهم اسمه على حد قول النووي فيه (2/ 924) تحت باب (في ألفاظ حكي عن جماعة من العلماء كراهتها، وليست بمكروهة): "واعلم أني لا أسمي القائلين بكراهة هذه الألفاظ؛ لئلا تسقط جلالتهم، ويُساءُ الظن بهم، وليس الغرض القدح فيهم، وإنما المطلوب التحذير من أقوال باطلة نُقِلَت عنهم"- في ذلك طريقة في بعضها، وهو أن الداعي يُستحب له أن يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة"، ثم قال رحمه اللَّه: "ونازعه في ذلك آخرون، وقالوا: هذا ضعيف من وجوه: أحدها: أن هذه طريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين. الثاني: أن صاحبها إن طَرَّدَها؛ لزمه أن يستحبَّ للمصلِّي أن يستفتح بجميع أنواع الاستفتاحات، وأن يتشهد بجميع أنواع التشهدات، وأن يقول في ركوعه وسجوده جميع الأذكار الواردة فيه، وهذا باطل قطعًا؛ فإنه خلاف عمل الناس، ولم يستحبه أحد من أهل العلم، وهو بدعة، وإن لم يُطَرِّدْها؛ تناقض، وفَرَّقَ بين متماثِلَيْن. الثالث: أن صاحبها ينبغي أن يستحبَّ للمصلِّي والتالي أن يجمع بين القراءات المتنوعة في التلاوة في الصلاة وخارجها؛ قالوا: ومعلوم أن المسلمين متَّفقون على أنه لا يستحب ذلك للقارئ في الصلاة ولا خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبُّر، وإنما يفعل ذلك القرَّاء أحيانًا؛ ليمتحن بذلك حفظ القارئ لأنواع القراءات وإحاطته بها واستحضاره إياها والتمكن من استحضارها عند طلبها؛ فذلك تمرين وتدريب، لا تعبد يستحبُّ لكل تالٍ وقارئ، ومع هذا؛ ففي ذلك للناس كلام ليس هذ موضه. . . الرابع: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة في آن واحد، بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة؛ كألفاظ الاستفتاح والتشهد وأذكار الركوع والسجود وغيرها، فاتباعه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقتضي أن لا يجمع بينها، بل يُقال هذا مرة وهذا مرة، وإما أن يكون الراوي قد شك في أي الألفاظ قال، فإن ترجح عند الداعي بعضُها؛ صار إليه، وإن لم يترجح عنده =

واختار الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬1) الثاني؛ لأن فيه اقتداء بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في تنوعه. وقال (¬2) ابن عقيل في صلاة الخوف: إنها تنوعت بحسب المصالح؛ فتصلى (¬3) في كل وقت على صفة تكون مناسبة له (¬4). ¬

_ = بعضها؛ كان مخيرًا بينها، ولم يُشرعْ له الجمع؛ فإنَّ هذا نوع ثالث لم يُرْوَ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيعود الجمع بين تلك الألفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال؛ لأنه قصد متابعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ففعل ما لم يفعله قطعًا. الخامس: أن المقصود إنما هو المعنى والتعبير عنه بعبارة مؤدِّية له، فإذا عبَّر عنه بإحدى العبارتين؛ حصل المقصود، فلا يجمع بين العبارات المتعددة. السادس: أن أحد اللفظين بدل عن الآخر، فلا يُستحب الجمع بين البدل والمبدل معًا، كما لا يستحب ذلك في المبدلات التي لها أبدال، واللَّه تعالى أعلم"، انتهى كلامه رحمه اللَّه باختصار. ومال ابنُ العربي المالكي إلى هذا وسبق به ابن القيم؛ فانظر شرحه "الموطأ": "القبس" (1/ 241 - 242). (¬1) أثبتناها من المطبوع و (ب)، وسقطت من (أ) و (ج). قلت: راجع كلام ابن تيمية في "القواعد الفقهية النورانية" (ص 19). (¬2) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "وقاله". (¬3) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "فيصلي". (¬4) كلام شيخ الإسلام هو الصحيح، وهو أن تفعل هذا تارة وهذا تارة؛ لأنك لو اقتصرت على واحد منهما تركت السنة في الثاني، وأما ما ذكره ابن عقيل في صلاة الخوف؛ فهر صحيح أيضًا، وهو أن تنوعها في السنة بناءً على أن هذا أنفع وأصلح للجيش؛ فتتنوع بحسب المصالح، ولكن لا تخرج عن المشروع. (ع). قلت: انظر كلام ابن القيم السابق؛ ففيه تأصيل وتقعيد لهذه المسألة.

وهل الأفضل الجمع بين ما أمكن جمعه من تلك الأنواع أو الاقتصار على واحد منها؟ هذا فيه نزاع في المذهب، ويندرج تحت ذلك صور: - (منها): مسح الأذنين، المذهب أنه يستحب مسحهما مرة [واحدة] (¬1)؛ إما مع الرأس، أو بماء جديد، ولا يسن الجمع بينهما، وحكي عن القاضي عبد الوهاب بن جَلَبة (¬2) -قاضي حران-: أن الأفضل الجمع ببنهما؛ عملًا بالحديثين (¬3). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬2) قال ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 43): "ذكر أبو العباس أحمد بن تيمية في أول "شرح العمدة": أن أبا الفتح بن جَلَبَة كان يختار استحباب مسح الأذنين بماء جديد بعد مسحهما بماء الرأس، وهو غريب جدًّا". قلت: نقله ابن تيمة في "شرح العمدة" (1/ 191)؛ فقال: "وذكر القاضي عبد الوهاب وابن حامد أنهما يمسحان بماءٍ جديد بعد أن يمسحان بماء الرأس، وليس بشيء، لأنّ فيه تفضيلًا لهما على الرأس، ولأنّ ذلك خلاف المأثور عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه". ونقله عنه أيضًا المرداوي في "الإِنصاف" (1/ 135 - 136). وفي هامش نسخة (ب): "حكاه مجد الدين عنه -أي: القاضي ابن جلبة- في "شرح الهداية"". والقاضي عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جَلَبة البغدادي ثم الحراني المقتول على يد الرافضة صلبًا سة (476 هـ) له ترجمه في "ذيل طبقات الحنابلة" (3/ 43) و"شذرات الذهب" (3/ 352). (¬3) مسح الأذنين، الصحيح أنك تمسحهما بما فضل من الرأس ولا تجدد، لكن على القول بأن التجديد وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ هل الأفضل أن تجدد مرة ولا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = تجدد مرة أخرى؟ هذا هو الأفضل بناءً على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، أو الأفضل أن تأخذ دائمًا، تجدد الماء؛ كما هو المذهب أخذ ماء جديد للأذنين، أو الأفضل أن تجمع بينهما وتمسح الرأس، ثم تمسح الأذنين بما فضل، ثم تأخذ ماءً جديدًا، ثم تمسح الأذنين. يقول المؤلف: على رأي القاضي الحراني: إنك تجمع بينهما، ويرى أن هذا جمع بين الدليلين، وليس كذلك، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يفعل ذلك، ما فعلهما جميعًا، فإما أن نصحح حديث تجديد الماء ونقول: إنه من باب تنوع العبادات، وإما أن نضعفه ونقول: إنك لا تجدد مطلقًا. (ع). قلت: والمذهب أنه لا يسن أخذ ماءٍ جديد للأذنين. قال ابن تيمية في "الاختيارات" (ص 12): "وهو أصح الروايتين عن أحمد". وفي "الإنصاف" (1/ 135): "اختاره القاضي في "تعليقه"، وأبو الخطاب في "خلافه الصغير"، والمجد في "شرح الهداية"، والشيخ تقي الدين". وانظر في المسألة: "مسائل أبي داود" (ص 8)، و"مسائل ابن هانئ" (1/ 8). أما دليل القائلين بالتجديد؛ فهو ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 151) و"معرفة علوم الحديث" (97 - 98) -ومن طريقه البيهقي في "الخلافيات" (رقم 132 - بتحقيقي) عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وحرملة بن يحيى؛ قالا: حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن حبان بن واسع، عن أبيه عبد اللَّه بن زيد الأنصاري؛ قال: رأيتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضّأ، فأخذ ماء لأذنيه خلاف الماء الذي مسح به رأسه. قال الحاكم عقبه: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إذا سلم من ابن أبي عبيد اللَّه هذا؛ فقد احتجا بجميع رواته". وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 151 - 152)، وفي السادس عشر من "الأمالي القديمة" -ومن طريقه البيهقي في "الخلافيات" (8/ رقم 132) -: حدثنا أبو الوليد الفقيه غير مرة، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا حرملة، به بلفظ: "مسح أذنيه غير الماه الذي مسح به رأسه"، وقال: "وهذا يصرح بمعنى الأول، وهو صحيح مثله". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وحسنه النووي في "المجموع" (1/ 412)، وصرح بتصحيحه أيضًا (1/ 414)!! قلت: ظاهر إسناد الحاكم الصحة من هذا الطريق؛ إلا أنَّ حرملة وعبد العزيز قد خالفهما غيرهما، فلم يذكرا الأذنين، بل وقع فيه اختلاف على حرملة نفسه كما سيأتي. وقد تابعهما في روايته عن ابن وهب بذكر الأذنين: الهيثم بن خارجة. أخرجه البيهقي في "الكبرى" (1/ 65) وفي "الخلافيات" (1/ رقم 133 - بتحقيقي) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا الهيثم بن خارجة، ثنا عبد اللَّه بن وهب، به، وقال: "وهذا إسناد صحيح، وكذلك روي عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وحرملة بن يحيى عن ابن وهب، ورواه مسلم بن الحجاج في "الصحيح" (1/ 211/ رقم 336) عن هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي وأبي الطاهر عن ابن وهب بإسناد صحيح: أنه رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ، فذكر وضوءه؛ قال: "ومسح رأسه بماء غير فضل يديه"، ولم يذكر "الأذنين"". ثم أخرجه من طريق أبي داود السجستاني في "السنن" (1/ 30/ رقم 120): ثنا أحمد بن عمرو بن السرح، ثنا ابن وهب، به، وقال: "وهذا أصح من الذي قبله". ونحوه في "المعرفة" (1/ 177) له أيضًا. قلت: نعم، عدم ذكر الأذنين أصح من ذكرهما. كذلك رواه غير واحد عن ابن وهب، خلافًا لهيثم بن خارجة وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص. واختلف فيه على حرملة؛ فرواه ابن سلم، ثنا حرملة، به. أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (3/ 366 - 367/ رقم 1085 - مع "الإحسان": ثنا ابن سلم، به بلفظ مسلم بإسناد صحيح على شرطه. وفي رواية ابن المقري عن ابن قتيبة عن حرملة به، ولم يذكر الأذنين أيضًا. ذكره ابن دقيق العيد في "الإمام" كما في "التلخيص الحبير" (1/ 90). وقد رواه عن ابن وهب هكذا جماعة، تقدم منهم ثلاثة ونزيد هنا أربعة: الأول: علي بن خَشْرَم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أخرجه الترمذي في "الجامع" (1/ 50/ رقم 35): ثنا علي بن خشرم، أخبرنا ابن وهب، به، وقال: "حديث حسن صحيح". الثاني: سريج بن النعمان. أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 41): ثنا سريج، ثنا ابن وهب، به. الثالث: أحمد بن عبد الرحمن بن وهب. أخرجه ابن خزيمة في "الصحيح" (1/ 79 - 80/ رقم 154)؛ نا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، نا عمي، ثني عمرو، به. وأخرجه من طريقه أيضًا أبو عوانة في "المسند" (1/ 249). والرابع: حجاج بن إبراهيم الأزرق. أخرجه من طريقه أبو عوانة في "المسند" (1/ 249). فهؤلاء السبعة رووا الحديث عن ابن وهب من غير ذكر أنه أخذ ماءً جديدًا لأذنيه! وقد خالف ابن لهيعة عمرًا بن الحارث على زعم الترمذي بناءً على أن الرواية المعتمدة عنه أنه أخذ ماءً جديدًا!! كما رواه الهيثم وعبد العزيز بن عمران، فقال في "جامعه" (1/ 52): "ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد اللَّه بن زيد وغيره: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ لرأسه ماءً جديدًا". واستشكل الشيخ أحمد شاكر في "تعليقه عليه" هذا الموطن، وخَطَّأَ وقوعَ المخالفة بين الروايتين، وذلك بسبب عدم تتبع طرقه عن ابن وهب!! ومن خلال تتبع الطرق السابقة عن ابن وهب عن عمرو يتبيَّن خطأ كلام الترمذي؛ إذ رواه ستةً على الوجه الذي رواه ابن لهيعة من غير ذكر الأذنين، وهذا هو الصواب، وهو الذي صوبه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/ 89 - 90/ رقم 95). بقي بعد هذا أن نقول: أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 39 و 40) عن موسى بن داود، و (4/ 41) عن الحسن بن موسى؛ كلهم عن ابن لهيعة، عن حبان، به. من غير ذكر الأذنين أيضًا. وعلَّق الحاكم عليه بقوله في "معرفة علوم الحديث" (98): "هذه سنة غريبة، تفرد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بها أهل مصر، ولم يشركهم فيها أحد". ثم وجدتُ شيخنا الألباني حفظه اللَّه تعالى في تعليقه على حديث رقم (995) من "السلسلة الضعيفة" قد استطرد في الكلام على هذا الحديث، ووصل إلى ما ذكرته من شذوذ ذكر أخذ الماء الجديد للأذنين في هذا الحديث؛ فالحمد للَّه على فضله وتوفيقه. واستدلَّ عبد الحق الإشبيلي بحديث آخر على الأخذ بماء جديد للأذنين، ولكنه لم يصح من جهة، ووهم في لفظه من جهة أخرى. انظر: "نصب الراية" (1/ 22)، و"التلخيص الحبير" (1/ 90)، و"السلسلة الضعيفة" (رقم 995)، وتعليقي على "الخلافيات" (1/ 450). والخلاصة: ما قاله ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 404) -ونقله عنه ابن تيمية في "شرح العمدة" (1/ 190) وأقرّه-: "وغير موجودٍ في الأخبار الثابتة التي فيها صفة وضوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذه لأذنيه ماءً جديدًا، بل في حديث ابن عباس: "أنه غرف غرفة؛ فمسح برأسه وأذنيه، داخلهما بالسبابتين، وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه؛ فمسح ظاهرهما وباطنهما" انتهى. قلت: هذا من أدلة القائلين أنه يمسح بما يفضل من ماء الرأس. وأخرجه عن ابن عباس ابن المنذر في "الأوسط" (1/ رقم 399، 400)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 18، 21)، وابن ماجه في "السنن" (1/ رقم 439)، والترمذي في "الجامع" (1/ 47). وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/ 90): "صححه ابن خزيمة وابن منده". واعتمد القائلون بالتجديد على أثر لابن عمر أخرجه مالك في "الموطأ" (رقم 82 - رواية أبي مصعب، و 47 - رواية يحيى) -ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" (1/ 65 - 66) وفي "الخلافيات" (1/ رقم 135) - عن نافع: أن عبد اللَّه بن عمر كان إذا توضأ يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه. وأخرجه البيهقي في "الكبرى" (1/ 65) وفي "الخلافيات" (1/ رقم 137) عن عبد اللَّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، ومالك بن أنس عن نافع: أن عبد اللَّه بن عمر =

- (ومنها): الاستفتاح؛ فالمذهب أن الأفضل الاستفتاح بسبحانك اللهم (¬1) مقتصرًا عليه. ¬

_ = كان يعيد أصبعيه في الماء؛ فيمسح بهما أذنيه. قال البيهقي عقبه في "الخلافيات": "هذا إسناد صحيح، لا يشتبه على أحد". وتابع مالكًا وعبد اللَّه في الرواية عن نافع: 1 - أيوب، وعنه معمر، وعنه عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 10، 12 - 13/ رقم 20، 30)، ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 402/ رقم 397). 2 - ابن جريج، وعنه عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 10، 11 - 12/ رقم 19، 26)، ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 402 - 403/ رقم 398). 3 - يحيى بن سعيد، أخرجه أبو عبيد في "الطهور" (رقم 349 - بتحقيقي): ثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد وابن جريج، به بلفظ: "كان يأخذ لرأسه ماء جديدًا". قال ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 405): "وقد كان ابن عمر يشدّد على نفسه في أشياء من أمر وضوءه، من ذلك أخذه ماءً جديدًا. . . ". واعتمد القائلون بالمسح من الماء الذي يمسح به الرأس على "الأذنان من الرأس"، وهو مروي عن جمع من الصحابة موقوفًا ومرفوعًا، والصحيح الأول كما بيّنتة بما لا مزيد عليه في تعليقي على "الخلافيات" (1/ 347 - 450)، وللَّه الحمد. (¬1) ورد هذا الاستفتاح فى جملة أحاديث، أقواها موقوفًا على عمر رضي اللَّه عنه. أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، 1/ 299/ رقم 52) من طريق الأوزاعي عن عبدة، عن عمر، به. قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 111 - 112): "قال أبو علي الغساني: هكذا وقع: عن عبدة أن عمر، وهو مرسل، يعني أن عبدة وهو ابن ابي لبابة لم يسمع من عمر". ثم ذكر أن مسلمًا أورده عرضًا لا قصدًا، وكذا قال رشيد الدين العطار في "غرر الفوائد المجموعة" (ص 778 - بتحقيقي)، وكذا الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 229) وقال: "وفي إسناده انقطاع". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وانظر: "جامع التحصيل" (رقم 481). وأخرجه من طريق الأسود بن يزيد؛ قال: سمعتُ عمر افتتح الصلاة وكبر. . (وذكره): عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 43)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 92)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 198)، والدارقطني في "السنن" (1/ 300)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 235)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 34 - 35). وإسناده صحيح، صححه الحاكم والذهبي والدارقطني؛ فقال بعد أن أورده مرفوعًا: "والمحفوظ عن عمر من قوله كذا رواه إبراهيم عن علقمة والأسود عن عمر، وكذلك رواه يحيى بن أيوب عن عمر بن شيبة عن نافع عن ابن عمر من قوله، وهو الصواب". قلت: وأخرجه من طريق إبراهيم عن علقمة به: ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 143)، وأبو عبيد في "الطهور" (رقم 96)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 198)، وابن المنذر في "الأوسط" (3/ 82/ رقم 1267)، وأبو يوسف في "الآثار" (رقم 101)، والدارقطني في "السنن" (1/ 301). والحديث صح مرفوعًا من غير طريق عمر رضي اللَّه عنه. أخرجه الترمذي في "الجامع" (رقم 243)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 806)، وإسحاق بن راهويه في "المسند" (رقم 457)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 617)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 198)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 239)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/ 289)، وابن المنذر في "الأوسط" (3/ 81 - 82 رقم 1265)، والطبراني في "الدعاء" (رقم 502)، والدارقطني في "السنن" (1/ 301)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 34)؛ من طريق حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة؛ قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا استفتح الصلاة قال. . . " (وذكرته). قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحارثة قد تُكلِّم فيه من قِبَلِ حفظه". وقال البيهقي: "وهذا لم نكتبه إلا من حديث حارثة بن أبي الرجال، وهو ضعيف". وأخرجه أبو داود في "سننه" (رقم 776)، والدارقطني في "السنن" (1/ 299)، =

واختار ابن هبيرة (¬1) أن الجمع بينه وبين الاستفتاح بوجهت وجهي (¬2) ¬

_ = والحاكم في "المستدرك" (1/ 235)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 34)؛ من طريق طلق بن غنام، عن عبد السلام بن حرب الملائي، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة. قال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/ 228): "ورجال إسناده ثقات، لكن فيه انقطاع". قلت: نعم، أبو الجوزاء لم يسمع من عائشة. قال العقيلي عقبه: "وقد روي من غير وجهٍ بأسانيد جياد". قلت: نعم، ورد عن أبي سعيد عند أبي داود في "السنن" (رقم 775)، والنسائي في "المجتبى" (1/ 143)، والترمذي في "الجامع" (4/ رقم 242)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 804)، وأحمد في "المسند" (3/ 50)؛ والدارمي في "السنن" (1/ 282)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 116)، والطبراني في "الدعاء" (رقم 501)، والدارقطني في "السنن" (1/ 300)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 34 - 35). وإسناده حسن، وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (ق 37/ أ)، وضعفه أحمد كما في "بدائع الفوائد" (4/ 91). وفي الباب عن أنس وابن مسعود. ونقل ابن القبم في "بدائع الفوائد" (3/ 92 و 4/ 91) عن أحمد في رواية حنبل: أنه كان يستفتح استفتاح عمر، وكذا في "مسائل أبي داود" (30). (¬1) في كتابه "الإفصاح" (1/ 275 - 278)، ونقله عنه ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 280). (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم 771)، وأبو داود في "السنن" (رقم 760)، والترمذي في "الجامع" (رقم 266، 3421، 3422)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 129، 130)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 231)، والدارمي في "السنن" (2/ 282)، وأحمد في "المسند" (1/ =

أفضل، وذكر الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬1) أنه يستفتح كذلك (¬2)، ولكن ورد في الجمع أحاديث (¬3) متعددة، وفيها ضعف، وبتقدير ثبوتها؛ فلا (¬4) تكون المسألة من هذا القبيل (¬5). ¬

_ = 102)، والطيالسي في "المسند" (رقم 152)، وابن المنذر في "الأوسط" (3/ 81/ رقم 1264)، والطبراني في "الدعاء" (رقم 493 - 498)، وأبو عوانة في "مسنده" (2/ 110 - 112)، وأبو يعلى في "المسند" (رقم 285، 574)، وابن خزيمة في "الصحيح" (رقم 462 - 464)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 179)، وابن حبان في "الصحيح" (5/ رقم 1762 - 1765 - "الإِحسان")، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 32، 33) وفي "الدعوات الكبير" (رقم 72)، وغيرهم؛ عن علي بن أبي طالب؛ قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا استفتح الصلاة كبَّر، ثم يقول. . . " (وذكره). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). (¬2) كذا في المطبوع ونسختي (أ) و (ب)، وفي نسخة (ج): "بذلك". (¬3) منها: حديث عبد اللَّه بن عمر؛ قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا استفتح الصلاة؛ قال: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163]. أخرجه الطبراني في "الدعاء" (رقم 500) و"الكبير" (12/ 353) بسندٍ ضعيف من أجل عبد اللَّه بن عامر الأسلمي. وانظر: "المجمع" (2/ 107). (¬4) في (ج): "لا" بدون الفاء. (¬5) الاستفتاح ورد على وجوه متعددة، الأفضل أن تستفتح على المذهب بسبحانك اللهم وبحمدك، هذا الذي اختاره الإمام أحمد رحمه اللَّه، ومشى عليه أصحابه. وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 205 - 206 - ط مؤسسة الرسالة) نحو عشرة =

- (ومنها): إجابة المؤذن؛ هل يشرع فيها الجمع بين الحيعلة والحوقلة، أم لا؟ وكذا في التثويب في الفجر؟ فيه وجهان (¬1). ¬

_ = أوجه ترجحه على غيره، ولكن الصحيح خلاف ذلك، الصحيح أنك تستفتح بهذا وتستفتح بهذا؛ لحديث أبي هريرة: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي". وحديث أبي هريرة يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجمع بين الاستفتاحات؛ لأنه سئل ماذا نقول؟ فقال: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي. . . "، ولو كان يقول شيئًا آخر؛ لبينه. (ع). قلت: قال ابن القيم في "الزاد" (1/ 204) بعد أن سرد جمعًا من الأحاديث الصحيحة فيها بيان هديه -صلى اللَّه عليه وسلم- فى الاستفتاح: "فكل هذه الأنواع صحت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، ثم قال: "وإنما اختار أحمد هذا -أي: استفتاح عمر-؛ لعشرة أوجه، قد ذكرتُها في مواضع أخرى. . . وسرد ستة منها". وحديث: "اللهم باعد. . . " أخرجه البخاري في "صحيحه" (744)، ومسلم في "صحيحه" (رقم 598)، وأبو داود في "السنن" (رقم 781)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 129)، وغيرهم، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه مرفوعًا. (¬1) والصحيح أنه لا يجمع، لأنَّ جمعه بعيد من المعنى، المؤذن يقول: (حي على الصلاة)؛ فهو يدعوك، فإذا قلت أنت: (حي على الصلاة)؛ دعوته، فكأنه يقول: تعال صلِّ في المسجد، وتقول: تعال صلِّ في البيت، فيتنافيا، ولهذا نقول: إنه يقول: (لا حول ولا قوة إلا باللَّه) فقط، وكذلك التثويب، وهو قوله: (الصلاة خير من النوم)، وسمي تثويبًا من الثوب، وهو الرجوع؛ كأن المؤذن رجع إلى الدعوة مرة أخرى، والصحيح في التثويب أنك تقول كما يقول فقط، دون (لا حول ولا قوة إلا باللَّه)، ولا يوجد دعاء. (ع). قلت: أخرج الطبراني في "الدعاء" (رقم 458)، وأبو يعلى في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك" -كما في "فتح القدير" (1/ 249 - 250) لابن الهمام، وساق سنده ومتنه، وهو ليس في مطبوعه-؛ عن أبي أمامة رفعه: "من نزل به كرب أو شدة؛ فليتحيّن المنادي، =

- (ومنها): سنة الجمعة بعدها نقل إبراهيم الحربي عن أحمد رحمه اللَّه: أنه قال: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأربع ركعات (¬1)، وصلى هو ركعتين (¬2)، فأيهما ¬

_ = فإذا كبَّر؛ كبَّر. . . إلخ"، وفيه: "وإذا قال: حي على الصلاة؛ قال: حي على الصلاة، وإذا قال: حي على الفلاح؛ قال: حي على الفلاح". فهذا حديث فيه تصريح بقول مستمع الأذان، "حي على الصلاة"، و"حي على الفلاح"، ولكن إسناده ضعيف، فيه عفير بن معدان. وحجة القائلين بالجمع بن الحوقلة والحيعلة ظاهر قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- الصحيح: "فقولوا مثل ما يقول"، ولكنه ورد مفسرًا بطرق صحيحة: ". . . ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه. . . "؛ فحملوا ذلك العام على ما سوى هاتين الكلمتين، ويؤيّده فعل السلف؛ إذ لو كان الجمع مشروعًا ومرغبًا فيه؛ لنقل عنهم رضوان اللَّه عليهم. ونقل ابن الهمام في "فتح القدير" (1/ 249، 250) عن القائلين بالجمع صحة اعتبار المحيب بهما، فيكون داعًا لنفسه، محركًا منها السواكن، مخاطبًا لها، ثم قال: "وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما؛ فيدعو نفسه، ثم يتبرأ من الحول والقوة، ليعمل بالحديثين". قلت: ما أحسنه لو نُقل عن السلف، أَمَا والأمر ليس كذلك؛ فيتوقف على المبيّن، واللَّه الموفق. أما الدعاء بعد التثويب بـ: "صدقت وبررت" كما عليه عامة الناس من العوام؛ فهو مما "لا أصل له"؛ كما قال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/ 211). (¬1) أخرج مسلم في "صحيحه" (رقم 881) عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا صلَّى أحدُكم الجمعة؛ فَلْيُصَلِّ بعدها أربعًا". وأخرجه أيضًا الحميدي في "مسنده" (رقم 976)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 133)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ رقم 1878، 1879)، وابن خزيمة في "الصحيح" (3/ رقم 1874)، وغيرهم. (¬2) أخرج البخاري في "صحيحه" (رقم 937، 1165، 1172، 1180)، ومسلم في "صحيحه" (رقم 729، 882)، وأبو داود في "السنن" (رقم 1132)، والترمذي في =

فعلت فحسن، وإن أردت أن تحتاط؛ صليت ركعتين وأربعًا؛ جمعت فعله وأمره. وهذا مذهب غريب لاستحباب الست، [و] (¬1) أما الأصحاب؛ فلم يستندوا [إلا] (¬2) إلى ما نقل عن بعض الصحابة من صلاته ست [ركعات] (¬3). ¬

_ = "الجامع" (رقم 521)، والنسائي في "المجتبى" (3/ 112)، وعبد الرزاق في "المصنف" (3/ 247)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 132)، وابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 82)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ رقم 1877)، وغيرهم؛ عن ابن عمر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُصلِّي قبل الظُّهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يُصلِّي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين". لفظ البخاري. (¬1) سقطت "و" من نسخة (أ). (¬2) سقطت "إلا" من نسخة (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). ويشير المصنف إلى قول الترمذي في "جامعه" (2/ 401 - 402): "وروي عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: أنه أمر أن يُصَلَّى بعد الجمعة ركعتين ثم أربعًا، وقال عطاء: رأيتُ ابن عمر رضي اللَّه عنهما صلَّى بعد الجمعة ركعتين ثم صلى بعد ذلك أربعًا". قلت: أخرج عبد الرزاق في "المصنف" (رقم 5525)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 132)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ رقم 1881)؛ من طريق عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي؛ قال: "كان عبد اللَّه بن مسعود يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا، حتى جاءنا علي؛ فأمرنا أن نصلي بعدها ركعتين ثم أربعًا". وفات هذا الأثر الأستاذ يوسف أوزبك في "مسند علي"، وهو على شرطه في الجزء الخامس منه؛ لأن ذكر عليٍّ جاء في آخره؛ فلا ينتبه له منى يجمع جمعه، وفقنا اللَّه وإياه للخيرات. وأخرج أبو داود في "السنن" (رقم 1130)، وعبد الرزاق في "المصنف" (3/ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 246 - 247)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ رقم 1882) بسندٍ جيد: "إذا كان ابن عمر بمكة، فصلَّى الجمعة؛ تقدّم فصلَّى ركعتين، ثم تقدّم فصلَّى أربعًا". وأخرج ابن المنذر في "الأوسط" (4/ رقم 1883) عن أبي موسى الأشعري: "أنه كان يصلِّي بعد الجمعة ستًّا". تنبيه: المراد من صلاة ابن مسعود قبل الجمعة أنه كان يفعل ذلك تطوعًا إلى خروج الإمام، انظر تفصيل ذلك في "الباعث" (ص 288 - بتحقيقي) لأبي شامة المقدسي. قال الشيخ ابن عثيمين: "أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصلي الإنسان بعد صلاة الجمعة أربعًا، ثبت ذلك في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا صلى أحدكم الجمعة؛ فليصل بعدها أربعًا"، وثبت عن فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث ابن عمر أنه كان يصلي ركعتين. ولم يقل أحد: إن اقتصرت على ركعتين فحسن، وإن اقتصرت على أربع فحسن، وإن جمعت بينهما فحسن أيضًا؛ لكن شيخ الإسلام رحمه اللَّه جمع بين الصفتين بجمع آخر، فقال: إن صليت في المسجد مكانك؛ فصل أربعًا، وإن صليت في بيتك؛ فصل ركعتين. فحمل أمر النبي عليه الصلاة والسلام على شيء، وفعله على شئ، وهو جمع حسن، وقال بعضهم، من فوائد ذلك: إنَّك إنْ صلَّيتَ أربعًا في المكان؛ فإنَّ هذا لإِبعاد أن تكون صليت ركعتين في هذا المكان تكميلًا للجمعة، فإذا صليت أربعًا؛ زال هذا الإيهام، وهذا إنما يتأتى إذا كانت الأربعة بتسليمةٍ واحدةٍ، أما إن كانت بتسليمتين، فلا تقبل هذه العلة، واللَّه أعلم" انتهى. قلت: ورجع ابن القيم في "الزاد" (1/ 440) التفصيل المذكور، ونقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية. والتعليل المذكور في كلام الشارح حفظه اللَّه يتحقق بما ورد في الأدلة من النهي عن وصل السنة بصلاة الجمعة، وحثت على الفصل بينهما بقيامٍ أو كلامٍ، وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة، على ما فصله شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (24/ 202 - 203). =

- (ومنها): ألفاظ الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في التشهد؛ فإنه [قد] (¬1) ورد فيها: كما صليت على آل إبراهيم (¬2)، وورد: كما صليت على إبراهيم (¬3)؛ فهل يقال: الأفضل الجمع بينهما؟ فإن من الأصحاب من اختار الجمع بينهما (¬4)، وقد يكون مستنده جمع الروايتين، وأنكر الشيخ [تقي الدين] (¬5) رحمه اللَّه ذلك، وقال: لم ¬

_ = فهما (أي: الفصل أو الكلام) أقوى في عدم قبول العلّة من حصول الأربع ركعات بتسليمة واحدة، وإن فصل بينهما بسلام؛ فلعل العلة المذكورة تتحقق بوجه قوي عند العوام؛ إذ يقع الظن عندهم أن أول ركعتين تتمة للظهر، والأخرتان هما السنة البعدية. وعلى أيّ حال التفريق المذكور يحتاج إلى دليلٍ خاصٍّ. وقال شيخنا الألباني في "تمام المنة" (341): "هذا التفصيل لا أعرف له أصلًا في السنة"؛ فالصواب تخيير المصلي أن يفعل أيهما شاء، والتنويع هو الهدي؛ إذ يدور حينئذ بين الامتثال للقول وإصابة الفعل، واللَّه الموفق والهادي. (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج). (¬2) ورد هذا اللفظ في حديث كعب في "صحيح البخاري" (رقم 4797)، وحديث أبي حميد الساعدي في "صحيح البخاري" (رقم 3369، 6360)، وغيرهما؛ كما تراه في "جلاء الأفهام". (¬3) ورد هذا اللفظ في أحاديث عديدة؛ منها: حديث أبي سعيد الخدري في "صحيح البخاري" (رقم 4798، 6358)، وحديث طلحة بن عبيد اللَّه عند أحمد في "المسند" (1/ 162)، وغيره؛ كما تراه في "جلاء الأفهام" (ص 81 - 82 - بتحقيقي). (¬4) وإليه ذهب النووي في "الأذكار" (1/ 196 - تحقيق الأخ سليم الهلالي). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع وأثبتناه من النسخ الخطية، وقد أنكر الجمع ابنُ القيم في "جلاء الأفهام" (ص 419 - بتحقيقي)، ونقله عن شيخه ابن تيمية -وهو في "فتاويه" (1/ 16) -، وتعقبهما ابن حجر في "الفتح" (11/ 134) وشيخنا الألباني في "صفة صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (ص 166 - ط المعارف).

يبلغني فيه حديث مسند ثابت بالجمع بينهما، ولا يصح أن يجمع بين الروايتين؛ لأنه كان يقول هذا تارة وهذا تارة؛ فأحد اللفظين بدل عن الآخر، ولا يصح الجمع بين البدل والمبدل. كذا قال، وقد ثبت في "صحيح البخاري" الجمع بينهما من حديث كعب بن عجرة (¬1)، وأخرجه النسائي من حديث كعب أيضًا ومن حديث طلحة (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، رقم 6357)، وخرَّجتهُ بإسهابٍ وتفصيلٍ في تحقيقي لـ"جلاء الأفهام" (ص 72 - 73) لابن القيم رحمه اللَّه تعالى. (¬2) حديث كعب بالجمع بين اللفظين عند النسائي في "المجتبى" (3/ 48)، وفي "عمل اليوم والليلة" (رقم 54)؛ وفي "السنن الكبرى" (1/ رقم 1212)؛ وغيره؛ كما تراه في تعليقي على "جلاء الأفهام" (ص 72، 73). وحديث طلحة عد النسائي في "المجتبى" (3/ 48)، و"السنن الكبرى" (رقم 1122)، و"عمل اليوم والليلة" (رقم 52). وورد الجمع من أحاديث غيرهما؛ كما بيّنتهُ في تعليقي على "جلاء الأفهام" (ص 419). ووقع في مطبوع كتابنا "ومن حديث أبي طلحة"، وكذا في نسخة (ج) بزيادة (أبي) دون نسختي (أ) و (ب)، وكلمة (أبي) مثبتة فيهما في الهامش، والصواب حذفها. قال الشيخ ابن عثيمين حفظه اللَّه: "العلماء إذا نقلوا كلام شخص من أهل العلم ثم قالوا: "كذا قال" يسمون هذا تعقيبًا، يعني أن الناقل لم يرتضِ ما قاله المنقول عنه، وهو كذلك؛ فإن لحديث ثابت في "صحيح البخاري"، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه يقول: "كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد"، أو: "كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"، ولا يجمع بينهما بناءً على أنه لم يبلغه الحديث، ولكن ثبت في "صحيح البخاري" الجمع بينهما، يعني مع الإِفراد، لا يعني أنه ما ورد إلا مجموعًا، ورد منفردًا ومجموعًا، يعني ورد: "كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد"، وورد: =

13 - القاعدة الثالثة عشرة إذا وجدنا [أثرا] معلولا لعلة، ووجدنا في محله علة صالحة له، ويمكن أن يكون الأثر معلولا لغيرها، لكن لا يتحقق وجود غيرها؛ فهل يحال ذلك الأثر على تلك العلة المعلومة أم لا؟

(القاعدة الثالثة عشرة) (¬1) إذا وجدنا [أثرًا] (¬2) معلولًا لعلة، ووجدنا في محله علة صالحة له، ويمكن أن يكون الأثر معلولًا لغيرها، لكن لا يتحقق وجود غيرها؛ فهل يحال ذلك الأثر على تلك العلة المعلومة أم لا؟ في المسألة خلاف، ولها صور كثيرة [قد يقوى] (¬3) في بعضها الإِحالة ¬

_ = "كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"، ويجمع بين هذا وهذا، فيقال: "كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم". وقول شيخ الإسلام: لا يجمع بينهما، لأنه لم يرد فيما بلغه الجمع بينهما، وكل واحد عنده بدل عن الأخرى، ولا يجمع بين البدل والمبدل منه، هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام، لكن يقول ابن رجب: "كذا قال"، ولم يرتضه، وبين أنه قد ثبت في "صحيح البخاري" الجمع بينهما، وعلى هذا؛ فلا يكون من هذه القاعدة؛ لأنه وردت النصوص في الجمع بينهما، حينئذٍ نقول: الأفضل أن يجمع بينهما؛ لأنه زيادة، وفي هذا دليل على قصور الإنسان مهما بلغ في العلم؛ فمثلًا شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال فيه الذهبي رحمه اللَّه: "كل حديث لا يحفظه شيح الإسلام؛ فليس له أصل" يفوته مثل هذا، لكن فيما يظهر لي أن النسخة التي كانت عند شيخ الإسلام ابن تيمية من "الصحيح" سقط على نساخها هذا الحديث، واللَّه أعلم". (ع). (¬1) في (أ): "قاعدة". (¬2) في المطبوع: "أثر"، والصواب ما أثبتناه؛ كما في النسخ الخطية. (¬3) كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ): "تقوى"، وفي (ج): "وقد يقوى".

وفي بعضها العدم؛ لأن الأصل (¬1) أن لا علة سوى هذه المتحققة (¬2)، وقد يظهر في بعض المسائل الإحالة عليها؛ فيتوافق الأصل [و] (¬3) الظاهر، وقد يظهر الإِحالة على غيرها؛ فيختلفان (¬4). - (فمن صور [تلك] (¬5) المسألة): ما إذا وقع في الماء نجاسة، ثم غاب عنه، ثم وجده متغيرًا؛ فإنه يُحْكَمُ بنجاسته عند الأصحاب إحالة للتغيير (¬6) على النجاسة المعلوم وقوعها فيه، والأصل عدم وجود مغير غيرها. وخرج بعض المتأخرين فيه وجهًا آخر: أنه طاهر من مسألة الصيد الآتية. و [الأولى] (¬7) أولى؛ لأن الأصل طهارة الماء؛ فلا يزال عنها بالشك (¬8). ¬

_ (¬1) على هامش (ب) قال: "المراد بالأصل هنا المستحب". (¬2) في (ب): "المحققة". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج). (¬4) كتب هنا على هامش (ب): "كما في مسألة الصيد الآتية على الرواية الثالثة". (¬5) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬6) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ): "للتغير". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬8) معنى (معلولًا لعلة): يعني أثرًا سببه ظاهر، وجدنا هذا الأثر وسببه معلوم، ووجدنا في محله علة صالحة له، العلة الثانية يعني في نفس المحل، ويمكن أن يكون الأثر معلولًا لغيرها، لكن لا يتحقق وجود غيرها؛ فهل يحال الأثر على تلك العلة المعلومة أم لا؟ فيه خلاف، مثاله: ماء سقطت فيه نجاسة شاهدناها، النجاسة علة معلومة للتنجيس، تركنا هذا الماء ثم جئنا بعد مدة ووجدناه متغيرًا، لكن هذا التغير يحتمل أنه من =

- (ومنها): ما إذا وجد من النائم قبل نومه سبب يقتضي خروج ¬

_ = النجاسة التي كانت معلومة عندنا، ويحتمل أنه من شيء آخر طارئ غير النجاسة؛ هل نحيل الحكم على العلة المعلومة لنا وهي النجاسة، أو نحيل الحكم على العلة الثانية التي يحتمل أن تكون هي المؤثرة؟ فيه خلاف. يقال بوجه عام: إذا وقع في الماء نجاسة، ثم غاب عنه، ثم وجده متغيرًا؛ فإنه يحكم بنجاسته عند الأصحاب، إحالة للتغير على النجاسة المعلوم وقوعها فيه، يعني إحالة للحكم على السبب المعلوم الذي هو النجاسة، والأصل عدم وجود مغيّر غيرها. مثال آخر: روث حمار سقط في ماء وما تغير، فوجدناهُ بعد مدة متغيرًا بروث، ولكن ما تدري هو روث الحمار الذي علمناه أو أنه روث بعير -وهو طاهر-؛ فهل نقول: إن الأصل لم يتغير إلا بالعلة المعلومة؛ فعلى هذا يكون نجسًا، أو نقول: يمكن أن يكون متغيرًا لعلة أخرى، وهي روث البعير، وهي طاهرة؛ فيكون طاهرًا. المذهب عند الأصحاب: يحال الحكم على العلة المعلومة؛ لأن الأصل عدم وجود غيرها. بعض المتأخرين خرّج وجهًا آخر من مسألة الصيد، وهي أن الإنسان إذا رمى صيدًا وغاب عنه ووجده بعد يوم أو يومين ميتًا وليس فيه إلا أثر سهمه؛ يكون حلالًا، مع ورود احتمال أنه مات بغير السهم، فمن الممكن أن يكون هذا الطائر لما عجز عن الطيران بسبب السهم مات من الجوع أو من الظمأ، فيكون حرامًا، لكننا نحيله على السبب المعلوم، ولكن لو وجدته غريقًا في الماء؛ هل يحل أم لا؟ لا يحل؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "لا تدري الماء قتله أم سهمك؟ "، لكن إذا علمت أن الذي قتله سهمك؛ فهذا يحل؛ لأن التعليل الذي علل به الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد زال، ومسألة الصيد ستأتي إن شاء اللَّه. وفيه أيضًا وجه آخر خرجه بعض المتأخرين، قال: إن الأصل طهارة الماء؛ فلا تزول بالشك، لكن الأصل أنه ما تغير إلا بما هو معلوم. (ع).

المذي منه من تفكر أو ملاعبة ونحوهما (¬1) ثم نام واستيقظ ووجد بللًا لم يتيقنه منيًا، ولم يذكر حلمًا؛ [فإن] (¬2) المنصوص عن أحمد [رحمه اللَّه] (¬3): أنه لا غسل عليه؛ إحالة للخارج على السبب المتقين، وهو المقتضي لخروج المذي؛ لأن الأصل عدم وجود غيره، وقد تيقن وجوده. وحكي عن أحمد [رحمه اللَّه] (¬4) رواية أخرى بوجوب الغسل (¬5). - (ومنها): لو جرح صيدًا جرحًا غير مُوَحّ (¬6)، ثم غاب عنه ووجده ميتًا ولا أثر فيه غير سهمه؛ فهل يحل أكله؟ على روايتين: أصحهما: أنه يحل؛ لحديث عدي بن حاتم (¬7). ¬

_ (¬1) في (أ): "ونحوها". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ج): "فـ". (¬3) و (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). (¬5) الأصل عدم وجوب الغسل، فلا يجب الا بيقين، والاحتياط أن تغسل ما أصابك منه؛ لاحتمال أن يكون مذيًا، وتغتسل لاحتمال أن يكون منيًا؛ فتجمع بين الأمرين، أما إذا وجد سبب ظاهر يمكن إحالة الحكم عليه، مثل أن يتقدم نومه مداعبة أو تفكير، ثم ينام على ذلك ولا يذكر احتلامًا في نومه؛ فإن الحكم يحال على ما تيقنه؛ فيجب عليه أن يغسل ما أصابه ويغسل ذكره وأنثيبه، ولا يجب عليه الغسل إحالةً على هذا السبب المعلوم، أما إذا تيقنت أنه مني؛ فالأمر ظاهر، يجب عليه أن يغتسل لأنه تيقنه، وقد ينام الانسان ويحتلم ولا يذكر احتلامًا، والشارع علق الحكم على رؤية الماء. (ع). (¬6) يقال: وحَّى فلان ذبيحته إذا ذبحها ذبحًا سريعًا، والمراد هنا المميت والقاتل يقينًا. (¬7) قال في هامش نسخة (ب): "قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: إذا أرسلت كلبك =

والثانية: لا يحل؛ لقول ابن عباس [رضي اللَّه عنهما] (¬1): "كل ما أصميت، ودع ما أنميت" (¬2)، ولذلك تسمى مسألة الإصماء والإنماء. ¬

_ = المعلم، فقتل؛ فكل، وإذا أكل؛ فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه. قلت: أرسل كلبي فأجدُ معه كلبًا آخر؟ قال: فلا تأكل؛ فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر". قلت: والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم 5476)، ومسلم في "صحيحه" (رقم 1929) بنحوه؛ عن عدي. وله ألفاظ عديدة تجدها مع تخريجها في "الموافقات" للشاطبي (4/ 362 - بتحقيقي). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). (¬2) أخرجه الطبراني في "الكبير" (12/ 27/ رقم 12370) عن ابن عباس مرفوعًا بإسناد ضعيف، فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، قاله ابن حجر في "التلخيص الحبير" (4/ 136). وأخرجه البيهقي في "الكبرى" (9/ 241) و"المعرفة" (13/ 449/ رقم 18800، 18802)، من طريقين عن ابن عباس موقوفًا، وهو أشبه. وصححه البيهقي موقوفًا، وضعَّف المرفوع. وانظر: "فتح الباري" (9/ 611)، و"مجمع الزوائد" (4/ 162)، و"تخريج العراقي لأحاديث الإحياء" (2/ 96). وللمرفوع شاهد من حديث عمرو بن تميم عن أبيه عن جده؛ كما عند أبي نعيم في "المعرفة"، وفيه محمد بن سليمان بن مشمول، وقد ضعفوه. وانظر: "من روى عنه أبيه عن جده" (ص 493)، و"لسان الميزان" (2/ 73). ومعنى الحديث: أي ما أصابه السهم فأسرع بموته وأنت تراه، من (الإِصماء)، وهو أن تقتل الصيد مكانه، و (الإِنماء) أن تصيبه إصابة غير قاتلة في الحال، ومعناه: أن ما أصبته ثم غاب عنك فمات بعد ذلك؛ فلا تأكله؛ فإنك لا تدري أمات بصيدك أم بعارضٍ آخر. قلت: انظر في تفصيل هذا المعنى وأحكامه: "تفسير القرطبي" (6/ 71 - 72)، =

وفيه رواية ثالثة: أن غاب عنه ليلة لم يحل، وإلا؛ حل. وفيه حديث مرفوع، [و] فيه ضعف (¬1)، وعلل بأن هوام الليل كثيرة (¬2)؛ فكأن الظاهر هنا -وهو وجود سبب آخر حصل منه الزهوق- قوي على الأصل، وهو عدم إصابة غير السهم له (¬3). ¬

_ = و"فتح الباري" (9/ 611)، و"معرفة السنن والآثار" (13/ 449 - 450)، و"الاستذكار" (15/ 280). (¬1) يشير المصنف إلى المراسيل في هذا الباب، من مثل ما أخرجه أبو داود في "المراسيل" (رقم 282) من طريق عطاء بن السائب؛ قال: عن عامرٍ "أن أعرابيًا أهدى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ظَبْيًا، فقال: من أين أصبت هذا؟ قال: رَمَيْتُة أمس، فطلبتُه، فأعجزني حتى أدركني المساء، فرجعت، فلما أصبحت اتبعت أثره، فوجدته في غار أو في أحجار، وهذا مشقصي فيه أعرفه. قال: بات عنك ليلةً ولا آمن أن تكون هامة أعانتك عليه، لا حاجة لي فيه". وما أخرجه أبو داود في "المراسيل" أيضًا (رقم 483)، والبيهقي في "الكبرى" (9/ 241) عن أبي رزين؛ قال: "جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بصيد فقال: إني رميته بالليل فأعياني، ووجدت سهمي فيه من الغد، وقد عرفت سهمي؛ فقال: الليل خلق من خلق اللَّه عظيم، لعله أعانك عليها بشيء أبعدها عنك". (¬2) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "كثير". (¬3) جرح صيدًا جرحًا غير مُوحٍّ -أي: مميت-، ثم غاب عنه ووجده ميتًا ولا أثر له غير سهمه؛ فيأكله إعمالًا للسبب المعلوم والعلة الظاهرة، وهو أنه لم يمت بغير هذا السهم، مع احتمال أنه مات بغيره، لكن الأصل أنه مات به، فيكون حلالًا؛ لحديث عدي بن حاتم رضي اللَّه عنه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا غاب عنك ولم تجد فيه إلا أثر سهمك؛ فكل إن شئت"، فأذن النبي عليه الصلاة والسلام أن يأكل إذا لم يجد فيه إلا أثر سهمه، وإن كان موحيًّا الجرح، فإنه أبلغ، ويكون حِلُّه أوضحَ، وفيه الرواية الثانية عن أحمد: لا يحل؛ لأثر ابن عباس الذي ذكره، ولكن هذه الرواية ضعيفة، لأنها مخالفة للحديث، وفي الرواية الثالثة =

- (ومنها): لو جرح المحرم صيدًا جرحًا غير مُوَحٍّ، ثم غاب عنه، ثم وجده ميتًا؛ فهل يضمنه كله أو أرش الجرح؟ على وجهين، وجزم بعض الأصحاب بضمان أرش الجرح فقط؛ لأنه المتيقن، والأصل براءة الذمة (¬1). - (ومنها): لو جرح آدميًا معصومًا جرحًا غير موح، ثم مات وادعى أنه مات بسبب غير سراية جرحه، وأنكر الولي؛ فالقول قول الولي مع يمينه، ولم يحك أكثر الأصحاب في ذلك خلافًا إحالة للزهوق على الجرح المعلوم. وفي "المجرد" (¬2): أنه إن مات عقيب الجرح؛ فالقول قول الولي؛ ¬

_ = التفصيل بأنه إن غاب عنك ليلة لم يحل، وإلا لو وجدته في نهارك حل، تعليل هذه الرواية يقول: لأنه في الليل تكثر الهوام، ربما أنه أصابه شيء من هذه الهوام؛ فمات به، فنحن في شك: هل مات بالسهم أو مات بهذه الهوام؛ فلا يحل، لكن هذا أيضًا ما دام الحديث الذي أشار إليه المؤلف ضعيفًا؛ فإننا نأخذ بالحديث الصحيح: حديث عدي بن حاتم، وهو أوسع وأيسر. (ع). (¬1) المُحْرِم يَحْرم عليه الصيد، فلو جرح صيدًا جرحًا غير موح، وغاب الصيد ثم وجده ميتًا؛ هل يضمنه أو يضمن أرش الجرح فقط، يضمنه كله؛ لأن الأصل أنه لم يمت إلا بسهمه، وأما الوجه الثاني؛ فإنه يقول: لا يضمنه؛ لأن الأصل براءة الذمة، لكن هذا الأصل عورض بظاهر، وهو أن الظاهر أنه مات بهذا السهم، والصحيح أنه يضمنه، وعلى القول بأنه يضمن أرش الجرح فقط، نقول: هذا الصيد يساوي لو لم يكن مجروحًا خمسة دراهم، وإذا كان مجروحًا أربعة دراهم؛ فيكون الضمان الذي عليه درهمًا واحدًا، واللَّه أعلم. (ع). (¬2) هو للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن الفرَّاء (ت 458 هـ)، =

وإن مات بعد مدة يندمل الجرح في مثلها، [فإن قامت] (¬1) بينة بأنه لم يزل ضمنًا من الجرح حتى مات؛ فكذلك (¬2)، وإلا؛ فالقول قول الجاني. وفيه وجه آخر: أن القول قول الولي (¬3). - (ومنها): لو قال لأمته ولها ولد: هذا الولد مني؛ فهل يثبت بذلك استيلاد الأمة؟ ¬

_ = ونَقْلُ المصنف عنه كثير جدًّا، وعدّه أستاذنا محمد أبو فارس في كتابه "القاضي أبو يعلى وكتابه الأحكام السلطانية" (ص 247) من الكتب المفقودة. ومن الفوائد المهمة جدًّا عنه ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (30/ 299 - 300)، قال: "فالقاضي رضي اللَّه عنه صنَّف "المجرد" قديمًا، بعد أن صنف "شرح المذهب"، وقبل أن يحكم "التعليق" و"الجامع الكبير"، وهو يأخذ المسائل التي وضعها الناس، وأجابوا فيها على أصولهم؛ فيجيب فيها بما نص عليه أحمد وأصحابه، وبما تقتضيه أصوله عنده؛ فربما حصل في بعض المسائل التي تتفرع وتتشعّب ذهول للمفرع في بعض فروعها عن رعاية الأصول والنصوص في نحو ذلك". وقارنه بـ"المدخل المفصَّل" (2/ 709) للشيخ بكر أبو زيد. (¬1) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "وقامت". (¬2) قال هنا في هامش (أ) و (ج): "أعني: [في] الصورة الثالثة". (¬3) الصواب الأول إحالةً للحكم على السبب المعلوم؛ فهذا إنسان جرح شخصًا جرحًا غير قاتل، ثم إن هذا الرجل المجروح مات، فادعى ولي المقتول أنه مات بهذا الجرح، وادعى الجارح أنه مات بسبب آخر؛ فالقول قول الولي؛ لأنّ لدينا سببًا معلومًا، والسبب الثاني غير معلوم، والأصل عدمه، ومثل ذلك لو أنَّ أحدًا أكل سمًّا ثم نام ومات، وادعى الأولياء أنه من السم الذي أسقيه، وقال الساقي للسم {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] ربما مات هذا في منامه!! نقول: الأصل أنه من السم؛ لأنه هو السبب المعلوم، ومثل ذلك لو أن الأم استيقظت ووجدت جنينها في حضنها ميتًا؛ فنحيله عليها إحالةً للحكم على السبب المعلوم. (ع).

على وجهين: أحدهما: نعم؛ لأنا لا نعلم سببًا يتحقق به لحوق النسب هنا غير ملك اليمين، فيحال اللحوق عليه، فيستلزم ذلك ثبوت الاستيلاد في الأمة. والثاني: لا؛ لاحتمال استيلاده قبل ذلك في نكاح أو وطء شبهة (¬1). - (ومنها): لو ادعى رق مجهول النسب، فشهدت له بينة أن أمته ولدته ولم تقل في ملكه؛ فهل يحكم له به؟ على وجهين، رجح الشيخ مجد الدين أنها إن شهدت أن أمته ولدته ونحو ذلك مما فيه إضافة الولد إلى الأمة المضافة إليه؛ حكم له بالولد، فإن (¬2) لم يكن كذلك بأن شهدت أن هذا ولد هذه الأمة، وأن أمه ملك له؛ لم يحكم له بالولد. - (ومنها): لو قال رجل: هذا ابني من زوجتي وادعت زوجته ذلك وادعته امرأة أخرى؛ فهو ابن الرجل، وهل ترجح زوجته على الأخرى؟ [على] وجهين: أحدهما: ترجح؛ لأن زوجها أبوه؛ فالظاهر أنها أمه. [والثاني: يتساويان]؛ لأن كل واحدة منهما لو انفردت لأُلْحِقَ بها، فإذا اجتمعتا تساوتا. [ذكره في "المغني"] (¬3). ¬

_ (¬1) في (أ): "وطئ بشبهة". (¬2) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "وإن". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب). =

- (ومنها): لو باع أمة له من رجل، فولدت عند المشتري، فادعى البائع أنه ولده، فصدته المشتري؛ أنها تصير أم ولد للبائع، وينفسخ البيع، نص عليه أحمد [رحمه اللَّه] (¬1) فى رواية مهنا، وذكره أبو بكر، وذكر ذلك القاضي في "خلافه"، وتأوله على أنه ادعى أنها ولدت في ملكه وصدقهن المشتري على ذلك. - (ومنها): لو ولدت المطلقة الرجعية ولدًا لا يمكن إلحاقه بالمطلق إلا بتقدير وطء حاصل منه في زمن العدة؛ فهل يلحق به الولد في هذه الحال أم لا؟ على روايتين، أصحهما لحوقه؛ لأن الفراش لم يزل بالكلية؛ فإحالة الحمل عليه أولى؛ كحالة صلب النكاح، وعلى هذا؛ فهل يحكم بارتجاعها بلحوق النسب؟ على وجهين، أصحهما -وهو المنصوص-: أنها [تصير] مرتجعة بذلك، وينبني على ذلك مسألة مشكلة في تعليق الطلاق بالولادة، ذكرها صاحب "المحرر" فيه (¬2). ¬

_ = وما نقله عن "المغني"؛ فهو فيه بالنص (6/ 51/ 4582)، وفيه بدل ما بين المعقوفتين الأولتين "يحتمل"، وبدل ما بين المعقوفتين الأخرتين: "ويحتمل أن تتساويا". (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ). (¬2) انظرها في "المحرر" (2/ 101). واسم الكتاب كاملًا: "المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل"، تأليف الإمام مجد الدين أبي البركات ابن تيمية (ت 652 هـ)، طبع في مجلدين بعناية محمد حامد لفقي، وشرحه جمع كبير، منهم المصنف ابن رجب وشيخ الإسلام ابن تيمية. =

وأما شكل (¬1) توجيهها (¬2) على الأصحاب؛ [فقد] (¬3) أفردنا لها جزءً. - (ومنها): أنه يجوز استيفاء الحق من مال الغريم إذا كان ثم سبب ظاهر يحال الأخذ عليه، ولا يجوز [ذلك] (¬4) إذا كان السبب خفيًّا، هذا [هو] (¬5) ظاهر المذهب؛ فيباح للمرأة أن تأخذ من مال زوجها نفقتها ونفقة ولدها بالمعروف، وللضيف إذا نزل بالقوم فلم يقروه أن يأخذ من أموالهم بقدر قراه بالمعروف؛ لأن السبب إذا ظهر لم ينسب [أخذ] (¬6) إلى خيانة، بل يحال أخذه على السبب الظاهر، بخلاف ما إذا خفي؛ فإنه ينسب بالأخذ إلى الخيانة (¬7). ¬

_ = وانظر سائرها في: "الدر المنضد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد" (ص 43، 47، 48، 86، 90). وما زال مخطوطًا منها: "المقرر على أبواب المحرر" لأبي المحاسن يوسف المرداوي (ت 782 هـ)، منه نسخة في دار الكتب المصرية تحت رقم (25922 - ب)، وطبع منها "النكت والفوائد السنية على المحرر" لمجد الدين ابن تيمية بذيله. (¬1) في (ب): "وأشكل"، ولعل الصواب: "وما أشكل". (¬2) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي (أ): "توجهها". (¬3) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "وقد". (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من (ب). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬6) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "الأخذ". (¬7) يجوز استيفاء الحق من الغريم إذا كان السبب ظاهرًا، ولا يجوز إذا كان السبب خفيًّا، مثال السبب الظاهر: النفقة، يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه لأجل أن تنفق على نفسها وأولادها، وقد أفتى بذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن السبب ظاهر، وهي أنها زوجته، وزوجته لا بد أن ينفق عليها، فإذا أخذت ما نسبت إلى الخيانة، ويحال السبب على =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الزوجية، وكذلك الضيف الذي لم يُضَيَّف؛ فإنه يأخذ من طعامهم ما يكفيه؛ لأن السبب ظاهر، وهو الضيافة، أما إذا كان السبب خفيًّا؛ فلا يجوز، كما لو طلبت زيدًا مئة درهم -وكنت قد أقرضته هذا المبلغ-، فجحدك، ولا بيّنة لك؛ فلا يجوز أن نأخذ من ماله؛ لأن السبب خفي، غير ظاهر، هذه معاملة بينك وبينه، ولا نعلم أن هناك سببًا يقتضي أن تأخذ من ماله، وهذا هو القول الوسط. والدليل على الأخذ إذا كان السبب ظاهرًا حديث هند بنت عتبة: "أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لها أن تأخذ من مال أبي سفيان"، وأما إن لم يكن السبب ظاهرًا، فدليله قوله عليه الصلاة والسلام: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". (ع). قلت: ورد نص في مسألة (الضيافة) التي ذكرها المصنف، وهو ما أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 380)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 242) وفي "مشكل الآثار" (7/ رقم 2816، 2817) بسندٍ صحيح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه؛ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّما ضيفٍ نزل بقومٍ، فأصبح الضيف محرومًا؛ له أن يأخذ بقدر قِراهُ، ولا حرج عليه". وحديث: "أدّ الأمانة إلى من. . . " أخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 3535)، والترمذي في "الجامع" (رقم 1264) -ومن طريقه ابن الجوزي في "الواهيات" (رقم 973) -، والدارمي في "السنن" (2/ 264)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 360)، والطحاوي في "المشكل" (5/ رقم 1831، 1832)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص 30)، والدارقطني في "السنن" (3/ 35)، وتمام في "الفوائد" (رقم 707 - ترتيبه)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 46)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (رقم 742)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 271)؛ من طرق عن طلق بن غنَّام، عن شريك وقيس، عن أبي حَصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رفعه. قال ابن القطان: "المانع من تصحيحه أنّ شريكًا وقيس بن الربيع مختلف فيهما". كذا في "نصب الراية" (4/ 119). قلت: يقوِّي كلٌّ منهما الآخر؛ فهو حسن إن شاء اللَّه تعالى. =

- (ومنها): لو قال في مرضه: إن مت من مرضي هذا؛ فسالم حر، وإن برئت منه؛ فغانم حر، ثم مات، ولم يعلم؛ هل مات من المرض أو برئ منه؟ ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعتق سالم؛ لأن الأصل دوام المرض وعدم البرء، [ولأننا] (¬1) قد تحققنا انعقاد سبب الموت بمرضه وشككنا في حدوث سبب آخر غيره؛ فيحال الموت على سببه المعلوم. والثاني: يعتق أحدهما بالقرعة؛ لأن أحد الشرطين وجد ظاهرًا وجهل عينه. ¬

_ = وانفرد طلق بهذا الحديث، وعلّق أبو حاتم العصابة به؛ فقال -كما في "العلل" (1/ 375) لابنه-: "طلق بن غنَّام روى حديثًا منكرًا عن شريك وقيس"، وقال: "ولم يرو هذا الحديث غيره". قلت: ورد عن جمع، منهم: أنس، وأبي بن كعب، وأبو أمامة، ومبهم من الصحابة، ومن مرسل الحسن؛ فهو صحيح بهذه الشواهد إن شاء اللَّه، وطلق وثقه: ابن سعد، وعثمان بن أبي شيبة، وابن نمير، والعجلي، والدارقطني، وابن حبان، وقال أبو داود: صالح، ولم يضعفه إلا ابن حزم! انظر: "تهذيب الكمال" (13/ 456 - فما بعد) والتعليق عليه. وأما حديث: "خذي ما يكفيك. . . "؛ فأخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم 2211، 2460، 5370، 7161، 7180)، ومسلم في "صحيحه" (رقم 1714)؛ عن عائشة رضي اللَّه عنها؛ قالت: "قالت هند أمُّ معاوية لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني إلا أنْ آخذ من مالِه سرًّا. قال: خُذي ما يكفيك وبنَيكِ بالمعروف". (¬1) في (أ): "ولأنا".

والثالث: لا يعتق واحد منهما؛ لاحتمال أن يكون مات في مرضه ذلك بسبب حادث فيه من قتل أو غيره، فلم يمت من مرضه، ولم يبرأ منه؛ فلم يتحقق وجود واحد من الشرطين. - (ومنها): لو أصدقها تعليم سورة [من القرآن] (¬1) ثم طلقها ووجدت حافظة لها، وتنازعا: هل علمها الزوج فبرئ (¬2) من الصداق أم لا؛ فأيهما يقبل قوله؟ فيه وجهان، وخرج عليهما الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬3) مسألة اختلافهما في النفقة والكسوة مدة مقامها عند الزوج: هل كانت من الزوج أو منها (¬4)؟ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬2) في نسخة (ب): "برئ"، والصواب ما في المطبوع والنسخ الأخرى. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج). (¬4) رجل أصدق زوجته تعليم سورة الممتحنة، ثم طلقها، قالت: أعطني الصَّداق. فقال: فقد أعطيتُك أياه. قالت: لا. قال: اقرئي سورة الممتحنة. فقرأتها، قال: هذا الصداق، أن تعلمي سورة الممتحنة وقد علمتيها. فقالت: إني تعلمتُها من غيرك؛ فالأصل أنه هو الذي علمها، ويبرئ الزوج من الصداق. وهناك وجه آخر في المسألة. وخرج شيخ الإسلام رحمه اللَّه على هذين الوجهين مسألة أهم منهما، وهي: ما إذا ادعت المرأة أن زوجها لم ينفق عليها؛ فالأصل عدم الإنفاق، والمذهب يُغلِّبونه، وعليه يلزم أن يدفع الرجل لزوجته النفقة كل هذه المدة، أما شيخ الإسلام؛ فيقول: هذا شيء لا يمكن أن تأتي به الشريعة، بل القول قول الزوج، ولو فتح الباب للناس وقيل: إن الزوجة لها الحق في أن تدعي أن الزوج لم ينفق عليها في هذه المدة؛ كان في ذلك شر كثير، والصواب ما =

- (ومنها): لو ادعى صاحب الزرع أن غنم فلان نفشت (¬1) فيه ليلًا، ووجد في الزرع أثر غنمه (¬2)؛ قضي بالضمان على صاحب الغنم، نص عليه في رواية ابن منصور (¬3)، وجعل الشيخ تقي الدين هذا وأشباهه من القيافة في الأموال، وجعلها معتبرة كالقيافة في الأنساب. ويتخرج فيه وجه آخر: أنه لا يكتفي بذلك (¬4). ¬

_ = قاله ابن تيمية؛ لأن هذا هو الظاهر وهو أقوى من الأصل. وإذا ثبت في المثال السابق أنّ الرجل لم يعلم المرأة السورة التي كانت صداقها؛ فيعلِّمها سورة أخرى غيرها مثلها، وإذا كانت قد طلقت منه؛ فيعلمها بوجود أحد محارمها ولا يخلو بها؛ إلا إنْ كان رجعيّة؛ فلا إشكال، وقد سبق بيان أن في الخلوة الظاهر أقوى من الأصل، ويقدم عليه إذا تزاحما، ومثله: رجل كببر حاسر الرأس، يركض وراء إنسانٍ مُغَطٍّ رأسه بعمامةٍ وفى يده أيضًا عمامة، ويقول حاسرُ الرأس للآخر: أعطني عمامتي؛ فالأصل أن ما بيد الإنسان فهو له، والظاهر أنها لحاصر الرأس؛ فيقدم الظاهر على الأصل. (ع). قلت: انظر توجيه المثال الأخير عند ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص 8 - ط العسكري)، وقد فرغتُ من تحقيقه، يسر اللَّه نشره. (¬1) في نسخة (أ): "نشبت". (¬2) فى نسخة (أ): "غنم". (¬3) في "مسائل ابن منصور" (ص 397/ رقم 311): ". . . قال أحمد: أما بالنهار، فإذا أرسلها عمدًا؛ فعليه الغُرْمُ، وإذا انفلتت؛ فليس عليه شيء، وإن انفلتت بالليل؛ فعلى صاحبها الغرم، فإن قال صاحب الزرع: أفسدت غنمك زرعي بالليل؛ يُنظر في الأثر، فإن لم يكن أثر غنمه في الزرع؛ لا بد لصاحب الزرع من أن يجيء [بـ] البينة. قال إسحاق: كما قال أحمد؛ لأنه مدعي" اهـ. (¬4) رجل عنده زرع وحوله راعي غنم، فادعى صاحب الزرع أن الغنم نفشت في زرعه ووجدنا أثرًا للغنم، ونفى صاحب الغنم ذلك؛ بحال على السبب الظاهر على غنم =

- (ومنها): لو تزوج بكرًا، فادعت أنه عنين، فكذبها [وادعى] (¬1) أنه أصابها، وظهرت ثيبًا فادعت أن ثيوبتها بسبب آخر؛ فالقول قول الزوج. ذكره الأصحاب. ويتخرج فيه وجه آخر من المسائل المتقدمة (¬2). ¬

_ = هذا الرجل، وابن تيمية يقول: إنها من باب القيافة في الأموال، بمعنى أنا نأتي بالقائف فننظر: هل خفاف إبل هذا تطابق آثارها الموجودة فى الزرع أو لا؟ فيحكم بمقتضى القيافة، والقيافة في الأموال يعتبرها شيخ الإسلام كالقيافة في الأنساب، والمذهب لا يعتبرها. والقيافة: الاستدلال على الشيء بالأثر، وقال بعضهم: إذا رأيت أثرًا لإنسان كأنما رأيت وجهه. أما القيافة في النسب؛ فهي ثابتة بدليل حديث زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، لأن زيد بن حارثة كان أبيض، وابنه كان أسود؛ فكان المشركون يعيبونه إغاظة للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنهما من مواليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدخل ذات يوم مُجزَّز المدلجي، ورآهما نائمين، وعليهما رداء، ولم يظهر إلا أقدامهما، فقال: "إنَّ هذه الأقدام بعضها من بعض"، فدخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على عائشة مسرورًا تبرق أسارير وجهه، وقال: ألم تَرَ إلى مُجزَّز المدلجي، دخل على زيد بن حارثة وأسامة؛ فقال: هذه الأقدام بعضها من بعض". والمذهب على إعمال قيافة النسب دون المال؛ لأن النسب يحتاط فيه أكثر من الأموال، والصحيح ما ذهب الشيخ رحمه اللَّه: أنه يعمل بالقيافة بالنسب وبالأموال. (ع). قلت: حديث مُجزّز الديلمي المذكور أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الفرائض، باب القائف، 12/ رقم 6770، 6771)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القافة بالولدِ، 2/ رقم 1459)؛ عن عائشة رضي اللَّه عنها. (¬1) هكذا في نسختي (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (أ): "ودعى". (¬2) وهذا واضح، والوجه الآخر: أن لا يقبل قوله احتمال أن نكون البكارة زالت بغير الجماع، أو بجماع رجل آخر مثلًا، ولكن الواجب إحالة الحكم على السبب الظاهر. (ع).

- (ومنها): اللوث في القسامة (¬1)، ¬

_ (¬1) القسامة: هي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم. وأصلها قصة عبد اللَّه بن سهل، خرج هو وعبد الرحمن بن سهل وحُويّصة ومُحَيِّصة إلى خيبر؛ فوجد عبد اللَّه بن سهل مقتولًا في خيبر، وعداوة اليهود للمسلمين معروفة، فقضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها بالقسامة. وكيفيتها: إذا ادعى أولياء المقتول أن فلانًا هو الذي قتل صاحبهم؛ فإننا نقول: هاتوا بيّنة، فإنْ لم يجدوا بيِّنة؛ فإننا نجرى عليهم القمامة، فنقول: تحلفون خمسين يمينًا على أنَّ الذي قتل صاحبكم هذا الرجل تُوزَّع على الورثة، ويجبر الكسر، فإذا كانوا ثلاثة؛ فعلى كل واحد سنة عشر يمينًا وشيء يجبر الكسر؛ فتصبح سبعة عشر، فإذا حصلت قُتل المدَّعى عليه، فإن أبى أولياء المقتول أن يحلفوا؛ قلنا للمدَّعى عليهم: احلفوا خمسين يمينًا، فإن حلفوا برئوا، وإنْ لم يرضَ أولياء المقتول بأيمان المدَّعى عليهم؛ فإن الإمام يديه من بيت المال. والقسامة فيها مخالفة للأصول في ثلاثة وجوه: الوجه الأول: إنَّ الأيمان في حق المدَّعين، والأصل أنَّ الأيمان في حق المدَّعى عليهم. الوجه الثاني: إنَّ الأيمان كررت فيها، والأصل عين واحدة. الوجه الثالث: إن أولياء المقتول سيحلفون على شيء لم يروه؛ فإنهم لو رأوه فواضح، لكن في الغالب لا يرون. والجواب على ذلك أن نقول: إنها في الحقيقة لم تخالف الأصول، بل هي جارية على الأصول، أمّا كون الأيمان فيها في جانب المدعي؛ فلأنَّ الأيمان ليست في جانب المدَّعى عليه دائمًا، بل الأيمان في جانب أقوى المتداعيين، ولهذا قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشاهد واليمين فيما لو ادعى شخص على آخر بشيء ولا بيّنة عنده إلا شاهد واحد؛ فنقول له: احلف مع هذا الشاهد؛ فاليمين هنا في جانب المدعي؛ لأن جانبه قوي بالشاهد، فاليمين في حقه هنا في القسامة، وإنما كانت الأيمان في جاب المدعين؛ لأن جانبهم أقوى بسبب العداوة الظاهرة التي ترجح أن هذا قد قتل على أيدي هؤلاء، وأما كونها تكرر؛ فنقول أيضًا: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = هذا على مقتضى الأصول؛ لأنه كلما قوي الشيء كررت فيه الأيمان، مثل الملاعنة تكرر الأيمان فيها خمس مرات؛ لأن مسألته هامة وعظيمة، وهذا قتل؛ فمسألته هامة وعظيمة، فلهذا كررت فيه الأيمان. الثالث: لم يخالف الأصول؛ لأن اليمين على ما يغلب على الظن جائز، ودليله قصة الرجل الذي جامع زوجته في رمضان، فقال: "واللَّه ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، وبهذا يتبين أن القسامة لا تخرج عن الأصول الشرعية، ثم على فرض أنها خالفت غيرها من الأصول الشرعية؛ فهي أصل برأسها؛ لأنها قد ثبتت بأصل شرعي. (ع). قال أبو عبيدة عفى اللَّه عنه وغفر زلّاته: قصة مقتل عبد اللَّه بن سهل أخرجها البخاري في "صحيحه" (كتاب الأدب، باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال، رقم 6142، 6143، وكتاب الصلح، باب الصلح مع المشركين، رقم 2702، وكتاب الجهاد، باب الموادعة والمصالحة، رقم 3173، وكتاب الديات، باب القسامة، رقم 6898)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب القسامة، باب القسامة، رقم 1669)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الدّيات، باب القتل بالقسامة، رقم 4520 - 4522)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب القسامة، باب تبرئة أهل الدم في القسامة، 8/ 8 - 11)، والترمذي في "جامعه" (أبواب الديات، باب ما جاء في القسامة، رقم 1422)، عن سهل بن أبي حَثْمَة ورافع بن خديج. وأما قضاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باليمين والشاهد؛ فقد أخرج مسلم في "الصحيح" (كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد، 3/ 1337/ رقم 1712)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد، 4/ 32/ رقم 3608)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "مختصر سنن أبي داود" (5/ 225) للمنذري-، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين، 2/ 793/ رقم 2370)، وأحمد في "المسند" (1/ 248، 315)، والشافعي في "المسند" (2/ 178/ رقم 627، 628 - ترتيبه)، والدارقطني في "السنن" (4/ 214)، والبيهقي في "الكبرى" (10/ 167)؛ عن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد. =

ومسائله معروفة (¬1). * * * ¬

_ = وأما حديث: "واللَّه ما بين لابتيها. . "؛ فقد أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الصوم، باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج، رقم 1937، وكتاب الهبة، باب إذا وهب هبة فقبضها الآخر ولم يقل قبلت، رقم 2600، وكتاب كفارات الأيمان، باب من أعان المعسر في الكفارة، رقم 6710)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، رقم 1111)؛ عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه. (¬1) إن ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: إن اللوث كل ما يغلب على الظن صدق قول المدعي، سواء كان ذلك بعداوة ظاهرة أو بتهديد بالقتل أو بوجود رجل عند إنسان يتشحَّط في دمه ومعه سكين فيها دم، فقال: إنه قد ذبح خروفًا؛ فهذا عقلًا ممكن، ولكن لا شك أن هذه الصورة قرينة ظاهرة على أنه هو القاتل. والمذهب عند الحنابلة أنهم لا يرون هذا من باب القسامة؛ لأنهم يخصون اللوث بالعداوة الظاهرة التي تكون بين القبائل، وأما العداوة الباطنة التي تكون بين شخصين يهدد أحدهما الأخر بالقتل، أو كصورة الذي يتشحّط بدمه، أو ما يكون بشاهدة واحد على القتل؛ فلا يرون هذا من باب القسامة. (ع).

14 - القاعدة الرابعة عشرة إذا وجد سبب إيجاب أو تحريم من أحد رجلين لا يعلم عينه منهما؛ فهل يلحق الحكم بكل [واحد] منهما، أو لا يلحق بواحد منهما شيء؟

(القاعدة الرابعة عشرة) (¬1) إذا وجد سبب إيجاب أو تحريم من أحد رجلين لا يعلم عينه منهما؛ فهل يلحق الحكم بكل [واحد] (¬2) منهما، أو لا يلحق بواحد منهما شيء؟. في المسألة خلاف، ولها صور: (إحداها) (¬3): إذا وجد اثتان مَنِيًّا في ثوب ينامان فيه، أو سمعا صوتًا خارجًا ولم يعلم من أيهما هو؛ ففي المسألة روايتان: (إحداهما): لا يلزم واحدًا منهما غسلٌ ولا وضوءٌ؛ نظرًا إلى أن كل واحد منهما متيقن للطهارة شاك في الحدث. (والثانية): يلزمهما الغسل والوضوء، لأن الأصل زال يقينًا في أحدهما؛ فتعذر البقاء عليه، وتعين الاحتياط، ولم يلتفت إلى النظر في كل واحد بمفرده؛ كثوبين أو إناءين نجس أحدهما (¬4). ¬

_ (¬1) في نسخة (أ): "قاعدة" بدون ترقيم. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬3) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب): "أحدها"، وفي (ج): "منها". (¬4) الموجود في المثال الذي ذكره المؤلف سبب إيجاب الوضوء أو الغسل كلٌّ سمع صوت ريح خرجت أو شم ريحًا، ولكنهما لم يعلما هل هو من زيد أو من عمرو؟ هل يلزمهما =

(الصورة الثانية) (¬1): قال أحد الرجلين: إن كان هذا الطائر غرابًا؛ فامرأتي طالق. وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا؛ فامرأتي طالق، وغاب ولم يعلم ما هو؛ ففيها (¬2) وجهان: ¬

_ = أن يتوضئا، أو لا يلزم واحد منهما أن يتوضأ؟ فيه خلاف: فقال بعض العلماء: يلزم أن يتوضأ كل واحد منهما؛ لأننا علمنا يقينًا أن أحدهما قد فسد وضوءه وتعذر التعيين؛ فكان الاحتياط أن نلزم كل واحد منهما بالوضوء وهذا على القياس. والقول الثاني: أننا لا نلزم واحدًا منهما بالوضوء؛ لأن كل واحد منهما بمفرده متيفن للطهارة، شاك للحدث، والأصل بقاء الطهارة، لكنه لا يصح أن يجتمعا في عبادة يشترط فيها الطهارة لكل واحد منهما، يعني لو أرادا أن يصليا جماعة؛ فإنه لا يصح، السبب في هذه الحالة تيقن أن أحدهما صلاته باطلة، فإن كان معهما واحد ثالث إن كان هو الإمام؛ تصح، ويصطفا بجانبه لا وراءه؛ لأن أحدهما صلاته باطلة، فيلزم من ذلك أن يكون الآخر قائمًا منفردًا وحده خلف الإمام، والأحسن أن يكونا على يمينه؛ لأنه ربما يكون الذي على يمينه هو الذي انتقض وضوءه، فيكون قد صف على يساره مع خلو يمينه. والأحوط والأقيس أننا نلزمهما جميعًا بالوضوء، وكذلك فيما لو ناما في ثوب أحدهما في الصباح والآخر في القيلولة مثلًا، ثم وجدا أثر منيٍّ بعد الظهر مثلًا، ولم يعلما؛ هل هو من الأول أم من الثاني؛ فأحدهما قد وجب عليه الغسل، لكن لا بعينه؛ فهل نلزمهما جميعًا بالغسل، أو لا نلزم واحدًا منهما؟ (ع). قلت: ذكر هذه المسألة ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 26)، وقال: "لكن أرجحهما: لا يجب"، أي: لا يجب الوضوء ولا الغسل عليهما، ولا على واحد منهما. (¬1) في نسخة (ج): "ومنها إذا". (¬2) في نسخة (أ): "ففيهما".

أحدهما: ما قال القاضي في "المجرد" وأبو الخطاب وغيرهما: يبني كل واحد منهما على يقين نكاحه. والثاني: وهو اختيار الشيرازي في "الإيضاح" (¬1) وابن عقيل: أنه تخرج المطلقة منهما بالقرعة، وقال القاضي في "الجامع" (¬2): هو قياس المذهب؛ لأن واحدة منهما طلقت يقينًا، فأخرجت بالقرعة كما لو كانت الزوجتان لرجل واحد. وذكر بعض الأصحاب احتمالًا يقتضي وقوع الطلاق بهما حكمًا كما تجب الطهارة عليهما في المسألة الأولى، وقد أومأ إليه أحمد في رواية صالح (¬3)، وحكى له قول الشعبي في رجل قال لآخر: إنك لحسود. فقال له الآخر: أَحْسَدُنا امرأتُه طالقٌ ثلاثًا. فقال الآخر: نعم. قال الشعبي: حنثتما وخسرتما، وبانت منكما امرأتاكما جميعًا (¬4)، وحكى له قول ¬

_ (¬1) صاحبه هو أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي (ت 486 هـ)، ذكره له المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 71)، والسُّبيعي في "الدُّر المنضّد" (رقم 23). وله فيه إغرابات انتقدها العُليمي في "المنهج الأحمد". (¬2) لأبي يعلى "الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" و"الجامع المنصوص"، وسيأتي (ص 144 - 145) التعريف بـ"الكبير"، ولعله المراد هنا، وسيأتي التعريف بـ"الصغير"، ومنه نسخة في مكتبة الأوقاف بالكويت تحت (رقم 260)، وحقق رسالة علمية بجامعة الإمام ابن سعود. (¬3) انظر منه: (2/ 324/ رقم 954). (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 221)، وصالح بن أحمد في "مسائل أبيه" (2/ 324/ رقم 954)؛ عن جرير بن عبد الحميد، عن عطاء بن السائب؛ قال: "سئل الشَّعبي. . . " (وذكره). وسماع جرير من عطاء بعد الاختلاط؛ فسنده ضعيف.

الحارث: أُدِيْنُهما وآمُرُهما بتقوى اللَّه [عز وجل] (¬1)، وأقول: أنتما أعلم بما حلفتما عليه (¬2). فقال أحمد: "هذا شيء لا يدرك ألقاهما في التهلكة" (¬3)؛ فإنكاره لقول الحارث يدل على موافقته لقول الشعبي بوقوع الطلاق لهما (¬4). هذا هو الظاهر (¬5)، ذكره الشيخ تقي الدين، وقال: هو بناء على ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 221)، وصالح بن أحمد في "مسائل أبيه" (2/ 324 - 325/ رقم 955)؛ عن جرير، عن مغيرة بن مقسم، عن الحارث -وهو ابن يزيد العكلي-، به، وعندها زيادة: "وباب التديين في هذا وأشباهه". والمغيرة مدلس، وقد عنعن. (¬3) "مسائل صالح" (2/ 325)، وقوله: "لا يدرك"؛ لأن الحسد قلبيّ. (¬4) كذا في نسختي (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "فهما". (¬5) المسألة صار فيها ثلاثة أقوال: قال أحد الرجلين: إن كان هذا الطاثر غرابًا؛ فزوجتي طالق. فقال الثاني: إن لم يكن غرابًا؛ فزوجتي طالق. الآن هذا الطائر إما أن يكون غرابًا أو غير غراب، فأحدهما إذن طلقت زوجته، لكن ما ندري أيهما. فقال بعض العلماء: إنهما لا تطلقان، لأن كل واحد منهما شك بوقوع الطلاق بامرأته، والأصل بقاء النكاح. وقال آخرون: إنه يقع طلاق أحدهما بقرعة، كما لو كان له زوجتان، وقال: إن كان هذا الطائر غرابًا؛ فزوجتي الأولى طالق، وإن لم يكن غرابًا؛ فزوجتي الثانية طالق، وذهب الطائر ولا يدري ما هو؛ فإنه تخرج إحداهما بقرعة. ولكن هذا القياس فيه نظر؛ لأنَّ الزوجين لرجل واحد، والضرر عليه قد تحقق بإحدى امرأتيه، بخلاف المثال المذكور؛ فإنهما لرجلين، =

أنه (¬1) حلف على ما لم (¬2) يعلم صحته أو ما لا (¬3) تدرك صحته؛ فيحنث؛ كقول مالك (¬4). ¬

_ = القول الثالث في المسألة: أن الطلاق يقع عليهما جميعًا؛ لأن هذا هو الأحوط. وهذه المسائل التي نستبعدها الآن موجودة في زمن التابعين. قال الشعبي في رجل قال لآخر: إنك لحسود، فقال الثاني: أحْسَدُنا امرأته طالق ثلاثًا، قال الآخر: نعم موافق؛ هذه مسألة خفية لا ندري أيَّهما أحسد. وقد نقل المؤلف عن الإمام أحمد: أنه حكي له قول الشعبي: حنثتما، وخسرتما، وبانت منكما امرأتاكما جميعًا، وحكي له قول الحارث: أُدِيْنُهما، وآمرهما بتقوى اللَّه عز وجل، وأقول: أنتما أعلم بما حلفتما عليه. أُدِيْنُهما: يعني أجعل الأمر موكولًا إلى دينهما، وأقول: هذا شيء بينكما وبين اللَّه، لينظر أحدكما أيُّه أحسد، هو أو أخوه، فإذا علمت أنك أحسد منه، فامرأتك هي التي تطلق، وإذا علمت أنه أحسد منك، وعلم هو ذلك أيضًا؛ فامرأته هي التي تطلق. قال أحمد: هذا شيء لا يُدْرَك؛ لأن الحسد محله القلب، ما ندري أيَّهما أحسد، ولهذا قال: ألقاهما في التهلكة؛ فإنكاره لقول الحارث يدل على موافقته لقول الشعبي، هذا هو الظاهر. (ع). (¬1) في نسخة (ج): "أنه لو حلف". (¬2) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "مالا". (¬3) في نسخة (أ): "ما لم". (¬4) قال الشيخ ابن تيمية رحمه اللَّه في "الاختيارات الفقهية" (ص 260): "مسألة: إن كان هذا الطائر غرابًا؛ فامرأتي طالق ثلاثًا، وقال آخر: إن لم يكن غرابًا؛ فامرأتي طالق ثلاثًا، وطار، ولم يعلم ما هو؟ فإنهما يعتزلان نساءهما حتى يتيقنا. وحمله القاضي على الاستحباب. وما كان من هذه الشروط مما يئسا من استبانته؛ ففيه مع العلم بوقوعه" اهـ.

ويدل عليه تعليل أحمد وقوع (¬1) الطلاق على من قال: أنت طالق إن شاء اللَّه؛ بأن (¬2) مشيئة اللَّه لا تدرك، وهذا القول فيه بعد؛ لأن إيقاع طلاقهما يفضي إلى أن يباح للأزواج من هي في زوجية الغير باطنًا، وفي إجبارهما على تجديد الطلاق إجبار للإنسان على قطع ملكه بغير حق، وهو ضرر، بخلاف إيجاب الطهارة عليهما؛ فإنه لا ضرر فيه. ولنا وجه آخر بوجوب اعتزال كل منهما زوجته حتى يتيقن الأمر، ونص عليه أحمد [رحمه اللَّه] (¬3) في رواية عبد اللَّه (¬4)، ونقل حرب عن أحمد رحمه اللَّه: أنه ذكر [له] (¬5) هذه المسألة؛ فتوقف فيها وقال: أحب إلي أن لا أقول فيها شيئًا، وتوقف عنها (¬6). (الصورة الثالثة): قال أحدهما: إن كان غرابًا فأمتي حرة، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فأمتي حرة. وفيها الوجهان المذكوران في الطلاق، وقياس المنصوص (¬7) ها هنا أن يكف كل واحد عن وطئ أمته حتى يتيقن، فإن اشترى أحدهما أمة ¬

_ (¬1) في نسخة (ج): "بوقوع". (¬2) في نسخة (ج): "فإن". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج). (¬4) انظر: "مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد اللَّه" (رقم 1363)، ونص أحمد هناك: "يعتزلان نساءهن حتى يتبين" اهـ. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬6) الإمام أحمد رحمه اللَّه يتوقف في مثل هذه المسائل، وأحيانًا يسلك سبيل الاحتياط، ولكن ما علل به الشيخ تقي الدين رحمه اللَّه قوي جدًّا. (ع). (¬7) في نسخة (ج): "النصوص".

الآخر؛ عين (¬1) المعتقة منهما بالقرعة على أصح الوجهين؛ لاجتماعهما في ملكه، وإحداهما عتيقة (¬2) كما قلنا، لا يصح أن يأتم أحدهما بالآخر في الصورة الأولى؛ لأن أحدهما محدث يقينًا، فينظر إليهما مجتمعين في حكم يتعلق باجتماعهما. وليس من هذه القاعدة إذا وطئ اثنان امرأة بشبهة في طهر وأتت بولد وضاع نسبه لفقد القافة أو غير ذلك، وأرضعت أمه بلبنه ولدًا آخر؛ فإنه يصير حكم كل من الصغيرين حكم ولد لكل واحد من الرجلين على الصحيح؛ لأنه لم يتعين أن يكون الولد لواحد منهما (¬3)، بل يجوز عندنا أن يكون لهما؛ فليس مما نحن فيه. * * * ¬

_ (¬1) في نسخة (أ): "غير". (¬2) ذكر ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 26) عن أكثر الأصحاب: "في رجلين علَّق كل منهما عتق عبده على شرط، ووُجد أحدُ الشرطين يقينًا، ولا يُعلم عينه أنه لا يحكم بعتق عبد واحد منهما، ويستصحب أصل ملكه، فإن اشترى أحدُهما عبدَ الآخر؛ أخرج المعتق منهما بالقرعة على الصحيح أيضًا" اهـ. (¬3) كتب هنا على هامش (ب): "يعني: والقاعدة فيها: إذا وجد سبب من أحدهما، ولم يعلم عينه حتى يلحق الحكم به فقط".

15 - القاعدة الخامسة عشرة إذا استصحبنا أصلا، [أو] أعملنا ظاهرا في طهارة شيء، أو حله، أو حرمته، وكان لازم ذلك تغير أصل آخر يجب استصحابه، أو ترك العمل بظاهر آخر يجب إعماله؛ لم يلتفت إلى ذلك اللازم على الصحيح

(القاعدة الخامسة عشرة) إذا استصحبنا أصلًا، [أو] (¬1) أعملنا ظاهرًا في طهارة شيء، أو حله، أو حرمته، وكان لازم ذلك تغير أصل آخر يجب استصحابه، أو ترك العمل بظاهر آخر يجب إعماله؛ لم يلتفت إلى ذلك اللازم على الصحيح (¬2). ولذلك صور: - (منها): إذا استيقظ من نومه، فوجد في ثوبه بللًا، وقلنا: لا يلزمه الغسل على ما سبق فيما إذا تقدم منه سبب المذي؛ فلا يلزمه أيضًا غسل ثوبه بحيث نقول: إنما سقط عنه الغسل؛ لحكمنا بأن البلل مذي، بل نقول في ثوبه: الأصل طهارته؛ فلا ينجس بالشك، والأصل طهارة بدنه؛ فلا يلزمه الغسل بالشك؛ فيبقى في كل منهما على أصله، ذكره ابن عقيل في "فنونه" (¬3) عن الشريف أبي جعفر، وينبغي على هذا التقدير أن لا تجوز ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "و". (¬2) على هامش (ب) قال: "يعني: أن ذلك اللازم ليس مبنيًّا على أصل آخر، ولا على ترك العمل بظاهرآخر، ولا يلتفت إليه". (¬3) قال المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 155 - 156) في ترجمة (ابن عقيل): "وأكبر تصانيفه كتاب "الفنون"، وهو كتاب كبير جدًّا، فيه فوائد كثيرة جليلة؛ في الوعظ، والتفسير، والفقه، والأصلين، والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ، والحكايات، =

له الصلاة قبل الاغتسال في ذلك [الوقت في ذلك] (¬1) الثوب [قبل غسله] (¬2)؛ لأنا (¬3) نتيقن وجود المفسد للصلاة (¬4) لا محالة (¬5). - (ومنها): إذا لبس خفًا، ثم أحدث، ثم صلى وشك: هل مسح على الخف قبل الصلاة أو بعدها، وقلنا: ابتداء المدة من المسح؛ جعلنا ¬

_ = وفيه مناظراته، ومجالسه التي وقعت له، وخواطره ونتائج فكره قيَّدها فيه". قال: "وقال ابن الجوزي: وهذا الكتاب مئتا مجلد، وقع لي منه نحو من مئة وخمسين مجلدة". وأسند إلى أبي حكيم النهرواني قال: "وقفتُ على السِّفر الرابع بعد الثلاث مئة من كتاب "الفنون". وقال: "وقال الحافظ الذهبي في "تاريخه": لم يُصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب، حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربع مئة". قلت: طبع منه مجلدان، عن قطعة وحيدة من مخطوطة باريس، بتحقيق جورج المقدسي!! (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (أ)، وكتبه ناسخ (أ) على الهامش. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وأثبته مصححها على هامشها، وسقط أيضًا من (ج). (¬3) في نسخة (ج): "لأننا". (¬4) كتب على هامش نسخة (ب): "وهو أن البلل إما مني؛ فيجب الغسل، أو مذي؛ فيجب غسل الثوب". (¬5) إن وجب عليه الاغتسال -إذ صار البلل منيًّا-؛ لم يجب عليه غسل الثوب، وإن وجب عليه غسل الثوب -إذ صار البلل مذيًا-؛ لم يجب عليه الاغتسال؛ فالاحتياط أن يجمع بين الأمرين؛ فيغتسل، ويغسل الثوب، وينبغي أن لا تجوز الصلاة حتى يجمع بين الاغتسال والغُسْل. (ع).

ابتداءها قبل الصلاة، وأوجبنا إعادة الصلاة؛ لأن الأصل وجوب غسل الرجلين (¬1)، والأصل بقاء الصلاة في الذمة (¬2). - (ومنها): إذا رمى حيوانًا مأكولًا بسهم ولم يوحه، فوقع في ماء يسير، فوجده ميتًا فيه؛ فإن الحيوان لا يباح خشية أن يكون الماء أعان على قتله، والأصل تحريمه حتى يتيقن وجود السبب المبيح [له] (¬3)، ولا يلزم من ذلك نجاسة الماء أيضًا؛ لحكمنا على الصيد بأنه ميتة، بل يستصحب في الماء أصل الطهارة؛ فلا [ينجسه] (¬4) بالشك، ذكره ابن عقيل في "فصوله" (¬5). - (ومنها): لو قال لامرأته في غضب: اعْتَدِّي، وظهرت منه قرائن ¬

_ (¬1) في (أ): "الرِّجل". (¬2) كتب هنا على هامش نسخة (ب): "يعني: والمسح مشكوك فيه". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). وفي "الفنون" لابن عقيل (2/ 563/ 493): "إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في الصيد -يصيبه السهم ويقع في الماء-: "لا تأكله؛ لعل الماء أعان على قتله"؛ فجعل التخنيق بالماء المجوِّر مانعًا من إباحة روح خرجت من محل بجراحة لأجل شوب الجراحة بالتخنيق بالماء؛ فكان يبنيها على ما مات إلا بالتخنيق" اهـ. (¬4) في نسخة (ج): "ننجسه". (¬5) في عشرة أجزاء، ويسمّى: "كفاية المفتي"، منه نسخة في شستربتي، ومنه الجزء الثالث في دار الكتب المصرية تحت رقم (أصول فقه - 13)، ومنتخب منه في الظاهرية عام (750). وانظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 156)، و"الدُّر المنضد" (ص 25).

تدل على إرادته (¬1) التعريض بالقذف أو فسره [بالقذف] (¬2)؛ فإنه [مُحَدُّ بذلك، وهل] (¬3) يقع به الطلاق [لأنه كنا اقترن بها غضب، وهل يحد معها] (¬4)؟ ذكر ابن عقيل في "المفردات" (¬5) احتمالين: (أحدهما): وبه جزم في "عُمدة الأدلة" (¬6): أنه [يحد] (¬7)؛ لأنهما ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): "إرادة". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في نسختي (ب) و (ج): "بذلك". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬4) ما بين المعقوفتين مضروب عليه في نسخة (أ). (¬5) ذكره له المصنف في ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 156)، وابن بدران في "المدخل" (ص 455) -وعرف بالمفردات بقوله: "فهي من جنس الخلاف"-، والمرداوي في "الإنصاف" (1/ 14). وبنى ابن عقيل كتابه على كتاب إلكيا الهراسي الذي صنفه في الرد على "مفردات الإمام أحمد"، ولكنه رد عليه بذكر الأدلة، وأوضح المسائل بإقامة البرهان عليها، ولكن ابن عقيل جارى إلكيا في "الانتصار" لما قدمه؛ وإنْ كان غير الأشهر عن الإمام أحمد، وجاراه أيضًا؛ حيث عد من المفردات ما وافق أحمدُ مالكًا، مع أنه ليس المفردات كما هو واضح، ولم يقتصر كتاب ابن عقيل على هذا، وإنما زاد على ما عند إلكيا. وانظر: "النظم المفيد الأحمد" (ص 8)، و"مفردات مذهب الإمام أحمد في الصلاة" (ص 10). (¬6) وقع في المطبوع وجميع النسخ: "عمد" وفي "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 156) و"الدر المنضد" (رقم 34): "عمدة الأدلّة"، وهو الصواب، وسيذكره المصنف مختصرًا "العمدة" في (ص 281 - 282)، وترجمة ابن عقيل هناك. (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "يُعْفَى".

حقان عليه؛ فلا يصدق فيما يسقط واحدًا منهما. (والثاني): لا يحد؛ لأنه لو كان [طلاقًا لم يكن قذفًا] (¬1) لتنافيهما. [قال ابن عقيل في معنى تنافيهما: بأن كنايات القذف في حالة الخصومة كالصرائح، وصرائح القذف لا يقع به الطلاق. ثم ذكر مسألة القذف بالكنايات أنها صرائح في حال الغضب] (¬2). ومن هذه القاعدة الأحكام التي يثبت (¬3) بعضها دون بعض؛ كإرث الذي أقر بنسبه من لا يثبت النسب بقوله، والحكم بلحوق النسب في مواضع كثيرة لا يثبت فيها لوازمه المشكوك فيها من بلوغ أحد أبويه (¬4)، [أو] (¬5) استقرار المهر، أو ثبوت العدة والرجعة أو الحد، أو ثبوت الوصية له أو الميراث، وهي مسائل كثيرة (¬6). ¬

_ (¬1) في نسخة (أ): "طلاقًا لم يكن قذفًا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب)، وأثبتناه من (ج). (¬3) في (أ): "ثبت". (¬4) هنا على هامش (ب) قال: "بيان لهذه اللوازم التي تلزم لحوق النسب". (¬5) هكذا فى (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "و". (¬6) هذه مسائل كثيرة تتبعض فيها الأحكام، يوجد شروط ثبوت أحدها دون بعض، ومنها: لو شهد رجل وامرأتان على شخص أنه سرق مال فلان؛ ثبت المال دون القطع؛ فيلزمه ضمان المال ولا يلزمه القطع؛ لأن القطع لا يثبت إلا بشاهدين رجلين، والمال يثبت بشهادة رجل وامرأتين. أما مسألة إذا وطء اثنان امرأة بشبهة، فهذه حصل السبب منهما جميعًا، لكن اشتبهنا فيها، أما تلك -أي القاعدة الرابعة عشرة- أحدهما ما وجد منه شيء إطلاقًا. أما (إرث الذي أقر بنسبهِ من لا يثبت النسب بقوله)؛ فالنسب لا يثبت إلا بقول رجل =

16 - القاعدة السادسة عشرة إذا كان للواجب بدل، فتعذر الوصول إلى الأصل حالة الوجوب؛ فهل يتعلق الوجوب بالبدل تعلقا مستقرا بحيث لا يعود إلى الأصل عند وجوده؟

(القاعدة السادسة عشرة) (¬1) إذا كان للواجب بدل (¬2)، فتعذر الوصول إلى الأصل حالة الوجوب؛ فهل يتعلق الوجوب بالبدل تعلقًا مستقرًا بحيث لا يعود إلى الأصل عند وجوده؟ للمسألة صور عديدة: - (منها): هدي المتعة إذا عدمه ووجب الصيام عليه (¬3)، ثم وجد الهدي قبل الشروع فيه، فهل يجب عليه الانتقال، أم لا ينبني على أن ¬

_ = معروف بالإصابة بالقافة، أو بشهادة رجلين، أو بالاشتهار والاستفاضة، فإذا مات رجل وله ابنان، فأقرَّ أحدُهما بابنٍ ثالث، فقال: هذا الرجلُ أخٌ لي، وقال أخوه: ليس بأخٍ لي؛ فيكون هذا الولد أخًا للمقر، وليس أخًا للمنكر؛ فتتبعض الأحكام، فيكون للمقرّ به كأخيه تمامًا في الإِرث والنكاح والولاية وفي جميع الأحكام التي تترتب على النسب، ويكون بالنسبة للمنكر أجنبيًا، ولهذا يُلغز في هذه المسألة؛ فيقال: أخوان شقيقان، ورجل ثالث، تكون بنات أحد الأخوين له محارم، وبنات الأخر له أجانب، ويجوز أن يتزوج منهم؛ إلا إذا كان هو يعتقد أنه ابن؛ فلا يجوز له أن يتزوج من بنات الأخ الذي أنكر؛ لأنه يعتقد أنه عمهن، ولكن بالنسبة لهن يجب عليهن أن يتحجبن عنه؛ لأنهن يعتقدن أنه ليس بعمٍّ، هذا معنى تبعض الأحكام. (ع). (¬1) في (أ): "قاعدة". (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "الواجب بدلًا". (¬3) في (أ) و (ب): "ووجب عليه الصيام".

الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب (¬1) أو بحال الفعل؟ وفيه روايتان، فإن قلنا بحال الوجوب؛ صار الصوم أصلًا [لا بدلًا، وعلى هذا؛ فهل يجزئه فعل الأصل -وهو الهدي-؟ المشهور أنه يجزئه؛ لأنه الأصل] (¬2) في الجملة، وإنما سقط رخصة، وحكى القاضي في "شرح المذهب" عن ابن حامد: أنه لا يجزئه (¬3). ¬

_ (¬1) كتب هنا على هامش نسخة (ب): "وهو الصحيح". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج). (¬3) رجل متمتع، وفي صباح يوم العيد لم يجد هديًا، فشرع في الصوم لأنه وجب عليه صيام ثلاثة أيام التشريق، فلما شرع في الصوم رزقه اللَّه مالًا يستطيع أن يشتري به هديًا؛ فهل يلزمه الهدي؟ الجواب: لا يلزمه؛ لأنه وجب عليه الصوم؛ إذ إنه في يوم العيد كان معدمًا. لكن؛ هل يجزئه أن يذبح هديًا، ويدع الصوم؟ فيه خلاف، فإذا قلنا بحال الوجوب؛ صار الصوم أصلًا لا بدلًا، وعلى هذا؛ فهل يجزئه فعل الأصل وهو الهدي؟ المشهور أنه يجزئه؛ لأنه الأصل في الجملة، وإنما سقط رخصة، وحكى القاضي في "شرح المذهب" عن ابن حامد: أنه لا يجزئه، والصحيح أنه يجزئه، لأن اللَّه تعالى أوجب الصوم عن الهدي تيسيرًا. ومعنى (حال الوجوب): إذا وجد السبب الموجب للكفارة. و (حال الفعل): إذا كان الوقت الذي يريد أن يفعل فيه. والمعتبر هنا حال الوجوب، والصحيح أنه إذا رجع إلى الأصل؛ فإنه يجزئه على كل حال، ولا يلزمه الانتقال؛ لأنه حين الوجوب ليس واجدًا، ولكن لو انتقل؛ فالصحيح أنه لا بأس به. (ع). قلت: كلام المصنف فيمن وجب عليه الصوم ولم يشرع فيه حتى وجد الهدي؛ فهل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يلزمه الانتقال إليه؟ قال ابن تيمية في "شرح العمدة" (3/ 348 - 349): "ذكر أصحابنا فيه روايتين، أصحهما: لا يلزمه الانتقال أيضًا، وبنوا ذلك على الروايتين في الكفارة: هل العبرة بحال الوجوب أو بأغلظ الحالين من حال الوجوب والأداء؟ وهذا ينبني على حال وجوب الصوم، فإن قلنا: يجب إذا أحرم بالحج، وكان قد أحرم قبل النحر بأيام؛ فهذه صورة مستقيمة. وأما إن قلنا: إنه لا يجب الصوم ولا الهدي إلى يوم النحر، أو قلنا: إذا أحرم الحج فلم يحرم به إلى اليوم السابع أو الثامن أو التاسع؛ فإنما معناه لا يجب وجوب استقرار في الذمة، وإلا؛ فإنه يجب عليه فعل الصوم قبل يوم النحر بلا تردد، كما قلنا في المظاهر يجب عليه إخراج الكفارة قبل الوطء، وإن قلنا: لا يستقر في ذمته إلا بالوطء؛ فنقول على هذا، إنما يجب عليه أداء الصوم قبل النحر بثلاث ليالٍ، فإذا وجد الهدي بعد انقضاء بعضها من غير صوم، ثم وجد الهدي؛ فهذه الصورة يجب أن يجب فيها الهدي، ولا يجزئه الصوم، كما لو عزم المظاهر على العود ولم يصم حتى وجد الرقبة، وذلك لأنه وجد الهدي قبل أن يجب الصوم؛ فإن الصوم لا يجب في الذمة إلا إذا أحرم بالحج، أو وقف بعرفة". وقال أيضًا: "وأما إن كان فرضه الصوم ودخل يوم النحر ولم يصم، ثم وجد الهدي؛ فها هنا يشبه مسألة الكفارات؛ إلا أن الصوم هنا فات وقته بخلاف الصوم في الكفارات؛ فقد فرط بتفويته، وقد اختلفت الرواية عنه؛ فعنه: أنه يهدي هديان ولا يجزئه الصوم، وعنه: يقضي الصوم ويهدي، وعنه: يقضيه من غير هدي إن شاء اللَّه، فإن هذه المسألة لها مأخذان: أحدهما: أنه قد استقر البدل في الذمة. والثاني: أنه قد فوته". اهـ. ورجح المراوي في "الإنصاف" (3/ 516) عدم إلزامه الانتقال حتى إذا وجد الهدي ولم يشرع في الصيام، قال: "إحداهما: لا يلزمه، وهي المذهب، قال في "القواعد الفقهية": هذا المذهب، وصححه في "الهداية" و"المذهب" و"مسبوك الذهب" و"المستوعب" و"الخلاصة" =

- (ومنها): كفارة الظهار واليمين ونحوهما، والحكم فيهما (¬1)؛ كهدي المتعة. - (ومنها): اذا أتلف شيئًا له مثل، وتعذر وجود المثل، وحكم الحاكم بأداء القيمة، ثم وجد المثل قبل الأداء؛ وجب أداء المثل، ذكره الأصحاب؛ لأنه قدر على الأصل قبل أداء البدل؛ [فيلزمه كما إذا] (¬2) وجد الماء قبل الصلاة، وينبغي أن يحمل كلامهم على ما إذا قدر على المثل عند الإتلاف ثم عدمه، أما إن عدمه ابتداءً؛ فلا يبعد أن يخرج في وجوب أداء المثل خِلافٌ. وأما التيمم؛ فلا يشبه ما نحن فيه؛ لأنه لو وجد الماء بعد فراغه منه لبطل، ووجب استعمال الماء بنص الشارع، وها هنا لو أدى القيمة؛ ¬

_ = و"التلخيص". والرواية الثانية: يلزمه؛ كالمتيمم يجد الماء، صححه في "التصحيح" و"النظم" والقاضي الموفق في "شرح المناسك"، وجزم به في "الإفادات"، وهو ظاهر ما جزم به في "الوجيز" و"الخرقي" و"المنور" و"المنتخب"؛ لأنهم قالوا: لا يلزمه الانتقال بعد الشروع". وانظر: "الفروع" (3/ 325)، و"المبدع" (3/ 178)، و"المغني" (3/ 381). أما شروعه في الصيام؛ فيشرع له ذلك إنْ غلب عليه أنه لم يجد الهدي في يوم النحر، فإذا شرع في صوم الثلاثة؛ لم يلزمه الانتقال إلى الهدي، بل يمضي في صومه، وإن انتقل إليه؛ فهو أفضل. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة" (3/ 346 - 347)، ونقله عن الإمام أحمد في رواية ابن منصور وحنبل. (¬1) في نسخة (ب): "فيها". (¬2) كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ج): "فيلزمه كما لو"، وفي (ب): "فلزمه كما لو".

لبرئ، ولم يلزمه أداء المثل بعد وجوده، وقال في "التلخيص": على الأظهر، وهو يشعر بخلاف فيه (¬1). - (ومنها): لو جعل [الإِمامُ] (¬2) لمن دله على حِصْنٍ جاريةً من أهله (¬3)، فأسلمت بعد الفتح أو قبله، وكانت أمة؛ فإنه يجب له قيمتها إذا كان كافرًا؛ لأنه تعذر تسليم عينها إليه، فوجب له البدل، فإن أسلم بعد إسلامها؛ فهل يعود حقه إلى عينها فيه؟ لأصحابنا وجهان: أحدهما: لا يعود؛ لأنه حقه استقر في القيمة، فلا ينتقل إلى غيرها. والثاني: بلى؛ لأنه إنما انتقل إلى القيمة لمانع، وقد زال؛ فيعود حقه إليها. - (ومنها): لو أصدقها شجرًا فأثمرت، ثم طلقها قبل الدخول، ¬

_ (¬1) مثال ذلك: إذا أتلف صاعًا من بُرٍّ؛ وجب عليه الضمان بمثله، لكن ما وجد صاعًا من البر نرجع إلى القيمة، فحكم الحاكم بقيمة الصَّاع، ولكن قبل أن يسلّم القيمة لصاحبها وجد البُر (أي: وجد الأصل قل أداء البدل)؛ فهل نبقي على البدل، أم نرجع إلى الأصل؟ فالأصحاب يقولون: يرجع إلى رد المثل؛ لأنه الأصل وقدر عليه قل أداء البدل؛ فلزمه كما لو وجد الماء قبل الصلاة؛ فإنه يبطل التيمم ويجب عليه الوضوء، وكأن ابن رجب رحمه اللَّه ناقش هذه المسألة، ورأى أنه لا يلزمه رد المثل (أداء الأصل)؛ لأنه لم يُؤدِّه بعد إلى صاحبه؛ فلا يلزمه رد المثل لأن الحاكم حكم بوجوب القيمة. (ع). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) أي: من أهل حصن من حصون العدوّ.

وامتنعت من دفع نصف الثمرة مع الأصل؛ تعينت له القيمة (¬1)، فإن قال: أنا أرجع في نصف الشجرة (¬2) [وأترك الثمرة] (¬3) عليها، أو أترك الرجوع حتى تجدي ثمرتك (¬4)، ثم أرجع فيه؛ ففيه وجهان، حكاهما القاضي وغيره: (أحدهما): لا يجبر (¬5) على قبول ذلك، وهو الذي ذكره ابن عقيل؛ لأن الحق قد انتقل من العين، فلم يعد إليها إلا بتراضيهما. (والثاني): يجبر (¬6) عليه؛ لأنه لا ضرر عليها؛ فلزمها كما لو [وجدها] (¬7) ناقصة فرضي بها؛ فعلى هذا الحق (¬8) باق في العين لبقائها في ملكها، وكذلك ذكر القاضي في موضع من "المجرد": أنه إذا لم يأخذ القيمة حتى قطع الطلع وعاد النخل كما كان أن للزوج الرجوع في نصفه. - (ومنها): لو طلقها قبل الدخول وقد باعت الصداق، فلم يأخذ نصف قيمته حتى فسخ البيع؛ لعيب (¬9). ¬

_ (¬1) كتب على هامش (ب): "أي: قيمة نصف الشجر". (¬2) في (ج): "الشجر". (¬3) في (ج): "وأترك نصف الثمرة". (¬4) كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ب) و (ج): "ثمرك". (¬5) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "لا تجبر". (¬6) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "تجبر". (¬7) كذا في (ب)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "جدها"، بسقوط الواو. (¬8) كتب على هامش (ب): "أي: حق الزوج". (¬9) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "بعيب"، ولعله الصواب.

قال الأصحاب: ليس له أخذ نصفه؛ لأن حقه وجب في القيمة، ولم تكن العين [حينئذ] (¬1) في ملكهما (¬2). ولا يبعد أن يخرج (¬3) فيه وجه آخر بالرجوع كالتي قبلها، وهذا إذا لم نقل: إنه يدخل (¬4) في ملكه قهرًا كالميراث؛ فإن قلنا: يدخل قهرًا؛ عاد حقه إلى العين بعودها إليها [بعيب] (¬5)، ولا يقال: هذا عاد إليها ملكًا جديدًا؛ فلا يستحق الرجوع فيه كما لا يستحق الأب الرجوع فيما خرج عن ملك الابن ثم عاد؛ لأنهم قالوا: لو عاد إليها قبل الطلاق لرجع فيه بغير خلاف؛ لأن حقه فيه ثابت بنصّ القرآن (¬6). وفي "شرح الهداية" لأبي البركات ما يدل على عكس ما ذكرنا، وهو أنا إن قلنا: يدخل نصف المهر في ملك الزوج قهرًا؛ فليس له العود (¬7) إلى عينه بحال نظرا إلى أن القيمة تقوم مقام العين عند امتناع الرجوع في العين؛ فيملك نصف القيمة قهرًا حينئذ، ولا ينتقل حقه عنها بعد ذلك. - (ومنها): لو اشترى عينًا ورهنها أو تعلق بها حق شفعة أو جناية، ¬

_ (¬1) كتب على هامش (ب): "أي: حين وجوب القيمة". (¬2) كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج): "ملكها". (¬3) في نسخة (ب): "يتخرج"، ولعله الصواب. (¬4) في نسخة (ب): "دخل". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "ثابت بالقرآن". (¬7) كذا في (ب) و (ج) والمطبوع، وعلى هامش (ب): "وهو الصحيح"، وفي (أ): "له الرجوع".

ثم أفلس، ثم أسقط المرتهن أو الشفيع أو المجني عليه حقه؛ فالبائع أحق بها من الغرماء لزوال المزاحمة على ظاهر كلام القاضي وابن عقيل، ذكره أبو البركات في "شرحه". ويتخرج فيه وجه آخر: أنه أسوة الغرماء. * * *

17 - القاعدة السابعة عشرة إذا تقابل عملان: أحدهما ذو شرف في نفسه ورفعة وهو واحد، والآخر ذو تعدد في نفسه وكثرة؛ فأيهما يرجح؟

(القاعدة السابعة عشرة) (¬1) إذا تقابل عملان: أحدهما ذو شرف في نفسه ورفعة وهو واحد، والآخر ذو تعدد في نفسه وكثرة؛ فأيهما يرجح؟ ظاهر كلام أحمد ترجيح الكثرة، ولذلك صور (¬2): ¬

_ (¬1) في (أ): "قاعدة 17" هكذا. (¬2) إذا وجد عملان، أحدهما أكثر، والثاني أفضل، وتعارضا في الكمية والكيفية؛ فأيُّهما نُقدِّم، الكمية أو الكيفية؟ مثاله: رجل عنده عبد كاتب حاسب عالم جيد، وعنده عبدان، لكنهما جاهلان؛ فهل الأفضل أن يعتق العبد، أو أن يعتق العبدين؟ فإن قلنا باعتبار الكيفية؛ فالأفضل أن يعتق العبد، وإن قلنا باعتبار الكمية؛ فصار الأفضل أن يعتق العبدين، وكذلك في الصلاة؛ هل الأفضل أن يصلي ركعتين يطيل فيهما القراءة والذكر والدعاء، أو الأفضل أن يصلي أربع ركعات لكنها خفيفة؟ (ع). قلت: ذكر ابن القيم في "بدائع الفوائد" (3/ 163 - 164) قواعد علمية متينة للمفاضلات، قال رحمه اللَّه تعالى: "فعلى المتكلم في هذا الباب أن يعرف أسباب الفضل أولًا، ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض والموازنة بينها ثانيًا، ثم نسبتها إلى من قامت به ثالثًا كثرة وقوة، ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعًا؛ فرب صفة هي كمال لشخص وليست كمالًا لغيره، بل كمال غيره بسواها؛ فكمال خالد ابن الوليد بشجاعته وحروبه، وكمال ابن عباس بفقهه وعلمه، وكمال أبي ذر بزهده وتجرده عن الدنيا؛ فهذه أربع مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل، وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص وأبعد من الهوى والغرض، وها هنا نكتة خفية لا ينتبه لها الا من بصره اللَّه، =

(أحدها): إذا تعارض صلاة ركعتين طويلتين وصلاة أربع ركعات في زمن واحد؛ فالمشهور أن الكثرة أفضل، وحكي عن أحمد رواية أخرى بالعكس، وحكي عنه رواية ثالثة بالتسوية (¬1). ¬

_ = وهي أن كثيرًا ممن يتكلم في التفضيل يستشعر نسبته وتعلقه بمن يفضله ولو على بعد ثم يأخذ في تقريظه وتفضيله، وتكون تلك النسبة والتعلق مهيجة له على التفضيل والمبالغة فيه واستقصاء محاسن المفضل والإغضاء عما سواها، ويكون نظره في المفضل عليه بالعكس، ومن تأمل كلام أكثر الناس في هذا الباب رأى غالبه غير سالم من هذا، وهذا منافٍ لطريقة العلم والعدل التي لا يقبل اللَّه سواها ولا يرضى غيرها، ومن هذا تفضيل كثير من أصحاب المذاهب والطرائق وأتباع الشيوخ كل منهم لمذهبه وطريقته أو شيخه، وكذلك الأنساب والقبائل والمدائن والحرف والصناعات، فإن كان الرجل ممن لا يشك في علمه وورعه خيف عليه من جهة أخرى، وهو أنه يشهد حظه ونفعه المتعلق بتلك الجهة ويغيب عن نفع غيره بسواها؛ لأن نفعه مشاهد له أقرب إليه من علمه بنفع غيره فيفضل ما كان نفعه وحظه من جهته باعتبار شهوده ذلك وغيبته عن سواه؛ فهذه نكت جامعة مختصرة، إذا تأملها المنصف عظم انتفاعه بها، واستقام له نظره ومناظرته، واللَّه الموفق". (¬1) الغالب أن الكيفية أنفع للقلب إذا كان فيها طول وخشوع وتأمل وتدبر، أما بالنسبة لمن يصلي بغيره؛ فالغالب أنَّ الكثرة مع التخفيف أيسر للناس، وهل الأفضل تطويل الركوع والسجود، أو تطويل القراءة؟ فمن العلماء من يقول: إذا أردت أن تصلي متطوعًا؛ فالأفضل كثرة القراءة؛ لأن القرآن أفضل من غيره، وتخفف الركوع والسجود، ومنهم من قال: بل تخفف القراءة، وتطيل في الركوع والسجود، لأن الركوع محل تعظيم الرب، والسجودُ محل دعاء وقرب من اللَّه عز وجل، ولكنه في مسألة الصلاة يقال: إن هدي الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تكون الصلاة متقاربة متوازنة، إذا أطلت القيام؛ أطل الركوع والسجود، وإذا خففت القيام، فخفف الركوع والسجود. (ع). قلت: المفاضلة بين أداء ركعتين طويلتين أو أربع ركعات في زمن واحد، والذي =

(والثانية): أهدى بدنة سمينة بعشرة وبدنتين بعشرة أو بأقل. قال ابن منصور: قلت لأحمد: بدنتان سمينتان بتسعة وبدنة بعشرة. قال: ثنتان (¬1) أعجب إلي. ورجح الشيخ تقي الدين تفضيل البدنة السمينة، وفي "سنن أبي داود" حديث يدل عليه (¬2). ¬

_ = يظهر لي -واللَّه أعلم- أن الكيفية والطول أنفع للطائعين والمقرِّبين، ودليله: لما سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيَّ الصّلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، أخرجه مسلم في "صحيحه" (رقم 756) عن جابر، والمراد بالقنوت هنا القيام، وجاء مصرحًا به عند أبي داود في "السنن" (رقم 1325، 1449) والحميدي في "المسند" (رقم 1276)، وأن الكثرة وتعداد الركعات أنفع للعصاة؛ لما ورد عند أحمد بإسناد حسن -كما في "الترغيب" (رقم 377 - صحيحه) عن أبي ذر رفعه: "إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه اللَّه؛ فتهافت عنه ذنوبه كما يتهافت هذا الورق عن هذه الشجرة"، وكذلك ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (رقم 225) عن ثوبان: "عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد للَّه سجدة إلا ... وحط بها عنك خطيئة". (¬1) في نسخة (ج): "بدنتان". (¬2) يشير المصنف إلى ما أخرجه أبو داود في "السنن" (كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا، رقم 2796)، والترمذي في "الجامع" (أبواب الأضاحي، باب ما جاء فيما يستحب من الأضاحي، 4/ 85/ رقم 1496)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب الضحايا، باب الكبش، 7/ 221)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الأضاحي، باب ما يستحب من الأضاحي، رقم 3128)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 228)؛ عن أبي سعيد الخدري: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضحَّى بكبشٍ أقرن فحيلٍ، يأكل في سواد، ويشرب في سواد". وإسناده صحيح على شرط مسلم. والأقرن: ذو القرنين، والفحيل: الكريم المختار للفحلة، ويقال: المنجب في =

(والثالثة): رجل قرأ بتدبر وتفكر سورة وآخر قرأ في تلك المدة سورًا عديدة سردًا. قال أحمد في رواية جعفر بن أحمد بن أبي قيماز و [قد] (¬1) سئل: أيما أحب إليك: الترسل أو الإسراع؟ قال: أليس قد جاء بكل حرف كذا وكذا حسنة (¬2)؟ قالوا له: في السرعة؟ قال: إذا صور الحرف بلسانه ولم ¬

_ = ضرابه، وأراد به النبل وعِظَم الخلقة، و"يأكل في سواد. . . " أراد أن فمه وما أحاط بملاحظ عينه من وجهه وأرجله أسود، وسائر بدنه أبيض. ويؤيده ما أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 424)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 231)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3/ 69/ رقم 1384)، والبيهقي في "الكبرى" (9/ 268)؛ عن أبي الأسد -بالسين، وقيل: بالشين المعجمة- السلمي، عن أبيه، عن جده؛ قال: "كنتُ سابعَ سبعة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر فجمع كلُّ رجلٍ منا درهمًا، فاشترينا أضحية بسبعة دراهم، فقلنا: يا رسول اللَّه! لقد أغلينا بها. قال: إن أفضل الضحايا أغلاها ثمنًا وأنفسها". وإسناده ضعيف. أبو الأسد -أو الأشد- مجهول، وكذا أبوه، وقيل: إن جده عمرو بن عبس. وفيه أيضًا عثمان بن زفر الجهني، وهو مجهول أيضًا؛ كما في "التقريب"، وممن أشار إلى ضعفه الهيثمي في "المجمع" (4/ 21). وانظر: "السلسلة الضعيفة" (رقم 1678). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج). (¬2) يشير إلى حديث ثبت عن ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا نصه: "من قرأ حرفًا من كتاب اللَّه تعالى؛ كتب اللَّه له عشر حسنات، أما إني لا أقول {الم} حرف، ولكن ألف ولام وميم ثلاثون حسنة". ولأبي القاسم عبد الرحمن بن منده جزء مفرد فيه، انظره مع تعليقات المحقّق، وقد خرجته في تحقيقي لـ"الموافقات" (4/ 184 - 185)؛ فانظره.

يسقط من الهجاء. وهذا ظاهر في ترجيح الكثرة على التدبر. ونقل عنه حرب: أنه كره السرعة؛ إلا أن يكون لسانه كذلك لا يقدر أن يترسل. وحمل القاضي (¬1) الكراهة على ما إذا لم يبين الحروف (¬2)، نقل (¬3) عنه مثنى بن جامع (¬4) في رجل أكل فشبع وأكثر الصلاة والصيام، ورجل أقل الأكل فقلت نوافله وكان أكثر فكرة (¬5)؛ أيهما أفضل؟ فذكر ما جاء في ¬

_ (¬1) في هامش نسخة (أ): "ما نص عن أحمد، وهو قول إسحاق بن راهويه، ونقل عن [هنا اسم غير واضح] في "مصنفه" عنه كذلك". (¬2) يقال بالتفصيل في هذا الأمر: إذا كانت قراءته بالتدبر أكثر خشوعًا وانتفاعًا بالقرآن؛ فهو أفضل بلا شك، وأما إذا تساويا؛ فإن الإسراع أكثر، لا سيما إذا كان الرجل قد اعتاد وردًا معينًا من القرآن يقرأه كل يوم، وخاف إن تركه هذا اليوم تكثر عليه العوائد ويعجز عن متابعة ورده؛ فبهذه الحال نقول: إن الإسراع أفضل، والحاصل إن مثل هذه الأشياء قد يعتريها أمور أخرى تقتضي أن يكون المفضول أفضل من الفاضل، وإلا بالنظر إلى مجرد السرعة والتدبر لا شك أن التدبر أفضل، والقرآن إنما نزل {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، لكن هناك أمور أخرى نسبية تجعل المفضول أفضل من الفاضل. (ع). قلت: رجّح القرطبي في "تفسيره" (15/ 192) التدبر على الهذّ، وهو سرعة القراءة. (¬3) في نسخة (ج): "ونقل". (¬4) هو مثنى بن جامع أبو الحسن الأنباري، قال الخلال: "كان مذهبه أن يهجر ويباين أهل البدع، وكان أبو عبد اللَّه يعرف قَدَره وحقَّه، ونقل عنه مسائل حسانًا"، له ترجمة في "طبقات الحنابلة" (1/ 336)، ونقل عنه المسألة المذكورة هنا عند ابن رجب. (¬5) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ): "أكثره فكرة".

الفكر: تفكر ساعة خير من قيام ليلة (¬1). قال: فرأيت هذا عنده أكثر (يعني: [التفكر]) (¬2)، وهذا (¬3) يدل على تفضيل قراءة التفكر على السرعة. وهو اختيار الشيخ تقي الدين (¬4)، وهو المنصوص صريحًا عن الصحابة ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (13/ 507)، وأحمد في "الزهد" (139)، وهناد في "الزهد" (رقم 943)، وابن سعد في "الطبقات" (7/ 392)، والبيهقي في "الشعب" (1/ 1/ 35)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 208 - 209)؛ عن أبي الدرداء قوله. وأخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (1/ 297 - 298/ رقم 42)، والديلمي في "الفردوس" (2/ ق 46/ الزهر- نسخة الجامعة الإسلامية، رقم 1451)، عن ابن عباس قوله. وفي سنده ليث بن أبي سُليم، وهو متروك. وأخرج أبو الشيخ في "العظمة" (1/ 305/ رقم 48) عن عمرو بن قيس الملائي قوله: "بلغني أن تفكر ساعة خير من عمل دهر من الدهر". وروي مرفوعًا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بلفظ: "خير من عبادة ستين سنة"، وهو موضوع. انظر: "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (رقم 173)، و"الموضوعات" (3/ 143 - 144)، و"التعقبات" للسيوطي وتعليقنا عليه، و"اللآلئ المصنوعة" (2/ 325). وانظر في فضيلة التفكر: "مفتاح دار السعادة" (ص 196 - 197). (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "الفكر"، والأول الصواب. (¬3) في نسخة (أ): "وهذه تدل". (¬4) لم يختر هذا شيخ الإسلام على الإطلاق، بل فصل حسب حال الناس؛ فمنهم من يجد في السرعة من اجتماع قلبه وقوة إيمانه واندفاع الوسواس عنه ما لا يجده في غيره؛ فكل واحد يشرع له أن يفعل ما هو أفضل له. راجع له -مثلًا-: "مجموع الفتاوى" (19/ 119 - 121، 22/ 345 - 348).

والتابعين. (والرابعة): رجلان: أحدهما ارتاضت نفسه على الطاعة وانشرحت بها وتنعمت وبادرت إليها طواعية ومحبة، والآخر يجاهد نفسه على تلك الطاعات ويكرهها عليها (¬1)؛ أيهما أفضل؟ قال الخلال: كتب إليَّ يوسف بن عبد اللَّه الإسكافي: حدثنا الحسن بن علي بن الحسن: أنه سأل أبا عبد اللَّه عن الرجل يشرع له وجه بر فيحمل نفسه على الكراهة، وآخر يشرع له فيسر بذلك؛ فأيهما أفضل؟ قال (¬2): ألم تسمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من تعلم القرآن وهو كبير يشق عليه؛ فله أجران" (¬3)؟! ¬

_ (¬1) كتب على هامش (ب) هنا: "كون هذه المسألة الرابعة من جزئيات القاعدة هو أن المجاهد نفسه وجد منه عملان: الجهاد والطاعة، والمرتاضة نفسه وجد مه عمل الطاعة فقط". (¬2) في نسخة (ج): "فقال". (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب التفسير، باب منه، 8/ 691/ رقم 4937)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتعتع فيه، 1/ 549 - 550/ رقم 798)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الوتر، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم 1454)، والنسائي في "فضائل القرآن" (رقم 70)، والترمذي في "الجامع" (أبواب فضائل القرآن، باب منه، رقم 2904)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الأدب، باب ثواب القرآن، رقم 3824)، وأحمد في "المسند" (6/ 48، 98، 170، 239، 266)، والدارمي في "السنن" (2/ 444)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (10/ 490)، وعبد الرزاق في "المصنف" (3/ 375)، والطيالسي في "المسند" (رقم 1499)، وإسحاق بن راهويه في "المسند" (رقم 1313)، والفريابي (3، =

وهذا ظاهر في ترجيح المكره نفسه؛ لأن له عملين: جهادًا، وطاعة أخرى، ولذلك كان له أجران، وهذا قول ابن عطاء وطائفة من الصوفية من أصحاب أبي سليمان الداراني. وعند الجنيد وجماعة من عباد البصرة: أن الباذل لذلك طوعًا ومحبة أفضل، وهو اختيار الشيخ تقي الدين (¬1)؛ لأن مقامه في طمأنينة النفس ¬

_ = 4)، وابن الضُّريس (29، 30، 32، 35)، وأبو عبيد (ص 38)، وأبو الفضل الرازي (98)؛ جميعهم في "فضائل القرآن"، وتمام في "الفوائد" (4/ 96 - مع ترتيبه)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1/ 505)، والبغوي في "شرح السنة" (4/ 430)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 395) و"الشعب" (4/ 537)، وابن عبد البر في "التمهيد" (14/ 134)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (1/ 261)، وأبو جعفر النحاس في "القطع والائتناف" (ص 79)، وعلّم الدين السخاوي في "جمَّال القُرَّاء" (1/ 101)، والشجري في "الأمالي" (1/ 72 - 73)، وابن الجوزي في "المشيخة" (171 - 172)؛ عن عائشة رضي اللَّه عنها. قال القسطلاني في "لطائف الإشارات لفنون القراءات" (1/ 14): ". . . وأما الذي يتعتع فيه؛ فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه؛ فله أجران: أجر بالقراءة، وأجر بتعبه ومشقّته، فإنْ قلتَ: يلزم أن يكون المتعتع أفضل من الماهر، من حيث إن له أجرين، ولم يذكر للماهر أجرين؛ أجيب: بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد ذكر لكل واحدٍ فضيلة؛ ليكون حثًّا له على القراءة، فذكر للمتعتع أجرين، وللماهر كونه مع السفرة، والكون مع السفرة لا يتقاعد عن حصول الأجرين، وليس معناه أن الذي يتعتع له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجرًا؛ فإنه مع السفرة، وله أجور كثيرة، وكيف يلتحق به من لم يعتنِ بكتاب اللَّه وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته ودراسته؛ كاعتنائه به حتى مهر به؟! ". (¬1) وفصل ابن القيم في "طريق الهجرتين" (ص 378 - 386 - ط دار ابن القيم) أدلة الفريقين، وقال: "وقد اختلف أرباب السلوك هنا في هذه المسألة، وهي: أيهما أفضل: =

أفضل من أعمال متعددة، ولأنه من أرباب المنازل والمقامات، والآخر من أرباب السلوك والبدايات؛ فمثلهما كمثل [رجلين: أحدهما] (¬1) مقيم بمكة يشتغل بالطواف، والآخر يقطع المفاوز والقفار في السير إلى مكة؛ فعمله أشق، والأول أفضل، واللَّه أعلم (¬2). ¬

_ = من له داعية وشهوة وهو يحبسها للَّه ولا يطيعها حبًّا له وحياءً منه وخوفًا، أو من لا داعية له تنازعه، بل نفسه خالية من تلك الدواعي والشهوة، قد اطمأنت إلى ربِّها، واشتغلت به عن غيره، وامتلأت بحبه وإرادته؛ فليس فيها موضع لإرادة غيره ولا حبه؟ ". وأفاض في ذكر أدلة الفريقين، ثم ختم الكلام على المسألة بقوله: "والحق أن كلا الطائفتين على صواب من القول، لكن كل فرقة لحظت غير ملحظ الفرقة الأخرى؛ فكأنهما لم يتواردا على محل واحد، بل الفرقة الأولى نظرت إلى نهاية سير المجاهد لنفسه وإرادته وما ترتب له عليها من الأحوال والمقامات؛ فأوجب لها شهود نهايته رجحانه، فحكمت بترجيحه واستحلت بتفضيله، والفرقة الثانية نظرت إلى بدايته في شأنه ذلك ونهاية النفس المطمئنة؛ فأوجب لها شهود الأمرين الحكم بترجيح القلب الخالي من تلك الدواعي ومجاهدتها، وكل واحدة من الطائفتين قد أدلت بحجج لا تمانع، وأتت ببينات لا ترد ولا تدافع، وفصل الخطاب في هذه المسألة يظهر بمسألة يرتضع معها من لبانها ويخرج من مشكاتها، وهي أن العبد إذا كان له حال أو مقام مع اللَّه، ثم نزل عنه إلى ذنب ارتكبه ثم تاب من ذنبه؛ هل يعود إلى مثل ما كان أو لا يعود؟ بل إن رجع رجع إلى أنزل من مقامه وأنقص من رتبته، أو يعود خيرًا مما كان؟ ". (¬1) هكذا في نسخ (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع بدل ما بين المعقوفتين: "رجل"!! (¬2) رجل أعجمي يجاهد نفسه في قراءة القرآن، لا يقرأ إلا القليل مع تعبٍ شديدٍ، وآخر لسانه طليق وحر، يقرأ القرآن، ويتلذذ به، فهل المجاهد نفسه ليس له أجر؟ الجواب: إن لكل واحد نصيب؛ فالأول له أجران: أجر المشقة والتعب، وأجر القراءة، والثاني أكمل منه في أجر القراءة؛ لأنه وصل إلى حال صارت الطاعة عنده هي قرة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عينه؛ فهذا من نعم اللَّه عليه، والإنسان إذا فعل الطاعة مع المشقة؛ يعطى على أجر النَّصَب، ولا شك من جهة الكمال والمرتبة والمقام أن الذي يفعلها وهو منقاد لها منشرح بها صدره أفضل، وتتضح المفاضلة في مسألة الجماعة؛ الرجل الذي إذا أذن قام وهو منشرح الصدر مطمئن القلب راغب في ما عند اللَّه وذهب يصلي، والثاني يذهب إلى الجماعة بمشقة وهو يعالج نفسه؛ فلا شك أن الأول أكمل حالًا من الثاني؛ لأن كونه ينطبع على العبادة حتى تكون راحة قلبه وطمأنيته، هذا أعلى مقام، ولهذا قال رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، أما الثاني؛ فإنه يؤجر على أصل العمل، لكنه عمل ناقص في حد ذاته، ويؤجر أجرًا آخر على الجهاد والمشقة لإرغام النفس على فعل الطاعة. فالأول -كما قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه- من أرباب المقام والمنازل، والثاني من أرباب السلوك والجهاد؛ فالأول بلا شك أكمل حالًا، والثاني أكثر مشقة، فيؤجر على المشقة، ولكن منزلته في العبادة دون الأول، ولهذا كان الصحابة رضي اللَّه عنهم عملهم أفضل من غيرهم، "لو أن أحدكم أنفق مل أحُد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"، لكن في أيام الصبر للعامل أجر خمسين من الصحابة؛ لأنه يكابد العمل ويشق عليه، لكن الأولون أكمل حالًا، هذا هو التفصيل في هذه المسألة. والمجاهد قد يصل إلى المرتبة الأولى، وترتاض نفسه على الطاعة، ويطمئن إليها وينشرح لها صدره، وقد لا يصل إلى هذا، قد يبقى دائمًا في جهاد، وربما تكون هناك عوائق أيضًا، لأنه ما دامت النفس غير منساقة إلى العمل؛ ربما يكون له عوائق أيضًا، مع المجاهدة يمل ويتعب. (ع). قلت: حديث "وجعلت قرة عينى. . . " أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 128، 199، 285)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (8/ 39)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، 7/ 61)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 160)، ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (1/ 331، 332/ رقم 322 و 323)، وأبو يعلى في "المسند" (6/ 199 - 200، 237/ رقم 3482 و 3530)، والبيهقي في "السنن =

(والخامسة): تعارض عتق رقبة نفيسة بمال وعتق رقاب متعددة بذلك المال. قال القاضي وابن عقيل: الرقاب أفضل. وفيه أيضًا نظر، وقد كان طائفة من السلف؛ كابن عمر (¬1) والربيع بن ¬

_ = الكبرى" (7/ 78)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (ص 98، 229 - 230)، والطبراني في "المعجم الصغير" (1/ 262). وسنده حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 150 - 151) وقال: "ومن رواه "حبب إليَّ من دنياكم ثلاث"؛ فقد وهم، ولم يقل -صلى اللَّه عليه وسلم- "ثلاث"، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها". وقال ابن كثير في "الشمائل" (ص 38) في الرواية التي فيها "من دنياكم": "وليس بمحفوظ بهذا؛ فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا، وإنما هي من أهم شؤون الآخرة". وكذا قال العراقي وابن حجر والسخاوي. وانظر: "التلخيص الحبير" (3/ 116)، و"المقاصد الحسنة" (ص 180). وحديث "لو أن أحدكم أنفق. . . " أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب فضائل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، باب قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو كنت متخذًا خليلًا. . . "، 7/ رقم 3673)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي اللَّه عنهم، 4/ رقم 2541)، وأفرد له ابن حجرجزءً مفردًا مطبوع بتحقيقي، وللَّه الحمد. (¬1) ورد ذلك في قصص كثيرة عنه تجدها في: "الزهد" لأبي داود (رقم 300، 312)، و"الزهد" (رقم 635) لهنَّاد، و"الحلية" لأبي نعيم (1/ 295، 298)، و"صفة الصفوة" (1/ 568) لابن الجوزي. وعزى نحوه ابن كثير في "التفسير" (1/ 389) للبزار، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 360) لعبد بن حميد والبزار.

خثيم (¬1) يستحبون (¬2) الصدقة بما يشتهون (¬3) من الأطعمة؛ وإن كان المسكين ينتفع بقيمته أكثر؛ عملًا بقوله [تعالى] (¬4): {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وهذا في العتق أولى مع قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خير الرقاب أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنًا" (¬5)، واللَّه أعلم (¬6). ¬

_ (¬1) في نسخة (ج)؛ "خيثم"؛ بتقديم الياء -آخر الحروف- على الثاء -المثلثة-، والصواب ما في المطبوع و (أ) و (ب). وأخرج هناد في "الزهد" (رقم 636، 637، 638) -ومن طريقه ابن العديم في "بغية الطلب" (8/ 3578 - 3579) -، وابن أبي شيبة في "المصنف" (13/ 398، 401 و 14/ 35)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6/ 188)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (2/ 567، 568)، وعبد اللَّه بن أحمد في "زوائد الزهد" (329، 334، 337)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 107، 115) قصصًا عن الربيع جميعها تدل على ما ذكر المصنِّف. (¬2) في نسخة (ب): "يستحبان". (¬3) كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ): "يشتهونه"، وفي (ج): "يشتهيانه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬5) أخرج البخاري في "الصحيح" (26، 2518)، ومسلم في "الصحيح" (رقم 84)؛ عن أبي ذر؛ قال: ". . . قلت: أيُّ الرقاب أفضل؟ قال: أنْفَسُها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا". لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "أعلاها ثمنًا وأنْفَسُها عند أهلها". (¬6) رجل عنده عبد قيمته عالية لنفاسته، ورجل عنده أعبد قيمتهم كقيمة هذا العبد النفيس؛ هل الأفضل عتق العبد النفيس أو الأعبد؟ فمنهم من يرى أن عتق العبد النفيس أفضل؛ لأن النفس تتعلق به أكثر، وإذا أخرجه للَّه مع تعلق النفس به؛ كان ذلك دليلًا على أن الخير أحب إليه، وبعضهم يقول: التعدد أفضل؛ لأنك إذا أعتقت عبدين خير مما إذا أعتقت عبدًا واحدًا، والصواب أنه ينظر فيها إلى النتيجة؛ فقد تكون النتيجة في انعتاق هذين العبدين أكمل، كما لو كان هذان العبدان =

18 - القاعدة الثامنة عشرة إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد ليست إحداهما [مفعولة] على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت؛ تداخلت أفعالهما، واكتفي فيهما بفعل واحد.

(القاعدة الثامنة عشرة) إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد (¬1) ليست إحداهما [مفعولة] على جهة (¬2) القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت؛ تداخلت أفعالهما، واكتفي فيهما بفعل واحد. وهو على ضربين (¬3): ¬

_ = معذبين عند سيدهما؛ فإن شراءهما وإعتاقهما أفضل، وقد يكون الأمر بالعكس، كما لو يكون هذا الرجل النفيس كاتبًا صانعًا وما أشبه ذلك؛ فها هنا الأفضل أن يعتق هذا؛ فالمهم أن مسائل التفضيل يراعى فيها المعاني والأوصاف التي توجب فضل هذا على هذا. (ع). قلت: وعليه يخرج: أيهما أفضل؛ عتق الرقبة الكافرة ذات الثمن، أم المؤمنة قليلة الثمن؟ كما تراه في "تفسير القرطبي" (20/ 68 - 69). (¬1) في نسخة (ج): "من جنس واحد". (¬2) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "وجه". (¬3) اجتمعت عبادتان من جنس واحد -كصلاة مثلًا-، ولم تكن إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى، احترازًا على ما لو اجتمع صلاة عصر حاضرة وصلاة ظهر مقضية، العبادتان من جنس واحد، لكن إحداهما مفعولة على جهة القضاء؛ فهنا لا يكتفي بالواحدة عن الأخرى، ومن هنا نعلم خطأ من أفتى بأن الإنسان يجوز أن ينوي بقضاء رمضان القضاء والست من شوال جميعًا؛ فهذا لا يجزئ لأن ستة أيام من شوال تابعة لرمضان: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال"، وكذلك أيضًا الموالاة على =

(أحدهما): أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعًا؛ [فيشترط] (¬1) أن ينويهما [معًا] (¬2) على المشهور. ومن أمثلة ذلك: من عليه حدثان أصغر وأكبر؛ فالمذهب أنه يكفيه أفعال الطهارة الكبرى إذا نوى الطهارتين [جميعًا] (¬3) بها، وعنه: لا يجزئه عن الأصغر حتى يأتي بالوضوء، واختار أبو بكر أنه يجزئه عنهما إذا أتى بخصائص الوضوء من الترتيب والموالاة، وإلا؛ فلا، وجزم به صاحب "المبهج" (¬4)، ولو كان عادمًا للماء، فتيمم تيممًا واحدًا ينوي به الحدثين؛ ¬

_ = وجه التبعية للأخرى، فإن كان على وجه التبعية للأخرى؛ فإن هذا تجزئه إحداهما على الأخرى، مثال ذلك: لو أن أحدًا قال: أريد أن أصلي الظهر وأنويها عن الفريضة وعن الراتبة؛ لا تصح لأن الراتبة تبع، وكذلك من أراد أن يصلي الفجر، فقال: أنويها عن الفجر وعن الراتبة؛ لأنها تبع لها. (ع). قلت: حديث "من صام رمضان. . . " أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوَّال إتباعًا لرمضان، 2/ رقم 1164) عن أبي أيوب الأنصاري رفعه. وانظر عنه: "لطائف المعارف" (ص 389 - ط دار ابن كثير" للمصنف، و"رفع الإشكال" للحافظ العلائي، طبع دار ابن حزم. (¬1) هكذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "يشترط". (¬2) هكذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "جميعًا". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬4) هو لأبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي (ت 486 هـ)، ذكره له المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 71)، والسُّبيعي في "الدُّر المنضَّد" (رقم 24).

أجزأه عنهما بغير خلاف، ونص عليه أحمد في رواية مهنا (¬1). - (ومنها): القارن إذا نوى الحج والعمرة؛ كفاه لهما طواف واحد، وسعي واحد على المذهب الصحيح، وعنه: لا بد من طوافين وسعيين؛ كالمفرد. والقاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما" (¬2) حكيا هذه الرواية على وجه ¬

_ (¬1) رجل عليه جنابة، فنوى بغسله رفع الحدثين؟ المذهب أنه يجزئ، ويندرج الحدث الأصغر تحت الحدث الأكبر، وهنا اكتفينا بفعل واحد وهو الغسل، لكنه أجزأ عنهما بالنية. في قول آخر: أنه لا يجزئ حتى يأتي بالوضوء، يتوضأ أولًا ثم يغتسل ثانيًا، أو يغتسل ثم توضأ، المهم أن يأتي بهما معًا؛ فالنيتان بالغسل لا تجزئ عن الحدثين. قول ثالث: لا يأتي بالوضوء، ولكن يجب أن يأتي بخصائص الوضوء من الترتيب والموالاة. وفيه قول رابع، وهو أصحها: إنه إذا نوى رفع الحدث الأكبر أجزأ عن الأصغر؛ لأنَّ اللَّه تعالى يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، ولم يذكر وجوب الوضوء ولا وجوب نيته، وهذا القول هو الراجح على أنه يجزئ إذا نوى رفع الحدث الأكبر، أدى عن الأصغر؛ لأن اللَّه تعالى لم يذكر شيئًا آخر سوى أن يطهّر الإنسان. (ع). قلت: انظر في أدلة المسألة: "سنن البيهقي" (1/ 177)، و"فتح البارى" (1/ 287)، و"المحلى" (2/ 28)، و"تمام المنة" (ص 129 - 130). ويخرج عليه أيضًا اجتماع غُسْلَي الجمعة والجنابة، وتبويب البيهقي في "السنن الكبرى" على أثر أبي قتادة الأنصاري يساعد عليه؛ فقال (1/ 298): "باب هل يكتفي بغسل الجنابة عن غسل الجمعة إذا لم ينوها مع الجنابة؟ "، وسبقه "باب الاغتسال للجنابة والجمعة جميعًا إذا نواهما معًا"، وكذلك اجتماع غسل الجنابة والحيض، خلافًا لما قرره شيخنا الألباني حفظه اللَّه في "تمام المنة" (ص 126 - 129). (¬2) نقل المصنف من "الخلاف" للقاضي أبي يعلى وأكثر جدًّا، وسمّاه تارةً =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أخرى "التعليق"، واسم الكتاب كاملًا: "التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمّة"، ذكره جماعة لأبي يعلى؛ منهم: المصنف في "الاستخراج لأحكام الخراج" (43)، وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (2/ 206)، والمرداوي في "الإنصاف" (1/ 13)، والعليمي في "المنهج الأحمد" (2/ 112)، والبعلي الحنبلي في "القواعد والفوائد الأصولية" (281). ويقع هذا الكتاب في أحد عشر مجلدًا، استفدنا ذلك من رسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه، كتبها وهو في مصر لأهله في الشام، جاء فيها: "وترسلون أيضًا من "تعليق القاضي أبي يعلى" الذي بخط القاضي أبي الحسين إن أمكن الجميع، وهو أحد عشر مجلدًا، وإلا؛ فمن أوّله مجلدًا أو مجلدين أو ثلاثة". من "العقود الدّرية" (285). ومدحه ابن بدران في "المدخل" (452) بقوله: "وأجمع ما رأيتُه لأصحابنا في هذا النوع "الخلاف الكبير" للقاضي أبي يعلى، وهو في مجلدات، لم أطلع منه إلا على المجلد الثالث، وهو ضخم، أوله: كتاب الحج، وآخره: باب السَّلَم، وقد سلك فيه مسلكًا واسعًا، وتفنَّن في هدم كلام الخصم تفنُّنًا لم أرَهُ في غيره، واستدلَّ بأحاديث كثيرة، لكن تعقبه في أحاديثه الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي، وسمّى كتابه هذا "التحقيق في مسائل التعليق". . . ". قلت: بقي هنا أمران: الأول: وقعت أخطاء لابن الجوزي في "التحقيق" -وقد طبعه سنة (954 م) الشيخ محمد حامد الفقي رحمه اللَّه، ثم حديثًا محمد فارس عن دار الكتب العلمية، عمل على تصويبها محمد بن عبد الهادي والذهبي في عملين مستقلَّين، واسم كتابيهما متشابه: "تنقيح التحقيق"، طبع قسم العبادات من الأول، والثاني قيد الطبع. والآخر: يوجد من كتاب "الخلاف الكبير" لأبي يعلى المجلد الرابع في دار الكتب المصرية تحت (رقم 140 - فقه حنبلي)، وعنه نسخة مصورة في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية ذات (رقم 18 - اختلاف الفقهاء)؛ كما في "فهارسها" (1/ 330). أما كتاب "الخلاف" لأبي الخطاب الكَلْوذاني؛ فهو "الانتصار في المسائل الكبار"، =

آخر، وهو أنه لا تجزئه العمرة الداخلة في ضمن الحج عن عمرة الإسلام، بل عليه أن يأتي بعمرة مفردة بإحرام مفرد لها (¬1). - (ومنها): إذا نذر الحج من عليه حج الفرض، ثم حج (¬2) حجة الإسلام؛ فهل يجزئه عن فرضه ونذره؟ على روايتين (¬3): ¬

_ = يوجد في دار الكتب الظاهرية تحت (رقم 5454) قسم منه، يشتمل على (كتاب الطهارة والصلاة وبعض الزكاة)، وقد حقق الأول منه سليمان العمير -وهو قسم الطهارة-، وحقق الثاني عوض العوفي -وهو قسم الصلاة-، وحقق الثالث عبد العزيز البعيمي -وهو قسم الزكاة-، ونشر عن مكتبة العبيكان سنة (1413 هـ -1993 م). وله أيضًا "الخلاف الصغير"، وهو "رؤوس المسائل"، وسيأتي التعريف به في (ص 267). (¬1) الصحيح فيها القول الأول: أن طوافه وسعيه يجزئه عن الحج والعمرة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة: "طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك"، ولأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قارنًا كما قال الإمام أحمد: "لا شك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قارنًا"، ومع ذلك؛ لم يطف إلا طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا. وأما الرواية الثانية عن أحمد؛ فهي كمذهب أبي حنيفة، يقول: "لا بد للقارن من طوافين وسعيين"، وأما التوجيه الذي ذكر عن القاضي وأبي الخطاب؛ فهو توجيه غير وجيه، وهو أنه إذا كان ذلك في واجب العمرة لم يجزئه، وفي التطوع يجزئ، والصواب أنه يجزئ فى العمرة الواجبة وفي التطوع. (ع). قلت: "وردت نصوص كثيرة تدلك على صحة ما ذكره المصنف من إجزاء طواف واحد بالبيت وبالصفا والمروة في حق القارن، انظرها والتعليق عليها في: "شرح العمدة" (3/ 548 - 549) لابن تيمية. (¬2) في نسخة (أ): "يحج". (¬3) الصحيح في هذا التفصيل أنه إن نذر أن يحج حج الفريضة؛ فحجه يجزئه عن =

(إحداهما): يجزئه عنهما، نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، ونقله عن ابن عباس (¬1)، وهي اختيار أبي حفص (¬2). (والثانية): لا يجزئه، نقلها ابن منصور وعبد اللَّه (¬3)، وهي المشهورة. وقد حمل بعض الأصحاب؛ كأبي الحسين في "التمام" (¬4) الرواية الأولى على صحة وقوع النذر قبل الفرض، [وفرضهما] (¬5) فيما إذا نوى ¬

_ = الفريضة وعن النذر، وأما إذا نوى بالنذر حجًا مفردًا -أي: مستقلًّا عن حجة الإِسلام-؛ فإنه لا يجزئه الفرض عن النذر. (ع). قلت: انظر في المسألة: "الهداية" (1/ 89) للكلوذاني، و"المغني" (13/ 645)، و"الفروع" (3/ 268 - 269)، و"الإنصاف" (3/ 417). (¬1) أخرجه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 162/ ب)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 68)، وابن حزم في "المحلى" (8/ 10). (¬2) هو أبو حفص العكبري، ونقله عنه القاضي أبو الحسين في "التمام" (2/ 242)، وستأتي ترجمته في (1/ 154). (¬3) قلت: الذي في "مسائل عبد اللَّه" (رقم 840): أنه قال: "قلت لأبي: فإن هو حج [أي: الذي نذر أن يحج] ولم يكن حج حجة الإسلام؛ تجزئه عن حجة الإسلام؟ قال: كان ابن عباس يقول: "تجزئه عن حجة الإسلام، وقال ابن عمر: هذه حجة الإسلام، أوفِ بنذرك". وهذا يخالف نقل المصنف؛ فتأمل. (¬4) انظر: "كتاب التمام" للقاضي أبي الحسين (2/ 241 - 242). قلت: وقد وقع في نسخة (ج) بدل "التمام": "النهاية"! وهو خطأ. (¬5) في نسختي (أ) و (ج): "وفرضها".

النذر أنه يجزئه عنه، وتبقى عليه حجة الاسلام، ولا يصح ذلك (¬1). - (ومنها): إذا نذر صوم شهر يقدم فيه فلان، فقدم في أول رمضان؛ [فهل] (¬2) يجزئه رمضان عن فرضه ونذره؟ على روايتين: أشهرهما عند الأصحاب: لا يجزئه عنهما. والثانية: يجزئه عنهما، نقلها المروذي، وصرح بها الخرقي في "كتابه"، وحملها المتأخرون على أن ندره لم ينعقد لمصادفته رمضان، ولا يخفى فساد هذا التأويل. وعلى رواية الإجزاء؛ فقال صاحب "المغني" (¬3): لا بد أن ينويه عن فرضه ونذره، وقال الشيخ مجد الدين: لا يحتاج إلى نية النذر، قال: وهو ظاهر كلام [أحمد والخرقي] (¬4)؛ لأنا نقدره كأنه نذر هذا القدر (¬5) منجزًا عند القدوم؛ فجعله كالناذر لصوم رمضان لجهة (¬6) الفرضية. وفيه بعد، ولو نذر صوم شهر مطلق فصام رمضان ينويه عنهما؛ فإنه ¬

_ (¬1) وجوب القضاء هو مذهب الشافعية؛ كما في "المجموع" (7/ 101)، و"روضة الطالبين" (3/ 322). (¬2) هكذا في (ب)، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "هل". (¬3) انظر المسألة في: "المغني" (11/ 356 - "الشرح الكبير"). (¬4) كذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي المطبوع: "الخرقي وأحمد" بتقديم وتأخير. (¬5) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "النذر". (¬6) في نسخة (ج): "بجهة".

يخرج على مسألة الحج، ذكره ابن الزاغوني وغيره (¬1). - (ومنها): لو نذر الصدقة بنصاب من المال وقت حلول (¬2) الحول؛ فهل تجب فيه الزكاة؟ على وجهين. وعلى القول بالوجوب؛ فهل تجزيه الصدقة [به] (¬3) عن النذر والزكاة إذا نواهما؟ على وجهين، [واختار] (¬4) صاحب "المغني" (¬5) الإجزاء، وخالفه صاحب "شرح الهداية". - (ومنها): لو طاف عند خروجه من مكة طوافًا [واحدًا] (¬6) ينوي به الزيارة والوداع؛ فقال الخرقي في "شرح المختصر" وصاحب "المغني" (¬7) ¬

_ (¬1) الصواب أنه يجزئه صوم رمضان عن النذر؛ لأنه صدق عليه أنه صام شهرًا من وقت قدومه، فيجزئه عن النذر. (ع). قلت: قال المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 169): (قلت: الإِمام أحمد يراعي المعاني في مسائل الأيمان. . . "؛ فينظر في قصده، وعليه مدار الجواب، واللَّه أعلم. (¬2) في نسخة (ب): "حؤول". (¬3) ما بين المعقوفتين من نسخة (ب) فقط. (¬4) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "واختيار". (¬5) لا يلزم من قول المؤلف رحمه اللَّه "صاحب المغني" أنه يعزو إلى "المغني"، كما هو واضح، ولم أجد هذه المسألة في "المغني" ولا "الكافي" ولا "المقنع". (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من (ب)، (ج). (¬7) قال في "المغني" (1/ 298/ 700): ". . . لو طاف الحاج طواف الزيارة =

في (كتاب الصلاة): يجزئه عنهما. ويتخرج فيه خلاف من المسألة التي بعدها (¬1). ¬

_ = عند خروجه من مكة؛ أجزأه عن طواف الوداع". ولكنه قال في موضع آخر منه (3/ 228/ 2558) عن طواف الزيارة: ". . . أنه ركن الحج، لا يتم إلا به، ولا بد من تعيينه، فلو نوى به طواف الوداع أو غيره؛ لم يجزه". (¬1) هذه المسألة لها ثلاث صور: الصورة الأولى: أن ينوي بالطواف طواف الزيارة والوداع. والثانية: أن ينوي طواف الزيارة فقط. والثالثة: أن ينوي طواف الوداع فقط. فإذا نواهما؛ حصلا، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، وإذا نوى طواف الزيارة -وهو طواف الإِفاضة-؛ أجزأهُ عن الوداع؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، وهذا الرجل كان آخر عهده بالبيت، وإذا نوى الوداع فقط؛ لم يجزئه عن طواف الإِفاضة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات"، وهذا لم ينوِ إلا طواف الوداع؛ فلا يجزئه. وقال بعض أهل العلم: أنه يجزئه عن طواف الإِفاضة، ووجه ذلك أن طواف الإفاضة ركن، وإذا فعل الإنسان شيئًا من المناسك وعليه ركن؛ انقلب إلى ذلك الركن، قالوا: مثال ذلك: لو أنَّ رجلًا حج تطوعًا وعليه الفريضة؛ ينقلب إلى الفريضة وإن لم ينوها، ولو أن رجلًا حج لآخر وهو عليه الفريضة، انقلبت الحجة إلى فريضته، مع أنه قد نوى غيرها. قالوا: هذا أيضًا مع أنه نوى طواف الوداع وعليه طواف الإفاضة ينقلب إلى طواف الإفاضة. هذا القول قد يكون متعذرًا إذا لم يجد الإنسان الوقت لطواف الإفاضة، أما إذا كان غير متعذر؛ فلا يجزئه لحديث "إنما الأعمال بالنيات"، وهذا الرجل ما نوى إلا الوداع، ولا يلزم من كون النسك كاملًا ينقلب إلى الفرض أن يكون أيضًا بعض أجزاء النسك ينقلب إلى الفرض؛ للفرق الظاهر بينهما. (ع).

- (ومنها): لو أدرك الإمام راكعًا، فكبر تكبيرة ينوي بها [تكبيرتي] (¬1) الإحرام والركوع؛ فهل يجزئه؟ على [روايتين] (¬2) حكاهما أبو الخطاب وغيره (¬3). و [اختيار] (¬4) القاضي عدم الإجزاء؛ للتشريك بين الركن وغيره، وأخذه من نص أحمد [رحمه اللَّه] (¬5) فيمن رفع رأسه من الركوع وعطس، فقال: الحمد للَّه (¬6)، ربنا ولك الحمد؛ ينوي به الواجب، وسنة الحمد للعاطس: [أنه] (¬7) لا يجزئه (¬8). ¬

_ (¬1) كذا في نسخة (ج): "تكبيرتي"، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "تكبيرة". (¬2) هكذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي المطبوع: "وجهين". (¬3) قال أبو الخطاب رحمه اللَّه في "الهداية" (1/ 43): "ومن أدرك الإمام في الركوع؛ فقد أدرك الركعة، وعليه تكبيرتان للافتتاح والركوع، وإن كبر واحدة ونواهما؛ لم يجزه، وعنه: أنه يجزيه". (¬4) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "واختار". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) كذا في (أ)، ولعلها الصواب، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "أن". (¬8) المذكور رواية صالح بن أحمد في "مسائله" (1/ 388/ رقم 367)، وزاد: "إذا عطس في الصَّلاة؛ يحمد اللَّه في نفسه"، ونقله عنه ابن مفلح في "الفروع" (1/ 443)، ونحوه عن أحمد في رواية حنبل؛ كما في "الإنصاف" (2/ 63)، وقال: "وهذا هو الصحيح؛ لأنه لم يخلصه للرفع من الركوع"، وكذا في "مسائل أبي داود" (ص 37) و"مسائل ابن هانئ" (9/ 110/ رقم 545 - 446) و"مسائل عبد اللَّه" (102/ رقم 366). =

واختار ابن شاقلا الإجزاء، وشبهه بمن أخرج في الفطرة أكثر من صاع (¬1)، ولا يصح هذا التشبيه. ومن الأصحاب من قال: إن قلنا تكبيرة الركوع سنة؛ [أجزأه] (¬2)، وحصلت السنة بالنية تبعًا للواجب، وإن قلنا: واجبة؛ لم يصح التشريك، وفيه ضعف. وهذه المسألة تدل على أن تكبيرة الركوع تجزئ في حال القيام خلاف ما يقوله المتأخرون (¬3). (والضرب الثاني): أن يحصل له إحدى العبادتين بنيتها، وتسقط (¬4) عنه الأخرى، ولذلك أمثلة: ¬

_ = وقال ابن قدامة في "المغني" (1/ 512 - 513): "يجزئه"، وحمل كلام الإِمام أحمد على الاستحباب؛ فعلى المذهب لا تبطل صلاته على الصحيح. (¬1) إذا نوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الانتقال إلى الركوع، وهي سنة؛ فكأنه عمل بالواجب والسنة؛ فتكون هذه النية بمنزلة الزائد عن الصاع في الفطرة. (ع). (¬2) كذا في جميع النسخ المخطوطة، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "أجزأته". (¬3) المتأخرون رحمهم اللَّه يرون أن تكبيرات الانتقال لا بد أن تكون فيما بين الركن المنتقل منه والمنتقل إليه، فإن بدأها قبل أو كمّلها بعد؛ فإنها لا تجزئه، يعني مثلًا: واحد يكبر للسجود: اللَّه أكبر، ثم هوى، يقول: ما تجزئه التكبيرة، لا بد أن يكون التكبير فيما بين الركن إلى الركن، ولو قال: اللَّه أكبر، والباء والراء عقب السجود؛ فإنها لا تجزئه، لا بد أن يكون التكبير فيما بين الركانين، ولا يشترط أن يستوعب ما بين الركنين، فلو قال: اللَّه أكبر، وكمّل التكبير قبل أن يصل الأرض؛ فإن ذلك يجزئه، لكن بعض الأصحاب اختار بأنه يجزئ التكبير، ولو ابتدأ به قبل أو أكمله بعد، وهذا ما ذكره ابن رجب رحمه اللَّه هنا. (ع). (¬4) في نسخة (أ): "وتقسط" وهو خطأ من الناسخ.

- (منها): إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى معهم؛ سقطت عنه التحية. - (ومنها): لو سمع سجديتن معًا؛ فهل يسجد سجدتين أم يكتفي بواحدة؟ المنصوص في رواية البرزاطي (¬1): أنه يسجد سجدتين، ويتخرج أنه (¬2) يكتفي بواحدة. وقد خرج الأصحاب بالاكتفاء بسجدة الصلاة عن سجدة التلاوة وجهًا؛ فهنا (¬3) أولى (¬4). - (ومنها): إذا قدم المعتمر مكة؛ فإنه يبدأ بطواف العمرة، ويسقط عنه طواف القدوم، وقياسه إذا أحرم بالحج من مكة ثم قدم يوم النحر: أنه يجزئه طواف الزيارة عنه. والمنصوص ها هنا: أنه يطوف قبله للقدوم، وخالف فيه صاحب "المغني" (¬5)، وهو الأصح (¬6). ¬

_ (¬1) وقع في نسخة (ج): "البزراطي"، وهو خطأ، وسيأتي التعريف به في التعليق على (2/ 47). (¬2) في نسخة (ب): "أن". (¬3) في نسخة (ب): "فهذا". (¬4) انظر نحوه في: "القواعد النورانية" لابن تيمية (ص 101). (¬5) انظر: "المغني" (3/ 228/ 2558). (¬6) لا شك في هذا أنّ طواف الإفاضة يجزئه عن طواف القدوم، كما يجزئه طواف العمرة عن طواف القدوم فيما لو لم يقدم مكة، أحرم من الميقات، ثم ذهب إلى منى، ثم =

- (ومنها): إذا صلى عقيب (¬1) الطواف مكتوبة؛ فهل يسقط عنه ركعتا الطواف؟ على روايتين، قال أبو بكر: الأقيس إنها لا تسقط، ونقل أبو طالب عن أحمد [رحمه اللَّه] (¬2): يجزئه، ليس هما واجبتين، ونقل الأثرم عنه: أرجو أن يجزئه، وهذا قد يشعر بأنه يحصل له بذلك الفرض ركعتا الطواف؛ فيكون من الضرب الأول؛ لكن لا يعتبر هنا نية ركعتي الطواف. ويشبه هذه الرواية التي حكاها أبو حفص البرمكي (¬3) عن أحمد في الجنب إذا اغتسل ينوي الجنابة وحدها: أنه يرتفع حدثه الأصغر تبعًا، وهي اختيار الشيخ تقي الدين (¬4). وقد يقال: المقصود أن يقع عقيب (1) الطواف صلاة، كما أن المقصود أن يقع قبل الإحرام صلاة، فأي صلاة وجدت؛ حصلت المقصود. ¬

_ = عرفة، ثم مزدلفة، ثم منى، ثم دخل يوم العيد في طواف الإفاضة؛ فها هنا يجزئه طواف الإفاضة عن طواف القدوم. (ع). (¬1) في نسخة (ج): "عقب". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). (¬3) هو عمر بن أحمد بن إبراهيم، أبو حفص البرمكي، كان من الفقهاء والأعيان النساك الزهاد، ذو الفتيا الواسعة والتصانيف النافعة، من ذلك "المجموع" و"شرح بعض مسائل الكوسج"، مات سنه سبع وثمانين وثلاث مئة. له ترجمة في: "طبقات الحنابلة" (2/ 153 - 155)، و"تاريخ بغداد" (11/ 268 - 269). (¬4) انظر: "شرح العمدة في الفقه" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه (1/ 376).

- (ومنها): لو أخر طواف الزيارة إلى وقت خروجه، [فطافه] (¬1)؛ فهل يسقط عنه طواف الوداع أم لا؟ على روايتين، ونص في رواية [ابن] (¬2) القاسم على سقوطه. - (ومنها): إذا أدرك الإمام راكعًا، فكبر للإِحرام؛ فهل تسقط عنه تكبيرة الركوع؟ على روايتين (¬3) أيضًا، والمنصوص عنه الإِجزاء. وهل يشترط أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح أم لا؟ على روايتين، نقلهما عنه [ابن] (¬4) منصور: ¬

_ (¬1) هكذا في نسخة (ب)، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "فطاف". (¬2) في نسخة (ب): "أبي". (¬3) هكذا "روايتين" في (ب)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "رايتين"، ولعله خطأ مطبعي. والصحيح من قولي العلماء -في هذه المسألة-: أنها تجزئه إن خاف فوْت الركعة. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/ 217 - 218): "وصرح جماعة من العلماء الأقدمين؛ كالزهري وسعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك، بأن التكبيرة الواحدة في مثل هذه الحالة تجزئ" اهـ. قلت: ويشترط أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمًا، فإن أتى بها أو ببعضها في غير حال القيام؛ لم تجزئه لأنه أتى بها في غير محلها، هذا بلا خلاف في الفرض، أما النفل؛ ففيها خلاف. وانظر: "المغني" (1/ 544 - مع "الشرح الكبير")، و"المجموع" (3/ 296) للنووي، و"الذخيرة" للقرافي (2/ 169 - ط دار الغرب)، و"الموافقات" للشاطبي (5/ 106 - 107 - بتحقيقي)، وكتابنا "القول المبين في أخطاء المصلين" (ص 256 - 257). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

إحداهما: لا يشترط، بل يكفيه أن يكبر بنية الصلاة؛ وإن لم يستحضر بقلبه أنها تكبيرة الإحرام، كما لو أدرك الإمام في القيام. والثانية: لا بد أن ينوي بها الافتتاح؛ لأنه قد اجتمع ها هنا تكبيرتان، فوقع الاشتراك؛ فاحتاجت تكبيرة الإحرام إلى نية تميزها، بخلاف حال القيام؛ فإنه لم يقع فيه اشتراك. - (ومنها): إذا اجتمع في يومٍ [جمعةٌ وعيدٌ] (¬1)؛ فأيهما قدم أولًا في الفعل؛ سقط به الثاني، ولم يجب حضوره مع الإمام. وفي سقوطه عن الإمام روايتان. وعلى رواية عدم السقوط؛ فيجب أن يحضر معه من تنعقد به تلك الصلاة، ذكره صاحب "التلخيص" وغيره؛ فتصير الجمعة ها هنا فرض كفاية تسقط بحضور أربعين. - (ومنها): إذا اجتمع عقيقة وأضحية؛ فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟ على روايتين منصوصتين، وفي معناه لو اجتمع هدي وأضحية، واختار (¬2) الشيخ تقي الدين (¬3) أنه لا تضحية بمكة، وإنما هو الهدي. - (ومنها): اجتماع الأسباب التي يجب بها الكفارات وتتداخل في ¬

_ (¬1) هكذا في نسختي (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "عيد وجمعة" بتقديم وتأخير. (¬2) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "واختيار". (¬3) انظر: "شرح العمدة" (3/ 405 - 406).

الأيمان والحج والصيام والظهار وغيرها، فإذا (¬1) أخرج كفارة واحدة عن واحد منها معين؛ أجزأه، وسقطت سائر الكفارات؛ وإن كان مبهمًا، فإن كانت من جنس واحد؛ أجزأه أيضًا وجهًا واحدًا عند صاحب "المحرر" (¬2)، وعند صاحب "الترغيب" (¬3) أن فيه وجهين، وإن كانت من جنسين؛ فوجهان في اعتبار نية التعيين. وأما الأحداث الموجبة للطهارة من جنس أو جنسين موجبهما (¬4) واحد؛ فيتداخل موجبهما بالنية أيضًا بغير إشكال، وإن نوى أحدهما؛ فالمشهور أنه يرتفع الجميع، ويتنزل ذلك على التداخل كما قلنا في الكفارات (¬5)، أو على أن الحكم الواحد يعلل بعلل مستقلة، وإذا (¬6) نوى رفع حدث البعض؛ فقد نوى واجبه، وهو واحد لا تعدد فيه. وعن أبي بكر: لا يرتفع إلا ما نواه. قال في "كتاب المقنع" (¬7): إذا ¬

_ (¬1) في (ج): "فإنه إذا". (¬2) انظر: "المحرر في الفقه" (2/ 93 - 94) لمجد الدين أبي البركات. (¬3) أكثر المصنف من النقل منه ولم يُسمِّ مؤلِّفه، وهو لإبراهيم بن محمد بن أحمد ابن الصَّقِّال الطيبي الأزْجي، توفي سنة (599 هـ)، ذكره له في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 441). (¬4) في نسخة (ب): "موجبها"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) التفرقة بين الطهارة والكفارات -مع العلم أن الموجب واحد-؛ لأن الحدث يزول بالوضوء مع اختلاف نواقضه، وأما الكفارات على الأفعال؛ فإن كل فعل مستقل عن الآخر إلا في حال التداخل. (ع). (¬6) في نسخة (ب) و (ج): "فإذا". (¬7) الذي في "المقنع" (1/ 200 - مع شرحه "المبدع"): "وإذا اغتسل ينوي الطهارتين؛ أجزأ عنهما".

أجنبت المرأة ثم حاضت؛ يكون الغسل الواحد لهما جميعًا إذا نوتهما به. ويتنزل هذا على أنه لا يعلل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين، بل إذا اجتمعت أسباب موجبة؛ تعددت الأحكام الواجبة بتعدد أسبابها، ولم تتداخل وإن كانت جنسًا واحدًا. ورجح صاحب "المحرر" (¬1) قول أبي بكر في غسل الجنابة والحيض؛ لأنهما مختلفا الأحكام؛ إذ المنع المرتب على الحيض يزيد على المنع المرتب (¬2) على الجنابة؛ [لأنهما مختلفا الأجناس] (¬3) بخلاف غيرهما؛ فهما كالجنسين، وغيرهما كالجنس الواحد. ومن الأصحاب من قال: إن نوت رفع حدث الحيض؛ ارتفعت الجنابة [لدخول] (¬4) موانعها فيه، ولا عكس. * * * ¬

_ (¬1) قلت: بل الذي في "المحرر" (1/ 21) هو مجرد تفريع على قول أبي بكر، وليس مُرَجِّحًا له. (¬2) في (أ): "المترتب". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، (ب). (¬4) في المطبوع و (ج): "الدخول"، والصواب ما أثبتناه.

19 - القاعدة التاسعة عشرة إمكان الأداء ليس بشرط في استقرار الواجبات بالشرع في الذمة على ظاهر المذهب

(القاعدة التاسعة عشرة) (¬1) إمكان الأداء ليس بشرط في استقرار الواجبات بالشرع في الذمة على ظاهر المذهب. ويندرج تحت ذلك صور: - (منها): الطهارة، فإذا وصل عادم الماء إلى الماء وقد ضاق الوقت؛ فعليه أن يتطهر ويصلي بعد الوقت، ذكره صاحب "المغني" (¬2)، وخالفه صاحب "المحرر" (¬3)، وقال: يصلي بالتيمم (¬4)، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية صالح (¬5). ¬

_ (¬1) هذه القاعدة بتمامها سقطت من (أ)، وأشار إلى ذلك الناسخ بترقيم القاعدة الآتية برقم (20). (¬2) انظر: "المغني" (1/ 150 - 151/ 340). (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 23)؛ حيث قال: "وإذا وصل المسافر إلى ماء وقد ضاق الوقت؛ صلى بالتيمم". (¬4) بعدها في نسخة (ج) زيادة: "في أول وقت الصلاة"، وما أظنها صحيحة المعنى، فضلًا عن أنها غير موجودة في كتاب "المحرر". (¬5) في "مسائل صالح" (2/ 473/ 1190): "قلت: من تيمم ثم وجد الماء يعيد الصلاة؟ قال؛ لا يعيد، قد تيمم ابن عمر في وقت فلم يعد الصلاة" اهـ. قلت: وأثر ابن عمر عند البخاري في "صحيحه" (كتاب التيمم، باب التيمم في =

- (ومنها): الصلاة، فإذا طرأ على المكلف ما يسقط تكليفه بعد الوقت وقبل التمكن من الفعل؛ فعليه القضاء في المشهور، وقال ابن بطة وابن أبي موسى: لا قضاء عليه. - (ومنها): الزكاة، فإذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء؛ فعليه أداء زكاته على المشهور؛ إلا المعشرات (¬1) إذا تلفت بآفة سماوية لكونها لم تدخل تحت يده؛ فهي كالدين التاوي قبل قبضه. وخرج الشيرازي وغيره وجهًا بالسقوط مطلقًا (¬2). ¬

_ = الحضر إذا لم يجد الماء، 1/ 441) معلقًا بصيغة الجزم، ووصله عبد الرزاق في "مصنفه" (1/ رقم 884)، ومالك في "الموطأ" (1/ 56 - رواية يحيى، ورقم 153 - رواية أبي مصعب)، والشافعي في "مسنده" (رقم 20) وفي "الأم" (1/ 45 - 46)، وابن المنذر في "الأوسط" (رقم 531، 532، 555، 558)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 224 و 233) وفي "الخلافيات" (2/ رقم 860 - بتحقيقي)، والدارقطني في "سننه" (1/ 186). وانظر: "مسائل عبد اللَّه" (36/ 138)، و"مسائل ابن هانئ" (1/ 11/ 55)، و "تغليق التعليق" (1/ 184). (¬1) المعشرات هي الحبوب والثمار. (ع). قلت: قال ابن رجب في "الذيل" (1/ 72) في ترجمة عبد الواحد بن محمد الشيرازي: "إنه خرج وجهًا: إنه يعتبر لوجوب الزكاة في جميع الأموال إمكان الأداء، من رواية اعتبار إمكان الأداء لوجوب الحج"، وقال قبله: "وله غرائب كثيرة". (¬2) الصحيح في هذه المسألة ما قاله الشيرازي، وهو سقوط الزكاة بشرط ألا يحصل من المالك تفريط، مثاله: رجل تم الحول على زكاة ماله، وهو صاحب دُكَّانٍ، فما تمكّن من إخراج زكاة ماله عند تمام الحول، وهو عازم على إخراجها غدًا، فسرقت دكانته، فلم يبق عنده شيء؛ فها هنا نقول: إن هذا تسقط عنه الزكاة؛ لأن هذا الرجل لم يفرِّط، والزكاة في ماله أمانة، والأمين إذا لم يفرط؛ فلا ضمان عليه، أما إذا فرط بأن وجبت الزكاةُ وتمكن =

- (ومنها): الصيام، فإذا بلغ الصبي مفطرًا في أثناء يوم من رمضان، أو أسلم فيه كافر، أو طهرت حائض؛ لزمهم القضاء (¬1) في أصح الروايتين (¬2). - (ومنها): الحج؛ فلا يشترط [لثبوت وجوبه] (¬3) في الذمة التمكن من الأداء على أظهر الروايتين، وإنما يشترط للزوم أدائه بنفسه (¬4). ¬

_ = من أدائها، لكنه ماطل وتأخّر؛ ففي هذه الحال لا تسقط عنه الزكاة؛ فينظر في تأخيره؛ هل كان بتفريط أو بدونه. (ع). (¬1) في نسخة (ج): "على". (¬2) الصحيح أن الصبي والكافر لا يلزمهما القضاء، ويلزمهما الإمساك؛ لأنهما صارا من أهل الوجوب، ولا يلزمهما القضاء؛ لأن شرط الوجوب تأخر، والقضاء يلزمهم إذا كان يلزمهم الصيام من أول النهار، وهؤلاء لم يلزمهم الصِّيام من أول النهار، وأما المرأة إذا طهرت من الحيض؛ فالصحح أنه يلزمهم القضاء وليس عليها الإمساك، والفرق بينهما أنَّ مسألة الصبي والكافر تأخر وجود سبب الوجوب في حقهما، وأما الطهارة من الحيض؛ فهو زوال مانع الوجوب، والمسافر إذا قدم مضطرًا؛ فالصحيح أنه لا يلزمه الإمساك، وعلى هذا، فإذا قدم المسافر ووجد زوجته قد طهرت من الحيض؛ فيجوز له أن يجامعها على أحد القولين. اهـ. (ع). (¬3) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "لثبوته". (¬4) الحج لا يشترط لثبوته في الذمة التمكن من الأداء، ما دام الرجل قد استطاع وعنده مال؛ فإنه لا يشترط أن يتمكن من الأداء، لكن هذا شرط يشترط للزوم أداءه بنفسه، مثاله: رجل عنده مال، لكنه مريض مرضًا لا يُرْجى بُرْءُهُ، ولا يستطيع معه أن يحج بنفسه؛ فهذا الرجل التمكن من الأداء في حقه غير ممكن، لكن مع ذلك نقول: هذا شرط للزوم أداءه بنفسه؛ فلا يلزم أن يؤديه بنفسه، ولكن يلزم أن يؤديه بنائبه؛ فيقيم من يحج عنه، ومثل ذلك على رأي بعض الفقهاء المحرم للمرأة؛ هل هو شرط للوجوب، أم هو شرطٌ للزوم الأداء بنفسها؟ =

وأما قضاء العبادات؛ فاعتبر الأصحاب له إمكان الأداء، فقالوا فيمن أخر قضاء رمضان لعذر ثم مات قبل زواله: إنه لا يُطْعم عنه، وإن مات بعد زواله والتمكن من القضاء؛ أطعم عنه (¬1). وأما [قضاء] (¬2) المنذورات؛ ففي اشتراط [التمكن] (¬3) من الأداء وجهان، فلو نذر صيامًا أو حجًّا، ثم مات قبل التمكن منه؛ فهل يقضي عنه؟ ¬

_ = فالمشهور من المذهب أنه شرط للوجوب، وقال بعض العلماء من بعض الأصحاب: إنه شرط للزوم الأداء، وبناءً على ذلك إذا كانت امرأة غنية لكن ليس لها محرم يسافر معها؛ فالمذهب أنه لا يلزمها، وإذا ماتت لا يحج عنها من تركتها؛ لأنّ وجود المحرم شرط للوجوب لا للزوم الأداء بنفسها، والقول الثاني في المسألة أن وجود المحرم شرط للزوم الأداء بنفسها، وبناءً عليه إذا لم تجد محرمًا وأيست منه؛ فإنها تنيب من يحج عنها، والظاهر أنه شرط للوجوب؛ لأن من لا تستطيع شرعًا كالتي لا تستطيع حسًّا، والأحسن أن تحتاط وتوصي أن يحج عنها بعد موتها. (ع). (¬1) رجل أخّر قضاء رمضان لعذر ثم مات؛ فإنه لا يطعم عنه ولا يصام عنه من باب أولى، وآخر أخَّره لغير عذر ثم مات؛ فإنه يطعم عنه على المذهب، أو يصام عنه على القول الصحيح، مثال ذلك: إنسان مسافر في رمضان، والمسافر يجوز له الفطر، أفطر الرجل، وفي يوم العيد مرض الرجل، ودام به المرض حتى مات، فلا يطعم عنه، ولا يصام عنه؛ لأنه أخّر الصوم لعذر. رجل آخر سافر في نهار رمضان، ورجع من سفره، وبقي معافًا إلى خامس ذي القعدة، ثم مرض ومات؛ فإنه يصام عنه على القول الصحيح، أو يطعم عنه على المذهب؛ لأنه أخّر القضاء لغير عذر؛ إذ بقي معافًى مدة يتمكن منها من قضاء الصوم؛ فلم يفعل. (ع). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

على الوجهين. وعلى القول بالقضاء؛ فهل يقضي الصيام الفائت بالمرض خاصة أو الفائت بالمرض والموت؟ أيضًا على وجهين (¬1). * * * ¬

_ (¬1) والصواب اشتراط التمكن من الأداء، فلو نذر أن يحج هذا العام، ومات قبله؛ فالصحيح أنه لا يقضي عنه؛ لأن اللَّه عز وجل يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ومن تقوى اللَّه عز وجل قضاء النذر؛ لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بالوفاء بالنذر، فإن كان من التقوى ولم يستطعه، فالصواب أنه لا شيء عليه. (ع).

20 - القاعدة العشرون النماء المتولد من العين حكمه حكم الجزء، والمتولد من الكسب بخلافه على الصحيح

(القاعدة العشرون) النِّماءُ المتولِّد من العين حكمه حكم الجزء، والمتولد من الكسب بخلافه على الصحيح. ويظهر أثر ذلك في مسائل (¬1): - (منها): لو كان عنده دون نصاب، فكمل نصابًا بنتاجه؛ فهل يحسب (¬2) حوله من حين كمل كما لو كان النتاج من غيره، أو من حين ملك الأمهات؛ لأن النتاج جزء من الأمهات، فهو موجود فيها بالقوة من أول الحول؟ في المسألة روايتان (¬3)، ولو كان له مئة وخمسون درهمًا، فاتجر بها ¬

_ (¬1) مثل الولد من البهيمة، أي: المتولد منها، والمتولد من الكسب مثل أجرة العبد وأجرة الدابة وما أشبه ذلك، هذا من النماء، ولكنه متولد من الكسب. (ع). (¬2) في نسخة (أ): "يحتسب". (¬3) عنده ثلاثون شاة، وبقيت على هذا العدد مدة عشرة شهور، ثم ولد منها عشرة أطفال؛ فأصبحت أربعين؛ فهل يحسب الحول من حين كمالها، أو حولها من حين ملك الأمهات؟ يقول المصنف: في المسألة روايتان عن أحمد، والصحيح أنّ ابتداء الحول من حين بلغت النصاب إلا أن تكون دخلت ملكه وهي حوامل؛ فكأنها في حكم الموجود، وإما أن تكون حوائل ثم حملت بعد؛ فالصحيح أنه لا يعتبر. (ع).

حتى صارت مئتين؛ فحولها من حين [كملت] (¬1) بغير خلاف؛ لأن الكسب [متولد] (¬2) من خارج، وهو رغبات الناس، لا من نفس العين (¬3). - (ومنها): لو عجل الزكاة عن نماء النصاب قبل وجوده؛ فهل يجزئه؟ فيه ثلاثة أوجه، ثالثها: يفرق بين أن يكون النماء نصابًا؛ فلا [يجزئ] (¬4)؛ لاستقلاله بنفسه في الوجوب، وبين أن يكون دون نصاب [يجزئ] (¬5) لتبعيته للنصاب في الوجوب. ويتخرج [فيه] (¬6) وجه رابع [بالفرق] (¬7) بين أن يكون النماء نتاج ماشية أو ربح تجارة؛ فيجوز في الأول دون الثاني من المسألة التي قبلها. - (ومنها): لو اشترى شيئًا فاستغله ونما عنده، ثم رده بعيب، فإن كان نماؤه كسبًا؛ لم يرده معه. قال كثير من الأصحاب بغير خلاف. وإن كان متولدًا من عينه؛ ¬

_ (¬1) كذا في نسخة (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "كمل". (¬2) كذا في نسخة (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "يتولد". (¬3) أي: إنّ كسبَ الدَّراهم ليس متولدًا من العين، وإنما هو من دراهم أخرى، وبسببها رغبات الناس في السلع، أو بسبب قلبة السلع؛ فتزيد القيمة وما أشبه ذلك. (ع). (¬4) هكذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "يجوز". وفي (أ) من قوله: "فلا بجزئ. . . " إلى قوله: "دون نصاب؛ يجزئ" مضروب عليه. (¬5) كذا في (أ)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "فيجوز". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) في نسخة (ج): "في الفرق".

كالولد واللبن والصوف الحادث [وثمر] (¬1) الشجر؛ فهل يرده معه؟ فيه روايتان معروفتان (¬2). - (ومنها): لو قارض المريض في مرض الموت، وسمى للعامل أكثر من تسمية مثله صح، ولم يحتسب من الثلث، ولو ساقى وسمى للعامل أكثر من تسمية المثل؛ فوجهان أشهرهما أنه يعتبر [الزيادة على تسمية المثل] (¬3) من الثلث؛ لحدوث الثمر من عين ملكه. - (ومنها): لو فسخ [المالك] (¬4) المضاربة قبل ظهور الربح؛ لم يستحق المضارب شيئًا، ولو فسخ المساقاة قبل ظهور الثمرة؛ استحق العامل أجرة المثل؛ لأن الربح لا يتولد من المال بنفسه، وإنما يتولد من ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "ثمرة". (¬2) النماء المنفصل للمشتري والنماء المتصل فيه خلاف، والصحيح أنه له أيضًا. المذهب أنَّ المتصل يتبع العين، فإذا انفسخ البيع؛ كان مع العين، والصحيح كلاهما للمشتري، وإذا كان النماء كسبًا؛ لم يرده، مثل أن يشتري عبدًا ويبقى عنده أيامًا وهذا العبد يكتسب، ثم رده لسبب من الأسباب؛ فالكسب للمشتري وإن كان متولدًا من عينه؛ كالولد والصوف وثمر الشجر واللبن يرده على روايتين، والصحيح أنه للمشتري. (ع). قلت: ذكر ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 73) عن الشيرازي: أنه قال: "إذا اشترى شيئًا، فبان معيبًا ونما عنده نماءً متصلًا ثم رده؛ أخذ قيمة الزيادة من البائع". قال ابن رجب: "وقد وافقه على ذلك ابن عقيل في كتاب الصداق من فصوله". وفي نسخة (ب): "على روايتين معروفتين". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬4) هكذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي المطبوع: "العامل".

العمل، ولم يحصل بعمله ربح، والثمر متولد من عين الشجر، وقد عمل على الشجر عملًا مؤثرًا في الثمر؛ فكان لعمله تأثير في حصول الثمر وظهوره بعد الفسخ (¬1). - (ومنها): أن المشاركة بين اثنين بمال أحدهما وعمل الآخر إن [كانت] (¬2) المشاركة فيما ينمو من العمل كالربح؛ جاز؛ كالمضاربة، وكمن دفع دابته أو عبده إلى من يعمل عليه بشيء (¬3) من كسبه، فإنه يجوز على الأصح، وإن كانت المشاركة فيما يحدث [من] (¬4) عين المال؛ كدر الحيوان ونسله؛ ففيه روايتان. وكثير من الأصحاب [اختار] (¬5) فيه المنع؛ لأن العامل [لا] (¬6) يثبت حقه في أصل عين المال، والمتولد من العين حكمه حكمها، ولكن هذا ممنوع عند من أجاز الاستئجار على حصاد الزرع بجزء منه أو على نسج الثوب ببعضه (¬7)، وذلك منصوص عن أحمد أيضًا. ¬

_ (¬1) لو فسخ العامل أو المالك المضاربة قبل ظهور الربح؛ لم يستحق المضارَب شيئًا، وأما في المساقاة، فله أجرة العمل إذا ظهر الثمر، وإن فسخ قبل ظهور الثمرة، فإن كان الفاسخ المالك؛ فللعامل أجرة المثل لأنه عمل، ولعمله هذا تأثير على الشجرة، وبالتالي على الثمرة، وإن كان العامل؛ فلا شيء له. (ع). (¬2) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "كان". (¬3) في (أ): "بجزء". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) هكذا في نسخة (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "يختار". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) أعطيت لهذا الرجل الدابة وقيل له: اعمل عليها ولك نصف الكسب؛ فهذا =

واستثنى ذلك أبو الخطاب في "انتصاره" (¬1) ثمر الشجر، فإذا عمل الشريكان في شجر (¬2) بينهما نصفين، [واشترطا] (¬3) التفاضل في ثمره (¬4)؛ جاز عنده،، وفرق بين الثمر وغيره مما يتولد من عين المال: بأن للعمل تأثيرًا في حصول الثمر بخلاف غيره، ولهذا المعنى جازت المساقاة. فأما الإجارة المحضة، [فتجوز] (¬5) فيما ينتفع باستغلاله وإجارته من العقار وغيره، ولا يجوز فيما ينتفع بأعيانه؛ إلا فيما استثني من ذلك للحاجة؛ كالظئر ونحوها. وعند [الشيخ] (¬6) تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬7): أن الأعيان التي ¬

_ = جائز لأنه يشبه المضاربة؛ فهذا أعطيته مالي يعمل به وله جزء من كسبه، وكذلك السيارة، وإن كانت المشاركة فيما يحدث من عين، كدر الحيوان ونسله، مثاله رجل قال لآخر: خذ هذه الشياه الثلاثة نمها ولك نصف نمائها؛ ففيه روايتان؛ لأن الجزء المسمى للعامل من عين المال، وكذلك لو قلت: خذ هذه الشاة قم بمصالحها ولك نصف ما يحصل من لبنها، فيه روايتان، والصحيح الجواز، وكذلك أن يقال: احصد هذا الزرع ولك الثلث، وكذلك انسج الثوب ولك بعضه. (ع). (¬1) لم يطبع منه إلا ثلاثة مجلدات في مسائل الطهارة والصلاة والزكاة فقط. (¬2) في نسخة (أ): "شيء"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ): "وشرط"، وفي المطبوع و (ب): "وشرطًا". (¬4) في نسخة (أ): "ثمنه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) هكذا في نسخة (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "فيجوز". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). =

تستخلف شيئًا فشيئًا حكمه حكم المنافع؛ فيجوز استيفاؤها بعقد الإجارة كما [تستوفى بالوقف] (¬1) والوصية (¬2). * * * ¬

_ = وانظر: "القواعد النورانية" (ص 149) لشيخ الإسلام ابن تيمية. (¬1) كذا في نسخة (ج)، وفي المطبوع و (ب): "يستوفى بالوقف"، وفي (أ): "يستوفى الوقف". (¬2) الإجارة عقد على منفعة، ولا يجوز أن تكون على الأعيان إلا ما استثني للحاجة؛ كالظئر (أي كالمرأة المرضعة)؛ فإنه يجوز أن تستأجر امرأة ترضع ولدك مع أن المعقود عليه لبن المرأة، واللبن عين والإجارة لا تكون على الأعيان؛ فقالوا: هذا مستثنى للضرورة؛ لأن جواز استئجار المرأة للبّن منصوص عليه في القرآن بقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]، لكن ماذا قال بعض العلماء في الجواب على ذلك؟ قالوا: إن عقد الإجارة في الظئر ليس على اللبن، وإنما هو على نقل الطفل ووضعه على اليد وإلقامه الثدي ونحو ذلك، وهذه منافع، ولكن يقال في رد ذلك: أنه لو كان صحيحًا لأجزأ أن يؤتى بامرأة ليس فيها لبن، وهذا غير مراد، بل العقد قام على اللبن، ومبنى كلامهم هذا أنهم اعتقدوا قبل أن يستدلوا، فلما اعتقدوا أن الإجارة لا تكون الا على المنافع في جميع الصور؛ قالوا ما قالوا في هذه الصورة. وقد رد شيخ الإسلام على هؤلاء بأن الأعيان التي تحدث شيئًا فشيئًا، كالمنافع واللبن يحدث شيئًا فشيئًا فيكون كالمنفعة؛ فيجوز عقد الإجارة عليه، مثل ما تستوفي هذه المنافع في الوقف والوصية مع أنك في الوقف لا تملك عين الوقف، وإنما تملك الاستغلال، والوقف قد يكون ثمرًا يؤكل، ولكنه لما كان يحدث شيئًا فشيئًا صار كالمنفعة، وبناءً على ذلك قال شيخ الإسلام: "يجوز للإنسان أن يستأجر دابة لمدة أسبوع للبنها مثلًا"، والمذهب يمنع ذلك. (ع).

21 - القاعدة الحادية والعشرون وقد يختص الولد من بين سائر النماء المتولد من العين بأحكام

(القاعدة الحادية والعشرون) وقد يختص الولد من بين سائر النماء المتولد من العين بأحكام. ويعبر عن ذلك بأن: الولد هل هو كالجزء أو كالكسب؟ والأظهر أنه [كالجزء] (¬1). فمن ذلك لو ولدت الأمة الموقوفة ولدًا؛ فهل يكون ملكًا للموقوف عليه كثمر الشجرة، أو يكون وقفًا معها؟ على وجهين، أشهرهما: أنه وقف معها؛ لأنه جزء منها، ولهذا يصح [وقفه ابتداءً] (¬2)، بخلاف الثمرة (¬3). - (ومنها): لو ولدت الموصى بمنافعها، فإن قلنا: الولد كسب؛ فكله لصاحب المنفعة، وإن قلنا: هو جزء، ففيه وجهان: أحدهما: أنه بمنزلتها. والثاني: أنه للورثة؛ لأن الأجزاء لهم دون المنافع. ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) والمطبوع: "جزء". (¬2) في نسخة (أ): "الوقف عليه". (¬3) مثاله أن يوقف الأمة على خدمة المسجد، ووقفها لا يمنع زواجها. (ع).

- (ومنها): هل يتبع الولد أُمَّهُ في الكتابة الفاسدة كالصحيحة؟ فإن قلنا: هو جزء منها؛ تبعها، وإن قلنا: هو كسب؛ ففيه وجهان بناء على سلامة الاكتساب في الكتابة الفاسدة (¬1). * * * ¬

_ (¬1) القاعدة الحادية والعشرون كلها في شيء غير موجود في واقعنا، والكتابة هي شراء العبد نفسه من سيده، والفاسدة ما اختل شرط من شروطها، والصحيحة ما تمت شروطها. (ع).

22 - القاعدة الثانية والعشرون العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر أثرها؛ فهل هي كالمعدومة حكما أو لا؟

(القاعدة الثانية والعشرون) (¬1) العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر أثرها؛ فهل هي كالمعدومة حكمًا أو لا؟ فيه خلاف، وينبني عليه مسائل (¬2): - (منها): الماء الذي استهلكت فيه النجاسة، فإن كان كثيرًا؛ سقط حكمها بغير خلاف، وإن كان يسيرًا؛ فروايتان. ثم [إن] (¬3) من الأصحاب من يقول: إنما سقط حكمها، وإلا؛ فهي موجودة، ومنهم من يقول: بل الماء أحالها؛ لأن له قوة الإحالة، فلم يبق لها وجود، بل الموجود غيرها؛ فهو (¬4) عين طاهرة، وهي طريقة أبي الخطاب (¬5). ¬

_ (¬1) في (أ): "قاعدة" بدون ترقيم. (¬2) وهذه القاعدة من أهم القواعد، وأيضًا تتعلق بمسائل كثيرة موجودة في العصر الحديث. (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬4) في نسخة (ج): "وهو"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) الصحيح أنه إذا لم يظهر أثر النجاسة، فهو طهور، فلو سقطت نقطة نجسة في قدر من الماء، ولم يظهر لها لون ولا أثر ولا طعم ولا ريح؛ فهو طهور، لكن هل نقول: إنها ذهبت واضمحلت وقضى عليها الماء، أو هي موجودة ولكن سقط حكمها؟ والخلاف أشبه =

- (ومنها): اللبن المشوب بالماء المنغمر فيه؛ هل يثبت به تحريم الرضاع؟ فيه وجهان: أحدهما -وهو المحكي عن القاضي-: أنه يثبت. والثاني: لا، واختاره صاحب "المغني" (¬1). وعلى الأول؛ فإنما يحرم إذا شرب الماء كله؛ ولو في دفعات، ويكون رضعة واحدة، ذكره القاضي في "خلافه" (¬2). - (ومنها): لو خلط خمرًا بماء، واستهلك فيه ثم شربه؛ لم يحد، هذا هو المشهور، وسواء قيل بنجاسة الماء أو لا. وفي "التنبيه" (¬3) لأبي بكر عبدالعزيز: مَنْ لتَّ بالخمر سويقًا أو ¬

_ = ما يكون باللفظي. (ع). قلت: انظر كلام أبي الخطاب في "الانتصار" (1/ 133، 134)، و"شرح العمدة" (1/ 33) لابن تيمية. (¬1) قال في "المغني" (8/ 140/ 6417): "ولنا: أن هذه ليس برضاع، ولا في معناه؛ فوجب أن لا يثبت حكمه فيه". (¬2) امرأة حلبت من لبنها في إناءٍ، وصببنا عليه ماءً، فقضى الماء على اللبن، وصار ما يوجد له أثر، ثم شربه الطفل؛ هل يثبت به تحريم الرضاع؟ فيه وجهان، والصحيح أنه لا يثبت لزوال الأثر، والذين قالوا بثبوت الرضاع قالوا: لا بد من شُرب جميع الماء حتى نتيقن أن هذا الجزء المحلوب قد شربه الطفل، ويكون رضعةً واحدةً. (ع). (¬3) صاحبه عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد، أبو بكر البغدادي، وعُرِفَ بـ"غلام الخلَّال" لكثرة ملازمته له، وله اختيارات خالف فيها شيخه الخلال، (ت 363)، =

صبها في لبن أو ماءٍ جارٍ ثم شربها؛ فعليه الحد. ولم يفرق بين أن يستهلك أو لا يستهلك (¬1). ¬

_ = ذكره له ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (2/ 120) والسُّبيعي في "الدر المنضد" (رقم 8). وانظر: "السير" (16/ 143)، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (135، 415) (¬1) والصواب الأول، أنه إذا استهلك ولم يظهر له أثر؛ فإنه لا عبرة به، ولا يحد حتى لو شرب كل الماء الذي خلط فيه الخمر، وبناءً على ذلك تكون هذه المواد التي يكون فيها شيء من الخمر طاهرة ما دام أثر الخمر لم يظهر عليها، فلو فرضنا أن هذا الطيب فيه مادة من الكحول تساوي (2 %)؛ فإن (2 %) لا تؤثر، فلا يكون حرامًا، وأما النجاسة، فقد سبق لنا أن الصحيح طهارة الخمر، وأن نجاسته نجاسة معنوية، ولا يحدّ، لأنه لم يشرب الخمر، وإنما شرب شيئًا استهلك فيه خمر، وذهب أثره، فإنْ قلت: أليس قد ثبت في الحديث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ ما أسكر كثيره؛ فقليله حرام"؟ فالجواب: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقل ما خلط فيه قليل من الخمر فهو حرام، بل قال: "ما أسكر كثيره؛ فقليله حرام"، بمعنى: لو كان هذا الشراب إذا شربت منه كثيرًا سكرت، وإن شربت قليلًا لم تسكر؛ فهو حرام لأنه وإن كنت لا تسكر من القيل، لكن ربما تنجر حتى تشرب الكثير ويحصل السكر. (ع). قلت: في نسخة (ج): "تستهلك أولًا". وحديث "ما أسكر كثيره. . . ." أخرجه أبو داود في "السنن" (كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر، 3/ 327/ رقم 3681)، والترمذي في "الجامع" (أبواب الأشربة، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، 4/ 292/ رقم 1865)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الأشربة، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، 2/ 1125/ رقم 3393). وأحمد في "المسند" (3/ 343) و"الأشربة" (148)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 860)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 217)، والبيهقي في "الكبرى" (8/ 296)، والبغوي في "شرح السنة" (11/ 350 - 351)؛ من طريق داود بن بكر بن أبي الفرات، عن محمد ين المنكدر، عن جابر، به مرفوعًا. =

- (ومنها): لو خلط (¬1) زيته بزيت غيره على وجه لا يتميز؛ فهل هو استهلاك بحيث يجب لصاحبه عوضه من أي موضع كان، أو هو اشراك؟ في المسألة روايتان: المنصوص في رواية عبد اللَّه (¬2) وأبي الحارث أنه اشتراك، واختاره ابن حامد والقاضي في "خلافه"، واختار في "المجرد" أنه استهلاك (¬3). ¬

_ = وإسناده حسن من أجل داود، وقد تابعه موسى بن عقبة وهو ثقة، أخرجه من طريقه ابن حبان في "الصحيح" (12/ 202/ رقم 5382 - "الإحسان"). وسلمة بن صالح -وهو ضعيف- أخرجه من طريقه ابن عدي في "الكامل" (3/ 1177). والحديت صحيح بمجموع طريقيه، واللَّه الموفق. قال الترمذي: "وفي الباب عن سعد وعائشة وعبد اللَّه بن عُمر وابن عَمرو وخوَّات بن جبير"، وقال عن حديث جابر: "هذا حديث حسن غريب من حديث جابر". وانظر: "نصب الراية" (4/ 301 - 305). (¬1) في نسخة (ج): "اختلط". (¬2) قال عبد اللَّه في "مسائله" لأبيه (ص 309/ رقم 1149): "سألت أبي عن دقيق لقوم اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير دقيق، جميعًا طحنا فاختلطا، قال: هذا لا يقدر أن يميز؟ فقال أبي: إن كان يعرف قيمة دقيق الشعير من دقيق الحنطة مع هذا، أو أعطى كل واحد منهما قيمة ماله؛ إلا أن يصطلحوا بينهم على شيء ويتحالَّوا. قلت لأبي: فإن قال هذا: أريد حنطتي، وقال [الأخرُ]: أريد شعيري؟ قال: يباع إن عرف قيمتها. قلت لأبي: فإن لم يعرف؟ قال: لا بد لهم أن يصطلحوا على شيء ويتحالَّوا" اهـ. (¬3) إذا قلنا: إنه استهلاك؛ تعطيه بدل زيته من مكان آخر، وإذا قلنا: إنه اشتراك؛ فمعناه أنَّ له نصيه من الزيت نفسه، فمثلًا: عندي صاع من الزيت، وعندك صاع من الزيت، اختلط صاعي بصاعك، إن قلنا بأنَّه استهلاك؛ يعطيك صاعًا من زيت آخر، وإن =

وأما إن كان المختلط غصبًا؛ فقال في رواية أبي طالب: هذا قد اختلط أوله وآخره، أعجب إليَّ أن يتنزه عنه كله يتصدق به، وأنكر قول من قال: يخرج منه قدر ما خالطه. واختار ابن عقيل في "فنونه" التحريم؛ لامتزاج الحلال بالحرام، واستحالة انفراد أحدهما عن الأخر. وعلى هذا؛ فليس له إخراج قدر الحرام منه بدون إذن المغصوب منه؛ لأنها قسمة؛ فلا يجوز بدون رضا الشريكين. لكن لأصحابنا وجه في المكيل والموزون المشترك: أن لأحد الشريكين الانفراد بالقسمة دون الآخر، وهو اختيار أبي الخطاب، ونص عليه أحمد في "الدراهم"، ومنعه القاضي؛ لكنه قال في "خلافه" (¬1): إن كان الحق في القدر المختلط لآدمي معين؛ لم تجز القسمة بدون إذنه، وإن كان لغير معين كالذي انقطع خبر مالكه ووجب التصدق به؛ فللمالك الاستبداد بالقسمة؛ لأن له ولاية التصرف فيه بالصدقة، وهذا [كله] (2) بناءً على أنه اشتراك، وعن أحمد [رحمه اللَّه] (¬2) رواية أخرى: أنه استهلاك. قال في رواية المرُوْذِي: يخرج العوض منه، وهذا يحتمل أنه أراد [أن] (¬3) يخرج بدله عوضًا منه. ¬

_ = قلنا اشتراك؛ فيعطيك من هذا الزيت، ولا يملك أن يعطيك من زيت آخر إلا برضاك، واللَّه أعلم. (ع). (¬1) في نسخة (ب): "في "خلافة" قال" بتقديم وتأخير. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).

وكذا ساقه المروذي في كتاب "الورع" (¬1) له: أن أحمد قال: يعطي العوض، ولم يقل: منه، وإن كان أراد أنه يخرج العوض من نفس المخْتَلِط؛ فهو بناءً على أنه شركة، وأن له الاستبداد بقسمة (¬2) ذلك (¬3). - (ومنها): لو وصى له برطل من زيت معين، ثم خلطه بزيت آخر، فإن قلنا: هو اشتراك؛ لم تبطل الوصية، وإن قلنا: هو استهلاك؛ بطلت (¬4). - (ومنها): لو حلف لا يأكل شيئًا، فاستهلك في غيره ثم أكله؟ قال الأصحاب (¬5): لا يحنث، ولم يخرجوا فيه خلافًا؛ لأن مبنى ¬

_ (¬1) انظر منه (ص 84/ رقم 373). (¬2) في نسخة (ب): "بقسم". (¬3) إذا كان غصبًا؛ ففيه هنا الخلاف؛ فالإمام أحمد يرى أن الورع أن يتجنَّبه لأنه اختلط بالحرام، ولا يمكن التمييز؛ فالأولى أن يتصدَّق به، وابن عقيل حرَّمه، والقول الثاني إنه استهلاك، وإذا جعلناهُ استهلاكًا؛ فإنَّ لصاحب المال الذي اختلط ماله بالمغصوب أن يخرج بدل المغصوب من محل آخر ما دام قد استهلك؛ لأنه لم تبق عينُه حين ذلك، وهذا الذي اختلط يبقى ملكًا لصاجه. (ع). (¬4) لأن الوصية تبطل إذا تلف الموصى به؛ فقولنا: "استهلاك" معناه: أنَّه تلف، فتبطل الوصية، وإن قلنا: إنَّه "اشتراك"؛ فيبقى، فلا تبطل الوصية، والأقرب واللَّه أعلم أنَّه اشتراك في جميع الصور؛ فإنّ صاعي لما اختلط بصاع الأخر أصبحا صاعين، ولو استهلك لم يكن إلا صاعًا واحدًا. (ع). (¬5) لو كان عنده حلاوة، وسقطت في الماء وذابت، ولم يظهر طعمُها في الماء؛ فهل يكون حانثًا؟ الجواب: لا؛ لأن الحلاوة قد استهلكلت في هذا الشيء، ولو خلط لحم إبل في =

[الأيمان] (¬1) على العرف، ولم يقصد الامتناع من مثل ذلك. وقد يخرج فيه وجه بالحنث، وقد أشار إليه أبو الخطاب كما سنذكره، وهذا كله في المائعات والأدقة (¬2) ونحوها مما يختلط بعض أجزائه ببعض. فأما الحبوب والدراهم ونحوها؛ فمن الأصحاب من قال: حكمها حكم المائعات فيما سبق، وفرعوا على ذلك مسائل: - (منها): لو اشترى ثمرة، فلم يقبضها حتى اختلطت بغيرها، ولم تتميز؛ فهل ينفسخ البيع؟ على وجهين، اختار القاضي في "خلافه" الانفساخ، وفي "المجرد" عدمه. - (ومنها): لو حلف لا يأكل حنطة، فأكل شعيرًا فيه حبات حنطة؟ ففي حنثه وجهان ذكرهما أبو الخطاب، وغلطه صاحب "الترغيب" وقال: يحنث بلا خلاف؛ لأن الحب متميز لم يستهلك، بخلاف ما لو طحنت الحنطة بما فيها فاستهلكت؛ فإنه لا يحنث. - (ومنها): لو اختلطت دراهمه (¬3) بدراهم مغصوبة؛ فالمنصوص ¬

_ = جريش، ثم أكل الجريش؛ فهل ينتقض وضوءه؟ الأظهر أن وضوءه ينتقض؛ لأكله اللحم يقينًا. (ع). (¬1) الزيادة من نسخ (أ) و (ب) و (ج)، وسقط من المطبوع، وفيه: "لأنه مبني على". (¬2) يريد به المدقوقات. (¬3) في نسخة (أ): "دراهم".

عن أحمد في رواية المروذي: إن كانت الدراهم قليلة؛ كثلاثة فيها درهم حرام؛ وجب التوقف عنها حتى يعلم، وإن كانت كثيرة؛ كثلاثين فيها درهم حرام؛ فإنه يخرج منها درهمًا [واحدًا] (¬1)، ويتصرف في الباقي. وله نصوص كثيرة في هذا المعنى، وعلل بأن الكثير يجحف بماله إخراجه، وأنكر على من قال: [يخرج قدر الحرام] (¬2) من القليل؛ كالثلاثة إنكارًا شديدًا. وأما القاضي؛ فتأول كلامه على الاستحباب؛ لأنه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام، وشق التورع عن الجميع بخلاف القليل، قال: والواجب في الجميع إخراج قدر الحرام. وكذلك ذكر ابن عقيل في "فصوله"، وخالف في "الفنون" وقال: يحرم الجميع (¬3). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬2) هكذا في النسخ المخطوطة الثلاث، وفي المطبوع: "يخرج هذا قدر الحرم"، وهو خطأ. (¬3) الصواب أنه يخرج قدر الحرام، سواءً: أكان كثيرًا أم قليلًا؛ لأنه {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]؛ فكيف يجب عبه أن يتصدق بما له، وهو يستطيع أن يخرج قدر الحرام منه، فإذا اختلط درهم مغصوب بثلاثة دراهم، إذا قلنا: إن الدرهم لا تتعين؛ فالواجب إخراج واحدًا منها، ولكن إذا أخرجت واحدًا يحتمل أنه ليس هو، يحتمل أنه الثاني، وإن أخرجت الثالث يحتمل أنه الرابع، وهكذا، ولكن لوأصبحت ألفًا؛ فلا يلزمه إلا في القليل، ويعترض عليه بأنه رب شخص عنده ألف درهم، وهي بالنسبة لماله ليست شيئًا، ورب شخص عنده أربعة دراهم، وهي بالنسبة له كل ماله؛ فالصواب في هذه المسألة أنه لا يجب عليه إلا إخراج مقدار الحرام فقط. (ع).

- (ومنها): لو خلط الوديعة -وهي دراهم- بماله، ولم تتميز؛ فالمشهور الضمان؛ لعدوانه حيث فوت تحصيلها (¬1). وعنه رواية أخرى: لا ضمان عليه؛ لأن النقود لا يتعلق الغرض بأعيانها، بل بمقدارها، وربما كان خلطها مع ماله أحفظ لها، وعلى هذه الرواية؛ فإذا تلف بعض المختلط بغير عدوان جعل التالف كله من ماله، وجعل الباقي من الوديعة، نص عليه؛ لأن هذه [الأمانةَ الأصلُ] (¬2) بقاؤها ووجوب تسليمها، ولم يتيقن زوال ذلك، ولهذا قلنا: لو مات وعنده وديعة وجُهِلَ بقاؤها أنها تكون دينًا على التركة. وتأول القاضي وابن عقيل كلام أحمد [رحمه اللَّه] (¬3) في الضمان هنا على أن الخلط كان عدوانًا، وهذا يدل على أنه لا ضمان عندهما إلا مع التعدي، [ولو] (¬4) اختلطت الوديعة بغير فعله، ثم ضاع البعض؛ جعل من مال المُوْدَع في ظاهر كلام أحمد، ذكره أبو البركات [ابن تيمية] (¬5) في "شرح الهداية"، وقد تقدم أن القاضي ذكر في "الخلاف" أنهما يصيران شريكين، قال أبو البركات: ولا يبعد على هذا أن يكون الهالك منهما (¬6). ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ): "تخليصها". (¬2) كذا في نسخة (أ) و (ج)، وفي المطبوع: "الأصل أمانة"، وفي (ب): "أمانة الأصل". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). (¬4) كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، وفي نسخة (ج): "وإن". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬6) هذا هو الأحسن ما لم يكن بتعدٍّ، وتكون بينهما بالنسبة؛ فمثلًا: عندي وديعة ألف درهم، وأملك ألفي درهم، فوضعت الألف مع الألفين، ثم سرق ألف وخمس مئة، =

وذكر القاضي أيضًا في بعضِ "تعاليقه" فيمن معه دينار أمانة لغيره، فسقط منه مع دينار له في رحى، فدارت عليهما حتى نقصا، وكان نقص أحدهما أكثر من نقص الآخر، ولم يدر أيهما له؛ أنه يحتاط فيدفع إلى صاحب الأمانة ما يغلب على ظنه أنه قدر حقه، فإن ادعى أن الثقيل له؛ فالقول قوله في الظاهر؛ لأن يده عليه، [واللَّه أعلم] (¬1). * * * ¬

_ = إنْ جعلتُ الضَّرر عليَّ؛ صار معاه أعطي صاحب الوديعة ألفًا كاملة، وإن جعلناها مشتركًا، صار لكل واحد منا نصفُ حقِّه، فيكون الألف والخمس مئة الباقة لي منها ألفٌ، وله منها خمسة مئة، وهذا هو الراجح. (ع). (¬1) وهذا على سبيل الاحتياط، أما على سبيل الوجوب؛ فلا بد من المصالحة، ويحتمل أنه مبني على الخلاف. (ع). قلت: وما بين المعقوفتين سقط من (ج).

23 - القاعدة الثالثة والعشرون من حرم عليه الامتناع من بذل شيء سئله فامتنع؛ فهل يسقط إذنه بالكلية، أو يعتبر ويجبره الحاكم عليه؟

(القاعدة الثالثة والعشرون) من حرم عليه الامتناع من بذل شيءٍ سُئله فامتنع؛ فهل (¬1) يسقط إذنه بالكلية، أو يعتبر ويجبره الحاكم عليه؟ هذا نوعان: (أحدهما): أن يكون المطلوب منه إذنًا مجردًا (¬2)، ويندرج تحته صور: - (منها): وضع الخشب على جدار جاره إذا لم يَضُرَّ به، وقد نص أحمد على عدم اعتبار إذنه [بالكلية] (¬3) في ذلك، وفي "التلخيص" أنه يجبر عليه إن أباه (¬4). ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): "هل". (¬2) في نسخة (أ): "إذن مجرد"، وهو لا شك خطأ! (¬3) أثبتها مصحح (أ) في الهامش. (¬4) إنسان وجب عليه أنْ يذل شيئًا، فامتنع؛ فهل يسقط إذنهُ، أم لا بد من إجباره على الإذن؟ مثال ذلك: الإنسان يجب عليه الإنفاق على قريبه، فامتنع؛ فهل يسقط إذنه ونأخذ من ماله بغير إذنه، أو إذنه معتبر يجب أن يأذن، ولكن يجبره الحاكم على أن يأذن؟ مثال آخر: هذا الجار لم يسمح لجاره بوضع الخشب على جداره، مع أنه لا يضرَّه؛ فهل يسقط إذنه ونضع نحن أذِنَ أو لم يأذن، أو لا بد من إذنه والقاضي يجبره؟ =

- (ومنها): حج الزوجة الفرض، ونص أحمد في رواية صالح على أنها لا تحج إلا بإذنه، وأنه ليس له منعها؛ فعلى هذا يجبر (¬1) على الإذن لها، ونقل ابن أبي موسى عن أحمد: أن استئذانها له مستحب ليس بواجب. - (ومنها): إذا قلنا بوجوب الجمعة على العبد؛ فهل يتوقف على إذن السيد [له] (¬2)؟ حكى الأصحاب فيه روايتين: إحداهما: لا تجب على العبد حتى يأذن له السيد. والثانية: تجب بدون إذنه، ويستحب له استئذانه، فإن أذن له، وإلا؛ خالفه وذهب. - (ومنها): أخذ فاضل الكلأ والماء من أرضه؛ هل يقف جواز ¬

_ = بينهما فرق، إذا قلنا: إنه يسقط إذنه، فللجار أن يضع ولا يذهب إلى القاضي، وإذا قلنا: يعتبر ويجبر؛ فمعناه لا بد من المرافعة إلى القاضي لأجل أن يجبره. ورد في المسألة قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره"، والنَّص يوحي باعتبار الإذن، وعندي أن حديث هندٍ مع أبي سفيان كان بدون إذنه. (ع). قلت: قصة هند سبق تخريجها، وحديث "لا يمعن جار جاره. . . " أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب المظالم، باب لا يمنع جاره أن يغرز خشبة في جداره، 5/ 110/ رقم 2643، وكتاب الأشربة، باب الشرب من فم السِّقاء، 9/ 90/ رقم 5627)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب غرز الخشب في جدار الجار، 3/ 1230/ رقم 1609)؛ عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه. (¬1) في نسخة (ج): "يجب"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين من نسخة (ج)،

الدخول الى الأرض على إذنه [ويُجْبَر عليه إن أباه] (¬1)، أم يجوز بدون إذنه؟ على وجهين (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من نسخة (أ) و (ج). (¬2) الناظر الى النص "لا يمنعن جار جاره" يبدو له أنه لا بد من إذنه، لأنه يقول: "لا يمنعن"، فلو لم يكن له إذن، لقال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- "وللجار أن يضع خشبة على جدار جاره"، والأصح أنه يجبر؛ لأنه إذا منع قد يكون له عذر، فإذا قلنا بسقوط إذنه؛ لقلنا: إن الجار يضع الخشبة بدون إنذار، وهذا قد يكون فيه ضرر ونزاع كبير وعداوة دائمة وفتنة، فإذا جاء الإجبار من قبل الحاكم؛ زالت هذه المحاذير. (ع). قلت: يتأيَّد هذا الترجيح بما ورد أن الضحاك بن خليفة ساق خليجًا له من العُرَيض، فاراد أن يمُرَّ في أرض محمد بن سلمة، فأبى محمد، فقال الضحاك: لِمَ تمنعي وهو لك منفعة تشرب منه أولًا وآخرًا، ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم الضحاكُ عمرَ بن الخطاب، فدعا عمرُ محمد بن سلمة، فأمره أن يخلِّي سبيله، فقال: لا. فقال عمر لمحمد بن مسلمة: لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك منفعة تشرب به أولًا وآخرًا ولا يضرك؟ فقال محمد ابن مسلمة: لا واللَّه. فقال عمر رضي اللَّه عنه: واللَّه؛ ليمرن به ولو على بطنك. فأمر عمرُ أن يمر به؛ ففعل الضحاك. أخرجه مالك في "الموطأ" (746 - رواية يحيى، ورقم 2897 - رواية أبي مصعب، و 358 - رواية محمد بن الحسن) -ومن طريقه الشافعي في "المسند" (2/ 135)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 157)، و"معرفة السنن والآثار" (9/ رقم 12264) -، ويحيى ابن آدم في "الخراج" (رقم 353)؛ من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه. وشك فيه يحيى؛ فقال: "أظنه عن أبيه، ولعله رواه من حفظه"، وإسناده رجاله ثقات؛ إلا أنه مرسل كما قال البيهقي. وله طريق أخرى أشار إليها البيهقي وابن عبد البر في "الاستذكار" (22/ 229/ رقم 32544)، ثم ظفرتُ بها في "الخراج" ليحيى بن آدم (رقم 348، 349، 350)، وهو مرسل أيضًا، أفاده البيهقي، ويتقوى بالمرسل الأول.

ونص أحمد على جواز الرعي في الأرض المغصوبة يدل على عدم اعتبار الإذن في ذلك، ومن الأصحاب من قال: الخلاف في غير المُحَوَّط، فأما المُحَوَّط؛ فلا يجوز دخوله بغير إذن بغير خلاف. [قال] (¬1): ومتى تعذر الاستئذان لغيبة المالك أو غيرها، أو استؤذن فلم يأذن؛ سقط إذنه كما في الولي في النكاح، ونقل مثنى الأنباري (¬2) عن أحمد ما يشعر بالفرق بين الدخول للماء والكلأ؛ فيتعين الاستئذان للدخول للكلأ دون الماء. - (ومنها): بذل الضِّيافة الواجبة إذا امتنع منها جاز الأخذ من ماله، ولا يعتبر إذنه في أصح الروايتين. نقلها علي بن سعيد عن أحمد، ونقل عنه حنبل: لا يأخذ إلا بعلمهم ويطالبهم بقدر حقه (¬3). - (ومنها): نفقة الزوجة الواجبة (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ). (¬2) في نسخة (ب): "ابن مثنى بن الأنباري". (¬3) الصحيح أنه يأخذ بقدر ما يكفيه لسدِّ حاجته، ولو دون إذنٍ إن منعوه، وهي واجبة يوم وليلة؛ إلا أن الفقهاء اشترطوا أن تكون في القرى دون الأمصار؛ لأنها لا تخلو من المطاعم والفنادق وغيرها من سبل الأكل والشرب والمبيت. (ع). (¬4) يجوز للزوجة أن تأخذ نفقتها بدون إذن زوجها إن منعها النفقة وإن لم يعلم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لهند بنت عتبة: "خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف"، وكذلك الأم إذا رفض ابنُها أن ينفق عليها وقدرت على أن تأخذ شيئًا من ماله؛ فلتأخذ، ولا يلزمها أن ترفع أمرها للحاكم، وهند رفعت أمرها للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من باب معرفة الحكم لا من باب التحاكم، ولو كان من باب التحاكم ما حكم لها -صلى اللَّه عليه وسلم- وزوجها غائب ولم يسمع منه. (ع).

- (ومنها): الطعام الذي يضطر إليه غيره؛ فإنه يلزمه بذله له بقيمته، فإن أبى؛ فللمضطر أخذه قهرًا، وإنما سقط اعتبار الإذن في هذه الصور؛ لأن اعتباره يؤدي إلى مشقة وحرج، وربما [أفضى] (¬1) إلى فوات الحق بالكلية (¬2). (النوع الثاني): أن يكون المطلوب منه تصرفًا [بعقد] (¬3) أو فسخ أو غيرهما، ويندرج تحته صور: - (منها): إذا طُلِبَ منه القسمة التي تلزمه الإجابةُ إليها، والأصحابُ يقولون: يجبر على ذلك، فإن كان المشْتَرَكُ مثليًا -وهو الكيل والموزون-، وامتنع أحدُ الشَّريكين من الإذن في القسمة أو غاب؛ فهل يجوز للشريك الأخر أخذ [قدر] (¬4) حقه منه بدون إذن الحاكم؟ على وجهين: (أحدهما): الجواز، وهو قول أبي الخطاب. (والثاني): المنع، وهو قول القاضي؛ لأنَّ القسمة مختلف في كونها ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "أدى". (¬2) فالمضطر للطعام -إذا قلنا: لا بد من الإذن- قد يموت جوعًا قبل أن يرفع أمره إلى القاضي حتى يأخذ له الإذن، وهنا مسألة: إذا انقطع الإنسان بسيارته في الصحراء، وأراد أن يشتري شيئًا من صاحب محل قريب، وعلم هذا باضطراره؛ فرفع قيمة السلعة أكثر من الثمن؛ فله أن يأخذها بقيتمها؛ ولو أن يحتال عليه أو يهرب. (ع). (¬3) في المطبوع و (أ) و (ب): "لعقد"، والتصويب من (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

بيعًا، وإذن الحاكم يرفع النزاع (¬1). - (ومنها): إذا امتنع من بيع الرهن؛ فإنَّ الحاكمَ يجبره عليه ويحبسه، فإن أصرَّ؛ باع عليه، ومن الأصحاب من يقول: الحاكم مخير؛ إن شاء أجبره على البيع، وإن شاء باع عليه. وهو المجزوم به في "المغني" (¬2). - (ومنها): إذا امتنع من الإنفاق على بهائمه؛ فإنه يجبر على الإنفاق (¬3) أو البيع، كذا أطلقه كثير من الأصحاب، وقال ابن الزاغوني: إن أبى؛ باع الحاكم عليه. ¬

_ (¬1) إذا كان المطلوب منه تصرفًا بعقد أو فسخ وامتنع، فهنا لا بد أن يجبر؛ إذ لا بد أن يفعله هو بنفسه؛ ففي النوع الأول: المطلوب منه الإذن فقط، وفي هذا المطلوب منه الصرف بعقدٍ أو فسخٍ، مثال ذلك: إذا طب منه القسمة التي تلزمه الإجابة إليها، وهي القسمة فيما لا ضرر في قسمته، مثاله: بيني وبينك مئة صاع من بُرٍّ، لكل واحد منا خمسون صاعًا، فقلت له: اقسم، أريد حقي؛ ففي هذه الحالة يلزمه أن يقسم، فإن امتنع؛ فلا استقلُّ أنا بالقسمة، بل لا بد أن أذهب الى الحاكم ويجبره إن كان حاضرًا، فإن لم يكن حاضرًا، فالحاكم يقوم مقامه، وكذلك كانت هناك أرض مشتركة، ونحن فيها أنصافًا؛ فإنه في هذه الحال إذا طلب أحد الشريكين القسمة أجبر الآخر، ولا يستطيع أحد أن يستقل بالقسمة، بل لا بد من رفع الأمر الى الحاكم. (ع). (¬2) انظر: "المغني" (4/ 262/ 3399). وقال هناك: "وبهذا قال الشافعي"، وقال الشيح ابن عثيمين: "الصحيح أنه مخير، كما قال صاحب "المغني"، وينبغي له أن لا يقدم على بيعه حتى يرجع إلى صاحبه". (¬3) في نسخة (أ): "ذلك".

- (ومنها): المؤلي (¬1) إذا وُقِّفَ، ثم امتنع من الفَيْئَةِ (¬2)؛ فإنه يُؤْمَرُ بالطَّلاقِ، فإن طلق؛ فذاك، وإلا؛ ففيه روايتان: (إحداهما): يجبر على الطلاق بالحبس والتضييق. (والثانية): يُطَلِّقُ الحاكم عليه (¬3). - (ومنها): العِنِّين إذا انقضت مدته وتحقَّق عجزُه وأبى أن يُفارقَ زوجَته (¬4)؛ فَرَّق الحاكمُ بينهما (¬5). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المولى"، والصواب: "المؤلي"؛ كما في النسخ الخطية، وفي هامش المطبوع: "يريد بـ"المؤلي" هنا الذي حلف لا يطأ زوجهُ أربعة أشهر أو أكثر". (¬2) في نسخة (ب): "الفئة"، وفي هامش المطبوع: "الفيئة: الرجوع". (¬3) اختلف العلماء في المؤلي؛ فمنهم من يقول: إذا تمت الأربعة أشهر؛ انفسخ العقد، ولا حاجة لتخييره، ومنهم من قال: إذا تمت الأربعة أشهر يقال له: إما أن ترجع، وإما أن تطلق؛ فهل للحاكم أن يطلق عليه، أو أن يجْبره على الطلاق؟ فيه روايتان كما قال المؤلف: أحدهما: يجبر على الطلاق بالحبس والتضييق حتى يُطَلِّقُ. والثانية: يُطَلِّقُ الحاكمُ عليه. (ع). قلت: الصواب أن العقد لا ينفسخ بمضي الأربعة أشهر؛ لقول اللَّه: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} [البقرة: 227]، ورجح هذا الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 355)؛ فقال عند قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} [البقرة: 227]: "والطلاق حل عقدة النكاح، وفي ذلك دليل على أنها لا تطلق بمضيّ أربعة أشهر، كما قال مالك، ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة"، وقال في هذا: "ومعناه ظاهر واضح". (¬4) في نسخة (ج): "امرأته". (¬5) العِنّين: هو الذي لا يستطيع الوصل؛ أي: لا يستطيع أن يجامع زوجته، فإنه يؤجّل سنة كاملة، فإن قدر؛ فبها ونعمت، وإلا؛ فُسِخ العقد. (ع).

- (ومنها): إذا مُثِّل بعبده، قال أحمدُ في رواية الميموني (¬1): يعتقه السلطان عليه، وظاهر هذا أنه لا يعتق بمجرد التمثيل، ولكن يعتقه السلطان عليه بغير اختياره؛ لأن عتقه صار محتمًا (¬2) لا محالة؛ كما فعل عمر رضي اللَّه عنه (¬3)، بخلاف طلاق المؤلي (¬4)؛ فإنه لو فاء لم يطالب ¬

_ (¬1) هو عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران، أبو الحسن الميموني، الرَّقِّي، له "مسائل الإمام أحمد"، عرفها الخلال بقوله: "في ستة عشر جزءً، منها جزآن كبيران بخط جليل، مئة ورقة أو نحو ذلك"، توفي سنة (274 هـ) رحمه اللَّه تعالى. انظر: "طبقات الحنابلة" (1/ 212 - 216)، و"تهذب التهذيب" (6/ 400)، و"المنهج الأحمد" (1/ 249 - 252). (¬2) في نسخة (ج): "متحتمًا". (¬3) انظر آخر الهامش الآتي. (¬4) وورد نحو ما نقله المصنف عن عمر في الحديث المرفوع، وفيه أن ابن عمر وقع له ذلك. أخرج مسلم في "صحيحه" (كتاب الأيمان، باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده، 3/ 1278/ رقم 1657)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الأدب، باب حق المملوك، رقم 5168)، وأحمد في "المسند" (2/ 25، 45، 61)، وأبو يعلى في "المسند" (10/ 158 - 159/ رقم 5782)؛ عن زاذان أبي عمر؛ قال: أتيتُ ابنَ عمر وقد أعتق مملوكًا، قال: فأخذ من الأرض عودًا أو شيئًا، فقال: ما فيه من الأجر ما يَسْوَى هذا؛ إلا أني سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من لطم مملوكه أو ضربه؛ فكفَّارتُه أن يُعتِقَه". قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 206): "قال العلماء: في هذا الحديث الرفق بالمماليك، وحُسنِ صحبتهم، وكفِّ الأذى عنهم". وقال: "وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجبًا، وإنما هو مندوب رجاء كفّارة دينه، فبهِ إزالةُ إثم ظلمه". قلت: وفي نقل النووي الإجماع نظر، وفي نقل المصنف ما يشوش على هذا الإجماع!! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ويشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (3/ 2/ 182)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/ 182)، والطبراني في "الأوسط" (9/ 298 - 299/ 8652)، وأبو بكر الإسماعيلي في "مسند عمر" -كما في "مسند الفاروق" (1/ 371 - 372) لابن كثير-، وابن عدي في "الكامل" (ق 596)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 215، 216)، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 36)؛ من طريق عمر بن عيسى المدني الأسدي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس؛ قال: "جاءت جارية إلى عمر، وقالت: إن سيدي اتهمني فأقعدني على النار حتى أحرق فرجي. فقال: هل رأى ذلك عليك؟ قالت: لا. قال: أفاعترفت له بشيء؟ قالت: لا. قال: عليَّ به. فلما رأى الرجل قال: أتعذب بعذاب اللَّه؟ قال: يا أمر المؤمنين! اتهمتها في نفسها. قال: رأيت ذلك عليها؟ قال: لا. قال: فاعترفت؟ قال: لا. قال: والذي نفسي بيده، لو لم أسمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول "لا يقاد مملوك من مالكه، ولا ولد من والده"؛ لأخذتها منك. فبرزه فضربه مئة سوط، ثم قال: اذهبي فأنت حرة، مولاة للَّه ورسوله، سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من حُرِّق بالنار أو مثل به، فهو حر، وهو مولى اللَّه ورسوله"". قال الليث: هذا أمرٌ معمول به. قال ابن كثير في "مسند الفاروق" (1/ 372): "هكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلى في مسند عمر، وهو إسناد حسن؛ إلا أن البخاري قال في عمر بن عيسى هذا: هو منكر الحديث؛ فاللَّه أعلم. والحديث فيه دلالة ظاهرة توضح لمذهب مالك وغيره من السلف، في أن من مثَّل بعبده يُعتق عليه حتى عداه بعضهم إلى من لاط بمملوكه، أو زنى بأمة غيره أنها تعتق عليه. وفيه أيضًا أنه لا ولاء له عليه والحالة هذه؛ لقوله: "وهو مولى اللَّه ورسوله"، وقد نصّ الإمام الليث بن سعد على قول هذا الحديث، وأنه معمول به عندهم". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، وتعقبه الذهبي فى "التلخيص" بقوله: "قلت: بل فيه عمر بن عيسى القرشي، وهو منكر الحديث". وقال الهيثمي في "المجمع" (6/ 288): "فيه عمر بن عيسى القرشي، ذكره =

بالطلاق [كما هو المشهور عند الأصحاب؛ فـ] (¬1) يحتمل أن يكون مراده أن السلطان يحكم عليه بوقوع العتق كما هو المعروف في المذهب، وفيه بُعْدٌ. - (ومنها): الموصى بعتقه إذا امتنع الوارث من إعتاقه؛ أعتقه السلطان عليه. - (ومنها): إذا اشترى عبدًا بشرط العتق، وقلنا: يصح على الصحيح، فأبى أن يعتقه؛ ففيه وجهان، وقيل روايتان: ¬

_ = الذهبي في "الميزان"، وذكر له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحًا، وبيَّض له، وبقية رجاله وثِّقوا". قلت: الموجود في مطبوع "الميزان" (3/ 316) الذي بين أيدينا: "قال البخاري: منكر الحديث، وقال العقيلي: مجهول بالنقل، وقال النسائي ليس بثقة، منكر الحديث". وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/ 87): "كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عن الأثبات بالطامات؟! ". فالحديث المذكور إسناده ضعيف جدًّا. ومدار الحديث على عمر هذا، قال الطبراني: "لم يروه عن ابن جريج إلا عمر بن عيسى، تفرد به الليث". وانظر: "اللسان" (4/ 320 - 322). وأخرج مالك في "الموطأ" (2/ 776/ رقم 7): "أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أتَتْهُ وليدةٌ قد ضربها سيِّدُها بنارٍ، أو أصابها بها؛ فأعتقها". وأخرجه موصولًا من طرقٍ عنه عبد الرزاق في "المصنف" (9/ 438/ رقم 17929، 17930، 17931). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(إحداهما) -ونص عليها أحمد في رواية الأثرم-: أن للبائع الفسخ؛ بناءً على أنه حق له. (والثاني): أنه يجبر المشتري على عتقه؛ بناءً على أنه حق للَّه [تعالى] (¬1). فعلى هذا [إنْ] (¬2) امتنع وأصر؛ توجه أن يعتقه الحاكم عليه. - (ومنها): الحوالة على المليء؛ هل يُعتبر لبراءة المُحِيل رضا [المحتال] (¬3)، فإن أبى أجبره الحاكم عليه؛ لأن احتياله على المليء (¬4) واجب عندنا أو يبرأ بمجرد الحوالة؟ فيه عن أحمد روايتان (¬5) حكاهما القاضي في "خلافه" وطائفة من ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) كذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي المطبوع: "إذا". (¬3) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "المحال". (¬4) الملئ: هو القادر على الوفاء، الباذل له، الممكن إحضاره لمجلس الحكم؛ فهو من جمع ثلاثة أوصاف: أن يكون قادرًا، باذلًا، يمكن إحضاره لمجلس الحكم، فإن كان فقيرًا؛ فليس بملئ، وإن كان غنيًّا مماطِلًا -أي: غير باذل-؛ فليس بملئ، وإن كان قادرًا باذلًا، لكن لا يمكن إحضاره إلى مجلس الحكم، فليس بملئ، مثل: لو أحالني على أبي، أو أحالني على أمير، أو ليس موجودًا. (ع). (¬5) الحوالة على ملئ؛ هل يعتبر فيها رضا المحال أم لا؟ في روايتان، والمذهب أنه يجب القبول، ودليله قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أُتْبِعَ على مَلئ؛ فَلْيَتَّبِعْ". قالوا: فالأمر للوجوب، وهذا هو مذهب أحمد، والجمهور على أن الأمر للاستحباب، وليس للوجوب، وقالوا: إنَّ المحال لا يلزمه القبول؛ لأن له أن يقول: "حقي =

الأصحاب، ومبناهما على أن الحوالة هل هي نقل للحق أو تقبيض؛ فإن [كانت] (¬1) نقلًا؛ لم يعتبر لها قبول، وإن كانت تقبيضًا؛ فلا بد من القبض بالقول، وهو [قبولها] (¬2)؛ فيجبر المحتال عليه. - (ومنها): الولي في النكاح إذا امتنع من التزويج؛ فهل يسقط حقه وينتقل إلى غيره ممن هو أبعد منه، [أو لا فيقوم] (¬3) الحاكم مقامه؟ على روايتين (¬4). - (ومنها): إذا أسلم على أكثر من [أربع] (¬5)، وأبى أن يختار منهن؛ أجبره الحاكم على الاختيار، وعزَّره مرَّةً بعد أُخرى حتى يختار ولم يختر له؛ إذ الاختيار موكول إلى شهوته وغرضه لا غير. - (ومنها): الكتابة إذا أوجبناها بسؤال العبد، فأبى السيد؛ أجبره ¬

_ = عندك، وفي ذمَّتك؛ فلا أقْبَلُ غيرَك". (ع). قلت: أخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب الحوالة، باب إذا أحال على ملئٍ فليىس له رَدٌّ،4/ رقم 2287، 2288) بسنده إلى أبي هريرة رضي اللَّه عنه رفعه: "مطلُ الغنيّ ظُلمٌ، ومَنْ أُتْبِعَ على مَلئٍ؛ فَلْيَتبِعْ". (¬1) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ): "قلنا". (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "قولها"! وهو خطأ. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إن عدم؛ فهل يقوم". (¬4) والصواب أن الحق ينتقل إلى من هو أبعد منه، وهو أولى من الحاكم، ولو قيل: إن الحاكم يجبره على أن يعقد؛ لم يكن بعيدًا؛ لأنه قد يمتنع الأبعد خوفًا من الفتنة؛ فيتولى الحاكم حينئذ العقد. (ع). (¬5) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "أربعة".

الحاكم عليها (¬1). - (ومنها): إذا أتاه الغريمُ بدينه الذي يجب عليه قَبْضُهُ، فأبى أن يقبضه؟ [قال في] (¬2) "المغني" (¬3): يقبضه الحاكمُ، وتبرأ ذمة الغريم لقيام الحاكم مقام الممتنع بولايته، ولو أتاه الكفيل بالغريم، فأبى أن يتسلمه؛ فقال في "المغني" (¬4): يُشهد على امتناعه، ويبرأ لوجود الإحضار (¬5) وذكر عن القاضي: أنه يرفعه إلى الحاكم أولًا لِيُسَلمَهُ إليه، فإن تعذَّر؛ أشهد على امتناعه. * * * ¬

_ (¬1) الكتابة: شراء العبد نفسه من سيِّده. والمذهب أنها لا تجب، وظاهر الآية {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] أنها تجب، ولا سيما أن الشارع يتطلع إلى العتق؛ فالصحيح أن العبد إذا طبها وعلمنا فيه الخير، وجبت مكاتبتُه. (ع). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في نسختي (ب) و (ج): "ففي". (¬3) انظره في "المغني" (4/ 358). (¬4) انظره في "المغني" (4/ 358/ 3598). (¬5) الكفيل: هو الذي التزم بإحضار بَدَن المكفول، وهو غير الضامن؛ فالضامن يكفل الدين (أي: المال)، وأما الكفيل؛ فإنه يكفل إحضار البدن، مثاله: أردتُ أن أقرض زيدًا مئة درهم، ولكن قلت له أنا لا أعرفك، فأحضر لي إنسانًا يكفلك؛ فأتي لي بشخص يكفله -أي: بحضره-؛ فالكفيل جاء لي بالغريم، وقال: هذا غريمك استوفِ حقَّك منه، فإنْ امتنعتُ من استيفاء حقي منه، وأشهد عليَّ -أي: على امتناعي- برأ الكفيل، وذلك لأنه وجد إحضاره. (ع).

24 - القاعدة الرابعة والعشرون من تعلق بماله حق واجب عليه، فبادر إلى نقل الملك عنه؛ صح، ثم إن كان الحق متعلقا بالمال نفسه؛ لم يسقط، وإن كان متعلقا بمالكه لمعنى زال بانتقاله عنه؛ سقط، وإن كان لا يزول بانتقاله؛ لم يسقط على الأصح

(القاعدة الرابعة والعشرون) من تعلق بماله حق واجب عليه، فبادر إلى نقل الملك عنه؛ صح، ثم إن كان الحق متعلقًا بالمال نفسه؛ لم يسقط، وإن كان متعلقًا بمالكه لمعنى زال بانتقاله عنه؛ سقط، وإن كان لا يزول بانتقاله؛ لم يسقط على الأصح. ويدخل تحت ذلك صور: - (منها): لو بادر الغال قبل إحراق رحله وباعه؛ ففيه وجهان حكاهما في "المغني" (¬1): (أحدهما): يصح؛ لأنَّ مُلْكَهُ باقٍ لم يَزُل، ويسقط التحريق لانتقاله عنه؛ فهو كما لو مات وانتقل إلى وارثه. (والثاني): ينفسخ البيع ويحرق؛ لأن حق التحريق أسبق، وقد تعلق بهذا المال عقوبةً لمالكِهِ على جريمته السَّابقة (¬2). - (ومنها): لو باع المشتري الشقص المشفوع قبل المطالبة ¬

_ (¬1) انظره: (9/ 246/ 7604). (¬2) وصورة هذه المسألة: أنه إذا غَلَّ زيدٌ شاةٌ، فإنَّ القائد يحرِّقُ رَحْلَ زيدٍ مجازاةً له على غلِّهِ الشَّاة، وإذا باعَ زيدٌ رحله قبل أن يُحرِّقه القائد؛ ففيه الوجهان، ومن قال بالتحريق؛ فإنه يستثني السِّلاحَ والمصحفَ، وما فيه روح من الرَّحل ويُحرِّق الباقي. (ع).

بالشفعة؛ ففيه وجهان: (أحدهما): أن البيع باطل؛ لأن ملكه غير تام (¬1)، وهو ظاهر كلام أبي بكر في "التنبيه". (والثاني): أن البيع صحيح، وهو قول الخرقي (¬2) والمشهور في المذهب؛ لأن أخذ الشفيع من المشتري الثاني ممكن، فإن اختار ذلك؛ فعل، وإلا؛ فسخ البيع الثاني، وأخذ من الأول لسبق حقه عليه. - (ومنها): لو أمر الذمي بهدم بنائه العالي، فبادر وباع من مسلم؛ صح، وسقط الهدم لزوال علته؛ فإنه لم يجب الهدم إلا لإزالة ضرر استدامة تعلية الذمي، لا عقوبة للتعلية الماضية، وقد زال الضرر بانتقاله إلى المسلم؛ فهو كما لو بادر المالك وأسلم؛ فإن الهدم يسقط بلا تردد (¬3). - (ومنها): لو مال جداره الى ملك جاره، فطولب بهدمه، فباع داره؛ صح، وهل يسقط الضمان عنه بالسقوط بعد ذلك على رواية التضمين أم لا؟ قال القاضي: يسقط؛ لأن الوقوع في غير ملكه. وقال ابن عقيل: إنْ قصد ببيعه الفرارَ من المطالبة بهدمه؛ لم يسقط الضَّمان لانعقاد سببه في ملكه، كما لو باع سهمًا بعد خروجه من كبد ¬

_ (¬1) في نسخة (أ): "تمام"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) انظر: "الخرقي" (5/ 218/ 4092 - مع "المغني"). (¬3) كتب ناسخ (أ) هنا في الهامش: "هذه المسألة متفرعة على ما تعلق بالمالك لمعنى زال بانتقاله عنه، ولهذا لم يذكر فيها خلافًا، وما قبلها مما لا يزول بانتقاله".

القوس؛ فإنَّ عليه ضمان ما يتلفه. قال: وكذا لو باع فَخًّا أو شبكة منصوبتين، فوقع فيهما صيد في الحرم أو مملوك للغير؛ لم يسقط عنه ضمانه. والظاهر أن القاضي لا يخالف في هذه الصور؛ فإنه قال فيما إذا أخرج جناحًا أو ميزابًا إلى الطريق، ثم باع ملكه بعد المطالبة بإزالته، ثم سقط؛ فعليه الضمان؛ لأن خروجه إلى غير ملكه حصل بفعله، بخلاف ميل الحائط؛ فإنه لا فعل له فيه، وإنما يلزمه إزالته على وجه ممكن، ولا يمكنه نقضه بعد زوال ملكه عنه. - (ومنها): لو اشترى عبدًا بشرط العتق، ثم باعه بهذا الشرط؛ فهل يصح أم لا؟ على وجهين حكاهما الأزجي في "نهايته" (¬1)، وصحح عدم الصحة؛ لأنه يتسلسل، ولأن تعلق حق العتق الواجب عليه يمنع الصحة كما لو نذر ¬

_ (¬1) قال المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 120): "يحيى بن يحيى الأزجي الفقيه، صاحب كتاب "نهاية المطلب في علم المذهب"، وهو كتاب كبير جدًّا وعبارته جزلة، حذا فيه حذو "نهاية المطلب" لإمام الحرمين الجويني الشافعي، وأكثر استمداده من كلام ابن عقيل في "الفصول" و"المجرد"، وفيه تهافت كثير؛ حتى في (كتاب الطهارة، وباب المياه)؛ حتى إنه ذكر في فروع الآجر المجبول بالنجاسة كلامًا ساقطًا يدل على أنه لم يتصور هذه الفروع ولم يفهمها بالكلية، وأظن هذا الرجل كان استمداده من مجرد المطالعة ولا يرجع إلى تحقيق، وقد ذكر في كتابه أنه قرأ بنفسه على ابن كليب الحراني، ولم أعلم له ترجمة ولا وجدته مذكورًا في تاريخ، ويغلب على ظني أنه توفي بعد الست مئة بقليل". قلت: حدد السبيعي في "الدر المنضد" (رقم 73) تأريخ وفاته سنة (616 هـ)، وقال عنه: "كتاب كبير جدًّا. وانظر: "المقصد الأرشد" (357)

عتق عبد؛ فإنه لا يصح بيعه، وعندي أن هذا الخلاف مترتب على أن الحق هل هو للَّه ويجبر عليه إن أباه، أو للبائع؟ فعلى الأول هو كالمنذور عتقه، وعلى الثاني يسقط الفسخ لزوال المُلْكِ، وللبائع الرجوع بالأرْشِ، فإن هذا الشرط ينقص به الثَّمنُ عادة، ويحتمل أن يثبت له الفسخُ لسبق حقه. - (ومنها): لو باع العبدَ الجاني لزمه افتداؤه، فإن كان معسرًا؛ فُسخ البيع تقديمًا لحق المجني عليه لسبقه. - (ومنها): لو باع الوارث التركة مع استغراقها الدَّين (¬1) ملتزمًا لضمانه، ثم عجز عن وفائه؛ فإنه يفسخ البيع. - (ومنها): لو باع نصاب الزكاة بعد الوجوبِ، ثم أعسر؛ فهل يفسخ في قدر الزكاة أم لا؟ فيه وجهان مرتبان على أن الزكاة هل كانت متعلِّقةً بعين المال أو بذمة ربِّه؟ فإن قيل بعين المال؛ فُسخ البيعُ لاستيفائها منه، وإلا؛ فلا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "بالدين"، وقد كانت كذلك في (أ)، فضرب عليها مصححها، وأثبت ما في (ب) و (ج). (¬2) أقرب الأقوال أنّ الزكاة تجب في عين المال، ولكن لها تعلُّقٌ بالذِّمَّة. (ع).

25 - القاعدة الخامسة والعشرون من ثبت له ملك عين ببينة أو إقرار؛ فهل يتبعها ما يتصل بها، أو [يتولد] منها أم لا؟

(القاعدة الخامسة والعشرون) (¬1) من ثبت له ملك عين ببينة أو إقرار؛ فهل يتبعها ما يتصل بها، أو [يتولَّدُ] (¬2) منها أم لا؟ في المسألة خلاف، ولها صور: - (منها): أن من ثبت له ملك أمة في يد غيره ومعها ولدها؛ فهل يتبعها في الملك إذا ادعاه؟ على وجهين: (أحدهما): لا، وهو الذي ذكره القاضي؛ لأنه لا يتبعها في بيع ولا غيره، ويجوز أن تكون ولدته قبل ملكه لها. (والثاني) -وإليه ميل ابن عقيل-: أنه يتبعها؛ لأنه من أجزائها، وقد ثبت سبق اليد الحكمية لليد المشاهدة؛ فتكون مرجحة عليها. ويشبه هذه المسألة ما إذا ادعى أمة في يد غيره أنها أم ولده، وأن ولدها منه [حر]، وأقام بذلك شاهدًا أو حلف معه أو رجلًا وامرأتين، ثبت ملكه عليها، وثبت استيلادها بإقراره. ¬

_ (¬1) في نسخة (أ): "قاعدة" بدون ترقيم. (¬2) كذا في (ب)، ولعله الأصوب، وفي المطبوع و (ج): "تولد"، وفي (أ): "متولد".

وفي الولد روايتان حكاهما أبو الخطاب: (إحداهما): يثبت نسبه وحريته لكونه من نمائها؛ فيتبعها، ويكون ثبوت ذلك بالإقرار لا بالبينة. (والثانية): لا يثبت النسب ولا الحرية؛ لأنهما لا يثبتان بهذه الشهادة. وفيه وجه يثبت النسب دون الحرية، وتبقى [صحة] (¬1) الولد على ملك من كانت بيده بناءً على صحة استلحاق نسب العبد؛ كما جزم به صاحب "التلخيص". - (ومنها): لو ثبت له ملك أرض في يد غيره ببينة أو إقرار، وفيها شجر قائم؛ فهل يتبعها أم لا؟ يحتمل أن يخرج على وجهين بناءً على أن الشجر هل يتبع في البيع أم لا؟ وأفتى الشيخ تقي الدين (¬2) رحمه اللَّه [تعالى] (¬3): أن ما كان متصلًا بالأرض من الشجر؛ فيد أهل الأرض ثابتة عليه ما لم تأت حجة تدفع موجب اليد، مثل أن يكون الغارس قد عرف أنه غرسه بماله، وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل في الرهن فيما إذا اختلف المتراهنان في رهنية الشجر في الأرض المرهونة: أن القول قول المالك؛ لأن الاختلاف هنا في عقد واليد لا تدل عليه، بخلاف ما لو كان الاختلاف في ملك. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬2) انظر: "القواعد النورانية" (ص 124) لشيخ الإسلام ابن تيمية. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من نسخة (ج).

وصرح صاحب "التلخيص" بأن ما في دار الإِنسان يكون في يده؛ ولو كان منفصلًا منقولًا، ويحتمل تخريج ذلك على الروايتين في ملك المباحات الحاصلة في أرضه بمجرد حصولها في الأرض؛ نظرًا إلى أن الأرض هل هي كاليد أم لا؟ فإن قامت البينة أن هذه الشجرة له وعليها ثمر؛ فقال ابن عقيل: يحكم له به، حتى لو كان الثمر [في يد] (¬1) رجل [وثبت] (¬2) سبق ملك الشجرة لغيره؛ حكم له بالثمرة؛ لثبوت سبق ملكه على أخذ غيره [للثمر] (¬3)، ويتخرج فبه وجه آخر؛ كالولد، وبه جزم ابن عقيل في كتاب "القضاء" (¬4). ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "بيد". (¬2) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "وتبين". (¬3) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "للثمرة". (¬4) هذا الفرع الصواب فيه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا حكم لإنسان بأرض، فإن ما كان متصلًا بها يدخل معها؛ وإن كان فيه احتمال أن يكون الذي هي في يده قد وضع هذا الشجر أو وضع هذا البناء؛ لأن الأصل أن الشجر تابع للأرض، وأن البناء تابع للأرض، فإذا حكم لشخص بأن هذه الأرض له، وهي بيد إنسان آخر وفيها شجر، فادعى الذي هي عده أن الشجر له؛ يكون الشجر لصاحب الأرض حتى يقيم من هي في يده بينة بأنه هو الذي أوجده فيها، فإن قلت: الأصل عدم وجود هذا الشيء؛ يترجح أن الذي هي في يده قد وضعه، سواءً كان غرسًا أو بناءً؛ قلنا: هذا صحيح، أي إنَّ الأصل عدم وجود هذا البناء، أو عدم وجود هذا الشجر، لكن عندنا ظاهر أقرى من هذا الأصل، وهو أن ما كان متصلًا بالأرض فهو تبع لها، هذا هو الصحيح في هذه المسألة، على أنه إذا ثبت لشخص ملك أرض وفيها غراس أو بناء؛ فإن الغراس والبناء يتبعه، أما ما كان منفصلًا عنها؛ كالأحجار والدواليب وما أشبه ذلك؛ فإنه يكون لمن هي في يده إلا أن يقر بأن ذلك لصاحب الأرض؛ فعلى إقراره". (ع). =

- (ومنها): لو ثبت أن هذا العبد ملك له وهو في يد غيره، وعلى العبد ثياب فادعاها من العبد في يده؛ فقال صاحب "الكافي" (¬1) و"الترغيب": هي له؛ لأن يده عليها، وهي منفصلة عن العبد. ويحتمل وجهين آخرين: (أحدهما): أن ما يتبع العبد من الثياب في البيع يتبعه ها هنا، وما لا؛ فلا (¬2). (والثاني): إن تطاولت مدة هذه اليد، بحيث تبلى فيها ثياب العبد عادة؛ فالقول قول من هي في يده، وإلا؛ فلا إلحاقًا لها بالعيب المتنازع في حدوثه عند البائع أو المشتري إذا لم يحتمل الحال إلا قول أحدهما وحده. - (ومنها): لو تنازع المُؤْجِر والمستأجر في شيء من الدار المستأجرة، فذكر الأصحاب أن ما يتبع في البيع؛ فهو للمؤجر، وما لا يتبع إن كانت جرت به العادة في المنازل؛ ففيه خلاف، والمنصوص أنه للمؤجر أيضًا، وكذلك الوجهان لو تنازع المؤجر والمستأجر في كنز مدفون في الأرض، وهل الحكم مختص بحالة بقاء يد المستأجر أم لا؟ ¬

_ =قلت: وكتاب "القضاء" لابن عقيل لعله جزء من "الفنون" المتقدّم وصفه في التعليق على (ص 117). (¬1) لا يلزم من قول المؤلف رحمه اللَّه: "فقال صاحب الكافي" أنه موجود في "الكافي"، بل نسبة القول إلى مؤلفه فقط، ولم أجد هذه المسألة في "الكافي" مع البحث عنها فيه في مظانِّها، واللَّه الهادي والواقي. (¬2) وعلى هذا؛ فثياب الجمَّال للبائع، وثياب العادة للمشتري. (ع).

صرح في "التلخيص" في مسألة الكنز بأن الخلاف في صورة بقاء الإجارة وانقضائها، ويشهد له مسألة المال المدفون إذا ادعاه من كانت الأرض له، ووصفه أنه يقبل منه، وكذلك حكم اختلاف الزوجين في متاع البيت [جارٍ] (¬1) مع بقاء الزوجة وزوالها في أحد [الطريقتين] (¬2) للأصحاب (¬3). - (ومنها): لو أقر له بمظروف في ظرف؛ كتمر في جراب، أو [سيف] (¬4) في قراب، أو فص في خاتم، أو رأس وأكارع (¬5) في شاة، أو نوى ¬

_ (¬1) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ): "جاز". (¬2) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "الطريقين". (¬3) انتهت مدة المستأجر في بيت، وتنازع مع مالكه على دولاب مثلًا؛ فأقرب الأقوال أن نقول: ما يتبع في البيت؛ فهو له، أي: المؤجِّر، وما لا؛ فلا، فعلى هذا: المتصلُ يكون للمؤجر، والمنفصلُ يكون للمستأجر، ويمكن أن ننظر إلى المدة، مثلًا: هذه مروحة سقفية، والإجارة لها عشر سنوات، وإذا نظرنا إلى المروحة وجدنا أنها جديدة؛ فهنا يترجح قول المستأجر وإن كانت ثابتة، والمنفصل أيضًا ربما تكون قرينة ظاهرة على أنه للمستأجر كما لو كان من الأشياء التي جرت العادة بأن تكون في البيت؛ كمسألة الستائر، فإذا لم يكن هناك قرينة ظاهرة، فإننا نرجع إلى ما يتبع في البيت، فما كان يتبع في البيت؛ فهو للمؤجر، وما لا يتبع؛ فهو للمستأجر، فإن قامت قرية ظاهرة على ترجح قول المؤجر أو المستأجر؛ عمل بهذه القرينة. أما مسألة الكنز إذا تنازع فيه المؤجر والمستأجر؛ فإنه يكون حسب ما ذكره المؤلف، ولكن هذا إذا كان حفُره وأخذه، أما إذا لم يحفر ولم يأخذ؛ فهو لمن وجده، حتى لو أن أحدًا استأجر عمالًا لحفر بيارة، وعثر العمال على هذا الكنز؛ فالكنز يكون للعمال، إلا إذا كانوا مستأجرين على أن يحفروا له عن الكنز؛ فيكون لصاحب البيت. (ع). (¬4) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "كسيف". (¬5) كذا في (أ) و (ب) والمطبوع، وفي (ب): "الكارع"!!

في تمر؛ ففيه وجهان: أشهرهما: يكون مقرًّا بالمظروف دون ظرفه، وهو قول ابن حامد والقاضي وأصحابه؛ لأن الظرف غير مقر به، وإنما هو موصوف به؛ فهو كقوله: دابة في إصطبل. والوجه الثاتي: هو مقر بهما، وإلا؛ لم يكن [ثَمَّ] (¬1) فائدة [لذلك] (¬2) الظرف. وفرق بعض المتأخرين بين ما يتصل بظرفه عادة أو خلقة، فيكون إقرارًا به دون ما هو منفصل عنه عادة، ويحتمل التفريق بين أن يكون الثاني تابعًا للأول، فيكون إقرارًا به؛ كتمر في جراب أو سيف في قراب، وبين أن يكون متبوعًا؛ فلا يكون إقرارًا به؛ كنوى في تمر ورأس في شاة. وأما إذا قال: خاتم فيه فص، وجراب فيه تمر، وقراب فيه سيف؛ فقيل: هو على الوجهين مطلقًا. وقيل في قوله: خاتم فيه فص: أنه إقرار بهما جميعًا بغير خلاف؛ لأن إطلاق الخاتم يدخل فيه الفص، فإذا وصفه بالفص، تيقن دخوله فيه، ولم يجز إخراجه منه؛ كقوله: نعل لها شراك، أو شاة عليها صوف أو في ضرعها لبن، ونحو ذلك. وفي "التلخيص": لو أقر بخاتم ثم جاء بخاتم فيه فص، وقال: ما أردت الفص؛ احتمل وجهين، أظهرهما دخوله لشمول الاسم. قال: ولو قال: له عندي جارية؛ فهل يدخل الجنين في الإقرار إذا كانت حاملًا؟ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬2) كذا في المطبوع و (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج): "الذكر".

يحتمل وجهين (¬1). ¬

_ (¬1) لو أقر بمظروف في ظرف؛ فالأصل أن المظروف والظرف ثابت، مثل: يقال: عندي حبر في دواة: الجر مظروف والدواة ظرف، يقول: تمر في جراب (الجراب وعاء من جلد يوضع فيه التمر، سيف في قراب (القراب الذي يدخل فيه السيف)، فص في خاتم: الظرف الخاتم والفص مظروف، رأس وأكارع في شاة، كان المتبادر أن يقول: أكارع من شاة، لكن قال: أكارع في شاة؛ فجعل الشاة ظرفًا للأكارع، ومثله أيضًا نوى في تمر؛ هل يكون مُقِرًّا بالتمر أم لا؟ فيه وجهان، أظهرهما يكون مُقِرًّا بالمظروف دون ظرفه، وعلى هذا؛ فيلزمه التمر دون الجراب: الجراب يكون للمقر والتمر للمقرِّ له، سيف في قراب: يكون القراب للمقر والسيف للمُقرِّ له ... إلخ. وكل هذا ممكن، يعني ممكن أن يسرق الإنسان تمرًا ويضعه في جراب عنده ويقول: له عندي تمر في جراب، أو أن يغصب سيفًا ثم يضعه في قراب عنده ثم يقول: له عندي سيف في قراب، وممكن أن يغصِب فصًا ويصنع له خاتمًا ويضع الفص في هذا الخاتم ويقول: له عندي فصٌّ في خاتم، كل هذا واضح، لكن يقول: له عندي رأس في شاة؟! هذا لا يكون إلا إذا صح القول ببيع رأس الشاة دون الشاة، وقد مر علينا أن في المسألة خلافًا، فإذا قلنا بالجواز؛ فممكن، وإلا؛ فيمكن بالهبة، لكن هذا أبعد من السيف في القراب والتمر في الجراب والفص في الخاتم، وإجراء الخلاف في هذا فيه نظر، ولهذا قال المؤلف رحمه اللَّه: "أشهرهما يكون. . . " إلى قوله: "دابة في إصطبل"، فواضح أن الاصطبل لا يتبع الدابة، كما لو قال: له عندي دابة في بيتي، أو قال: له عندي سيارة في الكراج؛ فالقياس بين هذا وذاك بعيد. قال المصنف: "والوجه الثاني: هو مُقِرٌّ بهما جميعًا"، فإذا قال: عندي سيف في قراب؛ فالقراب يتبع، وكذلك تمر في جراب، وأكارع في شاة، ونوى في تمر، ووجه ذلك قال: "إلا؛ لم يكن ثمة فائدة لذلك الظرف"، يعني: لو لم نقل بأن الظرف يتبع المظروف؛ لم يكن هناك فائدة لذكره؛ فكان ينبغي أن يقال: له عندي سيف، له عندي تمر، وهكذا، فلولا أنه يريد الإقرار ما جمع بينهما، وإلا؟ ما كان لذكر الظرف فائدة. (ع).

26 - القاعدة السادسة والعشرون من أتلف شيئا لدفع أذاه له؛ لم يضمنه، وإن أتلفه لدفع أذاه به؛ ضمنه

(القاعدة السادسة والعشرون) من أتلف شيئًا لدفع أذاه له؛ لم يضمنه، وإن أتلفه لدفع أذاه به؛ ضمنه. ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): لو صال عليه حيوان آدمي أو [بهيم] (¬1)، فدفعه عن نفسه بالقتل؛ لم يضمنه، ولو قتل حيوانًا لغيره في مخمصة ليحيي به نفسه؛ ضمنه (¬2). ¬

_ (¬1) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ): "بهيمة". (¬2) هذه القاعده مهمة، وهي: "من أتلف شيئًا لدفع أذاه له؛ لم يضمنه، ومن أتلفه لدفع أذاه به؛ ضمنه". يعني: إذا أتلفت شيئًا لدفع أَذْيته عنك؛ فإنك لا تضمنه لأنه صائل، والصائل يدفع بالتي هي أحسن، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام في الذي صال عليك لأخذ مالك أن تقاتله، وإنك إن قلته؛ فلا ضمان عليك، وهو في النار، فإذا أتلفت الشيء لدفع إذاه؛ فلا ضمان عليك، مثاله: بعير فلان صال عيك، فواقفته قدر الإمكان، فلم يمكن دفْعُهُ، فَقَتَلْتَه؛ فلا تضمنه لأنك دفعت أذيته عنك، وهو في هذه الحال ليس له حرمة؛ فلا تضمن، ولكنك لو جُعْتَ فوجدتَ شاة في البر، فذبحتها وأكلتها، وأنت في مخمصة ومضطر إليها؛ فأنت ضامن، فإنك دفعتَ أذيتك بها (أي: بسببها)، ولو صال عليك آدمي، فدفعته فلم يندفع، فقلته؛ فلا قصاص عيك لأنه صائل، فأنت دفعت أذيته، ولو جُعتَ ومعك صبي، فذكيته وأكلْتَه؛ فأنت ضامن، والضمان هنا أنك تقتل به، ويضاف إليه عذاب اللَّه، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا =

- (ومنها): لو صال عليه صيد في إحرامه فقتله دفعًا عن نفسه؛ لم يضمنه على أصح الوجيهن، وإن (¬1) اضطر فقتله في المخمصة ليحيي به نفسه؛ ضمنه. - (ومنها): لو حلق المحرم رأسه لتأذيه بالقمل والوسخ؛ فداه لأن الأذى من غير الشعر، ولو خرجت في عينه شعرة فقلعها أو نزل الشعر على عينيه فأزاله؛ لم يُفْدِهِ (¬2). - (ومنها): لو أشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره ليخففها، ضمنه، ولو سقط عليه متاع غيره فخشي أن يهلكه، فدفعه فوقع ¬

_ = عَظِيمًا} [النساء:93]، فإن قلت: إن لم آكله متنا جميعًا، وإن أكلته بقيت أنا؛ فماذا نقول: موتوا جميعًا وهذا من اللَّه، ولكن لا تمت غيرك لإحياء نفسك؟ ومن هذا الباب لو أن امرأة فيها حمل حي نفخت يه الروح، وقال الأطباء لها: إن بقي الولد في بطنك مت أنتِ وإياه؛ فلا نسقطه لأننا إذا أسقطناه فقد تعمدنا قتل نفس مؤمنة، وإذا تركناه وماتت أمه به؛ فالذي أماتها اللَّه عز وجل، ثانيًا: لو أننا أسقطناه وقتلناه؛ فهل نضمن أنَّ الأم تَسْلَمْ؟ لا نضمن، قد تعطب حتى في نفاسها. (ع). (¬1) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "ولو". (¬2) هذا رجل في رأسه قمل أو جروح، فإذا أزال الشعر لدفع الأذية، فعليه الفدية لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ. . .} [البقرة: 196]، فأما إن تسلط الشعر على جرح أو على عينه فأزال الشعر؛ فلا حرج عليه، مثل أن يكون في جبهته جرح وشعره ينزل، فله أن يقص ما كان على الجرح، ولا شيء عليه؛ لأن ذلك لدفع أذاه، ومثله لو نزل بعينه شعر -نسأل اللَّه العافية-، بعض الناس بخرج الشعر في جفنه من الداخل، ويؤذي عينه، فإذا نقشه بالمنقاش وهو محرم؛ فلا شيء عليه لأن هذا لدفع أذاه، على أنه سبق لنا أنَّ في شعر غير الرأس خلاف بين أهل العلم، هل يحرم على المحرم أم لا؟ (ع).

في الماء؛ لم يضمنه. - (ومنها): لو وقعت بيضة نعامة من شجرة في الحرم على عين إنسان، فدفعها فانكسرت؛ فلا ضمان عليه، بخلاف ما لو احتاج إلى أكلها لمخمصة (¬1). - (ومنها): لو قلع شوك الحرم [لأذاه؛ لم يضمنه] (¬2)، ولو احتاج إلى إيقاد غصن شجرة؛ ضمنه، ذكره أبو الخطاب (¬3) وغيره، وخالف صاحب "المغني" (¬4) في جواز قطع الشوك؛ للنص (¬5) الوارد فيه (¬6). ¬

_ (¬1) لو نام رجل تحت شجرة فيها عشُّ طائر نعام أو غيره، فسقطت بيضةٌ على عينة، فأبعدها بيده، فانكسرت؛ فإنه لا يضمنها لأنه دفعها لأذاه، ومثله: لو جاء رجل وربض عليه وألقاه فانكسرت يده؛ فهذا لا شيء عليه لأنه دفع أذاه. وفي العمليات الجراجة أحيانًا يزيلون شعر اللحية أو شعر البطن أو شعر الصدر لعملية جراجة؛ فهذا لا بأس فيه، فقد أزال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- شعر الرأس للحجامة وهو محرم، مع أن شعر الرأس ما يجوز إزاله للمحرم؛ فالشعر المحترم الذي لا يجوز حلقه، إذا دعت الحاجة إلى حلقه لجراحة أو غيرها؛ فلا بأس بإزالته. (ع). (¬2) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب): "لم يضمنه لأذاه" هكذا بتقديم وتأخير. (¬3) انظر: "الهداية" (1/ 96) لأبى الخطاب رحمه اللَّه. (¬4) انظر: "المغني" (3/ 169/ 2411). (¬5) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الحج، باب فضل الحرم، 3/ 449 / رقم 1587)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشدٍ على الدوام، 3/ 986 - 987/ رقم 1353)؛ عن ابن عباس؛ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فتح مكة: "إنَّ هذا البد حرَّمه اللَّه: لا يُعضَد شوكُه، ولا يُنَفَّر صيدُه". لفظ البخاري. (¬6) الصواب مع صاحب "المغني" في هذه المسألة؛ لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا =

27 - القاعدة السابعة والعشرون من أتلف نفسا أو أفسد عبادة لنفع يعود إلى نفسه؛ فلا ضمان عليه، وإن كان النفع يعود إلى غيره؛ فعليه الضمان

(القاعدة السابعة والعشرون) من أتلف نفسًا أو أفسد عبادة لنفع يعود إلى نفسه؛ فلا ضمان عليه، وإن كان النفع يعود إلى غيره؛ فعليه الضمان. - فمن ذلك: الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على أنفسهما؛ فلا فدية عليهما، وإن أفطرتا خوفًا على ولديهما؛ فعليهما الفدية في المشهور عند الأصحاب (¬1). ¬

_ = يُعضَدْ شوكُه"؛ فنص على الشوك، فالشجر ذو الشوك في الحرم لا يجوز قطعه ولو كان لدفع أذاه؛ لأن الشجر لم يأت اليك، أنت الذي جئت إليه وقلعته لأجل أن تسلم من أذيته، بخلاف الطير الصائل، ومثل ذلك أيضًا لو أن إنسانًا عض يدك، فأخرجتها من فمه بقوة، فانقلعت ثناياه ورباعيه العليا والسفلى، وبقي فمه أجوف؛ فلا تضمنه. والمهم من هذه القاعدة وهي مهمة ومفيدة لطالب العلم: إذا أتلف الإنسان الشيء لدفع أذيته؛ فهو غير ضامن؛ لأنه هو الذي أهدر حرمة نفسه، وإن أتلفه لدفع أذًى في المتلف، فإنه يضمنه. (ع). (¬1) هذه المسألة فيها خلاف؛ فإن الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان؛ فمن العلماء من يقول: عليهما الفدية فقط ولا صيام، كالشيخ الكبير، ومنهم من يقول: عليهما الصيام فقط دون الفدية؛ كالمريض، ومنهم من يقول بالتفصيل: إن أفطرتا خوفًا على أنفسهما؛ فعليهما الصيام دون الإطعام، وإن أفطرتا خوفًا على الولد؛ فعليهما الصيام، وأقربُ الأقوال أنّ عليهما القضاء فقط؛ لأنهما أفطرتا لعذر، سواءً كان يعود إليهما أو إلى غيرهما، كما لو أفطر الإنسان لإنقاذ غريق؛ فعليه القضاء فقط دون الإطعام، فهكذا المرأة =

- (ومنه) (¬1): لو نجَّى غريقًا في رمضان، فدخل الماء [في] (¬2) حلقه، وقلنا: يفطر [به] (¬3)؛ فعليه الفدية، وإن حصل له بسبب إنقاذه ضعف في نفسه فأفطر؛ فلا فدية عليه؛ كالمريض في قياس المسألة التي قبلها، [أفتى بذلك ابن الزاغونيي] (¬4)، وفي "التلخيص" بعد أن ذكر الفدية على الحامل والمرضع للخوف على جنينيهما، وهل يلحق بذلك من افتقر إلى الافطار لإنقاذ غريق (¬5)؛ يحتمل وجهين (¬6). - (ومنه) (1) لو دفع صائلًا عليه بالقتل لم يضمنه، ولو دفعه عن غيره بالقتل؛ ضمنه، ذكره القاضي، وفي " [الفتاوى] (¬7) الرحبيات" عن ابن عقيل وابن الزاغوني: لا ضمان عليه أيضًا. - (ومنه) (1): لو أكره على الحلف بيمين لحق نفسه، فحلف دفعًا ¬

_ = الحامل أو المرضع إذا أفطرنا خوفًا على الولد؛ فعليهما القضاء فقط، ثم يلها القول بأن عليهما الإطعام فقط دون الصيام، والجمع بينهما محل نظر، (ع). (¬1) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "ومنها". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين (أ) و (ج): "إلى". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المبطوع و (أ) و (ب). وقال ابن رجب في كتاب "الذيل" (ا / 125): "ومنها [أي: من فتاوى ابن عقيل]: إذا رأى إنسانًا يغرق، يجوز له الإفطار إذا تيقن تخليصه من الغرق، ولم يمكنه الصوم مع التخليص، ووافقه ابن الزاغوني" اهـ. (¬5) في نسختي (أ) و (ب): "غيره"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬6) المذهب أنه لا فدية، إذا أفطر لإنقاذ الغريق؛ فعليه القضاء فقط. (ع). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

للظلم عنه؛ لم تنعقد يمينه، ولو أكره على الحلف لدفع الظلم عن غيره فحلف؛ انعقدت يمينه، ذكره القاضي في "شرح المُذْهَب"، وفي "الفتاوى الرحبيات" عن أبي الخطاب أيضًا: لا تنعقد. وهو الأظهر (¬1). * * * ¬

_ (¬1) الصحيح أنها لا تنعقد مع الإكراه، وهذه القاعدة في معظم فروعها خلاف، وهي مع هذا فيها نظر، لأن قوله: "من أتلف نفسًا لنفع يعود إلى نفسه؛ فلا ضمان عليه" غير صحيح لو أخذناه بظاهره، وقد مضى في القاعدة السابقة أنه من جاع فأتلف نفسًا، ضمنها، وهذا يتنافى مع إطلاقها، فلو قيدت "من أتلف نفسًا يجوز إتلافها"؛ صار قوله "النفع يعود إلى نفسه أو إلى غيره؛ لا محل له، ومثاله في الصَّائِل إذا صال على نفسه؛ فإنه لا يضمنه، فإن صال على غيره، ضمنه على ما في كلام المؤلف، والقول بضمانه فيه نظر؛ لقول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا. قالوا: يا رسول اللَّه! هذا ننصره مظلومًا؛ فكيف ننصره ظالمًا؛ قال: تأخذ فوق يده". (ع). قلت: حديث "انصر أخاك ظالمًا. . . " أخرجه البحاري في "صحيحه" (رقم 2443، 2444، 6952)، وتكلمتُ على طرقه بإسهاب في تحقيقي لـ"جزء فيه أحاديث مننقاة من حديث أبي القاسم الطبراني" انتخاب ابن مردويه (رقم 6).

28 - القاعدة الثامنة والعشرون إذا حصل التلف من فعلين، أحدهما مأذون فيه والآخر غير مأذون فيه؛ وجب الضمان كاملا على الصحيح، وإن كان من فعلين غير مأذون فيهما؛ فالضمان بينهما نصفين حتى لو كان أحدهما من فعل من لا يجب الضمان عليه؛ لم يجب على الآخر أكثر من ا

(القاعدة الثامنة والعشرون) إذا حصل التلف من فعلين، أحدهما مأذون فيه والآخر غير مأذون فيه؛ وجب الضمان كاملًا على الصحيح، وإن كان من فعلين غير مأذون فيهما؛ فالضمان بينهما نصفين حتى لو كان أحدهما من فعل من لا يجب الضمان عليه؛ لم يجب على الآخر أكثر من النصف. ويتفرع على ذلك مسائل: - (منها): إذا زاد الإِمام سوطًا في الحد، فمات المحدود؛ فحكى أبو بكر في المسألة قولين: (أحدهما): يجب كمال الدية. (والثاني): يجب نصفها. والأول هو المشهور، وعليه القاضي وأصحابه؛ لأن المأذون فيه لا أثر له في الضمان، وإنما الجناية ما زاد عليه فأسند بالضمان إليها (¬1). ¬

_ (¬1) حصل التلف من فعلين: أحدهما: مأذون فيه، وهو الحد، مثلًا: الزاني يجلد مئة جلدة؛ فهذا الإمام جلده مئة جلدة وجلدة، المئة مأذون فيها، والزائدة غير مأذون فيها، فمات المحدود من الجميع؛ لأن الواحدة لو انفردت ما أماتته. =

- (ومنها): لو اقتص من الجاني ثم جرحه هو أو غيره عدوانًا، [فمات] (¬1)؛ وجب كمال الدية. وفيه وجه آخر: أنه يجب نصفها. - (ومنها): لو رمى صيدًا فأثبته ولم يُوَحِّه، ثم رماه آخر رمية غير مُوَحِّية ومات من الجرحين؛ وجب ضمان الصيد كله مجروحًا بالجرح الأول على الثاني على المشهور من المذهب، لكن من الأصحاب من يعلله بأن رمي الثاني انفرد بالعدوان؛ فاستقل بالضمان، ومنهم من يعلله بأن رميه كان سببًا للتحريم؛ فلذلك وجب عليه كمال الضمان. ويتخرج على التعليل الأول وجه آخر: بأنه يضمنه بنصف القيمة مما قبلها (¬2). ¬

_ = يقول المؤلف: في المسألة قولين: أحدهما: يجب كمال الدية؛ لأن القتل حصل من فعلين، أحدهما مأذون فيه، والآخر غير مأذون فيه؛ فغلب جانب الحظر الذي هو المنهي، فجعل الحكم له. والثاني: يجب نصفها بناءً: على التقسيم ما دام التلف حصل من فعلين: أحدهما مأذون فيه، والثاني غير مأذون؛ فيسقط للمأذون فيه النصف. ولو قال قائل: إنه يلزمه بقسطه -فإذا كان مثلًا ثمانين، وزاد ثمان جلدات، ومات؛ يجب عليه واحد من إحدى عشر؛ لأنه مات من ثمانٍ وثمانين، وثمان من ثمانٍ وثمانين نسبتها واحدة من إحدى عشر؛ لكان له وجه، ولعله أجود الأقوال الثلاثة، أجود من القول بأنه يضمن الجميع، وأجود من القول بأنه يضمن النصف. (ع). (¬1) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬2) هذا رجل رمى صيدًا في الحرم، فأثبته -يعني: حبسه فصار لا يقدر أن يطير-، وجاء إنسان آخر فرماه ومات؛ مات من الجرحين، قال المؤلف: "وجب ضمان الصيد كله"، =

- (ومنها): لو استأجر دابة لمسافة معلومة فزاد عليها، أو لحمل مقدار معلوم فزاد عليه فَتَلِفَت الدابة؛ فإنه يضمنها بكمال القيمة، نص عليه في الصورة الأولى. وخرج الأصحاب وجهًا آخر بضمان النصف من مسألة الحد، وكذلك حكم ما إذا ركب الدابة مع المستأجر غيره فتلفت تحتهما (¬1). - (ومنها): إذا اشترك مُحِلٌّ ومُحْرِمٌ في جرح صيد ومات من الجرحين؛ فإنه يلزم المحرم ضمانه كاملًا. هذا ظاهر كلام أحمد رحمه اللَّه في رواية ابن منصور ومُهَنَّا، وقال القاضي في "المجرد": مقتضى الفقه عندي أنه يلزمه نصف الجزاء. وقاسه على مشاركة من لا ضمان عليه في ¬

_ = أي: وجب ضمان الصيد كله مجروحًا بالجرح الأول على الثاني؛ فيكون الضمان على الثاني، والأول ليس عليه ضمان، ولكن عليه أرش الجرح فقط؛ لأن الأول جَرْحُه ليس بمُوحٍّ -أي: ليس بقاتل-، وإنما أثبته إثباتًا، والذي جرحه وأماته هو الثاني. ومن الأصحاب من يعلله بأن رمي الثاني انفرد بالعدوان، فاستقل بالضمان، ومنهم من يعلله بأن رميه كان سببًا للتحريم، فلذلك وجب عليه كمال الضمان؛ فالضمان على الثاني دون الأول على اختلاف التعليلين، وقول المصنف: "ويتخرج على التعليل. . . " إلى: "مما قبلها" معناه: إذا كان هناك سبب مباح وسبب محرم، فإن الضمان بينهما نصفين، والظاهر في هذه المسألة أن يقال: إن الضمان على القاتل، وعلى من جرحه غير قاتل عليه ضمان إرشه فقط؛ فيُجازى كلٌّ بحسب عدوانه. (ع). (¬1) استأجر دابةً لمسافة معلومة، فزاد عليها، فَتَلِفَتْ؛ فيكون الضمان بكامل القيمة، وقيل: يلزمه النصف؛ لأنّ تلفها كان من التعب الأوَّل والثاني، والكن الظاهر أنه يضمنها بكمال القيمة، لأن التعب الأول ليس سببًا لهلاكها، لكن الذي أهلكها هو التعب الثاني، وكذلك لو استأجرها لحمل مئة رطل، فحمل عليها مئة وخمسين، فهلكت؛ فإنه يضمنها بكمال القيمة. (ع).

إتلاف النفوس والأموال، والفرق واضح؛ إذ الإذن هناك منتف، وها هنا موجود. نعم، إن قصد المحل إعانة المحرم ومساعدته على قتل الصيد توجه ما ذكره القاضي؛ فإنه يكره له ذلك أو يحرم عليه، كما إذا باع من لا جمعة عليه [لمن] (¬1) عليه [الجمعة] (¬2) بعد النداء (¬3). ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "ممن". (¬2) في نسخة (أ): "جمعة". (¬3) إذا اشترك محل ومحرم في قتل الصيد؛ فإنه باعتبار قتل المحرم إياه يكون حرامًا بلا شك، وباعتبار قتل المحل يكون حلالًا، كما أنه باعتبار قتل المحرم يكون مضمونًا، وباعتبار قتل المحل لا يكون مضمونًا، ولهذا لا يلزم المحرم ضمانه كاملًا، لأن فعل غير المحرم ليس حرامًا، بل هو مأذون فيه؛ فأحيل الضمان على من كان حرامًا عليه، هذا هو الذي نص عليه أحمد في ظاهر كلامه، وقال القاضي: مقضى الفقه عندي أنه يلزمه نصف الجزاء؛ لأن موت الصيد حصل بفعلين، أحدهما جائز والثاني حرام، وقاسه على مشاركة من لا ضمان عليه في إتلاف النفوس والأموال؛ فإنه إذا اشترك اثنان في إتلاف نفس أحدهما لا ضمان عليه والثاني عليه ضمان؛ فإن الضمان يكون على من عليه الضمان بالنصف فقط، مثل: اشترك رجل وأجبي في إتلاف مال نفسه؛ فالرجل لا ضمان عليه، والأجنبي عليه الضمان، ولكن يقول المؤلف هنا: إن بينهما فرق، والفرق واضح، إذ الإذن هناك منتف، والإذن هنا موجود؛ فالإذن في مسألة الصيد منتف؛ إذ ليس للمحل أن يشارك المحرم في قتل الصيد، بل الواجب عليه إذا رأى محرمًا يريد أن يصطاد صيدًا؛ فعليه أن ينهاه عن ذلك لأنه من المنكر، وأما من شارك في حال يحل له إتلافه وشارك غيره؛ فإن هذا الذي شارك مأذون له فيه لأنه ماله، أو مأذون له في إتلافه، لكن يقول؛ نعم، إن قَصَدَ المحل إعانة المحرم ومساعدته على قتل الصيد، توجه ما قاله القاضي، فإنه يكره له ذلك أو يحرم عليه، وحينئذٍ يكون مشاركًا في أمر محرم؛ فيكون الضمان بينهما نصفين، كما لو باع من لا جمعة عليه لمن عليه الجمعة بعد النداء، فالبيع حكمه حرام، مع أن من لا جمعة عليه =

- (ومنها): لو اشترك في جرح آدميّ مُقْتَصٌّ وغيرُهُ؛ فهل يجب على شريك المقتص كمال الدية [أو] (¬1) نصفها؟ ¬

_ = العقد في حقه حلال، ولكن هذا عقد لا يكون إلا بين اثنين. (ع). فائدة: يجوز للمحرم أن يأكل من الصيد إذا لم يصده ولم يُعِن عليه ولم يُصَد له؛ لحديث أبي قتادة: "أنه كان مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلَّف مع أصحابٍ له مُحرمين وهو غيرُ مُحرم، فرأى حمارًا وحشيًّا، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سَوْطَه، فأبَوْا عليه، فسألهم رُمْحَهُ، فأبو عليه، فأخذه، ثم شدَّ على الحمار فقتله، فأكل منه بعضُ أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبى بعضُهم، فلما أدركوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سألوه عن ذلك؛ فقال: إنما هي طُعْمَةٌ أطعَمَكُم اللَّه". وإذا صاد المحرم صيدًا؛ فهو حرام عليه وعلى غيره، حتى على المُحِلّ، لأنَّ قتل المحرم له يجعله بمثابة الميتة. (ع). قلت: حديث أبي قتادة السابق أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 350)، وأحمد في "المسند" (5/ 302)، والبخاري في "صحيحه" (كتاب الجهاد، باب ما قيل في الرَّماح، 6/ رقم 2914)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الحج، باب تحريم الصّيد للمحرم، رقم 1196)، وأبو داود في "السنن" (كتاب المناسك، باب لحم الصيد للمحرم، رقم 1852)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب الحج، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، 5/ 182)، والترمذي في "الجامع" (أبواب الحج، باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم، رقم 847)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب المناسك، باب الرخصة في ذلك إذا لم يُصَدْ له، رقم 3093)، وغيرهم. وورد عن جابر رفعه: "صيد البر حلال لكم ما لم يصيدوه أو يُصَد لكم"، وهو ضعيف، فيه ثلاث علل كما فصّلته في تعليقي على "الموافقات" (3/ 10 - 12)، وللَّه الحمد. (¬1) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "و".

على وجهين. - (ومنها): لو تزوج امرأة ثم دفعها هو وأجنبي فأذهب عذرتها، ثم طلقها قبل الدخول؛ فنصَّ أحمد في رواية مُهَنَّأ على أنه يجب على الأجنبي نصف [الغرم] (¬1)، وهو أرش البكارة، وعلى الزوج نصف المهر فقط من غير أرش، ووجه ذلك أن إذهاب البكارة على هذا الوجه غير مأذون فيه؛ فيسقط الضمان به، ولزم الأجنبي نصف الأرش، وأما الزوج؛ فأرش البكارة غير مضمون عليه، وإنما المضمون عليه المهر، ولم يوجد ما يقرره. وخرج صاحب "المغني" (¬2) وجهًا آخر: أنه يتقرر المهر كله على الزوج بهذا الفعل مع انفراده به؛ لأن الأجنبي لو استقل بهذا الفعل للزمه مهر المثل كله على رواية منصوصة نقلها مهنا أيضًا، فإذا كان موجبًا للمهر ابتداءً؛ فلأن يقرره أولى، ولكن في صورة الاشتراك في الفعل غير المأذون فيه إنما يجب على الزوج نصف الضمان. نعم، يتخرج من هذه الرواية رواية أخرى: أن الأجنبي هنا عليه [نصف مهر المثل] (¬3). واختار ابن عقيل: أن الزوج هنا يجب عليه نصف أرش البكارة مع نصف المهر؛ لأن الزوج إنما يستحق إتلاف البكارة تبعًا لاستيفاء حقه من الوطء، فإذا أتلفه على غير هذا الوجه، ضمنه (¬4)؛ كالمستعير إذا أتلف ¬

_ (¬1) في (أ) و (ج): "العقر"، وفي المطبوع و (ب): "الغرم". (¬2) انظره في: "المغني" (7/ 194/ 5621). (¬3) في نسخة (أ): "نصف المهر". (¬4) الظاهر أن أقرب الأقوال هذه هو قول ابن عقيل: أن الزوج عليه نصف المهر =

خَمْل المِنْشَفَة مثلًا بغير استعمال (¬1)؛ فإنه يضمن (¬2). ¬

_ = ونصف إرش البكارة، وعلى الثاني نصف إرش البكارة، مثاله: رجل تزوج امرأة بكرًا، ثم قابلها في السوق ومعه صديق له، فأمسكا بها ودفعاها، فذهبت بكارتها، ثم طلقها زوجها قبل الدخول، والرجل إذا طلق زوجته قبل الدخول؛ يجب عيه نصف المهر، بقينا في البكارة الآن، المرأة إذا كانت بكرًا ليست كما لو كانت ثيبًا، إذا كان مهرها ثيبًا مئة درهم؛ فمهرها بكرًا مئتا درهم مثلًا؛ فأرش البكارة مئة، هذه المئة هل نقول: نصفها على الأجنبي وليىس على الزوج منها شيء؛ لأن أرش البكارة دخل في نصف المهر، أو نقول: إن الأجنبي عليه الضمان كاملًا، ضمان أرش البكارة، والمهر على التخريج الأخير، أو نقول: إن الزوج عليه نصف المهر ونصف الأرش والأجنبي عليه نصف أرش البكارة؟ هذا القول الأخير هو اختيار ابن عقيل، وهو قياس، فإن قلت: يلزم على هذا القول أن الرجل إذا جامع زوجته ثم طلقها لزمه المهر كاملًا وأرش البكارة، لأنك قلت: إذا طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر وأرش البكارة؛ فالجواب على ذلك ذكره ابن عقيل؛ قال: إن ذهاب البكارة بالوطء إنما ذهب لحق الاستمتاع بها، بخلاف ما إذا ذهب من أجل دفعها، فإن دفعها غير مأذون فيه للزوج، فيجب أن يحمَّل من الضمان بقدرة، بخلاف الوطء، ولهذا سقط أرش البكارة فيما إذا جامعها ثم طلقها، بخلاف ما إذا دفعها ثم طلقها قبل الدخول؛ فيكون على الزوج نصف أرش البكارة، وعلى الأجنبي نصف أرش البكارة، وعلى الزوج نصف المهر؛ لأنه طلق قبل الدخول، فلو لم يطلقها ورضي بها زوجةً له، فيسقط عنه نصف أرش البكارة، وعليه المهر كاملًا، وعلى صديقه نصف أرش البكارة، فهذا القول -قول ابن عقيل- هو الذي تطمئن له النفس. (ع). (¬1) في نسخة (أ): "الاستعمال". (¬2) المُخْمَل: نسيج له خَمْل، أي: وبر، وهو كالهدب في وجهه، والمُخْمَل: ضرب من الثياب، ومخْمَلْة: طنفسة من القطن ذات أهداب، وتجمع على مُخْمَلات. انظر: "تكملة المعاجم العربية" (4/ 212 - 213). قال الشيخ ابن عثيمين: "إذا ذهب خمل المنشفة بالاستعمال؛ فلا ضمان للإذن بذلك، ولكن لو ذهب بالحتِّ ونحوه؛ فيما لا يأذن فيه المالك يضمن لعدم الإذن بذلك، =

وأيضًا، فلو وجب لرجل قصاص على آخر في نفسه، فقطع بعض أعضائه عدوانًا؛ ضمنه لأنه لم يستحق إتلاف بعض أعضائه إلا تبعًا لإتلاف جملته لا استقلالًا. [ويتخرج] (¬1) فيه وجه آخر: أن الأرش كله أو مهر المثل على الأجنبي؛ لأنَّ الزَّوجَ مأذونٌ له في إتلاف هذا الجزء في الجملة، فيكون الأجنبي منفردًا (¬2) بالجناية عليه، [فيكتمل الضمان عليه] (¬3)، [ولو رمى ثلاثة بالمنجنيق، فرجع الحجر على أحدهم فقتله؛ فهل تجب على الآخَرَيْنِ ثُلثا ديته أو كمالها؟ على روايتين] (¬4). * * * ¬

_ = وهذا يوضح المسألة السابقة؛ فهو قياس في غاية الوضوح؛ فالبكارة إذا أتلفها الزوج بالوطء؛ فقد أتلفها فيما أُذن له فيه، وإن أتلفها بالدفع؛ فقد أتلفها في شيء غير مأذون فيه". (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬2) في نسخة (أ): "منفردٌ"! (¬3) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "فيستكمل عليه الضمان". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج).

29 - القاعدة التاسعة والعشرون من سومح في مقدار يسير فزاد عليه؛ فهل تنتفي المسامحة في الزيادة وحدها أو في الجميع؟

(القاعدة التاسعة والعشرون) من سُومح في مقدار يسير فزاد عليه؛ فهل تنتفي المسامحة في الزيادة وحدها أو في الجميع؟ فيه وجهان، وللمسألة صور: - (منها): الوكيل في البيع مع الإطلاق يملك البيع بثمن المثل وبدونه بما (¬1) يتغابن بمثله عادةً، فإذا باع بما لا يُتغابن بمثله عادة؛ فهل يضمن بقية ثمن المثل كله، أو القدر الزائد عما يُتغابن به عادة؟ على وجهين. ورجَّح ابنُ عقيل ضمانَ بقية ثمن المثل كله (¬2)، واستشهد له ¬

_ (¬1) في نسخة (ج): "مما". (¬2) يقول ابن عقل -وهو من العلماء الكبار-: يضمن بقية ثمن المثل كلَّه، واستشهد لكلامه بالصور الآتية: النجاسة الكثيرة في الثوب يجب غسلها، أو يُغسل منها ما لا يُعفى عنه؟ يجب غسلها كلها، مثال ذلك: رجل فيه بقعة دم يسيرة ما يجب غسلها، ولكنها زادت حتى أصبحت كبيرة لا يُعفى عنها؛ فهل نقول: اغسل من هذه البقعة حتى يبقى جزء يُعفى عنه، أو نقول: اغسل البقعة كلها؟ اغسل البقعة كلها، فيقول ابن عقل: كما أننا أوجبنا أن نغسل البقعة كلها ولا نترك منها ما يُعفى عنه، كذلك نضمنه النقص كله ولا نترك ما يعفى عنه، هذا أصل قاس عليه. =

بالنجاسة الكثيرة في الثوب يجب غسلها، ولا يفرد [منها] (¬1) ما يعفى عنه بانفراده، وكذلك العمل الكثير في الصلاة؛ فإنه لو أفرد (¬2) منه القدر المعفو عنه بانفراده؛ فقد يصير الباقي يسيرًا، فيلزم العفو عن الكل، وكذلك [إذا] (¬3) ضرب الصبي معلمه أو المرأة زوجها ضربًا مبرحًا وماتا؛ ضمن الدية كلها، ولو عفى عن القدر المباح بانفراده؛ لم يجب كمال الدية (¬4). ¬

_ = وأصل ثان كذلك، وهو العمل الكثير في الصلاة؛ فإنه لو أفرد الجزء المعفو عنه؛ بقي الثاني غير كثير، ولو فرضنا أن العمل الكثير في الصلاة ما بلغ ست حركات مثلًا، فلو أننا قلنا: إننا نؤاخذه بما زاد على ما يُعفى عنها لكان الزائد ثلاث حركات، وقد قلنا: إن ثلاث حركات يُعفى عنها؛ فيلزم من ذلك أن يعفو عن هذا العمل الكثير، ولذلك نؤاخذه بكل العمل؛ فنقول: هذا عمل كثير مبطل للصلاة، والمقصود أننا لو قلنا: إن الثلاث حركات عمل يُعفى عنه والست لا يُعفى عنه، فلو أننا ألغينا العمل المعفو عنه، لقلنا: كذلك الزائد يُعفى عنه، وعلى هذا؛ فلو تحرك ست حركات وهي كثيرة، فإن الصلاة لا تبطل لأننا إذا ألغينا ما يُعفى عنه بقي حركات يُعفى عها، وحينئذ لا تبطل الصلاة، وإذا كنا لا نعفوا عن القدر المتسامح فيه في العمل الكثير في الصلاة؛ فكذلك البيع. وهنالك أصل ثالث سيأتي التنبيه عليه قريبًا. (ع). (¬1) كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) والمطبوع: "ها ها". (¬2) في نسخة (ج): "انفرد"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "حكم". (¬4) لو فرضنا أن الصبيَّ يتأدب بعشر ضربات، لكن ضربه المعلم عشرين ضربة فمات، فلو قلنا: إن القدر المعفو عنه من أجل التأديب يسقط، فإنه يلزمه نصف الدية لأنه مات بعشر وعشر؛ فعفي عن عشر، فبقي نصف الدية، ولكن في هذه الحال نقول: يلزم الدية كاملة، فابن عقيل قاس مسألة البيع على هذا الأصل كذلك، ولكن ابن رجب في هذه الصورة الأخيرة قال: إنها تُرَدُّ إلى القاعدة؛ فهذا التلف تولد من ضرب مأذون فيه وغير مأذون فيه، فأوجب كمال الضمان كما لو زاد على الحدّ سوطًا؛ فلا دلالة فيها، أي فلا دلالة فيها =

وهذه الصورة الأخيرة ترد إلى القاعدة التي قبل هذه؛ حيث كان التلف تولد من ضرب مأذون فيه وغير مأذون، فأوجب كمال الضمان، كما لو زاد على الحد سوطًا؛ فلا دلالة له فيها. - (ومنها): لو أكل المضحي جميع أضحيته؛ فهل [يلزمه] (¬1) ضمان ثلثها أو ما يقع عليه الاسم؟ على وجهين. ولو تصدق أولًا بما يقع عليه الاسم أجزأه؛ لأن الصدقة بالثلث [كله] (¬2) مستحب ليس بواجب على المشهور في المذهب (¬3). ¬

_ = على ما قال، واستفدنا من قول ابن رجب رحمه اللَّه؛ فلا دلالة فيها على ما قال أن الفقهاء رحمهم اللَّه يجعلون القياس على المسائل المتفق عليها دليلًا. وعندي أن قول ابن عقيل قوي وجيد؛ لأن تصرفك في اليسير مأذون فيه، ولكن الكثير غير مأذون فيه؛ فينبغي أن يُغلظ العقوبة، وكذلك مثل هذا التوكيل في الشراء، فإذا اشترى الوكيل لي شيئًا يساوي مئة، فاشتراه بمئة ودرهم؛ فإنه لا يضمن الدرهم لأن هذا مما يُتغابن به عادة، ولكنه اشتراه بمئة وخمسين؛ فهل يضمن الخمسين أم تسعة وأربعين؟ الدرهم مما يتغابن فيه عادة؛ فيقال: يُضمّن الخمسين على الصحيح. (ع). (¬1) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "يلزم". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) الصحيح في هذه المسألة أنه لا يلزمه أن يتصدق بالثلث؛ لأنه لا يجب الثلث أصلًا، وهذا من حقوق اللَّه، فلو أكلها كلها ضمن أقل ما يقع عليه اسم اللحم، ودليل ذلك (أعني: الإطعام) منها: قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]؛ فالإطعام واجب، وهل الأكل منها واجب؟ هذا هو الظاهر، بل هو الصحيح؛ لأن الأمر واحد، وقال بعضهم: إن الأمر بالأكل =

- (ومنها): لو تعدى الخارج من السبيل موضع العادة؛ فهل يجب غسل الجميع أو القدر المجاوز لموضع العادة ويجزئ الحَجَرُ في موضع العادة؟ على وجهين: أشهرهما: أن الواجب غسل المتعدي خاصة، وهو قول القاضي، وربما نسبه إلى نص أحمد؛ لأن هذا لا ينسب فيه إلى تفريط، وتعد بخلاف الوكيل والمضحي. والثاني: يلزمه غسل الجميع، وبه جزم القاضي أبو يعلى الصغير، ولم يحك فيه خلافًا (¬1). ¬

_ = للإباحة والأمر بالإطعام على سبيل الوجوب، وعللوا ذلك بأن الصدقة لمنفعة الغير والأكل لمنفعتك، ولكن يقال: حتى لو كان لمنفعتك؛ فأنا مأمور أن أتبسط بنعمة اللَّه، ولهذا أمر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يؤخذ من كل بعير قطعة -وهي مئة بعير-، وطبخت؛ فأكل من لحمها وشرب من مرقها. (ع). قلت: أخرج مسلم في "صحيحه" (كتاب الحج، باب حجة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، رقم 1218) ضمن حديث جابر الطويل: "ثم انصرف إلى المَنْحَر، فَنَحَر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا؛ فنحر ما غبر -أي: ما تبقّى-، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة؛ فجُعِلَتْ في قِدْر، فطبخَتْ؛ فأكلا من لحمها وشَربا من مرقها". (¬1) القاضي أبو يعلى الصغير والكبير، فإذا أطلق القاضي، فهو الكبير، وكلاهما من أتباع أحمد، وهذه المسألة مرت علينا في باب الاستنجاء، وذكرنا هناك في الاستجمار ألا يتعدى الخارج موضع العادة، فإن تعدى موضع العادة؛ فإنه لا يجزئ فيه إلا الماء. وهنا فائدة جديدة: فهل نقول: إن الماء يجب فيما زاد على موضع الحاجة وما كان في موضع العادة يكفي فيه الحجر، أم لا بد من غسل الجميع؟ =

- (ومنها): [لو] (¬1) أدى زكاته إلى واحد، وقلنا يجب الأداء إلى ثلاثة؛ فهل يضمن الثلثين [أو] (¬2) يقع عليه الاسم؟ على وجهين (¬3). ¬

_ = فيها قولان، وقول المؤلف: إن هذا ليس من تفريطه؛ فربما يقال: إن الخارج إسهالٌ، ويكون مضجعًا فيكون هذا من تفريطه. (ع). قلت: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات": "ويجزئ الاستجمار ولو تعدّى الخارج"، وحد المخرج في "شرح العمدة" بأن ينتشر الغائط إلى نصف باطن الألية فأكثر، والبول إلى نصف الحشفة فأكثر، وقال ابن عقيل في "الفصول": "وحد المخرج نفس الثقب"، وقال الخرقي: "وما عدا المخرج؛ فلا يجزئ فيه إلا الماء"، قال الزركشي في "شرحه" (1/ 231): "وإطلاق الخرقي يقتضي غسل ما جاور المخرج مطلقًا، وهو ظاهر كلام بعضهم، قال ابن عقيل والشيرازي: لا يستجمر في غير المخرج". وانظر في المسألة: "المحرر" (1/ 10)، و"الهداية" (1/ 12)، و"المقنع" (1/ 31)، و"المبدع" (1/ 89)، و"الكافي" (1/ 65)، و"الإنصاف" (1/ 105)، و"كشاف القناع" (1/ 73)، و"مطالب أولي النهى" (1/ 73 - 75). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع: "و". (¬3) فالوجه الأول: إنه يضمن ما يقع عليه الاسم. والوجه الثاني: بضمن الثلثين. مثاله: زكاتي ثلاث مئة، فأديتها إلى فقير واحد، فإذا قلنا: إنه لا بد أن تؤدى إلى ثلاثة؛ لأن أقل الجمع ثلاثة، واللَّه يقول: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]؛ فأقل الجمع ثلاثة، فلا بد من تأديتها إلى ثلاثة فقراء، فإذا أدى ثلاث مئة إلى واحد، فهل يضمن مئتين إلى الثاني والثالث، أو يضمن أقل ما يقع عليه الاسم؟ فإذا قلنا الأخير؛ فكل واحد يعطى ريالًا أو درهمًا، وإذا قلنا: يضمن الثلثين؛ فيعطى كل واحد مئة، والصواب في هذه المسألة أن الزكاة تجزئ إلى فقير واحد؛ لحديث قبيصة: =

30 - القاعدة الثلاثون إذا [أخرج] عن ملكه [مالا] على وجه العبادة، ثم طرأ ما يمنع إجزاءه [أو] الوجوب؛ فهل يعود إلى ملكه أم لا؟

(القاعدة الثلاثون) إذا [أخرج] (¬1) عن ملكه [مالًا] (¬2) على وجه العبادة، ثمَّ طرأ ما يمنع إجزاءه [أو] (¬3) الوجوب؛ فهل يعود إلى ملكه أم لا؟ فيه خلاف. - (فمن ذلك): إذا أوجب هديًا أو أضحية عن واجب في ذمته، ثم تَعَيَّبَتْ؛ فإنها لا تجزئه، وهل يعود المعيب إلى ملكه؟ على روايتين (¬4). ¬

_ = "أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها". قلت: حديث قبيصة أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، رقم 1044)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، رقم 1640)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب الزكاة، باب الصدقة لمن تحمل بحمالة، 5/ رقم 2580)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 210)، وعبد الرزاق في "المصنف" (رقم 2360)، والطيالسي في "المسند" (رقم 834 - المنحة)، والدارمي في "السنن" (رقم 1685)، وأحمد في "المسند" (3/ 477 و 5/ 60)، وابن خزيمة في "الصحيح" (2359 - 2361، 2375)؛ عن قُبيصَة بن مخارق الهلالي رضي اللَّه عنه. (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "خرج". (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "مال". (¬3) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "و". (¬4) والصحيح أنها تعود؛ فمثلًا إنسان عليه هدي تمتع، واشترى شاة وعينها =

- (ومنها): إذا عجل الزكاة، فدفعها إلى الفقير ثم هلك المال؛ فهل يرجع بها أم لا؟ على وجهين (¬1). - (ومنها): لو عجل عن ثلاثين من البقر تبيعًا، ثمَّ نتجت عشرة قبل الحول وقلنا: لا يجزئ التبيع عن شيء منها؛ فهل [يسترجع؟ تخرج] (¬2) على الوجهين (¬3). ¬

_ = وتَعَيَّبَتْ؛ فهي واجبة في ذمته قبل التعييب، وهي الآن لا تجزئ، لو ذبحها؛ فلا بد من شراء غيرها، وإذا اشترى غيرها؛ فهل يعود المعيب إلى ملكه أو لا يعود؟ فيه قولان: قول يلزم ذبحها؛ لأنه عيبها ولا تجزئ عن ذمته لأنها واجبة قبل التعييب، وقول ثان: إنه لما ذبح بدلها ترجع إلى ملكه، وهذا هو الصحيح، ولكن بشرط أن يكون المذبوح مثلها أو أحسن. (ع). (¬1) الصحيح أنه ما يرجع؛ لأن الفقير ملكها، ولو أنه فتح هذا الباب؛ لكانت مشكلة، فلو كان عندي عشرة آلاف؛ فزكاتها مئتان وخمسون، فأعطيتها الفقير قبل؛ تحل، وهي تحل في رمضان مثلًا، وأنا أعطته إياها في محرم، ولكن ما جاء رمضان إلا والمال قد تلف؛ فهل أرجع على الفقير بالمئتين والخمسين لأن المال الذي دفعت الزكاة من أجله قد تلف، أو لا أرجع لأنه ملكها؟ هذا هو الخلاف، والصواب كما ذكرنا عدم الرجوع. (ع). (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج): "يسترجع؟ المخرج"، وفي المطبوع: "يرجع به بخرج"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) الذي يجب في أربعين من البقرة مسنة، فإذا قلنا: لا يجزئ التبيع عن شيء منها؛ فهل يرجع به؟ على الوجهين، والظاهر في مثل هذا أنه يخرج الفرق بين التبيع والمسنة.

31 - القاعدة الحادية والثلاثون من شرع في عبادة تلزم بالشروع، ثم فسدت؛ فعليه قضاؤها على صفة التي أفسدها، سواء كانت واجبة في الذمة على تلك الصفة أو دونها

(القاعدة الحادية والثلاثون) من شرع في عبادة تلزم بالشروع، ثمَّ فسدت؛ فعليه قضاؤها على صفة التي أفسدها، سواء كانت واجبة في الذمة على تلك الصفة أو دونها. ويتخرج على ذلك مسائل (¬1): - (منها): إذا صلى المسافر خلف مقيم وفسدت صلاته؛ فإنه يجب عليه قضاؤها تامة (¬2). - (ومنها): إذا أحرم من بلده ثم أفسد نسكه بجماع؛ وجب قضاؤه والإحرام من موضع إحرامه أولًا، نص عليه أحمد، بخلاف ما إذا أحصر في نسكه ذاك ثم قضاه؛ فإنه لا يلزمه الإحرام إلا من الميقات، نص عليه ¬

_ (¬1) معنى هذه القاعدة أن الإنسان المكلف إذا شرع في عادة تلزمه ثمَّ أفسدها؛ فعليه أن يقضيها على الصفة التي أوجدها، سواء كانت واجبة في الأصل على هذه الصفة أو دونها؛ فهذا إنسان اشترى أضحية سمينة طيبة، ثم ذبح هذه الأضحية قبل يوم النحر؛ فنقول: إنه يجب ضمانها بمثلها، فإذا قال: أفلا يكفيني أن أضحي بشاة مجزئة؟ قيل: لا؛ لأنك أنت الذي فوّت تلك الأضحية. (ع). (¬2) فالمسافر فرضه اثنتان، فإذا صلى خلف مقيم؛ كان فرضه أربعًا، فإذا أفسد هذه الصلاة؛ لزمه أن يقضي أربعًا وإن كان في الأصل لا يلزمه إلا ركعتان.

أيضًا؛ لأن المحصر فيه [لا] (¬1) يلزمه إتمامه (¬2). - (ومنها): إذا عين عما في ذمته من الهدي [أو الأضحية] (¬3) ما هو أزيد صفة من الواجب ثمَّ تلف، فإن كان تلفه بتفريطه؛ فعليه إبداله بمثله، وإن كان بغير تفريط؛ ففيه وجهان حكاهما القاضي في "شرح المذهب"، وجزم صاحب "المغني" (¬4) بأنّه لا يلزمه أكثر مما [كان] (¬5) في ذمته؛ لأن الزيادة وجبت [بتعيينه] (¬6)، وقد تلفت بغير تفريط؛ فسقطت كما لو عين هديًا تطوعًا ثمَّ تلف (¬7). - (ومنها): لو نذر اعتكافًا في شهر رمضان ثمَّ أفسده؛ فهل يلزمه ¬

_ (¬1) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ب) والمطبوع: "لم". (¬2) رجل يريد الحج وهو في القصيم، فأحرم من القصيم، وفي أثناء نسكه جامع زوجته قبل التحلل الأول؛ فإن نسكه يفسد، ويلزمه قضاؤه من العام القادم، ولكن يُحرم من القصيم، ولا يقول: أنا أحرم من الميقات؛ لأنه أفسد عبادة تلزم بالشروع فلزمه أن يقضيها على صفتها من حين الشروع، أما إذا أحصر وتحلل؛ فإنه لا يلزمه الإحرام إلا من الميقات الأصلي؛ لأن هذا بغير اختياره، بخلاف المجامع. (ع). (¬3) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع: "والأضحية". (¬4) انظر قوله في: "المغني" (3/ 285/ 2710). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع: "بتعينه". (¬7) الصحيح ما ذكره صاحب "المغني"، فإذا كان بغير تفريطه؛ فإنه لا يُلزم بأكثر مما يجب عليه؛ فمثلًا: هذا إنسان عليه هدي تمتع، فعيّن شاة طيبة جيدة ثم تلفت الشاة، فإن كان تلفها بتفريط منه أو تعد؛ وجب عليه مثلها وإن كانت أزيد مما في الذمة، أما إذا كانت بغير تفريط منه، مثل لو انطلقت وهربت وعجز عن لحاقها؛ فإنه لا يلزمه أكثر مما يجب في ذمته؛ لأن الزائد تلف من غير تعد ولا تفريط، فلا يلزمه. (ع).

قضاؤه في مثل تلك الأيام؟ على وجهين، وظاهر كلام أحمد لزومه، وهو اختيار ابن أبي موسى؛ لأن في الاعتكاف في هذا الزمن فضيلة لا توجد في غيره؛ فلا يجزئ القضاء في غيره، كما لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام ثم أفسده؛ فإنه يتعين القضاء فيه، ولأن نذر اعتكافه يشتمل على نذر اعتكاف ليلة القدر؛ فتعين لأن غيرها لا يساويها. وعلى هذا؛ فنقول: لو نذر اعتكاف عشرة أيام، فشرع في اعتكافها في أول العشر الأواخر ثمَّ أفسده؛ لزمه قضاؤه في العشر من قابل؛ لأن اعتكاف العشر لزمه بالشروع عن نذره، فإذا أفسده؛ لزمه قضاؤه على صفة ما أفسده (¬1). * * * ¬

_ (¬1) وقول المؤلف: "لو نذر" لا يعني هذا أن النذر جائز جوازًا مستوي الطرفين؛ لأن النذر إما مكروه أو محرم؛ لنهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه، والقاعدة التي تقررت الآن هو أنه إذا شرع الإنسان في عبادة تلزمه، وهذا احتراز من التي لا تلزمه؛ كالتطوع، ثمَّ أفسدها لزمه قضاؤها على الصفة التي أفسدها، وإن كان أكثر أو أزيد مما في ذمته، والتعليل لأنها لزمت بالشروع، ودخوله في هذا الأمر الواجب عبارة عن إلزام نفسه بأن يفعله على هذه الصفة. (ع).

32 - القاعدة الثانية والثلاثون يصح عندنا استثناء منفعة العين المنتقل ملكها من ناقلها مدة معلومة

(القاعدة الثانية والثلاثون) يصح عندنا استثناء منفعة العين المنتقل ملكها من ناقلها مدة معلومة. ويتخرج على ذلك مسائل (¬1): - (منها): المبيع، إذا استثنى البائع منفعته مدة معلومة؛ صح. حُكي فيه رواية أخرى بعدم الصحة (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: "عندنا"؛ أي: عند الحنابلة. ومعنى القاعدة: إنك إذا نقلت عينًا من ملكك، سواء كان هذا النقل إلى ملك آخر من الناس أو نقلته نقلًا مطلقًا؛ كعبد أعتقته واستثنيت منفعة هذا المنقول مدّة معينة؛ فإن ذلك جائز، مثاله: بعت عليك بيتي واستثنيت سكناه سنة؛ فالآن استثنيت منفعة المنقول مدة معينة؛ فهذا جائز، والأصل فيه حديث جابر رضي اللَّه عنه حيث باع على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جمله واستثنى حُملانه إلى المدينة، فوافقه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على هذا الشرط. (ع). قلت: وفصة جابر أخرجها البخاري في "صحيحه" (كتاب البيوع، باب شراء الدواب والحمير، رقم 2097). (¬2) الرواية الأولى أصح، وهي المذهب، أي أنه إذا استثنى منفعة مدة معلومة صح ذلك، مثاله: بعت عليك السيارة بكذا، واشترطت عليك أن أسافر بها وأرجع؛ فهذا جائز كما فعل جابر مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإذا استثنيت المنفعة مدة مجهولة، مثل أن أقول: بعت عليك بيتي هذا بمئة ألف واستثنيت البقاء فيه حتى أشتري بيتًا؛ فهذا لا يصح؛ لأن المدة غير =

- (ومنها): الوقف، يصح أن يقف ويستثني منفعته مدة معلومة أو مدة حياته؛ لأن جهالة المدة هنا لا تؤثر؛ فإنها لا تزيد على جهالة مدة كل بطن بالنسبة إلى من بعده (¬1). ¬

_ = معلومة، فإنه لا يدرى متى تشتري البيت، وقد نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الثُّنَيَا إلا أن تُعلم، فإن قدرت أقصى المدة، فقلت: بعت عليك هذا الببت بشرط أن أسكنه حتى أشتري بيتًا إلى مدة سنة؛ فهل هذا حائز؟ المذهب لا يجوز؛ لأن المدة دون السنة نجر معلومة، ولكن الصحيح أن هذا جائز؛ لأنني إذا اشتريت البيت قبل السنة وخرجت من هذا البيت الذي بعته؛ فليس علي ضرر، وأنت انتفعت. (ع). قلت: حديث "نهى عن الثُنَيَّا إلا أن تُعْلَم" أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب البيوع، باب المحاقلة والمزابنة، رقم 1536)، وأبو داود في "السنن" (كتاب البيوع، باب في المخابرة، رقم 3404، 3405)، والنسائي في "الكبرى" (كتاب الشروط) -كما في "تحفة الأشراف" (2/ 246) - وفي "المجتبى" (كتاب المزارعة، باب النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع، 7/ 37 - 38، وكتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثنيا حتى يعلم، 7/ 296)، والترمذي في "الجامع" (أبواب البيوع، باب ما جاء في النهي عن الثنيا، رقم 1290)، وأحمد في "المسند" (3/ 313، 356، 364)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 304)، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه. والثنيا: أن يبيع ثمر بستانه ويستثني منه جزء غير معلوم. (¬1) فلو قال: وَقَّفْتُ هذا البيت على أن لي سكناه مدة حياتها، وهي غير معلومة، وهي أيضًا عندنا غير معلومة، فلو قال: هذا البيت وقف على أولادي ثم أولادهم، فأولاد الأولاد لا يستحقون السكنى إلا بعد موت الأولاد، وموت الأولاد غير معلوم؛ فكما أن الموقوف عليهم مدتهم غير معلومة؛ فكذلك الواقف إذا استثنى مدة حياته؛ فهو كما لو انتفع الموقوف عليه بهذا الوقف مدة حياته. ووجه آخر: بأن نقول: إن الواقف متبرع وليس عقده عقد معاوضة، حتى نقول: إن =

- (ومنها): العتق، [و] (¬1) يصح أن يعتق عبده ويستثني [منفعته] (¬2) مدة معلومة، نص عليه لحديث سفينة (¬3) وكذا لو استثنى خدمته مدة حياته، وعلى هذا يتخرج أن يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها؛ لأنه استثنى الانتفاع بالبضع و [تَمَلَّكَهُ] (¬4) بعقد النكاح، وجعل العتق عوضًا عنه؛ [فانعقدا] (¬5) في آن واحد (¬6). ¬

_ = الجهالة تؤثر فيه وعقد التبرع يُوسع فيه ما لا يوسع في عقد المعاوضة، وهذا على القول الراجح يجوز أن أهبك شيئًا مجهولًا ولا حرج في ذلك. (ع). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "نفعه". (¬3) يشير المصنف إلى ما أخرجه أبو داود في "سننه" (رقم 3913)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 2626)، وأحمد في "المسند" (5/ 221)، والطبراني في "الكبير" (7/ رقم 6447) بسند صحيح إلى سفينة؛ قال: "كنت مملوكًا لأم سلمة، فقالت: أعتقك، وأشرط عليك أن تخدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما عشت. قلت: لو لم تشترطي عليَّ؛ ما فارقتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فأعتقتني، واشترطت عليَّ". ويشهد لهذا المعنى حديث آخر عند مسلم في "الصحيح" (رقم 1658)، وأبي داود في "السنن" (رقم 5144، 5145)، وعبد الرزاق في "المصنف" (رقم 17937)، وأحمد في "المسند" (3/ 447، 447 - 448 و 5/ 444)، وغيرهم. (¬4) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "ويملكه". (¬5) كذا في (أ)، وهو الصواب، وفي (ب): "عنها فانعقدا"، وفي المطبوع و (ج): "فانعقد". (¬6) ومعناها: أعتق عبده واستثنى خدمته لمدة سنة؛ فإن هذا جائز لحديث سفينة أنه أعُتق واشرط في عتقه أن يخدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمدة كذا وكذا، وأيضًا إذا أعتق الأمة وجعل عتقها صداقها؛ فإن هذا نوع من الاستثناء، فإنه استثنى البضع لأنه لو أعتقها ولم يجعل =

- (ومنها): إذا كاتب أمته واستثنى منفعة الوطء؛ فإنه يصح على المذهب المنصوص؛ فإنه إنما نَقَلَ بالكتابة عن ملكه منافعها دون رقبتها (¬1). - (ومنها): الوصية؛ فيصح أن يوصي برقبة عين لشخص وبنفعها لآخر مطلقًا أو مدة معلومة، أو [يبقيها] (¬2) للورثة (¬3). - (ومنها): الهبة، يصح أن يهبه شيئًا ويستثني نفعه مدة معلومة، وبذلك أجاب الشيخ موفق الدين (¬4) رحمه اللَّه [تعالى] (¬5). - (ومنها): عوض الصداق والخلع والصلح على مال، [و] (¬6) قياس المذهب صحة استثناء المنفعة فيها. ¬

_ = عتقها صداقها؛ صارت حرامًا عليه لأنها ليست زوجة ولا مملوكة، فإذا جعل عتقها صداقها؛ صارت كالمستثنى منفعتها. (ع). (¬1) قوله: "فإنه إنما نقل بالكتابة عن ملكه منافعها دون رقبتها"، هذا كالتعليل للمسألة؛ لأنه قد يقول قائل: كيف يطؤها وهي قد خرجت عن ملكه بالكتابة؛ فيُقال: إن الذي قد خرج عن ملكه المنافع، أما الرقبة؛ فلم تخرج. (ع). (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب؛ وفي المطبوع: "نفعها". (¬3) مثاله: أن يوصي بالبيت لشخص وبمنافعه لآخر، سواء كان ذلك مدة معينة بأن قال: ينتفع فلان به عشر سنوات، أو على سبيل الإطلاق، وفائدة الذي أوصي له بالرقبة أنه يملك الأصل، ولو أوصى لشخص ببعير وبمنافعها لآخر؛ فإن هذا يصح، ولو تعطلت منافع البعير فذبحت مثلًا؛ كانت للتي أوصي بها له. (ع). (¬4) انظر: "المغني" (4/ 81/ 2920). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

33 - القاعدة الثالثة والثلاثون الاستثناء الحكمي؛ هل هو كالاستثناء اللفظي، أم تغتفر فيه الجهالة بخلاف اللفظي؟

(القاعدة الثالثة والثلاثون) الاستثناء الحكمي؛ هل هو كالاستثناء اللفظي، أم تُغْتَفَر فيه الجهالة بخلاف اللفظي؟ فيه وجهان، والصحيح عند صاحب "المغني" (¬1) الصحة، وهو قياس المذهب، خلافًا للقاضي. [ويتخرج] (¬2) على ذلك (¬3) مسائل (¬4): - (منها): لو باعه أمة حاملًا بحر، وقلنا: لا يصح استثناء الحمل لفظًا؛ فهل يصح أم لا؟ على وجهين (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 85/ 2936). (¬2) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ب) والمطبوع: "ويخرج". (¬3) في (ج): "هذا". (¬4) اللفظي سبق أن الاستثناء فيه يكون معلومًا؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الثُنْيا إلا أن تُعلم، وهذا في باب المعاوضات، أما في التبرعات؛ فيصح وإن كان مجهولًا، ولهذا يصح أن يعتق الإنسان أمة ويستثني حملها. (ع). (¬5) كيف تحمل الأمة بحر؟ هذا رجل تزوج أمة واشترط على مالكها أن ولده منها حُرّ، فحملت الأمة منه، فصار الجنين حرًّا، ثم باع المالك هذه الأمة وكانت حاملًا بِحُرّ، فصار البيع يقع على الأمة دون =

- (ومنها): لو باعه عقارًا تستحق فيه السكنى (¬1) الزوجة المعتدة من الوفاة بالحمل؛ فهل يصح؟ قال في "المغني" (¬2): لا؛ لأن مدة الحمل مجهولة، بخلاف مدة الأشهر. وقال الشيخ مجد الدين في "مُسَوَّدَته على الهداية" (¬3): قياس المذهب صحة البيع. وأطلق (¬4). - (ومنها) بيع الدار المؤجرة يصح، وسواء علم المشتري بالإجارة أو لم يعلم، نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد (¬5)، وقال في رواية ¬

_ = الحمل، فصار استثناء الحمل حكيمًا لا لفظيًا؛ لأنه مستثنى شرعًا، سواء قلنا إلا حملها أم لم نقل، ولو أن رجلًا جامع أمة يظنها زوجته؛ فالحمل الناشئ عن هذا الوطء حُرّ؛ لأن الواطئ حين الوطء يعتقد أن هذه الأمة حرة؛ فيكون الجنين حرًا، فإذا باعها سيدها؛ فمعلوم أن المبيع لا يقع على الحمل لأنه حرّ؛ فهل يصح أم لا يصح؟ يقول المؤلف: فيه وجهان، والصحيح أنه يصح، ولكن للمشتري الخيار إذا كان لا يعلم أن الجنين حُرّ؛ لأنه يفوت عليه مصلحة. (ع). (¬1) في (ج): "سُكنى". (¬2) انظره: (8/ 187/ 6528). (¬3) اسمه: "منتهى الغاية لشرح الهداية"، سيأتى التعريف به في (ص 261). (¬4) قول صاحب "المغني" أقيس، ذلك لأن مدة الحمل مجهولة، ولكنه الذي يظهر أنه على قول مجد الدين رحمه اللَّه بالصحة يحمل على المعتاد، فلو تم للحمل تسعة أشهر ولم تضع؛ فإنه يكون سكناها بأجرة أو تخرج. (ع). (¬5) هنالك جماعة ممن يتسمّون بـ (جعفر بن محمد)، ترجم لهم ابن أبي بعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 123 - 127)، ولهم "مسائل" للإمام أحمد، وذكر شيئًا يسيرًا =

الميموني: ليس له أن يبيعها حتى يُبَيِّن. فقد يكون مأخذه اشتراط العلم بالمستثنى من المنافع في العقد، وقيل: لأن البيع المطلق يتناول المنافع وهي الآن ملك لغيره؛ فيشبه تفريق الصفقة، ولكن أحمد إنما أوجب بيان ذلك؛ لأن تركه تدليسٌ وتغريرٌ، ولم يتعرض للصِّحَّة والبُطْلان (¬1)، وسواء عَلِمَ بمقدار مدة الإجارة أو لم يعلم. هذا قياس المذهب. وقد ذكروا أنه لو اشترى صُبْرَةً من طعام، فبان تحتها دَكَّةً، فإن علم بذلك؛ فلا خيار له، وإلا؛ فله الخيار، وعلمه بها يفضي إلى دخوله على جهالة مقدار الصبرة، ولو استثنى بلفظه [مقدار] (¬2) ذلك؛ لم يصح (¬3). ¬

_ = منها، وعرضت ما أورده المصنف في تراجمهم جميعًا من مسائل، على المذكور عند ابن رجب في كتابه هذا -ونقل عنه في ثمانية مواضع-؛ فلم يسعفني ذلك في تحديد المراد، واللَّه الهادي والموفق. (¬1) معنى هذه المسألة أن رجلًا عنده بيت مؤجر لمدة سنة، فباعه على إنسان، والآن هذا البيت فيه منفعة مستثناة للمستأجر لأن حقه سابق على العقد؛ فالإمام أحمد نص على صحة البيع، وهو كذلك، والرواية الثانية عنه يقول: "لا بيع حتى يُبَيِّن"؛ فهل هذا بقتضي أن البيع لا يصح، أو يقتضي أنه يجب على البائع أن يبين أن البيت مستأجر؟ والثاني هو المتعين لأجل أن تتفق الروايتان على الصحة، لكن تكون الرواية الثانية مبنية أنه يجب على البائع أن يبين؛ لأنه إذا لم يبين صار في هذا غش؛ لأن المستأجر سيبقى على حقه والمشتري يظن أنه ملك العين بمنافعها من حين العقد، فإذا قُدِّر أنه لم يبين وباعها؛ فهل يكون للمثشري الخيار؟ نعم، له الخيار، أي بين ان يبقى على شرائه للبيت وتكون الأجرة من حين الشراء للمشتري وبين أن يفسخ العقد. (ع). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) فهذا رجل باع على آخر كومة من الطعام بألف، ثم تبيّن بعد ذلك أن تحتها =

- (ومنها): لو اشترى أمة مزوجة؛ صح، سواء علم بذلك أو لم يعلم، وتقع منافع البضع مستثناة في هذا العقد حكمًا، ولو استثناها في العقد لفظًا؛ لم يصح (¬1). - (ومنها): لو اشترى شجرًا [و] (¬2) عليه ثمر، [أو] (¬3) أرضًا فيها زرع، أو دارًا فيها طعام كثير؛ صح، ووقع بقاء الثمر والزرع والطعام مستثنى إلى أوان تفريغه على ما جرت به العادة، وذلك مجهول، ولو استثنى بلفظه مثل هذه المدة؛ لم يصح. ¬

_ = دَكّة، وهذا على سبيل التَّمثيل، وإلا؛ فقد يكون تحتها أكياس من الرمل أو حجر كبير أو نحو ذلك للغش؛ فيقول المؤلف: إن له الخيار؛ إلا إنْ علم بالغِش؛ فلا خيار له. وقوله: "لو استثنى بلفظه مقدار ذلك" معناه: لو بعتك هذه الصَّبْرة إلا مقدار دَكّة؛ فإن ذلك لا يصح، ولو قلت: إن الدكة طولها كذا وعرضها كذا وارتفاعها كذا لأن هذا المستثنى معلوم، واستثناء المعلوم من المجهول يصيِّره مجهولًا، ولكن الصواب صحة البيع. (ع). (¬1) هذا رجل عنده أمة وقد زوجها لرجل فباعها على شخص آخر؛ فإن العقد يصح، فمنافع البضع للزوج؛ لأن حقه سابق والمشتري ينتفع بها إلا في البضع، ومثل هذا البيع يصح، ولكن لو قال: بعتك هذه الأمة على أن تكون منافعها لك إلا البضع أي استثنى انتفاعه بالبضع؛ فإن هذا لا يجوز؛ فالأول الثناء حكمي، والثاني استثناء لفظي؛ فصار الاستثناء الحكمي أقوى من الاستثناء اللفظي. وقوله: "سواء علم أم لم يعلم"؛ أي: المشتري، وهذا لا يؤثر على صحة العقد، أي علم المشتري وعدمه بكونها مزوجة، ولكن إن لم يعلم؛ فإن له الخيار، ولكن العقد صحيح. (ع). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬3) في (أ): "و"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

- (ومنها): لو اشترى أمة أو عبدًا مُحرمًا؛ صَحَّ، ووقع مدة إحرامه مستثنى من البيع، وسواء علم بذلك المشتري أو لم يعلم، نص [على ذلك] (¬1) أحمد؛ مع أن مدة الإحرام لا تنضبط، لا سيما بالعمرة (¬2) قد يقع الإبطاء في السير لعائق أو غيره، لكن قد يقال: إن المسافة معلومة وأفعال النسك [مدة] (¬3) معلومة؛ فصار كاستثناء ظهر الدابة إلى بلد معين (¬4). * * * ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "عليه". (¬2) في (ج): "العمرة". (¬3) ما بين المعقوفتين من هامش (ب). (¬4) هذا بالنسبة للعبد صحيح، ولكن بالنسبة للأمة؛ فإنها قد تحيض أو قد تنفس ويطول مكثها، ولكن الحاصل أن هذه المدد متقاربة والجهل بها مغتفر عند الناس كما لو أردنا بيع بصل؛ فإن الجهالة فيه يسيرة إذا بيع قبل أن يُقلع. وخلاصة القاعدة المتقدمة: أن الاستثناء الحكمي أقوى من الاستثناء اللفظي، ولذلك يصح الاستثناء الحكمي في مواضع لا يصح فيها الاستثناء اللفظي. (ع).

34 - القاعدة الرابعة والثلاثون استحقاق منافع العبد بعقد لازم يمنع من سريان العتق إليها

(القاعدة الرابعة والثلاثون) استحقاق منافع العبد بعقد لازم يمنع من سريان العتق إليها. كالاستثناء في العقد، وأولى؛ لأن الاستثناء الحكمي أقوى، ولهذا يصح بيع العين المؤجرة والأمة المزوَّجة عند من لا يرى استثناء المنافع في العقد، خلافًا للشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬1) في قوله: يسري العتق إليها إن لم يستثن. ويتفرع على هذا مسائل (¬2): ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب)، وفي (ج): "رحمة اللَّه عليه". (¬2) ذكرنا فيما سبق أن الرجل لو أعتق عبده واستثنى منفعته لمدة سنة؛ فإن هذا جائز، أما هنا؛ فالعبد قد استحقت منافعه بعقد لازم، فأنا مثلًا أجرت عبدي بعقد لازم لزيد لمدة ستة شهور، ثم أعتقته، ومن المعروف أن العبد إذا عتق ملك نفسه؛ فهل نقول: إن هذه المنفعة التي استحقت بعقد لازم مستثناة بمعنى أن المستأجر بملك استخدام هذا العبد في هذه المدة أم لا؟ يقول المؤلف: إن استحقاق منافع العبد بعقد لازم يمنع من سريان العتق إليها؛ لأن المنفعة في هذه المدة لم تحرر، وهي مملوكة للمستأجر، وذلك لأن الاستثناء الحكمي أقوى، فأنا مثلًا لما أجرت العبد سنة وتبدأ هذه السنة في رمضان ثم أعتقته في شوال، فبقي من خدمته للمستأجر أحد عشر شهرًا؛ فهل نقول: إنه يخدمه في هذه المدة الباقية أو لا؟ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يخدمه؛ لأن هذه المدة مستثناة حكمًا؛ لأن العقد وقع على عبد مُسْتَحق المنافع للمستأجر. وقوله: "ولهذا يصح بيع العين المؤجرة ... إلخ"؛ فأنا لي بيت وأجرته فلانًا لمدة عشر سنوات، ثم بعته على فلان آخر؛ فإن العقد يصح، وفي هذه المدة الذي ينتفع بالبيت هو المستأجر، فلو بعت هذا البيت واستثنيت سكناه عشر سنوات؛ فإن من العلماء من يقول: هذا ليس بجائز، ويجوّز المسألة الأولى؛ لأن الاستثناء الحكمي أقوى من الاستثناء اللفظي، وقولنا: الاستثناء الحكمي أي أن منافع هذا البيت مستثناة حكمًا بمقتضى عقد الإجارة، أما الاستثناء اللفظي بأن أقول: بعتك هذا البيت واستثنيت سكناه لمدة عشر سنوات؛ فإن لم يعلم المشتري بالإجارة؛ فيقال له: إن لك الخيار، فإن شئت أن تبقى على العقد ولك الأجرة من حين العقد، وإن شئت فسخت العقد، والأجرة للبائع، وهكذا الأمة المزوجة إذا بيعت؛ فالبضع الذي ينتفع به الزوج، وهذا الاستثناء حكمي، وحق الزوج سابق على حق المشتري، والبيع يصح، وإن لم يكن البائع قد علم بزواجها؛ فإن له الخيار: إن شاء أن يبقى على عقده أبقى عليه، وإن شاء فسخه، وهنا؛ فإن اختار أن يبقى العقد فيستخدمها في غير الوطء ويكون أولادها عبيدًا للمشتري ولو كان زوجها حُرًّا، فلو تزوج حُرٌّ مملوكة أو أمةً؛ صار أولاده منها أرقاء لمالكها، ولهذا حرّم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ علينا الزواج من الإماء، والحكمة في ذلك أنه إذا تزوج أمة صار أولاده أرقاء، قال الإمام أحمد: إذا تزوج الحرّ أمة؛ رَقَّ نصفُهُ، أي صار نصفه رقيقًا؛ لأن أولاده يصبحوا رقيقًا، والحاصل أن الأمة المزوجة إذا اشتراها أحد وهو لم يعلم بزواجها؛ فإنها تبقى على زوجها بحق الاستمتاع، ويكون الاستمتاع بالوطء منها مستثنى حكمًا، ويبقى للمشتري الخدمة والأولاد، ولو قال المشتري: لا أمنع من استمتاع الزوج ولكن أريد الاستمتاع كذلك بها أي بالوطء وهي ملك يميني؛ فهو يستمتع بها بطريق الزوجية، وأنا استمتع بها بطريق ملك اليمين؛ قيل له: البضع ليس لك، ولم تملكه؛ فإنه مستثنى من البيع حكمًا، وهو للزوج، ولهذا لا يمكن أن تكون امرأة لاثنين في آن واحد، بل إن المالك لو أراد أن يستحل بضع مملوكته بطريق الزواج وهو لم يعتقها، فأتى بالمأذون والشهود وأعلن النكاح ونحو ذلك؛ نقول: هذا غير جائز، فلو قال: زوجت =

- (منها): إذا عُتقت الأمة المزوجة لم تملك منفعة البضع التي هي موردُ النكاح، وإنما يثبت لها الخيار تحت العبد؛ لأنها كملت تحت ناقص فزالت كفاءته بذلك، أو تعبدًا غير معقول المعنى، ومن قال بسراية العتق؛ قال: قد ملكت بِضْعَها، فلم يبق لأحد عليها ملك؛ فصار الخيار لها في المقام مع الزوج أو مفارقته، سواء كان حرًّا أو عبدًا (¬1)، وعلى هذا ¬

_ = نفسي مملوكتي؛ قيل: هذا لا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يرد عقد الزواج على الملكية؛ فالملك أقوى وإن ورد الملك على الزوجية، هذا ممكن، أي يمكن أن يشتري الرجل زوجته التي هي أمة، ولكن إذا اشتراها انفسخ النكاح وصارت تحل له بملك اليمين لا بعقد النكاح؛ لأن ملك اليمين أقوى، والأقوى يرد على الأضعف، ولا عكس، ولهذا لا يتزوج الإنسان مملوكه ولكنه يملك زوجته. وقوله: "للشيخ تقي الدين" هو شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو جدُّ ابن رجب من جهة العلم لا من جهة النسب؛ فابن رجب تلميذ ابن القيم، وابن القيم تلميذ شيخ الإسلام ابن وقوله: "خلافًا للشيخ. . . إلخ"؛ أي: إن الشيخ رحمه اللَّه يقول: إذا أعتق الإنسانُ العبد؛ فإن العتق يسري إلى الذات والمنافع إلا باستثناء لفظي. (ع). (¬1) معنى المسألة: إذا عتقت الأمة تحت زوج؛ فهل لها الخيار أم لا؛ كقصة بريرة ومغيث، ولذلك لم تختره هي وإن كان متعلقًا بها جدًّا، وإنما جعل لها الخيار، لماذا؟ هل نقول: لأنها ملكت بضعها؟ إذا قلنا: إن هذه هي العلة؛ فإنه يكون لها الخيار، سواء كان زوجها عبدًا أو حُرًّا، أو لأنها لمّا كملت تحت عبد صارت أعلى منه ففقدت الكفاءة بينها وبينه؛ فهو غير كفء لها؛ لأنه عبد وهي حُرّة، فكان لها الخيار لأجل هذا، والمسألة فيها خلاف. والخلاصة أنه إذا استحقت منافع العبد بعقد قبل العتق، ثم عَتق العبدُ؛ فهل تزول هذه المنافع وتنفسخ؟ المذهب لا تزول، بل تبقى على ما هي عليه، ومثاله أن يعتق الرجل عبده الذي =

لو (¬1) استثنى منفعة بضعها للزوج؛ صح، ولم تملك الخيار، سواء كان زوجها حرًّا أو عبدًا، ذكره الشيخ وقال: هو مقتضى المذهب. ويرد على [هذا] (¬2) القول بملكها بضعها: أنه يلزم منه انفساخ نكاحها؛ حيث لم يبق للزوج ملك عليها ولا قائل بذلك، على أنه يمكن أن يقال: عِتْقُ [بضعها] (¬3) لا يلزم منه ثبوت الخيار لها على الحر؛ لأن حرية البضع لا تنافي [ثبوت] (¬4) استحقاق منفعته بعقد النكاح ابتداءً؛ فالحرية الطارئة [به] (¬5) أولى. - (ومنها): لو أجر عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها؛ لم تنفسخ الإجارة على المذهب، وعند الشيخ [تقي الدين] (¬6) تنفسخ؛ إلا أن يستثنيها في العتق. ¬

_ = آجره لمدة سنة؛ فيقول: العتق نافذ والمنفعة المستحقة للأجير ليس عليها عتق؛ فتبقى حتى تتم المدة. (ع). قلت: انظر قصة بربرة والمغيث في "صحيح البخاري" (كتاب الطلاق، باب خيار الأمة تحت العبد، رقم 5280، 5281، 5582، وباب شفاعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في زوج بريرة، رقم 5283). (¬1) في (ج): "فلو". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع: "بعضها". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (أ) و (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). وانظر: "القواعد النورانية" (259).

وخرج صاحب "المقنع" (¬1) ذلك وجهًا لنا لا بناءً على السراية، بل [بناءً] (¬2) على زوال ولاية السيد عن عبده بعتقه؛ فيكون كما لو أجر الولي الصبي مدة ثم بلغ في أثنائها؛ فإنه ينفسخ في وجه، وهو ضعيف؛ فإن الولي تنقطع ولايته بالكلية عن الصبي ببلوغه رشيدًا، بخلاف السيد، فإنَّ له استثناء منافعه بالشرط، والاستثناء الحكمي أقوى كما تقدم. - (ومنها): لو أعتق الورثة العبد المُوْصى بمنافعه؛ صح، ولم يَسْرِ إلى المنافع. * * * ¬

_ (¬1) في "المقنع" (5/ 83 - مع شرحه "المبدع"). (¬2) من بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

35 - القاعدة الخامسة والثلاثون من ملك منفعة عين بعقد، ثم ملك العين بسبب آخر؛ هل ينفسخ العقد الأول أم لا؟

(القاعدة الخامسة والثلاثون) من ملك منفعة عين بعقد، ثم ملك العين بسبب آخر؛ هل ينفسخ العقد الأول أم لا؟ ها هنا صورتان: (إحداهما): أن يكون العقد الذي ملك به المنفعة عقدًا مؤبدًا، فإن لم يكن عقد معاوضة؛ فلا معنى لانفساخه؛ كالموصى له بمنافع الأمة إذا اشتراها؛ فإنه يجتمع له ملكها بالعقدين، ولا ضرر في [ذلك] (¬1)؛ فهو كما لو كان ملكه للمنفعة بغير عقد؛ كملك الورثة لمنافع العين الموصى [برقبة عينها] (¬2) إذا [اشتروا العين] (¬3) من الموصى له، وإن كان عقد معاوضة -وهو النكاح- انفسخ بملك الرقبة؛ لأنه ملك ضعيف ومختلف في مورده؛ هل هو المنفعة أو الانتفاع؟ ويختص بمنفعة البضع ويملك به الاستمتاع بنفسه دون المعاوضة عليه؛ فلا يجتمع مع الملك القوي وهو ملك الرقبة، [بل يندفع به، ولا نقول: إنه يدخل ملكه في ملك الرقبة]؛ لأن مالك الرقبة لم يكن مالكًا له؛ فكيف يتضمن عقده على الرقبة [ملكه] (¬4)؟ بل نقول: ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "هذا". (¬2) كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "برقبتها". (¬3) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "اشتروها". (¬4) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "بملكه".

[إنه] (¬1) قد اجتمع له ملك الرقبة بجميع (¬2) منافعها بجهة، وملك البضع [ملكًا] (¬3) بجهة أخرى ضعيفة؛ فبطلت خصوصيات الجهة الضعيفة كلها لمصيره مالكًا للجميع ملكًا تامًّا، وهذا صحيح؛ فإنه لا يمكن بعد هذا الملك أن يقال: إنه يملك الانتفاع بالبضع دون منفعته، ولا أنه يملك الانتفاع به بنفسه دون المعاوضة عليه؛ فتعين إلغاء خصوصيات عقد النكاح كلها (¬4). (والصورة الثانية): أن يكون العقد المملوك به المنفعة غير مؤبد؛ كالإجارة، فإذا ملك العين بعد ذلك؛ فهل ينفسخ؟ فيه وجهان، ويندرج تحت ذلك صور: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ج). (¬2) في (ب): "لجميع"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج). (¬4) رجل تزوج أمة؛ فهو يملك بضعها، ولكنه يملك الانتفاع لا النفع، والفرق بينهما أن الذي يملك النفع يمكن أن يستوفيه بنفسه وبغيره، وأما الذي يملك الانتفاع؛ فلا يملك أن يستوفيه بغيره، وهنا الزوج لا يملك إلا الانتفاع إذ لا يمكن أن يؤجر زوجته لغيره، بخلاف الذي استأجر بيتًا؛ فإنه يملك النفع فيؤجره إلى غيره، وهذا الرجل الذي تزوج الأمة؛ هل يجوز له ذلك؟ نعم، بشرطين، فإذا اشتراها من سيدها؛ هل ينفسخ النكاح أو لا؟ يقول المؤلف: إنه ينفسخ النكاح، وعلى هذا؛ فيكون وطؤه إياها بغير عقد البيع وطء ملك يمين، فإذا حملت منه صارت أُمّ ولد، ولكن لو قلنا: يبقى النكاح؛ صار وطؤه إياها بعد الشراء وطء زواج، فيكون الولد مملوكًا ولا تكون أم ولد، وبطل النكاح بالشراء؛ لأن الشراء أقوى من النكاح، فمالك الأمة يملك كل منافعها، وكل الانتفاع بها؛ فالملك أقوى من النكاح، وإذا ورد الأقوى على الأضعف؛ زال حكم الأضعف. (ع).

- (منها): لو اشترى المستأجر العين المستأجرة من مؤجرها؛ ففي انفساخ الإِجارة وجهان حكاهما الأصحاب، وربما حُكي روايتان: (أحدهما): ينفسخ؛ لأنه ملك الرقبة، فبطل ملك المنفعة كما لو اشترى زوجته. (والثاني): لا ينفسخ، وهو الصحيح، [وهو] (¬1) اختيار القاضي وابن عقيل والأكثرين؛ لأن المنافع ملكها أولًا بجهة الإِجارة وخرجت عن ملك المؤجر، والبيع بعد ذلك يقع على ما يملكه البائع، وهو العين المسلوبة النفع؛ فصار كما لو اشترى العين الموصى بمنافعها من الورثة، واستأجر المنافع من مالكها في عقد أو عقدين؛ فإن الإجارة لا تنفسخ بغير خلاف ولا منافاة بين ثبوت البيع والإجارة، بخلاف النكاح. وأيضًا؛ فالملك ها هنا أقوى من ملك النكاح؛ لأنه يملك [به] (¬2) الانتفاع والمعاوضة، ويملك به عموم المنافع؛ فلا تنفسخ بملك الرقبة (¬3)، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬3) إذا ورد عقد على عقد؛ فهل يبطله أم لا؟ سبق التفصيل في ذلك، أما الصورة الثانية إذا كان العقد المملوك به المنفعة غير مؤبد كالإجارة، فمثاله: آجرت فلانًا هذا البيت لمدة سنة، وبعد مضي شهرين اشتريت البيت منه؛ فقد ورد الآن عقد على عقد لأن المشتري يملك العين والمنفعة، فصارت المنفعة الآن مستحقة للمشتري بعقد الإجارة السابق وبعقد البيع اللاحق؛ فهل تبطل الإجارة السابقة أو لا تبطل؟ فيه خلاف ولكن ما الذي يترتب على الخلاف؟ إذا قلنا: إنها تنفسخ؛ فإن المشتري يرجع على البائع بأجرة بقية المدة، وإذا قلنا: إنها لا تنفسخ؛ فإنه لا يرجع عليه بشيء. (ع).

فإن قيل: لو لم تنفسخ الإجارة؛ لعادت المنافع بعد انقضاء مدتها إلى المؤجر؛ [لأنها لم تدخل] (¬1) في عقد البيع، وإنما استأجرها مدة مؤقتة، بخلاف الزوج؛ لأنه ملك المنفعة ملكًا مؤبدًا. فالجواب: أن البائع باع ما يملكه من العين ومنافعها التي يستحقها بعد انقضاء مدة الإجارة؛ فإنه يملك العقد على المنافع التي تلي العقد والتي تتأخر عنه بالإجارة عندنا؛ فبالبيع أولى، أما إن كان الاستئجار من غير البائع، وكان مالكًا للمنافع [مؤبدة] (¬2)؛ فالإجارة باقية، وتعود إليه بعد انقضاء المدة بغير تردد، ولو ملك المستأجر العين بهبة؛ فهو كما لو ملكها بشراء، صرح به الشيخ مجد الدين في "مُسَوَّدته على الهداية"، فأما إن وهب العين المستعارة من المستعير؛ فإنه تبطل العارية. [و] (¬3) ذكرهُ القاضي وابن عقيل؛ لأنه عقد غير لازم. - (ومنها): لو استأجر دارًا من أبيه، ثم مات الأب [فورثها] (¬4)؛ فهل تنفسخ الإِجارة؟ فيه وجهان أيضًا، وخرجهما صاحب "التلخيص" من المسألة التي قبلها، والمذهب عند القاضي في "الخلاف": أنه لا ينفسخ؛ كشراء المستأجر، وقال في "المجرد": ينفسخ. وتوجه بأن الملك بالإرث قهري ¬

_ (¬1) كذا في نسخة (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع: "لأنه لم يدخل". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "المؤبدة". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬4) كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "وورثها".

يقتضي تملك مالًا يتملك مثله بالعقود؛ فجاز أن يملك به المنافع المستأجرة [من] (¬1) مستأجرها، فتنفسخ الإجارة. وأيضًا؛ فقد ينبني هذا على [أن] (¬2) المنافع المستأجرة هل تحدث على ملك المؤجر ثم تنتقل إلى ملك المستأجر؟ فإن قلنا بذلك؛ فلا معنى لحدوثها على ملكه وانتقالها إليه، هذا إذا كان ثَمَّ وارث سواه؛ لأن فائدة بقاء الإجارة استحقاق بقية الأجرة، فإذا لم يكن وارث سواه؛ فلا معنى لاستحقاقه العوض [على نفسه] (¬3)؛ إلا أن يكون على أبيه دين لغيره، وقد مات مفلسًا بعد أن أسلفه الأجرة (¬4). - (ومنها): لو اشترى طلعًا لم يؤبر في رؤوس نخله بشرط قطعه، ثم اشترى أصله في الحال؛ فهل يتخرج انفساخ البيع في الطلع على ما مر من الوجهين؛ لأنه بمنزلة المنفعة لتبعه في البيع، أم لا لأنه عين مستقلة؟ فيه تردد، والمجزوم به في "الكافي" (¬5): أنه لا ينفسخ بغير ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) يعني: أنه إذا كان ليس له وارث سوى ابنه الذي ورثها بعد أبيه، وقد أستأجرها من أبيه؛ فسواء قلنا تنفسخ الإجارة أو لا تنفسخ؛ فإنه يعود إليه، فلا معنى لقولنا تنفسخ ثم يستحق العوض من التركة؛ لأنه ليس له وارث سواه؛ إلا إذا كان على أبيه دين؛ فهنا يصبح هناك فائدة، وهو أنه إذا قلنا: إنها لا تنفسخ؛ ألزمنا الابن بالأجرة ليسلمها إلى صاحب الدين، وفي هذه الحال نقول: لا يرد ميراثه إلا بعد قضاء الدين؛ فالذي يظهر أنه إذا لم يكن هناك وارث سواه؛ فليس هناك فائدة في الخلاف في النسخ. (ع). (¬5) انظر: "الكافي" (2/ 69 - 70) لابن قدامة رحمه اللَّه.

خلاف (¬1). * * * ¬

_ (¬1) هل يلزم في هذه الحال أن يقطعه أم لا؟ أي: لو اشترى لرجل عشرًا على رؤوس النخل مثل أن يبدو صلاحه؛ فإن هذا جائز بشرط القطع، ولكن بعد شرائه للثمر بشرط القطع اشترى أصوله؛ فهل يلزمه القطع أو لا يلزمه؟ فإذا قلنا: إن البيع ينفسخ؛ فإنه لا يلزمه القطع، وإذا قلنا بعدم الفسخ؛ فهل يلزمه القطع؟ يقول المقطوع به في "الكافي": إنه لا ينفسخ، فيبقى على ما هو عليه، ويكون ملكًا للمشتري بمقتضى العقد الأول لأنها عين مستقلة سبقت ملكيتها على ملكية الأصل، وعليه يبقى البيع على حاله، ولو أصيب بجائحة؛ فإنه يُرجع على البائع، ويلزمه القطع على القول بعدم فسخ البيع. (ع).

36 - القاعدة السادسة والثلاثون من استأجر عينا ممن له ولاية الإيجار، ثم زالت ولايته قبل انقضاء المدة؛ فهل تنفسخ الإجارة؟

(القاعدة السادسة والثلاثون) من استأجر عينًا ممن له ولاية الإيجار، ثم زالت ولايته قبل انقضاء المدة؛ فهل تنفسخ الإِجارة؟ هذا قسمان: (أحدهما): أن تكون إجارته بولاية محضة، فإن كان وكيلًا محضًا؛ فالكلام في موكله دونه؛ وإن كان مستقلًا بالتصرف، فإن انتقلت الولاية إلى غيره؛ لم تنفسخ الإجارة لأن الولي الثاني يقوم مقام الأول كما يقوم المالك الثاني مقام الأول؛ وإن زالت الولاية عن المولى عليه بالكلية؛ كصبي يبلغ بعد إيجاره (¬1) أو إيجار عقاره والمدة باقية؛ ففي الانفساخ وجهان: أشهرهما: وهو قول القاضي وأصحابه؛ لأنه تصرف له تصرفًا لازمًا؛ فلا ينفسخ ببلوغه كما لو زوجه أو باع عقاره. والثاني: ينفسخ، ذكره في "المغني" (¬2) وجهًا؛ لأنه أجره مدة لا ولاية له عليه فيها بالكلية، فأشبه إجارة البطن الأول للوقف إذا انقرض قبل انقضاء المدة، وفارق البيع؛ لأنه ينبرم في الحال وتنقطع [علته] (¬3). ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): "الإجارة". (¬2) انظره: (5/ 272/ 4202). (¬3) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب): "علقه"، وفي المطبوع: "علقته".

نعم، لو كان بلوغه في مدة الخيار؛ ففيه نظر، [وكذلك] (¬1) النكاح ينبرم من حينه، ويستقر المهر [فيه] (¬2) بالدخول، بخلاف الإِجارة؛ لأن الأجرة تتقسط فيها على المدة ولا يستقر الملك فيها إلا باستيفاء المنافع شيئًا بعد شيء. وذكر في "المغني" (¬3) وجهًا آخر: أنه إن أجره مدة يعلم بلوغه فيها قطعًا؛ لم يصح في [الزائد] (¬4)، ويخرج الباقي على تفريق الصفقة ونحوه، ذكره صاحب "التلخيص" (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "وكذا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) انظر: "المغني" (5/ 272 - 273/ 4203). (¬4) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "الزيادة". (¬5) هذا رجل وليّ على يتيم وآجر بيت اليتيم لمدة سنة، فبلغ اليتيم بعد ستة أشهر؛ فهل تنفسخ الإجارة فيما بقي لأن ولاية الرجل على اليتيم قد زالت ببلوغه أو لا تنفسخ؟ فيه وجهان: وجه: تنفسخ؛ لأن الولاية تمت وزالت. ووجه: لا تنفسخ؛ لأن الوليّ آجر هذا البيت على وجه شرعي صحيح، فلا ينفسخ. وهناك رأي ثالث وسط، وهو إن آجره مدة يعلم بلوغه فيها انفسخت الأجرة فيما بقي، وإن كان لا يعلم؛ فإنها لا تنفسخ، فإذا آجره وهو يعلم أنه بعد ستة أشهر يتم له خمسة عشر سنة وآجره لمدة سنة؛ فإنه يكون آجره مدة يعلم بلوغه فيها؛ فتصح الإجارة في الستة الأولى، وتنفسخ في الستة الباقية، أما لو كان له من العمر ثلاث عشرة سنة؛ فإنه يعلم أنه لن يبلغ في هذه المدة بالسن لكن يمكن أن يبغ بالاحتلام واحتلم في هذه السنة؛ ففي هذه الحال نقول: لا تنفسخ؛ لأن الرجل آجره مدة يرى أن له فيها الولاية، وهذا القول الأخير الذي فيه التفصيل هو الصحيح. =

(والقسم الثاني): أن تكون إجارته بملك ثم تنتقل إلى غيره، وهو أنواع: (أحدها): أن تنتقل عنه إلى من يملك بالقهر ما يستولي عليه؛ فتنفسخ الإجارة لملكه المنافع الباقية منها، ودخل تحت هذا إذا أجر مسلم شيئًا ثم استولى عليه الكفار، وإذا أجر الحربي شيئًا لحربي ثم استولى عليه المسلمون، أما إن أجر الحربي شيئًا لمسلم أو ذمي ثم استولى عليه المسلمون؛ فالإجارة باقية لأن المنافع ملك لمعصوم؛ فلا تملك (¬1). (وثانيها): أن ينتقل الملك إلى من [يخلفه] (¬2) في ماله ويقوم مقامه ويتلقى الملك عنه؛ فلا اعتراض له على عقوده، بل هو منفذ لها، وذلك كالوارث والمشتري والمتهب والموصى له بالعين والزوجة إذا أخذت العين صداقًا أو أخذه الزوج منها عوضًا عن خلع أو صلحًا أو غير ذلك (¬3). ¬

_ = فصار في المسألة ثلاثة أقوال: الفسخ مطلقًا، وعدمه مطلقًا، والثالث: إن علم أنه يبلغ أثناء المدة؛ انفسخت الإجارة فيما بقي، وإلا؛ فلا. (ع). (¬1) إذا انتقل ملكٌ مستأجر على وجه قهري؛ انفسخت الإجارة، مثاله: استأجر إنسان هذا البيت من مسلم لمدة سنتين، ولما تمت سنة استولى الكفار على هذا البيت، وحين ذلك يكونون قد ملكوه ملكًا قهريًا؛ فتنفسخ الإجارة، ومثله: إذا آجر حربيٌّ حربيًّا، ثم استولى عليه المسلمون؛ فإن الإجارة تنفسخ. (ع). (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "خلفه". (¬3) قلت: كذا في "المطبوع" و (أ)، وفي (ب) و (ج): "تتملك". حكم هذا أن الثاني يقوم مقام الأول، ولا يُعترض عليه، فإذا آجر الموروث بيته في موته لمدة سنتين، ثم مات بعد أن آجره بعد سنة؛ فإن الملك ينتقل إلى الوارث والوارث منفذ لتصرفات الموروث؛ فيبقى الأمر على ما هو عليه، فتبقى المنافع مملوكة للمستأجر؛ لأن الوارث خلف الموروث في ملكه، فهو منفذ لما عقده المالك الأول. (ع).

(وثالثها): أن يكون مزاحمًا للأول في الاستحقاق [و] (¬1) متلقيًا للملك عمن تلقاه الأول، لكن لا حق له في العين إلا بعد انتهاء استحقاقه؛ كالبطن الثاني من أهل الوقف إذا أجر البطن الأول ثم انقرض والإجارة قائمة. [وفي المسألة] (¬2) وجهان: (أحدهما): وهو ما قال القاضي في "المجرد" أنه قياس المذهب: إنه لا [ينفسخ] (¬3)؛ لأن الثاني لا حق له في العين إلا بعده؛ فهو كالوارث. (والثاني): وهو المذهب الصحيح، وبه جزم القاضي في "خلافه"، وقال: إنه ظاهر كلام أحمد وابنه أبو الحسين (¬4) وحكياه عن أبي إسحاق بن شاقلا، واختاره ابن عقيل وغيره: أنه ينفسخ؛ لأن الطبقة الثانية تستحق العين بجميع منافعها تلقيًا عن الواقف بانقراض الطبقة الأولى؛ فلا حق للأولى فيه بعد انقراضهم، بخلاف الورثة؛ فإنهم لا يتلقون عن [موروثهم] (¬5) إلا ما خلفه في ملكه من الأموال ولم يخلف هذه المنافع، وحق المالك لم ينقطع عن ميراثه بالكلية، بل آثاره باقية، ولذلك (¬6) تقضى ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "وفيه". (¬3) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "تنفسخ". (¬4) في المطبوع و (ب) و (ج): "أبي"، ولعل الصواب ما أثبتناه. قال الشيخ ابن عثيمين حفظه اللَّه: "قوله: "وابنه أبو الحسين" معطوف على قوله: "وبه جزم القاضي"؛ أي: جزم القاضي وابنه أبو الحسين، بدليل قوله: "وحكياه"" اهـ. (¬5) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "مورثهم". (¬6) في (ب): "ولهذا".

ديونه وتنفذ وصاياه من [التركة] (¬1)، وهي ملكه على قول (¬2) إلى أن [تقضى ديونه] (¬3)؛ فكيف [يعترض] (¬4) عليه في تصرفاته بنفسه؟! وأيضًا؛ فهو كان يملك التصرف في ماله على التأبيد بوقف عقاره والوصية به وبما [يحمل شجره] (¬5) أبدًا، والموقوف عليه بخلافه في ذلك كله. وخرج صاحب "المغني" (¬6) وجهًا آخر ببطلان العقد من أصله بناءً على تفريق الصفقة كما سبق، لكن الأجرة إن كانت مُقَسَّطة على أشهر مدة الإجارة أو أعوامها؛ فهي صفقات متعددة على أصح الوجهين؛ فلا تبطل جميعًا (¬7) ببطلان بعضها، وإن لم تكن مقسطة؛ فهي صفقة واحدة، فيطرد فيها الخلاف المذكور. واعلم أن في ثبوت الوجه الأول [نظرًا] (¬8)؛ لأن القاضي إنما فرضه فيما إذا أجر الموقوف عليه لكون النظر له مشروطًا (¬9)، وهذا محل تردد ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "الشركة". (¬2) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ): "قوله". (¬3) كذا في (ب) والمطبوع، وفي (أ): "تقضى دينه"، وفي (ج): "يقضي دينه". (¬4) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ): "يتعرض"، وفي (ب): "نعترض"، وفي المطبوع: "يعرض". (¬5) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "تحمل شجرته". (¬6) انظر: "المغني" (5/ 272/ رقم 4202). (¬7) في (ب): "جميعها". (¬8) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "نظر". (¬9) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ): "مشروطًا له" تقديم وتأخير.

(أعني: إذا أجر بمقتضى النظر المشروط له)؛ هل يلحق بالناظر العام [فلا ينفسخ] (¬1) بموته الأجارات (¬2) أم لا؟ فإن من أصحابنا المتأخرين من ألحقه بالناظر العام في ذلك، وهكذا حكم المُقْطَع إذا أجر إقطاعه ثم انتقلت عنه [إلى غيره] (¬3) بإقطاع [آخر] (¬4). ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ): "فلا تنفسخ". (¬2) كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، وفي (ج): "الإجارة". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) المعنى للمسألة الثالثة هو أن يكون الثاني مزاحمًا للأول في الاستحقاق، لكن استحقاقه لا يكون إلا بعد زوال الأول، مثل أن يكون هذا البيت وقفًا بأن يقول الواقف: هذا البيت وقف على ذريتي، ثم على ذريتهم؛ فالذرية الأخيرة مشاركة للأولى في الوقف، ولكنها لا تستحق شيئًا مع وجود الأولى، مع أنها مشاركة للأولى، ولهذا لا تتمكن الأولى من التصرف بالوقف كيف تشاء، وهنا آجر البطن لأول البيت لمدة عشر سنوات ثم ماتوا بعد مضي خمس سنوات، فلم يبق من البطن الأول أحد؛ فهل تنفسخ الإجارة أو لا؟ فيه وجهان؛ فمنهم من قال؛ لا تنفسخ؛ لأن الأولين آجروا حين آجروا ولهم حق التأجير، ومنهم من قال: إنها تنفسخ؛ لأنه ليس لهم حق في هذا الموقوف عليهم إلا مدة وجودهم، وبعد ذلك يتلقاه البطن الثاني عن الواقف الأول، ولكن المتأخرين يقولون: إن كان الناظر قد شُرط له النظر أو كانت ولايته بالنظر العام؛ فإنها لا تنفسخ، وإن كان نظره باستحقاقه؛ فإنها تنفسخ، فالذي يتصرف في الوقف إما ناظر عام وإما ناظر مشروط له النظر، وإما ناظر بأصل الاستحقاق؛ فالناظر بالنظر العام هو القاضي، وهذا إذا أجّر؛ لم تنفسخ إجارته بموته أو زوال ولايته؛ لأن نظره عام، والثاني الناظر بالشرط بأن يقول الواقف: هذا وقف على ذريتي والناظر عليهم فلان وهذا أيضًا إذا آجر لم تنفسخ الإجارة بموته؛ لأنه آجر بمقتضى شرط الواقف، فقام مقامه، والثالث الناظر بأصل الاستحقاق، وهم الموقوف عليهم، وهم لهم النظر إذا لم يكن هنا إلا ناظر مشروط؛ فله النظر بأصل الاستحقاق، فإذا قلت: هذا وقف على فلان؛ ففلان هو الناظر إذا لم تحدد ناظرًا أنت أيها الواقف. =

(ورابعها): أن يكون مزاحمًا للأول في استحقاق التلقي عمن تلقى عنه الأول بسبق حقه وتقديمه عليه، وهو المشتري للشِّقْص المشفوع إذا أجَّر، وقلنا بصحة تصرفاته بالإجارة [و] (¬1) غيرها ثم انتزعه الشفيع، وفيه ثلاثة أوجه (¬2): (أحدها): وهو ما ذكره صاحب "المقنع" (¬3): لا تنفسخ الإجارة؛ لأن ملك المؤجر ثابت، ويستحق الشفيع الأجرة من يوم أَخْذِهِ؛ لأنه يستحق انتزاع العين والمنفعة، فإذا فات أحدهما؛ رجع إلى بدله وهو الأجرة ها ¬

_ = والخلاصة أن الموقوف عليهم إذا آجروا الوقف ثم انقرضوا قبل تمام المدة؛ فهل تنفسخ الإجارة أم لا؟ فيها قولان، المذهب أنه إذا كان المؤجر الناظر العام أو كان ناظرًا بالشرط؛ فإنها لا تنفسخ لأن المؤجر قائم مقام الواقف، وأما إذا كان المؤجر هو الموقوف عليه بأصل الاستحقاق لا بالشرط؛ فإن الإجارة تنفسخ، هذا هو تحرير المذهب في هذه المسألة، مع أن المحاكم الآن عملها على أن الإجارة لا تنفسخ مطلقًا. (ع). قلت: في المطبوع و (ب): بدل "آخر": "أحد"، والمثبت من (أ) و (ج). (¬1) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "أو". (¬2) فهذه أرض بين اثنين (ناصر وآخر) نصفين، فباع واحد منهما نصفه على آخر؛ فهذا النصف الذي باعه هو الشقص المشفوع، وليكن المباع له عبد الرحمن، وعبد الرحمن أجَّرَهُ إلى ياسر، وناصر هنا شفع على عبد الرحمن؛ أي: انتزع ما باعه شريكه من يد عبد الرحمن؛ لأن الشريك إذا باع فلشريكه أن يشفع، وهنا أخذ ناصر بالشفعة لياسر، فقال لياسر: ارفع يدك عن الأرض، فقال ياسر: لكني أنا مستأجر لمدة سنة، فقال له: إن الملك انتقل من عبد الرحمن إليَّ، وأنا لا أرض بالإجارة؛ فهذه هي المسألة، يقول المصنف: فيها ثلاثة أوجه. (ع). (¬3) في "المقنع" (5/ 81 - 82 - مع شرحه "المبدع").

هنا، كما نقول في الوقف إذا انتقل إلى البطن الثاني ولم تنفسخ إجارته: إنهم يستحقون الأجرة من يوم الانتقال. وكذلك نص أحمد في رواية جعفر بن محمد على مثل ذلك في بيع العين المؤجرة، وأن المشتري يستحق الأجرة من حين البيع (¬1)، وهو مشكل؛ لأن المنافع [في] (¬2) مدة الإجارة غير مملوكة للبائع؛ فلا [تدخل] (¬3) في عقد البيع. ويجاب عنه: بأن البائع يملك عوضها، وهو الأجرة، ولم يستقر بعد، ولو انفسخ العقد؛ لرجعت المنافع إليه، فإذا باع العين ولم يستثن شيئًا؛ لم تكن تلك المنافع ولا عوضها مستحقًا له؛ لشمول البيع للعين ومنافعها، فيقوم المشتري مقام البائع فيما كان يستحقه منها، وهو [استحقاق] (¬4) عوض المنافع مع بقاء الإجارة وفي رجوعها إليه مع الانفساخ. [وهذا هو أحد الوجهين للأصحاب، وهو [قياس] (¬5) نص أحمد المذكور أولًا، وما ذكرناهُ قبل ذلك من رجوع المنافع إلى البائع عند الانفساخ هو الذي ذكره صاحب "المغني"] (¬6). ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب): "العقد". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬3) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "يدخل". (¬4) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "استحقاقه". (¬5) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "مثال". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "عوض". وانظر: "المغني" (5/ 272/ رقم 4202).

(والثاني): أنه تنفسخ الإجارة بأخذه، وهو المجزوم به في "المحرر" (¬1)؛ لما قلنا من ثبوت حقه في العين والمنفعة، فيملك انتزاع كل منهما ممن هو في يده وفارق إجارة الوقف على وجه؛ لأن البطن الثاني لا حق لهم قبل انقراض الأول، وهنا حق الشفيع ثابت قبل إيجار المشتري، فينفسخ بأخذه لسبق حقه، ولهذا قلنا على رواية: أن تصرف المشتري في مدة الخيار مراعى، فإن فسخ البائع؛ بطل. وأيضًا؛ فلو لم تنفسخ الإجارة؛ لوجب ضمان المنافع على المشتري بأجرة المثل لا بالمسمى لأنه ضمان حيلولة، كما قلنا في أحد الوجهين إذا أعتق عبده المستأجر لزمه ضمان قيمة منافعه فيما بقي من المدة. والثالث: أن الشفيع بالخيار بين أن يفسخ الإجارة أو يتركها، وهو ظاهر كلام القاضي في "خلافه" في مسألة اعارة [العارية] (¬2)، وهو أظهر؛ فإن الإجارة بيع المنافع، ولو باع المشتري العين أو بعضها؛ كان الشفيع مخيرًا بين الأخذ ممن [هي] (¬3) في يده وبين الفسخ؛ ليأخذ من المشتري (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر في الفقه" (1/ 356). (¬2) في المطبوع: "العارة"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "هو". (¬4) القضية هي أن الرجل إذا باع نصيبه من الملك المشترك؛ فلشريكه أن يَشفع، أي بأخذه من المشتري بثمنه، لكن المشتري قبل أن يشفع صاحبُه آجر هذا الذي اشتراه، فلو كان طلال وياسر شريكين في بيت، فباع طلال على محمد نصيبه من البيت؛ فلياسر أن يشفع فيأخذ الشقص المباع من محمد، ولكن محمدًا آجر نصيبه الذي اشتراه قبل أن يشفع، ثم شفّع ياسرُ؛ فهل تنفسخ الإجارة أم لا؟ فيها ثلاثة أقوال: =

وخامسها: أن ينفسخ ملك (¬1) المؤجر ويعود إلى من انتقل الملك إليه منه؛ فالمعروف من (¬2) المذهب أن الإجارة لا تنفسخ بذلك؛ لأن فسخ العقد رفع له من حينه لا من أصله. وصرح أبو بكر في "التنبيه" بانفساخ النكاح لو أنكحها المشتري ثم ردها بعيب؛ بناءً على أن الفسخ رفع للعقد من أصله. وقال القاضي وابن عقيل في "خلافيهما": الفسخ بالعيب (¬3) رفع للعقد من حينه، والفسخ بالخيار رفع للعقد [له] (¬4) من أصله؛ لأن الخيار يمنع اللزوم بالكلية، ولهذا يمنع معه من التصرف في المبيع وثمنه، بخلاف العيب (¬5). ¬

_ = قول: إنها تنفسخ. وقول: لا تنفسخ. وقول: إن الشفيع له الخيار: إن شاء فسخ، وإن شاء أبقى، وقال المصنف: إنه الأظهر. (ع). (¬1) في (ج): "بملك". (¬2) في (ج): "في". (¬3) في (ج): "الفسخ العيب". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬5) لو بعت هذا البيت عليك بمئة ألف، ثم أجرته إلى زيد، وبعد أن أجرته تبين أن في البيت عيبًا فرددته إليّ؛ فهل تنفسخ إجارة زيد أو لا؟ المعروف كما قال المصنف من المذهب أن الإجارة لا تنفسخ، وهذا هو الراجح إذا كان بعيب، أما إذا كان بشرط، فإنها تنفسخ لأن الفسخ بالشرط رفع للعقد من أصله، والفسخ بالعيب رفع للعقد من حين الفسخ. (ع). قلت: كتب هنا على هامش نسخة (أ): "بلغ قراءة على الشيخ".

37 - القاعدة السابعة والثلاثون في توارد العقود المختلفة بعضها على بعض وتداخل أحكامها

(القاعدة السابعة والثلاثون) في توارد العقود (¬1) المختلفة بعضها على بعض وتداخل أحكامها. ويندرج تحتها صور: - (منها): إذا رهنه شيئًا ثم أذن له في الانتفاع به؛ فهل يصير عارية حالة الانتفاع أم لا؟ قال القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "نظرياته" (¬2) وصاحب "المغني" (¬3) و"التلخيص": يصير مضمونًا بالانتفاع؛ لأن ذلك حقيقة العارية. وأورد ابن عقيل في "نظرياته" في وقت ضمانه احتمالين: (أحدهما): أنه لا يصير مضمونًا بدون الانتفاع. (والثاني): يصير مضمونًا بمجرد القبض إذا قبضه على هذا الشرط؛ ¬

_ (¬1) على هامش (أ) كتب: "وما يقارب العقود". (¬2) اسمه: "المجالس النظريات" لعلي بن عقيل بن محمد بن عقيل أبي الوفاء البغدادي، توفي سنة (513 هـ). انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 142 - 165)، و"السير" (19/ 443 - 451). (¬3) انظر: "المغني" (4/ 251/ 3369).

لأنه صار ممسكًا للعين لمنفعة نفسه منفردًا [بها] (¬1). وهل يزول لزومه أم لا؟ ينبني على أن إعارة الراهن بإذن المرتهن هل يزيل لزوم الرهن أم لا؟ وفيه [طريقتان] (¬2): (إحداهما): أنه على روايتين، وهي طريقة "المحرر" (¬3). (والثانية): إن أعاره من المرتهن لم يزل اللزوم بخلاف غيره، وهي طريقة "المغني" (¬4). وقال صاحب "المحرر" في "شرح الهداية" (¬5): ظاهر كلام أحمد أنه لا يصير مضمونًا بحال. ويشهد له قول أبي بكر في "خلافه": شرط منفعة الرهن باطل، وهو ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج) و (ب): "به". (¬2) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ)، و (ج): "طريقان". (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 335). (¬4) انظر: "المغني" (4/ 250/ 3368). (¬5) اسمه: "منتهى الغاية لشرح الهداية"، وسماه في "المقصد الأرشد": "مبتغى الغاية في شرح الهداية"، قال ابن رجب: "بيّض منه أربع مجلدات كبار إلى أوائل الحج، والباقي لم يبيِّضه"، ومؤلفه هو أبو البركات عبد السلام بن عبد اللَّه بن الخضر الحراني، جد شيخ الإسلام ابن تيمية، توفي سنة (652 هـ)، وذكر المصنف في (1/ 235) أنه ينقل عن مسوّدته. وانظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 249 - 254)، و"المقصد" (ص 189 - 190)، و"السير" (23/ 291 - 293)، و"المدخل المفصَّل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" (2/ 714) للشيخ بكر أبو زيد.

رهن بحاله (¬1). - (ومنها): إذا أودعه شيئًا، ثم أذن له في الانتفاع به؛ فقال القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "نظرياته" وصاحب "التلخيص" (¬2): يصير مضمونًا حالة الانتفاع؛ لمصيره عارية حينئذ. قال ابن عقيل: ولا يضمن بالقبض قبل الانتفاع ها هنا؛ لأنه لم يمسكه لمنفعة نفسه منفردًا، بل لمنفعته ومنفعه مالكه، بخلاف الرهن. ومن المتأخرين من قال: ظاهر كلام أحمد أنه لا يصير مضمونًا أيضًا؛ كالرهن، وفرق صاحب "المحرر" (¬3) بينهما. ولا اختلاف ها هنا بين العقدين في الجواز؛ إلا أن يكون مدة الانتفاع مؤقتة، فيخرج فيها وجه باللزوم من رواية لزوم العارية المؤقتة (¬4). ¬

_ (¬1) الذي ورد عقد العاريّة على عقد الرهن؛ فهل يزول حكم عقد الرهن أم لا؟ في هذا خلاف ذكره المؤلف، ومن ذلك أنه عاريّة، وقنا: إن العاريّة مضمونة بكل حال صار هذا المرهون مضمونًا بكل حال، وأما لو قلنا: إنه يبقى على كونه رهنًا صار لا يُضمن إلا إذا تعدى أو فرط. (ع). (¬2) في المطبوع: "التخليص". (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 359). (¬4) أودعه شيئًا وأذن له بالانتفاع فيه؛ فهل يصير مضمونًا أو لا يصير؟ مثاله: قلت: خذ هذا الكتاب احفظه لي حتى أعود من السفر، ثم بعد ذلك قلتُ: إذا أحببت أن تنتفع به؛ فلك ذلك، فلما أذنت لك صار الآن عاريّة؛ فهل يصير مضمونًا بناءً على أن العاريّة مضمونة، أو لا بناءً على أنه رهن أذن له بالانتفاع به؟ فيه خلاف، والصحيح كما قلنا أولًا: أن العارية لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط؛ فلا يكون هناك فرق بين الوديعة وبين العارية. (ع).

- (ومنها): إذا أعاره شيئًا ليرهنه؛ صح، [نص] (¬1) عليه، ونقل ابن المنذر (¬2) الاتفاق عليه، ويكون مضمونًا على الراهن؛ لأنه مستعير وأمانة عند المرتهن عليه. وأما اللزوم وعدمه؛ فقال الأصحاب: هو لازم بالنسبة إلى الراهن والمالك، لكن للمالك المطالبة بالافتكاك، فإذا انفك؛ زال اللزوم، فيرجع فيه المالك. واستشكل ذلك الحارثي وقال: إما [أن يكون] (¬3) لازمًا [اعتبارًا بحكم العارية، وفي كلام أحمد إيماء إليه، وإما أن يكون لازمًا] (¬4)؛ فلا يملك المالك المطالبة [بالافتكاك] (¬5) قبل الأجل، وتكون العارية هنا لازمة لتعلق حق الغير وحصول الضرر بالرجوع كما في العارية؛ كبناء حائط، ووضع خشب وشبههما. انتهى. وصرح أبو الخطاب في "انتصاره" بعدم لزومه، [وأن] (¬6) للمالك انتزاعه من يد المرتهن؛ فيبطل الرهن (¬7). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (أ)، وسقطت من الباقي. (¬2) بقوله في كتابه "الإجماع" (ص 110/ رقم 526): "وأجمعوا على أن الرجل إذا استعار من الرجل الشيء يرهنه على دنانير معلومة عند رجل سمّي له إلى وقتٍ معلوم؛ فرهن ذلك على ما أذن له فيه أن ذلك جائز". (¬3) و (¬4) و (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬6) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ): "فإن". (¬7) جاء إنسان إلي وقال: أنا أخذت من فلان قرضًا وطب مني رهنًا وليس عندي شيء؛ فقلت: خذ هذا الكتاب عاريّه ارهنه عند فلان؛ فصار الكتاب بالنسبة للراهن عارية وبالنسبة لصاحب الحق رهنًا؛ فهذا فيه تداخل عقود؛ لأن هذه العين صارت بالنسبة لواحد =

- (ومنها): لو أعاره شيئًا ثم رهنه عنده؛ فقال أبو البركات في "الشرح": قياس المذهب [يصح] (¬1)، ويسقط ضمان العارية؛ لأنها ليست لازمة، وعقد هذه الأمانة لازم (¬2). ثم أخذه من كلام [الإمام] (¬3) أحمد في ورود عقد الإعارة على الرهن كما سبق. ويتخرج في هذه المسألة ما في تلك. - (ومنها): ورود عقد الرهن على الغصب؛ فيصح عندنا، ذكره أبو بكر والقاضي، ويبرأ به الغاصب، وكذا لو أودعه عنده أو أعاره إياه أو استأجره لخياطته (¬4) أو نحوها، ذكره أبو الخطاب (¬5) وغيره. وذكر القاضي في "خلافه" فيما إذا استأجرهُ لخياطته (4) ونحوها؛ هل يبرأ به؟ على وجهين. وذكر [هو] (¬6) في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" في المضاربة: ¬

_ = رهنًا وبالنسبة للآخر عاريّة، والرهن لازم والعاريّهُ غير لازمة؛ فهل العاريّة لمّا دخل عليها الرهن هنا تكون لازمة أو لا؟ فيه خلاف، وكلام الحارثي جيد. (ع). (¬1) في المطبوع: "صحته"، والمثبت من النسخ الخطية. (¬2) كذا في المطبوع و (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج): "ألزم". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (أ): "لخياطه". (¬5) انظر: "الهداية" (1/ 180) لأبي الخطاب. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

إذا جعل المالك المغصوب مع الغاصب مضاربة؛ صح، ولم يبرأ من ضمانه إلى أن يدفعه ثمنًا فيما يشتري به، فيبرأ حينئذ من الضمان، وعلى قول أبي الخطاب يبرأ في الحال. - (ومنها): رهن المبيع المضمون على البائع قبل قبضه على ثمنه أو غيره إذا قيل بصحته يزول به الضمان على قياس التي قبلها؛ لأن يده صارت يد ارتهان. - (ومنها): لو قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك إلى وقت كذا، وإلا؛ فالرهن لك بالدين، وقبل ذلك؛ فهو أمانة عنده إلى ذلك الوقت، ثم يصير مضمونًا؛ لأن قبضه صار بعقد فاسد، ذكره القاضي وابن عقيل. والمنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحسن (¬1) بن هارون: أنه لا يضمنه بحال، ذكره القاضي في "الخلاف"؛ لأن الشرط يفسد فيصير وجوده كعدمه (¬2). ¬

_ (¬1) في (ج): "محمد بن الحسين بن هارون"، والتصويب من المطبوع و (أ) و (ب) و"المقصد الأرشد" (2/ 388). وهو محمد بن الحسن بن هارون بن بَدِيْنا أبو جعفر الموصلي، سكن بغداد، وحدَّث عن الإمام أحمد رحمه اللَّه، وممن روى عنه أبو بكر الخلال وتوفي رحمه اللَّه في شوال سنة ثلاث وثلاث مئة. انظر: "تاريخ بغداد" (2/ 191)، "طبقات الحنابلة" (1/ 288)، و"المنهج الأحمد" (1/ 317). (¬2) إذا رهنه شيئًا وقال: إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا؛ فالرهن لك؛ فهذا صحيح. (ع).

- (ومنها): لو كاتب المدبَّر أو دبَّر المكاتب؛ صح، نص عليه، ثمَّ إن مات السيد ولم يؤد العبد من الكتابة شيئًا؛ عتق بالتدبير من الثلث، وهل يكون كسبه له كما لو عتق في حياة السيد وهو مكاتب، أو للورثة كعتقه بالتدبير؟ على وجهين. وهكذا حكم [اجتماع] (¬1) الاستيلاد والكتابة؛ [إلا أنها تعتق من رأس المال] (¬2). ونقل ابن الحكم عن أحمد ما يدل على بطلان التدبير بالكتابة بناءً على أن التدبير وصية، فيبطل بالكتابة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬3) التدبير تعليق عتق العبد بموت سيده، والكتابة أن يبيع العبد على نفسه، أي على نفس العبد. (ع).

38 - القاعدة الثامنة والثلاثون فيما إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها؛ فهل يفسد العقد بذلك، أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟

(القاعدة الثامنة والثلاثون) فيما إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها؛ فهل يفسد العقد بذلك، أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟ فيه خلاف يَلْتَفِتُ إلى أنَّ المغلب هل هو اللفظ أو المعنى، ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): لو أعاره شيئًا وشرط عليه العوض؛ فهل يصح أم لا؟ على وجهين: (أحدهما): يصح، ويكون كناية عن القرض؛ فيملكه بالقبض إذا كان مكيلًا أو موزونًا، ذكره أبو الخطاب في "انتصاره". وكذلك ذكر القاضي في "خلافه" وأبو الخطاب في موضع من "رؤوس المسائل" (¬1): أنه يصح عندنا شرط العوض في العارية كما يصح شرط العوض في الهبة؛ لأن (¬2) العارية هبة منفعة ولا تفسد بذلك، مع أن ¬

_ (¬1) "رؤوس المسائل" هو "الخلاف الصغير" لمحفوظ بن أحمد بن حسن الكَلْوذاني، توفي (510 هـ). قال فيه مجد الدين ابن تيمية: "ما ذكره فيه هو ظاهر المذهب". انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 116 - 127)، و"السير" (19/ 348 - 350)، و"الدُّر المنضَّد" (رقم 31)، و"المدخل المفصَّل" (1/ 295، 298، 303، 2/ 903). (¬2) في (ج): "لا أن".

القاضي قرر أن الهبةَ المشروطَ فيها العوض ليست بيعًا، وإنما الهبة تارة تكون تبرعًا وتارة تكون بعوض، وكذلك العتق، ولا يخرجان [عن] (¬1) موضوعها؛ فكذلك العارية، وهذا (¬2) مأخذ آخر للصحة. (والثاني): إنها تفسد بذلك، وجعله أبو الخطاب في موضع آخر المذهب؛ لأن العوض يخرجها عن موضوعها (¬3)، وفي "التلخيص": إذا أعاره عبده على أن يعيره الآخر فرسه؛ فهي إجارة فاسدة غير مضمونة، [وهذا] (¬4) رجوع إلى أنها كناية في عقد آخر، والفساد إما أن يكون لاشتراط عقد في عقد [آخر] (¬5)، وإما لعدم تقدير المنفعتين، وعليه خرجه الحارثي [وقال] (¬6): وكذلك لو قال: أعرتك عبدي لتمونه، أو دابتي لتعلفها، وهذا يرجع إلى أن مؤنة العارية على المالك، وقد صرح الحلواني في "التبصرة" (¬7) بأنَّها على المستعير (¬8). ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "من". (¬2) كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي (ج): "فهذا". (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "موضعها". (¬4) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "فهذا". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) في (ج): "قال" بدون الواو. (¬7) "التبصرة في الفقه" لعبد الرحمن بن محمد بن علي بن محمد أبو محمد بن أبي الفغ، والحُلْواني -بضم الحاء- نسبة إلى حُلوان بلد معروف بالعراق، وقيل: الحَلواني -بفتح الحاء- نسبة إلى بيع الحلواء، توفي سنة (546 هـ). انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 221 - 222)، و"شذرات الذهب" (4/ 144)، و"الدر المنضد" (رقم 49). (¬8) هذه القاعدة معناها: إذا وصل الإنسان بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها؛ =

- (ومنها): لو قال: خذ هذا المال مضاربة والربح كله لك أولي؟ فقال القاضي وابن عقيل: هي مضاربة فاسدة يستحق فيها أجرة المثل. وكذلك قال صاحب "المغني" (¬1)؛ لكنه قال: لا يستحق شيئًا في الصورة الثانية؛ لأنه دخل على أن لا شيء له ورضي به. [وقاله] (¬2) ابن عقيل في موضع آخر من المساقاة، وقال في ¬

_ = فهل تفسد أو تنزل على ما تصح عيه على ذلك الوجه؟ مثاله: العارية معناها إباحة الانتفاع بالعين مع ردّها، أي ردّ العين مثل: أعطيتك هذا الكتاب لتقرأ به لمدة شهر وتردّه عليّ؛ فهذه عارية لأنني ملكتك الانتفاع بهذا الكتاب ثم تردّه علي، فإذا شرطت عوضه إذا تلف؛ يقول المؤلف: إنه يكون قرضًا، أي إذا قلت: خذ هذا الكتاب عاريّة بشرط أن تعطيني مثله، المؤلف يقول: هذا قرض، وأما إن اشترط عليك عوضًا غير البدل، بأن أقول: خذ هذا عارية على أن تعطيني كل يوم عشر دراهم؛ فهذا يكون قرضًا، هذا إذا قلنا بصحة العقد، أما إذا قلنا بعدم صحة العقد، فالأمر ظاهر، أي أن العارية لا تصح ويجب أن تردها إلى صاجها، وليس له عوض، ولماذا لا يصح العقد؟ قالوا: لأن العاريّة من عقود التبرعات وليست من عقود المعاوضات، وأنت الآن جعلتها من عقود المعاوضات، فأخرجتها عن موضوعها؛ فتبطل؛ فالقاعدة أنه إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرج العقد عن موضوعه؛ فهل يبطل العقد أو لا يبطل ويحمل على الصحة ويكون عقدًا آخر غير الذي تلفظ به؛ فالعارية هنا إذا صححنا العقد؛ قلنا: هي قرض أو إجارة، إن جعل من كل يوم شيئًا معلومًا؛ فهذه إجارة، وإن جعل عنها بدلًا كانت قرضًا، وأما القول الأول؛ فإن العقد لا يصح، وذلك لأنه لما شرط فيها العوض أخرجها عن موضوعها، ولما أخرجها عن موضوعها لم تصح، والظاهر الصحة؛ لأنه متى أمكنه تصحيح العقود؛ فإنه هو الواجب. (ع). (¬1) انظر: "المغني" (5/ 21/ 3652)، وقال هناك: "وبه قال الشافعي". (¬2) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "وقال".

"المغني" (¬1) في موضع آخر: إنه إبضاع صحيح. فراعى الحكم دون اللفظ. وعلى هذا؛ فيكون [في] (¬2) الصورة الأولى قرضًا (¬3). - (ومنها): لو استأجر المكيل أو الموزون أو النقود أو الفلوس ولم يذكر ما يستأجرها له؟ فقال القاضي في "خلافه" في الإجارات: يصح ويكون قرضًا، [ولنا] (¬4) وجه آخر: أنه لا يصح (¬5). ¬

_ (¬1) انظره: (5/ 21/ 3652). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) إذا قال: خذ هذا المال مضاربة، والمضاربة أن يدفع الأول المال لآخر يتجر به والربح بينهما، فإذا قال: خذ هذا مضاربة ولك جميع الربح، أو خذ هذا المال مضاربة ولي جميع الربح؛ فهنا قد أخرج المضاربة عن موضوعها؛ فهل تصح أم لا؟ فيه خلاف: فمنهم من قال: إن المضاربة لا تصح ويكون الربح كله لصاحب المال وعليه للعامل أجرة المثل؛ لأن العامل عمل بالمال بإذن صاحبه ولا عمل إلا بعوض؛ فيستحق أجرة المثل، وفي هذه الحال قد تكون أجرة المثل أكثر من الربح وقد تكون أجرة المثل أقل من الربح. والقول الثاني: أنها تصح، ولكنّ المضارَب لا يستحق شيئًا لأنه دخل على أنه يعمل في هذا المال متبرعًا، والقريب عندي أن العقد صحيح، وإنه يُمشى فيه على ما قال، أي إذا قال له: والربح كله لك؛ فلا حرج؛ لأنه ربما يريد منفعته بهذا، وإذا قال العامل: الربح كله لك، فلا مانع أيضًا لأنه تبرع بنفع بدنه لصاحب المال، ومعنى الإبْضاع هنا: أنه يعمل بالمال ولا شيء له. (ع). (¬4) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "وله". (¬5) فلو قال: استأجرت منك مئة صاع بُرّ؛ فإن البُرّ هنا يكون لصاحبه، ولا انتفاع =

- (ومنها): لوأجره الأرض بثلث ما يخرج منها من زرع؟ نص أحمد على صحته، واختلف الأصحاب في معناه؛ فقال القاضي: هي إجارة على حدّ المزارعة تصح بلفظ الإجارة، وحكمها حكمها، وقال أبو الخطاب (¬1) وابن عقيل وصاحب "المغني" (¬2): هي مزارعة بلفظ الإِجارة؛ فتصح على قولنا، يجوز أن يكون البذر من العامل، وإلا؛ فلا (¬3). - (ومنها): لو أسلم في شيء حالًا؛ فهل يصح ويكون بيعًا أو لا يصح؟ فيه وجهان. (أحدهما): وهو ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي: لا يصح البيع ¬

_ = هنا به، ولهذا لو حاسبناه على لفظه؛ لكان كلامه لغوًا، لكن هناك قول أنه يصح، ويكون قرضًا؛ فكأنني استسلفت منك مئة صاع بُر، وكذلك إذا قال الرجل: أستأجر منك هذه الدراهم، ولا يعلم انتفاع بالدراهم إلا بالتصرف بها، وإذا تصرف بها صارت قرضًا ولا تصح الإجارة. (ع). قلت: وعندي أنّ استئجارها متصوّر بدون تصرف، وذلك كاستئجار الحُليّ، وهذا يكون متصورًا جدًّا في إظهار الملاءَة في الأسواق ومَحالِّ الصفقات وإن كان مبني هذا الفعل في الغالب على الغش والخديعة. (¬1) انظر: "الهداية" (1/ 179) لأبي الخطاب رحمه اللَّه. (¬2) انظر: "المغني" (5/ 249/ 4151). (¬3) والظاهر أنها تصح، سواء قنا إنها إجارة أو قلنا مزارعة؛ إذ لا مانع، فلو قال: أجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها، أو قال: زارعتك بثلث ما يخرج منها وإن كانت الصورة صورة مزارعها ولكنها صحيحة فيهما. (ع).

بلفظ السلم. (والثاني): يصح، قاله القاضي في موضع من "خلافه" (¬1). - (ومنها): إذا قال: أنت علي حرام، أعني به الطلاق. وقلنا: الحرام صريح في الظهار؛ فهل يلغو تفسيره ويكون ظهارًا، أو يصح ويكون طلاقًا؟ على روايتين (¬2). ¬

_ (¬1) الصحيح أنه يصح، سواء بلفظ البيع أو بلفظ السَّلَم. (ع). (¬2) الصحيح أنه على ما نوى، وإذا قال: أعني به الطلاق؛ فقد صرح بنيته؛ فيكون طلاقًا لا ظهارًا، على أن المسألة فيها خلاف في الأصل؛ هل تحريم الرجل زوجته ظهار، أو هو كتحريم الطعام والشراب؟ والصحيح أنه كتحريم الطعام والشراب، أي إذا قال الرجل لزوجته: أنت عليّ حرام؛ فليس هذا ظهارًا، بل هو تحريم؛ كقوله: هذا الطعام علي حرام؛ لعموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1 - 2]، وقد صح عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أنه قال: "إذا حرّم الرجل امرأته، فهي يمين يكفرها"، وبعض أهل العلم يقول: هذا لغو؛ أي: ليس بشيء. فقول: إنه ظهار؛ فلا تطلق ولكن لا يقربها حتى يفعل ما أمر به، والقول الثاني: إنه يمين أي لا تطلق وعليه كفارة يمين، والثالث: إنه لغو، وهذا القول الثالث إن صح عمن نُسِب اليه؛ فإنما يكون كذلك إذا كان قصده الخبر لا الإِنشاء، فإنه إذا قال: زوجتي علي حرام، وأراد الخبر؛ قل له: كذبت، بل هي حلال لك، بخلاف إذا ما قصد تحريمها إنشاءً، فإن الصحيح أن حكمه حكم ما لو حرم غير الزوجة. (ع). قلت: الصواب الذي لا معدل عنه أن تحريم الرجل امرأته يمين يكفرها، وذلك لأمرين: الأول: لعموم الآية؛ كما قال الشيخ آنفًا. =

- (ومنها): لو قال له في دَيْن السَّلم: صالحني منه على مثل الثمن؟ قال القاضي: يصح ويكون إقالة، وقال هو وابن عقيل: لا يجوز بيع الدين من الغريم بمثله؛ لأنه نفس حقه. فيخرج في المسألة (¬1) وجهان؛ التفاتًا إلى اللفظ والمعنى (¬2). ¬

_ = والثاني: لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما. واعلم أن رواية البخارى فيها زيادة، وهو قوله: وقال -أي: ابن عباس-: لقد كان لكم في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسوة حسنة، وهذا منه رفع كالصربح للحديث، وأما قوله في رواية البخاري: "ليس بشيء"، فهنا في شأن بقاء الزوجيّة وعدمها، والصواب في جميع الألفاظ التي تتعلق بالنكاح عقدًا ونسخًا أن يُنظر إلى اللفظ، فإن جَعَلَ الشارعُ حكمًا مترتبًا على هذا اللفظ بعينه؛ صرنا إليه، ولم نعدل الى ما سواه، ولو نوى خلافَه وإن لم يكن له حكم خاص؛ عُمل بمقتضى نيته، وقبلت فيه الكناية. وأظهر ما يُستدل به لما قلته آنفًا حادثة الظهار، فإن الرجل لمّا ظاهر امرأته كان قد نوى طلاقًا، وهو المعروف عندهم في الجاهلية، أعني: أن أوس بن الصامت -وهو أوّل مظاهر في الإسلام- كان قد نوى طلاق امرأته ولكن لمّا جعل الشارع للظهار حكمًا خاصًا به تترتب عليه أحكام؛ لم يُنظر إلى نيّة المظاهِر، وهنا التحريم قد جعل الشارع له حكمًا خاصًا به؛ فلا يُلتفت إلى نية المحرم، ويصار إلى حكمه، أي من كونه يلزم منه كفارة اليمين، واللَّه أعلم. (¬1) في (أ): "المسألتين". (¬2) الخلاصة في هذه القاعدة أنه متي أمكن تصحيح العقود؛ فإنه يجب ذلك. ومعنى هذه المسألة أنه لما أخذ من المال سلمًا وجاء الأجل قال: أريد أن أصالحك عن مئة صاع التي هي بدل المال والتي هي في ذمتك بمثل الثمن، أي بمئة إذا كان المال مئة. (ع). قلت: انظر في تحرير المسألة: "مسائل عبد اللَّه" (1070)، و"مسائل ابن هانئ" (2/ 19)، و"المحرر" (1/ 333)، و"الكافي" (2/ 112)، و"المحرر" (1/ 333)،=

39 - القاعدة التاسعة والثلاثون في انعقاد العقود بالكنايات واختلاف الأصحاب في ذلك

(القاعدة التاسعة والثلاثون) في انعقاد العقود بالكنايات واختلاف (¬1) الأصحاب في ذلك. فقال القاضي في مواضع: لا كناية إلا في الطلاق والعتاق، وسائر العقود لا كناية فيها (¬2). وذكر أبو الخطاب في "الانتصار" نحوه، وزاد: ولا تحل العقود بالكنايات غير النكاح والرق. وقال في موضع آخر منه: تدخل الكنايات في سائر العقود سوى النكاح؛ لاشتراط الشهادة عليه، وهي لا تقع على النية. وأشار إليه صاحب "المغني" (¬3) أيضًا، وكلام كثير من الأصحاب يدل عليه [أيضًا] (¬4)، وهل المعاطاة التي ينعقد بها البيع والهبة ونحوهما إلا ¬

_ = و"الفروع" (4/ 181)، و"الإنصاف" (5/ 97)، و"مجموع الفتاوى" (29/ 52، 497) لابن تيمية، و"الاختيارات العلمية" (131)، و"شرح المنتهى" (2/ 219)، و"مطالب أولي النهى" (3/ 221). (¬1) في (ب): "واختلف"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في (ب): "لها"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) انظر: "المغني" (4/ 3 - مع "الشرح الكبير"). (¬4) ما بين المعقوقتين من نسخة (أ) فقط.

كنايات؟! وكذلك كنايات الوقف تنعقد به في الباطن؛ [إذا لم يقترن بحكمه أو أحد ألفاظه؛ فإنه ينعقد به الظاهر أيضًا] (¬1)، صرح به الحلواني، وقد تقدم في القاعدة التي قبلها كثير من فروع هذه القاعدة (¬2). - (ومنها): لو أجره عينًا بلفظ البيع، ففي الصحة وجهان. وقال صاحب "التلخيص": إن أضاف البيع إلى العين؛ لم يصح، والوجهان في إضافتها إلى المنفعة (¬3). - (ومنها)؛ الرجعة بالكنايات ان اشترطنا الإشهاد عليها؛ لم يصح، وإلا؛ فوجهان. [وأطلق الوجهين صاحب "الترغيب"] (¬4) [والأجود] (¬5) ما ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (أ) و (ج)، وفي (أ): ". . . تقترن به حكمة. . . ألفاظ. . . ". (¬2) الصريح ما لا يحتمل غير معناه، والكناية ما يحتمل معناه وغيره. (ع). (¬3) إذا قال: بعتك هذه الدار كل سنة بألف ريال؛ فهذه إجارة، ولكنها وقت بلفظ البيع؛ فهل تصح أولا؟ فمنهم من يقول: إنها تصح؛ لأن الإجارة نوع من البيع، ولما قيدها بما يدل على الإجارة؛ صارت كذلك، ومنهم من قال: لا تصح؛ لأن البيع المطلق يراد به بيع العين والإجارة بيع المنفعة، والصواب في كل ما قيل هنا وفيما تقدم أنه يُرجع في ذلك إلى معنى اللفظ في عرف الناس وإلى ما تقتضيه القرينة. (ع). (¬4) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "وأطلق صاحب الترغيب الوجهين" بتقديم وتأخير. (¬5) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "والأوْلى".

ذكرنا (¬1). فأما قوله لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك؛ فجعله ابن حامد كناية، ولم [ينعقد] (¬2) به النكاح حتى يقول: وتزوجتك، وقال القاضي: هو صريح بقرينة ذكر الصداق، فإن الصريح قد يكون مجازًا إذا اشتهر وتبادر فهمه؛ ولو مع القرينة، وفسره القاضي بأنه الظاهر، ولا يشترط أن يكون نصًّا. وكلام أحمد صريح في أن هذا اللفظ كناية؛ فإنه قال في رواية صالح: إذا قال: "أَجْعَلُ عتْقَكِ صَدَاقك، أو قال: صداقُك عتقُك؛ كل ذلك جائز إذا كانت له نية مبيتة" (¬3)؛ [فصرح] (¬4) باعتبار النية [له] (¬5)، وتأوله القاضي بتأويل بعيد جدًّا. وكذلك نص [أحمد] (¬6) على ما إذا قال الخاطب للولي: أزوَّجتَ وليتك؟ [فقال] (¬7): نعم. وقال للمتزوج: أَقَبِلْتَ؟ قال: نعم: أن النكاح ¬

_ (¬1) الرجعة: إعادة المطلقة إلى النكاح في العدة، يقول: راجعت زوجتي أو رددتها أو أمسكتها، فإذا جاء بكناية؛ فالراجح أنها تصح ما دامت القرية دالة على مرادِه. (ع). (¬2) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ): "يعقد". (¬3) انظره في: "مسائل صالح" (3/ 83/ رقم 1389)، وعنه ابن قدامة في "المغني" (6/ 529). وانظر في المسألة "الإنصاف" (8/ 97 - 99). (¬4) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "فنيته تصرح"، وفي (ب): "فبنيته فصرح"، وفي (ج): "فنيته عتقك فصريح". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "قال".

ينعقد [به] (¬1)، وذكره الخرقي (¬2). ونعم، ها هنا كناية؛ لأن التقدير: نعم زوجت، ونعم قبلت. وأكثر ما يقال: إنها صريحة في الإعلام بحصول الإنشاء؛ فالإنشاء إنما استفيد منها وليس فيها من ألفاظ [صرائح] (¬3) الإنشاء شيء؛ فيكون كناية عن لفظ النكاح وقبوله (¬4). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في "مختصره" (7/ 59/ رقم 5289 - مع "المغني") بتصرف يسير جدًّا، وقال تتميمًا لهذا النص: "إذا حضره شاهدان". (¬3) كذا في جميع النسخ الخطية، وفي المطبوع: "صريح". (¬4) هذا اللفظ (أعني: اعتقتك وجعلت عقك صداقك) سبق (ص 276) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قاله لصفية، وقول ابن حامد: إنه لا بد من قوله: "تزوجتك" هذا غلط؛ لأن السنة ليس فيها ذلك، وهذا يدل على أن العقود تنعقد بما يدل عليها حتى لو قال ملكتك بنيتي، فقال: قبلت؛ انعقد النكاح، كما أنه لو قيل للولي: أزوجتك ابنتك فلانًا؟ قال: نعم، وقال للزَّوج: أقبلتَ النكاح؟ فقال: نعم؛ يصح النكاح، مع أن الولي في هذه الحال لم يقل: زوجتك ولكن قال: نعم، وكذلك الزوج لم يقل: قبلت بل قال: نعم في جواب قبلت، وهذا يدل على ما قررناه من أن العقود تنعقد بما دلّ عليها. (ع).

40 - القاعدة الأربعون الأحكام المتعلقة بالأعيان بالنسبة إلى تبدل الأملاك واختلافها

(القاعدة الأربعون) الأحكام المتعلقة بالأعيان بالنسبة إلى تبدل الأملاك واختلافها. عليها نوعان (¬1): ¬

_ (¬1) هذه القاعدة نصورها، فنقول؛ إذا كان هناك حكم متعلِّق بالعين، ثم زالت الحين من ملك صاحبها، ثم عادت إلى ملك صاحبها؛ فهل يعود الحق الذي تعلق بمنافعها بعودها أو لا يعود؟ ذكر أن هذا على نوعين: الأول: ما يتعلق به الحكم بملكٍ واحدٍ، فإذا زال ذلك الملك؛ سقط الحكم، وأوضح مثال لهذا الإعارة، فلو أعرتك شيئًا، ثم بعته، بطلت العاريّة؛ لأنه انتقل ملكي عن هذا الشيء المعار، فيأخذه المشتري، فإذا اشتريته فيما بعد؛ فهل يعود حكم الإعارة أولا؟ والجواب: أنه لا تعود الإعارة؛ لأن إعارتي إياك إنما كانت بملك سابق فزال هذا الملك ببيعي لها، وشمل هذا الزوال العين والمنفعة؛ فلا تعود المنفعة لك إلا بعقد جديد. ومنها كذلك الوصية، فلو أوصي شخص بهذا الكتاب بعد موته لطلبة العلم، ثم باع الكتاب؛ فإن الوصية تبطل لأنه إذا باع الموصى به؛ فهو رجوع عن الوصية، لكنه بعد بيعه اشتراه ثانية؛ فهل تعود الوصية أو لا؟ والجواب: لا تعود الوصية؛ لأن وصيتي بهذا المال كانت في مُلْك سابق حال بينه وبين ملكي الثاني ملك رجل آخر؛ فلا تعود الوصية مرة ثانية، وكذلك الهبة قبل القبض، فلو وهبتك هذا الكتاب وقلت أنت: قبلت، ولكن قبل قبضك إياه بعت الكتاب؛ فهذا جائز لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض وأنت لم تقبض، وبعد بيعي للكتاب اشتريته مرة أخرى؛ فهل =

(أحدهما): ما يتعلق الحكم فيه بملك واحد، فإذا زال ذلك الملك؛ سقط الحكم، وصور ذلك كثيرة: - (منها): الإجارة، فمن استأجر شيئًا مدة، فزال ملك صاحبه عنه بتملك قهري يشمل العين والمنفعة، ثم عاد إلى ملك المؤجر والمدة باقية؛ لم تعد الإجارة، هذا هو الظاهر؛ لأن ملك المستأجر زال عن المنافع وثبت له الرجوع على المالك بقسطه من الأجرة، فإذا استوفاه منه؛ لم يبق له حق، فتعود العين بمنافعها ملكًا للمؤجر، أما إن لم يستوف شيئًا؛ فقد سبق نظائرها في قاعدة من تعذر عليه الأصل واستقر حقه في البدل ثم وجد الأصل؛ فيحتمل وجهين، والأظهر هنا عدم استحقاق المنافع؛ لأن حقه سقط منها وانتقل إلى بدلها. - (ومنها): الإعارة، فلو أعاره شيئًا، ثم زال ملكه عنه، ثم عاد؛ لم تعد الإِعارة. - (ومنها): الوصية تبطل بإزالة الملك، ولا تعود بعوده. -[(ومنها): الهبة قبل القبض وسائر العقود الجائزة؛ كالوكالة وغيرها. - (ومنها): لو أذن السيد لعبده في النكاح، فتزوج ثم طلق، فإن كان ¬

_ = تعود الهبة؟ لا تعود؛ لأن الهبة كانت في ملك سابق، ولم تلزم، لأنني لم أقبضك إيّاها؛ فعلى هذا لا يعود حقك لأنه ليس بلازم، فصارت هذه الأحكام لا تتبع العين إذا انتقل ملكها عن صاحبها الأول، فإن الأحكام المتعلقة بالعين تطل، فإن جدّدها؛ فذاك، وإلا؛ فقد بطلت. (ع).

الطلاق رجعيًا؛ فله الرجعة بدون إذن السيد، ذكره القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب؛ لأن الملك قائم بعد أن كان بائنًا لم بملك إعادتها بغير إذنه؛ لأنه تجديد ملكه، والإذن مطلق؛ فلا يتناول أكثر من مرة] (¬1). (النوع الثاني): ما يتعلق الحكم فيه بنفس العين من حيث هي تعلقًا لازمًا؛ [فلا] (¬2) يختص تعلقه بملك دون ملك، وله (¬3) صور: - (منها): الرهن، فإذا رهن عينًا رهنًا لازمًا، ثم زال ملكه عنها بغير اختياره، ثم عاد؛ فالرهن باقٍ بحاله لأنه وثيقة لازمة للعين، فلا تنفك بتبدل الأملاك؛ كأرش الجناية؛ غير أن الأرش لازم لرقبة الجاني بدون القبض، والرهن لا يلزم أو لا يصح بدون القبض. وذكر الأصحاب صورًا يعود فيها الرهن بعود الملك: - (منها): لو سبا الكفار العبد المرهون، ثم استنقذ منهم؛ عاد رهنًا بحاله، نص عليه الإمام أحمد. - (ومنها): لو تخمر العصير المرتهن، ثم تخلل؛ فإنه يعود رهنًا كما كان، وكذلك يعود الرهن بعد زواله؛ وإن كان ملك الراهن باقيًا عليه في مواضع: - (منها): لو صالحه من دين الرهن على ما يشترط قبضه في ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) والمطبوع، وهو من نسختي (أ) و (ج)، وفي (ج) قال: "فلا يتناول العرف" بدل قوله: "فلا يتناول أكثر من مرة". (¬2) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "لا". (¬3) في (ب): "ولها"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

المجلس؛ صح الصلح (¬1)، وبرئت ذمته من الدين، وزال الرهن، فإن تفرقا قبل القبض؛ بطل الصلح، وعاد الدين والرهن بحاله. - (ومنها): ما قاله أبو بكر: إنه إن [أعاد] (¬2) الرهن إلى الراهن بطل الرهن، فإن عاد إليه عاد رهنًا كما كان. وفي كلام أحمد نحوه، وتأوله القاضي وابن عقيل على أنه بطل لزومه؛ لأنه لو بطل بالكلية؛ لم يعد بدون عقد، وهذا باطل بمسألة الصلح، وقد وافقا عليها، والظاهر أن الرهن لا يبطل بعد لزومه بدون رضى المرتهن. - (ومن صور [هذا] (¬3) النوع): المكاتب؛ فإن المكاتبة (¬4) عقد لازم ثابت في الرقبة؛ فلا يسقط بانتقال الملك فيه. - (ومنها): الأضحية المعينة، فإن الحق ثابت في رقبتها لا يزول بدون اختيار المالك، فإذا تعيبت؛ خرجت عن كونها أضحية، فإذا زال العيب؛ عادت أضحية كما كانت، ذكره ابن عقيل في "عُمَده" (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج) والمطبوع: "لصلح"، والصواب "الصلح". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "عاد". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) في (أ): "الكتابة". (¬5) صاحبه علي بن عقيل، أبو الوفاء، حامل لواء المذهب، قال في مدح أصحاب مذهبه: "الغالب على أحداث طائفة أصحاب الإمام أحمد الفقه، وعلى مشايخهم الزهد والنظافة"، وقال: "هم قومُ خشُنٌ تقلَّصت أخلاقهم عن المخالطة، وغلظت طباعهم عن المداخلة؛ حتى غلب عليهم الجَدُّ، وقلَّ عندهم الهزلُ"، له كتب عديدة؛ منها "عُمدة =

- (ومنها): التدبير على إحدى الروايتين. - (ومنها): رجوع الزوج في نصف الصداق بعد الفرقة؛ فإنه يستحقه؛ سواء كان قد زال ملك الزوجة عنه ثم عاد أو لم يَزُلْ؛ لأن حقه متعلق بعينه. - (ومنها): عروض التجارة إذا خرجت عن ملكه بغير اختياره، ثم عادت؛ فإنه لا ينقطع الحول بذلك كما إذا تخمر العصير ثم تخلل، ذكره ابن عقيل وغيره. - (ومنها): صفة الطلاق تعود بعود النكاح، وسواء وجدت في زمن البينونة أو لم توجد على المذهب الصحيح. - (ومنها): صفة العتق تعود بعود ملك الرقيق في أشهر الروايتين، وفي الأخرى لا تعود إذا وجدت الصفة بعد زوال الملك. وفرق القاضي بين الطلاق والعتاق: بأن ملك الرقيق لا يُبْنَى فيه أحد الملكين على الآخر، بخلاف النكاح؛ فإنه يبنى فيه أحد الملكين على الآخر في عدد [الطلقات] (¬1) على الصحيح، وهذا التفريق لا أثر له؛ إذ لو كان معتبرًا، لم يشترط لعدم الحنث وجود الصفة في غير الملك (¬2). ¬

_ = الأدلّة"، وهو في الخلاف، ومن آخر كتبه، ذكره ابن القيم في "الإعلام" (2/ 156)، وابن حميد السبيعي في "الدُّرّ المنضد" (رقم 34)، والمرداوي في "الإنصاف" (5/ 13). وانظر "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 142 - 165)، و"السير" (19/ 443 - 451)، و"المدخل المفصَّل" (1/ 303 و 2/ 903 - 904). (¬1) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "الطلاق". (¬2) صفة العتق، أي لو قال لعبده: إذا فعلت كذا فأنت حُرّ، ثم باعه قبل أن يفعل، =

- (ومنها): الرد بالعيب لا يمتنع (¬1) بزوال الملك إذا لم يدل على الرضى، وها هنا صور مختلف في إلحاقها بأحد النوعين، وهي محتملة: - (فمنها): رجوع الأب فيما وهبه لولده إذا أخرجه الابن عن ملكه ثم عاد إليه؛ فهل يسقط حقه من الرجوع أم لا؟ - (ومنها): رجوع غريم المفلس في السلعة التي وجدها بعينها، وكان المفلس قد أخرجها عن ملكه ثم عادت إليه. وفي المسألتين ثلاثة أوجه: أحدها: لا حق لهما فيها؛ لأن حقهما متعلق بالعقد الأول المتلقى عنهما (¬2). (والثاني): لهما الرجوع نظرًا إلى أن حقهما ثابت في العين، وهي موجودة؛ فأشبه الرد بالعيب. (والثالث): إن عاد بملك جديد؛ سقط حقهما، وإن عاد بفسخ العقد؛ فلهما الرجوع؛ لأن الملك العائد بالفسخ تابع للملك الأول؛ فإن ¬

_ = ثم اشتراه بعد ذلك، فهل تعود الصفة؟ فإذا فعلها بعد الراء عتق أو لا؟ والظاهر أنها لا تعود؛ لأن العقد الثاني عقد مستقل، بخلاف ما إذا طلقها ثم راجعها؛ فإن الصفة نعود لأن النكاح واحد مثل أن يقول لزوجته: إذا قدم فلان فأنت طالق، ثم طلقها قبل قدومه، ثم راجحها أثناء العدة، ثم قدم بعد الرجعة؛ فإنها تطلق لأن المراجعة مبنية على النكاح السابق، أما إذا عقد عليها عقدًا جديدًا؛ فإن الصفة لا تعود. (ع). (¬1) في (ج): "لا يمنع"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في نسختي (ب) و (ج) زيادة بعدها: "والثاني: غير متلقٍّ عنهما؛ فلا يستحقَّان فيه رجوعًا"، وهو مضروب عليه في نسخة (أ).

الفسخ رفع للعقد الحادث [من أصله على قول] (¬1)؛ فيعود الملك كما كان (¬2). - (ومنها): الفراش، فإذا وطئ أمة [له] (¬3) ثم باعها ووطئ أختها بالملك (¬4)، ثم عادت الأولى إلى ملكه؛ فهل يعود الفراش أم لا؟ على وجهين: أشهرهما: أنه يعود، وهو المنصوص؛ فيجب عليه اجتنابهما حتى يحرم إحداهما. والثاني: له استدامة استفراش الثانية ويجتنب الراجعة؛ لزوال الفراش فيها بزوال الملك، وهو اختيار صاحب "المحرر" (¬5). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من هامش (أ) فقط. (¬2) في المسألة الأولى الأقرب التفصيل، وهو إن عاد بفسخ؛ فله الرجوع، وإن عاد بملك جديد؛ فلا رجوع، لأنه إذا عاد بفسخ؛ فإن العقد الأول لم ينته، بخلاف ما إذا عاد بعقد جديد؛ فإن العين قد ملكلت الآن من طريق آخر، فهذا رجل وهب ابنه كتابًا؛ فله أن يرجع عن هذه الهبة، ولكن الابن باع الكتاب قبل رجوع أبيه، ثم اشتراه منه مرة أخرى؛ فهل يملك الأب الرجوع؟ لا يملك؛ لأن الابن ملكه ملكًا جديدًا من غير أبيه، وانقطعت صفة الملك ببيعه، أما لو فسخ فسخًا، مثل أن يكون في الكتاب عيب فيرده المشتري على الابن؛ فإن أباه يرجع لأن الكتاب لم يرجع بعقد جديد. (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) كتب هنا في هامش (أ): "والأوْلى أن يقال بالملك وغيره". (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 20).

41 - القاعدة الحادية والأربعون إذا تعلق بعين حق تعلقا لازما، فأتلفها من يلزمه الضمان؛ فهل يعود الحق إلى البدل المأخوذ من غير عقد آخر؟

(القاعدة الحادية والأربعون) إذا تعلق بعين (¬1) حق تعلقًا لازمًا، فأتلفها من يلزمه الضمان؛ فهل يعود الحق إلى البدل المأخوذ من غير عقد آخر؟ فيه خلاف، ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): لو أتلف الرهن مُتلف، وأُخِذت قيمته؛ فظاهر كلامهم أنها تكون رهنًا بمجرد الأخذ. وفرع القاضي على ذلك: أن الوكيل في بيع المُتْلَف يملك بيع البدل المأخوذ بغير إذن جديد. وخالفه [صاحبا] (¬2) "الكافي" (¬3) و"التلخيص"، وظاهر كلام أبي الخطاب في "الانتصار" في مسألة إبدال الأضحية: أنه لا يصير رهنًا إلا بجعل الراهن. - (ومنها): الوقف إذا أتلفه مُتْلِف، وأخذت قيمنه فاشترى (¬4) بها بدله؛ فهل يصير وقفًا بدون إنشاء الوقف عليه من الناظر؟ ¬

_ (¬1) في (ج): "إذا تعلق حقه بعين حق". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وهو الصواب، وفي (ج) والمطبوع: "صاحب". (¬3) انظر: "الكافي" (2/ 135). (¬4) في (ج): "واشترى".

حكى بعض الأصحاب في ذلك وجهين. - (ومنها): إذا أتلف الأضحية متلف، وأخذت منه القيمة أو باعها من أوجبها، ثم اشترى [بالثمن أو القيمة] (¬1) مثلها؛ فهل تصير [متعينة] (¬2) بمجرد الشراء؟ يتخرج على وجهين (¬3). - (ومنها): الموصى له بعين إذا أتلفها متلف بعد الموت وقبل القبول؛ فحقه باقٍ في بدلها. * * * ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "بالقيمة أو الثمن" بتقديم وتأخير. (¬2) كذا في (ب) و (ج) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ): "معينة". (¬3) الصحيح في هذه المسائل كلها أن البدل يحل محل المدل، ولا حاجة إلى إعادة التوكيل في المسألة الأولى، ولا إلى إعادة التعيين في مسألة الأضحية، ولا إلى إعادة الوقف في مسألة الوقف؛ لأن نيتي أن هذا بدل عن الأول؛ فيكون له حكمه. (ع).

42 - القاعدة الثانية والأربعون في أداء الواجبات المالية

(القاعدة الثانية والأربعون) في أداء الواجبات المالية. وهي منقسمة إلى دين وعين: فأما الدين؛ فلا يجب أداؤه بدون مطالبة المستحق إذا كان آدميًّا؛ حتى ذكر ابن عقيل في جواز السفر قبل المطالبة وجهين، وهذا ما لم يكن قد عين له وقتًا للوفاء (¬1)، فأما إن عين وقتًا؛ كيوم كذا؛ فلا ينبغي أن يجوز تأخيره عنه؛ لأنه لا فائدة للتوقيت إلا وجوب الأداء (¬2) فيه بدون مطالبة (¬3) فإن تعيين (¬4) الوفاء فيه أوَّلًا كالمطالبة به (¬5)، وأما إن كان الدين للَّه عز وجل؛ ¬

_ (¬1) في (ب): "وفاءً"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في (ب): "الوفاء"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في (أ): "مطالبته". (¬4) في المطبوع و (ج): "تعين". (¬5) الحقوق الواجبة إما دين وإما عين، والدين لا يجب الوفاء به قبل المطالبة، والدليل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مطل الغني ظلم"، والمطل بمعنى الممانعة، ولا ممانعة إلا بعد مطالبة، وذكر المؤلف شرطًا لا بد منه وهو ألا يعيّن وقتًا للوفاء، أما إذا عين وقتًا للوفاء، فإذا جاء ذلك الوقت؛ وجب أن يؤديه، مثاله: قلت: خذ هذا الشيء بعشرة مؤجلة إلى الخامس عشر من الشهر، فإذا جاء الخامس عشر؛ وجب تأدية الدين، وإلا؛ لكان تعيينه اليوم عبثًا لا فائدة منه. (ع). قلت: حديث "مطل الغني ظلم" أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الحوالة،=

فالمذهب أنه يجب أداؤه على الفور؛ لتوجه الأمر بأدائه من اللَّه عز وجل، ودخل في ذلك الزكاة والكفارات والنذور (¬1)، وقد نص أحمد على إجبار المظاهر على الكفارة في رواية ابن هانئ (¬2). وأما العين؛ فأنواع (¬3): - (منها): الأمانات التي حصلت في [يد] (¬4) المُؤْتَمَن برضى صاحبها؛ فلا يجب أداؤها إلا بعد المطالبة منه، ودخل في ذلك الوديعة ¬

_ = باب وهل يرجع في الحوالة، رقم 2287، وباب إذا حال على مليء فليس له رد، رقم 2288، وكتاب الاستقراض، باب مطل الغني ظلم، رقم 2400)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغنى، رقم 15643)، وغيرهما؛ عن أبي هريرة مرفوعًا. (¬1) في (ب): "النذر"، ولعل الصواب ما أثبتاه. (¬2) انظر: "مسائل الإمام أحمد رواية ابن هانئ" (1/ 239). (¬3) إذا كان الدين للَّه، فإنه يجب أداؤه على الفور؛ لأنه إما مؤقت بزمن، وإما محدد بسبب، فإذا جاء ذلك الزمن؛ فمعناه أن اللَّه عز وجل يقول: أدِّه، وإذا جاء ذلك السبب؛ فمعناه أن اللَّه عز وجل يقول: أدِّه، فمثلًا: الزكاة مؤقتة بزمن، فكأن اللَّه عز وجل يقول: إذا جاء ذلك الوقت وهو تمام الحول؛ فأدِّ الزكاة، والكفارات محددة بسبب، فإذا وجب سبب الكفارة؛ وجب أداؤها فورًا، لكن من الكفارات ما يعلق بفعل ويشترط أن يتقدم هذا الفعل، بمعنى أنه يكون له سبب، ومع هذا تفعل قبل فعل آخر؛ فالظهار مثلًا هو سبب كفارته ويجب فعل الكفارة قبل المماسة، واليمين له كفارة ولها سبب؛ فسببها عقد اليمين وشرطها الحنث؛ فيجوز أن تؤديها قبل الحنث، وتسمى تَحِلّة، أو بعده وتسمى كفارة. والحاصل أن الواجب أداؤه من الديون المحددة بوقت أو سبب وجب أداؤه في ذلك الوقت أو بوجود ذلك السبب، ولم يحدد؛ فإنه على التراخي، والدين هو ثبت في الذمة، سواء كان قرضًا أو ثمن مبيع. (ع). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

وكذلك أموال الشركة والمضاربة والوكالة؛ مع بقاء عقودها. - (ومنها): الأمانات الحاصلة في يده بدون رضى أصحابها؛ فيجب المبادرة إلى ردها مع العلم بمستحقها والتمكن منه، ولا يجوز التأخير مع القدرة، ودخل في ذلك اللقطة (¬1) إذا علم صاحبها والوديعة والمضاربة والرهن ونحوها إذا مات المُؤتَمَن وانتقلت إلى وارثه؛ فإنه لا يجوز له الإمساك بدون إذن؛ لأن المالك لم يرض به وكذا (¬2) من أطارت الريح [إلى داره ثوبًا] (¬3) لغيره لا يجوز له الإِمساك مع العلم بصاحبه (¬4). ثم إن كثيرًا من الأصحاب قالوا ها هنا: الواجب الرد، وصرح كثير منهم بأن الواجب أحد شيئين: إما الرد، أو الإعلام؛ كما في "المغني" (¬5) و"المحرر" (¬6) و"المستوعب" (¬7) ونحوه، ذكر [هـ] (¬8) ابن عقيل، وهو مراد ¬

_ (¬1) في نسخة (أ): "اللفظة"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) في نسخة (ج): "وكذلك". (¬3) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "ثوبًا إلى داره" بتقديم وتأخير. (¬4) الأعيان الحاصلة فى يد غير مالكها برضا مالكها لا يلزم ردّها إليه إلا بعد المطالبة، مثل الوديعة والعارية والرهن والشركة والمضاربة. . . إلخ. (ع). (¬5) انظر: "المغني" (5/ 177/ 4009). (¬6) انظر: "المحرر" (1/ 372). (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) مؤلفه نصير الدين محمد بن عبد اللَّه السَّامِريّ (ت 616 هـ)، ضمن كتابه هذا كثيرًا من أمهات كتب المذهب؛ فقال في مقدمته (1/ 78 - 79): "فمن حصل كتابي هذا أغناه عن جميع هذه الكتب المذكورة؛ إذ لم أخل بمسألةٍ منها إلا وقد ضمّنْتُه حكمها، أو =

غيرهم؛ لأن مؤنة الرد لا تجب عليه، وإنما الواجب التمكين من الأخذ. ثم إن الثوب هل يحصل في يده بسقوطه في داره من غير إمساك له أم لا؟ قال القاضي: لا يحصل في يده بذلك. وخالف ابن عقيل (¬1)، والخلاف هنا مُنَزَّل (¬2) على الخلاف فيما [حلَّ] (¬3) في أرضه من المباحات؛ هل يملكها بذلك أم لا؟ وكذلك حكم الأمانات إذا فسخها المالك؛ كالوديعة والوكالة والشركة والمضاربة؛ يجب الرد على الفور لزوال الائتمان، صرح به القاضي في "خلافه"، وسواء كان الفسخ في حضرة الأمين أو غيبته، وظاهر كلامه أنه يجب فعل الرد، فإن العلم هنا حاصل (¬4) للمالك، وكذلك جعل ضمان الزكاة مبنيًّا على حصولها في يده بغير رضى المستحق، وأوجب عليه البداءة بالدفع، وقاسها على اللقطة ونحوها؛ فدل على أن فعل الدفع في ¬

_ = ما فيها من الروايات وأقاويل أصحابنا"، ومدحه ابن بدران في "المدخل" (ص 217) بقوله: "هذا الكتاب أحسن متن صُنِّف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه"، وضبط اسمه بكسر العين المهملة "المستوعِب"، طبع منه قسم العبادات بتحقيق الشيخ مساعد بن قاسم الفالح عن مكتبة المعارف بالرياض في أربعة مجلدات. (¬1) الأملاك الحاصلة بدون رضا أصحابها، مثل اللقطة، فإذا علمتُ صاحبها؛ فإنه يجب عليّ أن أؤديها إليه فورًا بدون مطالبة؛ لأن بقاءها عدي بغير رضا صاحبها، ومنها إذا أطارت الريح إلى داري ثولًا، فإنه لا يجوز إمساكه مع العلم بصاحبه، وهذا يقع. (ع). (¬2) في نسخة (ب): "متنزل"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "حصل". (¬4) في نسخة (ج): "ها هنا".

هذه الأعيان عنده واجب، وعلى قياس ذلك الرهن بعد استيفاء الدين والعين المؤجرة بعد انقضاء المدة. وذكر طائفة من الأصحاب في العين المؤجرة: أنه لا يجب علي المستأجر فعل الرد، ومنهم من ذكر في الرهن كذلك، وسيأتي في القاعدة التي تليها (¬1). وأما الأعيان المملوكة بالعقود قبل تقبيضها؛ فالأظهر أنها من هذا القبيل؛ لأن المالك لم يرض بإبقائها في يد الآخر؛ فيجب التمكين من الأخذ ابتداءً بدليل أنه لا يجوز عندنا حبس المبيع على الثمن (¬2). ¬

_ (¬1) خلاصة هذا أن الأعيان التي في يدك لغيرك إذا وقعت في يدك، فإن كان لا يعلم بها؛ وجب عليك أحد أمرين: إما الردّ، وإما الإعلام، ومثاله: ألقت الريح ثوبًا من بيت جارك إلى بيتك؛ فيجب عليك في هذه الحال إما الإعلام أو الرد، فإن حصلت هذه الأعيان بعلوا صاحبها وانتهى وقت الائتمان؛ فإنه يجب عليك الردّ دون الإِذن، مثل وديعة أودعتك إياها، فقال: خذ هذه الرديعة عندك حتى أرجع من الحج، فرجع؛ فيجب عليك على ظاهر كلام القاضي أن تحمل الوديعة إليه حتى وإن كانت تحتاج إلى مؤونة، ولكن الصحيح أنه لا يجب عليه الردّ، بل إذا علم صاحبها بأنها عندك؛ فهو الواجب، أي الإِعلام، ومتى جاء أخذها؛ إلا إن غلب على الظن أنه علم بأنه عندي ثم نسي؛ فحينئذ الواجب الردّ، ومن ذلك الرهن، فإذا أوفى صاحب الرهن الدين؛ انفك الرهن؛ فهل يبقى الرهن عند المرتهن، أم بجب الردّ؟ لا، لا يجب على القول الراجح، ولكن الواجب أن يُمكن منه إذا طلبه. (ع). (¬2) حبس المبيع على ثمن معناه أنه إذا بعت عليك هذا الكتاب بعشرة، فقلت: أعطني الكتاب، فأقول: ما أعطيك الكتاب حتى تسلمني الثمن؛ فالمذهب لا يجوز، والقول الثاني أنه يجوز حبس المبيع على ثمنه، فأقول: هات الثمن حتى أعطيك الكتاب، وهذا هو الصحيح. (ع).

وذكر ابن عقيل في الصداق: أنه إذا تلف قبل المطالبة أو بعدها [و] (¬1) قبل التمكن (¬2) من الأداء، أنه لا يضمن؛ كسائر الأمانات، وقاسه على من أطارت الريح إلى داره ثوبًا. وهذا الكلام فيه نظر؛ فإن الثوب لا يقف ضمانه على المطالبة، لكن مراده -واللَّه أعلم- أن العلم يكفي، فمتى كان المالك عالمًا ولم يطلب؛ فلا ضمان إذا لم يكن مؤنة الرد واجبة على من هو عنده، وهذا أحسن (¬3). - (ومنها): الأعيان المضمونة؛ فتجب المبادرة إلى الرد بكل حال، وسواء كان حصولها في يده بفعل مباح أو محظور أو بغير فعله: فالأول: كالعواري يجب ردها إذا استوفى منها الغرض المستعار له. قاله الأصحاب، وهذا إذا انتهى قدر الانتفاع المأذون فيه متوجه، وسواء طالب المالك أو لم يطالب؛ لأنها من قبيل المضمونات؛ فهي شبيهة (¬4) بالمغصوب، وكذلك (¬5) حكم المقبوض للسوم، ويستثنى من ذلك المبيع المضمون على بائعة؛ فلا يجب عليه سوى تمييزه وتمكين المشتري من قبضه؛ لأن نقله على المشتري دون البائع. والثاني: كالمغصوب والمقبوض بعقد فاسد ونحوهما. والثالث: كالزكاة إذا قلنا تجب في العين؛ فتجب المبادرة إلى الدفع ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬2) في (أ): "التمكين". (¬3) في (ب): "حسن". (¬4) في (ب): "شبيه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في (ب): "وكذا".

إلى المستحق مع القدرة عليه من غير ضرر؛ لأنها من قبيل المضمونات عندنا، وكذلك الصيد إذا أحرم وهو في يده أو حصل في يده بعد الإحرام بغير فعل منه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) قوله الأول والثاني والثالث هذا تفسيره بأن يقال: سواء كان حصولها في يده بفعل مباح؛ كالعاريّة، أو محظور، كالمعضوب، أو بغير فعله؛ كالزكاة، والأعيان المضمونة كل ما يجب على من هي يده ضمانها؛ فهي أعيان مضمونة، مثل المقبوض للسوم، ومثل المعضوب، ومثل العارية على المذهب، وهكذا. (ع).

43 - القاعدة الثالثة والأربعون فيما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد

(القاعدة الثالثة والأربعون) فيما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد (¬1). القابض لمال غيره لا يخلو؛ إما [أن يقبضه] (¬2) بإذنه أو بغير إذنه، فإن قبضه بغير إذنه، فإن استند إلى إذن شرعي كاللقطة؛ لم يضمن، وكذا إن استند إلى إذن عرفي كالمنقذ لمال غيره من التلف ونحوه، وحكي في "التلخيص" وجهًا بضمان هذا، وفيه بعد. ونصَّ أحمد على أن من أخذ عبدًا آبقًا ليرده، فأبق منه؛ فلا ضمان عليه، لكن قد يقال: هنا إذن شرعي في أخذ الآبق لرده، وإن خلا عن ذلك كله؛ فهو متعد، وعليه الضمان في الجملة، هذا إذا كان أصل القبض غير مستند إلى إذن (¬3)، أما إن وجد استدامة قبض من غير إذن في الاستدامة؛ فها هنا ثلاثة أقسام (¬4): ¬

_ (¬1) هذا هو عنوان القاعدة، أي يقال: القاعدة فيما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد. (¬2) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "يقضبه". (¬3) في (ج): "إذا كان أصل القبض مستند إلى غير إذن". (¬4) القابض لمال غيره إما أن يكون بإذن أو بغير إذن، والإِذن إما أن يكون شرعًّا أو عرفيًّا أو لفظيًّا، مثال: الإذن الشرعي اللقطة، فإن المال حصل في يده بغير إذن له وبغير إذن عُرفي، ولم يبق إلا الإذن الشرعي، والإذن العرفي هو ما حصل عند الإنسان لإنقاذه، =

(أحدها): أن يكون عقد على ملكه عقدًا لازمًا ينقل الملك فيه ولم يقبضه المالك بعد، فإن كان ممتنعًا من تسليمه؛ فهو غاصب؛ إلا حيث يجوز الامتناع من التسليم؛ كتسليم العوض على وجه، أو لكونه رهنًا عنده، أو لاستثنائه منفعته مدة، و [أما] (¬1) إن لم يكن ممتنعًا من التسليم، بل باذلًا له؛ فلا ضمان عليه على ظاهر المذهب (¬2)؛ إلا أن يكون المعقود ¬

_ = مثاله: وجدت لصًّا يريد أن يأخذ ماشية هذا الرجل، فاستنفذتها منه واستوليت عليها؛ فهذا إذن عرفي، ولو وجدت الماء قد جرى ليجترف مال هذا الرجل فأخذت هذا المال لئلا يجرفه السيل؛ فإنه لم يأذن لك، وهذا إذن عُرفي، وعندي أن هذا النوع من الاستيلاء عرفي شرعي، شرعي لأنك مأمور بإنقاذ مال غيرك، وعرفي لأن صاحب المال لو قلت له: هل تأذن لي أن أنقد مالك من التلف؛ لقال نعم ويشكرني على ذلك، وبعدم الإنقاذ ألام على ذلك. والحاصل أن الإذن في قبض مال الغير ثلاثة أقسام: إذن لفظي، وإذن شرعي، وإذن عرفي، وإذا كان القابض إنما قبض بإذن (أي: لفظي أو عرفي أو شرعي)، فهل يضمن القابض أو لا؟ يقول: إنه لا يضمن إلا إذا تعدَّى أو شرط. (ع). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج). (¬2) إذا عقد على ملكه عقدًا لازمًا؛ كالبيع، ولم يقبض المشتري بعد، فإن كان ممتنعًا عن تسليمه (أي: البائع)؛ فهو غاصب، ويترتب عليه ما يترتب على الغاصب من الضمان، مثاله: اشترى مني سيارة شراءً لا زمًا، فهنا يجب عليّ أن أسلم السيارة له بطلبه، فإن امتنعت؛ فأنا غاصب أضمن كل ما يحصل من ضرر على هذه السيارة، سواء كان بتفريط مني أو غير تفريط، وأضمن كذلك أجرة السيارة؛ لأنها بقيت عندي بغير إذن. لا من المالك ولا من الشرع ولا من العرف، ويقول المؤلف: إلا أن يمتنع عن تسليم العوض على وجه آكد على قول، أي هناك قول بجواز الامتناع عن تسليم المبيع حتى تقبض العوض، وهو ما يُعبر عنه بحبس المبيع على ثمنه، أو لكونه رهنًا عده، أي لما باع البائع السلعة قال للمشتري: أنا أريدها رهنًا عندي حتى تعطيني الثمن؛ فصار بقاؤها عندي عند ذلك بحق =

عليه مبهمًا لم يتعين بعد؛ كقفيز من صبرة، فإن عليه ضمانه في الجملة (¬1) وبماذا يخرج من ضمانه. قال الخرقي والأصحاب: لا يزول ضمانه بدون قبض المشتري، وهل يحصل القبض بمجرد التخلية مع التمييز، أو لا يحصل بدون النقل فيما ينقل؟ على روايتين، فإن اعتبرنا النقل؛ امتد الضمان إليه. وهل يسقط بتفريط المشتري في النقل؟ على وجهين: أشهرهما: أنه يسقط به (¬2). والثاني: لا يسقط حتى يوجد النقل بكل حال. وذكر القاضي في "خلافه" في مسألة الجوائح أنه ظاهر كلام أحمد، وفيه بعد، ثم وجدته منصوصًا [صريحًا] (¬3) عن أحمد في الثمرة المشتراة قبل صلاحها بشرط القطع إذا أخرها المشتري حتى تلفت بجائحة قبل ¬

_ = أو لاستثناء منفعته مُدّة، مثل أن أقول: بعت عليك هذه السيارة وأستثني منفعتها لي عشرة أيام، والمقصود هنا أن بقاءها عندي كان بإذن. (ع). (¬1) إن كان باذلًا له، فلا ضمان عليه في ظاهر المذهب؛ إلا أن يكون المعقود عليه مبهمًا، كقفيز من صُبْرة، والقفيز مكيال، والصُبْرة الكومة، فإذا بعت عليك قفيزًا من هذه الصبرة؛ فهل علىّ ضمانه؟ نعم؛ لأنه مبهم، ولم يتعين ملكي في هذه الصُبْرة، بل لي منها قفيز. (ع). (¬2) لأن المفرط في هذه الحالة هو المشتري. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

صلاحها: أنها من ضمان البائع؛ معللًا بأنها في ملك البائع وفي [حكمه] (¬1). نقله عنه الحسن بن ثواب (¬2)، وإن اعتبرنا التخلية مع التمييز، وهو الصحيح؛ فلأنه يحصل به التمكن من القبض، ولهذا ينتقل الضمان في بيع الأعيان المتميزة بمجرد العقد على المذهب؛ لحصول التمكن من القبض، ولعل اشتراط النقل إنما يخرج على الرواية الأخرى، وهي ضمان جميع الأعيان قبل القبض؛ فلا ينتقل الضمان هنا إلا بحقيقة القبض دون التمكن منه، والأول أظهر؛ لأن الذي يجب على البائع التمييز والتخلية، وهو التسيلم، فأما (¬3) النقل؛ فواجب على المشتري؛ لأن فيه تفريعًا لملك البائع من ماله، فيكون بتركه مفرطًا، فينتقل الضمان إليه، ويشهد له شراء (¬4) الثمر في رؤوس النخل، فإن الضمان ينتقل فيه بمجرد انتهاء الثمر إلى أوان أخذه وصلاحيته له، سواء قطعه المشتري أو لم يقطعه على الصحيح، ولكن هل يعتبر لانتقال الضمان التمكن من القطع [أو] (¬5) لا؟ ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ب): "نخله"، وفي (ب): "محله". (¬2) هو الحسن بن ثواب بن علي الثّعلبي المخرّمي، كان شيخًا جليلَ القدر، وكان له بالإمام أحمد أُنْسٌ شديدٌ، وكان عنده عنه جزءٌ كبيرٌ فيه مسائلٌ كبارٌ، لم يجيء بها غيره، مات سنة ثمان وستين ومئتين. ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 131)، و"المنهج الأحمد" (1/ 235) , و"المقصد الأرشد" (1/ 317)، و"تاريخ بغداد" (7/ 291). (¬3) في (ج): "وأما". (¬4) في (أ): "بشراء"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "أم".

خرجها ابن عقيل على وجهين من الزكاة، ورجَّح عدمَ اعتبار التَّمكّن، والذي عليه القاضي والأكثرون اعتبار التمكن من النقل في جميع الأعيان؛ فلا يزال في ضمان البائع حتى يحصل تمكن المشتري من النقل. وصرح ابن عقيل بخلاف ذلك، وأنه يضمن الأعيان المتميزة بمجرد العقد، سواء تمكن من القبض أو لم يتمكن، كما قال في مسألة الجوائح، وكذلك حكم المملوك بصلح أو خُلْع أو صَدَاق (¬1). (القسم الثاني): أن يعقد عليه عقدًا وينقله إلى يد المعقود له، ثم ينتهي العقد أو ينفسخ، وهو نوعان: (أحدهما): أن يكون عقد معاوضة؛ كالبيع إذا انفسخ بعد قبضه بعيب أو خيار، والعين المستأجرة إذا انتهت المدة أو العين التي أصدقها ¬

_ (¬1) إذا باع إنسان ثمرة النخل على رؤوس النخل، وتلفت هذه الثمار؛ فإنها من ضمان البائع، لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا بعت لأخيك ثمرًا فأصابته جائحة؛ فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا" الحديث، ولكن إذا أوصلت إلى أوان الأخذ وفرط المشتري بترك أخذها؛ فإنه لا ضمان على البائع حينئذ، وكذلك إذا كانت الثمرة مما يؤخذ رطبًا وفرط المشتري في أخذه رطبًا؛ فإنه لا ضمان على البائع، والخلاصة أن نقول: إن الأعيان المتميزة التي تنتقل عن مالكها انتقالًا لازمًا تكون من ضمان المشتري، لكن هل يشترط الثمن من القبض أو لا؟ على قولين، أكثرهم على اشتراطه، أما الأشياء المهمة؛ فإنها من ضمان البائع لأنها لم تتميز للمشتري حتى تكون من ضمانه. (ع). قلت: أخرج مسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح، 3/ رقم 1554) عن جابر بن عبد اللَّه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو بعْتَ من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحةً؛ فلا يحلّ لك أن تأخذ منه شيئًا، بِمَ تأخذ مالَ أخيك بغير حقٍّ؟! ".

المرأة وأقبضها ثم طلقها قبل الدخول. (والثاني): أن يكون [فيما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد] (¬1) غير معاوضة؛ كعقد الرهن إذا وفى الدين، وكعقد الشركة والمضاربة والوديعة والوكالة إذا فسخ العقد والمال في أيديهم. فأما عقود المعاوضات؛ فيتوجه فيها للأصحاب وجوه: (أحدها): أن حكم الضمان بعد زوال العقد حكم ضمان المالك الأول قبل التسليم، فإن كان مضمونًا عليه؛ كان بعد انتهاء العقد مضمونًا له، وإلا؛ فلا، وهي طريقة أبي الخطاب وصاحب "الكافي" (¬2) في آخرين اعتبارًا لأحد الضمانين بالآخر، فعلى هذا إن كان عوضًا في بيع أو نكاح، وكان متميزًا؛ لم يضمن على الصحيح، وإن كان غير متميز؛ ضمن، وإن كان في إجارة؛ ضمن (¬3) بكل حال. (والوجه الثاني): إن كان انتهاء العقد بسبب يستقل به من هو في يده؛ كفسخ المشتري، أو يشارك فيه الآخر؛ كالفسخ منهما؛ فهو ضامن له لأنه [تسبب] (¬4) إلى جعل ملك غيره في يده، وإن استقل به الآخر؛ كفسخ البائع وطلاق الزوج؛ فلا ضمان لأنه حصل في يد هذا بغير سبب منه ولا عدوان، فهو كما لو ألقى ثوبه في داره بغير أمره. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬2) انظر: "الكافي" (2/ 227/ 233). (¬3) في (أ): "يضمنه"، ولعل المناسب ما أثبتناه. (¬4) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "بسبب".

وهذا الوجه ظاهر ما ذكره صاحب "المغني" (¬1) في مسألة الصداق، وعلى هذا يتوجه (¬2) ضمان العين المؤجرة بعد انتهاء المدة؛ لأنه تسبب إلى رفع العقد مع المؤجر، ووجهه أن الإذن في القبض إنما كان لازمًا [لوجوب] (¬3) الدفع للملك، ولهذا [يملك] (¬4) المشتري والمستأجر أخذه بدون إذنه، فبعد زوال الملك لا يوجد إذن سابق ولا لاحق، ولو قدر وجود الإذن في القبض؛ فإنما أذن في قبض ما ملك عليه؛ فلا يكون إذنًا في قبض ملكه، وهو: (والوجه الثالث): حكم الضمان بعد الفسخ حكم ما قبله، فإن كان مضمونًا؛ فهو مضمون، وإلا؛ فلا يكون (¬5) البيع بعد فسخه مضمونًا؛ لأنه كان مضمونًا على المشتري بحكم العقد، [فلا] (¬6) يزول الضمان بالفسخ، صرح بذلك القاضي في "خلافه". ومقتضى هذا ضمان الصداق على المرأة، وهو ظاهر كلام صاحب "المحرر" (¬7)، وأنه لا ضمان في الإِجارة؛ لأن العين لم تكن مضمونة (¬8) من ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (7/ 177/ 5588). (¬2) في (أ): "فيتوجه". (¬3) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "للوجوب". (¬4) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "يتملك". (¬5) في نسخة (أ): "فيكون"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬6) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "ولا". (¬7) انظر: "المحرر" (2/ 36). (¬8) في (ج): "لم تكن فيها مضمونة".

قبل، وصرح بذلك القاضي وغيره (¬1) يُوجَّه بأنَّ المبيع (¬2) والصداق إنما أقبضه لانتقال ملكه [عنه، بخلاف العين المستأجرة؛ فإنه أقبضها مع علمه بأنها ملكه] (¬3)؛ فكان إذنًا في قبض ملكه، بخلاف الأول؛ حتى قال القاضي وأبو الخطاب: لو عجل أجرتها، ثم انفسخت قبل انتهاء المدة؛ فله حبسها حتى يستوفي الأجرة، ولا يكون ضامنًا. (والوجه الرابع): أنه لا ضمان في الجميع، ويكون المبيع بعد فسخه أمانةً محضةً، صرح بذلك أبو الخطاب في "الانتصار"؛ لأنه حصل تحت يده ملك غيره بغير عدوان، فلم يضمنه كما لو أطارت الريح إليه ثوبًا، وكذلك إختاره القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الصداق بعد الطلاق" (¬4). (والوجه الخامس): التفريق بين أن ينتهي العقد أو يطلق الزوج، وبين أن ينفسخ العقد. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "وصرح القاضي وغيره بذلك". (¬2) في (ج): "العين". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) الظاهر أن هذا هو أصح الأقوال، وأصل المسألة مثاله: بعت عليك ثوبًا، وتبين أن فيه عيبًا؛ فللمشتري الفسخ، فأبلغني المشتري بفسخ العقد، وبقي الثوب عده يومًا أو يومين ولم آخذه منه فتلف؛ فالصحيح أنه في هذه الحال لا يضمن لأن وجوده بيده كان بإذن مالكه، فليس معتديًا حتى يضمن، وهكذا العين المؤجرة، فأجرتني سيارة لمدة يومين، وأبقيت السيارة عدي فتلفت؛ فلا ضمان علي لأن وجودها بيدي كان بإذن المالك، فلم أكن معتديًا, والحاصل أن الوجه الرابع هو أحسن الأقوال، نعم، لو أن صاحبه طالبه به، فامتنع؛ فإنه ضامن في هذه الحال. (ع).

ففي الأول يكون أمانة محضة؛ لأن حكم [المُلْك] (¬1) ارتفع وعاد ملكًا للأول. وفي الفسخ يكون مضمونًا؛ لأن الفسخ يرفع حكم العقد بالكلية؛ فيصير [مقبوضًا] (¬2) بغير عقد أو على وجه السوم في صورة البيع، وممن صرح بذلك الأزجي في "النهاية" وصاحب "التلخيص"، وهو ظاهر كلام ابن عقيل في مسائل الرد بالعيب، وصرح بأنه يضمن نقصه (¬3) فيما قبل الفسخ وبعده بالقيمة لارتفاع العقد، [ويصيره] (¬4) مقبوضًا على وجه السوم. ونقل الأثرم عن أحمد فيمن دفع إلى آخر دينارًا من شيء كان له عليه، فخرج فيه نقض، فقال للدافع: خذه وأعطني غيره. فقال: أمسكه معك حتى أبدله لك. فضاع الدينار، فقال: ما أعلم عليه شيئًا، إنما هو السَّاعةَ مُؤْتَمَن؛ فيحتمل أنه يكون مراده أن المفسوخ بعيب بعد فسخه أمانة، ويحتمل -وهو الأظهر- أن يكون [إنما] (¬5) جعله أمانة لأمر المعطى [لإِمساكه] (¬6) له؛ فهو كإيداعه منه. (والنوع الثاني): عقود [الأمانات] (¬7)؛ كالوكالة والوديعة والشركة ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "المالك"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) كذا في جميع النسخ، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "مضمونًا". (¬3) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب): "بقبضه". (¬4) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "ويصير". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "بإمساكه". (¬7) كذا في جميع النسخ، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "الشركات".

والمضاربة والرهن؛ إذا انتهت أو انفسخت، والهبة إذا رجع فيها الأب أو قيل بجواز فسخها مطلقًا؛ كما أفتى به الشيخ تقي الدين (¬1)؛ ففيها وجهان: (أحدهما): أنها غير مضمونة، صرح به القاضي وابن عقيل في الرهن، وأنه لا يجب رده إلى صاحبه استصحابًا للإِذن السابق والائتمان، كما صرحوا به في الإِجارة، وكذلك صرح به القاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما" في بقية العقود المسماة، وأنها تبقى أمانة كما لو أطارت الريح إلى داره ثوبًا، وهذا (¬2) يحتمل أنه مع علم المالك بالحال لا يجب الدفع؛ لأن الواجب التمكين (¬3) منه لا حمله إليه كما تقدم. والفرق بين عقود الأمانات المحضة والمعاوضات: أن المعاوضات تضمن بالعقد وبالقبض، فإذا كان عقدها مضمنًا (¬4)؛ كان فسخها كذلك، وعقود الأمانات لا تُضمن بالعقد، فكذلك بالفسخ (¬5). (والوجه الثاني): أنه يصير مضمونًا إن لم يبادر إلى الدفع إلى المالك؛ كمن أطارت الريح إلى داره ثوبًا، وصرح به القاضي في موضع آخر من "خلافه" في الوديعة والوكالة، وكلام القاضي وابن عقيل يشعر بالفرق بين الوديعة والرهن (¬6)؛ فإنهما عللا كون الرهن أمانة بأنه أمانة ¬

_ (¬1) انظر: "القواعد النورانية" (ص 114)، و"مجموع الفتاوى" (31/ 283). (¬2) في المطبوع و (ب): "وثوبًا هذا"، وفي (ج): "ثوبًا هذا" والمثبت من (أ). (¬3) كذا في النسخ الخطية، وفي المطبوع: "التمكن". (¬4) في نسخة (ج): "مضمونًا". (¬5) ولكن يقال: إن كان العقد مضمنًا؛ كان الفسخ كذلك، وهذا في نظر؛ لأنّ الفسخ ما دام أن هذه بقيت في يده بإذن صاحبها، فإنه لا ضمان عليه. (ع). (¬6) في نسخة (ب): "الرهن والوديعة" بتقديم وتأخير.

ووثيقة، فإذا زالت الوثيقة بقيت الأمانة، كما لو كان عنده وديعة فأذن له في بيعها ثم نهاه، وهذا التعليل مقتضاه الفرق بين الوديعة وبين الشركة والمضاربة والوكالة؛ لأن هذه العقودَ كلها مشتملةٌ على ائتمان وتصرف، فإذا زال التصرف بقي الائتمان، بخلاف الوديعة؛ فإنه ليس فيها غير ائتمان مجرد، فإذا زال صار ضامنًا، وحكم المغصوب إذا أبرأ المالِكُ الغاصِبَ (¬1) من ضمانها كما ذكرنا. (القسم الثالث): أن تحصل في يده بغير فِعْلِه؛ كمن مات مَورُوثه وعنده وديعة أو شركة أو مضاربة فانتقلت إلى يده؛ فلا يجوز له الإمساك بدون إعلام المالك كما سبق؛ لأن المالك لم يأتمنه. وقد نص أحمد في رواية ابن هانئ (¬2) في الرهن: أنه لا يقر في يد الوصي حتى يقره الحاكم في يده، فإن تلفت تحت يده قبل التمكن من الأداء؛ فلا ضمان لعدم التفريط، وكما (¬3) لو تلفت اللقطة قبل ظهور المالك. ويتخرج وجه آخر بالضمان كما خرجه ابن عقيل في البيع، وإن تلفت بعده؛ فالمشهور الضمان؛ لتعديه بترك الرد مع إمكانه وهو غير مؤتمن. وحكى صاحب "المقنع" (¬4) وجهًا آخر، وأشار إليه صاحب ¬

_ (¬1) في نسخة (ج): "المالك والغاصب"، والصَّوابُ ما أثبتناه. (¬2) (2/ 49/ رقم 1382). (¬3) في (ج): "وكذا لو". (¬4) انظر: "المقنع" (4/ 257 - 258 - مع شرحه "المبدع").

"التلخيص": أنه لا ضمان، ويكون أمانة عنده؛ كما لو انقضت مدة الإِجارة ثم تلفت العين عند المستأجر، ولينهما فرق؛ فإن المستأجر مستصحب للإِذن [له] (¬1) في القبض، بخلاف هذا، وكذلك حكم من أطارت الريح إلى بيته ثوبًا كما سبق، [وفي كلام ابن عقيل وأبي الخطاب في الثوب لا يجب دفعه بدون العلم والمطالبة] (¬2). ووقع في بعض كلام القاضي أنها أمانة عنده، ولعل مراده مع علم المالك وإمساكه عن المطالبة؛ فيكون تقريرًا، ولو دخل حيوان لغيره أو عبد له إلى داره؛ فعليه أن يخرجه ليذهب كما جاء؛ لأن يده لم تثبت عليهما، بخلاف الثوب، ذكره ابن عقيل. فصل وأما ما قبض من مالكه بعقد لا يحصل به الملك (¬3)؛ فثلاثة أقسام: (أحدها): ما قبضه أخذه لمصلحة نفسه كالعارية؛ فهو مضمون في ظاهر المذهب، قالوا: لأن الإِذن إنما تعلق بالانتفاع وقبض العين وقع من حيث اللزوم؛ فهو كقبض المضطر مال غيره لإِحياء نفسه لا يسقط عنه الضمان؛ لأن إذن الشرع تعلق بإحياء نفسه، وجاء الإذن في الإِتلاف من باب اللزوم، ولو وهبه شقصًا من عين ثم أقبضه العين كلها. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب)، وفي (أ): "بدون علم ومطالبة" بدل قوله في (ج): "بدون العلم والمطالبة". (¬3) في نسخة (ج): "المالك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ففي "المجرد" و"الفصول" يكون نصيب الشريك وديعة عنده، واستدرك ذلك ابن عقيل في "فنونه" وقال: بل هو عارية، حيث قبضه لينتفع به بلا عوض. وهذا صحيح إن كان أذن له في الانتفاع به مجانًا، أما إن طلب منه أجرة؛ فهي إجارة وإن لم يأذن [له] (¬1) في الانتفاع، بل في الحفظ؛ فوديعة، ولو قال أحد الشريكين للعبد المشترك: أنت حبيس على آخرنا موتًا؛ لم يعتق لموت (¬2) الأول منهما، ويكون في يد الثاني (¬3) عارية، فإذا مات؛ عتق، ذكره القاضي في "المجرد" (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) في (أ): "بموت". (¬3) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "الباقي". (¬4) فلو أعرتك منشفة فاستعملتها، ومع طول الاستعمال تلف الخَمَلُ وهو هدبها؛ فهل يُضمن ذلك أو لا؟ الجواب: لا تضمن، ولو أعرتني قلمًا فتلف بالكتابة به؛ فهل يُضمن؟ لا أضمنه؛ لأنه تلف بنفس العمل الذي أعرتني إياه من أجله، أما إذا تلفت بغير ذلك؛ فإنها مضمونة في ظاهر المذهب، مثل: أعرتني ساعة لمدة عشر أيام، فانكسرت الساعة؛ فعليّ الضمان، ولو أعرتني سيارة فاحترقت؛ فعلي الضمان، ولو أعرتني بهيمه فماتت؛ فعليّ الضمان، وهذا ظاهر المذهب، سواء كان بِتَعَدٍّ أو تفريط أو لم يكن، وتعليل ذلك عندهم: قالوا: لأن الإذن إنما تعلق بالانتفاع. . . إلخ. فيقال أولًا: هذا القياس فيه نظر؛ لأن استعمال المضطر مال غيره ليس بإذن مالكه، بل هو بإذن الشرع، والشرع إنما أباح لي هذا مع الاحتفاظ بحق صاحبه؛ فالصحيح أن العارية لا تضمن الا بالتعدي أو التفريط، سواء هذا في العقد المطلق، فأما إذا اشترط المعير على المستعير أن يضمن العارية؛ فهل يصح هذا الشرط أو لا؟ الجواب: يصح؛ لأن المستعير هو الذي التزم بذلك، وعليه؛ فإن الصحيح أن يقال: إن العاريّة لا تضمن إلا بتعد أو تفريط أو شرط. (ع).

(القسم الثاني): ما أخذه لمصلحة مالكه خاصة؛ كالمودع؛ فهو أمين محض، لكن إذا تلفت الوديعة من بين ماله؛ ففي ضمانه خلاف؛ فمن الأصحاب من يبنيه على أن قوله: هل يقبل في ذلك أم لا، ومنهم من يقول: تلفها من بين ماله أمارة على تفريطه فيها. وقد فرق أحمد بين العارية والوديعة بأن اليد في العارية آخذة وفي الوديعة [معطاة] (¬1)، وهو يرجع إلى تعيين جهة المصلحة فيهما، وكذلك الوصي والوكيل بغير جعل، حتى لو كان [له دين و] (¬2) [لآخر] (¬3) عليه دين، فوكله في قبض دينه (¬4) وأذن له أن يستوفي حقه منه، فتلف المال قبل استيفائه؛ فإنه لا يضمنه، نص عليه أحمد في رواية مثنى الأنباري (¬5). (القسم الثالث): ما قبضه لمنفعة تعود إليهما، وهو نوعان: أحدهما: ما أخذه على وجه الملك فتبين فساده، أو على [وجه] (¬6) السوم. فأما الأول؛ فهو المقبوض بعقد فاسد، وهو مضمون في المذهب؛ ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "معاطاة". (¬2) و (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع و (ب): "مال له". (¬5) فلو دفعت مالي لشخص يحفظه، فتلف المال عنده؛ فالمذهب -وهو الصحيح- أنه لا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط، وقول ثانٍ: أنه ليس عليه ضمان إلا إذا تعدى أو فرط أو تلفت من بين ماله، أي تلفت هي ومالي لم يتلف؛ لأنها إذا تلفت من بين ماله يدل على التفريط. (ع). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

لأنه قبضه على وجه الضمان ولا بد، ونقل ابن مشيش وحرب عن أحمد ما يدل على أنه غير مضمون؛ كالمقبوض على وجه السوم، وكذلك صرح بجريان الخلاف فيه ابن الزاغوني في "فتاويه" (¬1)، ونقل حنبل عن أحمد في الهبة للثواب (¬2): إن أراد ردها على صاحبها وقد نقصت بغير استعماله؛ لم يضمن النقص، وشبهه بالرهن وتأوله القاضي بتأويل بعيد جدًّا، وقد رده (¬3) أبو البركات في "تعليقه على الهداية"، ثم اختار هو تخريجه على أن الهبة للثواب يغلب فيها حكم الهبات، ومن حكم الهبة أن لا يضمن نقصها. قال: ولازم هذا أن نقول: لا يضمن قيمتها إذا (¬4) تلفت بغير تعد. قال: وهذا عندي أحسن الوجوه. [قال] (¬5): ومع هذا؛ ففيه نظر، وهو كما قال؛ لأنه لو كان كذلك؛ لما فرق بين أن تنقص (¬6) بفعله أو بغير فعله، ولما صح [تشبيهُهُ] (¬7) بالرهن، ويحتمل عندي تخريجه على أحد وجهين: إما أن يكون على أن الهبة بالثواب المجهول فاسدة، فيكون ذلك ¬

_ (¬1) صاحبه هو علي بن عُبيد اللَّه بن نصر بن السري، أبو الحسن المعروف بابن الزَّاغُوني. له ترجمة في: "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 180 - 184)، و"السير" (19/ 605 - 607). (¬2) في (ب): "الثواب". (¬3) في نسخة (ج): "ذكره"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) في نسخة (أ): "إن". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في (ج): "ينقص". (¬7) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "تشبهه".

موافقًا لما روي عنه في المقبوض بعقد فاسد: أنه غير مضمون. وإما على أنها صحيحة، وهو الأظهر لقوله، ثم أراد رده إلى مالكه؛ فدل على أن له إمساكه، وذلك لا يكون إلا مع الصحة. فعلى هذا إنما لم يضمنه النقص؛ لأن الهبة للثواب لا تملك بدون دفع العوض، وكذلك (¬1) شبهها بالرهن، وسنزيده إيضاحًا في المقبوض بالسوم إن شاء اللَّه [تعالى] (¬2). وأما المقبوض على وجه السوم؛ فمن الأصحاب من يحكي في ضمانه روايتين، سواء أخذ بتقدير الثمن أو بدونه، وهي طريقة القاضي وابن عقيل، وصحح الضمان؛ لأنه مقبوض على وجه البدل والعوض؛ فهو كالمقبوض بعقد فاسد (¬3)، ثم إن كان لم يُقَدِّر الثمن ضَمِنَهُ بقيمته، وإلا؛ فهل ¬

_ (¬1) في (ج): "ولذلك". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) المقبوض لمنفعة الطرفين بعقد فاسد، مثاله: لو بعتك شيئًا بعد أذان الجمعة الثاني؛ فإن البيع بعد الأذان الثاني ممن تلزمه الجمعة فاسد؛ فلا يحل للبائع أن يتصرف في الثمن ولا للمشتري أن يتصرف في المبيع، لكن هل هو مضمون أو غير مضمون؟ المذهب أنه مضمون؛ لأن الملك لم ينتقل فيه؛ فهو مضمون عليك عينه ومنفعته؛ فالمنفعة إن كان مما يؤجر، مثاله: لو أنني بعت عيك بيتًا بعد نداء الجمعة الثاني؛ فالبيع باطل، فالبيت على ملكي أنا، فعلى المذهب تلزم بأجرته؛ فنقول: إذا بقي عنده سنة؛ فيلزم بأجرة البيت سنة، وإن نقص اليت أو تلف فيه شيء؛ ضمن التلف أو النقص، وأنا أريد الثمن، وإن تصرفت فيه؛ فالربح بيني وبينه. (ع). قلت: وفي هذا نظر، أعني الاشتراك في الربح، هذا هو المذهب، ونقل بعض أصحاب أحمد أنه كالمقبوض على وجه السَّوْم.

يضمنه بالقيمة أو بالثمن المقدر؟ على وجهين، ذكرهما ابن عقيل، وقال ابن أبي موسى: إن أخذه مع تقدير الثمن ليريه أهله، فإن رضوه؛ ابتاعه؛ فهو مضمون بغير خلاف، وكذلك إن ساوم صاحبه [به] (¬1) ولم يقطع ثمنه وأخذه ليريه أهله، وإن أخذه بإذن مالكه من غير سوم ولا قطع ثمن ليريه أهله، فإن رضوه؛ وَزَنَ ثمنه؛ ففيه روايتان أيضًا، أظهرهما أنه غير مضمون [عليه] (¬2). وجعل السَّامُرِيُّ الضمان فيما قطع ثمنه مبنيًّا على أنه بيع بالمعاطاة بشرط الخيار، وهذا يدل على أنه يجرى فيه الخلاف إذا قلنا: لم ينعقد البيع بذلك. وفي كلام أحمد إيماء إلى ذلك؛ لأنه علل الضمان في رواية ابن منصور بأنه ملكه، وعلل في رواية غيره انتفاء الضمان فيما إذا لم يقطع ثمنه بأنه ملك للبائع بعد حتى يقطع (¬3) ثمنه فَفُهِمَ منه أنه مع القطع ينتقل الملك فيه إلى المشتري، ويؤخذ من ذلك أن المقبوض بعقد فاسد لا يضمن [أيضًا] (¬4) لبقاء الملك فيه لمالكه. وكذلك فرق بين أن يكون المأخوذ سلعتين ليختار أيتهما (¬5) شاء فلا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في (ج): "ينقطع". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في (أ) و (ب) و (ج): "أيهما"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

يضمنها (¬1)، وبين أن يكون سلعة واحدة، وهذا يحتمل ثلاثة أمور: (أحدها): ما قال السامري أنه بيع بشرط الخيار، ويكون المعلق على الرضا فسخه لا عقده. (والثاني): أن يكون بيعًا معلقًا على شرط؛ فقد فعله أحمد بنفسه لما رهن نعله بالثمن (¬2)، ويبعد هذا أنه لم يفرق بين أن يتلف قبل الرضى به أو بعده. (والثالث): أن يكون بيعًا بمعاطاة تراخي القبولُ فيه عن المجلس، وقد نص على صحة مثل ذلك في النكاح في رواية أبي طالب، ومن هذا النوع ما إذا قبض المشتري زيادة على حقه غلطًا؛ فإنها تكون مضمونة عليه؛ لأنه قبضها على وجه العوض (¬3)، ذكره (¬4) القاضي وابن عقيل ¬

_ (¬1) المقبوض على وجه السوم هو ما تذهب به إلى أهلك، فإن رضوه؛ اشتريتة، وإلا؛ فلا، ولكن هذا الشيء تلف مني بعد قبضه، فهل عليّ ضمانه؟ فيه روايتان، والصحيح أنه غير مضمون إذا لم يكن تعد أو تفريط، والقاعدة في ذلك أن كل شئ أخذ بإذن الشرع أو بإذن مالكه؛ فإنه غير مضمون إلا بتعد أو تفريط، وبناءً على هذا؛ فإن المقبوض بعقد فاسد فيه إذن الشارع دون إذن الشرع؛ فيكون على القول الراجح غير مضمون إلا إذا تحدى أو فرط، ونقول؛ صحيح أن الملك باقٍ على يد صاحبه، ولكن لا ضمان عليه، أما في مالة الأجرة، فإن أجره المشري بالعقد الفاسد؛ فالأجرة للمالك لأنه لم يأمره، وإن لم يؤجره بل انتفع به؛ فلا أجرة عليه لأنه أنتفع به بإذن المالك؛ فلا ضمان عليه. (ع). (¬2) في (أ): "باليمن"! (¬3) مثاله: اشتريت منه عشرة أشياء، فأعطاني أحد عشر؛ غلطًا؛ فالزائدة تكون مضمونة على الاحتمال الأول، وتكون أمانة على الاحتمال الثاني. (ع). (¬4) في (أ): "وذكره".

والأصحاب. ويحتمل أن لا يضمن على معنى تعليل أحمد في المقبوض بالسوم أنه على ملك البائع، ومن ذلك لو دفع إليه كيسًا وقال له: استوف منه قدر حقك، ففعل؛ فهل يصح؟ على وجهين بناءً على قبض الوكيل لنفسه من نفسه، والمنصوص الصحة، نص عليه في رواية الأثرم، ويكون الباقي في يده وديعة، وعلى عدم الصحة قدر حقه؛ كالمقبوض [على وجه السوم] (¬1) والباقي أمانة، ذكره في "التلخيص"، ولو دفع إلى غريم له نقدًا من غير جنس ما عليه ليصارفه عليه فيما بعد؛ فهي أمانة محضة، نص عليه؛ مع أنها قبضت للمعاوضة، وقياس قول الأصحاب أنها مضمونة؛ كما قالوا في الضامن إذا قبض من المضمون عنه قبل الأداء على وجه الاستيفاء منه عند الوفاء: أنه مضمن لقبضه على وجه المعاوضة، و [هو] (¬2) أولى؛ لأن القبض هنا وجد قبل الاستحقاق؛ فهو كما لو أقبضت المرأة زوجها مالًا عوضًا عما يستحقه عليها بالطلاق قبله. (النوع الثاني): ما أخذ (¬3) لمصلحتهما (¬4) على غير وجه التمليك لعينه؛ كالرهن والمضاربة والشركة والوكالة بجعل والوصية كذلك؛ فهذا كله ¬

_ (¬1) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب) و (أ): "على السوم"، وفي المطبوع: "بالسوم". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬3) كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي (ج): "قبض". (¬4) في نسخة (ب): "لمصلحتها".

أمانة على المذهب. وفي الرهن رواية أخرى تدل على ضمانه، وتأولها القاضي وأثبتها ابن عقيل. والأعيان المستأجرة والموصى بنفعها (¬1) أمانة كالرهن؛ لأنه مقبوض على وجه الاستحقاق. تنبيه: من الأعيان المضمونة ما ليس له مالك من الخلق، وما له مالك غير معين (¬2). فالأول: كالصيد إذا قبضه المحرم؛ فإنه يجب تخليته وإرساله، وسواء ابتدأ قبضه في الإِحرام أو كان في يده ثم أحرم؛ وإن تلف قبل إرساله، فإن كان بعد التمكن منه؛ وجب ضمانه للتفريط، وإن كان قبله؛ لزمه الضمان فيما ابتدأ قبضه في الإحرام دون ما كان في يده قبله لتفريطه في الأولى دون الثانية، هذا قول القاضي وصاحب "المغني" (¬3)، وخرج ابن عقيل الضمان فيهما؛ لأنها عين مضمونة، فلا يقف ضمانها على [عدم] (¬4) التمكن من الرد؛ كالعواري والغُصُوب. والثاني: الزكاة، إذا قلنا تجب في العين؛ فالمذهب وجوبُ الضَّمان بتلفها بكل حال؛ لأنها وجبت شكرًا لنعمة المال النامي الموجود في جميع ¬

_ (¬1) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ) والمطبوع: "بمنفعته". (¬2) يلاحظ إذا قيل: أنه أمانة؛ فهو لا يُضمن إلا بالتعدي أو التفريط، وإذا قيل: إنه مضمون؛ فإنه يُضمن بكل حال. (ع). (¬3) انظر: "المغني" (3/ 144/ 2345). (¬4) ما بين المعقوفتين ضرب عليها في (أ)، وسقطت من (ب).

الحول؛ فهي شبيهة (¬1) بالمعاوضة، ويُستثنى من ذلك ما لم يدخل تحت اليد؛ كالديون والثمر في رؤوس الشجر؛ لانتفاء قبضه وكمال الانتفاع به، ومن الأصحاب من خرج وجهًا بسقوط الضمان قبل إمكان الأداء مطلقًا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): "شبية". (¬2) الصواب في هذا أن الزكاة أمانة، فإذا تلفت بعد استحقاقها بغير تعد ولا تفريط؛ فلا ضمان عليه لأنها بيده أمانة، وقد يفرق بين الإِنسان المؤخِّر وغير المؤخِّر، ولكن هذا التفريق لا وجه له؛ لأن مثاله لو أن عندي زرع فحصدته ودرسته، ثم كان حبًّا، فجاء سيل فاجترفه، فإن كنت لم أدفع الزكاة؛ فعلي الضمان؛ لأني أخرت الزكاة. (ع).

44 - القاعدة الرابعة والأربعون في قبول قول الأمناء في الرد والتلف

(القاعدة الرابعة والأربعون) في قبول قول الأمناء في الرد والتلف. أما التلف؛ فيقبل فيه قول كل أمين؛ اذ لا معنى للأمانة إلا انتفاء الضمان، ومن لوازمه قبول قوله في التلف، وإلا؛ للزم الضمان باحتمال التلف، وهو لا يلزمه الضمان مع تحققه، ويستثنى من ذلك الوديعة إذا هلكت [دون] (¬1) مال المودع على طريقة من يحكي الخلاف فيها في قبول قول المودع في التلف لا في أصل ضمانه، وكذلك العين المستأجرة والمستأجر على عمل فيها، حكى فيها رواية بالضمان؛ فمن الأصحاب من جعلها رواية بثبوت الضمان فيها؛ فلا تكون أمانة، ومنهم من حكى الخلاف في قبول دعوى التلف بأمر خفي، وهي طريقة ابن أبي موسى؛ فلا تخرج بذلك عن الأمانة. وأما الرد؛ فالأمناء [فيه] (¬2) ثلاثة أقسام (¬3): ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) ما بين المعقوفتين من نسخة (ج) فقط. (¬3) الأمانة، يقبل قول الأمين بغير خلاف في التلف، ويستثنى من ذلك إذا ادعاه بسب ظاهر؛ فإنه يكلف البينة في وجود ذلك السب، مثاله: أودعت مالي عند شخص وأنا أريد السفر، فلما رجعت من السفر، قال: لقد شب حريق في البيت فتلف مالك؛ فإنه الآن يحتاج إلى بينة ليصدق في ادعاء التلف، أما لو قال: تلف أو سُرق أو غير ذلك؛ فإنه يقبل =

الأول: من قبض المال لمنفعة مالكه وحده؛ فالمذهب أن قولهم في الرد مقبول، ونقل أبو طالب وابن منصور عن أحمد: أن الوديعة إذا ثبتت ببينة؛ لم تقبل دعوى الرد بدون بينة، وخرجها ابن عقيل على أن الإشهاد على دفع الحقوق الثابتة بالبينة واجب؛ فيكون تركه تفريطًا، فيجب [به] (¬1) الضمان، وكذلك خرج طائفة من الأصحاب في وصي اليتيم أنه لا يقبل قوله في الرد بدون بينة. وعزاه القاضي في "خلافه" إلى قول الخرقي، وهو متوجه على هذا المأخذ؛ لأن الإِشهاد بالدفع إلى اليتيم مأمور به بنص القرآن، وقد صرح أبو الخطاب في "انتصاره" باشتراطه الإِشهاد (¬2) عليه؛ كالنكاح. القسم الثاني: من قبض المال لمنفعة نفسه كالمرتهن؛ فالمشهور أن قوله في الرد غير مقبول لشبهه بالمستعير، وخرج أبو الخطاب وأبو الحسين وجهًا آخر بقبول قوله في الرد؛ لأنه أمين في الجملة، وكذلك الخلاف في المستأجر (¬3). ¬

_ = قوله، ولكن كل من قلنا القول قوله، فإنه يقبل قوله مع يمينة، وتستثنى مسألة أخرى، وهي إذا تلفت الوديعة من بين ماله، والصحيح أنها لا تستثنى، ولا ضمان عليه، وإذا تعدى أو فرط؛ وجب الضمان، والخلاصة أن التلف يقبل في قول كل الأمناء، كالمودَع والمستأمن والمرتهن؛ فكل من وقعت العين في يده بإذن من صاحبها أو من الشارع؛ فإن قوله في التلف مقبول ما لم يدعه بسبب آخر فيحتاج إلى البينة؛ فكل أمين يدعي التلف فإنه مقبول قوله. (ع). (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "فيه". (¬2) في (ب) و (ج): "الشهادة". (¬3) يختلف الأمناء في الرد؛ فمن قبض العين لمصلحة مالكها فقوله مقبول؛ =

القسم الثالث: من قبض المال لمنفعة مشتركة (¬1) بينه وبين مالكه؛ كالمضارب والشريك والوكيل بجعل (¬2) والوصي كذلك؛ ففي قبول قولهم في الرد وجهان معروفان لوجود الشائبتين في حقهم: (أحدهما): عدم القبول، ونص عليه أحمد في المضارَبْ في رواية ابن منصور: أن عليه البينة بدفع رأس المال (¬3)، وهو اختيار ابن حامد وابن ¬

_ = كالمودَع، فإنه إنما قبض العين لمصلحة المدِع، فإذا قال المودِع: أعطني وديعتي، فقال: رددتها عليك؛ قبل قوله لأنه محسن، وقد قال اللَّه عز وجل: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، والثاني من قبضها لمصلحة نفسه مثل المستعير؛ فإنه قبضها لمصلحة نفسه، فإنه لا يُقبل قوله في الرد، بل لا بد من البينة. (ع). (¬1) في (ب): "مشترك"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) الوكيل بجعل فيه الشائبتان والوكيل بغير جُعل من القسم الأول؛ فهو محسن. (ع). (¬3) في "مسائل ابن منصور" (ص 496/ رقم 467): "قلت [أي: ابن منصور]: قال سفيان: إذا دفعت إلى رجل ألف درهم مضاربة، فجاء بألفين، فقال: هذا ألف رأس المال، وألف ربح. فقال صاحب المال: مالي ألفان؟ قال [أي: سفيان]: القول قول المدفوع إليه، وبينة صاحب المال أنه دفع ألفين. قال أحمد: جيد. قال إسحاق: كما قال" اهـ. وفيها أيضًا (ص 345/ رقم 228): "قلت [أي: ابن منصور]: قال الثوري: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فجاء بألف درهم؛ فقال: هذا ربح، وقد دفعت إليك ألفًا رأسَ مالِك. قال: هو مصدق فيما قال. قال إسحاق: كما قال، وعليه اليمين إن شاء" اهـ. وسيذكرها المصنف قريبًا. قلت: وانظر هناك أيضًا: المسائل (رقم 229، 468، 469). =

أبي موسى والقاضي في "المجرد" وابن عقيل وغيرهم (¬1). (والثاني): قبول قولهم [في ذلك] (¬2)، [و] (¬3) هو اختيار القاضي في "خلافه" وابنه أبي الحسين والشريف أبي جعفر وأبي الخطاب في "خلافه". ووجدت ذلك منصوصًا عن أحمد في "رواية ابن منصور" (¬4) في المضارب أيضًا في رجل دفع إلى آخر ألف درهم مضاربة، فجاء بألف، فقال: هذا ربح، وقد دفعت إليك ألفًا رأس مالك. قال: هو مصدق فيما قال (¬5). ووجدت في "مسائل أبي داود" (¬6) عن أحمد نحو هذا أيضًا. ¬

_ = ومثله في "مسائل أبي داود" (ص 199)، وسيشير إليها المصنف قريبًا إن شاء اللَّه تعالى. (¬1) هذا هو المذهب: أن من قبض لمال لمصلحة مشتركة، فإنه لا يقبل قوله في الرد إلا ببينة. (ع). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) انظر: "مسائل الإِمام أحمد وإسحاق" (رواية ابن منصور، ص 345/ رقم 228). (¬5) انظرها في: "مسائل ابن منصور" (ص 345/ رقم 228)، وقد نقلتها قريبًا في تعليق سابق مضي في (ص 317). (¬6) في "مسائل أبي داود للإمام أحمد" (ص 199) قال أبو داود: "سمعت أحمد سئل عن رجل دفع إلى رجل مالًا مضاربة، فكان يجيئه، فيعطيه العشرين درهمًا والدينار ونحوه، ويقول: هذا من الربح، فلما حاسبه، قال: إنما أعطيتكه كله من رأس المال. قال =

وكذلك نقل عنه مهنا في مضارب دفع إلى رب المال كل يوم شيئًا، ثم قال: كان من رأس المال أن القول قوله مع يمينه، وحكم الأجير المشترك حكم هؤلاء، وكذلك من يعمل في عين بجزء من نمائها؛ لأنه إما أجير أو شريك، والفرق بينهم وبين المستأجر أن المستأجر قبض مال المؤجر ليستوفي منه حق نفسه؛ فصار حفظه لنفسه [وهؤلاء] (¬1) المال في أيديهم أمانة لا حق لهم فيه، وإنما حقهم فيما يُنَمِّى منه أوفي ذمة المالك، فأما من يعمل في المال بجزء من عينه؛ فهو كالوصي الذي يأكل من مال اليتيم، [و] (¬2) القول قوله في الرد أيضًا، صرح به القاضي؛ لأن المال لم يقبضه لحق نفسه، بل للحفظ على المالك وحقه فيه متعلق بعمله بخلاف المرتهن والمستأجر. ثم ها هنا أربعة أقسام: (أحدها): أن يدعي الأمين أنه رد الأمانة إلى من ائتمنه، وهذا هو الذي ذكرناه. (والثاني): أن يدعي الرد إلى غير من ائتمنه بإذنه؛ فهل يقبل قوله؟ على وجهين: (أحدهما): وهو المنصوص، وهو اختيار أبي الحسن التميمي: أنه ¬

_ = أحمد: هذا إعطاء ماله جائن (وفي نسخة: أعطى ماله خائن). قال: له عليه يمين؟ قال: أدنى ما عيه اليمين". (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "وصار"، ولكن في (أ): "وهؤلاء المال وفي. . . ". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

يقبل قوله. (والثاني): لا يقبل؛ فقيل: لتفريطه بترك الإشهاد على المدفوع إليه، فلو صدقه [الآمر] (¬1) على الدفع؛ لم يسقط الضمان، وقيل: بل لأنه ليس أمينًا للمأمور بالدفع إليه؛ فلا يقبل قوله في الرد إليه؛ كالأجنبي. وكل من هذه الأقوال الثلاثة قد نسب إلى الخرقي، بل ونسب إليه أن دعوى الوصي الرد إلى اليتيم غير مقبول كما سبق؛ فربما أطرد هذا في دعوى الرد [من] (¬2) جميع الأمناء إلى من ائتمنهم، وهو بعيد جدًّا، وربما اختص بالوصي؛ لأن ائتمانه ليى من جهة الصبي؛ فهو كالأجنبي معه، هذا إذا ادعى الرد بإذن المالك، وإن ادعاه مع عدم إذنه؛ فلا يقبل منه حتى ولا الأداء إلى الوارث والحاكم؛ لأنهما لم يأتمناه، نقله في "التلخيص"؛ إلا أن يدعي الرد إلى من يده كيد المالك؛ كوكيله، أو رد الوديعة إلى عبده وخازنه ونحوهما ممن يحفظ ماله؛ لأن أيديهم كيده، ويتوجه في دعوى الرد إلى الحاكم والوارث بعد موت الموروث القبول؛ لقيامهما (¬3) مقام المؤتمن، وهو رد مبرئ (¬4). ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، لكن في (ب): "الأمر بالدفع"، وفي المطبوع: "الأمين". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ): "لمقامهما". (¬4) لو قال: أنا رددته إلى زيد بإذنك، فيقول المؤتمن: أثبت أني قلت لك ذلك، فإذا أثبت؛ فنعم، يقبل قولي، وإلا؛ فلا، ومرة ثانية لو أعطاني الكتاب وديعة ثم قال لي بعد ذلك: هات الكتاب، فقلت: إني قد أعطيته زيدًا بإذنك، فإن قلتَ: نعم، أنا أذنت لك؛ فالقول قولي، وإذا لم تقل لي ذلك، أي قلت: أنا لم آذن لك؛ فأحتاج إلى إثبات قولك =

القسم الثالث: أن يدعي غير الأمين؛ كوارثه: أن الأمين رد إلى المالك؛ فلا يقبل لأنه غير مؤتمن، فلا يقبل قوله. ومن المتأخرين من خرج وجهًا بالقبول؛ لأن الأصل عدم حصولها في يده، وجعل أصل (¬1) أحد الوجهين فيما إذا مات من كان عنده أمانة، ولم توجد في تركته، ولم يعلم بقاؤها عنده: أنها لا تضمن، ولا حاجة إلى التخريج إذًا؛ لأن الضمان على هذا الوجه منتفٍ، سواء ادعى الوارث الرد أو التلف أو لم يدع شيئًا. القسم الرابع: أن يدعي من حكمه حكم الأمناء في سقوط الضمان عنه بالتلف قبل التمكن من الرد؛ كوارث المودع ونحوه، والملتقط بعد ظهور المالك، ومن أطارت الريح إلى داره ثوبًا إذا ادعوا (¬2) الرد إلى المالك؛ ففي "التلخيص": لا يقبل؛ لأن المالك لم يأتمنه، ويتوجه قبول دعواه في حالة لا يضمن فيها بالتلف؛ لأنه مؤتمن شرعًا في هذه الحالة. تنبيه: عامل الصدقة مقبول القول في دفعها إلى المستحقين؛ ولو كذبوه ¬

_ = بالإذن، ثم يقبل قولي في الردّ مع أن المسألة في أصلها فيها وجهان: أحدهما القبول، والثاني عدم القبول مطلقًا، ولو أنه ادعى الرد إلى الحاكم أو إلى ورثة الموروث، فهل يقبل قوله؟ نعم، يُقبل قوله. (ع). (¬1) في أصله. (¬2) قوله: "ادعوا" الضمير يعود على الوارث المودع والملتقط ومن أطارت الريح إلى داره ثوبًا. (ع).

بغير خلاف، وإن كان وكيلًا بجُعْل (¬1)، ذكره القاضي في "الأحكام السلطانية" (¬2)؛ لأن الصدقة عبادة؛ فلا استحلاف فيها، ولذلك (¬3) لا يستحلف أربابها إذا ادعوا الدفع إلى العامل وأنكر، فكذلك العامل؛ لأنه أمين لأربابها، فيقبل قوله عليهم في الرد. وأما عامل الخراج؛ فلا يقبل قوله في الدفع إلا ببينة أو تصديق، ذكره القاضي أيضًا، وعلل بأن الخراج دين؛ فلا يقبل قول مستوفيه في دفعه إلى مستحقه، وهذا التعليل منتقض بالوكيل في استيفاء دين ودفعه إلى مستحقه، فإن قوله مقبول في ذلك كما سبق، والأظهر تخريج حكم عامل الخراج على الوكيل، فإن كان متبرعًا؛ فالقول قوله، وإن كان بجعل؛ ففيه وجهان، وكذلك يخرج فى عامل الوقف وناظره. * * * ¬

_ (¬1) عامل الصدقة يقبل قوله في دفعها إلى مستحقيها ولو كذبوه؛ لأنه مؤتمن شرعًا؛ كالقاضي إذا ادعى أنه قضى لزيد أو على زيد؛ فإنه مقبول، وأرباب الصدقة إذا ادعوا دفعها إلى العامل وأنكر العامل؛ فقولهم مقبول، لكن في عدم مطالبتهم بها لا في تغريم العامل إياها إلا إذا أشهدوا عليه، وإنما قلنا ذلك لأنهم مُدَّعون، وعلى المدَّعي البينة، هذا في تغريم العامل، أما بالنسبة لبراءة ذمتهم، لأن هذه عبادة، والعبادة لا يُستحلف عليها. (ع). (¬2) انظر: "الأحكام السلطانية" (ص 135) للقاضي أبي يعلى الفراء. (¬3) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "ولذلك".

45 - القاعدة الخامسة والأربعون عقود الأمانات؛ هل تنفسخ بمجرد التعدي فيها أم لا؟

(القاعدة الخامسة والأربعون) عقود الأمانات؛ هل تنفسخ بمجرد التعدي فيها أم لا؟ المذهب أن الأمانة المحضة تبطل بالتعدي، والأمانة المتضمنة لأمر آخر لا تبطل على الصحيح، ويتخرج على هذا مسائل: - (منها): إذا تعدى في الوديعة؛ بطلت، ولم يجز له الإمساك، ووجب الرد إلى الفور؛ لأنها أمانة محضة وقد زالت بالتعدي؛ فلا تعود بدون عقد متجدد، هذا هو المشهور، ولو كانت عينين؛ فتعدي في إحداهما؛ فهل يصير ضامنًا لهما، أو لما وجد فيه التعدي خاصة؟ فيه تردد، وذكره القاضي أبو يعلى الصغير، [وذكر] (¬1) ابن الزاغوني أنه إذا زال (¬2) التعدي وعاد إلى الحفظ؛ لم تبطل، وقد يوجه بأن المالك أسند إليه الحفظ لرضاه بأمانته، فمتى وجدت الأمانة؛ فالإِسناد موجود لوجود علته؛ [فهو] (¬3) كما لو صرح بالتعليق فقال: كلما خنت ثم عدت؛ فأنت أمين؛ فإنه يصح لصحة تعليق الإيداع على الشرط؛ كالوكالة، صرح ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "وذكره". (¬2) في (أ): "أزال". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

به القاضي (¬1). - (ومنها): الوكيل إذا تعدى؛ فالمشهور أن وكالته لا تنفسخ، بل تزول أمانته ويصير ضامنًا، ولهذا لو باع بدون ثمن المثل صح وضمن النقص؛ لأن الوكالة إذن في التصرف مع [ائتمان] (¬2)، فإذا زال أحدهما؛ لم يزل الآخر، هذا هو المشهور، [و] (¬3) على هذا؛ فإنما يضمن ما [وقع] فيه التعدي خاصة حتى لو باعه وقبض ثمنه لم يضمنه؛ لأنه لم يتعد في عينه، ذكره في "التلخيص"، ولا يزول الضمان عن عين ما وقع فيه التعدي بحال إلا على طريقة ابن الزاغوني في الوديعة، وظاهر كلام كثير من ¬

_ (¬1) هذه القاعدة تقول: إذا تعدى الإنسان في الأمانات؛ فهل تبطل الأمانة ويزول حكمها أو لا تبطل؟ يقول: إذا كانت الأمانة محضة؛ فإنها تبطل بالعدي، وإذا تضمنت الأمانة معنى آخر، فلا؛ فالوديعة أمانة محضة؛ لأنه ليس للمودَع مصلحة فيها، فإذا تعدى فيها بطلت، وصار بعد الأمانة خائنًا، فيضمن الوديعة على كل حال؛ لأنه تعدى فيها، فإن عاد إلى الأمانة؛ فهل يعود الائتمان أو لا؟ في خلاف، والمذهب لا يعود، مثاله: أودعتك إبربقًا فاستعملته؛ فإنه هنا زالت الأمانة، وتكون ضامنًا لهذا الإبريق على كل حال، لكن لو أنك رجعت إلى نفسك وقلت: من الخطأ أن أتصرف في مال الغير بغير إذنه، وعدت إلى الأمانة وحفظت الإبريق بدون استعمال؛ فهل تعود الأمانة؟ المذهب أنها لا تعود إلا بعقد جديد، والقول الثاني: أنه يعود الائتمان؛ لأنه عاد إلى شرطه، صار كما لو علقه بشرط فقال: كلما خنت ثم عدت إلى الأمانة؛ فأنت أمين، والأقرب إلى حفظ أموال الناس أنه يكون خائنًا ولا يعود ائتمانه. (ع). (¬2) في المطبوع: "استئمان"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

الأصحاب أن المخالفة من الوكيل تقتضي فساد الوكالة لا بطلانها؛ فيفسد العقد، ويصير متصرفًا بمجرد الإذن. وحكى ابن عقيل في "نظرياته" وصاحب "المحرر" (¬1) وجهًا آخر، وبه جزم القاضي في "خلافه": أن الوكالة تبطل كالوديعة لزوال الائتمان، والإذن في التصرف كان منوطًا به (¬2). - (ومنها): الشركة والمضاربة إذا تعدى فيهما (¬3)؛ فالمعروف من المذهب أنه يصير ضامنًا، ويصح تصرفه لبقاء الإذن [فيه] (¬4)، ويتخرج بطلان تصرفه من الوكالة. - (ومنها): الرهن إذا تعدى المرتهن فيه؛ زال ائتمانه وبقي مضمونًا عليه ولم تبطل توثقته، وحكى ابن عقيل في "نظرياته" احتمالًا ببطلان الرهن، وفيه بُعْدٌ؛ لأنه عقد لازم وحق للمرتهن على الراهن، لا سيما إن كان مشروطًا في عقد وقلنا: يلزم بمجرد العقد؛ فإن الراهن يجبر على تقبيضه، فكيف يزول بالتعدي؟! - (ومنها): إذا استأجره لحفظ شيء مدة، فحفظه في بعضها ثم ترك؛ فهل تبطل الإِجارة؟ فيه وجهان: ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (1/ 349). (¬2) الظاهر أن التصرف صحيح، ولكنه يضمن بتعديه فيما لو تلف، وكذلك يضمن الأجرة، أي أجرة انتفاعه به قبل بيعه. (ع). (¬3) في (ب): "فيها"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

قال ابن المثنى: أصحهما: لا تبطل، بل يزول الاستئمان ويصير ضامنًا، وفي "مسائل ابن منصور" (¬1) عن أحمد: إذا استاجر أجيرًا شهرًا معلومًا، فجاء إليه في نصف ذلك الشهر أن للمستأجر الخيار. والوجه الآخر: يبطل العقد؛ فلا يستحق شيئًا من الأجرة بناءً على أصلنا فيمن امتنع من تسليم بعض المنافع المستأجرة أنه لا يستحق أجرة، وبذلك أفتى ابن عقيل في "فنونه". - (ومنها): الوصي إذا تعدى في التصرف؛ فهل يبطل كونه وصيًا أم لا؟ ذكر ابن عقيل في "المفردات" فيه احتمالين: أحدهما: لا يبطل، بل تزول أمانته ويصير ضامنًا؛ كالوكيل. والثاني: تبطل؛ لأنه خرج من حيز الأمانة بالتفريط، فزالت ولايته بانتفاء شرطها؛ كالحاكم إذا فسق. وفرض المسألة فيما إذا أقدم على البيع بدون [قيمة] (¬2) المثل، وعلى هذا يتخرج بيع العدل الذي بيده الرهن له بدون ثمن المثل أو الثمن المقدر؛ هل يصح [أم] (¬3) لا لأن الأمانة معتبرة فيه؟ ¬

_ (¬1) في "مسائل ابن منصور للإمام أحمد" (ص 426/ رقم 359): "قلت: إذا استأجر الرجل أجيرًا شهرًا معلومًا، فجاء نصف ذلك الشهر؟ قال: الذي استأجره بالخيار: إن شاء عمل، وإن شاء لم يعمل. قال أحمد: هو كما قال، إنما استأجره في أول الشهر". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "ثمن". (¬3) في (ب): "أو".

واختيار (¬1) صاحب "المغني" (¬2) أنه لا يصح بيعه بدون ثمن المثل، لكنه علل بمخالفة الإذن، وهو منتقض بالوكيل، ولهذا ألحقه القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" ببيع الوكيل؛ فصححاه وضمناه للنقص، ومثله إجارة الناظر للوقف بدون أجرة المثل. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "واختار". (¬2) انظر: "المغني" (4/ 263/ 3401).

46 - القاعدة السادسة والأربعون في العقود الفاسدة؛ هل هي منعقدة [أو] لا؟

(القاعدة السادسة والأربعون) في العقود الفاسدة؛ هل هي منعقدة [أو] (¬1) لا؟ وهي نوعان: أحدهما: العقود الجائزة؛ كالشركة والمضاربة والوكالة، وقد ذكرنا آنفًا أن [فسادها] (¬2) لا يمنع نفوذ التصرف فيها بالإذن، لكن خصائصها تزول بفسادها؛ فلا يصدق عليها أسماء العقود الصحيحة إلا مقيدة بالفساد. وصرح القاضي في "خلافه" بأنه لو حلف على الشركة الفاسدة من أصلها أنها شركة حنث. قال: ويمنع من التصرف فيها والمنع من التصرف مع القول بنفوذه وبقاء الإذن مشكل، لا سيما وقد قرر أن العامل يستحق (¬3) المسمَّى (¬4). ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "أم". (¬2) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ): "إفسادها". (¬3) في (ج): "لا يستحق". (¬4) العقود الفاسدة: هي التي اختل فيها شرط، أو وُجد فيها مانع؛ فمثلًا: البيع مع جهالة الثمن فاسد؛ لاختلال الشرط، والبيع بعد أذان الجمعة الثاني ممن تلزمه الجمعة لا يصح؛ لوجود مانع، والعقود إذا فسدت لفوات شرط أو لوجد مانع؛ هل فسادها يمنع نفوذ التصرف فيها أو لا؟ =

والنوع الثاني: العقود اللازمة، فما كان منها لا يتمكن العبد من الخروج منه بقوله كالإحرام؛ فهو منعقد لأنه لا سبيل إلى التخلص منه إلا بإتمامه أو الإحصار عنه، وما كان العبد متمكنًا من الخروج منه [بقوله] (¬1)؛ ¬

_ = يقول المؤلف: العقود تنقسم إلى قسمين: عقود جائزة، وعقود لازمة، الجائزة هي التي يجوز لكل واحد من المتعاقدين فسخها بدون رضا الآخر؛ كالشركة والمضاربة والوكالة، وفساد العقود الجائزة لا يمنع التصرف فيها، أي يتصرف لكن خصائصها تزول، فإذا أعطيتك مال مضاربة على وجه فاسد، ثم تصرفت فيه، فالتصرف صحيح نافذ، لكن خصائص الشركة تزول، فإذا أعطيتك إياه على أن الربح بيننا نصفين، وتبين أن العقد فاسد، فتصرفك صحيح، ولكن هل تستحق نصف الربح؟ الجواب: لا؛ فالربح كله لصاحب المال، وأنت لك أجرة المثل؛ لأنه لما كان العقد فاسدًا زالت جميع آثاره، فرجعنا إلى الأصل، فقلنا: هذا رجل عمل بمالك؛ فلا بد أن تعطيه أجرة المثل، وهنا على أنه أجير؛ فكأنه رجل عامل عندك، فكم يُعطى مثله لو عمل هذا العمل؛ فيعطى مثله، ومذهب بعض العلماء أننا لا نعطيه أجرة المثل، بل نعطية سهم المثل؛ لأن هذا العامل قد دخل على أن العمل بينهما مرابحة؛ فكيف نعطيه أجرة المثل فيُعطى سهم المثل؟! وبناءً على ذلك؛ فإنه لو خسر المال؛ فإنه لا يستحق شيئًا، فإذا قالوا: إن سهم المثل هو النصف، فينظر كم الربح، ويأخذ نصفه وهكذا. مثال آخر في المساقاة، وهى عقد جائز على المشهور من المذهب: فلو أعطيت نخلي لهذا الرجل يعمل فيه مساقاة، وعمل فيه، ثم تبين بعد أن العقد فاسد؛ الذي يستحقه على المذهب أجرة المثل، فنقول: كم أجرة هذا لو كان عاملًا في النخل لمدة سنة؟ فيقولون: كذا؛ فيعطى تلك الأجرة، وأما القول الثاني، فإنه يُعطى سهم المثل لأن المالك والعامل كلاهما داخل على مشاركة، فإذا بطل العقد؛ رجعنا إلى سهم المثل، فإذا كان قد أعطاه على أنه له ثلث التمر، فتبين أن المساقاة فاسدة، فرجعنا إلى أهل الخبرة وقالوا: إن العامل يستحق النصف وليس الثلث؛ فإنه يُعطى نصف الثمرة الآن لأن المعتبر هو سهم المثل. (ع). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

فهو منقسم إلى قسمين: أحدهما: ما يترتب عليه حكم مبني على التغليب والسراية والنفوذ؛ فهو منعقد، وهو النكاح والكتابة يترتب عليهما الطلاق والعتق؛ فلقوتهما ونفوذهما انعقد العقد المختص بهما، ونفذا فيه، وتبعهما (¬1) أحكام كثيرة من أحكام العقد؛ ففي النكاح يجب المهر بالعقد، حتى لو طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر على وجه، ويستقر بالخلوة، وتعتد فيه من حين الفرقة لا من حين الوطء، وتعتد للوفاة [فيه] (¬2) قبل الطلاق، وفي الكتابة تستتبع الأولاد والأكساب (¬3). ¬

_ (¬1) في (ب): "ويتبعها". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬3) إذا كانت العقود لازمة؛ فهي نوعان: الأول: ما لا يتمكن العبد من الخروج منها مثل الإحرام؛ فإنه يستمر مع الفساد، مثل لو جامع قبل التحلل الأول فسد نسكه، ومع ذلك يلزمه الاستمرار فيه، ولا يمكن أن يخرج منه، ويسمى حجه حجًا فاسدًا، وإذا صار العام القادم يقضيه؛ لأن هذا لا يمكن أن يخرج الإنسان منه، فلا يمكن التخلص منه، فيبقى مستمرًا مع فساده، ولا أظن أنه يوجد مثال سوى هذا. وأما النوع الثاني؛ وهو ما يتمكن العبد من الخروج منه، وهو على قسمين: الأول: ما يترتب عليه حكم مبني على السراية والتغليب؛ مثل النكاح؛ فالنكاح الفاسد كالنكاح الصحيح، مثل عقد رجل على امرأة بدون ولي؛ فالنكاح فاسد، لكن حكمه حكم الصحيح؛ لأنه ينفذ فيه الطلاق، وإذا خلا بالمرأة؛ وجب عليه الصداق كاملًا، وعليه نصف المهر على قول، والقول الثاني: ليس عليه شيء؛ لأنه نكاح فاسد؛ فلا يترتب عليه أثره، وهذا هو الصحيح: أنه إذا طلق قبل الدخول؛ فليس عليه شيء لأنه نكاح فاسد، وهل يُلزم بالطلاق؟ =

والثاني: ما لا يترتب عليه ذلك؛ كالبيع والإِجارة؛ فالمعروف من المذهب أنه غير منعقد، ويترتب عليه أحكام الغصب (¬1). وخرج أبو الخطاب في "انتصاره" صحة التصرف في البيع الفاسد من النكاح، واعترضه أحمد الحربي في "تعليقه" وقال: النكاح الفاسد منعقد؛ فلهذا صح التصرف فيه بخلاف البيع، ولكن أبو الخطاب قد لا يسلم انعقاد النكاح الفاسد ولا غيره؛ لأنه يرى أن المجامع يحل من إحرامه، وأن الطلاق في النكاح الفاسد إنما يقع ممن يعتقد صحته؛ فمن ها هنا حسن ¬

_ = نعم؛ لأنه نكاح فاسد، فإن قال الزوج: أنا لا أطلق، فما دام النكاح فاسدًا؛ فلماذا أطلق؟ قيل: تطلق خروجًا من الخلاف؛ لأن النكاح الفاسد هو الذي فيه الخلاف، فإن كان مجمعًا عليه؛ فهو نكاح باطل، ولا يحتاج إلى طلاق، ولهذا كان التفريق بين الفاسد والباطل في النكاح، فلو عقد على امرأة ثم تبين أنها أخته من الرضاع؛ فالنكاح باطل بإجماع العلماء، فلا يلزم فيه طلاق، وكذلك مسألة الكتابة، فإذا كانت فاسدة كما لو كانت على عوض مجهول أو نحو ذلك؛ فإنها مبنية على السراية والتغليب، ولهذا لو أن الإنسان أعتق من عبده أصبع من أصابعه، فقال: أصبعك حُرّ؛ فيكون كله حرًا، أو قال: شعرك حر؛ فإنه لا يعتق لأن الشعر عضو منفصل. (ع). (¬1) القسم الثاني: ما لا يترتب عليه آثار الملك، ويكون وجود العقد كعدمه، فلو آجر الإنسان إجارة فاسدة؛ فهل يترتب على هذا العقد ما يترتب على العقد الصحيح من ثبوت الأجرة وضمان العين وغير ذلك أو لا؟ المذهب أنه غير منعقد، ويترتب عليه أحكام الغصب، مثاله: أجرتك هذه السيارة إجارة فاسدة وقبضتها، ثم أصابها حادث بغير اختيارك؛ فالمذهب أنه ضامن لها على كل حال؛ لأن الغاصب ضامن على كل حال، أي مع التفريط وعدمه ومع التعدي وعدمه، وتضمن أجرة المثل لصاحب السيارة، والأجرة التي دفعت له نرجع لك، وعلى هذا؛ فيمكن أن تكون أجرة المثل أكثر مما اتفق عليها أو أقل. (ع).

عنده هذا التخريج؛ إذ البيع والنكاح في هذا على حد واحد. وأبدى ابن عقيل في "عمده" احتمالًا بنفوذ الإقالة في البيع الفاسد؛ كالطلاق في النكاح الفاسد؛ قال: ويفيد ذلك أن حكم الحاكم بعد الإقالة بصحة العقد لا يؤثر. وذكر ابن عقيل وغيره وجهين في نفوذ العتق [في البيع الفاسد؛ كالطلاق (¬1) في النكاح الفاسد، وفرق] (¬2) بينهما على أحد الوجهين بأن الطلاق يسقط به حق نفسه، فنفذ (¬3) بخلاف العتق؛ فإنه يسقط به حق غيره، وهو البائع، وهذا كله يشعر بانعقاد البيع. وذكر ابن عقيل في "فصوله" احتمالين فيما إذا قال لغيره بعد نداء الجمعة: اعتق عبدك عني وعلي ثمنه، ففعل؛ هل ينفذ عتقه عن نفسه أو عن الأمر له؟ ولكن هذا عقد موضوع للعتق والملك تابع له؛ فهو كالكتابة بخلاف البيع (¬4). ¬

_ (¬1) في (ب) بدل "كالطلاق": "والطلاق". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "في البيع الفاسد؛ كالطلاق الفاسد في النكاح، وفرق". (¬3) في (ب): "فينفذ". (¬4) خرّج أبو الخطاب صحة التصرف في العقد الفاسد على النكاح الفاسد؛ فإنه يثبت به (أي: الدخول المسمى من المهر) وينعقد به الطلاق؛ فيقول أبو الخطاب: إذا كان النكاح الفاسد تترتب عليه أحكام النكاح الصحيح، فكذلك نقول في البيع الفاسد والأجرة الفاسدة، ونُقِضي عليه بكلام أحمد الحربي بأن النكاح الفاسد منعقد؛ فلهذا صح التصرف فيه، بخلاف البيع، ولكن يمكن لأبي الخطاب أن يجيب بأني لا أسلم بانعقاده، بل ترتب الأحكام مع عدم الانعقاد؛ لأنه يرى أن المجامع يحل من إحرامه، لأنه افسده، والمذهب =

فإن قيل: [فهلَّا] (¬1) قلتم: إن صحة التصرف في البيع الفاسد مستند إلى الإذن؛ كما في العقود الجائزة إذا فسدت؟ قيل: [ذلك] (¬2) لا يصح؛ لوجهين: (أحدهما): أن البيع وضع لنقل الملك لا للإذن، وصحة التصرف فيه تستفاد من الملك لا من الإذن، بخلاف الوكالة؛ فإنها موضوعة للإِذن، يوضحه أن الموكل أذن لوكيله أن يتصرف له وقد فعل ما أمره، والبائع إنما أذن للمشتري في التصرف لنفسه بالملك لا ملك ها هنا. (والثاني): [أن] (¬3) الإذن في البيع مشروط بسلامة عوضه، فإذا لم يسلم العوض؛ انتفى الإِذن، والوكالة إذن مطلق بغير شرط. * * * ¬

_ = أنه لا يحل، وحينئذ لا يُلزم أبو الخطاب بما ألزمه به أحمد الحربي، والصواب الذي يظهر لي أن الذي قبض بعقد فاسد أنه ترتب عليه أحكامه لا من حيث أنه عقد فاسد، ولكن من حيث أن هذا المؤجر قد أذن لذلك الرجل بالتصرف فيه، لكن الأجرة هي التي محل النظر؛ هل هي ما اتفقا عليه، أو هي أجرة المثل؟ وكذلك لو باع عليه بيعًا فاسدًا، وهو ممن تلزمه الجمعة؛ فهل المشتري الذي قبض المبيع كالغاصب، وعلى هذا هو ضامن على كل حال، أو نقول: لا أجرة عليه؛ لأنه قبضه بإذن مالكه، ولكن يلزم ردّ المبيع وأخذ الثمن، الأخير هذا هو الظاهر. (ع). (¬1) كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج): "هلَّا"، وفي المطبوع: "فهل لا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي (ب): "قل: لا يصح ذلك لوجهين" هكذا بتقديم وتأخير. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

47 - القاعدة السابعة والأربعون في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في فاسده، وكل عقد لا يجب الضمان في صحيحه لا يجب [الضمان] في فاسده

(القاعدة السابعة والأربعون) في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في فاسده، وكل عقد لا يجب الضمان في صحيحه لا يجب [الضمان] (¬1) في فاسده. ونعني بذلك أن العقد الصحيح إذا كان موجبًا للضمان؛ فالفاسد كذلك، وإذا لم يكن الصحيح موجبًا للضمان؛ فالفاسد كذلك؛ فالبيع والإِجارة والنكاح موجبة للضمان مع الصحة، فكذلك مع الفساد، [والأمانات؛ كالمضاربة والشركة والوكالة والوديعة وعقود التبرعات كالهبة؛ لا يجب الضمان فيها مع الصحة، فكذلك مع الفساد] (¬2)، وكذلك الصدقة. فأما قول أصحابنا فيمن عجل زكاته ثم تلف المال وقلنا: له الرجوع به: إنه إذا تلف ضمنه القابض، فليس من القبض الفاسد بشيء؛ لأنه وقع صحيحًا، لكنه مراعى، فإن بقي النصاب تبينا أنه قبض زكاة، وإن تلف [تبينا أنه لم يكن] (¬3) زكاة؛ فيرجع بها. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في (ج): "تبينا أنها لم تكن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. قال الشيخ ابن عثيمين: "قوله: "تبينا أنه لم يكن"؛ أي: المقبوض زكاة".

نعم، [إذا] (¬1) ظهر قابض الزكاة ممن لا يجوز له أخذها؛ فإنه يضمنها لكون القبض لم يملك به، وهو مفرط بقبض ما لا يجوز له قبضه؛ فهذا من القبض الباطل لا الفاسد، وليس المراد أن كل حال ضمن فيها في العقد الصحيح [و] (¬2) ضمن في مثلها [في] (¬3) الفاسد، فإن البيع الصحيح لا يجب فيه ضمان المنفعة، وإنما يضمن (¬4) العين بالثمن، [و] (¬5) المقبوضِ بالبيعِ الفاسدِ يجب ضمان الأجرة فيه على المذهب. والإِجارة الصحيحة تجب فيها الأجرة بتسليم العين المعقود عليها، سواء انتفع بها المستأجر أو لم ينتفع. وفي الإِجارة الفاسدة روايتان: إحداهما: كذلك. والثانية: لا تجب الأجرة إلا بالانتفاع. ولعلها راجعة إلى أن المنافع لا تضمن في الغصب ونحوه؛ إلا بالانتفاع، وهو الأشبه. وكذلك يخرج (¬6) في ضمان منفعة المبيع (¬7) ها هنا، ولكن نقل جماعة ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ج): "إن". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج). (¬3) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ): "من". (¬4) في (ج): "تضمن". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج) والمطبوع. (¬6) في (ج): "يتخرج". (¬7) في (ب): "البيع".

عن أحمد ما يدل على أن الإجارة الصحيحة لا تجب فيها الأجرة إلا بقدر الانتفاع إذا ترك المستأجر بقية الانتفاع بعذر من جهته، وتأولها القاضي وابن عقيل، وأقرها صاحب "شرح الهداية" والقاضي أيضًا في "بعض تعاليقه". والنكاح الصحيح يستقر فيه المهر بالخلوة بدون الوطء، وفي النكاح الفاسد روايتان أيضًا، وقد قيل: إن ذلك مبني على أن البضع هل يثبت عليه اليد أم لا؟ وقد نقل عن أحمد فيما إذا نكح العبد نكاحًا فاسدًا: أنه لا مهر لها، وهو محمول على أنه [لم] (¬1) يوجد دخول [أو] (¬2) على أنهما كانا عالمين بالتحريم؛ فتكون زانية. ونقل ابن مشيش وحرب عنه: أن المبيع (¬3) المقبوض من غير تسمية ثمن لا يضمن؛ لأنه على ملك البائع، وقد سبق ذلك، والعمل في المذهب على خلافه، إذا تقرر هذا؛ فهل يضمن في العقد الفاسد بما سمى فيه أو بقيمة المثل؟ فيه خلاف في مسائل (¬4): ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "لا". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "و". (¬3) في (ب): "البيع". (¬4) معنى هذه القاعدة أن الضمان في العقد الفاسد كالضمان في العقد الصحيح؛ فكل عقد صحيح أوجب ضمانًا فإن العقد الفاسد يوجبه، وما لا؛ فلا، فعقد البيع موجب للضمان، اي أن المشتري لم يأخذ المبيع إلا بضمانه بالثمن للبائع، فإذا اشتريت منك سلعة؛ فإنها دخلت عليّ بالضمان، أي بضمانها بالثمن، فإذا قُدِّر أن البيع فاسد وتلفت =

- (منها): المبيع، والمعروف في المذهب ضمانه بالقيمة لا بالثمن المسمى فيه، نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وأبي طالب؛ لأن المسمى إنما وقع الرضى به في ضمان العقد، والعقد غير موجب للضمان، ¬

_ = السلعة في يد المشتري من غير تعد ولا تفريط؛ فمن المعلوم أن العقد الفاسد يجب إلغاؤه، فهل أضمن هذه السلعة التي كانت يدي وتلفت بجر تعد ولا تفريط أو لا؟ الجواب: نعم، أضمنها؛ لأنني أخذتها من صاحبها على أنها مضمونة بالثمن، وأما العقد الذي لا يجب الضمان في صحيحه لا يجب في فاسده؛ كالوكالة، فلو أعطيتني مالًا وقلت لي: بع هذا؛ فأنا لم آخذه منك على سبيل الضمان، ولهذا لم أدفع عوضه، فأخذته منك على سبيل الأمانة، ولهذا لو تلف بغير تعد مني ولا تفريط؛ فأنا غير ضامن له، وإن تلف بالتعدي والتفريط؛ فأنا ضامن من أجل التعدي والتفريط، وعلى فرض أن الوكالة كانت فاسدة وتلف مني هذا الشيء بغير تعد ولا تفريط؛ فأنا غير ضامن لأنني لو قبضته في عقد صحيح؛ فلا ضمان علي، فكذلك إذا قبضته بعقد فاسد؛ لأن العقد إن أوجب صحيحه الضمان أوجب فاسده الضمان، وإلا؛ فلا. وهنا مسألة: أن في مسألة البيع إذا تلف المبيع في البيع الفاسد؛ فهل يضمن المشتري بالثمن المسمّى بقيمة المثل؟ فيه خلاف. وقوله: "وليس المراد أن كل حال ضمن فيها في العقد الصحيح. . . إلخ" ليس المعنى أن الضمان في العقد الفاسد مساويًا للضمان في العقد الصحيح؛ فالبيع في العقد الفاسد يجب فيه ضمان العين والمنفعة، وأما في العقد الصحيح؛ فيجب فيه ضمان العين فقط؛ لأن المنفعة في العقد الصحيح مملوكة تبعًا للعين، أما في العقد الفاسد؛ فليس هناك ملك حتى نقول: إن المنفعة تابعة للملك، وعلى هذا، فإذا تلف المبيع في البيع الفاسد؛ فإننا نضمن العين والمنفعة، أي مدة أجرتها ما دامت في يده؛ فهنا اشتركا في أصل الضمان، أي العقد الصحيح والفاسد، ولكن اختلفا في كيفية الضمان، والحاصل أن كل ما قبضه الإنسان من غيره بغير عوض؛ فهو غير مضمون عليه، وما قبضه بعوض؛ فهو مضمون عليه، سواء كان ببيع أو إجارة. (ع).

وإنما يترتب الضمان بأمر آخر [طارئ] (¬1) على العقد، وهو التلف تحت يده، فيجب ضمانه بالقيمة أو المثل، كما لو اتفقا على ضمان العارية عند إقباضها بشيء ثم تلفت؛ فإنه يلغي (¬2) المتفق عليه، ويجب المثل أو القيمة كذلك ها هنا. وحكى القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" في الكتابة عن أبي بكر عبد العزيز: أن المقبوض بالبيع الفاسد يضمن بالمسمى، وهو اختيار الشيخ تقي الدين (¬3)، وقال: إنه قياس المذهب؛ آخذًا له من النكاح. قال: لأن إقباضه إياه إذن له في إتلافه بالعوض المسمى، فأشبه ما لو قال له: أتلفه بألف درهم فأتلفه؛ فإنه لا يستحق [عليه] (¬4) غير ما سمى له، وقد يجاب عن هذا بأن المسمى إنما جعل عوضًا عن الملك لا عن الإِتلاف، ولم يتضمن العقد إذنًا في الإِتلاف، إنما تضمن نقل ملك بعوض، ولم يوجد [نقل الملك] (¬5)؛ فلا يثبت العوض، وإنما وجب الضمان بسبب متجدد (¬6). ¬

_ (¬1) في جميع النسخ والمطبوع: "طار"، ولعلها "طارئ"؛ كما أثبتناه. (¬2) في (ب): "يلغوا"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) انظر: "القواعد النورانية" (ص 133) لابن تيمية. (¬4) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) إذا كان المشتري يقبض المبيع مضمونًا، وإذا كان كذلك ووقع العقد فاسدًا؛ فهل يضمن ضمان المتلفات، أو يُضمن بالمسمّى؟ المذهب أن يُضمن ضمان المتلفات، مثاله: بعت عليك ثوبًا بعشرة دراهم، وتبين أن البيع فاسد، ثم إن الثوب تلف؛ فهل يضمنه المشتري ضمان المتلفات ونقول: عليك =

- (ومنها): الإجارة الفاسدة، والمعروف من المذهب ضمانها بأجرة المثل أيضًا، ويتخرج على قول أبي بكر أنها تضمن بالأجرة المسماة، والقول فيها كالقول في البيع سواء. - (ومنها): الكتابة الفاسدة تضمن بالمسمى، فإذا أدى ما سمى فيها؛ حصل العتق ولم يلزمه ضمان قيمته، ذكره أبو بكر، وهو ظاهر كلام أحمد، واتفق الأصحاب على ذلك، لكن المتأخرون زعموا أن الكتابة الفاسدة تعليق بصفة؛ فلا يؤثر فسادها ولا تحريمها، كما لو قال لعبده: إن أعطيتني خمرًا فأنت حر، فأعطاه؛ عتق لوجود الصفة، وأما أبو بكر؛ فعنده أن الكتابة عقد معاوضة أبدًا، وهو اختيار ابن عقيل، وهو الأظهر، ولا يقع ¬

_ = مثه إن كان مثليًا وقيمته إن كان متقومًا، أو يُضمن المسمّى؟ في هذا خلاف في المذهب؛ فالمنصوص عن أحمد أنه يضمن ضمان المتلفات، فإذا قدرنا أن قيمته تساوي عشرين درهمًا؛ ألزم المشتري بعشرين درهمًا حتى وإن كان تلفه بغير تعد ولا تفريط؛ لأنه دخل على أنه مضمون عليه، وعلى رأي شيخ الإسلام يقول: إنه يُضمن بالمسمى؛ فلا يلزمه إلا عشرة دراهم. قال: لأن البائع قد رضي أن يكون عوض ثوبه عشرة دراهم، فهو كما لو قال للشخص: خذ هذا الثوب وأعطني عشرة دراهم؛ فإنه لا يلزمه أكثر من عشرة؛ ولو كان الثوب يساوي مئة، وابن رجب قال أن هذا قد يفرق بينه وبين الإذن بالتلف؛ لأن المشتري قد أخذ هذا على أنه ملكه، والمأذون له بالتلف أتلفه على أنه ملك غيره، وعندي ينبغي أن نقول في هذه المسألة: إنه إن تلف بتعد منه أو تفريط؛ ضمناه اياه ضمان إتلاف، وإن تلف بغير تعد ولا تفريط؛ فإننا لا نضمنه ضمان إتلافه؛ لأنه لما كان فاسدًا وقد قبضه من صاحبه بإذنه؛ صار بمنزلة المقبوض على وجه الأمانة، والمقبوض على وجه الأمانة إذا تلف بغير تعد وتفريط؛ فإنه لا يُضمن؛ فكيف أضمن ما زاد على ثمنه؟! فلو قيل بهذا؛ لكان له وجه، ونكون قد أخذنا بالمذهب من وجه، وبقول شيخ الإسلام من وجه آخر. (ع).

العتق عنده بأداء المحرم؛ لأن العقد لا ينعقد بعوض محرم، بل هو عنده باطل (¬1). - (ومنها): النكاح الفاسد يستقر بالدخول فيه وجوب المهر المسمى في الرواية المشهورة عن أحمد، وهي المذهب عند أبي بكر وابن أبي موسى، واختارها القاضي وأكثر أصحابه في كتب الخلاف، ويفرق بين النكاح والبيع بأن النكاح مع فساده منعقد، ويترتب عليه أكثر أحكام الصحيح؛ من وقوع الطلاق، ولزوم عدة الوفاة بعد الموت، والاعتداد منه بعد المفارقة في الحياة، ووجوب المهر فيه بالعقد، وتقرره بالخلوة؛ فلذلك لزم المهر المسمى فيه كالصحيح، يوضحه أن ضمان المهر في النكاح الفاسد ضمان عقد؛ كضمانه في الصحيح، وضمان البيع الفاسد ضمان تلف، بخلاف البيع الصحيح؛ فإن ضمانه ضمان عقد. وحكي عن أحمد رواية أخرى: أن الواجب مهر المثل (¬2)؛ أخذًا من ¬

_ (¬1) هذا أقرب، وهو أنه لا يعتق، لأنه تبين أن العقد فاسد، وإذا كان كذلك خصوصًا إذا قلنا أنه يضمن بقيمة المثل؛ فإنه لا قيمة له حينئذ؛ فلا ينفذ العتق، والمذهب: إذا كانت الكتابة فاسدة؛ فكأنه عِتْقٌ علقه على شرط، والعتق المعلق على شرط إذا وجد الشرط نفذ، سواء كان هذا الشرط جائزًا أم فاسدًا؛ كقوله: إن أعطيتني خمرًا فأنت حر، فإن أعطاه خمرًا صار حرًا مع أن الشرط محرم. (ع). (¬2) قال المرداوي في "الإنصاف" (8/ 256 - 257): "هذا هو المذهب"، وبه قال جمهور العلماء، منهم ابن جريج والزهري والشافعي وغيرهم؛ لأنه وطء يوجب المهر؛ فأوجب مهر المثل، كالوطء في النكاح بلا وليّ وفي سائر الأنكحة الفاسدة. وروى حنبل عن الإمام أحمد: أنها لا مهر لها، قال ابن قدامة: "وهذا يمكن حمله على قبل الدخول؛ فيكون موافقًا لرواية الجماعة، ويمكن حمله على عمومه في عدم =

رواية المروذي عنه في عبد تزوج بغير إذن سيده، فدخل بها؛ فقد جعل لها عثمان الخُمُسَيْن (¬1)، وأنا أذهب إلى أن يعطى شيئًا (¬2)؛ فلم يوجب ¬

_ = الصّداق، وهذا قول ابن عمر؛ لأنه وطئ امرأةٌ مطاوعة في غير نكاح صحيح، فلم يجب به مهر، كالمطاوعة على الزنا! ويمكن حمله على أنه لا مهر لها في الحال، بل يجب في ذمة العبد، تنتفع به بعد العتق، وهو قول الشافعي في الجديد". وقال الحنفية: لا مهر عليه حتى يعتق؛ لأنه لم يظهر في حق المولي؛ لعدم الإذن فيه. وهذه الأقوال إذا دخل بها، أما إذا لم يدخل بها؛ فقال ابن قدامة: "لا مهر لها لأنه عقد باطل؛ فلا توجب بمجرده شيئًا؛ كالبيع الباطل، وهكذا سائر الأنكحة الفاسدة لا تجب بمجردها شيئًا". انظر في المسألة: "مصنف عبد الرزاق" (7/ 243، 262)، و"الإنصاف" (8/ 257 - 256)، و"المغني" (7/ 49 - 50)، و"تكملة المجموع" (15/ 7 - 8، 254)، و"فتح القدير" (3/ 392) لابن الهمام. (¬1) أخرج عبد الرزاق في "المصنف" (7/ 243 - 244، 262/ رقم 12984، 13071) عن معمر، وصالح بن الإمام أحمد في "مسائله" (1/ 476 - 477/ رقم 508) عن سعيد بن أبي عروبة، وصالح (1/ 478 - 479/ رقم 509) عن أبان بن يزيد العطار؛ ثلاثتهم عن قتادة، عن خلاس: "أن غلامًا لأبي موسي تزوّج مولاةً -أحسبه تيجان التَّيمي- بغير إذن أبي موسي، وكتب في ذلك إلى عثمان؛ فكتب إليه: أنْ فرِّق بينهما، وأجر لها الخُمُسَين من صداقها، وكان صداقها خمسة أبعرة". وأخرج نحوه من طرق أخرى يدلل مجموعها على أن لهذا الأثر أصلًا عبد الرزاق في "المصنف" (7/ 262 - 263/ رقم 13074)، وسعيد بن منصور في "سننه" (رقم 796 - ط الأعظمي)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 259 - 260). وانظر: "موسوعة فقه عثمان" (ص 42). (¬2) قال عبد اللَّه بن الإمام أحمد في "مسائله" (رقم 1215): "سمعتُ أبي سئل: فإنْ تزوج بغير إذن المولى (يعنى: العبد)، فدخل بها؛ هل لها مهر؟ قال: فيه اختلاف. =

المسمى، وهو اختيار الخرقي (¬1) وصاحب "المغني" (¬2). واستدلوا بقوله [عليه الصلاة والسلام] (¬3) فيمن أنكحت نفسها: [أن] لها المهر بما استحل منها (¬4)؛ فأوجب المهر بالاستحلال وهو الإِصابة؛ ¬

_ = قال عثمان بن عفان: لها خمسا المهر، قال أبي: وأنا أذهب إليه، وهو في رقبة العبد"، وكذا في "مسائل صالح" (1/ 479). وفي "مسائل ابن هانئ" (1/ 220/ رقم 1068): "سألتُ أبا عبد اللَّه عن العبد إذا تزوج بغير إذن سيّده؛ هل تعطى المرأة المهر؟ قال: أما ابن عمر؛ فإنه كان يقول: هو زنا، وأما عثمان بن عفان، فكان بقول: تعطى الخمسين من الصَّدَاق، وبه آخذ، قول عثمان ابن عفان رحمه اللَّه: أعطاها بما استحلّ من فرجها". (¬1) في "المغني" (7/ 49/ 5249): "قال الخرقي: فإن دخل بها؛ فعلى سيده خمسا المهر كما قال عثمان رضي اللَّه عنه؛ إلا أن يجاوز الخمسان قيمته، فلا يلزم سيده أكثر من قيمته أو يسلمه" اهـ. (¬2) انظر: "المغني" (7/ 49/ 5250). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) يشير المصنف إلى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها؛ فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها؛ فلها المهر بما استحلَّ من فرجها". أخرجه أبو داود في "السنن" (كتاب النكاح، باب في الولي، 2/ 229/ رقم 2083)، والترمذي في "الجامع" (أبواب النكاح، باب ما جاء لا نكاح الا بولي، 3/ 407 - 408/ رقم 1102) -وقال: "هذا حديث حسن"-، وابن ماجه في "السنن" (كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بوليّ، 1/ 605/ رقم 1879)، والنسائي في "الكبري" -كما في "تحفة الأشراف" (12/ 43) -، وأحمد في "المسند" (6/ 47، 165)، والطيالسي في "المسند" (رقم 1463)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 128)، وعبد الرزاق في "المصنف" (6/ 195/ رقم 10472)، والدارمي في "السنن" (2/ 137)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 700)، والشافعي في "الأم" (2/ 11)، والحميدي في "المسند" (1 =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = / 112 - 113/ رقم 228)، وإسحاق بن راهويه في "المسند" (رقم 698، 699)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 7)، وابن حبان في "الصحيح" (9/ 384/ رقم 4074 - "الإحسان")، والدارقطني في "السنن" (3/ 221، 225 - 226)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 168)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 105، 113، 124 - 125، 125، 138)، وابن عدي في "الكامل" (3/ 1115 - 1116)، والبغوي في "شرح السنة" (9/ 39/ رقم 2262)، والخطيب في "الكفاية" (ص 380)، والسهمي في "تاريخ جرجان" (1/ 8)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 188)؛ من طرق كثيرة عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين". قلت: بل هو حسن؛ فسليمان بن موسى لم يخرج له البخاري وأخرج له مسلم في "المقدمة"، وقال ابن حجر في "التقريب": "صدوق، فقيه، في حديثه بعض لين، وخلط قبل موته بقليل". وقد أعلّه أحمد بن صالح بقوله: "أخبرني من رأى هذا الحديث في كتاب ذاك الخبيث محمد بن سعيد (أي: المصلوب) عن الزهري، وأنا أظن أنه ألقاه إلى سليمان بن موسى وألقاه سليمان إلى ابن جريج"، كذا أسنده عنه أبو أحمد الحاكم في "الأسامي والكنى" (1/ 290). قلت: ولا يستلزم من وجوده في كتاب ذاك الخبيث أنه تفرد به، والمشهور أن من ضعَّف هذا الحديثُ يستدل بما ذكره أحمد في "مسنده" (6/ 27) عقبه، فقال: "قال ابن جريج: فلقيتُ الزهري، فسألته عن هذا الحديث؛ فلم يعرفه". وتعقبه الترمذي بقوله: "وذُكر عن يحيى بن معين: أنه قال: لم يُذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم، قال يحيى بن معين: وسماع إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج ليس بذلك، إنما صحيح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود ما سمع من ابن جريج.، وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج". قال الترمذي: "والعمل في هذا الباب على حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن عباس، وأبو هريرة، وغيرهم". وقال الحاكم بعد أن صحيح الحديث: "فقد صحَّ وثبت بروايات الأئمة الأثبات سماع الرواة بعضهم من بعض؛ فلا تعلل هذه الروايات بحديث ابن علية وسؤاله ابن جريج عنه، وقوله: إني سألت الزهري عنه فلم يعرفه؛ فقد ينسى الثقة الحافظ الحديث بعد أن حدث به، وقد فعله غير واحد من حفاظ الحديث". وذكره الحافظ في "التلخيص" (3/ 157) وقال: "وليس أحد يقول فيه هذه الزيادة غير ابن علية، وأعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيرهم الحكاية عن ابن جريج، وأجابوا عنها على تقدير الصحة بأنه لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان ابن موسي وهم فيه. وانظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 107)، و"الكامل في الضعفاء" لابن عدي (3/ 1115 - 1116). على أن سليمان بن موسي لم يتفرد به؛ فقد تابعه جعفر بن ربيعة عند أحمد في "المسند" (6/ 66)، وأبي داود في "السنن" (رقم 2084)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 7)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 106)، وعبيد اللَّه بن أبي جعفر عند الطحاوي (3/ 7)، وحجاج بن أرطاة عند ابن ماجه في "السنن" (رقم 1886)، وأحمد في "المسند" (1/ 250 و 6/ 260)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 130) , والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 7)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 106 و 106 - 107). وأخرجه الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 430) من طريق زمعة بن صالح، والدارقطني في "السنن" (3/ 227) من طريق محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه؛ كلاهما عن الزهري، به. وزمعة بن صالح ومحمد بن يزيد بن سنان وأبوه فيهم ضعف؛ فبمجموع هذه الطرق يتقوَّي الحديث ويصحّ. =

فدل على أنه لم يجب بالعقد، وإنما وجب بالوطء، والواجب بالوطء مهر المثل. وهذا ضعيف؛ فإن الاستحلال يحصل بمحاولة الحل وتحصيله وإن لم يوجد الوطء، وقد يطلق على استحلال [ما لا] (¬1) يحل من الأجنبية مثله، وهو الخلوة أو المباشرة، وذلك مقرر عندنا للمهر، وقد قال [النبي] (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- للملاعن مثل ذلك (¬3)، وليس محمولًا عندنا إلا على [مثل ما ذكرنا، لا] (¬4) ¬

_ = وصححه ابن حبان وابن الجارود وأبو عوانة وغيرهم، وأعله الطحاوي بالحكاية الباطلة عن ابن جريج. وللحديث شواهد جمعها الشيخ مفلح بن سليمان الرشيدي في كتابه المطبوع "التحقيق الجلي لحديث لا نكاح إلا بوليّ". وانظر: "نصب الراية" (3/ 185). وله طريق أخرى عن عائشة عند أبي عبد اللَّه الرازي في "مشيخته" (رقم 98)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 26)، وتمام في "الفوائد" (1439)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (15/ ق 264)، وإسناده ضعيف. (¬1) كذا في نسخة (أ): "ما لا"، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "ما لم". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). (¬3) يشير المصنف إلى ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب اللعان، باب منه، 3/ 1131 - 1132/ رقم 1493 بعد 5) عن ابن عمر؛ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للمُتلاعنين: "حسابُكما على اللَّه، أحدُكما كاذب، لا سبيل لك عليها. قال: يا رسول اللَّه! مالي؟ قال: لا مال لك، إن كُنت صَدَقْتَ عليها؛ فهو بما استحْلَلْتَ من فرجها، وإنْ كُنتَ كذبت عليها؛ فذاكَ أبعدُ لك منها". وانظر: "الأحكام الوسطى" (3/ 214) لعبد الحق الإشبيلي، و"تحفة الأشراف" (5/ 421) للمزِّي. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وسقط من (أ) كلمة "مثل" فقط.

على حقيقة الوطء. فأما عقود المشاركات إذا فسدت؛ كالشركة والمضاربة؛ فهل يجب لمسمى فيها أو أجرة المثل؟ فيه خلاف بين الأصحاب، وليس ذلك مما نحن فيه؛ لأن كلامنا في ضمان القابض بالعقد الفاسد، وهذه العقود لا ضمان فيها على القابض، وإنما يجب له فيها العوض بعمله؛ إما المسمى، وإما أجرة المثل على خلاف فيه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) النكاح الفاسد يستقرُّ بالدُّخول فيه وجوبُ المهر المسمَّى في الرواية المشهورة عن أحمد، والفاسد هو الذي اختلف العلماء في صحته؛ كالنكاح بلا ولي وبلا شهود، والباطل ما أجمع العلماء على فساده؛ كنكاح المعتدة ونكاح الخامسة ونحوه، وهذا اصطلاح خاص بباب النكاح، وإلا؛ فالمشهور كما في أصول الفقه أن الفاسد والباطل سواء، وكذلك فرقوا بينهما في الحج؛ فقالوا: الحج الفاسد هو الذي جامع فيه المحرم قبل التحلل الأول، والباطل هو الذي ارتد فيه، وهنا رجل تزوج امرأة بلا ولي على عشرة آلاف، ودخل بها، والنكاح فاسد؛ يجب التفريق بينهما، ولكن؛ هل يجب عليه المهر المسمّى لأن الوطء مقرر للمهر، أو يجب عليه مهر المثل؟ المذهب أن الواجب المهر المسمّى، وذلك لأن النكاح الفاسد عندهم كالصحيح في كثير من الأحكام. (ع).

48 - القاعدة الثامنة والأربعون كل من ملك شيئا بعوض ملك عليه عوضه في آن واحد

(القاعدة الثامنة والأربعون) كل من ملك شيئًا بعوض ملك عليه عوضه في آن واحد. ويطرد هذا في البيع والسلم والقرض والإِجارة؛ فيملك المستأجر المنافع، والمؤجر [يملك] (¬1) الأجرة بنفس العقد. وكذلك في النكاح [في] (¬2) ظاهر المذهب؛ فيملك الزوج [منفعة] (¬3) البضع بالعقد، وتملك [المرأة به] (¬4) الصداق كله. وكذلك الكتابة؛ تملك (¬5) العبد منافعه واكتسابه، وتملك عليه النجوم بنفس العقد. وكذلك الخلع والإِعتاق على مال. وكذلك المعاوضات القهرية؛ كأخذ المضطر طعام الغير، وأخذ الشفيع الشقص ونحوهما. وأما تسليم العوضين؛ فمتى كان أحدهما مؤجلًا؛ لم يمنع ذلك ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ب) و (ج): "علي". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "به". (¬4) في (ج): "به المرأة". (¬5) في (ج): "يملك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

المطالبة بتسليم الآخر، وإن كانا حالين؛ ففي البيع إن كان الثمن دينًا في الذمة، فالمذهب وجوب إقباض البائع أولًا؛ لأن [حق المشتري] (¬1) تعلق بعين؛ فقدم على الحق المتعلق بالذمة، ولا يجوز [للبايع] (¬2) حبس المبيع عنده على الثمن على المنصوص؛ لأنه صار في يده أمانة، فوجب رده بالمطالبة كسائر الأمانات. واختار صاحب "المغني" (¬3) أن له الامتناع من إقباضه حتى يحضر الثمن؛ لأن في تسليمه بدون الثمن ضررًا بفوات الثمن عليه؛ فلا [يلزمه] (¬4) تسليمه حتى يحضره. وقال أبو الخطاب في "انتصاره": الصحيح عندي أنه لا يلزمه التسليم حتى يتسلم الثمن كما في النكاح، وإن كان عينًا؛ فهما سواء، ولا يجبر أحدهما على البداءة بالتسليم، بل ينصب عند التنازع من يقبض منهما ثم يقبضهما، فإن كان هناك خيار لهما أو لأحدهما؛ لم يملك البائع المطالبة بالنقد، ذكره القاضي في (الإجارات) من "خلافه"، وصرح به الأزجي في "نهايته". ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "حقه". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "له". (¬3) قال في "المغني" (4/ 141/ 3076): "ويقوى عندي أنه لا يجب عليه تسليم المبيع حتى يحضر الثمن ويتمكن المشتري من تسليمه؛ لأن البائع إنما رضي ببذل المبيع بالثمن؛ فلا يلزمه دفعه قبل حصول عوضه، ولأن المتعاقدين سواء في المعاوضة؛ فيستويان في التسليم، ولأن للبائع منع المبيع قبل قبض ثمنه أو كونه بمنزلة المقبوض؛ لإِمكان تقبيضه، وإلا؛ فلا" باختصار. (¬4) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "يلزم".

[ولا يملك المشتري قبض المببع في مدة الخيار بدون إذن صريح من البائع، نص عليه أحمد في رواية الشَّالَنْجِيّ] (¬1). وأما في الإجارة؛ فالمذهب أنه لا يجب (¬2) تسليم الأجرة إلا بعد تسليم العمل المعقود عليه أو العين المعقود عليها، كما لا يجب دفع الثمن إلا بعد تسليم المبيع، ومتى تسلم العين؛ وجب عليه [تسليم الأجرة] (¬3) لتمكنه من الانتفاع بقبضها، نص عليه أحمد. وقال القاضي في "تعليقه": إن الأجير يجب دفع الأجرة إليه إذا شرع في العمل؛ لأنه قد سلم نفسه لاستيفاء المنفعة؛ فهو كتسليم الدار المؤجرة، ولعله يخص ذلك بالأجير الخاص؛ لأن منافعه تتلف تحت يد المستأجر؛ فهو شبيه بتسليم العقار. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي المطبوع: ". . . رواية ابن الشالنجي"، والصواب حذف "ابن". وهو إسماعيل بن سعيد الشَّالَنْجي، أبو إسحاق، ذكره أبو بكر الخلال؛ فقال: "عنده مسائل كثيرة، ما أحسب أن أحدًا من أصحاب أبي عبد اللَّه روى عنه أحسن مما روى هذا، ولا أشبع، ولا أكثر مسائل منه، وكان عالمًا بالرأي، كبير القدر عندهم، معروفًا". قال ابن أبي يعلى: "ولم أجد هذه المسائل عند أحدٍ رواها عنه إلا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني؛ فإنه حدث بها عن إسماعيل بن سعيد. وله كتاب "البيان على ترتيب الفقهاء"، وحدث فيه عن: مروان الفزاري، وسفيان، وجرير، وسعيد بن عامر، وشبابة، ويزيد بن هارون، وغيرهم". انظر: "طبقات الحنابلة" (1/ 104 - 105)، و"المنهج الأحمد" (328). (¬2) في (ج): "لا يلزم". (¬3) كذا في (ج) والمطبوع، وفي (أ): "تسلم الأجرة"، وفي (ب): "تسليم الثمن".

وقال ابن أبي موسى: من استؤجر لعمل معلوم؛ استحق الأجرة عند إيفاء العمل، وإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم؛ فله أجر كل يوم عند تمامه. وظاهر هذا أن المستأجر للعمل (¬1) مدة يجب له أجرة كل يوم في آخره؛ لأن ذلك مقتضى العرف، وقد يحمل على ما إذا كانت المدة مطلقة غير معينة؛ كاستئجاره كل يوم بكذا؛ فإنه يصح ويثبت له الخيار في آخر كل يوم، [فتجب] (¬2) له الأجرة فيه؛ لأنه غير ملزوم بالعمل فيما بعده، ولأن مدته لا تنتهي؛ فلا يمكن تأخير إعطائه إلى تمامها، أو على أن المدة المعينة إذا عينا (¬3) لكل يوم منها قسطًا من الأجرة؛ فهي إجارات متعددة، [و] (¬4) أما النكاح؛ فتستحق المرأة فيه المهر بالعقد، ولها الامتناع من التسليم حتى تقبضه في المذهب، ذكره الخرقي والأصحاب (¬5). ونقله ابن المنذر (¬6) اتفاقًا من العلماء، وعلله الأصحاب بأن المنفعة المعقود عليها تتلف بالاستيفاء، فإذا تعذر استيفاء المهر عليها؛ لم يمكنها ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): "لعمل". (¬2) كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "فيجب". (¬3) في (أ): "عين"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) انظر المسألة في: "المغني" (7/ 200 - 201/ رقم 5636). وقد نقل ابن قدامة هناك قولَ ابن المنذر إجماع العلماء على ذلك. (¬6) قال في كتابه "الإجماع" (ص 76/ رقم 352)؛ "وأجمعوا أن للمرأة أن تمنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها"، وقال في "الإشراف" (رقم 2277) أيضًا: "كل من نحفظ من أهل العلم يقول: للمرأة أن تمنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها".

استرجاع عوضها، بخلاف المبيع؛ فلذلك ملكت الامتناع من التسليم حتى تقبضه، وهذه العلة موجودة فيما لا [يتباقى] (¬1) من المبيع؛ من المطعومات والمشروبات والفواكه والرياحين، بل [و] (¬2) في سلع التجارة أيضًا، وكذا مما يرجح ما اختاره أبو الخطاب. وأيضًا؛ فطرد هذا التعليل أن يجوز الامتناع من تسليم العين المؤجرة حتى [يستوفي] (¬3) الأجرة؛ لأن المعقود عليه يتلف أيضًا ويستهلك؛ فلا يمكن استرداده عند تعذر الوصول إلى الأجرة، لكن قد يفرق بينهما بأن الزوج إذا تسلم المرأة؛ فإنه يستوفي في الحال ما يستقر به المهر، فإذا تعذر أخذ المهر منه؛ فات على الزوجة المهر وما قابله. وأما في الإِجارة، فإذا تسلم المستأجر العين المؤجرة؛ فللمؤجر المطالبة حينئذ بالأجرة، فإذا تعذر حصولها (¬4)؛ ملك الفسخ، فيرجع (¬5) إلى المؤجر ما خرج عنه أو غالبه، [و] (¬6) هذا إذا كانت الزوجة ممن يمكن الاستمتاع بها، فإن كانت لا تصلح لذلك؛ فقال ابن حامد وغيره: لها المطالبة به أيضًا. ورجح صاحب "المغني" (¬7) خلافه، وخرجه صاحب "الترغيب" مما ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) والمطبوع، وفي (ج): "يبقى". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬3) كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "تستوفى". (¬4) في (ب): "حقه". (¬5) في (ب): "فرجع". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) انظر: "المغني" (7/ 199/ 5634).

حكى الآمدي: أنه لا يجب البداءة بتسليم المهر، بل يعدل كالثمن المعين؛ فلا يلزم تسليم المهر إلا عند التمكن من تسلم العوض المعقود عليه. [وقال الشيخ تقي الدين: الأشبه عندي أن الصغيرة تستحق المطالبة لها بنصف الصداق؛ لأن النصف يستحق بإزاء الحبس، [فهو] (¬1) حاصل بالعقد والنصف الآخر بإزاء الدخول؛ فلا تستحقه إلا بالتمكن] (¬2)، أما لو استقر المهر بالدخول، ثم نشزت المرأة؛ فلا نفقة لها، ولها [أو] (¬3) لوليها أو سيدها إن كانت أمة المطالبة بالمهر، ذكره أبو بكر وغيره؛ لأن وجوبه استقر بالتمكن؛ فلا يؤثر فيه ما طرأ عليه بعده. * * * ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ج): "وهو". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ب) كلمة "المهر"، وفي (أ) و (ج) بدل التمكن: "التمكين". (¬3) في (ب): "و".

49 - القاعدة التاسعة والأربعون القبض في العقود

(القاعدة التاسعة والأربعون) القبض في العقود. على قسمين: أحدهما: أن يكون من موجب العقد ومقتضاه؛ كالبيع اللازم والرهن اللازم والهبة اللازمة والصداق وعوض الخلع؛ فهذه العقود تلزم من غير قبض، وإنما القبض فيها من موجبات عقودها. الثاني: أن يكون [القبض] (¬1) من تمام العقد؛ كالقبض في السلم والربويات وفي الرهن والهبة والوقف على رواية والوصية على وجه وفي بيع غير المعين أيضًا؛ على خلاف فيه. فأما السلم؛ فمتى تفرقا قبل قبض رأس ماله بطل، وكذلك في الربويات. وأما الرهن والهبة؛ فهل يعتبر القبض فيهما في جميع الأعيان أو في المبهم غير المتميز؛ كقفيز من صبرة؟ على روايتين. وأما الوقف؛ ففي لزومه بدون إخراج الواقف (¬2) عن يده روايتان ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج). (¬2) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "الوقف".

معروفتان. وأما الوصية؛ فهل تلزم بالقبول في المبهم؟ فيه وجهان، واختار القاضي وابن عقيل أنها لا تلزم فيه بدون قبض. وخرج صاحب "المغني" (¬1) وجهًا ثالثًا: أنها لا تلزم بدون القبض مطلقًا؛ كالهبة. وكذلك حكى صاحب "المغني" (¬2) وغيره وجهين في رد الموقوف عليه المعين للوقف؛ هل يبطل [برده] (¬3)؟ وصرح (¬4) القاضي في "المجرد" بأن الملك فيه لا يلزم بدون القبض. وأما المبيع المبهم؛ فذكر القاضي في موضع أنه غير لازم بدون القبض، وذكر في موضع آخر أنه لازم من [جهة البائع] (¬5)، ولم يتعرض للمشتري، ولعله جعله غير لازم من جهته [البائع] (¬6)؛ لأنه لم يدخل في ضمانه بعد، واختار صاحب "المغني" أنه لازم في حقهما جميعًا، وقال: ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (6/ 70/ 622)؛ حيث قال: "ولا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول في قول جمهور الفقهاء إذا كانت لمعين يمكن القبول منه؛ لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين؛ فاعتبر قوله؛ كالهبة والبيع، قال أحمد: الهبة والوصية واحد. . . ". (¬2) انظر: "المغني" (5/ 349 - 350/ 4370). (¬3) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب): "رده". (¬4) في (ج): "وخرج". (¬5) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "جهته". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج).

هو ظاهر كلام الخرقي. واعلم أن كثيرًا من الأصحاب يجعل القبض في هذه العقود معتبرًا للزومها واستمرارها لا لانعقادها وإنشائها، وممن صرح بذلك صاحب "المغني" (¬1) وأبو الخطاب في "انتصاره" وصاحب "التلخيص" وغيرهم. ومن الأصحاب من جعل القبض فيها شرطًا للصحة، وممن صرح بذلك صاحب "المحرر" (¬2) فيه في الصرف والسلم والهبة، وقال في "الشرح": مذهبنا أن الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض، وفرع عليه إذا دخل وقت الغروب من ليلة الفطر والعبد موهوب لم يقبض ثم قبض، وقلنا: يعتبر في هبته القبض؛ ففطرته على الواهب. وكذلك صرح ابن عقيل بأن القبض ركن من أركان الهبة؛ كالإِيجاب في غيرها، وكلام الخرقي يدل عليه أيضًا. وكذلك ذكر القاضي أن القبض شرط في صحة الصرف والسلم، وصرح به كثير من الأصحاب، ولكن صاحب "المحرر" (¬3) لم يذكر في الرهن إلا أن القبض شرط للزومه. وصرح أبو بكر بأنه شرط لصحته، وأن الرهن يبطل بزواله، وكذلك صاحب "المحرر" في "شرح الهداية" والشيرازي [والحلواني] (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (5/ 379/ 4438). (¬2) قال صاحب "المحرر" (1/ 374): "ولا تلزم الهبة ولا تملك إلا مقبوضة بإذن الواهب". (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 374). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

[وغيرهم] (¬1). وأما القرض والصدقة والزكاة (¬2) وغيرها؛ ففيها [طريقتان] (¬3): إحداهما: لا يملك إلا بالقبض، رواية واحدة، وهي طريقة "المجرد" و"المبهج"، ونص عليه أحمد في مواضع. والثانية: أنه في المبهم لا يملك بدون القبض، بخلاف المعين؛ فإنه يملك فيه بالعقد، وهي طريقة القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "مفرداته" والحلواني وابنه، إلا أنهما حكيا في "المعين" روايتين (¬4)؛ كالهبة. وأما السهم من الغنيمة؛ فيملك بدون القبض إذا عينه الإِمام بغير خلاف، صرح به الحلواني وابن عقيل [وغيرهما] (¬5). وأما العارية؛ فلا تملك بدون القبض إن قيل؛ إنها هبة منفعة، وخرج القاضي فيها رواية أخرى: أنها تملك بمجرد العقد؛ كهبة الأعيان، وتلزم إذا كانت مؤقتة، كان قيل: هي إباحة؛ فلا يحصل الملك فيها بحال، بل يستوفي على ملك المالك؛ كطعام الضيف. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "وغيرهما". وكذا نقله المرداوي في "الإنصاف" (5/ 150) عن كتابنا هذا، وقال: "وقد تقدم أنه ظاهر كلام الخرقي وغيره"، ثم قال: "فائدة: صفة قبض الرهن كالقبض المبيع". (¬2) في (أ): "كالزكاة"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "طريقان". (¬4) في نسخة (ب): "رواية"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ط).

قال الشيخ تقي الدين (¬1): "التحقيق أن يقال في هذه العقود: إذا لم يحصل القبض؛ فلا عقد وإن كان بعض الفقهاء يقول بطل العقد، فكما يقال إذا: لم يقبل المخاطب؛ بطل الإيجاب؛ فهذا بطلان ما لم يتم، لا بطلان ما تم" انتهى. ولا يستبعد توقف انعقاد العقد على أمر زائد على الإيجاب والقبول كما يتوقف انعقاد النكاح معهما على الشهادة. وفي الهبة وجه ثالث حكي عن ابن حامد (¬2): أن الملك فيها يقع مراعى، فإن وجد القبض تبينا أنه كان للموهوب بقبوله، وإلا؛ فهو للواهب، وفرع على ذلك حكم الفطرة، وقد يطرد قوله بالوقف والمراعاة إلى بقية هذه العقود. وأما البيع الذي يعتبر له القبض؛ ففي كلام أبي بكر ما يدل على أنه لا ينعقد بدون القبض أيضًا؛ فإنه قال: إذا اشتراه كيلًا، فلا [بيع] (¬3) بينهما إلا كيلًا، وتأوله القاضي على نفي [انتقال] (¬4) الضمان، وهو بعيد، قال: لأن أحمد قيل له في رواية ابن مشيش: أليس قد ملكه المشتري؟ قال: ¬

_ (¬1) انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (20/ 343 و 29/ 407، 506 و 31/ 272)، وقال في "الاختيارات الفقهية" (ص 126): "من اشترى شيئًا؛ لم يبعه قبل قبضه؛ سواء المكيل والموزون وغيرهما"، ثم قال (ص 127): "وينتقل الضمان إلى المشتري بتمكنه من القبض". (¬2) في (ج): "في أن". (¬3) في المطبوع: "يقع"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

بلى، ولكن هو من مال البائع (يعني: إذا تلف). قلت: ولكن صرح أحمد في رواية ابن منصور (¬1) [بانتفاء] (¬2) الملك قبل القبض. فقال: أما ما يكال ويوزن؛ فلا بد للبائع أن يوفيه المبتاع؛ لأن ملك البائع فيه قائم حتى يوفيه المشتري، وما لا يكال ولا يوزن إذا كان معلومًا؛ فهو ملك للمشتري، فما لزمه من شيء؛ فهو عليه. وقال أيضًا في طعام اشتري بالصفة: ولا يحول (¬3) البائع الثمن، والبائع مالك بعدما لم يكله المشتري. وهذا صريح لا يمكن تأويله، فيكون إذًا عن أحمد في انتقال الملك في بيع المكيل والموزون بدون القبض روايتان. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل ابن منصور للإمام أحمد" (رقم 159). (¬2) في المطبوع: "بانتقال"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في (ب): "ولا يحرك".

50 - القاعدة الخمسون هل يتوقف الملك في العقود القهرية على دفع الثمن، أو يقع بدونه مضمونا في الذمة؟

(القاعدة الخمسون) هل يتوقف الملك في العقود القهرية على دفع الثمن، أو يقع بدونه مضمونًا في الذمة؟. هذا على ضربين: أحدهما: التملك الاضطراري، كمن اضطر إلى طعام الغير ومنعه وقدر على أخذه؛ فإنه يأخذه مضمونًا، سواء كان معه ثمن يدفعه في الحال أو لا؛ لأن ضرره لا يندفع إلا بذلك. والثاني: [ما عداه] (¬1) من التمليكات (¬2) المشروعة لإزالة ضرر ما؛ كالأخذ بالشفعة، وأخذ الغراس، والبناء (¬3) من المستعير والمستأجر، والرزع من الغاصب، وتقويم الشقص من العبد المشترك إذا قيل إنه تملك يقف على التقويم، وكالفسوخ التي يستقل بها البائع بعد قبض الثمن؛ [فيتخرج] (¬4) ذلك كله على وجهين؛ فإن لأصحابنا في الأخذ بالشفعة وجهين (¬5): ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "ما عدده". (¬2) في (ج): "التملكات"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في (ب): "البناء والغراس" كذا بتقديم وتأخير. (¬4) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "يتخرج". (¬5) في (أ): "وجهان"! ولعل الصواب ما أثبتناه.

أحدهما: لا يملك بدون دفع الثمن، وهو محكي عن ابن عقيل، ويشهد له نص أحمد أنه إذا لم يحضر المال مدة طويلة؛ بطلت شفعته. والثاني: تملك (¬1) بدونه مضمونًا في الذمة، ونص أحمد في فسخ البائع أنه لا ينفذ بدون رد الثمن. قال أبو طالب: قلت لأحمد: يقولون إذا كان له الخيار؛ فمتى قال اخترت داري أو أرضي؛ فالخيار له، ويطالب بالثمن؟ قال: [كيف] له الخيار ولم يعطه ماله؟! ليس هذا بشيء، إن أعطاه؛ فله الخيار، وإن لم يعطه ماله؛ فليس له [خيار] (¬2). واختار الشيخ تقي الدين ذلك (¬3)، وقد يتخرج مثله في سائر المسائل؛ لأن التسليط على انتزاع الأموال قهرًا إن لم يقترن (¬4) به دفع العوض، وإلا؛ حصل به [ضرر] (¬5) فساد، وأصل الانتزاع القهري إنما شرع لدفع الضرر، والضرر لا يزال بالضرر. وقد يفرق بين مسألة أبي طالب وبقية المسائل بأن البائع لو فسخ من غير دفع الثمن؛ [لاجتمع] (¬6) له العوض والمعوض، وذلك ممتنع، ولا ¬

_ (¬1) في (ج): "تملك". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) والمطبوع: "الخيار". (¬3) انظر: "مجموع الفتاوى" (29/ 364)، وكذلك "الاختيارات الفقهية" (ص 125). (¬4) في (ب): "يقرن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "ضرورة". (¬6) كذا فى (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "اجتمع".

يوجد مثله في بقية الصور؛ إذ أكثر ما فيها التملك، [و] (¬1) يعوض في الذمة، وهو جائز كالقرض وغيره. تنبيه: الأملاك القهرية تخالف الاختيارية من جهة أسبابها وشروطها وأحكامها، وتملك ما لا يتملك بها. أما الأول؛ فيحصل التملك القهري بالاستيلاء على ملك الغير الأجنبي، بخلاف الاختياري. وأما الثاني؛ فالتملك القهري كالأخذ بالشفعة؛ هل يشترط [معرفته] (¬2) كالبيع، أم لا لأنه قهري كالميراث؟ قال في "التلخيص": فيه تردد. وأما الثالث؛ فقد ذكرنا اشتراط دفع الثمن للتملك القهري، وللمشتري حبس الشخص (¬3) المشفوع على دفع الثمن؛ وإن قلنا: يملك بدونه وينفذ تصرف الشفيع فيه قبل قبضه، وهل يثبت له فيه اختيار المجلس؟ على وجهين، قال في "التلخيص": ويخرج التردد في الجميع نظرًا إلى الجهتين. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "منفعته". (¬3) في (ج): "الشقص".

وأما الرابع؛ فيملك (¬1) الكافر العبد المسلم بالإِرث ويرده عليه بعيب ونحوه في أحد الوجهين، وباستيلاد المسلم أمته وبالقهر. وكذلك تملك المصاحف بهذه الأسباب، وهل يملك أم ولد المسلم بالقهر؟ على روايتين. وتملك بالميراث الخمر والكلب، وكذا الصيد في حق المحرم على أحد الوجهين [والمرهون] (¬2)، ولا يتملك ذلك كله بالاختيار. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "فتملك". (¬2) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط، وسقط من المطبوع و (ب) و (ج).

51 - القاعدة الحادية والخمسون فيما يعتبر القبض لدخوله في ضمان مالكه وما لا يعتبر له الملك، يقع تارة بعقد وتارة بغير عقد

(القاعدة الحادية والخمسون) فيما يعتبر القبض لدخوله في ضمان مالكه وما لا يعتبر له الملك، يقع تارةً بعقد وتارةً بغير عقد. والعقود نوعان: أحدهما: عقود المعاوضات المحضة؛ فينتقل الضمان فيها إلى من ينتقل الملك إليه بمجرد التمكن من القبض التام [و] (¬1) الحيازة إذا تميز المعقود عليه من غيره وتعين. فأما المبيع المبهم غير المتعين؛ كقفيز من صبرة؛ فلا ينتقل ضمانها بدون القبض، وهل يكفي كيله وتمييزه، أم لابد من نقله؟ حكى الأصحاب فيه روايتين، ثم لهم طريقان: منهم من يقول: هل التخلية قبض في جميع الأعيان المبيعة أم لا؟ [على الروايتين] (¬2). ومنهم من يقول: التخلية قبض في المبيع المتعين رواية واحدة، ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "أو". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "بد من نقله؟ حكى الأصحاب فيه روايتين".

وفيما ليس بمتعين إذا عين وخلى بينه وبينه روايتين (¬1). وكلا الطريقين [سلكه] (¬2) القاضي في "خلافه"، وله طريقة ثالثة سلكها في "المجرد": أن الكيل قبض للمبهم رواية واحدة، وذكر قول أحمد في رواية محمد بن الحسن بن هارون (¬3): قبضه كيله، [وهل] (¬4) التخلية قبض في المعينات؟ على روايتين، وهذه أصح مما قبلها. وقد فرق أحمد بين المبهم؛ فجعل قبضه كيله، وبين الصبرة؛ فجعل قبضها نقلها في رواية الأثرم؛ لأن المبهم إذا كيل؛ فقد حصل فيه (¬5) التمييز وزيادة، وهي اعتبار قدره، وكلاهما من فعل البائع، وهو الواجب عليه، ولم يوجد في بقية المعينات شيء من ذلك سوى تمييزها بنفسها. وعلى الطريقة الأولى؛ فيكون بعد كيله وتمييزه كسائر الأعيان المتميزة، وما عدا (¬6) ذلك من الأعيان المتميزة؛ فهو داخل في ضمان المشتري بالعقد في ظاهر المذهب؛ لتمكنه من قبضه التام بالحيازة، وقد انقطعت علق البائع منه؛ لأن عليه تسليمه والتمكين من قبضه وقد حصل [به] (¬7)؛ إلا الثمر المشترى في رؤوس شجره، فإن المشتري لا يتمكن من ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ): "روايتان". (¬2) في المطبوع: "مسلك"، والمثبت من النسخ الخطية الثلاث. (¬3) في (ج): "الحسن بن محمد بن هارون"، وهو خطأ، والتصويب من "المقصد الأرشد" (2/ 388). (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وهـ". (¬5) في (ج): "به". (¬6) في (ج): "وما سوى". (¬7) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

[كمال] (¬1) قبضه في الحال بحيازته إليه، وكذلك ما لا يتأتى نقله في ساعة واحدة لكثرته؛ فإنه لا ينتقل [إلى] (¬2) ضمانه إلى المشتري إلا بعد مضي زمن يتأتى فيه نقله عادة، صرح به القاضي وغيره. فالناقل (¬3) للضمان هو القدرة التامة على الاستيفاء والحيازة، وحكم المبهم المشتري بعدد أو ذرع كذلك، وأنكر أحمد في رواية ابن منصور دخول المعدود فيه، ولعل مراده إذا اشترى صبرة، وأما المشاع؛ فكالمتعين؛ لأن تسليمه يكون على هيئة لا يقف على إفرازه، كذلك ذكره القاضي وابن عقيل، والصبرة المبتاعة كيلًا أو وزنًا؛ كالقفيز المبهم عند الخرقي وأبي بكر والأكثرين؛ لأن علق البائع لم تنقطع منها ولم تتميز، فإن زيادتها له ونقصها عليه. وفي "التلخيص" أن بعض الأصحاب خرج فيها وجهًا [آخر] (¬4) بإلحاقها بالعبد والثوب بناءً على أن العلة اختلاط المبيع بغيره، قال: وهو ضعيف. قال: واستثنى بعض أصحابنا منها المتعينات في الصرف؛ لقوله عليه [الصلاة و] (¬5) السلام: "إلا هاءً وهاء"، ومراده: أن الشارع اعتبر له ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "تمام". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في نسخة (ج): "والناقل". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي (ج): "-صلى اللَّه عليه وسلم-". ويشير المصنف بقوله: "إلا هاء وهاء" إلى حديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه رفعه: "الذهب بالوَرِق ربًا، إلا هاءَ وهاءَ والبُرُّ بالبُرِّ ربًا؛ إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربًا؛ إلا هاءَ وهاء، والشعير بالشعير ربًا؛ إلا هاءَ وهاءَ". =

القبض، فالتحق بالمبهمات [بقصد سرعة انبرام العقد فيها؛ فناسبه قطع علق البائع عنها في الحال] (¬1). ونقل صالح (¬2) عن أحمد فيمن اشترى عبدًا فمات في يد المبتاع: هو من مال المبتاع؛ إلا أن يقول المبتاع (¬3) تسلمه؛ فلا يتسلمه، وظاهر هذا أنه يكون من ضمان البائع؛ إلا أن يمتنع المشتري من تسلمه بعد عرضه عليه، فيدخل في ضمانه. ونقل حنبل عنه إذا عرضه البائع عليه ولم ينقده الثمن [فتلف] (¬4)؛ فهو من مال البائع، وإن نقده الثمن وتركه عنده؛ فهو من مال المشتري. ويلتحق بهذه المضمونات من المبيع (¬5) ما اشتري بصفة أو رؤية سابقة على العقد؛ لأن الغيبة مانعة من التمكن من القبض. فأما المبيع في مكان أو زمان يغلب فيه هلاك السلعة؛ فهل يكون ¬

_ = أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب البيوع، باب ما يُذكر في بيع الطعام والحُكْرة، 4/ 247/ رقم 2134، وباب بيع التمر بالتمر، 4/ 377/ رقم 2170، وباب بيع الشّعير بالشعير، 4/ 377 - 378/ رقم 2174)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب الصَّرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، 3/ 1209 - 1210/ رقم 1586)، وغيرهما. (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬2) انظر: "مسائله" (3/ 190/ رقم 1626). وانظر الفروع المتقدمة أيضًا: "الإنصاف" (4/ 464 - وما بعدها)، و"المبدع" (4/ 119). (¬3) في (أ): "للمبتاع". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في (ب): "البيع".

مضمونًا (¬1) على البائع مطلقًا أم لا؟ هذه مسألة تبايع الغنيمة بعد القسمة في دار الحرب، إذا غلب عليها العدو بعد ذلك، وعن أحمد في ضمانها روايتان، كذا حكى الأصحاب، ولم يفرق أكثرهم بين ما قبل القبض وبعده، وظاهر كلام ابن عقل التفريق، وأنه قبل القبض من ضمان البائع قولًا واحدًا؛ كالثمر المعلق في رؤوس الشجر لتعرضه للآفات، وفيه نظر، فإن [الثمر يتمكن] (¬2) المشتري من قبضه تامًّا بخلاف المبيع المعين في دار الحرب، وخص أكثر الأصحاب ذلك بمال الغنيمة؛ لأن تطلب الكفار لها شديد وحرصهم على استردادها معلوم، بخلاف غيرها من أموال المسلمين. وحكى ابن عقيل في تبايع المسلمين أموالهم بينهم بدار الحرب إذا غلب عليها (¬3) العدو قبل قبضه وجهين؛ كمال الغنيمة، فأما ما بيع في دار الإسلام [في زمن] (¬4) نهب ونحوه؛ فمضمون على المشتري قولًا واحدًا، ذكره كثير من الأصحاب؛ كشراء من يغلب على الظن هلاكه؛ كمريض (¬5) ميؤوس منه، أو مرتد، أو قاتل في محاربة، أو في زمن طاعون غالب (¬6)، ¬

_ (¬1) في (أ) "مضمون"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) كذا في (ب) , وفي (أ) و (ج): "فإن الثمر لم يتمكن"، وفي المطبوع: "فإن الثمر لم ويتمكن". (¬3) في (أ): "عليه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) في (ج): "بزمن" ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في (أ): "كمرض"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬6) في (أ): "كبير".

ويحتمل [في هذا أن يفرق] (¬1) بين التلف قبل القبض وبعده. [وأما] (¬2) الأعيان المملوكة بعقد غير البيع؛ كالصلح والنكاح والخلع والعتق ونحو ذلك؛ فحكمها حكم البيع فيما ذكرنا عند أكثر الأصحاب. قال في "المغني" (¬3): ليس فيه اختلاف. وحكى أبو الخطاب ومن اتبعه رواية بأن الصداق مضمون على الزوج قبل القبض مطلقًا؛ فإنه نص فيما إذا أصدقها غلامًا ففقئت عينة قبل أن يقبضه؛ أن عليه ضمانه. وتأولها القاضي على أن الزوج فقأ عينه أو أنه امتنع من التسليم حتى فقئت عينه؛ فيكون ضامنًا [له] (¬4) بلا ريب. ويمكن أن [يتخرج] (¬5) من هذا رواية بأن ضمان جميع الأعيان لا [ينتقل] (¬6) إلا بالقبض في البيع وغيره. وخرجها [طائفة من] (¬7) الأصحاب رواية عن أحمد من نصه على ضمان صبر الطعام على البائع قبل القبض؛ فمن الأصحاب من تأولها على ¬

_ (¬1) في (ج): "أن يفرق في هذا" هكذا بتقديم وتأخير، وسقط من (ب): "في هذا". (¬2) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "فأما". (¬3) انظر: "المغني" (7/ 173/ 5583 و 177/ 5588). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬5) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "يخرج". (¬6) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "تنتقل". (¬7) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "بعض".

أنها بيعت كيلًا، ومنهم من أقرها رواية في المكيل والموزون وإن بيع جزافًا، ومنهم من خرج منها رواية في جميع الأعيان المتميزة، ومأخذ ذلك أن علق الملك لا [ينقطع] (¬1) عنه بدون القبض؛ لأن تسليمه واجب عليه بحق العقد ولم يوجد؛ فلم تتم أحكام العقد، فكان مضمونًا على المملك. وهذه [شبهة] (¬2) ابن عقيل التي اعتمدها في أن ضمان جميع الأعيان على البائع قبل القبض، وهي ضعيفة؛ فإن البائع عليه التمكين من القبض، وهو معنى التسليم، فإذا وجد منه؛ فقد قضى ما عليه، وأما النقل؛ فهو على المشتري دون البائع، وهو واجب عليه؛ لتفريغ ملك البائع من ملكه؛ فكيف يكون تعديه بشغل أرض المالك بملكه من غير إذنه، أو مع مطالبته بتفريغه موجبًا للضمان على البائع؟! ويحتمل أن يفرق بين النكاح وغيره من العقود بأن المهر في النكاح ليس بعوض أصلي، بل هو شبيه بالهبة، ولهذا سماه اللَّه نِحْلَة (¬3)؛ فلا ينتقل ضمانه إلى المرأة بدون القبض؛ كالهبة والصدقة والزكاة، وهذا كله في الأعيان. فأما المنافع في الإِجارة؛ فلا تدخل في ضمان المستأجر بدون القبض، [أو التمكن منه إذا فوته] (¬4) باختياره، فإن استوفى المنافع؛ فلا ¬

_ (¬1) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "تنقطع". (¬2) في المطبوع و (ب) و (ج): "شبه". (¬3) في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]. (¬4) كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب): "أو التمكين منه إذا فوته"، وفي المطبوع: "أو التمكين منه أو تفوته".

كلام، وإن تمكن من استيفائها بقبض العين أو تسليم الأجير الخاص نفسه؛ [تلفت] (¬1) من ضمانه أيضًا لتمكنه من الانتفاع. والنوع الثاني: عقود لا معاوضه فيها؛ كالصدقة والهمة والوصية. فالوصية تملك بدون القبض، والهبة والصدقة فيهما خلاف سبق، فإذا قيل: لا يملكان بدون القبض؛ فلا كلام، لكن؛ هل يكتفى بالقبض فيهما بالتخلية على رواية كالبيع، أم لا بد من النقل؟ جمهور الأصحاب على تسوية [الهبة والرهن] (¬2) بالبيع في كيفية القبض، واختار صاحب "التلخيص" (¬3) أنه لا يكفي [التمكن] (¬4) ها هنا في اللزوم؛ ففي أصل الملك أولى، قال: لأن القبض هنا سبب الاستحقاق، بخلاف القبض في البيع، فإن العقد سبب لاستحقاق القبض؛ فيكفي فيه التمكن (¬5)، وإن قيل: يحصل الملك بمجرد العقد؛ فلا ينبغي أن يكون مضمونًا على الملك إذا تلف في يده من غير منع؛ لأنها عقود بر وتبرع؛ فلا يقتضي الضمان، وكلام الأصحاب يشهد لذلك. وأما الوصية إذا ثبت الملك للموصى له؛ إما بالموت بمجرده من غير قبول، أو بالموت مراعى بالقبول، أو بالقبول من حينه دون ما قبله على ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ج): "يكون". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "الرهن والهبة" هكذا بتقديم وتأخير. (¬3) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "التمكين". (¬4) كتب ناسخ (أ) في الهامش هنا: "في التلخيص": الرهن كالهبة في كيفية القبض، ولهذا لا يغرم إلا ببيّنةٍ في العقد". (¬5) في (أ) و (ب): "التمكين".

اختلاف الوجوه في المسألة؛ فإن ضمانه من حين القبول على الموصى له من غير (¬1) خلاف نعلمه إذا كان متمكنًا من قبضه، وأما ما قبل القبول؛ ففيه وجهان: أحدهما: أنه من ضمان الموصى له أيضًا، وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي (¬2)، وصرح به القاضي وابن عقيل في كتاب "العتق"، وكذلك صاحب "المغني" (¬3) و"الترغيب" وغيرهم، ولم يحكوا فيه خلافًا، وهذا لأنا إن قلنا: يملكه بمجرد الموت؛ إما مع القبول أو بدونه؛ فهو ملكه، فإذا تمكن من قبضه؛ كان عليه ضمانه؛ كما لو ملكه بهبة أو غيرها من العقود، وإن قلنا: لا يملكه إلا من حين القبول؛ فلأن حقه تعلق [بالعين] (¬4) تعلقًا يمنع الورثة من التصرف فيه؛ فأشبه العبد الجاني إذا أخر المجني عليه استيفاء حقه حتى نقص أو تلف، ولأن حق الموصى له في التملك ثابت لا يمكن إبطاله؛ فكان ضمان النقص عليه وإن لم يحصل له الملك؛ كما في ربح المضاربة إذا قلنا: لا يملك إلا بالقسمة، ونصف الصداق إذا قلنا: لا يملك الا بالتملك، والمغانم إذا قلنا (¬5): لا تملك بدون القسمة، بخلاف بقية العقود؛ فإن الحق فيها يمكن إبطاله. والوجه الثاني: لا يدخل (¬6) في ضمانه إلا بالقبول على الوجوه كلها، ¬

_ (¬1) في (ب): "بغير". (¬2) انظر: "المغني" (6/ 69/ 4621). (¬3) وانظر: "المغني" أيضًا (6/ 70/ 4622). (¬4) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "بالغير". (¬5) في (ب): "قيل". (¬6) في (ج): "لا تدخل".

وهو المجزوم به في "المحرر" (¬1)؛ لأنه إن قيل: لا [يملكه] (¬2) إلا من حبنه؛ فواضح لأنه لم يكن قبل ذلك على ملكه، فلا يحسب نقصه عليه، وإن قيل: يملكه بالموت؛ فالعين مضمونة على التركة بدليل ما لو تلفت قبل القبول؛ فإنها تتلف من التركة لا من مال الموصى له؛ فكذلك أجزاؤها؛ لأن القبول وإن كان مثبتًا للملك من حين الموت؛ إلا أن ثبوته السابق تابع لثبوته من حين القبول والمعدوم حال القبول، لا يتصور الملك فيه، فلا يثبت فيه ملك. نعم، إن قيل: يملكه بمجرد الموت من غير قبول؛ فينبغي أن يكون [ضمانه عليه] (¬3) بكل حال؛ كالموروث. وهذا كله في المملوك بالعقد (¬4)، فأما ما ملك بغير عقد؛ فنوعان: أحدهما: الملك القهري؛ كالميراث، وفي ضمانه وجهان: أحدهما: أنه يستقر على الورثة بالموت إذا كان المال عينًا حاضرة يتمكن من قبضها. قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل ترك مئتي دينار وعبدًا قيمته مئة دينار وأوصى لرجل بالعبد فسرقت الدنانير بعد موت الرجل: وجب العبد للموصى له، وذهبت دنانير الورثة. ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (1/ 384 - 385) لمجد الدبن أبي البركات. (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "يملك". (¬3) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "من ضمانه". (¬4) في (أ) و (ج): "بالعقود".

وهكذا ذكر الخرقي وأكثر الأصحاب؛ لأن ملكهم استقر بثبوت سببه؛ إذ هو لا يخشى انفساخه، ولا رجوع لهم بالبدل على أحد؛ فأشبه ما في يد المودع ونحوه، بخلاف المملوك بالعقود؛ لأنه إما أن يخشى انفساخ سبب الملك فيه أو يرجع ببدله؛ فلذلك اعتبر له القبض. وأيضًا؛ فالمملوك بالبيع ونحوه ينتقل الضمان فيه بالتمكن (¬1) من القبض؛ فالميراث أولى. وقال القاضي وابن عقيل في كتاب العتق: لا يدخل في ضمانهم بدون القبض؛ لأنه لم يحصل في أيديهم ولم ينتفعوا به؛ فأشبه الدين والغائب ونحوهما ما لم يتمكنوا من قبضه، فعلى هذا إن زادت التركة قبل القبض؛ فالزيادة للورثة، وإن نقصت لم يحسب النقص عليهم، وكانت التركة ما بقي بعد النقص حتى لو تلف (¬2) المال كله سوى القدر الموصى به؛ صار هو التركة، ولم يكن للموص له سوى ثلثه؛ إلا أن يقال: إن الموصى له يملك الوصية بالموت بمجرده، أو مراعى بالقبول؛ فلا تزاحمه الورثة؛ لأن ملكه سبق استحقاقهم لمزاحمته بالنقص (¬3)؛ [فيختص] (¬4) به كما لو لم يتلف المال إلا بعد قبوله. وعلى ذلك خرج صاحب "الترغيب" وغيره كلام أحمد في رواية ابن ¬

_ (¬1) في (ج): "بالتمكن". (¬2) في (ب): "تلفت"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في (أ): "بالقبض". (¬4) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "فيتختص"، ولعله خطأ مطبعي.

منصور (¬1)، والأول (¬2) أصح؛ لأن الموصى له تمكن (¬3) من أخذ العين الموصى بها مع حضور التركة والتمكن من قبضها بغير خلاف، ولو لم يدخل في ضمانهم إلا بالقبض؛ لم يمكن (¬4) [أن يأخذ] (¬5) من العين أكثر من ثلثها وتوقف (¬6) قبض الباقي على قبض الورثة، فكلما قبضوا شيئًا؛ أخذ من [العين] (¬7) بقدر ثلثه، كما لو كانت التركة دينًا أو غائبًا لا يتمكن من قبضه. والنوع الثاني: ما يحصل بسبب [من] (¬8) الآدمي يترتب عليه الملك، فإن كان حيازة مباح؛ كالاحتشاش والاحتطاب والاغتنام؛ فلا إشكال، ولا ضمان هنا على أحد سواه، ولو وكل في ذلك أو شارك فيه؛ دخل في حكم الشركة والوكالة، وكذلك اللقطة بعد الحول؛ لأنها في يده، وإن كان تعين ماله في ذمة غيره من الديون؛ فلا يتعين في المذهب المشهور إلا بالقبض، وعلى القول الآخر يتعين بالإذن في القبض؛ فالمعتبر حكم ذلك الإِذن. ¬

_ (¬1) وقد سبق نقل المصنف له قريبًا. (¬2) في (ب): "والأولى". (¬3) في (أ): "يمكن". (¬4) فى (ج): "يكن"! (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) في (ج): "ويوقف". (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الموص به"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

52 - القاعدة الثانية والخمسون في التصرف في المملوكات قبل قبضها

(القاعدة الثانية والخمسون) في التصرف في المملوكات قبل قبضها. وهي منقسمة إلى عقود وغيرها؛ فالعقود نوعان: أحدهما: عقود المعاوضات، وتنقسم إلى بيع وغيره. فأما [البيع] (¬1)؛ فقالت طائفة من الأصحاب: التصرف قبل القبض والضمان متلازمان، فإن كان البيع (¬2) مضمونًا على البائع؛ لم يجز التصرف فيه [للمشتري حتى يقبضه، وإن كان قبل القبض من ضمان المشتري؛ جاز له التصرف فيه] (¬3)، وصرح بذلك القاضي في "الجامع الصغير" وغيره، وجعلوا العلة المانعة من التصرف توالي الضمانات. وفي المذهب طريقة أخرى، وهي أنه تلازم بين التصرف والضمان؛ فيجوز التصرف والضمان على البائع كما في بيع الثمرة قبل جدها؛ فإنه يجوز في أصح الروايتين، وهي مضمونة على البائع، ويمتنع التصرف في صبرة الطعام المشتراة جزافًا على إحدى الروايتين، وهي اختيار الخرقي مع أنها في ضمان المشتري، وهذه طريقة الأكثرين من الأصحاب؛ فإنهم ¬

_ (¬1) في (ج) والمطبوع: "المبيع"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في (أ): "المبيع". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

حكوا الخلاف في بيع الصبرة مع عدم الخلاف في كونها مضمونة على البائع. وممن ذكر ذلك ابن أبي موسى والقاضي في "المجرد" و"الخلاف" وابن عقيل في "الفصول" و"المفردات" والحلواني وابنه وغيرهم. [وصرح ابن عقيل في "النظريات" بأنه لا تلازم بين الضمان والتصرف] (¬1)، وعلى هذا؛ فالقبض نوعان: قبض يبيح التصرف، وهو الممكن في حال العقد. وقبض ينقل الضمان (¬2)، وهو القبض التام المقصود بالعقد. وقد حكى ابن عقيل وغيره الخلاف فيما يمتنع التصرف فيه قبل قبضه؛ هل هو المبهم، أو جنس المكيل والموزون وإن بيع جزافًا، أو المطعوم خاصة مكيلًا أو موزونًا كان أو غيرهما، أو المطعوم المكيل أو الموزون؟ ونقله مهنا عن أحمد، وضعف القاضي هذه الرواية ورجحها صاحب "المغني" (¬3)، ولم يذكروا في الضمان [مثل] (¬4) ذلك. واختار ابن عقيل المنع من بيع جميع الأعيان قبل القبض؛ معلِّلًا بأن العقد الأول لم يتم حيث بقي من أحكامه التسليم؛ فلا يرد عليه عقد آخر ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع و (ب) و (ج): "ينقل والضمان"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) انظر المسألة بطولها في "المغني" (4/ 87 - 88/ 2946)؛ ففيها فوائد جمة. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

قبل انبرامه، ولم يجعل الضمان ملازمًا له. وكلام القاضي في "الجامع الصغير" قد يتأول بأنه ذكر أن المتعين يجوز بيعه قبل القبض وغير المتعين لا يجوز، ثم لازم بعد ذلك بين جواز البيع والضمان، وهو صحيح على ما ذكره؛ فإنه اقتصر على ذكر جادة المذهب، وهو أن لا ضمان، ولا منع [من التصرف] (¬1)؛ إلا في المبهم خاصة. [ومما يبين أنه] (¬2) لا تلازم بين التصرف والضمان: أن المنافع المستأجرة يجوز أن يؤجرها المستأجر وهي مضمونة على المؤجر الأول، والثمر المبيع على شجره (¬3) يجوز بيعه على المنصوص وهو مضمون على البائع الأول، والمقبوض قبضًا فاسدًا كالمكيل إذا قبض جزافًا ينتقل (¬4) الضمان فيه إلى المشتري، ولا يجوز التصرف فيه قبل كيله وبيع الدين ممن هو في ذمته؛ جائز على المذهب وليس مضمونًا على مالكه، وكذلك المالك يتصرف في المغصوب والمعار والمقبوض بعقد فاسد وضمانها على القابض. والتعليل بتوالي الضمانين ضعيف؛ لأنه لا محذور فيه، كما لو تبايع الشقص المشفوع جماعة ثم انتزعه الشفيع من الأول، وكذلك التعليل ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ): "ولم يبين أن"، وفي المطبوع: "ولم يبين أنه". (¬3) في المطبوع: "شجر المبيع"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ): "فانتقل".

بخشية انتقاص الملك بتلفه عند البائع يبطل بالثمر المشترى في رؤوس الشجر وبإجارة المنافع المستأجرة، ويهذا أيضًا يتنقض تعليل ابن عقيل، وببيع (¬1) الدين ممن هو عليه؛ لأن البائع وفَّى [ما] (¬2) عليه بالتخلية والتمييز (¬3)؛ فلم يبق [له] (¬4) علقة في العقد، وعلل أيضًا بأنه داخل في بيع ما ليس عنده، وهو شبيه [ببيع الغرر] (¬5) لتعرضه للآفات؛ وهو يقتضي المنع في جميع الأعيان. وأشار الإِمام أحمد إلى أن (¬6) المراد من النهي عن ربح ما لم يُضْمَن (¬7)؛ حيث كان مضمونًا على بائعة، فلا يربح فيه مشتريه، وكأنه ¬

_ (¬1) في (ج): "وبيع". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬3) في (أ): "والتميز". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "بالغرر". (¬6) في (ب): "أنه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬7) يشير المصنف إلى ما أخرجه الترمذي في "الجامع" (رقم 1234) -وقال: "هذا حديث حسن صحيح"-، والنسائي في "المجتبي" (7/ 288) وفي "السنن الكبرى" -كما في "التحفة" (6/ 305) -، وأبو داود في "السنن" (رقم 3504)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 2188)، والطيالسي في "المسند" (رقم 2257)، وأحمد في "المسند" (10/ رقم 6671)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 678، 5/ 1767)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 601)، والطبراني في "الأوسط" (2/ 298)، والبيهقي في "السنن الكبري" (5/ 267)؛ من طريق أيوب السختياني: حدثنا عمرو بن شعيب، حدثني أبي، عن أبيه. . . -حتى ذكر عبد اللَّه بن عمرو-: أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحلّ سَلَفٌ وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يُضْمَنْ، ولا بَيْعُ ما ليس عندك". لفظ الترمذي وبعضهم اختصره. =

حمل النهي عن (¬1) الربح على النهي عن أصل البيع (¬2)؛ لأنه مظنة الربح. ويتخرج له قول آخر: أن المنهي عنه (¬3) حقيقة الربح دون البيع بالثمن الذي اشتراه [به] (¬4)؛ فإنه منع في رواية من إجارة المنافع المستأجرة إلا بمثل الأجرة (¬5) لئلا يربح فيما لم يضمن، ومنع في رواية أخرى من ربح ¬

_ = وإسناده حسن. وتابع أيوبًا جمع؛ منهم: عامر الأحول عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 46)، والدارقطني في "سننه" (3/ 75)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 1736). وابن عجلان عند أحمد في "المسند" (11/ رقم 6918)، والبيهقي في "السنن الكبري" (5/ 313). وعبد الملك بن أبي سليمان عند الطحاوي (4/ 46)، والبيهقي (5/ 313). والأوزاعي عند البيهقي (5/ 340). وداود بن قيس عند الطحاوي (4/ 46)، والبيهقي (5/ 343، 348). والضحاك بن عثمان عند أحمد (10/ رقم 6628). ومطر الوراق عند النسائي في "المجتبى" (7/ 289). وحسين المعلم عند الدارمي في "السنن" (2/ 253)، والنسائي في "المجتبى" (7/ 295). والحديث صحيح. (¬1) في المطبوع: "عنه هو"، ولعل الصواب ما في (أ) و (ب) و (ج). (¬2) في المطبوع: "الربح"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع: "النهي عن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬5) في (ج): "الأجر".

ما اشتراه المضارب على وجه المخالفة لرب المال؛ لأنه ضامن له بالمخالفة؛ فكره أحمد ربحه لدخوله في ربح ما لم [يضمنه] (¬1)، وأجاز أصل البيع، وأجاز الاعتياض عن ثمن المبيع قبل قبضه بقيمته من غير ربح؛ لئلا يكون ربحًا فيما لم [يضمنه] (¬2)؛ فيخرج من هذا رواية [عنه] (¬3): أن كل مضمون على غير مالكه يجوز بيعه بغير ربح، ويلزم مثل ذلك في بيع الدين من الغريم، والتمر على رؤوس النخل، وغيرهما مما لم يضمنه البائع. ونقل حنبل عن أحمد في بيع الطعام الموهوب قبل قبضه: لا بأس به ما لم يكن للتجارة، وهذا يدل على أن [الممنوع] (¬4) في بيع الطعام قبل قبضه هو الربح والتكسب، ولا فرق في ذلك بين بيعه من بائعه وغيره، وقد نص أحمد على منع بيعه من بائعه حتى يكيله (¬5)، واختلف الأصحاب في الإِقالة فيه قبل قبضه (¬6)؛ فمنهم من خرجها على الخلاف في كونها بيعًا أو فسخًا، فإن قيل: إنها بيع؛ لم [تصح] (¬7)، وإلا؛ صحت، وعن أبي بكر أنه منعها على الروايتين بدون كيل ثانٍ؛ لأنها تجديد ملك. ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) والمطبوع: "يضمن". (¬2) كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "يضمن". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "المنع"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في "مسائل ابن منصور" (1/ 212/ رقم 49) قال: "قلت: إذا اشترى ما يكال ويوزن؛ يُوَلِّي صاحبه أو يشرك فيه إنسانًا قبل أن يقبضه؟ قال: لا" اهـ. (¬6) في (أ): "القبض". (¬7) في المطبوع و (أ) و (ب): "يصح"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ويتخرج لنا رواية ثالثة (¬1) بجواز البيع من البائع؛ لأن أحمد أجاز في رواية منصوصة عنه (¬2) بيعه من الشريك الذي حضر كيله وعلمه من غير كيل آخر؛ فالبائع أولى. وحكى القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" في (كتاب الإِجارات) [روايتين] (¬3) في جواز بيعه قبل القبض من بائعه خاصة، وذكرا مأخذها، وهو اختلاف الروايتين عنه في بيع الدين في الذمة إذا كان طعامًا مكيلًا أو موزونًا قبل قبضه، وهذا مخالف لما [ذكراه] (¬4) في البيع؛ فإنهما خصا [فيه] (¬5) الروايتين بما في الذمة، سواء كان طعامًا أو غيره هذا في التصرف فيه بالبيع (¬6). وأما غيره من العقود؛ فقال القاضي في "المجرد" وابن عقيل: لا ¬

_ (¬1) في (أ): "ثابتة"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في "مسائل ابن منصور" (ص 228/ رقم 68) قال: "قلت: الرجل يشتري الشيء ما لا يكال ولا يوزن؛ أبيعه قبل أن يقبضه؟ قال: يبيعه قبل أن يقبضه". وفيه أيضًا (ص 352/ رقم 240) منها: "قال أحمد. . . وكل ما لا يكال ولا يوزن؛ مثل الدار والجد والأمة وكل شيء خرج من حد المكيل والوزن؛ إذا كان ذلك معلومًا؛ فهو من مال المشتري، فما لزمه من شيء، فهو عليه". وفي (ص 292/ رقم 159) منها أيضًا قال: "قلت: رجل باع من رجل حنطة بذهب إلى أجل، ثم يشتري به تمرًا قبل أن يقبض الذهب؛ من بيعه؟ قال: لا يجوز شيء مما يكال أو يوزن بشئ مما يكال أو يوزن، ولا بأس أن يشتري منه ما لا يكال ولا يوزن". (¬3) في المطبوع: "رواية"، ولعل الصواب ما في (أ) و (ب) و (ج)، وقد أثبتناه. (¬4) في المطبوع: "ذكرناه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في (ج): "في البيع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

يجوز رهنه ولا هبته ولا إجارته قبل القبض؛ كالبيع. ثم ذكرا في [كتاب] (¬1) الرهن عن الأصحاب: أنه يصح رهنه قبل قبضه؛ لأنه لا يؤدي إلى ربح ما لم يضمن، بخلاف البيع. وفي هذا المأخذ نظر؛ لأن الرهن إنما يصح فيما يصح بيعه؛ لأنه يفضي إلى البيع، لكن تركه في يد البائع لا يطول غالبًا، وقبضه متيسر؛ فلذلك (¬2) يصح رهنه. وعلل ابن عقيل المنع من رهنه؛ لأنه غير مقبوض ولا متميز ولا متعين، وفيه ضعف؛ لإِمكان تمييزه وقبضه. وعلل مرة أخرى في الرهن والهبة بأن القبض شرط لهما؛ فكيف ينبني عقد من شرطه القبض على عقد لم يوجد فيه القبض؟! وللأصحاب وجه آخر بجواز (¬3) رهنه على غير ثمنه، حكاه أبو الخطاب فيما كان معينًا؛ كالصبرة، وأظنه [منع] (¬4) منه في المبهم لعدم تأتي القبض (¬5) وهو معتبر فيه كما ذكر ابن عقيل؛ فخرج من هذا وجهان للأصحاب في سائر العقود. ومن الأصحاب من قطع بجواز جعله مهرًا معللًا بأن ذلك غرر (¬6) ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬2) في (ب): "فكذلك"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في (ب): "أنه بجواز"، ولعل "أنه" زائدة. (¬4) في المطبوع و (أ): "منعه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) قال أبو الخطاب في "الهداية" (1/ 151): "ويجوز رهن المبيع المعين قبل قبضه من البائع على غير ثمنه، فأما رهنه على ثمنه؛ فيحتمل وجهين" اهـ. (¬6) في (أ): "غيور".

يسير؛ [فيغتفر] (¬1) في الصَّدَاقِ، ومنهم صاحب "المحرر" (¬2)، وهذا وجه ثالث. هذا كله في المبيع (¬3)، فأما ثمنه؛ فإن كان معينًا؛ جاز التصرف [فيه] (¬4) قبل قبضه، سواء كان المبيع يجوز التصرف فيه قبل القبض أو لا، وصرح به القاضي، وإن كان مبهمًا؛ لم يجز إلا بعد تمييزه، وإن كان دينًا؛ جاز أن يعاوض عنه قبل قبضه. ذكره القاضي وابن عقيل، ولم يخرجا المعاوضة [على الدين] (¬5)، على الخلاف في بيع الدين ممن [هو] (¬6) عليه، وقد حكيا (¬7) في ذلك روايتين، والأكثرون أدخلوه في جملة صور (¬8) الخلاف. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يغتفر" بدون الفاء. (¬2) انظر: "المحرر" (2/ 31). (¬3) كتب هنا في هامش (أ): "حكى أبو الخطاب في "الانتصار" وجهًا: أنه لا يجوز التصرف في الثمن المعين فبل قضه، معللًا بأنه يخشى انفساخ العقد بتلفه، بخلاف ما إذا كان دينًا؛ فإنه يخشى انفساخ العقد بتلفه؛ فيصح التصرف فيه قبل القبض، وهذا استدلال من وجهين: أحدهما: أن المتعين يدخل في ضمان البائع، فلا ينفسخ العقد بتلفه. والثاني: أن الدين المستقر لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه مطلقًا، وإنما يجوز بيعه لمن هو في ذمته على رواية". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) في (ج): "حكينا". (¬8) في (أ): "صورة".

وقد نص أحمد على جواز اقتضاء النقدين من الآخر بالقيمة في رواية الأثرم وابن منصور وحنبل. ونقل عنه القاضي البرتي في طعام في الذمة؛ هل يشترى به شيئًا ممن عليه فتوقف؟ قال: "فقلت له: لم لا يكون هذا مثل اقتضاء الورق من الذهب؟ فكأنه أجازه من غير أن يوضحه إيضاحًا بينًا"، وهذا يشعر [أن] (¬1) اقتضاء أحد النقدين من الأخر يجوز من غير خلاف، لحديث ابن عمر في ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) في (ب): "بأن". (¬2) يشير المصنف إلى ما أخرجه النسائي في "المجتبى" (كتاب البيوع، باب أخذ الورق من الذهب والذهب من الورق، 7/ 282) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (8/ 504) من طريق أبي الأحوص، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر؛ قال: "كنتُ أبيع الذّهب بالفضة، أو الفضّة بالذهب، فأتيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبرته بذلك؛ فقال: إذا بايعتَ صاحبَك؛ فلا تُفارته وبينك وبينه لُبْسٌ". وأخرج أحمد في "المسند" (2/ 33، 83 - 84، 139)، والترمذي في "الجامع" (أبواب البيوع، باب ما جاء في الصرف، 3/ 544/ رقم 1242)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب البيوع، باب أخذ الوَرِق من الذهب، 7/ 283)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب التجارات، باب اقتضاء الذهب من الوَرِق، 2/ 760/ رقم 2262)، والدارمي في "السنن" (2/ 174)، والطيالسي في "المسند" (رقم 1868)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 655)، والطحاوي في "المشكل" (2/ 96)، وابن حبان في "الصحيح" (رقم 1128 - موارد)، والدارقطني في "السنن" (3/ 23 - 24)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 44)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 284، 315) و"المعرفة" (8/ 112 - 113/ رقم 11317)، وابن حزم في "المحلى" (8/ 503)، من طريق حماد ابن سلمة، عن سماك، به، وفيه: عن ابن عمر قال: "أتيتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلتُ: رُويدك =

والخلاف في المعاوضة عنهما بغيرهما، ولم يذكر القاضي وابن عقيل في الصرف في ذلك خلافًا. والمعنى في ذلك أن النقدين لتقاربهما في المعنى أجريا مجرى ¬

_ = أسألك، إني أبيع الإبل بالبقيع بالدّنانير، وآخذ الدّراهم؟ قال: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء". لفظ النسائي. ولفظ أبي داود: "كنتُ أبيع الإِبل بالبقيع، أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فسألتُ عن ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: لا بأس بذلك إذا كان بسعر يومها". قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا؛ إلا من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، وروى داود بن أبي هند هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عمر موقوفًا". وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي. وقال البيهقي في "الكبري": "تفرد به سماك بن حرب عن سعيد بن جبير بين أصحاب ابن عمر"، وقال في "المعرفة" (8/ 113 - 114): "والحديث ينفرد برفعه سماك ابن حرب". وأسند إلى الطيالسي قوله: "كنا عند شعبة، فجاءه خالد بن طليق وأبو الربيع السَّمَّان -وكان خالد الذي سأله-؛ فقال: يا أبا بسطام! حدثنا بحديث سماك بن حرب عن سعيد ابن جبير عن ابن عمر في اقتضاء الوَرِق من الذهب، والذهب من الوَرِق. فقال شعبة: عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ولم يرفعه، وحدثنا قتادة عن سعبد بن المسيب عن ابن عمر ولم يرفعه، وحدثنا داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ولم يرفعه، وحدثنا يحيى ابن أبي إسحاق عن سالم عن ابن عمر ولم يرفعه، ورفعه لنا سِمَاك بن حرب، وأنا أفرقه". وضعف ابن حزم المرفوع؛ فقال في "المحلى" (8/ 504): "سماك بن حرب ضعيف، يقبل التلقين، شهد عليه بذلك شعبة"، وأورده عن ابن عمر قوله من وجوه. وانظر: "التلخيص الحبير" (3/ 26)، و"إرواء الغليل" (5/ 173/ رقم 1326).

الشيء الواحد، فأخذ أحدهما عن الآخر ليس [معاوضة] (¬1) محضة، بل هو نوع استيفاء، وقد صرح بذلك أحمد في رواية أبي طالب؛ قال؛ ليس هو ببيع، وإنما هو اقتضاء، ولذلك لم يجز إلا بالسعر؛ لأنه لما [فاتت] (¬2) المماثلة في القدر لاختلاف الجنس اعتبرت في القيمة، وهذا المأخذ هو الذي ذكره صاحب "المغني" (¬3). ومن الأصحاب من جعل مأخذه النهي عن ربح ما لم يضمن. وأما القاضي؛ فأجاز المعاوضة عن أحد النقدين بالآخر بما يتفقان عليه، وتأول كلام أحمد [بتأويل] (¬4) بعيد جدًّا، وقد ذكرنا أن طريقة القاضي وابن عقيل في الإِجارة أن ما في الذمة إذا كان مكيلًا أو موزونًا؛ لم يجز بيعه قبل قبضه لأجنبي رواية واحدة، وفي بيعه لمن هو في ذمته روايتان؛ لأنه قبل القبض مبهم غير متميز؛ [فهذا] (¬5) الكلام في التصرف في المبيع وعوضه. فأما غير المبيع من عقود المعاوضات؛ فهي ضربان: أحدهما: ما يخشى انفساخ العقد بتلفه قبل قبضه؛ مثل الأجرة المعينة والعوض في الصلح بمعنى البيع ونحوهما؛ فحكمه حكم البيع (¬6) ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "بمعاوضة". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "كانت". (¬3) انظر "المغني" (6/ 108/ رقم 715 - ط هجر). (¬4) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "بكلام". (¬5) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "وهذا". (¬6) في (ب): "المبيع".

فيما سبق. وأما التصرف في المنافع المستأجرة، فإن كان بإعارة ونحوها؛ فيجوز لأن له [استيفاء] (¬1) العوض بنفسه [وبمن] (¬2) يقوم مقامه، وإن كان بإجارة؛ صح أيضًا بعد قبض العين ولم يصح قبلها؛ إلا للمؤجر على وجه سبق، ويصح إيجارها بمثل الأجرة وبأزيد في إحدى الروايتين، وفي الأخرى يمنع بزيادة؛ لدخوله في ربح ما لم يضمن، والصحيح الجواز؛ لأن المنافع مضمونة على المستأجر [في] (¬3) وجه، بدليل أنه لو عطلها حتى فاتت من غير استيفاء تلفت من ضمانه؛ فهي كالثمر في رؤوس الشجر؛ فهو (¬4) مضمون عليه بإتلافه. والضرب الثاني: ما لا يخشى انفساخ العقد بهلاكه قبل قبضه؛ كالصداق (¬5) وعوض الخلع والعتق والمصالح به عن دم العمد ونحو ذلك؛ ففيه وجهان: أحدهما: يجوز التصرف فيه قبل القبض، وهو قول القاضي في "المجرد" وأبي الخطاب -غير أنه استثنى منه الصداق (¬6) - والسامري وصاحبي "المغني" (¬7) و"التلخيص". ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "وممن". (¬3) في (أ) و (ج): "من"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) في (أ): "هو"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في (ب): "مثل الصداق". (¬6) انظر: "الهداية" (1/ 236، 265) لأبي الخطاب رحمه اللَّه. (¬7) انظر: "المغني" (7/ 177/ 5588).

ونص أحمد على صحة هبة المرأة صداقها قبل القبض (¬1)، وهو تصرف فيه، ووجه ذلك أن تلف هذه الأعواض لا تنفسخ بها عقودها؛ فلا ضرر في التصرف فيها، بخلاف البيع والإِجارة ونحوهما، ومع هذا؛ فصرح القاضي في "المجرد" بأن غير المتميز فيها مضمون على من هو بيده؛ ففرق بين [التصرف والضمان] (¬2) [ها هنا] (¬3)، ونسب إليه صاحب "التلخيص" أنه سوى بينهما؛ فأثبت الضمان ومنع التصرف، وهو وهم عليه. والوجه الثاني: أن حكمها حكم البيع؛ فلا يجوز التصرف في غير [المتعين] (¬4) منها قبل القبض، وهو الذي ذكره القاضي في "خلافه" وقال: هو قياس قول أصحابنا وابن عقيل في "الفصول" و"المفردات" والحلواني والشيرازي وصاحب "المحرر" (¬5)، واختاره صاحب "المغني" (¬6) في (كتاب النكاح) إلحاقًا لها بسائر عقود المعاوضات، ولا يصح التفريق بعدم الانفساخ؛ لأن الزبرة الحديدة (¬7) العظيمة إذا اشتريت وزنًا؛ فلا يخشى ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل صالح" لأبيه (1/ 463/ رقم 47)، و"مسائل عبد اللَّه" (ص 373/ رقم 1365)، و"مسائل ابن هانئ" (2/ 54 - 55/ رقم 1404 - 1405)، و"المبدع" (5/ 380 - 381)، و"الإنصاف" (7/ 147)، و"شرح منتهى الإرادات" (2/ 252)، و"كشاف القناع" (4/ 350). (¬2) في (ب): "الضمان والتصرف" هكذا بتقديم وتأخير. (¬3) في المطبوع و (ج): "هنا". (¬4) في المطبوع: "المعين". (¬5) انظر: "المحرر في الفقه" (1/ 322 - 323). (¬6) انظر: "المغني" (7/ 177/ 5588). (¬7) في (ب): "الحديد".

هلاكها والتصرف فيها ممنوع، ومنافع الإِجارة يخشى هلاكها والتصرف فيها جائز. ورجح الشيخ تقي الدين [الوجه] (¬1) الأول، ولكن (¬2) بناه على أن علة (¬3) منع التصرف (¬4) الربح فيما لم يضمن، وهو (¬5) منتف ها هنا، وهو أحد المآخذ للأصحاب في أصل المسألة. وعد القاضي [من] (¬6) هذا الضرب القرض و [أروش] (¬7) الجنايات وقيم المتلفات، ووافقه ابن عقيل على قيم المتلفات، وفيه نظر؛ فإن القرض لا يملك بدون القبض على ما جزم به في "المجرد"، وقيم المتلفات ينفسخ الصلح عنها بتلف العوض المضمون، وكذلك أروش جنايات الخطأ بخلاف العمد؛ [لأنه لا يمكن الرجوع إلى القصاص بعد العفو عنه، وتعيين قيمة المتلف أو مثله] (¬8) ليس بعقد ليدخله الفسخ، ثم إنه مضمون في الذمة كالدين, وذلك لا يتعين في الخارج إلا بالقبض على المذهب، وألحق صاحب "التلخيص" بهذا أيضًا الملك العائد بالفسخ قبل القبض والاسترداد؛ لأنه لا يخشى انتقاض سببه، وهذا متجه على الوجه ¬

_ (¬1) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 229) لشيخ الإسلام ابن تيمة رحمه اللَّه. (¬2) في (أ): "ولكنه". (¬3) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب): "عليه". (¬4) في هامش (ب) كتب: "أي: التصرف في الربح". (¬5) في (ب): "وهذا". (¬6) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "في". (¬7) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "أرش". (¬8) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (أ): "أو نحوه".

[الأول] (¬1) الذي اختاره. [فأما الوجه الثاني] (¬2)؛ فإن كان العقد المنفسخ [عن] (¬3) غير معاوضة؛ صارت العين أمانة كالوديعة، فيجوز التصرف فيها قبل القبض، وإن كان عقد معاوضة؛ فهو مضمون على الأشهر، فيتوجه [أن يمنع التصرف فيه؛ لأن ضمانه من آثار ضمان العقد السابق؛ فيلتحق به، ويتوجه] (¬4) أن لا يمنع؛ كالعواري والغصوب، ولو حجر الحاكم على المفلس ثم عين لكل غريم عينًا من المال بحقه؛ ملكه بمجرد التعيين، ذكره القاضي في الزكاة من "المجرد"؛ فعلى هذا يتوجه أن يجوز له التصرف فيه قبل القبض. تنبيه: ما اشترط القبض لصحة [عقده] (¬5) لا يصح التصرف فيه قبل القبض؛ لعدم ثبوت الملك، وقد صرح به في "المحرر" (¬6) في الصرف ورأس مال السلم. ¬

_ (¬1) في (ب): "الثاني". (¬2) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ): "فأما على الثاني"، وفي (ب): "فأما على الأول". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "عقد". (¬6) انظر: "المحرر في الفقه" (1/ 323)؛ حيث قال: "وما شرط قبضه لصحة العقد كالصرف والسلم؛ فلا يجوز التصرف فيه قبل قبضه بحال" اهـ.

فأما إن قيل بالملك بالعقد؛ فقد حكى في "التلخيص" في الصرف المتعين وجهين؛ لأن انتفاء القبض ها هنا يؤثر (¬1) في إبطال العقد؛ فلا يصح ورود عقد آخر عليه قبل انبرامه، والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور المنع في الصرف والسلم والعقود القهرية؛ كالأخذ بالشفعة يصح [التصرف] (¬2) فيها قبل القبض، ذكره أيضًا في "التلخيص". النوع الثاني: عقود يثبت بها الملك من غير عوض؛ كالوصية والهبة والصدقة، فأما الوصية؛ فيجوز التصرف فيها بعد ثبوت الملك وقبل القبض باتفاق [من] (¬3) الأصحاب فيما نعلمه، وسواء كان الموصى به معينًا أو مبهمًا، وسواء قلنا له: [إن] (¬4) رد المبهم قبل القبض (¬5) أَو لا، ولأن أكثر ما في جواز رده أنه غير لازم من جهته، وهذا لا يمنع صحة التصرف؛ لأنها لازمة من جهة الميت بموته؛ فهو كالبيع المشترط فيه الخيار للمشتري وحده. وأما الهبة التي تملك بالعقد بمجرده، فيجوز التصرف فيها [قبل القبض أيضًا] (¬6)، وقد نص أحمد عليه كما سنذكره [إن شاء اللَّه] (¬7)؛ لأن ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، وفي (أ) والمطبوع و (ج): "مؤثر". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (ج): "قبضه". (¬6) ما بين المعقوفتين في (ب) و (ج): "أيضًا قبل القبض" بتقديم وتأخير. (¬7) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

حق الواهب ينقطع عنها بمجرد انتقال ملكه، وليست في ضمانه؛ فلا محذور في التصرف فيها بوجه. وأما الصدقة الواجبة والتطوع؛ فالمذهب المنصوص أنها لا تملك بدون القبض كما سبق؛ فلا كلام على هذا، وعلى التخريج المذكور يملكها [قبل] (¬1) القبض؛ فينبغي أن يكون كالهبة. وقد نص أحمد في رواية أبي الحارث وابن بختان [وابن هانئ] (¬2) في رجل عليه دين ويريد رجل يقضيه عنه من زكاته؟ قال: يدفعه إليه. فقيل له: هو محتاج ويخاف أن يدفعه إليه يأكله. فال: يقول له حتى يوكله فيقضيه عنه. وهذا ظاهر في أنه ملك الزكاة بالتعيين والقبول؛ وجاز تصرفه فيها بالوكالة قبل القبض. وكذلك نقل حنبل في "مسائله" أن أحمد ذكر له قول أبي سلمة: "لا بأس إذا كان للرجل طعام أمر له به سلطان أو وهب له أن يبيعه قبل أن يقبضه، والعبد مثل ذلك، والدابة يبيعها قبل أن يقبضها" (¬3). قال أحمد: لا بأس بذلك ما لم يكن للتجارة، وقوله: (إذا لم يكن ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بدون"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ولم نظفر بعين المسألة في "مسائل ابن هانئ" المطبوعة، وفيها مسألة أخرى يصلح تخريجها على الأصل المذكور؛ ففيها (1/ 117/ رقم 577) ما نصه: "وسئل عن الرجل يخرج زكاة ماله يكسو بها أقاربًا له؟ قال: أرى أن يدفعها اليهم دراهمًا كما وجب عليه في ماله، فإن شاؤوا ان يعطوه ليشتري لهم شيئًا؛ فلا بأس إذا صار لهم ما وجب عليه في ماله" اهـ.

للتجارة)؛ لأن المنع من البيع إنما كان لدخوله في ربح ما لم يضمن، وما ملكه بغير عوض؛ فلا يتصور فيه ربح، فأما لو نوى بتملكه التجارة؛ فظاهر كلامه المنع؛ لأنه جعله من الأموال المعدة للربح، فامتنع بيعه قبل القبض. هذا الكلام في العقود، فأما الملك بغير عقد؛ كالميراث والغنيمة والاستحقاق من أموال الوقف [أو] (¬1) الفيء للمتناولين منه؛ كالمرتزقة في ديوان الجند وأهل الوقف المستحقين له، فإذا ثبت لهم الملك [فيه] (¬2) وتعين مقداره؛ جاز لهم التصرف فيه قبل القبض بغير خلاف أيضًا؛ لأن حقهم مستقر فيه، ولا علاقة لأحد معهم، ويد من هو في يده بمنزلة يد المودع ونحوه [من] (¬3) الأمناء، وأما قبل ثبوت الملك؛ فله حالتان: إحداهما: أن لا يوجد سببه؛ فلا يجوز التصرف [فيه] (¬4) بغير إشكال؛ كتصرف الوارث قبل موت مورثه [الغانمين] (¬5) قبل انقضاء الحرب، ومن لا رسم له في ديوان العطاء في الرزق. والثانية: بعد وجوب السبب وقبل الاستقرار؛ كتصرف [الغانمين] (5) قبل القسمة على قولنا: إنهم يملكون الغنيمة بالحيازة، وهو المذهب ¬

_ (¬1) في (ج): "و". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬3) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). (¬5) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ): "الغانم".

الصحيح، والمرتزقة قبل حلول العطاء [ونحوهم] (¬1)؛ فقال ابن أبي موسى: لا يجوز بيع العطاء قبل قبضه ولا بيع الصك بعين ولا ورق قولًا واحدًا، ومن باعه بعروض؛ جاز في إحدى الروايتين إذا قبض العروض قبل أن يتفرقا، ومنع منه في الأخرى، ولا يجوز بيع المغانم قبل أن تقسم، ولا الصدقات قبل أن تقبض (¬2). انتهى. فهذه أربع مسائل: إحداها: بيع العطاء قبل قبضه، وهو رزق بيت المال. وقد نص أحمد على كراهته في رواية أبي طالب وابن منصور (¬3) وبكر ابن محمد (¬4)، وقال: هو شيء مغيب، لا يدرى؛ [أيصل إليه أم لا] (¬5)، أو ما هو. وقال مرة: لا يدرى؛ يخرج أو لا [يخرج] (¬6). وقال في رواية أبي طالب في بيع الزيادة في العطاء: قال ابن عباس: ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "ونحوه". (¬2) في (ب): "تنقبض". (¬3) انظر: "مسائله" (ص 203/ رقم 41). (¬4) هو بكر بن محمد النّسائي الأصل، أبو أحمد البغدادي المنشأ، ذكر الخلال أن الإِمام أحمد كان يُقدِّمه ويكرمه، وعنده "مسائل" كثيرة سمعها منه. انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 119)، و"المنهج الأحمد" (1/ 381)، و"الوافي بالوفيات" (10/ 216)، و"المقصد الأرشد" (1/ 289). (¬5) في (أ): "أيصل إليه أو لا؟ "، وفي (ب): "يصل إليه أم لا؟ " وما أثبتناه من المطبوع و (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ما يدريه ما يخرج ومتى يخرج؟! لا يشتريه. [وكرهه] (¬1)، وربما سمى هذا أيضًا بيع الصكاك. ونقل حرب عن أحمد في بيع الزيادة في العطاء: لا بأس به بعرض (¬2). قلت: وما تفسيره؟ قال: هو الرجل يزاد في عطائه عشرة دنانير فيشتريها [منه] (¬3) بعرض. قال: وسألته عن بيع الصك [بالعرض] (¬4). قال: لا بأس به. وروى حرب بإسناد صحيح عن ابن عباس: أنه كان يكره بيع الزيادة في العطاء إلا بعرض (¬5)، وهذه رواية ثانية بالجواز. قال القاضي وابن عقيل: هذه الرواية فيما إذا [بيع] (¬6) بعد حلول العطاء؛ لأنه وقت الاستحقاق؛ فهو حينئذ دين ثابت فيجوز بيعه، لكن على طريقتهما لا يجوز بيعه من غير الغريم، فرجعا (¬7) وتأولا الرواية على أنه اشترى ذلك العرض بثمن مؤجل إلى وقت قبض العطاء، وكان [وقته معلومًا عندهما] (¬8)، أو أنه أحال بثمن العرض على حقه من العطاء، ولا يخفى ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في (أ): "تعرض". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) كذا فى (أ) و (ب)، وفي (ج) والمطبوع: "بعرض". (¬5) لم أظفر به. (¬6) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "بلغ". (¬7) كذا في (ب) و (ج) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ): "فيرجعا". (¬8) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي (ب) والمطبوع: "وقتهما عندهما معلومًا"، في (ج): "وقتهما معلومًا عندهما" هكذا بتقديم وتأخير.

فساد هذا التأويل لمن تأمل كلام أحمد، وقد يكون مراد ابن أبي موسى ببيع العطاء قبل قبضه قبل استحقاق قبضه، فأما إذا استحق؛ فهو داخل في بيع الصكاك. المسألة الثانية: بيع الصكاك قبل قبضها، وهي الديون الثابتة على الناس، وتسمى صكاكًا لأنها تكتب في صكاك، وهي ما يكتب فيه من الرق ونحوه؛ فيباع ما في الصك، فإن كان الدين نقدًا وبيع بنقد؛ لم يجز بلا خلاف؛ لأنه صرف بنسيئة، وإن بيع بعرض وقبضه في المجلس؛ ففيه روايتان: إحداهما: لا يجوز. قال أحمد في رواية ابن منصور (¬1) في بيع الصك: هو غرر. ونقل أبو طالب عنه أنه كرهه، وقال: الصك لا يدرى؛ أيخرج أو لا [يخرج] (¬2)، وهذا يدل على أن مراده الصك من عطاء الديوان. والثانية: الجواز. نص [عليها] (¬3) في رواية حرب (¬4) وحنبل ومحمد بن الحكم، وفرق ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل ابن منصور" (1/ 174/ رقم 13). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. ونقل أبو يعلى في "الروايتين والوجهين" (353) رواية أبي طالب هذه. (¬3) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي (ب): "عليه"، وفي (ج) والمطبوع: "عليهما". (¬4) نقلها أبو يعلى في "الروايتين والوجهين" (353)، وعلق عليها بقوله: "وعندي أن هذه محمولة على أنه ابتاع القرض، وأحاله بالثمن على الرزق".

بينه وبين العطاء [و] (¬1) قال: الصك إنما يحتال على رجل وهو يقر (¬2) بدين عليه، والعطاء إنما هو شيء مغيب لا يدرى [أ] (¬3) يصل إليه أم لا. وكذلك نقل حنبل [عنه] (¬4) في الرجل يشتري الصك على الرجل بالدين؛ قال: لا بأس به بالعرض إذا خرج، ولا يبيعه حتى يقبضه (يعني مشتريه)، وهذا يدل على أنه لم يجعله من ضمان مشتريه بمجرد القبض، ولا أباح له التصرف فيه؛ لأنه بمنزلة المنافع والثمر في شجره، [و] (¬5) حاصل هذا يرجع إلى جواز بيع الدين من غير الغريم، وقد نص على جوازه كما ترى (¬6). المسألة الثالثة: بيع المغانم قبل أن تقسم، ونص أحمد على كراهته في رواية حرب وغيره، وعلله في رواية صالح وابن منصور بأنه لا يدرى ما ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) في (ب): "يقر". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬6) قال ابن تيمية في "نظرية العقد" (235): "إن بيع ما هو ثابت في الذمة ليسقط بما هو في الذمة ليس في تحريمه نص ولا إجماع ولا قياس؛ فإن كلًّا منهما اشترى ما في ذمته، وهو مقبوض له بما في ذمة الآخر؛ كالوديعة عند الآخر، واشتراها بوديعته عند الآخر، وهذا أولى بالجواز من شراء ما في ذمة الجر، ولهذا كان الجواز في هذا خلاف مفسدة بيع الدبن بالدين؛ فإن ذلك منع منه لئلا تبقى ذمة كل منهم مشغولة بغير فائدة حصلت لا له ولا للآخر، ومعلوم أن المقصود من العقود القبض؛ فهو عقد لم يحصل به مقصود أصلًا، بل هو التزام بلا فائدة، وهنا حصلت بالبيع براءة كل منهما، وهي ضد ما يحصل ببيع الدين بالدين".

يصيبه، [يعني] (¬1) أنه مجهول القدر والعين؛ وإن كان ملكه ثابتًا عليه، لكن الإِمام له أن يخص كل واحد بعين من الأعيان، بخلاف قسمة الميراث. وصح عن أبي الزبير؛ [قال] (¬2): قال جابر: أكره بيع الخمس من قبل أن يقسم. وروى محمد بن إبراهيم الباهلي عن محمد بن زيد (يعني العبدي)، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري؛ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تشتروا الصدقات حتى تقبض، والمغانم حتى تقسم" (¬3). ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) والمطبوع: "بمعنى". (¬2) ما بين المععوقين سقط من المطبوع و (ب). والأثر صحيح، أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (5/ 240/ رقم 9487). وأخرج نحوه عن جابر أيضًا قوله عبد الرزاق في "المصنف" (رقم 6898)، وأبن أبي شيبة في "المصنف" (3/ رقم 10499، 10524، أو 3/ 80 - ط دار الفكر)، وهو أشبه من المرفوع الذي أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 680 - ط دار الفكر)؛ قال: حدثنا هشيم بن بشير، أخبرنا سيار، ثنا يزيد الفقير، أخبرنا جابر بن عبد اللَّه: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى يوم خيبر أن تباع السِّهام حتى تُقسم". (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 189/ رقم 10509، أو 3/ 79 و 7/ 680 - 681 - ط دار الفكر) والترمذي في "الجامع" (أبواب السير، باب في كراهية المغانم حتى تقسم، 4/ 132/ رقم 1563) وابن ماجه في "السنن" (كتاب التجارات، باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام وضروعها وضربة الغائص، 2/ 740/ رقم 2196) وابن زنجويه في "الأموال" (3/ 898/ رقم 1593) من طريق حاتم بن إسماعيل، وأحمد في "المسند" (3/ 42، أو رقم 1377) ثنا أبو سعيد، والبيهقي في "الكبرى" (5/ 338) من طريق محمد بن سنان؛ ثلاثتهم من طريق جهضم بن عبد اللَّه، عن محمد بن إبراهيم، به، وبعضهم زاد عليه ألفاظًا. =

أخرجه الإِمام أحمد وابن ماجه وإسحاق بن راهويه والبزار في "مسنديهما". ومحمد بن زيد صالح، لا بأس به، والباهلي بصري مجهول، وشهر حاله مشهور. وفي "سنن أبي داود" من حديث رويفع بن ثابت: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يبيع مغنمًا حتى يقسم" (¬1). وفي ¬

_ = وإسناده ضعيف جدًّا. وجهضم صدوق يكثر عن المجاهيل، وهذا منها، إذ الباهلي كذلك. ومحمد بن زيد مقبول، أي: إذا توبع، ولا نعرف له متابعًا، ولذا قال الترمذي عقبه: "وهذا حديث غريب"، قال البيهقي عقبه "وهذه المناهي، وإنْ كانت في هذا الحديث بإسنادٍ غير قوي؛ فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهي عنه في الحديث الثابت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-". قلت: وسيأتي نحو هذا الحديث عن جمع من الصحابة، ليصبح الحديث صحيحًا بمجموع طرقه إن شاء اللَّه تعالى، ولا سيما حديث رويفع الآتي. (¬1) أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 108، 108 - 109)، وسعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2722)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (12/ 222 - 223 و 14/ 465)، والدارمي في "السنن" (2/ 230)، والترمذي في "الجامع" (أبواب النكاح، باب ما جاء في الرجل يشتري الجارية وهي حامل، رقم 1131 - مختصرًا)؛ وأبو داود في "السنن" (كتاب النكاح، باب في وطء النساء، رقم 2158، 2159، وكتاب الجهاد، باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بشيء، رقم 2708)، وأبو إسحاق الفزاري في "السير" (ص 242 - 244)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 114 - 115)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 251)، وابن أبي عاصم في "الأحاد والمثاني" (4/ 209 - 210/ رقم 2193، 2194، 2195)، وابن حبان في "الصحيح" (11/ 186/ رقم 4850 - "الإحسان")، والطبراني في "الكبير" (5/ رقم 4482، 4483، 4484، 4485، 4486، 4487، 4488)، والبيهقي في "الكبرى" (9/ 62)؛ من طرق عن أبي مرزوق ربيعة بن =

الحديث طول [و] (¬1) أخرج الترمذي بعضه وحسنه. وخرج النسائي من حديث ابن عباس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع المغانم حتى تقسم (¬2). وخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة [رضي اللَّه عنه] عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) ¬

_ = سليم، عن حنش بن عبد اللَّه السّبائي، عن رُويفع بن ثابت، به. وإسناده قويٌ، وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 185). (¬1) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬2) أخرجه أبو يوسف في "الخراج" (ص 197)، والطبراني في "الكبير" (11/ 67 - 68/ رقم 11067)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 40)، والبيهقي في السنن الكبرى" (5/ 338)؛ من طريق الأعمش، وأخرجه ابن أي شيبة في "المصنف" (7/ 681 - ط دار الفكر)، والطبراني أيضًا (11/ 91/ رقم 11145، 11146)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 40)، والبيهقي (6/ 338 - 339)؛ من طريق عبد اللَّه بن أبي نجيح؛ كلاهما عن مجاهد، عن ابن عباس رفعه. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبى. وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 680): حدثنا إسحاق بن منصور، عن شريك، عن يعلى بن عطاء، عن ابن عباس؛ قال: "لا بأس أن يبيع الرجل نصيبه من المغنم قبل أن يقسم". وهذا يخالف المرفوع، وشريك في حفظه سوء وهو يخالف ما روى مرفوعًا. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). ويشير المصنف إلى ما أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 458، 472)؛ من طريقين عن شعبة, عن يزيد بن خمير، عن مولى لقريش، عن أبي هريرة، به. وأخرجه من هذا الطريق أيضًا ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 681)، وأبو داود =

وروى ابن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبي نجيح، عن مكحول: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع المغانم حتى تقسم (¬1). مرسل، وهذا في حق آحاد ¬

_ = في "السنن" (كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، 3/ 252 - 253/ رقم 3369) -ومن طريقه الخطيب في "الموضح" (2/ 49) -. وإسناده ضعيف؛ للمبهم الذي فيه. وأخرجه البخاري في "الكنى" (رقم 604) من طريق آخر عن أبي هريرة: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُباع سهم حتى يعلم ما هو". وإسناده ضعيف؛ فيه من لا يعرف. وأخرجه ابن زنجويه في "الأموال" (3/ 899/ رقم 1595) بسندٍ صحيح عن أبي هريرة؛ قال: "لا تبتاع الصدقة حتى تعقل". وهذا الموقوف أشبه من المرفوع. وأخرجه أيضًا (3/ 1048) عن أبي هريرة قوله: "لا تباع الثمرة، أو تشترى الصدقة على الذي اشتراها، ولا تباع الصدقة وهي طهور أهلها لم تقبض". وفي إسناده عمر بن راشد، وهو ضعيف. وقد وردت أحاديث وآثار صحيحة عن النهي عن بيع الصَّدقات حتى تقبض انظرها في: "ديوان السنن والآثار - الزكاة" (1/ 295 - 309) للدكتور عبد الملك بن بكر القاضي. (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 189/ رقم 10512، أو 3/ 80 - ط دار الفكر) وابن زنجويه في "الأموال" (3/ 898/ رقم 1594)؛ كلاهما قال: حدثنا الفضل بن دكين، وأبو داود في "المراسيل" (رقم 116) من طريق الولد بن مسلم، والبغوي في "الجعديات" (رقم 3415) -ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 150) - من طربق علي بن الجعد، وعبد الرزاق في "المصنف" (5/ 240/ رقم 9489)؛ أربعتهم عن محمد بن راشد، عن مكحول: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تشتروا الصَّدقات حتى توسم وتعقل". وإسناده ضعيف، إذ هو مرسل، ورجاله ثقات. قال أبو داود عقبه: "هذا يُروى من قول مكحول". =

الجيش منهي عنه، سواء باعه قبل القبض أو بعده؛ لأنه قبل القبض مجهول وبعده تعد وغلول؛ فإنه لا يستبد بالقسمة دون الإِمام، وأما الإِمام؛ فإذا رأى [المصلحة] (¬1) في بيع شيء من الغنيمة وقسم ثمنه؛ فله ذلك. المسألة الرابعة: بيع الصدقات قبل [القبض] (¬2)، ومأخذه أن الصدقة لا تملك بدون القبض. وفي "مصنف عبد الرزاق" عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن غير واحد: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن تباع الصدقة حتى تعقل وتوسم (¬3). ¬

_ = قلت: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (رقم 10511، أو 3/ 80 - ط دار الفكر): حدثنا وكيع، عن محمد بن عبد اللَّه، عن الشعبي، عن مكحول مثله قوله، إلا أن فيه: "الصَّدقة" بالمفرد. وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2759، 2815): نا سفيان، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن مكحول: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع المغنم حتى يقسم". وهو ضعيف كسابقه. وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (5/ 241/ رقم 9490) عن الثوري، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن مكحول، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثله. وهو ضعيف كسابقه. وانظر لزامًا: "السير" للفزاري (ص 149 - 152 أو ص 242 - 245)؛ فقد أورد كثيرًا من الآثار ومذاهب علماء الأمصار الواردة في هذا الباب. (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "أن تقبض". (¬3) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/ 38/ رقم 6899)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ رقم 10515، أو 3/ 80 - ط دار الفكر) من طريق ابن جريج، به. وإسناده ضعيف، وهو معضل. وقد ورد موصولًا عن جمع كما تقدّم، وورد أيضًا عن: =

وعن يحيى بن العلاء البجلي، عن جهضم بن عبد اللَّه، عن محمد ابن زيد، عن شهر بن حوشب؛ قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الصدقات حتى تقبض (¬1). وهذا المرسل أشبه من المسند السابق. ¬

_ = • عبد اللَّه بن عمر قوله. أخرجه الطبراني في "الكبير" (12/ 433 - 434) من طريق حفص بن غياث، عن ليث، عن عطاء، عن ابن عمر؛ قال: "نهى عن بيع الغنيمة حتى تقسم". إسناده ضعيف، فيه ليث بن أبي سُليم؛ ضعيف. • علقمة مرفوعًا بمعناه. أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (رقم 2335)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 150)، وقال: "وهذا إسناد غير قوي". • أبي قلابة مرسلًا به. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 681 - ط دار الفكر). وورد ما يؤيّد هذا المعنى في أحاديث عديدة، تراها في "سنن سعيد بن منصور" (كتاب الجهاد، باب ما جاء في قسمة الغنائم، 2/ 322 - 323/ ط الهنديّة). وعزاه في "المشكاة" (2/ رقم 4016) عن أبي أمامة مرفوعًا: "نهى أن تُباع السِّهامُ حتى تُقسم" للدَّارمي. (¬1) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/ 38 - 39/ رقم 690) عن يحيى بن العلاء، به. وإسناده تالف، وهو مرسل. ويحيى بن العلاء؛ قال أبو حاتم: "ليس بالقوي"، وضعّفه ابن معين وجماعة، وقال الدارقطني: "متروك"، وقال أحمد بن حنبل: "كذاب، يضع الحديث". انظر: "الميزان" (4/ 397). وقد خالف جماعةً رووه عن جهضم بزيادة "عن محمد بن إبراهيم الباهلي" عن محمد بن زيد عن شهر، وجعلوه "عن أبي سعيد رفعه"، ومضي قريبًا، ولا أدري لم قال المصنف عن هذا المرسل من هذا الطريق: "أشبه من المسند السابق"؟! =

فأما على القول بملكها بمجرد القبول إِذا تعينت من غير قبض؛ فقد [تقدم] (¬1) نص أحمد بجواز التوكيل (¬2) فيها، وهو نوع تصرف؛ فقياسه سائر [التصرفات] (¬3)، وتكون حينئذ كالهبة المملوكة بالعقد. وأما إذا عينها المالك من ماله وأفردها؛ فلا [تصير] (¬4) بذلك صدقة، ولا يخرج عن ملكه بدون قبض المستحق أو قبوله، وقد نص أحمد (¬5) على ¬

_ = نعم، الأشبه أنه من قول مكحول كما مضى عن أبي داود، وتصحف (جهضم) في المطبوع والنسخ كلها إلى "خثعم"، والتصويب من مصادر التخريج وكتب الرجال. (¬1) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "مرَّ". (¬2) في (أ): "التَّوكّل". (¬3) في المطبوع: "الصدقات"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ب) والمطبوع: "يصير". (¬5) قال ابن هانئ في "مسائل" (1/ 119/ رقم 584، 585): "وسئل -أي: الإمام أحمد- عن رجلٍ وجب في ماله ثلاثون درهمًا أو أكثر زكاة، فسُرِق أصلُ المال إلا قدر ثلاثين درهمًا أو خمسة وعشرين درهمًا قبل أن يؤدّيها؟ قال: يؤدّيها كلها. قبل له: إنّ سفيان يقول: يؤدّي الخمسة والعشرين بالحساب؟ قال أبو عبد اللَّه: ليس العمل على ذا. وقال في الرجل تجب عليه الزكاة في مالٍ، فضاع؛ قال: الزكاةُ لابُدّ منها". وقال صالح بن عبد اللَّه في "مسائله" (2/ 271 - 272/ رقم 877): "قلت: الرجل يكون في يده المال قد وجبت فيه الزكاة ثم يتلف؛ هل يجب عليه الزكاة؟ قال: أما أنا؛ فيُعجبني أن يزكي، وقال بعض الناس: إذا كانت عنده مئتا درهم، فسرق منها مئة درهم؛ يزكي ما بقي في يديه". ونحوه في "مسائل عبد اللَّه" (ص 155/ رقم 576). قلت: مراده ببعض الناس سفيان، كما تقدم عند ابن هانئ، ونسب ابن حزم في "المحلى" (5/ 392) نحوه لأبي حنيفة، والمذهب والذي عليه جماهير الأصحاب أن الزكاة لا تسقط بتلف المال، فرط أو لم يفرط، ويستثنى من ذلك زكاة الزروع؛ فإنها لا تجب فيها =

أنها إذا تلفت بعد [تعيينها] (¬1)؛ لم تبرأ ذمته من الزكاة. وأما إن كانت (¬2) صدقة تطوع؛ فاستحب إمضاءها، وكره الرجوع فيها، ونقل عنه ما يدل على خروجها عن ملكه بمجرد التعيين (¬3)، نقل عبد اللَّه عنه أنه قال: "كل شيء جعله الرجل للَّه بمضيه ولا يرجع في ماله"، وذلك أنه قد خرج من ملكه؛ فليس هو له من صدقة أو معروف أو صلة رحم، وإن كان قليلًا أمضاه. ونقل عنه [حبيش] (¬4) بن سندي في رجل دفع إلى رجل دراهم، فقال له: تصدق بهذه الدراهم. ثم إن الدافع جاء فقال: رد [علي] (¬5) الدراهم؛ ما يصنع المدفوع؟ يردها عليه؟ قال: لا يردها عليه، يمضيها فيما أمره به. ونقل جعفر بن محمد معناه، وحمل القاضي ذلك على الاستحباب، قال ابن عقيل: لا أعلم للاستحباب وجهًا. وهو كما قال، وإنما يتخرج على أن الصدقة تتعين [بالتعيين] (¬6)؛ كما يقول في الهدي ¬

_ = الزكاة إلا إذا تلفت بجائحة قبل القطع". انظر: "الإنصاف" (3/ 39 - 40)، و"المبدع" (2/ 306 - 308). (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "تعينها". (¬2) في (ب): "كان"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في (أ): "التعين". (¬4) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "جيش"، وهو خطأ، وقد مضت ترجمته. (¬5) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "إليَّ". (¬6) في (أ): "بالتعين".

والأضحية: أنه يتعين بالقول [بغير] (¬1) خلاف. وفي تعيينه بالنية وجهان، فإذا قال: هذه صدقة؛ تعينت وصارت في حكم المنذورة، وصرح به الأصحاب، لكن هل ذلك إنشاء [منه] (¬2) للنذر أو إقرار [به] (¬3)؟ فيه خلاف بين الأصحاب، وإذا عين بنيته أن يجعلها صدقة وعزلها عن ماله؛ فهو كما [لو] (¬4) اشترى [شاة] (¬5) ينوي التضحية بها، ولا يلزم من ذلك سقوط الزكاة عنه بتلفها قبل قبض المستحق أو الإِمام؛ لأنا إن قلنا: الزكاة في الذمة؛ فهو كما لو عين عن [هدي] (¬6) واجب في الذمة هديًا، فعطب؛ فإنه يلزمه إبداله، وإن قلنا: في العين؛ فلا يبرأ منها لفوات قبض المستحق أو من يقوم مقامه، وإيصاله [إليه] (¬7) أيضًا واجب عليه؛ فلا يبرأ بدونه، ولا يكتفي فيه بالتمييز ولو حصل (¬8) التمكين من القبض؛ [لأن] (¬9) فعل الدفع واجب عليه؛ فكيف إذا لم يحصل التمكين؟! واللَّه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "بلا". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬3) و (¬4) ما بين المعقوفتين من (أ) و (ج). (¬5) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "شاء". (¬6) في المطبوع: "الهدي"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬8) في (ب): "جعل". (¬9) في المطبوع: "من"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

53 - القاعدة الثالثة والخمسون من تصرف في عين تعلق بها حق [لله تعالى أو] لآدمي معين؛ إن كان الحق مستقرا فيها بمطالبة من له الحق بحقه أو يأخذه بحقه؛ لم ينفذ التصرف و [إن] لم يوجد سوى تعلق الحق لاستيفائه منها

(القاعدة الثالثة والخمسون) من تصرف في عين تعلق بها حق [للَّه تعالى أو] (¬1) لآدمي معين؛ إن كان الحق مستقرًّا فيها بمطالبة من له الحق بحقه أو يأخذه بحقه؛ لم ينفذ التصرف و [إن] (¬2) لم يوجد سوى تعلق الحق لاستيفائه منها. صح التصرف على ظاهر المذهب، وقياس قول أبي بكر لا يصح؛ حيث قال: لا يصح وقف الشفيع ولا رهن الجاني. وكلامه في "الشافي" (¬3) يدل على أن التصرف فيما وجبت فيه الزكاة لا يصح في قدرها. وكذلك أختار أبو الخطاب في "الانتصار": أنه لا يصح التصرف في ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وسقط من (أ) و (ج): "تعالى" فقط. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) والمطبوع. (¬3) صاحبه عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد، أبو بكر البغدادي، المعروف بـ (غلام حلّال)، توفي شيبة (363)، ذكر له هذا الكتاب القاضي أبو يعلى، وقال: "نحو ثمانين جزءً"، وكذا في "تاريخ بغداد" (10/ 459)، وتصحف فيه إلي "الشافعي"؛ فليصوَّب، وقال الذهبي: كان كبير الشأن، من بحور العلم، له الباع الأطول في الفقه"، وقال عن كتابه هذا: "ومن نظر في كتابه" الشافي" عرف محله من العلم لولا ما بشَّعهُ بغض بعض الأئمة، مع أنه ثقة فيما ينقله". انظر: "طبقات الحنابلة" (2/ 119 - 127)، و"السِّير" (16/ 143 - 145).

الجاني بالبيع؛ لتعلق الحق بعينه، فإن فداه السيد؛ كان افتكاكًا [له] (¬1)، وسقط الحق المتعلق به، كما لو وفى دين الرهن. والمذهب الأول؛ وهو الفرق بين أن يثبت استحقاق يتعلق بالعين وبين أن يترتب على الثبوت مقتضاه بالأخذ بالحق أو بالمطالبة به؛ فالأول ملك أن يتملك، والثاني تملك (¬2) أو طالب بحقه الذي لا يمكن دفعه عنه، وهو شبيه بالفرق بين المفلس قبل الحجر عليه وبعده؛ فالفلس (¬3) مقتض للحجر والمنع من التصرف، ولا يثبت ذلك إلا بالمطالبة والحكم. ويتخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة (¬4): ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج). (¬2) كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "يملك". (¬3) في (ب): "فالمفلس"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) خلاصة هذه القاعدة أنه إذا تصرف الإنسان في عين تعلق بها حق للَّه أو حق لآدمي، مثال الذي تعلق بها حق للَّه: كالمال الذي وجبت فيه الزكاة، ومثال الذي تعلق به حق لآدمي: كالمرهون؛ فإن مالي الذي رهنته عد زيد تعلق به حق زيد؛ فهل تصرفي في هذا المال الذي تعلق به حق للَّه أو حق لآدمي؛ هل هو صحيح أو غير صحيح؟ هذا هو عنوان القاعدة، والمؤلف يقول: إن كان الحق مستقرًا لمطالبة من له الحق أو بأخذه بحقه؛ لم ينفذ التصرف، وإن لم يوجد سوى تعلق الحق؛ فإن التصرف ينفذ، مثاله: أنا عندي مال وجبت فيه الزكاة نصف العشر، وهو الزرع، وبعته؛ فهل نقول: إن بيعي لهذا المال صحيح، أو يصح إلا فيما يقابل الزكاة وهو نصف العشر؟ المذهب أن البيع يصح، وقياس قول أبي بكر من الحنابلة: لا يصح البيع، وهل يضمن الزكاة أو تسقط؟ يضمن الزكاة، ولا تسقط، ولو سقطت؛ لكان كل واحد عليه زكاة باع المال، والرهن هل يصح بيعه أو لا؟ =

- منها: التصرف في المرهون ببغ أو غيره مما لا سراية له لا يصح؛ لأن المرتهن أخذ بحقه في الرهن من [التوثق] (¬1) والحبس وقبضه، وحكم له به؛ فهو بالنسبة إلى الرهن كغرماء المفلس المحجور عليه، [وأما] (¬2) العتق؛ فإنما نفذ لقوته وسرايته كما نفذ حج المرأة والعبد بدون إذن السيد والزوج، حتى أنهما لا يملكان تحليلهما على إحدى الروايتين؛ كقوة (¬3) الإحرام ولزومه، ولهذا ينعقد مع فساده ويلزم إتمامه (¬4). - ومنها: الشفيع إذا طالب بالشفعة لا يصح تصرف المشتري بعد طلبه؛ لأن حقه تقرر وثبت، وقبل المطالبة إنما كان له أن يتملك، والمطالبة إما تملك على رأي القاضي وإما مؤذنة بالتملك ومانعة للمشتري من التصرف؛ إذ تصرف المشتري إنما كان نافذًا لترك الشفيع الاحتجار عليه ¬

_ = المذهب: إن كان المرتهن قد قبضه؛ فالبيع لا يصح، وإن كان لم يقضه؛ فالبيع صحيح، والصحيح في هذه المسألة أن كل ما نعلق به حق لآدمي معين؛ فإنه لا يصح التصرف فيه؛ لأن في ذلك إسقاطًا لحق الآدمي وحق الآدمي ليس فيه مسامحة وعفو كحق اللَّه عز وجل، وعلى هذا؛ فبيع الرهن لا يصح، سواء قبضه المرتهن أم لم يقبضه. (ع). (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "التوثيق". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "فأما". (¬3) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ): "كقوة". (¬4) التصرف في الرهن لا يصح؛ لا ببيع ولا هبة ولا وقف ولا رهن آخر، إنما ينفذ عتق المرهون ويصح مع الإذن، والصحيح أنه لا ينفذ أيضًا؛ لأن العتق قربى؛ فلا ينال بالمعصية، فإذا كان لا يجوز بيع العبد المرهون؛ فلا يجوز أيضًا عتقه لأن في كل منهما تفويت حق المرتهن، وقولهم: إن للعتق قوة وسراية، لكن إذا أنفذناه أبطلنا حق المرتهن، وقد قال اللَّه عز وجل: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [لمائدة: 1]. (ع).

والأخذ بحقه، وقد زال، فإن نهى الشفيع المشتري عن التصرف ولم يطالب بها؛ لم يصر المشتري ممنوعًا، بل تسقط الشفعة على قولنا: هي على الفور، ذكره القاضي في "خلافه" (¬1). - ومنها: إذا حل الدين على الغريم وأراد السفر، فإن منعه غريمه من ذلك؛ لم يجز له السفر، وإن [فعل] (¬2)؛ كان عاصيًا به لأنه حبسه، وله ولاية حبسه لاستيفاء حقه؛ كالمرتهن في الرهن، وإن لم يمنعه! فهل له الإقدام على السفر؟ ذكر ابن عقيل فيه وجهين: أحدهما: يجوز؛ لأن الحبس عقولة لا [تتوجه] (¬3) بدون الطلب و [الإِلزام] (¬4). والثاني: لا؛ لأنه يمنع بسفره حقًّا واجبًا عليه، [لا] (¬5) لثبوت الحبس في حقه؛ بل لما يلزم في سفره من تأخير الحق الواجب [عليه] (¬6). - ومنها: المفلس إذا طلب البائع منه سلعته التي يرجع بها قبل ¬

_ (¬1) إذا باع المشتري نصيبه أو وقفه أو وهبه؛ فهل له ذلك؟ نعم؛ إلا إذا طالب الشفيع -وهو الشريك- بالشفعة؛ فإنه ليس له الحق في أن يتصرف فيه. (¬2) في (أ) والمطبوع: "فعله". (¬3) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "يتوجه". (¬4) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "الالتزام". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

الحجر؛ لم ينفذ تصرفه، نص عليه. قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن المفلس: هل يجوز فعله فيما اشترى قبل أن [يطلب] (¬1) البائع منه [مما] (¬2) بايع [المشتري عليه] (¬3)؟ فقال: إن أحدث [فيه المشتري] (¬4) عتقًا أو بيعًا أو هبة؛ فهو جائز ما لم [يطلب] (¬5) البائع [ذلك] (¬6)، وذلك أن الحديث (¬7) قال: "هو أحق بها"؛ فلا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يطالب". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "بما". (¬3) في (ج): "عليه المشتري" فكذا بتقديم وتأخير. (¬4) في (ب): "المتشري فيه" بتقديم وتأخير، وفي (ج) سقطت "فيه". (¬5) كذا في (ج): "يطلب"، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "يطالب". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) والمطبوع. (¬7) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الاستقراض، باب إذا وجد ماله عند مُفلسٍ في البيع والقرض والوديعة فهو أحقُّ به، 5/ 62/ رقم 2402)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه، 3/ 1193/ رقم 1559)، وأبو داود في "السنن" (كتاب البيوع، باب في الرجل يفلس فيجد الرجل قاعه بعينه عده، رقم 3519)، والترمذي في "الجامع" (أبواب البيوع، باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه، رقم 1262)، والنسائي في "المجتبي" (كتاب البيوع، باب الرجل يبتاع البيع فيفلس ويوجد المتاع بعينه، 7/ 311)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الأحكام، باب من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس، رقم 2358، 2359، 2360، 2361)، وأحمد في "المسند" (2/ 228، 247، 249، 258)، وعبد الرزاق في "المصنف" (8/ 264/ رقم 15159، 15161 - 15164)، ومالك في "الموطأ" (2/ 678/ رقم 88)، والحميدي في "المسند" (1035، 1036)، والدارمي في "السنن" (2/ 262)، والطيالسي في "المسند" (رقم 1386)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 44، 45)، والبغوي في "شرح السنة" (8/ 186/ رقم 2133)؛ =

يكون أحق به إلا بالطلب، فلعله أن لا [يطلبه] (¬1). قلت: أرأيت إن طلبه منه، فلم يدفعه إليه؟ قال: فلا يجوز بيعه ولا هبته ولا صدقته بعد الطلب. ونقل عنه إسماعيل أيضًا كلامًا يدل على أن مطالبة البائع تثبت؛ إما بتفليس الحاكم، أو باشتهار فلسه بين الناس. وكذلك نقل عنه محمد بن موسى الزبداني (¬2) أن اشتهار فلسه بظهور أماراته يمنع نفوذ تصرفاته مطلقًا (¬3). ¬

_ = من طرق عن أبي هريرة بألفاظٍ منها: "من أدرك ماله بعينه عند رجلٍ أو إنسانٍ قد أفلس؛ فهو أحقُّ به من غيره"، وهذا لفظ البخاري ومسلم. (¬1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "يطالبه". (¬2) كذا في المطبوع، وهي غير مضبوطة في النسخ الخطة جيّدًا، وأقرب ما تكون إلى "الدّنداني"، ولعل صوابه: "النَّهْرَتِبريّ" الآتي ترجمته (ص 175)، وهناك: "موسي بن سعيد الدَّنْداني"، وهو ممن روى عن أحمد، وهو من رجال "التهذيب". وانظر: "توضيح المشتبه" (4/ 264). (¬3) القول الراجح عدي أنه إذا كان يُضِرُّ صاحب العين؛ فلا يجوز التصرف، مثاله: أنا بعت على هذا الرجل سيارة بثمن مؤجل على أن الرجل غنيٌّ، ثم إن الرجل تبيَّن أن ديونه أكثر من موجوداته؛ فالسيارة التي لي وعليه ثمنها أنا أحق بها من غيري؛ فلي أن آخذها ولو لم يكن عندي إلا هي؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من وجد ماله عند رجل قد أفلس؛ فهو أحق به"؛ فأنا أحق من غيري بهذه السيارة، والمذهب أن له التصرف في هذه السيارة ما لم يحجر عليه القاضي. والقول الثاني: يحرم عليه التصرف فيها، وهو الصحيح؛ لأن كلَّ من دينُه كمالِه أو أكثر؛ فإنه لا يجوز أن يتصرف بماله تصرفًا يضرُّ بالغرباء، فإذا كان عند الإِنسان دين ألف وليس عنده من المال إلا ثمان مئة، فإنه لا يجوز له أن يتصدق منها بشيء؛ لأن وفاء الدين واجب، والتصدق تطوع ويستحب. (ع). قلت: حديث "من وجد ماله .. " مضى تخريجه قريبًا.

- ومنها: لو وجد مضطرًا وعنده طعام فاضل، فبادر فباعه أو رهنه؛ هل يصح؟ قال أبو الخطاب في "الانتصار" في الرهن: يصح، ويستحق أخذه من يد المرتهن والبائع مثله. ولم يفرق بين ما قبل الطلب وبعده، والأظهر أنه لا يصح [بيعه] (¬1) بعد الطلب؛ لوجوب الدفع، بل ولو قيل: لا يصح بيعه مطلقًا مع علمه باضطراره؛ لم يبعد لأن بذله له واجب بالثمن، فهو كما لو طالب الشفيع بالشفعة وأولى؛ لأن هذا يجب بذله ابتداءً لإحياء النفس، وقد يفرق بأن الشفيع حقه [منحصر] (¬2) في عين الشقص، وهذا حقه في سد الرمق، ولهذا كان إطعامه فرضًا على الكفاية، فإذا نقله إلى غيره؛ تعلق الحق بذلك الغير ووجب البدل عليه (¬3). وأما ما تعلق به حق مجرد؛ فيندرج تحته مسائل متعددة (¬4): - منها: بيع النصاب بعد الحول؛ فإنه يصح، نص عليه؛ لأن ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) والمطبوع: "البيع". (¬2) في المطبوع: "متعين"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في (ب): "عنه". (¬4) صورة المسألة إنسان عنده طعام، وهناك رجل مضطر للطعام؛ فهل يجوز لمن عنده الطعام أن يبيعه مع وجود المضطر أو لا؟ يقول المؤلف: إن كان هذا المضطر قد طلب الطعام؛ فلا يجوز أن يبيعه؛ لأنه بعد الطلب تعين حقه فيه، كان لم يطالب؛ فيجوز، ولكن المؤلف يميل إلى أنه لا يجوز مطلقًا؛ لأنه قد تعلق به حق الغير، إذ يجب عليّ أن أدفع هذا المال إلى المضطر، سواء طلب أو لم يطلب، والفرق بينه وبين الشفيع أن الشفيع لا يتعلق حقه بهذا المبيع إلا بعد الطلب، والذي يظهر ما ذهب إليه المؤلف من عدم جواز البيع مطلقًا. (ع).

الوجوب إن كان متعلقًا بالذمة وحدها؛ فلا إشكال، وإن كان في العين وحدها؛ فليس بمعنى [الشركة] (¬1) ولا بمعنى انحصار الحق فيها، ولا تجوز المطالبة بالإِخراج منها عينًا مع وجود غيرها؛ فلا يتوجه انحصار الاستحقاق فيها بحال (¬2). - ومنها: بيع الجاني، يصح في المنصوص، وهو قول أكثر الأصحاب، وسواء طالب المجني عليه بحقه أم (¬3) لا؛ لأن حقه ليس في ملك العبد، ولو كان كذلك؛ لملكه ابتداءً، وإنما وجب له أرش جنايته، ولم نجد (¬4) محلًّا يتعلق به الوجوب سوى رقبة العبد الجاني؛ فانحصر الحق فيها بمعنى الاستيفاء منها، فإن رضي المالك ببذله؛ جاز، وإلا؛ فإنما له أقل الأمرين من قيمة الجاني أو أرش جنايته، فأيُّهما (¬5) بُذِل [له] (¬6)؛ لزمه ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفى المطبوع و (ب) و (ج): "للشركة". (¬2) يجوز للإِنسان أن يبيع المال الذي وجبت فيه الزكاة بعد الحول، فإذا قال قائل: كيف يجوز ذلك وقد تعلق به حق الفقراء؟ فإذا قلنا: إن الزكاة واجبة في الذمة؛ فإن الزكاة لم تتعلق بهذا المال، وإن قلنا: إنها واجبة في المال كما هو الصحيح؛ فإن تعلقها بالمال تعلق ناقص لأنه ليس تعلق مشاركة؛ لأن الفقراء ليسوا مشاركين لك، فلو كانوا مشاركين لك؛ لكان لا يجوز أن تعطيهم من غير هذا المال مع أنه يجوز أن تعطيهم من غير هذا المال، فإذا قدرنا أن عندك ثمرًا يبلغ النصاب، فإنه يجوز أن تعطي الفقراء من غير هذا الثمر، ولو كانوا شركاء ما أعطيتهم، وأيضًا الحق لا ينحصر في هذا العين، بل يجوز أن تخرجه من أي مصدر كان، وعليه؛ فيجوز للإِنسان أن يبيع النصاب بعد تمام الحول ولا إثم عليه. (ع). (¬3) في (أ): "أو". (¬4) في (ج): "يجد". (¬5) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "فإنهما". (¬6) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط، وفي المطبوع: "فإنهما بدل لزم".

قَبولُه، والمطالبة منه إنما تتوجه (¬1) بحقه، وحقه هو أرش الجناية لا ملك رقبة العبد على الصحيح، فلا يتوجه المنع من التصرف فيه؛ لأن تسليمه إليه لم يتعين. - ومنها: من ملك عبدًا من الغنيمة، ثم ظهر سيده، وقلنا: حقه ثابت فيه بالقيمة، فباعه المغتنم قبل أخذ سيده؛ صح، ويملك السيد انتزاعه من الثاني، وكذلك لو رهنه؛ صح، ويملك السيد انتزاعه من المرتهن، ذكره أبو الخطاب في "الانتصار" [أيضًا] (¬2) ولم يفرق بين أن يطالب بأخذه أو لا، والأظهر أن المطالبة [تقطع] (¬3) التصرف؛ [كمطالبة الشفيع] (¬4). - ومنها: تصرف الورثة في التركة المعلق بها حق الغرماء، وفي صحته وجهان، أصحهما الصحة، وعلى المنع ينفذ بالعتق، كالرهن، واختار ابن عقيل في "نظرياته": أنه لا ينفذ إلا مع يسارهم؛ لأن تصرفهم تبع لتصرف الموروث في مرضه، وهذا متوجه على قولنا: إن حق الغرماء تعلق بالتركة في المرض (¬5). ¬

_ (¬1) في (ج): "يتوجه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬3) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "تمنع". (¬4) كذا في جميع النسخ، وهو الصواب، وفي المطبوع: "كالشفعة". (¬5) لا شك أن قول ابن عقيل قوي جدًّا، وهو أن الورثة يُمنعون من التصرف في تركة المدين إلا إذا كانوا موسيرين؛ لأنهم إذا تصرفوا بها وهم معسرون؛ كان ذلك سببًا لضياع حق الغرماء وانشغال ذمة الميت، أي أنه لا يجوز للورثة أن يتصرفوا في التركة إذا كان الميت =

- ومنها: تصرف الزوجة في نصف الصداق بعد الطلاق إذا قلنا: لم يدخل في ملك الزوج قهرًا؛ [فهذا] (¬1). قال صاحب "الترغيب": يحتمل وجهين؛ لتردده بين خيار البيع وبين خيار الواهب (¬2). - ومنها: تصرف من وهبه المريض ماله كله في مرضه قبل موته؛ فيجوز، وينفذ حتى لو كان أمه كان له وطؤها، ذكره القاضي [وحده] (¬3) في "خلافه"، واستبعده الشيخ تقي الدين (¬4)؛ لأنه يتوقف على إجازة الورثة؛ فكيف يجوز قبلها؟! وقد يقال: هو في الظاهر ملكه بالقبض، وموت الواهب وانتقال الحق إلى الورثة (¬5) مظنون؛ فلا يمنع التصرف (¬6). ¬

_ = مدينًا إلا إذا كانوا موسرين؛ لأنهم إذا تصرفوا وهم موسرون أمكننا أن نرجع عليهم ونأخذ من أموالهم، وهذا لا يمكن حال الإعسار. (ع). (¬1) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬2) المرأة إذا طلقت قبل الدخول تستحق النصف من المهر، فإذا تصرفت في نصف الصداق الباقي، إذا قلنا: لم يدخل في ملك الزوج قهرًا؛ فإن في صحة التصرف وجهين: الصحة وعدمها، والصحيح أنه لا يصح؛ كما إذا قلنا: أنه يدخل في ملك الزوج قهرًا؛ لأنه لما طلقها الزوج صار نصف المهر له؛ فلا يصح أن تتصرف فيه. (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 193) لشيخ الإسلام ابن تيمية. (¬5) في (ج): "ورثته". (¬6) قوله: "وموت الواهب وانتقال الحق إلى الورثة مظنون" المقصود موت الواهب قبل الورثة مظنون، وإلا؛ فإنه ميت لا محالة، والمريض إذا وهب مالَه كلَّه، فإن ما زاد على الثلث يتوقف على إجازه الورثة؛ فالقاضي يقول: يجوز للموهوب أن يتصرف فيما وُهب له؛ وإن كان موقوفًا على إجازة الورثة، وشيخ الإسلام يقول: لا يجوز؛ لأن للورثة حقًّا فيما زاد =

وأما تصرف المشتري في مدة الخيار له وللبائع؛ فالمنصوص عن أحمد: أنه موقوف على إمضاء البيع، وكذلك ذكره أبو بكر في "التنبيه"، وهو ظاهر كلام القاضي في "خلافه"؛ لأنه تصرف في خالص ملكه، ولم يتعلق به سوى حق البائع في الفسخ، وقد زال، فأشبه تصرف الابن فيما وهبه له الأب؛ غير أن تصرف الابن لا يقف على إمضاء الأب؛ لأن حق الأب في الفسخ يسقط بانتقال الملك، ولأن تسلط الأب على الرجوع لم يكن لبقاء أثر ملكه، بل هو حق ثابت بالشرع مع ثبوت ملك الولد واستقراره؛ فلا يمنع التصرف (¬1). وطَرْدُ هذا في كل من تَصَرَّفَ في [ماله] (¬2) وقد تعلق به حق غيره لا ¬

_ = على الثلث؛ فلا يتصرف لأنه ربما يضرهم، وعقب ابن رجب على كلام شيخ الإسلام بقول: هذا الموهوب له ملك الهبة بالقبض، وكون المال ينتقل إلى الورثة أمر مظنون؛ لأن هذا المريض قد يُشفى وقد يموت الورثة قبله؛ فتعلق حق الورثة بهذا المال ليس أمرًا متيقنًا، ولكن الظاهر ما ذهب إليه شيخ الإِسلام؛ لأن العمل على الظاهر، واحتمال موت الواهب قبل الورثة هو الظاهر، وإذا كان ذلك؛ فكيف يُمكن هذا الموهوب بالتصرف في المال والخروج من هذا المأزق أن يجمع المريض الورثة ويستجيزهم في إمضاء الهبة؟! (ع). (¬1) تصرف المشتري في المبيع إذا كان الخيار له وللبائع لا يجوز؛ لأنه إسقاط لحق البائع، ولكن الإمام أحمد قال؛ إنه موقوف على إمضاء البيع، أي إمضاء البائع للبيع، فإذا أمضاه؛ تبين صحة التصرف، وإذا لم يمضه؛ لم يصح التصرف، وهذا الذي قاله الإمام أحمد جيد بلا شك؛ لأن الحق للبائع، فإذا أمضى البيع وقال: أنا لا خيار لي، أما إذا كان الخيار للمشتري وحده؛ فتصرفه جائز، ولا بأس به، وتصرفه إسقاط لخياره، ومن هذا تصرف الابن فيما وهبه له أبوه؛ فإن تصرفه نافذ، وإذا تصرف في الهبة سقط حق الأب في الرجوع (ع). (¬2) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ): "ملكه".

يبطل من أصله، كتصرف المريض فيما زاد على ثلث ماله؛ فإنه يقف على إمضاء الورثة، وعتق المكاتب لرقيقه يقف على تمام ملكه [بالعتق] (¬1)، ذكره أبو بكر في "الخلاف". وكذا ذكره أبو الخطاب في ["انتصاره"] (¬2) في مسألة إجارة الورثة: أن تصرف الراهن يصح ويقف على إجازة المرتهن، وذكر الشيخ مجد الدين (¬3) أن هذا قول من يقول بوقف تصرف الفضولي. وذكر أبو الخطاب أيضًا أن تصرف المشتري في الشِّقْصِ المشفوع [يصح و] (¬4) يقف على إجارة الشفيع (¬5). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "الانتصار". (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 376). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) التصرف في جميع هذه الفروع التي ذكرها فيما يتعلق به حق الغير صحيح، ويقف علي الإِجازة، وهذا ما يُعرف عند العلماء بتصرف الفضولي. (ع).

54 - القاعدة الرابعة والخمسون من ثبت له حق في عين وسقط بتصرف غيره فيها؛ فهل يجوز للمتصرف فيها الإقدام على التصرف المسقط لحق غيره قبل استئذانه أم لا؟

(القاعدة الرابعة والخمسون) من ثبت له حق في عين وسقط بتصرف غيره فيها؛ فهل يجوز للمتصرف فيها الإقدام على التصرف المسقط لحق غيره قبل استئذانه أم لا؟ هذا على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون الحق الذي يسقط بالتصرت قد أخذ به صاحبه وتملكه. والثاني: أن يكون قد طالب به صريحًا أو إيماءً. والثالث: أن يثبت له الحق شرعًا ولم يأخذ به ولم يطالب به. فأما الأول؛ فلا يجوز إسقاط حقه ولو ضمنه بالبدل؛ كعتق العبد المرهون إذا قلنا بنفوذه على المشهور من المذهب (¬1)؛ فإنه لا يجوز، ذكره غير واحد من الأصحاب، منهم القاضي وابن عقيل [وصاحب "الكافي"] (¬2)، مع أن عتقه يوجب ضمان قيمته يكون رهنًا؛ لأن فيه إسقاطًا لحقه القائم في العين بغير رضاه، وكذلك إخراج الرهن بالاستيلاد محرم، ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "المذهب المشهور". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). وانظر: "الكافي" (2/ 143 - 144).

ولأجله منعنا أصل الوطء. وكذلك ينبغي أن يكون عتق المفلس المحجور عليه إذا نفذناه؛ لأن غرماءه قد قطعوا تصرفه فيه بالحجر وتملكوا المال، وقد ذكره ابن عقيل أيضًا في تبذيره قبل الحجر، وذكر القاضي في "خلافه": أن ظاهر كلام أحمد جواز عتق الراهن؛ كاقتصاصه من أحد عبيده المرهونين إذا قتله الآخر، ولم يذكر [بذلك] (¬1) نصًّا، ولعله أخذه من قوله بنفوذ العتق ولا يدل. وأما اقتصاص الراهن من العبد المرهون أو من قاتله؛ [فقد] (¬2) صرح القاضي [ها هنا] (¬3) وابن عقيل بأنه لا يجوز؛ لأن فيه تفويتًا لحق المرتهن من [عين الرهن] (¬4) أو قيمته الواجبة له؛ [فأوجبنا] (¬5) على الراهن قيمته تكون رهنًا. وصرحا أيضًا بأن العتق [ها هنا] (¬6) لا يجوز، وإنما ذكرا جوازه في مسألة العتق، وظاهر كلام أحمد جواز القصاص (¬7)؛ فيكون الفرق بين القصاص والعتق أن وجوب القصاص تعلق بالعبد تعلقًا يقدم به على حق المرتهن، بدليل أن حق الجاني مقدم على المرتهن لانحصار حقه فيه، ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "لذلك". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "وقد". (¬3) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬4) في المطبوع: "غير الراهن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) كذا في (ب)، وفي (أ): "وأوجب"، وفي المطبوع و (ج): "وواجبًا". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬7) نقله المرداوي في "الإنصاف" (5/ 182) عن المصنف.

بخلاف المرتهن، وهذا مفقود في العتق. وأما الثاني؛ فلا يجوز أيضًا، ومنه خيار البائع المشترط في العقد لا يجوز للمشتري إسقاطه بالتصرف في المبيع، وإن (¬1) قلنا: إن الملك له؛ فإن اشتراطه الخيار في العقد تعريض بالمطالبة بالفسخ. وأما الثالث؛ ففيه خلاف، والصحيح أنه لا يجوز أيضًا، ولهذا [لم يجز] (¬2) إسقاط خياره الثابت في المجلس بالعتق ولا غيره، كما لو اشترطه. ويندرج في صور الخلاف مسائل: - منها: مفارقة أحد المتبايعين الآخر في المجلس بغير إذنه خشية أن يفسخ الآخر، وفيه روايتان: إحداهما: يجوز؛ لفعل ابن عمر (¬3). ¬

_ (¬1) في (ج): "ولو". (¬2) في المطبوع: "لا يجوز"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب البيوع، باب كم يجوز الخيار، 4/ 326/ رقم 2107) عقب حديث ابن عمر: "إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرَّقا أو يكون البيع خيارًا"، قال: "قال نافع: وكان ابن عمر: إذا اشترى شيئًا يُعجبه فارق صاحبَه". وأخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمبايعين، 3/ 1164/ رقم 1531) بعد (45) عقب نحو حديث ابن عمر السابق، وفي آخره: "قال نافع: فكان إذا بايع رجلًا فأراد أن لا يُقيله؛ قام فمشى هُنَيَّةً، ثم رجع إليه". وكذا عند النسائي في "المجتبى" (7/ 248 - 249)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 268، 272)، والترمذي في "جامعه" (رقم 1245)، ولفظه: "فكان ابن عمر =

والثانية: لا يجوز؛ لحديث عَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[قال: "و] (¬1) لا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله" (¬2)، وهو صريح في التحريم، وهو اختيار أبي بكر وصاحب "المغني" (¬3). - ومنها: تصرف المشتري في الشِّقْص المشفوع بالوقف قبل الطلب ينبغي أن يخرج على الخلاف في التي قبلها، وصرح القاضي بجوازه، وظاهر كلامه في مسألة التحيل على إسقاط الشفعة تحريمه، وهو الأظهر، ويدل عليه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الشريك حتى يعرض على ¬

_ = إذا ابتاع بيعًا وهو قاعد، قام ليجب له البيع"، وقال: "حديث حسن صحيح". وقد خرَّجتُ حديث ابن عمر المرفوع في تعليقي على "الموافقات" للشاطبي (1/ 425)، وللَّه الحمد. (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) أخرجه أبو داود في "سننه" (رقم 3456)، والنسائي في "المجتبى" (7/ 251 - 252)، والترمذي في "الجامع" (رقم 1247)، وأحمد في "المسند" (2/ 183)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 620)، والدارقطني في "السنن" (3/ 50)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 271)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وإسناده صحيح. وفي الباب عن ابن عمر -ومضى في الهامش السابق-، وحكيم بن حزام، وسمرة بن جندب، وأبي بَرْزَة الأسلمي، وأبي هريرة رضي اللَّه عنهم. (¬3) قال ابن قدامة في "المغني" (4/ 7/ 2756): "وظاهر الحديث تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشية من فسخ البيع"، ثم قال: "والأول [أي: عدم جواز المفارقة] أصح؛ لأن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقدم على فعل ابن عمر، والظاهر أن ابن عمر لم يبلغه هذا، ولو علمه، لما خالفه".

شريكه ليأخذ أو يذر (¬1)، مع أن حقه من الأخذ لا يسقط بذلك، [فالأولى] (¬2) أن ينهى عما يسقط حقه بالكلية. - ومنها: وطء العبد زوجته الأمة إذا عتقت ولم تعلم بالعتق ليسقط اختيارها للفسخ، الأظهر تخريجه على الخلاف [أيضًا] (¬3)، وقال الشيخ مجد الدين في "تعليقه على الهداية": قياس مذهبنا جوازه. وفيما قاله نظر. ¬

_ (¬1) أخرج مسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب الشُّفعة، 3/ 1229/ رقم 1608)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الشفعة، باب من باع رباعًا فليؤذن شريكه، 2/ 833/ رقم 2492)، وأحمد في "المسند" (3/ 312، 397)، وأبو يعلى في "المسند" (رقم 2171)، وابن حبان في "الصحيح" (5179 - الإحسان)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 125)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (رقم 2701)، والبغوي الفراء في "شرح السنة" (رقم 2173)، وابن مردويه في "أحاديث منتقاة" (رقم 42 - بتحقيقي)، عن جابر بن عبد اللَّه مرفوعًا: "من كان له شريك في رِبْعَةٍ أو نخلٍ، فليس له أن يبيع حتى يؤذِنَ شريكه، فإن رَصِيَ أخذ، وإنْ كَرِه ترك". لفظ مسلم. وله أيضًا بلفظ: "قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشُّفعة في كلِّ شركةٍ لم تُقْسَم، رِبْعَةٍ أو حائط، لا يحلُّ له أن يبيع حتى يُؤذِنَ شريكه، فإن شاء أخذ وإنْ شاء ترك، فإذا باع ولم يُؤذِنْه، فهو أحقُّ به". ولمسلم عنه لفظ ثالث: "الشُّفعة في كلِّ شِرْكٍ في أرضٍ أو رَبْعٍ أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يَعْرِض على شريكه فيأخذ أو يدع، فإن أى فشريكهُ أحقُّ به حتى يُؤذِنه". وفي الباب عن ابن عباس خرجته في "تالي التلخيص" (رقم 89) للخطيب البغدادي. والرِّبْعة -بفتح الراء وإسكان الباء-: الدار والمسكن ومطلق الأرض، وأهله المنزل الذي كانوا يرتبعون فيه. (¬2) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "فأولى". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج) والمطبوع.

- ومنها: تصرف الزوجة في نصف الصداق إذا طلق الزوج قبل الدخول، وقلنا: لم يملكه [قهرًا] (¬1)؛ فإنه لا يجوز، صرح به في "المحرر" (¬2)، فأما تصرف أحد المتبايعين فيما بيده من العوض إذا استحق الآخر رد ما بيده بعيب أو خلف في صفة، فيجوز، ذكره القاضي في "خلافه"؛ لأن تصرفه لا يمنع حق الآخر من رد ما بيده، فإذا ردَّهُ، استحقَّ الرُّجوع بالعوض الذي بدله إن كان باقيًا، وإلا؛ رجع ببدله، وقياس هذا أن للبائع التصرف في الثمن في مدة الخيار، وظاهر كلام أحمد في رواية [الأثرم] (¬3) أن للبائع التصرف في (¬4) الثمن في مدة الخيار، إلا أن يتخذ حيلة على أن يقرض غيره مالًا ويأخذ منه ما ينتفع به [على] (¬5) صورة البيع ويشترط الخيار ليرجع فيه، وإن كان على غير وجه الحيلة، فيجوز، ولم يمنعه من التصرف في الثمن. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "مهرًا"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) انظر: "المحرر" (2/ 33) للإمام مجد الدين أبي البركات. (¬3) في المطبوع: "الأثرمي"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في المطبوع: "فيه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج) والمطبوع.

55 - القاعدة الخامسة والخمسون من ثبت له حق التملك بفسخ أو عقد؛ هل يكون تصرفه [تملكا] أم لا؟ وهل ينفذ تصرفه أم لا؟

(القاعدة الخامسة والخمسون) من ثبت له حق التملك بفسخ أو عقد؛ هل يكون تصرفه [تملكًا] (¬1) أم لا؟ وهل ينفذ تصرفه أم لا؟ [المشهور من المذهب] (¬2) أنه لا يكون تملكًا، ولا ينفذ، وفي بعض صورها خلاف. - ومن صور المسألة: البائع بشرط الخيار إذا تصرف في المبيع، لم يكن تصرفه فسخًا ولم ينفذ، نص عليه، وقال في رواية ابن القاسم: لا يجوز عتق البائع؛ لأنه غير مالك له في ذلك الوقت، إنما له فيه خيار، فإذا اختاره ثم أعتقه؛ جاز، فأما دون أن يرد البيع؛ فلا. واختلف الأصحاب في المسألة على طرق: أحدها: [أنه] (¬3) لا يكون فسخًا رواية واحدة، وإنما ينفسخ بالقول، وهي طريقة أبي بكر والقاضي في "خلافه" وصاحب "المحرر" (¬4)، وهي أصح، وقد نص أحمد على أن بيعه ليس بفسخ في رواية إسماعيل بن ¬

_ (¬1) في (ج): "فسخًا"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "المذهب المشهور". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) انظر: "المحرر" (1/ 314).

سعيد (¬1)، ونص على أنه إذا وطئ؛ فعليه الحد في رواية مُهنَّأ. والطريقة الثانية: أن المسألة على روايتين، وهي طريقة القاضي في "كتاب الروايتين" (¬2) وأبي الخطاب (¬3) وابن عقيل وصاحب "المغني" (¬4)، ورجح (¬5) أنه فسخ؛ لأن ملك المشتري في مدة الخيار غير مستقر؛ فينفسخ بمجرد تصرف البائع، بخلاف بائع (¬6) المفلس؛ [لأن] (¬7) ملك المفلس تام. والطريقة الثالثة: أن تصرفه فسخ بغير خلاف، كما أن تصرف المشتري إمضاء وإبطال للخيار في المنصوص، وهي طريقة القاضي في "المجرد" والحلواني في "الكفاية" (¬8)، وهي مخالفة للنصوص، ولا يصح ¬

_ (¬1) هو إسماعيل بن سعيد، أبو إسحاق الشَّالنجي، كان عالمًا بالرأي، كبير القدر، روى عن أحمد مسائل كثيرة. له ترجمة في: "طبقات الحنابلة" (رقم 112)، و"المنهج الأحمد" (رقم 328). (¬2) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (1/ 314). (¬3) انظر: "كتاب الهداية" (ص 135). (¬4) انظر: "المغني" (4/ 9 - 10/ 2759). (¬5) في (أ): "ورجحا"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬6) كذا في (أ) و (ب) والمطبوع، وفي (ج) غير واضحة، ولعلها كما في باقي النسخ. (¬7) في المطبوع: "فإن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬8) اسمه "كفاية المبتدئين" لمحمد بن علي بن محمد الحُلْواني (ت 505 هـ)، قال ابن رجب: "له كتاب "كفاية المبتدي" في الفقه، مجلدة". ترجمته في: "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 106)، و"المقصد الأرشد" (290 - 291)، وابنه عبد الرحمن صاحب "التبصرة" مضت ترجمته (ص 268).

اعتبار فسخ البائع بإمضاء المشتري؛ لأن ملك المشتري قائم وملك البائع مفقود. والطريقة الرابعة: أن تصرفه بالوطء فسخ بلا (¬1) خلاف؛ لأنه اختيار، بدليل وطء من أسلم على أكثر من أربع نسق وبغيره، [و] (¬2) فيه الخلاف، وهي طريقة صاحب "الكافي" (¬3). وممن صرح بأن الوطء اختيار القاضي في "المجرد"، وحكاه في "الخلاف" عن أبي بكر في "التنبيه" ولم أجده فيه، ولا يصح إلحاق وطء البائع بوطء من أسلم على أكثر من أربع نسوة؛ لأن ملكه قائم؛ فلذلك (¬4) كان الوطء اختيارًا في حقه، فهو كوطء المشتري ها هنا، والبائع بخلافه، وقد نص أحمد على أن عليه الحد في رواية مهنا. وأما نفوذ التصرف؛ [فممتنع] (¬5) على الأقوال كلها، صرح به الأكثرون من الأصحاب؛ لأنه لم يتقدمه ملك، اللهم إلا أن يتقدمه سبب يوجب الانفساخ كالسوم ونحوه، وذكر الحلواني في "التبصرة" أنه ينفذ، ويتخرج من قاعدة لنا ستذكر (¬6) إن شاء اللَّه تعالى، وهي: أنه هل تكفي مقارنة شروط العقد للعقد في صحته؟ ¬

_ (¬1) في (أ): "بغير". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) انظر: "الكافي" (3/ 75). (¬4) في (أ): "فكذلك". (¬5) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "فهو ممنوع". (¬6) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "سنذكرها".

- ومنها: إذا باع أمة بعبد، [ثم وجد] (¬1) بالعبد عيبًا؛ فله الفسخ واسترجاع الأمة، وكذلك سائر السلع المعيبة إذا علم بها بعد العقد، وليس له التصرف [في عوضه] (¬2) الذي أداه؛ لأن ملك الآخر عليه تام مستقر، فلو أقدم وأعتق الأمة أو وطئها؛ لم يكن ذلك فسخًا، ولم ينفذ عتقه، ذكره القاضي في "خلافه". وذكر في "المجرد" وابنُ عقيل في "الفصول" احتمالًا آخر: أن وطئه يكون استرجاعًا كما في وطء المطلقة الرجعية، ومن أسلم على أكثر من أربع نسوة، وهذا واهٍ جدًّا، فإن الملك عن الرجعية، ومن أسلم عليهن لم يزل، [وها هنا] (¬3) قد زال. - ومنها: [لو] (¬4) باع أمة، ثم أفلس المشتري قبل نقد الثمن والأمة موجودة بعينها، فله استرجاعها بالقول بدون إذن الحاكم على أصح الوجهين، حكاهما القاضي بناءً على نقض حكم الحاكم بخلافه؛ فيكون كالفسخ المجمع عليه، فلا يحتاج إلى حاكم، ولو أقدم على التصرف فيها ابتداءً؛ لم ينفذ، ولم يكن استرجاعًا، وكذلك الوطء، ذكره القاضي في "الخلاف" لتمام ملك المفلس. وفي "المجرد" و"الفصول": أن الوطء استرجاع، وأن فيه احتمالًا ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج): "ووجد". (¬2) في (ج): "بعوضه". (¬3) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: "وهذا". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

آخر بعدمه، ويمكن تخريج هذا الخلاف في سائر التصرفات على طريقة من أثبت الخلاف في تصرف البائع في مدة الخيار؛ لأن ملك المفلس غير تام، بدليل منعه من التصرف في ماله لحق البائع؛ فهو كالمشتري في مدة الخيار؛ غير أن ضعف الملك ها هنا طارئ، وفي مدة الخيار مبتدئ ولا أثر لذلك. - ومنها: تصرف الشفيع في الشِّقص المشفوع قبل التملك؛ هل يكون تملكًا ويقوم ذلك مقام قوله: [تَمَلَّكْتُهُ] (¬1)، أو مقام المطالبة عند من أثبت بها الملك، أو مقام الأخذ باليد عند من أثبت الملك به؟ [يمكن] (¬2) تخريجه على الخلاف في المسألة [التي] (¬3) قبلها، ولا سيما بعد المطالبة؛ لأن حقه استقر وثبت، وانقطع تصرف المشتري. - ومنها: لو وهب الأب لولده شيئًا وقبضه الولد، ثم تصرف الأب فيه بعد القبض؛ هل يكون تصرفه رجوعًا؟ المنصوص أن لا، قال أحمد في رواية أبي طالب: إذا وهب لابنه جارية وقبضها الابن، لم يجز للأب عتقها حتى يرجع فيها، وقال في "رواية ابن هانئ" (¬4): هذه الجارية للابن وأعتق الأب ما ليس له. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ج): "أو تملكه". (¬2) كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب): "فيكون"، وفي المطبوع: "يمكن على". قلت: وكلمة "على" في المطبوع زائدة. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في "رواية ابن هانئ" (2/ 1218/ 12) قال أحمد: "الجارية للابن، وأعتق الأب ما ليس له. قلت: فحديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت ومالك لأبيك"؟ قال أبو عبد اللَّه: من قال: =

وخرج أبو حفص البرمكي في كتاب "حكم الوالدين في مال ولدهما" رواية أخرى: أن العتق صحيح، ويكون رجوعًا، وسيأتي [ذكر أصل هذا التخريج] (¬1) إن شاء اللَّه [تعالى] (¬2). وفي "التلخيص": "لا يكون وطؤه رجوعًا، وهل يكون بيعه وعتقه ونحوهما رجوعًا؟ على وجهين، ولا ينفذ عليهما؛ لأنه لم يلاق (¬3) الملك" [انتهى] (¬4)، ويتخرج وجه بنفوذه؛ لاقتران الملك به كما سبق. - ومنها: لو تصرف الوالد في مال ولده الذي يباح له تملكه قبل التملك؛ لم ينفذ (¬5)، ولم يكن تملكًا على المعروف من المذهب، وأن تملكه لا يحصل بدون القبض الذي يراد [التملك به] (¬6)، وقد نص عليه ¬

_ = إن عتق الأب جائز يذهب إلى هذا، فأما الحسن وابن أبي ليلى يقولان: عتقه عليه جائز، ولا أذهب إليه. قلت لأبي عبد اللَّه: إيش الحجة في هذا؟ فقال: لا يجوز عتقه على ما عتقه الابن وأجازه، وله أن يأخذ من مال ولده ما شاء، وليس لولده أن يمنعه إذا أراد أن يأخذ؛ إلا أن يكون بسرف؛ فله أن يعطيه القوت، ولا أرى أن يعتق على الابن إذا حاز الجارية". ونحوه في "الورع" للمروزي (ص 86 - 87)، وسيأتي تخريج حديث "أنت ومالك لأبيك" بالتفصيل، وهو صحيح. (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "تخريج هذا الأصل". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) في (ب): "لم يلاقي"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬5) بعدها في (أ) و (ج) والمطبوع زيادة: "انتهى". (¬6) في (ج): "به التملك" كذا بتقديم وتأخير.

[أحمد] (¬1) في مواضع؛ لأنه مباح، فلم يتملك بدون قبضه؛ كالاصطياد والاحتشاش، ولم يخرجوا في تملكه [بالقول بمجرده] (¬2) خلافًا من الهبة ونحوها؛ لأن الهبة عقد [من] (¬3) اثنين؛ فيكتفى فيه [بالقول؛ كعقد] (¬4) المعاوضة، وها هنا [إكساب] (¬5) مال مباح من غير عقد؛ فلا يكتفي فيه بدون القبض والحيازة، وما لم [يحز] (¬6)؛ فهو باقٍ على ما كان عليه. وخرج أبو حفص البرمكي رواية أخرى بصحة تصرفه بالعتق قبل القبض، وأخذ ذلك مما رواه المروذي (¬7) عنه: أنه قال: لو أن لابنه جارية فعتقها، كان جائزًا. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وأحمد". وفي "مسائل عبد اللَّه" لأبيه (ص 394/ رقم 1423): "سمعت أبي يقول: الوالد إذا أعتق غلام ابنه لا يجوز ما لم يقضه، فإذا قبضه وأعتق، جاز، وقال: كل شيء يأخذه الرجل من مال ابنه فقبضه؛ فله أن يأكل منه". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "بالقبول"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "بين". (¬4) كذا في (أ) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "بالقبول كعقود". (¬5) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "اكتسابه". (¬6) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "يجز". (¬7) هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز أبو بكر المرّوذي، قال ابن أبي يعلى: "هو المقدّم من أصحاب أحمد لورعه وفضله، وكان إماما يأنس به وينبسط إليه، وهو الذي تولى إغماضه لما مات وغسّله". قال: "وقد روى عنه مسائل كثيرة"، مات سنة (275 هـ)، ودفن عند رِجْل قبر أحمد بن حنبل. انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 56 - 63)، و"تاريخ بغداد" (4/ 423 - 425).

وفي رواية محمد بن الحكم (¬1): يعتق الأب [من] (¬2) مال الابن هو ملك الابن حتى يعتق الأب أو يؤخذ. وفي "رواية الميموني" (¬3): أرى أن ماله يؤخذ منه ويعتق منه؛ إلا أم ولد ابنه. وفي توجيه هذه الرواية طريقان: أحدهما: أن رقيق الابن له فيه [شبهة] (¬4) ملك، ولذلك نفذ [استيلاده فيه] (¬5)، فينفذ عتقه، كعتق [الغانم] (¬6) أمه من المغنم، لكن لا يضمن؛ لأن الأب لا يطالب بما أتلفه من مال ولده. ¬

_ (¬1) هو محمد بن الحكم، أبو بكر الأحول، مات قبل الإمام أحمد بثمان عشرة سنة؛ أي: سنة (223 هـ)، قال الخلال: "لا أعلم أحدًا أشدّ فهمًا من محمد بن الحكم فيما سئل بمناظرةٍ واحتجاج ومعرفةٍ وحفظ، وكان أبو عبد اللَّه -أي: الإمام أحمد- يبوح بالشيء إليه من الفُتيا، لا يبوح به لكل أحد، وكان خاصًّا بأبي عبد اللَّه، وكان له فهم سديد وعلم، وكان ابن عم أبي طالب، وبه وصل أبو طالب إلى أبي عبد اللَّه". انظر: "طبقات الحنابلة" (1/ 295). (¬2) في نسخة (ب): "في"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) هو عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران، أبو الحسن الميموني الرَّقي، له "مسائل الإمام أحمد"، قال الخلال: "في ستة عشر جزءً، منها جزآن كبيران بخط جليل، مئة ورقة أو نحو ذلك"، توفي سنة (274 هـ). انظر: "طبقات الحنابلة" (1/ 212 - 216)، و"المنهج الأحمد" (1/ 249 - 252). (¬4) كذا في (ب)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "شبه". (¬5) في المطبوع: "استيلاؤه"، والصواب ما أثبتناه. (¬6) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

والثاني: أن يقال: وقع الملك مقارنًا للعتق، فنفذ، وهذا القدر من الملك يكتفى به في العتق، كما لو قال لغيره: اعتق عبدك عني وعلي ثمنه، ففعل؛ صح ووقع العتق والملك معًا. ونقل أبو طالب عن أحمد: أنه قال: بيع الأب وشراؤه على ابنه جائز؛ لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت ومالك لأبيك" (¬1)، وظاهر هذه الرواية جواز ¬

_ (¬1) ورد عن جمع من الصحابة، منهم: جابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عمرو، وعبد اللَّه بن مسعود، وأنس بن مالك، وأبو بكر الصِّدِّيق، وعمر بن الخطاب، وسمرة بن جُندب، وعائشة؛ رضي اللَّه عنهم. أما حديث جابر؛ فأخرجه ابن ماجه في "السنن" (رقم 2291)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 158) وفي "المشكل" (4/ 277/ رقم 1598 - ط المحققة)، أو (2/ 230 - ط القديمة)، والطبراني في "الأوسط" (4/ 322/ رقم 3558)، والمخلِّص في "حديثه" (12/ 69/ ب - المنتقى منه) -كما في "الإرواء" (3/ رقم 838) -، وابن عدي في "الكامل" (7/ 2621 - 2622)، من طريق عيسى بن يونس، ثنا يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رفعه. قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" (2/ 202): "إسناده صحيح، ورجاله ثقات على شرط البخاري"، وعزاه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (رقم 196) لبقي بن مخلد من هذا الطريق. وتابع يوسف على وصله: • أبان بن تغلب، عند: الإسماعيلي في "المعجم" (806/ رقم 408)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 1727) وقال: "وهذا الحديث رواه عن ابن المنكدر جماعة، ومن حديث أبان بن تغلب غريب لم يروه غير زهير، وعن زهر عمار بن مطر". قلت: وعمار هالك، وتركه بعضهم. انظر: "اللسان" (4/ 275). • عمرو بن أبي قيس، عند: الخطيب في "الموضح" (2/ 74)، ونقل ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (1631) عن البزار أنه صححه، وقال المنذري: "إسناده ثقات"، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وصححه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الكبرى" (ق 170/ ب). • المنكدر بن محمد بن المنكدر، عند: الطبراني في "الصغير" (2/ 62 - 63) و"الأوسط" (7/ 6566)، وفيه قصة ومعجزة، خرجه من أجلها البيهقي في "الدلائل" ورواه في "السنن" (7/ 481) مختصرًا بدونها، وخرجه أبو الشيخ في "عوالي حديثه" (1/ 22/ أ)، والمعافى بن زكريا في "جزء من حديثه" (ق 2/ أ) مطولًا، وقال الطبراني عقبه: "لا يروى عن محمد بن المنكدر بهذا التمام والشعر إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبيد بن خلصة". والمنكدر ضعفوه من قبل حفظه، وهو في الأصل صدوق. وعبيد بن خلصة لا يعرف، ولم أجد من ترجمه، كذا قال شيخنا في "الإرواء" (3/ 325)، وهو المراد بقول السخاوي في "المقاصد" (101)، وقبله الهيثمي في "المجمع" (4/ 155)، والغماري في "الهداية" (8/ 540): "وفي إسناده من لا يعرف". • هشام بن عروة، أخرجه البزار في "مسنده"، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (8/ 103)، وصححه فيه (8/ 106 و 9/ 417 و 10/ 160 و 11/ 344)، وصححه ابن القطان من هذا الوجه كما في "المقاصد" (ص 100). وقد أعلّ هذه الطريق كثيرٌ من المتقدّمين بمخالفة الثوري وابن عيينة لمن وصلوه، قال أبو حاتم بعد ذكره لمن وصله -وهم الثلاثة المتقدمون-: "هذا خطأ، وليس هذا محفوظًا عن جابر، رواه الثوري وابن عيينة عن ابن المنكدر أنه بلغه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال ذلك. قال أبي: وهذا أشبه"، كذا في "العلل" (1/ 466/ رقم 1399) لابنه. وقال البزار عقبه: "إنما روي عن هشام مرسلًا"، يعني: بدون جابر. ونقل ابن التركماني في "الجوهر النقي" (7/ 481) قول البزار عنه: "ومن صحيح هذا الباب حديث ذكره بقي بن مخلد. . .". قلت: أخرجه الشافعي في "الرسالة" (رقم 1290 - ط شاكر) -ومن طريقه البيهقي في "المعرفة" (1/ 1366/ رقم 263 و 11/ 298/ رقم 15587) -، وسعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2290): أخبرنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، به مرسلًا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأفاد البيهقي قبله أنه لم يقل أحد من أهل الفقه به، وقال بعده: "لا يثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وقال: "وأنّ اللَّه لما فرض للأب ميراثه من ابنه، فجعله كوارثٍ غيره، فقد يكونُ أقلَّ حظًّا من كثير من الورثة؛ دلَّ ذلك على أنّ ابنه مالكٌ للمالِ دونه"، وقال: "ومحمد بن المنكدر غاية في الثقة والفضل في الدين والورع، ولكنا لا ندري عمن قيل هذا الحديث". قال البيهقي في "المعرفة" (1/ 167) عقب قول الشافعي الأخير: "وقد رواه بعض الناس موصولًا بذكر جابر فيه، وهو خطأ". ونقل فيه أيضًا (12/ 158) تضعيف الشافعي له، ونقل الشافعي بناءً على ما تقدم أن أهل العلم أجمعوا على خلافه. قلت: لا يوجد حديث لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أسعد اللَّه عالمًا وقال به، وقد رأيتُ منذ عشر سنوات تقريبًا بحثًا ماتعًا في هذا للسندي في "دراسات اللبيب"، فانظره غير مأمور. والحديث على توجيه الشافعي السابق، ومعارضته له بما فرض اللَّه للأب، مع عدم حفظه من وصله جعله ينحى إلى ضعفه، وزاد البيهقي -نصرةً له ووجد الموصول- أن زيادة "عن جابر" خطأ، وفصَّل في "الكبرى" (7/ 481) منشأ هذا باستشكال، ثم عرَّج على تأويل له، قال: "من زعم أن مال الولد لأبيه احتجَّ بظاهر هذا الحديث، ومن زعم أن له من ماله ما يكفيه إذا احتاج إليه، فإذا استغنى عنه، لم يكن للأب من ماله شيء، احتج بالأخبار التي وردت في تحريم مال الغير، وأنه لو مات وله ابن، لم يكن للأب من ماله إلا السدس، ولو كان أبوه يملك مال ابنه، لحازه كله". ويروى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه قال: "كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين"، وبمثل هدا احتج ابن حزم في "المحلى" (8/ 103 - 106 و 9/ 417 و 10/ 460 و 11/ 344) على أنه منسوخ، وأطال في ذلك. قلت: الحديث الناسخ "كل أحد. . ." ضعيف، أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2293)، والدارقطني في "السنن" (4/ 235)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 481 و 10/ 319)، عن حبان بن أبي جبلة مرفوعًا، وهو ضعيف. حبان من التابعين، ولذا تعقب المناويُّ في "فيض القدير" (5/ 9) السيوطيَّ لما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = رمز لصحته في "الجامع الصغير"، فقال: "أشار المصنف لصحته، وهو ذهول أو قصور؛ فقد استدرك عليه الذهبي في "المهذب"، فقال: قلت: لم يصح مع انقطاعه". وأخرجه البيهقي في "الكبرى" (6/ 178) عن عمر بن المنكدر مرسلًا. ونقل الطحاوي في "المشكل" (4/ 279) عن شيخين له توجيهًا آخر، وهذا نصٌّ كلامه: "سألت أبا جعفر محمد بن العباس (1) عن المراد بهذا الحديث، فقال: المراد به موجود فيه، وذلك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في: "أنت ومالك لأبيك"؛ فجمع في الابن ومال الابن فجعلهما لأبيه، فلم يكن جعله إياهما لأبيه على ملك أبيه إياه، ولكن على أن لا يخرج عن قول أبيه فيه؛ فمثل ذلك قوله: مالك لأبيك، ليس على معنى تمليكه إياه ماله، ولكن على معنى أن لا يخرج عن قوله فيه. وسألت ابن أبي عمران عنه، فقال قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث: "أنت ومالك لأبيك"، كقول أبي بكر رضي اللَّه عنه للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنما أنا ومالي لك يا رسول اللَّه، لما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما نفعي مال ما نفعي مال أبي بكر" (2) انتهى. وقد لخص ابن عبد البر في "الاستذكار" (24/ 142) معنى كلاهما بقوله: "قوله عليه الصلاة والسلام: "أنت" ليس على التميك؛ فكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "ومالك" ليس على التمليك، ولكنه على البر به والإكرام له"، ونحوه عند ابن حبان في "الصحيح" (2/ 143 و 10/ 75 - "الإحسان"). والتوجيه الأول أقرب، لزيادة وردت في حديث عائشة وستأتي، واللَّه الموفق. والخلاصة: الحديث صحيح بمجموع طرقه، قال ابن حجر في "الفتح" (5/ 211): "فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة، وجواز الاحتجاج به"، وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (100 - 102) بعد أن سرد طرقه: "والحديث قوي". أما شواهده: فحديث ابن عمر، وله أربع طرق: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الأولى: ما أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 1/ 406): قال لي محمد ابن مهران وأبو يعلى في "المسند" (10/ 98 - 99/ رقم 5731): حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة، وابن معين في "تاريخه" (4/ 156 - 157/ رقم 3685)، ثلاثتهم قال: حدثنا معتمر بن سليمان؛ قال: فيما قرأت على فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن إسحاق: أنه حدثه أن عبد اللَّه بن عمر. . . (وذكر نحوه). وقال ابن أبي سمينة: "عن أبي إسحاق" بزيادة "أبي". قال الدوري في "تاريخه" عقبه: "قلتُ ليحيى: ابن أبي سمينة البصري حدثنا به عن معتمر يقول: عن أبي إسحاق؟! فأخرج يحيى "كتاب معتمر"؛ فإذا فيه: "أن إسحاق حدثه"". قلت: يتأكد ذلك أن البخاري أورده في (ترجمة إسحاق) في (باب ومن أفناء الناس)، وإسحاق هذا في عداد المجاهيل، وقد خفي ذلك على شيخنا الألباني في "الإرواء" (3/ 328)؛ فقال: "وهذا سند حسن في المتابعات، رجاله كلهم ثقات؛ غير أبي حريز، واسمه عبد اللَّه بن حسين، قال الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ". قلت: نعم، أبو حريز وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وضعّفه أحمد وغيره؛ ولكن لم ينتبه لإسحاق وأثبته (أبو إسحاق)، مع عزوه له لـ"تاريخ ابن معين"، ولم يلتفت لمقولة الدوري عقبه آنفة الذكر، ولم يعزه لـ"تاريخ البخاري". وعلى فرض أنه (أبو إسحاق) -وهيهات-، فهو السبيعي. ونقل ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص 146) عن أبيه قوله: "لم يسمع أبو إسحاق من ابن عمر، إنما رآه رؤية". وأخرج أحمد في "الورع" (رقم 396): حدثنا معتمر -كذا-، قال: قرأتُ على الفضيل أن أبا إسحاق -كذا بزيادة (أبي) وإسقاط (أبي حريز)، ولعله من المحقق؛ فالكتاب مليء بمثل هذا على جودة مادته ونفاسته، ولا قوة إلا باللَّه. الثانية: أخرج البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 1/ 406)، وابن قتيبة في "عيون الأخبار" (3/ 86 - ط المصرية، و 3/ 98 - ط دار الكتب العلمية)؛ من طريق عبد الأعلى: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثنا سعيد، عن مطر، عن الحكم بن عتيبة، عن النخعي، عن ابن عمر رفعه، وفي آخره: "أوما علمت أنك ومالك لأبيك؟! " لفظ ابن قتيبة، ولم يورد البخاري لفظه. الثالثة: أخرجه البزار في "مسنده" -كما في "نصب الراية" (3/ 339) - من طريق ميمون بن زيد، عن عمر بن محمد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر، فذكره وقال: "لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد، وعمر بن محمد فيه لين". قلت: ورد عن ابن عمر من غير هذا الإسناد، فليس الأمر كما قال البزار، وميمون ليّنه أبو حاتم، وعزاه الغماري في "الهداية" (8/ 542) من هذا الطريق للطبراني في "الكبير"، وما إخاله إلا وهم. الرابعة: أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 5132) من طريق محمد بن أبي بلال، ثنا خلف بن خليفة، عن محارب بن دثار، عنه مرفوعًا بلفظ: "الولد من كسب الوالد". قال شيخنا الألباني في "الإرواء" (3/ 328): "وابن أبي بلال هذا لم أعرفه". قلت: هو محمد بن بكار بن بلال العاملي، وسيأتي عنه في حديث عمر. وقد خالفه سعيد بن منصور، فأخرجه في "سننه" (رقم 2295): نا خلف بن خليفة؛ قال: سمعت واللَّه محارب بن دثار رفعه، وهو مرسل، وهو الأشبه في هذا الطريق. وحديث عبد اللَّه بن عمرو، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 161) من طريق جريج، وأحمد في "المسند" (2/ 214) وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 995) والبيهقي في "معرفة السنن" (11/ 300/ رقم 15596) وفي "الكبرى" (7/ 480) من طريق عُبيد اللَّه بن الأخنس، وأبو داود في "السنن" (رقم 3530) وابن خزيمة -كما في "الهداية" (8/ 541) - والبيهقي في "الكبرى" (7/ 480) من طريق حبيب المعلم، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 158) من طريق حسين -وأخشى أن يكون تصحيفًا عن (حبيب) - المعلم، وأحمد في "المسند" (2/ 214) وابن ماجه في "السنن" (رقم 2292) من طريق حجاج بن أرطأة، كلهم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: "أتى أعرابي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: إن أبي يريد أن يجتاح مالي. قال: أنت ومالك لوالدك، إنَّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أموال أولادكم من كسبكم؛ فكلوه هنيئًا". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرجه أبو بكر الشافعي في "حديثه" (2/ ب)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 22)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (12/ 49)، والأبهري في "الفوائد" (2/ أ)، والسِّلفي في "الطيوريات" (ج 7/ ق 115/ ب)، وابن النقور في "القراءة على الوزير" (2/ 20/ ب) -كما في "الإرواء" (3/ 225) -، من طريق قتادة، عن عمرو بن شعيب، به مختصرًا مقتصرًا على: "أنت ومالك لأبيك" من غير ذكر الرجل أو الأعرابي. قال البيهقي في "المعرفة" (1/ 167/ رقم 266): "وقوله: "إن لأبي مالًا" ليس في أكثر الروايات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده". قلت: تبرهن لك خلاف ذلك؛ فهذا القول سقط من رواية قتادة فحسب، وهو في رواية خمسة من أصحاب عمرو بن شعيب، فتبّه، وقال البيهقي ما قال تعقيبًا على مقولة الشافعي السابقة في حديث جابر. وحديث عبد اللَّه بن مسعود، أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 472/ رقم 1416)، والطبراني في "الصغير" (1/ 8) و"الأوسط" (1/ 67/ رقم 57) و"الكبير" (10/ 99/ رقم 10019) و"مسند الشاميين" (3/ رقم 2481)، والمعافى بن زكريا في "جزء من حديثه" (ق 2/ أ)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2398)، وعبد الأعلى بن مسهر في "نسخته" (رقم 48)؛ من طرق عن أبي مطيع معاوية بن يحيى، ثنا إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، عن غيلان بن جامع، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهم النخعي، عن ابن مسعود، به. قال الطبراني: "لا يروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن ذي حماية، وكان من ثقات المسلمين". قلت: ابن ذي حماية تحرف في "المجمع" (4/ 154) إلى "حماد"، وقال الهيثمي: "لم أجد من ترجمه"، وتوثيق الطبراني السابق عزيز، وهو مترجم في "التاريخ الكبير" (1/ 1/ 304 - 305). وقال الهيثمي: "وبقيّة رجاله ثقات". قلت: معاوية بن يحيى وحماد بن أبي سليمان، كلاهما صدوق، له أوهام، وأعله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أبو حاتم الرازي بكلام سيأتي في حديث عائشة رضي اللَّه عنها. وحديث أنس بن مالك، أخرجه أبو بكر الشافعي في "فوائده" (رقم 88 - بتحقيقي - انتقاء الدارقطني "الرباعيات")، وفيه الحباب بن فضالة؛ ضعيف. وحديث أبي بكر الصِّدِّيق، (أو حديث رجل مبهم رفعه للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحضرة أبي بكر)، أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 448 - 449/ رقم 810)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 481) و"المعرفة" (11/ 300/ رقم 15597). وإسناده ضعيف؛ فيه المنذر بن زياد، قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد إلا المنذر بن زياد". قلت: وهو متروك كما قال الدارقطني، وكذا في "المجمع" (4/ 155)، وقال البيهقي: "غير قوي". وحديث عمر بن الخطاب، أخرجه البزار في "البحر الزخار" (1/ 419 - 420/ رقم 295)، وابن عدي في "الكامل" (3/ 1212)، والدارقطني في "الأفراد" (ق 20/ ب)؛ من طريق محمد بن بلال، نا سعيد بن بشير، عن مطر، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، به. قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إلا من هذا الوجه، وقد رواه غير مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده". وقال الدارقطني: "تفرد به مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عنه، ولم يروه عنه غير سعيد بن بشير". وقال ابن عدي: "ولا أدري تشويش هذا الإسناد ممن هو؛ لأنّ هذا الحديث يرويه جماعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا أعلم رواه عن سعيد بن المسيب عن عمر إلا من حديث سعيد بن بشير هذا". وقال: عن سعيد بن بشير: "ولعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط". وقال أبو حاتم في "العلل" (2/ 469/ رقم 1408) لابنه عن طريق حديث عمر: "هذا خطأ، إنما هو عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ونحوه في "مسند الفاروق" لابن كثير (2/ 557). وقال الهيثمي في "المجمع" (2/ 84): "وسعيد بن المسيب لم يسمع من عمر". قلت: وقع خلاف في ذلك، ورجح المزي وابن حجر أنه روى عنه وسمع منه، وليس هذا موطن التفصيل. وحديث سمرة بن جندب، أخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم 7084) و"الكبير" (7/ 230/ رقم 6961)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/ 234)، والبزار في "مسنده" (رقم 1260 - "زوائده") -كما في "نصب الراية" (3/ 338) -، من طريق أبي مالك الجوداني -واسمه عبد اللَّه بن إسماعيل-، عن جرير بن حازم، عن الحسن، به. وإسناده ضعيف ومنقطع، الحسن لم يسمع من سمرة الا حديث العقيقة، وعبد اللَّه بن إسماعيل "تفرد به" كما قال الطبراني، وقال العقيلي عنه: "عن جرير منكر الحديث، لا يتابع على شيء من حديثه". قلت: والحقيقة أنه توبع، ولكن المتابعة عدم، فأخرجه ابن بشران في "الأمالي" (ق 56/ أ) من طريق عبد اللَّه بن حرمان الجهضي، عن جرير، به. وابن حرمان لم أظفر به. حديث عائشة رضي اللَّه عنها، قال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/ 234) عقب حديث سمرة السابق: "وفي هذا الباب أحاديث من غير هذا الوجه، وفيها لين، وبعضها أحسن من بعض، ومن أحسنها حديث الأعمش، عن منصور، عن عمارة بن عمير، عن عمّته، عن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أولادكم من كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم". قلت: أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ ونحوه سعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2287 - ط الأعظمي)، وإسحاق بن راهويه في "المسند" (رقم 1508، 1657)، والدارمي في "السنن" (2/ 247)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 1/ 406 - 407)، وأبو داود في "السنن" (رقم 3528، 3529)، والنسائي في "المجتبى" (7/ 240، 241)، والترمذي في "الجامع" (رقم 1358)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 3137، 2290)، وأحمد في "المسند" (6/ 31، 41، 127، 162، 193، 201، 202 - 203)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والحميدي في "المسند" (246)، والطيالسي في "المسند" (رقم 1580)، وابن حبان في "الصحيح" (10/ 72 - 73/ رقم 4259 - "الإحسان")، والحاكم في "المستدرك" (2/ 45، 46)، والسهمي في "تاريخ جرجان" (239)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 480) و"المعرفة" (11/ 298 - 299/ رقم 15589، 15590)، من طريق عمارة، به. قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. قلت: عمة عمارة لم أهتد إليها، وفي بعض الروايات "عن أمه"، وأم عمارة كعمته، وفي "المستدرك": "عن أبيه" بدل "عن عمته"، ولكنها توبعت، تابعها الأسود عن عائشة كما عند سعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2288)، وإسحاق في "مسنده" (رقم 1507، 1561)، والنسائي في "المجتبى" (7/ 241)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 2137)، وأحمد في "المسند" (6/ 42، 220)، وابن حبان في "الصحيح" (10/ 74/ رقم 4260، 2461 - "الإحسان")، والبيهقي في "المعرفة" (11/ 299/ رقم 15593)، والرامهرمزي في "المحدث الفاضل" (ص 76)، وإسناده صحيح. وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2289) عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عائشة قولها. وعدّ أبو حاتم الرازي -كما في "العلل" (1/ 472/ رقم 1416) - طريق أبي مطيع معاوية -وفي المطبوع بينهما (ابن)؛ فلتحذف) -، عن ابن أبي حماية، به إلى ابن مسعود رفعه بلفظ: "أنت ومالك لأبيك"، خطأ، قال: "إنما هو حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة". قلت: زاد فيه حماد عن إبراهيم: "إذا احْتَجْتُم" قال الثوري: وهذا وهم من حماد، وقال أبو داود: "هو منكر"، قاله البيهقي في "المعرفة" (11/ 299). وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/ 284)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 480)؛ من طريق إبراهم بن ميمون الصائغ، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود عنها، بلفظ: "إنّ أولادكم هبة اللَّه لكم، {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = [الشورى: 49]؛ فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها". وإسناده صحيح، وفيه فائدة فقهية هامة، وهي أنه يبيّن أن الحديث المشهور "أنت ومالك لأبيك" ليس على إطلاقه، بحيث إن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه، أفاده شيخنا الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2564). انظر عن معناه: "بر الوالدين" للطَّرْطُرشي (ص 183 - 185). وورد عن عائشة باللفظ الذي أورده المصنف من ثلاثة طرق: الأولى: ما أخرجه ابن حبان في "الصحيح" (2/ 142/ رقم 410 - "الإحسان"، و 10/ 74 - 75/ رقم 4262 - "الإحسان") من طريق حصين بن المثَّنى، حدثنا الفضل ابن موسى، عن عبد اللَّه بن كيسان، عن عطاء، به. وإسناده ضعيف، الحصين مترجم في "الجرح والتعديل" (3/ 167)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وابن كيسان ضعّفه أبو حاتم والنسائي، وقال العقيلي: "في حدثه وهم كثير". والعجب من ابن الملقن؛ فإنه اقتصر عليه في "تحفة المحتاج" (2/ 377) وقال: "وهو أصحّ طرقه الثمانية"، ولكنه قال في "خلاصة البدر المنير" (رقم 1999): "له سبعة طرق أخر، موضّحة في الأصل، وأصحها هذا وطريق جابر". وانظر: "الإرواء" (6/ 66 - 67). الثانية: أخرجه ابو القاسم الحامض في "حديثه" -كما في "المنتقى منه" (2/ 8/ 1) -: حدثنا إبراهيم بن راشد، ثنا أبو عاصم، عن عثمان بن الأسود. قلت: وإبراهيم بن راشد هو الأدمي، قال ابن أبي حاتم (1/ 1/ 99): "كتبنا عنه ببغداد، وهو صدوق". قلت: وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين، غير الأسود، وهو ابن موسى بن باذان المكي، لم أجد له ترجمة، وقد ذكره في "التهذيب" في جملة من روى عنهم ابنه عثمان، قاله شيخنا في "الإرواء" (3/ 326). الثالثة: أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/ 747) من طريق الحسن بن عبد الرحمن، ثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رفعته، وقال عقبه: "وهذا =

الأقدام على التصرف في ماله ونفوذه وحصول [التملك] (¬1) به. وفي "التنبيه" لأبي بكر: بيع الأب على ابنه وعتقه وصدقته ووطء ¬

_ = حديث ليس له أصل عن وكيع، وإنما يروي هذا عن عبد اللَّه بن عبد القدوس عن هشام بن عروة". قلت: والحسن بن عبد الرحمن الاحتياطي يسرق الحديث، منكر عن الثقات. انظر: "اللسان" (2/ 218)، و"تاريخ بغداد" (7/ 337). وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/ 611)، والخطيب في "تالي التلخيص" (رقم 310 - بتحقيقي)؛ من طريقين عن الحارث بن عبيدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وفيه: "اردد على أبيك ما حبست عنه، فإنك ومالك كسهم من كنانته". والحارث هو الكلاعي، ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 224): "يأتي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد"، وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 81): "شيخ ليس بالقوي". وورد عن عائشة مرفوعًا بلفظ: "يد الوالد مبسوط في مال ولده، وإنْ أمرك أن تخرج من أهلك، فاخرج منها". أخرجه أبو الشيخ في "الفوائد" (رقم 22) بسندٍ ضعيف ومنقطع. وورد أيضًا عن مبهمين من الصحابة رضي اللَّه عنهم، أحدهما أنصاري، عن سعيد ابن منصور في "سننه" (رقم 2291، 2292)، ومن مرسل محمد بن المنكدر وعمر بن المنكدر ومضيا عند كلامي على حديث جابر، ومن مرسل محارب بن دثار، ومضى عند الكلام على حديث ابن عمر، ومن مرسل المطلب بن عبد اللَّه بن حَنْطب، عند: أبي عبيد في "المواعظ والخطب" (رقم 17)، وفيه: "وأطع والديك، وإنْ أمراك أن تخرج من مالك؛ فاخرج منه". والخلاصة: أن الحديث صحيح بمجموع طرقه هذه؛ كما أسلفت، وهذا ما قال به ابن حجر وتلميذه السخاوي، واللَّه الموفق. (¬1) في المطبوع: "التصرف"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

إمائه ولم (¬1) يكن الابن قد وطئ؛ جائز، ويجوز له بيع عبيده وإمائه وعتقهم. ولهذا القول مأخذان أيضًا: أحدهما: أن الملك يقترن بالتصرف، فينفذ كما في نظيره (¬2). والثاني: أن هذا تملك قهري في مال معين؛ فيكتفى فيه بالقول الدال على التملك كما [تملك] (¬3) الهبة المعينة بمجرد القبول على رواية، ولهذا حكى طائفة من الأصحاب في بيع المباحات النابتة والجارية في الأرض المملوكة قبل حيازتها روايتين، ولم يذكروا خلافًا في أنها عين (¬4) مملوكة. وممن سلك هذا المسلك صاحب "المقنع" (¬5) في (كتاب البيع) وصاحب "المحرر" (¬6)، ووجه صحة البيع على هذا: أنه مقدور على تسليمه، وليس [ملكًا] (¬7) لغيره؛ فهو كالمملوك [له] (¬8)، وهو قريب من بيع الصكاك قبل استحقاقها، وقد تقدم الخلاف فيها. وأما تصرف الأب في أمة ولده بالوطء قبل القبض، فإن أحبلها؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ما لم". (¬2) في (ج): "نظائره". (¬3) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "ملك". (¬4) في (أ) و (ب): "غير"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) انظره: (4/ 22 - 23 - مع شرحه "المبدع"). (¬6) لا يلزم من قول المؤلف رحمه اللَّه: "صاحب المحرر" أنه في "المحرر". (¬7) كذا في (أ) و (ب)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (ج): "مملوكًا". (¬8) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

صارت أم ولد له، وإن لم يحبلها، فإن قلنا: لا يملك الأب مال ولده إلا بالقبض؛ لم يملكها حتى يقبضها، وإن قلنا: يملك بمجرد التصرف؛ صارت ملكًا له بالوطء بمجرده. ونقلت من خط القاضي -وذكر أنه نقله من خط ابن شاقلا-: قال الشيخ (يعني: أبا بكر عبد العزيز) روى الأثرم: أن المرأة إذا وطئها زوجها وانقضت العدة ثم تزوجت، فإن أتت بولد لستة أشهر، فتداعياه (¬1) جميعًا؛ أرى القافة، وقال: إذا وطء الرجل جارية ابنه وإن كان الابن قد وطئ؛ فلا حد على الأب لأنها بنفس الوطء ملك له. قال الشيخ [تقي الدين] (¬2): في نفسي من مسألة الأثرم شيء. انتهى. فإن كان قوله: إذا وطئ الرجل جارية ابنه. . . إلى آخره من تمام رواية الأثرم؛ فيكون ذلك منصوصًا عن أحمد، وإلا؛ فهو من كلام أبي بكر، وهو موافق لما ذكره في "التنبيه" كما حكيناه عنه. وقوله: وإن كان الابن قد وطئ؛ يريد أن تملكها يثبت مع وطء الابن. فأما ثبوت الاستيلاد؛ ففيه خلاف في المذهب، ونقل ابن منصور (¬3) عن أحمد كلامًا يدل بمفهومه على أنها لا تصير مستولدة له، وهو ظاهر كلام ¬

_ (¬1) في (ب): "فتلاعناه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). وفي "مجموع الفتاوى" (32/ 352) كلام قريب من ذلك؛ فليراجع. (¬3) وهو فيه في القسم المفقود، ولم يطبع منه إلا قسم البيوع.

ابن أبي موسى، والمرجح عند صاحب "المغني" (¬1) أنها تصير مستولدة؛ لأن التحريم لا ينافي الاستيلاد؛ كالأمة (¬2) المشتركة، ولكن بينهما فرق، وهو أن هذه محرمة على التأبيد، بخلاف المشتركة. وقد نص أحمد على أن النسب لا يلحق بوطء الأمة المزوجة؛ وإن كان زوجها صغيرًا لا يولد لمثله في "رواية حرب" (¬3) و"ابن بختان"، وذكره أبو بكر وابن أبي موسى؛ فلمؤبدة التحريم أولى. هذا كله ما لم يكن الابن قد استولدها، فإن كان استولدها؛ لم ينتقل الملك فيها باستيلاد غيره كما لا ينتقل بالعقود، وذكر ابن عقيل في "فنونه" أنها تصير مستولدة لهما جميعًا (¬4)، كما لو وطئ الشريكان أمتهما في طهر واحد، وأتت بولد ألحقته القافة بهما، لكن في مسألة القافة حكم [باستيلادها لهما] (¬5) دفعة واحدة، وفي مسألتنا قد ثبت استيلاد الابن أولًا لها؛ فلا ينتقل إلى غيره؛ إلا أن يقال: أم الولد تملك بالقهر على رواية، والاستيلاد سبب قهري. - ومنها: تصرف السيد في مال عبده الذي ملكه إياه وقلنا يملكه، ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (7/ 115/ 5426). (¬2) في المطبوع: "وكالأمة"، والصواب حذف الواو. (¬3) نحوه في "الفنون" (1/ 162 - 163/ 165) لابن عقيل. (¬4) هو حرب بن إسماعيل بن خلف، أبو محمد الحنظلي الكرماني، قال الذهبي: "مسائل حرب من أنفس كتب الحنابلة، وهو كبير في مجلَّدين"، توفي سنة (280 هـ). انظر: "طبقات الحنابلة" (1/ 145 - 146)، و"المنهج الأحمد" (1/ 394 - 395)، و"السير" (13/ 244 - 245). (¬5) في المطبوع: "باستيلادهما لها"! والصواب ما أثبتناه.

ظاهر كلام أحمد أنه ينفذ ويكون استرجاعًا لتضمنه إياه، وذكر القاضي في "الجامع [الكبير] (¬1) ": أنه يحتمل حمله على أنه سبق رجوعه التصرفُ؛ لينفذ. - ومنها: تصرف الموصى له [في الوصية] (¬2) بعد الموت؛ هل يقوم مقام القبول؟ الأظهر قيامه مقامه؛ لأن سبب الملك قد استقر له استقرارًا لا يمكن إبطاله، وقد [ملك] (¬3) بالموت على أحد الوجوه، وهو منصوص عن أحمد، ومثله الوقف على معين إذا قيل باشتراط قبوله. فأما العقود التي تملك [له] (¬4) موجبها الرجوع فيها قبل القبول؛ فهل يقوم التصرف فيها مقام القبول؟ فيه تردد يلتفت إلى انعقاد العقود بالمعاطاة. فأما الوكالة؛ فيصح [فيها] (¬5) قبولها بالفعل، صرح به الأصحاب؛ لأنها إذن مجرد وأمر بالتصرف، فيصح امتثاله بالفعل، وهل يساويها في ذلك سائر العقود الجائزة؛ كالشركة والمضاربة والمساقاة؟ ظاهر كلام [صاحب] (¬6) "التلخيص" أو صريحه: المساواة، وحكى ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "بالوصية". (¬3) في المطبوع: "كمل"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج) فقط. (¬5) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

القاضي في "الأحكام السلطانية" (¬1) في صحة قبول القاضي القضاء بشروعه (¬2) في النظر احتمالين، وجعل مأخذهما: هل يجري الفعل مجرى النطق لدلالته عليه؟ ويحسن بناؤهما على أن ولاية القضاء عقد جائز أو لازم. - ومنها: المطلقة الرجعية؛ هل تحصل رجعتها [بالوطء] (¬3)؟ على روايتين، مأخذهما عند أبي الخطاب الخلاف في وطئها؛ هل هو [مباح أو محرم] (¬4)؟ والصحيح بناؤه على اعتبار الإشهاد [للرجعة] (¬5) وعدمه، وهو البناء المنصوص عن الإمام، ولا عبرة بحل الوطء ولا عدمه، فلو وطئها في [حيض] (¬6) أو غيره؛ كانت رجعة، وهل يشترط أن (¬7) ينوي بالوطء الرجعة أم لا؟ نقل ابن منصور عن أحمد اعتباره، وهو اختيار ابن أبي موسى، والمذهب عند القاضي ومن اتبعه خلاف ذلك، ولكن الرجعية لم يزل النكاح عنها بالكلية، وإنما حصل له تشعث، لكن الرجعة يترتب عليها الاستباحة حقيقةً في المدة الزائدة على العدة. ¬

_ (¬1) انظر: "الأحكام السلطانية" (ص 64). (¬2) في (ج): "بشروطه"!! (¬3) في المطبوع و (أ): "الوطء"! والصواب ما أثبتناه. (¬4) في (ب): "محرم أو مباح" هكذا بتقديم وتأخير. (¬5) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "للرجعية". (¬6) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ج) و (ب): "الحيض". (¬7) في المطبوع: "يشترط غيره أن"، و"غيره" زائدة لا معنى لها.

56 - القاعدة السادسة والخمسون شروط العقود من أهلية العاقد، [و] المعقود له أو عليه إذا وجدت مقترنة بها ولم تتقدم عليها، هل يكتفى بها في صحتها، أم لا بد من سبقها؟

(القاعدة السادسة والخمسون) شروط العقود من أهلية العاقد، [و] (¬1) المعقود له أو عليه إذا وجدت مقترنة بها ولم تتقدم عليها، هل يكتفى بها في صحتها، أم لا بد من سبقها؟ المنصوص عن أحمد الاكتفاء بالمقارنة في الصحة. وفيه وجه آخر: لا بد من السبق، وهو اختيار ابن حامد والقاضي في الجملة. ويتخرج على ذلك مسائل قد ذكرنا عدة منها في القاعدة السابقة: - منها: إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها؛ فالمنصوص الصحة اكتفاءً باقتران [شرط] (¬2) النكاح، وهو الحرية [به] (¬3)، كما دلت عليه السنة الصحيحة (¬4)، واختار ابن حامد والقاضي عدم الصحة؛ فمنهم من ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "أو". (¬2) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "شروط"! (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب البيوع، باب بيع العبد والحيوان نسيئة، رقم 2228، وكتاب المغازي، باب غزوة خيبر، رقم 4200، وكتاب النكاح، باب من جعل عتق الأمة صداقها، رقم 5086، وباب الوليمة ولو بشاة، رقم 5169)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها، رقم =

[جعل] (¬1) مأخذه انتفاء لفظ النكاح الصريح، وهو ابن حامد، ومنهم من [جعل] (1) مأخذه انتفاء تقدم الشرط. - ومنها: لو باعه شيئًا بشرط أن يرهنه على ثمنه، صح، نص عليه، وقال القاضي وابن حامد: لا يصح، لانتفاء [سبق] (¬2) الملك للرهن، ولا تكفي المقارنة. - ومنها: لو كاتب عبده وباعه شيئًا صفقة واحدة، ففيه وجهان: أحدهما: أنه يصح، وقيل: إنه المنصوص، وذكره القاضي وابن عقيل في "النكاح" وأبو الخطاب والأكثرون اكتفاءً باقتران البيع وشرطه، وهو كون المشتري مكاتبًا يصح معاملته للسيد. والوجه الثاني: لا يصح، قاله القاضي وابن عقيل في البيوع؛ لأن الكتابة لم تسبق عقد البيع. - ومنها: لو ادعى أنه وكيل لزيد، وأن لزيد على فلان ألفًا، وأقام البينة بالوكالة والدين في حالة واحدة، فهل يقبل ولدفع إليه المال، أم لا بد من تقدم ثبوت الوكالة على ثبوت الدين؟ قال القاضي في "خلافه": يحتمل وجهين، والأشبه اعتبار تقدم الوكالة؛ لأنه ما لم تثبت وكالته [لم] (¬3) يجب الدفع إليه. واستشهد للقبول ¬

_ = 1365)؛ عن أنس، وفيه قصة طويلة فيها: "أنه أعتق صفيّة، وجعل عِتْقها صَدَاقها"، وفي رواية: "تزوَّج صفية، وأصدقها عِتْقَها". (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬2) كذا في (أ) و (ج)، وهو الصواب، وفي (ب) والمطبوع: "صحة". (¬3) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "لا".

بما لو شهد أنه ابتاع من فلان دارًا وهو مالك لها، [فإنه] (¬1) [تصح] (¬2) شهادتهما بالبيع والملك في حالة واحدة. - ومنها: لو قال: إذا تزوجت فلانة، فقد وكلتك في طلاقها؛ ففي "التلخيص": قياس المذهب صحته. ويتخرج وجه آخر: أنه لا يصح، لاقتران الوكالة وشرطها؛ إذ شرطها (¬3) أن يكون الموكل مالكًا لما وكل فيه، وملك الطلاق يترتب على ثبوت النكاح، فيقارن الوكالة. - ومنها: لو وجدت الكفاءة في النكاح حال العقد، بأن يقول سيد العبد [بعد] (¬4) إيجاب النكاح [له] (¬5): قبلت له [هذا] (¬6) النكاح وأعتقته؛ فقال الشيخ تقي الدين (¬7): قياس المذهب صحته (¬8)، وقال: ويتخرج فيه وجه آخر بمنعها (¬9). ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "بأنه". (¬2) كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "يصح". (¬3) كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي (ج): "وشروطها". (¬4) كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي (ج): "حال". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) انظر: "الاختبارات الفقهية" (ص 209 - 210) لشيخ الإسلام رحمه اللَّه. (¬8) في (أ) و (ب) و (ج): "الصحة"، وفي "الاختيارات الفقهية": "صحة ذلك". (¬9) كذا في (أ) بباء موحدة، وهو الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "يمنعها" بياء آخر الحروف.

فأما اقتران الحكم مع شرطه في غير عقد؛ هل يثبت به الحكم أم لا؟ يتخرج عليه مسائل: - منها: صحة الوصية لمن ثبتت أهلية ملكه بالموت؛ كأم الولد ومدبره، فإن السبب المستحق به هو الإِيصاء، وشرط الاستحقاق هو الموت، وعليه يترتب الاستحقاق، وقد اقترن به وجود أهلية المستحق؛ فيكفي في ثبوت الملك، هذا إذا قلنا: إن الوصية تملك بالموت من غير قبول، وإن قلنا: تتوقف على القبول -وهو المشهور-، فإن القبول يتأخر عن أهلية الاستحقاق، فيصح القبول حينئذ، ولا يضر فوات أهليته عند الموت، فإنه لو قال: اعتقوا عني عبدي (¬1) وأعطوه كذا؛ لصحت هذه الوصية. - ومنها: إذا وجدت الحرية عقيب (¬2) موت الموروث أو معه، كما لو قال لعبده: إن مات أبوك فأنت حر، وكان أبوه حرًّا، فمات أو دبر ابن عمه ثم مات؛ فإنه [لا يرث] (¬3)، ذكره القاضي وصاحب "المغني"، وعلله بأن المانع لا يؤثر زواله حال الاستحقاق كما لا يؤثر وجوده عندنا في إسلام الطفل بموت أبويه. ¬

_ (¬1) في (ب): "عبدًا" ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في (أ) و (ج): "عقب". (¬3) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "لا يرثه".

[و] (¬1) قال الشيخ تقي الدين: ينبغي أن يخرج على الوجهين فيما إذا حدثت الأهلية مع الحكم، هل يكتفي بها، أم يشترط تقدمها؟ فإن قلنا: تكفي المقارنة؛ ورث لأنه صار حرًّا ومالكًا في [زمن واحد] (¬2). انتهى. ولا يقال: هذا [يفضي إلى] (¬3) اقتران العلة ومعلولها، وهو عندكم باطل؛ لأنا نقول: علة الإِرث وسببه هو النسب وهو سابق على الموت، وإنما الحرية شرط له. - ومنها: عدة أم الولد إذا توفي [عنها] (¬4) سيدها؛ هل هي عدة حرة أو أمة؟ وأكثر الروايات عن أحمد: أنها تعتد عدة أمة، وقال: "لو اعتدت عدة حرة، لورثت" (¬5)، ثم توقف في ذلك، وقال: دخلني منه شيء، وقال مرة: تعتد عدة حرة اكتفاءً بالحرية المقارنة لوجوب العدة، ولزوم مقارنة العلة للمعلول هنا أظهر، ولا يلزم؛ لأن سبب العدة الاستفراش السابق ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬2) في المطبوع: "حالة واحدة"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع: "يقتضي"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬5) انظر: "مسائل ابن هانئ" (1/ 238/ رقم 1144)، و"مسائل عبد اللَّه" (ص 369/ رقم 1355)، و"مسائل صالح" (1/ 439/ رقم 433 و 2/ 71 - 72، 184/ رقم 618، 745)، والمذكور عند صالح في الموطن الأول، وهذا هو المذهب، وعليه الأصحاب. وانظر: "المغني" (7/ 500 - 501)، و"الإنصاف" (9/ 326).

والموت شرطها، والحرية شرط للعدة [بالشهور] (¬1)، ومن ها هنا (¬2) لم يلزم [التوريث] (¬3)؛ لأن سببه منتف بالكلية، وهو النكاح والنسب والولاء. * * * ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج): "بالمشهور"، وفي المطبوع: "بالأشهر". (¬2) في (ج): "هنا". (¬3) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "التورث".

57 - القاعدة السابعة والخمسون إذا تقارن الحكم ووجود المنع منه؛ فهل يثبت الحكم أم لا؟

(القاعدة السابعة والخمسون) إذا تقارن الحكم ووجود المنع منه؛ فهل يثبت الحكم أم لا؟ المذهب المشهور أنه لا يثبت، وقال ابن حامد: يثبت. وإن تقارن الحكم ووجود المانع منه؛ فهل يثبت الحكم معه؟ فيه وجهان، واختيار (¬1) القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" وصاحب "المغني" (¬2): أنه لا يثبت، واختار القاضي في "خلافه" وفي "الجامع الكبير": أنه يثبت، وكذلك ابن عقيل في "عمد الأدلة" وأبو الخطاب. فأما اقتران الحكم والمنع منه؛ فيندرج تحته مسائل: - منها: لو قال الزوج لامرأته: أنت طالق مع انقضاء عدتك، أو قال: كلما ولدت ولدًا فأنت طالق، فولدت ولدين متعاقبين، فإنها تطلق بالأول، وتنقضي العدة بالثاني ولا تطلق به، كما لا تطلق في قوله: مع انقضاء عدتك، هذا المذهب المشهور، وعليه أبو بكر وأبو حفص والقاضي وأصحابه، والخلاف فيه مع ابن حامد وحده، وفي "الفصول" ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "واختار". (¬2) انظر الأمثلة الآتية الذكر في: "المغني" (1/ 351 - 352).

يشير إلى أن مأخذ ابن حامد في مسألة الولادة القول بتقارن العلة ومعلولها؛ فيقع الطلاق في حال الولادة قبل البينونة، ولا يصح؛ لأن البينونة [معلول الولادة] (¬1)، فلو اقترنت العلة ومعلولها؛ لبانت مع الولادة أيضًا. - ومنها: لو قال: أنت طالق بعد موتي؛ لم تطلق بغير خلاف نعلمه، ولو قال: مع موتي أو موتك؛ لم تطلق، نص عليه في رواية مهنا؛ لأن الموت سبب البينونة؛ فلا يجامعها الطلاق، ويلزم على قول ابن حامد الوقوع ها هنا؛ لأنه إذا [أوقع] (¬2) الطلاق مع الحكم بالبينونة؛ فإيقاعه مع سبب الحكم أولى، ويلزم مثل ذلك القاضي ومن تابعه على الوقوع مع سبب الانفساخ؛ لتأخر الانفساخ عنه، ولم يلتزموا ذلك، وادعوا ها هنا المقارنة دون السبق، ولا يصح، ولعل المانع من إيقاع الطلاق مع الموت هو عدم الفائدة فيه، بخلاف إيقاعه مع البينونة في الحياة؛ فإنه يفيد التحريم أو نقص (¬3) العدد. - ومنها: لو قال زوج الأمة لها: إن ملكتك فأنت طالق، ثم ملكها؛ لم تطلق، قال الأصحاب: وجهًا واحدًا، ولا يصح؛ لأن ابن حامد يلزمه القول ها هنا [القول] (¬4) بالوقوع؛ لاقترانه بالانفساخ. - ومنها: لو أعتق الزوجان معًا، وقلنا: لا خيار للمعتقة تحت الحر؛ ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج): "معلول للولادة"، وفي المطبوع: "معلولة للولادة". (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "وقع". (¬3) كذا في (ج) و (ب) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ): "بعض". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

فهل يثبت لها الخيار ها هنا؟ على روايتين منصوصتين عن أحمد، وقد اقترن هنا المقتضي وهو حريتها والمانع وهو حريته، فحصل الحكم بثبوت الخيار مع المنع منه. فإن قيل: يشكل على ما ذكرتموه مسألتان منصوصتان عن الإمام أحمد: إحداهما: إذا قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، ثم باعه؛ فإنه يعتق على البائع من ماله، نص عليه أحمد في رواية جماعة (¬1)، ولم ينقل عنه في ذلك خلاف؛ فقد حكم بوقوع العتق مع وجود [المنع] (¬2) منه، وهو انتقال الملك، وهذا يلزم منه صحة قول ابن حامد وطرده في إثبات الأحكام مع مقارنة المنع [منه] (¬3)، مثل أن يقول لغير المدخول بها: إن طلقتك فأنت طالق، ثم طلقها؛ فينبغي أن تطلق طلقتين، وكذلك [إذا قال] (¬4): إن فسختُ نكاحَكِ لعيب أو نحوه فأنت طالق، وكذلك [لو] (¬5) قال: إن خالعتُكِ فأنت طالق. [و] (¬6) المسألة الثانية: إذا مات الذمي وله أطفال صغار؛ حكم ¬

_ (¬1) منهم: ابنه صالح في "مسائله" (2/ 450/ رقم 1149)، وابن هانئ في "مسائله" (2/ 62/ رقم 1435، 1436)، وغيرهما. وانظر: "الإنصاف" (4/ 355)، و"المغني" (3/ 576 - 577). (¬2) في (ج) والمطبوع: "المانع". (¬3) في المطبوع: "منها"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "إن قالت". (¬5) في المطبوع و (ب): "إن". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

بإسلام الولد وورث منه، نص عليه ولم يثبت عنه خلاف ذلك، حتى إن من الأصحاب من أنكر القول بعدم توريثه وقال: هو خلاف الإجماع، ويلزم من توريثه إثبات الحكم المقترن بمانعه، وهذا لا محيد عنه. والجواب إما على قول ابن حامد، فهذا متجه لا بعد فيه، وإما على قول جمهور الأصحاب؛ فقد اختلفوا في تخريج كلام الإِمام أحمد في مسألة العتق على طرق: أحدها: أنه مبني على قوله بأن الملك لم [ينتقل] (¬1) عن البائع في مدة الخيار، فأما على قوله بالانتقال، وهو الصحيح، فلا يعتق، وهذه طريقة أبي الخطاب في "انتصاره"، وفيها ضعف؛ فإن نصوص أحمد بالعتق هنا متكاثرة، ورواية بقاء الملك للبائع ربما لم تكن صريحة عن أحمد بل مستنبطة من كلامه، وإنما المنقول الصريح عنه انتقال الملك. والطريق الثاني: أن عتقه على البائع، لثبوت الخيار [له] (¬2)، فلم تنقطع علقه عن المبيع بعد، وهي طريقة القاضي وابن عقيل وأبي الخطاب، وأورد عليهم أن تصرف البائع بالعتق في مدة الخيار لا ينفذ على المنصوص؛ فأجابوا بأن هذا العتق أنشأه في ملكه، فلذلك نفذ في مدة الخيار بعد زوال ملكه؛ [لأن] (¬3) أحمد [شبهه] (¬4) بنفوذ الوصية بعد الموت، وقال في رواية ابن ماهان: يعتق من مال البائع، قيل: لأنه خلف [على] (¬5) ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ينقل"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في المطبوع: "فإن"، وما أثبتناه فمن (أ) و (ب) و (ج). (¬4) في المطبوع: "قال"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "عن".

ملك؟ قال: نعم. والطريق الثالث: أنه يعتق على البائع عقيب (¬1) إيجابه وقبل قبول المشتري، وهي طريقة ابن أبي موسى والسامري وصاحبي "المغني" (¬2) و"التلخيص"؛ لأنه إنما علقه على بيعه، وبيعه الصادر عنه هو الإيجاب فقط، ولهذا يسمى بائعًا والقابل مشتريًا، ويقال: باع هذا واشترى هذا، وإن كان العقد لا ينعقد [إلا] (¬3) بقبول المشتري، لكن القبول شرط محض لانعقاد البيع وليس هو من ماهيته، فإذا وجد القبول، تبينا أنه عتق على البائع قبله في ملكه قبل الانتقال. وفي هذه [الطريقة] (¬4) أيضًا نظر؛ فإن أحمد نص على نفوذه بعد زوال الملك، ولأن البيع المطلق إنما يتناول المنعقد لا صورة البيع (¬5) المجردة. والطريق الرابع: أنه يعتق على البائع في حالة انتقال الملك إلى المشتري، حيث يترتب على الإِيجاب [و] (¬6) القول وانتقال الملك و [نفوذ] (¬7) العتق؛ فيتدافعان وينفذ العتق لقوته وسرايته دون انتقال الملك، ¬

_ (¬1) في (ج): "عقب". (¬2) انظر: "المغني" (4/ 13/ 2766). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في (أ): "المنع". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬7) في المطبوع: "ثبوت".

وهي طريقة أبي الخطاب في "رؤوس المسائل"، ويشهد لها تشبيه أحمد بالمدبر والوصية، ولا يقال في [التدبير] (¬1) والوصية: لا ينتقل إلى [ملك] (¬2) الورثة لتعلق حق غيرهم بها؛ [لأنا نمنع] (¬3) ذلك على أحد الوجهين، ونقول: بل ينتقل إليهم المال [الموصى به] (¬4)، وهو ظاهر تعليل أحمد في هذه المسألة؛ فإنه قال في رواية الأثرم وقد قيل له: كيف يعتق على البائع وإنما وجب العتق بعد البيع؟ فقال: لو وصى [لرجل] (¬5) بمئة درهم ومات؛ يعطاها، وإن كانت وجبت (¬6) له بعد الموت ولا ملك؛ فهذا مثله، ونقل عنه صالح (¬7) نحو هذا المعنى أيضًا. وعلى هذه الطريقة؛ فينفذ العتق مع قيام المانع له لقوته وسرايته، ولا يلزم مثل ذلك في غيره من العقود. والطريق الخامس: أنه (¬8) يعتق بعد انعقاد البيع وصحته وانتقال الملك إلى (¬9) المشتري، ثم ينفسخ البيع بالعتق على البائع، وصرح بذلك ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "المدبر". (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "مال". (¬3) كذا في (ج)، وفى (أ) و (ب) والمطبوع: "لأنها تمنع". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب): "له". (¬6) في المطبوع: "وجب"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬7) في "مسائله" (1/ 247/ رقم 188 و 2/ 450/ رقم 1149). (¬8) في المطبوع: "أن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬9) في المطبوع: "الملك المبيع إلى".

القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "عمده" وصاحب "المحرر" (¬1)، وهو ظاهر كلام أحمد وتشبيهه بالوصية. ووجه ذلك أن العتاق لقوته ونفوذه وسرايته إلى ملك الغير ينفد (¬2)؛ وإن وجد أحد طرفيه في ملك والآخر في غير ملك، فإذا عقده في غير ملك مضافًا إلى وجود الملك؛ [صح] (¬3) ونفذ في المذهب الصحيح المشهور، فكذا إذا عقده في ملك على نفوذه في غير [ملك] (¬4)؛ فإنه ينفذ. ولهذا نقول على إحدى الروايتين: لو قال: مملوكي فلان حر بعد موتي بسنة؛ يعتق (¬5) كما قال وإن كان ذلك بعد زوال ملكه وانتقاله عنه، ولا يقال: لا ينتقل ملكه مع قيام الوصية؛ لأن ذلك ممنوع على ظاهر كلام أحمد كما تقدم، ولا يلزم مثل هذا في غير العتق من العقود؛ لأنها لا تسري إلى ملك الغير، ولا عهد نفوذها في غير ملك بحال. وخرج صاحب "المحرر" في تعليقه على "الهداية" وجهًا فيما إذا علق طلاقها على خلعها فخالعها: أنه يقع الطلاق المعلق كما يقع العتق بعد البيع اللازم، فإن كان مراده أنه يقع مع الخلع، فهي مسألة ابن حامد في الوقوع مع البينونة (¬6)، وإن أراد بعده، فمشكل، فإن الطلاق لم يعهد ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (1/ 277 - 278). (¬2) في (أ) كأنه كتب قبل "ينفذ": "ثم" أو "لم" وضرب عليها. (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬4) في (ج) والمطبوع: "الملك"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في (ج): "لعتق"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬6) في (أ): "البيتوتة".

عندنا وقوعه في غير ملك. وسلك الشيخ تقي الدين (¬1) طريقة أخرى، فقال: إن كان المعلق للعتق قصده اليمين دون التبرر بعتقه، أجزأه كفارة يمين؛ لأنه إذا باعه خرج عن ملكه، فبقي كنذره أن يعتق عبد غيره، فيجزئه الكفارة، وإن قصد به التقرب؛ صار عتقه مستحقًا كالنذر، فلا يصح بيعه، ويكون العتق معلقًا على صورة البيع، كما لو قال لما لا يحل بيعه: إذا بعته فعلي عتق رقبة، أو قال لأم ولده: إن بعتك فأنت حرة، وطرد قوله هذا في تعليق الطلاق على الفسخ والخلع، فجلعه معلقًا على صورة الفسخ والخلع، قال: ولو قيل بانعقاد الفسخ والخلع المعلق عليه، فلا يمتنع (¬2) وقوع الطلاق معه على رأي ابن حامد، حيث أوقعه مع البينونة بانقضاء العدة؛ فكذا بالفسخ، واللَّه أعلم. وأما مسألة الميراث؛ فلا ريب أن أحمد نص على توريث الطفل من أبيه الكافر، والحكم بإسلامه بموته، وخرجه من خرحه من الأصحاب؛ كصاحب "المغني" (¬3) على أن المانع لم يتقدم الحكم بالإِرث وإنما قارنه، ¬

_ (¬1) في "مجموع الفتاوى" (35/ 264 و 32/ 84) كلام قريب منه، وكذلك في "الاختيارات الفقهية" (ص 327 - 328)، و"القواعد النورانية" (ص 226)، فانظره غير مأمور. (¬2) في (ب): "فلا يمنع". (¬3) انظر: "المغني" (6/ 251/ 4956)، وفيه فرق بين إذا ما كان الزوجان كافرين أو كانا مرتدين؛ فقال: "ولو ارتدا (أي: الزوجان) جميعًا ولهما أولاد صغار؛ لم يتبعوهم في ردتهم، ولم يرثوا منهم شيئًا، ولم يجز استرقاتهم، سواء لحقوهم بدار الحرب أو لم يلحقوهم".

وهذا يرجع إلى ثبوت الحكم مع مقارنة المانع له؛ لأن الإِسلام سبب المنع، والمنع يترتب عليه، والحكم بالتوريث سابق على المنع لاقترانه بسببه. وأما اقتران الحكم [و] (¬1) المانع؛ فله صور: - منها: [مسألة] (¬2) توريث الطفل المحكوم بإسلامه بموت أحد أبويه الكافرين منه، وقد ذكرت. - ومنها: إذا قتلت أم الولد سيدها، فإنه يلزمها أقل الأمرين من قيمتها أو الدية، نص عليه، قال الأصحاب: سواء قلنا: إن الدية تحدث على ملك الورثة ابتداءً أو على ملك الموروث أو لا؛ لأنا إن قلنا: تحدث على ملك الورثة، فقد اقترن الضمان بالحرية، وإنما لم يجب الضمان هنا بالدية مطلقًا اكتفاءً بمقارنة الشرط للحكم على ما تقدم؛ لأن الاعتبار هنا في الضمان بحالة الجناية، وهي حينئذ رقيقة، فلا يلزمها أكثر من ضمان جناية الرقيق، ولا يمنع [من] (¬3) ذلك مقارنة الحرية بحالة وجوب الضمان بناءً على أن المانع إذا اقترن بالحكم لم يمنعه، وإن قلنا: إن الدية تحدث على ملك المقتول أولًا؛ فقد وجب له ذلك في آخر جزء في حياته، وهي إذ ذاك رقيقة؛ فسبق وقت وجوب الضمان وقت الحرية، وإنما وجب الضمان هنا للسيد، وإن كان السيد لا يجب له الضمان على رقيقه لتعلق ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

حق ورثته (¬1) بماله في هذه الحال؛ فصاركالواجب لها ابتداءً، ولهذا كانوا هم المطالبين به، [واللَّه أعلم] (¬2). - ومنها: إذا تزوج العادم للطول الخائف للعنت في عقده حرة وأمة؛ فهل يصح نكاح [الأمة مع الحرة] (¬3)؟ على وجهين. - ومنها: إذا قال المتزوج بأمة أبيه: إذا مات أبي فأنت طالق، ثم مات الأب، فهل يقع الطلاق؟ على وجهين: أحدهما: يقع، وهو قول القاضي في "الجامع" و"الخلاف" وابن عقيل في "العمد" واختيار أبي الخطاب؛ لأن الموت يترتب عليه وقوع الطلاق والملك، والملك سبب انفساخ النكاح، فقد سبق نفوذ الطلاق الفسخ (¬4) فنفذ. والثاني: لا يقع، وهو قول القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول"؛ لأن الطلاق قارن المانع، وهو الملك، فلم ينفذ. - ومنها: إذا تزوج أمة، ثم قال لها: إن اشتريتك؛ فأنت طالق. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "الورثة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) في (ب): "الحرة مع الأمة" هكذا بتقديم وتأخير. (¬4) في المطبوع: "وقوع الفسخ".

فيه (¬1) الوجهان: إن قلنا: ينتقل الملك مع الخيار، وهو الصحيح، وإن قلنا: لا ينتقل؛ وقع الطلاق وجهًا واحدًا، كذا ذكره أبو الخطاب. وفي "خلاف القاضي": إذا حلف لا يبيع، فباع بشرط الخيار؛ هل يحنث؟ إن ذلك [ينبني] (¬2) على نقل الملك وعدمه؛ فقياس قوله: إنه لا يقع الطلاق هنا في مدة الخيار إذا قلنا: لا ينتقل الملك فيها، وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين وقال: يحنث بكل حال؛ لأن البيع قد وجد. - ومنها: إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها: إن كلمتك فأنت طالق، ثم أعاده؛ فإنها تطلق بالإِعادة؛ [لأنها] (¬3) كلام في المشهور عند الأصحاب. وقال ابن عقيل في "عمد الأدلة": قياس المذهب عندي أنه لا يحنث بهذا الكلام؛ لأنه من جنس اليمين الأولى ومؤكد لها، وإنما المقصود أذاها وهجرها وإضرارها بترك كلامها، وليس في هذه الإعادة ما ينافي ذلك؛ فلا يحنث به، وهذا أقوى (¬4)، والتفريع على المشهور، فإذا وقع الطلاق بالإِعادة ثانيًا؛ فهل ينعقد به يمين ثانية أم لا؟ في المسألة وجهان: ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وفيه". (¬2) في المطبوع: "مبني". (¬3) في المطبوع و (ب): "لأنه". (¬4) كذا في (ب) و (ج) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ): "قوي".

أحدهما: لا ينعقد، وهو قول القاضي في ["الجامع" و"الخلاف"] (¬1) ومن اتبعه؛ كالقاضي يعقوب وابن عقيل، وهو قياس قول صاحب "المغني" (¬2)، وله مأخذان: أحدهما: وهو مأخذ القاضي ومن اتبعه: أن الكلام يحصل بالشروع في الأعادة قبل [إتمامها] (¬3)؛ فيقع الطلاق قبل [إنهاء] (¬4) الإعادة؛ فلا ينعقد لأن [تمام اليمين] (¬5) حصل بعد البينونة. والثاني: وهو الذي ذكره صاحب "المغني" في نظير هذه المسألة: أن الطلاق وإن وقف وقوعه إلى ما بعد إنهاء الإعادة، إلا أن الإعادة يترتب عليها البينونة، فيقع انعقاد اليمين مع البينونة، فيخرج على الخلاف في ثبوت الحكم مع المانع أو مع سببه، والأصح عنده عدمه. والوجه الثاني: تنعقد اليمين، وهو اختيار صاحب "المحرر" (¬6) بناءً على أن الطلاق يقف وقوعه على تمام الإعادة؛ لأن الكلام المطلق إنما ينصرف إلى المقيد ولا تحصل الإفادة بدون ذكر جملة الشرط والجزاء، فيقف الطلاق عليهما ويقع عقيبهما لأنهما شرط لوقوعه، وأما اليمين؛ فوجدت مع شرط الطلاق، فسبقت وقوعه، يوضحه أن اليمين هي اللفظ ¬

_ (¬1) في (ب): "الخلاف والجامع" هكذا بتقديم وتأخير. (¬2) انظر: "المغني" (7/ 367 وما بعدها / 6004). (¬3) في المطبوع: "إثمامها"! ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "إتمام". (¬5) في (ج) بدل ما بين المعقوفتين: "التمام". (¬6) انظر: "المحرر" (2/ 56).

المجرد، وهو المعلق عليه الطلاق، فإذا قال: إن كلمتك فأنت طالق؛ فهو في معنى قوله: إن حلفت يمينًا بطلاقك على كلامك فأنت طالق؛ فتبين أن وجود اليمين سابقة لوقوع الطلاق. - ومنها: إذا قال لامرأتيه -وإحداهما غير مدخول بها-: إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان، ثم قاله ثانيًا، فإنهما يطلقان طلقة طلقة على المذهب المشهور، وانعقدت اليمين مرة ثانية في حق المدخول بها، وأما في حق التي لم يدخل بها؛ ففي انعقادها وجهان: أحدهما: أنها تنعقد، وهو قول أبي الخطاب وصاحب "المحرر" (¬1) ومقتضى ما ذكره القاضي وابن عقيل في المسألة التي قبلها؛ لأن اليمين [سبقت] (¬2) البينونة، ووجدت مع شرط الطلاق لا مع وقوع الطلاق. والثاني: لا [تنعقد] (¬3)، وهو اختيار صاحب "المغني" (¬4)؛ غير أنه وقع في النسخ خلل في تعليله، ووجهه أن اليمين وإن وجدت مع شرط الطلاق، لكن انعقادها مقارن (¬5) لوقوع الطلاق؛ فلم ينعقد لاقترانه [بما يمنعه] (¬6)، فإن أعاده ثالثًا قبل أن يجدد نكاح البائن؛ لم تطلق واحدة منهما على الوجهين؛ لأن الحلف بطلاق البائن لا يمكن، [فإن عاد وتزوج ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (2/ 57). (¬2) في المطبوع: "سبب" والصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع و (أ) و (ب): "ينعقد"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) انظر: "المغني" (7/ 370 - 371/ 6014). (¬5) في المطبوع: "مفارق"، والمثبت من (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب. (¬6) في (ب): "بها" بدل ما بين المعقوفتين.

البائن، ثم حلف بطلاقها وحدها؛ فعلى الوجه الثاني لا تطلق؛ لأن اليمين الثانية لم تنعقد بحقها، وتطلق الأخرى طلقة؛ لوجود الحلف بطلاقها قبل نكاح الثانية والحلف بطلاق الثانية بعد نكاحها، فكمل الشرط في حق الأولى. وعلى الوجه الأول تطلق كل واحدة منهما طلقة طلقة؛ لأن الصفة الثانية منعقدة في حقهما جميعًا، كذا ذكره الأصحاب، وأورد عليه أن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرط الحلف بطلاقها مع طلاق الأخرى؛ فكل واحد من الحلفين جزء علة لطلاق كل واحدة منهما، فكما أنه لا بد من الحلف بطلاقها في زمن يكون فيه أهلًا لوقوع الطلاق، كذلك الحلف بطلاق ضرتها؛ لأنه جزء علة لطلاق نفسها ومن تمام شرطه؛ فكيف يقع بهذه التي جدد نكاحها الطلاق وإنما حلف بطلاق ضرتها وهي بائن؟! وأجيب عنه: بأن وجود الصفة كلها في النكاح لا حاجة إليه، ويكفي وجود آخرها فيه، فيقع (¬1) الطلاق عقيبه (¬2). وذكر صاحب "المحرر" في "تعليقه على الهداية": أن هذا هو المذهب، سواء قلنا: يكفي في الحنث وجود بعض الصفة أم لا. نعم، إن قلنا: يكفي وجود بعضها وقد وجد حال البينونة؛ انبنى على أن الخلاف في حل اليمين بالصفة الموجودة حال البينونة. انتهى. وعندي أن هذا قد يتخرج على اختلات المأخذين (¬3) في أن اليمين ¬

_ (¬1) في (ب): "ليقع". (¬2) في (أ): "عقبه". (¬3) كذا في (أ) و (ج)، وهو الصواب، وفي (ب) والمطبوع: "خلاف المتأخرين".

لا تنحل بوجود الصفة حال البينونة، فإن قلنا: إنها مستثناة من عموم كلامه بقرية الحال؛ فوجود بعضها حال البينونة لا عبرة به (¬1) أيضًا كوجود جميعها، وإن قلنا: إن اليمين لا تنحل بدون الحنث فيها؛ اكتفي بوجود آخرها في النكاح لإمكان الحنث فيه، على أن الاكتفاء بوجود بعض الصفة حال البينونة وبعضها في النكاح مع قولنا: لا يكتفى بوجود بعض الصفة في الطلاق، وقولنا: إن الصفة الموجودة حال البينونة لا تنحل بها اليمين؛ لا يخلو من (¬2) إشكال ونظر، واللَّه أعلم] (¬3). - ومنها: إذا اشترى مريض أباه بثمن لا يملك غيره وهو تسعة دنانير، وقيمة الأب ستة، فقد حصل [منه] (¬4) عطيتان من عطايا المريض: محاباة البائع بثلث المال، وعتق الأب -إذا قلنا: إن عتقه من الثلث-، وفيه وجهان: أحدهما: وهو قول القاضي في ["المجرد"] (¬5) وابن عقيل في "الفصول": يتحاصان؛ لأن ملك المريض لأبيه مقارن لملك المشتري لثمنه، وفي كل منهما عطية منجزة؛ فتحاصا لتقارنهما. والثاني: أنه تنفذ المحاباة ولا يعتق الأب، وهو اختيار صاحب ¬

_ (¬1) في المطبوع: "له"! ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع: "عن". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وأشار مصححها إلى إثباته في الهامش بوضعه علامة الإلحاق، لكن لم نظفر فيه بشيء!! (¬4) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب): "منها". (¬5) في المطبوع: "المحرر"! وهو خطأ.

"المحرر" (¬1)؛ لأن المحاباة سابقة لعتق الأب، فإن ملك المشتري للثمن (¬2) الذي وقعت المحاباة فيه وقع مقارنًا لملك الأب، وعتقه يترتب على ملكه ولم يقارنه، فقد قارنت المحاباة شرط عتق الأب لا عتقه؛ فنفذت كسبقها. - ومنها: لو أصدقها مئة درهم، ثم طلقها قبل الدخول على خمسين من المهر، فهل تستحق جميع المهر أو ثلاثة أرباعه؟ على وجهين: أحدهما: تستحقه كله؛ لأنه استحق عوضًا عن الطلاق خمسين، ورجع إليه بالطلاق [قبل الدخول] (¬3) النصف الباقي. والثاني: تستحق ثلاثة أرباعه؛ لأن الطلاق يتنصف به المهر، [فيصير] (¬4) مشاعًا بين الزوجين؛ فلا يستحق من الخمسين المخالع بها إلا نصفها، فلا يسلم للزوج عوضًا عن طلاقه إلا نصف الخمسين، ويرجع إليه بالطلاق النصف. ومن نصر الوجه الأول قال: تنصف المهر يترتب على الخلع لا [يقارنه] (¬5)؛ فقد ملك الخمسين كلها قبل [التنصف] (4)، لكن ملكه لها قارن سبب [التنصف] (¬6) وهو البينونة؛ فهذا مأخذ الوجهين. ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (2/ 9). (¬2) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "الثمن". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع و (ب): "ويصير". (¬5) في المطبوع: "يفارقه"! ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬6) في المطبوع: "التنصيف".

وللمسألة مأخذ آخر على تقدير التنصف قبل الملك، وهو أن يخالعها لخمسين من المهر مع علمها بأن المهر يتنصف بالمخالعة؛ هل يتنزل على خمسين مبهمة منه أو على الخمسين التي يستقر لها بالطلاق؟ وفي المسألة وجهان، وعليهما يتنزل الوجهان فيما إذا باع أحد الشريكين نصف السلعة المشتركة؛ هل [يتنزل] (¬1) البيع على نص مشاع وإنما له فيه نصفه وهو الربع، أو على النصف الذي يخصه بملكه، وكذلك في الوصية وغيرها؟ واختيار (¬2) القاضي أنه يتنزل (¬3) على النصف الذي يخصه كله، بخلاف ما إذا قال له: أشركتك في نصفه وهو لا يملك سوى النصف؛ فإنه يستحق منه الربع لأن الشركة تقتضي التساوي في الملكين، بخلاف البيع. والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور (¬4): أنه لا يصح بيع النصف حتى يقول: نصيبي؛ فإن أطلق؛ تنزل على الربع. - ومنها: إذا تزوج في مرض [موته] (¬5) بمهر يزيد على مهر المثل؛ ففي المحاباة روايتان: ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ينزل"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في (أ): "واختار". (¬3) في (أ): "ينزل"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) انظر: "مسائل إسحاق بن منصور" (ص 257/ رقم 99). (¬5) في المطبوع و (أ): "الموت".

إحداهما: أنها موقوفة على إجازة الورثة؛ لأنها عطية لوارث (¬1). والثانية: تنفذ من الثلث، نقلها المروذي والأثرم وصالح (¬2) وابن منصور والفضل بن زياد؛ فيحتمل (¬3) أن يكون مأخذه أن الإرث المقارن للعطية لا يمنع نفوذها، ويحتمل أن يقال: إن الزوجة [ملكتها] (¬4) في حال ملك الزوج للبضع (¬5) وثبوت الإرث [يترتب] (¬6) على ذلك. وكذلك نص في رواية أبي طالب فيمن أقر لزوجته في مرضه بمهر يزيد على مهل المثل: أن الزيادة تكون من الثلث، [ووجهه القاضي بما ذكرناه من الترتيب] (¬7)؛ لأن الإقرار تبين به أن الاستحقاق كان بالعقد، وهذا كله يرجع إلى أن العطية والوصية لمن يصير وارثًا يعتبر من الثلث، وهو خلاف المذهب المعروف، لكن قد يفرق بين أن يكون الوارث نسيبًا أو زوجًا. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "الوارث". (¬2) في "مسائل صالح" (1/ 278/ 220): "وسألته عن رجل كانت له سريتان، فمرض حتى اشتد مرضه وصار في حد ترك فيه الصلاة، فدعا قومًا، فأشهدهم أنه أعتقهما وتزوجهما على مهر كذا وكذا؛ هل يجوز له ذلك؟ قال: إن كان تزويجه إياهما بمهر أكثر من مهر مثلهما؛ فإن الزيادة تكون في تلثه، وعقهما من الثلث" اهـ. (¬3) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "ويحتمل". (¬4) في المطبوع: "ملكها"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "البضع". (¬6) في المطبوع: "مترتب". (¬7) ما بين المعقوفتين في (ج) مذكور بعد قوله: "أن الاستحقاق كان بالعقد"، ولعل الصواب وضعه هنا كما في المطبوع و (أ) و (ج).

كما فرق القاضي في (كتاب الوصايا) من "خلافه" بينهما (¬1) في مسألة الإقرار؛ لأن النسب سبب إرثه قائم حال الوصية، بخلاف أحد الزوجين، وفيما ذكره القاضي في توجيه رواية أبي طالب نظر، فإن أحمد لو اعتبر حالة العقد؛ لما جعله من الثلث، وإنما يتخرج من هذه الرواية رواية عنه بأن إقرار المريض لوارثه يعتبر (¬2) من الثلث، [واللَّه أعلم] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "كما فرق بينهما القاضي في (كتاب الوصايا) من "خلافه" في" هكذا بتقديم وتأخير. (¬2) في المطبوع و (ج): "معتبر". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

58 - القاعدة الثامنة والخمسون من تعلق به الامتناع من فعل هو متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه، هل يكون إقلاعه فعلا للممنوع منه، [أم] تركا له فلا يترتب عليه شيء من أحكامه؟

(القاعدة الثامنة والخمسون) من تعلق به الامتناع من فعل هو متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه، هل يكون إقلاعه فعلًا للممنوع منه، [أم] (¬1) تركًا له فلا يترتب عليه شيء من أحكامه؟ هذا عدة أنواع (¬2): أحدها: ألا يتعلق به حكم الامتناع بالكلية إلا وهو متلبس به؛ فلا يكون نزعه فعلًا للممنوع منه، فمن ذلك: إذا حلف لا يلبس ثوبًا وهو لابسه، أو لا يركب دابة وهو راكبها، أو لا يدخل دارًا وهو فيها، وقلنا: إن الاستدامة كالابتداء في جميع هذه الأفعال؛ فخلع الثوب ونزل عن الدابة وخرج من الدار في أول أوقات الإمكان؛ فإنه لا يحنث لأن اليمين تقتضي الكف في المستقبل دون الماضي والحال، فيتعلق الحكم بأول أوقات الإمكان، ومنه ما إذا أحرم وعليه قميص؛ فإنه ينزعه في الحال، ولا فدية عليه؛ لأن محظورات الإحرام إنما تترتب على المحرم (¬3) لا على المحل، ولا يقال: إنه بإقدامه على إنشاء الإحرام وهو متلبس [بمحظوراته ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب) و (ج): "أو". (¬2) هذا رجل يجامع زوجته في ليلة رمضان، فأذن الفجر وهو يجامع؛ هل إقلاعه يكون فعلًا للمحذور أو تركًا له؟ (ع). (¬3) في (ج): "الإحرام".

متسبب] (¬1) إلى مصاحبة اللبس في الإحرام، كما لا يقال مثل ذلك في الحالف والناذر؛ فإنه كان يمكنه أن لا يحلف ولا ينذر حتى يترك التلبس بما يحلف عليه، ومنه ما إذا فعل فعلًا محرمًا جاهلًا (¬2) أو ناسيًا ثم ذكر؛ فإنه يجب عليه قطعه في الحال، ولا يترتب عليه أحكام المتعمد (¬3) له. النوع الثاني: أن يمنعه الشارع من الفعل في وقت معين ويعلم المنع، ولكن لا [يشعر] (¬4) بوقت المنع حتى يتلبس بالفعل، فيقع عنه في الحال، فاختلف أصحابنا في ذلك على وجهين: أحدهما: أنه لا يترتب عليه حكم الفعل المنهي عنه، بل يكون إقلاعه تركًا للفعل؛ لأن ابتداءه كان مباحًا، حيث وقع قبل وقت التحريم، وهو اختيار أبي حفص العكبري. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب): "بمحظور أنه متسبب"، وفي المطبوع: "بمحظوراته منتسب". (¬2) في (ب): "ساهيًا". (¬3) إذا كان الامتناع لم يتعلق إلا وهو متلبس بالفعل؛ فهنا لا يكون تركه فعلًا للممنوع منه، فإذا قال: واللَّه لا ألبس هذا الثوب ويكون لابسًا له، ثم خلعه فورًا؛ فإنه لا كفارة عليه لأنه لم يتعلق المنع إلا وهو متلبس به، وكذلك رجل أحرم وعليه ثياب، وخلعها في الحال؛ فهل يلزمه فدية؟ لا، ولا إثم عليه؛ لأنه تعلق التحريم بهذا الثوب وهو متلبس به، فتركه وخلعه ليس كفعله، ومن ذلك ما لو فعل المحرم ناسيًا أو جاهلًا ثم ذكر فتخلى عنه؛ فإن تخليه ليس فعلًا للمحذور، ولهذا لما علم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن على حذائه قذرًا خلعه؛ فلا نقول: إن خلعه إياهما فعلًا للمحذور. (ع). (¬4) في المطبوع: "يستقر"، والصواب ما أثبتناه.

والثاني: أنه يكون حكمه حكم الفاعل بتركه، لإقدامه على الفعل، مع علمه بتحريمه في وقته، لا سيما مع قرب الوقت، وهذا ظاهر المذهب (¬1). -[و] (¬2) من صور المسألة: ما إذا جامع في ليل رمضان، فأدركه الفجر وهو مجامع، فنزع في الحال؛ فالمذهب أنه يفطر بذلك، وفي الكفارة روايتان، واختار أبو حفص: أنه لا يفطر، ولا خلاف في أنه لا يأثم إذا كان حال الابتداء متيقنًا لبقاء الليل. [وبنى] (¬3) بعض الأصحاب المسألة على أصل آخر، وهو أن النزع هل هو جزء من الجماع أو ليس من الجماع؟ [وحكوا] (¬4) في المسألة ¬

_ (¬1) أن يُمنع من الفعل في وقت معيّن وهو يعلم، ثم يفعل هذا الفعل قبل وقت المنع ولا يشعر إلا والمنع قد حلّ؛ فهذا اختلف فيه الأصحاب؛ فمنهم من جعله كالنوع الأول: ليس فيه إثم ولا فدية؛ لأنه حال إقدامه على الفعل كان مباحًا له، ثم لما دخل وقت المنع خرج منه فورًا، فقال أبو حفص: ليس عليه شيء، وجعله كالنوع الأول، وهذا أصح، إنما يحصل التوقف فيما إذا فعله عن قُرْب، مثل أنه يعلم أن الوقت قريب جدًّا أي يعرف أنه إذا جامع لا يمكن أن ينتهي من جماعه حتى يطلع الفجر؛ فهذا معناه أنه أقدم على فعل يتقين أن بعضه سيكون في وقت المنع؛ فهنا قد نقول: إنه يكون كالفاعل، أما إذا غلب على ظنه أنه ينتهي قبل وقت المنع، ولكن أخلف الواقعُ ظنه، فخرج الفجر قبل أن يتم ونزع في الحال، فهذا لا شيء عليه: لا إثم ولا كفارة ولا فدية، والمذهب أن عليه الكفارة والقضاء، والصواب أن يقال كذلك: إن النزع هو طريق التخلص من الجماع، وهو ليس جماعًا، والصواب كذلك فيمن جامع امرأته ثم حاضت ثم نزع: أنه لا شيء عليه. (ع). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "ويبني". (¬4) في المطبوع: "وحكى"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

روايتين (¬1)، واختار الشيخ تقي الدين (¬2): أنه لا يفطر بالنزع في هذه الحالة ولا بالأكل ولا بغيره بناءً على أنه إنما يتعلق به حكم وجوب الإِمساك عن المفطرات بعد العلم بطلوع الفجر؛ فلا يكون الواقع منها في حالة الطلوع مُحَرَّمًا ألبتة، كما قلنا في محظورات الإحرام: إنها إنما تثبت بعد التلبس به، وقد روي عن أحمد ما يدل على ذلك، فإنه قال: إذا شك في طلوع الفجر؛ فإنه يأكل حتى لا يشك أنه طلع (¬3)، وفي المسألة أحاديث وآثار كثيرة (¬4) تدل ¬

_ (¬1) انظر المسألة بتوسع في: "الفنون" (1/ 147 - 150، 156) لابن عقيل. (¬2) قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (16/ 22): "وكذلك الذين يقولون: إذا طلع عليه الفجر وهو مولج؛ فقد جامع، لهم في النزع قولان في مذهب أحمد وغيره، وأما على ما نصرناه؛ فلا يحتاج إلى شيء من هذه المسائل. . . وما فعله الناس في حال التبين من أكل وجماع؛ فلا بأس به، لقوله: "حتى"". ورجح في "المجموع" أيضًا (25/ 263) فيمن جامع امرأته وقت طلوع الفجر معتقدًا بقاء الليل، ثم تبين أن الفجر قد طلع: أنه لا قضاء عليه ولا كفارة، ونسبه إلى طوائف من السلف، كسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وإسحاق وغيرهم، وقال: "وهذا أصح الأقوال، وأشبهها بأصول الشريعة، ودلالة الكتاب والسنة، وهو قياس أصول أحمد وغيره. . ."، فراجعه. (¬3) في "مسائل أبي داود" (ص 93، باب من شك في الفجر أو أفطر وهو يُرى أنه أمسى)؛ قال: "سمعت أحمد سئل عمن شك في الفجر؟ قال: يأكل حتى يستقين". (¬4) قلت: ودلّ على ذلك قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ. . .} [البقرة: 187]. قال ابن حجر في "الفتح" (4/ 135): "ولو أكل ظانًّا أنّ الفجر لم يطلع؛ لم يفسد صومه عند الجمهور؛ لأنّ الآية دلت على الإباحة إلى أن يحصل التبيين". قلت: أخرج عبد الرزاق في "المصنف" (4/ 177/ رقم 7389)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 23، 24)، وسعيد بن منصور في "التفسير" (رقم 278 - ط الشيخ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الحميد)، وابن حزم في "المحلى" (6/ 333)، عن مجاهد قوله في تفسير الآية: "إذا تسحّر الرجل وهو يُرى -أي: يشك- أن عليه ليلًا، وقد كان طلع الفجر؛ فليتم صومه لأن اللَّه يقول: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ}. . .". أما الأحاديث؛ فقد ظفرتُ بغير حديث يدل على وقوع الأكل والشرب بعد طلوع الفجر، ثم تبيَّن -فيما بعد- له -صلى اللَّه عليه وسلم- طلوع الفجر، وبعضها صحيح، وأورد طائفة منها ابن حزم في "المحلى" (6/ 231 - 232) وشيخنا الألباني في "السلسلة الصحيحة" في التعليق على حديث (رقم 1394)، قال ابن حزم عقبها: "هذا كله على أنه لم يكن يتبيّن لهم الفجر بعد، فبهذا تتفق السنن مع القرآن". قلت: وجاءت آثار صريحة كثيرة في ذلك، منها: ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/ 172/ رقم 7367)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 441، 242 - ط دار الفكر)، وابن حزم في "المحلى" (6/ 233)، عن مسلم بن صبيح، قال: "قال رجل لابن عباس: أرأيتَ إذا شككتُ في الفجر وأنا أريد الصيام؟ قال: كُلْ ما شككت حتى لا تشكَّ". وأخرجه عبد الرزاق (رقم 7367)، وابن حزم (6/ 223) عنه بلفظ: "أحلَّ اللَّه لك الشراب ما شككت حتى لا تشك"، وصحح ابن حجر في "الفتح" (4/ 135) إسناده. وأخرج عبد الرزاق (رقم 7366)، وابن حزم في "المحلى" (6/ 233)، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: "اسقني يا غلام. قال له: أصبحت. فقلتُ: كلا. فقال ابن عباس: شك لعمر اللَّه، اسقني فشرب". وأخرج عبد الرزاق (رقم 7365)، وابن أبي شيبة (2/ 441)، وابن حزم (6/ 232)؛ عن أبي بكر الصديق، قال: "إذا نظر رجلان إلى الفجر، فشكَّ أحدهما، فلْيأكلا حتى يتبيَّن لهما". وأخرج سعيد بن منصور في "سننه" (رقم 279 - ط الحميد)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 23 - ط الهندية)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 216) بسندٍ رجاله ثقات إلى يحيى بن الجزار؛ قال: سئل ابن مسعود عن رجل تسحَّر، وهو يُرى أن عليه ليلًا =

على ذلك، واللَّه أعلم. - ومنها: إذا وطئ امرأته، فحاضت في أثناء الوطء، فنزع؛ هل يلزمه الكفارة؟ إذا قلنا: يلزم المعذور؛ فمن الأصحاب من خرجها على [أن] (¬1) النزع هل هو جماع أم (¬2) ترك للجماع؟ ومنهم من خرجها على مسألة الصوم، والأظهر أنه إن كان يعلم بمقتضى العادة قرب وقت حيضها، ثم وطئ وهو يخشى مفاجأة الحيض؛ فهو (¬3) شبيه بمسألة الصوم، وإلا؛ فلا كفارة لأنه إنما تعلق به المنع بعد وجود الحيض وقد ترك الوطء حينئذ، ¬

_ = وقد طلع الفجر، قال: من أكل من أول النهار؛ فليأكل آخره". قال ابن حزم في "المحلى" (6/ 234): "يحيى الجزار لم يدرك ابن مسعود"؛ فهو منقطع. وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 442) عن عمر: "إذا شك الرجلان في الفجر؛ فليأكلا حتى يستيقنا". وإسناده ضعيف، وصحَّ عنه نحوه فيمن شك وأكل قبل الغروب، انظره وتخريجه في: "مسند الفاروق" (1/ 275) لابن كثير. وفي الباب عن جمعٍ من التابعين أيضًا، انظرها في: "مصنف عبد الرزاق" (باب الطعام والشراب مع الشك، 4/ 172 - 173)، و"مصنف ابن أبي شيبة" (باب في الرجل يشك في الفجر طلع أم لا، 2/ 441 - 442)، و"سنن البيهقي" (باب من أكل وهو يرى أن الفجر لم يطلع ثم بان أنه كان قد طلع، 4/ 216)، و"المحلى" (6/ 222 - 224، 231 - 234). (¬1) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬2) في (أ): "أو". (¬3) في (ج) والمطبوع: "هو".

وكذلك ينبغي أن يقال في الواطئ في ليل الصيام: إنه إن ظن بقاء الليل وأنه في مهلة منه؛ لم يفطر، وإن خشي مفاجاة الفجر أفطر؛ لأنه أقدم على مكروه أو محرم ابتداءً. النوع الثالث: أن يعلم قبل الشروع في فعل أنه [متى] (¬1) شرع فيه ترتب عليه تحريمه، وهو متلبس به، فهل يباح له الأقدام على ذلك الفعل لأن التحريم لم يثبت حينئذ، أم لا يباح لأنه يعلم أن إتمامه يقع حرامًا؟ فيه لأصحابنا قولان، ومثال ذلك أن يقول لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثًا، أو فأنت علي كظهر أمي، ومثل أن يعلم أنه متى أولج في هذا الوقت؛ طلع عليه الفجر وهو مولج؛ فحكى الأصحاب في مسألة الطلاق والظهار روايتين بنوهما على أن النزع (¬2) هل هو جماع أو ليس بجماع؟ ورجح صاحب "المغني" (¬3) التحريم في مسألة الطلاق والظهار على كلا القولين؛ لأنه استمتاع بأجنبية، وهو حرام، ولو كان لمس بدنها (¬4) لشهوة؛ فلمس الفرج بالفرج أولى، بخلاف الصائم؛ فإنه لا يفطر إلا بالوطء، ويمكن منع كون النزع (2) وطئًا، قال: فإن قيل: فهذا (¬5) إنما يحصلُ ضرورةَ تركِ الوطءِ الحرام، قلنا: فإذا لم يمكن الوطء إلا بفعل ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إذا". (¬2) في المطبوع: "النوع"، وهو خطأ. (¬3) أما مسألة الطلاق، فانظر: "المغني" (7/ 362 - 363/ 5992)، وأما مسألة النزع هل هو جماع أو ليس بجماع، فانظره فيه أيضًا (3/ 29/ 2061). (¬4) في (ج): "يدها". (¬5) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "هذا".

محرم؛ [حرم] (¬1) ضرورة ترك (¬2) الحرام، كما لو اختلط لحم الخنزير بلحم مباح لا يمكنه أكلهُ إلا بأكل لحم الخنزير، أو اشتبهت ميتةٌ بمذكَّاةٍ؛ فإن الجميع يحرمُ (¬3). انتهى. وليس هذا مطابقًا لمسألتنا؛ فإن إبتداء الوطء هنا منفرد عن الحرام متميز عنه، لم يشتبه بحرام [و] (¬4) لم يختلط به، فإذا انضم إلى ذلك أن النزع ترك للحرام؛ لم يبق ها هنا حرام. وأيضًا؛ فإن النزع ها هنا مقارن البينونة؛ فيمكن النزاع في تحريمه كما وقع النزاع في ترتب أحكام الزوجية معه، وأما الإيلاج، فمقارن لشرط البينونة، فإن قيل: إن المقارن للشرط كالمقارن للمشروط على ما سبق تقريره في القاعدة التي قبلها، توجه تحريمه أيضًا، وإلا؛ فلا. وأيضًا، فمن يقول: النزع جزء من الجماع، وأن الجماع عبارة عن الإِيلاج والنزع؛ يلتزم أن الطلاق والظهار إنما يقعان بعد النزع لا قبله؛ فلا يحصل النزع في أجنبية ولا مظاهر منها، ولا يقال: يلزم على هذا أن لا يفطر الصائم بالإيلاج قبل غروب الشمس إذا نزع بعده؛ لأن مفطرات الصائم لم تنحصر في الجماع وحده، بل تحصل بأمور متعددة؛ فيجوز أن يحصل بأحد جزأي الجماع كما يحصل بالإنزال بالمباشرة ونحوه، بخلاف الأحكام المترتبة على مسمى الوطء؛ فإنها لا تثبت إلا بعد تمام مسمى ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "وهو ترك"، والصواب حذف "وهو". (¬3) في المطبوع و (ب): "محرم". (¬4) في المطبوع: "أو"، والصواب ما أثبتناه.

الوطء (¬1). النوع الرابع: أن يتعمد الشروع في فعل محرم عالمًا بتحريمه، ثم يريد تركه والخروج منه وهو متلبس به؛ فيشرع في التخلص منه بمباشرته (¬2) أيضًا، كمن توسَّط دارًا مغصوبة ثم تاب وندم وأخذ في الخروج منها، أو طيب المحرم بدنه عامدًا ثم تاب وشرع في غسله بيده قصدًا لإزالته، أو ¬

_ (¬1) هذه المسألة وهي إذا كان يعلم أنه إذا باشر الفعل المباح باشر المحرم؛ فهل يحرم عليه أولًا؟ ذكر فيه للأصحاب قولين، وضرب لذلك مثالين: الأول: قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثًا، فإذا وطئها، فتكون بائنًا منه، فإذا نزع، فقد نزع بأجنبية منه، فإذا قلنا: النزع جماع؛ صار كأنه جامع امرأة أجنبية، وإذا قلنا: العبرة بالابتداء، وأنه ابتدأ الوطء وهي مباحة له، وليس النزع بجماع؛ فإن هذا النزع لا يحرم عليه، وهذا هو الصحيح، ولكن هذه المسألة أشهر من المسألة السابقة؛ لأن السابقة جامع وهو لا يتيقن أنه لن ينزع إلا بعد التحريم، وكذلك إذا قال: إن جامعتك فأنت عليّ كظهر أمي، وهذا ظهار، والمظاهر منها لا يجوز جماعها؛ فهل يجوز حينئذ أن يقدم على الجماع؟ إن أقدم عليه؛ صار مظاهرًا، أو إن لم يقدم؛ فرط في حقِّ الزوجة بالجماع؛ فهو إن جامع فحرام، وإن لم يجامع فحرام، فيقال له: أنت الذي أحرجت نفسك، والصحيح في هذه المسألة أنه لا بأس أن يجامع أولًا؛ لأننا نمنع أن يكون النزع جماعًا، بل هو جزء من الجماع. ثانيًا: إنه لا يصدق الجماع الذي تترتب عليه الأحكام إلا بالجماع والنزع، فيقال: جامع زوجته ليس المقصود الإيلاج فقط، بل هو إيلاج ونزع. وهذه التعليلات الفقهية أشبه ما تكون بكلام المتكلمين في العقيدة، وإلا؛ فالقول الراجح بلا شك أن الرجل إذا لم يثبت التحريم في حقه إلا بعد الإيلاج، فإن النزع تخلع من الحرام وليس فعل الحرام، ولا تكون المرأة مظاهرة بمجرد النزع، وكذا الطلاق. (ع). (¬2) في المطبوع: "بمباشرة"، والصواب ما أثبتناه.

غصب عينًا ثم ندم وشرع في حملها على رأسه إلى صاحبها، وما أشبه ذلك. والكلام ها هنا في مقامين: أحدهما: هل تصح التوبة في هذه الحال ويزول الإثم بمجردها، أم لا يزول حتى ينفصل عن ملابسة الفعل بالكلية؟ وفيه لأصحابنا وجهان (¬1): أحدهما: وهو قول ابن عقيل: أن توبته صحيحة، ويزول عنه الإثم بمجردها، ويكون تخلصه من الفعل طاعة وإن كان ملابسًا له؛ لأنه مأمور به؛ فلا يكون معصية، ولا يقال: من شرط التوبة الإقلاع، ولم يوجد؛ لأن هذا هو الإقلاع بعينه. ¬

_ (¬1) إذا سقط عليه طب ولم يضعه هو قصدًا وهو محرم، فهل يجوز أن يغسله ويباشره أو لا؟ نعم، الواجب أن يغسله، وباشرته هنا ليس فيها شيء؛ لأنه إنما باشره لإزالته لا لاستعماله، فإذا علق منه شيء بيده، فلا حرج عليه، ولكن يزيله هذا إذا سقط عليه بدون قصد ولا فعل، إذن مباشرة الشيء المحرم للتَّخلُّص منه لا بأس بها، وكما أن المستنجي يمس النجاسة بيده، لكن لا من أجل مباشرة النجاسة، بل من أجل إزالة النجاسة والتخلص منها، وكذلك إذا توضأ الإنسان وهو محرم وقد مس رأسه الطيب فسوف يمسح على رأسه، وإذا مسح على رأسه فسوف يباشر الطيب، فهذا لا بأس به؛ لأنه ثبت أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يرى وبيص المسك في مفارق رأسه وهو محرم، ومع ذلك كان يتوضأ، بل كان يغتسل ويخلَّل رأسه بالماء، وهذا لا بد فيه من مباشرة الطيب، ولكنه ليس مقصودًا، بخلاف الذي يضع الطيب على نفسه بعد الإحرام. (ع).

وأيضًا، فالإقلاع إنما يشترط مع القدرة عليه دون العجز، كما لو تاب الغاصب وهو محبوس في الدار المغصوبة، أو توسط جمعًا من الجرحى متعمدًا، ثم تاب وقد علم أنه إن أقام قتل من هو عليه -وإن انتقل-؛ [قُتِلَ] (¬1) غيره، لكن هذا من محل النزاع أيضًا. والوجه الثاني: وهو قول أبي الخطاب: أن حركات الغاصب ونحوه في [خُرُوجِه] (¬2) ليست طاعة ولا مأمورًا بها، بل هي معصية، ولكنه يفعلها لدفع أكبر المعصيتَيْن بأقلهما، وأبو الخطاب وإن قال ليست طاعة؛ فهو (¬3) يقول: لا إثم فيها، بل يقول بوجوبها، وهو معنى الطاعة. وخرَّج بعضُ الأصحاب الخلاف في هذه المسألة على الخلاف في جواز الإقدام (¬4) على الوطء في مسائل النوع الثالث، فإن قيل بجوازه؛ لزم أن يكون الترك امتثالًا من كل وجه؛ فلا يكون معصية، وإن قيل بتحريمه؛ لزم تحريم الترك ها هنا، وقد يفرق [بأن التحريم] (¬5) ثَمَّ طار وهنا مستصحب من الابتداء؛ فلا يلزم من الجواز ثَمَّ الجواز هنا، ويلزم من التحريم هناك التحريم ها هنا بطريق الأولى (¬6). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع: "جروحه"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "هو". (¬4) في المطبوع: "على جواز الخلاف في الإقدام". (¬5) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "بالتحريم". (¬6) الصواب ما قاله ابن عقيل: أن حركاته هذه طاعة لأنه لا يمكن التخلص من هذا المحرم إلا بهذه الحركات، فهذا رجل سرق متاعًا وهو عنده الآن، ثم تاب من ذلك وأراد أن يرجعه إلى صاحبه؛ فهل نقول: إن حمله إلى صاحبه هو فيه آثم؟ =

والمقام الثاني في الأحكام المترتبة على هذا الأصل، وهي كثيرة: - فمنها: غسل الطيب [للمحرم بيده] (¬1) يجوز؛ [لأنه ترك للتطيب] (¬2) لا فعل له، ذكره الأصحاب واستدلوا بحديث الذي أحرم وهو متضمخ بطيب، فأمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يغسله عنه (¬3)، ولكن هذا كان جاهلًا ¬

_ = لا، بل الصواب أنه مطيع، وهذا هو غاية ما يقدر عليه، ولو مات في هذه الحال، لقلنا: إن توبته صحيحة. (ع). (¬1) في المطبوع: "بيده للمحرم". (¬2) في المطبوع: "لأن ترك الطيب"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الحج، باب غسل الخَلُوق ثلاث مرات من الثياب، 3/ 393/ رقم 1536 تعليقًا، وباب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، 3/ 614/ رقم 1789، وكتاب جزاء الصيد، باب إذا أحرم جاهلًا وعليه قميص، 4/ 63/ رقم 1847 - مختصرًا، وكتاب المغازي، باب غزوة الطائف، 8/ 47 / رقم 4329، وكتاب فضائل القرآن، باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب، 9/ 9/ رقم 4985)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه، 2/ 837/ رقم 1180)، عن صفوان بن أمية أخبره أنَّ يعلى كان يقول لعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: "ليتني أرى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين يُنزل عليه. فلما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالجعرانة، وعلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثوب قد أظل به عليه، معه ناس من أصحابه، فيهم عمر؛ إذ جاءه رجل عليه جبة صوف متضمخ بطيب، فقال: يا رسول اللَّه! كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ساعة ثم سكت، فجاءه الوحي، فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أمية: تعال. فجاء يعلى، فأدخل رأسه؛ فإذا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- محمر الوجه، يغط ساعة ثم سُرِّي عنه؛ فقال: "أين الذي سألني عن العمرة آنفًا؟ ". فالتُمس الرجل، فجيء به؛ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما الطيب الذي بك؛ فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة؛ فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك"". هذا أحد ألفاظ مسلم.

بالحكم؛ فهو كمن تطيب بعد إحرامه ناسيًا؛ فإنه يغسله بغير خلاف، وخص كثير من الأصحاب؛ كالقاضي وغيره الحكم بالناسي وهو [مشعر أن] (¬1) العامد بخلافه، وهو متخرج على الخلاف السابق في كونه معصية، والصحيح التعميم؛ لأن مباشرة الفعل إنما جازت ضرورة الخروج منه، والمحرم لا ضرورة له في الغسل (¬2) بيده، فلما أذن الشارع فيه؛ دل على أن مباشرة الطيب لقصد إزالته ومعالجته غير ممنوع (¬3). - ومنها: إذا تعمد المأموم سبق إمامه في ركوع أو سجود، وقلنا: لا تبطل صلاته بمجرد تعمد السبق (¬4)؛ فهل يجب عليه العود إلى متابعة (¬5) الإمام أم لا؟ أطلق كثيرٌ من الأصحاب وجوب العودِ من غير تفريق بين العامد ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج): "يشعر أن"، وفي المطبوع: "مشعر بأن". (¬2) في المطبوع: "بالغسل". (¬3) لم يتعرض المصنف لمسألة الفدية، والمعروف أن من تعمد التطيّب فعليه فدية؛ إما صدقة ثلاثة آصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة توزع على الفقراء. (ع). (¬4) والصواب أن الإنسان إذا تعمد سبق إمامه بركوع أو سجود أو قيام؛ فإن صلاته تبطل لأنه فعل محرمًا، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول اللَّه رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار؟!! " فالصحيح أن مجرد السبق -أي في الركن عمدًا- يبطل الصلاة، وإذا قلنا: إنه لا يبطل، وهو المذهب، فهل يلزمه العود؟ هذه هي المسألة. (ع). (¬5) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "متابعته".

وغيره، كما وردت [به الآثار] (¬1) عن الصحابة؛ [كـ] (¬2) عمر وابنه وابن مسعود رضي اللَّه عنهم (¬3). وفرق صاحب "المحرر" (¬4) بين العامد وغيره وقال: متى عاد العامد ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "روايات". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 281)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 50)، وعبد الرزاق في "المصنف" (2/ 375/ رقم 3758)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 191، 192)، من طريق بسر بن سعيد، عن الحارث بن مخلد الزُّرقي، عن عمر؛ قال: "إذا رفع أحدكم رأسه قبل الإمام؛ فليعد، ثم ليمكث بعد أن يرفع الإمام رأسه بقدر ما كان رفعه". وإسناده صحيح، وصححه ابن حجر في "الفتح" (2/ 174). وما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 50) من طريق سليمان بن كندير؛ قال: "صلَّيتُ إلى جنب ابن عمر، فرفعتُ رأسي قبل الإمام، فأخذه، فأعاده". وبنحوه أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 191/ رقم 2011، 2012). وأخرج البخاري في "صحيحه" تعليقًا (كتاب الأذان، باب إنما جُعل الإمام ليُؤتمَّ به، 2/ 172)، قال: قال ابن مسعود: "إذا رفع قبل الإمام يعودُ، فيمكثُ بقَدْر ما رفع، ثم يتّبع الإمام". ووصله ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 50)، وعبد الرزاق في "المصنف" (2/ 375/ رقم 3757)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 192/ رقم 2014)، وإسناده صحيح، وصححه ابن حجر في "الفتح" (2/ 174). وانظر: "تغليق التعليق" (2/ 289)، و"عمدة القاري" (4/ 395). (¬4) قال المجد رحمه اللَّه في "المحرر" (1/ 102 - 103): "ومن ركع أو سجد قبل إمامه سهوًا، ثم ذكر فلم يَعُدْ إلى متابعته حتى أدركه، أو تعمد سبقه ابتداءً، لم تبطل صلاته عند القاضي، وقيل: تبطل، وإن سبقه بركن عمدًا ولم يدركه فيه؛ فسدت صلاته، =

بطلت صلاته؛ لأنه قد تعمد زيادة ركن كامل عمدًا، وإنما يعود الساهي والجاهل، وقد يقال: إن عود العامد يتخرج على أن العود إنما هو قطع للفعل المنهي عنه الذي ارتكبه ورجوع عنه إلى متابعة الإمام الواجبة؛ فلا يكون منهيًّا عنه، بل مأمور به؛ كالخروج من الدار المغصوبة ونحوها على ما سبق، وقد يفرق بأن حقيقة السجود وضع الأعضاء المخصوصة على الأرض، فإذا زيد هذا المقدار عمدًا؛ بطلت به الصلاة، وأما الهويُ إليه والرفع منه؛ فليسا من ماهيته، وإنما هما حدان له؛ فلا أثر لنية قطعهما بالرفع، فإن الرفع ليس منه، وإنما هو غاية له، وفصل بينه وبين غيره وما مضى منه، ووجد لا يمكن رفعه، وهو سجود تام (¬1)؛ فتبطل الصلاة بزيادته عمدًا، وهذا قد يلزم منه أن السبق للركن عمدًا يبطل الصلاة، وقد قيل: إنه المنصوص عن أحمد (¬2)، وعلى الوجه الآخر؛ فيقال: لمَّا لحقه الامام في هذا الركن واجتمع معه فيه؛ اكتفى بذلك في المتابعة (¬3). ¬

_ = نص عليه، وإن كان سهوًا أو جهلًا؛ لغت تلك الركعة فقط؛ كالسبق بركعتين سهوًا، وعنه يعتد بها. وخرَّج منها الأصحاب: صحة الصلاة مع العمد، ومن زُحم أو سها أو نام حتى فاته مع الإمام ركن غير الركوع؛ أتى به ثم لحقه، وإن فاته ركنان فأكثر، أو الركوع وحده، تابعه ولغت ركعته وقامت التي تليها مقامها، وعنه: إن خاف فوت الركعة الأخرى؛ فكذلك، وإن لم يخف؛ أتى بما ترك وتبعه وصحت صلاته، ومتى أمكن المزحوم أن يسجد على ظهر إنسان أو رجله؛ لزمه ذلك وأجزأه". (¬1) في (ب): "تمام"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) نصص على ذلك في رسالته المنسوبة إليه "الصلاة" (ص 37 - 38). وانظر كتابي: "القول المبين" (ص 261). (¬3) الصحيح في هذه المسألة أن السبق إلى الركن عمدًا يبطل الصلاة، وعليه أن =

59 - القاعدة التاسعة والخمسون العقود لا ترد إلا على موجود بالفعل أو بالقوة، وأما الفسوخ؛ فترد على المعدوم حكما واختيارا على الصحيح

(القاعدة التاسعة والخمسون) العقود لا ترد إلا على موجود بالفعل أو بالقوة، وأما الفسوخ؛ فترد على المعدوم حكمًا واختيارًا على الصحيح. وقد دل عليه حديث المصراة (¬1)؛ حيث أوجب الشارع رد صاع التمر عوضًا عن اللبن بعد تلفه، وهو مما ورد العقد عليه؛ فدل على أنه حكم بفسخ (¬2) العقد فيه ورد عوضه مع أصله والرجوع بالثمن كاملًا. فأما الانفساخ الحكمي بالتلف؛ ففي مواضع: ¬

_ = يقطع صلاته ويستأنف صلاة من جديد، أما إذا كان سهوًا أو خطأً -السَّهو بالنسيان، والخطأ بأن يسمع صوتًا فيظنه تكبير الإمام-؛ فهنا نقول: إن لحق الإمام فيه؛ فليستمر، وإن لم يلحقه؛ فليرجع وليأت به بعد الإمام، وسواء سبق بركن -أي: فرغ من الركن والإمام لم يبدأ به بعد- أو سبق إلى ركن -أي: سبق الإمام إلى الركن ولحق الإمام فيه-. (ع). (¬1) يشير المصنف إلى ما ثبت عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تصرَّوا الإبل والغنم، ومن ابتاعها؛ فهو بخير النَّظرين بعد أن يحلبها، إنْ شاء أمسك، وإنْ شاء ردّها وصاعًا من تمر". أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب البيوع، باب النهي للبائع أن لا يحفَّل الإبل والبقر، 4/ 361/ رقم 2150)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، 3/ 1155/ رقم 1515، وباب حكم بيع المُصرَّاة، 3/ 1158 - 1159/ رقم 1524)، وغيرهما. (¬2) في المطبوع: "يفسخ"، والصواب ما أثبتناه.

- منها: إذا تلف المبيع المبهم قبل قبضه، انفسخ العقد فيه وفي عوضه (¬1)، سواء كان ثمنًا أو مثمنًا. - ومنها: إذا تلفت الثمار المشتراة في رؤوس النخل قبل جدها بجائحة؛ فإن العقد ينفسخ فيها. - ومنها: إذا تلفت العين المستأجرة قبل مضي مدة الإجارة؛ انفسخ العقد فيما بقي منها. وأما الفسخ الاختياري؛ فكثير، ومن مسائله: إذا تلف المبيع في مدة الخيار؛ هل يسقط الخيار أم لا يسقط؟ وللبائع الفسخ، [ويرجع] (¬2) بعوضه، ويرد الثمن على روايتين معروفتين. ونقل أبو طالب عنه (¬3): إن أعتقه المشتري أو تلف عنده (¬4)؛ فللبائع الثمن، وإن باعه ولم يمكنه رده؛ فله القيمة، ففرق بين التلف الحسي [والحكمي] (¬5) وبين التفويت مع بقاء العين؛ فأجاز الفسخ مع بقائها لإمكان الرجوع، بخلاف التلف. وأيضًا؛ فتصرفه بالبيع (¬6) في مدة الخيار جناية حال بها بين البائع ¬

_ (¬1) في (ج): "وفي ثمنه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع: "فيرجع". (¬3) في (ب): "عنه أبو طالب" هكذا تقديم وتأخير. (¬4) في المطبوع: "عنه"، وهو خطأ. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "في المبيع".

والرجوع في ماله، فملك (¬1) أن يفسخ ويضمنه القيمة للحيلولة، وإلى هذا المأخذ أشار أحمد رحمه اللَّه [تعالى] (¬2). - ومنها: إذا اختلف المتبايعان في الثمن بعد تلف المبيع، وفيه روايتان: إحداهما: يتخالفان، ويفسخ البيع، ويغرم المشتري القيمة. والثانية: القول قول المشتري مع يمينه في قدر (¬3) الثمن، ولا فسخ، اختارها أبو بكر. - ومنها: إذا تبايعا جارية بعبد أو بثوب (¬4)، ثم وجد أحدهما بما قبضه عيبًا وقد تلف الآخر، فإنه يرد ما بيده ويفسخ العقد ويرجع بقيمة التالف، نص عليه أحمد في "رواية حنبل" و"ابن منصور" (¬5)، ولم يذكر الأصحاب فيه خلافًا؛ لأن هنا عين باقية يمكن الفسخ فيها، فيقع الفسخ في التالف تبعًا؛ كما لو كان الثمن نقدًا معينًا وقد تلف؛ فإنه لا خلاف أنه يرد السلعة بالعيب ويأخذ بدل الثمن. - ومنها: إذا تلف بعض المبيع المعيب وأراد رده؛ فهل يجوز رد الموجود مع قيمة المفقود ويأخذ الثمن؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع و (أ): "فيملك"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬3) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب): "ذلك". (¬4) في المطبوع و (ج): "ثوب"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) انظر: "مسائل ابن منصور" (ص 379 - 380/ رقم 283).

ظاهر كلام القاضي في "خلافه" في المسألة التي قبلها جوازه؛ لأن الفسخ في المفقود [هنا] (¬1) تابع للفسخ في الموجود. وخرجه صاحب "التلخيص" على روايتين فيما إذا اشترى شيئًا فبان معيبًا وقد تعيب عنده، فإنه يرده على إحدى الروايتين، ويرد معها أرش العيب الحادث عنده منسوبًا من قيمته لا من ثمنه، فورد الفسخ هنا على المفقود تبعًا للموجود. واعتذر ابن عقيل عن ضمانه بالقيمة بأنه (¬2) لما فسخ العقد صار المبيع في يده كالمقبوض على وجه السوم؛ لأنه قبض بحكم عقد، فلذلك ضمن بالقيمة، وهذا رجوع إلى أن الفسخ رفع للعقد من أصله، وهو ضعيف. ومقتضى هذا [أن] (¬3) الأصل ضمانه بجزء من الثمن، وهو مقتضى ما ذكره القاضي وابن عقيل في مسائل التفليس؛ لأن كل جزء من المبيع مقابل بجزء (¬4) من الثمن، فإذا لم يمكن رد المبيع كله؛ رد الموجود منه بقسطه من الثمن كما في تفريق الصفقة، وهذا بخلاف (¬5) أرش العيب الذي يأخذه المشتري من البائع، فإنه يأخذه منسوبًا [بقسطه] (¬6) من الثمن. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع: "فإنه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع و (ج): "لجزء"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع و (ب): "خلاف"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من جميع النسخ، وأشار ناسخ (ج) إليها في هامشها.

واختلف الأصحاب فيه: - فمنهم من يقول: هو فسخ للعقد في مقدار العيب ورجوع بقسطه من الثمن، وعلى هذا؛ فالفسخ ورد على معدوم (¬1) مستحق التسليم، وهذا في المشتري في الذمة كالسلم ظاهرًا؛ لأنه كان يستحقه سليمًا، فأما في المعين؛ فلم يقع العقد على غير عينه، فلا يمكن أن يكون الأرش فسخًا إلا أن [يقال] (¬2): إطلاق العقد على العين يقتضي سلامتها؛ [فكأنها] (¬3) موصوفة بصفة السلامة، وقد فاتت (¬4). - ومنهم من يقول: بل هو عوض عن الجزء الفائت، وعلى هذا؛ فهل هو عوض عن الجزء نفسه أو عن قيمته؟ ذهب القاضي في "خلافه" إلى أنه عوض عن القيمة، وذهب ابن عقيل في "فنونه" وابن المني إلى أنه عوض عن العين [الفائتة، وبنى على ذلك جواز المصالحة عنه بأكثر من قيمته، فإن قلنا: المضمون العين؛ فله المصالحة] (¬5) عنها بما شاء، وإن قلنا: القيمة، لم يجز أن يصالح عنها بأكثر [منها] (¬6) من جنسها. ¬

_ (¬1) في (ج): "معلوم"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع: "يكون"، والتصويب من (أ) و (ب) و (ج). (¬3) في المطبوع: "وكأنها". (¬4) في (ج): "فات"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع بعد قوله: "لأن الفسخ لا يقابل"، ولعل الصواب موضعه هنا كما في (أ) و (ب) و (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

- ومنهم من قال: هو إسقاط لجزء من الثمن في مقابلة الجزء الفائت الذي تعذر تسليمه لا على وجه الفسخ؛ لأن الفسخ لا يقابل الصحة والسلامة، وإنما يقابل الأجزاء المشاعة، فإذا عقد على عين موصوفة وفات بعض صفاتها؛ رجع بما قابله من الثمن من غير فسخ. وكل من هذه الأقوال الثلاثة قاله القاضي في موضع من "خلافه"، وينبني على الخلاف في أن الأرش فسخ أو إسقاط لجز من الثمن أو [معاوضة] (¬1): أنه إن كان فسخًا أو إسقاطًا؛ لم يرجع إلا بقدره من الثمن، ويستحق جزءً من [غير] (¬2) الثمن مع بقائه، بخلاف ما إذا قلنا: هو معاوضة، وأما إن أسقط المشتري خيار الرد بعوض بذله له البائع وقبله؛ فإنه يجوز على حسب ما يتفقان عليه، وليس من الأرش في شيء، ذكره القاضي وابن عقيل في "الشفعة"، ونص أحمد على مثله في النكاح في خيار المعتقة تحت عبد. - ومنها: إذا تلفت العين المعيبة كلها؛ فهل يملك المشتري الفسخ ورد بدلها أم لا؟ الذي عليه الأكثرون: أنه لا يملك ذلك، وأشار إليه أحمد في "رواية ابن منصور" (¬3)، قالوا: لأن الرد يستدعي مردودًا، ولا مردود إلا مع بقاء العين، وظلامته تستدرك بالأرش، وهو ضعيف؛ لأن البدل يقوم مقام العين. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "معاوضته"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع و (ب): "عين". (¬3) انظر: "مسائل ابن منصور" (248/ 90).

وخرج القاضي في "خلافه" جواز ذلك من رد المشتري أرش العيب الحادث عنده كما تقدم، وذكر أنه قياس المذهب، وتابعه عليه أبو الخطاب في "انتصاره"، وجزم بذلك ابن عقيل في "الفصول" من غير خلاف حكاه. - ومنها: إذا اشترى ربويًّا بجنسه فبان معيبًا، ثم تلف قبل رده؛ فإنه يملك الفسخ، ويرد بدله ويأخذ [الثمن] (¬1)؛ لأنه لا يجوز له أخذ الأرش على الصحيح لمحذور [الربا]؛ فتعين (¬2) الفسخ. - ومنها: الإقالة؛ هل تصح بعد تلف العين؟ قال القاضي مرة: لا تصح؛ لأنها عقد يقف على الرضا من الجانبين؛ فهي كالبيع، بخلاف الرد بالعيب، ثم قال في موضع آخر: قياس المذهب صحتها بعد التلف إذا قلنا: هي فسخ، وتابعه أبو الخطاب في "الانتصار" (¬3) وابن عقيل في "نظرياته"، وحكى صاحب "التلخيص" فيها وجهين بخلاف الرد بالعيب، وفرق بأن الرد يستدعي مردودًا، بخلاف الفسخ، وهو ضعيف؛ فإن الرد فسخ أيضًا، والإقالة تستدعي مقالًا فيه، ولكن البدل يقوم مقام المبدل هنا للضرورة. - ومنها: الشركة في البيوع، وهي نوع منها (¬4)، وحقيقتها أن يشتري رجل شيئًا، فيقول لآخر: أشركتك في نصفه أو جزء مشاع منه، [فيقبل؛ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وفي (ج): "أو يأخذ الثمن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع: "لمحذور"، وما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في (ج): "انتصاره". (¬4) في (ب): "وهي نوعان وحقيقتها"، وفي (ج): "وهو نوع منها وحقيقتها".

فيصح] (¬1) ذلك، ويكون تمليكًا منجزًا بعوض في الذمة، وموضوع هذا العقد أنه إن ربح المال المشترك فيه؛ فالربح بينهما، [و] (¬2) يتقاصان بالثمن، ويصير [المشترك] (¬3) شريكًا في الربح، فيأخذ حصته منه، وإن تلف المال أو خسر؛ انفسخت الشركة؛ فيكون الخسران أو التلف على المشتري، فيقدر انفساخ الشركة حكمًا في آخر زمن الملك قبل بيعه بخسارة (¬4) أو تلفه، وإنما يحكم (¬5) بالانفساخ بعد التلف والخسران؛ فيكون هذا العقد مُقيَّدًا (¬6) للشركة في الربح خاصة، ويكون فسخه معلقًا على شرط، ويكتفي في ذلك (¬7) بمسمى الشركة من غير حاجة إلى شرط لفظي. وقد نص أحمد على جواز هذا في رواية جماعة؛ منهم: الأثرم ومهنا وأحمد بن القاسم وسنديّ (¬8) وأبو طالب وأحمد بن سعيد وابن منصور (¬9) وغيرهم، ونقل مثل ذلك عن شريح والشعبي صريحًا، وسئل أحمد: هل ¬

_ (¬1) في (أ): "فقيل: يصح". (¬2) في (أ): "أو". (¬3) في المطبوع: "المشتري". (¬4) في (ج): "بخسارته". (¬5) في (ج): "الحكم". (¬6) في المطبوع و (ج): "مفيدًا". (¬7) في المطبوع و (ج): "بذلك". (¬8) هو سندي، أبو بكر الخواتيمي، البغدادي، سمع من الإمام أحمد مسائل صالحة. له ترجمة في: "طبقات الحنابلة" (1/ 170)، و"المنهج الأحمد" (1/ 405)، و"المقصد الأرشد" (1/ 422). (¬9) انظر: "مسائل ابن منصور" (1/ 405 - 406/ رقم 327).

يدخل هذا في ربح ما لم يضمن؟ فقال (¬1): هو مثل المضارب (¬2)، يأخذ الربح ولا ضمان عليه. وقد أشكل توجيه كلام أحمد على القاضي [وغيره؛ فحملوه] (¬3) على محامل بعيدة جدًّا، وحمله ابن أبي موسى على ظاهره، وتبعه الشيرازي؛ إلا أنه خرج وجهًا آخر: أن الوضيعة عليهما كالربح. * * * ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "قال". (¬2) في (أ): "المتضارب". (¬3) ما بين المعقوفتين من (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "فحمله" فقط.

60 - القاعدة الستون التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمن ضررا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد؛ لم يجز ولم ينفذ، إلا أن يمكن استدراك الضرر بضمان أو نحوه؛ فيجوز على ذلك الوجه

(القاعدة الستون) التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمن ضررًا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد؛ لم يجز ولم ينفذ، إلا أن يمكن استدراك الضرر بضمان أو نحوه؛ فيجوز على ذلك الوجه. - فمن ذلك: الموصى إليه؛ أطلق كثير من الأصحاب أن له الرد بعد القبول في حياة الموصي وبعده. وقيد ذلك صاحب "المحرر" (¬1) بما إذا وجد حاكمًا؛ لئلا يضيع إسناده فيقع الضرر، وأخذها من رواية حنبل عن أحمد في الوصي يدفع الوصية إلى الحاكم فيبرأ منها، قال: إن كان حاكمًا؛ فنعم. وحكى رواية أخرى: أنه لا يملك الرد بعد الموت بحال ولا قبله إن [لم] (¬2) يعلمه بذلك؛ لما فيه من التغرير به، وحكى ابن أبي موسى رواية: [أنه] (2) ليس له الرد بحال إذا قبل (¬3)، ومن الأصحاب من حملها على ما بعد الموت وحكاها (¬4) القاضي في "خلافه" صريحًا في الحالين. ¬

_ (¬1) قال في "المحرر" (1/ 392): "وللموصي إليه قبول الوصية قبل موت الموصي وبعده، وعزل نفسه عنها فيهما إذا وجد حكمًا، وعنه (أي: عن ابن حامد): ليس له عزلها بعد الموت ولا قبله إذا لم يعلمه بذلك". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "قبلها". (¬4) في المطبوع و (ب): "وحكاهما".

- ومنها: الوكيل في بيع الرهن إذا عزله الراهن يصح عزله على المنصوص؛ لأن الحاكم يأمره بالبيع ويبيع عليه. وخرج ابن أبي موسى وجهًا آخر: أنه لا ينعزل؛ لأن فيه تغريرًا للمرتهن. ويتخرج وجه ثالث بالفرق بين أن يوجد حاكم يأمر بالبيع أو لا من مسألة الوصية. - ومنها (¬1): أنه يجوز فسخ عقد الجعالة، لكن يستحق العامل أجرة المثل؛ لبطلان المسمى بالفسخ، فإذا عمل به [أحد] (¬2) مستندًا إليه؛ استحق أجرة المثل، كما لو سمى له تسمية فاسدة، ويتخرج أن يستحق في جعل [الرد] (¬3) الآبق المسمى بالشرع (¬4)؛ لأن المستحق بالإِطلاق وقد صار وجود التسمية كالعدم. - ومنها: إذا فسخ المالك عقد المساقاة، وقلنا: هي جائزة، فإن كان بعد ظهور الثمرة؛ فنصيب العامل فيها ثابت لأنه يملكه (¬5) بالظهور رواية واحدة؛ لأن حصة المساقي ليست وقاية للمال، بخلاف المضارب، وكذلك لو فسخ العامل بعد الظهور، وأما إن كان الفسخ قبل الظهور، فإن كان من العامل؛ فلا شيء له لإعراضه، وإن كان من المالك؛ فعليه أجرة ¬

_ (¬1) في (ب): "ومنه". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) والمطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). (¬4) في المطبوع: "بالشروع"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع: "بملكه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

المثل للعامل؛ لأنه منعه من إتمام عقد يفضي إلى حصول المسمى له غالبًا؛ فلزمه (¬1) ضمانه. وأيضًا؛ فإن ظهور الثمرة بعد الفسخ لعمل العامل فيها أثر بالقيام عليها وخدمتها؛ فلا يذهب عمله مجانًا، وقد أثر في حصول المقصود، ويتوجه على قول ابن عقيل في المضاربة (¬2) أن ينفسخ العقد بالنسبة إلى المالك دون العامل؛ فيستحق من الثمر (¬3) المسمى له. - ومنها: إذا زارع رجلًا على أرضه، ثم فسخ المزارعة قبل ظهور الزرع أو قبل البذر وبعد الحرث؟ قال ابن منصور في "مسائله": قلت لأحمد: الأكَّار (¬4) يريد أن يخرج من الأرض فيبيع الزرع؟ قال: لا يجوز [بيعه] (¬5) حتى يبدو صلاحه. قلت: فيبيع عمل يديه وما عمل في الأرض، وليس فيها زرع. قال: لم يجب له شيء بعد، إنما يجب بعد التمام. قال ابن منصور (¬6): يقول: بجب له بعد ما يبلغ الزرع لما اشترط عليه أن يعمل حتى يفرغ، فأما أن يكون يذهب عمل يديه وما أنفق في الأرض؛ فلا، وذلك أنه إذا أخرجه صاحبه أو خرج بإذنه، فإذا خرج من ¬

_ (¬1) في (ج): "فيلزمه". (¬2) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب): "المضارب". (¬3) في المطبوع و (أ) و (ج): "الثمرة". (¬4) أي: الحراث، جمع (أكرة). انظر: "المعجم الوسيط" (1/ 22). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬6) انظر: "مسائله" (94).

ذات نفسه، فليس له شيء. انتهى. فحمل ابن منصور قول أحمد: "أنه لا شيء له" على ما إذا خرج بنفسه؛ لأنه معرض عما يستحقه من الأرض، بخلاف ما إذا أخرجه المالك أو خرج بإذنه، وظاهر كلامه أنه تجب له أجرة عمله بيديه وما أنفق على الأرض من ماله، مع أن كلام أحمد [قد يحمل على أنه أراد] (¬1) أنه لا يبيع آثار عمله؛ لأنها ليست أعيانًا، وهذا لا يدل على أنه لا حق له فيها بالكلية، ولهذا نقول في آثار الغاصب: أنه يكون شريكًا بها على أحد القولين، والمفلس ونحوه لا خلاف فيه، مع أن القاضي قال في "الأحكام السلطانية" (¬2): قياس المذهب جواز بيع العمارة التي هي الإثارة، ويكون شريكًا في الأرض بعمارته. وأفتى الشيخ تقي الدين (¬3) فيمن زارع رجلًا على مزرعة بستانه ثم أجرها؛ هل تبطل المزارعة: أنه إن زارعه مزارعة لازمة؛ لم تبطل بالإجارة، وإن لم تكن لازمة؛ أعطى الفلاح أجرة عمله. وأفتى أيضًا في رجل زرع أرضًا وكانت بوارًا (¬4) وحرثها؛ فهل له إذا خرج منها فلاحه؟ أنه إن كان له في الأرض فِلَاحة لم ينتفع بها؛ فله قيمتها على من انتفع بها، فإن كان المالك انتفع بها وأخذ عوضًا عنها من ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ب): "إنما فيه". (¬2) "الأحكام السلطانية" (ص 210). (¬3) انظر: "مجموع الفتاوى" له (30/ 115). (¬4) في (ج): "بورًا".

المستأجر (¬1)؛ فضمانها عليه، وإن أخذ الأجرة عن الأرض وحدها؛ فضمان الفِلَاحة على المستأجر المنتفع بها. ونص أحمد في "رواية صالح" فيمن استأجر أرضًا مفلوحة (¬2) وشرط عليه أن يردها مفلوحة كما أخذها: أن له أن يردها عليه كما شرط، ويتخرج مثل ذلك في المزارعة. - ومنها (¬3): المضاربة تنفسخ بفسخ المالك لها ولو كان المال عرضًا، ولكن للمضارب بيعه بعد الفسخ لتعلق حقه بربحه، ذكره القاضي في "خلافه"، وهو ظاهر كلام أحمد في "رواية الشيخ ابن منصور" (¬4). وذكر القاضي في "المجرد" وابن عقيل في (باب الشركة): أن المضارب لا ينعزل ما دام [المال] (¬5) عرضًا، بل يملك التصرف حتى ينض رأس المال، وليس للمالك عزله، وأن هذا ظاهر كلام أحمد في "رواية حنبل"، وذكرا في المضاربة أنه ينعزل بالنسبة إلى الشراء دون البيع، وحمل ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "المستأجرة". (¬2) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ): "معلومة". (¬3) في (ب): "ومنه". (¬4) قلت: الذي في "مسائل ابن منصور" (482/ 445): "قلت: قال سفيان في رجل أخذ مالًا مضاربةً، واشترى به بزًا، فقدم به، فقال صاحب الحال: لا تبعه، وقال المضارب: أنا أبيعه، ينظر، فإن كان فيه ربح؛ جبر صاحب المال على أن يبيع، وإن لم يكن فيه ربح؛ لم يجبر، قال أحمد: هو كما قال، قال إسحاق: أجاد" اهـ. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

صاحب "المغني" (¬1) مطلق كلامهما في الشركة على هذا التقييد، ومعناه أن المضارب بعد الفسخ يملك تنضيض المال، وليس للمالك منعه من ذلك إذا كان فيه ربح، لكن [ابن عقيل صرح] (¬2) في موضع آخر بأن العامل لا يملك الفسخ حتى ينض رأس المال؛ مراعاة لحق مالكه. ثم قال ابن عقيل: إذا قصد المالك بعزله الحيلة لاقتطاع الربح، مثل أن يشتري متاعًا يرجو به الربح في موسم، فينفسخ (¬3) قبله ليقومه بسعر يومه ويأخذه؛ لم ينفسخ في حق المضارب في الربح، وإذا جاء الموسم، أخذ حصته منه، فجعل العقد باقيًا بالنسبة إلى استحقاق نصيبه من الربح الذي أراد المالك إسقاطه بعد انعقاد سببه بعمل المضارب؛ فهو كالفسخ بعد ظهور الربح. وقال ابن عقيل أيضًا في (باب الجعالة): المضاربة كالجعالة، لا يملك رب المال فسخها بعد تلبس العامل [بالعمل] (¬4)، وأطلق ذلك وقال في "مفرداته": إنما يملك المضارب الفسخ بعد أن ينض رأس المال، ويعلم رب المال أنه أراد الفسخ؛ لئلا يتمادى به الزمان [فتتعطل] (¬5) عليه الأرباح. [و] (¬6) قال: وهذا هو الأليق بمذهبنا، وأنه لا يحل لأحد المتعاقدين ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (5/ 38/ 3700). (¬2) في (ج): "صرح ابن عقيل" كذا بتقديم وتأخير. (¬3) في (ب): "فيفسخ". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "فيتعطل". (¬6) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

في الشركة والمضاربات الفسخ مع كتم شريكه؛ لأنه ذريعة إلى غاية الإضرار، وهو تعطيل المال عن الفوائد والأرباح، ولهذا لا يملك عندنا فسخها ورأس المال قد صار عروضًا، لكن إذا باعها (¬1) ونض رأس المال؛ فسخ (¬2). انتهى. وحاصله أنه لا يجوز للمضارب الفسخ حتى ينض رأس المال ويعلم به ربه؛ لئلا يتضرر بتعطيل ماله عن الربح، كما ذكر أنه في الفضول (¬3) أن المالك لا يملك الفسخ إذا توجه المال إلى الربح ولا يسقط به حق العامل، وهو حسن جار على قواعد المذهب في اعتبار المقاصد وسد الذرائع، ولهذا قلنا: إن المضارب إذا ضارب لآخر من غير علم الأول، وكان عليه في ذلك ضرر؛ رد حقه من الربح في شركة الأول، مع مخالفته لإطلاق الأكثرين أنه إذا فسخ قبل الظهور فلا شيء له. وأما ما ذكره في (باب الجعالة)، ففيه بُعْدٌ إلا أن ينزل على مثل هذا (¬4) الحال، مع أن القاضي ذكر مثله أيضًا في (باب الجعالة). - ومنها: الشركة إذا فسخ أحدهما عقدها بالقول؛ انْفَسَخت، وإن قال الآخر: عزلتك، انعزل المعزول وحده، ذكره القاضي، وينفسخ مع كون المال عروضًا أو ناضًا. وحكى صاحب "التلخيص" رواية أخرى: لا ينعزل حتى ينض ¬

_ (¬1) في المطبوع: "باع"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع و (ب): "ينفسخ". (¬3) في (ب): "الفصول". (¬4) في (ب): "هذه".

[رأس] (¬1) المال؛ كالمضارب، قال: و [المذهب الأول] (¬2)، وفرق بأن الشريك وكيل والربح يدخل تبعًا، بخلاف حق المضارب، فإنه أصلي، ولا يظهر (¬3) بدون البيع. - ومنها: الوكيل إذا وكله في فعل شيء، ثم عزله وتصرف قبل العلم تصرفًا يوجب الضمان؛ فهل يضمنه [الموكل] (¬4)؟ فيه وجهان مذكوران فيما إذا وكله في استيفاء القصاص ثم عزله فاستوفاه قبل العلم، قال أبو بكر: لا ضمان على الوكيل، فمن الأصحاب من قال: لعدم تفريطه، ومنهم من قال: لأن عفو موكله لم يصح؛ حيث حصل على وجه لا يمكن استدراكه، فهو كما لو عفى بعد الرمي. قال أبو بكر: وهل يلزم الموكل الضمان؟ على قولين: أحدهما: لا ضمان عليه، ووجه بأن عفوه لم يصح كما ذكرنا، وبأنه محسن بالعفو؛ فلا يترتب عليه الضمان به. والثاني: عليه الضمان؛ لأنه سلطه على قتل معصوم لا يعلم بعصمته؛ فكان الضمان عليه، كما لو أمر بالقتل من لا يعلم تحريمه فقتل؛ كان الضمان على الآمر. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في نسخ المطبوع: "هو المذهب". (¬3) في المطبوع و (أ): "ولا يدخل". (¬4) في المطبوع: "المؤكل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

وللأصحاب طريقة ثانية، وهي البناء على انعزال الوكيل قبل العلم، فإن قلنا: لا ينعزل؛ لم يصح العفو، فيقع القصاص مستحقًّا لا ضمان فيه، وإن قلنا: ينعزل؛ صح العفو وضمن الوكيل، كما لو قتل مرتدًّا، [و] (1) كان [قد] (¬1) أسلم ولم يعلم به، وهل يرجع على الموكل؟ على وجهين: أحدهما: يرجع لتغريره (¬2). والثاني: لا؛ لأن العفو إحسان منه [(¬3) لا يقتضي الضمان. وعلى هذا؛ فالدية على عاقلة الوكيل عند أبي الخطاب؛ لأنه خطأ، وعند القاضي في ماله؛ لأنه عمد، وهو بعيد، وقد يقال: هو شبه عمد، كذا حكى صاحب "المغني" (¬4). وللأصحاب طريقة ثالثة، [وهي] (¬5): إن قلنا: لا ينعزل؛ لم يضمن الوكيل، وهل يضمن العافي؟ على وجهين بناءً على صحة عفوه، وتردد بين تغريره وإحسانه، وإن قلنا: ينعزل؛ لزمته الدية، وهل يكون في ماله أو على عاقلته؟ [على وجهين] (¬6). وهذه طريقة أبي الخطاب وصاحب "الترغيب"، وزادوا: إذا قلنا: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في (ب): "لتعزيره"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) من هنا إلى القاعدة الحادية والسبعين سقط من نسخة (أ). (¬4) انظر: "المغني" (5/ 71/ 3776). (¬5) في المطبوع: "وهو"، والصواب ما أثبتناه. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

في ماله؛ فهل يرجع بها إلى الموكل؟ على وجهين. ولو وكله في بيع شيء أو وقف أو في عتق عبدٍ (¬1)، ثم عزله، ثم فعل ما وكل (¬2) فيه قبل العلم بعزله؛ فإن قيل: لا ينعزل قبل العلم؛ فالتصرف صحيح، ولا كلام، وإن [قيل] (¬3): ينعزل؛ فالعقد باطل، وكذلك وقف المشتري وعتقه. وأما استقلاله؛ فقال الشيخ تقي الدين (¬4): لا يضمنه الوكيل لانتفاء تفريطه، والمشتري مغرور، وفي تضمينه خلاف في المذهب، وإذا ضمن؛ رجع على الغار على الصحيح، والغار هنا لا ضمان عليه؛ فلا ضمان على واحد منهما. انتهى. وعلى القول بضمان الوكيل في مسألة (¬5) استيفاء القصاص من غير رجوع قد يتوجه ضمان الوكيل هنا، وفيه بُعْدٌ أيضًا؛ لأن الضمان هنا لو وجب لوجب للغار، والغار [من] (¬6) شأنه أن يضمن لا أن يضمن له، وأما المشتري؛ فهو شبيه بالمشتري من المشترى من الغاصب إذا لم يعلما بالغصب، والمعروف في المذهب تضمينه، لكن لا يمكن الرجوع هنا على الوكيل. ¬

_ (¬1) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "عبده". (¬2) إذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج): "وكله". (¬3) في (ج): "قلنا". (¬4) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 142، 143). (¬5) في (ج): "في ماله مسألة". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

61 - القاعدة الحادية والستون المتصرف تصرفا عاما على الناس كلهم من غير ولاية أحد معين، وهو الإمام؛ هل يكون تصرفه عليهم بطريق الوكالة لهم، أو بطريق الولاية؟

(القاعدة الحادية والستون) المتصرف تصرفًا عامًّا على الناس كلهم من غير ولاية أحد معين، وهو الإمام؛ هل يكون تصرفه عليهم بطريق الوكالة لهم، أو بطريق الولاية؟ في ذلك وجهان، وخرج الآمدي روايتين [بناءً] (¬1) على أن خطأه هل هو على عاقلته أو في بيت المال؛ لأنا إذا (¬2) جعلناه على عاقلته؛ فهو متصرف بنفسه، وإن جعلناه في بيت المال؛ فهو متصرف بوكالتهم لهم وعليهم؛ فلا يضمن لهم ولا يهدر خطأه فيجب في بيت المال. واختيار القاضي في "خلافه": أنه متصرف بالوكالة لعمومهم، وذكر في "الأحكام السلطانية" (¬3) روايتين في انعقاد الإمامة بمجرد القهر من غير عقد، وهذا يحسن أن يكون أصلًا للخلاف في الولاية والوكالة أيضًا. وينبني على هذا الخلاف أيضًا انعزاله بالعزل، ذكره الآمدي، فإن قلنا: هو وكيل، فله أن يعزل نفسه، وإن قلنا: هو والٍ؛ لم ينعزل بالعزل، كما أن الرسول ليس له عزل نفسه ولا ينعزل بموت من بايعه؛ لأنه وكيل ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في المطبوع: "إن". (¬3) انظر: "الأحكام السلطانية" (23 - 24).

عن الجميع لا عن أهل البيعة وحدهم، وهل لهم عزله؟ إذا (¬1) كان بسؤاله، فحكمه حكم عزل نفسه، وإن كان بغير سؤاله؛ لم يجز بغير خلاف، هذا [هو] (¬2) ظاهر ما ذكره القاضي وغيره. وأما من كان تصرفه مستفادًا من توليته، فإن كان نائبًا عنه كالوزير؛ فإنه كالوكيل له ينعزل بعزله وبموته، وإن كان نائبًا عن المسلمين كالأمير العام؛ لم ينعزل بموت الإِمام، ذكره القاضي في "الأحكام السلطانية" (¬3). فأما القضاة؛ فهل هم نواب الإمام أو المسلمين؟ فيه وجهان معروفان ينبني عليهما جواز عزل الامام له وعزله لنفسه، وظاهر كلام القاضي في "الأحكام": أن الخلاف مطرد في ولاية الإمارة العامة على البلاد وجناية الخراج. وأما نواب القاضي؛ فنوعان: أحدهما: من ولايته خاصة؛ كمن فوض إليه سماع شهادة معينة أو إحضار المستعدى عليه؛ فهم كالوكلاء ينعزلون بعزله وموته. والثاني: من ولايته عامة؛ كخلفائه وأمنائه على الأطفال ونوابه على القرى؛ فهل هم بمنزلة وكلائه أو نواب المسلمين فلا ينعزلون بموته؟ ¬

_ (¬1) في (ج): "إن". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬3) انظر: "الأحكام السلطانية" (35 - 36). وفي هامش نسخة (ب): "اختار القاضي في "الخلاف" أن القضاة بالنسبة إلى الإمام كالوكلاء، قال: ولهذا يملك عزله في مسألة (لولي المرأة أن يوكل في مسائل النكاح) " اهـ.

على وجهين ذكرهما الآمدي، وصحح صاحب "الترغيب" عدم الانعزال، وحكى ابن عقيل عن الأصحاب: أنهم ينعزلون؛ لأنهم نواب القاضي، بخلاف القضاة؛ فإنهم نواب للمسلمين (¬1)، ولهذا يجب على الإمام نصب القضاة، ولا يجب على [القاضي] (¬2) الاستنابة. ويجاب عنه بأن القضاء ليس بفرض كفاية على رواية، [فلا] (¬3) يجب نصب قاض بالكلية، وبأن الوجوب لا يتعلق بمعين، فلا أثر له في عدم نفوذ العزل، ولهذا من عنده ودائع وعليه ديون خفية، يجب عليه الوصية عند الموت بأدائها، وله عزل الموصى إليه بذلك واستبداله. وأما المتصرف تصرفًا خاصًّا بتفويض من ليس له ولاية عامة؛ فنوعان: أحدهما: أن يكون المفوض له ولاية على ما يتصرف فيه؛ كولي اليتيم وناظر الوقف، فإذا عقد عقدًا جائزًا أو متوقع الانفساخ، كالشركة والمضاربة والوكالة وإجارة الوقف؛ فإنها لا تنفسخ بموته لأنه متصرف على غيره لا على نفسه، وكذلك الوكيل إذا أذن له مولكه أن يوكل؛ فيكون وكيله وكيلًا لموكله لا له. والثاني: من يفوض حقوق نفسه؛ فهذه وكالة محضة. ¬

_ (¬1) في هامش (ب): "في "المفردات" لابن عقيل: الحاكم ولايته للمسلمين في الجملة، وإذا ولى حاكمًا من قبله أو وكيلًا، كان نائبًا عنه في ما لا يخصه، بل نيابة عنه في المسلمين، سواء كانت ولايته خاصة أو عامة" انتهى. (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ج) والمطبوع: "القضاة". (¬3) في المطبوع: "ولا".

62 - القاعدة الثانية والستون فيمن ينعزل قبل العلم بالعزل

(القاعدة الثانية والستون) فيمن (¬1) ينعزل قبل العلم بالعزل. المشهور أن كل من ينعزل بموت أو عزل، هل ينعزل بمجرد ذلك، أم يقف عزله على علمه؟ على روايتين، وسواء في ذلك الوكيل وغيره، والإذن للزوجة [و] (¬2) العبد فيما لا يملكانه بدون إذن إذا وُجِد بعده نهيٌ لم يعلماه (¬3) مخرَّجٌ على الوكيل، ذكره القاضي، وكذلك إذن المرتهن للراهن في التصرف إذا مُنع منه قبل تصرف الراهن ولم يعلم. ومن الأصحاب من فرق بين الوكيل وغيره، ودخل في هذا صور (¬4): ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فيما"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع: "أو"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) كذا في (ب)، وفي (ج): "يعلما به". (¬4) من ينعزل بالعزل بموت أو غيره، هل يشترط لانعزاله أن يعلم بذلك أو لا؟ فالوكيل مثلًا ينعزل بفسح المُوَكِّل والزوجة كذلك، فلي أن أمنعها أن تخرج من البيت إلا بإذني، فإذا أذنت ولم تعلم، فهل يرتفع عنها النهي، أو نقول: لا يرتفع حتى تعلم به، فلو قال لامرأته: إن خرجت من البيت بلا إذن فأنت طالق، ثم ذهبت ولم تخرج، ثم بعد يومين خرجت وكان قد أذن لها بعد يوم ولم تعلم بالإذن، فهل تطلق أو لا؟ روايتان: =

- منها: الحاكم إذا قيل بانعزاله، قال القاضي وأبو الخطاب: فيه الخلاف الذي في الوكيل، وفي "التلخيص": لا ينعزل قبل العلم بغير (¬1) خلاف. ورجحه الشيخ تقي الدين (¬2)؛ لأن [في ولايته] (¬3) حقًّا للَّه، وإن قيل: إنه وكيل؛ فهو شبيه بنسخ الأحكام لا يثبت قبل بلوغ الناسخ على الصحيح، بخلاف الوكالة المحضة، قال: [و] (¬4) هذا هو المنصوص عن أحمد. وأيضًا؛ فإن ولاية القاضي عامة لما يترتب عليها من [عدم] (¬5) العقود والفسوخ؛ فَتَعْظُمُ البلوى بإبطالها قبل العلم، بخلاف الوكالة (¬6). ¬

_ = الرواية الأولى: لا تطلق؛ لأنها خرجت بعد الأذن. والثانية: تطلق؛ لأنها خرجت وهي معنقدة أنها مخالفة للزوج. والوكيل: إذا وكلت رجلًا يبيع هذا البيع، فذهب الرجل على أنه وكيل ثم بعد يوم عزلته ثم باع البيت بعد يومين قبل أن يعلم بعزلي له؛ فهل بيعه للبيت صحيح؟ على الروايين: إن قلنا: لا ينعزل حتى يعلم؛ فالبيع صحيح، وإن قلنا: ينعزل وإن لم يعلم؛ فالبيع غير صحيح. (ع). (¬1) في (ج): "بلا". (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 139). (¬3) في (ج) بدل ما بين المعقوفتين: "فيه". (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬5) في (ج) والمطبوع: "عموم"، والصواب ما أثبتناه. (¬6) هذا لا شك فيه؛ فالصحيح أن الحاكم لا ينعزل حتى يعلم بالعزل؛ لأننا لو قلنا: إنه ينعزل قبل العلم بالعزل وتأخر علمه؛ ترتب على ذلك مفاسد كثيرة؛ فإنه قد يكون =

- ومنها: عقود المشاركات؛ كالشركة والمضاربة، والمشهور أنها تنفسخ قبل العلم؛ كالوكالة، وقد ذكرنا عن ابن عقيل فيما سبق في المضاربة: أنها لا تنفسخ بفسخ المضارب حتى يعلمَ ربُّ المال (¬1). - ومنها: الوديعة، وقد ذكر القاضي في مواضع كثيرة من "خلافه": أن للمودع فسخها بالقول في غيبة الموح، وتنفسخ قبل علم المودع بالفسخ، وتبقى في يده أمانة؛ كمن أطارت الريح إلى بيته ثوبًا لغيره، ثم إنه ذكر في مسألة الوكالة أن الوديعة لا يلحقها الفسخ بالقول، وإنما تنفسخ بالرد إلى صاحبها أو بأن يتعدى المودع فيها، فلو قال المودع بمحضر من ¬

_ = حكم بصحة نكاح أو بفسخ امرأة أو بموت مفقود أو بملك مدّعٍ أو غير ذلك، فإذا قلنا: ينعزل؛ معناه كل هذه الأحكام ألغيت. (ع). (¬1) وهذا هو الصحيح، وعقود المشاركات عقود جائزة؛ إلا المساقاة والمزارعة؛ فيجوز بعد المشاركة أن أفسخ، وإذا فسخت الشركة، فتصرف الشريك قبل أن يعلم بفسخ الشركة؛ فهل ينفذ التصرف أو لا؟ المذهب: لا ينفذ؛ لأنه لا يشترط العلم. والقول الثاني: ينفذ؛ لأن الأصل بقاء الشركة. مثاله: أنا وأنت شريكان، ومن جملة الشركة بيننا عقارات، ففسخت الشركة، وقبل علمك بالفسخ بعتَ هذا العقار المشترك؛ فالمذهب أن البيع صحيح بالنسبة لنصيبك فاسد بالنسبة لنصيبي، وحينئذٍ يتشقَّص المبيع على المشتري، ويكون له الخيار؛ إما أن يمضي الصفقة في نصيب البائع فقط، أو يرجع، وهذا تفويت لحق المشتري من نصف المبيع، والقول الثاني: لا ينعزل إلا بعد العلم، وبناءً على هذا القول يكون البيع نافذًا وصحيحًا لا ينفسخ منه، لا بعضه ولا كلّه، وكذلك نقول في المضاربة إذا فسخها المضارب؛ فإنها لا تنفسخ حتى يعلم رب المال، وذلك لأن فسخها يتضمن ضررًا على المضارب وعلى من وقع التصرف معه من مشترٍ أو مستأجر أو نحو ذلك. (ع).

رب الوديعة أو في غيبته: فسخت الوديعة، أو أزلت نفسي (¬1) عنها؛ لم ننفسخ قبل أن تصلَ (¬2) إلى صاحبها ولم يضمنها؛ فإما أن يكون هذا تفريقًا بين فسخ المودع والمودع، أو يكون اختلافًا منه في المسألة، والأول أشبه؛ لأن فسخ المودع إخراج للمودع عن الاستحفاظ وهو يملكه، وأما المودَع؛ فليس له فيها تصرف سوى الإمساك والحفظِ؛ فلا يصح أن يرفعه مع وجوده، ويلتحق بهذه القاعدة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "نفسها"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع و (ج): "يصل". (¬3) يستثنى من المذهب في مسألة العزل: لو وكّل شخصًا في القصاص من شخص، ثم عزله أو عزل الموكِّل الوكيل، فاقتص قبل أن يعلم بالعزل، فلا ضمان عليهما، لا على الموكل ولا على الوكيل، مثاله: رجل له قصاص على جانٍ، فوكَّل شخصًا آخر، فقال له: قد وكلتك أن تقتص لي من فلان، وليكن قتلًا، ثم انصرف، فقيل للموكِّل: لعلك تسمح عن هذا الذي تستحق قتله، ورغب في السماح، فقال: أشهدكم أني قد عفوت عنه، ولم يعلم الوكيل بهذا، فاقتص منه؛ فإنه لا ضمان عليه، أي على الوكيل، مع أنه قتل بعد فسخ الوكالة، فقتل نفسًا معصومة؛ لأنه لما عفا عنه صار معصومًا، لكن يقولون: لا قصاص عليه، وأما الموكّل؛ فلا قصاص عليه لأنّه محسن وقد قال اللَّه عز وجل: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، وأما الوكيل؛ فلأنه معذور، وهذا يدل على القول الراجح: إنه لا ينعزل قبل العلم بالعزل. (ع).

63 - القاعدة الثالثة والستون وهي أن من لا يعتبر رضاه لفسخ عقد أو حله، لا يعتبر علمه به

(القاعدة الثالثة والستون) وهي أن من لا يُعتبر رضاه لفسخِ عَقْدٍ أو حَلِّه، لا يعتبر علمُه به. ويندرج تحت ذلك مسائل: - منها: الطلاق (¬1). - ومنها: الخلع؛ فإنه يصح مع الأجنبي على المذهب، سواءٌ قيل هو فسخ أو طلاق، ولنا وجه آخر: أنه لا يصح مع الأجنبي إذا قلنا: إنه فسخ؛ كالإِقالة، والصحيح خلافه؛ لأنَّ فسخَ البيعِ اللازم لا يستقلُّ به أحد المتبايعين، بخلاف النكاح؛ فإن الزوج يستقل بإزالته بالطلاق (¬2). ¬

_ (¬1) يجوز للإنسان أن يطلق زوجته وإن لم تعلم، فيقول: زوجتي طالق ولو بدون علمها؛ لأن رضاها ليس شرط. (ع). (¬2) الإقالة لا يمكن أن يستقل بها الأجنبي، أي: لو علمت أن زيدًا باع عَمرًا ملكه، وذهبت إلى زيد وهو البائع وقلت: إني قد علمت أنك بعت عَمرًا ملكك وعمرو ليس عنده فلوس الآن فأقِلْهُ، فقال: أقَلْتُه؛ فإن هذا لا يصح؛ لأن عقد البيع لازم من الطرفين، بخلاف النكاح؛ فإنه لازم من قبل الزوجة، فإنها لا تستطيع الفسخ، وهو جائز من قبل الزوج، فإذا جاء رجل واتفق مع الزوج على أن يفارق فلانة؛ فلا بأس، مثل إذا عرفت أن هذا الرجل متعب ومؤذ لزوجته، والزوجة ليس عندها مال، فامتنعت من طلب الطلاق، فذهب رجل محسن فقال لزوجها: اخلعها وأنا أعطيك من المال كذا وكذا؛ فهذا جائز، ولكن مع استقامة =

- ومنها: العتق، ولو كان على مال نحو: اعتق عبدك عني وعلي ثمنه (¬1). - ومنها: فسخ المعتقة تحت عبد. - ومنها: فسخ المبيع المعيب والمدلَّس، وكذلك الإجارة. - ومنها: فسخ العقود الجائزة بدون علم الآخر، وقد سبقت. - ومنها: الفسخ بالخيار يملكه من يملك الخيار بغير علم الآخر عند القاضي والأكثرين. وخرج أبو الخطاب فيه وجهًا آخر: أنه لا ينفسخ إلا أن يبلغه في المدة من عزل الوكيل (¬2)، وفيه نظر، فإن من له الخيار يتصرف بالفسخ لنفسه. وهذه الفسوخ على ضربين: أحدهما: ما هو مجمع على ثبوت أصل الفسخ به؛ فلا يتوقف الفسخ به على حاكم؛ كسائر ما ذكرنا. والثاني: ما هو مختلفٌ فيه؛ كالفسخ بالعِنَّةِ والعيوب [في الزوج ¬

_ = الحال؛ فيحرم على أحد من الناس أن يطلب الخلع من الزوج، لما في ذلك من الاعتداء على حق الزوج والزوجة، وهذا أشد من البيع على بيع المسلم، وإذا طلب من الزوج المخالعة ليتزوج زوجته؛ فهذا أشد وأعظم. (ع). (¬1) إذا قال: اعتق عبدك عني وعليَّ ثمنه، فإن الولاء يكون لدافع الثمن، أما لو قال: اعتق عبدك وعليَّ ثمنه، فالولاء للمعتق الأول. (ع). (¬2) انظر: "كتاب الهداية" (1/ 134) لأبي الخطاب رحمه اللَّه.

وغَيْبَتِهِ] (¬1) ونحو ذلك؛ فيفتقر إلى حكم حاكم؛ لأنها أمور اجتهادية، فإن كان الخلافُ ضعيفًا يسوغُ نقضُ الحكمِ به؛ لم يفتقر الفسخُ به إلى [حكم] (¬2) حاكم. ويتفرع على ذلك أخذُ بائعُ المفَلِّس سلعَته إذا وجدها يعينها، وفيه وجهان بناءً على نقض الحكم بخلافه، والمنصوص عن أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد: [أن] (¬3) له ذلك. وكذلك تزوّجُ امرأة المفقود؛ فإن في توقف فسخ نكاحها على الحاكم روايتين، قال في "رواية ابن منصور": تتزوج وإن لم تأتِ السلطان، وأحبُّ إليَّ أن تأتيه، ولعله رأى الحكم بخلافه لا يسوغ؛ لأنه إجماع عمر والصحابة (¬4). ورجح الشيخ تقي الدين (¬5) أن جميع الفسوخ لا تتوقف على ¬

_ (¬1) يدل ما بين المعقوفتين في (ج): "وغيبة الزوج"، وقوله: "وغيبته" سقط من (ب). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "أنه". (¬4) انظر الوارد عن عمر وعثمان وغيرهما في امرأة المفقود: "مصنف عبد الرزاق" (7/ 85 - 86/ رقم 12317، 12318)، و"مصنف ابن أبي شيبة" (4/ 237)، و"موطأ مالك" (2/ 575)، و"مسائل عبد اللَّه" (ص 346/ رقم 1275)، و"مسائل صالح" (3/ 120/ رقم 1472)، و"السنن الكبرى" (7/ 445) للبيهقي، و"المحلى" (11/ 403) لابن حزم، و"مسند الفاروق" (1/ 434 - 435) لابن كثير، وقال: "وهذه آثار صحيحة عن عمر، وقد بسطتُ الكلام في مسألة المفقود في أحكام المفقود، وللَّه الحمد". (¬5) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/ 578)، "الاختيارات الفقهية" (ص 222) لشيخ الإسلام رحمه اللَّه.

حاكم (¬1). * * * ¬

_ (¬1) قول شيح الإسلام بشرط أن يتفق الطرفان عليه، فإن اخلفا بأن قال أحدهما للآخر: أنت لا تملك لفسخ، فلا بد من الرجوع للحاكم، فلو ادعت المرأة أن في زوجها عيبًا، وأرادت أن تفسخ النكاح؛ فهنا إن وافق الزوج وقال: فيّ العيب الفلاني، فلها أن تفسخ، ولا حاجة إلى الحاكم، وأما إذا خالف وقال: أنا ليس فيّ ذلك العيب، أو قال: هذا عيب لا تستحقين به الفسخ؛ فحينئذ لا بد من الرجوع إلى الحكم، وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح، وعلى هذا؛ فعندنا ثلاثة أقوال هنا: الأول: أن يكون استحقاق الفسخ بإجماع العلماء؛ فهذا لا يفتقر إلى حاكم، بل لمن له الفسخ أن يفسخ. والثاني: أن يكون الخلاف ضعيفًا ينقض الحكم فيه؛ فهذا فيه خلاف، والراجح أنه لا يحتاج إلى حكم حاكم، أي: الخلاف في عدم الحكم بالفسخ ضعيف؛ فينقض حكمه، أي: لو حكم بعد الفسخ فإنه ينقض حكمه لمخالفة الحديث، مثلا: كالرجل الذي وجد عين ماله عند شخص قد أفلس، فلو حكم الحاكم بأنه ليس أحق بها من غيره؛ فإنه ينقض حكمه؛ لأنه مخالف للنص، فإذا وجد بائع المُفلّس عين ماله عنده؛ فله أخذه بدون حكم حاكم؛ لأن حكم الحاكم إن حكم بخلاف ذلك يُنقض. والثالث: وهو أن جميع الفسوخ لا تحتاج إلى حاكم، لكن بشرط أن يتفق عليها الطرفان، فإن حصل نزاع؛ فلا بد من الحكم ليحكم بينهم. (ع).

64 - القاعدة الرابعة والستون من توقف نفوذ تصرفه أو سقوط الضمان أو الحنث عنه على الإذن، فتصرف قبل العلم به، ثم تبين أن الإذن كان موجودا؛ هل يكون كتصرف المأذون له أو لا؟

(القاعدة الرابعة والستون) من توقف نفوذ تصرفه أو سقوط الضمان أو الحنث عنه على الإذن، فتصرف قبل العلم به، ثم تبين أن الإذن كان موجودًا؛ هل يكون كتصرف المأذون له أو لا؟ في المسألة وجهان تتخرج عليهما صور: - منها: لو تصرف في مال غيره بعقد أو غيره، ثم تبين أنه كان أذن له في التصرف؛ فهل (¬1) يصح أم لا؟ [فيه وجهان] (¬2). - ومنها: لو قال لزوجته: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، ثم أذن لها ولم تعلم بإذنه، فخرجت؛ فهل تطلق؟ فيه وجهان، وأشهرهما -وهو المنصوص-: أنها تطلق؛ لأن المحلوف عليه قد وجد وهو خروجها على وجه المشاقة والمخالفة، فإنها أقدمت على ذلك، ولأن الأذن هنا إباحة بعد حظر؛ فلا يثبت في حقها بدون علمها كإباحة الشرع. ولأبي الخطاب في "الانتصار" طريقة ثانية، وهي أن دعواه الإذن غير ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "هل". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

مقبولة، لوقوع الطلاق في الظاهر، فلو أشهد على الإذن؛ لنفعه ذلك ولم تطلق، وهذا ضعيف. - ومنها: لو أذن البائع للمشتري في مدة الخيار في التصرف، فتصرف بعد الإذن وقبل العلم؛ فهل ينفذ أم لا؟ يتخرج على الوجهين في التوكيل، وأولى، وجزم القاضي في "خلافه" بعدم النفوذ. - ومنها: لو غصب طعامًا من إنسان، ثم أباحه له المالك، ثم أكله الغاصب غير عالم بالإذن؛ ضمن، ذكره أبو الخطاب في "الانتصار"، وهو بعيد جدًّا، والصواب الجزم بعدم الضمان؛ لأن الضمان لا يثبت بمجرد الاعتقاد فيما ليس بمضمون، كمن وطئ امرأة يظنها أجنبية، فتبينت زوجته، فإنه لا مهر عليه، ولا عبرة باستصحاب أصل الضمان مع زوال سببه، كما أنه لو أكل في الصوم يظن [أن] (¬1) الشمس لم تغرب، فتبين أنها كانت غربت؛ فإنه لا يلزمه القضاء (¬2)، ويلتحق بهذه: * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬2) وقد وردت أحاديث وآثار تدل على ذلك، مضى قسم لا بأس به منها في التعليق على (1/ 478، 479، 480).

65 - القاعدة الخامسة والستون وهي من تصرف في شيء يظن أنه لا يملكه؛ فتبين أنه كان يملكه

(القاعدة الخامسة والستون) وهي من تصرف في شيء يظن أنه لا يملكه؛ فتبين أنه كان يملكه. وفيها الخلاف أيضًا، ويندرج تحتها صور (¬1): - منها: لو باع ملك (¬2) أبيه بغير إذنه، ثم تبين أن أباه [كان] (¬3) قد مات ولا وارث له [سواه] (¬4). وفي صحة تصرفه وجهان، [وقيل] (¬5) روايتان. - ومنها: لو طلق امرأة يظنها أجنبية، فتبينت زوجته؛ ففي وقوع الطلاق روايتان، وبناهما أبو بكر على أن الصريح؛ هل يحتاج إلى نية أم لا؟ قال القاضي: إنما هذا الخلاف في صورة الجهل بأهلية المحل، ¬

_ (¬1) مثاله: لو باع سيارة ابن عمه ظانًّا أن ابن عمه موجود، فتبين أن ابن عمه قد مات قبل البيع، وهو الوريث الوحيد لابن عمه، وبذلك تكون السيارة له. (ع). (¬2) في (ب): "مال"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) ما ليس المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬5) في المطبوع و (ج): "ويقال".

ولا يطرد مع العلم به (¬1). - ومنها: لو لقي امرأة في الطريق، فقال: تنحي يا حرة، فإذا هي أمته. وفيها الخلاف أيضًا، ونص أحمد على ذلك، وفي "المغني" (¬2) احتمال بالتفريق؛ لأن هذا يقال كثيرًا في الطريق ولا يراد به العتق، وهذا مع إطلاق القصد، فأما إن قصد به المدح بالعفة ونحوها؛ فليست من المسألة بشيء، ويتنزل الخلاف في هذا على أنَّ الرِّضا بغير المعلوم، هل هو رضى معتبر؟ والأظهر عدم اعتباره. - ومنها: لو أبرأه من مئة درهم مثلًا معتقدًا أنه لا شيء له عليه، ثم تبين أنه كان له في ذمته مئة درهم، وفيها الوجهان (¬3). - ومنها: لو جرحه جرحًا لا قصاص فيه، فعفا عن القصاص وسرايته، ثم سرى إلى نفسه؛ فهل يسقط القصاص؟ يخرج على الوجهين، [و] (¬4) أشار إلى ذلك الشيح مجد الدين في ¬

_ (¬1) المذهب أن الطلاق واقع؛ لأنه واجهها بالطلاق، وبنى بعض الأصحاب؛ هل تشترط النية في الطلاق الصريح؟ والذي يظهر أن الطلاق لا يقع في هذه الحالة؛ لأنه لو علم أنها امرأته لم يطلقها. (ع). (¬2) انظر قوله في: "المغني" (10/ 279/ 8568). (¬3) وقد يقال: إن إبراءه منها دليل على أنه يعتقد أنها عليه، بخلاف ما لو قال: أنا لا أطلبه شيئًا، ثم تبين أنه يطلبه؛ فالوجه مختلف وليس كالأول، وعلى هذا؛ فإذا أبرأه يبرأ. (ع). قلت: في قول الشيخ نظر، والصواب أنه كالذي قبله. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

"تعليقه على الهداية"، وبناه على أن القصاص هل يجب للميت أو لورثته؛ كالدية؟ وجزم القاضي وغيره بأنه لا يصح العفو ها هنا. - ومنها: لو تزوجت امرأة المفقود قبل الزمان المعتبر، ثم تبين أنه كان ميتًا قبل ذلك بمدة تنقضي فيها العدة، أو أنه كان طلقها؛ ففي صحة النكاح الوجهان، ذكره القاضي، ورجح صاحب "المغني" (¬1) عدم الصحة هنا؛ لفقد شرط النكاح في الابتداء، كما لو تزوجت المرتابة قبل زوال الريبة (¬2). - ومنها: لو أمره غيره بإعتاق عبد يظن أنه للآمر، فتبين أنه عبده؛ ففي "التلخيص" يحتمل تخريجه على من أعتق عبدًا في ظلمة ثم تبين أنه عبده، لكن يرجع هنا على الآمر بالقيمة لتغريره له، ويحتمل أن لا ينفذ لتغريره، بخلاف ما إذا لم يغره أحد؛ فإنه غير معذور، فينفذ عتقه لمصادفته ¬

_ (¬1) انظره في: "المغني" (8/ 111/ 6357). (¬2) الزمان المعتبر في المفقود ما هو؟ القول الراجح هو ما أدّى إليه اجتهاد الحاكم، وهذا يختلف باختلاف الناس والأحوال والسلطان، والمذهب أنه إذا فقد وله تسعون سنة، فإنه يجتهد الحاكم، وإنْ كان دون التسعين، فإن كان ظاهر غيبته الهلاك ينتظر به أربع سنين، وأن كان ظاهر غيبته السلامة ينتظر به إلى تمام تسعين سنة منذ ولد. (ع). قلت: التقدير لا يصار إليه إلا بتوقيف، ولا توقيف ها هنا، نعم، يستصحب حياته؛ فينتظر مدة لا يعيش في مثلها. وانظر في المسألة: "المغني" (6/ 321 - 323 و 7/ 488 - 491)، و"الكافي" (3/ 313)، و"المحرر" (1/ 406)، و"الفروع" (5/ 35)، و"الإنصاف" (7/ 235 - 236 و 9/ 188)، و"المبدع" (8/ 127 - 128، 131 - 132)، و"كشاف القناع" (5/ 487 - 489)، و"شرح منتهى الإرادات" (3/ 222).

ملكه، إذ المخاطبة بالعتق لعبد غيره شبيه بعتق الهازل والمتلاعب؛ فينفذ، وكذلك في الطلاق، ونظير هذه في الطلاق أن يوكله شخص في تطليق زوجته ويشير إلى امرأة معينة فيطلقها ظانًّا أنها امرأة الموكل، ثم تبين أنها امرأته. وقد تخرج هذه المسألة على مسألة ما إذا نادى امرأة له، فأجابته امرأته الأخرى (¬1)، فطلقها ينوي المناداة؛ فإنه تطلق المناداة وحدها ولا (¬2) تطلق المواجهة في الباطن. وفي الظاهر روايتان؛ فعلى (¬3) هذا لا تطلق [امرأة] (¬4) الموكل في طلاقها [ها هنا] (¬5)، وقد يفرق بينهما بأن الطلاق هنا انصرف إلى جهة مقصودة، فلم يحتج إلى صرفه إلى غير المقصودة؛ وإن كانت مواجهة به، بخلاف ما إذا لم يكن هناك جهة سوى المواجهة؛ فإن الطلاق يصير [بصرفه] (¬6) عنها هزلًا ولعبًا، ولا هزل في الطلاق (¬7). - ومنها: لو اشترى آبقًا يظن أنه لا يقدر على تحصيله، فبان ¬

_ (¬1) في (ب): "امرأة له أخرى". (¬2) في (ب): "ولم". (¬3) في (ج): "وعلى". (¬4) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬5) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "هنا". (¬6) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "يصرفه". (¬7) الصحيح في مسألتي الطلاق والعتق أن ذلك راجع للنيّة، ودليله قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" [متفق عليه]، ومعنى قوله المواجهة (أي: المخاطبة). (ع).

بخلافه؛ ففي صحة العقد وجهان لاعتقاده؛ فقد شرط الصحة وهو موجود في الباطن. وفي "المغني" (¬1) احتمال ثالث بالفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع فيفسد البيع في حقه لأنه متلاعب، وبين من لا يعلم ذلك؛ فيصح لأنه لم يقدم على ما يعتقده باطلًا، وقد تبين وجود شرط صحته، وهذا يبين أن للمسألة التفاتًا إلى مسألة بيع الهازل والمشهور بطلانه، وهو قول القاضي، وقال أبو الخطاب في "انتصاره": هو صحيح، وهذا يرجح وجه بطلان البيع في المسائل المبدوء بها (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (6/ 24/ 4533). (¬2) الآبق لا يجوز بيعه؛ لأنه غير مقدور على تسيمه حين البيع، فإذا اشرى آبقًا يظن أنه لا يقدر على تحصيله وهو في الواقع بقدر؛ لأن الآبق موجود في بيت فلان مثلًا؛ فهل يصح البيع بناءً على ما في نفس الآمر، أو لا يصح بناءً على ما في ظن المكلف؟ فيه وجهان، وصاحب "المغني" ذكر احتمالًا بالوسط، فقال: إذا كان يعتقد أن بيع الآبق لا يصح؛ فإنه لا يصح لأنه إذا اشتراه في هذه الحال صار متلاعبًا، أما إذا كان لا يدري عن ذلك؛ فإن البيع يصح لأنه غير متلاعب، وقد تبين أن هذا العبد مقدور على تسليمه. (ع). قلت: انظر في المسألة: "الكافي" (2/ 11)، و"تنقيح المشبع" (123)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (29/ 426 - 427)، و"القياس" (ص 29)، و"القواعد النورانية" (116)، و"كشاف القناع" (3/ 162)، و"مطاب أولي النهى" (3/ 26).

66 - القاعدة السادسة والستون ولو تصرف [مستند] إلى سبب، ثم تبين خطؤه فيه، وأن السبب المعتمد غيره وهو موجود

(القاعدة السادسة والستون) ولو تصرف [مستند] (¬1) إلى سبب، ثم تبين خطؤه فيه، وأن السبب المعتمد غيره وهو موجود. فهو نوعان: أحدهما: أن يكون الاستناد إلى ما ظنه صحيحًا أيضًا؛ فالتصرف صحيح، مثل أن [يتطهر من حدث يظنه ريحًا، ثم تبين أنه نوم، ومثل أن] (¬2) يستدل على القبلة بنجم يظنه الجدي، ثم تبين أنه نجم آخر مسامته. والثاني: أن لا يكون ما ظنه مستندًا [استنادًا] (¬3) صحيحًا، مثل أن يشتري شيئًا ويتصرف فيه، ثم تبين أن الشراء كان فاسدًا، وأنه ورث تلك العين. فإن قلنا في القاعدة الأولى؛ فهنا أولى، وإن قلنا ثم بالبطلان؛ فيحتمل هنا الصحة؛ لأنه استند إلى سبب مسوغ (¬4) وكان في نفس الأمر ¬

_ (¬1) كذا في (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "مستندًا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) كذا الصواب، وفي المطبوع: "ممنوع".

له مسوغ غيره، فاستند التصرف إلى مسوغ في الباطن والظاهر، بخلاف القسم الذي قبله، ذكره الشيخ تقي الدين (¬1) رحمه اللَّه. والمذهب [ها] (¬2) هنا الصحة بلا ريب؛ لأن أصحابنا اختلفوا فيما إذا وهب الغاصب المغصوب من مالكه وأقبضه إياه، هل يبرأ به أم لا؟ وحكى ابن أبي موسى فيه روايتين (¬3)، والمشهور أنه لا يبرأ، نص عليه أحمد معللًا بأنه يحمل مِنَّتَهُ، وربما كافأه على ذلك. واختار القاضي في "خلافه" وصاحب "المغني" (¬4): أنه يبرأ؛ لأن المالك تسلمه [تسلمًا] (¬5) تامًّا وعادت سلطنته إليه، فبرئ الغاصب، بخلاف ما إذا قدمه اليه، فأكله؛ فإنه أباحه إياه، ولم يملكه إياه، فلم يعده (¬6) إلى سلطنته وتصرفه، ولهذا لم يكن له التصرف فيه بالبيع والهبة، وهذا اتفاق من أحمد وأصحابه على أن تصرفات المالك تعود إليه بعود ملكه على طريق الهبة من الغاصب، وهو لا يعلم بالحال. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "مجموع الفتاوى" (29/ 411 - 412) لشيخ الإسلام. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬3) في المطبوع: "وحكى في ابن أبي موسى روايتين" كذا بتقديم وتأخير. (¬4) "المغني" (5/ 142/ 3935). (¬5) في المطبوع: "تسليمًا". (¬6) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "يعد".

67 - القاعدة السابعة والستون من استحق الرجوع بعين أو دين بفسخ أو غيره، وكان قد رجع إليه ذلك الحق بهبة أو إبراء ممن يستحق عليه الرجوع؛ فهل يستحق الرجوع [عليه] ببدله أم لا؟

(القاعدة السابعة والستون) من استحق الرجوع بعين أو دين بفسخ أو غيره، وكان قد رجع إليه ذلك الحق بهبة أو إبراء ممن يستحق عليه الرجوع؛ فهل يستحق الرجوع [عليه] (¬1) ببدله أم لا؟ في المسألة وجهان، ولها صور: - منها: [لو] (¬2) باع عينًا، ثم وهب ثمنها للمشتري أو أبرأه منه، ثم بان بها عيب يوجب الرد، فهل له ردها (¬3) والمطالبة بالثمن أم لا؟ على وجهين، وكذا لو أبرأه من بعض الثمن، فهل له المطالبة بقدر ما أبرأه منه؟ على الوجهين، واختار القاضي في "خلافه": أنه إذا رده؛ لم يرجع عليه بشيء مما أبرأه منه، ويتخرج التفريق بين الهبة والإبراء؛ فيرجع بالهبة دون الإِبراء، وسنذكر أصله، ولو ظهر هذا المبيع معيبًا بعد أن تعيب عنده؛ فهل له المطالبة بأرش العيب؟ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وأثبتُّه من نسخة (ب)، وفي (ج): "يستحق عليه الرجوع". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (ج): "رده"، والصواب ما أثبتناه.

فيه طريقان: أحدهما: [تخريجه] (¬1) على الخلاف في رده. والآخر (¬2): تمتنع (¬3) المطالبة هنا وجهًا واحدًا، وهو اختيار ابن عقيل؛ لأنه صار معه (¬4) تبرعًا؛ فلا يملك المطالبة بزيادة عليه لئلا تجتمع له المطالبة بالثمن وبعض الثمن، بخلاف ما إذا رده، فإنه لا يجتمع له ذلك. - ومنها: لو تقايلا في العين بعد هبة ثمنها أو الإبراء منه. - ومنها: لو أصدق زوجته عينًا، فوهبتها منه، ثم طلقها قبل الدخول؛ فهل يرجع عليها ببدل نصفها؟ على روايتين، فإن قلنا: يرجع، فهل يرجع إذا كان الصداق دينًا فأبرأته منه؟ على وجهين، أصحهما: لا يرجع؛ لأن ملكه لم يزل عنه (¬5). - ومنها: لو كاتب عبده، ثم أبرأه من دين الكتابة وعتق؛ فهل ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يخرجه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع: "الأخرى"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع: "يمنع"، ولعل الصواب ما في (ب) و (ج). (¬4) في المطبوع: "منه"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) ذكر ابن رجب في "كتاب الذيل" (1/ 72) من غرائب الشيرازي: "ما قاله في "الإيضاح" أيضًا، قال: والصداق يجب بالعقد، ويستقر جميعه بالدخول، ولو أسقطت حقها من الصداق قبل الدخول؛ لم يسقط؛ لأنه إسقاط حق قبل استقراره، فلم يسقط؛ كالشفيع إذا أسقط حقه قبل الشراء". قال ابن رجب: "هذا لفظه، وهو غريب جدًّا" اهـ.

يستحق المكاتب الرجوع عليه بما كان [له] (¬1) عليه من الإيتاء الواجب أم لا؟ من الأصحاب من خرجها على الخلاف، وضعف صاحب "المغني" (¬2) ذلك؛ لأن إسقاطه عنه يقوم مقام إيتائه، ولهذا لو أسقط (¬3) عنه القدر الواجب إيتاؤه واستوفى الباقي؛ لم يلزمه أن يؤتيه شيئًا. وأيضًا؛ فالسيد أسقط عن المكاتب ما وجد سبب إيتائه إياه؛ فقام مقام الإيتاء، بخلاف إسقاط المرأة الصداق قبل الطلاق. - ومنها: لو شهد شاهدان بمال لزيد على عمرو، ثم رجعا وقد قبضه زيد من عمرو، ثم وهبه له، لم يسقط عنهما الضمان، ولو كان دينًا فأبرأه منه قبل قبضه، ثم رجعا؛ لم يلزمهما شيء، ذكره القاضي في "خلافه"، ولم يخرجه على الخلاف في المسائل الأولى؛ لأن الضمان لزمهما بوجود التغريم، وعود العين إلى الغارم من المحكوم له بهبة لا يوجب (¬4) البراءة، كما لا يبرأ الغاصب بمثل ذلك في الرد إلى المغصوب منه لتحمل مِنَّته. نعم، يتخرج القول بسقوط الضمان هنا إذا قلنا ببراءة الغاصب بإعادة المال إلى المغصوب منه هبة؛ لأنهما اعترفا بأنه قبضه عدوانًا ثم رده إليه هبة، وأما إذا أبرأه منه قبل القبض؛ فلم يترتب على شهادتهما غرم؛ فلذلك سقط عنهما الضمان. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج). (¬2) انظر: "المغني" (10/ 343/ 8710). (¬3) في (ج): "سقط". (¬4) كذا في المطبوع، ولعله الصواب، وفي (ب) و (ج): "توجب".

- ومنها: لو قضى الضامن الدين ثم وهبه الغريم ما قضاه بعد قبضه، فهل يرجع على المضمون عنه؟ ظاهر كلام الأصحاب أنه لا يرجع، ولهذا قالوا: لو قضى الدين بنقيضه لم يرجع إلا بما قضى، وجعلوه كالمقرض لا يرجع إلا بما غرم، لكن هذا في الإبراء والمسامحة ظاهر، فأما إن قضى الدَّيْنَ بكماله (¬1)، ثم وهبه الغريم منه؛ فلا يبعد تخريجه على الوجهين. * * * ¬

_ (¬1) كذا في (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع: "لكماله".

68 - القاعدة الثامنة والستون إيقاع العبادات أو العقود أو غيرهما مع الشك في شرط صحتها؛ هل يجعلها كالمعلقة على تحقق ذلك الشرط أم لا؟

(القاعدة الثامنة والستون) إيقاع العبادات أو العقود أو غيرهما مع الشك في شرط صحتها؛ هل يجعلها كالمعلقة على تحقق (¬1) ذلك الشرط أم لا؟ [و] (¬2) هي نوعان (¬3): أحدهما: ما يشترط فيه النية الجازمة، فلا يصح إيقاعه بهذا التردد ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تحقيق". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) معنى القاعدة أن إيقاع العبادات أو المعاملات أو غيرها مع الشك في وجوب شرط الصحة؛ هل يقع وتصح العبادة وهو شاك في شرط صحتها أو لا؟ يقول المؤلف: هذا نوعان: الأول: ما يشترط فيه الجزم، فالذي يشترط فيه الجزم لا يصح مع التردد والشك في شرط صحته؛ لفوات الشرط، إلا إذا كان التردد غلبة ظن يكفي فى مثله إيقاع العبادة أو المعاملة؛ فمثلًا إذا غلب على ظنه أن وقت المغرب قد دخل ولم يتقين؛ فهنا يجوز أن يصلي مع أنه متردد، فهنا تصح مع هذا التردد؛ لأن هذا التردد فيه غلبة ظن يكفي في مثله إيقاع العبادة، ولهذا جاز النظر في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في يوم غيم؛ ففي الإفطار لم يتيقنوا غروب الشمس؛ فإنهم لو تيقنوا ما طلعت، ولكن غلب على ظنهم أن الشمس قد غربت، ولما جاز النظر جازت الصلاة، ولو تبين عدم غروب الشمس بعد الصلاة؛ فإن الصلاة تعاد وتكون تلك الصلاة نفلًا بناءً على القاعدة المعروفة في الفقه: "وينقلب نفلًا ما كان عَدَمُهُ". (ع).

ما لم يكن الشك غلبة ظن يكفي (¬1) مثله في إيقاع العبادة أو العقد كغلبة الظن بدخول الوقت وطهارة الماء والثوب ونحو ذلك. ومن أمثلة ذلك [ما] (¬2) إذا صلى يظن نفسه محدثًا؛ فتبين متطهرًا (¬3). - ومنها: لو شك، هل ابتدأ مدة مسح الخفين في السفر أو الحضر فمسح يومًا آخر بعد انقضاء مدة الحضر، ثم تبين أنه ابتدأها في السفر؛ لزمه إعادة الصلاة [للشك] (¬4)، وهل يلزمه إعادة الوضوء؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يلزمه، وبه جزم في "المغني" (¬5)؛ لأن الوضوء يصح مع الشك في سببه، كمن شك في الحدث، فتوضأ ينوي رفعه ثم تبين محدثًا. والثاني: يلزمه؛ لأن المسح رخصة ولم تتحقق إباحتها؛ فلم يصح كمن قصر، وهو يشك في جواز القصر. - ومنها: لو توضأ من إناء مشتبه، ثم تبين أنه طاهر؛ لم تصح طهارته ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تكفي". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) إذا صلى يظن نفسه محدثًا، فتبين متطهرًا؛ فهنا تصح العبادة لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، وثانيًا أن يغلب على ظنه أنه متطهر وكان محدثًا، فظاهر كلام المؤلف إذا بان أنه متطهر أنها تصح، ولكن هذا خلاف المذهب؛ فإنه إذا كان محدثًا وشك هل تطهر أو لا؛ فإنه لا يصلي حتى يتقين أنه متطهر؛ ولو غلب على ظنه أنه متطهر لأن الأصل بقاء الحدث وهو متيقن، فلا يزول إلا بيقين. (ع). (¬4) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "بالشك". (¬5) انظر المسألة في: "المغني" (1/ 180/ 420).

في المشهور، وقال القاضي أبو الحسين: تصح (¬1)، وهو يرجع إلى أن الجزم بصحة الوضوء لا يشترط كما سبق. - ومنها: لو توضأ شاكًا في الحدث، أو صلى مع غلبة ظنه بدخول الوقت، ونوى الفرض، إن كان محدثًا أو الوقت قد دخل، وإلا؛ فالتجديد أو النفل (¬2)؛ فذكر ابن عقيل أنه يجزئه؛ لأن هذا حكمه ولو لم ينوه، فإذا نواه، لم يضره (¬3). - ومنها: لو كان له مال حاضر وغائب، فأدى زكاة ونوى أنها عن الغائب إن كان سالمًا، وإلا، فتطوع، فبان سالمًا؛ أجزأه لما ذكرنا. وحُكي عن أبي بكر أنه لا يجزئه؛ لأنه لم يُخْلِص النية للفرض (¬4). ويتخرج (¬5) منه وجه في التي قبلها: أنه لا يصح وأولى؛ لأن هناك لم ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يصح". (¬2) في (ج): "التنفل". (¬3) هذا رجل توضأ شاكًّا في الحدث، فتوضأ، فإن كان محدثًا، فهذا فرض، وإن كان غير محدث؛ فهو تجديد، والثاني صلى الفرض وكان قد غلب على ظنه دخول الوقت، ولكنه ما تيقن؛ فهل يجوز أن يصلي الفرض بهذا أم لا؟ نعم، يجوز، فإن كان الوقت قد دخل؛ فهو فرض؛ وإن لم يكن دخل؛ صار نفلًا، فإذا لم يتبين؛ فهو فرض لأنه يجوز أن يصلي أو يتوضأ بغلبة الظن، بقي أن يُقال: وهل يجوز أن يتنفل في وقت الكراهة؟ ثم هل يجوز النفل بالثلاثة أي ثلاث ركعات؟ فيقال: المشهور من المذهب أن يتنفل بواحدة أو ثلاث، وباثنتين أو بالأربع. والجواب عليه أن يقال: إنه لم يتقين أنه نفل، وكذلك بالنسبة للصلاة قبل الغروب؛ فإنه لم يتيقن أن الشمس لم تغرب، بل يغلب على ظنه غروب الشمس. (ع). (¬4) في المطبوع: "عن الفرض"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في (ب): "ويخرج".

يبن على أصلٍ مُسْتَصْحَبٍ، ولكنه بنى على غلبة ظن بدخول الوقت، وهو يكفي في صحة الصلاة. - ومنها: إذا نوى ليلة الشك إن كان غدًا من رمضان؛ فهو فرضي، وإلا؛ فهو نفل، فهل يجزئه عن رمضان إن وافق؟ ينبني على أن نية التعيين؛ هل تشترط لرمضان؟ فإن قلنا: تشترط، وهو المشهور في المذهب، لم يُجْزِئْهُ لأنه لم يجزم بالتعيين، ولم يبن على أصل مستصحب يجوز الصيام فيه (¬1)، بخلاف مسألة الزكاة، وهذا بخلاف ما لو نوى ليلة الثلاثين من رمضان إن كان غدًا من رمضان، فأنا صائم عنه، وإلا فأنا مفطر؛ فإنه يصح صيامه في أصح الوجهين؛ لأنه بنى على أصل لم يثبت زواله ولا يقدح تردده لأنه حكم صومه مع الجزم. والثاني: وهو قول أبي بكر: لا يجزئه للتردد، ونقل صالح عن أبيه أنه يجزئه النية المترددة مع الغيم دون الصحو (¬2)؛ لأن الصوم مع الغيم لا ¬

_ (¬1) في "الفنون" (2/ 447/ 399) أن أصح الروايتين عن أحمد تعيين النية، قال ابن عقيل: "الصوم عادة تنقسم نفلًا وفرضًا، وقضاءً وأداءً؛ فافتقر إلى تعيين النية؛ كالصلاة". وانظر في المسألة: "الهداية" (1/ 83)، و"المحرر" (1/ 228)، و"الكافي" (1/ 472)، و"الفروع" (3/ 40)، و"المبدع" (3/ 20)، و"الإنصاف" (3/ 295)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (18/ 263 و 20/ 570 و 25/ 100، 119، 214)، و"زاد المعاد" (1/ 218)، و"كشاف القناع" (2/ 367)، و"مطاب أولي النهى" (2/ 186). (¬2) في "مسائل صالح" (2/ 164/ رقم 732): "قلت: الرجل يتلوم يوم الشك، يقول: إن كان من رمضان صمت، وإن كان من غير رمضان لم أصم؟ قال: هذا ليس =

يخلو من تردد ينافي الجزم، فإذا [تردد في] (¬1) النية؛ فقد نوى حكم الصوم [معه] (¬2)، فلا يضره، بخلاف حالة الصحو؛ فإنه لا يحتاج فيها إلى التردد. والنوع الثاني: ما لا يحتاج إلى نية جازمة، فالصحيح (¬3) فيه الصحة، وقد سبق من أمثلته: إذا نكحت امرأة المفقود قبل أن يجوز لها النكاح، ثم تبين أنه كان جائزًا؛ ففي الصحة وجهان (¬4). - ومنها: لو كان [له] (¬5) عند رجل دنانير وديعة، فصارفه عليها وهو ¬

_ = بمُجَمِّع، في قول ابن عمر وحفصة: لا صيام لمن لم يُجْمع الصيام من الليل" اهـ. قلت: وقول ابن عمر عند النسائي (1/ 262)، والترمذي (3/ 108)، وغيرهما. وقول حفصة عند النسائي أيضًا (1/ 261 - 262) وغيره. والمسألة نقلها عبد اللَّه في "مسائله" (ص 188/ رقم 705)، وذكر صالح نحوها في "مسائله" (1/ 195/ رقم 116): "قلت: رجل صام يوم الشك؟ قال: إذا كان في السماء غيم، فأصبح وقد أجمع الصيام من الليل، فصام، فإذا هو من رمضان؛ فإنه لا يعيد، وقد جاز صومه، وإذا لم يجمع الصيام، ولكنه أصبح وهو يقول: أصوم إن صام الناس وأفطر إن أفطر الناس، ولم يجمع الصيام كذلك، فصام ذلك اليوم وإذا هو من رمضان؛ فإنه يعبد يومًا مكانه". (¬1) في المطبوع: "ترددت". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬3) في (ج): "والصحيح". (¬4) هذا رجل مفقود، فضرب له أربع سنوات، فقلنا: إن لم يأت في هذه المدة؛ فلزوجته أن تتزوج، وهذه المرأة تزوجت بعد سنتين من بداية الأربع، ثم تبين أن زوجها قد مات قبل أن تتزوج؛ فالزواج صحيح لأنه كان من امرأة ليس لها زوج، لكنه مشكوك في صحته. (ع). (¬5) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

يجهل بقاءها؛ ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول القاضي في "المجرد": لا يصح؛ لأنها ليست تالفة، فتكون مصارفة عليها وهي في الذمة، ولا حاضرة؛ فتكون مصارفة على عين. والثاني: وهو قول ابن عقيل أنه يصح؛ لأن الأصل (¬1) بقاؤها، فصار كبيع الحيوان الغائب بالصفة؛ فإنه يصح مع احتمال تلفه لأن الأصل بقاؤه. [و] (¬2) قال ابن عقيل: فإن كانت باقية تقابضا وصح العقد، [فـ] (¬3) إن كانت تالفة؛ تبين بطلان العقد، وهذا الذي قاله صحيح إذا تلفت بغير تفريط، فأما إن تلفت تلفًا مضمونًا في الذمة؛ فينبني على تعيين النقود بالتعيين، فإن قلنا: يتعين، لم يصح العقد، وإلا؛ صح وقامت الدنانير التي في الذمة مقام الوديعة؛ [إلا] (¬4) على الوجه الذي يشترط فيه للصرف التعيين؛ فلا يصح على ما في الذمة. - ومنها: لو وكله في شراء جارية، فاشتراها له، ثم جحد الموكل الوكالة، فأراد الوكيل أن يشتريها منه، فلم يعترف بالملك، فقال (¬5) له: إن كنت أذنت لك في شرائها، فقد بعتكها؛ فهل يصح أم لا؟ على وجهين: ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الأصح"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬3) في (ب) والمطبوع: "و". (¬4) في المطبوع: "لا"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع و (ج): "ثم قال".

أحدهما: لا يصح؛ لأن البيع لا يصح تعليقه، وهو قول القاضي وابن عقيل. والثاني: يصح، ذكره في "الكافي" (¬1) احتمالًا؛ لأنه تعليق على شرطٍ واقعٍ يعلمانه، فلا يؤثر ذكره في العقد، كما لو قال: بعتك هذه إن كانت جارية، ويشهد له نص أحمد في "رواية ابن منصور" (¬2) بصحة بيع الغائب إن كان سالمًا، فإن هذا مقتضى إطلاق العقد؛ فلا يضر تعليق البيع عليه (¬3). - ومنها: الرجعة في عقد نكاح شك في وقوع الطلاق فيه؟ قال أصحابنا: هي رجعة صحيحة رافعة للشك، وهي (¬4) المسألة التي أفتى فيها شريك بأنه يطلق ثم يراجع، ومأخذه أن الرجعة مع الشك في الطلاق يصيرها كالمعلقة على شرط، ولا يصح تعليقها؛ فلا يصح تمثيل قوله بمن شك في نجاسة ثوبه، فأمر بتنجيسه، ثم يغسله (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "الكافي" (2/ 255 - 256). (¬2) انظر: "مسائل ابن منصور" (434/ 371). (¬3) القول الصحيح في هذه المسألة أنه يصح؛ لأنه إذا قال: إن كنت أذنت لك فقد بعتك، فإذا تبين أنه قد أذن له؛ صار بيعه بعد الملك، وإن لم يتبين أنه له؛ فإنها للوكيل في العقد الأول، فهي للوكيل على كل تقدير، وقوله: "إن البيع لا يصح تعليقه" الصحيح. خلافه، وأنه يصح تعليقه، وأن كل عقد يصح تحليقه؛ لأن الأصل في الشروط الصحة إلا ما قام الدليل على بطلانها والأصل في العقود الصحة إلا ما قام الدليل على بطلانه. (ع). (¬4) في (ج): "وهذه". (¬5) والصواب هنا أن يُبنى على اليقين، والدليل عليه حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فلا =

وكذلك لم يصب من أدخل قوله في "أخبار المغفلين" (¬1)؛ فإن مأخذه في ذلك خفي عنه، فأما الرجعة مع الشك في حصول الإِباحة بها كمن طلق وشك: هل طلق ثلاثًا أو واحدة، ثم راجع في العدة؟ فيصح عند أكثر أصحابنا ها هنا؛ لأن الأصل بقاء النكاح، وقد شك في انقطاعه والرجعة استبقاء (¬2) له؛ فيصح (¬3) مع الشك في انقطاعه. وعند الخرقي لا يصح؛ لأنه قد تيقن سبب التحريم، وهو الطلاق (¬4)، فإنه إن كان ثلاثًا؛ فقد حصل [به] (¬5) التحريم بدون زوج وإصابة، وإن كان واحدة؛ فقد حصل به التحريم بعد البينونة بدون عقد جديد؛ فالرجعة في العدة لا يحصل بها الحل إلا على هذا التقدير فقط؛ فلا [يزيل] (¬6) الشك مطلقًا، فلا يصح لأن تيقن [سبب وجود] (¬7) التحريم ¬

_ = ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، وهنا الطلاق مشكوك فيه؛ فالأصل عدمه، والنجاسة مشكوك فيها؛ فالأصل عدمها، وهكذا. (ع). (¬1) لعله يريد ابن الجوزي في كتابه "أخبار الحمقى والمغفلين"، وقد مررتُ بالكتاب المطبوع؛ فلم أظفر بشيء فيه يشير إلى نقل المصنف هذا. (¬2) في المطبوع و (ج): "استيفاء"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) قال الخرقي في "مختصره" (7/ 379/ 6037 - مع "المغني"): "وإذا طلق، فلم يدْرِ أواحدة طلق أم ثلاثًا؛ اعتزلها، وعليه نففتها ما دامت في العدة، فإن راجعها في العدة؛ لزمته النفقة، ولم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق؛ لأنه متيقن للتحريم، شاك في التحليل". (¬4) في (ج): "فتصح"، وفي المطبوع: "فصح". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬6) كذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج): "يزول". (¬7) في (ج): "وجود سبب" كذا تقديم وتأخير، ولعل الصواب ما أثبتناه.

مع الشك في وجود المانع منه يقوم مقام تحقق وجود الحكم مع الشك في وجود المانع؛ فيستصحب حكم [وجود] (¬1) السبب كما يعمل بالحكم، ويلغى المانع المشكوك فيه كما يلغى مع تيقن وجود حكمه. وقد استشكل كثير من الأصحاب كلام الخرقي [و] (¬2) تعليله؛ [فإنه] (¬3) تيقن [سبب] (¬4) التحريم، وشك في التحليل، وظنوا (¬5) أنه يقول بتحريم الرجعية (¬6)، وليس بلازم؛ لما ذكرنا (¬7). - ومنها: لو حكم [الحاكم] (¬8) في مسألة مختلف فيها بما يرى أن الحق في غيره؛ أثم وعصى بذلك، ولم ينقض حكمه إلا أن يكون مخالفًا؛ لنص صريح ذكره ابن أبي موسى، وقال السَّامُرِيُّ: بل ينقض حكمه؛ لأن شرط صحة الحكم موافقة الاعتقاد، ولهذا لو حكم بجهل؛ لنُقِضَ حكمه، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "في"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع: "بأنه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "فظنّوا". (¬6) في (ج) والمطبوع: "الرجعة". (¬7) إذا طلق، ثم شك هل طلق ثلاثًا أو واحدة؛ فالأصل واحدة، وهذا هو الذي عليه أكثر الأصحاب، أي إنها واحدة، وحينئذ يحل له أن يراجعها لأنها واحدة، وقال الخرقي: قال إنها لا تحل له لأنها لا يمكن أن تحل الرجعة إلا إذا تيقنا أن الطلاق واحدة، وحينئذ إذا راجع؛ فإن الرجعة مشكوك فيها؛ فلا تحل له المرأة إلا بعد زوج، ولكن نقول إجابة على هذا: إنها رجعة في شيء مشكوك فيه، لكن حكم بأنه معدوم لأن الأصل الواحدة. (ع). (¬8) في المطبوع و (ج): "حاكم" بدون "الـ".

مع أنه لا يعتقد بطلان ما حكم به، فإذا اعتقد بطلانه؛ فهو بالرد أولى. وللأصحاب وجهان فيما ينقض [فيه] (¬1) حكم الجاهل والفاسق: أحدهما: تنقض جميع أحكامه لفقد أهليته، وهو قول أبي الخطاب وغيره. الثاني: تنقض كلها؛ إلا ما وافق الحق المنصوص والمجمع عليه، وينقض ما وافق الاجتهاد؛ لأنه ليس من أهله، وهو اختيار صاحب "المغني" (¬2)، ويشبه هذا القول في الوصي الفاسق إذا قسم الوصية، فإن أعطى الحقوق لمستحقٍّ معين يصح قَبْضُه؛ لم يضمنه لأنه يجب إيصالُه إليه، وقد حصل وإن كان لغير معين؛ فوجهان (¬3): - ومنها: الحكم بإسلام من اتُّهم بالردة إذا أنكر وأقر بالشهادتين؛ فإنه حكم صحيح، وإن حصل التردد في مستنده؛ هل هو الإسلام المستمر ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "به". (¬2) انظر: "المغني" (10/ 104 - 105). (¬3) إذا حكم الحاكم في مسألة مختلف فيها بما يرى أن الحق في غيره؛ فهو آثم لا شك في ذلك، وعاص لأنه حكم بهذه المسألة هو يعتقد أنها خلاف الحق، مثل لو حكم أن الغاصب لا يضمن بالسعر، ومثل هذا؛ هل يُنقض حكمه؟ في هذا خلاف، والمذهب أنه يُنقض حكمه لأنه خالف ما يعتقده وهو بنفسه يقر بأن الحكم باطل. والقول الثاني: إنه لا يُنقض؛ لأنه حكم حكمًا موافقًا لاجتهاد بعض العلماه؛ لأنا لا ندري الصواب فيما يعتقد أو فيما حكم به، ولكن الصحيح أنه ينقض، وأن الحكم إذا حكم بما يخالف نصًّا أو إجماعًا قطعيًّا أو ما يعتقده؛ فإنه ينقض ولا بد، ولو لم تقل بذلك؛ لصار تلاعب بالأحكام، أي: لصار الحكم بالهوى لا بما يرى أن الحق فيه والهدى. (ع).

على ما يدعيه أو الإسلام المتجدد (¬1) على تقدير صحة ما اتهم به؟ وقد قال الخرقي (¬2): ومن شهد عليه بالردة، فقال: ما كفرت، فإن شهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه؛ لم يكشف عن شيء، قال في "المغني" (¬3)؛ لأن هذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي؛ فكذلك المرتد، قال: "ولا حاجة في ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته". ونقل محمد بن الحكم عن أحمد فيمن أسلم من أهل الكتاب ثم ارتد فشهد قوم عدول أنه تنصر أو تهو، وقال هو: لم أفعل، [بل] (¬4) أنا مسلم، قال: أقبَل قولُه ولا أقبلُ شهادتهم. وذكر كلامًا معناه أن إنكاره أقوى من الشهود. وكذلك نقل عنه أبو طالب في رجل تَنَصَّر، فأخذ، فقال: لم أفعل؛ قال: يقبل منه، وعلل بأن المرتد يستتاب لعله يرجع، فيقبل منه، فإذا أنكر بالكلية؛ فهو أولى بالقبول، وليس في هذه الرواية أنه تثبت (¬5) عليه الردة، ولا فيها أنه وجد منه غير إنكار الردة. ¬

_ (¬1) في (ج): "المجدد"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) انظر: "المغني" (9/ 27/ 7109). (¬3) في "المغني" (9/ 28/ 7112): "ولأن هذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي، فكذلك إسلام المرتد، ولا حاجة مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته، وكلام الخرقي محمول على من كفر بجحد الوحدانية، أو جحد رسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو جحدهما معًا، فأما من كفر بغير هذا؛ فلا يحصل إسلامه إلا بالإقرار بما جحده. . ." إلى آخر ما قال. (¬4) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬5) كذا في (ب)، وفي (ج): "تثبت"، وفي المطبوع: "ثبت".

وأما مسألة محمد بن الحكم؛ ففيها أنه قال: أنا مسلم، وذلك يحصل به الإسلام؛ [فهو] (¬1) كالشهادتين، وظاهر كلام أحمد يدل على أن إنكاره يكفي في الرجوع إلى الإسلام، ولو ثبتت عليه الردة بالبينة، وهو خلاف قول أصحابنا، وأما إن ثبت كفره [بإقراره] (2) [عليه] (¬2)، ثم أنكر؛ ففي "المغني" (¬3) يحتمل أن لا يقبل إنكاره، وإن سلمنا؛ فلأن الحد هنا وجب بقوله، فقبل (¬4) رجوعه عنه، بخلاف ما ثبت بالبينة كما في حدِّ الزِّنا. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) ما بين المعقوفتين الأولتين سقط من (ج)، وما بين المعقوفتين الأخرتين؛ فهو من المطبوع فقط. (¬3) انظر: "المغني" (9/ 27/ 7110). (¬4) في المطبوع: "فيقبل".

69 - القاعدة التاسعة والستون العقد الوارد على عمل معين

(القاعدة التاسعة والستون) العقد الوارد على عمل معين. إما أن يكون لازمًا ثابتًا في الذمة بعوض؛ كالإجارة؛ فالواجب تحصيل ذلك العمل، ولا يتعين أن يعمله المعقود معه إلا بشرط أو قرينة تدل عليه، وإما أن يكون غير لازم، وإنما يستفاد التصرف فيه بمجرد الإذن؛ فلا يجوز للمعقود معه أن يقيم غيره مقامه في عمله إلا بإذن صريح أو قرينة دالة عليه، ويتردد بين هذين من كان تصرفه (¬1) بولاية؛ إما ثابتة بالشرع كولي النكاح، أو بالعقد؛ كالحاكم وولي اليتيم. فأما (¬2) الأول؛ فله صور: - منها: الأجير المشترك، فيجوز له الاستنابة في العمل لأنه ضمن تحصيله لا عمله بنفسه، واستثنى الأصحاب من ذلك أن يكون العمل متفاوتًا (¬3) كالفسخ؛ فليس له الاستنابة فيه بدون إذن المستأجر صريحًا، ونقلت من خط القاضي على ظهر جزء من "خلافه" قال: نقلت من "مسائل ابن أبي حرب [الجَرْجَرَائي"] (¬4): سمعت أبا عبد اللَّه سئل قال: دفعت ثوبًا ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع: "تصرف". (¬2) في المطبوع: "أما". (¬3) كتب في هامش (ب) هنا: "يعني: أن الأغراض في متفاوتة". (¬4) في المطبوع و (ج): "الجرجاني"، والتصويب من (ب).

إلى خياط فقطَّعه ثم دفعه إلى آخر ليخيطه. قال: هو ضامن. ولعل هذا فيما دلت الحال على وقوع العقد [فيه] (¬1) على خياطة المستأجر؛ لجودة صناعته وحذقه وشهرته بذلك؛ [فلا يرتضي] (¬2) المستأجر بعمل غيره، والمذهب الجواز بدون القرينة، وعليه بنى الأصحاب صحة شركة الأبدان حتى أجازوها مع اختلاف الصنائع على أحد الوجهين. وكذلك لو استأجر أجير لعمل وهو لا يحسنه، ففي الصحة وجهان؛ لأن العقد وقع على ضمان تسليم العمل وتحصيله لا على المباشرة. - ومنها: لو أصدقها عملًا معلومًا مقدرًا بالزمان أو بغيره، وقلنا: يصح ذلك؛ فهو كالأجير المشترك. وأما الثاني، وهو المتصرف بالإذن المجرد؛ فله صور: - منها: الوكيل، وفي جواز توكيله بدون إذن روايتان معروفتان؛ إلا فيما اقتضته دلالة الحال، مثل أن يكون العمل لا يباشره مثله أو يعجز عنه لكثرته؛ فله الاستنابة بغير خلاف، لكن هل [له] (¬3) الاستنابة في الجميع، أو في القدر المعجوز عنه خاصة؟ على وجهين، والأول اختيار صاحب "المغني" (¬4)، والثاني قول القاضي وابن عقيل. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في المطبوع: "ولا يرضى"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) انظر: "المغني" (5/ 57/ 3748).

- ومنها: العبد المأذون له (¬1)، وفيه طريقان: أحدهما: أنه كالوكيل، وهو المذكور في "الكافي" (¬2) لأنه استفاد التصرف بالإذن؛ [فهو] (¬3) كالوكيل. والثاني: ليس له الاستنابة بدون إذن أو عرف بغير خلاف، وهو ما ذكره في "التلخيص" لقصور العبد في أملاكه وتصرفاته، فلا يملك التصرف بدون إذن أو قرينة. - ومنها: الصبي المأذون له، وهو كالوكيل، ذكره في "الكافي" (2). - ومنها: الشريك والمضارب، وفيهما طريقان: أحدهما: أن حكمهما حكم الوكيل على الخلاف فيه، وهي طريقة القاضي والأكثرين. والثاني: يجوز لهما التوكيل بدون إذن، وهو المجزوم به في "المحرر" (¬4) وكذلك رجحه أبو الخطاب في "رؤوس المسائل"؛ لعموم تصرفهما وكثرته وطول مدته غالبًا، وهذه قرائن تدل على الإذن في التوكيل في البيع والشراء. وكلام ابن عقيل يشعر بالتفريق بين المضارب والشريك؛ فيجوز للشريك التوكيل لأنه علل بأن الشريك استفاد بعقد الشركة ما هو دونه، وهو ¬

_ (¬1) في المطبوع: "له فيه وفيه"، ولعل الصواب حذفها. (¬2) انظر: "الكافي" (2/ 241) لابن قدامة المقدسي. (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬4) انظر: "المحرر" (1/ 349).

الوكالة؛ لأنها أخص والشركة أعم؛ فكان له الاستنابة في الأخص، بخلاف الوكيل؛ فإنه استفاد بحكم العقد مثل العقد، وهذا يدل على إلحاق المضارب بالوكيل. وهذا الكلام في توكيلهما في البيع والشراء، فأما دفع المضارب المال مضاربة إلى غيره؛ فلا يجوز بدون إذن صريح، نص عليه أحمد، وعلل بأنه إنما ائتمنه على المال؛ فكيف يسلمه إلى غيره؟! وحكى فيه رواية أخرى بالجواز. وأما الثالث، وهو المتصرف بالولاية؛ فمنه ولي اليتيم، وفيه طريقان: أحدهما: أنه كالوكيل، وهي طريقة القاضي وابن عقيل وصاحب "المغني" (¬1)؛ لأن تصرفه بالإِذن؛ فهو كالوكيل. والثاني: أنه يجوز التوكيل، بخلاف الوكيل، رجحه (¬2) القاضي وابن عقيل أيضًا في كتاب "الوصايا" (¬3) وأبو الخطاب، وجزم به في "المحرر" (¬4)؛ لأنه متصرف (¬5) بالولاية، وليس وكيلًا محضًا؛ فإنه يتصرف بعد الموت، بخلاف الوكيل، ولأنه تعتبر (¬6) عدالته وأمانته، وهذا شأن الولايات، ولأنه ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 167/ 3144). (¬2) في المطبوع: "ورجحه". (¬3) لعله جزء من كتاب "الفصول" ويسمّى "كفاية المغني"، ومضى التعريف به (1/ 119)، ولم يذكر المصنف (ابن رجب) في ترجمة (ابن عقيل) من "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 156) كتابًا بعنوان "الوصايا"! (¬4) "المحرر" (1/ 349 - 350). (¬5) في (ج): "يتصرف"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬6) في المطبوع و (ب): "يعتبر".

لا يمكنه الاستئذان [و] (¬1) تطول مدته ويكثر تصرفه، بخلاف الوكيل. هذا في توكيله، فأما في وصيته إلى غيره؛ ففيها روايتان منصوصتان، واختار المنع أبو بكر والقاضي. - ومنها (¬2): الحاكم؛ هل له أن يستنيب غيره من غير إذن [له] (¬3) في ذلك؟ [وفيه] (3) طريقان: أحدهما: طريق القاضي في "المجرد" و"الخلاف": أنه كالوكيل على ما مر فيه. والثاني: وهو طريق القاضي في "الأحكام السلطانية" (¬4) وابن عقيل وصاحب "المحرر" (¬5): أن له الاستخلاف قولًا واحدًا. ونص عليه أحمد في "رواية مهنا" بناءً على أن القاضي ليس بنائب للإِمام، بل هو ناظر للمسلمين لا عمن ولاه، ولهذا لا [ينعزل] (¬6) بموته ولا بعزله على ما سبق؛ فيكون حكمه في ولايته حكم الإمام، بخلاف الوكيل، ولأن الحاكم يضيق عليه تولي جميع الأحكام بنفسه، ويؤدي ذلك إلى ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أو". (¬2) في (ب): "ومنه"، والصواب "ومنها" يعود الضمير على قوله: "صُوَر" في أول القاعدة. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) "الأحكام السلطانية" (ص 23، 25). (¬5) "المحرر" (1/ 349). (¬6) في المطبوع: "يعزل".

تعطيل مصالح الناس العامة، فأشبه من وكل فيما لا يمكه مباشرته عادة (¬1) لكثرته، ومنه ولي النكاح، فإن كان مجبرًا، فلا إشكال في جواز توكيله؛ لأن ولايته ثابتة شرعًا من غير جهة المرأة، ولذلك لا يعتبر معه إذنها، وإن كان غير مجبر؛ ففيه طريقان: أحدهما: أنه كالوكيل، وهي طريقة القاضي؛ لأنه متصرف بالإذن. والثاني: أنه يجوز له التوكيل قولًا واحدًا، وهو طريق صاحب "المغني" (¬2) و"المحرر" (¬3)؛ لأن ولايته ثابتة بالشرع من غير جهة المرأة، فلا تتوقف (¬4) استنابته على إذنها؛ كالمجبر، وإنما افترقا في (¬5) اعتبار إذنها في صحة النكاح، ولا أثر لها ها هنا. * * * ¬

_ (¬1) في (ب): "عادته"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) انظر: "المغني" (5/ 57 - 58/ 3751). (¬3) "المحرر في الفقه" (2/ 15). (¬4) في (ب): "يتوقف". (¬5) في المطبوع: "على".

70 - القاعدة السبعون الفعل المتعدي إلى مفعول أو المتعلق بظرف أو مجرور إذا كان مفعوله أو متعلقه عاما؛ فهل يدخل الفاعل الخاص في عمومه، أم يكون ذكر الفاعل قرينة مخرجة له من العموم، أو يختلف ذلك بحسب القرائن؟

(القاعدة السبعون) الفعل المتعدي إلى مفعول أو المتعلق بظرف أو مجرور إذا كان مفعوله أو متعلقه عامًّا؛ فهل يدخل الفاعل الخاص في عمومه، أم يكون ذكر الفاعل قرينة مخرجة له من العموم، أو يختلف ذلك بحسب القرائن؟ فيه خلاف في المذهب، والمرجح فيه التخصيص؛ إلا مع التصريح بالدخول أو قرائن تدل عليه، وتترتب على ذلك صور متعددة: - منها: النهي عن الكلام والإمام يخطب لا يشمل الإمام على المذهب المشهور. - ومنها: الأمر بإجابة المؤذن؛ هل يشمل المؤذن نفسه؟ المنصوص ها هنا الشمول، والأرجح عدمه؛ طردًا للقاعدة (¬1). ¬

_ (¬1) قال شيخنا الألباني في "تمام المنة" (ص 158) معقِّبًا على قول السيد سابق: "الجهر بالصلاة والسلام على الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عقب الأذان غير مشروع، بل هو محدث مكروه"، قال حفظه اللَّه: "قلت: مفهومه أن الإسرار بها سنة، فأين الدليل على ذلك؟ فإن قيل: هو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا عليَّ. . .". . .؛ فالجواب: إن الخطاب فيه للسامعين المأمورين بإجابة المؤذن، ولا يدخل فيه المؤذن نفسه، وإلَّا؛ لزم القول بأنه يجيب أيضًا نفسه بنفسه، وهذا لا قائل به، والقول به بدعة في الدين. . ." اهـ. =

- ومنها: إذا أذن السيد (¬1) لعبده في التجارة، لم يملك أن يؤجر نفسه، وللمنع مأخذ آخر، وهو أن المنافع ليست من أموال التجارة، ذكره القاضي. - ومنها: إذا أذن السيد لعبده أن يعتق عن كفارته من رقيق السيد؛ لم يملك أن يعتق نفسه، وخرجها أبو بكر على وجهين، وهذا يتمشى على طريقته وطريقة ابن حامد والمتقدمين: أن تكفير العبد بالمال لا ينبني على ملكه بالتمليك، بل يكفر به [بإذن] (¬2) السيد وإن لم يملكه، وإلا، فلو [ملكه] (¬3) نفسه؛ لانعتقت عليه قهرًا، ولم تجزئه عن الكفارة. - ومنها: هل يكون الرجل مصرفًا لكفارة نفسه؟ في المسألة روايتان، ثم من الأصحاب من يحكيهما في غير كفارة الجماع في رمضان؛ لورود النص فيها (¬4)، ومنهم من [حكاهما] (¬5) في ¬

_ = قلت: وهو (أي: المؤذن) وإن كان يدخل تحت العموم لغةً؛ إلا أن هذا العموم لم يجر عليه عمل السلف الصالح، فكان غير داخلٍ فيه شرعًا، فكان العمل به غير جائز. (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬2) في المطبوع: "إذن". (¬3) في المطبوع: "ملك"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع و (ب): "حكاها"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدَّق عليه فَلْيكَفِّر، 4/ 163/ رقم 1936، وباب المجامع في رمضان هل يُطعِمُ أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج، 4/ 173/ رقم 1937، وكتاب الهبة، باب إذا وهب هبةً فقبضها الآخرُ ولم بقل قَبِلْتُ، 5/ 223/ رقم 2600، وكتاب النفقات، باب نفقة المعسر على أهله، 9/ 513/ رقم 5368، وكتاب الأدب، =

الجميع، وجعل ذلك خصوصًا للأعرابي [أو إسقاطًا للكفارة] (¬1) عنه؛ لعجزه وكونها لا تفضل عنه. واختلفوا في محل الخلاف؛ فقيل: هو إذا كفر الغير عنه بإذنه؛ هل يجوز له أن يصرفها إليه أم لا؟ بناءً على أن التكفير من الغير عنه لا يستلزم دخولها في ملكه قبل ملك الفقير لها؛ كما تقدم مثله في العتق، وقيل: بل ¬

_ = باب التبسّم والضّحك، 10/ 503/ رقم 6087، وكتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل: "ويلك"، 9/ 552/ رقم 6164، وكتاب كفارات الأيمان، باب قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ. . .}، 9/ 595/ رقم 6709، وباب من أعان المعسر على الكفارة، 9/ 596/ رقم 6710، وباب يعطى في الكفارة عشرة ما بين قريبًا كان أو بعيدًا، 9/ 596 - 597/ رقم 6711، وكتاب الحدود، باب من أصاب ذنبًا دون الحدّ فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد التوبة، 12/ 131 - 132/ رقم 6821 - مختصرًا)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، 2/ 781 - 782/ رقم 1111)، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: "بينما نحن جلوس عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه! هلكت. قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا. قال: فمكث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبينا نحن على ذلك أُتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعرق فيها تمر -والعرق: المكتَل-؛ قال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول اللَّه؟ فواللَّه ما بين لابَتَيْها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: "أطعمه أهلك". أحد ألفاظ البخاري. وورد نحوه من حديث خولة بنت الصامت في كفارة الظهار، خرجته في تحقيقي لـ"تالي التلخيص" للخطيب البغدادي (رقم 170). (¬1) في المطبوع: "وأسقاط الكفارة"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

إذا تصدق عليه بها لفقره؛ هل يجوز أن يأكلها وتكون كفارة أم لا؟ وهي طريقة ابن أبي موسى. - ومنها: هل يكون الرجل مصرفًا لزكاته؟ إذا أخذ [ها] (¬1) الساعي منه؛ فقد برئت ذمته منها، فله أن يعيدها إليه بعد ذلك، هذا هو المنصوص عن أحمد واختيار القاضي؛ لأن عودها إليه ها هنا بسبب متجدد؛ فهو كإرثه لها، ولا نقول: إنه قبضها عن زكاة ماله؛ لأنه بريء من زكاة ماله بقبض الساعي، وإنما يأخذها من جملة الصدقات المباحة له. وقال أبو بكر: مذهب أحمد لا يحل له أخذها، ذكره في زكاة الفطر، وعلل بأنها طهرة؛ فلا يجوز أن يتطهر بما قد تطهر به، وهكذا الخلاف في رد الإمام خمس الفيء والغنيمة على من أخذها منه. وأما إسقاطها قبل القبض؛ فلا يجوز لأن الإبراء من الدين لا يسقط الزكاة ولا الخمس، بل يجب فيها القبض، بخلاف الخراج والعشر المأخوذ من تجار أهل الكتاب؛ لأنه فيء؛ فيجوز للإمام إسقاطه [عمن] (¬2) هو واجب عليه إذا رأى فيه المصلحة، فكذلك (¬3) خمس الزكاة إذا قيل: [هو] (¬4) فيء. - ومنها: هل يكون الواقف مصرفًا لوقفه كما إذا وقف [شيئًا] (¬5) على ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ممن". (¬3) في المطبوع و (ج): "وكذلك". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إنه". (¬5) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

الفقراء ثم افتقر؟ فإنه يدخل على الأصح، ونص عليه أحمد في رواية المروذي، وكذلك (¬1) لو انقطع مصرف الوقف، وقلنا: يرجع إلى أقاربه وقفًا، وكان الواقف حيًّا؛ هل يرجع إليه؟ على روايتين حكاهما ابن الزاغوني في "الإقناع"، وجزم ابن عقيل في "المفردات" بدخوله. وكذلك لو وقف على أولاده وأنسالهم (¬2) أبدًا، على أنه من تُوفي منهم عن غير ولد؛ رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه، فتُوفي أحدُ أولاده عن غير ولد، والأب الواقف حي؛ فهل يعود نصيبه إليه لكونه أقرب الناس إليه أم لا؟ يخرج على ما قبلها. والمسألة ملتفتة إلى دخول المخاطب في خطابه. - ومنها: الوكيل في البيع؛ هل له الشراء من نفسه؟ فيه روايتان معروفتان، وللمنع مأخذان: أحدهما: التهمة وخشية ترك الاستقصاء في الثمن. والثاني: أن سياق التوكيل في البيع يدل على إخراجه من جملة المشترين؛ لأنه جعله بائعًا فلا يكون مشتريًا. ¬

_ (¬1) في (ب): "وكذا". (¬2) في المطبوع: "وأنسابهم لهم"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

وهذان المأخذان ذكرهما القاضي وغيره. والثالث: أنه لا يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد بنفسه، ويأخذ بإحدى يديه من الأخرى، فإذا وكلا رجلًا يشتري له منه؛ جاز، نقل ذلك حنبل عن أحمد. فعلى المأخذ الأول لا يجوز له البيع ممن يتهم بمحاباته (¬1) أيضًا، وهو من (¬2) لا تقبل شهادته له، ومنهم من خصه بمن له عليه ولاية وهو ولده الصغير دون من لا ولاية له عليه، وهي طريقتا (¬3) القاضي في "المجرد" وابن عقيل وصاحب "المغني" (¬4). وعلى الثاني والثالث يجوز له البيع من غيره إذا كان أهلًا للقبول. ويجوز على المأخذ الثالث أيضًا أن يوكل من يشتري له، لاندفاع محذور اتحاد (¬5) الموجب والقابل؛ وإن وكل من يبيع السلعة ويشتريها هو، فذكر ابن أبي موسى: أنه إن كان مأذونًا له في التوكيل في البيع؛ جاز الشراء من وكيله قولًا واحدًا بناءً على أن الوكيل (¬6) الثاني وكيل للموكل الأول؛ فكأنه اشترى السلعة من مالكها، وإن كان لم يأذن له في التوكيل؛ انبنى على جواز توكيله بدون إذن، فإن أجزناه؛ صح البيع، وإلا؛ فلا، فيحتمل ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بمحاباة". (¬2) في المطبوع: "ممن". (¬3) في المطبوع: "طريققا"، وهو خطأ مطبعي. (¬4) "المغني" (5/ 68/ 3767) لابن قدامة. (¬5) في المطبوع: "إيجاد". (¬6) في المطبوع: "أن هذا الوكيل".

أن يكون مأخذ الصحة أن الوكيل الثاني وكيل للموكل (¬1)، ويدل عليه تعليله بذلك في صورة الإذن في مسألة النكاح، ويحتمل أن يعتبر التوكيل؛ لئلا يتحد الموجب والقابل مع أن هذا منتقص بالأب في مال ولده الطفل. وأما رواية الجواز؛ فاختلف في حكاية شروطها على طرق: أحدها: أنه يشترط الزيادة [على] (¬2) الثمن الذي ينتهي إليه الرغبات في النداء، وفي اشتراط أن يتولى النداء غيره وجهان، وهي طريقة القاضي في "المجرد" وابن عقيل. والثاني: أن المشترط التوكيل المجرد؛ كما هي طريقة ابن أبي موسى والشيرازي. والثالث: أن المشترط أحد أمرين: إما أن يوكل من يبيعه على قولنا بجواز ذلك، وإما أن يزيد (¬3) على ثمنه في النداء، وهي طريقة القاضي في "خلافه" وأبي الخطاب، وأما إن باع الوكيل واشترط على المشتري أن يشركه فيه؛ فهل يجوز أم لا؟ على روايتين: إحداهما: يجوز، نقلها أبو الحارث في الوكيل يبيع ويستثني لنفسه الشركة، أرجو ألا يكون به بأس. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "للموكل الأول". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "في"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع و (ب): "الزيادة".

والثانية: تكره، نقلها ابن منصور (¬1) في رجل يدفع إليه الثوب يبيعه، فإذا باعه؛ قال: أشركني فيه. قال: أكره هذا. فأما إن أذن له الموكل في الشراء من نفسه، فإنه يجوز، قال كثير من الأصحاب رواية واحدة، بخلاف النكاح، وحكى الشيخ مجد الدين فيه وجهًا آخر بالمنع (¬2)؛ قال: وهل يكون حضور الموكل وسكوته كإذنه؟ يحتمل وجهين، أشبههما بكلام أحمد المنع. ونقل أحمد بن نصر الخفاف عن أحمد فيمن له على رجل خمسون دينارًا، فوكله في بيع داره ومتاعه ليستوفي حقه، فباعها بدراهم ليصارف نفسه ويأخذها بالدنانير؛ لم يجز، ولكن يبيعها ويستقضي ويأخذ حقه. قال القاضي: ظاهر كلامه أنه لا يجوز له بيعها بغير جنس حقه ليستوفي منه؛ لأن التهمة موجودة في عقد الصرف لنفسه من نفسه، وإنما أذن له في الاستيفاء ولم يأذن له في المصارفة، فإذا باعها بجنس حقه؛ فله الاستيفاء منها بالإِذن لأن يده كيد موكله؛ فهو يقبض من يد غيره لنفسه، لكن هذه العلة موجودة في شراء [الوكيل لنفسه] (¬3) من نفسه. وكذلك حكى في "الخلاف" في المسألتين روايتين، وجعلها ¬

_ (¬1) في "مسائله" (ص 244/ رقم 86)، ونصها: "قلت: الرجل يدفع إليه الثوب ليبيعه، فإذا باعه، قال: أشركني فيه؟ قال [أي: أحمد]: أكره هذا. قال إسحاق: إذا كان صاحبه يعلم ذاك، فلا بأس به". (¬2) انظر: "المحرر" (1/ 349). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الموكل"، وفي (ج) سقطت كلمة "لنفسه".

صاحب "التلخيص" رواية بجواز (¬1) توكيل الوكيل في إيفاء نفسه من جنس حقه خاصة، وأنكر الشيخ مجد الدين أن يكون فيه (¬2) دلالة على المنع من (¬3) البيع بغير جنس الحق، لا سيما إن كان جنس الحق غير نقد البلد. وحمل قول أحمد ببيعها على [أن] (¬4) الدراهم التي هي الثمن، وبنى ذلك على قولنا بمنع الوكيل من البيع من نفسه، فأما على قولنا بجوازه؛ [فإنه يجوز] (¬5) له ها هنا مصارفة نفسه. - (ومنها): شراء الوكيل لموكله من ماله، وحكمه حكم شراء الوكيل من مال موكله، ذكره ابن أبي موسى وغيره. وفي "مسائل ابن هانئ" (¬6) عن أحمد فيمن بعث إليه بدراهم ليشتري بها من بعض المواضع، فبعث إليهم بما عنده و [يُبالغ] (¬7) في الاستقصاء، قال: لا يعجبني (¬8) أن يبعث إليهم مما (¬9) عنده حتى يبين أنه ¬

_ (¬1) في (ج) والمطبوع: "يجوز أن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) كذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج): "فيها". (¬3) في المطبوع: "مدة". (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "فإن". (¬6) انظر: "مسائل ابن هانئ" (2/ 16/ 1233). (¬7) كذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج): "بالغ". (¬8) في المطبوع: "قال: مما لا يعجبني"، ولعل الصواب حذفها كما في "مسائل ابن هانئ" (2/ 16/ 1233). (¬9) كذا في (ب)، ولعله الصواب كما في "مسائل ابن هانئ"، وفي (ج) والمطبوع: "بما".

قد بعث إليهم من المتاع الذي عنده. - (ومنها): شراء الوصي من مال اليتيم، وحكمه حكم شراء الوكيل، وفيه روايتان منصوصتان، ولم يذكر ابن أبي موسى فيه سوى المنع، وكذلك حكم الحاكم وأمينه في مال اليتيم، ويتوجه التفريق بين الحاكم وغيره؛ فإن الحاكم ولايته غير مستندة إلى إذن؛ فتكون عامة، بخلاف من [استندت] (¬1) ولايته إلى إذن من غيره في التصرف، فإن إطلاق الإِذن له يقتضي أن يتصرف مع غيره لا مع نفسه كما سبق، وقد اعتمد القاضي على هذا الفرق بين تصرف الأب وغيره. - (ومنها): الوكيل في نكاح امرأة ليس له أن يتزوجها لنفسه على المعروف من المذهب، و [قد] (¬2) ذكر ابن أبي موسى أنه إن أذن له الولي في التوكيل فوكل غيره فزوجه؛ صح، وكذا إن لم يأذن له وقلنا للوكيل أن يوكل مطلقًا، فأما من له ولاية بالشرع؛ كالولي والحاكم وأمينه؛ فله أن يزوج نفسه؛ وإن قلنا: ليس لهم أن يشتروا من المال، ذكره القاضي في "خلاف"، وفرق بأن المال القصد منه الربح، وهذا يقع فيه التهمة، بخلاف النكاح؛ فإن القصد منه الكفاءة وحسن العشرة، فإذا وجد ذلك؛ صح، وألحق أيضًا الوصي بذلك. وفيه نظر، فإن الوصي يشبه الوكيل لتصرفه بالإِذن، وسواء في ذلك اليتيمة وغيرها، صرح به القاضي في ذلك، وذلك حيث يكون لها إذن معتبر، ومتى زوج أحد من هؤلاء نفسه بإذن المرأة من غير توكيل، بل مباشرة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أسندت". (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ج).

لطرفي العقد؛ ففي صحته روايتان، وإن وكل في أحد الطرفين؛ فقال أكثر الأصحاب: يصح رواية واحدة، وأنكر ذلك ابن عقيل وقال: متى قلنا: لا يصح أن يتولاه بنفسه؛ لم يصح عقد وكيله له لأن وكيله [قائم] (¬1) مقام نفسه، واستثنى من ذلك الإمام إذا أراد أن يتزوج امرأة ليس لها ولي؛ فإنه يتزوجها بولاية أحد نوابه؛ لأن نوابه نواب عن المسلمين لا عنه فيما يخصه. - (ومنها): إذا عمل أحد الشريكين في مال الشركة عملًا يملك الاستئجار عليه ودفع الأجرة، فهل له أن يأخذ الأجرة أم لا؟ على روايتين. - (ومنها): الموصى إليه بإخراج مال لمن يحج أو يغزو؛ ليس (¬2) له أن يأخذه ويحج به ويغزو، نص عليه أحمد في "رواية أبي داود" (¬3)، وقال: "هو متعد؛ لأنه لم يأمره"، وهذا تصريح بأن مأخذ المنع عدم تناول اللفظ له. - (ومنها): المأذون له أن يتصدق بمال؛ هل له أن يأخذ منه لنفسه إذا كان من أهل الصدقة؟ المذهب أنه لا يجوز، ونص عليه أحمد في "رواية ابن بختان" (¬4)، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "قام". (¬2) في المطبوع: "وليس"، ولعل الصواب حذف الواو. (¬3) نحوه في "رواية أبي داود" (ص 213). (¬4) هو يعقوب بن إسحاق بن بختان أبو يوسف، قال الخلال: "روى عن أبي عبد اللَّه مسائل صالحة كبيرة، لم يروها غيره في الورع، ومسائل صالحة في السلطان". له ترجمة في: "طبقات الحنابلة" (1/ 415 - 416)، و"المنهج الأحمد" (ترجمة رقم 543).

وذكر في "المغني" (¬1) احتمالين آخرين: أحدهما: الجواز مطلقًا. والثاني: الرجوع إلى القرائن، فإن دلت قرينة على الدخول؛ جاز الأخذ، أو على عدمه؛ لم يجز. ومع التردد يحتمل وجهين، والجواز متخرج من مسألة شراء الوكيل، وأولى؛ إذ لا عوض ها هنا [يبتغى] (¬2)، وهو أمين على المال يتصرف فيه بالمصلحة، ولكن الأولى سد الذريعة؛ لأن محاباة النفس لا [تؤمن] (¬3)، وعلى هذا؛ فهل له أن يعطيه من لا تقبل شهادته له؟ فيه وجهان: أشهرهما: المنع. والثاني: الجواز، اختاره صاحبا "المغني" (¬4) و"المحرر" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (2/ 273/ 1778) نحوه. (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ينبغي"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "يؤمن". (¬4) انظر: "المغني" (2/ 276/ 1785). واستدل هناك على جواز إعطائهم من صدقة التطوع دون صدقة الفرض بقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8]، قال: "ولم يكن الأسير يومئذٍ إلا كافرًا". واستدل أيضًا بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها، قالت: "قدمتْ عليّ أمي وهي مشركة، فقلت: يا رسول اللَّه! إن أمي قدمتْ عليَّ وهي راغبة؛ أفأصلها؟ قال: نعم، صلي أمك" اهـ وبغيرهما. (¬5) نحوه في "المحرر" (1/ 223).

- (ومنها): إذا وكل غريمه أن يبرئ غرماءه؛ لم يدخل فيهم بمطلق العقد، فإن سماه أو وكله وحده؛ جاز ذلك؛ كما قلنا في البيع من نفسه على الأصح. ذكره في "شرح الهداية"، وعزاه إلى القاضي وابن عقيل، قال: والفرق على الوجه الآخر افتقار البيع إلى الإيجاب والقبول، [يعني] (¬1) بخلاف الإبراء. - (ومنها): لو قال في الأيمان ونحوها من التعليقات: من دخل داري، أو قال: من دخل دارك؛ لم يدخل المتكلم في الصورة الأولى، ولا المخاطَب (¬2) في [الصورة] (¬3) الثانية، ذكره القاضي وغيره. - (ومنها): الأموال التي تجب الصدقة فيها شرعًا للجهل بأربابها؛ كالغصوب والودائع؛ لا يجوز لمن هي في يده الأخذ منها على المنصوص، وخرج القاضي جواز الأكل له منها إذا كان فقيرا على الروايتين في [جواز] (¬4) شراء الوصي من نفسه، كذا نقله عنه ابن عقيل في "فنونه"، وأفتى به الشيخ تقي الدين (¬5) في الغاصب الفقير إذا تاب. وعلى المذهب؛ فيخرج (¬6) في إعطاء من لا تقبل شهادته له الوجهان، والمنصوص عن أحمد أنه لا يحابي بها (¬7) أصدقاءه، بل يعطيهم أسوة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "المخاطب بها". (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬4) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬5) نحوه في "مجموع الفتاوى" (30/ 327). (¬6) في المطبوع: "يتخرج". (¬7) في المطبوع: "به"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

غيرهم، نقله عنه صالح (¬1)، وكذا نقل عنه المروذي إذا دفعها إلى أقارب له محتاجين إن كان على طريق المحاباة لا يجوز، وإن كان لم يحابهم؛ فقد تصدق، ونقل عنه حرب إذا كان له أخوان محاويج قد كان يصلهم؛ أيجوز له أن يدفعها إليهم؟ فكأنه استحب أن يعطي غيرهم، وقال: لا يحابي بها أحدًا، والظاهر أنه جعل إعطاءهم مع اعتبار صلتهم محاباة؛ فلذلك (¬2) استحب العدول عنهم بالكلية. تنبيه: لو وصى لعبده بقلث ماله؛ دخل في الوصية ثلث العبد نفسه؛ فيعتق عليه، نص عليه، ويكمل عتقه من باقي الوصية؛ لأن ملكه للوصية مشروط بعتقه، فكذلك (¬3) دخل في عموم المال الموصى به ضرورة صحة الوصية له] (¬4). ¬

_ (¬1) الذي في "رواية صالح" (1/ 281 - 282/ 223): "وسألته عن رجل له أهل بيت لا يقيمون الصلوات، ولا يعرفون السنن والفرائض، وفي جيرانه قوم يقيمون الصلاة والفرائض والسنن؛ أيضع زكاة ماله في جيرانه هؤلاء، أو في أهل بيته؟ قال: ينبغي له أن يعلمهم الفرائض والسنن، وزكاته هم أولى بها حينئذ، وإذا كانت حاجتهم وحاجة غيرهم سواء؛ فالقرابة أولى، ويقال: لا يحابى بها قريب، ولا تمنع من بعيد، وإنما هو حق اللَّه في المال" اهـ. وانظر: "مسائل عبد اللَّه" (148 - 149/ 550 - 551)، و"مسائل ابن هانئ" (1/ 112 - 113/ 553، 557)، "مسائل أبي داود" (82 - 83). (¬2) كذا في (ب)، وفي المطبوع: "فكذلك"، وفي (ج): "مع اعتقاد صلتهم محاباة؛ فلذلك". (¬3) في (ج): "فلذلك". (¬4) من أواخر القاعدة الستين إلى هنا سقط من (أ).

71 - القاعدة الحادية والسبعون فيما يجوز الأكل منه من الأموال بغير إذن مستحقيها

(القاعدة الحادية والسبعون) فيما يجوز الأكل منه من الأموال بغير إذن مستحقيها. وهي نوعان: مملوك تعلق به حق الغير، ومملوك للغير. فأما الأول؛ فهو مال الزكاة، فيجوز الأكل مما تتوق إليه النفوس (¬1) ويشق الانكفاف عنه من الثمار بقدر ما يحتاج إليه من ذلك، ويطعم الأهل والضيفان، ولا يحتسب زكاته، وكذلك (¬2) يجب على الخارص أن يدع في خرصه الثلث أو الربع بحسب ما يقتضيه الحال من كثرة الحاجة وقلَّتها؛ كما دلت عليه السنة (¬3)، فإن استبقيت ولم تؤكل رطبة؛ رجع عليهم بزكاتها، وأما ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الأنفس". (¬2) في (ب): "بزكاته". (¬3) يشير المصنف إلى ما أخرجه أبو داود في "السنن" (كتاب الزكاة، باب في الخرص، رقم 1605)، والنسائي في "المجتى" (كتاب الزكاة، باب كم يترك الخارص، 5/ 42)، والترمذي في "الجامع" (أبواب الزكاة، باب ما جاء في الخَرْص، رقم 643)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 194 - 195)، وأحمد في "المسند" (4/ 2 - 3، 3)، وابن خزيمة في "الصحيح" (رقم 2319، 2320)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (4/ 103/ رقم 2073)، والطبراني في "الكبير" (6/ 120)، وابن حبان في "الصحيح" (8/ 75/ رقم 3280)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 39)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 402)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 23)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 352)، من طرق عن شعبة، أخبرني خُبيب بن عبد الرحمن؛ قال: سمعت =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عبد الرحمن بن مسعود بن نِيَار يقول: "جاء سَهْلُ بن أبي حَثْمَة إلى مجلسنا، فحدَّث أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول: "إذا خَرصْتُم؛ فَخُذوا ودَعوا الثُّلث، فإن لم تَدَعُوا الثُّلث، فدَعوا الرَّبع"". وإسناده ضعيف من أجل عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو عنه غير خبيب بن عبد الرحمن، وقال البزار: "تفرد به"، وقال ابن القطان: "لا يعرف حاله". وانظر: "التلخيص الحبير" (2/ 172). قال ابن حبان عقبه: "لهذا الخبر معنيان: أحدهما: أن يُتْرَكَ الثُّلُثُ أو الرُّبعُ من العُشْر. والثاني: أن يُترك ذلك من نفس التَّمر قبل أن يُعَشَّر إذا كان ذلك حائطًا كبيرًا يحتملُهُ". (تنبيه): سقط شعبة من مطبوع "المسند" لأحمد، وصحح الحديث المعلّق على "صحيح ابن خزيمة"، وفات شيخنا التنبيه على ضعفه، على الرغم من أنه حفظه اللَّه وضعه في "ضعيف الجامع" (رقم 476) و"السلسلة الضعيفة" (رقم 2556). وأخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب الزكاة، باب خَرص الثمر، 3/ 343/ رقم 1481) عن أبي حُميد السَّاعدي رضي اللَّه عنه ضمن حديث طويل في أوله: "غزونا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غزوة تبوك، فلما جاء وادي القُرى؛ إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه: اخرصوا، وخرص رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عشرة أوسق". والخَرْص؛ بفتح المعجمة، وحكي كسرها، وبسكون الراء بعدها مهملة: هو حزر ما على النخل من الرطب تمرًا. قال الترمذي في "جامعه" عقب الحديث الأول: "والعمل على حديث سهل بن أبي حَثْمة عند أكثر أهل العلم في الخرص، وبحديث سهل بن أبي حثمة يقول أحمد وإسحاق: والخرص إذا أدركتِ الثمار من الرطب والعنب مما في الزكاة، بعث السلطان خارصًا يخرص =

الزروع؛ فيجوز الأكل منها بقدر ما جرت العادة بأكله فريكًا ونحوه، نص عليه [أحمد] (¬1)، وليس له الإهداء منها، وخرج القاضي في الأكل منها وجهين من الأكل من الزروع التي ليس لها حافظ. ¬

_ = عليهم، والخرص: أن ينظر من يبصر ذلك فيقول: يخرج من هذا الزبيب كذا وكذا، ومن التمر كذا وكذا، فيحصى عليهم وينظر مبلغ العشر بن ذلك فيثبت عليهم، ثم يخلى بينهم وبين الثمار، فيصنعون ما أحبوا، فإذا أدركتِ الثمارُ أخذ منهم العشر، هكذا فسره بعض أهل العلم، وبهذا يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق". ونقله ابن حجر في "الفتح" (3/ 344) وزاد: "وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء؛ لأن في منعهم منها تضييقًا لا يخفى، وقال الخطابي: أنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان يفعل تخويفًا للمزارعين؛ لئلا يخونوا لا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار. وتعقبه الخطابي بأن تحريم الربا والميسر متقدم، والخرص عمل به في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى مات، ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي، قال: وأما قولهم: إنه تخمين وغرور؛ فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير، وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصًا بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره، وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يسدد لما كان يسدد له، سواء أن تثبت بذلك الخصوصية، ولو كان المرء لا يجب عليه الاتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه كتسديد الأنبياء لسقط الاتباع، وترد هذه الحجة أيضًا بإرسال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الخراص في زمانه، واللَّه أعلم، واعتل الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها، فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذًا بدلًا مما لم يسلم له، وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص، قال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ؛ فلا ضمان". (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

وأما الثاني؛ فينقسم إلى ما له مالك معين وإلى ما له مالك غير معين، فأما ما له مالك غير معين؛ كالهدي والأضاحي؛ فيجوز لمن هي في يده، [وهو] (¬1) المهدي والمضحى أن يأكل منهما ويدخر ويهدي؛ كما دلت عليه السنة (¬2)، وهل يجوز أكل أكثر من الثلث أم لا؟ على وجهين، أشهرهما الجواز، وهل المستحب أن يقسم الهدي أثلاثًا كالأضاحي أو يتصدق به كله؛ [إلا] (¬3) بما يأكله منه؟ على وجهين. وأما ما له مالك معين؛ فهو نوعان (¬4): أحدهما: أن يكون له عليه ولاية، فإن كانت الولاية عليه لحفظ نفسه كالرهن، فإنه يجوز له [الأكل] (¬5) مما بيده إذا كان ذرا (¬6) والانتفاع بظهره إذا ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "ك". (¬2) يشير المصنف إلى عدّة أحاديث دلت على ذلك؛ منها: ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، رقم 5569)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي، رقم 1974) عن سلمة بن الأكوع؛ قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ضحَّى منكم، فلا يُصْبِحَنَّ بعد ثالثة وبقي في بيته منه شيء. فلما كان العامُ المقبل؛ قالوا: يا رسول اللَّه! نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: كلوا، وأطعموا، وادّخروا؛ فإن ذلك العام كان بالناس جهد، فأردتُ أن تعينوا فيها". لفظ البخاري. (¬3) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع: "أو"، وفي (ج): "إلا ما يأكل". (¬4) في المطبوع: "فنوعان". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) في المطبوع: "دارًا".

كان مركوبًا؛ لكن بشرط أن يعاوض عنه بالنفقة، وإن كانت الولاية لمصلحة المولى عليه؛ فالمنصوص جواز الأكل منه أيضًا بقدر عمله، ويتخرج على ذلك صور: - (منها): ولي اليتيم يأكل مع الحاجة بقدر عمله، وهل يرده إذا أيسر؟ على روايتين، واختار ابن عقيل أنه يأكل مع الحاجة وعدمها، ولو فرض الحاكم له (¬1) شيئًا؛ جاز له أخذه مجانًا بغير خلاف، هذا ظاهر كلام القاضي. ونص أحمد (¬2) في "رواية البرزاطي" (¬3) في الأم الحاضنة: أنها لا تأكل من مال ولدها إلا لضرورة، إلا أن يفرض لها الحاكم في المال حق الحضانة، ووجهه أن من أعطاه غيره؛ فله الأخذ مع الغنى، بخلاف الأخذ بنفسه، ولهذا أجاز للوصي الأخذ إذا شرط له الأب مع غناه، وجاز للولي أن يدفع مال اليتيم مضاربة إلى من يعمل فيه بجزء من ربحه، ولم يجز له إذا عمل فيه بنفسه أن يأخذ، ولهذا المعنى جاز الأخذ لعامل الزكاة مع الغنى؛ لأن المعطي له هو الإمام. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الحاكم له" بتقديم وتأخير. (¬2) في المطبوع: "ونص عيه أحمد". (¬3) هو الفرج بن الصّباح البرزاطي، قال ابن أبي يعلى: "نقل عن إمامنا أشياء"، وذكر نقلين ليس المذكور منهما، وذكره المرداوي في "الإنصاف" في القاعدة التي في آخر الكتاب، وذكر أنه من المكثرين عن أحمد، ونقل المصنف عنه هنا ست مسائل عن أحمد. له ترجمة في: "طبقات الحنابلة" (1/ 255).

- (ومنها): أمين الحاكم أو الحاكم إذا نظر في مال اليتيم، قال القاضي مرة: لا يأكل، وفرق بينه وبين الوصي بأن الأب له أن يجعل للوصي جعلًا مع وجود متبرع بالنظر في مال اليتيم، والوصي (¬1) متصرف بإذنه وتوليته، بخلاف أمين الحاكم؛ فإنه لو وجد متبرعًا بالحفظ؛ لم يجز له أن يجعل لأحد جعلًا عليه، وقال مرة: له الأكل كوصي الأب، وأخذه من نص أحمد على أن الحاكم يأخذ على القضاء أجرًا بقدر شغله، وقال: هو مثل ولي اليتيم، وأما الأب؛ فقال القاضي: ليس له الأكل لأجل عمله؛ لغناه عنه بالنفقة الواجبة في ماله، ولكن له الأكل منه بجهة التملك (¬2) عندنا، وضعف ذلك الشيخ تقي الدين. - (ومنها): ناظر الوقف والصدقات، ونص أحمد على جواز أكله، [نقل] (¬3) عنه أبو الحارث (¬4) أنه قال في والي الوقف: إن أكل منه بالمعروف؛ فلا بأس. قيل له: فيقضى منه دينه؟ قال: ما سمعنا فيه شيئًا. وكذلك نقل عنه حرب في رجل أوصى إلى رجل بأرض أو صدقة للمساكين، فدخل الوصي الحائط أو الأرض، فتناول بطيخة أو قثاءً أو نحو ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الولي". (¬2) في المطبوع و (ب): "التمليك". (¬3) في المطبوع: "نقله"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) هو أحمد بن محمد أبو الحارث الصَّائغ، له "مسائل احمد"، قال الخلال: "روى عن أبي عبد اللَّه مسائل كثيرة، بضعة عشر جزءً، وجوَّد الرواية عن أبي عبد اللَّه". له ترجمة في: "طبقات الحنابلة" (1/ 74 - 75)، و"المنهج الأحمد" (1/ 363).

ذلك، قال: لا بأس بذلك إذا كان القيم بذلك [أكل] (¬1). وترجم عليه بعض الأصحاب -وأظنه أبا حفص العكبري-: (الوصي يأكل من الوقف الذي يليه)، وهذا ظاهر في أنه لا يشترط له الحاجة، وخرجه أبو الخطاب على عامل اليتيم، ونقل الميموني عن أحمد أنه ذكر حديث عمر حين وقف فأوصى إلى حفصة (¬2)، ثم قال أحمد: وليه يأكل منه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) أخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب الشروط، باب في الوقف، 5/ 354 - 355/ رقم 2737، وكتاب الوصايا، باب الوقف كيف يكتب، 5/ 399/ رقم 2772)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الوصية، باب الوقف، 3/ 1255/ رقم 1632)، وأبو داود في "سننه" (كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف، 3/ 116 - 117/ رقم 2878)، وابن ماجه في "سننه" (كتاب الصدقات، باب من وقف، 2/ 801/ رقم 2396)، وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم 2483، 2484، 2485)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 95)، وأبو بكر النجاد في "مسند عمر" (رقم 44)؛ من طرق عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: "أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستأمره عليها، فقال: يا رسول اللَّه! إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط هو أنفس عندي منه؛ فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. قال: فتصدق بها عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يورث، ولا يوهب. قال: فتصدق عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل اللَّه، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا غير متمول فيه. قال: فحدثُت بهذا الحديث محمدًا، فلما بلغتُ هذا المكان غير متمول فيه؛ قال محمد: غير متأثِّلٍ مالًا". قال ابن عون: وأنبأني من قرأ هذا الكتاب أن فيه: "غير متأثل مالًا". لفظ مسلم. وله طرق أخرى كثيرة، ذكرها الدارقطني في "العلل" (2/ 37 - 41) وقال: "وهو حديث صحيح من حديث ابن عون عن نافع"، واعتنى بطرقه أبو بكر النجاد في "مسند عمر" (رقم 44 - 55)، وهذا ما أشار إليه المصنف من أكل الوصي من مال الذي يليه، أما وصية =

بالمعروف إذا اشترط ذلك، ومفهومه المنع من الأكل بدون الشرط، فأما الوكيل في الصدقة؛ فلا يأكل منها (¬1) شيئًا. نقل (¬2) يعقوب ابن بختان عن أحمد في رجل في يده مال للمساكين وأبواب البر، وهو فقير محتاج إليه؛ فلا يأكل منه، إنما أمر أن ينفذ. وصرح (¬3) القاضي في "المجرد" بأنَّ من أوصي إليه بتفرقة مال على المساكين أو دفع إليه رجل في حياته مالًا ليفرقه صدقة؛ لم يجز له أن يأكل منه شيئًا بحق قيامه لأنه منفذ، وليس بعامل منم مثمر. ¬

_ = عمر إلى حفصة؛ فقد أخرجها أبو داود في "سننه" (كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف، 3/ 117/ رقم 2879) من طريق الليث عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه؛ قال: نسخها لي عبد الحميد بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر ابن الخطاب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما كتب عبد اللَّه عمر في ثمغ؛ فقص من خبره نحو حديث نافع، قال: غير متأثل مالًا، فما عفا عنه من ثمره؛ فهو للسائل والمحروم، قال: وساق القصة، قال: وإن شاء وليُّ ثمغ اشترى من ثمره رقيقًا لعمله، وكتب معيقيب وشهد عبد اللَّه بن الأرقم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما أوصى به عبد اللَّه عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث، إن ثمغا وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه والمئة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمئة التي أطعمه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها: أن لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقًا منه". وبوّب ابن كثير في "مسند الفاروق" (1/ 365 - 366): "صورة كتاب وقف عمر رضي اللَّه عنه"؛ أي: في الحديث السابق. (¬1) في المطبوع: "منه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في (ج): "ونقل". (¬3) في المطبوع: "وصرح به".

- (ومنها): الوكيل والأجير، والمعروف منعهما من الأكل؛ لاستغنائهما عنه بطلب الأجرة من المؤجر والموكل، لا سيما والأجير قد أخذ الأجرة على عمله. ونقل حنبل عن أحمد في الولي والوصي (¬1) إذا كانا يصلحان ويقومان بأمره، فأكلا بالمعروف؛ فلا بأس به بمنزلة الوكيل والأجير. قال القاضي في "خلافه": وظاهر هذا جواز الأكل للوكيل. [انتهى. ونقل العباس بن [محمد] (¬2) الخلال (¬3) عن أحمد فيمن كانت في يده أرض من أرض الخراج؛ هل يأكل مما أخرجت من زرع أو ثمر إذا كان الإِمام يأخذهم بالخراج مساحة، أو صيرها في أيديهم مقاسمة على النصف أو الربع؟ قال: يأكل إلا أن يخاف السلطان، وهذا يدل على جواز أكل الشريك والعامل في المساقاة [ونحوهما] (¬4) من الزرع والثمار بغير إذنه] (¬5). النوع الثاني: ما لا ولاية له عليه؛ فيجوز الأكل منه للضرورة بلا ¬

_ (¬1) في المطبوع بعد قوله "الولي والوصي": "يأكلان بالمعروف". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "يحيى" والتصويب من (أ) و (ب) و"المقصد الأرشد" (2/ 279/ 783) و"طبقات الحنابلة" (1/ 239) و"المنهج الأحمد" (2/ 434)، وهو عباس بن محمد بن موس الخلّال، قال عنه أبو بكر الخلال رحمه اللَّه: "كان من أصحاب أبي عبد اللَّه الأولين الذين كان يعتدُّ بهم، وكان له قدْرٌ وعلمٌ". انظر المراجع السابقة. (¬3) في (ج) بعد قوله "الخلال": "في المجرد". (¬4) في (ج): "ونحوها". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

نزاع، وأما مع عدمها؛ فيجوز فيما تتوق إليه النفوس مع عدم الحفظ والاحتراز عليه، وذلك في صور: - (منها): الأكل من الأطعمة في دار الحرب وإطعام الدواب المعدة للركوب، فإن كانت للتجارة؛ ففيه روايتان، وإن كانت للتصيد (¬1) بها؛ فوجهان، وسواء كان محتاجًا (¬2) إليه أو لم يكن في أشهر الطريقتين (¬3)، وفي الثانية لا يجوز إلا للحاجة بقدرها. وفي رد عوضه (¬4) في المغنم روايتان، وهي طريقة ابن أبي موسى، واختلف الأصحاب في محل الجواز؛ فقيل: محله ما لم يحرزه الإِمام، فإذا أحرزه أو وكل به من يحفظه؛ لم يجز الأكل إلا لضرورة، وهي طريقة الخرقي (¬5)؛ لأن إحرازه منع من التناول منه، وأما قبل الإحراز؛ فإن حفظه يشق ويتسامح بمثله عادة، وقيل: يجوز الأكل ما داموا في أرض الحرب، وإن أحرز ما لم يقسم -وهي طريقة القاضي- وإن فضلت منه فضلة؛ فهل يجب ردها مطلقًا أو يشترط كثرتها؟ ¬

_ (¬1) في (ج): "للصيد". (¬2) في المطبوع و (ج): "يحتاج". (¬3) في المطبوع: "الطريقين". (¬4) في المطبوع: "عوضها". (¬5) انظر قوله في "المغني" (9/ 228/ 7568). وعلَّل ذلك ابن قدامة قائلًا: "لأننا إنما أبحنا أخذه في جمعه؛ لأنه لم يثبت فيه ملك المسلمين بعد، فأشبه المباحات من الحطب والحشيش، فإذا حِزت المغانم ثبت ملك المسلمين فيها، فخرجت عن حيز المباحات وصارت كسائر أملاكهم؛ فلم يجز الأكل منها الا لضرورة، وهو أن لا يجدوا ما يأكلونه؛ فحينئذٍ يجوز؛ لأن حفظ نفوسم ودوابهم أهم".

على روايتين. - (ومنها): إذا مر بثمر غير محوط (¬1) ولا عليه ناظر؛ فله أن يأكل منه مع الحاجة وعدمها، ولا يحمل على الصحيح المشهور من المذهب، ولا فرق بين المتساقط على الأرض وما على الشجر؛ كما دلت عليه السنة (¬2)، ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "محفوظ". (¬2) ورد في ذلك أحاديث عديدة أقواها -كما قال ابن حجر في "الفتح" (5/ 89) - حديثُ أبي سعيد الخدري. أخرج ابن ماجه في "السنن" (كتاب التجارات، باب من مر على ماشية قوم أو حائط هل يصيب منه، رقم 2300)، وأحمد في "المسند" (3/ 7 - 8، 21، 85 - 86)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 240)، وأبو يعلى في "المسند" (2/ رقم 1244، 1287)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 132)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 359 - 360)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 99)؛ عن يزيد بن هارون، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ قال: "إذا أتى أحدكم على راعٍ، فلينادِ: يا راعي الإِبل -ثلاثًا-! فإن أجابه، وإلا؛ فَلْيَحْلُبْ فَلْيَشْرَب ولا يَحْمِلَنَّ، وإذا أتى أحدُكم على حائطْ بُستانٍ؛ فَلْيُناد ثلاثًا: يا صاحب الحائط! فإن أجابَهُ، وإلا؛ فلْيَأكل ولا يحمل". قال البيهقي عقبه: "تفرد به سعيد بن إياس الجريري، وهو من الثقات؛ إلا أنه اختلط في آخر عمره، وسماع يزيد بن هارون عنه بعد اختلاطه". قلت: رواية يزيد عن الجريري في "صحيح مسلم" (رقم 1161) بعد (200)، وللحديث شواهد عدّة، منها: حديث سمرة بن جندب، أخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 2619)، والترمذي في "الجامع" (رقم 1296) -وقال: "وهذا حديث حسن صحيح"-، والطبراني في "الكبير" (7/ رقم 6877، 6878)، والبيهقي في "الكبرى" (9/ 359). قال ابن حجر في "الفتح" (5/ 89): "إسناد صحيح إلى الحسن؛ فمن صحح سماعه من سمرة صححه، ومن لا، أعلَه بالانقطاع، ولكن له شواهد من أقواها حديث أبي =

وتنزيلًا لتركه بغير حفظ مع العلم بتوقان نفوس المارة إليه منزلة الإِذن في الأكل منه؛ لدلالته عليه عرفًا، مع العلم بتسامح غالب النفوس في بذل يسير الأطعمة، بخلاف المحفوظ بناظر أو حائط، فإن ذلك بمنزلة المنع منه. وفي المذهب رواية ثانية بجواز الأكل من المتساقط دون ما على الشجر؛ لأن المسامحة في المتساقط أظهر لتسرّع (¬1) الفساد إليه، ولم يثبتها ¬

_ = سعيد مرفوعًا". وذكر المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 438) وابن طولون في "القلائد الجوهرية" (2/ 434): أن لمحمد بن عبد الهادي جزء "الأكل من الثمار التي لا حائط عليها". وانظر: "الأموال" (1/ 371 - 372) لابن زنجويه. وقال النووي في "شرح المهذب": "اختلف العلماء في من مر ببستان أو زرع أو ماشية، قال الجمهور: لا يجوز أن يأخذ منه شيئًا إلا في حال الضرورة، فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور، وقال بعض السلف: لا يلزمه شيء، وقال أحمد: إذا لم يكن على البستان حائط؛ جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين، ولو لم يحتج لدلك، وفي الأخرى إذا احتاج، ولا ضمان عليه في الحالتين. وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث، قال البيهقي: يعني حديث ابن عمر مرفوعًا: "وإذا مر أحدكم بحائط؛ فليأكل ولا يتخذ خبيئة"، أخرجه الترمذي واستغربه، قال البيهقي: لم يصح، وجاء من أوجه أخر غير قوية. قلت -القائل هو ابن حجر-: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها". وانظر في مذهب الحنابلة -كما عند المصنف-: "مسائل صالح" (1/ 321/ رقم 272)، و"مسائل أبي داود" (242 - 243)، و"المغني" (8/ 597 - 599)، و"الكافي" (1/ 492 - 493)، و"المبدع" (9/ 209 - 210)، و"الإنصاف" (10/ 377 - 378). (¬1) في المطبوع: "ليسرع"، والصواب ما أثبتناه.

القاضي. [و] (¬1) رواية ثالثة بمنع الأكل مطلقًا إلا مع الحاجة؛ فيؤكل حينئذ مجانًا بغير عوض، وعلى المذهب المشهور؛ هل يلحق الزرع ولبن المواشي بالثمار؟ على روايتين، فإن الأكل من الزرع وحلب اللبن من الضرع إنما يفعل للحاجة لا للشهوة. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

72 - القاعدة الثانية والسبعون اشتراط النفقة والكسوة في العقود

(القاعدة الثانية والسبعون) اشتراط النفقة والكسوة في العقود. يقع على وجهين: معاوضة، وغير معاوضة. فأما المعاوضة؛ فتقع في العقود اللازمة، ويملك فيها الطعام والكسوة، كما يملك غيرهما من الأموال المعاوض بها، فإن وقع التفاسخ قبل انقضاء المدة؛ رجع بما عجل منها إلا في نفقة الزوجة وكسوتها؛ فإن في الرجوع بهما (¬1) ثلاثة أوجه، ثالثها يرجع بالنفقة دون الكسوة: - (فمنها): الإِجارة، فيجوز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها على الصحيح، ومن الأصحاب من لم يحك (¬2) فيه خلافًا. - (ومنها): استئجار غير الظئر من الأجراء بالطعام والكسوة، وفيه روايتان (¬3) أصحهما الجواز (¬4)؛ كالظئر. - (ومنها): البيع، فلو باعه ثوبًا بنفقة عبده شهرًا؛ صح، ذكره القاضي في "خلافه". ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "بها". (¬2) في المطبوع: "يجعل". (¬3) في (ب): "رويتين"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في المطبوع: "الجوار"، والصواب ما أثبتناه.

- (ومنها): النكاح، تقع النفقة والكسوة فيه عوضًا عن تسليم المنافع، ولا يحتاج إلى شرطها في العقد، كما لا يحتاج فيه إلى ذكر المهر الذي يحصل به أصل الاستباحة، ولو شرطت عليه نفقة ولدها وكسوته؛ صح، وكان من المهر. وأما غير المعاوضة؛ فهو إباحة النفقة للعامل ما دام متلبسًا بالعمل، ويقع ذلك في العقود الجائزة؛ إما بأصل [الوضع] (¬1)، أو لأنه لا تجوز (¬2) المعاوضة عنه (¬3) بالشرع، ويندرج تحت ذلك صور: - (منها): المضاربة؛ فيجوز اشتراط المضارب النفقة والكسوة في مدة المضاربة. - (ومنها): الشركة. - (ومنها): الوكالة. - (ومنها): المساقاة والمزارعة، إذا قلنا: بعدم لزومها وما بقي معهم من النفقة المأخوذة والكسوة بعد فسخ هذه العقود؛ هل يستقر ملكهم عليه أم لا؟ يحتمل أن لا يستقر؛ لأن ما يتناوله إنما هو على وجه الإباحة لا الملك، ولهذا قال الأصحاب: إذا اشترط المضارب التسري من مال المضاربة، فاشترى أمة منه؛ ملكها، ويكون (¬4) ثمنها قرضًا عليه؛ لأن ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الأصل"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع و (ب): "يجوز"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) في المطبوع: "فيه". (¬4) في (ب) و (ج): "فيكون".

الوطء لا يستباح بدون الملك، بخلاف المال؛ فإنه يستباح بالبذل والإِباحة، كما يستبيح المرتهن الانتفاع بالرهن بشرطه في عقد البيع، نص عليه أحمد، ويكون إباحة، وأشار أبو بكر عبد العزيز إلى رواية أخرى: يملك المضارب الأمة بغير عوض. وعلى هذا؛ فيحتمل أن تكون النفقة والكسوة تمليكًا، فلا يرد ما فضل منهما، ويحتمل أن يفرق بين اليسير والكثير؛ كما في المأخوذ من المغنم. - (ومنها)، إذا أخذ الحاج نفقة من (¬1) غيره ليحج عنه؛ فإنه عقد جائز، والنفقة فيه إعانة على الحج لا أجرة، وينفق على نفسه بالمعروف إلى أن يرجع إلى بلده، وإن فضلت (¬2) فضلة ردها، نص عليه، وكذا إن كانت الحجة عن ميت (¬3)؛ إما بأن (¬4) تكون حجة الإسلام، أو (¬5) أوصى بأن يحج عنه، فإن فاضل النفقة يسترده الورثة إلا أن يعين الموصي في وصيته إعطاء مقدار معين لمن يحج عنه حجة، فإن الفاضل يكون له في المعروف من المذهب. ونقل ابن منصور عن أحمد: إذا قال: حجوا عني بألف درهم حجة؛ يحج عنه حجة، وما فضل (¬6) يرد إلى الورثة، وهذا يدل على أنه لا يجوز ¬

_ (¬1) في (ج): "عن". (¬2) في (ج): "فضل". (¬3) في المطبوع: "الميت". (¬4) في المطبوع سقطت: "إما"، وفي (ج): "إما أن". (¬5) في (ج): "إذا". (¬6) في (ب) و (ج): "بقي".

أن يدفع إلى من يحج [عنه] (¬1) أكثر من نفقته، ولم يجعل الباقي وصية (¬2)؛ لأن الحاج هنا غير معين، فلا تصح الوصية له، بخلاف ما إذا كان معينًا، ووجه المذهب أن الموصى [له يتعين بحجة] (¬3) فيصير معلومًا، وإن قال: حجوا عني بألف ولم يقل حجة؛ فالمذهب أنها تصرف في حجة بعد أخرى حتى تنفذ. وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى: أنه يحج عنه حجة واحدة بنفقة المثل والباقي للورثة. - (ومنها): إذا أخذ الحاج من الزكاة ليحج به؛ [فإنه] (¬4) يجوز بناءً على قولنا: إن الحج من السبيل، فإن حج ثم فضلت فضلة؛ فهل تسترد (¬5) أم لا؟ الأظهر استردادها؛ كالوصية، وأولى؛ لأن هذا المال يجب صرفه في مصارفه المعينة شرعًا، ولا يجوز الإخلال بذلك، بخلاف فاضل الوصية، فإن الحق فيه للورثة، ولهم تركه، وقياس قول الأصحاب في الغازي أنه لا يسترد، وظاهر كلام أحمد في "رواية الميموني" أن الدابة لا تسترد، ولا يلزم مثله في النفقة؛ لأن الدابة قد صرفت في سبيل اللَّه، بخلاف فاضل النفقة، ويملكها بخروجه من بلده، بخلاف الغازي، نص عليه [أحمد] (¬6) ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬2) في (ج): "في وصيته". (¬3) في (ب): "إليه يتعين لحجة". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع و (ج): "يسترد"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع و (ج).

في "رواية الميموني"، وعلل بأنه من حين يخرج؛ فهو (¬1) ابن سبيل له حق في الزكاة، والغازي إنما أعطي للغزو؛ فلا يملك بدونه، وهذا يرجع إلى أن من أخذ لسبب (¬2)، فانتفى وخلفه سبب آخر مبيح للأخذ (¬3) أن له الإمساك بالسبب الثاني، وفيه خلاف بين الأصحاب. - ومنها: إذا أخذ الغازي نفقة أو فرسًا ليغزو عليها؛ فإنه يجوز، ويكون عقدًا جائزًا لا لازمًا، وهو إعانة على الجهاد لا استئجار عليه، فإن رجع والفرس معه؛ ملكها ما لم تكن (¬4) وقفًا أو عارية، نص عليه أحمد، ولا يملكها حتى يغزو. وقال القاضي في "خلافه": ويكون تمليكًا بشرط، ومعناه أنه تمليك مراعا بشرط الغزو، فإن غزا؛ تبينا أنه ملكه بالقبض؛ فإن قاعدة المذهب أن الهبة لا تقبل التعليق، وكذلك عقود المعاوضات، وإن (¬5) فضل معه من الكسوة؛ فهو كالفرس، وإن فضل من النفقة؛ ففيه روايتان: إحداهما: يملكها أيضًا، نقلها علي بن سعيد. والثانية: يرد الفاضل في الغزو؛ إلا أن يؤذن له في الاستعانة به في غزوة أخرى، نقلها حنبل. والفرق بين النفقة وغيرها: أن الدابة قد صرفت في سبيل اللَّه ¬

_ (¬1) في (ج): "فإنه". (¬2) في المطبوع: "بسبب". (¬3) في (ب): "يبيح الأخذ". (¬4) في (ب) والمطبوع: "يكن"، وفي (أ) بدون نقط. (¬5) في (ج): "فإن".

واستعملت فيه، وكذلك الكسوة؛ [فحصل] (¬1) المقصود بها، بخلاف ما فضل من النفقة، فأما إن أخذ من الزكاة، ثم فضلت فضلة؛ فقال الخرقي (¬2) والأكثرون: لا تسترد، وحكى صاحب "المحرر" (¬3) وغيره وجهين، وقد قدمنا الفرق بين مال الزكاة وغيره، ونص أحمد في رواية المروذي على أن الدابة تكون له ولا يلزم مثله في النفقة؛ لما قدمنا. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يحصل". (¬2) انظرهُ مع "المغني" (2/ 282/ 1796). (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 223).

73 - القاعدة الثالثة والسبعون اشتراط نفع أحد المتعاقدين في العقد

(القاعدة الثالثة والسبعون) اشتراط نفع أحد المتعاقدين في العقد. على ضربين: أحدهما: أن يكون استئجارًا له مقابلًا بعوض؛ فيصح على ظاهر المذهب؛ كاشتراط المشتري على البائع خياطة الثوب أو قصارته أو حمل الحطب ونحوه، ولذلك يزداد به الثمن. والثاني: أن يكون إلزامًا له لما لا يلزمه بالعقد، بحيث يجعل له ذلك من مقتضى العقد ولوازمه مطلقًا، ولا يقابل بعوض؛ فلا يصح، وله أمثلة: - (منها): اشتراط مشتري الزرع القائم في الأرض حصاده على البائع؛ فلا يصح، ويفسد به العقد، ذكره الخرقي (¬1)؛ [لأن حصاد الزرع قد يتوهم أنه من تمام التسليم الواجب على البائع، كما ذكره بعض الفقهاء] (¬2)، وحكى ابن أبي موسى في فساده به وجهين. ¬

_ (¬1) انظر قوله في: "المغني" (4/ 79/ 2916). (¬2) ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع و (ب) و (ج) بعد قوله الآتي: "وحكى ابن أبي موسى في فساده وجهين"، وسقط من المطبوع: "على البائع"، وفيه: "كما ظنه بعض الفقهاء".

- (ومنها): اشتراط أحد المتعاقدين في المساقاة أو (¬1) المزارعة على الآخر ما لا (¬2) يلزمه بمقتضى العقد؛ فلا يصح، وفي فساد العقد به خلاف، ويتخرج صحة هذه الشروط أيضًا من الشروط في النكاح وغيرها، وهو ظاهر كلام أكثر المتأخرين، ولذلك استشكلوا مسألة الخرقي في حصاد الزرع (¬3). - (ومنها): شرط إيفاء المسلم فيه في غير مكان العقد، وحكى في صحته روايتان فالمنصوص (¬4) عن أحمد فساده في رواية مهنا، وأومأ إليه في "رواية ابن منصور" (¬5) وقال (¬6): "ليس في حديث (¬7) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تسمية ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "و". (¬2) في المطبوع: "ما لم"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) نقله عن المصنف المرداوي في "الإِنصاف" (5/ 66 - 67). (¬4) في المطبوع و (ب) و (ج): "والمنصوص". (¬5) انظر: "مسائل ابن منصور" (375/ 273). (¬6) أي: الإمام أحمد في "مسائل ابن منصور" (373/ 266)، وفي المطبوع: "وقال ابن منصور"!! بزيادة "ابن منصور"! (¬7) يشير المصنف إلى ما أخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب السلم، باب السلم في وزن معلوم، 4/ 429/ رقم 2240، 2241)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب السلم، 3/ 1226 - 1227/ رقم 1604)، وأحمد في "المسند" (1/ 282)، والترمذي في "الجامع" (أبواب البيوع، باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر، 3/ 603 - 602/ رقم 1311)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب البيوع، باب السلف في الثمار، 7/ 290)، وأبو داود في "السنن" (كتاب البيوع والتجارات، باب في السلف، 3/ 741 - 742/ رقم 3463)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب التجارات، باب السلف في كيل معلوم، 2/ 765/ رقم 2280)، والدارمي في "السنن" (2/ 260)، وابن الجارود =

المكان"، يشير بذلك إلى أن السلم يشترط فيه أن يذكر في العقد أوصاف المسلم فيه؛ [فـ] (¬1) قدره وزمان محله كما دل عليه الحديث، وليس فيه ذكر مكان إيفائه؛ فاشتراط ذكر مكانه يوهم أن ذلك من جنس ذكر (¬2) زمانه، وأنه مستحق بنفس العقد، بخلاف غيره من البيوع التي لا يذكر في عقودها شيء من ذلك. * * * ¬

_ = في "المنتقى" (614، 615)، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 18)؛ من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: "قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث؛ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أسلف؛ فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم"، وعند الدارقطني في "السنن" (3/ 3): "وهم يسلمون" بدل "يسلفون". (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وفي (ب) و (ج): "و". (¬2) في المطبوع: "ما ذكر".

74 - القاعدة الرابعة والسبعون فيمن يستحق العوض عن عمله بغير شرط

(القاعدة الرابعة والسبعون) فيمن يستحق العوض عن عمله (¬1) بغير شرط. وهو نوعان: أحدهما: أن يعمل العمل ودلالة حاله تقتضي المطالبة بالعوض. والثاني: أن يعمل عملًا فيه غناء عن المسلمين وقيام بمصالحهم العامة، أو فيه استنقاذ لمال معصوم من الهلكة. أما الأول؛ فيندرج تحته صور كثيرة؛ كالملاح والمكاري والحجام والقصار والخياط والدلال ونحوهم ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل، فإذا عمل؛ استحق أجرة المثل؛ وإن لم يُسَمَّى له شيء، نص عليه. وأما الثاني؛ فيدخل تحته صور: - (منها): من قتل مشركًا في حال الحرب مغررًا بنفسه في قتله؛ فإنه يستحق سلبه بالشرع لا بالشرط في أصح الروايتين. - (ومنها): العامل على الصدقات؛ فإنه يستحق أجرة عمله بالشرع، قال أحمد في "رواية صالح": العاملين عليها الذين جعل اللَّه لهم الثمن في كتابة السلطان (¬2)، وقال في "رواية حنبل": يكون لهم الذي يراه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "عمل". (¬2) في "مسائل صالح" (1/ 144 - 145/ 39) في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا =

الإمام، وظاهر هذا أنه (¬1) يجب ذلك له بالشرع، [ويجوز له أخذه مع الغني، بخلاف ولي اليتيم على المشهور؛ لأن العامل يعطيه الإمام ما وجب له بالشرع] (¬2)؛ إما مقدرًا أو غير مقدر (¬3)، والولي يأخذ (¬4) بنفسه وقد أمره (¬5) اللَّه بالاستعفاف مع الغنى. وأيضًا؛ فأموال الزكاة حق لغير معينين (¬6)، بخلاف مال اليتيم. وأيضًا؛ فمال الزكاة يستحقه [مع الغنى جماعة] (¬7)؛ فالعامل الذي حصل الزكاة وجباها أولى، وأيضًا؛ فالعامل هو الذي جمع المال وحصله، بخلاف ولي اليتيم. وذكر القاضي في "الأحكام السلطانية" (¬8): أن قياس المذهب أن العامل لا يستحق إذا لم يشرط له جعل؛ إلا أن يكون معروفًا بأخذ الأجرة ¬

_ = الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا. . .} [التوبة: 60]، قال أحمد: ". . . {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}: السلطان". وفي "مسائل عبد اللَّه" (147/ 547) قال أحمد: ". . . {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}: هم السُّعَاة يسعون عليها، وهو السلطان". (¬1) في المطبوع: "أن". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "مقدرًا". (¬4) في (ج): "يأخذه". (¬5) في (ج): "أمر". (¬6) في المطبوع و (ج): "معين". (¬7) في المطبوع: "جماعة من الغنى"، والصواب ما أثبتناه. (¬8) "الأحكام السلطانية" (ص 116).

على عمله. والأول أصح؛ لأن حقه ثابت بالنص؛ فهو كجعل رد الإِباق، وأولى؛ لورود القرآن به (¬1). - (ومنها): من رد آبقًا على مولاه؛ فإنه يستحق على رده جعلًا بالشرع، سواء شرطه أو لم يشرطه على ظاهر المذهب، وفيه أحاديث مرسلة وآثار (¬2)، والمعنى فيه الحث على حفظه على سيده وصيانة العبد عما ¬

_ (¬1) وهو قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]. (¬2) يشير المصنف إلى عدّة أحاديث، منها: • ما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 227) عن ابن أبي مُلَيْكة وعمرو بن دينار؛ قال: "جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في العبد الآبق إذا جيء به خارج الحرم دينارًا". • وما أخرجه أيضًا (5/ 226) عن ابن جريج أو ابن أبي مليكة وعمرٍو بن دينار؛ قالا: "ما زلنا نسمع أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى في العبد الآبق يوجد خارجًا من الحرم دينارًا أو عشرة دراهم". • وما أخرجه عبد الرزاق في "المصنِّف" (8/ 207 - 208/ رقم 14907) عن معمر، عن عمرو بن دينار: "أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى في الآبق يوجد في الحرم بعشرة دراهم". قال البيهقي في "المعرفة" (9/ 88 - 89): "ولم يثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في جُعْلِ الآبق شيء، إنما هو عن ابن جريج عن ابن أبي مُلَيكة وعمرو بن دينار؛ قالا: جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الآبق يوجد خارجًا من الحرم عشرة دراهم". قال: "وهذا منقطع، ومن أسنده عن عمرو بن دينار عن ابن عمر ضعيف". قلت: أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 200) من طريق خصيف، عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = معمر، عن عمرو، عن ابن عمر، وقال: "فهذا ضعيف، والمحفوظ. . . "، وذكر المرسل. • وقال في "المعرفة" (9/ 89): "وروي عن علي: في جُعْلِ الآبق دينار قريبًا أخذ أو بعيدًا، وهذا إنما روي عن الحجاج بن أرطأة -وليس بحجَّةٍ - عن الشعبي عن الحارث عن علي، والحارث غير محتج به". قلت: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/ 541/ رقم 1983 - ط الهندية، و 5/ 226 - ط دار الفكر) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (8/ 208)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ ق 115/ ب) -، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 200)؛ من طريق الحجاج، به. قال البيهقي عقبه في "الكبرى": "الحجاج بن أرطأة لا يُحتجُّ به". • وقال في "المعرفة" (9/ 89): "وأمثل شيء روي عنه عن أبي عمرو الشيباني؛ قال: أصبتُ غلمانًا أباقًا بالعين، فأتيتُ عبد اللَّه بن مسعود، فذكرتُ ذلك له، فقال: الأجر والغنيمة. فلت: هذا الأجر؛ فما الغنيمة؟ قال: أربعون درهمًا من كلِّ رأس". قلت: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8/ 208/ رقم 14911)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 226)، والبيهقي في "الكبرى" (8/ 200)، وابن حزم في "المحلى" (8/ 208)، وقال: "والتي عن ابن مسعود عن شيخ لا يُدرى من هو، وعن عبد اللَّه بن رباح القرشي، وهو غير مشهور بالعدالة". وعزاه ابن قدامة في "المغني" (6/ 23) للخلال، وقال: "حديث ابن مسعود أصحُّ إسنادًا". وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 226 - ط دار الفكر)، وابن حزم في "المحلى" (8/ 208) بسندٍ ضعيفٍ ومنقطع: "أن عمر بن الخطاب قضى في جُعل الآبق إذا أُصيب في غير مصره أربعين درهمًا، فإن أصيب في المصر؛ فعشرين درهمًا، واثني عشر درهمًا". وأخرجا أيضًا عنه -بسندٍ ضعيف فيه الحجاج بن أرطأة-: "أن عمر جعل في جُعْل الآبق دينارًا، أو اثني عشر درهمًا. =

يخاف من لحاقه بدار الحرب والسعي في الأرض بالفساد، ولهذا المعنى اختص الوجوب برد الآبق دون غيره من الحيوان والمتاع، وسواء كان معروفًا برد الإِباق (¬1) أو لم يكن إلا السلطان؛ فإنه لا شيء له، نص عليه في رواية حرب لانتصابه للمصالح، وله حق في بيت المال على ذلك، وكذلك (¬2) لم يكن له الأكل من مال اليتيم كما سبق. - (ومنها): من أنقذ مال غيره من التلف كمن خلص عبد غيره من فلاة مهلكة أو متاعه من موضع (¬3) يكون هلاكه فيه محققًا (¬4) أو قريبًا منه؛ [كالبحر] (¬5) وفم السبع؛ فنص أحمد على وجوب الأجرة له في المتاع، وذكره القاضي وابن عقيل وصاحب "المغني" (¬6) في العبد أيضًا، وحكى القاضي فيه احتمالًا بعدم الوجوب كاللقطة، وأورد في "المجرد" عن نص ¬

_ = قال البيهقي عن أمثل شيء ورد -وهو أثر ابن مسعود على ضعفه-: "وهذه حكاية حال يحتمل أن يكون ابن مسعود عرف شرط مالكهم، جُعل لمن ردّهم؛ فحكاه، واللَّه أعلم". وقال ابن حزم بعد أن أورد ما مضى: "كل ذلك لا يصحّ"، وقال: "وأما التابعون؛ فصحّ عن شُريح وزياد. . . وروي هذا عن الشعبي، وبه يقول إسحاق بن راهويه. . . وصح عن عمر بن عبد العزيز". (¬1) في (ب) و (ج): "الآبق". (¬2) في (ج): "ولذلك". (¬3) في (ج): "وضع". (¬4) في (ج): "متحققًا". (¬5) في المطبوع: "بالبحر". (¬6) قال في "المغني" (6/ 33/ 4554): "وله أخذ العبد والمتاع ليخلصه لصاحبه، وله أجر مثله في تخليص المتاع، نُصَّ عليه، وكذلك في العبد على قياسه".

أحمد فيمن خلص من فم السبع شاة أو خروفًا أو غيرهما؛ فهو لمالكه الأول، ولا شيء للمخلص، والصحيح الأول؛ لأن هذا يخشى هلاكه وتلفه على مالكه، بخلاف اللقطة. وكذلك لو انكسرت السفينة، فخلص قوم الأموال من البحر؛ فإنه تجب (¬1) لهم الأجرة على الملاك، ذكره في "المغني" (¬2)؛ لأن فيه حثًّا وترغيبًا في إنقاذ الأموال من [الهلكة] (¬3)، فإن الغواص إذا علم أنه يستحق الأجرة غرر بنفسه وبادر إلى التخليص، بخلاف ما إذا علم أنه لا شيء له؛ فهو في معنى رد الآبق. وفى "مسودة شرح الهداية" لأبي البركات: وعندي أن كلام أحمد على ظاهره في وجوب الأجرة في (¬4) تخليص المتاع من المهالك دون الآدمي؛ لأن الآدمي أهل في الجملة لحفظ نفسه. [انتهى] (¬5). وفيه نظر؛ فقد (¬6) يكون صغيرًا أو عاجزًا وتخليصه أهم وأولى من المتاع، وليس في كلام أحمد تفرقة. فأما من عمل في مال غيره على غير ما ذكرنا؛ فالمعروف من ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "يجب"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬2) في المطبوع: "ما ذكره في "المغني"، ولعل الصواب حذف ما، وانظر نص كلامه في "المغني" (6/ 34/ 4554). (¬3) في المطبوع: "التهلكة". (¬4) في المطبوع: "على". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "وقد".

المذهب أنه لا أجرة له. ونقل أبو جعفر الجَرْجَرَائيُّ (¬1) عن أحمد في رجل عمل في قناة رجل بغير إذنه؛ قال (¬2): لهذا الذي عمل نفقته إذا عمل ما يكون [منفعة] (¬3) لصاحب القناة، وهذه تتخرج على أصلين: أحدهما: أن الغاصب يكون شريكًا بآثار عمله. والثاني: أنه (¬4) يجبر على أخذ قيمة (¬5) آثار عمله من المالك ليتملكها (¬6) عليه. وخرج القاضي في "خلافه" بأن يكون شريكًا بآثار عمله إذا زادت به القيمة، وذكر نص أحمد في العمل في القناة من رواية حرب وابن هانئ (¬7)، وتبعه على ذلك جماعة من الأصحاب، وحمل ابن عقيل في "مفرداته" هذه النصوص على أن العامل هنا في القناة كان شريكًا فيها، وليى في النصوص (¬8) شيء يشعر بذلك. ومن الأصحاب من أقر النصوص على ظاهرها، وجعل هذا الحكم ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "الجرجاني". (¬2) في المطبوع و (ج): "فقال". (¬3) في المطبوع: "مصلحة". (¬4) في المطبوع: "أن". (¬5) في (ج): "قيمته". (¬6) في المطبوع: "لتملكها". (¬7) "مسائل ابن هانئ". (¬8) في المطبوع: "المنصوص".

مطردًا في كل من عمل عملًا لغيره (¬1) فيه مصلحة له وهو محتاج إليه؛ كحصاد زرعه والاستخراج من معدنه ونحو ذلك؛ تخريجًا من العمل في القناة، ومنهم الحارثي، وكأنهم جعلوه بمنزلة تصرف للفضولي (¬2)؛ فللمالك حينئذ أن يمضيه ويرد عوضه، وهو أجرة المثل، وله أن لا يمضيه فيكون العامل شريكًا بالعمل، وقد قال [القاضي] (¬3) في "بعض تعاليقه" وقرأته بخطه في الأجير إذا عمل في العين المستأجر عليها دون ما شرط، على (¬4) أن المالك مخير إن شاء رد عمله وأخذ الأجرة وصار الأجير شريكًا بعمله، وإن شاء قَبِل العمل ورجع على الأجير بالأرش. وذكر أحمد في رواية الميموني بالرجوع بالأرش، ثم حمله على أنه كان قد رضي بالعمل. وقال القاضي في "خلافه": قياس المذهب إذا لم يأت الحائك بالثوب على الصفة (¬5) المشروطة: إن شاء ضمنه قيمة الغزل ولا أجرة له، وإن شاء ضمنه قيمته منسوجًا وعليه الأجرة، وتكون الأجرة ها هنا ما (¬6) زاد على قيمة الغزل. ثم ذكر "رواية الميموني" هذه وقال: هي محمولة على أن صاحب ¬

_ (¬1) في المطبوع: "كغيره"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في (أ): "للفضولي"، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "الفضولي". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) في المطبوع و (ب) و (ج): "عليه". (¬5) في (أ): "عليه للصفة"، وله حظ ونصيب من الصواب. (¬6) في المطبوع: "بما"، وفي (ج): "هنا ما".

الثوب (¬1) اختار تقويمه معمولًا، والتزم قيمة الصّنعة التي هي دون التي وافقه عليها، وهذا الذي قاله بعيد جدًّا أن يضمن المالك الصانع قيمة الثوب مع بقائه، ولا يصح حمل كلام أحمد على ما قاله؛ لأن أحمد قال: ينظر ما بينهما فيرجع به على الصانع، وهذا تصريح بالرجوع عليه بالأرش خاصة. وأيضًا؛ فلو غصب غزلًا ونسجه؛ لم يملك المالك إلزامه (¬2) به ومطالبته (¬3) بالقيمة؛ فكيف يملك مطالبة الأجير بذلك؟! وذكر ابن عقيل في هذه المسألة أن المالك يملك استرجاع الأجرة المسماة ودفع أجرة المثل، ثم ذكر احتمالًا بالرجوع بالأرش؛ كما هو المنصوص، واللَّه أعلم. ومتى كان العمل في مال الغير إنقاذًا له من التلف المشرف عليه؛ كان جائزًا؛ كذبح الحيوان المأكول إذا خيف موته، صرح به صاحب "المغني" (¬4)، ويفيد هذا أنه لا يضمن ما نقض بذبحه. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الثواب"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع: "التزامه". (¬3) في المطبوع و (ج): "ويطالبه". (¬4) "المغني" (6/ 28/ 4543).

75 - القاعدة الخامسة والسبعون فيمن يرجع بما أنفق على مال غيره بغير إذنه. وهو نوعان

(القاعدة الخامسة والسبعون) فيمن يرجع بما أنفق على مال غيره بغير إذنه. وهو نوعان: أحدهما: من أدى واجبًا عن غيره. والثاني: من أنفق على ما تعلق به حقه من مال غيره. فأما [النوع] (¬1) الأول؛ فيندرج تحته صور: - (منها): إذا قضى عنه دينًا واجبًا بغير إذنه؛ فإنه يرجع [به] (1) عليه في أصح الروايتين، وهي المذهب عند الخرقي (¬2) وأبي بكر والقاضي والأكثرين، واشترط القاضي أن ينوي الرجوع ويشهد على نيته عند الأداء، فلو نوى التبرع أوأطلق النية؛ فلا رجوع له، واشترط أيضًا أن يكون المدين ممتنعًا من الأداء، وهو يرجع إلى أن لا رجوع إلا عند تعذر إذنه، وخالف في ذلك صاحبا "المغني" (¬3) و"المحرر" (¬4)، وهو ظاهر [إطلاق القاضي] (¬5) ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) انظر نصه مع "المغني" (4/ 353/ 3583). (¬4) انظر: "المحرر" (1/ 340). (¬5) في المطبوع: "الخلاف للقاضي". (¬3) انظر قوله في: "المغني" (6/ 353 - 354/ 8583)؛ حيث حكى هناك =

في "المجرد" والأكثرين. وهذا في ديون الآدميين، فأما ديون اللَّه عز وجل؛ كالزكاة والكفارة؛ فلا يرجع بها من أداها عمن هي عليه، وعلل القاضي ذلك بأن أداءها بدون إذن من هي عليه لا يصح؛ لتوففها على نيته، ويلزم على هذا لو حج رجل عن ميت بدون إذن وليه وقلنا يصح، أو أعتق عنه في نذر، أو أطعم عنه في كفارة وقلنا يصح: أن له الرجوع بما أنفق؛ لسقوط اعتبار الإِذن هنا (¬1)، ويكون كاداء أحد الخليطين الزكاة من ماله عن الجميع. - (ومنها): لو اشترى أسيرًا حرًا مسلمًا (¬2) من أهل دار الحرب، ثم أطلقه وأخرجه إلى دار الإِسلام؛ فله الرجوع عليه بما اشتراه به، سواء أذن له أو لم يأذن؛ لأن الأسير يجب عليه افتداء نفسه ليتخلص من الأسر، فإذا فداه غيره؛ فقد أدى عنه واجبًا رجع به عليه (¬3)، وأكثر الأصحاب لم يحكوا في الرجوع ها هنا خلافًا. وحكى القاضي في "كتاب الروايتين" (¬4) فيه رواية أخرى: يتوقف الرجوع على الإِذن، وهل يعتبر للرجوع ها هنا نية، أم يكفي إطلاق النية؟ ¬

_ = روايتين: إحداهما: يرجع بما أدى، ونسبه لمالك وغيره. والثانية: لا يرجع بشيء، ونسبه لأبي حنيفة والشافعي وابن المنذر. (¬1) في (ج): "ها هنا". (¬2) في المطبوع و (ج): "مسلمًا حرًّا". (¬3) في (ب): "عليه به" هكذا بتقديم وتأخير. (¬4) انظر: "المسائل الفقهة من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 375 - 376) للقاضي أبي يعلى.

على وجهين: أحدهما: تعتبر نية الرجوع لقضاء الديون، وهو ظاهر كلام القاضي. والثاني: يرجع ما لم ينو التبرع، وبه جزم في "المحرر" (¬1)؛ للأثر المروي عن عمر رضي اللَّه عنه (¬2)، ولأن افتكاك (¬3) الأسرى مطلوب شرعًا؛ فيرغب فيه بتوسعه طرق (¬4) الرجوع لئلا تقل الرغبة فيه. ¬

_ (¬1) قال في "المحرر" (2/ 174): "ولا يملك الحر المسلم بالقهر، ومن اشتراه منهم (أي: الكفار)؛ فله عليه ثمنه دينًا ما لم ينو التبرع به". (¬2) أخرج سعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2803 - ط الأعظمي) عن عثمان بن مطر الشيباني؛ قال: نا أبو حريز، عن الشعبي؛ قال: "أعان أهل ماه أهل جلولاء على العرب، وأصابوا سبايا من سبايا العرب ورقيقًا ومتاعًا، ثم إن السائب بن الأقرع عامل عمر ابن الخطاب غزاهم؛ ففتح ماه، فكتب إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم قد اشتراه التجار من أهل ماه، وفي رجل أصاب كنزًا بأرض بيضاء؛ فكتب عمر: أن المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يخذله، فأيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه؛ فهو أحق به من غيره، وإن أصابه في أيدي التجار بعد ما اقتسم؛ فلا سبيل اليه، وأيما حُرّ اشتراه التجار؛ فإنه يرد عليهم رؤوس أموالهم، وأن الحر لا يباع ولا يشترى، وأيما رجل أصاب كنزًا عادّيًا قبل أن تضع الحرب أوزارها؛ فإنه يؤخذ منه خمسه وسائره ينهم، وهو رجل منهم، وإن أصابه بعدما وضعت الحرب أوزارها؛ فخذ خمسه وسائره له خاصة". والشاهد منه قوله: "وأيُّما حرًّا اشتراه التجار؛ فإنه يردُّ عليهم رؤوس أموالهم". وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 112) من طريق ابن المبارك، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن رجل، عن الشعبى، به مختصرًا. (¬3) في المطبوع و (ب): "انفكاك". (¬4) في المطبوع: "طرف"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

- (ومنها): نفقة الرقيق والزوجات والأقارب والبهائم إذا امتنع من تجب عليه (¬1) النفقة، فأنفق عليهم (¬2) غيره بنية الرجوع؛ فله الرجوع كقضاء الديون، ذكره القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "مفرداته". - (ومنها): لو أنفق على عبده الآبق في حال رده إليه؛ فإنه يرجع بما أنفق، نص عليه، وجزم به الأكثرون من غير خلاف؛ فإنه يستحق جعلًا على الرد عوضًا عن بذله منافعه؛ فلأن يجب له العوض عما بذله من المال في رده أولى، واشترط أبو الخطاب وصاحب "المحرر" (¬3) العجز عن استئذان المالك، وضعفه صاحب "المغني" (¬4)، ولا يتوقف الرجوع على تسليمه، فلو أبق منه قبل ذلك؛ فله الرجوع بما أنفق عليه، نص عليه أحمد في "رواية عبد اللَّه" (¬5)، وصرح به الأصحاب. وكذلك [من أنفق على ما يلزمه رده؛ كـ] (¬6) حكم [العبد] (¬7) المنقطع بمهلكة، وحكى أبو بكر وابن أبي موسى في الرجوع بنفقته روايتين، ولو أراد استخدامه بدل النفقة؛ ففي جوازه روايتان حكاهما أبو الفتح الحلواني في "الكفاية"؛ كالعبد المرهون. - (ومنها): نفقة اللقطة حيوانًا كانت أو غيره مما يحتاج في حفظه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "عليهما"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع: "عليهما"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 336). (¬4) انظر: "المغني" (6/ 22 - 23/ 4532). (¬5) انظر: "رواية عبد اللَّه" (310/ 1152). (¬6) ما بين المعقوفتين من هامش (ج) فقط، وبعدها: "صح". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

إلى مؤنة وإصلاح، فإن كانت بإذن حاكم رجع بها؛ لأن إذنه قائم مقام إذن الغائب، وإن (¬1) لم يكن بإذنه؛ ففيه الروايتان، ومنهم من رجح (¬2) ها هنا عدم الرجوع؛ لأن حفظها لم يكن متعينًا، بل كان مخيرًا بينه وبين بيعها وحفظ ثمنها، وذكر ابن أبي موسى أن الملتقط إذا أنفق غير متطوع (¬3) بالنفقة؛ فله الرجوع بها، وإن كان محتسبًا؛ ففي الرجوع روايتان. - (ومنها): نفقة اللقيط، خرجها بعض الأصحاب على الروايتين، ومنهم من قال: يرجع ها هنا قولًا واحدًا، وإليه ميل صاحب "المغني" (¬4)؛ لأن له ولاية على الملتقط، ونص أحمد أنه يرجع بما أنفقه على بيت المال. - (ومنها): الحيوان المودع إذا أنفق عليه المستودع ناويًا للرجوع، فإن تعذر استئذان مالكه؛ رجع، وإن لم يتعذر؛ فطريقتان (¬5): إحداهما (¬6): أنه على الروايتين في قضاء الدين وأولى؛ لأنَّ للحيوان حرمةً في نفسه توجب (¬7) تقديمه على قضاء الديون أحيانًا، وهي طريقة ¬

_ (¬1) في (ب): "فإن". (¬2) في المطبوع: "يرجح". (¬3) في المطبوع: "مطوع"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) انظر: "المغني" (6/ 37 - 38/ 4561). (¬5) في المطبوع و (ج): "فطريقان"، وكذا نقله المرداوي في "الإنصاف" (5/ 176) عن المصنف. (¬6) في (ج): "أحدهما". (¬7) في المطبوع: "فوجب".

صاحب "المغني" (¬1). والثانية: لا يرجع قولًا واحدًا، وهي طريقة [صاحب] (¬2) المحرر (¬3) متابعةً (¬4) لأبي الخطاب (¬5)، لكن من اعتبر الرجوع في قضاء الدين بعذر الإِذن؛ فها هنا أولى، وأما من لم يعتبر ذلك في الدين واعتبره ها هنا؛ فرَّق بأن (¬6) قضاء الدين فيه إبراء (¬7) لذمته وتخليص له من الغريم، وها هنا اشتغال لذمته بدين لم تكن مشتغلة به، وهو ضعيف، وينتقض بنفقة الأقارب كما تقدم، فإن المطالبة هنا متوجهة من الحاكم بإلزامه؛ فقد خلصه من ذلك وعجل [براءته] (¬8) منه، وقضاء الدين لم تبرأ به ذمته بالكلية، بل هي مشغولة بدين المؤدي. [و] (¬9) عنه أيضًا؛ فإن الإِذن في الأنفاق على الحيوان المؤتمن عليه ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (6/ 309/ 5063). (¬2) سقطت من المطبوع ومن جميع النسخ الخطية، وهي مثبتة في "الإنصاف" (5/ 176) للمرداوي في نقله عن "القواعد". (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 336). (¬4) فى المطبوع و (ج): "ومتابعة"، وما أثبتناه عند المرداوى أيضًا. (¬5) نقله المرداوي في "الإِنصاف" (5/ 176) عن المصنف، وقال: "قلت: وهذه الطريقة هي المذهب، وهي طريقة صاحب "التلخيص" و"الفروع" و"الوجيز" و"الفائق" وغيرهم، وهو ظاهر كلام المصنف هنا". (¬6) في المطبوع و (ج): "فالفرق أن". (¬7) في المطبوع و (ج): "براء". (¬8) في (ج): "براءة ذمته". (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

عرفي؛ فيتنزل (¬1) منزلة اللفظي. - (ومنها): نفقة طائر غيره إذا عشش في داره، قال أحمد في "رواية المروذي" في طيرة أفرخت عند قوم من الجيران: فالفراخ تتبع الأم، يردون على أصحابها، فإن كان قد أعلف (¬2) الفراخ مدة مقامها في يده متطوعًا (¬3)؛ لم يرجع، وإن لم يتطوع يحتسب بالنفقة؛ أخذ من صاحبها ما أنفق (¬4)، ولم يفرق بين إمكان الاستئذان وعدمه. وخرج القاضي رواية أخرى بعدم الرجوع بكل حال من نظيرها (¬5) في المرتهن وغيره. وأما النوع الثاني، وهو ما يرجع فيه بالإِنفاق على مال غيره لتعلق حقه به؛ فله صور: - (منها): إنفاق أحد الشريكين على المال المشترك مع غيبة الآخر أو امتناعه، قال أحمد في "رواية ابن (¬6) القاسم" في رجلين بينهما أرض (¬7) أو دار أو عبد يحتاج إلى أن ينفق على ذلك فيأبى الآخر؛ قال: ينظر في ذلك، فإن كان يضر بشريكه ويمتنع مما يجب عليه؛ ألزم ذلك وحكم به عليه، ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "فينزل". (¬2) في المطبوع و (ج): "علف". (¬3) في (ج): "تطوعًا". (¬4) في المطبوع: "اتفق"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع: "نظيرتها". (¬6) في المطبوع: "أبي"، والصواب ما أثبتناه. (¬7) في المطبوع: "أراضٍ".

[ولا يضر بهذا، ينفق] (¬1) ويحكم به عليه. ويتفرع على هذه المسألة فروع، من جملتها: إذا كان بينهما حائط مشترك أو سقف فانهدم، وطلب أحدهما أن يبني الآخر معه؛ فالمذهب أنه يجبر على ذلك. وفيه رواية أخرى: لا يجبر (¬2)؛ فينفرد (¬3) الطالب بالبناء ويمنع الشريك من الانتفاع حتى يأخذ منه ما يخص حصته من النفقة، نص عليه؛ لأن من جاز له البناء في ملك غيره لم يكن متبرعًا (¬4)؛ كالوصي والحاكم في ملك اليتيم. - ومن صور النوع: إذا جنى العبد المرهون، ففداه المرتهن بغير إذن الراهن؛ قال أكثر الأصحاب؛ كالقاضي وابن عقيل وأبي الخطاب (¬5) وغيرهم: إن لم يتعذر استئذانه؛ فلا رجوع، وإن تعذر؛ خرج على الخلاف في نفقة الحيوان المرهون، لأن الفداء هنا لمصلحة الرهن واستبقائه (¬6)، وذلك (¬7) واجب على الراهن لحق المرتهن، وقال صاحب "المحرر" (¬8): لا ¬

_ (¬1) كذا في (أ) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (ب): "ولا يصير بهذا منفق"، وفي (ج): "ولا يظر بهذا ينفق". (¬2) في المطبوع: "لا يجبر فيه". (¬3) في (ج): "وينفرد". (¬4) في (ب): "متبوعًا". (¬5) في "كتاب الهداية" (1/ 153). (¬6) في (ب): "واستيفائه". (¬7) في المطبوع: "وهو". (¬8) انظر: "المحرر" (1/ 337).

يرجع بشيء، وأطلق؛ لأن المالك لم يجب عليه الافتداء [والتسليم] (¬1) ها هنا، وكذلك لو سلمه؛ لم يلزمه قيمته لتكون رهنًا، وقد وافق الأصحاب على ذلك، وإنما خالف فيه ابن أبي موسى. - (ومنها): مؤنة الرهن مِنْ كرى مخزنه وإصلاحه وتشميسه ونحو ذلك لا يلزم الراهن إذا قام بها المرتهن بدون إذنه مع تعذره؛ فهي جارية مجرى نفقة الحيوان المرهون على ما سيأتي، صرح به الأصحاب؛ لأن ذلك مما لابد منه لحفظ مالية الرهن، فصار واجبًا على الراهن (¬2) لعلاقة حق المرتهن. - (ومنها): لو خربت الدار المرهونة، فعمرها المرتهن بغير إذن؛ فقال القاضي في "المجرد" وصاحب "المغني" (¬3) و"المحرر" (¬4): لا يرجع إلا بأعيان آلته؛ لأن عمارة (¬5) الدار لا يجب (¬6) على المالك، والمجزوم به في "الخلاف الكبير" للقاضي أنه يرجع؛ لأنه من مصلحة الرهن، وقال ابن عقيل: يحتمل عندي أن (¬7) يرجع بما يتحفظ (¬8) به أصل مالية الدار لحفظ وثيقته؛ لأنها نفقة لحفظ مالية وثيقته (¬9)، وذلك غرض صحيح. انتهى. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬2) في المطبوع: "الرهن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) "المغني" (4/ 252/ 3372). (¬4) "المحرر" (1/ 336). (¬5) في المطبوع: "بناء". (¬6) في (ج): "تجب". (¬7) في المطبوع: "أنه". (¬8) في (ج): "تنحفظ". (¬9) في المطبوع: "وثيقة".

ولو قيل: إن كانت الدار بعد ما خرب منها تحرز قيمة الدين المرهون به؛ لم يرجع لأنه لا حاجة له إلى عمارتها حينئذ؛ وإن كانت دون حقه أو وفق حقه، ويخشى من تداعيها للخراب شيئًا فشيئًا حتى تنقص عن مقدار الحق؛ فله أن يعمر (¬1) ويرجع لكان متوجهًا (¬2). - (ومنها): عمارة المستأجر في الدار المستأجرة لا (¬3) يرجع بها، نص عليه أحمد في غلق الدار إذا عمله الساكن، ويحتمل الرجوع بناءً على مثله في الرهن، ولكن حكى صاحب "التلخيص": أن المؤجر يجبر على الترميم بإصلاح منكسر وإقامة مائل، فأما تجديد البناء والأخشاب؛ فلا يلزمه لأنه إجبار على تسليم عين لم يتناولها العقد، وللمستأجر الخيار. قال: ويحتمل أن يلزمه التجديد. انتهى. فعلى [القول] (¬4) الأول لا يمكن القول برجوع المستأجر بما أنفق على التجديد، وعلى الثاني يتوجه الرجوع. (فصل) وقد يجتمع النوعان في صور فيؤدي عن ملك غيره واجبًا يتعلق به ¬

_ (¬1) في (ج): "يعمرها". (¬2) نقله المرداوي في "الإنصاف" (5/ 177) عن المصنف من قوله: "ولو قيل: إن كانت. . . " إلا هنا، وعنده: "متجهًا"، وتحرفت فيه "وفق" إلى "فوق"؛ فلتصحح، وقال عقبه: "قلت: وهو قوي"، وتصحفت آخر الفقرة في المطبوع إلى "لمكان مسحها". (¬3) في المطبوع: "ولا". (¬4) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

حقه، وفي ذلك طريقان: أحدهما: أنه على روايتين [أيضًا] (¬1)، وهي طريقة الأكثرين. والثاني: [أنه] (¬2) يرجع ها هنا رواية واحدة، وهي طريقة القاضي في "خلافه". - فمن ذلك: أن ينفق المرتهن على الرهن (¬3) بإطعام أو كسوة إذا كان عبدًا أو حيوانًا؛ ففيه الطريقان، أشهرهما أنه على الروايتين، كذلك قال (¬4) القاضي في "المجرد" و"الروايتين" (¬5) وأبو الخطاب (¬6) وابن عقيل والأكثرون، والمذهب عند الأصحاب الرجوع، ونص عليه أحمد في "رواية أبي الحارث" (¬7)، وكذلك نقل عنه ابن القاسم وابن هانئ (¬8): أنه يركب ويحلب بقدر نفقته، ولم يعتبر إذنًا؛ كما دل عليه النص الصحيح (¬9). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (أ): "الرَّاهن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) في المطبوع: "وقال". (¬5) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (1/ 368). (¬6) في كتاب "الهداية" (1/ 152 - 153). (¬7) هو أحمد بن محمد، أبو الحارث الصَّائغ، كان الإِمام أحمد يأنس به ويقدّمه ويكرمه، وكان عنده بموضعٍ جليل، قال الخلال: "روى عن أبي عبد اللَّه مسائل كثيرة بضعة عشر جزءً". ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 74 - 75)، و"المنهج الأحمد" (1/ 363). (¬8) في المطبوع: "أبي هانئ"، وهو خطأ. وانظر: "مسائل ابن هانئ" (2/ 34/ 1318). (¬9) مضى لفظه وتخريجه في التعليق على (1/ 260).

وأيضًا؛ فالإِذن في الإِنفاق ها هنا عرفي، فيقوم مقام اللفظي، وبالمرتهن إليه حاجة لحفظ وثيقته؛ فصار كبناء أحد الشريكين الحائط المشترك. ونقل عنه ابن منصور فيمن ارتهن دابة فعلفها بغير إذن صاحبها؛ فالعلف على المرتهن؛ مَنْ أمره أن يعلف (¬1)؟! وكذلك نقل عنه مهنا في كفن العبد المرهون، لكن الكفن من النوع الأول، وهذه الرواية ظاهر ما أورده ابن أبي موسى، وحمل القاضي في كتاب "الخلاف" هذا النص على أن الراهن (¬2) كان حاضرًا وأمكن استئذانه وعلف بدون إذنه (¬3)، وقد صرح القاضي بأن الرجوع مشروط بتعذر الاستئذان، [وكذلك أبو الخطاب (¬4) وابن عقيل وصاحب "المحرر" (¬5)، مع أنه وافق طريقة "الخلاف" في الرجوع قولًا واحدًا، بخلاف ما ذكره في الضمان، وضعف صاحب "المغني" (¬6) اعتبار الإِذن؛ طردًا لما ذكره في الضمان. - (ومنها): إذا هرب الجَمَّالُ وترك الجِمَالَ، فأنفق عليها المستأجر بدون إذن حاكم؛ ففي الرجوع الروايتان، ومقتضى طريقة القاضي أنه ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل ابن منصور" (484/ 449). (¬2) في المطبوع: "الرهن"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع: "إذن". (¬4) في كتاب "الهداية" (1/ 153). (¬5) انظر: "المحرر" (1/ 336). (¬6) انظر: "المغني" (4/ 252/ 3373).

يرجع رواية واحدة، ثم إن الأكثرين اعتبروا هنا استئذان الحاكم بخلاف ما ذكروه (¬1) في الرهن واعتبروه أيضًا في المودع واللقطة، وفي "المغني" (¬2) إشارة إلى التسوية [بين] (¬3) الكل في عدم الاعتبار، وأن الإِنفاق بدون إذنه [مخرج] (¬4) على الخلاف في قضاء الدين، وكذلك اعتبروا الإِشهاد على نية الرجوع (¬5). وفي "المغني" وغيره وجه آخر: أنه لا يعتبر، وهو الصحيح. - (ومنها): إذا هرب المساقي قبل تمام (¬6) العمل استؤجر عليه من يتمه والحكم فيه كالجمال؛ إلا أن للمالك الفسخ، ولو قلنا بلزوم المساقاة؛ لتعذر استيفاء المعقود عليه. - (ومنها): إذا غاب الزوج، فاستدانت الزوجة للنفقة (¬7) على نفسها (¬8) وأولادها الصغار نفقة المثل من غير زيادة؛ فإنها ترجع [بذلك] (¬9)، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ذكره"، والصواب ما أثبتناه، وكذا نقله المرداوي في "الإنصاف" (5/ 177) عن المصنف. (¬2) انظر: "المغني" (4/ 252/ 3373). (¬3) في المطبوع: "من"، وهو خطأ. (¬4) في المطبوع: "يخرج"، وكذا نقله المرداوي في "الإِنصاف" (5/ 177) عن المصنف. (¬5) نقل المرداوي فى "الإِنصاف" (5/ 176 - 177) عن المصنف من قوله: "إذا هرب الجمال. . . " إلى هنا. (¬6) في (ج): "إتمام". (¬7) في المطبوع: "النفقة". (¬8) في المطبوع: "أنفسها". (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

نص عليه في رواية أبي زرعة الدمشقي (¬1)، ولم يعتبر إذن الحاكم] (¬2)، واعتبر (¬3) صاحب "المحرر" (¬4) في لزوم نفقة الأقارب أن يستدان عليه بإذن الحاكم، مع قوله إنها لا تلزم بفرض الحاكم، وفيه نظر. وفي "الترغيب": ليس لغير الأب الاستقراض إلا بإذن الحاكم؛ حتى ولا للزوجة في حقها وحق ولدها الصغير، وإنما للزوجة الأخذ من مال زوجها الموسر عند الامتناع إذا قدرت عليه (¬5) قدر كفايتها. وحكى في أخذها لولدها وجهين؛ قال: وليس لها الإِنفاق على الطفل من ماله لو كان له مال بدون إذن وليه؛ لانتفاء ولايتها عليه، وهذا كله مخالف لظاهر كلام أحمد المتقدم ولقواعد المذهب؛ فإن المذهب أنها تأخذ لنفسها ولولدها، [ونص أحمد على أنها تقبض الزكاة لولدها] (¬6) الطفل، وقد سبق قول القاضي وغيره أن من أنفق على أقارب غيره الذين تلزم (¬7) نفقتهم؛ فإنه يرجع بذلك عليه كما يرجع [عليه] (¬8) بقضاء الدين ¬

_ (¬1) هو عبد الرحمن بن عمرو بن عبد اللَّه بن صفوان، أبو زُرعة النَّصْريّ الدّمشقي، المحدّث، الحافظ، المشهور، توفي سنة (281 هـ)، له "مسائل الإمام" في جزء. انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 205 - 206)، و"المنهج الأحمد" (1/ 272)، و"السير" (13/ 311 - 316). (¬2) ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع بعد قوله الآتي: "بدون فرض الحاكم لها". (¬3) في المطبوع و (ج): "واعتبر". (¬4) انظر: "المحرر" (2/ 115). (¬5) في المطبوع: "على". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) في المطبوع: "يلزمه"، وفي (ج): "تلزمه". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

الواجب عليه. وذكر ابن أبي موسى أن الزوجة إذا استدانت على زوجها نفقة المثل مع غيبته؛ فإنها ترجع عليه، ولم يعتبر إذن حاكم، مع أنه لم يحك خلافًا في سقوط نفقة الزوجة بمضي الزمان بدون فرض الحاكم لها [بناءً على أنها لا تسقط بمضي الزمان في أشهر الروايتين] (¬1). - (ومنها): إذا أعاره شيئًا ليرهنه، ثم افتكه المعير بقضاء الدين؛ فإنه يرجع [ها] (¬2) هنا قولًا واحدًا على ظاهر كلام القاضي. - (ومنها): لو قضى أحد الورثة الدَّيْنَ عن الميت ليزول تعلقه بالتركة؛ فإنه يرجع أيضًا، ولم يذكر القاضي فيه خلافًا، وهذه المسألة والتي قبلها قد لا يطرد فيهما الخلاف؛ لأن الإِنفاق [ها هنا] (¬3) لاستصلاح ملك المنفق؛ [فهو] (3) كإنفاق الشريك على عمارة الحائط يرجع به بغير خلاف، وإنما الخلاف إذا كان الإِنفاق لاستصلاح ما تعلق به حق المنفق؛ إلا أن الأصحاب صرحوا باطراد الخلاف في صورة المساقاة مع تعلق الاستصلاح فيها بعين (¬4) مال المنفق. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) ومذكور في المطبوع قبل قوله: "يمضي الزمان بدون فرض الحاكم لها"، وبعد: "في سقوط نفقة الزوجة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (ج): "بغير"، والصواب ما أثبتناه.

76 - القاعدة السادسة والسبعون الشريكان في عين مال أو منفعة إذا كانا محتاجين إلى دفع مضرة أو إبقاء منفعة؛ أجبر أحدهما على موافقة الآخر في الصحيح من المذهب

(القاعدة السادسة والسبعون) الشريكان في عين مال أو منفعة إذا كانا محتاجين إلى دفع (¬1) مضرة أو إبقاء منفعة؛ أجبر أحدهما على موافقة الآخر في الصحيح من المذهب. وفيه (¬2) رواية أخرى: إن أمكن أحدهما أن يستقل بدفع الضرر فعله، ولم يجبر الآخر معه، لكن إن أراد الآخر الانتفاع بما فعله شريكه؛ فله منعه حتى يعطيه حصة ملكه من النفقة، وإن (¬3) احتاجا إلى تجديد منفعة؛ فلا إجبار، ويندرج تحت ذلك صور: - (منها): إذا انهدم الحائط المشترك؛ فالمذهب إجبار الممتنع منهما بالبناء مع الآخر، نص عليه في رواية جماعة، فإن الإِجبار هنا من جنس المعاوضة، [والمعاوضة] (¬4) في الأموال المشتركة واجبة لدفع (¬5) ¬

_ (¬1) في المطبوع: "رفع". (¬2) في المطبوع: "وفي". (¬3) في المطبوع: "فإن". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (ب): "كدفع".

الضرر في الانتزاع (¬1) بالشفعة وبيع ما لا يمكن قسمته، والمعنى (¬2) فيه أن المالك يستحق (¬3) الانتفاع بملكه ويجب على شريكه تمكينه منه، فإذا دار الأمر بين تعطيل الحق بالكلية وبين المعاوضة عليه؛ فالمعاوضة [عليه] (¬4) أولى؛ لأنه يرجع فيها إلى الانتفاع بالبدل، بخلاف التعطيل. وأما الرواية الثابتة بعدم الإِجبار؛ فهي مأخوذة من نص أحمد على عدم الإِجبار في بناء حيطان السفل إذا كان العلو لآخر وانهدم الكل: أنه لا يجبر صاحب العلو على البناء مع صاحب السفل في السفل، والفرق واضح؛ لأن السفل ملكه مختص بصاحبه، بخلاف الحائط المشترك، ولذلك عقد الخلال لكل واحد منهما بابًا، وذكر النص بالإِجبار في الحائط والنص بانتفائه في الصورة (¬5) الأخرى، وعلى تقدير ثبوت هذه الرواية في الحائط؛ فللشريك الاستبداد ببنائه من ماله بغير إذن حاكم، وصرح [به] (¬6) القاضي في "خلافه"، واعتبر في "المجرد" استئذان الحاكم، ونص أحمد على أنه يشهد على ذلك؛ ولو منع الشريك الآخر من الانتفاع بما كان له عليه من الحقوق إن أعاده بآلة جديدة من ماله، وإن أعاده بآلته الأولى؛ ففيه وجهان: أحدهما: ليس له المنع؛ لأنه عين ملكهما المشترك، وهو قول ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بالانتزاع". (¬2) في المطبوع: "والمغني". (¬3) في المطبوع: "مستحق". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج) و (أ). (¬5) في المطبوع و (ج): "بالصورة". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

القاضي في "المجرد" وابن عقيل والأكثرين. والثاني: له المنع حتى يأخذ نصف قيمة التالف؛ لأنه متقوم حيث وقع مأذونًا فيه شرعًا، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى والقاضي في "خلافه"، وجزم به صاحب "المحرر" (¬1) وحكاه صاحب "التلخيص" عن بعض متأخري الأصحاب، وإذا أعاده بآلة جديدة واتفقا على دفع القيمة؛ جاز، لكن هل المدفوع نصف قيمة البناء، أو نصف ما أنفق عليه؟ ذكر القاضي في "خلافه" [فيه] (¬2) روايتين مأخذهما: هل ذلك من باب الرجوع بما أنفق على ملكه بإذن معتبر، أو هو معاوضة عن ملك الثاني كضمان سراية العتق والاستيلاد؟ وإن امتنع الثاني (¬3) من القبول (¬4)، وطلب رفع البناء من أصله ليعيداه من مالهما؛ فقد يتخرج على هذا البناء، فإن قلنا: هو رجوع بما أنفق على ملكه؛ لم يكن له الامتناع، وإن قلنا: [هو] (¬5) معاوضة؛ فله ذلك. وفي "المجرد" و"الفصول": البناء على الإِجبار ابتداءً وعدمه، فإن قلنا: يجبر؛ أجبر هنا على التبقية، وإلا؛ فلا، وقد يقال: هو معاوضة، سواء كان بالقيمة أو بالنفقة، كما أن زرع الغاصب يعاوض عنه بالقيمة على رواية، وبالنفقة على أخرى، والإِجبار على المعاوضات لإِزالة الضرر غير ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (1/ 343). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "الثاني". (¬4) في المطبوع: "القول"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع و (ب).

مستبعد، فإن قيل: فعندكم لا يجوز للجار منع جاره من الانتفاع بوضع خشبة على جداره؛ فكيف منعتم ها هنا؟ قلنا: إنما منعنا (¬1) من عود الحق القديم المتضمن ملك الانتفاع قهرًا، سواء كان محتاجًا إليه أو لم يكن، وأما التمكين من الوضع للارتفاق؛ فتلك مسألة أخرى، وأكثر الأصحاب يشترطون فيها الحاجة. والتزم ابن عقيل في "المفردات" تخريج رواية -من هذه المسألة- منع الجار من وضع الخشب مطلقًا، ثم اعتذر بأن حق الوضع هنا سقط عقوبة لامتناعه من النفقة الواجبة، وحمل حديث الزبير وشريكه في شِراج الحرَّة (¬2) على مثل ذلك. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب): "منعناه"، وفي المطبوع: "منعناها هنا". (¬2) يشير المصنِّف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب سكر الأنهار، 5/ 34/ رقم 2359، 2360، وكتاب التفسير، باب {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}، 8/ 254/ رقم 4585)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الفضائل، باب وجوب اتباعه -صلى اللَّه عليه وسلم-، 4/ 1829 - 1830/ رقم 2357)، والترمذي في "جامعه" (أبواب الأحكام، باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء، 3/ 644/ رقم 1363، وأبواب التفسير، باب ومن سورة النساء، 5/ 238 - 239/ رقم 3027)، والنسائي في "الكبرى" (كتاب التفسير، 1/ 391/ رقم 130)، و"المجتبى" (كتاب آداب القضاة، باب إشارة الحاكم بالرفق، 8/ 245)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الأقضية، أبواب من القضاء، 3/ 315 - / 316 رقم 3736، والمقدمة، باب تعظيم حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والتغليط على من عارضه، 1/ 7 - 8/ رقم 15، وكتاب الرهون، باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء، 2/ 829/ رقم 2480)، ويحيى بن آدم في "الخراج" (رقم 337)، وغيرهم، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه عنهما: أنه حدثه: "أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في شِراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء =

- (ومنها): إذا انهدم السقف الذي بين سفل أحدهما وعلو الآخر؛ فذكر الأصحاب في الإِجبار الروايتين، والمنصوص ها هنا أنه إن انكسر خشبه؛ فبناؤه (¬1) بينهما [لأن] (¬2) المنفعة لهما جميعًا، وظاهره الإِجبار، وإن انهدم السقف والحيطان؛ لم يجبر صاحب العلو على بناء الحيطان؛ لأنها خاص ملك صاحب السفل، ولكنه يجبر على أن يبني معه السقف، فإن لم يفعل؛ أشهد عليه ومنعه من الانتفاع به حتى يعطيه حقه، ويجبر صاحب السفل على بنائه؛ لأنه سترة له. نقل ذلك عنه أبو طالب. ونقل عنه ابن الحكم: أن صاحب السفل لا يجبر على البناء لأجل صاحب العلو، لكن صاحب العلو له أن يبني الحيطان ويسقف عليها ويمنع صاحب السفل من الانتفاع به حتى يعطيه [حقه] (¬3) ما بني به السفل، ¬

_ = يمر. فأبى عليه، فاختصما عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للزبير: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمَّتك. فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجذر. فقال الزبير: واللَّه؛ إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]. قال محمد بن العباس: قال أبو عبد اللَّه -أي: البخاري-: "ليس أحد يذكر عروة عن عبد اللَّه إلا الليث فقط". والشِّراج: جمع شَرْجة؛ بفتح، فسكون، وهي مسيل الماء من الحرَّة إلى السهل. والحرَّة: أرض ذات حجارة سود، وهي هنا اسم لمكان خاص قرب المدينة. (¬1) في المطبوع: "فيه فبناؤهما". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ويكون لهما جميعًا. وهذا يحتمل أنه أراد [أن] (¬1) يعطيه ما بنى به الحيطان [كله] (2)؛ فيصير البيت [لهما] (¬2)؛ كما كان لأحدهما سفله وللآخر علوه، وهو ظاهر كلامه. ويحتمل [أنه] (¬3) يعطيه نصف قيمة بناء السفل، وتكون الحيطان مشتركة بينهما، ولذلك حكى الأصحاب روايتين في مشاركة صاحب العلو لصاحب السفل في بناء الحيطان؛ حتى أخذ القاضي منها رواية بعدم الإِجبار في الحائط المشترك، وهو بعيد؛ لأن هذا المعنى لو كان صحيحًا؛ لكان الاشتراك حادثًا بعد البناء، فلا يلحق به الملك المشترك قبل البناء. وحكى القاضي في "خلافه" في إجبار صاحب السفل على بناء حائطه لحق صاحب العلو ثلاث روايات: إحداها (¬4): إجباره منفردًا بنفقته، وأخذها من رواية أبي طالب، وفيه نظر؛ لأن أحمد علل بأنه سترة له؛ فعلم أن إجباره لحق جاره لا لحق صاحب العلو، لكن (¬5) يقال: إن تضرر صاحب العلو بترك بناء السفل أشد من تضرر الجار بترك السترة؛ لأن هذا يمنعه حقه بالكلية، بخلاف ترك السترة، وهذه الرواية هي المذهب عند ابن أبي موسى. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع و (ج): "أن". (¬4) في المطبوع و (ج): "أحدها"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع: "ولكن".

والثانية: يجبر على الإِنفاق (¬1) على وجه الاشتراك، نقلها يعقوب بن بختان؛ فقال: يشتركون على السفل، وهو مروي عن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه (¬2). [و] (¬3) الثالثة: لا يجبر، وهي رواية ابن الحكم. وحكى في "المجرد" [في] (¬4) إجبار كل منهما على أن يبني مع الآخر الحيطان [على روايتين] (¬5)، وكذا في الإِجبار على بناء السقف الذي يختص بملك صاحب العلو، وحاصل هذا يرجع إلى أنه هل يلزم الإنسان بناء ملكه الخاص به إذا كان انتفاع غيره به مستحقًّا كما بلزمه دفع الضرر عنه ببناء السترة؟ وهل يلزم الشريك في الانتفاع البناء مع المالك كالشريك في الملك؟ وعلى هذا يخرج إذا كان له على حائط جار له يحاذيه ساباط بحق، فانهدم الحائط؛ هل يجبر المالك على بنائه؟ وظاهر (¬6) كلام القاضي في "خلافه" إجباره أن يبنيه منفردًا به بغير خلاف، ولعل هذا فيما إذا كان بحق معاوضة، ومثله ذكر ابن عقيل في "فنونه" في من له حق إجراء مائه على سطح غيره، فعاب السطح، ولو ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الاتفاق"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) أثر أبي الدرداء لم أظفر به. (¬3) و (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في نسخ المطبوع: "روايتان"، وفي (ب) و (ج): "روايتين". (¬6) في (ب): "فظاهر".

بجريان مائه عليه؛ لم يلزم صاحب الماء المشاركة في الإِصلاح، وكذا لو كان [ماء تلك] (¬1) الدار يجري إلى بئر بحق، فعابت البئر؛ لم يلزم صاحب الماء المشاركة في إصلاحها، وتخريج (¬2) ذلك كله على الخلاف في السفل الذي علوه لمالك [وأسفله لمالك] (¬3) آخر [متوجه] (¬4)، ويرجع إلى أن الشركة في الانتفاع هل هي كالشركة في الملك؟ - (ومنها): القناة المشتركة إذا تهدمت، ونص (¬5) أحمد على الإِجبار على العمارة كما سبق، ولم يذكر ابن أبي موسى فيه خلافًا، وإنما ذكر الروايتين في الحائط، والفرق أن الحائط يمكن قسمته، بخلاف القناة والبئر. وطرد القاضي والأكثرون فيه الروايتين، وإذا لم نَقُلْ بالإِجبار فعمَّر أحدَهما؛ لم يكن له منع الآخر من الماء، ذكره القاضي في "المجرد" وابن عقيل [وصاحبا] (¬6) "التلخيص" و"المغني" (¬7)؛ لأن الماء باقٍ على ما كان ¬

_ (¬1) في (ب): "مالك"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع و (ج): "ويخرج". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب)، وأثبتها ناسخ (ج) في الهامش. (¬4) في المطبوع: "يتوجه". (¬5) في المطبوع ونسخة (ب): "نص" من غير واو. (¬6) كذا في (أ)، وفي (ج): "وصاحب" التلخيص" وصاحب "المغني""، وفي المطبوع: "وصاحب "التلخيص" و"المغني"". (¬7) قال في "المغني" (4/ 332/ 3547): "وأما البئر والنهر؛ فلكل واحد منهما الإنفاق عليه، وإذا أنفق عليه؛ لم يكن له منع الآخر من نصيبه من الماء؛ لأن الماء ينبع =

عليه من الملك أو (¬1) الإِباحة، وإنما أزال الضرر عن طريقه، ولا يقع [الاستعمال على تلك] (¬2) الآلات المعمور بها. وفي "الخلاف الكبير" و"التمام" (¬3) لأبي الحسين: له المنع من الانتفاع بالقناة، ويشهد له نص [أحمد] (¬4) بالمنع من سكنى السفل إذا بناه صاحب العلو ومنع الشريك من الانتفاع بالحائط إذا أعيد بآلاته العتيقة؛ لأن ذلك كله انتفاع بما بذل فيه الشريك [من] (¬5) ماله؛ فيمنع منه بغير إذنه، [ولأن إنفاقه على نفسه وشريكه جائز؛ فيستحق الرجوع [عليه] (¬6)، ولا يكون [به] (¬7) متبرعًا] (¬8). - (ومنها): إن ما يقبل القسمة من الأعيان إذا طلب أحد الشريكين قسمته أجبر الآخر عليها وعلى التزام كلفها ومؤنها لتكميل نفع الشريك، ¬

_ = من ملكيهما، وإنما آثر أحدهما في نقل الطين منه، وليس له فيه عين مال؛ فأشبه الحائط إذا بناه بآلته. . . ". (¬1) في المطبوع و (ب): "و". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الاشتغال على ملك"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) قال في "كتاب التمام" (2/ 37/ 241): ". . . فإن امتنع أحدهم من الإِنفاق وأنفق الآخر؛ كان له أن يمنع شريكه من الانتفاع حتى يعطيه نصف قيمة البناء". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عليه"، وفي (ج): " أحمد عليه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) ما بين المعقوفتين كله مضروب عليه في (أ).

فأما ما لا يقبل القسمة؛ فإنه يجبر أحدهما على بيعه إذا طلب الآخر بيعه، نص أحمد على ذلك في "رواية الميموني"؛ قال (¬1): إذا اختلفوا في القسمة؛ فليس للمضار شيء، إذا كان يدخله نقصان ثمنه؛ بيع وأعطوا الثمن. وكذا نقل حنبل عن أحمد أنه قال: كل قسمة [يكون فيها] (¬2) ضرر لا أرى أن يقسم، مثل عبد بين رجلين، وأرض في قسمتها ضرر، ويقال لصاحبها: إما أن تشتري وإما أن تتركه إذا كان ضررًا (¬3). وصرح بذلك ابن أبي موسى والقاضي والحلواني والشيرازي وابن عقيل والسامري وصاحب "الترغيب"، وصرح بمثله في إجارة العين إذا لم يتفقا على المهايأة أو تشاحا، وكذلك قال القاضي في "خلافه" وأبو الخطاب في "انتصاره"، وكثير منهم صرحوا بأنه يباع عند طلب القسمة وإن لم يطلب البيع، ولهذا مأخذان: أحدهما: أنه إذا تعذر قسمة العين عدل إلى قسمة بدلها وهو القيمة، وهذا مأخذ من قال: يباع بمجرد طلب القسمة، وهو ظاهر كلام أحمد. والثاني: أن حق الشريك في نصف القيمة مثلًا لا في قيمة النصف، فلو باع نصيبه مفردًا؛ لنقص حقه، ويدل على أن حقه في نصف القيمة أن الشرع أمر في السراية أن يقوم العبد كله ثم يعطى الشركاء قيمة حصصهم. وقد نص الأصحاب على أن للولي بيع التركة على الصغار والكبار إذا كان في تبعيضها ضرر واحتيج إلى البيع، وما دل عليه كلام بعضهم من ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فقال". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "منها". (¬3) في (ج): "إذا كان فيه ضررًا".

امتناع البيع على الكبار في غير هذه الصورة قد يكون بناءً على أن ضرر النقص (¬1) ليس بمانع من قسمة الإجبار؛ كقول الخرقي (¬2)، وإنما المانع منها أن لا ينتفع بالمقسوم؛ فحينئذ يكون عدم الإجبار على البيع في حالة نقص القيمة مبنيًا على أن القسمة ممكنة، ومع الإجبار عليها (¬3) لا يقع الإجبار على البيع. ثم وجدت في "مسائل ابن منصور" (¬4) عن أحمد في عبد بين رجلين أراد أحدهما أن يبيع وأبى الآخر؛ قال أحمد: يبيع كل [واحد] (¬5) منهما حصته، وهذا يدل على أنه لا إجبار على البيع مع الشريك، وهذا كله في [الملك] (5) المشاع المشترك، فأما المتميز كمن في أرضه غرس لغيره أو في ثوبه صبغ لغيره إذا طلب أحدهما أن يبيع الآخر معه؛ ففي إجباره وجهان، أوردهما صاحب "المحرر" (¬6) في غراس المستعير؛ لأنه يستدام ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ما نقص". (¬2) انظر: "المغني" (4/ 168/ 3146). (¬3) قال الزركشي في "شرحه على محتصر الخرقي" (7/ 295): "تنبيه: حيث توقّفت القسمة على التراضي؛ فهي بيع بلا ريب، وحيث لم تتوقف عليه، بل يجبر الممتنع عليها؛ فهي إفراز على المذهب المشهور المختار لعامة الأصحاب؛ لأنها تنفرد عن البيع باسم وحكم، فلم تكن بيعًا كسائر العقود، يحقق ذلك دخول الإجبار فيها مطلقًا، وليس لنا نوع من البيع كذلك". وانظر: "الكافى" (3/ 472)، و"المحرر" (2/ 215)، و"الفروع" (6/ 511)، و"المقنع" (3/ 645). (¬4) انظر: "مسائل ابن منصور" (363/ 254). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) انظر: "المحرر" (1/ 360).

في الأرض؛ فلا يتخلص أحدهما من صاحبه بدون البيع، بخلاف غرس الغاصب؛ فإنه يتخلص منه بالقلع. وأما الصبغ (¬1)؛ ففي "المغني" (¬2) وغيره في صبغ (¬3) الغاصب إن طلب مالك الثوب أن يبيع معه لزمه، وفي العكس وجهان، وجزم القاضي في "خلافه" بالإجبار على البيع بطلب الغاصب. وأما صبغ المشتري إذا أفلس وأخذ البائع ثوبه وطلب أحدهما البيع؛ أجبر الآخر عليه، وهذا لأن الصبغ يستدام في الثوب؛ فلا يتخلص من الشركة فيه بدون البيع، وإنما فرقنا بين طلب الغاصب وغيره على وجه؛ لئلا يتسلط الغاصب بعدوانه على إخراج ملك غيره عنه قهرًا. - (ومنها): قسمة المنافع بالمهايأة؛ هل تجب الإجابة إليها أم لا؟ المشهور عدم الوجوب، ولم يذكر القاضي وأصحابه في المذهب سواه، وفرقوا بين المهايأة والقسمة بأن القسمة إفراز أحد الملكين من الآخر، والمهايأة معاوضة حيث كانت استيفاء للمنفعة بمثلها (¬4) في زمن آخر، وفيها تأخير (¬5) أحدهما عن استيفاء حقه؛ فلا يلزم (¬6)، بخلاف قسمة الأعيان. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فأما البيع". (¬2) "المغني" (5/ 141/ 3935). (¬3) في المطبوع: "بيع". (¬4) في المطبوع: "من مثلها". (¬5) في (ج): "وفيها إذا خير". (¬6) في (ج): "فلا تلزم".

ونص أحمد في رواية صالح وحنبل وأبي طالب في العبد المشترك إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه (¬1) أو كاتبه؛ فإنه يكون يومًا لنفسه ويومًا لسيده [الباقي] (¬2)، وتأوله القاضي على التراضي، وهو بعيد. وحكى أبو بكر في "التنبيه" فيه روايتين: إحداهما: يكون يومًا لنفسه ويومًا لسيده. والأخرى (¬3): أن كسبه بينهما، وهذا يدل على وقوع المهايأة حكمًا من غير طلب. وفي المسألة وجه آخر: أنه تجب المهايأة بالمكان دون الزمان؛ لانتفاء تأخر (¬4) استيفاء أحدهما لحقه (¬5) في المهايأة بالأمكنة، فهو كقسمة الأعيان، واختاره صاحب "المحرر" (¬6). وعلى القول بانتفاء الوجوب مطلقًا؛ فيجوز بالتراضي، وهل تقع ¬

_ (¬1) في المطبوع: "نصفه". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). وفي "مسائل صالح" (2/ 72 - 73/ 620): "قلت: عبد بين نفسين أعتق أحدهما نصيبه؟ قال (أي: أحمد): قد عتق نصفه، وإن كان للمعنق بقدر نصف قيمة العبد عتق في ماله، ويؤديه إلى الذي لم يعتق، وإن لم يكن في ماله، كان للعبد يوم وللرجل يوم" اهـ. وانظر رواية نحوها في: "مسائل عبد اللَّه" (395/ 1427). (¬3) في (أ): "والآخر"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) فى (ج): "تأخير". (¬5) في (ب) و (ج): "بحقه". (¬6) "المحرر" (2/ 9).

لازمة إذا كانت مدتها معلومة أو جائزة؟ على وجهين، والمجزوم في "الترغيب" الجواز، واختار صاحب "المحرر" (¬1) اللزوم. وعلى القول بالجواز لو رجع أحدهما قبل استيفاء نوبته؛ فله ذلك، وإن رجع بعد الاستيفاء؛ غرم ما انفرد به؛ [ولو استوفى أحدهما نوبته] (¬2)، وقال الشيخ تقي الدين (¬3): لا ينفسخ (¬4) حتى ينقضي الدور ويستوفي كل [واحد] (¬5) منهما حقه منه. ويمكن أن يؤخذ ذلك من مسألة القسم، وهي أن من له زوجتان، فقسم لإحداهما ثم أراد أن يطلق الأخرى؛ لم يجز له حتى يوفيها حقها من القسم لئلا يفوت حقها بالطلاق، ولا يقال: هذه القسمة لازمة، بخلاف المهايأة؛ لأنها إنما لزمت لأجل المساواة بين الزوجتين (¬6)، ولهذا قال القاضي ومن اتبعه: إن قسم الابتداء ليس بواجب، ولو استوفى أحدهما نوبته ثم تلفت المنافع في مدة الآخر قبل تمكنه من القبض؛ فأفتى الشيخ تقي الدين (¬7) رحمه اللَّه بأنه يرجع على الأول ببدل حصته من تلك المدة التي استوفاها ما لم يكن قد رضي بمنفعة الزمن ¬

_ (¬1) " المحرر" (1/ 348). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬3) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 350) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه. (¬4) في (ب) -وهو الموافق لما في "الاختيارات الفقهية"-: "لا يفسخ"، وفي (ج): "لا تنفسخ". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬6) في المطبوع: "الزوجية". (¬7) انظر نص كلامه في: "الاختيارات الفقهية" (ص 350).

المتأخر على أي حال كان جعلًا للتالف قبل القبض كالتالف في الإِجارة. قال: وسواء قلنا: القسمة إفراز أو بيع؛ فإن المعادلة معتبرة فيها على القولين، ولهذا ثبت فيها خيار العيب والتدليس. انتهى. وهذا على القول بالجواز ظاهر، والكن الشيخ يرجح (¬1) اللزوم؛ فيتخرج (¬2) في الرجوع حينئذ وجهان بناءً على الروايتين فيما إذا تقاسم الشريكان الدين في ذمم الغرماء، ثم تلف أحدهما قبل القبض؛ هل يستحق صاحبه الرجوع على الآخر فيما قبضه أم لا؟ على روايتين، نقلهما معًا ابن منصور في "مسائله" (¬3) عن أحمد، ورواية الرجوع حملها الأصحاب على أن القسمة لم تصح، لكن المراد (¬4) بقولهم لم تصح أنها غير لازمة [لا أن] (¬5) القبض بها محرم باطل، ولهذا قالوا: لو قبض شيئًا بإذن شريكه؛ لانفرد (¬6) به على الصحيح؛ فتكون حينئذ شبيهة (¬7) بالمهايأة. - (ومنها): الزرع والشجر المشترك إذا طلب أحد الشريكين سقيه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "رجح"، وانظر: المرجع السابق. (¬2) كذا في (ب)، وفي (أ): "فيخرج"، وفي (ج): "يتخرج"، وفي المطبوع: "ويتخرج". (¬3) انظر: "مسائل ابن منصور" (405/ 326). (¬4) في (أ): "مراهم". (¬5) كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) والمطبوع: "لأن". (¬6) في (أ): "لا يفرد". (¬7) في (أ) والمطبوع: "فيكون حينئذٍ شبهه".

وهو محتاج إلى ذلك؛ أجبر الآخر عليه، ذكره القاضي وحكاه عن أبي بكر فيما إذا أوصى لأحدهما بزرع وللآخر بتبنه، وأخذه (¬1) من مسألة الجدار، وهو أولى بالوجوب؛ لأن السقي من باب حفظ الأصل وإبقائه؛ فهو كدعامة السقف إذا انكسر بعض خشبه والحائط المائل، وذلك أولى بالوجوب من بناء الساقط؛ لأن إعادة الحائط بعد زواله شبيه بإحداث المنفعة، لكن لما كان ردًّا له إلى ما كان عليه؛ ألحق بالاستيفاء (¬2)، وألحق الشيخ تقي الدين (¬3) بهذا كل ما فيه حفظ الأصل إذا احتيج إليه؛ مثل الحارس والناظر والدليل على الطريق والرشوة التي يحتاج إليها لدفع الظلم عن المال. وذكر القاضي أيضًا فيمن اشترى شجرًا وعليه ثمر للبائع: أن أحدهما إذا طلب السقي لحاجة ملكه إليه؛ أجبر الآخر على التمكين لدخوله على ذلك، وتكون الأجرة على الطالب لاختصاصه بالطلب دون صاحبه، وهذا يشمل ما إذا كان نفع السقي راجعًا إليهما، وعلل ذلك في "المغني" (¬4) بأن السقي لحاجته، وظاهره اختصاصه بحالة عدم حاجة الآخر؛ فإن النفع إذا كان لهما؛ [كانت المؤنة] (¬5) عليهما كبناء الجدار، وإن عطش الأصل وخيف عليه الضرر [بترك الثمر عليه] (¬6)؛ ففي الإجبار على القطع ¬

_ (¬1) كذ افي (أ) والمطبوع، وفي (ب): "فأخذه"، وفي (ج): "وأخذناه". (¬2) في المطبوع: "باستيفاء المنفعة". (¬3) في "الاختيارات الفقهية" (ص 350). (¬4) انظر: "المغني" (4/ 66/ 2884). (¬5) في المطبوع: "فالمؤونة". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

[والتبقية] (¬1) وجهان، ذكرهما في "المغني" (¬2)، وعلل الإِجبار (¬3) بأن الضرر لاحق بالثمر (¬4) لا محالة مع القطع والتبقية، والأصل ينحفظ بالقطع؛ فمراعاته أولى. وذكر القاضي وابن عقيل فيما لو (¬5) وصى بثمر شجر لرجل وبرقبته (¬6) لآخر: أنه لا يجبر أحدهما على السقي؛ لأن أحدهما لم يدخل على حفظ مال الآخر، بخلاف الثمر المشترى في رؤوس النخل، وهذا في سقي أحدهما بخالص (¬7) حق الآخر، بخلاف (¬8) ما [سبق] (¬9) في الوصية بالزرع والتبن (¬10). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬2) في "المغني" (4/ 66 - 67/ 2884) فرًق الموفق ابن قدامة رحمه اللَّه بين إذا ما كان الضرر يسيرًا أو كثيرًا، فقال في الصورة الأولى: "لم يجبر على قطعها؛ لأنها مستحقة للبقاء، فلم يجبر على إزالتها لدفع ضرر يسير عن غيره"، وقال في الصورة الثانية: "وإن كان كثيرًا، فخيف على الأصول الجفاف أو نقص حملها؛ ففيه وجهان: أحدهما: لا يجبر أيضًا لذلك. الثاني: يجبر على القطع؛ لأن الضرر يلحقها، وإن لم تقطع الأصول تسلم بالقطع؛ فكان القطع أولى. وللشافعي قولان كالوجهين" اهـ. (¬3) في المطبوع: "للإجبار". (¬4) في المطبوع: "للثمن"، وفي (ج): "للثمر"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في (ج): "فيما إذا". (¬6) في (أ): "ورقبته". (¬7) في (ج): "لخالص". (¬8) في (ج): "يخالف". (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وانظر الهامش الآتي. (¬10) بعدها في (أ): "كما سبق".

77 - القاعدة السابعة والسبعون من اتصل [بملكه ملك] غيره متميزا عنه وهو تابع له

(القاعدة السابعة والسبعون) من اتصل [بملكه ملك] (¬1) غيره متميزًا عنه وهو تابع له، ولم يمكن فصله منه بدون ضرر يلحقه، وفي إبقائه على الشركة ضرر، ولم يفصله مالكه؛ فلمالك الأصل أن يتملكه بالقيمة من مالكه، ويجبر المالك على القبول، وإن كان يمكن فصله بدون ضرر يلحق مالك الأصل، فالمشهور أنه ليس له تملكه قهرًا لزوال ضرره بالفصل. ويتخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة: - (منها): غراس المستأجر وبناؤه بعد انقضاء المدة إذا لم يقلعه (¬2) المالك؛ فللمؤجر تملكه بالقيمة (¬3) لأنه لا يملك قلعه بدون ضمان نقصه، وفيه ضرر عليه، ذكر ذلك القاضي وابن عقيل والأكثرون، ولم يشترط أبو الخطاب أن لا يقلعه المالك؛ فلعله جعل الخيرة لمالك الأرض دون مالك الغراس والبناء. - (ومنها): غراس المستعير وبناؤه إذا رجع المعير أو انقضت مدة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ملكه بملك". (¬2) في (أ): "ينقله". (¬3) في (أ): "بدون".

الإعارة، وقلنا: يلزم (¬1) بالتوقيت؛ فالمنصوص عن أحمد أنه يتملك بالقيمة، نقله عنه مهنا وابن منصور (¬2)، وكذلك نقل عنه جعفر بن محمد، لكن قال في روايته (¬3): يتملك بالنفقة ولمالكه القلع ابتداءً بغير خلاف، ولا يجبر عليه إذا كان فيه ضرر، وإن لم يكن فيه ضرر؛ فتردد فيه كلام الأصحاب، وظاهر كلام أحمد أنه لا يقلع بدون شرط. - (ومنها): غراس المشتري في الأرض المشفوعة وبناؤه حيث يتصور [وصورته فيما إذا قاسمه الشقص المشفوع لإظهاره له زيادة في الثمن ونحو] (¬4) ذلك إذا انتزع الشفيع؛ فإنه يأخذه مع الأرض بقيمته، نص عليه، ولمالكه أن يقلعه أيضًا، ولا يجبر عليه إلا أن يضمن له النقص. - (ومنها): غراس المفلس وبناؤه إذا رجع بائع (¬5) الأرض [فيها] (¬6)؛ فللمفلس والغرماء القلع، فإن أَبَوْهُ وطلب البائع التملك بالقيمة ملكه، وكذلك (¬7) إذا طلب القلع مضمونًا. - (ومنها): إذا أصدقها أرضًا، فغرست فيها أو بنت، ثم طلقها قبل ¬

_ (¬1) في (ب): "تلزم". (¬2) في "مسائل ابن منصور" (498/ 473) قال أحمد: ". . . له قيمة بنائه الا أن يكون شرط عليه أن يقلع" اهـ. (¬3) في المطبوع و (ج): "رواية". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج)، وأثبته ناسخ (ب) في الهامش. (¬5) في المطبوع: "صاحب". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في (ج): "وكذا".

الدخول، فطلب الرجوع في نصفها وبذل نصف قيمة الغراس والبناء؛ قال الخرقي: يجبر على القبول (¬1)، وقال القاضي: يسقط حقه إلى القيمة (¬2)؛ فليست المسألة على قوله (¬3) مما نحن فيه. فإن قيل: هذه المسألة والتي قبلها يتملك فيهما الغراس والبناء مع الأرض؛ فلا يكون (¬4) من صور مسائل القاعدة. قيل: بل هما منها؛ فإن الشفيع إنما استحق انتزاع بناء المشتري وغراسه لأنه أحدثه في حاك تعلق حقه به؛ فكأنه [قد] (¬5) أحدثه في ملكه، وكذلك الزوجة؛ لأنها قبل الدخول لم يستقر لها الملك على النصف لتعرضه لعوده إلى الزوج باختياره تارة وبغيره أخرى، وفي انتقال ملك النصف إليها خلاف مشهور؛ فكذلك استحق (¬6) الزوج تملكه. - (ومنها): القابض بعقد فاسد من المالك إذا غرس وبنى؛ فللمالك تملكه بالقيمة، كغراس المستعير، ولا يقلع إلا مضمونًا لاستناده (¬7) إلى الإذن، ذكره القاضي وابن عقيل. ¬

_ (¬1) نحوه في مسألة "ما إذا أصدقها عبدًا صغيرًا، فكبر، ثم طلقها قبل الدخول"؛ راجعها في "المغني" (7/ 173/ 5583). (¬2) هنا كتب في هامش (ب): "يعني: قيمة نصف الأرض، ويسقط حقه فيها". (¬3) فى المطبوع و (ج): "على قوله؛ فليست المسألة" كذا بتقديم وتأخير. (¬4) ما بين المطبوع: "يكونان". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في المطبوع: "يستحق". (¬7) في المطبوع: "بالإسناد".

- (ومنها): غرس المشتري من الغاصب إذا لم يعلم بالحال، والمنصوص عن أحمد أنه يتملك بالقيمة ولا يقلع مجانًا، نقله عنه حرب ويعقوب بن بختان في رجل باع أرضًا من رجل فعمل فيها وغرس ثم استحقها آخر، قال: يرد عليه قيمة الغراس أو نفقته، ليس هذا مثل من غرس في أرض غيره. وكذلك نقل محمد بن أبي حرب (¬1) الجَرْجَرَائِيُّ (¬2) عن أحمد فيمن اشترى أرضًا فغرس فيها وعمل ثم استحقها آخر: أنه يرد عليه قيمة الغراس يوم يستحق، ليس هذا مثل الغرس (¬3) في أرض غيره فيقلع غرسه. وحمل القاضي هذه النصوص على أن له القيمة على من غره (¬4)؛ كما في المغرور (¬5) بنكاح أمة؛ قال: فأما المستحق للأرض (¬6)؛ فلا ضمان عليه لأنه لم يحصل منه إذن في ذلك. وهذا مخالف لمدلول هذه النصوص على ما لا يخفى، وكونه لم يحصل منه إذن لا ينفي كون الغراس محترمًا (¬7)، كما نقول فيمن حمل ¬

_ (¬1) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفى المطبوع: "نقل عنه محمد بن أبي حرب"، وسقط من (أ) و (ب) كلمة "أبي". (¬2) في المطبوع و (ج): "الجرجاني". (¬3) في المطبوع: "الغراس". (¬4) في المطبوع و (أ): "غيره"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع: "الغرور"، والصواب ما أثبتناه. (¬6) في المطبوع و (ج): "الأرض". (¬7) في المطبوع و (ج): "محرَّمًا".

السيل إلى أرضه نوًى، فنبت شجرًا: إنه كغراس المستعير على أصح الوجهين، لا يقلع مجانًا؛ لعدم التعدي في غرسه، وهو اختياره (أعني: القاضي)، وأقرها القاضي (¬1) في موضع [آخر] (¬2) من "خلافه" رواية، وكذلك صاحب "المحرر" (¬3). ولكن الذي ذكره ابن أبي موسى والقاضي في "المجرد" وتبعه عليه المتأخرون: أن للمالك قلعه مجانًا، ويرجع المشتري بالنقص على من غره. والصحيح الأول، ولا يثبت عن أحمد سواه، وهو قول الليث ومالك وأبي عبيد، وبه قضى عمر بن الخطاب (¬5) وعمر بن عبد العزيز (¬4) رضي اللَّه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الباقي"، وهو خطأ. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 360). (¬4) أخرج أبو عبيد في "الأموال" (367) -ومن طريقه ابن زنجويه في "الأموال" (2/ 646) أيضًا بإسنادٍ حسن عن سليمان بن داود الخولاني: "أن عمر بن عبد العزيز كان يقضي في الرجل إذا أخذ الأرض فعمرها وأصلها ثم جاء صاحبها يطلبها: أنه يقول لصاحب الأرض: ادفع لهذا ما أصلح فيها؛ فإنما عمل لك، فإن قال: لا أقدر على ذلك؛ قال للآخر: ادفع إليه ثمن أرضه". (¬5) يشير المصنف إلى ما أخرجه أبو عبيد في "الأموال" (366) -ومن طريقه ابن زنجويه في "الأموال" (2/ 643 - 644/ رقم 1061) -، ويحيى بن آدم في "الخراج" (86)، وأبو يوسف في "الخراج" (61)؛ عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن شعيب -وزاد أبو يوسف: عن أبيه-: "أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقطع أقوامًا أرضًا، فجاء آخرون في زمن عمر فأحيوها، فقال لهم عمر حين فزعوا اليه: تركتموهم يعملون ويأكلون ثم تغيرون عليهم، لولا أنها قطيعة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أعطيتكم شيئًا، ثم قومها عامرة، وقومها غامرة، =

عنهما؛ لكن عمر بن الخطاب خير صاحب الأرض بين أن يعطي الغارس قيمة غرسه وبين أن يدفع الغارس إليه قيمة أرضه، وكذلك قضى عمر بن عبد العزيز؛ لكنه إنما قضى بدفع قيمة الأرض إلى المالك عند عجزه عن دفع (¬1) قيمة الغراس. ¬

_ = ثم قال لأهل الأصل: إن شئتم فردوا عليهم ما بين ذلك، وخذوا أرضكم، وإن شئتم ردوا عليكم ثمن أديم الأرض، ثم هي لهم. قال معمر: ولم أعلم أنهم علموا أنها لقوم حبن عمروها". وإسناده ضعيف، وهو مرسل، وابن أبي نجيح مدلس، وقد عنعن. وأخرج ابن زنجويه في "الأموال" (2/ 645/ رقم 1063): ثنا محمد بن يوسف، أنا سفيان، عن رجل، عن مجاهد: "أنَّ قومًا انتزعوا على أرضٍ قوم، فغرسوها نخلًا، فاختصموا إلى عمر؛ فقال لأصحاب الأرض: ادفعوا إليهم قيمة نخلهم، فإن أبيتم؛ أخذوا الأرض بالقيمة". وهذا إسناد ضعيف لرجلٍ مبهمٍ، وهو منقطع، مجاهد لم يسمع من عمر. نعم، سمى يحيى بن آدم في "الخراج" (91) اسم المبهم، فقال: حدثنا أبو حماد، عن سفيان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد نحوه. ولكن شيخه أبو حماد هو المفضل بن صدقة الكوفي، ضعيف، وقال النسائى عنه: "متروك"؛ فالإسناد ضعيف مع انقطاعه. وأخرجه أبو عبيد في "الأموال" (366) -ومن طريقه ابن زنجويه في "الأموال" (2/ 645/ رقم 1064): أنا ابن أبي مريم، عن مالك بن أنس، عن حميد الأعرج، وغير مالك يقول عن مجاهد: "أن رجلًا أحيا أرضًا مواتًا، فغرس فيها وعمّر، فأقام رجُلٌ البينة أنها له، فاختصما إلى عمر بن الخطاب؛ فقال لصاحب الأرض: إن شئت قوّمنا عليك ما أحدث هذا فأعطينه إياه، وإن شئت أن يعطيك قيمة أرضك أعطاك". (¬1) في المطبوع: "رفع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

وقد ذكر هذه الآثار أبو عبيد [القاسم بن سلام] (¬1) في كتاب "الأموال" (¬2) والخلال في (كتاب القرعة) من "الجامع" (¬3). - (ومنها): غراس الغاصب وبناؤه، والمشهور عن أحمد أن للمالك قلعه مجانًا، وعليه الأصحاب، وعنه رواية ثانية: لا يقلع، بل يتملك بالقيمة أيضًا، وممن حكاها القاضي وابن عقيل في "كتاب الروايتين" (¬4) لهما، وخرجاها (¬5) في "خلافيهما" من (مسألة الصبغ)، ونص عليها (¬6) أحمد في "رواية بكر بن محمد عن أبيه" فيمن غصب أرضًا أو دارًا وبنى (¬7) فيها؛ قال: يعجبني أن يغرم البناء ويعطي (¬8)؛ لأنه إن أخذ الغاصب بناءه؛ تضررت (¬9) الأرض في الخراب والهدم، ويكون أيضًا ذهاب مال الغاصب ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬2) انظر: "الأموال" لأبي عبيد (365 - 367). (¬3) طبع قسم منه في مجلدين، وهر ما يخص "أهل الملل والرِّدَّة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض"، بتحقيق إبراهيم حمد السلطان عن دار المعارف سنة (1406 هـ)، وكان قد طبع منه قبل ذلك "أحكام أهل المل" و"الوقوف والترجل" بتحقيق سيد كسروي حسن عن دار الكتب العلمية. (¬4) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" للقاضي أبي يعلى (1/ 418 - 420) (¬5) في (ج): "وخرجاهما". (¬6) في (ج): "عليهما". (¬7) في (ب): "ثم بنى". (¬8) في المطبوع: "ويغطى". (¬9) كذا في (أ)، وفي (ب): "بناءه يضر برب"، وفي المطبوع و (ج): "بناء أضر برب".

في الآجر والجص (¬1) وكل شيء. وفي "مسائل ابن هانئ" (¬2) عن أحمد في رجل اكترى أرضًا يغرس (¬3) فيها أشجارًا واشترط عليه رب الأرض أن لا يغرس فيها غيره فغرس فيها شجرًا (يعني: غير ما اشترطه)، وأثمر الشجر، وأراد أن يقلع الغرس (¬4)؛ قال: لا يقلع الشجر من الأرض، يضر (¬5) بهما جميعًا. وعلى هذه الرواية؛ فلا يقلع إلا مضمونًا؛ كغرس المستعير (¬6) كذلك، حكاها القاضي وابن عقيل؛ فلذلك يملكه (¬7) بالقيمة حيث لم يمكن (¬8) القلع بدون ضرر. - (ومنها): إذا بنى الوارث في الأرض الموصى (¬9) بها؛ قال ابن أبي موسى: إن كان غير عالم بالوصية؛ فهو محترم يتملك بقيمته غير مقلوع وجهًا واحدًا، وإن كان عالمًا بالوصية؛ فكذلك، ويتوجه أن يُقْلَع بناؤه (¬10). ¬

_ (¬1) في (ب): "الجص والآجر"كذا بتقديم وتأخير. (¬2) (2/ 25/ 1281). (¬3) في المطبوع: "فغرس" (¬4) في المطبوع: "الغراس". (¬5) كذا في (ب) و (ج) و"مسائل ابن هانئ"، وفي (ج): "فيضر"، وفي المطبوع: "لئلا يضر". (¬6) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج): "لغرس". (¬7) كذا فى (ب)، وفي المطبوع: "بذلك يملك"، وفي (ج): "فلذلك تملك"، وفي (أ): "فكذلك يملك". (¬8) في المطبوع: "يكن"، والصواب ما أثبتناه. (¬9) في بعض نسخ المطبوع: "الوصي"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬10) في المطبوع و (ج): "بناءه".

ولم يفرق بين ما قبل القبول وبعده؛ فإن ظاهر كلامه أن الوصية تملك بالموت من غير قبول، فإنه ذكر أن من وصَّى (¬1) لمن لا يعرف؛ حملت وصيته إلى الحاكم ليفرقها في أبواب البر، ونص أحمد على ذلك أيضًا، ولكن ما ذكره من أن الوارث إذا بنى وهو عالم بالوصية أن بناءه لا يقلع يَشْكُل على ذلك؛ لأنه يكون كبناء الغاصب، وأما غير العالم؛ فبناؤه كبناء المشتري من الغاصب على ما سبق، والمنصوص عن أحمد في "رواية ابن منصور": أن البناء للورثة ولم يتعرض (¬2) لتملكه عليهم ولا لقعله، وظاهره (¬3) أنه محترم، وذلك يرجع إلى أن الموصى له يملكه من حين القبول، أما إن قيل: يملكه بالموت أو يتبين بقبوله ملكه بالموت؛ فالبناء (¬4) في الأرض مع العلم بالحال تفريط وعدوان. - (ومنها): من كان في أرضه نخلة لغيره، فلحق صاحب الأرض ضرر بدخوله؛ قال أحمد في "رواية حنبل"، ذكر له الحديث الذي ورد في ذلك، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر صاحبها أن يبيع فأبى، فأمره أن يناقل، فأبى، فأمره أن يهب، فأبى؛ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت مضار، اذهب فاقلع نخله" (¬5). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أوصى". (¬2) في (ج): "ولم يعترض"، ولعل الصواب. ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع: "فظاهره". (¬4) في (أ): "بالبناء"، وله وجه. (¬5) أخرجه أبو داود في "السنن" (كتاب الأقضية، أبواب من القضاء، 3/ 315/ رقم 3636) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (9/ 29) -، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 157)؛ من طريق حماد، ثنا واصل مولى أبي عُيينة؛ قال: سمعتُ أبا جعفر =

قال أحمد: كلما كان على هذه الجهة وفيه ضرر يمنع من ذلك، فإن أجاب، وإلا؛ جبره (¬1) السلطان، ولا يضر بأخيه إذا كان ذلك فيه رفق (¬2) له. والحديث المشار إليه أخرجه أبو داود في "السنن"، وأورده الخلال في "الجامع" من وجه آخر، ولا يقال: لم يأمره بضمان النقص؛ فيكون كغرس الغاصب؛ فكيف يتملك لأنا [قد] (¬3) قدمنا الخلاف في غرس الغاصب. وأيضًا؛ فالأمر بالقلع هنا إنما كان عند الإِصرار على المضارة والامتناع من قبول ما يدفع ضرر المالك، ولهذا قال أصحابنا في المستعير إذا امتنع المعير من الضمان مطلقًا، فطلب (¬4) قيمة الغراس والبناء؛ أجيب ¬

_ = محمد بن علي يحدّث عن سَمُرَة بن جُندُب: "أنه كانت له عَضُدٌ من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سَمُرة يدخل إلى نخلةٍ فيتأذَّى به، ويشُقُّ عليه، فطلب إليه أن يبيعه، فأبى. . . " وذكر نحوه. وإسناده ضعيف؛ لأنه منقطع. قال ابن حزم: "هذا منقطع؛ لأنّ محمد بن علي لا سماع له من سَمُرة". ونقله عنه ابن التركماني في "الجوهر النقي"، وأقرَّه. وانظر: "تحفة الأشراف" (4/ 83/ رقم 4633)، و"جامع المسانيد" (5/ 587) لابن كثير. وواصل مولى أبي عيينة، وثقه أحمد وابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/ 588). وانظر: "تهذيب الكمال" (30/ 409 - 410)، والتعليق عليه. (¬1) في (ج): "أجبره". (¬2) في المطبوع: "مرفق". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج)، وفي (ج): "ولأنا". (¬4) في (ب): "وطلب".

إلى ذلك، وإن طلب القلع وضمان النقص؛ لم يجب. - ومن ذلك: إذا اشترى حيوانًا يؤكل واستثنى رأسه أو أطرافه؛ فإنه يصح، وإذا (¬1) امتنع المشتري من الذبح؛ لم يجبر (¬2)، وكان له قيمة المستثنى، نص عليه، ومن ذلك من ملك ثوبًا فصبغه ثم زال عنه ملكه (¬3) بفسخ؛ هل يملك من عاد إليه الملك تملُّك (¬4) الصبغ بالقيمة أم لا؟ قال الأصحاب في بايع المفلس إذا رجع (¬5) إليه الثوب وفيه صبغ: إن له (¬6) تملكه بالقيمة؛ لأنه معد للبيع، ولا بد؛ فيكون البائع أولى به (¬7) لاتصاله بملكه، وأما إن رجع إليه بفسخ لعيب (¬8)؛ فالمشهور أنه لا يملك تملكه قهرًا. وخرج ابن عقيل وجهًا آخر: أنه يتملكه بالقيمة من مسألة الخرقي في الصداق، حيث قال: له تملك الصبغ بقيمته، ونقل حنبل عن أحمد: أن المشتري يرد المعيب (¬9) على البائع ويأخذ منه قيمة الصبغ، وهذا يشعر بإجبار البائع على دفع قيمته. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "فإذا". (¬2) في المطبوع: "يجب". (¬3) في (ب): "ملكه عنه" بتقديم وتأخير. (¬4) كذا في (ب)، وفي (أ): "يملك"، وفي المطبوع: "ويملك". (¬5) في المطبوع. "دفع". (¬6) في (ج): "أنه له". (¬7) في المطبوع و (ج): "منه". (¬8) في المطبوع: "بعيب". (¬9) في المطبوع: "المبيع".

وأما الغاصب إدا صبغ الثوب؛ فهل للمالك تملك الصبغ بقيمته قهرًا أم لا؟ فيه وجهان، واختيار (¬1) القاضي وابن عقيل عدمه، وصحح بعض الأصحاب خلافه؛ لأن المشهور أنه لا يملك قلعه (¬2)، ويملكه على وجه مضمونًا، بخلاف البناء والغراس؛ فلا يتخلص من الضرر بدون ملكه. [فأما] (¬3) الآثار التي يقع بها الشركة، كضرب الحديد مسامير ونجر الخشب أبوابًا؛ فإن كان ذلك من الغاصب؛ فنص أحمد في "رواية ابن الحكم" (¬4) على أن المالك يدفع إليه قيمة الزيادة، ويتملكه عليه، وكذلك (¬5) قال ابن أبي موسى والشيرازي، لكنهما جعلا المردود نفقة العمل دون القيمة. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "واختار". (¬2) وقع في المطبوع بعده: "فيه وجهان، واختار القاضي. . . " إلى: "لا يملك قلعه"، وهو تكرار لا داعي له. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إلى أن قال: وأما". (¬4) في المطبوع: "محمد بن الحكم". (¬5) في المطبوع و (ج): "وكذا".

78 - القاعدة الثامنة والسبعون من أدخل النقص على ملك غيره، لاستصلاح ملكه وتخليصه من ملك غيره

(القاعدة الثامنة والسبعون) من أدخل النقص على ملك غيره، لاستصلاح ملكه وتخليصه (¬1) من ملك غيره، فإن لم يكن (¬2) ممن دخل النقص عليه تفريط (¬3) باشتغال ملكه بملك غيره؛ فالضمان على من أدخل النقص، وإن كان منه تفريط؛ فلا ضمان على من أدخل النقص، وكذا إن وجد ممن دخل النقص عليه إذن في تفريغ ملكه من ملك غيره؛ حيث لا يجبر الآخر على التفريغ، وإن وجد منه إذن في إشغال ملكه بمال غيره، حيث لا يجبر الآخر على التفريغ؛ فوجهان. ويتفرع (¬4) على ذلك مسائل كثيرة: - (منها): لو باع دارًا فيها ناقة لم تخرج من الباب إلا بهدمه؛ فإنه يهدم، ويضمن المشتري (¬5) النقص. - (ومنها): لو اشترى أرضًا فيها زرع للبائع، فحصده، فإن لم يبق ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تملكه وتخلصه". (¬2) في (ج): "يدخل"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع: "بتفريط". (¬4) في المطبوع: "ويفرع". (¬5) في المطبوع و (ج): "للمشتري".

له عروق أو كانت لا تضر؛ فليس عليه نقلها، وإن كانت تضر عروقه بالأرض؛ كالقطن والذرة؛ فعليه النقل وتسوية الحفر، ذكره القاضي وابن عقيل. - (ومنها): لو دخل حيوانُ غيرِهِ دارَهُ وتعذَّر إخراجه بدون هدم بعضها، أو أدخلت بهيمة غيره رأسها في قدره، أو وقع دينار غيره في محبرته وتعذر إخراجه بدون الكسر؛ ولم يكن ذلك بتفريط أحد، فهدمت الدار وكسرت القدر أو المحبرة؛ فالضمان على صاحب الحيوان والدينار. - (منها): لو حمل السيل إلى أرضه غرس غيره، فنبت فيها، فقلعه مالكه؛ فعليه تسوية حفره. - (ومنها): لو اشترى أرضًا فغرسها، ثم أفلس ورجع فيها البائع، واختار المفلس والغرماء القلع؛ فعليهم تسوية الحفر وضمان أرش النقص؛ لأنه نقص حصل بفعلهم (¬1) في ملك البائع لتخليص (¬2) ملكهم منه. - (ومنها): لو غصب فصيلًا وأدخله داره، وكبر وتعذر إخراجه بدون هدمها؛ فإنها تهدم من غير ضمان لتفريطه، وكذلك (¬3) إذا غصب غراسًا وغرسه في أرضه؛ فإنه يقلع ولا يضمن حفره. - (ومنها): لو غصب ثوبًا فصبغه، ثم طلب قلع صبغه، وقلنا (¬4) ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بنعلهم"، وهو خطأ. (¬2) في المطبوع: "ليخلص". (¬3) في (أ): "وكذا". (¬4) في المطبوع: "وقلبا".

يملكه؛ فعليه [ضمان] (¬1) نقص الثوب بذلك، كما لو غرس الأرض التي غصبها ثم قلع غرسه. - (ومنها): لو أعاره أرضًا للغرس (¬2) ثم أخذ غرسه [منها] (¬3)، فإن كان قد شرط عليه القلع؛ فلا يلزمه ضمان النقص بذلك ولا تسوية الحفر؛ لأن المالك رضي بذلك باشتراطه (¬4) له، وإن لم يشترط (¬5) القلع؛ فوجهان: أحدهما: لا يلزمه أيضًا، قاله القاضي وابن عقيل، لأن الإعارة مع العلم بجواز (¬6) القلع رضاء بما ينشأ عنه من الحفر. والثاني: يلزمه ذلك (¬7)، وبه جزم صاحب "الكافي" (¬8)؛ لأنه قلع باختياره، حيث لا يجبر عليه؛ فقد أدخل النقص على ملك غيره لاستصلاح ماله. وعلى هذا، فلو طلب منه المالك القلع وبذل [له] (¬9) أرش النقص؛ فينبغي أن لا يلزمه التسوية؛ لأن القلع بأمر المالك مع أن كلام ابن عقيل ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "للغراس". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في (أ): "فاشتراطه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في (ج): "يشترط"، وفي المطبوع: "يشترط عليه القلع". (¬6) في (ج): "يجوز"، والصواب ما أثبتناه. (¬7) في (أ): "كذلك"، والصواب ما أثبتناه. (¬8) انظر: "الكافي" (2/ 384). (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

وغيره يشعر بخلاف ذلك، فأما الإعارة للزرع إذا كانت (¬1) عروقه النامية (¬2) تضر بالأرض؛ فقد يقال: لا يجب؛ لأن الإذن فيه مع العلم بأنه لا يبقى رضا بما ينشأ من قلعه المعتاد. - (ومنها): إذا أجره أرضًا للغراس وانقضت المدة؛ [فإن] (¬3) كان القلع مشروطًا عند انقضائها؛ فلا ضمان، وإن لم يكن مشروطًا، ففيه الوجهان أيضًا. ولم يحك صاحب "الكافي" (¬4) في الضمان خلافًا، و [كذلك] (¬5) هو ظاهر كلام القاضي في "المجرد"، وعلل بأنه قلع غرسه من أرض غيره التي لا يدله عليها بغير أمره، وجزم صاحب "التلخيص" بعدم الضمان، ولم يذكر فيه خلافًا، وعلل بأن المالك دخل على ذلك. - (ومنها): إذا غرس المشتري في الأرض ثم انتزعها الشفيع، فقلع المشتري غرسه؛ ففيه وجهان: أحدهما: عليه تسوية الحفر وضمان [النقص] (¬6)، وهو ظاهر كلام الخرقي (¬7)؛ لأنه فعله (¬8) في ملك غيره لتخليص ملكه. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "كان". (¬2) في المطبوع: "الثابتة"، وفي (ج): "الباقية". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) انظر: "الكافي" (2/ 384). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) انظر: "المغني" (5/ 128/ 3911). (¬8) في المطبوع: "لأن قلعه".

والثاني: لا يلزمه ذلك، ذكره القاضي، وبه جزم في "الكافي" (¬1) معللًا بانتفاء عدوانه مع أنه جزم في باب العارية بخلافه (¬2)، والقاضي إنما علل (¬3) بأنه [نزع] (¬4) ملك نفسه من ملك نفسه، وهذا إنما يكون إذا قلع قبل تملك الشفيع لا بعده. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الكافي" (2/ 384). (¬2) انظر: "الكافي" أيضًا (2/ 384). (¬3) في المطبوع "عاله"، وهو خطأ. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

79 - القاعدة التاسعة والسبعون الزرع النابت في أرض الغير بغير إذن صحيح أقسام

(القاعدة التاسعة والسبعون) الزرع النابت في أرض الغير بغير إذن صحيح أقسام. القسم الأول: أن يزرع عدوانًا محضًا غير مستند إلى إذن بالكلية، وهو زرع الغاصب؛ فالمذهب أن المالك إن أدركه نباتًا في الأرض؛ له تملكه بنفقته أو بقيمته على اختلاف الروايتين، وإن أدركه قد حصد؛ فلا حق له فيه، ونقل حرب عن أحمد أن له تملكه أيضًا. ووهم أبو حفص العكبري ناقلها، على أن من الأصحاب من رجحها بناءً على أن الزرع نبت (¬1) على ملك مالك الأرض ابتداءً، والمعروف في المذهب خلافه. والمعتمد عند الأصحاب في المسألة هو حديث رافع بن خديج (¬2)، وقد احتج به أحمد تارة، وقال تارة: ما أراه محفوظًا، وذكر فيه حديثًا آخر مرسلًا من مراسيل الحسن بن محمد بن الحنفية، وقال: هو شيء لا يوافق القياس، وفرق بين زرع الغاصب وغرسه؛ حيث يقلع غرسه كما دل ¬

_ (¬1) في (ج): "بنبت". (¬2) سيأتي لفظه وتخريجه قريبًا إن شاء اللَّه تعالى، وكذا كلام الإمام أحمد عليه.

عليه قوله: "ليس لعرق ظالم حق" (¬1) بأن (¬2) الزرع يتلف بالقلع؛ فقلعه فساد، بخلاف الغرس. ¬

_ (¬2) في المطبوع: "فإن". (¬1) ورد عن جمع من الصحابة، ومن عدّة طرق، هم: • سعيد بن زيد. أخرجه أبو داود في "السنن" (كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب إحياء الموات، رقم 3073)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة" (4/ 10)، والترمذي في "الجامع" (أبواب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات، رقم 1378)، والبزار في "المسند" (4/ رقم 1256)، وأبو يعلى في "المسند" (2/ رقم 957)، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 99، 142)، والضياء في "المختارة" (3/ رقم 1096، 1097، 1098)، وابن عبد البر في "التمهيد" (22/ 281) -؛ جميعهم من طربق عبد الوهاب الثقفي، عن أبوب السختياني، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد رفعه بلفظ: "من أحيا أرضًا ميتةً؛ فهي له، وليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ". قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وقال: "وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلًا". قلت: نعم، تفرد به عبد الوهاب الثقفي، ورجاله رجال الصحيح؛ إلا أن جماعة رووه عن هشام عن أبيه مرسلًا. قال البزار عقبه: "وهذا الحديث قد رواه جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلْا، ولا نحفظ أحدًا قال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد؛ إلا عبد الوهاب عن أيوب". قلت: وعبد الوهاب هو الثقفى، ثقة تغيَّر قبل موته بثلاث سنين، وروايته هذه شاذّة. • عروة بن الزبير مرسلًا. أخرجه النسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة" (4/ 10) - من طريق يحيى بن سعيد ويحيى بن آدم في "الخراج" (رقم 267) والبيهقي في "الكبرى" (6/ 142) من طريق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = سفيان بن عيينة، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 74) من طريق وكيع، وابن زنجويه في "الأموال" (رقم 1053) من طريق سفيان الثوري، ويحيى بن آدم في "الخراج" (رقم 266) من طريق قيس بن الربيع، وبرقم (268) من طريق يزيد بن عبد العزيز، وبرقم (272) والبيهقي (6/ 142) من طريق عبد اللَّه بن إدريس، وأبو عبيد في "الأموال" (363) من طريق سعيد بن عبد الرحمن، وأبو عبيد أيضًا من طريق أبي معاوية -محمد بن خازم الضّرير-، ومالك في "الموطأ" (2/ 743 - رواية يحيى، و 295/ رقم 834 - رواية محمد بن الحسن، و 2/ 466/ رقم 2893 - رواية أبي مصعب) -ومن طريقه الشافعي في "الأم" (3/ 268) و"المسند" (382)، وعنه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (4/ 1849)، وفي مطبوعه زيادة: "عن عائشة"، وهو وهم من دون الشافعي، ولذا قال عقبه: "أسنده من عائشة وغيره يرسله"، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 143) و"المعرفة" (9/ 7/ رقم 2171) -؛ جميهم عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلًا باللفظ المذكور. وأخرجه عبد الرزاق -كما في "التمهيد" (22/ 280) و"الاستذكار" (22/ 208) - عن معمر، عن هشام بن عروة؛ قال: "خاصم رجل إلى عمر بن عبد العزيز في أرضٍ حازها، فقال عمر: من أحيا من مَيْتِ الأرض شيئًا؛ فهو له. فقال له عروة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أحيا شيئًا من ميّتِ الأرض؛ فهو له، وليس لعِرْقِ ظالمٍ حقٌّ". وهذا يؤيّد صحة الرواية المرسلة، ويؤكّد ذلك أيضًا ما أخرجه يحيى بن آدم في "الخراج" (رقم 274) والبيهقي (6/ 99) من طريق أبي شهاب، وأبو داود في "السنن" (رقم 307) -ومن طريقه ابن عبد البر في "الاستذكار" (22/ 208/ رقم 32458) و"التمهيد" (22/ 282) - من طريق عبدة، وأبو داود في "السنن" (رقم 3075) والبيهقي (6/ 99 - 100) من أبي وهب، ويحيى بن آدم في "الخراج" (رقم 275) والبيهقي (6/ 99) من طريق عبد الرحيم، وأبو يوسف في "الخراج" (64 - 65)؛ خمستهم عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن أبيه مثله، وفيه زيادة. وأخرجه الدارقطني في "السنن" (3/ 35 - 36)، وابن زنجويه في "الأموال" (2/ 639/ رقم 1054)؛ من طريق يعلى، عن ابن إسحاق، عن يحيى وهشام، معًا به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأفاد ابن عبد البر في "الاستذكار" (22/ 209) أن رواية عروة هذه تقضي على أن من روى هذا الحديث مرسلًا كما رواه مالك أصح من رواية من أسنده، وقال: "ويشهد ذلك أيضًا اختلاف الذين أسندوه في "إسناده". قلت: وفَصَّل الاختلاف فيه على هشام على ألوانٍ وضروبٍ في "التمهيد" (22/ 280)، وكذا الدارقطني في "العلل" (4/ 414 - / 416 رقم 665)، ومما قال: "واختلف فيه على هشام بن عروة؛ فرواه الثوري عن هشام عن أبيه؛ قال: حدثني من لا أتّهم عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتابعه جرير بن عبد الحميد". ثم أسنده الدارقطنى في "العلل" (4/ 416) من طريق سفيان، عن هشام، عن أبيه؛ قال: حدثني من لا أتّهم به. قلت: ورواه مسلم بن خالد الزَّنجي عن هشام بن عروة عن أبيه، وزاد: "عن عبد اللَّه بن عمرو"، رفعه بلفظه، أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 356/ رقم 605)، وقال: "لم يرو هذا الحديث عن هشام عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو إلا مسلم". قلت: وهو صدوق كثير الأوهام. وقال الدارقطني: "ورواه يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-". قلت: والقطعة المذكورة فيه عن عروة مرسلًا، ثم زاد بعده: "عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وعين في بعض الطرق بأبي سعيد الخدري، ومضى تخريجه عن عروة. وقال الدارقطنى: "والمرسل عن عروة أصحّ". وقال قبل ذلك: "وروي عن الزهري عن عروة عن عائشة، قاله سويد بن عبد العزيز عن سيفان بن حسين". قلت: ورواية سفيان بن حسين عن الزهري فيها كثير، وانفرد عنه بأحاديث غلّطها كبار الأئمة والعلماء، انظر لزامًا: "الفروسية" (ص 232 - 235 - بتحقيقي) لابن القيم، وسويد صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقَّن ما ليس من حديثه؛ فأفحش فبه ابن معين القول، كما في "التقريب". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرج هذه الرواية الطبراني في "الأوسط" (5/ 65 - 66/ رقم 4114). وأخرجه الطيالسي في "المسند" (رقم 1440) -ومن طريقه الدارقطني في "السنن" (4/ 217)، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 101)، وابن عبد البر في "التمهيد" (22/ 283) -؛ عن زمعة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رفعتة بلفظ: "العباد عباد اللَّه، والبلاد بلاد اللَّه، فمن أحيى من موات الأرض شيئًا؛ فهو له، وليس لعرق ظالم حق". قال أبو حاتم الرازي: "هذا حديث منكر، إنما يرويه من غير حديث الزهري عن عروة مرسلًا"، كذا في "العلل" (1/ 474/ رقم 1422) لابنه. قلت: وزمعة بن صالح ضعيف. ووهم فيه حجاج بن الشاعر؛ فرواه عن موسي بن داود، ثنا نافع بن عمر الجُمَحيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن عبد الملك بن مروان، عن مروان بن الحكم رفعه. أخرجه الطبراني في "الأوسط" (9/ 108/ رقم 8224)، وقال: "لا يروى هذا الحديث عن مروان إلا بهذا الإِسناد، تفرّد به حجاج بن الشاعر"، وقال ابن عبد البر عقبه: "هذا الاختلاف عن عروة يدل على أن الصحيح في إسناد هذا الحديث عنه الإرسال، كما روى مالك ومن تابعه، وهو أيضًا صحيح مسند على ما أوردنا والحمد للَّه، وهو حديث متلقَّى بالقبول عند فقهاء الأمصار وغيرهم؛ وإن اختلفوا في بعض معانيه"، قال: "وقد روي هذا الحديث بمثل لفظ مالك من حديث عمرو بن عوف عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-". قلت: أخرجه يحيى بن آدم في "الخراج" (رقم 279)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 268)، وابن زنجويه في "الأموال" (2/ 638/ رقم 1052)، والطبراني في "الكبير" (17/ 13 - 14، 14/ رقم 4، 5)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2079)، وأبو بكر النجاد وابن راهويه في "المسند" -ومن طريقهما ابن ححر في "التغليق" (3/ 309) -، والبزار وابن أبي شيبة في "مسنديهما" -كما في "نصب الراية" (4/ 290) و"هدي الساري" (42) -، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 147 - 148)، وابن عبد البر في "التمهيد" (22/ 284)؛ من طرق عن كثير بن عبد اللَّه المزني، عن أبيه، عن جده -وهو =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عمرو بن عوف- رفعه باللفظ المذكور أولًا. وإسناده ضعيف جدًّا. فيه كثير بن عبد اللَّه، ضعّفه أحمد والنسائي وابن معين جدًّا، وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (22/ 209 - 210): "كثير متروك الحديث، والحديث صحيح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد تلقّاهُ العلماء بالقبول". وأعلّه بكثير الهيثمي في "المجمع" (4/ 157)، والزيلعي في "نصب الراية" (4/ 290)، وابن حجر في "الفتح" (5/ 19)، وعلقه البخاري في "صحيحه" (كتاب الحرث والمزارعة، باب من أحيا أرضًا مواتًا، 5/ 18) بصيغة التمريض مقتصرًا على ما عند المصنف: "وليس لعرق ظالم فيه حق". وأخرجه يحيى بن آدم في "الخراج" (رقم 276) من حديث أبي أسيد، وفي سنده إسحاق بن أبي فروة، ضعيف جدًّا، لا يوثق بروايته باللفظ المذكور أولًا. وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 326 - 327)، والطبراني في "الكبير"؛ من طريق إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة، عن عبادة بن الصامت؛ قال: "إن من قضاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه ليس لعرق ظالم حق". وإسناده ضعيف، وفيه انقطاع. إسحاق لم يدرك عبادة؛ كما في "المجمع" (4/ 174)، وهو مجهول الحال؛ كما في "التقريب". وقال ابن حجر في "الفتح" (5/ 19): "وفى الباب. . . وعن سمرة عند أبي داود والبيهقي". قلت: أخرجه أبو داود في "السنن" (3077)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة" (4/ 71) -، وأحمد (5/ 12، 21)، والطيالسي (906)؛ كلاهما في "المسند"، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 76)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 1015)، والطبراني في "مسند الشاميين" (2628) وفى "الكبير" (7/ رقم 6863 - 6867)، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 148)؛ من طرق عن قتادة، عن الحسن بن سمرة =

ومن الأصحاب من قرر موافقته للقياس بأن المتولد بين أبوين مملوكين من الآدميين يكون ملكًا لمالك الأم دون مالك الأب بالاتفاق، مع كونه مخلوقًا من مائهما، وبطون الأمهات بمنزلة الأرض، وماء الفحول بمنزلة البذر، ولهذا سمى النساء حرثًا (¬1)، ولعن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من سقى ماءه زرع غيره (¬2)؛ فجعل الولد زرعًا، وهو لمالك أمه، وسر ذلك أن الحيوان ¬

_ = رفعه: "من أحاط حائطًا على أرض؛ فهي له"؛ فليس فيه المذكور، مع أن في "الإرواء" (5/ 355) أورده بزيادة: "وليس لعرق ظالم حق". وسنده ضعيف؛ لعنعنة الحسن البصري، وهو لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة. قال ابن حجر في "الفتح" (5/ 19) بعد أن ذكر بعض الشواهد المذكورة: "وفي أسانيدها مقال، لكن يتقوَّى بعضها ببعض"، وقال: "ليس لعرقٍ ظالمٍ" في رواية الأكثر بتنوين عرق، وظالم نعت له، وهو راجع إلى صاحب العرق؛ أي: ليس لذي عرق ظالم، أو إلى العرق؛ أي: ليس لعرق ذي ظلم، ويروى بالإضافة، ويكون الظالم صاحب العرق؛ فيكون المراد بالعرق الأرض". وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم، وبالغ الخطابي؛ فغلَّط رواية الإضافة، قال ربيعة؛ "العرق الظالم بكون ظاهرًا ويكون باطنًا، فالباطن ما احتفره الرجل من الأبار، أو استخرجه من المعادن، والظاهر ما بناه أو غرسه"، وقال غيره: الظالم من غرس أو زرع أو بناء أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة". وانظر لزامًا: "الاستذكار" (22/ 210). (¬1) في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]. (¬2) ورد اللعن في حديث أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب النكاح، باب تحريم وطء الحامل المسبيّة، 2/ 1065)، وأبو داود في "السنن" (كتاب النكاح، باب في وطء السبايا، 2/ 247/ رقم 2156)، والدارمي في "السنن" (2/ 227)، وأحمد في "المسند" (5/ 195، 6/ 446)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 194)؛ عن أبي =

ينعقد من الماءين، ثم يغتذي (¬1) من دم المرأة؛ فأكثر أجزائه مخلوقة من الأم، كذلك البذر؛ ينحل في الأرض، وينعقد الزرع من التربة والحبة، ثم يغتذي (1) من الأرض ومائها وهوائها؛ فتصير أكثر أجزائه من الأرض، وإنما خير مالك الأرض بين تملكه وبين أخذ الأجرة؛ لأنه قابل لاستيفائه بعقد الإجارة، بخلاف الإِ يلاد، وجبرُ (¬2) حقِّ صاحب البذر بإعطائه قيمة بذره ونفقة عمله حيث كان متقومًا بخلاف ما يخلق مه الولد؛ فإنه لا قيمة له؛ فلذلك لم يجب لأحد الأبوين شيء، وهذا مطرد في جمع المتولدات بين شيئين؛ في الحيوان والنبات والمعدن؛ حتى لو ألقى رجل في أرض رجل شيئًا مما ينبت (¬3) المعادن؛ لكان الخارج منه لرب الأرض كالنتاج والزرع، وهذه الطريقة سلكها القاضي في "خلافه" وابن عقيل والشيخ تقي ¬

_ = الدرداء، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنه أتى بامرأةٍ مُجِحَّ على باب فُسطَاطٍ، فقال: لعله يريدُ أن يُلمَّ بها؟ فقالوا: نعم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لقد هممتُ أن ألعنه لعنًا يدخل معه قبرَه، كيف يُورِّثُهُ وهو لا يحلُّ له؟! كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟! ". لفظ مسلم. والمُجِح؛ بميم مضمومة، ثم جيم مكسورة، ثم حاء مهملة: وهي الحامل التي قربت ولادتها، كما في "شرح النووي" (10/ 14)، والفسطاط: بيت الشعر، ويُلِمُّ بها؛ بضم الياء، وكسر اللام ثم ميم؛ أي: يطأها. وفي حديث رويفع بن ثابت: "لا يحل لامرئ -وفي رواية: من كان- يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن -وفي الرواية الأخرى: فلا- يسقي ماءه زرع غيره"، ومضى تخريجه عند وروده بلفظة: "ولا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يبيع مَغْنمًا حتى يُقسم"، وهو قطعة منه. (¬1) في (ج): "يتغذى". (¬2) في (ج): "وخيَّر". (¬3) كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) والمطبوع: "تنبت".

الدين (¬1)، وهذا ملخص من كلامه. القسم الثاني: أن يؤذن له في زرع شيء، فيزرع ما ضرره أعظم منه؛ كمن استأجر لزرع شعير فزرع ذرة أو دخنًا؛ فحكمه حكم الغاصب عند الأصحاب (¬2)؛ لتعديه بزرعه، فإنه غير مستند إلى إذن، والمنصوص عن أحمد في "رواية عبد اللَّه" (¬3): أن عليه ضمان أجرة المثل للزيادة، ولم يذكر تملكًا؛ فإن هذا الزرع (¬4) بعضه مأذون فيه وهو قدر ضرر [الزرع] (¬5) المستأجر له، والزيادة عليه (¬6) غير مأذون فيها، وهي غير متميزة؛ فكيف يتملك المؤجر الزرع كله؟! وقد ينبني ذلك على اختلاف الوجهين في قدر الواجب من الأجرة؛ [هل هو الأجرة] (¬7) المسماة مع تفاوت ما بين الأجرتين من أجرة المثل، أم الواجب أجرة المثل للجميع حيث تمحض عدوانًا (¬8)؟ ¬

_ (¬1) انظر: "القواعد الفقهية النورانية" (182 - 183) لابن تيمية. (¬2) في المطبوع و (ج): "عند الأصحاب حكم الغاصب" بتقديم وتأخير. (¬3) في "مسائل عبد اللَّه" (404/ 1450) قال: "وسألته عن رجل استأجر من رجل أرضًا من أرض السواد عشرين جريبًا: عشرة يزرعها حنطة، كل جريب بقفيز حنطة، وعشرة أجربة يزرعا شعيرًا، كل جريب بقفيز شعير، ثم إنه زرع العشرين جريبًا كلها حنطة، ما الذي يجب لرب الأرض عليه من الإجارة والحنطة وما أضر بالأرض من الشعير؟ قال: ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير؛ فنعطيه لصاحب الأرض". (¬4) في (ج): "النوع". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في (ج): "فيه". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي (ج): "هل هي الأجرة". (¬8) في المطبوع: "عدوان"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

والمنصوص الأول، وهو قول الخرقي (¬1) والقاضي، والثاني اختيار ابن عقيل، وحكاه القاضي عن أبي بكر، وكلامه في "التنبيه" موافق الوجه الأول. فعلى الوجه الأول لا يتوجه أن يتملك المؤجر الزرع كله، وعلى الثاني يتوجه ذلك؛ فكيف جزم القاضي بتملكه مع اختياره الوجه (¬2) الأول في الضمان؟! ولو استأجر للزرع مدة معينة، فزرع فيها ما لا يتناهى (¬3) في تلك المدة، ثم انقضت؛ فقال الأصحاب: حكمه بعد انقضاء المدة حكم زرع الغاصب للعدوان، ثم إن القاضي وابن عقيل قالا: عليه تفريغ الأرض بعد المدة، وليس بجار على قواعد المذهب، وإنما (¬4) المالك مخير بين تملكه وتركه بالأجرة، فأما القلع؛ فلا. القسم الثالث: أن يزرع بعقد فاسد ممن له ولاية العقد؛ كالمالك والوكيل والوصي والناظر، إما بمزارعة فاسدة أو بإجارة فاسدة؛ فقال الأصحاب: الزرع لمن زرعه، وعليه لرب الأرض أجرة مثله، وذكر القاضي في "خلافه" أن أحمد نص عليه في رواية حرب في البيع الفاسد، وإنما رواية حرب في الغرس، وذكره الخرقي (¬5) أيضًا في المزارعة الفاسدة؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (5/ 290/ 4247). (¬2) في المطبوع: "للوجه". (¬3) في المطبوع: "تتناهى". (¬4) في المطبوع: "فإنما". (¬5) انظره: (5/ 246/ رقم 4145 - مع "المغني").

الزرع هنا استند إلى إذن من له الاذن؛ فلا يكون عدوانًا. ويحتمل على (¬1) هذا التفريق بين إذن المالك ومن يتصرف لغيره بطريق المصلحة كالوصي؛ فلا يعتبر إذنه لانتفاء المصلحة في العقد الفاسد، ويحتمل أيضًا التفريق بين عقود الملك كالبيع، وعقود التصرف بالإذن كالمزارعة؛ لأن عقود الملك وقع العقد فيها على الملك دون الإذن، ولهذا لم يصح تصرف المشتري في العقد الفاسد، بخلاف عقود التصرف؛ فإن الإذن موجود في صحيحها وفاسدها، ولذلك صححنا التصرف في فاسدها، وقد ورد في ذلك حديث مرسل من طريق الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل (¬2) عن مجاهد: أن (¬3) أربعة اشتركوا في زرع على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال أحدهم: قبلي الأرض، وقال الآخر: قبلي الفدن، وقال الآخر: قبلي البذر، وقال الآخر: على العمل، فلما استحصد الزرع؛ تَفَاتَوا (¬4) فيه إلى [رسول اللَّه] (¬5) -صلى اللَّه عليه وسلم- فجعل الزرع لصاحب البذر، وألغى (¬6) صاحب الأرض، وجعل لصاحب العمل درهمًا كل يوم، وجعل لصاحب الفدان شيئًا معلومًا (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أن". (¬2) في (ب): "أبي جبل". (¬3) في المطبوع: "عن". (¬4) في (ج): "تفاوتوا". (¬5) في المطبوع: "النبي". (¬6) في (ب): "وألقى". (¬7) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 504/ رقم 22563)، وسعيد بن منصور في "سننه" -كما في "المغني" (5/ 247) -، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" =

وقد أنكر أحمد هذا الحديث، قال في رواية ابن القاسم: لا يصح، والعمل على غيره، وقال أبو داود: سمعت أحمد ذكر هذا الحديث، فقال (¬1): هو منكر؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الزرع لصاحب الأرض، وفي هذا الحديث جعل الزرع لصاحب البذر (¬2). وهذا الكلام يدل على أن العمل عند الإمام أحمد على أن يكون الزرع لصاحب الأرض في الإجارة الفاسدة والمزارعة الفاسدة. وقال في "رواية إبراهيم بن الحارث" (¬3): الحديث حديث أبي جَعْفر ¬

_ = (3/ 76)، والدارقطني في "السنن" (3/ 76)؛ من طرق، عن الأوزاعي، به. وهو برقم (644) في "بذل المساعي في جمع ما رواه الإمام الأوزاعي". وإسناده ضعيف، وهو مرسل. قال الدارقطني عقبه: "هذا مرسل، ولا يصح، وواصل ضعيف". نقل أبو داود في "مسائل الإمام أحمد" (ص 264) عنه: "منكر"، وقال: "وسألت أحمد مرة أخرى عن واصل هذا؛ فقال: ما أعلم يروي عنه غير الأوزاعي، يقال له: أبو بكر، من أهل مكة، روى حديثًا منكرًا؛ أن قومًا زرعوا، يعني هذا الحديث"، وقال أيضًا -كما في "المغني" (5/ 247) - في رواية أخرى: "لا يصح، والعمل على غيره". (¬1) في المطبوع: "قال". (¬2) انظر: "مسائل أبي داود" (ص 294)، وفيها قال أبو داود: "سألت أحمد مرة أخرى عن واصل هذا؛ فقال: ما أعلم يروي عنه غير الأوزاعي، يقال له: "أبو بكر"، من أهل مكة، روى حديثًا منكرًا: "إن قومًا زرعوا. . . " (يعني هذا الحديث) ". (¬3) هو إبراهيم بن الحارث بن مصعب بن الولد بن عبادة بن الصّامت، أبو إسحاق العبَّادي، له "مسائل الإمام أحمد"، قال الخلال: "عنده عن أبي عبد اللَّه أربعة أجزاء مسائل". ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 94)، و"المنهج الأحمد" (1/ 370 - 371)، و"تاريخ بغداد" (6/ 55 - 56).

الخَطْمِيّ -يشير إلى ما رواه أبو جعفر عن سعيد بن المسيب؛ قال (¬1) -: كان ابن عمر لا يرى بها (يعني: المزارعة) بأسًا؛ حتى بلغه عن رافع بن خديج حديث، فلقيه، فقال رافع: أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بني حارثة، فرأى زرعًا، فقال: "ما أحسن زرع ظهير؛ أليس أرض ظهير؟ ". قالوا: بلى، ولكنه أزرعها. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذوا زرعكم، وردوا عليه نفقته" (¬2). أخرجه أبو داود والنسائي. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "قال: قال" بالتَّكرار. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" (كتاب البيوع، باب في التشديد في ذلك -أي: المزارعة-، 3/ 260 - 261/ رقم 3399) -ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 136) -، والنسائي في "المجتبى" (كتاب الإيمان والنذور، ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث، 7/ 40) -ومن طريقه الطحاوي في "المشكل" (7/ 100/ رقم 2671) -، والطحاوي أيضًا برقم (2670)، والطبراني في "الكبير" (4/ 244 - 245/ رقم 4267)، من طرق عن يحيى بن سعيد القطان، عن أبي جعفر الخَطْمِي، به. وإسناده صحيح على شرط الصحيح؛ غير أبي جعفر، واسمه عُمير بن يزيد بن عمير ابن حبيب الأنصاري، أخرج له أصحاب "السنن"، ووثقه النسائي وابن معين وابن حبان في "الثقات" (7/ 272) وابن نمير والعجلي والطبراني في "الأوسط"، وقال عبد الرحمن بن مهدي: "كان أبو جعفر وأبوه وجدُّه قومًا يتوارثون الصِّدقَ؛ بعضهم عن بعض". انظر: "تهذيب الكمال" (22/ 391 - 393) والتعليق عليه. وأعلّه البيهقي في "الكبرى" (6/ 136) بعلّةٍ غير قادحة؛ فقال: "رواه أبو جعفر عمير بن يزيد الخطمي، ولم أر البخاري ولا مسلمًا احتجا به في حديث". وتعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بقوله: "قلت: هو ثقة، وأخرج له الحاكم في "المستدرك"؛ فلا يضرُّه عدم احتجاجهما به". وحسنه ابن القيم في "تهذيب السنن" (5/ 64) بقوله: ". . . فمثل هذا الحديت حسن، الذي له شاهد من السنة على مثله، وقد تأيَّد بالقياس الصحيح من حجج الشريعة،=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وباللَّه التوفيق"، وقال: "ليس مع من ضعّف الحديث حُجة، فإن رواته محتج بهم، وهم أشهر من أن يسأل عن توثيقهم". وسأل ابن أبي حاتم الرازي في "العلل" (1/ 475 - 476/ رقم 1427) أباهُ عن هذا الحديث؛ فقال: "رواه حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يجوِّده، والصحيح حديث يحيى؛ لأنّ يحيى حافظ ثقة"، وقال: "هذا يقوي حديث شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم؛ فليس له من الزَّرع شيء، ويرد عليه نفقته"، وقال: "روى هذا الحديث غير شريك، وحديث يحيى لم يسنده غير يحيى بن سعيد، وأما الشافعي؛ فإنه يرفع حديث عطاء، وقال: عطاء لم يلق رافعًا، قال أبي: بلى، قد أدركه. قلت: فإن حمادًا يقول: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرَّ بزرعٍ، فقالوا: هذا لظهير بن خديج. قال أبي: أخطا حماد في هذه اللفظة، ليس هو ظهير بن خديج، إنما هو ظهير عم رافع بن خديج، لا يُنْسَب" انتهى. وتابع يحيى بن سعيد: مروان بن معاوية الفزاري، أخرجه الطبراني في "الكبير" (4/ 3245/ رقم 4268)، وسيأتي ترجيح الإمام أحمد رواية أبي جعفر على رواية شريك عن أبي إسحاق السَّبيعي عن عطاء، وإن كان بعمومها تشهد لحديث أبي جعفر الخطمي -كما قال أبو حاتم الرازي فيما مضي-؛ إلا أن أبا إسحاق زاد: "زرع بغير إذنه". وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 465، 4/ 141)، وأبو داود في "السنن" (رقم 3403)، والترمذي في "الجامع" (رقم 1366) و"العلل الكبير" (1/ 563/ رقم 226)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 2466)، وأبو عبيد في "الأموال" (364 و 708)، ويحيى بن آدم في "الخراج" (رقم 295)، والطيالسي في "المسند" (رقم 960)، وابن عدي في "الكامل" (4/ 1334)، وابن زنجويه في "الأموال" (رقم 1057)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 117 - 118) وفي "المشكل" (7/ 96/ رقم 2667، 2268، 2269)، والطبراني في "الكبير" (4/ 284 - 285/ رقم 4437)، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 136)؛ من طريق شريك، به، باللفظ المذكور آنفًا: "من زرع في أرض قوم. . . "، وفي بعضها: "أيما رجل زرع. . . ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وإسناده فيه ضعف، شريك سيئ الحفظ، وتابعه من هو مثله. أخرجه يحيى بن آدم في "الخراج" (296) -ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" (6/ 136) - من طريق قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، به. وقيس مثل شريك؛ إلا أن البيهقي أعله بعلتين قويتين -غير ضعف شريك-؛ فقال في "الكبرى" (6/ 137): "أبو إسحاق كان يدلس، وأهل العلم بالحديث يقولون: عطاء عن رافع منقطع". ونقل عن الخطابي في "معالم السنن" (5/ 64 - مع"مختصر سنن أبي داود") قوله: "وحدثني الحسن بن يحيى عن موسى بن هارون الجمال: أنه كان ينكر هذا الحديث ويضعفه، ويقول: لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك، ولا عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئًا، وضعّفه البخاري أيضًا، [وقال: تفرد بذلك شريك عن أبي إسحاق، وشريك يَهِمُ كثيرًا أو أحيانًا] ". وزاد البيهقي: "وقد رواه عقبة بن الأصم عن عطاء؛ قال: حدثنا رافع بن خديج، وعقبة ضعيف لا يحتج به". قلت: أي: فلا ينفع تصريح عطاء بالسماع في روايته، وقال ابن عدي في "الكامل" (4/ 1334) عقبه: "وهذا يعرف بشريك بهذا الإسناد، وكت أظن أن عطاء عن رافع بن خديج مرسل، حتى يتبيَّن لي أنَّ ابا سحاق أيضًا عن عطاء مرسل". وقال البخاري -فيما نقل عنه الترمذي في "العلل"-: "هو حديث شريك الذي تفرد به عن أبي إسحاق". قلت: ولكن تابعه من هو مثله كما تقدم. وقد لخّص الخطابي في "المعالم" (5/ 64) الحكم على الحديث بقوله: "هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث"، وأقره المنذري في "المختصر" (5/ 65). وقال الترمذي عقبه: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد اللَّه"، قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؛ فقال: هو حديث حسن، وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية =

ولأبي داود بمعناه (¬1) من حديث عبد الرحمن بن أبي نُعْم عن رافع بن خديج (¬2). ¬

_ = شريك". قلت: وهكذا نقله عنه بلفظ: "حديث حسن" جماعة، خلافًا لما في "العلل" له، وتقدم لفظه. والحديث حسن بشواهده خلا لفظة "بغير إذنهم"؛ فهي من انفرادات أبي إسحاق فيما ذكر الإمام أحمد في "مسائله" (ص 200 - رواية أبي داود). ولفظة "بغير إذنهم" صحيحة في النظر؛ كما بينه ابن القيم في "التهذيب" (5/ 64)، وإن لم تثبت في النَّقل، ولذا عدّ أبو حاتم طريق أبي جعفر الخطمي مما يقوّي حديث شريك، واللَّه أعلم. وقد أغرب الشيخ أحمد شاكر رحمه اللَّه أيما إغراب في تعليقه على "الخراج" ليحيى ابن آدم (ص 90)؛ فقال: "ويظهر من كلام الخطابي وغيره أنهم يضعِّفون الحديث بأن عطاء لم يسمع من رافع، وأنهم ظنوا أنه عطاء بن أبي رباح، والذي يرجَّح لي أنه عطاء بن صهيب أبو النجاشى الأنصاري مولى رافع، وقد صحبه ستَّ سنين، ولم أجد فيما وقع إلي من رواياته التصربح بأنه ابن أبي رباح". قلت: وترجيحه ليس براجح، وصرح بأنه (ابن أبي رباح) أحمد والطبراني وأبو عبيد وابن عدي، والمنصوص عليه يقدم على ما أخذ بالاستنباط، ولذ نصص على أنه ابن أبي رباح المزي في "تحفة الأشراف"، وابن كثير في "جامع المسانيد" (4/ 207/ رقم 2569)، وغيرهما. (¬1) في المطبوع: "معناه". (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 3402)، والطحاوي في "المشكل" (7/ 100/ رقم 2672)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 41) -ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" (6/ 132، 136) -، والطبراني في "الكبير" (4/ 286/ رقم 4443)؛ من طرق عن أبي نعيم، عن بُكَير بن عامر، عن ابن أبي نُعم -وفي مطبوع "القواعد" ونسختي (أ) و (ب): "أنعم"، وفي (ج): "نعيم"، وهو خطأ؛ فليصحح-؛ قال: حدثني رافع بن =

وللدارقطني (¬1) نحوه من حديث عائشة (¬2). ولابن عدي معناه من حديث جابر (¬3)، وفيهما ضعف. ¬

_ = خديج: "أنه زرع أرضًا، فمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يسقيها، فقال: لمن الزَّرعُ، ولمن الأرض؟ فقال: زرعي بيدي، وعملي من الشطر، ولبني فلان الشطر، فقال: أرْبيتَ، فَرُدَّ الأرضَ إلى أهلها، وخُذْ نفقتك". وإسناده ضعيف، قال البيهقي عقبه: "فبكير، وإن استشهد به مسلم بن الحجاج في غير هذا الحديث؛ فقد ضعّفه يحيى بن سعيد القطان، وحفص بن غياث، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين". قلت: ويشهد له ما مضى من طرق. (¬1) في المطبوع: "والدارقطني". (¬2) أخرج الدارقطني في "السنن" (رقم 2904 - بتحقيقي) بسند واهٍ عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن عبد اللَّه، عن عائشة: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج في مسير له، فإذا هو بزرع تهتزُّ، فقال: لمن هذا الزَّرع؟ قالوا: لرافع بن خديج. فأرسل إليه، وكان أخذ الأرض بالنصف أو بالثلث، فقال: انظر نفقتك في هذه الأرض، فخُذها من صاحب الأرض، وادفع اليه أرضه وزرعه". وفيه عبيدة الضَّبِّي، ضعفه أبو حاتم والنسائي، وقال أحمد: "تركتُ حديثه"، وقال ابن معين: "ليس بشيء". انظر: "الميزان" (3/ 25). وعبد الحميد بن عبد الرحمن ضعيف، وابن المغراء مثله. انظر لهما على الترتيب: "الميزان" (2/ 542، 592). (¬3) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (1/ 322) من طريق إسحاق بن أبي فروة، عن أبي الزبير، عن جابر: "أنه مرّ مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجد رجلًا ازدرع أرضًا، فهو أخضر، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألكَ الأرضُ؟ قال: لا. قال: فمن أينَ هي لك؟ قال: اسكريتُها من رجلٍ من الأنصار. قال: فاردد إلى الأنصاري أرضه، وخُذ منه بذرك". قال ابن عدي بعد أن ساقه ومجموعةً من أحاديث إسحاق بن أبي فروة: "وإسحاق =

وكل هذه واردة في المزارعة الفاسدة لا في الغصب. وقد رجح الإمام أحمد حديث أبي جعفر على حديث أبي إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم، وقال: الحديث حديث أبي جعفر، وقال في "رواية أبي داود": "أبو إسحاق زاد فيه: "زرع بغير إذنه"، وليس غيره يذكر هذا الحرف" (¬1)؛ فقد بين (¬2) [أن] (¬3) التملك بالنفقة إنما يثبت عنده في المزارعة الفاسدة [لا في الغصب؛ فكيف لا يكون مذهبه في المزارعة الفاسدة] (¬4) أن يتملك الزرع فيها مع ثبوت الحديث فيها بخصوصيتها دون الغصب، لا سيما وقد أنكر حديث جعل الزرع لرب البذر، وصرح بأن العمل على غيره (¬5)؟! ¬

_ = ابن أبي فروة هذا ما ذكرتُ ها هنا من أخباره بالأسانيد الي ذكرتُ؛ فلا يتابعه أحد على أسانيده ولا على متونه، وسائر أخباره مما لم أذكره تشبه هذه الأخبار الي ذكرتُها، وهو بيِّن الأمر في الضعفاء". قلت: وضعّفه جمع من جهابذة وأئمة الجرح والتعديل. انظر ترجمته في: "التهذيب" (1/ 240). (¬1) انظر: "مسائل أبي داود" (ص 200). ونقله عنه الخطابي في "معالم السنن" (5/ 65)، وفيه: "وليس غيره ينكر"، وصوابه: "يذكر"؛ كما عند المصنف؛ فلتصحح، وقال أحمد قبل المذكور: "عن رافع ألوان، ولكن أبو -وفي مطبوعه: "ابن"؛ فلتصحح- إسحاق زاد فيه. . . ". (¬2) في (أ): "تبين". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬5) سبق قريبًا (ص 135 - 137).

وقد خرج الشيخ تقي الدين (¬1) وجهًا في المزارعة الفاسدة: أنها تتملك بالنفقة من زرع الغاصب، وقد رأيت أن كلام أحمد إنما يدل عليه لا على خلافه. القسم الرابع: أن يزرع في أرض غيره بعقد ممن (¬2) يظن أن له ولاية العقد، ثم يتبين (¬3) بخلافه، مثل أن تتبين (¬4) الأرض مستحقة للغير؛ فالمنصوص أن لمالك (¬5) الأرض تملكه بالنفقة أيضًا، نقله عنه الأثرم وإبراهيم بن الحارث ومُهَنّا (¬6)، وهذا متوجه على قول القاضي ومن وافقه: أن غرسه وبناءه كغرس الغاصب وبنائه. فأما (¬7) على المنصوص هناك أن بناءه وغرسه (¬8) محترم؛ كغرس المستعير والمستأجر وبنائهما؛ فيتوجه [على هذا] (¬9) أن يكون الزرع لمالكه، وعليه الأجرة، ويرجع بها على الغاصب لتغريره (¬10)، وبمثل ذلك ¬

_ (¬1) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 151) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه. (¬2) في (ج): "من". (¬3) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ): "تبين". (¬4) في (ب): "تبين". (¬5) في المطبوع و (ج): "المالك". (¬6) في المطبوع: "ومنها"، والصواب ما أثبتناه. (¬7) في المطبوع و (ج): "وأما". (¬8) في المطبوع و (ج): "غرسه وبناءه" كذا بتقديم وتأخير. (¬9) ما بين المعقوفتين من (ج) والمطبوع فقط. (¬10) في المطبوع: "لتقديره"، والصواب ما أثبتناه.

أفتى الشيخ تقي الدين؛ لكنه جعل الزرع بين المالك والزارع (¬1) نصفين بناءً على أصله في إيجار الغاصب بالمال أن الربح بينه وبين المالك، وطرده أن يكون زرع الغاصب كذلك، ولكن لم نعلم به قائلًا (¬2)، ثم وجدنا ابن أبي ليلى يقول بذلك في زرع الغاصب وفي أجرة ما بناه (¬3) في الأرض المغصوبة وقد وافقه أحمد على أجرة البناء خاصة، ويشهد لهذا الوجه أن الزرع النابت في أرض الغير مما (¬4) حمله السيل لمالكه مبقى (¬5) بالأجرة لحصوله من غير عدوان ولا تفريط؛ وإن كان الإذن منتفيًا، وها هنا مثله، ويحتمل أن يتملكه مالك الأرض أيضًا؛ كالمزروع (¬6) بعقد فاسد على ما دل عليه كلام أحمد، وليس الامتناع من قلع الغرس مجانًا منافيًا لتملك الزرع، فإن المانع من القلع إدخال الضرر على مالك الغراس بالنقص، وهو معذور؛ لغروره، وقد (¬7) يتعذر عليه الرجوع على الغاصب، والمقتضى لتملك (¬8) الزرع هو انتفاء الإِذن الصحيح، وهو موجود هنا، ولهذا يتملك غراسه؛ وإن قيل باحترامه. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المزارع". (¬2) في (ب): "لا يُعلم به قائل"، وفي المطبوع: "لا نعلم. . . ". (¬3) كذا في (أ) والمطبوع، وفي (ب): "بنائه"، وفي (ج): "مبناه". (¬4) في (ب): "بما". (¬5) في المطبوع: "مبقى هنا". (¬6) في (ب): "كالمزرع". (¬7) في المطبوع: "لغرره، وهو"، وفي (ج): "لغروره، وهو يعتذر". (¬8) في (ب): "بالتملك".

القسم الخامس: أن يزرع في أرض بملكه لها أو بإذن مالكها، ثم ينتقل ملكها إلى غيره والزرع قائم فيها، وهو نوعان: أحدهما: أن ينتقل ملك الأرض دون منفعتها المشغولة بالزرع في بقية مدته؛ فالزرع لمالكه ولا أجرة عليه بسبب تجدد الملك بغير إشكال. ويدخل تحت هذا من استأجر أرضًا من مالكها وزرعها ثم مات المؤجر وانتقلت إلى ورثته، ومن اشترى أرضًا فزرعها ثم أفلس، فإن للبائع الرجوع في الأرض والزرع للمفلس، ومن أصدق امرأته أرضًا فزرعتها (¬1) ثم طلقها قبل الدخول والزرع قائم، وقلنا له الرجوع؛ فإن الزرع مبقى بغير أجرة [إلى أوان أخذه] (¬2)، وكذلك حكم من زرع في أرض يملكها، ثم انتقلت إلى غيره ببيع أو غيره: يكون الزرع مبقى فيها بغير أجرة (¬3) إلى أوان أخذه. والنوع الثاني: أن تنتقل الأرض بجميع منافعها عن ملك الأوّل إلى غيره. - ومن أمثلة ذلك: الوقف إذا زرع فيه أهل البطن الأول أو من أجروه، ثم انتقل إلى البطن الثاني والزرع قائم، فإن قيل: [إن] (¬4) الإجارة لا تنفسخ وللبطن الثاني حصتهم من الأجرة؛ فالزرع مبقى لمالكه بالأجرة السابقة، وإن قيل بالانفساخ، وهو المذهب الصحيح؛ فهو كزرع ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "فزرعها"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج) فقط. (¬3) في المطبوع: "بغير أجرة مبقى فيها". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

المستأجر بعد انقضاء المدة إذا كان بقاؤه بغير تفريط من المستأجر؛ فيبقى (¬1) بالأجرة إلى أوان أخذه. وقد نص عليه أحمد (¬2) في رواية مُهَنّا في مسألة الإجارة المنقضية، وأفتى به في الوقف الشيح تقي الدين (¬3)، وأفتى مرة أخرى بأنه يجعل مزارعة بين الزارع (¬4) ورب الأرض؛ لنموه من أرض أحدهما وبذر الآخر، وكذلك أفتى في الأقطاع المزروعة إذا انتقلت إلى مقطع آخر والزرع (¬5) قائم فيها (¬6). - (ومنها): الشفيع إذا انتزع الأرض وفيها زرع للمشتري؛ فهو محترم، وهل يستحق أجرة المثل على المشتري؟ على وجهين: أحدهما: لا يستحق شيئًا، وهو المذكور في "المغني" (¬7) و"التلخيص"، وقال أبو البركات في "تعليقه على الهداية": هو أصح الوجهين لأصحابنا إلحاقًا له بيع الأرض المزروعة؛ فإن الأخذ بالشفعة نوع بيع قهري. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فتبقى". (¬2) في المطبوع و (ج): "أحمد عليه". (¬3) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 178) له. (¬4) في المطبوع: "المزارع". (¬5) في المطبوع: "الزرع" من غير واو. (¬6) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 178). (¬7) انظر: "المغني" (5/ 198/ 4048).

والثاني: له الأجرة من حين أخذه، ذكره أبو الخطاب في "انتصاره"، وهو أظهر؛ لأن حق الشفيع في العين والمنفعة جميعًا لوقوع العقد عليهما (¬1)، وفي ترك الزرع مجانًا تفويت لحقه من المنفعة بغير عوض؛ فلا يجوز. القسم السادس: احتمل (¬2) السيل بذر إنسان إلى أرض غيره، فنبت فيها، فهل يلحق بزرع الغاصب لانتفاء الإذن من المالك فيتملكه (¬3) بقيمته أو بزرع المستعير أو المستأجر بعد (¬4) انقضاء المدة لانتفاء العدوان من صاحب البذر؟ على وجهين، أشهرهما أنه كزرع المستعير، وهو اختيار القاضي وابنه أبي الحسين (¬5) وابن عقيل، وذكره أبو الخطاب عن أحمد؛ لكن هل يترك في الأرض مجانًا أم (¬6) بأجرة؟ على وجهين: أحدهما: يترك (¬7) مجانًا، قاله القاضي وابن عقيل؛ لأنه وإن انتفى عنه إذن الملك؛ فقد انتفى عنه فعل الزارع (¬8)، فيتقابلان، ولأنه حصل في ¬

_ (¬1) في المطبوع: "عليهما جميعًا". (¬2) في المطبوع: "حمل". (¬3) في المطبوع: "فيملك". (¬4) في المطبوع: "من بعد". (¬5) في المطبوع: "أبي الحسن"، وهو خطأ. (¬6) في (ب): "أو". (¬7) في المطبوع: "أحدهما: أنه يترك". (¬8) في (ج): "الزراع".

الأرض بغير تفريط؛ فهو كالقائم في الأرض المبيعة. والثاني: له الأجرة، وذكره (¬1) أبو الخطاب عن أحمد؛ لأنه زرع حصل ابتداؤه في أرض الغير بغير إذنه (¬2)؛ فأوجب الأجرة؛ كالمشتري (¬3) عن الغاصب وهو لا يعلم. القسم السابع: من زرع في أرض غيره بإذن غير لازم؛ كالإعارة، ثم رجع المالك؛ فالزرع (¬4) مبقى لمن زرعه إلى أوان حصده (¬5) بغير خلاف؛ لكن هل تجب عليه الأجرة من حين الرجوع أم لا؟ على وجهين: أشهرهما: الوجوب، وهو قول القاضي وأصحابه. والثاني: انتفاؤه (¬6)؛ لأنه دخل على الانتفاع بغير عوض، وهو اختيار صاحب "المحرر" (¬7) وظاهر كلام أحمد في "رواية صالح" (¬8) يشهد له. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ذكره" من غير واو. (¬2) في المطبوع: "بغير إذن". (¬3) في المطبوع و (ج): "على المشتري"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في (ج): "فهو". (¬5) في المطبوع: "حصاده". (¬6) في المطبوع: "انتفاء"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬7) قال في "المحرر" (1/ 360): "وإن أعاره أرضًا للزرع، فرجع وهو مما يحصد قصيلًا؛ حصد، وإلا؛ لزمه تركه إلى الحصاد بلا أجرة عندي". وانظر: "الإنصاف" (6/ 106)، و"المبدع" (5/ 139 - 140). (¬8) نقل صالح في "مسائله" (3/ 189/ 1624) عن أبيه الإمام أحمد؛ قال: "الرجل يعير الرجل الأرض يزرعها، ليس له أن يرجع حتى يدرك الزرع".

القسم الثامن (¬1): من زرع في ملكه الذي منع من التصرف فيه لحق غيره؛ كالراهن والمؤجر، وكان ذلك يضر بالمستأجر وبالمرتهن لتنقيصه قيمة الأرض عند حلول الدين؛ فهو كزرع الغاصب، وكذلك غراسه وبناؤه؛ فيقلع الجميع، ذكره القاضي في "خلافه"، وإنما قلع الزرع هنا (¬2)؛ لأن مالك الأرض [هنا] (¬3) هو الزارع، والمتعلق حقه بها لا يمكنه تملكه لعدم ملكه، فيتعين القلع، وفيه نظر. أما في الرهن؛ فيمكن أن يقال: إن نقص الأرض ينجبر برهنية الزرع؛ فإنه من جملة نماء الأرض؛ [فيدخل في الرهن] (¬4)؛ فلا يجوز قلعه كذلك مع ما فيه من إتلاف مال الراهن. وقد صرح القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" بأن الغراس الحادث في الأرض المرهؤنة يكون رهنًا بنفسه أو بفعل الراهن (¬5)؛ لأنه من نمائها، والزرع مثله، ولو قيل: إنه لا يدخل في الرهن؛ فيجوز أن يؤخذ من الراهن أجرة مثله أو ما نقص من قيمة الأرض بسببه، ويجعل رهنًا. وقد وقع في كلام أحمد في "رواية ابن منصور" (¬6) و [في] (¬7) كلام ابن ¬

_ (¬1) القسم الثامن كله بتمامه سقط من (ج)، وأثبتها مصححها في الهامش. (¬2) في المطبوع: "منه". (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬4) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬5) في المطبوع: "بنفسه أو بفعل الراهن يكون رهنًا" كذا بتقديم وتأخير. (¬6) انظر: "مسائل ابن منصور" (507/ 496). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

أبي موسى ما يدل على جواز انتفاع الراهن بالرهن بإذن المرتهن، وتؤخذ منه الأجرة وتجعل رهنًا، وهذا في معناه. وأما المستأجر ولا سيما إن كان استأجر للزرع؛ فيجوز أن يقال له: تَمَلَّك (¬1) الزرع بنفقته؛ إذ هو مالك المنفعة، كما [قد] (¬2) يقال مثله في الزرع في أرض الوقف: إن الموقوف عليه يتملكه بالنفقة لملكه (¬3) منفعة الأرض، ويحتمل (¬4) تخريج ذلك على الوجهين في تملك الموقوف عليه للشفعة بشوكة الوقف على طريقة (¬5) من علل ثبوت الشفعة بكونه مالكًا وانتفاءها بقصور (¬6) ملكه؛ فكذلك ها هنا، وكذا القول في تملكه للغراس (¬7) والبناء، وعلى هذا يتخرج ما لو غصب الأرض الموصى بمنافعها أو المستأجرة وزرع فيها؛ فهل يتملك [الزرع] (¬8) مالك الرقبة أو مالك المنفعة؟ * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يملك". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) في المطبوع: "تملكه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) في المطبوع: "ويحمل"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع: "طريق". (¬6) في المطبوع: "بتصور"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬7) في (أ): "الغراس". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

80 - القاعدة الثمانون ما يتكرر حمله من أصول البقول والخضراوات؛ هل هو ملحق بالزرع أو بالشجر؟

(القاعدة الثمانون) ما يتكرر (¬1) حمله من أصول البقول والخضراوات؛ هل هو ملحق بالزرع أو بالشجر؟ فيه وجهان، وينبني على ذلك مسائل: - (منها): هل يجوز بيع هذه الأصول مفردة (¬2) أم لا؟ إن ألحقناها بالشجر لتكرر حملها؛ جاز، [وبه] (¬3) صرح القاضي وابن عقيل في موضع، وفرقا (¬4) في موضع آخر بين ما يتباقى منها سنين كالقطن الحجازي؛ فيجوز بيع أصوله، وما لا يتباقى إلا سنة أو (¬5) نحوها؛ فلا (¬6) يجوز بيعه (¬7) إلا بشرط القطع؛ إلا أن يباع مع الأرض (¬8) كالزرع. ورجح صاحب"التلخيص" أن المقاثي ونحوها لا يجوز بيعها إلا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تكرر". (¬2) في (ج): "منفردة". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فيه"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في (ب): "وتوقفا". (¬5) في المطبوع و (ب) و (ج): "و". (¬6) في المطبوع: "لا". (¬7) في (ج): "بيعها". (¬8) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج): "إن باع معه"، وفي المطبوع: "أن تباع معه".

بشرط القطع؛ فإنها مع أصولها معرضة (¬1) للآفات كالزرع، وهو مقتضى كلام الخرقي (¬2) وابن أبي موسى (¬3). - (ومنها): إذا باعه (¬4) الأرض وفيها هذه الأصول، فإن قلنا: هي كالشجر؛ انبنى على أن الشجر؛ هل يدخل في بيع الأرض مع الإطلاق أم لا؟ وفيه (¬5) وجهان، وإن قلنا: هي كالزرع؛ لم تدخل في البيع وجهًا واحدًا. وللأصحاب في المسألة [أيضًا] (¬6) طريقتان: إحداهما (¬7): أن حكمها (¬8) حكم الشجر في تبعية (¬9) الأرض، وهي طريقة ابن عقيل وصاحب "المحرر" (¬10). والثانية: أنها تتبع [الأرض] (¬11) وجهًا واحدًا، بخلاف الشجر؛ لأن ¬

_ (¬1) في (ب): "معروضة". (¬2) انظر: "المغني" (4/ 72/ 2897). (¬3) نقل المراوي في كتابه "الإنصاف" (5/ 68) عن المصنف من قوله: "ورجح صاحب. . . " إلى هنا. (¬4) في (ب) والمطبوع: "باع". (¬5) في (ب): "فيه" من غير واو، وكذا نقله المرداوي عن المصنف. (¬6) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬7) في (ج): "طريقان: أحدهما". (¬8) في (ج): "حكمه"، والصواب ما أثبتناه. (¬9) في (ج): "تبيعة"، وفي المطبوع: "تبقية"، وما أثبتناه هو الصواب، وكذا نقله المرداوي عن المصنف. (¬10) انظر: "المحرر" (1/ 317). (¬11) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

تبقيتها في الأرض معتاد ولا يقصد نقلها وتحويلها؛ فهي كالمنبوذات، وهي طريقة أبي الخطاب وصاحب "المغني" (¬1). وعلى ما قررناه أولًا يخرج فيها طريقة ثالثة: أنها لا تتبع وجهًا واحدًا؛ كالزرع. - (ومنها): إذا غصب أرض، فزرع فيها ما يتكرر حمله، فإن قيل: هو كالشجر؛ فللمالك قلعه مجانًا، وإن قيل: هو كالزرع؛ فللمالك تملكه بالقيمة. وفي المسألة وجهان مذكوران في "المغني" (¬2). - (ومنها): لو اشترى لقطة ظاهرة من هذه الأصول، فتلفت بجائحة قبل القطع، فإن قيل: حكمها حكم ثمر (¬3) الشجر؛ تلفت من ضمان البائع، وإن قيل: هي كالزرع؛ خرجت على الوجهين في إجاحة ¬

_ (¬1) قال في "المغني" (4/ 68/ 2888): ". . . إن كان الزرع مما تكرر ثمرته، كالقثاء والخيار والبطيخ والباذنجان وما شابهه؛ فهو للمشتري، والثمرة الظاهرة عند البيع للبائع؛ لأن ذلك مما تكرر الثمرة فيه، فأشبه الشجر، ولو كان مما تؤخذ ثمرته وتبقى عروقه في الأرض؛ كالبنفسخ والنرجس؛ فالأصول للمشتري لأنه جعل في الأرض للبقاء فيها، فهو كالرطبة، وكذلك أوراقه وغصونه لأنه لا يقصد أخذه؛ فهو كورق الشجر وأغصانه، وأما زهرته، فإن كانت قد تفتحت؛ فهي للبائع، وإلا؛ فهي للمشتري على ما ذكرناه فيما مضى". ونقل المرداوي في "الإنصاف" (5/ 57 - 58) هذه المسألة من أولها إلى هنا وبتصرف يسير. (¬2) "المغني" (5/ 148/ 2951)، وهذه الفقرة مذكورة في (ج) آخر القاعدة. (¬3) تحرفت في مطبوع "الإنصاف" (5/ 76) -ونقلها عن المصنف- إلى "ثمن" بنون آخرها؛ فلتصحح.

الزروع (¬1). - (ومنها): لو ساقى (¬2) على هذه الأصول، فإن قيل: هي كالشجر؛ صحت المساقاة، وإن قيل: [هي] (¬3) كالزرع؛ فهي مزارعة. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "جائحة الزرع"، وكذا نقلها المرداوي في "الإنصاف" (5/ 76) عن المصنف، وذكر هذه الفرعية بحروفها مع تصرف يسير. (¬2) في (ج): "ساقى ساقي". (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

81 - القاعدة الحادية والثمانون النماء المتصل في الأعيان المملوكة العائدة إلى من انتقل الملك عنه بالفسوخ

(القاعدة الحادية والثمانون) النماء المتصل في الأعيان المملوكة العائدة إلى من انتقل الملك عنه بالفسوخ (¬1). تتبع الأعيان على ظاهر المذهب عند أصحابنا، والمنصوص عن أحمد أنه لا يتبع، وهو الذي ذكره الشيرازي في "المبهج"، ولم يحك فيه خلافًا، وهو اختيار ابن عقيل، صرح به في (كتاب الصداق) والشيخ تقي الدين (¬2)، ويتبع الأصل في التوثقة والضمان على المشهور، ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): الودود بالعيب إذا كان قد زاد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صناعة (¬3)؛ فالمشهور عند الأصحاب أن الزيادة للبائع تبعًا لأصلها، ولا يستحق المشتري عليه شيئًا. وصَرَّحَ (¬4) ابن عقيل بأن الزيادة للمشتري، وكذلك قال الشيرازي، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بالمفسوخ". (¬2) انظره في "الاختيارات الفقهية" (ص 126). (¬3) كذا في (ب) والمطبوع، وفي (أ): "وتعليم صناعة"، وفي (ج): "وتعلم صنعة". (¬4) في المطبوع: "وخرج".

وزاد أنه يرجع على البائع (¬1) بقيمة النماء، و [هو] (¬2) كذلك، ذكره الشيخ تقي الدين (¬3)، وأخذه من عموم كلام أحمد في رواية أبي طالب: إذا اشترى غنمًا فنمت ثم استحقت؛ فالنماء له، قال: وهذا يعم المنفصل والمتصل. قلت: نص أحمد على الرجوع بقيمة النماء المتصل صريحًا كما قال الشيرازي في "رواية ابن منصور" (¬4) فيمن اشترى سلعة فنمت عنده وكان بها داء؛ فإن شاء المشتري حبسها ورجع بقدر الداء (¬5)، وإن شاء ردها ورجع عليه بقدر النماء، وتأولها القاضي على أن النماء المنفصل (¬6) يرده معها، وهو ظاهر الفساد؛ لأن الضمير في قوله: (رجع) يعود إلى المشتري، وفي قوله: (عليه) يعود إلى البائع، وإنما (¬7) يرجع المشتري على البائع بقيمة النماء المتصل (¬8). ووجه الإِجبار هنا على دفع القيمة: أن البائع قد أجبر على أخذ سلعته ورد ثمنها؛ فكذلك نماؤها المتصل بها يتبعها في حكمها؛ وإن لم يقع عليه العقد، والمردود بالإقالة والخيار يتوجه فيه مثل ذلك؛ إلا أن يقال: ¬

_ (¬1) في (ب): "المشتري". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬3) "الاختيارات الفقهية" (ص 126) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى. (¬4) انظر: "مسائل ابن منصور" (382/ 287). (¬5) في المطبوع: "الدواء"، وهو خطأ. (¬6) في المطبوع: "المتصل". (¬7) في (ج): "فإنما". (¬8) في المطبوع: "المنفصل"، وهو خطأ.

الفسخ للخيار رفع (¬1) للعقد من أصله، بخلاف العيب والإِقالة، وقد صرح بذلك القاضي وابن عقيل في "خلافيهما" (¬2)، وفيه بُعْدٌ. - (ومنها): المبيع إذا أفلس مشتريه قبل نقد الثمن، ووجده البائع قد نما نماءً متصلًا؛ قال (¬3) القاضي وأصحابه: يرجع به، ولا شيء للمفلس. وكذلك ابن أبي موسى ذكر الرجوع، وهو مأخوذ مما روى الميموني وإسحاق بن إبراهيم [عن أحمد] (¬4): إذا زادت العين أو نقصت يرجع في الزيادة والنقصان، ولفظ رواية إسحاق: قيل له: فإن كان زاد أو نقص يوم اشتراه؟ قال: هو أحق به زاد أو نقص (¬5). وهذا يحتمل أن يراد به زيادة السعر ونقصانه، وإن استبعد ذلك؛ فليس في استحقاق الرجوع (¬6) ما ينافي مطالبته بقيمة الزيادة، كما لو كانت الزيادة صبغًا في الثوب، وقال الخرقي: ليس له الرجوع (¬7)، وذكر القاضي في (كتاب الهبة) من "خلافه" أنه منصوص (¬8) أحمد؛ فيكون أسوة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وقع" وهو خطأ. (¬2) في المطبوع: "خلافهما"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في (ب): "فقال". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) انظره في: "مسائل ابن هانئ" (2/ 22/ 1267). (¬6) في (ب): "الرجوع استحقاق". (¬7) انظر: "المغني" (4/ 268/ 3412). (¬8) في المطبوع: "منصوص عن أحمد".

الغرماء (¬1)، كما لو طلق الزوج (¬2) قبل الدخول وقد زاد الصداق زيادة متصلة، وفارق الرد بالعيب عند من سلمه بأن (¬3) الرد بالعيب قد رضي المشتري برده بزيادته بخلاف المفلس، ولأن الرد بالعيب استند إلى سبب مقارن للعقد والفسخ هنا استند إلى سبب حادث، وهو حكم الحاكم؛ فهو (¬4) شبيه بالطلاق قبل الدخول، وينتقض الأول بما لو اشترى عبدًا بثوب فوجد صاحب الثوب به عيبًا؛ فإنه يرده ويأخذ العبد؛ وإن كان قد سمن. والثاني: بما لو باعه عينًا بعد إفلاسه وقبل حجر الحاكم؛ فإن حجره إنما هو معتبر لثبوت الفلس (¬5) وظهوره، وقد سبق نص أحمد بذلك. وأيضًا؛ فلو باعه بعد الحجر ولم يعلم؛ فإنه يرجع (¬6) في أحد الوجهين. وفرق الأولون بين رجوع البائع ها هنا وبين الصداق: [بأن الصداق] (¬7) يمكن الزوج الرجوع إلى بدله تامًا، بخلاف البائع؛ فإنه لا يمكنه الوصول (¬8) إلى حقه تامًا إلا بالرجوع، [وهو] (¬9) ضعيف؛ لأن اندفاع ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بالغرماء". (¬2) في (ب): "زوجته". (¬3) في المطبوع: "لأن". (¬4) في المطبوع: "وهو". (¬5) في المطبوع: "المفلس". (¬6) في المطبوع: "يرجع بها". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬8) في المطبوع: "الدخول"، وهو خطأ. (¬9) في المطبوع: "هذا".

الضرر عنه بالبدل لا يسقط حقه من العين لو كان ثابتًا، ثم يبطل بما لو كانت الزوجة مفلسة، فإن حقه لا يثبت في العين؛ فبطل (¬1) الفرق. ويتخرج في "رواية ابن منصور" (¬2) في الرد بالعيب أن يرجع البائع ها هنا ويرد قيمة الزكاة، كما لو صبغ المفلس الثوب. - (ومنها): ما وهبه (¬3) الأب لولده إذا زاد زيادة متصلة؛ فهل يمنع رجوع الأب أم لا؟ على روايتين معروفتين، والمنصوص عن أحمد في "رواية ابن منصور" (¬4) امتناع الرجوع، وعلى القول بجوازه؛ فلا شيء على الأب للزيادة لأنها تابعة لما يباح له من مال ولده؛ فهو بالرجوع والقبض متملك (¬5) لها. - (ومنها): إذا أصدقها شيئًا فزاد زيادة متصلة، ثم طلقها قبل الدخول؛ لم يكن له الرجوع في نصفه، وسقط حقه منه إلى قيمة النصف، ذكره الخرقي (¬6)، ولم نعلم عن أحد من الأصحاب خلافه؛ حتى جعله القاضي في "المجرد" رواية واحدة، وفرق بينه وبين بائع (¬7) المفلس بأن ¬

_ (¬1) في (ج): "فيبطل". (¬2) انظرها: (382 - 383/ 288). (¬3) في المطبوع: "وهب". (¬4) "رواية ابن منصور". (¬5) في المطبوع: "يتملك". (¬6) انظره في: "المغني" (7/ 173/ 5583). (¬7) في المطبوع و (ج): "البائع".

فسخ البائع رفع للعقد من أصله، والطلاق قاطع للنكاح من حينه؛ فلا يكون للزوج حق في الزيادة، وهذا ممنوع؛ فإن (¬1) الفسخ بالفلس (¬2) رفع للعقد من حينه أيضًا؛ فهو كالطلاق. وخرج صاحب "المحرر" (¬3) الرجوع في النصف بزيادته (¬4) المتصلة من الرواية المحكية عن أحمد بالرجوع (¬5) في نصف الزيادة المنفصلة وأولى، وسنذكر أصل هذه الرواية فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى. ويتخرج (¬6) وجه آخر برجوعه (¬7) في النصف بزيادته (¬8) وبرد قيمة الزيادة كما في الفسخ بالعيب على ما تقدم، وهذا (¬9) إذا كانت العين يمكن فصلها وقسمتها (¬10)، وإن لم يمكن (¬11)؛ فهو شريك بقيمة النصف يوم الإِصداق. - (ومنها): إذا اشترى قصيلًا بشرط القطع، فتركه حتى سنبل واشتد، أو ثمرًا ولم يبد صلاحه بشرط القطع، فتركه حتى بدا صلاحه؛ فهل ¬

_ (¬1) في (ب): "بأن". (¬2) في (ج): "للفلس". (¬3) نظر: "المحرر" (2/ 36). (¬4) في المطبوع و (ج): "بزيادة". (¬5) في المطبوع: "في الرجوع". (¬6) في المطبوع و (ج): "ويتخرج فيه". (¬7) في المطبوع و (ج): "بالرجوع". (¬8) في المطبوع: "بزياته"، وهو خطأ مطبعي. (¬9) في نسخة (ب): "هذا". (¬10) في (ب): "وقسمها". (¬11) في (ب): "يكن".

يبطل البيع بذلك أم لا؟ فيه روايتان، أشهرهما أنه يبطل، وهو اختيار الخرقي (¬1) وأبي بكر وابن أبي موسى والقاضي والأكثرين. وللبطلان مأخذان: أحدهما: أن تأخيره محرم لحق اللَّه [عز وجل] (¬2)؛ فأبطل البيع كتأخير القبض في الربوبيات، ولأنه وسيلة إلى شراء الثمرة وبيعها قبل بدو صلاحها، وهو محرم، ووسائل المحرم ممنوعة، وبهذا علل أحمد في رواية أبي طالب. والمأخذ الثاني: أن مال المشتري اختلط بمال البائع قبل التسليم على وجه لا يتميز منه؛ فبطل (¬3) به البيع، كما لو تلف؛ فإن تلفه في هذه الحال يبطل البيع لضمانه على البائع. فعلى المأخذ الأول لا يبطل البيع إلا بالتأخير إلى بدو الصلاح واشتداد الحب، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب وظاهر كلام الخرقي (¬4)، ويكون تأخيره (¬5) إلى ما قبل ذلك جائزًا. وقد نص أحمد في رواية الحسن بن ثواب (¬6) على أنه إذا أخره حتى ¬

_ (¬1) انظره مع "المغني" (4/ 74/ 2903). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة المطبوع: "تعالى". (¬3) في (ج): "فيبطل". (¬4) انظره مع "المغني" (4/ 74/ 2903). (¬5) في المطبوع و (ج): "تأخره". (¬6) في المطبوع: "الحسن بن بواب"، والصواب ما أثبتناه كما في "المقصد الأرصد" (1/ 317 - 318) وغيره، ومضت ترجمته في (1/ 297).

تلف بعاهة قبل صلاحه: أنه من ضمان البائع، معللًا بأن هذا شيء (¬1) في ملك البائع ونخله، فلما علل باتصاله بملك (¬2) البائع؛ علم أن البيع لم يكن منفسخًا قبل تلفه و [لا] (¬3) كان التأخير تفريطًا، ولو كان المُشْتَرَى رطبة أو ما أشبهها من النعناع والهندبا أو صوفًا على ظهر فتركها حتى طالت؛ لم ينفسخ [البيع] (¬4)؛ لأنه لا نهي في بيع هذه الأشياء، وهذه طريقة القاضي في "المجرد". وعلى المأخذ الثاني يبطل البيع بمجرد الزيادة واختلاط المالين؛ إلا أنه يعفى عن الزيادة اليسيرة؛ كاليوم واليومين، ونص على ذلك أحمد في "رواية أحمد بن سعيد" (¬5)، ولا فرق بين الثمر والزرع وغيرهما من الرطبة والبقول والصوف (¬6)، وهي طريقة أبي بكر عبد العزيز والقاضي في "خلافه" وصاحب "المغني" (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "نشأ". (¬2) في المطبوع: "بانفصاله لملك"، وفي (ج): "باتصاله لملك". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في الأصل في (ب): "العيب"، وكتب ناسخها في الهامش: "لعله البيع"، وهو الصحيح. (¬5) هو أحمد بن سعيد، أبو جعفر الدارمي، قال ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 45): "نقل عن إمامنا أشياء"، ولد بسرخس، ونشأ بنيسابور، ثم كان أكثر أوقاته في الرحلة لسماع الحديث، وكان ثقةٌ ثبتًا، مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين. انظر: "تاريخ بغداد" (4/ 166 - 169)، و"المنهج الأحمد" (رقم 276). (¬6) في المطبوع: "الصوفة". (¬7) انظر: "المغني" (4/ 67/ 2886).

وبمثل ذلك أجاب أبو الحسن الجزري فيمن اشترى خشبًا ليقطعه فتركه حتى اشتد وغلظ: أن البيع ينفسخ، ومتى تلف بجائحة بعد التمكن من قطعه؛ فهو من ضمان المشتري، وهو مصرح به في "المجرد" و"المغني" (¬1)، وتكون الزكاة على البائع على هذا المأخذ بغير إشكال، وأما على الأول؛ فيحتمل أن تكون (¬2) على المشتري؛ لأن ملكه إنما ينفسخ بعد بدو الصلاح، وفي تلك الحال تجب الزكاة؛ فلا تسقط بمقارنة (¬3) الفسخ على رأي من يرى جواز اقتران الحكم ومانعه كما سبق، ويحتمل أن تكون (2) على البائع، ولم (¬4) يذكر الأصحاب فيه خلافًا؛ لأن الفسخ ببدو الصلاح استند إلى سبب سابق عليه، وهو تأخير القطع، وقد [يقال: يبدو ببدو] (¬5) الصلاح يتبين (¬6) انفساخ العقد من حين التأخير. ونقل أبو طالب عن أحمد [فيما إذا] (¬7) تركه حتى صار شعيرًا: إن أراد الحيلة (¬8)؛ فسد البيع. فمن الأصحاب من جعل هذه رواية ثالثة بالبطلان مع (¬9) قصد التحيل ¬

_ (¬1) (4/ 87/ 2944). (¬2) في المطبوع: "يكون". (¬3) في المطبوع و (ج): "بمقارنته". (¬4) في المطبوع: "ثم"، وهو خطأ. (¬5) في المطبوع: "يقال: يبدوا"، وفي (ج): "قيل ببدو". (¬6) في المطبوع: "يتعين"، وهو خطأ. (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬8) في المطبوع: "حيلة". (¬9) في المطبوع: "مح"، ولعله خطأ مطبعي.

على شراء الزرع قبل اشتداده (¬1) للتبقية؛ كابن عقيل في "التذكرة" (¬2). ومنهم من قال: بل متى تعمد الحيلة؛ فسد البيع من أصله، ولم ينعقد بغير خلاف، وإنما الخلاف فيما إذا لم يقصد الحيلة ثم تركه حتى بدا صلاحه؛ كصاحب"المغني" (¬3). ومنهم من قال: قصد الحِيلة إنما يؤثر في الإِثم لا في الفساد وعدمه، وهي طريقة القاضي. وإذا تقرر هذا؛ فالزيادة إنما تعلم باختلاف القيمة لعدم تميزها (¬4) في نفسها، وهي تفاوت ما بين القيمة (¬5) يوم الشراء وبعد الزيادة الحادثة بعده، كذلك قال القاضي في "المجرد"، ونص عليه أحمد في "رواية ابن منصور" (¬6) [كما] (¬7) سيأتي، وهو متمش على المأخذ الثاني في الانفساخ بمجرد الزيادة بعد العقد. وأما على المأخذ الأول؛ فالزيادة هي تفاوت ما بين القيمة قبل بدوِّ الصلاح وبعده؛ لأنه لم يزل على (¬8) ملك المشتري [إلى] (¬9) وقت ظهور ¬

_ (¬1) في المطبوع: "استناده"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) ذكره له المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 156)، وقال: "مجلد". (¬3) انظر: "المغني" (4/ 74 - 75/ 2903). (¬4) في المطبوع و (ج): "تمييزها". (¬5) في (ج): "القيمة". (¬6) "رواية ابن منصور" (ص 419). (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "على ما". (¬8) في المطبوع: "عنه". (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

الصلاح، وبذلك جزم في "الكافي" (¬1)، وحكاه في "المغني" (¬2) احتمالًا عن القاضي. وبقي الكلام في حكم الزيادة على الروايتين، أما على رواية الانفساخ؛ ففيها روايتان: إحداهما: أنها للبائع، وهي اختيار ابن أبي موسى والقاضي، ونقلها أبو طالب ويخره عن أحمد؛ لأن البيع متى انفسخ يعود إلى بائعه بنمائه المتصل (¬3)؛ كسمن العبد ونحوه، بل هنا أولى؛ لأنه نماء من تبقيته على (¬4) ملكه، فحقه فيه أقوى. والثانية: يتصدقان بها مع فساد البيع، قال القاضي في "المجرد" و" [كتاب] الروايتين" (¬5): نقلها حنبل، قال: وهي محمولة عندي على الاستحباب؛ لوقوع (¬6) الخلاف في صحة العقد وفساده ومستحق النماء؛ ¬

_ (¬1) انظر: "الكافي" (2/ 78). (¬2) انظر: "المغني" (4/ 75/ 4903). (¬3) في المطبوع: "المنفصل"، وهو خطأ. (¬4) في المطبوع: "تيقنه في"، وفي (ج): "تبقيته على مالكه"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). وقال القاضي في "المسائل الفقهة من كتاب الروايتين والوجهين" (1/ 334 - 335) بعد نقله عن حنبل: "وعندي أن قوله: يتصدقان بالزيادة على طريق الاستحباب لأجل الاختلاف؛ لأن جماعة من الفقهاء حكموا بصحة هذا البيع، وأن الزيادة للمشتري، ومنهم من حكم ببطلانه، والزيادة تابعة للأصل للبائع، فاستحب الصدقة بهذه الزيادة. . . ". (¬6) في المطبوع و (ج): "بوقوع".

فاستحب الصدقة بها (¬1). وأنكر الشيخ مجد الدين ثبوت هذه الرواية، وقال: هي سهو من القاضي. قال: وإنما ذكرها القاضي في "خلافه" مستدلًا بها على الصحة، فأما مع الفساد؛ فلا وجه لهذا القول (¬2). وأما ابن أبي موسى؛ فقال: وعنه يتصدق البائع بالفضل؛ لأنه نماء في غير ملكه، وهذا التعليل ترد (¬3) عليه الزيادة في المردود بالعيب ونحوه، لكن المراد أن هذه الزيادة عادت إليه؛ لانفساخ العقد على وجه منهي عنه في الشرع، بخلاف الرد بالعيب، ثم حكى رواية ثالثة باشتراك البائع والمشتري في الزيادة، وهذه الرواية ترجع إلى القول بأن الزيادة المتصلة لا تتبع في الفسخ، بل تبقى على ملك المشتري، وإنما شاركه البائع فيها؛ لأنها نمت من ملكه وملك المشتري، ولولا ذلك؛ لانفرد بها المشتري. [فإن قيل: لا يلزم تخريجها على هذا الأصل] (¬4)، وخص ابن أبي موسى هذا الخلاف بالثمار، فأما الزرع؛ فلم يذكر فيه خلافًا بأنّ (¬5) الزيادة للبائع (¬6). وأما على رواية الصحة؛ ففي حكم الزيادة ثلاث روايات: ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب) والمطبوع: "به". (¬2) انظر: "المحرر" (1/ 316). (¬3) في المطبوع و (أ): "يرد". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬5) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع: "إلا أن"، وفي (ب): "أن". (¬6) في المطبوع: "البائع".

إحداهن: أنهما (¬1) يشتركان فيها (¬2)، نقلها أحمد بن سعيد، لحدوثها على ملكيهما كما سبق، وحملها القاضي على الاستحباب (¬3)، ولا يصح، وبالاشتراك أجاب أبو حفص البرمكي فيمن اشترى خشبًا للقطع فتركه حتى اشتد وغلظ. والثانية: يتصدقان بها، وأخذها القاضي في "خلافه" من رواية حنبل، وتلك قد صرح [فيها أحمد] (¬4) بفساد البيع على ما حكاه القاضي أيضًا في "المجرد" و"كتاب الروايتين" (¬5)، ثم قال: وهذا عندي على الاستحباب؛ للنهي (¬6) عن ربح ما لم يضمن (¬7)، وهذا لم يضمن على المشتري؛ فكره له (¬8) ربحه، وكره للبائع؛ لحدوثه على ملك المشتري، وكذلك مال (¬9) صاحب "المغني" (¬10) إلى حملها على الاستحباب؛ لأن الصدقة بالشبهات مستحب، وهذه شبهة لاشتباه الأمر في مستحقها، ولحدوثها بجهة محظورة، ويشبه هذه الرواية ما نص عليه أحمد في ربح ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إنما". (¬2) في المطبوع: "يشتركان بينهما فيها". (¬3) انظر: "المسائل الفقهة" (1/ 334 - 335) للقاضي أبي يعلى. (¬4) في (ب): "أحمد فيها" بتقديم وتأخير. (¬5) انظره: (1/ 334). (¬6) في المطبوع: "المنهي"، والصواب ما أثبتناه. (¬7) سبق تخريج الأحاديث الدالة على ذلك. (¬8) في (ب): "فيكره له". (¬9) كذا في المطبوع و (ج) وهو الصواب، وفي (أ) و (ب): "قال". (¬10) انظر: "المغني" (4/ 67/ 2886).

مال المضاربة (¬1) إذا خالف فيه المضارب أنه يتصدق به، وفيمن أجر ما استأجره بربح أنه يتصدق به؛ لدخوله في ربح ما لم يضمن. والرواية الثالثة: أن الزيادة كلها للبائع، نقلها القاضي في "خلافه" في مسألة زرع الغاصب، ونص عليها (¬2) أحمد في "رواية ابن منصور" (¬3) فيمن اشترى قصيلًا فتركه حتى سنبل يكون للمشتري منه بقدر ما اشترى يوم اشترى، فإن كان فيه فضل؛ كان للبائع صاحب الأرض، قيل له، وكذلك النخل إذا اشتراه ليقلعه (¬4) فطلع؟ قال: وكذلك (¬5) في النخل، فإن كان فيه زيادة؛ فهو لصاحب الأرض البائع، ووجهه القاضي بأن الزيادة من نماء ملك البائع؛ فهي كالربح في المال المغصوب، فإنه لصاحب (¬6) المال دون الغاصب، ويلغي تصرفه فيه؛ لكونه محظورًا، كذلك ها هنا، ويمكن أن يفرق بينه وبين تصرف الغاصب بأن الغاصب إنما له آثار عمل؛ فألغيت، ¬

_ (¬1) قال صالح في "مسائله" (1/ 448/ 450): "وسألتُه عن المضارب إذا خالف؛ قال: بمنزلة الوديعة عليه الضمان، والربح لرب المال إذا خالف؛ الا أن المضارب أعجب إلي أن يعطى بقدر ما عمل"، وقال في رواية أبي داود (ص 199): "يختلفون فيه"، وصرح أحمد بالضمان في "مسائل عبد اللَّه" (294/ 1093 - 1095) والصدق بالربح من قبلهما رواية عن أحمد. وانظر: "المسوّدة" (ص 452)، و"بدائع الفوائد" (4/ 124)، و"الإنصاف" (5/ 425 - 426)، و"منح الشفا الشافيات" (2/ 23 - 24). (¬2) في المطبوع و (ج): "عليه"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) انظرها: (464/ 419). (¬4) في (أ): "ليقطعه". (¬5) في المطبوع و (ج): "كذلك" من غير واو. (¬6) في المطبوع: "فإنه يكون لصاحب".

وهنا للمشتري عين مال نمت؛ فكيف يسقط حقه من نمائها؟! ويجاب عنه بأن المشري إنما يستحق بالعقد ما وقع عليه البيع (¬1) من الثمرة، وما زاد على ذلك؛ فلا حق له فيه، وهذا البيع لم يتم قبضه [فيه] ولا دخل (¬2) في ضمانه؛ فلا يستحق أن يقبض غير ما وقع عليه البيع بمقتضى عقده. وحمل القاضي قول أحمد ها هنا وكذلك الخل إذا اشتراه ليقلعه (¬3): على أنه اشترى جذوعه ليقطعها. وقال الشيخ مجد الدين: ويحتمل (¬4) عندي أن يقال بأن زيادة الثمرة في صفتها للمشتري وما طال من الجزة (¬5) للبائع؛ لأن هذه الزيادة لو فرضنا أن المشري كان قد جَزَّ ما اشتراه؛ لأمكن وجودها، ويكون للبائع؛ فكذلك إذا لم تجز. انتهى. واختار القاضي خلاف ذلك (¬6) كله، وأن الزيادة كلها للمشتري مع صحة العقد، وللبائع مع فساده، ولم يثبت في "كتاب الروايتين" في المذهب في هذا خلافًا (¬7)، وما قاله من انفراد المشتري بالثمرة بزيادتها ¬

_ (¬1) في المطبوع: "العقد". (¬2) في المطبوع: "ولا وجد"، وما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في (ج): "ليقطعه". (¬4) في (ب) و (ج): "يحتمل" من غير واو. (¬5) في (ج): "من الشجرة الجزة". (¬6) في المطبوع: "هذا". (¬7) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (1/ 336).

مخالف [لجميع نصوص] (¬1) أحمد، وقياسه كذلك (¬2) على سمن العبد غير صحيح؛ لأن هذه الزيادة نمت من أصل البائع مع استحقاق إزالتها عنه، بخلاف سمن العبد وطوله، ولو قال مع ذلك بوجوب الأجرة للبائع إلى حين القطع؛ لكان أقرب. كما أفتى به ابن بطة [رحمه اللَّه] (¬3) فيمن اشترى خشبًا للقطع فتركه في أرض البائع حتى غلظ واشتد: أنه يكون بزيادته للمشتري، وعليه لصاحب الأرض أجرة أرضه للمدة التي تركها فيه وأخذه من غرس الغاصب، ولكن تبقية الشجر في الأرض له أجرة معتبرة، [وكذلك] (¬4) الزرع، وأما (¬5) تبقية الثمر على رؤوس الشجر؛ فلا يستحق له أجرة بحال، ذكره القاضي في "التفليس" (¬6). وحكم العرايا إذا تركت في رؤوس النخل حتى أثمرت حكم الثمر إذا ترك حتى يبدو صلاحه عند القاضي وأكثر الأصحاب، ومنهم من لم يحك خلافًا في البطلان في العرية، بخلاف الثمر والزرع؛ كالحلواني وابنه، ويفرق بينهما بأن بغ العرايا رخصة مستثناة من المزابنة المحرمة شرعت للحاجة إلى أكل الرطب وشرائه بالثمر (¬7)، فإذا ترك حتى صار تمرًا؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لمنصوص". (¬2) في (ج): "لذلك". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وللمالك"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع: "فأما". (¬6) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الرواتين والوجهين" (1/ 373 - 374). (¬7) في المطبوع: "بالثمن"، وفي (ج): "بالتمر". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وحرمة المزابنة واستثناء بيع العرايا ناتجة فيما أخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أوسرب في حائط أو في نخل، 5/ 50/ رقم 2381)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب البيوع، باب النهي عن المحاقلة والمزابنة، 3/ 1174/ رقم 1536)؛ عن جابر رضي اللَّه عنه، قال: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المخابرة، والمحاقلة، وعن المزابنة، وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، وأن لا تباع إلا بالديار والدرهم؛ إلا العرايا". لفظ البخاري. وفي لفظ لمسلم في آخره: "ورخّص في العرايا". والعرايا: جمع عَرِيَّة، سمّيت بذلك لأنها عَرِيتْ عن حكم باقي البستان، يعريها صاحبُها غيره ليأكل ثمرتها. انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه" (180) للنووي. وسيشير المصنف لاحقًا إلى منع بيع التمر بالرطب، وقد أخرج مالك في "الموطأ" (2/ 624)، ومن طريقه الشافعي في "مسنده" (2/ 159) وفي "الرسالة" (ص 331 - 332)، والطالسي في "مسنده" (رقم 214)، وعبد الرزاق في "المصنف" (8/ 32)، وأحمد في "مسنده" (1/ 279)، وأبو داود السجستاني في "سننه" (كتاب البيوع، باب في النمر بالتمر، رقم 3359)، والترمذي في "جامعه" (أبواب البيوع، باب في النهي عن المحاقلة والمزابنة، رقم 1225)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب البيوع، باب اشتراء التمر بالرطب، 7/ 269)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب التجارات، باب بيع الرطب بالتمر، رقم 2284)، والحميدي في "مسنده" (1/ 41)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (6/ 182 و 14/ 204) وفي "مسنده" (ورقة 64)، وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 68 و 141)، والبزار في "مسنده" (ق 208)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 6)، والهيثم بن كليب الشاشي في "مسنده" (ورقة 69 ب)، والدورقي في "مسند سعد" (رقم 111)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 657)، والدارقطني في "سننه" (3/ 49)، والخطابي في "غريب الحديث" (2/ 225)، وابن جميع في "معجمه" (ص 201)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 38 و 43)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 211)، والبيهقي في "السنن" (5/ 294)، والبغوي في "شرح السنة" (8/ 78)، والضياء المقدسي في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = "المختارة" (قسم 2/ 218)؛ من طريق عبد اللَّه بن يزيد، عن زيد أبي عياش: "أن سعدًا سئل عن البيضاء بالسلت، فكرهه، وقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسأل عن الرطب بالتمر؛ فقال: أينقص التمر إذا يبس؟ قالوا: نعم. فال: فلا إذًا". وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد في "المسائل" (ص 275 - رواية ابنه عبد اللَّه) من طريق ابن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد اللَّه بن يزيد، به. قال الترمذي: "حسن صحيح"، وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم يُروى عن سعد إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد"، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح؛ لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك بن أنس، وأنه محكم في كل ما يرويه من الحديث؛ إذ لم يوجد في رواياته إلا الصحيح، خصوصًا في حديث أهل المدينة"، ثم قال: "والشيخان لم يخرجاه؛ لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش"، وقال الخطاي في "معالم السنن" (5/ 35): "قد تكلم بعض الناس في إسناد حديث سعد بن أبي وقاص"، وقال: "زيد أبو عياش راويه ضعيف"، ثم قال: "وليس الأمر على ما توهمه، وأبو عياش هذا مولى لبني زهرة معروف، وقد ذكره مالك في "الموطأ"، وهو لا يروي عن رجل متروك الحديث بوجه، وهذا من شأن مالك وعادته معلومة" اهـ. وفي الحديث ذكره السيوطي في "الجامع الكبير" (2/ 216) وفي "الدر المنثور" (2/ 112)، وعزاه لمالك وابن أبي شيبة وأبي داود والترمذي والنسائي والشافعي والبيهقي. وقوله: "بالسلت" هو نوع من الشعير، رقيق القشر، صغار الحب، وقوله: "أينقص الرطب؟ "؛ قال الخطابي في "معالم السنن": "هذا لفظه لفظ استفهام، ومعناه التقرير والتنبيه بكُنْهِ الحكم وعلته لكي يكون معتبرًا في نظائره، وإلا؛ لا يجوز أن يخفى عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الرطب إذا يبس نفص وزنه؛ فيكون سؤاله عن سؤال تعرّف واستفهام" اهـ. وقال البغوي في "شرح السنة" (8/ 79): "هذا الحديث أصل في أنه لا يجوز بيع شيء من المطعوم بجنسه، وأحدهما رطب والآخر يابس، مثل بيع الرطب بالتمر، وبيع العنب بالزيب، واللحم الرطب بالقديد، وهذا قول أكثر أهل العلم، وإليه ذهب مالك =

فقد زال المعنى الذي شرعت لأجله الرخصة (¬1)، وصار بيع تمر بتمر؛ فلم يصح إلا بيقين (¬2) المساواة، واللَّه أعلم. وأما العقود؛ فيتبع فيها النماء الموجود حين ثبوت الملك بالقبول أو غيره؛ [وإن لم] (¬3) يكن موجودًا حين الإيجاب أو ما يقوم مقامه. - فمن ذلك: الموصى به إذا نما نماءً متصلًا (¬4) بعد الموت وقبل القبول؛ فإنه يتبع العين إذا احتمله الثلث، ذكره صاحب "المغني" (¬5)، وقال صاحب "المحرر" (¬6): [إن] (¬7) قلنا: لا ينتقل الملك إلا من حين القبول؛ فالزيادة محسوبة عليه (¬8) من الثلث، وإن قلنا: يثبت (¬9) من حين الموت؛ فالزيادة له غير محسولة عليه من التَّركة لأنها نماء ملكه، [واللَّه أعلم] (¬10). - (ومنه): الشقص المشفوع إذا كان فيه شجر، فنمى قبل الأخذ ¬

_ = والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، وجوزه أبو حنيفة وحده، وأما بيع الرطب بالرطب، وبيع العنب بالعنب، فلم يجوّزه الشافعي وجوّزه الآخرون". (¬1) في (ب): "للرخصَةِ"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع: "بتعيين"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فلم". (¬4) في المطبوع: "منفصلًا"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) انظره في: "المغني" (6/ 157/ 4807). (¬6) "المحرر" (1/ 384). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬8) في المطبوع: "محسوبة كذلك عليه". (¬9) في المطبوع: "ثبتت"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬10) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

بالشفعة؛ فإنه يأخذه بنمائه بالثمن الذي وقع (¬1) عليه العقد، ولا شيء عليه للزيادة (¬2)، وكذلك لو كان فيه ثمر أو زرع، فنمى وقلنا: يتبع في الشفعة كما هو أحد الوجهين فيهما، لو تأبر الطلع المشمول بالبيع في يد المشتري ثم أخذه الشفيع؛ ففي تبعيته (¬3) وجهان لتعلق حقه بالطلع ونمائه. - (ومنه): لو اشترى رجل من أهل الحرب ما استولوا عليه من مال مسلم ثم نمى عند المشتري نماءً متصلًا (¬4) حتى زادت قيمته، فإنه يأخذه بالثمن الذي اشتراه به، ولا شيء عليه للزيادة، نص (¬5) عليه أحمد في رواية مُهَنا. وأما تبعية النماء في عقود التوثقة (¬6)، فإنه يتبع في الرهن وأموال الزكاة والجاني والتّركة (¬7) المتعلق بها حق (¬8) الغرماء، وإن (¬9) قيل [انتقال ملكها] (¬10) إلى الورثة؛ لأن التعلق فيها (¬11) إما تعلق رهن أو جناية، والنماء المتصل تابع ¬

_ (¬1) في (أ): "يقع". (¬2) في المطبوع: "في الزيادة". (¬3) في (ج): "تبيعته"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في المطبوع: "منفصلًا"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع: "فنص". (¬6) في المطبوع و (ج): "التوثق". (¬7) في المطبوع: "في التركة"، وفي (ج): "ومنه التركة". (¬8) في المطبوع: "حقوق". (¬9) في (ب): "فإن". (¬10) في المطبوع: "بانتقالها". (¬11) في (ب): "فيهما".

فيهما، صرح القاضي وابن عقيل بذلك كله [متفرقًا] (¬1) في كلامهما (¬2). وأما عقود الضمان؛ فتتبع في الغصب على ظاهر المذهب، وحكى ابن أبي موسى فيه رواية أخرى: أنه لا يتبع، ولا يكون النماء المتصل الحادث في يد الغاصب مضمونًا إذا رد الأصل كما قبضه، وقياسه العارية؛ لأن الانتفاع حاصل به؛ فيصير حكمه حكم الأصل؛ كنماء العين المستأجرة. وتتبع أيضًا في الصيد الذي في يد المحرم وفي نماء المقبوض بعقد فاسد وجهان معروفان (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) في (ج): "كلاميهما". (¬3) في المطبوع: "معرفان".

82 - القاعدة الثانية والثمانون والنماء المنفصل تارة يكون متولدا من عين الذات؛ كالولد والطلع والصوف واللبن والبيض، وتارة يكون متولدا من غيرها، واستحق بسبب العين؛ كالمهر [والأجرة] والأرش

(القاعدة الثانية والثمانون) والنماء (¬1) المنفصل تارة يكون متولدًا من عين الذات؛ كالولد والطلع والصوف واللبن والبيض، وتارة يكون متولدًا من غيرها، واستحق بسبب العين؛ كالمهر [والأجرة] (¬2) والأرش. والحقوق المتعلقة بالأعيان ثلاثة: عقود، وفسوخ، وحقوق تتعلق (¬3) بغير عقد ولا فسخ (¬4). فأما العقود؛ فلها حالتان: إحداهما: أن ترد على الأعيان بعد وجود نمائها المنفصل؛ فلا يتبعها (¬5) النماء، وسواء كان من العين أو غيرها؛ إلا ما كان متولدًا من العين في حال (¬6) اتصاله بها واستتاره وتغيبه (¬7) فيها أصل الخلقة؛ فإنه يدخل تبعًا؛ ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "النماء" من غير واو. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬3) كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي المطبوع: "يتعلق". (¬4) في المطبوع و (ج): "فسخ ولا عقد" بتقديم وتأخير. (¬5) في (ج): "فلا يتبع"، والصواب ما أثبتناه. (¬6) في (أ): "حالة". (¬7) كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب): "وتغييبُه"، وفي المطبوع: "وتعيبه".

كالولد واللبن والبيض والطلع غير المؤبر، أو كان ملازمًا للعين لا يفارقها عادة؛ كالشعر والصوف؛ فإنها تلحق بالمتصل في استتباع العين. وفي "المجرد" و"الفصول" وجه في الرهن: أنه لا يدخل فيه صوف الحيوان ولبنه، ولا ورق الشجر المقصود، وهو بعيد. وأما (¬1) المنفصل البائن (¬2)؛ فلا يتبع بغير خلاف؛ إلا في التدبير؛ فإن في استتباع (¬3) الأولاد فيه روايتين (¬4). والحالة الثانية: أن يحدث النماء بعد ورود العقد على العين؛ فينقسم العقد إلى تمليك وغيره. فأما (¬5) عقود التمليكات المنجزة؛ فما ورد منها على العين والمنفعة بعوض أو غيره؛ فإنه يستلزم (¬6) استتباع النماء المنفصل [من العين] (7) وغيره؛ كالبيع والهبة والعتق [وعوضه] (¬7) وعوض الخلع والكتابة والإجارة والصداق وغيرها، وما ورد منها على العين المجردة من غير منفعة؛ كالوصية بالرقبة دون المنافع والمشتري لها من مستحقها على القول بصحة البيع (¬8)؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أما" من غير واو. (¬2) في (أ): "اليابس"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع: "استباع". (¬4) في (ج): "روايتان"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في المطبوع و (ج): "وأما". (¬6) في (ج): "يلزم". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬8) في المطبوع: "المبيع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

فلا يتبع فيه النماء من غير العين. وفي استتباع الأولاد وجهان بناءً على أن الولد (¬1) جزء أو كسب، وما ورد منها (¬2) على المنفعة المجردة، فإن عم (¬3) المنافع؛ كالوقف والوصية بالمنفعة؛ يتبع فيه (¬4) النماء الحادث من العين وغيرها؛ إلا الولد، فإن فيه وجهين مصرحًا (¬5) بهما في الوقف، ويُخَرَّجان (¬6) في غيره بناءً على أنه جزء أو كسب. وفي أرش الجناية على الطرف بالإتلاف احتمالان مذكوران في "الترغيب": هل هو للموقوف (¬7) عليه كالفوائد، أويشترى به شقص يكون وقفًا كبدل الجملة؟ فإن كانت الجناية بغير إتلاف؛ فالأرش للموقوف (¬8) عليه وجهًا واحدًا، وإن كان العقد على منفعة خاصة لا تتأبد؛ كالإِجارة؛ فلا [يتبعُ فيه شيء] (¬9) من النماء المنفصل بغير خلاف. وأما عقود غير التمليكات المنجزة؛ فنوعان: ¬

_ (¬1) في (ج): "أنه الولد". (¬2) في المطبوع: "فيها". (¬3) في (ج): "علم". (¬4) كذا في (أ)، وفي (ب): "يتبع فيها"، وفي المطبوع و (ج): "تتبع فيه". (¬5) كذا في (ب)، وفي المطبوع و (أ) و (ج): "مصرح". (¬6) في المطبوع و (ج): "وخرجان". (¬7) في المطبوع و (ج): "للموقف". (¬8) في (ج): "للموقف". (¬9) في المطبوع: "تتبع فيه شيئًا".

أحدهما: ما يؤول إلى التمليك، فما كان منه لازمًا لا يستقل العاقد أو من يقوم مقامه بإبطاله من غير سبب؛ فإنه يتبع فيه النماء المنفصل من العين وغيرها، ويندرج في ذلك صور: - (منها): المكاتبة؛ [فيملك إكسابها] (¬1)، ويتبعها أولادها بمجرد العقد. - (ومنها): المكاتب يملك إكسابه (¬2)، ويتبعه أولاده من أمته؛ كما يتبع الحر ولده من أمته، ولا يتبعه ولده من أمة لغيره (¬3). - (ومنها): الموصى بعتقه إذا كسب بعد الموت وقبل اعتاق الورثة؛ فإن كسبه له، ذكره القاضي وابن عقيل وصاحب "المحرر" (¬4)؛ لأن (¬5) إعتاقه واجب لحق اللَّه [تعالى] (¬6)، ولا يتوقف على [قبول] (6)؛ فهو كالمعتق، بخلاف الوصية لمعين. وقال صاحب "المغني" في آخر (باب العتق): كسبه للورثة؛ كأم الولد (¬7)، ولكن يمكن التفريق بينهما بأن أم الولد مملوكة لسيِّدها، ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، وفي المطبوع: "فيملك اكتسابها"، وفي (ب): "فيتملك إكسابها"، وفي (ج): "فتملك إكسابها". (¬2) في المطبوع: "اكتسابه". (¬3) في (ج): "الغير". (¬4) انظر: "المحرر" (1/ 385). (¬5) في (ج): "ولأن". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) انظر: "المغني" (10/ 306 - 307/ 8632).

والموصى بعتقه غير مملوك للورثة؛ لأن الوصية تمنع انتقاله إليهم، وإذا قيل: هو على ملك الميت؛ فهو [ملك] (¬1) تقديري لا يمنع من استحقاق الكسب، فلو (¬2) كان أمة، فولدت قبل العتق وبعد الموت؛ يتبعها (¬3) الولد؛ كأم الولد، هذا هو [الظاهر] (¬4)، وقال القاضي في "تعليقه": لا يعتق. - (ومنها): المعلق عتقه بوقت أو صفة بعد الموت كمن قال لعبده: إن مت، ثم دخلت الدار؛ فأنت حر، أو أنت حر بعد موتي بسنة، وصححنا ذلك؛ فكسبه بين الموت ووجود شرط العتق للورثة، ذكره القاضي وابن عقيل وصاحب "المغني" (¬5)؛ كأم الولد، بخلاف الموصى بعتقه؛ لأن ذاك (¬6) وجب عتقه في الحال، وهذا يتردد (¬7) في وجود شرط عتقه؛ فإنه قد يجيء الوقت المعين بعد موته وقد لا توجد الصفة؛ حتى ذكر في "المغني" في منع الوارث من التصرف فيه قبل الصفة احتمالين (¬8)، وصرح صاحب ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في (ب): "ولو". (¬3) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "تبعها". (¬4) في (ج) "ظاهر المذهب". (¬5) انظر: "المغني" (10/ 318/ 8659). (¬6) في المطبوع: "ذلك". (¬7) في (أ): "متردد". (¬8) قال في "المغني" (10/ 317 - 318/ 8656): ". . . احتمل أن يمنع الوارث من التصرف في رقبته؛ لأنه يستحق العتق، فأشبه الموصي بعتقه، واحتمل أن لا يمنعه؛ لأنه علق عتقه على صفة غير الموت، فلم يمنع من التصرف فيه".

"المستوعب" بأنه باقٍ على حكم ملك الميت لا ينتقل إلى الورثة كالموصى بعتقه. وعلى هذا؛ فيتوجه أن كسبه له وما قيل من احتمال موته قبل الصفة معارض باحتمال موت الموصى بعتقه قبل العتق، وأما إن كانت أمة وولدت (¬1) بعد الموت؛ فهو تابع لها؛ كأم الولد، صرح به القاضي وابن عقيل، وهو متوجه سواء قيل: إن هذا العقد تدبير؛ كقول ابن أبي موسى والقاضي في "خلافه"، أو قيل: إنه تعليق؛ كقول القاضي في "المجرد" وابن عقيل؛ فإنه تعليق (¬2) لازم مستقر، لا يمكن إبطاله؛ فهو كالكتابة، وهذا يشهد لما ذكرنا من تبعية الولد في التي قبلها. - (ومنها): الموصى بوقفه إذا نمى بعد الموت وقبل إيقافه؛ فأفتى (¬3) الشيخ تقي الدين أنه يصرف مصرف (¬4) الوقف؛ لأن نماءه قبل الوقف كنمائه بعده (¬5). ونقل (¬6) يعقوب بن بختان وإبراهيم بن هانئ عن أحمد فيمن جعل مالًا في وجوه البر فاتَّجر به الموصي (¬7)؛ قال: إنْ ربح؛ جعل ربحه مع ¬

_ (¬1) في (ج): "فولدت". (¬2) في (أ): "تعلق". (¬3) في (ب): "أفتى". (¬4) في المطبوع: "منصرف". (¬5) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 190) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه. (¬6) في المطبوع: "كنمائه بعده، ومنها ما نقل". (¬7) في المطبوع: "الوصى".

المال فيما أوصى به، وإن خسر؛ كان ضامنًا (¬1)، فهذا إن كان [مراده إذا] (¬2) وصى بتفرقة عين المال؛ فواضح، وإن كان وصى أن يشتري [منه ما] (¬3) ينمو [أو] (¬4) يوقف أو يتصدق بنمائه (¬5)؛ كان [مخالفًا كما] (¬6) أفتى به (الشيخ)] (¬7). - (ومنها): الموصى به لمعين يقف على قبوله إذا نمى بعد الموت وقبل القبول نماءً منفصلًا (¬8)؛ فينبني على أن الملك قبل القبول؛ هل هو للوارث، أو للميت، أو للموصى [له] (¬9)؟ وفيه ثلاثة أوجه: فإن قيل: إنه للوارث، فهو مختص بنمائه. وإن قيل: هو على ملك الميت، فنماؤه من التركة. وإن قيل: إنه للموصى له بمعنى أنا نتبين بقبوله ملكه بالموت، أو قيل: إنه لا يتوقف ملكه على قبول؛ فنماؤه كله للموصى له. ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل ابن هانئ" (2/ 40/ 1344). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "فيما"، وفي (ج): "به ما". (¬4) في (ج): "و". (¬5) في (ج): "به". (¬6) ما بين المعقوفتين مضروب عليه في (أ)، وفي المطبوع: "مخالفًا لما"، وفي (ج): "تمليكًا كما". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وما بين الهلالين سقط من (ج). (¬8) في (ج): "متصلًا"، والصواب ما أثبتناه. (¬9) في (أ): "به".

- (ومنها): النذر والصدقة والوقف إذا لزمت في عين؛ لم يجر لمن أخرجها عن ملكه أن (¬1) يشري شيئًا من نتاجها (¬2)، نص عليه أحمد في الصدقة والوقف في "رواية حنبل"، ولو اشترى عبدًا فأعتقه، ثم بأن به عيب فأخذ أرشه؛ فهل يملكه (¬3) لنفسه، أو يجب عليه صرفه في الرقاب؟ على روايتين، وخص القاضي الروايتين بالعتق عن الواجب إذا كان العيب [لا] (¬4) يمنع الإجزاء؛ إلحاقًا للأرش بالولاء، ولو اشترى شاة فأوجبها أضحية، ثم أصاب بها عيبًا فأخذ أرشه اشترى به أضحية؛ فإن لم يمكن (¬5) تصدق به، ذكره القاضي، وفرق بينه وبين العتق بأن القصد من العتق تكميل أحكام العبد، وقد حصل، والقصد من الأضحية إيصال لحمها إلي المساكين، فإذا كان فيه عيب دخل الضرر عليهم؛ فوجب رد أرشه عليهم [جبرًا وتكميلًا] (¬6). وفي "الكافي" (¬7) احتمال آخر: أن الأرش له كما في العتق، وأما الهدي والأضاحي إذا تعين، فإن قيل: إن ملكه لا يزول بالتعيين كقول القاضي والأكثرين؛ فهو من هذا النوع؛ وإن جاز إبداله؛ لأن إبداله نقل ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "أنه". (¬2) في (ب): "صاحبها". (¬3) في المطبوع و (ج): "يملك". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (ب): "يكن". (¬6) سقط من (أ) و (ج): "وتكميلًا"، وسقط من (ب): "جبرًا و". (¬7) انظره: (1/ 467).

للحق لا اسقاط له؛ كالوقف، ويتبعه نماؤه منه؛ كالولد، فإذا ولدت الأضحية؛ ذبح معها ولدها، وهل يكون أضحية بطريقة التبع أم لا؟ فيه وجهان: أحدهما: هو أضحية، قاله في "المغني" (¬1)؛ فيجوز أن يأكل منه كأمه. والثاني: ليس بأضحية، قاله ابن عقيل. قال: وإن تصدق به صحيحًا؛ فهل يجزئ؟ فيه احتمالان؛ لتردده بين الصدقة المطلقة وبين أن يحذي به حذو الأم، والأشبه بكلام أحمد أنه أضحية؛ فإنه قال في "رواية ابن مشيش": يذبحها وولدها عن سبعة، وقال في "رواية ابن منصور": يبدأ بأيهما شاء في الذبح، وأنكر قول من قال: لا يبدأ إلا بالأم. وعلى هذا؛ فهل يصير الولد تابعًا لأمه أو مستقلًّا بنفسه حتى لو باع أمه أو عابت، وقلنا: ترد (¬2) إلى ملكه؛ فهل يرجع ولدها معها؟ على وجهين، ذكرهما في "المغني" (1)، ولا فرق بين أن يعين (¬3) ابتداءً أو عن واجب في الذمة على الصحيح. وفيه وجه آخر: أن المعينة عما في الذمة لا يتبعها ولدها؛ لأن الواجب في الذمة واحد، والصحيح الأول؛ لأنها بالتعيين صارت كالمعينة ¬

_ (¬1) "المغني" (3/ 287/ 2715). (¬2) في المطبوع و (أ): "يرد". (¬3) في (ب): "يعتق"، والصواب ما أثبتناه.

ابتداءً، وأما اللبن؛ فيجوز شربه [ما لم يعجفها؛ للنص (¬1)، و] (¬2) لأن الأكل من لحمها جائز، فيجوز (¬3) الانتفاع بغيره من منافعها ومن درها وظهرها (¬4). فأما الصوف؛ فنص أحمد على كراهة جزه إلا أن يطول ويكون جزُّه نفعًا لها، قال الأصحاب: [ويتصدق به] (¬5)، وفرقوا بين الصوف واللبن بأن الصوف كان موجودًا حال إيجابها؛ فورد الإيجاب عليه، واللبن يتجدد شيئًا بعد شيء؛ فهو كمنفعة ظهرها، وقال (¬6) القاضي في "المجرد": ويستحب (¬7) [له] (¬8) الصدقة بالشعر وله الانتفاع به، وذكر ابن الزاغوني أن ¬

_ (¬1) النص المشار إليه هر أثر لعليّ رضي اللَّه عنه، أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6/ 231)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 236 و 9/ 288)؛ عن المغيرة ابن حذف؛ قال: "كنتُ جالسًا عند علي، فأتاه رجل من هَمْدان، فقال: يا أمير المؤمنين! إنِّي اشتريتُ بقرةً نتوجًا لأضَحِّي بها، وإنّها ولدت؛ فما ترى فيها وفي ولدها؟ فقال: لا تحْلبْها إلا فضلًا عن ولدها، فإذا كان يوم الأضحى، فضَحِّ بها وبولدها عن سبعةٍ من أهلك". والمغيرة؛ قال ابن معين: "مشهور"، وذكره ابن خلفون في "الثقات" كما في "تعجيل المنفعة" (409)؛ فالإسناد حسن إن شاء اللَّه. وأخرجه الطيالسي في "المسند" (158) عن المغيرة مختصرًا، وعزاه في "المغني" (3/ 287) لسعيد بن منصور والأثرم فقط. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، ومن (أ) سقط "للنص و". (¬3) في (ج): "ويجوز". (¬4) في المطبوع: "وظهرهما"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) في (أ): "وذكر". (¬7) في (ج): "يستحب" من غير واو. (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

اللبن والصوف لا يدخلان في الإيجاب، وله الانتفاع بهما إذا لم يضر بالهدي، وكذلك قال صاحب "التلخيص" في اللبن، ولو فقأ رجل عين الهدي المعين ابتداءً (¬1) أخذ منه أرشه، وتصدق به [أيضًا] (¬2)، ذكره القاضي في "خلافه"، وإن قيل: بزوال ملكه بالتعيين؛ كقول أبى الخطاب؛ فهو من قسم التمليكات المنجزة؛ كالعتق والوقف، وإن جاز الانتفاع ببعض منافعه كمن وقف مسجدًا؛ فإنه ينتفع به مع جملة المسلمين. وأما ما كان منها غير لازم وهو ما يملك العاقد إبطاله، إما بالقول أو بمنع (¬3) نفوذ الحق المتعلق به بإزالة (¬4) الملك من غير وجوب (¬5) إبدال؛ فلا يتبع فيه النماء من غير عينه. وفي استتباع الولد خلاف، ويندرج تحت ذلك صور: - (منها): المدبرة؛ فإنه يتبعها ولدها على المذهب المشهور، وعنه رواية أخرى: لا يتبعها، وزعم أبو الخطاب في "انتصاره" أن هذا الخلاف منزل (¬6) على أن التدبير؛ هل هو لازم أم لا؟ فإن قيل بلزومه؛ تبع الولد، وإلا؛ لم يتبع، وأبى أكثر (¬7) الأصحاب ذلك. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ابتدأ"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬3) في المطبوع: "تمنع"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في (ج): "لكن بإزالة". (¬5) في المطبوع: "وجواب"، والصواب ما أثبتناه. (¬6) في المطبوع و (ج): "نزل". (¬7) في (أ): "أكبر".

وعلى القول بالتبعية قال الأكثرون: يكون مدبرًا بنفسه لا بطريق التبع، بخلاف ولد المكاتبة، وقد نص أحمد في "رواية ابن منصور" على أن الأم لو عتقت في حياة السيد؛ لم يعتق الولد حتى يموت، وعلى هذا لو رجع في تدبير الأم وقلنا له ذلك؛ بقي الولد مدبرًا، هذا قول القاضي وابن عقيل، وقال أبو بكر في "التنييه": بل هو تابع محض لها؛ إن عتقت عتق، وإن رقت رق. وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى أيضًا. - (ومنها): المعلق عتقها بصفة إذا حملت وولدت بين التعليق ووجود الصفة؛ ففي عتقه معها وجهان معروفان، ولو لم توجد الصفة في الأم؛ لم يعتق ولو وجدت الصفة فيه (¬1)؛ لأنه تابع محض. - (ومنها): الموصى بعتقها أو وقفها إذا ولدت قبل موت الموصي؛ لم يتبعها، ذكره القاضي في الموصى بعتقها وقياسه الأخرى، ويحتمل أن يتبع (¬2) في الوصية بالوقف بناءً على أن المغلب فيه شوب التحرير [دون] (¬3) التمليك. - (ومنها): المعلق وقفها بالموت؛ إن قلنا: هو لازم -وهو ظاهر كلام أحمد في (¬4) رواية الميموني-؛ صارت كالمستولدة؛ فينبغي أن يتبعها ولدها، وإن قلنا: ليس بلازم، وكلام أحمد في آخر "رواية الميموني" يشعر به؛ حيث قال: "إن كان تناول"وشبهه بالمدبر (يعني: أنه يتبعه)؛ فهل ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "فيه الصفة" بتقديم وتأخير. (¬2) في المطبوع: "تتبع". (¬3) في (ج): "لا". (¬4) في المطبوع: "من".

يتبعها الولد كالمدبرة (¬1)، أو لا يتبع؛ لأن الوقف تغلب (¬2) فيه شائبة التمليك؛ فهو كالموصى به؟ يحتمل (¬3) وجهين. النوع الثاني: عقود موضوعة لغير تمليك العين؛ فلا (¬4) يملك بها النماء بغير إشكال؛ إذ الأصل لا يملك؛ فالفرع أولى، ولكن هل يكون النماء تابعًا لأصله في ورود العقد عليه وفي كونه مضمونًا، [أو] (¬5) غير مضمون؟ فإن كان العقد واردًا على العين، وهو لازم؛ فحكم النماء حكم الأصل، وإن كان غير لازم أو لازمًا، لكنه معقود على المنفعة من غير تأبيد أو على ما في الذمة؛ فلا يكون النماء داخلًا في العقد، وهل يكون تابعًا للأصل في الضمان وعدمه؟ فيه وجهان: أحدهما: أنه تابع له فيهما. والثاني: إن شارك الأصل في المعنى الذي أوجب الضمان أو الائتمان؛ تبعه، وإلا؛ فلا، ويندرج تحت ذلك صور [عديدة] (¬6). ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "كالمدبر". (¬2) في (ب) و (ج): "يغلب". (¬3) في المطبوع: "ويحتمل". (¬4) في (أ): "ولا". (¬5) في المطبوع: "أم". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

- (ومنها) (¬1): المرهون؛ فنماؤه المنفصل كله رهن معه، سواء كان متولدًا من عينه؛ كالثمرة والولد، أو من كسبه؛ كالأجرة، أو بدلًا عنه؛ كالأرش، وهو داخل معه في عقد الرهن؛ فيملك (¬2) الوكيل في بيع الرهن بيعه معه؛ وإن كان حادثًا بعد العقد والتوكيل. - (ومنها): الأجير؛ كالراعي ونحوه (¬3)؛ فيكون النماء في يده أمانة كأصله، ولا يلزمه (¬4) رعي سخال الغنم المعينة في عقد الرعي؛ لأنها غير داخلة فيه، بخلاف ما إذا كان الاستئجار على رعي غير معينة؛ فإن عليه (¬5) رعي سخالها لأن عليه أن يرعى ما جرى العرف به مع الإطلاق، ذكره القاضي في "المجرد". - (ومنها): المستأجر يكون النماء في يده أمانة كأصله، وليس له الانتفاع به؛ لأنه غير داخل في العقد، وهل له إمساكه بغير استئذان مالكه تبعًا لأصله جعلًا للإذن (¬6) في إمساك أصله إذنًا في إمساك نمائه، أم لا كمن أطارت الريح إلى داره ثوب غيره؟ خرجه القاضي وابن عقيل على وجهين. - (ومنها): الوديعة؛ هل يكون نماؤها وديعة، أو (¬7) أمانة محضة ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "منها" من غير واو. (¬2) في المطبوع: "فتملك"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) في المطبوع: "وغيره". (¬4) في (ج): "ولا يلزم". (¬5) في المطبوع و (ج): "عليها". (¬6) في (أ): "الإذن". (¬7) في المطبوع و (ج): "و".

كالثوب المطار إلى داره؟ على الوجهين (¬1) أيضًا. - (ومنها): العارية لا يرد عقد الإِعارة على ولدها؛ فليس للمستعير الانتفاع به، وهل هو مضمون كأصله أم لا؟ على وجهين ذكرهما القاضي وابن عقيل [في (باب الرهن)] (¬2): أحدهما: هو مضمون؛ لأنه تابع لأصله. والثاني: ليس بمضمون؛ لأن أصله إنما ضمن لإِمساكه للانتفاع به (¬3)، والنماء ممسوك لحفظه على المالك، فيكون أمانة، وقالا في (باب (¬4) الغصب): إن ولد (¬5) العارية [مضمون] (¬6)، وجهًا واحدًا. - (ومنها): المقبوضة على السوم (¬7) إذا ولدت في يد القابض، قال ¬

_ (¬1) في (ج): "وجهين". ونص أحمد في "مسائل صالح" (3/ 246/ 1742): "قلت: الرجل يكون عنده وديعة، فينفقها ويدفع مثلها إلى صاحبها؛ هل يطيب له ربحها؟ فإنْ أعلمه وأحلّه له؟ قال: إذا كانت عند رجل وديعة؛ لم ينفقها إلا بإدن ربها، فإنْ اتجر فيها؛ فالربح لصاحبها إلا أن يطيبه له". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، ومن (ب) سقطت كلمة "باب". (¬3) في المطبوع: "للانتفاع به في باب الرهن". (¬4) في المطبوع و (ج): "كتاب". (¬5) في المطبوع: "إن في ولد"، والصواب حذف "في". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في المطبوع: "على وجه السوم".

القاضي وابن عقيل: حكمه حكم أصله، إن قلنا: هو مضمون؛ فالولد مضمون، وإلا؛ فلا. ويمكن أن يخرج فيه وجه آخر: أنه ليس بمضمون، كولد العارية؛ لأن أمه إنما ضمنت لقبضها بسبب الضمان والتمليك والولد [لم] (¬1) يحصل قبضه على هذا الوجه؛ فهو كالثوب المطار بالريح إلى ملكه. - (ومنها): المقبوض بعقد فاسد، وفي ضمان زيادته وجهان، ووجه القاضي سقوط الضمان بأنه إنما دخل على ضمان العين دون نمائها، وهو منتقض بتضمينه الأجرة. - (ومنها): الشاهدة والضامنة والكفيلة لا يتعلق بأولادهن شيء من هذه الأحكام؛ لأن هذه حقوق متعلقة بالذمة لا بالعين؛ فهي كسائر عقود المداينات، ذكره القاضي في "المجرد" وابن عقيل، واختار القاضي في "خلافه": أن ولد الضامنة يتبعها ويباع معها كولد المرهونة بناء على أن دين المأذون له يتعلق برقبته، وضعفه ابن عقيل في "نظرياته"؛ لأن التعلق بالرقبة هنا كتعلق الجناية؛ فلا يسري. - (ومنها): من (¬2) حلف لا يأكل مما اشتراه فلان، فأكل من لبنه أو بيضه؛ لم يحنث لأن العقد لم يتعلق [به] (¬3)، ذكره القاضي في "خلافه"؛ فإن اليمين ليست لازمة، بل يخير الحالف بين التزامها (¬4) وبين الحنث فيها ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي المطبوع: "ولم". (¬2) كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) والمطبوع: "لو". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في (ج): "إلزامها".

وتكفيرها (¬1)، وهذا بخلاف ما لو حلف لا يأكل من هذه الشاة؛ فإنه يحنث بأكل لبنها لأنه لا يؤكل منها في الحياة عادة إلا اللبن، فأما نتاجها؛ ففيه نظر. (فصل) هذا حكم النماء في العقود، وأما [في] (¬2) الفسوخ؛ فلا يتبع (¬3) فيها النماء الحاصل من الكسب بغير خلاف. وأما المتولد من العين؛ ففي تبعيته (¬4) روايتان في الجملة ترجعان (¬5) إلى أن الفسخ هل هو رفع للعقد من أصله، أو من حينه؟ والأصح عدم الاستتباع، ويندرج تحت ذلك صور: - (منها):إذا عجل الزكاة، ثم هلك المال وقلنا له: الرجوع [بها] (¬6)؛ فإنه يرجع بها، وهل يرجع بزيادتها المتصلة (¬7)؟ على وجهين: أظهرهما: لا يرجع. ¬

_ (¬1) في (ج): "يكفرها". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في (أ): "ولا يتبع"، وفي المطبوع: "فلا تتبع". (¬4) في (ج): "تبيعته". (¬5) في (ب): "يرجعان". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) كذا في (أ) والمطبوع، وفي (ب) و (ج): "المنفصلة".

والثاني: يرجع، واختاره القاضي في "خلافه". - (ومنها): المبيع في مدة الخيار إذا نمى نماءً منفصلًا ثم فسخ البيع؛ هل يرجع به البائع أم لا؟ خرجه طائفة من الأصحاب؛ كصاحبي "التلخيص" و"المستوعب" على وجهين؛ كالفسخ بالعيب، وقد ذكر القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "عمده": أن الفسخ بالخيار فسخ للعقد من أصله؛ لأنه لم يرض فيه بلزوم البيع، بخلاف الفسخ بالعيب ونحوه؛ فعلى هذا يرجع بالنماء المنفصل في الخيار، بخلاف العيب. - (ومنها): إلإِقالة؛ إذا قلنا: هي فسخ؛ فالنماء للمشتري، ذكره القاضي في "خلافه". [ويتخرج فيه] (¬1) وجه آخر: أنه يرده مع أصله، وحكاه (¬2) أبو البركات في "تعليقه" عن القاضي [في "خلافه"] (¬3) أيضًا. - (ومنها): الرد بالعيب، وفي رد النماء فيه روايتان، أشهرهما أنه لا يرد؛ كالكسب. ونقل ابن منصور عن أحمد كلامًا يدل على أن اللبن وحده يرد عوضه؛ لحديث المصراة (¬4)، ونقل عنه ابن منصور أيضًا أنه ذكر له قول ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "ويتوجه". (¬2) في المطبوع: "حكاه" من غير واو. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) انظر: "مسائل ابن منصور" (318/ 183)، والحديث مضي (1/ 490).

سفيان في رجل باع ماشية أو شاة فولدت، أو نخيلًا (¬1) لها ثمرة، فوجد بها عيبًا أو استحق؛ أخذ منه قيمة الثمرة وقيمة الولد إن كان أحدث فيهم شيئًا أو كان باع أو استهلك، فإن (¬2) كان مات أو ذهب به الريح؛ فليس عليه شيء. قال أحمد: كما قال (¬3)، وهذا يدل على أن النماء المنفصل يرده مع وجوده ويرد عوضه مع تلفه إن كان تلف بفعل المشتري، وإن كان تلف بفعل اللَّه تعالى؛ لم يضمن لأن المشتري لم يدخل على ضمانه؛ فيكون كالأمانة عنده، وأما إذا انتفع (¬4) به؛ فإنه يستقر الضمان عليه، فيرد عوضه كما دل عليه حديث المصراة (¬5)، وكما يقول (¬6) في المتهب من الغاصب: أنه إذا انتفع بالموهوب فأتلفه؛ استقر الضمان عليه. وحمل القاضي هذه الرواية على أن البائع كان قد دلس العيب، وأن النماء كان (¬7) موجودًا حال العقد، ولكن المنصوص عن أحمد في المدلس أنه يرجع بالثمن وإن تلف المبيع؛ إلا أن نصه في صورة الإباق وهو تلف بغير فعل المشتري، وأطلق الأكثرون ذلك من غير تفصيل بين (¬8) أن يتلف ¬

_ (¬1) في المطبوع و (أ): "نخلًا". (¬2) في (ج): "وإن". (¬3) انظر هذه المسألة في: "مسائل ابن منصور" (382 - 383/ 288). (¬4) في المطبوع: "إذا ما انتفع". (¬5) تقدم لفظه وتخريجه في التعليق على (1/ 490). (¬6) في المطبوع و (أ): "نقول". (¬7) في المطبوع: "كان النماء" بتقديم وتأخير. (¬8) في (ج): "من".

بفعله أو بفعل غيره (¬1)؛ لأنه سلطه على إتلافه بتغريره؛ فلا يستقر عليه الضمان كما يرجع المغرور في النكاح بالمهر. وحكى طائفة من المتأخرين رواية أخرى: أنه لا يرجع مع التلف، بل يأخذ الأرش، ورجحه أبو الخطاب في "انتصاره" وصاحب "المغني" (¬2)، وهذا التفصيل بين أن يكون التلف بانتفاعه أو بفعل اللَّه تعالى، كما حمل [القاضي عليه] (¬3) رواية ابن منصور أصح، وهو ظاهر كلام أبي بكر، وبذلك أجاب عن حديث المصراة (¬4)، وكذلك أجاب القاضي في "خلافه"، ويمكن أن يقال مثل ذلك في النماء الحادث إذا رد بعيب على القول برده كما حملنا عليه رواية ابن منصور أولًا، واللَّه أعلم. - (ومنها): فسخ البايع لإفلاس المشتري بالثمن؛ هل يتبعه النماء المنفصل؟ فيه روايتان: إحداهما: يتبع، وهي المرجحة عند القاضي في "الخلاف" وابن عقيل، ونص أحمد في "رواية حنبل" فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت ثم أفلس المشتري؛ رجعت إلى الأول لأنها مال البائع وقد استحقها وولدها، وهكذا ذكره أبو بكر في "التنبيه"، وذكر القاضي في "خلافه" لفظ هذه الرواية: أن أحمد ذكر له قول مالك فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت ثم ¬

_ (¬1) في المطبوع: "غير" من غير هاء الإضافة. (¬2) انظر: "المغني" (4/ 89/ 2947). (¬3) في (ب): "عليه القاضي". (¬4) مضى لفظه وتخريجه في التعليق على (1/ 490).

أفلس المشتري: أن الجارية والدابة وولدها للبائع؛ إلا أن يرغب الغرماء في ذلك، فيعطوه حقه كاملًا ويمسكون ذلك؛ فقال أحمد: ترجع إلى الأول؛ لأنها ماله، وهذا لا يدل على غير الرجوع في الجارية أو الدابة، وإنما القائل بالرجوع في الولد مالك (¬1)، وليس في كلام أحمد موافقة له. وأبو بكر كثيرًا ما ينقل كلام أحمد بالمعنى الذي يفهمه [منه] (¬2)؛ فيقع فيه تغيير شديد، ووقع له مثل هذا في كتاب "زاد المسافر" (¬3) كثيرًا، مع أن ابن أبي موسى وغيره تأولوا الرجوع بالولد على أنه كان موجودًا في عقد البيع حملًا، واختار هو وابن حامد [وابن عقيل] (¬4) أنها للمفلس؛ لأنها نمت في ملكه، وهو ظاهر كلام الخرقي (¬5)، وكذلك صححه القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول". - (ومنها): اللقطة، إذا جاء مالكها وقد نمت نماءً منفصلًا؛ فهل يسترده معها؟ على وجهين خرجهما القاضي وابن عقيل [مسألة] (¬6) المفلس، وفرق ¬

_ (¬1) انظر: "البيان والتحصيل" (10/ 442 - 444) لأبي الوليد بن رشد. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) هو لعبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد، أبو بكر البغدادي، (ت 363)، المعروف بـ"غُلام الخلَّال"، ذكره له ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (2/ 120)، والذهبي في "السير" (16/ 144)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (10/ 460)، والسُّبيعي في "الدر المنضَّد" (ص 18). (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬5) انظره مع "المغني" (4/ 268/ 3412). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

بينهما صاحب "المغني" (¬1)، ويحتمل [أن يرجع] (¬2) هنا بالزيادة المنفصلة وجهًا واحدًا؛ لأن تملكها إنما كان مستندًا إلى فقد ربها في الظاهر، وقد تبين خلافه؛ فانفسخ الملك من أصله لظهور الخطأ في مستنده، ووجب الرجوع بما وجده منها قائمًا، [وهذا هو] (¬3) الذي ذكره ابن أبي موسى، وذكر له أصلًا من كلام أحمد في طيرة فرخت عند قوم أنهم يردون فراخها. - (ومنها): رجوع الأب فيما وهبه لولده إذا كان قد نما نماءً منفصلًا؛ هل يسترده معه أم لا؟ وفيه (¬4) وجهان. - (ومنها): إذا وهب المريض جميع ماله في مرضه، فنما (¬5) نماءً منفصلًا، ومات ولم يجز (¬6) الورثة؛ فذكر القاضي في "خلافه": أن الموهوب له ملكه (¬7) بالقبض وجاز له التصرف فيه إجماعًا، وإنما يثبت للورثة حق الفسخ فيما زاد على الثلث. وإذا جاز وأسقط (¬8) حقهم من الفسخ؛ فعلى هذا يتخرج في استرجاع ¬

_ (¬1) قال في "المغني" (6/ 14/ 4515): "ومتى جاء صاحبها، فوجدها؛ أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة؛ لأنها نماء ملكه". (¬2) في المطبوع: "الرجوع". (¬3) سقط من (أ): "و"، وسقط من (ب): "هو". (¬4) في المطبوع و (ج): "فيه" من غير واو. (¬5) في المطبوع: "ونمى"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬6) في (ج): "ولم تجز". (¬7) في المطبوع: "يملكه". (¬8) في (ب): "وسقط".

النماء وجهان، أظهرهما أن النماء للمتهب إلى حين الفسخ؛ نبه على ذلك (¬1) الشيخ مجد الدين (¬2)، والمعروف في المذهب أن الهبة تقع مراعاة؛ فلا يتبين ملكها إلا حين خروجها من الثلث عند الموت، وإن خرج بعضها؛ فله منها مقدار الثلث، ويتبعه نماؤه، والزائد على الخلاف في الإجازة؛ هل هي تنفيذ أو عطية (¬3) مبتدأة؟ - (ومنها): إذا عاد الصداق إلى الزوج أو نصفه (¬4) قبل الدخول بطلاق أو فسخ، وقد نما عند الزوجة نماء منفصلًا؛ فهل يرجع بنمائه أو نصفه؟ المذهب أنه لا يرجع به، ونص عليه أحمد في "رواية أبي داود" (¬5) وصالح (¬6)، ونقل عنه ابن منصور أنه ذكر له قول سفيان في رجل تزوج امرأة ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "هذا". (¬2) في "المحرر" (1/ 375). (¬3) في المطبوع: "أو هي عطية". (¬4) في المطبوع و (ج): "أو نصفه إلى الزوج" بتقديم وتأخير. (¬5) (ص 165). (¬6) يأتي عنه نحوه، وسأنقل كلامه فيما يأتي إن شاء اللَّه تعالى، قال المداوي في "الإنصاف" (8/ 263): "وإنْ كان الصِّداقُ زائدًا زيادة منفصلةً؛ رجع في نصف الأصل، والزيادة لها، هذا الصحيح من المذهب، نص عليه في رواية أبي داود وصالح، وقال في "الفروع": لا يرجع في نصف زيادة منفصلة على الأصح، قال -أي: ابن رجب في "القواعد"- في القاعدة الثانية والثمانين: هذا المذهب، وجزم به في "الهداية" و"المذهب" و"مسبوك الذهب" و"المستوعب" و"الخلاصة" و"الوجيز" وغيرهم، وقدمه في "المحرر" و"النظم"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصغير" و"الزركشي" وغيرهم". قلت: وانظر: "المغني" (6/ 701)، و"الكافي" (2/ 724)، و"شرح الزركشي =

على خادمة، ثم زوجها غلامه فولدت أولادًا، فطلق امرأته قبل أن يدخل بها؛ فلها نصف قيمتها وقيمة ولدها، قال أحمد: جيد (¬1)، واختلف أصحابنا في معنى هذه الرواية على طريقين: أحدهما -[وهو] (¬2) مسلك القاضي-: [أنها تدل] (¬3) على أن الزوجة إنما ملكت بالعقد نصف الصداق؛ فيكون لها نصف نمائه، وجعل قوله وقيمة ولدها مجرورًا بالعطف على قوله نصف قيمتها؛ أي: ونصف قيمة ولدها. قال: وذكر القيمة ها هنا محمول على التراضي عليها أو على أن المراد نصف الأم ونصف الولد، ولم يرد القيمة، وهذا المسلك ضعيف جدًّا، وفي (¬4) تمام النص (¬5) ما يبطله، وهو قول أحمد، فإن أعتقها قبل أن يدخل بها؛ لا يجوز عتقه لأنه حين (¬6) تزوجها وجبت لها الجارية، وهذا تصريح بأنها ملكت الأمة [كلها] (¬7) بالعقد؛ إذ لولا ذلك لعتق نصفها بالملك، وسرى العتق (¬8) إلى الباقي مع اليسار. ¬

_ = على مختصر الخرقي" (5/ 297 - 298)، و"الفروع" (5/ 271)، و"المبدع" (7/ 151)، و"الكافي" (2/ 35). (¬1) نقلها عن ابن منصور الزركشيُّ في "شرحه على مختصر الخرقي" (5/ 297). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في (ج): "وهو يدل". (¬4) في المطبوع: "أو في". (¬5) في المطبوع: "النصف"، والصواب ما أثبتناه. (¬6) في المطبوع: "عتقها، لأنها من حين". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬8) في المطبوع: "عتقها".

وكذلك سلك أبو بكر في "زاد المسافر" وابن أبي موسى في تخريج هذا النص بناءً (¬1) على أن المرأة [لم] (¬2) تملك بالعقد إلا النصف، ثم خرج أبو بكر قولًا [آخر] لأحمد (¬3) في هذه المسألة على قوله: تملك الصداق كله بالعقد: أن الأولاد والنماء لها، ويرجع بنصف قيمة الأم دون الأولاد (يعني الزوج). [قال] (¬4): وبه أقول، وهذا (¬5) اختيار صاحب "المغني" أيضًا (¬6) فرارًا من التفريق بين الأم وولدها في بعض الزمان (¬7). وأما ابن أبي موسى؛ فإنه خرج وجهًا على القول بملك الصداق كله بالعقد: أن الولد للمرأة لحدوثه في ملكها، ولها نصف قيمة الأم؛ فجعل للزوجة القيمة كما في نص أحمد، وهذا الوجه ضعيف جدًّا (¬8)؛ حيث تضمن التفريق بين الأمة (¬9) وولدها بغير العتق، ومنع الزوجة من أخذ نصف الأمة، وهو أقرب إلى عدم التفريق من أخذ نصف القيمة. ¬

_ (¬1) في (أ): "وبناه"، وفي المطبوع: "وبنياه". (¬2) في (ب): "لا". (¬3) في المطبوع و (ج): "لأحمد قولًا آخر"، وما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) في المطبوع و (أ): "وهو". (¬6) انظر: "المغني" (6/ 701). (¬7) نقله المرداوي في "الإنصاف" (8/ 264) عن أبي بكر، وقال: "قاله في "القواعد" وصاحب "المستوعب" والمصنف والشارح"، ثم قال: "قلت: وفي هذا نظر ظاهر؛ فإن ذلك كالأمة المشتركة إذا ولدت". (¬8) نقله المرداوي في "الإنصاف" (8/ 264) من المصنف، وقال: "وهو كما قال". (¬9) في (ب): "الأم".

وعند القاضي: إذا قيل: إن الولد كله لها (¬1)، فللزوج نصف قيمة الأم، صرح به في "المجرد"، وقال في "الخلاف": يرجع بنصف الأمة (¬2). والطريق الثاني في معنى الرواية: أنها تدل على أن النماء المنفصل يرجع به الزوج بالفرقة (¬3) تبعًا للأصل، وهذا مسلك جماعة منهم صاحب "المحرر" (¬4)، ولكنه (¬5) استشكل إيجاب القيمة دون العين (¬6)، وقال: لا أدري هل هو لنقص الولادة أو لغير ذلك؟! فإن أحمد جعل للمرأة (¬7) نصف قيمة الأمة و [نصف] (¬8) قيمة الولد؛ لأجل حق الزوج في ملك نصف الأمة (¬9) وولدها، وليس ذلك بأولى من العكس. وقد يجاب عن ذلك بأن بالطلاق يرجع به نصف الأمة إلى الزوج قهرًا كالميراث؛ لأنه باقٍ بعينه، لا سيما والأملاك القهرية يملك بها ما لا يملك بالعقود الاختيارية، فلا يجبر الزوج بعد ذلك على أخذ قيمته، بل يتعين تكميل الملك له في الأم والولد حذرًا من التفريق المحرم. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "له"، وفي (ج): "كلها لها". (¬2) في (أ): "الأم". (¬3) في (أ): "فالفرقة". (¬4) انظر: "المحرر" (2/ 35). (¬5) في المطبوع و (ج): "لكنه" من غير واو. (¬6) في المطبوع: "المعين". (¬7) في المطبوع: "للامرأة". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬9) في المطبوع: "فبطل في نصف الأمة".

ويشبه هذا ما قاله الخرقي فيما إذا كان الصداق أرضًا فبَنَتْ فيه (¬1)، ثم طلقها قبل الدخول: أن (¬2) الزوج يرجع بنصف الأرض، ويتملك عليها البناء الذي فيه (¬3) بالقيمة، لكن أحمد في تمام هذا النص بعينه [من] (¬4) "رواية ابن منصور" ذكر مسألة البناء وصبغ الثوب، وقال (¬5): للزوج نصف القيمة؛ لأنه استهلاك؛ ففرق بين أن تكون (¬6) المرأة وصلت الصداق بمالها على وجه لا ينفصل عنه إلا بضرر عليها، وبين أن يكون باقيًا بعينه؛ ففي الأول يتعين للزوج نصف القيمة لاختلاط المالين، وفي الثاني يرجع بنصف العين؛ لبقائها بحالها، وإنما جاء الإِجبار على تكميل الملك [للمانع] (¬7) الشرعي من التفريق. ويحتمل عندي في معنى "رواية ابن منصور" طريق ثالث، وهو أن يكون أراد أحمد أن للزوجة نصف قيمة الأمة (¬8)، ولها قيمة ولدها كاملة (¬9)؛ لأن الولد نماء تختص به الزوجة، وقد عاد إلى الزوج نصف الأم؛ فتجب ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع: "فنبت فيه"، وفي (ج): "فنبت فيها". (¬2) في (ج): "قبل الدخول وجد أن". (¬3) كذا في (أ) و (ب) والمطبوع، وفي (ج): "الذي فيها". وانظر: "المغني" (7/ 207/ 5649). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) في (ج): "فقال". (¬6) في (ب) والمطبوع: "يكون". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬8) في (ج): "الأم". (¬9) في (ج): "كاملًا".

الزوجة (¬1) على أخذ نصف قيمة الأم وقيمة الولد بكمالها حذرًا من التفريق، ولعل هذا أظهر [مما قبله] (¬2)، واللَّه أعلم. - (ومنها): من وجد عين ماله الذي استولى عليه الكفار في (¬3) المغنم قبل القسمة وقد نما (¬4) نماءً منفصلًا، فإن قلنا: لم يملكه الكفار بالاستيلاء (¬5)؛ فهو له بنمائه، وإن قلنا: ملكوه؛ فإنه يرجع فيه، وهل يرجع بنمائه؟ [يتخرج] (2) على وجهين؛ كبائع المفلس؛ لأن حقوق الغانمين ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فيجبر الزوج". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في المطبوع: "من"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) في المطبوع و (ج): "نمى". (فائدة): قال الصّولي في "أدب الكُتَّاب" (ص 264): "امتحن كل فعل ورد عليك من ذوات الواو والياء، بأن تضيفه إلى نفسك، فإن ظهر بالياء، كان الأجود أن تكتبه بالياء، وجاز كتابته بالألف على اللفظ، مثل: قضى ورمى، ألا ترى أنك إذا أضفته إلى نفسك قلتَ: قضيتُ، رميتُ؟! وإن ظهر الفعل بالواو كتبته بالألف لا غير، مل: دعا وعلا، ألا ترى أنك إذا أضفته إلى، نفسك، قلت: دعوتُ وعلوتُ؛ فَقِسْ على ذلك كل ما ورد عليك إن شاء اللَّه تعالى تُصِبْ". (¬5) المشهور عند الأصحاب -كما قاله المصنف في (ص 322) -: أن الكفار يملكون أموال المسلمين في الجملة، ويستولون عليها، وعليه تجري عامة نصوص الإمام أحمد. انظر: "الروايتين" (2/ 361)، والقاعدة السابعة من "قواعد ابن اللحام"، و"شرح الزركشي على متن الخرقي" (6/ 510).

متعلقة بالنماء كتعلق حقوق غرماء المفلس بأمواله (¬1). وذكر القاضي في "المجرد" أنها إذا كانت أمة فوطئها الحربي وولدت منه: أن الولد غنيمة لا يرجع به المالك؛ لأنه حدث في ملك الحربي الواطئ، فانعقد حرًا، لكن هذا [قد] (¬2) يختص باستيلاد المالك لها، فإن ولده ينعقد حرًّا، وإنما يطرأ عليه الرق بعد ذلك؛ فلا يكون من نمائها، بخلاف ما لو زوجها فولدت من الزوج؛ فإنه يكون من نمائها لانعقاده رقيقًا. وقد سئل أحمد عن عبد المسلم إذا لحق بدار الحرب ثم رجع ومعه من أموالهم؛ فتوقف في مستحق المال الذي معه، وقال مرة: هو للمسلمين، وأنكر أن يكون للسيد (¬3)، وعلل بأن العبد ليس له غنيمة. قال الخلال: هذا (¬4) هو المذهب؛ لأن (¬5) العبد لا غنيمة له، وحمله القاضي على أن ما يأخذه الواحد من دار الحرب يكون فيئًا. قال: فأما (¬6) إن قلنا: هو لآخذه؛ فهو هنا للسيد. فصل وأما الحقوق المتعلقة بالأعيان من غير عقد ولا فسخ، فإن كانت ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بأحواله". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في (ب): "وأنكر أن يكون السيد علل. . . ". (¬4) في المطبوع: "وهذا". (¬5) في (ب): "أن". (¬6) في المطبوع و (أ): "وأما".

ملكًا قهريًّا؛ فحكمه حكم سائر التملكات (¬1)؛ وإن لم يكن (¬2) ملكًا، فإن كانت حقًّا لازمًا لا يمكن إبطاله بوجه كحق الاستيلاد؛ سرى (¬3) حكمه إلى الأولاد دون الإكساب لبقاء ملك مالكه عليه وإن كان غير لازم، بل يمكن إبطاله؛ إما باختيار المالك، أو برضى المستحق، لم يتبع النماء فيه الأصل بحال، ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): الأمة الجانية لا تتعلق (¬4) الجناية بأولادها ولا إكسابها؛ لأن حق الجناية ليس بالقوي، ولهذا لم يمنع التصرف عندنا، ولأن حق الجناية [تعلق بالجانية] (¬5) لصدور الجناية منها، وهذا مفقود في ولدها، وكسبها ملك للسيد، بخلاف المكاتبة. - (ومنها): تركة من عليه دين إذا تعلق بها حق الغرماء بموته، فإن قيل: هي باقية على حكم ملك الميت؛ تعلق حق الغرماء بالنماء [أيضًا] (¬6) كالمرهون، كذا ذكره القاضي وابن عقيل في (كتاب القسمة)، وينبغي (¬7) أن يقال: إن قلنا: [إن] (¬8) تعلق الدين بالتركة تعلق رهن يمنع ¬

_ (¬1) في (أ): "التمليكات". (¬2) في (ب): "يكن". (¬3) في المطبوع: "وسري". (¬4) في المطبوع: "لا يتعلق". (¬5) كذا في (أ)، وفي (ب): "يتعلق بالجانية"، وفي المطبوع و (ج): "تعلق بالجناية". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) في (أ): "ينبغي" من غير واو. (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

التصرف (¬1)؛ فالأمر كذلك، وإن قلنا: تعلق جناية لا يمنع التصرف؛ فلا يتعلق بالنماء، وأما إن قلنا: تنتقل (¬2) التركة إلى الورثة بمجرد الموت؛ لم تتعلق حقوق الغرماء بالنماء؛ إذ هو تعلق قهري؛ كالجناية، كذا ذكره (¬3) القاضي وابن عقيل. وخرج الآمدي وصاحب "المغني" (¬4) تعلق الحق بالنماء مع الانتقال أيضًا كتعلق الرهن، ويقوى هذا على قولنا: إن التعلق (¬5) تعلق رهن، وقد ينبني ذلك على أصل آخر، وهو أن الدين هل هو باقٍ في ذمة الميت، أو انتقل إلى ذمم (¬6) الورثة، أو هو متعلق بأعيان التركة لا غير؟ وفيه ثلاثة أوجه: والأول (¬7): قول الآمدي وابن عقيل في "الفنون" وصاحب "المغني" (¬8)، وهو ظاهر كلام الأصحاب في مسألة ضمان دين الميت. والثاني: قول القاضي في "خلافه" وأبي الخطاب في "انتصاره" وابن عقيل في موضع آخر، وكذلك (¬9) قال القاضي في "المجرد"، لكنه خصه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يمنع التصرف فيه". (¬2) في المطبوع: "لا تنتقل"، والصواب حذف "لا". (¬3) في المطبوع: "ذكر". (¬4) انظر: "المغني" (7/ 156 - 157/ 4805). (¬5) في (أ): "المعلق". (¬6) في (ب): "ذمة". (¬7) في المطبوع و (ج): "الأول" من غير واو. (¬8) انظر: "المغني" (4/ 282/ 3445). (¬9) في المطبوع و (ج): "كذلك" من غير واو.

بحالة تأجيل الدين؛ لمطالبة الورثة بالتوثقة. والثالث: قول ابن أبي موسى؛ فيتوجه على قوله أن لا تتعلق (¬1) الحقوق بالنماء؛ إذ هو كتعلق (¬2) الجناية. وعلى الأولين يتوجه نعلقها بالنماء كالرهن، وقد يقال: لا تتعلق (1) حقوق الغرماء بالنماء إذ قلنا: تنتقل التركة إلى الورثة بكل حال؛ إلا أن نقول: إن الدين في ذممهم؛ لأن تبعبة النماء في الرهن إنما يحكم به إذا كان النماء ملكًا لمن عليه الحق، فأما ان كان ملكًا لغيره؛ لم يتبع، كما لو رهن المكاتب سيده؛ فإن كسبه لا يكون داخلًا في الرهن لأنه على ملك المكاتب، وكذا (¬3) ينبغي أن بقال فيمن استعار شيئًا ليرهنه فرهنه: أن نماءه (¬4) لا يدخل في الرهن لذلك (¬5)، وقد يقال: التركة تعلق الحق بها تعلقًا قهريًّا مع انتقال ملكها إلى الورثة؛ فكذلك نماؤها. ويجاب عنه بأن التعلق حالة الانتقال إنما يثبت لضعف (¬6) المانع منه؛ حيث اقترن التعلق ومانعه وهو الانتقال، فأما بعد الانتقال واستقرار الملك؛ فلا يتعلق (¬7) لسبق المانع واستقراره، واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لا يتعلق". (¬2) في المطبوع: "لتعلق". (¬3) في المطبوع و (ج): "فكذلك". (¬4) في المطبوع: "النماء". (¬5) في (ب): "كذلك". (¬6) كذا في (ب)، وفي (أ): "ثبت لضعف"، وفي (ج): "يثبت بضعف"، وفي المطبوع: "ثبت بضعف". (¬7) في (ب): "فلا تعلق".

وأما تعلق الضمان بالأعيان [للتعدي] (¬1)؛ فيتبع فيه النماء المنفصل إذا كان داخلًا تحت اليد العدوانية؛ فمن ذلك الغصب، يضمن فيه النماء المنفصل على المذهب (¬2)، ولم يحك ابن أبي موسى في ضمانه خلافًا مع حكايته الخلاف في المتصل، ولا يظهر (¬3) الفرق بينهما؛ فالتخريج متوجه، بل قد يقال: ظاهر كلام أحمد في "رواية ابن منصور" التي سقناها في الرد بالعيب تدل على عدم الضمان، حيث سوى (¬4) بين ظهور العيب و [بين] (¬5) الاستحقاق (¬6). - (ومنه): الأمانات إذا تعدى فيها ثم نمت (¬7)؛ فإنه يتبعها في الضمان (¬8). ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "للتعيين". (¬2) قال صالح في "مسائله" (1/ 287/ 230): "سألت أبي عن رجل اغتصب قومًا مالًا، ثم تاب وردّ المال، وكسب فيه مالًا، ما نرى في كسبه هذا؟ أيطيب له هذا الربح؟ قال أبي: إذا غصب رجل رجلًا مالًا، ثم ربح فيه، ردّ الأصل والربح على صاحبه". وانظر في المسألة: "مسائل عبد اللَّه" (308 - 309، 313/ 1148 و 1163)، و"المغني" (5/ 275)، و"المحرر" (1/ 362)، و"الإنصاف" (6/ 208)، و"المبدع" (5/ 187 - 188)، و"الفروع" (4/ 513). (¬3) في (ج): "ولم يظهر". (¬4) في المطبوع: "سرى"، والصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) تقدمت "رواية ابن منصور" في (ص 958). (¬7) في (أ): "تمت". (¬8) قال صالح في "مسائله" (1/ 287/ 231): "سألت أبي عن رجل خان قومًا بمال، وكسب فيه مالًا، وردّ الخيانة؛ أيطيب له الربح؟ قال أبي: يرد الخيانة وربحها على =

- (ومنه): صيد الحرم والإحرام؛ يضمن نماؤه المنفصل إذا دخل تحت اليد الحسية، وإن لم يدخل تحت اليد، لكنه هلك بسب إمساك الأم؛ ففيه خلاف مشهور (¬1). [تنبيه]: اضطرب كلام الأصحاب في الطلع والحمل؛ هل هما زيادة متصلة أو منفصلة (¬2)؟ أما الطلع؛ فللأصحاب فيه طرق: أحدها: أنه زيادة متصلة، سواء أبر أو لم يؤبر، [وبه جزم القاضي وابن عقيل في (كتاب الصداق)، وأن الزوج يجبر على قبوله إذا بذلته (¬3) الزوجة بكل حال] (¬4)، وكذا ذكر صاحب "الكافي" (¬5) في (كتاب الصداق)، وجعل كل ثمرة على شجرها زيادة متصلة. وصرح القاضي في "المجرد" في (باب الغصب) بأن الزيادة المتصلة ¬

_ = أربابها". وانظر: "مسائل عبد اللَّه" (313/ 1163)، و"الإنصاف" (6/ 209)، و"المبدع" (5/ 189)، و"حاشية المقنع" (2/ 251). (¬1) في المطبوع: "مشور"، وهو خطأ مطبعي. (¬2) في المطبوع: "منفصلة أو متصلة" كذا بتقديم وتأخير. (¬3) في المطبوع و (ج): "بذلتها". (¬4) ما بين المعقوفتين مذكور في (أ) بعد قوله الآتي: "وهو قول الخرقي في الصداق". (¬5) انظر: "الكافي" (3/ 100 - 101).

التي يمكن إفرادها؛ كصبغ [في] (¬1) الثوب وتزويق الدار والمسامير [في الباب] (¬2)؛ هل يجبر على قبولها؟ يخرج (¬3) على وجهين: أصحهما: يجبر، وهو قول الخرقي في الصداق (¬4). والثاني: أنه زيادة منفصلة بكل حال، أبَّر أو لم يؤبَّر؛ لأنه يمكن فصله وإفراده بالبيع. كذلك (¬5) أطلقه القاضي وابن عقيل أيضًا في موضع [آخر] (¬6) من التفليس والرد بالعيب، وصرح صاحب "المغني" (¬7) بإبدائه احتمالًا، وحكاه في "الكافي" (¬8) عن ابن حامد. الثالث: أن المؤبر زيادة منفصلة وغير المؤبر زيادة متصلة، صرح به القاضي وابن عقيل أيضًا في التفليس والرد بالعيب، وذكر أنه منصوص عن أحمد اعتبارًا بالتبعية في البيع وعدمها. الرابع: أن غير المؤبر زيادة متصلة بغير خلاف، وفي المؤبر ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (أ) و (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (ج): "تتخرج". (¬4) انظره مع "المغني" (7/ 205/ 5645). (¬5) في المطبوع: "كذا". (¬6) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬7) انظر: "المغني" (7/ 205 - 206/ 5645). (¬8) انظر: "الكافي" (2/ 69، 181).

وجهان، وهذه طريقة صاحب "الترغيب" في الصداق. والخامس (¬1): أن المؤبر زيادة منفصلة وجهًا واحدًا، وفي غير المؤبر وجهان، واختيار (¬2) ابن حامد أنها منفصلة، وهي طريقة "الكافي" في التفليس (¬3). وأما الحمل؛ فقال القاضي وابن عقيل في الصداق: هو زيادة متصلة. قال القاضي: ويجبر الزوج على قبولها إذا بذلتها المرأة، وخالفه ابن عقيل في "الآدميات"؛ لأن الحمل فيهن نقص من جهة وزيادة من جهة، بخلاف البهائم؛ فإنه فيها زيادة محضة. وقال (¬4) القاضي في التفليس (¬5): ينبني على أن الحمل هل له حكم أم لا؟ فإن قلنا: له حكم؛ فهو زيادة منفصلة، وإلا؛ فهو زيادة متصلة؛ كالسمن. وفي "التلخيص": الأظهر أنه يتبع في الرجوع؛ كما يتبع في البيع والحب إذا صار زرعًا والبيضة إذا صارت فروجًا (¬6) فأكثر الأصحاب على أنها داخلة في النماء المتصل، كذلك قال القاضي وابن عقيل في الفلس (¬7) ¬

_ (¬1) في (ب): "الخامس" من غير واو. (¬2) في المطبوع: "واختار". (¬3) انظر: "الكافي" (2/ 69، 181). (¬4) في (ب): "قال" من غير واو. (¬5) في (أ): "الفلس". (¬6) في المطبوع و (ج): "فرخًا". (¬7) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب): "التفليس".

والغضب. وذكر صاحب "المغني" (¬1) وجهًا آخر، وصححه: أنه من باب تغير [العين] (¬2) بما يزيل الاسم؛ لأن الأول استحال. وكذا [ذكر] (¬3) ابن عقيل في موضع آخر وفي "المجرد": ولو حلف لا يأكل بيضة فصارت فروجًا، أو حبًّا فصار سنبلًا: أنه لا يحنث بأكله لزوال الاسم، وهذا إنما يتوجه على قول ابن عقيل في مسألة تعارض الاسم والتعيين، فأما على المشهور؛ فينبغي أن يحنث، وبه جزم القاضي في "خلافه"، و [كذلك] (¬4) أشار إليه ابن عقيل في "الفصول"؛ كما لو حلف لا يأكل هذا التمر فصار دبسًا. وقد يُفرق (¬5) [بين مسألة البيضة] (¬6) ببقاء حلاوة التمر ولونه [في الدبس] (¬7)، بخلاف الفروج (¬8)، ولو اشترى بيضة فوجد فيها فروجًا (¬9)؛ فالبيع باطل، نص عليه في "رواية ابن منصور" (¬10)، وهو يشهد للقول بأن ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 346 - 347/ 3573). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "وكذا"، وسقطت من (ب)، وفي (ج): "فكذلك". (¬5) في المطبوع: "تفرق". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي المطبوع و (ج). "في مسألة البيضة". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬8) في (ب): "الأول"، وفي (ج): "الفروخ". (¬9) في (ج): "فروخًا". (¬10) في "مسائل ابن منصور" (284 - 285/ 144)، قال: "قلت: إذا اشترى =

البيض و [الفروج] (¬1) عينان [متغايرتان؛ فيكون] (¬2) كما إذا تبايعا دابة يظنان أنها (¬3) حمار، فإذا هي فرس، والقصيل إذا صار سنبلًا؛ فهو زيادة متصلة، وإذا اشتد الحب؛ فليس بعده زيادة لا متصلة ولا منفصلة، ذكره القاضي. * * * ¬

_ = بيضة، فوجد فيها فروجة حية؟ قال [أحمد]: هذا ملك البائع، إنما اشترى البيضة ليأكلها. قلتُ: وإن كانت ميتة؟ قال: يردها بالعيب". (¬1) في (ج): "الفروخ". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "متغايران". (¬3) في المطبوع: "بأنها".

83 - القاعدة الثالثة والثمانون إذا انتقل الملك عن النخل بعقد أو فسخ تتبع فيه الزيادة المتصلة دون المنفصلة أو بانتقال استحقاق

(القاعدة الثالثة والثمانون) إذا انتقل الملك عن النخل (¬1) بعقد أو فسخ تتبع (¬2) فيه الزيادة المتصلة دون المنفصلة أو بانتقال استحقاق. فإن كان فيه طلع مؤبر؛ لم يتبعه في الانتقال، وإن كان غير مؤبر؛ تبعه، كذا قال القاضي في (كتاب التفليس) من "المجرد"، وقال: وسواءً (¬3) كان الانتقال بعوض اختياري؛ كالبيع والصلح والنكاح والخلع، أو بعوض قهري؛ كالأخذ بالشفعة ورجوع البائع في عين ماله بالفلس وبيع الرهن بعد أن أطلع بغير اختيار الراهن والرجوع في الهبة بشرط الثواب، أو كان الانتقال بغير عوض، سواء كان اختياريًّا (¬4)؛ كالهبة والصدقة، أو غير اختياري؛ كالرجوع في الهبة للأب. وهو ظاهر كلامه في بيع الأصول والثمار أيضًا؛ لأنه جعل الكل كالبيع سواء، وصرح بذلك صاحب "الكافي" (¬5) في العقود والفسوخ. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "النخلة". (¬2) في المطبوع: "يتبع". (¬3) في المطبوع و (ج): "سواء" من غير واو. (¬4) في المطبوع: "كان الانتقال اختياريًّا". (¬5) انظر: "الكافي" (2/ 181).

وأما ابن عقيل؛ فإنه أطلق في الفسخ للإفلاس (¬1) والرجوع في الهبة أن [الطلع يتبع الأصل] (¬2)، ولم يفصل، وعلل بأن الفسخ رفع للعقد من أصله. وصرح صاحب "المغني" (¬3) في البيع بأن الفسخ يتبع الطلع (¬4) فيه أصله، سواء أبر أو لم يؤبر؛ لأنه نماء متصل، فأشبه السمن، وصرح بدخول الإقالة والفسخ بالعيب في ذلك، وهو موافق لكلام الأصحاب في الصداق. وقد قدمنا أن صاحب "المغني" ذكر (¬5) احتمالًا في الفسخ بالفلس ونحوه: أنه لا يتبع فيه الطلع، سواء أبر أو لم يؤبر؛ لتميزه وإمكان إفراده بالعقد؛ فهو كالمنفصل، بخلاف السمن ونحوه (¬6)، وهذا عكس ما ذكره في البيع، وهو مع ذلك موافق لإطلاق كثير من الأصحاب أن الثمرة لا ترد مع الأصل بالعيب من غير تفصيل، وكذا في الفلس؛ فتحرر من هذا أن العقود -كالبيع والصلح والصداق وعوض الخلع [والأجرة] (¬7) والهبة والرهن- يفرق فيها بين حالة التأبير وعدمه، ونص عليه أحمد في الرهن في "رواية ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بالإفلاس". (¬2) في (ج): "يتبع الأصل الطلع". (¬3) انظر: "المغني" (4/ 65، 96/ 2881، 2967). (¬4) في المطبوع: "الطاق"، وهو خطأ. (¬5) في (ب): "ذكره". (¬6) سبق قريبًا. (¬7) في (ب): "والإجارة".

[محمد] (¬1) بن الحكم". إلا أن في الأخذ بالشفعة (¬2) وجهًا آخر سبق ذكره: أنه يتبع (¬3) فيه المؤبر إذا كان في حال البيع غير مؤبر، لأن (¬4) الأخذ يستند إلى البيع؛ إذ هو سبب الاستحقاق. وأما الفسوخ؛ ففيها ثلاثة أوجه: أحدها: أن الطلع يتبع فيها مع التأبير وعدمه بناءً على أن الطلع زيادة متصلة بكل حال، أو على أن الفسخ رفع للعقد (¬5) من أصله. والثاني: لا يتبع بحال بناءً على أنه زيادة منفصلة وإن لم يؤبر. والثالث: إن كان مؤبرًا؛ تبع، وإلا؛ فلا؛ كالعقود. هذا كله على القول بأن النماء المنفصل لا يتبع في الفسوخ، أما إن قيل بتبعيته؛ فلا إشكال في أن الطلع يتبع، سواء أبر أو لم يؤبر، وكذلك إن قيل: إن الفسوخ لا يتبع فيها الزيادة المتصلة (¬6)؛ فإن الطلع لا يتبع فيها بكل حال. وأما الوصية والوقف؛ فالمنصوص عن أحمد أنه يدخل فيها (¬7) الثمرة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬2) في المطبوع: "في الشفعة". (¬3) في المطبوع: "يقع". (¬4) في المطبوع: "ولأن". (¬5) في المطبوع: "العقد". (¬6) في (ج): "المنفصلة"، والصواب ما أثبتناه. (¬7) في المطبوع: "فيهما".

الموجودة يوم الوصية إذا بقيت إلى يوم الموت من غير تفريق بين أن يؤبر أو لا يؤبر (¬1)، نقله عنه أبو بكر بن صدقة في الرجل يوصي بالكرم أو البستان لرجل ثم يموت وفي الكرم حمل، [قال: إذا كان أوصى به وفيه حمل] (¬2)؛ فهو للموصى [له] (¬3)، وقال في "رواية محمد بن موسى" (¬4): وسئل عن الرجل يوصي البستان أو الكرم لرجل ثم يموت وفي الكرم أو البستان حمل؛ لمن الحمل؟ قال: إن كان يوم أوصى به له فيه حمل؛ فهو له، [وأطلق أنه] (¬5) يدخل في الوصية، ولم يفصل، وقد يوجه (¬6) بأن الوصية عقد تبرع لا يستدعي (¬7) عوضًا؛ فدخل فيها كل متصل، بخلاف عقود المعاوضات. وعلى هذا؛ فالهبة المطلعة كذلك، وهو خلاف ما ذكره الأصحاب، وكذلك الوقف المنجز وأولى، ويحتمل أن يختص (¬8) ذلك بما فيه معنى القربة من الوقف والصدقة (¬9) والوصية. ¬

_ (¬1) في (ج): "تؤبر أو لا تؤبر". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) هو محمد بن موسي بن أبي موسي، أبو عبد اللَّه النَّهْرَتِيريّ، البغدادي، توفي سنة (289 هـ)، قال الخلال: "كان عنده عن أبي عبد اللَّه جزء "مسائل" كبار جياد". انظر: "طبقات الحنابلة" (1/ 323 - 324)، و"تاريخ بغداد" (3/ 241 - 242)، و"المنهج الأحمد" (1/ 344). (¬5) في المطبوع و (ج): "وأطلق بأنه"، وفي (ب): "فأطلق أنه". (¬6) في المطبوع: "توجه؟ ". (¬7) في (ج): "لا تستدعي". (¬8) في (ب): "يخص". (¬9) في (ب): "الصدقة والوقف" بتقديم وتأخير.

وأما اعتبار وجوده يوم الوصية مع أن الملك يتراخى (¬1) إلى ما بعد الموت؛ فلأن العفد إذا انعقد كان سببًا لنقل الملك، وإنما تأخر تأثيره إلى حين الموت، فإذا وجد الموت استند الملك إلى حال الايصاء، ولهذا لو وصى له بأمة حامل ثم مات الموصي (¬2) قبل الوضع؛ فالولد للموصى له بغير خلاف، وسواء قلنا: إن للحمل حكمًا وأنه كالمنفصل أو (¬3) لا، وأما إن تجدد مستحق من أهل الوقف وفي النخل طلع؛ فها هنا حالتان: إحداهما: أن يكون استحقاقه من غير انتقال من غيره. والمنصوص عن أحمد أنه إن أحدث استحقاقه بعد التأبير؛ لم يستحق من الثمر [شيئًا] (¬4)، وإن كان قبله؛ استحق. قال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد اللَّه يسأل عن رجل أوقف (¬5) نخلًا على ولد قوم وولده ما توالدوا، ثم ولد مولود؛ قال: إن كان النخل [قد] (¬6) أبر؛ فليس له في ذلك شيء، وهو ملك الأول، وإن لم يكن أبر؛ فهو معهم، وكذلك الزرع إذا بلغ الحصاد؛ فليس له شيء، وإن كان لم يبلغ الحصاد؛ فله فيه. وكذلك الأصحاب صرحوا بالفرق بين المؤبر وغيره ها هنا، منهم ابن ¬

_ (¬1) في (أ): "تراخي"، وفي (ج): "متراخ". (¬2) في المطبوع: "الموصى له". (¬3) في المطبوع: "أم". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) كذا في (أ) و (ج) والمطبوع، وفي (ب): "وقف"، وهي أفصح. انظر: "القاموس المحيط" (3/ 213)، و"تاج العروس" (6/ 269). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

أبي موسى والقاضي وأصحابه معللين بتبعية غير المؤبر في العقد (¬1)؛ فكذا في الاستحقاق، وعلل بعض الأصحاب بأن غير المؤبر في حكم المعدوم لاستتاره وكمونه، والمؤبر في حكم الموجود لبروزه وظهوره، وهو شبيه بقول من يقول: إن الحمل ليس له حكم ما لم يظهر. والحالة (¬2) الثانية: أن يخرج بعض أهل الاستحقاق لموت أو غيره وينتقل نصيبه إلى غيره. قال يعقوب بن بختان: سئل أحمد عن رجل مات، فقال (¬3): ضيعتي التي بالثغر لموالي الذين بالثغر، وضيعتي التي ببغداد لموالي الذين ببغداد وأولادهم؛ فلمن بالثغر أن يأخذوا من هذه الضيعة التي ها هنا؟ قال: لا، قد أفرد هذه من هذه، فقيل له: فقدم (¬4) بعض من بالثغر إلى ها هنا وخرج من ها هنا بعضهم إلى ثم وقد أبرت النخل؛ ألهم (¬5) فيها شيء؟ قال: لا. فقيل: فإن ولد لأحدهم ولد بعد ما أبرت؟ فقال: وهذا أيضًا شبيه بهذا. كأنه رأى ما كان قبل التأبير جائزًا أو كما قال، وهذا موافق لنصه السابق في أن تجدد المستحق للوقف (¬6) بعد التأبير لا يقتضي استحقاقه منه. وأما خروج الخارج من البلد؛ فلم يشمله جوابه، وانقطاع حق ¬

_ (¬1) في (أ): "العقود". (¬2) كذا في (ج)، وفي (أ) و (ب) والمطبوع: "الحالة" من غير واو. (¬3) في (ب): "وقال". (¬4) في (ب): "تقدم". (¬5) في (ج): "لهم". (¬6) في (ب): "المستحق الوقف".

المستحق بموته أو زوال صفة الاستحقاق شبيه بانفساخ العقد المزيل للملك قهرًا، وقد سبق الخلاف فيه، لا سيما على قولنا (¬1): إن الوقف ملك للموقوف عليه؛ فيصير موته كانفساخ ملكه في الأصل؛ فيخرج في تبعية الطلع [له] (¬2) الخلاف السابق، فإن قيل بالتفريق بين ما قبل التأبير وبعده؛ فلأن الطلع إذا لم يؤبر في حكم الحمل في البطن واللبن في الضرع؛ فلا بكون له حكم بملك ولا غيره حتى يظهر، وإن سلم أن له حكمًا بالملك؛ فالمستحق الحادث؛ لما شارك في غير المؤبر مع ظهوره على ملك الأولين (¬3)، دل على أن ملكهم لم يستقر عليه، بخلاف المؤبر؛ فإن ملكهم استقر عليه، فمن (¬4) زال استحقاقه قبل استقرار الملك؛ سقط حقه. (فصل) هذا كله في حكم ثمر النخل، فأما غيره من الشجر؛ فما كان له كمام ينفتح (¬5) فيظهر ثمرة كالقطن؛ فهو كالطلع، وألحق أصحابنا به الزهوى التي تخرج منضمة ثم تنفتح (¬6)؛ كالورد والياسمين والبنفسج والنرجس، وفيه نظر؛ فإن هذا المنظم (¬7) هو نفس الثمرة أو قشرها الملازم لها؛ كقشر ¬

_ (¬1) في (أ): "قوله". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "الأول". (¬4) في (ب): "كمن"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) و (¬6) في المطبوع: "تفتح". (¬7) في (أ) و (ب) والمطبوع: "المنظم"؛ بظاء لا ضاد.

الرمان؛ فظهوره ظهور للثمرة (¬1)، بخلاف الطلع؛ فإنه وعاء للثمرة [يزول عنها قريبًا] (¬2)، وكلام الخرقي (¬3) يدل على ذلك، حيث قال: وكذلك بيع الشجر إذا كان فيه ثمر باد، وبدو الورد ونحوه ظهوره من شجره، وإنما كان منضمًّا. وللأصحاب وجهان في الورق المقصود؛ كورق التوت؛ هل يعتبر [بفتحه كالثمر] (¬4)، أو يتبع الأصل لمجرد (¬5) ظهوره، وهذه الزهور بمعناه، ومنه ما يظهر نوره ثم يتناثر فيظهر ثمره؛ كالتفاح والمشمش؟ ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: إن تناثر نوره؛ فهو للبائع، وإلا؛ فلا، وبه جزم القاضي في "خلافه"؛ لأن ظهور ثمره يتوقف على تناثر نوره. والثاني: أنه بظهور (¬6) نوره للبائع، ذكره القاضي احتمالًا جعلًا للنور كما في الطلع؛ لأن الطلع ليس هو عين الثمرة، بل هي مستترة فيه، فتكبر في جوفه وتظهر حتى يصير تلك في طرفها، وهي قمع الرطبة. والثالث: [هو] (¬7) للبائع بظهور الثمرة؛ وإن لم يتناثر النور، كما إذا ¬

_ (¬1) في (ب) والمطبوع: "الثمرة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) انظره مع "المغني" (4/ 65/ 2882). (¬4) في (أ): "بفتحه" بدون نقط، وفي (ب): "بفتحه كالثمار"، وفي (ج): "تفتحه كالثمر". (¬5) في (ب): "بمجرد". (¬6) في (أ): "يظهر". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

كبر قبل انتثاره، وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار صاحب "المغني" (¬1)، وهو أصح، وقياس ما في بطن الطلع على النور لا يصح؛ لأن النور يتناثر وما في جف (¬2) الطلع ينمو ويتزايد حتى يصير ثمرًا. - (ومنه) (¬3): ما يظهر ثمرته من غير نور، فهو للبائع بظهوره، سواء كان له قشر يبقى فيه إلى أكله؛ كالرمان والموز، أو له قشران؛ كالجوز واللوز، أو لا قشر له؛ كالتين والتوت، وقال (¬4) القاضي: ما له قشران لا يكون للبائع إلا بتشقق قشره الأعلى، ورده صاحب "المغني" بأن تشققه في شجره نادر وتشققه قبل كماله يفسده، بخلاف الطلع (¬5)، وفي "المبهج" الاعتبار بانعقاد لبه، فإن لم ينعقد؛ تبع (¬6) أصله، وإلا؛ فلا. وأما الزرع الظاهر في الأرض إذا انتقل الملك فيها بالبيع (¬7) ونحوه؛ فهو للبائع؛ لأنه ليس من أجزاء الأرض وإنما هو مودع فيها، فأشبه الثمرة ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 66/ 2882). (¬2) في المطبوع و (ج): "جوف". (¬3) في (ج): "ومنها". (¬4) في (ج): "قال" من غير واو. (¬5) قال في "المغني" (4/ 65 - 66/ 2882): "وقال القاضي: "إن تشقق القشر الأعلى؛ فهو للبائع، وإن لم يتشقق؛ فهو للمشتري"، ولو اعتبر هذا؛ لم يكن للبائع إلا نادرًا، ولا يصح قياسه على الطلع؛ لأن الطلع لا بد من تشققه، وتشققه من مصلحته، وهذا بخلافه؛ فإنه لا يتشقق على شجره، وتشققه قبل كماله يفسده". (¬6) في (أ): "بيع". (¬7) في المطبوع و (ج): "بالمبيع".

المؤبرة، قال في "المغني": لا أعلم فيه خلافًا (¬1)، وفي "المبهج" للشيرازي: إن كان الزرع بدا صلاحه؛ لم يتبع، وإن لم يبد [صلاحه] (¬2)؛ فعلى (¬3) وجهين: فإن قلنا: لا يتبع؛ أخذ البائع بقطعه إلا أن يستأجر الأرض من المشتري إلى حين إدراكه، وأما إذا بدا صلاحه؛ فإنه يبقى في الأرض من غير أجرة إلى حين حصاده. وهذا غريب جدًّا، مخالف لما عليه الأصحاب، مع أن كلام أحمد في استحقاق الوقف يشهد له؛ حيث قال: إن ولد مولود من أهل الوقف قبل أن يبلغ الحصاد؛ استحق، وإلا؛ لم يستحق لأنه قد انتهى نموه وزيادته ببلوغه الحصاد (¬4). وهكذا (¬5) قال ابن أبي موسى؛ لكنه عبر بالاستحصاد وعدمه، وأما (¬6) صاحب "المغني"؛ فقال: ما كان من الزرع لا يتبع الأرض في البيع؛ فلا حق فيه للمتجدد لأنه كالثمر المؤبر، وأما ما كان يتبع في البيع وهو ما لم يظهر مما يتكرر حمله من الرطبات (¬7) والخضروات؛ فيستحق فيه المتجدد. وقياس المنصوص في الزرع أن يستحق المتجدد في الوقف من ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 67/ 2887). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع و (ج): "على". (¬4) في المطبوع و (ج): "للحصاد". (¬5) في (ب): "وهذا". (¬6) في (ب): "أما". (¬7) في (ب): "الوطات".

الثمر حتى يبدو صلاحه، ويجوز بيعه مطلقًا (¬1)، ولكن أحمد فرق بينهما كما تقدم؛ فاعتبر في الزرع بلوغ الحصاد وفي الثمر التأبير، ونصه مع ذلك في استحقاق الموصى له بالشجر المثمر الموجود فيه حال الوصية من غير تفريق بين أن يبدو صلاحه [أو لا يبدو] (¬2) مشكل. وأفتى الشيخ تقي الدين بأن الثمر إنما يستحقه من بدء الصلاح في زمن استحقاقه حتى لو مات البطن الأول، وقد أطلع الثمر بعمله (¬3) ثم بدا صلاحه بعد موته؛ فإنه (¬4) يكون للبطن الثاني (¬5). وقال في شجر الجوز الموقوف: إنه إن أدرك أوان قطعه في حياة البطن الأول؛ فهو له، فإن مات وبقي في الأرض مدة حتى زاد؛ كانت الزيادة حادثة [في] (¬6) منفعة الأرض التي للبطن الثاني، ومن الأصل الذي لورثة الأول؛ فإما أن تقسم الزيادة بينهما على قدر القيمتين، وإما أن تعطي (¬7) الورثة أجرة الأرض للبطن الثاني، وإن غرسه البطن الأول من مال الوقف (¬8) ولم يدرك إلا بعد انتقاله إلى البطن الثاني؛ فهو لهم، وليس لورثة ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 69/ 2890). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع و (ج): "بعلمه". (¬4) في (أ): "وإن". (¬5) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 178) لشيح الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه. (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في (ج) و"الاختيارات الفقهية": "من". (¬7) في (ج) و"الاختيارات الفقهية": "يعطي". (¬8) في المطبوع: "الواقف".

الأول فيه شيء (¬1). واعلم أن ما ذكرناه في استحقاق الموقوف عليه ها هنا إنما هو إذا كان استحقاقه بصفة محضة، مثل كونه [ولدًا أو فقيرًا أو نحوه] (¬2)، أما إذا (¬3) كان استحقاق الوقف عوضًا عن عمل، وكان المغل كالأجرة يقسط (¬4) على جميع السنة، كالمقاسمة القائمة مقام الأجرة، أو كان (¬5) استغلال الأرض لجهة الوقف من ماله؛ فإنه يستحق كل من اتصف بصفة الاستحقاق في ذلك العام منه؛ حتى من مات في أثنائه استحق بقسطه، وإن لم يكن الزرع قد وجد حتى لو تأخر إدراك [ذلك] (¬6) العام إلى أثناء العام الذي بعده؛ لم يستحق منه من تجدد استحقاقه في عام الإِدراك، واستحق منه من مات في العام الذي قبله، وبنحو ذلك أفتى الشيخ تقي الدين رحمه اللَّه [تعالى] (¬7). [وأفتى الشيخ شمس الدين بن أبي عمر (¬8) بأن الاعتبار (¬9) في ذلك ¬

_ (¬1) انظر كلام شيخ الإِسلام بطوله في: "الاختيارات الفقهية" (ص 178). (¬2) في (أ): "ولدًا أو فقيرًا ونحوه"، وفي (ب): "والدًا أو فقيرًا أو نحوه". (¬3) في (ب): "أما إن". (¬4) في (ب): "ينبسط"، وفي (أ) والمطبوع: "يبسط". (¬5) في المطبوع: "أو إن كان". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). وانظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 172، 181 - 182) (¬8) في (ج) كتب بين السطرين فوق "أبي عمر": "رحمه اللَّه". (¬9) في المطبوع: "الاعتناء".

بسنة المغل دون السنة الهلالية في جماعة مقدرين في تربة (¬1) حصل لهم حاصل من قريتهم الموقوفة عليهم، فطلبوا (¬2) أن يأخذوا ما استحقوه عن الماضي، وهو مغل سنة خمس وأربعين مثلًا؛ فهل يصرف إليهم الناظر بحساب سنة [خمس الهلالية أو بحساب سنة] (¬3) المغل، مع أنه قد نزل (¬4) بعد هؤلاء المتقدمين جماعة شاركوا في حساب سنة المغل؟ فإن أخذ أولئك على حساب السنة الهلالية؛ لم يبق للمتأخرين إلا شيء يسير؛ فأجاب بأنه لا يحتسب إلا بسنة المغل دون الهلالية، ووافقه جماعة من الشافعية والحنفية على ذلك] (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "مقرين في نزيه"، وفي (ج): "مقرئيين في قرية". (¬2) كذا في (أ)، وفي (ج): "وطلبوا"، وفي المطبوع: "يطلبون". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في (ج): "يزل". (¬5) من قوله: "وأفتي الشيخ. . . على ذلك" إلى هنا سقط من (ب).

84 - القاعدة الرابعة والثمانون الحمل؛ هل له حكم قبل انفصاله أم لا؟

(القاعدة الرابعة والثمانون) الحمل؛ هل له حكم قبل انفصاله أم لا؟ حكى القاضي وابن عقيل وغيرهما في المسألة روايتين؛ قالوا: والصحيح من المذهب أن له حكمًا، وهذا الكلام على إطلاقه قد يستشكل، فإن الحمل يتعلق به أحكام كثيرة ثابتة بالاتفاق؛ مثل عزل الميراث له، وصحة الوصية له، ووجوب الغرة بقتله، وتأخير إقامة الحدود، واستيفاء القصاص من أمه حتى تضعه، وإباحة الفطر لها إذا خشيت عليه، ووجوب النفقة لها إذا كانت بائنًا، وإباحة طلاقها وإن (¬1) كانت موطؤة في ذلك الطهر قبل ظهوره. . . إلى غير ذلك من الأحكام، ولم يريدوا (¬2) إدخال هذه (¬3) الأحكام في محل الروايتين. وفصل القول في ذلك أن الأحكام المتعلقة بالحمل نوعان: أحدهما: [ما] (¬4) يتعلق بسبب الحمل بغيره؛ فهذا ثابت بالاتفاق لأن ¬

_ (¬1) في (ب): "إن" من غير واو. (¬2) في (أ): "يزيدوا". (¬3) في المطبوع: "إدخال مثل هذه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

الأحكام الشرعية تتعلق على الأسباب الظاهرة، فإذا ظهرت أمارات (¬1) الحمل؛ كان وجوده هو الظاهر، فيترتب (¬2) عليه أحكامه في الظاهر، [ثم إن] (¬3) خرج حيًّا؛ تبينا ثبوت تلك الأحكام في الباطن، وإن بان أنه لم يكن حمل أو خرج ميتًا؛ تبينا فساد ما يتعلق من الأحكام به أو بحياته؛ كإرثه ووصيته، وهذه الأحكام كثيرة جدًّا، وبعضها متفق عليه، وبعضها فيه اختلاف: - (فمنها) (¬4): إذا ماتت كافرة وفي بطنها حمل محكوم بإسلامه؛ لم تدفن (¬5) في مقابر الكفار لحرمة الحمل. - (ومنها): إخراج الفطرة عن الحمل، وهي مستحبة، وفي وجوبها طريقان للأصحاب: منهم من جزم بنفي الوجوب، ومنهم من قال: في المسألة روايتان. - (ومنها): فطر الحامل إذا خافت على جنينها من الصوم ويجب عليها القضاء والكفارة، وهل الكفارة من مالها أو بينها وبين من تلزمه (¬6) نفقة الحمل؟ على احتمالين، ذكرهما ابن عقيل في "فنونه" (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أمارة". (¬2) في (أ): "فترتبت"، وفي المطبوع و (ج): "فترتب". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فإن". (¬4) في المطبوع و (ج): "فمن أحكامه"، وفي (ب): "ومنها". (¬5) في المطبوع و (أ): "يدفن"، وفي (ب) بدون تنقيط الماء. (¬6) في (أ) و (ب) بدون تنقيط التاء، وفي المطبوع: "يلزمه". (¬7) قال ابن رجب في "كتاب الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 159): "ومن =

- (ومنها): إذا اشترى جارية، [فبانت] (¬1) حاملًا؛ فنص أحمد [رحمه اللَّه] (¬2) في رواية أبي طالب: أن البائع إن أقر بوطئها ردت إليه؛ لأنها أم ولد له، وإن أنكر؛ فإن شاء المشتري ردها، وإن شاء (¬3) لم يردها؛ فأبطل البيع مع إقرار البائع بالوطئ بمجرد تبين الحمل، وقال ابن عقيل: عندي لا يجب الرد حتى تضع ما تصير به الأمة أم ولد؛ لجواز أن لا يكون كذلك. وهذا تفريع على قولنا بصحة (¬4) البيع قبل الاستبراء، فأما (¬5) على الرواية [الأخرى] (¬6)؛ فالبيع من أصله باطل لعدم استبراء البائع. ¬

_ = المسائل الغريبة التي ذكرها ابن عقيل: مسألة في الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على ولديهما، فهل تكون الكفارة على الأم من مالها، أو بينها وبين من تلزمه نفقته؟ ذكر في "الفنون" فيها احتمال. قال: والأشبه أنه على الأم؛ لأنها هي المرتفقة بالإفطار لاستضرارها، وتغير لبنها، والولد تبع لها. قال: ولأنه لو كان الطفل معتبرًا في إبجاب التكفير؛ لكان على كل واحدٍ منهما كفارة تامة؛ كالجماع في رمضان، وكالمشتركين في قتل الصيد، على أصح الروايتين. قلت (أي: ابن رجب): وهذا ضعيف؛ فإن المشتركين في الجماع كل منهما أفسد صومه، والمشتركين في القتل كل منهما جنى على إحرامه؛ فهما متساويان في الجناية، بخلاف الطفل والأم ها هنا" اهـ. (¬1) في (ب): "كانت". (¬2) ما بين المعقوفتين من هامش (ج). (¬3) في (أ): "وإن لم يشأ". (¬4) في (ج): "يصح". (¬5) في (ب): "وأما". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

- (ومنها): لو وطئ الراهن أمته المرهونة فأحبلها؛ خرجت من الرهن، ولزمه قيمتها تكون (¬1) رهنًا، كذا قاله كثير من الأصحاب، ومنهم من قال: يتأخر (¬2) الضمان حتى تضع؛ فيلزمه قيمتها يوم أحبلها. - (ومنها): إذا وطئ جارية من المغنم فحملت؛ فإنها تقوم عليه في الحال، وتصير مستولدة [له] (¬3)، هذا هو المنصوص عن أحمد، وقال القاضي في "خلافه": لا تصير مستولدة بناءً على أن الغنيمة لا تملك بدون القسمة، لكن يمنع من بيعها لكونها حاملًا بحر، ولا يؤخر (¬4) قسمتها؛ فتعين أن تحسب (¬5) عليه من نصيبه لذلك (¬6). - (ومنها): إذا قال لزوجته: إن كنت حاملًا فأنت طالق؛ فالمنصوص عن أحمد في رواية [مهنا] (¬7): أنه ينظر النساء إليها (¬8)، فإن خفي عليهن، فإن جاءت به لتسعة أشهر أو لستة أشهر؛ حنث، فأوقع الطلاق بشهادة النساء بالحمل أو بولادتها لغالب مدة الحمل عند خفائه. وصحح القاضي في موضع من "الجامع" هذه الرواية، وقال أكثر الأصحاب: إن ولدت لأكثر من نهاية مدة الحمل؛ لم تطلق، وإن ولدت ¬

_ (¬1) في (ب): "يكون"، وفي (ج): "فتكون". (¬2) في (ج): "بتأخير". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (ج): "ولا تؤخر"، وفى (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬5) في المطبوع: "يحسب"، وفي (أ) بدون تنقط الحرف الأول. (¬6) في المطبوع: "كذلك". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) في المطبوع و (ج): "ينظر إليها النساء".

لدون أكثر مدة الحمل، فإن كان لم يطأها بعد اليمين؛ طلقت، وإن وطئها بعد اليمين، فإن ولدت لدون ستة أشهر من أول (¬1) الوطء؛ طلقت، وإن ولدت الأكثر منه؛ فوجهان: أشهرهما: لا تطلق، وجعله القاضي في "المجرد" وجهًا واحدًا؛ لاحتمال العلوق به من الوطء المتجدد (¬2). والثاني: تطلق؛ لأن الأصل عدمه. وفيه وجه آخر: لا تطلق حتى تضعه لدون ستة أشهر بكل حال؛ لأنه لا يتيقن (¬3) وجوده عند اليمين بدون ذلك، والطلاق لا يقع مع الشك والاحتمال. - (ومنها): إذا كان لرجل زوجة لها ولد من غيره، فمات ولا أب له، وقد كان تقدم من الزوج وطء هذه الزوجة؛ فإنه يمنع من وطئها بعد موت ولدها حتى يتبين؛ هل هي حامل من وطئه المتقدم أم لا؟ لأجل ميراث الحمل من أخيه، وكذلك إذا كان عبد تحته حرة قد (¬4) وطئها وله أخ حر فيموت أخوه الحر؛ فإنه يمنع من وطء زوجته حتى يتبين هل هي حامل أم لا؛ لأجل ميراث الحمل من عمه، ثم إن جاءت بولد لدون ستة (¬5) أشهر من حين الموت؛ فإنه يرث بلا إشكال، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر ¬

_ (¬1) في (أ): "من حين". (¬2) في المطبوع: "المتجدد". (¬3) في المطبوع: "يتعين". (¬4) في (ج): "وقد". (¬5) في المطبوع: "لستة".

ولأقل من أكثر مدة الحمل؛ فإن كف الزوج عن الوطء من حين الموت ورث الحمل؛ لأن الظاهر أنها كانت حاملًا. قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة لها ابن من غيره فيموت ابنها (¬1): إن جاءت بولد دون (¬2) ستة أشهر من يوم مات ابنها (¬3)؛ ورثناه، وإن جاءت بالولد بعد ستة (¬4) أشهر؛ لم نورثه إلا ببينة، ويكف عن امرأته إذا مات ولدها، فإن لم يكف، فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر؛ فلا أدري هو أخوه أم لا؟ وظاهر هذا أنه إن كف عن الوطء ورث الولد، وإن لم يكف؛ فإن جاءت بالولد بعد الوطء لدون ستة أشهر ورث أيضًا، وكان كمن لم يطأ، وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدًا؛ فظاهر كلام أحمد الذي ذكرناه أنه لا يرث، وبه جزم القاضي في "المجرد"؛ إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملًا يوم موت ولدها، وقال في "الجامع الكبير": يحتمل وجهين، خرجهما من مسألة تعليق الطلاق على الحمل التي تقدمت. النوع الثاني (¬5): الأحكام الثابتة للحمل في نفسه من ملك وتملك وعتق وحكم بإسلام واستلحاق نسب ونفيه وضمان ونفقة، وهذا النوع هو ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "إنها". (¬2) في المطبوع و (ب): "لدون". (¬3) في المطبوع: "منها". (¬4) في (أ): "الستة". (¬5) في (ج): "النوع الثاني من الأحكام. . . ".

مراد من حكى (¬1) الخلاف في الحمل؛ [هل] (¬2) له حكم أم لا؟ وبعض هذه الأحكام ثابتة بغير خلاف، ولنذكر جملة من هذه الأحكام: - (فمنها): وجوب النفقة له؛ فتجب (¬3) نفقة الحمل على الأب، وإن كانت أمة لا نفقة لها؛ كالبائن بالاتفاق، وهذه النفقة للحمل لا لأمه على أصح الروايتين، وهي اختيار الخرقي (¬4) وأبي بكر، ولهذا تدور (¬5) معه وجودًا وعدمًا؛ فعلى هذه تجب (¬6) مع نشوز الأم وكونها حاملًا من وطء شبهة أو نكاح فاسد، وتجب (6) على سائر من تجب عليه نفقة الأقارب مع فقد الأب بالموت أو الإعسار، ذكره القاضي في "خلافه" وصاحب "المحرر" (¬7)، وتسقط (¬8) بيسار الحمل إذا حكم له بمال (¬9)، ذكره القاضي أيضًا في "الخلاف"، وظاهر كلامه في "كتاب الروايتين" (¬10) يخالف ذلك، ويجب ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "حكا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "فيجب"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الثاني. (¬4) قال الخرقي في "مختصره" (8/ 185 - مع "المغني"): "وإذا طلق الرجل زوجته طلاقًا لا يملك فيه الرجعة؛ فلا سكنى لها ولا نفقة إلا أن تكون حاملًا". (¬5) في المطبوع: "يدور"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬6) في المطبوع: "يجب". (¬7) انظر: "المحرر" (2/ 116). (¬8) في (أ): "وسقط". (¬9) في المطبوع: "بملك". (¬10) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 240 - 241) للقاضي أبي يعلى رحمه اللَّه تعالى.

الإنفاق في مدة الحمل، ولا يقف على الوضع، نص عليه أحمد. وخرج الآمدي وأبو الخطاب وجهًا: إذا قلنا: لا حكم للحمل: أنه لا يجب [النفقة] (¬1) حتى ينفصل فترجع بها، وهو ضعيف مصادم لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬2)، وأما أم الولد إذا مات عنها سيدها وهي حامل؛ فليست من هذا القبيل، وإن كان أبو الخطاب ذكر في وجوب النفقة لها لأجل الحمل روايتين، بل نفقة هذه من جنس نفقة الحامل المتوفى عنها. وفيها أيضًا روايتان، وليس ذلك مبنيًّا على أن النفقة للحمل أو للحامل كما زعم ابن الزاغوني (¬3) وغيره؛ فإن نفقة الأقارب تسقط بالموت، ولكن هذا من باب [وجوب] (¬4) النفقة على المحبوسة بحق (¬5) الزوج من ماله؛ كنفقة الحامل البائن (¬6). ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "للحمل نفقة". (¬2) الطلاق: 6. (¬3) حكى ابن رجب عنه في "كتاب الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 183) أنه ذكر: "إن الحامل المتوفى عنه زوجها تجب لها النفقة والسكنى، إن قلنا: إن النفقة للحمْل؛ كما لو كان الأب حيًّا". قال ابن رجب هناك: "ولم أعلم أحدًا من الأصحاب بنى رواية وجوب النفقة والسكنى لها على هذا الأصل، ولا جعلها من فوائد الخلاف في أن النفقة: هل هي للحمل أو للحامل؟ فإن نفقة الأقارب نقط بالموت؛ فكيف تجب نفقة الحمل من التركة؟! ". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (ب) و (ج): "لحق". (¬6) في المطبوع: "البائن الحامل" بتقديم وتأخير.

نعم، يتوجه (¬1) أن يقال: إن قلنا: النفقة للحامل؛ وجبت نفقة (¬2) أم الولد والمتوفى عنها من التركة لأنهما محبوستان لحق الزوج، فإذا وجبت لهما نفقة؛ فهي من ماله، وإن قلنا: النفقة للحمل؛ فهي على الورثة كما سبق، وهذا عكس ما ذكره ابن الزاغوني ومن وافقه (¬3). وفي نفقة أم الولد الحامل ثلاث روايات عن أحمد: إحداها (¬4): لا نفقة لها، نقلها حرب وابن بختان. والثانية (¬5): ينفق عليها من نصيب ما في بطنها، نقلها محمد بن يحيى الكحال (¬6). والثالثة: إن لم تكن ولدت من سيدها قبل ذلك؛ فنفقتها من جميع المال إذا كانت حاملًا، وإن كانت ولدت قبل ذلك؛ فهي في عداد الأحرار، ينفق (¬7) عليها من نصيبها. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إن يتوجه". (¬2) في المطبوع و (ج): "كنفقة". (¬3) في المطبوع و (ج): "وغيره". (¬4) في المطبوع و (ب) و (ج): "أحدُها". (¬5) في المطبوع و (ج): "والثاني". (¬6) هو محمد بن يحيى الكحال، أبو جعفر البغدادي المتطبب، قال الخلال: "كان عنده عن أبي عبد اللَّه "مسائل" كثيرة حسان شعبة، وكان من كبار أصحاب أبي عبد اللَّه، وكان يقدمه ويكرمه". انظر: "طبقات الحنابلة" (1/ 328)، و"المنهج الأحمد" (1/ 347)، و"المقصد الأرشد" (2/ 536). (¬7) في (ب): "فينفق".

نقلها عنه جعفر بن محمد، وهي مشكلة جدًّا، ومعناها عندي -واللَّه أعلم-: أنها إذا كانت حاملًا ولم تضع من سيدها قبل ذلك؛ فنفقتها من جميع المال؛ لما ذكرنا من حبسها على سيدها بالحمل، فتكون النفقة عليه حيث لم يثبت استيلادها بعد، ويجوز أن لا تصير أم ولد بالكلية وتسترق، فإذا أنفق عليها من جميع المال، فإن تبين (¬1) عتقها؛ فقد (¬2) استوفت الواجب لها، وإن رقت؛ لم يذهب على الورثة شيء، حيث (¬3) أنفق على رقيقهم من مالهم، وإن كانت ولدت قبل ذلك من سيدها؛ فقد ثبت لها حكم الاستيلاد في حياة السيد، وهو معنى قوله: "هي في عداد الأحرار"، وحينئذ تعتق بموت (¬4) السيد بلا ريب؛ فإيجاب نفقتها على ولدها أولى من إيجابها من مال سيدها، نزيده (¬5) إيضاحًا في المسألة الآتية [تبعها] (¬6). - (ومنها): وجوب نفقة الأقارب على الحمل من ماله، وقد (¬7) نص أحمد في رواية الكحال: أن نفقة أم الولد الحامل من نصيب ما في بطنها، ذكره القاضي في "خلافه"، واستشكله الشيخ مجد الدين؛ قال: لأن الحمل (¬8) إنما يرث بشرط خروجه حيًا ويتوقف نصيبه؛ فكيف يتصرف فيه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بين". (¬2) في المطبوع: "وقد". (¬3) في المطبوع: "شيء من حيث". (¬4) في المطبوع: "يعتق لموت". (¬5) في المطبوع: "ويزيده". (¬6) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬7) في (ج): "فقد". (¬8) في المطبوع: "لحمل".

قبل تحقق الشرط (¬1)؟! ويجاب عنه: بان هذا النص يشهد لثبوت ملكه بالإرث من حين موت موروثه، وإنما خروجه حيًّا يتبين به وجود ذلك، فإذا حكمنا له بالملك ظاهرًا؛ جاز التصرف فيه بالنفقة الواجبة عليه وعلى من تلزمه (¬2) نفقته، لا سيما والنفقة على أمه يعود نفعها إليه، كما يتصرف في مال المفقود إذا غلب على الظن هلاكه، ويقسم ماله بين ورثته، وإن جاز أن يكون حيًّا، بل هو الأصل، حتى لو قدم حيًّا وقد استهلك ماله في أيدي الورثة؛ ففي ضمانه روايتان، وكذا (¬3) يقال في مال الحمل، ويشهد له إذا أنفق الزوج على البائن يظنها حاملًا، ثم تبين أنها لم تكن حاملًا؛ ففي الرجوع روايتان أيضًا. وقد يحمل إيجاب النفقة للأم (¬4) من نصيب الحمل على أن الأم ترجع به على نصيبه إذا وضعته حيًّا، وفيه بعد. - (ومنها): ملكه بالميراث وهو متفق (¬5) عليه في الجملة، لكن هل يثبت (¬6) له الملك بمجرد موت موروثه ويتبين (¬7) ذلك بخروجه حيًّا، أو لم يثبت له الملك حتى ينفصل حيًّا؟ ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (1/ 406). (¬2) في المطبوع: "يلزمه". (¬3) في (ب): "فكذا". (¬4) في المطبوع: "يحمل إيجاب الأم"، وفي (أ): "يحمل أصحاب النفقة للأم". (¬5) في المطبوع: "متفق". (¬6) في (أ): "ثبت". (¬7) في المطبوع و (أ): "تبين".

فيه خلاف بين الأصحاب، وهذا الخلاف مطرد في سائر أحكامه الثابتة له؛ هل هي معلقة (¬1) بشرط انفصاله حيًّا فلا تثبت (¬2) قبله، أو هي ثابتة له في حال كونه حملًا (¬3) لكن ثبوتها مراعا بانفصاله حيًّا؟ فإذا انفصل [حيًّا] (¬4)؛ تبينا ثبوتها من حين وجود أسبابها، وهذا هو تحقيق [معنى] (¬5) قول من قال: هل الحمل له حكم (¬6) أم لا، والذي يقتضيه نص أحمد في الإنفاق على أمه من نصيبه: أنه يثبت له الملك بالإِرث من حين موت أبيه، وصرح بذلك ابن عقيل وغيره من الأصحاب. ونقل عن أحمد ما يدل على خلافه أيضًا؛ فروى عنه جعفر بن محمد في نصراني مات وامرأته نصرانية وكانت حبلى، فأسلمت بعد موته ثم ولدت: هل يرث (¬7)؟ قال: لا. وقال: إنما مات أبوه وهو لا يعلم ما هو، وإنما يرث بالولادة، وحكم له بحكم الإسلام. وقال محمد بن يحيى الكحال: قلت لأبي عبد اللَّه: مات نصراني وامرأته حامل فأسلمت بعد موته؛ قال: ما في بطنها مسلم. قلت: يرث أباه إذا كان كافرًا وهو مسلم؟ قال: لا يرثه. ¬

_ (¬1) في (ب): "متعلقة". (¬2) في المطبوع و (ب): "يثبت". (¬3) في المطبوع: "حاملًا"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) في (أ): "للحمل حكم". (¬7) في المطبوع و (أ): "ترث".

فصرح بالمنع من إرثه من أبيه، معللًا بان إرثه يتأخر (¬1) إلى ما بعد ولادته؛ لأنه قبل ذلك مشكوك في وجوده، وإذا تأخر توريثه إلى ما بعد الولادة؛ فقد سبق الحكم بإسلامه زمن الولادة؛ إما بإسلام أمه كما دل عليه كلام أحمد هنا، أو بموت أبيه على ظاهر المذهب، والحكم بالإسلام لا يتوقف على العلم به، بخلاف التوريث، وهذا يرجع إلى أن التوريث يتأخر (1) عن موت الموروث إذا انعقد سببه في حياة الموروث، وأصول أحمد تشهد لذلك في إسلام القريب الكافر قبل قسمة الميراث. وأما على ما صرح به ابن عقيل وغيره، وهو مقتضى رواية الكحال في النفقة؛ فيرث الحمل بموت أبيه منه، وإن قلنا: يحكم بإسلامه بموت أحد أبويه؛ كما سبق تقريره في قاعدة اقتران الحكم ومانعه، وأما إن قيل: لا يحكم بإسلامه بموت أحد [هما؛ فتوريثه واضح؛ إذ اختلاف الدين متأخر عن التوريث، ويتخرج (¬2) كلام أحمد] (¬3) على ما ذكرناه واضح لا خفاء [به] (¬4)، وقد ألم به بعض الأصحاب. وأما القاضي والأكثرون؛ فاضطربوا في تخريج كلام أحمد [في منع الميراث، (¬5)، وللقاضي في تخريجه ثلاثة أوجه: الأول: أن إسلامه قبل قسمة الميراث أوجبَ (¬6) منعَهُ من التوريث؛ ¬

_ (¬1) في (ج): "متأخر". (¬2) فى (ب): "ويخرج"، وفي (ج): "وتخريج". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "فيه". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في (ج): "أوجبت".

كما أن إسلام الكافر قبل قسمة ميراث المسلم يوجب توريثه اعتبارًا بالقسمة في التوريث والمنع، وهذه طريقة القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول"، وهي ظاهرة الفساد؛ لأن إسلام قريب الكافر بعد موته وثبوت إرثه لا يسقط (¬1) توريثه [منه] (¬2) بغير خلاف، فإن توريث المسلم قبل القسمة ثبت ترغيبًا في الإسلام وحثًّا عليه، وهذا المقصود ينعكس ها هنا. والثاني: أن هذه الصورة من جملة صور توريث الطفل المحكوم بإسلامه بموت أبيه منه، ونصه هذا يدل على عدم التوريث؛ فيكون رواية ثانية في المسألة، وهذه طريقة القاضي في "كتاب الروايتين" (¬3)، وهي ضعيفة؛ لأن أحمد صرح بالتعليل بغير ذلك، ولأن توريث الطفل من أبيه الكافر وإن حكم بإسلامه بموته غير مختلف فيه، حتى نقل ابن المنذر (¬4) وغيره عليه الإِجماع؛ فلا يصح حمل كلام أحمد على ما يخالف الإجماع. والثالث (¬5): أن الحكم بإسلام هذا الطفل حصل بشيئين: موت (¬6) ¬

_ (¬1) في (ج): "لم يسقط". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 65 - 66/ 15). (¬4) قال في كتابه "الإجماع" (72/ 321): "وأجمعوا على أن حكم الطفل حكم أبويه إن كانا مسلمين؛ فحكمه حكم أهل الإسلام، وإن كانا مشركين؛ فحكمه حكم أهل الشرك يرثهم ويرثونه". (¬5) في المطبوع: "الثالث" من غير واو. (¬6) في (ب): "حصل بسببيّن: موت، و"، وفي المطبوع: "جعل بشيئين: بموت".

أبيه، وإسلام أمه، وهذا [الثاني] (¬1) مانع قوي؛ [لأنه] (¬2) متفق عليه، فلذلك منع الميراث، بخلاف الولد المنفصل إذا مات أحد أبويه؛ فإنه يحكم بإسلامه ولا يمنع إرثه؛ لأن المانع فيه ضعيف للاختلاف فيه، وهذه طريقة القاضي في "خلافه"، وهي ضعيفة أيضًا ومخالفة لتعليل أحمد؛ فإن أحمد إنما علل بسبق المانع لتوريثه لا بقوة المانع وضعفه، وإنما ورث أحمد من حكم بإسلامه بموت أحد أبويه؛ لمقارنة المانع لا لضعفه. - (ومنها): ثبوت الملك له بالوصية، وفيه الخلاف السابق [في التوريث] (¬3)، واختيار (¬4) القاضي: أن الوصيةَ له تعليقٌ على خروجه حيًّا، والوصية قابلة للتعليق، بخلاف الهبة، وابن عقيل تارة وافق شيخه وتارة خالفه، وحكم بثبوت الملك من حين موت الموصي وقبول الولي له، وصرح به أبو المعالي التنوخي وبأنه ينعقد الحول عليه من حين الحكم بالملك إذا كان مالًا زكويًّا، وكذلك في المملوك بالإرث. وحكى وجهًا آخر: أنه لا يجري في حول الزكاة حتى توضع للتردد في كونه حيًّا مالكًا؛ فهوكالمكاتب، ولا يعرف هذا التفريع في المذهب. - (ومنها): الإقرار المطلق للحمل؛ هل يصح أم لا؟ على وجهين، قال (¬5) التميمي: لا يصح، وقال [ابن] (¬6) حامد ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع و (ج): "بالتوريث". (¬4) في المطبوع و (أ): "واختار". (¬5) في المطبوع و (ج): "وقال". (¬6) في المطبوع: "أبو"، والصواب ما أثبتناه.

والقاضي: يصح. واختلف في مأخذ البطلان؛ ففيل: لأن الحمل لا يملك إلا بالإرث والوصية، فلو صح الإقرار له؛ لملك (¬1) بغيرهما، وهو فاسد؛ فإن الإقرار كاشف للملك ومبين له لا موجب له، وقيل: لأن ظاهر الإِطلاق [بالإِقرار] (¬2) ينصرف إلى المعاملة ونحوها، وهي مستحيلة مع الحمل، وهو ضعيف؛ لأنه إذا صح [له الملك بوجه] (¬3)؛ حمل الإقرار مع الإطلاق عليه، وقيل: لأن الإقرار للحمل تعليق له على شرط الولادة (¬4)؛ لأنه لا يملك بدون خروجه حيًّا، والإقرار لا يقبل التعليق، وهذه (¬5) طريقة ابن عقيل، وهي أظهر، وترجع المسألة حينئذ إلى ثبوت الملك [له] (¬6) وانتفائه كما سبق. - (ومنها): استحقاق الحمل من الوقف، والمنصوص عن أحمد كما سبق: أنه لا يستحق حتى يوضع، وهو قول القاضي والأكثرين، وقال ابن عقيل: يثبت له استحقاق الوقف في حال كونه حملًا حتى صحح (¬7) الوقف على الحمل ابتداءً، [وقياس قوله في الهبة كذلك] (¬8)؛ إذ تمليك ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تملك". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬3) كذا في (ب)، وفي (أ): "أن الملك بوجه"، وكلمة "بوجه" في (أ) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي (ج): "له الملك يوجه"، وفي المطبوع: "له الملك توجه". (¬4) في المطبوع: "شرط في الاولادة". (¬5) في (ب): "وهي". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) في (أ): "صح". (¬8) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "تعلق بذلك".

الحمل عنده تمليك منجز لا معلق، وإنما منع القاضي صحة الهبة له؛ [لأن تمليكه معلق] (¬1) على خروجه حيًّا، والهبة لا تقبل التعليق. وأفتى الشيخ تقي الدين باستحقاق الحمل من الوقف [أيضًا] (¬2)، ويمكن التفريق على المنصوص بين الوقف وغيره من الإرث والوصية والهبة: بأن (¬3) الوقف إنما المقصود [منه] (¬4) منافعه وثمراته وفوائده، وهي مستحقة على التأبيد لقوم بعد قوم، والحمل ليس من أهل الانتفاع؛ فلا يستحق منه شيئًا مع وجود المنتفعين به حتى يولد ويحتاج إلى الانتفاع معهم، بخلاف الملك الذي يختص به واحد! معين لا يشاركه فيه غيره؛ فإن هذا يثبت (¬5) للحمل، ولا يجوز انتزاعه منه مع وجوده، ويلزم من ذلك صحة (¬6) الوقف على الحمل المعين دون استحقاته مع أهل الوقف. - (ومنها): الأخذ للحمل بالشفعة إذا مات موروثه (¬7) بعد المطالبة [بها] (¬8)؛ قال الأصحاب: لا يؤخذ له، ثم منهم من علل بأنه لا يتحقق وجوده، ومنهم من علل بانتفاء ملكه، ويتخرج وجه آخر بالأخذ له بالشفعة بناءً على أن له حكمًا وملكًا. ¬

_ (¬1) في (أ): "إن تمليكه يعلق"، وفي (ب): "لأن تمليكه تعليق". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) في المطبوع: "فإن". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "فإن". (¬6) في (أ): "قسمة". (¬7) في المطبوع و (أ): "مورثه". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

- (ومنها): اللعان على الحمل، وفيه روايتان ذكرهما القاضي في "خلافه" وفي "كتاب الروايتين" (¬1): إحداهما: لا يصح نفيه ولا الالتعان (¬2) عليه؛ [لأنه غير متحقق (¬3)]، نقلها أبو طالب، و [نقلها] (¬4) حنبل والميموني عن أحمد، وعلل باحتمال كونه ريحًا، وهذا هو المذهب عن الأصحاب. والثانية: يلاعن (¬5) بالحمل، نقلها ابن منصور عن أحمد، قال الخلال: هو قول أول (¬6)، وذكر النجاد: أنه [هو] (¬7) المذهب، واختاره صاحب "المغني" (¬8)، [وقد ثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه نفى الولد عن المتلاعنين (¬9)، وكان حملًا] (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 195/ 138). (¬2) في (ب): "ولا إلتعان". (¬3) في المطبوع: "محقق"، وما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬5) كذا في (ب)، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي (ج): "تلاعن". (¬6) قال القاضي في "المسائل الفقهية" (2/ 195/ 138): "ونقل ابن منصور: إذا تزوج العبدُ الحرةَ، أو الأمةَ، أو الحرة اليهودية والنصرانية، يلاعن إنما هو نفي الولد، وإذا كان قاذفًا وكانت حاملًا، أو لم تكن حاملًا يلاعنها. قال أبو بكر الخلال: روى الجماعة: حبل، وأبو طالب، وغيره: لا يلاعن بالحمل، وقول إسحاق قول أول". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬8) انظر: "المغني" (8/ 61/ 6273). (¬10) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج). (¬9) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب التفسير، باب {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}، رقم 4746) عن فليح، عن الزهري، =

وعلى هذا الخلاف يخرج صحة استلحاق الحمل والإقرار به؛ لأن لحوق النسب أسرع ثبوتًا من نفيه، والمنصوص عن أحمد في رواية ابن القاسم: أنه لا يلزم الإقرار به، وهو متنزل (¬1) على قوله: إنه لا ينتفي باللعان عليه. - (ومنها): وجوب الغرة بقتله إذا ألقته أمه ميتًا من الضرب، وهو ثابت بالسنة الصحيحة (¬2)، وقد أنكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على من اعترض على ذلك معللًا بأنه لم يشارك الأحياء في صفاتهم الخاصة من الأكل والشرب والاستهلال، وأن ذلك يقتضي إهداره، ونسبه إلى أنه من إخوان الكهان؛ حيث تكلم بكلام مسجع (¬3) باطل في نفسه (¬4)، والعجب كل العجب ممن ¬

_ = عن سهل بن سعد: "أن رجلًا أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه! أرأيت رجلًا رأى مع امرأته رجلًا؛ أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فأنزل اللَّه فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: قد قضي فيك وفي امرأتك. قال: فتلاعنا -وأنا شاهد عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ففارقها، فكانت سُنَّة أن يفرَّق بين المتلاعنيْن، وكانت حاملًا، فأنكر حملها، وكان ابنها يدعى إليها، ثم جرت السنة في الميراث: أن يرثها وترث منه ما فرض اللَّه لها". وأخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 2252 - مختصرًا)، وابن حبان في "صحيحه" (10/ رقم 4283 - الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (رقم 5683)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 258 و 7/ 401)؛ من طريق فليح ايضًا. وله طرق أخرى وبألفاظ متعددة، المذكور هو أقرب الألفاظ لغرض المصنِّف. (¬1) في المطبوع: "منزل". (¬2) كما سيأتي بيانه قريبًا. (¬3) في (ج): "سجع"، وفى (ب): "مشجع"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الديات، باب جنين =

يدعي التحقيق ويرتضي لنفسه مشاركة هذا المعترض، ويقول: القياس يقتضي إهداره!! وليس (¬1) كما ظنه؛ فإن هذا الجنين إما أن يكون صادفه الضرب وفيه حياة، أو (¬2) يكون ذلك قبل وجود الحياة فيه، ولا يجوز أن يكون قد فارقته الحياة؛ لأنه لو مات؛ لم يستقر في البطن، وحينئذ؛ فالجاني إما أن يكون قتله (¬3)، أو منع انعقاد حياته؛ فضمنه (¬4) بالغرة لتفويت انعقاد حياته؛ كما ضمن المغرور ولده بالغرة لتفويت انعقادهم أرقاء، ولم يضمنوا كمال الدية ¬

_ = المرأة، رقم 6910)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب القسامة، باب دية الجنين، رقم 1681 بعد 36)؛ عن عبد اللَّه بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أن أبا هريرة رضي اللَّه عه قال: اقتتلت امرأتان من هُذَيْل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فقضي رسول اللَّه أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن النابغة الهُذْلي؛ يا رسول اللَّه! كيف أغرم من لا شَرِبَ ولا أكَلَ ولا نطق ولا استهل؟ فمثل ذلك يطل؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما هذا من إخوان الكهان" من أجل سجعه الذي سجع". لفظ مسلم. وأخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 4576)، والنسائي في "المجتبي" (8/ 48)، وأحمد في "المسند" (2/ 535)، والدارمي في "السنن" (2/ 197)، وابن الجارود في "المنتقي" (رقم 776)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 114)؛ عن يونس بن يزيد، به. (¬1) في (أ): "ليس" من غير واو. (¬2) في المطبوع: "و". (¬3) في (أ): "قبله"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في (ب): "فيضمنه".

والقيمة. وأيضًا (¬1)؛ فإن دلائل حياته وسقوطه ميتًا عقيب (¬2) الضربة كالقاطع (¬3) بأنها هي التي قتلته، ولعك ذلك الظن [مرتبة فوق] (¬4) اللوث الموجب للقسامة، وإن ماتت أمه قبله؛ فموتها سبب قتله بالاختناق وفقد التعدي، وذلك يوجب الضمان (¬5)، ولا يشترط الانفصال إلا لثبوت الضمان في الظاهر، فلو ماتت الأم وجنينها؛ وجب ضمانهما، لكن اشترط أحمد في "رواية ابن منصور" الانفصال؛ [قال في امرأة قتلت وهي حامل] (¬6): إذا لم يلق (¬7) الجنين؛ فليس فيه شيء. قال القاضي والأصحاب: يكفي أن يظهر منه يد أو رجل، أو يكون [في امرأة] (¬8) قد انشق جوفها، فشوهد الجنين وإن لم ينفصل؛ لأن العلم بحاله يحصل بذلك، و [قد] (¬9) قال أحمد في "رواية أبي طالب": إذا [قتلت وهي حامل، و] (¬10) كان الجنين في بطن أمه، فقتلت الأم ومات الجنين؛ فعلى العاقلة دية الأم ودية الجنين، ولم يشترط [له] (¬11) ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "أيضًا" من غير واو. (¬2) في (ب): "عقب". (¬3) في (ج): "كالقطع". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فوت مرتبة"، وفي (ب): "فوق مرتبة". (¬5) في (ج): "يوجب الضمان معه". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) في المطبوع: "ياق"، وفي (ج): "تلق". (¬8) ما بين المعقوفتين من سقط من المطبوع و (ب). (¬9) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬10) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬11) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

الانفصال، ولو ماتت امرأة، وشوهد بجوفها (¬1) حركة، ثم عصر جوفها، فخرج الجنين ميتًا؛ فهل يضمنه العاصم (¬2)؟ على احتمالين ذكرهما القاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما": أحدهما: يضمنه (¬3)؛ لأن الظاهر أنه مات بجناية العصر. والثاني: لا [يضمن] (¬4)؛ لأنه [يتحقق موته] (¬5) بموت أمه؛ فلا تبقى حياته (¬6) بعدها. وهل يختص الضمان بجنين الآدمية، أم يتعدى إلى غيرها (¬7) من الحيوانات؟ ذهب أكثر الأصحاب إلى الاختصاص؛ لأن ضمان الجنين الميت على خلاف القياس، قالوا: وإنما يجب ضمان ما نقص من أمه بالجناية، ونص (¬8) عليه أحمد في "رواية ابن منصور"، وقال أبو بكر: يجب ضمان جنين البهائم بعشر قيمة أمة كجنين الأمة، وقياسه جنين الصيد في الحرم ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "لجوفها". (¬2) في المطبوع: "تضمنه العاصرة". (¬3) في المطبوع: "تضمنه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "منخنق"، وفي (ب): "ينخنق"، وفي (أ): "يتحقق". (¬6) في المطبوع: "تبقى جناية". (¬7) في (ب): "غيره". (¬8) في المطبوع: "نص" من غير واو.

والإحرام، والمشهور أنه يضمن بما نقص أمه أيضًا؛ لأن غير الأدمي لا يضمن بمقدر، وإنما يضمن بما نقص، ولو ألقت البهيمة بالجناية جنينًا حيًّا ثم مات؛ فاحتمالان، ذكرهما القاضي وابن عقيل في الرهن: أحدهما: يضمن قيمة الولد حيًّا لا غير. والثاني: عليه أكثر الأمرين من قيمته (¬1) أو ما نقصت الأم. و [لذلك] (¬2) ذكر صاحب "المغني" في الأمة إذا أسقطت الجنين: هل يجب ضمانه فقط، أو يجب معه ضمان نقصها أو ضمان أكثر الأمرين؟ ثلاث احتمالات (¬3)، والمذهب [هو] (¬4) الأول، ولم يذكر القاضي سواه، وخرج الشيخ مجد الدين (¬5) أن جنين الأمة يضمن بما نقصت أمه لا غير بناءً على قولنا: إن (¬6) الرقيق لا يضمن بمقدر بل بما ينقص بكل حال، ولو قتل صيدًا ماخضًا؛ ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: يفديه بمثله من النعم ماخض، وهو قول أبي الخطاب. والثاني: يفديه بقيمته مثله؛ لأن اللحم الماخض يفسد؛ فقيمة المثل أزيد من قيمة لحمه، وهو قول القاضي. والثالث: يجزئه أن يفديه بمثله غير ماخض؛ لأن هذه الصفة عيب ¬

_ (¬1) في (ج): "لقيمته". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع: "كذلك". (¬3) انظر: "المغني" (8/ 316 - 317/ 6842). (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب) و (ج)، (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 147). (¬6) كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ): "قوله؛ لأن"، وفى المطبوع: "قوله: إن".

في اللحم؛ فلا يعتبر في المثل كسائر العيوب، ذكره في "المغني" (¬1) احتمالًا. - (ومنها): هل يوصف قتل الجنين بالعمدية أم لا؟ قال أحمد في "رواية ابن منصور" في امرأة شربت دواء، فأسقطت: إن كانت تعمدت؛ فأحب إليَّ أن تعتق (¬2) رقبة، وإن سقط حيًّا ثم مات؛ فالدية على عاقلتها لأبيه، ولا يكون لأمه شيء؛ لأنها القاتلة. قيل له: فإن شربت عمدًا؟ قال: هو شبه (¬3) العمد، شربت ولا تدري: يسقط أم لا؛ عسى لا يسقط الدبة، على العاقلة. والظاهر أنه لم يجعله عمدًا للشك في وجوده لا للشك في الإسقاط بالدواء؛ لأنه قد يكون الإسقاط معلومًا كما أن القتل بالسم ونحوه معلوم. ومن هذه الرواية أخذ الأصحاب رواية وجوب الكفارة بقتل العمد، ولا يصح ذلك؛ فإنه صرح بأنه ليس بعمد، وإنما هو شبه عمد. - (ومنها): عتق الجنين؛ هل ينفذ من حينه، أو [يقف] (¬4) على خروجه حيًّا؟ في المسألة روايتان: إحداهما: ينفذ من حينه، وهو المذهب. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 271/ 2672). (¬2) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "يعتق". (¬3) في المطبوع: "سبيه". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "هو موقوف".

والثانية: لا يعتق حتى تضعه [حيًّا] (¬1)، نص عليها في رواية ابن منصور؛ قال: لا يجب العتق إلا بالولادة، هو عبد حتى يعلم أنه حي أو ميت، وكذلك الخلاف إذا أعتق تبعًا لعتق أمه أو [بملكه, وهو] (¬2) ممن يعتق [عليه] (¬3) برحم. ويتفرع على هذا الأصل فروع: الفرع الأول: لو زوج ابنه بأمته، فولدت ولدًا بعد موت الجد سيد الأمة، فإن قلنا: يعتق الحمل! فقد عتق على جده، نص على ذلك أحمد في "رواية أبي طالب" و"صالح" (¬4)، وإن قلنا: لا يعتق حتى يوضع (¬5)؛ فهو تركة موروثة عن سيده؛ فيرث منه أبوه وأعمامه بقدر حصصهم، ويعتق عليهم بالملك، نص [عليه] (¬6) أحمد في "رواية المروذي"، وهذا لأنا (¬7) إن قلنا: ليس للحمل حكم؛ فالمعنى أنه لا يثبت له حكم الأولاد المستقلين، وإلا؛ فهو موجود حقيقة ومودع في أمه؛ فالملك فيه قائم. وطرد القاضي وابن عقيل الخلاف في ثبوت ملكه أيضًا، وذكرا في ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) كذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج): "يملكه" فقط، وكذا في (أ)، لكن بدون تنقيط الحرف الأول. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) انظر: "مسائل صالح" (3/ 213 - 215/ 1677). (¬5) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "توضع"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "على ذلك". (¬7) في المطبوع و (ج): "لأننا".

الوصايا (¬1): أنه لو وصى بأمة لزوجها وهي حامل منه فولدت، فإن قلنا: للحمل حكم؛ فهو موصى به معها يتبعها في الوصية، وإن قلنا: لا حكم له؛ لم يدخل في الوصية، وكان ملكًا لمن ولدته في ملكه؛ لأنه حينئذ يثبت (¬2) له حكم بظهوره، فإن ولدته في حياة الموصي؛ فهو له، أو بعد موته (¬3)؛ فهو لمن حكمنا له بالملك في تلك الحال، على الخلاف فيه، وإن ولدته بعد قبوله؛ فهو له ويعتق عليه، وهذا يقتضي ها هنا [أنا] (¬4) إذا قلنا: لا حكم للحمل، ولا يعتق على جده، فمات الجد ووضع بعد موته: أنه إن (¬5) كان وضعه بعد القسمة؛ فهو ملك لمن حصلت الأمة له، وإن كان قبل القسمة؛ فهو مشترك بينهم، [لا] (¬6) لأنه موروث [لهم] (¬7) عن أبيهم، بل لأنه نماء ملكهم المشترك. فظهر بهذا أن للأصحاب في معنى كون الحمل له حكم أو لا حكم له طريقين: أحدهما: أنه هو كجزء من أجزاء أمه أو كالمعدوم، وإنما يحكم بوجوده بالوضع. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الوصية". (¬2) في المطبوع و (أ): "ثبت". (¬3) في المطبوع و (ج): "أو بعد موته وقبل القبول". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع: "إذا". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

والثاني: وهو المنصوص: أنه مملوك منفصل عن أمه ومودع فيها، ولكن؛ هل يثبت له حكم الولد المستقل بدون انفصاله، أو لا يثبت له ذلك حتى ينفصل؟ الفرع الثاني: إذا أعتق الأمة الحامل عتق حملها معها، ولكن هل يقف عتقه على انفصاله، أو يعتق من حين عتق أمه؟ على ما تقدم وقياس ما ذكره القاضي وابن عقيل: أنه لا يعتق بالكلية؛ إذ هو كالمعدوم قبل الوضع، وهو بعيد جدًّا؛ فإن أسوأ ما يقدر في العمل أنه ورد عليه العتق في حال منع من نفوذه مانع، فوقف على زواله؛ كعتق المريض لكل رقيقة؛ فإنه يقف على إجازة الورثة، ومن أصلنا أن العتق قبل الملك يصح تعليقه عليه على (¬1) ظاهر المذهب، فإن كان أصله موجودًا في ملكه؛ صح تعليقه بغيرخلاف عند المحققين، كمن قال لأمته: كل ولد تلدينه حر، وهذا المعتق (¬2) قد باشر بالعتق أمته وحملها متصل بها؛ فوقف نفوذ عتقه على [صلاحيته للعتق] (¬3) بظهوره. وقد صرح القاضي في "خلافه" بأنه لو أعتق الحمل وكان علقة؛ عتق؛ وإن لم يكن مملوكًا حينئذًا نظرًا إلى هذا المعنى، واللَّه أعلم (¬4). الفرع الثالث: أعتق الأمة واستثنى حملها؛ صح وكان الولد رقيقًا، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "في". (¬2) في المطبوع: "العتق". (¬3) في (أ): "صلاحية العتق". (¬4) كتب هنا في هامش (ب): "ويحمل الملك وإن كان علقة، ذكره صاحب "المغني" في "الروضة"".

نص عليه في رواية [جماعة، وتوقف [فيه] (¬1) في رواية] (¬2) ابن الحكم. وخرج ابن أبي موسى والقاضي: أنه لا يصح استثناؤه بناءً على أنه كجزء من أجزائها، وخرجوه أيضًا من عدم صحة استثنائه في البيع، ولا يصح؛ لأن البيع تنافيه الجهالة، بخلاف العتق. الفرع الرابع: أعتق الموسر أمة له حملها لغيره؛ فهل يعتق بالسراية أم لا؟ إن قلنا: إنه مستقل بنفسه؛ لم يسر إليه العتق، وإنما دخل مع الأم إذا كان مملوكًا لمالكها تبعًا لاتصاله بالأم واجتماعهما في ملكه، كما يتبع الطلع المؤبر للنخل في العقد إذا كان ملكًا لمالكه (¬3)، ولا يتبع إذا كان ملكًا لغيره، وهذا اختيار السامري وصاحبي "التلخيص" و"المحرر" (¬4)، وقال القاضي والشريف أبو جعفر وأبو الخطاب: يعتق، ويضمنه لمالكه بناءً على أنه كجزء منها. الفرع الخامس: لو أعتق العمل وحده نفذ (¬5)، وهل يعتق من حينه أو يقف على خروجه حيًّا؟ مبني على ما سبق، وأشار القاضي وابن عقيل في ديات الأجنة إلى ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج): "لمالكها". (¬4) انظر: "المحرر" (2/ 4). (¬5) في المطبوع: "صح ونفذ".

خلاف لنا في صحة عتقه [وحده] (¬1) بناءً على أنه كالمعدوم، وهو ضعيف، [وقياس قول من قال: هو كجزء منها: أن يسري عتقه إليها، وهو ضعيف] (¬2) أيضًا. وينبني على هذا الفرع لو ضرب بطن أمة حاهل، فأعتق السيد حملها بعد الجناية أوأعتقه السيد، ثم جنى عليه، ثم انفصل ميتًا أو انفصل حيًّا، ثم مات عقيب (¬3) الانفصال، فهذا ينبني (¬4) على أن العتق هل حصل قبل الانفصال، أو لم يحصل إلا بعده؟ وعلى أصل آخر، وهو إذا جرح (¬5) رقيقًا، ثم عتق، فسرى إلى نفسه، فمات؛ هل يضمنه بدية حر أو بقيمة عبد؟ على روايتين، فإذا علم هذا؛ فها هنا صور أربعة: أحدها: أن يجني عليه، ثم يعتق، ثم ينفصل ميتًا؛ فينبني على أن العتق هل حصل له حال كونه حملًا أم لا؟ فإن قلنا: لم يحصل له العتق [حينئذ] (¬6)؛ وجب ضمانه بضمان جنين مملوك (¬7) عشر قيمة أمه، وإن قلنا: قد عتق؛ انبنى على الخلاف في ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في (ج): "عقب". (¬4) في (ب): "مبني". (¬5) في (ب): "خرج"، والصواب ما أثبتناه. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬7) في (ب): "فضمان الجنين المملوك"، وفي المطبوع: "بضمان جنين ملوك".

اعتبار الضمان بحال السراية أو الجناية، فإن قلنا: الاعتبار بحال الجناية؛ فكذلك، وإن قلنا: بحال السراية؛ ففيه غرة ضمان جنين حر، [وقيل] (¬1): يضمنه ضمان رقيق وجهًا واحدًا، كذلك ذكر (¬2) القاضي وابن عقيل؛ إذ لم (¬3) يتحقق عتقه لجواز تلفه قبله، وحكيا [أيضًا] (¬4) فيما لو (¬5) أعتق الأم بعد الجناية ثم ألقت جنينها وجهين مخرجين من الاختلاف في اعتبار حالة السراية أو الجناية، والفرق بينهما غير متوجه. (والصورة (¬6) الثانية): إن يجنى عليه، ثم يعتق، ثم ينفصل حيًّا، ثم يموت؛ فقد حصل له العتق بغير خلاف؛ فينبني على الخلاف في اعتبار الضمان؛ هل هو بحالة السراية أو الجناية كما تقدم؟ وفي "مسودة شرح الهداية" (¬7): يضمنه بدية حر رواية واحدة، وهو سهو (¬8). (الصورة الثالثة): أن يعتق أولًا، ثم يجنى عليه، ثم ينفصل حيًّا؛ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع: "ذكره". (¬3) في (ج): "إذا لم". (¬4) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ب). (¬5) في المطبوع: "فيما إذا لو". (¬6) في (ب): "الصورة" من غير واو. (¬7) صرّح في (1/ 235 و 261) أنه لمجد الدين ابن تيمية، ومضى التعريف به هناك. (¬8) في (ج): "وهو سهو كما تقدم".

فيجب ضمانه بدية حر إنْ قلنا: عتق وهو حمل، وإن قلنا: لم (¬1) يعتق إلا بعد الانفصال، انبنى على الخلاف في اعتبار الضمان؛ هل هو بحالة الجناية أو السراية؟ فإن قلنا: بحالة السراية؛ ضمنه بدية حر، وإلا؛ ضمنه ضمان رقيق، وظاهر كلام صاحب "المحرر" أنه يجب ضمانه بدية حر وجهًا واحدًا؛ لأن الجناية وقعت بعد العتق المباشر، ووجد الموت بعد النفوذ (¬2)، وفيه نظر، والأظهر أنه كمن جنى عليه بعد التعليق ثم مات بعد وجود الصفة. (والصورة الرابعة): أن يعتق، ثم يجني عليه، ثم ينفصل ميتًا، فإن قلنا: عتق وهو حمل؛ ضمنه ضمان [جنين] (¬3) حر، وإن قلنا: لم (¬4) يعتق؛ ضمنه ضمان جنين رقيق، ونص عليه أحمد في "رواية ابن منصور" معللًا بأنه لم يعتق بعد، وفي "الخلاف الكبير" و"المحرر" أن حربًا نقل ذلك أيضًا عن أحمد (¬5)، وليس كذلك، وإنما حكاه أحمد في روايته عن الزهري، وقال: ما أدري كيف وجهه؟ وقال القاضي وابن عقيل: إذا قلنا: لا يصح عتق العمل؛ فوجوده كالعدم (¬6) في جميع هذه الصور، وهو (¬7) ضعيف كما سبق. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لا". (¬2) انظر: "المحرر" (2/ 147). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) في المطبوع: "إنه لم". (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 147) (¬6) في (ب): "بوجوده كالعدم"، وفي المطبوع: "فوجوده كعدمه". (¬7) في المطبوع: "فهو".

- (ومنها): ورود العقود على الحامل؛ كالبيع والهبة والوصية والإصداق؛ قال القاضي وابن عقيل: إن قلنا: للحمل حكم؛ فهو داخل في العقد، ويأخذ قسطًا من العوض، وإن قلنا: لا حكم له؛ لم يأخذ قسطًا [من العوض] (¬1)، وكان بعد وضعه حكمه حكم النماء المنفصل، فلوردت العين بعيب أو إفلاس أو طلاق، فإن قلنا: له حكم؛ رد مع الأصل، وإلا؛ كان حكمه حكم النماء. وقياس المنصوص عن أحمد في العمل: "أنه لا يعتق، وأنه تركة موروثة" يقتضي أن حكمه حكم الإجزاء لا حكم الولد المنفصل؛ فيجب رده مع العين، وإن قلنا: لا حكم له؛ إذ المراد بذلك أنه لا يثبت له حكم الأولاد لأنه (¬2) معدوم، وهذا أصح، وهو ظاهر كلام الأكثرين في مسألة الفلس، ولا فرق بين ما يعتبر له القبض من العقود؛ كالرهن والهبة (¬3)، وما لا يعتبر قبضه ويحصل قبضه تبعًا لأمه، ذكره القاضي في "خلافه". ويتخرج على هذا الأصل مسألة اشتراط العمل في المبيع (¬4) و [السلم] (¬5) في الحيوان الحامل وغير ذلك. - (ومنها): جنين الدابة المذكاة؛ هل يحكم بذكاته معها قبل الانفصال أم لا؟ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين مثبت من المطبوع فقط. (¬2) في المطبوع و (أ): "لا أنه". (¬3) في (ب): "كالرهن والهبة وغيرها". (¬4) في المطبوع و (ج): "البيع". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

قال ابن عقيل في "فنونه": لا يحكم بذكاته إلا بعد الانفصال (¬1)، وظاهر كلام أحمد خلافه؛ فإنه قال: هو ركن من أركانها، وفرق بين الجنين والولد المنفصل: بأن الجنين فيه غرة، والولد فيه الدية؛ فعلم أنه ليس له حكم الأولاد، وهذا يرجح أنه جزء من الأم، وأن تذكيته تابع لتذكيتها، وأما إن قيل بأنه (¬2) ولد مستقل؛ ففيه نظر، وقد ينبني على ذلك أنه هل [تجب] (¬3) إراقة دمه إذا خرج أم لا؟ وكلام أحمد في ذلك يدل على روايتين، وأكثر النصوص عنه تدل (¬4) على الاستحباب فقط، وفي بعضها ما يشعر بالوجوب، وهذا ينزع (¬5) إلى أنه ولد مستقل، لكن عفى عن موته بغير تذكية لاتصاله بأمه عند تذكيتها، ¬

_ (¬1) ونصه في "الفنون" (1/ 164 - 165/ 167) في رده على حنفي، قال: "له حياة تخصُّه، فلِمَ يتبع غيره في الذكاة؟ قال: لكنه لا يمل بالحياة التي تخصه؛ لأنه مستمد لقوى الحياة من الأم؛ فهو كالعضو، ولذلك يستقل بالعتق، ويتبع، ويقل بالإيصاء به، ومع ذلك يتبع، ولأنه ذو حياة لا يقدر على حلقه ولبّتِهِ، والذكاة بحسب القدرة موسعة، بدليل أنه أقيم الطرف منها الذي بمكان التوجيه مقام الحلق واللبّة في غير المقدور عليه، وهذا دأب الذكاة إذا توحَّش الأهلي؛ صار في حكم الوحشي، وإذا كان الرأس محنيًا، عُقر الحيوان في غيره، فإذا كانت جملة الجنين خافية كامة، وكان مستورًا بكمية من حلقة الأصل، والشرع نسخ بإتلاف المال على أربابه؛ حتى إنه أمر باستصلاح الجلود المية بأخذ ما حول الفأرة الميتة في السمن وتخليل الخمر, كل ذلك للمال واستصلاحًا، ثمّ لما وجدناه أباح ذبح الأم مع العلم بأنه لا بقاء للجنين بعد أمه؛ علم أنه أباح الجنين" اهـ. (¬2) في (أ): "أنه". (¬3) في (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي المطبوع: "يجب فيه". (¬4) في المطبوع: "يدل"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط. (¬5) في (ج): "يرجع".

ثم وجب سفح دمه ليحصل مقصود التذكية فيه. - (ومنها): إذا ماتت الحامل وصلي عليها؛ هل ينوي الصلاة على حملها؟ قال ابن عقيل في "فنونه": لا، وعلل بالشك في وجوده، وهذا متوجه على القول بأنه كالمعدوم قبل الانفصال، وعلى القول بأنه كالجزء من الأم أيضًا. وأما إن قيل بأنه ولد مستقل؛ ففيه نظر، وقد يقال: شرط ثبوت الأحكام له ظهوره، ولم يوجد؛ فإذا متوجه. * * *

85 - القاعدة الخامسة والثمانون الحقوق خمسة أنواع

(القاعدة الخامسة والثمانون) الحقوق خمسة أنواع. (أحدها): حق ملك، كحق السيد في مال المكاتب، ومال القن إذا قلنا (¬1): يملك بالتمليك (¬2) , [وكذلك ما يمتنع] (¬3) إرثه لمانع؛ كالتركة المستغرقة بالدين على رواية, وكالمحرم إذا مات موروثه وفي ملكه صيد على أحد (¬4) الوجهين. (والثاني): حق تملك؛ كحق الأب في مال ولده، وحق القابل (¬5) للعقد إذا أوجب (¬6) له، وحق العاقد في عقد يملك فسخه ليعيد ما خرج عنه إلى ملكه، مع أن في هذا شائبة من حق الملك وحق الشفيع في الشقص، وها هنا صور مختلف فيها؛ هل يثبت فيها الملك أو حق التملك (¬7)؟ ¬

_ (¬1) في (ج): "قيل". (¬2) في (ب): "بالتملك". (¬3) كذا في (ب)، وفي (أ): "وله لا يمتنع"، وفي (ج): "ما يمتنع"، وفي المطبوع: "وما يمتنع". (¬4) في المطبوع: "أظهر". (¬5) في المطبوع: "العاقد". (¬6) في المطبوع: "إذا وجب". (¬7) في المطبوع: "التمليك".

- (فمنها): حق المضارب في الربح بعد الظهور وقبل القسمة، وفيه روايتان: إحداهما: أنه يملكه (¬1) بالظهور. والثانية: لم يملكه، وإنما ملك أن يتملكه، وهو حق متأكد حتى لو مات ورث عنه، ولو أتلف المالكُ المالَ؛ غرم نصيبه، وكذلك الأجنبي؛ ولو أسقط المضارب حقه منه، فإن قلنا: هو ملكه؛ لم يسقط، وإن قلنا: لم يملكه بعد؛ ففي "التلخيص" احتمالان: أحدهما: يسقط؛ كالغنيمة. والثاني: لا [يسقط] (¬2)؛ لأن الربح [ها] (¬3) هنا مقصود وقد تأكد سببه، بخلاف الغنيمة؛ فإن مقصود الجهاد إعلاء كلمة اللَّه [تعالى] (¬4) لا المال. - (ومنها): حق الغانم في الغنيمة قبل القسمة، وفيه وجهان: أحدهما -وهو المنصوص، وعليه جمهور (¬5) الأصحاب-: أنه يثبت [الملك فيها] (¬6) بمجرد الاستيلاد، لكن؛ هل يشترط الإحراز أم لا؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يملكها"، وفي (أ) و (ب): "ملكه". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬3) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬5) في (ج): "أكثر". (¬6) في (ج): "فيه الملك".

على وجهين: أحدهما: لا يشترط، وتُملك (¬1) بمجرد نقضي الحرب، وهو قول القاضي (¬2) في "المجرد" ومن تابعه على طريقته. والثاني: يشترط، وهو قول الخرقي (¬3) وابن أبي موسى؛ كسائر المباحات، ورجحه صاحب "المغني" (¬4). فعلى هذا لا يستحق منها إلا من شهد الإِحراز، وأما على الأول؛ فاعتبر القاضي والأكثرون شهود [آخر] (¬5) الوقعة، وقالوا: لا يستحق من لم يشهده. وفصل في "الأحكام السلطانية" بين الجيش وأهل المدد، فأما الجيش؛ فيستحقون بحضور جزء من الوقعة إذا كان تخلفهم عن الباقي لعذر؛ كموت الغازي أو موت فرسه، وأما المدد، فيعتبر لاستحقاقهم شهود انجلاء الحرب (¬6)، ونص أحمد في "رواية يعقوب بن بختان" فيمن قتل في المعركة يعطى ورثته نصيبه. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "ويملك". (¬2) وقال في "كتاب الروايتين" (2/ 361): "مسألة إذا ظهر أهل الحرب على المسلمين، وسبوا أموالهم، وحازوها إلى دار الحرب؛ ملكوها بالقهر والإحازة"، فاختياره اشتراط الحيازة في روايتيه، وحكاه عنه الزركشي في "شرحه على مختصر الخرقي" (6/ 510). وانظر: "قواعد ابن اللحام" (القاعدة السابعة). (¬3) انظره مع: "المغني" (9/ 228/ 7568). (¬4) انظر: "المغني" (9/ 228/ 7568). (¬5) في المطبوع: "احراز". (¬6) انظر: "الأحكام السلطانية" (ص 151، 152).

والوجه الثاني: لا تملك (¬1) الغنيمة إلا باختيار الملك، وهو اختيار القاضي في "خلافه"؛ فعلى هذا إنما يثبت (¬2) لهم حق التملك (¬3)؛ كالشفيع، فمن مات منهم قبل اختيار التملك أو المطالبة؛ فلا حق له، ذكره صاحب "الترغيب"، وظاهر كلام القاضي في "خلافه" في (باب الشفاعة): أن الحق ينتقل إلى الورثة بدون القبول والمطالبة، وإن قالوا: اخترنا (¬4) القسمة؛ لزمت حقوقهم ولم تسقط بالإعراض، ذكره صاحب "الترغيب"، بخلاف ما إذا أسقطوا حقوقهم قبل الاختيار؛ فإنه يسقط على الوجهين؛ لضعف الملك وعدم استقراره، ويصير فيئًا، فإن أسقط البعض دون البعض؛ فالكل من [لم] (¬5) يسقط حقه. - (ومنها): حق من وجد ماله بعينه في المغنم قبل القسمة مما ملكه الكفار بالاستيلاء عليه؛ فإنه يثبت له [فيه] (5) حق التملك (¬6) عند الأصحاب، وخرجه [شيخ الإِسلام ابن تيمية] (¬7) الشيخ تقي الدين على الخلاف في حق الغانمين (¬8). ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع: "يملك"، وفي (ب) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬2) في المطبوع: "ثبت". (¬3) في (ج): "التميك". (¬4) كذا في (ب) والمطوع، وفي (أ) و (ح): "أجزنا". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع و (ج): "التميك". (¬7) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬8) انظر: "الاختبارات الفقهية" (ص 313).

- (ومنها): حق الزوج في نصف الصداق إذا طلق قبل الدخول؛ هل يثبت له في الملك قهرًا أو يثبت له حق التملك فلا يملك بدونه؟ فيه وجهان، والأول هو المنصوص، وعلى الثاني؛ فيكفي (¬1) فيه المطالبة، واختيار التملك على ظاهر كلام أبي الخطاب؛ كرجوع الأب، وزعم صاحب "الترغيب" أن هذا مرتب على الخلاف في عفو الذي بيده عقدة النكاح؛ هل هو الزوج أو الولي؟ وليس كذلك، ولا يلزم من طلب العفو من الزوج أن يكون هو المالك، فإن العفو يصح عما (¬2) يثبت فيه حق التملك؛ كالشفعة، وليس في قولنا: "إن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب" ما يستلزم أن الزوج لم يملك نصف المهر؛ لأنه إنما يعفو عن النصف المختص بابنته (¬3)، فأما النصف الآخر؛ فلا تعرض لذكره بنفي ولا إثبات، والعجب أنه حكي بعد ذلك في صحة عفو الزوج عن النصف إذا قلنا: "قد دخل في ملكه" وجهين، والصحيح المشهور أنه يصح عفوه؛ وإن (¬4) كان مالكًا، كما يصح عفو الزوجة مع ملكها، [ثم إن القرآن مصرح بذلك؛ فكيف يسوغ الخلاف فيه حينئذ؟!] (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "فتكفي"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الثاني. (¬2) في (ج): "مما"، ونقله المرداوي في "الإنصاف" (8/ 262) عن المصنف؛ كما أثبتناه. (¬3) نقل المرداوي في "الإنصاف" (8/ 262 - 263) عن المصنف من قوله: "وليس كذلك؛ ولا يلزم .. . . "، إلى هنا. (¬4) في نسخة (أ) والمطبوع: "إن" من غير واو. (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في (أ) و (ج) والمطبوع؛ "بنص القرآن".

لكن إن كان الصداف دينًا صح الإِبراء منه بسائر ألفاظ المباراءة من الإبراء والإسقاط والهبة والعفو والصدقة والتحليل، ولا يشترط له قبول، وإن كان عينًا، وقلنا: لم يملكه، وإنما يثبت له حق (¬1) التملك؛ فكذلك، وكذلك يصح عفو الشفيع عن الشفعة، ذكره القاضي وابن عقيل، وإن قلنا: ملك نصف الصداق؛ صح بلفظ الهبة والتمليك (¬2)، وهل يصح بلفظ العفو؟ على وجهين: أحدهما: لا يصح، قاله ابن عقيل. والثاني: يصح، قاله القاضي، ورجحه صاحب "المغني" (¬3)، وهو الصحيح؛ لأن عقد الهبة ينعقد عندنا (¬4) بكل لفظ يفيد معناه من غير اشتراط إيجاب ولا قبول بلفظ معين، وقال القاضي وابن عقيل: يشترط ها هنا الإيجاب والقبول والقبض، وحكى صاحب "الترغيب" في اشتراط القبول وجهين، والصحيح أن القبض لا يشترط في الفسوخ؛ كالإقالة ونحوها، وصرح (¬5) به القاضي في "خلافه"، وكذلك يصح رجوع الأب في الهبة من غير قبض، وكذلك فسخ عقد الرهن وغيره (¬6). ¬

_ (¬1) في (ج): "يثبت له فيه حق". (¬2) في المطبوع: "التملك". (¬3) انظر: "المغني" (7/ 196/ 5626). (¬4) في المطبوع: "عندنا ينعقد" بتقديم وتأخير. (¬5) في المطبوع: "صرح". (¬6) في المطبوع: "وغيرها".

- (ومنها): حق الملتقط في اللقطة بعد حول التعريف، وفيه وجهان: أشهرهما: أنه يثبت له الملك بغير اختياره، واختاره القاضي وقال: إنه ظاهر كلام أحمد. والثاني: لا يدخل حتى يختار، وهو اختيار أبي الخطاب (¬1)؛ فيكون حقه فيها حق تملك. - (ومنها): الموصى له بعد موت الموصي، وفيه وجهان: أحدهما: أنه يثبت له الملك، وقيل: إنه ظاهر كلام أحمد. والثاني: إنما يثبت له حق الملك بالقبول، وهو المشهور عند الأصحاب. - (ومنها): من نبت (¬2) في أرضه كلأ أو نحوه من المباحات، أو توحل فيها صيد أو سمك ونحوه؛ فهل يملكه بذلك؟ في المسألة روايتان معروفتان، وأكثر النصوص عن أحمد تدل (¬3) على الملك، وعلى الرواية الأخرى إنما [يثبت له] (¬4) حق التملك، وهو مقدم على غيره بذلك؛ إذ لا يلزمه أن يبذل من الماء والكلأ إلا الفاضل ¬

_ (¬1) في "كتاب الهداية" (1/ 203)، قال: "ولهذا يضمنها لمالكها إذا أنفقها بعد الحول". (¬2) في (ب): "ينبت". (¬3) في المطبوع: "يدل". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (أ): "ثبت"، وفي (ج): "يثبت" فقط.

عن حوائجه، ولو سبق غيره وحقق سبب الملك بحيازته إليه؛ فقال القاضي والأكثرون: يملكه، وخرج ابن عقيل أنه لا يملكه؛ لأنه سبب منهي عنه؛ فلا يفيد الملك، ويشبه هذا الخلاف في الطائفة التي تغزو بدون إذن الإِمام؛ هل يملكون شيئًا من غنيمتهم أم لا، وقرر القاضي [في موضع] (¬1) [آخر] (¬2) من "خلافه" أن الأسباب الفعلية تفيد الملك؛ وإن كانت محظورة؛ كأخذ المسلم أموال أهل الحرب غصبًا [منهم] (¬3)؛ وإن دخل [إليهم] [بأمان] (¬4)، بخلاف القولية. وفي موضع آخر صرح بخلاف ذلك، وأنه لا يملك به المسلم، وهو الصحيح من المذهب. - (ومنها): متحجر الموات، المشهور أنه لا يملكه بذلك، ونقل صالح عن أبيه ما يدل على أنه يملكه (¬5). وعلى الأول؛ فهو أحق بتملكه بالإحياء، فان بادر الغير وأحياه (¬6)؛ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬4) ما بين المعقوفتين الأولتين سقط من (ج)، وما بين المعقوفتين الأخرتين سقط من (أ). (¬5) في "مسائل صالح" (3/ 114/ 1457): "وقال [أي: الإِمام أحمد رحمه اللَّه]: من حجر أرضًا ليست لأحد، فهي له" اهـ. وانظر: "مسائل عبد اللَّه" (315/ 1171)، و"المقنع" (2/ 286)، و"المبدع" (5/ 248)، و"الإنصاف" (6/ 354)، (¬6) في المطبوع و (ج): "فأحياه".

ففي ملكه وجهان معروفان، هذا كله فيمن انعقد له سبب التملك وصار التملك واقفًا على اختياره، فأما إن ثبتت (¬1) له رغبة في التملك ووعد به ولم ينعقد السبب؛ كالمستام والخاطب إذا ركن إليهما؛ فلا يجوز مزاحمتهما أيضًا، ولكن يصح على المنصوص. وخرج القاضي وجهًا بالبطلان من البيع على بيعه، والفرق بينهما واضح؛ لأن الحق في البيع انعقد وأخذ به، ولا كذلك هنا (¬2)، ولأن المفيد للملك هنا العقد والمحرم سابق عليه؛ فهو كاستيلاد الأب والشريك، يحصل به (¬3) الملك بالعلوق لما كان المحرم -وهو الوطء- سابقًا عليه. النوع الثالث: حق الانتفاع، ويدخل فيه صور: - (منها) (¬4): وضع الجار خشبه على جدار جاره إذا لم يضر به للنص الوارد فيه (¬5). - (ومنها): إجراء الماء في أرض غيره إذا اضطر إلى ذلك في إحدى ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، وفي (ب): "تبينت"، وفي (ج) والمطبوع: "ثبت". (¬2) في (أ) و (ب): "لذلك هنا"، وفي المطبوع: "كذلك ها هنا". (¬3) في المطبوع و (ج): "له". (¬4) في (ب): "فمنها". (¬5) يشير المصنِّف إلى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يمنع أحدُكم جاره أن بغرز خشبةً في جداره"، أخرجه مسلم في "الصحيح" (كتاب المساقاة، باب غرز الخشب في جدار الجار، رقم 1609)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الأقضية، باب من القضاء، رقم 3473)، والترمذي في "الجامع" (أبواب الأحكام، باب الرجل يضع على حائط جاره خشبًا، رقم 1353)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الأحكام، باب الرجل بضع خشبة على جدار جاره، رقم 2335)، وأحمد في "المسند" (2/ 240/ 463)، وغيرهم؛ عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه.

الروايتين؛ لقضاء عمر [رضي اللَّه عنه به] (¬1)، قال الشيخ تقي الدين: وكذلك إذا احتاج أن يُجْرِيَ ماءه في طريق مائه، مثل أن يجري مياه سطوحه أو غيرها في قناة لجاره أو يسوق في قناة عذبة ماء ثم يقاسمه (¬2) جاره، ولو وضع على النهر عبارة يجري فيها الماء؛ فخرجها (¬3) الأصحاب على ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ته"، وفي (أ) و (ج): "به". ويشير المصنف إلى ما أخرج مالك في "الموطأ" (746 - رواية يحيى، ورقم 2897 - رواية أبي مصعب، و 358 - رواية محمد بن الحسن) -ومن طريقه الشافعي في "المسند" (2/ 135)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 157) و"معرفة السنن والآثار" (9/ رقم 12264) -، ويحيى بن آدم في "الخراج" (رقم 353)؛ من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه -وشك فيه يحيى، فقال: "أظنه عن أبيه، ولعله رواه من حفظه"، بإسناده رجاله ثقات؛ إلا أنه مرسل، كما قال البيهقي-: "إن الضَّحَّاك بن خليفة ساق خليجًا له من العُرَيض، فأراد أن يُمرَّ في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمدّ، فقال الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة، تشرب منه أولًا وآخرًا، ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر محمد بن سلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال: لا. فقال عمر لمحمد بن مسلمة: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك منفعة تشرب به أولًا وآخرًا ولا يضرك؟ فقال محمد بن مسلمة: لا واللَّه. فقال عمر رضي اللَّه عنه: واللَّه، لِيمرنَّ به ولو على بطنك. فأمر عمر أن يمر به؛ ففعل الضحاك". وله طريق أُخرى أشار إليها البيهقي وابن عبد البر في "الاستذكار" (22/ 229/ رقم 32544)، ثم ظفرت بها في "الخراج" ليحيى بن آدم (رقم 348، 349، 350)، وهي مرسلة أيضًا، أفاده البيهقي. والطريقان يشدان بعضهما بعضًا؛ فهو إن شاء اللَّه تعالى بهما حسن. (¬2) في (ج): "يقاسم". (¬3) في (ب): "خرجها".

الروايتين (¬1). ونقل أبو طالب عن أحمد في قوم اقتسموا دارًا وكانت (¬2) لها أربعة سطوح يجري الماء عليها، فلما اقتسموا أراد أحدهم أن يمنع من جريان الماء للآخر عليه، وقال (¬3): هذا قد صار لي، وليس بيننا شرط؛ فقال أحمد: يرد الماء إلى [ما كان عليه، وإن لم يشترط] (¬4) ذلك، ولا يضر به. وحمل طائفة من أصحابنا هذه الرواية على أنه يحصل به ضرر يمنعه من جريان الماء، وأنه يحتاج إلى أن ينقض (¬5) سطحه ويستحدث له مسيلا؛ فجعل له أن يجريه على رسمه الأول كذلك كما يجري ماؤه في أرض غيره [للحاجة] (¬6)، أو يضع خشبه على جداره، كذا (¬7) ذكره ابن عقيل وغيره، وحمله بعضهم على أن الدار إذا انقسمت (¬8) كانت مرافقها كلها باقية مشتركة بين الجميع (¬9)؛ كالاستطراق في طريقها, ولهذا قلنا: لو حصل ¬

_ (¬1) في (أ): "روايتين". وانظر: "مجموع الفتاوى" (30/ 17) بنحوه. (¬2) كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) والمطبوع: "كانت". (¬3) في (أ): "فقال". (¬4) في المطبوع و (ب): "ما كان وإن لم يشرط"، وفي (أ): "ما كان عليه إن لم يشترط"، وفي (ج)؛ "ما كان عليه وإن لم يشرط". (¬5) في (أ): "ينقل". (¬6) في (ب): "لذلك". (¬7) في المطبوع: "وكذا". (¬8) في المطبوع و (ب): "اقتسمت". (¬9) في المطبوع: "الجمع".

الطريق في حصة أحد المقتسمين ولا منفد للآخر؛ لم تصح القسمة، وعلى هذا حمله صاحب "شرح الهداية". وخرج صاحب "المغني" [من مسألة] (¬1) أبي طالب وجهًا في مسألة الطريق بصحة القسمة وبقاء حق الاستطراق فيه للآخر (¬2)؛ وبينهما فرق؛ فإن الطريق لا يراد منه سوى (¬3) الاستطراق؛ فالاشتراك فيه يزيل معنى القسمة والاختصاص، بخلاف إجراء الماء على السطح؛ فإنه لا يمنع صاحب السطح من الانفراد بالانتفاع به بسائر وجوه الانتفاعات المختصة بالملك، [واللَّه أعلم] (¬4). - (ومنها): لو باع أرضًا فيها زرع يحصد مرة واحدة ولم يبد صلاحه، أو شجرًا عليه ثمر لم يبد صلاحه؛ كان ذلك مبقى في الشجر والأرض إلى وقت الحصاد والجذاذ [بغيره أجرة، ولو أراد تفريغ الأرض من الزرع لينتفع بها إلى وقت الجذاذ] (¬5) أو يؤجرها؛ لم يكن له ذلك، كما لا يملك [الجار إعارة] (¬6) غيره ما يستحقه من الانتفاع بملك جاره، وكذلك لو باع زرعًا [قد] (¬7) بدا صلاحه في أرض؛ فإن عليه إبقاءه إلى وقت صلاحه للحصاد، فأما إن باع شجرة؛ فهل يدخل منبتها في البيع؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "في رواية". (¬2) انظره: "المغني" (10/ 152/ 8325). (¬3) في (ج): "إلا". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إيجار". (¬7) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

على وجهين، ذكرهما القاضي، وحكى عن ابن شاقلا: أنه لا يدخل، وإن ظاهر (¬1) كلام أحمدَ الدخولُ؛ حيث قال فيمن أقر بشجرة لرجل هي له بأصلها: وعلى هذا لو انقلعت؛ فله إعادة غيرها مكانها, ولا يجوز ذلك على قول ابن شاقلا؛ كالزرع إذا حصد؛ فلا يكون [له] (¬2) في الأرض سوى حق الانتفاع (¬3). النوع الرابع: حق الاختصاص (¬4)، وهو عبارة عما [يستحق] (¬5) الانتفاع به، ولا يملك أحد مزاحمته فيه، وهو [غير] (¬6) قابل للتمول (¬7) والمعاوضات، ويدخل في (¬8) ذلك صور: - (منها): الكلب المباح اقتناؤه؛ كالمعلم لمن يصطاد به، فإن كان [ممن] (¬9) لا يصطاد به، أو كان الكلب جروًا يحتاج إلى التعليم؛ فوجهان. - (ومنها): الأدهان المتنجسة (¬10) المنتفع بها بالإيقاد وغيره على ¬

_ (¬1) في (أ): "الظاهر". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) نقله المرداوي في "الإنصاف" (5/ 57) عن المصنف من قوله السابق: "إن باع شجرة. . . " إلى هنا. (¬4) في (ج) بعد قوله: "حق الاختصاص": "قال في الفروع: ورواية مهنأ هي له بأصلها، فإن ماتت أو سقطت لم يكن له موضعها". (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "يختص مستحقه بـ". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) في (أ): "الشمول"، وفي المطبوع: "للشمول". (¬8) في المطبوع: "تحت". (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬10) في (ب): "النجسة".

القول بالجواز؛ فإما نجسة العين كدهن الميتة؛ [فالمذهب المنصوص] (¬1) أنه لا يجوز الانتفاع به، ونقل ابن منصور عن أحمد ما يدل على جوازه. - (ومنها): جلد الميتة المدبوغ إذا قيل بجواز (¬2) الانتفاع به في اليابسات، فأما ما لا يجوز الانتفاع به من النجاسات بحال؛ فلا يد نابتة عليه، وآية ذلك أنه لا يجب رده [على من انتزعه ممن هو في يده، بخلاف ما فيه نفع مباح؛ فإنه يجب رده] (¬3). نعم، لو غصب خمرًا، فتخللت في يد الغاصب؛ وجب ردها. ذكره القاضي وابن عقيل والأصحاب؛ لأن يد الأول لم تزل عنها بالغصب؛ فكأنها تخللت في يده. واختلفت عبارات الأصحاب في زوال الملك بمجرد التخمر (¬4)؛ فأطلق الأكثرون الزوال؛ منهم القاضي وابن عقيل، وظاهر كلام بعضهم أن الملك لم يزل، ومنهم صاحب "المغني" (¬5) في (كتاب الحج)، وفي كلام القاضي ما يدل عليه. وبكل حال؛ فلو عادت خلًّا؛ عاد الملك الأول بحقوقه (¬6) من ثبوت الرهينة وغيرها، حتى لو خلف خمرًا ودينًا، فتخللت الخمر؛ قضي دينه ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فالمنصوص". (¬2) في المطبوع و (ج): "يجوز". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) في المطبوع: "التخمير". (¬5) انظر: "المغني" (5/ 160/ 3979). (¬6) في المطبوع و (ج): "لحقوقه".

منه (¬1)، ذكره القاضي في "المجرد" في ([كتاب] (¬2) الرهن)، وذكر هو وابن عقيل أيضًا فيه: لو وهب الخمر وأقبضها أو أراقها، فجمعها آخر، فتخللت في يد الثاني؛ فهل هي ملك له أو للأول؟ على احتمالين، وفرقا بين ذلك وبين الغصب: بأن الأول زالت يده عنها بالإراقة والإقباض، وثبتت (¬3) يد الثاني، بخلاف الغصب، ورحج صاحب "المغني" (¬4) أن الرهن لا يبطل بتخمير العصير (¬5)، وهذا كله يدل على ثبوت اليد على الخمر؛ لإِمكان عودها مالًا. - (ومنها): مرافق الأملاك؛ كالطرق والأفنية ومسيل المياه (¬6) ونحوها؛ هل هي مملوكة أو يثبت (¬7) فيها حق الاختصاص؟ وفي المسألة وجهان: أحدهما: ثبوت حق الاختصاص فيها من غير ملك، وبه جزم القاضي وابن عقيل في (باب إحياء الموات) وفي (الغصب)، ودل عليه [نصوص] (¬8) أحمد فيمن حفر في فنائه بئرًا: أنه متعد بحفره في غير ملك، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "منه دينه". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬3) في المطبوع: "وثبت". (¬4) انظر: "المغني" (4/ 246 - 247/ 3357). (¬5) في (أ): "بتخمير العصر"، وفي (ج): "بتخمر العصير". (¬6) في (أ): "الماء". (¬7) في المطبوع: "ثبت". (¬8) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "المنصوص عن".

وطرد القاضي ذلك حتى في حريم البئر، ورتب عليه أنه لو باعه الأرض (¬1) بفنائها؛ لم يصح البيع لأن الفناء لا يختص به؛ إذ استطراقه عام، بخلاف ما لو باع بطريقها، وأورد ابن عقيل أحتمالًا بصحة البيع بالفناء؛ لأنه من الحقوق؛ فهو كمسيل المياه. والوجه الثاني: الملك، وصرح به الأصحاب في الطرق، وجزم به في الكل صاحب "المغني" (¬2)، وأخذه من نص أحمد والخرقي على ملك حريم البئر (¬3). - (ومنها): مرافق الأسواق المتسعة التي يجوز البيع والشراء فيها؛ كالدكاكين المباحة ونحوها؛ فالسابق إليها أحق بها، وهل ينتهي حقه بانتهاء النهار أو يمتد إلى أن ينقل قماشه عنها؟ على وجهين، وظاهر كلام أحمد في "رواية حرب" الأول بجريان (¬4) العادة بانتفاء (¬5) الزيادة عليه. وعلى الثاني؛ فلو (¬6) أطال الجلوس؛ فهل يصرف أم لا؟ على وجهين؛ لأنه يفضي إلى الاختصاص بالحق المشترك. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أرضًا". (¬2) انظر: "المغني" (5/ 335 - 336/ 4347). (¬3) ذكره عن المصنف المرداوي في "الإنصاف" (5/ 54) من قوله السابق: "مرافق الأملاك. . . " إلى هنا. (¬4) في المطبوع و (ج): "لجريان". (¬5) في (أ): "بانتقال". (¬6) في (ب): "لو".

- (ومنها): الجلوس في المساجد ونحوها لعبادة أو مباح؛ فيكون الجالس أحق بمجلسه (¬1) إلى أن يقوم عنه باختياره قاطعًا للجلوس، أما إن قام لحاجة عارضة ونيته العود؛ فهو أحق بمجلسه (¬2) ويستثنى من ذلك الصبي إذا قام [في صف فاضل أو] (¬3) في وسط الصف؛ فإنه يجوز نقله عنه، صرح به القاضي (¬4)، وهو ظاهر كلام أحمد، وعليه حمل (¬5) فعل أبي بن كعب بقيس بن عباد (¬6). ¬

_ (¬1) في (أ): "لمجلسه". (¬2) في (ج): "بالعود". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (ب): "بذلك القاضي". (¬5) في (ب): "يحمل". (¬6) يشير المصنف إلى ما أخرجه النسائي في "المجتبى" (كتاب الإمامة، باب من يلي الإِمام ثم الذي يليه، 2/ 88/ رقم 808) وفي "الكبرى" (كتاب الإمامة والجماعة، رقم 30/ تحقيق علاء الدين علي رضا)، وعبد الرزاق في "المصنف" (2/ 53 - 54/ رقم 2460)، وابن خزيمة في "الصحيح" (رقم 1573)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 133)؛ عن قيس بن عباد؛ قال: "بينا أنا في المسجد بالمدينة في الصف المقدم، فجذني رجل من خلفي جبذة، فنحاني وقام مقامي، فواللَّه ما عقلتُ صلاتي، فلما انصرف إذا هو أُبيّ بن كعب، فقال: يا فتى! لا يسوؤك اللَّه، إن هذا عهد من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلينا أن نليه. ثم استقبل القبلة، فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة (ثلاثًا). ثم قال: واللَّه؛ ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلوا. قلت: يا أبا يعقوب! ما يعني به أهل العقد؟ قال: الأمراء". وإسناده حسن. وقوله: "أهل العُقَد"؛ بضم العين، وفتح القاف: قال في "النهاية": "يعني: أصحاب الولايات على الأمصار من عقد الألوية للأمراء". "آسى"؛ بمد الهمزة، آخره ألف؛ أي: واللَّه ما عليهم أحزن.

النوع الخامس (¬1): حق التعلق لاستيفاء الحق، وله صور: - (منها): تعلق حق المرتهن بالرهن، ومعناه أن جميع أجزاء الرهن محبوس بكل جزء من الدين حتى يستوفي جميعه. -[ومنها] (¬2): تعلق حق الجناية بالجاني، ومعناه أن حقه انحصر في ماليته وله المطالبة بالاستيفاء منه، ويتعلق الحق بمجموع الرقبة لا بقدر الأرش [منها على] (¬3) ظاهر كلام الأصحاب، ويباع (¬4) جميعه في الجناية، ويستوفي (¬5) منه الحق ويرد الفضل على السيد، وذكر القاضي في "المجرد" أن ظاهر كلام أحمد: إنه لا يرد عليه شيء، وهذا صريح في تعلق الحق بالجميع. وللأصحاب في العبد المرهون إذا جنى وكان في قيمته فضل عن الأرش؛ هل يباع جميعه أو بمقدار الأرش؟ فيه (¬6) وجهان؛ لكن بيع جميعه يندفع به عن السيد ضر ونقص القيمة بالتشقيص. - (ومنها): تعلق حق الغرماء بالتركة؛ هل يمنع انتقالها بالإرث؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "والنوع الخامس". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "بها"، وفي (ب): "منها في"، وفي المطبوع: "على" فقط. (¬4) في (أ): "يباع". (¬5) في المطبوع: "ويوفى". (¬6) في (ب): "منه".

على روايتين، وهل هو كتعلق الجناية أو كالرهن (¬1)؟ اختلف كلام الأصحاب في ذلك، وصرح الأكثرون بأنه كتعلق (¬2) الرهن، ويفسر بثلاثة أشياء: أحدها: أن تعلق الدين بالتركة وبكل (¬3) جزء [منها] (¬4)؛ فلا ينقل (¬5) منها شيء حتى يوفي الدين كله، وصرح بذلك القاضي في "خلافه" إذا كان الوارث واحدًا؛ قال: وإن كانوا (¬6) جماعة؛ انقسم عليهم بالحصص، وتعلق (¬7) كل حصة من الدين بنظيرها من التركة وبكل جزء منها؛ فلا ينقل (5) شيء منها (¬8) حتى يوفي جميع تلك الحصة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدَّيْن مستغرقًا للتركة أو غير مستغرق، صرح به جماعة، منهم صاحب "الترغيب" في التفليس. والثاني (¬9): أن الديْن في الذمة، ويتعلق بالتركة، وهل هو في ذمة الميت أو الورثة؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الرهن". (¬2) في المطبوع: "كمتعلق". (¬3) في (ج): "بكل" من غير واو. (¬4) في المطبوع: "من أجزائها". (¬5) في المطبوع و (ج): "ينفك". (¬6) في المطبوع و (ج): "كان". (¬7) في المطبوع و (ج): "ويتعلق". (¬8) في المطبوع و (ج): "منها شيء" بتقديم وتأخير. (¬9) في (ج) والمطبوع: "الثاني" من غير واو.

على وجهين سبق ذكرهما. والثالث: أنه يمنع صحة التصرف، وفي ذلك وجهان أيضًا سبقا، وهل يتعلق (¬1) حقهم بالمال من حين المرض أم لا؟ تردد الأصحاب في ذلك، ونقل الميموني عن أحمد فيمن عليه دين يحيط بجميع ما ترك يجوز له أن يعتق أو يهب (¬2) (أعني (¬3): الميت)؛ قال: نعم. قلت: هذا ليس له مال. قال: أليس ثلثه له؟ قلت: ليس هذا المال له. قال: أليس هو الساعة في يده؟ قلت: بلى! ولكنه لغيره. قال: دعها؛ فإنها مسألة فيها لبس. والذي كان عنده على ما ناظرته (¬4) أن [ذا] (¬5) جائز. واستشكل القاضي هذه الرواية فيما قرأته بخطه، وجعل ظاهرها صحة الوصية بالثلث مع الدين، وحملها على أحد وجهين: إما أن يكون حكم المريض مع الغرماء كحكمه مع الورثة لتعلق حق الجميع بماله؛ فلا يكون ممنوعًا من التصرف بالشك مع واحد منهما، أو أن يقف صحة تصرفه على إجازة الغرماء. وقال الشيخ تقي الدين: هي تدل (¬6) على أن الغرماء لا يتعلق حقهم بالمال إلا بعد الموت؛ لأن حقهم في الحياة في ذمته، والورثة لا يتعلق ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تعلق". (¬2) في (ج) والمطبوع: "ويهب". (¬3) في المطبوع و (ج): "يعني". (¬4) في (ج): "ناظر به". (¬5) في المطبوع و (ج): "هذا". (¬6) في المطبوع: "بدل"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

حقهم بالمال مع الدين؛ فيبقى الثلث الذي ملكه الشارع التصرف فيه لا مانع له من التصرف فيه؛ فينفذ تصرفه فيه منجزًا لا معلقًا بالموت، بخلاف الزائد على الثلث إذا لم يكن عليه دين؛ فإن حق الورثة يتعلق به في مرضه؛ إذ لا حق لهم في ذمته. قلت: وتردد كلام القاضي وابن عقيل في "خلافيهما" (¬1) في المريض؛ هل لورثته منعه من إنفاق جميع ماله في الشهوات أم لا؟ ففي موضع جزما بثبوت المنع لهم لتعلق حقوقهم بماله، وأنكرا ذلك في مواضع. - (ومنها): تعلق حق الموصى له بالمال هل يمنع (¬2) الانتقال إلى الورثة؟ جعل طائفة من الأصحاب حكمه حكم الدَّيْن، ومنهم أبو الخطاب في "انتصاره" وأبو الحسين في "فروعه" (¬3)، ويشهد لذلك قول طائفة من الأصحاب: إن الموصى به قبل القبول على ملك الورثة. وجزم القاضي في "خلافه" بعدم انتقاله إلى الورثة؛ مفرقًا بين الدين والوصية بأن حق ¬

_ (¬1) في (أ): "خلافهما". (¬2) في المطبوع و (ج): "يتبع". (¬3) اسمه "المجموع في الفروع"، وصاحبه محمد بن محمد بن الحسين بن محمد ابن الفراء الحنبلي، الشهير بالقاضى أبي الحسين، (ت 526 هـ)، ذكره له المصنف في "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 177)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (4/ 79)، وغيرهما، ويقال له "الفروع"؛ كما في مقدمة "الإنصاف" (1/ 14). وانظر عنه: "المدخل المفضل" (2/ 756، 812، 974، 1040).

الموصى له في عين التركة، ولا يملك الورثة إبدال حقه، بخلاف الدين؛ فإن حق صاحبه في التركة والذمة، وللورثة التوفية من غيره، وأخذ ذلك مما رواه ابن منصور عن أحمد فيمن أوصى أن يخرج من ماله كذا وكذا في كذا وكذا سنة؛ قال: "لا يقسم المال حتى ينفذوا ما قال، إلا إن يضمنوا أن يخرجوا (¬1)؛ فلهم أن يقسموا البقية". وكذلك في "المجرد" و"الفصول" في (باب الشركة): " [إن الموصى له إن كان] (¬2) معينًا؛ فهو شريك في قدر ما وصى له به، وإن كان غير معين؛ كالفقراء والمساكين؛ لم يجز للورثة التصرف حتى يفردوا نصيب الموصى له، ومما يدل على عدم انتقاله إلى الورثة أن المشهور عندنا صحة الوصية بالزائد على الثلث، وأن إجازة الورثة لها تنفيذ [لا] (¬3) ابتداء عطية (¬4). - (ومنها): تعلق الزكاة بالنصاب؛ هل هو تعلق شركة أو ارتهان، أو تعلق الاستيفاء (¬5)؛ كالجناية؟ اضطرب كلام الأصحاب في ذلك اضطرابًا كثيرًا، ويتحصل (¬6) منه ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "يخرجوه". (¬2) في (ج): "إن كان الموصى له". (¬3) في (ج): "إلا". (¬4) انظر: "المغني" (6/ 49، 50)، و"المقنع" (2/ 391) مع حاشيته، و"كشاف القناع" (4/ 430). (¬5) في (ب): "للاستيفاء". (¬6) في المطبوع و (ج): "ويحصل".

ثلاثة أوجه: أحدها: إنه تعلق شركة، وصرح به القاضي في موضع من "شرح المذهب"، وظاهر كلام أبي بكر يدل عليه، وقد بيَّنْتُهُ (¬1) في موضع آخر. والثاني: تعلق استيفاء، وصرح به غير واحد؛ منهم القاضي، [ثم] (¬2) منهم من يشبهه بتعلق الجناية، ومنهم من يشبهه بتعلق الدين بالتركة. والثالث: إنه تعلق رهن، وينكشف هذا النزاع بتحرير مسائل: - (منها): إن الحق؛ هل يتعلق (¬3) بجميع النصاب أو بمقدار الزكاة منه (¬4)؟ غير معين، وقد نقل القاضي وابن عقيل الاتفاق على الثاني. - (ومنها): إنه مع التعلق بالمال؛ هل يكون ثابتًا في ذمة المالك أم لا (¬5)؟ ظاهر (¬6) كلام الأكثرين أنه على القول بالتعلق بالعين لا يثبت في الذمة منه شيء؛ إلا أن يتلف المال أو يتصرف فيه المالك بعد الحول؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "بينه". (¬2) في (ب): "و". (¬3) في المطبوع: "هو متعلق". (¬4) في المطبوع: "فيه". (¬5) في (ب): "أو". (¬6) في المطبوع و (ج): "وظاهر".

فظاهر كلام أبي الخطاب (¬1) وصاحب "المحرر" في "شرح الهداية": أنا إذا قلنا: الزكاة في الذمة؛ فيتعلق بالعين تعلق استيفاء محض كتعلق الديون بالتركة، وهو اختيار الشيخ [تقي الدين] [شيخ الإِسلام ابن تيمية] (¬2)، وهو حسن (¬3). - (ومنها): منع التصرف، والمذهب أن لا منع (¬4) كما سبق. - (ومنها) -أعني صور تعلق الحقوق بالأموال-: تعلق حق غرماء المفلس مسألة بعد الحجر، وهو تعلق استحقاق الاستيفاء منه. - (ومنها): تعلق ديون الغرماء بمال المأذون له، وقد ذكر القاضي في "المجرد" أن هذا التعلق هل يصح شراء السيد منه كمال المكاتب مع سيده، أو لا كالمرهون بالنسبة إلى الراهن؟ على احتمالين، وهذا لا يتوجه على ظاهر المذهب، وهو تعلق ديونه بذمة السيد، وإنما يتوجه على قولنا: يتعلق برقبة العبد، وقد صرح في "الخلاف الكبير" ببناء المسألة على هذا. - (ومنها): تعلق حقوق الفقراء بالهدي والأضاحي المعينة، ويقدمون بما يجب صرفه إليهم منها على الغرماء في حياة الموجب وبعد وفاته. ¬

_ (¬1) في "كتاب الهداية" (1/ 64). (¬2) ما بين المعقوفتين الأولتين سقط من (أ)، وما بين المعقوفتين الأخرتين من المطبوع فقط. (¬3) انظر: "الفنون" (2/ 537 - 538/ 468) لابن عقيل. (¬4) في (أ) و (ج): "لا يمنع".

86 - القاعدة السادسة والثمانون الملك أربعة أنواع: ملك عين ومنفعة، وملك عين بلا منفعة، وملك منفعة بلا عين، وملك انتفاع من غير ملك المنفعة

(القاعدة السادسة والثمانون) الملك أربعة أنواع: ملك عين ومنفعة، وملك عين بلا منفعة، وملك منفعة بلا عين، وملك انتفاع من غير ملك المنفعة. أما النوع الأول؛ فهو عامة الأملاك الواردة على الأعيان المملوكة بالأسباب المقتضية لها؛ من بيع وهبة وإرث وغير ذلك، واعلم أن ابن عقيل ذكر في "الواضح في أصول الفقه" (¬1) إجماع الفقهاء على أن العباد لا يملكون الأعيان، وإنما يملك (¬2) الأعيانَ خالقُها سبحانه وتعالى، وأن العباد لا يملكون سوى الانتفاع بها على الوجه المأذون فيه شرعًا (¬3)، فمن كان مالكًا لعموم الانتفاع؛ فهو المالك المطلق، ومن كان مالكًا لنوع منه؛ فملكه مقيد ومختص (¬4) باسم خاص يمتاز به! كالمستأجر والمستعير وغير ذلك، وكذلك (¬5) ذكر ابن الزَّاغُوني في كتاب "غرر البيان" (¬6)، ورجحه ¬

_ (¬1) ذكره له ابن رجب في "ذيل طقات الحنابلة" (1/ 156) وغيره. ثم رأيت المجلد الأول منه قد طبع بتحقيق جورج المقدسي، ونحوه ما ذكره المصنف عنه في (1/ 114). (¬2) في المطبوع: "مالك". (¬3) انظر في هذا: "الموافقات" (3/ 436 - بتحقيقي)، و"المعلم بفوائد مسلم" (2/ 210 - 211) للمازري. (¬4) في المطبوع و (أ) و (ج): "ويختص". (¬5) في المطبوع و (ج): "وكذا". (¬6) نعته المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 181) بقوله: "مجلدات عدة"، =

الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬1) [تعالى] (¬2)؛ فعلى هذا جميع الأملاك إنما هي ملك انتفاع (¬3)، ولكن التقسيم ها هنا وارد على المشهور (¬4). النوع الثاني: ملك العين بدون منفعة، وقد أثبته الأصحاب في الوصية بالمنافع لواحد وبالرقبة لآخر، أو تركها للورثة، وقد قال أحمد في ¬

_ = وزاد على اسمه المذكور: "في أصول الفقه". وانظر: "المدخل المفصَّل" (2/ 943، 974)، وصاحبه هو علي بن عبيد اللَّه بن نصر بن السّري، أبو الحسن، وتوفي سنة (526 هـ). انظر ترجمته في: "السير" (19/ 605 - 607) والتعليق عليه. (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) والمطبوع. (¬3) في المطبوع و (ج): "الانتفاع". (¬4) قوله: "المشهور"؛ أي: عند الفقهاء أن هذا يملك العين والمنفعة، أما عند ابن عقيل؛ فإنه لا يمكى أن يملك الأعيان؛ لأن مالكها هو اللَّه سبحانه وتعالى، ولهذا لا يملك الإنسان التصرف فيها كما يشاء، فلو أراد الإنسان أن يحرق ثوبه؛ فإنه لا يملك ذلك، ولو كان مالكًا لعينه؛ لكان له ذلك؛ فحقيقة الأمر أن مالك الأعيان هو اللَّه، لكن إذا ملك الإنسان عموم الانتفاع بحيث لا يعارضه أحد من المخلوقين، فهو المالك المطلق الذي يسمى عند الفقهاء مالك العين والمنفعة، وإن لم يملك إلا شيئًا معينًا، فهو غير مالك، ويكون بحسب ما تفيد به من مستأجر أو مستعير أو غير ذلك، والخلاف هنا خلاف لفظي؛ لأننا ما دمنا متفقين على أنه هذا الذي يملك العين لا يمكن أن يتصرف فيها على وجه لم يأذن به اللَّه تعالى، ولكن الخلاف هل الملك لي، أم ملك للَّه سبحانه وتعالى وأنا أتصرف فيها حسب أمر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ؟ وعلى القول الثاني لا يمكن أن يرد علينا تقسيم ملك العين والمنفعة، بل هناك انتفاع مطلق وانتفاع مقيد. (ع).

رواية مهنا فيمن أوصى بخدمة عبد (¬1) أو ظهر دابة [تركب] (¬2) أو بدار تسكن؛ فقال: الدار لا بأس بها، وأكره العبد والدابة؛ لأنهما يموتان. قال أبو بكر: الذي أقول به إن الوصية تصح في جميع ذلك؛ لأن الدار تخرب أيضًا. وحمل القاضي كلام أحمد على الكراهة دون إبطال الوصية. قال الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬3): لم يُرِدْ أحمد أن الوصيةَ لا تجوزُ إلا بما يدوم نفعُهُ؛ فإن هذا لا يقوله أدنى منْ له نظر في الفقه فضلًا عن أن يكون [مثل] (¬4) هذا الإِمام، وإنما أراد أن العبد والدابة إذا وصَّى (¬5) بمنافعهما على التأبيد، فلم يترك للورثة ما ينتفعون به، فلا يجوز أن يحسب ذلك عليهم من الميراث؛ فإنه لا فائدة في الرقبة المجردة عن المنافع، بل هو ضرر محض (¬6)، وقد شرط اللَّه [سبحانه وتعالى] (¬7) لجواز الوصية عدم المضارة، لكن إن قصد الموصي ايصال جميع المنافع إلى الموصى له؛ فهذه وصية بالرقبة؛ فلا يحسب (¬8) على الورثة منها شيء، ولا يصح الإيصاء معها بالرقبة، وإن قصد مع ذلك ابقاء الرقبة للورثة أو الإيصاء بها لآخر؛ بطلت الوصية لامتناع أن تكون المنافع كلها لشخص والرقبة لآخر، ولا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "عبده". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) ما بين المعقوفتين أثبته من المطبوع فقط. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (ب) و (ج) والمطبوع: "أوصى". (¬6) في المطبوع بعد قوله: "ضرر محض": "بجواز الوصية". (¬7) في (أ) و (ب): "سبحانه"، وفي المطبوع: "تعالى". (¬8) في المطبوع و (ج): "يحتسب".

سبيل إلى ترجيح أحد الأمرين؛ فيبطلان، أما إن وصى في وقت بالرقبة لشخص، وفي آخر بالمنافع لغيره؛ فهو كما لو وصى بعين لاثنين في وقتين، واستدل على أن تمليك (¬1) جميع المنافع تمليك للعين (¬2) بالرُّقْبى والعُمْرَى؛ فإنها تمليك للرقبة؛ حيث كانت تمليكًا للمنافع في الحياة، وهذا المعنى منتف في الوصية بسكنى الدار؛ لأن هذا تمليك منفعة خاصة ينتهي بموت الموصى له وبخراب الدار؛ فيعود الملك إلى الورثة كما يعود الملك في السكنى في الحياة (¬3). النوع الثالث: ملك المنفعة بدون عين، وهو ثابت بالاتفاق، وهو ضربان: أحدهما: ملك مؤبد، ويندرج تحته صور: - (منها): الوصية بالمنافع كما سبق، ويشمل جميع أنواعها إلا منفعة البُضْعِ، فإن في دخولها [في الوصية] (¬4) وجهين (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): "تملك". (¬2) في (أ): "تملك العين". (¬3) في هامش (ب) قال: "أي: ملك المنافع". (¬4) في المطبوع و (ج): "بالوصية". (¬5) فلو أوصى لشخص بمنفعة هذه الأمة؛ فهو يملك منافعها من الخدمة وغيرها، ولكن هل يملك البضع -أي: هل يملك أن يجامعها-؟ فيه وجهان، والراجح أنه لا يملك ذلك، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5 - 6] وهذا الرجل لا يملك هذه الأمة؛ فلا يحل له أن يستمتع بها. (ع).

- (ومنها): الوقف؛ فإن منافعه وثمراته مملوكة للموقوف عليه، وفي ملكه لرقبته وجهان معروفان لهما فوائد متعددة (¬1). - (ومنها): الأرض الخراجية المُقَرَّة يزيد من هي في يده بالخراج يملك (¬2) منافعها على التأبيد (¬3)، والضرب الثاني ملك غير مؤبد؛ (فمنه): الإِجارة ومنافع المبيع المستثناة في العقد مدة معلومة، (ومنه): ما هو غير موقت، لكنه غير لازم؛ كالعارية على وجه وإقطاع الاستغلال (¬4). ¬

_ (¬1) الموقوف عليه يملك المنافع، فإذا وقفت البيت؛ فالموقوف عليه يملك السكنى أو الإجارة ونحو ذلك، وإذا وقفت البستان، فالموقوف عليه يملك الثمرة، ولكن هل يملك الرقبة؟ فيه خلاف، والمذهب على أنه يملك الرقبة، إلا إذا كان الوقف عامًّا كالوقف على المساكين أو على ما لا يُملَّك؛ كالوقف على المسجد، وأما إذا كان على قوم معينين؛ فإنهم يملكون الرقبة والمنفعة. (ع). (¬2) في (ب): "تملك". (¬3) الأرض الخراجية: هي الأرض التي غنمها المسلمون، ويُضرب عليها خراج مستمر، بحيث يُقال: على كل كذا وكذا دونم كذا وكذا درهم أو دينار حسب ما يراه الإِمام، وتكون بمنزلة الأجرة لهذه الأرض، لكنها مُؤيَّدة، أي أن صاحب الأرض الذي أخذها وهي خراجية تبقى بيده أبدًا، ولا تحتاج إلى ضرب مدة، وإذا انتقلت إلى غيره، انتقلت الإجارة إلى الثاني، وتعلقت بذمة الثاني وبرئ الأول منها. (ع). (¬4) قوله: "العارية على وجه"، والوجه الثاني: أنه لا يملك المنفعة، وإنما يملك الانتفاع، وفرق بين الذي يملك الانتفاع والذي يملك المنفعة؛ فالذي يملك الانتفاع ليس له حق إلا أن ينتفع هو بنفسه؛ فلا يصير لغيره ولا يؤجر غيره، ومالك النفع له أن يعطيه لغيره بعارية أو غيرها، والمذهب أن العارية يملك المستعير منها الانتفاع دون النفع، وكذلك إقطاع الاستغلال، وهو أن الإِمام يُقطع هذا الرجل قطعة من الأرض يختص بها، مثل أن يقول: لك هذا المكان تبيع فيه السلع؛ فهذا الرجل يملك الانتفاع ولا يملك المنفعة، وعلى =

النوع الرابع: ملك الانتفاع المجرد، وله صور متعددة: - (منها): ملك المستعير فإنه يملك الانتفاع لا المنفعة؛ إلا على "رواية ابن منصور" عن أحمد: أن العارية المؤقتة تلزم (¬1)، كذا قال الأصحاب، ويمكن أن يقال: لزوم العارية المؤقتة إنما يدل على وجوب الوفاء ببدل الانتفاع لا على تمليك (¬2) المنفعة (¬3). - (ومنها): المنتفع بملك جاره من وضع خشب وممر في دار ونحوه وإن كان بعقد صلح؛ فهو إجارة. - (ومنها): إقطاع الأرفاق؛ كمقاعد الأسواق ونحوها. - (ومنها): الطعام في دار الحرب قبل حيازته يملك الغانمون الانتفاع به بقدر الحاجة، وقياسه الأكل من الأضحية والثمر المعلق ونحوه. - (ومنها): أكل الضيف لطعام المضيف؛ فإنه إباحة محضة لا ¬

_ = قول آخر: يملك المنفعة، وعليه؛ فيجوز أن يؤجره غيره، وعلى القول الأول لا يجوز. (ع). قلت: وانظر في التفرقة بين ملك المنفعة وملك الانتفاع: "الفروق" (1/ 187) للقرافي، و"فتح العلي المالك" (2/ 252)، وكتابي "موقف الشريعة الإِسلامية من الفروغية" (ص 115 - 117). (¬1) انظر: "مسائل ابن منصور" (330/ 203). (¬2) في (ب): "تملك". (¬3) وهذا هو الأقرب؛ أي: كون العاريّة مؤقتة لازمة لا يدل على أنه يملك المنفعة؛ إذ قد يقال: إن اللازم هو تمليكه الانتفاع، مثاله: أعرف هذا الرجل هذه الفرش لمدة سبعة أيام؛ لأنه يأتيه ضيوف فيحتاج إليها، فهل نقول: إنه مالك للمنفعة؟ الجواب: لا، والصحيح أنه مالك للانتفاع، لكنه يلزمه أن يفي بوعده وإن تبقى هذه الفرش عند هذا الرجل سبعة أيام. (ع).

يحصل به الملك بحال على المشهور عندنا, وعن أحمد رواية بإجزاء الإطعام في الكفارات، وينزل (¬1) على أحد القولين: إما أن الضيف يملك ما قدم إليه؛ وإن كان ملكًا خاصًّا بالنسبة إلى الأكل، وإما أن الكفارة لا يشترط فيها تمليك (¬2). - (ومنها): عقد النكاح، وترددت عبارات الأصحاب في مورده؛ هل هو الملك أو الاستباحة؟ فمن قائل: هو الملك، ثم ترددوا: هل هو ملك منفعة البضع أو ملك الانتفاع بها (¬3)؟ وقيل: بل هو الحل لا الملك، ولهذا يقع الاستمتاع من جهة الزوجة مع أنه لا ملك لها، وقيل: بل المعقود عليه ازدواج كالمشاركة، ولهذا فرق اللَّه سبحانه [وتعالى] (¬4) بين الازدواج وملك اليمين، وإليه ميل الشيخ تقي الدين؛ فيكون من باب المشاركات دون المعاوضات (¬5). ¬

_ (¬1) في (ج): "يتنزل". (¬2) هذا الثاني هو الأقرب: إن الكفارة إطعام وليس بتمليك، وعلى هذا؛ فيجوز على القول الصحيح إذا كان على الإنسان كفارة يمين أن يصنع طعامًا ويدعو إليه عشرة، فإذا طعموا؛ فقد برئت ذمته، ولا يحتاج إلى تمليكهم، وأكل الضيف للطعام؛ هل هو من جنس الانتفاع أو من تمليك المنفعة؟ هو من الانتفاع، ولهذا لو كان الضيف لا يريد الأكل؛ فقال: أعطني طعام الضيافة لأبيعها؛ فيقال له: أنت لا تملك المنفعة، بل الانتفاع. (ع). (¬3) هنا في نسخة (أ) بياض بقدر كلمة واحدة. (¬4) ما بين المعقوفتين من (ج). (¬5) وما مال إليه الشيخ ابن تيمية هو الصحيح: إنه من باب المشاركات. (ع).

87 - القاعدة السابعة والثمانون فيما يقبل النقل والمعاوضة من الحقوق المالية والأملاك

(القاعدة السابعة والثمانون) فيما يقبل النقل والمعاوضة من الحقوق المالية والأملاك. أما الأملاك التامة؛ فقابلة للنقل بالعوض وغيره في الجملة. وأما ملك المنافع؛ فإن كان بعقد لازم ملك فيه؛ نقل الملك بمثل العقد الذي ملك به أو دونه [دون] (¬1) ما هو أعلا منه، ويملك المعاوضة عليه أيضًا، صرح بذلك (¬2) القاضي في "خلافه". ويندرج تحت هذا صور: - (منها): إجارة المستأجر جائزة على المذهب الصحيح بمثل الأجرة وأكثر وأقل. - (ومنها): إجارة الوقف. - (ومنها): إجارة المنافع الموصى بها، وصرح بها القاضي في "خلافه". - (ومنها): إجارة المنافع المستثناة في عقد البيع. - (ومنها): [إجارة] (¬3) أرض العنوة الخراجية، والمذهب الصحيح ¬

_ (¬1) في (أ): "فوق". (¬2) في المطبوع: "به". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

صحتها، وهو نص أحمد، ولكن استحب المزارعة فيها على الاستئجار، وحكى القاضي وابن عقيل رواية أخرى بالمنع، كرباع مكة، وقد أشار أحمد في "رواية حنبل" إلى كراهة منعها، وسنذكره في موضعه [إن شاء اللَّه] (¬1). - (ومنها): إعارة العارية المؤقتة إذا قيل بلزومها وملك المنفعة فيها؛ فإنه يجوز ولا تجوز الإِجارة؛ لأنها أعلا، صرح به القاضي في "خلافه". وأما إجارة إقطاع الاستغلال التي موردها منفعة الأرض دون رقبتها؛ فلا نقل فيها نعلمه، وكلام القاضي [قد] (¬2) يشعر بالمنع؛ لأنه جعل مناط صحة الإجارة للمنافع لزوم العقد، وهذا منتف في الأقطاع، و [قد] (¬3) قال الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬4): يجوز، وجعل الخلاف فيه مبتدعًا، وقرره بأن الإِمام جعله للجند عوضًا عن أعمالهم؛ فهو كالمملوك بعوض، ولأن إذنه في الإيجار عرفي؛ فجاز كما لو صرح به، ولو تهايأ الشريكان على الأرض، وقلنا: لا يلزم؛ فهل لأحدهما إجارة حصته؟ الأظهر جوازه؛ لأن المهايأة (¬5) إذا فسخت؛ عاد الملك مشاعًا؛ فيخرج على الخلاف في إجارة المشاع. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). وانظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 152). (¬5) في المطبوع: "المهايات".

[وأما ملك الانتفاع وحقوق الاختصاص سوى البضع وحقوق التملك؛ فهل يصح نقل الحق فيها أم لا؟ إن كانت لازمة؛ جاز النقل لمن يقوم مقامه فيها بغير عوض، وفي جوازه بعوض خلاف] (¬1)، وتستثنى من ذلك الحقوق الثابتة دفعًا لضرر الأملاك؛ فلا يصح النقل فيها بحال، وتصح المعاوضة على إثباتها [وإسقاطها] (¬2)، ويندرج في ذلك (¬3) مسائل: - (منها): ما ثبتت (¬4) عليه يد الاختصاص؛ كالكلب والزيت النجس المنتفع به؛ فإنه تنتقل (¬5) اليد فيه بالإرث، والوصية والإعارة (¬6) في الكلب وفي الهبة وجهان، اختار القاضي عدم الصحة، وخالفه صاحب "المغني" (¬7)، وليس بينهما خلاف في الحقيقة؛ لأن نقل اليد في هذه الأعيان بغير عوض جائز؛ كالوصية، وقد صرح [به] (¬8) القاضي في "خلافه". وأما إجارة الكلب؛ فالمذهب أنها لا تصح؛ لأنها معاوضة ولا مالية ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع بعد قوله: "وتصح المعاوضة على إثباتها واستيفائها". (¬2) في المطبوع: "واستيفائها". (¬3) في المطبوع: "ذلك في" بتقديم وتأخير. (¬4) في (أ): "ما ثبت". (¬5) في (ب): "تنقل". (¬6) في (ج): "والعارية". (¬7) انظره في: "المغني" (6/ 152 - 153/ 4795). (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

فيه، وحكى أبو الفتح الحلواني فيها وجهين، وكذلك (¬1) خرج أبو الخطاب وجهًا بالجواز (¬2)؛ فيكون معاوضة عن نقل اليد ويرده النهي عن بيعه، وقد كان يمكن جعله معاوضة عن نقل اليد. - (ومنها): المستعير لا يملك نقل حقه من الانتفاع إلا أن يقول بلزوم العارية كما سبق. - (ومنها): مرافق الأملاك من الأفنية والأزقة المشتركة تصح (¬3) إباحتها، والإذن في الانتفاع بها كالإذن في فتح باب ونحوه؛ قال في "التلخيص": ويكون إعارة على الأشبه، وتجوز المعاوضة عن فتح الأبواب ونحوها، ذكره في "المغني" (¬4) و"التلخيص"، وهو شبيه بالمصالحة بعوض على إجراء الماء في أرضه أو فتح الباب في حائطه أو وضع الخشب (¬5) على جداره ونحوه، وهذا يتوجه (¬6) على القول بملك هذه المرافق، أما على القول بعدم الملك؛ فهو شبيه بنقل اليد بعوض كما سبق، وكذلك ذكر الأصحاب جواز المصالحة عن الروشن الخارج في الدرب المشترك. وأما الشجرة (¬7)؛ ففيها خلاف معروف لكونها لا تدوم [على] (¬8) حالة ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "وكذا". (¬2) في "كتاب الهداية" (1/ 183). (¬3) في (أ) و (ب): "يصح". (¬4) انظر: "المغني" (4/ 322 - 323/ 3521). (¬5) في المطبوع و (ج): "خب". (¬6) في المطبوع: "متوجه". (¬7) في المطبوع: "وأما على الشجرة"، وفي (ج): "وأما الشجر". (¬8) في (ج): "افي".

واحدة. وأما الانتفاع بأفنية الأملاك والمساجد بغير إذن من الملاك (¬1) والإمام؛ فإن كان فيه ضرر؛ لم يجز، وإلا؛ ففي جوازه روايتان، ذكره القاضي في "الأحكام السلطانية" (¬2). وتجوز المصالحة بعوض على إسقاط حقه من وضع الخشب على جداره ونحوه، ذكره في "المجرد". - (ومنها): متحجر الموات ومن أقطعه الإِمام مواتًا ليحييه [لا] (¬3) يملكه بمجرد ذلك على المذهب، لكن يثبت له فيه حق التملك؛ فيجوز [له] (¬4) نقل الحق إلى غيره بهبة وإعارة، وينتقل إلى ورثته من بعده، وهل له المعاوضة عنه؟ على وجهين أصلهما المعاوضة عن (¬5) الحقوق؛ فإن هذا حق تملك كما سبق وفارق الشفعة، فإن النقل فيها ممتنع لأنها من حقوق الأملاك؛ فهي [مما] (¬6) استُثْنِيَ من القاعدة. قال أحمد في "رواية ابن منصور": الشفعة لا تباع ولا توهب (¬7). ¬

_ (¬1) في (ج): "المالك". (¬2) انظر: "الأحكام السلطانية" (ص 225 - 226) للقاضي أبي يعلى الفراء. (¬3) في (ب): "فلا". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬5) في (أ): "عنه عن". (¬6) في (ج): "ما". (¬7) ونصها هناك (497/ 472): "قلت [أي: ابن منصور]: قال [أي: سفيان]: الشفعة لا تباع ولا توهب ولا تورث؟ قال أحمد: نعم. قال إسحاق: كما قال".

وحمل القاضي قوله: (لا تباع) على أن المشتري ليس له أن يصالح الشفيع عنها بعوض؛ قال: لأنه خيار لا يسقط إلى مال؛ فلم يجز أخذ العوض عنه كخيار الشرط والمجلس، بخلاف خيار القصاص والعيب؛ لأنه يسقط إلى الدية والأرش، والأظهر حمل قول أحمد: "لا تباع ولا توهب" على أن الشفيع ليس له نقلها إلى غيره بعوض ولا غيره، فأما مصالحته للمشتري؛ فهو كالمصالحة عن (¬1) ترك وضع الخشب على جداره (¬2) ونحوه. وذكر القاضي في (باب الشفعة) أيضًا أن خيار العيب تجوز المصالحة عنه بعوض، وعلل بأن العيب يمنع لزوم العقد، ومع عدم اللزوم تجوز الزيادة في الثمن والنقص منه؛ فجعل الصلح ها هنا إسقاطًا من الثمن كالأرش، وعلى قياسه (¬3): خيارُ الشرط والمجلس؛ لأن التصرف في الثمن بالنقص والزيادة فيه ممكن. - (ومنها): الكلأ والماء في الأرض المملوكة إذا قلنا: لا يملكان بدون الحيازة، فللمالك الإذن في الأخذ، وليس له المعاوضة عند أكثر الأصحاب. ووقع في "المقنع" (¬4) و"المحرر" (¬5) ما يقتضي حكاية روايتين في ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "على". (¬2) في المطبوع و (ج): "جدار". (¬3) في المطبوع و (ج): "قياس". (¬4) انظر: "المقنع" (5/ 327 - مع شرحه "المبدع"). (¬5) انظر: "المحرر" (1/ 355).

جواز المعاوضة، وإن قلنا بعدم الملك -ولعله من باب المعاوضة عما يستحق تملكه-؛ فيلتحق بالقاعدة. - (ومنها): مقاعد الأسواق ومجالس المساجد ونحوها يصح نقل الحق فيهما بغير عوض؛ لأن الحق فيهما لازم بالسبق، ولو آثر بها [رجلًا] (¬1) [فسبق غيره] (¬2) فجلس؛ فهل يكون أحق من المؤثر أو لا؟ على وجهين: أحدهما: نعم؛ لأن حق القائم زال بانفصاله؛ فصار الحق ثابتًا بالسبق. والثاني: لا؛ لأنه لو قام لحاجة ونحوها؛ لم يسقط حقه؛ فكذا إذا آثر غيره؛ لأنه أقامه مقام نفسه، وبنى بعضهم هذا الخلاف على القول بعدم كراهية (¬3) الإيثار بالقرب، فأما إن قلنا بكراهته (¬4)؛ فالسابق أحق به وجهًا واحدًا، وفرق بعضهم بين مجالس المساجد ونحوها ومقاعد الأسواق؛ فأجاز النقل في المقاعد خاصة لأنها منافع دنيوية؛ فهي كالحقوق المالية. - (ومنها): الطعام المباح في دار الحرب يجوز نقل اليد فيه إلى من هو من أهل الاستحقاق من المغنم أيضًا لاشتراك الكل في استحقاق الانتفاع، ولا يكون ذلك تمليكًا لانتفاء ملكه بالأخذ حتى لو احتاج إلى ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬2) في المطبوع: "غيره؛ فسبق ثالث". (¬3) في المطبوع: "كراهة". (¬4) في المطبوع: "بكراهيته".

صاع من بُرٍّ جيِّد وعنده صاعان رديئان؛ فله أن يبدلهما بصاع؛ إذ هو مأخوذ على الإباحة دون التمليك، صرح به القاضي وابن عقيل (¬1). - (ومنها): المباح أكله من مال الزكاة والأضاحي يجوز إطعامه الضيفان (¬2) ونحوهم؛ لاستقرار الحق فيه، بخلاف طعام الضيافة، ولا تجوز (¬3) المعاوضة عن شيء من ذلك. - (ومنها): منافع الأرض الخراجية؛ فيجوز نقلها بغير عوض إلى من يقوم مقامه فيها، وينتقل إلى الوارث؛ فيقوم (¬4) مقام موروثه (¬5) فيها، وكذلك يجوز جعلها مهرًا، نص عليه في "رواية عبد اللَّه" (¬6)، ونص في "رواية ابن هانئ" وغيره على جواز دفعها إلى الزوجة عوضًا عما يستحقه عليه من المهر (¬7)، وهذا معاوضة عن منافعها المملوكة. ¬

_ (¬1) انظر الأدلة الواردة على هذه المسألة في: "مصنف ابن أبي شيبة" (12/ 438)، و"مصنف عبد الرزاق" (رقم 9297، 9309)، و"سنن سعيد بن منصور" (2/ 320 - ط الأعظمي)، و"السنن الكبرى" (9/ 60) للبيهقي، و"الخراج" (214) لأبي يوسف. ونحو ما عند المصنف محمد الزركشي في "شرحه متن الخرقي" (6/ 715). (¬2) في المطبوع و (أ) و (ج): "للضيفان". (¬3) في المطبوع: "ولا يجوز". (¬4) في المطبوع: "ويقوم". (¬5) في المطبوع و (ج): "مورثه". (¬6) في "مسائل عبد اللَّه" (377/ 1378): "قال: سألت أبي عن رجل تزوج امرأة على أرض من أرض السواد، ثم طلقها؛ فقال: إن كان دخل بها؛ دفع إليها الأرض، وإن لم يكن دخل بها؛ فلها نصف الأرض". (¬7) في "مسائل ابن هانئ" (2/ 10/ 1210): "وسئل [الإمام أحمد] عن الرجل: تكون له ضيعة بالسواد، وعليه دين، فيبيع فيها ويقضي دينه؟ قال: لا يبيع ضيعة =

فأما البيع؛ فكرهه أحمد ونهى عنه، واختلف قوله في بيع العمارة التي فيها؛ لئلا يتخذ طريقًا إلى بيع رقبة الأرض التي لا تملك، بل هي إما وقف وإما [فيء] (¬1) للمسلمين جميعًا، ونص في "رواية المروذي" على أنه يبيع آلات عمارته بما تساوي (¬2)، وكره أن يبيع بأكثر من ذلك لهذا المعنى، وكذلك نقل عنه ابن هانئ: أنه قال: يقوَّم دكانه وما (¬3) فيه من غلق وكل شيء يحدثه فيه؛ فيعطى ذلك، ولا أرى أن يبيع سكنى دار ولا دكان (¬4)، ورخص في رواية عنه في شرائها دون بيعها؛ لأن شراءها استنقاذ لها بعوض ممن يتعدى بالتصرف (¬5) فيها، وهو جائز، ورخص في رواية المروذي أيضًا في بيع ما يحتاج إليه للنفقة منها، وإن (¬6) كان فيه فضل عن النفقة تصدق به، وكل هذا بناء على أن رقبة هذه الأرض وقفها عمر [رضي اللَّه عنه] (¬7). ¬

_ = بالسواد. قيل له: فإن وإن لامرأته عليه مهر؟ قال: أرى أن يدفع إليها بمالها من الأرض ولا يبيعها" اهـ. (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "يساوي"، وفي (أ): "تساوي عرضًا". (¬3) في (أ) والمطبوع: "ما". (¬4) في "مسائل ابن هانئ" (2/ 3/ 1177): "قال [أي: الإِمام أحمد]: يقوِّم ما فيه مثل غلق، وكل شيء استحدثه فيه، فيعطى بحساب ذلك، ولا أرى أن يأخذ سكن دار ولا دكان" اهـ. (¬5) في المطبوع: "الصرف". (¬6) في المطبوع و (ج): "فإن". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). وأثر عمر مضى نصه وتخريجه في التعليق على (2/ 49 - 50).

ومن الأصحاب من حكى رواية [أخرى] (¬1) بجواز البيع مطلقًا، كالحلواني وابنه، وكذلك خرجها ابن عقيل [من] (¬2) نص أحمد على صحة وقفها, ولو كانت وقفًا؛ لم يصح وقفها. وكذلك وقع في كلام أبي بكر وابن شاقلا وابن أبي موسى ما يقتضي الجواز، وله مأخذان: أحدهما: أن الأرض ليست وقفًا، وهو مأخذ ابن عقيل، وعلى هذا؛ فإن كانت مقسومة؛ فلا إشكال في ملكها، وإن كانت فيئًا لبيت المال -وأكثر كلام أحمد يدل عليه-؛ فهل تفسير وقفًا بنفس الانتقال إلى بيت المال أم لا؟ على وجهين، فإن قلنا: لا تصير وقفًا؛ فللإمام بيعها وصرف ثمنها [في] (¬3) المصالح، وهل له إقطاعها إقطاع تمليك؟ على وجهين، ذكر ذلك القاضي في "الأحكام السلطانية" (¬4). والمأخذ الثاني: أن البيع هنا وارد على المنافع دون الرقبة، فهو نقل للمنافع (¬5) المستحقة بعوض. وهذا اختيار الشيخ تقي الدين، ويدل عليه من كلام أحمد أنه أجاز ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في (ب): "في". (¬3) في المطبوع: "إلى". (¬4) انظر: "الأحكام السلطانية" (ص 206). (¬5) في (أ): "المنافع".

دفعها عوضًا عن المهر، ويشهد له ما تقدم من المعاوضة عن المنافع في مسائل متعددة، وإن كان القاضي وابن عقيل والأكثرون صرحوا بعدم صحة بيع المنافع المجردة، والتحقيق في ذلك أن المنافع نوعان: أحدهما: منافع الأعيان المملوكة التي تقبل المعاوضة مع أعيانها؛ فهذه قد جوز الأصحاب بيعها في مواضع. - (منها) (¬1): أصل (¬2) وضع الخراج على العنوة إذا قيل: هي فيء؛ فإنه ليس بأجرة، بل هو شبيه بها ومتردد بينها وبين البيع. - (ومنها): المصالحة بعوض على وضع الأخشاب وفتح الأبواب ومرور المياه ونحوها, وليس بإجارة محضة؛ لعدم تقدير المدة، وهو شبيه بالبيع. - (ومنها): [لو] (¬3) أعتق عبده (¬4) واستثنى خدمته سنة؛ فهل له أن يبيعها منه؟ على روايتين ذكرهما ابن أبي موسى، وهما منصوصتان عن أحمد، ولا يقال: هو [لا] (¬5) يملك بيع العبد في هذه الحال؛ لأن هذه المنافع كان يملك (¬6) المعاوضة عنها في حال الرق، وقد استبقاها بعد زواله؛ فاستمر ¬

_ (¬1) في (ب): "ومنها". (¬2) في المطبوع: "أن أصل". (¬3) في (ج): "إذا". (¬4) في (أ): "عبدًا". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬6) في المطبوع: "كانت بملك".

حكم المعاوضة عليها كما يستمر حكم وطء المكاتبة إذا استثناه في عقد المكاتبة، وهل الكتابة إلا عقد معاوضة على المنافع؟! النوع الثاني: المنافع التي ملكت مجردة عن الأعيان أو كانت أعيانها غير قابلة للمعاوضة؛ فهذا محل الخلاف الذي نتكلم فيه ها هنا (¬1)، واللَّه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) يخرج على هذا كثير من المسائل الشائعة هذه الأيام في المعاملات، مثل: "الخلوات"، و"رُخص الاستيراد والتصدير"، و"حقوق التأليف" و"حقوق الاختراع".

88 - القاعدة الثامنة والثمانون في الانتفاع وإحداث ما ينتفع به [في] الطرق المسلوكة في الأمصار والقرى وهوائها وقرارها

(القاعدة الثامنة والثمانون) في الانتفاع وإحداث ما ينتفع به [في] (¬1) الطرق المسلوكة في (¬2) الأمصار والقرى وهوائها وقرارها. أما الطريق نفسه، فإن كان ضيقًا، أو (¬3) أحدث فيه ما يضر بالمارة؛ فلا يجوز بكل حال، وأما مع السعة وانتفاء الضرر، فإن كان المحدث فيه (¬4) متأبدًا؛ كالبناء والغراس؛ فإن كان لمنفعة خاصة بآحاد (¬5) الناس؛ لم يجز على المعروف من المذهب، وإن كان لمنفعة عامة؛ ففيه خلاف معروف: منهم من يطلقه (¬6)، ومنهم من يخصه بحالة انتفاء إذن الإمام فيه، وإن كان غير متأبد ونفعه خاص؛ كالجلوس وإيقاف الدابة؛ ففيه (¬7) خلاف أيضًا. وأما القرار الباطن؛ فحكمه حكم الظاهر على المنصوص. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "من". (¬2) في (ب): "وفي". (¬3) في (ب): "و". (¬4) في (ب): "فيها". (¬5) في (أ): "لأحاد". (¬6) قال في هامش (ب): "يعني: عدم الجواز". (¬7) في المطبوع: "فيه ففيه".

وأما الهواء، فإن كان الانتفاع به خاصًّا بدون إذن الإمام؛ فالمعروف منعه، وبإذنه فيه خلاف، ويندرج تحت ذلك مسائل كثيرة: - (منها): إذا حفر في طريق واسع بئرًا، فإن كان لنفع المسلمين؛ ففيه طريقان: أحدهما: إن كان بإذن الإِمام؛ جاز، وإن كان بدون إذنه؛ [ففيه روايتان] (¬1)، قاله القاضي وابن عقيل وصاحب "المحرر" (¬2). والثاني: فيه روايتان على الإطلاق، قاله أبو الخطاب وصاحب "المغني" (¬3)؛ إذ البئر مظنة العطب، وإن (¬4) كان الحفر لنفسه ضمن بكل حال؛ ولو كان في فنائه، نص عليه، ولا يجوز إذن الإمام فيه عند الأصحاب. وفي "الأحكام السلطانية" للقاضي: إن له التصرف في فنائه بما شاء من حفر وغيره إذا لم يضر، وأما في فناء غيره؛ فإن أضر بأهله؛ لم يجز، وإن لم يضر؛ جاز، وهل يعتبر إذنهم أو إذن الإِمام في فناء المسجد؟ على وجهين (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "فروايتان". (¬2) قال في "المحرر" (1/ 363): "ومن حفر بئرًا في سابلة لنفع المسلمين؛ لم يضمن ما تلف، وعنه إذا لم يكن ذلك بإذن الإمام؛ ضمن، وإن حفرها لنفسه؛ ضمن؛ وإن كانت في فنائه". (¬3) انظر: "المغني" (4/ 323/ 3522). (¬4) في (ج): "فإن". (¬5) انظر: "الأحكام السلطانية" (225 - 226).

- (ومنها): إذا بني مسجدًا في طريق واسع، ولم (¬1) يضر بالمارة؟ قال الأكثرون من الأصحاب: إن كان بإذن الإِمام؛ جاز، وإلا؛ فروايتان. وقال أحمد في "رواية ابن الحكم": أكره الصلاة في المسجد الذي يؤخذ (¬2) من الطريق؛ إلا أن يكون بإذن الإِمام. ومنهم من أطلق الروايتين، وكلام أحمد أكثره غير مقيد، قال في "رواية المروذي": المساجد التي في الطرقات حكمها أن تهدم. وقال إسماعيل الشالنجي: سألت أحمد عن طريق واسع للمسلمين عنه غنى وبهم إلى أن يكون هناك مسجد حاجة؛ هل يجوز أن يبنى هناك مسجد؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يضر بالطريق. [قال] (¬3): وسألت أحمد: هل يبنى على خندق مدينة المسلمين مسجد للمسلمين عامة؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يضر بالطريق. قال الجوزجاني في "المترجم" (¬4): والذي عني أحمد من الضرر ¬

_ (¬1) في (ج) والمطبوع: "لم". (¬2) في المطبوع: "لا يؤخذ"، والصواب ما أثبتناه. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) لم يكثر المصنف النقل منه، وصاحبه هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي، مولده بجوزجان من كور بلخ بخراسان، واستوطن دمشق، حافظ، محدث الشام، أحد أئمة الجرح والتعديل، ومات سنة (259 هـ). له ترجمة في: "تذكرة الحفاظ" (549). و"المترجم" كتاب بسند في صاحبه أحاديث وآثار؛ كما يفهم من نقل العلماء الأعلام منه، ولا أعرف له ذكرًا في فهارس دور المخطوطات؛ فلعله من المفقودات، ولا قوة =

بالطريق ما وقت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من السبع الأذرع (¬1)، كذا قال، ومراده أنه يجوز البناء إذا فضل من الطريق سبعة أذرع، والمنصوص عن أحمد إن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا اختلفتم في الطريق؛ فاجعلوه سبعة أذرع" (¬2) في أرض مملوكة لقوم أرادوا البناء فيها، وتشاجروا (¬3) في مقدار ما يتركونه منها (¬4) للطريق، وبذلك فسره ابنُ بطة وأبو حفص العكبري والأصحاب، وأنكروا جواز تضييق الطريق الواسع إلى أن يبقى منه سبعة أذرع (¬5). ¬

_ = إلا باللَّه، ولم يطبع لصاحبه إلا "أحوال الرجال"، و"أمارات النبوة". ونقل المرداوي في "الإنصاف" (6/ 361) عن "المترجم" هذا النص. (¬1) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب المظالم، باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء، رقم 2473) عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه؛ قال: "قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا تشاجروا في الطريق الميناء بسبعة أذرُعٍ". وأخرجه مسلم في "الصحيح" (كتاب المساقاة، باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه، رقم 1613) من طريق آخر عن أبي هريرة رفعه بلفظ: "إذا اختلفتم في الطريق؛ جعل عَرْضُهُ سَبْعَ أذْرُعٍ". وأخرجه أيضًا أبو داود في "السنن" (رقم 3633)، والترمذي في "الجامع" (رقم 1356)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 2238)، وأحمد في "المسند" (2/ 228، 429، 474)، والطيالسي في "المسند" (رقم 2555)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 255)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 154)، والبغوي في "شرح السنة" (رقم 2175)، وغيرهم. (¬2) هو الحديث السابق. (¬3) نقله المرداوي عن المصف: "تشاحوا". (¬4) نقله المرداوي في "الإنصاف" (6/ 361) عن المصنف من قوله: "كذا قال. . . " إلى هنا. (¬5) في (أ): "فيها".

- (ومنها): بناء غير المساجد في الطرقات، فإن كان البناء للوقف على المسجد؛ فهو كبناء المسجد، قاله الشيخ تقي الدين [بن تيمية] (¬1)، وكذا إن كان لمصلحة عامة؛ كخان مسبل ونحوه، وإن كان لمنفعة تختص بآحاد (¬2) الناس؛ فالمشهور عدم جوازه؛ لأن الطريق مشترك؛ فلا يملك أحد إسقاط الحق المشترك منه والاختصاص به، ولا يملك الإِمام الإِذن في ذلك. وفي "كتاب الطرقات" (¬3) لابن بطة: إن بعض الأصحاب أفتى بجوازه، وأخذه من نص أحمد في بناء المسجد، والفرق واضح؛ لأن المسجد (¬4) حق الاشتراك فيه باقٍ، غير أنه انتقل من استحقاق المرور إلى استحقاق اللبث للعبادة (¬5). وكلام أحمد بدل على المنع، [قال في] (¬6) رواية ابن القاسم: إذا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. وانظر نحوه في "الاختيارات الفقهية" (ص 176). (¬2) في المطبوع و (ج): "بأحد". (¬3) لم ينقل منه المصف إلا في هذا الموطن، ولم أظفر بأن أحدًا من مترجميه قد نسبه له، ونسبوا له كتاب "السنن"؛ فلعل هذا قسم منه، واللَّه أعلم. وابن بطة -بفتح الموحدة-: هو عبد اللَّه بن محمد بن محمد بن حمدان، أحد العلماء الزهاد، وله اختيارات في المذهب، نقلها المرداوي في "الإنصاف"، توفي سنة أربع وثمانين وأربع مئة، على ما رجّحه ابن ناصر الدين في "التوضيح" (1/ 558)، وله ترجمة في "السير" (16/ 529 - 533)، وأرَّخ وفاته سنة سبع وثمانين. (¬4) في المطبوع: "لأن بناء المسجد". (¬5) في (أ): "المعتاد". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ج): "فإن".

كان الطريق قد سلكه الناس وصير طريقًا؛ فليس لأحد أن يأخذ منه (¬1) شيئًا قليلًا ولا كثيرًا. وقال في "رواية العباس بن موسى": إذا نضب الماء عن جزيرة؛ لم يبن فيها لأن فيه (¬2) ضررًا، وهو أن الماء يرجع. قال القاضي: معناه إذ ابني في طريق المارة، فيضر (¬3) بالمارة في ذلك الطريق؛ فلم يجوزه، وكره في "رواية ابن بختان" أن يطحن في الغروب، وقال: ربما غرقت السفن، وقال في "رواية مثنى" (¬4): إذا كانت في طريق الناس؛ فلا يعجبني، والغروب كأنها طاحونة تصنع (¬5) في النهر الذي تجري فيه السفن، وكره شراء ما يطحن فيها، وذكر ابن عقيل في الغربة في النهر: إن كان وضعها بإذن الإِمام، والطريق واسع، والجريان معتدل بحيث يمكن الاحتراز منه؛ جاز، وإلا؛ لم يجز، ولعل الغربة -كالسفينة- لا تتأبد، بخلاف البناء، وحكم الغراس حكم البناء، وقد قال أحمد في النخلة المغروسة في المسجد: إنها غرست بغير حق؛ فلا أحب الأكل منها, ولو قلعها الإِمام كان أولى، ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "منها". (¬2) في المطبوع: "فيها". (¬3) في المطبوع و (ج): "فضر". (¬4) هو مثنَّى بن جامع، أبو الحسن الأنباري، قال الخلال: "كان مثنَّى وَرِعًا، جليل القدر"، وقال: "وكان أبو عبد اللَّه -أي: الإِمام أحمد- يعرف قدره وحقّه، ونقل عنه مسائلَ حسانًا". ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 336)، و"المنهج الأحمد" (1/ 447)، و"المقصد الأرشد" (3/ 19). (¬5) في المطبوع: "طاحون يصنع".

ومن الأصحاب من أطلق فيها الكراهة؛ كصاحب "المبهج" (¬1)، وجعل ثمرها لجيران المسجد الفقراء، ونص أحمد في "رواية ابن هانئ" و"ابن بختان" في دار السبيل يغرس فيها كرم؛ قال: إن كان يضر بهم؛ فلا (¬2)، وظاهره جوازه، مع انتفاء الضرر، ولعل الغرس كان لجهة السبيل أيضًا. - (ومنها): اختصاص آحاد الناس في الطريق بانتفاع لا يتأبد، فمن ذلك الجلوس للبيع والشراء؛ فقال الأكثرون: إن كان الطريق واسعًا ولا ضرر (¬3) في الجلوس بالمارة؛ جاز بإذن الإِمام وبدون (¬4) إذنه، وإلا؛ لم يجز، وللإمام أن يقطعه من شاء، وذكر القاضي في "الأحكام السلطانية" في جوازه بدون إذن الإِمام روايتين (¬5)، وحكى في كتاب "الروايتين" في المسألة روايتين الجواز (¬6) والمنع، ثم حملهما على اختلاف حالين (¬7)؛ فالجواز إذا لم يضر بالمارة والمنع إذا ضر (¬8)، وجعل حق الجلوس كحق الاستطراق؛ لأنه لا يعطل حق المرور بالكلية؛ فهو كالقيام [فيها] (¬9) لحاجة، وأظن ابن بطة حكى فيه (¬10) روايتين مطلقتين في الجواز وعدمه، ¬

_ (¬1) في (أ): "المنهج". (¬2) لم أظفر به في "رواية ابن هانئ". (¬3) في (ب): "ولا تضرر". (¬4) في (أ) و (ب): "دون". (¬5) انظر: "الأحكام السلطانية" (ص 226). (¬6) في المطبوع و (ب) و (ج): "بالجواز". (¬7) في المطبوع: "حالين". (¬8) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (1/ 453 - 454). (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬10) في المطبوع و (ج): "قبله".

وكذلك ذكر صاحب "المقنع" في الجلوس في الطريق الواسع؛ هل يوجب ضمان ما عثر به؟ على وجهين (¬1)، وذلك يدل على الخلاف في جوازه. وأما القاضي؛ فقال: لا يضمن بالجلوس، رواية واحدة، ومن ذلك لو ربط دابته أو أوقفها في الطريق، والمنصوص منعه، قال في رواية أبي الحارث: إذا أقام دابته (¬2) على الطريق؛ فهو ضامن لما جنت ليس له في الطريق حق. وكذلك (¬3) نقل عنه أبو طالب وحنبل ضمان جناية الدابة إذا ربطها في الطريق، وكذلك (3) اطلق ابن أبي موسى وأبو الخطاب من غير تفريق بين حالة التضييق (¬4) والسعة، ومأخذه أن طبع الدابة الجناية بفمها أو رجلها؛ فإيقافها في الطريق كوضع الحجر ونصب السكين فيه. وحكى القاضي في "كتاب الروايتين" (¬5) رواية أخرى بعدم الضمان إذا وقف (¬6) في طريق واسع؛ لقول أحمد في رواية أحمد بن سعيد: إذا وقف على نحو ما يقف الناس أو في موضع يجوز أن يقف في مثله، فنفحت ¬

_ (¬1) في المطبوع: "روايتين". وانظر: "المقنع" (4/ 296). (¬2) في (أ): "دابة". (¬3) في المطبوع: "وكذا". (¬4) في (ج): "الضيق". (¬5) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 350). (¬6) في (ج): "وقفت".

بيد أو رجل؛ فلا شيء عليه. قال القاضي: ظاهره أنه لا ضمان إذا كان واقفًا لحاجة، وكان الطريق واسعًا. وأما الآمدي؛ فحمل المنع على حالة ضيق الطريق والجواز على حالة سعته، والمذهب عنده (¬1) الجواز مع السعة وعدم الإضرار رواية واحدة. ومن المتأخرين من جعل المذهب [المنع] (¬2) رواية واحدة، وصرح صاحب "التلخيص" بجريان الخلاف في صورتي القيام والربط، وخالف بعض المتأخرين، وقال: الربط عدوان بكل حال، وربط السفينة وإرساؤها (¬3) في النهر المسلوك؛ قال ابن عقيل: إن كان بإذن الإمام، والطريق واسع، والجريان معتدل؛ جاز، وإلا؛ لم يجز. وخالف بعض الأصحاب في اعتبار إذن الإِمام في هذا لتكرره، قال الميموني: ملت أنا وأبو عبد اللَّه إلى الزواريق (يعني: في دجلة)، فاكترى زورقًا من الزواريق، فرأيته يتخطى زواريق عدة لأناس ولم أره استأذن أحدًا منهم؛ قال بعض الأصحاب: لأنه حريم دجلة، وهو مشترك بين المسلمين، فلما ضيقوه؛ جاز المشي عليه. وعلى قياس ذلك لو وضع في المسجد سرير ونحوه جازت الصلاة عليه من غير استئذان، بخلاف ما إذا بسط فيه مصلى وقلنا: لا يثبت [به] (¬4) ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "والمذهب عنه"، وفي (ب): "فالمذهب عنده". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في (ب) والمطبوع: "وإرسائها". (¬4) في (ب): "فيه".

السبق؛ فإنه يرفع ويصلى [في] (¬1) موضعه، ولا يصلي عليه؛ لأن رفعه لا مشقة فيه. ومن ذلك الانتفاع بالطريق بإلقاء الكناسة والأقذار، فإن كان نجاسة؛ فهو كالتخلي في الطريق، وهو منهي عنه (¬2)، لكن هل هو نهي كراهة أو [نهي] (¬3) تحريم؟ كلام الأصحاب مختلف في ذلك، وإن كان مما يحصل بن الزلق؛ كرش الماء وصبه وإلقاء قشور البطيخ، أو يحصل (¬4) به العثور؛ كالحجر؛ فلا يجوز، والضمان واجب به، وقد نص عليه أحمد في رش الماء، قال في "الترغيب": إلا أن يرشه ليسكن (¬5) الغبار؛ فهو مصلحة عامة، فيصير ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬2) يشير المصنف إلى ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الطهارة، باب النهي عن التخلي في الطرق والظلال، رقم 269) عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اتَّقوا اللَّعَّانين". قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسول اللَّه؟ قال: "الذي يتخلَّى في طريق الناس، أو في ظِلِّهم". وأخرجه من حديثه أيضًا أبو داود في "السنن" (رقم 25)، وأحمد فى "المسند" (2/ 372)، وأبو عوانة في "المسند" (1/ 194)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 33)، وابن حبان في "الصحيح" (رقم 1415 - الإحسان) , وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم 67)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 185 - 186)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 97)، والبغوي في "شرح السنة" (191). (¬3) ما بين المعقوفتين من (ج) والمطبوع. (¬4) في (أ): " أو يجعل به". (¬5) في المطبوع و (ج): "ليسكن به".

كحفر البئر للسابلة (¬1)، وفيه روايتان. - (ومنها): الحفر في الطريق، وهو ممنوع؛ سواء تركه ظاهرًا أو غطاه وأسقف عليه، قال المروذي: سألت أبا عبد اللَّه عن الرجل يحفر في فنائه البئر أو المخرج المغلق؟ قال: لا، هذا طريق (¬2) للمسلمين. قلت: إنما هي بئر تحفر وتسد (¬3) رأسها. قال: أليس في طريق المسلمين؟! أكره هذا كله. فمنع من التصرف في باطن الطريق بالحفر. ونقل عنه ابن هانئ وابن بختان والفضل بن زياد في رجل في داره شجرة، فنبت من عروقها شجرة في دار رجل آخر: لمن [هذه] (¬4) الشجرة؟ قال: ما أدري ما هذا (¬5)؟ ربما (¬6) كان ضررًا على صاحب الأرض. قال القاضي: وظاهر هذا أنه إذا لم يكن فيها ضرر -وهو أن تكون عروقها تحت الأرض-؛ لا يؤخذ بقلها؛ لأن الضرر إنما يكون بظهورها على وجه الأرض. انتهى. وفيه نظر، وصرح ابن عقيل في "الواضح في أصول الفقه" بوجوب إزالة عروق شجرته (¬7) من أرض غيره. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "السابلة". (¬2) في (ب): "الطريق". (¬3) في المطبوع و (ج): "ويسد"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬4) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬5) لم أظفر به في مطبوع "رواية ابن هانئ". (¬6) في المطبوع: "وربما". (¬7) في (أ): "الشجرة".

- (ومنها): إشراع الأجنحة والساباطات والخشب والحجارة في الجدار إلى الطريق؛ فلا يجوز، ويضمن به، نص عليه أحمد في "رواية أبي طالب" و"ابن منصور" ومهنا وغيرهم، ولم يعتبر إذن الإمام في ذلك، وكذا (¬1) ذكر القاضي في "المجرد" وصاحب "المغني" (¬2)، وقال القاضي في "خلافه": والأكثرون يجوز بإذن الإِمام مع انتفاء الضرر به، وفي "شرح الهداية" للشيخ مجد الدين في (كتاب الصلاة): إن كان لا يضر بالمارة؛ جاز، وهل يفتقر إلى إذن الإِمام؟ على روايتين: إحداهما (¬3): يفتقر؛ لأنه ملك مشترك بين المسلمين؛ فلا يجوز تخصيصه بجهة خاصة إلا للإمام. والثانية: لا يفتقر؛ لأن منفعة الطريق المرور، وهو لا يختل بذلك. وأما الميازيب ومسيل المياه؛ فكذلك عند الأصحاب، قال المروذي: سقف لأبي عبد اللَّه سطح الحاكة، وجعل مسيل المياه إلى الطريق، وبات تلك الليلة، فلما أصبح؛ قال: ادع لي النجار يحول الميزاب إلى الدار، فدعوته له، فحوله، وهذا لا يدل على التحريم؛ لأنه لو اعتقده محرمًا لم يفعله ابتداءً، وإنما حوله تورعًا لحصول (¬4) الشبهة فيه. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "وكذلك". (¬2) انظر: "المغني" (4/ 322/ 3519). (¬3) في (ب): "أحدهما". (¬4) في (أ) و (ج): "بحصول".

وفي "المغني" احتمال بجوازه مطلقًا مع انتفاء الضرر (¬1)، واختاره طائفة من المتأخرين، وقال الشيخ تقي الدين: إخراج الميازيب إلى الدرب النافذ هو السُّنة (¬2)، وذكر حديث العباس في ذلك (¬3)، والمانعون يقولون: ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 323/ 3523). (¬2) انظر: "مجموع الفتاوى" (30/ 402) لشيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه اللَّه. (¬3) يشير المصنف إلى ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8/ 292/ رقم 15264)، وأبو داود في "المراسيل" (ص 293/ رقم 406)، والبلاذري في "أنساب الأشراف" (ق 4/ 12 - العباس وولده)؛ عن سفيان بن عيينة، عن أبي هارون المدني؛ قال: "كان في دار العباس ميزاب يَصُبُّ في المسجد، فجاء عمر فقلعه، فقال العباس: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هو وضعه بيده. فقال عمر: لا يكون لك سُلَّمٌ إلا ظهري حتى تَرُدَّه مكانه". وأبو هارون هو موسى بن أبي عيسى الحنّاط، واسم أبيه ميسرة، وقع مسمى محمد عبد الرزاق؛ إلا أنه قال: "أو غيره". قلت: وهو لم يدرك هذه القصة؛ فهي مرسلة. وأخرجها مطوّلة أحمد في "المسند" (1/ 210) -ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (26/ 366 - ط دار الفكر)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4/ 20)، والروياني في "مسنده" (2/ 350 - 351/ رقم 1332)، من طريق أسباط بن محمد، عن هشام بن سعد، عن عبيد اللَّه بن عباس؛ قال: (وذكر نحوها). ورجالها ثقات؛ كما في "المجمع" (4/ 206 - 207). ولكن إسنادها منقطع؛ لم يسمع هشام بن سعد من عبيد اللَّه بن عباس، وقال أبو حاتم الرازي في "العلل" (1/ 465/ رقم 1398) عن هذا الطريق: "هذا خطأ، الناس لا يقولون هكذا". وأخرجها الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 511) -ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (26/ 366 - 367) -، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4/ 20)؛ عن موسى بن عبيدة، عن يعقوب بن زيد: "أن عمر بن الخطاب. . . " (وذكر نحوها). =

ميزاب العباس وضعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده؛ فكان أبلغ من إذنه فيه، ولا كلام فيما أذن [به] (¬1) الإمام. * * * ¬

_ = وأخرجها الحاكم في "المستدرك" (3/ 331 - 332) مطولة ضمن خبر عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده، وعبد الرحمن بن زيد ضعيف. انظر: "تهذيب الكمال" (17/ 114 - فما بعدها/ 3820) والتعليق عليه، وانظر: "مسند الفاروق" (1/ 351) لابن كثير. وأخرجه البلاذري في "أنساب الأشراف" (ق 4/ 12)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (26/ 322 - ط دار الفكر)؛ من طرق أخرى بنحوه، وهي ضعيفة ومرسلة. (¬1) في (ب) و (ج) والمطبوع: "فيه".

89 - القاعدة التاسعة والثمانون أسباب الضمان ثلاثة: عقد، ويد، وإتلاف

(القاعدة التاسعة والثمانون) أسباب الضمان ثلاثة: عقد، ويد، وإتلاف (¬1). أما عقود الضمان؛ فقد سبق ذكرها، وكذلك سبق ذكر الأيدي الضامنة. وأما الإتلاف؛ فالمراد به أن يباشر الإتلاف بسبب يقتضيه؛ كالقتل والإحراق، أو ينصب سببًا عدوانًا فيحصل به الإِتلاف؛ بأن يحفر بئرًا في غير ملكه عدوانًا، أو يؤجج نارًا في يوم ريح عاصف فيتعدى إلى إتلاف مال الغير، أو كان الماء محتبسًا بشيء وعادته الانطلاق فيزيل احتباسه، وسواء كان له اختيار في انطلاقه أو لم يكن؛ فدخل تحت ذلك ما إذا حل وكاء زق مائع فاندفق، أو فتح قفصًا عن طائر فطار، أو حل [قيد عبد آبق] (¬2) فهرب، هذا هو الذي ذكره ابن حامد والقاضي والأكثرون؛ لأنه تسبب إلى ¬

_ (¬1) ويزيد عليها الشافعية: الحيلولة. انظر: "المنثور" (2/ 322) للزركشي، و"الأشباه والنظائر" (ص 361) للسيوطي. وعند الحنفية: الأصل أنّ الضمانات في الذمة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما بأخذٍ، وإما بشرط، فإذا عُد ما لم تجب. انظر: "أصول أبي الحسن الكرخي" (ص 113)، و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 33). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عبدًا آبقًا".

الإتلاف بما يقتضيه عادة. واستثنى ابن عقيل في "فنونه" ما كان من الطيور يألف الرواح (¬1) ويعتاد العود؛ فقال: لا ضمان في إطلاقه وإن لم يعد؛ لأن العادة جارية بعوده؛ فليس إطلاقه إتلافًا. وقال أيضًا في "الفنون": الصحيح التفرقة بين ما يحال الضمان على فعله؛ كالآدمي، وما لا يحال عليه الضمان؛ كالحيوانات والجمادات، فإذا حل قيد العبد؛ لم يضمن لأن العبد له اختيار، ويصح إحالة الضمان عليه؛ فيقطع مباشرته للتلف لتسبب (¬2) مطلقه، وهذا الذي قاله إنما يصح لو كان العبد من أهل الضمان لسيده، فأما إذا لم يكن من أهل الضمان للسيد؛ تعين إحالة الضمان على المتسبب، ولهذا قال الأصحاب: إن جناية العبد المغصوب على سيده مضمونة على الغاصب، حيث لم يكن العبد من أهل الضمان للسيد، فأحيل على الغالب لتعديه بوضع يده عليه، مع أنه ليس سببًا للجناية. ولكن خرج ابن الزاغوني في "الإقناع" وجهًا آخر: أنه لا ضمان على الغاصب؛ لأن الجناية من أصلها غير قابلة للتضمين لتعلقها بالرقبة المملوكة للمجني عليه؛ فلا يلزم الغاصب منها شيء (¬3)، ولا يلزم مثله في مطلق العبد؛ لأنه متسبب إلى الإتلاف، فإذا لم يمكن إحالة الضمان على ¬

_ (¬1) في المطبوع و (أ): "البروج". (¬2) كذا في (ج)، وفي (أ) والمطبوع: "بسب"، وفي (ب): "تسبب". (¬3) في المطبوع و (ج): "شيء منها" بتقديم وتأخير.

المباشر؛ أحيل على المتسبب صيانة للجناية على مال المعصوم [عن] (¬1) الإهدار مهما أمكن. وخرج الآمدي وجهًا آخر: أن جناية العبد على سيده مضمونة عليه في ذمته، يتبع بها بعد عتقه، وها هنا فرع متردد (¬2) فيه بين ضمان اليد والإتلاف (¬3)، وهو ما إذا حفر بئرًا عدوانًا أو نصب شبكة أو منجلًا للصيد، ثم مات، ثم وقع في البئر حيوان مضمون أو عثر بآلات الصيد حيوان مضمون؛ فإن جعلناه من باب الإتلاف؛ ضمن من التركة، وبه صرح [القاضي] (¬4) في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" في (باب الرهن)؛ حتى قالا: لو بيعت التركة؛ لفسخ في قدر الضمان منها لسبق سببه، ولو كانت التركة عبدًا فأعتقه الورثة قبل الوقوع ضمنوا قيمة العبد؛ كالمرهون، صرح به القاضي في "الخلاف"، وإنْ جعلناه من ضمان اليد؛ فهل يجعل كيده (¬5) المشاهدة بعد الموت، أو يجعل اليد لمن انتقل الملك إليه؟ يحتمل على وجهين أصلهما اختلاف الأصحاب فيما لو نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته؛ هل هو تركة موروثة جعلًا لها كيده المشاهدة، أو هو ملك للورثة لأنه صار (¬6) كأيديهم؟ والذي صرح به القاضي وابن عقيل: أنه تركة موروثة، وقال أبو ¬

_ (¬1) في (ب): "من". (¬2) في (ب): "يتردد". (¬3) في المطبوع: "وضمان الإتلاف". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "كيدا". (¬6) في المطبوع و (ج): "لأنها صارت"، وفي (أ): "لأنه صارت".

الخطاب في "الانتصار": [بل] (¬1) هو ملك للوارث (¬2) [بانتقال ملك الشبكة إليه، كما يتولد من النتاج الموروث ويثمر من الشجر] (¬3)، وأما في العدوان المجرد؛ فيحتمل أن ينقطع حكمه بالموت (¬4)، ويحتمل أن يكون ضمانه مِنْ ترِكَةِ المتعدِّي لانعقاد سببه في حياته، ويشبه ذلك الخلاف فيمن مال حائطه، فطولب بنقضه، فباعه، ثم سقط؛ هل يسقط عنه الضمان؟ فيه وجهان سبق ذكرهما، وهل يجب الضمان على من انتقل الملك إليه إذا استدامه أم لا؟ الأظهر وجوبه [عليه] (¬5) كمن اشترى حائطًا مائلًا؛ فإنه يقوم مقام البائع فيه، فإذا طولب بإزالته فلم يفعل؛ ضمن على رواية, ولو حفر عبده بئرًا عدوانًا بغير إذنه، ثم أعتقه، ثم تلف بها قال أو غيره؛ ففي "المغني" الضمان على العبد لاستقلاله بالجناية (¬6)، وفي "التلخيص": هو على السيد بقدر قيمة العبد فما دون لثبوته عليه قبل العتق بذلك؛ فقد وجد السبب في ملكه، فلا ينتقل، وهو بعيد. تنبيه: لو أتلف الغاصب المغصوب ضمنه ضمان إتلاف ويد، وقد نص ¬

_ (¬1) في (أ): "هل". (¬2) في المطبوع. "للورثة". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) في المطبوع و (ج): "بموته". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) انظر: "المغني" (4/ 123 - 124/ 3035).

أحمد على أن من أمسك صيدًا في الحرم، ثم كفر عنه، ثم ذبحه: أنه يجزئه، وهذا يدل على أنه جعله ضمان يد، وإلا؛ لما جاز تقديم كفارة الإتلاف عليه، ويدل أيضًا على جواز تقديم الكفارة، وإن كان [يمكن أن يوجبها] (¬1) معصية، وفيه وجه بالمنع ذكره القاضي في "تعليقه"؛ لأن التقديم رخصة؛ فلا تستباح بمحرم. * * * ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ب) و (ج) والمطبوع: "موجبها".

90 - القاعدة التسعون الأيدي المستولية على مال الغير بغير إذنه ثلاثة

(القاعدة التسعون) الأيدي المستولية على مال الغير بغير إذنه ثلاثة: يد يمكن أن يثبت باستيلائها الملك؛ فينتفي الضمان [عما يستولي] (¬1) عليه، سواء حصل الملك به أو لم يحصل، ويد لا يثبت لها الملك وينتفي عنها الضمان، ويد لا يثبت لها الملك ويثبت عليها الضمان. أما الأولى؛ فيدخل فيها صور: - (منها): استيلاء المسلمين على أموال أهل الحرب. - (ومنها): استيلاء أهل الحرب على أموال المسلمين؛ لأنهم يملكون علينا بالاستيلاء، وهو المشهور عند الأصحاب، وينتفي الضمان عنهم فيما لم يملكوه أيضًا مما تثبت (¬2) عليه الأيدي؛ كأم الولد، وما لم يحوزوه إلى دارهم وما شرد إليهم من دواب المسلمين وأرقائهم على قولنا: انهم لا يملكون ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) في (ج): "على ما تستولي". (¬2) في (أ): "ثبت". (¬3) في المطبوع: "ذلك أيضًا". وانظر في المسألة: "كتاب الروايتين" (2/ 361)، و"قواعد ابن اللحام" (القاعدة =

- (ومنها): استيلاء الأب على مال الابن، فإن كان استيلاء يحصل به الملك؛ فلا إشكال في انتفاء الضمان، وإن كان على غير وجه (¬1) التملك؛ فلا يثبت به الضمان، ولو أتلفه على أصح الوجهين، وهو المذهب عند صاحب "المحرر". وأما اليد الثانية؛ فيدخل فيها صور: - (منها): من له ولاية شرعية بالقبض. - (ومنها): من قبض المال لحفظه على المالك؛ فإنه لا يضمنه، وقد نص أحمد فيمن أخذ آبقًا ليرده [على] (¬2) سيده، فهرب منه: أنه لا ضمان عليه (¬3)، لكن أخذ الآبق فيه إذن شرعي. وفي "التلخيص" وجه آخر بالضمان في المستنقذ من الغاصب للرد لعدم الولاية، وهو ضعيف، ولو كان القابض حاكمًا؛ فهو أولى بنفي الضمان لعموم ولايته. وفي "التلخيص" فيما إذا حمل المغصوب إليه ليدفعه إلى مالكه؛ فهل (¬4) يلزمه قبوله؟ ¬

_ = السابعة)، و"شرح الزركشي على متن الخرقي" (6/ 510)، وما مضى عند المصنف (ص 201). (¬1) في المطبوع: "على غير وجهه وجه". (¬2) في المطبوع: "إلى". (¬3) هذه الصورة شبيهة بما في "مسائل البغوي" (39/ 26)؛ حيث قال: "وسئل أحمد وأنا أسمع: عن رجل أعطى رجلًا درهمًا يشتري له به شيء [والصواب: شيئًا] , فأخلطه مع درهم له، فضاعا؛ فقال: ليس عليه شيء". (¬4) في (ب): "هل".

على وجهين، وصحح اللزوم، وهو تفريق بين الحاكم وغيره، وفي "المجرد" و"الفصول" و"المغني": ليس للحاكم انتزاع مال الغائب المغصوب إلا أن يكون له ولاية عليه بوجه ما (¬1)، مثل أن يجده في تركة ميت ووارثه غائب؛ فله الأخذ لأن له ولاية على تركة الميت بتنفيذ (¬2) وصاياه وقضاء ديونه، أو يجدها في يد سارق فيقطعه وينتزع (¬3) منه العين تبعًا لولاية القطع. والمسألة مذكورة في مسألة وجوب القصاص للغائب ومسألة قطع السارق لمال الغائب. - (ومنها): الطائفة الممتنعة عن حكم الإِمام كالبغاة؛ لا يضمن الإِمام، وطائفته ما أتلفوه عليهم حال الحرب، وفي تضمينهم ما أتلفوه على الإِمام في تلك الحال روايتان، أصحهما نفي الضمان إلحاقًا لهم بأهل الحرب، وأما أهل الردة إذا لحقوا بدار الحرب أو اجتمعوا بدار منفردين [ولهم منفعة] (¬4)؛ ففي تضمينهم روايتان [أيضًا] (¬5)، واختار أبو بكر عدم التضمين (¬6) إلحاقًا لهم بأهل دار الحرب. وأما اليد الثالثة؛ فهي اليد العارية التي يترتب عليها الضمان. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (94/ 14 - 95/ 1878 - ط هجر). (¬2) في المطبوع: "بتنفيذ"، وفي (أ): "لتنفيذ". (¬3) في المطبوع: "وتننزع". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬6) في (ب): "الضمان".

91 - القاعدة الحادية والتسعون يضمن بالعقد وباليد الأموال المحضة المنقولة إذا وجد فيها النقل

(القاعدة الحادية والتسعون) يضمن (¬1) بالعقد وباليد الأموال المحضة المنقولة إذا وجد فيها النقل. فأما غير المنقول؛ فالمشهور عند الأصحاب أنه يضمن بالعقد وباليد أيضًا، كما يضمن في عقود التمليكات بالانفاق، ونقل ابن منصور عن أحمد: أن العقار لا يضمن بمجرد اليد في الغصب من غير إتلاف (¬2)، وكذلك قال أبو حفص (¬3) العكبري في العارية فيما قرأته بخط القاضي. وأما المنقول؛ فإن حصل نقله؛ ترتب عليه ضمان اليد والعقد، وإن لم يوجد النقل؛ فهل يضمن بالعقد؟ فيه كلام سبق في أحكام القبوض (¬4). وأما اليد المجردة؛ فقال القاضي في "خلافه": لا يتوقف الضمان بها على النقل أيضًا؛ كالعقد، وكما يصير المودع ضامنًا بمجرد جحود الوديعة من غير نقل ولا إزالة يد (¬5)، ورتب على ذلك أنه لو باع الغاصب ¬

_ (¬1) في (هـ): "تضمن". (¬2) انظر: "مسائل ابن منصور" (266/ 112). (¬3) في المطبوع: "جعفر"، وهو خطأ. (¬4) في (ب): "المقبوض". (¬5) قوله الآتي: "وجزم ابن عقل في. . . " إلى: "بذلك ضمان غصب" مذكور بعد كلمة "يد" في (ج).

العين المغصوبة وخلى بينها (¬1) وبين المشتري، فتلفت قبل النقل، ثم جاء المالك: أن له [تضمين] (¬2) المشتري. قال: وإن سلمناه (يعني (¬3): مفع تضمينه)، فلأنه لم يحصل كمال الاستيلاء، وهو النقل فيما يمكن نقله، [وجزم ابن عقيل في "نظرياته" بأن المشتري ها هنا لا يضمنه ضمان غصب، وإن كان يضمنه في البيع الصحيح ضمان عقد بمجرد التخلية وقاسه على العقار، فإن البائع إذا خلى بينه وبين المشتري؛ صار من ضمانه بالعقد، ولو ظهر له مستحق؛ لم يضمنه بذلك ضمان غصب] (¬4) , [وإنما تردد في هذا؛ لأنه فرع متردد بين الضمان بالعقد وباليد] (¬5) , [وفي "التلخيص" إثبات اليد] (¬6) فيما [ينقل بالنقل] (¬7)؛ إلا في الدابة؛ فإن ركوبها كافٍ، وكذلك الجلوس على الفرش؛ لأنه غاية الاستيلاء، وصرح القاضي في "خلافه" بمثل ذلك في الدابة. وأما غير الأموال المحضة؛ فنوعان: أحدهما: ما فيه شائبة الحرية لثبوت بعض (¬8) أحكامها دون ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "بينه". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أن يضمن". (¬3) في المطبوع: "تعين". (¬4) ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع بعد قوله الآتي: "وفي التلخيص إثبات اليد"، وفي (ج) مذكور قبل ذلك كما ذكرنا آنفًا. (¬5) ما بين المعقوفتين أثبته ناسخ (أ) في الهامش ثم ضرب عليه. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "يقبل النقل". (¬8) في (ب): "نقض".

حقيقتها؛ كأم الولد والمكاتب والمدبر! فيضمن باليد على ما ذكره القاضي والأصحاب، وكذلك يضمن بالعقد الفاسد في قياس المذهب، قاله أبو البركات في "تعليقه على الهداية". والثاني: الحر المحض؛ هل تثبت عليه اليد فيترتب عليها (¬1) الضمان أم لا؟ المعروف من المذهب أن الحر لا تثبت عليه اليد؛ فلا يضمن بها بحال، ولو كان تابعًا لمن تثبت عليه اليد كمن غصب أمة حاملًا بحر، ذكره القاضي في "خلافه" بما يشعر أنه محل وفاق؛ وحكى القاضي في "خلافه" (¬2) وتابعه صاحب "المحرر" (¬3) في ثبوت اليد على الحر الصغير وضمانه بالتلف تحتها روايتين منصوصتين لشبهه بالعبد، حيث يتمكن (¬4) من دعوى نسبه مع جهالته ودعوى رقه، وقال القاضي في مواضع متعددة من "خلافه": تثبت اليد على الحر الكبير بالعقد دون اليد. وبنى على ذلك أن الأجير الخاص إذا سلم نفسه إلى مستأجره، فلم يستعمله؛ استقرت له الأجرة لتلف منافعه تحت يده. وكذلك يجب المهر بالخلوة في النكاح الفاسد عندنا لدخول المنفعة تحت اليد بالتمكن من الاستيفاء، وكذلك لو تداعا اثنان زوجية امرأة، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "عليه". (¬2) في المطبوع و (ج): "في خلافه أيضًا". (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 362، 363). (¬4) في (ب): "يمكن".

وأقاما (¬1) البينة وهي في يد أحدهما؛ فهي له ترجيحًا باليد، كذا ذكره القاضي، وإنما يتوجه على قولنا بتقديم (¬2) بينة الداخل. وحكى صاحب "التلخيص" وجهًا بثبوت اليد على منافع الحر دون ذاته، ورتب عليه صحة إجارة المستأجر للأجير الخاص، وجزم الأزجي في "النهاية" بصحته، وبنى عليه جواز إجارة (¬3) الكافر للمسلم (¬4) المستأجر معه، وذكر احتمالين، وبنى صاحب "التلخيص" أيضًا على ذلك [مسألة] (¬5) غصب الحر وحبسه عن العمل، فإن في [وجوب] (5) ضمان أجرته وجهين. تنبيه: من الأصحاب من قال: منفعة البضع لا تدخل تحت اليد، [وبه جزم] (¬6) القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "تذكرته" وغيرهما، وفرعوا عليه (¬7) صحة تزويج الأمة المغصوبة، وأن الغاصب لا يضمن مهرها ولو حبسها عن النكاح حتى فات بالكبر. وخالف ابن المَنِّيِّ، وجزم في "تعليقه" (¬8) بضمان مهر الأمة بتفويت ¬

_ (¬1) في (ج): "وأقام". (¬2) في المطبوع و (ج): "بتقديم". (¬3) في المطبوع: "جواز صحة إجارة". (¬4) في (ب): "المسلم". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬6) في (ب): "وجزم به". (¬7) في (ج): "على ذلك". (¬8) صاحبها هو نصر بن فِتيان بن مَطَر النَّهرَوَاني، أبو الفتح، مدحه المصنف في =

النكاح، وذكر في الحرة ترددًا لامتناع ثبوت اليد عليها، وقد يتفرع على ذلك أن الأمة الموطوءة بغير إذن المالك لو حملت ثم تلفت [من الولادة] (¬1) ضمنها الواطئ، بخلاف الحرة إذا زنى بها كرهًا، فحملت، ثم ماتت من الطلق؛ قال في "التلخيص": لأن [الاستيلاد كأنه] (¬2) إثبات يد وهلاك تحت اليد المستولية على الرحم، والحرة لا تدخل تحت اليد، ومجرد السبب ضعيف. وفي "المغني" يضمنها مطلقًا بحصول (¬3) التسبب في التلف (¬4). * * * ¬

_ = "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 358) بقوله: "ناصح الإِسلام، واحد الأعلام، وفقيه العراق على الإطلاق"، وقال: "سليم الاعتقاد، صحيح الاتقاد في الأدلة الفروعية"، توفي سنة (583 هـ)، له "تعليقة" في الخلاف كبيرة معروفة، ونقل ابن رجب (1/ 360) عن ابن الجوزي قوله عنه: "وأضرّ بعد الأربعين سنة، وثقل سمعه، وكان "تعليقه" الخلاف على ذهنه، وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه وإلى أصحابه". قال ابن رجب عقبه: "قلت: وإلى يوما هذا الأمر على ذلك؛ فإن أهل زماننا إنما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين: موفق الدين المقدسي، ومجد الدين ابن تيمية الحراني، فأما الشيخ موفق الدين؛ فهو تلميذ ابن المَنِّي، وعنه أخذ الفقه، وأما ابن تيمية؛ فهو تلميذ تلميذه. . . ". (¬1) في المطبوع: "بالولادة". (¬2) في المطبوع: "الاستيلاد كأنه"، وفي (أ): "الاستيلاد" فقط. (¬3) في المطبوع: "لحصول". (¬4) انظر: "المغني" (12/ 88، 89/ 1481 - ط هجر).

92 - القاعدة الثانية والتسعون هل تثبت يد الضمان مع ثبوت يد المالك أم لا؟

(القاعدة الثانية والتسعون) هل تثبت يد الضمان مع ثبوت يد المالك أم لا؟ في المسألة خلاف، وقد قال أحمد في "رواية ابن الحكم" فيمن أسره أهل الحرب ومعه جاريته (¬1): أنها ملكه. مع أن مذهبه المشهور عنه أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء، والأظهر أنه إن زال امتناع (¬2) المالك وسلطانه؛ ثبت الضمان، وإلا؛ فلا، ويتفرع على ذلك مسائل: - (منها): لو غصب دابة عليها (¬3) مالكها ومتاعه؛ ففي "الخلاف الكبير" لا يضمن، وكذلك قال الأصحاب: لو استولى على حر كبير لم يضمن ثيابه؛ لأنها في يد المالك، ولو كان الحر صغيرًا، وقلنا: لا تثبت [اليد عليه] (¬4)؛ ففي ثيابه وجهان نظرًا إلى أن يده لا قوة لها [على المنع] (¬5)، وهذا يشهد لاعتبار بقاء الامتناع (¬6) في انتفاء الضمان. ¬

_ (¬1) في (ج): "جارية". (¬2) في المطبوع: "انتفاع". (¬3) في (أ): "علمها". (¬4) في (ب): "عليه اليد". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج): "الانتفاع".

- (ومنها): لو استأجر الدابة (¬1) إلى مسافة فزاد عليها، أو لحمل شيء فزاد عليه، وهي في يد المؤجر فتلفت؛ قال في "المجرد": يضمن؛ لتعدِّيه بالزيادة، وسكوت المالك لا يمنع الضمان؛ كمن خرق ثوبه وهو لا يمنع. وفي "التلخيص": يضمن إذا تلفت بفعل اللَّه تعالى، وإن تلفت بالحمل؛ ففي تكميل الضمان عليه وتنصيفه (¬2) وجهان، ويتوجه التفريق بين أن يكون قادرًا على الامتناع، أو لا يكون كذلك؛ فيجب الضمان مع عدم القدرة، كمن غصب دابة وأكره المالك على أن يحمل له عليها متاعه، فإن هذا زيادة عدوان؛ فلا يسقط به الضمان. - (ومنها): الأجير المشترك إذا جنت يده على العين المستأجرة على العمل فيها ويد صاحبها ثابتة عليها؛ فلا ضمان، قاله القاضي في "المجرد"، قال: لأنه ليس بأكثر من الغاصب، والغاصب لا يضمن ما دام يد صاحيه ثابتة عليه. [انتهى] (¬3). ومراده بثبوت (¬4) يد صاحبه ثبوت سلطنته (¬5) وتصرفه، ولهذا لو أعاد الغاصب المغصوب إلى يد المالك على وجه لا يعود تصرفه إليه مثل: إن رهنه عنده (¬6)، أو استأجره للعمل [فيه] (¬7)؛ لم يبرأ بذلك على الصحيح؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "دابة". (¬2) في (أ): "وتنصفه". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (أ): "ثبوت". (¬5) في المطبوع: "سلطته". (¬6) في المطبوع: "عبده". (¬7) في (ج): "منه".

إلا أن يعلم أنه ملكه. - (ومنها): لو دخل دار إنسان بغير إذنه أو جلس على بساطه بغير إذنه، والمالك جالس في الدار أو على البساط؛ ففي "الخلاف الكبير": لا ضمان، وعلل بانتفاء الحيلولة ورفع اليد، وكذلك قال فيمن ركب دابة غيره: إن حال بينه وبينها ورفع يده عنها؛ ضمن، وهذا يرجع إلى اشتراط القهر والحيلولة (¬1) للضمان. وفي "التلخيص": لو دخل دار المالك وهو فيها قاصدًا للغصب؛ فهو غاصب للنصف لاجتماع يدهما واستيلائهما بشرط قوة الداخل وتمكنه من القهر، وإن كان المالك غائبا؛ فالدخول غصب بكل حال لحصول الاستيلاء به. وذكر بعض أصحابنا في "خلافه": أن المجالس على بساط غيره بغير إذنه يكون ضامنًا لما جلس عليه منه، والداخل إن دخل بنية الغصب صار غاصبًا. - (ومنها): لو أردف المالك خلفه على الدابة، فتلفت؛ فهل يضمن الرديف نصف القيمة لكونه مستعيرًا، أم لا لثبوت يد المالك عليها؟ ذكر في "التلخيص" احتمالين، وصحح الثاني. تنبيه: لو كانت العين ملكًا لاثنين، فرفع الغاصب يد أحدهما ووضع يده ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الحيلولة والقهر" بتقديم وتأخير.

موضع يده، وأقر الآخر على حاله؛ فهل يكون غاصبًا لنصيب [من] (¬1) رفع جده خاصة، [أم] (¬2) هو غاصب لنصف العين من الشركين (¬3) مشاعًا؟ قال القاضي وابن عقيل: هو غاصب لنصف (¬4) من رفع يده فقط، ورجحه الشيخ تقي الدين مستدلًّا بأن الأعمال بالنيات (¬5)؛ فعلى هذا، لو استغل (¬6) الغاصب والشريك الملك، [أو] (¬7) انتفعا به؛ لم يلزم هذا الشريك لشريكه المخرج شيء، فلو باعا العين (¬8)؛ صح في نصبب الشريك البائع كله وبطل في النصف الذي باعه الغاصب، والمنصوص عن أحمد يدل على خلاف [ذلك] (¬9)؛ لأنه نص في "رواية حرب" على أن من غصب من قوم ضيعة ثم رد إلى أحدهم نصيبه مشاعًا؛ لم يطلب للمردود عليه الانفراد بما رد عليه، وهو يشبه أصله المنصوص عنه في منع إجارة المشاع من غير الشريك لتعذر تسليمه بانفراده؛ فعلى هذا ليس للشريك ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (ب): "أو". (¬3) في (أ): "الشريك". (¬4) في (ج): "لنصيب". (¬5) قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى في "الاختيارات الفقهية" (ص 163): "وإذا كان بين اثنين مال مشترك، فغصب الظالم نصيب أحدهما مشاعًا من عقار أو منقول؛ فالأصح -وهو قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد-: إن النصف الآخر حلال للشريك الآخر. . . ". (¬6) في المطبوع: "استعمل". (¬7) في المطبوع و (ج): "و". (¬8) في (ج): "باع العين". (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

الذي [لم] (¬1) يرفع يده التصرف إلا في الربع، خاصة والربع الآخر حق لشريكه المغصوب منه، ولم تجتمع (¬2) ها هنا [يد المالك مع يد الغاصب] (¬3) في شيء. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع: "يجتمع"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬3) في المطبوع: "يد الغاصب مع يد المالك" بتقديم وتأخير.

93 - القاعدة الثالثة والتسعون من قبض مغصوبا من غاصبه، ولم يعلم أنه مغصوب

(القاعدة الثالثة والتسعون) من قبض مغصوبًا من غاصبه، ولم يعلم أنه مغصوب. فالمشهور [بين] (¬1) الأصحاب إنه بمزلة الغاصب في جواز تضمينه ما كان الغاصب يضمنه من عين ومنفعة، ثم إن كان القابض قد دخل على ضمان عين أو منفعة؛ استقر ضمانها عليه، ولم يرجع على الغاصب، وإن ضمنه المالك ما لم يدخل على ضمانه ولم يكن حصل له بما ضمنه نفع؛ رجع به على الغاصب، وإن كان حصل له به نفع؛ فهل يستقر ضمانه عليه، أم يرجع [به] (¬2) على الغاصب؟ على روايتين، هذا ما ذكره القاضي والأكثرون، وفي بعضه خلاف نشير إليه في موضعه إن شاء اللَّه [تعالى] (¬3)، وهذه الأيدي القابضة من ¬

_ (¬1) في المطبوع: "عن". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). وقال ناسخ (ج): "وهذا الخلاف المشار إليه هنا نصه: "هل يستقر الضمان على الباشر بإتلافه أو التلف تحت يده، أم على الضار تسببه إلى تضمين من لم يلزمه الضمان؟ على وجهين، وهل تجوز مطالبة من لا يستقر عليه الضمان ثم يرجع هو على من استقر عليه؟ على وجهين، وعلى القول بجوازه إذا طولب به؛ ضمن؛ فهل يرجع به على الآخر أم يستقر عليه لأنه أخذ منه بحق؟ على وجهين أيضًا، وفيه وجه ثالث، وهو إن كان =

الغاصب مع عدم العلم بالحال عشرة: (الأولى): الغاصبة، ويتعلق (¬1) بها الضمان كأصلها، ويستقر عليها مع التلف تحتها, ولا يطالب (¬2) بما زاد على مدتها. (الثانية): الآخذة (¬3) لمصلحة الدافع؛ كالاستيداع والوكالة بغير جعل؛ فالمشهور أن للمالك تضمينها، ثم [ترجع بما ضمنت] (¬4) على الغاصب؛ لتغريره. وفيه وجه آخر باستقرار الضمان عليها لتلف المال تحتها من غير إذن. صرح به القاضي في "المجرد" في (باب المضاربة)، وسيأتي أصله. ويتخرج وجه (¬5) آخر: إنه لا يجوز تضمينها بحال من الوجه المحكي، كذلك في المرتهن ونحوه، وأولى، وخرجه الشيخ تقي الدين من مودع المودع، حيث لا يجوز له الإيداع، فإن الضمان على الأول وحده (¬6)، كذلك قال القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول"، وذكر أنه ظاهر ¬

_ = المطالب به الغاصب؛ لم يرجع به على أحد، ولو كان استقراره لغيره؛ لقوة عدوانيته، بخلاف ما إذا طولب الآخر؛ فإنه يرجع على الغاصب، [كذا] ذكر أبو الخطاب في مسألة أكل الطعام، وفيه رواية أخرى مخرجة: إنه لا يستقر على الغاصب"". (¬1) في المطبوع: "يتعلق". (¬2) في (ج): "ولا تطالب". (¬3) في (ج): "الآخذ". (¬4) في المطبوع: "يرجع بما ضمن". (¬5) في المطبوع: "ويتخرج فيه وجه". (¬6) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 162) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه.

كلام أحمد، ومن الأصحاب من منع ظهوره. وعلى تقدير أنه كذلك؛ ففرقوا (¬1) بين مونع المودع ومودع الغاصب بأن (¬2) الموجب للضمان في الأول القبض، وهو سبب واحد؛ فلا يجب به الضمان من جهتين (¬3)، بخلاف مونع الغاصب؛ فإن قبضه صالح لتضمينه، حيث [كان] (¬4) الضمان مستقرًّا على الغاصب قبله، وبأن الضمان ترتب على التقبيض (¬5)؛ فهو متأخر عنه، والقبض [وقع من] (¬6) يد أمينة، ولا عدوان فيه لعدم العلم؛ فاختص الضمان بالتعدي (¬7)، بخلاف مودع الغاصب لقبضه من يد ضامنه قبل القبض. واعلم أن ما ذكره الأصحاب في الوكالة والرهن إن الوكيل والأمين في الرهن إذا باعا وقبضا الثمن، ثم بان المبيع مستحقًّا؛ لم يلزمهما شيء لا تناقض هذه المسألة كما يتوهمه من قصر فهمه؛ لأن مراد الأصحاب بقولهم لم يلزم الوكيل شيء أنه لا يطالبه المشتري بالثمن الذي أقبضه (¬8) إياه؛ لأن حقوق العقد تتعلق (¬9) بالموكل دون الوكيل، أما أن الوكيل لا يطالبه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فرقوا". (¬2) في المطبوع و (ج): "فإن". (¬3) في (ب): "الجهتين". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) في المطبوع: "يترتب على القبض". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "وقع في"، وفي المطبوع: "من". (¬7) في المطبوع و (ج): "بالمتعدي". (¬8) في (ب): "يقبضه". (¬9) في المطبوع: "يتعلق"، وفي (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

المستحق للعين بالضمان؛ فإذا لم يتعرضوا له ها هنا ألبتة، وهو بمعزل من مسألتهم بالكلية. (الثالثة): القابضة لمصلحتها (¬1) ومصلحة الدافع؛ كالشريك والمضارب والوكيل بجعل والمرتهن؛ فالمشهور جواز تضمينها أيضًا، وترجع بما ضمنت؛ لدخولها على الأمانة. وذكر القاضي في "المجرد" وابن عقيل وصاحب "المغني" في الرهن احتمالين آخرين: أحدهما: أنه يستقر الضمان على القابض لتلف مال الغير تحت يده التي لم يؤذن لها (¬2) في القبض؛ فهي كالعالمة بالحال، وحكوا هذا الوجه في المضارب أيضًا. والثاني: لا يجوز تضمينها بحال لدخولها على الأمانة (¬3)، وينبغي أن يكون هو [هذا] (¬4) المذهب، وأنه لا يجوز تضمين القابض ما لم يدخل على ضمانه في جميع هذه الأقسام؛ فإن المنصوص عن أحمد فيمن اشترى أرضًا فغرس فيها ثم ظهرت مستحقة: إنه لا يملك المستحق قلعه إلا مع ضمان نقصه؛ كالغراس المحترم المصادر عن إذن المالك؛ فجعل المغرور كالمأذون له؛ فلا يضمن ابتداء ما لم يلتزم (¬5) ضمانه. ¬

_ (¬1) في (أ): "لمصلحتهما". (¬2) في المطبوع: "له"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) انظر: "المغني" (4/ 257/ 3385). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "يلزم".

وكذلك نقل حرب وغيره عن أحمد في المغرور في النكاح أن فداء ولده على من غيره، ولم يجعل على الزوج مطالبة، وقريب من ذلك ما نقل عنه مُهَنّأ فيمن بعث رجلًا إلى رجل له عنده مال، فقال له: خذ منه دينارًا. فأخذ منه أكثر: أن الضمان على المرسل لتغريره، ويرجع هو على الرسول. وحكى القاضي وغيره في المضاربة وجهًا آخر: أن الضمان في هذه الأمانات يستقر على من ضمن منهما؛ فأيهما ضمن؛ لم يرجع على الآخر. (الرابعة): القابضة لمصلحتها خاصة؛ إما باستيفاء العين؛ كالقرض (¬1)، أو باستيفاء المنفعة؛ كالعارية؛ فهي داخلة على (¬2) الضمان في العين دون المنفعة، فإذا ضمنت العين والمنفعة؛ رجعت على الغاصب بضمان المنفعة؛ [لأن ضمانها كان بتغريره. وفي المذهب رواية ثانية: لا يرجع (¬3) بضمان المنفعة] (¬4) إذا تلفت بالاستيفاء، ويستقر الضمان عليها في مقابلة الانتفاع لاستيفائها بدله كيلا يجتمع لها العوض والمعوض. وأصل الروايتين الروايتان في رجوع المغرور بالمهر على من غره، وإن ضمن الغاصب المنفعة ابتداءً؛ ففيه طريقان: أحدهما: البناء على الروايتين، فإن قلنا: لا يرجع القابض عليه إذا ¬

_ (¬1) في (أ): "كالعوض". (¬2) في المطبوع: "في". (¬3) في (ج): "لا ترجع". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ضمن ابتداءً؛ رجع الغاصب هنا عليه، وإلا؛ فلا، وهو طريقة (¬1) أبي الخطاب ومن اتبعه والقاضي وابن عقيل في موضع. والثاني: إنه لا يرجع الغاصب على القابض قولًا واحدًا، وقاله (¬2) القاضي وابن عقيل في موضع آخر. وأما العين؛ فلا يرجع (¬3) بضمانها، حيث دخلت على ضمانها وعلى الاحتمال الأول في القسم الذي قبله يستقر ها هنا عليها ضمان العين والمنفعة، سواء تلفت المنفعة باستيفاء أو تفويت (¬4). وعلى الاحتمال الآخر، وهو أنه لا يجوز تضمينها بالكلية؛ فلا يطالب (¬5) هذه بضمان ما لم يلتزم ضمانه ابتداءً ويستقر عليها ضمان [ما دخلت على ضمانه] (¬6). ويتخرج لنا (¬7) وجه آخر: إنه لا يستقر عليها ضمان شيء [بحال] (¬8)، وسنذكر أصله في القسم الذي بعده. - (الخامسة): القابضة تملكًا بعوض مسمى عن العين بالبيع؛ فهي ¬

_ (¬1) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "وهي طريقة"، وفي (أ): "وطريق". (¬2) في المطبوع: "قاله". (¬3) في (ج): "فلا ترجع". (¬4) في المطبوع و (أ): "بتفويت". (¬5) في المطبوع و (ج): "فلا تطالب". (¬6) ما بين المعقوفتين مكرر في المطبوع مرتين. (¬7) في (أ): "ويتخرج لها وجه آخر". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

داخلة على ضمان العين دون المنفعة، فإذا ضمنت قيمة العين والمنفعة؛ لم ترجع (¬1) بما ضمنت من قيمة العين لدخولها (¬2) على ضمانها, ولكن تسترد (¬3) الثمن من الغاصب؛ لأنه لم يملكه لانتفاء صحة العقد، وسواء كانت القيمة التي ضمنت للمالك (¬4) وفق الثمن أو دونه أو فوقه على ما اقتضاه كلام الأصحاب ها هنا، وفي البيع الفاسد، وفي ضمان المغرور المهر. وفي "التلخيص" احتمال إن كانت القيمة أزيد رجعت بالزيادة على الغاصب، حيث لم يدخل (¬5) على الضمان بأكثر من الثمن المسمى، وبه جزم ابن المَنِّيِّ في "خلافه"، وقد سبق في قاعدة ضمان العقود الفاسدة بالمسمى أو بعوض المثل ما يشبه هذا, ولو طالب المالك الغاصب بالثمن كله إذا كان أزيد من القيمة؛ فقياس المذهب أن له ذلك، كما نص عليه أحمد في المتجر [في الوديعة من غير] (¬6) إذن: إن الربح للمالك. ثم من الأصحاب من يبنيه (¬7) على القول بوقف العقود على الإجازة، وهي طريقة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يرجع". (¬2) في المطبوع: "كدخولها". (¬3) في المطبوع: "يسترد". (¬4) في المطبوع: "المالك". (¬5) في (ج): "لم تدخل". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "بالوديعة بغير"، وفي (ج): "بالوديعة من غير". (¬7) كذا في (أ) وفي (ب)، وهو الصواب، وفي (ج): "يبينه"، وفي المطبوع: "بينه".

القاضي في "خلافه" وابن عقيل، ومنهم من يطلق ذلك، وكذا في المضارب إذا خالف. وعنه رواية أخرى: يتصدق بالربح؛ لأنه ربح ما لم يضمن، وهل للمضارب أجرة المثل؟ على روايتين، وطردهما أبو الفتح الحلواني في "الكفاية" في الغاصب، وحكى صاحب "المغني" في (باب الرهن) رواية أخرى باستقرار الضمان على الغاصب في البيع؛ فلا يرجع على المشتري بشيء مما ضمنه (¬1)، وحكاه في "الكافي" في (باب المضاربة) وجهًا (¬2)، وصرح القاضي بمثل ذلك في "خلافه" في مسألة رجوع المغرور بالمهر، وهو عندي قياس المذهب؛ حيث قلنا في إحدى الروايتين برجوع المغرور بنكاح الأمة على من غيره مع استيفائه منفعة البضع واستهلاكها ودخوله على ضمانها, ولهذا طرد محققوا الأصحاب هذا الخلاف فيما إذا زوجها الغاصب ووطئها الزوج؛ هل يرجع بالمهر على الغاصب سواء ضمنه المالك المهر أو لم يضمنه؟ وأيضًا؛ فإن المنصوص عن أحمد إن البائع إذا دلس العيب ثم تلف عند المشتري؛ فله الرجوع بالثمن، وكذلك لو نقص أو تعيب وهو موجود؛ فإنه يرده بغير شيء، ويأخذ الثمن إلا أن يكون حصل له انتفاع بما نقصه، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "صنعه"! وانظر: "المغني" (4/ 220/ 3284). (¬2) انظر: "الكافي" (2/ 276).

فإنه يرد عوف على أحد الوجهين إلحاقًا له بلبن المصراة مع أنه قد دخل على ضمان العين بالثمن (¬1)، ولكن سقط عنه لتدليس (¬2) البائع العيب (¬3)، وهو لا يمنع صحة العقد على الصحيح من المذهب، فلأن (¬4) لا يستقر الضمان على المشتري من الغاصب مع تدليس الغاصب عليه وعدم صحة العقد أولى. وأما المنافع إذا ضمنها المالك للمشتري (¬5) بناءً على أن منافع (¬6) المغصوب مضمونة، وهو المذهب؛ فيرجع بذلك على الغاصب لدخوله على استيفائها في ملكه بغير عوض، وسواء انتفع بها أو تلفت تحت يده. وعن أحمد رواية أخرى: لا يرجع بما انتفع به لاستيفائه عوضه كما تقدم، وهي اختيار أبي بكر وابن أبي موسى، وحكم الثمرة والولد الحادث من المبيع حكم المنافع، إذا ضمنها رجع ببدلها (¬7) على الغاصب، وكذلك الكسب، صرح به القاضي في "خلافه"؛ إلا أن يكون انتفع بشيء من ذلك؛ فيخرج على الروايتين. وقد أشار أحمد إلى هذا في "رواية ابن منصور" فيمن باع ماشية أو شاة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بالمسمى". (¬2) في المطبوع: "كتدليس". (¬3) في (أ): "العين". (¬4) في المطبوع: "فلانه". (¬5) في (ب): "المشتري". (¬6) في المطبوع و (ج): "المنافع". (¬7) في (ب): "يرجع بعوضها"، وفي (ج): "رجع بعوضها".

فولدت أو نخلًا لها ثمرة فوجد بها عيبًا أو استحق أحد منه قيمة الثمرة وقيمة الولد إن كان أحدث فيهم شيئًا أو كان (¬1) باع أو استهلك، فإن كان مات أو ذهب به الريح؛ فليس عليه شيء، فأوجب عليه ضمان ما انتفع به من الثمرة والنتاج دون ما تلف (¬2) في يده بغير فعله (¬3)، ولم يذكر رجوعًا على الغاصب، وظاهر كلامه أن ما تلف في يده من النماء؛ فليس للمالك تضمينه ابتداءً؛ لأنه لم يدخل على ضمانه ولم ينتفع به، وهذا يقوي التخريج المذكور في القسم الذي قبله، وكذلك ظاهر كلام ابن أبي موسى [أنه] (¬4) لا يضمن المشتري إلا ما يستقر عليه ضمانه، سواء دخل على ضمانه أو لم يدخل عليه، لكن انتفع (¬5) به؛ كالخدمة ومهر المشتراة، وأما قيمة الأولاد؛ فيرجع (¬6) بها عنده؛ لأن نفعها لغيره [لا له] (¬7)، وأوجب على الغاصب قيمة غرس المشتري غير مقلوع إذا قلعه المالك، ومراده ما نقص بقلعه (¬8)، وإنما أجاز للمالك قلع الغراس من غير ضمان نقصه؛ لأن ذلك ليس من باب تضمين [القابض من] (4) الغاصب، بل هو من باب امتناع المالك من الضمان له، فإن تفريغ الأرض من الغراس الذي لم يأذن فيه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أو بأن". (¬2) في المطبوع: "أتلف". (¬3) انظر: "مسائل ابن منصور" (327 - 328/ 200). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (ج): "لكن إن انتفع". (¬6) في المطبوع و (ج): "فلا يرجع"! (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬8) في (أ): "بقعله".

لا بد من تمكينه منه، ولا ضمان عليه فيه، حيث لم يأذن فيه، وإنما الضمان على الغار (¬1)؛ لتعديه، كما أن تضمين القابض ما لم يلتزم (¬2) ضمانه ممتنع، حيث أمكن تضمين الغاصب لالتزامه الضمان (¬3)؛ فيضمنه، وهل يرجع به؟ على روايتين؛ كرجوع المغرور في النكاح (¬4) بالمهر. تنبيه: لو أقر المشتري للبائع بالملك؛ فلا رجوع له عليه، ولو أقر بصحة البيع؛ ففي الرجوع احتمالان ذكرهما القاضي، وقد يخرج كذلك في الإقرار بالملك حيث علم أن مستنده اليد، وقد بان عدوانها [وتعديه؛ فظهر بهذا أن الذي يدل عليه كلام أحمد: إن القابض لا يضمن إلا ما حصل له به نفع] (¬5). (اليد السادسة): القابضة عوضًا مستحقًا بغير عقد البيع؛ كالصداق، و [عوض] (¬6) الخلع والعتق والصلح عن [دم] (¬7) عمد إذا كان ¬

_ (¬1) في (ب): "الغارس"!! (¬2) في (أ): "يلزم". (¬3) في المطبوع و (أ) و (ج): "للضمان". (¬4) في المطبوع: "في باب النكاح". (¬5) ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع و (ب) و (ج) قبل ذلك بعد قوله: "حيث أمكن تضمين الغاصب؛ لالتزامه الضمان". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) ما بين المعقوفتين من (ب) والمطبوع فقط.

معينًا (¬1)، أو كان القبض وفاءً لدين (¬2) مستقر في الذمة من ثمن مبيع، أو [أجرة، أو] (¬3) صداق، أو قيمة متلف ونحوه، فإذا تلفت هذه الأعيان في يد من قبضها، ثم استحقت؛ [فللمستحق] (¬4) الرجوع على القابض ببدل العين والمنفعة على ما تقرر. ويتخرج وجه (¬5) آخر: أن لا مطالبة له عليه، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى في الصداق، والباقي مثله على القول بالتضمين؛ فيرجع على الغاصب بما غرم (¬6) من قيمة المنافع لتغريره؛ إلا ما (¬7) انتفع به؛ فإنه مخرج على الروايتين. وأما قيم الأعيان؛ فمقتضى ما ذكره القاضي ومن اتبعه أنه لا يرجع بها؛ لأنه دخل على أنها مضمونة عليه بحقه، وسواء كانت القيمة المضمونة وفق حقه أو دونه أو أزيد منه إلا على الوجه المذكور في البيع بالرجوع بفضل القيمة، ثم إن كان القبض وفاء عن دين ثابت في الذمة؛ فهو باقٍ بحاله، وإن كان عوضًا معينًا (¬8) في العقد؛ لم ينفسخ العقد ها هنا ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "إذا كان معينًا منه". (¬2) في المطبوع: "كدين". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "غيره و". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في المطبوع: "وجهًا". (¬6) في (ج): "غره". (¬7) في المطبوع: "بما". (¬8) في (ب) والمطبوع: "متعينًا".

باستحقاقه (¬1). ولو قلنا: إن النكاح على المغصوب لا يصح؛ لأن القول بانتفاء الصحة مختص (¬2) بحالة العلم كذلك (¬3)، ذكره ابن أبي موسى، ويرجع على الزوج بقيمة المستحق في المنصوص، وهو قول القاضي في "خلافه"، وقال في "المجرد": يجب (¬4) مهر المثل، وأما عوض الخلع والعتق والصلح عن دم العمد؛ ففيها (¬5) وجهان: أحدهما: يجب الرجوع فيها بقيمة العوض المستحق، وهو المنصوص؛ لأن هذه العقود لا تنفسخ باستحقاق أعواضها؛ فتجب (¬6) قيمة العوض، وهو قول القاضي في أكثر كتبه، وجزم به صاحب "المحرر" (¬7). والثاني: تجب (¬8) قيمة المستحق في الخلع والصلح عن الدم، بخلاف العتق؛ فإن الواجب فيه قيمة العبد؛ لأن العبد له قيمة في نفسه، فيرجع بقيمته، بخلاف البضع والدم؛ فإن القيمة لعوضهما لا لهما، وهو قول القاضي في (البيوع) من "خلافه". ويشبه قول أصحابنا فيما إذا جعل عتق أمته صداقها، وقلنا: لا ينعقد ¬

_ (¬1) في المطبوع: "باستحقاقه فيه". (¬2) في (أ) و (ج): "يختص". (¬3) في (ب): "كذا". (¬4) في المطبوع: "ويجب". (¬5) في (ج): "ففيه". (¬6) في المطبوع: "فيجب". (¬7) انظر: "المحرر" (2/ 45). (¬8) كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) بدون تنقط، وفي المطبوع: "فيجب".

به النكاح، وأبت (¬1) أن تتزوجه على ذلك: إن (¬2) عليها قيمة نفسها لا قيمة مهر مثلها. وعلى الوجه المخرج في البيع أن المغرور يرجع بقيمة العين على الغاصب ها هنا كذلك. (اليد السابعة): القابضة بمعاوضة عن المنفعة، وهي يد المستأجر؛ فقال القاضي والأكثرون: إذا ضمنت المنفعة؛ لم يرجع بها, ولو زادت أجرة المثل على الأجرة المسماة؛ ففيه ما مر من زيادة قيمة العين على الثمن، وإذا ضمنت قمة العين؛ رجعت بها على الغاصب لتغريره. وفي "تعليقة أبي البركات على الهداية": يتخرج (¬3) لأصحابنا وجهان: أحدهما: أن المستأجر لا ضمان عليه بحال؛ كقول (¬4) الجمهور. [والثاني: تضمين] (¬5) العين، وهل القرار عليه؟ لنا وجهان: أحدهما: عليه. والآخر (¬6): على الغاصب، وهو الذي ذكره القاضي في "خلافه". انتهى. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فأبت". (¬2) في المطبوع و (ج): "فإنَّ". (¬3) في المطبوع: "ويتخرج"، وفي (ب): "فيتخرج". (¬4) في المطبوع: "لقول". (¬5) في المطبوع: "يضمن"، وفي (ب): "والثاني يضمن". (¬6) في المطبوع: "والثاني".

والوجه الأول منزل على القول بأن المغرور لا يضمن شيئًا ابتداءً ولا استقرارًا، والوجه الآخر في قرار ضمان العين عليه يتنزل على الوجه المذكور في استقرار الضمان على المرتهن ونحوه بتلف العين تحت يده. (اليد الثامنة): القابضة للشركة، وهي المتصرفة في المال بما ينميه بجز من النماء؛ كالشريك والمضارب والمزارع والمساقي، ولهم الأجرة (¬1) على الغاصب؛ لعملهم له بعوض لم يسلم، فأما المضارب والمزارع بالعين المغصوبة وشريك العنان (¬2)، فقد دخلوا على أن لا ضمان عليهم بحال، فإذا ضمنوا على المشهور؛ رجعوا بما ضمنوا؛ إلا حصتهم من الربح؛ فلا يرجعون بضمانها لدخولهم على ضمانها عليهم بالعمل، كذلك (¬3) ذكره القاضي وابن عقيل في المساقي والمزارع نظيره. أما المضارب والشريك؛ فلا ينبغي أن يستقر عليهم ضمان شيء بدون القسمة، سواء قلنا: ملكوا الربح بالظهور أو لا؛ لأن حصتهم وقاية لرأس المال، وليس لهم الانفراد بالقسمة؛ فلم يتعين لهم شيء مضمون. وحكى الأصحاب في المضارب [للمضارب] (¬4) بغير إذن وجهًا آخر: إنه (¬5) لا يرجع بما ضمنه بناءً على الوجه المذكور باستقرار الضمان على من تلف المال بيده. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "جرة". (¬2) في (ج): "وشريك العنان فيها". (¬3) في المطبوع و (أ): "لذلك". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "أن".

ويتخرج وجه آخر: إنه (¬1) لا بملك المالك تضمينهم بحال لدخولهم على الأمانة، وقد ذكرنا فيما (¬2) تقدم حكم ضمان الشريك والمضارب [للمال] (¬3)، وإنما أعدناه ها هنا لذكر النماء. وأما المساقي إذا ظهر الشجر مستحقًا بعد تكملة العمل؛ فللعامل أجرة المثل لعمله على الغاصب. وأما الثمر إذا تلف؛ فله حالتان: إحداهما: أن بتلف بعد القسمة؛ فللمالك تضمين كل من الغاصب والعامل ما قبضه، وله أن يضمن الكل للغاصب، فإذا ضمنه الكل؛ رجع على العامل بما قبضه لنفسه؛ لأنه أخذ العوض؛ فهو كالمشتري من الغاصب. وفي "المغني" احتمال: لا يرجع عليه؛ لتغريره (¬4)؛ فأشبه من قال [لغيره] (¬5): كُلْ هذا؛ فإنه طعامي، ثم بان مستحقًّا. وهو قريب من الوجه السابق باستقرار ضمان المبيع على الغاصب بكل حال، وهل للمالك أن يضمن العامل جميع الثمرة؟ ذكر القاضي فيه احتمالين: أحدهما: نعم؛ لأن يده ثبتت (¬6) على الكل مشاهدة بغير حق، ثم ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إن". (¬2) في (أ): "كما". (¬3) و (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) انظر: "المغني". (¬6) في المطبوع: "ثبت".

يرجع العامل على الغاصب بما قبضه من الثمر على المشهور، وبالكل على الاحتمال المذكور. والثاني: لا؛ لأنه لم يكن قابضًا على الحقيقة، وإنما كان مراعيًا حافظًا، ويشهد لهذا ما قاله ابن حامد فيما إذا ختلف المساقي والمالك (¬1) في قدر المشروط (¬2) للعامل من الثمر، [وأقاما بينتين] (¬3) أنه تقدم بينة (¬4) العامل؛ لأنه خارج والمالك هو الداخل لاتصال الثمر بملكه، ولو اشترى ثمرة شجر شراءً فاسدًا، وخلى البائع بينه وبينه على شجره (¬5)؛ لم يضمنه بذلك لعدم ثبوت يده عليه، ذكر (¬6) بعض أصحابنا أنه محل وفاق. الحالة الثانية: أن يتلف الثمر قبل القسمة؛ إما على الشجر، أو بعد جده؛ ففي "التلخيص" في مطالبة العامل بالجميع احتمالان، وكذا لو تلف بعض الشجر وهو ملتفت إلى أن يد العامل هل تثبت على الشجر والثمر الذي عليه أم لا؟ والأظهر أن لا؛ لأن الضمان عندنا لا ينتقل في الثمر المعلق على شجرة بالتخلية؛ إلا أن يقال: يده ها هنا على الثمر حصلت تبعًا لثبوت يده على الشجر؛ فيقال: وفي (¬7) ثبوت يده على الشجر هنا (¬8) ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الملك". (¬2) في المطبوع: "الشروط". (¬3) في (أ): "وأما ما يتبين". (¬4) في المطبوع: "بينة". (¬5) في المطبوع: "شجرة". (¬6) في المطبوع: "وذكر"، وفي (أ): "وذكر ذلك". (¬7) في المطبوع و (ب): "في". (¬8) في المطبوع: "هاهنا".

تردد ذكرناه آنفًا، حتى لو تلف بعض الشجر؛ ففي تضمينه للعامل الاحتمالان (¬1)، صرح به في "التلخيص" أيضًا، ولو اشترى شجرة بثمرها؛ فهل يدخل الثمر في ضمانه (¬2) تبعًا لشجره؟ قال ابن عقيل في "فنونه": لا يدخل. [ويتخرج وجه آخر بدخوله] (¬3) تبعًا لانقطاع علق البائع عنه من السقي وغيره. وبكل حال؛ فيتوجه أن يضمن العامل الثمر التالف بعد جذاذه (¬4) واستحفاظه، بخلاف ما على الشجر. (اليد التاسعة): القابضة تملكًا لا بعوض؛ إما للعين (¬5) بمنافعها بالهبة والوقف والصدقة [والهدية] (¬6) والوصية أو للمنفعة؛ كالموصى له بالمنافع؛ فالمشهور أنها ترجع بما ضمننه بكل حال؛ لأنها دخلت على أنها غير ضامنة لشيء؛ فهي مغرورة، إلا ما حصل لها به نفع؛ ففي رجوعها بضمانه الروايتان. ويتخرج وجه آخر: أنها لا تضمن ابتداءً ما لا (¬7) يستقر [ضمانها ¬

_ (¬1) في (ج): "احتمالان". (¬2) في المطبوع: "ضمانها". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ب) و (ج) والمطبوع: "والمذهب دخوله". (¬4) في المطبوع و (أ): "جداده". (¬5) في (أ): "العين". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬7) في المطبوع و (ج): "ما لم".

عليه] (¬1). وذكر القاضي وابن عقيل رواية: أنها لا ترجع بما ضمنته بحال، وهو منزل على القول باستقرار الضمان على ص تلف (¬2) تحت يده، وإن كان أمينًا كما سبق. ثم اختلف الأصحاب في محل الروايتين في الرجوع بما انتفعت به على طرق ثلاثة: إحداهن: أن محلهما إذا لم يقل الغاصب: هذا ملكي، أو ما يدل عليه؛ فإن قال ذلك؛ فالقرار (¬3) عليه بغير خلاف لاعترافه باستقرار الضمان عليه ونفيه عن القابض، وهي طريقة "المغني" (¬4). والثانية: إن ضمن المالك القابض ابتداءً؛ ففي رجوعه على الغاصب الروايتان (¬5) مطلقًا، وإن ضمن الغاصب ابتداءً، فإن كان القابض قد أقر [له بالملكية] (¬6)؛ لم يرجع على القابض رواية واحدة، ولو قلنا: إن ما ينتفع به يستقر ضمانه عليه؛ لأنه بإقراره بالملك معترف بأن المستحق ظالم له بالتغريم؛ فلا يرجع بظلمه على غير ظالمه، وهي طريقة القاضي. ¬

_ (¬1) في (ج): "ضمانه عليها". (¬2) في (ج): "تلفت". (¬3) في المطبوع: "فالمدار". (¬4) "المغني" (5/ 154/ 3967). (¬5) في (ب): "الروايتين". (¬6) في (ب): "بالملكية له".

والثالث: الخلاف في الكل من غير تفصيل، وهي طريقة أبي الخطاب وجماعة (¬1). (اليد العاشرة): المتلفة للمال نيابةً عن الغاصب؛ كالذابح (¬2) للحيوان والطابخ له؛ فلا قرار عليها بحال، وإنما القرار على الغاصب؛ لوقوع الفعل له، فهو كالمباشر، كذا قال (¬3) القاضي وابن عقيل والأصحاب. ويتخرج وجه آخر بالقرار عليها فيما أتلفته (¬4)؛ كالمودع إذا تلف (¬5) تحت يده، وأولى؛ لمباشرتها للإتلاف. ويتخرج وجه آخر بلا ضمان عليها بحال من نص أحمد فيمن حفر لرجل في غير ملكه بئرًا فوقع فيها إنسان، فقال الحافر (¬6): ظننت أنها في ملكه؛ فلا شيء عليه. وبذلك جزم القاضي وابن عقيل في (كتاب الجنايات) (¬7)، مع اشتراك الحافر والآمر [في التسبب] (¬8) وانفراد الحافر بمباشرة السبب، وإنما ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وغيره". (¬2) في المطبوع: "كالذبح". (¬3) في المطبوع و (ب): "قاله". (¬4) في المطبوع: "تلقه". (¬5) في المطبوع: "تلفت". (¬6) في (أ): "للحافر". (¬7) في (أ): "ومع". (¬8) في (ج): "بالتسبب".

سقط عنه الضمان (¬1) لعدم علمه بالحال، وها هنا؛ أولى لاشتراكهما (¬2) في ثبوت اليد، ولو أتلفته على وجه محرم شرعًا عالمة بتحريمه؛ كالقاتلة للعبد المغصوب، والمحرقة للمال بإذن الغاصب؛ ففي "التلخيص" يستقر عليها الضمان لأنها عالمة بالتحريم (¬3)؛ فهي كالعالمة بأنه مال الغير، ورجح الحارثي دخولها في قسم المغرور؛ لأنها غير عالمة بالضمان؛ فتغرير الغاصب لها حاصل، واللَّه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ب): "الضمان عنه" بتقديم وتأخير. (¬2) في المطبوع و (ج): "لاشتراكها". (¬3) في المطبوع و (ج): "بتحريمه".

94 - القاعدة الرابعة والتسعون وقبض مال الغير من يد قابضه بحق بغير إذن مالكه

(القاعدة الرابعة والتسعون) وقبض (¬1) مال الغير من يد قابضه بحق بغير إذن مالكه. إن كان يجوز له إقباضه؛ فهو أمانة عند الثاني إن كان الأول أمينًا، وإلا؛ فلا، كان لم يكن (¬2) إقباضه جائزًا؛ فالضمان عليها. ويتخرج [فيه] (¬3) وجه آخر: ألا يضمن غير الأول، ويندرج تحت ذلك صور: - (منها): مودع المودع، فإن كان حيث يجوز الإيداع؛ فلا ضمان على واحد منهما، وإن كان (¬4) حيث لا يجوز؛ فالضمان على الأول، وفي الثاني وجهان سبق ذكرهما. - (ومنها): المستأجر من المستأجر، فإن كان حيث يجوز الإيجار (¬5) بأن كان لمن يقوم مقامه في الانتفاع؛ فلا ضمان، وإلا؛ ثبت (¬6) الضمان عليهما (¬7)، وقراره في العين على الأول. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "قبض"، وفي (ج): "لو". (¬2) في المطبوع: "يك". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج)، وفي (ب): "منه" بدلها. (¬4) في (أ): "كانت". (¬5) في (ج): "يجوز له الإيجار". (¬6) في المطبوع: "فلا يثبت". (¬7) في المطبوع و (ب): "عليها".

ويتخرج وجه آخر: أن (¬1) لا ضمان على الثاني بحال من المودع. - (ومنها): مضارب (¬2) المضارب، حيث يجوز (¬3)؛ فهو أمين، وهل الثاني مضارب للمالك والأول وكيل في العقد لا شيء له من الربح، أو هو مضارب للأول فالربح بينهما؟ على وجهين، جزم القاضي (¬4) في "المجرد" بالأول، ثم اختار الثاني فيما إذا دفعه مضاربة وقلنا: لا يجوز له ذلك، وحيث منع من دفعه مضاربة؛ فللمالك تضمين أيهما شاء، ويرجع الثاني على الأول إن لم يعلم بالحال؛ لدخوله على الأمانة. وفيه وجه آخر: لا يرجع؛ لحصول التلف تحت يده، وقد سبق أصله. ويتخرج: أن لا يضمن الثاني بحال؛ كان علم بالحال؛ فهل هو كالغاصب لا أجرة له، أو كالمضارب المتعدي أجرة المثل؟ يحتمل وجهين، قاله صاحب "التلخيص"، وحكاهما صاحب "الكافي" روايتين من غير تقييد بحالة العلم (¬5). - (ومنها): وكيل الوكيل حيث لا يجوز له التوكيل، وهو (¬6) ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أنه". (¬2) في (ج): "مضاربة". (¬3) في المطبوع و (ج): "يجوز له". (¬4) في المطبوع: "جزم به القاضي". (¬5) انظر: "الكافي" (2/ 280). (¬6) في المطبوع و (ب): "فهو".

كالمضارب في (¬1) الضمان. - (ومنها): المستعير من المستعير، فإن قلنا بجوازه؛ فكل مهما ضامن للعين دون المنفعة لدخوله على ذلك على بصيرة، وإذا تلف (¬2) عند الثاني؛ ضمنه المالك كما لو كان هو المعير له، ولم يرجع على الأول لانتفاء التغرير، وإن قلنا بالمنع، وهو المشهور؛ فللمالك مطالبة كل منهما بضمان العين والمنفعة والقرار (¬3) على الثاني لحصول التلف [في] (¬4) يده إن كان عالمًا بالحال، ومع عدم العلم يستقر عليه ضمان العين دون المنفعة؛ فإنه يستقر ضمانها على الأول لتغريره، كذا قال الأصحاب. ويتخرج وجه آخر: إنه لا يضمن الثاني إذا لم يعلم بالحال. - (ومنها): المستعير من المستأجر، قال في "التلخيص": هو أمين [في] (¬5) الصحيح؛ لقبضه من يد أمين؛ فلا يكون ضامنًا. - (ومنها): المشتري من الوكيل المخالف مخالفة يفسد بها البيع إذا تلف المبيع في يده؛ فللموكل تضمين القيمة من شاء (¬6) من الوكيل والمشتري على المشهور، ثم إن ضمن الوكيل؛ رجع على المشتري لتلفه في يده. ¬

_ (¬1) في (أ): "وفي" بزيادة واو. (¬2) في المطبوع و (ج): "فإذا تلفت". (¬3) في المطبوع: "والمدار". (¬4) في (ج): "تحت". (¬5) في المطبوع و (ب): "على". (¬6) في المطبوع: "شاء منهما من".

95 - القاعدة الخامسة والتسعون من أتلف [مال غيره] وهو يظن أنه له، أو تصرف فيه يظن لنفسه ولاية عليه، ثم تبين خطأ ظنه

(القاعدة الخامسة والتسعون) من أتلف [مال غيره] (¬1) وهو يظن أنه له، أو تصرف فيه يظن لنفسه ولاية عليه، ثم تبين (¬2) خطأ ظنه (¬3). فإن كان مستندًا إلى سبب ظاهر من غيره، ثم تبين خطأ المتسبب، أو أقره (¬4) بتعمده للجناية؛ ضمن المتسبب، وإن كان مستندًا إلى اجتهاد مجرد؛ كمن دفع مالًا تحت يده إلى من يظن أنه مالكه أو أنه يجب الدفع إليه، أو أنه يجوز ذلك، أو دفع ماله الذي يجب عليه إخراجه لحق اللَّه [تعالى] (¬5) إلى من يظنه مستحقًّا، ثم تبين الخطأ؛ ففي ضمانه قولان، وإن تبين أن المستند لا يجوز الاعتماد عليه، ولم يتبين أن الأمر بخلافه؛ فإن تعلق به حكم فنقص؛ فالضمان على المتلف، وإلا؛ فلا ضمان، ويندرج تحت هذه الجملة مسائل: ¬

_ (¬1) في (ج): "مالًا لغيره". (¬2) في المطبوع: "يتبين". (¬3) انظر حول هذه القاعدة: "المنثور" (2/ 53) للزركشي، و"الأشباه والنظائر" (ص 161) لابن نجم، و (ص 157) للسيوطي، و (1/ 162) لابن السبكي، و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 327) (¬4) كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "أو أقر". (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من (ب).

- (منها): أن يشهد شاهدان بموت زيد، فيقسم ماله بين ورثته، ثم تبين (¬1) بطلان الشهادة بقدومه حيًّا؛ فنص أحمد في "رواية الميموني": أنهما يضمنان المال، ولم يتعرض للورثة، وظاهر كلامه استقرار الضمان على الشهود (¬2) أو اختصاصهم به، وهو في الجملة موافق لقوله المشهور (¬3) عنه في تقرير الضمان على الغار كما سبق، وقال القاضي: يحتمل أن يكون أغرم الورثة، ورجعوا بذلك على الشهود لتغريرهم، ولا ضمان هنا على الحاكم! لأنه ملجأ إلى الحكم [جرحة] (¬4) الشهود. ونقل أبو النصر العجلي (¬5) عن أحمد في حاكم رجم رجلًا بشهادة أربعة بالزنا، ثم تبين أنه مجبوب: أن الضمان على الحاكم، ولعل تضمينه ها هنا لتفريطه؛ إذ المجبوب لا يخفى أمره غالبًا؛ فترك (¬6) الفحص عن حاله تفريط. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "يتبين". (¬2) في المطبوع: "المشهور". (¬3) في (ج): "موافق للمشهور". (¬4) في المطبوع و (ب) و (ج): "من جهة". (¬5) هو إسماعيل بن عبد اللَّه بن ميمون بن عبد الحمد بن أبي الرِّجال، أبو النَّصر العجلي، مروزيّ الأصل، قال ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 105): "سمع. . . وإمامنا ونقل عنه مسائل كثيرة"، مات سنة سبعين ومئتين وعمره أربعًا وثمانين سنة. ترجمته في: "طقبات الحنابلة" (1/ 105)، و"المنهج الأحمد" (1/ 238، 376)، و"المقصد الأرشد" (1/ 263 - 264). (¬6) في المطبوع و (ب): "فتركه".

- (ومنها): لو حكم الحاكم بمال، ثم رجع الشهود وصرحوا بالخطأ أو التعمد بشهادة (¬1) الزور؛ فإن الضمان يختص بهم لاعترافهم، ولا ينقض (¬2) حكم الحاكم بمجرد ذلك، ولا يرجع على المحكوم له بشيء، كما لو باع عينًا أو وهبها (¬3) أوأقر بها لرجل ثم أقر بها بعد [ذلك] (¬4) لآخر؛ فإنه لا يقبل إقراره على الأول، ويضمن الثاني. - (ومنها): أن يحكم الحاكم بمال ويستوفي، ثم تبين (¬5) أن الشهود فساق أو كفار؛ فإن حكمه في الباطن غير نافذ بالاتفاق، نقله [عنه] (¬6) أبو الخطاب في "انتصاره"، وأما في الظاهر؛ فهو نافذ، وهل يجب نقضه؟ المذهب وجوبه، وهو قول الخرقي (¬7)؛ لتبين (¬8) انتفاء شرط الحكم، فلم يصادف محلًّا، ثم يجب ضمان المال على المحكوم له [به] (¬9) لإتلافه له مباشرة. قال القاضي: ولو كان المحكوم له معسرًا، فللمستحق مطالبة الإِمام، وقرار (¬10) الضمان على المحكوم له ولا شيء على المزكين بحال، ¬

_ (¬1) في (ج): "لشهادة". (¬2) في المطبوع و (ب): "ولا ينتقض". (¬3) في (أ): "ووهبها". (¬4) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ب) و (ج). (¬5) في المطبوع و (ب): "يتبين". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬7) في المطبوع و (ج): "قول الخرقي والقاضي". وانظره مع: "المغني" (10/ 103 - 104/ 8239). (¬8) في المطبوع: "كتبين". (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬10) في المطبوع: "بقرار"، وفي (ج): "فقرار".

ولو حكم لآدمي بإتلاف نفس أو طرف؛ فطريقان: أحدهما: هو كالمال؛ لأن المستوفي هو المحكوم له، والإمام ممكن لا غير، وهي طريقة "المحرر" (¬1). والثاني: يضمنه الحاكم، صرح به القاضي في "المجرد"، وهو وفق إطلاق الأكثرين؛ لأن المحكوم له لم يقبض شيئًا؛ فنسب الفعل (¬2) إلى خطأ الامام، كما لو كان المستوفى حقًّا للَّه عز وجل (¬3)؛ فإن ضمانه على الإمام. وحكى القاضي وغيره رواية أخرى: أنه لا ينقض الحكم إذا بأن الشهود فساقًا، ويضمن الشهود؛ كما لو رجعوا عن الشهادة، وهذا ضعيف جدًّا، ولا أصل لذلك في كلام أحمد، وإنما أخذوه من "رواية الميموني" في المسألة الأولى، وتلك لا فسق فيها؛ لجواز غفلة (¬4) الشهود، وإنما ضمنوا لتبين بطلان شهادتهم بالعيان؛ فهو أعظم من الرجوع، ولا يمكن بقاء (¬5) الحكم بعد تبين فساد المحكوم به عيانًا، ولا يصح إلحاق الفسق في الضمان بالرجوع؛ لأن الراجعين اعترفوا ببطلان شهادتهم وتسببهم إلى انتزاع مال المعصوم، وقولهم غير مقبول على نقض الحكم؛ فتعين تغريمهم، وليس ها هنا اعتراف ينبني (¬6) عليه التغريم؛ فلا وجه له؛ ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (2/ 347). (¬2) في (ج): "الحكم". (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "حقًّا للَّه تعالى عز وجل". (¬4) في المطبوع: "عقله"! (¬5) في (ج): "إبقاء". (¬6) في المطبوع و (ج): "يبنى".

فالصواب الجزم بأنه لا ضمان على أحد على القول بأن الحكم لا ينقض؛ كما جزم به في "المحرر" (¬1). - (ومنها): إذا وصى إلى (¬2) رجل بتفريق ثلثه ففعل، ثم تبين (¬3) أن عليه دينًا مستغرقًا للتركة؛ ففي ضمانه روايتان، ولكن هنا لم يتصرف في ملك الغرماء، بل فيما تعلق به حقهم، [ولكنه تعلق قوي] (¬4)، لا سيما إن قلنا: لم ينتقل إلى الورثة، ولهذا قال أحمد في "رواية ابن منصور": التركة (¬5) هي للغرماء لا للورثة، ولهذا لا يملك الورثة التصرف فيها إلا بشرط الضمان. وخرج الشيح تقي الدين على هذا الخلاف كل من تصرف بولاية في مال، ثم تبين أنه مستحق (¬6). - (ومنها): لو وصى لشخص بشيء، فلم يعرف الموصى له؛ صرفه الوصي أو الحاكم فيما يراه من أبواب البر، فإن جاء الموصى له وأثبت ذلك؛ فهل يضمن المفرق ما فرقه؟ على روايتين، قال ابن أبي موسى: أظهرهما لا ضمان عليه، وقال أبو بكر في "الشَّافي": إنْ فعله الوصي بإذن الحاكم؛ لم يضمن، وإن ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (2/ 343). (¬2) في (ب): "إذا أوصى إلى"، وفي (ج): "إذا وصى لـ". (¬3) في المطبوع: "يتبين". (¬4) في (ب): "ولكنه تعلق قولي"، وفي (ج): "ولكن تعلّقه قوي". (¬5) في المطبوع و (ج): "في التركة". (¬6) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 194) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه.

[كان] (¬1) بدون إذنه؛ ضمن. - (ومنها): لو اشترى الورثة عبدًا من التركة وأعتقوه تنفيذًا لوصية مورثهم بذلك، ثم ظهر دين مستغرق؛ فإنهم يضمنون للغرماء، ذكره القاضي وابن عقيل. ويتخرج فيه وجه آخر بانتفاء الضمان من مسألة الوصي. - (ومنها): لو اشترى المضارب من يعتق على رب المال (¬2)؛ صح، وعتق عليه، وهل يضمن (¬3) العامل؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يضمن بكل حال، سواء كان عالمًا بالحال أو جاهلًا، قاله القاضي في "المجرد" وأبو الخطاب (¬4). والثاني: إن كان جاهلًا؛ لم يضمن، وإن كان عالمًا؛ ضمن، كما لو عامل فاسقًا أو مماطلًا، أو سافر سفرًا مخوفًا، أو دفع الوصي وأمين (¬5) الحاكم مال اليتيم مضاربة إلى من ظاهره العدالة، فبان بخلافه؛ فإنه لا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فعله". (¬2) في المطبوع و (ج): "على رب المال بغير إذنه". (¬3) في المطبوع: "يضمنه". (¬4) قال في "كتاب الهداية" (1/ 175): "وفي قدره روايتان: إحداهما: يلزمه الئمن الذي اشتراه به. والثانية: القيمة". ونقل عن أبي بكر قوله الآتي من "التنبيه". (¬5) في المطبوع: "أو أمين".

ضمان في ذلك كله إلا مع العلم، وهو قول أبي بكر في "التنبيه" والقاضي في "خلافه". والثالث: لا ضمان بكل حال، حكاه أبو بكر، وعلى (¬1) الضمان؛ فهل (¬2) يضمنه بالثمن المشتري أو بقيمة المثل ويكون شريكًا في الربح الزائد؟ على قولين (¬3) ذكرهما أبو بكر. - (ومنها): إذا دفع القصار ثوب رجل إلى غيره خطأ، فتصرف فيه المدفوع إليه بقطع أو لبس يظنه ثوبه؛ فنقل حنبل عن أحمد في قصار أبدل الثوب فأخذه صاحبه فقطعه وهو لا يعلم: أنه ثوبه، قال على القصار إذا أبدل قيل له: فإن كان مالًا فأنفقه؟ قال: [ليس هذا] (¬4) مثل المال على الذي أنفقه؛ لأنه مال تلف؛ ففرق بين المال إذا أنفق وتلف وبين الثوب إذا قطع؛ لأن العين هنا موجودة فيمن الرجوع فيها ويضمن نقصها القصار بجنايته (¬5) خطأ. وظاهر كلامه [أنه لا يضمن] (¬6) القاطع؛ لأنه مغرور، ولم (¬7) يدخل ¬

_ (¬1) في المطبوع: "على". (¬2) في المطبوع: "هل". (¬3) في المطبوع: "وجهين". (¬4) في (ج): "هذا ليس" يتقديم وتأخير. (¬5) في المطبوع و (ج): "لجنايته". (¬6) في المطبوع: "أن لا شيء على". (¬7) في (ب): "لم".

على الضمان، أما إن دفع إليه دراهم غيره يظنه صاحبها، فأنفقها؛ فالضمان على المنفق؛ وإن كان مغرورًا لتلف المال تحت يده بانتفاعه به، وذلك مقرر للضمان مع [التعزير في] (¬1) إحدى الروايتين. ونقل محمد بن الحكم عن أحمد في هذه المسألة أنه ذكر له قول مالك: لا يغرم الذي لبسه ويغرم الغسال لصاحب الثوب. فقال: لا يعجبني ما قال، ولكن إذا هو لم يعلم، فلبسه؛ فإن عليه ما نقص ليس على القصار شيء، فأوجب هنا الضمان (¬2) على اللابس لاستيفائه المنفعة دون الدافع؛ لأنه (¬3) لم يتعمد الجناية، فكأن إحالة الضمان على المستوفي للنفع أولًا. وهذه الرواية توافق ما قبلها في تقرير الضمان على المنتفع، لا سيما والدافع هنا معذور (¬4)، وإنما ضمن القصار القطع؛ لأنه تلف لم يحدث من انتفاع القابض؛ فكان ضمانه على الدافع لنسبته إليه. فالروايتان إذًا متفقتان، ومن الأصحاب من جعلهما مختلفتين في أن الضمان هل هو على القصار أو [على] (¬5) المدفوع إليه، ثم منهم من حمل رواية ضمان القصار على أنه كان أجيرًا مشتركًا فيضمن جناية يده ورواية عدم ضمانه على أنه كان أجيرًا خاصًّا؛ فلا يضمن جنايته ما لم يتعمدها، ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "اليد على". (¬2) في (ج): "الضمان هنا". (¬3) في المطبوع: "الدافع بأنه"، وفي (ب): "الدفع لأنه". (¬4) في (ج): "مغرور". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

وأشار القاضي في "المجرد" إلى ذلك (¬1). - (ومنها): لو دفع الملتقط اللقطة إلى واصفها، ثم أقام غيره البينة أنها له، فإن كان الدفع بحكم حاكم؛ فلا ضمان على الدافع، وإن كان بدونه؛ فوجهان: أحدهما: لا ضمان لوجوب الدفع (¬2) عليه؛ فلا ينسب إلى تفريط. والثاني: عليه الضمان، وهو قول القاضي، ثم يرجع به على الواصف؛ إلا أن يكون قد أقر له بالملك. أما لو دفع الوديعة إلى من يظنه صاحبها، ثم تبين الخطأ؛ فقال الأصحاب: يضمن لتفريطه. ويتخرج فيه وجه آخر: أن الضمان على المتلف وحده، وهو ظاهر ما نقله حنبل عن أحمد في مسألة القصار، ولو قتل من يظنه قاتل أبيه لاشتباهه به في الصورة؛ قتل به لتفريطه في اجتهاده، ذكره ابن عقيل في "مفرداته". ويتخرج (3) [فيه وجه آخر] (¬3): أن لا قود، وأنه يضمن بالدية، كما لو قطع يسار قاطع يمينه ظانًّا أنها اليمين؛ فإنه لا قود، وسواء كان الجاني عاقلًا أو مجنونًا، وفي وجوب الدية [له] (¬4) وجهان. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "إلى ذلك في المجرد" بتقديم وتأخير. (¬2) في المطبوع: "الدافع"! (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

- (ومنها): لو مضى على المفقود (¬1) من تجوز فيه قسمة ماله، فقسم، ثم قدم؛ فذكر القاضي أن أبا يكر حكى في ضمان ما تلف في أيدي الورثة منه روايتين، والمنصوص عن أحمد في "رواية الميموني" و"ابن منصور" [وأبي داود] (¬2): عدم الضمان، وهو الذي ذكره أبو بكر في "التنبيه"، ووجهه أنه جاز اقتسام المال في الظاهر والتصرف فيه، ولهذا يباح لزوجته أن تتزوج، وإذا قدم خير بينها وبين المهر؛ فجعل التصرف فيما يملكه من مال وبضع موقوفًا على تنفيذه وإجازته ما دام موجودًا، فإذا تلف؛ [فقد] (¬3) مضى الحكم فيه ونفذ، فإن إجازته ورده إنما يتعلق بالموجود لا بالمفقود، وقد نص أحمد في "رواية أبي طالب" على أنه إذا قدم بعد أن تزوجت زوجته وماتت؛ فلا خيار له ولا يرثها، ويشبه ذلك اللقطة إذا قدم المالك بعد الحول والتملك وقد تلفت؛ فالمشهور أنه يجب ضمانها للمالك، وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى: أنه لا يجب الضمان مع ¬

_ (¬1) عرفه في "رواية صالح" (3/ 192/ 1632) بقوله: "المفقود إذا ركب البحر، وإذا لقي العدو، وإذا خرج للصلاة، فأما إذا كان بالبصرة ثم خرج إلى سواها؛ فلا". وقال صالح أيضًا (1/ 201/ رقم 126 - 127): "قال: والمفقود أن يفقد الرجل في الحرب، أو يكسر به في البحر، أو يكون نائمًا على فراشه فلا يرى، ونحو ذلك. قلت: فالرجل يغيب عن أهله ولا يدرى مكانه؟ قال: ليس هذا بمفقود". وانظر: "مسائل عبد اللَّه" (345/ 1273)، و"مسائل ابن هانئ" (1/ 216/ 1052). (¬2) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط، والمذكور في "مسائل أبي داود" (ص 178). (¬3) في (ج): "وقد".

التلف، وإنما يجب الرد مع بقاء العين. - (ومنها): لو قبضت المطلقةُ البائن النفقةَ يظن أنها حامل، [ثم بانت حائلًا] (¬1)؛ ففي الرجوع عليها روايتان. - (ومنها): لو غاب الزوج، فأنفقت الزوجة من ماله، ثم تبين موته؛ فهل يرجع عليها [بما أنفقته بعد موته] (¬2)؟. على روايتين. - (ومنها): لو دفع زكاة ماله (¬3) أو كفارته إلى من بظنه فقيرًا، فبان أنه غني؛ ففي وجوب الضمان عليه روايتان، أصحهما أن لا ضمان، وكذلك لو كان العامل هو الدافع، قاله القاضي في "الأحكام السلطانية" (¬4)، وقال في "المجرد": لا يضمن الإمام بغير خلاف؛ لأنه أمين، ولم يفرط لأن هذا لم يمكن الاحتراز منه، وإن بأن عبدًا أو كافرًا أو هاشميًّا؛ فقيل: هو على الخلاف، وبه جزم ابن عقيل في "الفنون" (¬5)، وكذلك ذكر القاضي في آخر "الجامع الصغير"؛ إلا أنه خرج الخلاف في الضمان هنا على القول بعدمه في الغنى (¬6)، وقيل: لا يجزئه رواية واحدة؛ لظهور التفريط في الاجتهاد، فإن هذه الأوصاف لا تخفى بخلاف الغنى، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ثم بانت حاملًا"، وفي (ج): "فبانت حائلًا". (¬2) في المطبوع: "بما أنفقته بعد الموت"، وفي (ب): "بالنفقة بعد موته". (¬3) في المطبوع و"ج": "زكاته". (¬4) انظر: "الأحكام السلطانية" (ص 135). (¬5) في المطبوع: "فنونه". (¬6) في المطبوع: "المغني"!!

وإن بان أنه بسبب نفسه؛ فطريقان: أحدهما: لا يجزئ (¬1) قولًا واحدًا. [والثاني: هو كما لو بان] (¬2) غنيًّا. والمنصوص ها هنا الإجزاء؛ لأن المانع خشية المحاباة؛ وهو منتف مع عدم العلم. قال الشيخ تقي الدين: وعلى قياس ذلك مال الفيء والخمس والأموال الموصى بها والموقوفة إذا ظن المتصرف فيها أن الآخذ مستحق فأخطأ. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "يجزئه". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "كما لو بأن أنه عند نفسه، والثاني هو لو بان"، وفي (ج) "كما لو بان عند نفسه، والثاني هو كما لو بان"، ومن (ب) سقطت "كما".

96 - القاعدة السادسة والتسعون من وجب عليه أداء عين مال، فأداه عنه غيره بغير إذنه؛ هل تقع موقعه وبنتفي الضمان عن المؤدي؟

(القاعدة السادسة والتسعون) من وجب عليه أداء عين مال، فأداه عنه غيره بغير إذنه؛ هل تقع موقعه وبنتفي الضمان عن المؤدي؟ هذا على قسمين: أحدهما: أن تكون العين ملكًا لمن وجب عليه الأداء، وقد تعلق بها حق [الغير] (¬1)، فإن كان المتصرف له ولاية التصرف؛ وقع الموقع ولا ضمان، ولو كان الواجب دينًا؛ وإن لم يكن له ولاية؛ فإن كانت العين متميزة بنفسها؛ فلا ضمان، ويجزئ (¬2)، وإن لم تكن متميزة من بقية ماله؛ ضمن ولم يجزئ، إلا أن يجيز المالك التصرف، ويقول (¬3) بوقف عقود الفضولي على الإجازة، ويتفرع على هذا مسائل: - (منها): لو امتنع من وفاء دينه وله مال، فباع الحاكم ماله ووفاه عنه؛ صح، وبرئ منه ولا ضمان. - (ومنها): لو امتنع من أداء الزكاة، فأخذها الإمام منه قهرًا؛ فإنها (¬4) ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع: "للغير". (¬2) في (ج): "وتجزئ". (¬3) في (ب): "ويقول"، وفي المطبوع: "فنقول". (¬4) في المطبوع و (ج): "فإنه".

تجزئ عنه ظاهرًا وباطنًا في أصح الوجهين، وهو ظاهر كلام [الإمام] (¬1) أحمد والخرقي (¬2)؛ لأن للإمام ولاية على الممتنع، وهذا حق تدخله النيابة، فوقع موقعه. - (ومنها): لو تعذر استئذان من وجبت عليه الزكاة لغيبة (¬3) أو حبس، فأخذ الساعي الزكاة من ماله؛ سقطت عنه. - (ومنها): ولي الصبي والمجنون يخرج عنهما الزكاة، ويجزئ؛ كما يؤدي عنهما سائر الواجبات المالية من النفقات والغرامات (¬4). - (ومنها): إذا عين أضحية، فذبحها غيره [عنه] (¬5) بغير إذنه؛ أجزأت عن صاحبها، ولم يضمن الذابح شيئًا، نص عليه؛ لأنها متعينة للذبح ما لم يبدلها، وإراقة دمها واجب؛ فالذابح قد عجل الواجب، فوقع موقعه. ولا فرق عند الأكثرين بين أن تكون معينة ابتداءً، أو عن واجب في الذمة. وفرق صاحب "التلخيص" [بين ما وجب في الذمة وغيره] (¬6) وقال: المعينة [عن واجب] (¬7) في الذمة يشترط لها نية المالك (¬8) عند الذبح؛ فلا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ج). (¬2) كما في "مختصره" (2/ 265/ 1761 - مع "المغني"). (¬3) في (ج): "لغيبته". (¬4) انظر مسألة الزكاة في مال الصبي في "الفنون" (1/ 399/ 362) لابن عقيل. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عنها". (¬8) في المطبوع بعد قوله "نية المالك": "غيره بغير إذنه، فقال".

يجزئ ذبح غيره لها بغير إذنه؛ فيضمن. - (ومنها): لو أحرم وفي يده المشاهدة صيد، فأطلقه [غيره بغير إذنه؛ فقال] (¬1) القاضي والأكثرون: لا يضمن؛ لأنه فعل الواجب عليه، كما لو أدى عنه دينه في هذه (¬2) الحال. وفي "المبهج" للشيرازي: أنه يضمن (¬3)؛ لأن ملكه لم يزل عنه، وإرسال [الصيد] (¬4) إتلاف يوجب الضمان؛ فهو كقتله، اللهم إلا أن يكون المرسل حاكمًا أو ولي صبي؛ فلا ضمان للولاية، وهذا كله بناءً على قولنا: يجب عليه إرساله وإلحاقه بالوحش، وهو المنصوص. أما إن قلنا: يجوز له نقل يده إلى غيره بإعارة أو إيداع -كما قاله القاضي في "المجرد" وابن عقيل في (باب العارية) -؛ فالضمان واجب بغير إشكال. - (ومنها): لو نذر الصدقة بمال معين، فتصدق [به] (¬5) عنه غيره؛ ففيه وجهان: أحدهما: لا ضمان عليه؛ كالأضحية، وهو اختيار أبي الخطاب في "الانتصار" (¬6)، سواء قيل بزوال ملكه أو امتناع الإبدال، كما (¬7) اختاره، أو ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع و (ب): "هذا". (¬3) في المطبوع: "أنه لا يضمن"، والصواب حذف "لا". (¬4) في المطبوع: "الغير". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) في المطبوع و (ج): "انتصاره". (¬7) في المطبوع: "كما لو".

ببقاء الملك وجواز الإبدال؛ إذ لا فرق بين الدراهم المنذورة وبين الأضحية في ذلك. والثاني (¬1): الضمان، وهو قول القاضي وابن عقيل. ويشكل الفرق بينه وبين الأضحية [لا سيما والنقود (¬2) لا تتعين بالتعيين في العقود على إحدى الروايتين، بخلاف الحيوان، وقد يقال في الفرق: إن الأضحية إنما يجوز إبدالها بخير منها، والنقود متساوية غالبًا؛ فلا معنى لإبدالها] (¬3). وقد أشار القاضي إلى الفرق بأن النذر يحتاج إخراجها (¬4) إلى نية كالزكاة، وهذا (¬5) ممنوع، بل نقول في نذر الصدقة بالمعين ما نقول في الأضحية المعينة. وأما إذا أدى غيره زكاته الواجبة من ماله أو نذره الواجب في الذمة أو كفارته من ماله بغير إذنه، حيث لا ولاية له عليه؛ فإنه يضمن في المشهور؛ لأنه لا يسقط به فرض المالك لفوات النية المعتبرة منه وممن يقوم مقامه، وخرج الأصحاب نفوذه بالإجازة من نفوذ تصرف الفضولي بها، وهذا الذي ذكرناه في العبادات؛ كالزكاة والأضحية والنذر إنما هو إذا نواه المخرج عن المالك، فأما [إن] (¬6) نوى عن نفسه، وكان عالمًا بالحال، فهو غاصب ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الثاني". (¬2) في المطبوع: "والمنقول". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬4) في (ب): "إخراجه يحتاج" بتقديم وتأخير. (¬5) في (ج): "وهو". (¬6) في (ج): "إذا".

محض؛ فلا يصح تصرفه لنفسه بأداء الزكاة ولا بذبح الأضحية والهدي ولا غيرهما؛ لأنه وقع من أصله تعديًا، وذلك ينافي التقرب. وخرج بعض الأصحاب وجهًا [بوقفه على الإجازة من القول بوقف تصرف الغاصب، وربما] (¬1) ذكره بعضهم رواية في الزكاة، وخرجه ابن أبي موسى وجهًا في العتق، لكن إذا التزم ضمانه في ماله، وهذا شبيه بتصرف الفضولي، وهل يجزئ عن المالك في هذه الحال أم لا؟ حكى القاضي [والأكثرون] (¬2) في الأضحية روايتين، والصواب أن الروايتين تتنزل على اختلاف حالين (¬3) لا على اختلاف قولين؛ فإن نوى الذابح الذبح (¬4) عن نفسه مع علمه بأنها أضحية الغير؛ لم يجزئ لغصبه واستيلائه على مال الغير وإتلافه له عدوانًا، وإن كان يظن الذابح أنها أضحيته (¬5) لاشتباهها عليه؛ أجزأت عن المالك. وقد نص أحمد على الصورتين في "رواية ابن القاسم" و"سندي" مفرقًا بينهما مصرحًا بالتعليل المذكور، وكذلك الخلال فرق بينهما وعقد لهما بابين منفردين؛ فلا تصح (¬6) التسوية بعد ذلك، ومتى قيل بعدم الإجزاء؛ فعلى الذابح الضمان، لكن هل يضمن أرش الذبح أو كمال ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "حالتين". (¬4) في المطبوع و (ب) و (ج): "بالذبح". (¬5) في المطبوع: "أضحية". (¬6) في المطبوع: "يصح".

القيمة؟ أما على رواية تحريم ذبيحة الغاصب؛ فضمان القيمة متعين، و [أما] (¬1) على القول بالحل، وهو المشهور؛ فقد يقال: إن كانت معينة عن واجب في الذمة؛ فحكم هذا الذبح حكم عطبها، وإذا عطبت؛ فهل ترجع إلى ملكه؟ على روايتين، فإن قيل برجوعها إلى ملكه؛ فعلى الذابح أرش نقص الذبح خاصة، كان قيل: لا يرجع إلى ملكه؛ فالذبح حينئذ بمنزلة إتلافها بالكلية؛ فيضمن الجميع، ويشتري المالك بالقيمة ما بذبحه عن الواجب عليه، [ويتصدق بالكل] (¬2)، كان كانت معينة ابتداءً أو تطوعًا؛ فقد فوت على المالك التقرب بها وكونها أضحية أو هديًا، لكن على وجه لا يلزمه بدلها؛ فيحتمل أن يتصدق بلحمها، كالعاطب دون محله، ويأخذ أرش الذبح من الذابح ويتصدق به، ويحتمل أن يضمنه قيمتها، وهو أظهر؛ لأنه فوت عليه التقرب بها على وجه لا يعود إليه منبها شيء؛ فهو كإتلافها. وأما إذا فرق الأجنبي اللحم؛ فقال الأصحاب: لا يجزئ؛ لأن أحمد قال في رواية ابن منصور فيما إذا ذبح كل واحد أضحية الآخر: يعتقد (¬3) أنها أضحيته أنهما يترادان اللحم. قالوا: وإن تلف؛ فعليه ضمان قيمته. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب) و (ج): "ويصرف لكل مصرف الأضحية". (¬3) في (ب): "معتقدًا".

وأبدى ابن عقيل في "فنونه" احتمالًا بالإجزاء؛ لأن التفرقة ليست واجبة على المالك، بدليل ما لو ذبحها فسرقت، ويشهد له قول أحمد في "رواية المروذي" وغيره في رجل اشترى لقوم نسكًا، فاشترى لكل واحد شاة، [ثم] (¬1) لم يعرف (¬2) هذه من هذه؛ قال: يتراضيان ويتحالان، ولا بأس أن يأخذ كل واحد شاة بعد التحليل؛ فدل على أن التفريق إذا وقع عن (¬3) غير قصد ولا تعمد إنه يجزئ، ولولا ذلك؛ لم تجز التضحية بهذه الأضحية المشتبهة، وقد يكون عن واجب في الذمة، ويحمل قوله "يترادان (¬4) اللحم" مع بقائه. القسم الئاني: أن يكون الواجب أداؤه غير مملوك له؛ فاداه الغير إلى مستحقه، فإن كان مستحقه معينًا؛ فإنه يجزئ ولا ضمان، وإن لم يكن معينًا؛ ففي الاجزاء خلاف، ويندرج تحت ذلك مسائل: - (منها): الغصوب (¬5) والودائع إذا أداها أجنبي إلى (¬6) المالك؛ أجزأت ولا ضمان. - (ومنها): إذا اصطاد المحرم صيدًا في إحرامه، فأرسله غيره من يده؛ فلا ضمان. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في (ج): "تعرف". (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "من". (¬4) في (ج): "ويترادان". (¬5) في المطبوع و (ب) و (ج): "المغصوب". (¬6) في (ب): "إلى أجنبي".

- (ومنها): إذا دفع أجنبي عينًا موصى بها إلى مستحق معين؛ لم يضمن، ووقعت موقعها، وكذا لو كانت الوصية بمال غير معين، بل مقدر، وإن كانت لغير معين؛ ففي الضمان وجهان، ونص أحمد في رواية حنبل فيمن بيده وديعة وص بها لمعين (¬1) أن المودع يدفعها إلى الموصى له والورثة. قيل له: فإن دفعها إلى الموصى له يضمن؟ قال: أخاف. قيل له: فيعطيه القاضي؟ قال: لا، ولكن يدفعه إليهم. ونص في "رواية مُهنَّأ" على ضمانه بالدفع إلى الموصى [له] (¬2)، وهذا محمول على [أن الوصية لم تثبت] (¬3) ظاهرًا، وصرح الأصحاب بأنه لو كان عليه دين ووصى (¬4) به صاحبه لمعين؛ كان مخيرًا بين (¬5) دفعه إلى الورثة والموصى له؛ لأنه صار حقًّا له (¬6)؛ فهو كالوارث المعين، وعلى هذا يتخرج دفع مال الوقف إلى مستحقه المعين مع وجود الناظر فيه. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "المعين". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "أنه لم تثبت الوصية". (¬4) في المطبوع: "فوصى". (¬5) في المطبوع: "في". (¬6) في (ج): "صار حقٌّ".

97 - القاعدة السابعة والتسعون من بيده مال أو في ذمته دين يعرف مالكه، ولكنه غائب يرجى قدومه

(القاعدة السابعة والتسعون) من بيده مال أو في ذمته دين يعرف مالكه، ولكنه غائب يرجى قدومه. فليس له التصرف فيه بدون إذن الحاكم؛ إلا أن يكون [يسيرًا] (¬1) تافهًا؛ فله الصدقة به عنه، نص عليه في مواضع، وإن كان قد آيس من قدومه بأن (¬2) مضت مدة يجوز فيها أن تزوج امرأته ويقسم ماله وليس له وارث؛ فهل يجوز التصرف في ماله بدون إذن الحاكم؟ [قد يتخرج على وجهين، أصلهما الروايتان في امرأة المفقود: هل تتزوج بدون [إذن] (¬3) الحاكم] (¬4) أم لا؟ [والمنصوص] (¬5) في رواية صالح (¬6) جواز التصدق به، ولم [يعتبر ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (ج): "فإن". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) انظر: "مسائل صالح" (1/ 201، 355 - 356/ 124، 125، 322، 3/ 120، 121/ 1472، 1473)، و"مسائل عبد اللَّه" (345/ 1273)، و"الفروع" (5/ 35)، و"المبدع" (8/ 127 - 128، 131 - 132)، و"الإنصاف" (7/ 235 - 236 =

حاكمًا] (¬1)، وإن لم يعرف مالكه، بل جهل جاز التصدق به عنه بشرط (¬2) الضمان بدون إذن حاكم (¬3) قولًا واحدًا على أصح الطريقين. وعلى الثانية فيه روايتان، وهي طريقة القاضي في "كتاب الروايتين" (¬4)، وفي موضع من "المجرد" وجزم في موضع آخر منه بتوقف التصرف على إذن الحاكم، والأولى أصح. ويتخرج على هذه القاعدة مسائل: - (منها): اللقطة التي لا تملك إذا أجزنا (¬5) الصدقة بها أو التي يخشى فسادها إذا أراد التصدق بها؛ فالمنصوص جواز الصدقة بها من غير حاكم (¬6). وذكر أبو الخطاب [رواية أخرى] (¬7): أنه إن كان يسيرًا باعه وتصدق به، وإن كان كثيرًا (¬8) رفعه إلى السلطان. وقال: نقلها مهنا، ورواية مُهَنَّأ إنما ¬

_ = و 9/ 188)، و"كشاف القناع" (5/ 487 - 489)، و"شرح منتهى الإرادات" (3/ 222). (¬1) في المطبوع: "يعين حاكمًا"، وفي (ج): "يعتبر الحاكم". (¬2) في المطبوع و (ب): "لشرط". (¬3) في المطبوع: "الحاكم". (¬4) انظر: "كتاب المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 224) للقاضي أبي يعلى. (¬5) في المطبوع: "أخرنا". (¬6) في (ج): "من غير إذن حاكم". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬8) في (ب): "كبيرًا".

هي فيمن باع من رجل شيئًا ثم مات المشتري قبل قبضه، وخشي البائع فساده، وهذا مما له ملك معروف، ويمكن الاطلاع على معرفة ورثته؛ فليست المسألة نبه على ذلك الشيخ مجد الدين [رحمه اللَّه] (¬1). - (ومنها): اللقيط إذا وجد معه مال؛ فإنه ينفق عليه منه بدون إذن حاكم ذكره ابن حامد، قال (¬2) أبو الخطاب (¬3): وروى عنه أبو الحارث ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذن الحاكم (¬4)، قال الشيخ مجد الدين: وهذه الرواية إنما هي في المودع أنه لا ينفق على زوجة المستودع وأهله في غيبته إلا بإذن الحاكم، وليس هذا نظير مسألتنا؛ لأن الولاية هنا على معروف؛ فنظيره من وجد طفلًا معروف النسب وأبوه (¬5) غائب (¬6). - (ومنها): الرهون التي لا يعرف (¬7) أهلها، نص أحمد على جواز الصدقة بها في "رواية أبي طالب" وأبي الحارث وغيرهما، وتأوله القاضي في "المجرد" وابن عقيل على أنه تعذر إذن الحاكم؛ لما روى عنه أبو طالب أيضًا إذا كان عنده رهن وصاحبه غاثب وخاف فساده؛ يأتي السلطان ليأمر ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زبادة من المطبوع. (¬2) في (د): "وقال". (¬3) في كتابه "الهداية" (1/ 205). (¬4) في المطبوع: "حاكم". (¬5) في المطبوع: "أبوه" من غير واو. (¬6) قال في "المحرر" (1/ 373) عن اللقيط: "وما وجد معه من نقد وعرض فوقه، أو تحته، أو مشدودًا إليه، أو بقربه، أو مدفونًا عده دفنًا طريًّا؛ فهو له، ولحاضنه أن ينفق عليه منه بدون إذن الحاكم. . . ". (¬7) في المطبوع: "لا تعرف"، وفي (أ) بدون تنقيط.

ببيعه، ولا يبيعه بغير إذن السلطان. وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين وغيره، وأقروا النصوص على وجوهها؛ فإن كان المالك معروفًا، لكنه غائب؛ رفع أمره إلى السلطان، وإن [كان مجهولًا] (¬1)؛ جاز التصرف فيه بدون حاكم، كان علم صاحبه لكنه أيس منه؛ تصدق به عنه، نص عليه في "رواية أبي الحارث". - (ومنها): الودائع التي جهل مُلَّاكُها (¬2)؛ يجوز التصدق (¬3) بها بدون حاكم، نص عليه، وكذلك إن فقد ولم يطلع على خبره وليس له ورثة؛ تصدَّق (¬4) به، نص عليه، ولم يعتبر حاكمًا، قال القاضي في "المجرد": فيحتمل أن يحمل على إطلاقه؛ لأنه من فعل المعروف، ويحتمل أن يحمل عند تعذر إذن الحاكم؛ لأن هذا المال مصرفه إلى بيت المال، وتفرقة مال بيت المال موكول (¬5) إلى اجتهاد الإمام. انتهى. والصحيح الإطلاق، وبيت المال ليس بوارث على المذهب المشهور، وإنما يحفظ فيه المال الضائع، فإذا أيس من وجود صاحبه؛ فلا معنى للحفظ، ومقصود الصرف في مصلحة المالك تحصل بالصدقة به عنه، وهو أولى من الصرف إلى بيت المال؛ لأنه ربما صرف عند (¬6) فساد بيت المال إلى غير مصرفه. ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "جهل". (¬2) في المطبوع و (ج): "مالكها". (¬3) في المطبوع: "التصرف". (¬4) في (ج): "وليس له وارث تصدق به"، وفي المطبوع: "يتصدق به". (¬5) في المطبوع و (ب): "موكولة". (¬6) في المطبوع: "عن".

وأيضًا؛ فالفقراء مستحقون من مال بيت المال، فإذا وصل إليهم (¬1) هذا المال على غير يد الامام؛ فقد حصل المقصود، [ولهذا قلنا على أحد الوجهين: إذا فرق الأجنبي الوصية، وكانت لغير معين كالفقراء؛ فإنها تقع الموقع، ولا يضمن كما لو كانت الوصية لمعين] (¬2). وعلى هذا الأصل يتخرج جواز أخذ الفقير (¬3) الصدقة من يد من ماله حرام؛ كقطاع الطريق، وأفتى القاضي بجوازه، ونص أحمد في "رواية صالح" فيمن كانت عنده وديعة (¬4)، فوكل في دفعها، ثم مات، وجهل ربها، وأيس من الاطلاع عليه يتصدق بها عنه (¬5) الوكيل، وورثة الموكل في البلد الذي كان صاجها فيه، حيث يرون أنه كان وهم ضامنون إذا ظهر له وارث واعتبار الصدقة في موضع المالك مع الجهل به، وقد (¬6) نص على مثله في الغصب (¬7) وفي مال الشبهة (¬8)، واحتج بأن عمر جعل الدية على أهل ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "لهم". (¬2) في (ب): "بمعين"، وما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع و (ب): "الفقراء". (¬4) في المطبوع و (ب): ودائع". (¬5) انظر: "مسائل صالح" (1/ 288/ 232). (¬6) في (أ) "قد". (¬7) انظر: "مسائل صالح" (1/ 287/ 230)، و"مسائل عبد اللَّه" (308 - 309، 313/ 1148، 1163)، و"الفروع" (4/ 513)، و"المبدع" (5/ 187 - 188). (¬8) انظر: "مسائل صالح" (1/ 287/ 231)، و"مسائل عبد اللَّه" (313/ 1163)، و"المبدع" (5/ 189)، و"الإنصاف" (6/ 209)، و"المقنع" (2/ 251 - حاشيته).

القرية (¬1) (يعني: إذا جهل القاتل)، وجه (¬2) الحجة منه أن الغرم لما اختص بأهل المكان الذي فيه الجاني؛ لأن الظاهر إن الجاني أو عاقلته المختصين بالغرم لا يخلو المكان عنهم (¬3)؛ فكذلك الصدقة بالمال المجهول مالكه ينبغي أن يختص بأهل مكانه؛ لأنه أقرب إلى وصول المال إليه إن كان موجودًا أو إلى ورثته، ويراعى في ذلك الفقير (¬4)؛ لأنها صدقة؛ كما يراعى في وضع (¬5) الدية الغني. - (ومنها): الغصوب التي جهل ربها، فيتصدق بها أيضًا، وقد نص على ذلك في رواية جماعة، ولم يذكر أكثر الأصحاب فيه خلافًا، وطرد القاضي في "كتاب الروايتين" فيه الخلاف بناءً على أنه مستحق لبيت المال (¬6)، وكذلك حكم المسروق ونحوه، نص عليه، ولو مات المالك ولا وارث له يعلم؛ فكذلك يتصدق به [عنه] (¬7)، نص عليه (¬8) أيضًا. ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: "مصنف عبد الرزاق" (10/ 35، 41، 44)، و"الآثار" (رقم 981) لأبي يوسف، و"سنن الببهقي" (8/ 123 و 10/ 183)، و"أخبار القضاة" (2/ 193)؛ ففيها عدة آثار تدلل على ما ذكر المصنف رحمه اللَّه تعالى. (¬2) في المطبوع و (ج): "ووجه". (¬3) في المطبوع: "منهم". (¬4) في المطبوع و (ج): "الفقراء". (¬5) في المطبوع و (ب): "موضع". (¬6) انظر: كتاب "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (1/ 244/ 232). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬8) في المطبوع: "نص عليه أحمد". وانظر: "مسائل صالح" (1/ 288/ 232).

تنبيهان: أحدهما: الديون المستحقة كالأعيان يتصدق بها عن مستحقها، نص عليه، مع (¬1) أنه نص على أن من قال لغريمه: تصدق عني بديني (¬2) الذي [لي] (¬3) عليك؛ لم يبرأ بالصدقة عنه، ولو وكله في قبضه من نفسه حيث لم يتعين المدفوع ملكًا له؛ فإن الدين لا يتعين ملكه فيه بدون قبضه أو قبض وكيله. وفرق القاضي في "خلافه" بين أن يكون المأمور بالدفع إليه معينًا أو غير معين؛ فإن كان معينًا؛ برئ بالدفع إليه كالوكيل، وخرج في "المجرد" (¬4) المسألة على بيع الوكيل من نفسه نظرًا إلى أن العلة هي القبض من نفسه، حيث وكله المالك في التعيين والقبض، وقد أطلق [ها] (¬5) هنا جواز الصدقة به [عنه] (¬6)، فإما أن يكون هذا رواية ثانية بالجواز مطلقًا، أو محمولًا على حالة تعذر وجود المالك أو وكيله، وهو الأقرب، وكذلك نص في "رواية أبي طالب" فيمن عليه دين لرجل وقد (¬7) مات، وعليه ديون للناس، فقضى (¬8) عنه دينه بالدين الذي عليه: أنه يبرأ [به] (5) في الباطن. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ومع". (¬2) في المطبوع: "بالدين". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (ج): "المحرر". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع: "قد". (¬8) في (ب): "يقضي".

والثاني: إذا أراد من بيده عين جهل [مالكها] (¬1) أن يتملكها ويتصدق بقيمتها عن مالكها؛ فنقل صالح عن أبيه الجواز فيمن اشترى آجرًا، وعلم أن البائع باعه (¬2) ما لا يملك، ولا يُعْرَفُ له أرباب (¬3) أرجو إن أخْرَجَ (¬4) قيمة الآجر، فتصدق (¬5) به أن ينجوَ من إثمه (¬6). وقد يتخرج فيه خلاف (¬7) من جواز شراء الوكيل من نفسه، ويشهد له اختلاف الرواية عنه فيمن له دين وعنده [به] (¬8) رهن وانقطع خبر صاحبه وباعه؛ هل له أن يستوفي دينه منه ويتصدق بالفاضل، أم يتصدق به كله؟ على روايتين؛ لأن فيه استيفاء للحق بنفسه من تحت يده، واختار ابن عقيل جوازه مطلقًا، وخرجه من بيع الوكيل من نفسه ومن مواضع أخر. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "ربها". (¬2) في المطبوع: "باع". (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "أربابًا". (¬4) في المطبوع: "يخرج". (¬5) في المطبوع و (ج): "فيتصدق". (¬6) لم أعثر عليها في مسائل صالح". (¬7) في المطبوع: "الخلاف". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

98 - القاعدة الثامنة والتسعون من ادعى شيئا وصفه من دفع إليه بالصفة إذا جهل ربه، ولم يثبث عليه يد من جهة مالكه، وإلا؛ فلا

(القاعدة الثامنة والتسعون) من ادعى شيئًا وصفه من دفع إليه بالصفة إذا جهل ربه، ولم يثبث (¬1) عليه يد من جهة مالكه، وإلا؛ فلا. ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): اللقطة يجب دفعها إلى واصفها، نص عليه (¬2)، وإن وصفها اثنان؛ فهي لهما، وقيل: يقرع بينهما (¬3)، وإن استقصى أحدهما الصفات، واقتصر الآخر على القدر الذي يجزئ [في] (¬4) الدفع؛ فوجهان مخرجان (¬5) من الترجيح بالنساج (¬6) والنتاج، ذكره ابن عقيل في "مفرداته". - (ومنها): الأموال المغصوبة والمنهوبة والمسروقة؛ كالموجودة مع اللصوص وقطاع الطريق ونحوهم يكتفى فيها بالصفة. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "ولم تثبت". (¬2) انظر: "مسائل صالح" (1/ 293/ 238 و 3/ 20/ 1240)، و"المغني" (5/ 708 - 709)، و"المبدع" (5/ 284 - 285)، و"كشاف القناع" (4/ 244)، و"الإنصاف" (6/ 411، 417 - 418)، و"الروض المربع" (2/ 263). (¬3) انظر: ما سيأتي (3/ 206 - 207). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "يخرجان". (¬6) في المطبوع: "بالفساخ"، وفي (ب): "بالنتاج".

- (ومنها): تداعي المؤجر والمستأجر دفنًا في الدار؛ فهو لواصفه منهما، نص عليه في "رواية الفضل بن زياد" (¬1). - (ومنها): اللقيط إذا تنازع اثنان أيهما التقطه، وليس في يد أحدهما، فمن وصفه منهما؛ فهو أحق به. - (ومنها): من (¬2) وجد ماله في الغنيمة قبل القسمة؛ فإنه يستحقه بالوصف ونحوه مما يدل على أنه له، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل، وسئل: أتزيد على ذلك بينة؟ قال: لا بد من بيان يدل على أنه له، وإن علم ذلك دفعه إليه الأمير. انتهى. وقد قضى سعد بن أبي وقاص [رضي اللَّه عنه] (¬3) [في هذا] (¬4) بالعلامة المحضة. * * * ¬

_ (¬1) هو الفضل بن زياد، أبو العبَّاس القطَّان البغدادي، ذكره أبو بكر الخلال؛ فقال: "كان من المتقدمين عند أبي عبد اللَّه، وكان أبو عبد اللَّه يعرف قدره ويكرمه، وكان يُصلِّي بأبي عبد اللَّه، وكان له "مسائل" كثيرة عن أحمد". ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 251)، و"المنهج الأحمد" (1/ 439)، و"تاريخ بغداد" (12/ 363)، و"المقصد الأرشد" (2/ 312). (¬2) في المطبوع: "لو". (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع. (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فيها".

99 - القاعدة التاسعة والتسعون ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من [الأموال و] الأعيان ولا ضرر في بذله؛ لتيسره وكثرة وجوده، [أو المنافع المحتاج إليها]؛ يجب بذله مجانا بغير عوض [في الأظهر]

(القاعدة التاسعة والتسعون) ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من [الأموال و] (¬1) الأعيان ولا ضرر في بذله؛ لتيسره (¬2) وكثرة وجوده، [أو المنافع المحتاج إليها] (¬3)؛ يجب بذله مجانًا بغير عوض [في الأظهر] (3). ويندرج تحت ذلك مسائل: - (منها): الهر لا يجوز بيعه [على] (¬4) أصح الروايتين، وثبت في "صحيح مسلم" النهي عنه (¬5)، ومأخذ المنع ما ذكرنا (¬6). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬2) في المطبوع و (ج): "لتيسيره". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬4) في (ج): "في". (¬5) أخرج مسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة، باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور، رقم 1567) عن أبي الزبير، قال: "سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسِّنَّوْر؟ قال: زَجَرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك". وأخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 3479، 3480)، والترمذي في "الجامع" (رقم 1279)، والنسائي في "المجتبى" (7/ 309)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 2161)، وأحمد في "المسند" (3/ 349)، والطحاوي في "المشكل" (4/ 53)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 10)، عن جابر بألفاظ نحوه، ولفظ أبي داود: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ثمن الهرة". والهرة هي السِّنَّور. (¬6) في (ج): "ما ذكرناه".

- (ومنها): الماء الجاري والكلأ يجب بذل القاضل منه للمحتاج إلى الشرب وإسقاء بهائمه، وكذلك زروعه (¬1) على الصحيح أيضًا، وسواء قلنا يملكه من هو في أرضه أو (¬2) لا، والصحيح أن مأخذ المنع من بيعه [ما ذكرنا لا أنه] (¬3) غير مملوك بملك الأرض؛ فإن النصوص متكاثرة عن أحمد بملك (¬4) المباحات النابتة في الأرض، ويشهد له أيضًا ما نص عليه أحمد في رواية ابن منصور في اللقاط (¬5): لا أرى لصاحب الأرض أن يمنعه (¬6) الناس فيه سواء، مع أنه مملوك له بلا إشكال، ولا يقال: زال ملكه عنه بمصيره منبوذًا مرغوبًا عنه؛ لأن المنع والبيع ينافي ذلك. - (ومنها): وضع الخشب على جدار الجار إذا لم يضر [به] (¬7)، وكذلك (¬8) إجراء الماء في (¬9) أرضه على (¬10) إحدى الروايتين. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "زرعه". (¬2) في المطبوع و (ج): "أم". (¬3) في (ج): "ما ذكرناه لأنه". (¬4) في المطبوع: "بتملكة". (¬5) في "مسائل ابن منصور" (213/ 51): "سئل الإمام أحمد عن بيع الكلأ؛ فقال: لا يمنع الكلأ من أرضه ولا من غيرها" اهـ. وفيها (255/ 96): "سئل عن بيع الماء؛ فقال: لا يباع فضل الماء، والذي يحمل في القرب؛ فلا بأس به". (¬6) في (ب) و (ج): "يبيعه". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) في (ب): "وكذا". (¬9) في المطبوع و (ج): "على". (¬10) في المطبوع و (ج): "في".

- (ومنها): إعارة الحلي ظاهر كلام أحمد وجماعة من الأصحاب وجوبه، وصرح به بعض المتأخرين، واختار بعضهم وجوب بذل الماعون، وهو ما خف قدره وسهل؛ كالدلو والفأس والقدر والمنخل وإعارة الفحل للضراب، وهو اختيار الحارثي (¬1)، وإليه ميل الشيخ تقي الدين (¬2). - (ومنها): المصحف تجب عليه إعارته لمن احتاج إلى القراءة فيه، ولم يجد مصحفًا غيره، نقله القاضي في "الجامع الكبير"، [وذكر ابن عقيل في كلام مفرد (¬3) أن الأصحاب عللوا قولهم: لا يقطع] (¬4) بسرقة (¬5) المصحف؛ لأن (¬6) له فيه حق النظر لاستخراج أحكام الشرع إذا خفيت عليه، وعلى صاحبه بذله، كذلك قال ابن عقيل، وهذا تعليل يقتضي التسوية بين سرقته وسرقة كتب السنن؛ فإنها مضمنة من الأحكام أمثال ذلك، والحاجة داعية إليها وبذلها للمحاويج (¬7) إليها من القضاة والحكام وأهل الفتاوى واجب على مالكها. انتهى. - (ومنها): ضيافة المجتازين، والمذهب (¬8) وجوبها، وأما إطعام ¬

_ (¬1) في (ج): "الحلواني". (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 159). (¬3) في المطبوع و (ج): "في كلام مفرد له". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع: "لسرقة". (¬6) في المطبوع: "فإن"، وفي (ب) و (ج): "بأن". (¬7) في المطبوع و (ب): "من المحاويج". (¬8) في المطبوع: "المذهب".

المضطرين؛ [فواجب، لكن لا يجب بذله مجانًا، بل بالعوض (¬1)، وأما المنافع المضطر] (¬2) إليها كمنفعة الظهر للمنقطعين في الأسفار وإعارة ما يضطر إليه؛ ففي وجوب بذلها مجانًا وجهان، واختار (¬3) الشيخ تقي الدين أن المضطر إلى الطعام إن كان فقيرًا وجب بذله له مجانًا؛ لأن إطعامه فرض كفاية؛ فلا (¬4) يجوز أخذ العوض عنه، بخلاف الغني؛ فإن الواجب معاوضته فقط (¬5)، وهذا حسن. وحكى الآمدي رواية أنه لا يضمن المضطر الطعام الذي أخذه من صاحبه قهرًا لمنعه إياه. - (ومنها): رباع مكة لا يجوز بيعها ولا إجارتها على المذهب المنصوص، واختلف في مأخذه؛ فقيل: لأن مكة فتحت عنوة (¬6)، فصارت وقفًا أو فيئًا؛ فلا ملك فيها لأحد، وعلى هذا؛ فينبني الخلاف في البيع والإجارة على الخلاف في فتحها عنوة أو صلحًا، وقيل: بل لأن الحرم حريم البيت والمسجد الحرام، وقد جعله اللَّه للناس؛ سواء العاكف فيه ¬

_ (¬1) في (ج): "بعوض". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في المطبوع و (ج): "واختيار". (¬4) في المطبوع: "لا". (¬5) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 322) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه. (¬6) ألفت في هذه المسألة كتب ورسائل، طبع منها: "الحجة في فتح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة عنوة" لأبي جعفر الطحاوي (ت 321 هـ)، وهو مضمن في كتابه "شرح معاني الآثار" (3/ 311 وما بعد).

والباد؛ فلا يجوز لأحد التخصيص بملكه وتحجره (¬1)، بل الواجب أن يكون الناس فيه شرعًا واحدًا؛ لعموم الحاجة إليه، فمن احتاج إلى ما بيده منه؛ سكنه، وإن استغنى عنه؛ [وجب] (¬2) بذل فاضله للمحتاج إليه، وهو مسلك ابن عقيل في "نظرياته". وسلكه القاضي في "خلافه" أيضًا، واختاره الشيخ تقي الدين، وتردد كلامه في جواز البيع؛ فأجازه مرة كبيع أرض العنوة عنده، ويكون نقلًا لليد بعوض، ومنع منه (¬3) أخرى؛ إذ الأرض وإنقاض (¬4) البناء من الحرم غير مملوك للباني، وإنما له التأليف، وقد رجح [به] (¬5) بتقديمه في الانتفاع؛ كمن بنى في أرض مسبلة للسكنى بناء من ترابها وأحجارها (¬6)، ونقل ابن منصور عن أحمد [ما يدل على] (¬7) جواز البيع دون الإِجارة (¬8)، وتأوله القاضي. وعلى هذا المأخذ؛ فقد يختص المنع (¬9) بالقول بفتحها عنوة لمصير ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وتحجيره". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "ومنعه في". (¬4) في المطبوع و (ج): "وإبعاض". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (29/ 211)، و"الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية" (3/ 1131 - 1135) للدكتور أحمد موافي. (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬8) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 121) لشيخ الإسلام رحمه اللَّه. (¬9) في المطبوع: "البيع".

الأرض فيئًا، وقد نص أحمد في "رواية حنبل" على أن علة الكراهة أنها فتحت عنوة؛ فصار المسلمون فيها شركًا واحدًا. قال: وعمر إنما ترك السواد لذلك. قال: ولا يعجبني منازل السواد ولا أرضيهم (¬1)، وهذا نص بكراهة المنع في سائر أراضي العنوة، وبكل حال؛ فلا يجب الإسكان في دور مكة إلا في الفاضل عن حاجة السكن، نص عليه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "أرضهم". (¬2) انظر بسط المسألة وأدلتها في: "شرح معاني الآثار" (3/ 331 وما بعد)، و"فتح الباري" (3/ 526 - 527 و 5/ 91)، و"الإنصاف" (4/ 289، 290) للمرداوي، و"إعلام الساجد بأحكام المساجد" (ص 144) للزركشي.

100 - القاعدة المئة [الواجب بالنذر هل يلحق بالواجب بالشرع أو بالمندوب؟

(القاعدة المئة) [(¬1) الواجب بالنذر هل يلحق بالواجب بالشرع (¬2) أو بالمندوب؟ فيه خلاف يتنزل (¬3) عليه مسائل كثيرة: - (منها): الأكل من أضحية (¬4) النذر، وفيه وجهان، اختار أبو بكر الجواز (¬5). - (ومنها): [فعل] (¬6) الصلاة المنذورة في وقت النهي، وفيه ¬

_ (¬1) ومن هنا إلى بداية القاعدة الثانية بعد المئة سقط من (أ). (¬2) في المطبوع: "الواجب بالشروع". (¬3) في (ج): "يترتب". (¬4) في (ج): "الأضحية". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) قول أبي بكر بالجواز هو الصحيح، وذلك لأن الناذر يقول: للَّه عليَّ نذر أن أذبح ضحية، ومعلوم أن الأضحية يجوز له أن يأكل منها، ونذر الأضحية له وجهان: الوجه الأول: أن يقول: للَّه علي نذر أن أضحي هذا العام. والتاني: أن يقول: للَّه علي أن أضحي بهذه الشاة. وكلاهما سواء، والصحيح أن له أن ياكل لأن موضوع الأضحية شرعًا الأكل والإهداء والصدقة، وبذلك تكون الأضحية المنذورة كالواجبة بالشرع. (ع).

وجهان، أشهرهما الجواز (¬1). - (ومنها): نذر [صيام] (¬2) أيام التشريق والصلاة في وقت النهي، وفيه وجهان أيضًا، واختار ابن عقيل أنه كنذر المعصية؛ لأن الملتزم (¬3) بالنذر هو التطوع المطلق (¬4). - (ومنها): لو نذر صلاة؛ فهل يجزئه ركعة، [أو] (¬5) لا بد من ركعتين؟ على روايتين (¬6). ¬

_ (¬1) إذا قال الإنسان: للَّه عليَّ نذر أن أصلي ركعتين؛ فهذا نذر مطلق؛ فهل يجوز أن يصلي في وقت النهي، أو لا يجوز؟ يقول: فيه وجهان، أشهرهما الجواز، والصحيح أنه لا يجوز إلا إذا وجد سبب النذر فى وقت النهي، مثل أن يقول: إن قدم فلان؛ للَّه عليَّ نذر أن أصلي ركعتين. فقدم فلان في وقت النهي؛ ففي هذه الحال يجوز أن يصلي؛ لأنه وجد سبب الصلاة في وقت النهي؛ فصارت صلاته ذات سبب، وإذا كان كذلك؛ جاز أن تُصلى في وقت النهي. (ع). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "الملزم". (¬4) لو قال: للَّه علي أن أصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالت عشر من شهر ذي الحجة؛ فهذا لا يجوز ولا يجوز أن يصوم، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من نذر أن يعصي اللَّه؛ فلا يعصه". (ع). (¬5) في المطبوع: "أم". (¬6) فهل تجزئه ركعة لأن أقل صلاة تطوع ركعة، وهي الوتر، أو لا بد من ركعتين لأن أقل صلاة الفريضة ركعتان؟ إذا قلنا: إن الواجب بالنذر كالواجب بالشرع؛ قلنا: يلزمه ركعتان، وإذا قلنا بالمندوب! قلنا يجزئه ركعة، والظاهر أنه يلزمه ركعتان، لأنه المتبادر للذهن في الغالب. (ع).

- (ومنها): لو نذر عتق رقبة؛ لم تجزئه (¬1) إلا سليمة، ذكره القاضي حملًا له على واجب الشرع، ويحتمل أن يجزئه ما يقع عليه الاسم؛ كالوصية؛ فإن القاضي سلمها مع أن المنصوص عن أحمد فيمن وصى بعتق رقبة لا يعتق عنه إلا مسلمة (¬2). -[(ومنها): لو نذر صوم شهر، فجن فيه جميعه؛ لم يلزمه قضاؤه على الأصح، وليس كذلك إذا جن جميع رمضان. - (ومنها): لو نذر أن يصوم يوم يقدم فلان، فقدم في أثناء النهار وهو ممسك، فصامه؛ أجزأه على الأصح، وعنه يلزمه قضاؤه] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يجزئه". (¬2) في المطبوع: "عليه إلا سليمة". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

101 - القاعدة الحادية بعد المئة من خير بين شيئين، وأمكنه الإتيان بنصفيهما معا؛ فهل يجزئه أم لا؟

(القاعدة الحادية بعد المئة) من خُيِّرَ بين شيئين، وأمكنه الإتيان بنصفيهما معًا؛ فهل يجزئه أم لا؟ فيه خلاف يتنزل عليه مسائل (¬1): ¬

_ (¬1) هذا شخص وجب عليه العبد، لكنه مخير فيه، فإذا أتى بنصفي هذا الشيء من المخير فيه؛ هل يجزئه أم لا؟ فإذا أعتق نصفي رقبتين، أي اشترى نصف هذا العبد فاعتقه واشترى نصف العبد الثاني فأعتقه؛ فهل يجزئ؟ يقول المؤلف: في ذلك وجهان، والفرق بين الوجهين والروايتين أن الوجهين عن الأصحاب والروايتين عن الإمام أحمد، وفيه قول ثالث بالتفصيل: أنه إن كملت الحرية فيهما أجزأ، وإلا؛ فلا، وهذا القول قريب جدًّا، وأما القول بالتشقيص دون كمال الحرية؛ فهو ضعيف جدًّا، وعلى هذا؛ فيكون ثلاثة أقوال للعلماء: 1 - الإجزاء مطلقًا. 2 - عدمه مطلقًا. 3 - التفصيل. وكمال الحرية بأن يكون النصف الذي اشتريته هو يكمل حرية العبد بأن يكون نصفه الذي قبل هذا النصف محررًا. وهذا القول جيد؛ لأنه يحصل به الإنسان على تحربر رقبتين، ولو أخرج في الزكاة نصفي شاتين، كأن يكون عنده خمس من الإبل أو أربعون من الغنم، فأخرج نصف الشاتين؛ يقول المؤلف: إنه يجزئه ذلك، ولكنه في النفس من هذا شيء؛ لأنه إذا أخرج شاة كاملة حصل الفقير على شاة ليس فيها تشقيص، وهو حرٌ فيها، أما إذا أعطي نصف =

- (منها): لو أعتق في الكفارة نصفي رقبتين، وفيها وجهان، وقيل: إن كان باقيمها حرًّا؛ أجزأ وجهًا واحدًا لتكميل الحرية [به] (¬1). وخرجوا على الوجهين: لو أخرج في الزكاة نصفي شاتين، وزاد صاحب "التلخيص": لو أهدى نصفي شاتين، وفيه نظر؛ إذ المقصود من الهدي اللحم، ولهذا أجزأ فيه شقص من بدنة، وقد روى عن أحمد ما يدل على الإِجزاء هاهنا. - (ومنها): لو أخرج الجبران في زكاة الإِبل شاة وعشرة دراهم؛ فهل يجزئه؟ على وجهين. - (ومنها): لو كفر يمينه بإطعام خمسة مساكين وكسوة خمسة؛ فإنه يجزئ على المشهور، وفيه وجه مذكور في "شرح الهداية" في زكاة الفطر. - (ومنها): لو أخرج في الفطرة صاعًا من جنسين؛ فالمذهب (¬2) الإجزاء، ويتخرج فيه وجه [آخر] (¬3) (¬4). ¬

_ = شاتين؛ فيكون له شريك، وربما تأذى من الشركة؛ فعلى هذا الصحيح أن ذلك لا يجزئه، ومثله لو أهدى نصفي شاتين؛ فهذا لا بأس به لأنه سوف يذبح هاتين الشاتين، والمقصود وهو الذبح ومنفعة الفقراء في الحرم باللحم، وهذا حاصل بنصفي الشاتين. (ع). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع و (ج): "والمذهب". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬4) لو أخرج نصف صاع من بُرّ ونصف صاع من أرز؛ فالجميع صاع، ولكن من جنسين؛ فهل يجزئ؟ =

- (ومنها): لو كفر في محظورات الحج بصيام يوم وإطعام أربعة مساكين؛ فالأظهر منعه (¬1). وفي "أحكام القرآن" (¬2) للقاضي: يحتمل الجواز؛ لأنها على التخيير، بخلاف كفارة اليمين، وعلى قياس هذا لو أعتق في كفارة اليمين ثلث رقبة وأطعم أربعة مساكين وكسى أربعة [مساكين] (¬3): أنه يجزئ (¬4)، وفيه بعد. - (ومنها): لو أخرج عن أربع مئة من الإبل أربع حقاق وخمس بنات ¬

_ فيه وجهان، المذهب الإجزاء، لأنه أخرج صاعًا من طعام، لكن الأفضل بلا شك ألَّا يفعل، والكلام بها في الإجزاء لا في الأفضلية. (ع). (¬1) وهذا فى فدية الأذى ففي، كما قال تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]؛ فالصيام ثلاثة أيام، والإطعام إطعام ستة مساكين، وإذا صام يومًا؛ فإنه يقابل إطعام مسكينين؛ فهذا رجل صام يومًا وأطعم أربعة مساكين، أو صام يومين وأطعم مسكينين؛ فهل يجزئه ذلك أم لا؟ يقول المؤلف: الأظهر منعه، وهو الصواب؛ للتباين بين الإطعام والصيام، بخلاف الذي أخرج نصف صالح من بُرّ ونصف صالح من أرز في صدقة الفطر؛ لأن القصد فيهما واحد، وهو الإطعام، وقد حصل، وأما هنا نوعان متباينان؛ فلا يمكن أن يجتمعا في آن واحد. (ع). (¬2) ذكره لأبي يعلى ابنُه في "طبقات الحنابلة" (2/ 205)، وعدّه أستاذنا الدكتور محمد أبو فارس في كتابه "القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه الأحكام السلطانية" (ص 245) من مصنفاته المفقودة. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) في المطبوع و (ج): "يجزئه".

لبون؛ جاز (¬1) بغير خلاف عندنا؛ لأنه عمل بمقتضى قوله: "في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حِقَّة" (¬2)، ولأن هذه واجبات متعددة؛ [فهي ككفارات متعددة] (¬3)؛ فإن أخرج بتشقيص؛ كما لو أخرج عن مئتين حقتين وبنتي لبون ونصفا؛ فهو كإخراج نصفي شاتين على ما سبق (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أجزأ". (¬2) جزء من كتاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عمرو بن حزم، وقد خرجتُه بإسهاب في تعليقي على "الخلافيات" (1/ رقم 294، 295، 296، 297)، فانظره غير مأمور. وأخرج المذكور بحرفه عن أبي بكر الصّديق رفعه: البخاري في "صحيحه" (كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، رقم 1454)، وغيره. وابن اللَّبُونِ: هو الذي أتى عليه حولان، وطحن في السنة الثالثة؛ لأن أمَّه تصر لبُونًا بوضع الحمل. والحِقَّة: هي التي أتت عليها ثلاثُ سنين، وطعنت في الرابعة، سُمِّيت بها؛ لأنها تستحقّ الحملَ والضِّراب. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) الظاهر عدم الإجزاء، لأنّ التشقيص فيه مضرة المشاركة، ومن المعلوم أن انفراد الإنسان في ملكه أحب إليه من مشاركة غيره له فيه. والخلاصة: إن من خير بين شيئين، وأمكنه الإتيان بنصفيهما معًا؛ فهل يجزئ أو لا؟ وقع خلاف في هذه المسألة؛ ولا شك أن الأفضل أن يجعل كل جنس على حدة، وألا يوزع أولًا؛ لأن هذا ما جاءت به النصوص، وثانيًا لأنه قد يكون للشارع نظر في هذا المقدار المعين من هذا النوع المعين، وفيما ذكر من المسائل بعضها قريب وبعضها بعيد. (ع).

102 - القاعدة الثانية بعد المئة من أتى بسبب يفيد الملك أو الحل أو يسقط الواجبات] على وجه محرم، وكان مما تدعو النفوس إليه؛ ألغي ذلك الشرط، وصار وجوده كالعدم، ولم يترتب عليه أحكامه

(القاعدة الثانية بعد المئة) من أتى بسبب يفيد الملك أو الحل أو يسقط الواجبات] (¬1) على وجه محرم، وكان مما تدعو النفوس إليه؛ ألغي ذلك الشرط (¬2)، وصار وجوده كالعدم، ولم يترتب عليه أحكامه. ويتخرج على ذلك مسائل كثيرة: - (منها): الفار من الزكاة قبل تمام الحول بتنقيص النصاب أو إخراجه عن ملكه تجب عليه الزكاة، ولو أكثر صرف (¬3) أمواله في تملك (¬4) ما لا زكاة فيه؛ كالعقار والحلي؛ فهل ينزل منزلة الفار؟ على وجهين (¬5). - (ومنها): المطلق في مرضه لا يقطع طلاقه حق الزوجة من إرثها ¬

_ (¬1) من بداية القاعدة المئة إلى هنا سقط من (أ). (¬2) في المطبوع و (ج): "السبب". (¬3) في المطبوع و (ب): "صرف أكثر" تقديم وتأخير. (¬4) في المطبوع: "ملك". (¬5) انظر في المسألة: "الهداية" (1/ 64)، و"المحرر" (1/ 219)، و"الكافي" (1/ 377)، و"المقنع" (1/ 294)، و"المبدع" (2/ 302)، و"الإفصاح" (1/ 209)، و"الإنصاف" (3/ 31)، و"الروض الندي" (145)، و"شرح منتهى الإرادات" (1/ 371)، و"كشاف القناع" (2/ 207)، و"مطالب أولي النهي" (2/ 22).

منه؛ إلا أن تنتفي التهم بسؤال الزوجة ونحوه؛ ففيه روايتان. - (ومنها): القاتل لموروثه لا يرثه، وسواء كان متهمًا أو غير متهم عند أكثر الأصحاب. وحكى ابن عقيل في "مفرداته" و"عمد الأدلة" وجهًا: أنه متى انتفت التهمة؛ كقتل الصبي والمجنون؛ لم يمتنع [الإرث. قال: و] (¬1) هو أصح عندي. - (ومنها): قتل الموصى له الموصي [بعد الوصية] (¬2)؛ فإنه يبطل (¬3) الوصية رواية واحدة على أصح الطريقين. - (ومنها): السكران بشرب الخمر عمدًا يجعل كالصاحي في أقواله وأفعاله فيما عليه في المشهور من المذهب، بخلاف مِنْ سُكْرٍ ببنجٍ ونحوه، [أو] (¬4) أزال عقله بأن ضرب رأسه فجن؛ فإنه لا يقع طلاقه على المنصوص؛ لأن ذلك مما لا تدعو النفوس إليه، بل في الطبع وازع عنه، ولذلك (¬5) لا يجب عليه قضاء الصلاة إذ جن في هذه الحالة على الصحيح. - (ومنها): تخليل الخمر لا يفيد حله ولا طهارته على المذهب الصحيح. - (ومنها): ذبح الصيد في حق المحرم لا يبيحه بالكلية، وذبح ¬

_ (¬1) في (ج): "إرثه وقال". (¬2) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج) فقط. (¬3) في المطبوع: "تبطل". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ومنها لو". (¬5) في المطبوع و (ب): "وكذلك".

الكل للمحرم لا يبيحه للمحرم المذبوح له [أيضًا] (¬1)، وفي حله لغيره من المحرمين وجهان، ولا يرد على هذا ذبح الغاصب والسارق؛ لأن ذبحهما لا يترتب عليه الأباحة لهما؛ فإنه باقٍ على ملك المالك ولا إباحة بدون إذنه مع أن أبا بكر التزم تحريمه مطلقًا، وحكاه رواية، ويلتحق بهذه القاعدة. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(قاعدة) (¬1) من تعجل حقه، أو ما أبيح له قبل وقته على وجه محرم؛ عوقب بحرمانه (¬2). ويدخل فيها من مسائل: - الأولى: مسألة قتل الموروث والموصى له. - (ومنها): المال من الغنيمة يحرم أسهمه منها على إحدى الروايتين. - (ومنها): من تزوج امرأة في عدتها حرمت عليه على التأبيد على رواية. -[(ومنها): من تزوجت بعبدها؛ فإنه يحرم عليها على التأبيد؛ كما ¬

_ (¬1) هنا في (ب) أخذت هذه القاعدة (رقم 103)، وما بعدها (104). . . وهكذا بزيادة (¬2) انظر حول هذه القاعدة والمسائل التي تندرج تحتها: "إيضاح المسالك" (ق 82) للونشريسي؛ و"المنثور" (3/ 183) للزركشي، و"الأشباه والنظائر" لابن الوكيل، و (ص 152) للسيوطي، و (ص 104) لابن نجيم، و"المدخل الفقهي" (رقم 630)، و"موسوعة القواعد الفقهية" (2/ 150 - 151).

روى عن عمر رضي اللَّه عنه (¬1)، نص عليه أحمد في رواية عبد اللَّه (¬2)، ذكره الخلال في أحكام العبيد عن الخضر بن المثنى الكندي عنه، والخضر هذا مجهول، ينفرد (¬3) عن عبد اللَّه برواية المناكير التي لا يتابع عليها] (¬4). -[(ومنها)] (¬5): من اصطاد صيدًا قبل أن يحل من إحرامه؛ لم يحل له؛ وإن تحلل حتى يرسله ويطلقه، وأما إذا قتل الغريم غريمه؛ فإنه يحل دينه عليه، كما لو مات، صرح به جماعة من الأصحاب. ويتخرج فيه وجه آخر: أنه لا يحل طردًا للقاعدة (¬6). * * * ¬

_ (¬1) أخرج عبد اللَّه بن الإمام أحمد في "مسائل أبيه" (ص 323/ رقم 1191)؛ قال: حدثني أبي؛ قال: حدثني هشيم؛ قال: أخبرنا حصين، عن بكر بن عبد اللَّه؛ قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى الأمصار: أيُّما امرأةٍ تزوّجت عبدها، أو تزوجت بغير بيِّنة ولا وليّ، فاضربوها، وفرِّقوا بينهما". ورجاله ثقات؛ إلا أن بكرًا لا يعرف له سماع من عمر، وسنه لا تحتمل ذلك. انظر: "تهذيب الكمال" (4/ 217). ولوجود الولي شاهد عند عبد الرزاق في "المصنف" (6/ رقم 10480، 10485)، وابن أبي شيبة في "المسند" (1/ في 207/ ب)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 111)، وابن حزم في "المحلى" (9/ 454). (¬2) انظر: "مسائل عبد اللَّه" (323/ 1191). (¬3) في المطبوع: "تفرد". (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في (أ)، وأثبتها من (ب) و (ج). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في (ب): "القاعدة".

103 - القاعدة الثالثة بعد المئة الفعل الواحد يبنى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد، ولا ينقطع يالتفرق اليسير، ولذلك صور

(القاعدة الثالثة بعد المئة) (¬1) الفعل الواحد يبنى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد، ولا ينقطع يالتفرق اليسير، ولذلك صور: - (منها): مكاثرة الماء القليل النجس (¬2) بالماء الكثير يعتبر له الاتصال المعتاد دون صب القلتين دفعة واحدة (¬3). ¬

_ (¬1) في (ب) أخذت هذه القاعدة (رقم 104). (¬2) في المطبوع: "النجس القليل" بتقديم وتأخير. (¬3) صورة المسألة: هذا ماء نجس قليل وأراد الإنسان أن يطهِّرهُ بالمكاثرة بالماء؛ فيأتي بماء كثير -وحدّ الكثير عندهم ما بلغ قلتين فأكثر-، فيصبُّه على هذا الماء القليل، فإذا صبّه دفعة واحدة بأن كان في إناء واسع وصبه دفعة واحدة؛ فطهارة الماء القليل واضحة لأن الفعل لم يتفرق وإن صبّ على هذا الماء النجس ماءً قليلًا؛ فهل يطهر الماء القليل النجس؟ لا؛ لأن الماء القليل لا يطهر، بل ينجس بملاقاته لذلك الماء النجس الذي قبله، وصار الكل نجسًا، فإذا أتى في اليوم الثاني وصب عليه ماءً قليلًا، فإنه كذلك لا يطهر، وفي الصورة السابقة صبّ من الماء الكثير ماءً قليلًا وبقي بصب أو مع وقف قليل ولكنه في النهاية صبَّ كثيرًا؛ فهل يطهر الماء النجس أو لا؟ نعم، يطهر؛ لأن هذا الفصل ينبني بعضه على بعض مع الاتصال أو التفريق اليسير. وصورة رابعة: جاء بماء كثير ليصبه على الماء القليل، ولكنه جعل فم القربة ضيقًا وأخذ يصب على الماء القليل النجس؛ فهل يجزئ؟ يجزئ ويكون الماء القليل طاهرًا، وعلى هذا؛ فالصور أربعة: =

- (ومنها): الوضؤ إذا [اعتبرنا له] (¬1) الموالاة؛ لم يقطعه التفرق اليسير، وهل الاعتبار [فيه] (¬2) بالعرف أو بجفاف الأعضاء؟ على روايتين (¬3). ¬

_ = أ- صب الماء الكثير دفعة واحدة. ب- بتفرق بعيد. ج- بتفرق يسير. د- بالاتصال. وهذا التفصيل بناء على المذهب، وتقدم أن الصواب أن الماء يطهر بأي صورة تتقدمه (ع). (¬1) في المطبوع: "اعتبر حالة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) أفاد المؤلف في هذه المسألة أن المولاة فيها خلاف عند العلماء، والمشهور أن الموالاة شرط؛ إذ الوضوء فعل واحد؛ فلا بد أن تتصل أجزاؤه بعضها يعض، وهذا هو الصحيح: أن الموالاة شرط، ومن ذلك الموالاة في الطواف والسعي، قال بعض أهل العلم: هي شرط، وقال آخرون: ليست كذلك، وفرق آخرون بين السعي والطواف؛ فقالوا: هي في الطواف شرط، وفي السعي سنة، وعلى هذا (أي على القول بأن الموالاة ليست شرطًا)، فلو طاف الإنسان الشوط الأول في الساعة الواحدة، والثاني في الثانية وهكذا. . . أي: جاء بالطواف في سبع ساعات؛ صحّ، وهذا القول وإن كان ضعيفًا من حيث النظر والدليل؛ لأن الطواف عبادة واحدة، ولا بد أن ينبني بعضها على بعض، ولكن أحيانًا قد يسوغ القول به فيما إذا حصل للإنسان بغير اختياره؛ فقد حصل سؤال هذا العام عن جماعة معهم نساء وطافوا طواف العمرة، ثم أذن الفجر وعادتهم أنه إذا أذن أخرجوا النساء من المطاف، فأخرجوهن من المطاف ولم يجدن مكانًا إلا في السوق، فبقوا نحوًا من ثلت ساعة حتى خرجوا إلى السوق، ثم بعد ذلك عجزوا عن الدخول؛ لأن الناس يقابلونهم خارجين من الحرم، فبقوا نحوًا من نصف ساعة وأكثر حتى وصلوا إلى المطاف، فكان بين خروجهم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ودخولهم ساعة، فأكملنّ الطواف؛ فهل يجزئ هذا؟ على القول بالموالاة: لا يجزئهم، وأما على القول بعدم الموالاة، وهو الأصح في مذهب الشافعية: إنه يجزئهم، والصواب في مثل هذه الصورة أن يُفتوا بالجواز، لأنهم قد خرجوا بغير اختيارهم وتأخر البناء بغير اختيارهم، ولو قلنا: إنه يلزمهم الاستئناف؛ فربما اضطروا إلى البناء أيضًا مرة أخرى، ثم إذا لم يكن في المسألة نص واضح؛ فينبغي للإنسان في باب الفتوى -خصوصًا إذا لم يمكن التدارك- أن يُسَهِّل فيها، وهؤلاء على القول باشتراط الموالاة، وهم الآن متمتعون، ماذا نجعل نسكهم وقد طافوا هذا الطواف وسعوا وقصروا ولبسوا؟ فعلى القول باشتراط الموالاة نجعل نسكهم هنا قرانًا؛ لأنهم أدخلوا الحج والعمرة؛ لأن عمرتهم ما صحت لعدم صحة الطواف؛ فنقول لهم: أنتم قارنون وتحللهم، وربما جامع بعضهم، فنفول: لا يلزمهم شيء لأنهم جاهلون؛ إذ لم يفعلوا هذا إلا ظنًّا منهم أنهم تحللوا من النسك، فعذرهم بالجهل واضح. وأما في الوضوء فإذا قلنا باشتراط الموالاة؛ فبماذا ننضبط؛ هل يكون ذلك بالعرف أو بجفاف العضو؟ المذهب أنه بجفاف العضو، أي لا يؤخر غسل عضو حتى يجف الذي قبله، لكن بزمن معتدل، وفي جوٍّ معتدل، فإذا كان بزمن غير معتدل؛ فإنه ربما جفّ بسرعة، وهذا لا عبرة به، وكذلك في الشتاء، فربما لا يجف، وقال آخرون: إن العبرة في العرف وهو صعب انضباطه، وإذا قلنا: إذا سلم من الصلاة قبل تمامها من الفصل المعتبر فيه العرف، وكذلك السفر المعتبر فيه العرف؛ فما هو العرف؟ والأقرب في مسألة العبادة أن يقال: إذا ظهر التباين بين أجزائها، بحيث لا يعرف من شاهدها: أنها عادة واحدة؛ فقد انفصل بعضها عن بعض، أما إذا شعر الإنسان الرائي لها أن العبادة مثل واحد سلَّم قبل التمام، ثم قام يسبح ويهلل؛ فقيل له بعد ذلك: إنك أنقصت ركعة، فجاء بالركعة، فمثل هذه الحال ينبني بعضها على بعض، لكنه لو سلّم قبل تمام الصلاة، ثم أخذ القدوم، وكان نجارًا، وفعل وفعل، لكن في وقت قريب وقليل؛ فإن =

- (ومنها): الصلاة يجوز البناء عليها إذا سلم [منها] (¬1) ساهيًا مع قرب الفصل ولا تبطل بذلك (¬2). - (ومنها): المسافر إذا أقام مدة يومين (¬3)؛ فهو سفر واحد، ينبني بعضه على بعض، وإن زاد؛ لم يبن. - (ومنها): إذا ترك العمل في المعدن الترك المعاد أو لعذر، ولم يقصد الإِهمال، ثم عاد إلى الاستخراج؛ ضم الثاني إلى الأول (¬4) في النصاب. - (ومنها): الطواف إذا تخلله صلاة مكتوبة أو جنازة يبني عليه؛ سواء قلنا: الموالاة [فيه] (1) سنة، أو شرط على أشهر الطريقين للأصحاب. - (ومنها): لو حلف لا أكلت (¬5) إلا أكلة واحدة في يومي هذا؛ فأكل ¬

_ = صلاته لا ينبني بعضها على بعض؛ لأنه عمل عملًا بعيدًا عن الصلاة، فلا يظن الرائي أنه يبني صلاته بعضها على بعض. (ع). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) انظر في المسألة: "مسائل ابن هانئ" (338، 849، 855)، و"المحرر" (1/ 243)، و"الهداية" (1/ 101)، و"المقنع" (1/ 445)، و"الكافي" (1/ 587)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (21/ 140)، و"الإنصاف" (4/ 17)، و"المبدع" (3/ 222)، و"كشاف القناع" (2/ 562)، و"شرح منتهى الإرادات" (2/ 53)، و"مطالب أولي النهي" (2/ 398). (¬3) في (ج): "أربعة يومين"! (¬4) في المطبوع: "ضم الأول إلى الثاني". (¬5) في (ج): "لا آكل".

متواصلًا؛ لم يحنث، وإن تفرق التفرق المعتاد على الأكلة الواحدة؛ ولو طال زمن الأكل، وإن قطع ثم عاد بعد طول الفصل؛ حنث، ذكره القاضي في "خلافه" في القطع في السرقة [والآمدي] (¬1)، وقياسه: لو حلف لا وطئها إلا مرة واحدة، فإن الوطء في العرف عبارة عن الوطء التام المستدام إلى الإنزال، ولا يبعد أن يقال [مثل ذلك] (¬2) فيمن رتب [حكمًا] (¬3) على مطلق الوطء. وفي "الترغيب" أنه ظاهر كلام أصحابنا فيما إذا قال: إن وطئتك؛ فواللَّه لا وطئتك، ولكن لمنصوص الحنث بالتقاء الختانين. وقد ذكر القاضي وجهًا: إنه لا حدَّ (¬4) على من أكمل الوطء المعلق عليه الطلاق الثلاث بإتمامه إلى الإنزال (¬5). - (ومنها): لو أخرج السارق من الحرز بعض النصاب، ثم دخل وأخرج باقيه (¬6)، وكل منهما بانفراده لا يبلغ نصابًا، فإن لم يطل الفصل بينهما؛ قطع، وإن طال؛ ففيه وجهان ذكرهما القاضي في "خلافه" ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬2) في المطبوع: "مثله". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬4) في المطبوع و (ج): "لاحق". (¬5) الذي يظهر في مثل هذه المسألة تعليق الحكم بما دلَّ عليه الحديث، وهو التقاء الخانين؛ إلا أن تكون نية الحالف سوى ذلك، وإلا؛ فلا شك أنه عند الإطلاق يحصل الجماع بالتقاء الختانين. (ع). (¬6) في المطبوع: "ما فيه".

وصاحب "المحرر" وعمهُ (¬1) في "الترغيب"، وقال: اختار بعض شيوخي أنه لا قطع مع طول الفصل (¬2). - (ومنها): إذا ترك المرتضع الثدي بغير اختياره، ثم عاد إليه قبل طول الفصل؛ فهي رضعة واحدة عند ابن حامد، وكذا ذكر الآمدي: أنه لو قطع باختياره لتنفس أو إعياء يلحقه ثم عاد ولم يطل الفصل؛ [فهي رضعة واحدة. قال: ولو انتقل من ثدي إلى آخر ولم يطل الفصل] (¬3)؛ فإن كان من امرأة واحدة؛ فهي رضعة واحدة، وإن كان من امرأتين؛ فوجهان، وحكى أبو الخطاب عن ابن حامد نحو ذلك في جميع الصور؛ إلا في صورة المرأتين، وذكر [أيضًا أنه] (¬4) ظاهر كلام الخرقي، وحكى عن أبي بكر أنها تكون رضعتين في جميع ذلك، وأنه ظاهر كلام أحمد، [واللَّه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وعنه". (¬2) لو قال قائل: إنه يرجع إلى نية السارق، فإذا سرق الأول ومن نيته أن يسرق الثاني؛ قطع، لا سيما إذا فعل هذا التفريق من باب الحيلة، وأما إذا سرق الأول، ثم ذهب به ولم يكن في نيته أن يرجع، ثم بدا له بعد أن يرجع؛ فهذه سرقة جديدة، ولا قطع عليه حينئذ، ولكن إذا قلنا: العبرة هي هذا التفصيل؛ فطريق العلم بذلك يكون بإقراره؛ فإننا كما رجعنا إلى إقراره في أصل السرقة نرجع إلى إقراره في وصف السرقة، فإن قال قائل: إذا ثبت هذا ببينة؛ فماذا تقولون؛ هل يُقبل قوله إنه فرق، وهو لا يريد السرقة الثانية، أو نقول؛ الأصل أنه أراد الرجوع؟ قيل: حينئذ نرجع إلى التفريق، فإن كان طويلًا، فالظاهر أنه لم يرد السرقة، وإن كان يسيرًا؛ فالظاهر أنه أرادها. (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وأثبته من المطبوع و (ب) و (ج). (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أنها".

أعلم (¬1) (¬2). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬2) والصحيح في هذا كله أنها رضعة واحدة، حتى ولو أطلق الثدي عدة مرات، بل ولو انتقل من ثدى إلى آخر؛ فإنه رضعة واحدة، ولكن لو انتقل من امرأة إلى امرأة؛ فهل هي رضعة واحدة أو اثنتين؟ فيه وجهان، والأقرب أن هذا رضعتان؛ لاختلاف المرأتين. (ع). قلت: قول الشيخ (لاختلاف المرأتين) وصفٌ غير مؤثر، والعبرة في الرضعة العلم بها، ولا يكون ذلك إلا عن شبع؛ فربما كان شبعه من امرأة واحدة أو ثنتين، ولا فرق، واللَّه أعلم.

104 - القاعدة الرابعة بعد المئة الرضا بالمجهول قدرا أو جنسا أو وصفا؛ هل هو رضا معتبر لازم؟

(القاعدة الرابعة بعد المئة) الرضا بالمجهول قدرًا أو جنسًا أو وصفًا؛ هل هو رضا معتبر لازم؟ إن (¬1) كان الملتزم عقدًا أو فسخًا يصح إبهامه بالنسبة إلى أنواعه أو إلى أعيان من يرد عليه؛ صح الرضا به ولزم (¬2) بغير خلاف، وإن كان غير ذلك، ففيه خلاف فالأول له صور: - (منها): أن يحرم (¬3) بمثل ما أحرم به فلان أو بأحد الأنساك؛ فيصح. - (ومنها): [إذا] (¬4) طلَّق إحدى زوجاته؛ فيصح، وتعين بالقرعة على المذهب. - (وبها): [لو] (¬5) أعتق أحد عبيده؛ فيصح، ويعين بالقرعة أيضًا ¬

_ (¬1) في (ب): "بأن". (¬2) في المطبوع: "وألزم". (¬3) في المطبوع: "أن يحرم منها"، وفي (ج): "أن يحرم بما أحرم". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

على الصحيح. وأما الثاني؛ فله صور: - (منها): إذا طلق بلفظ أعجمي من لا يفهم معناه، والتزم موجبه عند أهله؛ ففي لزوم الطلاق له وجهان، والمنصوص في "رواية أبي الحارث": أنه لا يلزمه الطلاق، وهو قول القاضي وابن عقيل والأكثرين. - (ومنها): إذا طلق العجمي بلفظ الطلاق، ولم يفهم معناه، ولكنه التزم موجبه عند العرب فيه (¬1) خلاف. - (ومنها): إذا أعتق (¬2) العجمي أو العربي بغير لغته، ولم يفهم معناه، وفيه (¬3) الخلاف، ونص أحمد من "رواية عبد اللَّه" أنه لا يلزمه (¬4) العتق (¬5). - (ومنها): إذا قال لامرأته: أنت طالق مثل [ما طلق] (¬6) فلان زوجته، ولم يعلم عدده (¬7)؛ فهل يلزمه مثل طلاق فلان بكل حال، أو لا يلزمه أكثر من واحدة؟ ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "وفيه". (¬2) في المطبوع: "عتق". (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "ففيه". (¬4) في المطبوع: "لا يلزمه". (¬5) في "مسائل عبد اللَّه" (395/ 1426) نص أحمد على أنه: "إن كان يفهم؛ عتقت، وإن كان لا يفهم؛ لم تعتق؛ لأنه لا يدري". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "طلاق". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

فيه وجهان. - (ومنها): إذا قال: أيمان البيعة تلزمني لأفعلن كذا، ولم يعلم ما هي، وفيه (¬1) ثلاثة أوجه: أحدها: لا تنعقد يمينه بالكلية. والثاني: تنعقد إذا التزمها (¬2) ونواها، وله أفتى أبو القاسم الخرقي فيما حكاه (¬3) عنه ابن بطة، قال أبو القاسم؛ وكان أبي يتوقف فيها ولا يجيب بشيء (¬4). والثالث: تنعقد (¬5) فيما عدا اليمين باللَّه [تعالى] (¬6) بشرط النية بناءً على أن اليمين باللَّه لا تصح بالكناية (¬7). وفيه وجه رابع، وهو ظاهر كلام القاضي في "خلافه": إنه يلزمه موجبها نواها أو لم ينوها، وصرح به (¬8) في بعض "تعاليقه"، وقال: لأن من أصلنا وقوع الطلاق والعتاق بالكناية (7) بالخط وإن لم ينوه (¬9). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فيه، وفيه". (¬2) في المطبوع: "ألزمها". (¬3) في المطبوع: "حكى". (¬4) في المطبوع: "ولا يجيب فيها بشيء". (¬5) في المطبوع: "ينعقد" وفي (أ) بدون تنقيط. (¬6) ما بين المعقوفتين من (ج). (¬7) في المطبوع: "الكتابة". (¬8) في المطبوع: "وصرح به أيضًا". (¬9) في (أ): "ولم ينويه".

- (ومنها): لو قال: أيمان المسلمين تلزمني؛ ففي "الخلاف" للقاضي يلزمه اليمين باللَّه [تعالى] (¬1) والطلاق والعتاق والظهار والنذر، نوى ذلك أو لم ينوه، وهو مفرع [على قوله] (¬2) في أيمان البيعة. قال الشيخ مجد الدين: وذكر [هـ] (¬3) اليمين باللَّه [تعالى] (1) والنذر مبني على قولنا بعدم تداخل كفارتهما (¬4)، فأما على [قولنا] (¬5) بالتداخل؛ فيجزئه لهما كفارة يمين (¬6)، وقياس المشهور عن أصحابنا في يمين البيعة: أنه لا يلزمه شيء حتى ينويه ويلتزمه (¬7)، أو لا يلزمه شيء بالكلية حتى يعلمه أو يفرق بين اليمين باللَّه [تعالى] (1) وغيرها، مع أن صاحب "المحرر" لم يحك خلافًا [في] (¬8) اللزوم ها هنا، وإن لم ينوها؛ لأن أيمان المسلمين معروفة بينهم، لا سيما (¬9) اليمين باللَّه [تعالى] (¬10) وبالطلاق والعتاق، بخلاف أيمان البيعة (¬11). - (ومنها): البراءة من المجهول، وأشهر الروايات صحتها مطلقًا، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬2) و (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع: "كفاراتهما". (¬5) في (ج): "القول". (¬6) في المطبوع و (ج): "كفارة اليمين". (¬7) في المطبوع: "ويلزمه". (¬8) في المطبوع: "على". (¬9) في المطبوع و (ج): "ولا سيما". (¬10) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬11) انظر: "المحرر" (2/ 197 - 198).

سواء جهل المبرئ قدره أو وصفه (¬1) أو جهلهما معًا، وسواء عرفه المبرئ أو لم يعرفه. والثانية: لا يصح إذا عرفه المبرئ، سواء علم المبرئ بمعرفته أو لم يعلم. وفي تخريج [آخر] (¬2): أنه إن علم بمعرفته (¬3) [به] (¬4)؛ صح، وإن ظن جهله [به] (4)؛ لم يصح لأنه غار له. والثالثة: لا تصح (¬5) البراءة من المجهول وإن جهلاه؛ إلا فيما تعذر علمه للضرورة، وكذلك البراءة من الحقوق في الأعراض والمظالم. - (ومنها): البراءة من عيوب المبيع إذا (¬6) لم يعين منها شيء، وفيه روايتان: أشهرهما: أنه لا يبرأ. والثانية: يبرأ إلا من عيب علمه، فكتمه؛ لتغريره وغشة. وخرج أبو الخطاب وجهًا آخر بالصحة مطلقًا من البراءة من المجهول. - (ومنها): إجازة الوصية المجهولة، وفي صحتها وجهان. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ووصفه". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬3) في المطبوع: "معرفته". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ): "لا يصح". (¬6) في (ج): "إذ".

105 - القاعدة الخامسة بعد المئة في إضافة الإنشاءات والإخبارات إلى المبهمات

(القاعدة الخامسة بعد المئة) في إضافة الإِنشاءات والإخبارات إلى المبهمات. أما الإنشاءات، فمنها العقود، وهي أنواع: أحدها: عقود التمليكات المحضة؛ كالبيع والصلح بمعناه، وعقود التوثقات؛ كالرهن والكفالة، والتبرعات اللازمة بالعقد أو القبض بعده؛ كالهبة والصدقة؛ فلا (¬1) يصح في مبهم من أعيان متفاوتة؛ كعبد من عبيد وشاة (¬2) من قطيع، وكفالة أحد هذين الرجلين وضمان أحد هذين الدينين، وفي الكفالة احتمال؛ لأنه تبرع؛ فهو كالإباحة والإعارة (¬3)، ويصح في مبهم من أعيان متساوية مخنلطة؛ كقفيز [من] (4) صبرة [ورطل من زبرة] (¬4)، فإن كانت متميزة متفرقة؛ ففيه احتمالان ذكرهما في "التلخيص"، وظاهر كلام القاضي الصحة؛ فإنه ذكر في "الخلاف": أنه يصح عين من أعيان متقاربة النفع؛ لأن المنافع لا تتفاوت كالأعيان، وإن كانت مختلفة من جنس واحد؛ كصبرة مختلفة الأجزاء؛ فوجهان: ¬

_ (¬1) في (ج): "ولا". (¬2) في (ب): "أو شاة". (¬3) في المطبوع و (ج): "كالإعارة والإباحة". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

أحدهما: البطلان؛ كالأعيان المتميزة. والثاني: الصحة، وله من كل نوع بحصته. والثاني: عقود معاوضات غير متمحضة؛ كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد؛ ففي صحتها على مبهم من أعيان مختلفة وجهان، أصحهما الصحة، وفي الكتابة (¬1) طريقان: أحدهما: أنها كذلك، وهي طريقة القاضي. والثاني: لا تصح (¬2) وجهًا واحدًا؛ لأن عوضها مال محض. والثالث: عقد تبرع معلَّق بالموت؛ فيصح في المبهم بغير خلاف لما دخله من التوسع؛ كعبد من عبيده وشاة من قطيعه، وهل تعين (¬3) بتعيين الورقة أو بالقرعة؟ على روايتين. ومثله: عقود الإباحات (¬4)؛ كإعارة أحد هذين الثوبين، وإباحة أحد هذين الرغيفين، وكذلك عقود المشاركات والأمانات المحضة، مثل أن يقول: ضارب بإحدى هاتين المئتين، وهما في كيسين، ودع الأخرى (¬5) عندك وديعة، أو ضارب من هذه [المئة] (¬6) بخمسين؛ فإنه يصح ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الكناية". (¬2) في (أ): "لا يصح". (¬3) كذا في (أ)، وفي (ب) بدون تنقيط، وفي المطبوع و (ج): "يعين". (¬4) في المطبوع: "عقود التبرعات". (¬5) المطبوع: "ودع عنك الأخرى"، وفي (ج): "ودع الآخر". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

للتماثل (¬1)، ذكره صاحب "التلخيص"، [فأما إن] (¬2) كان الإبهام في المتملك (¬3)، فإن كان على وجه يؤول إلى العلم كقوله: أعطو أحد هذين كذا؛ صحت الوصية، كما لو قال في الجعالة: من رد عبدي؛ فله كذا. وإن كان على وجه لا يؤول إلى العلم كالوصية لأحد هذين؛ ففيه روايتان، وعلى الصحة يميز بالقرعة. - (ومنها) (¬4) الفسوخ؛ فما وضع منها على التغليب والسراية، صح في المبهم؛ كالطلاق والعتاق. وخرج صاحب "التلخيص" وجهًا في الوقف: أنه كالعتق لما فيه من التحرير، والمذهب خلافه؛ لأن الوقف عقد تمليك؛ فهو بالهبة أشبه. وأما الإخبارات؛ فما كان منها خبرًا دينيًا، أو كان يجب به [حق] (¬5) على المخبر قبل في المبهم، وإن (¬6) تعلق به وجوب حق [له] (¬7) على غيره؛ لم يقبل إلا فيما يظهر فيه (¬8) عذر الاشتباه؛ ففيه خلاف، وإن تعلق به وجوب الحق على غيره لغيره؛ فحكمه حكم إخبار من وجب عليه الحق، ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "التماثل". (¬2) فى (ب): "وأما إن"، وفي (ج): "فإن". (¬3) في المطبوع: "التملك"، وفي (ج): "الملك". (¬4) في المطبوع و (ج): "وأما". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في المطبوع: "فإن". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬8) في المطبوع: "إلا فيما يظهر له فيه".

ويتخرج (¬1) على ذلك مسائل: - (منها): لو أخبره أن كلبًا ولغ في أحد هذين الإنائين لا بعينه قبل، وصار كمن اشتبه عليه طاهر بنجس، وكذلك (¬2) لو أخبره بنجاسة أحد الثوبين، أو أن أحد هذين اللحمين ميتة والآخر مذكاة ونحو ذلك. - (ومنها): الإقرار؛ فيصح بالمبهم (¬3)، ويلزم بتعيينه، مثل أن يقول: أحد هذين ملك لفلان، أو له عندي درهم أو دينار، ويصح للمبهم؛ كما لو أقر أنه أعتق أحد هذين العبدين، أو أعتقه موروثه، وكذلك إذا أقر أنه زوج إحدى بناته من رجل [ولم يسمها] (¬4) ثم مات؛ فإنها تميز بالقرعة على المنصوص، وكذا (¬5) لو أقر أن هذه العين التي في يده لأحد هذين وديعة ولا أعلمه عينًا؛ فإنهما يقترعان عليها، نص عليه. وكذا لو أقر أنه باع هذه العين من أحد هذين، وهما يدعيانها؛ فإنهما يقترعان [عليها] (¬6)، ولو كانت في يد أحدهما، نص عليه [أحمد] (¬7) في "رواية ابن منصور" في رجلين ادعى كل [واحد] (¬8) منهما أنه اشترى من رجل ثوبًا، وقال أحدهما: اشتريته بمئة، وقال الآخر: بمئتين، وأقر البائع ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب) و (ج): "ويحرج". (¬2) في (ج): "وكذا". (¬3) في المطبوع و (ج): "المبهم". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع و (ب): "وكذلك". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي (ج): "كل منهمي".

أنه باعه بمئتين ولم يعين؛ فإنه يقرع بينهما، وإن أقاما بينتين، وكان الثوب في يد أحدهما (¬1)، وهذا اختيار أبي بكر، ولا اعتبار بهذه اليد للعلم بمستندها. وعنه رواية ثانية (¬2): أنها يد معتبرة؛ فتكون العين لصاحبها، ومع تعارض البينتين يخرج على الخلاف في بينة الداخل والخارج. - (ومنها): الدعوى بالمبهم؛ فإن كانت بما يصح وقوع العقد عليه مبهمًا؛ كالوصية والعبد المطلق في المهر (¬3) ونحوه؛ فإنها تصح، قال في "الترغيب": وألحق أصحابنا الإقرار بذلك؛ قال: والصحيح عندي أن دعوى الإقرار بالمعلوم لا يصح؛ [لأنه ليس بالحق ولا موجبه] (¬4)؛ فكيف ¬

_ (¬1) في "مسائل ابن منصور" (439/ 376): "قلت: رجل باع ثوبًا، فجاء رجل، فأقام البينة أنه اشتراه بمئة، وأقام الآخر البينة أنه اشتراه بمئتين، والبائع يقول: بعته بمئتين، والثوب في يد البائع بعد؟ قال: المتبايعان بالخيار: إن شاء أحدهما أخذ النصف بمئة والآخر بخمسين، وإن شاءا ردَّاه، فإن كان الثوب في يد أحدهما، ولا يدرى أيهما اشترى أولًا؟ قال: هي للذي في يديه؛ إلا أن يجيء هذا ببينة أنه أول، فهو له، وإذا أقاما جميعًا البينة أنه الأول؛ فهو للذي في يديه. قال أحمد: ليس قول البائع بشيء، يقرع بيهما، فمن أصابته القرعة؛ فهو له بالذي ادَّعى أنه اشتراه به، قلت: فإن كان الثوب في يد أحدهما، ولا يدرى أبهما اشتراه أولًا؟ قال: لا ينفعه ما في يديه، إذا كان مقرًّا أنه اشتراه من فلان؛ يقرع بينهما. قلت: إذا أقاما جميعًا البينة أنه أول؟ قال: يقرع بيهما إذا كان مقرًّا أنه اشتراه من فلان ولا ينفعه ما في يديه. قال إسحاق: كما قال" اهـ. (¬2) في المطبوع: "أخرى". (¬3) في المطبوع: "المبهم". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

بالمجهول؟! وأما الدعوى على المبهم؛ فلا تصح ولا تسمع ولا يثبت بها قسامة ولا غيرها، فلو قال: قتل أبي أحد هؤلاء الخمسة؛ لم تسمع (¬1)، قال في "الترغيب": ويحتمل أن تسمع (1) للحاجة؛ فإن مثله يقع كثيرًا، ويحلف كل واحد منهما. قال: وكذلك يجري في دعوى الغصب والإتلاف والسرقة، ولا يجري في الإقرار والبيع إذا قال: نسيت؛ لأنه مقصر. - (ومنها): الشهادة بالمبهم؛ فإن كان المشهود به يصح مبهمًا؛ صحت الشهادة به؛ كالعتق والطلاق والإِقرار والوصية، وإلا؛ لم تصح (¬2)، لا سيما الشهادة التي لا تصح بدون دعوى؛ فإنها تابعة للدعوى في الحكم؛ أما إن شهدت البينة أنه [أعتق أو طلق] (¬3) أو أبطل وصية معينة، وادعت نسيان عينها؛ ففي القبول وجهان حكاهما في "المحرر" (¬4)، وجزم ابن أبي موسى بقبول الشهادة بالرجوع عن إحدى الوصيتين مطلقًا. وكذلك حكى عن أبي بكر، ونقل ابن منصور عن أحمد في شاهدين شهدا على رجل أنه أخذ من يتيم ألفًا، وشهد آخران على آخر أنه هو الذي أخذها يأخذ الولي بأيهما شاء، ولعل المراد أنه إذا صدق إحدى البينتين حكم له بها. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "يسمع"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬2) في (ب) والمطبوع و (ج): "يصح". (¬3) في المطبوع و (ج): "طلق أو أعتق" بتقديم وتأخير. (¬4) قلت: أحدهما قبول هذه الشهادة، والآخر ردها. انظر: "المحرر" (2/ 245).

(فصل) ولو تعلق الإِنشاء باسم لا يتميز به مسماه لوقوع الشركة فيه؛ فإن لم ينوه (¬1) في الباطن معينًا؛ فهو كالتصريح بالإبهام، كان نوى به معينًا؛ فإن كان العقد مما لا يشترط له الشهادة؛ صح، وإلا؛ ففيه خلاف، والإخبار تابع للإِنشاء في ذلك، ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): ورود عقد النكاح على اسم لا يتميز مسماه لا يصح، [فلو] (¬2) قال: زوجتك بنتي وله بنات؛ لم يصح، وأما إن عينا في الباطن واحدة وعقدا العقد عليها باسم غير مميز، نحو أن يقول: بنتي. وله بنات، أو يسميها باسم، وينويا في الباطن غير مسماه؛ ففي الصحة وجهان، اختار القاضي في موضع الصحة، وأبو الخطاب [وغيره] (¬3) البطلان (¬4)، ومأخذه أن النكاح يشترط له الشهادة ويتعذر الإشهاد على النية. وعن أبي حفص العكبري: إن كانت المسماة غلطًا لا يحل نكاحها لكونها مزوجة أوغير ذلك؛ صح النكاح، وإلا؛ فلا، ولو (¬5) وقع مثل هذا في غير النكاح مما لا يشترط له الشهادة، فإن قلنا في النكاح: يصح؛ ففي غيره أولى، وإن قلنا في النكاح: لا يصح؛ فمقتضى تعليل من علل ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "ينوبه"، وفي (ج): "ينويه". (¬2) في المطبوع و (ب): "فلو". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "والقاضي في موضع آخر". (¬4) انظر: "كتاب الهداية" (1/ 251) لأبي الخطاب. (¬5) في المطبوع: "فلو".

باشتراط الشهادة أن يصح في غيره مما لا يعتبر الإشهاد عليه لصحتها. - (ومنها): الوصية لجاره محمد، وله جاران بهذا الاسم؛ فله حالتان: إحداهما: أن يعلم بقرينة أو غيرها أنه أراد واحدًا منهما معينًا وأشكل علينا معرفته؛ فها هنا تصح (¬1) الوصية بغير تردد، ويخرج المستحق منهما بالقرعة على قياس المذهب في اشتباه المستحق للمال بغيره من الزوجة المطلقة والسلعة المبيعة وغيرهما. والحالة الثانية: أن يطلق وقد يذهل عن تعيين أحدهما بعينه؛ فهو كالوصية لأحدهما بهما، وكذلك حكى الأصحاب في الصحة روايتين، ولكن المنصوص عن أحمد الصحة، قال صالح: سألت أبي عن رجل مات وله ثلاثة (¬2) غلمان، ثلاثتهم اسمهم فرج، فأوصى (¬3) عند موته، فقال: فرج حر، وفرج له مئة، وفرج ليس له شيء؛ قال (¬4): يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة؛ فهو حر، وأما صاحب المئة؛ فلا شيء له، و [ذلك أنه] (¬5) عبد، والعبد هو وماله لسيده (¬6)، وهذا يدل على [صحة الوصية] (¬7) مع ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يصح"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬2) في (ب) و (ج): "ثلاث"! (¬3) في المطبوع: "فوصى". (¬4) في المطبوع: "قال أبي:". (¬5) في (ج): "لأنه". (¬6) انظر: "مسائل صالح"، وسيأتي عند المصنف (2/ 427) أنها رواية ابن بختان. (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الصحة".

اشتراك الاسم؛ لأنه إنما علل البطلان ها هنا بكونه (¬1) عبدًا؛ فدل على أنه لو كان حرًّا لاستحق. وزعم صاحب "المغني" أن رواية صالح تدل على بطلان الوصية (¬2)، وخالفه صاحب "المحرر" (¬3)، ونقل حنبل: قال أبو عبد اللَّه في رجل له كلامان اسمهما واحد، فاوصى عند موته، فقال: فلان حر [بعد] (¬4) موتي لأحد الغلامين، وله مئتا درهم، وفلان ليس هوحر واسمهما واحد؛ قال (¬5): يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة؛ فهو حر، وأما صاحب المئتين؛ فليس له شيء، [وذلك] (¬6) أنه عبد، والعبد وماله لسيده، وهذه تدل (¬7) على مثل ما دلت عليه "رواية صالح"، لكن السؤال يقتضي أن الموصى له بالمئتين هو العتيق، والجواب يدل (¬8) على خلافه. ومن ثم زعم صاحب "المحرر" أنها تدل على بطلان الوصية للإبهام (¬9)، وليس كذلك؛ لأنه إنما علل بكونه عبدًا لم يعتق، وتأولها ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "لكونه". (¬2) انظر: "المغني" (6/ 127/ 4743). (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 383). (¬4) في (ج): "عند". (¬5) في المطبوع و (ج): "فقال". (¬6) في (ب): "وكذلك". (¬7) في المطبوع و (ج): "لا تدل". (¬8) في (ج): "ما يدل". (¬9) انظر: "المحرر" (2/ 3). وقال المرداوي في "الإنصاف" (7/ 231) عن البطلان: "الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب"!!

القاضي وابن عقيل على أن الوصية لم تصح؛ لكونه عبدًا حال الإيصاء (¬1)، ولا تكفي (¬2) حريته حال الاستحقاق، وعلى هذا؛ فلا تصح الوصية لأم الولد والمدبر، وهو ضعيف جدًّا، وجواب أحمد إنما يتنزل على أن الموصى له بالدراهم غير المعتق (¬3). ونقل يعقوب بن بختان أن أبا عبد اللَّه سئل عن رجل له ثلاثة غلمان، اسم كل واحد منهم فرج؛ فقال: فرج حر، ولفرج مئة درهم. فقال (¬4): يقرع بينهم، فمن خرج سهمه؛ فهو حر، والذي أوصى له بالمئة لا شيء له؛ لأن هذا ميراث، وهذه الرواية من جنسها ما قبلها، حيث علل فيها بطلان (¬5) الوصية بكون العبد الموصى له ميراثًا (¬6) للورثة؛ فهذه الروايات [الثلاثة] (¬7) التي ساقها الخلال في "الجامع" وكلها دالة على الصحة، وهو قول القاضي. وساقها أبو بكر في "الشافي" على أنَّ الموصى له بالدراهم هو المعتق (3)، وأنَّ أحمد صحيح الوصية له في "رواية صالح" (¬8)، وأبطلها في "رواية حنبل"، قال أبو بكر: وبالصحة أقول. ¬

_ (¬1) في (ج): "الإيصال"! (¬2) في المطبوع: "يكفي". (¬3) في (ج): "العتيق"! (¬4) في المطبوع: "قال". (¬5) في المطبوع: "ببطلان". (¬6) في المطبوع و (ج): "ميراث". (¬7) في (ج): "الثلاث"، وفي (ب): "التامة". (¬8) لم أظفر بها في مطبوع "مسائل صالح".

وفي ["جامع] (¬1) الخلال" أيضًا عن مُهَنَّأ: إن أحمد قال في رجلين شهدا على رجل أنه أوصى عند هوته، [فقال] (¬2): لفلان بن فلان من أصحاب فلان ألف درهم، أو أحاله بها والشهود لا يعرفون فلان بن فلان؛ كيف يصنعون وقد مات الرجل؟ فقال (¬3): ينظرون في أصحاب فلان فيهم (¬4) فلان بن فلان من أصحاب فلان؟ قلت: فإن جاء رجلان، فقال كل واحد منهما: أنا فلان بن فلان من أصحاب فلان؛ قال: فلا يدفع إليهم شيء (¬5)، حتى يكون رجل واحد. والظاهر أن أحمد لم يتوقف في الدفع إلا ليتيقن المستحق من غيره، لا لصحة الوصية؛ فإنها ها هنا لمعين في نفس [الأمر] (2)، وإنما اشتبه علينا لاشتراك الاسمين؛ فلذلك وقف الدفع على معرفة عين المستحق [إذا رجى انكشاف الحال، وأما مع الإياس من ذلك؛ فيتعين تعيين المستحق] (¬6) بالقرعة، قاله بعض أصحابنا (¬7) المتقدمين، وهو الحق (¬8). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "قال". (¬4) في (ج): "أفيهم". (¬5) في المطبوع: "إليهما شيئًا". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) فى المطبوع و (ج): "الأصحاب". (¬8) قال في "الإنصاف" (7/ 231): "فعلى القول بالصحة؛ فقيل: يعينه الورثة، جزم به في "الرعاية الكبرى"، وقيل: يعين بقرعة، قطع به في "القواعد الفقهية"، وهو الصواب". وانظر: "المبدع" (6/ 33)، و"المغني" (6/ 542 - مع "الشرح الكبير").

- (ومنها): اشتباه المدعى عليه إذا كتب القاضي إلى قاضٍ ببلد (¬1) آخر: أن لفلان [بن فلان] (¬2) على فلان بن فلان المسمى الموصوف كذا، فأحضره المكتوب إليه بالصفة والنسب، فادعى (¬3) أن له مشاركًا في ذلك ولم يثبت حكم عليه، وإن ثبت [له مشارك] (¬4) في الاسم والنسب والصفة (¬5)؛ وقف حتى يعلم الخصم منهما، ولم يجز القضاء مع عدم العلم، أما (¬6) لو كان المدعى المكتوب فيه حيوانًا أو عبدًا موصوفًا، ولم يثبت له مشارك؛ ففيه وجهان: أشهرهما: أنه يسلم إلى المدعي مختوم العنق، ويؤخذ منه كفيل حتى يأتي القاضي الكاتب فيشهد الشهود على عينه ويقضى له به، [ومتى لم] (¬7) يشهدوا على عينه؛ وجب رده إلى الحاكم الذي سلمه، ويكون في ضمان الذي أخذه؛ لأنه أخذه بغير استحقاق. والوجه الثاني: لا يسلم إلا بالشهادة على عينه. والفرق بينها وبين التي قبلها أن الحر قد طابق قول المدعى اسمه ونسبه وصفته، فيبعد الاشتراك في ذلك والعبد والحيوان إنما حصل الاتفاق ¬

_ (¬1) في المطبوع: "قاضي بلد". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬3) في (ج): "فالدعي"!! وهو خطأ. (¬4) في المطبوع: "أن له مشاركًا". (¬5) في المطبوع و (ج): "والصفة والنسب" بتقديم وتأخير. (¬6) في (ج): "وأما". (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وإن"!

في وصفه أو في وصفه واسمه، والوصف كثير الاشتباه وكذلك الاسم، ونظير هذا ما ذكروه (¬1) في شهادة الأعمى: أنه إن (¬2) عرف المشهود عليه باسمه ونسبه؛ قبلت شهادته، وإن عرفه برؤية (¬3) قبل عماه فوصفه؛ ففي قبولها وجهان؛ لأن الوصف المجرد يحصل فيه الاشتراك. - (ومنها)، لو كان له ابنتان اسمهما واحد، فوهب لإِحديهما (¬4) شيئًا أو أقر لها، ثم مات ولم يبين؛ فقال القاضي في "بعض تعاليقه": قياس المذهب إخراج المستحقة منهما بالقرعة؛ كما لو أقر أنه زوج إحدى بناته، ثم مات ولم يبين، وهذا صحيح؛ لأن الهبة والإقرار هنا وقع لمعين (¬5) في الباطن، وإنما أشكل علينا الوقوف عليه؛ فيميز بالقرعة. - (ومنها): لو وجد في كتاب وقف: إن [رجلًا] (¬6) وقف على فلان وبني بنيه واشتبه؛ هل المراد بنى بنيه (جمع ابن)، أو بني بنته (¬7) (واحدة البنات)؛ قال ابن عقيل [في "فنونه"] (¬8): يكون بينهما عندنا؛ لتساويهما؛ كما في تعارض البينات. ¬

_ (¬1) في (ج): "ما ذكره". (¬2) في (ج): "إذ". (¬3) في المطبوع و (ج): "برؤيته". (¬4) في المطبوع: "لإحداهما". (¬5) في المطبوع: "لمعنى". (¬6) في (ب): "فلانًا". (¬7) في المطبوع: "أو بني بنيه". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

قال الشيخ تقي الدين: ليس هذا من تعارض البينات (¬1)، بل هو بمنزلة تردد البينة الواحدة، ولو (¬2) كان من تعارض البينات (1)؛ فالقسمة عند التعارض رواية مرجوحة، وإلا؛ فالصحيح إما التساقط وإما القرعة؛ فيحتمل أن يقرع ها هنا؛ لأن الحق ثبت لإِحدى الجهتين، ولم يعلم عينها، ويحتمل أن يرجح بنو البنين؛ لأن العادة أن الإنسان إذا وقف على ولد بنته (¬3) لا يخص بنيها (¬4) الذكور، بل يعم أولادها (¬5)، بخلاف الوقف على ولد الذكور؛ فإنه يخص ذكورهم كثيرًا كآبائهم، ولأنه لو أراد ولد البنت لسماها باسمها أو لشرك بين ولدها وولد سائر بناته قال: وهذا أقرب إلى الصواب (¬6)، وأفتى [رحمه اللَّه] (¬7) فيمن وقف على أحد أولاده وله عدة أولا وجهل اسمه: أنه يميز بالقرعة (¬8). * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "البينتين". (¬2) في (ج): "فلو". (¬3) في المطبوع: "ولد بنيه". (¬4) في المطبوع: "منهما"! (¬5) في المطبوع: "أولادهما"! (¬6) انظر لشيخ الإسلام ابن تيمية كلامًا قريبًا من هذا في "الاختيارات الفقهية" (ص 180). (¬7) ما بين المعقوفتين من المطبوع. (¬8) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 180).

106 - القاعدة السادسة بعد المئة ينزل المجهول منزلة المعدوم؛ وإن كان الأصل بقاءه إذا يئس من الوقوف عليه أو شق اعتباره

(القاعدة السادسة بعد المئة) ينزل المجهول منزلة المعدوم؛ وإن كان الأصل بقاءه إذا يئس من الوقوف (¬1) عليه أو شق اعتباره. وذلك في مسائل: - (منها): الزائد على ما تجلسه المستحاضة من أقل الحيض أو غالبه إلى منتهى أكثره حكمه حكم المعدوم، حيث حكمنا فيها للمرأة بأحكام الطهارات كلها، فإن مدة الاستحاضة تطول، ولا غاية لها تنتظر، بخلاف الزائد على الأقل في حق المبتدئة على ظاهر المذهب، حيث تقضي الصوم الواقع فيه قبل ثبوت العادة بالتكرار؛ لأن أمره ينكشف بالتكرار عن قرب (¬2)، وكذلك النفاس المشكوك فيه تقضى فيه الصوم؛ لأنه لا يتكرر. - (ومنها): اللقطة بعد الحول؛ فإنها تتملك لجهالة ربها وما لا يتملك منها يتصدق به عنه على الصحيح، وكذلك (¬3) الودائع والغصوب ونحوها. ¬

_ (¬1) في (ج): "الوقف". (¬2) انظر هذه المسألة مع أدلتها وآراء العلماء فيها: "الخلافيات" للبيهقي (3/ مسألة رقم 48 - بتحقيقي). (¬3) في (ج): "وكذا".

- (ومنها): امرأة المفقود لغيبة ظاهرها الهلاك فيما بعد أربع سنين تباح للأزواج، وكذلك يقسم ماله بين الورثة؛ كالميت، لكن؛ هل يثبت له أحكام المعدوم من حين فقده أو لا يثبت إلا من حين إباحة أزواجه وقسمة ماله؟ على وجهين، ينبني عليهما لو كان له في مدة انتظاره من إرثه؛ فهل يحكم بتوريثه منه أم لا؟ ونص أحمد على أنه يزكى ماله بعد مدة انتظاره معللًا بأنه مات وعليه زكاة، وهذا يدل على أنه لا يحكم له بأحكام الموتى إلا بعد المدة، وهو الأظهر] (¬1). - (ومنها): مال من لا يعلم له وارث؛ فإنه يوضع (¬2) في بيت المال؛ كالضائع مع أنه لا يخلو من بني عم أعلى؛ إذ الناس كلهم بنو آدم، فمن كان أسبق إلى الاجتماع مع الميت في أب من آبائه؛ فهو عصبته، ولكنه مجهول؛ فلم يثبت له حكم، وجاز صرف ماله في المصالح. وكذلك (¬3) لو كان له مولى معتق لورثه في هذه الحالة، ولم يلتفت إلى هذا المجهول. ولنا رواية أخرى: أنه ينتقل إلى بيت المال إرثًا لهذا المعنى، فإن أريد أن اشتباه الوارث بغيره يوجب الحكم بالإرث للكل؛ فهو مخالف ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬2) في (ج): "يجعل". (¬3) في (أ) و (ج): "ولذلك".

لقواعد المذهب، وإن أريد أنه إرث في الباطن لمعين؛ فيحفظ ميراثه في بيت المال، ثم يصرف [في المصالح] (¬1) للجهل بمستحقه عينًا؛ فهو والأول بمعنى واحد، وينبني على ذلك مسألة اقتصاص الإمام ممن قتل [من] (¬2) لا وارث له. وفي المسألة وجهان: منهم من بناهما (¬3) على أن بيت المال هل هو وارث [أو] (¬4) لا، ومنهم من قال: لا ينبني على ذلك، ثم لهم طريقان: أحدهما: أنه لا يقتص، ولو قلنا بأنه وارث؛ لأن في المسلمين الصبي والمجنون والغائب، وهي طريقة أبي الخطاب. والثاني: يجوز الاقتصاص، وإن قلنا: ليس بوارث؛ لأن ولاية الإمام ونظره في المصالح قائم مقام الوارث، وهو مأخذ ابن الزاغوني. - (ومنها): إذا اشتبهت أخته بنساء أهل مصر؛ جاز له الإقدام على النكاح من نسائه، ولا يحتاج إلى التحري في ذلك على أصح الوجهين، وكذلك لو اشتبهت ميتة بلحم أهل مصر أو قرية أو اشتبه حرام قليل بمباح كثير ونحو ذلك؛ إلا أن يكثر الحرام ويغلب؛ فتخرج (¬5) المسألة على تعارض الأصل والظاهر؛ كثياب الكفار وأوانيهم. - (ومنها): طين الشوارع محكوم بطهارته على الصحيح ¬

_ (¬1) في (ب): "للمصالح". (¬2) في (ج): "ممن". (¬3) في (ب): "بناها". (¬4) في المطبوع و (ج): "أم". (¬5) في المطبوع: "فيخرج"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الثاني.

المنصوص. - (ومنها): إذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها؛ فإنها تميز بالقرعة، ويحل له وطئ البواقي على المذهب الصحيح المشهور، وكذلك لو أعتق واحدة من إمائه (¬1). - (ومنها): إذا أحرم بنسك وأنسيه، ثم عينه بقران؛ فإنه يجزئه عن الحج، وهل يجزئه عن العمرة؟ [على] (¬2) وجهين: أشهرهما عند المتأخرين: لا يجزئه؛ لجواز أن يكون أحرم بحج أولًا ثم أدخل عليه العمرة بنية القرآن؛ فلا تصح عمرته. والثاني: يجزئه؛ لأنه إنما يمنع من إدخال العمرة على الحج مع العلم، فأما مع عدمه؛ فلا تنزيلًا للمجهول كالمعدوم؛ فكأنه ابتدأ الإحرام بهما من حين التعيين. * * * ¬

_ (¬1) انظر في المسألة: "الهداية" (2/ 39)، و"المحرر" (2/ 60)، و"شرح الزركشي على مختصر الخرقي" (5/ 433)، و"الكافي" (2/ 844). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

107 - القاعدة السابعة بعد المئة تمليك المعدوم والإباحة

(القاعدة السابعة بعد المئة) تمليك المعدوم والإباحة. له نوعان: أحدهما: أن يكون بطريق الأصالة؛ فالمشهور [أنه] (¬1) لا يصح. والثاني: أن يكون بطريق التبعية؛ فيصح في الوقف والإجازة (¬2)، وهذا إذا صرح بدخول المعدوم، فأما إن لم يصرح، وكان المحل لا يستلزم المعدوم؛ ففي دخوله خلاف، وكذا لو انتقل الوقف إلى قوم فحدث من يشاركهم. ويتخرج على هذه القاعدة مسائل: - (منها): الإجارة لفلان ولمن يولد له؛ فإنها تصح، وفعل ذلك أبو بكر بن أبي داود، وهو من أعيان أصحابنا؛ [فإنه] (¬3) أجاز لشخص وولده (¬4) ولحبل الحبلة. ¬

_ (¬1) في (ب): "أن". (¬2) في المطبوع و (ب): "والإجارة" -براء-. (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬4) في المطبوع: "وولده".

- (ومنها): الإجازة (¬1) لمن يولد لفلان ابتداءً؛ فأفتى القاضي فيها بالصحة (¬2)، نقله عنه أبو بكر الخطيب، وقياس قوله في الوقف عدم الصحة. - (ومنها): الوقف على من يولد (¬3) له؛ فصرح القاضي في "خلافه" بأنه لا يصح لأنه وقف على من لا يملك في الحال واقتصر عليه؛ فلم يصح؛ كالوقف (¬4) على العبد. وقال (¬5) أحمد: في "رواية صالح" (¬6) الوقف يكون (¬7) أن يوقفه على ولده أو من يكون من أقاربه، فإذا انقرضوا؛ فهو صدقة على المساكين أو من رأى، قال الشيخ مجد الدين: ظاهره يعطي صحة الوقف ابتداءً على من يولد له أو يوجد (¬8) من أقاربه، وهذا عندي وقف معلق بشرط. انتهى (¬9). ويمكن أن يحمل على أن مراده من يكون موجودًا من أقاربه؛ فتكون (¬10) كان ناقصة وخبرها محذوفًا. ¬

_ (¬1) في (ب): "الإجارة". (¬2) في المطبوع: "بالصحة مطلقًا". (¬3) في المطبوع: "سيولد". (¬4) في المطبوع: "كما لو وقف". (¬5) في المطبوع: "قال". (¬6) انظر: "مسائله" (. . .). (¬7) في المطبوع: "إنما يكون". (¬8) في المطبوع و (ب) و (ج): "أو من يوجد". (¬9) نحوه في "المحرر" (1/ 369). (¬10) في المطبوع: "فيكون".

- (ومنها): لو وقف (¬1) على ولده وولد ولده أبدًا، أو من يولد له؛ فيصح بغير إشكال، نص عليه. - (ومنها): لو وقف على ولده وله أولاد موجودون، ثم حدث له ولد آخر؛ ففي دخوله روايتان، وظاهر كلام أحمد دخوله في المولود قبل تأبير النخل، وقد سبق وهو قول ابن أبي موسى [أيضًا] (¬2)، وظاهر كلام القاضي وابن عقيل، وأفتى به ابن الزاغوني. - (ومنها): لو وقف على ولده، ثم على ولدهم أبدًا على أن من مات عن ولد؛ فنصيبه لولده، ومن مات عن غير (¬3) ولد؛ فنصيبه لمن في درجته؛ فكان في درجته عند موته اثنان مثلًا؛ فتناولا نصيبه، ثم حدث ثالث؛ فهل يشاركهم؟ يخرج فيه وجهان من التي قبلها، والدخول هنا أولى، وبه أفتى [الشيخ شمس الدين] (¬4) ابن أبي عمر المقدسي؛ لأن الوقف على الأولاد قد يلحظ فيهم أعيان الموجودين عند الوقف، بخلاف الدرجة والطبقة؛ فإنه لا يلحظ فيه إلا مطلق الجهة. [وعلى هذا؛ لو] (¬5) حدث من هو أعلى من الموجودين، وكان في الوقف استحقاق الأعلى فالأعلى؛ فإنه ينزعه (¬6) منهم. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الوقف". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "غيره"! (¬4) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج) فقط. (¬5) في (ج): "فعلى هذا لو"، وفي المطبوع: "وعلى هذا؛ فلو". (¬6) في (ب) و (ج): "ينتزعه"، وفي المطبوع: "يفترغه".

فأما (¬1) حكم الوصية؛ فإنها لا تصح لمعدوم بالأصالة، كمن [تحمل] (¬2) هذه الجارية، صرح به القاضي وابن عقيل. وفي [دخول] (¬3) المتجدد بعد الوصية وقبل موت الموصي روايتان، وذكر القاضي [أيضًا] (¬4) فيمن وصى لمواليه وله مدبرون وأمهات وأولاد: أنهم يدخلون، وعلل بأنهم موال حال الموت، والوصية تعتبر بحال الموت. وخرجه الشيخ تقي الدين على الخلاف في المتجدد بين الوصية والموت، قال: بل هذا متجدد بعد الموت؛ فمنعه أولى، وهذا الذي قاله يتوجه إن عللنا (¬5) الوصية بصدق الاسم، فأما إن كان قصد الموصي الوصية لأعيان رقيقه، وسماهم (¬6) باسم يحدث لهم؛ فإنهم يستحقون الوصية بغير توقف. وأفتى [الشيخ] (¬7) أيضًا بدخول المعدوم في الوصية تبعًا؛ كمن وصى بغلة ثمره للفقراء إلى أن يحدث لولده ولد؛ فيكون له، وهو (¬8) قريب من تعليق الوصية بشرط آخر بعد الموت (¬9). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وأما". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أوصى بحمل". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (ب) و (ج): "متوجه إن علقنا"، وفي المطبوع: "يتوجه إن علقنا". (¬6) في (أ): "فسماهم". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬8) في المطبوع: "وهو له". (¬9) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (31/ 309)، و"الجامع للاختيارات الفقهية =

والمنصوص عن أحمد في "رواية أحمد بن الحسين بن حسان" (¬1) فيمن أوصى أن يتصدق في سكة فلان بكذا وكذا، فسكنها قوم بعد موت الموصي؛ قال: إنما كانت الوصية للذين كانوا. ثم قال: ما أدري كيف هذا؟ قيل (¬2): فيثبه هذا الكورة. قال: لا، الكورة وكثرة أهلها خلاف هذا المعنى، ينزل قوم ويخرج قوم يقسم بينهم؛ ففرق بين الكورة والسكة؛ لأن الكورة لا يلحظ الموصي فيها قومًا معينين لعدم انحصار أهلها، وإنما المراد تفريق الوصية [الموصى بها] (¬3)؛ فيستحق المتجدد فيها بخلاف السكة؛ فإنه قد يلحظ أعيان ساكنها الموجودين لحصرهم (¬4)، ويفارق الوقف في ذلك الوصية، لأن الوقف تحبيس وتسبيل يتناول المتجدد من الطباق؛ فكذا [من] (¬5) الطبقة الواحدة، بخلاف الوصية؛ فإنها تمليك؛ فيستدعي (¬6) موجودًا في الحال، [واللَّه أعلم] (¬7). * * * ¬

_ = لشيخ الإسلام ابن تيمية" (2/ 940 - 943). وانظر في المسألة: "المبدع" (6/ 49)، و"الإنصاف" (7/ 252). (¬1) صحب الإمام أحمد، وروى عنه أشياء، انظر بعضًا منها في: "طبقات الحنابلة" (1/ 39)، و"المنهج الأحمد" (1/ 354)، و"المقصد الأرشد" (1/ 89). (¬2) في المطبوع: "قيل له". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "فيها"، وفي (ج): "بها". (¬4) في (ج): "بحصرهم". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في (ج): "فتستدعي". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

108 - القاعدة الثامنة بعد المئة ما جهل وقوعه مترتبا أو متقارنا؛ هل يحكم عليه بالتقارن أو بالتعاقب؟

(القاعدة الثامنة بعد المئة) (¬1) ما جهل وقوعه مترتبًا أو متقارنًا؛ هل يحكم عليه بالتقارن أو بالتعاقب؟ فيه خلاف، والمذهب: الحكم بالتعاقب؛ لبعد (¬2) التقارن، ويندرج تحت ذلك صور: - (منها): [المتوارثان إذا ماتا] (¬3) جملة بهدم أو غرق أو طاعون، وجهل تقارن موتهما وتعاقبه (¬4)؛ حكمنا بتعاقبه على المذهب المشهور، وورَّثْنا كل واحد منهما من الآخر من تلاد ماله دون ما ورثه من صاحبه. وخرج أبو الخطاب رواية أخرى بعدم التوارث للشك في شرطه، وكذلك لو علم سبق أحدهما بالموت وجهل عينه، أو علم عينه، ثم نسى على المذهب، لكن هذا يستند إلى أن يقين (¬5) الحياة لا يشترط للتوريث. - (ومنها): إذا أقيم في المصر جمعتان لغير حاجة، وشك: هل ¬

_ (¬1) هنا في (ب): "القاعدة 109". (¬2) في (أ): "لتعذر". (¬3) في (أ) و (ب): "المتوارثون إذا ماتوا". (¬4) في (أ) و (ج): "أو تعاقبه". (¬5) في المطبوع: "تيقن".

أحرم بهما معًا؛ فيبطلان وتعاد الجمعة (¬1) أو أحرم بهما مترتبتين (¬2)؛ فيصلي الظهر على وجهين] (¬3): أصحهما: تعاد الظهر؛ لأن التقارن مستبعد. وعلى الثاني: تعاد الجمعة؛ إما لاحتمال المقارنة، أو تنزيلًا للمجهول كالمعدوم (¬4). - (ومنها): إذا زوج الوليان (¬5) وجهل هل وقع العقدان معًا فيبطلان، أو مترتبين فيصح (¬6) أحدهما بالقرعة؟ ففيه وجهان أيضًا: أحدهما: يبطلان؛ لاحتمال التقارن. والثاني: [لا] (¬7)؛ لاستبعاده. - (ومنها): إذا أسلم الزوجان الكافران قبل الدخول، واختلفا: هل أسلما معًا أو متعاقبين؛ فهل القول قول مدعي التقارن فلا ينفسخ النكاح، أو مدعي التعاقب لأن الظاهر معه؟ ¬

_ (¬1) في (ج): "جمعة". (¬2) في (ج): "مترتبين". (¬3) في المطبوع: "فتصلى الظهر على الوجهين". (¬4) صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة بدعة ما أنزل اللَّه بها من سلطان، وقد أسهبتُ في بيان ذلك في كتابي "القول المبين في أخطاء المصلين" (ص 384 - 388)، فراجعه. (¬5) في المطبوع: "وليان". (¬6) في المطبوع و (ج): "فيصحح". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

على وجهين يرجعان إلى تعارض الأصل والظاهر. - (ومنها): إذا كان في يد رجل عبد، فادعى رجلان كلًّا منهما أنه باعه هذا العبد بألف، وأقاما بذلك بينتين، ولم يؤرخا؛ فهل يصح العقدان ويلزمه الثمنان لجواز أن يكونا [في عبدين] (¬1) في زمنين (¬2) مختلفين، وحد استرجاع العبد (¬3) بينهما، أو تتعارض (¬4) البينتان لجواز أن يكونا عقدًا واحدًا فيسقطان والأصل براءة ذمته؟ على وجهين. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "في عقدين"، وفي (ج): "عقدين". (¬2) في المطبوع و (ج): "وقتين". (¬3) في المطبوع و (ج): "العقد". (¬4) في المطبوع: "يتعارض".

109 - القاعدة التاسعة بعد المئة المنع من واحد مبهم من أعيان أو معين مشتبه بأعيان يؤثر الاشتباه فيها المنع بمنع التصرف في تلك الأعيان قبل تمييزه

(القاعدة التاسعة بعد المئة) المنع من واحد مبهم من أعيان أو معين مشتبه (¬1) بأعيان يؤثر الاشتباه فيها المنع بمنع التصرف في تلك الأعيان قبل تمييزه. والمنع من الجمع يمنع (¬2) التصرف في القدر الذي يحصل به الجمع خاصة؛ فإن حصل الجمع دفعة واحدة منع من الجميع مع التساوي، فإن كان لواحد منهما (¬3) مزية على غيره بأن يصح وروده على غيره ولا عكس؛ اختص الفساد به على الصحيح، والمنع من القدر المشترك كالمنع من الجميع يقتضي العموم. وللأول (¬4) أمثلة: - (منها): إذا طلق واحدة مبهمة منع من وطء زوجاته حتى تميز (¬5) بالقرعة على الصحيح، وحكى رواية أخرى أنه يميزها بتعيينه (¬6). ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "مشتبهة". (¬2) في المطبوع و (ج): "يمنع من". (¬3) في (أ): "منها". (¬4) في المطبوع: "فللأول". (¬5) في المطبوع و (ج): "يميز". (¬6) قال ابن عقيل في "الفنون" (2/ 433/ 387) فيمن قال: واحدة من نسائي =

- (ومنها): إذا أعتق أمة من إمائه مبهمة؛ منع من وطء واحدة منهن حتى تميز [المعتقة] (¬1) بالقرعة، وفيه وجه بالتعيين. - (ومنها): إذا اشتبهت المطلقة ثلاثًا بزوجاته؛ منع من وطء واحدة منهن حتى تميز (¬2) المطلقة وتميزها بالقرعة على [ظاهر] (¬3) المذهب. - (ومنها): لو اشتبهت أخته بعدد محصور من الأجنبيات منع من التزوج (¬4) بكل واحدة منهن حتى يعلم أخته من غيرها. - (ومنها): إذا اشتبهت ميتة بمذكاة؛ فإنه يمنع من الأكل منهما حتى يعلم المذكاة. - (ومنها): اشتباه الآنية النجسة بالطاهرة يمنع من الطهارة [بواحدٍ منها] (¬5) حتى [يتيقن عين الطاهر] (¬6). - (ومنها): لو حلف بالطلاق لا يأكل تمرة، فاختلطت في تمر؛ فإنه ¬

_ = طالق التي اختلفت فيها المذاهب؛ قال: "فمذهبنا أنه يقع الطلاق على واحدة، لا يعيّنها، وتخرجها القرعة". وانظر في المسألة: "الهداية" (2/ 39)، و"المحرر" (2/ 60)، و"شرح الزركشي على متن الخرقي" (5/ 433)، و"الكافي" (2/ 844). (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "منهن". (¬2) في المطبوع و (ج): "يميز". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (ج): "التزويج". (¬5) في المطبوع: "بواحدة منها"، وفي (ج): "بواحدة". (¬6) في المطبوع: "يتبين على الظاهر"! وهو خطأ.

يمنع من أكل تمرة [منه] (¬1) حتى يعلم عين التمرة، وإن كنا لا نحكم عليه بالحنث بأكل واحدة. - (ومنها): لو حلف بطلاق زوجاته أن لا يطأ واحدة منهن، ونوى واحدة مبهمة؛ فإنه يمنع من الوطء حتى يميزها بالقرعة، وقيل: بتعيينه. - (ومنها): لو أعطينا الأمان لواحد من أهل حصن، [أو] (¬2) أسلم واحد منهم، ثم تداعوه؛ حرم قتلهم بغير خلاف. وفي استرقاقهم وجهان: أحدهما: وهو المنصوص: أنه يحرم مع التداعي. والثاني: أنه يخرج واحد منهم بالقرعة ويرق الباقون، وهو قول أبي بكر والخرقي (¬3)، ورجحه ابن عقيل في روايتيه (¬4) إلحاقًا له باشتباه العتق بغيره، وكما لو أقر أن أحد هذين الولدين من هذه الأمة ولده، ثم مات ولم يوجد (¬5) قافة؛ فإنا نقرع لإِخراج الحرية، وإن كان أحدهما حر الأصل، والصحيح الأول؛ لأن أهل الحصن لم يسبق لهم رق فإرقاقهم إلا واحدًا يؤدي إلى ابتداء الإِرقاق مع الشك في إباحته، بخلاف ما إذا كان أحد المشتبهين رقيقًا؛ فأخرج غيره بالقرعة، فإنه إنما يستدام الرق مع الشك في زواله. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في (ج): "و". (¬3) انظر: "مختصره" (9/ 227/ 7566 - مع "المغني"). (¬4) في المطبوع و (ج): "روايته". (¬5) في المطبوع: "ولم يوجده".

وللثاني أمثلة: - (منها): إذا ملك أختين أو أمًا وبنتًا؛ فالمشهور أن له الإقدام على وطء واحدة منهما ابتداءً، فإذا فعل؛ حرمت الأخرى. وعن أبي الخطاب: أنه يمنع من وطء واحدة منهن (¬1) حتى تحرم (¬2) الأخرى (¬3). ونقل ابن هانئ عن أحمد ما يدل [عليه] (¬4) وهو راجع إلى تحريم إحداهما مبهمة، والأول أصح؛ لأن المحرم هو ما يحصل به الجمع. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "منهما". (¬2) في (ج): "يحرم". (¬3) نقل قول أبي الخطاب هذا ابن رجب في ترجمته في كتاب "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 121). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). وفي "مسائل ابن هانئ" (2/ 98 - 99/ 1600): "وسئل [أي: الإمام أحمد] عن رجل اشترى جاريتين على أنه ليس بينهما قرابة، فلما صارتا في ملكه؛ ادعتا أنهما أختان؟ قال أبو عبد اللَّه: لا يطأ واحدة منهما حنى يستثبت ويصح عنده أنهما أختان أو ليستا بأختين. قيل: فإن شهد بعض الروم أنهما أختان، كيف ترى فيهما؟ قال أبو عبد اللَّه: لا أقبل شهادة بعضهم على بعض، إلا أن يكون بعضهم قد أسلم، بعض من يشهد مسلم أنهما أختان؛ فإنه يعتزل واحدة منهما إذا لم يكن وطأ أختها التي وطأ أوَّلًا، وينبغي أن يخرج الأخرى من ملكه". وفيها أيضًا (1/ 205/ 1014): "سألت أبا عبد اللَّه عن رجل اشترى جاريةً ولها ابنة، فقبل أمها؛ أتحل له الابنة؟ قال: لا تحل له الابنة. قلت له: فإن قبل ابنتها؛ تحل له الأم؟ قال: لا تحل له أيضًا. قلت له: فقد أتى للجارية عشر سنين؟ قال: ما كانت من السبع إلى العشر يحرّم عليه، أيهما قبَّل حرمت عليه الأخرى" اهـ.

- (ومنها): إذا وطئ الأختين واحدة بعد الأخرى؛ [فهل يمنع] (¬1) من وطئهما جميعًا حتى يحرم إحداهما لثبوت استفراشهما جميعًا، أم (¬2) تباح له الأولى إذا استبرأ الثانية لأنهما أخص بالتحريم حيث كان الجمع حاصلًا بوطئها؟ على وجهين، والأظهر [ها] (¬3) هنا الأول؛ لثبوت الفراش لهما جميعًا؛ فيكون الممنوع منهما واحدة مبهمة. - (ومنها): إذا أسلم الكافر وتحته (¬4) أكثر من أربع نسوة، فأسلمن أو كن كتابيات؛ فالأظهر أن له وطء أربع منهن، ويكون اختيارًا منه؛ لأن التحريم إنما يتعلق بالزيادة على الأربع، وكلام القاضي قد يدل على هذا، وقد يدل على تحريم الجميع قبل الاختيار. - (ومنها): لو قال لزوجاته الأربع: واللَّه؛ لا وطئتكن، وقلنا: لا يحنث (¬5) بفعل البعض؛ فأشهر الوجهين أنه لا يكون موليًا حتى يطأ ثلاثًا؛ فيصير حينئذ موليًا من الرابعة، وهو قول القاضي في "المجرد" وأبي الخطاب؛ لأنه يمكنه وطء [كل] (¬6) واحدة منهن من غير حنث؛ فلا تكون يمينه مانعة، بخلاف ما إذا وطئ ثلاثًا؛ فإنه لا يمكنه وطء الرابعة بدون ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "يمتنع". (¬2) في (ج): "ثم". (¬3) ما بين المعقوفتين ليس في (ج). (¬4) في المطبوع: "وعنده". (¬5) في المطبوع: "لا تحنث". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

حنث. والثاني: هو مول في الحال من الجميع، وهو قول القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "عُمَده"، وقالا (¬1): هو ظاهر كلام أحمد، ومأخذ الخلاف أن الحكم المعلق بالهيئة الاجتماعية هل هو حكم على ما يتم به مسماها حسب، أم (¬2) على مجموع الأجزاء في حالة الاجتماع دون الانفراد؟ فعلى الثاني يكون موليًا من الجميع ويتوقف حنثه بوطء كل واحدة على وطئ البواقي معها. - (ومنها): إذا زنى بامرأة وله أربع نسوه؛ ففي "التعليق" للقاضي: يمنع من وطء الأربع حتى يظهر (¬3) بالزانية حمل، واستبعده الشيخ مجد الدين (¬4)، وهو كما قال؛ لأن التحريم هنا لأجل الجمع بين خمس؛ فيكفي فيه أن يمسك [عن واحدة منهن] (¬5)، وصرح به صاحب "الترغيب". وقد ذكر صاحب "المغني" مثله فيمن أسلم على خمس نسوة ففارق واحدة؛ فإنه يمسك عن وطء واحدة منهن حتى تستبرئ المفارقة (¬6). - (ومنها): إذا تزوج خمسًا أو أختين في عقد واحد؛ فالنكاح باطل؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وقال"! (¬2) في المطبوع: "حنث أو". (¬3) في المطبوع: "يستظهر". (¬4) انظر: "المحرر" (2/ 21). (¬5) في المطبوع: "عن وطء واحدة منهم لا حتى تستبرئ"! (¬6) انظر: "المغني" (7/ 121/ 5442).

لأن الجمع (¬1) حصل به ولا ميزه (¬2) للبعض على البعض؛ فبطل (¬3)، بخلاف ما إذا تزوجهن في عقود متفرقة. وذكر القاضي في "خلافه" احتمالًا بالقرعة فيما إذا زوج الوليان من رجلين دفعة واحدة، وهذا مثله، ولكن هذا لعلة تخالف (¬4) الإجماع، قاله الشيخ مجد الدين (¬5)، ولكنه يعتضد بالرواية التي نقلها ابن أبي موسى فيمن قال لعبيده: أيكم جاءني بخبر كذا وكذا؛ فهو حر، فأتاه به اثنان معًا؛ عتق واحد منهما بالقرعة، وكذلك لو قال: أول غلام يطلع علي؛ فهو حر، أو أول امرأة تطلع علي؛ فهي طالق، فطلع عليه عبيده كلهم ونساؤه كلهن (¬6): أنه يطلق ويعتق واحد منهم بالقرعة، نص عليه في "رواية مُهَنَّأ"، وأقره القاضي وصاحب "المغني" في موضع منه على ظاهره، وتأولاه (¬7) مرة على أنهم اطلعوا (¬8) واحدًا بعد واحد (¬9)، وأشكل السابق، وهذا هو الأظهر؛ لأنه المعتاد (¬10) وغيره بعيد. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الجميع". (¬2) في المطبوع و (ج): "مزية". (¬3) في المطبوع و (ج): "فيبطل". (¬4) في (ج): "يخالف". (¬5) نحوه في "المحرر" (2/ 19)؛ فراجعه. (¬6) في المطبوع: "أكلهن"! (¬7) في المطبوع: "تأوَّلا". (¬8) في المطبوع: "طلعوا". (¬9) انظر: "المغني" (7/ 361/ 5988). (¬10) في المطبوع: "اجتهاد".

أما (¬1) إن كان لبعضهم مزية؛ فله صور: - (منها): إذا تزوج أمًا وبنتًا في عقد [واحد] (¬2)؛ ففيه وجهان: أحدهما: يبطل النكاحان معًا، وهو قول القاضي وابن عقيل وصاحب ["الكافي"] (¬3). والثاني: يبطل نكاح الأم وحدها، حكاه صاحب "الكافي" (¬4)، وجزم به صاحب "المحرر" (¬5)؛ لأن نكاح البنت لا يمنع نكاح الأم إذا عُري عن الدخول، بخلاف العكس؛ فكان نكاح الأم أولى [بالإِبطال] (¬6). - (ومنها): لو أسلم الكافر على أم وبنت لم يدخل بواحدة منهما؛ فالمذهب أنه ينفسخ نكاح الأم وحدها، وتحرم عليه على التأبيد، ويثبت نكاح البنت، نص عليه أحمد فيما ذكره القاضي في "خلافه"، واتفق الأصحاب عليه، وبناه القاضي على أن أنكحة الكفار صحيحة، فإذا صح النكاح في البنت؛ صارت أمها من أمهات نسائه، فحرمت عليه، قال: ولو ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وأما". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع و (ج): "المغني". وانظر: "الكافي" (3/ 40)، و"المغني" (7/ 94/ 5364)؛ ففيهما نحو هذه المسألة. (¬4) هذا الوجه في "الكافي" (3/ 41)، وعلله بقوله: "لأنها تحرم بمجر العقد على ابنتها، والبنت لا تحرم بمجرد العقد؛ فكانت الأم أولى بالبطلان، فاختصت به". (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 21). (¬6) في (ج): "بالبطلان".

لم يكن صحيحًا فيهما (¬1)؛كان له أن يختار أيهما شاء، وهذا يخالف ما قرره في "الجامع الكبير": إن العقد الفاسد في النكاح يحرم ما يحرمه الصحيح، وهذا النكاح غايته أنه فاسد؛ لأنه مختلف في صحته، والمنصوص عن أحمد في رواية أبي طالب أنه يفرق بينه وبين الأم والبنت؛ [لأنهما] (¬2) قد حرمتا عليه، وهذا محمول على ما إذا وجد الدخول بهما؛ لأنه قال في تمام الرواية (¬3): إذا كان تحته أختان فرق بينه وبين إحداهما (¬4)، وإذا كان تحته فوق أربع فرق بينه وبين الزيادة؛ فدل على أنه لم يجعله كابتداء العقد. - (ومنها): لو تزوج صغيرة وكبيرة (¬5)، ولم يدخل بها حتى أرضعت [الكبيرة] (¬6) الصغيرة؛ فسد نكاح الكبيرة لمصيرها من أمهات نسائه. وفي الصغيرة روايتان: إحداهما: يفسد نكاحها أيضًا، كمن عقد على أم وبنت ابتداءً. والثانية: لا يبطل، وهي أصح، ومسألة الجمع في العقد (¬7) قد سبق الخلاف فيها، وعلى التسليم فيها؛ فالفرق بينها (¬8) وبين مسألتنا أن الجمع ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فيها". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "و". (¬3) في المطبوع: "تمام هذه الرواية". (¬4) في المطبوع: "أحدهما"! (¬5) في المطبوع و (ج): "كسرة وصغيرة" بتقديم وتأخير. (¬6) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬7) في (ج): "وهو أصح الجمع في العقد". (¬8) في المطبوع: "بينهما"!

ها هنا حصل في الاستدامة دون الابتداء والدوام أقوى من الابتداء؛ فهو كمن أسلم عن أم وبنت. - (ومنها): لو كان تحت ذمي أربع نسوة، ثم استرق للحوقه بدار الحرب أو غيره؛ قال الشيخ مجد الدين: يحتمل أن يتخير منهم اثنتين كما لو أسلم عبد وتحته أربع، ويحتمل أن يبطل نكاح الجميع؛ كالرضاع الحادث (¬1) المحرم [للجمع] (¬2). - (ومنها): لو تزوج حرة وأمة في عقد، وهو فاقد لشرط نكاح الإماء؛ فإنه يبطل نكاح الأمة وحدها على الأصح؛ لأن الحرة تمتاز عليها بصحة (¬3) ورود نكاحها عليها في مثل هذه الحال ولا عكس. وللثالث -وهو المنع من القدر المشترك- أمثلة: - (منها): لو قال لزوجاته: "واللَّه؛ لا وطئت إحداكن" ناويًا بذلك الامتناع من وطء مسمى احداهن؛ وهو القدر المشترك بين الجميع؛ فيكون موليًا من الجميع، مع أن العموم يستفاد أيضًا من كونه مفردًا مضافًا، أما لو قال: لا وطئت واحدة منكن؛ فالمذهب الصحيح أنه يعم الجميع، وهو قول القاضي والأصحاب بناءً على أن النكرة في سياق النفي تفيد (¬4) ¬

_ (¬1) في المطبوع: "كالرضاع إلى الحادث". (¬2) في (ج): "للجمع"! وانظر: "المحرر" (2/ 30). (¬3) في المطبوع: "بصفة"! (¬4) في المطبوع: "يفيد".

العموم (¬1). وحكى القاضي عن أبي بكر أنه يكون موليًا من واحدة غير معينة، وأخذه من قوله: إذا آلى من واحدة معينة (¬2) منهن وأشكلت عليه؛ أخرجت بالقرعة، ولا يصح هذا الأخذ كما لا يخفى. وحكى صاحب "المغني" عن القاضي كذلك (¬3) والقاضي مصرح بخلافه؛ فإنه قال: هو إيلاء من الجميع رواية واحدة، لكنه قال: متى وطئ واحدة منهن انحلت اليمين (¬4) من الكل، بخلاف ما إذا قال: لا وطئت كل واحدة منكن أو لا وطئتكن؛ فإنه إذا وطئ واحدة منهن حنث، وبقي الإِيلاء من البواقي، وإن لم يحنث بوطئهن؛ لأن حقهن من الوطء لم يستوف، والفرق بين الصور الثلاث: أن قوله: "لا أطأ كل واحدة منكن أو لا (¬5) أطأكن" في قوة أيمان متعددة لإِضافته إلى متعدد، بخلاف قوله: لا أطأ ¬

_ (¬1) انظر حول هذه القاعدة الأصولية: "المحصول"، و"الإِحكام" (2/ 197) للآمدي، و"المستصفى" (2/ 90)، و"كشف الأسرار" (2/ 12)، و"فواتح الرحموت" (1/ 260)، و"روضة الناظر" (2/ 668)، و"المسودة" (ص 101)، و"المنخول" (ص 146)، و"شرح تنقيح الفصول" (ص 181)، و"شرح اللمع" (1/ 314)، و"نهاية السول" (2/ 322)، و"إرشاد الفحول" (ص 112)، و"المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي" (514). (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬3) انظره في: "المغني" (7/ 422/ 6116). (¬4) في المطبوع: "يمينه". (¬5) في المطبوع: "ولا".

واحدة منكن؛ [فإنه] (¬1) مضاف [إلى] (¬2) مفرد منكر (¬3) موضوع بالأصالة لنفي الوحدة وعمومه عموم بدل لا شمول؛ فاليمين فيه واحدة، فتنحل بالحنث بوطء واحدة، ولكن مقتضى هذا التفريق أن تتعدد الكفارة في الصورتين الأولتين بوطء كل واحدة، وهو قياس إحدى الروايتين في الظهار من نسائه بكلمة واحدة: إن الكفارة تتعدد، ويمكن أن يقال: النكرة في سياق النفي إن قيل: إنها تعم بوضعها كما نعم صيغ الجموع؛ فالصور الثلاث متساوية، وإن قيل: إن عمومها جاء ضرورة نفي الماهية؛ [فالمنفي] (¬4) بها واحد لا تعدد فيه، وهو الماهية المطلقة؛ فيتجه تفريق القاضي المذكور، واللَّه أعلم. - (ومنها): إذا قال: إن خرجتِ (¬5) من الدار مرة بغير إذني؛ فأنت طالق، ونوى بذلك [القدر المشترك] (¬6) بين المرات؛ اقتضى العموم بغير إشكال، وإن أطلق؛ فقال القاضي في "خلافه": تتقيد يمينه بمرة واحدة، وسلم أنه لو أذن لها مرة، فخرجت بإذنه، ثم خرجت بعد ذلك بغير إذنه؛ لم تطلق، وخالفه أبو الخطاب وابن عقيل في "خلافيهما" (¬7)، وهو الحق، ثم اختلف المأخذ؛ فقال ابن عقيل: ذكر المرة تنبيه على المنع من الزيادة ¬

_ (¬1) في (ج): "لأنه". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "منكن" (¬4) في (ب): "فالنفي"!! (¬5) في المطبوع و (ج): "خرجتي"! (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في المطبوع: "خلافهما".

عليها، وظاهر كلام أبي الخطاب أن العموم أتى من دخول النكرة في النفي (¬1)، ولا حاجة إلى ذلك كله؛ فإن اليمين عندنا إنما تنحل بالحنث، ولو خرجت مئة مرة بإذنه؛ لم تنحل اليمين بذلك عندنا، والمحلوف عليه قائم، وهو خروجها مرة بغير إذنه؛ فمتى وجد ترتب عليه الحنث. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "الشرط".

110 - القاعدة العاشرة بعد المئة من ثبت له أحد أمرين

(القاعدة العاشرة بعد المئة) من ثبت له أحد أمرين. فإن اختار أحدهما؛ سقط الآخر، وإن أسقط (¬1) أحدهما؛ ثبت (¬2) الآخر، وإن امتنع منهما، فإن كان امتناعه ضررًا على غيره؛ استوفى له الحق الأصلي الثابت له إذا كان ماليًا، فإن (¬3) لم يكن حقًّا ثابتًا سقط، وإن كان الحق غير مالي ألزم بالاختيار، وإن كان حقًّا (¬4) واجبًا له وعليه، فإن كان مستحقه غير معين؛ حبس حتى يعينه ويوفيه، وإن كان مستحقه معينًا؛ فهل يحبس أو يستوفى (¬5) منه الحق الذي عليه؟ فيه خلاف، وإن كان حقًّا عليه وأمكن استيفاؤه منه استوفى، وإن كان عليه حقان أصل (¬6) وبدل، فامتع من البدل؛ حكم عليه بالأصل. ويندرج تحت هذه القاعدة صور: ¬

_ (¬1) في (ب): "يسقط". (¬2) في المطبوع: "أثبت". (¬3) في المطبوع: "وإن". (¬4) في (ب): "وإن كان الحقُّ". (¬5) في المطبوع و (ج): "ويستوفى". (¬6) في المطبوع و (ج): "أصلي".

- (منها): لو عفى مستحق القصاص عنه، وقلنا: الواجب (¬1) أحد أمرين؛ تعين له المال، [ولو] (¬2) عفى عن المال؛ ثبت له القود. - (ومنها): لو اشترى شيئًا (¬3)، فظهر على عيب فيه، ثم استعمله استعمالًا يدل (¬4) على الرضا [بإمساكه] (¬5)؛ لم يسقط حقه [من المطالبة] (¬6) بالأرش عند ابن عقيل؛ لأن العيب موجب لأحد شيئين: إما الرد، وإما الأرش، فإسقاط أحدهما لا يسقط به الآخر. وقال ابن أبي موسى والقاضي: يسقط الأرش أيضًا وفيه بعد. - (ومنها): لو أتاه الغريم بدينه في محله، ولا ضرر عليه في قبضه؛ فإنه يؤمر بقبضه أو إبرائه، فإن امتنع قبضه له الحاكم وبرئ غريمه. - (ومنها): لو امتنع الموصى له من القبول والرد؛ حكم عليه بالرد، وسقط حقه من الوصية. - (ومنها): لو تحجر مواتًا، وطالت مدته، ولم يحيه، ولم يرفع يده عنه؛ فإن حقه يسقط منه. - (ومنها): لو أسلم على أختين أو أكثر من أربع نسوة، وامتنع من الاختيار؛ حبس وعزر حتى يختار. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "الواجب له". (¬2) في (ج): "ولمن". (¬3) في (أ): "شيء". (¬4) في المطبوع: "لا يدل". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

- (ومنها): لو أخرت المعتقة تحت عبد الاختيار حتى طالت المدة؛ أجبرها الحاكم على اختيار الفسخ أو الإقامة بالتمكين من الاستمتاع. - (ومنها): لو أبى المولى بعد المدة أن يفيء أو يطلق؛ فروايتان: إحداهما: يحبس حتى يفيء أو يطلق. والثانية: يفرق الحاكم بينهما. - (ومنها): لو حل دين الرهن وامتنع من توفيته، وليس ثَمَّ وكيل في البيع؛ باعه الحاكم وَوَفَّى الدَّيْن منه. - (ومنها): لو ادُّعِيَ عليه، فأنكر، وطُلِبَتْ (¬1) منه اليمين، فنكل عنها؛ قضي [عليه] (¬2) بالنكول، وجعل مقرًّا لأن اليمين بدل عن الإقرار، [أو عن البذل] (¬3)، فإذا امتنع من البدل؛ حكم عليه بالأصل. - (ومنها): لو نكل المدعى عليه عن الجواب بالكلية، فإن كانت الدعوى مما يقضى فيها بالنكول؛ فهل يقضى عليه [به] (¬4) هنا، أم يحبس حتى يجيب؟ على وجهين، وإن كانت مما لا يقضى فيها بالنكول؛ كالقتل والحد؛ فهل يحبس حتى يقر، أو يخلى سبيله؟ على وجهين. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "وطلب". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وعن النكول". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع: "فهل يقضى عليه به ها هنا".

111 - القاعدة الحادية عشر بعد المئة إذا كان الواجب بسبب واحد أحد شيئين، فقامت حجة يثبت بها أحدهما دون الآخر؛ فهل يثبت به أم لا؟

(القاعدة الحادية عشر بعد المئة) إذا كان الواجب بسبب واحد أحد شيئين، فقامت حجة يثبت (¬1) بها أحدهما دون الآخر؛ فهل يثبت به (¬2) أم لا؟ على روايتين، ويخرج عليها (¬3) مسائل: - (منها): إذا قلنا: موجب قتل العمد (¬4) أحد شيئين، فإذا ادعى أولياء المقتول على ولي [القاتل في] (¬5) القسامة، فنكل؛ فهل يلزمه (¬6) الدية؟ على روايتين. - (ومنها): لو ادعى جراحة عمد (¬7) على شخص، وأتى شاهد وامرأتين؛ فهل تلزمه ديتها؟ ¬

_ (¬1) في (ب): "ثبت". (¬2) في المبطوع: "يثبت" فقط، وفي (ب): "ثبت به". (¬3) في المطبوع و (ج): "عليهما". (¬4) في (ج): "القتل العمد". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في (ج): "تلزمه". (¬7) في المطبوع: "عمدًا".

على الروايتين (¬1)، والصحيح فيهما (¬2) عدم وجوب الدية؛ لئلا يلزم أن يجب بالقتل الدية عينًا، وأما [إن] (¬3) قلنا: إن موجب القتل القصاص عينًا، فالدية بدل؛ فلا يجب (¬4) بما لا يجب به المبدل (¬5). - (ومنها): [لو] (¬6) شهد رجل وامرأتان بقتل عبد عمدًا؛ فهل يثبت بذلك غرم قيمة العبد دون القود؟ على روايتين حكاهما صاحب "المحرر"، وذكر أن رواية وجوب القيمة رواها ابن منصور، وتأملت "رواية ابن منصور"؛ فإذا ظاهرها أن القاتل كان حرًّا؛ فلا تكون (¬7) جنابته موجبة للقود (¬8)؛ فلا تكون المسألة من هذا القبيل، بل من نوع آخر، وهو إذا كانت الجناية موجبة للمال عينًا، وقامت بها بينة يثبت (¬9) بها المال دون أصل الجناية؛ فهل يجب بها المال (¬10)؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "روايتين". (¬2) في المطبوع: "فيها". (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج). (¬4) في (ج): "فلا تجب". (¬5) في المطبوع: "المبدول"، وفي (ج): "البدل". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في المطبوع: "يكون". (¬8) انظر: "المحرر" (2/ 325). (¬9) في (ب): "ثبت". (¬10) في (ج) بعد قوله: "فهل يجب بها المال": "دون أصل الجناية، أو هل يجب بها المال؟ ".

على روايتين، كما لو كانت الجناية [خطأ أو] (¬1) عمدًا يوجب المال دون القود، وأتى عليها بشاهد وامرأتين، أو ادعى قتل كافر في الصف وأتى بشاهد وحلف معه؛ فهل يستحق بذلك سلبه؟ على الروايتين. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

112 - القاعدة الثانية عشر بعد المئة إذا اجتمع للمضطر محرمان، كل منهما لا يباح بدون الضرورة؛ وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضررا؛ لأن الزيادة لا ضرورة إليها؛ فلا تباح؟

(القاعدة الثانية عشر بعد المئة) إذا اجتمع للمضطر محرمان، كل منهما لا يباح بدون الضرورة؛ وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضررًا؛ لأن الزيادة لا ضرورة إليها؛ فلا تباح (¬1)؟ ويتخرج على ذلك مسائل (¬2): ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "يباح". وانظر عن هذه القاعدة: "القواعد الكلية والضوابط الفقهية" (ص 10) ليوسف بن عبد الهادي، و"الموافقات" (5/ 266 - بتحقيقي)، و"إيضاح المسالك" (ق 42)، و"قواعد المقّري" (ق 212)، و"الأشباه والنظائر" (ص 87) للسيوطي، و (ص 89) لابن نجيم، و (1/ 41) لابن السبكي، و"الأمر بالمعروف" (ص 22 - ط المكتبة القيمة) لابن تيمة، و"مفتاح دار السعادة" (ص 341، 348)، و"الداء والدواء" (ص 225 - 226، 309 - 310)، و"روضة المحبين" (ص 132)، و"إعلام الموقعين" (2/ 7 و 3/ 291)، و"الأمر بالمعروف" (ص 178) للعمري، و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 229). (¬2) معنى القاعدة: إذا اجتمع محرمان، والمحرم لا يباح إلا للضرورة، ولا بد من ارتكاب أحدهما؛ فنحن مضطرون إلى ارتكاب أحد المحرمين؛ فأيهما نقدم؟ نقدم الأخف؛ لأن الزيادة على الأخف زيادة محرمة لا ضرورة إليها، والواجب تجنب المحرم قدر الإمكان، كما أنه لو اجتمع واجبان، أحدهما أوجب، ولا بد من ترك أحدهما؛ نقدم الأوجب لأننا لو أخذنا بالأدنى؛ لأسقطنا الواجب الزائد، وهذا لا ضرورة إلى إسقاطه. (ع).

- (منها): إذا وجد المحرم صيدًا وميتة؛ فإنه يأكل الميتة، نص عليه أحمد (¬1)؛ لأن في أكل الصيد ثلاث جنايات: صيده، وذبحه، وأكله، وأكل الميتة فيها جناية واحدة، وعلى هذا؛ فلو وجد لحم صيد ذبحه محرم وميته، فإنه يأكل لحم الصيد، قاله القاضي في "خلافه"، لأن كلًّا منهما فيه جناية واحدة، ويتميز الصيد بالاختلاف في كونه مذكى، وفي هذا نظر؛ فإن أكل الصيد جناية على الإحرام، ولهذا يلزمه بها الجزاء عند الحنفية، وهو مستغنى عن ذلك بالأكل من الميتة، ثم وجدت أبا الخطاب في "انتصاره" اختار أكل الميتة معللًا (¬2) بما ذكرنا، ولو وجد بيض صيد؛ فظاهر كلام القاضي أنه يأكل الميتة ولا يكسره ويأكله لأن كسره جناية كذبح الصيد (¬3). ¬

_ (¬1) قال صالح في "مسائله" (1/ 442/ 439): "وسألته عن المحرم يضطر إلى الميتة والصيد؟ قال: يأكل الميتة". ونحوه في "مسائل عبد اللَّه" (243/ 902)، و"مسائل ابن هانئ" (2/ 134/ 1754)، و"مسائل أبي داود" (ص 128). (¬2) في المطبوع: "وعلله". (¬3) الصحيح في هذه المسألة أنه يأكل الصيد؛ لأن تحريم الميتة لخبثها وتحريم الصيد لاحترامه، ومعلوم أن ما حرم لخبثه أشد مما حرم لاحترامه؛ لأن المحرم لخبثه يضرّ بعينه، ثم يقال: الصيد إذا اضطر الإنسان إليه؛ صار حلالًا، فإذا ذكاه كان ذبحه حلالًا؛ لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "ما أنهر الدم؛ فكل" وثالثًا؛ إن النفس تتقزز من الميتة، وربما يموت الانسان جوعًا ولا يأكل الميتة، ولا تتقزز من الصيد. (ع). قلت: ويمكن أن يُضاف إلى هذه الوجوه بأن يقال: الميتة تحريمُها تحريم مطلق في كل وقت، وأما الصيد، فمتعلق بوصف، ويزول بزوال كون الإنسان محرمًا، والتحريم الدائم أشد بكثير من التحريم المؤقّت أو المقيّد. =

- (ومنها): نكاح الإماء والاستمناء كلاهما إنما يباح للضرورة، ويقدم نكاح الإماء كما نص عليه ابن عباس (¬1)؛ لأنه مباح بنص ¬

_ = وانظر في المسألة: "المغني" (3/ 315 و 8/ 601)، و"المبدع" (3/ 158 و 9/ 206)، و"الإنصاف" (3/ 391 و 10/ 372). (¬1) يشير المصنف إلى ما أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 199) عن يزيد ابن هارون، عن سفيان الثوري، عن عمار الدُّهني، عن مسلم البَطين، عن ابن عباس؛ أنه سئل عن الخضخضة (أي: نكاح اليد)؟ فقال: "نكاح الأمة خير منه، وهو خير من الزّنا". وإسناده منقطع، مُسْلم البطين لم يدرك ابن عباس، قاله أبو حاتم في "المراسيل" (218)، وقال الشوكاني في "بلوغ المنى" (ص 32 - بتحقيقي): "هذا مرسل موقوف". قلت: إلا أن للأثر طرقًا أخرى: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنّف" (3/ 442): نا سفيان بن عيينة، عن عمار، عن أبي مسلم، عن أبي عمران، عن أي يحيى؛ قال: "رأيت رجلًا سأل ابن عباس. . . "؛ فذكر نحوه. وأخرج الدوري في "ذم اللواط" (رقم 19): ثنا أبو كريب، ثنا يحيى بن آدم، ثنا سفيان الثوري، عن الأعمش وإسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، عن أبي يحيى، عن ابن عباس نحوه. وأبو يحيى هو مصدع الأعرج، صدوق، تكلم فيه؛ إلا أنه كان عالمًا بابن عباس. وإسماعيل بن سميع صدوق، تكلم فيه أيضًا. وباقي رجاله ثقات. وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (7/ 390 - 391/ رقم 13588) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (11/ 392 - 993) - عن الثوري ومعمر، عن الأعمش، عن أبي رزبن، عن أبي يحيى، عن ابن عباس نحوه. وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" أيضًا (7/ 391/ رقم 13589) عن معمر، عن الأعمش مثله بإسناده عن ابن عباس. وأخرجه أيضًا برقم (13590) عن ابن عيينة، عن عمار الدهني، عن مسلم؛ قال: =

[الكتاب] (¬1)، والآخر متردد فيه. وقال ابن عقيل في "مفرداته": الاستمناء أحبُّ إليَّ من نكاح الأمة (¬2). وفيه نظر، وأما نكاح الإماء ووطء المستحاضة؛ فقال ابن عقيل [في روايتيه] (¬3): إنما يباح وطء المستحاضة عند خوف العنت وعدم الطول لنكاح غيرها، وظاهر هذا أن نكاح الإماء مقدم عليه، ويوجه (¬4) بما ذكرنا من النص على إباحة نكاح الاماء دون وطء المستحاضة؛ فإنه في معنى وطء الحائض لكونه دم أذى (¬5). ¬

_ = "رأيت سعيد بن جبير لقي أبا يحيى، فتذاكرا حديث ابن عباس؛ فقال له أبو يحيى: سئل ابن عباس عن رجل يعبث بذكره حتى ينزل. فقال ابن عباس: إن نكاح الأمة خير من هذا، وهذا خير من الزنا". وأخرجه البيهقي في "الكبرى" (7/ 199) من طريق آخر يه ضعف، وهذه الطرق تدل على أن للأثر أصلًا، وهو صحيح ان شاء اللَّه تعالى بمجموعها. (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. والآية المشار إليها هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنين:5 - 6] (¬2) ذكر ابن رحب في كتاب "الذيل" (1/ 159): أن من المسائل التي تفرد بها ابن عقيل مسألة تحريم الاستمناء بكل حال؛ قال: "وحكاه رواية" اهـ. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "ويتوجه". (¬5) هذا رجل ليس عنده مهر أن ينكح الحرة، وقد قال اللَّه عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]، فإن لم يكن لديه مهر؛ فلا شك في جواز نكاح الأمة، وهذه المسألة غير واردة في كلام المؤلف؛ لأن المسألة مفروضة فيما إذا كان نكاح الأمة حرامًا، =

- (ومنها): من أبيح له الفطر لشبقه، ولم (¬1) يمكنه الاستمناء، واضطر إلى الجماع [في الفرج] (¬2)؛ فله فعله، فإن وجد زوجة مكلفة صائمة وأخرى حائضة؛ ففي احتمالان ذكرهما صاحب "المغني": أحدهما: وطء الصائمة أولى لأن أكثر ما فيه أنها تفطر لضرر غيرها، وذلك جائز؛ كفطرها (¬3) لأجل الولد، وأما وطء الحائض؛ فلم يعهد في الشرع جوازه؛ فإنه حرم للأذى ولا يزول الأذى بالحاجة إليه. والثاني: يخير (¬4) لتعارض مفسدة وطء الحائض من غير إفساد عبادة عليها وإفساد صوم الطاهرة (¬5). ¬

_ = كأن يكون متزوجًا أو عنده مهر يتزوج به حرّة، ولكنه لم يُقدم على زواج الحرّة؛ فبقي الآن مترددًا بين الاستمناء أو زواجه من الأمة؟ فيقال هنا له: تزوج حُرّة؛ فإن قال: طلبت فما وجدت؛ فيقال له بعد ذلك: تزوج أمة لأنها حلال حينئذ؛ لأن تعذر المرأة كتعذر المهر، والجامع بينهما العجز، وقول المؤلف مباح بنص إذا كان كذلك لا يكون قد اجتمع عند محرمان؛ لأنه والحالة إذ يكون حلالًا، ولكن على تقدير التعارض بين نكاح الأمة والاستمناء؛ فإن ما قاله ابن عقيل هو الصواب، وإن الاستمناء أخف، ووجه ذلك أن نكاح الأمة يترتب عليه استرقاق الأولاد، والصواب أن يقال كذلك في هذه المسألة: إن وطء المستحاضة جائز، والمستحاضة طاهر، ولو كان وطء المستحاضة حرامًا؛ لبينه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإنه استحاضت نساء كثير أيام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يعلم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منع أزواجهن من وطئهن. (ع). (¬1) في المطبوع: "فلم". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬3) في المطبوع: "لقطرها"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في المطبوع: "مخير". (¬5) انظر: "المعني" (3/ 42/ 2093).

والأول هو الصحيح؛ لما ذكرنا من إباحة الفطر لأسباب دون وطء الحائض (¬1). - (ومنها): إذا ألقى في السفينة نار، واستوى الأمران في الهلاك (أعني: المقام في النار، وإلقاء النفوس في الماء)؛ فهل يجوز إلقاء النفوس في الماء، أو يلزم المقام؟ على روايتين، والمنقول عن أحمد في "رواية مُهَنَّأ" أنه قال: أكره طرح نفوسهم في البحر. وقال في "رواية أبي داود": يصنع (¬2) كيف شاء. قيل له: هو في اللج لا يطمع في النجاة! قال: لا أدري (¬3)؟ ¬

_ (¬1) صورة المسألة: رجل اضطر إلى ثلاثة أشياء: إما الاستمناء، أو وطء حائض، أو وطء صائمة فرض. فنقول أولًا: يبدأ بالاستمناء، فإن لم يزل شبقه بذلك؛ فهو الآن مضطر إلى الجماع، وأمامه حائض وصائمة؛ فأيهما أولى أن يطأ الحائض أو الصائمة؟ فيه احتمالان، قيل: يطأ الحائض؛ لأن وطء الحائض لا يستلزم إفساد عبادة، غاية ما هنالك أنه وطء محرم، وليس هناك عادة تفسد على المرأة، وقال بعضهم: بل يطأ الصائمة؛ لأن إفساد صوم الصائمة جائز لمصلحة الغير، ولهذا تفطر المرضع لحاجة ابنها في الرضاع، وهذه مثلها، وهذا هو الصحيح، لأن فطر الصائمة لمصلحة الغير ثابت، ولأن وطء الحائض أذى، وهو مستقذر، وأما وطء الصائمة؛ فليس كذلك، ثم إن الصائمة عند إرادة الوطء سوف تنوي الفطر وتفطر؛ فتجامع وهي مفطرة لعذر، وحينئذ ينتهك المجامع حرمة الصوم؛ فالمهم إن وطء الصائمة أولى من وطء الحائض، هذا مع ما يضاف إلى ما يذكر من أن وطء الحائض فيه أضرار عظيمة، وحينئذ يكون في وطئها ضرر عليها، بخلاف الصائمة؛ إذ غاية ما هنالك من ضرر أن تفطر هذا اليوم ثم تقضيه، واللَّه أعلم. (ع). (¬2) في (ج): "يفعل". (¬3) انظر: "مسائل أبي داود" (ص 247).

[فتوقف] (¬1). ورجح ابن عقيل وغيره وجوب المقام مع تيقن الهلاك فيها، لئلا يكون قاتلًا لنفسه، بخلاف ما إذا لم يتيقنوا ذلك؛ لاحتمال النجاة بالإلقاء (¬2). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) هذه المسألة مشكلة، وهي إذا شبّ حريق في السفينة، فإن رأوا أن الأقرب إلى النجاة البقاء؛ لزمهم البقاء، وإن رأوا أن الأقرب أن يلقوا أنفسهم في الماء؛ لزمهم الإلقاء، وهذا واضح، ولكن المسألة ما إذا شكوا في الأمر، وتساوى عندهم الأمران؛ فهل يبقوا حتى تأكلهم النار، أم يلقوا أنفسهم في الماء ويغرقوا؟ فأمامهم هلاكان: هلاك بالنار، وهلاك بالماء، والظاهر أنهم يبقوا لأنهم إذا بقوا؛ صار هلاكهم بغير فعلهم، وأما إذا ألقوا أنفسهم؛ فيصير هلاكهم بفعلهم، وهذا حال عدم الترجيح. . (ع).

113 - القاعدة الثالثة عشر بعد المئة إذا وجدنا جملة ذات أعداد موزعة على جملة أخرى؛ فهل تتوزع أفراد الجملة الموزعة على أفراد الأخرى، أو كل فرد منها على مجموع الجملة الأولى؟

(القاعدة الثالثة عشر بعد المئة) إذا وجدنا جملة ذات أعداد موزعة على جملة أخرى؛ فهل تتوزع أفراد الجملة (¬1) الموزعة على أفراد الأخرى، أو كل فرد منها على مجموع الجملة الأولى (¬2)؟ هذه على قسمين: الأول: أن توجد قرينة تدل على تعيين أحد الأمرين؛ فلا خلاف في ذلك؛ فمثال ما دلت القرينة فيه على توزيع الجملة على الجملة الأخرى، ¬

_ (¬1) في (ج): "تقلدهُ". (¬2) الألفاظ قد تستعمل مفردة مقابل مفردة مثلها، وقد تستعمل جملة متعددة مقابل جملة متعددة أو مفردة. وموضوع القاعدة: الجملة ذات الأعداد بمقابل جملة ذات أعداد كذلك. فعند تقابل الجملة ذات الأعداد بالجملة الأخرى ذات الأعداد؛ فهل توزع أفراد الجملة الأولى على أفراد الجملة الثانية؟ مثل أن يُقال: أعط عشرة فقراء عشرة دراهم، فيعطى كل واحد منهم درهمًا. أو يوزع كل فرد من مجموع الجملة الأولى على مجموع أفراد الجملة الثانية؟ كمن باع عبدين له من رجلين بثمن واحد مشاعًا؛ فلكل واحد منهما نصف كل عبد منهما. وفي المثال الأسبق يستحق كل واحد من العشرة عشر كل درهم. انظر: "موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 346).

فيقابل (¬1) كل فرد كامل بفرد يقابله؛ إما لجريان العرف، أو دلالة الشرع على ذلك، وإما لاستحالة [ما سواه] (¬2) أن يقول لزوجتيه: إن أكَلْتُما هذين الرغيفين؛ فأنتما طالقتان، فإذا أكلت كل واحدة منهما رغيفًا؛ طلقت لاستحالة أكل كل واحدة للرغيفين، أو يقول لعبديه: إن ركبتما دابتيكما أو لبستما ثوبيكما أو تلقدتما سيفيكما أو اعتقلتما رمحيكما (¬3) أو دخلتما بزوجتيكما؛ فأنتما حران؛ فمتى وجد كل واحد [منهما] (¬4) ركوب دابته أو لبس ثوبه أو تقلد (¬5) سيفه أو رمحه أو الدخول بزوجته؛ ترتب عليهما (¬6) العتق؛ لأن الانفراد بهذا عرفي، وفي بعضه شرعي؛ فيتعين صرفه إلى توزيع الجملة على الجملة، ذكره في "المغني" (¬7). ومثال ما دلت القرينة فيه على توزيع كل فرد من أفراد الجملة على جميع أفراد الجملة الأخرى: أن يقول رجل لزوجتيه: إن كلمتما زيدًا [وكلَّمْتُما] (¬8) عمرًا؛ فأنتما طالقتان؛ فلا يطلقان حتى تكلم كل واحدة منهما زيدًا وعمرًا. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يتوزع أفراد الجمل". (¬2) في (ج): "فيقال: بل". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) في المطبوع: "رمحكما". (¬5) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬6) في (ج): "عليه". (¬7) انظر: "المغني" (7/ 354/ 5972). (¬8) في المطبوع: "أو كلمتما"، وقوله "كلمتما" مضروب عليه في (أ).

والقسم (¬1) الثاني: أن لا يدل دليل على إرادة أحد التوزيعين؛ فهل يحمل التوزيع عند هذا الإطلاق (¬2) على الأول أو الثاني؟ في المسألة خلاف، والأشهر أنه يوزع كل [فرد] (¬3) من أفراد الجملة على جميع أفراد الجملة الأخرى إذا أمكن، وصرح بذلك القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب في مسألة الظهار من نسائه بكلمة واحدة، ولذلك (¬4) لا يذكر الخلاف إلا في بعض الصور، ويجب طرده في سائرها ما لم يمنع منه مانع، ولذلك أمثلة كثيرة: - (فمنها) (¬5): قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في تعليل (¬6) مسحه [على] (¬7) الخفين: "إني أدخلتهما وهما طاهرتان (¬8) "؛ هل المراد أنه أدخل كل واحدة من قدميه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "القسم" من غير واو. (¬2) في (ج): "فهل يحمل هذا التوزيع عند الإطلاق". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "وكذلك". (¬5) في (ب): "ومنها". (¬6) في (ج): "تعليله". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) في المطبوع: "طاهرتين". والحديث أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب الوضوء باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، 1/ 309/ رقم 206، وكتاب اللباس، باب لبس جُبَّة الصوف في الغزو، 10/ 268 - 269/ رقم 5799)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، 1/ 230/ رقم 274 بعد 79)، وأحمد في "المسند" (4/ 255)؛ من حديث المغيرة بن شعبة، واللفظ لأحمد. =

الخفين وكل واحدة منهما طاهرة، أو المراد أنه أدخل كلا (¬1) القدمين الخفين وكل قدم في حال إدخالها طاهرة؟ وينبني على ذلك مسألة ما إذا غسل إحدى رجليه، ثم أدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف؛ فعلى التوزيع الأول، وهو توزيع المفرد على الجملة: لا يجوز المسح؛ لأنه في حال إدخال الرجل الأولى الخف لم تكن (¬2)، الرجلان طاهرتين، وعلى الثاني -وهو توزيع المفرد على المفرد-: يصح. وفي المسألة روايتان عن أحمد، ولكن القائل بأن الحدث الأصغر لا يتبعض، وأنه لا يرتفع إلا بعد استكمال الطهارة بمنع طهارة الرجل الأولى عند دخولها الخف. نعم، وجدت طهارتهما عند استكمال لبس الخفين، وذلك من باب توزيع الجملة على الجملة (¬3). ¬

_ = وقد خرجت الحديث بإسهاب طرفه وألفاظه في تعليقي على "الخلافيات" (3/ 236 - 244/ مسألة 42)؛ فراجعه إن شئت. (¬1) في المطبوع: "كل". (¬2) في المطبوع: "يكن". (¬3) قال الإمام الحافظ ابن دقيق العيد في "الإحكام" (1/ 114 - 115) بعد أن أورد الحديث بلفظ: "أدخلتهما وهما طاهرتان": "وقد استدل به بعضهم على أن إكمال الطهارة فيهما شرط، حتى لو غسل إحداهما وأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف؛ لم يجز المسح. وفي هذا الاستدلال عندنا ضعف -أعني: في دلالته على حكم هذه المسألة-؛ فلا يمتنع أن يُعَبَّرَ بهذه العبارة عن كون كل واحدة منهما أُدخلت طاهرة، بل ربما يُدَّعى أنه ظاهر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = في ذلك؛ فإنَّ الضمير في قوله: "أدخلتهما" يقتضي تعليق الحُكم بكل واحدة منهما. نعم، من روى: "فإني أدخلتهما وهما طاهرتان"؛ فقد يتمسك برواية هذا القائل من حيث إن قوله: "أدخلتهما" إذا اقتضى كلَّ واحدة منهما؛ فقوله: "وهما طاهرتان" حال من كل واحدة منهما، فيصير التقدير: أدخلت كل واحدة في حال طهارتها، وذلك إنما يكون بكمال الطهارة. وهذا الاستدلال بهذه الرواية من هذا الوجه قد لا يتأتَّى في رواية مَنْ روى: "أدخلتُهما طاهرتين". وعلى كل حال؛ فليس الاستدلال بذلك القوي جدًّا لاحتمال الوجه الآخر في الروايتين معًا، اللهم إلا أن يُضمَّ إلى هذا دليل يدل على أنه لا يحصل الطهارة لإحداهما إلا بكمال الطهارة في جميع الأعضاء؛ فحينئذ يكون ذلك الدليل -مع هذا الحديث- مستندًا لقول القائلين بعدم الجواز -أعني: أن يكون المجموع هو المستند-؛ فيكون هذا الحديث دليلًا على اشتراط طهارة كل واحدة منهما، ويكون ذلك الدليل دالًّا على أنها لا تطهر إلا بكمال الطهارة". وقال الماوردي في "الحاوي الكبير" (1/ 441) بعد أن أورده بلفظ: "إن أدخلتهما وهما طاهرتان": "فجعل اللبس بعد طهرهما شرطًا في جواز المسح عليهما، ولأنه لبس قبل كمال الطهارة؛ فوجب أن يمنع من جواز المسح قياسًا على لبسه قبل غسل قدميه، ولأن لبس الخفين يفتقر إلى الطهارة، وما كان إلى الطهارة مفتقرًا كان تقديمها على جميعه لازمًا؛ كالصلاة، يلزم تقديم الطهارة على جميع الركعات، ولأن المستباح بسبب لا يجوز تقديمه على السفر والمرض، ولأن المسح مستباح لشرطين: اللبس، والحدث؛ فما لزم تقديم الطهارة على الحدث لزم تقديمها على اللبس، لأن كل واحد منهما شرط في جواز المسح، ولأن حكم أحد الخفين مرتبط بالآخر، ألا ترى أنه لو نزع أحد الخفين اننقض مسحه كما لو نزع جميع الخفين؟! فوجب إذا لبس أحد الخفين قبل كمال الطهارة أن لا يكون حكمه حكم من لبس جميع الخفين؟ ". وقد أيد بعضهم القول به بلفظ حديث أبي بكرة رفعه: "أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- رخص للمسافر ثلاثة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه: أن يصح عليهما". أخرجه ابن ماجه في "السنن" (كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر، 1/ 184/ رقم 556)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 179)، والشافعي في "المسند" (ص 17 و 1/ 32 - مع "بدائع المنن") وفي "الأم" (1/ 34) -ومن طريقه البيهقي في "المعرفة" (2/ 1994)، وفي "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (ص 136 - ط دعيس) -، والأثرم في "سننه" -كما في "التعليق المغني" (1/ 204)، و"تنقيح التحقيق" (1/ 526) -، وابن خزيمة في "الصحيح" (1/ 96/ رقم 192) -ومن طريقه الدارقطني في "السنن" (1/ 204)، والبيهقي في "الخلافيات" (3/ رقم 995) وفي "السنن الكبرى" (1/ 281) وفي "المعرفة" (2/ 109/ رقم 1997) وابن الجرزي في "التحقق" (1/ 211/ رقم 242)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 87)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 82)، والدارقطني في "السنن" (1/ 194)، وابن حبان في "الصحيح" (4/ 153 - 154/ رقم 1324 - "الإحسان")، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 281)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 460/ رقم 237)؛ من طرق عن عبد الوهاب الثقفي، به. وإسناده حسن من أجل المهاجر بن مخلد. قال ابن معين: "صالح"، وقال الساجي: "صدوق "، وليَّنه أبو حاتم. انظر: "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 262)، و"التهذيب" (10/ 323). وقال الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 175 - 176): "وسألت محمدًا -أي: البخاري-، فقلت: أي الحديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين؟ قال: صفوان بن عسال، وحديث أبي بكرة حسن". وصححه الخطابي والشافعي. انظر: "التلخيص الحبير" (1/ 157)، و"نصب الراية" (1/ 168)، و"المنتقى" (1/ 111) للمجد ابن تيمية، و"تنقيح التحقيق" (1/ 525 - 526). ووجهُ الحُجَّة من الحديث على هذا -وهو مذهب الشافعية- أن الفاء للتعقيب؛ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فعقَّب طهارة الرجلين باللبس، واستدل به الشيخ ابن عُثيمين في "مجموع الفتاوى" (7/ 175 - الطهارة) على ترجح هذا القول، ولكن أورده من وجه آخر، قال: "هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: لا بدَّ أن يُكمِلَ الطهارة قبل أن يلبس الخف أو الجورب، ومنهم من قال: إنه يجوز إذا غسل اليمنى أن يلبس الخف أو الجورب ثم يغسل اليسرى ويلبس الخف أو الجورب؛ فهو لم يُدخل اليمنى إلا بعد أن طهرها واليسرى كذلك، فيصدق عليه أنه دخلهما طاهرتين، لكن هناك حديث أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه. . . " الحديث؛ فقوله: "إذا توضأ" قد يُرَجِّحُ القول الأول؛ لأن من لم يغسل اليسرى لا يَصْدُقُ عليه أنه توضأ؛ فعليه فالقول به أول". قلت: لي عليه ملاحظات: الأولى: في بعض مصادر الحديث "إذا توضأ أحدكم؛ فلبس"، وليس "ولبس". الثانية: الحديث في "المستدرك" (1/ 181) وفيه عبد الغفار بن داود الحراني، رواه عن حماد بن سلمة، قال الحاكم: "عبد الغفار ثقة، غير أنه ليس عند أهل البصرة عن حماد"، ولذا قال الذهبي في "التلخيص": "تفرد به عبد الغفار وهو ثقة، والحديث شاذ". الثالثة: على فرض صحة رواية "وليس"، فإن الواو لا تفيد الترتيب باطراد؛ كما ذكره ابن مالك، ونقله البغدادي في "خزانة الأدب" (3/ 271). (ملاحظة): ملحق في آخر كل مجلد من "المستدرك" فهرس لمواضيع الأحاديث مرتبًا على أسماء الصحابة، وفي آخر المجلد الأول منه (ص 27) تحت (أبو بكرة صحابي): (في رخصة المسح لمن لبس الخفين على الطهارة) (ص 281)، وهذا الفهرس موضوع خطأ في آخر "المستدرك"، وهو لـ" السنن الكبرى" للبيهقي؛ فتنبَّه. والراجح في هذه المسألة -واللَّه أعلم- ما رجحه ابن المنذر -وهو مذهب الحنفية، وقول بعض الشافعية، ورواية عن أحمد-، قال ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 442): "وقد احتج بعض أصحابنا القائلين بهذا القول بأن الرجل إذا غسل وجهه ويديه، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومسح برأسه، وغسل إحدى رجليه؛ فقد طهرت رجله التى غسلها، فإذا أدخلها الخف؛ فقد أدخلها وهي طاهرة، ثم إذا غسل الأخرى من ساعته وأدخلها الخف؛ فقد أدخلها وهي طاهرة، فقد أدخل من هذه صِفتُهُ رجليه الخف وهما طاهرتان؛ فله أن يمسح عليهما بظاهر الخير؛ لأنه قد أدخل قدميه وهما طاهرتان، قال: والقائل بخلاف هذا القول قائل بخلاف الحديث، وليس لِخَلْعِ هذا خُفَّيه ثم لُبْسِهما معنى". قلت: يعني: من غسل إحدى رجليه ولبس الخف، ثم غسل الأخرى ولبس الخف؛ فعند القائين باشتراط إدخال الرجلين بعد غسلهما من الخف، يقول: بأن من فعل هذا لو خلع خف اليمنى بعد وضوئه ثم لبسها يكون قد أدخلهما معًا على طهارة؛ فجائز له حينئذ المسح! إذ لا فائدة في نزع الأول ثم لبسه؛ استدلالًا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن"، ولم يفرق، ولأنه حدث طرأ على طهارة ولبس، فجاز له المسح قياسًا عليه إذا لبسهما بعد كمال الغسل. ولأن نزع الخفين مؤثر في المنع من المسح؛ فلم يجز أن يكون شرطًا في جواز المسح. ولأن استدامة اللبس تجري مجرى ابتدائه، بدليل ما لوحلف لا يلبس خفًّا هو لابسه حنث؛ كما لو ابتدأ لبسه؛ فصار استدامة لبسه في حكم من ابتدأ لبسه في جواز مسحه. وهذا الذي رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية، قال في "الاختيارات" (ص 14): "ومن غسل إحدى رجليه ثم أدخلهما الخُفَّ قبل غسل الأخرى؛ فإنه يجوز له المسح عليهما من غير اشتراط خلع، ولُبسه قبل إكمال الطهارة كلُبسه بعدها، وكذا لُبْسُ العمامة قبل إكمال الطهارة، وهو إحدى الروايتين [عن أحمد]، وهو مذهب أبي حنيفة". وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/ 370 - ط طه عبد الرؤوف سعد): "إذا توضأ ولبس إحدى خفيه قبل غسل رجله الأخرى، ثم غسل رجله الأخرى وأدخلها في الخف؛ جاز له المسح على أصح القولين، وفي قول آخر: أنه لا يجوز لأنه لم يلبس الأولى على طهارة كاملة، فالحيلة في جواز المسح أن ينزع خف الرجل الأولى ثم يلبسه، وهذا نوع عبث لا غرض للشارع فيه, ولا مصلحة للمكلف؛ فالشرع لا يأمره به".

- (ومنها): مسألة مد عجوة، وهي قاعدة عظيمة مستقلة بنفسها؛ فلنذكر ها هنا مضمونها ملخصًا؛ فنقول: إذا باع ربويًا بجنسه ومعه من غير جنسه من الطرفين أو أحدهما؛ كمدِّ عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم، أو مد عجوة ودرهم بمدي عجوة أو بدرهمين؛ ففيه روايتان: أشهرهما: بطلان العقد، وله مأخذان: أحدهما: وهو مسلك القاضي وأصحابه: إن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة؛ يقسط الثمن على قيمتهما، وهذا يؤدي ها هنا إما إلى يقين التفاضل وإما إلى الجهل بالتساوي، وكلاهما مبطل للعقد في أمرال الربا، وبيان ذلك أنه إذا باع مدا يساوي درهمين ودرهمًا بمدين يساويان ثلاثة دراهم؛ كان الدرهم في مقابلة ثلثي مد، ويبقى مد في مقابلة مد وثلث، وذلك ربا، وكذلك إذا باع مدًّا يساوي درهمين ودرهمًا بمدين يساويان] (¬1) ثلاثة دراهم؛ فإنه يتقابل [الدرهم بثلثي مد، ويبقى مد وثلث] (¬2) في مقابلة مد، وأما إن فرض التساوي؛ كمد يساوي درهمًا ودرهم بمد يساوي [درهمين] (¬3)؛ فإن التقويم ظن وتخمين؛ فلا يتيقن (¬4) معه المساواة والجهل بالتساوي ها هنا؛ كالعلم بالتفاضل، فلو فرض أن المُدَّيْن من شجرة واحدة أو زرع (¬5) واحد، وأن الدرهمين من نقد واحد؛ ففيه وجهان ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "درهمًا ودرهمين بمدين يساوين"! (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب) و (ج): "الدرهمان بمد وثلث مد ويبقى ثلثا مد". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب) و (ج): "درهمًا ودرهم". (¬4) في المطبوع: "يتعين"! (¬5) في المطبوع: "أو من زرع"!

ذكرهما القاضي في "خلافه" احتمالين: أحدهما: الجواز؛ لتحقق المساواة. والثاني: المنع؛ لجواز أن يتغير أحدهما قبل العقد، فتنقص (¬1) قيمته وحده، وصحح أبو الخطاب في "انتصاره" المنع؛ قال: لأنا لا نقابل مدًا بمد ودرهمًا بدرهم، بل نقابل مدًا بنصف مد ونصف درهم، وكذلك لو خرج مستحقًّا؛ لاسترد ذلك (¬2)، وحينئذ؛ فالجهل بالتساوي قائم، هذا ما ذكروه (¬3) في تقرير هذه الطريقة، وهو عندي ضعيف؛ لأن المنقسم هو قيمة الثمن على قيمة المثمن، لا إجراء (¬4) أحدهما على قيمة الآخر؛ ففيما إذا باع مدًا يساوي درهمين ودرهمًا (¬5) بمدين يساويان ثلاثة، لا نقول الدرهم (¬6) مقابل بثلثي مد، بل نقول: ثلث الثمن [مقابل لثلث (¬7) المثمن، فنقابل ثلث المدين بثلث مد وثلث درهم، ونقابل ثلثا المدين بثلثي (¬8) مد وثلثي درهم؛ فلا تنفك مقابلة كل جزء من المدين بجزء من المد والدرهم] (¬9)، ولهذا لو باع شقصًا وسيفًا بمئة درهم وعشرة دنانير؛ لأخذ الشفيع الشقص ¬

_ (¬1) في (ب): "فتنتقص". (¬2) في (ج): "كذلك"! (¬3) في المطبوع و (ج): "ذكره". (¬4) في (ب): "لا إجزاء". (¬5) في (ج): "ودرهم". (¬6) في المطبوع: "درهم"! (¬7) في المطبوع: "بثلث". (¬8) في (ج): "ويقابل ثلثا المدين بثلثي"، وفي المطبوع: "بلثى". (¬9) ما بين المعقوفتين مكرر في المطبوع مرتين.

بحصته من الدراهم والدنانير. نعم! نحتاج (¬1) إلى معرفة ما يقابل الدرهم أو المد من الجملة الأخرى إذا ظهر أحدهما مستحقًّا أورد بعيب أو غيره؛ ليرد [ما قابله من عوضه] (¬2)، حيث كان المردود ها هنا معينًا مفردًا، أما مع صحة العقد في الكل واستدامته؛ فإنا نوزع أجزاء الثمن على أجزاء المثمن بحسب القيمة، وحينئذ؛ فالمفاضلة المتيقنة كما ذكروه منتفية، وأما أن المساواة غير معلومة؛ فقد تعلم (¬3) في بعض الصور كما سبق. والمأخذ الثاني: إن ذلك ممنوع؛ سدًّا لذريعة الربا، فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح واقع كبيع مئة درهم في كيس بمئتين جعلًا للمئة في مقابلة الكيس، وقد لا يساوي درهمًا؛ فمنع ذلك وإن كانا مقصودين حسمًا لهذه المادة. وفي كلام أحمد ايماء إلى هذا المأخذ. والرواية الثانية: يجوز ذلك بشرط أن يكون مع الربوي من غير جنسه (¬4) من الطرفين، أو يكون مع أحدهما، ولكن المفرد أكثر من الذي معه غيره، نص عليها أحمد في رواية جماعة جعلًا لغير الجنس في مقابلة الجنس أو في (¬5) مقابلة الزيادة. ¬

_ (¬1) في (ج): "يحتاج". (¬2) في (ج): "ما يقابله من عوض". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فقدت". (¬4) في (ج): "من غير جنسه معه". (¬5) في المطبوع: "وفي".

ومن المتأخرين؛ كالسامري من شرط (¬1) فيما إذا كان مع كل واحد من غير جنسه من الجانبين التساوي جعلًا لكل جنس في مقابلة جنسه، وهو أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره، لا سيما مع اختلافهما في القيمة. وعلى هذه الرواية؛ فإنما يجوز ذلك ما لم يكن حيلة على الربا، وقد نص أحمد على هذا الشرط في "رواية حرب" ولا بد منه، وعلى هذه الرواية يكون التوزيع ها هنا للأفراد على الأفراد، وعلى الرواية الأولى هو من باب توزيع الأفراد على الجمل، أو توزيع الجمل على الجمل. وللأصحاب في المسألة طريقة ثانية: [وهي] (¬2) أنه لا يجوز بيع المحلى بجنس حليته قولًا واحدًا، وفي بيعه بنقد آخر روايتان، ويجوز بيعه بعرض رواية واحدة، وهذه (¬3) طريقة أبي بكر في "التنبيه" وابن أبي موسى والشيرازي وأبي محمد التميمي وأبي عبد اللَّه الحسين الهمذاني في كتاب (¬4) "المقتدى" (¬5). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يشترط". (¬2) في المطبوع: "وهو". (¬3) في المطبوع و (ج): "وهي". (¬4) في المطبوع و (ب): "كتابه". (¬5) ترجمه المصنف في: "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 208)، ونعته بـ "شمس الحفاظ" وقال: "له كتاب "المقتدى في الفقه في المذهب"، وقال: "ذكره ابن الصقال الحرَّاني في رسالته المسماة بـ "الإنباء عن تحريم الرِّبا"، وذكر أنه ذكر في هذا الكتاب. . . "، ونقل المسألة المذكورة هنا، ثم قال: "ولا أعلم من حاله غير هذا". وانظر: "المنهج الأحمد" (2/ 296).

ومن هؤلاء من جزم بالمنع من بيعه بنقد من جنسه وغير جنسه؛ كأبي بكر في "التنبيه"، وقال الشيرازي: الأظهر المنع، ومنهم من جزم بالجواز في بيعه بغير جنسه؛ كالتميمي، ومنهم من حكى الخلاف؛ كابن أبي موسى. ونقل البرزاطي عن أحمد ما يشهد لهذه الطريقة في حلي صيغ (¬1) من مئة درهم فضة ومئة نحاس: إنه لا يجوز بيعه كله بالفضة ولا بالذهب، ولا بوزنه من الفضة والنحاس، ولا يجوز بيعه حتى يخلص الفضة من النحاس، ويبيع (¬2) كل واحد منهما وحده. وفي توجيه هذه الطريقة غموض، وحاصله أن بيع المحلى بنقد بجنسه (¬3) قبل التمييز والتفصيل بينه وبين حليته يؤدي إلى الربا؛ لأنه بيع ربوي بجنسه من غير تحقق مساواة لأن بعض الثمن يقابل العرض؛ فيبقى الباقي مقابلًا للربوي، ولا تتحقق مساواته [له] (¬4)، وأما مع تميز (¬5) الربوي ومعرفة مقداره؛ فإنما منعوا منه إذا ظهر فيه وجه الحيلة (¬6)، أو كان التفاضل فيه متيقنًا؛ كبيع عشرة دراهم مكسورة بثمانية صحاح، وفلسين أو ألف ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "صنع". (¬2) في المطبوع و (ج): "وبيع" (¬3) في المطبوع: "من جنسه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع و (ج): "تمييز". (¬6) في المطبوع و (ج): "الحلية".

صحاحًا (¬1) بألف مكسرة (¬2)، وثوب أو ألف (¬3) صحاحًا ودينار بألف ومئة مكسرة (2). هكذا ذكره ابن أبي موسى. وأما بيعه بنقد آخر أو بربوي من غير جنسه، ولكن علة الربا فيهما (¬4) واحدة؛ فالخلاف فيه مبني على الخلاف في بيع الموزونات والمكيلات (¬5) بعضها ببعض جزافًا، وفي جوازه روايتان، واختيار أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي في "خلافه" المنع، وعللوه بأنه لو استحق أحدهما لم يدر بما يرجع على صاحبه فيؤدي إلى الربا من جهة العقد، وهكذا علل أهل هذه الطريقة المنع في هذه المسألة، وفيه ضعف؛ فإن المستحق لم يصح العقد فيه وعوضه ثابت في الذمة، فتجوز (¬6) المصالحة عنه كسائر الديون المجهولة، وهذا الخلاف يشبه الخلاف في اشتراط العلم برأس مال السلم وضبط صفاته، وأنه إذا أسلم في جنسين؛ لم يجز حتى يبين (¬7) قسط كل واحد منهما، فإن السلم والصرف متقاربان، وهذا كله في الجنسين. فأما بيع نوعي جنس بنوع منه، ففيه طريقان: أحدهما: إن حكم نوعي الجنس حكم الجنسين، وهو طريق ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب) و (ج): "صحاح". (¬2) في المطبوع: "مكسورة". (¬3) في المطبوع: "ألفًا"، وفي (ج): "ألف صحاح". (¬4) في المطبوع و (ب): "فيها". (¬5) في المطبوع و (ج): "والمكيلات"! (¬6) في المطبوع: "فيجوز". (¬7) في المطبوع: "يتبين".

القاضي وأصحابه نظرًا إلى توزيع العوض بالقيمة؛ فيؤدي ذلك [ها هنا] (¬1) إلى تعين المفاضلة؛ [إذ] (¬2) ليس ها هنا شيء من غير الجنس يجعل في مقابلة الفاضل. والثاني: الجواز ها هنا، وهو طريق أبي بكر، ورجحه صاحب "المغني" (¬3) و"التلخيص" نظرًا إلى أن الجودة والرداءة لا تعتبر في الربويات مع اتحاد النوع؛ فكذا في الجنس الواحد، والتقسيط إنما يكون في غير أموال الربا (¬4) أو في غير الجنس، بدليل ما لو باع نوعًا بنوع يشتمل على جيد ورديء؛ فإن المذهب جوازه، ولكن ذكر أبو الخطاب في "انتصاره" [فيه] (¬5) احتمالًا بالمنع، ونقل ابن القاسم عن أحمد إن كان نقدًا؛ لم يجز، وإن (¬6) كان ثمرًا؛ جاز، والفرق أن أنواع الثمار يكثر اختلاطها ويشق تمييزها، بخلاف أنواع النقود، وهذا كله فيما إذا كان الربوي مقصودًا بالعقد، فإن كان غير مقصود بالأصالة، وإنما هو تابع لغيره؛ فهذا ثلاثة أنواع: أحدها: ما لا يقصد عادة ولا يباع مفردًا؛ كتزويق الدار ونحوه؛ فلا يمنع من البيع بجنسه بالاتفاق. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "و". (¬3) انظر: "المغني" (4/ 45/ 2837). (¬4) في (ج): "الرق"! (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في المطبوع: "فإن".

والثاني: ما يقصد تبعًا لغيره وليس أصلًا لمال (¬1) الربا؛ كبيع العبد ذي المال بمال من جنسه إذا كان المقصود الأصلي هو العبد، وفيه ثلاثة طرق (¬2): أحدها: إنه يصح، رواية واحدة، سواء قلنا: إن العبد يملك أوْ لا يملك، وهي طريقة أبي بكر والخرقي (¬3) والقاضي في "خلافه" وابن عقيل في موضع من "فصوله" وصاحب "المغني" (¬4)، وهي المنصوصة عن أحمد. والثانية: البناء على ملك العبد، فإن قلنا: يملك؛ صح (¬5)؛ لأن المال ملك العبد؛ فليس بداخل في عقد البيع؛ كمال المكاتب لا يدخل معه في بيعه، وإن قلنا: لا يملك اعتبر له شروط البيع، وهي طريقة القاضي في "المجرد" وأبي الخطاب في "انتصاره". والثالثة: طريقة صاحب "المحرر" (¬6): إن قلنا: لا يملك [اعتبر] (¬7) له شروط البيع، وإن قلنا: يملك؛ فإن كان مقصودًا اعتبر له ذلك وإلا؛ فلا. ¬

_ (¬1) في (ج): "لبيع"! (¬2) في (ب): "ثلاث". (¬3) انظر "مختصره" (رقم 2833 - مع "المغني"). (¬4) انظر: "المغني" (4/ 45 - 46/ 2838). (¬5) في المطبوع و (ج): "يصح". (¬6) انظر: "المحرر" (1/ 313). (¬7) في (ب): "لم يعتبر".

وأنكر القاضي في "المجرد" أن يكون القصد وعدمه معتبرًا في صحة العقد في الظاهر، وهو عدول عن قواعد المذهب وأصوله. النوع الثالث: ما لا يقصد، وهو تابع لغيره، وهو أصل لمال الربا إذا بيع (¬1) بما فيه منه، وهو ضربان: أحدهما: أن يمكن إفراد التابع بالبيع؛ كبيع نخلة عليها رطب برطب، وفيه طريقان: أحدهما: وهو طريق القاضي في "المجرد": المنع؛ لأنه مال مستقل بنفسه، فوجب اعتبار أحكامه بنفسه منفردًا عن حكم الأصل. والثاني: الجواز، وهو (¬2) طريقة أبي بكر والخرقي (¬3) وابن بطة والقاضي في "الخلاف" كما سبق في بيع العبد ذي المال، واشترط ابن بطة وغيره أن يكون الرطب غير مقصود، وكذلك (¬4) شرط في بيع النخلة التي عليها ثمر لم يبد صلاحه: أن يكون الثمر غير مقصود، ونص أحمد عليه في "رواية إبراهيم بن الحارث" و"الأثرم"، وتأوله القاضي لغير معنى (¬5) , ومعنى قولنا: غير مقصود؛ أي: بالأصالة، وإنما المقصود الأصلي (¬6) الشجر، والثمر مقصود تبعًا. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "أبيع". (¬2) في المطبوع: "وهي". (¬3) انظره مع: "المغني" (4/ 65/ 2882). (¬4) في المطبوع و (ب): "ولذلك". (¬5) في المطبوع و (ب): "لغير معين". (¬6) في المطبوع: "وإنما المقصود في الأصلي".

والضرب الثاني: أن لا يكون التابع (¬1) مما يجوز (¬2) إفراده بالبيع؛ كبيع شاة لبون بلبن أو ذات صوف بصوف، وبيع التمر (¬3) بالنوى؛ فيجوز ها هنا عند القاضي في "المجرد" وابن حامد وابن أبي موسى، ومنع منه أبو بكر والقاضي في "خلافه"، وقد حكى في المسألة روايتان عن أحمد، ولعل المنع يتنزل على ما إذا كان الربوي مقصودًا والجواز على عدم القصد، وقد صرح باعتبار عدم القصد ابن عقيل وغيره ويشهد له تعليل الأصحاب كلهم الجواز بأنه تابع غير مقصود. واعلم أن هذه [المسائل مقتطعة] (¬4) عن مسائل مد عجوة، فإن (¬5) القول بالجواز فيها لا يتقيد بزيادة المفرد على ما معه [غيره] (¬6). وقد نص [عليه] (6) أحمد في بيع العبد الذي له مال بمال دون الذي معه، وقاله القاضي في "خلافه" في مسألة العبد والنوى بالتمر (¬7)، وكذلك المنع فيها مطلق عند الأكثرين. ومن الأصحاب من خرجها أو بعضها على مسائل مد عجوة؛ ففرق بين أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أولًا، وقد صرح به طائفة من ¬

_ (¬1) في (ج): "التابع بالبيع". (¬2) في المطبوع: "مما لا يجوز". (¬3) في المطبوع و (ب): "الثمر". (¬4) في المطبوع: "المسألة منقطعة". (¬5) في المطبوع و (ب): "وإن". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في المطبوع و (ب) و (ج): "بالثمر".

الأصحاب؛ كأبي الخطاب وابن عقيل في مسألة العبد ذي المال، وكذلك حكى أبو الفتح الحلواني رواية في بيع الشاة ذات الصوف واللبن بالصوف ؤاللبن أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر مما في الشاة من جنسه، ولعل هذا مع قصد اللبن والصوف بالأصالة والجواز مع عدم القصد؛ فيرتفع الخلاف حينئذ، واللَّه أعلم. وإن حمل على إطلاقه؛ فهو متنزل على أن التبعية ها هنا لا عبرة بها، وأن الربوي التابع لغيره كالمستقل (¬1) بنفسه، [واللَّه أعلم] (¬2). - (ومنها): إذا باع رجل عبدين له من رجلين بثمن واحد؛ فإن المبيع يقع شائعًا بينهما؛ فيكون لكل رجل (¬3) منهما نصف كل عبد. ولا يتخرج هنا وجه آخر: أن يكون لكل واحد عبد؛ لأنه يلزم من ذلك عدم تعيين المبيع؛ فيفسد البيع. نعم، لو كان العقد مما يصح مبهمًا (¬4)؛ كالوصية والمهر والخلع توجه هذا التخريج فيه، ولو أقر لرجل بنصف عبدين، ثم فسره بعبد معين قبل بخلاف ما إذا أقر له بنصف هذين العبدين، ثم فسره بأحدهما، ذكره صاحب "الترغيب"؛ لأن الأول مطلق، فيصح تفسيره بمعين؛ كما لو قال لزوجته: أنت طالق نصف طلقتين (¬5)؛ فإنها تطلق واحدة، وأما إذا أوصى ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "فهو مستقل". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "واحد". (¬4) في المطبوع: "مما يصح به مبهمًا"، وفي (ب): "مما يصح منهما". (¬5) في المطبوع و (ب): "تطليقتين".

له بثلث ثلاثة أعبد، ثم استحق منهم اثنان؛ فهل يستحق ثلث الباقي أو كله؟ فيه وجهان، وهذا قد يتوهم منه قبول التفسير بعبد مفرد مع التعيين، وليس كذلك، بل مأخذ هذين الوجهين أنه هل يدخل العبيد ونحوهم (¬1) قسمة الإجبار أم لا؟ وفيه وجهان، والمنصوص دخولها. - (ومنها): إذا رهنه اثنان عينين أو عينا لهما صفقة واحدة على دين له عليهما، مثل أن يرهناه دارًا لهما على ألف درهم له عليهما؛ فنص (¬2) أحمد في "رواية مُهَنَّأ" على أن أحدهما إذا قضى ما عليه ولم يقض الآخر: إن الدار رهن (¬3) على ما بقي. وظاهر (¬4) هذا أنه جعل نصيب كل واحد رهنًا بجميع (¬5) الحق توزيعًا للمفرد على الجملة، لا على المفرد، وبذلك جزم أبو بكر في "التنبيه" وابن أبي موسى وأبو الخطاب، وهو المذهب عند صاحب "التلخيص". قال القاضي [في "الخلاف"] (¬6): هذا بناءً على الرواية التي تقول: ¬

_ (¬1) في (ج): "ونحوهم تحت قسمة". (¬2) في المطبوع و (ب) و (ج): "نص". (¬3) في (ج): "رهنًا". (¬4) في المطبوع و (ب): "فظاهر". (¬5) في (ب): "لجميع". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

إن عقد الاثنين مع الواحد في حكم الصفقة الواحدة، فأما (¬1) إذا قلنا بالمذهب الصحيح: أنهما في حكم عقدين؛ كان نصيب كل واحد مرهونًا بنصف الدين. قال: ويجوز أن يكون كل منهما (¬2) لما رهن صار كفيلًا عن صاحبه؛ فلا ينفك الرهن في نصيبه حتى بؤدي جميع (¬3) ما عليه. وتأوله [أيضًا] (¬4) في موضع آخر على أن كل واحد منهما كان كفيلًا عن صاحبه، فإذا قضى أحدهما؛ لم ينفك حقه من الرهن؛ لأنه مطالب بما ضمنه، قال: وأما إن لم يضمن كل واحد منهما [ما] (4) على صاحبه؛ فله الرجوع بقدر حصته، وليس في كلام أحمد ما يدل على الضمان، وقد نبه على ذلك الشيخ مجد الدين وقال: على هذا يصح الرهن ممن ليس الدين عليه، وعلى الأول لا يصح (¬5). [وتأول القاضي أيضًا] (¬6) في "المجرد" وابن عقيل وصاحب "المغني" (¬7) كلام أحمد على أن الرهن انفك في نصيب الموفي للدين، لكن ليس للراهن مقاسمة المرتهن؛ لما عليه من الضرر، لا بمعنى (¬8) أن ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أما". (¬2) في المطبوع و (ج): "كل واحد منهما". (¬3) في المطبوع: "بجميع". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) انظر: "المحرر" (1/ 336). (¬6) في (ج): "وتأوله القاضي"، وسقطت "أيضًا". (¬7) انظر: "المغني" (4/ 227/ 3303). (¬8) في المطبوع: "لمعنى".

العين تكون (¬1) كلها رهنًا، وبمثل ذلك تأول صاحب "المغني" ما قاله أبو الخطاب والحلواني وغيرهما فيمن رهن عند رجلين فَوَفَّى (¬2) أحدهما أنه يبقى جميعه رهنًا عند الآخر (¬3)، وتأويله (¬4) على المنع من المقاسمة ضعيف (¬5) لوجهين: أحدهما: أن أحمد نص على أن الدار رهن على ما بقي. والثاني: أن انفكاك أحد النصيبين (¬6) وقبض صاحبه له لا يتوقف على المقاسمة؛ فإن الشريك يقبض نصيبه [من] (¬7) المشترك من غير اقتسام، ويكون قبضًا صحيحًا؛ إذ القبض يتأتى في المشاع. ويشبه هذه المسألة ما إذا كاتب عبدين له صفقة بعوض (¬8) واحد، ثم أدى أحدهما حصته من الكتابة؛ هل يعتق أم لا؟ على وجهين: أحدهما: يعتق، وهو اختيار القاضي وأصحابه؛ لأنه أدى ما يخصه؛ فهو كما لو أدى أحد المشتريَيْن حصته من الثمن؛ فإنه يتسلم نصيبه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المعين يكون". (¬2) في المطبوع: "فوفا"! (¬3) انظر: "المغني" (4/ 261/ 3396). (¬4) في المطبوع: "وتأوله"! (¬5) في المطبوع: "وهو ضعيف"! (¬6) في (ب): "النصفين". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬8) في المطبوع و (ج): "صفقة واحدة بعوض".

تسلمًا (¬1) مشاعًا عند الأصحاب. وما ذكره في "المغني" من منع التسليم [في هذه المسألة] (¬2)؛ فهو يرجع إلى أنه لا يتسلم العين كلها، وهذا صحيح، وقد صرح به القاضي في "الخلاف" و"الجامع الصغير". والوجه الثاني: إنه لا يُعتَق واحدٌ منهما حتى يؤديان جميع مال الكتابة، وهو قول أبي بكر وأبن أبي موسى، ونقل مُهَنَّأ عن أحمد ما يشهد له، واختلف (¬3) مأخذه؛ فقيل: لأن عتق الكتابة (¬4) معلق بشرط؛ فلا يقع إلا بعد كمال شرطه، وهو ها هنا أداء جميع المال، وهذا بعيد على أصل أبي بكر؛ لأنه يرى أن الكتابة عقد معاوضة محضة لا تعليق فيها بحال، وقيل: لأن كل واحد منهما (¬5) كفيل ضامن عن صاحبه؛ فلا يعتق حتى يؤدي جميع ما عليه، وقيل: لأنها صفقة واحدة؛ فلا تتبعض، وهذا قد يرجع إلى الضمان أيضًا، كأنه التزم كل واحد منهما الألف عنه وعن صاحبه؛ فيكون توزيعًا على الجملة (¬6) إذ لو لم يلزم أحدهما أداء جميع المال؛ لما وقف عتقه على أدائه. وقد اختلف كلام القاضي وابن عقيل في ضمان كل منهما عن ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "تسليمًا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). وانظر: "المغني" (4/ 93/ 2959 و 10/ 397/ 8819). (¬3) في المطبوع: "واختلفوا في"، وفي (ب) و (ج): "واختلف في". (¬4) في المطبوع و (ب) و (ج): "الكتابة عتق" بتقديم وتأخير. (¬5) في المطبوع و (ج): "منهم". (¬6) في المطبوع و (ب) و (ج): "فيكون توزيعًا للمفرد على الجملة".

الآخر؛ فنفياه تارة وأثبتاه أخرى. ونقل ابن منصور عن أحمد في رجل له على قوم حق أنه كتب في كتابهم: أيهم شئت أخذت بحقي منه يأخذ أيهم شاء، ومفهومه أن الغرماء لا ضمان بينهم بدون الشرط [بحال] (¬1). - (ومنها): لو وضع المتراهنان الرهن على يدي عدلين، وكانا عينين منفردين، أو كان مما يقسم؛ كالمكيل والموزون؛ فهل لهما اقتسامه (¬2) وانفراد كل واحد منهما بحفظ نصفه (¬3) أم لا؟ على وجهين: أحدهما: يجوز ذلك، قاله القاضي في "المجرد" توزيعًا للمفرد على المفرد؛ فيكون كل واحد منهما أمينًا على نصفه، وصرح القاضي بذلك. وعلى هذا، فلو دفع أحدهما النصف المقسوم الذي بيده إلى الآخر؛ فتلف [في يده] (¬4)؛ فهل يضمنه؟ على احتمالين ذكرهما القاضي؛ لأنه انفرد به بعد القسمة، بخلاف ما إذا سلم الكل قبل القسمة؛ فإنه لا يضمن، كذا قال القاضي. وقال مرة أخرى: يضمن نصفه أيضًا. ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب) و (ج): "بكل حال". (¬2) في المطبوع: "انقسامه". (¬3) في المطبوع: "نصيبه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

والثاني: لا يجوز اقتسامه، بل يتعين حفظه كله على كل واحد منهما مجتمعين، وهو قول القاضي في "خلافه" وابن عقيل وصاحب "المغني" (¬1) و"التلخيص"؛ لأن المتراهنَيْن إنما رضيا بحفظهما جميعًا؛ فلا يجوز لهما الانفراد؛ كالوصيين والوكيلين (¬2) في البيع. وعلى هذا تخرج (¬3) الوديعة لاثنين والوصية بالنسبة إلى الحفظ خاصة دون التصرف؛ فإنه لا يستقل أحدهما بشيء منه. وقد روي عن أحمد ما يدل على جواز انفراد كل واحد منهما بنصف التصرف؛ فنقل عنه حرب فيمن قال لرجلين: تصدقا عني بألفي درهم من ثلثي. فأخذ كل واحد ألفًا فتصدق بها على حدة ليكون أسهل عليهما؛ فلم ير به بأسًا، وهذا قد يختص بالصدقة لحصول المقصود بها (¬4) بالانفراد، بخلاف غيرها من التصرفات التي يقصد [بها] (¬5) الحظ والغبطة والكسب. قال في "التلخيص": ولو وكل اثنين في المخاصمة؛ لم يكن لواحد الاستبداد بها؛ كالوصيين ووكيلي التصرف، ويحتمل أن يكون له لأن العرف في الخصومة يقتضيه بخلاف غيرها. انتهى. وقال أيضًا (¬6): ولو تعدد المعين؛ فاحتمالان (يعني: في تعدد ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 227/ 3303). (¬2) في المطبوع و (ج): "والوكيل". (¬3) في المطبوع: "يخرج". (¬4) في المطبوع و (ب) و (ج): "منها". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "وقال القاضي أيضًا".

الصفقة واتحادها). - (ومنها): الضمان، فإذا ضمن اثنان دين (¬1) رجل لغريمه؛ فهل كل واحد منهما ضامن لجميع الدين أو بالحصة؟ على وجهين: أحدهما: كل منهما ضامن للجميع، نص عليه أحمد في رواية مُهَنَّأ في رجل له على رجل ألف درهم؛ فكفل بها كفيلان كل واحد منهما كفيل ضامن؛ فأيهما شاء أخذ جميع حقه منه، وكذلك قال أبو بكر (¬2) فيمن قال [في السفينة] (¬3) لرجل: ألق متاعك في البحر على أني وركبان السفينة ضمناء، فألقاه؛ ضمنه دونهم إلا أن يتطوعوا بالضمان معه، وقد يكون مأخذ أبي بكر أن هذا من باب التغرير؛ فإنه إنما ألقاه ظنّاَّ (¬4) منه أن قيمته ترد عليه اعتمادًا على قول هذا القائل؛ فلذلك لزمه الضمان [كله] (¬5). وعلى هذا؛ فيفرق بين أن يكون صاحب المتاع عالمًا بالحكم أو جاهلًا به. والوجه الثاني: أن الضمان بالحصة إلا أن يصرحوا بما يقتضي خلافه، مثل أن يقولوا: ضمنا لك، [و] (6) كل واحد [منا] (¬6) الألف التي لك ¬

_ (¬1) في المطبوع: "دية"! (¬2) في المطبوع و (ج): "قال أبو بكر في التنبيه فيمن قال". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬4) في المطبوع: "ضنًا"! (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

على فلان فإن كل واحد يلزمه الألف حينئذ. وأما مع إطلاق ضمان الألف منهم؛ فبالحصة (¬1)، وهذا قول القاضي في "المجرد" و"الخلاف" وصاحب "المغني" (¬2). وذكر ابن عقيل في المسألة احتمالين، وبناه القاضي على أن الصفقة تتعدد بتعدد الضامنين؛ فيصير الضمان موزعًا عليهما. وعلى هذا، فلو كان المضمون دينًا متساويًا على رجلين، فهل يقال: كل [واحد] (¬3) منهما ضامن لنصف الدينين، أو كل منهما ضامن لأحدهما بانفراده؟ إذا قلنا بصحة ضمان المبهم يحتمل وجهين، والأول أشبه بكلام الأصحاب، وشبيهه بهذه المسألة ما إذا كفل اثنان شخصًا لآخر، فسلمه أحدهما إلى المكفول له؛ فهل يبرأ الكفيل الآخر أم لا؟ على وجهين: أشهرهما: إنه لا يبرأ؛ لأنهما كفالتان، والوثيقتان إذا انحلت إحداهما بغير توفية؛ بقيت الأخرى؛ كالضامنين إذا أُبرئ (¬4) أحدهما، وهذا قول القاضي وأصحابه. والثاني: يبرأ؛ لأن التوفية قد وجدت بالتسليم؛ فهو كما لو سلم ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بالحصة". (¬2) انظر: "المغني" (9/ 161/ 7410). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬4) في المطبوع و (ج): "برئ".

المكفول نفسه أو وفى أحد الضامنين الدين، وهو احتمال في "الكافي" (¬1)، وقواه (¬2) الأزجي في "نهايته"، وهو ظاهر كلام السامري في "فروقه" (¬3)، وهو يعود إلى أنها كفالة واحدة، والأظهر أنهما [إن] (¬4) كفلا كفالة اشتراك بأن (¬5) ¬

_ (¬1) قال في "الكافي" (2/ 237): "ويحتمل ان يبرأ؛ كلما لوأدى أحد الضامنين الدين". (¬2) في المطبوع و (ج): "وقول". (¬3) انظر: "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل" (1/ 331). وهذا الكتاب قال عنه الطوفي في "علم الجذل" (ص 73): "وكتابه من أحسن الفروق، كثير المسائل، نافع، جيد، دقيق المآخذ لطيفهما"، ومدحه المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 122) بقوله في ترجمته: "وفي كتابيه "المستوعب" و"الفروق"، "فوائد جليلة ومسائل غريبة"، وقال ابن بدران في "المدخل" (ص 458): "وهو كتاب نافع جدًّا"، وحقق قسم العبادات منه الأستاذ محمد بن إبراهيم اليحيى لنيل درجة الماجستير من جامعة الإمام ابن سعود سنة 1402 هـ. وقد رتب العلامة عبد الرحيم بن عبد اللَّه الزَّرَيراني (ت 741 هـ) كتاب "الفروق" في كتابه "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل"، وقال فيه (1/ 142): "فقد سألني من لا يخيب قصده ولا يحسن رده تنقيح كتاب "الفروق السَّامريّة" وتهذيبه، وتبيين ما أخذ عليه وتقويمه، فأجبتهُ إلى ذلك بعد الاستقاله وعدم إسعافه بالإقالة، مع ما بي من تشرّد البديهة وتفرّقها وتبدد القريحة وتمزّقها, وزدت فيه ما تيسّر من النكت والفرائد. . . وعلامة الزيادة (قلت) في أولها"، وهومطبرع في جزئين، بتحقيق الشيخ عمر بن محمد السبيل، وهو من مطبوعات جامعة أم القرى. وانظر في المسألة: "المغني" (4/ 620)، و"الشرح الكبير" (3/ 53)، و"الهداية" (1/ 157)، و"الكافي" (2/ 237)، و"الفروع" (4/ 252)، و"الإقناع" (2/ 186)، و"المبدع" (4/ 268). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع: "الاشراك؛ فإن".

قالا: كفلنا لك زيدًا نسلمه إليك، فإذا سلمه أحدهما؛ برئ الآخر؛ لأن التسليم الملتزم واحد؛ فهو كأداء أحد الضامنين للمال، وإن كفلا كفالة انفراد واشتراك بأن قالا: كل واحد منا كفيل لك بزيد؛ فكل منهما ملتزم له إحضارًا (¬1)؛ فلا يبرأ بدونه ما دام الحق باقيًا على المكفول؛ فهو كما لو كفلاه (¬2) في عقدين متفرقين، وهذا قياس قول القاضي في ضمان الرجلين للدين (¬3). واعلم أن عقود التوثقات والأمانات إذا اشتملت على جمل؛ فإنه يمكن فيها توزيع أفراد الجملة أو أجزائها على أفراد الجملة المقابلة لها، أو على أجزاء العين المقابلة لها؛ فيقابل كل مفرد لمفرد أو كل مفرد لجزء، أو كل جزء لجزء، ويمكن توزيع كل فرد من الجملة على مجموع أفراد الجملة الأخرى، أو أجزائها؛ فيثبت الاشتراك بالإِشاعة، ويكون العقد على هذين الاحتمالين واحدًا، ويمكن أن يثبت حكم التوثقة والأمانة بكماله لكل فرد فرد؛ فيكون (¬4) ها هنا عقود متعددة، وقد ذكرنا في هذه المسائل التفريع على هذه الاحتمالات الثلاث. فأما عقود التمليكات؛ فلا يتأتى فيها الاحتمال الثالث، ولو قيل بتعدد الصفقة فيما يتعدد المتعاقدين لاستحالة أن يكون الملك ثابتًا في ¬

_ (¬1) في (ج): "إحضاره". (¬2) في المطبوع: "كفلا". (¬3) في (ب): "لدين". ونقل المرداوي في "الإنصاف" (5/ 217) كلام المصنف هذا. (¬4) في (ب): "فتكون".

عين واحدة لمالكين على الكمال، وإنما يقع التردد فيها بين الاحتمالين الأولين، ويستثنى من ذلك صورتان: إحداهما (¬1): أن يوصى بعين لزيد ثم يوصى بها لعمرو، وتقول (¬2): ليس برجوع (¬3) كما هو المشهور من المذهب؛ فيكون كل (¬4) منهما مستحقًّا للعين بكمالها، ويقع التراحم (¬5) فيشتركان في قسمتها (¬6)، فلو مات أحدهما قبل الموصى أوْ رد؛ لاستحقها الآخر بكمالها. والثانية: أن يقف على قوم معينين أو موصوفين، ثم على آخرين بعدهم؛ فإن كل واحد من الطبقة الأولى مستحق لجميع الوقف بانفراده، حتى لو لم يبق من الطبقة سواه لاستحق الوقف كله، هكذا ذكره القاضي والأصحاب. وقد نص أحمد (¬7) في "رواية يوسف ابن موسى" (¬8) و"محمد بن عبيد ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أحدهما". (¬2) في المطبوع: "ويقول"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) في (ب): "رجوع"! (¬4) في المطبوع: "كلًّا"! (¬5) في المطبوع و (ج): "التزاحم". (¬6) في المطبوع: "قسمها". (¬7) في المطبوع: "وقد نص عليه أحمد". (¬8) في المطبوع: "يوسف بن أبي موسى"، والتصويب من (أ) وهي بخط الحافظ ابن رجب، ومن "طبقات الحنابلة" (1/ 430)، و"المقصد الأرشد" (3/ 144). وهو الإِمام يوسف بن موسى العطار الحربي، روى عن الإمام أحمد، وحدَّث عنه أبو بكر الخلَّال، وأثنى عليه ثناءً حسنًا، وكان يوسف هذا يهوديًّا، فأسلم على يدي الإمام أحمد رحمه اللَّه، وهو حَدَثّ؛ فحسن إسلامه، ولزم العلم، وأكثر من الكتاب، ورحل في =

اللَّه المنادي" (¬1) فيمن وقف ضيعة على ولده وأولادهم وأولاد أولادهم أبدًا ما تناسلوا، فإن حدث بواحد منهم حدث الموت؛ دفع ذلك إلى ولد ولده (يعني: الواقف وولد أولادهم) يجري ذلك عليهم ما تناسلوا، وقد ولد لهؤلاء (¬2) القوم الذين وقف (¬3) عليهم أولاد [يدخلون مع أولادهم] (¬4) في القسمة، أو يصير هذا الشيء إليهم بعد موت آبائهم (¬5)، ومن مات منهم ولم يخلف ولدًا يرجع نصيبه إلى إخوته أم لا؟ قال: يجري ذلك على الولد وولد الولد يتوارثون ذلك حتى لا يكون للميت ولد، فيرد على الباقين من إخوته، وظاهر كلامه أنه (¬6) يكون ترتيب أفراد بين كل ولد ووالده؛ لقوله (¬7): يتوارثون ذلك، وجعل قول الواقف من ¬

_ = طلب العلم، وسمع من قوم أجلة، ولزم الإمام أحمد حتى كان ربما تبرم به من كثرة لزومه له. انظر ترجمته في: المراجع السابقة، و"مختصر طبقات الحنابلة" (280)، و"المنهج الأحمد" (1/ 464)، و"تاريخ بغداد" (14/ 308). (¬1) هو محمد بن عبيد اللَّه بن يزيد، أبو جعفر بن المنادي، قال أبو حاتم: "صدوق"، قال ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 303): "نقل عن إمامنا أحمد مسائل وغيرها، وذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد بن حنبل"، وتوفي سنة (272 هـ) من مئة سنة وسنة واحدة. وانظر: "المنهج الأحمد" (1/ 301)، و"المقصد الأرشد" (2/ 433). (¬2) في المطبوع و (ج): "هؤلاء". (¬3) في (ج): "أوقف". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "هل يدخلون مع آبائهم". (¬5) في المطبوع و (ج): "بعد الموت موت آبائهم". (¬6) في (ب): "أن". (¬7) في (ب): "بقوله".

مات عن ولد؛ فنصيبه لولده مقتضيًا لهذا الترتب ومخصصًا لعموم أول الكلام المقتضي للتشريك (¬1). وقد زعم الشيخ مجد الدين أن كلام القاضي في "المجرد" يدل على خلاف ذلك، وأنه يكون مشتركًا بين الأولاد وأولادهم، ثم يضاف إلى كل ولد نصيب والده بعد موته (¬2)، وليس في كلام القاضي ما يدل على ذلك لمن راجعه وتأمله. وأما قوله: حتى لا يكون للميت ولد فيرد على الباقين من إخوته (¬3)؛ فيعني به: أن من مات عن غير ولد؛ فنصيبه لإِخوته، وهذا قد يدل لما ذكره الأصحاب: إن من مات من طبقة انتقل نصيبه إلى الباقين منها بإطلاق الوقف (¬4)، وقد يقال: لا دلالة فيه على ذلك؛ لأن هذا الواقف وقف على ولده وولد ولده أبدًا بالتشريك، فلو تُرِكْنَا وهذا (¬5)؛ لشَرَكْنَا (¬6) بين البطون كلها، لكنه استثنى من ذلك أن من مات عن ولد فنصيبه لولده؛ ففهم منه أن الولد لا يستحق مع والده، فيبقى ما عداه داخلًا في عموم أول الكلام، ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ) لعلها: "للشريك". (¬2) انظر: "المحرر" (1/ 369). (¬3) هنا في (ج) زيادة من الناسخ ليست في (أ) التي هي بخط الحافظ ابن رجب نفسه، وهي: "ومن منا تكرر كلامه: أنه يكون ترتب أفراد بين كل ولد ووالده؛ لقوله: "يوارثون ذلك"، وجعل قول الواقف من مات عند ولد؛ فنصيبه لولده مقتضيًا لهذا الترتيب، ومخصصًا لعموم أول الكلام المقتضي للتشريك إلى هنا". اهـ. (¬4) في المطبوع: "الواقف". (¬5) في المطبوع و (ج): "هذا". (¬6) في (ج): "هذا التشريك لشركنا".

فاستحقاق الأخوة ها هنا متلقى من كلام الواقف. ومثل هذا لا نزاع فيه، إنما النزاع فيما إذا لم يدل كلام الواقف عليه ولا يقال: قد دل كلام الواقف عليه حيث جعله بعد تلك الطبقة لطبقة أخرى، فلم يجعل للثانية حقًّا فيه مع وجود الأولي؛ فدل على أن الأولى هي المستحقة ما دامت موجودة؛ لأنه قد يجاب عنه بأن نفي استحقاق الثانية مع وجود الأولى لا يدل على أن الأولى هي المستحقة لجميعه؛ لجواز صرفه مصرف (¬1) المنقطع؛ إلا أن هذا بعيد من مقصود الواقف، والأظهر من مقصوده ما ذكرنا؛ فعلى هذا يكون عوده إلى بقية الطبقة مستفادًا (¬2) من معنى كلام الواقف، ويشبه ذلك ما لو وقف على فلان، فإذا انقرض أولاده؛ فعلى المساكين؛ فهل يكون بعد موت فلان لأولاده، ثم بعدهم (¬3) للمساكين (¬4) أو يصرف (¬5) بعد موت فلان مصرف المنقطع حتى تنقرض (¬6) أولاده، ثم يصرف للمساكين (4) على وجهين مذكورين في "الكافي" (¬7)، والأول (¬8) قول القاضي وابن عقيل. ولنا في المسألة مسلك آخر، وهو أن يقال: الوقف تحبيس للمال في ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "صرف". (¬2) في (ج): "مستفادٌ". (¬3) في المطبوع: "ثم من بعدهم". (¬4) في المطبوع و (ج): "على المساكين". (¬5) في المطبوع: "تصرف"، وفي (أ) بدون تنقيط الأول. (¬6) في (ج): "ينقرض"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬7) انظر: "الكافي" (2/ 458). (¬8) في (ج): "الأول".

وجوه البر، والموقوف عليهم [هم] (¬1) المصرف المعين لاستحقاقه؛ فلا يمتنع (¬2) أن يستحقه كل (¬3) واحد منهم بانفراده، ويقع التزاحم فيه عند الاجتماع، بخلاف التمليكات المحضة، فإنه يستحيل (¬4) أن يملك كل واحد من المملكين جميع ما وقع فيه التمليك، وهذا على قولنا: إن الموقوف عليه لا يملك عين الوقف أظهر، ويتعلق بهذا من مسائل التوزيع ما إذا وقف على أولاده ثم على أولاد أولاده أبدًا؛ فهل يقال: لا ينتقل إلى أحد من أولاد أولاده إلا بعد انقراض جميع أولاده، أو ينتقل بعد كل ولد إلى ولده؟ المعروف (¬5) عند الأصحاب: الأول، وهو الذي ذكره القاضي وأصحابه ومن اتبعهم. وحكى الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه تعالى] (¬6) وجهًا آخر بالثاني، ورجحه (¬7)؛ فعلى الأول يكون من باب توزيع الجملة على الجملة، وعلى ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب): "هو". (¬2) في المطبوع و (ج): " فلا يمنع". (¬3) في المطبوع: "لكل". (¬4) في (ج): "مستحيل". (¬5) في (ج): "والمعروف". (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من ناسخ (ج)، وفي المطبوع: "رحمه اللَّه". (¬7) قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: "والأظهر. . . أنه ينتقل نصب كل إلى ولده، وإن لم ينقرض جميع المستحقين من البطن الأول، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد" اهـ. انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 180)، و"مجموع الفتاوى" (31/ 356).

الثاني [هو] (¬1) من باب توزيع المفرد على المفرد. ويشهد لهذا من كلام أحمد ما رواه عنه يوسف بن موسى (¬2) ومحمد ابن عبيد اللَّه المنادي في رجل أوقف ضيعة على أن لعلي بن إسماعيل ربع غلتها ما دام حيًّا، وربع منها لولد عبد اللَّه وولد محمد وولد أحمد بينهم بالسوية، وإن مات علي بن إسماعيل؛ فوزعوا هذين الربعين بين ولده وولد الثلاثة؛ ففعلوا ذلك، ثم إن بعض ولد علي بن إسماعيل مات وترك ولدًا؛ كيف نصنع بنصيبه يدفع إلى ولده أو يرد [على] (¬3) شركائه؟ ولم يقل الميت: إن مات علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده إنما قال: ولد علي ابن إسماعيل. قال [الإمام] (¬4) أحمد: يدفع ما جعل لولد علي بن إسماعيل إلى ولده، فإن مات بعض ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولده أيضًا؛ لأنه قال: بين ولد علي بن إسماعيل، وهذا من ولد علي بن إسماعيل؛ فدل هذا الكلام على أصلين: أحدهما: أن ولد الولد داخل في مسمى الولد عند الإطلاق. والثاني: أنه إنما يستحقه ولد الولد بعد موت أبيه ويختص به دون طبقة أبيه المشاركين له، حيث ذكر أن [علي] (¬5) بن إسماعيل توفي عن ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "يكون". (¬2) في المطبوع: "يوسف بن أبي موسى"! وقد سبق تصويب اسمه قريبًا. (¬3) في (ج): "إلى". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) في (ج): "محمد"!

ولد، وأن بعض ولده توفي عن ولد، ونقل إلى هذا الولد نصيب أبيه مع وجود المشاركين للأب من إخوته. ووجه هذا أنه لما رتب بين علي بن إسماعيل وولده، ولم يجعل لولده شيئًا إلا بعد موته؛ فكذلك ينبغي أن يكون الترتيب بين ولده وولد ولده، وهذا خلاف ما ذكره الأصحاب من الوجهين في كيفية استحقاق ولد الولد إذا قيل بدخوله في مطلق الولد: [هل يستحق مع الولد مشركًا (¬1) أو بعد انقراض الولد] (¬2)؟ كلهم مرتبًا ترتيب طبقة على طبقة؛ فإن أحمد جعله مرتبًا ترتيب أفراد بين كل ولد ووالده، فيؤخذ من ذلك أن من وقف على أولاده، ثم على أولادهم أبدًا: أنه (¬3) يكون مرتبًا بين كل والد وولده [دون] (¬4) بقية طبقته، وقد يفرق بينهما بأن الوقف ها هنا أولًا كان [بين] (¬5) شخص وولده؛ فروعي هذا الترتيب في استحقاق ولده وولد ولده، وليس فيه طبقة (¬6) بعد طبقة، ولكن سنذكر من كلام أحمد في مسألة التدبير ما يحسن تخريج هذا الوجه منه إن شاء اللَّه تعالى. - (ومنها): إذا علق طلاق نسائه أو عتق رقيقه على صفات متعددة، ¬

_ (¬1) في (ج): "شركًا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في المطبوع: "أن". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "وبين". (¬5) في (ب): "من". (¬6) في المطبوع: "في طبقة".

فوجد بعضها من بعض وباقيها من بعض آخر؛ فهل يكفي في وقوع الطلاق والعتاق مع قطع النظر عن الحنث بوجود بعض الصفة؟ فإن للأصحاب في الاكتفاء ببعض الصفة في الطلاق والعتاق طرقًا ثلاثة: إحداهن: أنه يكتفي بها كما يكتفي بذلك في الحنث في اليمين، وهي طريقة القاضي، [واستثنى في "الجامع" من ذلك أن تكون الصفة معاوضة] (¬1). والثانية: لا يكتفي بها؛ وإن اكتفينا ببعض المحلوف عليه في الحنث؛ لأن هذا شرط ومشروط وعلة ومعلول؛ فلا يترتب الأثر إلا على تمام المؤثر، وهي طريقة ابن عقيل وصاحب "المغني" (¬2). والثالثة: إن كانت الصفة [تقتضي حضًّا أو منعًا] (¬3) أو تصديقًا أو تكذيبًا؛ فهي كاليمين، وإلا؛ فهي علة محضة؛ فلا بد من وجودها بكمالها، وهي طريقة صاحب "المحرر" (¬4). والقاضي يفرع على اختياره في هذه [المسائل] (¬5)، فقال فيما إذا قال لعبيده: إذا أديتم إلي ألفًا؛ فأنتم أحرار؛ عتق كل واحد منهم بأداء حصته، وكذلك إذا قال لعبيده: إذا دخلتم الدار؛ فأنتم أحرار؛ عتق من دخل منهم؛ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) انظر: "المغني" (7/ 354/ 5972). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "تنتفي قطعًا أو تبعًا". (¬4) "المحرر" (2/ 62 - 63). (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "المسألة مسائل".

لأن وجود الصفة تقوم مقام جميعها؛ فمتى أدى واحد منهم عتق، فكذا ذكره في باب الكتابة. ورده الشيخ مجد الدين، وقال: هو عندي خطأ يقينًا؛ لأن هذه الصفة لا تشتمل (¬1) على منع ولا حث. [انتهى] (¬2). وعندي أنه لو صح الاكتفاء ببعض الصفة ها هنا؛ لم يصح ما قاله القاضي، ولم يتفرع على الاكتفاء ببعص الصفة؛ إذ لو كان التفريع على ذلك لعتقوا كلهم بأداء (¬3) بعضهم لبعض الألف، وبدخول بعضهم الدار، وهذا خلاف قول القاضي، وإنما يتوجه ما قاله القاضي على أن يكون من باب توزيع المفردات على المفردات؛ فكأنه قال: من دخل منكم الدار؛ فهو حر، ومن أدى إلي حصته من الألف؛ فهو حر، وهذا لا تعلق له بمسألة الاكتفاء ببعض الصفة، وكلام أحمد يدل على اعتبار هذا التوزيع في مثل هذه التعليقات (¬4)؛ فإنه نص في "رواية مُهَنَّأ" في عبد بين رجلين قالا له: إذا متنا فأنت حر، ثم مات أحدهما؛ عتقت حصته فقط، فإذا مات الآخر عتقت حصته. قال أبو بكر: لأنهما كالمعتقين على انفرادهما، وهذا هو المذهب عند أبي بكر وابن أبي موسى. وتعليل أبي بكر يدل على أنه جعله من باب توزيع المفرد على ¬

_ (¬1) في (ج): "لم تشتمل". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬3) في (ج): "لأداء". (¬4) في (ج): "التعلقات".

المفرد، كأنهما قالا: إن مات أحد منا فنصببه [منك] (¬1) حر، وتأول القاضي ذلك على أن العتق حصل بوجود بعض الصفة، ورده الشيخ مجد الدين بأن الصفة إنما يكتفى ببعضها إذا كانت [في معنى اليمين يقتضي حضًّا] (¬2) أو منعًا، وما لم يكن كذلك؛ كطلوع الشمس وقدوم زيد؛ فلا يكتفى فيه بالبعض، ونقل الإجماع عليه (¬3). وهو مردود من وجه آخر، وهو أنه لو أكتفي ببعض الصفة؛ [لعتق العبد كله عليها] (¬4) بموت أحدهما، ولم يكن وجه لعتق نصيب أحدهما، وإنما لم يسر إلى نصيب صاحبه لأحد أمرين؛ إما لأن السراية تمنع بعد الموت كما هو إحدى الروايتين، أو لأن التدبير يمنع السراية، وهو أحد الوجهين. وخرج الشيخ مجد الدين المسألة [على] (1) روايتين من مسألة تعليق العتق على صفة بعد الموت (¬5)؛ فإن في صحته روايتين: إحداهما: بصح هذا التعليق؛ فلا (¬6) يعتق [منه] (¬7) شيء هاهنا حتى يموت الآخر منهما، فيعتق العبد كله حينئذ. والثانية: لا يصح هذا التعليق؛ فلا (6) يعتق به شيء من العبد ها ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في (ج): "في معنى أن اليمين حضًّا". (¬3) في "شرح الهداية" وهو من الكتب المفقودة، ولا قوة إلا باللَّه. (¬4) في (ج): "لعتق كله عليهما". (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 6). (¬6) في المطبوع: "ولا". (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "به".

هنا؛ لأن كلًّا منهما علق عتقه على موته وموت شريكه، ولا يوجد إلا بعد موته! ولكن ها هنا [قد] (¬1) يمكن اجتماع موتهما في آن واحد؛ فلا يتوجه إبطال التعليق من أصله، بخلاف قوله: إن دخلت الدار بعد موتي؛ فأنت حر. - ومن هذه المسائل: لو قال لزوجتيه: إن دخلتما هاتين الدارين أو كلمتما زيدًا وعَمرًا؛ فأنتما طالقتان، فكلمت إحداهما زيدًا والأخرى عمرًا، أو دخلت كل واحدة منهما دارًا، وقلنا: لا يكتفى ببعض الصفة؛ فهل تطلقان أم لا؟ فيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب ومن بعده من الأصحاب، وجعل أبو الخطاب المذهب الوقوع، وإنما ذكر الأخرى تخريجًا، ومذهب الحنفية والمالكية الوقوع، وهو أحد وجهي الشافعية مع قولهم وقول الحنفية: إن بعض الصفة لا يكفي (¬2) في الحنث؛ فعلم بذلك أن هذا ليس مفرعًا على الاكتفاء ببعض الصفة. ويتخرج [من] (¬3) مسألة التدبير السابقة أن يطلق (¬4) ها هنا [كل واحدة بدخول الدار عقب] (¬5) دخولها، ولا يتوقف طلاقها على دخول الأخرى؛ لأن معنى كلامه: من دخلت منكما دارًا من هاتين الدارين؛ فهي طالق. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في (ب): "لا تكفي"، وفي (أ): بدون تنقيط الحرف الأول. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "في". (¬4) في المطبوع و (ج): "تطلق". (¬5) في (ب): "كل واحدة منهما بدخولٍ عقيب".

ويتخرج من هذا القول ها هنا فيما إذا قال لهما: إن حضتما فأنتما طالقتان وجه: إن كل واحدة تطلق بحيض نفسها وإن لا يشترط ثبوت حيض كل واحدة منهما بالنسبة إليهما، بل يكفي ثبوت حيضها في حقها بإقرارها (¬1)، وكذلك في قوله: إن شئتما فأنتما طالقتان، فشاءت إحداهما، أو إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان، ثم حلف بطلاق إحداهما: أنها تطلق. ومن العجب أن القاضي لم يفرع شيئًا من هذه المسائل على اختياره في الاكتفاء بوجود بعض الصفة مطلقًا، سواء اقتضت حثًّا أو منعًا أو كانت تعليقًا محضًا، ومقتضى قوله: إن تطلقا (¬2) ها هنا معًا بوجود حيض إحداهما، ومشيئة إحداهما، والحلف بطلاق إحداهما في هذه المسائل. - (ومنها): إذا قال لزوجاته الأربع: أوقعت بينكن أو عليكن ثلاث تطليقات؛ فهل تقسم كل طلقة على الأربع أرباعًا ثم يكمل فيقع بهن الثلاث جميعًا، أو توزع (¬3) الثلاث على الأربع فيلحق كل واحدة ثلاثة أرباع طلقة ثم تكمل فتطلق كل واحدة منهن طلقة؟ على روايتين، والأولى اختيار أبي بكر والقاضي، والثانية اختيار أبي الخطاب وصاحب "المغني" (¬4)؛ قال: لأن القسمة بالأجزاء إنما تكون في ¬

_ (¬1) انظر في المسألة: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 142 - 143). (¬2) في المطبوع و (ج): "يطلقا"، وفي (ب): "يطلقان". (¬3) في المطبوع: "أو يوزع". (¬4) انظر: "المغني" (7/ 378/ 6031).

المختلفات؛ كالدور ونحوها، فأما الجمل المتساوية من جنس؛ كالنقود؛ فإنها تقسم برؤوسها، ويكمل نصيب (¬1) كل واحدٍ (¬2)، كأربعة لهم درهمان صحيحان، يقسم لكل واحد نصف من درهم واحد؛ فكذلك الطلقات، ويمكن الأولين الجواب عن هذا بأن هذه القسمة لا تمنع الاشتراك في الاستحقاق من كل جزء، ولهذا قيل في قسمة الأموال المشتركة: إنها بيع، ومتى ثبت استحقاق كل واحد من الشركاء لجزء من كل عين قبل القسمة توجه وقوع الطلاق الثلاث هنا (¬3) بكل واحدة، كما لو مات زوج المرأة وخلف إخوتها أرقاء مع عبيد أخر؛ فإنه يعتق عليها من كل أخ لها بنسبة نصيبها من الميراث، وإن كان نصيبها لا يستوعب قيمة الجميع، ولو قال: أنتن طوالق ثلاثًا؛ طلق كلهن ثلاثًا ثلاثًا، نص عليه في "رواية ابن منصور"، ولم يذكر القاضي فيه خلافًا؛ لأنه أضاف الثلاث إلى الجميع، وفي الصورتين الأولتين أرسل الثلاث بينهن [أو عليهن، ويتوجه تخريج الخلاف فيها أيضًا؛ لأن إضافة الثلاث إليهن لا ينافي أن يوزع الثلاث على مجموعهن، لا على كل واحدة منهن] (¬4). ومما يدخل في هذا الباب قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. . .} (¬5) الآية؛ فهل المراد توزيع مجموع الصدقات على ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب) و (ج): "النصيب". (¬2) في المطبوع: "واحدة". (¬3) في المطبوع و (ب): "ها هنا". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) التوبة: 60.

مجموع الأصناف، أو كل فرد من أفراد الصدقات على مجموع الأصناف؟ وينبني على ذلك مسألة وجوب استيعاب (¬1) الأصناف بكل [صدقة] (¬2)، وفي ذلك روايتان، أشهرهما أنه غير واجب. وهل يجب على الإمام إذا اجتمعت عنده الصدقات أن يعم الأصناف منها أم لا؟ قال ابن عقيل: يجب ذلك؛ لتحصل التوفية باستيعاب الأصناف بمجموع الصدقات كما دلت عليه الآية. وقال القاضي: يستحب ذلك، ولا يجب؛ لأن حق بقية الأصناف يسقط بإعطاء الملاك لهم، وأيضًا؛ فليس في الآية إيجاب الاستيعاب بصدقات (¬3) كل عام؛ فيجوز تعويضهم في عام (¬4) آخر. ومما يدخل فيه أيضًا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. . .} (¬5) الآية؛ هل اقتضت مقابلة مجموع المظاهرين بمجموع (¬6) نسائهم [وتوزيع] (¬7) كل مظاهر على زوجته، أو مقابلة كل فرد من المظاهرين بمجموع (6) نسائه المظاهر منهن؟ ¬

_ (¬1) في (ب): "استيفاء". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬3) في المطبوع: "لصدقات". (¬4) في المطبوع: "في كل عام". (¬5) المجادلة: 3. (¬6) في المطبوع: "لمجموع". (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وتوزيعه مع".

قرر أبو الخطاب وغيره من أصحابنا الثاني، واستدل [به] (¬1) على أن المظاهرة (¬2) من جميع الزوجات بكلمة واحدة لا يوجب سوى كفارة واحدة، وكذلك قال في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ. . .} (¬3) إلى [آخرها] (¬4): إن المراد حرمت على كل واحد بناته وأخواته وعماته وخالاته، فأما الأمهات؛ فجعلها [من] (¬5) مقابلة الأفراد [بالأفراد] (¬6)، [قال: لأنه] (¬7) لما لم يتصور أن يكون للواحد أمان (¬8)؛ علم أنه أراد الواحد في مقابلة الواحد، وأما ما احتمل الجمع في مقابلة الواحد؛ فإنه [يحمل عليه] (¬9)، والأظهر -واللَّه أعلم- أن الكل مما قوبل فيه الواحد بالواحد والجملة بالجملة، وأن المعنى: حرمت على كل واحد أمه وبنته وأخته؛ إذ لو أريد مقابلة الواحد بالجمع؛ لحرم على كل واحد أمهات الجميع وبناتهم، وهو باطل قطعًا. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬2) في (ب) و (ج): "المظاهر". (¬3) النساء: 23. (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "آخر الآية". (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "في". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) في (ج): "لأنه قال" بتقديم وتأخير. (¬8) في (ب): "اثنان". (¬9) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عمل حيلة"، وفي (ج): "عمل جملة".

114 - القاعدة الرابعة عشر بعد المئة إطلاق الشركة؛ هل يتنزل على المناصفة، [أم] هو مبهم يفتقر إلى تفسير؟

(القاعدة الرابعة عشر بعد المئة) إطلاق الشركة؛ هل يتنزل على المناصفة، [أم] (¬1) هو مبهم يفتقر إلى تفسير؟ فيه وجهان ذكرهما صاحب "التلخيص" في البيع، والذي ذكره الأصحاب في الإقرار أنه مبهم، وكذلك صرح به ابن عقيل في "نظرياته" مختارًا له، وقال القاضي في "المجرد" في البيع وفي (¬2) "خلافه" أيضًا: ينزل على المناصفة، وهل يقال باستحقاق الشريك من كل جزء [جزءً] (¬3) أو بالتشاطر؟ يحتمل وجهين، وكلام الأصحاب يدل على التشاطر، ويتفرع على [هذا] (¬4) مسائل: - (منها): لو قال لمشتري سلعة: أشركني في هذه السلعة؛ فهل يصح وينزل على المناصفة، أم لا للجهالة؟ على وجهين ذكرهما في "التلخيص"، والجزوم به في ["المجرد"] (¬5) ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "أو". (¬2) في (ب) والمطبوع: "في". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "ذلك". (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "المحرر".

الصحة تنزيلًا على المناصفة. - (ومنها): لو قال: هذا العبد شركة بيني وبين فلان، أو هو شريكي فيه؛ فوجهان (¬1)، المجزوم [به] (¬2) في الإِقرار: الإِبهام، ويرجع في تفسيره إليه، وهو اختيار ابن عقيل، وقال القاضي في "خلافه": هو بينهما نصفين. - (ومنها): لو أوقع طلاقًا ثلاثًا بامرأة له، ثم قال لأخرى: أشركتك] (¬3) معها، فإن قلنا بالمناصفة؛ اقتضى وقوع اثنتين، وإن قلنا بالإِبهام؛ لم يقع أكثر من واحدة لأنها اليقين؛ [إلا أن يفسره بأكثر من ذلك] (¬4)، ويحتمل أن يقع ثلاثًا بناءً على أن الشركة تقتضي الاستحقاق من كل جزء (¬5)، وقد يقال هذا إنما [يمكن] (¬6) في التمليكات دون الطلاق، فإن حقيقة الاشتراك في طلاق الأولى لا يمكن (¬7)؛ فحمل على استحقاق نظيره، أما لو تعدد الشركاء؛ فهل يقال: يستحق الشريك مثل نصف ما لهم، أو مثل واحد منهم؟ على وجهين ذكرهما القاضي في البيع، وبنى عليهما: لو اشترى اثنان شيئًا، ثم أشركا ثالثًا فيه؛ فهل له نصفه أو ثلثه؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أو هو شريكي، فيه وجهان". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "للأخرى شركتك". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) في (ج): "كل جزء جزء". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "يكون". (¬7) كذا في (ب)، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي المطبوع و (أ): "تمكن".

على وجهين. وخرج صاحب "الترغيب" والشيخ مجد الدين في "المسودة" الوجهين فيما إذا قال لثلاث نسوة: أوقعت بينكن طلقة، ثم قال لرابعة: أشركتك معهن؛ هل يقع بها [طلقة] (¬1) واحدة أو طلقتين؟ على الوجهين. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

115 - القاعدة الخامسة عشر بعد المئة الحقوق المشتركة بين اثنين فصاعدا نوعان

(القاعدة الخامسة عشر بعد المئة) الحقوق المشتركة بين اثنين فصاعدًا نوعان: أحدهما: ما يقع استحقاق كل واحد بانفراده بجميع (¬1) الحق ويتزاحمون فيه عند الاجتماع. والثاني: ما يستحق كل واحد من الحق بحصته خاصة. وللأول أمثلة كثيرة: - (منها): الشفعاء المجتمعون كل منهم بستحق الشفعة بكمالها، فإذا عفى أحدهم عن حقه؛ توفر على الباقين. - (ومنها): غرماء المفلس الذي لا يفي ماله بدين كل واحد على انفراده، وهم كالشفعاء. - (ومنها): الأولياء المتساوون في النكاح. - (ومنها): العصبات المجتمعون في الميراث، ويتفرع على ذلك لو اجتمع ابنان (¬2) نصف كل واحد منهما حر؛ فهل يستحقان المال كله أم لا؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "لجميع". (¬2) في المطبوع: "اثنان".

على وجهين: أحدهما: يستحقان جميع المال، رجحه القاضي والسامري وطائفة من الأصحاب، وله مأخذان: أحدهما: جمع الحرية [فيهما؛ فيكمل] (¬1) بها حرية ابن، وهو مأخذ أبي الخطاب وغيره. والثاني: إن حق كل واحد منهما مع كمال حريته في جميع المال لا في نصفه، وإنما أخذ نصفه لمزاحمة أخيه له، وحينئذ؛ فقد أخذ كل واحد منهما نصف المال هنا، وهو نصف حقه مع كمال حريته؛ فلم يأخذ زيادة على قدر ما فيه من الحرية. والوجه الثاني: لا يستحقان المال كله؛ لئلا تستوي حال حريتهما الكاملة والمبعضة، وهل يستحقان نصفه تنزيلًا لهما حالين أو ثلاثة أرباعه تنزيلًا لهما ثلاثة أحوال؟ على وجهين، ولو كان ابن نصفه حر (¬2) مع أم؛ فعلى [هذا] (¬3) المأخذ [الثاني في الوجه الأول] (¬4) يتوجه أن يأخذ نصف المال كله، وهو أحد الوجوه للأصحاب، ورجحه الشيخ تقي الدين، وذكر أنه اختيار أبيه، وقيل: يأخذ نصف الباقي بعد ربع الأم، وهو اختيار أبي بكر القاضي في "خلافه"، وقيل: يأخذ نصف ما كان يأخذه حال كمال ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فيها فيملك"! (¬2) في المطبوع: "حرًّا"!! (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

الحرية، وهو هنا (¬1) ربع وسدس، وهو الذي ذكره إبراهيم الحربي في "كتاب الفرائض" (¬2)، واختاره القاضي في "المجرد" وابن عقيل وصاحب "المحرر"؛ لأن القدر الذي حجب (¬3) عنه الأم يستحقه كله، وإنما يتنصف عليه ما عداه. - (ومنها): ذوو الفروض المجتمعون المزدحمون في فرض واحد كالزوجات والجدات، ويتفرع على هذا إذا اجتمعت جدتان أم أم وأم أب مع ابنها الأب، وقلنا: إنه يحجبها؛ فهل تستحق [أم] (¬4) الأم السدس كله أو نصفه؟ على وجهين: أصحهما: أنها تستحق السدس كله لزوال المزاحمة مع قيام الاستحقاق لجميعه. والثاني: تستحق (¬5) نصفه، وله مأخذان: أحدهما: أن أم الأب تحجبها عن السدس إلى نصفه، ولا (¬6) أثر ¬

_ (¬1) في (ج): "هاهنا". (¬2) كتاب "الفرائض" كغيره من الكتب المفردة لإبراهيم الحربي (ت 285 هـ)، ولم أظفر بذكر له في فهارس دور المخطوطات. وانظر: "المدخل المفصل" (2/ 964) للشيخ بكر أبو زيد. (¬3) في المطبوع و (ج): "حجبت". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬5) في المطبوع و (ب): "يستحق". (¬6) في المطبوع: "فلا".

لكونها محجوبة كما يحجب ولد الأم الأم مع انحجابهم بالأب، وفيه نظر؛ فإن حجب [الجد للجدة] (¬1) إنما هو بطريق المزاحمة، ولا مزاحمة هنا، وحجب الأخوة للأم ليس بالمزاحمة؛ فإنهم لا يشاركونها في فرضها، وإنما وجودهم مقتض (¬2) لتنقيص فرضها. والثاني: أن أم الأب لها مع أم الأم نصف السدس، فلما حجب [الأب] (¬3) أمه؛ توفر ذلك عليه لا على الأخرى، ورد بأن ولد الأم يحجبون الأم عن السدس، ثم لا يأخذونه، بل يتوفر على الأب، وقد يجاب عنه بأن ولد الأم لما كانوا محجوبين بالأب توفر ما حجبوا عنه الأم على من حجبهم، وهو الأب كذلك هنا. - (ومنها): الوصايا المزدحمة في عين أو مقدار من المال، فإن حق كل واحد منهم في مجموع وصيته، وإنما يأخذ دون ذلك للمزاحمة، فإذا رد بعضهم توفر على الباقين، وإن أجاز الورثة بعض الوصايا دون بعض؛ فهل يعطى المجاز له القدر الذي [كان] (3) يأخذه في حال الإِجارة للكل، أو يكمل له الجزء المسمى في الوصية كله إن أمكن لقيام استحقاقه له وقد أمكن وصوله إليه بزوال المزاحمة بالرد على غيره؟ فيه وجهان، صحح صاحب "المحرر" الثاني (¬4)، ومن رجح الأول قال: القدر المزاحم به كان حقًّا للمزاحم، فإذا رده الورثة عليه توفر ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "الأم". (¬2) في المطبوع: "وإنما وجودهم هو مقتضٍ". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) انظر: "المحرر" (1/ 376 - 377).

[عليهم] (¬1) لا على الوصية الأخرى، ويشهد للأول ما ذكره الخرقي وابن حامد والقاضي والأصحاب فيمن وصى لرجل بعبد قيمته ثلث ماله، ولآخر بثلث ماله، فإن أجاز (¬2) الورثة؛ فللموصى له بالعبد [ربعه] (¬3) لمزاحمة الآخر له فيه، ولصاحب الثلث ربع العبد وثلث باقي المال، وإن ردوا قسم [الثلث] (¬4) بينهما نصفين؛ فيأخذ صاحب وصية العبد بقدر سدس المال كله من العبد، ويأخذ الآخر سدس العبد وسدس باقي المال لزوال المزاحمة بالرد؛ فأمكن وصول كل منهما إلى نصف ما سمى له كاملًا؛ فلا ينقص منه (¬5). وخرج صاحب "المحرر" وجهًا آخر من الوجه الثاني في المسألة التي قبلها: إنه يقسم الثلث بينهما على حسب ما كانا (¬6) يقتسمان وصيتيهما حال الإجازة؛ فيفضل نصيب صاحب الثلث على نصيب صاحب العبد (¬7)، وهو اختيار صاحب "المغني" تسوية بينهما في الرد والإِجازة (¬8). وفي تخريج هذا من المسألة التي قبلها نظر؛ لأن الورثة هناك قد ¬

_ (¬1) في (ب): "عليه". (¬2) في المطبوع و (ب): "أجازه". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "ثلاثة أرباعه". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "العبد". (¬5) انظر: "المغني" (6/ 129/ 4747). (¬6) في المطبوع: "ما كان"! (¬7) انظر: "المحرر" (1/ 389). (¬8) انظر: "المغني" (6/ 129 - 130/ 4747).

يكون مقصودهم بالرد على أحدهما توفير ما كان يأخذه بالمزاحمة [عليهم] (¬1)، كما لو أجازوا لصاحب الوصية بالكل وردوا على الموصى له بالثلث؛ فلو أعطينا صاحب الكل ما ردوه على صاحب الثلث؛ لم يبق في ردهم فائدة لهم، وهنا لا يخرج عنهم سوى الثلث؛ فينبغي أن تقسمه (¬2) الوصيتان على قدرهما عملًا بمراد الموصي من التسوية، حيث أمكن ولا ضرر على الورثة في ذلك. - (ومنها): استحقاق الغانمين من الغنيمة متى رد أحدهم (¬3) توفر على الباقين، وسواء قلنا ملكوه بالاستيلاء أو لم يملكوه. - (ومنها): الموقوف عليهم؛ إذا رد بعضهم توفر على الباقين؛ كما لو مات بعضهم، وقد سبقت. - (ومنها): حد القذف الموروث لجماعة يستحق كل واحد بانفراده، فلو (¬4) أسقطه بعضهم؛ فللباقين استيفاؤه. • وأما النوع الثاني؛ فله أمثلة: - (منها): عقود التمليكات الحضانة إلى عدد؛ فيملك كل واحد منهم بحصته لاستحالة أن يكون كل واحد منهم مالكًا لجميع العين، ثم ها هنا حالتان: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في المطبوع: "تقسم". (¬3) في المطبوع و (ج): "بعضهم". (¬4) في المطبوع: "فإذا".

إحداهما: أن يكون التمليك بعوض؛ مثل أن يبيع من رجلين عبدًا أو عبدين بثمن، فيقع الشراء بينهما نصفين، ويلزم كل واحد نصف الثمن، وإن كان لاثنين عبدان مفردان، لكل واحد عبد، فباعاهما من رجلين صفقة واحدة، لكل واحد عبدًا معينًا بثمن واحد؛ ففي صحة البيع وجهان، أصحهما -وهو المنصوص-: الصحة، وعليه؛ فيقتسمان الثمن على قدر قيمتي العبدين. وذكر القاضي وابن عقيل وجهًا آخر: أنهما يقتسمانه على عدد رؤوس المبيع نصفين تخريجًا من أحد الوجهين فيما إذا تزوج أربعًا في عقد بمهر واحد أو خالعهن بعوض واحد: أنه يكون بينهن أرباعًا، وهو ها هنا بعيد جدًّا؛ لأن البضع ليس بمال محض؛ فكيف تُسَوَّى (¬1) به الأموال المبتغى بها الأرباح والتكسب؟! وخرجاه أيضًا في الكتابة وهو أقرب من البيع؟ إذ الكتابة فيها معنى العتق. الحالة الثانية: أن يكون بغير عوض، مثل أن يهب لجماعة شيئًا أو يملكهم إياه عن زكاة أو كفارة مشاعًا في الكفارة؛ فقياس كلام الأصحاب في التمليك بعوض أنهم يتساوون في ملكه. وحكى صاحب "المغني" فيما إذا وضع طعامًا في الكفارة بين يدي عشرة مساكين، فقال: هو بينكم بالسوية، [فقبلوه] (¬2) ثلاثة أوجه: ¬

_ (¬1) في المطبوع: "سوى"، وفي (ج): "يسووا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

أحدها -وهو الذي جزم به أولًا-: إنه يجزئه (¬1)؛ لأنه ملكهم التصرف فيه والانتفاع به قبل القسمة، كما لو دفع دين غرمائه بينهم. والثاني -وحكاه عن ابن حامد-: يجزئه (1)، وإن لم يقل بالسوية؛ لأن قوله (خذوها عن كفارتي) يقتضي التسوية؛ لأن ذلك حكمها. والثالث -وحكاه عن القاضي-: إنه إن علم أنه وصل إلى (¬2) كل واحد قدر حقه أجزأ، وإلا؛ لم يجزئ (¬3)، هذا ما ذكره (¬4). وأصل ذلك ما قاله القاضي في "المجرد": إذا أفرد ستين مدًّا وقال لستين مسكينًا: خذوها. [فأخذوها] (¬5)، أو قال: كلوها. ولم يقل بالسوية، أو قال: قد ملكتكموها (¬6) بالسوية [فأخذوها] (5)؛ فقال شيخنا أبو عبد اللَّه (¬7): يجزئه (1)؛ لأن قوله خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية؛ لأن حكم الكفارة أن يكون بينهم بالسوية، فإن عرف أنها وصلت إليهم بالسوية؛ أجزأه، وإن علم التفاضل، فمن حصل معه الفضل (¬8)؛ فقد أخذ زيادة، ومن أخذ أقل؛ كان عليه أن يكمله، وإن لم يعلم كيف وصل إليهم؛ لم يجزئه (1)، وعليه استئنافها؛ لأنه لم يعلم [قدر] (5) ما وصل إلى كل واحد ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يجزيه". (¬2) في المطبوع: "وصل إليه إلى". (¬3) في المطبوع: "لم يجزه"، وفي (ج): "لم يجز". (¬4) انظر: "المغني" (8/ 26/ 6212). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) في المطبوع و (ج): "ملكتموها". (¬7) في المطبوع: "أبو عبد اللَّه بن حامد". (¬8) في المطبوع: "التفضيل".

[منهم] (¬1) بعينه. انتهى. فحكى الكلُّ عن ابن حامد وصاحبُ "المغني" جعلَ الإِجزاء مطلقًا قول ابن حامد واعتبار الوصول قول القاضي (¬2). وليس كذلك، وكذلك (¬3) استشكل الشيخ مجد الدين ما وقع في "المجرد" وقال: لعله [وقع] (¬4) غلط في النسخة، وليس كذلك أيضًا؛ فإني نقلت ما ذكرته من أصل القاضي بخطه، ثم قال: وعندي (¬5) أنا إن قلنا: ملكوها بالتخلية، وإنها قبض؛ أجزأته بكل حال. قال: ولعل هذا اختيار ابن حامد، وهذا بعيد [جدًّا] (¬6)، بل اختيار ابن حامد عكسه، وإن الهبة والصدقة لا تملك بدون قبض، وقد قدمنا ذلك عنه في مسائل القبوض، وأن القبض في المنقول بالنقل, فيتوجه على هذا أنه لا بد من تحقق (¬7) قبض كل واحد لمقدار ما يجزئ دفعه إليه؛ لأنه لم يملكه بدونه، ولا عبرة بالإيجاب لهم بالسوية، وما حكاه القاضي عن ابن حامد يشعر بأن إطلاق قوله خذوا هذا أو هو (¬8) لكم لا يحمل على التسوية؛ فإنه إنما علل بأن التسوية حكم الكفارة، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) انظر: "المغني" (8/ 26/ 6212). (¬3) في (ب): "ولذلك". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في المطبوع: "عندي". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) في المطبوع و (ج): "تحقيق". (¬8) في المطبوع: "هذا وهو".

وهذا مخالف لما قرروه (¬1) في عقود المعاوضات. وأما ما حكاه في "المغني" من طرد الخلاف فيما لو قال: هو بينكم بالسوية، أو اقتصر على قوله: هو بينكم؛ فليس (¬2) ذلك في كلام القاضي، ويتخرج ذلك على أصل، وهو أن إطلاق البينة هل يقتضي التساوي أم لا؟ وفي المسألة وجهان: أحدهما: إنه يقتضيه، وهو الذي ذكره الأصحاب في المضاربة إذا قال: خذ هذا المال فاتجر [به] (¬3) والربح بيننا؛ أنهما يتساويان فيه (¬4). وصرح القاضي وابن عقيل والأصحاب في مسألة المضاربة [بأن] (¬5) إطلاق الإقرار بشيء أنه بينه وبين زيد يتنزل (¬6) على المناصفة [أيضًا] (¬7). وكذلك صرحوا به في الوصايا، إذا قال: وصيت لفلان وفلان بمئة بينهما أن لكل واحد خمسين، ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور فيمن قال: بين فلان وفلان مئة درهم، وأحدهما ميت ليس للحي إلا خمسون درهمًا، وكذا (¬8) لو قال: لفلان وفلان مئة درهم، وأحدهما ميت، وأنكر قول ¬

_ (¬1) في (ج): "قرره". (¬2) في المطبوع: "هو بينكم ألبتة؛ فليس". (¬3) في المطبوع: "فيه". (¬4) وهذا مذهب الحنفية، انظر: "بدائع الصنائع" (7/ 81)، وإن خسر في هذه الصورة؛ فعلى المال؛ كما قال أحمد في "مسائل صالح" (2/ 453/ 1152). (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "في أن". (¬6) في (ب): "فينزل". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬8) في المطبوع: "وكذلك".

سفيان بالتفرقة بينهما، وهذا تصريح بأن اطلاق الوصية [لفلان وفلان] (1) يتنزل على التساوي، كما [لو] (¬1) قال بينهما. والوجه الثاني: إن إطلاق [البينة لا يقتضي] (¬2) التساوي، وبه جزم القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "عمده" في مسألة الإِقرار في كتاب البيع، وكذلك ذكره أبو الخطاب في (الإقرار) وصاحبا "المغني" و"المحرر" (¬3). - (ومنها): القصاص المستحق لجماعة بقتل موروثهم يستحق كل واحد منهم بالحصة؛ فمن عفى منهم سقط حقه، وسقط الباقي؛ لأنه لا يتبعض، وها هنا صور مختلف فيها؛ هل تلحق (¬4) بالنوع الأول أو الثاني؛ كالغرامات الواجبة على جماعة بسبب واحد؛ كالمشتركين في قتل آدمي، أو صيد محترم (¬5)، أو في الوطء في الحج، أو الصيام (¬6)؛ هل يتعدد (¬7) عليهم الديات والجزاء والكفارة؟ وكذلك عقود التوثقات؛ كالرهن والضمان والكفالة، وقد سبق ذكرها. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (ب): "البينية لا يقتضي"، وفي المطبوع: "البينة لا تقتضي". (¬3) انظر: "المغني" (6/ 142 - 143/ 4772)، و"المحرر" (1/ 384). (¬4) في المطبوع و (ج): "يلحق"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬5) كذا في (أ) بخط ابن رجب و (ب)، وفي المطبوع و (ج): "محرَّم"!! (¬6) في المطبوع: "أو في الصيام". (¬7) في (ج): "تعدد".

116 - القاعدة السادسة عشر بعد المئة من استند [تملكه] إلى سبب مستقر لا يمكن إبطاله، وتأخر حصول الملك عنه؛ فهل تنعطف أحكام ملكه إلى أول وقت انعقاد السبب وتثبت أحكامه من حينئذ، أم لا يثبت إلا من حين ثبوت الملك؟

(القاعدة السادسة عشر بعد المئة) من استند [تملكه] (¬1) إلى سبب مستقر لا يمكن إبطاله، وتأخر حصول الملك عنه؛ فهل تنعطف (¬2) أحكام ملكه إلى أول وقت انعقاد السبب وتثبت (¬3) أحكامه من حينئذ، أم لا يثبت إلا من حين ثبوت الملك؟ فيه خلاف، وللمسألة أمثلة كثيرة: - (منها): ملك الشفيع إذا أخذ بالشفعة، وثم نخل مؤبر؛ كان وقت البيع غير مؤبر، وفيه وجهان سبق ذكرهما. - (ومنها): ملك الموصى له إذا قبل بعد الموت؛ فهل يثبت له الملك من حين الموت أم لا؟ وفيه خلاف معروف. - (ومنها): إذا تملك المالك للأرض زرع الغاصب بنفقته بعد بدو صلاحه؛ فهل تجب (¬4) زكاته عليه أم على الغاصب؟ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع: "ينعطف"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬3) كذا في (ج)، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي المطبوع: "ويثبت". (¬4) في المطبوع: "يجب".

على وجهين، وقد سبق في بيع الثمر قبل بدو صلاحها بشرط القطع نحو ذلك. - (ومنها): الفسخ بالعيب والخيار؛ فإنه يستند إلى مقارن للعقد؛ فهل هو رفع للعقد من أصله أو من حينه؟ وفيه خلاف معروف. - (ومنها): دية المقتول؛ هل تحدث على ملك الوارث لأنها تجب بعد الموت، أو على ملك الموروث لأن سببها وجد في حياته؟ على روايتين معروفتين، وحكى ابن الزاغوني في "الإقناع" الروايتين في القصاص أيضًا؛ هل هو واجب للورثة ابتداءً أو موروث عن الميت؟ -[(ومنها): إذا انعقد سبب الملك أو الضمان في الحياة، وتحقق بعد الموت؛ كمن نصب شبكة، فوقع فيها صيد بعد موته، أو عثر بها إنسان، وفيه (¬1) خلاف سبق ذكره] (¬2). - (ومنها): إذا كاتب عبدًا، ثم مات ولم يؤدِ (¬3) إليه شيئًا، فأدى (¬4) إلى ورثته وعتق؛ فهل الولاء للسيد الذي كاتبه لانعقاد سببه في ملكه، أو للورثة المؤدى إليهم لتحقق السبب في ملكهم؟ على روايتين، والمذهب أن الولاء للسيد الأول. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ففيه". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "ولم يؤدي"! (¬4) في المطبوع: "فأد"!

- (ومنها): إذا كاتب المكاتب عبدًا، فأدى إليه وعتق قبل أدائه، أو أعتقه بمال، وقلنا له ذلك؛ ففي ولائه (¬1) وجهان: أحدهما: إنه للسيد الأول، وهو محكي عن أبي بكر؛ لثبوت الولاء على هذا العتيق (¬2) في حال ليس مولاه من أهل الميراث، فاستقر لمولى المولي. والثاني: هو موقوف، فإن أدى المكاتب الأول وعتق؛ فالولاء له لانعقاده له قبل عتقه، وهو قول القاضي في "المجرد"، ورجح في "الخلاف" قول أبي بكر حتى حكى عنه أنه لو عتق المكاتب الأول قبل الثاني؛ فالولاء للسيد لانعقاد سبب الولاء له، حيث كان المكاتب ليس أهلًا له. وكلام أبي بكر إنما يدل على استقرار الولاء للسيد إذا وقعت الكتابة أو العتق المنجز بإذنه، وأما ما وقع بغير إذنه؛ فالعتق عنده موقوف على أداء المكاتب الأول؛ فينبغي أن يكون الولاء له كولاء ذوي (¬3) رحمه الذين (¬4) اشتراهم في حال الكتابة. وأما العبد القن إذا أعتق بإذن سيده بما (¬5) ملَّكَه، وقلنا: يملكه (¬6)؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "ولايته". (¬2) في المطبوع و (ج): "العتق". (¬3) في (ج): "ذي". (¬4) في المطبوع: "والذين". (¬5) في المطبوع و (ج): "مما". (¬6) في المطبوع: "بملكه".

فحكى صاحب "المغني" عن طلحة العاقولي (¬1) من أصحابنا أنه موقوف، فإن عتق؛ فالولاء له، وإن مات قنًّا؛ فهو للسيد (¬2). وفي "المجرد" للقاضي: إن الولاء للسيد مطلقًا، ونص أحمد في "رواية ابن منصور" في عبد أذن له سيده أن يبتاع عبدًا ويعتقه (¬3): أن ولاءه للسيد (¬4)، وقال: إذا أذنوا له؛ فكأنهم هم المعتقون، وهذا يدل على الفرق بين عتق المكاتب بإذن سيده وعتقه بدونه كما سبق، ويحتمل أن يكون مخرجًا على قوله: إن العبد لا يملك، وإنه أعتقه بإذن سيده بطريق الوكالة، ثم ليس في نصه أن العبد عتق بعد ذلك، وإنما فيه أن سيده باعه. ويشبه هذه المسائل إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة، وأسلمن معه، واختار منهن أربعًا؛ انفسخ نكاح البواقي، وهل يبتدئن العدة من حين الاختيار لأن نكاحهن إنما انفسخ به، أو من حين الإِسلام لأنه السبب؟ ¬

_ (¬1) هو طلحة بن أحمد بن طلحة، ولد سنة (432 هـ) بدير العاقول، قرب بغداد على خمسة عشر فرسخًا منها، وكان عارفًا بالمذهب، حسن المناظرة، وكان ثقة أمينًا، مات سنة (512 هـ). انظر ترجمته في: "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 138)، و"المنهج الأحمد" (رقم 744). (¬2) انظر: "المغني" (13/ 531 / 1819 - ط هجر). ونقله عنه المصنف في ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 140)، وقال عقبه: "وهذا خلاف ما ذكره الأكثرون: إن العبد لا يرث بالولاء ولا غيره". (¬3) في (ج) والمطبوع: "أو يعتقه". (¬4) في المطبوع و (ج): "لسيده".

على وجهين، فأما تصرف الفضولي إذا قلنا: يقف على الإجازة؛ فإجازة من عقد له؛ فهل يقع الملك فيه من حين العقد حتى يكون النماء له، أم من حين الإجازة؟ على وجهين: أحدهما: [من حين الملك] (¬1)، وبه قطع القاضي في "الجامع" وصاحب "المغني" في مسألة نكاح الفضولي (¬2). والثاني: من حين الإجازة، وبه جزم صاحب "النهاية"، ولكن السبب هنا غير مستقر؛ لإمكان إبطاله (¬3) بالرد، [ويشهد للوجه الثاني أن القاضي صرح بأن حكم الحاكم المختلف فيه إنما يفيد صحة المحكوم به وانعقاده من حين الحكم وقبل الحكم كان باطلًا] (¬4). ويلتحق بهذه القاعدة العبادات التي يكتفى بحصول بعض شرائطها في أثناء وقتها إذا وجد الشرط في أثنائها؛ فهل يحكم لها بحكم ما اجتمعت شرائطه من ابتدائها أم لا؟ فيه خلاف [أيضًا] (¬5)، وينبني عليه مسائل: - (منها): إذا نوى الصائم المتطوع الصوم من أثناء النهار؛ فهل ¬

_ (¬1) كذا في (أ) بخط ابن رجب، وقال ناسخ (ب) في الهامش: "الملك من حين العقد". (¬2) انظر: "المغني" (5/ 57 - 58/ 3751 و 7/ 121/ 5442). (¬3) في المطبوع: "زواله". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

يحكم له بحكم الصيام من أوله، [أو من] (¬1) حين نواه فلا يثاب على صومه إلا من حين النية؟ على وجهين، والثاني ظاهر كلام أحمد. - (ومنها): إذا بلغ الصبي أو عتق العبد وهما محرمان قبل فوات وقت الوقوف؛ فهل يجزئهما عن حجة الإِسلام؟ على روايتين، أشهرهما الإجزاء، فقيل: لأن (¬2) إحرامهما انعقد مراعى؛ لأنه قابل للنقل والانقلاب، وقبل: بل بقدر ما مضى منه؛ كالمعدوم، ويكتفى بالموجود منه، وقيل: إن قلنا: الإحرام شرط محض؛ كالطهارة للصلاة؛ اكتفى بالموجود منه، وإن قيل: هو ركن؛ لم يكتف به. * * * ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أم"، وفي (ج): "أو". (¬2) في (ج): "إن"!

117 - القاعدة السابعة عشر بعد المئة كل عقد معلق يختلف باختلاف حالين إذا وجد تعليقه في أحدهما ووقوعه في الآخر؛ فهل يغلب عليه جانب التعليق أو جانب الوقوع؟

(القاعدة السابعة عشر بعد المئة) كل عقد معلق يختلف باختلاف حالين إذا وجد تعليقه في أحدهما ووقوعه في الآخر؛ فهل يغلب عليه جانب التعليق أو جانب الوقوع؟ في المسألة قولان؛ إلا أن يفضي (¬1) اعتبار أحدهما إلى ما هو ممتنع شرعًا؛ فيلغى، ويتفرع على ذلك مسائل: - (منها): الوصية لمن هو في الظاهر وارث؛ فيصير عند الموت غير وارث أو بالعكس، والمذهب أن الاعتبار بحال الموت، ولم يحك الأكثرون فيه خلافًا؛ فإن الوصية للوارث (¬2) لا يمكن أن تلزم، والوصية للأجنبي بالثلث فما دون لا يمكن أن تقف على الإِجارة، ومنهم من حكى خلافًا ضعيفًا [في] (¬3) الاعتبار بحال الوصية كما حكى أبو بكر وأبو الخطاب رواية: إن الوصية في حال الصحة من رأس المال، ولا يصح عن أحمد، وإنما أراد به العطية المنجزة، كذلك قال القاضي وغيره. - (ومنها): إذا علق عتق عبده في صحته بشرط، فوجد في مرضه؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يقتضي". (¬2) في المطبوع: "للورثة". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "بـ".

فهل يعتق من الثلث أو من رأس المال؟ على وجهين، وحكى القاضي في "خلافه" روايتين، واختيار أبي بكر (¬1) وابن أبي موسى: إنه يعتق من الثلث، وهذا إذا لم تكن الصفة واقعة باختيار المعلق، فإن كانت من فعله؛ فهو من الثلث بغير خلاف، وقد نص عليه أحمد في "رواية صالح": إذا (¬2) قال لامرأته: أنت كذا وكذا إن لم أخرج إلى البصرة. وقال: لم تكن لي نية في تعجيل ذلك؛ فلا تطلق حتى يكون في وقت لا يقدر أن يخرج (¬3). وكذلك لو قال: غلامه حر إن لم يفعل كذا وكذا، فلم يكن له نية؛ فلا يعتق حتى يكون في وقت لا يقدر أن يفعل الذي قال، فإذا طلقت ورثته واعتدت، وإذا عتق؛ كان من ثلثه، وهكذا حكم ما إذا أعتق حمل أمته في صحته ثم وضعته في مرضه، وقلنا: لا يعتق الحمل إلا بعد الوضع. - (ومنها): إذا علق طلاق امرأته في صحته (¬4) على صفة، فوجدت ¬

_ (¬1) في المطبوع: "واختار أبو بكر". (¬2) في المطبوع: "أنه إذا"، وفي (ج): "قال: إذا". (¬3) في المطبوع: "يخرج فيه". وفي "مسائل صالح" (384/ 364): "قال [أي: الإمام أحمد رحمه اللَّه]: وإذا قال [أي: الزوج لزوجته] أنت طالق إذا جاء الهلال، أو أنت طالق عند الهلال، فهو يستمتع منها إلى الهلال, وإذا قال: أنت طالق إلى الهلال؛ فإن كان أراد: إذا جاء الهلال، فهو على ما أراد, وإذا كان أراد: من الساعة التي تكلَّم به إلى الهلال؛ فهو على ما أراد، تطلق ساعة قال". قلت: وانظر: "مسائل ابن هانئ" (1/ 237/ 1140). (¬4) في المطبوع: "صحة"!

في مرضه ولم يكن من فعله؛ فهل ترث (¬1) أم لا؟ على روايتين، والمنصوص أنها ترثه في "رواية صالح" (¬2) و"مُهَنَّأ"، والأخرى مخرجة من مسألة قذفها في الصحة وملاعنتها في المرض. - (ومنها): إذا أوصى إلى فاسق، فصار (¬3) عدلًا عند الموت؛ فهل تصح (¬4) الوصية بناءً على قولنا: [لا تصح] (¬5) إلى الفاسق؟ على وجهين. - (ومنها): لو أوصى (¬6) لزيد بدار، ثم انهدم بعض بنائها قبل الموت؛ فهل تدخل تلك (¬7) الأنقاض في الوصية؟ على وجهين، وكذلك (¬8) الوجهان لو زاد فيها بناءً؛ لم يكن حال الوصية، ذكر ذلك أبو الخطاب (¬9). - (ومنها): لو قال العبد: متى ملكت عبدًا فهو حر، وقلنا: يصح هذا التعليق من الحر؛ كما هو المشهور من المذهب، ثم عتق ثم ملك ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "ترثه". (¬2) انظر: "مسائل صالح" (2/ 235/ 822 و 3/ 174 - 175/ رقم 1590 - 1594). (¬3) في المطبوع: "وصار". (¬4) في المطبوع: "يصح". (¬5) في المطبوع: "لا يصح الإيصاء"، وفي (ب): "لا تصح الوصية". (¬6) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "وصى". (¬7) في المطبوع: "يدخل ملك"! (¬8) في المطبوع: "وكذا". (¬9) في "كتاب الهداية" (1/ 223).

عبدًا؛ فهل يعتق؟ على وجهين، ولو وصى المكاتب بشيء، ثم عتق قبيل (¬1) موته؛ فهل تصح (¬2) وصيته؟ خرجها الشيخ مجد الدين على وجهين (¬3). - (ومنها): لو قال العبدي لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثًا، ثم عتق، ثم دخلت الدار؛ فهل تطلق ثلاثًا أو اثنتين، حيث لم يكن مالكًا حال التعليق لأكثر منها؟ على وجهين. - (ومنها): لو علق طلاق امرأته قبل الدخول على قدوم زيد مثلًا، ثم دخل بها، ثم قدم زيد وهي حائض؛ فإنه يقع الطلاق بدعيًا لا بمعنى الإثم به، بل بمعنى أمره بالمراجعة فيه، ولو كان قد علق طلاقًا أو غيره على طلاق البدعة ترتب عليه ولم يحك الأصحاب فيه خلافًا، ولو قال: إن قمت فأنت طالق، فقامت وهي حائض؛ فهل يكون بدعيًّا؟ قال في "الانتصار" (¬4): مباح. وفي "الترغيب": بدعي؛ [لقصدها لوزم رجعتها بقيامها، بخلاف قدوم زيد؛ لعدم قصدها فيه] (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "قبل". (¬2) في المطبوع: "يصح". (¬3) في المطبوع: "وجهين". (¬4) في المطبوع: "قال في رعاية الانتصار"! والصواب ما أثبتناه. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج)، وكتب ناسخ (أ) على هامشها: "هذا التعليل وجد بخط المصنف".

118 - القاعدة الثامنة عشر بعد المئة تعليق فسخ العقد وإبطاله بوجوده

(القاعدة الثامنة عشر بعد المئة) تعليق فسخ العقد وإبطاله بوجوده (¬1). إن كان فيه مقصود معتبر شرعًا؛ صح، وإلا؛ لم يصح؛ إذ لو صح لصار العقد غير مقصود في نفسه، هذا مقتضى قواعد المذهب، ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): إذا علق الطلاق بالنكاح؛ فالمذهب المنصوص [أنه] (¬2) لا يصح؛ لأن النكاح لا يقصد للطلاق عقيب العقد. واختلفت الرواية عنه فيمن حلف لزوجته أن لا يتزوج عليها بتعليق طلاق من يتزوجها عليها (¬3) بنكاحها؛ هل يصح أم لا؟ على روايتين؛ لأن هذا فيه حق للزوجة، فيصير (¬4) مقصودًا، كما لو شرط أن لا يتزوج عليها؛ فمن الأصحاب من خص الخلاف بهذه الصورة، ولم يخرج، ومنهم من خرج في الكل روايتين، هذا كله إذا لم تكن حالة التعليق في نكاحه؛ فإن كانت في نكاحه حينئذ، وعلق طلاقها على نكاح ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لوجوده". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع: "عن أحمد أنه". (¬3) في المطبوع: "عليه"! (¬4) في (ج): "فيكون".

آخر يوجد؛ فنص أحمد في "رواية ابن منصور" وغيره على أنه يصح هذا التعليق، وحكاه القاضي في "المجرد" عن أبي بكر، ورجحه ابن عقيل؛ لأن التعليق هنا في نكاح، ومن أصلنا أن الصفة المطلقة تتناول جميع الأنكحة بإطلاقها وتعود الصفة فيها؛ فكيف إذا قيدت بنكاح معين، ولو علقه لي ملك يمينه لأمته على نكاحها بعد عتقها؛ فنص أحمد في "رواية ابن هانئ" على أنه يصح معللًا بأن ملك اليمين كالنكاح في استباحته الوطء؛ فلا يكون التعليق [فيه] (¬1) كتعليق نكاح الأجنبية (¬2). وكذلك (¬3) نص فيمن أعتق أَمَتَهُ، ثم قال لها متصلًا بعتقها: إن نكحتك فأنت (¬4) طالق: أنه يصح؛ لأنه في هذه الحال يملك عقد النكاح عليها قهرًا، فلم ينقطع آثار الملك فيه بالكلية؛ فلذلك انعقدت فيه الصفة. - (ومنها): تعليق العتق بالملك، والمذهب المنصوص صحته؛ لأن الملك يراد للعتق ويكون مقصودًا كما في شراء ذي الرحم وغيره، والخلال وصاحبه لا يثبتان في المذهب في ذلك خلافًا، وابن حامد والقاضي يحكيان روايتين (¬5). - (ومنها): تعليق النذر بالملك، مثل: إن رزقني اللَّه مالًا، فلله علي أن أتصدق به أو بشيء منه؛ فيصح، ونقل الشيخ تقي الدين عليه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬2) انظر: "مسائل ابن هانئ" (1/ 236/ 1138). (¬3) في (أ): "لذلك". (¬4) في المطبوع: "فإن"! (¬5) في المطبوع: "يحكيان في ذلك روايتين".

الاتفاق (¬1)، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ. . .} (¬2) الآيات (¬3). - (ومنها): تعليق فسخ الوكالة على وجودها، وتعليق (¬4) الوكالة على فسخها؛ كالوكالة الدورية، وقد ذكر صاحب "التلخيص" أن قياس المذهب صحة ذلك بناءً على أن الوكالة قابلة للتعليق عندنا وكذلك فسخها، وقال الشيخ تقي الدين: لا يصح؛ لأنه يؤدي إلى أن تصير العقود الجائزة لازمة، وذلك تغيير لقاعدة الشرع، وليس مقصود المعلق إيقاع الفسخ، وإنما قصده الامتناع من التوكيل وحله قبل وقوعه والعقود لا تفسخ قبل انعقادها. - (ومنها): تعليق (¬5) فسخ البيع بالإِقالة على وجود البيع أو تعليق فسخ النكاح بالعيب على وجود النكاح، وقد صرح الأصحاب ببطلان ذلك؛ منهم القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب، معللين بأنه رفع للعقد (¬6) قبل ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بالاتفاق". (¬2) التوبة: 75. (¬3) قال شيخ الإسلام: "الاختيارات الفقهية" (ص 329): "لا أعلم فيه نزاعًا، ومن قال: هذا ليس بنذر؛ فقد أخطأ، وقول القائل: لئن ابتلاني اللَّه؛ لأصبرن، ولئن لقيت عدوًّا؛ لأجاهدن، ولو علمت أي العمل أحب إلى اللَّه؛ لعملته؛ فهو نذر معلق بشرط؛ كقول اللَّه تعالى: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ. . .} [التوبة: 75] الآية". وقريب منه في "القواعد النورانية الفقهية" (ص 241). (¬4) في المطبوع: "أو تعليق". (¬5) في المطبوع و (ج): "تعلق". (¬6) في المطبوع: "وقع العقد".

عقده، ومنهم من يعلل بأن الفسوخ لا تقبل التعليق، وقد صرح كثير منهم؛ [كالقاضي وأبي الخطاب] (¬1) وابن عقيل وصاحب "المغني" بهذا المأخذ (¬2)، وهو مخالف [لما] (¬3) نص عليه [أحمد] (¬4) في مسألة: إن جئتني بالثمن إلى كذا [وكذا]، وإلا؛ فلا بيع بيننا: أنه يصح ويكون تعليقًا (¬5) للفسخ على شرط، وقد صرح القاضي [بجوازه] (¬6) في البيع، خاصة في خلافه، ومن المتأخرين من صرح به في فسخ الإِجارة أيضًا. - (ومنها): تعليق فسخ التدبير بوجوده، وصرح القاضي في "المجرد" بامتناعه فيما إذا قال لأمته المدبرة: كلما ولدت ولدًا؛ فقد رجعت في تدبيره! فقال: لا يكون رجوعًا؛ لأن الرجوع إنما يصح في تدبير موجود، وهذا (¬7) بعد ما خلق؛ فكيف يكون رجوعًا؟ كما لو قال لعبده: متى دبرتك؛ فقد رجعت لم يصح. هذا لفظه. * * * ¬

_ (¬1) في (ب): "القاضي وأبو الخطاب". (¬2) انظر: "المغني" (4/ 113، 158 أو 10/ 56/ 1180 - ط هجر). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "لـ". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في المطبوع و (ج): "تعلقًا". (¬6) في المطبوع: "في جوازه". (¬7) في (ج) والمطبوع: "هذا" من غير واو.

119 - القاعدة التاسعة عشر بعد المئة إذا وجدنا لفظا عاما قد خص بعض أفراده بحكم موافق للأول أو مخالف له؛ فهل يقضى بخروج الخاص من العام وانفراده بحكمه المختص به، أو يقضى بدخوله فيه؛ فيتعارضان مع اختلاف الحكم، ويتعدد سبب الاستحقاق مع اتفاقه؟

(القاعدة التاسعة عشر بعد المئة) إذا وجدنا لفظًا عامًّا قد خص بعض أفراده بحكم موافق للأول أو مخالف له؛ فهل يقضى بخروج الخاص من العام وانفراده (¬1) بحكمه المختص به، أو يُقضى بدخوله فيه؛ فيتعارضان مع اختلاف الحكم، ويتعدد سبب الاستحقاق مع اتفاقه (¬2)؟ هذا على قسمين: أحدهما: أن يكون الخاص والعام في كلام واحد متصل؛ فالمذهب أنه يفرد الخاص بحكمه ولا يقضى بدخوله في العام، وسواء إن كان ذلك الحكم مما يمكن الرجوع عنه كالوصايا، أو لا يمكن كالإِقرار، ويتفرع على ذلك مسائل: - (منها): لو قال: هذه الدار لزيد، ولي منها هذا البيت؛ قبل، ولم يدخل البيت في الإِقرار، صرح به الأصحاب، ويجيء على اختيار ابن عقيل في مسألة كان له علي وقضيته أنه لا يقبل منه في القضاء أن لا يقبل ¬

_ (¬1) في (ج): "أو انفراده". (¬2) في المطبوع: "إبقائه". وانظر حول هذه القاعدة: "الموافقات" (4/ 46 وما بعدها - مع تعليقي)، و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 348).

ها هنا إفراد البيت؛ لأن مأخذه أن المعطوف بالواو جملة مستقلة غير مرتبطة بما قبلها؛ فهى دعوى مستقلة؛ كما قالوا في قوله: أنت طالق وعليك ألف: إنها تطلق بغير عوض، بخلاف الاستثناء والصفات؛ فإنها مع ما قبلها شيء واحد، والصحيح الأول، وأن المعطوف بالواو مع المعطوف عليه في حكم الجملة الواحدة، وهو المنصوص عن أحمد، وأما أنت طالق وعليك ألف؛ ففيها روايتان، ومأخذ الوقوع بغير عوض [غير] (¬1) ما ذكروه. - (ومنها): لو وصى لزيد بشيء وللمساكين بشيء، [وهو مسكين] (¬2)؛ فإنه لا يستحق مع المساكين من نصيبهم شيئًا، نص عليه أحمد في "رواية ابن هانئ" (¬3) و"علي بن سعيد" (¬4)، ونقل القاضي فيما قرأته بخطه الاتفاق على أن زيدًا لا يستحق من وصية المساكين في [مثل] (¬5) هذه الصورة؛ وإن كان مسكينًا، مع أن ابن عقيل في "فنونه" حكى ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وفي (ج): "غير ما ذكره". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في "مسائل ابن هانئ" (2/ 48/ 1378): "وسُئل عن رجلٍ أوْصى لأناسٍ -وسمَّاهم-، وأوصى للمساكين، أيعطي هؤلاء المسمِّيين؟ قال: لا يعطى هؤلاء الذين سمَّاهم إلا ما أوصى لهم، ويدفع الباقي إلى من أوصى من المساكين". (¬4) هو علي بن سعيد بن جرير، أبو الحسن النّسوي، توفي سنة (256 هـ) أو التي بعدها، قال الخلال: "روى عن أبي عبد اللَّه جزئين مسائل"، وقال: "كبير القدر، صاحب حديث، يُناظر أبا عبد اللَّه مناظرةً شافيةً". وانظر: "طبقات الحنابلة" (1/ 224)، و"المنهج الأحمد" (1/ 427)، و"المقصد الأرشد" (2/ 225)، و"التهذيب" (7/ 326). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

عنه أنه خرج وجهًا آخر بمشاركتهم إذا كان مسكينًا. - (ومنها): لو وصى لزيد بخاتم وبفصه لآخر، أو وصي لرجل بعبد وبمنافعه لآخر، أو لأحدهما بالدار ولآخر بسكناها ونحو ذلك بلفظ لا يقتضي انفراد كل واحد بما وصى له به صريحًا؛ فقال أبو بكر في "الشافي": لكل واحد منهما ما وصى له به لا يشاركه الآخر فيه، وحمله الشيخ مجد الدين على أنه كان في كلام واحد متصل، وأخذه من مسألة الإقرار السابقة، والمنصوص عن أحمد ها هنا التوقف. قال مُهَنَّأ: سألتُ أبا عبد اللَّه عن رجل أوصى بعبد لرجل، ثم أوصى به لآخر؛ قال: هذه مشكلة. فقلت له: فإن ناسًا يقولون: يكون العبد بينهم نصفين. قال: لا. فقلت له: فإن أوصى بدار لرجل وأوصى بغلتها لآخر؟ فقال: هذه (¬1) مثل تلك. فقلت لأبي عبد اللَّه [رحمه اللَّه] (¬2): إنه أوصى بخاتمه لرجل وأوصى بالفص لآخر. فقال: وهذه [أيضًا] (¬3) مثل تلك، ولم يخبرني فيهم بشيء، فتوقف في المسألة، وأنكر قول من قال بالاشتراك في العبد إذا أوصى به لاثنين، وجعل حكم الوصية بالدار وغلتها والخاتم وفصه حكم الوصية بعبد لاثنين؛ فدل على أنه لا اشتراك في الفص والغلة. وظاهر كلامه أنه يكون للموصى له [به] (3) بخصوصه، لكن هذا قد يكون مأخذه أن الوصية الثانية رجوع عن الأولى، كما أشعر به كلامه في العبد والمشهور في المذهب أن الوصية بعين مرة لرجل ومرة لغيره لا ¬

_ (¬1) في (ج): "وهذه أيضًا مثل. . . ". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

يكون (¬1) رجوعًا، بل يشتركان فيها؛ كما نص عليه أحمد في الوصية بالإِجزاء المنسوبة؛ كالثلث ونحوه. - (ومنها): لو وصى بثلثه لرجل (¬2)، ووصى لآخر بمُقَدَّرٍ (¬3) منه، قال أحمد في "رواية الحسن بن ثواب" في رجل قال: ثلثي هذا لفلان، ويعطى فلان منه مئة درهم في كل شهر إلى أن يموت؛ قال: هو للآخر منهما. قيل: كيف؟ قال: لأن الوصية رجعت إلى الذي قال: ويعطى هذا منه كل شهر، وإذا مات هذا، ففضل (¬4) شيء؛ يرد إلى صاحب الثلث. ظاهر (¬5) هذه الرواية يدل (¬6) على تقديم (¬7) الوصية بالمقدر على الوصية بالجزء المنسوب؛ لأنهما كالخاصة والعامة، وكتب القاضي بخطه على حاشية "الجامع" للخلال: ظاهر كلام أحمد أن الوصية الثانية (¬8) تقتضي الرجوع عن الأولى؛ لأن الثانية تستغرق جميع المال؛ إذ العمر ليس له حد معروف. قال: وقد قيل: لا يكون رجوعًا، ويقسم الثلث على أربعة: للموصى له بالثلث سهم، وثلاثة للآخر، كما لو وصى لرجل بماله ولآخر بثلثه. انتهى. ¬

_ (¬1) في (ج): "لا تكون". (¬2) في المطبوع و (ج): "لرجل بثلثه" بتقديم وتأخير. (¬3) في المطبوع: "بقدر". (¬4) في المطبوع: "أو فضل". (¬5) في المطبوع: "وظاهر". (¬6) في المطبوع: "تقدم". (¬7) في المطبوع: "تقدم". (¬8) في (ج): "للثاني".

وكلا الوجهين المذكورين فيهما ضعف؛ لأن أحمد رد الفاضل عن النفقة إلى الأول، وهذا يبطل أنه رجوع، ولأن الوصية للثاني إنما هي من الثلث؛ فكيف تكون وصية (¬1) بالمال كله؟! فيتعين (¬2) حملها على ما قدمناه أولًا. فأما (¬3) المسألة التي ذكرها الخرقي في "كتابه" وهي إذا أوصى لرجل بمعين (¬4) من ماله؛ كعبد، ولآخر بجزء مشاع منه؛ كالثلث؛ أن الوصيتين يزدحمان في المعبن مع الإجازة، كما لو وصى به لاثنين (¬5)، وتبعه (¬6) على ذلك ابن حامد والقاضي والأصحاب، فهذا قد يحمل على ما إذا كانت الوصيتان في وقتين مختلفين، ولا إشكال على هذا، وإن حمل على إطلاقه وهو الذي اقتضاه كلام الأكثرين؛ فهو وجه آخر، ونصوص (¬7) أحمد وأصوله تخالفه؛ كنصه في "رواية مُهَنَّأ" في الوصية بالعبد لاثنين، ونصه على أن من وصى لزيد (¬8) بشيء ولجيرانه بشيء وزيد من جيرانه: أنه لا يستحق من الوصية للجيران شيئًا، وقد ذكر ابن حامد أن الأصحاب استشكلوا مسألة الخرقي، وأنكروها عليه، ونسبوه إلى التفرد بها. ¬

_ (¬1) في (ج): "وصيته". (¬2) في المطبوع: "فتعين". (¬3) في (ج): "وأما". (¬4) في (ج): "بعين". (¬5) انظر: "المغني" (6/ 129/ 4747). (¬6) في (ب): "ومنعه". (¬7) في (ج): "فنصوص". (¬8) في (ج): "وصى".

القسم الثاني: أن يكون الخاص والعام في كلامين منفردين؛ فها هنا حالتان: إحداهما: أن يكون المتكلم بهما (¬1) لا يمكنه الرجوع عن كلامه، ولا يقبل منه؛ كالأقارير والشهادات والعقود؛ فيقع التعارض في الشهادات ولا يكون الإقرار الثاني ولا العقد الثاني رجوعًا عن الأول، هكذا ذكره غير واحد [من] (¬2) المتأخرين، مع أن كلام أحمد وأبي بكر عبد العزيز [في] (¬3) أن الخاص لا يدخل في العام ليس فيه تفصيل بين الكلام الواحد وغيره؛ فقد (¬4) يقال: إن الخاص لا يدخل لي العام مطلقًا، ويكون تخصيصه بالذكر قرينة مخرجة [له] (¬5) من العموم ما لم يعارض ذلك قرينة تقتضي دخوله فيه، وعلى تقدير دخوله فيه بقرينة أو مطلقًا، فإذا تعارضت (¬6) دلالة العام ودلالة الخاص في شيء واحد؛ فهل ترجح دلالة الخاص، أم يتساويان؟ ذكر ابن عقيل في "الواضح" أنهما يتساويان، وذكر أبو الخطاب في "التمهيد" (¬7) أنه يقدم دلالة الخاص، وهذا هو الذي ذكره القاضي وابن عقيل أيضًا والأصحاب كلهم في مسألة تخصيص القرآن بخبر الواحد. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بها"! (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) في المطبوع: "وقد". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "تعارض". (¬7) انظر: "التمهيد في أصول الفقه" (2/ 110).

وفي (¬1) مسألة تقديم الخاص على العام عند التعارض، وإن علم تقدم الخاص حتى قال أبو الخطاب وغيره: لا يجوز أن ينسخ العام الخاص؛ لأنه ليس بمساوٍ له (¬2). والحالة الثانية: أن يكون الرجوع ممكنًا؛ كالوصية، وعزل الإمام لمن يمكنه عزله وولايته؛ فهذا يشبه تعارض العام والخاص (¬3) في كلام الشارع في الأحكام، وفي ذلك ثلاث روايات: أشهرها (¬4): تقديم الخاص مطلقًا وتخصيص العموم به، سواء جهل التاريخ أو علم. والثانية: إن جُهِل التاريخ؛ فكذلك، وإلا، قُدِّمَ المتأخرُ منهما. والثالثة: إنْ عُلم التاريخ؛ عُمِل بالمتأخر، وإن جهل؛ تعارضا. ويتصل بهذه القاعدة قاعدتان: إحداهما (¬5): إذا اجتمع في شخص استحقاق بجهة (¬6) خاصة؛ كوصية معينة وميراث، واستحقاق بجهة عامة؛ كالفقر والمسكنة؛ فإنه لا يأخذ إلا بالجهة الخاصة (¬7)، نص عليه (¬8)، ويتفرع على ذلك مسائل: ¬

_ (¬1) في (أ): "في". (¬2) انظر: "التمهد في أصول الفقه" (2/ 112). (¬3) في المطبوع: "الخاص" من غير واو. (¬4) في المطبوع: "أشهرهن". (¬5) هذه رقمت في (ب) قاعدة مستقلة؛ فحملت (رقم 121). (¬6) في (ج): "لجهة". (¬7) انظر: "موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 350). (¬8) في المطبوع: "نص عليه أحمد".

- (منها): إذا وصى لزيد بشيء و [وصى] (¬1) لجيرانه بشيء، وهو من الجيران؛ فإنه لا يعطى من نصيب الجيران. - (ومنها): إذا وصى لزيد بشيء وللفقراء بشيء وزيد فقير؛ [فإنه] (¬2) لا يعطى من نصيب الفقراء شيئًا (¬3)، نص أحمد على الصورتين. وخرج القاضي فيما نقله ابن عقيل [عنه] (¬4) في "فنونه" الاستحقاق بجهة الفقر (¬5) والجوار، كما يستحق عامل الزكاة الأخذ بجهة الفقر مع العمالة. - (ومنها): لو وصى لأقاربه بشيء، ووصى أن يكفر عنه أيمان (¬6)؛ فلا يعطى من الكفارة من أخذ من الوصية من الأقارب، نص [عليه] (¬7) في "رواية صالح" (¬8). - (ومنها): لو وصى للفقراء وورثته فقراء؛ لم يَجُزْ لهم الأخذ من الوصية، نص عليه في "رواية حرب". وقال: الوارث لا يضرب (¬9) في المال ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬3) في المطبوع: "شيء". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "الفقراء". (¬6) في المطبوع: "بأيمان". (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "على ذلك". (¬8) انظر: "مسائل صالح" (1/ 257/ 192). (¬9) في المطبوع: "لا يصرف".

مرتين، إذا كان وارثًا (¬1)؛ لم يأخذ من الوصية شيئًا. ونقل نحوه أبو الصقر والفضل بن زياد، وكذلك نص على أن الوارث لا يحج عن الميت، ويأخذ الوصية، [وحمله القاضي على] (¬2) منعه من أخذ الزائد عن نفقة المثل، فأما نفقة المثل؛ فتجوز (¬3) لأنها معاوضة. القاعدة الثانية (¬4): إذا اجتمعت صفات في عين؛ فهل يتعدد الاستحقاق بها كالأعيان المتعددة (¬5)؟ المشهور في المذهب أنها كالأعيان في تعدد الاستحقاق، ويندرج تحت ذلك صور: - (منها): الأخذ من الزكاة بالفقر والغرم [والغزو] (¬6) ونحوها. - (ومنها): الأخذ من الخمس بأوصاف متعددة. - (ومنها): الأخذ من الصدقات المنذورة والفيء والوقوف. - (ومنها): المواريث بأسباب متعددة! كالزوج [إذا كان] (¬7) ابن عم [وابن العم] (¬8) إذا كان أخًا لأم بالاتفاق، وكذلك الجدات المدليات ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب) والمطبوع: "وارثٌ". (¬2) في (ج): "وحمل القاضي عليه". (¬3) في المطبوع: "فيجوز"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬4) هذه القاعدة أخذت في (ب) (رقم 122). (¬5) انظر: "موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 351). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

بقرابتين والأرحام والمجوس ونحوهم ممن يدلي بنسبين (¬1)؛ فإنهم يرثون بالجميع على الصحيح من المذهب. - (ومنها): في تعليق الطلاق، كما لو قال: إن كلمت رجلًا فأنت طالق، وإن كلمت فقيهًا فأنت طالق، وإن كلمت أسود فأنت طالق؛ فكلمت رجلًا فقيهًا أسود؛ طلقت ثلاثًا. وكذا [لو] (¬2) قال: إن ولدت ولدًا فأنت طالق، وإن ولدت أنثى فأنت طالق، فولدت انثى؛ طلقت طلقتين. وقال الشيخ تقي الدين (¬3): لا تطلق إلا [طلقة] (¬4) واحدة في المسائل كلها مع الإطلاق؛ لأن الأظهر في (¬5) مراد الحالف أنت طالق، سواء ولدت ذكرًا أو أنثى، وسواء كلمت رجلًا أو فقيهًا أو أسود؛ فينزل الإِطلاق عليه لاشتهاره في العرف؛ إلا أن ينوي خلافه. ونص الإِمام أحمد في "رواية ابن منصور" (¬6) فيمن قال لامرأته: أنت طالق طلقة إن ولدت ذكرًا، وطلقتين إن ولدت أنثى، فولدت ذكرًا وأنثى: إنه على ما نوى، إنما أراد ولادة واحدة. ¬

_ (¬1) في (ب): "بسببين". (¬2) في (ج): "إن". (¬3) في "الاختيارات الفقهية" (ص 265) بنحوه. (¬4) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج). (¬5) في المطبوع و (ج): "من". (¬6) نقل هذه الرواية شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه في "الاختيارات الفقهية" (ص 265 - 266).

وأنكر قول سفيان: إنه يقع عليها؛ فالأول ما علق به، وتبين بالثاني ولا تطلق به. وقول سفيان هو الذي عليه أصحابنا أبو بكر وأبو حفص والقاضي وأصحابه، وكذلك ابن حامد وزاد أنها تطلق بالثاني أيضًا، والمنصوص أصح؛ لأن الحالف إنما حلف على حمل واحد وولادة واحدة، والغالب أنها لا نكون (¬1) إلا ولدًا واحدًا، لكنه لما كان ذكرًا مرة وأنثى أخرى نوع التعليق عليه، فإذا ولدت هذا الحمل ذكرًا وأنثى؛ لم يقع به المعلق بالذكر والأنثى جميعًا، بل المعلق بأحدهما فقط؛ لأنه لم يقصد إلا إيقاع أحد الطلاقين، وإنما ردده لتردده في كون المولود ذكرًا أو أنثى، [وينبغي أن يقع أكثر الطلاقين إذا كان القصد تطليقها بهذا الوضع، سواء كان ذكرًا أو أنثى] (¬2)، لكنه أوقع بولادة أحدهما أكثر من الآخر فيقع به أكثر المعلقين. تنبيه: إذا كانت الجهة واحدة لم يتعدد الاستحقاق بتعدد الأوصاف المدلية إليها؛ كالوصية لقرابته إذا أدلى شخص بقرابتين والآخر بقرابة واحدة، ذكره القاضي في "خلافه" في الوصية للأخوة: أنه يستوي الأخوة للأبوين والأخوة للأب والأخوة للأم؛ لأن الكل مشتركون في جهة الأخوة؛ فلا عبرة بتعدد الجهات الموصلة إليها. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أنه لا يكون". (¬2) ما بين المعقوفتين مذكور في (ج) بعد قوله: "فيقع به أكثر المعلقين".

120 - القاعدة العشرون بعد المئة يرجح ذو القرابتين على ذي القرابة الواحدة، وإن لم تكن إحداهما لها مدخل في الاستحقاق

(القاعدة العشرون بعد المئة) (¬1) يرجح ذو القرابتين على ذي القرابة الواحدة، وإن لم تكن إحداهما لها مدخل في الاستحقاق. في مسائل: - (منها): في الأخ [(¬2) للأبوين على الأخ للأب في الميراث بالولاء رواية واحدة، وخرج ابن الزاغوني في كتابه (¬3) "التلخيص" في الفرائض رواية أخرى بالاشتراك من (¬4) مسألة النكاح. - (ومنها): تقديم الأخ للأبوين على الأخ للأب في ولاية النكاح في إحدى الروايتين، اختارها أبو بكر ورجحه صاحب "المغني" (¬5). - (ومنها): تقديمه عليه في حمل العاقلة، وفيه الروايتان. ¬

_ (¬1) من هنا تأخذ كل قاعدة في (ب) زيادة عن رقمها ثلاثة أعداد. (¬2) من هنا إلى منتصف القاعدة (121) سقط من (ج)، وقال مصححها في هامشها: "هنا سقط قرب ورقة قد حررته في الوجه الأيسر" اهـ. (¬3) في (أ): "في كتاب". (¬4) في المطبوع: "باشتراكه في"، وفي (ب): "بالاشتراك في". (¬5) قال في "المغني" (7/ 12/ 5155): "واختارها أبو بكر، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي في الجديد، وهو الصحيح إن شاء اللَّه".

- (ومنها): تقديمه عليه في الصلاة على الجنازة، وفيه الروايتان أيضًا. - (ومنها): في الوقف المقدم فيه بالقرب، وكذلك الوصية؛ فيترجح الأخ للأبوين على الأخ للأب، صرَّح به القاضي والأصحاب في الوصية، وعللوا بأن الانفراد بالقرابة كالتقدم بدرجة، وخالف الشيخ تقي الدين في الوقف وقال: لا يرجح فيه بالقرابة الأجنبية عن استحقاق الوقف (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (31/ 23).

121 - القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة في تخصيص العموم بالعرف

(القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة) في تخصيص العموم بالعرف (¬1). ولها (¬2) صورتان: إحداهما: أن يكون قد غلب استعمال الاسم العام في بعض أفراده حتى صار حقيقة عرفية؛ فهذا يخص به العموم بغير خلاف، فلو حلف لا يأكل شواء اختصت يمينه باللحم المشوي دون البيض وغيره مما يشوى، وكذلك لو حلف على لفظ الدابة والسقف والسراج والوتد لا يتناول إلا ما يسمى في العرف كذلك دون الآدمي والسماء والشمس والجبل؛ فإن هذه التسمية فيها هُجِرَت حتى عادت مجازًا. الصورة الثانية: أن لا يكون كذلك، وهو نوعان: أحدهما: ما لا يطلق عليه الاسم العام إلا مقيدًا به، ولا يفرد بحال؛ ¬

_ (¬1) انظر: "الموافقات" (4/ 18 - 42/ بتحقيقي). وقد أسهب الشاطبي وفصل في ضرورة تخصيص الحام بالعادة والعرف، وذكر أمثلة وأدلة شرعية على هذا. والأمثلة المذكورة عد المصنف كلها في (الأيمان)، ويجعل بعض الفقهاء الأمثلة المذكورة وغيرها تدرج تحت قاعدة (الأيمان مبنية على الألفاظ أو على الأغراض). انظر: "الأشباه والنظائر" (ص 53، 186) لابن نجيم، و"المبسوط" (8/ 168 - 169)، و"منار السبيل" (2/ 442)، و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 344). (¬2) في المطبوع و (ج): "وله".

فهذا لا يدخل في العموم بغير خلاف نعلمه؛ كخيار (¬1) شنبر وتمر هندي لا يدخلان في مطلق التمر (¬2) والخيار، ذكره القاضي في "خلافه"، ونظيره ماء الورد لا يدخل في مسمى (¬3) الماء المطلق. والنوع الثاني: ما يطلق عليه الاسم العام، لكن الأكثر أن لا يذكر معه إلا بقيد أو قرينة، ولا يكاد يفهم عند الإطلاق دخوله فيه؛ ففيه وجهان، ويتفرع عليهما مسائل (¬4): ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "فخيار". (¬2) في المطبوع و (ج): "الثمر". (¬3) في المطبوع و (ج): "اسم". (¬4) إذا تكلم الإنسان بلفظ عام، لكن العرف يخصصه؛ فهل نعتبر العموم، أو نعتبر العرف؟ فإذا اعتبرنا العموم؛ أخذنا بعموم اللفظ، وإذا اعتبرنا العرف؛ أخذنا بخصوص اللفظ، وقسم المؤلف هذه المسألة قسمين: الأول: أن يكون الأصل مهجورًا، ولا يكاد يراد به العموم، إلا إذا نواه الإنسان أو لفظ به، فهنا نرجع إلى العرف؛ لأن الأصل مهجور هجرًا كاملًا، ومثاله: حلف ألا يأكل الشِّواء -والشواء في العرف هو اللحم المشويِّ، ولا تعرف كلمة شواء في العرف إلا اللحم المشوي-، فلو أنك شويت خبزًا أو ذرة أو غيرها من غير اللحم؛ فهنا العموم يخصص بالعرف، فإذا قال: واللَّه لا آكل شواءً, ثم شوى سنبلة من الحب وأكله؛ فإنه لا يحنث لأن العرف أطرد في أن المراد بالشواء اللحم المشوي، وكذلك لو حلف على لفظ الدابة والسقف والسراج والوتد لا يتناول إلا ما يكون في العرف، كذلك دون الآدمي بالنسبة للدابة، ودون السماء بالنسبة للسقف، ودون الشمس بالنسبة للسراج، ودون الجبل بالسبة للوتد، فلو قال: واللَّه لا أستضيء بضوء سراج، ثم جلس تحت الشمس، فإنه لا يحنث لأن العرف قد هجر استعمال السراج في الشمس، ولو قال: واللَّه؛ لا أسقي دابةً ماءً, فجاءه إنسان فأسقاه ماءً؛ فإنه لا يحنث لأن الإنسان في العرف ليس دابة، وهكذا؛ فالحاصل: إن تخصيص العموم =

- (منها): لو حلف لا يأكل الرؤوس؛ فقال القاضي: يحنث بأكل كل ما يسمى رأسًا من رؤوس الطيور والسمك، ونقله في موضع عن أحمد، [وقال في موضع: العرف يعتبر في تعميم الخاص لا في تخصيص العام] (¬1)، وقال أبو الخطاب: لا يحنث إلا برأس يؤكل في العادة مفردًا، وكذلك ذكر القاضي في موضع من "خلافه": إن يمينه تختص بما يسمى رأسًا عرفًا، وحكى ابن الزاغوني في "الإِقناع" روايتين: إحداهما: يحنث بأكل كل رأس. والثانية: لا يحنث إلا بأكل رؤوس (¬2) بهيمة الأنعام خاصة، وعزى الأولى (¬3) إلى الخرقي (¬4)، وفي "الترغيب" ذكر الوجه الثاني: إنه لا يحنث إلا بأكل رأس يباع مفردًا للأكل عادة, قال: فإن جرت عادة قوم بإفراد (¬5) رؤوس الظباء حنث به في ذلك المكان. ¬

_ = بالعرف إذا كان اللفظ مهجورًا ثابثٌ بلا خلاف بين العلماء. والصورة الثانية: أن لا يكون مهجورًا، ولكن الغالب ألّا يذكر إلا مقيدًا، وإن لم يكن مهجورًا بالكلية؛ فهذا أيضًا لا يكون العموم شاملًا له بغير خلاف نعلمه، كذا قال المؤلف، فلو قال قائل: واللَّه؛ لا آكل تمرًا؛ فهل يدخل فيه التمر الهندي؟ لا يدخل؛ لأنه في الغالب لا يذكر إلا مقيدًا، والنوع الثاني من هذه الصورة ما يطلق عليه الاسم العام، لكن الأكثر ألّا يذكر معه إلا بقيد أو قرينة. (ع). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) في المطبوع و (ج): "رأس". (¬3) في (أ) و (ب): "الأول". (¬4) انظره مع: "المغني" (10/ 56/ 8150). (¬5) في المطبوع و (ج): "بأكل".

وفي غيره (¬1) وجهان، مأخذهما: هل الاعتبار بأصل العادة أو عادة الحالف؟ انتهى (¬2). - (ومنها): لو حلف لا يأكل البيض؛ فهو على الوجهين أيضًا؛ فيحنث عند القاضي بأكل بيض السمك وغيره، ولا يحنث عند أبي الخطاب إلا بأكل بيض يزايل بايضه في حياته، وزعم صاحب "الكافي" أن التخصيص هنا إنما [جاء من] (¬3) إضافة الأكل إلى الرؤوس والبيض، حيث كانت العادة تخص (¬4) بعض أنواعهما (¬5)، وظاهر (¬6) كلامه أنه لو علق حكمًا سوى الأكل؛ لعم بغير خلاف، وفيه نظر (¬7). - (ومنها): لو حلف: لا يأكل اللحم، فأكل لحم السمك؛ ففيه وجهان أيضًا، وقال أحمد في "رواية صالح": هو على نيته (¬8)، قال القاضي: معناه إن نوى لحمًا بعينه؛ لم يحنث بأكل غيره مع الإطلاق، وهو قول ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وغير". (¬2) والصواب أن المعتبر عادة الحالف؛ لأن الإِنسان لا يحمل عادة قوم لا يعرفهم. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "كان". (¬4) في المطبوع: "تختص". (¬5) في المطبوع: "أنواعها". وانظر: "الكافي" (4/ 398) لابن قدامة رحمه اللَّه. (¬6) في (ب): "فظاهر". (¬7) العرف على أن البيض هو بيض الدجاج فقط، فلو قال قائل: أفطرنا عند فلان وأكلنا طبق بيض؛ لم ينصرف العرف إلّا إلى بيض الدجاج. (ع). (¬8) نص كلام أحمد رحمه اللَّه في "مسائل صالح" (2/ 197/ 763): "يكون ذلك عندي على قدر نيته".

الخرقي (¬1)، وقال ابن أبي موسى: لا يحنث مع الإِطلاق، وإنما يحنث (¬2) بإدخاله بالنية، ولعله ظاهر كلام أحمد (¬3). - (ومنها): لو حلف لا يدخل بيتًا، فدخل مسجدًا أو حمامًا؛ فالمنصوص في "رواية مُهَنَّأ" أنه يحنث، وأنه لا يرجع في ذلك إلى نيته (¬4)، واستدل بأن المسجد والحمام يسمى بيتًا في الكتاب (¬5) والسنة (¬6)، ¬

_ (¬1) قال الخرقي في (10/ 56/ 8150 - مع "المغني"): "وإذا حلف أن لا يأكل لحمًا، ولم برد لحمًا بعينه، فأكل من لحم الأنعام أو الطيور أو السمك؛ حنث". (¬2) في المطبوع: "يحنف". (¬3) هذا رجل قال: واللَّه؛ لا آكل اللحم؛ فهل يحنث بأكل لحم السمك؟ فيه وجهان, الإمام أحمد يقول: على نيته، وهذا معلوم أن النية مقدمة على كل شيء إذا كان يحتملها اللفظ، ولكن إذا أطلق؛ فهل نقول: لا يدخل لحم السمك إلا بالنية أو نقول: لا يخرج إلا بنية؟ ولو قال قائل: إذا كان هذا الحالف من أهل الشواطئ؛ دخل لحم السمك وإن لم يكن من أهل الشواطئ لم يدخل؛ فلو قيل بهذا؛ لكان جيدًا؛ لأن أهل الشواطئ جرت العادة أن لحم السمك يباع عندهم بكثرة، على خلاف غيرهم. (ع). (¬4) في المطبوع: "نية". (¬5) في المطبوع: "بيتًا بالكتاب"، ويشير المصنف إلى آياتٍ عديدةٍ، منها قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36]. (¬6) تسمية الحمام بيتًا ورد في السنة، وفي أحاديث عدّة، أقواها: ما أخرجه أحمد في "المسند" (6/ 362)، والدولابي في "الكنى" (2/ 134)، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/ 255/ رقم 652)، والخطيب في "الموضح" (1/ 360)، عن أبي صخر -واسمه حميد بن زياد-، عن يحنُس أبي موسى، عن أم الدرداء؛ قالت: "خرجتُ من الحمام، فلقيني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: من أين يا أم الدرداء؟ قالت: من الحمام. فقال: والذي نفسي بيده؛ ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها؛ إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن". لفظ أحمد. =

وهذا] (¬1) يخالف نصه في "رواية صالح" (¬2) في لحم السمك؛ فيخرج له في المسألتين (¬3) روايتان. وخرج (¬4) الأصحاب في هذا وجهًا بعدم الحنث، وخرجه صاحب ¬

_ = وقواه المنذري، وصحح إسناده شيخنا الألباني في "آداب الزفاف" (ص 60). وله طريق آخر عن أم الدرداء سنده ضعيف جدًّا؛ كما قال ابن حجر في "الإصابة" (4/ 295)، فيه زبان بن فائد وسهل بن معاذ، كلاهما ضعيف، خرجته بإسهابٍ في تعليقي على "من وافقت كنيتة كنية زوجه من الصحابة" (ص 55 - 56). وللحديث شاهد عن عائشة مرفوعًا. أخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 4010)، والترمذي في "الجامع" (رقم 2803)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 3750)، وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 294/ رقم 1132)، وأحمد في "المسند" (6/ 41، 173، 199، 267، 362)، والطيالسي في "المسند" (1/ 62 - مع "المنحة")، والدارمي في "السنن" (2/ 281)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 123 - 124/ رقم 660)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 288 - 289)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 308) وفي "الآداب" (رقم 846)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (3/ 58)؛ عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي المليح الهذلي: "أن نساءً من أهل حمص أو من الشام دخلن على عائشة. . . "؛ فذكرت نحوه مرفوعًا. قال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، ونقل صاحب "عون المعبود" (11/ 47) عن الشوكاني قوله: "رجاله رجال الصحيح"، وقال المعلِّمي في تعليقه على "الموضح" (1/ 362): "إسناده صحيح". (¬1) إلى هنا كله ساقط من (ج)، وقد سبقت الإشارة بعد القاعدة (120). (¬2) انظر: "مسائل صالح" (2/ 197/ 763)، ومضى نصها قريبًا. (¬3) في المطبوع: "المسألة". (¬4) قوله: "يُخرج" معنى التخريج؛ أي: في المسألة الأولى مسألة السمك؛ قال: هو على نيته، وهنا قال: لا عبرة بنيته؛ فنخرج روايتين: رواية في المسألة الأولى وهي ألا =

"المحرر" من نصه الآتي فيمن حلف بصدقة ماله أنه يختص بما يسمى عنده مالًا (¬1)، وكذا الخلاف لو حلف لا يركب فركب سفينة. - (ومنها): لو حلف: لا يشم الريحان، فقال القاضي: تختص يمينه بالفارسي؛ لأنه المسمى بالريحان عرفًا، وقال أبو الخطاب وغيره: يحنث بكل نبت له رائحة طيبة لأنه ريحان حقيقة، وهذا يعاكس قولهما في مسألة الرؤوس والبيض. - (ومنها): لو حلف: لا يأكل لحم بقر؛ فهل يحنث بأكل [لحم] (¬2) بقر الوحش؟ على وجهين ذكرهما في "الترغيب"، وخرجهما من وجهين، حكاهما فيما إذا حلف لا يركب حمارًا فركب حمارًا وحشيًا؛ هل يحنث أم لا؟ والخلاف ها هنا يقرب أخذه من مسألة وجوب الزكاة في بقر الوحش والحنث في مسألة الركوب أضعف؛ لأن الركوب إنما يراد به الحمار الأهلي، [وشبيه بهذا] (¬3) الخلاف لأصحابنا في مرور الحمار الوحشي بين يدي المصلي؛ هل يقطع صلاته أم لا؟ وقد حكاه أبو البقاء في "شرح الهداية" (¬4). ¬

_ = يرجع إلى النية، ورواية في الثانية، وهي أن يُرجع إلى النية؛ فالتخريج أن تنقل الرواية إلى المسألة التي فيها الرواية الثانية. (ع). (¬1) انظر: "المحرر" (2/ 79). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "ويشبه هذا". (¬4) الصواب أن الحمار الوحشي لا يقطع الصلاة؛ لأن الكلام على المعهود =

- (ومنها): لو حلف: لا يتكلم، فقرأ أو سبح؛ هل يحنث أو لا (¬1)؟ المشهور أنه لا يحنث، وتوقف أحمد [فيه] (¬2) في رواية (¬3). ¬

_ = المعرفي، وهو الحمار الأهلي. (ع). (¬1) في (ج): "أم لا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬3) هذه مسألة مهمة جدًّا، فإذا حلف ألا يتكلم ثم سبح أو قرأ القرآن؛ فهل يكون متكلمًا؟ المذهب لا، وأحمد توقف في هذا، والصواب أن يقال: إن فيه تفصيلًا، فإذا أراد من عدم الكلام أنه لا ينطق بشيء دخل في ذلك التسبح، وإن أراد ألّا يكلم الكلام المعهود، فهو الذي يكون مع الناس، فإذا قال قائل: على أي شيء يحمل كلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث معاوية: "أمرنا ألّا نصل صلاة بصلاة حتى نخرج أو نتكلم"؛ فهل يشمل هذا التسبيح، ونقول: الرجل إذا صلى الفريضة وسبح وهلل؛ فإن له أن يتطوع بعد ذلك، أو لا بد أن يتكلم مع الناس؟ فإن قلنا: إن الكلام يطلق على التسبيح والذكر؛ قلنا: هذا الرجل تكلم، وإن قلنا: لا؛ قلنا: إن هذا الرجل لم يتكلم؛ فالظاهر أنه يحصل التمييز بين الفرض والسنة بالتسبح ونحوه؛ لأن هذا التسبيح يدل على الخروج من الصلاة، ويتميز بين الصلاة الأولى والثانية؛ وإن كان الكلام مع الناس أبين وأوضح، ويدل لذلك على أن الكلام يشمل حتى التسبح قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعاوية بن الحكم: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"؛ فدل على وجود كلام آخر، أي: غير التكلم معهم، وهو التسبيح وقراءة القرآن. (ع). قلت: أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة، 1/ 381/ رقم 537)، وأحمد في "المسند" (5/ 448 و 449)، وأبو داود في "سننه" (كتاب الصلاة، باب تشميت العاطس في الصلاة، 1/ 243/ 931)، والنسائي في "سننه" (كتاب الصلاة، باب الكلام في الصلاة، 3/ 18/ 1218)، وغيرهم؛ من حديث معاوية بن الحكم السلمي.

- (ومنها): لو حلف بعتق عبيده، أو أعتقهم منجزًا؛ فقال الخرقي (¬1) وأبو بكر: يتناول القن والمدبر والمكاتب وأم الولد وأشقاصه (¬2)، وزاد القاضي: عبيد عبده التاجر، ونص عليه أحمد في المكاتب في "رواية ابن منصور"، وخرج القاضي رواية بعدم دخول المكاتبين بدون نية من "رواية مهنا" في الأشقاص: إنهم لا يدخلون في عتق المماليك؛ إلا أن ينويهم، ومأخذه أنهم خارجون من اسم (¬3) الرقيق والمملوك عرفًا، ولو قيل: [إن] (¬4) أم الولد كذلك؛ لم يبعد (¬5). - (ومنها): لو حلف بصدقة ماله، وأراد البر أو نذره نذر تبرر (¬6)؛ فإنه يتصدق بثلث جميع أمواله (¬7) عند الأصحاب، ونقل الأثرم عن أحمد أنه ¬

_ (¬1) في "مختصره" (9/ 409/ 7985 - مع "المغني"). (¬2) انظر: "المغني" (9/ 9 - 4/ 7985). (¬3) في المطبوع و (ج): "مسمى". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) لو حلف أو أعتق عبيده يتناول القِنّ، أي المملوك ملكًا تامًّا بدون شريك، ويتناول المدبر، وهو الذي عُلِّق عتقه بالموت، فقال سيده: إذا متُّ؛ فإن عبدي فلان حُرّ، والمكاتب هو الذي اشترى نفسه من سيده وأم الولد هي التي أتت من سيدها بولد وأشقاص؛ أي: يملك من هذا العبد نصفه، ومن هذا ربعه، ومن هذا ثلثه، وهكذا، فإذا قال: أعتقت عبيدي؛ فإنه يشمل القِنّ والمدبر والمكاتب وأم الولد والأشقاص أيضًا، والوجه الثاني: أن لا يدخل فيه إلا القِنّ الخالص الذي ليس فيه شريك؛ لأن هذا هو المعهود، وأم الولد والمكاتب والمدبر والشقص ما يطرأون على باله، ولكن الأخذ بالعموم أولى إلّا أن يخرجهم بنيته. (ع). (¬6) سيأتي شرحه إن شاء اللَّه تعالى. (¬7) في المطبوع و (ج): "ماله".

سئل: هل الثلث من الصامت خاصة أو من (¬1) جميع ما يملك؟ فقال: ذلك على قدر ما نوى وعلى قدر مخرج يمينه، والأموال عند الناس تختلف، الأعراب يسمون الإبل والغنم الأموال، وغيرهم يسمى الصامت، وغيرهم الأرضين، فلو أن أعرابيًا قال: ما لي صدقة؛ أليس كنا نأخذه بإبله أو نحو هذا؟ قال القاضي في "خلافه": فظاهر هذا أنه يرجع إلى نيته في ذلك، فإن أطلق؛ يرجع إلى عُرف الإطلاق عند الناذر (¬2)، وقال أحمد أيضًا في "رواية صالح": إذا قال: جاريتي حرة إن لم أصنع كذا وكذا؛ قال ابن عمر وابن عباس: تعتق، وإذا قال: مالي في المساكين؛ لم يدخل فيه جاريته (¬3). ¬

_ (¬1) في (ج): "أم من". (¬2) في المطبوع و (ج): "النادر". (¬3) المسألة في "مسائل صالح" (2/ 484 - 485/ 1209). وأثر ابن عباس وابن عمر رضي اللَّه عنهما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8/ رقم 15998) -ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 68) - عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن عثمان بن أبي حاضر؛ قال: "حلفت امرأة من أهل في أصبح، فقالت: مالي في سبيل اللَّه، وجاريتها حرة إن لم يفعل كذا وكذا شيء كرهه زوجها، فحلف زوجها أن لا يفعله، فسئل عن ذلك ابن عمر وابن عباس؛ فقالا: أما الجارية؛ فتعتق، وأما قولها: مالي في سبيل اللَّه؛ فتصدق بزكاة مالها". وعثمان بن حاضر، وقيل: ابن أبي حاضر -وهو وهم- وثقه أبو زرعة وابن حبان (5/ 156)، وجهله أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (9/ رقم 1652) وابن حزم في "المحلى" (7/ 110)، وقال ابن حجر في "التقريب": "صدوق"، وقال البيهقي عقبه: "كذا في هذه الرواية، وقد رُوِّيناهُ عن ابن عباس وابن عمر رضي اللَّه عنهم ما دل على جواز التكفير، واللَّه أعلم".

قال القاضي: وظاهر (¬1) هذا أن الأمة لا تدخل في عموم المال. قال: والمذهب التعميم، والعجب أنه لم يحك بالتعميم عن أحمد نصًّا صريحًا، ولا ظاهرًا (¬2). - (ومنها): لو حلف لا مال له، وله مال غير زكوي؛ فقال الأصحاب: يحنث. وأخذوه من المسألة التي قبلها، قال ابن الزاغوني في "الإِقناع": وظاهر كلام أحمد أنه لا يحنث؛ لأنه قال في "رواية الحربي" (¬3): نحن لا نعد الدار والثياب والخادم مالًا. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "فظاهر". (¬2) لو قال: للَّه عليّ أن أتصدق بثلث مالي؛ فهل يشمل هذا الصامت وغير الصامت؟ يقول الإمام أحمد: يرجع في ذلك إلى نيته؛ لأن الأموال عند الناس تختلف؛ فالمال عند صاحب الإبل هي الإِبل، وعند صاحب الغنم هي الغنم، وعند أصحاب العقار هي العقار، وعند أصحاب التجارة هي عروض التجارة، وهكذا؛ فيرجع في ذلك إلى نيته، وقول المؤلف نذر تَبَرُّر؛ أي: الذي قصد به الطاعة؛ لأن النذر قد يكون نذر منع، كان يقول: للَّه عليّ إن كلمت فلانًا أن أتصدق بثلث مالي؛ فهذا لا يلزمه أن يتصدق بثلث ماله، بل نقول: إن شئت تصدقت أو كفرت كفارة يمين، ولو قال: إن لبست هذا الثوب للَّه عليّ أن أتصدق بجميع ثيابي؛ فهذا نذر منع لا يلزمه أن يتصدق بجميع ثيابه، ويكفر كفارة يمين، ولو قال: إن آتني اللَّه مالًا للَّه عليّ أن أتصدق بثلثه؛ فهذا نذر تبرر؛ فيتصدق، فنذر التبرر ما قصد به البر والطاعة، وغير التبرر ما لم يقصد به ذلك. (ع). قلت: انظر في المسألة: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (35/ 253 - 254، 257)، و"الإنصاف" (11/ 119 - 120)، و"المغني" (11/ 194 - 196 - مع "الشرح الكبير"). (¬3) سيأتي التعريف به في التعليق على (ص 362).

122 - القاعدة الثانية والعشرون بعد المئة يخص العموم بالعادة على المنصوص

(القاعدة الثانية والعشرون بعد المئة) (¬1) يخص العموم بالعادة على المنصوص (¬2). وذلك في مسائل: - (منها): لو وصى لأقربائه أو أهل بيته؛ قال أحمد في "رواية ابن القاسم": إذا قال: لأهل بيتي أو قرابتي، فهو على ما يعرف من مذهب الرجل إن كان يصل عمته وخالته، ونقل سندي نحوه، وقال في "رواية صالح" في الوصية لأهل بيته: ينظر من كان يصل من أهل بيته من قِبَلِ أبيه وأمه، فإن كان لا يصل قرابته من قبل أمه؛ فأهل بيته من قبل أبيه (¬3). ¬

_ (¬1) من هنا وترقيم القواعد في (ج) ينقص عددًا؛ فهذه القاعدة هي الحادية والعشرون بعد المئة. (¬2) وبعضهم يذكرها بلفظ: "استعمال الناس حُجّة يجب العمل بها". انظر: "المدخل الفقهي" (رقم 605) , و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 388)، والتعليق على القاعدة السابقة. (¬3) هذه الرواية هي من "مسائل عبد اللَّه" (385/ 1397)، وهذا نصُّها: "حدثنا؛ قال: سمعت أبي وقد سُئل عن رجل أوصى بثلث لقرابته: مَنْ قرابته؟ قال: إن كان يصل قرابته من قبل أبيه ومن قبل أمه؛ فإنهم جميعًا يدخلون في الوصية، وإن كان لا يصل قرابته من قبل أمه؛ فقرابته من قبل أبيه، لا يجاوز بالقرابة أربعة آباء". قلت: وعلل قوله: "لا يجاوز بالقرابة أربعة آباء" في "مسائل ابن هانئ" (2/ 52 =

واختلف الأصحاب في حكاية هذه الرواية على طريقين: أحدهما: أنها رواية ثالثة في قرائب (¬1) الأم [خاصة] (¬2) أنهم لا يدخلون في الوصية؛ إلا إن كان يصلهم في حياته، وهذه طريقة القاضي في "المجرد". والطريق الثاني: إنها هي المذهب، وإن الاعتبار بمن كان يصله في حياته بكل حال؛ فإن لم تكن له عادة بالصلة؛ فهي لقرابة الأب، وهي طريقة القاضي في "خلافه". ونقل عن أحمد: أنه لا اعتبار بالصلة، قال في "رواية ابن منصور" في رجل وصى (¬3) في فقراء أهل بيته وله قرابة في بغداد وقرابة في بلاده وكان يصل في حياته الذين ببغداد؛ قال: يعطى هؤلاء الحضور والذين في بلاده. وكذلك نقل عبد اللَّه (¬4)، قال ابو حفص البرمكي: هذا قول آخر لا ¬

_ =/ 1395) بقوله: "والحجة في الأربعة آباء: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسَّم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب وولد عبد مناف، ولم يجز به عبد مناف، وقد كان له قرابة غيرها، ولا من قريش". أما نص رواية صالح؛ ففي "مسائله" (2/ 277 - 279/ 885): "قلت: الرجل يوصي لأهل بيته، أو لقرابته، أو لجنسه، من هم؟ فإن مات بعضهم بعد الميت قبل أن تقسم الوصية؛ أيكون له وصية؟ قال: أما القرابة؛ فلا يجاوز بهم أربعة آباء، لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسَّم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب، ولم يعد به هؤلاء، وقد وجب لكل من أوصى له إذا كان حيًّا يوم يوصي له". (¬1) في المطبوع و (ب): "قرابة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في (ج): "أوصى". (¬4) انظر: "مسائل عبد اللَّه" (388 - 389/ 1407).

يعتبر بمن كان يصل في حياته. قلت: ويحتمل أن يقال: منع الصلة ها هنا لمن ليس ببغداد قد علم سببه، وهو تعذر الصلة للبعد، والكلام إنما هو فيما تركه مع قدرته (¬1) عليه، قال القاضي: ويشهد لرواية ابن منصور ما روى عبد اللَّه عنه في رجل وصى بصدقة في أطراف بغداد، وقد كان ربما تصدق في بعض الأرباض وهو حي، قال: يتصدق عنه في أبواب بغداد كلها (¬2). - (ومنها): لو وصى لقرابة غيره وكان يصل بعضهم، أو وصى للفقهاء أو للفقراء (¬3) وكان يصل بعضهم؛ قال القاضي في "خلافه": لا رواية فيه، ولا يمتنع أن [نقول فيه ما نقوله] (¬4) في أقارب نفسه. - (ومنها): لو وقف على بعض أولاده وسماهم، ثم على أولاد أولاده (¬5)؛ فهل يختص البطن الثاني بأولاد المُسَمِّينَ أولًا، أو يشمل جميع ولد ولده؟ نص أحمد في "رواية حرب" على أنه يشمل جميع ولد الولد. ويتخرج وجه آخر بالاختصاص بولد من وقف عليهم اعتبارًا بآبائهم؛ فإن هذه عطية واحدة؛ فحمل بعضها على بعض أقرب من حمل الوصية على العطية في الحياة، وهذا النص هو قوله في "رواية حرب" في رجل له ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "القدرة". (¬2) انظر: "مسائل عبد اللَّه" (388/ 1406). (¬3) في (ج): "وصى للفقهاء بشيء وللفقراء". (¬4) في (ب): "يقول فيه ما يقول". (¬5) في (ج): "أولاد أولادهم"! والصواب ما أثبتناه.

وُلد صغار خاف عليهم الضيعة، فأوقف (¬1) ماله على ولده، وكتب كتابًا، وقال: هذا صدقة على ولده فلان وفلان، وسماهم (¬2)، ثم قال: وولد ولده وله ولد غير هؤلاء، قال: هم شركاء. فحمله الشيخان [صاحبا "المغني" و"المحرر"] (¬3) على ما قلنا (¬4)، وتبويب الخلال يدل عليه (¬5)، وقد يقال: إنما عم البطن الثاني ولد الولد؛ لأن تخصيص البطن الأول بالصغار كان لخوفه عليهم الضيعة، وهذا المعنى مفقود في البطن الثاني؛ فلذلك اشترك (¬6) فيه أولاد الأولاد كلهم. وحمله القاضي وابن عقيل على أن البطن الأول يشترك فيه [الولد] (¬7) المسمَّون وغيرهم أخذًا من عموم قوله: صدقة على ولده وتخصيص بعضهم بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم؛ كقوله (¬8): {وَمَلَائِكَتِهِ [وَرُسُلِهِ] (¬9) وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (¬10)، وهذا فاسد؛ لأن الآية فيها عطف نسق ¬

_ (¬1) في (ب): "فإن وقف". (¬2) في المطبوع: "سماهم" من غير واو. (¬3) في المطبوع: "صاحب "المغني" وصاحب "المحرر"". (¬4) انظر: "المغني" (5/ 357 - 359/ 4389)، و"المحرر" (1/ 382). (¬5) انظر: "الوقوف والترجُّل من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل" (57/ 22) لخلال. (¬6) في المطبوع: "أشرك". (¬7) في المطبوع: "ولد"، وفي (ج): "البطن". (¬8) كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب): "لقوله". (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوطات والمطبوع. (¬10) البقرة: 98.

بالواو، وها هنا (¬1) إما عطف بيان أو بدل، وأيهما كان فيقتضي التخصيص بالحكم؛ لأن عطف البيان موضح لمتبوعه ومطابق (¬2) له، وإلا؛ لم يكن بيانًا، والبدل هو الواسطة المقصود بالحكم؛ فيتعين (¬3) التخصيص به. [ولهذا لو قال من له أربع زوجات: زوجتي فلانة طالق؛ لم تطلق الثلاث البواقي، أو قال من له عبيد: عبدي فلان حر؛ لم يعتق من عداه بغير خلاف] (¬4). -[(ومنها): لو استأجر أجيرًا يعمل له مدة معينة حمل على ما جرت العادة بالعمل فيه من الزمان دون غيره بغير خلاف] (¬5). - (ومنها): لو حلف: لا يأكل من هذه الشجرة؛ اختصت يمينه بما يؤكل منها عادة، وهو الثمر دون ما لا يؤكل [عادة] (¬6)؛ كالورق والخشب. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "بالواو وهنا". (¬2) في (ج): "مطابق" من غير واو. (¬3) في المطبوع: "فيعين". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

123 - القاعدة الثالثة والعشرون بعد المئة ويخص العموم بالشرع أيضا على الصحيح

(القاعدة الثالثة والعشرون بعد المئة) ويخص العموم بالشرع أيضًا على الصحيح. في مسائل: - (منها): إذا نذر صوم الدهر؛ لم يدخل في ذلك ما يحرم صومه من أيام السنة أو ما يجب صومه شرعًا؛ كرمضان على أصح الروايتين. - (ومنها): لو حلف لا يأكل لحمًا؛ لم يتناول يمينه اللحم المحرم [شرعًا] (¬1) على أحد الوجهين. - (ومنها): لو وصى لأقاربه؛ لم يدخل فيهم الوارثون في أحد الوجهين، حكاهما في "الترغيب"، وظاهر [كلام القاضي] (¬2) الدخول، وظاهر كلام ابن أبي موسى وابن عقيل خلافه. - (ومنها): لو وكله في أن يطلق زوجته؛ فهل يدخل فيه الطلاق المحرم؟ على وجهين، ذكرهما ابن عقيل وصاحب "المحرر" (¬3). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "كلامه". (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 349).

- (ومنها): لو نذر اعتكاف شهر متتابع؛ فله أن يعتكف في غير الجامع، ويخرج إلى الجمعة؛ لاستثنائها بالشرع، وفيه وجه لا يجوز الاعتكاف في غير الجامع، والأول المذهب، كما أنه لا ينقطع الصيام (¬1) المتتابع بصوم رمضان ولا فطر أيام النهي. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لا ينقطع في الصيام".

124 - القاعدة الرابعة والعشرون بعد المئة هل نخص اللفظ العام بسببه الخاص إذا كان السبب هو المقتضي له؟

(القاعدة الرابعة والعشرون بعد المئة) هل نخص (¬1) اللفظ العام بسببه الخاص إذا كان السبب هو المقتضي له؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يخص به، بل يقضي بعموم اللفظ، وهو اختيار القاضي في "الخلاف" والآمدي وأبي الفتح الحلواني وأبي الخطاب وغيرهم، وأخذوه من نص أحمد في "رواية علي بن سعيد" فيمن حلف: لا يصطاد من نهر لظلم رآه فيه، ثم زال الظلم؛ قال [أحمد] (¬2): النذر يوفى به. وكذلك أخذوه من قاعدة المذهب فيمن حلف لا يكلم هذا الصبي، فصار شيخًا: أنه يحنث بتكليمه تغليبًا للتعيين على الوصف (¬3). قالوا: والسبب والقرينة عندنا تعم الخاص ولا تخصص العام. والوجه الثاني: لا يحنث، وهو الصحيح عند صاحبي ["المحرر" ¬

_ (¬1) في (ج): "يختص"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬2) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬3) حكى ابن عقيل عن أحمد؛ أنه قال: "إذا حلف: لا دخلتُ هذا الحمام، فصار مسجدًا ودخله، أوْ: لا أكلتُ لحم هذا الجدي، فصار تيسًا، أو هذا التمر، فاستحال ناطفًا أو خلًّا؛ حنث بأكله". انظر: كتاب "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 168 - 169).

و"المغني"] (¬1)، لكن صاحب "المحرر" استثنى صورة النهر وما أشبهها كمن حلف لا يدخل بلدًا لظلم رآه فيه، ثم زال. وصاحب "المغني" عدَّى (¬2) الخلاف إليها ورجحه ابن عقيل في "عُمَدِ الأدلة"، وقال: هو قياس المذهب؛ لأن المذهب أن الصفة لا تنحل بالفعل حالة البينونة؛ لأن اليمين بمقتضى دلالة الحال تقتضي التخصيص بحالة الزوجية دون غيرها، وكذلك جزم به القاضي في موضع من "المجرد"، واختاره الشيخ تقي الدين، وفرق بينه ويين مسألة النهر المنصوصة بأن نص أحمد إنما هو في النذر والناذر، إذا قصد التقرب بنذره؛ لزمه الوفاء [به] (¬3) مطلقًا، كما منع المهاجرون من العود إلى ديارهم التي تركوها للَّه (¬4) وإن زال المعنى الذي (¬5) تركوها لأجله؛ فإن تُرك [شيء للَّه؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: ""المغني" و"المحرر" و". وانظر: "المحرر" (2/ 76، 77)، و"المغني" (10/ 48). (¬2) في المطبوع و (ج): "عزى". (¬3) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬5) في (ج): "التي"! (¬4) أخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب مناقب الأنصار، باب إقامة المهاجر بمكّة بعد قضاء نُسُكه، رقم 3933)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الحج، باب جواز الإقامة بمكة للمهاجر مها بعد فراغ الحج والعمرة ثلاثة أيام بلا زيادة، رقم 1352)؛ عن العلاء بن الحضرمي؛ قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "للمهاجر إقامة ثلاثٍ بعد الصَّدْر بمكة" كأنه يقول: لا يزيد عليها. لفظ مسلم. قال ابن حجر في "الفتح" (7/ 267): "وفقه هذا الحديث: إن الإقامة بمكة كانت حرامًا على من هاجر منها في الفتح، لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها، ولهذا رثى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لسعد بن خولة أن مات بمكة، =

يمنع العود فيه] (¬1) مطلقًا، وإن كان لسبب (¬2) قد يتغير، ولهذا نهى المتصدق أن يشتري صدقته (¬3)، وهذا أحسن، وقد يكون جده صاحب "المحرر" ¬

_ = ويستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها عن حكم المسافر، وفي كلام الداودي اختصاص ذلك بالمهاجرين الأولين، ولا معنى لتقيده بالأولين، قال النووي: معنى هذا الحديث أن الذين هاجروا يحرم علهم استيطان مكة، وحكى عياض أنه قول الجمهور؛ قال: وأجازه لهم جماعة (يعني: بعد الفتح)؛ فحملوا هذا القول على الزمن الذي كانت الهجرة المذكورة واجبة فيه؛ قال: واتفق الجميع على أن الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم، وأن سكنى المدينة كان واجبًا لنصرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومواساته بالنفس، وأما غير المهاجرين؛ فيجوز له سكنى أي بلد أراد، سواء مكة وغيرها بالاتفاق. انتهى كلام القاضي، ويستثنى من ذلك من أذن له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإقامة في غير المدينة". (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "شيئًا للَّه؛ يمتنع فيه العود"، وفي (ج): "الشيء للَّه يمنع العود فيها". (¬2) في المطبوع: "بسبب". وانظر: "العلل" (رقم 646) لابن أبي حاتم. (¬3) أخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب الزكاة، باب هل يشتري صدقته ولا بأس أن يشتري صدقة غيره؛ لأنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما نهى المتصدِّق خاصةً عن الشّراء ولم ينه غيره، رقم 1489): أن عمر بن الخطاب تصدَّق بفرسٍ في سبيل اللَّه، فوجده يُباعُ، فأراد أن يشتريه، ثم أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستأمره؛ فقال: "لا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ". فبذلك كان ابنُ عمر رضي اللَّه عنهما لا يَتْرُكُ أن يبتاع شيئًا تصدَّق به إلا جعله صَدَقةٌ. وأخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الهبة، باب لا يحل لأحدٍ أن يرجع في هبته وصدقته، رقم 2263، وباب إذا حمل رجل على فرسٍ فهي كالعمرى والصدقة، رقم 2636، وكتاب الجهاد، باب الجعائل والحلان في السبيل، رقم 2970)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإِنسان ما تصدَّق به لمن تُصدِّق عليه، رقم 1620)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب الزكاة، باب شراء الصّدقة، 5/ 108)، وابن =

لحظ هذا؛ حيث خص صورة النهر بالحنث مع الإِطلاق، بخلاف غيرها [من الصور] (¬1). وأما مسألة الحلف على العين الموصوفة بالصفة؛ فإن كان ثم سبب يقتضي اختصاص اليمين بحال بقاء الصفة؛ لم يحنث بالكلام بعد زوالها، صرح به في "الكافي" (¬2) و"المحرر" (¬3)؛ فهي كمسألتنا. ويتفرع على هذه القاعدة مسائل: - (منها): لو دعى إلى غداء، فحلف لا يتغدى؛ فهل يحنث بغداء غير ذلك المحلوف بسببه؟ على الوجهين (¬4)، وجزم القاضي في "الكفاية" وصاحب "المحرر" بعدم الحنث (¬5). - (ومنها): لو حلف لا رأيت منكرًا إلا رفعته إلى فلان القاضي، ¬

_ = ماجه في "السنن" (كتاب الأحكام، باب الرجوع في الصدقة، 2/ 799 - رقم 2390)، ومالك في "الموطأ" (رقم 168، 214 - رواية القاسم)، وأحمد في "المسند" (1/ 25، 37، 40)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (رقم 10502)، والطبراني في "الأوسط" (2/ رقم 1303)، والبيهقي في "المعرفة" (2/ رقم 2371، 2372، 2273 و 3/ رقم 4045). وانظر: "العلل" (رقم 646) لابن أبي حاتم. (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وانظر: "المحرر" (2/ 82). (¬2) انظر: "الكافي" (4/ 396 - 397). (¬3) انظر: "المحرر" (2/ 78 - 79). (¬4) في المطبوع: "وجهين". (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 78 - 79).

فعزل؛ فهل تنحل يمينه؟ على الوجهين (¬1). وفي "الترغيب": إن كان السبب أو القرائن تقتضي حالة الولاية؛ اختص بها وإن كانت تقتضي الرفع إليه بعينه، مثل أن يكون مرتكب المنكر قرابة الوالي مثلًا وقصد إعلامه بذلك؛ لأجل قرابته، وذكر الولاية تعريفًا تناول (¬2) اليمين حال الولاية والعزل، وإن لم يكن (¬3) دلالة بحال؛ فهل يبر برفعه إليه بعد العزل ويحنث بتركه؟ على وجهين، فإن كانت يمينه رفعه إلى الوالي (¬4) من غير تعيين؛ فهل يتعين المنصوب (¬5) في الحال، أم يبرأ بالرفع إلى كل من ينصب بعده؟ على وجهين؛ لتردد الألف واللام بين تعريف العهد والجنس، ولو علم بمنكر بعد علم الوالي احتمل وجهين: أحدهما: أن البر قد فات؛ كما لو رآه معه. والثاني: لم يفت؛ لأن صورة الرفع ممكنة، ثم على الوجه الأول يخرج على ما إذا تبدد الماء الذي في الكوز بعد حلفه على شربه أو أبرأه من الدين بعد حلفه على قضائه، وفيه وجهان. انتهى. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وجهين". (¬2) في المطبوع: "تتناول". (¬3) في (ج): "تكن". (¬4) في (ج): "القاضي". (¬5) في المطبوع: "المنصوص".

فجعل محل الوجهين إذا انتفت القرائن والدلائل بالكلية، ومع دلالة الحال والسبب يختص الرفع بحال (¬1) الولاية وجهًا واحدًا. - (ومنها): لو حلف على عبده أو زوجته أو لغريمه لا يخرج إلا بإذنه، ثم باع العبد وطلق الزوجة ووَفىَّ الغريم؛ فهل تنحل يمينه؟ على الوجهين. - (ومنها): لو قالت له [زوجته] (¬2): تزوجت علي؟ فقال (¬3): كل امرأة لي طالق، فإن المخاطبة تطلق بذلك، نص عليه في "رواية المروذي" و"ابن هانئ" (¬4). وكذلك نقل عنه أبو داود [السجستاني] (¬5) في رجل تزوج امرأة؛ فقيل له: إن لك غيرها؟ فقال: كل امرأة لي طالق. فسكت، [فقيل: إلا فلانة] (¬6). فقال: إلا فلانة؛ فإني لم أعنها. فأبى أن يفتي فيه (¬7)، وهذا توقف منه. وخرج ابن عقيل في "عمد الأدلة" المسألة على روايتين. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "بحالة". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "امرأته". (¬3) في المطبوع: "قال". (¬4) انظر: "مسائل ابن هانئ" (2/ 224/ 1090). (¬5) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) انظر: "مسائل أبي داود" (173 - 174).

125 - القاعدة الخامسة والعشرون بعد المئة النية تعم الخاص وتخصص العام بغير خلاف [فيهما]، وهل تقيد المطلق [أو تكون] استثناء من النص؟

(القاعدة الخامسة والعشرون بعد المئة) النية تعم الخاص وتخصص العام بغير خلاف [فيهما] (¬1)، وهل تقيد المطلق [أو تكون] (¬2) استثناء من النص؟ على وجهين فيهما (¬3)؛ فهذه أربعة أقسام: أما القسم الأول؛ فله صور كثيرة: - (منها): لو حلف على زوجته: لا تركت هذا الصبي يخرج، فخرج بغير اختيارها؛ فنص أحمد في "رواية مُهَنَّأ": إنه [إن] (¬4) نوى أن لا يخرج من الباب فخرج؛ فقد حنث، وإن كان نوى أن لا تدعه (¬5)؛ لم يحنث لأنها لم تدعه. - (ومنها): لو قال: إن رأيتك تدخلين هذه الدار؛ فأنت طالق؛ فنص أحمد في "رواية مهنأ" أنه إن أراد أن لا تدخلها بالكلية، فدخلت ولم يرها؛ حنث، وإن كان نوى إذا رآها؛ فلا يحنث حتى يراها تدخلها (¬6). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع: "فيها". (¬2) في (ب) "ويكون". (¬3) في المطبوع: "فيها". (¬4) في (ب): "لو". (¬5) في (ب): "أن لا يدعه". (¬6) بعدها في المطبوع: "وقرر القاضي أن هذا اللفظ ونحوه في موضوع في العرف =

- (ومنها): لو حلف [أن] (¬1) لا يضربه، ونوى أن لا يؤلمه؛ حنث بكل ما يؤلمه من خنق وعض وغيرهما، نص عليه. - (ومنها): لو حلف: لا يكلم امرأته يقصد هجرانها بذلك؛ حنث بوطئها، أومأ إليه أحمد. - (ومنها): لو طلق امرأته طلقة رجعية وحلف لا راجعتها، وأراد الامتناع من عودها إليه مطلقًا؛ حنث بتزويجها (¬2) بنكاح جديد بعد البينونة، نص عليه في "رواية ابن منصور". - ومنها: لو حلف لا يشرب له الماء، ونوى الامتناع من جميع ماله؛ حنث بتناول كل ما يملكه، وقرر القاضي في موضع: أن هذا اللفظ ونحوه موضوع في العرف لعموم الامتناع [من شرب الماء] (¬3)، وكذلك ابن عقيل؛ فعلى هذا لا يحتاج إلى نية العموم، بل إذا أطلق اقتضى الامتناع من شرب الماء فما فوقه خاصةً، وصرح به ابن عقيل. - (ومنها): لو حلف لا يدخل هذا البيت، يريد هجران قومٍ، فدخل علبهم بيتًا آخر؛ حنث، نص عليه في "رواية محمد بن يحيى ¬

_ = لعموم الامتناع، وكذلك ابن عقيل، فعلى هذا لا يحتاج إلى نية العموم، بل إذا أطلق اقتضى الامتناع من شرب الماء فما فوقه خاصة، وصرح به ابن عقيل، ومنها: لو حلف لا يدخل. . . ومها لو حلف لا يشرب له الماء ... ما يملكه"، والصواب ما أثبتناه، وهو كذلك بخط الحافظ ابن رجب رحمه اللَّه. (¬1) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬2) في المطبوع و (ب): "بتزوجها". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

الكحال". - (ومنها): لو حلف على زوجته لا تخرج (¬1) من بيته لتهنئة ولا تعزية، ونوى أن لا تخرج أصلًا؛ هل يحنث بخروجها لغير تهنئة أو تعزية؟ فذكر القاضي في "بعض تعاليقه": أنه توقف فيها، وأن القاضي أبا الطيب الطبري من الشافعية قال له: مقتضى مذهبكم أنه لا يحنث؛ لأن الغرض يختلف في الخروج، ولا يوجد المقصود في كل خروج، بخلاف ما إذا قصد قطع المنة، فإن المنة توجد في غير المحلوف عليه. قلت: والصواب الجزم بالحنث ها هنا مطلقًا، وعليه يدل نص أحمد في المسألتين الأولتين المذكورتين ها هنا، ولا يشبه هذا ما لو حلف لا يلبس من غزلها، يقصد (¬2) قطع المنة؛ فإنه لا يحنث بالانتفاع بغير الغزل وثمنه من أموالها [عند بعض الأصحاب] (¬3)؛ لأن العموم هناك يستفاد (¬4) من السبب، وهنا يستفاد (4) من النية؛ فهو أبلغ. وأما القسم الثاني؛ فصوره كثيرة جدًّا: - (فمنها) (¬5): أن يقول: نسائي [طوالق] (¬6). ويستثني بقلبه واحدة، أو يحلف لا يسلم على زيد؛ فسلم على جماعة هو فيهم، ويستثنيه بقلبه، ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "لا خرجت". (¬2) في (ج): "يريد". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬4) في (ج): "مستفاد". (¬5) في المطبوع و (ب): "منها". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ووقع في كلام القاضي وابن عقيل في هذه المسألة ما يقتضي حكاية روايتين في حنثة في مسألة السلام، وتأوله صاحب "المحرر" في "تعليقه على الهداية" على أن المراد هل يقبل (¬1) منه دعوى إرادة ذلك أم لا؟ قال: وقد صرحا بذلك في موضع آخر من كتابيهما، ولو حلف لا يدخل على فلان بيتًا، فدخل بيتًا هو فيه مع جماعة ونوى بدخوله غيره؛ هل يحنث؟ خرجه القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب على وجهين في مسألة السلام، قال صاحب "المحرر": وعندي فيه نظر؛ لأن الدخول فعل حسي لا يتميز، بخلاف السلام (¬2). - (ومنها): لو قال لزوجته: إن لبست ثوبًا؛ فأنت طالق، وقال: أردت أحمرًا، وقال: إن لبست [ثوبًا] (¬3)؛ فأنت طالق، ثم قال: أردت ثوبًا أحمر، وقال: إن دخلت الدار؛ فأنت طالق، ثم قال: أردت في هذه السنة؛ فالجمهور من الأصحاب على أنه يدين في ذلك، وفي قبوله في الحكم روايتان، وشذ طائفة؛ فحكوا الخلاف في تديينه في الباطن، منهم الحلواني وابنه، وكذلك وقع في موضع من "مفردات ابن عقيل" في الأيمان، وكذلك وقع للقاضي في "المجرد"، قال صاحب "المحرر": وهو ¬

_ (¬1) في (ج): "تقبل". (¬2) نحوه في "المحرر" (2/ 81 - 82). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

سهو (¬1). وذكر (¬2) القاضي في "كتاب الحيل" (¬3): إنه إن كان المخصص بالنية ملفوظًا [به] (¬4)؛ صح تخصيصه، وإلا؛ فلا، فلو حلف لا يأكل شيئًا أبدًا، ونوى به اللحم؛ قُبِلَ، وإن حلف لا يأكل، ونوى اللحم لم تنفعه نيته؛ لأنه خصص ما ليس في لفظه. وحمل [اختلاف] (¬5) كلام أحمد في قبول دعوى خلاف الظاهر في اليمين على اختلاف [هذين الـ] (¬6) حالين، لا على اختلاف قولين. وذكر [عنه] (¬7) السامري في "فروقه" [وذكر فيها أيضًا:] (¬8): إن المنوي إن كان يرفع مقتضى الحكم بالكلية؛ كالاستثناء بالمشيئة في اليمين باللَّه، أو حيث ينفع؛ لم [يصح] (¬9) بالنية إلا مع الظلم (¬10). وقد نص أحمد في "رواية حرب" على صحة استثناء المظلوم في ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (2/ 53). (¬2) في (أ): "وعن". (¬3) للقاضي أبي يعلى "إبطال الحيل"، ذكره ابنه في "طبقات الحنابلة" (2/ 205) وغيره, وعدّه أستاذنا الدكتور محمد أبو فارس في كتابه "القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه الأحكام السلطانية" (ص 245) من الكتب المفقودة. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) ما بين المعقوفتين ليس في (ج)، وفي المطبوع: "وحمل حنبل اختلاف". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) ما بين المعقوفتين من (أ) و (ج). (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬9) في (ج): "تصح". (¬10) انظر: "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل" (2/ 262).

نفسه بالمشيئة؛ لأنها ترفع الحكم بالكلية؛ فهي كالفسخ (¬1)؛ فلا [يصح] (¬2) بالنية إلا مع العذر، بخلاف شروط الطلاق ونحوها؛ فإنها تصح بالنية مطلقًا؛ لأنها مخصصة لا رافعة. وأما القسم الثالث؛ فله صور: - (منها): إذا نذر الصدقة بمال، ونوى في نفسه قدرًا معينًا؛ فنص أحمد في "رواية أبي داود": أنه لا يلزمه ما نواه (¬3)، وخرج صاحب "المحرر" في "تعليقه على الهداية" اللزوم؛ قال: وقد نص أحمد فيمن نذر صومًا أو صلاةً ونوى في نفسه أكثر مما يتناوله اللفظ: إنه يلزمه ما نواه، وهذا مثله. وكذلك رجح ابن عقيل اللزوم فيما نواه (¬4) في الجميع، وكذلك ذكر صاحب "الكافي": إنه لو حلف ليأكلن لحمًا أو فاكهة، أو ليشربن ماءً، أو ليكلمن رجلًا، أو ليدخلن دارًا، وأراد بيمينه معينًا؛ تعلقت يمينه به دون غيره، وإن نوى الفعل في وقت بعينه، اختص به (¬5). ولم يذكر فيه خلافًا. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فهو كالنسخ"! (¬2) في (ج): "تصح". (¬3) في "مسائل أبي داود" (224)؛ قال: "سمعت أحمد سئل عن رجل؛ قال: إن قدم [في نسخة: فلان] لأتصدقن [وفيها: بمالي]، فنوى في نفسه ألف درهم، فقدم؟ قال: يخرج ما شاء ما يسمى مالًا" اهـ. (¬4) في المطبوع: "نوى". (¬5) انظر: "الكافي" (4/ 390)، وفيه بعد قوله: "أو ليدخلن دارًا": "أو لا يفعل ذلك"، وفيه بعد قوله: "وإن نوى الفعل": "أو الترك"، وفيه بدل "اختص به": "اختص بما نواه".

- (ومنها): لو قال: أنت طالق، ونوى ثلاثًا؛ فهل يلزمه (¬1) الثلاث، أم لا يقع به أكثر من واحدة؟ على روايتين، وجه القول بلزوم الثلاث: أن طالقًا اسم فاعل، وهو صادق على من قام به الفعل مرة وأكثر، فيكون محتملًا للكثرة، فينصرف إليها بالنية، ورأيت في كتاب "شرح القوافي" (¬2) لابن جني: إن الأفعال كلها للعموم. وحكاه عن أبي علي، وهو غريب. وأما إذا قال: ثلاثًا؛ فتطلق ثلاثًا، لكن لنا فيه طريقان: أحدهما: إن ثلاثًا صفة لمصدر محذوف تقديره طلاقًا ثلاثًا، والمصدر يتضمن العدد. والثاني: إن ثلاثًا صالح لإيقاع الثلاث من طريق الكناية، وذكر الطلاق يقرر الإيقاع بها كنية الطلاق. ويتفرع على المأخذين: هل وقع الثلاث بقوله: أنت طالق، أم بقوله: ثلاثًا؟ ولو ماتت مثلًا في حال قوله ثلاثًا؛ هل تقع الثلاث أو واحدة؟ على وجهين، ذكرهما في "الترغيب"، وهذا إنما يتوجه على قولنا: إنه إذا قال: أنت طالق، ونوى ثلاثًا: أنه يقع به الثلاث، أما (¬3) إن (¬4) قلنا: ¬

_ (¬1) في (ج): "تلزمه". (¬2) اسمه "المعْرِب في شرح القوافي" -وقد يصحَّف في بعض المواطن بـ "المغرب"-، وهو تفسير "قوافي أبي الحسن الأخفش"؛ أفاده ابن جنِّي في "الخصائص" (1/ 85)، وذكرهُ له صاحب "الخزانة" (2/ 331) وغيره. (¬3) في (ج): "وأما" بزيادة واو. (¬4) في المطبوع: "إذا".

لا يقع الثلاث بالنية؛ لم يقع الثلاث إلا بقوله ثلاثًا، بغير خلاف. - (ومنها): إذا وقع العقد على اسم مطلق، ونوى تعيينه قبل العقد؛ فهل يصح أم لا؟ قد سبق أن لنا (¬1) في صحة النكاح وجهين إذا قال: زوجتك بنتي، وله بنات، ونويا واحدة معينة، وأن مأخذ البطلان اشتراط الشهادة على النكاح، وهذا يقتضي صحة سائر العقود التي لا يحتاج إلى (¬2) الشهادة بمثل ذلك. وصرح صاحب "المحرر" [بأنه] (¬3) إذا اشترى شيئًا بثمن مطلق في الذمة، ونوى نقده من المال المغصوب ونقده منه؛ فهل يكون العقد باطلًا كما لو وقع على عين المغصوب، أو يكون صحيحًا؟ على روايتين. وإنما خرج الخلاف في تقييد المطلق بالنية دون تخصيص العام بها؛ لأن تخصيص العام نقص فيه (¬4) وقصر له على بعض مدلوله، وذلك إنما يكون بالنية والإرادة؛ فهي المخصصة [حقيقة] (¬5)، وإنما تسمى الأدلة الدالة على التخصيص مخصصات (¬6)؛ لدلالتها على الإِرادة المخصصة، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لنا أن" بتقديم وتأخير. (¬2) في المطبوع: "التي لا يحتاج فيها إلى". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ): "منه". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬6) في المطبوع: "تخصيصات".

[وهذا] (¬1) بخلاف تقييد المطلق؛ فإنه زيادة على مدلوله؛ فلا تثبت الزيادة بالنية المجردة، فإن قيل: هذا ينتقض عليكم بتعميم الخاص بالنية؛ فإنه إلزام بزيادة (¬2) على اللفظ بمجرد النية؛ قيل: الفرق بينهما: إن الخاص إذا أريد به العام؛ كان نصًّا على الحكم في صورة لعلة، فيتعدى (¬3) [الحكم] (1) إلى كل ما وجدت فيه تلك العلة، وهذا غير موجود في المطلق إذا أريد به بعض مقيداته، [واللَّه أعلم] (¬4). وأما القسم الرابع؛ فله صور: - (منها): لو قال: أنت طالق ثلاثًا، واستثنى بقلبه إلا واحدة؛ فهل يلزمه الثلاث في الباطن؟ على وجهين: أحدهما: لا يلزمه (¬5)، وهو قول أبي الخطاب وصاحبه الحلواني. والثاني: يقع به الثلاث في الباطن، وهو الذي جزم به السامري في "فروقه" (¬6) وصاحب "المغني" (¬7) واختاره صاحب "المحرر" (¬8)؛ لأن النية ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) في المطبوع: "زيادة". (¬3) في (أ): "تعدى". (¬4) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬5) في (ج): "لا تلزمه". (¬6) انظر: "إيضاح الدلائل" (2/ 91). (¬7) انظر: "المغني" (7/ 371/ 6016). (¬8) انظر: "المحرر" (2/ 60).

إنما تصرف اللفظ إلى محتمل، ولا احتمال في النص الصريح، إنما الاحتمال في العموم، ويشهد له قول أحمد في "رواية صالح": النية فيما خفي ليس فيما ظهر (¬1). - (ومنها): لو قال: نسائي الأربع طوالق، واستثنى بقوله فلانة؛ فهي كالتي قبلها. - (ومنها): لو قال: كل عبد لي حر، واستثنى بقلبه بعض عبيده؛ فذكر ابن أبي موسى في صحته روايتين، ولكن صحة الاستثناء هنا أظهر، وفي كلام أحمد في مسألة الأشقاص ما يدل عليه؛ لأن كلا، وإن كانت موضوعة لاستغراق ما تضاف إليه (¬2)؛ إلا أنها من صيغ العموم القابلة للتخصيص في الجملة. (تنبيه حسن): فرق الأصحاب بين الإثبات والنفي في الأيمان في مسائل، وقالوا في الإثبات: لا بتعلق البر إلا بتمام المسمى، وفي الحنث يتعلق ببعضه على الصحيح. وقالوا: الأيمان تحمل على عرف الشرع، والشارع إذا نهى عن شيء؛ تعلق النهي بجملته وأبعاضه, وإذا أمر بشيء؛ لم يحصل (¬3) ¬

_ (¬1) في "مسائل صالح" (1/ 476، 477): "سألته عن رجل طلق ثلاثًا، وهو ينوي واحدة؟ قال: هي ثلاث. قلت: طلق واحدة، وهو ينوى ثلاثًا؟ قال: هي واحدة. قال: إنما النية فيما خفي، وليس فيما ظهر". ونقلها ابنه عبد اللَّه في "مسائله" (373/ 1374)، ونحوها عند أبي داود في "مسائله" (169). (¬2) في المطبوع و (ب): "يضاف"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) في (أ): "يحسن"!

الامتثال بدون الإتيان بكماله. فأخذ الشيخ تقي الدين من هذا أن اليمين في الإثبات لا تعم، وفي النفي تعم؛ كما عمت أجزاء المحلوف [عليه] (¬1). قال: وقد ذكر القاضي في موضع من "خلافه": أن السبب يقتضي التعميم في النفي دون الإثبات. قال الشيخ: وهذا قياس المذهب في الأيمان. وقرره بأن المفاسد يجب اجتنابها كلها، بخلاف المصالح؛ فإنه إنما يجب تحصيل ما يحتاج إليه منها، فإذا (¬2) وجب تحصيل مصلحة (¬3)؛ لم يجب تحصيل أخرى مثلها للاستغناء عنها بالأولى. وكلامه يشمل التعميم بالنية أيضًا؛ حتى ذكر في العلة المنصوصة في كلام الشارع: إنها [إن] (¬4) كانت في تحريم تعدت (¬5) بالقياس إلى غير المنصوص عليه بالعلة، وإن كانت ايجابًا؛ لم تتعد، وذكر أن هذا قياس (¬6) المذهب، وحكى عن أبي الخطاب: أنه [لو] (¬7) أوجبت كل يوم أكل السكر لأنه حلو؛ وجب أكل كل حلو. ثم قال: وهذا (¬8) بعيد، بل الذي يقال: إنه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬2) في (أ): "إذا". (¬3) في المطبوع و (ب): "منفعة". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (أ) و (ج): "تعدى". (¬6) في (أ): "القياس". (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "قال: إن". (¬8) في (أ): "هذا".

يجب كل يوم [أكل شيء] (¬1) من الحلو كائنًا ما كان. قال: وفيه نظر؛ لأنه يبطل إيجاب السكر، وعلى هذا التقدير؛ فلا (¬2) إشكال في مسألة قول السيد: أعتقت غانمًا لسواده، وأنه لا يعتق عليه كل أسود؛ كما هو قول الجمهور، خلافًا لما ذكره أبو الفتح الحلواني وأبو الخطاب، [واللَّه أعلم] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "أكل كل شئ"، والصواب ما أثبتناه. (¬2) في المطبوع: "قع"، وهو خطأ. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

126 - القاعدة السادسة والعشرون بعد المئة الصور التي لا تقصد من العموم عادة؛ إما لندورها، أو لاختصاصها بمانع، لكن يشملها اللفظ مع اعتراف المتكلم بأنه لم يرد إدخالها فيه؛ هل يحكم بدخولها أم لا؟

(القاعدة السادسة والعشرون بعد المئة) الصور التي لا تقصد من العموم عادةً؛ إما لندورها، أو لاختصاصها بمانع، لكن يشملها اللفظ مع اعتراف المتكلِّم بأنه لم يرد إدخالها فيه؛ هل يحكم بدخولها أم لا؟ في المسألة خلاف، ويترجح في بعض المواضع الدخول وفي بعضها عدمه؛ بحسب قوة القرائن وضعفها. ويتخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة: - (منها): إذا قيل [له] (¬1): تزوجت على امرأتك؟ فقال: كل امرأة [لي] (1) طالق؛ هل تطلق المرأة المخاطبة أم لا، إذا قال لم أردها؟ وقد سبق أن أحمد نص تارة على أنها تطلق وتوقف فيها أخرى، وخرجها ابن عقيل على روايتين. - (ومنها): لو قذف أباه إلى آدم وحواء؛ فنص أحمد في "رواية حرب": إن عليه حدًّا واحدًا، ولم يجعله ردة عن الإِسلام؛ لأنه لم يقصد دخول الأنبياء في ذلك، ولا يقصد ذلك مسلم. وخرج [الشيخ تقي الدين فيه] (¬2) وجهًا آخر: إنه ردة من المسألة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "شيخ الإسلام ابن تيمية فيها".

الآتية. - (ومنها): لو قال: عصيت اللَّه فيما أمرني به؛ هل يكون يمينًا؟ قال القاضي: ليس بيمين؛ لأن المشهور تخصيص المعاصي بالذنوب دون الكفر، وقال صاحب "المحرر": عندي أنه يمين لدخول التوحيد فيه (¬1). - (ومنها): لو قال لعبيده وهم عنده: أنتم أحرار، وكان فيهم أم ولده وهو لا يعلم بها ولم يرد عتقها؛ هل تعتق أم لا؟ على روايتين حكاهما أبو بكر وابن أبي موسى، ونص أحمد على عتقها في "رواية ابن هانئ" (¬2) وغيره، وشبهها في رواية أحمد بن الحسين بن حسان بمن نادى امرأة له، فأجابته أخرى، فطلقها يظنها المناداة، وقال: تطلق هذه بالإجابة وتلك بالتسمية. وهذه المسألة (أعني: مسألة المناداة) فيها روايتان (¬3): إحداهما: تطلق المناداة وحدها، نقلها مُهنَّأ، وهي اختيار الأكثرين؛ كأبي بكر وابن حامد والقاضي؛ فيتعين تخريج رواية في أم ¬

_ (¬1) انظره في: "المحرر" (2/ 197). (¬2) في "مسائل ابن هانئ" (2/ 80/ 1520): "وسئل عن رجلٍ كان على رأسه مماليك له؛ فأومأ إليهم: أنتم أحرار، وبينهم جارية لم يرد عتقها، فقال بيده، فأومأ إليهم: اذهبوا, فأنتم أحرار، ثم بَصُرَ بالجارية، فقال: لم أر عتقها؟ قال أبو عبد اللَّه: أرى أنها قد لأنه أومأ إليهم وهي فيهم، فقد وَقّع عيها الحرية". (¬3) في المطبوع: "روايتين"!

الولد: إنها لا تعتق منها. وعلى الرواية الثانية: [تطلق] (¬1) المناداة والمجيبة. وظاهر كلام أحمد في "رواية أحمد بن الحسين بن حسان": إنهما يطلقان جميعًا في الباطن والظاهر؛ كما يقول (¬2) في إحدى الروايتين: إذا لقي امرأة يظنها أجنبية، فطلقها، فإذا هي زوجته؛ تطلق ظاهرًا وباطنًا. وزعم صاحب "المحرر" أن المجيبة إنما تطلق ظاهرًا (¬3)، والفرق بينهما وبين المطلقة التي يعتقدها أجنبية: إن الطلاق ها هنا صادف محلًّا، ينفذ (¬4) فيه، وهو المناداة؛ فلا يحتاج إلى محل آخر، بخلاف طلاق من يعتقدها أجنبية؛ فإنه لو لم يقع بها؛ للغي الطلاق الصادر من أهله في محله، ولا سبيل إليه، وقد أشار أحمد إلى معنى هذا الفرق، وسنذكره فيما بعد إن شاء اللَّه [تعالى] (¬5). - (ومنها): لو حلف: لا يسلم على فلان، فسلم على جماعة هو فيهم، و [هو لا يعلم] (¬6) بمكانه، ولم يرده بالسلام؛ فحكى الأصحاب في حنثه الروايتين، ويشبه تخريجهما على مسألة من حلف لا يفعل [شيئًا] (¬7) ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "تعتق"! (¬2) في (ج): "كما نقول". (¬3) في "المحرر" (2/ 61). (¬4) في المطبوع: "فنفذ". (¬5) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "لم". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ففعله جاهلًا: بأنه المحلوف عليه. والمنصوص عن أحمد ها هنا (¬1) الحنث في "رواية مهنأ"؛ حتى فيما إذا كان المحلوف عليه مستترًا بين القوم بسارية في المسجد وهو لا يراه، ونقل عنه أبو طالب: إن كان وحده فسلم عليه وهو لا يعرفه؛ حنث، وإن كان بين جماعة ولم (¬2) يعلم به؛ لم يحنث لأنه أراد الجماعة. وهذا يشبه ما تقدم في الفرق بين المناداة إذا أجابت (¬3) غيرها وبين من يطلقها يعتقدها أجنبية؛ فإن المحلوف عليه لم يقصد السلام عليه بالكلية، وهناك من يصح قصده غيره (¬4)، فانصرف السلام إليه دونه، بخلاف ما إذا كان وحده؛ فإن المحلوف عليه وجد، ولكن مع الجهل به. وقد تأول القاضي رواية أبي طالب هذه على أنه أخرجه بالنية من السلام، ولا يصح؛ لأنه لم يكن عالمًا بحضوره بينهم؛ فكيف يستثنيه بالنية؟! - (ومنها): لو وقف المسلم على قرابته أو أهل قريته أو وصى لهم وفيهم مسلمون وكفار؛ لم يتناول الكفار حتى يصرح بدخولهم، نص عليه في "رواية حرب" و"أبي طالب"، ولو كان فيهم مسلم واحد والباقي كفار؛ في الاقتصار عليه وجهان؛ لأن حمل اللفظ العام على واحد بعيد جدًّا. - (ومنها): لو تهايأ المعتق بعضه هو وسيده على منافعه وأكسابه؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "هنا هنا عن أحمد". (¬2) في المطبوع: "وهو لم". (¬3) في (ج): "أجابه". (¬4) في المطبوع: "وغيره".

فهل يدخل فيها الأكساب النادرة؛ كالركاز والهدية واللقطة، أم لا؟ على وجهين. - (ومنها): لو قال: ما أحل اللَّه علي حرام، وله زوجة ومال، وقال: لم أرد زوجتي؛ فهو مظاهر، عليه كفارة الظهار، نص عليه في "رواية ابن منصور"؛ لأن الزوجة أشهر أفراد الحلال الذي يقصد تحريمه، ولا ينصرف الذهن ابتداءً إلى غيره؛ فلا يصح إخراجه من العموم بعدم إرادة دخوله، وإنما يصح إخراجه بإرادة عدم دخوله، فأما إن لم تكن (¬1) له زوجة وله مال؛ فهو يمين كسائر تحريم المباحات، وإذا كان له زوجة ومال؛ فعليه كفارة ظهار (¬2) لا غير، نص عليه أحمد في "رواية أبي طالب" و"ابن منصور" (¬3) في صورة كلُّ ما أحل اللَّه علي حرام، وقال ابن عقيل: يجب مع كفارة الظهار كفارة يمين؛ لدخول المال في العموم. ووجه القاضي نص أحمد بتوجيهات مستبعدة، وعندي في تخريجه وجهان: أحدهما: إن المتبادر إلى الأفهام من تحريم الحلال تحريم الزوجة دون الأموال؛ فإنها لا تقصد بالتحريم؛ فلا تدخل في العموم لكونها لا تقصد عادة؛ فتكون المسألة حينئذ من صور [القاعدة] (¬4). ¬

_ (¬1) في (ج): "يكن". (¬2) في (ج): "كفارة الظهار". (¬3) في المطبوع و (ج): "ابن منصور وأبي طالب". (¬4) في (ج): "العادة".

والثاني: أن تكون مخرجة على قوله بتداخل الأيمان، وأن موجبها واحد؛ فإن الجنس ها هنا واحد، وهو تحريم الحلال؛ فصار موجبه كفارة واحدة، ثم تعينت بكفارة الظهار؛ لدخول كفارة اليمين فيها من غير عكس. * * *

127 - القاعدة السابعة والعشرون بعد المئة إذا استند إتلاف أموال الآدميين ونفوسهم إلى مباشرة وسبب تعلق الضمان بالمباشرة دون السبب؛ إلا أن تكون المباشرة مبنية على السبب وناشئة عنه، سواء كانت ملجئة إليه أو غير ملجئة

(القاعدة السابعة والعشرون بعد المئة) إذا استند إتلاف أموال الآدميين ونفوسهم إلى مباشرة وسبب تعلق الضمان بالمباشرة دون السبب؛ إلا أن تكون المباشرة مبنية على السبب وناشئة عنه، سواء كانت ملجئة إليه أو غير ملجئة، ثم إن كانت المباشرة والحالة هذه لا عدوان فيها بالكلية؛ استقل السبب وحده بالضمان، وإن كان فيها عدوان؛ شاركت السبب في الضمان (¬1). فالأقسام ثلاثة. ومن صور القسم الأول مسائل (¬2): ¬

_ (¬1) انظر حول هذه القاعدة وقارن بـ: "المنثور في القواعد" (1/ 123)، و"الأشباه والنظائر" (ص 162) للسيوطي، (وص 163) لابن نجيم، و"الفوائد البهيّة" (ص 184)، و"قواعد الخادمي" (ص 6)، و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 224). (¬2) عندنا ثلاثة أقسام: الأول: ألّا تكون المباشرة مبنية على السبب؛ فالضمان على المباشرة، أي: إذا اجتمع متسبب ومباشر، والمباشرة ليست مبنية على السبب؛ فالضمان على المباشر. الثاني: إذا كانت المباشرة مبنية على السبب، والسبب ليس فيه عدوان إطلاقًا؛ فالضمان على المباشرة. الثالث: أن تكون مبنية على السبب، وفيه نوع عدوان؛ فيشتركان في الضمان. (ع).

- (منها): إذا حفر واحد بئرًا عدوانًا، ثم دفع غيره فيها آدميًا معصومًا أو مالًا لمعصوم، فسقط، فتلف؛ فالضمان على الدافع وحده (¬1). - (ومنها): لو فتح قفصًا عن طائر، فاستقر بعد فتحه، فجاء آخر فنفره؛ فالضمان على المنفِّر (¬2) وحده (¬3). - (ومنها): لو رمى معصومًا من شاهق، فتلقاه آخر بسيف، فقدّه [به] (¬4)؛ فالقاتل هو الثاني دون الأول (¬5)، [فأما إذا] (¬6) ضرب بطن امرأة فألقت جنينًا وفيه حياة غير مستقرة، فضربه آخر فمات؛ فالقاتل هو الأول، وعليه الغرة، ويعزر الثاني؛ لأن الضارب (¬7) ليس بمتسبب، بل هو مباشر ¬

_ (¬1) هذا رجل حفر بئرًا بالسوق، ومعلوم أن حفره هكذا عدوان، ثم إن رجلًا رأى رجلًا واقفًا على هذه البئر، فربطه، فقط، فمات؛ فالضمان على الدافع، وإن كان المتسبب أخطأ بالحفر، لكن لا أثر له في هذا الدفع؛ فيكون الضمان على المباشر وحده. (ع). (¬2) في المطبوع: "المنفرد"! وهو خطأ. (¬3) لأن المنفر هو الذي نفره، وقد كان القفص مفتوحًا ولم يطر. (ع). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) فإن قال قائل: هذا الرجل إذا سقط من الشاهق؛ فسيموت، وإن لم يتلقاه أحد؛ قيل: لكن ربما لا يموت، ويقال أيضًا: إن صاحب السيف قد أصابه بسبب الموت قبل أن يصل إلى الأرض التي يموت بها لو سقط عليها؛ فتكون المباشرة سابقة على أثر السبب، وهنا لم يرتطم بالأرض، وإذا تلقاه الإنسان لئلا يسقط على الأرض؛ فإنه محسن بهذا التلقي. (ع). (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فأما إن لو"، وفي (أ): "ومنها"، و (ج): "فإذا". (¬7) في (ب): "لأن هنا الضارب".

للقتل؛ فلذلك لزمه الضمان (¬1). وكذا لو رمى (¬2) صيدًا فأصاب مقتله، ثم رماه آخر فمات؛ فالقاتل هو الأول، فيباح الصيد بذلك، والثاني جانٍ عليه؛ فيضمن ما خرق من جلده، هذا قول القاضي والأكثرين (¬3). وخرجه طائفة على الخلاف في تحريم ما سقط بعد الذبح في ماء (¬4) ونحوه لإِعانته على قتله، وظاهر كلام الخرقي تحريمه ها هنا (¬5)؛ فيضمن الثاني قيمته كاملة (¬6)، وسقط منها جرح الأول (¬7). ومن صور القسم الثاني مسائل: - (منها): إذا قدم إليه طعامًا مسمومًا عالمًا به، فأكله وهو لا يعلم بالحال؛ فالقاتل هو المقدم، وعليه القصاص والدية (¬8). - (ومنها): لو قتل الحاكم حدًّا أو قصاصًا بشهادة، ثم أقر الشهود ¬

_ (¬1) لو ضرب بطن امرأة، فأسقط جنينًا، فضربه آخر، فمات؛ يقول: فالقاتل هو الأول، وعليه الغرّة، مع أن هذا يشبه أن يكون من باب المتسبب والمباشر؛ فإنه هنا بمجرد الإسقاط ثبت الضمان، ولولا الإسقاط؛ ما تمكن الثاني من ضربه ولا قتله، ولهذا كان الضمان بإسقاطه سابقًا للضمان بقتله. (ع). (¬2) في المطبوع: "لو رمى به". (¬3) في (ب): "وأكثرين". (¬4) في المطبوع "بناء"! وهو خطأ. (¬5) انظره مع: "المغني" (9/ 306/ 7732). (¬6) في (ب): "كاملًا"! (¬7) والقول الصحيح في مسألة رمي الصيد قول القاضي والأكثرين. (ع). (¬8) في المطبوع: "أو الدية"!

أنهم تعمدوا الكذب؛ فالضمان والقود عليهم دون الحاكم، ونقل أبو النضر العجلي عن أحمد: إذا رجم الحاكم بشهادة أربعة، ثم تبين أن المرجوم مجبوب؛ فالضمان على الحاكم. وهو مشكل؛ لأنه قد تبين كذبهم بالعيان؛ فهو كإقرارهم بتعمد الكذب، وقد يفرق بأن المجبوب [لا يخفى أمره] (¬1) غالبًا؛ فالإقدام على رجمه لا يخلو من تفريط، وبأنَّ الشهود قد يشتبه عليهم؛ فلا يتحقق تعمدهم للكذب، وأما إن تبين أن الشهود فسقة أو كفار، وقلنا: ينقض الحكم، وكان الحق لآدمي؛ فالضمان على المحكوم له، وإن كان للَّه تعالى؛ فله حالتان: إحداهما: أن يستند الحاكم في قبول الشهادة إلى تزكية من زكاهم، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها (¬2): الضمان على المزكيين، قاله أبو الخطاب، وصححه صاحبا (¬3) "الكافي" (¬4) و"الترغيب"؛ لأنهم ألجؤوا الحاكم إلى الحكم، والحاكم فعل ما وجب عليه، والشهود لا يعترفون ببطلان (¬5) شهادتهم؛ فتعيَّن (¬6) إحالة الضمان على المزكيين. والثاني: الضمان على الحاكم وحده، قاله القاضي وابن عقيل في ¬

_ (¬1) في (ج): "لا تخفى حاله". (¬2) في المطبوع: "أحدهما"! وفي (ب): "أحدهم". (¬3) في المطبوع: "صاحب"! (¬4) انظر: "الكافي" (4/ 565). (¬5) في المطبوع: "ببطلانهم"! (¬6) في المطبوع: "فيتعين".

كتاب الشهادات؛ لأنه مفرط بالحكم بشهادة من لا تجوز شهادته (¬1)، وحكمه يختص بالمحكوم به، بخلاف التزكية؛ فإنها لا تختص المحكوم به. والثالث: يخير المستحق بين تضمين من شاء من الحاكم والمزكيين والقرار على المزكيين، قاله القاضي وابن عقيل في كتاب الحدود؛ لما ذكرنا من وجه تغريم كل منهما؛ فيخير المستحق ويستقر الضمان على المزكيين لإلجائهم الحاكم إلى الحكم. وحكي عن أبي الخطاب وجه رابع: إن الضمان على الشهود؛ كما لو رجعوا عن الشهادة، ولا تصح (¬2) حكايته عنه؛ لتصريحه بخلافه، وهو غير متوجه (¬3)؛ لأنهم لم يعترفوا ببطلان شهادتهم ولا ظهر كذبهم، بخلاف الراجعين عن الشهادة، ولكن ذكر القاضي وأبو الخطاب رواية: إنه لا ينقض الحكم ويضمن الشهود، وهذا ضعيف جدًّا. وخرج صاحب "المحرر" في "تعليقه على الهداية" ضمان الشهود من إحدى الروايتين فيما إذا شهد أربعة بالزنا ثم بانوا فساقًا؛ فإنهم يحدون على إحدى الروايتين؛ وإن لم يعترفوا ببطلان قولهم، وهذا تخريج ضعيف؛ لأن الشهادة بالزنا قذف في المعنى موجبة للحد في نفسها؛ إلا أن يوجد معها كمال النصاب المعتبر، ولم يوجد ذلك هنا، وكذلك (¬4) يجب ¬

_ (¬1) في المطبوع: "شهادتهم". (¬2) في المطبوع: "لا يصح"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬3) في المطبوع: "متجه". (¬4) فى المطبوع و (أ): "ولذلك".

عليهم حد القذف، سواء استوفى من المشهود عليه الحد أو لا، وليس المستوفى من الشاهد نظير المستوفى من المشهود عليه، وأما الشهادة بالمال؛ فلا يترتب عليها ضمان إلا أن (¬1) ينشأ عنها غرم، ثم يتبين بطلانها؛ إما بإقرار الشاهد، أو يتبين كذبها بالعيان، ولم يوجد هنا واحد منهما. والحالة الثانية: أن لا يكون ثم تزكية؛ فالضمان على الحاكم وحده، ذكره الخرقي (¬2) والأصحاب لتفريطه بقبول [الشهادة مـ] (¬3) من لا تجوز قبول شهادته من غير إلجاء له إلى القبول (¬4). - (ومنها): المكره على إتلاف مال الغير، وفي الضمان وجهان: أحدهما: إنه [على المكره] (¬5) وحده، لكن للمستحق مطالبة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إلا بعد أن". (¬2) انظره مع: "المغني" (12/ 151 - 152 - "الشرح الكبير"). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب). (¬4) إذا حكم الحاكم، ورجع الشهود؛ فالضمان على الشهود، وإذا حكم الحاكم، وتبين أن الشهود كفار أو فساق، ولم يزكهم أحد؛ فالضمان على الحاكم، وإن زكاهم أحد؛ فالضمان على المزكيين، هذا هو المعروف من المذهب، وهناك قول: إن الضمان على الحاكم، وهناك قول ثالث: إنه يخير من له الحق بين أن يضمن الحاكم أو المزكيين، وفيه قول رابع ضعيف: إن الضمان على الشهود، والأظهر أن الضمان على المزكيين؛ لأن الحاكم فعل ما يجب عيه بقبول شهادتهم مع تزكيتهم، وأما الشهود؛ فلا ضمان عليهم؛ لأنهم ما رجعوا عنها؛ فبقي الضمان على المزكيين؛ لأن حكم الحاكم ترتب على تزكية المزكيين، ولولاهم لما حكم الحاكم؛ فالراجح في هذه المسألة أن الضمان على المزكيين. (ع). (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "مكره".

المتلف ويرجع به على المكره؛ لأنه معذور في ذلك الفعل؛ فلم يلزمه الضمان، بخلاف المكره على القتل؛ فإنه غير معذور؛ [فلهذا شاركه] (¬1) في الضمان، وبهذا جزم القاضي في كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (¬2) وابن عقيل في "عمد الأدلة". والثاني: عليهما الضمان؛ كالدية، صرح (¬3) به [في] (¬4) "التلخيص"، وذكره القاضي في "بعض تعاليقه" احتمالًا، وعلل باشتراكهما في الإثم، وهذا تصريح بأن الإكراه لا يبيح إتلاف مال الغير، وكان فرض الكلام في الوديعة، وحكى احتمالًا آخر: إن الضمان على المتلف وحده، كما لو اضطر إلى طعام الغير فأكله، وهذا ضعيف جدًّا؛ لأن المضطر لم يلجئه إلى الإتلاف من يُحال الضمان عليه (¬5)؛ ولو أُكْره ¬

_ (¬1) في (ج): "لهذا يشاركه". (¬2) ذكره له ابنه في "طبقات الحنابلة" (2/ 205)، والعليمي في "المنهج الأحمد" (2/ 112)، ومنه نسخة خطية في المكتبة الظاهرية ضمن مجموع (رقم 42)، ويقع في ثلاثين ورقة من القطع الصغير، ويبدأ بـ (ق 96) وينتهي بـ (ق 125)، وسقط من أوله كراس واحد، وقد نسخته من سنواتٍ، واللَّه الموفق. (¬3) في (ج): "وصرح". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "صاحب". (¬5) إذا أكره على إتلاف مال الغير؛ فعلى من الضمان؟ في المسألة ثلاثة أقوال: قيل: الضمان على المكره، ويرحع بالضمان على من أكرهه، أما بالقتل؛ فالضمان عيهما جميعًا، أي: على المكرِه والمكرَه، والفرق بينهما أن حرمة الشخص أعظم من حرمة المال، بل ولا يجوز إتلاف نفس الغير لإبقاء نفسه، والصواب أن الإكراه على نوعين؛ فتارة يكون المكرَه كالآلة في يد المكره، كأن يضرب به شخصًا آخر؛ فالضمان على المكرِه لأن المكرَه صار كالآلة، وأما مع الاختيار؛ فإن الأقرب أن يكون =

على تسليم الوديعة إلى غير المالك، فقال القاضي: لا ضمان؛ لأنه ليس بإتلاف، كذا (¬1) ذكره في "بعض تعاليقه"، وصرح به في "المجرد" مفرقًا بينه وبين الإكراه على القتل بأن القتل لا يعذر فيه بالإكراه، بخلاف هذا، وهذا التعليل يشمل الإتلاف أيضًا. وتابع ابن عقيل في "الفصول" وصاحب "المغني" (¬2) القاضي في "المجرد". وفي "شرح الهداية" لأبي البركات: المذهب (¬3) أنه لا يضمن؛ كما لو حلف لا يدخل الدار فدخلها مكرهًا. وفي "الفتاوى الرَّحبيات" عن أبي الخطاب وابن عقيل الضمان مطلقًا؛ لأنه افتدى بها ضرره. وعن ابن [الزاغوني] (¬4): أنه إن أكره على التسليم بالتهديد والوعيد؛ فعليه الضمان ولا إثم، وإن ناله العذاب؛ فلا إثم ولا ضمان. ¬

_ = الضمان على المكره؛ لأنه مباشر والمكرِه متسبب، ويمكن إحالة الضمان على المباشر؛ فيكون هو الضامن. (ع). قال أبو عبيدة عفى اللَّه عنه: هذا آخر ما يسر اللَّه من شرح للشيخ العلامة محمد صالح بن عثيمين حفظه اللَّه ونفع به على "قواعد ابن رجب"، وكان قد ابتدأ به مرتَّبًا، ثم علق وشرَح ما رآه ضروريًّا، وقمتُ بنقل كلامه، وتصرفتُ في اللازم، مع الاختصار وحذف المكرر وتخريج ما وقع من أحاديث في "شرحه"، نسأل اللَّه أن يثيبه، ويبقيه ذخرًا لطلبة العلم وأهله. (¬1) في المطبوع: "وكذا". (¬2) في "المغني" (8/ 213/ 6582). (¬3) في (أ): "المذهب في أنه". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "أبي موسى".

وأشار صاحب "المحرر" في مسألة الإكراه على الأكل في الصوم من "شرح الهداية" إلى خلاف في أصل جواز تضمين المكره على إتلاف المال، وقد ذكر صاحب "المغني" في الأيمان أن المحرم إذا قتل صيدًا مكرهًا؛ فضمانه على المكره له (¬1)، وقد نص أحمد في "رواية ابن ثواب" على أن حافر البئر عدوانًا إذا أكرهه السلطان على الحفر؛ لم يضمن، لكن هذا إكراه على السبب دون المباشرة. [وهذه النقول الثلاثة ترجع إلى أنه لا يضمن ابتداءً من لا يستقر عليه الضمان، وقد تقدم ذلك] (¬2). وأما المكرهة على الوطئ في الحج والصيام إذا أفسدنا حجَّها وصيامها؛ فهل تجب (¬3) عليها الكفارة في مالها، أم (¬4) لا يجب عليها شيء، أو يجب على الزوج أن يتحملها عنها؟ على ثلاث روايات، وتأول بعضهم الأولى على أنها ترجع بها على الزوج، والمكره على حلق رأسه في الإحرام تجب الفدية على الحالق في أشهر الوجهين، قاله أبو بكر، والثاني على المحلوق يرجع بها على الحالق، ذكره ابن أبي موسى وجهًا؛ [لأن حلق الشعر كالإِتلاف، ولهذا يستوي عمده وسهوه على المشهور] (2). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 265/ رقم 2665). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) في المطبوع: "يجب". (¬4) في المطبوع و (أ): "أو".

ومن صور القسم [الثالث] (¬1) مسائل: - (منها): المكره على القتل، والمذهب اشتراك المكره والمكره في القود والضمان؛ لأن الإكراه ليس بعذر في القتل، وذكر القاضي في "المجرد" وابن عقيل في باب الرهن: أن أبا بكر ذكر أن القود على المكره المباشر، ولم يذكر على المكره قودًا؛ قالا: والمذهب وجوبه عليهما؛ كما نص عليه أحمد في الشهود الراجعين إذا اعترفوا بالعمد. وقد بين القاضي في "خلافه" كلام أبي بكر، وأنه قال في الأسير إذا أكره على قتل مسلم فقتله: فعليه القود، وها هنا المكره ليس من أهل الضمان؛ لأنه حربي؛ فلذلك لم يذكر تضمينه. وذكر ابن الصيرفي أن أبا بكر السمرقندي من أصحابنا خرج وجهًا: إنه لا قود على واحد منهما من رواية امتناع قتل الجماعة بالواحد، وأولى؛ لأن السبب [ها] (¬2) هنا غير صالح في كل واحد منهما؛ لأن أحدهما متسبب والآخر ملجأ، وفي صورة الاشتراك هما مباشران مختاران. - (ومنها): الممسك مع القاتل؛ فإنهما يشتركان في الضمان والقود على إحدى الروايتين، وفي الأخرى يختص [بالقود] (¬3) المباشر بهما، ويحبس الممسك (¬4) حتى يموت. ¬

_ (¬1) في (أ) و (ج): "الثاني"! (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬4) في المطبوع: "الماسك".

- (ومنها): لو حفر بئرًا عدوانًا في الطريق، فوضع آخر حجرًا إلى جانبها؛ فهل يختص بالضمان الواضع جعلًا له؛ كالدافع، أويشتركان فيه؛ كالممسك والقاتل؟ على روايتين، ولو كان الحافر غير متعد؛ فالضمان على الواضع وحده، وهي من صور القسم الثاني. - (ومنها) (¬1): لو دل المودع لصًّا على الوديعة، فسرقها؛ فالضمان عليهما، ذكره القاضي وغيره؛ كما لو دل المحرم محرمًا آخر على صيد فقلته، ولو دل حلالًا؛ فالضمان على المحرم [وحده] (¬2)، وهي من صور القسم الثاني. - (ومنها): لو أحرم وفي يده المشاهدة صيد، وتمكن من إرساله، فلم يفعل حتى قتله محرم آخر؛ ففيه احتمالان ذكرهما القاضي في "المجرد": أحدهما: الضمان على القاتل؛ لأنه مباشر والأول متسبب غير ملجئ. والثاني: الضمان عليهما على الأول باليد وعلى الثاني بالمباشرة. ويتخرج على هذين الوجهين كل من أتلف عينًا في يد من هي مضمونة عليه باليد؛ هل يضمن المتلف وحده الجميع دون صاحب اليد، أو يجوز تضمين صاحب اليد ويرجع على المتلف؟ ¬

_ (¬1) هذه الصورة مذكورة في (ج) بعد التي تليها؛ أي: آخر فرع في هذه القاعدة. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

وفرض القاضي في "كتاب التخريج" (¬1) مسألة الصيد في حالين: صاد أحدهما في الحرم صيدًا، فقتله الآخر فيه، وذكر أن عليهما جزاءين كاملين: أحدهما على القاتل بقتله، والآخر على الممسك لتلفه في يده قبل إرساله، ثم يرجع الذي في يده على القاتل بما غرمه؛ لأنه قرر عليه ضمانًا كان قادرًا على التخلص منه بالإرسال، [وصرح] (¬2) في أثناء المسألة بأن المغصوب إذا أتلفه متلف في يد الغاصب؛ كان المالك مخيرًا في المطالبة لمن شاء منهما. * * * ¬

_ (¬1) لم يذكره أحدٌ ممن ترجم له! واعتنى بمصنفات القاضي ابنهُ أبو الحسين، قال في "طبقات الحنابلة" (2/ 205): "فأما عدد مصنفاته"؛ فكثيرة، فنشير إلى ذكر ما يتيسّر منها. . . " وسردها ولم يذكر هذا الكتاب! (¬2) في (ج): "وخرج".

128 - القاعدة الثامنة والعشرون بعد المئة إذا اختلف حال المضمون في [حالي] الجناية والسراية

(القاعدة الثامنة والعشرون بعد المئة) إذا اختلف حال المضمون في [حالي] (¬1) الجناية والسراية (¬2). [فها هنا] (¬3) أربعة أقسام: أحدها: أن يكون مضمونًا في الحالين، لكن يتفاوت قدر الضمان فيهما؛ فهل الاعتبار بحال السراية أو بحال (¬4) الجناية؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) في (ج): "حال". (¬2) المضمونات نوعان: نوع مضمون بالجناية؛ كمن قطع يد إنسانٍ خطأ أو عمدًا؛ فيجب الضمان أرشًا أو قصاصًا، ونوع مضمون بالسراية، كمن قطع يد إنسانٍ، فنزف، فمات؛ فهو مضمون نتيجة القطع، وهو الموت، لا بالقطع، وهو الجناية. وبعضهم يخرج بعض الفروع المذكورة هنا على قاعدة: "إذا اختلف حكم الشيء بالنظر إلى حاله ومآله، فما المعتبر منهما؟ "، ومثلها؟ "هل العبرة بالحال أو بالمآل؟ "، أو: "إذا كان للشيء مآلان مختلفا الحكم؛ فهل يعتبر بأوّلهما أو بآخرهما؟ "، وما عند المصنف في القاعدة الآتية يدخل ضمن عمومات هذه الألفاظ. وانظر غير مأمور: "الموافقات" (5/ 177، 179)، و"قواعد المقَّري" (رقم 394، 395)، و"الأشباه والنظائر" (ص 178) للسيوطي، و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 236، 239). (¬3) في (ب): "فهنا". (¬4) في المطبوع: "حال".

والقسم الثاني: أن يكون مهدرًا في الحالين؛ فلا ضمان بحال. والثالث: أن تكون الجناية مهدرة والسراية في حال الضمان؛ فتهدر تبعًا للجناية بالاتفاق. والرابع: أن تكون الجناية [في حال الضمان] (¬1) والسراية في حال الإهدار؛ فهل يسقط الضمان أم لا؟ على وجهين. فأما القسم الأول؛ فله أمثلة: - (منها): لو جرح ذميًّا، فأسلم ثم مات؛ فلا قود، وهل تجب (¬2) فيه دية مسلم أو دية ذمي؟ على وجهين، اختار القاضي وأبو الخطاب وجوب دية ذمي اعتبارًا بحال الجناية، وابن حامد وجوب دية مسلم، وذكر ابن أبي موسى أنه نص أحمد، وبكل حال؛ فالدية تكون لورثته من المسلمين؛ لأنه استحق أرش جرحه حيًّا، فملكه ثم أسلم ومات؛ فانتقل ما ملكه إلى ورثته المسلمين، ذكره القاضي في "خلافه" وأبو الخطاب في "الانتصار". - (ومنها): لو جرح عبدًا، ثم أعتق، ثم مات من الجرح؛ فهل يضمن بقيمته أو بديته؟ على روايتين، نقل حنبل عن أحمد: يضمنه بقيمته لا بالدية. وكذلك ذكره أبو بكر في "خلافه"، ونصره القاضي في "الخلاف" أيضًا. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في المطبوع: "يجب"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

ونقل ابن منصور عنه فيمن ضرب بطن أمة، فأُعتقت، ثم أسقطت جنينًا حيًّا، ثم مات: هو حر، وعليه ديته؛ لأن العتق لا يجب إلا بالولادة. وهذا اختيار ابن حامد، حكاه (¬1) عنه القاضي: إنه يجب أقل الأمرين من قيمة العبد أو الدية. وحكى أبو الخطاب عن القاضي: إن ابن حامد أوجب دية حر للمولى منها أقل الأمرين من نصف الدية أو نصف القيمة والباقي لورثته. وذكر القاضي في "المجرد" احتمالًا بوجوب أكثر الأمرين من القيمة أو الدية. و [ذكر] (¬2) ابن أبي موسى أن المنصوص في الذمي إذا أسلم وجوب دية مسلم، وفي العبد إذا عتق قيمة عبد، ثم خرج المسألتين (¬3) على روايتين، وعلى الأولى (¬4)؛ فجميع القيمة للسيد، ذكره أبو بكر والقاضي والأصحاب؛ لأن السراية لا تثبت منفردة، وإنما تجب تابعة للجناية، وقد ثبت أرش الجرح (¬5) للسيد حين كان المجروح عبدًا لا يملك؛ فتتبع السراية الجناية، ويكون أرشها لمستحق أرش الجناية، وهو السيد، وهكذا لو باعه المولى بعد الجرح، ثم مات عند المشتري؛ فالقيمة كلها للأول، ذكره القاضي. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "وحكى"! (¬2) في (ج): "حكى". (¬3) في المطبوع: "المسألة". (¬4) في المطبوع و (ج): "الأول". (¬5) في (أ): "الحرج"!

وذكر ابن الزاغوني في "الإِقناع" فيما إذا قطع يدي عبد وقيمته ألفا دينار، فأعتقه سيده ثم مات؛ احتمالين: أحدهما: إن الألفين بين السيد والورثة نصفين توزيعًا للقيمة على السراية والجناية. والثاني: يقسم بينهما أثلاثًا؛ لأن للسيد ما يقابل اليدين، وهو كمال الدية، وللورثة كمال الدية، وهي (¬1) بقدر نصف القيمة، ولا قصاص على الحر المسلم في هذه المسألة والتي قبلها؛ لانتفاء المكافأة حال الجناية. [وفرق القاضي في "المجرد" وابن عقيل في موضعين بين مسألة العبد والذّميّ، قال في "المسودة": "لا أعلم للتفرقة وجهًا"، واضطرب كلام أبي الخطاب في "الهداية" فيها في مواضع] (¬2). (تنبيه): ذكر القاضي في "خلافه" أن رواية الضمان بدية حر، نقلها حرب عن أحمد، وتبعه صاحب "المحرر" وزاد: إن للسيد منها أقل الأمرين (¬3)، ولم ينقل حرب شيئًا من ذلك، وإنما نقل: إنه ذكر له قول الزهري: يضمنه (¬4) [بقيمة مملوك] (¬5)؛ فقال: ما أدري كيف هذا؟ ولم يجب [فيه] (¬6) بشيء، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "هي". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط، وأثبتها الناسخ في الهامش. (¬3) انظر: "المحرر" (2/ 146). (¬4) في المطبوع: "يضمنه". (¬5) في (ج): "بقيمته مملوكًا". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

وهذا يدل على أنه أنكر ضمانه بالقيمة، وإنما نقل ابن منصور عن أحمد أنه يضمنه بدية حر كاملة باللفظ الذي زعم القاضي أن حربًا نقله. - (ومنها): لو ضرب بطن أمة حامل، فأعتقت أو جنينها، ثم ألقته ميتًا؛ فهل يضمنه (¬1) بغرة جنين حر أو بقيمة جنين أمة؟ على وجهين، وكذلك لو ضرب بطن نصرانية حامل بنصراني، [ثم] أسلمت (¬2)، ثم ألقت جنينًا ميتًا؛ هل يضمنه ضمان جنين مسلم أو ذمي؟ على الوجهين. - (ومنها): لو قطع يدي عبد وقيمته ألفان، ثم سرت إلى نفسه ومات وقيمته ألف؛ فقال القاضي في "خلافه": قياس المذهب أنه يضمنه بألفين؛ لأن نقصان القيمة كنقصان بدله بالحرية، وقد قلنا: يضمن بألفين إذا عتق، كذلك هنا (¬3). قال: وهذا موضع مجمع عليه؛ لأن موته حصل بقطع يده وقيمته في تلك الحال ألفان. ويلتحق بهذا ما إذا جرح ذمي خطأً، ثم أسلم وسرى الجرح إلى النفس، وفيه ثلاثة أوجه مذكورة في "المغني" (¬4) و"المحرر" (¬5): أحدها: الدية على عاقلته حال الجرح، وبه جزم في "الكافي" (¬6) ¬

_ (¬1) في (ج): "فهل يضمن". (¬2) في المطبوع: "فأسلمت". (¬3) في المطبوع و (ج): "ها هنا". (¬4) انظر: "المغني" (8/ 302/ 6805). (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 150). (¬6) انظر: "الكافي" (4/ 79).

و"المحرر" (¬1) اعتبارًا بحال الجناية. والثاني: على عاقلته أرش الجرح، والزائد بالسراية في ماله؛ لأنه حصل بعد مخالفته لدين عاقلته. والثالث: الدية كلها في ماله؛ كما لو [اختلفت ديته] (¬2) حال الرمي والإصابة على ما يأتي ذكره؛ لأن أرش الجرح إنما يستقر بالاندمال أو السراية، ولو كان الجاني ابن معتقة لقوم، ثم أنجز ولاؤه (¬3) إلى موالي أبيه؛ ففي "المحرر": هو على هذا الخلاف (¬4)، وفي "الكافي": الدية في ماله. ولم يذكر خلافًا. وأما القسم الثاني؛ فمن أمثلته: ما إذا جرح عبدًا حربيًّا ثم عتق ثم مات، أو جرح عبدًا مرتدًّا ثم عتق ثم مات؛ فلا ضمان لأن الحربي والمرتد لا يضمن، حرًّا كان أو عبدًا. وأما القسم الثالث؛ فله أمثلة: - (منها): لو جرح حربيًّا، ثم أسلم، ثم مات؛ فلا ضمان. - (ومنها): لو جرح مرتدًّا، ثم أسلم، ثم مات؛ فلا ضمان أيضًا. وذكر صاحب "الترغيب" أن الضمان هنا مخرج على الضمان فيما ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (2/ 150). (¬2) في (ج): "اختلف دينه". (¬3) في (ج): "أنجز ولائه". (¬4) "انظر: "المحرر" (2/ 149).

إذا طرأ الإسلام بعد الرمي وقبل الإصابة. - (ومنها): لو جرح صيدًا في الحل، ثم دخل الحرم فمات فيه؛ فلا ضمان، ويحل أكله؛ لأنه ذكاة في الحل، ذكره القاضي ونص عليه أحمد في "رواية ابن منصور"، وقد سأله عن قول سفيان في صيد رمي (¬1) في الحل، فتحامل، فدخل الحرم، فمات؛ قال: ليس عليه كفارة، ويكره أكله؛ لأنه مات في الحرم. قال أحمد: ما أحسن ما قال! وهذه الكراهة (¬2) كراهة تنزيه. - (ومنها): لو جرح عبد نفسه، ثم عتق، ثم مات؛ فهل يضمنه أم لا؟ على وجهين ذكرهما في "الترغيب"؛ لأن عبد نفسه إنما يهدر ضمانه على السيد دون غيره؛ فهو مضمون في الجملة، بخلاف المرتد والحربي، وظاهر كلام القاضي أنه يضمنه بدية حر، وأما على قول أبي بكر: إن الضمان بالقيمة؛ فلا إشكال في عدم ضمانه، ولهذا خرجه صاحب "الكافي" على الوجهين في الاعتبار بحال الجناية أو السراية (¬3). وأما القسم الرابع؛ فله أمثلة: - (منها): لو جرح مسلمًا أو قطع يده عمدًا، فارتد ثم مات؛ فهل يجب القود في طرفه أم لا؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ذمي"!! (¬2) في (أ): "الكراهية". (¬3) انظر: "الكافي" (4/ 80 - 81).

على وجهين، المرجح منهما عدمه؛ لأن الجراحة صارت نفسًا لا قود فيها بالاتفاق، وفي "الترغيب": أصل الوجهين الخلاف (¬1) فيما إذا قطع يده عمدًا، فسرت إلى نفسه؛ هل يقتص في الطرف ثم في النفس، أم في النفس [فحسب (¬2)؟ وعلى وجه ثبوت القود؛ هل يستوفيه الإِمام أو وليه المسلم؟ على وجهين] (¬3)، والمحكي عن أبي بكر: أنه يستوفيه الولي. قال في "الترغيب": أصلهما أن ماله هل هو فيء أو لورثته؟ وهو ظاهر كلام الآمدي. قال في "الترغيب": وعلى القول بأن الوارث يستوفيه لو عفا على مال؛ لم يكن له المال لامتناع إرثه. وفي "المحرر" (¬4) وجهان على قولنا: ماله فيء. وأما ضمان طرفه؛ ففيه وجهان: أحدهما: لا ضمان أيضًا؛ لأن الجناية صارت نفسًا مهدرة. والثاني: يضمن؛ لثبوت ضمان الطرف قبل الردة. ثم هل يضمن بأقل الأمرين من دية النفس أو الطرف، أو بدية الطرف مطلقًا؟ ¬

_ (¬1) في (ب): "أصل الوجهين في الخلاف". (¬2) في المطبوع: "حسب". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) انظر: "المحرر" (2/ 168).

على وجهين، المرجح منهما (¬1) الأول، ولم (¬2) يذكر في "المحرر" سواه. - (ومنها): لو جرح صيدًا في الحرم، فخرج إلى الحل، فمات؛ لزمه كمال ضمانه، ذكره القاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما"؛ تغليبًا لضمان الصيد حيث كان له حالان يضمن في أحدهما دون الآخر؛ كالمتولد بين مأكول وغيره، ويتوجه أن يضمن أرش جرحه خاصة من المسألة التي قبلها. * * * ¬

_ (¬1) في (أ): "منها"! (¬2) في المطبوع: "لم" من غير واو.

129 - القاعدة التاسعة والعشرون بعد المئة إذا تغير حال المرمي أو الرامي بين الرمي والإصابة؛ فهل الاعتبار بحالة الإصابة أم بحالة الرمى، أم يفرق بين القود والضمان، أم بين أن يكون الرمي مباحا أو محظورا؟

(القاعدة التاسعة والعشرون بعد المئة) إذا تغير (¬1) حال المرمي أو الرامي بين الرمي والإصابة؛ فهل الاعتبار بحالة (¬2) الإصابة أم بحالة الرمى، أم يفرق بين القود والضمان، أم بين أن يكون الرمي مباحًا أو محظورًا (¬3)؟ فيه للأصحاب أوجه، ويتفرع (¬4) على ذلك مسائل: - (منها): لو رمى مسلم ذميًّا أو حرٌّ عبدًا، فلم يقع بهما السهم حتى أسلم الذمي وعتق العبد ثم ماتا؛ فهل يجب القود أم لا؟ على وجهين: أحدهما: لا يجب، وهو قول الخرقي (¬5) وابن حامد، وصححه القاضي؛ لفقد التكافئ حين الجناية، وهو حالة الإِرسال؛ فهو كما لو رمى ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تعين"!! (¬2) في المطبوع: "بحال". (¬3) ذكرها المقّري في "قواعده" (رقم 390) بلفظ "إذا تقابل المبدأ والمنتهى فما المقدم منهما؟ "، وذكر بعض الفروع التي عند العتق. وانظر غير مأمور: التعليق على القاعدة السابقة. (¬4) في المطبوع: "يتفرع" من غير واو. (¬5) انظر كلام الخرقي في: "مختصره" (8/ 245/ 6662 - مع "المغني")، وقال ابن قدامة تحته: "هذا قول ابن حامد ومذهب الشافعي".

إلى مرتد فأسلم قبل الإِصابة. والثاني: يجب، وهو قول أبي بكر، وأخذه مما روى الحسن بن محمد بن الحارث (¬1) عن أحمد في رجل أرسل سهمًا على زيد، فأصاب عَمرًا؛ قال: هو عمد، عليه القود. فاعتبر الرمي المحظور إذا أصاب به معصومًا؛ وإن كان غير المقصود. وفرق أبو بكر بين رمي المرتد والذمي: بأن رمى المرتد مباح، ورده القاضي بأن رميه إلى الإِمام (¬2) لا إلى آحاد الناس؛ فهو غير مباح لآحادهم، وأما النص المذكور؛ فلم يجب عنه القاضي، ويمكن الجواب عنه: بأنه قصد هناك مكافئًا وأصاب نظيره، وهنا لم يقصد مكافئًا. وقد خرج صاحب "الكافي" وجوب القصاص في مسألة النص على قول أبي بكر (¬3)، وقد تبين أنها أصله، وأما صاحب "المحرر"؛ فجعله خطأ بغير خلاف؛ لأنه أصاب من لم يقصده! فأشبه ما إذا قصد صيدًا (¬4)، وهذا ضعيف؛ لأنه قصد معصومًا فأصاب نظيره، بخلاف من قصد صيدًا، ولهذا لو قصد صيدًا معينًا فأصاب غيره؛ حل، بخلاف ما إذا رمى هدفًا ¬

_ (¬1) في (ج): "الحسين بن محمد بن الحارث"! والتصويب من (أ) و (ب)، وهو الحسن بن محمد بن الحارث السجستاني، قال عنه القاضي أبو يعلى: "نقل عن إمامنا أشياء". انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 174/139)، و"المقصد الأرشد" (1/ 333/ 350)، و"المنهج الأحمد" (1/ 391). (¬2) في المطبوع: "للإمام". (¬3) انظر: "الكافي" (4/ 79). (¬4) انظر: "المحرر" (2/ 126، 146).

يعلمه فأصاب صيدًا؛ [فإنه] (¬1) لا يحل، أما لو ظن الهدف صيدًا فأصاب صيدًا؛ فوجهان، وقد يتخرج ها هنا مثلهما لو رمى هدفًا يظنه آدميًّا معصومًا، فأصاب آدميًّا معصومًا غيره لأن أصل الرمي كان محظورًا؛ فهذا الكلام في القود، وأما الضمان؛ فيضمنه بدية حر، ذكره الخرقي (¬2) والقاضي والأكثرون، ولم يحكوا فيه خلافًا؛ حتى نقل صاحب "الترغيب" اتفاق الأصحاب على ذلك اعتبارًا بحالة الإصابة؛ فإنه إنما أصاب حرًّا مسلمًا، وتكون دية المعتق لورثته دون السيد، ذكره القاضي. - (ومنها): لو رمى إلى مرتد أو (¬3) حربي فأسلما، ثم وصل إليهما السهم فقتلهما؛ فلا قود بغير خلاف؛ لأن دمهما حال الرمي كان مهدرًا، وهل يجب الضمان؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: وجوبه فيهما، قاله القاضي في "خلافه" والآمدي (¬4) وأبو الخطاب في موضع من "الهداية"، وعزاه غير واحد إلى الخرقي اعتبارًا بحالة الإِصابة، وهما حينئذ مسلمان معصومان، ولا أثر لانتفاء العصمة حال السبب؛ كما لو حفر بئرًا لهما فوقعها فيها بعد إسلامهما؛ فإنه يضمنهما بغير خلاف، ذكره القاضي وغيره، قال القاضي: ولا نسلم أن ¬

_ (¬1) في (ج): "أنه". (¬2) انظر: "مختصره" (8/ 216/ 6589 - مع "المغني")، وقال ابن قدامة: "وهذا مذهب الشافعي". (¬3) في المطبوع: "أو إلى". (¬4) في (ب): "والآدمي"!.

رمي الحربي والمرتد مباح مطلقًا، بل هو مراعا، فإن أسلم قبل الوقوع؛ تبينا أنه لم يكن مباحًا. والثاني: لا ضمان فيهما، وهو أشهر، وحكاه القاضي في روايتيه (¬1) عن أبي بكر في المرتد، وقال: لا خلاف فيه في المذهب، لأن رميهما كان مأمورًا به، وقد حصل على وجه لا يمكن تلافيه؛ فأشبه ما إذا جرحهما ثم أسلما. والثالث: يضمن المرتد دون الحربي، وأصل هذا الوجه طريقة القاضي في "المجرد" وابن عقيل وأبي (¬2) الخطاب في موضع من "الهداية": إنه لا يضمن الحربي بغير خلاف، وفي المرتد وجهان. والفرق إن المرتد قتله إلى الإمام؛ فالرامي إليه متعد؛ فهو كالرامي (¬3) إلى الذمي، بخلاف الحربي؛ فإن لكل أحد قتله؛ فرميه ليس بعدوان، أما عكسه، وهو لو (¬4) رمى إلى معصوم، فأصابه السهم وهو مهدر [الدم] (¬5)؛ كمسلم ارتد، أو ذمي (¬6) نقض العهد بين الرمي والإصابة؛ فلا ضمان، بغير خلاف أعلمه بين الأصحاب؛ لأن الإصابة لم تصادف معصومًا؛ فهو كما لو رمى معصومًا، فأصابه السهم بعد موته، وكذلك لو رمى عبدًا قيمته عشرون ¬

_ (¬1) في المطبوع: "روايته"! (¬2) في المطبوع و (ب): "وأبو"! (¬3) في المطبوع: "وهو كالرامي"، وفي (ج): "وهو كالرمي". (¬4) في المطبوع: "لما". (¬5) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬6) في (أ) والمطبوع: "وذمي".

دينارًا، فأصابه السهم وقيمته عشرة؛ فإنه يضمنه بقيمته وقت الإِصابة لا وقت الرمي بغير خلاف، ذكره القاضي وغيره. - (ومنها): لو رمى الذمي سهمًا إلى صيد فأصاب آدميًّا، وقد أسلم الرامي؛ فقال الآمدي: يجب ضمانه في ماله؛ لأنه لم يكن مسلمًا حال الرمي لتعقله (¬1) عاقلته المسلمون، ولا يجب على عاقلته من أهل الذمة؛ لأنه حين الإصابة كان مسلمًا، وبذلك جزم صاحب (¬2) "المحرر" (¬3) و"الكافي" (¬4)، وكذلك حكم ما إذا (¬5) رمى ابن معتقة، فلم يُصَب حتى انجر ولاؤه (¬6) إلى موالي أبيه، ولو رمى مسلم (¬7) سهمًا ثم ارتد ثم أصاب سهمه فقتل؛ فهل تجب الدية في ماله اعتبارًا بحال الإِصابة، أم على عاقلته اعتبارًا بحال الرمي؟ على وجهين ذكرهما صاحب "المستوعب". ويتخرج منهما (¬8) في المسألتين الأولتين وجهان أيضًا: أحدهما: إن الضمان على أهل الذمة وموالي الأم. ¬

_ (¬1) في (ج): "ليعقله". (¬2) كذا في الأصول الثلاثة والمطبوع، ولعل الصواب: "وصاحبا". (¬3) انظر: "المحرر" (2/ 149). (¬4) انظر: "الكافي" (4/ 124). (¬5) في المطبوع: "ماذا"!! (¬6) في المطبوع: "أنجز ولاؤه"، وفي (ج): "انجر ولائه". (¬7) في المطبوع: "مسلمًا". (¬8) في المطبوع: "منها"!

والثاني: إنه على المسلمين وموالي الأب. - (ومنها): لو رمى الحلال إلى صيد ثم أحرم قبل أن يصيبه؛ ضمنه، ولو رمى المحرم إلى صيد ثم [أحل] (¬1) قبل الإِصابة؛ لم يضمنه اعتبارًا بحال الإِصابة فيهما (¬2)، ذكره القاضي في "خلافه" في الجنايات، قال: ويجيء على قول أحمد فيمن رهى طيرًا على غصن في الحل أصله في الحرم: أن يضمن هنا في الموضعين تغليبًا للضمان. انتهى. ويتخرج عدم الضمان فيما إذا رمى وهو محل ثم أحرم من عدم ضمان الحربي إذا أسلم قبل الإِصابة؛ اعتبارًا بإباحة الرمي؛ إلا أن يفرق بأن قصد الإحرام عقيب (¬3) الرمي تسبب (¬4) إلى الجناية على الصيد فيه، ولا سيما إن قصد الرمي قبيل (¬5) الإِحرام لذلك. - (ومنها): لو رمى الحلال من الحل صيدًا في الحرم، فقتله؛ فعليه ضمانه على المنصوص، قال أحمد في "رواية ابن منصور" في رجل رمى صيدًا في الحل فأصابه في الحرم؛ قال: عليه جزاؤه. وقال أيضًا في روايته: وذكر له قول سفيان: لو رمى شيئًا في الحل، فدخلت رميته في الحرم فأصابت شيئًا؛ ضمن لأن يده التي جنت. قال أحمد: ما أحسن ما قال! ¬

_ (¬1) في (ج): "حل". (¬2) في المطبوع: "فيما". (¬3) في (ج): "عقب". (¬4) في المطبوع: "سبب"! (¬5) في المطبوع: "قبل".

وكذلك نص [أحمد] (¬1) في "رواية ابن منصور": في شجرة في الحل غصنها في الحرم عليه طير؛ لا يرمى. ولم يفصل بين رميه من الحل والحرم، وبهذا جزم ابن أبي موسى والقاضي والأكثرون، ولم يذكر القاضي في "خلافه" سواه؛ لأنه صيد معصوم بمحله؛ فلا يباح قتله بكل حال، وفيه الضمان. وذكر القاضي في "المجرد" وأبو الخطاب وجماعة رواية أخرى: إنه لا يضمنه اعتبارًا بحال الرامي ومحله، وهو ضعيف، ولا يثبت عن أحمد، وإنما أخذه القاضي من "رواية ابن منصور" في إباحة الاصطياد بالكلب وإرساله من الحرم إلى الحل؛ قال: فظاهر (¬2) هذا أنه متى كان أحدهما في الحل والآخر في الحرم؛ فلا ضمان، ولا يصح؛ لوجهين: أحدهما: أن النص في الكلب، والكلب له فعل اختياري، فإذا أرسله في الحرم على صيد في الحل؛ فهو بمنزلة من وكل عبده في الحرم في شراء صيد من الحل وذبحه فيه، وهذا بخلاف ما إذا أرسل سهمه؛ لأنه منسوب إلى فعله، ولهذا فرق أحمد في "رواية ابن منصور" بين أن يرسل سهمه من الحل إلى صيد في الحل، فيدخل الحرم، فيقتل فيه، فيضمنه، وبين أن يرسل الكلب، فلا يضمن؛ لأن دخول الكلب إلى الحرم باختياره (¬3) ودخول السهم بفعل الرامي، ولهذا لو أصاب سهمه (¬4) هذا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في (ج): "وظاهر". (¬3) في (ج): "باختيار". (¬4) في المطبوع: "سهم".

آدميًّا؛ لضمنه، ولو أصاب الكب آدميًّا، لم يضمنه، وإلى هذا التفريق أشار ابن أبي موسى؛ حيث ضمن في رمي السهم في المسألتين، ولم يضمن في صيد الكب إذا أرسله في الحل فصاد في الحرم؛ إلا أن يرسله بقرب الحرم، وأما إن أرسله في الحرم فصاد في الحل؛ فحكى فيه روايتين؛ قال: والأظهر عنه أن (¬1) لا جزاء فيه، ولكن القاضي إنما صرح بالخلاف في الكلب، وأبو الخطاب هو الذي طرد الخلاف في السهم. والوجه الثاني: إن هذا النص إنما يدل على انتفاء الضمان فيما إذا أرسل سهمه من الحرم على صيد في الحل؛ لأن صيد الحل غير معصوم؛ فلا (¬2) يصح إلحاق صيد الحرم به. وقد فرق طوائف من الأصحاب بين الصورتين؛ فمنهم من جزم بنفي الضمان فيما إذا أرسل سهمه من الحرم إلى الحل وبالضمان في العكس (¬3)، من غير خلاف حكاه فيهما، وهو [الشيرازي في "المبهج"] (¬4)، ومنهم من حكى الخلاف فيهما وصحح الفرق، وهو صاحب "المغني" (¬5)، ومنهم من حكى الخلاف فيما إذا أرسل سهمه من الحرم إلى الحل ولم يحك الخلاف في ضمان عكسه، وهو القاضي في "خلافه"، وأخذ نفي الضمان في الصورة الأولى من "رواية ابن منصور" المذكورة والضمان من ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أنه". (¬2) في (ج): "ولا". (¬3) في (ج): "وبالضمان بالعكس". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "في "المبهج" للشيرازي". (¬5) انظر: "المغني" (3/ 167/ 2406).

"رواية ابن منصور" أيضًا عن أحمد فيمن قتل صيدًا على غصن في الحل أصله في الحرم: إنه يضمنه. وفي أخذ الضمان من هذا نظر؛ فإن الغصن تابع لمحل معصوم، وهو أصل الشجرة الذي في الحرم؛ فكان حكمه حكم الحرم، بخلاف الحل، ولهذا؛ لم يفرق أحمد بين قتله من الحل أو من الحرم؛ فدل على أن حكم الغصن عنده حكم الحرم. ونقل ابن منصور عنه أيضًا وذكر له قول سفيان في شجرة أصلها في الحل وأغصانها في الحرم وعليها طير، فرماه إنسان، فصرعه؛ قال: ما كان في الحل؛ فليرم، وما كان في الحرم؛ فلا يرم. قال [أحمد] (¬1): ما أحسن ما قال! فجعل القاضي هذه رواية ثانية مخالفة للأولى، وحكى في الصيد الذي على غصن في الحل أصله في الحرم روايتين، وليس كذلك، فإن أحمد ضمن الصيد في الأولى؛ إلحاقًا للفرع بأصله في الحرمة، ولم يضمن في الثانية؛ إلحاقًا للفرع بأصله في عدم الحرمة، وإنما ضمن ما كان على الغصن الذي في الحرم؛ لأنه في هواء الحرم؛ فهو (¬2) معصوم بمحله، وهو الحرم، [وجعل ابن أبي موسى الغصن تابعًا لقراره من الأرض دون أصله، وهو مخالف لنص أحمد] (¬3)؛ [لأنه في هواء الحرم] (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع: "وهو". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

- (ومنها): هل الاعتبار [في حل] (¬1) الصيد بأهلية الرامي وسائر الشروط حال الرمي أو الإصابة؟ فيه وجهان: أحدهما: الاعتبار بحال الإصابة، وبه جزم القاضي في "خلافه" في كتاب الجنايات وأبو الخطاب في "رؤوس مسائله" (¬2)، فلو رمى سهمًا وهو محرم أو مرتد أو مجوسي ثم وقع السهم بالصيد وقد حل أو أسلم؛ حل أكله، ولو كان بالعكس؛ لم يحل، وقد سبق الخلاف في المحرم. والثاني: الاعتبار بحال الرمي (¬3)، قاله القاضي في ["خلافه" في] (¬4) كتاب الصيد، وأخذه من نص أحمد في "رواية يوسف بن موسى" (¬5) في رجل رمى بنشاب وسمى، فمات الرامي قبل أن يصيب؛ فلا بأس بأكله إذا رماه بما يجرح، وفرع عليه: ما إذا رمياه جميعًا، فأصابه سهم أحدهما أولًا فأثخنه، ثم أصابه سهم الآخر فقتله؛ أنه يجوز أكله؛ لأن الثاني أرسل سهمه قبل امتناعه والقدرة عليه؛ قال: وقد أومأ إليه أحمد في "رواية محمد بن الحكم" في رجلين رميا صيدًا فأصاباه جميعًا، فإن كانا قد ذكياه جميعًا؛ أكلاه، قال القاضي: معناه إذا كانا رمياه جميعًا [بما لهُ حَدٌّ] (¬6)، ولم يفرق ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بحال"، وفي (ج): "في حالة". (¬2) في المطبوع: "رؤوس المسائل". (¬3) في المطبوع: "الرامي". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "يوسف بن أبي موسى"! وهو خطأ، وسبق التنبيه على ذلك. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

بين أن يتقدم إصابة أحدهما على الآخر أو يتأخر. انتهى. ومما يتفرع على ذلك التسمية؛ فإنها تشترط عند الإِرسال، ولو سمى بعد إرساله؛ فإن انزجر بالتسمية وزاد جريه؛ كفى، وإلا؛ فلا، نص عليه في "رواية الميموني"، وقال القاضي في كتاب الجنايات: إنما اعتبرت التسمية وقت الإرسال؛ لمشقة معرفة (¬1) وقت الإِصابة، وهذا مشعر بأنه لو سمى عند الإصابة مع العلم بها؛ لأجزأ. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "معرفته".

130 - القاعدة الثلاثون بعد المئة المسكن والخادم والمركب المحتاج إليه ليس بمال فاضل يمنع أخذ [الزكوات]، ولا يجب [به] الحج والكفارات، ولا توفى منه الديون والنفقات

(القاعدة الثلاثون بعد المئة) المسكن والخادم والمركب المحتاج إليه ليس بمال فاضل يمنع أخذ [الزكوات] (¬1)، ولا يجب [به] (¬2) الحج والكفارات، ولا تُوفى (¬3) منه الديون والنفقات. نص على ذلك أحمد في مسائل: - (منها): الزكاة، قال أبو داود: سئل أحمد عن رجل له دار: يقبل من الزكاة؟ قال: نعم. قلت: هي دار واسعة. قال: أرجو أن لا يكون به بأس. قيل له: فإن كان له خادم؟ قال: أرجو. قيل: له فرس. قال: إن كان يغزو عليه في سبيل اللَّه؛ فأرجو أن لا يكون به بأس (¬4). وقال جعفر ابن محمد: سئل أبو عبد اللَّه عن رجل عنده جارية تساوي مئة دينار يحتاج إليها للخدمة: يأخد من الزكاة؟ قال: نعم. وسئل عن الدار؛ قال: إذا لم يكن فضل كثير ما يحتاج إليه؛ يعطى. وقال في "رواية ابن الحكم": يعطى ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "الزكاة فيه". (¬2) في المطبوع: "فيه". (¬3) في المطبوع و (أ): "ولا يوفى". (¬4) انظر المسألة في: "مسائل أبي داود" (ص 81)، وفيها أيضًا: "قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: لا يعطى -يعني: من الزكاة- من له خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب".

من الزكاة صاحب المسكن؛ [وإن] (¬1) كان له مسكن يفضل عنه. ويتفرع على هذا: أن العَرْض الذي لا يباع على المفلس في دينه إذا كان يفي بدين صاحبه وبيده نصاب؛ فإنه لا يجعل الدين في مقابلته حتى يزكي النصاب بغير خلاف؛ لأنه لا يجب صرفه إلى جهة الدين ووفاؤه منه، وأما ما يباع على المفلس؛ فهل يجعل الدين في مقابلته ويزكي النصاب؟ على روايتين. - (ومنها): الحج، قال أحمد في "رواية الميموني": إذا كان المسكن والمسكنين والخادم، أو الشيء الذي يعود به على عياله؛ فلا يباع إذا كان كفاية لأهله، وقد تكون (¬2) المنازل يكريها (¬3)، إنما هي قوته وقوت عياله، فإذا خرج عن كفايته ومؤنته ومؤنة عياله؛ باع، والضيعة مثل ذلك، إذا كان فضلًا عن المؤنة، باع (¬4). وقال في "رواية ابن الحكم": إذا كان لرجل أرض؛ فلا أرى أن يبيع ويحج، ولا يجب عليه عندي إلا أن يشاء. قال أصحابنا: لا فرق (¬5) بين أن يكون المسكن والخادم في ملكه، أو بيده نقد يريد شراءهما به في هذا الباب. - (ومنها): المفلس، ولأحمد فيه نصوص كثيرة: إنه لا يباع ¬

_ (¬1) في (أ): "فإن". (¬2) في المطبوع: "يكون". (¬3) في (ج): "بكثرتها"!! (¬4) في المطبوع و (ج): "باعه". (¬5) فى المطبوع و (ج): "ولا فرق".

المسكن إلا أن يكون فيه فضل؛ فيباع الفضل، ويترك له بقدر الحاجة منه، نص عليه في "رواية أبي الحارث" و"أبي طالب". وأما الخادم؛ فلا يباع عليه إذا كان محتاجًا إليه لزمن أو كِبَر (¬1) أو حاجة غيرهما، نص عليه [أحمد] (¬2) في "رواية عبد اللَّه" (¬3) و"أبي طالب" وغيرهما، وقال في "رواية إسماعيل بن سعيد": إذا كان مسكنًا واسعًا نفيسًا أو خادمًا نفيسًا؛ يشترى له مايقيمه، ويجعل سائره للغرماء. وكذلك نقل عنه موسى بن سعيد، ولا فرق بين أن يكون المسكن والخادم (¬4) في ملكه أو يحتاج إليهما؛ فيترك له ثمنهما على ظاهر كلام الأصحاب؛ فإنهم قالوا: لو كان مسكنه وثيابه عين مال رجل؛ رجع (¬5) بها، وترك له بدلها من بقية المال؛ ليشتري له منه إن لم يكن فيه من جنسها؛ لأن حق الغريم يتعلق بعين ماله، بخلاف المفلس؛ فإن حاجته تندفع بغيرها، أما إن (¬6) لم يكن للمفلس سواها، وهي عين مال رجل، وكان الشراء قبل الإفلاس؛ لم يؤخذ منه، وإن كان بعده؛ ففي "الكافي": يحتمل أن يؤخذ منه؛ لئلا يؤدي إلى الحيلة على أخذ أموال الناس (¬7). [والمراد: أنه إذا استدان المعسر ما اشترى به هذه الأعيان؛ أنها ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أو أكبر"! (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) والمطبوع. (¬3) انظر: "مسائل عبد اللَّه" (296/ 1102). (¬4) في المطبوع: "الخادم والمسكن". (¬5) في المطبوع و (ج): "يرجع". (¬6) في المطبوع و (ج): "إذا". (¬7) انظر: "الكافي" (2/ 174 - 175).

تؤخذ منه] (¬1). - (ومنها): الشريك في عبد إذا أعتق حصته وليس له سوى دار وخادم؛ فهو معسر، لا يعتق عليه سوى حصته، ولا يباع ذلك في قيمة حصة شريكه، قال ابن منصور: قلت لأحمد: من أعتق شقصًا في عبد ضمن إن كان له مال؟ قال: عتق كله في ماله إن كان له مال. قلت: كم قدر المال؟ قال: لا يباع فيه دار ولا رباع، ولم يقم لي علي شيء معلوم. قال القاضي: معناه: لا يباع ما لا غنى له عن سكناه؛ كالمفلس. - (ومنها): التكفير بالمال لا يباع فيه المسكن و [لا] (¬2) الخادم، ذكره القاضي والأصحاب، وقالوا: يباع فيه الفاضل من (¬3) ذلك حتى لو كان له رقبة نفيسة يمكن أن يشتري بثمنها رقبتان، فيستغني بخدمة إحداهما (¬4) ويعتق الأخرى؛ لزمه ذلك، وهكذا الدار والملابس، وأما إن وجب عليه التكفير وله خادم لا يحتاج إليه ثم احتاج إليه قبل التكفير؛ فمن الأصحاب من جزم هنا بلزوم العتق لأنه بمثابة من كان موسرًا حال [الحنث] (¬5) ثم أعسر قبل التكفير، فإن العتق يستقر في ذمته. - (ومنها): نفقة الأقارب، قال أبو طالب: قيل لأحمد: فإن كان له ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج)، وبدله في (ب): "إذا استدان" فقط. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "عن". (¬4) في (أ): "أحدهما"! (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "يحنث العتق".

دار يبيعها وينفق على ابنه؟ قال: لا بد له من مسكن، إن كان له فضل عن مسكنه [و] (¬1) فضل عن نفقة عياله؛ فلينفق عليهم، وإن لم يكن له فضل ولا سعة؛ فلا ينفق عليهم. وصرح صاحب "الترغيب" بأن نفقة القريب لا يباع فيها إلا ما يباع على المفلس في دينه، وهكذا ينبغي أن يكون حكم الجزية والخراج والعاقلة، وذكر الآمدي: إن من وجبت (¬2) عليه نفقة قريبه، فغيب ماله وامتنع منها [ووجد له الحاكم] (¬3) عقارًا؛ فله بيعه والنفقة [منه] (¬4) على أقاربه. وكذا ذكر صاحب "المغني" في نفقة الزوجة والأولاد (¬5)، ولعل المراد بذلك العقار الذي لا يحتاج إليه [للسكنى، أو] (¬6) أن هذا يختص بالممتنع من النفقة مع قدرته عليها للضرورة، حيث لم يقدر له على غير عقاره (¬7). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (أ) و (ج). (¬2) في (ب): "وجب". (¬3) في المطبوع و (ج): "ووجد الحاكم له". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي المطبوع: "فيه" بدل "منه". (¬5) انظر: "المغني" (8/ 164/ 6473). (¬6) في (ب): "في المسكن أو"، وفي (ج): "للسكنى و". (¬7) في (أ): "عقار".

131 - القاعدة الحادية والثلاثون بعد المئة القدرة على اكتساب المال بالبضع ليس بغنى معتبر

(القاعدة الحادية والثلاثون بعد المئة) القدرة على اكتساب المال بالبضع ليس بغنى معتبر. صرح به القاضي في "خلافه"، وفرع عليه مسائل: - (منها): إذا فلست المرأة وهي ممن يرغب في نكاحها؛ لم تجبر على النكاح لأخذ المهر بغير خلاف. - (ومنها): إنه لا يجب عليها نفقة الأقارب بقدرتها على النكاح وتحصيل المهر. - (ومنها): إنه لا تمنع من أخذ الزكاة بذلك أيضًا. - (ومنها): لو كان للمفلس (¬1) أم ولد؛ لم يجبر على إنكاحها وأخذ مهرها؛ وإن كان يجبر على إجارتها وأخذ أجرتها. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لمفلس".

132 - القاعدة الثانية والثلاثون بعد المئة القدرة على اكتساب المال بالصناعات غنى بالنسبة إلى نففة النفس، ومن تلزم نفقته من زوجة وخادم، وهل هو غنى فاضل عن ذلك؟

(القاعدة الثانية والثلاثون بعد المئة) (¬1) القدرة على اكتساب المال بالصناعات غنى بالنسبة إلى نففة النفس، ومن تلزم (¬2) نفقته من زوجة وخادم، وهل هو غنى فاضل عن ذلك؟ على روايتين، ويتفرع على ذلك مسائل: - (منها): القوي المكتسب لا يباح له أخذ الزكاة بجهة الفقر؛ فإنه غني بالاكتساب، وهل له الأخذ للغرم إذا كان عليه دين؟ على وجهين: أحدهما: له ذلك، قاله القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "عمده" في الزكاة، وكذلك ذكراه في "المجرد" و"الفصول" في باب الكتابة. والثاني: لا يجوز، وبه جزم الشيخ مجد الدين في "شرح الهداية"، وهذا الخلاف راجع إلى الخلاف في إجباره على الكسب (¬3) لوفاء دينه؛ كما سنذكره إن شاء اللَّه تعالى. ¬

_ (¬1) هذه القاعدة والتي تليها في (ب) دون ترقيم. (¬2) في (ب): "تلزمه". (¬3) في المطبوع: "التكسب".

والأول ظاهر كلام أحمد؛ لأنه (¬1) أباح السؤال للمكاتب، وقال (¬2): هو مغرم، ويباح له الأخذ من الزكاة مع قوته واكتسابه مع أن دينه لا يجبر على الكسب (¬3) لوفائه على المذهب، فمن عليه دين؛ يجبر على الكسب (3) لوفائه أولى بالأخذ. - (ومنها): وجوب الحج على القوي المكتسب، فإن كان بعيدًا [عن] (¬4) مكة؛ فالمذهب انتفاء الوجوب، وإن كان قريبًا؛ فوجهان. وقال الشيخ مجد الدين: يتوجه على أصلنا في البعيد أن يجب عليه الحج إن كان قادرًا على التكسب في طريقه، كما يجبره على الكسب لوفاء دينه، ولكن يمكن [الفرق] (¬5) بأن حقوق اللَّه مبنية على المسامحة، بخلاف حقوق الآدميين، ولهذا لا يجب عليه التكسب لتحصيل مال يحج به ولا يعتق منه (¬6) في الكفارة. - (ومنها): وفاء الديون (¬7)، وفي إجبار المفلس على الكسب (3) للوفاء روايتان مشهورتان، فأما المكاتب؛ فلا يجبر على الكسب (3) لوفاء دينه على المذهب المشهور؛ لأنه دين ضعيف، وخرج ابن عقيل وجهًا بالوجوب كسائر الديون. ¬

_ (¬1) في (ج): "لا أنه"! (¬2) في المطبوع: "فقال". (¬3) في (ب): "التكسب". (¬4) في (ج): "من". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "به". (¬7) في (ج): "وفاء الدين".

- (ومنها): إن القدرة على الكسب بالحرفة يمنع وجوب نفقته على أقاربه، صرح به القاضي في "خلافه"، وكذا ذكر صاحب "الكافي" (¬1) وغيره، وأما إن لم يكن له حرفة وهو صحيح؛ فهل تجب له النفقة؟ حكى أبو الخطاب روايتين، وخصهما القاضي بغير (¬2) العمودين، وأوجب نفقة العمودين مطلقًا مع عدم الحرفة، وفرق في زكاة الفطر من "المجرد" بين الأب وغيره؛ فأوجب (¬3) النفقة للأب بكل حال، وشرط في الابن وغيره الزمانة. وأما وجوب النفقة على أقاربه من الكسب؛ فصرح القاضي في "خلافه" وفي "المجرد" وابن عقيل في "مفرداته" وابن الزاغوني والأكثرون بالوجوب، قال القاضي في "خلافه": وظاهر (¬4) كلام أحمد: لا فرق (¬5) في ذلك بين الوالدين والأولاد وغيرهم من الأقارب. وخرج صاحب "الترغيب" المسألة على روايتين من اشتراط انتفاء الحرفة للإِنفاق، وهو ضعيف، وأظهر منه أن يخرج على الخلاف في إجبار المفلس على الكسب لوفاء دينه. - (ومنها): إن الفقير المكتسب؛ هل يتحمل (¬6) العقل مع العاقلة؟ ¬

_ (¬1) انظر: "الكافي" (3/ 374 - 375). (¬2) في (ج): "بدون". (¬3) في المطبوع: "وأوجب". (¬4) في المطبوع: "فظاهر". (¬5) في المطبوع: "أنه لا فرق". (¬6) في المطبوع: "يحتمل".

فيه روايتان. - (ومنها): الجزية؛ هل تجب على الفقير المكتسب؟ على روايتين، أشهرهما الوجوب. * * *

133 - القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المئة يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا

(القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المئة) يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا. في مسائل: - (منها): شهادة النساء بالولادة يثبت بها النسب ولا يثبت النسب بشهادتهن به استقلالًا. - (ومنها): شهادة النساء على إسقاط الجنين بالضربة يوجب (¬1) الغرة إن سقط ميتًا والدية إن سقط حيًّا. - (ومنها): شهادة امرأة على الرضاع تقبل (¬2) على المذهب، ويترتب (¬3) على ذلك انفساخ النكاح. - (ومنها): لو شهد واحد برؤية هلال رمضان، ثم أكملوا العدة ولم يروا الهلال؛ فهل يفطرون أم لا؟ على وجهين: أشهرهما (¬4): لا يفطرون لئلا يؤدي إلى الفطر بقول واحد. ¬

_ (¬1) في (ب): "توجب". (¬2) في المطبوع: "يقبل"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) في (ب): "وترتب". (¬4) في (ج): "أحدهما".

والثاني: بلى! ويثبت الفطر تبعًا للصوم. ومن الأصحاب من قال: إن كان غيمًا؛ أفطروا، وإلا؛ فلا. - (ومنها): لو أخبر واحد بغروب الشمس؛ جاز الفطر، ومن الأصحاب من اقتضى كلامه حكاية الاتفاق عليه؛ لأن وقت الفطر تابع لوقت صلاة المغرب. وله مأخذ آخر: وهو أن الغروب (¬1) عليه أمارات تورث ظنًّا بانفرادها، فإذا انضم إليها قول الثقة؛ قوي، بخلاف الشهادة برؤية هلال الفطر. - (ومنها): صلاة التراويح ليلة الغيم تبعًا للصيام على أحد الوجهين، وذكر القاضي احتمالًا بثبوت سائر الأحكام المعلقة بالشهر من وقوع الطلاق المعلق به وحلول آجال الديون، وهو ضعيف ها هنا (¬2). نعم! إذا شهد واحد برؤية الهلال؛ [ثبت به الشهر، وترتبت] (¬3) عليه هذه الأحكام؛ وإن كانت لا تثبت بشهادة واحد ابتداءً، صرح به ابن عقيل في "عمد الأدلة". - (ومنها): لو حلف بالطلاق على حديث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما قاله، فرواه واحد يثبتُ (¬4) الحديث [به] (¬5)، ووقع الطلاق؛ وإن كان الطلاق لا يثبت بخبر واحد، ذكره ابن عقيل في "العمد" أيضًا. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "للغروب". (¬2) في المطبوع: "هنا". (¬3) في (ب): "يثبت به الشهر ويترتب". (¬4) كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) والمطبوع: "ثبت". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ويتخرج عدم وقوع الطلاق في المسألتين من المسألة الآتية. - (ومنها): لو حلف بالطلاق: أنه ما غصب شيئًا، ثم ثبت عليه [الغصب] (¬1) بشاهد ويمين أو برجل وامرأتين؛ فهل يقع به الطلاق؟ على وجهين، وحكاهما القاضي في "خلافه" في كتاب القطع في السرقة والآمدي روايتين، وجزم القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" وصاحب "المغني" بعدم الوقوع (¬2)، واختار السامري الوقوع (¬3)، وقال صاحب "المحرر" في "تعليقه على الهداية": وعندي أن قياس قول من عفا عن الجاهل والناسي في الطلاق: أن لا يحكم عليه به؛ ولو ثبت الغصب برجلين. - (ومنها): لو علق الطلاق بالولادة، فشهد بها النساء حيث لم يقبل قول المرأة في ولادتها؛ هل يقع الطلاق؟ المشهور الوقوع، وبه جزم القاضي في "خلافه"، وتبعه الشريف أبو جعفر (¬4) وأبو المواهب العُكبري وأبو الخطاب والأكثرون، ويشهد له نص أحمد في "رواية مهنأ" إذا قال لها: إذا (¬5) حضت؛ فأنت وضرّتك طالق، فشهد النساء بحيضها؛ يطلقان (¬6) جميعا. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) انظر: "المغني" (7/ 387/ 6052). (¬3) انظر: "إيضاح الدلائل" (2/ 298 - ت عمر السبيل). و"الإنصاف" (9/ 82). (¬4) في المطبوع: "أبو حفص"! (¬5) في المطبوع: "إن". (¬6) في المطبوع: "طلقتا"، وفي (أ): "تطلقان".

وخرج صاحب "المحرر" فيه وجهًا آخر: إنه لا يقع الطلاق من المسألة التي قبلها (¬1). - (ومنها): لو ادعى المكاتب إذا أخر نجوم الكتابة، فأنكره السيد، فأتى المكاتب بشاهد وحلف (¬2) أو برجل وامرأتين على ما قال؛ فهل يعتق أم لا؟ قال الخرقي: يعتق (¬3)، ولم يحك صاحب "المغني" فيه خلافًا، وحكى صاحب "الترغيب" فيه وجهين. - (ومنها): إذا وقف وقفًا معلقًا بموته؛ فإنه يصح على المنصوص في "رواية الميموني"، وذكره الخرقي (¬4)، وقال القاضي: لا يصح، والأول أصح؛ لأنها وصية، والوصايا تقبل التعليق. - (ومنها): البراءة المعلقة بموت المبرئ تصح أيضًا لدخولها ضمنًا في الوصية، نص عليه في رواية المروذي، وقاله القاضي والأصحاب، وكذلك إبراء المجروح للجاني من دمه أو تحليله منه يكون وصية معلقة بموته، وهل هي وصية للقاتل؟ على طريقين؛ فعند القاضي: هي وصية للقاتل؛ فتخرج (¬5) على الخلاف في الوصية، وعند أبي بكر: ليس الإِبراء والعفو وصية؛ لأنه إسقاط ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (2/ 70). (¬2) في المطبوع: "ويمين". (¬3) انظر: "مختصره" (10/ 383/ 8789 - مع "المغني"). (¬4) انظر: "مختصره" (5/ 365/ 4404 - مع "المغني"). (¬5) في المطبوع: "فيخرج"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الثاني.

لا تمليك، وقال الآمدي: هو المذهب. قال: وإنما يكون إبراءً محضًا قبل الاندمال، فأما (¬1) بعده؛ فعلى وجهين. - (ومنها): إذا قال: إذا جاء رأس الشهر؛ فأنت طالق بألف؛ فإنه يصح، ذكره القاضي، وتدخل المعاوضة تبعًا للطلاق إذا قبلته؛ فإنه لا بد من قبولها [لذلك] (¬2)، وكذلك لو قالت له: إن طلقتني؛ فلك علي ألف، فطلقها بانت، ولزمها الألف، قال الشيخ تقي الدين: ذكر (¬3) القاضي في "خلافه" ما يقتضي أنه لا يعلم فيه خلافًا، وقاس الشيخ عليه ما إذا قالت: إن طلقتني؛ فأنت بريء من صداقي، فطلقها: أنه يبرأ من صداقها، ويقع الطلاق بائنًا؛ لأن تعليق الإِبراء أقرب إلى الصحة من تعليق التمليك لتردد الإِبراء بين الإسقاط [والتمليك] (¬4)، والتمليك يقع معلقًا في الجعالة والسبق؛ فها هنا كذلك (¬5). - (ومنها): إذا قال: من أسلم على أكثر من أربع زوجات (¬6)، كلما أسلمت واحدة منكن؛ فهي طالق؛ فهل يصح؟ على وجهين: أحدهما: لا يصح؛ لأن الطلاق اختيار، والاختيار لا يتعلق بالشرط. ¬

_ (¬1) في (ج): "وأما". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬3) في (ب): "وذكر" بزيادة واو. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) انظر: "مجموع الفتاوى" (32/ 286، 287، 352) لابن تيمية. (¬6) في المطبوع و (ب): "نسوة".

والثاني: يصح؛ لأن الطلاق يقبل التعليق، والاختيار يثبت تبعًا له وضمنًا. - (ومنها): إذا قال رجل لآخر: أعتق عبدك عني وعلي ثمنه؛ فقال القاضي في "خلافه": هو استدعاء للعتق، والملك يدخل تبعًا وضمنًا لضرورة وقوع العتق له. وصرح بأنه ملك قهري، حتى أنه يثبت للكافر على المسلم إذا كان العبد المستدعى عتقه مسلمًا والمستدعي (¬1) كافرًا، مع أنه منع من شراء الكافر من يعتق عليه بالملك من المسلمين، حيث كان العقد موضوعًا فيه للملك دون العتق، وكذلك على قياس قوله سراية عتق الشريك، وأولى؛ لأنها إتلاف محض يحصل (¬2) بغير اختيار أحد ولا قصده. ويتفرع على ذلك: إذا أعتق الكافر الموسر شركًا له من عبد مسلم؛ فإنه يسري، ولا يخرج على الخلاف في شراء مسلم يعتق عليه بملكه كما فعل أبو الخطاب وغيره. - (ومنها): صلاة الحاج عن غيره ركعتي الطواف تحصل [تبعًا و] (¬3) ضمنًا للحج؛ وإن كانت الصلاة لا تقبل النيابة استقلالًا، وقد أشار الإِمام أحمد إلى هذا في "رواية الشالنجي". - (ومنها): إن الوكيل ووصي اليتيم لهما أن يبتاعا بزيادة (¬4) على ثمن ¬

_ (¬1) في (ب): "أو المستدعي". (¬2) في (ج): "تحصل"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط. (¬3) ما بين المعقوفتين من (ج)، وفي المطبوع: "تحصل ضمنًا وتبعًا للحج". (¬4) في المطبوع: "بزائد".

المثل ما يتغابن بمثلها عادة، ولا يجوز لهما هبة ذلك القدر ابتداءً، ذكره القاضي وغيره، ولكنهم جعلوا مأخذه أن المحاباة ليست ببذل صريح، وإنما فيها معنى البذل (¬1)، وجعلها من هذه القاعدة أولى. - (ومنها): لو كان له أمتان، لكل منهما ولد، فقال أحدهما: ولدي. ومات (¬2)، ولم يبين ولا بيّن (¬3) وارثه، ولم يوجد قافة؛ أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة؛ فهو حر وأمه معتقة بالاستيلاد؛ وإنْ كان أقر أنه أحبلها في ملكه، وهل يثبت نسب الولد ويرث (¬4) أم لا؟ على وجهين: أحدهما: إنه لا يثبت نسبه ولا يرث (¬5)، وهو الذي ذكره القاضي في "المجرد" وابن عقيل والسامري (¬6)؛ لأن القرعة لا مدخل لها في الأنساب. [قال القاضي: وهذان الوجهان مخرجان من الخلاف في دخول القرعة فيما إذا زوج الوليان؛ فلم يعلم السابق منهما] (¬7). والثاني: يثبت نسبه ويرث، وهو الذي ذكره القاضي في "خلافه" ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "البدل". (¬2) في المطبوع: "ثم مات". (¬3) في المطبوع: "ولم يتبين ولم يبين". (¬4) في المطبوع: "ويرثه". (¬5) في المطبوع: "ولا يرث به". (¬6) انظر: "إيضاح الدلائل" (1/ 370 - 371/ 269). (¬7) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

وصاحب "التلخيص"، وذكر صاحب ["المغني"] (¬1) أنه قياس المذهب؛ لأنه حر استندت حريته إلى الإقرار؛ فأشبه ما لو عينه في إقراره. - (ومنها): لو طلق واحدة معينة من نسائه، ثم مات ولم يُعلم (¬2) عينها؛ أقرع بينهن، وأخرجت المطلقة بالقرعة، ولم يجب عليها عدة الوفاة، [بل] (¬3) تحسب لها عدة الطلاق من حينه، وعلى البواقي عدة الوفاة في ظاهر كلام أحمد [رضي اللَّه عنه] (¬4)؛ لأن الطلاق لما ثبت بالقرعة تبعه لوازمه من العدة وغيرها، وقال القاضي: يعتد الكل بأطول الأجلين. وستأتي المسألة فيما بعد إن شاء اللَّه [تعالى] (4). - (ومنها): لو قال الخنثى المشكل: أنا رجل، وقبلنا قوله في ذلك في النكاح؛ فهل يثبت في حقه سائر أحكام الرجال تبعًا [للنكاح، فيزول] (¬5) بذلك إشكاله، أم يقبل قوله في حقوق اللَّه تعالى، وفيما عليه من حقوق الآدميين دون ما له منها؛ لئلا يلزم قبول قوله في استحقاقه ميراث (¬6) ذكر وديته؟ فيه وجهان. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "التلخيص". وانظر: "المغني" (5/ 121/ 3896). (¬2) في (ج): "ولم تعلم". (¬3) في المطبوع: "الوفاة وتحسب". (¬4) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬5) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع: "للنكاح ويزول"، وفي (أ): "لنكاحه فيزول". (¬6) في المطبوع: "بميراث".

134 - القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المئة المنع أسهل من الرفع

(القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المئة) المنع أسهل من الرفع. ويتخرج على ذلك مسائل كثيرة [جدًّا] (¬1): - (منها): [منع تخمر] (¬2) الخل ابتداءً بأن يوضع فيها خل يمنع تخمرها (3) مشروع، وتخليلها بعد تخمرها (¬3) ممنوع. - (ومنها): ذبح الحيوان المأكول يمنع نجاسة لحمه وجلده، وهو مشروع، ودبغ جلده بعد نجاسته بالموت لا يفيد طهارته على [ظاهر] (¬4) المذهب. - (ومنها): السفر قبل الشروع في الصيام يبيح الفطر، ولو سافر في أثناء يوم من رمضان؛ ففي استباحة الفطر روايتان، والإتمام [فيه] (¬5) أفضل بكل حال. ونقل ابن منصور عن أحمد [رضي اللَّه عنه] (¬6): إن نوى السفر من ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع: "تخمير" فقط، وفي (ج): "منع تخمير". (¬3) في المطبوع و (ج): "تخمرها". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬6) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

الليل ثم سافر في أثناء النهار؛ أفطر، وإن نوى السفر في النهار وسافر فيه؛ فلا يعجبني أن يفطر (¬1). والفرق أن نية السفر من الليل تمنع الوجوب إذا وجد السفر في النهار؛ فيكون الصيام قبله مراعًا، بخلاف ما إذا طرأت النية والسفر في أثناء النهار. - (ومنها): إن الرجل يملك منع زوجته من حج النذر والنفل، فإن شرعت فيه بدون إذنه؛ ففي جواز تحليلها روايتان. - (ومنها): إن وجود الماء بعد التيمم وقبل الشروع في الصلاة يمنع الدخول فيها بالتيمم، ولو دخل فيها بالتيمم ثم وجد الماء؛ فهل يبطل الصلاة أم لا؟ على روايتين، وكذلك الخلاف في القدرة على نكاح الحرة بعد نكاح الأمة؛ هل يبطل نكاحها؟ على روايتين، ونمنعه ابتداءً، وكذا (¬2) في القدرة على كفارة الظهار بالعتق بعد الشروع في الصيام لا يوجب الانتقال على الصحيح، وقبله يجب (¬3). - (ومنها): إن المرأة تملك منع نفسها حتى تقبض صداقها، فإن سلمت نفسها ابتداءً قبل قبض الصداق؛ فهل تملك الامتناع بعد ذلك حتى تقبضه؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أن يفطر فيه". (¬2) في المطبوع: "وكذلك". (¬3) في المطبوع: "يوجب".

على وجهين. وكذلك اختار صاحب "المغني" في البيع: إن البائع يملك الامتناع من تسليم المبيع حتى يقبض ثمنه، فإذا سلمه؛ لم يملك استرجاعه، ومنع المشتري من التصرف فيه والحجر عليه مستندًا إلى هذه القاعدة (¬1)، وهو خلاف ما قاله القاضي وأصحابه في مسألة الحجر الغريب. - (ومنها): اختلاف الدين المانع من النكاح يمنعه ابتداءً، ولا يفسخه في الدوام على الأشهر، بل يقف الأمر على انقضاء العدة فيه. - (ومنها): الإِسلام يمنع ابتداء الرق ولا يرفعه بعد حصوله، وإنما استرق ولد الأمة المسلمة؛ لأنه جزء منها؛ فهو في معنى استدامة الرق على المسلم، وأما الأسرى إذا أسلموا قبل الاسترقاق؛ فإنما جاز استرقاقهم لانعقاد سببه في الكفر انعقادًا تامًّا؛ فاستند إلى سبب موجود في الكفر. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (6/ 24 - ط هجر).

135 - القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المئة الملك القاصر من ابتدائه لا يستباح فيه الوطء، بخلاف ما كان القصور طارئا عليه

(القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المئة) الملك القاصر من ابتدائه لا يستباح فيه الوطء، بخلاف ما كان القصور طارئًا عليه. نص على ذلك أحمد [رضي اللَّه عنه] (¬1). نص الأول: المشتراة بشرط الخيار في مدة الخيار، وكذلك المشتراة بشرط أن لا يبيع ولا يهب، أو إن (¬2) باعها؛ فالمشتري أحق بها، نص عليه أحمد، ونصوصه صريحة بصحة هذا البيع والشرط ومنع الوطء، قال فى "رواية عبد اللَّه" فيمن باع جارية (¬3) [من رجل] (4) على أن لا يبيع ولا يهب: البيع جائز، ولا يقربها؛ لأن عمر بن الخطاب قال: لا يقرب فرجًا [و] (¬4) فيه شرط لأحد (¬5). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬2) في المطبوع: "وإن". (¬3) في المطبوع و (ب): "جاريته". (¬4) ما بين المعقوفتين من "مسائل عبد اللَّه بن أحمد". (¬5) انظر: "مسائل عبد اللَّه" (278/ 1038) , وتكملتها فيه: "قيل لأي: فالبيع جائز؟ قال: البيع جائز" اهـ. وأثر عمر أخرجه أبو يوسف في "الآثار" (رقم 844)، وفي سنده ضعف وانقطاع. وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (7/ 127)، وابن أبي شيبة في "المصنف" =

وكذلك قال (¬1) في "رواية حرب"، وزاد: وإن (¬2) اشترطوا إن باعها؛ فهم أحق بها بالثمن؛ فلا يقربها، يذهب (¬3) إلى حديث عمر حين قال لابن مسعود. [وكذلك نقل مهنأ، وقال في "رواية أبي طالب" فيمن اشترى أمة بشرط لا يقربها وفيها شرط] (¬4). وكذلك نقل ابن منصور. وقول عمر الذي أشار إليه هو ما رواه حماد بن سلمة عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة: أن ابن مسعود اشترى جارية من امرأته (¬5)، وشرط لها: إن باعها؛ فهي لها بالثمن الذي اشتراها، فسأل ابنُ مسعود عن ذلك عمر ابن الخطاب؛ فقال: لا تَنكحها (¬6)، وفيها شرط (¬7). قال حنبل: قال عمي: كل شرط في فرج؛ فهو على هذا، والشرط الواحد في البيع جائز؛ إلا أن عمر كره لابن مسعود أن يطأها! لأنه شرط لامرأته الذي شرط، فلم يجز (¬8) عمر أن يطأها وفيها شرط. وكذلك نص أحمد في "رواية ابن هانئ" على منع الوطء في الأمة ¬

_ = ومسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (2/ 94 - 95 رقم 1408 - المسندة)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 336). وانظر: "كنز العمال" 4/ رقم 9999، 10002). (¬1) في المطبوع: "قال مهنا"! وهذا خطأ. (¬2) في المطبوع: "إن" من غير واو. (¬3) في (ج): "فيذهب". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في المطبوع: "امرأةٍ". (¬6) في المطبوع: "لا ينكحها". (¬7) سبق تخريجه. (¬8) في المطبوع: "فلم يجوز".

المشتراة بشرط التدبير (¬1)، ونص أيضًا في "رواية ابن منصور" على المنع من (¬2) وطء بنت المدبرة دون أمها وكاع (¬3)، [وكذا] (¬4) الأصحاب في توجيهه، والأمر فيه واضح على ما قررناه؛ إذ بنت المدبرة مدبرة من ابتداء ملكها، بخلاف أمها، وكذلك نص على المنع من وطء الأمة المملوكة بالعمرى، وحمله القاضي على إلاستحباب، وهو بعيد، والصواب حمله على أن الملك بالعمرى قاصر، ولهذا نقول على رواية: إذا شرط عودها (¬5) إليه بعده صح (¬6)؛ فيكون تمليكًا مؤقتًا. ومن ذلك: الأمة الموصى بمنافعها لا يجوز للوارث وطأها على أصح الوجهين، وهو قول القاضي خلافًا لابن عقيل، ولكن لهذه المسألة مأخذ آخر: وهو أن منفعة البضع؛ هل هي داخلة في المنافع الموصى بها أم لا؟ ومن الثاني: أم الولد والمدبرة والمكاتبة إذا اشترط (¬7) وطأها في عقد الكتابة والمؤجرة والجانية، وأما المرهونة؛ فإنما منع من وطئها لوجهين: ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل ابن هانئ" (2/ 10/ 1208). (¬2) في المطبوع: "على منع وطء". (¬3) كذا في المطبوع و (أ) و (ب) و (ج)، وعلق مصحح (ج) على هامشها قائلًا: "كذا, ولعله: وكلام". قلت: وكاع الأصحاب بمعى: اختلفوا وابتعدوا وتنحوا. (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬5) في المطبوع: "رجوعها". (¬6) في المطبوع: "بعد". (¬7) في المطبوع: "اشترطوا"!

أحدهما: إنه يفضي إلى استيلادها؛ فيبطل الرهن، فيسقط (¬1) حق المرتهن. والثاني: إن الراهن ممنوع من الانتفاع بالرهن بغير إذن المرتهن، ولو بالاستخدام وغيره؛ فالوطء أولى. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ويسقط".

136 - القاعدة السادسة والثلاثون بعد المئة الوطء المحرم لعارض؛ هل يستتبع تحريم مقدماته أم لا؟

(القاعدة السادسة والثلاثون بعد المئة) الوطء المحرم لعارض؛ هل يستتبع تحريم مقدماته أم لا؟ إن كان لضعف الملك وقصوره، أو خشية عدم ثبوته؛ كالأمة المستبرأة (¬1) إذا ملكت بعقد (¬2)؛ فيحرم سائر أنواع الاستمتاع بها، وإن كان لغير ذلك من الموانع؛ فهو نوعان: أحدهما: العبادات المانعة من الوطء، وهي على ضربين: ضرب يمتنع فيها (¬3) جنس الترفه والاستمتاع بالنساء؛ فيحرم (¬4) الوطء والمباشرة؛ كالإحرام القوي، وهو ما قبل التحلل الأول والاعتكاف، وضرب يمتنع فيها الجماع وما أفضى إلى الإِنزال؛ فلا يمنع (¬5) مما بَعُدَ إفضاؤه إليه من الملامسة ولو كانت لشهوة، وهو الصيام، وأما الإحرام الضعيف، وهو ما بين التحللين (¬6)؛ فالمذهب (¬7) أنه يحرم الوطء والمباشرة، وفيه رواية ¬

_ (¬1) في المطبوع: "كالأمة المشتراة". (¬2) في المطبوع: "بعقد محرم". (¬3) في المطبوع: "فيه". (¬4) في المطبوع: "فيمنع". (¬5) في (ج): "فلا يمتنع". (¬6) في (ب): "التحليلين". (¬7) في المطبوع: "والمذهب".

أخرى أنه يحرم الوطء خاصة. النوع الثاني: غير العبادات؛ فهل يحرم مع الوطء غيره؟ فيه قولان في المذهب، ويتخرج (¬1) على ذلك مسائل: - (منها): الحيض والنفاس يحرم بهما الوطء في الفرج ولا يحرم ما دونه في المذهب الصحيح. وفيه رواية أخرى: يمنع الاستمتاع ما بين السرة والركبة. - (ومنها): الظهار، يحرم الوطء في الفرج، وفي الاستمتاع بمقدماته روايتان، أشهرهما التحريم. - (ومنها): الأمة المسبية في مدة الاستبراء يحرم وطؤها، وفي الاستمتاع [بها] (¬2) بالمباشرة روايتان، وصحح القاضي في "المجرد" الجواز. - (ومنها): الزوجة الموطوءة بشبهة (¬3) يحرم وطؤها مدة الاستبراء، وفي مقدمات الوطء وجهان. - (ومنها): الجمع بين الأختين المملوكتين في الاستمتاع بمقدمات [الوطء] (¬4)، قال ابن عقيل: يكره ولا يحرم، ويتوجه أن يحرم، أما إذا قلنا: إن المباشرة لشهوة كالوطء في تحريم الأخت حتى تحرم الأولى؛ فلا إشكال. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ويخرج". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "لشبهة". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

137 - القاعدة السابعة والثلاثون بعد المئة الواجب بقتل العمد؛ هل هو القود عينا، أو أحد أمرين؛ إما القود أو الدية؟

(القاعدة السابعة والثلاثون بعد المئة) الواجب بقتل العمد؛ هل هو القود عينًا، أو أحد أمرين؛ إما القود أو الدية (¬1)؟ فيه روايتان [معروفتان] (¬2)، ويتفرع عليهما ثلاث (¬3) قواعد: استيفاء القود، والعفو عنه، والصلح [عنه] (2). القاعدة الأولى في استيفاد القود: فيتعين حق المستوفى فيه بغير إشكال، [ثم] (¬4) إن قلنا: الواجب القود عينًا؛ فلا يكون الاستيفاء تفويتًا للمال، وإن قلنا: أحد أمرين (¬5)؛ فهل هو تفويت للمالك أم لا؟ على وجهين، ويتفرع عليهما (¬6) مسائل: - (منها): إذا قتل العبد المرهون، فاقتص الراهن من قاتله بغير إذن المرتهن؛ فهل يلزمه الضمان للمرتهن أم لا؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وإما الدية". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ب) و (ج): "ثلاثة"! (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع: "الأمرين". (¬6) في المطبوع: "عليها".

على وجهين، أشهرهما اللزوم، ونص (¬1) عليه أحمد في "رواية ابن منصور" (¬2)، وهو اختيار القاضي والأكثرين، [قالوا: ولا يجوز [له] (¬3) الاقتصاص (¬4) بدون إذن المرتهن؛ لأن الواجب كان أحد الأمرين (¬5)، فإذا عينه بالقصاص؛ فقد فوت المال الواجب على المرتهن، وقد كان تعلق حقه برقبة العبد المرهون؛ فتعلق (¬6) ببدله الواجب؛ فهو كما لو قتله أو أعتقه؛ فيضمنه بقيمته في المنصوص، وبه جزم في "المحرر" (¬7)، وقال القاضي والأكثرون بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية. والخلاف في هذا يشبه الخلاف فيما يضمن به العبد الجاني إذا أعتقه عالمًا بالجناية. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "نص" من غير واو. (¬2) في "مسائل ابن منصور" (510/ 499): "قال أحمد: يؤخذ السيد برهن يكون قيمة العبد، ويقتص من العبد، وقال أحمد: مثله: لو أن الراهن أعتق العبد؛ جاز عتقه، ويؤخذ للمرتهن بمثل قيمة العبد رهنًا عنده". وقال الخرقي في "مختصره" (4/ 243/ 3352 - مع "المغني"): "وإن جرح العبد المرهون أو قتل؛ فالخصم في ذلك صيده، وما قبض بسبب ذلك من شيء؛ فهو رهن". وفصل ابن قدامة في "المغني" (4/ 244/ 3352)؛ فقال: "ثم إن كانت الجناية موجبة للقصاص؛ فللسيد القصاص لأنه حق له، وإنما ثبت ليستوفي، فإن اقتص؛ أخذت منه قيمة أقلهما قيمة؛ فجعلت مكانه رهنًا". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع: "القصاص". (¬5) في المطبوع و (ج): "أمرين". (¬6) في المطبوع و (ج): "فيتعلق". (¬7) انظر: "المحرر" (1/ 336).

والوجه الثاني: لا يلزمه ضمان، وصححه صاحب "المحرر" (¬1)؛ لأن المال إنما يتعين بالاختيار، والاختيار نوع تكسب، والتكسب للمرتهن لا يلزم، ولهذا؛ لم يلزم المفلس أخذ المال إذا جنى عليه جناية توجب القود، بل له الاقتصاص (¬2) مع تعلق حقوق الغرماء بأعيان ماله، وليس له مال آخر يغرم منه؛ فظاهر كلام صاحب "الكافي" (¬3) أن الوجهين على قولنا موجب العمد القود عينًا، فأما إن قلنا: أحد أمرين؛ وجب الضمان لتفويت المال الواجب، وهو بعيد؛ فإنا إذا (¬4) قلنا: الواجب القود عينًا؛ فإنما فوت اكتساب (¬5) المال لم يفوت مالًا واجبًا؛ فلا يتوجه الضمان بالكلية. وأطلق القاضي وابن عقيل [الضمان] (¬6) من غير بناء على أحد القولين، ويتعين بناؤه على القول بأن الواجب أحد أمرين؛ لأنهما صرحا في العفو أنه لا يوجب الضمان إذا قلنا: الواجب القود عينًا، وعللا بأنه إنما فوت على المرتهن اكتساب المال، وذلك غير لازم له، والاقتصاص مثل (¬7) العفو، ثم وجدث الشيخ مجد الدين صرح بهذا البناء الذي ذكرته (¬8). - (ومنها): إذا قتل عبد من التركة المستغرقة بالديون عمدًا، وقلنا: ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (1/ 336). (¬2) في المطبوع زيادة: "ولا نعدم شيئًا". (¬3) انظر: "الكافي" (2/ 153). (¬4) في المطبوع و (ج): "فأما إن". (¬5) في (ج): "اقتسام". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في (ج): "قبل". (¬8) انظر: "المحرر" (1/ 336).

ينتقل الملك (¬1) إلى الورثة، فاختاروا القصاص؛ فهل يطالبون بقيمة العبد أم لا؟ يخرج على المرهون. - (ومنها): العبد الموصى بمنفعته إذا قتل عمدًا، فهل لمالك الرقبة الاقتصاص بغير (¬2) إذن مالك المنفعة، وهل يضمن أم لا؟ صرح القاضي في "خلافه" بالمنع؛ كالرهن سواء، وهذا متخرج (¬3) على أحد الوجهين، وهو أن حق مالك المنفعة لم يبطل بالقتل، وأما على الوجه الآخر، وهو بطلان حقه بالقتل؛ جعلا للوصية بالمنفعة كالهبة التي لم تقبض؛ فلا يمنع مالك الرقبة من الاقتصاص؛ [فلا] (¬4) شيء عليه. - (ومنها): إذا جنى على المكاتب؛ فهل له أن يقتص بدون إذن سيده؟ ذكر القاضي في "المجرد" وابن عقيل الجواز؛ لأن المطالبة بالقصاص والعفو عنه إلى العبد دون سيده؛ ولو كان قنًّا، وقال القاضي في "خلافه": قياس (¬5) قول أبي بكر في منعه من الاقتصاص من عبيده إذا قتل بعضهم بعضًا: إنه (¬6) لا يجوز له الاقتصاص بدون إذن سيده. وفيه نظر؛ ¬

_ (¬1) في (ج): "ينتقل الملك فيه إلى". (¬2) في المطبوع: "بعد". (¬3) في المطبوع: "يخرج". (¬4) في (ب): "ولا". (¬5) في المطبوع: "قياس المذهب قول". (¬6) في المطبوع: "لأنه".

فإن القاتل قد فوت مالًا مملوكًا؛ فهو كقتل الراهن للمرهون (¬1) بقصاص استحقه عليه، ولكن لا يلزم [ضمان المكاتب] (¬2) لسيده؛ لأن السيد لا يستحق انتزاع ذلك منه، وهذا بخلاف اقتصاص المكاتب من الجاني [عليه] (¬3)؛ فإنه لم يفوت [به] (¬4) مالًا مملوكًا له. - (ومنها): لو قتل العبد الموصى به لمعين قبل قبوله؛ فهل للورثة الاقتصاص بدون إذن الموصى له؟ إذا قلنا: هو [ملك لهم] (¬5)؛ يتوجه المنع، إذا قلنا: [إن] (¬6) الجناية أوجبت أحد شيئين، فإن فعلوا؛ ضمنوا للموصى له القيمة إذا قبل. - (ومنها): لو قتل عبده (¬7) من مال المضاربة عمدًا، فإن كان في المال ربح؛ فهما شريكان، وليس لأحدهما الانفراد بالقصاص ولا العفو، هذا ظاهر كلام القاضي وابن عقيل، فلو اقتص رب المال بغير اختيار المضارب؛ توجه أن يضمن للمضارب حصته من الربح إن قلنا: الواجب بالقتل أحد شيئين. القاعدة الثانية: في العفو عن القصاص، وله ثلاثة أحوال: ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المرهون". (¬2) في (ج): "المكاتب ضمان" بتقديم وتأخير. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب) والمطبوع. (¬5) في (ج): "ملكهم"، وفي المطبوع: "ملك" فقط. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) كذا في (ج) وفي (أ) و (ب) والمطبوع: "عبد"!

أحدها: أن يقع العفو [عنه] (¬1) إلى الدية، وفيه طريقتان: إحداهما (¬2): ثبوت الدية على الروايتين، وهي طريقة القاضي. والثانية: بناؤه على الروايتين. فإن قلنا: موجبه أحد شيئين؛ ثبتت الدية، وإلا؛ لم يثبت شيء بدون تراضٍ منهما، وهي طريقة أبي الخطاب وابن عقيل، [وذكرها القاضي أيضًا في المضاربة] (¬3)؛ فيكون القود باقيًا بحاله؛ لأنه لم يرض بإسقاطه إلا بعوض ولم يحصل له. والحالة الثانية: أن يعفو عن القصاص ولا يذكر مالًا، فإن قلنا: موجبه القصاص عينًا؛ فلا شيء له، وإن قلنا: أحد شيئين؛ ثبت المال. وخرج ابن عقيل: أنه [إذا] (¬4) عفى عن القود؛ سقط، ولا شيء له بكل حال على كل قول؛ لأنه بعفوه عنه تعين الواجب فيه بتصرفه فيه؛ فهو كما لو أسلم على أكثر من أربع، ثم طلق إحداهن؛ فإنه يتعين الاختيار فيها، وهذا ضعيف، فإن إسقاط القود ترك [له] (¬5) وإعراض عنه وعدول إلى غيره، ليس اختيارًا له, [ولهذا] (¬6) يملك العفو عن القود والمال جميعًا، وليس له اختيارهما جميعًا، بخلاف الزوجات؛ فإنه لا يملك طلاق أكثر من ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (ج): "أحدهما"! (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) في (ج): "إن"!. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) في (ب): "وهذا".

أربع منهن على المشهور. الحالة الثالثة، أن يعفو عن القود إلى غير مال مصرحًا بذلك، فإن قلنا: الواجب القصاص عينًا؛ فلا مال له في نفس الأمر، وقوله هذا لغو، وإن قلنا: الواجب أحد شيئين؛ سقط القصاص والمال جميعًا، فإن كان ممن لا تبرع له؛ كالمفلس المحجور عليه والمكاتب والمريض فيما زاد على الثلث والورثة مع استغراق الديون للتركة؛ فوجهان: أحدهما: لا يسقط المال بإسقاطهم، وهو المشهور؛ لأن المال وجب بالعفو عن القصاص؛ فلا (¬1) يمكنهم إسقاطه بعد ذلك؛ كالعفو عن دية الخطأ. والثاني (¬2): يسقط، وفي "المحرر" أنه المنصوص عليه؛ لأن المال لا يتعين بدون اختياره له أو إسقاط (¬3) القصاص وحده (¬4)، أما (¬5) إن أسقطهما في كلام واحد متصل؛ سقطا جميعًا من غير دخول المال في ملكه، ويكون ذلك اختيارًا منه لترك التملك (¬6)؛ فلا يدخل المال في ملكه، إذا تقرر هذا؛ فهل يكون العفو تفويتًا للمال؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ولا". (¬2) في المطبوع: "الثاني". (¬3) في (ج): "له وإسقاط". (¬4) انظر: "المحرر" (2/ 134). (¬5) في المطبوع: "وأما"، وفي (ب): "أما ان أسقطها". (¬6) في المطبوع: "اختيارًا منه نقول لترك التملك".

إن قلنا: الواجب (¬1) القود عينًا؛ لم يكن العفو تفويتًا [للمال] (¬2)؛ فلا يوجب ضمانًا، صرح به القاضي وابن عقيل، وكلام أبي الخطاب يدل على [وجوب الضمان] (¬3)، وصرح (¬4) في "الكافي" بأنه على وجهين (¬5)، كما لو اقتص منه في هذه الحالة؛ فإن عنده في الضمان وجهين، وقد [سبق] (¬6) بيان ضعف ذلك ومخالفته لظاهر تعليل القاضي وابن عقيل. وكذا (¬7) في "التلخيص": إن في الضمان [ها] (¬8) هنا وجهين، وصحح عدمه، ولم يذكر في الضمان إذا اقتص خلافًا. وفرق بعض الأصحاب بين الضمان بالاقتصاص وعدم الضمان بالعفو: بأنه إذا اقتص؛ فقد استوفى بدل المال؛ فلذلك لزمه الضمان، بخلاف ما إذا عفى؛ فإنه لم يستوف [له] (8) بدلًا، بل فات عليهما جميعًا، ولهذا لو أبرأ أحد الشريكين الغريم من حقه؛ بريء، ولم يلزمه الضمان لشريكه، بخلاف ما إذا استوفى حقه أو بدله؛ فإنه يضمن لشريكه نصيبه منه، وإن قلنا: الواجب أحد شيئين، فعفى مجانًا؛ ففي "الكافي": هو ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إن قلنا: إن الواجب". (¬2) في (أ): "لمالٍ". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "وجوبه". (¬4) في (ج): "صرح". (¬5) انظر: "الكافي" (4/ 51). (¬6) في (ج): "تقدم". (¬7) في المطبوع و (ج): "وكذلك". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

كالعفو عن المال، فإن كان محجورًا عليه؛ لم يصح، وإن كان [راهنًا] (¬1)؛ ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا يصح، وهو اختياره (أعني: صاحب "الكافي") (¬2)، كما لا يصح عفو المفلس. والثاني: يصح، وتؤخذ (¬3) منه القيمة تكون رهنًا؛ لأنه أتلفه (¬4) بعفوه، وهو قول أبي الخطاب، وبه جزم صاحب "التلخيص". والثالث: يصح بالنسبة إلى الراهن دون المرتهن؛ فتؤخذ القيمة من الجاني تكون رهنًا مكانه، فإذا زال الرهن؛ ردت إلى الجاني، وهو قول القاضي وابن عقيل. وأما على الوجه الثاني الذي حكيناه في أصل المسألة بصحة (¬5) عفو المفلس والمريض فيما زاد على الثلث والورثة ونحوهم؛ فيخرج في الضمان وجهان (¬6)؛ كالاقتصاص إذا قلنا: الواجب أحد شيئين. ويتخرج على هذا الأصل مسائل: - (منها): عفو الراهن عن الجناية على المرهون، وقد ذكرنا حكمه مستوفى. ¬

_ (¬1) تصحفت في المطبوع إلى: "واهيًا"! (¬2) انظر: "الكافي" (2/ 285). (¬3) في المطبوع: "ويؤخذ". (¬4) في (ب): "أبلغه". (¬5) في المطبوع: "في صحة". (¬6) في (ج): "وجهًا".

- (ومنها): عفو المفلس عن الجناية الموجبة للقود مجانًا؛ فالمشهور إنا إن قلنا: الواجب القود عينًا؛ صح، وإن قلنا: [الواجب] (¬1) أحد أمرين؛ لم يصح [العفو] (¬2) عن المال، وعلى الوجه الآخر الذي قيل: إنه المنصوص؛ يصح، وعلى (¬3) طريقة من حكى الضمان في المرهون، وإن قلنا: الواجب القود عينًا؛ يخرج (¬4) ها هنا مثله. - (ومنها): عفو المكاتب عن القصاص، وحكمه حكم المفلس. - (ومنها): عفو الورثة عن القصاص مع استغراق الديون، وحكمه [كذلك] (¬5). - (ومنها): عفو المريض عن القصاص، وحكمه فيما زاد على الثلث كذلك. - (ومنها): إذا عفى الوارث عن العبد الجاني على العبد الموصى بمنفعته؛ هل يضمن لمالك (¬6) المنفعة قيمتها؟ على وجهين، حكاهما في "الترغيب"، والأظهر تخريجهما على أن حق صاحب المنفقة هل سقط بالإتلاف أم لا؟ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في (ج): "على" من غير واو. (¬4) في (ج): "يتخرج". (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "حكم ذلك". (¬6) في المطبوع: "المالك".

ويتوجه أن لا ينفذ عفوه (¬1) في قدر قيمة المنافع؛ لأنها ملك للغير إذا قلنا: الواجب أحد أمرين، وهذا بخلاف العفو عن الجاني على العبد (¬2) المستأجر؛ لأن الإجارة تنفسخ بالقتل، ويرجع المستأجر ببقية الأجرة. - (ومنها): إذا قتل العبد الموصى به لمعين قبل قبوله؛ فهل للورثة العفو عن قاتله بدون اختيار الموصى له به لأن قيمته له؟ صرح بذلك أبو الخطاب والأصحاب؛ فيتوجه (¬3) تخريج ذلك على هذا الأصل إن قلنا: الواجب القصاص عينًا، فلم يجب بهذه الجناية مال؛ فلهم العفو، لا سيما (¬4) على قولنا: إن ملكه قبل القبول لهم، وإن قلنا: [أحد أمرين؛ لم يصح عفوهم، وعلى طريقة من حكى الضمان. وإن قلنا:] (¬5) الواجب القود عينًا في المرهون؛ يخرج ها هنا مثله. - (ومنها): العفو عن الوارث الجاني في مرض الموت عن دم العمد إن قلنا: الواجب القود عينًا؛ فهو صحيح، وإن قلنا: [الواجب] (¬6) أحد شيئين؛ فكذلك صرح به القاضي في "خلافه" في مسألة الوقف (¬7) على الوارث في المرض، ويتوجه فيه وجه آخر بوقوفه على إجازة الورثة. ¬

_ (¬1) في (ج): "عوده". (¬2) في (ب): "عبد". (¬3) في المطبوع: "ويتوجه". (¬4) في المطبوع: "ولا سيما". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬7) في المطبوع: "الواقف"!

(تنبيهان): أحدهما: لو أطلق العفو عن الجاني عمدًا؛ فهل يتنزل عفوه [على] (¬1) القود والدية، أو على القود وحده؟ حكى صاحب "المحرر" ثلاثة أوجه: أحدها -وذكر أنه المنصوص-: إنه ينصرف إليهما (¬2) جميعًا، ونص عليه أحمد [رحمه اللَّه] (¬3) في "رواية مهنأ". والثاني: ينصرف إلى القود وحده؛ إلا أن يقر العافي بإرادة الدية مع القود. والثالث: يكون عفوًا عنهما؛ إلا أن يقول: لم أرد الدية، فيحلف ويقبل منه (¬4). وفي "الترغيب": إن قلنا: الواجب القود وحده؛ سقط، ولا دية، وإن قلنا: أحد شيئين؛ انصرف العفو إلى القصاص في أصح الروايتين، والأخرى: يسقطان جميعًا. (الثاني): لو اختار القصاص؛ فله ذلك، وهل له [العفو عنه] (¬5) إلى الدية؟ ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "عن". (¬2) في المطبوع: "إليها"! (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬4) انظر: "المحرر" (2/ 134)، نقله عنه بنحوه. (¬5) في (أ): "العود عنه"، وفي (ج): "العود".

إن قلنا: القصاص هو الواجب عينًا (¬1)؛ فله تركه إلى الدية، وإن قلنا: الواجب أحد شيئين؛ فعلى وجهين حكاهما في "الترغيب": أحدهما: نعم، وهو قول القاضي وابن عقيل، ولأن أكثر ما فيه أنه تعين (¬2) له القصاص؛ فيجوز له تركه إلى مال، كما إذا قلنا: هو الواجب عينًا. والثاني: [لا] (¬3)، وهو احتمال في "الكافي" (¬4) و"المحرر" (¬5)؛ لأنه أسقط حقه من الدية باختياره؛ فلم يكن له الرجوع إليها، كما لو عفى عنها وعن القصاص، وفارق ما إذا قلنا: القود (¬6) هو الواجب عينًا؛ لأن المال لم يسقط بإسقاطه، ويجاب عن هذا بأن (¬7) الذي أسقطه هو الدية الواجبة بالجناية، والمأخوذ هنا غيره، وهو مأخوذ بطريق المصالحة عن القصاص المتعين. القاعدة الثالثة: الصلح عن موجب الجناية، فإن قلنا: هو القود وحده؛ فله الصلح عنه بمقدار الدية وبأقل وأكثر منها؛ إذ الدية غير واجبة بالجناية، وكذلك إذا اختار القود أولًا، ثم رجع إلى المال، وقلنا له ذلك؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الواجب هو القصاص عينًا"، وفي (ج): "الواجب عينًا هو القصاص". (¬2) في المطبوع: "معين"، وفي (ج): "يعين". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) انظر: "الكافي" (4/ 51). (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 130). (¬6) في المطبوع: "ما إذا قلنا: أن القود". (¬7) في المطبوع: "أن".

فإن الدية سقط وجوبها، وإن قلنا: أحد شيئين؛ فهل يكون الصلح عنها صلحًا عن القود أو المال؟ على وجهين، يتفرع عليها (¬1) مسائل: - (منها): هل يصح الصلح على أكثر من الدية من جنسها (¬2) أم لا؟ قال أبو الخطاب في "الانتصار" (¬3): لا يصح؛ لأن الدية تجب بالعفو والمصالحة؛ فلا يجوز أخذ أكثر من الواجب من الجنس، وكذلك قال صاحب "التلخيص": يصح على غير جنس الدية، ولا يصح على جنسها إلا بعد تعيين الجنس؛ من إبل أو بقر أو غنم؛ حذارًا من ربا النسيئة وربا الفضل. وأطلق الأكثرون جواز الصلح بأكثر من الدية من غير تفصيل، قال في "المغني": لا أعلم فيه خلافًا (¬4)، وصرح السامري في "فروقه" (¬5) بجواز الصلح بأكثر من الدية؛ وإن قلنا: الواجب أحد شيئين، وعلل بأن القود ثابت؛ فالمأخوذ عوض عنه، وليس من جنسه؛ فجاز من غير تقدير كسائر المعاوضات الجائزة، وأما القود؛ فقد يقال: إنما يسقط بعد صحة الصلح وثبوته، وأما مجرد المعاوضة في عقد الصلح؛ فلا توجب (¬6) سقوطه؛ فإنه ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "عليهما". (¬2) في المطبوع: "من غير جنسها"، وفي (ب): "من من جنسها". (¬3) في (ج): "انتصاره". (¬4) انظر: "المغني" (3/ 12 - "الشرح الكبير"). (¬5) انظر: "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل" (1/ 327). (¬6) في المطبوع: "فلا يوجب".

إنما يسقطه (¬1) بعوض؛ فلا [يسقط بدون] (¬2) ثبوت العوض له. - (ومنها): لو صالح عن دم العمد بشقص؛ هل يؤخذ بالشفعة أم لا؟ إن قلنا: الواجب القود عينًا؛ فالشقص مأخوذ بعوض غير مالي؛ فلا شفعة فيه على أشهر الوجهين، وهو قول أبي بكر والقاضي والأكثرين، خلافًا لابن (¬3) حامد، وإن قلنا: الواجب أحد شيئين؛ فهو مأخوذ بعوض مالي؛ إذ هو عوض عن الدية لتعينها (¬4) باختيار الصلح، صرح به صاحبا (¬5) "المغني" (¬6) و"التلخيص"، وكذلك [ذكر] (¬7) السامري في "المستوعب"، وهو خلاف ما قرره في "الفروق" (¬8). ويتوجه على قول من قال: الصلح عن القود أن يطرد فيه الوجهان الأولان، وهو [وفق] (¬9) إطلاق الأكثرين. - (ومنها): لو قتل عبد (¬10) عبدًا من مال التجارة عمدًا، فصالح ¬

_ (¬1) في (ج): "يسقط". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "بد من". (¬3) في المطبوع: "لأبي"! (¬4) في المطبوع: "لتعيينها". (¬5) في المطبوع و (ب) و (ج): "صاحبُ". (¬6) انظر: "المغني" (7/ 24 - 25 - ط هجر). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) انظر: "إيضاح الدلائل" (1/ 327). (¬9) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وقف على"! (¬10) في المطبوع و (ب): "عبده".

المالك عنه بمال؛ فذكر [ابن تميم عن] (¬1) القاضي في التخريج أنه [قال] (¬2): إن قلنا: الواجب القصاص عينًا؛ لم يصر المال المصالح به للتجارة إلا بنية، وعلل بأنه ليس بعوض عن المقتول، بل عن القصاص، وإن قلنا: أحد شيئين؛ فهو من مال التجارة بغير نية؛ كثمن المبيع، وعلل بأنه عوض عن المقتول؛ فهو كقتل الخطأ، وهذا متنزل (¬3) على أن الصلح وقع على المال، أما إن قيل: إنه واقع عن القود؛ فقد يقال كذلك؛ لأنه بدل عن العبد، وقد يقال: لا يصير للتجارة إلا بنية، وظاهر تعليل القاضي يدل عليه؛ لأنه عوض عما كان يستحقه على مالك الجاني من إراقة دمه، بخلاف ما إذا أخذ قيمة الجاني أو باعه في الجناية؛ فإنه استوفى المال الواجب بالقتل عوضًا عن العبد المقتول. وذكر القاضي وابن عقيل في المضاربة: إذا قتل عبد عبدًا من عبيد المضاربة [عمدًا] (¬4)، فصالح عنه بمال؛ [فهو] (¬5) من مال المضاربة لأنه بدل [بكل حال] (¬6) عن مال المضاربة؛ فهو كالثمن، ولم يبنياه على الخلاف في موجب العمد؛ إذ هو بدل عنه بكل حال، ولا (¬7) حاجة ها هنا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬3) في المطبوع: "منزل". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬7) في المطبوع: "فلا".

إلى نية، ولكن قد ينبني (¬1) على ما ذكرناه؛ من أن الصلح هل وقع (¬2) عن المال أو عن القود؟ وقال أبو البركات في "تعليقه على الهداية": يحتمل عندي أنه متى قلنا: القصاص يجب [عينًا] (¬3)؛ أن المضاربة قد بطلت، ويكون جميع ما يصالح عليه (¬4) للسيد ملكًا جديدًا. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يبنى". (¬2) في (ب): "يقع". (¬3) في (ب): "عنهما"! (¬4) في المطبوع: "ما صالح عنه"، وفي (أ): "ما يصالح عنه".

138 - القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المئة العين المتعلق بها حق لله تعالى أو لآدمي؛ إما أن تكون مضمونة، أو غير مضمونة

(القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المئة) العين المتعلق بها حق للَّه تعالى أو لآدمي؛ إما أن تكون مضمونة، أو غير مضمونة، فإن كانت مضمونة؛ وجب ضمانها بالتلف والإتلاف بكل حال، وإن لم تكن مضمونة؛ لم يجب ضمانها بالتلف ووجب بالإتلاف إن كان [لها] (¬1) مستحق موجود، وإلا؛ فلا. أما الأول؛ فله أمثلة: - (منها): الزكاة إذا (¬2) قلنا: تتعلق بالعين على المشهور؛ فإنها لا تسقط بتلف المال، ويجب ضمانها (¬3). - (ومنها): الصيد في حق المحرم وفي الحرم مضمون على المالك بالجزاء. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "فإذا". (¬3) انظر في المسألة: "الهداية" (1/ 64)، و"الإفصاح" (1/ 210)، و"الكافي" (1/ 375)، و"الفروع" (2/ 343)، و"الإنصاف" (3/ 35)، و"المحرر" (1/ 219)، و"المقنع" (1/ 296)، و"المبدع" (2/ 304)، و"المذهب الأحمد" (43)، و"شرح منتهى الإرادات" (1/ 372)، و"مطالب أولي النهى" (2/ 24).

وأما الثاني؛ فله أمثلة كثيرة: - (منها): الرهن يضمن بالإتلاف، مثل أن يستهلكه الراهن أو يعتقه إن كان عبدًا، ولا يضمن بالتلف. - (ومنها): العبد الجاني إذا أعتقه سيده؛ فإنه يضمنه، وهل يضمنه بأرش الجناية مطلقًا أو بأقل الأمرين منه ومن قيمته؟ على روايتين ذكرهما القاضي في "المجرد"، وأنكر في "الخلاف" رواية الضمان بالأرش مطلقًا؛ قال: لأنه أتلف محل الحق؛ فلم (¬1) يلزمه أكثر من ضمانه، بخلاف ما إذا اختار فداءه؛ فإنه مع بقائه قد يرغب فيه راغب، فيبذل فيه ما يستوفى منه الأرش كله؛ فلذلك ضمنه بالأرش (¬2) لمحله على رواية. ونقل عنه ابن منصور: إنه إن (¬3) علم بالجناية؛ ضمنه (¬4) بالأرش كله، وإن لم يعلم، لزمه الأقل. ونقل عنه حرب: إن لم يعلم؛ فلا شيء عليه بحال، وإن علم؛ ضمنه بالقيمة فقط، ولو قتله المالك؛ لزمته (¬5) قيمته للمجني عليه. ذكره القاضي في "خلافه". وإن قتله أجنبي؛ ففي "الخلاف الكبير" يسقط الحق؛ كما لو مات، ¬

_ (¬1) في (أ): "فلا". (¬2) في المطبوع: "بأرش". (¬3) في المطبوع: "إذا". (¬4) في (ج): "ضمن". (¬5) في المطبوع: "لزمه".

وحكى القاضي في "كتاب الروايتين" (¬1) والآمدي روايتين: إحداهما: يسقط الحق, قال القاضي: نقلها مُهَنَّأ؛ لفوات محل الجناية. والثانية: لا يسقط (¬2)، نقلها حرب، واختارها أبو بكر، وبها جزم القاضي في "المجرد"؛ فيتعلق الحق بقيمته؛ لأنها بدله؛ فهو كما لو مات القاتل عمدًا؛ فإن الدية تجب في تركته، وجعل القاضي المطالبة على هذه الرواية للسيد والسيد يطالب الجاني بالقيمة. - (ومنها): إذا قتل رجلًا عمدًا، ثم قُتِلَ القاتلُ؛ قال أحمد في "رواية ابن ثواب" في رجل قتل رجلًا عمدًا ثم قتل الرجل خطأً؛ [قال] (¬3): لهم الدية. قيل له: وإن قتل عمدًا؟ قال: وإن قتل عمدًا. قيل (¬4) له: فإن قومًا يقولون: [إنه] (¬5) إذا قتل إنما كان لهم دمه، وليس لهم الدية. قال: ليس كذلك، الحديث: "إن أولياءه بالخيار؛ إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا قبلوا الدية" (¬6)؛ فقد نص على أن القاتل إذا قتل تعينت الدية في تركته، وعلل ¬

_ (¬1) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 252 - 253). (¬2) في المطبوع: "لا تسقط". (¬3) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬4) في المطبوع: "فقيل". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) أخرجه الترمذي في "الجامع" (أبواب الدِّيات، باب ما جاء في الدِّية كم هي من الإبل؟ 4/ رقم 1387) -وقال: "حديث حسن غريب"-، وأبو داود في "السنن" (كتاب الدِّيات، باب ولي العمد يرضى بالدية، رقم 4506)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الدَّيات، باب من قتل عمدًا فرضوا بالدِّية، 2/ رقم 2626)، وأحمد في "المسند" (11 =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = / رقم 6717، 6718، 6724 و 12/ رقم 7088)، والدارقطني في "السنن" (3/ 177)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2209)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 60، 70، 71 - 72)؛ من طريق محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، به. وإسناده لا بأس به؛ لأن ابن راشد وسليمان فيهما كلام، لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحسن. وفي الحديث ذكر لمقدار دية الخطأ، وقد أخرجه من الطريق نفسه مختصرًا مقتصرًا عليه النسائي في "المجتبى" (8/ 42)، وأبو داود في "السنن" (رقم 4541، 4564، 4565)، وابن ماجه في "السنن" (رقم 2647)، وأحمد في "المسند" (12/ رقم 7092)، والحربي في "الغريب" (1/ 360)، وعبد الرزاق في "المصنف" (رقم 17499، 17702)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 58، 83، 91، 107). وأخرجه أحمد في "المسند" (11/ رقم 7033) عن محمد بن إسحاق؛ قال: وذكر عمرو بن شعيب، به. وهذا منقطع؛ فظاهر قول ابن إسحاق (وذكر) عدم السماع، وهو مدلس. وأخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 4562، 4563، 4566) والنسائي في "المجتبى" (8/ 55، 57) والترمذي في "الجامع" (رقم 1390) وأحمد في "المسند" (11/ رقم 6772) وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 785، 781) عن حسين المعلم، والنسائي في "المجتبى" (8/ 55) وابن ماجه في "السنن" (رقم 2655، 2653) وأحمد في "المسند" (11/ رقم 7013) والدارمي في "السنن" (2/ 195) عن مطر الوراق، وابن عدي في "الكامل" (1/ 293) والدارقطني في "السنن" (4/ 96) والطبراني في "الأوسط" (1/ 486) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 220) عن يحيى بن سعيد وابن جريج، والنسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة" (6/ 341) - عن يحيى بن سعيد وابن جريج وآخر، والدارقطني في "السنن" (4/ 97) عن يحيى وابن جريج والمثنى؛ جيعهم عن عمرو بن شعيب، به، وفيه الدَّيات فقط دون اللفظ المذكور. =

بأن الواجب بقتل العمد أحد شيئين، وقد فات أحدهما؛ فتعين الآخر، وهذا يدل على أنه لا يجب شيء إذا قلنا: الواجب القود عينًا، وهذا يقوى على قولنا: إن الدية لا تثبت إلا بالتراضي. وخرج الشيخ تقي الدين وجهًا آخر، وقواه: أنه تسقط (¬1) الدية بموت القاتل أو قتله بكل حال؛ معسرًا كان أو موسرًا، وسواء قلنا: الواجب القود عينًا، أو: أحد شيئين؛ لأن الدية إنما نجب بأزاء العفو، وبعد موت القاتل لا عفو؛ فيكون موته كموت العبد الجاني (¬2). والعجب من القاضي [في "خلافه"] (¬3)! كيف حمل هذه الرواية على أن أولياء المقتول الأول يخيرون (¬4) في القاتل الثاني بين أن يقتصوا منه أو يأخذوا الدية؟! وتبعه على ذلك صاحب "المحرر"؛ فحكاه رواية (¬5)، ومن تأمل لفظ الرواية؛ علم أنها لا تدل على ذلك ألبتة، وقال القاضي أيضًا في "خلافه": الدية واجبة في التركة، سواء قلنا: الواجب أحد شيئين، أو القصاص عينًا، ¬

_ = وفي بعض طرقه ضعف؛ فقد رواه عن يحيى وابن جريج والمثنى -وهم مدنيون-: إسماعيل بن عياش, وروايته عن غير الشاميين ضعيفة، ووهم بعض الرواة في بعض ألفاظه. انظر: "معالم السنن" (4/ 23)، و"زاد المعاد" (5/ 26). (¬1) في المطبوع: "يسقط"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 292). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) في (ب): "يجيزون". (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 130).

وكلام أحمد يدل على [خلاف] (¬1) ذلك كما رأيته، وكذلك نص عليه في "رواية ابن القاسم" في الرجل يقتل عمدًا ثم يقدم ليُقادَ منه، فيأتي رجل فيقتله؛ قال: [كان] (¬2) الولي الأول بالخيار؛ إن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية، فلما ذهب الدم؛ فينظر إلى أولياء هذا المقتول الثاني؛ فإن هم أخذوا الدية من القاتل الأخير (¬3)؛ فقد صار ميراثًا من ماله، ثم يعود أولياء الدم الأول فيأخذونها منهم بدم صاحبهم. وكذلك نقل أبو طالب (¬4) عن أحمد، وقال: إذا فاته الدم؛ أخذ الدية من ماله إن كان له مال؛ لأنه مخير: إن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا، وهذا كله تصريح بالحكم والتعليل، وجعل المطالبة بالدية لأولياء القاتل الأول؛ لأن الدية في ماله. وخرج صاحب "المغني" وجهًا: إن المطالبة (¬5) لقاتل القاتل؛ لأنه فوت محل الحق؛ فهو كما لو قتل العبد الجاني (¬6). وللأصحاب وجهان (¬7) فيما إذا قتل الجاني بعض الورثة، حيث لا ينفرد بالاستيفاء؛ هل للباقين (¬8) حصتهم من الدية في مال الجاني، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (ج): "الآخر". (¬4) في المطبوع: "أبو الخطاب"، وهو خطأ. (¬5) في (ج): "وجهان المطالبة". (¬6) انظره في: "المغني" (8/ 299/ 6794). (¬7) في (ج): "وللأصحاب وجهًا: أن"! (¬8) في المطبوع: "الباقين".

أو (¬1) على المقتص؟ على وجهين (¬2). وعلى الأول يرجع ورثة الجاني على المقتص بما فوق حقه، ونقل صالح وابن منصور عن أحمد في رجل قتل رجلًا، فقامت البينة عند الحاكم، فأمر بقتله، فعدا بعض ورثة المقتول، فقتل الرجل بغير أمر الحاكم؛ فقال: هذا قد وجب عليه القتل ما للحاكم ها هنا (¬3)، وظاهر هذا أنه لا يلزمه ضمان؛ لأنه استوفى الحق لنفسه ولشركائه، ولا سيما إن قلنا: الواجب بقتل العمد القود عينًا. - (ومنها): لو عين أضحية أو هديًا لا عن واجب في الذمة، فإن أتلفه أو تلف بتفريطه؛ فعليه ضمانه بمثله لأن مستحقه موجود وهم المساكين، وإن تلف بغير تفريط؛ فلا شيء عليه. ونقل القاضي في "خلافه" وأبو الخطاب في "انتصاره" وابن عقيل في "عمده" رواية بوجوب الضمان؛ كالزكاة، وأخذوه من قول الخرقي: "ومن ساق هديًا واجبًا، فعطب دون محله؛ فعليه مكانه" (¬4). وهذا بعيد جدًّا، وكلام الخرقي إنما هو في الواجب في الذمة، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أم". (¬2) في (ج): "على الوجهين". (¬3) انظر: "مسائل صالح" (2/ 314/ 940). (¬4) انظر: "مختصر الخرقي" (3/ 284/ 2708 - مع "المغني")، ونصه: "ومن ساق هديًا واجبًا، فعطب دون محله؛ صنع به ما شاء، وعليه مكانه".

قالوا: [وكذا] (¬1) الخلاف فيمن نذر الصدقة بمال معين، فلم (¬2) يفعل حتى تلف؛ هل يضمنه؟ على الروايتين (¬3). - (ومنها): لو نذر عتق عبد معين، فمات قبل أن يعتقه؛ لم يلزمه عتق غيره، ولزمه كفارة يمين، نص عليه أحمد؛ لعجزه عن المنذور، وإن قنله السيد؛ فهل يلزمه ضمانه؟ على وجهين: أحدهما: لا يلزمه، قاله القاضي وأبو الخطاب؛ لأن القصد من العتق تكميل الأحكام، والمصرف العبد (¬4) , فإذا فات المصرف؛ لم يبق مستحق للعتق. والثاني: يلزمه، قاله ابن عقيل؛ فيجب صرف تيمته في الرقاب أخذًا من قولنا في الولاء: إذا حصل من المعتقين في الكفارة؛ صرف في الرقاب، والولاء أيسر (¬5) من القيمة؛ لأنه بدل الاكتساب، والقيمة بدل الذات، وإذا كانت الرقاب (¬6) مصرفًا؛ فلا وجه لسقوط القيمة عنه، ولو أتلفه أجنبي؛ فقال أبو الخطاب: لسيده القيمة، ولا يلزمه صرفها في العتق. ¬

_ (¬1) في (ج): "وكذلك". (¬2) في المطبوع: "ولم". (¬3) في (ج): "على روايتين". (¬4) في المطبوع: "للعبد". (¬5) في المطبوع: "أليس"! (¬6) في المطبوع: "وإذا كانت هذه الرقاب".

وخرج بعض الأصحاب وجهًا بوجوبه، وهو قياس قول ابن عقيل؛ لأن البدل قائم مقام المبدل، ولهذا لو وصى له بعبد، فقتل قبل قبوله؛ فإن قيمته له إذا قبل (¬1). * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "قتل".

139 - القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المئة الحقوق الواجبة من جنس إذا كان بعضها مقدرا بالشرع وبعضها غير مقدر به

(القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المئة) الحقوق الواجبة من جنس إذا كان بعضها مقدرًا بالشرع وبعضها غير مقدر به. فهي ثلاثة أنواع: أحدها: أن يكون تقدير الحق خشية سقوط صاحبه، حيث (¬1) كان من لم يقدر حقه يستحق الجميع عند الانفراد؛ كذوي الفروض مع العصبات في الميراث؛ فها هنا قد يزيد الحق الذي لم يقدر على الحق المقدر؛ لأنه أقوى منه. والنوع الثاني: أن يكون التقدير لنهاية الاستحقاق وغير المقدر موكولًا إلى الرأي والاجتهاد من غير تقديره بأصل يرجع إليه؛ فلا يزاد (¬2) الحق الذي لم يقدر على المقدر ها هنا؛ وله صور: - (منها): الحد والتعزير (¬3)؛ فلا يبلغ بتعزير (¬4) الحر والعبد أدنى حدودهما إلا فيما سببه الوطء؛ فيجوز أن يبلغ بالتعزير عليه في حق الحر ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فحيث"، وفي (ج): "بحيث". (¬2) في المطبوع: "يراد"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) في (ج): "والتغرير"! (¬4) في (ج): "بتغرير"!

مئة جلدة بدون نفي، وقيل: لا يبلغ المئة، بل ينقص منه سوطًا، وفي حق العبد خمسين إلا سوطًا، ويجوز النقص منه على ما يراه السلطان، ومن الأصحاب من حكى (¬1) أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية حدًّا مشروعًا في جنسها، ويجوز أن يزيد على حد غير جنسها، قال في "المغني": ويحتمله كلام أحمد والخرقي (¬2). وعن أحمد: لا يزاد في كل تعزير على عشر جلدات؛ لخبر أبي بردة (¬3). ¬

_ (¬1) في (ج): "من قال". (¬2) انظر: "المغني" (9/ 148/ 7374). (¬3) أخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب الحدود، باب كم التعزير والأدب، رقم 6848، 6850)، ومسلم في "الصحيح" (كتاب الحدود، باب قدر أسواط التعزير, رقم 1708)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الحدود، باب في التعزير، رقم 4491، 4492)، والترمذي في "الجامع" (أبواب الحدود، باب ما جاء في التعزير، رقم 1463)، والنسائي في "السنن الكبرى" (كتاب الرجم) -كما في "التحفة" (9/ 66) -، وأحمد في "المسند" (3/ 466 و 4/ 45)، والدارمي في "السنن" (2/ 176)، والطحاوي في "المشكل" (3/ 164، 165)، والطبراني في "الكبير" (22/ رقم 514 - 517)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 369 - 370، 381 - 382)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 327/ 328)، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد اللَّه! ان أباه حدثه أنه سمع أبا بُردة الأنصاري يقول: سمعتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تجلدوا فوق عشرة أسواطٍ؛ إلا في حدٍّ من حدود اللَّه". وأخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم 6849) عن عبد الرحمن بن جابر، عمن سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا عقوبة فوق عشر ضربات؛ إلا في حد من حدود اللَّه". قال ابن حجر في "الفتح" (12/ 177 - 178): "قوله: (إلا في حد من حدود اللَّه) ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب مخصوص، أو عقوبة مخصوصة، والمتفق عليه من ذلك أصل الزنا والسرقة وشرب المسكر والحرابة والقذف بالزنا والقتل والقصاص في النفس والأطراف والقتل في الارتداد، واختلف في تسمية الأخيرين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حدًّا، واختلف في أشياء كثيرة يستحق مرتكبها العقوبة، هل تسمى عقوبته حدًّا أو لا؟ وهي جحد العارية واللواط وإتيان البهيمة والسحاق وأكل الدم والميتة في حال الاختيار ولحم الخنزير، وكذا السحر والقذف بشرب الخمر وترك الصلاة تكاسلًا والفطر في رمضان والتعريض بالزنا، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالحد في حديث الباب حق اللَّه، قال ابن دقيق العيد: بلغني أن بعض العصريين قرر هذا المعنى بأن تخصيص الحد بالمقدرات المقدم ذكرها أمر اصطلاحي من الفقهاء، وأن عرف الشرع أول الأمر كان يطلق الحد على كل معصية كبرت أو صغرت، وتعقبه ابن دقيق العيد: أنه خروج عن الظاهر ويحتاج إلى نقل، والأصل عدمه؛ قال: ويرد عليه أنا إذا أجزنا في كل حق من حقوق اللَّه أن يزاد على العشر؛ لم يبق لنا شيء يختص المنع به؛ لأن ما عدا الحرمات التي لا يجوز فيها الزيادة هو ما ليس بمحرم، وأصل التعزير أنه لا يشرع فيما ليس بمحرم؛ فلا يبقى لخصوص الزيادة معنى. قلت: والعصري المشار إليه أظنه ابن تيمية، وقد تقلد صاجه ابن القيم المقالة المذكورة؛ فقال: الصواب في الجواب: أن المراد بالحدود هنا الحقوق التي هي أوامر اللَّه ونواهيه، وهي المراد بقوله: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]، وفي أخرى: {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1]، وقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187]، وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا} [النساء: 14] , قال: فلا يزاد على العشر في التأديبات التي لا تتعلق بمعصية؛ كتأديب الأب ولده الصغير. قلت: ويحتمل أن يفرق بين مراتب المعاصي؛ فما ورد فيه تقدير لا يزاد عليه، وهو المستثنى في الأصل، وما لم يرد فيه تقدير؛ فإن كان كبيرة؛ جازت الزيادة فيه، وأطلق عليه اسم الحد؛ كما في الآيات المشار إليها، والتحق بالمستثى، وإن كان صغيرة؛ فهو المقصود بمنع الزيادة؛ فهذا يدفع إيراد الشيخ تقي الدين على العصري المذكور إن كان ذلك مراده، وقد أخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة بالتعزير بلفظ: "لا تعزروا فوق عشرة أسواط". وقد اختلف السلف في مدلول هذا الحديث؛ فأخذ بظاهره الليث وأحمد في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المشهور عنه وإسحاق وبعض الشافعية، وقال مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة: تجوز الزيادة على العشر. ثم اختلفوا؛ فقال الشافعي: لا يبلغ أدنى الحدود، وهل الاعتبار بحد الحر أو العبد؟ قولان، وفي قول أو وجه يستنبط كل تعزير من جنس حده ولا يجاوزه، وهو مقتضى قول الأوزاعي: "لا يبلغ به الحد"، ولم يفصل، وقال الباقون: هو إلى رأي الإِمام بالغًا ما بلغ، وهو اختيار أبي ثور. وعن عمر: أنه كتب إلى أبي موسى: "لا تجلد في التعزير أكثر من عشرين"، وعن عثمان: "ثلاثين"، وعن عمر: أنه بلغ بالسوط مئة، وكذا عن ابن مسعود وعن مالك وأبي ثور وعطاء: لا يعزر إلا عن تكرر منه، ومن وقع منه مرة واحدة معصية لا حد فيها؛ فلا يعزر. وعن أبي حنيفة: لا يبلغ أربعين. وعن ابن أبي ليلى وأبي يوسف: لا يزاد على خمس وتسعين جلدة. وفي رواية عن مالك وأبي يوسف: لا يبلغ ثمانين. وأجابوا عن الحديث بأجوبة، منها ما تقدم، ومنها قصره على الجلد، وأما الضرب بالعصا مثلًا وباليد؛ فتجوز الزيادة، لكن لا يجاوز أدنى الحدود، وهذا رأي الإصطخري من الشافعية، وكأنه لم يقف على الرواية الواردة بلفظ الضرب، ومنها أنه منسوخ، دل على نسخه إجماع الصحابة، ورد بأنه قال به بعض التابعين، وهو قول الليث بن سعد أحد فقهاء الأمصار، ومنها معارضة الحديث بما هو أقوى منه، وهو الإجماع على أن التعزير يخالف الحدود، وحديث الباب يقتضي تحديده بالعشر فما دونها؛ فيصبر مثل الحد، وبالإجماع على أن التعزير موكول إلى رأي الإِمام فيما يرجع إلى التشديد والتخفيف، لا من حيث العدد؛ لأن التعزير شرع المردع، ففي الناس من يردعه الكلام، ومنهم من لا يردعه الضرب الشديد؛ فلذلك كان تعزير كل أحد بحسبه، وتعقب بأن الحد لا يزاد فيه ولا ينقص؛ فاختلفا, وبأن التخفيف والتشديد مسلم، لكن مع مراعاة العدد المذكور، وبأن الردع لا يراعى في الإفراد، بدليل أن من الناس من لا يردعه الحد، ومع ذلك؛ لا يجمع عندهم بين الحد والتعزير، فلو نظر إلى كل فرد؛ لقيل بالزيادة على الحد أو الجمع بين الحد والتعزير، ونقل القرطبي أن الجمهور قالوا: بما دل عليه حديث الباب، وعكسه النووي، وهو المعتمد، فإنه لا يعرف القول به عن أحدٍ من الصحابة".

- (ومنها): السهم من الغنيمة والرضخ؛ فلا يبلغ بالرضخ لآدمي سهمه المقدر ولا بالرضخ لمركوب سهمه المقدر. النوع الثالث: أن يكون أحدهما مقدرًا شرعًا، والآخر تقديره راجع إلى الاجتهاد، لكنه (¬1) يرجع إلى أصل يضبط (¬2) به؛ فهل هو كالمقدر أم لا؟ [إن] (¬3) كان محلهما واحدًا؛ لم يجاوز به المقدر، وفي بلوغه خلاف، وإن كان محلهما مختلفًا؛ فالخلاف في بلوغ المقدر ومجاوزته؛ فالأول كالحكومة إذا كانت في محل له مقدر؛ فلا يجاوز بها المقدر، وكذلك (¬4) المحل، وفي بلوغه وجهان، والثاني؛ كدية الحر مع قيمة العبد، فإذا جاوزت قيمته الدية (¬5)؛ فهل تجب القيمة بكمالها، أم لا يجوز أن يبلغ بها دية الحرب، بل ينقص منها؟ على روايتين، وقد يخرج (¬6) عليهما جواز بلوغ الحكومة الأرش (¬7) المقدر مطلقًا. * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ولكنه". (¬2) في (ج): "يضبطه". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "أو". (¬4) في الأصول كلها: "ولذلك". (¬5) في المطبوع: "قيمة العبد". (¬6) في (ج): "يتخرج". (¬7) في (ب): "للإرش".

140 - القاعدة الأربعون بعد المئة من سقطت عنه العقوبة بإتلاف نفس أو طرف مع قيام المقتضي له لمانع؛ فإنه يتضاعف عليه الغرم

(القاعدة الأربعون بعد المئة) من سقطت عنه العقوبة بإتلاف نفس أو طرف مع قيام المقتضي له لمانع؛ فإنه يتضاعف عليه الغرم. ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): إذا (¬1) قتل مسلم ذميًّا عمدًا؛ ضمنه بدية مسلم. - (ومنها): من سرق من غير حرز؛ فإنه يتضاعف عليه الغرم، نص عليه، وقيل: يختص ذلك بالثمر والكثر. - (ومنها): الضالة المكتومة تضمن (¬2) بقيمتها مرتين، نص عليه أحمد في "رواية ابن منصور" معللًا بأن التضعيف في الضمان هو لدرء القطع، وهذا متوجه على أصله في قطع جاحد العارية. - (ومنها): إذا (¬3) قلع الأعور عين الصحيح؛ فإنه لا يقتص منه، وتلزمه الدية كاملة، نص عليه. - (ومنها): الصغير إذا قتل عمدًا، وقلنا: إن له عمدًا صحيحًا؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إذا"! (¬2) كذا في (ج)، وفي (ب): "يضمن". (¬3) في المطبوع: "لو".

ضوعفت (¬1) عليه الدية في ماله. - (ومنها): السرقة عام المجاعة، قال القاضي في "خلافه": بتضاعف الغرم فيها من غير قطع على قول أحمد؛ لأنه احتج في "رواية الأثرم" بحديث عمر في رقيق حاطب (¬2). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ضوعف". (¬2) واحتج أحمد في "رواية السعدي" بقول عمر: "لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة"، قال السعدي: "سألتُ أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؛ فقال: العذق: النخلة، وعام سنة: المجاعة؛ فقلتُ لأحمد: نقول به؟ فقال: أي لعمري. قلتُ: إنْ سرق في مجاعةٍ لا تقطعه؟ فقال: لا، إذا حملته الحاجة على ذلك، والناس في مجاعةٍ وشدة" قاله ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/ 11). وأثر عمر: "لا تقطع اليد" أخرجه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في "جامعه" -كما في "التلخيص الحبير" (4/ 70) - عن أحمد بن حنبل، عن هارون بن إسماعيل، عن علي ابن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن حسَّان بن أزهر: أن ابن حدير حدثه عن عمر (وذكره). وقصة غلمان حاطب التي أشار إليها المصنف أخرجها الجوزجاني -كما في "إعلام الموقعين" (3/ 11) -: ثنا أبو النعمان عارم، ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن حاطب: "أن غلمة لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فأُتي بهم عمر، فأقروا، فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب، فجاء، فقال له: إن غلمان حاطب سرقوا ناقة رجل من مزينة، وأقروا على أنفسهم. فقال عمر: يا كثير بن الصَّلت! اذهب فاقطع أيديهم. فلما ولى بهم؛ ردهم عمر، ثم قال: أما واللَّه لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرَّم اللَّه عليه حلَّ له؛ لقطعت أيديهم، وأيم اللَّه؛ إذ لم أفعل لأغرمتك غرامة توجعك. ثم قال: يا مزني! بكم أريدت منك ناقتك؟ قال: بأربع منة. قال عمر: اذهب فأعطه ثماني مئة". ورجاله ثقات؛ عير عارم، اختلط بأخَرةٍ، وفرّج عنا الدارقطني بشأنه؛ فقال: تغيَّر =

- (ومنها): السرقة من الغنيمة، إذا قلنا: هي كالغلول، وأن الغال يحرم سهمه منها على رواية؛ فيجتمع عليه غرم ما سرقه مع حرمان سهمه المستحق منها (¬1)، وقد يكون قدر السرقة وأقل وأكثر. وليس من هذه القاعدة تغليظ الدية بقتل ذي الرحم [المحرم] (¬2) عمدًا؛ لأن القصاص فيه قد يكون واجبًا في [قتل] (¬3) غير الابن، وإنما هو لزيادة حرمة الجناية؛ فهو كالتضعيف بالقتل في الحرم والأحرام. * * * ¬

_ = بأخرة، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة، قاله الذهبي في "السير" (10/ 267). وابن حاطب لعله عبد الرحمن, له رؤية، وعدّوه في كبار ثقات التابعين. (¬1) في (ب): "منهما". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

141 - القاعدة الحادية والأربعون بعد المئة إذا أتلف عينا تعلق بها حق لله تعالى من يجب عليه حفظها واستيفاؤها إلى مدة معلومة؛ لزمه ضمانها بقيمتها في ذلك الوقت لا يوم تلفها، أو بمثلها على صفاتها في ذلك الوقت، لا يوم تلفها على أصح الوجهين

(القاعدة الحادية والأربعون بعد المئة) إذا أتلف عينًا تعلق بها حق للَّه (¬1) تعالى من يجب عليه حفظها واستيفاؤها إلى مدة معلومة؛ لزمه ضمانها بقيمتها في ذلك الوقت لا يوم تلفها، أو بمثلها على صفاتها في ذلك الوقت، لا يوم تلفها على أصح الوجهين. ويتخرج على ذلك صور: - (منها): لو ترك الساعي زكاة الثمار أمانة بيد رب المال، فأتلفها قبل جفافها، أو تلفت بتفريطه؛ ضمنها بقدرها يابسًا لا رطبًا على الصحيح، وعنه: يضمنها بمثلها رطبًا. - (ومنها): لو أتلف الأضحية أو الهدي [قبل يوم النحر] (¬2)، فعليه ضمانه بأكثر القيمتين من يوم الإتلاف أو يوم النحر. وفيه وجه: يضمنها بقيمتها يوم التلف (¬3) بكل حال، كما لو كان أجنبيًا. وفي "الكافي": يضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها أو هدي مثلها؛ لأنه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "حق اللَّه". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) هنا في المطبوع زيادة: "قبل يوم النحر"!

فوت الإراقة والتفرقة بعد لزومها؛ فلزمه ضمانها، كما لو أتلف شيئين. قال: ويشترى بالقيمة هديًا ويحتمل أن يتصدق به (¬1). ويلتحق بهذا: [ما إذا أكل المضحي أو الهدي مما منع] (¬2) من أكله؛ فإنه يضمنه بمثله لحمًا، نص عليه [أحمد] (¬3) في "رواية ابن منصور"؛ [لأنه تلزمه] (¬4) الإِراقة والتفرقة، وقد أتى بأحدهما وبقي الآخر؛ فلزمه ضمانه، ولو أتلفه غيره؛ فعليه قيمته لأنه لا تلزمه (¬5) الإراقة؛ فلزمته القيمة، ويشتري بها مثله. * * * ¬

_ (¬1) انظر كلامه بطوله في: "الكافي" (1/ 466). (¬2) في المطبوع: "ما إذا أكل المضحي جميع أضحيته أو الهدي مما منع"، وفي (ب): "ما إذا كان المضحي أو الهدي مما يمنع". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "لا تلزمه"! (¬5) في المطبوع: "لا يلزمه"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

142 - القاعدة الثانية والأربعون بعد المئة ما زال من الأعيان ثم عاد بأصل الخلقة أو بصنع آدمي؛ هل يحكم على العائد بحكم الأول أو لا؟

(القاعدة الثانية والأربعون بعد المئة) ما زال من الأعيان ثم عاد بأصل الخلقة أو بصنع آدمي؛ هل يحكم على العائد بحكم الأول أو (¬1) لا؟ فيه خلاف يطرد في مسائل: - (منها): لو قلع سنه أو قطع أذنه، فأعاده في الحال، فثبت اللحم كما كان ولم يبَّرح (¬2)؛ فهل يحكم بطهارته أم لا؟ نص أحمد على طهارته إذا ثبت والتحم، وعلى نجاسته إذا لم يثبت؛ فحكى (¬3) القاضي المسألة على روايتين، وفرق ابن أبي موسى بين أن يثبت ويلتحم فيحكم بطهارته لعود الحياة إليه، بخلاف (¬4) ما إذا لم يثبت، وهذا حسن، فإن كان ذلك بجناية جانٍ؛ فالمنصوص [عن أحمد] (¬5) أنه لا قود فيه ولا دية سوى حكومة نقصه، واختاره أبو بكر، وبناه كثير من الأصحاب على القول بطهارته، وقال القاضي: حقه بحاله، فأما إن اقتص من الجاني فأعاده والتحم؛ فهل للمقتص إبانته ثانيًا أم لا؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أم". (¬2) في (أ) والمطبوع: "يرح". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وحكى". (¬4) في المطبوع: "وهذا بخلاف". (¬5) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع.

نص أحمد في "رواية ابن منصور" على أن له إبانته، وعلل بأن القصاص للشين [وقد زال الشين بذلك] (¬1)، وقال القاضي في "المجرد": ليس له ذلك. - (ومنها): لو قلع ظفر آدمي أو سنه أو شعره، ثم عاد أو جنى عليه فأذهب شمه أو بصره، ثم عاد بحاله؛ فلا ضمان بحال في المذهب؛ لأن أطراف الأدمي لا تضمن بالإتلاف؛ إذ ليست أموالًا، وإنما تضمن (¬2) بما نقص الجملة، ولم يوجد نقص، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، صرح به جماعة. ويتوجه التفريق؛ لأن أعضاء الرقيق أموال، ولهذا يجوز بيع لبن الأمة دون الحرة على وجه لنا، وقد ذكروا في الجارية المغصوبة إذا هزلت عند الغاصب ثم سمنت؛ فهل يضمن نقصها؟ على وجهين، والأشبه بكلامه أنه لا ضمان؛ لأنه نص في "رواية ابن منصور" فيمن كسر خلخالًا لغيره: إن عليه إصلاحه، وبينهما فرق؛ فإن إصلاح الخلخال نوع ضمان، بخلاف عود السمن، ولكن [صرح] (¬3) صاحب "التلخيص" بأنه لو غصب جدارًا فنقضه ثم أعاده؛ فعليه أرش نقصه؛ إلا أن هذا بناه على أن الواجب الأرش؛ فالبناء عدوان؛ فلا (¬4) يسقط به الواجب. ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "والشين قد زال". (¬2) في المطبوع: "فإنما يضمن"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط حرف المضارعة. (¬3) تصحفت على ناسخ (ج) إلى "خرج"، وفي الهامش: "لعله صرح". (¬4) في المطبوع: "ولا".

وكذلك ذكر القاضي فيما إذا باع الغاصب الدار المغصوية، فنقضها المشتري ثم بناها: أن على المشتري ضمان [ما بين] (¬1) قيمتها مبنية ومنقوضة يرجع به على الغاصب. - (ومنها): نبات الحرم إذا قطعه أو قلع غصنًا من شجرة منه ثم عاد؛ ففي ضمانه وجهان، وكذلك لو جنى على ريش طائر في الحرم أو الإحرام ثم نبت؛ فهل يضمنه؟ على وجهين؛ لتردد ضمان صيد الحرم ونباته، وصيد المحرم بين ضمان الأموال؛ إذ هي أموال في الجملة، وبين ضمان الآدميين؛ لأنه [ضمان] (1) واجب لحق اللَّه تعالى، والأشبه أن صيد الحرم ونباته ملحق بالآدمي (¬2)؛ لعصمته بمحله بالنسبة إلى جميع الناس، بخلاف صيد [المحرم] (¬3)؛ فإن تحريمه يختص به (¬4)؛ فهو شبيه بالأموال المملوكة التي تحل لمالكها دون غيره. - (ومنها): لو أعاره حائطًا لوضع خشبه عليه، فسقط الجدار ثم أعاده؛ فهل له إعادة الوضع أم لا؟ فيه وجهان: [أحدهما] (1): ليس له ذلك بدون إذن؛ لأن الثاني غير الأول، فلم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "بالآدميين". (¬3) في (ب): "الحرم". (¬4) في (ب): "مختص به".

تتناوله [الإعارة] (¬1)، ذكره القاضي وابن عقيل في [باب] (2) العارية [والصلح] (2). [والثاني: له ذلك إن أعاده بآلته العتيقة، وإلا؛ فلا، وحكى عن القاضي [أيضًا] (¬2)، ولا [أظنه] (¬3) يصح عنه] (¬4)، ولو كان الوضع مستحقًّا بعقد صلح؛ فله الوضع بكل حال وجهًا واحدًا. - (ومنها): إذا أجره دارًا، فانهدم جدارها، فأعاده المؤجر؛ فصرح القاضي وابن عقيل بأن هذا المجدد لم يقع عليه العقد، وفرعا عليه أنه لا يجبر على التجديد، وكذا ذكر صاحب "التلخيص"، مع قوله: إن جدد؛ فلا خيار له، وحكى وجهًا بإجباره على التجديد كما يجبر على الترميم، ويتوجه التفريق بين أن تعاد بآلتها العتيقة أو غيرها؛ كما في التي قبلها. - (ومنها): مسألة الجدار المشترك إذا انهدم وأعاده أحد الشريكين؛ فهل يعود حق شريكه فيه؟ إن أعاده بآلة جديدة؛ لم يعد، وإن كان بآلته العتيقة؛ فوجهان سبق ذكرهما. - (ومنها): لو وصى له بدار فانهدمت فأعادها؛ فالمشهور بطلان الوصية بزوال الاسم، ولا يعود (¬5) بعود البناء؛ لأنه غير الأول، ويتوجه عودها ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الإعادة والصلح". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين مذكور في (ج) آخر هذا الفرع. (¬5) في (ج): "ولا تعود".

إن أعادها بآلتها القديمة. وفيه وجه آخر: لا تبطل الوصية بكل حال، ولو لم يُعِدْ بناءها، وعلى هذا؛ فهل يستحق أنقاضها الموجودة حال الوصية؟ على وجهين يرجعان (¬1) إلى أن الاعتبار هل هو بحال الوصية أو بحال الموت، وهل يستحق البناء المتجدد فيها؟ على وجهين أيضًا. ــــــــ (ومنها): إذا انهدمت (¬2) الكنيسة التي تقرر في دار الإسلام؛ فهل [يمكنون من] (¬3) إعادتها؟ على روايتين معروفتين بناءً على أن الإعادة هل هي استدامة أو إنشاء؟ ولو فح بلد عنوة وفيه كنيسة منهدمة (¬4) تقر؛ فهل يجوز بناؤها؟ فيه طريقان: أحدهما: المنع منه مطلقًا. والثاني: بناؤه على الخلاف في بناء المنهدمة * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "ويرجعان". (¬2) في المطبوع: "تهدمت". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "يملكون". (¬4) في (ب): "متهدمة".

143 - القاعدة الثالثة والأربعون بعد المئة يقوم البدل مقام المبدل ويسد مسده، ويبنى حكمه على [حكمه] في مواضع كثيرة

(القاعدة الثالثة والأربعون بعد المئة) يقوم البدل مقام المبدل ويسد مسده، ويبنى حكمه على [حكمه] (¬1) في مواضع كثيرة. قد (¬2) سبق ذكر بعضها. - (منها) (¬3): إذا مسح [على] (¬4) الخف ثم خلعه (¬5)؛ فإنه يجزئه غسل قدميه على إحدى الروايتين، ولو فاتت الموالاة؛ لأن المسح كمل الوضوء وأتمه وقام مقام غسل الرجلين إلى حين الخلع، فإذا وجد الخلع وتعقبه غسل القدمين؛ فالوضوء كالمتواصل، وعلى هذا لو وجد ما يكفي [لغسل] (¬6) بعض أعضاء الحديث الأصغر، فاستعمله فيها ثم تيمم للباقي، ثم وجد الماء بعد فوات الموالاة؛ لم يلزمه إلا غسل باقي الأعضاء، وهو ظاهر ما ذكره الشيخ مجد الدين في "شرح الهداية"، لكنه بناه على سقوط ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "حكم مبدله". (¬2) في المطبوع: "وقد". (¬3) في (ب): "منها" بدون "و". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في (ب): "خعله"! (¬6) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع فقط.

الموالاة بالعذر (¬1). - (ومنها): إذا (¬2) افترق المتصارفان، ثم وجد أحدهما بما قبضه عيبًا وأراد الرد وأخذ بدله في مجلس الرد؛ فهل ينتقض الصرف بذلك أم لا؟ على روايتين. - (ومنها): إذا حضر الجمعة أربعون (¬3) من أهل وجوبها، ثم تبدلوا في أثناء الخطبة أو الصلاة بمثلهم؛ انعقدت الجمعة وتمت بهم. - (ومنها): لو أبدل (¬4) نصابًا من أموال الزكاة بنصاب من جنسه، بنى على حول (¬5) الأول على المذهب، ولو أبدله بغير جنسه؛ استأنف إلا في إبدال أحد النقدين بالأخر؛ فإن فيه روايتين، وخرج أبو الخطاب في "انتصاره" رواية بالبناء في الإبدال من غير الجنس مطلقًا (¬6). - (ومنها): لو أبدل مصحفًا بمثله؛ جاز، نص عليه، بخلاف ما لو باعه بثمن، وذكر أبو بكر في المبادلة: هل هي بيع أم لا؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "للعذر". (¬2) في المطبوع: "لو". (¬3) في المطبوع: "أربعون رجلًا". (¬4) في (ج): "بدل". (¬5) في (ج): "الحول". (¬6) قال أبو الخطاب في "الانتصار في المسائل الكبار" (3/ 225): "فإن قيل: فيجب إذا بادل بغير الجنس أن يبني على حول ما كان عنده؛ قيل: كذا نقول، وقد أومأ إليه في "رواية الأثرم" في الرجل يكون له مرة دنانير ومرة دراهم تنقلب في يديه، ثم جاء الحول؛ زكاها ما كانت، والدراهم جنس غير الدنانير".

[على] (¬1) روايتين، وأنكر القاضي ذلك وقال: هي بيع بغير (¬2) خلاف، وانما أجاز أحمد إبدال المصحف بمثله؛ لأنه لا يدل على الرغبة عنه ولا على الاستبدال به بعوض دنيوي، بخلاف أخذ ثمنه. - (ومنها): لو أبدل جلود الأضاحي بما ينتفع به في البيت من آلاته (¬3)؛ جاز، نص عليه؛ لأن ذلك يقوم مقام الانتفاع بالجلد نفسه في متاع البيت. - (ومنها): إبدال الهدي والأضاحي بخير منها، وهو جائز، نص عليه (¬4)، وكذلك إبدال الوقف إذا خرب والمسجد إذا باد أهله، وفي [إبدال] (¬5) الوقف مع عمارته بخير منه روايتان (¬6). - (ومنها): لو مات رب المال وهو في يد المضارب أو شريك العنان، وأراد الوارث تقريره، وأذن له في التصرف؛ جاز، وهل هو ابتداء عقد أو استدامة؟ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) في المطبوع: "بلا". (¬3) في المطبوع: "الآنية". (¬4) أشار إليها ابن عقيل؛ كما سيأتي قريبًا. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) ذكر ابن رجب في كتاب "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 170 - 171) مضمون مناظرة دارت بين ابن عقيل وأبي سعد المخرّمي في مسألة بيع الوقف إذا خرب وتعطل، وفيها قول ابن عقيل: "وأما تفريقه بجواز الإبدال في الأضحية بأنفع منها دون الوقف؛ فيقال: والوقف فيه رواية أخرى عن أحمد: بجواز الإبدال؛ كالأضحية، فلمن نصر هذا القول أن ينتصر لهذه الرواية؛ فلا يبقى بينهما فرق، واللَّه أعلم".

على وجهين ذكرهما في "التلخيص" وغيره، وأشار إليهما القاضي وابن عقيل؛ فإن (¬1) كان المال عرضًا، وقلنا: يصح القراض على العرض (¬2)، فلا كلام، وإن قلنا: لا يصح؛ فخرجها (¬3) القاضي على وجهين، قال في "التلخيص": إن قلنا: هو ابتداء؛ فلا يصح، وإن قلنا: تقرير؛ جاز لأنه عرض هو اشتراه وجنس رأس المال قد تعين من قبل؛ فيرجع (¬4) إليه، بخلاف الابتداء، وأما (¬5) إذا مات العامل وأراد المالك تقرير وارثه، وكان المال عرضًا؛ فهو كالابتداء وجهًا واحدًا، قاله القاضي والأكثرون، وفرقوا بين موت رب المال وموت العامل بأن رب المال ترك للوارث أصلًا يبني عليه، وهو المال؛ فلذلك صح بناء العقد عليه، بخلاف العامل؛ فإنه لم [يكن منه] (¬6) سوى العمل، وقد زال بموته؛ فلم يخلف لوارثه أصلًا يبني عليه. - (منها): لو كاتبه على عوض فأداه، [فبان معيبًا] (¬7) فرده؛ فهل يستحق بدله ولا يرتفع العتق، أم يرتفع العتق برده؟ على وجهين، وبناه بعضهم على أن الملك هل حصل بالقبض أم يقف على الرضى؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بأن". (¬2) في (ب): "العوض". (¬3) في المطبوع: "فخرجهما". (¬4) في المطبوع: "فرجع"، وفي (أ): "يوضع". (¬5) في المطبوع: "أما". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "يلزمه". (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فوجده نسيبًا".

- (ومنها): لو اعتاض عن دين الكتابة بغير جنسه؛ فهل يعتق المكاتب؟ على وجهين. - (ومنها): أن العوض هل يقوم مقام المعوض في البر والحنث أم لا؟ على وجهين. * * *

144 - القاعدة الرابعة والأربعون بعد المئة فيما يقوم فيه الورثة مقام موروثهم من الحقوق

(القاعدة الرابعة والأربعون بعد المئة) فيما يقوم فيه الورثة مقام موروثهم من الحقوق. وهي نوعان: حق له، وحق عليه. فأما النوع الأول؛ فما كان من حقوقه يجب بموته؛ كالدية والقصاص في النفس؛ فلا ريب في أن لهم استيفاءه، وسواء (¬1) قلنا: إنه ثابت لهم ابتداءً أو منتقل إليهم عن موروثهم ولا تؤثر (¬2) مطالبة المقتول بذلك شيئًا على المعروف من المذهب، ومال الشيخ تقي الدين إلى أن مطالبته بالقصاص توجب تحتمه؛ فلا (¬3) يتمكنون بعدها من العفو، وما (¬4) كان واجبًا له في حياته إن كان قد طالب به أو هو في يده؛ ثبت لهم إرثه (¬5). - (فمنه): الشفعة إذا طالب بها، نص عليه أحمد في أكثر الروايات، وتوقف في "رواية ابن القاسم" وقال: هو موضع نظر. - (ومنه): حد القذف، ونص عليه أيضًا، ويستوفيه الوارث (¬6) لنفسه ¬

_ (¬1) في (ب): "سواء" ودون واو. (¬2) في المطبوع: "فلا يؤثر". (¬3) في (ج): "ولا". (¬4) في (ج): "ما" من غير واو. (¬5) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 219). (¬6) في (ج): "ويستوفيه منه الوارث".

بحكم الإرث عند القاضي، وقال ابن عقيل فيما قرأته بخطه: إنما يستوفي للميت بمطالبته [به] (¬1) ولا ينتقل، وكذا الشفعة [فيه] (¬2)، فإن ملك الوارث وإن كان طارئًا على البيع؛ إلا أنه مبني على ملك موروثه. - (ومنه): خيار الشرط، ونص عليه [أحمد] (¬3) أيضًا. - (ومنه): الدم، نص عليه [أحمد] (3) في "رواية محمد بن موسى"، والمراد به ما دون النفس إذا وجب (¬4) له في حياته، ثم مات من غير سرايته بعد طلبه. - (ومنه): خيار الرجوع في الهبة إذا طالب به، ذكره القاضي في "خلافه". - (ومنه): الأرض الخراجية التي بيده؛ لأن هذا حق قد [أخذ به] (¬5) وحازه، وكذلك الموات المتحجر وحقوق الاختصاصات التي تحت يده كلها. - (ومنه): حصة المضارب من الربح إذا قلنا: لا تملك بالظهور؛ فإن اشتراطه لها في العقد مع عمله في المال لأجلها أبلغ من المطالبة باللفظ، وهذا بخلاف الغانم [إن] (¬6) سلمناه (¬7) على قولنا: لا يملك حصته ¬

_ (¬1) في المطبوع: "منه". (¬2) ما بين المعقوفتين ليس في (ب)، وغير واضحة في (أ). (¬3) ما بين المعقوفتين تفرد بها المطبوع. (¬4) في (ج): "وجبت". (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أحدثه". (¬6) في (ج): "إذا". (¬7) في (ب): "سلمنا".

بدون التملك؛ فإنه لم يجاهد للغنيمة، وإنما جاهد لإِعلاء كلمة اللَّه [تعالى] (¬1) والغنيمة تابعة، وأما إن لم يكن طالب (¬2) به؛ فهو ضربان: أحدهما: حقوق التملكات والحقوق التي ليست مالية (¬3)؛ كالقصاص وحد القذف؛ ففيه قولان في المذهب، أشهرهما أنه لا يورث، ويندرج في ذلك صور: - (منها): الشفعة؛ فلا تورث [بدون] (¬4) مطالبته على المذهب، وله مأخذان أشار إليهما أحمد: أحدهما: إنه حق له؛ فلا يثبت بدون مطالبته به، ولو علمت رغبته من غير مطالبة؛ لكفى في الإِرث، ذكره القاضي في "خلافه". والثاني: إن حقه فيها سقط بتركه وإعراضه، لا سيما على قولنا: إنها على الفور؛ فعلى هذا لو كان غائبًا؛ فلهم المطالبة، وليس لهم ذلك على الأول. ونقل عنه أبو الحارث (¬5): إذا مات صاحب الشفعة؛ فلولده أن يطلبوا الشفعة، تورث (¬6)، وظاهر هذا أن لهم المطالبة بها بكل حال؛ فإنه صرح ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين تفرد بها المطبوع. (¬2) في المطبوع: "يطالب". (¬3) في المطبوع: "بمالية". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "أبو طالب". (¬6) في المطبوع: "تورثه".

بنفي إرثها في "رواية مهنأ" وغيره؛ فقد (¬1) وقع التردد في كلامه في ثبوت الإِرث فيها. - (ومنها): حق الفسخ بخيار الشرط؛ فلا يورث بغير مطالبة (¬2)، نص عليه أيضًا. وخرج أبو الخطاب وغيره وجهًا آخر: بإرثه مطلقًا. - (ومنها): الفسخ الثابت بالرجوع في الهبة؛ فلا يثبت بدون المطالبة أيضًا، صرح به القاضي، وظاهر كلام أبي الخطاب تخريج الخلاف فيه. وعن أحمد في الهبة المخصص بها بعض الولد: إذا مات الواهب قبل التعديل والرجوع؛ هل للورثة الرجوع أم لا؟ روايتان مأخذهما (¬3) أن رجوع الوالد في هذه الهبة هل هو من باب الرجوع في الهبة الثابت (¬4) للوالد دون غيره فلا يقوم غيره فيه مقامه، أو هو ثابت لاستدراك الظلم والجور؟ وعلى هذا فهل (¬5) هو مأمور به لحق نفسه حيث ظلم واعتدى فأمر بالتعديل فإذا لم يفعله سقط، أو هو مأمور به لحق بقية الأولاد المظلومين فيثبت (¬6) لهم الرد إذا تعذر الرد من جهته؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وقد". (¬2) في المطبوع: "فلا تورث بغير مطالبة"، وفي (ب): "فلا يورث بغير مطالبته". (¬3) في المطبوع: و (ج): "ومأخذهما". (¬4) في المطبوع: "الثابتة". (¬5) في المطبوع: "هل". (¬6) في المطبوع: "فيثبت"!

- (ومنها): حد القذف؛ فلا يورث بدون المطالبة أيضًا، نص عليه، وخرج أبو الخطاب فيه وجهًا بالإِرث [مطلقًا] (¬1). - (ومنها): القصاص فيما دون النفس، وظاهر كلام أحمد كما قدمناه: إنه يسقط بدون الطلب، وظاهر كلام القاضي والأكثرين أنه يستوفى، وعللوا بأنه يسقط إلى مال؛ فهو كخيار الرد بالعيب. - (ومنها): خيار قبول الوصية، والمنصوص (¬2) عن أحمد: إن الوصية تبطل بموت الموصى له قبل وصولها إليه، كذلك نقله عنه ابن منصور وغيره، وهو اختيار القاضي والأكثرين إذا مات قبل القبول، وقال الخرقي: يثبت الخيار بين القبول والرد لورثة الموصى له؛ لأن الوصية لزمت بموت الموصي؛ فهي كالمملوكة (¬3). ونقل صالح (¬4) عن أبيه: إذا أوصى لقرابته أو أهل بيته، ثم مات بعضهم بعد الميت وقبل القسمة؛ قد وجبت الوصية لكل من أوصى له إذا ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "والمطالبة". (¬2) كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج): "فالمنصوص"، وفي المطبوع: "المنصوص". (¬3) انظر: "مختصر الخرقي" (6/ 69/ 4621 - مع "المغني"). (¬4) قال في "مسائله" (2/ 277 - 278/ 885): "قلت: الرجل يوصي لأهل بيته أو لقرابته أو لجنسه، من هم؟ فإن مات بعضهم بعد الميت قبل أن تقسم الوصية؛ أيكون له وصية؟ قال: أما القرابة؛ فلا يجاز بهم أربعة آباء؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسم لسهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب، ولم يعد به هؤلاء، وقد وجب لكل من أوصى له إذا كان حيًّا يوم يوصي له". وانظر في المسألة: "المحرر" (1/ 384)، و"المبدع" (6/ 20 - 21)، و"الإنصاف" (7/ 205 - 206).

كان حيًّا يوم أوصى له. قال الشيخ مجد الدين: وهذا نص لما قال الخرقي، وليس بنص فيه؛ لاحتمال أن يكون أثبت ملكًا بمجرد الموت من غير قبول أو بالقبول؛ فليس في النص ما ينفيه صريحًا، ورواية ابن منصور بالبطلان لم يتعرض فيها للقبول بل للقبض. الضرب الثاني: حقوق أملاك ثابتة متعلقة بالأموال (¬1) الموروثة؛ فتنتقل (¬2) إلى الورثة بانتقال الأموال المتعلقة بها بدون المطالبة، بخلاف الضرب الأول؛ فإن الحقوق فيه من حقوق المالكين لا من حقوق الأملاك، ولهذا لا تجب الشفعة عندنا لكافر على مسلم؛ لأنه ليس من أهل الاستحقاق على المسلم. - (ومن صور ذلك): الرهن، فإذا مات وله دين (¬3) برهن؛ انتقل برهنه إلى الورثة. - (ومنها): الكفيل، وهو كالرهن؛ لأنه توثقة؛ فهو كالشهادة، وعلله القاضي بأنه يستوفي منه المال؛ فهو كالرهن؛ فالضابط (¬4) عنده أن ما فيه مال ينتقل إلى الورثة، وما لا؛ فلا. - (ومنها): الضمان، فإذا مات وله ديْن به ضامن؛ انتقل إلى الورثة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بالأملاك". (¬2) في المطبوع و (ج): "فينتقل". (¬3) في (ج): "وله على مسلم دين". (¬4) في المطبوع: "والضابط".

مضمونًا، بخلاف ما إذا أحال به رب الدين في حياته؛ فإنه ينفسخ الضمان بالحوالة، نص أحمد عليه في "رواية مهنأ"؛ لأن الأجنبي ليس بخليفة لرب الدَّيْن؛ فلا ينتقل إليه بحقوقه، بخلاف الوارث. - (ومنها): الأجل؛ فلا يحل الدين المؤجل إذا وثقه (¬1) الورثة برهن أو كفيل في أشهر الروايتين. - (ومنها): الرد بالعيب، وقد (¬2) تردد القاضي في "خلافه": هل هو ثابت للورثة ابتداءً أو بطريق الإِرث؟ والمشهور أنه إرث؛ لأن الرد إنما يثبت لمن كان العقد له، والخيار الثابت بفوات الصفة المشترطة (¬3) في العقد مثله، ذكره القاضي أيضًا معللًا بأنه يستحق فيه الأرش، وذكر القاضي في كتاب "التخريج": إن من باع سلعة إلى أجل، ثم مات المشتري، فاشتراها البائع من وارثه بأقل من الثمن؛ لم يجز لأن الوارث يملكها على حكم [ملك] (¬4) الميت، بدليل أنه يردها على بائعها بالعيب؛ فصار الشراء منه كالشراء من الموروث (5)، وهذا غريب، وهو يشبه الوجه الذي حكاه ابن عقيل في بناء الوارث على حول الموروث (¬5) في الزكاة. النوع الثاني: الحقوق التي على (¬6) الموروث، فإن كانت لازمة؛ قام ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إذا أوثقه". (¬2) في (ب): "فقد". (¬3) في المطبوع: "المشروطة". (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬5) في المطبوع: "المورث". (¬6) في المطبوع: "التي هي على".

الوارث مقامه في إيفائها، وإن كانت جائز، فإن بطلت بالموت؛ فلا كلام، وإن لم تبطل؛ فالوارث (¬1) قائم مقامه في إمضائها وردها، ويتخرج على ذلك مسائل: - (ومنها): إذا مات وعليه ديون أو وصى بوصايا؛ فللورثة تنفيذها إذا لم يعين وصيًّا. - (ومنها): إذا مات وعليه عبادة واجبة تفعل عنه بعد موته؛ كالحج والمنذورات؛ فإن الورثة يفعلونها عنه، ويجب عليهم ذلك (¬2) إن كان له مال، وإلا، فلا، ولو فعلها عنه أجنبي بدون إذنهم؛ ففي الإجزاء وجهان، وكذلك الكفارات الواجبة بالمال، قال في "المغني": إن أعتق فيها الأجنبي؛ لم يصح، وإن أعتق الوارث؛ صح لأنه قائم مقام الموروث في ماله وأداء واجباته (¬3). وفي "البلغة" (¬4): إن كان له مال؛ صح عتقه عنه، وإن لم يكن له ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تبطل بالموت؛ فالوارث". (¬2) في المطبوع: "بذلك". (¬3) انظر: "المغني" (10/ 11 - 12/ 8036). وانظر: (12/ 42 - 43 - هجر). (¬4) لم ينقل المصنف منه الا هنا، ولم يصرِّح باسم مؤلفه ها، وذكر في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 188) في ترجمة (الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم الرّبعي الزبيدي الأصل البغدادي) (ت 631 هـ): أنه "صنف تصانيف، منها: "البلغة في الفقه". . . "، وقال عنه: "كان فقيهًا، فاضلًا، دينًا، خيرًا، حسن الأخلاق، متواضعًا". وذكر ابن رجب أيضًا في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 359) في ترجمة (أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي الحازمي) (ت 711 هـ): أنه اختصر "الكافي" في مجلد =

مال؛ لم يصح عتقه عنه، وصَحَّ (¬1) إطعامه عنه، وأما الأجنبي؛ فلا يصح عتقه عنه، وفي صحة إطعامه عنه وجهان، ولو مات من أوجب أضحية قبل ذبحها؛ فالوارث يقوم مقامه في الذبح. (تنبيه): كثير من الأصحاب يطلق ذكر الوارث [هنا] (¬2)، وقال ابن عقيل وغيره: الأقرب (¬3) فالأقرب، وكذلك قال الخرقي: هو الوارث من العصبة (¬4)، فأما الوارث بالشفعة؛ فيدخل فيه العصبات وذوو الفروض والرحم، وأما الوارث لحد القذف؛ فكذلك على المنصوص، وقيل: يختص بالعصبة، وقيل: بمن عدا الزوجين من الورثة. - (ومنها): إذا مات الراهن قبل إقباض الرهن الذي لا يلزم (¬5) بدون قبض؛ فوارثه قائم مقامه في اختيار التقبيض والامتناع، ذكره الأصحاب ¬

_ = سماه "البلغة"، وصحف ابن الجوزي أيضًا "البلغة في الفقه" مجلد. انظر: "مؤلفات ابن الجوزي" (ص 101) للعلوجي. ثم ظفرتُ بـ "البلغة في الفقه على مذهب أحمد" لفخر الدين الخضر بن محمد بن تيمية، من كتب الشيخ خلف بن دحيان، وهي الآن في مكتبة وزارة الأوقاف بالكويت، وهو كتاب بديع في ترتيبه وتقسيمه، ولم أظفر بالنص المذكور فيه، ثم رأيته مطبوعًا. (¬1) في المطبوع: "ويصح". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "هو الأقرب". (¬4) انظر: "مختصره" (12/ 39/ 1466 - ط هجر) مع "المغني". (¬5) في المطبوع: "لا يلزمه".

وقالوا (¬1): وهو ظاهر كلام أحمد في "رواية ابن منصور" (¬2) وأبي طالب؛ لأنه عقد يؤول إلى اللزوم؛ فلا يبطل في الموت؛ كالمبيع (¬3) في مدة الخيار، بخلاف الشركة والمضاربة، مع أن في المضاربة خلافًا سبق. - (ومنها): إذا مات الواهب قبل لزوم الهبة بالقبض؛ ففيه وجهان: أحدهما: يقوم وارثه مقاصه في ذلك؛ كالرهن، قاله أبو الخطاب. والثاني: يبطل، وهو المنصوص في "رواية ابن منصور"، واختيار ابن أبي موسى، وقاله القاضي وابن عقيل في الهبة في الصحة، وأما الهبة (¬4) في المرض إذا مات قبل إقباضها؛ فجعلا الورثة فيها بالخيار لشبهها بالوصية. * * * ¬

_ (¬1) في (ب): "قالوا". (¬2) انظر: "مسانل ابن منصور" (ص 523/ رقم 523). (¬3) في المطبوع و (ج): "كالبيع". (¬4) في المطبوع و (ج): "وأما العطية".

145 - القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئة المعتدة البائن في حكم الزوجات

(القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئة) المعتدة البائن في حكم الزوجات. في مسائل: - (منها): ان المبتوتة في مرض الموت ترث في العدة دون ما بعدها على إحدى الروايتين؛ لأن الطلاق مانع من الإِرث، فلما قصد به الفرار من الحق المنعقد سببه؛ ضعف منعه، فلم يعمل في المنع ما دامت علق الزوجية باقية (¬1). (ومنها): تحريم نكاح الأخت في عدة أختها البائن، والخامسة في عدة الرابعة؛ تنزيلًا لحالة العدة منزلة حالة النكاح. - (ومنها): أن العدتين من رجلين لا يتداخلان، فإذا وطئت البائن بشبهة في عدتها؛ أتمت عدة الأول، واستأنفت العدة للثاني على المذهب؛ فلا تكون محبوسة على رجلين في عدة واحدة، كما لا تحبس (¬2) عليهما في نكاح واحد، وإن كان الواطئ بشبهة هو الزوج؛ تداخلت العدتان؛ لأنهما من رجل واحد، إلا أن تحمل من أحد الوطئين؛ ففي التداخل وجهان لكون العدتين من جنسين. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "قائمة". (¬2) في المطبوع: "كما لا يحبس"، وفي (أ) بدون تنقيط الأول من "يحبس".

وذكر أبو بكر فيما إذا وطئت زوجة الطفل، ثم مات عنها، ثم وضعت قبل تمام عدة الوفاة: إنها لا تحل له حتى تكمل عدة الوفاة. قال الشيخ مجد الدين: وظاهر هذا تداخل العدتين. - (ومنها): لو طلق المدخول بها طلاقًا بائنًا، ثم نكحها في العدة، ثم طلقها قبل الدخول؛ ففيها طريقان: أحدهما: إنها على (¬1) الروايتين في الرجعية إذا روجعت [ثم] (¬2) طلقت في العدة قبل الإصابة؛ هل تبني أو تستأنف؟ وهو المذكور في "المجرد" و"الفصول" و"المحرر" (¬3). والثاني: تبني هنا رواية واحدة، وهو ما في "تعليق القاضي" و"عمد الأدلة"؛ لانقطاع النكاح الثاني عن الأول بالبينونة، بخلاف الرجعية. - (ومنها): لو مات مسلم وزوجته ذمية، فأسلمت في العدة قبل قسمة ميراثه (¬4)؛ فنص أحمد في "رواية البرزاطي": على أنها ترث ما لم تنقض عدتها، وعلى هذا، فلو أسلمت المرأة أولًا ثم ماتت في مدة العدة؛ لم يرثها زوجها الكافر ولو أسلم قبل القسمة؛ لانقطاع علق الزوجية عنه بموتها. وحكى القاضي عن أبي بكر: إن الزوجين لا يتوارثان بالإِسلام قبل القسمة بحال. قال: وظاهر كلام الأصحاب خلافه، وأنه لا فرق في ذلك ¬

_ (¬1) في (ب): "أنها هي على". (¬2) في المطبوع: "أو". (¬3) انظر: "المحرر" (2/ 107). (¬4) في المطبوع و (ج): "الميراث".

بين الزوجين وغيرهما؛ كما يرث الزوجان من الدية، سواء قيل بحدوثها على ملكهم أو [على] (¬1) ملك الموروث. ولم يذكر القاضي المنصوص عن أحمد. وأما نفقة البائن، فإن كانت بفسخ أو طلاق؛ فلها السكنى والنفقة مع الحمل، وإلا؛ فلا، هذا ظاهر المذهب؛ لأن النفقة في مقابلة التمكن (¬2) من الاستمتاع، ولهذا لم يجب قبل التسليم ولا مع النشوز، وعنه لها السكنى خاصة إذا لم تكن حاملًا، وعنه لها النفقة والسكنى، حكاها ابن الزاغوني وغيره [مطلقًا، وقيل: هي كالزوجة، يجوز لها الخروج والتحول بإذن الزوج مطلقًا] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع: "التمكين". (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

146 - القاعدة السادسة والأربعون بعد المئة تفارق المطلقة الرجعية الزوجات

(القاعدة السادسة والأربعون بعد المئة) تفارق المطلقة الرجعية الزوجات. في صور: - (منها): إن في إباحتها في مدة العدة روايتين، وعلى رواية التحريم؛ فهل يجب لها المهر بالوطء؟ على وجهين. - (ومنها): إن طلاقها في مدة العدة طلاق بدعة على أصح الروايتين. -[(ومنها): هل يصح اختيارها لزوجها إذا أعتقت تحت عبد؟ على وجهين] (¬1). - (ومنها): إن الإيلاء منها هل يصح (¬2)؟ على روايتين. - (ومنها): لو نكحت المطلقة ثلاثًا زوجًا آخر، فخلى بها ثم طلقها، وقلنا: تجب عليها العدة بالخلوة وثبتت الرجعة، وهو المذهب (¬3)، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب) و (ج) مذكور بعد الصورة التي تليه. (¬2) في المطبوع: "يصح منها". (¬3) في المطبوع و (ج): "وهو ظاهر المذهب".

ثم وطئها في مدة العدة؛ فهل يحل لزوجها الأول؟ على وجهين (¬1) حكاهما صاحب "الترغيب". - (ومنها): إذا علقت الرجعية في مدة العدة بولد؛ فهل تلحق بمطلقها أم لا؟ على روايتين. - (ومنها): إن المعتدة من أجنبي من طفلها؛ هل تعود إلى حضانته في مدة الرجعة، أم لا تعود حتى تنقضي عدتها؟ على وجهين. - (ومنها): لو مات زوج الرجعية؛ فهل تنتقل إلى عدة الوفاة أو تعتد بأطولهما؟ على روايتين. - (ومنها): إن الرجعية يجب عليها لزوم منزلها لحق اللَّه [عز وجل] (¬2)؛ كالمتوفى عنها، نص عليه أحمد في "رواية أبي داود" (¬3)، وذكره القاضي في "خلافه" وصاحب "المحرر" (¬4)، وقيل: هي كالزوجة، يجوز لها الخروج والتحول بإذن الزوج مطلقًا. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "على روايتين". (¬2) في المطبوع و (ج): "تعالى". (¬3) في "مسائل أبي داود" (ص 184)؛ قال: "سمعت أحمد قال: إذا طلق امرأته طلاقًا يملك الرجعة؛ فلا يخرجها من البيت الذي طلقها فيه؛ إلا أن تصيب حدًّا، فتخرج، فيقام عليها". (¬4) انظر: "المحرر" (2/ 108).

147 - القاعدة السابعة والأربعون بعد المئة أحكام النساء على النصف من أحكام الرجال

(القاعدة السابعة والأربعون بعد المئة) أحكام النساء على النصف من أحكام الرجال. في مواضع: - (منها): الميراث. - (ومنها): الدية. - (ومنها): العقيقة: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة. - (ومنها): الشهادة. - (ومنها): العتق؛ فيعدل عتق امرأتين بعتق رجل في الفكاك من النار؛ كما دل عليه الحديث (¬1)، وحكى ابن أبي موسى في المسألة ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "سننه" (كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل، 4/ رقم 3967)، والنسائي في "الكبرى" (3/ رقم 4883)، والطيالسي في "المسند" (رقم 1198)، وأحمد في "المسند" (4/ 235)، والطحاوي في "المشكل" (2/ رقم 726)، وعبد بن حميد فى "المنتخب" (رقم 372)، والطبراني في "الكبير" (20/ رقم 755 و 756)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 372)؛ عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السّمط؛ أنه قال لكعب بن مرة أو مرة بن كعب البهزي: حدّثنا حديثًا سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكر: "وأيُّما رجل أعتق امرأتين مسلمتين إلا كانتا فكاكه من النار، يُجزئ مكان كل عظمين منهما عظم من عظامه". لفظ أبي داود. وتابع شعبة الأعمش عند: أحمد في "المسند" (4/ 235 - 236)، وابن ماجة في =

روايتين: إحداهما: كذلك. والثانية -وجعلها المذهب-: إن عتق العبد والأمة في ذلك سواء. ¬

_ = "السنن" (رقم 2522)، والطحاوي في "المشكل" (2/ رقم 725)، وقال أبو داود: "سالم لم يسمع من شرحبيل، مات شرحبيل بصفّين". قلت: فإسناده ضعيف؛ لانقطاعه؛ إلا أن الحديث صحيح بشواهده. أخرج الترمذي في "جامعه" (أبواب النذور والإيمان، 4/ رقم 1547) عن عمران ابن عيينة، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أيما امرئ مسلم اعتق امرأً مسلمًا؛ كان فكاكه من النار، يُجزئ كلُّ عضوٍ مه عضوًا منه، وأيُّما امرئ مسلمٍ أعتق امرأتين مسلمتين؛ كانتا فكاكهُ من النار، يُجزئ كلُّ عضوٍ منهما عضوًا منه". قال الترمذي عقبه: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"، وقال: "وفي الحديث ما يدل على أن عتق الذكور للرجال أفضل من عتق الإناث"، وقال: "الحديث صح في طرقه". قلت: إسناد الترمذي حسن، عمران فيه كلام من قبل حفظه. وله شاهد ثالث عن شرحبيل بن حسنة عند الطحاوي في "المشكل" (2/ رقم 732)، وسنده صحيح، إلا أن فيه أبا قلابة، وقد عنعن، وهو مدلس. فالحديث صحيح بمجموع طرقه إن شاء اللَّه تعالى. قال الطحاوي في "المشكل" (2/ 200 - ط الرسالة) عقب الأحاديث: "عقلنا بذلك أنه عليه السلام بما ذكره في الآثار الأول أراد من المعتقين التكافؤ في ذلك، وأن يكون المعتقُ إنْ كان ذكرًا الذي يَفُكّ به نفسه من النار ذكرًا مسلمًا أو أنثيين ملسمتين، وأنَّ المعتق إنْ كان أنثى كان الذي يفك به نفسها من النار أنثى مسلمة، وأنّ ذلك كله لم يجعل إلا في الرقاب المؤمنات دون من سواهنّ من الرِّقاب الكافرات، وباللَّه التوفيق".

- (ومنها): عطية الأولاد في الحياة، فإن المشروع عندنا أن يكون (¬1) على سبيل الميراث، خلافًا لابن عقيل. - (ومنها): الصلاة، فإن المرأة تسقط عنها الصلاة أيام الحيض، وأكثر الحيض على ظاهر المذهب خمسة عشر يومًا، وهو نصف الشهر (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "تكون". (¬2) والصواب أنه لا حدّ لأكثره. وانظر في المسألة: "مسائل عبد اللَّه" (رقم 169)، و"مسائل أبي داود" (ص 22)، و"مسائل ابن هانئ" (1/ 30/ رقم 148)، و"مسائل صالح" (1/ 451/ رقم 459، 460)، و"الهداية" (1/ 23)، و"الإفصاح" (1/ 96)، و"المحرر" (1/ 24)، و"الكافي" (1/ 94)، و"التحقيق" (1/ 262)، و"سنن الخرقي" (ص 15 أو 20 - ط أخرى)، وشروحه: "المغني" (1/ 308)، و"الواضح" (1/ ق 23/ أ)، و"المقنع" (1/ 279)، و"شرح الزركشي" (1/ 407)، و"المقنع" (1/ 89)، وشرحه "المبدع" (1/ 269)، و"الإنصاف" (1/ 358)، و"شرح منتهى الإرادات" (1/ 108)، و"كشاف القناع" (1/ 233)، و"مطالب أولي النهى" (1/ 248)، وذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 241)؛ فقال: "وقال أحمد بن حبل: أقصى ما سمعنا: سبعة عشر يومًا". وانظر تفصيل الأقوال وأدلتها، وبيان الراجح من المرجوح في: تعليقي على "الخلافيات" للبيهقي (3/ مسألة رقم 48).

148 - القاعدة الثامنة والأربعون بعد المئة من أدلى بوارث وقام مقامه في استحقاق إرثه؛ سقط به، وإن أدلى به ولم يرث ميراثه؛ لم يسقط به

(القاعدة الثامنة والأربعون بعد المئة) من أدلى بوارث وقام مقامه في استحقاق إرثه؛ سقط به، وإن أدلى به ولم يرث ميراثه؛ لم يسقط به. ويتخرج على ذلك مسألتان: إحداهما: ولد الأم يدلون بالأم ويرثون معها؛ لأنهم يرثون بالأخوة لا بالأمومة. والثانية: الجدة أم الأب ترث مع [ابنها] (¬1) الأب على ظاهر المذهب؛ لأنها ترث ميراث جدة لا ميراث جد. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

149 - القاعدة التاسعة والأربعون بعد المئة الحق الثابت لمعين يخالف الثابت لغير معين

(القاعدة التاسعة والأربعون بعد المئة) الحق الثابت لمعين يخالف الثابت لغير معين. في أحكام: - (منها): من له وارث معين ليى له أن يوصي بأكثر من ثلثه، ومن لا وارث له من [ذي] (¬1) فرض ولا عصبة ولا رحم؛ هل له أن يوصي بماله كله [أم لا] (¬2)؟. على روايتين؛ فمن الأصحاب من بناهما على هذه القاعدة، ومنهم من بناهما على أن بيت المال؛ هل هو عصبة وارث أم لا؟ ويتعلق بهذا إذا أقر الإمام بنسب من لا [يعلم] (¬3) له وارث معين، قال القاضي وابن عقيل: يثبت نسبه؛ لأن المال للمسلمين والإمام نائبهم، وهذا كأنه تفريع على القول بتوريث بيت المال، ويتوجه مثل ذلك في إجازة الإمام وصية من وصى بكل ماله، وقلنا: لا تجوز (¬4) له الزيادة على الثلث. ¬

_ (¬1) في (ج): "جهة". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج) والمطبوع فقط. (¬3) في (ج): "يعرف". (¬4) في المطبوع: "لا يجوز"، وفي (أ) بدون تنقيط.

وذكر الأصحاب: إن من قتل ولا وارث له؛ فللإمام العفو عن قاتله إلى الدية، وليس له العفو مجانًا؛ لأنه كتوريث القاتل، وهل له أن يقتص؟ على وجهين قد سبق ذكر مأخذهما. - (ومنها): الأموال التي يجهل ربها يجوز التصدق بها (¬1)، بخلاف [ما] (¬2) علم ربها، وقد سبق من ذلك صور عديدة. - (ومنها): إذا مات من لا وارث له وله (¬3) دين [مؤجل] (¬4)؛ فهل يحل؟ قال القاضي في "المجرد" وابن عقيل (¬5) وصاحب "المغني": يحل؛ لأن الأجل (¬6) يستحقه الوارث، وقد عدم هنا (¬7). وذكر (¬8) القاضي في "خلافه" احتمالين؛ لأن له وارثًا، لكنه غير معين، وقد يتخرج على هذا ما إذا مات المستأجر (¬9) ولا وارث له؛ هل تنفسخ الإجارة [أم] (¬10) لا؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "منها". (¬2) في (ب): "من". (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "وعليه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) في المطبوع: "وابن عقيل في المجرد" بتقديم وتأخير. (¬6) في المطبوع: "الأصل". (¬7) انظر: "المغني" (4/ 282/ 3444). (¬8) في (ج): "وقد ذكر". (¬9) في (أ): "المؤجر". (¬10) في المطبوع و (ب) و (ج): "أو".

فإن أحمد نص فيمن اكترى بعيرًا ليحج عليه فمات في بعض الطريق، فإن عاد البعير خاليًا؛ فعليه بقدر ما وجب له، ووجهه صاحب "المغني" (¬1) وغيره بأنه (¬2) تعذر انتفاعه في بقية المدة، وليس له وارث يستوفي المنفعة؛ فانفسخت الإجارة بذلك. وصرح الأصحاب بأن الإمام يأخذ بالشفعة إذا مات من لا وارث له بعد المطالبة بها، وفي "عمد الأدلة" لابن عقيل: إن حد القذف كذلك في قياس المذهب. - (ومنها): إن المال المستحق لغير معين؛ كالزكاة لا يقف (¬3) أداؤه على مطالبتهم ولا على مطالبة وكيلهم، وهو الإمام، ولهذا لا تسقط الزكاة عندنا بتلف النصاب قبل التمكن من الأداء، بخلاف المستحق لمعين؛ فإنه لا يجب الأداء إليه بدون مطالبة. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (5/ 271/ 4201). (¬2) في (ب): "لأنه"، وفي المطبوع: "غيره بأنه". (¬3) في المطبوع: "لا تقف"، وفي (أ) بدون تنقيط.

150 - القاعدة الخمسون بعد المئة تعتبر الأسباب في عقود التمليكات كما تعتبر في الأيمان

(القاعدة الخمسون بعد المئة) تعتبر الأسباب في عقود التمليكات كما تعتبر (¬1) في الأيمان. ويتخرج على هذا مسائل متعددة: - (منها): مسائل العينة. - (ومنها): هدية [المقترض قبل الوفاء] (¬2)؛ فإنه لا يجوز قبولها ممن لم [يجز] (¬3) منه عادة. - (ومنها): هدية المشركين لأمير الجيش؛ فإنه لا يختص بها على المذهب، بل هي غنيمة أو فيء على اختلاف الأصحاب. - (ومنها): هدايا العمال، قال أحمد في "رواية أبي طالب" في الهدايا التي تهدي للأمير فيعطى منها الرجل؛ قال: هذا الغلول. ومنع الأصحاب من قبول القاضي هدية من لم تجر العادة بهديته له قبل ولايته. - (ومنها): هبة المرأة زوجها صداقها إذا سألها ذلك؛ فإن سببها طلب استدامة النكاح، فإن طلقها؛ فلها الرجوع فيها، نص عليه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يعتبر"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬2) في المطبوع: "المقترض قبل الأداء"، وفي (أ): "المفترض قبل الوفاء". (¬3) في المطبوع: "يجر له".

[أحمد] (¬1) في "رواية عبد اللَّه" (¬2). - (ومنها): الهدية لمن يشفع له شفاعة (¬3) عند سلطان (¬4) ونحوه؛ فلا يجوز ذكره القاضي، وأوما إليه [أحمد] (¬5)؛ لأنها كالأجرة، والشفاعة من المصالح العامة؛ فلا يجوز أخذ الأجرة عليها، وفيه حديث صريح في "السنن" (¬6). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع. (¬2) انظر: "مسائل عبد اللَّه" (273/ 1365). (¬3) في المطبوع: "بشفاعة". (¬4) في المطبوع: "السلطان". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) أخرج أبو داود في "سننه" (كتاب البيوع، باب في الهدية لقضاء الحاجة، 3/ رقم 3541) عن عمر بن ربيعة، وأحمد في "المسند" (5/ 261) عن ابن لهيعة؛ كلاهما عن عبيد اللَّه بن أبي جعفر، بن خالد بن أبي عمران، عن القاسم، عن أبي أمامة؛ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من شفع لأحدٍ شفاعةً، فأهدي له هديةً، فقَبلها؛ فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا". عمر بن ريعة مقبول؛ أي: إذا توبع، وتابعه ابن لهيعة، وهو صدوق خلط بعد احتراق كتبه، وقد روى هذا الحديث على وجه آخر؛ فلعله خلط فيه. أخرجه الطبراني في "الكبير" (8/ رقم 7928) -ومن طريقه الشجري في "أماليه" (2/ 236) - عن أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، عن عبيد اللَّه بن زَحْر، عن خالد بن أبي عمران، به. وخالد بن أبي عمران هو التُّجيبي، أبو عمر قاضي إفريقية، فقيه صدوق. وعبد اللَّه بن زَحْر الضّمري الإفريقي صدوق يخطئ. وأخرجه الرُّوياني في "مسنده" (2/ رقم 1228)، والطبراني في "الكبير" (8/ رقم 7853) عن سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن عُبيد اللَّه بن زَحْر، عن علي بن =

ونص أحمد في "رواية صالح" فيمن عنده وديعة فأداها، فأهديت [له] (¬1) هدية: إنه لا يقبلها إلا بنية المكافأة (¬2)، وحكم الهدية عند أداء سائر ¬

_ = يزيد، عن القاسم، به. فذكر (علي بن يزيد) بدل (خالد بن أبي عمران). وعلي بن يزيد هو صاحب القاسم، وهو الألهاني، أبو عبد الملك الدِّمشقي، ضعيف، ولعل الحديث حديثه؛ فهو حينئذ ضعيف، واللَّه أعلم. (تنبيه): في عزو المصنف الحديث لأصحاب "السنن" نظر؛ فلم يعزه المزي في "التحفة" (4/ رقم 4902) والتبريزي في "المشكاة" (2/ رقم 3757)؛ إلا لأبي داود، وقال شيخنا الألباني عنه: "إسناده حسن"، وهو كذلك في "صحيح سنن أبي داود" (2/ رقم 3025). (¬1) في المطبوع: "إليه". (¬2) قال ابن رجب في كتاب "الذيل" (1/ 198): "وقد نص أحمد رضي اللَّه عنه. . . في الوديعة. . . أنه لا يجوز لمن ردها إلى صاحبها قبولُ هديته إلا بنية المكافأة" اهـ. قلت: وفي "مسائل صالح" (1/ 320/ 271): "وسألته عن قوله: "كل قرض جر منفعة؛ حرام" ما معناه؟ قال: مثل الرجل تكون له الدار، فيجيء الساكن، فيقول: أقرضني خمسين درهمًا حتى أسكن، فيقرضه ويسكن في داره، أو يكون يقرضه القرض، فيهدي له الهدية وقد كان قبل ذلك لا يهدي له، أو يقرضه القرض ويستعمله العمل الذي كان لا يستعمله قبل أن يقرضه؛ فيكون قرضه جر هذه المنفعة، وهذا باب من أبواب الربا، وذلك أنه يرجع بقرضه وقد ازداد منفعة". والمسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية؛ فقد نقل ابن المنذر الإجماع على تحريم ذلك، وأن أخذه الزيادة ربا، أما إذا لم يشترط، لكن المستسلف أهدى له هدية بعد الوفاء، أو قضى خيرًا منه؛ فلا بأس لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استسلف بكرًا، فرد خيرًا منه، وقال: "خيار الناس أحسنهم قضاءً". رواه مسلم، وإن فعله قبل الوفاء، لم يجز إلا أن تكون العادة جارية بينهما قبل القرض. =

الأمانات حكم الوديعة. - (ومنها): ما نص عليه أحمد في "رواية ابن ماهان" (¬1) فيمن اشترى لحمًا، ثم استزاد البائع، فزاده، ثم رد (¬2) اللحم بعيب؛ فالزيادة لصاحب اللحم لأنها أخذت بسب [العقد] (¬3)؛ فجعلها تابعة للعقد في الرد لأنها مأخوذة بسببه؛ وإن كانت غير لاحقة به. وتأولها القاضي على أنها إن كانت مأخوذة في المجلس فلحقت بالعقد، وخرج ابن عقيل منها رواية بلحوق الزيادة بعد لزوم العقد، [ولا حاجة] (¬4) إلى ذلك. - (ومنها): ما نقله (¬5) الأثرم عن أحمد في المولى يتزوج العربية يفرق بينهما، وإن (¬6) كان دفع إليها بعض المهر ولم يدخل بها؛ ترادوا (¬7)، وإن [كان] (¬8) أهدى هدية يردونها عليه. ¬

_ = انظر: "الإجماع" (120/ 511)، "الإشراف" (ق 141/ ب)، و"المغني" (4/ 354 - 356)، و"المبدع" (4/ 209 - 211)، و"صحيح مسلم" (كتاب المساقاة والمزارعة، باب جواز اقتراض الحيوان، 11/ 36 - مع "شرح النووي"). (¬1) في (ج): "ابن هانئ"، ولعل الصواب ما في المطبوع و (أ) و (ب). (¬2) في (ج): "ثم استرد". (¬3) في المطبوع: "اللحم". (¬4) في المطبوع: "والحاجة". (¬5) في المطبوع: "ما حكاه". (¬6) في المطبوع: "فإن". (¬7) في المطبوع: "يردوه"، وفي (ب): "تزاد". (¬8) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج).

قال القاضي في "الجامع": لأن [شاهد الحال يدل] (¬1) على أنه وهب له بشرط بقاء العقد، فإذا زال مَلَكَ الرجوع بها؛ كالهبة بشرط الثواب. انتهى. وهذا في الفرقة القهرية لفقد الكفاءة ونحوها ظاهر، وكذلك الفرقة الاختيارية المسقطة (¬2) للمهر، فأما الفسخ (¬3) المقرر للمهر أو نصفه؛ فتثبت معه الهدية، فأما إن كانت العطية لغير المتعاقدين بسبب (¬4) العقد؛ كأجرة الدلال ونحوها؛ ففي "النظريات" لابن عقيل: إن فسخ البيع بإقالة ونحوها؛ يقف (¬5) على التراضي؛ فلا يرد الأجرة، بيان فسخ بخيار أو عيب؛ ردت لأن البيع وقع مترددًا (¬6) بين اللزوم وعدمه. [انتهى] (¬7). وقياسه في النكاح أنه إن فسخ لفقد الكفاءة أو لعيبٍ (¬8)؛ ردت، وإن فسخ لردة أو رضاع أو مخالعة؛ لم ترد. * * * ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "في هذه الحالة تدل". (¬2) في المطبوع: "المقسطة"! (¬3) في المطبوع: "النسخ". (¬4) في المطبوع: "لسبب". (¬5) في المطبوع: "لم يقف". (¬6) في (أ): "مردودًا". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) في المطبوع: "العيب".

151 - القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة دلالة الأحوال تختلف بها دلالة الأقوال في قبول دعوى ما يوافقها ورد ما يخالفها، ويترتب عليها الأحكام بمجردها

(القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة) دلالة الأحوال تختلف (¬1) بها دلالة الأقوال في قبول دعوى ما يوافقها ورد ما يخالفها، ويترتب عليها الأحكام بمجردها. ويتخرج عليه مسائل: - (ومنها): كنايات الطلاق في حالة الغضب والخصومة لا يقبل دعوى إرادة غير الطلاق بها. - (ومنها): كنايات القذف وحكمها كذلك على الصحيح؛ حتى إن ابن عقيل جعلها مع دلالة الحال صرائح. - (ومنها): لو تلفظ الأسير بكلمة الكفر، ثم ادعى أنه كان مكرهًا (¬2)؛ فالقول قوله لأن الأسر دليل الإكراه والتقية. - (ومنها): لو أتى الكافر بالشهادتين على طريق الاستهزاء أو الحكاية (¬3)، وقال: لم (¬4) أرد الإسلام، [مع دلالة الحال على صدقه] (¬5)؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يختلف". (¬2) في المطبوع: "كرها". (¬3) في المطبوع: "والحكاية". (¬4) في المطبوع: "ولم". (¬5) ما بين المعقوفتين في (ج) مذكور بعد قوله الآتي: "فهل يقبل منه".

فهل يقبل منه؟ على روايتين حكاهما القاضي في "روايتيه"، ويتخرج عليهما: لو أقر بمال في هذه الحال، وأفتى جماعة بلزوم ما أقر به. - (ومنها): لو أقر المحبوس أو المضروب عدوانًا، ثم ادعى الإكراه؛ قُبِلَ قوله، نص عليه، ولو أحضر إلى سلطان فأقر، ثم ادعى أنه دهش ولم يعقل ما أقر به؛ لم يقبل. نص عليه أيضًا. ويتخرج قبوله إذا ظهرت منه (¬1) أمارة ذلك من تلجلجه في الكلام ورعدة ونحوها. - (ومنها): لو دخل حربي إلينا ومعه سلاح، فأدعى أنه جاء مستأمنًا؛ لم يقبل قوله، وإن لم يكن معه سلاح، قبل، نص عليه، وكذلك لو جاء بعض عسكرنا بحربي وادعى أنه أسره، وقال: بل أمَّنَني (¬2)؛ ففيه روايتان، وثالثة (¬3): أن القول قول من يدل الحال على صدقه لضعفه أو قوته. - (منها): لو جاء المكاتب سيده بتمام كتابته، فقبضها السيد ثم قال [له] (¬4): أنت حر، ثم بأن المال مستحقًا وقال السيد: إنما أردت الإخبار بعتقه بالأداء، ولم أرد تنجيز عتقه؛ فالقول قوله، ذكره القاضي في ¬

_ (¬1) في (ج): "منها". (¬2) في المطبوع: "أمتني". (¬3) في المطبوع: "وثالثها". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

"المجرد" (¬1) وابن عقيل، وقد نص أحمد في "رواية المروذي" في رجل قال (¬2) لامرأته: إن خرجت؛ فأنت طالق. فاستعارت امرأة ثيابها، فلبستها، فأبصرها (¬3) زوجها حين خرجت من الباب؛ فقال: قد فعلت! أنت طالق؛ قال (¬4): يقع طلاقه على امرأته. فنص على وقوع طلاقه [على امرأته] (¬5)، مع أن الظاهر أنه أراد الإخبار بوقوع طلاقها المحلوف به على خروجها، ولم يدينه (¬6) في ذلك. وأيضًا؛ فلو قيل: إنه قصد إنشاء الطلاق؛ [فإنما] (¬7) أوقعه عليها بخروجها الذي منعها منه، ولم يكن موجودًا، وهذا يشهد لقول القاضي فيما إذا قال لزوجته: أنت طالق أن دخلت الدار؛ بفتح الهمزة: أنها تطلق مطلقًا، سواء كانت قد دخلت أو لم ندخل، خلافًا لما ذكره ابن أبي موسى: إنها [لا] (¬8) تطلق إذا لم تكن دخلت من قبل؛ لأنه إنما طلقها لعلة؛ فلا يثبت الطلاق بدونها. وكذلك أفتى ابن عقيل في "فنونه" فيمن قيل له: قد زنت زوجتك، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المجود"! (¬2) في المطبوع: "قالت"! (¬3) في (أ): "فرآها". (¬4) في المطبوع: "وقال". (¬5) ما بين المعقوفتين انفردت بها (أ). (¬6) في المطبوع: "يدنيه"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فإنه إنما". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

فقال: هي طالق، ثم تبين أنها (¬1) لم تكن زنت: أنها لا تطلق، وجعل السبب كالشرط اللفظي، وهو (¬2) قول عطاء بن أبي رباح. - (ومنها): لو سرق عينًا وادعى أنها ملكه؛ ففي قطعه روايتان (¬3)، ثالثها: إن كان معروفًا بالسرقة؛ قطع، وإلا؛ فلا، صححها صاحب "الترغيب". - (ومنها): لو دفع (¬4) ثوبه إلى من يخيطه أو يقصره، أو ركب سفينته (¬5) وهو معروف بأخذ الأجرة على ذلك؛ استحق الأجرة. - (ومنها): [الهبة التي يراد بها الثواب بدلالة حال الواهب من غير شرط، نقل حنبل عن أحمد ما يدل على وجوب إثباته، والمشهور خلافه. - (ومنها)] (¬6): لو وُجِد لقيط وبقربه (¬7) مال ظاهر أو مدفون دَفنًا طريًّا؛ فإنه يحكم له به، وكذلك ما يكون بالقرب من الإنسان أو بين يديه من متاع أو طعام ونحوه، ذكره ابن عقيل؛ قال وكذلك رزمة الثياب وحزمة الحطب يحكم بها للواقف بقُرْبِها؛ لأن ذلك شاهد وضعها عنه للاستراحة؛ فكأنها على رأسه. انتهى. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ثم تبين له أنها". (¬2) في المطبوع: "وأولى، وهذا هو". (¬3) في (أ) و (ب): "روايات". (¬4) المطبوع: "لو ادعى دفع". (¬5) المطبوع و (ج): "سفينة". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) المطبوع: "وبجنبه".

وينبغي تقييده بمن كان يليق به حملها دون من لا يحملها مثله. - (ومنها): لو تنازع الزوجان (¬1) في متاع البيت، فما صلح (¬2) للرجل؛ فهو للرجال (¬3)، وما صلح (2) للنساء؛ فهو للمرأة (¬4). وكذلك لو اختلف صانعان في آلة دكان لهما، أو نازع رب الدار خياطًا فيها في إبرة أو مقص، أو تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب، ومن هذا الباب: اللوث في القسامة، والقضاء بمعاقد القمط -وهو رواية حكاها ابن أبي موسى-، وإلحاق النسب بالقافة [عند الاختلاف] (¬5). - (ومنها): لو ادعى دعوى يشهد الظاهر بكذبها، مثل أن ادعى على الخليفة أنه اشترى منه [باقة بقل] (¬6) وحملها بيده؛ لم تسمع دعواه بغير ¬

_ (¬1) في (ب): "الرجلان". (¬2) في (ج): "يصلح". (¬3) في المطبوع: "للرجل فهو للرجال". (¬4) قال الخرقي في "مختصره" (ص 238): "وإذا كان الزوجان في البيت، فافترقا أو ماتا، فادَّعى كلُّ واحد منهما ما في البيت أنه له أو ورثه؛ حُكم بما كان يصلح للرجال للرجل، وما كان يصلح للنساء للمرأة، وما كان يصلح أن يكون لهما؛ فهو بينهما نصفين" اهـ. وقد قال أحمد رحمه اللَّه في "رواية ابن منصور" (260/ 103): "كل شيء للرجال مما لا يختلف فيه، القوس والسلاح ومتاع الرجل متاع اليد، وأما الحلي؛ فللمرأة، وما اختلفا فيه؛ فهو بينهما". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ما فيه ثقل".

خلاف، ذكره القاضي في "خلافه"، لان أطلق الدعوى عليه؛ ففي سماعها قبل أن يبين أن لها أصلًا روايتان لاحتمال معاملته بوكيله. - (ومنها): لو اختلف الزوجان في قدر المهر؛ فالقول قول من يدعى مهر المثل على إحدى الروايتين. * * *

152 - القاعدة الثانية والخمسون بعد المئة المحرمات في النكاح

(القاعدة الثانية والخمسون بعد المئة) المحرمات في النكاح. أربعة أنواع: النوع الأول: المحرمات بالنسب، وضابط ذلك أنه يحرم على الإنسان أصوله وفروعه وفروع أصله الأدنى؛ وإن سفلن، وفروع أصوله البعيدة دون بناتهن؛ فدخل (¬1) في أصوله: أمه وأم أمه وأم أبيه؛ بيان علون، ودخل في فروعه بنته وبنت بنته وبنت ابنه؛ وإن نزلن، ودخل في فروع أصله (¬2) الأدنى: أخواته من الأبوين أو من أحدهما [وبناتهن] (¬3) وبنات الأخوة وأولادهم؛ وإن سفلن، ودخل في فروع أصوله البعيدة: العمات والخالات وعمات الأبوين وخالاتهما؛ وإن علون؛ فلم (¬4) يبق من الأقارب حلالًا سوى فروع أصوله (¬5) البعيدة، وهن: بنات العم وبنات العمات وبنات الخال وبنات الخالات. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فيدخل". (¬2) في (ب): "أصوله". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع: "ولم". (¬5) في المطبوع: "أصول فروعه".

النوع الثاني: المحرمات بالصهر (¬1)، وهن أقارب الزوجين، وكلهن حلال؛ إلا أربعة أصناف: حلائل الآباء والأبناء وأمهات النساء وبنات النساء المدخول بهن؛ فيحرم على كل واحد من الزوجين أصول الآخر وفروعه؛ فيحرم على الرجل أم امرأته وأم [أمها و] (¬2) أبيها؛ وإن علت، ويحرم عليه بنت امرأته -وهي الربيبة- وبنت بنتها؛ وإن سفلت (¬3)، وتحرم بنت الربيب أيضًا، نص عليه في "رواية صالح" (¬4)، وذكر الشيخ تقي الدين أنه لا يعلم فيه نزاعًا (¬5)، ويحرم عليه أن يتزوج بامرأة أبيه؛ وإن علا، وامرأة ابنه؛ وإن سفل. النوع الثالث: المحرمات بالجمع؛ فكل امرأتين بينهما رحم محرم يحرم الجمع بينهما، بحيث لو كانت إحداهما ذكرًا؛ لم يجز له التزوج بالأخرى؛ لأجل النسب دون الصهر؛ فلا يجوز له الجمع (¬6) بين المرأة ¬

_ (¬1) استدل في "الفنون" (2/ 502 - 503/ 442) على تحريم المصاهرة بمحظور الوطء بأنه فعل يُحَرَّم؛ فاستوى مُباحه ومحظوره في نشر الحرمة؛ كالرضاع؛ انظره غير مأمور. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "سلفت". (¬4) في "مسائل صالح" (2/ 29/ 569): "وسألت أبي عن الرجل تكون له المرأة، فتموت ولها ابن، وله ابنة؛ أيتزوج الرجل بابنة ابنها؟ قال: لا يتزوج، وكذا لو كانت لها ابنة، ولابنتها بنت؛ لم يتزوج". قلت: وانظر أيضًا: "مجموع الفتاوى" (32/ 65 - 66) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه. (¬5) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 211). (¬6) في المطبوع: "له الجمع".

وعمتها؛ وإن علت، ولا بينها وبين خالتها؛ وإن علت، ولا بين الأختين ولا بين البنت وأمها؛ وإن علت. قال الشعبي: كان أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولون: لا يجمع الرجل بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلًا، لم يصلح له أن يتزوجها (¬1). ذكره الإِمام أحمد في "رواية ابنه عبد اللَّه" بإسناده (¬2)، وإنما قلنا: لأجل النسب دون الصهر؛ ليخرج من ذلك: الجمع بين زوجة رجل وابنته من غيرها، فإنه مباح؛ إذ لا محرمية بينهما ليخشى عليها (¬3) القطيعة، لكن يرد على هذا من كان بينهما تحريم من الرضاع؛ فإنه يحرم الجمع (¬4) بينهما، نص عليه في "رواية الأثرم" وحرب، و [قد] (¬5) توقف في "رواية ابن منصور" في كون تشبيه الزوجة بالمحرمة من الرضاع ظهارًا (¬6)؛ فدل [على] (5) أن تحريم الرضاع لا يساوي تحريم النسب من جميع الوجوه، واللَّه أعلم. النوع الرابع: المحرمات بالرضاع؛ فيحرم به ما يحرم من النسب في ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6/ رقم 10768) عن الثوري، عن بن أبي ليلى، عن الشعبي؛ قال: "لا ينبغي لرجل أن يجمع بين امرأتين، لو كانت إحداهما رجلًا لم يحل له نكاحها". وقال عقبه: "قال سفيان: تفسيره عندنا: أن يكون من النسب، ولا يكون بمنزلة امرأة وابنة زوجها، يجمع بينهما إنْ شاء". (¬2) وهو ساقط من مطبوعه! (¬3) في المطبوع و (ب): "عليهما". (¬4) في المطبوع: "يحرم عليه الجمع". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "ظاهرًا"!

الأنواع (¬1) الثلاثة المتقدمة، واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يثبت به تحريم المصاهرة؛ فلا يحرم على الرجل نكاح أم زوجته وابنتها من الرضاع، ولا على المرأة نكاح أبي زوجها وابنه (¬2) من الرضاع (¬3)، وقال أحمد في "رواية ابن بَدِينا" (¬4) في حليلة الابن من الرضاع: لا يعجبني أن يتزوجها، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وليس على هذا الضابط إيراد صحيح سوى المرتضعة (¬5) بلبن الزنا، والمنصوص عن أحمد في "رواية عبد اللَّه" أنها محرمة؛ كالبنت من الزنا؛ فلا إيراد إذًا (¬6)، واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الأنواع" بسقوط النون. (¬2) في (ب): "وابنته"! (¬3) انظر: "الاختيارات الفقيهة" (ص 213). (¬4) هو محمد بن الحسن بن هارون بن بَدِيْنا، أبو جعفر الموصلي، توفي سنة ثلاثٍ وثلاث مئة، سكن بغداد، وحدث عن الإمام أحمد، وسئل الدارقطني عنه؛ فقال: "لا بأس به، ما علمتُ إلا خيرًا". ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 288)، و"المنهج الأحمد" (1/ 317)، و"المقصد الأرشد" (2/ 388). (¬5) في المطبوع: "المرضعة". (¬6) في "مسائل عبد اللَّه" (331/ 1218): "سألت أبى عن رجل زنا بامرأةٍ، فجاءت بابنة من فجور، ثم كبرت الابنة؛ هل يجوز أن يتزوج بها؟ قال: معاذ اللَّه! يتزوج ابنته؟! هذا قول سوء. حديث الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "احتجبي منه يا سودة"، فهذا يدل لأنه زنا بها، فقضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالولد للفراش" اهـ. قلت: وقد كذب على الشافعي؛ فنقل بعضهم عنه أنه يجوز للرجل أن يتزوج ابنته من الزنى!! انظر في المسألة: "المغني" (7/ 91/ 5358)، و"إعلام الموقعين" (1/ 42 - ط محمد محيي الدين، و 1/ 44 - ط الوكيل)، و"طريقة الخلاف في الفقه بين الأئمة =

153 - القاعدة الثالثة والخمسون بعد المئة ولد الولد؛ هل يدخل في مسمى الولد عند الإطلاق؟

(القاعدة الثالثة والخمسون بعد المئة) ولد الولد؛ هل يدخل في مسمى الولد عند الإطلاق؟ [هذا] (¬1) ثلاثة أنواع: أحدها: أن (¬2) يدخل في مسماه مطلقًا مع وجود الولد وعدمه، وذلك في صور: - (منها): المحرمات في النكاح؛ كالبنات وحلائل الأبناء. - (ومنها): امتناع القصاص بين الأب وولده؛ [كما جاء في الحديث: "لا يقتل وَلدٌ بوالد" (¬3)] (¬4). ¬

_ = الأسلاف" للأسمندي الحنفي (ت 552 هـ) (ص 51 - 53/ رقم 21)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (32/ 134)، و"فتح القدير" (3/ 219) لابن الهمام، و"الخرشي" (3/ 209)، و"تحذير الساجد" (ص 35 - 37) لشيخنا الألباني، و"روضة الطالبين" (7/ 112)، و"تكملة المجموع" (16/ 219 - 221). (¬1) في (ج): "على". (¬2) في المطبوع: "أنه". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬4) أخرج الحاكم في "المستدرك" (2/ 216 و 4/ 368)، والطبراني في "الأوسط" (9/ رقم 8652، 8901)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/ 182)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 1713)؛ عن عمر بن عيسى القرشي، عن ابن جريج، عن عطاء =

- (ومنها): امتناع قطعه في السرقة من مال ولده. - (ومنها): رد شهادة الوالد لولده. - (ومنها): وجوب إعفاف (¬1) الولد على والده. - (ومنها): جر الولاء، فإذا كان ابن معتقه قوم أبوه وجده [رقيقان، فعتق جده] (¬2)؛ انتقل الولاء إلى موالي الجد، سواء كان الأب موجودًا أو لم يكن في إحدى الروايتين (¬3)، وفي الأخرى: إن كان الأب مفقودًا؛ جر الجد الولاء إلى مواليه، وإن كان موجودًا؛ لم يجره بحال، وفي الثالثة: لا يجره الجد بحال؛ فيختص جر الولاء بعتق الأب. ¬

_ = ابن أبي رباح، عن ابن عباس؛ قال: وذكر قصة، وفيها قول عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: "والذي نفسي بيده؛ لو لم أسمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا يقاد مملوك من مالكه، ولا ولد من والده. . . ". وسنده ضعيف جدًّا. عمر بن عيسى منكر الحديث؛ كما قال البخاري، وقال العقيلي: "مجهول بالنقل"، قال ابن حبان: "كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات؛ فكيف إذا انفرد عن الأثبات بالطامات؟! "، وقال النسائي: "ليس بثقة، منكر الحديث". انظر: "المجروحين" (2/ 87)، و"الميزان" (3/ 216)، و"اللسان" (4/ 320 - 322). وقد صح: "لا يقتل والد بولده"، وهو مروي عن جمعٍ من الصحابة. انظر: "الإرواء" (7/ رقم 2214). (¬1) في المطبوع و (ب): "اعتاق". (¬2) في المطبوع: "رقيقيْن، فبعتق جده"! (¬3) في (أ): "الروايات".

- (ومنها): الوقف على الولد، فيدخل فيه ولد الولد، نص عليه أحمد في "رواية المروذي" و"يوسف بن موسى" (¬1) و"محمد بن عبيد اللَّه المنادي"، وهو الذي جزم به الخلال (¬2) وابن أبي موسى والقاضي [فيما علقه بخطه] (¬3) على ظهر "خلافه" وغيرهم، وهل يدخلون مع آبائهم بالتشريك، أو لا يدخلون إلا بعدهم على الترتيب؟ على وجهين للأصحاب. وعلى (¬4) الترتيب فهل هو ترتيب بطن على بطن، فلا يستحق أحد من ولد الولد شيئًا مع وجود فرد من الأولاد، أو ترتيب فرد على فرد، فيستحق كل ولد نصيب والده بعد فقده؟ على وجهين، والثاني هو منصوص أحمد، وقد سبق ذكره، وفي "أحكام القرآن" (¬5) للقاضي: إن كان ثم ولد؛ لم يدخل ولد الولد، وإن لم يكن ولد؛ دخل، واستشهد بآية المواريث؛ قال: ويصح حمل اللفظ على حقيقته ومجازه في حالين مختلفين لا في جهة وإحدة، مع أنه ذكر احتمالًا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ويوسف بن أبي موسى"! وقد سبق التصويب كما أثبتناه هنا. (¬2) قال في "الوقوف والترجُّل" للخلال (ص 59/ 153 - ط دار الكتب العلمية): "أخبرنا أبو بكر المروزي أنه قال لأبي عبد اللَّه: ما تقول في رجل أوقف ضيعة على ولده، فمات الأولاد وتركوا النسوة حوامل؟ فقال: كل ما كان من الأولاد الذكور بنات كن أو بنين؛ فالضيعة موقوفة عليهم، وما كان من البنات؛ فليس لهم شيء لأنهم من رجل آخر ليس هم من ولده". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) في المطبوع: "وفي". (¬5) ذكره له ابنه في "طبقات الحنابلة" (2/ 205)، وهو من الكتب القليلة التي للحنابلة في تفسير آيات الأحكام. انظر: "المدخل المفصل" (2/ 894 - 895).

بأن إطلاق الولد على ولد الولد حقيقة؛ قال: والأشبه أنه مجاز لصحة نفيه. وفي "المجرد" للقاضي: لو وقف على أولاده، ثم على أولاد أولاده، ثم على الفقراء؛ [فهو] (¬1) بعد البطن الثاني من ولده للفقراء؛ فمن (¬2) الأصحاب من فهم منه أن ولد الولد لا يدخلون في إطلاق الولد، ومنهم من قال: بل لما (¬3) رتب بطنًا بعد بطن مرتين، ثم [جعله بعدهما] (¬4) للفقراء؛ علم (¬5) أنه أراد البطنين الأولين خاصة، بخلاف [حالة] (¬6) الإطلاق، وإلى هذا أشار صاحب "التلخيص". - (ومنها): الوصية لولده، وقد جعل الأصحاب حكمها حكم الوقف، وذكر أبو الخطاب أن أحمد نص على دخولهم في ذلك، والمعروف عن أحمد إنما هو في الوقف، وأشار الشيخ تقي الدين إلى دخولهم في الوقف دون الوصية؛ لأن الوقف يتأبد فيستحقه (¬7) ولده طبقة بعد طبقة، والوصية تمليك للموجودين؛ فيختص بالطبقة العليا الموجودة (¬8)، وحيث قيل بدخول ولد الولد في الوقف والوصية؛ فإنما هو في ولد البنين، فأما ولد البنات؛ ففيه وجهان للأصحاب، اختار الخرقي والقاضي أنهم لا ¬

_ (¬1) في (أ): "فهي". (¬2) في المطبوع و (ب): "ومن". (¬3) في المطبوع: "إنما". (¬4) في المطبوع: "جعل بعدهما"، وفي (ب): "جعله بعدها". (¬5) في المطبوع: "اعلم". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) في المطبوع: "فيستحق". (¬8) انظر: "مجموع الفتاوى" (31/ 309).

يدخلون (¬1)، واختار أبو بكر وابن حامد دخولهم، ونص أحمد في رواية المروذي على أنهم لا يدخلون في الوقف على الولد؛ فمن الأصحاب من قال: لا يدخلون في مطلق الولد إذا وقع الاقتصار عليه، ويدخلون في مسمى ولد الولد؛ لأنهم من ولد الولد حقيقة وليسوا بولد حقيقة، وهذه طريقة ابن أبي موسى والشيرازي، ومال إليها صاحب "المغني" (¬2). - (ومنها): المنع من (¬3) دفع الزكاة إلى الولد يدخل (¬4) فيه ولد الولد، وسواء في ذلك ولد الذكور والإناث على المنصوص عن أحمد؛ لأن ولد البنت قد ثبت (¬5) له حكم الولد في موضع فيثبت له حكم المنع من الزكاة، بخلاف الوقف والوصية؛ فإن المراعى فيهما صدق (¬6) الاسم وثبوته في العرف لا جريان الحكم، واللَّه أعلم. النوع الثاني: ما يدخل فيه عند عدم الولد لا مع وجوده، وذلك في صور: - (منها): الميراث؛ فيرث ولد الولد جدهم مع فقد أبيهم؛ كما يرثون آباءهم، ولكن لا يرثهم الجد مع فقد الأب؛ كما يرث الأب على ظاهر المذهب. ¬

_ (¬1) نسبه ابن قدامة في "المغني" (5/ 358/ 4391) إلى الخرقي. (¬2) انظر: "المغني" (5/ 359/ 4391). (¬3) في المطبوع: "في". (¬4) في المطبوع: "ويدخل". (¬5) في (ب): "يثبت". (¬6) في (أ): "أصدق".

وفيه وجه آخر: إنه يرثهم كتاب مطلقًا، بحيث يحجب الأخوة كلهم، واختاره (¬1) ابن بطة وأبو حفص البرمكي والشيخ تقي الدين (¬2). - (ومنها): ولاية النكاح؛ فيلي الجد فيها بعد الأب مقدمًا (¬3) على الابن علي قول الخرقي (¬4) والقاضي، لكن لا يقوم مقام الأب في الإِجبار على المذهب، وحكى ابن الزاغوني رواية أنه يقوم مقامه في الإِجبار. - (ومنها): ولاية الصلاة على الجنازة؛ فيلي الجد بعد الأب مقدمًا على الابن علي الصحيح أيضًا. - (ومنها): الحضانة؛ [فإن الجد] (¬5) أولى رجالها بها بعد الأب. النوع الثالث: ما لا يدخل فيه في مسمى الولد بحال، وذلك في صور كثيرة: - (منها): الرجوع في الهبة. - (ومنها): الأخذ من مال الولد لغير (¬6) حاجة (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "اختاره". (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 197) لابن تيمية رحمه اللَّه. (¬3) في المطبوع: "بعد الأب مطلقًا مقدمًا". (¬4) انظر: "مختصر الخرقي" (7/ 11/ 5152 - مع "المغني")، وقال ابن قدامة: "وهو قول الشافعي". (¬5) في (ج): "فالجد". (¬6) في المطبوع: "بغير". (¬7) ذكر ابن رجب في كتاب "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 158) أن من المسائل التي تفرد بها ابن عقيل مسألة: "إن الأب ليس له أن يتملك من مال ولده ما شاء، =

- (ومنها): ولاية المال، وفيه رواية. - (ومنها): الاستئذان في الجهاد. - (ومنها): الاستتباع في الإسلام. - (ومنها): الانفراد بالنفقة مع [عدم] (¬1) وجود وارث غيره موسرًا، [فإن] (¬2) كان الوارث الذي معه معسرًا (¬3)؛ فالمعروف أن حكمه حكم سائر من تلزمه النفقة، هل يلزمه كمال النفقة أو بقدر إرثه؟ على روايتين، أصحهما: لا يلزمه أكثر من مقدار إرثه منه، وفي "الإقناع" لابن الزاغوني أن هذا الخلاف في الجد والجد خاصة، وأن سائر الأقارب لا يلزم الغني منهم (¬4) النفقة إلا بالحصة بغير خلاف (¬5). * * * ¬

_ = مع عدم حاجته"، وقال: "ذكره في "الفصول" في كتاب النكاح" اهـ. (¬1) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "أو معسرًا"؛ وفي (ج): "موسرًا"! (¬4) في المطبوع: "منهم الغني" بتقديم وتأخير. (¬5) قال الحافظ ابن رجب في كتاب "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 183): "قال [أي: ابن الزاغوني] أيضًا: "إذا كان بعض ورثة الفقير موسرًا، وبعضهم معسرًا؛ فإن كان الفقير أبًا أو أمًّا؛ لزم الموسر كمال النفقة عليه، وإن كان جدًّا أو جدةً؛ فوجهان، وأما سائر الورثة؛ فلا تلزم المرسر منهم النفقة إلا بقدر حصته من الميراث"، وهذا تفصيل غريب".

154 - القاعدة الرابعة والخمسون بعد المئة خروج البضع من الزوج؛ هل هو متقوم أم لا؛ بمعنى أنه: هل يلزم المخرج له قهرا ضمانه للزوج بالمهر؟

(القاعدة الرابعة والخمسون بعد المئة) خروج البضع من الزوج؛ هل هو متقوم أم لا؛ بمعنى أنه: هل يلزم (¬1) المخرج له قهرًا ضمانه للزوج بالمهر (¬2)؟ فيه قولان في المذهب، ويذكر أن روايتين عن أحمد، وأكثر الأصحاب كالقاضي ومن بعده يقولون: ليس بمتقوم، وخصوا هذا الخلاف بمن عدا الزوجة فقالوا: لا تضمن للزوج (¬3) شيئًا بغير خلاف، واختار الشيخ تقي الدين أنه متقوم على الزوجة وغيرها، وحكاه قولًا في المذهب (¬4). ويتخرج على ذلك مسائل: - (منها): لو أفسد مفسد نكاح امرأة قبل الدخول بها برضاع أو غيره؛ فإنه يجب عليه نصف المهر، حيث يلزم الزوج نصف المهر؛ كما إذا كانت الفرقة من الأجنبي وحده، وله مآخذ: أحدها (¬5): إن خروج البضع من الزوج متقوم؛ فيتقوم قبل الدخول ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يلزمه". (¬2) انظر: "الإنصاف" (9/ 341)، و"إيضاح الدلائل" (2/ 73)، و"المقنع" (3/ 15)، و"منتهى الإرادات" (2/ 159). (¬3) في المطبوع: "لا يضمن الزوج". (¬4) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 237). (¬5) في المطبوع: "مأخذان: أحدها"، وفي (ج): "مأخذان: أحدهما".

بنصف المهر المسمى، وفيه وجه بنصف مهر المثل. والثاني: إنه ليس بمتقوم، لكن المفسد قرر هذا النصف على الزوج إذا كان بصدد أن يسقط عنه بانفساخ النكاح بسبب من جهتها. والثالث: إن المهر كله يسقط بالفرقة، لكن يجب لها نصف المهر وجوبًا مبتدئًا بالفرقة التي استقل بها الأجنبي؛ فلذلك لزمه ضمانه، ذكره القاضي في "خلافه"، وفيه بعد. وأما حيث لا يلزم الزوج شيء؛ كما إذا وطئ الأب أو الابن زوجته قبل الدخول بتمكينها؛ فهل يلزمه له نصف المهر أم لا؟ على وجهين مذكورين في "المغني" (¬1) وغيره، وهما متنزلان على أن البضع؛ هل هو متقوم أم لا؛ إذ لا غرم هنا على الزوج. ونقل مهنأ عن أحمد في رجل تزوج امرأة، فبعثوا إليه ابنتها، فدخل بها و [هو] (¬2) لا يعلم؛ قال: حرمتا عليه جميعًا. قال: فقلت له: ما عليه؟ فقال: عليه لهذه المهر بما استحل من فرجها. قلت: وللأخرى ما عليه؟ قال: لها نصف الصداق. قلت: [هل] (¬3) يرجع بالنصف الذي غرم لابنتها؟ قال: لا، وإنما لم يرجع هنا عنده؛ لأن فساد (¬4) نكاحه منسوب إليه مباشرة؛ فلذلك استقر الضمان عليه. ¬

_ (¬1) انظر: "المغنى" (10/ 189 - ط هجر). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في (ج): "إفساد".

ويتخرج فيه وجه آخر: إنه يرجع بما غرمه على من غره، وأما إن كان الإِفساد بعد (¬1) الدخول بإرضاع أو غيره؛ ففيه وجهان: أحدهما: إن على المفسد ضمان المهر المستقر على الزوج، وهو منصوص أحمد في "رواية ابن القاسم" بناءً على أن خروج البضع متقوم، وكما يضمن الغار المهر لمن غره؛ وإن استقر بالدخول، [بل] (¬2) هنا أولى؛ لأن المغرور قد يكون فسخ النكاح باختياره، كما إذا دلس عليه عيب ونحوه (¬3)؛ حيث لم يرض بالمهر إلا مع السلامة من العيوب، وهنا الفسخ بسبب الأجنبي؛ فإنه هو المانع للزوج من الاستمتاع؛ فكان الرجوع عليه بالمهر أولى؛ إذ الزوج يجب تمكينه من جنس الاستمتاع، ويعود إليه المهر بمنعه من جنسه إذا لم يكن [ما] (¬4) يستحقه مقدرًا، بخلاف منفعة الإجارة؛ فإنها تتقسط على المدة، مع أن الإجارة [تسقط فيها] (¬5) الأجرة عندنا بمنع المؤجر من التسليم المستحق بالعقد كله. والوجه الثاني: إنه لا ضمان على المفسد بحال لاستقرار المهر على الزوج بالوطئ بناءً على أن خروجه غير متقوم، وإليه ميل ابن أبي موسى، واختاره [طائفة] (¬6) من المتأخرين. ¬

_ (¬1) في (ج): "قبل". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في المطبوع: "أو نحوه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "تسقطها". (¬6) في (ب): "ابن بطة".

وأما إن كان المفسد للنكاح هو الزوجة وحدها بالرضاع أو غيره؛ فقال الأصحاب: لا ضمان عليها (¬1) بغير خلاف؛ لئلا يلزم استباحة بضعها بغبر عوض، واختار الشيخ تقي الدين أن عليها (1) الضمان (¬2)، وأخذه من مسألة المهاجرة (¬3) وامرأة المفقود؛ كما سيأتي. وكما قال الأصحاب في الغارَّة: إنه لا مهر لها، بل عندنا في الإجارة أن غصب المؤجر يسقط الأجرة كلها، بخلاف غصب غيره؛ لاستحقاق التسليم عليه، وأجاب عمَّا (¬4) قيل من استباحة البضع بدون عوض: بأن العوض وجب لها بالعقد، ثم وجب عليها ضمانه بسبب آخر؛ فلم يخل العقد من عوض، كما يجب على البائع (¬5) ضمان ما تعلق به حق توفيه بإتلافه قبل القبض، ولم يخل البيع من ثمن، واللَّه أعلم. - (ومنها): شهود الطلاق إذا رجعوا قبل الدخول؛ فإنهم يغرمون نصف المهر، وإن رجعوا بعد الدخول؛ فهل يغرمون المهر كله، أم لا يغرمون شيئًا؟ على روايتين مأخذهما تقويم (¬6) البضع وعدمه، وعلى التغريم (¬7) ¬

_ (¬1) في (ج): "عليهما". (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 223) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه. (¬3) في (ج): "المهاجر". (¬4) في المطبوع: "عنما". (¬5) في المطبوع: "يجب لها بالعقد على البائع". (¬6) في (ج): "تقوم". (¬7) في (أ): "التقويم".

يغرمون المهر المسمى، وقيل: مهر المثل. - (ومنها): امرأة المفقود إذا تزوجت بعد المدة المعتبرة، ثم قدم زوجها المفقود؛ فإنه يخير بين زوجته وبين المهر، فإن اختار المهر؛ أخذ من الزوج الثاني المهر الذي أقبضه إياها (أعني: الأول)؛ لأنه هو الذي استحقه على أصح الروايتين، وعلى الثانية يأخذ المهر الذي أعطاها الثاني، وبكل (¬1) حال؛ فهل يستقر ضمانه على الزوج الثاني، أم يرجع به على المرأة؟ على روايتين: إحداهما: يرجع به عليها؛ لأن الفرقة جاءت منها؛ فيستقر الضمان عليها. والثانية (¬2): لا يرجع به؛ لأن المرأة استحقته بالإصابة؛ فلا يجوز أخذه [منها] (¬3). - (ومنها): إذا طلق رجل امرأة، ثم راجعها في العدة وأشهد على الرجعة، ولم تعلم المرأة حتى انقضت عدتها، وتزوجت ودخل بها الثاني، وقلنا على رواية: إن الثاني أحق بها؛ فهل تضمن المرأة لزوجها المهر أم لا؟ على وجهين، واختار القاضي الضمان؛ لأن خروج البضع متقوم. ¬

_ (¬1) في (ج): "بكل". (¬2) في المطبوع و (أ): "الثاني". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

- (ومنها): إذا أسلمت امرأة (¬1) من أهل دار الحرب وهاجرت إلينا، ثم تزوجها مسلم بعد انقضاء عدتها في دار الإسلام؛ فهل يلزمه أن يرد على زوجها الكافر مهرها الذي أمهرها إياه؟ على روايتين حكاهما ابن أبي موسى، وظاهر القرآن يدل على وجوبه، لكن أكثر الأصحاب على عدم الوجوب؛ لأن الآية نزلت في قصة صلح الحديبية وكان الصلح قد وقع على رد النساء قبل تحريمه، فلما حرم الرد بعد صحة اشتراطه؛ وجب رد بدله (¬2)، وهو المهر، وأما بعد ذلك؛ فلا يجوز اشتراط رد النساء؛ فلا يصح اشتراط رد مهورهن لأنه شرط مال للكفار من غير ضرورة، ومن اختار الوجوب؛ كالشيخ تقي الدين؛ منع أن يكون رد النساء مشروطًا في صلح الحديببة، ومنع عدم جواز شرط رد المهر، لا سيما إذا كان مشروطًا من الطرفين - (ومنها): خلع المسلم زوجته بمحرم يعلمان تحريمه؛ كخمر أو خنزير، قال أبو بكر والقاضي والأصحاب: هو كالخلع الخالي عن العوض، فإذا صححناه؛ لم يلزم الزوج شيء، بخلاف النكاح على ذلك (¬3)، وعند الشيخ تقي الدين: يرجع إلى المهر؛ كالنكاح (¬4)، ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "المرأة". (¬2) في (ج): "بدلها". وانظر في المسألة: "المقنع" (3/ 116)، و"منتهى الإرادات" (2/ 237). (¬3) انظر في المسألة: "الهداية" (1/ 262)، و"المقنع" (3/ 78)، و"الإقناع" (3/ 212، 256)، و"الإنصاف" (8/ 398). (¬4) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 250).

ويحتمله (¬1) كلام الخرقي في خلع الأمة على سلعة بيدها أنه يصح، ويتبع (¬2) بقيمتها بعد العتق (¬3). - (ومنها): مخالعة الأب ابنته الصغيرة بشيء من مالها، والمذهب (¬4) أنه غير جائز، وأن الضمان على الأب، نص عليه أحمد في "رواية ابن الحكم" (¬5)، وخرج بعض المتأخرين [جوازه بناءً على أن] (¬6) خروج البضع متقوم؛ فما بذل مالها إلا فيما له قيمة، فلا يكون تبرعًا. وخرجه بعضهم من الرواية التي نقول فيها: إن للأب العفو عن نصف المهر في الطلاق قبل الدخول بناءً على أنه الذي بيده عقدة النكاح، وذكره (¬7) صاحب "المغني" احتمالًا في ولي الصغيرة والسفيهة والمجنونة مطلقًا إذا رأى الحط في ذلك (¬8)، وكذلك أشار إليه ابن عقيل في "الفصول". - (ومنها): إذا قال لزوجته: أنت طالق بألف، فلم تقبل؛ طلقت ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ويحتمل". (¬2) في (ج): "وتتبع"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬3) قال الخرقي في "مختصره" (7/ 266/ 5792 - مع "المغني"): "وإذا خالعته الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم؛ كان الخلع واقعًا، ويتبعها إذا عتقت بمثله إن كان له مثل، وإلا؛ فقيمته". (¬4) في المطبوع: "فالمذهب". (¬5) في المطبوع: "محمد بن الحكم". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وجهًا بجوازه بأن". (¬7) في المطبوع و (ج): "وذكر". (¬8) انظر: "المغني" (7/ 195/ 5623).

رجعيًا، ولم يلزمها شيء، نص عليه أحمد [رحمه اللَّه تعالى] (¬1) في "رواية مهنأ"، ولو قال لعبده: أنت حر بألف، فلم يقبل؛ لم يعتق عند الأصحاب، والفرق بينهما أن خروج البضع غير متقوم، بخلاف العبد؛ فإنه مال محض. وخرج الشيخ تقي الدين وجهًا: إنه يعتق العبد بغير شيء كما في الطلاق؛ لأن الطلاق والعتاق فيهما حق للَّه [تعالى] (¬2) وليس العوض بركن فيهما إذا (¬3) لم يعلقهما عليه، بل أوقعهما منجزًا وشرط فيهما العوض، فإذا لم يلتزما العوض؛ لغي (¬4) ووقع الطلاق والعتق؛ لما فيهما من الحق للَّه [تعالى] (1) الذي لا يمكن إبطاله (¬5). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع. (¬2) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج). (¬3) في (ج): "إن"، وفي (ب): "إذا". (¬4) في (ج): "ألغي". (¬5) انظر: "مجموع الفتاوى" (31/ 103) لابن تيمية رحمه اللَّه.

155 - القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئة يتقرر المهر كله للمرأة بأحد ثلاثة أشياء

(القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئة) يتقرر المهر كله للمرأة بأحد ثلاثة أشياء: الأول: الوطء؛ فيتقرر به المهر على كل حال، وأما مقدماته؛ كاللمس بشهوة (¬1) والنظر إلى الفرج أو إلى جسدها، وهي عارية؛ فمن الأصحاب من ألحقه بالوطء وجعله مقررًا رواية واحدة؛ لأنه آكد من الخلوة المجردة، ومنهم من خرجه على وجهين أو روايتين من الخلاف في تحريم المصاهرة [به] (¬2). وقال ابن عقيل: إن كانت عادته فعل ذلك في الملأ؛ استقر به المهر لأن ذلك خلوة مثله، وإلا؛ فلا، والمنصوص عن أحمد [رحمه اللَّه] (¬3) في "رواية مهنأ": إنه إذا تعمد النظر إليها وهي عريانة تغتسل؛ وجب لها المهر. والثاني: الخلوة ممن يمكنه (¬4) الوطء بمثله، فإن كان ثم مانع؛ إما حسي؛ كالجبِّ والرَّتَق، أو شرعي؛ كالإِحرام والحيض؛ فهل يقرر المهر؟ على طرق للأصحاب: ¬

_ (¬1) في (أ): "لشهوة"، وفي (ج): "بالشهوة"، وفي المطبوع: "للشهوة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين تفرد به المطبوع. (¬4) في المطبوع: "ممن يمكن"، وفي (ب): "بمن يمكنه".

أحدها: إن في المسألة روايتين مطلقتين، وهي طريقة القاضي [في "الجامع"] (¬1) وصاحب "المحرر" (¬2)، [وكذلك صاحب] (¬3) "المغني" (¬4)؛ إلا أنه زاد (¬5) رواية ثالثة بالفرق (¬6) بين المانع المتأكد شرعًا كالإحرام وصيام رمضان؛ فلا يستقر معه المهر، بخلاف غيره. والثانية: إن كان المانع من الوطء ودواعيه؛ كالإحرام وصيام رمضان؛ ففيه روايتان، وإن كان لا يمنع الدواعي (¬7)، كالحيض والجب والرتق؛ استقر رواية واحدة، وهي طريقة القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول". والثالثة: إن كانت الموانع بالزوج؛ استقر الصداق رواية واحدة، وإن كانت بالزوجة؛ فهل يستقر؟ على روايتين، وهي طريقة القاضي في "خلافه" (¬8). ¬

_ (¬1) نقله المرداوي في "الإنصاف" (8/ 286) عن "الجامع" للقاضي. (¬2) انظر: "المحرر" (2/ 35). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وكذا لصاحب". (¬4) انظر: "المغني" (7/ 192/ 5617). (¬5) في المطبوع: "أورد". (¬6) في المطبوع: "بالعوض". (¬7) في المطبوع: "الدواهي". (¬8) قال المرداوي في "الإنصاف" (8/ 285 - 286) في هذه المسألة: "تقرر المهر على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، قال الزركشي [في "شرح متن الخرقي" (5/ 319)]: وهو المختار للأصحاب، وقال: اتفقوا فيما علمت أن هذا هو المذهب"، قال المرداوي: "وهو من مفرد أن المذهب". =

ومن الأصحاب من حكى رواية أخرى: إنه لا يستقر المهر بالخلوة بمجردها (¬1) بدون الوطء؛ أخذًا مما روى يعقوب [بن] (¬2) بختان عن أحمد: إذا خلا بها، وقال: لم أطأ (¬3)، وصدَّقتْه؛ أن لها نصف الصداق وعليها العدة، وأنكر الأكثرون هذه الرواية، وحملوا "رواية يعقوب" هذه على وجه آخر (¬4)، وهو أن الخلوة إنما قررت المهر؛ لأنها (¬5) مظنة الوطء المقرر؛ فقامت مقامه في التقرير لأن حقيقة الوطء لا يطلع عليه غالبًا؛ [فتعلق الحكم بمظنته] (¬6) مظنته، فإذا تصادق الزوجان على انتفاء الحقيقة التي هي الوطء (¬7)، لم يقبل ذلك في إسقاط العدة لأن فيها حقًّا للَّه [عز وجل] (¬8)، وهل يقبل في سقوط نصف المهر؟ على روايتين، نقل ابن بختان قبوله؛ لأنه حق محض للزوجة، وقد أقرت بسقوطه، ونقل الأكثرون عدم قبوله؛ لملازمته للعدة، وهذا يرجع إلى ¬

_ = وانظر في المسألة: "مسائل أبي داود" (165)، و"المقنع" (3/ 94)، و"الإنصاف" (8/ 305 - 306)، و"المبدع" (7/ 173)، و"الشرح الكبير" (8/ 97)، و"منح الشافيات" (2/ 132). (¬1) في المطبوع: "لمجردها". (¬2) في المطبوع: "من". (¬3) في المطبوع: "لم أطأها". (¬4) نقل المرداوي في "الإنصاف" (8/ 283) عن المصنف هذا الكلام. (¬5) في المطبوع: "لأنه". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فعلق الحكم على"، وفي (ج): "فعلق الحكم بـ". (¬7) في (ج): "التي هي في الوطء". (¬8) في المطبوع: "تعالى".

أن الخلوة مقررة [لكونها مظنة للوطء] (¬1)، ومن الأصحاب من قال: إنما قررت لحصول التمكين بها، وهي طريقة القاضي، وردها ابن عقيل بأن الخلوة مع الجب لا تمكن معها (¬2)، قال: وإنما قررت لأحد أمرين: إما لإِجماع الصحابة، وهو حجة، أو لأن طلاقها بعد الخلوة [بها] (¬3) وردها زاهدًا فيها فيه (¬4) ابتذال وكسر لها؛ فوجب جبره بالمهر، وقيل: بل المقرر وهو (¬5) استباحة ما لا يستباح إلا بالنكاح من المرأة؛ فدخل في ذلك الخلوة واللمس بمجردهما؛ لأن ذلك كله معقود عليه في النكاح، والمهر يستقر بنيل بعض المعقود عليه لا يقف على نيل جميعه، وهذا ظاهر كلام أحمد في "رواية حرب"، وقيل (¬6) له: فإن أخذها وعندها نسوة، فمسها وقبض عليها ونحو ذلك من غير أن يخلو بها؛ قال: إذا نال منها شيئًا لا يحل لغيره؛ فعليه المهر، وعلى هذا؛ فقال الشيخ تقي الدين: يتوجه أن يستقر المهر بالخلوة؛ وإن منعته (¬7) الوطء (¬8)، بخلاف ما ذكره ابن حامد والقاضي والأصحاب. ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "لمظنة الوطء". (¬2) في المطبوع: "لا تمكين بها"، وفي (ج): "لا يمكن معها". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع: "ففيه". (¬5) في (أ) والمطبوع: "هو". (¬6) في المطبوع: "قبل". (¬7) في المطبوع: "منعه". (¬8) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات الفقهية" (ص 237): "ويتقرر المهر بالخلوة، وإن منعته الوطء، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حرب".

(المقرر الثالث): الموت قبل الدخول، وقيل: الفرقة، وإن طلقها في المرض ثم مات فيه؛ فهل يستقر لها المهر؟ على روايتين بناءً على توريثها منه وعدمه. [المقرر الرابع] (¬1): إذهاب [العذرة بالدفع] (¬2) على رواية خرجها صاحب "المغني" (¬3)، وقد سبقت] (¬4). * * * ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "يتقرر بأمر رابع، وهو". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عذرتها بدفعها". (¬3) انظرها في: "المغني" (7/ 194/ 5622). (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في (أ) ولا (ج).

156 - القاعدة السادسة والخمسون بعد المئة فيما يتنصف به المهر [قبل استقراره] وما تسقط به الفرقة قبل الدخول

(القاعدة السادسة والخمسون بعد المئة) فيما يتنصف به المهر [قبل استقراره] (¬1) وما تسقط به الفرقة قبل الدخول. إن كانت من جهة الزوج (¬2) وحده أو من جهة أجنبي وحده؛ تنصف بها المهر المسمى، وإن كانت من جهة الزوجة وحدها؛ سقط بها المهر، وإن كانت من جهة الزوجين معًا أو من جهة الزوجة مع أجنبي (¬3)؛ ففي تنصيف (¬4) المهر وسقوطه روايتان؛ فهذه خمسة أقسام: [القسم] الأول: ما استقل به الزوج، وله صور: - (منها): طلاقه، وسواء كان منجزًا أو معلقًا بصفة، وسواء (¬5) كانت الصفة من فعلها أو لم تكن (¬6)، كذا ذكره الأصحاب؛ قالوا: لأن السبب كان منه، وهو الطلاق، وإنما حقيقته بوجود (¬7) شرطه، والحكم إنما يضاف إلى ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ليس في (ج). (¬2) في المطبوع: "الزواج". (¬3) في (ج): "الزوجة وأجنبي". (¬4) في المطبوع و (ج): "تنصف". (¬5) في (ج): "سواء" من غير واو. (¬6) في (أ): "يكن". (¬7) في المطبوع: "لوجود".

صاحب السبب، وقال الشيخ تقي الدين: إن كانت الصفة من فعلها الذي لها منه بد؛ فلا مهر لها (¬1). ويمكن تخريج ذلك من إحدى الروايتين في المريض إذا علق طلاق امرأته على ما لها منه بد ففعلته؛ فإن في إرثها روايتين، ويشهد لذلك مسألة التخيير؛ فإنه لو خيرها قبل الدخول فاختارت نفسها؛ فهل يسقط مهرها أو ينتصف؟ على روايتين حكاهما ابن أبي موسى، والتخيير توكيل (¬2) محض، والتعليق بفعلها في معناه، والمنصوص عن أحمد [رحمه اللَّه] (¬3) أنه لا مهر للمخيرة، قال مهنا: سألت أحمد عن رجل تزوج امرأة، ثم طلبت منه الخيار فاختارت نفسها، ولم يكن دخل بها، لها عليه نصف الصداق. قال: في قلبي منها شيء. ثم قال: لا ينبغي أن يكون لها شيء. قلت: إني سألت غير واحد فقال (¬4): يكون لها عليه نصف الصداق. فقال [لي] (¬5): فإن أسلمت امرأة مجوسية وأبى زوجها [أن] (¬6) يسلم؛ يكون لها عليه صداقها؟ قال: في هذا يدخل عليهم. انتهى. - (ومنها): خلعه، ونصَّ أحمد (¬7) في رواية مهنا أنه يوجب نصف ¬

_ (¬1) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 268). (¬2) في (ج): "والتوكيل تخيير". (¬3) ما بين المعقوفتين تفرد بها المطبوع. (¬4) في (ب) والمطبوع: "قال". (¬5) ما بين المعقوفتين ليس في (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) في المطبوع: "نص عليه أحمد".

المهر، وعلله القاضي بأن الخلع يستقل به الزوج؛ لأنه يصح مع الأجنبي بدون رضى المرأة؛ فلذلك (¬1) نسب إليه. وفيه وجه آخر: إنه يسقط به المهر؛ فمن الأصحاب من خرجه على أنه فسخ؛ فيكون كسائر الفسوخ من الزوج، ومنهم من جعله مما يشترك [فيه] (¬2) الزوجان؛ لأنه إنما يكون بسؤال المرأة؛ فتكون الفرقة فيه من قبلها، ولذلك (¬3) يسقط إرثها بالخلع في المرض، وهذا على قولنا: لا يصح مع الأجنبي [إذا قلنا: هو فسخ] (¬4) أظهر، فأما إن وقع مع الأجنبي وصححناه؛ فينبغي أن يتنصف [به] (¬5) المهر وجهًا واحدًا، ومنها إسلامه والزوجة غير كتابية في إحدى الروايتين، وفي الأخرى: يسقط المهر؛ لأنه فعل الواجب عليه، وإنما وقعت الفرقة بامتناعها من الإِسلام؛ فلا يكون لها مهر. - (ومنها): ردته عن الإِسلام. - (ومنها): إقراره بالنسب أو بالرضاع أو غير ذلك من المفسدات؛ فيقبل (¬6) منه في انفساخ النكاح دون سقوط النصف. - (ومنها): أن يطأ أم زوجته أو ابنتها بشبهة أو زنًا؛ فينفسخ نكاح ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "ولذلك". (¬2) في المطبوع: "به". (¬3) في (ج): "وكذلك". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في (ب): "فتقبل".

البنت، ويجب لها نصف الصداق، نص عليه [أحمد] (¬1) في "رواية ابن هانئ" (¬2). ويستثنى من هذا القسم الفسوخ التي يملكها الزوج لضرر يلحقه؛ إما لظهور عيب في الزوجة، أو فوات شرط، فيسقط بها المهر لأن حكم الفسوخ في العقود لعيب ظهر في المعقود عليه نزاد (¬3) العوضين من الجانبين، وقد وجد ذلك قبل تمكنه من قبض المعقود عليه واستيفائه، وإنما استحقت نصف المهر في الطلاق (¬4) وما كان في معناه؛ جبرًا لها، حيث لم يكن له موجب من جهتها، وهنا قد وجد سبب من جهتها؛ فصار كالمنسوب إليها. القسم الثاني: ما استقل به الأجنبي وحده. - (ومن صور ذلك): أن ترضع زوجته الكبرى زوجته الصغرى. - (ومنها): أن يكره رجل زوجة أبيه أو ابنه على الوطء قبل الدخول. القسم الثالث: ما استقلت به الزوجة وحدها، وله صور: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب). (¬2) في "مسائل ابن هانئ" (1/ 209/ 1028)؛ قال: "سأله عن رجل له امرأة، ولها أم، فوطئ أم امرأته، ولم يدخل بالابنة؟ قال [أحمد]: لم يدخل بها؟ قلت: لا. قال: ولا أرخى سترًا، ولا أغلق بابًا؛ قلت: لا. قال لها نصف الصداق، وحرمت عليه الابنة، وقال: أنزلها بمنزلة المطلقة". (¬3) في المطبوع: "يزاد"، وفي (ج) قبلها فراغ بمقدار كلمة، قال الناسخ في هامشها: "لعله يوجب"؛ أي: يوجب تراد العوضين. (¬4) في المطبوع: "الصداق".

- (منها): ردتها. - (ومنها): إسلامها، وفيه رواية أخرى: إن لها نصف المهر؛ لأنها فعلت الواجب عليها؛ فنسب الفسخ إلى امتناع الزوج [من الإسلام] (¬1). - (ومنها): إرضاعها ممن يثبت به المحرمية بينها وبين الزوج، وكذلك ارتضاعها بنفسها وهي (¬2) صغيرة. - (ومنها): فسخها النكاح لعيب الزوج، قال الأصحاب: هو منسوب إليها؛ [فيسقط به مهرها، بخلاف فسخ الزوج لعيبها؛ فإنه منسوب إليها] (¬3) لا إليه؛ فيسقط (¬4) المهر أيضًا لذلك، وفرقوا بينهما بأن (¬5) فسخه لعيبها رد للمعقود عليه بعيب؛ فلا ينسب إلا إلى من دلس العيب، بخلاف فسخها لعيبه؛ فإن العيب ليس في المعقود عليه، بل في غيره؛ فقد امتنعت من تسليم المعقود عليه مع سلامة العوضين لضرر دخيل (¬6)؛ فلذلك نسب الفعل إليها، وهذا يرجع إلى أن الزوج غير معقود عليه في النكاح، وفيه خلاف سبق ذكره، والأظهر في الفرق أن يقال: الفسوخ الشرعية التي يملكها كل من الزوجين على الآخر إنما شرعت لإزالة ضرر حاصل، فإذا (¬7) ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "ارتضاعها منها وهي". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع و (ب): "فسقط". (¬5) في (ج): "لأن". (¬6) في المطبوع: "دخل". (¬7) في (ج): "وإنما".

وقعت قبل الدخول؛ فقد رجع كل من الزوجين إلى (¬1) ما بذله سليمًا كما خرج منه؛ فلا حق له في غيره، بخلاف الطلاق وما في معناه من موجبات الفرقة بغير (¬2) ضرر ظاهر؛ فإنه يحصل بها (¬3) للمرأة انكسار وضرر؛ فجبره الشارع بإعطائها نصف المهر عند تسمية المهر والمتعة عند فقد التسمية، واللَّه أعلم. ونقل مهنأ عن أحمد في مجبوب تزوج امرأة، فلما دخل عليها (¬4) لم ترض به؛ لها ذلك، وعليه نصف الصداق إذا لم ترض به. قال الشيخ تقي الدين: هذا يدل على أن المرأة إذا فسخت قبل الدخول، فلها نصف الصداق لأن سبب الفسخ هو العيب من جهته، وهي معذورة في الفسخ (¬5). وأما القاضي؛ [فقال] (¬6): قد وجد الدخول، وإنما لم يقرر المهر كله؛ للمانع القائم به. - (ومنها): فسخها النكاح لإعسار الزوج بالمهر أو النفقة أو غير ذلك؛ كالفسخ لفوات شرط صحيح، قال القاضي والأكثرون: هو منسوب إليها؛ فيسقط به مهرها؛ كما في الفسخ لعيب الزوج. وقال أبو بكر في "التنبيه": فسخها لفوات الشرط يجب لها به نصف المهر (¬7)؛ لأن فوات ¬

_ (¬1) في المطبوع: "كل من الزوجين على الآخر إلى". (¬2) في (ج): "لغير". (¬3) في المطبوع و (ج): "به". (¬4) في (ج): "فلما دخل بها". (¬5) انظر: "مجموع الفتاوى" (32/ 26). (¬6) في (ب): "فإنه قال". (¬7) في المطبوع: "نصف الشرط".

الشرط من قبل الزوج؛ فنسب الفسخ به إليه دونها، وقياسه الفسخ لمنع (¬1) النفقة ونحوه (¬2) مما هو من فعل الزوج وهو قادر على إزالته. فأما (¬3) الفسخ لعسرته؛ فهو كالفسخ لعيبه [على ما] (¬4) تقدم، قال الشيخ تقي الدين: ويلزم من قال: إن خروج البضع متقوم بمهر المثل، وأن الفرقة من جهتها كإتلاف البائع للمبيع قبل القبض: أن يخير الزوج بين مطالبتها بمهر المثل وضمان المسمى لها، وبين إسقاط المسمى (¬5). - (ومنها): فسخ المعتقة تحت عبد قبل الدخول، وفيه روايتان: إحداهما: لا مهر لها، اختارها الخرقي (¬6) وغيره؛ لاستقلالها بالفسخ؛ كالحرة. والثانية: يتنصف المهر، نقلها مهنأ، واختارها أبو بكر؛ لأن السيد هو مستحق (¬7) المهر؛ فلا يسقط بفسخ غيره، ويجاب عنه بأن إعتاق السيد تسبب (¬8) في الفسخ؛ فسقط (¬9) حقه لتسببه في سقوطه، وإن باشره غيره كمن قال لغيره: ألق متاعي في البحر. ففعل. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بمنع". (¬2) في المطبوع: "ونحوها". (¬3) في المطبوع: "وأما". (¬4) في المطبوع: "كما". (¬5) نحوه في "الاختيارات الفقهية" (ص 223). (¬6) انظر: "مختصره" (7/ 149/ 5524 - مع "المغني"). (¬7) في المطبوع: "مستحق". (¬8) في المطبوع: "لسبب". (¬9) في المطبوع: "يسقط".

القسم الرابع: ما اشترك فيه الزوجان، وله صور: - (منها): لعانهما (¬1)؛ فذكر أبو بكر أن فرقة اللعان جاءت من جهة (¬2) الزوجة لأن الفرقة إنما تقع بلعانها، وقال القاضي: يتخرج على روايتين، أصلهما: إذا لاعنها في مرض موته؛ فهل ترثه؟ على روايتين. - (ومنها): تخالعهما (¬3)، وقد سبق أن المنصوص عن أحمد أن لها نصف الصداق، وهو قول القاضي وأصحابه. وإن لنا وجهًا (¬4) آخر: أنه يسقط المهر [كله] (¬5) إذا قلنا: هو فسخ؛ فإنه يكون منسوبًا إليهما، فيكون كالتلاعن، بخلاف ما إذا قلنا: إنه طلاق؛ فإن الطلاق يستقل به الزوج؛ [فهو] (¬6) كما لو قال لها ابتداءً: أنت طالق بألف، فقبلته. ويتخرج لنا وجه آخر. إنه يسقط به المهر، وإن قلنا: هو طلاق بناءً على أنه جاء من قبلها بسؤالها، ولهذا كان لنا فيمن خالعت زوجها في مرضه؛ هل ترثه (¬7)؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لعانها". (¬2) في (ج): "قِبَلَ". (¬3) في المطبوع: "أن يخالعها". (¬4) في المطبوع: "ولأن لنا فيه وجهًا". (¬5) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) في المطبوع: "هل ترثه أو لا؟ روايتان".

روايتان، وجزم ابن أبي موسى بأنها (¬1) لا ترثه؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها، [فلا يكون] (¬2) (¬3) لها شيء من الصداق، حينئذ يؤيد هذا أن الخلع يسقط حقوق الزوجية كلها في إحدى الروايتين عن أحمد، ونصف المهر من الحقوق؛ فيسقط على هذه الرواية. القسم الخامس: ما كان من جهة الزوجة مع أجنبي، وله صور: - (منها): شراؤها للزوج، وفيه وجهان: أشهرهما -وهو اختيار أبي بكر والقاضي وأصحابه-: إنه يتنصف بها (¬4) المهر تغليبًا لجهة الأجنبي ها، وهو البائع؛ إذ هو أصل العقد، ومنه نشأ، وعنه تلقى. والثاني: يسقط المهر تغليبًا لجهة الزوجة؛ إذ الانفساخ متعقب لقبولها. فأما شراء الزوج لزوجته، فهل يتنصف به المهر أو يسقط؟ على وجهين أيضًا، واختار (¬5) أبو بكر أنه يسقط تغليبًا لجهة البائع هنا أيضًا، وهو سيد الأمة المستحق لمهرها؛ فهو كمجيء الفسخ من الحرة المستحقة للمهر، وهذا متجه على ما أختاره في فسخ المعتقة تحت عبد؛ فعلى هذا، لو باعها السيد الذي زوجها لأجنبي، ثم باعها الأجنبي للزوج ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أنها". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "فليس". (¬4) في (ج): "به". (¬5) في (أ): "واختيار"!

قبل الدخول؛ لم يسقط [المهر] (¬1)؛ لأن الفرقة جاءت من البائع الثاني، وهو غير مستحق المهر (¬2)، هذا [ظاهر] (1) كلام صاحب "المحرر" (¬3). وعلل صاحب "الكافي" سقوط المهر بأن الزوجة شاركت (¬4) في الفسخ فسقط مهرها؛ كالفسخ بعيب (¬5)، ومعنى هذا أن كونها أمة صفة لها ثابتة بعد ملك الزوج، وذلك يوجب الفسخ؛ فأسند إليه؛ وإن لم يكن باختيارها، كما أسند (¬6) فسخها لعيب الزوج إليه؛ وإن لم يكن باختياره، وعلى هذا، فلا فرق بين شرائها من مستحق مهرها وغيره، وهو مقتضى إطلاق الأكثرين. - (ومنها): إذا مكنت الزوجة من نفسها من ينفسخ النكاح بوطئه؛ كأبي (¬7) الزوج أو ابنه؛ فقال القاضي ومن تبعه (¬8): يسقط مهرها؛ إسنادًا للفسخ إليها. وقال الشيخ تقي الدين: يتخرج على وجهين؛ لأن الفرقة منها ومن أجنبي (¬9). وبقي [ها] (1) هنا قسم سادس: وهو (¬10) الفرقة الإِجبارية، ولها صور: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "مستحق للمهر"!. (¬3) انظر: "المحرر" (2/ 35). (¬4) في المطبوع: "شاركته". (¬5) انظره في: "الكافي" (3/ 98). (¬6) في المطبوع: "استند". (¬7) في المطبوع: "كأب". (¬8) في المطبوع و (ب) و (ج): "اتبعه". (¬9) في المطبوع: "الأجنبي". (¬10) في المطبوع: "وهي".

- (منها): أن يسلم الكافر وتحته عدد لا يجوز له جمعه في الإسلام؛ فينفسخ نكاح العدد الزائد؛ فلا يجب لهن شيء من المهر، ذكره القاضي في "الجامع" و"الخلاف"، معللًا بأنه ممنوع من إمساكهن؛ فهو كالنكاح الفاسد، وجزم به صاحبا (¬1) "المغني" (¬2) و"المحرر" (¬3). ويتخرج لنا وجه آخر: إنه يجب نصف (¬4) المهر من المسألة التي بعدها. وأما الطلاق في النكاح الفاسد، فذكر (¬5) ابن عقيل وجهًا: أن المهر يتنصف به قبل الدخول، وعلى المشهور؛ فإنما سقط (¬6) لأن المهر يجب في النكاح الفاسد بالإصابة لا بالعقد، بخلاف الصحيح. - (ومنها): إذا تزوج أختين في عقدين، وأشكل السابق، وأمرناه بالطلاق، فطلقها؛ فقال أبو بكر: يتوجه في المهر قولان: أحدهما: يجب نصف المهر، ثم [يقترعان عليه] (¬7)؛ فمن وقعت عليها القرعة؛ حكم لها به لأنه واجب [لأحدهما] (¬8) في نفس الأمر، ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب) و (ج): "صاحب المغني". (¬2) انظر: "المغني" (7/ 120 - 121/ 5441). (¬3) انظر: "المحرر" (2/ 28 - 29). (¬4) في المطبوع: "تنصف". (¬5) في (ب): "فذكره". (¬6) في المطبوع و (ج): "يسقط". (¬7) في المطبوع: "يقترعان" فقط، وفي (ب): "يقرعان عليه". (¬8) في المطبوع: "علي لإحداهما"!

فتعين (¬1) بالقرعة. والثاني: لا يجب شيء (¬2)؛ لأنه مكره على الطلاق، فكأن الفسخ جاء من جهة المرأة، فلا يستحق (¬3) شيئًا. والمنقول عن أحمد في هذه المسألة ما نقله عنه مُهَنَّأ: أنه قال: يفرق بينهما، وقد قيل: يكون نصف المهر لهما جميعًا، وما أخلقه أن يكون كذلك! ولكن لم أسمع فيه شيئًا، وهذا يدل على أنهما يقتسمان نصف المهر لا [يقترعان] (¬4) عليه، ولو زوج الوليان امرأة [من زوجين] (¬5)، وجهل السابق منهما، وأمرناهما بالطلاق؛ فهل يجب لها نصف المهر على أحدهما ويعين بالقرعة، أم لا يجب لها شيء؟ على وجهين، وحكي عن أبي بكر أنه اختار [أنه] (¬6) لا شيء لها، وبه أفتى أبو علي (¬7) النجاد، قال الشيخ تقي الدين: ويتخرج على هذا الخلاف ما إذا ورثت المرأة زوجها؛ فإن الفرقة ها هنا بفعل اللَّه عز وجل؛ فهو كاشتباه الزوج (¬8). ¬

_ (¬1) في (ب): "فيتعين"، وفي (ج): "فيعين". (¬2) في المطبوع: "شيء به". (¬3) في المطبوع و (ج): "فلا تستحق". (¬4) غير واضحة في المطبوع. (¬5) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج). (¬6) في (ج): "أن". (¬7) في المطبوع: "أبو يعلى"! (¬8) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 206 - 207). ونقل المرداوي في "الإِنصاف" (8/ 91) كلام المصنف هذا.

157 - القاعدة السابعة والخمسون بعد المئة إذا تغير حال [المرأة] المعتدة بانتقالها من رق إلى حرية، أو طرأ عليها سبب موجب لعدة أخرى من الزوج؛ كوفاته؛ فهل يلزمها الانتقال إلى عدة الوفاة أو إلى عدة حرة؟

(القاعدة السابعة والخمسون بعد المئة) إذا تغير حال [المرأة] (¬1) المعتدة بانتقالها من رق إلى حرية، أو طرأ عليها سبب موجب لعدة أخرى من الزوج؛ كوفاته؛ فهل يلزمها الانتقال إلى عدة الوفاة أو إلى عدة حرة؟ إن كان زوجها متمكنًا من تلافي نكاحها في العدة؛ لزمها الانتقال، وإلا؛ فلا إلا ما يستثى من ذلك من الإِبانة في المرض (¬2)، ويتخرج على هذا مسائل: - (منها): الرجعية إذا عتقت أو توفي زوجها؛ انتقلت إلى عدة حرة وعدّة (¬3) وفاة. - (ومنها): إذا كان (¬4) تحت عبد مشرك إماء فأسلمن وأعتقن؛ فإن عدتهن عدة حرائر لأنه عتق في عدة يتمكن الزوج فيها من الاستدراك بالإسلام؛ فهي في معنى عدة الرجعية، بخلاف [ما لو] (¬5) أسلم العبد ثم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع. (¬2) في المطبوع: "المريض"! (¬3) في المطبوع و (ج): "أو عدة". (¬4) في المطبوع: "إذا كانت". (¬5) في المطبوع: "ماذا"!

عتق الإِماء وهن على الشرك؛ فإن عدتهن عدة إماء لأن الزوج لا يمكنه تلافي نكاحهن. - (ومنها): المرتد إذا قتل في عدة امرأته (¬1)؛ فإنها تستأنف عدة الوفاة، نص عليه في "رواية ابن منصور"؛ لأنه كان يمكنه تلافي النكاح بالإسلام بناءً على أن الفسخ يقف على انقضاء العدة. - (ومنها): لو أسلمت [امرأة] (¬2) كافر، ثم مات قبل انقضاء العدة؛ فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة في قياس التي قبلها، ذكره الشيخ تقي الدين (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "امرأة". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "المرأة وهي تحت". (¬3) انظر: "مجموع الفتاوى" (31/ 371 - 372).

158 - القاعدة الثامنة والخمسون بعد المئة إذا تعارض معنا أصلان عمل بالأرجح منهما؛ لاعتضاده بما يرجحه، فإن تساويا؛ خرج في المسألة وجهان غالبا

(القاعدة الثامنة والخمسون بعد المئة) إذا تعارض معنا أصلان عمل بالأرجح منهما؛ لاعتضاده بما يرجحه، فإن تساويا؛ خرج في المسألة وجهان غالبًا (¬1). - (ومن صور ذلك): ما إذا وقع في الماء نجاسة، وشك في بلوغه القلتين؛ فهل يحكم بنجاسته أو بطهارته (¬2)؟ على وجهين: أحدهما: يحكم بنجاسته، وهو المرجح عند صاحبي (¬3) "المغني" (¬4) و"المحرر" (¬5)؛ لأن الأصل عدم بلوغه قلتين. والثاني: هو طاهر، وهو أظهر؛ لأن الأصل في الماء الطهارة، [وأما أن أصله القلة] (¬6)؛ فقد لا يكون كذلك، كما إذا كان كثيرًا ثم نقص وشك في قدر الباقي منه، ويعضد هذا أن الأصل وجوب الطهارة بالماء؛ فلا يعدل ¬

_ (¬1) انظر عن القاعدة وتطبيقاتها: "المنثور" (1/ 330) للزركشي، و"الأشباه والنظائر" (ص 68) للسيوطي، و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 284). (¬2) في المطبوع: "طهارته". (¬3) في المطبوع و (ب): "صاحب "المغني" و"المحرر". (¬4) انظر: "المغني" (1/ 33/ 21). (¬5) انظر: "المحرر" (1/ 2). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

إلى التيمم إلا بعد تيقن عدمه. وأيضًا؛ فللأصحاب خلاف في الماء الذي وقعت فيه النجاسة؛ هل الأصل فيه أن ينجس إلا أن يبلغ حد الكثرة فلا ينجس لمشقة حفظ الكثير من النجاسة، أم الأصل فيه الطهارة إلا أن يكون يسيرًا فينجس لأن اليسير لا يكاد يحيل النجاسة عليه غالبًا (¬1)؟ فعلى الأول يجب الحكم بنجاسة هذا الماء، وعلى الثاني يحكم بطهارته، وعلى هذين المأخذين يتخرج الخلاف في إثبات نصف القربة الذي روى الشك فيه في ضبط القلتين وإسقاطه، وينبني على ذلك [أن القلتين] (¬2)؛ هل هما خمس قرب أو أربع، واللَّه أعلم. - (ومنها): [ما] (¬3) إذا وقع في الماء اليسير روثة، وشك: هل هي من مأكول أو غيره، أو مات فيه حيوان؟ وشك: هل هو ذو نفس سائلة أم لا؟ وفيه (¬4) وجهان: أحدهما: إنه نجس؛ لأن الأصل في الأرواث والميتات النجاسة، وحيث قضي بطهارة شيء منهما (¬5)؛ فرخصة على خلاف الأصل، ولم يتحقق وجود المرخص ها هنا؛ فبقينا (¬6) على الأصل. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لا يكاد يحمل النجاسة عليه غالبًا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين من (أ) والمطبوع. (¬4) في المطبوع: "فيه". (¬5) في المطبوع: "منها". (¬6) في المطبوع: "فيبقى"، وفي (ب): "فبنينا".

والثاني: أنه طاهر، وهو المرجح عند الأكثرين؛ لأن الأصل في الماء الطهارة؛ فلا يزال عنها بالشك، وقد منع بعضهم أن الأصل في الأرواث النجاسة، ونص أحمد في "رواية محمد بن أبي حرب" في رجل وطئ على روث لا يدري لحمار أو برذون؛ فرخص فيه إذا لم يعرفه. - (ومنها): إذا قعد الذباب على نجاسة رطبة، ثم سقط بالقرب على ثوب، وشك في جفاف النجاسة؛ ففيه وجهان: أحدهما: إنه نجس؛ لأن الأصل بقاء الرطوبة، ونقله (¬1) أبو بكر عن أحمد. والثاني: لا ينجس [الثوب] (¬2)؛ لأن الأصل طهارة الثوب. - (ومنها): إذا أدرك الإمام في الركوع، فكبر وركع معه، وشك: هل رفع إمامه قبل ركوعه أو بعده؟ فالمذهب أنه لا يعتد له بتلك الركعة؛ لأن الأصل عدم الإدراك، وهو منقول عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما (¬3)، وقال صاحب "التلخيص": ¬

_ (¬1) في المطبوع: "نقلها"! (¬2) ما بين المعقوفتين انفرد بها (ب) فقط. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة -وعنه ابن عبد البر في "التمهيد" (7/ 73 - 74) - عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: "إذا جئت والإمام راكع، فوضعت يديك على ركبتيك قبل أو يرفع؛ فقد أدركت". وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 90) عن ابن جريج ومالك، عن نافع، به، ولفظه: "من أدرك الإمام راكعًا، فركع قبل أن يرفع الإمام رأسه؛ فقد أدرك تلك الركعة". وإسناده صحيح. =

يحتمل وجهين: أحدهما أنه يعتد له بها؛ لأن الأصل بقاء الإمام في الركوع. - (ومنها): إذا شك: هل ترك واجبًا في الصلاة؛ فهل يلزمه السجود؟ على وجهين: أحدهما: يلزمه، لأن الأصل عدم الإِتيان به. والثاني: [لا] (¬1)؛ لأن الأصل عدم لزوم السجود. - (ومنها): إذا كان ماله غائبًا، فإن كان منقطعًا خبره؛ لم يجب ¬

_ = وما نقله المصنف عن ابن عمر يؤخذ من مفهوم المخالفة، ولا سيما للنَّص الأول، ثم وجدته قد صرح به؛ فقد أخرج عبد الرزاق في "المصنف" (رقم 3361) -ومن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" (7/ 74) - عن ابن جريج، والبيهقي في "السنن الكبري" (2/ 90) عن مالك، وابن جريج عن نافع، به بنحوه، وفي آخره: "وإن رفع قبل أن تركع؛ فقد فاتتك". وقد تكلم على المسألة، ونبّه على ضرورة إشاعتها النووي في "الفتاوى" له (ص 35)، قال: " (مسألة): إذا أدرك المسبوقُ الإمام راكعًا؛ قال أصحابنا؛ إن كبر المأموم قائمًا ثم ركع واطمأن قبلَ أن يرفع الإمام؛ حُسبت له الركعةُ، فإن لم يطمئن حتى رفع الإمامُ؛ لم تحسب له هذه الركعة، ولو شكَّ في ذلك؛ فهل تحسب له؟ في وجهان، أصحهما: لا تحسب؛ لأن الأصل عدم الإدراك؛ فعلى هذا يسجد للسهو في آخر ركعته التي يأتي بها بعد سلام الإمام؛ لأنه أتى بركعة في حالة انفراده، وهو شاك في زيادتها؛ فهو كمن شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ فإنه يأتي بركعة وسجد للسهو، وممن صرح بمسألتنا الغزالي في "الفتاوى"، وهي مسألة نفيسة، تعم البلوى بها، ويغفل أكثر الناس عنها، فينبغي إشاعتُها، واللَّه أعلم". (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

إخراج زكاته (¬1)، وإن لم يكن خبره منقطعًا؛ كالمودع ونحوه؛ ففي وجوب إخراج زكاته قبل قبضه وجهان، والمنصوص عن أحمد في "رواية مُهَنَّأ" أنه لا يجب، وعلل بأنه لا يدري لعل المال ذهب. وبنى (¬2) بعض الأصحاب هذا [الخلاف] (¬3) على الخلاف في محل الزكاة، فإن قلنا: العين (¬4)؛ لم يجب الإخراج حتى يقبضها ويتمكن من الإخراج منها، وإن قلنا: الذمة (¬5)؛ وجب الإِخراج من غيرها، ويتوجه عندي أن يتخرج في وجوب الزكاة في المال المنقطع خبره وجهان بناءً على محل التعلق (¬6)، فإن قلنا: هو العين؛ وجب لأن الأصل بقاؤها، لكن لا يلزم إخراج الزكاة حتى يقبض؛ كالدين، وإن قلنا: هو الذمة؛ لم يجب لأن الأصل براءة الذمة، وقد شك في اشتغالها، وأما إن قلنا: لا تجب الزكاة في المال الضال والمغصوب؛ فهذا مثله. - (ومنها): العبد الأبق المنقطع خبره؛ هل تجب فطرته أم لا؟ المنصوص عن أحمد في "رواية صالح": إنه لا تجب؛ لأن الأصل براءة الذمة والفطرة في الذمة (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الزكاة". (¬2) في المطبوع: "ويبنى". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "قلنا في العين". (¬5) في المطبوع: "قلنا في الذمة". (¬6) في المطبوع: "التعليق". (¬7) انظر: "مسائل صالح" (رقم 1160).

ويتخرج لنا وجه آخر: إنه يجب بناءً على جواز عتقه؛ لأن الأصل بقاؤه. - (ومنها): جواز عتقه في الكفارة، والمشهور عدمه، وذكر أبو الخطاب احتمالًا بالإجزاء؛ لأن الأصل بقاؤه. وذكر ابن أبي موسى في "شرح الخرقي" [في المسألة] (¬1) وجهين [عن] (¬2) الأصحاب، وصحح عدم الإجزاء؛ لأن الأصل بقاء الكفارة في الذمة، وقد عضده الظاهر الدال على هلاك العبد من انقطاع خبره؛ فرجح هذا الأصل باعتضاده بهذا الظاهر. وأيضًا؛ فالكفارة ثابتة في الذمة، وقد شك في وقوع العتق عنها؛ فلا يسقط بمجرد ذلك. - (ومنها): إذا ظهر بالمبيع عيب، واختلفا؛ هل حدث عند المشتري أو عند البائع؛ ففيه روايتان: إحداهما: القول قول البائع؛ لأن الأصل سلامة المبيع ولزوم البيع بالتفرق. والثانية: القول قول المشتري؛ لأن الأصل عدم القبض المبرئ. وأطلق أكثر الأصحاب هذا الخلاف، وفرق بعضهم بين أن يكون المبيع عينًا معينة أو في الذمة، فإن كان في الذمة؛ فالقول قول القابض ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (ج): "عند".

وجهًا واحدًا لأن الأصل اشتغال ذمة البائع، ولم (¬1) تثبت براءتها. - (ومنها): من لزمه ضمان قيمة عين، فوصفها (¬2) بعيب ينقص القيمة، وأنكر المستحق، فهل يقبل قوله في دعوى العيب لأنه غارم والأصل براءة (¬3) ذمته، أو قول خصمه في إنكار العيب لأن الأصل عدمه؟ على وجهين. - (ومنها): إذا آجره عبدًا وسلمه إليه، ثم ادعى المستأجر أن العبد أبق من يده وأنكر المؤجر؛ ففيه روايتان: إحداهما: القول قول المؤجر، نقلها حنبل؛ لأن الأصل عدم الإِباق، وأن المؤجر ملك (¬4) الأجرة كلها بالعقد. والثانية: القول قول المستأجر، نقلها ابن منصور؛ [لأن الأصل عدم تسليم المنفعة المعقود عليها، ولو ادعى أن العبد مرض؛ فالقول قول المؤجر، نص عليه في "رواية ابن منصور"] (¬5) مفرقًا بينه وبين الإِباق؛ لأن المرض يمكن إقامة البينة عليه، بخلاف الإِباق. - (ومنها): إذا ضرب للعنين الأجل، واختلفا في الإِصابة، والمرأة ثيب؛ فهل القول قول الزوجة لأن الأصل عدم الوطء، أو قول الزوج لأن ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فلم". (¬2) في (ج): "فوضعها". (¬3) في المطبوع: "إبراء". (¬4) في (ب): "يملك". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

الأصل عدم ثبوت الفسخ؟ على روايتين. وعنه رواية ثالثة: إنه يخلى معها، ويؤمر بإخراج مائه، وهذا يرجع إلى ترجيح الظاهر على الأصل. - (ومنها): إذا أسلم (¬1) الزوجان بعد الدخول، فقال الزوج: أسلمت في عدتك؛ فالنكاح باقٍ، فقالت: بل أسلمت بعد انقضاء عدتي؛ فوجهان: أحدهما: [إن] (¬2) القول قوله؛ لأن الأصل بقاء النكاح. والثاني: إن القول قولها؛ لأن الأصل عدم إسلامه في العدة. - (ومنها): إذا قال: أسلمت قبلك؛ فلا نفقة لك، وقالت: بل أسلمت قبلك؛ فلي النفقة؛ ففيه وجهان [أيضًا] (¬3): أحدهما: القول قولها؛ لأن الأصل وجوب النفقة. والثاني: القول (¬4) قوله؛ لأن النفقة إنما (¬5) تجب بالتمكين من الاستمتاع (¬6)، والأصل عدم وجوده، كذا ذكر صاحب "الكافي" (¬7)، وعلل ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إذا شك"! (¬2) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج) فقط. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "والقول"! (¬5) في المطبوع: "إنها"! (¬6) في (أ): "الاستحقاق". (¬7) انظر: "الكافي" (3/ 82).

القاضي بأن (¬1) النفقة تجب يومًا فيومًا؛ فالأصل عدم وجوبها، وينتقض التعليلان بالاختلاف في النشوز. - (ومنها): إذا علق الطلاق على عدم شيء، وشك في وجوده؛ فهل يقع الطلاق؟ على وجهين: [أصحهما: إنه] (¬2) لا يقع، وهو المذهب عند صاحب "المحرر"؛ لأن الأصل بقاء النكاح وعدم وقوع الطلاق (¬3). والثاني: يقع، ونقل مهنا عن أحمد ما يدل عليه فيمن حلف ليأكلن (¬4) تمرة، فاختلطت في تمر (¬5) كثير: إن لم يأكله كله؛ حنث، وبذلك جزم ابن أبي موسى والشيرازي والسَّامري (¬6)، [ورجحه ابن عقيل في "فنونه"] (¬7)؛ لأن الأصل وجود شرط الطلاق، وهو العدم [المعلق عليه] (¬8). [وذكر القاضي في "الجامع الكبير" ما يدل على أنه إن وجد ما يدل على انتفائه ظاهرًا؛ وقع الطلاق، وإن وُجد ما يدل على وجوده ظاهرًا؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أن". (¬2) في المطبوع و (ج): "أحدهما". (¬3) انظر: "المحرر" (2/ 60). (¬4) في (أ): "لا يأكل". (¬5) في (ج): "بتمر"، وفي (أ): "في ثمر". (¬6) انظر: "إيضاح الدّلائل" (2/ 268/ 715). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

فوجهان لأن الأصل وجود شرط الطلاق، وهو العدم المعلق عليه] (¬1)، وهذا [الخلاف إنما هو فيما] (¬2) إذا استمر الشك ولم يوجد ما يدل على بقاء العدم ولا على انتفائه؛ فإن وجد ما يدل على بقائه يقينًا؛ وقع الطلاق بغير خلاف، وإن وجد ما يدل على بقائه ظاهرًا، وكان حجة شرعية يجب قبولها؛ فكذلك، وإن كان (¬3) أمارة محضة وقع أيضًا على المشهور، وإن وجد ما يدل على انتفاء العدم يقينًا؛ لم يقع الطلاق، بغير خلاف، وإن وجد ما يدل على انتفائه ظاهرًا؛ فوجهان على قولنا بوقوع الطلاق مع استمرار الشك المساوي (¬4). - (ومنها): لو قتل من لا يعرف، ثم ادعى رقه أو كفره، وأنكر الولي ذلك؛ فهل يقبل قوله لأن الأصل عصمة دمه، أو قول الولي لأن الأصل في القتل إيجاب القصاص؛ إلا أن يمنع مانع، ولم يتحقق وجود المانع؛ على وجهين، أشهرهما الثاني، وحكى الأول عن أبي بكر، وكذا الخلاف فيما إذا جنى على عضو، ثم ادعى شلله، وأنكر (¬5) المجني عليه، لكن المحكي عن أبي بكر ها هنا (¬6) أن القول قول المنكر، وكذلك الوجهان إذا قدَّ (¬7) ملفوفًا نصفين، ثم ادعى أنه كان ميتًا، وأنكر (5) الولي؛ لأن الأصل عصمة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد به (ب). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "بخلاف ما". (¬3) في (ب): "كانت". (¬4) في المطبوع: "المساوي المطلق عليه". (¬5) في المطبوع: "فأنكر". (¬6) في المطبوع: "المجكي ها هنا عن أبي بكر". (¬7) في المطبوع: "وكذلك الوجهان فيما إذا قدَّ".

الدم، والأصل حياة المقدود. وكذا (1) الوجهان لو جنى على بطن حامل، فألقت ولدًا لوقت يعيش المولود في مثله، واختلفا في حياته عند الوضع لتعارض أصل الحياة وبراءة الذمة، وكذا (¬1) الوجهان لو زاد في القصاص من الجراح (¬2)، وقال: إنما حصلت الزيادة باضطراب المقتص منه، وأنكر ذلك؛ لأن الأصل عدم الاضطراب ووجوب الضمان، والأصل براءة ذمته وما يدعيه محتمل. - (ومنها): لو شهدت بينة بالنكاح، وقد ثبت الطلاق؛ فهل يجب به جميع المهر أم (¬3) نصفه فقط؟ على وجهين: أحدهما: يجب المهر كله؛ لأنه وجب بالعقد ولم يثبت له مسقط ولا لبعضه، وهو مقتضى قول (¬4) أبي الخطاب وصاحب "المحرر" (¬5). والثاني: يجب نصف المهر فقط؛ لأن النصف الآخر لا يستقر إلا بالدخول، ولم يتحقق، والأصل عدمه، وهو قول القاضي، وقال صاحب "المغني": إن أنكر الزوج الدخول؛ فالقول قوله في تنصف (¬6) المهر، ¬

_ (¬1) في (ج): "وكذلك". (¬2) في المطبوع: "الجرح". (¬3) في المطبوع و (ب) و (ج): "أو". (¬4) في المطبوع: "كلام". (¬5) انظر: "المحرر" (2/ 35) لأبي الخطاب رحمه اللَّه. (¬6) في المطبوع: "نصف".

وإلا؛ فالقول قولها في وجوده كله (¬1). - (ومنها): إذا رمى صيدًا فجرحه، ثم غاب عنه ووجده ميتًا ولا أثر به غير سهمه، أو جرحه جرحًا موحيًّا، ثم سقط في ماء ونحوه؛ فهل يباح؟ على روايتين، لأن الأصل عدم مشاركة سبب آخر في قتله، والأصل تحريم الحيوان حتى يتيقن سبب إباحته، لكن [الأصل الأول يعتضد] (¬2) بأن الظاهر موته بهذا السبب دون غيره. - (ومنها): إذا جاء بعض العسكر بمشرك، فادعى المشرك أن المسلم أمنه وأنكر؛ ففيه روايتان: إحداهما: القول قول المسلم في إنكار الأمان؛ لأن الأصل عدم الأمان. والثانية: القول قول المشرك؛ لأن الأصل في الدماء الحظر إلا بيقين الإباحة، وقد وقع الشك هنا فيها. وفيه رواية ثالثة: إن القول قول من يدل الحال على صدقه منهما، ترجيحًا لأحد الأصلين بالظاهر الموافق له. [وقريب] (¬3) من هذه المسألة: إذا دخل حربي دار الإسلام، وادعى أن بعض المسلمين عقد له أمانًا؛ فهل (¬4) يقبل قوله؟ ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (7/ 179، 187/ 5591). (¬2) في المطبوع: "الأصل الأول معتضد"، وفي (ج): "الأصل يعتضد" بسقوط "الأول". (¬3) في (ج): "ويقرب". (¬4) في (أ): "هل".

على وجهين ذكرهما صاحب "المغني" (¬1)، ونص أحمد: إنه إذا ادعى أنه جاءَ (¬2) مستأمنًا، فإن كان معه سلاح؛ لم يقبل منه، وإلا؛ قبل، فيخرج [ها] (¬3) هنا مثله. * * * ¬

_ (¬1) في "المغني" (9/ 281/ 7685): "أحدهما: يقبل تغليبًا لحقن دمه؛ كما يقبل من الرسول والتاجر. والثاني: لا يقبل؛ لأن إقامة البينة عليه ممكنة، فإن قال مسلم: أنا أمنته؛ قُبِل قولُه؛ لأنه يملك أن يؤمنه، فقُبِل قوله فيه". (¬2) في (ج): "أحمد على أنه إذا جاء". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

159 - القاعدة التاسعة والخمسون بعد المئة إذا تعارض الأصل والظاهر

(القاعدة التاسعة والخمسون بعد المئة) إذا تعارض الأصل والظاهر، فإن كان الظاهر حجة يجب قبولها شرعًا؛ كالشهادة والرواية والإخبار؛ فهو مقدم على الأصل بغير خلاف، وإن لم يكن كدلك، بل كان مستنده العرف أو العادة (¬1) الغالبة أو القرائن أو غلبة الظن ونحو ذلك؛ فتارة يعمل بالأصل ولا يلتفت إلى [هذا] (¬2) الظاهر، وتارة يعمل بالظاهر ولا يلتفت إلى الأصل، وتارة يخرج في المسألة خلاف (¬3). ¬

_ (¬1) في (ب): "والعادة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) معنى (الأصل): القاعدة المستمرَّة، وهو المعنى المستصحب. ومعنى (الظاهر): ما يكثر حدوثه ووقوعه أو يترجح ولم يكن أصلًا، ويضاف إلى ذلك معنى (النادر)، وهو ما قلَّ حدوثُه، وخالف الأصل. فالقاعدة تفيد أحكام تعارض (الأصل) و (الظاهر) في أفعال العباد؛ فهل يقدّم الأصل ويعمل به ويهمل الغالب، أو العكس؟ تختلف الأنظار باختلاف المسائل، لأنه يجب النظر في الترجيح، فما رجح دليلُه عمل به. من "موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 277). وانظر عن هذه القاعدة وتطبيقاتها: عند المالكية في: "قواعد المقَّري" (الفاعدة الثامنة والثلاثون)، و"إيضاح المسالك" للونشريسي (القاعدة السادس عشرة والثامنة بعد المئة)، و"الفروق" للقرافي (4 =

فهذه أربعة أقسام: القسم الأول: ما ترك فيه العمل (¬1) بالأصل للحجة الشرعية، وهي قول من يجب العمل بقوله، وله صور كثيرة جدًّا: - (منها): شهادة عدلين بشغل ذمة المدعى عليه. - (ومنها): شهادة عدلين ببراءة ذمة من علم اشتغال ذمته بدين ونحوه. - (ومنها): إخبار الثقة العدل بأن (¬2) كلبًا ولغ في هذا الإناء. - (ومنها): إخباره بدخول وقت الصلاة. - (ومنها): شهادة الواحد العدل برؤية هلال رمضان؛ فإنه مقبول على ظاهر المذهب. وفيه رواية أخرى: [إنه] (¬3) لا بد من شهادة عدلين كسائر الشهود. ¬

_ = / 104). وعند الشافعية في: "المنثور" (1/ 311) للزركشي، و"الأشباه والنظائر" (64، 51) للسيوطي و (1/ 14) لابن السبكي. وعند الحنفية في: "المبسوط" (11/ 24، 46، 16/ 16، 53)، و"شرح السير الكبير" (1/ 321)، كلاهما للسرخسي، و"أصول الكرخي" (110 - مع "تأسيس النظر")، و"الأشباه والنظائر" (257) لابن نجيم. وانظر أيضًا: "موسوعة القواعد الفقهية" (2/ 103)، و"المدخل الفقهي" (رقم 575 - 576)، و"الوجيز" (ص 108). (¬1) في المطبوع: "العمل فيه" بتقديم وتأخير. (¬2) في (ج): "أنّ". (¬3) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

وفرق أبو بكر بين أن يراه في المصر، فلا يقبل، وبين أن يراه [خارجًا من] (¬1) المصر [ثم يقدم إلى] (¬2) المصر، فيقبل خبره. - (ومنها): إخبار الثقة بطلوع الفجر في رمضان؛ فإنه يحرم الطعام والشراب والجماع. - (ومنها): إخباره بغروب الشمس في رمضان؛ فإنه يبيح الفطر، صرح به الأصحاب، ولم يجعلوه كالشهادة على هلال شوال، والفرق بينهما من وجهين: أحدهما: إن وقت الفطر ملازم لوقت صلاة المغرب، فإذا ثبت دخول وقت الصلاة بإخبار الثقة؛ ثبت دخول وقت الإفطار تبعًا له، وقد يثبت (¬3) تبعًا ما لا يثبت استقلالًا، بخلاف الشهادة بهلال شوال. والثاني: إن إخبار الثقة هنا تقارنه أمارات (¬4) تشهد بصدقه؛ لأن وقت الغروب متميز (¬5) بنفسه وعليه أمارات تورث غلبة الظن، فإذا انضم إليها إخبار الثقة؛ قوي الظن وربما أفاد العلم، بخلاف هلال الفطر؛ فإنه لا أمارة عليه. وفي "صحيح ابن حبان" من حديث سهل بن سعد؛ قال: كان النبي ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "خارج". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين من المطبوع: "فيقدم". (¬3) في (ب): "ثبت". (¬4) في المطبوع: "أن أخبار الثقة هنا يقارنه أمارات"، وفي (ب): "أن أخبار الثقة تقارنه أمارة"، وسقطت كلمة "هنا" من (أ) و (ب). (¬5) في المطبوع: "يتميز".

-صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كان صائمًا؛ أمر رجلًا فأوْفَى على شيء، فإذا قال: قد غابت الشمس؛ أفطر (¬1). وصح عن ابن عباس [رضي اللَّه عنه] (¬2): أنه كان يضع طعامه عند الفطر [في رمضان] (¬3) ويبعث مرتقبًا يرقب الشمس، فإذا قال: ¬

_ (¬1) أخرجه ابن خزيمة في "الصحيح" (3/ رقم 2061)، وعنه ابن حبان في "الصحيح" (8/ رقم 3510)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 434)؛ عن محمد بن أبي صفوان الثقفي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تزال أمتي على سنّتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم". قال: "وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كان. . ." (وذكره). قال ابن خزيمة عقبة: "هكذا حدثنا به ابن أبي صفوان، وأهاب أن يكون الكلام الأخير -أي: الذي أورده المصنف- عن غير سهل بن سعد لعله من كلام الثوري أو من قول أبي حازم، فأدرج في الحديث". وإسناده صحيح. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السِّياقة، إنما خرجا بهذا الإسناد للثوري: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر". قلت: وهذا اللفظ أخرجه مسلم في "صحيحه" (رقم 1098)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة" (4/ 127) -، والترمذي في "جامعه" (رقم 699)، وأحمد في "المسند" (5/ 331، 334، 336)، وابن أبي شيبة (3/ 13)، وعبد الرزاق (رقم 7592)، كلاهما في "المصنف"، والدارمي في "السنن" (2/ 7)، والفريابي في "الصيام" (رقم 38، 39، 40، 41)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (رقم 457)، والشافعي في "السنن المأثورة" (ص 323)، وابن خزيمة في "الصحيح" (2059)، والطبراني في "الكبير" (6/ رقم 5962)، وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 136)، والخطيب في "الفصل للوصل" (ق 112/ ب - 113/ ب)، وأثبت أن بعضهم أدرج في آخره: "ولم يؤخروا تأخير أهل المشرق". (¬2) ما بين المعقوفتين من (ب) ففط. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

قد وجبت؛ قال: كلوا (¬1). - (ومن ذلك): قبول قول الأمناء ونحوهم ممن يقبل قوله في تلف ما اؤتمن عليه (¬2) من مال أو غيره. - (ومنه أيضًا): قبول قول (¬3) المعتدة في انقضاء عدتها بالإقراء ولو في شهر في أحد الوجهين، والمنصوص أنه لا يقبل إلا بالبينة في الشهر، وفرق صاحب "الترغيب" بين من لها عادة منتظمة؛ فلا يقبل مخالفتها إلا ببينة، بخلاف من لا عادة لها، وفي "الفنون" لابن عقيل: لا يقبل مع فساد النساء إلا ببينة تشهد أن هذه عادتها أو أنها رأت الحيض على هذا المقدار، وتكرر ثلاثًا. القسم الثاني: ما عمل [فيه] (¬4) بالأصل ولم يلتفت إلى القرائن الظاهرة ونحوها، وله صور كثيرة: - (منها): إذا ادعت الزوجة بعد طول مقامها مع الزوج أنه لم يوصلها (¬5) النفقة الواجبة ولا الكسوة؛ فقال الأصحاب: القول قولها مع ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/ رقم 7597)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 12)، والفريابي في "الصيام" (رقم 53، 54)؛ بألفاظ، المذكور عند المصنف لفظ الفريابي في الموطن الثاني، وسنده صحيح. (¬2) في المطبوع: "مال أو ثمن عليه من مال أو"، وفي (ج): "ما أيتمن عليه من مال و". (¬3) في المطبوع: "قوله". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "لم نوصلها".

يمينها، لأن الأصل معها مع أن العادة تبعد ذلك جدًّا، واختار الشيخ تقي الدين الرجوع إلى العادة [هنا] (¬1). وخرجه وجهًا من المسائل المختلف فيها (¬2) كما سيأتي ذكرها إن شاء اللَّه تعالى؛ قال: وإذا وجد معها نظير الصداق أو الكسوة، ولم يعلم لها سبب تملك (¬3) ذلك به من غير الزوج؛ فينبغي أن يخرج على وجهين، كما إذا أصدقها تعليم سورة، ثم وجدت متعلمة لها بعد مدة، وقالت: لم يعلمني الزوج، وادعى هو أنه علمها؛ فإن في المسألة وجهين (¬4). - (ومنها): إذا تيقن الطهارة أو النجاسة في ماء أو ثوب أو أرض أو بدن، وشك في زوالها، فإنه يبني على الأصل إلى أن يتيقين زواله، ولا يكتفي في ذلك بغلبة ظن (¬5) ولا غيره، وكذلك لو تيقن حدثًا أو نجاسة وغلب على ظنه زوالهما (¬6)؛ فإنه يبني على الأصل، وكذلك في النكاح والطلاق وغيرهما. - (ومنها): إذا شك في طلوع الفجر في رمضان؛ فإنه (¬7) يباح له ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) انظر: "مجموع الفتاوى" (34/ 83، 87)، و"تيسير الفقه الجامع للاختيارات الفقهية" (2/ 861 - 863) للدكتور أحمد موافي. (¬3) في المطبوع: "يملك". (¬4) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 285). (¬5) في المطبوع: "الظن". (¬6) في المطبوع: "زوالها". (¬7) في المطبوع: "فابه".

الأكل حتى يستيقن (¬1) طلوعه، نص عليه أحمد، ولا عبرة في ذلك بغلبة [الظن] (¬2) بالقرائن ونحوها ما لم يكن مستندًا إلى إخبار ثقة بالطلوع (¬3). - (ومنها): إذا زنى من له زوجة وولد، فأنكر أن يكون وطئ زوجته؛ قال أصحابنا: لا يرجم؛ لأن الأصل عدم الوطء، ولحوق النسب يثبت بمجرد الإمكان ووجود الفراش (¬4). القسم الثالث: ما عمل فيه بالظاهر ولم يلتفت إلى الأصل، وله صور: - (منها): إذا شك بعد الفراغ من الصلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركن منها؛ فإنه لا يلتفت إلى الشك، وإن كان الأصل عدم الإِتيان به وعدم براءة الذمة؛ لكن الظاهر من أفعال المكلفين للعبادات أن تقع على وجه الكمال؛ فرجح (¬5) هذا الظاهر على الأصل، ولا فرق في ذلك بين الوضوء وغيره على المنصوص عن أحمد، وفي الوضوء وجه: إن الشك في ترك بعضه بعد الفراغ كالشك في ذلك قبل الفراغ؛ لأن حكمه باقٍ بعد الفراغ منه، بخلاف الصلاة وغيرها. - (ومنها): لو صلى ثم رأى عليه نجاسة، وشك: هل لحقته [قبل] (¬6) الصلاة أو بعدها، وأمكن الأمران؛ فالصلاة صحيحة، وإن كان ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يتيقن". (¬2) في (ج): "ظن ولا". (¬3) انظر في المسألة: "شرح الزركشي على مختصر الخرقي" (2/ 601). (¬4) في المطبوع: "القرائن". (¬5) في المطبوع و (ج): "فيرجح". (¬6) في (ج): "في".

الأصل عدم انعقاد الصلاة وبقاؤها في الذمة حتى يتيقن صحتها، لكن حكم بالصحة؛ لأن الظاهر صحة أعمال المكلف (¬1) وجريانها على الكمال، وعضد ذلك أن الأصل عدم مقارنة الصلاة للنجاسة؛ فترجع (¬2) المسألة حينئذ إلى تعارض أصلين، رجح أحدهما بظاهر يعضده (¬3). - (ومنها): إذا اختلف المتبايعان (¬4) بعد العقد في بعض شرائط صحة العقد؛ كما إذا ادعى البائع أنه كان صبيًّا أو غير مأذون له أو غير ذلك وأنكر المشتري؛ فالقول قول المشتري على المذهب، ونص عليه أحمد في صورة دعوى الصغر (¬5) في "رواية ابن منصور" (¬6)؛ لأن الظاهر وقوع العقد (¬7) على وجه الصحة دون الفساد؛ وإن كان الأصل عدم البلوغ والإذن (¬8). ¬

_ (¬1) في (ج): "المكلفين". (¬2) في المطبوع: "وترجع". (¬3) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: "عضده". (¬4) في المطبوع: "الجنسان". (¬5) في المطبوع و (ج): "الصغير". (¬6) في "مسائل ابن منصور" (368 - 369/ 261): "قلت: قال الثوري: رجل باع بيعًا، فقال: لقد بعتك وأنا صغير. فقال المبتاع: بعتني وأنت بالغ، ولم تك بينة؟ قال: البيع صحيح حتى يأتي المدعي بفساده. قال أحمد: إذا أقر أني بعتك وأنا صغير؛ فقد أقر بالبيع؛ فهو جائز عليه. قال إسحاق: كما قال". وانظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (29/ 132). (¬7) في المطبوع و (أ): "العقود". (¬8) أضاف ناسخ (ج) هنا في الهامش: "من المكلف".

وذكر الأصحاب وجهًا آخر في دعوى الصغر (¬1): إنه يقبل؛ لأنه لم يثبت تكليفه، والأصل عدمه، بخلاف دعوى عدم الإذن من المكلف (¬2)؛ فإن المكلف لا يتعاطى في الظاهر إلا الصحيح. قال (¬3) الشيخ تقي الدين: وهكذا يجيء في الإقرار وسائر التصرفات إذا اختلفا؛ هل وقعت بعد البلوغ أو قبله؛ لأن الأصل في العقود الصحة، فإما (¬4) أن يقال: [إن] (¬5) هذا عام، وإما أن يفرق بين أن يتيقن أنه وقت التصرف كان مشكوكًا فيه غير محكوم ببلوغه، أو لا يتيقن؛ فإنا (¬6) مع تيقن الشك قد تيقنا صدور التصرف ممن لم تثبت أهليته، والأصل عدمها؛ فقد شككنا في شرط الصحة، وذلك مانع من الصحة، وأما في الحالة الأخرى؛ فإنه يجوز صدوره في حال الأهلية وحال عدمها، والظاهر صدوره وقت الأهلية، والأصل عدمه قبل وقتها؛ فالأهلية هنا متيقن وجودها، ثم ذكر أن من لم يقر بالبلوغ حتى تعلق به حق مثل (¬7) إسلامه بإسلام أبيه، أو ثبوت الذمة له تبعًا لأبيه أو بعد تصرف الولي له، أو تزويج ولي أبعد منه لموليته؛ فهل يقبل منه دعوى البلوغ حينئذ، أم لا لثبوت هذه الأحكام المتعلقة به في الظاهر قبل دعواه؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "الصغير". (¬2) في المطبوع: "مكلف". (¬3) في (ب): "وقال". (¬4) في (ب): "وأما". (¬5) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬6) في المطبوع و (ج): "فأما". (¬7) في المطبوع كرر "مثل" مرتين.

وأشار إلى تخريج المسألة على الوجهين فيما إذا ارتجع الرجعية زوجها، فقالت: قد انقدت عدتي (¬1)، وشبهها (¬2) أيضًا بما ادعى المجهول المحكوم بإسلامه ظاهرًا؛ كاللقيط الكافر (¬3) بعد البلوغ؛ فإنه لا يسمع (¬4) منه على الصحيح، وكذا لو تصرف المحكوم بحريته ظاهرًا [كاللقيط] (¬5)، ثم ادعى الرق؛ ففي [قبول قوله] (¬6) خلاف معروف. - (ومنها): إذا غلب على ظنه دخول وقت الصلاة؛ فإنه تصح صلاته، ولا يشترط أن يتيقن دخوله في ظاهر المذهب. وحكى [عن] (5) ابن حامد أنه (¬7) يعتبر التيقن. - (ومنها): الفطر في الصيام يجوز بغلبة ظن غروب الشمس في ظاهر المذهب، ومن الأصحاب من قال: لا يجوز الفطر إلا مع تيقن الغروب، وبه جزم صاحب "التلخيص"، والأول أصح؛ لأن الوقت عليه أمارات يعرف (¬8) بها؛ فاكتفي فيه (¬9) بالظن الغالب، بخلاف ما لا أمارة عليه ¬

_ (¬1) انظر: "مجموع الفتاوى" (7/ 29، 14)، و"تيسير الفقه الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية" (2/ 944). (¬2) في المطبوع و (ب) و (ج): "وشبهه". (¬3) في المطبوع: "المقر". (¬4) في المطبوع: "لا نسمع". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "قبوله". (¬7) في المطبوع: "أن". (¬8) في المطبوع: "تعرف". (¬9) في المطبوع: "فيها".

من إتمام الصلاة والطهارة والحدث ونحوها. وأيضًا؛ فالصلاة والطهارة ونحوهما كل منهما عبادة فعلية مطلوبة الوجود، فإذا شك في فعل شيء منها؛ فالأصل عدمه؛ فلا يخرج من عهدته إلا بيقين، والصوم عبادة [هي ترك] (¬1) وكف عن محظورات خاصة، فمتى لم يتيقن وقوع محظوراتها في وقتها؛ لم يحكم ببطلانها، وإنما منع من الخروج منها بمجرد الشك المساوي؛ لأن الأصل بقاء الصوم، ولم يترجح ظن يعارضه، فإذا ترجح الظن؛ عمل به ولم يحكم ببطلانه بوقوع محظوراته حينئذ، لا سيما وفعل محظوراته مع ترجح (¬2) ظن انقضائه مطلوب شرعًا على الأظهر، ولهذا جاز الأكل أو استحب مع [ظن] (¬3) طلوع الفجر حتى يتحقق (¬4) طلوعه كما سبق، والفرق بينه وبين وقت الصلاة من وجهين: أحدهما: إن الصلاة يجوز فعلها مع غلبة ظن دخول وقتها ولا يجب، وكذلك الصيام يجوز الإمساك بنية الصوم مع غلبة ظن طلوع الفجر، ولا يجب فيهما (¬5) سواء. والثاني: أن الصلاة عبادة فعلية لا تستغرق مجموع وقتها، بل تفعل في جزء منه، فإذا فعلت في زمن يغلب على الظن أنه من وقتها؛ كفى، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "ترجيح". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) في المطبوع و (ج): "يتيقن". (¬5) في المطبوع: "فهما".

والصوم عبادة تستغرق زمنها، وهي من باب الكف والترك (¬1) لا من باب الإعمال؛ فيكفي اشتراط الكف عن محظوراتها في زمانها المحقق دون المشكوك فيه، ولا يبطل بفعل شيء من محظوراتها في زمن لا يتحقق أنه وقت للصيام (¬2)؛ إلا أن يكون الأصل بقاء وقت الصيام ولم يغلب على الظن خروجه؛ فلا يباح حينئذ الأقدام على الافطار، ولا تبرأ الذمة (¬3) بمجرد ذلك، وهذا كما قلنا فيمن صلى ثم رأى عليه نجاسة: يمكن أنها لحقته بعد الصلاة سواء. - (ومنها): إن المستحاضة المعتادة ترجع إلى عادتها، وإن لم تكن لها عادة؛ فإلى تمييزها، وإن لم يكن لها عادة و [لا] (¬4) تمييز؛ رجعت إلى غالب عادات النساء، وهي ست أو سبع على الصحيح؛ لأن الظاهر مساواتها لهن؛ وإن كان الأصل عدم فراغ حيضها حينئذ (¬5). - (ومنها): امرأة المفقود تتزوج بعد انتظار أربع سنين (¬6)، ويقسم ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الكف والترك"، وفي (ج): "الترك والكف". (¬2) في المطبوع: "الصيام". (¬3) في المطبوع: "الزمه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) انظر: "القواعد النورانيّة الفقهية" (ص 16) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه، و"الخلافيات" (3/ مسألة 48) للبيهقي. وقد بسطت هناك عليها الكلام. (¬6) قال ابن رجب رحمه اللَّه في "كتاب القول الصواب في تزويج أمهات أولاد الباب" (ص 33 - 37 - تحقيق عبد اللَّه الطريقي) في مسألة تزويج امرأة المفقود: "وفيها قولان مشهوران: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أحدهما: إنها تتربص أربع سنين؛ أكثر مدة الحمل، ثم تعد للوفاة، ثم تتزوج، وهذا مروي عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسب، وعطاء، والحسن، وقتادة، والزبير، والأوزاعي، ومالك، وابن الماجشون، وأهل المدينة، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، والشافعي في القديم، وأبي خيثمة، وسليمان بن داود الهاشمي، وعلي بن المديني، وفقهاء الحديث. والقول الثاني: تنتظر أبدًا حتى يتبين خبره، وروي عن علي -رضي اللَّه عنه-، وأنكر الإمام أحمد صحته عنه، وهو قول الكوفيين؛ كالنخعي، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وأبي حنيفة، وأصحابه، والثوري، وإليه ذكره الشافعي في الجديد، وروي عن أبي قلابة، وحكي رواية عن أحمد، ومن أصحابه من لم يثبتها عنه، فإن المشهور عنه القول الأول، وقد أنكر قول من حكى عنه خلافه، قال الأثرم؛ قلت لأبي عبد اللَّه: إن إنسانًا قال: إن أبا عبد اللَّه ترك قوله في المفقود، فضحك وقال: من ترك هذا القول؛ فبأي شيء يقول؟! قال: وقال في أبو عبد اللَّه: ما أعجب من لا يفتي بهذا! يذهون بأقوال الناس، ويحبون المرأة المسكينة أبدًا لا تتزوج! قيل: يقولون: يطمع. قال: من يطمع بعد هذا الأجل؟ قال: قال خمسة من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يفتون يقولون: تزوج امرأة المفقود. قال: وهو مروي عن عمر -رضي اللَّه عنه- من ثمانبة أوجه. قيل له: مروي عن عمر خلاف هذا؟ قال: لا، إلا أن يكون إنسان يكذب". ثم نقل رحمه اللَّه عن أبي داود في "مسائله" (ص 177) قوله: "سمعت أحمد قيل له: في نفسك من المفقود شيء؛ فإن فلانًا وفلانة لا يفتيان به؟ فقال ما في نفسي منه شيء؛ هذا خمسة من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمروها بالتربص، قال أحمد: هذا من ضيق العلم. قال أبو داود: يعني ضيق علم الرجل أن لا يتكلم في المفقود". قلت: وانظر في المسألة: "تكملة المجموع" (16/ 459 - فما بعدها)، و"روضة الطالبين" (8/ 400)؛ كلاهما للنووي، و"المغني" (9/ 132 - "الشرح الكبير")، و"الإنصاف" (7/ 336 و 9/ 288). =

ماله حينئذ؛ لأن الظاهر موته؛ وإن كان الأصل بقاؤه (¬1)، لكن هل يثبت له أحكام المعدوم من حين فقده، أو لا يثبت إلا من حين إباحة أزواجه وقسمة (¬2) ماله؟ على وجهين ينبني (¬3) عليهما: لو مات له في مدة انتظاره من يرثه؛ فهل يحكم بتوريثه منه أم لا؟ ونص أحمد على أنه يزكى ماله بعد مدة انتظاره، معللًا بأنه مات وعليه زكاة، وهذا (¬4) يدل على أنه لا يحكم له بأحكام الموتى إلا بعد المدة، وهو الأظهر (¬5). ¬

_ = وانظر هذه الأثار عند البيهقي في: "السنن الكبرى" (7/ 445)، و"مصنف عبد الرزاق" (7/ 90 - 91)، و"مصنف ابن أبي شيبة" (4/ 237 - 238). (¬1) قال ابن رجب في "كتاب القول الصواب" (ص 55): "وكذلك نص أحمد على أن مال المفقود بعد مضي المدة المعتبرة لانتظاره يزكى لما مضى من السنين؛ معللًا بأن. صاحبه مات وعليه زكاته، والزكاة تخرج من رأس المال، وهذا يدل على أنه يحكم بوفاته ظاهرًا بعد هذه المدة، وعلى هذا؛ فتخرج الزكاة من أصل مال المفقود، فإن كان عليه دين؛ تحاصا على المنصوص عليه في اجتماع الزكاة والدين على الميت، وهذا نص منه بإخراج جميع الواجبات عن الميت من ماله بعد مدة انتظاره، سواء كانت لآدمى أو للَّه، وعتق أم ولد المفقود من قبيل إخراج الزكاة من ماله، لأنه حق واجب للَّه تعالى وإن كان مستحقه آدميًا معينًا؛ بخلاف الزكاة، فإن مستحقها آدمي غير معين، وطرد هذا أن تنفذ منه وصاياه ويعتق المدبرون" اهـ. (¬2) في (ب): "وقسم". (¬3) في (ب): "ومبنى". (¬4) في (أ): "فهذا". (¬5) حكى ابنُ رجب قولين في "كتاب القول الصواب" (ص 39) في قسمة مال =

ويلتحق بهذا أن امرأة المفقود بعد مدة انتظاره تعتد للوفاة، ثم تباح للأزواج؛ فهل (¬1) تجب لها النفقة من ماله في مدة العدة كما في مدة الانتظار أم لا؟ على وجهين: أحدهما: لا تجب (¬2)، وهو الذي ذكره ابن الزاغوني في "الإِقناع"، وقال أبو البركات في "الشرح": هو قياس المذهب عندي؛ لأنه حكم بوفاته بعد مدة الانتظار؛ فصارت معتدة للوفاة (¬3). والثاني: يجب لها النفقة، قاله القاضي، [وهو نص أحمد] (¬4)؛ لأن ¬

_ = المفقود إذا حكم بجواز تزوج زوجته أو لا، فقال: "فيه قولان: أحدهما: إنه يقسم بين مستحقيه من الورثة وغيرهم، وهو قول الحسن وقتادة والزهري وأحمد وإسحاق؛ لحكمهم بموته ظاهرًا. والثاني: لا يقسم ماله، بل يوقف، وهو قول من يقف الزوجة؛ كما سبق، وقول من يبيح المزوجة النكاح لتضررها بانتظار زوجها أبدًا، كمالك والشافعي في القديم، والأول المأثور عن الصحابة رضي اللَّه عنهم أيضًا" اهـ. قلت: ثم نقل من "مسائل صالح" (3/ 120/ 1472) عن أحمد، قال: حدثنا عبد الرزاق! قال: أخبرني ابن جريج؛ قال: أخبرني عطاء الخراساني عن الزهري أن عمر وعثمان قالا: امرأة المفقود تتربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا، ويقسم ميراثه". (¬1) في (ب): "وهل". (¬2) في المطبوع: "لا يجب". (¬3) حكاه عنه ابن رجب في كتابه "القول الصواب" (ص 54)؛ فانظره إن شئت. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

النفقة لا تسقط إلا بتيقن (¬1) الموت، ولم يوجد (¬2) ها هنا، وكذا ذكر صاحب "المغني"، وزاد: إن نفقتها لا تسقط بعد العدة أيضًا؛ لأنها باقية على نكاحه ما لم تتزوج أو يفرق الحاكم بينهما (¬3). - (ومنها): أن النوم المستثقل (¬4) ينقض الوضوء؛ لأنه مظنة خروج الحدث؛ وإن كان الأصل عدم خروجه وبقاء الطهارة. وحكى ابن أبي موسى في "شرح الخرقي" وجهًا آخر: إن النوم نفسه حدث، لكن يعفى عن يسيره؛ كالدم ونحوه. - (ومنها): إذا زنا من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين، وادعى الجهل بتحريم الزنا؛ لم يقبل قوله لأن الظاهر يكذبه؛ وإن كان الأصل عدم علمه بذلك، (ومثله): إذا ادعت المعتقة تحت عبد الجهل بالعتق أو بثبوت الخيار، ومثلها لا يجهل ذلك؛ فإنه لا يقبل قولها. - (ومنها): إذا زوج الولي (¬5) امرأة يعتبر إذنها لصحة العقد، ثم أنكرت الإِذن؛ فإن كان بعد الدخول؛ لم يقبل قولها لأن تمكينها يكذبها، وإن كان قبله، فإن كان إذنها السكوت، [أو أقرت بأنها سكتت، ولكن] (¬6) ادعت أن سكوتها كان حياءً لا رضًا؛ لم يقبل قولها، نص عليه أحمد في ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب) و (ج): "بيقين". (¬2) في المطبوع: "ولم توجد". (¬3) انظر: "المغني" (8/ 105 - 106/ 6350). (¬4) في المطبوع: "المنثقل". (¬5) في المطبوع: "المولى". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج)، وبدله في المطبوع "و".

"رواية الأثرم"؛ لأن السكوت في حكم الشارع إقرار به ورضا؛ فلا يسمع (¬1) دعوى خلافه، وإن ادعت أنها ردت أو كان إذنها النطق فأنكرته؛ فقال القاضي: القول قولها؛ لأن الأصل معها، ولم يوجد ظاهر يخالفه. - (ومنها): لو ادعت امرأة على رجل أنه تزوجها في يوم معين بمهر مسمى وشهد به شاهدان، ثم ادعت عليه أنه تزوجها في يوم آخر معين بمهر مسمى وشهد به شاهدان، ثم اختلفا؛ فقالت المرأة: هما نكاحان؛ فلي المهران (¬2)، وقال الزوج: بل نكاح واحد تكرر عقده، فالقول قول الزوجة لأن الظاهر معها، وكذا لو شهدت بينة (¬3) أنه باعه هذا الثوب في يوم كذا بثمن، وشهدت بينة (3) أخرى أنه باعه منه في يوم آخر بثمن، فقال المشتري: هو عقد واحد كررناه، وقال البائع: بل هو عقدان؛ فالقول قول البائع؛ لأن الظاهر معه، ذكره أبو بكر والقاضي والأصحاب، وقال الشيخ تقي الدين: ينبغي أن يكون القول [قول الزوج] (¬4)؛ لأن الأصل عدم الفرقة بينهما، والأصل براءته من المهر الثاني (¬5). القسم الرابع: ما خرج فيه خلاف في ترجيح الظاهر على الأصل ¬

_ (¬1) في (ج): "فلا تسمع". (¬2) في (أ): "على المهرين"، وفي المطبوع: "ولي المهر". (¬3) في (ج): "ببينة". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "قوله". (¬5) نص كلامه رحمه اللَّه: "وينبغي أن يكون القول قوله؛ لأن الأصل عدم الفرقة بينهما، والأصل براءة ذمته مما زاد على المهر الثاني، ولا تستحق إلا نصفه؛ لأن الأصل عدم الدخول، ولم يثبت بينة ولا إقرار". انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 231).

وبالعكس، ويكون ذلك غالبًا (¬1) عند تقاوم الظاهر والأصل وتساويهما (¬2)، وله صور كثيرة: - (منها): إذا سخن الماء بنجاسة، وغلب على الظن وصول الدخان إليه؛ ففي كراهته وجهان، أشهرهما أنه يكره. - (ومنها): لو أدخل الكلب رأسه في إناء فيه ماء، وشك؛ هل ولغ فيه أم لا، وكان فيه رطبًا؛ فهل يحكم بنجاسة الماء لأن الظاهر ولوغه، أم بطهارتها لأنها الأصل؟ على وجهين ذكرهما الأزجي. - (ومنها): إذا وقع في ماء يسير ما لا نفس له سائلة، وشك هل هو متولد من النجاسات (¬3) أم لا، وكان هناك بئر وحش، فإن كان إلى البئر أقرب أو هو بينهما بالسوية؛ فهو طاهر، وإن كان إلى الحش أقرب؛ فوجهان: أحدهما: إنه نجس. والآخر: إنه طاهر ما لم يعاين خروجه من الحش، نقل ذلك صاحب "المهم" (¬4) عن شيخه ابن تميم. ¬

_ (¬1) في (ج): "ظاهرًا". (¬2) في المطبوع: "تساويهما". (¬3) في المطبوع: "النجاسة". (¬4) في (أ) و (ب) والمطبوع: "المبهم". وكذا وقع في موطنين في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 234، 204)!! ولكنه سماه "المهم" في ترجمة مؤلفه، وهو عبد اللَّه بن أبي بكر الحربي، يعرف بـ "كتيلة"، المتوفى سنة إحدى وثمانين وست مئة؛ فقال: "وشرح كتاب "الخرقي" وسماه المهم"، وسمي بـ "المهم" في "المنهج الأحمد" (1/ 396)، =

- (ومنها): طين الشوارع، وفيه روايتان: إحداهما: إنه طاهر، ونص [عليه أحمد] (¬1) في مواضع، وجعله أبو البركات في "شرحه" المذهب ترجيحًا للأصل، وهو الطهارة في الأعيان كلها. والثانية: إنه نجس ترجيحًا للظاهر، وجعله صاحب "التلخيص" المذهب؛ حتى حكى عن ظاهر كلام الأصحاب: إنه لا يعفى عن يسيره. وأبدى احتمالًا بالعفو [عنه] (¬2) لمشقة الاحتراز، وحكى [عن] (¬3) ابن عقيل العفو عن يسيره، إلا [ما تحقق] (¬4) نجاسته من الأرض؛ فلا يعفى عنه. وذكر صاحب "المهم" (¬5) عن ابن تميم أنه قال: إذا كان الشتاء، ولم يتعين (¬6) موضع النجاسة؛ ففي نجاسة الأرض روايتان، فإذا جاء الصيف؛ حكم بطهارتها رواية واحدة. وللمسألة أصول تنبني عليها: ¬

_ = و"المقصد الأرشد" (2/ 26)، و"العبر" (5/ 335)، و"مرآة الزمان" (4/ 197)، و"الوافي بالوفيات" (17/ 78)، و"النذرات" (5/ 373)، و"الدر المنضّد" (ص 38 / رقم 102)، و"المدخل المفصل" (2/ 698، 983). (¬1) في المطبوع: "أحمد عليه" بتقديم وتأخير. (¬2) في (ج): "منه". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬4) في (ج): "مع تحقيق". (¬5) في (أ) و (ب) والمطبوع: "صاحب المبهم"، وانظر ما قدمناه قريبًا. (¬6) في (ج): "ولم يتيقن".

أحدها: ما ذكرنا من تعارض الأصل والظاهر. والثاني: طهارة الأرض وغسالتها بماء المطر وغيره إذا لم يبق للنجاسة أثر، سواء كانت النجاسة التي على الأرض أثرًا أو عينًا على الصحيح من المذهب. والثالث: طهارة النجاسة (¬1) بالاستحالة، وفي المذهب [فيه] (¬2) خلاف ينبني (¬3) عليه طهارة الطين إذا بقيت فيه عين النجاسة ثم استهلكت فيه حتى ذهب أثرها. والرابع (¬4): طهارة الأرض بالجفاف والشمس والربح، وقد توقف فيه أحمد، وذهب كثير من الأصحاب إلى عدم طهارتها بذلك، وخالفهم صاحب "المحرر" في "شرح الهداية"، وينبني (¬5) على ذلك طهارة الأرض مع مشاهدة النجاسات (¬6) [فيها] (¬7)؛ وإن لم يصبها الماء، واللَّه أعلم. - (ومنها): المقبرة المشكوك في نبشها إذا تقادم عهدها؛ هل يحكم بنجاستها لأن الظاهر نبشها، أو بطهارتها لأن الأصل عدمه؟ ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "والثاني: طهارة النجاسة"، وفي المطبوع: "والثاني" فقط، وسقط قوله: "طهارة النجاسة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (أ) والمطبوع: "يبنى". (¬4) في (أ) و (ب) والمطبوع: "والثالث". (¬5) في المطبوع: "ويبنى". (¬6) في (ب): "النجاسة". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

على وجهين. - (ومنها): ثياب الكفار وأوانيهم، وفيها روايات (¬1) عن أحمد: أحدها (¬2): الإباحة ترجيحًا للأصل، وهو الطهارة. والثانية: الكراهة (¬3) لخشية إصابة النجاسة لها؛ إذ هو الظاهر. والثالثة: إن قوي الظاهر جدًّا؛ لم يجز استعمالها بدون غسل، وبتفرع على هذه الرواية روايتان: إحداهما: إنه يمنع من استعمال ما ولى عوراتهم من الثياب قبل غسله دون ما علا منها. والثانية: يمنع من استعمال الأواني والثياب مطلقًا ممن يحكم بأن ذبيحته ميتة؛ كالمشركين والمجوس دون غيرهم، وقال الخرقي في "شرحه" وابن أبي موسى: لا يجوز استعمال قدور النصارى؛ لاستحلالهم الخنزير. وزاد الخرقي: ولا أواني طبيخهم (¬4) دون أوعية الماء ونحوها مما يبعد إصابته للنجاسة (¬5). وزاد ابن أبي موسى: المنع من استعمال ثياب من لا تحل ذبيحته؛ كالمجوس مطلقًا، وما سفل من ثياب أهل الكتاب ولصق بأبدانهم حتى تغسل. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وفيها ثلاث روايات". (¬2) في المطبوع: "إحداها". (¬3) في المطبوع: "الكراهية". (¬4) في (ب): "طبخهم". (¬5) في المطبوع: "بالنجاسة".

- (ومنها): ثياب الصبيان ومن لا يتحرز من النجاسة، وفيه ثلاثة أوجه: الكراهة، وعدمها، والمنع حتى تغسل، وهو اختيار ابن أبي موسى. - (ومنها): إذا شك المصلي في عدد الركعات، وفيه ثلاث روايات عن أحمد [رحمه اللَّه ورضي عنه] (¬1): أحدها (¬2): إنه يبني على الأقل، وهو المتيقن؛ لأن الأصل عدم الزيادة المشكوك فيها. والثانية: يبني (¬3) على غالب ظنه؛ للحديث الوارد في ذلك (¬4). والثالثة: إن قوي الظن بإقرار غيره له عليه؛ بنى على غالب ظنه، وهو الإمام إذا أقره المامومون، وإن كان منفردًا؛ بنى على اليقين، وهي المشهورة في المذهب، فأما إن سبح [به] (¬5) اثنان من المأمومين؛ فإنه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين تفرد بها المطبوع. (¬2) في المطبوع: "إحداها". (¬3) في (ج): "ينبني". (¬4) يشير المصنف إلى ما أخرجه الجاري في "صحيحه" (كتاب الإيمان، باب إذا حنث ناسيًا في الإيمان، رقم 6671)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم 572)، وغيرهما؛ عن ابن مسعود رفعه: "إنّه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ؛ فذكِّروني، وإذا شك أحدكم في صلاته؛ فليتحرَّ الصواب؛ فليُتمَّ عليه، ثم ليسجد سجدتين". قال ابن حبان في "صحيحه" (6/ 387 - 388) عقبه: ". . . لأن التحري هو أن يشُك المرءُ في صلاته؛ فلا يدري ما صلى، فإذا كان كذلك عليه أن يتحرَّى الصواب، وليبن على الأغلب عنده، ويسجد سجدتي السهو بعد السلام". (¬5) في المطبوع: "له".

يرجع إليهما ما لم يتيقن صواب نفسه على الروايات كلها، وقال ابن عقيل: إنما يرجع إليهما إذا قلنا: يبني على غالب ظنه؛ لأن تنبيههما إنما يفيد غلبة الظن. والأول أصح؛ لأن الرجوع إلى قولهما رجوع إلى بينة شرعية؛ فيترك الأصل لأجلها، كسائر البينات الشرعية، بخلاف غلبة الظن المجردة، وإذا (¬1) جوزنا [له] (¬2) العمل بالظن الغالب؛ فإنه يجوز له [تركه و] (¬3) العمل باليقين، صرح به القاضي في كتاب "أحكام القرآن" وغيره، ولو شهد اثنان من المأمومين على الإِمام أنه أحدث في الصلاة (¬4)، وأنكر هو وبقية المأمومين؛ أعادوا الصلاة كلهم، نص عليه في "رواية مُهَنَّأ"، واحتج بحديث (¬5) ذي اليدين (¬6) [وغيره] (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إذا" من غير واو. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ترك". (¬4) في المطبوع: "صلاته". (¬5) في المطبوع: "بخبر". (¬6) وهو حديث مشهور أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الأذان، باب هل يأخذ الإمام إذا شك يقول الناس، رقم 714، 715، وكتاب السهو، باب من لم يشهد في سجدتي السهو، رقم 1227، 1228، وكتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، رقم 7250)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم 573)؛ عن أبي هريرة. وقد تكلم عليه -رواية ودراية- الحافظ العلائي في كتابٍ مفرد مطبوع بتحقيقين، اسمه "نظم الفرائد". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

- (ومنها): إذا شك في عدد الطواف، وفيه روايتان: إحداهما: يرجع إلى الأصل، وهو المتيقن. والثانية (¬1): يرجع إلى غالب ظنه؛ كالصلاة. فإن أخبره اثنان [بما طاف] (¬2)؛ فهل يرجع إلى قولهما؟ على وجهين، والمنصوص أنه يرجع إليهما، وكذا الوجهان لو أخبر المصلي من ليس معه في الصلاة، هل يرجع إليهما أم لا؟ وفي "المغني": يرجع الطائف إلى خبر الثقة الواحد العدل؛ لأنه خبر ديني؛ فلا يشرط [فيه التعدد] (¬3)، وإنما اشترطنا العدد في الصلاة؛ لخبر ذي اليدين، فبقي ما عداها على الأصل (¬4). - (ومنها): لو وجد في دار الإِسلام ميت مجهول الدين، فإن لم ¬

_ (¬1) في المطبوع: "والثاني". (¬2) في (ج): "بمطاف". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "العدد". (¬4) قال ابن قدامة في "المغني" (3/ 187/ 2463، 3/ 392 - مع "الشرح الكبير"): "إن شك في عدد الطواف؛ بني على اليقين. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك، ولأنها عبادة؛ فمتى شك فيها وهو فيها بنى على اليقين؛ كالصلاة، وإن أخبره ثقة عن عدد طوافه؛ رجع إليه إذا كان عدلًا، وإن شك في ذلك بعد فراغه من الطواف؛ لم يلتفت إليه؛ كما لو شك في عدد الركعات بعد فراغ الصلاة". قلت: انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص 52). وانظر: "المجموع" (8/ 22/ ط المكتبة السلفية).

يكن عليه علامة [إسلام ولا كُفْر] (¬1)، أو تعارض فيه علامتا (¬2) الإسلام والكفر؛ صُلِّي عليه، نص عليه (¬3)، فإن كان عليه [علامة] (¬4) الكفر خاصة؛ فمن الأصحاب من قال: يصلى عليه، والمنصوص عن أحمد أنه [يدفن من غير صلاة] (¬5)، وهذا يرجع إلى تعارض الأصل والظاهر؛ إذ الأصل في [أهل دار] (¬6) الإسلام الإسلام، والظاهر في هذا الكفر، ولو كان الميت في دار الكفر، فإن كان عليه علامات الإسلام؛ صُلِّي عليه، وإلا؛ فلا، نص عليه (¬7) في "رواية علي بن سعيد"، وهذا ترجيح للظاهر على الأصل ها هنا؛ كما رجحه في الصورة الأولى، ولم يرجح الأصحاب هنا الأصل كما رجحوه ثَمَّ؛ لأن هذا الأصل قد عارضه أصل آخر، وهو أن الأصل في كل مولود أنه يولد على الفطرة. - (ومنها): إذا اختلف الزوجان في [قدر] (¬8) المهر ولا بينة؛ ففيه روايتان: إحداهما: القول قول الزوج؛ لأنه منكر وغارم، والأصل براءة ذمته ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الإسلام ولا الكفر". (¬2) في المطبوع و (ب) و (ج): "علامة". (¬3) في (ج): "نص عليه أحمد". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "لا يصلى عليه، ويدفن". (¬6) سقطت كلمة "أهل" من المطبوع، وفي (ج): "دار أهل". (¬7) في المطبوع: "نص عليه أحمد". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

من القدر الزائد على ما يقر (¬1) به. والثانية: القول قول [مدعي] (¬2) مهر المثل؛ لأن الظاهر معه. - (ومنها): إذا أسلم الزوجان قبل الدخول، وقال الزوج: أسلمنا معًا؛ فنحن على نكاحنا، وقالت الزوجة: بل على التعاقب؛ فلا نكاح؛ فوجهان: أحدهما: القول قول الزوج؛ لأن الأصل معه. والثاني: القول قول الزوجة، لأن الظاهر معها؛ إذ [وقوع إسلامها معًا] (¬3) في آن واحد نادر، والظاهر خلافه. - (ومنها): إذا خلا بامرأته وصدقته أنه لم يطأها، وقلنا: لا يتقرر بذلك المهر على رواية سبقت، وكان [له منها] (¬4) ولد؛ فهل يتقرر المهر بذلك لأن الغالب أن الولد إنما ينعقد عن الاصابة، أو لا لأن الأصل عدم إصابتها ويحتمل أنه سبق الماء إلى فرجها فانعقد الولد (¬5)؟ على وجهين ذكرهما القاضي في "المجرد"، وفيه نظر؛ فإن سبق الماء إلى الفرج إنما يكون بعد ما تقرر المهر من وطء دون الفرج كما سبق تقريح، والأظهر في تعليل عدم تقرر (¬6) المهر أن يقال: الولد يثبت نسبه ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "ما يقرر به". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "من يدعي". (¬3) في المطبوع: "وقوع الإسلام معًا"، وفي (ج): "وقوعهما" فقط. (¬4) في (ب): "لها منه". (¬5) في المطبوع: "فانعقد به الولد". (¬6) في (ج): "تقرير".

بمجرد الإمكان، بخلاف استقرار المهر. - (ومنها): لو زوج رجل وليته، ثم ظهرت معيبة، فادعى (¬1) الولي أنه لم يعلم عيبها؛ ففيه وجهان: أحدهما: القول [قوله مع يمينه] (¬2)؛ لأن الأصل معه؛ إلا أن يكون العيب جنونًا، ويكون الولي ذا اطلاع عليها؛ فلا يقبل قوله، وهو اختيار صاحب "المغني" (¬3). والثاني: إن كان الولي قريبًا؛ كالأب والجد والابن؛ لم يقبل قوله مطلقًا لأن الظاهر يكذبه، وإن كان بعيدًا؛ قبل [قوله] (¬4) مع يمينه، وهو قول القاضي، ووافقه ابن عقيل؛ إلا أنه فصل بين عيوب الفرج وغيرها؛ فسوى بين الأولياء كلهم في عيوب الفرج، بخلاف غيرها. - (ومنها): إذا اختلط مال حرام بحلال، وكان الحرام أغلب؛ فهل يجوز التناول منه أم لا؟ على وجهين؛ لأن الأصل في الأعيان الإباحة، والغالب ها هنا الحرام، قال أحمد في "رواية حرب": إذا كان أكثر ماله النهب أو الربا ونحو ذلك؛ فكأنه ينبغي له أن يتنزه عنه؛ إلا أن يكون شيئًا يسيرًا أو شيئًا لا يعرف، وقريب من هذا إذا اشتبه الماء الطاهر بالنجس وكان الطاهر أكثر؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وادَّعى". (¬2) بدل ما ين المعقوفنبن في المطبوع: "قول الولي مع بينته". (¬3) انظر: "المغني" (7/ 144/ 5510). (¬4) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع.

فإن في جواز التحري روايتين، وظاهر (¬1) كلام أحمد في "رواية المروذي" جوازه، واختاره أبو بكر وابن (¬2) شاقلا (¬3) وأبو علي النجاد، وصححه ابن عقيل، لكن هنا اعتضد أصل الطهارة بأن (¬4) الظاهر إصابة الطاهر؛ لكثرته. - (ومنها): إذا قذف مجهول النسب، وادعى رقه، وأنكر المقذوف؛ فهل يحد؟ على روايتين؛ لأن الأصل عدم لزوم الحد، والأغلب على الناس الحرية، أو يقال: الأصل فيهم الحرية؛ فيكون إذًا (¬5) من باب تعارض الأصلين. - (ومنها): إذا قال لمدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، ولم يقصد بالثانية تأكيدًا ولا إيقاعًا، بل أطلق النية؛ فقال الأصحاب: تطلق اثنتين؛ لأنه موضوع (¬6) للإيقاع؛ كاللفظ الأول، ولهذا يقال: إذا دار الأمر بين التأسيس والتأكيد؛ فالتأسيس أولى، وهذا يرجع إلى الحمل على الظاهر، مع [أن الأصل] (¬7) بقاء الزوجية وعدم وقوع الثانية والثالثة إذا كرره (¬8) ثلاثًا؛ فيتوجه أن يخرج رواية أخرى بوقوع واحدة مع الإطلاق لأنه ¬

_ (¬1) في (ب): "فظاهر". (¬2) في (ب): "أبو بكر بن". (¬3) في المطبوع: "ابن شافلا"! (¬4) في المطبوع: "فإن". (¬5) في المطبوع: "ذا". (¬6) في (ج): "موضع". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) في المطبوع: "كرر"، وفي (ج): "قرره".

المتقين. ويشهد [له] (¬1) ما نقله صالح عن أبيه: أنه قال: إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، وقد دخل بها؛ فهو على ما أراد إن كان أراد إفهامها؛ فهو الذي أراد، وإن أراد غير ذلك؛ فهو على ما أراد (¬2)؛ فلم يوقع الثانية بدون النية. وقد حكى أبو بكر عبد العزيز فيما إذا قال: أنت طالق، بل أنت طالق، وأطلق النية: إنه لا يلزمه أكثر من واحدة، فإن نوى بالثانية طلقة أخرى؛ فهل تلزمه (¬3) أم لا؟ على قولين؛ لأنه إعادة اللفظ الأول بعينه؛ فلا يحتمل التكرار، كذلك حكاه القاضي عنه في "كتاب الروايتين" (¬4)، ويلزم من ذلك إنه إذا قال: أنت طالق، وكرره وأطلق النية: أنه لا يلزمه أكثر من واحدة. وها هنا مسألة حسنة، نص عليها أحمد في "رواية ابن منصور": إذا (¬5) قال لامرأته: أنت طالق، بل أنت طالق؛ قال: هي تطليقتان (¬6)، هذا كلام ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) نص كلام الإمام أحمد رحمه اللَّه في "مسائل صالح" (1/ 441/ 436) فيمن قال لامرأته: أنت طالق -ثلاث مرات-: ". . . وإن كانت مدخولًا بها، فأراد أن يفهمها ويعلمها، ويريد بذلك الأولى واحدة؛ فأرجو أن تكون واحدة، وإلا، فثلاث". وانظر المسألة في: "مسائل عبد اللَّه" أيضًا (360/ 1324). (¬3) في المطبوع: "يلزمه". (¬4) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 163 - 164/ 99). (¬5) في المطبوع: "فيما إذا". (¬6) في (ب): "تطلقتان"!

مستقيم، وإن قال: أنت طالق، لا بل أنت طالق؛ هي واحدة، والفرق بينهما أن (بل) من حروف العطف إذا كان بعدها مفرد، وهي هنا كذلك؛ لأن اسم الفاعل من المفردات، وإن كان متحملًا (¬1) لضمير بدليل أنه يعرب والجمل لا تعرب، ولأنه لا يقع صلة، ولو كان جملة؛ لوقع صلة، وحينئذ؛ فيكون ما بعده معطوفًا على ما قبله، وقد أوقع قبله واحدة ثم عطف عليها أخرى؛ فتقع اثنتنان؛ كما لو أتى بواو العطف. وهذا معنى قول أحمد: "هذا كلام مستقيم"، يعني أنه نسق [معطوف بعضه] (¬2) على بعض؛ كسائر المعطوفات (¬3) بالواو وثم ونحوهما، وأما قول النحويين: إن ما قبله يصير مسكوتًا عنه غير مثبت ولا منفي؛ فهذا (¬4) فيما يقبل النفي بعد إثباته، والطلاق ليس كذلك؛ فتعين إثبات الأول وعطف الثانية عليه، وأما إذا قال: أنت طالق، لا بل أنت طالق؛ فقد صرح بنفي الأول، ثم أثبته بعد نفيه؛ فيكون المثبت هو المنفي بعينه، وهو الطلقة الأولى؛ فلا يقع به طلقة ثانية، وهو قريب من معنى الاستدراك، كأنه نسي أن الطلاق الموقع لا ينفي؛ فاستدرك وأثبته لئلا يتوهم السامع أن الطلاق قد ارتفع بنفيه؛ فهذا إعادة الأول (¬5) لا استئناف طلاق. ¬

_ (¬1) في (ج): "محتملًا". (¬2) في (ج): "معطوف بعظه"، وفي (ب): "معطوفة بعضه"، وفي المطبوع: "بعضه" فقط. (¬3) في المطبوع: "المعطوف". (¬4) في (ب): "وهذا". (¬5) في المطبوع و (ج): "للأول".

- (ومنها): إذا قال: الطلاق يلزمني، أو أنت الطلاق؛ فهل يلزمه واحدة أو الثلاث؟ على روايتين؛ لأن الألف واللام قد يراد بها العهد؛ أي: الطلاق المعهود المسنون، وهو الواحدة، ويراد بها مطلق الجنس، ويراد بها استغراق الجنس، لكنها في الاستغراق والعموم أظهر، والمتيقن من ذلك الواحدة، والأصل بقاء النكاح. وعلى رواية وقوع الثلاث، فلو نوى به ما دونها؛ فهل يقع به ما نواه خاصة، أو يقع به الثلاث ويكون ذلك صريحًا في الثلاث؟ فيه طريقان للأصحاب، ولو قال: الطلاق يلزمني، وله أكثر من زوجة؛ فإن كان هناك نية أو سبب يقتغي التعميم أو التخصيص؛ عمل به، ومع فقد النية والسبب خرجها بعض الأصحاب على الروايتين في وقوع الثلاث بذلك على الزوجة الواحدة؛ لأن الاستغراق في الطلاق يكون تارة في نفسه وتارة في محله، وقد فرق بعضهم بينهما بأن عموم المصدر لأفراده أقوى من عمومه لمفعولاته؛ لأنه يدل على أفراده بذاته عقلًا ولفظًا، وإنما يدل على مفعولاته بواسطة؛ فلفظ الأكل والشرب مثلًا يعم الأنواع منه، والأعداد أبلغ من عمومه المأكول والمشروب إذا كان عامًّا؛ فلا يلزم من عمومه لأفراده [وأنواعه عمومه لمفعولاته] (¬1)، ذكر ذلك كله الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬2) بمعناه (¬3). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "عموم أنواع مفعولاته"، في (ج): "وأنواعه عموم لمفعولاته". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 258).

وفي موضع آخر قوى (¬1) وقوع الطلاق بجميع الزوجات دون وقوع الثلاث بالزوجة الواحدة، وفرق بأن وقوع الثلاث بالواحدة محرم، بخلاف وقوع الطلاق بالزوجات المتعددات (¬2)، وقد يقال: إن [قوله] (¬3): الطلاق يلزمه؛ وإن كان صيغة عموم؛ لكن إذا لم ينو عمومه (¬4)؛ كان مخصصًا بالشرع عند من يرى تحريم (¬5) جمع الثلاث، وهو ظاهر المذهب؛ فتكون المسألة حينئذ من صور التخصيص بالشرع، وقد ذكرنا نظائرها في قاعدة سبقت. - (ومنها): إذا قال: زوجتي طالق، أو عبدي حر، وله زوجات (¬6) وعبيد؛ فالمنصوص أنه يقع الطلاق والعتاق (¬7) بالجميع؛ إلا أن ينوي عددًا معينًا لأن اسم الجنس المضاف للعموم؛ فهو كالجمع المعروف. وذكر (¬8) صاحب "المغني" احتمالًا ورجحه: إنه لا يقع الطلاق والعتاق مع إطلاق النية إلا بواحد؛ لأن اللفظ صالح للواحد والجمع (¬9)؛ فحمله على الواحد أولى لأنه المتيقن، ولو كان الجمع أظهر فيه ترجيحًا ¬

_ (¬1) في (أ): "يؤدي". (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 259). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (أ): "عموم". (¬5) في المطبوع و (ب) و (ج): "يحرم"، وفي (ج): "يحرم جميع". (¬6) في المطبوع: "زوجتان". (¬7) في المطبوع: "والعتق". (¬8) في المطبوع: "ذكر". (¬9) في المطبوع: "والجميع".

للأصل على الظاهر (¬1). - (ومنها): إذا قال: له عندي درهم ودرهم ودرهم؛ فهل يلزمه درهمان أو ثلاثة؟ على وجهين ذكرهما أبو بكر في "الشافي"، ونزلهما صاحب "التلخيص" على تعارض الأصل والظاهر؛ فإن الظاهر عطف الثالث على الثاني، ويحتمل إرإدة التكرار به لأنه بلفظه؛ فيحمل عليه عند الإطلاق لأنه اليقين، [قال] (¬2): ولو قال: أردت بالثالث تكرار الثاني؛ قبل على الوجهين لاحتماله، وذكر صاحب "المغني" في الطلاق احتمالًا: إنه لا يقبل إرادة التكرار والتأكيد مع حرف العطف، لمخالفته للظاهر (¬3)؛ لأن ظاهر العطف يقتضي المغايرة (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (7/ 382/ 6042). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع و (ج): "لمخالفة الظاهر". (¬4) انظر: "المغني" (7/ 369/ 6010).

160 - القاعدة الستون بعد المئة تستعمل القرعة في تمييز المستحق إذا ثبت الاستحقاق ابتداء لمبهم غير معين عند تساوي أهل الاستحقاق، ويستعمل أيضا في تمييز المستحق المعين في نفس الأمر عند اشتباهه والعجز عن الاطلاع عليه

(القاعدة الستون بعد المئة) تستعمل القرعة في تمييز المستحق إذا ثبت الاستحقاق ابتداءً لمبهم غير معين عند تساوي أهل الاستحقاق (¬1)، ويستعمل أيضًا في تمييز المستحق المعين في نفس الأمر عند اشتباهه والعجز عن (¬2) الاطلاع عليه، وسواء في ذلك الأموال والأبضاع (¬3) في ظاهر المذهب. ¬

_ (¬1) قال ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص 352 - ط العسكري): "إن الحقوق إذا تساوت على وجهٍ لا يمكن التمييز بينها إلا بالقرعة، صح استعمالها فيها"، ثم ذكر في (ص 372) خلافًا: هل "القرعة كاشفة أو منشئة؟ "، وضابط ما تدخله القرعة -على حد قول القرافي في "الفروق" (4/ 114) -: "التساوي مع قبول الرضى بالنفل، وما فقد فيه أحد الشرطين تعذرت فيه القرعة". وانظر: "المنثور" (3/ 620) للزركشي، و"المبسوط" (17/ 41)، و"موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 386). (¬2) في المطبوع: "على". (¬3) والقاعدة عند الفقهاء: (الأصل تحريم الأبضاع)، وهي مستثناة من قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة). انظر عنها: "المنثور" (1/ 77) للزركشي، و"الموافقات" (1/ 400 - بتحقيقي)، و"الأشباه والنظائر" (ص 60) للسيوطي، و (ص 67) لابن نجم، و"موسوعة القواعد الفقهية" (2/ 117).

وفي الأبضاع قول آخر: إنه لا تؤثر القرعة في حل المعين منها في الباطن، ولا تستعمل (¬1) في الحاق النسب عند الاشتباه على ظاهر المذهب، ويستعمل في حقوق الاختصاص والولايات ونحوها، ولا تستعمل في تعيين الواجب المبهم من العبادات ونحوها ابتداءً، وفي الكفارة (¬2) وجه ضعيف: إن القرعة تميز اليمين المنسية. ونحن نذكر ها هنا مسائل القرعة المذكورة في المذهب من أول الفقه إلى آخره بحسب الإمكان، واللَّه الموفق: - (منها): إذا اجتمع محدثان حدثًا أكبر أو أصغر، وعندهما ما يكفي أحدهما، ولا اختصاص لأحدهما به؛ ففيه وجهان: أحدهما: يقترعان عليه؛ لاستوائهما في الحاجة إليه. والثاني: يقسم بينهما. ولو كان أحدهما جنبًا والآخر محدثًا حدثًا أصغير، وكان الماء يكفي كل واحد منهما (¬3) ويفضل عنه فضلة لا يكفي الآخر؛ ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: المحدث أولى؛ لأن فضلته يمكن الجنب استعمالها، بخلاف فضلة الجنب؛ فإنها (¬4) لا ترفع حدث المحدث ولا شيئًا منه. والثاني: الجنب أولى؛ لغلظ حدثه. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ولا يستعمل". (¬2) في (ج): "الكفارات". (¬3) أي: بمفرده. (¬4) في المطبوع: "فإنما".

والثالث: هما سواء؛ فيقرع بينهما (¬1)، أو يعطيه باذل الماء لمن شاء منهما، قال صاحب "التلخيص": هذه المسألة صورها جماعة من أصحابنا في ماء مباح أو مملوك أراد مالكه بذله لأحدهم، وفيه نظر؛ فإن المباح قبل وضع الأيدي عليه لا ملك فيه، وبعد وضع الأيدي للجميع والمالك له ولاية صرفه إلى من شاء؛ قال: ويتصور ذلك عندي في الوصية بالماء لأولاهم به. انتهى. ويتصور أيضًا في النذر لأولاهم (¬2) والوقف عليه، وفيما إذا طلب المالك معرفة أولاهم ليؤثره [به] (¬3)، وفيهما إذا وردوا (¬4) على مباح وازدحموا وتشاحوا في التناول أو لا. - (ومنها): إذا تشاحوا في الأذان مع تساويهم [في الصفات] (¬5) المرجح بها فيه؛ فإنه يقرع بينهم، نص عليه أحمد في "رواية أبي داود" (¬6) ¬

_ (¬1) انظر: "الكافي" (1/ 71 - 72)، و"المغني" (1/ 278)؛ وهذا مذهب الشافعية، كما في "المجموع" (2/ 276)، و"نهاية المحتاج" (1/ 2560)، و"أسنى المطالب" (1/ 79). (¬2) في المطبوع: "لأولاهم به". (¬3) ما بين المعقوفتين ليس في (ج). (¬4) في المطبوع: "إذا ما وردوا". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في "مسائل أبي داود" (ص 28): "قال أبو داود: رأيت رجلين تشاحا في الأذان عند أحمد؛ فقالا: نجمع أهل المجد، فننظر من يختارون؟ قال أحمد: لا، ولكن اقترعا، فمن أصابته القرعة؛ أذن، كذلك فعل [سعد] بن أبي وقاص". وانظر في المسألة: "المغني" (1/ 442 - 443)، و"الكافي" (1/ 103)، =

وأبي طالب ومحمد بن موسى، واحتج بأن سعدًا أقرع بينهم في الأذان يوم القادسية (¬1)، ونص في "رواية أبي داود" على تقديم القرعة على اختبار الجيران (¬2)، وفي "رواية محمد بن موسى" (¬3) على أن المتعاهد للمسجد بالعمارة أحق. - (ومنها): إذا اجتمع عراة ومع واحد [منهم] (¬4) ثوب قد صلى فيه؛ استحب له إعارته لرفقائه، فإن ضاق الوقت وفيهم من يصلح للإمامة؛ استحب [له] (4) إعارته، فيصلي فيه إماما والعراة خلفه، فإن استووا، أو لم (¬5) ¬

_ = و"المبدع" (1/ 315)، وهذا مذهب المالكية، كما في "مواهب الجليل" (1/ 453)، و"حاشية العدوي على الخرشي" (1/ 235)، والشافعية؛ كما في "المجموع" (3/ 80)، و"روضة الطالبين" (1/ 206)، و"أسنى المطالب" (1/ 132)، وهو الراجح. (¬1) ذكر ذلك البخاري في "صحيحه" (كتاب الأذان، باب الاستهام في الأذان، 2/ 96 - مع "الفتح") تعليقًا. قلت: وصله البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 428) -ومن طريقه ابن حجر في "تغليق التعليق" (2/ 265 - 266)، وأبو عبيد -كما في "الفتح" (2/ 96) -، وأبو حفص العكبري -كما في "الأحكام السلطانية" (ص 25) لأبي يعلى- بإسناد منقطع. وقد وصله الطبري في "تاريخه" (3/ 566) من طريق سيف بن عمر في "الفتوح"، وهو متكلم فيه. (¬2) وفي "الإنصاف" (1/ 411): "وقال في "المنور" و"المنتخب": ويقدم. . . ثم يرتضي الجيران، ثم القارع"، وكذا في "الفائق" و"تذكرة ابن عبدوس"، قال المرداوي: "وهو المذهب". (¬3) في المطبوع: "ابن أبي موسى". (¬4) في المطبوع: "ميتين"! (¬5) في (ج) والمطبوع: "ولم".

يكن الثوب لواحد منهم؛ أقرع بينهم، فمن خرجت له القرعة؛ فهو أحق به، ذكره في "المغني" (¬1). - (ومنها): إذا استوى اثنان في الصفات المرجح بها في الإمامة من [كل] (¬2) وجه وتشاحا؛ أقرع بينهما؛ كما في الأذان (¬3). - (وكذلك): إذا اجتمع اثنان من أولياء الميت واستويا وتشاحا في الصلاة عليه؛ أقرع بينهما، ولو ولي إمامة المسجد رجلان؛ صح، وكانا في الإمامة سواء، وأيهما سبق إليها؛ كان أحق بها، فإن حضرا معًا؛ احتمل أن يقرع بينهما فيقدم من قرع منهما، واحتمل أن يرجع إلى اختيار أهل المسجد لأحدهما، ذكر ذلك القاضي في "الأحكام السلطانية" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (1/ 348/ 830). وهو مذهب الشافعية، انظر: "المجموع" (3/ 187). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) انظر: "الكافي" (1/ 188)، و"المغني" (2/ 20)، و"المبدع" (2/ 62). وهذا اختيار شح الإسلام ابن تيمية؛ كما في "مجموع الفتاوى" (28/ 264)، وهو مذهب المالكية؛ كما في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 457)، والشافعية؛ كما في "أسنى المطالب" (1/ 220)، و"مغنى المحتاج" (1/ 243)، والحنفية؛ كما في "عمدة القارئ" (5/ 24)، و"الفتاوى الهندية" (1/ 83)، وأكثر الحنفية يقدّمون أحسنهم وجهًا، واعتمدوا علي أدلة ضعيفة. انظر: "فيض القدير" (1/ 540 - 541) للمناوي. (¬4) انظر منه: (ص 25). وانظر أيضًا: "المغني" (2/ 368 - 369)، و"الإنصاف" (2/ 476)، و"الكافي" (1/ 260). والقرعة في هذه المسألة مذهب المالكية، انظر: "شرح الخرشي" (2/ 143)، و"التاج والإكليل" (2/ 251 - بهامش "مواهب الجليل"). ومذهب الشافعية أيضًا، انظر: =

- (ومنها): إذا قدم بميتين (¬1) إلى مكان من مقبرة مسبلة (¬2) في آن واحد، ولم يكن لأحدهما هناك مزية من أهل مدفونين عنده أو نحو ذلك؛ فإنه يقرع بينهما، صرح به الأصحاب، وكذلك إذا دفن اثنان في قبر واحد واستويا في الصفات؛ فإنه يقدم أحدهما إلى القبلة بالقرعة؛ كما فعل معاذ ابن جبل بامرأتيه (¬3). - (ومنها): إذا اجتمع ميتان، فبذل لهما كفنان، وكان أحد الكفنين أجود من الآخر، ولم يعين الباذل مالكل واحد منهما؛ فإنه يقرع بينهما [كما وردت] (¬4) السنة بذلك؛ فروى الإِمام أحمد في "المسند" من حديث الزبير أنه [قال] (¬5). لما كان يوم أحد؛ أقبلت صفية (يعني: أمه)، فأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة؛ فكفنوه فيهما، قال: فجئت بالثوبين ليكفن فيهما حمزة، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار ¬

_ = "روضة الطالبين" (2/ 122)، و"مغني المحتاج" (1/ 347)، و"أسنى المطالب" (1/ 316 - 317). بينما ذهب الحنفية إلى أنه يقدم أكبرهم سنًّا، انظر: "بدائع الصنائع" (2/ 791)، و"البناية" (2/ 982)، ومذهب الجمهور أرجح، واللَّه أعلم. (¬1) في المطبوع: "ميتين". (¬2) في (أ): "فسأله". (¬3) أخرجه ابن أبي الدنيا في "العيال" (رقم 514) بسندٍ منقطع، وأفاد المرداوي في "الإنصاف" (2/ 552) أن هذا الصحجح من المذهب، وقال: "وقال المجد -وتبعه في "مجمع البحرين" وصاحب "القواعد الفقهية". . . " (وذكره). والقرعة في هذه المسألة مذهب المالكية؛ كما في "شرح الخرشي" (2/ 134). (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "لما ورد في". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

قتيل قد فعل به [كما] (¬1) فعل بحمزة؛ قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن يكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له؛ فقلنا (¬2): لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فقدرناهما؛ فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما؛ فكفنا كل واحد [منهما] (¬3) في الذي طار له (¬4). وقد ذكره الأثرم للإمام أحمد لما عدد أحاديث القرعة؛ فعرفه أحمد وعده معها، وهذا يشعر بأنه يأخذ به (¬5). ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "ما". (¬2) في المطبوع: "فقال". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) أخرجه أحمد (1/ 165)، والبزار (رقم 980)، وأبو يعلى (2/ رقم 686)، والشاشي (رقم 44) في "مسانيدهم"، والدينوري في "المجالسة" (رقم 2796)، والبلاذري في "أنساب الأشراف" (4/ 388 - ط دار الفكر): بسندٍ في ضعف؛ فيه ابن أبي الزناد، تغير حفظه، لكن تابع يحيى بن زكربا بن أبي زائدة؛ قال: أنبأنا هشام بن عروة، عن عروة، عن الزبير، به، عند البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 401). وسنده صحيح، قاله شيخا الألباني في "الإرواء" (3/ رقم 711). قلت؛ وتابعه أيضًا يونس؛ كما عند البيهقي في "الدلائل" (3/ 289 - 290). قال الهيثمي في "المجمع" (6/ 118): "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو ضعيف وقد وثق". قلت: تابعه اثنان كما تقدم؛ فصحّ الأثر، وللَّه الحمد. وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (3/ رقم 1418). (¬5) انظر: "المبدع" (6/ 320 - 321). والقرعة مذهب الشافعية أيضًا، انظر: "المجموع" (5/ 190)، و"نهاية المحتاج" (2/ 454)، و"حاشية الرملي على أسنى المطالب" (1/ 308). ومما فات المصنف ذكره في (الجنائز): * حضرت جنائز؛ فللإمام أن يصلي على كل واحدة على انفراد، وجائز أن يصلي على الجميع، لكن إذا تساويا؛ فمن يقدّم؟ =

- (ومنها): لو (¬1) اشتبه عبده بعبد غيره؛ فهل يصح بيع عبده المشتبه من [مالك] (¬2) الآخر قبل تمييزه أم [لا] (¬3)؟ قال القاضي في "خلافه" (¬4): يحتمل (¬5) أن لا يصح العقد حتى يقع التمييز وبماذا يقرع، يحتمل أن يقرع بينهما؛ فيعين بالقرعة، ثم يبيعه؛ لأنه قد اختلط المستحق بغيره، ويحتمل أن يقف على المراضاة، ولو سلمناه؛ ¬

_ = يقرع ببنهما، كما في "الإنصاف" (2/ 517)، وهو مذهب المالكية؛ كما في "شرح الخرشي" (2/ 134)، و"مواهب الجليل" (1/ 236)، والشافعية؛ كما في "روضة الطالبين" (2/ 122)، و"أسنى المطالب" (1/ 317). * اتفق الفقهاء على أن أولياء الميت هم الأحق بغسله، لكن إذا ناوى الأولياء في الدرجة، وتشاحوا في غسله، ذكره الحنابلة إلى أنه يقرع بينهم. انظر: "المبدع" (2/ 222)، وهذا مذهب المالكية؛ كما في "شرح الخرشي" (2/ 116)، والشافعية؛ كما في "نهاية المحتاج" (2/ 442). * مات له قريبان أو زوجتان متساويان في الفضيلة في وقت واحد بهدمٍ أو غرق، وأراد غسل إحداهما؛ بمن يبدأ؟. في المذهب: قدم أسنهم، وإن اسنووا؛ بالقرعة؛ كما في "الإنصاف" (2/ 468)، وهو مذكره الشافعية. انظر: "المجموع" (5/ 130 - 131)، وفي المطبوع: "أخذ به". (¬1) في المطبوع: "ولو". (¬2) في المطبوع: "مال". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) نقله عنه المرداوي في "الإنصاف" (4/ 321). (¬5) الاحتمال في معنى الوجه؛ إلا أن الوجه مجزوم الفتيا به، كذا في "الإنصاف" (1/ 6).

فلأن الجهالة هنا بغير فعله؛ فعفي (¬1) عنها؛ قال: وأجود ما يقال فيه (¬2): إنهما يبيعان العبدين ويقتسمان الثمن على قيمة العبدين، كما قلنا [فيما] (¬3) إذا اختلط [زيت أحدهما] (¬4) بزيت الآخر، وأحدهما أجود من الآخر: إنهما يبيعان الزيت ويقتسمان الثمن على القيمة (¬5). انتهى. - (ومنها): إذا ادعى الوديعة اثنان، فقال المودع: لا أعلم لمن هي منكما؛ فإنه يقرع بينهما، فمن قرع صاحبه؛ حلف وأخذها، نص عليه أحمد، وهي من فروع مسألة تداعي عين بيد ثالث يعترف (¬6) بأنها لأحدهما، وسنذكرها إن شاء اللَّه [تعالى] (¬7). - (ومنها): إذا [استبق اثنان] (¬8) إلى الجلوس بالأماكن المباحة؛ كالطرق الواسعة ورحاب المساجد (¬9) ونحوها لمعاش أو غيره؛ فالمذهب أنه ¬

_ (¬1) في (ب): "يعفى". (¬2) في المطبوع: "فيها". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "زيته". (¬5) في المطبوع: "على قدر القيمة". وانظر في المسألة: "الإنصاف" (4/ 350 - 351). وعند الشافعية وجهان، أصحهما أن البيع باطل، والآخر أنه كبيع الغائب، وفيه خلاف. وانظر: "المجموع" (9/ 287). (¬6) في (ج): "معترف". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬8) في المطبوع: "سبق اثنان"، وسقطت كلمة "اثنان" من (ب). (¬9) في (ب): "المسجد".

يقدم أحدهما بالقرعة، وفيه وجه بتقديم السلطان لمن يرى منهما بنوع من الترجيح، وكذلك لو استبقا إلى موضع في رباط مسبل أو خان أو استبق فقيهان إلى مدرسة أو صوفيان إلى خانكاه، [ذكره الحارثي] (¬1)، [وهذا يتوجه] (¬2) على أحد الاحتمالين اللذين (¬3) ذكرهما في المدارس والخوانق. المختصة بوصف معين: أنه لا يتوقف الاستحقاق فيها على تنزيل ناظر، فأما (¬4) على الوجه [الآخر] (2)، وهو توقف الاستحقاق على تنزيله؛ فليس إلا ترجيحه بنوع (¬5) من الترجيحات، وقد يقال: إنه يرجح (¬6) بالقرعة مع التساوي. - (ومنها): إذا استبق (¬7) اثنان إلى معدن مباح أو غيره من المباحات، وضاق المكان إلا عن أحدهما؛ ففيه وجهان: أحدهما: يقترعان عليه، اختاره صاحب "المغني" (¬8). والثاني: قاله القاضي، وإن كان أحدهما للتجارة؛ هايأ (¬9) الإمام ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ذكره الحارث"، وفي (ج): "ذكرهما الحارثي". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "الذي"، وفي (ج): "الذين". (¬4) في (ج): "وأما". (¬5) في المطبوع: "ترجيحه له بنوع". (¬6) في المطبوع: "يرجع". (¬7) في المطبوع: "سبق". (¬8) انظر: "المغني" (5/ 335/ 4345). (¬9) المهيأة: قسمة المنافع، وهي نوعان: زمانية؛ فيكون لهذا يوم ولهذا يوم، كما =

بينهما باليوم أو الساعة بحسب ما يرى؛ لأنه يطول، وإن كان للحاجة؛ [فاحتمالات: أحدها] (¬1): يقرع بينهما. والثاني: ينصب من يأخذ لهما ثم يقسم. والثالث: يقدم من يراه أحوج وأولى. وأما إن وقعت أيديهما على المباح؛ فهو بينهما بغير خلاف، وإن كان في كلام بعض الأصحاب ما يوهم خلاف ذلك؛ فليس بشيء (¬2). - (ومنها): إذا اجتمع اثنان بين نهر مباح لكل منهما أرض يحتاج إلى السقي منه، وكانا متقابلين، ولم يمكن قسمة الماء بينهما؛ أقرع بينهما، فقدم من له القرعة، فإن كان لا يفصّل عن أحدهما؛ سقى من له القرعة بقدر حقه من الماء، ثم تركه للآخر؛ لأنه (¬3) يساويه في استحقاق الماء، وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق لا في أصل الحق، بخلاف الأعلى مع الأسفل؛ فإنه ليس للأسفل حق إلا فيما فضل عن الأعلى، وهنا ¬

_ = في مسألتنا، ومكانية: كدار بين اثنين، يسكن أحدهما في طرفها، والآخر في الطرف الآخر. انظر: "القاموس الفقهي" (ص 369). (¬1) في (ج): "فاحتمالان: أحدهما"! (¬2) انظر في المسألة: "الإنصاف" (6/ 379 - 381)، و"الكافي" (2/ 442)، و"المغني" (6/ 163)، و"المبدع" (5/ 260)، و"الفروع" (4/ 561 - 562). والقرعة مذهب الشافعية في قول، وفي قول آخر لهما يقدم الإمام من يرى منهما. انظر: "تكملة المجموع" (15/ 223، 225)، و"مغني المحتاج" (2/ 370). (¬3) في المطبوع: "فإنه".

الماء بينهما يستحق كل منهما أن يأخذ بقدر نسبة [أرضه] (¬1)، ذكره في "المغني" (¬2). - (ومنها): إذا وصف اللقطة نفسان؛ فيل يقسم بينهما، أو يقرع فمن خرجت له القرعة فهي له؟ على وجهين. - (ومنها): إذا التقط اثنان طفلًا وتساويا في الصفات؛ أقرع بينهما، ولم يقر [في أيديهما] (¬3) جميعًا كما في الحضانة، وإن ادعى نفسان التقاط طفل، فإن كان في أيديهما؛ أقرع بينهما؛ فأقر بيد من خرجت له القرعة، وإن (¬4) استويا في عدم اليد ولم يصفه أحدهما؛ فقال القاضي والأكثرون: لا حق لأحدهما فيه، ويعطيه الحاكم لمن شاء منهما أو من غيرهما؛ لأنه لم يثبت لهما سبب الاستحقاق، وقال صاحب "المغني": الأولى أن يقرع بينهما؛ لأنهما تنازعا شيئًا يزيد غيرهما، فأشبه ما لو تنازعا وديعة (¬5). ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "حقه منه". (¬2) انظر: "المغني" (6/ 170 - مع "الشرح الكبير")، ونحوه في "المبدع" (5/ 263)، والمذكور مذكره المالكية، كما في "شرح الخرشي" (7/ 77)، و"التاج والإكليل" (6/ 17 - مع "مواهب الجليل")، ومذهب الشافعية؛ كما في "مغني المحتاج" (2/ 374). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "بأيديهما". (¬4) في المطبوع: "فإن". (¬5) قال في "المغني" (6/ 43/ 4571): "والأولى أن يقرع بيهما، كما لو كان في أيديهما؛ لأنهما تنازعا حقًّا يزيد غيرهما، فأشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما". =

وفيه نظر؛ فإن الوديعة لمعين ولا مدعي لها (¬1) سواهما، بخلاف اللقيط؛ فإن الحق لمن سبق إليه، ولم يثبت السبق لواحد منهما؛ فصارا كغيرهما، ولو ادعى اثنان (¬2) لقطة بين أيديهما كل منهما يقول: أنا سبقت إليها؛ أقرع بينهما، ذكره القاضي في "خلافه". وهذا في الظاهر يخالف (¬3) قوله في دعوى التقاط الطفل؛ إلا أن يفرق بينهما بأن اللقطة تؤول إلى الملك؛ فهي كتداعي اثنين ملكية عين بين أيديهما لا يد عليها لأحد؛ كما سيأتي إن شاء اللَّه [تعالى] (¬4). - (ومنها): إذا وصى (¬5) لجاره محمد وله جاران بهذا الاسم؛ فهل تبطل الوصية، أو تصح ويميز أحدهما بالقرعة؟ فيه خلاف سبق ذكره (¬6) مبسوطًا، وكذلك (¬7) سبق ذكر من وهب أحد أولاده وتعذر الوقوف على عينه، أو وقف عليه واشتبه فيهم. - (ومنها): إذا أوصى لزيد بعبد من عبيده، قال الخرقي: يعطي ¬

_ = وانظر: "الإنصاف" (6/ 347 - 348)، وهذه من انفرادات الحنابلة، ومذهبهم هو الراجح؛ لتأييد الدليل له. وانظر: "نيل الأوطار" (8/ 312). (¬1) في (أ): "ولا مدعى لهما". (¬2) في المطبوع: "إتيان". (¬3) في (أ): "بخلاف". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). وانظر في المسألة: "الإنصاف" (6/ 442 - 444)، و"الكافي" (2/ 354). (¬5) في (ج): "أوصى". (¬6) في القاعدة (الخامسة بعد المئة، ص 2/ 425، 427). (¬7) في المطبوع: "وكذا".

واحدًا منهم بالقرعة؛ كما لو أعتق واحدًا مبهمًا (¬1)، والمنصوص عن أحمد في "رواية ابن منصور" أن له أخسهم (يعني: أدنى ما يقع عليه الاسم [منهم]) (¬2)؛ لأنه المتيقن، وإنما أقرعنا في العتق؛ لأن العتق حق للعبد (¬3)، وقد تساووا في استحقاقه؛ فيميز بالقرعة، وهنا الحق للموصى له، وإنما يستحق ما يصدق عليه الاسم. - (ومنها): إذا مات المتوارثان، وعلم أسبقهما موتًا ثم نسي؛ فقال القاضي: لا يمتنع أن نقول هنا بالقرعة! لتعيين السابق، والمذهب أن حكم ذلك حكم ما لو جهلوا الحال [أولًا] (¬4)؛ لأنه يورث كل واحد منهما من الآخر من تلاد ماله دون ما ورثه منه، ولو ادعى ورثة كل واحد منهما سبق (¬5) الآخر ولا بينة لهما، أو تعارضت البينتان؛ ففيه أوجه: أحدها: يعين السابق بالقرعة، اختاره ابن أبي موسى، وضعفه أبو بكر في كتاب "الخلاف". والثاني: يتوارثان؛ كما لو جهل الورثة الحال، وهو قول أبي الخطاب، وقال القاضي في "المجرد" وابن عقيل: هو قياس المذهب. ¬

_ (¬1) قال الخرقي في "مختصره" (6/ 150/ 4790 - مع "المغني"): "وإذا أوصى بعبد من عبيده لرجل ولم يُسمِّ العبد؛ كان له أحدهم بالقرعة، إذا كان يخرج من الثلث، وإلا؛ ملك منه بقدر الثلث". وانظر: "الكافي" (2/ 505)، و"الإنصاف" (7/ 256). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "للعبيد". (¬4) في المطبوع: "أو"، وفي (ج): "أولًا و". (¬5) في المطبوع: "بسبق".

والثالث: يحلف ورثة كل واحد لإسقاط دعوى الآخر ولا يتوارثان، نص عليه أحمد، واختاره الخرقي، لأن ورثة كل واحد قد علم استحقاقهم (¬1) لإرثه، وغيرهم يدعي عليهم استحقاق مشاركتهم (¬2) وهم ينكرون ذلك؛ فيكون القول قولهم مع أيمانهم، بخلاف مسائل الغرقى؛ فإن الورثة متفقون فيها على عدم العلم بالسابق، وليس فيهم مدع لاستحقاق انفراده بمال ميته (¬3). والوجه الرابع -وهو اختيار أبي بكر في "الخلاف" (¬4) -: إنه يقسم القدر المتنازع فيه من الميراث بين مدعيه نصفين، وعليهما اليمين في ذلك؛ كما لو تنازعا دابة في أيديهما. - (ومنها): إذا مات عن زوجات وقد طلق إحداهن طلاقًا يقطع الإرث، أو كان نكاح بعضهن فاسدًا لا توارث فيه، وجهل عين المطلقة وذات النكاح الفاسد؛ فإنها تعين بالقرعة، والميراث للبواقي، نص عليه أحمد (¬5). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "استحقاقه". (¬2) في المطبوع: "مشاركة". (¬3) قال الخرقي في "مختصره" (6/ 255/ 4962 - مع "المغني"): "وإذا غرق المتوارثان؛ أو ماتا تحت هدمٍ، فجهل أولهما موتًا؛ ورث بحضهم من بعض". (¬4) في المطبوع: "في كتاب الخلاف". (¬5) في "مسائل صالح"، وفي "رواية مهنا"؛ كما في "الطرق الحكمية" (ص 364). وانظر: "الهداية" (2/ 39)، و"شرح الزركشي على مختصر الخرقي" (5/ 437)، و"المغني" (8/ 436)، و"الإنصاف" (9/ 142)، و"الكافي" (2/ 845). =

- (ومنها): الأولياء المستوون في النكاح إذا تشاحوا أقرع بينهم، فإن سبق من أخطأته القرعة، فزوج؛ فهل يصح أم لا؟ على وجهين (¬1). - (ومنها): لو زوج وليان من اثنين، وجهل أسبق العقدين؛ ففيه روايتان: إحداهما: [يميز الأسبق] (¬2) بالقرعة، فمن خرجت له القرعة؛ فهي زوجته، ولا يحتاج إلى تجديد عقد، ولا يحتاج الآخر إلى طلاق، هذا ظاهر كلام أحمد في "رواية حنبل" و"ابن منصور" (¬3). وقد ذكر هذه الرواية على (¬4) هذا [الوجه] (¬5) القاضي في "المجرد" ¬

_ = وما ذهب إليه أحمد هو الراجح، بخلاف ما ذهب إليه الشافعية من أن الميراث يوقف، وبخلاف ما ذهب إليه الحنفية من أن الميراث يقسم بينهن، لأن القول بالوقف في إضرار وحرمان لمن يستحق يقينًا، والقول بالقسمة فيه توريث لمن لا يستحق يقينًا، وفي القرعة السلامة من المحذورين، ولأنها حينئذ سبيل إلى التعيين في أمرٍ مشكل. وانظر في المسألة: "تكملة المجموع" (17/ 225)، و"بدائع الصنائع" (4/ 2077 - 2078)، و"الطرق الحكمية" (ص 360 وما بعد - ط العسكري). (¬1) انظر: "المغني" (7/ 405 - مع "الشرح الكبير"، و"الإنصاف" (8/ 78). (¬2) في المطبوع: "يمين بالقرعة"، وسقطت كلمة "الأسبق" من (ب). (¬3) نقله عنهما ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص 350)، وقال: "الصحيح من الروايتين دخول القرعة في الزواج"، وذكر هذا المثل. وانظر: "الإنصاف" (8/ 89)، و"المغني" (7/ 406). (¬4) في المطبوع: "في". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

وابن عقيل وغيرهما، وذكر القاضي في "الجامع" و"الخلاف" و"الروايتين" (¬1) وأبو الخطاب وغيرهما: أن الآخر يؤمر بالطلاق كما يطلق في النكاح الفاسد، وفيه ضعف؛ فإن هذا لم يتحقق له نكاح منعقد، بخلاف الناكح نكاحًا فاسدًا. وأيضًا؛ فمجرد طلاقه بتقدير أن يكون نكاحه هو السابق لا يفيد حل المرأة للآخر، فلهذا قال طائفة من الأصحاب: يجدد الذي خرجت عليه القرعة النكاح؛ لتحل له بيقين، وقد حكى ذلك القاضي في "كتاب الروايتين" عن أبي بكر أحمد بن سلمان النجاد (¬2)، ثم رده بأنه لا يبقى حينئذ معنى للقرعة؛ فإنه إذا أمر أحدهما بالطلاق وأمر القارع بتجديد النكاح، فقد حلت (¬3) المرأة من زوجيتهما جميعًا (¬4)، فلها أن تتزوج [حينئذ] (¬5) من شاءت منهما ومن غيرهما، ولا فائدة حينئذ للقرعة (¬6)، وهذا بعينه قول من يقول بفسخ نكاحهما؛ كما سيأتي. ¬

_ (¬1) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 95 - 96). (¬2) في المطبوع و (ج): "أحمد بن سيمان النجاد"! والتصويب عن (أ) و (ب) و"المقصد الأرشد" (1/ 110 - 111). وانظر ترجمته مفصلة فيه، وفي "تاريخ بغداد" (4/ 189 - 192)، و"سير أعلام النبلاء" (15/ 502 - 505). (¬3) في (أ) والمطبوع: "فقد خلت". (¬4) في المطبوع: "معًا". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 95 - 96).

وقال الشيخ تقي الدين (¬1): لو كان الأمر كما ذكروه! لم [يبق بين] (¬2) الروايين فرق، ولا للقرعة فائدة، وإنما يجب على رواية القرعة أن يقال: هي زوجة القارع، بحيث يجب عليه نفقتها وسكناها (¬3)، ولو مات ورثته، لكن لا يطأها حتى يجدد العقد؛ فيكون تجديد العقد يحل الوطء فقط، هذا (¬4) قياس المذهب، أو يقال (¬5): إنه لا يحكم بالزوجية إلا بالتجديد، ويكون التجديد واجبًا عليه وعليها كما كان الطلاق واجبًا على الآخر، قال: وليس في كلام أحمد تعرض لطلاق ولا لتجديد الآخر النكاح، فإن القرعة جعلها الشارع (¬6) حجة وبينة تفيد الحل ظاهرًا؛ كالشهادة والنكول ونحوهما مما لا يوقف معه على حقيقة الأمر في الباطن والمجهول غير مكلف به العباد، بل هو في نظر الشرع كالمعدوم ما دام مجهولًا. ونظير هذه الرواية في القرعة: إن المشهور من المذهب أن من طلق واحدة من زوجاته (¬7) ثم أنسيها؛ فإنها تعين بالقرعة، ويحل له وطء البواقي؛ فكذلك ها هنا يميز النكاح الصحيح من الباطل بالقرعة، ويفيد حل الوطء، ولا يقال: هناك الأصل فيمن لم يخرج عليها القرعة بقاء النكاح، ولم يتيقن ¬

_ (¬1) في "الاختيارات الفقهية" (ص 306 - 307) كلامه بطوله. (¬2) في (ب): "تبق بين"، وفي المطبوع: "يبق من". (¬3) قال المرداوي في "الإنصاف" (8/ 90): "اختاره الشيخ تقي الدين رحمه اللَّه، ومال إليه في "القواعد الفقهية"، ونقل جل ما عند المصنف في هذه المسألة. (¬4) في المطبوع: "ولعل هذا". (¬5) في (ب): "ويقال". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) في (ج): "نسائه".

وقوع الطلاق عليها، وهنا (¬1) الأصل عدم انعقاد النكاح في كل واحد منهما؛ فلا يباح الوطء بدون تيقن العقد الصحيح؛ لأنا نقول: الاستصحاب بطل بيقين وقوع الطلاق المحرم، ولهذا أبطل أصحابنا الاستصحاب في مسألة اشتباه الماء الطاهر بالنجس، ومنعوا استعمال أحدهما بالتحري؛ لأن الاستصحاب زال حكمه بيقين التنجس، وحينئذ تتفق الصورتان؛ لأن في إحديهما (¬2) اشتبهت الزوجة بالمطلقة ثلاثًا، وفي الأخرى اشتبه الزوج بغيره، وكون أحدهما له أصل في الحل دون الآخر لا أثر له عندنا، ولهذا يسوى بين اشتباه البول بالماء الطاهر واشتباه الماء النجس بالطاهر، ونحن نقول على أحد الوجهين: لو أقر بأن ولد إحدى إمائه ابنه، ثم مات ولم بعينه؛ عُيِّن (¬3) بالقرعة؛ وإن كان [المشتبه] (¬4) حر الأصل. واعلم أن القاضي حكى عن أبي بكر بن سلمان (¬5) النجاد أنه يقرع بين الزوجين، فمن قرع؛ أمر صاحبه بالطلاق، ثم جدد الآخر نكاحه. وقرأت بخط القاضي في "بعض مجاميعه"؛ قال: حكى أبو الحسن الجزري؛ قال: سئل أبو علي النجاد عن رجل زوج ابنته على صداق ألف درهم، ثم مات الأب قبل دخول الزوج بها، فحضر ثلاثة رجال كل واحد مهم يقول: زوجني أبوك منك على صداق ألف درهم قبضها مني، وعدم ¬

_ (¬1) في (ج): "وهناك". (¬2) في (ب) و (ج): "إحداهما". (¬3) في المطبوع: "بين". (¬4) ما بين المعقوفتين أُثبت في هامش (أ). (¬5) في المطبوع: "سليمان"! والصواب ما أثبتناه؛ كما بيناه قريبًا، وللَّه الحمد.

كل واحد منهم في الحال البينة (¬1)، وقالت البنت: أعلم أن واحدًا من هؤلاء الثلاثة زوجي (¬2) يقينًا، ولكن لا أعرفه عينًا؛ فقال أبو علي النجاد: ترفع أمرها إلى الحكم، فيجبر الثلاثة على أن يطلقها كل واحد منهم طلقة واحدة، ثم يقترع الثلاثة (¬3) على الألف؛ فأيهم كانت له القرعة أخذ الألف، ثم يقال للمرأة: تزوجي أيهم شئت إن أحببت، فإن كانت هذه الحكاية مستند القاضي في الحكاية عن النجاد؛ فقد وهم في تسميته؛ فإن الحكاية عن أبي علي، ونسبها هو إلى أبي بكر بن سلمان (¬4)، وليست المسألة في نكاحين مشتبهين، بل في دعوى، والقرعة (¬5) فيها إنما هي للمال لا لحل (¬6) البضع؛ فلا يصح ما حكاه القاضي عن أبي بكر النجاد بالكلية؛ فليحقق ذلك. والرواية الثانية: يفسخ النكاحان جميعًا، ثم تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما إذا شاءت، نقلها أبو الحارث ومهنأ، وهي اختيار أبي بكر في "خلافه" والخرقي (¬7)، وحكى ابن أبي موسى في (¬8) المسألة روايتين: إحداهما: يبطل النكاحان. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "البينة في الحال" بتقديم وتأخير. (¬2) في المطبوع: "تزوجني". (¬3) في المطبوع: "يقترع بين الثلاثة". (¬4) في المطبوع: "سليمان"، والصواب ما أثبتناه؛ كما بيناه قريبًا، وللَّه الحمد. (¬5) في المطبوع: "القرعة" من غير واو. (¬6) في المطبوع: "لمحل". (¬7) انظره: "مختصره" (7/ 46/ 5243 - مع "المغني"). (¬8) في المطبوع: "في موسى المسألة".

والثانية: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة؛ فهي له. قال: والأول أظهر وأصح، وظاهره أن النكاحين يبطلان من غير فسخ، ويشهد له ما نقله ابن منصور عن أحمد في وليين زوجا امرأة لا تدري أيهما زوج قبل؛ قال: ما أرى لواحد ها هنا (¬1) نكاحًا، ومن الأصحاب من حكى ذلك وجهًا، وقيده بما إذا أمكن وقوعهما معًا، وقد جعل القاضي في "خلافه" المذهب كذلك، و [أما] (¬2) إن علم وقوعهما معًا؛ فهما جميعًا باطلان غير منعقدين. وذكر القاضي في "خلافه" وفي "كتاب الروايتين" (¬3) أن حكمه حكم ما لو وقعا (¬4) مترتبين، وجهل أسبقهما، وفيه (¬5) الروايتان، قال أبو البركات: [وهذا لا وجه] (¬6) له، ولعله خرق الإِجماع، فأما حكم المهر في هذين النكاحين المشتبهين؛ فقد سبق ذكره، وإن في وجوب نصف المهر على من تخرج عليه القرعة (¬7) منهما وجهين، فإن ماتت المرأة قبل الفسخ؛ ففي "المغني" احتمالان: أحدهما: يوقف نصف ميراثها أو ربعه حتى يصطلحا (¬8) عليه. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لواحد منهما ها هنا". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (ص 96). (¬4) في (أ): "وقوعًا". (¬5) في المطبوع. "فيه" من غير واو. (¬6) في (ب): "وهذه الأوجه". (¬7) في المطبوع: "القرعة عليه" بتقديم وتأخير. (¬8) في المطبوع: "حتى يصطلحان"!

والثاني: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة؛ حلف أنه المستحق وورث (¬1). قال الشيخ تقي الدين: وكذا الوجهين لا يخرج على المذهب، أما الأول؛ فلأنا لا نقف الخصومات قط، وأما الثاني؛ فكيف يحلف من قال: لا أعرف الحال، وإنما المذهب على رواية القرعة: [أيهما قرع] (¬2)؛ فله الميراث بلا يمين، وأما على قولنا: لا يقرع، فإذا قلنا: إنها تأخذ من أحدهما نصف المهر بالقرعة؛ فكذلك يرثها أحدهما بالقرعة بطريق الأولى، وإن (¬3) قلنا: لا مهر؛ فهنا قد يقال بالقرعة أيضًا. انتهى (¬4). وإن مات الزوجان جميعًا؛ فلها ربع ميراث أحدِهما. فإن اتفقت [هي] (¬5) مع أحد الزوجين قبل موته أو مع ورثته: أنه هو السابق؛ فالميراث لها منه بغير إشكال، وإن (¬6) ادعت [أن] (¬7) أحدهما هو السابق وأنكر هو أو ورثته؛ فالقول قولهم مع أيمانهم، فإن نكلوا؛ قضي عليهم، وإن لم تقر المرأة بسبق أحدهما؛ ففي "المغني" احتمالان: أحدهما: أن يحلف ورثة كل منهما ويبرأ. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (7/ 47/ 5245). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي المطبوع: "أيهما قرع". (¬3) في المطبوع: "وأما أن". (¬4) بنصه من "الاختيارات الفقهية" (ص 207). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في (ب): "فإن". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

والثاني: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة؛ فلها ربع ميراثه (¬1). وهذا الوجه الثاني يتعين فيما إذا أنكر الورثة العلم بالحال، ويشهد له نص أحمد في "رواية حنبل" وغيره فيمن زوج إحدى بناته من رجل ثم مات الأب، ثم مات الزوج ولم يعلم عين الزوجة: إنه يقرع بينهن، فأيتهن أصابتها القرعة؛ فهي التي ترثه، وقد ذكر ذلك صاحب "المغني" أيضًا فيما إذا ادعى كل [واحد] (¬2) منهما أنه السابق بالعقد ولم [تقر الزوجة لواحد] (¬3) منهما بذلك، ثم ماتا: إنه يقرع بينهما، ويكون لها ميراث من تقع القرعة عليه، ولم يذكر فيه خلافًا (¬4). - (ومنها): إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة، ثم طلق الجميع ثلاثًا؛ فالمشهور عند الأصحاب أنه يخرج منهن أربع بالقرعة، فيكن المختارات، وله نكاح البواقي بعد عدة الأربع بناءً على أن الطلاق اختيار، والقرعة لها مدخل في تعيين المطلقات المبهمات، فيميزن بالقرعة، ويحكم باختيارهن، وينفسخ (¬5) نكاح البواقي بغير طلاق؛ فيباح له نكاحهن (¬6) بدون زوج وإصابة بعد إنقضاء عدة [الأربع] (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (7/ 47/ 5245). (¬2) ما بين المعقوفتين تفرد بها المطبوع. (¬3) في المطبوع: "يقر الواحد"، وسقطت كلمة "الزوجة" من (ج) و (ب). (¬4) "انظر: "المغني" (7/ 47/ 5245). (¬5) في (ج): "ويفسخ". (¬6) في (أ): "نكاحين". (¬7) في المطبوع: "الواقي".

وقال القاضي في "خلافه" في كتاب البيع: يطلق الجميع ثلاثًا؛ لأن نكاحهن ثابت لم يحكم بفساده؛ فيلحقهن الطلاق الثلاث؛ فلا ينكح شيئًا منهن إلا بعد زوج وإصابة. وهذا يرجع إلى أن الطلاق فسخ وليس باختيار، ولكن يلزم منه أن يكون للرجل في الإسلام أكثر من أربع زوجات يتصرف فيهن بخصائص ملك النكاح من الطلاق وغيره، وهو بعيد، واختيار الشيخ تقي الدين: إن الطلاق ها هنا فسخ لا (¬1) يحسب من الطلاق الثلاث، وليس باختيار، وإن مات قبل أن يختار منهن أربعًا؛ فإنه يقرع بينهن؛ فيورث أربع منهن بالقرعة (¬2). وأما العدة؛ ففيها وجهان: أحدهما: على الجميع عدة الوفاة، قاله القاضي في "الجامع"؛ لأنه مات والكل محبوسات على نكاحه؛ فكان عليهن عدة الوفاة، وإسلامه لم يوجب البينونة في الزائد على الأربع، بل البيونة تقف على اختياره، فإذا اختار في حياته أربعًا؛ فعدة البواقي من حين الاختيار على المشهور لا من حين الإسلام. والثاني -وهو قول القاضي في "المجرد" وابن عقيل وصاحب "المغني"-: إن عليهن أطول الأمرين من عدة الوفاة وعدم الوطء، وعللوه بأن أربعًا منهن زوجات والبواقي موطوآت بشبهة؛ فيجب على الجميع أطول العدتين؛ لتبرأ الذمة من العدة الواجبة بيقين (¬3). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ولا". (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 214). (¬3) انظر: "المغني" (7/ 121 - 122/ 5444).

وهذا لا يتخرج إلا على القول بأن البينونة ثبتت بالإسلام وتتبين بالاختيار، فإذا اختار أربعًا؛ فعدة البواقي من حين إسلامه، أما إذا قلنا: عدتهن من حين اختياره؛ فهن زوجات له حتى يختار؛ فلا يتوجه أن يجب عليهن سوى عدة الوفاة؛ إلا أن يقال: نكاحهن (¬1) في حكم الفاسد؛ لأنه لا يجوز استدامته بحال؛ فلا يجوز أن يثبت له خصائص النكاح الصحيح، ويجاب عنه: بأن النكاح الفاسد إذا اتصل به الموت؛ أوجب عدة الوفاة على المنصوص، فهذا أولى. ويلتحق بهذه المسألة: ما إذا طلق واحدة مبهمة أو معينة، ثم أنسيها، ثم مات قبل القرعة؛ فإنا نقرع بينهن، وتخرج المطلقة بالقرعة، ويورث البواقي، كما نص عليه أحمد. وأما العدة؛ فذكر القاضي في "خلافه" أنه يجب على كل واحدة منهن عدة الوفاة إن لم يكن دخل بهن، ليسقط (¬2) الفرض بيقين، وإن دخل بهن؛ لزمهن أطول الأمرين من عدة الطلاق من حينه وعدة الوفاة من حينها؛ لأن كل واحدة مهن يحتمل أن تكون مطلقة وأن تكون زوجة؛ فلا تبرأ الذمة بدون ذلك. وهذا يخالف المنصوص عن أحمد؛ فإنه نص في "رواية أبي طالب" أنه يقرع بينهن، فأيتهن (¬3) أصابتها القرعة؛ لم تورث ولم تعتد، ومراده أنها لا تعتد عدة الوفاة، وهذا يدل على أن العدة تابعة للميراث، وهو ظاهر كلام ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إن نكاحهن". (¬2) في المطبوع: "يسقط". (¬3) في (أ): "فأيهن".

القاضي في "المجرد"، فمن خرجت لها قرعة الطلاق؛ فليس عليها سوى عدة الطلاق من حينها، وعلى البواقي عدة الوفاة من حينها؛ لأن القرعة بينة شرعية (¬1)، وقد حكمنا بحل البضع بها كما سبق؛ فجاز أن ينبني (¬2) عليها حكم العدة؛ لأنها من توابع الطلاق ولوازمه. [فعلى هذا] (¬3) المنصوص يتخرج في مسألة من أسلم على أكثر من أربع ثم مات قبل أن يختار منهن: أن يقرع بين أربع منهن؛ فيكن المختارات، وتلزمهن عدة الوفاة من حينها، ويلزم البواقي عدة الوطء من حين الإسلام إذا قلنا: إن عدتهن من حين الإسلام، وعلى قول القاضي: على الجميع [الاعتداد بـ] (¬4) أطول الأجلين. - (ومنها): إذا أصدق الزوجة عبدًا من عبيده؛ فحكى طائفة من الأصحاب في المسألة روايتين: احداهما: إنه يتعين بالقرعة. والثانية: لها الوسط منهم. وخرج ابن عقيل فيها وجهين آخرين: أحدهما: إنه يعطيها ما يختاره هو. ¬

_ (¬1) انظر في المسألة: "المحرر" (2/ 60)، و"الكافي" (2/ 844)، و"الهداية" (2/ 39). (¬2) في المطبوع: "يبتني". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "فهذا". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

والثاني: تعطى (¬1) ما تختاره هي. واختار أنهم إن تساوو؛ فلها واحد بالقرعة، وإلا؛ فلها الوسط. والمنصوص عن أحمد في ذلك ما نقله [عنه] (¬2) مُهنَّأ في رجل تزوج امرأة على عبد من عبيده، فقال: أعطيها من أحسنهم؟ قال: ليس له ذاك (¬3)، ولكن يعطيها من أوسطهم. فقلت له: ترى أن يقرع بينهم؟ قال: نعم. فقلت: تستقيم القرعة في هذا؟ قال: نعم، يقرع بين العبيد. وتأول أبو بكر هذا على أنه تزوجها على عبد معين واشتبه. قال القاضي: ولا يصح هذا التأويل. [قال] (¬4): لأنه قال: [تعطى وسطهم] (¬5)، ولو كان معينًا؛ لم يعتبر الوسط (¬6). ونقل عنه جعفر بن محمد: يقوم الخادم وسطًا على قدر ما يخدم مثلها. - (ومنها): إذا دعاه اثنان إلى وليمة عرس واستويا في الصفات المرجحة؛ أقرع بينهما (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يعطى". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع و (ج): "ذلك". (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬5) في المطبوع: "يعطى وسطهم"، وفي (ج): "تعطى أوسطهم". (¬6) في المطبوع و (ج): "الأوسط". (¬7) ذهب الحنابلة والشافعية إلى إجابة السابق، فإذا جاءا معًا؛ أجاب أقربهما رحمًا، ثم أقربهما دارًا، فإذا استويا؛ أقرع يهما. =

- (ومنها): إذا زفت إليه امرأتان معًا؛ فإنه يقدم إحداهما بالقرعة. - (ومنها): إذا أراد السفر بإحدى زوجاته أو البداءة بها؛ لم يجز بدون قرعة؛ إلا أن يرضى البواقي بذلك (¬1). - (ومنها): لو (¬2) طلق امرأة من نسائه مبهمة بأن قال لامرأتيه: إحداكما طالق، ولم ينو معينًا؛ فإنه يعين المطلقة بالقرعة (¬3) في ظاهر المذهب، ونص عليه أحمد في رواية جماعة (¬4). وفيه رواية ثانية: إن له تعيينها باختياره، وتوقف أحمد مرة [فيها] (¬5) في "رواية أبي الحارث". - (ومنها): إذا طلق واحدة معينة من نسائه، ثم أنسيها أو جهلها ابتداء، كمن قال: إن كان هذا الطائر غرابًا؛ ففلانة طالق، وإن لم يكن غرابًا؛ ففلانة طالق، فطار ولم يعرف ما كان؛ فالمشهور أيضًا أنها تعين بالقرعة، ويحل له البواقي (¬6)، كما أنه لو أعتق أمة من إمائه وأنسيها؛ عينها ¬

_ = انظر: "الإنصاف" (8/ 334)، و"أسنى المطالب" (3/ 226). وانظر مذهب المالكية في: "مواهب الجليل" (4/ 3). (¬1) انظر: "الإنصاف" (8/ 365، 375)، و"المبدع" (7/ 208 - 209، 212). (¬2) في (ج): "إذا طلق". (¬3) في (ج): "بقرعة". (¬4) منهم أبو الحارث والميموني ومُهَنَّأ، نقله ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص 345). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬6) وعندهم قول آخر، وهو: إنه يعتزلهما حتى يتبين المطلقة؛ لأن المحللة قد =

بالقرعة، وحل له البواقي؛ لأن القرعة قامت مقام الشاهد والمخبر للضرورة، والشارع لم يكلف العباد بما [في] (¬1) نفس الأمر، بل بما ظهر وبدا، وإن كان مخالفًا لما في نفس الأمر، والمجهول كالمعدوم ما دام مجهولًا، فإذا علم؛ ظهر حكمه؛ كالاجتهاد مع النص والتيمم [مع الماء] (¬2)، وقد نص أحمد صريحًا على هذا في رواية جماعة، وعن أحمد: [إنه] (1) لا يقرع، بل يوقف [الأمر] (1) حتى يتبين. قال الشالنجي: سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق؟ قال: أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة. قلت: أرأيت إن مات هذا؟ قال: أقول بالقرعة؛ أي: لأجل الميراث بعد الموت. وهذا اختيار صاحب "المغني" (¬3)، والمذهب الأول. [عليه] (¬4)، فلو ذكر أن المطلقة غير من أصابتها القرعة، وأنه يذَكَّر (¬5) ذلك؛ لزمه الطلاق فيها، وهل ترجع [إليه] (1) التي وقعت عليها القرعة؟ توقف [فيه] (¬6) أحمد مرة، وقال في "رواية الميموني": إن كانت ¬

_ = اشتبهت بالمحرمة، فيمتنع عن الاثنتين، وهذا مذهب الشافعية. وانظر: "الإنصاف" (9/ 144)، و"المغني" (8/ 427)، و"المحرر" (2/ 60)، و"الهداية" (2/ 39)، و"الكافي" (8442)، و"أسنى المطالب" (3/ 297). (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (أ): "بالماء". (¬3) انظر المسألة في: "المغني" (7/ 383 - 384/ 6045). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في المطبوع: "بذكر". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

تزوجت، لم ترجع إليه لأن حق الزوج الثاني تعلق بها؛ فلا يقبل قوله في إبطال (¬1) حقه وفسخ نكاحه، وإن لم تتزوج، فإن كانت القرعة بفعل الحاكم؛ لم ترجع إليه أيضًا، نص عليه في "رواية الميموني" (¬2) أيضًا. قال ابن أبي موسى: [و] (¬3) هو يرجع إلى أن حكم الحاكم له تأثير في التحريم. وقيما قاله نظر، بل الظاهر أنه يرجع إلى أن فعل الحاكم حكم؛ فلا يقبل قول الزوج فيما يرفع فعل الحاكم؛ لأن تعليق حكم الحاكم كتعلق حق (¬4) الزوج وأولى، وإن لم تكن القرعة من الحاكم؛ رجعت إليه، نص عليه أيضًا؛ لأن إخباره بذلك مقبول قبل القرعة؛ فكذلك بعدها، إلا أن يتضمن إبطال حق لغيره، ولم يوجد ذلك هنا (¬5). وعن أبي بكر وابن حامد: لا يرجع إليه؛ لأنه متهم في نفي الطلاق عنها؛ فلا يقبل قوله فيه (¬6). - (ومنها): لو رأى رجلان طائرًا، فقال أحدهما: إن كان غرابًا؛ فامرأتي طالق ثلاثًا، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا؛ فامرأتي طالق ثلاثًا؛ ففيه وجهان: ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إسقاط". (¬2) نقله الخلال عن الميموني، كما في "الطرق الحكمية" (ص 363)، وأسهب في نصرته. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع: "حكم". (¬5) وبدليل لو أنه عيّنها لما وقع إلا عليها. (¬6) انظر: "الإنصاف" (9/ 141)، و"الطرق الحكمية" (ص 345 - 346)، و"المبدع" (7/ 382).

أحدهما: ينبني (¬1) كل واحد منهما على يقين نكاحه، ولا يحكم عليه بالطلاق؛ لأنه (¬2) متيقن لحل زوجته، شاك في تحريمها، بخلاف ما إذا كانت الزوجتان لرجل واحد؛ فإنه تيقن (¬3) زوال النكاح في إحدى زوجتيه؛ فلذلك عينت بالقرعة، وهذا اختيار القاضي وأبي الخطاب وكثير من المتأخرين (¬4). والثاني: إنه يقرع بينهما؛ فمن وقعت عليه القرعة؛ طلقت زوجته، كما لو كانا لرجل واحد، وهو اختيار الشيرازي في "الإيضاح" وابن عقيل والحلواني، وفي "الجامع" للقاضي: إنه قياس المذهب. وعلى الأول، فمن اعتقد خطأ الآخر دونه؛ حل له الوطء، وإن شك وتردد؛ كف عنه وجوبًا عند القاضي وورعًا عند ابن عقيل. والمنصوص عن أحمد في هذه المسألة: ما رواه [عنه] (¬5) ابنه عبد اللَّه: أنه قال: يعتزلان نساءهما حتى يتيقن (¬6)؛ فيحتمل أن يكون حكم بوقوع (¬7) الطلاق على أحدهما ولكن لم يخرجه (¬8) بالقرعة كما رواه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يبني". (¬2) في المطبوع: "ولأنه". (¬3) في (ج): "يتيقن". (¬4) منهم ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص 351). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "لوقوع". (¬7) في "مسائل عبد اللَّه" (373/ 1363): "قال أحمد: يعتزلان نساءهن حتى يتبين". (¬8) في المطبوع: "تخرجه"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

الشالنجي عنه، ويحتمل -وهو الأظهر- أنه منع من الوطء خاصة كما قاله القاضي. قال الشيخ تقي الدين (¬1): تأملت نصوص أحمد؛ فوجدته يأمر باعتزال الرجل امرأته في كل يمين حلف الرجل عليها بالطلاق وهو لا يدري؛ أهو بارٌّ فيها أم لا؛ حتى يستيقن أنه بار، [فإن لم يعلم أنه بار؛ اعتزلها أبدًا] (¬2)، وإن علم أنه بار في وقت؛ اعتزلها وقت الشك، وحاصله أنه متى علق الطلاق بشرط وأمكن وجوده؛ فإنه يعتزل امرأته حتى يعلم انتفاؤه. نص على فروع هذا الأصل في مواضع: - (منها): إذا قال: إن كنت حاملًا؛ فأنت طالق؛ يعتزلها حتى يتبين (¬3) الحمل. - (ومنها): إذا وكل وكيلًا في طلاق امرأته؛ يعتزلها حتى يدري ما يفعل. - (ومنها): إذا قال: أنت طالق ليلة القدر؛ يعتزلها إذا دخل العشر الأواخر؛ لإمكان أن تكون (¬4) أول ليلة. - (ومنها): إذا قال: أنت طالق قبل موتي بشهر؛ فإنه يعتزلها مطلقًا، نقله عنه مُهنَّأ. ¬

_ (¬1) في "الاختيارات الفقهية" (ص 259). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من" الاختيارات العلمية". (¬3) في (ج): "يتيقن". (¬4) في المطبوع: "يكون".

- (ومنها): مسألة إن كان الطائر غرابًا، وهي هذه المسألة. - (ومن مسائل القرعة): إذا قال لامرأته: إن ولدت ذكرًا؛ فأنت طالق طلقة، وإن ولدت أنثى؛ فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكرًا وأنثى متعاقبين، وأشكل السابق منهما؛ ففيه وجهان (¬1): أحدهما: إنه يقع بها واحدة؛ لأنه اليقين (¬2) والزائد عليه مشكوك فيه؛ فيلغى، كما لو طلق وشك: هل طلق واحدة أو اثنتين؟ وهذا قول أبي الخطاب، ورجحه صاحب "المغني" (¬3). والثاني: يعين الواقع منهما بالقرعة، قاله القاضي وابن عقيل (¬4)؛ لأنه تحقق (¬5) وقوع أحد المعلقين (¬6)، وشك في [عينه] (7)؛ فميز بالقرعة، كما لو تيقن وقوع طلاق إحدى الزوجتين وشك في عينها. ومأخذ الخلاف أن القرعة لا مدخل لها في إلحاق الطلاق [المشكوك فيه، ولها مدخل في تعيين المحل المشتبه عند لحوق الطلاق] (¬7) لأحد ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فوجهان". (¬2) في المطبوع: "المتيقن". (¬3) انظر: "المغني" (7/ 351 - 352/ 5966)، والمذكور هو المشهور من المذهب، انظر: "الإنصاف" (9/ 81)، و"المبدع" (7/ 342 - 343). (¬4) نقله عنهما المرداوي في "الإنصاف" (9/ 81)، وابن مفلح في "المبدع" (7/ 343 - 342). (¬5) في المطبوع: "تيقن". (¬6) في المطبوع: "المتعلقين". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

الأعيان المشتبهة، فمن قال بالقرعة هنا؛ جعلها لتعيين إحدى الصفتين، وجعل وقوع الطلاق لازمًا لذلك، ومن منعها؛ نظر إلى [أن] (¬1) القصد بها هنا هو اللازم، وهو الوقوع، ولا مدخل للقرعة فيه، [وهذا أظهر] (¬2). - (ومن غرائب مسائل القرعة في الطلاق): إذا قال لزوجاته الأربع: أيتكن لم أطأها الليلة؛ فصواحباتها طوالق، ولم يطأ تلك الليلة واحدة منهن؛ فالمشهور عند الأصحاب أنهن يطلقن ثلاثًا ثلاثًا؛ لأن شرط الطلاق -وهو خلو الوطء [في الليلة- قد تحقق] (¬3) في آخر جزء منها، فإذا بقي جزء منها لا يتسع للإيلاج (¬4)؛ تحقق شرط طلاق الجميع دفعة واحدة، فيطلق الجميع ثلاثًا ثلاثًا؛ لأن لكل واحدة ثلاث صواحبات لم يطأهن، فاجتمعت شروط وقوع الثلاث عليها (¬5). و [قد] (¬6) حكى أبو بكر (¬7) في "التنبيه": في المسألة وجهين عن الأصحاب: أحدهما: هذا. والآخر -وهو الذي ذكره أولًا وجزم به-: إن إحداهن تطلق ثلاثًا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (ج): "وهذا هو الأظهر". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (ب): "الإيلاج". (¬5) في المطبوع: "عليبا". (¬6) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬7) وحكاه عنه المرداوي في "الإنصاف" (9/ 50).

والبواقي يطلقن اثنتين اثنتين. وعلله بأنه لما امتنع عن الأولى؛ طلقت الثلاث واحدة واحدة، فلما امتنع عن الثانية؛ طلقت الأولى واحدة والثالثة والرابعة ثنتين (¬1)، فلما امتنع عن الثالثة؛ طلقت الأولى اثنتين والثانية اثنتين والثالثة كذلك وبانت الرابعة، فلما امتنع عن الرابعة؛ امتنع عنها وهي غير زوجة؛ فلم يقع بالامتناع منها (¬2) طلاق. فعلى هذا الوجه ينبغي أن يقرع بينهن، فمن خرجت لها قرعة الثلاث؛ حرمت بدون زوج وإصابة (¬3)، وملك رجعة البواقي. وشرح كلامه: إنه (¬4) يقدر الامتناع من وطئهن مرتبًا؛ لأنه لا يمكن إلا كذلك، فإذا بقي من الليلة زمن لا يتسع للإيلاج في أربع؛ فقد تعذر وطء الأولى حينئذ؛ فتطلق الثلاثة (¬5) البواقي طلقة طلقة، فإذا بقي زمن لا يتسع للإيلاج في الثلاث؛ فقد تعذر وطء [الثانية؛ فطلقت] (¬6) الأولى والثالثة (¬7) والرابعة [طلقة طلقة، فيجتمع على الأولى والثانية طلقة، وعلى الثالثة (¬8) ¬

_ (¬1) كلمة "ثنتين" مكررة في المطبوع مرتين. (¬2) في المطبوع: "فيها". (¬3) نقل المرداوي في "الإنصاف" (9/ 50) كلام المصنف هذا، وهو قوي، وهو أرحم بالزوج والزوجات، واللَّه أعلم. (¬4) في المطبوع: "أن". (¬5) في (ج): "الثلاث". (¬6) في المطبوع: "الثالثة فتطلق به"، وفي (ج): "الثالثة فتطلق". (¬7) في المطبوع: "والثانية". (¬8) في (ج): "الثانية".

والرابعة] (¬1) طلقتان، فإذا بقي زمن لا يتسع للإِيلاج في اثنتين؛ فقد تعذر وطء الثالثة، فتطلق به الأولى والثانية والرابعة؛ فيجتمع على الأولى والثانية طلقتان، وعلى الرابعة ثلاث طلقات؛ فتحرم حينئذ، وتخرج [عن الزوجية] (¬2)؛ فلا يبقى الامتناع من وطئها شرطًا لطلاق صواحباتها؛ لأن تقدير كلامه (¬3): أيتكن لم أطأها الليلة وهي زوجتي، وقد تعذر ذلك في هذه الرابعة، وهذا يرجع (¬4) إلى أنه متى حلف بالطلاق على فعل شيء في وقت متسع، فتعذر فعله في آخر أجزاء ذلك الوقت؛ أنه لا يحنث؛ لأن حنثه إنما هو بترك ذلك في آخر الوقت؛ فيستدعي وجود المحلوف عليه حينئذ، والمعروف من المذهب أنه يحنث في حال التعذر؛ كما لو حلف ليشربن ماء هذا الكوز اليوم، فتلف قبل مضي اليوم؛ فإنه يحنث في الحال، وعلى ما ذكره أبو بكر لا يحنث، وقال صاحب "المستوعب": ويمكن أن يقال: الأولة (¬5) منهن من كان وقت اليمين حظها من القسم، والثانية التي تليها (¬6). - (ومنها): إذا ادعى الزوج الرجعة والزوجة انقضاء العدة في آن واحد؛ ففيه وجهان: أحدهما: القول قول المرأة؛ لأن الزوج [مدعي، وهي تنكر] (¬7). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "الزوجة". (¬3) في المطبوع: "الكلام". (¬4) في (ج): "وهذا قد يرجع". (¬5) في المطبوع: "الأولى". (¬6) انظر: "المبدع" (7/ 339). (¬7) في المطبوع: "مدع وهي منكرة".

والثاني: يقرع بينهما، فمن قرع؛ فالقول قوله. - (ومنها): إذا آلى من واحدة معينة واشتبهت عليه؛ فإنها تميز بالقرعة، ذكره أبو بكر، وإن آلى من واحدة مبهمة (¬1)؛ ففي "المحرر" (¬2) وجهان: أحدهما: تعين (¬3) بالقرعة. والثاني: بتعيينه. وهما مخرجان من الروايتين في مسألة الطلاق. وفي "المغني": له وطء الجميع سوى واحدة منهن، فإذا لم يبق سوى واحدة؛ تعين الايلاء فيها لأنه لا يمكن وطؤها (¬4) بدون الحنث في هذه الحال، بخلاف ما قبلها؛ فلا يصير موليًا بدون ذلك (¬5). - (ومنها): إذا تعذر إثبات النسب بالقافة؛ إما لعدمها، أو لعدم إلحاقها النسب (¬6)؛ لإشكاله عليها، أو لاختلافها (¬7) فيه ونحو ذلك؛ فالمشهور أنه لا يلحق بالقرعة. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "غير معينة". (¬2) انظر: "المحرر" (2/ 86). (¬3) في المطبوع: "يعين"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬4) في المطبوع: "وطؤها". (¬5) انظر: "المغني" (7/ 422/ 6116). (¬6) في المطبوع: "إلحاقها بالنسب". (¬7) في المطبوع: "ولاختلافها".

وقد قال أحمد في "رواية على ابن سعيد" (¬1) في حديث علي في ثلاثة وقعوا على امرأة فأقرع بينهم (¬2)؛ قال: لا أعرفه صحيحًا. وأوهنه، ¬

_ (¬1) تصحفت في المطبوع إلى "سعد"!! (¬2) أخرجه النسائي في "المجتبى" (كتاب الطلاق، باب القرعة في الولد إذا تنازعوا فيه، 6/ 182 - 183)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الطلاق، باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد، رقم 2/ 248)، والطيالسي في "المسند" (رقم 187)، والقطيعي في "زياداته على فضائل الصحابة" (رقم 1095)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/ 45)، والحاكم في "المستدرك" (3/ 135 - 136)، والبيهقي في "الكبرى" (10/ 267)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 134)؛ عن الأجلح بن عبد اللَّه، عن الشعبي، عن عبد اللَّه بن الخليل، عن زيد بن أرقم؛ قال: "أتى علي باليمن. . . " (وذكره)، وفي آخره: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أجد فيها إلا ما قال علي". وتابع الأجلح: محمد بن سالم -وهو متروك، قاله البيهقي في "الكبرى" (10/ 267) -، وأبو حاتم الرازي؛ كما في "العلل" لابنه (2/ رقم 2317). وتابعهما: جابر الجعفي، أفاده الدارقطني في "العلل" (3/ 313)، وقال أبو حاتم: "وخالفهما -أي: الأجلح ومحمد بن سالم- جابر الجعفي فيما روى عنه ورقاء؛ فقال: عن الشعبي، عن علي بن زربي، عن زيد بن أرقم، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-". قلت: ظفرتُ به عن قيس عن جابر مثل رواية الأجلح؛ فالظاهر أن خلافًا وقع فيه على جابر! والخلاف في هذا الحديث على ضروبٍ وألوانٍ شديدة، ولذا قال أبو حاتم في "العلل" (1/ رقم 1204): "اختلفوا في هذا الحديث واضطربوا"، وقال: "والصحيح حديث سلمة بن كهيل"، وقال في موطن آخر (2/ رقم 2317): "وأتقنهم سلمة بن كهيل". قلت: أخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 2/ 249)، والنسائي في "المجتبى" (6/ 184)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 267)؛ عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن الشعبي، عن أبي الخليل، عن علي موقوفًا. وانظر سائر الطرق في: "علل الدارقطني"، و"علل ابن أبي حاتم" =

وقال [في رواية ابن منصور: و] (¬1) حديث عمر في القافة (¬2) أعجب إلي (يعني: من هذا الحديث). ¬

_ = ونقل المصنف هنا عن أحمد في رواية علي بن سعيد قوله عن هذا الحديث: "لا أعرف صحيحًا"، وأوهنه"، بينما قال في رواية صالح (2/ 105 - 106/ 662): "مختلف فيه" وكذا سينقله المصنف عنه قريبًا. وانظر: "الطرق الحكمية" (ص 430 - ط العسكري)، و"المحلى" (10/ 150). (¬1) في المطبوع: "في رواية؛ يعني: ابن منصور في". (¬2) أخرج مالك في "الموطأ" (461 - رواية يحيى، ورقم 2889 - رواية أبي مصعب) -وعنه: الشافعي في "المسند" (330)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 263) - عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار: "أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإِسلام. قال سليمان: فأتى رجلان، كلاهما يدعي ولد امراة، فدعا عمر قائفًا، فنظر إلهما، فقال القائف: لقد اشتركا فيه، فضربه عمر بالدرة، قال: ما يدريك؟! ثم دعا المرأة؛ فقال: أخبريني خبرك. فقالت: كان هذا لأحد الرجلين يأتيها وهي في الإبل لأهلها؛ فلا يفارقها حتى يظن وتظن أن قد استمر بها حمل، ثم انصرف عنها، فهرقت الدماء، ثم خلف هذا (تعني: الآخر)، ولا أدري من أيهما هو؟ قال: فكبر القائف؛ فقال عمر للغلام: والِ أيهما شئت". وأخرح ابن أبي شيبة في "المصنف"، وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 263)؛ عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه: "أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قضى في رجلين ادَّعيا رجلًا لا يدري أيهما أبوه؛ فقال عمر رضي اللَّه عنه للرجل: "اتبع أيهما شئت". قال البيهقي: "هذا إسناد صحيح موصول"، وقال (10/ 264): "ورواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر رضي اللَّه عنه موصولة، ورواية سليمان بن يسار لها شاهدة، وكلاهما يثبت قول عمر رضي اللَّه عنه: "والِ أيَّهما شئتَ". وللأثر طرق أخرى عند البيهقي وغيره.

وعلى هذا؛ فهل يضيع نسبه، أو يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من يميل طبعه إليه من المدعين له فيلحق به؟ على وجهين، والأول قول أبي بكر، والثاني قول ابن حامد. واختار صاحب "المحرر" أنه يلحق بالمدعيين معًا؛ كالمدعيين لعين ليست في يد أحدهما إذا استويا في البينة أو عدمها؛ فإن العين تقسم بينهما، كذلك (¬1) ها هنا يلحق النسب بهما؛ إذ لا يمكن إلحاقه بالقرعة (¬2). وقال إسحاق بن إبراهيم: سألت أبا عبد اللَّه عن حديث عمر: إن رجلين اختصما إليه [أنهما وقعا] (¬3) على امرأة في طهرها؛ أيش تقول فيه؟ قال أحمد: إن ولدت؛ [خيرت الابن] (¬4) أيهما شاء اختار، ويرثهما جميعًا، ويخير في حياتهما أيهما شاء من الأبوين اختار (¬5). قال القاضي: هذا موافق لقول ابن حامد: إنه ينسب (5) إلى من اختار (¬6) منهما. وقال الحارثي: إنما دل على أنه ينسب إليهما. كما أختاره صاحب "المحرر" (¬7)؛ لأنه ورثه منهما، ولم يوقفه إلى بلوغه وتخييره (¬8)، إنما هو للحضانة. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وكذا"، وفي (ج): "وكذلك". (¬2) انظر: "المحرر" (2/ 102). (¬3) في المطبوع: "أيهما وقع"! (¬4) في (ب): "خيرت الاثنين"، وفي (ج): "خير الابن". (¬5) في (ج): "ينتسب". (¬6) في المطبوع: "شاء". (¬7) انظر: "المحرر" (2/ 102). (¬8) في (ج): "وتخيير"!!

والأظهر عندي أن مراد أحمد أنه إذا ألحقته (¬1) القافة بالأبوين معًا؛ ورثهما، وخير في المقام عند من يختار منهما (¬2)؛ فإنه سئل عن حديث عمر (¬3)، وحديث عمر فيه هذان الحكمان. وعن أحمد: إنه يقرع بينهما؛ فيلحق نسبه بالقرعة، ذكرهما في "المغني" (¬4) في كتاب الفرائض، وهي مأخوذة واللَّه أعلم مما روى صالح عن أبيه أنه قال: القرعة أراها (¬5)، قد أقرع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في خمسة (¬6) مواضع. فذكر منها وأقرع في الولد، حديث (¬7) الأجلح عن الشعبي عن أبي الخليل عن زيد بن أرقم (¬8)، وهو مختلف فيه، وأذهب إلى القرعة؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرع (¬9). قلت: إن بعض الناس لا يجيزون القرعة إلا في الأموال. قال: أليس قد أقرع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين نسائه (¬10)، والقرعة في القرآن ¬

_ (¬1) في (ج): "إذا لحقته". (¬2) في المطبوع: "يختار منهما". (¬3) مضى تخريجه قريبًا (ص 358). (¬4) انظر: "المغني" (6/ 276/ باب الاشتراك في الطهر). (¬5) في (ج): "أرها". (¬6) في النسخ الثلاث: "خمس"! ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬7) في المطبوع: "الولد من حديث"! والصواب حذف "من"؛ كما في "مسائل صالح" وغيرها. (¬8) مضى تخريجه قريبًا من هذا الطريق. (¬9) وردت المسألة في "مسائل صالح" (2/ 103 - 105/ 661)، لكن بدون قوله: "وأذهب إلى القرعة؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرع"؛ فإنه قد ورد أيضًا في "مسائله" (3/ 192/ 1630)، وأشار إلى هذه الرواية الإمام ابن قيم الجوزية في "الطرق الحكمية" (422). (¬10) أخرج البخاري في "صحيحه" (كتاب الهبة، باب هبة المرأة لغير زوجها، رقم =

في موضعين (¬1). وظاهر هذا أنه أخذ بالقرعة في النسب، وقد ذكرنا طرق حديث زيد ابن أرقم والاختلاف فيه وكلام الحفاظ عليه وتوجيه ما تضمنه من توزيع الغرم (¬2) في جزء مفرد. وقد قال أبو بكر عبد العزيز: لو صح؛ لقلنا به، وأما حكم تحريم ¬

_ = 2593، وكتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضًا، رقم 2661، وباب القرعة في المشكلات، رقم 2688، وكتاب المغازي، باب حديث الإفك، رقم 4141، وكتاب التفسير، باب {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ. . .}، رقم 4750، وكتاب الجهاد، باب حمل الرجل أمرأته في الغزو دون بعض نسائه، رقم 2879، وكتاب النكاح، باب القرعة بين النساء، رقم 5211)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أم المؤمنين عائشة، رقم 2445، وكتاب التوبة، باب حديث الإفك وقبول توبة القاذف، رقم 2770)؛ عن عائشة رضي اللَّه عنها؛ قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خرج؛ أقرع بين نسائه؛ فطارت القرعة على عائشة وحفصة". (¬1) الأول منهما: قوله تعالى في سورة آل عمران [الآية: 44]: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}. والثاني: قوله تعالى في سورة الصافات [الآية: 141]: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}. وانظر وجه الاستدلال بهاتين الآيتين على مشروعية القرعة في: "تفسير ابن جرير" (3/ 183)، و"أحكام القرآن" (1/ 273) لابن العربي، و"تفسير القرطبي" (4/ 86، 15/ 125 - 126)، و"أحكام القرآن" (2/ 358) لإلكيا الهراسي، و"الإكليل" (69)، و"فتح القدير" (1/ 338)، و"التسهيل لعلوم التنزيل" (1/ 190)، و"الطرق الحكمية" (335 - 336). (¬2) في المطبوع: "العزم"!

النكاح؛ فإن ألحقت القافة الولد بأحد الواطئين، وكان بنتًا؛ حلت لأولاد الآخر، ولم تحل لأحد من الواطئين لكونها ربيبة له، وإن لم توجد قافة، فإن قلنا: يضيع النسب؛ حرمت على الواطئين وأولادهما (¬1)؛ كما إذا اشتبهت ذات محرم بأجنبية (¬2)، وإن قلنا: [تترك حتى تبلغ، فتنتسب] (¬3) إلى أحدهما بميل الطبع؛ ففي حلها لولد (¬4) الآخر احتمالان ذكرهما صاحب "الترغيب" في الرضاع [بلبن هذه المرأة] (¬5). (وأما حكم العدة)؛ فقال أكثر الأصحاب: إن ألحقت القافة الولد بأحدهما؛ انقضت به عدتها [منه] (¬6)، [ثم اعتدت للآخر، وإن ألحقته بهما؛ انقضت به عدتها منهما. وفي "الانتصار" لأبي الخطاب: لا يمتنع على أصلنا أن نقول: تنقضي به عدة أحدهما لا بعينه، وتعتد للآخر فيما إذا ألحقته القافة بهما؛ كما لو وطئها رجلان بشبهة وجهل السابق] (¬7). وأما إن ضاع نسبه بأن (¬8) لم توجد قافة، أو أشكل (¬9) عليهم؛ ففي ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وأولادهم"! (¬2) في المطبوع: "بأجنبي" (¬3) في المطبوع: "يترك حتى يبلغ فينسب". (¬4) في (ج): "لوطء". (¬5) ما بين المعقوفتين مذكور آنفًا في المطبوع بعد قوله: "لولد الآخر". (¬6) في (ج): "منها"! (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬8) في المطبوع و (ب): "فإن". (¬9) في المطبوع: "وأشكل".

"الإِقناع" لابن الزاغوني: يضاف إلى أحدهما بالقرعة، وتنقضي به عدتها منه. قال: ويحتمل أن تستأنف العدة لهما؛ لأنه لا يعلم به البراءة من ماء أحدهما؛ حيث (¬1) لم ينسب إلى واحد منهما. وفي "المجرد" و"الفصول" و"المغني" (¬2): يلزمها أن تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء؛ لأنه إن كان من الأول؛ فقد أتت بما عليها من عدة الثاني، وإن كان من الثاني؛ فعليها أن تكمل عدة الأول ليسقط الفرض بيقين. وأما حكم الميراث إذا تعذر إلحاق النسب بواحد منهما، ومات الولد؛ ففي "المجرد" في [كتاب] (¬3) العدد قياس المذهب: إنه يقرع بينهما، فمن تقع (¬4) عليه القرعة؛ حكم له بالميراث؛ كما قلنا: إذا طلق إحدى نسائه ومات (¬5)، ثم قال: فإن (¬6) كان للطفل أم ولأحد المداعيين فيه [ولدان] (¬7)، أو كان لها ولد ولأحدهما ولد؛ فيجوز أن يكون للميت أخوان، ويجوز أن لا يكون؛ فيحكم لها (¬8) بالثلث، ولا تحجب بالشك. ¬

_ (¬1) في (ب): "بحيث". (¬2) انظر: "المغني" (7/ 402 - 403/ 6082). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في (ب): "وقع". (¬5) فالمذهب في هذه الصورة -إذا طلق إحدى زوجاته ولم يعين- يقرع بينهن، وتقدمت المسألة. (¬6) في (أ): "إن". (¬7) في المطبوع: "ولد". (¬8) في المطبوع: "له".

قال الشيخ مجد الدين: وفي هذا عندي نظر من وجهين: أحدهما: إن القرعة إنما تشرع عندنا إذا امتنع الجمع من الأمرين، وهنا يمكن أن يكون منهما (¬1) عندنا. والثاني: إن القاضي ذكر في "المجرد" في كتاب الفرائض أنه يوقف المشكوك فيه حتى يصطلح عليه، ثم العجب أنه جعل للأم هنا الثلث؛ حيث يشك؛ هل لها الثلث أو السدس؟ وكان ينبغي أن تعطى بمقتضى القرعة؟! انتهى. وأقول: القرعة هنا أرجح من الإيقاف؛ لأن فيها فصلًا للأحكام، وأما احتمال كونه منهما؛ فهو بعيد جدًّا؛ فلا تعويل (¬2) عليه، وإنما التعويل على العادة الغالبة، وأنه ابن لواحد منهما. نعم، لو عولنا على هذا الاحتمال؛ لقسمنا إرثه بينهما بالسوية، وهو متوجه أيضًا، وأما دخول القرعة فيما تستحقه الأم من الثلث [أو السدس] (¬3)؛ فغير ممكن، كما لا تدخل القرعة فيما يستحقه (¬4) الخنثى من ميراث ذكر أو أنثى، [ولا] (¬5) فيما يستحقه من له حاجب مفقود، ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) في (ب): "مبهمًا". (¬2) في (ب): "فلا يعول". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع: "تستحقه"، وفي (أ) و (ب): بدون تنقيط الأول. (¬5) في المطبوع: "ولأنه".

تنبيه: هذا الكلام في إلحاق النسب ابتداءً بالقرعة، فأما إذا أقر بولد مبهم من أمة له، ثم مات ولم يبين (¬1)، وتعذرت القافة؛ أقرعنا لأجل الحرية، فمن خرجت عليه القرعة؛ فهو حر، وهل يثبت نسبه بذلك؟ فيه خلاف سبق ذكره؛ لأن الحرية هنا مستندة إلى الإِقرار والقرعة مرجحة (¬2). - (ومنها): [إن الغلام] (¬3) إذا بلغ سبع سنين؛ فإنه يخير بين أبيه وأمه في الحضانة على ظاهر المذهب، فإن لم يختر واحد منهما، أو اختارهما جميعًا؛ أقرع بينهما على المشهور، وفيه وجه: يعطى لأمه، وأما قبل السبع؛ فإذا استوى في استحقاق حضانته رجلان؛ كأخوين، أو امرأتان (¬4)؛ كأختين؛ فإنه يعين أحدهما بالقرعة أيضًا (¬5). - (ومنها): إذا استحق القود جماعة، وتشاحوا في مباشرة الاستيفاء؛ ففيه وجهان: ¬

_ (¬1) في المطبوع و (أ): "ولم يتبين". (¬2) في المطبوع: "فيرجحه". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع و (ج): "امرأتين". (¬5) انظر: "المبدع" (8/ 238)، و"المغني" (11/ 525 - مع "الشرح الكبير")، وهذا مذهب الشافعية؛ كما في "مغني المحتاج" (3/ 454)، و"أسنى المطالب" (3/ 453)، وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يقدم الأقوم، فإن تساووا؛ فالأسن. انظر: "بدائع الصنائع" (5/ 2259)، و"تبيين الحقائق" (3/ 47)، و"الشرح الصغير" (2/ 758) للدردير، و"التاج والإكليل" (4/ 216).

أشهرهما: إنه يقدم أحدهم (¬1) بالقرعة. [والثاني] (¬2): بتعيين الإمام. قاله ابن أبي موسى. هذا إذا كان المقتول واحدًا، فإن كانوا جماعة، وطلب ولي كل واحد منهم أن يقتص على الكمال؛ ففيه وجهان أيضًا: أحدهما: إنه يقرع بينهم، فمن خرجت قرعته؛ أقيد به، ويجب للباقين الدية. والثاني: يبدأ بالسابق في القتل؛ فيقاد به وتتعين الدية للباقين، فإن قتلهم دفعة واحدة؛ قدم من تخرج له القرعة. ولم يذكر صاحب "المغني" سوى هذا الوجه (¬3)، وقال أبو الخطاب في "الانتصار": يقتل للجميع، ويؤخذ من ماله بقية ديات الجميع تقسم بينهم، وحكى أن المنصوص عن أحمد: إنهم إذا طلبوا القتل؛ فليس لهم غيره، ويكونون قد أخذوا (¬4) بعض حقوقهم وسقط (¬5) بعضها، وبعده (¬6) بأن القصاص لا يتبعض (¬7) في الاستيفاء والإسقاط (¬8). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أحدهما". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) انظر: "المغني" (8/ 244 - 245/ 6659). (¬4) في (ج): "أخذ". (¬5) في (ج): "وأخذوا". (¬6) في المطبوع: "ويعد". (¬7) في (أ): "لا ينتقض". (¬8) انظر: "المبدع" (8/ 290)، وهذا مذهب الشافعية، سواء كان المقتول واحدًا =

- (ومنها): إذا أعطينا الأمان لمشرك في حصن ليفتحه لنا ففعل، ثم أشتبه علينا، وادعى كل منهم أنه المستأمن؛ ففيه وجهان: أحدهما -وهو المنصوص في "رواية ابن هانئ"-: إنه يحرم قتلهم واسترقاقهم جميعًا (¬1). والثاني: يخرج أحدهم بالقرعة؛ فيكون حرًّا، ويرق الباقون. وحكى [ذلك] (¬2) عن أبي بكر والخرقي (¬3)؛ لأن القرعة يتميز الحر من العبد عند الاشتباه؛ ولو كان حر الأصل، كما لو أقر أن أحد هذين الولدين من هذه الأمة ولده، ثم مات ولم يوجد قافة؛ فإنا نقرع بينهما للحرية؛ وإن كان حر الأصل. ومن نصر الأول؛ قال: إرقاق الباقين هنا يؤدي إلى ابتداء الإرقاق مع الشك في إباحته، بخلاف من أعتق أحد عبيده واشتبه عليه؛ فإنه ليس فيه سوى استدامة الإرقاق مع الشك في زواله؛ فالاستدامه تبقيه على الأصل الذي لم يتحقق زواله، والابتداء نقل عن الأصل المتحقق مع الشك في إباحته. ¬

_ = أو جماعة. انظر: "مغني المحتاج" (4/ 22، 40)، و"أسنى المطالب" (4/ 35). وانظر: مذهب الحنفية في: "البدائع" (10/ 4629)، و"تبيين الحقائق" (6/ 115)، ومذهب المالكية في "الكافي" (2/ 1099) لابن عبد البر. (¬1) انظر: "مسائل ابن هانئ" (2/ 121/ 1701). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) قال الخرقي في "مختصره" (9/ 199/ 7489 - مع "المغني"): "ومن طلب الأمان ليفتح الحصن، فقبل؛ فقال كل واحد منهم: أنا المعطى؛ لم يقتل واحد منهم".

نعم، لو كان المعطي للأمان امرأة، واشتبهت (¬1) علينا؛ لتوجه جواز إرقاق النساء سوى واحدة بالقرعة؛ لأن النساء يصرن أرقاء بنفس السبي؛ فقد اشتبه ها هنا الرقيق بحر الأصل؛ [فهي] (¬2) كمسألة الإِقرار المشار إليها. وكذلك لو أسلم واحد من حصن قبل فتحه، ثم فتحناه، وادعى كلهم أنه المسلم؛ فإنه يخرج بالقرعة واحد؛ فلا يسترق، ويسترق الباقون لأنهم إنما أسلموا بعد القهر، وذلك يوجب استرقاقهم على المنصوص؛ فقد اشتبه ها هنا الحر بمن يثبت استرقاقه؛ فيميز بالقرعة، وجعل أصحابنا حكم هذه المسألة حكم مسألة دعوى الأمان في جريان الخلاف فيها. - (ومنها): إذا [ضمنا ما] (¬3) لًا لمن يفتح الحصن، فادعى اثنان كل منهما أنه الذي فتحه دون الآخر؛ فقال أبو بكر في "التنبيه": فيه قولان: أحدهما: إن المال بينهما جميعًا؛ لأنهما فيه سواء بدعواهما له. والآخر: يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة؛ كان المال له. -[(ومنها): إذا قسم خمس الغنيمة؛ فإنه يجزأ خمسة أقسام بالسّوية؛ سهم للَّه وللرسول، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، ثم تقرع بينهما برقاع يكتب فيها أسهام كل سهم من هذه السهام، فمن خرج له سهم؛ فهو له من غير تخير (¬4)، ¬

_ (¬1) في (ج): "واشتبه"! (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "جعلنا ما"، وفي (ب): "ضمنا لما". (¬4) في (ج): "تمييز".

وكذلك الفيء إذا قلنا: إنه يخمس. ذكره أبو حفص العكبري، حكاه عنه الآمدي، وذكر في ذلك آثارًا عن عثمان (¬1) وعلي (¬2) وغيرهما من الصحابة رضي اللَّه عنهم [أجمعين] (¬3)] (¬4). - (ومنها): لو حلف بيمين ولم يدر أي الأيمان هي؛ فالمنصوص عن أحمد أنه لا يلزمه شيء، قال في "رواية ابن منصور" في رجل حلف بيمين لا يدري ما هي: طلاق أو غيره؛ قال: لا يجب عليه الطلاق حتى ¬

_ (¬1) يشير المصنف إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 351): حدثنا عيسى بن يونس، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الوليد بن همام، عن مالك بن عبد اللَّه الخثعمي؛ قال: "كنا جلوسًا عند عثمان رضي اللَّه عنه؛ فقال: من ها هنا من أهل الشام؟ فقمتُ، فقال: أبلغ معاوية إذا غنم غنيمةً: أن يأخذ خمسة أسهم؛ فليكتب على كل سهم منها (للَّه)، ثم ليقرع، فحيث ما خرج منها؛ فليأخذه". وإسناده لين. صالح ضعيف يعتبر به، وسائر رجاله ثقات. (¬2) أخرجه عبد اللَّه بن أحمد في "زوائد فضائل الصحابة" (رقم 913) حدثني نصر بن علي الجهضمي، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 348 - 349) عن عبد الحميد بن صبيح، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/ ق 371) عن علي بن حرب؛ ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه: "أن عليًّا قسّم ما في بيت المال على سبعة أسباع، ثم وجد رغيفًا، فكسره سبع كسر، ثم دعا أُمراء الأجناد، فأقرع بينهم". لفظ عبد اللَّه. ولفظ البيهقي: "أتاه مال من أصبهان، فقسّمه". ولفظ ابن عساكر: "قدم على علي مال من أصبهان". وإسناده صحيح، وهو عند ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3/ 49). (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين (أي: كل هذه المسألة) سقط من المطبوع و (ب).

يعلم أو يستيقن. وظاهره أنه لا يلزمه شيء من موجبات الأيمان كلها؛ لأن الأصل براءة الذمة من موجب كل يمين بانفرادها. وتوقف أحمد في رواية أخرى، قال صالح: سألت أبي عن رجل حلف على يمين لا يدري [بما] (¬1) حلف؛ باللَّه أو (¬2) بالطلاق أو بالمشي؟ قال: لو عرف اجترأت أن أجيب فيها؛ فكيف إذا لم يدر (¬3)؟! وفي المسألة قولان آخران: أحدهما: إنه يقرع بين الأيمان كلها؛ من الطلاق والعتاق والظهار واليمين باللَّه؛ فما خرج بالقرعة؛ لزمه مقتضاه، وهو بعيد؛ لما يتضمنه من إيقاع الطلاق والعتاق بالشك، ولكنه احتمال ذكره ابن عقيل [في "فنونه"] (¬4). وذكر القاضي في بعض تعاليقه أنه استفتي في هذه المسألة، فتوقف فيها، ثم نظر؛ فإذا قياس المذهب أنه يقرع بين الأيمان (¬5) كلها؛ الطلاق والعتاق والظهار واليمين باللَّه [تعالى] (¬6)، فأي يمين وقعت عليها القرعة؛ فهي المحلوف عليها. قال: ثم وجدت عن أحمد ما يقتضي أنه لا يلزمه حكم هذه اليمين. وذكر "رواية ابن منصور" [المتقدمة] (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "ما"، وفي (ج): "أ"، وفي "مسائل صالح": "بماذا". (¬2) في المطبوع: "أم". (¬3) ذكر هذه المسألة صالح في "مسائله" (1/ 300/ 248). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في (ج): "يقرع للأيمان". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

[وحكاه في موضع آخر منها عن القاضي: إنه كان يجيب بذلك قبل وقوفه على "رواية ابن منصور" المذكورة] (¬1). والثاني: إنه يلزمه كفارة كل يمين؛ لأنه يتيقن وجوب أحدهما وشك في عينه، ذكره (¬2) ابن عقيل في "فنونه" أيضًا، وهو متجه فيما إذا علم أنها إحدى الأيمان المكفرة، وأما إن شك هل هي مما يدخله التكفير أو لا؛ فلا يزول شكه بالتكفير المذكور. وفي "مسائل إبراهيم الحربي" (¬3): سمعت رجلًا يسأل (¬4) أحمد بن حنبل عن يمين حلفها، فقال له أحمد: كيف حلفت؟ فقال [له الرجل] (¬5): [لا] (¬6) أدري كيف حلفت؟ فقال أحمد: حدثنا يحيى بن آدم؛ قال: قال ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬2) في المطبوع: "وذكره". (¬3) هو إبراهيم بن إسحاق بن إبراهم بن بشر الحربي، مصنف "غريب الحديث" (مطبوع)، و"دلائل النبوة"، و"سجود القرآن"، كان إمامًا في العلم، رأسًا في الزهد، عارفًا بالفقه، بصيرًا بالأحكام، حافظًا للحديث، نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وكان يعظمه، ويقول عنه: "تعجز النساء أن يلدن مثله"، مات سنة خمس وثمانين ومئتين؛ رحمه اللَّه تعالى. ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 86)، و"المنهج الأحمد" (1/ 383)، و"المقصد الأرشد" (1/ 211)، و"تاريخ بغداد" (6/ 28)، و"السير" (13/ 356). وترجمه ابن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (2/ 256) وعدّه شافعيًا. (¬4) في المطبوع: "سأل". (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع و (ب) و (ج). (¬6) في المطبوع و (ب) و (ج): "ليس".

رجل لشريك: حلفت ولست (¬1) أدري كيف حلفت؟ فقال له شريك: ليتني إذا دريتَ أنت كيف حلفتَ دريتُ أنا كيف أُفتيتك! انتهى (¬2). وهذه الرواية يحتمل أن يكون المراد أنه لم يدر بماذا حلف؛ فيكون (¬3) كرواية صالح السابقة، [ويحتمل أنه لم يدر ما] (¬4) حلف عليه؛ مثل أن يعلم أنه حلف بالطلاق مثلًا [أنه يفعل] (¬5) شيئًا، [ثم] (¬6) نسي ما حلف عليه؛ فهنا (¬7) قد شك في شرط الطلاق، وهو عدمي؛ فلا يلزمه الطلاق (¬8) على المذهب عند صاحب "المحرر" (¬9). وفيه وجه: يحنث في آخر أوقات الإمكان؛ لأن الأصل وجود ما علق عليه، وهو العدم، وإن حلف بالطلاق لا يفعل كذا، فهنا شرط الطلاق وجودي، وهو الفعل؛ فلا يقع الطلاق بالشك في وجوده. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "وليس". (¬2) في "مسائل صالح" (1/ 300/ 248): "سألته عن رجل حلف على يمين، لا يدري بماذا حلف، باللَّه، أو بالطلاق، أو بالمشي؟ فقال: لو أنه إذا عرف؛ اجتريت أن أجيب فيها؛ فكيف إذا لم يدْر؟! ". (¬3) في المطبوع: "فيكون"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الثاني. (¬4) في (ج): "يحتمل أنه لم يدر ماذا". (¬5) في المطبوع و (ب) و (ج): "ليفعلن". (¬6) في المطبوع و (ب) و (ج): "و". (¬7) في المطبوع: "وهنا". (¬8) في المطبوع: "طلاق". (¬9) انظر: "المحرر" (2/ 81).

وأفتى الشيخ تقي الدين فيمن حلف ليفعلن (¬1) شيئًا ثم نسيه أنه لا يحنث؛ لأنه عاجز عن البر (¬2)، وهو يرجع إلى الوجه المذكور في الصورة الأولى. - (ومنها): إذا تناضل حزبان واقتسموا الرجال بالاختيار، واختلفوا في البادي بالاختيار من كل حزب؛ أقرع بينهم لذلك، وكذلك إذا اختلف (¬3) الرماة في المبتدئ بالرمي (¬4) وتشاحوا؛ أقرع بينهم في قياس المذهب، قاله (¬5) الآمدي، واختار القاضي أنه يقدم من أخرج السبق، فإن لم يكن أقرع بينهم، واختار صاحب "الترغيب" أنه لا يصح عقد المناضلة حتى يعين فيه المبتدئ (¬6) بالرمي (¬7). - (ومنها): إذا استوى اثنان من أهل الفيء في درجة (¬8)؛ ففي "المجرد": يُقدَّمُ أسنُّهما (¬9)، ثم أقدمهما هجرة، وفي "الأحكام السلطانية": يقدم بالسابقة (¬10) في الإسلام، ثم بالدين، ثم بالسن، ثم ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لا يفعلن". (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 272). (¬3) في المطبوع: "اختلفت". (¬4) في المطبوع و (أ): "بالرامي". (¬5) في المطبوع: "قال". (¬6) في المطبوع: "المبتدئ فيه" بتقديم وتأخير. (¬7) انظر في المسألة: "المبدع" (5/ 134 - 135)، و"الإنصاف" (6/ 99)، و "الفروسية" لابن القيم (ص 394 - بتحقيقي). (¬8) في (أ): "زوجة". (¬9) في (ج): "أسنهما"، وكتب في الهامش تصحيحًا لها: "أسبقهما". (¬10) في (ب): "بالمسابقة".

بالشجاعة، ثم ولي الأمير مخير: إن شاء أقرع بينهما، وإن شاء رتبهما على رأيه (¬1) واجتهاده (¬2). - (ومنها): إذا تنازع الإمامة العظمى اثنان وتكافئا في صفات الترجيح؛ قدم أحدهما (¬3) بالقرعة، قال القاضي (¬4): هذا قياس المذهب؛ كالأذان. - (ومنها): لو عقدت الإمامة لاثنين في عقدين مترتبين، وجهل السابق منهما؛ فقال القاضي (¬5): يخرج على روايتين: إحداهما (¬6): بطلان العقد فيهما. والثانية: استعمال القرعة بناءً على ما إذا زوج الوليان وجهل السابق منهما؛ فإنه على روايتين، كذلك هنا. انتهى. ولكن المشهور في حكاية الرواية الأولى في كتب (¬7) القاضي وأصحابه: إنه يفسخ النكاحان، وقياس (¬8) هذا أن (¬9) يفسخ العقدان لا أنهما ¬

_ (¬1) في (ب): "على رواية"! (¬2) انظر: "الأحكام السلطانية" (ص 24 - 25). (¬3) في المطبوع: "أحدمها"! (¬4) في "الأحكام السلطانية" (ص 24 - 25). (¬5) في "الأحكام السلطانية" (ص 25). (¬6) في (ج): "يتخرج على روايتين: إحداهما"، وفي (ب): "يخرج على الروايتين: أحدهما". (¬7) في المطبوع: "كتاب". (¬8) في (ج): "فقياس". (¬9) في المطبوع: "أنه".

يبطلان من غير فسخ. - (ومنها): إذا ولى الإمام قاضيين في بلد عملًا واحدًا، وقلنا بصحة ذلك، فاختلف الخصمان فيمن يحتكمان إليه؛ فالقول قول المدعي، فإن تساويا في الدعوى؛ اعتبر أقرب الحاكمين إليهما، فإن استويا؛ أقرع بينهما، وقيل: يمنعان من التخاصم حتى يتفقا (¬1) على أحدهما، قال القاضي (¬2): والأول أشبه بقولنا. - (ومنها): إذا هجم الخصوم على (¬3) القاضي دفعة واحدة، وتشاحوا في المتقدم، وليس فيهم مسافر؛ فإنه يقدم أحدهما بالقرعة، [وكذلك (¬4) إذا ادعى الخصمان عنده معًا؛ فإنه يقدم أحدهما بالقرعة] (¬5). - (ومنها): القرعة في القسمة، إذا عدل القاسم السهام بالأجزاء إن تساوت وبالقيمة إن اختلفت وبالرد فيما يقتضي الرد؛ فإنه يقرع بين الشركاء، وهو مخير: إن شاء كتب اسم كل [واحد] (¬6) منهم في رقعة، ثم ¬

_ (¬1) في المطبوع و (أ) و (ب): "يتفقان"! (¬2) في "الأحكام السلطانية" (ص 69). (¬3) في (ج): "إلى". (¬4) في المطبوع: "وكذا". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). وانظر في المسألة: "الإنصاف" (11/ 204)، و"المبدع" (10/ 34)، والقرعة مذهب المالكية؛ كما في "الشرح الكبير" (4/ 143)، و"الشرح الصغير" (4/ 204) للدردير، ومذهب الشافعية، انظر: "مغني المحتاج" (4/ 401 - 402). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

تخلط الرقاع ويخرج على [كل] (¬1) سهم (¬2) رقعة منها، وإن شاء كتب اسم كل سهم في رقعة، ثم خلطها وأخرج واحدة واحدة [منها] (¬3) على اسم واحد [واحد] (¬4) من الشركاء، فإذا تمت القرعة؛ لزمت القسمة للشركاء. وفيه وجه: لا يلزم (¬5) فيما فيه رد حتى يتراضيا به بعد القسمة؛ لأنها بيع، إذا دخلها الرد؛ فيشترط لها التراضي (¬6). - (ومنها): إذا تداعى اثنان عينًا بيد ثالث، فأقر بها لأحدهما مبهمًا وقال: لا أعلم عينه؛ فإنه يقرع بينهما، فمن قرع؛ فهي له، وهل يحلف؟ على وجهين ذكرهما أبو بكر، والمنصوص عن أحمد أن عليه اليمين، وعليه حمل حديث أبي هريرة: "إذا أحب الرجلان اليمين أو كرهاها؛ فليستهما عليها" (¬7)، لكنه قال: إذا كرها اليمين وخرجت القرعة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في المطبوع و (أ): "اسم". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "كل منهما". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬5) في المطبوع: "لا يلزمه"، وفي (ج): "لا تلزم". (¬6) تدخل القرعة في قسمة الإجبار -وهي ما أمكن التعديل فيها من غير رد- لا قسمة التراخي، وتكون في الأراضي الواسعة، والبساتين، والدور الكبار، والدكاكين الواسعة، والمكيلات، والموزونات من جنس واحد، سواء كانت مما تمسه النار؛ كالدبس وخل التمر، أو لم تمسه النار؛ كخل العنب والألبان. وانظر: "المقنع" (3/ 646 - مع حاشيته)، و"المغني" (11/ 505 - مع "الشرح الكبير"). (¬7) في المطبوع: "فليستهما عليه"! =

لأحدهما؛ فهي له بغير يمين، ولا فرق بين أن يكون (¬1) وديعة أو عارية أو رهنًا أو بيعًا مردودًا بعيب أو خيار أو غيرهما، نص عليه في المردود في "رواية ابن منصور" (¬2). وإن قال من هي في يده: ليست لي، ولا أعلم لمن هي؛ ففيها ثلاثة أوجه: ¬

_ = وأخرج البخاري في "الصحيح" (كتاب الشهادات، باب إذا تسارع قوم في اليمين، رقم 2674) عن عبد الرزاق -وهو في "مصنفه" (8/ رقم 15212) - عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عرض على قوم اليمين، فسارعوا إليه، فأمر أن يُسْهم بينهم في اليمين؛ أيُّهم يحلف". وأخرجه أبو داود في "السنن" (كتاب الأقضية، باب الرجلين يدّعيان شيئًا وليس لهما بيّنة، رقم 3617)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 255) و"معرفة السنن والآثار" (7/ رقم 5990)، والبغوي في "شرح السنة" (10/ رقم 2505)؛ عن عبد الرزاق به، ولفظه: "إذا أُكره اثنان على اليمين، أو استحبَّاها؛ فلْيتهما عليها". وفي رواية لأحمد في "المسند" (2/ 317): "إذا أكره اثنان على اليمين أو استحباها". وأخرج النسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة" (10/ 389)، وأبو داود في "السنن" (رقم 3616، 3618)، وابن ماجه في "السنن" (كتاب الأحكام، باب القضاء بالقرعة، رقم 2346)، وأحمد في "المسند" (2/ 489/ 524)، وأبو يعلى في "المسند" (11/ رقم 6438)؛ من طرقٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: "إن رجلين اختصما في متاع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليس لواحدٍ منهما بيّنة، فقال: استهما على اليمين، أحبّا ذلك، أو كرها". وإسناده صحيح. (¬1) في (ج): "تكون". (¬2) انظر: "مسائل ابن منصور" (ص 465/ م 422).

أحدها: يقترعان عليها، كما لو أقر بها لأحدهما مبهمًا. والثاني: تجعل (¬1) عند أمين الحاكم. والثالث: تقر في يد من هي في يده. والأول ظاهر كلام [الإمام] (¬2) أحمد في "رواية صالح" (¬3) وأبي طالب وأبي النضر (¬4) وغيرهم، والوجهان الآخران مخرجان من مسألة من في (¬5) يده شيء معترف (¬6) بأنه ليس له، [ولا يعرف مالكه] (¬7)، فادعاه معين؛ فهل يدفع إليه أم لا؟ وهل يقر (¬8) بيد من هو في يده، أم ينزعه (¬9) الحاكم؟ فيه خلاف [معروف] (¬10). - (ومنها): إذا تداعا اثنان عينًا ليست في يد أحد [هما] (¬11)؛ ففيها ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يجعل"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع فقط. (¬3) انظر: "مسائل صالح" (2/ 275 - 276/ 882). (¬4) في المطبوع: "أبي النصر"، وفي (ج): "ابن منصور"! (¬5) في المطبوع: "من هي في". (¬6) في (ج): "يعترف". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬8) في المطبوع و (ج): "تقر". (¬9) في المطبوع: "يننزعه". (¬10) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. انظر في المسألة: "الكافي" (4/ 490 - 491)، و"المغني" (12/ 183 - 184 - مع "الشرح الكبير")، و"الهداية" (2/ 139). (¬11) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع.

وجهان: أحدهما: تقسم (¬1) بينهما؛ كالتي بأيديهما. والثاني: يقرع بينهما؛ فتعطى (¬2) لمن قرع؛ كما لو كانت بيد ثالث، وهو ظاهر كلام أحمد في "رواية صالح" في اثنين تداعيا كيسًا ليست أيديهما عليه: إنهما يستهمان عليه، فمن خرج سهمه؛ فهو له مع يمينه (¬3)، ولم يفرق بين أن يكون في يد غيرهما، أو لا يكون في يد [أحد] (¬4). - (ومنها): إذا تعارضت البينتان؛ ففي المسألة ثلاث روايات: إحداهن: يسقطان بالتعارض، ويصيران كمن لا بينة لهما. والثانية: تستعملان (¬5) بقسمة العين بينهما بغير يمين. والثالثة: ترجح (¬6) إحداهما بالقرعة، فمن قرع؛ حلف وأخذ العين. هكذا حكى القاضي في "بعض كتبه" هذه الرواية، وتبعه عليها كثير من الأصحاب، وأنكرها في [كتاب] (¬7) "المجرد" و"الخلاف"، وقال: إنما ¬

_ (¬1) في المطبوع و (أ): "يقسم"، وفي (ب) بدون تنقيط الأول. (¬2) في المطبوع: "فيعطى"، وفي (أ) بدون تنقيط الثاني. (¬3) انظر: "مسائل صالح" (1/ 218 - 220/ 161)، و"الإنصاف" (11/ 397). (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "واحد منهما". (¬5) في المطبوع: "يستعملان"، وفي (ب) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬6) في المطبوع: "يرجح"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

معناها أن البينتين يسقطان بالتعارض، وتصير العين في يد غير (¬1) المتداعيين؛ فيقرع بينهما على ما تقدم. وصرح أحمد بهذا المعنى في "رواية حنبل"؛ فقال: لو أقاما البينة جميعًا؛ أسقطت البينتين جميعًا؛ لأن كل واحدة منهما قد أكذبت صاحبتها، ويستهمان على اليمين. وحكى ابن شهاب في "عيون المسائل" (¬2) رواية أخرى: إنه يوقف [الأمر] (¬3) حتى يتبين أو يصطلحا عليه، ولو كانت العين المتنازع (¬4) فيها بيد أحدهما؛ فلا تعارض، بل تقدم بينة الخارج في أشهر الروايتين، وفي الأخرى بينة الداخل؛ إلا أن يكون التنازع في سبب اليد بأن يدعي كل منهما أنه اشتراها من زيد أو إتهبها منه، ويقيم (¬5) بذلك بينة؛ ففيه روايتان: إحداهما (¬6): إنه كبينة الداخل والخارج على ما سبق، وهي المذهب عند القاضي. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "غيرهما"! (¬2) مؤلفه أبو علي بن شهاب العُكْبري، قال المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 172): "صاحب كتاب "عيون المسائل"، متأخر، ونقل من كلام القاضي وأبي الخطاب، كأنه من ولد ابن شهاب المتقدّم، ما وقعت له على ترجمة، ومن الناس من يظنه الحسن بن شهاب الكاتب الفقيه صاحب ابن بطة، وهو خطأ عظيم". وانظر: "المنهج الأحمد" (2/ 271)، و"المدخل المفصَّل" (2/ 903، 972). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع: "المنازع". (¬5) في المطبوع: "ويقم". (¬6) في (أ): "أحدهما"!

والثانية: يتعارضان؛ لأن سبب اليد هو نفس المتنازع فيه؛ فلا تبقى مؤثرة لأنهما اتفقا على أن ملك هذه الدار لزيد، وعنه هو متلقى؛ [فلذلك لم] (¬1) يبق لليد تأثير لأنه قد علم مستندها، وهو الشراء الذي عورض بمثله، وهذه الرواية اختيار أبي بكر وابن أبي موسى وصاحب "المحرر" (¬2). واختار أبو بكر وابن أبي موسى ها هنا (¬3): إنه يرجح بالقرعة، ونص عليه أحمد في "رواية ابن منصور" في رجل باع ثوبًا، فجاء رجل، فأقام البينة أنه اشتراه بمئة، وأقام الآخر البينة أنه اشتراه بمئتين، والبائع يقول: بعته بمئتين، والثوب في يد البائع بعد، قال: ليس قول البائع بشيء، يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة، فهو له بالذي ادعى أنه اشتراه به. قلت: فإن كان الثوب في يد أحدهما، ولا يدرى أيهما [اشتراه أول] (¬4)؟ قال: لا ينفعه ما في يديه (¬5)، إذا (¬6) كان مقرًّا أنه اشتراه من فلان (¬7)؛ فلا ينفعه ما في يديه (¬8). ¬

_ (¬1) في (ج): "فكذلك ولم"، وكتب في هامشها: "لعله: فلذلك لم". (¬2) انظر: "المحرر" (2/ 232). (¬3) في المطبوع: "واختار أبو بكر ها هنا وابن أبي موسى". (¬4) في المطبوع: "يده". (¬5) في "مسائل ابن منصور": "اشترى أولًا". (¬6) في (ج): "إن". (¬7) هنا في "مسائل ابن منصور" بعد قوله: "من فلان": "يقرع بينهما، قلت: إذا أقاما جميعا البينة أنه أوّل؟ قال: يقرع بينهما إذا كان مقرًّا أنه اشتراه من فلان"، وبدل قوله: "فلا ينفعه" الآتي: "ولا ينفعه". (¬8) في المطبوع: "يده". وانظر: "مسائل ابن منصور" (439/ 376).

والعجب أن القاضي في "المجرد" حكى هذا النص عن أحمد، وذكر أنه أجاب بقسمة الثوب بينهما نصفين، ثم تأوله على أنه كان في أيديهما، وإنما أجاب أحمد فيه بالقرعة كما ذكرناه، وإنما المجيب بالقسمة سفيان الثوري؛ فإن إسحاق ابن منصور يذكر لأحمد أولًا المسألة وجواب سفيان فيها، فيجيبه أحمد عنها بعد ذلك بالموافقة أو بالمخالفة؛ فربما يشتبه جواب أحمد بجواب سفيان، وقد وقع ذلك للقاضي كثيرًا؛ فلينبه لذلك، وليراجع كلام أحمد من أصل "مسائل ابن منصور". ووقع في "الإِرشاد" (¬1) لابن أبي موسى في هذه المسألة كما وقع للقاضي؛ فإنه نقل عن أحمد: إنه إذا كان الثوب في يد البائع، فهو بينهما نصفين، وإن كان في يد أحدهما؛ أقرع بينهما، وهو وهم أيضًا. [وذكر الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه] (¬2) أن مقتضى المذهب أنه إذا شهدت البينتان [بالعقدين أو الإقرارين أو الحكمين؛ أن يصدق البينتان] (¬3)، ثم (¬4) إن علم السابق، وإلا؛ كان بمنزلة أن تشهد بينة واحدة ¬

_ (¬1) هو للشريف محمد بن أحمد بن أبي موسى، أبو علي الهاشمي القاضي، عم أبي جعفر صاحب "رؤوس المسائل"، وهر من أصحاب القاضي أبي يعلى، توفي سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، ذكر له "الإرشاد" كلُّ من ترجم له. وانظر: "طبقات الحنابلة" (2/ 182 - 386)، و"المقصد الأرشد" (2/ 342)، و"المنهج الأحمد" (2/ 114)، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (209)، و"مناقب الإمام أحمد" (226)، و"الشذرات" (3/ 238). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي (ج): "تصدق البينتان". (¬4) في المطبوع: "به".

بالعقدين ولا يعلم السابق منهما (¬1)؛ فهنا إما أن يقرع، أو يبطل العقدان؛ فلا يبقى هنا عقد صحيح يحكم به؛ فيقر في يد ذي اليد، وتكون الدعوى حينئذ لمن انتقل عنه على صاحب اليد. قال: وقياس المذهب فيما إذا اشتبه أسبق عقدي البيع: أن يفسخهما؛ إلا أن يتعذر (¬2) موجب الفسخ من رد الثمن ونحوه؛ فإنا (¬3) [نقرع (¬4) لأن من أصلنا أنه إذا اشتبه المالك بغير المالك أو الملك بغير [الملك] (¬5)؛ فإنا] (¬6) نقرع، فإذا أمكن فسخ العقد ورد كل مال إلى صاحبه؛ فهو خير من حظر القرعة] (¬7). - (ومنها): الإقراع في العتق، وهو أشهر ما وردت [فيه] (6) السُّنة بالإقراع فيه (¬8)، ويندرج تحته صور كثيرة: ¬

_ (¬1) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 368 - 370). (¬2) في المطبوع و (ج): "إذا تعذر". (¬3) في المطبوع: "فإنه". (¬4) في المطبوع: "يقرع". (¬5) ما بين المعقوفتين مكرر مرتين في المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) ما بين المعقوفتين من قوله: "وذكر الشيخ تقي الدين" إلى هنا سقط من (ب). (¬8) أخرج مسلم في "صحيحه" (كتاب الإيمان، باب من أعتق شركًا له في عبد، رقم 1668) عن عمران بن حصين: "إن رجلًا أعتق سنة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجزَّأهم أثلاثًا، ثم أقرع بينهم؛ فأعتق اثنين، وأرقَّ أربعة، وقال له قولًا شديدًا". وتكلمتُ على طرقه وألفاظه في تعليقي على "الطرق الحكمية" تبعًا للإمام ابن قيم رحمه اللَّه؛ فانظره غير مأمور.

- (فمنها) (¬1): إذا أعتق في مرضه عبيده أو دبرهم، ولم يخرجوا من ثلثه؛ فإنه يقرع بينهم، فيعتق منهم بقدر الثلث، نص عليه أحمد في رواية جماعة (¬2)، قال القاضي: ويكون العتق مراعًا، فإن مات ولم يجز الورثة؛ تبينا أن الحر منهم اثنان مثلًا، وأن العتق كان واقعًا عليهما دون غيرهما، ولكنهما كانا غير معينين، وإنما تميزا وتعينا (¬3) بالقرعة؛ كما تتميز وتتعين (¬4) الحقوق المشتركة في العقار وغيره بالإقراع في القسمة وغيرها. ويستثنى من هذا صور لا إقراع فيها ذكرها الأصحاب: - (أحدها): إذا كان عتق أحد العبدين مرتبًا على الآخر، بأن قال: إن أعتقت سالمًا؛ فغانم حر؛ فإَه يعتق سالم وحده إذا أعتقه (¬5)، ولا يقرع؛ لأن القرعة قد تفضي إلى عتق غانم وحده؛ فيلزم (¬6) منه ثبوت المشروط بدون شرطه. (والثانية): إذا قال في مرضه: أعتقوا سالمًا إن خرج من الثلث، ¬

_ (¬1) في (ب): "منها". (¬2) منهم: المروذي وحنبل والميموني وإسحاق وأبو الحارث ومهنأ، نقلها ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص 339، 341، 342، 343، 344)، ثم وجدته يقول (ص 367) في هذه المسألة: "قلت: قد نص -أي: أحمد- في رواية الجماعة على أنه يخرج بالقرعة، نص على ذلك في رواية الميموني وبكر بن محمد عن أبيه وحنبل والمروذي وأبي طالب وإسحاق بن إبراهيم ومهنأ". (¬3) في (ج) "يميزا أو يعينا". (¬4) في المطبوع: "يتميز ويتعين". (¬5) في المطبوع: "عتقه". (¬6) في المطبوع: "فيلزمه".

وإلا؛ فاعتقوا منه ما عتق، وقال أيضًا: أعتقوا غانمًا إن خرج من الثلث، وإلا؛ فاعتقوا منه ما عتق. قال الأصحاب: يعتق من كل واحد نصفه مع تساوي قيمتهما؛ لأنه لم يقصد بالوصية تكميل الحرية في كل واحد؛ فلم يقرع؛ كما لو قال: أعتقوا نصف سالم، وإلا؛ فنصف غانم. (والثالثة): لو (¬1) أعتق أمة حاملًا في مرض موته، ولم يتسع الثلث لها ولحملها؛ قالوا: لا يجوز الإقراع؛ لأن الحمل تبع لأمه وجزء منها؛ فلا يجوز إفراده بالعتق دونها، والقرعة قد تفضي إلى ذلك [ولا] (¬2) أن تعتق هي دون حملها إذا استوعبت قيمتها الثلث؛ لأن الولد تبع لها، وعتقه ملازم لعتقها؛ فلا يمكن أن يعتق منها شيء ولا يعتق منه مثله؛ فيتعين أن يعتق منها ومن حملها بالحصة. وذهب [أبو] (¬3) علي بن أبي موسى إلى أن الإقراع إنما يدخل حيث كان العتق لمبهم (¬4) غير معين وتشاح العبيد فيه، فأما إن كان لمعين؛ فلا إقراع، وكذا إن لم يتشاح فيه العبيد، وحكي عن أبي بكر في "خلافه" ما يوافق ذلك؛ فعلى هذا إذا وصى بعتق عبيده ولم يجز الورثة؛ أعتقوا منهم بمقدار الثلث، فإن تشاح العبيد في العتق؛ أقرع بينهم؛ فعتق من وقع عليه سهم الحرية منهم، وكذلك لو دبرهم، ذكره ابن أبي موسى، وذكر هو وأبو ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "إذا". (¬2) في (ج): "وإلا". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في (ج): "المبهم". وانظر في المسألة: "الإنصاف" (7/ 427)، و"المبدع" (6/ 316).

بكر فيما إذا شهدت بينة على مريض أنه أعتق عبده هذا، وشهدت أخرى أنه أعتق عبده هذا: إنه يجب العتق لهما، ويتحاص (¬1) فيه العبدان. قال أبو بكر: لأن القرعة إنما تجب إذا كان أحدهما حرًّا والآخر عبدًا. يعني: إذا كان العتق لواحد لا للجميع. وهذا مناقض لما ذكره ابن أبي موسى في تدبيرهم كلهم؛ إلا أن نقول (¬2): تدبيرهم يقع موقوفًا مراعًا؛ كعتقهم المنجز في مرضه، فيعتق منهم من عدم الإجازة قدر الثلث، وهو مبهم؛ فيميز بالقرعة، بخلاف ما إذا أعتق عبدين معينين وهو ضعيف؛ فإنه لا فرق بين أن يكون العبيد (¬3) جميع ماله أو نصفه مثلًا؛ إذ لا بد من الرد إلى الثلث. وقد نقل ابن منصور عن أحمد فيمن قال في مرضه: أعتقوا عني أحد عبدي هذين: إنه يعتق أحدهما، فإن تشاحا في العتق؛ يقرع بينهما، وإنما قال: يعتق أحدهما ابتداءً؛ لأنها (¬4) وصية؛ فالواجب فيها ما يصدق عليه الاسم؛ كما لو وصى بأحدهما لزيد. - (ومنها): لو أعتق أحد عبديه (¬5)؛ فإنه يعين بالقرعة. ويتخرج وجه آخر: إنه يعينه (¬6) بتعيينه من الرواية السابقة في الطلاق، ¬

_ (¬1) في (أ): "ويتحاصان". (¬2) في (ج): "يقول"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬3) في (ج): "العبدين". (¬4) في المطبوع: "لأنه". (¬5) في المطبوع: "عبيده". (¬6) في المطبوع و (ب): "يعتقه".

ولو أعتق عبدًا من عبيده، ثم أنسيه أو جهله ابتداءً؛ كمسألة الطائر (¬1) المشهورة؛ فإنه يخرج بالقرعة أيضًا (¬2). ويتخرج وجه آخر: إنه لا يقرع ها هنا من الطلاق، وأشار إليه بعض الأصحاب، لكن قياس الرواية المذكورة في الطلاق أنه يقرع، فمن خرجت له القرعة؛ عتق، ويستدام الملك في غيره؛ إلا أنه لا يستباح وطئ شيء منهن إذا كن إماء، ولو قال رجل: إن كان هذا الطائر غرابًا؛ فعبدي حر، وقال آخر: إن لم يكن غرابًا؛ فعبدي حر، وجهل (¬3) أمره؛ فالمشهور أنه لا يعتق واحد من العبدين، فإن اشترى أحد المالكين عبد الآخر؛ ففيه وجهان: أحدهما: يعتق ما اشتراه؛ لأن استدامته لاسترقاق عبده إقرارًا منه بأن عبد صاحبه هو الذي عتق، فإذا اشتراه؛ نفذ إقراره على نفسه، فعتق عليه. والثاني: إنه يعتق أحدهما غير معين، ثم يميز بالقرعة، وهو أصح؛ لأن تمسكه بعبده [إنما كان] (¬4) استصحابًا للأصل لا غير. وأما الولاء؛ فعلى الوجه الأول: هو موقوف حتى يتصادقا على أمر يتفقان عليه، وعلى الثاني: إن وقعت الحرية على المشتري؛ فكذلك، وإن وقعت على عبده؛ فولاؤه له، ويتوجه أن يقال: يقرع بينهما، فمن ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الظائر". (¬2) انظر: "الإنصاف" (7/ 428)، و"المغني" (12/ 283 - مع "الشرح الكبير"). (¬3) في (أ): "فجهل". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

قرع؛ فالولاء له كما تقدم مثل ذلك في الولد الذي يدعيه أبوان، وأولى؛ لأنه (¬1) ها هنا إنما عتق على واحد غير معين، وهناك يمكن أن يكون الولد لهما، وكذلك يقال: لو كان عبد بين شريكين موسرين، فقال أحدهما: إن كان الطائر غرابًا؛ فنصيبي حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا؛ فنصيبي حر؛ فإن العبد عتق (¬2) على أحدهما، وهو غير معلوم؛ فيميز بالقرعة، ويكون له الولاء. - (ومنها): لو قال لأمته: أول ما تلدينه حر، فولدت ولدين، واشتبه أولهما خروجًا؛ فإنه يميز بالقرعة، نص عليه (¬3)؛ لأن العتق وقع على معين وجهل ابتداءً (¬4)، ولو قال: أول غلام لي بطلع؛ فهو حر، فطلع عبيده كلهم، أو قال لزوجاته: أيتكن طلع، أولًا؛ فهي طالق. فطلعن كلهن؛ فنص أحمد على أنه يميز واحد من العبيد وامرأة من الزوجات بالقرعة في "رواية مُهَنَّأ" (¬5). واختلف الأصحاب في هذا النص؛ فمنهم من حمله على أن ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لأن". (¬2) في المطبوع: "يعتق". (¬3) في "رواية ابن منصور"؛ كما في "الطرق الحكمية" (ص 369). (¬4) قلت: ولأن النية تخصص العام، وتقيد المطلق، وهؤلاء جماعة اشتركوا في الشرط، وخصص بنيته واحدًا؛ فالذي يستحق العتق منهم واحد، وهو غير معين هنا؛ فيخرج بالقرعة. وانظر: "الطرق الحكمية" (ص 368 - 370) للإمام ابن القيم رحمه اللَّه، و"الإنصاف" (7/ 420). (¬5) نقل ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص 367) رواية مهنأ هذه.

اطلاعهم كان مرتبًا [وأشكل السابق منهم؛ فيميز بالقرعة] (¬1)؛ كمسألة الولادة، ومنهم من أقر النص على ظاهره، وأنهم طلعوا دفعة واحدة، وقال: صفة الأولية شاملة لكل واحد منهم بانفراده، والمعتق إنما أراد عتق واحد منهم؛ فميز بالقرعة، وهي طريقة القاضي في "خلافه" (¬2)، ومن الأصحاب من قال: يعتق ويطلق الجميع؛ لأن الأولية صفة لكل واحد منهم، ولفظه صالح للعموم؛ لأنه مفرد [مضاف]، أو يقال: الأولية صفة للمجموع لا للأفراد، وهو الذي ذكره صاحب "المغني" في الطلاق (¬3)، ومنهم من قال: لا تطلق، ولا يعتق شيء منهم؛ لأن الأول لا يكون إلا فردًا لا تعدد فيه، والفردية منتفية (¬4) هنا، وهو الذي ذكره القاضي وابن عقيل في الطلاق والسامري وصاحب "الكافي" (¬5). ويتخرج وجه آخر، [وهو] (¬6) أنه إن طلع بعدهم [غيرهم] (¬7) من عبيده ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وأشكل السابق؛ فميز بالقرعة"، وفي (ج): "وأشكل السابق منهم؛ فيميز واحد منهم بالقرعة". (¬2) وابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص 367 - 368). (¬3) قال في "المغني" (7/ 361/ 5988): "فصل: وإن قال: أول من تقوم منكن؛ فهى طالق، أو قال لعبيده: أول من قام منكم؛ فهو حر، فقام الكل دفعة واحدة؛ لم يقع طلاق ولا عتق لأنه لا أول فيهم". قلت: وهذا يخالف ما نقله المصنف عنه؛ فتأمل! (¬4) في المطبوع: "مشتبهة"! (¬5) قال في "الكافي": "وكذلك لو قال لأمته: أول ولد تلدينه؛ فهو حر، فولدت ابنين؛ أقرع بينهما إذا أشكل أولهما خروجًا" اهـ. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

وزوجاته؛ طلقن وعتقن (¬1)، وإلا؛ فلا بناءً على أن الأول هو السابق لغيره؛ فلا يكون أولًا حتى يأتي بعده غيره؛ فيتحقق [بذلك له] (¬2) صفة (¬3) الأولية، وهو وجه لنا ذكره ابن عقيل وغيره. وقريب من هذه المسألة ما ذكره ابن أبي موسى في كتاب العتق؛ فقال: واختلف قوله في الرجل يقول لعبيده: أيكم جاءني بخبر كذا؛ فهو حر، فأتى بذلك الخبر اثنان معًا أو أكثر؛ على روايتين، قال في إحداهما: قد عتق واحد منهم؛ فيقرع بينهم، فمن قرع صاحبه؛ فقد عتق، وقال في الأخرى: فقد عتقا جميعًا. انتهى. فأما وجه عتقهما جميعًا؛ فظاهر؛ لأن أَيًّا من صيغ العموم، وأما وجه عتق أحدهما بالقرعة؛ فهو أن المتبادر إلى الأفهام من هذا التعليق الخصوص، و [أنه] (¬4) إنما أريد به عتق واحد يجيء بالخبر؛ فيصير عموم هذا اللفظ عموم بدلية (¬5) لا عموم شمول؛ فلا يعتق [به] (4) أكثر من واحد (¬6)، فإذا اجتمع اثنان على الإتيان بالخبر؛ أعتق أحدهما بالقرعة، وليس هذا كما لو قال لزوجاته: أيتكن خرجت؛ فهي طالق، فإذا خرجن جميعًا طلقن؛ لأن الخروج بالنسبة إلى الجميع سواء. ¬

_ (¬1) في (ج): "وعتقوا". (¬2) في المطبوع و (ج): "له بذلك" بتقديم وتأخير. (¬3) في المطبوع: "صيغة". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في المطبوع: "بدليله"! (¬6) في المطبوع: "واحدة".

وأما الإخبار؛ فالمقصود منه يحصل من أحد المخبرين؛ فلا حاجة إلى الآخر، ولهذا قلنا على أحد الوجوه -وهو قول القاضي-: إنه لو قال لزوجاته: من أخبرني منكن بكذا؛ فهي طالق، فأخبرنه متفرقات؛ أنه لا يطلق منهن إلا الأولى؛ لأن مقصوده من الأخبار -وهو الإعلام- حاصل بها، ولهذا لو قال: من دخل داري؛ فله درهم، فدخل جماعة؛ فلكل واحد منهم درهم، ولو قال: من جاءني؛ فله درهم، فجاءه جماعة؛ فلهم درهم واحد بينهم، ذكره القاضي في كتاب "أحكام القرآن"؛ قال: لأن الشرط وجد من الجماعة وجودًا واحدًا، بخلاف دخول الدار؛ فإن كل واحد [منهم] (¬1) وجد منه دخول كامل، ولو قال رجل: من سبق؛ فله كذا، فسبق اثنان معًا؛ ففيه وجهان: أحدهما: السبق المذكور بينهما؛ كما لو قال: من رد ضالتي؛ فله كذا، فردها جماعة. والثاني: لكل منهم سبق كامل؛ لأنه سابق بانفراده. وحاصل الأمر في هذا الباب أن المعلق عليه تارة يكون شيئًا واحدًا لا تعدد فيه؛ كرد الآبق ونحوه؛ فلا يتعدد المشروط بتعدد (¬2) المحصلين له؛ لأنهم اشتركوا في تحصيل شيء واحد، فاشتركوا في استحقاق المرتب عليه، وتارة يكون قابلًا للتعدد (¬3)، وهو نوعان: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد به (أ). (¬2) في المطبوع: "بعدد". (¬3) في المطبوع: "للعدد".

أحدهما: ما يكون التعدد فيه مقصودًا؛ كدخول (¬1) الدار ونحوه؛ فيتعدد الاستحقاق على الصحيح؛ كما إذا قال: من دخل داري؛ فهو حر، أو فله درهم، أو فهي طالق، وكذلك تجيء على هذا إذا قال: من جاءني؛ فله درهم؛ لأن تعدد الآتين (¬2) مطلوب، بخلاف ما ذكره القاضي. ومسألة السبق قد يقال: هي من هذا النوع، وقد يقال: السبق إنما حصل من المجموع لا من كل فرد منهم؛ إذ (¬3) كل فرد منهم ليس [بـ] (¬4) سابق للباقين، بل هو سابق لمن تأخر عنه ومساوٍ (¬5) لمن جاء معه؛ فالمتصف بالسبق هو المجموع، لا كل فرد منهم؛ فلذلك استحقوا جعلًا واحدًا، وهذا أظهر. والنوع الثاني: ما لا يكون التعدد فيه مقصودًا؛ كالإتيان بالخبر؛ فهل يشترك الآتون به في الاستحقاق، أم يختص به واحد منهم ويميز بالقرعة؟ فيه الخلاف الذي ذكره ابن أبي موسى، والذي نقله صالح عن أحمد أنه يعتق الجميع (¬6)، ونقل حنبل أنه يعتق واحد منهم بالقرعة، وحمل أبو بكر "رواية صالح" على أنه أراد العموم، و"رواية حنبل" على أنه أراد واحدًا غير معين، وما ذكرنا [هُ] (¬7) أشبه. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لدخول". (¬2) في المطبوع: "الاثنين"، وفي (ج): "الإتيان". (¬3) في المطبوع: "أو". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (أ) و (ب): "ومساوق". (¬6) لم أظفر به في "مسائله" المطبوعة. (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

وعلى هذا يتخرج مسألة: أو لكن يطلع علي؛ إذا قيل: إن الأولية صفة لكل واحد من المجتمعين؛ لأن هذا التعليق لم يقصد به إلا [واحدًا] (¬1) غير معين، لم يرد به الجميع، وأما إن قبل: الأولية صفة للمجموع؛ توجه (¬2) وقوع العتق والطلاق [على الكل] (¬3). - (ومنها): لو اشتبه عبده بعبيد غيره؛ قال القاضي: قياس المذهب أنه يعتق عبده الذي يملكه [عن واجب وغيره] (¬4)، ثم يقرع بينهم؛ فيخرج عبده بالقرعة، ولو اشتبهت زوجته بأجانب، فطلقها؛ فله إخراجها بالقرعة، ونكاح البواقي على قياس ما ذكره الأصحاب فيمن أسلم على أكثر من أربع، فطلق الجميع ثلاثًا: إنه يخرج أربعًا بالقرعة، ثم ينكح البواقي، ولو اشتبهت أخته بأجنبيات؛ فقال القاضي في "خلافه": لا يمتنع التمييز (¬5) بالقرعة؛ [كما لو زوج إحدى بناته برجل واشتبهت فيهن؛ فإنها تميز بالقرعة] (¬6) على المنصوص (¬7). ¬

_ (¬1) في (ج): "واحد". (¬2) في المطبوع: "يوجه". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع و (أ): "التميز". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) نقله ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص 355 - 356) عن القاضي، وتعقبه بقوله: "قلت: هذا وهم من القاضي؛ فإنّ أحمد لم يقرع للحياة، وإنما أقرع للميراث والعدّة، ونحن نذكر نصوصه بألفاظها"، وأسهب من النقل عن "الجامع" للخلال ما يؤكد ذلك، ثم رجع فاحتمل ما قاله القاضي، واللَّه الموفق.

[وفي "عمد الأدلة" لابن عقيل: لو اختلط عبده بأحرار؛ لم يقرع، ولو اختلط من أعتقه وله عتقه ومن لا يملك عتقه إلا بإجازة؛ جاز أن يقرع بينهما لأن القرعة لا تعمل في آكد التحريمين، وتعمل في أيسرهما] (¬1)، [واللَّه أعلم] (¬2). [كملت القواعد] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). ومن المسائل التي فاتت المصنف في أحكام العتق: * الشك في الكتابة: كاتب رجل عبدين، واستوفى من أحدهما ولم يدرِ من أيّهما استوفى، أو إذا مات ولم يعرف أحدهما؛ ففي الفرع الأول قياس المذهب أنه يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة؛ عتق ورق الآخر، وفي الفرع الثاني: يقرع بينهما أيضًا. انظر: "المغني" (12/ 466 - مع "الشرح الكبير"). والقرعة مذهب للشافعية في قول، انظر: "المجموع" (17/ 37)، وهو الراجح؛ لأن بها يقع حسم النزاع، واللَّه أعلم. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وبدله في (ب): "تمت القواعد بحمد اللَّه وعونه، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، ووافق الفراغ من تعليقها على يد أفقر عبيد اللَّه وأحوجهم إلى رحمته أحمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم الفتوحي الحنبلي، عامله اللَّه تعالى بلطفه وغفر له وللمسلمين في ثالث رمضان المعظم سنة. . . "، وبدله في (ج): "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ".

فوائد تلتحق بالقواعد

(فصل) وهذه فوائد تلتحق (¬1) بالقواعد، وهي فوائد مسائل مشتهرة فيها اختلاف في المذهب، ينبني على الاختلاف فيها فوائد متعددة: [1 - (الأولى)] (¬2): فمن ذلك ما يدركه المسبوق في الصلاة؛ هل هو آخر صلاته أو أولها؟ وفي هذه المسألة روايتان عن الإمام أحمد: [إحداهما: إن] (¬3) ما يدركه آخر صلاته وما يقضيه أولها، وهي (¬4) فتلغى هذه الفائدة. والثانية: عكسها. ولهذا الاختلاف فوائد: (إحداها): محل الاستفتاح؛ فعلى الأولى يستفتح في أول ركعة يقضيها؛ إذ هي أول صلاته، نقلها حرب، وفي "شرح المذهب" للقاضي: لا يشرع الاستفتاح فيها؛ لفوات محله، وعلى الثانية يستفتح في أول ركعة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تلحق". (¬2) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أحدهما". (¬4) في المطبوع: "وهو".

أدركها (¬1)؛ لأنها أولته، نقلها ابن أصرم (¬2). - (الفائدة الثانية): التعوذ؛ فعلى الأولى يتعوذ إذا قام للقضاء خاصة، وعلى الثانية يتعوذ في أول ركعة يدركها، وهذا بناءً على قولنا: إن التعوذ يختص بأول ركعة، فأما (¬3) على قولنا: هو مشروع في كل ركعة؛ فتلغى هذه الفائدة. - ([و] (¬4) الفائدة الثالثة): هيئة القراءة في الجهر والإِخفات، فإذا فاته (¬5) الركعتان الأولتان من المغرب أو العشاء؛ جهر في قضائهما من غير كراهة، نص عليه في "رواية الأثرم"، وإن أم فيهما وقلنا بجوازه؛ سن له الجهر، وهذا على الرواية الأولى، وعلى الثانية لا جهر ها هنا. - (الفائدة الرابعة): مقدار القراءة، وللأصحاب في ذلك طريقان: أحدهما: [إنه] (¬6) إذا أدرك ركعتين (¬7) من الرباعية؛ فإنه يقرأ في المقضيتين بالحمد [للَّه] (¬8) وسورة معها على كلا الروايتين، قال ابن أبي موسى: لا يختلف قوله في ذلك، وذكر الخلال أن قوله استقر على ذلك، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يدركها". (¬2) في المطبوع: "ابن حزم". (¬3) في (ج): "وأما". (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب). (¬5) في المطبوع: "فاتته". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) في (ج): "الركعتين". (¬8) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

وفي "المغني": هو قول الأئمة الأربعة لا نعلم عنهم فيه خلافًا (¬1). والطريق الثاني: بناؤه على الروايتين، فإن قلنا: ما يقضيه أول صلاته؛ فكذلك، وإلا؛ اقتصر فيه على الفاتحة، وهي طريقة القاضي ومن بعده، وذكره ابن أبي موسى تخريجًا. وقد نص عليه أحمد في "رواية الأثرم"، وأومأ إليه في "رواية حرب" وغيره، وأنكر صاحب "المحرر" الطريقة الأولى، وقال: لا يتوجه إلا على رأي من يرى (¬2) قراءة السورة [في كل ركعة أو على رأي من يرى (2) قراءة السورة (¬3)] (¬4) في الآخرتين إذا نسيهما في الأولتين (¬5). قلت: وقد أشار أحمد إلى مأخذ ثالث، وهو الاحتياط؛ للتردد فيهما، وقراءة السورة سنة مؤكدة؛ فيختلط [لها] (¬6) أكثر من الاستفتاح والاستعاذة، ولو أدرك من الرباعية ركعة واحدة، فإن قلنا: ما يقضيه أولى صلاته؛ قرأ في [الأولتين من الثلاثة] (¬7) بالحمد وسورة، وفي الثالثة بالحمد وحدها. ونقل عنه الميموني: يحتاط، ويقرأ في الثلاث بالحمد وسورة. قال الخلال: رجع عنها أحمد. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (2/ 216 - 217/ 171 - ط هجر). (¬2) في المطبوع: "رأى". (¬3) في المطبوع: "السورتين". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) قال في "المحرر" (1/ 96 - 97): "وما يدركه المسبوق آخر صلاته، وما يقضيه أولها، يستفتح فيه، ويتعوذ، ويقرأ السورة" اهـ. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) في (ج): "الأولين من الثلاث".

- (الفائدة الخامسة): قنوت الوتر إذا أدركه المسبوق مع من يصلي الوتر بسلام واحد؛ فإنه يقع في محله ولا يعيده إن قلنا: ما يدركه آخر صلاته، وإن قلنا: أولها؛ أعاده في آخر ركعة يقضيها. - (الفائدة السادسة): تكبيرات العيد الزوائد، إذا أدرك المسبوق الركعة الثانية من العيد، فإن قلنا: هي أول صلاته؛ كبر خمسًا في المقضية، وإلا؛ كبر سبعًا. - (الفائدة السابعة): إذا سبق ببعض تكبيرات [صلاة] (¬1) الجنازة، فإن قلنا: ما يدركه آخر صلاته؛ تابع (¬2) الإمام في الذكر الذي هو فيه، ثم قرأ في أول تكبيرة يقضيها، وإن قلنا: ما يدركه أول صلاته، قرأ فيها بالفاتحة (¬3). - (الفائدة الثامنة): محل التشهد الأول في حق من أدرك من المغرب أو الرباعية ركعة، وفي المسألة روايتان: إحداهما: يتشهد عقيب قضاء ركعة. والثانية: عقيب ركعتين، نقلها حرب. والأولى اختيار أبي بكر والقاضي، وذكر الخلال أن الروايات (¬4) استقرت عليها. ¬

_ (¬1) ما من المعقوفتين ليس في (ب) ولا (ج). (¬2) في (أ): "تابع". (¬3) انظر في هذا: "الاستذكار" (8/ 253 - 254) لابن عبد البر، و"المغني" (2/ 494)، و"كشاف القناع" (2/ 139). (¬4) في المطبوع: "الرويات".

واختلف في بناء الروايتين؛ فقيل على الروايتين في أصل المسألة: إن قلنا: ما يقضيه أول صلاته؛ لم يجلس إلا عقيب ركعتين، وإن قلنا: هو آخرها؛ تشهد عقيب ركعة لأنها ثانيته، وهذه طريقة ابن عقيل في [موضع من] (¬1) "فصوله"، وأومأ إليها أحمد في "رواية حرب"، وقيل: [بل الروايتان] (¬2) على قولنا: ما يدركه آخر صلاته، وهي طريقة صاحب "المحرر" (¬3) وغيره، ونص أحمد على ذلك صريحًا في "رواية عبد اللَّه" (¬4) [والبُراثي، مفرقًا بين القراءة والتشهد، وعلل في "رواية عبد اللَّه"] (¬5) بأنه احتياط (¬6) بالجمع من مذهب ابن مسعود في الجلوس عقيب ركعة (¬7)، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "إن الروايتين". (¬3) في "المحرر" (1/ 97). (¬4) في "مسائل عبد اللَّه" (107 - 108/ 384): "قال: سألت أبي عن رجل أدرك مع الإمام ركعة من الظهر، فقام يقضي، قلت: أيش يقرأ؟ قال: في الركعتين الأوليين ما يقضي الحمد وسورة، ويجعل ما أدرك مع الإمام أول صلاته، فيقعد في الركعة التي يقضي من أولها، ثم يقوم، ويقعد في آخر صلاته، ويقرأ في آخر ركعة بفاتحة الكتاب وحدها، وإن أدرك ركعتين من الظهر، فقام؛ فقرأ فيما يقضي الحمد للَّه وسورة. قال أبي: يروى عن ابن عمر وابن مسعود؛ قالا: يقرأ فيما يقضي. ويروى عن علي: ما أدرك مع الإمام؛ فهو أول صلاته. وقال ابن مسعود: ما أدرك مع الإمام؛ فهو آخر صلاته" اهـ. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في المطبوع: "احتاط". (¬7) قال عبد اللَّه في "مسائل أحمد" (رقم 385): "قرأتُ على أبي: ثنا محمد بن جعفر، نا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي: أن مسروقًا وجُندُبًا أدركا مع الإمام ركعةً من المغرب، فلما قاما يقضيان؛ قعد مسروق في كلتي الركعتين، وقعد جُندُب في آخر صلاته، =

ومذهب (¬1) ابن عمر في القراءة في الركعتين (¬2). وقد صح عن ابن مسعود: إنه يجلس عقيب ركعة مع قوله: إن "ما أدركه مع الإِمام آخر صلاته" (¬3) نقله عنه أحمد، وزعم صاحب "المغني" ¬

_ = فذكر ذلك لابن مسعود، فقال: أصاب مسروق، ولم يأل جندب". قال أحمد عقبه: "فعل مسروق أحبُّ إليَّ، ويقرأ فيما يقضي". وقال ابن القاسم في "المدونة" (1/ 187): "قال وكيع: عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود؛ قال: اجعل آخرها أولها". وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2/ رقم 3165، 3166)؛ من طريقين آخرين نحوه. وصح هذا عن جمعٍ من التابعين؛ كما تراه في "الاستذكار" (4/ 43)، و"التمهيد" (20/ 235). (¬1) في المطبوع: "وهو مذهب". (¬2) أخرجه عبد اللَّه في "مسائل أحمد" (رقم 386): حدثني أبي، حدثنا يحيي بن سعيد، عن عبيد اللَّه، أخبرني نافع: "أن ابن عمر كان إذا سُبق بالأوليين؛ قرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب وسورة، ثم يجلس". وفي "المدونة الكبرى" (1/ 187): "قال مالك: عن نافع: إن ابن عمر كان إذا فاته شيء من الصلاة التي مع الإمام التي يعلن فيها بالقراءة، فإذا سلم الإمام؛ قام ابن عمر فقرأ، يجهر لنفسه فيما يقضي جهرًا". وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" (2/ رقم 3156، 3157، 3169، 3170)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 206، 443)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 296)؛ عن ابن عمر نحوه. (¬3) نقله عبد اللَّه في "مسائله" (ص 108) عن أبيه. وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 443) عن النخعي وابن سيرين، عن عبد اللَّه بن مسعود؛ قال: "ما أدركت مع الإمام؛ فهو آخر صلاتك". =

2 - الثانية

أن الكل جائز (¬1)، ويرده ما نقله مُهَنَّأ عن أحمد: إنه إذا جلس عقيب [ركعتين؛ يسجد] (¬2) للسهو؛ فجعله (¬3) كتارك التشهد الأول. ومما يحسن تخريجه على هذا الخلاف ولم نجده منقولًا: تطويل (¬4) الركعة الأولى على الثانية، وترتيب السورتين في الركعتين، فأما رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول، إذا قلنا باستحبابه (¬5)؛ فيحتمل أن يرفع إذا قام إلى الركعة المحكوم بأنها ثالثة (¬6)، سواء قام عن تشهد أو غيره، ويحتمل أن يرفع إذا قام من تشهده الأول المعتد به، سواء كان عقيب الثانية (¬7) أو لم يكن؛ لأن (¬8) محل هذا الرفع هو القيام من هذا التشهد؛ فيتبعه حيث كان، وهذا أظهر واللَّه أعلم. [2 - (الثانية)] (¬9): الزكاة، هل تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه؟ ¬

_ = وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" (2/ رقم 3164)، وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 299)، عن معمر، عن قتادة: إن ابن مسعود قال: "اقرأ فيما فاتك". (¬1) انظر: "المغني" (1/ 313/ 742). (¬2) في المطبوع: "ركعتين سجد"، وفي (ج): "ركعة سجد". (¬3) في (ب): "وجعله". (¬4) وانظر شيئًا زائدًا نقله ابن عبد البر في: "التمهيد" (20/ 236)، و"الاستذكار" (4/ 44)، ونازع فيه وخطأه. (¬5) في (ب): "باستباحته". (¬6) في المطبوع: "ثالثته". (¬7) في (ج): "ثانية" بدل "الـ". (¬8) في المطبوع: "لأنه". (¬9) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "ومنها"، وفي (ج): "فائدة".

اختلف العلماء في ذلك على طرق: (إحداها): إن الزكاة تجب في العين رواية واحدة، وهي طريقة ابن أبي موسى والقاضي في "المجرد". (والثانية): إن الزكاة تجب في الذمة رواية واحدة، وهي طريقة أبي الخطاب في "الانتصار" (¬1) وصاحب "التلخيص" متابعة للخرقي. (والثالثة): إنها تجب في الذمة، وتتعلق بالنصاب، وقع ذلك في كلام القاضي وأبي الخطاب وغيرهما، وهي طريقة الشيخ تقي الدين (¬2). (والرابعة): إن في المسألة روايتين: إحداهما: تجب في العين. والثانية: في الذمة، وهي طريقة كثير من الأصحاب المتأخرين. وفي كلام أبي بكر في "الشافي" ما يدل على هذه الطريقة، ولكن آخر كلامه يشعر بتنزيل القولين على اختلاف حالين، وهما يسار المالك وإعساره، فإن كان موسرًا؛ وجبت الزكاة في ذمته، وإن كان معسرًا، وجبت في عين ماله، وهو غريب، وللاختلاف في محل التعلق؛ هل هو العين أو الذمة؛ فوائد كثيرة: (الأولى): إذا ملك نصابًا واحدًا ولم يؤد زكاته أحوالًا، فإن قلنا: الزكاة في العين؛ وجبت زكاة الحول الأول دون ما بعده، ونص عليه أحمد، واختاره أكثر الأصحاب؛ لأن قدر الزكاة زال الملك فيه على قول، ¬

_ (¬1) (3/ 131). (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 98).

وعلي آخر ضعف الملك فيه؛ لاستحقاق تملكه، والمستحق في حكم المؤدي؛ فصار كالمنذور سواء، فإن المنذور يجوز عندنا إبداله بمثله، [وهذا] (¬1) كذلك، وإن قلنا: الزكاة في الذمة؛ وجبت لكل حول؛ إلا إذا قلنا: إن دين اللَّه عز وجل يمنع الزكاة، وقال السامري: تتكرر (¬2) زكاته لكل حول على القولين، وتأول [كلام أحمد] (¬3) بتأويل فاسد، وهذا فيما كانت زكاته من جنسه، فأما إن كانت من غير جنسه؛ كالإِبل المزكاة بالغنم؛ تكررت [زكاته] (¬4) لكل حول على كلا القولين، نص عليه معللًا بأنه لم يستحق إخراج جزء منه؛ فيبقى الملك فيه تامًا. [هكذا] (¬5) ذكر الخلال وابن أبي موسى والقاضي والأكثرون، وذكر الشيرازي (¬6) في "المبهج" أنه كالأول، لا يجب [فيه] (4) سوى زكاة واحدة، ومتى استأصلت الزكاة المال؛ سقطت بعد ذلك، صرح به في "التلخيص"، ونص أحمد في "رواية مُهَنَّأ" على وجوبها في الدين بعد استغراقه بالزكاة؛ فإما أن يحمل ذلك على القول بالوجوب في الذمة، وإما أن يفرق بين الدين والعين بأن (¬7) الدين وصف حكمي لا وجود له في ¬

_ (¬1) في (ج): "وهنا". (¬2) في المطبوع: "يتكرر"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "كلامه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وهذا ما". (¬6) في (ج): "وذكر الشيخ الشيرازي". (¬7) في (ب): "فإن".

تنبيه

الخارج؛ فتتعلق زكاته بالذمة (¬1) رواية واحدة، ولكن نص أحمد في رواية غير واحد على التسوية بين الدين والعين في امتناع الزكاة فيما بعد الحول الأول، وصرح بذلك أبو بكر وغيره. (تنبيه): تعلق الزكاة بالعين مانع من وجوب الزكاة في الحول الثاني وما بعده، وهل هو مانع من انعقاد الحول الثاني ابتداءً؟ فيه وجهان: أحدهما: إنه مانع منه؛ لقصور الملك؛ فهو كدين الآدمي وأولى لتعلقه بالعين، وهو قول القاضي في شرح المذهب وصاحب "المغني" (¬2). والثاني: إنه غير مانع من الانعقاد، وهو قول القاضي في "المجرد" وابن عقيل، ونقل صاحب "المحرر" الاتفاق عليه (¬3)، وهو ظاهر ما ذكره الخلال في "الجامع"، وأورد عن أحمد من "رواية حنبل" ما يشهد له، فلو أخرج الزكاة الأولى من غير النصاب في أثناء الحول الثاني؛ بنى الحول الثاني على الأول من غير فصل بينهما على هذا، وعلي الأول يستأنفه من حين الإخراج. وينبني على هذين الوجهين مسألة معروفة في باب الخلطة، واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) في (ج): "في الذمة". (¬2) في "المغني" (2/ 258 - 259/ 1744). (¬3) انظر: "المحرر" (1/ 219 - 220).

- (الفائدة الثانية): إذا تلف النصاب أو بعضه قبل التمكن من أداء الزكاة وبعد تمام الحول؛ فالمذهب المشهور أن الزكاة لا تسقط بذلك، إلا زكاة الزروع (¬1) والثمار إذا تلفت بجائحة قبل القطع؛ فتسقط (¬2) زكاتها اتفاقًا لانتفاء التمكن من الانتفاع بها، وخرج ابن عقيل وجهًا بوجوب زكاتها أيضًا، [وهو ضعيف] (¬3) مخالف للإجماع. وعن أحمد رواية ثانية (¬4) بالسقوط؛ فمنهم من قال: هي عامة في جميع الأموال، ومنهم من خصها بالمال الباطن دون الظاهر، ومنهم من عكس ذلك، ومنهم من خصها بالمواشي، واختلفوا في مأخذ الخلاف على طريقين: أحدهما: إنه البناء على الخلاف (¬5) في محل الزكاة، فإن قيل: هو الذمة؛ لم يسقط، وإلا؛ سقطت، وهو طريق الحلواني في التبصرة والسامري، وقيل: إنه ظاهر كلام الخرقي، وفي كلام أحمد إيماء إليه أيضًا. والطريق الثاني: عدم البناء على ذلك، وهو طريق القاضي والأكثرين. ¬

_ (¬1) في (ب): "الزرع". (¬2) في المطبوع: "فيسقط". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (ب): "ثالثة". (¬5) في (ج): "على محل الخلاف".

فوجه استقرار الوجوب مطلقًا [أنا] (¬1) إن قلنا: التعلق بالذمة؛ فظاهر، وإن قلنا: بالعين؛ فلأن وجوبها كان شكرًا لنعمه ثم سببها -وهو [ملك] (¬2) النصاب النامي (¬3) - وشرطها -وهو الحول-؛ فاستقر وجولها بتمام الانتفاع بهذا المال حولًا؛ كالأجرة المعينة المستقرة بانقضاء مدة الإجارة، وأيضًا؛ فمنهم من قال: [تعلقها بالعين لا ينفي تعلقها] (¬4) بالذمة؛ فهي كدين الرهن، ووجه (¬5) السقوط مطلقًا أنا إن قلنا: تعلقها بالعين؛ فواضح؛ كالأمانات والعبد الجياني، وإن قلنا: بالذمة؛ فالوجوب إنَّما يستقر فيها بالتمكن من الفعل؛ كالصلاة على رواية، يوضحه أن الزكاة وجبت مواساةً (¬6) للفقراء من المال؛ فتسقط (¬7) بتلفه وفقر (¬8) صاحبه، واختار السقوط (¬9) مطلقًا صاحب "المغني" (¬10). - (الفائدة الثالثة): إذا مات من عليه زكاة ودين، وضاقت التركة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "إنما". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "النصاب الباقي النامي". (¬4) في المطبوع: "تعلقها بالعين ولا يبقى تعلقها"، وفى (أ): "تعليقها بالعين لا ينفي تعليقها". (¬5) في (ج): "ووجد"! (¬6) في المطبوع و (ج): "مساواة"! (¬7) في المطبوع: "فيسقط". (¬8) في (ج): "وافتقار". (¬9) في المطبوع: "سالقوط"! (¬10) في "المغني" (2/ 301/ 1844).

عنهما؛ فالمنصوص عن أحمد أنهما يتحاصان، نقله عنه أحمد بن القاسم وحرب ويعقوب بن بختان، واختلف الأصحاب في ذلك؛ فمنهم من أقر النص على ظاهره وأجرى المحاصة (¬1) على كلا القولين في محل الزكاة؛ لأنا إن قلنا: هو الذمة؛ فقد تساويا في محل التعلق، وفي أن [في كل] (¬2) منهما حقًّا لآدمي، وتمتاز الزكاة [بما فيها] (¬3) من حق اللَّه عز وجل، وإن قلنا: العين؛ فدين الآدمي يتعلق بعد موته بالتركة أيضًا؛ فيتساويان، وهذه طريقة أبي الخطاب (¬4) وصاحب "المحرر"، ومنهم من حمل النص بالمحاصة على القول بتعلق الزكاة بالذمة؛ لاستوائهما (¬5) في محل التعلق، فأما على القول بتعلقها بالنصاب؛ فتقدم الزكاة لتعلقها بالعين؛ كدين الرهن، وهذه طريقة القاضي في "المجرد" والسامري، وفي كلام أحمد إيماء إليها، ومن الأصحاب من وافق على هذا البناء، لكن بشرط (¬6) أن يكون النصاب موجودًا؛ إذ لا تعلق بالعين إلا مع وجوده، فأما مع تلفه؛ فالزكاة في الذمة؛ فتساوي (¬7) دين الآدمي، وهذا تخريج في "المحرر"، مع أن صاحبه ذكر في "شرح الهداية" أن النصاب متى كان موجودًا؛ قدمت ¬

_ (¬1) في (ج): "المحاصاة". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "كلا". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "بأنها". (¬4) انظر: "الانتصار" (3/ 267 - 270). (¬5) في المطبوع: "لاستوائها". (¬6) في (ج): "لكن شرط". (¬7) في المطبوع: "فيساوي".

الزكاة، سواء قلنا: يتعلق بالعين أو بالذمة؛ [لأنه] (¬1) تعلق بسبب المال، يزداد بزيادته وينقص بنقصه ويختلف باختلاف صفاته، والزكاة من [قبيل مؤن] (¬2) المال وحقوقه ونوائبه؛ [فيقدم لذلك] (¬3) على سائر الديون. وحمل نص أحمد بالمحاصة على حالة عدم النصاب، فأما إن كان المالك حيًّا وأفلس؛ فظاهر كلام أحمد في "رواية القاسم" أنه يقدم الدين على الزكاة؛ لأن تأخير (¬4) إخراج الزكاة سائغ للعذر (¬5)، وهو محتاج ها هنا إلى إسقاط مطالبة الآدمي له وملازمته وحبسه؛ فيكون عذرًا له في التأخير (¬6)، بخلاف ما بعد الموت؛ فإنه لو قدم دين الآدمي؛ لفاتت الزكاة بالكلية، وظاهر كلام القاضي والأكثرين أنه تقدم الزكاة حتى في حالة الحجر، وهذا قد يتنزل على القول بالوجوب في العين؛ إلا أن صاحب "شرح الهداية" صرح بتقديمها على كلا القولين، مع بقاء النصاب؛ كقوله فيما بعد الموت على ما سبق. - (الفائدة الرابعة): إذا كان النصاب مرهونًا ووجبت فيه الزكاة؛ فهل تؤدي زكاته منه (¬7) ها هنا حالتان: ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لا". (¬2) في المطبوع: "قبل مون". (¬3) في المطبوع: "فيقدم كذلك"، وفي (ج): "فتقدم لذلك". (¬4) في المطبوع: "تأخر". (¬5) في (أ): "للقدر". (¬6) في المطبوع: "التأخر". (¬7) في المطبوع: "منها".

إحداهما (¬1): أن لا يكون له مال غيره يؤدي منه الزكاة؛ فيؤدي (¬2) الزكاة من عينه، صرح به الخرقي (¬3) والأصحاب، وله مأخذان: أحدهما: إن الزكاة ينحصر تعلقها بالعين ودين الرهن يتعلق بالذمة والعين؛ فيقدم (¬4)، عند التزاحم ما اختص تعلقه بالعين، كما يقدم حق الجاني على المرتهن إذا لحق المنحصر في العين يفوت بفواتها، بخلاف المتعلق بالذمة مع العين؛ فإنه يستوفي من الذمة عند فوات العين، وهذا مأخذ القاضي، وفيه ضعف، فإن الزكاة عندنا لا تسقط بتلف النصاب مطلقًا، بل تتعلق بالذمة حينئذ؛ فهي إذًا كدين الرهن، وأظهر من (¬5) هذا أن يقال: تعلق الزكاة قهري وتعلق الرهن اختياري، والقهري أقوى؛ كالجناية، أو يقال: هو تعلق بسبب المال وتعلق الرهن بسبب خارجي، والتعلق بسبب المال يقدم؛ كجناية العبد المرهون. [و] (¬6) على هذا المأخذ متى قيل بتعلق (¬7) [الزكاة] (¬8) بالذمة خاصة؛ لم تقدم (¬9) على حق المرتهن لتعلقه بالعين، وصرح به بعض المتأخرين. ¬

_ (¬1) في (ب): "أحدهما". (¬2) في المطبوع و (ج): "فتؤدي". (¬3) انظر: "المغني" (2/ 291/ 1820). (¬4) في (ب): "فيتقدم". (¬5) في المطبوع: "الأظهر في". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في المطبوع: "يتعلق"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬9) في المطبوع: "يقدم"، وفي (أ) بدون تنقيط.

والمأخذ الثاني: إن النصاب سبب دين الزكاة؛ [فـ] (¬1) يقدم دينها عند مزاحمة غيره بين الديون في النصاب؛ كما يقدم بين وجد [عين] (¬2) ماله عند رجل أفلس، وهذا مأخذ صاحب "التلخيص"، وعلي هذا؛ فلا يفترق (¬3) الحال بين قولنا بتعلق (¬4) الزكاة بالذمة أو بالعين. الحالة الثانية: أن يكون للمالك مال يؤدي منه الزكاة غير الرهن؛ فليس له أداء الزكاة منه بدون إذن المرتهن على المذهب، وذكره الخرقي أيضًا (¬5)؛ لأن تعلق حق المرتهن مانع بين تصرف الراهن في الرهن بدون إذن، والزكاة لا يتعين إخراجها منه، وذكر السامري أنه متى قلنا: الزكاة تتعلق بالعين؛ فله إخراجها منه أيضًا لأنه تعلق قهري، وينحصر (¬6) في العين؛ فهو كحق الجناية. - (الفائدة الخامسة): التصرف في النصاب أو بعضه بعد الحول ببيع أو غيره، والمذهب صحته، ونص عليه أحمد، قال الأصحاب، وسواء قلنا: الزكاة في العين أو [في] (¬7) الذمة، وذكر أبو بكر في "الشافي" أنا إن قلنا: الزكاة في الذمة؛ صح التصرف مطلقًا، وإن قلنا: في العين؛ لم يصح التصرف في مقدار الزكاة، وهذا متوجه على قولنا: إن تعلق الزكاة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط بين المطبوع. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "فلا يفرق". (¬4) في المطبوع و (ج): "تتعلق". (¬5) انظر: "المغني" (2/ 291/ 1820). (¬6) في (ج): "ومنحصر". (¬7) ما بين المعقوفتين ليس في (أ) ولا في (ب).

تعلق شركة أو رهن، صرح به بعض المتأخرين، ونزَّل (¬1) أبو بكر على هذا الاختلاف الروايتين المنصوصتين عن أحمد في المرأة إذا وهبت زوجها مهرها الذي لها في ذمته؛ فهل تجب زكاته عليه أو عليها؟ قال: فإن صححنا هبة المهر جميعه؛ فعلى المرأة إخراج زكاته بين مالها، وإن صححنا الهبة فيما عدا مقدار الزكاة؛ كان قدر الزكاة حقًّا للمساكين في ذمة الزوج؛ فيلزمه أداؤه إليهم، ويسقط عنه بالهبة ما عداه، وهذا بناء غريب جدًّا. وعلي المذهب، فلو باع النصاب كله؛ تعلقت الزكاة بذمته حينئذ، بغير خلاف، كما لو تلف، فإن عجز عن أدائها، فطريقان: أحدهما: ما قاله صاحب "شرح الهداية" إن قلنا: الزكاة في الذمة ابتداءً؛ لم يفسخ البيع، كما لو وجب عليه دين لآدمي وهو موسر، فباع متاعه ثم أعسر، وإن قلنا: في العين؛ فسخ البيع (¬2) في قدرها تقديمًا لحق المساكين لسبقه. والثاني: ما قاله (¬3) صاحب "المغني": إنها تتعين في ذمته كسائر الديون بكل حال، ثم ذكر احتمالا بالفسخ في مقدار الزكاة من غير بناء على محل التعلق (¬4). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وترك". (¬2) في المطبوع: "العقد". (¬3) في (أ) و (ب): "ما قال". (¬4) انظر: "المغني" (2/ 349 - 350/ 1950).

- (الفائدة السادسة): لو كان النصاب غائبًا عن مالكه (¬1) لا يقدر على [الإخراج] (¬2) منه؛ لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن من الأداء منه (¬3)، نص عليه أحمد في "رواية مُهَنَّأ"، وصرح به الشيخ مجد الدين في موضع بين "شرح الهداية"؛ لأن الزكاة مواساة؛ فلا يلزم أداؤها قبل التمكن من الانتفاع بالمال المواسى منه. ونص أحمد في رواية ابن ثواب فيمن وجب عليه زكاة مال فأقرضه: إنه لا يلزمه أداء زكاته حتى يقبضه؛ لأن عوده مرجو، بخلاف التالف بعد الحول، [وهذا لعله يرجع إلى أن أداء الزكاة لا يجب على الفور] (¬4)، وقال ¬

_ (¬1) في (ج): "ملكه". (¬2) في (ج): "إخراج الزكاة". (¬3) في (ب): "عنه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). وللحافظ ابن رجب رحمه اللَّه رسالة مفردة بعنوان "قاعدة في إخراج الزكاة على الفور"، ولعله كتبها بعد كتاب "القواعد"، وهذا نصها: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ربِّ يسِّر يا كريم الحمدُ للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله أجمعين وسلم تسليمًا، وبعد: فهذا فصل في وجوب إخراج الزكاة على الفور، قد صرَّح بذلك أصحابُنا في كتبهم، وكلامُ الإمام أحمد يدلُّ عليه، قال في "رواية جعفر بن محمد": إذا وجبت الزكاة لا يخرجها إلا جملة، لا يُفرِّط. وقال في "رواية ابن هانئ" (رقم 574) و"صالح" (رقم 9): وسُئل: أتؤخر الزكاة؟ قال: لا. قال في "رواية أبي داود": لا يؤخرها عن محلها. وقال بكرُ بن محمد: سُئل أبو عبد اللَّه عن رجل يكون وقت زكاته، فيُخرج، فيُعطي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قليلًا قليلًا: فكأنه كره إذا حلَّت عليه إلَّا أن يُقدمها. قال: ما يأمن الحِدْثان قال: ولكن يخرج قليلًا قليلًا قبل أنْ تحل، فإذا حلَّت؛ تعيَّن تخريجُها. وقال الأثرم: سئل أبو عبد اللَّه عن رجل يحول الحول على ماله، فيؤخر عن وقت الزكاة؟ قال: ولم يؤخر؟ يخرجها إذا حال الحول. وشدد في ذلك. قيل له: فإن حال الحول فابتدأ في إخراجها. فجعل يخرج أولًا فاولًا؟ قال: لا يحل، يخرجها كلها إذا حال عليه الحول. وشدد في ذلك. وقال في "رواية ابن منصور" و"صالح" (برقم 1680): وسئل عن قول سفيان الثوري: إذا وجبت عليه الزكاة فجعلها في كيس، فجعل يعطي قليلًا قليلًا يرعى الموضع. قال: لا بأس إذا كان لا يجد، فإذا وجد؛ لأن يفرغ منه أحب إلي. قال أحمد: جيد. وهذه الرواية قد تُشعر بعدم التحريم. وقال في "رواية العباس بن محمد الخلال" في الرجل يؤخر الزكاةَ حتي تأتي عليها سنين، ثم يزكي: نخاف عليه الإثم في تأخيره. وقال في "رواية يعقوب بن بختان" في رجل عليه زكاة عام لم يعطه، وأعطى زكاة عام قابل؛ قال: جائز، ولكن يعطي الماضي، وهذا يشعر بعدم التحريم أيضًا. ونقل عنه يعقوب بن بختان أيضًا في رجل تجب عليه الزكاة وله قرابة وقوم قد كان عودهم فيعطيهم وهم عنه غيب يدفعها إليهم؛ قال: ما أحب أن يؤخرها إلا أن لا يجد مثلهم في الحاجة. فهذا نصٌّ على جواز التأخير لمن لا يجد مثلهم في الحاجة. وقد نص في مواضع أخر على أنه لا يؤخرها بعد الحول ليجريها على أقاربه، منهم: محمد بن يحيي الكحال، والحسن بن محمد، والفضل بن زياد. ونقل عنه إسحاق بن هانئ (رقم 556) وعبد اللَّه (رقم 700) وأبو مسعود الأصبهاني وأبو طالب وسندي وغيرهم: الجواز. وفي "رواية عبد اللَّه" (رقم 700): أنَّه يجوز ذلك؛ تعجيلًا للزكاة. فحمل أبو بكر عبد العزيز المنع والجواز على اختلاف حالين لا على اختلاف قولين: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المنعُ على تأخيرها ليجريها عليهم بعد الحول، والجواز على إجرائها عليهم قبل الحول. وهذا التفصيل قد نقله الحسن بن محمد عن أحمد، وخالف صاحب "المحرر" (1/ 244) أبا بكر في ذلك، وقال: ظاهره الجواز مطلقًا. وأخذ منه جواز تأخير الزكاة للقرابة. ولكن لأحمد نصوص أخر تدل على كراهة إجرائها عليهم شيئًا فشيئًا قبل الحول، معللًا بأنه يخص بزكاته قرابته دون غيرهم ممن هو أحوج منهم، وقال: لا يعجبني، فإن كانوا مع غيرهم سواء في الحاحة؛ فلا بأس. نقله عنه جعفر بن محمد. وكذا نقل عنه أبو داود (برقم 82): إذا كان غيرهم أحوج وإنما يريد أن يغنيهم ويدع غيرهم؛ فلا، فإن استووا في الحاجة؛ فهم أولى. ونقل عنه أيضًا (برقم 83): إذا كان له قرابة بجري عليهم؛ أيعطيهم من الزكاة؟ قال: إن كان عدها بين عياله؛ فلا. قيل: إنما يجري عليها شيئًا معلومًا كل شهر. قال: إذًا كفاها ذلك. قيل: لا يكفيها. فلم يرخص له أن يعطيها بين الزكاة، ثم قال: لا يوقى بالزكاة مال. ومعى هذا أنه كان عوَّدها الإجراء عليها من غير الزكاة. قال: لا توقى بالزكاة. فقد وقى به ماله. ولم يذكر الخلال ولا أبو بكر آخر الرواية: فأشكل فقهُها بين كلامهما. ومما يتفرع على جواز تأخير أداء الزكاة: أنه يجوز أن بتحرى بها شيء معين تضاعف فيه الصدقة. فمن قال: إنه يجوز تأخيرها لمن لا يجد مثلهم في الحاجة؛ لم يبعد على قوله: أن يجوز تأخيرها لشهر يفضل فيه الصدقة أيضًا، وقد يتخرج على ذلك أنه يجوز نقل الزكاة إلى بلد بعيد لقرابة فقراء حاجتهم شديدة. وقد توقف أحمد في هذه الصورة في "رواية الأثرم"، وقال: لا أدري. ومسائل التوقف تُخرَّج على وجهين غالبًا. وأجازه النخعي لذي القرابة خاصة، وأجازه مالك في النقل إلى المدينة خاصة [كما في "المدونة" (1/ 246)] والنقلُ فيه تأخير الإخراج، فكما يؤخر الأداء إلى الوصول إلى مكان فاضل تفضل فيه أبواب النفقة؛ فكذلك تؤخر إلى زمان فاضل تفضل فيه الصدقة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بل إن التأخير إلى الزمان أولى؛ لأنه ليس فيه عدول عن فقراء بلد الصدقة، ولا نقل غيرهم. وقد استشكل أحمد قول عثمان: هذا شهر زكاتكم. قال إبراهم بن الحارث: سئل أحمد عن قول عثمان: هذا شهر زكاتكم. قال: ما فسر أي وجه هو. قيل: فليس يعرف وجهه؟ قال: لا. قال الأثرم: قلت لأبي عبد اللَّه: حديث عثمان: هذا شهر زكاتكم؛ ما وجهه؟ قال: لا أدري. وأما حديث عثمان؛ فحدثنا به من قال: حدثنا ابن المبارك، حدثنا معمر، عن الزهري، عن السائب بن يزيد؛ قال: سمعت عثمان يقول: هذا شهر زكاتكم (يعني: رمضان). قال القاضي أبو يعلى: قد نُقل عن السائب بن يزيد أنه قال ذلك في شهر رمضان. ونقل عنه أنه قال ذلك في المحرَّم. قلت: قوله: "يعني رمضان" ليس هو من قول السائب، بل من قول من بعده من الرواة. وحمل القاضي هذا الحديث على أن الإمام يبعث سعاته في أول السنة، وهو أول المحرم، فمن كان حال حوله أخذ منه زكاته، ومن تبرع بأداء زكاة لم تجب عليه؛ قبل منه، ومن قال: لم يحل حولي؛ أخره. وقد نص أحمد وغيره على أن من خشي أن يرجع عليه الساعي بالزكاة: أنه عذر له في تأخير إخراجها. ["الفروع" (2/ 542)، و"الإنصاف" (3/ 187)]. وقال مالك وغيره من العلماء: لا تجب الزكاة في الأموال الظاهرة إلا يوم مجيء السُّعاة. نقله عنه أبو عبيد [في "الأموال" (340)]. وقالت طائفة: معنى قول عثمان: هذا شهر زكاتكم. يستحب فيه تعجيل زكاتكم. نقل ذلك القاضي في "خلافه" ورده على قائله. وروى أبو عبيد في "كتاب الأموال" (برقم 395): حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = شهاب، عن السائب بن يزيد؛ قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين؛ فليؤدِّه حتى تخرجوا زكاة أموالكم، ومن لم يكن عنده؛ لم يطلب منه حتى يأتي بها تطوعًا، ومن أُخذ منه؛ لم تؤخذ منه حتى يأتي هذا الشهر من قابل. قال إبراهيم: أراه يعني شهر رمضان. قال أبو عبيد: وقد جاءنا في بعض الأثر ولا أدري عمن هو: أن هذا الشهر الذي أراد عثمان المحرم. وقد قال بعض السلف: ذلك الشهر الذي كان يخرج في الزكاة نسي، وأن ذلك من المصائب على هذه الأمة؛ فروى أبو زرعة في "تأريخه"؛ قال: سألت أبا مسهر عن عبد العزيز بن الحصين: هل يؤخذ عنه؟ فقال: أما أهل الحزم؛ فلا يفعلون. قال: فسمعت أبا مسهر يحتج بما أنكره على عبد العزيز بن الحصين: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري؛ فقال: كان من البلاء على هذه الأمة أن نسوا ذلك الشهر (يعني: شهر الزكاة). قال أبو مسهر: قال عبد العزيز: سماه لنا الزهري. وقد روي أن الصحابة كانوا يخرجون زكاتهم في شهر شعبان؛ إعانةً على الاستعداد لرمضان، لكن من وجه لا يصح. وروى يحيى بن سعيد العطار الحمصي: حدثنا سيف بن محمد، عن ضرار بن عمرو، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك؛ قال: كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا استهل شهر شعبان أكبّوا على المصاحف فقرؤوها، وأخذوا في زكاة أموالهم، فقوّوا بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان، ودعا المسلمون مملوكيهم؛ فحطوا عنهم ضرائب شهر رمضان، ودعت الولاة أهل السجون؛ فمن كان عليه حد أقاموه عليه، وإلا؛ خلوا سبيله. ويحيى ومن فوقه إلى يزيد كلهم ضعفاء. وأما مذاهب العلماء في هذه المسألة: قال ميمون بن مهران: إذا حال الحول أخرج زكاته، وله أن يشتغل بتفرقتها شهرًا لا يزيد عليه. قال أبو عبيد [في "الأموال" (رقم 508)]: حدثنا علي بن ثابت، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران؛ قال: اجعلها صررًا، ثم ضعها فيمن تعرف، ولا يأتي عليك الشهر حتى تفرِّقها. =

القاضي وابن عقيل: يلزمه أداء زكاته قبل قبضه؛ لأنه في يده حكمًا، ولهذا يتلف من ضمانه، بخلاف الدين الذي في ذمة غريمه، وكذلك ذكر صاحب "شرح الهداية" في موضع آخر، وأشار في موضع إلى بناء ذلك على (¬1) محل الزكاة، فإن قلنا: الذمة؛ لزمه الإخراج عنه من غيره لأن زكاته لا تسقط بتلفه، بخلاف الدين، وإن قلنا: العين؛ لم يلزمه الإخراج حتى يتمكن من قبضه، والصحيح الأول، ووجوب الزكاة عن الغائب إذا تلف قبل قبضه مخالف لكلام أحمد. - (الفائدة السابعة): إذا أخرج رب المال زكاة حقه من مال المضاربة منه؛ فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح، أم من نصيبه من الربح خاصة؟ على وجهين معروفين، بناهما بعض الأصحاب على الخلاف في محل التعلق، فإن قلنا: الذمة؛ فهي محسوبة من الأصل والربح؛ كقضاء الديون، وإن قلنا: العين؛ حسبت من الربح؛ كالمؤونة؛ لأن الزكاة إنما ¬

_ = وصرح أصحابنا بجواز تأخير إخراجها يسيرًا من غير تقدير؛ [كما في "الفروع" (2/ 542)، و"الإنصاف" (3/ 187]. وحكوا عن مالك والشافعي ومحمد بن الحسن: إنه يجب إخراجها على الفور، وعن أبي يوسف: لا يجب ما لم يطالبه الإمام. وحكوا في كتب الخلاف -منهم القاضي وابن عقيل- عن الحنفية: إنهم قالوا: تسقط الزكاة بتلف المال قبل إمكانه وبعده، على أنه لا يجب إخراجها على الفور، وأنه لا يجب بدون مطالبة الساعي، وهذا يُشبه المحكي عن أبي يوسف؛ كما تقدم" انتهى. (¬1) في (ب): "إلى".

3 - الثالثة

تجب في المال النامي، فيحسب (¬1) من نمائه. ويمكن أن ينبني على هذا الأصل أيضًا الوجهان في جواز إخراج المضارب زكاة حصته من مال المضاربة، فإن (¬2) قلنا: الزكاة تتعلق بالعين؛ فله الإخراج منه، وإلا؛ فلا، وفي كلام بعضهم إيماء إلى ذلك، وأما حق رب المال؛ فليس للمضارب تزكيته بدون إذنه، نص عليه في رواية "المروذي"، اللهم إلا أن يصير المضارب شريكًا؛ فيكون حكمه حكم سائر الخلطاء، واللَّه أعلم. 3 - [الثالثة]: المستفاد بعد النصاب في أثناء الحول؛ هل يضم إلى النصاب، أو يفرد عنه؟ إذا استفاد مالًا زكويًّا من جنس النصاب في أثناء حوله؛ فإنه يفرد بحول عندنا، ولكن هل يضمُّه (¬3) إلى النصاب في العدد، أو يخلطه (¬4) به ويزكيه زكاة خلطة، أو يفرده بالزكاة كما أفرده بالحول؟ فيه ثلاثة أوجه: (أحدها): إنه يفرده بالزكاة؛ كما يفرده بالحول، وهذا الوجه مختص بما إذا كان المستفاد (¬5) نصابًا أو دون نصاب، ولا يغير (¬6) فرض النصاب، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فيحتسب"، وفي (ج): "فتحسب". (¬2) في (ب): "وإن". (¬3) في المطبوع: "نضمه". (¬4) في المطبوع: "نخلطه". (¬5) في المطبوع: "المستفا" بسقوط (د). (¬6) في المطبوع: "ولا يعتبر".

أما إن كان دون نصاب وتغير فرض النصاب؛ لم يتأت فيه هذا الوجه، صرح به صاحب "شرح الهداية"؛ لأنه مضموم إلى النصاب في العدد؛ فيلزم (¬1) حينئذ جعل ما ليس بوقص في المال وقصًا، وهو ممتنع، ويختص هذا الوجه أيضًا بالحول الأول دون ما بعده؛ لأن [ما بعد الحول الأول يجتمع فيه مع] (¬2) النصاب في الحول كله، بخلاف الحول الأول، صرح بذلك غير واحد، وكلام بعضهم مشعر (¬3) باطراده في كل الأحوال، [وصرح القاضي أبو يعلى] (¬4) الصغير بحكاية ذلك وجهًا. والوجه الثاني: إنه يزكي زكاة خلطة، وصححه صاحب "شرح الهداية"؛ كما لو اختلط نفسان في أثناء حول وقد ثبت لأحدهما حكم الانفراد فيه دون صاحبه، وزعم أن صاحب "المغني" [ضعفه (¬5)، وإنما] (¬6) ضعف الأول (¬7). والوجه الثالث: إنه يضم إلى النصاب؛ فيزكى زكاة ضم، وعلى هذا؛ فهل الزيادة كنصاب منفرد، أم الكل نصاب واحد؟ على وجهين: ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فيلزمه". (¬2) في المطبوع: "ما بعد الحول الأول تجتمع مع"، وفي (أ): "ما بعده الحول الأول ممتنع فيه مع"، وفي (ب): "ما بعد الحول الأول تجتمع فيه مع". (¬3) في المطبوع و (ج): "يشعر". (¬4) في (ج): "وكلام القاضي أبي يعلى". (¬5) في المطبوع: " ضعفه فيه". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) انظر: "المغني" (2/ 258 - 259/ 1744).

أحدهما: إنها كنصاب منفرد، ولولا ذلك؛ لزكى النصاب عقيب (¬1) تمام حوله بحصته من فرض المجموع؛ [كما في سائر الأحوال] (¬2)، ولم يزك زكاة انفراد، وهذا قول أبي الخطاب في "انتصاره" (¬3) وصاحب "المحرر" (¬4). والثاني: [أن الجميع] (¬5) نصاب واحد، وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل وصاحب "المغني" (¬6)، وهو الأظهر، وإنما [زكى] (¬7) النصاب زكاة انفراد؛ لانفراده في أول حوله الأول، بخلاف الحول الثاني وما بعده؛ فعلى هذا إذا تم حول المستفاد؛ وجب إخراج بقية [فرض] (¬8) المجموع بكل حال لأنه بكمال حوله يتم حول الجميع؛ فيجب تتمة زكاته، ولا يكون ذلك عن المستفاد بخصوصه. وعلي الأول إذا تم حول المستفاد؛ وجب فيه ما بقي من فرض الجميع بعد إسقاط ما أخرج عن الأول منه؛ إلا أن يزيد بقية الفرض على فرض المستفاد بانفراده، أو [يـ] (8) نقص عنه، أو يكون من غير جنس فرض الأول؛ فإنه يتعذر ها هنا وجه الضم، ويتعين وجه الخلطة [أو الانفراد؛ إلا ¬

_ (¬1) في (ج): "عقب". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) (3/ 214 - 215/ م 7) (¬4) انظر: "المحرر" (1/ 218 - 219). (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أنه". (¬6) انظر: "المغني" (2/ 258/ 1744). (¬7) في المطبوع: "زكاة"، وفي (أ): "زكى بـ". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

أن يكون المستفاد دون نصاب مغيرًا للفرض؛ فيتعين وجه الخلطة] (¬1)، ويلغو وجه الانفراد أيضًا على ما سبق، وبهذا كله صرح صاحب "شرح الهداية"، وبناه على أن المخرج عن المستفاد بخصوصيته. ويظهر (¬2) فائدة اختلاف هذين الوجهين في أنواع ثلاثة: (النوع الأول): أن يكون تتمة فرض زكاة الجميع أكثر من فرض المستفاد بخصوصه (¬3)، مثل أن يملك خمسين من البقر ثم ثلاثين بعدها، فإذا تم حول الأولى؛ فعليه مسنة، فإذا تم حول الثانية؛ فعليه مسنة أخرى على الوجه الثاني، وهو الأظهر، وعلي الأول يمتنع الضم هنا؛ لئلا يؤدي (¬4) إلى إيجاب مسنة عن ثلاثين، ويجب إما تبيع على وجه الانفراد، أو ثلاثة أرباع مسنة على وجه الخلطة. (النوع الثاني): أن تكون تتمة الواجب دون فرض المستفاد بانفراده، مثل أن يملك ستًّا وسبعين من الإبل ثم ستًّا وأربعين بعدها، فإذا تم حول الأولى؛ فعليه ابنتا لبون، فإذا تم حول الثانية؛ فعلى الوجه الثاني يلزمه (¬5) تمام فرض المجموع، وهو بنت لبون، وعلي الأول يمتنع (¬6) ذلك؛ لأن فرضه على الانفراد حقة؛ فيزكى [إ] (1) ما على الخلطة أو الانفراد، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (ج): "وتظهر". (¬3) في المطبوع: "لخصوصية". (¬4) في المطبوع: "يؤول". (¬5) في المطبوع: "يلزم". (¬6) في المطبوع: "يمنع".

وهذا بعيد؛ فإن وجه الضم إذا اعتبر مع كون المستفاد يصير وقصًا محضًا يضمنه إلى النصاب، [و] (¬1) إن كان فيه زكاة بانفراده (¬2)؛ فكيف لا يعتبر إذا كان فرضه دون فرضه بانفراده؟! (النوع الثالث): أن يكون فرض النصاب الأول المخرج عند تمام حوله من غير جنس فرض المجموع أو نوعه، مثل أن يملك عشرين من الإبل ثم خمسًا بعد [ها] (¬3)؛ فعلى الوجه الأول يمتنع الضم ها هنا؛ لتعذر طرح المخرج عن الأول من واجب الكل، وعلي الثاني -وهو الأظهر- يجب إخراج تتمة الزكاة؛ وإن كان من غير الجنس؛ لضرورة اختلاف الحولين، لا سيما ونحن على أحد الوجهين [نجبر تشقيص] (¬4) الفرض لغير ضرورة؛ كإخراج نصفي شاة عن أربعين أو حقتين وبنتي لبون، ونصف (¬5) عن مئتين من الإبل؛ فها هنا أولى. وعلي هذا؛ فقد يتفق وجه الخلطة ووجه الضم على هذا التقدير؛ حيث لم تكن زكاة الخلطة مفضية إلى زيادة الفرض أو نقصه، وقد يختلفان؛ حيث أدى الاتفاق إلى أحد الأمرين، وسبب ذلك أن هذا النوع على ضربين: أحدهما: أن لا يكون في واحد منهما (أعني: النصاب ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (ج): "بالانفراد". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في المطبوع: "نجبر بتشقيص"، وفي (أ): "نحتير تشقيص". (¬5) في المطبوع و (أ) و (ب): "ونصفا".

والمستفاد) (¬1) وقص، ولا حدث من اجتماعهما وقص؛ فيزكى كما تقدم، وهو [أنا نأخذ فرض] (¬2) الجميع؛ فيخرج عند تمام حول المستفاد حصته منه، ويتفق [هنا] (¬3) وجه الضم والخلطة؛ فيوجب (¬4) على الوجهين فيما إذا كان المستفاد خمسًا من الإِبل بعد عشرين خمس بنت مخاض، وهو مقارب لشاة؛ فإن الشارع أوجب أربع شياه في عشرين وبنت مخاض في خمس وعشرين (¬5)؛ فتكون مقدرة بخمس (¬6) شياه، وكذا (¬7) لو استفاد عشرة من البقر بعد ثلاثين؛ فإنه يجب للزيادة ربع مسنة؛ لأن التبيع مقابل لثلاثة أرباع [المسنة] (¬8)، والمسنة تعدل تبيعًا وثلثًا أبدًا. (الضرب الثاني): أن يكون في المال وقص؛ إما حالة اجتماعه أو ¬

_ (¬1) في (ج): "الاستفادة". (¬2) في المطبوع: "أن يأخذ فرض". (¬3) في المطبوع: "منها"، وفي (ب): "ها هنا". (¬4) في (ج): "فتوجب"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الثاني. (¬5) جاء في كتاب عمرو بن حزم: "وفي كل خمس من الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعًا وعشرين؛ ففيها ابنة مخاض". وقد خرجته بإسهاب في تحقيقي لـ "الخلافيات" (1/ 502 - 508). وأخرج البخاري في "صحيحه" (رقم 1454) وغيره عن أنس: أن أبا بكر رضي اللَّه عنه كتب له هذا الكتاب لما وجَّهه إلى البحرين، وفيه: "في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين؛ ففيها بنت مخاض أنثي". (¬6) في المطبوع: "في خمس". (¬7) في (ج): "وكذلك". (¬8) في المطبوع: "مسنة" بدل "الـ".

حالة انفراده فقط؛ فيختلف ها هنا وجه الضم والخلطة، فإنا على وجه الضم نجمع من النصاب الأول ما تعلق به الفرض منه، ويضم إليه تتمة نصاب المجموع من الباقي، ثم يأخذ من فرض المجموع حصة هذه التتمة، وهي بقية ما يتعلق به الفرض من مجموع المال، ويجعل الباقي من المال إن بقي منه شيء كالمعدوم؛ فمثال ذلك والوقص موجود حالة الاجتماع: لو ملك عشرين من الإبل ثم تسعًا منها، فإذا تم حول الثانية؛ ضممت (¬1) إلى العشرين الأول (¬2) خمسًا تكن خمسة وعشرين فرضها بنت مخاض، وقد أخرجنا عن العشرين أربع شياه؛ فيخرج عن الباقي خمس بنت مخاض، [وعلى وجه الخلطة يخرج عنها تسعة أجزاء من أصل تسعة وعشرين جزءً من بنت مخاض] (¬3) و [مثاله. و] (¬4) الوقص موجود حالة الانفراد فقط: لو ملك أربعة عشر من الإبل ثم أحد عشر بعدها، فإذا تم حول الأولى؛ فعليه شاتان، فإذا تم حول الثانية؛ ضممنا (¬5) إلي عشرة من الأولى (¬6) تتمة النصاب، وهي [خمسة] (¬7) عشر؛ فأوجبنا فيها ثلاثة أخماس بنت مخاض؛ لأن فيهما جميعًا وقصًا لم يؤد عنه، والمال عند الاجتماع لا وقص فيه؛ فيجب تأدية زكاته كله، فإذا كان قد أخرج عن بعضًا وجب ¬

_ (¬1) في (ج): "ضمت". (¬2) في المطبوع و (ج): "الأولي". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "مثال". (¬5) في المطبوع: "ضمها". (¬6) في المطبوع: "الإبل"! (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

الإخراج عن جميع ما لم يخرج عنه [منه] (¬1)، وعلي وجه الخلطة يجب في الزيادة وحدها [خمسان (¬2) بين بنت مخاض وخمس خمس] (¬3) بنت مخاض، فإذا تقرر (¬4) هذا؛ فالمستفاد لا يخلو بين أربعة أقسام: ([القسم] (¬5) الأول): أن يكون نصابًا مغيرًا (¬6) للفرض، مثل أن يملك أربعين شاة ثم إحدى وثمانين بعدها؛ ففي الأربعين شاة عند حولها، فإذا تم حول الثانية؛ فوجهان: أحدهما: فيها شاة أيضًا، وهو متخرج على وجهي الضم والانفراد. والثاني: فيها شاة [واحدةٌ وأربعون] (¬7) جزءً بين أصل مئة وأحد وعشرين جزءً بين شاة، وهو وجه الخلطة؛ [لأن ذلك حصة المستفاد بين الشاتين الواجبتين في الجميع. وذكر القاضي وابن عقيل وجماعة أن وجه الخلطة] (¬8) هنا كوجه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في (ب): "خمسا". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في أصل (أ): "أحد عشر جزءً من خمسة وعشرين جزءً من"، وما أثبتناه هنا أثبته مصححها في الهامش. (¬4) في المطبوع: "تعذر". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "معتبرًا". (¬7) كذا في نسخة (أ)، وفي (ب): "واحدًا وأربعون"، وفي (ج): "وإحدى وأربعين"، وفي المطبوع "واحد وأربعون". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

الانفراد، يجب به (¬1) شاة أيضًا؛ لئلا يفضي إلى [إيجاب] (¬2) زيادة على فرض الجميع، وهو مردود بأنهم أوجبوا بالخلطة زيادة على فرض الجميع في غير هذا الموضع. (القسم الثاني): أن تكون الزيادة نصابًا لا يغير الفرض؛ كمن ملك أربعين شاة ثم أربعين بعدها؛ ففي الأولى (¬3) إذا تم حولها شاة، فإذا تم حول الثانية؛ فثلاثة أوجه: أحدها: لا شيء فيها، وهو وجه الضم؛ لأن الزيادة بالضم تصير وقصًا. والثاني: فيها شاة، وهو وجه الانفراد. والثالث: فيها نصف شاة، وهو وجه الخلطة. (القسم الثالث): أن تكون الزيادة لا تبلغ نصابًا (¬4) ولا تغير الفرض؛ كمن ملك أربعين من الغنم ثم ملك بعدها عشرين؛ ففي الأولى (3) إذا تم حولها شاة، فإذا تم حول الثانية؛ فوجهان: أحدهما: لا شيء فيها (¬5)، وهو متوجه على وجهي الضم والانفراد. والثاني: فيها ثلث شاة، وهو وجه الخلطة. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فيه". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "الأول". (¬4) في (أ): "نصابها". (¬5) في (ب): "فيهما".

4 - الرابعة

(القسم الرابع): أن لا تبلغ الزيادة نصابًا وتغير الفرض؛ كمن ملك ثلاثين من البقر ثم عشرًا بعدها، فإذا تم حول الأولى؛ ففيها تبيع، فإذا تم حول الزيادة؛ فقال الأصحاب: يجب فيها ربع مسنة، ولم يذكروا فيها خلافًا، ومنهم بين صرح بنفي الخلاف؛ كصاحب "المحرر" (¬1)، وعلل بأن وجه الانفراد متعذر؛ لما سبق، وكذا وجه الضم؛ لأنه يفضي على أصله إلى استثناء شيء وطرحه من غير جنسه، وهو طرح التبيع من المسنة، وهو متعذر؛ فتعين وجه الخلطة، وأما صاحب "الكافي"؛ فظاهر كلامه أن هذا متمش على وجه الضم أيضًا بناءً على أصله الذي تقدم من أن الكل نصاب واحد وفرضه مسنة، وقد أخرج تبيعًا، وهو يعدل ثلاثة أرباع مسنة؛ فيجب إخراج بقية فرض المال، وهو هنا ربع مسنة؛ لأن التبيع يعدل ثلاثة أرباع المسنة كما سبق تقريره؛ فتبيع وربع مسنة يعدل مسنة كاملة (¬2)؛ [فاحتفظ بهذه الفائدة الجليلة؛ فإنك لا تظفر بها في غير هذا الموضع، واللَّه أعلم] (¬3). 4 - [الرابعة] (¬4): الملك في مدة الخيار؛ هل ينتقل إلى المشتري أم لا؟ في هذه المسألة (¬5) روايتان عن الإِمام أحمد: ¬

_ (¬1) في "المحرر" (1/ 217). (¬2) في المطبوع: "يعدل المسنة كاملة". وانظر: "الكافي" (1/ 299 - 300). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬5) في المطبوع: "مسألة" بدون "الـ".

أشهرهما: انتقال الملك إلى المشتري بمجرد العقد، وهي المذهب الذي عليه الأصحاب. والثانية: لا ينتقل حتى ينقضي الخيار، فعلى هذه يكون الملك للبائع، ومن الأصحاب من حكى (¬1) أن الملك يخرج عن البائع ولا يدخل إلى المشتري، وهو ضعيف. وللروايتين فوائد عديدة: - (منها): وجوب الزكاة؛ فإذا باع نصابًا بين الماشية بشرط الخيار حولًا؛ فزكاته على المشتري على المذهب، سواء فسخ العقد أو أمضى، [و] (¬2) على الرواية الثانية: الزكاة على البائع إذا قيل: الملك باق له. - (ومنها): لو باعه عبدًا بشرط الخيار وأهل هلال الفطر وهو في مدة الخيار؛ فالفطرة على المشتري على المذهب، وعلي البائع على الثانية. - (ومنها): لو كسب المبيع في مدة الخيار كسبًا، أو نما نماءً منفصلًا؛ فهو للمشتري؛ فَسخَ العقد أو أمضى، وعلي الثانية: هو للبائع. - (ومنها): مؤنة (¬3) الحيوان والعبد المشتري بشرط الخيار يجب على المشتري على المذهب، [وعلى البائع على الثانية] (¬4). - (ومنها): إذا تلف المبيع في مدة الخيار؛ فإن كان بعد القبض، ¬

_ (¬1) في (ب): "حكم"، وفي (ج): "يحكي". (¬2) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬3) في المطبوع: "مؤونة". (¬4) في (ب): "وعلي الثانية على البائع".

أو لم يكن مبهمًا (¬1)؛ فهو من مال المشتري على المذهب، وعلي الثانية من مال البائع. - (ومنها): لو تعيب المبيع في مدة الخيار؛ فعلى المذهب: لا يرد بذلك إلا أن يكون غير مضمون على المشتري؛ لانتفاء القبض، وعلى الثانية: له الرد بكل حال. - (ومنها): تصرف المشتري في مدة الخيار؛ فلا يجوز إلا بما يحصل به تجربته إلا أن يكون الخيار له وحده، كذا ذكر الأصحاب، والمنصوص عن أحمد (¬2) في "رواية أبي طالب" أن له التصرف فيه بالاستقلال، وفرق بينه وبين وطء الأمة المشتراة بشرط من وجهين: أحدهما: إن ذاك (¬3) فرج؛ فيحتاط له. والثاني: إن ذاك (3) شرط وهذا خيار، وهذا يدل على جواز تصرفه بما لا يمنع البائع من الرجوع؛ كالاستخدام والإجارة، وإنما يمنع من إخراجه من ملكه أو تعريضه (¬4) للخروج بالرهن والتدبير والكتابة ونحوها، هذا كله على المذهب. وعلي [الرواية] (¬5) الثانية: يجوز التصرف للبائع وحده؛ لأنه مالك ¬

_ (¬1) في المطبوع: "منهما"، وفي (أ) بدون نقط. (¬2) في المطبوع: "أحد". (¬3) في المطبوع: "ذلك". (¬4) في المطبوع: "تعريضه"! (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ويملك الفسخ، فإن الخيار وضع (¬1) لغرض الفسخ دون الإمضاء، فأما حكم نفوذ التصرف وعدمه؛ فالمشهور في المذهب أنه لا ينفذ بحال إلا بالعتق، ونقل مهنأ وغيره عن أحمد أنه موقوف على انقضاء مدة الخيار، هذا (¬2) إذا كان الخيار لهما، فإن كان للبائع وحده؛ فكذلك في تصرف المشتري الروايتان (¬3). وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى: إنه إن أجازه البائع؛ صح، والثمن له، وإن رده؛ بطل البيع، وعلي المشتري استرداده، فإن تعذر؛ فعليه قيمته، وإن سرق أو هلك؛ فهو من ضمان المشتري؛ فحمل السامري هذه الرواية على أن الملك لم ينتقل إلى البائع (¬4)، وآخر [ها] (¬5) يبطل ذلك، والصحيح أنها رواية بطلان التصرف من أصله (¬6)، لكنها مفرعة [على] (¬7) أن الفسخ بالخيار رفع للعقد من أصله؛ فيتبين به أن الملك كان للبائع، وعلي أن تصرف الفضولي موقوف على إجازة المالك، وإن كان الخيار للمشتري وحده؛ صح تصرفه، ذكره أبو بكر والقاضي وغيرهما؛ لانقطاع حق البائع ها هنا، وظاهر كلام أحمد في "رواية حرب" أنه لا ينفذ حتى يتقدمه إمضاء العقد، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى أيضًا؛ لقصور ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وقع". (¬2) في (أ): "وهذا". (¬3) في المطبوع: "الروايتين"! (¬4) في المطبوع و (ج): "المشتري". (¬5) ما بين المعقوفتين ليس في (ب). (¬6) في المطبوع و (ج): "أصلها". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

الملك، فلو تصرف المشتري مع البائع والخيار لهما؛ صح، ذكره صاحبا (¬1) "المغني" (¬2) و"المحرر" (¬3)، وفي "المجرد" للقاضي احتمالان. هذا كله تفريع على المذهب، وهو انتقال الملك إلى المشتري، فأما على الرواية الأخرى، فإن كان الخيار لهما [أ] (¬4) وللبائع وحده؛ صح [تصرف البائع] (¬5) مطلقًا؛ لأن الملك له، وهو بتصرفه مختار للفسخ، بخلاف تصرف المشتري؛ فإنه يختار به الإمضاء وحق الفسخ مقدم (¬6) عليه. - (ومنها): الوطء في مدة الخيار، فإن وطئ المشتري؛ فلا شيء عليه لأن الملك له وإن وطئ البائع، فإن كان جاهلًا بالتحريم؛ فلا حد عليه، وإن كان عالمًا [به] (4)؛ فالمنصوص عن أحمد في "رواية مُهَنَّأ" أنه يجب عليه الحد، وهو اختيار أبي بكر وابن حامد والقاضي والأكثرين؛ لأنه وطء لم يصادف ملكًا ولا شبهة ملك، وهو محرم بالإِجماع؛ فوجب به الحد؛ كوطء المرتهن، ومن الأصحاب من قيد ذلك بأن يعلم أن الملك لا ينفسخ بوطئه، أما إن اعتقد أنه ينفسخ بوطئه؛ فلا حد؛ لأن تمام الوطء وقع في ملك؛ فتمكنت الشبهة فيه. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "صاحب". (¬2) في "المغني" (4/ 11 - 12/ 2763). (¬3) في أصل (ج): "المجرد"، وكتب في هامشها: "لعله "المحرر". قلت: وانظر: "المحرر" (1/ 265، 267). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في (أ) و (ب): "تصرفه". (¬6) في المطبوع: "يقدم".

ومن الأصحاب من حكى رواية ثانية بعدم الحد مطلقًا، ومال إلى ذلك ابن عقيل وصاحبا "المغني" (¬1) و"المحرر" (¬2)؛ لوقوع الاختلاف في حصول الملك له [و] (¬3) في انفساخ العقد بوطئه بل وبمقدمات وطئه؛ فيكون الوطء حينئذ في ملك تام، وأما على الرواية الثانية؛ فلا حد [على البائع] (¬4)، وفي (¬5) المشتري الخلاف. - (ومنها): ترتب موجبات الملك من الانعتاق بالرحم أو بالتعليق (¬6) وانفساخ النكاح ونحوها؛ فيثبت (¬7) في البيع بشرط الخيار عقيب العقد على المذهب، وعلي الثانية لا يثبت إلا بعد انقضائه، ولو حلف لا يبيع، فباع بشرط الخيار؛ خرج على الخلاف أيضًا، ذكره القاضي، وأنكر الشيخ مجد الدين ذلك، وقال: يحنث (¬8) على الروايتين. فأما الأخذ بالشفعة؛ فلا يثبت في مدة الخيار على الروايتين عند أكثر الأصحاب، ونص عليه أحمد في رواية حنبل؛ فمن الأصحاب من علل بأن الملك لم يستقر بعد، ومنهم من علل بأن الأخذ بالشفعة يسقط حق البائع ¬

_ (¬1) في (ج): "وصاحب "المغني" و"المحرر"". وانظر: "المغني" (4/ 13/ 2767). (¬2) انظر: "المحرر" (2/ 153 - 154). (¬3) ما بين المعقوفتين ليس في (ج). (¬4) في (ج): "للبائع". (¬5) في المطبوع: "وعلى". (¬6) في المطبوع: "بالتعلق". (¬7) في المطبوع: "فتثبت"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬8) في المطبوع: "بحنثه".

من (¬1) الخيار؛ فلذلك لم تجز المطالبة بها في [مدته] (¬2)، وهو تعليل القاضي في خلافه؛ فعلى هذا لو كان الخيار للمشتري وحده؛ لثبتت الشفعة، وذكر أبو الخطاب احتمالًا بثبوت الشفعة مطلقًا إذا قلنا بانتقال الملك [إلى المشتري] (¬3). - (ومنها): إذا باع أحد الشريكين شقصًا بشرط الخيار، فباع الشفيع حصته في مدة الخيار؛ فعلى المذهب: يستحق المشتري الأول انتزاع شقص الشفيع من يد مشتريه؛ لأنه [هو] (¬4) شريك الشفيع حالة بيعه، وعلي الثانية: يستحقه (¬5) البائع الأول؛ لأن الملك باقٍ له. - (ومنها): لو (¬6) باع الملتقط اللقطة بعد الحول بشرط الخيار، ثم جاء ربها في مدة الخيار، فإن قلنا: لم ينتقل [الملك] (¬7)، فالرد واجب، وإن قلنا بانتقاله؛ فوجهان، [و] (4) المجزوم به في "الكافي" الوجوب (¬8). - (ومنها): لو باع محل صيدًا بشرط الخيار، ثم أحرم في مدته، فإن قلنا: انتقل الملك عنه؛ فليس له الفسخ لأنه ابتداء ملك على الصيد، وهو ¬

_ (¬1) في (أ): "في". (¬2) في (ج): "في مدة الخيار". (¬3) في (ب): "للمشتري". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "يستحق". (¬6) في (أ): "إذا". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬8) قال في "الكافي" (2/ 356): "فإن جاء صاحبها في مدة الخيار؛ وجب فسخ البيع، وردها إليه؛ لأنه يستحق العين، وقد أمكن ردها إليه".

5 - الخامسة

ممنوع [منه] (¬1)، وإن قلنا: لم ينتقل الملك عنه؛ فله ذلك، ثم إن كان في يده (¬2) المشاهدة؛ أرسله، وإلا؛ فلا. - (ومنها): لو باعت الزوجة قبل الدخول الصداق بشرط الخيار، ثم طلقها الزوج [في المدة] (¬3)، فإن قلنا: الملك انتقل عنها؛ ففي لزوم استردادها وجهان، وإن قلنا: لم يزل؛ [لزمها استرداده] (¬4) وجهًا واحدًا. - (ومنها): لو باع أمة بشرط الخيار ثم فسخ البيع؛ وجب على البائع الاستبراء على المذهب، وعلي الثانية: لا يلزمه؛ لبقاء الملك. - (ومنها): لو اشترى أمة بشرط الخيار واستبرأها في مدته، فإن قلنا: الملك لم ينتقل إليه؛ لم يكفه ذلك الاستبراء، وإن قلنا بانتقاله؛ ففي "الهداية" و"المغني": يكفي (¬5)، وفي "الترغيب" و"المحرر" وجهان؛ لعدم استقرار الملك (¬6). 5 - [الخامسة] (¬7): الإقالة، هل هي فسخ أو بيع؟ في [هذه] (1) المسألة روايتان منصوصتان، [واختيار] (¬8) الخرقي ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "مدة". (¬3) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فيها استرده" وفي (ب): "لزم استرداده". (¬5) انظر: "المغني" (4/ 9/ 2759). (¬6) انظر: "المحرر" (2/ 110). (¬7) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع. (¬8) في المطبوع: "واختار".

والقاضي والأكثرين (¬1) أنها فسخ، وحكاه القاضي عن أبي بكر، وفي "التنبيه" لأبي بكر التصريح باختيار (¬2) أنها بيع، ولهذا الخلاف فوائد عديدة (¬3): - (الأولى): إذا تقايلا قبل القبض فيما لا يجوز بيعه قبل قبضه؛ فيجوز على قولنا: هي فسخ، ولا يجوز على الثانية إلا على رواية حكاها القاضي في "المجرد" في الإجارات: إنه يصح بيعه من بائعه خاصة قبل القبض. - (الفائدة الثانية): هل يجوز في المكيل والموزون بغير كيل ووزن؟ إن قلنا: هي فسخ؛ جازت كذلك، وإن قلنا (¬4): هي بيع؛ فلا، هذه طريقة أبي بكر في "التنبيه" والقاضي والأكثرين، وحكي عن أبي بكر أنه (¬5) لا بد فيها من كيل ثانٍ على الروايتين، كما أن الفسخ في النكاح يقوم مقام الطلاق في إيجاب العدة. - (الفائدة الثالثة): إذا تقايلا بزيادة على الثمن أو نقصٍ منه أو بغير جنس الثمن، فإن قلنا: هي فسخ؛ لم يصح (¬6) لأن الفسخ رفع للعقد؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "والأكثرون". (¬2) في المطبوع: "باختياره". (¬3) في (ب): "عدة". (¬4) في (أ): "قيل". (¬5) في (ج): "أنها". (¬6) في (ج): "لم تصح".

[فيترادان] (¬1) العوضين على وجههما؛ كالرد بالعيب وغيره، وإن قلنا: هي بيع (¬2)؛ فوجهان حكاهما أبو الخطاب ومن بعده: أحدهما: يصح (¬3)، وقاله القاضي في "كتاب الروايتين" (¬4) كسائر البيوع. والثاني: لا يصح، وهو المذهب عند القاضي في "خلافه". وصححه السامري، لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ورجوع كل واحد إلى ماله؛ فلم يجز بأكثر من الثمن، وإن كانت بيعًا كبيع (¬5) التولية، وهذا ظاهر ما نقله ابن منصور عن أحمد في رجل اشترى سلعة، فندم، فقال: أقلني ولك كذا، وكذا قال أحمد: أكره أن [يكون] (¬6) ترجع إليه سلعته ومعها فضل؛ إلا أن يكون [قد تغيرت] (¬7) السوق، أو [تـ] (¬8) تاركا البيع، فباعه بيعًا مستأنفًا؛ فلا بأس به. ولكن إن جاء إلى نفس البيع، فقال: أقلني فيها ولك كذا وكذا؛ فهذا مكروه؛ فقد كره الإقالة في البيع الأول بزيادة بكل حال، [ولم يجوز] (¬9) الزيادة؛ إلا إذا أقر البيع (¬10) ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فتبين إذًا أن"، وفي (ب): "فيترادا". (¬2) في (ج): "فسخ". (¬3) في (ج): "تصح". (¬4) (1/ 362 - 363/ 56) (¬5) في المطبوع: "فبيع". (¬6) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "تسعرت"، وفي (ب) و (ج): "تغيرت". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬9) في (أ): "ولا تجوز". (¬10) في المطبوع: "البائع".

بحاله وتبايعاه بيعًا مستأنفًا، [وفيه أنه] (¬1) إذا تغيرت (¬2) السوق؛ جازت الإقالة بنقص في مقابلة نقص السعر، وكذا لو تغيرت صفة السلعة، وأولى، ونص في "رواية أحمد بن القاسم" و"سندي" و"حنبل" على الكراهة بكل حال؛ نقدًا كان البيع أو نسيئة بعد نقد الثمن أو قبله، معللًا [بشبهة بمسائل] (¬3) العينة؛ لأنه (¬4) ترجع [السلعة] (¬5) إلى صاحبها، ويبقى له على المشتري فضل دراهم (¬6)، ولكن محذور الربا هنا بعيد جدًّا؛ لأنه لا يقصد أحد أن يدفع عشرة ثم يأخذ نقدًا خمسة مثلًا، لا سيما والدافع هنا هو الطالب لذلك الراغب [فيه] (¬7). ونقل عنه ما يدل على جوازه؛ قال في "رواية الأثرم": وسأله عن بيع العربون؛ فذكر له حديث عمر (¬8)، فقيل له: تذهب إليه. قال: أي شيء أقول وهذا عن عمر؟! ثم قال: أليس [كان] (¬9) ابن سيرين لا يرى بأسًا أن ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "تسعرت". (¬3) في المطبوع: "كشبهة مسائل". (¬4) في (ج): "لأنها". (¬5) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬6) في المطبوع: "درهم". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) يشير إلى شراء نافع بن عبد الحارث لعمر من صفوان بن أميه دارًا للسجن بالعربون؛ كما في "السنن الكبرى" (6/ 34) للبيهقي، و"المحلى" لابن حزم (8/ 171، 373). (¬9) ما بين المعقوفتين ليس في (ج).

يرد السلعة إلى صاحبها إلا إذا كرهها ومعها شيء (¬1)؟! ثم قال: هذا مثله. فقد جعل بيع العربون من جنس الإقالة بربح، وهو يرى جواز بيع العربون، وهذا الخلاف هنا شبيه بالخلاف في جواز الخلع بزيادة على المهر، فأما البيع المبتدأ؛ فيجوز بأكثر من ثمنه؛ كما نقله عنه ابن منصور، وكذلك نقل (¬2) عنه حرب فيمن باع ثوبًا بعشرين وقبضها ثم احتاج إليه فاشتراه باثنين وعشرين نقدًا؛ قال: لا بأس به، ولا يجوز نسيئة، ولم ير بأسًا أن يشتربه بمثل الثمن نقدًا ونسيئة. ونقل عنه أبو داود فيمن باع ثوبًا بنقد ثم احتاج إليه يشتريه بنسيئة؛ قال: إذا لم يرد بذلك الحيلة كأنه لم ير به بأسًا (¬3)، وصرح أبو الخطاب وطائفة من الأصحاب بأن كل بيع وإن كان بنقد (¬4) لا يجوز لبائعه شراؤه بدون ثمنه قبل نقد الثمن، ويجوز بعده، وكذلك نقل ابن منصور عن أحمد أنه بعد القبض يبيعه كيف شاء (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "مصنف عبد الرزاق" (8/ رقم 14254، 14255، 14259، 14279، 14303). (¬2) في المطبوع: "نقله". (¬3) انظر: "مسائل أبي داود" (ص 192). (¬4) في المطبوع: "ينفذ". (¬5) في "مسائل ابن منصور" (331/ 205): "قلت: إذا بعت ثوبًا، فحلَّ الأجل، فوجدته بعينة؛ فقال: اشتره مني؟ قال أحمد: لا بأس أن يشتريه بأكثر، ولا يشتريه بأقل إذا لم يكن قبض الثمن، وإذا كان قبض الثمن، فليشتريه كيف شاء" اهـ. قلت: انظر أيضًا: (221 - 222/ 59) منها.

- (الفائدة الرابعة): تصح (¬1) الإقالة بلفظ الإِقالة والمصالحة إن قلنا: هي (¬2) فسخ، ذكره القاضي وابن عقيل، وإن قلنا: هي بيع؛ لم ينعقد (¬3) بذلك، صرح به القاضي في "خلافه"؛ قال: [و] (¬4) ما يصلح للحل لا يصلح للعقد، [وما يصلح للعقد لايصلح للحل] (¬5)؛ فلا ينعقد البيع بلفظ الإقالة، ولا الإِقالة بلفظ البيع. [و] (¬6) ظاهر كلام كثير من الأصحاب انعقادها بذلك، وتكون معاطاة. - ([الفائدة (¬7) الخامسة): إذا قلنا: هي فسخ؛ لم يشترط لها شروط البيع من معرفة المقال فيه، والقدرة على تسليمه تمييزه (¬8) عن غيره، ويشترط ذلك على القول بأنها بيع، ذكره صاحب "المغني" في "التفليس" (¬9)، فلو (¬10) تقايلا العبد (¬11) وهو غائب بعد مضي مدة [لأن] (¬12) يتغير ¬

_ (¬1) في (أ): "يصح". (¬2) في (أ): "هو". (¬3) في (ج): "لم تنعقد". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬6) في (أ): "فظاهر". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬8) في (ب): "وتميزه". (¬9) انظر: "المغني" (4/ 95 - 96/ 2966). (¬10) في المطبوع و (ب): "ولو". (¬11) في (أ): "العقد". (¬12) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج)، وفي (أ): "لا".

في مثلها أو بعد إباقه [أ] (¬1) واشتباهه بغيره؛ [صح] (¬2) على الأول دون الثاني، ولو تقايلا مع غيبة أحدهما بأن [طلبت منه] (¬3) الإِقالة، فدخل الدار وقال على الفور: أقلتك، فإن [قلنا (¬4): هي فسخ؛ صح، وإن قلنا: هي بيع؛ لم يصح، ذكره القاضي وأبو الخطاب في تعليقهما؛ لأن البيع يشترط له حضور المتعاقدين في المجلس. ونقل أبو طالب عن أحمد صحة قبول الزوج للنكاح بعد المجلس، واختلف الأصحاب في تأويلها، وفي كلام القاضي أيضًا ما يقتضي أن الإقالة لا تصح في غيبة الآخر على الروايتين؛ لأنها في حكم العقود لتوقفها على رضى المتبايعين، بخلاف الرد بالعيب والفسخ للخيار (¬5)، وهل تصح (¬6) مع تلف السلعة (¬7)؟ على طريقين: أحدهما: لا يصح على الروايتين، وهي طريقة القاضي في موضع من"خلافه" [وصاحب "المغني" (¬8). والثاني: إن قلنا: هي فسخ؛ صحت، وإلا؛ لم تصح]، قال ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "طلب منه"، وفي (ج): "طلب". (¬4) من هنا إلى منتصف "الفائدة السابعة عشرة" سقط من (أ). (¬5) في المطبوع: "بالخيار". (¬6) في المطبوع: "يصح". (¬7) في المطبوع: "السلع". (¬8) انظر: "المغني" (4/ 96/ 2967).

القاضي في موضع من "خلافه "] (¬1): هو قياس المذهب، وفي "التلخيص" وجهان؛ قال (¬2): أصلهما الروايتان (¬3) إذا تلف المبيع في مدة الخيار. - ([الفائدة] (¬4) السادسة): هل تصح الإقالة بعد النداء للجمعة؟ إن قلنا: هي بيع؛ لم تصح، وإلا؛ صحت، ذكره القاضي وابن عقيل. - ([الفائدة] (4) السابعة): [إذا نما] (¬5) المبيع نماءً منفصلًا ثم تقايلا، فإن قلنا: الإِقالة بيع؛ لم يتبع النماء بغير خلاف، وإن قلنا: فسخ؛ فقال القاضي: النماء للمشتري، وينبغي تخريجه على وجهين (¬6)؛ كالرد بالعيب والرجوع للمفلس. - ([الفائدة] (4) الثامنة): باعه نخلًا حائلًا ثم تقايلا وقد أطلع، فإن قلنا: المقايلة (¬7) بيع؛ فالثمرة إن كانت مؤبرة؛ فهي للمشتري الأول، وإن لم تكن مؤبرة؛ فهي للبائع الأول، وإن قلنا: هي فسخ؛ تبعت الأصل بكل حال، سواء كانت مؤبرة أو لا؛ لأنه نماء متصل (¬8)، ذكره في "المغني" (¬9)، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين مكرر مرتين في المطبوع. (¬2) في المطبوع: "فان". (¬3) في (ج): "الروايتين". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع: "نمى"، وفي (ب): "نما" فقط. (¬6) في المطبوع: "على الوجهين". (¬7) في (ج): "الإقالة". (¬8) في المطبوع: "منفصل". (¬9) انظر: "المغني" (4/ 273 - 274/ 3427).

وقد سبقت المسألة في قاعدة النماء. - ([الفائدة] (¬1) التاسعة): هل يثبت فيها خيار المجلس؟ إن قلنا: هي فسخ؛ لم يثبت الخيار، وإن قلنا: هي بيع؛ ففي "التلخيص": يثبت الخيار كسائر البيوع (¬2)، ويحتمل عندي أن لا يثبت أيضًا؛ لأن الخيار وضع للنظر في الحظ و [المقيل قد دخل] (¬3) على أنه لا حظ له، وإنما هو متبرع، والمستقبل لم يطلب الإقالة بعد لزوم العقد إلا بعد [تروٍّ و] (¬4) نظر، وعلم بأن الحظ له في ذلك، وندم على العقد (¬5) الأول؛ فلا يحتاج بعد ذلك إلى مهلة لإعادة النظر، واللَّه أعلم. - ([الفائدة] (1) العاشرة): هل ترد (¬6) بالعيب؟ إن قلنا: هي بيع؛ ردت به، وإن قلنا: هي فسخ؛ فيحتمل أن [لا ترد] (¬7) به؛ لأن الأصحاب قالوا: الفسخ لا يفسخ، ويحتمل أن يرد به، كما جوزوا فسخ الإقالة والرد بالعيب [لأخذ الشفيع] (¬8)، وأفتى الشيخ تقي الدين بفسخ الخلع بالعيب في عوضه، وبفوات صفة (¬9) فيه، وبإفلاس ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬2) في المطبوع: "العقود". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "المقيد وعلي". (¬4) في (ج): "تردد". (¬5) في المطبوع: "على أن العقد". (¬6) في المطبوع: "يرد". (¬7) في المطبوع: "لا يرد". (¬8) في المطبوع: "لأحد الشفيعين". (¬9) في المطبوع: "لفوات حقه".

الزوجة [به] (¬1). - ([الفائدة] (¬2) الحادية عشر) (¬3): الإقالة في المسلم فيه قبل قبضه، وفيها طريقان: أحدهما: [بناؤها] (¬4) على الخلاف، فإن قلنا: هي فسخ؛ جازت، وإن قلنا: بيع؛ لم تجز (¬5)، وهي طريقة القاضي وابن عقيل في روايتيهما وصاحب "الروضة" وابن الزاغوني. والثانية: جواز الإقالة فيه على الروايتين، وهي طريقة الأكثرين، ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك. - ([الفائدة] (¬6) الثانية عشر) (¬7): باعه جزءً مشاعًا من أرضه ثم تقايلا، فإن قلنا: الإقالة فسخ؛ لم يستحق المشتري ولا من حدث له شركة في الأرض قبل المقايلة شيئًا من الشقص بالشفعة، وإن قلنا: هي بيع؛ ثبتت لهم الشفعة، وكذلك لو باع أحد الشريكين حصته، ثم عفى الآخر عن شفعته، ثم تقايلا، وأراد العافي أن يعود إلى الطلب، فإن قلنا: الإقالة فسخ؛ لم يكن له ذلك، وإلا؛ فله الشفعة. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ليس في (ب). وانظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 252 - 253). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) في (ب) و (ج): "الحادية عشر". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "لم يجز". (¬6) ما بين المعقوفتين من المطبوع. (¬7) في كل الأعداد المركبة في (ج): "عشر".

- ([الفائدة] (¬1) الثالثة عشر): اشترى شقصًا مشفوعًا ثم تقايلاه قبل الطلب، فإن قلنا: هي بيع؛ لم تسقط (¬2)؛ كما لو باعه لغير بائعه، وإن قلنا: فسخ؛ فقيل: لا تسقط أيضًا، وهو قول القاضي وأصحابه؛ لأن الشفعة استحقت بنفس البيع؛ فلا تسقط بعده، وقيل: تسقط (2)، وهو المنصوص عن أحمد في "رواية محمد بن الحكم"، وهو ظاهر كلام أبي حفص [العكبري] (¬3) والقاضي في "خلافه". - ([الفائدة] (3) الرابعة عشر): هل يملك المضارب أو الشريك الإقالة فيما اشتراه؟ من الأصحاب من قال: إن قلنا: الإقالة بيع؛ ملكه، وإلا، فلا لأن الفسخ ليس من التجارة المأذون فيها، وهي طريقة ابن عقيل في موضع من "فصوله"، والأكثرون على أنه (¬4) يملكها على القولين مع الصحة، كما يملك الفسخ بالخيار. - (و [الفائدة] (¬5) الخامسة عشر): هل يملك المفلس بعد الحجر المقايلة لظهور المصلحة؟ إن قلنا: هي بيع؛ لم يملكه، وإن قلنا: فسخ؛ فالأظهر أنه يملكه؛ كما يملك الفسخ بخيار [قائم] (3) أو عيب، ولا يتقيد بالأحظ على الأصح؛ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "يسقط". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "أن". (¬5) ما بين المعقوفتين إضافة منِّي.

لأن ذلك ليس بتصرف مستأنف، بل من تمام العقد الأول ولواحقه. - ([الفائدة] (¬1) السادسة عشر): لو وهب الوالد لابنه شيئًا، فباعه ثم رجع إليه بإقالة، فإن قلنا: هي بيع، امتنع رجوع الأب فيه، وإن قلنا: هي فسخ؛ فوجهان، وكذلك حكم المفلس إذا باع السلعة ثم عادت إليه بإقالة ووجدها بائعها عنده. - ([الفائدة] (1) السابعة عشر): باع أمة، ثم أقال فيها قبل القبض؛ فهل يلزمه استبراءها (¬2)؟ فيه طريقان: أحدهما: قاله أبو بكر وابن أبي موسى: إن قلنا: الإِقالة بيع؛ وجب الاستبراء، وإن قلنا: فسخ؛ لم يجب. والثاني: [إن] (¬3) في المسألة روايتين مطلقًا من غير بناء [على] (¬4) هذا] (¬5) الأصل، ثم قيل: إنه مبني على انتقال الضمان عن البائع وعدمه، وإليه أشار ابن عقيل، وقيل: بل يرجع إلى أن تجدد الملك مع تحقق البراءة من الحمل؛ هل يوجب الاستبراء؟ وهذا أظهر. - ([الفائدة] (1) الثامنة عشر): لو حلف لا يبيع أو ليبيعن، أو علق ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "استبراؤه". (¬3) ما بين المعقوفتين ليس في (ب). (¬4) في المطبوع: "كل". (¬5) من منتصف "الفائدة الخامسة" إلي هنا سقط من (أ).

على البيع طلاقًا أو عتقًا، ثم أقال فإن قلنا: هي بيع؛ ترتبت عليها أحكامه من البر والحنث، وإلا؛ فلا، وقد يقال: الأيمان تنبني (¬1) على العرف، وليس في العرف أن الإِقالة بيع. - ([الفائدة] (¬2) التاسعة عشر): تقايلا في بيع فاسد، ثم حكم الحاكم بصحة العقد ونفوذه؛ فهل يؤثر حكمه؟ إن قلنا: هي بيع؛ فحكمه بصحة العقد الأول صحيح لأن العقد باقٍ، وقد تأكد بترتب (¬3) عقد آخر عليه، وإن قلنا: هي فسخ؛ لم ينفذ لأن العقد ارتفع بالإقالة؛ فصار كأنه لم يوجد، ويحتمل أن ينفذ وتلغى الإقالة؛ لأنها تصرف في بيع فاسد قبل الحكم بصحته؛ فلم ينفذ ولم يؤثر فيه [شيئًا] (¬4)، هذا ظاهر ما ذكره ابن عقيل في "عمد الأدلة". - ([الفائدة] (¬5) العشرودن): لو باع ذمي [ذميًّا] (¬6) [آخر] (¬7) خمرًا، وقبضت دون ثمنها، ثم أسلم البائع وقلنا: يجب له الثمن، فقال المشتري فيها، فإن قلنا: الإقالة بيع؛ لم يصح (¬8) لأن شراء المسلم الخمر (¬9) لا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تبني". (¬2) ما بين المعقوفتين من المطبوع. (¬3) في المطبوع و (ج): "ترتب". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) ما بين المعقوفتين من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج). (¬8) في المطبوع: "لم تصح". (¬9) في المطبوع و (ب) و (ج): "للخمر".

6 - السادسة

يصح، وإن قلنا: [هي] (¬1) فسخ؛ احتمل أن يصح، فيرتفع بها العقد ولا يدخل في ملك المسلم؛ فهي في معنى إسقاط الثمن عن المشتري، واحتمل أن لا يصح؛ لأنه استرداد لملك الخمر؛ كما [قال أصحابنا] (¬2) في المحرم: إنه لا يسترد الصيد بخيار ولا غيره، فإن رد عليه بذلك؛ صح الرد ولم يدخل في ملكه، فيلزمه إرساله. وفي "التلخيص": لو رد العبد المسلم على بايعه الكافر بعيب؛ صح ودخل في ملكه لأنه قهري؛ كالإرث؛ فيمكن أن يقال في رد الصيد على المحرم بعيب ورد الخمر على المسلم بالعيب كذلك إذا قلنا: يملكان بالقهر. -[([الفائدة] (¬3) الحادية والعشرون): الإقالة؛ هل تصح بعد موت المتعاقدين؟ ذكر القاضي في موضع من "خلافه" أن خيار الإقالة يبطل بالموت، ولا يصح بعده، وقال في موضع آخر: إن قلنا: هي بيع؛ صحت من الورثة، وإن قلنا: فسح؛ فوجهان. 6 - [السادسة] (3)] (¬4): النقود؛ هل تتعين بالتعيين في العقد أم لا؟ في المسألة روايتان عن أحمد، أشهرهما أنها تتعين بالتعيين في عقود المعاوضات، حتى إن القاضي في "تعليقه" أنكر ثبوت الخلاف في ذلك في المذهب، والأكثرون أثبتوه. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في (ب): "قال الأصحاب"، وفي (ج): "قاله الأصحاب". (¬3) ما بين المعقوفتين من المطبوع. (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ولهذا الخلاف فوائد كثيرة: - (منها): إنه يحكم بملكها للمشتري بمجرد التعيين؛ فيملك التصرف فيها، وإذا (¬1) تلفت [تلفت] (¬2) من ضمانه على المذهب، وعلى الرواية الأخرى: لا يملكها بدون القبض؛ فهي قبله ملك البائع، وتتلف من ضمانه. - (ومنها): لو بان الثمن مستحقًّا؛ فعلى المذهب الصحيح يبطل العقد؛ لأنه وقع على ملك الغير؛ فهو كما لو اشترى سلعة فبانت مستحقة، وعلى الثانية: لا يبطل (¬3)، وله البدل. وها هنا مسألة مشكلة (¬4) على قاعدة (¬5) المذهب، وهي إذا غصب نقودًا فاتجر (¬6) فيها وربح؛ فإن نصوص أحمد متفقة على أن الربح للمالك؛ فمن الأصحاب من بناه على القول بوقف تصرف الغاصب على الإجازة؛ كابن عقيل وصاحب "المغني" (¬7)، ومنهم من بناه على أن تصرفات الغاصب صحيحة بدون إجازة؛ [لأن مدته تطول] (¬8)، فيشق استدراكها (¬9)، ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "وإن". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "لا تبطل". (¬4) في المطبوع: "مشملة". (¬5) في المطبوع و (أ): "قواعد". (¬6) في المطبوع و (أ): "واتجر". (¬7) في "المغني" (5/ 159 - 160/ 3977). (¬8) في المطبوع: "استدراكهما". (¬9) في المطبوع: "لأنه مدة تطول"، وفي (ب) و (ج): "لأنه تطول مدته".

وفي القضاء ببطلانها ضرر عليه، وعلى المالك بتفويته الربح، وهي طريقة صاحب "التلخيص"، والصحة عنده مختصة بالتصرف الكثير. وأشار إليه صاحب "المغني" [أيضًا] (¬1)، وأن ما لم (¬2) يدركه المالك ولم يقدر على استرجاعه يصح التصرف فيه بدون إجازة (¬3) لهذا المعنى، ومن الأصحاب من نزله على أن الغاصب اشترى في ذمته ثم نقد الثمن، وهي طريقة القاضي في بعض كتبه وابن عقيل في موضع آخر، ويشهد لهذا أن المروذي نقل عن أحمد التفرقة بين الشراء بعين الغصب والشراء في الذمة؛ فتنزل نصوصه المطلقة على هذا المقيد، وإنما كان الربح للمالك مع أن الشراء [للمالك] (¬4)، وقع للغاصب؛ لأنه نتيجة (¬5) ملك المغصوب منه وفائدته؛ فهو كالمتولد من عينه، ويحتمل أن يخرج ذلك على رواية عدم تعيين النقود بالتعيين في العقد؛ فيبقى كالشراء في الذمة سواء. - (ومنها): إذا بان النقد [المعين] (¬6) معيبًا؛ فله حالتان: إحداهما: أن يكون عيبه (¬7) من غير جنسه؛ فيبطل العقد من أصله، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. وانظر: "المغني" الموضع السابق. (¬2) في (ج): "وإنما لم". (¬3) في المطبوع: "بدون إنكاره". (¬4) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط. (¬5) في (ب): "بنتيجة". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) في (أ): "عينه"!

نص عليه وذكره [الخرقي و] (¬1) الأصحاب، وعللوه بأنه زال عنه اسم الدينار والدرهم بذلك؛ فلم يصح العقد عليه، كما لو عقد على شاة فبانت حمارًا، وأومأ إليه أحمد في "رواية الميموني"؛ فقال: إن كان ذهبًا؛ [حمل عليه مسن و] (¬2) دخل [فيه شيء من الفضة أو] (¬3) النحاس، أو خالطه غيره؛ فقد زال عنه اسم الذهب لما دخل فيه، وهذا متوجه إذا كان كله أو غالبه كذلك، [و] (¬4) أما إن كان [فيه] (¬5) يسير من غير جنسه؛ فلا يزول (¬6) عنه الاسم بالكلية؛ فلا ينبغي بطلان العقد ها هنا بالكلية، وهذا ظاهر كلام أبي محمد التميمي في "خصاله" (¬7)، ويحتمل أن يبطل العقد ها هنا لمعنى آخر، وهو أن البائع لا يمكن إجباره على قبول هذا، وإنما باع بدينار كامل، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "حمل عليه شيء"، وفي (ج): "حك عليه مسن". (¬3) ما بين المعقوفتين في المطبوع، ولكن بدون كلمة "شيء"، وفي (ب) و (ج) بعطف النحاس على الفضة بحرف العطف "و". (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في (ب) ولا (ج). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬6) في المطبوع: "فلا يزال". (¬7) اسمه: "الخصال والأقسام" على ما ذكر المصنف في ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/ 79)، وهو رزق اللَّه بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التّيمي، محدث فقيه، واعظ، شيخ أهل العراق في زمانه، توفي سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة. ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (2/ 250)، و"المنهج الأحمد" (2/ 195)، و"المقصد الأرشد" (1/ 393)، و"السير" (18/ 609)، و"غاية النهاية" (1/ 284)، و"شذرات الذهب" (3/ 384).

والمشتري لا يجبر على دفع بقية الدينار؛ لأنه إنما اشترى بهذا الدينار المتعين؛ فبطل العقد، ويحتمل أن يصح البيع [بما في] (¬1) الدينار من الذهب بقسطه من المبيع ويبطل في الباقي، وللمشتري الخيار لتبعض المبيع عليه. وأصل هذين الاحتمالين: الروايتان فيما إذا باعه أرضًا معينة على أنها عشرة أذرع فبانت تسعة، ويحتمل أن يصح البيع كله بدينار، ويلزم المشتري تتمة (¬2) الدينار من غيره ذهبًا؛ لأن العقد وقع على دينار كامل، فإذا بان دونه؛ وجب إتمامه جمعًا بين مقصدي (¬3) التعيين والتسمية، وأصل هذا الوجه ما نص عليه أحمد في "رواية ابن منصور" فيمن اشترى سمنًا في ظرف، فوجد فيه ربا: إن كان سمانًا عنده سمن أعطاه بوزنه سمنًا، وإن لم يكن عنده سمن؛ أعطاه بقدر الرُّب (¬4) من الثمن (¬5)، وإنما فرق بين السمان ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "في باقي". (¬2) في المطبوع: "بثمن"، وفي (ب): "قيمة". (¬3) في المطبوع: "المقصدين". (¬4) في "المصباح" (ص 254): "الرُّبُّ، بالضم: دُبْسُ الرُّطَب إذا طُبخ"، وفي "المعجم الوسيط" (1/ 321): "الرب: عصارة التمر المطبوخة، وما يُطبخُ من التمر والعنب، ورب السمن والزيت: تَفِلُهُ الأسود، جمع ربوب ورباب. قلت: وفائدته أن يوضع في أوعية السمن التي تصنع من الأدَمِ كي تصطبغ جدرانها الداخلية به؛ فيحفظ السمن، ويسد مسد الجلد، فإذا كثر؛ يتساقط بعضه عند تفريغ السمن وعصر الأوعية؛ فيصير مذاقه حلوًا دسمًا" اهـ. من حاشية "مسائل ابن منصور". (¬5) في "مسائل ابن منصور" (443 - 444/ 385): "قلت: قال شريح في رجل باع سمنًا؛ فوجد فيه ربا؛ قال: له بكيل الرُّب سمنًا. قال سفيان: المشتري بالخيار؛ إن شاء أخذ، وإن شاء ردَّ، ولا يُكَلَّفُ البائعُ أن يجيء بالسمن؛ كيف يبيع ما ليس عنده؟! قال =

وغيره؛ لأن السمان شأنه بيع السمن؛ فكأنه باعه بمقدار الظرف سمنًا، وأما غيره؛ فإنما باعه هذا الظرف المعين، والنقود من جنس الأول لا الثاني. (الحالة الثانية): أن يكون عيبها (¬1) من جنسها ولم ينقص وزنها؛ كالسواد في الفضة؛ فالبائع بالخيار بين الإمساك والفسخ، وليس له البدل لتعيين النقد في العقد، ومتى (¬2) أمسك؛ فله الأرش إلا في صرفها بجنسها (¬3)، صرح به الحلواني [وابنه] (¬4) وصاحب "المحرر" (¬5)، وفي بعض نسخ الخرقي ما يقتضيه، وظاهر كلام أبي الخطاب خلافه؛ فهذا كله تفريع على رواية تعيين النقود، فأما على الأخرى؛ فلا يبطل العقد بحال إلا أن يتفرقا والعيب من غير الجنس؛ لفوات قبض المعقود عليه في المجلس، ولا فسخ بذلك، وإنما يثبت به البدل دون الأرش؛ لأن الواجب في الذمة دون المعين. - (ومنها): إذا باعه (¬6) سلعة بنقد معين؛ فعلى المشهور: لا يجبر ¬

_ = أحمد: إن كان سمانًا عنده سمن كثير؛ أعطاه بقدر الرُّب سمنًا، وإن لم يكن عنده سمن؛ رجع عليه بقدر الرُّب من السمن، قال إسحاق: كما قال؛ لأنه بنى على قول شريح" اهـ. (¬1) في (أ): "عينها"! (¬2) في المطبوع: "ومن"! (¬3) في المطبوع: "بحبسها"! وفي (ب): "من جنسها". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) قال في "المحرر" (1/ 321): "والدراهم والدنانير تتعين إذا عينت بالعقد، فإن بانت غصبًا أو بها عيب من غير جنسها؛ بطل العقد، وإن كان من جنسها؛ فله الرد دون البدل، فإن أمسك؛ فله الأرش؛ إلا في صرفها بجنسها". (¬6) في (ج): "إذا باع".

واحد منهما على [البداءة] (¬1) بالتسليم، بل ينصب عدل يقبض منهما، ثم يقبضهما (¬2) لتعلق حق كل منهما (¬3) بعين معينة؛ فهما سواء، وعلى الرواية الأخرى: هو كما لو باعه بنقد في الذمة؛ فيجبر البائع أولًا على التسليم لتعلق حق المشتري بالعين دونه، ونص عليه أحمد في "رواية ابن منصور" (¬4)، وتأوله القاضي على أن البيع وقع على ثمن في الذمة. - (ومنها): لو باعه (¬5) سلعة بنقد معين [وقبضه البائع من المشتري] (¬6)، ثم أتاه به، فقال: هذا الثمن، وقد خرج معيبًا، وأنكر (¬7) المشتري؛ [فـ] (¬8) فيه [طريقان: إحداهما] (¬9): إن قلنا: النقود تتعين بالتعيين؛ فالقول قول المشتري؛ لأنه يدعي (¬10) عليه أستحقاق الرد، والأصل عدمه، وإن قلنا: لا تتعين (¬11)، فوجهان: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) في المطبوع: "يقضهما". (¬3) في المطبوع: "حق كل واحد منهما". (¬4) انظرها: (ص 364/ رقم 255). (¬5) في (ب) و (ج): "لو باع". (¬6) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬7) في (ج): "فأنكر". (¬8) ما بين المعقوفتين من (ب) و (ج). (¬9) في المطبوع و (أ): "ثلاث طرق: أحدها". (¬10) في (ج): "تدعى". (¬11) في المطبوع و (أ): "لا يتعين".

أحدهما: القول قول المشتري أيضًا؛ لأنه أقبض في الظاهر ما عليه. والثاني: قول القابض؛ لأن الثمن في ذمته والأصل اشتغالها به؛ إلا أن يثبت براءتها منه، وهذه طريقة السامري في "المستوعب". والطريقة الثانية: إن قلنا: النقود لا تتعين؛ فالقول قول البائع وجهًا واحدًا؛ لأنه قد ثبت اشتغال ذمة المشتري بالثمن، ولم يثبت براءتها منه، وإن قلنا: تتعين؛ فوجهان مخرجان (¬1) من الروايتين فيما إذا ادعى كل من المتبايعين أن العيب حدث عنده في السلعة: أحدهما: القول قول [البائع (¬2)؛ لأنه يدعي سلامة العقد والأصل عدمه، ويدعي عليه ثبوت الفسخ والأصل عدمه. والثاني: قول] (¬3) القابض؛ لأنه منكر التسليم [المستحق] (¬4)، والأصل معه (¬5)، وهذه طريقة القاضي في بعض تعاليقه، وجزم صاحبا (¬6) "المغني" و"المحرر" بأن القول قول البائع إذا أنكر أن يكون المردود بالعيب هو المبيع (¬7)، ولم يحكيا خلافًا ولا فصلًا بين أن يكون المبيع (¬8) في ¬

_ (¬1) في (ب): "يخرجان". (¬2) في (ب): "الدافع". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وفي (أ): "المستحق معه". (¬5) في المطبوع: "عدمه"! (¬6) في المطبوع و (ج): "صاحب". (¬7) انظر: "المغني" (4/ 121/ 3028). وانظر: "المحرر" (1/ 327). (¬8) في (أ): "البيع".

الذمة أو معينًا نظرًا إلى أنه يدعي عليه استحقاق الرد، والأصل عدمه. وذكر الأصحاب مثل ذلك في مسائل الصرف (¬1)، وفرق السامري في "فروقه" (¬2) بين أن يكون المردود بعيب وقع عليه [العقد] (¬3) معينًا؛ فيكون القول قول البائع، وبين أن يكون في الذمة؛ فيكون القول قول المشتري؛ لما تقدم؛ [فكذلك حكم الثمن] (¬4)، وهذا فيما إذا أنكر المدعى عليه العيب أن ماله كان معيبًا، أما إن اعترف بالعيب بعد (¬5) فسخ صاحبه وأنكر (¬6) أن يكون هو هذا (¬7) المعين؛ فالقول قول من هو في يده، صرح به في التفليس من (¬8) "المغني" (¬9)، معللًا بأنه ينكر (¬10) استحقاق ما ادعاه (¬11) عليه الآخر، والأصل معه، ويشهد له أن المبيع في مدة الخيار إذا رده المشتري بالخيار فأنكر البائع أن يكون هو المبيع؛ فالقول قول المشتري، حكاه ابن المنذر عن أحمد لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بالخيار، ¬

_ (¬1) في (ب): "التصرف". (¬2) (1/ 293 - ترتيبه "إيضاح الدلائل"). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) ما بين المعقوفتين من (ب). (¬5) في المطبوع: "فقد". (¬6) في (ج): "وإن أنكر". (¬7) في المطبوع: "هذا هو" بتقديم وتأخير. (¬8) في المطبوع: "في". (¬9) انظر: "المغني" (4/ 275/ 3429). (¬10) في المطبوع و (أ): "قبل"، وفي (ج): "منكر". (¬11) في المطبوع و (أ): "ما ادعى".

وبذلك وجهه صاحب "المغني" (¬1)، وقد ينبني [ذلك على] (¬2) أن المبيع بعد الفسخ بعيب [ونحوه] (¬3) [هل هو] (¬4) أمانة في يد المشتري أو مضمون عليه؟ وفيه خلاف سبق ذكره؛ فإن الأمانات القول قول من هي في يده مع الاختلاف في عينها، وقد نص عليه (¬5) أحمد في الرهن، وكذلك (¬6) نص في اختلاف المتبايعين في عين المبيع المعين قبل قبضه أن القول قول البائع، [وقد] (¬7) يكون مأخذه أنه أمانة عنده، ومن الأصحاب من علل بأن الأصل براءة ذمة البائع مما يدعى عليه؛ فهو كما [لو] (¬8) أقر بعين لرجل، ثم أحضرها، فأنكر المقر له أن تكون هي المقر (¬9) بها؛ فإن القول قول المقر مع يمينه. - (ومنها): لو كان عبد بين شريكين، قيمة نصيب كل منهما عشرة دنانير، فقال رجل يملك عشرة دنانير لا يملك غيرها لأحدهما: أعتق نصيبك عني على هذه الدنانير العشرة، ففعل؛ عتق نصيب المسؤول عن ¬

_ (¬1) في "المغني" (4/ 122/ 3031). (¬2) في المطبوع و (أ): "على ذلك"، وفي (ج): "على" فقط. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) في (ب): "عليها". (¬6) في المطبوع: "ولذلك". (¬7) في (ج): "وهو". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬9) في (ب): "المقرة".

7 - السابعة

السائل، وهل يسري عليه إلى حصة الآخر أم لا؟ إن قلنا: إن النقود تتعين بالتعيين؛ لم يسر لأن المسؤول ملكها عليه بالعقد، فلم يبق في ملك السائل شيء؛ فصار معسرًا، وإن قلنا: لا يتعين؛ سرى إلى حصة الشريك؛ كما لو اشترى ذلك النصيب بثمن في الذمة لأنه مالك لقيمة حصة الآخر، [وذكره السامري في "فروقه"] (¬1)، ويفيد هذا أن الدين المستغرق لا يمنع السراية. 7 - [السابعة] (¬2): العبد؛ هل يملك بالتمليك أم لا؟ في المسألة روايتان عن أحمد: أشهرهما عند الأصحاب: إنه لا يملك، وهو اختيار الخرقي (¬3) وأبي بكر والقاضي والأكثرين. والثانية: يملك، اختارها ابن شاقلا، وصححها ابن عقيل وصاحب "المغني" (¬4). ولهذا الخلاف فوائد كثيرة [جدًّا] (¬5): - (فمنها): لو ملك السيد عبده مالًا زكويًّا، فإن قلنا: لا يملكه؛ فزكاته على السيد [لأنه ملكه، وإن قلنا: يملكه؛ فلا زكاة على السيد] (5) ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وذكره السامري". (¬2) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬3) انظره في: "المغني" (4/ 125/ 3037). (¬4) انظر: "المغني" (4/ 126/ 3040). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

لانتفاء ملكه [له] (¬1)، ولا على العبد؛ لأن ملكه مزلزل، ولهذا لم يلزمه فيه نفقة الأقارب، ولا يعتق عليه رحمه بالشراء، هذا ما قال أكثر الأصحاب، منهم أبو بكر والقاضي، وهو ظاهر كلام الخرقي، وفي كلام أحمد إيماء إليه. وحكى بعض الأصحاب رواية بوجوب زكاته على العبد على القول بأنه ملكه، ومنهم من اشترط مع ذلك إذن السيد؛ لقول أحمد: يزكيه (¬2) بإذن سيده، وإنما مراده أن المال للسيد وزكاته عليه، والعبد كالوكيل [والمودع] (¬3)؛ فلا يزكى بدون إذنه. وعن ابن حامد أنه ذكر احتمالًا بوجوب زكاته على السيد على كلا القولين؛ لأنه إما ملك له أو في حكم ملكه لتمكنه من التصرف فيه؛ كسائر أمواله. - (ومنها): إذا ملكه سيده (¬4) عبدًا وأهلَّ عليه هلال الفطر، فإن قلنا: لا يملكه؛ ففطرته على السيد، وإن قلنا: يملكه؛ فوجهان: أحدهما: لا فطرة له على أحد، قاله القاضي وابن عقيل اعتبارًا بزكاة المال؛ كما سبق. والثاني: فطرته على السيد، صححه صاحب "المغني" (¬5)؛ لأن ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في المطبوع: "فيزكيه"، وفي (أ) و (ب): "تزكيه". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) في المطبوع: "السيد". (¬5) في "المغني" (2/ 361/ 1973)، وقال: "وهذا ظاهر كلام الخرقي، وقول أبي الزناد ومالك والشافعي وأصحاب الرأي".

نفقته على السيد؛ [فـ] (¬1) كذلك فطرته. - (ومنها): تكفيره بالمال في الحج والأيمان والظهار ونحوها، وفيه للأصحاب طرق: أحدها: البناء على ملكه وعدمه، فإن قلنا: يملك (¬2)؛ فله التكفير بالمال في الجملة، وإلا؛ فلا، وهذه طريقة القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل وأكثر المتأخرين؛ لأن التكفير بالمال يستدعي ملك المال، فإذا كان هذا غير قابل للملك بالكلية؛ ففرضه الصيام خاصة، وعلى القول بالملك؛ فإنه يكفر بالإِطعام، وهل يكفر بالعتق (¬3)؟ على روايتين؛ لأن العتق يقتضي الولاء والولاية والإِرث، وليس العبد من أهلها، وهل يلزمه التكفير بالمال، أم (¬4) يجوز له مع إجزاء (¬5) الصيام المتوجه؟ [إنه] (¬6) إن كان في ملكه مال، فأذن له السيد بالتكفير منه؛ لزمه ذلك، وإن لم يكن في ملكه، بل أراد السيد أن يملكه ليكفر؛ لم يلزمه؛ كالحر المعسر إذا بذل له مال. وعلى هذا يتنزل ما ذكره صاحب "المغني" (¬7) من لزوم التكفير بالمال ¬

_ (¬1) في المطبوع: "و". (¬2) في (ج): "يملكه". (¬3) في المطبوع: "بالتعق"! (¬4) في المطبوع و (أ): "أو". (¬5) في (ب): "اجر"! (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في "المغني" (8/ 31 - 32/ 6221).

في الحج ونفي اللزوم في الظهار. (الطريقة الثانية): إن في تكفيره بالمال بإذن السيد روايتين مطلقتين، سواء قلنا: يملك أولا يملك، حكاها القاضي في "المجرد" عن شيخه ابن حامد وغيره من الأصحاب، وهي طريقة أبي بكر؛ فوجه عدم تكفيره بالمال مع القول بالملك أن ملكه (¬1) ضعيف لا يحتمل المواساة، ولذلك (¬2) لم يجب فيه الزكاة ولا نفقة الأقارب؛ فكذلك الكفارات. ولوجه (¬3) تكفيره بالمال مع القول بانتفاء ملكه مأخذان: أحدهما: إن تكفيره بالمال إنما هو تبرع له من السيد وإباحة له أن يكفر من ماله، والتكفير عن الغير لا يشترط دخوله في ملك المكفر عنه، كما نقول (¬4) في رواية [في] (¬5) كفارة المجامع في رمضان إذا عجز عنها، وقلنا: [لا يسقط، فكفر] (¬6) غيره عنه بإذنه (¬7)؛ جاز أن يدفعها إليه، وكذلك في سائر الكفارات على (¬8) إحدى الروايتين، ولو كانت قد دخلت في ملكه؛ لم يجز أن يأخذها هو؛ لأنه لا يكون حينئذ إخراجًا للكفارة. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يملكه". (¬2) في المطبوع: "ولهذا". (¬3) في المطبوع: "والوجه". (¬4) في المطبوع: "يقول"، وفي (أ) و (ب) بدون نقط. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في المطبوع: "لا يسقط تكفير"، وفي (ج): "لا تسقط؛ فكفر". (¬7) في المطبوع: "عنه إلا بإذنه". (¬8) في (ج): "في".

(والمأخذ الثاني): إن العبد [يـ] (¬1) ثبت له ملك قاصر بحسب حاجته إليه، وإن لم يثبت له الملك المطلق التام؛ فيجوز أن يثبت له في المال المكفر به ملك يبيح (¬2) له التكفير بالمال دون بيعه وهبته؛ كما أثبتنا له في الأمة ملكًا قاصرًا [يبيح] (¬3) التسري بها دون بيعها وهبتها على ما سنذكره، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين. ووجه (¬4) التفريق بين العتق والإِطعام: إن التكفير بالعتق محتاج إلى ملك، بخلاف الإِطعام، ذكره (¬5) ابن أبي موسى، ولهذا لو أمر من عليه الكفارة رجلًا أن يطعم عنه، ففعل؛ أجزأته، ولو أمر أن يعتق عنه؛ ففي إجزائه [عنه] (¬6) روايتان، ولو تبرع الوارث بالإِطعام الواجب عن موروثه؛ صح، ولو تبرع عنه بالعتق؛ لم يصح، ولو أعتق الأجنبي عن [كفارة الميت] (¬7)؛ لم يصح، ولو أطعم عنه؛ فوجهان. الطريقة الثالثة): إنه لا يجزئه (¬8) التكفير بغير الصيام بحال على كلا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "ينتج"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) في المطبوع: "أبيح له". (¬4) في (أ): "ووجهه". (¬5) في (أ): "وذكره". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الموروث"، وفي (ب): "كفارة عن الميت"، وفي (ج): "كفارات الميت". (¬8) في المطبوع و (أ): "لا يجزئ".

الروايتين (¬1)، وهي ظاهر كلام أبي الخطاب في كتاب الظهار وصاحب "التلخيص" وغيرهما؛ لأن العبد وإن قلنا: [إنه] (¬2) يملك؛ فإن ملكه ضعيف لا يحتمل المواساة كما سبق؛ فلا يكون مخاطبًا بالتكفير بالمال بالكلية؛ فلا يكون فرضه غير الصيام بالأصالة، بخلاف الحر العاجز؛ فإنه قابل للتملك (¬3)، ومن ها هنا -واللَّه أعلم- قال الخرقي [في] (¬4) العبد إذا حنث ثم عتق: إنه لا يجزئه التكفير بغير الصوم، بخلاف الحر المعسر إذا حنث ثم أيسر، وقال أيضًا في العبد إذا فاته الحج: إنه يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يومًا، وقال في الحر المعسر: إنه يصوم في الإِحصار صيام المتمتع (¬5)، والفرق بينهما أن العبد ليس من أهل الملك القابل لتعلق الواجبات به؛ [فيتعلق به] (¬6) وجوب الصيام بالأصالة، وفدية الفوات والإِحصار لم يرد فيها نص بغير الهدي؛ فأوجبنا على العبد صيامًا يقوم مقام الهدي، [ويتعدل بقيمة] (¬7) الشاة، كما وجب في جزاء الصيد؛ لأن هذا صيام واجب بالأصالة، ليس بدلًا عن الهدي، وهو [معدل بالهدي] (¬8) ¬

_ (¬1) في المطبوع و (أ): "الطريقين". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ). (¬3) في (ب): "للتمليك". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع و (أ): "التمتع". وانظر: "المغني" (10/ 17/ 8054). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) في المطبوع: "ويعدل قيمة"، وفي (ج): "وينعدل بقيمة". (¬8) في المطبوع: "يعدل الهدي"، وفي (أ): "يعدل بالهدي".

[وشبيه به] (¬1)؛ فيكون فرض العبد بالأصالة بخلاف [الحر] (1) المعسر، فإن الواجب في ذمته بالأصالة هو الهدي، فإذا عجز عنه؛ انتقل إلى البدل الذي شرع للهدي، وهو صيام المتعة. - (ومنها): إذا باع عبدًا وله مال، وفيه للأصحاب طرق: (إحداها) (¬2): البناء على [ملك العبد] (¬3) وعدمه، فإن قلنا: يملك؛ لم يشترط (¬4) معرفة المال ولا سائر شرائط البيع فيه لأنه غير داخل في العقد، وإنما اشترط [تبقيته] (¬5) على ملك العبد ليكون عبدًا ذا مال، وذلك صفة في العبد لا يفرد (¬6) بالمعاوضة، وهو كبيع المكاتب الذي له مال، وإن قلنا: لا يملك؛ اشترط لماله (¬7) معرفته، وأن يبيعه (¬8) بغير جنس المال أو بجنسه، بشرط أن يكون الثمن أكثر على رواية، ويشترط التقابض؛ لأن المال (¬9) حينئذ داخل في عقد البيع، وهذه طريقة القاضي في "المجرد" وابن عقيل وأبي الخطاب في "انتصاره" وغيرهم. ¬

_ (¬1) بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬2) في (أ). "أحدها". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "المالك". (¬4) في (ج): "لم تشترط". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "لا تفرد"، وفي (ج): "ولا يفرد". (¬7) في المطبوع: "لمالكه". (¬8) في المطبوع: "ببعه". (¬9) في (ج): "الملك".

(والطريقة الثانية): اعتبار قصد المال و (¬1) عدمه لا غير، فإن كان المال مقصودًا للمشتري؛ اشترط علمه وسائر شروط البيع، وإن كان غير مقصود، بل قصد المشتري تركه للعبد لينتفع به وحده؛ لم يشترط ذلك لأنه تابع غير مقصود، وهذه الطريقة هي المنصوصة عن أحمد، و [اختيار] (¬2) أكثر أصحابه؛ كالخرقي (¬3) وأبي بكر والقاضي في "خلافه"، وكلامه ظاهر في الصحة، وإن قلنا: إن العبد لا يملك، وترجع المسألة على هذه الطريقة إلى بيع ربوي بغير جنسه، ومعه من جنسه ما هو غير مقصود، وقد استوفينا الكلام عليها في القواعد، ورجح صاحب "المغني" هذه الطريقة (3). (والطريقة الثالثة): الجمع بين الطريقتين، وهي طريقة القاضي في "الجامع الكبير" وصاحب "المحرر" (¬4)، ومضمونها أنا إن قلنا: العبد يملك؛ لم يشترط لماله شروط البيع بحال، وإن قلنا: لا يملك؛ فإن كان المال مقصودًا للمشتري؛ اشترط [له] (¬5) شرائط البيع، وإن كان غير مقصود [له] (¬6)؛ لم يشترط [له] (¬7) ذلك. - (ومنها): إذا أذن المسلم لعبده الذمي أن يشتري له بماله عبدًا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أو". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) انظره في: "المغني" (4/ 125/ 3037). (¬4) انظر: "المحرر" (1/ 348). (¬5) في (أ): "فيه". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

مسلمًا، فاشتراه، فإن قلنا: يملك؛ لم يصح شراؤه له، وإن قلنا: لا يملك؛ صح وكان ملكًا (¬1) للسيد، قال الشيخ مجد الدين: هذا قياس المذهب عندي. قلت: ويتخرج (¬2) فيه وجه آخر: لايصح على القولين بناءً على أحد الوجهين: إنه لا يصح شراء الذمي لمسلم بالوكالة، ولو كان بالعكس [بأن يأذن] (¬3) الكافر لعبده المسلم الذي يثبت ملكه عليه أن يشتري بماله رقيقًا مسلمًا، فإن قلنا: يملك؛ صح وكان العبد له، [وإن قلنا: لا يملك] (¬4)؛ لم يصح. - (ومنها): تسري العبد، وفيه طريقان: أحدهما: بناؤه على الخلاف في ملكه، فإن قلنا: يملك؛ جاز تسريه، وإلا؛ فلا لأن الوطء بغير نكاح ولا ملك (¬5) يمين محرم بنص الكتاب (¬6) والسنة (¬7)، وهي طريقة القاضي والأصحاب بعده. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (أ): "مملوكًا". (¬2) في (ج): "ويتوجه". (¬3) في (ب): "فإن أذن"، وفي (ج): "بأن أذن". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "وإلا". (¬5) في (ب): "ولا بملك". (¬6) قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5 - 7]. (¬7) الأدلة من السنة على تحريم الزنا كثيرة، انظر بعضًا منها في: "الكبائر" (الكبيرة الثانية عشرة، ص 57 - 60/ بتحقيقي).

والثانية: يجوز تسرية على كلا الروايتين، وهي طريقة الخرقي (¬1) وأبي بكر وابن أبي موسى، ورجحها صاحب "المغني" (¬2). وهي أصح؛ فإن نصوص أحمد لا تختلف في إباحة التسري له؛ فتارة علل بأنه يملك، وتارة اعترف بأنه خلاف القياس وأنه [جاز] (¬3) لإِجماع الصحابة عليه، وهذا يقتضي أنه أجاز له التسري، وإن قيل: إنه لا يملك اتباعًا للصحابة في ذلك، ووجهه أن العبد، وإنْ قيل: إنه لا يملك؛ فلا بد من أن يثبت له ملك ما يحتاج إلى الانتفاع به، ولذلك يملك عقد النكاح، وهو ملك لمنفعة البضع؛ فكذلك يملك التسري ويثبت له هذا الملك الخاص لحاجته إليه، ولا يجوز تسريه بدون إذن، نص عليه في رواية جماعة؛ كنكاحه، ولأنه لا يملك التصرف في ماله بما يتلف ماليته، [ويضرُّ به] (¬4)؛ لتعلق حق السيد به، والتسري فيه إضرار (¬5) بالجارية، وتنقيص لماليتها بالوطء والحمل، وربما أدى إلى تلفها. ونقل عنه أبو طالب وإبراهيم بن هانئ: يتسرى العبد في ماله، كان ابن عمر يتسرى عبيده في ماله؛ فلا يعيب عليهم (¬6). قال القاضي فيما علقه ¬

_ (¬1) انظرها في: "المغني" (7/ 65/ 5308). (¬2) في "المغني" (7/ 65 - 66/ 5308)، وعزاها إلى ابن عمر وابن عباس، وقال: "ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفًا" اهـ. (¬3) في (ب): "جائز". (¬4) في (أ): "وتصرفه". (¬5) في المطبوع: "فيه في إضرار". (¬6) في "مسائل ابن هانئ": " (1064) -سألت أبا عبد اللَّه: أيتسرى العبد في ماله؟ قال: نعم، هو ماله ما لم يأخذه سيده منه"، وفيه (1065) - سمعت أبا عبد اللَّه، وسئل =

على حواشي "الجامع" للخلال: ظاهر هذا أنه يجوز تسريه من غير إذن؛ لأنه (¬1) مالك له. انتهى. ويمكن أن يحمل [نصه باشتراط الإِذن] (¬2) على التسري من مال سيده إذا كان مأذونًا له, ونصه [بعدم اشتراطه على] (¬3) تسريه في مال نفسه الذي يملكه، وقد أومأ إلى هذا في رواية جماعة، وهو الأظهر. ونقل [الأثرم عنه] (¬4) في الرجل يهب لعبده جارية: لا يطأها، [و] (¬5) لكنه يتسرى في ماله إذا أذن له سيده. وفسر ماله بمال العبد [الذي في يديه] (¬6)، وهذا [نص باعتبار] (¬7) الإِذن في التسري من مال نفسه، وتفريقه بين ذلك وبين الأمة التي يملكها السيد فيه إشكال، ولعله منع الوطء بدون إذن السيد؛ فيكون ذلك منه اشتراطًا لإِذن السيد بكل حال. ¬

_ = عن العبد؛ هل له أن يتسرى؟ قال: إذا أذن له مولاه؟ فنعم، وإذا لم يأذن له؛ فلا" اهـ. وأثر ابن عمر أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2088 - ط الأعظمي)، وعبد الرزاق في "المصنف" (7/ رقم 12836)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 152)، وإسناده صحيح. (¬1) في المطبوع: "إذن له لأنه". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "نص اشتراطه". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "يقدم على اشتراط". (¬4) في (ب) و (ج): "عنه الأثرم". (¬5) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬6) ما بين المعقوفتين ليس في (أ)، وفي (ج): "الذي في يده". (¬7) في المطبوع: "في اعتبار".

واعلم أن الإِمام أحمد [رحمه اللَّه تعالى] (¬1) متردد في تسري العبد بأمة سيده ونكاحه؛ هل هما جنس واحد أم لا؟ فقال في "رواية حنبل": لا يبيع أمته المزوجة بعبده (¬2) حتى يطلقها العبد. فجعله تمليكًا لازمًا، ونقل عنه الأكثرون جوازه، واختلف عنه في بيع سرية عبده؛ فنقل عنه الميموني الجواز، ونقل عنه جعفر بن محمد المنع، معللًا بأن التسري بمنزلة الكاح، يريد أنه لازم لا يجوز [له] (1) الرجوع فيه، وكذا نقل عنه ابن ماهان (¬3) [وغيره] (¬4). واختلف عنه في جواز تسري العبد بأكثر من أمتين؛ فنقل عنه الميموني الجواز، وأبو الحارث المنع؛ كالنكاح، ولم يختلف عنه في أن [عتق] (¬5) العبد وسريته يوجب تحريمها (¬6) عليه؛ لزوال ملكه عنها، ونقله عن ابن عمر (¬7)، واختلف عنه في عتق العبد وزوجته؛ هل ينفسخ به ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط. (¬2) في المطبوع: "بعيده"! (¬3) في المطبوع: "ابن هانئ"! (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "تحريمهما". (¬7) أخرج عبد الرزاق في "المصنف" (7/ رقم 12845) عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع: "أن ابن عمر كان لا يرى به -أي: بالتَّسرِّي- بأسًا، وأنه أعتق غلامًا له سُرّيتان، اعتقهما جميعًا، وقال: لا تقربهما إلا بنكاح". وعبيد اللَّه توبع, قال عبد الرزاق عقبه: "وأخبرناه ابن جريج عن نافع"؛ فصحَّ الأثر، وللَّه الحمد.

النكاح؟ على روايتين بناءً على تغليب جهة التمليك فيه أو جهة النكاح. وقد استشكل أكثر هذه النصوص القاضي، وربما أولها ونزلها على ما ذكر [هُ] (¬1) الشيخ تقي الدين (¬2)، وهذه المسائل المذكورة منصوصة عن السلف حكمًا وتعليلًا كما ذكرنا، وكذلك قال الشيخ مجد الدين: ظاهر كلام أحمد إباحة التسري للعبد، وإن قلنا: لا يملك؛ فيكون نكاحًا عنده. وحمل قول أبي بكر على مثل ذلك، وعلى هذا؛ فهل يشترط [له] (¬3) الإِشهاد؟ [و] (¬4) كلام أحمد يقتضي استحبابه لا غير، وفي ثبوت المهر به خلاف معروف. - (ومنها): لو باع السيد عبد [هُ] (¬5) نفسه بمال في يده؛ فهل يعتق أم لا؟ المنصوص عن أحمد أنه يعتق بذلك، وذكره الخرقي مع قوله: إن العجد لا يملك، ونزله القاضي على القول بالملك؛ فيكون دخول السيد مع عبده في بيعه نفسه بماله إقرارًا له على ملكه؛ فيصح بيعه ويعتق، وإن قلنا: لا يملك؛ لم يصح بيعه؛ [فلا يعتق] (5)، ويحتمل أن يقال: بيعه نفسه هنا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وبدله في (أ) و (ب): "نا". (¬2) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 223). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "لنكاحه". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي (ج) بدلها: "ظاهر". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

كناية عن عتقه؛ فيعتق به بكل حال، ولهذا قال الأصحاب: إن (¬1) بيع السيد عبده [نفسه] (¬2) بمال تعليق لعتقه على التزامه (¬3)؛ فيعتق على ملك السيد؛ فيكون ها هنا تعليقًا على [إيفاء] (¬4) هذا المال؛ [فـ] (¬5) يعتق به، أما إن دفع العبد مالًا إلى رجل ليشتريه به من سيده، ففعل وأعتقه المشتري؛ فهل يصح العقد ويعتق؟ إن اشتراه الرجل في الذمة ثم نقد المال؛ صح وعتق، وإن اشتراه بعين (¬6) المال؛ انبنى على الروايتين في تعيين النقود بالتعيين على ما سبق، والمنصوص عن أحمد في "رواية عبد اللَّه" (¬7) و"أبي الحارث" و"أبي داود" (¬8) البطلان، معللًا بما ذكرنا، وذكره الخرقي (¬9). والفرق بين هذه والتي قبلها: إن السيد لم يعلم ها هنا أنها ماله؛ فلا يكون إقرارًا لها على ملك العبد، ونص في "رواية مُهَنَّأ" و"حنبل" على أنه يعتق ويغرم (¬10) المشتري الثمن، وهذا قد يتنزل (¬11) على القول بأن النقود لا ¬

_ (¬1) في (أ): "بأن". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في (ج): "إلزامه". (¬4) في (ب) و (ج): "إيتاء". (¬5) ما بين المعقوفتين من (ب) و (ج). (¬6) في المطبوع: "بغير". (¬7) (398/ 1435). (¬8) (ص 208). (¬9) انظر: "المغني" (10/ 314/ 8650). (¬10) في (ج): "ويلزم". (¬11) في (ج): "تتنزل".

تتعين، وقد يتنزل مع القول بالتعيين على أنه عقد فاسد مختلف فيه؛ فينفذ فيه العتق؛ كما ينفذ (¬1) الطلاق في النكاح المختلف فيه، وهو أحد الوجهين للأصحاب [في العتق] (¬2). وكذلك نقل مهنأ عنه في عبد دفع إلى رجل ألف درهم من مال رجل آخر، فاشتراه بها من سيده وأعتقه: إنه يرجع صاحب المال بماله، فإن استهلك؛ كان دينًا على العبد، ويعتق العبد. وحمل القاضي في موضع من "المجرد" وتبعه ابنُ عقيل [المسألةَ] (¬3) على أن العبد وكَّل الرجلَ في شراء نفسه [من سيده] (¬4)؛ فيكون المشتري وكيلًا للعبد، ويكون وكالة صحيحة، قال الشيخ مجد الدين: فعلى هذا يكون قد عتق في الباطن في الحال، ويلزم المشتري الثمن (¬5)، ويرجع به على العبد. وقال أيضًا في موضع آخر: هذا فيه إشكال؛ لأن العبد عندنا لا يصح أن يشتري من سيده شيئًا بنفسه؛ فكيف يصح توكيله فيه؟! ولهذا قال أحمد: لا رِبَا بين العبد وسيده. قال: ويحتمل أن يصح ذلك بناءً على أن العبد يملك ويلتزم (¬6) عليه جريان الربا بينهما. قال: ويحتمل أن تكون ¬

_ (¬1) في (أ): "نفذ". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب)، وفي (أ): "وهو أحد الوجهين في العتق للأصحاب". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي المطبوع: "وتبعه ابن عقيل في المسألة". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬5) في (أ): "المثمن". (¬6) في (ج): "ويلزم".

هذه المسألة غلطًا في كتابيهما (يعني: القاضي وابن عقيل)، وأن الصواب في ذلك أن يقال: إذا وكل رجل العبد في شراء نفسه من سيده. - (ومنها): إذا [أ] (¬1) عتق السيد عبده وله مال؛ فهل يستقر ملكه للعبد، أم يكون للسيد؟ على روايتين؛ فمنهم من باهما على القول (¬2) بالملك وعدمه، فإن قلنا: يملكه؛ استقر [ملكه] (¬3) عليه [بالعتق] (¬4)، وإلا؛ فلا، وهي طريقة أبي بكر والقاضي في "خلافه" وصاحب "المحرر"، ومنهم من جعل الروايتين على القول بالملك. - (ومنها): لو اشترى [العبد] (¬5) زوجته الأمة بماله، فإن قلنا: يملك؛ انفسخ نكاحه، وإن قلنا: لا يملك؛ لم ينفسخ. - (ومنها): لو ملكه سيده أمة، فاستولدها، فإن قلنا: لا يملك؛ فالولد ملك للسيد (¬6)، وإن قلنا: يملك؛ فالولد مملوك للعبد، لكنه لا يعتق عليه حتى يعتق، فإذا عتق ولم ينزعه [سيده] (1) منه قبل عتقه؛ عتق عليه لتمام ملكه حينئذ، ذكره القاضي في "المجرد". - (ومنها): هل ينفذ تصرف السيد في مال العبد دون استرجاعه؟ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في (أ) و (ج): "على أن القول". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في (ب): "المكاتب". (¬6) في المطبوع: "السيد".

إن قلنا: العبد لا يملك؛ صح بغير إشكال، وإن قلنا: يملك؛ فظاهر كلام أحمد أنه ينفذ عتق السيد لرقيق (¬1) عبده، قال القاضي في "الجامع الكبير": فيحتمل أن يكون رجع فيه قبل عتقه. قال: وإن حمل على ظاهره؛ فلأن عتقه يضمن الرجوع في التمليك. - (ومنها): الوقف على العبد؛ فنص أحمد على أنه لا يصح؛ فقيل: إن ذلك يتفرع على القول بأنه لا يملك، فأما إن قيل: إنه يملك؛ صح الوقف عليه؛ كالمكاتب في أظهر الوجهين، والأكثرون على أنه لا يصح الوقف عليه على الروايتين؛ لضعف ملكه. - (ومنها): وصية السيد لعبده بشيء من ماله، فإن كان بجزء مشاع [منه] (¬2)؛ صح، وعتق من العبد بنسبة ذلك الجزء؛ لدخوله في عموم المال وكمل عتقه من بقية الوصية، نص عليه؛ فقيل: لأن الوصية إنما صحت لعتقه؛ فتقديم العتق أهم وأنفع له، وقيل: بل الجزء الشائع الموصى به غير متعين؛ فعين (¬3) في العبد تصحيحًا للوصية مهما أمكن، ويحتمل أن يقال: ملك بالوصية جزءً مشاعًا من نفسه؛ فعتق عليه وملك به بقية الوصية، فصار موسرًا (¬4)؛ فسرى العتق إلى الباقي مضمونًا بالسراية من بقية الوصية؛ إذ لا مال له سواها، كمن ملك بعض ذي رحم محرم منه بفعله، وأولى. ¬

_ (¬1) في (ب): "كرقيق". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) في المطبوع: "فتعين". (¬4) في المطبوع: "معسرًا"!

وهذا المأخذ منقول عن ابن سيرين [صريحًا] (¬1)، وهو حسن، وفي كلام أبي الحسن التميمي ما يشعر به أيضًا. [وخرَّج (¬2) بعضهم أنه يعتق منه بنسبة الوصية من المال؛ فيسري العتق إلى جميعه إذا احتمله الثلث بناءً على القول بالسراية بالوصية بعد الموت، ويكمل له بقية الوصية من المال إن حمل (¬3) الثلث ذلك] (¬4)، وإن كانت الوصية بجزء معين أو مقدر؛ ففي صحة الوصية روايتان، أشهرهما عدم الصحة؛ فمن الأصحاب من بناهما على أن العبد هل يملك أم لا، وأشار إلى ذلك أحمد في "رواية صالح"، وهذه طريقة ابن أبي موسى والشيرازي وابن عقيل وغيرهم، ومنهم من حمل الصحة على أن الوصية بقدر (¬5) المعين أو المقدر من التركة لا بعينه؛ فيعود إلى الجزء المشاع، وهو بعيد جدًّا. - (ومنها): لو غزا العبد على فرس ملكه إياها سيده، فإن قلنا: يملكها؛ لم يسهم لها لأن الفرس تبع لمالكها، فإذا كان مالكها من أهل الرضخ؛ فكذلك فرسه، وإن قلنا: لا يملكها؛ أسهم لها لأنها لسيده، كذا قال الأصحاب، والمنصوص عن أحمد في "رواية ابن الحكم" أنه يسهم لفرس العبد، وتوقف مرة أخرى وقال: لا يسهم لها [بحال] (¬6)، ونقل عنه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "وصرح". (¬3) في المطبوع: "احتمل". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬5) في المطبوع: "كقدر"، وفي (ج): "بالقدر". (¬6) في المطبوع: "متحدًا"، وفي (أ): "تحقرًا"، وفي (ب): "بهذه".

تنبيه

أبو طالب [أنه] (¬1) إذا غزا العبد مع سيده [ومعه فرسان ومع سيده فرسان] (¬2) [يسهم لفرسي] (¬3) السيد ولا يسهم لفرسي العبد؛ لأن الكل للسيد، ولا يسهم لأكثر من فرسين. (تنبيه): الخلاف في ملك العبد بالتمليك؛ هل هو مختص بتمليك سيده أم لا؟ قال (¬4) صاحب "التلخيص": هو مختص به؛ فلا يملك من غير جهته، وكلام الأكثرين يدل على خلافه، ويتفرع على ذلك مسائل: - (منها): ملكه اللقطة (¬5) بعد الحول؛ قال طائفة من الأصحاب: ينبني على روايتي (¬6) الملك وعدمه؛ جعلًا لتمليك الشارع كتمليك السيد، وظاهر كلام ابن أبي موسى أنه يملك اللقطة، وإن لم يملك بتمليك سيده؛ لأنه تمليك شرعي [يثبت قهرًا، فيثبت] (¬7) له حكمًا، وفارق الميراث؛ لأن العبد ليس من أهله لانقطاع تصرفه (¬8)، وهنا هو من أهل الحاجة إلى المال، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط. (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "ومعه ومع سيده فرسان"، وفي (ج) سقط قوله: "ومع سيده فرسان". (¬3) في (ج): "فيسهم لفرس". (¬4) في (أ): "وقال". (¬5) في (ب) و (ج): "للقطة". (¬6) في (أ): "روايتين". (¬7) في (ب): "ثبت قهرًا فثبت". (¬8) في (ب). "نصرته"، وفي (ج): "مضرته".

وعند صاحب "التلخيص": لا يملكها بغير خلاف، وكذلك في "الهداية" و"المغني": إنها ملك لسيده (¬1). - (ومنها): حيازته للمباحات (¬2)؛ من احتطاب أو احتشاش أو اصطياد أو معدن أو غير ذلك؛ فمن الأصحاب من قال: هو ملك لسيده دونه رواية واحدة؛ كالقاضي وابن عقيل؛ لأن جوارح العبد (¬3) ومنافعه ملك لسيده (¬4)؛ فهي كيد نفسه؛ فالحاصل في يد عبده كالحاصل في يده حكمًا. نعم، لو أذن السيد له في ذلك؛ فهو كتمليكه إياه، ذكره القاضي وغيره، وخرج طائفة المسألة على الخلاف في ملك العبد وعدمه منهم الشيخ مجد الدين، وقاسه على اللقطة، وهو ظاهر كلام ابن عقيل في موضع آخر. - (ومنها): إذا وُصي للعبد أو وُهبَ له وقبله بإذن سيده أو بدونه إذا أجزنا له ذلك على المنصوص؛ فالمال للسيد، نص عليه في "رواية حنبل"، وذكره القاضي وغيره، وبناه ابن عقيل وغيره على الخلاف في ملك العبد. ¬

_ (¬1) قال في "المغني" (6/ 26/ 4538): "فإذا وجد العبد لقطة؛ فله أخذها بغير إذن سيده، ويصح التقاطه، وبهذا قال أبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي. . . فإذا تمَّ حولُ التعريف؛ ملكلها سيده؛ لأن الالتقاط كسب العبد، وكسبه لسيده". (¬2) في المطبوع: "المباحات". (¬3) في (أ): "جوارح الصيد"! (¬4) في (أ): "للسيد".

8 - الثامنة

- (ومنها): لو خالع العبد زوجته بعوض؛ فهو للسيد، ذكره الخرقي (¬1)، وظاهر كلام ابن عقيل بناؤه على الخلاف في ملك العبد، ويعضده أن العبد هنا يملك البضع؛ فملك عوضه بالخلع لأن من ملك شيئًا ملك عوضه، فأما مهر الأمة، فهو للسيد [بغير خلاف] (¬2)؛ لأنه عوض عن ملك السيد، وهو منفعة البضع؛ فيكون تملكًا (¬3) له؛ كأجرة العبد له، بخلاف ما تقدم؛ فإنه ليس عوضًا عن ملكه. 8 - [الثامنة] (¬4) المضارب؛ هل يملك الربح بالظهور أم لا؟ ذكر (¬5) أبو الخطاب أنه يملك بالظهور رواية واحدة، وقال الأكثرون: في المسألة روايتان: (إحداهما): يملكة بالظهور، وهي المذهب المشهور. والرواية الثانية: لا يملكه (¬6) بدون القسمة، ونصرها (¬7) القاضي في "خلافه" في المضاربة، ويستقر الملك فيها بالمقاسمة عند القاضي وأصحابه ولا يستقر بدونها، ومن الأصحاب من قال: يستقر بالمحاسبة التامة؛ كابن أبي موسى وغيره، وبذلك جزم أبو بكر عبد العزيز، وهو المنصوص صريحًا عن أحمد. ¬

_ (¬1) انظره في: "المغني" (7/ 269/ 5804). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (ب) و (ج): "ملكًا". (¬4) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط. (¬5) في (أ): "وذكر". (¬6) في المطبوع و (أ): "لا يملك". (¬7) في (ج): "ونقلها".

ولهذا الاختلاف فوائد: - ([فـ] (¬1) منها): انعقاد الحول على حصة المضارب من الربح قبل القسمة، فإن قيل: لا يملك بدونها؛ فلا انعقاد قبلها، وإن قيل: يملك بمجرد (¬2) الظهور؛ فهل ينعقد الحول عليها قبل استقرار الملك فيها، أم لا ينعقد بدون الاستقرار؟ فيه (¬3) للأصحاب طرق: (إحداها) (¬4): لا ينعقد الحول عليها [قبل] (¬5) الاستقرار بحال من غير خلاف، وهي طريقة القاضي في "المجرد" و"الخلاف" ومن اتبعه، وكذلك طريقة أبي بكر وابن أبي موسى؛ إلا أن القاضي عنده الاستقرار بالقسمة، وعندهما بالمحاسبة التامة؛ فينعقد الحول عندهما، وهو المنصوص عن أحمد [رحمه اللَّه] (¬6) في "رواية صالح" و"ابن منصور" و"حنبل". (والطريقة الثانية): إن قلنا: يملكه بالظهور؛ انعقد [عليه الحول] (¬7) من حينه، وإلا؛ فلا، وهي طريقة القاضي في (¬8) موضع من "الجامع ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ب) و (ج). (¬2) في (أ): "لمجرد". (¬3) في المطبوع: "ففيه". (¬4) في المطبوع و (أ): "أحدها". (¬5) في المطبوع: "بدون". (¬6) ما بين المعقوفتين انفرد به (أ). (¬7) في المطبوع و (ج): "الحول عليه". (¬8) في المطبوع: "من".

الصغير" وأبي الخطاب. (والطريقة الثالثة): إن قلنا: لا يثبت الملك قبل الاستقرار؛ لم ينعقد الحول، وإن قلنا: يثبت بدونه؛ فهل ينعقد قبله؟ على وجهين، وهي طريقة ابن عقيل وصاحبي (¬1) "المغني" (¬2) و"المحرر"، [و] (¬3) لكنهما رجحا عدم الانعقاد، وابن عقيل صحح الانعقاد في باب المضاربة، وأما رب المال؛ فعليه زكاة رأس ماله مع حصته من الربح، وينعقد الحول عليها بالظهور، وأما بقية الربح؛ فلا يلزمه زكاته، سواء قلنا: يملكه العامل بالظهور أو لا في ظاهر كلام أحمد، وهو قول القاضي والأكثرين؛ لأنه إن سلم؛ فهو للعامل، وإن تلف؛ [فات] (¬4) عليهما، وحكى أبو الخطاب [عن القاضي] (¬5) أنه يلزمه زكاته إذا قلنا: لا يملكه العامل بدون القسمة، وهو ظاهر كلام القاضي في "خلافه" في مسألة المزارعة، وهو ضعيف. - (ومنها): لو اشترى العامل بعد ظهور الربح من يعتق عليه بالملك؛ ففيه طريقان: (أحدهما): البناء على الملك بالظهور وعدمه، فإن قلنا: يملك به؛ ¬

_ (¬1) في (ب): "وصاحبا"، وفي (ج): "وصاحب". (¬2) انظر: "المغني" (2/ 340 - 341/ 1929). (¬3) ما بين المعقوفتين انفرد به (أ). (¬4) في المطبوع: "تلف". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

عتق عليه، وإلا؛ فلا، كذلك (¬1) [قال] (¬2) القاضي في "خلافه" وابنه أبو الحسين وأبو الفتح الحلواني. (والطريق الثاني): إن قلنا: لا يملك بالظهور؛ لم يعتق، وإن قلنا: يملك به؛ فوجهان، كذا قال جماعة منهم صاحب "التلخيص": أحدهما: يعتق عليه [للملك] (¬3)، وهو قول القاضي وأبي الخطاب، وأومأ إليه أحمد في "رواية ابن منصور". والثاني: لا يعتق؛ لعدم استقرار الملك، وهو قول أبي بكر في "التنبيه"؛ فإن الملك فيه غير تام، ولهذا لا يجزئ في حول الزكاة كما سبق، والعتق يستدعي ملكًا بدليل أن المكاتب لا يعتق عليه ذو رحمه بملكه. والأول أصح؛ فإن العتق يسري إلى ملك الأجنبي المحض، ولا يمنعه الدين، بخلاف الزكاة، والمكاتب ليس من أهل التبرع، ولهذا لو باشر العتق بقوله (¬4)؛ لم ينفذ؛ فكذا (¬5) بالملك، وأولى، وعلى هذا، إذا اشترى رحمه بعد ظهور الربح؛ عتق عليه منه بقدر حصته، ثم إن كان موسرًا سرى عليه؛ لأن العتق بالشراء، وهو من فعله باختياره، ولو اشترى قبل ظهور الربح ثم ظهر الربح بارتفاع الأسواق، وقلنا: يملك به؛ عتق ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "فلا كذلك كذلك". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "بنفسه". (¬5) في (ب): "فكذلك".

عليه نصيبه ولم يسر؛ إذ لا اختيار له في ارتفاع الأسواق، ذكره (¬1) في "التلخيص". - (ومنها): لو وطئ العامل أمة من مال المضاربة بعد ظهور الربح، فإن قلنا: يملكه بالظهور؛ فالولد حر، وعليه قيمة الأمة، وتصير أم ولد له، وإن لم يكن ظهر ربح؛ لم يثبت شيء من ذلك. ونص [على ذلك] (¬2) أحمد في "رواية ابن منصور"، وهل عليه [الحد إذا] (¬3) لم يكن ظهر ربح؟ على وجهين: أحدهما: لا حد عليه، ويعزر، ونص عليه فى "رواية ابن منصور"، واختاره صاحب "المغني" (¬4)؛ لأن الربح ينبني (¬5) على التقويم، وهو أمر اجتهادي لا يقطع به. والثاني: عليه الحد، قاله القاضي؛ لانتفاء الملك وشبهته. - (ومنها): لو اشترى العامل لنفسه من مال المضاربة، فإن لم يظهر ربح؛ صح، نص عليه؛ لأنه ملك لغيره، وكذلك إن ظهر ربح وقلنا: لا يملكه بالظهور، وإن قلنا: يملكه (¬6)؛ فهو كشراء أحد الشريكين من مال ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "وذكره". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وبدله في المطبوع و (ج): "عليه". (¬3) في المطبوع: "الحدان"، وفي (ب): "الحد إن". (¬4) انظر: "المغني" (5/ 28/ 3670). (¬5) في المطبوع و (ج): "مبني". (¬6) في المطبوع و (ج): "يملكه به".

الشركة، والمذهب أنه يبطل في قدر حقه لأنه ملكه؛ فلا يصح شراؤه له، وفي الباقي روايتا (¬1) تفريق الصفقة، وخرج أبو الخطاب رواية بصحته في الكل من الرواية التي يخير فيها لرب المال أن يشتري من مال المضاربة لنفسه؛ لأن علاقة حق المضارب به صيرته كالمنفرد عن ملكه؛ فكذا المضارب مع رب المال، وأولى. - (ومنها): لو اشترى العامل شقصًا للمضاربة وله فيه شركة؛ فهل له الأخذ بالشفعة؟ فيه طريقان: إحداهما (¬2): ما قال أبو الخطاب ومن تابعه: فيه وجهان: أحدهما: لا يملك الأخذ، واختاره في "رؤوس المسائل"؛ لأنه متصرف (¬3) لرب المال، فامتنع أخذه كما يمتنع (¬4) شراء الوصي والوكيل مما (¬5) يتوليان بيعه. والثاني: له الأخذ (6)، وخرجه من وجوب الزكاة عليه في حصته؛ فإنه يصير حينئذ شريكًا يتصرف لنفسه ولشريكه (¬6)، ومع تصرفه لنفسه تزول ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "روايتان". (¬2) في المطبوع و (ج): "أحداهما". (¬3) في المطبوع و (ج): "يتصرف". (¬4) في المطبوع: "يمنع". (¬5) في المطبوع و (أ) و (ب): "فيما". (¬6) في المطبوع: "وشريكه".

التهمة، ولأنه يأخذ بمثل (¬1) الثمن المأخوذ به؛ فلا تهمة، بخلاف شراء الوصي والوكيل، وعلى هذا؛ فالمسألة مقيدة بحالة ظهور الربح ولا بد. (والطريقة الثانية): ما قال صاحب "المغني" (¬2): إن لم يكن في المال ربح أو كان، وقلنا: لا يملكه بالظهور؛ فله الأخذ لأن الملك لغيره؛ فله (¬3) الأخذ منه، وإن كان فيه ربح، وقلنا: يملك (¬4) بالظهور؛ ففيه الوجهان بناءً على شراء العامل من مال المضاربة بعد ملكه من الربح على ما سبق. - (ومنها): لو أسقط العامل حقه من الربح بعد ظهوره، فإن قلنا: يملكه بالظهور؛ لم يسقط، وإن قلنا: [لا] (¬5) يملكه بدون القسمة، فوجهان، وقد سبقت في القواعد. - (ومنها): لو قارض المريض، وسمى (¬6) للعامل فوق تسمية المثل؛ [فـ] (¬7) قال القاضي والأصحاب: يجوز، ولا يحسب (¬8) من الثلث؛ لأن ذلك لا يؤخذ من ماله، وإنما يستحقه بعمله من الربح الحادث؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "مثل". (¬2) انظر: "المغني" (5/ 197 - 198/ 4046). (¬3) في المطبوع و (ج): "فكذا". (¬4) في المطبوع: "يملكه". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) في (ب): "ويسمى". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) في المطبوع: "ولا يحسب".

9 - التاسعة

[فـ] (1) يحدث على ملك العامل دون المالك، وهذا إنما يتوجه على القول بأنه يملكه بالظهور، [فـ] (2) إن قلنا: لا يملكه بدون القسمة؛ احتمل أن يحتسب (¬3) من الثلث؛ لأنه خارج حينئذ من ملكه، واحتمل أن لا يحتسب (¬4) منه، وهو ظاهر كلامهم؛ لأن المال الحاصل لم يفوت عليهم منه شيئًا، وإنما زادهم فيه ربحًا. 9 - [التاسعة] (¬5): الموقوف عليه؛ هل يملك رقبة الوقف أم لا؟ في المسألة روايتان معروفتان: أشهرهما: إنه ملك للموقوف عليه. والثانية: لا؛ فعلى هذه هل هر ملك للواقف أو للَّه تعالى؟ فيه خلاف أيضًا، ويتنزل على هذا الاختلاف مسائل [كثيرة] (¬6): - (منها): زكاة الوقف، إذا كان ماشية موقوفة على معين؛ فهل يجب [عليه] (6) زكاتها؟ [فيه طريقتان: إحداهما] (¬7): بناؤه على هذا الخلاف، فإن قلنا: هو ملك للموقوف ¬

_ (1 و 2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "و". (¬3) في المطبوع و (أ) و (ج): "يحسب". (¬4) فى المطبوع و (ج): "أن لا يحسب". (¬5) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في المطبوع: "فيه طريقان: أحدهما"، وفي (ب): "فيها طريقان: إحداهما"، وفي (ج): "في طريقان: إحداهما".

عليه؛ فعليه زكاتها، وإن قلنا: [هو] (¬1) ملك للَّه [تعالى] (¬2)؛ فلا زكاة، وهذه طريقة "المحرر" (¬3)، وهو ظاهر كلام أحمد في "رواية مهنأ" و"علي بن سعيد"، وعلى هذا؛ فإن قلنا: [ملكه للواقف] (¬4)؛ فعليه زكاته، ونص أحمد على أن من وقف على أقاربه؛ فإن الزكاة عليه، بخلاف من وقف على المساكين. والطريقة الثانية: لا زكاة فيه على الروايتين، قاله القاضي وابن عقيل؛ لقصور الملك فيه، (فأما) الشجر الموقوف؛ فتجب الزكاة في ثمره على الموقوف عليه وجهًا واحدًا؛ لأن ثمره ملك للموقوف عليه، وقال الشيرازي: لا زكاة فيه [أيضًا] (¬5)، ونقله غيره رواية. - (ومنها): لو جنى (¬6) الوقف؛ فأرش جنايته على الموقوف عليه إذا قيل: إنه مالكه؛ لأنه امتنع من تسليمه؛ فيلزمه فداؤه، وإن قيل: هو ملك للَّه [تعالى] (2)؛ فالأرش من كسب العبد، وقيل: بل من بيت المال. وفيه وجه: لا يلزم الموقوف عليه الأرش على القولين؛ لأن امتناعه من التسليم بغير اختياره؛ إذ لا قدرة له عليه على التسليم بحال. - (ومنها): إذا كان الوقف أمة؛ فولاية تزويجها (¬7) للموقوف عليه إن ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) ما بين المعقوفتين انفرد به (ج) وحده. (¬3) (1/ 370). (¬4) في المطبوع: "يملكه الواقف". (¬5) في المطبوع: "مطلقًا". (¬6) في المطبوع: "لو جنا"! (¬7) في المطبوع: "تزوجها".

قيل: إنه يملكها، وإن قيل: هي ملك للَّه [تعالى] (¬1)؛ فالولاية (¬2) للحاكم، فيزوجها (¬3) بإذن الموقوف عليه، وإن قيل: هل ملك الواقف؛ فهو [الولي] (¬4). - (ومنها): نظر الواقف (¬5) إذا لم يشرط له ناظر؛ فعلى القول بملك الموقوف عليه له النظر فيه، وعلى القول [بأن ملكه] (¬6) للَّه [تعالى] (1) نظره للحاكم، وظاهر كلام أحمد أن نظره للحاكم، وهو قول ابن أبي موسى، قال الحارثي: وعندي أن هذا لا يختص (¬7) بالقول بانتفاء ملك الموقوف عليه، بل ينظر فيه الحاكم، وإن قلنا: ملكه للموقوف عليه لعلاقة حق من يأتي بعد [هـ] (¬8). - (ومنها): هل يستحق (¬9) الشفعة بشركة (¬10) الوقف؟ فيه طريقان: أحدهما: البناء على أنه هل يملكه الموقوف عليه، فإن قيل: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد به (ج) وحده. (¬2) في (ج): "نظره". (¬3) في المطبوع: "يزوجها". (¬4) في المطبوع: "أولى". (¬5) في (ب): "ناظر الوقف". (¬6) في المطبوع و (ج): "بأنه ملك". (¬7) في المطبوع: "هذا القول لا يختص". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬9) في (ج): "تستحق". (¬10) في المطبوع: "وبشركة".

يملكه؛ استحق به الشفعة، وإلا؛ فلا. (والثاني): الوجهان بناءً على قولنا: يملكه، وهذا ما قال صاحب "المحرر"؛ لأن الملك قاصر. وهذا كله متفرع على المذهب في جواز قسمة الوقف من الطلق (¬1)، أما على الوجه الآخر بمنع القسمة؛ فلا شفعة؛ إذ لا شفعة في ظاهر المذهب إلا فيما يقبل القسمة من العقار، وكذلك بنى صاحب "التلخيص" الوجهين [هنا] (¬2) على الخلاف في قبول القسمة. - (ومنها): لو زرع الغاصب في أرض الوقف؛ فهل للموقوف عليه تملكه بالنفقة؟ إن قيل: هو المالك؛ فله ذلك، وإلا؛ فهو كالمستأجر ومالك المنفعة؛ ففيه تردد سبق ذكره في "القواعد". - (ومنها): نفقة الوقف وهي في غلته ما لم يشرط من غيرها، فإن لم يكن له غلة؛ فوجهان: أحدهما: نفقته على الموقوف عليه. والثاني: [من] (¬3) بيت المال. فقيل: هما مبنيان على انتقال الملك [إليه] (¬4) وعدمه، وقد يقال ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المعلق". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "هي في". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

بالوجوب عليه، وإن كان الملك لغيره كما نقول بوجوبها على الموصى له بالمنفعة على وجه. - (ومنها): لو فضل بعض ولده على بعض في الوقف؛ فالمنصوص الجواز، بخلاف الهبة، فقيل: هو بناء على أن الملك لا ينتقل إلى الموقوف عليه، فإن قلنا بانتقاله؛ لم يجز؛ كالهبة، وهو قول أبي الخطاب وغيره، وقيل: بل يجوز على القولين؛ لأنه لم يخصه بالملك، بل جعله ملكًا لجهة متصلة على وجه القربة، وجعل الولد بعض تلك الجهة، وشبيه بهذا وقف المريض على وارثه؛ هل يقف على الإِجازة كهبته (¬1)، أم ينفذ (¬2) من الثلث لأنه ليس تخصيصًا للوارث بل [تمليك] (¬3) لجهة متصلة والوارث (¬4) بعض أفرادها؟ وفيه روايتان. - (ومنها): الوقف على نفسه، وفي صحته روايتان، وبناهما أبو الخطاب على هذا الأصل، فإن قلنا: الوقف ملك للموقوف عليه؛ لم يصح وقفه على نفسه لأنه لا يصح أن يزيل الإِنسان ملك نفسه إلى نفسه، وإن قلنا: للَّه تعالى؛ صح. - (ومنها): الوقف المنقطع؛ هل يعود إلى ورثة الموقوف عليه أو إلى ورثة الواقف؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "كهبة". (¬2) في (أ): "أم لا ينفذ". (¬3) في المطبوع: "تملك". (¬4) في المطبوع: "فالوارث".

فيه روايتان، والمنصوص عن أحمد في "رواية حرب" وغيره أنه يعود إلى ورثة الموقوف عليه، وظاهر كلامه أنه يعود إليهم إرثًا لا وقفًا، وبه جزم الخلال في "الجامع" وابن أبي موسى، وهذا متنزل (¬1) على القول بأنه ملك للموقوف عليه؛ كما صرح به أبو الخطاب وغيره، ويشهد له أن أحمد في "رواية حنبل" شبه الوقف [المنقطع] (¬2) بالعمري والرقبي، وجعلها (¬3) لورثة الموقوف عليه، [كما ترجع العمري والرقبي إلى ورثة المعطى، وجعل الخلال حكم الوقف المنقطع والعمري (¬4) واحدًا، وأنكر الشيخ مجد الدين هذا البناء، وادعى أنه إنما يرجع وقفًا على الورثة؛ فلا يستلزم (¬5) ملك الموقوف عليه] (¬6)، وهذا مخالف لنص أحمد لمن تأمله. نعم، فرق أحمد في "رواية أبي طالب" بين الوقف المنقطع [وبين] (¬7) العمري: بأن العمري ملك للمعمر، والوقف ليس يملك به شيئًا، إنما هو لمن أوقفه، يضعه حيث شاء؛ مثل السكنى؛ فهذه الرواية تدل على أن [الموقوف عليه] (¬8) لا يملك سوى [المنفعة] (¬9)، وأن الرقبة ملك للواقف. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "منزل". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (ج): "وجعله". (¬4) في المطبوع: "والرقبي". (¬5) في المطبوع: "يلزم". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬8) في المطبوع: "الموقف عليه", وفي (ج): "الموقوف" بسقوط "عليه". (¬9) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "منفعة الرقبة".

10 - العاشرة

- (ومنها): لو وطئ الموقوف عليه الأمة الموقوفة، فأولدها؛ فلا حد لأنها إما ملك له أو له فيها شبهة ملك، وهل تصير أم ولد له؟ إن قلنا: هي ملك له؛ صارت مستولدة له؛ فتعتق [بموته، وتؤخذ (¬1) قيمتها من تركته؛ فيشتري (¬2) بها رقبة مكانها تكون وقفًا] (¬3)، وإن قلنا: لا يملكها؛ لم تصر مستولدة له، وهي وقف بحالها. - (ومنها): تزوج (¬4) الموقوف عليه الأمة الموقوفة، فإن قيل: هي ملك له؛ لم يصح، وإلا؛ صح، ذكره صاحب "التلخيص" وغيره، وفيه نظر؛ فإنه يملك منفعة البضع على كلا القولين، ولهذا يكون المهر له. 10 - [العاشرة] (¬5) إجازة الورثة؛ هل هي تنفيذ للوصية، أو ابتداء عطية (¬6)؟ في المسألة روايتان معروفتان، أشهرهما أنها تنفيذ، وهذا الخلاف قيل: إنه مبني على أن الوصية بالزائد على الثلث؛ هل هو باطل أو موقوف على الإِجازة؟ وقيل: بل هذا الخلاف مبني على القول بالوقف، أما على البطلان؛ فلا وجه للتنفيذ، وهو أشبه، [وقرر] (¬7) الشيخ تقي الدين أن ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ويؤخذ"، وفي (أ) بدون تنقيط حرف المضارعة. (¬2) في المطبوع: "يشتري" بدون "فـ". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) في المطبوع: "لو تزوج". (¬5) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬6) هنا في (أ) فراغ يسع كلمتين. (¬7) في المطبوع: "قرر" بسقوط "و"، وفي (ب): "وقول".

الوارث إذا أسقط (1) حقه قبل القسمة؛ فإنه يسقط، وطرد هذا في الأعيان المشاعة؛ كالغانم إذا أسقط (¬1) حقه من الغنيمة، والموقوف عليه إذا أسقط حقه من الوقف، والمضارب إذا أسقط حقه من الربح، وأحد الزوجين إذا عفى عن حقه من المهر إذا كان عينًا، وألحق المشاع بالدين (¬2) في جواز إسقاطه قبل القسمة. ولهذا الخلاف فوائد كثيرة (¬3): - (منها): إنه لا يشترط لها شروط الهبة من الإِيجاب والقبول والقبض؛ فيصح (¬4) بقوله: أجزت وأنفذت ونحو ذلك، وإن لم يقبل الموصى له في المجلس، وإن قلنا: هي هبة؛ افتقرت إلى إيجاب وقبول، ذكره ابن عقيل وغيره، وكلام القاضي يقتضي أن في صحتها بلفظ الإِجازة إذا قلنا: هي هبة؛ وجهين، قال الشيخ مجد الدين: والصحة ظاهر المذهب، وهل يعتبر (¬5) أن يكون المجاز معلومًا للمجيز؟ ففي "الخلاف" للقاضي و"المحرر": هو مبني على هذا الخلاف (¬6)، وصرح بعد ذلك صاحب "المحرر" بأنه لو أجاز قدرًا منسوبًا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "استثنى". (¬2) في المطبوع و (ب): "بالديون". (¬3) في المطبوع: "عديدة". (¬4) في (ج): "فتصح". (¬5) في المطبوع: "نعتبر"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط. (¬6) انظر: "المحرر" (1/ 384).

من المال، ثم قال: ظننت المال قليلًا: [أنه] (¬1) يقبل قوله (¬2)، ولا تنافي بينهما؛ لوجهين: (أحدهما): إن صحة [إجازة] (¬3) المجهول لا تنافي (¬4) ثبوت الرجوع [فيه] (¬5) إذا تبين فيه ضرر على المجيز؛ لم يعلمه استدراكًا لظلامته؛ كما تقول فيمن أسقط شفعته لمعنى (¬6)، ثم بان بخلافه؛ فإن له العود إليها؛ فكذلك [ها] (¬7) هنا إذا أجاز الجزء الموصي به يظنه (¬8) قليلًا؛ فبان كثيرًا؛ فله الرجوع بما زاد على ما في ظنه. والثاني: إنه إذا اعتقد أن النصف الموصى به مثلًا مئة وخمسون درهمًا، فبان ألفًا؛ فهو إنما أجاز خمسين (¬9) درهمًا؛ لم (¬10) يجز أكثر منها؛ فلا تنفذ إجازته في غيرها، وهذا بخلاف ما إذا أجاز النصف كائنًا ما كان؛ فإنه يصح ويكون إسقاطًا لحقه من [الـ] (¬11) مجهول، فينفذ؛ كالإِبراء، ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "لم". (¬2) انظر: "المحرر" (1/ 384). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬4) في المطبوع: "لا ينافي"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في (ب): "لغنى". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬8) في (ب): "لظنه". (¬9) في المطبوع: "أجاز مئة وخمسين". (¬10) في المطبوع: "ولم". (¬11) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

وطريقة صاحب "المغني" أن الإِجازة لا تصح (¬1) بالمجهول، ولكن؛ هل يصدق في دعوى الجهالة؟ على وجهين، ومن الأصحاب من قال: إن قلنا: الإِجازة تنفيذ؛ صحت بالمجهول ولا رجوع، وإن قلنا: هبة؛ فوجهان: - (ومنها) (¬2): لو وقف على وارثه فأجازه، فإن قلنا: الإِجازة تنفيذ؛ صح الوقف ولزم، وإن قلنا: هبة؛ فهو كوقف الإِنسان على نفسه (¬3). - (ومنها): إذا كان المجاز عتقًا، فإن قلنا: الإِجازة تنفيذ؛ فالولاء (¬4) للموصى يختص (¬5) به عصبته، وإن قلنا: عطية؛ فالولاء لمن أجاز (¬6)، وإن كان أنثى. - (ومنها): لو كان المجيز أبًا للمجاز له؛ كمن وصى (¬7) لولد ولده، [فأجازه والده] (¬8)؛ فليس للمجيز الرجوع فيه إن قلنا: هو تنفيذ، وإن قلنا: عطية؛ فله ذلك لأنه قد وهب ولده (¬9) مالًا. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (6/ 86/ 4652). (¬2) في المطبوع زيادة "لو وقف على وارثه فأجازه، فإن قلنا: الإِجازة تنفيذ؛ صحت بالمجهول ولا رجوع، وإن قلنا: هبة؛ فوجهان: (ومنها) " اهـ. (¬3) في هامش (ب) زيادة، وهي: "وفي صحة وقف الإِنسان على نفسه روايتان". (¬4) في المطبوع و (ج): "فالولاية". (¬5) في المطبوع: "تختص"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط. (¬6) في (ج): "أجازه". (¬7) في المطبوع: "أوصى". (¬8) في المطبوع و (أ): "فأجازه ولده"، وفي (ب): "فأجاز والده". (¬9) في المطبوع: "لولده".

- (ومنها): لو حلف لا يهب، فأجاز، فإن قلنا: هي عطية؛ حنث، وإلا؛ فلا. - (ومنها): لو قبل الوصية المفتقرة إلى الإِجازة قبل الإِجازة، ثم أجيزت، فإن قلنا: الإِجازة تنفيذ؛ فالملك ثابت له من حين قبوله أولًا، وإن قلنا: عطية؛ لم يثبت الملك إلا بعد الإِجازة، ذكره القاضي في "خلافه". - (ومنها): إن ما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز؛ هل يزاحم بالزائد ما لم يجاوزه؟ وهو مبني على هذا الاختلاف، ذكره صاحب "المحرر"، وأشكل توجيهه على الأصحاب، وهو واضح؛ فإنه إذا كانت معنا وصيتان، إحداهما مجاوزة للثلث والأخرى لا تجاوزه؛ كنصف وثلث، وأجاز الورثة الوصية المجاوزة للثلث خاصة، فإن قلنا: الإِجازة تنفيذ؛ زاحم (¬1) صاحب النصف صاحب الثلث بنصف كامل؛ فيقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب النصف ثلاثة أخماسه والآخر خمساه، ثم يكمل (¬2) لصاحب النصف نصفه بالإِجازة؛ وإن قلنا: الإِجازة عطية؛ [فإنما يزاحمه] (¬3) بثلث خاصة (¬4)؛ إذ الزيادة عليه عطية محضة من الورثة لم تتلق من الميت؛ فلا يزاحم بها الوصايا؛ فيقسم (¬5) الثلث بينهما نصفين (¬6)، ثم يكمل لصاحب ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يزاحم". (¬2) في المطبوع و (ج): "تكمل"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) في المطبوع: "فإنما يزاحم"، وفي (ج): "فإنه يزاحمه". (¬4) في المطبوع: "خاص". (¬5) في المطبوع: "فينقسم". (¬6) في المطبوع: "على نصفين"! =

النصف ثلث (¬1) بالإِجازة، وهذا مبني على [أن] (¬2) القول بأن الإِجازة عطية ¬

_ = وفي هامش (ب) كتب بعد قوله "نصفين": "لأن الوصية بما زاد على الثلث باطلة؛ كما بيَّن المصنف في آخر هذا الكلام على هذه المسألة أن الخلاف فيها في كون الإِجازة تنفيدًا أو ابتداء عطية مفرع على القول بإبطال الوصية بالزائد على الثلث وصحتها، فإن قلنا: الوصية بالزائد على الثلث أوصى الورثة؛ فالإِجازة تنفيذ للوصية، وإن قلنا ببطلان الوصية بالزائد على الثلث وإجازهُ الورثة فهي ابتداء عطية؛ فيكون الموصي كأنه أوصى ثلث لإِنسان وبثلث لآخر؛ فيقسم الثلث بيهما نصفين؛ كما لو أوصى لكل منهما بالثلث ابتداءً؛ فَقِسْمَةُ الثلثِ بينهما على هذا صحيحة، وليس كما قال شيخ الإِسلام ابن تيمية نصره اللَّه: إنها ليست صحيحة، بل تجب قسمة الثلث أخماسًا سواء قلنا الإِجازة تنفيذ أو ابتداء عطية، وأن دعوى المصنف لوضوح ما قاله صاحب "المحرر" ليس صوابًا، وما قاله المصنف من تفريع الخلاف على القول بإبطال الوصية بالزائد وصحتها, صرح به صاحب "الفروع"، وصحح به قاضي القضاة ناصر الدين الكناني عبارة "المحرر"؛ فاتضح بذلك عبارته؛ وإن كان ظاهرها مشكلًا، واللَّه أعلم" اهـ. قال أبو عبيدة: وفي "البلغة" (ق 140/ أ) لمحمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد ابن تيمية تفريع حسن على هذا الأصل، فقال: "إجازة الورثة تنفيذ ما زاد على الثُّلث في الوصيَّة للأجنبيّ، وأصل الوصية للوارث في المشهور من الروايتين، والأخرى أنها ابتداء عطيّةٍ بناءً على كونها باطلة، فتنتقر إلى إيجاب الوارث، وقبول الموصى له، والقبض فيما يشترط قبضه، ولو كان الموصى به عِتْقًا؛ فالولاء للموروث، ولو كان امرأةً على الأوَّل، وعلى الثاني يكون للوارث، وليس للوارث الرجوع فيها قبل القبض على الأول، وعلى الثاني له الرجوع، ولو أوصى لبنت عمِّه وأبوها يرثُهُ بزيادةٍ على الثلث، فأجاز، فلا رجوع، وعلى الثاني؛ يرجع". (¬1) في المطبوع: "ثلثه"، وفي هامش (ب) كتب: "أي: تضاف إلى السدس الذي حصل له من قسمة الثلث بينة وبين الموصى له بالثلث؛ فيكمل له النصف الذي أوصى له" اهـ. (¬2) ما بين المعقوفتين ليس في (ب).

أو تنفيذ مفرع (¬1) على القول بإبطال الوصية بالزائد على الثلث وصحتها؛ كما سبق. - (ومنها): لو أجاز المريض في مرض موته وصية موروثه، فإن قلنا: إجازته عطية؛ فهي معتبرة من ثلثه، وإن قلنا: تنفيذ؛ فطريقان: أحدهما: القطع بأنها من الثلث أيضًا، كذا قال القاضي في "خلافه" وصاحب "المحرر"، وشبهه بالصحيح إذا حابا في بيع له فيه خيار ثم مرض في مدة الخيار؛ فإنه يصير (¬2) محاباته من الثلث لأنه تمكن من استيراد ماله إليه، فلم يفعل، فقام ذلك مقام ابتداء إخراجه في المرض، ونظيره لو وهب [الأب] (¬3) لولده شيئًا ثم مرض وهو بحاله ولم يرجع فيه. والطريق الثاني: إن المسألة على وجهين، وهي طريقة أبي الخطاب في "انتصاره"، وهما منزلان (¬4) على أصل الخلاف في حكم الإِجازة، وقد يتنزلان على أن الملك هل ينتقل إلى الورثة في الموصى به، أم [تمنع الوصية الانتقال] (¬5)؟ وفيه وجهان، فإن قلنا: ينتقل إليهم؛ فالإِجازة من الثلث لأنه إخراج مال مملوك، وإلا؛ فهي من رأس ماله لأنه امتناع من تحصيل مال لم يدخل بعد في ملكه، وإنما تعلق به حق ملكه، بخلاف محاباة الصحيح إذا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فيفرع". (¬2) في المطبوع و (ج): "تصير"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في (ج): "متنزلان". (¬5) في المطبوع: "يمنع الوصة للانتقال".

11 - الحادية عشرة

مرض، فإن المال كان على ملكه، وهو قادر على استرجاعه. - (ومنها): إجازة المفلس، وفي "المغني" هي نافذة (¬1)، وهو منزل على القول بالتنفيذ، ولا يَبْعُد على [قول] (¬2) القاضي في التي قبلها أن لا ينفذ، وقاله صاحب "المغني" في السفيه (¬3)، معللًا بأنه ليس من أهل التبرع (¬4). 11 - [الحادية عشرة] (¬5): الموصى له، هل يملك الوصية من حين الموت، [أو] (¬6) من حين قبوله لها؟ في المسألة وجهان معروفان، وعلى القول بأنه إنما يملكها من حين قبوله، فهل هي قبله على ملك الميت أو على ملك الورثة؟ على وجهين أيضًا، وأكثر الأصحاب على القول بأنه ملك للموصى ¬

_ (¬1) قال في "المغني" (4/ 283/ 3446): "ما فعله المفلس قبل حجر الحاكم عليه من بيع أو هبة أو إقرار أو قضاء بعض الغرماء أو غير ذلك؛ فهو جائز نافذ، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم أحدًا خالفهم، ولأنه رشيد غير محجور عليه، فنفذ تصرفه كغيره، ولأن سبب المنع الحجر؛ فلا يتقدم سببه، ولأنه من أهل التصرف ولم يحجر عليه؛ فأشبه المليء، وإن أكرى جملًا بعينه أو دارًا، لم تنفسخ إجارته بالفلس، وكان المكتري أحق به حتى تنقضي مدته" اهـ. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) تصحف في المطبوع إلى: "الشفعة"! (¬4) انظر: "المغني" (4/ 305/ 3486). (¬5) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع. (¬6) في المطبوع: "أم".

له، وهو قول أبي بكر والخرقي (¬1) ومنصوص أحمد، بل نص أحمد في مواضع (¬2) على أنه لا يعتبر له القبول؛ فيملكه قهرًا؛ كالميراث، وهو وجه للأصحاب حكاه غير واحد. ولهذا الاختلاف فوائد عديدة: - (فمنها): حكم نمائه بين الموت والقبول، فإن قلنا: هو على ملك الموصى له؛ فهو له لا يحتسب عليه من الثلث، وإن قلنا: هو على ملك [الميت] (¬3)؛ فتتوفر به التركة، فيزداد به الثلث، وإن قلنا: على (¬4) ملك الورثة؛ فنماؤه لهم خاصة، وذكر القاضي في "خلافه" أن ملك الموصى [له] (¬5) لا يتقدم القبول، وأن النماء قبله للورثة مع أن العين باقية على حكم ملك الميت؛ فلا يتوفر [به] (¬6) الثلث لأنه لم يكن ملكًا له حين الوفاة، وذكر أيضًا: إذا قلنا: إنه مراعى، وإنا نتبين (¬7) بقبول الموصى له ملكه له من حين الموت؛ فإن النماء يكون للموصي له معتبرًا من الثلث، فإن خرج من الثلث مع الأصل؛ فهما له، وإلا، كان له بقدر الثلث من الأصل، فإن فضل شيء ¬

_ (¬1) قال الخرقي: "وإن ردّ الموصي له الوصية بعد موت الموصي؛ بطلت الوصية، فإن مات قبل أن يقبل أو يرد؛ قام وارثه في ذلك مقامه إذا كان موته بعد موت الموصي". انظر: "المغني" (6/ 68 - 69/ 4618، 4621). (¬2) في (أ): "في موضع". (¬3) في المطبوع: "الموصي". (¬4) في المطبوع: "وإن قلنا: هو على". (¬5) ما بين المعقوفتين ليس في (أ) ولا (ب). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في المطبوع: "نبين".

من الثلث؛ كان له من النماء. - (ومنها): لو نقص الموصى به في [سعر] أو صفة؛ ففي "المحرر" (¬1): إن قلنا: يملكه بالموت؛ اعتبرت قيمته من التركة بسعره يوم الموت على أدنى صفاته من يوم الموت إلى القبول؛ لأن الزيادة حصلت في ملكه؛ فلا يحتسب (¬2) عليه، والنقص لم يدخل في ضمانه، بل هو من ضمان التركة، ولهذا لو تلفت العين أو بعضها؛ لبطلت الوصية في التالف، وأما نقص الأسعار؛ فلا يضمن (¬3) عندنا، وإن قلنا: يملكه من حين القبول؛ اعتبرت قيمته يوم القبول سعرًا وصفة؛ لأنه لم يملكه قبل ذلك، والمنصوص عن أحمد في "رواية ابن منصور" وذكره (¬4) الخرقي: إنه يعتبر (¬5) قيمته يوم الوصية، ولم يحك صاحب "المغني" فيه خلافًا (¬6)؛ فظاهره أنه يعتبر بيوم الموت على الوجوه كلها؛ لأن حقه تعلق بالموصى [به تعلقًا] (¬7) قطع تصرف الورثة فيه؛ فيكون ضمانه عليه كالعبد الجاني إذا أخر المجني عليه استيفاء حقه منه حتى تلف أو نقص. - (ومنها): لو كان الموصى به أمة، فوطئها الموصى له قبل القبول ¬

_ (¬1) (1/ 384). (¬2) في المطبوع: "فلا يحسب". (¬3) في المطبوع: "فلا تضمن". (¬4) في المطبوع: "وذكر". (¬5) في (ج): "تعتبر". (¬6) انظر: "المغني" (6/ 155/ 4801). (¬7) في المطبوع: "له تعليقًا".

وبعد الموت، فإن قلنا: الملك له؛ فهي أم ولده، وإلا! فلا، ولو وطئها الوارث، فإن قلنا: الملك له؛ فهي أم ولده، ويلزمه قيمتها للموصى له، كان قلنا: لا يملكها؛ لم تكن أم ولد له. - (ومنها): لو وصى بأمة لزوجها، فلم يعلم حتى أولدها أولادًا ثم قبل الوصية، فإن [قيل: يملكها] (¬1) بالموت؛ فولده حر، والأمة أم ولده، ويبطل نكاحه بالموت، وإن قيل (¬2): لا يملكها إلا بعد القبول؛ فنكاحه باقٍ قبل القبول، وولده رقيق للوارث. - (ومنها): لو وصى لرجل بأبيه (¬3)، فمات الموصى له قبل القبول، وقلنا: يقوم وارثه مقامه فيه، فقبل ابنه؛ صح وعتق، وهل يرث من ابنه (4) الميت أم لا؟ إن قلنا: يملكه بالموت؛ فقد عتق به؛ فيكون حرًّا عند موت ابنه (¬4)، فيرث منه، وإن قلنا: إنما يملكه بعد القبول؛ فهو عند موت ابنه (4) رقيق؛ فلا يرث؛ ولو كانت الوصية بمال في هذه الصورة، فإن قلنا: يثبت الملك بالموت؛ فهو ملك للميت، فتُوفَّى (¬5) منه ديونه ووصاياه، وعلى الوجه الآخر هو ملك للوارث الذي قبل، ذكره في "المحرر" (¬6). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "قيل يملكا"، وفي (ج): "قلنا يملكها". (¬2) في (ب): "قلنا". (¬3) في المطبوع: "بابنه"! (¬4) في المطبوع: "أبيه"! (¬5) في المطبوع: "فيوفي". (¬6) انظر: "المحرر" (1/ 385).

ويتخرج وجه (¬1) آخر: إنه يكون [ملكًا] (¬2) للموصى له على الوجهين؛ لأن التمليك حصل له؛ فكيف [يصح الملك] (¬3) ابتداءً لغيره؟! ولهذا نقول على إحدى الروايتين: إن المكاتب إذا مات وخلف وفاءً: أنه يؤدى منه (¬4) بقية مال الكتابة، ويتبين بذلك موته حرًّا مع أن الحرية لا تثبت للمكاتب إلا بعد الأداء. - (ومنها): لو وصي لرجل بأرض، فبنى الوارث (¬5) فيها وغرس قبل القبول ثم قبل؛ ففي "الإِرشاد": إن كان الوارث عالمًا بالوصية! قلع [بناؤه و] (¬6) غرسه مجانًا، وإن كان جاهلًا؛ فعلى وجهين، وهو متوجه على القول بالملك بالموت، أما إن قيل: هي قبل (¬7) القبول على ملك الوارث؛ فهو كبناء مشتري (¬8) الشقص المشفوع وغرسه؛ فيكون محترمًا يتملك بقيمته. - (ومنها): لو بيع شقص في شركة الورثة والموصى له قبل قبوله، فإن قلنا: الملك له [من حين] (¬9) الموت؛ فهو شريك للورثة في الشفعة، وإلا؛ فلا حق له فيها. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ويتخرج فيه وجه". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "حصل". (¬4) في المطبوع: "من". (¬5) في المطبوع: "لوارث" بسقوط الألف. (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "بناءه"، وسقطت الواو. (¬7) في المطبوع: "هي قبول قبل". (¬8) في المطبوع: "المثشري". (¬9) سقطت كلمة "من" من (ب)، وسقطت كلمة "حين" من (أ).

12 - الثانية عشرة

- (ومنها): جريانه من حين الموت في حول الزكاة، فإن قلنا: [ملكه للموصى] (¬1) له؛ جرى في حوله، وإن قلنا: للورثة؛ فهل يجري في حولهم حتى لو تأخر القبول سنة كانت زكاته عليهم، أم لا لضعف ملكهم فيه وتزلزله وتعلق حق الموصى له به فهو كمال المكاتب؟ فيه تردد. 12 - [الثانية عشرة] (¬2): الدين؛ هل يمنع انتقال التركة إلى الورثة أم لا؟ في المسألة روايتان: أشهرهما: الانتقال، وهو اختيار أبي بكر والقاضي وأصحابه، قال ابن عقيل: هي المذهب، وقد نص أحمد أن المفلس إذا مات؛ سقط حق البائع من عين ماله لأن الملك (¬3) انتقل إلى ورثته. والرواية الثانية: لا ينتقل، نقلها ابن منصور في رجل مات وترك دارًا وعليه دين، فجاء الغرماء يبتغون المال، وقال أحد بنيه: أنا أعطي ربع الدين ودعوا في ربع الدار؛ قال أحمد: هذه الدار (¬4) للغرماء، لا يرثونها (يعني: الأولاد)، ولا فرق بين [ديون الآدميين وديون اللَّه عز وجل] (¬5)، ولا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يملكه الموصى". (¬2) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬3) في المطبوع: "المال". (¬4) في (ج): "هذه الرواية". (¬5) فى المطبوع: "ديون اللَّه تعالى وديون الآدميين".

بين الديون الثابتة في الحياة والمتجددة بعد الموت [بسبب منه] (¬1) يقتضي الضمان؛ كحفر بئر ونحوه، صرح به القاضي، وهل يعتبر كون الدين محيطًا بالتركة أم لا؟ ظاهر كلام طائفة اعتباره؛ حيث فرضوا المسألة في الدين المستغرق، وكلام أبي الخطاب في "انتصاره" كالصريح [فيه] (¬2)، ومنهم من صرح بالمنع من الانتقال كان لم يكن مستغرقًا، ذكره في مسائل الشفعة، وعلى القول بالانتقال؛ [فيتعلق حق الغرماء بها] (¬3) جميعًا؛ وإن لم يستغرقها الدين، صرح به صاحب "الترغيب"، وهل تعلق حقهم بها تعلق رهن أو جناية؟ فيه خلاف يتحرر بتحرير مسائل: - (إحداها): هل يتعلق جميع الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها، [أم] (¬4) يتقسط؟ صرح القاضي في "خلافه" بالأول إن كان الوارث واحدا، وإن كان متعددا؛ انقسم على قدر حقوقهم، وتعلق بحصة كل وارث منهم قسطها من الدين وبكل جزء منها؛ كالعبد المشترك إذا رهنه الشريكان بدين عليهما. - (والثانية): هل يمنع هذا التعلق من نفوذ التصرف؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لسبب منه"، وفي (أ): "بسب فيه". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "في قيمته". (¬3) في (ج): "فيعلق الغرماء به". (¬4) فى المطبوع: "أو".

وسنذكره [إن شاء اللَّه تعالى] (¬1). - (والثالثة): هل يتعلق الدين بعين [التركة] (¬2) مع الذمة؟ فيه للأصحاب ثلاثة أوجه: أحدها: ينتقل إلى ذمم الورثة، قاله القاضي وأبو الخطاب في "خلافهما" (¬3) وابن عقيل، ومنهم من قيده بالمؤجل (¬4)، ومنهم من خصه بالقول بانتقال التركة إليهم. والثاني: هو باقٍ في ذمة الميت، ذكره [القاضي أيضًا] (¬5) والآمدي وابن عقيل في "فنونه" وصاحب "المغني" (¬6)، وهو ظاهر كلام الأصحاب في ضمان دين الميت. والثالث: يتعلق بأعيان التركة فقط، قاله ابن أبي موسى، ورد بلزوم براءة ذمة الميت منها (¬7) بالتلف، وإذا عرف هذا؛ فلهذا الاختلاف فوائد: - (منها): نفوذ تصرف الورثة فيها ببغ أو غيره من العقود، فإن قلنا بعدم الانتقال إليهم؛ فلا (¬8) إشكال في عدم النفوذ، وإن قلنا بالانتقال؛ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد به (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) المطبوع و (ج): "خلافيهما". (¬4) في (أ) و (ج): "بالرجل". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) انظر: "المغني" (5/ 121 - 122/ 3897). (¬7) في المطبوع: "فيها". (¬8) المطبوع: "ولا".

فوجهان: أحدهما: لا ينفذ، قاله القاضي في "المجرد" وابن عقيل في باب الشركة من كتابيهما، وحمل القاضي في غير "المجرد" رواية ابن منصور على هذا. والثاني: ينفذ، قاله القاضي وابن عقيل أيضًا في [باب] (¬1) الرهن والقسمة، وجعلاه المذهب، وإنما يجوز لهم التصرف بشرط الضمان، قاله القاضي؛ قال: ومتى خلى الورثة بين التركة والغرماء (¬2)؛ سقطت مطالبتهم بالديون، ونصب الحاكم من يوفيهم منها، ولم يملكها الغرماء بذلك، وهذا يدل على أنهم إذا تصرفوا فيها طولبوا بالديون كلها (¬3)؛ كما نقول في سيد الجاني إذا فداه: إنه يفديه بارش الجناية بالغًا ما بلغ على رواية، وكلام أحمد في رواية البرزاطي ها هنا يدل عليه، وسنذكره، وفي "الكافي" (¬4): ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "بين التركة وبين الغرماء". (¬3) في المطبوع: "طولبوا بايون كلها"! وفي هامش (ب) زيادة، وهي: "في دلالة كلام القاضي على هذا نظر، إنما يدل على أن الورثة يضمنون ما نفرقوا فيه، وكيف يضمنون ما زاد على ذلك، مع أنه لم يصدر منهم عدوان ولا تعد بقصي ضمانهم للزائد؟! وكذلك في رواية البرزاطي؛ فإنه ليس فيها أن الورثة تصرفوا في التركة، وإنما هي دالة على عدم انتقال التركة إلى الورثة، وأن حق الغرماء متعلق بعين التركة، وأين هذا من صحة نفوذ تصرف الورثة في التركة بباءً على أنها انتقلت إليهم؟! والمذهب أن السيد يفدي الجاني بأقل الأمرين، وكذلك الورثة إذا تصرفوا في التركة، ويؤيد هذا ما نقله عن "الكافي"، ونقلهم تعلق الدين بالتركة كتعلق أرش الجناية" اهـ. (¬4) (2/ 232).

إنما يضمنون أقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين. وعلى الأول ينفذ العتق خاصة؛ كعتق الراهن، ذكره أبو الخطاب في "انتصاره"، وحكى القاضي في "المجرد" في باب العتق في نفوذ العتق مع عدم العلم بالدين وجهين، وأنه لا ينفذ مع العلم، وجعل صاحب "الكافي" مأخذهما أن حقوق الغرماء المتعلقة (¬1) بالتركة؛ هل يملك الورثة إسقاطها بالتزامهم الأداء من عندهم أم لا؟ ورواية ابن منصور السابقة تدل على أنهم لا يملكون ذلك، وفي "النظريات" لابن عقيل: إن عتق الورثة إنما ينفذ مع يسارهم دون إعسارهم اعتبارًا بعتق موروثهم في مرضه؛ لأن موروثهم كان ملكه ثابتًا فيها بغير خلف، ولم (¬2) ينفذ عتقه مع الإعسار، فلأن لا ينفذ عتقهم مع إعسارهم، والاختلاف في ملكهم أولى، وهل يصح رهن التركة عند الغرماء؟ قال القاضي في "المجرد": لا يصح، وعلل بأنها كالمرهونة عندهم بحقهم، والمرهون لا يصح رهنه، ويأن التركة ملك للورثة (¬3)؛ فلا يصح رهن ملك الغير بغير إذنه؛ فعلى التعليل الأول لا يصح رهن الورثة لها من الغرماء؛ وإن قلنا (¬4): هي ملكهم، وعلى الثاني (¬5) ينبغي أن يصح رهن ¬

_ (¬1) هنا في هامش (ب) عبارة غير واضحة، ولعلها: "مع أنه قال في "الكافي": لم يحك غيره صح" اهـ. (¬2) في المطبوع: "ولا". (¬3) في (ب): "الورثة". (¬4) في المطبوع: "قيل". (¬5) في (ج): "وعلى الثانية".

الوصي (¬1) لها إذا قلنا: ليست ملكًا للورثة. - (ومنها): نماء التركة، فإن قلنا: لا [ينتقل] (¬2) إلى الورثة؛ تعلق حق الغرماء بالنماء؛ كالأصل، وإن قلنا: ينتقل (2) إليهم؛ فهل يتعلق حق الغرماء بالنماء؟ على وجهين، وقد سبق بسط هذه المسألة في قاعدة النماء. - (ومنها): لو مات رجل عليه دين وله مال زكوي؛ فهل يبتدئ الوارث (¬3) حول زكاته من حين موت موروثه أم لا؟ إن قلنا: لا تنتقل التركة إليه مع الدين؛ فلا إشكال في [أنه لا يجري في] (¬4) حوله حتى ينتقل إليه، وإن قلنا: ينتقل؛ انبنى على أن الدين هل هو مضمون في ذمة الوارث، أو هو في ذمة الميت خاصة؟ فإن قلنا: الدين في ذمة الوارث وكان مما يمنع الزكاة؛ انبنى على أن الدين المانع هل يمنع انعقاد الحول من ابتدائه، أو يمنع الوجوب في انتهائه خاصة؟ فيه روايتان محكيتان في "شرح الهداية"، والمذهب أنه يمنع الانعقاد، فيمتنع انعقاد الحول على مقدار الدين من المال، وإن قلنا: إنما يمنع وجوب الزكاة في آخر الحول؛ منع الوجوب ها هنا آخر الحول في قدره ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الموصى". (¬2) في (ج): "تنتقل". (¬3) في المطبوع: "الورثة". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

أيضًا، وإن قلنا: ليس في ذمة الوارث شيء؛ فظاهر كلام أصحابنا أن تعلق الدين [بالمال] (¬1) مانع [أيضًا] (¬2)، وسنذكره. - (ومنها): لو كان له شجر، وعليه دين فمات؛ فها هنا صورتان: إحداهما: أن يموت قبل أن [يثمر، ثم أثمر] (¬3) قبل الوفاء؛ فينبني على أن الدين هل يتعلق بالنماء أم لا؟ فإن قلنا: يتعلق به؛ خرج على الخلاف في منع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة، كان قلنا: لا يتعلق به؛ فالزكاة (¬4) على الوارث، وهذا كله بناءً على القول بانتقال الملك إليه، أما إن قلنا: لا ينتقل؛ فلا زكاة عليه [فيه] (¬5) إلا أن ينفك التعلق قبل بدو صلاحه. الصورة الثانية: أن يموت بعد ما أثمرت، فيتعلق الدين بالثمرة، [ثم] (¬6) إن كان موته بعد وقت الوجوب؛ فقد وجبت عليه الزكاة؛ إلا أن نقول: إن الدين يمنع الزكاة في المال الظاهر؛ وإن كان قبل وقت الوجوب، فإن قلنا: تنتقل التركة إلى الورثة مع الدين؛ فالحكم كذلك لأنه مال لهم تعلق به [دين] (¬7)، ولا سيما إن قلنا: إنه في ذممهم (¬8)، وإن قلنا: لا تنتقل ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج) (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (ج): "تثمر ثم أثمرت"، وفي المطبوع: "يثمر ثم أثمرت". (¬4) في (ب): "كالزكاة". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين ليس في (ب). (¬7) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬8) في المطبوع: "في ذمتهم".

التركة إليهم؛ فلا زكاة عليهم. وهذه المسألة تدل على أن النماء المنفصل (¬1) يتعلق به حق الغرماء بغير خلاف. - (ومنها): لو مات وله عبيد وعليه دين، وأهل هلال الفطر، فإن قلنا: لا ينتقل الملك؛ فلا فطرة لهم على أحد، وإن قلنا: ينتقل؛ ففطرتهم على الورثة. - (ومنها): لو كانت التركة حيوانًا، فإن قلنا بالانتقال إلى الورثة؛ فالنفقة عليهم، وإلا؛ فمن التركة، وكذلك (¬2) مؤنة المال كأجرة المخزن ونحوه. - (ومنها): لو مات المدين وله شقص، فباع شريكه نصيبه قبل الوفاء؛ فهل للورثة الأخذ بالشفعة؟ إن قلنا بالانتقال إليهم؛ فلهم ذلك، وإلا؛ فلا، ولو كان الوارث شريك الموروث وبيع نصيب الموروث في دينه، فإن قلنا بالانتقال؛ فلا شفعة للوارث لأن البيع وقع في ملكه؛ فلا يملك استرجاعه، وإن قيل بعدمه (¬3)؛ فله الشفعة لأن المبيع لم يكن في ملكه بل في شركته. - (ومنها): لو وطئ الوارث الجارية الموروثة والدين مستغرق (¬4)، ¬

_ (¬1) في (أ): "المتصل". (¬2) في المطبوع: "التركة، كمؤنثه، وكذلك". (¬3) في المطبوع: "بعده". (¬4) في المطبوع و (ج): "يستغرق".

فأولدها، فإن قلنا: هي ملكه؛ فلا حد، ويلزمه قيمتها يوفي منها الدين؛ كما لو وطئ الراهن، وإن قلنا: ليست ملكله؛ فلا حد أيضًا لشبهة الملك، فإنه يملكها بالفكاك؛ فهي كالرهن، وعليه قيمتها ومهرها يوفي [بها] (¬1) الدين، ذكره أبو الخطاب في "انتصاره"؛ ففائدة الخلاف حينئذ وجوب المهر. - (ومنها): لو تزوج الابن أمة أبيه، ثم قال لها: إن مات أبي؛ فأنت طالق، وقال أبى: إن مت؛ فأنت حرة، ثم مات وعليه دين مستغرق؛ لم تعتق لاستغراق الدين للتركة (¬2)؛ فلا ثلث للميت لينفذ منه العتق، وهل يقع الطلاق؟ قال القاضي في "المجرد": نعم، وعلل بأنه لم يملكها؛ فهي باقية على نكاحه، وقال ابن عقيل: لا تطلق؛ لأن التركة تنتقل إلى الورثة؛ فيسبق الفسخ الطلاق؛ فالوجهان مبنبان على الانتقال وعدمه، وكذلك لو لم يدبرها الأب سواء. وفي المذهب وجه آخر بالوقوع، وإن قيل بالانتقال حتى ولو لم يكن دين؛ بنى على [سبق زمن] (¬3) الطلاق للفسخ، وقد ذكرناه في القواعد. - (ومنها): لو أقر لشخص، فقال: له في ميراثي (¬4) ألف؛ فالمشهور أنه متناقض في إقراره، وفي "التلخيص": يحتمل أن يلزمه؛ إذ المشهور ¬

_ (¬1) في (ج): "به". (¬2) في (ب): "التركة". (¬3) في المطبوع: "ما سبق من". (¬4) في المطبوع: "في ميراثه".

عندنا أن الدين لا يمنع الميراث؛ فهو كما لو قال: له في هذه التركة ألف؛ فإنه إقرار صحيح، وعلى هذا، فإذا قلنا: يمنع الدين الميراث؛ كان تناقضًا (¬1) بغير خلاف. - (ومنها): لو مات وترك ابنين وألف درهم، وعليه ألف درهم دين، ثم مات أحد الابنين وترك ابنًا، ثم أبرأ الغريم الورثة؛ فذكر القاضي أنه يستحق ابن الابن نصف التركة بميراثه عن أبيه، وذكره في موضع إجماعًا، وعلله في موضع بأن التركة تنتقل مع الدين؛ فانتقل ميراث الابن إلى ابنه (¬2)، وهذا يفهم منه أنه على القول بمنع الانتقال يختص به ولد الصلب؛ لأنه هو الباقي من الورثة، وابن الابن ليس بوارث معه، والتركة لم تنتقل إلى أبيه، وإنما انتقلت بعد موته، ويشهد لهذا ما ذكره صاحب "المحرر" (¬3) في الوصية إذا مات الموصى له وقبل وارثه؛ فإنه يملكه هو دون موروثه على قولنا بملك الوصية من حين القبول. - (ومنها): رجوع بائع المفلس في عين ماله بعد موت المفلس يحتمل (¬4) بناؤه على هذا الخلاف، فإن قلنا: ينتقل (¬5) إلى الورثة؛ امتنع رجوعه، وبه علل الإمام أحمد، وإن قلنا: [لا ينتقل؛ رجع] (¬6) به، لا سيما ¬

_ (¬1) في المطبوع: "مناقضًا". (¬2) في المطبوع: "أبيه"! (¬3) في "المحرر" (1/ 384). (¬4) في المطبوع: "ويحتمل". (¬5) في (ج): "تنتقل". (¬6) في المطبوع: "يرجع".

والحق هنا متعلق في الحياة تعلقًا متأكدًا (¬1). ومن العجب أن عن أحمد رواية بسقوط حق المرتهن من الرهن بموته؛ فيكون أسوة الغرماء كغريم المفلس، حكاها القاضي وابن عقيل، وهذا عكس ما نحن فيه. - (ومنها): ما نقل البرزاطي عن أحمد أنه سئل عن رجل مات وخلف ألف درهم، وعليه للغرماء [ألفا] (¬2) درهم، وليس له وارث غير ابنه، فقال ابنه لغرمائه: اتركوا هذه (¬3) الألف في يدي، وأخروني في حقوقكم ثلاث سنين حتى أوفيكم جميع حقوقكم؛ قال: إذا كانوا [قد] (¬4) استحقوا قبض هذه الألف وإنما يؤخرونه (¬5) ليوفيهم لأجل [تركها] (¬6) في يديه؛ فهذا لا خير له فيه إلا أن يقبضوا الألف منه ويؤخرونه في الباقي ما شاؤوا. قال بعض شيوخنا: تخرج فذه الرواية على القول بأن التركة لا تنتقل. قال: وإن قلنا: تنتقل إليهم؛ جاز ذلك، وهو أقيس بالمذهب، وتوجيه ما قال: إن حق الغرماء في عين التركة دون ذمة الورثة، فإذا أسقطوا حقهم من التعلق (¬7) بشرط أن يوفيهم الورثة بقية حقوقهم؛ فهو إسقاط بعوض غير لازم للوارث، فإن قيل بانتقال التركة إلى الوارث؛ فقد أذن له في الانتفاع بماله ¬

_ (¬1) في (ب): "متكادًا"! (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أكثر من ألف"، وفي (ج): "ألف". (¬3) في المطبوع: "هذا". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في (ج): "يؤخرونهم". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أن يتركها". (¬7) علق عليها في هامش (ب) قائلًا: "يعني: بعين التركة".

بعوض يلتزمه (¬1) له في ذمته، كان قيل بعدم الانتقال؛ فهو شبيه بتمليكه ألفًا بألفين إلى أجل، وإن لم يكن تمليكًا [من الغريم لما يملكه، لكنه لما أسقط حقه ملكه الوارث حينئذ فصار تمليكًا] (¬2)، مع أن قول أحمد "لا خير فيه" ليس تصريحًا بالتحريم، فيحتمل (¬3) الكراهة، [و] (2) قوله: "ويؤخرونه في الباقي ما شاؤوا" يدل على أن الورثة إذا تصرفوا في التركة؛ صاروا ضامنين جميع الدين في ذممهم (¬4)؛ فيطالبون به، ومتى كان الدين في ذمم الورثة؛ قوي الجواز لأن انتقاله إلى ذممهم فرع انتقال التركة إليهم؛ فيبقى كالمفلس إذا طلب من غرمائه الإِمهال وإسقاط حقوقهم من أعيان ماله ليوفيهم إياها كاملة إلى أجل (¬5). ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ج): "يلزمه". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (ب): "فتحتمل". (¬4) في المطبوع: "ذمتهم". (¬5) علق هنا في هامش (ب) قائلًا: "في دلالة قول الإمام: "ويؤخرونه في الباقي ما شاؤوا يدل على أن الورثة يصيرون ضامنين جميعَ الدَّين في ذممهم" نظر، لأنه ليس في النص ما يقتضي أن الورثة تصرفوا في التركة، بل قوله في النص: "إلا أن يقبضوا الألف" (يعني: الغرماء)، صريح في [. . .] الوارث لم يصرف في التركة، [مع] أن قول الإمام: "إذا كانوا قد استحقوا تجض هذه الألف"؛ يعني: الغرماء، يقتضي عدم انتقال التركة إلى الورثة؛ وأن حق الغرماء متعلق بمين التركة وصحة تصرف الورثة في التركة، إنما هو فرع انتقال التركة إلى الورثة؛ فأين هذا من ذاك؟! ثم إن قياس الوارث على المفلس في لزوم توفية جميع الدين إذا طلب [الإمام] قياس مع وجود الفارق؛ لأن المفلس قد ترتب في ذمته الدين ووجد، بخلاف [الوارث]؛ فإن ذمته بريئة من وطلبه الإمام على أن يوفي جميع الدين التزام بما لا يلزمه" اهـ. وما بين المعقوفات غير واضح في التصوير.

- (ومنها): ولاية المطالبة بالتركة إذا كانت دينًا ونحوه؛ [هل هو] (¬1) للورثة خاصة أم للغرماء والورثة؟ قال أحمد في "رواية [عبد] (¬2) اللَّه" في رجل مات وخلف وديعة عند رجل ولم يوص إليه بشيء، وخلف عليه ديناة يجوز لهذا المودع أن يدفع إلى ولد الميت؛ فقال: إن كان أصحاب الدين [جميعا] (¬3) يعلمون أنه مودع، ويخاف تبعتهم (¬4) أن يرجعوا عليه؛ [فيحلفوه جميع] (¬5) أصحاب الدين والورثة يسلم (¬6) إليهم [جميعًا] (¬7)، ونقل صالح نحو. وهذا يدل على أن للغرماء ولاية المطالبة والرجوع على المودع إذا سلم الوديعة إلى الورثة، وحمله القاضي على الاحتياط؛ قال: لأن التركة ملك للورثة، ولهم الوفاء من غيرها؛ فظاهر (¬8) كلامه [أنا] (¬9) إن قلنا: التركة ملك لهم؛ فلهم ولاية الطلب والقبض، وإن قلنا: ليست ملكًا لهم؛ فليس له (¬10) الاستقلال بذلك، وقال الشيخ مجد الدين: عندي أن نص أحمد على ¬

_ (¬1) في المطبوع: "هل" فقط، وفي (ج): "فهل هو". (¬2) في المطبوع: "عد"؛ بسقوط الباء. (¬3) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬4) في (ب): "ويخاف منهم". (¬5) في المطبوع: "ليخلفوا جميع"، وفي (ج): "ليحلفوه جمع". (¬6) في (ب): "فسلم". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وقريب منها في "مسائل عبد اللَّه" (ص 312 - 313) (¬8) في المطبوع: "وظاهر". (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬10) في المطبوع و (ج): "لهم".

ظاهره، لأن الورثة والغرماء تتعلق حقوقهم بالتركة؛ كالرهن والجاني؛ فلا يجوز الدفع إلى بعضهم. قال: وإنما المشكل أن مفهوم كلامه جواز الدفع إلى الورثة بمفردهم، ولعله أراد إذا وثق بتوفيتهم الدين (¬1). (انتهى). ولا ريب أن حقوق الورثة تتعلق بها أيضًا، وإن قلنا: لا تنتقل (¬2) إليهم وهم قائمون مقام الوصي [عند عدمه في إيفاء] (¬3) الديون وغيرها عند طائفة من الأصحاب؛ فالمتوجه هو الدفع إلى الورثة والغرماء [جميعًا، ولا يملك] (¬4) الدفع إلى الغرماء بانفرادهم بكل حال. وقد نص أحمد في "رواية مهنأ" فيمن عنده وديعة وصى بها ربها لرجل ثم مات [أن] (¬5) المودع لا يدفعها إلى الموصى له، فإن فعل؛ ضمن، ولكن يجمع الورثة [و] (¬6) الموصى له، فإن أجازوا، وإلا، دفعه (¬7) إليهم جميعًا، ولعل هذا فيما إذا لم يثبت الوصية في الظاهر، وإنما المودع يدعي ذلك، أو أنها لا تخرج من الثلث، وكذلك قال: فإن (¬8) أجازوا (يعني (¬9): الورثة)، وإلا، فالعين الموصى بها إذا خرجت من الثلث لا حق ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الدين". (¬2) في المطبوع: "لا ينتقل"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول. (¬3) في المطبوع: "عند عدمه أيضًا في إيفائه". (¬4) في المطبوع: "جميعهم ولا يملكون". (¬5) ما بين المعقوفيتن ليس في (ج). (¬6) ما بين المعقوفيتن ليس في (أ). (¬7) في المطبوع: "وإلا؛ دفع". (¬8) في المطبوع: "إن" بسقوط الفاء. (¬9) تصحفت في المطبوع إلى "لغير".

13 - الثالثة عشرة

فيها للورثة، ولا تنتقل إليهم بكل حال على الصحيح، وفي "المحرر": إن من عليه دين موصى (¬1) به لمعين؛ فهو مخير: إن شاء دفعه إلى الموصي، وإن شاء [دفعه] (¬2) إلى الموصى له؛ بخلاف الوصية المطلقة؛ فإنه لا يبرأ بدون الدفع إلى الوارث والوصي جميعًا (¬3)؛ لأنها كالدين. وقد نص أحمد أيضًا في رواية أبي طالب فيمن عليه دين لميت وعلى الميت دين؛ فقضاه (¬4) به عنه أنه يجوز في الباطن دون الظاهر، ووجهه القاضي بأن الورثة لا حق لهم في ذلك المال الذي في مقابلة الدين؛ فلا يكون متصرفًا في حقوقهم، وهذا متوجه على القول بأن التركة لا تنتقل إليهم مع الدين؛ فلا يكون القضاء من أموالهم، ويرجع ذلك إلى أن كل مال مستحق يجوز دفعه إلى مستحقه مع وجود من له ولاية القبض، وقد سبق ذكره في القواعد. 13 - [الثالثة عشرة] (¬5): التدبير؛ هل هو وصية أو عتق بصفة؟ في المسألة روايتان، [و] (¬6) ينبني عليهما فوائد كثيرة: - (منها): لو قتل المدبر سيده؛ هل يعتق؟ ¬

_ (¬1) في المطبوع و (أ): "يوصى". (¬2) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع. (¬3) نص كلامه في "المحرر" (1/ 393): "ومن عليه لميت دين موصى به لمعين؛ فله دفعه إليه، وإن شاء إلى وصي الميت، ولو كان ثمَّ وصية غير معينة في دين؛ لم يبرأ بدفعه إلا إلى الوارث والوصي جميعًا" اهـ. (¬4) في المطبوع: "فقضار"! (¬5) ما بين المعقوفتين من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

وفيه طريقتان: إحداهما (¬1): بناؤه على الروايتين إن قلنا: هو عتق بصفة عتق، وإن قلنا: وصية؛ لم يعتق لأن المذهب أن الموصى له إذا قتل الموصي بعد الوصية لم [يستحق الوصية] (¬2)، وهي طريقة ابن عقيل وغيره. والثانية: إنه لا يعتق على الروايتين، وهي طريقة القاضي؛ لأنه لم يعلقه على موته بقتله إياه. - (ومنها): بيع المدبر وهبته، والمذهب الجواز؛ لأنه وصية أو تعليق بصفة، وكلاهما لا يمنع نقل الملك قبل الصفة. وفيه رواية أخرى بالمنع بناءً على أنه عن بصفة؛ فيكون لازمًا؛ كالاستيلاد (¬3). - (ومنها): اعتباره من الثلث على المذهب؛ لأنه وصية، ونقل حنبل أنه من رأس المال، وهو متخرج على أنه عتق لازم، كالاستيلاد (3). - (ومنها): إبطال التدبير والرجوع عنه بالقول، وفي صحته روايتان بناهما الخرقي والأكثرون (¬4) على هذا الأصل (¬5)، فإن قلنا (¬6): هو وصية؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "طريقان: أحدهما"، وفي (ب): "طريقان: إحداهما". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب): "يعتق" (¬3) في المطبوع: "كالاستيلاء". (¬4) في المطبوع: "والأصحاب". (¬5) قال الخرقي في "المغني" (10/ 322/ 8666): "ولو دبَّره، ثم قال: قد رجعت في تدبيري أو قد أبطلته؛ لم يبطل لأنه علق العتق بصفة في أحدى الروايتين، والأخرى: يبطل التدبير". (¬6) في المطبوع: "قيل".

جاز الرجوع عنه، وإن قلنا: عتق؛ فلا. وللقاضي وأبي الخطاب في "تعليقهما" طريقة أخرى: إن الروايتين هنا على قولنا: إنه وصية؛ لأنها وصية تتنجز (¬1) بالموت من غير قبول، بخلاف بقية الوصايا، وهو منتقض بالوصية لجهات البر. ولأبي الخطاب في "الهداية" طريقة ثالثة، وهي بناء هاتين الروايتين على جواز الرجوع بالبيع، أما إن قلنا: يمتنع (¬2) الرجوع بالفعل؛ فبالقول (¬3) أولى. - (ومنها): لو باع المدبر ثم اشتراه؛ فهل يكون بيعه رجوعًا فلا يعود تدبيره، أو لا يكون رجوعًا فيعود؟ فيه روايتان أيضًا بناهما القاضي والأكثرون على هذا الأصل، فإن قلنا: التدبير وصية؛ بطلت بخروجه عن ملكه، ولم [تعد بعوده] (¬4)، وإن قلنا: هو تعليق (¬5) بصفة؛ عاد بعود الملك بناء على أصلنا في عود الصفة بعود الملك في العتق والطلاق، وطريقة الخرقي وطائفة من الأصحاب: إن التدبير يعود بعود الملك [ها] (¬6) هنا رواية واحدة (¬7)، بخلاف ما إذا أبطل ¬

_ (¬1) في المطبوع: "نتجت"، وفي (أ) بدون تنقيط، وفي (ب): "ينتجز". (¬2) في (أ): "يمنع". (¬3) في المطبوع: "فالقول". (¬4) في المطبوع: "يبعد نفوذه"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬5) في (أ): "تعلق". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) قال الخرقي في "مختصره" (10/ 321/ 8665 - مع "المغني"): "فإن =

تدبيره بالقول، وهو يتنزل (¬1) على أحد أمرين: إما أن الوصية لا تبطل بزوال الملك مطلقًا بل تعود بعوده، وإما أن هذا حكم الوصية بالعتق خاصة. - (ومنها): لو قال: عبدي فلان حر بعد موتي بسنة؛ فهل يصح ويعتق بعد موته بسنة، أم يبطل ذلك؟ على روايتين بناهما طائفة من الأصحاب على هذا الأصل، فإن قلنا: التدبير وصية؛ صح تقييدها بصفة أخرى توجد بعد الموت، وإن قلنا: عتق بصفة؛ لم يصح ذلك، وهؤلاء قالوا: لو صرح بالتعليق، فقال: إن دخلت الدار بعد موتي بسنة؛ فأنت حر؛ لم يعتق رواية واحدة، وهي طريقة ابن عقيل في "إشاراته"، والصحيح أن هذا الخلاف ليس مبنيًّا على هذا الأصل؛ فإن التدبير والتعليق بالصفة إنما بطل (¬2) بالموت مع الإطلاق؛ لأن مقتضى الإطلاق وجود الصفة في حياة السيد، فأما مع التقييد (¬3) بما بعد (¬4) الموت؛ [فيتقيد به، ثم (¬5)] من الأصحاب من يجعل (¬6) هذا العقد تدبيرًا، ومنهم من ينفي ذلك، ولهم في حكاية الخلاف فيه أربعة طرق قد ذكرناها ¬

_ = اشتراه [أي: عبده المدبر] بعد ذلك؛ رجع في التدبير"، قال ابن قدامة: "والصحيح ما قال الخرقي؛ لأن التدبير وجد فيه التعليق بصفة، فلا يزول حكم التعليق بوجود معنى الوصية يه، بل هو جامع للأمرين، وغير ممتنع وجود الحكم بسببين، فيثبت حكمها فيه" اهـ. (¬1) في (ب): "متنزل". (¬2) في المطبوع و (ج): "يبطل". (¬3) في المطبوع: "التنفيذ"! (¬4) في المطبوع: "بما يمنع بعد". (¬5) في المطبوع: "فتنفيذ به و"! (¬6) في المطبوع: "جعل".

في غير هذا الموضع. - (ومنها): لو كاتب مدبرة؛ فهل يكون رجوعًا عن التدبير؟ إن قلنا: التدبير عتق بصفة؛ لم يكن رجوعًا، وإن قلنا: هو وصية؛ انبنى على أن كتابة الموصى به هل تكون رجوعًا؟ [و] (¬1) فيه وجهان، أشهرهما أنه رجوع، والمشهور في المذهب أن كتابة المدبر ليست رجوعًا عن تدبيره، ونقل ابن الحكم عن أحمد ما يدل على أنه رجوع. - (ومنها): لو وصى بعبد (¬2) ثم دبره؛ ففيه وجهان: أشهرهما: إنه رجوع عن الوصية. والثاني: ليس برجوع. فعلى هذا فائدة الوصية به أنه لو أبطل تدبيره بالقول؛ لاستحقه (¬3) الموصى له، ذكرهُ في "المغني" (¬4)، وقال الشيخ تقي الدين: ينبني على أن التدبير هل هو عتق بصفة أو وصية؟ فإن قلنا: هو عتق بصفة؛ قدم على [الوصية] (¬5)، وإن قلنا: هو وصية؛ فقد ازدحمت وصيتان في هذا العبد؛ فينبني على أن الوصايا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "بعبده". (¬3) في (أ): "لا يستحق"! (¬4) (10/ 322/ 8666). (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الموصى به".

المزدحمة إذا كان بعضها عتقًا؛ هل (¬1) يقدم أم (¬2) يتحاص العتق وغيره؟ على روايتين، فإن قلنا بالمحاصة؛ فهو (¬3) كما لو دبر نصفه ووصى بنصفه، ويصح ذلك على المنصوص. (انتهى). وقد يقال: الموصى له إن قيل: لا يملك حتى يقبل؛ فقد سبق زمن العتق لزمن ملكه (¬4)؛ فينفذ، وإن قيل: [إنه] (¬5) يملك من حين الموت؛ فقد تقارن زمن ملكه [و] (5) زمن العتق؛ [فينبغي تقديم العتق] (¬6)، كما نص عليه أحمد في مسألة من عتق عبده ببيعه. - (ومنها): الوصية بالمدبر، والمذهب أنها لا تصح، ذكره القاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما" (¬7)؛ لأن التدبير الطارئ إذا أبطل الوصية على المشهور؛ فكيف يصح طريان (¬8) الوصية على التدبير ومزاحمتها له؟! وبنى الشيخ هذه المسألة (¬9) أيضًا على الأصول السابقة. - (ومنها): ولد المدبرة، والمشهور أنه يتبعها في التدبير كما ولدته ¬

_ (¬1) في (ج): "فهل". (¬2) في المطبوع و (ب): "أو". (¬3) في (ب): "فهما". (¬4) في (ج): "الملك". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬7) في (أ) "خلافهما". (¬8) في (ج): "طرآن". (¬9) في المطبوع: "المسائل".

بعده، سواء كان موجودًا حال التعليق (¬1) أو العتق، أو حادثًا بينهما، وحكى القاضي في "كتاب الروايتين" في تبعية الولد روايتين، وبناهما على أن التدبير هل هو عتق لازم؛ كالاستيلاد، [أو وصية] (¬2)؟ ومن هنا قال أبو الخطاب في "انتصاره": تبعية الولد مبني (¬3) على لزوم التدبير. وخرج أبو الخطاب [في "الهداية"] (¬4) وجهًا: إنه لا يتبعها الحادث بينهما، وإنما يتبعها إذا كان موجودًا معها في أحدهما من حكم ولد المعلق عتقها بصفة، بناءً على أن التدبير تعليق بصفة، وينبغي (¬5) على هذا أن يخرج طريقة أخرى: إنه لا يتبعها الولد الحادث بينهما بغير خلاف، وإن (¬6) كان موجودًا في أحد الحالين؛ فهل يتبعها؟ على وجهين بناءً على أن التدبير (¬7) وصية، وحكم ولد الموصى بها كذلك عند (¬8) الأصحاب. - (ومنها): لو جحد السيد التدبير؛ فالمنصوص عن أحمد أنه ليس برجوع، وقال الأصحاب: إن قلنا: هو عتق بصفة؛ لم يكن رجوعًا، وإن ¬

_ (¬1) في (أ): "التعلق". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. وانظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (3/ 118 - 119). (¬3) في (ج): "تنبني". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "فينيغي". (¬6) في المطبوع: "وإنما". (¬7) في المطبوع: "المدبر". (¬8) في المطبوع: "وعند".

14 - الرابعة عشرة

قلنا: هو وصية؛ فوجهان بناءً على أن جحد الموصي الوصية؛ هل هو رجوع أم لا. 14 - [الرابعة عشرة] (¬1): نفقة الحامل؛ هل هي واجبة لها أو لحملها؟ في المسألة روايتان مشهورتان، أصحهما أنها للحمل، وهي اختيار الخرقي (¬2) وأبي بكر، وينبني عليهما فوائد: - (منها): إذا كان أحد الزوجين رقيقًا، فإن قلنا: النفقة للزوجة؛ وجبت لها (¬3) على الزوج لأن نفقة زوجة العبد في كسبه أو تتعلق برقبته، حكاه ابن المنذر إجماعًا، وفي "الهداية": نفقة (¬4) زوجته على سيده، فتجب ها هنا على السيد، وإن قلنا: للحمل؛ لم تجب عليه لأنه إن كان هو الرقيق؛ فلا يجب عليه نفقة أقاربه، وإن كانت هي الرقيقة؛ فالولد مملوك لسيد الأمة؛ فنفقته على مالكه (¬5). - (ومنها): إذا كان الزوج معسرًا، فإن قلنا: النفقة للزوجة (¬6)؛ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬2) انظر: "المغني" (8/ 185/ 6526). (¬3) في (أ): "لهما"! (¬4) في (أ): "نفقته". (¬5) علق في هامش (ب) قائلًا: "إذا كان ابنه مفقودًا بالقرب أو معسرًا، فإن قلنا: النفقة للحمل؛ وجب على الجد النفقة؛ كما لو كان منفصلًا، ذكره القاضي في "تعليقه"، قال الشيخ أبو البركات: وهذا يدل على أنها تجب على من يلزمه نفقته منفصلًا". (¬6) في (أ): "للمزوجة".

وجبت عليه، وإن قلنا: للحمل؛ لم تجب (¬1)؛ لأن نفقة الأقارب مشروطة باليسار دون نفقة الزوجة. - (ومنها): لو مات الزوج؛ فهل يلزم أقاربه النفقة؟ إن قلنا: هي للحمل؛ لزمت الورثة، وإن قلنا: هي للزوجة؛ لم يلزمهم (¬2) بحال. - (ومنها): لو غاب الزوج؛ فهل تثبت النفقة في ذمته؟ فيه طريقان: أحدهما: إن قلنا: هي للزوجة؛ ثبتت في ذمته ولم تسقط بمضي الزمان على المشهور من المذهب، وإن قلنا: هي للحمل؛ سقطت لأن نفقة الأقارب لا تثبت في الذمة. والثاني: لا تسقط بمضي الزمان على الروايتين، وهي طريقة "المغني" (¬3)، وعلل بأنها مصروفة إلى الزوجة (¬4)، ويتعلق حقها بها؛ فهي كنفقتها، ويشهد له قول الأصحاب: لو لم ينفق عليها يظنها حائلًا، [فبانت حاملًا؛ لزمه] (¬5) نفقة الماضي. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لم تجب عليه". (¬2) في (ج): "لم تلزمهم". (¬3) (8/ 187/ 6529). (¬4) في المطبوع: "الزوج". (¬5) في المطبوع: "ثم تبين أنها حامل؛ لزم"، وفي (ب): "ثم بانت حاملًا؛ لزمه"، وفي (ج): "ثم بانت حاملًا؛ لزمته"، وما أثبتناه؛ فهو من خط الحافظ ابن رجب.

-[(ومنها): إذا اختلعت الحامل بنفقتها؛ فهل يصح جعل النفقة عوضًا للخلع؟ قال الشيرازي: إن قلنا: النفقة لها؛ صحَّ (¬1)، وإن قلنا: للحمل؛ لم يصح (¬2) لأنها لا (¬3) تملكها، وقال القاضي والأكثرون: يصح على الروايتين؛ لأنها مصروفة إليها، وهي المنتفعة بها] (¬4). - (ومنها): لو نشزت الزوجة حاملًا، فإن قلنا: نفقة الحامل (¬5) لها؛ سقطت بالنشوز، وإن قلنا: للحمل؛ لم تسقط به. - (ومنها): الحامل من وطء الشبهة أو نكاح فاسد؛ هل تجب نفقتها على الواطئ؟ إن قلنا: النفقة لها؛ لم تجب لأن النفقة لا تجب للموطوءة بشبهة ولا نكاح (¬6) فاسد؛ [لأنه لا يتمكن (¬7) من الاستمتاع بها] (¬8)؛ إلا أن يسكنها في منزل يليق بها تحصينًا لمائه؛ فيلزمها (¬9) ذلك، [ذكره في ¬

_ (¬1) في المطبوع: "تصح". (¬2) في المطبوع: "لم يصح". (¬3) في المطبوع: "لم". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع: "الحمل". (¬6) في المطبوع: "ولا في نكاح". (¬7) في (ب): "لا يمكن". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬9) في (ج): "فيلزمه".

"المحرر"] (¬1)، وتجب لها النفقة حينئذ، ذكره الشيخ تقي الدين (¬2)، وإن قلنا: النفقة للحمل؛ وجبت لأن النسب لاحق بهذا الواطئ (¬3)، ونص أحمد في رواية ابن الحكم على وجوب النفقة لها، وقال الشيخ تقي الدين: يتوجه وجوب النفقة لها مطلقًا من غير حمل؛ كما يجب لها المهر المسمى، ويتقرر بالخلوة على المنصوص؛ لأنها محبوسة عليه في العقد الفاسد، ولا تتزوج عندنا (¬4) بدون طلاقه (¬5)، وقاسه على العبد المقبوض بعقد فاسد، ولو ألزم حاكم بالنفقة في النكاح الفاسد المختلف فيه لاعتقاد صحته؛ فللزوج الرجوع بالنفقة عند من يرى فساده، ذكره القاضي في "المجرد"، وذكر صاحب "المغني" احتمالًا بعدم الرجوع لأنه نقض للحكم المختلف فيه، ولا يجوز ما لم يخالف كتابًا أو إجماعًا (¬6)، وذكر في "المغني" أيضًا أنه لو (¬7) أنفق في النكاح الفاسد من غير حاكم؛ لم يرجع لأنه إن علم فساده؛ كان متبرعًا، كان لم يعلم؛ [كان مفرطًا] (¬8). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). وانظر: "المحرر" (2/ 117). (¬2) في "الاختيارات الفقهية" (ص 283). (¬3) في (أ): "الوطئ". (¬4) في (أ): "عندها". (¬5) انظر: "مجموع الفتاوى" (34/ 73 و 74). (¬6) انظر: "المغني" (8/ 187 - 188 - 6530). (¬7) في (أ): "إذا". (¬8) انظر: "المغني" (8/ 188/ 6531)، وفي المطبوع و (ب) و (ج): "فهو مفرط".

- (ومنها): لو كان الحمل موسرًا بأن يوصي له بشيء فيقبله الأب، فإن قلنا: النفقة له؛ سقطت نفقته عن أبيه، وإن قلنا: لأمه؛ لم تسقط، ذكره القاضي في "خلافه". - (ومنها): لو دفع إليها النفقة، فتلفت بغير تفريط، فإن قلنا: النفقة لها؛ لم يلزم بدلها، وإن قلنا: للحمل؛ وجب إبدالها لأن ذلك حكم نفقة الأقارب. - (ومنها): لو أعتق الحامل من ملك يمينه؛ فهل يلزمه (¬1) نفقتها؟ إن قلنا: النفقة لها؛ لم تجب إلا حيث تجب نفقة العتق (¬2)، وإن قلنا: النفقة للحمل؛ وجبت بكل حال. - (ومنها): فطرة المطلقة الحامل، إن قلنا: النفقة لها؛ وجبت لها الفطرة، وإن قلنا: للحمل؛ ففطرة الحمل على أبيه غير واجبة على الصحيح. - (ومنها): هل تجب السكنى للمطلقة الحامل؟ إن قلنا: النفقة لها، فلها السكنى أيضًا، وإن قلنا: للحمل؛ فلا سكنى لها، ذكره الحلواني في "التبصرة". - (ومنها): نفقة المتوفى عنها إذا كانت حاملًا، وفي وجوبها روايتان بناهما ابن الزاغوني على هذا [الأصل] (¬3)؛ قال: فإن قلنا: النفقة للحمل؛ ¬

_ (¬1) في (ج): "تلزمه". (¬2) في (ج): "العتيق". (¬3) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "إلا أنه".

وجبت من التركة، كما لو كان الأب حيًّا، وإن قلنا: للمرأة؛ لم تجب، وهذا لا يصح؛ لأن نفقة الأقارب لا تجب (¬1) بعد الموت، والأظهر أن الأمر بالعكس، وهو أنا إن قلنا: للحمل؛ لم يجب للمتوفى عنها لهذا المعنى، وإن قلنا: للمرأة؛ وجبت لأنها محبوسة على الميت لحقه، فتجب نفقتها من ماله (¬2)، وقد سبق ذكر ذلك في قاعدة الحمل: هل له حكم أم لا؟ - (ومنها): البائن في الحياة بفسخ أو طلاق إذا كانت حاملًا؛ فلها النفقة، وحكى الحلواني وابنه رواية: إنه لا نفقة لها؛ كالمتوفى عنها، وخصها ابنه بالمبتوتة بالثلاث، وبناها على أن النفقة للمرأة والمبتوتة لا تستحق نفقة، وإنما تستحق النفقة إذا قلنا: هي للحمل، وهذا متوجه في القياس؛ إلا أنه ضعيف مخالف للنص (¬3) والإجماع فيما أظن، ووجوب النفقة للمبتوتة العامل يرجح القول بأن النفقة للحمل (¬4). ¬

_ (¬1) في (ج): "لم تجب". (¬2) قال ابن رجب في ترجمة ابن الزاغوني في "كتاب الذيل" (1/ 183): "وذكر [أي: ابن الزاغوني] فيه [أي: في "الإقناع"]،: "إن الحامل المتوفى عنها زوجها تجب لها النفقة والسكنى إن قد: إن النفقة للحمل؛ كما لو كان الأب حيًّا"، ثم تعقبه ابن رجب قائلًا: "ولم أعلم أحدًا من الأصحاب بنى رواية وجوب النفقة والسكنى لها على هذا الأصل، ولا جعلها من فوائد في أن النفقة: هل هي للحمل أو للحامل؟ فإن نفقة الأقارب تسقط بالموت؛ فكيف تجب نفقة الححل من التركة؟! " اهـ. (¬3) وهو قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]. وانظر: "شرح الزركشي على مختصر الخرقي" (6/ 24). (¬4) في "كتاب الذيل" (1/ 183) حكى عن ابن الزاغرني أنه ذكر في كتابه "الإقناع": "إن البائن تجب لها الكنى والنفقة، وإن كانت حاملًا" اهـ. قال المحقق في الحاشية: في المخطوطة التي بأيدينا: "حائلًا".

- (ومنها): لو تزوج امرأة على أنها حرة، فبانت أمة، وهو ممن يباح له نكاح الإماء، ففسخ بعد الدخول وهي حامل منه؛ ففي كتاب النكاح من "المجرد": هو كالنكاح (¬1) الفاسد، إن قلنا: النفقة للحمل؛ وجبت على الزوج، وإن قلنا: للحامل؛ لم تجب عليه، وذكر في النفقات ما يدل على وجوبها [عليه] (¬2) على الروايتين، وهو الصحيح؛ لأن هذا نكاح صحيح؛ فيلزم فيه النفقة (¬3) وفي عدته. - (ومنها): لو وطئت الرجعية بشبهة أو نكاح فاسد، ثم بان بها حمل يمكن أن يكون من الزوج [و] (¬4) الواطئ؛ فيلزمها أن تعتد بعد وضعه عدة الواطئ، فأما نفقتها في مدة العدة (¬5)، فإن قلنا: النفقة للحمل؛ فعليهما النفقة عليها حتى تضع لأن الحمل لأحدهما يقينًا ولا نعلم عينه، ولا ترجع المرأة على الزوج بشيء من الماضي، وإن قلنا: النفقة للحامل؛ فلا نفقة لها على واحد منهما مدة الحمل لأنه يحتمل أنه من الزوج؛ فيلزمه النفقة، ويحتمل أنه من الآخر؛ فلا نفقة لها (¬6)؛ فلا تجب بالشك، فإذا وضعته، فقد علمنا أن النفقة على أحدهما، وهو غير معين؛ فيلزمهما جميعًا النفقة حتى ينكشف الأب منهما، وترجع المرأة على الزوج بعد الوضع بنفقة أقصر المدتين من مدة الحمل، أو قدر ما بقي من العدة بعد الوطء الفاسد؛ لأنها ¬

_ (¬1) في المطبوع: "النكاح"! (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في المطبوع: "التفقه"! (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع: "في مدة هذه العدة". (¬6) في المطبوع: "فلا نفقة لها عليه".

تعتد عنه بأحدهما قطعًا، ثم إذا زال الإشكال وألحقته القافة بأحدهما بعينه (¬1)؛ عمل بمقتضى ذلك، فإن كان معها وفق حقها من النفقة، وإلا؛ رجعت على الزوج بالفضل، ولو كان الطلاق بائنًا؛ فالحكم كما تقدم في جميع ما ذكرنا؛ إلا في مسألة واحدة، وهي أنه لا ترجع المرأة بعد الوضع بشيء على الزوج، سواء قلنا: النفقة للحمل أو للحامل؛ لأن النفقة لا تستحق مع البينونة إلا بالحمل، وهو غير متحقق هنا أنه منه، بخلاف الرجعية، ذكر ذلك [كله] (¬2) القاضي في "المجرد". ولو قيل في صورة الرجعية: إذا قلنا: النفقة للحمل: إنها تجب على من خرجت عليه القرعة من الزوج والواطئ، وكذا بعد الوضع وقبل ثبوت نسبه من أحدهما؛ لتوجه (¬3) إلا أن يقال: يحتمل أن يكون منهما جميعًا؛ فتمتنع القرعة على أحدهما لذلك، ومتى ثبت نسبه (¬4) من أحدهما؛ فقال القاضي في موضع من "المجرد": يرجع عليه (¬5) الآخر بما أنفق؛ لأنه لم ينفق متبرعًا، وقيده في موضع آخر منه [بأن يشرط] (¬6) الرجوع وينفق بإذن الحاكم، فإن شرط الرجوع وأنفق [بغير إذن حاكم] (¬7)؛ فعلى روايتين؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "بعيثه". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) في المطبوع: "ليوجبه"، وفي (ب) بدون تنقيط. (¬4) في (أ): "نسبتها". (¬5) في (ب): "يرجع على". (¬6) في المطبوع: "بأنه يشترط"، وفي (ج): "بأن يشترط". (¬7) في المطبوع: "من غير إذن حاكم"، وفي (ج): "بغير إذن الحاكم".

كقضاء الدين (¬1)، وقد ذكرنا ذلك مستوفًى في القواعد، والصحيح هنا الرجوع مطلقًا؛ لأنه واجب عليه في الظاهر. وقد ذكر صاحب "المغني" (¬2) أن الملاعنة لو أنفقت على الولد ثم استلحقه الملاعن؛ رجعت عليه لأنها إنما أنففت لظنها أنه لا أب له، وأما إذا قلنا: النفقة للحامل؛ [فإنها لم تجب] (¬3) على واحد منهما؛ لأن الحامل لا نفقة لها على الواطئ بشبهة، أو [في] (¬4) نكاح فاسد؛ كما سبق، والزوج ليس بمتمكن من الاستمتاع بها في حال (¬5) الحمل؛ لأن الرجعية إذا حملت في عدتها (¬6) من شبهة انقطعت عدة الزوج في (¬7) مدة الحمل، وحرم على الزوج الاستمتاع بها، وهل له رجعتها في هذه المدة [لبقاء بقية] (¬8) عدته عليها؟ على وجهين، وجزم القاضي في "خلافه" بالمنع، ورجح صاحب "المغني" الجواز (¬9)، [و] (¬10) على الوجهين لا نفقة لها لتحريم الاستمتاع بها ¬

_ (¬1) في (ج): "الديون". (¬2) في "المغني" (8/ 186/ 6527). (¬3) في المطبوع: "فإنا لم نوجب لها النفقة"، وفي (ب): "فإنما لم تجب لها النفقة"، وفي (ج) "فإنما تجب لها النفقة". (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬5) في المطبوع: "حالة". (¬6) في المطبوع: "عدة". (¬7) في المطبوع: "من". (¬8) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "لبقية". (¬9) انظر: "المغني" (8/ 402/ 6082). (¬10) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

15 - الخامسة عشر

على الزوج، سواء كانت مكنت (¬1) من الوطء أو لا؛ فإنه لو غصبها غاصب؛ فلا نفقة لها. 15 - [الخامسة عشر] (¬2) القتل العمد؛ هل موجبه القود عينًا (¬3)، أو أحد أمرين؟ في المسألة روايتان، وقد سبق ذكرهما وفوائدهما في القواعد بما يغني [عن إعادتها هنا] (¬4). 16 - [السادسة عشر] (2): المرتد؛ هل يزول ملكه بالردة أم لا (¬5)؟ في المسألة روايتان: إحداهما: لا يزول ملكه؛ بل هو باقٍ عليه؛ كالمستمر على عصمته. والثانية: يزول (¬6)، وفي وقت زواله روايتان: إحداهما: من حين موته مرتدًا. ¬

_ (¬1) في (ج): "أمكنت". (¬2) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬3) في المطبوع: "عنها"! (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عنه"، وفي (ب) و (ج): "عن إعادته هنا". (¬5) انظر القاعدة وتطبيقاتها محمد المالكية في: "الكافي" (2/ 1089) لابن عبد البر، وعند الحنفية في "تأسيس النظر" (ص 30 و 48 - ط جديدة). وانظر: "موسوعة القواعد الفقهية" (2/ 155). (¬6) في المطبوع: "تزول".

والثانية: من حين ردته، فإن أسلم؛ أعيد إليه ماله ملكًا جدبدًا، وهي اختيار أبي بكر وابن أبي موسى. وفيه رواية ثالثة: أنا نتبين بموته مرتدًا زوال ملكه من حين الردة. ولهذا الاختلاف فوائد كثيرة: - (منها): لو ارتد في أثناء حول الزكاة، فإن قلنا: زال ملكه بالردة؛ انقطع الحول بغير تردد (¬1)، وإن قلنا: لا يزول؛ فالمشهور أن الزكاة لا تجب عليه، وإن عاد إلى الإسلام؛ فينقطع الحول أيضًا لأن الإِسلام من شرائط وجوب الزكاة؛ فيعتبر وجوده في جميع الحول. وحكى ابن شاقلا رواية: إنه [تجب عليه الزكاة إذا عاد لما مضى] (¬2) من الأحوال، واختارها ابن عقيل، كان ارتد بعد الحول؛ لم تسقط عنه إلا إذا عاد إلى الإِسلام، وقلنا: إن المرتد لا يلزمه قضاء ما تركه قبل الردة من الواجبات، والصحيح من المذهب خلافه (¬3). - (ومنها): لو ارتد المعسر، ثم أيسر في زمن الردة (¬4)، ثم عاد إلى الإِسلام وقد أعسر، فإن قلنا: إن ملكه يزول بالردة؛ لم يلزمه الحج باليسار السابق، وإن قلنا: لا يزول ملكه؛ فهل يلزمه الحج بذلك اليسار؟ ¬

_ (¬1) ذكر الخلال في "جامعه" (2/ 515 - 516/ رقم 1929) عن إسحاق بن منصور: "أن أبا عبد اللَّه قال في المرتد: إن أسلم وقد حال على ذلك المال الحول، ولم يقتل؛ كان المال له، ولا يزكيه، يستأنف به الحول؛ لأنه كان ممنوعًا من ماله". (¬2) في (ج): "تجب الزكاة إذا عاد إلى الإسلام لما مضى". (¬3) انظر: "المغني" (2/ 643 - مع "الشرح الكير"). (¬4) في المطبوع: "زمن ارتداده".

تنبيه

ينبني على وجوب العبادات عليه في حال الردة وإلزامه قضاءها بعد عوده إلى الإسلام، والصحيح عدم الوجوب؛ فلا يكون بذلك مستطيعًا. - (ومنها): حكم تصرفاته بالمعاوضات والتبرعات وغيرها، فإن قلنا: لا يزول ملكه بحال، فهي صحيحة نافذة، وإن قلنا: يزول بموته؛ أقر المال بيده في حياته، ونفذت معاوضاته (¬1)، ووقفت تبرعاته المنجزة والمعلقة بالموت، فإذا مات، ردت كلها، وإن لم تبلغ الثلث؛ لأن حكم الردة حكم المرض المخوف، وإنما لم تنفذ من ثلثه لأن ماله يصير فيئًا بموته مرتدًا، وإن قلنا: يزول ملكه في الحال؛ جعل، في بيت المال، ولم يصح تصرفه فيه بحال، لكن إن أسلم رد إليه ملكًا جديدًا، وإن قلنا: هو موقوف مراعى؛ حفظ الحاكم ماله ووقفت تصرفاته كلها، فإن أسلم؛ أمضيت، وإلا؛ تبينا فسادها. (تنبيه): إنما تبطل تصرفاته لنفسه في ماله، فلو تصرف لغيره بالوكالة (¬2)؛ صح، ذكره القاضي وابن عقيل؛ لأن إبطال تصرفه (¬3) إنما هو لزوال ملكه، ولا أثر لذلك في تصرفه بالوكالة (2). نعم، لو [كان قد] (¬4) وكل وكيلًا ثم ارتد، وقلنا: يزول ملكه؛ بطلت وكالته، ولو تصرف لنفسه بنكاح؛ لم يصح لأن الردة تمنع الإقرار على ¬

_ (¬1) في (ج): "معاوضته". (¬2) في المطبوع: "بالوكلة"! (¬3) في المطبوع: "تعرفانه"! (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

النكاح، وإن زوج موليته؛ لم يصح لزوال ولايته بالردة [على] (¬1) أمته الكافرة. - (ومنها): لو باع شقصًا مشفوعًا في الردة، فإن حكمنا (¬2) بصحة بيعه؛ أخذ منه بالشفعة، وإلا؛ فلا، ولو بيع في زمن ردته شقص [في شركته] (¬3)، فإن قلنا: ملكه باقٍ؛ أخذ بالشفعة، وإلا؛ فلا. - (ومنها): لو حاز مباحًا أو عمل عملًا بأجرة، فإن قلنا: ملكه باقٍ؛ ملك ذلك، وإن قلنا: زال ملكه؛ لم يملكه، فإن عاد إلى الإسلام بعد ذلك؛ فهل يعود ملكها إليه؟ فيه احتمالان مذكوران في "المغني" (¬4). - (ومنها): الوصية له، وفي صحتها وجهان بناءً على زوال ملكه وبقائه، فإن قلنا: زال ملكه؛ لم تصح الوصية له، وإلا؛ صحت. - (ومنها): ميراثه، فإن قلنا: لا يزول ملكه بحال؛ فهو لورثته من المسلمين أو من [أهل] (¬5) دينه الذي اختاره على اختلاف الروايتين في ذلك، وإن قلنا: يزول ملكه من حين الردة أو بالموت؛ فماله فيء ليس لورثته منه شيء (¬6). ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "حتى عن". (¬2) في المطبوع: "قلنا". (¬3) في المطبوع: "فجعله في تركته". (¬4) (6/ 251/ 4957). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) أسهب الخلال في "جامعه" (2/ 518 - 523/ رقم 1303 - 1326) في =

- (ومنها): نفقة من تلزمه نفقته، فإن قلنا: ملكه باقٍ ولو [في حياته] (¬1) أو مراعى؛ [أنفق عليهم من ماله مدة الردة] (¬2)، وإن قلنا: زال بالردة؛ فلا نفقة لهم منه في مدة الردة لأنه (¬3) لا يملكه. - (ومنها): قضاء ديونه، وهو كالنفقة؛ فيقضي ديونه على الروايات كلها؛ إلا على رواية زوال ملكه من حين الردة؛ فلا تقض منه الديون المتجددة في الردة، وتقضى منه الديون الماضية؛ فإنه إنما يكون فيئًا ما فضل عن أداء ديونه ونفقات من يلزمه (¬4) نفقته؛ لأن هذه الحقوق لا يجوز تعطيلها؛ فتؤخذ (¬5) من ماله ويصير الباقي فيئًا. - (ومنها): لو دبر عبدًا، ثم ارتد السيد، ثم عاد إلى الإِسلام، فإن قلنا: لا يزول ملكه؛ فالتدبير بحاله، وإن قلنا: زال ملكه؛ انبنى على أن زوال الملك عن (¬6) المدبر؛ هل يبطل تدبيره أم لا، وجزم ابن أبي موسى ¬

_ = النقل الروايات عن أحمد في هذه المسألة، ونقل أبو داود في "مسائله" (ص 240) عن أحمد قوله: "كنت مرة أقول: "لا يرثه المسلمون"، ثم أجبن عنه"، وقال ابن القيم في "أحكام أهل الذمة" (2/ 463): "وأما المرتد؛ فالمعروف عن الصحابة مثل علي وابن مسعود: أن ماله لورثته من المسلمين، ولم يدخلوه في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يرث المسلم الكافر"، وهذا هو الصحيح". (¬1) ما بين المعقوفتين ضرب عليها في (أ)؛ وكتب في الهامش: "مدة الردة في حياته". (¬2) في (أ) و (ج): "مدة الردة أنفق عليهم من ماله" بتقديم وتأخير. (¬3) في (ج): "فإنه". (¬4) في (ج): "تلزمه". (¬5) في المطبوع: "فيؤخذ"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬6) في (ج): "من".

17 - السابعة عشرة

ببطلان تدبيره. 17 - [السابعة عشرة] (¬1): الكفار؛ هل يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء أم لا؟ المذهب عند القاضي أنهم يملكونها من غير خلاف، والمذهب عند أبي الخطاب في "انتصاره" أنهم لا يملكونها (¬2)، وقد نقل أبو طالب عن أحمد ما يدل على ذلك، وحكى طائفة روايتين في المسألة، منهم ابن عقيل في "فنونه" و"مفرداته"، وصحح فيها عدم الملك، وذكر (¬3) الشيخ تقي الدين أن أحمد لم ينص على الملك ولا على عدمه، وإنما نص على أحكام أخذ منها ذلك، والصواب أنهم يملكونها ملكًا مقيدًا لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه (¬4). ولهذا الخلاف فوائد: - (منها): إن من وجد من المسلمين عين ماله قبل القسمة؛ أخذه مجانًا بغير عوض، وإن وجده بعد القسمة؛ فالمنصوص عن أحمد أنه لا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬2) ذكر ابن رجب في ترجمة أبي الخطاب في "كتاب الذيل" (1/ 120) عنه: أنه قال: "إن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر، وإنها ترد إلى من أخذت منه من المسلمين على كل حال؛ ولو قسمت في المغنم أو أسلم الكافر وهي في يده" اهـ. قلت: وهذا الذي نصره ابن القيم في "أحكام أهل الذمة" (1/ 291) بقُوَّة؛ فراجعه. (¬3) في المطبوع: "وقال". (¬4) نص كلامه في "الاختيارات الفقهية" (ص 312).

يأخذه بغير عوض، وهل يسقط حقه منه بالكلية، أو يكون أحق به بالثمن؟ على روايتين، واختار أبو الخطاب أنه أحق به مجانًا بكل حال، وقد قال أحمد في "رواية أبي طالب": هذا هو القياس؛ لأن الملك لا يزول إلا بهبة أو صدقة، ولكن عمر قال: لا حق له (¬1). - (ومنها): إذا قلنا: يملكون أموال المسلمين، فغنمت منهم ولم يعلم أربابها من المسلمين؛ فإنه يجوز قسمتها والتصرف فيها، ومن قال: [لم] (¬2) يملكوها، فقياس قوله: إنه لا يجوز قسمتها ولا التصرف [فيها] (¬3)، بل توقف كاللقطة، ذكره صاحب "المغني" (¬4) وغيره، وأما ما عرف مالكه من المسلمين؛ فإنه لا تجوز قسمته (¬5)، بل يرد إليه على القولين، ونص عليه ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لا حق له فيه"، ويشير المصنف إلى ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (5/ رقم 9359) عن محمد بن راشد، حدثنا مكحول، أن عمر بن الخطاب قال: "ما أصاب المشركون من مال المسلمن، ثم أصابه المسلمون بحد؛ فإنْ أصابه صاحبُه قبل أن تجري عليه سهامُ المسلمين؛ فهو أحقُّ به، وإنْ جرت عليه سهامُ المسلمين؛ فلا سبيل إليه إلا بالقيمة". وأخرجه البيهقي في "الكبرى" (9/ 112)، وابن حزم في "المحلى" (7/ 301)؛ عن قبيصة بن ذويب، عن عمر بنحوه، وقال: "هذا منقطع، قبيصة لم يدرك عمر". ثم أخرجه من طرق عن عمر بنحوه، وحكم بانقطاعها. (¬2) في المطبوع: "لا". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في "المغني" (9/ 220/ 7544). (¬5) في المطبوع: "لا يجوز قسمته"، وفي (أ): "لا يجوز قسمه"، وفي (ب) بدون تنقيط الأول من "يجوز".

أحمد في رواية غير واحد، وقيد ذلك [في "رواية أبي داود" بما] (¬1) إذا كان مالكه بالقرب (¬2). - (ومنها): إذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين؛ فهي لهم نص عليه أحمد، وقال في "رواية أبي طالب": ليس بين الناس اختلاف في ذلك، وهذا متنزل (¬3) على القول بالملك، فإن قيل: لا يملكونها؛ فهي لربها متى وجدها، وقاله أبو الخطاب في "انتصاره"، ونفى صاحب "المغني" الخلاف في المذهب [في المسألة] (¬4)، فكأنه ظن أن أبا الخطاب وافق عليها؛ فإنه لم يقف على "الانتصار"، ولعل مأخذه أن الشارع ملك الكافر بإسلامه ما في يده من أموال المسلمين بقوله من أسلم على شيء، فهو له؛ فهذا تمليك جديد يملكونها به لا بالاستيلاء الأول، واللَّه أعلم. وقد قيل: إن هذا يرجع إلى [أن] (¬5) كل ما قبضه الكافر من الأموال وغيرها قبضًا فاسدًا يعتقدون جوازه، فإنه يستقر لهم بالإسلام؛ كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها، ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين من النفوس والأموال بالإجماع. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "من رواية أبي داود فيما". (¬2) انظر: "رواية أبي داود" (ص 243). (¬3) في المطبوع: "يتنزل". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). وانظر: "المغني" (9/ 220/ 7545). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

- (ومنها): لو كان لمسلم أمتان أختان، فأبقت إحداهما إلى دار الحرب، فاستولوا عليها؛ فله وطء الباقية عنده لأن ملكه زال عن أختها، وقياس قول أبي الخطاب لا يجوز حتى يحرم الآبقة بعتق [و] (¬1) نحوه؛ لأنه يمنع من وطء إحدى الأختين ابتداءً [قبل تحريم] (¬2) الأخرى. - (ومنها): لو استولى العدو على مال مسلم ثم عاد [إليه] (¬3) بعد حول أو أحوال، فإن قلنا: ملكوه؛ فلا زكاة عليه لما مضى [من المدة] (¬4) بغير خلاف، وإن قلنا: لم يملكوه؛ فهل يلزمه زكاته لما مضى؟ على روايتين بناءً على زكاة المال المغصوب والضائع من ربه. - (ومنها): لو أعتق المسلم عبده الذي استولى عليه الكفار، فإن قلنا: ملكوه؛ لم يعتق، وإلا؛ عتق. - (ومنها): لو سبى الكفار أمة مزوجة بمسلم (¬5)، فإن قلنا: يملكونها؛ فالقياس أنه ينفسخ النكاح؛ لأنهم يملكون رقبتها ومنافعها، فيدخل فيه منفعة بضعها، فينفسخ نكاح زوجها كما ينفسخ نكاح الكافرة المسبية بسبينا (¬6) لها لهذا المعنى. ¬

_ (¬1) في المطبوع و (ب): "أو". (¬2) في (أ): "حتى تحرم". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في (ج): "لمسلم". (¬6) في المطبوع: "لسبينا".

ومن الأصحاب من علل انفساخ [نكاح] (¬1) الكافرة المسبية بالجهل ببقاء زوجها؛ فيكون كالمعدوم، وعلى هذا يمتنع انفساخ النكاح ها هنا، وأبو الخطاب منع من انفساخ النكاح بالسبي بكل حال، وهو قول شاذ يخالف (¬2) الكتاب والسنة. والعين المؤجرة كالأمة المزوجة سواء، فأما الزوجة الحرة؛ فلا ينفسخ النكاح بسببها؛ لأنهم لا يملكون الحرة بالسبي؛ فلا يملكون بضعها. وفي "مسائل ابن هانئ" عن أحمد: إذا سبيت المرأة ولها زوج ثم استنقذت؛ تعود إلى زوجها إن شاءت (¬3)، وهذا يدل على انفساخ النكاح بالسبي، ووجهه أن منافع الحر (¬4) في حكم الأموال، ولهذا تضمن بالغصب على رأي؛ فجاز أن تملك بالاستيلاء، بخلاف عينه (¬5)، لا سيما والاستيلاء سبب قوي يملك به ما لا يملك بالعقود الاختيارية، ولهذا يملكون به المصاحف والرقيق المسلمين (¬6) ويملكون به [أم] (¬7) الولد على رواية؛ فجاز أن يملكوا به منفعة بضع الحرة، ولا يلزم من ذلك إباحة وطئها لهم؛ لأن ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع و (ج): "مخالف". (¬3) في "مسائل ابن هانئ" (2/ 124/ 1712): "سألت أبا عبد اللَّه عن امرأةٍ من أهل الشرك يهودية، سباها المشركون، فظهر المسلمون عليها، فاستنفذوها من أيديهم إلى من ترد؟ قال: ترن إلى ذمتها وإلى أهل دينها" اهـ. (¬4) في المطبوع و (ج): "الحرة". (¬5) في المطبوع: "غيره". (¬6) في المطبوع: "المسلم". (¬7) في المطبوع: "كأم".

تصرفهم في أموال المسلمين لا يباح لهم؛ وإن قيل: إنهم يملكونها، وعلى هذا، فلو سبوا حرًّا (¬1) مستأجرًا لمسلم! انفسخت الإجارة أيضًا. وقد تأول الآمدي قول أحمد: "ترجع إليه إن شاءت" على أن المراد إن شاءت ترجع إليه في العدة من وطء (¬2) أهل الحرب، وإن شاءت اعتدت في موضع آخر؛ لأن العدة ليست بحق له، وإنما هي حق عليها [لزمها من] (¬3) غير جهته، ولا يخفى بعد هذا التأويل من كلام أحمد وأن كلامه لا يدل عليه بوجه. - (ومنها): لو استولى الكفار على مدبر لمسلم ثم عاد إلى سيده؛ فهل يبطل تدبيره؟ إن قلنا: إنهم لم يملكوه؛ لم يبطل، وإن قلنا: ملكوه؛ انبنى على أن المدبر إذا زال الملك فيه؛ فهل يبطل التدبير أم لا؟ على روايتين (¬4)، وجزم ابن أبي موسى ببطلانه ها هنا، فأما المكاتب؛ فلا تبطل كتابته لأنه يجوز بيعه ويبقى على كتابته، وكذلك المرهون؛ لأن الملك ينتقل فيه بالإرث وغيره، والرهن باقٍ. - (سؤال): عندكم الكافر لا يملك انتزاع ملك المسلم بالشفعة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أجيرًا". (¬2) في المطبوع: "في العدة في من"! (¬3) في المطبوع: "لزمها في"، وفي (ب): "لربها من". (¬4) في هامش (ب) كتت: "الصحيح: عدم البطلان؛ لأنه إذا عاد إليه؛ عاد التدبير".

قهرًا مع أنها معاوضة (¬1)؛ فكيف يملك عليه قهرًا بغير عوض؟ - ([و] (¬2) الجواب عنه): إن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بمجرد الاستيلاء على المنصوص عن أحمد، بل بالحيازة إلى دارهم؛ فعلى هذا لا يثبت لهم تملك في دار الإسلام، وعلى الرواية الأخرى المخرجة أنهم يملكونها (¬3) بمجرد الاستيلاء؛ فالمستولى عليه إما أن يكون عقارًا؛ فلا يتصور استيلاؤهم (¬4) عليه الا بمصير الدار دار حرب؛ فلا ملك لهم في دار الإِسلام [أيضًا] (¬5)، وإما أن يكون منقولًا؛ فالمنقول يخالف حكمه حكم العقار لأن العقار يختص بدار الإسلام والكافر ملتجئ إليها [ومستذم] (¬6) ومتحقن (¬7) بها، وليس من أهلها بالأصالة؛ فهو كالمستأجر مع المالك (¬8)، ولهذا يمنع الكافر من إحياء موات (¬9) في دار الإسلام على قول، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "معلومة". قال ابن القيم في "أحكام أهل الذّمة" (1/ 291): "لم يثبت عن واحدٍ من السلف لهم -أي: للمشركين وأهل الكتاب- حق شفعة على مسلم، وأخذ بذلك الإمام أحمد، وهي من مفرداته التي برز بها على الثلاثة. . . " وأسهب في نصرته والتدليل عليه. (¬2) ما بين المعقوفتين من (ج). (¬3) في المطبوع: "يملكون". (¬4) في (أ): "استيلاءهم"! (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬7) في المطبوع و (ج): "ومتحصن". (¬8) في المطبوع: "المالكين". (¬9) في المطبوع: "الموات".

مع أنه زيادة عمارة، وليس الموات ملكًا (¬1) لمعين من المسلمين؛ فكيف يمكن من انتزاع ملك المسلم المعين؟! وإذا كان المسلم يباح له (¬2) مزاحمة الكافر فيما ثبت له فيه حق رغبة وإبطال حقه منه بعد سبقه إليه بالخطبة على خطبته والسوم على سومه؛ كما نص عليه أحمد استدلالًا بالحديث؛ فكيف يمكن من نقص ملك المسلم وانتزاعه منه قهرًا بعد ثبوت الملك له؟! هذا باطل قطعًا، وهذا أحسن من الاستدلال بقوله: وإذا لقيتموهم في طريق؛ فاضطروهم (¬3) إلى أضيقه (¬4)، ¬

_ (¬1) في (ج): "ليس تمليكًا". (¬2) في (ج): " يجوز له". (¬3) في المطبوع: "فاضطرهم"! (¬4) أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يردّ عليهم، 4/ رقم 2167)، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم 1103، 1111)، والترمذي في "الجامع" (أبواب السير، باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب، 4/ رقم 1602) -وقال: "حديث حسن صحيح"-، وأبو داود في "السنن" (كتاب الأدب، باب في السلام على أهل الذمة، 4/ رقم 5205)، وأحمد في "المسند" (2/ 263، 266، 346، 444، 459، 525)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (337)، والخلال في "جامعه" (2/ رقم 1106 - أحكام أهل الملل والرّدّة)؛ عن أبي هريرة بألفاظ، المذكور أحدها. ومعنى قوله: "فاضطروهم إلى أضيقه": "لا تنحُّوا لهم عن الطريق الضيق إكرامًا لهم واحترامًا، وليس المعنى: إذا لقيتموهم في طريق واسع، فألجئوهم إلى حَرْفِهِ حتى يضيق عليهم؛ لأن ذلك أذى منا لهم، وقد نّهينا عن أذاهم بغير سبب. قاله القرطبي في "المفهم" (5/ 490 - ط ابن كثير)، ونقله ابن حجر في "الفتح" (11/ 31).

18 - الثامنة عشرة

مع أني لم أر أحدًا استدل به، وقد استدل أحمد بحديث الطريق (¬1) وبالأمر بإخراجهم من جزيرة العرب (¬2). 18 - [الثامنة عشرة] (¬3) الغنيمة؛ هل تملك بالاستيلاء المجرد، أم لا بد معه من نية التملك (¬4)؟ ¬

_ (¬1) لعله يريد حديث أبي هريرة؛ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا اختلفتم في الطُّرُقِ؛ فدعوا سبعةَ أذرُع". أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب المظالم، باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء، رقم 2473)، ومسلم في "الصحيح" (كتاب المساقاة، باب قدر الطريق إذا اختلفوا، رقم 1613)، وغيرهما. (¬2) يشير المصف إلى ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الجهاد والسير، 4/ رقم 1767)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة" (8/ 16) -، والترمذي في "الجامع" (أبواب السير، باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، رقم 1606، 1607)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب، رقم 3030)، وعبد الرزاق في "المصنف" (رقم 9985)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (12/ 345)، وأحمد في "المسند" (1/ 29، 32 و 3/ 345) -ومن طريقه الخلال في "الجامع" (1/ رقم 138) -، والطحاوي في "المشكل" (4/ 12)، وأبو عبيد في "الأموال" (270، 271)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 274)، والبيهقي في "الكبرى" (9/ 207)، والبغوي في "شرح السنة" (رقم 2756)؛ عن عمر: أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لأُخْرِجَنَّ اليهودَ والنَّصارى من جزيرة العرب؛ حتى لا أدَعَ إلا مُلسمًا". لفظ مسلم. وانظر: "مسند الفاروق" (2/ 487) لابن كثير. وانظر في المسألة وأقوال العلماء فيها: "أحكام أهل الذّمة" (2/ 291 وما بعدها). (¬3) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬4) في المطبوع: "التمليك".

المنصوص عن أحمد وعليه أكثر الأصحاب أنها تملك بمجرد الاستيلاء وإزالة أيدي الكفار عنها، وهل يشترط مع ذلك فعل الحيازة كالمباحات أم لا؟ [على وجهين، و] (¬1) قال القاضي في "خلافه": لا يملك بدون احتياز التملك (¬2)، وتردد في الملك قبل القسمة؛ هل هو باقٍ للكفار، أوأن ملكهم انقطع عنها؟ وينبني على هذا الاختلاف (¬3) فوائد عديدة: - (منها): جريانه في حول الزكاة، فإن كانت الغنيمة أجناسًا؛ لم ينعقد عليها حول بدون القسمة وجهًا واحدًا؛ لأن حق الواحد منهم [لم] (¬4) يستقر في جنس معين، وإن كانت نجسًا واحدًا، فوجهان: أحدهما: ينعقد الحول عليها (¬5) بالاستيلاء بناءً على حصول الملك به. قاله القاضي في "المجرد" وابن عقيل. والثاني: لا ينعقد بدون القسمة، قاله القاضي في "خلافه"، وحكاه عن أبي بكر، وبناه على أن الملك لا يثبت فيها بدون اختيار التملك لفظا، وهذا بعيد؛ لأن أبا بكر يقول بنفوذ العتق قبل القسمة، ولأنه لو كان كذلك؛ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "الملك". (¬3) في المطبوع: "الخلاف". (¬4) في (ج): "لا". (¬5) في (ج): "بدون".

لانعقد الحول عليها باحتياز التملك دون (¬1) القسمة؛ إذ القسمة [بمجردها لا تفيد] (¬2) الملك عند القاضي، وإنما مأخذ أبي بكر أن استحقاق الغانمين ليس على وجه الشركة المحضة، ولذلك لا يتعين حق [أحدهم في شيء منها] (¬3) بدون حصوله له بالقسمة؛ فلا ينعقد عليها الحول قبلها؛ كما لو كانت أصنافًا. - (ومنها): لو أعتق أحد الغانمين رقيقًا من المغنم بعد ثبوت رقه، أو كان [فيهم] (¬4) من يعتق عليه بالملك؛ عتق إن كان بقدر حقه، وإن كان حقه دونه؛ فهو كمن أعتق شقصًا [من عبد] (¬5)، نص عليه [أحمد] (¬6) في "رواية المروذي" و"ابن الحكم"، واختاره أبو بكر والقاضي في "المجرد"، وقال في "الخلاف": لا يعتق حتى يسبق تملكه لفظًا، ووافقه أبو الخطاب في "انتصاره"، لكنه (¬7) أثبت الملك بمجرد قصد التملك، واختار صاحب "المحرر" المنصوص فيما إذا كانت الغنيمة جنسًا واحدًا (¬8)، وقول القاضي فيما إذا كانت أجناسًا كما سبق في الزكاة. وفي "الإرشاد" لابن أبي موسى: إن أعتق جارية معينة قبل القسمة؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "عليهما". (¬2) في المطبوع: "مجردها لا يفيد"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) في المطبوع: "أحد منهم في شيء منهما". (¬4) في (أ): "لهم". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين انفرد به (أ). (¬7) في المطبوع: "ولكنه". (¬8) انظر: "المحرر" (2/ 178).

لم يعتق، فإن حصلت له بعد ذلك بالقسمة؛ عتقت. قال: وإن كان في السبي من يعتق عليه بالملك؛ عتق عليه إن كان بقدر حصته، وإلا؛ عتق منه بقدر حصته؛ فكأنه جعله عتقًا قهريًّا؛ كالإرث، وفرق بينه وبين العتق الاختياري. - (ومنها): لو استولد أحد الغانمين جارية من السبي قبل القسمة؛ فالمنصوص أنها تصير أم ولد له، ويضمن لبقية الغانمين حقوقهم منها، وقال القاضي في "خلافه": لا تصير مستولدة [له] (¬1)، وإنما يتعين حقه فيها؛ لأن حملها بحر يمنع بيعها [وقسمتها] (¬2)، وفي تأخير قسمتها حتى تضع ضرر على أهل الغنيمة؛ فوجب تسليمها إليه من حقه، وهذا بعيد جدًّا. ولأبي الخطاب في "انتصاره" طريقة أخرى: وهي أنه إنما نفذ استيلادها لشبهة الملك فيها؛ وإن لم ينفذ إعتاقها كما ينفذ استيلاد (¬3) [الأب في أمة ابنه] (¬4) دون اعتاقها، وهو أيضًا ظاهر ما ذكره صاحب "المحرر"، وحكى في "تعليقه على الهداية" احتمالًا آخر بالفرق بين أن تكون الغنيمة جنسًا واحدًا أو أجناسًا كما ذكره في العتق. - (ومنها): لو أتلف أحد الغانمين (¬5) شيئًا من الغنيمة قبل القسمة، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ليس في (ب) ولا (ج). (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (أ): "استيلاء"، وفي (ج) من المطبوع. (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الابن في أمة أبيه"! (¬5) في (ج): "أحد من الغانمين".

فإن قلنا: الملك ثابت فيها؛ فعليه ضمان نصيب شركائه خاصة، ونص عليه أحمد في الاستيلاد، وإن قلنا: لم يثبت الملك فيها؛ فعليه ضمان جميعها. - (ومنها): لو أسقط الغانم حقه قبل القسمة؛ ففيه طريقان: أحدهما: إنه مبني على الخلاف، فإن قلنا: ملكوها (¬1)؛ لم يسقط الحق بذلك، وإلا؛ سقط، وهو ظاهر ما ذكره القاضي في "خلافه". والثاني: يسقط على القولين؛ لضعف الملك وعدم استقراره، وهو [ما ذكر صاحبا "الترغيب" و"المحرر"] (¬2). - (ومنها): لو مات أحدهم قبل القسمة والاحتياز (¬3)؛ فالمنصوص أن حقه ينتقل إلى ورثته، وظاهر كلام القاضي أنه وافق على ذلك، وجعل الموروث (¬4) هو الحق دون المال، وفي "الترغيب": إن قلنا: لا يملك بدون الاحتياز (3)، فمن مات قبله؛ فلا شيء له ولا يورث عنه؛ كحق الشفعة، ويحتمل أن يقال على هذا: يكتفي بالمطالبة في ميراث الحق؛ كالشفعة. - (ومنها): لو شهد أحد الغانمين بشيء من المغنم قبل القسمة، فإن ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يملكونها". (¬2) في المطبوع: "ما ذكره صاحب "المحرر" و"الترغيب"، وفي (ج): "ما ذكره صاحب "الترغيب" و"المحرر"". وانظر: "المحرر" (2/ 178). (¬3) في (ب) و (ج): "الاختيار". (¬4) في المطبوع: "المورث".

19 - التاسعة عشرة

قلنا: قد ملكوا (¬1)؛ لم يقبل؛ كشهادة أحد الشريكين للآخر، وإن قلنا: لم يملكوا؛ قبلت، ذكره القاضي في "خلافه"، قال الشيخ تقي الدين: وفي قبولها نظر؛ وإن قلنا: لم يملكوا لأنها شهادة تجر نفعًا (¬2). قلت: هذا ذكره القاضي في مسألة ما إذا وطئ أحد الغانمين جارية من المغنم، وذكر في مسألة السرقة من بيت المال والغنيمة أنه لا يقبل (¬3). شهادة أحد الغانمين بمال الغنيمة مطلقًا، وهو الأظهر، [واللَّه أعلم] (¬4). 19 - [التاسعة عشرة] (¬5) القسمة؛ هل هي إفراز أو بيع؟ المذهب أن [قسمة الاجبار -وهي ما لا يحصل فيه رد عوض من أحد الشريكين ولا ضرر عليه] (¬6) - إفراز لا بيع، وذهب ابن بطة إلى أنها كالبيع في أحكامه، [وحكى الآمديُّ روايتين] (¬7)، [فأما ما كان فيه رد عوض؛ فهي بيع، و] (¬8) قال الشيخ مجد الدين: الذي يتحرر عندي فيما فيه رد أنه بيع فيما يقابل الرد، وإفراز في الباقي؛ لأن أصحابنا قالوا في قسمة الطلق عن ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ملكوه". (¬2) وردت عدة أحاديث فيها عدم قبول شهادة مَنْ جَرّ إلى نفسه بشهادته نفعًا. سقتها وتخريجها في تعليقي على "الموافقات" (4/ 65 - 66) للشاطبي؛ فانظره غير مأمور. (¬3) في (أ) بدون نقط، وفي (ب): "لا نقبل"، وفي (ج): "لا تقبل". (¬4) ما بين المعقوفتين انفرد بها (أ). (¬5) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "القسمة". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي (ب): "وحكى الآمديُّ روايتان". (¬8) ما بين المعقوفتين انفرد بها (ج).

الوقف: إذا كان فيها رد من جهة صاحب الوقف؛ جاز لأنه يشترى [به] (¬1) الطلق، وإن كان من (¬2) جهة صاحب الطلق؛ لم يجز. ويتفرع على الاختلاف في كونها إفرازًا أو بيعًا فوائد كثيرة: - (منها): لو كان بينهما ماشية مشتركة، [فقسماها] (¬3) في أثناء الحول، واستداما خلطة الأوصاف، فإن قلنا: القسمة إفراز؛ لم ينقطع الحول بغير خلاف، وإن قلنا: بيع؛ خرج على بيع الماشية بجنسها في أثناء الحول؛ هل يقطعه أم لا؟ - (ومنها): إذا تقاسما وصرحا بالتراضي واقتصرا على ذلك؛ فهل يصح؟ إن قلنا: هي إفراز؛ صحت، وإن قلنا: [هي] (¬4) بيع؛ فوجهان ذكرهما (¬5) صاحب "الترغيب"، وكان مأخذهما الخلاف في اشتراط الإيجاب والقبول، وظاهر كلامه أنس تصح بلفظ القسمة على الوجهين، ويتخرج أن لا تصح (¬6) من الرواية التي حكاها في "التلخيص" باشتراط لفظ البيع والشراء في البيع. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في المطبوع: "في". (¬3) في المطبوع: "فاقتسماها"، وفي (ج): "فقسما". (¬4) ما بين المعقوفتين من (أ). (¬5) في المطبوع: "حكاهما". (¬6) في المطبوع: "لا يصح".

- (منها): لو تقاسموا ثمر النخل والعنب على الشجر، [أو] (¬1) الزرع المشتد (¬2) في سنبله خرصًا، أو الربويات على ما يختارون من كيل أو وزن، فإن قلنا: هي إفراز؛ جاز، ونص عليه أحمد في رواية الأثرم في جواز القسمة بالخرص، وإن قلنا: [هي] (¬3) بيع؛ لم يصح، وفي "الترغيب" إشارة إلى خلاف في الجواز مع القول بالإفراز (¬4)، وكذلك لو تقاسموا الثمر على الشجر قبل صلاحه بشرط التبقية؛ فيجوز على القول بالإفراز (4) دون البيع. -[(ومنها): لو تقاسموا أموالًا ربويّة (¬5)؛ جاز أن يتفرقوا قبل القبض على القول بالإفراز (4)، ولم يجز على القول بالبيع] (¬6). - (ومنها): لو كان بعض العقار وقفًا وبعضه طلقًا، وطلب أحدهما القسمة؛ جازت إن قلنا: هي إفراز (¬7)، وإن قلنا: بيع؛ لم يجز لأنه بيع للوقف، فأما إن كان الكل وقفًا؛ فهل تجوز (¬8) قسمته؟ فيه طريقان: ¬

_ (¬1) في (ب): "و". (¬2) في المطبوع: "المشتمل"! (¬3) ما بين المعقوفتين من (ج). (¬4) في (أ): "بالإقرار"! (¬5) في (ج): "أموال ربويات". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬7) في (أ): "إقرار"! (¬8) في المطبوع و (ب): "يجوز".

أحدهما: إنه كإفراز الطلق من الوقف سواء، وهو المجزوم به في "المحرر" (¬1). والثاني: إنه [لا تصح القسمة] (¬2) على الوجهين جميعًا على الأصح، وهي طريقة "الترغيب"، وعلى القول بالجواز؛ فهو مختص بما إذا كان [وقفًا] (¬3) على جهتين (¬4) لا على جهة واحدة، صرح به الأصحاب، نقله الشيخ تقي الدين (¬5). - (منها) قسمة المرهون كله أو بعضه (¬6) مشاعًا، إن قلنا: هي إفراز (¬7)، صحت (¬8)، وإن قلنا: بيع؛ لم تصح (¬9)، ولو استضر (¬10) بها المرتهن بأن (¬11) رهنه أحد الشريكين حصته (¬12) من بيت (¬13) معين من دار، ثم اقتسما ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر" (2/ 215). (¬2) في المطبوع: "لا يصح قسمته"، وفي (أ) و (ب): "لا يصح القسمة". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) في (ج): "وجهة"! (¬5) انظر: "الاختيارات الفقهية" (350 - 351). (¬6) في المطبوع: "أو نصفه". (¬7) في (أ): "إقرار". (¬8) في المطبوع: "صحة". (¬9) في (أ): "لم يصح". (¬10) في المطبوع: "استقر". (¬11) في المطبوع: "فإن". (¬12) في (أ): "حصة". (¬13) في المطبوع: "حق".

فحصل البيت في حصة شريكه؛ فظاهر كلام القاضي أنه لا يمنع منه على القول بالإفراز (¬1)، [و] (¬2) قال صاحب "المغني": يمنع منه (¬3). - (ومنها): إذا اقتسما أرضًا، فبنى أحدهما في نصيبه وغرس، ثم استحقت الأرض، فقلع (¬4) غرسه وبناؤه، فإن قلنا: هي إفراز (¬5)؛ لم يرجع على شريكه، وإن قلنا: بيع؛ رجع عليه بقيمة النقص (¬6) إذا كان عالمًا بالحال دونه، ذكره في "المغني" (¬7)، وجزم القاضي بالرجوع عليه مع قوله: إن القسمة إفراز (5). - (ومنها): ثبوت الخيار فيها، وفيه (¬8) طريقان: أحدهما: ينبني على الخلاف، فإن (¬9) قلنا: إفراز (5)؛ لم يثبت فيها خيار، وإن قلنا: بيع؛ ثبت، وهو المذكور في "الفصول" و"التلخيص"، وفيه ما يوهم اختصاص الخلاف [بخيار] (¬10) المجلس، فأما (¬11) خيار ¬

_ (¬1) في (أ): "بالإقرار". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) انظر: "المغني" (4/ 261/ 3396). (¬4) في المطبوع: "يقلع". (¬5) في (أ): "إقرار". (¬6) في المطبوع: "القبض". (¬7) (10/ 151/ 8322). (¬8) في (ج): "وفيها". (¬9) في المطبوع و (ب): "وإن". (¬10) في المطبوع: "في خيار". (¬11) في (ب): "وأما".

الشرط (¬1)؛ فلا يثبت فيها على الوجهين. والثاني: يثبت فيها خيار المجلس وخيار الشرط على الوجهين [جميعًا] (¬2)، قاله القاضي في "خلافه" معللًا بأن ذلك جعل للارتياء [فيما] (¬3) فيه الحظ، وهذا المعنى موجود في القسمة. قال (¬4) الشيخ تقي الدين: وهذا صريح في أن قسمة التراضي إفراز؛ لأن قسمة الإجبار لا معنى لثبوت الخيار فيها؛ إذ في كل لحظة يملك الإجبار؛ فلا ينفع (¬5) ثبوت الخيار في فسخها. وذكر أيضًا أنه حيث وجبت القسمة؛ فينبغي أن تكون لازمة؛ لأن أحدهما إذا (¬6) فسخها؛ كان للآخر مطالبته بإعادتها؛ فلا فائدة فيه، وقد يكون فيه ضرر على أحدهما؛ فإنه قد يتصرف (¬7) فيما حصل له ولغيره (¬8)، فإذا نقضت (¬9) القسمة؛ تضرر (¬10) بذلك ولم يحصل له الانتفاع، ولا سيما إن تكرر ذلك من شريكه [مضاررة] (¬11). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المجلس"! (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) في (ج): "بما". (¬4) في المطبوع: "وقال". (¬5) في المطبوع: "فلا يقع"، وفي (ب): "فلا يمنع". (¬6) في المطبوع: "لو". (¬7) في (ب): "يتصف". (¬8) في (أ): "وبغيره". (¬9) في المطبوع: "انقضت". (¬10) في المطبوع: "تقرر"! (¬11) ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي المطبوع و (ج): "مضارة".

قلت: ويشهد لهذا ما ذكره القاضي في "خلافه" في المعسر (¬1) بالنفقة إذا طلق الحاكم عليه رجعيًّا ثم ارتجع من غير يسار تجدد (¬2) له؛ أنه لا تصح (¬3) رجعته؛ لما فيه من اعادة الضرر الذي أزلناه بالطلاق، وقال ابن عقيل في "عمد الأدلة" وصاحب "المغني": له الرجعة، فإذا ارتجع؛ عادت المطالبة [له] (¬4)، فإن [أبي] (¬5)؛ طلق عليه حتى يستوفي الطلاق الثلاث (¬6)، وأخذه ابن عقيل من المولى (¬7) إذا طلق في أثناء المدة بعد طلب [الفيئة] (¬8) طلاقًا رجعيًّا، فإن له الرجعة (¬9)، ويطالب بـ[الفيئة] (8) ثانيًا، والقاضي يفرق بينهما بأن رجعة المولي أقرب إلى حصول مقصود المرأة من الفيئة من حال العدة (¬10) الجارية إلى البينونة، بخلاف رجعة المعسر (¬11)، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المعنيين". (¬2) في المطبوع: "تحدد"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬3) في المطبوع: "لا يصح". (¬4) في (ب): "لها". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) قال في "المغني" (8/ 165/ 6476): "فأما إن أجبره الحاكم على الطلاق، فطلق أقل من ثلاث، فله الرجعة عليها ما دامت في العدة، فإن راجعها وهو معسر، أو امتنع من الإنفاق عليها، ولم يمكن الأخذ من ماله؛ فطلبت المرأة الفسخ؛ فللحاكم الفسخ لأن المقتضي له باقٍ أشبه ما قبل الطلاق" اهـ. (¬7) في المطبوع: "من المولى عليه". (¬8) في (أ): "الغنيمة"، وفي (ب): "الفئة". (¬9) في المطبوع: "رجعتها". (¬10) في (ج): "حال العسرة". (¬11) في (ج): "رجعة الموسر".

ولكن لا يتوجه على قول ابن عقيل التمكين من فسخ قسمة الإجبار هنا؛ لأن الضرر في الطلاق لا يتأبد لأنه محدود بثلاث مرات، بخلاف ضرر الفسخ هنا؛ فإنه لا نهاية له (¬1). وذكر الشيخ تقي الدين أن المولي إذا طلق؛ لم يمكن (¬2) من الرجعة إلا بشرط أن يفيء (¬3)؛ لأن أصل الرجعة إنما أباحها اللَّه لمن أراد الإصلاح؛ فكيف بالمولي الذي يظهر (¬4) منه قصد الإضرار؟! فلا يمكن من الرجعة بدون شرط الفيئة؛ [لئلا يكون] (¬5) ارتجاعه زيادة في الإِضرار. وذكر في "الكافي" في هذه المسألة أنهما إن اقتسما بأنفسهما؛ لم تلزم (¬6) القسمة إلا بتراضيهما وتفرقهما (¬7)؛ كالبيع، وإن قسم بينهما الحاكم أو قاسمه أو عدل (¬8) عالم نصباه (¬9) بينهما؛ لزمت قسمته بغير رضاهما؛ إلا ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فإنه يكون لا نهاية له". (¬2) في المطبوع: "لم يكن". (¬3) قال شيخ الإسلام في "الاختيارات الفقهية" (ص 275 - 276): "وإذا لم يفيء وطلق بعد المدة أو طلق الحاكم عليه؛ لم يقع إلا طلقة رجعية، وهو الذي يدل عليه القرآن، ورواية عن أحمد، فإذا راجع؛ فعليه أن يطأ عقب هذه الرجعة إذا طلبت ذلك منه، ولا يمكَّن من الرجعة إلا بهذا الشرط، ولأن اللَّه إنما جعل الرجعة ان أرادا إصلاحًا بقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228] ". (¬4) في (ب): "ظهر". (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "لأن"! (¬6) في المطبوع: "لم يلزم". (¬7) في (أ): "ومعرفتهما". (¬8) في (ج): "أو رجل". (¬9) في المطبوع: "نصفاه"!

أن يكون فيها رد؛ فوجهان نظرًا إلى أنها بيع، فيقف (¬1) على الرضا، وإلى أن [القاسم كالحاكم] (¬2)، وقرعته كحكمه (¬3). - (ومنها): ثبوت الشفعة بها (¬4)، وفيه طريقان: أحدهما: بناؤه على الخلاف، فإن قلنا: إفراز (¬5)؛ لم يثبت، [وإن قلنا: بيع] (¬6)؛ ثبت، وهو ما ذكره السامري في باب الربا. والثاني: لا يوجب الشفعة على الوجهين، قاله القاضي وصاحب "المحرر"؛ لأنه لو ثبت لأحدهما على الآخر؛ لثبت للآخر عليه، فيتنافيان، ومنها قسمة المتشاركين في الهدي والأضاحي اللحم، فإن قلنا: إفراز؛ جازت، وإن قلنا: بيع؛ لم تجز (¬7)، وهذا ظاهر كلام الأصحاب. - (ومنها): لو حلف لا يبيع، فقاسم، فإن قلنا: القسمة بيع؛ حنث، وإلا؛ فلا، ذكره الأصحاب، وقد يقال: الأيمان محمولة على العرف، [ولا] (¬8) نسمى القسمة بيعًا في العرف؛ فلا يحنث بها ولا بالحوالة ولا بالإقالة، وإن قبل (¬9): هي بيوع. ¬

_ (¬1) في (ج): "فتقف". (¬2) في المطبوع: "المقاسم كالحاكم"، وفي (ب): "القاسم حاكم". (¬3) انظر: "الكافي" (4/ 475). (¬4) في المطبوع: "فيها". (¬5) في (أ): "إقرار". (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وإلا". (¬7) في المطبوع: "لم يجز"، وفي (أ) بدون تنقيط. (¬8) في (ج): "فلا". (¬9) في (ج): "وإن قلنا".

- (ومنها): لو اقتسم الورثة التركة (¬1)، ثم ظهر على الميت دين أو وصية، فإن قلنا: هي إفراز (¬2)؛ فالقسمة باقية على الصحة (¬3)، وإن قلنا: بيع؛ فوجهان بناءً على الخلاف في بيع التركة المستغرقة بالدين، وقد سبق. - (منها): لو ظهر في القسمة غبن فاحش، فإن قلنا: هي افراز (2)؛ لم يصح لتبين فساد الإفراز، وإن قلنا: بيع؛ صحت وثبت فيها خيار الغبن [في البيع] (¬4)، ذكره في "الترغيب" [والبلغة] (¬5). - (ومنها): لو اقتسما دارًا نصفين [ثم] (4) ظهر بعضها مستحقًّا، فإن قلنا: القسمة افراز (¬6)؛ انتقضت القسمة لفساد الإفراز (¬7)، وإن قلنا: بيع؛ [لم تنتقض، ورجع] (¬8) على شريكه بقدر حقه في المستحق إذا (¬9) قلنا بذلك في تفريق الصفقة؛ كما لو اشترى دارًا فبان بعضها مستحقًّا، ذكره الآمدي، وفي "المحرر": إن [كان] (¬10) المستحق معينًا وهو في الحصتين؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "العقار". (¬2) في (أ): "إقرار". (¬3) في (ب): "الصحيح". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "وقيده بقسمة القراض". (¬6) في المطبوع: "فراز"، وفي (أ): "إقرار"! (¬7) في (أ): "الإقرار". (¬8) في المطبوع: "لم ينتقض ويرجع"، وفي (ج): "لم تنتقض ويرجع". (¬9) في المطبوع و (ج): "كما إذا". (¬10) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

فالقسمة بحالها (¬1)، ولم يحك خلافًا، وذكر صاحب "الكافي" احتمالًا بالبطلان (¬2) بناءً على عدم تفريق الصفقة إذا قلنا: هي بيع، وإن كان المستحق معينًا في إحدى الحصتين، أو شائعًا فيهما (¬3)، أو في إحديهما (¬4)؛ فثلاثة أوجه في "المحرر": أحدها: (¬5) تبطل. والثاني: لا تبطل. والثالث: تبطل بالاشاعة في إحديهما خاصة (¬6)، وهو ظاهر كلام [صاحب "المغني"] (¬7). والأول اختار القاضي وابن عقيل مع قولهما بتفريق الصفقة، [قال الشيخ مجد الدين: والوجهان الأولان فرع على قولنا بتفريق الصفقة في البيع] (¬8)، فأما إن قلنا: لا تتفرق (¬9) هناك، بطلت ها هنا وجهًا واحدًا، ¬

_ (¬1) ولفظ "المحرر" (2/ 218): "وإذا تقاسما، ثم استحق من الحصتين شيء معين؛ فالقسمة بحالها في الباقي". (¬2) انظر: "الكافي" (3/ 476). (¬3) في (ب): "فيها". (¬4) في المطبوع: "أحدها"، وفي (ب) و (ج): "إحداهما". (¬5) في (ب): "إحداها". (¬6) في (ب): "في إحداهما خاصة". وانظر: "المحرر" (2/ 218). (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "القاضي". وانظر: "المغني" (10/ 151/ 8322). (¬8) في المطبوع: "المبيع". (¬9) في المطبوع: "لا تفريق".

[وفي] (¬1) "البلغة": إذا ظهر بعض حصة أحدهما مستحقًّا؛ انتقضت القسمة، وإن [ظهر في حصتهما] (¬2) على استواء النسبة [وكان معينًا] (¬3): لم ينتقض [إذا عللنا فساد] (¬4) تفريق الصفقة بالجهالة، وإن عللناه باشتمالها على [ما لا] (¬5) يجوز؛ بطلت، وإن كان المستحق مشاعًا؛ انقضت القسمة في الجميع على أصح الوجهين. - (ومنها): إذا مات رجل وزوجته حامل، وقلنا: لها السكنى، فأراد الورثة قسمة المسكن قبل انقضاء العدة من غير إضرار بها بأن يعلموا الحدود بخط أو نحوه [من غير] (¬6) نقص ولا بناء؛ ففي "المغني": يجوز ذلك (¬7)، ولم ينبه على الخلاف في القسمة، مع أنه قال: لا يصح بيع المسكن في هذه الحال؛ لجهالة مدة الحمل المستثناة فيه حكمًا، وهذا يدل على أن [مثل] (8) هذا يغتفر في القسمة على الوجهين، ويحتمل أن يقال متى قلنا: القسمة بيع، وإن بيع هذا المسكن [لا] (¬8) يصح؛ لم تصح القسمة. ¬

_ (¬1) في (ب): "أو في". (¬2) في المطبوع: "ظهرت حصتها". (¬3) في (أ): "فإن كان معينًا"، وفي (ج): "وكان معللًا". (¬4) في المطبوع: "وإذا عللنا بفساد". (¬5) في (أ): "ما" فقط. (¬6) في المطبوع: "بغير". (¬7) انظر: "المغني" (8/ 128/ 6394). (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

- (ومنها): قسمة الدين في ذمم الغرماء، فإن قلنا: [إن] (¬1) القسمة إفراز (¬2)؛ صحت، وإن قلنا: بيع؛ لم تصح. وقد حكى الأصحاب في المسألة روايتين، وهذا البناء يتوجه (¬3) على طريقة من طرد الخلاف في قسمة التراضي؛ كالشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه تعالى] (¬4) مع أنه يميل إلى دخول الإجبار في قسمة الديون (¬5) على الغرماء المتقاربين في الملاءة؛ لأن الذمم عندنا تتكافأ بدليل الإجبار على قبول الحوالة على المليء (¬6). وخص القاضي وابن عقيل الروايتين بما إذا كان الدين في ذمتبن فصاعدًا، فإن كان في ذمة [واحدة] (¬7)؛ لم تصح قسمته رواية واحدة، وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين، ويشهد لقوله أن القاضي في "خلافه" قال: إذا قبض أحد الشريكين من الدين بإذن شريكه؛ اختص بما قبضه، وفرق [في موضع آخر] (¬8) بين الدين الثابت بعقد؛ فيختص أحد الشريكين بما قبضه منه ولو بغير إذن [شريكه] (¬9)، وبين الثابت بإرث ونحوه؛ فلا يختص، وقد ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد بها (ج). (¬2) في (أ): "إقرار"! (¬3) في المطبوع: "متوجه". (¬4) ما بين المعقوفتين انفرد بها (ج)، وفي (ب): "رحمه اللَّه". (¬5) في المطبوع: "الدين". (¬6) انظر: "الاختيارات الفقهية" (ص 350). (¬7) في المطبوع: "واحد"! (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬9) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

نص أحمد في "رواية ابن منصور" على الاشتراك في ثمن الطعام المشترك، ونص في روايته [أيضًا] (¬1) على جواز القسمة بالتراضي في الذمة الواحدة. وسلك صاحب "المغني" (¬2) في توجيه الروايتين في المسألة طريقة ثانية، وهي أن قبض أحد الشريكين من الدين المشترك؛ هل هو قسمة للدين أو تعيين [لحقه] (¬3) بالأخذ؛ كالإبراء؟ فإن قلنا: هو قسمة؛ لم يجز لأحدهما الانفراد بالقبض، فإن أذن الشريك فيه؛ فوجهان: أحدهما: يصح، وينفرد به القابض؛ لأن الحق لشريكه، وقد أسقطه. والثاني: لا يصح، وهو قول أبي بكر؛ لأن حق الشريك في الذمة [لا في عين المال؛ فلا ينفع إذنه في قبض الأعيان، وفيه ضعف؛ فإن الأعيان هي متعلق حقه، وكذلك (¬4) يتعلق حقوق غرماء المفلس بماله، وإن قلنا: ليس القبض قسمة؛ جاز لأن حق الشريك في الذمة] (¬5)، [و] (¬6) لا ينتقل إلى العين إلا بقبض الغريم أو وكيله، فقبض الشريك [لنفسه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في "المغني" (5/ 48/ 3729). (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬4) في (ب): "ولذلك". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) ما بين المعقوفتين ليس في (أ).

تعيين] (¬1) لحقه لا غير؛ فيختص به دون شريكه، سواء كان بإذن الشريك أو بدونه (¬2). [و] كذلك حكى صاحب "المغني" هذه الرواية (¬3)، وذكر عن أحمد ما يدل عليها، وقد أنكرها أبو بكر عبد العزيز، ويتوجه عندي في توجيه الروايتين طريقة ثالثة، وهي أن أحد الشريكين إذا قبض من الدين [المشترك] (¬4)؛ فإنما قبض حقه المختص به، لكن ليس له القبض دون شريكه؛ لاشتراكهما في أصل الاستحقاق؛ كغرماء المفلس، فإذا قبض بدون إذن شريكه؛ فهل لشريكه مقاسمته [فيما قبضه] (¬5) أم لا؟ على الروايتين؛ فوجه المحاصة القياس على قبض بعض الشركاء من الأعيان المشتركة بدون قسمة؛ كالمواريث (¬6)، أو من الأعيان المتعلق بها حقوقهم؛ كمال المفلس، ووجه عدم المحاصة أن المقبوض من الدين كله حق القابض (¬7)، ولهذا لو [تلف في يده؛ لتلف كله] (¬8) من نصيه، ولم يضمن لشريكه شيئًا، بخلاف القبض من الأعيان؛ فعلى هذه الرواية لا ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "تعين". (¬2) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬3) انظر: "المغني" (5/ 48/ 3729). (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬6) في (ج): "كالوارث". (¬7) في المطبوع: "حق للقايض". (¬8) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أتلف في يده كان".

فرق [بين] (¬1) أن يقبض بإذن الشريك أو بدونه، وعلى الأولى إن قبض بإذنه؛ فهل له محاصته (¬2) فيه؟ على وجهين؛ لأن حقه في المحاصة إنما ثبت (¬3) بعد القبض؛ فهو كإسقاط الشفعة قبل البيع، [واللَّه أعلم] (¬4)، وقد يقال: التراضي بقبض كل واحد منهما بعض الدين قسمة له؛ لأن القسمة في الأعيان تقع بالمحاسبة (¬5) والأقوال في النصوص (¬6)، فكذا في الديون، وأما إن كان المشترك بعضه عينًا وبعضه دينًا؛ فأخذ بعض الشركاء العين وبعضهم الدين؛ فقد (¬7) نص أحمد على جوازه مع الكراهة، وحكاه عن ابن عباس (¬8)، وقال: لا يكون إلا في الميراث، وخرجه الشيخ مجد الدين على القول بجواز بيع الدين من غير الغريم؛ لأن هذه القسمة بيع بغير خلاف عنده، وعلى ما ذكره الشيخ تقي الدين قد يطرد فيها الخلاف (¬9)، واللَّه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬2) في المطبوع: "محاصة". (¬3) في (ب) و (ج): "يثبت". (¬4) ما بين المعقوفتين انفرد بها المطبوع. (¬5) في المطبوع: "في المحاسبة". (¬6) في المطبوع و (ج): "المنصوص". (¬7) في المطبوع: "وقد". (¬8) انظر: "مصنف عبد الرزاق" (8/ رقم 14360، 14361، 14362، 14367)، و"السنن الكبرى" (6/ 28) للبيهقي، و"أحكام القرآن" (2/ 200 - ط دار إحياء التراث). وانظر: "كنز العمال" (4/ 201). (¬9) انظر: "مجموع الفتاوى" (29/ 468 - 474)، و"تفسير آيات أشكلت" (2 =

أعلم. - (ومنها): قبض أحد الشريكين نصيبه من المال المشترك المثلي مع غيبة الآخر [أو] (¬1) امتناعه من الإذن بدون إذن الحاكم، وفيه وجهان سبق ذكرهما في القواعد، والوجهان على قولنا: القسمة إفراز (¬2)، فإن قلنا: هي بيع؛ لم يجز وجهًا واحدًا، فأما (¬3) غير المثلي؛ فلا يقسم إلا مع الشريك أو من يقوم مقامه؛ كالوصي والولي والحاكم. - (ومنها): لو اقتسما دارًا، فحصل الطريق في نصيب أحدهما ولم يكن للآخر منفذ بتطرق منه؛ فقال أبو الخطاب وصاحب "المغني" و "المحرر": تبطل القسمة (¬4). وخرج صاحب "المغني" فيه وجهًا آخر: إنها تصح، ويشتركان في الطريق (¬5)؛ من نص أحمد على اشتراكهما في مسيل (¬6) الماء، وقد ذكرنا ذلك فيما سبق في القواعد، ويتوجه أن يقال: إن قلنا: القسمة إفراز؛ بطلت، وإن قلنا: بيع؛ صحت ولزم الشريك تمكينه من الاستطراق، بناءً على قول الأصحاب: إذا باعه بيتا من وسط داره ولم يذكر طريقا؛ صح البيع ¬

_ = / 637)، كلاهما لابن تيمية، و"مسائل صالح" (2/ 196/ 761)، و"الإنصاف" (5/ 44)، وفي (ج): "الخلاف أيضًا". (¬1) في المطبوع: "و". (¬2) في (أ): "إقرار". (¬3) في (أ): "وأما". (¬4) انظر: "المغني" (10/ 152/ 8325)، و"المحرر" (2/ 218). (¬5) في (ب): "التطرق". (¬6) في (ب): "سيد".

واستتبع طريقه، ذكره (¬1) القاضي في "خلافه"، [و] (¬2) لو اشترط عليه الاستطراق في القسمة؛ صح، قال الشيخ مجد الدين: هذا قياس مذهبنا [في جواز بيع الممر] (¬3). - (منها): لو حلف لا يأكل مما اشتراه زيد، فاشترى زيد وعمرو طعامًا مشاعًا، وقلنا: يحنث بالأكل منه، فتقاسماه، ثم أكل الحالف من نصيب عمرو؛ فذكر الآمدي أنه لا يحنث لأن القسمة إفراز [حق] (¬4) لا بيع، وهذا يقتضي أنه يحنث إذا قلنا: هي بيع، وقال القاضي: قياس المذهب أنه يحنث مطلقًا لأن القسمة لا تخرجه عن أن يكون زيدًا اشتراه، ويحنث عند أصحابنا بأكل ما اشتراه زيد، ولو انتقل الملك عنه إلى غيره، وفي المعنى احتمال: لا يحنث [ها] (¬5) هنا، وعليه يتخرج أنه لا يحنث إذا (¬6) قلنا: القسمة بيع، [واللَّه أعلم] (¬7). ونختم هذه الفوائد بذكر فائدتين، بل قاعدتين يكثر ذكرهما في مسائل الفقه، وتنتشر (¬8) فروعهما انتشارًا كثيرًا، ونذكر ضوابطهما ¬

_ (¬1) في المطبوع: "كما ذكره". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في (أ). (¬5) ما بين المعقوفتين من (أ). (¬6) في (ج): "إن". (¬7) ما بين المعقوفتين انفرد به (أ). (¬8) في المطبوع: "وانتشر".

20 - العشرون

وأقسامهما (¬1): 20 - [العشرون] (¬2) الفائدة الأولى: التصرفات للغير بدون إذنه؛ هل تقف على إجازته أم لا؟ ويعبر عنها بتصرف الفضولي، وتحتها أقسام: (القسم الأول): أن تدعو الحاجة إلى التصرف في مال الغير أو حقه، ويتعذر استئذانه؛ اما للجهل بعينه أو لغيبته ومشقة انتظاره؛ فهذا التصرف مباح جائز موقوف على الإجازة، وهو في الأموال غير مختلف فيه في المذهب وغير محتاج إلى إذن حاكم على الصحيح، وفي الإبضاع مختلف فيه؛ غير أن الصحيح من المذهب جوازه أيضًا، وفي افتقاره إلى الحاكم خلاف، فأما الأموال؛ فكالتصدق (¬3) باللقطة التي لا تملك، وكالتصدق بالودائع والغصوب التي لا يُعرف (¬4) ربها أو انقطع خبره، وقد سبق في القواعد استقصاء [صور] (¬5) هذا النوع، ويكون ذلك موقوفًا، فإن أجازه المالك؛ وقع له أجره، وإلا، ضمنه المتصرف وكان أجره له، صرح [بذلك] (¬6) الصحابة رضي اللَّه عنهم. وأما الإِبضاع؛ فتزويج امرأة المفقود إذا كانت غيبته ظاهرها الهلاك، ¬

_ (¬1) في المطبوع: "وأقسامهما"، وفي (أ): "وأقسامها". (¬2) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬3) في المطبوع: "فكالتصرف"! (¬4) في المطبوع: "لا تُعرف"! (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬6) في المطبوع: "به".

فإن امرأته تتربص أربع سنين، ثم تعتد وتباح للأزواج، وفي توقف ذلك على الحاكم روايتان، واختلف في مأخذهما؛ فقيل: لأن أمارات موته ظاهرة؛ فهو كالميت حكمًا، وقيل: بل لأن انتظاره يعظم به الضرر على زوجته؛ فيباح لها فسخ نكاحه؛ كما لو ضارها بالغيبة وامتنع من القدوم مع المراسلة. وعلى هذين المأخذين ينبني [على] (¬1) أن الفرقة؛ هل تنفذ (¬2) ظاهرًا وباطنًا، أو ظاهرًا فقط؟ وينبني الاختلاف (¬3) في طلاق الولي (¬4) لها، وله مأخذ ثالث -وهو الأظهر-، وهو أن الحاجة دعت هنا إلى التصرف في حقه من بضع الزوجة بالفسخ عليه؛ فيصح الفسخ [وتزوجها بغيره] (¬5) ابتداءً؛ للحاجة، فإن لم يظهر؛ فالأمر على ما هو عليه، وإن ظهر؛ [كان ذلك موقوفًا] (¬6) على إجازته، فإذا قدم؛ فإن شاء أمضاه وإن شاء رده. [و] (¬7) القسم الثاني: أن لا تدعو الحاجة إلى هذا التصرف ابتداءً بل إلى صحته وتنفيذه بأن تطول مدة التصرف [وتكثر، ويتعذر] (¬8) استرداد أعيان ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد به (أ). (¬2) في المطبوع: "هل تبطل". (¬3) في المطبوع: "وتبنى الاختلاف"، وفي (ج): "وينبني الخلاف". (¬4) في المطبوع: "المولى". (¬5) في المطبوع: "ويزوجها بغيره"، وفي (ج): "وتزوجها لغيره". (¬6) في المطبوع: "فإن ذلك موقوف". (¬7) ما بين المعقوفتين ليس في (ب). (¬8) في المطبوع: "وتكثر ويتعدد"، وفي (ب): "وتكثر وتتعذر"، وفي (ج): "ويكثر ويتعذر".

أمواله؛ فللأصحاب فيه طريقان: أشهرهما: إنه على الخلاف الآتي ذكره. والثاني: إنه [ينفذ ها هنا] (¬1) بدون إجازة؛ دفعًا لضرر المالك بتفويت الربح وضرر المشترين (¬2) بتحريم ما قبضوه بهذه العقود، وهذه طريقة صاحب "التلخيص" في باب المضاربة وصاحب "المغني" في موضع منه (¬3). [و] (¬4) القسم الثالث: أن لا تدعو الحاجة إلى ذلك ابتداءً ولا دوامًا؛ فهذا القسم في بطلان التصرف [فيه] (¬5) من أصله ووقوفه على إجازة المالك وتنفيذه روايتان معروفتان، واعلم أن لتصرف الشخص في مال غيره حالتين (¬6): (إحداهما): أن يتصرف فيه لمالكه؛ فهذا محل الخلاف الذي ذكرناه، وهو ثابت (¬7) في التصرف في ماله بالبيع والإجارة ونحوهما، وأما في النكاح؛ فللأصحاب فيه طريقان: أحدهما: إجراؤه على الخلاف، وهو ما قال القاضي والأكثرون. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "ينفذها هنا". (¬2) في المطبوع: "وضرر المشتري". (¬3) انظر: "المغني" (5/ 159/ 3976). (¬4) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬5) ما بين المعقوفتين ليس في (ب). (¬6) في المطبوع: "حالتان"! (¬7) في المطبوع: "نائب"!

والثاني: الجزم ببطلانه قولًا واحدًا، وهو طريق أبي بكر وابن أبي موسى. ونص أحمد على التفريق بينهما في "رواية ابن القاسم"؛ فعلى هذا لو زوج المرأة أجنبي ثم أجازه (¬1) الولي؛ لم ينفذ بغير خلاف؛ كما لو زوجت المرأة نفسها. نعم، لو زوج غير الأب من الأولياء الصغيرة بدون إذنها، أو زوج الولي الكبيرة بدون إذنها؛ فهل يبطل من أصله، أو يقف على إجازتها؟ على روايتين، ذكر ذلك ابن أبي موسى. (الحالة الثانية): أن يتصرف [فيه] (¬2) لنفسه، وهو الغاصب، ومن يتملك مال غيره لنفسه، فيجيزه له المالك، فأما الغاصب؛ فذكر أبو الخطاب في جميع تصرفاته الحكمية روايتين، إحداهما: البطلان، والثانية: الصحة؛ قال: وسواء في ذلك العبادات؛ كالطهارة [والصلاة] (2) والزكاة والحج والعقود؛ كالبيع والإجارة والنكاح، و [تبعه] (2) على ذلك جماعة ممن بعده، ثم منهم من أطلق هذا الخلاف غير مقيد بالوقف على الإجازة، ومنهم من قيده بها؛ كالقاضي في "خلافه" وابن عقيل وصاحب "المغني" في موضع من كلامهما (¬3)، فإن أريد بالصحة من غير وقف على الإجازة ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أجاز". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬3) انظر: "المغني" (5/ 159/ 3976).

وقوع التصرف عن (¬1) المالك وإفادة ذلك للملك (¬2) له؛ فهو الطريق الثانية (¬3) في القسم الثاني الذي سبق ذكره، وإن أريد الوقوع للغاصب من غير إجازة؛ ففاسد قطعًا [إلا] (¬4) في صورة شرائه في الذمة إذا فقد (¬5) المال من المغصوب، فإن الملك يثبت (¬6) له فيها، نص عليه في "رواية المروذي"، ولا ينافي ذلك قولنا: إن الربح للمالك؛ لأنه فائدة ماله وثمرته (¬7)؛ فيختص به؛ وإن كان أصل الملك لغيره، صرح به القاضي في "خلافه". ومن فروع ذلك في العبادات المالية: لو أخرج الزكاة عن ماله من مال حرام؛ فالمشهور أنه يقع باطلا، وحكي [عن أحمد] (¬8) أنه إن أجازه المالك؛ أجزأته، وإلا؛ فلا (¬9). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "من". (¬2) في المطبوع: "للمالك"، وفي (ج): "للتمليك". (¬3) في المطبوع و (ج): "الثاني". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) في المطبوع: "نفذ". (¬6) في المطبوع: "ثبت". (¬7) في المطبوع: "ويلزمه"! (¬8) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "عنه". (¬9) قال المصنف في "جامع العلوم والحكم" (ص 126 - 127، أو ص 267 - 269 - ط الرسالة) عند شرحه الحديث العاشر: "إن اللَّه طيب. . . " ما نصه: "واعلم أنّ من العلماء من جمل تصرُّف الغاصب ونحوه في مال غيره موقوفًا على إجازه مالكه، فإن أجاز تصرفه فيه؛ جاز، وقد حكى بعض أصحابنا رواية عن أحمد: إن من أخرج زكاته من مالٍ مغصوب ثم أجاز له المالك؛ جاز وسقطت عنه الزكاة، وكذلك خرج ابن أبي موسى رواية عن أحمد: أنه إذا أعتق عبد غيره عن نفسه ملتزمًا ضمانه في ماله ثم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أجازه المالك؛ جاز ونفذ عتقه، وهو خلاف نص أحمد، وحكي عن الحنفية أنه لو غصب شاة فذبحها لمتعته وقرانه، ثم أجازها المالك؛ أجزأت عنه. الوجه الثاني من تصرفات الغاضب في المال المنصوب: أن يتصدق به عن صاحبه إذا عجز عن رده إليه وإلى ورثته؛ فهذا جائز عند أكثر العلماء؛ منهم مالك وأبو حنيفة واحمد وغيرهم، قال ابن عبد البر: ذهب الزهري ومالك والثوري والأوزاعي والليث؛ إلى أنَّ الغالَّ إذا تفرَّق أهل العسكر ولم يَصِلْ إليهم أنه يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي، روي ذلك عن عبادة بن الصامت ومعاوية والحسن البصري، وهو يشبه مذهب ابن مسعود وابن عباس؛ لأنهما كانا يربان أن يتصدَّق بالمال الذي لا يعرف صاحبه، قال: وقد أجمعوا في اللقطة على جواز الصدقة بها بعد التعريف وانقطاع صاجها، وجعلوه إذا جاء مخيرًا بين الأجر والضمان، وكذلك الغصوب. انتهى. وروي عن مالك بن دينار؛ قال: سألت عطاء بي أبي رباح عمن عنده مالٌ حرام، ولا يعرف أربابه، ويريدُ الخروج منه؟ قال: يتصدق به، ولا أقول: إن ذلك يجزئ عنه. قال مالك: كان هذا القول من عطاء أحب الي من وزنه ذهبًا. وقال سفيان فيمن اشترى من قوم شيئًا مغصوبًا: يرده إليهم، فإن لم يقدر عليهم؛ تصدق به كله، ولا يأخذ رأس ماله، وكذا قال فيمن باع شيئًا ممن نكره معاملته لشبهة ماله؛ قال: يتصدق بالثمن، وخالفه ابن المبارك وقال: "يتصدق بالربح خاصة. وقال أحمد: يتصدق بالربح. وكذا قال فيمن ورث مالًا من أبيه، وكان أبوه يبيع ممن تكره معاملته: أنه يتصدق منه بمقدار الربح ويأخذ الباقي، وقد روي عن طائفةٍ من الصحابة نحو ذلك؛ منهم عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن يزيد الأنصاري. والمشهور عن الشافعي رحمه اللَّه في الأموال الحرام أنها تُحفظ ولا يُتصدَّق بها حتى يظهر مستحقَّها. وكان الفضيل بن عياض يرى أن من عنده مال حرام لا يعرف أربابه؛ أنه يتلفه ويلقيه في البحر ولا بتصدق به، وقال: لا يتقرَّب إلى اللَّه إلا بالطيب، والصحيح الصدقة به؛ لأن =

- (ومنها): لو تصدق الغاصب بالمال؛ فإنه لا تقع الصدقة له ولا يثاب عليه، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يقبل اللَّه صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول" (¬1)، ولا يثاب المالك على ذلك أيضًا؛ لعدم تسببه (¬2) إليه، ذكره ¬

_ = إتلاف المال وإضاعته منهي عنه، وإرصاده أبدًا تعريض له للإتلاف واستيلاء الظلمة عليه، والصدقة به ليست عن مكتسبه حتى يكون تقرُّبًا منه بالخبيث، وإنما هي صدقة عن مالكه؛ ليكون نفعه له في الآخرة حيث يتعذَّرُ عليه الانتفاعُ به في الدنيا". قلت: وانظر تفصيلًا حسنًا حول هذه المسألة في كتابي: "أحكام المال الحرام" يسير اللَّه إتمامه بخيرٍ وعافية. (¬2) في المطبوع و (ج): "نسبته". (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، 1/ رقم 224)، والترمذي في "الجامع" (أبواب الطهارة، باب ما جاء لا تُقْبل صلاةٌ بغير طهور، 1/ رقم 1) -وقال: "هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن"-، وابن ماجة في "السنن" (كتاب الطهارة وسننها، باب لا يقبل اللَّه صلاة بغير طهور، 1/ رقم 272)، وأحمد (2/ 20، 39، 51، 57، 73)، والطيالسي (رقم 1874)، وأبو يعلى (رقم 5614، 5616، 6515)، وأبو عوانة (1/ 234)، والحسن بن سفيان -كما في "الفتح" (3/ 278) - في "مسانيدهم"، وابن أبي شية في "المصنف" (1/ 4 - 5)، وأبو عبيد في "الطهور" (رقم 54 - بتحقيقي)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 129)، وابن خزيمة في "الصحيح" (رقم 8)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 65)، وأبو أحمد الحاكم في "شعار أصحاب الحديث" (رقم 7)، والطحاوي في "المشكل" (4/ 286)، والبيهقي في "تاريخ جرجان" (296)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 108)، والبيهقي في "الكبرى" (1/ 42)، وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 176)؛ من طرق عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن ابن عمر، به. وسماك كان يقبل التلقين؛ إلا أن شعبة رواه عنه أيضًا، وكان لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم. =

ابن عقيل في "فنونه"، ونقل نحوه عن سعيد بن المسيب (¬1)، ومن الناس من قال: يثاب المالك عليه، ورجحه بعض شيوخنا؛ [لأن هذا البر] (¬2) تولد من مال اكتسبه؛ فيؤجر [عليه] (¬3) وإن لم يقصده؛ كما يؤجر على المصائب التي تولد له خيرًا، وعلى عمل ولده الصالح، وعلى ما ينتفع به الناس والدواب من زروعه (¬4) وثماره (¬5). - (ومنها): لو غصب شاة، فذبحها لمتعته أو قرانه مثلًا؛ فإنه لا يجزئه، صرح به الأصحاب، ونص عليه أحمد في رواية "علي بن سعيد"؛ لأن أصل الذبح لم يقع قربة من الابتداء؛ فلا يتقلب (¬6) قربة بعده؛ كما لو ذبحها للحمها ثم نوى بها المتعة (¬7). وحكى الأصحاب رواية بوقفه (¬8) على إجازة المالك (¬9)؛ كالزكاة، ¬

_ = وفي قول الترمذي: "إنه أصح شيء في الباب" نزاع؛ ففي الباب عن أبي هريرة عند البخاري في "الصحيح" (رقم 135، 6954) ومسلم في "الصحيح" (رقم 225) وغيرهما؛ وهو أصح من حديث ابن عمر؛ كما وضحتُه في تعليقي على "الطهور" (ص 146 - 147)؛ فانظره. (¬1) وهذا وارد عن غيره كما تراه في "مدارج السالكين" (1/ 388 - ط الفقي). (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "هذا الذي". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) في المطبوع: "زرعه". (¬5) انظر ما قدمناه عن المصنف في: "جامع العلوم والحكم". (¬6) في (ج): "فلا يقع". (¬7) في (أ): "المنفعة". (¬8) في المطبوع: "موقوفة". (¬9) نقله المصنف في "جامع العلوم والحكم" (ص 267 - ط مؤسسة الرسالة، =

ونص أحمد على الفرق بين أن يعلم أنها لغيره؛ فلا تجزئه، وبين أن يظنها لنفسه؛ فتجزئه في "رواية ابن القاسم" و"سندي" (¬1) وسوى كثير من الأصحاب بينهما (¬2) في حكاية الخلاف، ولا يصح. - (ومنها): لو أنكح الأمة المغصوبة وفي وقفه على الإجازة الخلاف، وعلى طريقة أبي بكر وابن أبي موسى هو باطل قولًا واحدًا، ويبعد ها هنا القول بنفوذه مطلقًا بدون اجازة، بل هو باطل مخالف لنص السنة (¬3) ولنصوص أحمد المتكاثرة، وأما من [يتملك مال غيره لنفسه] (¬4) بعوض أو غيره؛ فيجيزه المالك؛ فهو شبيه بتصرف الفضولي المحض، فيخرج على الخلاف فيه. ومن صور ذلك: ما إذا قال عبد: فلان حرٌّ في (¬5) مالي، فأجازه المالك؛ فالمنصوص عن أحمد أنه [لا] (¬6) ينفذ، وخرج ابن أبي موسى وجهًا بنفوذه بالإجازة، ويلزمه ضمانه. (القسم الرابع): التصرف للغير في الذمة دون المال بغير ولاية عليه، فإن كان بعقد نكاح؛ ففيه الخلاف السابق، وإن كان ببيع ونحوه، ¬

_ = الحديث العاشر) عن الحنفية. (¬1) مضى التعريف به (1/ 497). (¬2) في (أ): "بينها". (¬3) لعله يريد الأحاديث التي ورد فيها وجود الولي، وتقدم تخريج بعض منها. انظر: (1/ 342 ت). (¬4) في (ج): "تملك مال نفسه لغيره". (¬5) في (ج): "فلان حر من". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

مثل أن يشتري [له] (¬1) في ذمته؛ فطريقان: أحدهما: إنه على (¬2) الخلاف أيضًا، قاله القاضي وابن عقيل في موضع وأبو الخطاب في "الانتصار". والثاني: الجزم بالصحة ها هنا قولًا واحدًا، ثم إن أجازه (¬3) المشترى له ملكه، وإلا؛ لزم من اشتراه، وهو قول الخرقي (¬4) والأكثرين، وقال القاضي في موضع آخر وابن عقيل: يصح بغير خلاف، لكن؛ هل يلزم المشتري إبتداءً أو بعد رد المشتري له؟ على روايتين، واختلف الأصحاب؛ هل [يفترق] الحال [بين] (¬5) أن يسمى المشتري له في العقد أم لا؟ فمنهم من قال: لا فرق بينهما، منهم ابن عقيل وصاحب "المغني" (¬6)، ومنهم من قال: إن سماه في العقد؛ فهو كما لو اشترى له بعين ماله، ذكره القاضي وأبو الخطاب في "انتصاره" في غالب ظني؛ وابن المني، وهو (¬7) مفهوم كلام صاحب "المحرر". (القسم الخامس): التصرف في مال الغير بإذنه على وجه تحصل فيه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "غير". (¬3) في (ج): "ثم أجاز". (¬4) انظره في: "المغني" (5/ 74/ 3785). (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬6) في "المغني" (5/ 77/ 3791). (¬7) في المطبوع: "وابن المنى وكذا وهو".

مخالفة الإذن، وهو نوعان: أحدهما: أن تحصل مخالفة الإذن على وجه يرضى به عادة بأن يكون التصرف الواقع أولى بالرضا به من المأذون فيه؛ فالصحيح أنه يصح اعتبارًا فيه بالإذن العرفي. - (ومن صور ذلك): ما لو قال [له] (¬1): بعه [بمئة، فباعه بمئتين] (¬2)؛ فإنه يصح، وكذا (¬3) لو قال [له: اشتره] (¬4) لي بمئة، فاشتراه (¬5) له بثمانين. - (ومنها): لو قال له: بعه بمئة [درهم] (¬6) نسيئة، فباعه بها (¬7) نقدًا؛ [فإنه يصح] (¬8). - (ومنها): لو قال: بعه بمئة درهم، فباعه بمئة دينار؛ فإنه يصح على الصحيح، وفيه وجه: لا يصح؛ للمخالفة (¬9) في جنس النقد. - (ومنها): لو قال: بع هذه الشاة بدينار، فباعها بدينار وثوب، أو ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ليس في المطبوع ولا (ب). (¬2) في المطبوع: "بمئة فباعه بثمانين"، وفي (أ): "بمئة فباعه بمئتين"، وفي (ج): "بثمانين فباعه بمئة". (¬3) في المطبوع: "وكذلك". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "اشتري"، وفي (ج): "له: اشتر". (¬5) في المطبوع و (ج): "فاشترى". (¬6) ما بين المعقوفتين انفرد بها (ج). (¬7) في المطبوع و (ج): "بمئة". (¬8) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬9) في المطبوع و (ج): "لمخالفته".

ابتاع شاة وثوبًا بدينار؛ فإنه يصح، قال القاضي: هو المذهب، ثم ذكر احتمالًا أنه يبطل في الثوب بحصته من الشاة؛ لأنه من غير الجنس. - (ومنها): لو أمره (¬1) أن يشتري له شاة بدينار، فاشترى [شاتين بالدينار] (¬2) تساوي [إحداهما أو] (¬3) كل واحدة منهما دينارًا؛ فإنه يصح لذلك، فإن باع إحداهما بدون إذنه؛ ففيه طريقان: أحدهما: إنه يخرج على تصرف الفضولي. والثاني: [إنه صحيح] (3) وجهًا واحدًا، وهو المنصوص عن أحمد؛ لخبر عروة بن الجعد (¬4)، ولأن ما فوق الشاة المأمور بها لم يتعين؛ ¬

_ (¬1) في المطبوع: "لو أمر". (¬2) في المطبوع: "شاتين بالدينارين"، وفي (ب): "بالدينار شاتين". (¬3) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬4) يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب المناقب، باب منه، 6/ رقم 3642)، وأبو داود في "السنن" (كتاب البيوع، باب في المضارب يخالف، 3/ رقم 3384)، وابن ماجة في "السنن" (كتاب الصدقات، باب الأمين يتجر فيه فيربح، 2/ رقم 2402)، وأحمد في "المسند" (4/ 375)، والشافعي في "المسند" (رقم 1333)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 112)، وابن حزم في "المحلى" (8/ 436، 437)، من طريق شبيب بن غَرْقَدَة، قال: "سمعتُ الحيَّ يتحدَّثون عن عروة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاه دينارًا يشتري له به شاةً، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينارٍ، فجاء بدينارٍ وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب؛ لربح فيه". لفظ البخاري، وقال عقبه: "قال سفيان: كان الحسن بن عُمارةً جاءنا بهذا الحديث عنه؛ قال: سمعه شبيب من عُروة، فأتيتُه، فقال شبيب: إني لم أسمَعْهُ من عروة؛ قال: سمعتُ الحيَّ يخبرونه عنه". قال ابن حجر في "الفتح" (6/ 634): "توقَّف الشافعيّ فيه؛ فتارة قال: لا يصح؛ لأن هذا الحديث غير ثابت، وهذه رواية المزني عنه، وتارة قال: إنْ صحَّ الحديثُ قلتُ به، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وهذه رواية البويطي، ثم قال: "وأما قول الخطابي والبيهقي وغيرهما: إنه غير متّصل؛ لأنّ الحيَّ لم يسمّ أحد منهم؛ فهو على طريقة بعض أهل الحديث، يسمون ما في إسناده مبهم مرسلًا أو منقطعًا، والتحقيق إذا وقع التصريح بالسماع أنه متصل في إسناده مبهم؛ إذ لا فرق فيما يتعلق بالاتصال والانقطاع بين رواية المجهول والمعروف؛ فالمبهم نظير المجهول في ذلك، ومع ذلك، فلا يقال في إسنادٍ صرح كل من فيه بالسماع من شيخه: إنه منقطع، وإنْ كانوا أو بعضهم غير معروف". وقال معقبًا على مقولة البخاري: "سمعه شبيب من عروة؛ فأتيته": "وأراد البخاري بذلك بيان ضعف رواية الحسن بن عمارة، وأن شبيبًا لم يسمع الخبر من عروة، وإنما سمعه من الحي، ولم يسمعه من عروة؛ فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم، لكن وجد له متابع عند أحمد وأبى داود والترمذي وابن ماجة من طريق: سعيد بن زيد، عن الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد؛ قال: حدثني عروة البارقي. . . فذكر الحديث بمعناه. وله شاهد من حديث حكيم بن حزام، وقد أخرجه ابن ماجة عن ابن بكر بن أبي شيبة، عن سفيان، عن شبيب، عن عروة، ولم يذكر بينهما أحدًا، ورواية علي بن عبد اللَّه -وهو ابن المديني، شيخ البخاري فيه- تدل على أنه وقعت في هذه الرواية تسوية، وقد وافق عليًّا على إدخاله الواسطة بين شبيب وعروة أحمد والحميدي في "مسنديهما"، وكذا مسدد عند أبي داود وابن أبي عمر والعباس بن الوليد عند الإسماعيلي، وهذا هو المعتمد. وزعم ابن القطان [في كتابه "بيان الوهم والإيهام" (5/ 165 رقم 2400 - دار طيبة)] أن البخاري لم يرد بسياق هذا الحديث إلا حديث الخيل ولم يرد حديث الشاة، وبالغ في الرد على من زعم أن البخاري أخرج حديث الشاة محتجًّا به؛ لأنه ليس على شرطه؛ لإبهام الواسطة فيه بين شبيب وعروة، وهو كما قال، لكن ليس في ذلك ما يمنع تخريجه ولا وما يحطه عن شرطه؛ لأن الحي يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب، ويضاف التي ذلك ورود الحديث من الطريق التي هي الشاهد لصحة الحديث، ولأن المقصود منه الذي يدخل في علامات النبوة دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعروة، فاستجيب له؛ حتى كان لو اشترى التراب لربح فيه. وأما مسألة بيع الفضولي؛ فلم يردها؛ إذ لو أرادها لأوردها في البيوع، كذا قرره =

فصار (¬1) موكولًا إلى نظره وما يراه. (النوع الثاني): أن يقع التصرف مخالفًا للإذن على وجه لا يرتضي (¬2) ¬

_ = المنذري، وفي نظر؛ لأنه لم يطرد له في ذلك عمل؛ فقد يكون الحديث على شرطه ويعارضه عنده ما هو أولى بالعمل به من حديث آخر؛ فلا يخرج ذلك الحديث في بابه، ويخرجه في باب آخر أخفى لينبه بذلك على أنه صحيح؛ إلا أن ما دل ظاهره عليه غير معمول به عنده، واللَّه أعلم". قلت: طريق سعيد بن زيد عن الزبير به -التي أشار إليها ابن حجر سابقًا- أخرجها الترمذي في "جامعه" (أبواب البيوع، باب 34، 3/ 559)، وأبو داود في "السنن" (رقم 3385)، وابن ماجة في "السنن" (رقم 2402)، وأحمد في "المسند" (4/ 376)، والدارقطني في "السنن" (3/ 10)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 112) بنحوه. قال البيهقي: "سعيد بن زيد -وهو أخو حماد بن زيد- ليس بالقوي". قلت: هو مختلف فيه، ولم ينفرد به، فقد تابعه هارون بن موسى الأعور المقرئ عند الترمذي في "جامعه" (3/ رقم 1258). وإسناده صحيح. رجاله رجال الشيخين؛ غير أبي لَبيد، وأسمه لِمَازة بن زيَّاد، قال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (3/ 5): "وقد قيل: إنه مجهول، لكن وثقه ابن سعد، وقال حرب: سمعتُ أحمد أثنى عليه، وقال المنذري والنووي: إسناده حسن صحيح؛ لمجيئه من وجهين". وحديث حكيم بن حزام أخرجه أبو داود في "السنن" (رقم 3386)، والترمذي في "الجامع" (رقم 1257)، والدارقطني في "السنن" (3/ 10)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 112 - 113). وفي إسناده انقطاع، أفاده الترمذي. (¬1) في المطبوع: "لم يتعين أنه صحيح؛ فصار". (¬2) في المطبوع: "لا يرضى".

به الآذن عادة؛ مثل مخالفة المضارب والوكيل في صفة (¬1) العقد دون أصله، كأن يبيع المضارب نسأً على قولنا بمنعه منه، أو يبيع [الوكيل] (¬2) بدون ثمن المثل، أو يشتري بأكثر منه، أو يبيع نسأً أو بغير نقد البلد، صرح القاضي في "المجرد" باستواء الجميع في الحكم؛ فللأصحاب ها هنا طرق: أحدها: إنه يصح، ويكون المتصرف ضامنًا (¬3) للمالك، وهو اختيار القاضي في "خلافه" ومن اتبعه في المخالفة في [قدر] (¬4) الثمن؛ لأن التصرف هنا مستند أصله إلى إذن صحيح، وإنما وقعت المخالفة في بعض أوصافه؛ فيصح العقد بأصل الإِذن، ويضمن المخالف بمخالفته (¬5) في صفته، وعلى هذا؛ فلا فرق بين أن يبيع الوكيل بدون ثمن المثل أو يشتري بأكثر منه على المنصوص في "رواية ابن منصور" (¬6)، ومن الأصحاب من فرق بينهما، وأبطله في صورة الشراء؛ كصاحب "المغني" (¬7) والسامري، ولا فرق أيضًا بين أن يقدر له الثمن أو لا على أصح الطريقين، وصرح به ¬

_ (¬1) في المطبوع: "صفقة". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "ضناما"! (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج). (¬5) في المطبوع: "لمخالفته". (¬6) في "مسائل ابن منصور" (433/ 370): "قلت: قال: اشتر لي سلعةً ولم يصف له، فإن اشترى بأقل أو بأكثر ضمن؟ قال أحمد: هذا لم يشتر له، أرأيت إن أراد هو روميًّا، فاشترى له حبشيًّا؟ لا؛ حتى يصفه له. قلت: إذا وصف له لم يضمن، إلا أن يشتري بأكثر؟ قال: يضمن إذا اشترى بأكثر. قال إسحاق: كما قال" اهـ. (¬7) في "المغني" (5/ 78/ 3795).

القاضي وغيره، ونص أحمد على ذلك في "رواية الأثرم" و"أبي داود" (1) و"ابن منصور" (¬1). والثاني: إنه يبطل العقد مع مخالفة (¬2) التسمية؛ لمخالفة صريح الأمر (¬3)، بخلاف ما إذا لم يسم (¬4)؛ فإنه إنما خالف دلالة العرف، وممن (¬5) قال ذلك القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "فصوله"، وفرق القاضي في "خلافه" وكثير من الأصحاب بين البيع نسأ وبغير نقد البلد؛ [فأبطلوه] (¬6) فيهما، بخلاف نقص الثمن وزيادته، وفرقوا بأن المخالفة في النسأ وغير نقد البلد وقعت في جميع العقد وفي النقص والزيادة في بعضه، وفيه ضعف، [ولكن] (¬7) قد نص أحمد على التفريق بينهما في "رواية ابن منصور" (¬8). (والطريقة الثانية): إن في الجميع روايتين: إحداهما: الصحة والضمان. والثانية: البطلان، وهي طريقة القاضي في "المجرد" وابن عقيل، ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل أبي داود" (ص 199). وانظر: "مسائل ابن منصور" (433/ 369). (¬2) في المطبوع: "مخالفته". (¬3) في المطبوع: "الإذن". (¬4) في المطبوع: "لم يسمه". (¬5) في المطبوع: "ومن". (¬6) في (ج): "ما يطلق". (¬7) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "لكن"، وفي المطبوع و (ب): "و". (¬8) (437/ 374).

وصححا رواية البطلان، وتأولا رواية الضمان على بطلان العقد، وأن العين تعذر ردها؛ فيأخذ المالك الثمن، ويضمن المشتري ما نقص من قيمة السلعة من الثمن. وهذا بعيد جدًّا، وهو مخالف لصريح كلام أحمد، وحاصل هذه الطريقة أن هذه المخالفة تجعله كتصرف الفضولي سواء، وظاهر كلام الخرقي الوقف (¬1) ها هنا على (¬2) الإجازة دون المخالفة [في أصل العقد] (¬3)، مثل أن يشتري بعين [ماله] (¬4) ما لم يأذن له في شرائه؛ فإنه صرح بالبطلان (¬5) ها هنا، وجعله كتصرف الفضولي المحض. ونص أحمد في "رواية عبد اللَّه" و"صالح" فيمن أمر رجلًا [أن] (¬6) يشتري له شيئًا فخالفه، كان ضامنًا، فإن شاء الذي أعطاه؛ ضمنه وأخذ ما دفع (¬7) إليه، وإن شاء؛ أجاز البيع، فإن كان فيه ربح؛ فهو لصاحب المال (¬8) ¬

_ (¬1) في المطبوع: "في الوقف". (¬2) في المطبوع: "عن"! (¬3) في المطبوع و (ج): "لأصل العقد". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬5) في المطبوع و (ج): "في البطلان". (¬6) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬7) في المطبوع "ما رفعه". (¬8) انظر: الجزء الثاني من المسألة (1092)، والمسألتين (1093، 1094) في "مسائل عبد اللَّه". وفي "مسائل صالح" (1/ 448/ 450)، وكذا "مسائل عبد اللَّه" (294/ 1095): "وسألته عن المضارب إذا خالف؟ قال: بمنزلة الوديعة، عليه الضمان، والربح لرب المال إذا خالف؛ إلا أن المضارب أعجب الي أن يعطي بقدر ما عمل" اهـ.

على حديث عروة البارقي (¬1)، وهذا نص للوقف (¬2) بالمخالفة؛ إلا أنه لم يقيده بالمخالفة في الصفة (¬3). والطريقة الثالثة إن في البيع بدون ثمن المثل وغير (¬4) نقد البلد إذا لم يقدر له الثمن ولا عين النقد روايتين (¬5) البطلان؛ كتصرف الفضولي والصحة، ولا يضمن الوكيل شيئًا؛ لأن إطلاق العقد يقتضي البيع بأي ثمن كان وأي نقد كان بناءً على أن الأمر بالماهية الكلية ليس أمرًا بشيء من جزئياتها، والبيع نسأ كالبيع بغير نقد البلد، وهذه الطريقة (¬6) سلكها القاضي في "المجرد" وابن عقيل أيضًا في موضع آخر، وهي بعيدة جدًّا، مخالفة لمنصوص (¬7) أحمد، وكذلك حكم المخالفة في المهر، فلو أذنت المرأة لوليها أن يزوجها بمهر سمته، فزوجها بدونه؛ فإنه يصح ويضمن الزيادة، نص عليه أحمد في "رواية ابن منصور". وحكى الأصحاب رواية أخرى: إنه يسقط المسمى ويلزم الزوج مهر المثل، وكذا [لو لم يُسَمِّ] (¬8) المهر؛ فإن الإطلاق ينصرف إلى مهر المثل، ويستثنى من ذلك الأب خاصة؛ فإنه لا يلزم في عقده سوى المسمى؛ ولو ¬

_ (¬1) مضي لفظه وتخريجه قريبًا (ص 419، هامش 25). (¬2) في (ب): "بالوقف". (¬3) في المطبوع و (ج): "بالصفة". (¬4) في (ج): "أو غيره". (¬5) في المطبوع: "روايتان"! (¬6) في المطبوع: "طريقة". (¬7) في المطبوع: "لمخالفته لمنصوص"، وفي (ج): "مخالفة لنصوص". (¬8) في المطبوع: "لو لم يسمي"؛ وفي (ج): "إن لم يسم".

لم تأذن فيه أو طلبت (¬1) تمام المهر، نص عليه في "رواية مهنأ". وأما المخالفة في عوض الخلع إذا خالع وكيل الزوجة بأكثر من مهر المثل، أو وكيل الزوج بدونه؛ ففيه (¬2) ثلاثة أوجه: - البطلان، وهو قول ابن حامد والقاضي. - والصحة، وهو قول أبي بكر ومنصوص أحمد. - والبطلان بمخالفة (¬3) وكيله والصحة بمخالفة وكليلها، وهو قول أبي الخطاب. ومع الصحة يضمن الوكيل الزيادة والنقص، وهذا الخلاف من الأصحاب من (¬4) أطلقه مع تقدير المهر وتركه، ومنهم من خصه بما إذا وقع التقدير، فأما مع الاطلاق؛ فيصح الخلع وجهًا واحدًا. وفيه وجهان آخران ذكرهما القاضي: أحدهما: يبطل المسمى ويرجع إلى مهر المثل. والثاني: يخير الزوج بين قبول العوض ناقصًا ولا شيء له غيره ويسقط حقه من الرجعة، وبين رده على المرأة ويثبت له الرجعة. وفي مخالفة وكيل الزوجة وجه آخر: إنه يلزمها (¬5) أكثر الأمرين من ¬

_ (¬1) في (أ): "طلب". (¬2) في المطبوع: "فيه"، وفي (ج): "وفيه". (¬3) في المطبوع: "بمخالفته". (¬4) في المطبوع: "من الأصحاب منهم من". (¬5) في (ب): "يلزمه".

المسمى [و] (¬1) مهر المثل، ذكره ابن البنا. (القسم السادس): التصرف للغير بمال المتصرف؛ مثل أن يشتري بعين ماله [لزيد سلعة] (¬2)؛ ففي "المجرد" (¬3) يقع باطلًا رواية واحدة، ومن الأصحاب من خرجه على الخلاف في تصرف الفضولي، وهو أصح؛ لأن العقد يقف على الإِجازة، وتعيين (¬4) الثمن من ماله [يكون إقراضًا] (¬5) للمشتري له أو هبة له؛ فهو كمن أوجب لغيره عقدًا (¬6) في ماله، فقبله الآخر بعد (¬7) المجلس، فقد (¬8) نص أحمد على صحة مثل ذلك في النكاح في "رواية أبي طالب"، والصحيح في توجيهها أنها من باب وقف العقود على الإجازة، وهو مأخذ ابن عقيل وغيره؛ فعلى هذا لا فرق في ذلك بين عقد وعقد؛ فكل (¬9) من أوجب عقد الغائب عن المجلس، فبلغه، فقبله، فقد أجازه وأمضاه، ويصح على هذه الرواية. وحكى (¬10)، أبو بكر رواية أخرى: إنه لا يصح إلا في مجلس واحد، ¬

_ (¬1) في (ب): "أو". (¬2) في المطبوع و (ج): "سلعة لزيد". (¬3) في (ج): "ففي المحرر". (¬4) في المطبوع: "ويعتبر"، وفي (أ): "ويعين" بدون تنقيط، وفي (ج): "ويتعين". (¬5) في (ج): "ويكون إقراضًا"، وفي (ب): "يكون اقتراضًا". (¬6) في المطبوع: "عقد"! (¬7) في (ج): "يحيى". (¬8) في المطبوع و (ج): "وقد". (¬9) في (ج): "وكل". (¬10) في المطبوع: و"يرى".

21 - الحادية والعشرون

واختارها. 21 - [الحادية والعشرون] (¬1): (الفائدة الثانية): الصفقة الواحدة؛ هل تتفرق فيصح بعضها دون بعض أم لا، فإذا بطل بعضها بطل كلها؟ في المسألة روايتان، أشهرهما أنها تتفرق، [و] (¬2) للمسألة صور: أحدها: أن (¬3) يجمع [العقد بين] (¬4) ما يجوز العقد عليه وما لا يجوز بالكلية، إما مطلقًا أو في تلك الحال؛ فيبطل العقد فيما لا يجوز عليه العقد بانفراده، وهل يبطل في الباقي؟ على الروايتين، ولا فرق في ذلك بين عقود المعاوضات وغيرها؛ كالرهن والهبة والوقف، [ولا بين] (¬5) ما يبطل بجهالة عوضه؛ كالبيع (¬6)، وما لا يبطل؛ كالنكاح، فإن النكاح فيه روايتان منصوصتان عن أحمد؛ غير أن صاحب "المغني" اختار أن البيع إذا كان الثمن منقسمًا عليه بالقيم (¬7)؛ كعبدين أحدهما مغصوب: أنه لا يصح العقد فيهما؛ تعليلًا بجهالة العوض، بخلاف ما ينقسم (¬8) الثمن عليه بالإجراء؛ كقفيزين (¬9) من صبرة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع. (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (ج). (¬3) في المطبوع: "أنه". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "العقدين". (¬5) في (ج): "ولا فرق بين". (¬6) في المطبوع: "كالمبيع". (¬7) في المطبوع: "بالقيمة". (¬8) في المطبوع: "ما يقسم". (¬9) في المطبوع و (ب): "كقفيز".

واحدة، وهذا مأخذ البطلان وراء تفريق الصفقة، كما قالوا فيما إذا باع معلومًا ومجهولًا: إنه لا يصح رواية واحدة؛ لجهالة الثمن؛ فهذا هو المانع هنا من تفريقها، وفي "التلخيص": إن للبطلان في الكل مأخذين: أحدهما: كون الصفقة (¬1) لا تقبل التجزؤ والانقسام. والثاني: جهالة العوض. قال: فعلى الأول يطرد الخلاف في كل العقود، وعلى الثاني لا يطرد فيما لا عوض فيه أو لا يفسد بفساد عوضه؛ كالنكاح، قال: وعلى (¬2) الأول لو قال: [بعتك] (¬3) كل واحد بكذا؛ لم يصح، ويصح على الثاني. انتهى. ثم إنه حكى في تعدد الصفقة تفصيل الثمن وجهين، وصحح تعددها (¬4)؛ فعلى هذا يصح في قوله: " [بعتك] (3) كل واحد بكذا" على المأخذين، ثم إنه اختار أن المتبايعين إن علما أن بعض الصفقة غير قابل للبيع؛ لم يصح رواية واحدة؛ لأنهما دخلا على جهالة الثمن، وإن جهلا ذلك؛ فهو محل الروايتين لأن للجهل بمثل ذلك تأثيرًا (¬5) في الصحة، كما [في شراء المعيب] (¬6) الذي يسقط (¬7) أرشه بعد العقد (¬8). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الصفة". (¬2) في (ب): "ومحل". (¬3) في المطبع: "يقبل". (¬4) في المطبوع: "بعددها"، وفي (أ) بدون نقط. (¬5) في المطبوع: "لأن الجهل بمثل ذلك تأثير"، وفي (ب): "فإن للجهل بمثل ذلك تأثيرًا". (¬6) في المطبوع: "لو شرى المبيع"! (¬7) في المطبوع: "الذي لا يسقط"! (¬8) في المطبوع: "العتق".

[وهذا ضعيف؛ فإن البائع [قد يعلم] (¬1) بالعيب في العقد ولا يمنع الصحة، وكذا في بيع النجش وإخبار (¬2) البائع بزيادة الثمن عمدًا؛ فإن البيع يصح في ذلك كله ويسقط بعض الثمن] (¬3). وها هنا طريقة ثانية لدفع جهالة الثمن: وهي تقسيطه على عدد المبيع لا على القيم، ذكره القاضي وابن عقيل وجهًا في باب الشركة والكتابة من "المجرد" و"الفصول" فيما إذا باع عبدين، أحدهما له والآخر لغيره: إذ الثمن يتقسط (¬4) عليهما نصفين، كما لو تزوج امرأتين في عقد، وهذا بعيد جدًّا، ولا أظنه يطرد إلا فيما إذا كانا جنسًا واحدًا. وذكرا في كتابيهما طريقة ثالثة (¬5)، وهي أنه يمسك [ما] (¬6) يصح العقد عليه بكل الثمن، أو يرد (¬7)، وهذا في غاية الفساد؛ [فإنه لو ظهر منه عيب؛ لا يستحق الرجوع بأرشه من الثمن عندنا بتلف إذا بطل البيع] (¬8)، [اللهم إلا أن يخص هذا بمن كان عالمًا بالحال، وأن بعض المعقود عليه لا يصح العقد عليه؛ فيكون قد دخل على بذل الثمن في مقابلة ما [لا] (¬9) ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع "علم". (¬2) في المطبوع: "واختار". (¬3) ما بين المعقوفتين مضروب عليه في (أ). (¬4) في (ب) و (ج): "يقسط". (¬5) في (ج): "طريقة ثانية". (¬6) في المطبوع: "و". (¬7) في المطبوع: "أو يرده". (¬8) ما بين المعقوفتين انفرد به (ج). (¬9) ما بين المعقوفتين من (ب).

يصح عليه العقد خاصة؛ كما نقول (¬1) فيمن أوصى لحي وميت بعلم موته بشيء: إن الوصية كلها للحي] (¬2). ولبعضهم طريقة أخرى في المسألة، وهي إن كان [ما] (¬3) لا يجوز عليه العقد غير قابل للمعاوضة بالكلية؛ كالطريق؛ بطل البيع لأنه غير قابل للتحول بالكلية، وقياسه الخمر، وإن كان قابلًا للصحة؛ ففيه الخلاف، ذكره الأزجي، ولا يثبت ذلك في المذهب. وعلى القول بالتفريق؛ فللمشتري الخيار [إذا لم يكن عالمًا بتبعض] (¬4) الصفقة عليه، وله أيضًا الأرش إذا أمسك بالقسط فيما ينقص بالتفريق؛ كالعبد الواحد والثوب الوأحد، ذكره صاحب "المغني" في الضمان. (الصورة الثانية): أن يكون التحريم [في] (¬5) بعض أفراد الصفقة ناشئًا من الجمع بينه وبين الآخر؛ فها هنا حالتان: إحداهما: أن يمتاز بعض الأفراد بمزية؛ فهل يصح العقد [فيه] (¬6) بخصوصه، أم يبطل في الكل؟ ¬

_ (¬1) في (ج): "كما يقول". (¬2) ما بين المعقوفتين سقط من (أ). (¬3) في المطبوع: "مما". (¬4) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "لتبعض"، وفي المطبوع: "إذا لم يكن عالمًا بتبعيض". (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ب). (¬6) ما بين المعقوفتين ليس في المطبوع.

فيه خلاف، والأظهر صحة ذي المزية. - (فمن صور (¬1) ذلك): ما إذا [جمع في] (¬2) [عقد بين نكاح] (¬3) أم وبنت؛ فهل يبطل فيهما، أم (¬4) يصح في البنت لصحة ورود عقدها على عقد الأم من غير عكس؟ على وجهين. - (منها): لو جمع حر واجد للطول أو غير خائف للعنت بين حرة وأمة في عقد؛ ففيه روايتان منصوصتان: إحداهما: يبطل النكاحان معًا. الثانية: يصح نكاح (¬5) الحرة وحدها، وهو (¬6) أصح، لأنها تمتاز بصحة ورود نكاحها على نكاح الأمة من غير عكس؛ فهي كالبنت مع الأم، وأولى؛ لجواز دوام نكاح الأمة معها على الصحيح أيضًا. - (ومنها): أن يتزوج حر خائف للعنت غير واجد للطول حرة تعفه بانفرادها (¬7) وأمة في عقد واحد، وفيه وجهان: أحدهما: يصح نكاح الحرة وحدها، وهو ظاهر كلام القاضي في ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فمن أمثلة صور ذلك". (¬2) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "اجتمع". (¬3) في المطبوع و (ج): "عقد نكاح بين"، وفي (أ): "عقدين نكاح"! (¬4) في المطبوع: "أو". (¬5) في (ج): "يصح في نكاح". (¬6) في المطبوع: "وهي". (¬7) في المطبوع: "بأفرادها".

"المجرد"؛ لأن الحرة تمتاز على الأمة بصحة ورود نكاحها عليها؛ فاختصت بالصحة. والثاني: يصح [فيهما] (¬1) معًا، قاله (¬2) القاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما"؛ لأن له في هذه الحال قبول نكاح كل واحدة منهما على الانفراد؛ فيصح الجمع بينهما؛ كما لو [تزوج] (¬3) أمة ثم حرة. والأول أصح؛ لأن قدرته على نكاح الحرة تمنعه (¬4) من نكاح الأمة؛ فمقارنة نكاح الحرة أولى بالمنع، أما إذا كان المتزوج عبدًا وقلنا بمنعه من نكاح الأمة على الحرة التي تعفه؛ ففيه وجهان: أحدهما: إنه كالحر سواء، قاله القاضي في "الجامع" وصاحب "المحرر" (¬5). والثاني: يصح جمعه بينهما في عقد بغير خلاف، و [هو ظاهر كلام أبي الخطاب] (¬6) وصاحب "المغني" (¬7)؛ لأن العبد لا تمنعه القدرة على نكاح الحرة من نكاح الأمة؛ [فلا تمنعه] (¬8) مقارنة نكاحهما (¬9)، وإنما ¬

_ (¬1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "نكاحهما". (¬2) في المطبوع: "قال". (¬3) في المطبوع: "جمع بين". (¬4) في (ب): "يمنعه". (¬5) في "المحرر" (2/ 22). (¬6) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع نقط فراغ. (¬7) في "المغني" (7/ 106/ 5406). (¬8) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع نقط فراغ. (¬9) في (أ): "نكاحها"، وفي (ب) غير واضحة.

يمتنع (¬1) بسبق نكاح الحرة. الحالة الثانية: إنه لا يمتاز بعضها عن بعض بمزية (¬2)؛ فالمشهور البطلان في الكل؛ إذ ليس بعضها أولى [من بعض بالصحة] (¬3)؛ مثل أن يتزوج أختين في عقد أو خمسًا في عقد؛ فالمذهب البطلان في الكل، [و] (¬4) نص عليه أحمد في "رواية صالح" (¬5) و"أبي الحارث"، ونقل عنه ابن منصور: إذا تزوج أختين في عقد يختار إحداهما، وتأوله القاضي على أنه يختارها بعقد (¬6) مستأنف، وهو بعيد. وخرج القاضي فيما إذا زوج الوليان من رجلين [و] (4) وقعا معًا: إنه يقرع بينهما، فمن قرع (¬7)؛ فهي زوجته، ويخرج [ها] (4) هنا أمثلة. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يمنع". (¬2) في المطبوع: "بموته". (¬3) في المطبوع: "ببعض في الصحة"، وفي (ج): "من بعض على الصحة". (¬4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬5) لم أجده نص على المسألة بعينها في "مسائل صالح"، وإنما نص على الأختين من الرضاعة؛ ففيها (2/ 84 - 85/ 634) فيمن تزوج صبية مرضعة، وعنده زوجة كبيرة، فأرضعت أمُّ هذه الكبيرة الصغيرة؛ حرمتا عليه جميعًا. وكذا نص على عدم الجمع بين الأختين الأمتين، فسُئل عن رجل له أمة يطؤها، ولها أخت زوَّجها من رجل، فطلق الرجل هذه التي تزوج هذا أختها، فرجعت في ملكه؟ قال: ينبغي أن يخرج إحداهما من ملكه. انظر: "مسائل صالح" (1/ 196 - 197/ 117 - 119). (¬6) في (ج): "في عقد". (¬7) في المطبوع: "أقرع".

الصورة الثالثة: أن [تجمع الصفقة] (¬1) شيئين يصح العقد فيهما، [ثم] (¬2) يبطل العقد في أحدهما قبل استقراره؛ فإنه يختص بالبطلان دون الآخر، قال القاضي وابن عقيل: رواية واحدة؛ لأن التفريق (¬3) وقع هنا دوامًا لا ابتداءً، [والدوام أسهل من الابتداء] (¬4)، ومع هذا؛ فقد حكوا (¬5) فيما إذا تفرق المتصارفان عن قبض بعض الصرف: إنه يبطل العقد فيما لم يقبض، وفي الباقي روايتا تفريق الصفقة (¬6)، وهذا تفريق في الدوام؛ إلا أن يقال: القبض في الصرف شرط لانعقاد العقد لا لدوامه، وأن العقد مراعى بوجوده [كما] (7) صرح به جماعة من الأصحاب؛ فيكون التفريق حينئذ في الابتداء؛ غير أن القاضي [في "خلافه"] (7) حكى الخلاف في تفريق الصفقة في السلم والصرف [مع] (¬7) تصريحه في المسألة بأن القبض شرط للدوام دون الانعقاد، وهذا يقتضي ولا بد تخريج الخلاف في تفريق الصفقة دوامًا قبل استقرار العقد، وذكر أبو بكر [في "الشافي"] (¬8) أن مال الزكاة إذا بيع ثم أعسر البائع بالزكاة؛ فللساعي الفسخ في قدرها، فإذا (¬9) ¬

_ (¬1) في المطبوع: "يجمعا في صفقة". (¬2) في المطبوع: "أو". (¬3) في (ج): "التعليق". (¬4) في (ج): "والدائم أسهل من المبتدأ". (¬5) في المطبوع: "حكموا". (¬6) في المطبوع: "روايتان. تفريق الصفقة". (¬7) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬8) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الشامي". (¬9) في (ج): "وإذا".

فسخ في قدرها؛ فهل ينفسخ [في] (¬1) الباقي؟ يخرج على روايتي تفريق الصفقة، وهذا تصريح بإجراء الخلاف في التفريق في الدوام؛ فإن [الفسخ ها هنا] (¬2) بسبب سابق على العقد؛ فلا يستقر العقد معه؛ فهذا في البيع ونحوه، فأما في النكاح؛ فإن طرأ ما يقتضي تحريم إحدى المرأتين بعينها؛ كردة [أو] (¬3) رضاع؛ اختصت بانفساخ النكاح وحدها بغير خلاف، وإن طرأ ما يقتضي تحريم الجمع بينهما؛ فإن لم يكن لإحداهما (¬4) مزية [على الأخرى، بأن صارتا أختين بإرضاع امرأة واحدة لهما انفسخ نكاحهما، وإن كان لإحداهما مزية] (1) بأن صارتا أمًّا وبنتًا بالارتضاع؛ فروايتان، أصحهما: يختص الانفساخ (¬5) بالأم وحدها إذا لم يدخل بهما؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء؛ فهو كمن أسلم على أم وبنت لم يدخل بهما؛ فإنه يثبت نكاح البنت دون الأم، واللَّه [سبحانه وتعالى] (¬6) أعلم (¬7). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع. (¬2) في المطبوع: "انفسخ هنا"، وفي (أ) و (ب): "الفسخ هنا". (¬3) في المطبوع: "و". (¬4) في المطبوع: "لأحديهما"، وفي (ج): "لأحدهما". (¬5) في (ج): "الفسخ". (¬6) ما بين المعقوفتين انفرد بها (ج). (¬7) كتب هنا في هامش (أ): "آخر الكتاب". وأثبت تحته في نسخة (أ) بخط مغاير: "آخر كتاب "الطبقات" على مذهب امام الأئمة، ناصر السنة، الإمام الرباني، أبي عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، رضي اللَّه عنه وأرضاه وجعل الجنّة مأواه".

[والحمد للَّه وحده، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. بلغ مقابلة لجميع الكتاب بأصلي الذي بخطي بحضوري، وذلك مجالس آخرها عاشر شوال سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة. وكتبه مؤلفه عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي عفا اللَّه عنه، وصلى اللَّه على محمد وآله وصحبه وسلم] (¬1). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين آخر ما وجدناه في النسخة (أ) أما (ب)؛ ففيها: "والحمد للَّه وحده، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه، ووافق الفراغ من كتابته على يد أفقر عباد اللَّه وأحوجهم إلى رحمة ربه. . . أحمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم الفتوحي الحنبلي. . . ". وأما (ج)؛ ففيها: وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، صلاة وسلامًا دائمين إلى يوم الدين، تم الكتاب بعون الملك الوهاب ضحوة الاثنين، رابع عشر المحرم من شهور سنة 1334، بقلم أسير ذنوبه وخطاياه، الفقير إلى عفو مولاه، المعلق بكرم معبوده رجاءه عمر بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن محمد بن علي بن أحمد بن معيوف، اللهم اغفر لكاتبه ولوالديه ووالديهما وذريتهما وأحبائه فيك ولمن قال: آمين آمين آمين آمين" اهـ. وفي آخر المطبوع قال: "وجد في آخر النسخة ما نصه: "الحمد للَّه كثيرًا بلا انتهاء، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا إلى يوم الدين، وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلى [كذا في المطبوع، والصواب: إلا] باللَّه العلي العظيم، تمت القواعد بتجديد مالكها الفقير إلى اللَّه تعالى محمد بن أحمد بن سيف الحنبلي، غفر اللَّه له ولوالديه ومشايخه في الدين، آمين" اهـ.

§1/1