قلائد العقيان

الفتح بن خاقان، أبو محمد

القسم الأول في محاسن الرؤساء وأبناءهم ودرج أنموذجات من مستعذب أنبائهم

القسم الأول في محاسن الرؤساء وأبناءهم ودرج أنموذجات من مستعذب أنبائهم المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن عباد ملك قمع العدا وجمع الناس والندا وطلع على الدنيا بدر هدى لم يتعطل يوماً كفه ولا بنانه اونة يراعه واونة سنانه وكانت أيامه مواسم وثغور برة بواسم ولياليه كلها دررا وللزمان أحجالاً وغررا لم يغفلها من سمات عوارف ولم يضحها من ظل إيناس وارف ولا عطلها من ماثرة بقي أثرها باديا ولقي معتفيه منها إلى الفضل هاديا وكانت حضرته مطمحاً للهمم ومسرحاً لآمال الأمم وموقفاً لكل كمي ومقذفاً لذي انف حمي لم تخل من وفد ولم يصح جوها من انسجام رفد فاجتمع تحت لوآيه من جماهير الكماة ومشاهير الحماة أعداد يغص بهم الفضا وأنجاد يزهى بهم النفوذ والمضا وطلع في سمائه كل نجم متقد وكل ذي فهم منتقد فأصبحت حضرته ميداناً لرهان الأذهان وغاية لرمي هدف البيان ومضماراً لإحراز خصل في كل معنى وفصل فلم يرتسم في زمامه إلا بطل نجد ولم يتسق في نظامه إلا ذكاء ومجد فأصبح عصره أجمل عصر وغدا مصره أكل مصر تسفح فيه ديم الكريم ويفصح فيه لساناً سيف وقلم ويفضح

الرضى في وصفه ايام ذي سلم وكان قومه وبنوه لتلك الحلبة زيناً ولتلك الجملة عيناً عن ركبوا خلت الأرض فلكاً بجمل نجوماً وإن وهبوا رأيت الغمام سجوماً وإن أقدموا أحجم عنترة العبسي وإن فخروا أقصر عرابة الأوسي ثم انحرفت الأيام فالوت بإشراقه وأذوت يانع ايراقه فلم يدفع الرمح ولا الحسام ولم تنفع تلك المنن الجسام فتملك بعد الملك وحط من فلكه إلى الفلك فأصبح خايضاً تحدوه الرياح وناهضاً يزجيه البكا والنياح، وقد ضجت عليه أياديه، وارتجت لاجوانب ناديه، وأضحت منازله قد بان عنها الأنس والحبور، وألوت بهجتها الصبا والدبور، فبكت العيون عليه دما، وعاد موجود الحيوة عدما، وصار أحرار الدهر فيه خدما، فسحقاًُ لدنيا ما رعت حقوقه، ولا أبقت شروقه، فكم أحياها لبنيها، وأبداها رائقة لمجتليها، وهي الأيام لا تقي من تجنيها، ولا تبقي على مواليها، أدثرت آثار جلق، وأخمدت نار المحلق، وذللت عزة عاد بن شداد، وهدت القصر ذا الشرفات من سنداد، ونعت ببوس النعمان، وأكمنت غدرها له في طلب الأمان، وقد أثبت من نظمه العذب الجنى، الرائق السنا، الفائق اللفظ والمعنى، ما يمتزج بالنفوس والقلوب، ويتارج به مسرى الصبا والجنوب، وذكرت أثناءه من مآثره المخترعة ومفاخره، ومشاهده المستبدعة ومحاضره، ما يهون الدنيا وزخرفها، ويلين تقلبها وتصرفها، أخبرني ذو الوزارتين أبو بكر بن القصيرة أنه كان بغرفة القصر المكرم مقيماً لرسوم المعتمد وحدوده، منشأ لمخاطباته وعهوده، في اليوم الذي خرج فيه ابن عمار إلى شلب معه مفتقداً لأعمالها، مسدداً أغراض عمالها، إذ طلع إليه الوزير الأجل أبو بكر بن زيدون منشرح المحيا، متضح العليا، يتهلل بشرا، ويتخيل أنه المسك نشرا، وقال لما خرج ابن عمار إلى شلب ثار للمتعمد هيامه القديم وكلفه، وتجدد له معلقه بها ومالفه، فإنه عمرها في ظل صباه، وفرع بها هضاب السرور ورباه، وبرد عمر قشيب، وشبابه غض لم يرعه مشيب، ايام ولاه المعتضد بالله أمرها، وأدارت عليه الغرارة خمرها، فقال مرتجلاً، وابن عمار بالانحفاز له: "طويل" ألا حيّ أوطاني بشلب أبا بكرِ ... وسلهنَّ هل عهد الوصال كما أدري وسلّم على قصر الشراجيب عن فتىً ... له أبداً شوق إلى ذلك القصرِ

منازل آسادٍ وبيض نواعم ... فناهيك عن غيلٍ وناهيك من حذرِ وكم ليلةٍ قد بتّ أنعم جنحها ... بمخصبة الأرداف مجذبة الخصرِ وبيض وسمر فاعلات بمهجتي ... فعال الصفاح البيض والاسل المسرِ وليل بسدّ النهر لهواً قطعته ... بذات سوار مثل منعطف البدرِ نصت بردها عن غصن بانٍ منَّعم ... نصيركما انشقَّ الكمام عن الزهرِ وأخبرني ذخر الدولة ابن المعتضد أنه دخل عليه في ليلة قد ثنى السرور منامها، وامتطى الحبور غاربها وسنامها، وراع الأنس فوادها، وستر بياض الأماني سوادها، وغازل نسيم الروض زوارها وعوادها، ونور السرج قد قلص أذيالها، ومحا من لجين الأرض نبالها، والمجلس مكتس بالمعالي، وصوت المثاني والمثالث عال، والبدر قد كمل، والتحف بضوءه القصر واشتمل، وتزين بسناه وتجمل، فقال: "كامل" ولقد شربت الراح يسطع نورها ... والليل قد مدَّ الظلام رداءَ حتَّى تبدى البدر في جوزائه ... ملكاً تناهى بهجة وبهاءَ لمّا أراد تنزّها في غربه ... جعل المظلّة فوقه الجوزاءَ وتناهضت زهر النجوم يحفّه ... لألآؤها فاستكمل الآلآءَ وترى الكواكب كالمواكب حوله ... رفعت ثريَّاها عليه لواءَ وحكيته في الأرض بين مواكبٍ ... وكواعبٍ جمعت سنا وسناءَ إن نشرت تلك الدروع حنادساً ... ملأت لنا هذي الكؤس ضياءَ وإذا تغنّت هذه في مزهر ... لم تال تلك على التريك غناءَ وأخبرني أبو بكر بن عيسى الداني المعروف بابن اللبانة أنه استدعاه ليلة إلى مجلس قد كساه الروض وشيه، وامتثل الدهر أمره فيه ونهيه، فسقاه الساقي وحياه، وسفر له الأنس عن مؤنق محياه، فقام للمعتمد مادحاً، وعلى دوحة تلك النعماء صادحاً، فاستجاد قوله، وأفاض عليه طوله، فصدر وقد امتلأت يداه، وغمره جوده ونداه، فلما حل بمنزلة وافاه رسوله بقطيع وكاس من بلار، وقد اترع بصرف العقار، ومعهما: "كامل" جاءتك ليلاً في ثياب نهارِ ... من نورها وغلالةِ البلاَّرِ كالمشتري قد لقَّ من مرّيخه ... غذ لفَّه في الماءِ جذوة نارِ لطف الجمود لذا وذا فتألفا ... لم يلقَ ضدَّ ضدَّه بنفارِ يتحيَّر الراءون في نعتيهما ... أصفاء ماءٍ أم صفاء دراري وأخبرني ابن إقبال الدولة ابن مجاهد أنه كان عنده في يوم قد نشر من غيمه رداء ند، واسكب من قطرة ماء ورد، وأبدى من برقة لسان نار، وأظهر من قوس قزحه حنايا آس حفت بنرجس وجلنار، والروض قد نفث رياه، وبث الشكر لسقياه، فكتب إلى الطبيب أبي محمد المصري: "خفيف" أيّها الصاحب الذي فارقت عي ... ني ونفسي منه السنا والسناءَ نحن في المجلس الذي يهب الرا ... حة والسمع والغنا والغناءَ نتعاطى التي تسمَّى من الل? ... ?ذة والرقّة الهوى والهواءَ فأته تلفَ راحة ومحيا ... قدّ أعدّا لك الحيا والحياءَ فوافاه والفى مجلسه قد اتعلت أباريقه أجيادها، وأقامت به خيل السرور طرادها، وأعطته الأماني انطباعها وانقيادها، وأهدت الدنيا ليومه مواسمها وأعيادها، وخلعت عليه الشمس شعاعها، ونشرت فيه الحدائق إيناعها، فأديرت الراح، وتعوطيت الأقداح، وخامر النفوس الابتهاج والارتياح، وأظهر المتعهد في إيناسه، ما استرق به نفوس جلاسه، ثم دعا بكبير، فشربه كالشمس غربت في ثبير، وعندما تناولها قام المصري ينشد أبياتاً تمثلها: "بسيط" أشرب هنيئاً عليك التاج مرتفعاً ... بشاذ مهر ودع غمدان لليمنِ فأنت اولى بتاج الملك تلبسه ... من هوذة بن عليّ وابن ذي يزنِ فطرب حتى زحف من مجلسه، وأسرف في تأنسه، وأمر فخلعت عليه ثياب لا تصلح إلا للخلفاء، وأدناه حتى أجلسه مجلس الأكفاء، وأمر له بدنانير عدداً، وملأ بالمواهب منه يدا، وكان مجلس ذي الوزارتين أبي الوليد بن زيدون منحطاً عنة مجلسه في القعود لإنفاذ أوامر أبيه المعتضد فكتب إلا للخلفاء، وأدناه حتى أجلسه مجلس الأكفاء، وأمر له بدنانير عدداً، وملأ بالمواهب منه يدا، وكان مجلس ذي الوزارتين أبي الوليد بن زيدون منحطاً عنة مجلسه في القعود لإنفاذ أوامر أبيه المعتضد فكتب إليه: "رمل" أيّها المنحطّ عنّي مجلساً ... وله في النفس أعلا مجلسِ بفؤادي لك حبَّ يقتضي ... أن ترى تحمل فوق الأرؤسِ فكتب إليه ابن زيدون مراجعاً: "رمل" أسقيط الطلّ فوق النرجس ... ام نسيم الروض تحت الحندسِ أم قريض جاءني من ملكٍ ... مالك بالبرّرقَّ الأنفسِ

يا جمال الموكب الغادي إذا ... سار فيه يا بهاء المجلسِ شرفت بكر المعالي خطبه ... بك فأنعم بسرور المعرسِ وارتشف معسول ثغرٍ أشنبٍ ... تجتنيه من مجاجِ العسِ واغتبق بالسعد في دست المنى ... يصبح الصنع دهاق الأكوسِ فاعتراض الدهر في ماشيته ... مرتقى في صدره لم يهجسِ وله في ظلام رأه يوم العروبة من ثنيات الوغا طالعاً، ولطلا الأبطال قارعا، وفي الدماء والغا، ولمستشبع كؤس المنايا سائغاً، وهو ظبي قد فارق كناسه، وعاد أسداً صارت الفتى أخياسه، ومتكاثف قد مزقه إشراقه، وقلوب الدارعين قد شكتها أحداقه، فقال: أبصرت طرفك بين مشتجر القنى ... فبدا لطرفي انّه فلكُ أو ليس وجهك فوقه قمراً ... يجلى بنيّر نوره الحلك وله فيه: "متقارب" ولمّا اقتحمت الوغا دارعاً ... وقنّعت وجهك بالمغفرِ حسبنا محيَّاك شمس الضحى ... عليها سحاب من العنبرِ وتوجه اليد الوزير أبو الإصبع بن أرقم رسولاً عن المعتصم ومعه الوزير أبو عبيد البكري والقاضي أبو بكر بن صاحب الأحباس فلما دنا من حضرته واقترب، وبات منها على قرب، معتقداً حلولها فجر أو ضحاه، معتمداً مشاهدة فطر ذلك اليوم أو اضحاه، بادر بالإعلام، وكتب إليه على عادة الإعلام، شعراً منه: "بسيط" يا ملكاً عظّمته العرب والعجمُ ... وواحداً وهو في أثوابه أممُ إنّا وردناك والأقطار مظلمةً ... والبدر يرجى إذا ما التخّت الظلمُ فكتب إليه رحمه الله: بسيط أهلاً بكم صحبتكم نحويَ الديمُ ... إن كان لم يتبجّح لي بكم حلمُ حثّوا المطيّ ولو ليلاً بمجهلة ... فلن تصلوّا ومن بشري لكم علمُ لأنتم القوم إن خطوّا يجد قلمٌ ... وإن يقولوا يصيب فصلَ الخطاب فمُ لاعيّ إن رقموا كتباً ولا حصرُ ... إذ ينتدون ولا جورٌ إذا حكموا أقدم أبا الإصبع المودودَ تلقَ فتىً ... هشّ المودّة لا يزري به سأمُ هذا فؤادي قد طار السرور به ... إن كنت تنقلك الوخّادة الرسمُ سأكتم الليل ما ألقاه من بعدٍ ... وأسئل الصبح عنكم حين يبتسمُ

وأخبرني ذخر الدولة أنه استدعاه في ليلة قد ألبسها البدر رداءة، وأوقد فيها أضواءه، وهو على البحيرة الكبرى، والنجوم قد انعكست فيها تخالها زهراً، وقابلتها المجرة فسالت فيها نهرا، وقد ارجت نوافح الند، وماست معاطف الرند، وحسد النسيم الروض فوشى باسراره، وأفشى أحاديث آسه وعراره، ومشى مختالاً بين لبات النور وأزراره، وهو وجم، ودمعه منسجم، وزفراته تترجم عن غرام، وتجمجم عن تعذر مرام، فلما نظر إليه استدناه وقربه، وشكا إليه من الهجران ما استغربه، وأنشد: متقارب أيا نفس لا تجزعي واصبري ... وإلاّ فإنّ الهوى متلفُ حبيب جفاكِ وقلب عصاكِ ... ولاح لحاكِ ولا ينصفُ شجون منعن الجفون الكرى ... وعوّضها أدمعاً تنزفُ فانصرف ولم يعلمه بقصته، ولا كشف له عن غصته، وأخبرني أنه دخل عليه في دار المزيّنة والزهر يحسد أشراق مجلسه، والدر يحكى اتساق تأنسه، وقد رددت الطير شدوها، وجددت طربها وشجوها، والغصون قد التحفت بسندسها، والأزهار تحيي بطيب تنفسها، والنسيم يلم بها فتضعه بين أجفانها، وتودعه أحاديث أذارها ونيسانها، وبين يديه فتى من فتيانه يتثنى تثني القضيب، ويحمل الكاس في راحة أبهى من الكف الخضيب، وقد توشح وكان الثريا وشاحه، وأنار فكان الصبح من محياه كان اتضاحه، فكلما ناوله الكاس خامره سورة، وتخيل أن الشمس تهديه نوره، فقال المعتمد: منسرح لله ساقٍ مهفهفٌ غنجٌ ... قام ليسقي فجاء بالعجبِ أهدى لنا من لطيف حكمته ... في جامد الماء ذائب الذهبِ ولما وصل لورقة استدعى ذا الوزارتين القائد ابا الحسن بن اليسع ليلته تلك في وقت لم يخف فيه زائر من مراقب، ولم يبد فيع غير نجم كثاقب، فوصل وما للأمن إلى فؤاده من وصول، وهو يتخيل أن الجو صوارم ونصول، بعد أن وصى بما خلف، وودع من تخلف، فلما مثل بين يديه أنسه، وأزال توجسه، وقال خرجت من اشبيلية وفي النفس غرام طويته بين ضلوعي، وكفكفت فيه غرب دموعي، بفتاة هي الشمس أو كالشمس أخالها، لا يحول قلبها ولا خلخالها، وقد قلت في يوم وداعها، عند تفطر كبدي وانصداعها: طويل ولمّا التقينا للوداع غديّةً ... وقد خفقت في ساحة القصر راياتُ

بكينا دماً حتّى كانّ عيوننا ... بجري الدموع الحمر منها جراحاتُ وقد زارتني هذه الليلة في مضجعي، وأبرأتني من توجعي، ومكنتني من رضابها، وفتنتني بدلالها وخضابها، فقلت: طويل أباح لطيفي طيفها الخدّ والنهدا ... فعضّ به تفّاحة واجتنى وردا ولو قدرت زارت على حال يقظة ... ولكنْ حجابُ البين ما بيننا مدَّا أما وجدت عنّا الشجونُ معرّجا ... ولا وجدت منّا خطوبُ النوى بدَّا سقى اللهُ صوب القطر أمّ عبيدة ... كما قد سقت قلبي على حرّة بردا هي الظبيُ جيداً والغزالةُ مقلةً ... وروض الربا عرفاً وغصن النقا قدّا فكرر استجادته، وأكثر استعادته، فأسر له بخمسماية دينار لورقة من حينه، وأخبرني الوزير الفقيه أبو الحسن ابن سراج أنه حضر مع الوزراء، والكتاب بالزهراء، في يوم غفل عنه الدهر فلم يرمقه بطرف، ولم يطرقه بصرف، ارخت به المسرات عهدها، وأبرزت له الأماني خدها، وأرشفت فيه لماها، وأباحت للزائرين حماها، ومازالوا ينتقلون من قصر إلى قصر، ويبتذلون الغصون بجني وهصر، ويتوقلون في تلك الغرفات، ويتعاطون الكؤس بين تلك الشرفات، حتى استقروا بالروض من بعد ما قضوا من تلك الآثار اوطارا، وأوقروا بالاعتبار قطارا، فحلوا منه في درانيك ربيع مفوقة بالأزهار، مطرزة بالجداول والأنهار، والغصون تختال في أدواحها، وتنثني في أكف أرواحها، وآثار الديار قد أشرفت عليهم كثكالى ينحن على خرابها، وانقراض أطرابها، والوهي بمشيدها لاعب، وعلى كل جدار غراب ناعب، وقد محت الحوادث ضياءها، وقلصت ظلالها وأفياءها، وطالما أشرقت بالخلائق وابتهجت، وفاحت من شذاهم وارجت، أيام نزلوا خلالها، وتفيئوا ظلالها، وعمروا حدائقها وجناتها، ونبهوا الآمال من سناتها، وراعوا الليوث في آجامها، وأخجلوا الغيوث عند انسجامها، فأضحت ولها بالتداعي تلفع واعتجار، ولم يبق من آثارها إلا نوي وأحجار، وقد هوت قبابها، وهرم شبابها، وقد يلين الحديد، ويبلى على طيه الجديد، فبينما هم يتعاطونها صغاراً وكباراً، ويديرونها أنا واعتبارا، إذ برسول المعتمد قد وافاهم برقعة فيها: خفيف حسد القصر فيكمُ الزهراءَ ... ولعمري وعمركم ما أساءَ قد طلعتم بها شموساً صباحاً ... فاطلعوا عندنا بدورا مساءَ

فصاروا إلى قصر البستان بباب العطارين فالفوا مجلساً قد حار فيه الوصف، واحتشد به اللهو والقصف، وتوقدت نجوم مدامه، وتاودت قدود خدامه، وأربى على الخورنق والسدير، وأبدى صفحة البدر من أزرار المدير، فأقاموا ليلتهم ما طرقهم نوم، ولا عراهم عن طيب اللذات سوم، وكانت قرطبة منتهى أمله، وكان روم أمرها أشهى عمله، ومازال يخطبها بمداخله أهليها، ومواصلة واليها، غذ لم يكن في منازلتها قائد، ولم يكن لها إلا حيل ومكائد، لاستمساكهم بدعوة خلفائها، وأنفتهم من طموس رسم الخلافة وعفائها، وحين اتفق له تملكها، وأطلعه فلكها، وحصل في قطب دارتها، ووصل إلى تدبير رياستها وإدارتها، قال: بسيط من للملوك بشأو الأصيد البطلِ ... هيهاتَ جاءتكم مهديّة الدولِ خطبتُ قرطبة الحسناء إذ منعت ... من جاء بخطبها بالبيض والأسلِ وكم غدت عاطلاً حتّى عرضتُ لها ... فأصبحتْ في سرى الحلّي والحللِ عرس الملوك لما في قصرها عرس ... كلّ الملوك به في مأتم الوجلِ فراقبوا عن قريب لا أبا لكمُ ... هجوم ليثٍ بدرع الباس مشتملِ ولما نظمت في سلكه، واتسمت بملكه، أعطى ابنه الظافر زمامها، وولاة نقضها وإبرامها، فأفاض فيها نداه، وزاد على أمك ومداه، وجملاها بكثرة حبائه، واشتغل بأعبائها عن فتائه، ولم يزل فيها أمراً وناهياً، غافلاً عن المكر ساهياً، حسن ظن بأهلها اعتقد، واغترار بهم ما رواه ولا انتقد، وهيهات كم من ملك كفنوه في دمائه، ودفنوه بذمائه، وكم من عرش ثلوه، وعزيز أذلوه، إلى أن ثار فيها ابن عكاشة ليلاً، وجر إليها حرباً وويلاً، فبرز الظافر منفردا من كماته، عارياً عن حماته، وسيفه في يمينه، وهاديه في الظلماء نور جبينه، فإنه كان غلاماً كما بلله الشباب بإندائه، والحفه الحسن بردائه، فدافعهم أكثر ليله، وقد منع منه تلاحق رجله وخيله، حتى أمكنتهم منه عثرة لم يقل لها لعاً، ولا استقل منها ولا سعى، فترك ملتحفاً بالظلماء، معفراً في وسط الحماء، تحرسه الكواكب، بعد الكواكب، وبسترة الحندس، بعد السندس، فمر بمصرعه سحراً أحد أيمة الجامع المغلسين وقد ذهب ما كان عليه ومضى، وهو أعرى من الحسام المنتضى، فخلع رداءه عن منكبيه ونضاه، وستره به ستراً أقنع المجد وأرضاه، وأصبح لا يعلم رب تلك الصنيعة، ولا يعرف

فشكر له يده الرفيعة، فكان المتعهد إذا تذكر صرعته، وسعر الجوى لوعته، رفع بالعويل نداءه، وأنشد، ولم أدر من ألقى عليه رداءة، ولما كان من الغد حزراسه ورفع على سن رمح وهو يشرق كنار على علم، ويرشق نفس كل ناظر بألم، فلما رمقته الأبصار، وتحققته الحماة والأنصار، رموا أسلحتهم، وسووا للفرار أجنحتهم، فمنهم من أختار فراره وجلاه، ومنهم من اتت به إلى حينه رجلاه، وشغل المعتمد عن رثائه، بطلب ثاره، ونصب الحبائل لوقوع ابن عكاشة وعثاره، وعدل عن تابينه، إلى البحث عن مفرقه وجبينه، فلم تحفظ له فيه قافية، ولا كلمة للوعته شافية، إلا إشارته إليه، في تأبين أخويه، المأمون والراضي المقتولين في أول النائرة، والفتنة الثائرة، التي ينتهي بنا القول إلى سرد خبرها، ونص عبرها، فإنه قال: طويل يقولون صبراً لا سبيل إلى الصبرِ ... سأبكي وأبكي ما تطاول من عمري نرى زهرها في مأتمٍ كلّ ليلةٍ ... يخمّشن لهفاً وسطه صفحة البدرِ ينحن على نجمين أثكلن ذا وذا ... ويا صبر ما للقلب في الصبرِ من عذرِ مدى الدهر فلبيك الغمام مصابه ... بصنويه يعذرْ في البكاءِ مدى الدهر بعين سحاب وأكف قصرْ دمعها ... على كلّ قبر حلّ فيه أخو القطرِ وبرق ذكيَ النار حتّى كأنّما ... يسعّر ممّا في فؤادي من الجمرِ هوى ااكوكبان الفتح ثمّ شقيقه ... يزيد فهل بعد الكواكب من صبرِ افتحُ لقد فتّحت لي باب رحمةٍ ... كما يزيدَ اللهُ قد زاد في أجري هوى بكما المقدار عنّي ولم أمت ... وأدعى وفيّاً قد نكصت إلى الغدرِ تولّيتما والسنّ بعد صغيرة ... ولم تلبث الأيّام أن صغّرت قدري فلو عدتّما لاخترتما العود في الثرى ... إذا أنتما أبصرتمانيَ في الأسرِ يعيد على سمعي الحديد نشيده ... ثقيلاً فتبكي العين بالحسّ والنقرِ معي الأخوات الهالكات عليكما ... وأمّكما الثكلى المضرّمة الصدرِ فتبكي بدمع للقطر مثله، ويزجرها التقوى فتصغي إلى الزجرِ أبا خالد أورثتني البثّ خالداً ... أبا النصر مذ ودّعت ودّعني نصري وقبلكما ما أودع القلب حسرة ... تجدّد طول الدهر ثكل أبي عمرو وكان المعتصم بن صمادح قد اختص بأمير المسلمين رحمه الله أيام جوازه البحر إلى

حماية الأندلس حين فغر العدو عليها فما، وأسال دموع أهلها دما، وملأ نفوسهم رعباً، وأخذ كل سفينة غصباً، ففل الله به غربه، وحكم فيه طعنه وضربه، فما سعدت نجومه، ولا قعدت عن شياطينه رجومه، في يوم عروبة لم يكن فيه جمع إلا في المدى، ولم تركع فيه إلا رؤس العدا، ولم يطل فيه إلا ذابل وحسام، ولم يصل فيه إلا بطل مقدام، وهو يوم شفى الإسلام بعد ما أشفى، واقتص من أيام الروم واستوفى، وكان للمعتمد رحمه الله فيه ظهور، وغناء مشهور، جلا متكاثف عجاجه، وجلا الروم عن غيطانه وفجاجه، بعد ما لقي حرة، وسقي أمره، وكلم العدويك، وثلم عدده، وتخاذل فيه رؤساء الأندلس فلم يعمل لهم فيه سنان، ولم يكحل جفونهم من قتامة عنان، والمعتمد يلقي اسنتهم بلباته، وتنثني الذوابل ولا ينثني من عناته، وفي ذلك يقول ابن عبادة: وافر وقالوا كفّه جرحت فقلنا ... أعاديه تواقعها الجراحُ وما أثر الجراحة ما رأيتم ... فتوهنها المناصل والرماحُ ولكن فاض سبيل الباس منها ... ففيها في مجاريه انسياحُ وقد صحت وسمحت بالأماني ... وفاض الجود منها والسماحُ رأى منه أبو يعقوبَ فيها ... عقاباً لا يهاض له جناحُ فقال له لك القدح المعلّى ... إذا ضربت بمشهدك القداحُ وفي ذلك يقول عبد الجليل ويشير إلى أمير المسلمين وحسن بلائه، وما أظهر المعتمد من إخلاصه وولائه، وأول القصيدة: وافر أظنّ خطوبها قالت سلامُ ... فلم يعبس لها منك ابتسامُ ومنها: فثار إلى الطعان حليف صدق ... تثور به الحفيظة والذمامُ ونما في حميرٍ ونمتك لخم ... وتلك وشائح فيها التحامُ تهجن لسيله نهجاً فوافى ... وفي أذيّه الطامي عرامُ فهيل به كثيب الكفر هيلاً ... وكلّ رقيقة منها ركامُ وأصبح فوق ظهر الأرض أرضاً ... وكانّ وهادها منهم إكامُ عديد لا يشارفه حسابٌ ... ولا يحوي جماعته زمامُ تألّفتِ الوحوش عليه شتّى ... فما نقص الشراب ولا الطعامُ فإن ينجو اللعين فلا كحرّ ... ولكن مثل ما تنجو الليامُ

ميا أدفنشُ يا مغرورُ هلاّ ... تجنّبت المشيخة يا غلامُ ستسالك النساء ولا الرجال ... فحدث ما ورائك يا عصامُ راقبها بأرضك طالعات ... كما تهدي صواعقها الغمامُ أقمت لذا الوغا سوقاً فخذها ... مناجرةً وهون ما تسامُ فإن شئتَ اللُّجين فثمّ سام ... وإن شئت النَّضار فثمّ حامُ جلالك فوق ما يعطيك وهم ... وفعلك فوق ما يسمع الكلامُ وأنت النعمة البيضاء فاسلم ... لنا وليطّرد فيك التمامُ ومازال ابن صمادح يتصنع إليه بكل معنى يغرب، ويفسد ما بينه وبين المعتمد ويخرب، ويؤرش بينهما ويضرب، فلما أعلم بقبيح سعيه، وعلم حقيقة بغيه، كتب إليه: كامل يا من تعرّض لي يريد مساءتي ... لا تعرضنّ فقد نصحت لمندمِ من غرّة منّي خلايق سهلة ... فالستم تحت لبان مسّ الأرقمِ ومن منازعه الشريفة، ومقاطعه المنيفة، وشيمه الملكية، وهممه الفلكية، أن ابن زيدون الذي كان وزير أبيه الذي أظهر صولته، ودبر دولته، وأدجى ضحاها، وأدار بالمكاره رحاها، وأغراه بأعدائه، وزين له الإيقاع بعماله ووزرائه، فغدا شجا في صدورهم، ونكدا في سرورهم، فلما هيل التراب على المعتضد، وأفضى أمره إلى المعتمد، ثاروا إلى طلب ابن زيدون وجاشوا، وبروا في البغي له وراشوا، وأغروه بنكبته، وأروه الرشاد في هدم رتبته، وأرادوه بالي أرادهم، وكادوه كما كادهم، فرموا إلى المعتمد برقعة فيها: كامل يا أيّها الملك العليّ الأعظم ... اقطع وريدي كلّ باغ ينئمُ واحسم بسيفك داء كلّ منافق ... يبدي الجميل وضدّ ذلك يكتمُ لا تحقرنّ من الكلام قليله ... إنّ الكلام له سيوف تكلمُ والملك يحمي ملكه عن لفظة ... تسري فتجلي عن دواةٍ تعظمُ فضلاً عن الكلم الذي قد أصبحت ... غوغاؤنا جهراً به تتكلمُ فالله يعلم أن كلّ مؤمل ... مثلي على حذر وخوف منهمُ فالدمع من أجفاننا متهلّل ... والنار في أحشائنا تتضرمُ ولقد علمتَ ولن نبصّرك الهدى ... فلأنت أهدى في الأمور واعلمُ

إنّ الملوك تخاف من أبنائها ... فتحلّ من مهجاتهم ما يحرمُ ولذاك قيل الملك أعقم لم يزل ... فيه الوليّ يثير حرباً تضرمُ فاحسم دواعي كلّ شرّ دونه ... فالداء يسري أن غدا لا يحسمُ كم سقط زند قد نما حتّى غدا ... بركان نار كل شيء يحطمُ وكذلك السيل الجحافُ فإنّما ... أولاه طلّ ثمّ وبل يسجم والمال يخرج أهله عن حدّهمْ ... فأفهم فإنّك بالبواطن أفهمُ واذكر صنيع أبيك أوّلَ مرّةٍ ... في كلّ متّهمٍ فإنّك تعلمُ لم يبق منهم من توقّع شرّه ... فصفتْ له الدنيا ولذّ المطعمُ فعلى مَ تنكلُ عن صنيع مثله ... ولانت أمضى في الخطوب وأشهمُ وجنانك الثبت الذي لا ينثني ... وحسامك العضب الذي لا يكهمُ والحال أوسعُ والعوالي جمّة ... والمجدّ أشمخُ والصريمة ضيغمُ لا تتركنْ للنّاس موضعَ تهمةٍ ... واحزم فمثلك في العظائم يحزمُ قد قال شاعر كندة فيما مضى ... بيتاً على مرّ الليالي يعلمُ لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتّى يراق على جوانبه الدمُ فاجعله قدوتك التي تعتادها ... في كلّ من يبغي ورأيك أحكمُ واسلم على الأيّام أنك زينها ... وجمالها والدهر دونك ماتمُ لازلتَ بالنصر العزيز مهنّئاً ... والدين عن محمود سعيك يبسمُ وغدت على الأعداء منك رزينةً ... لا تستقلّ بها وخطب صيلمُ ووقيت مكروه الحوادث واغتدت ... طير السعود بإيككم تترنّمُ فلما قرأها المعتمد عف عما أرادوه، وكف ألسنة الذين كادوه، بمراجعة حلت من بغيهم ما انعقد، وزأرت عليهم زئير الليث على النقد، دلت على تحققه بالرياسة، وتسنمه لذرى النفاسة، وتقليل لأيمة العدل المعرضين عن الوشاة، الرافضين للبغاة، العارفين بمعاني السعايات وأسبابها، النابذين لأصحابها وأربابها، فأجمل حلي الملوك التصامم عن سماع القدح في ولي، والتعاظم عن الوضع لعلي، والهجر لمن بغي، والزجر لمن نعب بمكروه أورغا، والمراجعة: كامل كذبتْ مناكم صرحوا أو جمجموا ... الدين أمتن والسجيّة أكرمُ خنتم ورمتم إن أخون وربّما ... حاولتمُ أن يستخفّ يلملمُ

وأردتّمُ تضييق صدرٍ لم يضق ... والسمر في ثغر النحور تحطِّمُ وزحفتمُ بمحالكم لمجرّبٍ ... ما زال يثبت للمحال فيهزمُ أنّى رجوتم غدرَ من جرّبتمُ ... منه الوفاء وظلمَ من لا يظلمُ أناذلكمْ لا البغي يثمر غرسه ... عندي ولا مبنى الصنيعة يهدمُ كفّوا وإلاّ فارقبوا لي بطشةً ... يلقى السفيه بمثلها فيحلّمُ فلما بلغ ابن زيدون ما راجعهم به، وتحقق حسن مذهبه، وعلم أن مخيلتهم قد أخفقت، وسعايتهم ما نفقت، وسهامهم تهزعت، ومكائدهم تبددت وتوزعت، قال يمدحه ويعرض بهم: كامل الدهر أن اسأل فصيح أعجمُ ... يعطي اعتباري ما جهلت فاعلمُ وإذا الفتى قدر الحوادث قدرها ... ساوى لديه الشهدَ منها العلقمُ وإذا نظرت فلا اغترارٌ يقتضي ... كنهَ المالِ ولا توقٍّ يعصمُ كم قاعدٍ يحظى تعجّل حظّه ... من جاهد يصل الدروب فيحرمُ وأرى المساعي كالسيوف تبادرت ... شاو المضاء فمنثنٍ ومصمّمُ ولكم تسامى بالرفيع نصابهُ ... خطراً فناصبه الوضيع الآلامُ واشدّ فاجئه الدواهي محسنٌ ... يسعى فيلقه الجريمةَ مجرمُ تلقى الحسود أصمَّ عن جرس الرقى ... ولقد يصيح إلى الرقاة الأرقمُ قل للبغاة المنبضين قسيّهم ... سترون من تصميه تلك الأسهمُ أسررتمُ فرأى نجيّ غيوبكم ... شيحان ملموم عليها ملهمُ وعبأتم للفسق ظفر سعاية ... لم يعدكم إذ ردّ وهو مقلّمُ ونبذتم التقوى وراء ظهوركم ... فغدا نقيضكمُ التقيّ المسلمُ ما كان حلم محمّد ليحيله ... عن عهد دغل الضمير مذمّمُ ملك تطلّع للخواطر غرّة ... زهراء زين بها الزمان الأدهمُ يغشى النواظر من جهير روائه ... خلق يرى ملء الصدور مطهّمُ وسنا جبين يستبين شعاعه ... يغني عن القمرين من يتوسّمُ خلق تودّ الشمس لو صيغت له ... تاجاً ترصّع جانبيه الأنجمُ فضحت محاسنه الرياض بكى الحيا ... وهمى عليها فاغتدت تبتسّمُ فالغدر يبعد والتواضع يدّني ... والبشر يشمس والندى يتغيّمُ

جذلان في يوم الوغا متطلّق ... وجها إليها والردى متجهّمُ باس كما صال الهزبر إزاءه ... جهودكما جاش الخضمُّ الخضرمُ نفسي فداؤك أيّها الملك الذي ... كلّ الملوك له العلاءَ يسلّمُ سدتَّ الجميع فليس منهم منكر ... إن صرتَ فذّهمُ الذي لا يتأمُ لا غرو إنّ المجد في حكم الحجنى ... من أن يضاف إليك صنو اعقمُ ما أن يرى كخصالك الزهر التي ... منها على زهر الكواكب ميسمُ المحتد الزاكي السرى والسوود السّ? ... ?امي الذوائب والفخار الأعظمُ والحلم يرسخ هضبه والعلم يز ... خرُ بحره ولظى الذكا يتضرّمُ دع ذكر صخر وابن صخر بعده ... أنت الحليم وغيرك المتحلّمُ لك عفوُ شهمٍ لا يضيع حزامه ... ولئن بطشت فبطش من لا يظلمُ إنّ الكمال شرحت معنى لفظه ... ولكان وهو المشكل المستبهمُ الله قد أرضاه منك تخرّجٌ ... ثقف وعقد في التقى مستحكمُ لمّا اعتمدتَّ عليه كان بنصره ... داباً مويدك الذي لا يسلمُ فمتى أودّي فرض أنعمك التي ... وبلت كما يبل السحاب المسجمُ أمطيتني متن السماك برتبةٍ ... علياءِ منكب عزّها لا يزحمُ وتركت حسادي عليك وكلّهم ... شاكي حشا يدوي وأنف يرغمُ نصح العدا في زعمهم فوقمتهم ... والغشّ في بعض النصائح مدغمُ وثناهمُ ثبتٌ قناة أناته ... خلقاء يصلب متنها غذ يعجمُ وزهاهم نظم الهراءِ فكفّهم ... نظم عقود السحر منه تنظّمُ أشرعت منه إلى الغواة أسنّة ... نفذت وقد ينبو الطرير اللهذمُ فرقٌ عوت فزأرتَ زأرةَ زاجر ... راع الكليبَ بها السبتني الضيغمُ ياليت شعري هل يعود سفيههمْ ... أم قد حماه النبح ذاك الأكعمُ لي منك فليذب الحسود تلظّيا ... لطف المكانة والمحلّ الأكرمُ وشفوف حظّ ليس يفتؤ يجتلي ... غضّ الشباب وكلّ غضّ يهرمُ لم تلف صاغيتي لديك مضاعة ... كلاّ ولا حقّ اصطناعي الأقدمُ بل أوسعتْ حفظاً وصدق رعاية ... ذممُ موثّقة العرى لا تفصمُ فليخرقنّ الأرض شكرٌ منجد ... منّي تناقله المحافل متهمُ

عطر هو المسك السطيع يطيب في ... شمّ العقول أريجه المتنسّمُ فإذا غصون المكرمات تهدّلت ... كان الهديل ثناءها المترنّمُ الفخر ثغر عن حياضك باسم ... والمجد بردَ من وفائك معلمُ فاسلم مدى الدنيا جمالها ... وتسوّغ النعمى فإنّك منعمُ ولما ثل عرش الخلافة وخوى نجمها، ووهى ركن الإمامة وطمس رسمها، وصار الملك دعوى، وعادت العافية بلوى، استنسر البغاث، وصحت الأضغاث، واستاسد الظبي في كناسه، وثار كل أحد في ناسه، وخلت المنابر من رقاتها، وفقدت الجمع مقيمي أوقاتها، وكان باديس بن حبوس بغرناطة عاثياً في فريقه، عادلاً عن سنن العدل وطريقه، يجتري على الله غير مراقب، ويجري إلى ما شاء غير ملتفت للعواقب، قد حجب سنانه لسانه، وسبقت إساءته إحسانه، ناهيك من رجل لم يبت من ذنب على ندم، ولا شرب الماء إلا من قليب دم، احزم من كاد ومكر، وأجرم من راح وابتكر، ومازال متقداً في مناحيه، مفتقداً لنواحيه، لا يرام بريث ولا عجل، ولا يبيت له جار إلا على وجل، إلى أن وكل أمره إلى احد اليهود واستكفاه، وجرى في ميدان لهوه حتى استوفاه، وأمره أضيع من مصباح الصباح، وهمه في غبوق واصطباح، وبلاده مراد للفاتك، وستره في يد الهاتك، فسقط الخبر على المعتضد بالله ملقح الحرب، ومنتج الطعن والضرب، الذي صار الطير تحت أجنحة العقبان، وأخذ الفريسة من فم الثعبان، فسدد إلى مالقة سهمه وسنانه، ورد إليها طرفه وبنانه، وصمم إليها تصميم سابور إلى الحضر، وعزم عليها عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على النضر، ووجه إليها جيشه المتزاحم الأفواج، المتلاطم الأمواج، وعليه سيفه المستل، وحتفه المحتل، ابنه المعتمد سهام الأعادي، وحمام الأسد العادي، فلما أطل عليها أعطته صفقتها، وأمطته صهوتها، إلا قصبتها فإنها امتنعت بطائفة من السودان المغاربة لم يرضوا سفاحها، ولا أمضوا نكاحها، وفي أثناء امتناعهم، وخلال مجادلتهم ودفاعهم، طيروا إلى باديس من ذلك خبراً أصحاه من نشوته، ولحاه على صبوته، فأخرج من حينه كتيبته التي كانت ترمي بالزند، ولا تنثني عن القنا القصد، وعليها ابن الناية قائد جنده، وموري زند، وقد كان أشار على المعتمد برابرة بتنفيس الممتنعين ولووه عن مساورتهم، وثنوه عن مراوحتهم ومباكرتهم، ومنعوه من نزالهم، وأطمعوه في استنزالهم، إنما كان ذلك أبقى على

الأقارب، وأتقى على أوليك المغارب، فعدل عن انتهاز فرصتهم، وإبراء غصتهم، إلى الاستراحة من تعبة، والإناخة على لهوه ولعبه، وتفرق أصحابه في ارتياد الفتيات، وطراد اللذات، فما أمسى إلا وقد غشيه ليلها، وسال عليه سيلها، وأصحابه بين صريع رحيق، ومنادى من مكان سحيق، فحاب سعيه، وبال رأيه، ونجا براس طمرة ولجام، وآوى إلى أحد المعاقل أعرى من الحسام، فحقد المعتضد عليه بتنفيسه لأهل القصبة، وأصاخته إلى تلك العصبة، وضربه بالعصي، ونكله تنكيل القصي، فكتب إليه: بسيط مجزوء مولاي اشكو إليك داءً ... أصبح قلبي به جريحاً سخطك قد زادني سقاماً ... فابعث إليَّ الرضى مسيحاً فعفا عنه وصفح، وعبق له عرف رضاه ونفخ، وقد كان قبل كتب إليه حين أمره بالمقام بالموضع الذي نحا إليه مسجوناً يسليه، ويعرض له بالبربر ويستعطفه مما حصل فيه: بسيط سكّن فؤادك لا تذهب به الفكر ... ماذا يعيد عليك البثّ والحذرُ فإن يكنْ قدر قد عاق عن وطر ... فلا مرد لما يأتي به القدر وإن تكن خيبة في الدهر واحدة ... فكم غزوت ومن أشياعك الظفرُ يا فارساً تحذر الأبطال صولته ... صن حدّ عبدك فهو الصارم الذكرُ قد أخلقتني صروف أنت تعلمها ... وغال مورد أمالي لها كدر فالنفس جازعة والعين دامعة ... والصوت منخفض والطرف منكسرُ قد حلت لوناً وما بالجسم من سقم ... وشبت رأساً ولم يبلغني الكبرُ لم يأت عبدك ذنباً يستحق به ... عتبا وهاهو قد ناداك يعتذرُ ما الذنب إلاّ على قوم ذوي دغل ... وفي لهى عدلك المألوف إذ غدروا قوم نصيحتهم غش وحبهم ... يغض ونفعهم أن صرّفوا ضررُ يميَّز البغض في الألفاظ أن نطقوا ... ويعرف الحقد في الألحاظ أن نظروا ولما بدت الفتنة وسال سيلها، وانسحب على بهجة الهدنة ذيلها، نازل المرابطون قرطبة وفيها ابنه المأمون وكان أشهر ملوك أوانه خيراً، وأيمنهم طيراً، وما اشتغل بمعاطاة المدامة، ولا توغل للعصيان شعب ندامة، فأقاموا عليها شهوراً، وأرخوا من محاصرتها والتضييق عليها ستوراً، يساورونها مساورة الأراقم، ويباكرونها

بداء من الحصار فأقم، والمأمون قد أوجس في نفسه خيفة، وتوقع منهم داهية مطيفة، فنقل ماله وأهله إلى المدور بعد أن حصنه، وملأه بالعدد وشحنه، وأقام بقصر قرطبة مضطرباً، ولأول نبأة مصيخاً ومرتقباً، إلا أن صبحوها يوماً لعدة كانت بينهم وبين أهلها في تسم أسوارها، وتقحم أنجادها وأغوارها، فوقفوا هاربين، وتشوفوا راهبين، وأهلها يدعون بشعارهم، ويتبعون أهواء مردتهم ودعارهم، وكلهم يبدي تلومه وأحجامه، ويعتقك هولاً لا يرى اقتحامه، إلى أن استهلوا استصعابه، وتوغلوا شعابه، وصمموا إلى القصر، وقد علموا قعود الجماعة عن الحماية له والنصر، فلما أحس بهم المأمون خرج بعدد قليل، وحد قليل، وقد رتبت له بطريقه رصائد، ونصبت له فيها مصائد، علق فيه زمامه، ورشق إليه منها حمامه، فانقضوا عليه انقضاض الجارح، وانصبوا إليه انصباب الطير إلى المسارح، فلم يكن له فيها أين يعرج، ولا وجد للخلاص باباً ينفرج، فقطع رأسه وحيز، وخيض به النهر وأجيز، ولما استقر بالمحلة رفع على سن رمح وطيف به في جوانبها، وأخيف به قلب مجانبها، وبقي جسده على الأرض مطروحاً، كأنه لم يكن للملك روحاً، ولا اختال في عراصه فحكى غصناً مروحاً، وذلك بتقدير العليم ثم انتقلوا إلى رندة أحد معاقل الأندلس الممتنعة، وقواعدها السامية المرتفعة، تطرد منها على بعد ملتقاها، ودنو النجوم من ذراها، عيون لأنصبابها دوي كالرعد القاصف، والرياح العواصف، ثم تتكون وادياً يلتوي بجوانبها التواء الشجاع، ويزيدها في التوعر والامتناع، وقد تجونت نواحيها وأقطارها، وتكونت فيها لباناتها وأوطارها، لا يعتذر لها مطلب، ولا يتصور فيها عدو إلا علقه ناب أو مخلب، فأناخوا منها على بعد، وأقاموا من الرجاء بها على غير وعد، وفيها ابنه الراضي لم يحفل بأناختهم بإزائه، ولا عدها من أرزائه، لامتناعه عن منازلتهم، وارتفاعه عن مطاولتهم، إلى أن انقضى في أمر إشبيلية ما انقضى، وأفضى أمر أبيه إلى ما أفضى، فحمل على مخاطبة ولله لينزل عن صياصيه، ويمكنهم من نواصيه، فنزل براً بأبيه، وإبقاء على أرماق ذويه، بعد أن عاقدهم مستوثقاً، وأخذ عليهم عهداً من الله وموثقاً، فلما وصل إليهم، وحصل في أيديهم، ومالوا به عن الحصن وجرعوه الردى، واقطعوه الثرى حين أودى، وفي ذلك يقول المعتمد يرثيهما وقد رأى قمرية بائحة بشجنها، نائحة بفننها على سكنها، وأمامها وكر فيه طائران يرددان نغماً، ويغردان ترحة وترنما:

طويل بكت أن رأت الفين ضمهما وكر ... مساءً وقد أخنى على ألفها الدهرُ وناحت فباحت واستراحت بسرها ... وما نطقت حرفاً يبوح به سرُّ فما ليَ لا أبكي أم القلب صخرة ... وكم صخرة في الأرض يجري بها نهرُ بكت واحداً لم يشجها غير فقه ... وأبكي لآلاف عديدهمُ كثرُ بنىُّ صغيراً أو خليل موافق ... يمزّق ذا فقر ويغرق ذا بحرُ ونجمان زينٌ للزمان احتواهما ... بقرطبة النكداءَ أو رندة القبرُ عذرت إذاً أن ضنَّ جفني بقطرة ... وإن لؤمت نفسي فصاحبها الصبرُ فقل للنجوم الزهر تبكيهما معي ... لمثلهما فلتحزن الأنجم الزهرُ ولما تم في الملك أمك، وأراد الله أن تخر عمك، وتنقرض أيامه، وتتقوض عن عراص الملك خيامه، نازلته جيوش أمير المسلمين ومحلاته، وظاهرته فساطيطه ومظلاته، بعدما نثرت حصونه وقلاعه، وسعرت بالنكاية جوارحه وأضلاعه، وأخذت عليه الفروج والمضائق، وثنت إليه الموانع والعوائق، وطرقته بالأضرار، وأمطرته كل ديمة مدرار، وهو ساه بروض ونسيم، لاه براح ومحبباً وسيم، زاه بفتاة تنادمه، ناه عن هدم أنس هو هادمه، لا يصيخ إلى نبأة سمعه، ولا ينيخ إلا على لهو يفرق جموعه جمعه، قد ولى المدامة ملامه، وثنى إلى ركنها طوافه واستلامه، وتلك الجيوش تجوش خلاله، وتقلص ظلاله، محين اشتد حصاره، وعجزت عن المدافعة أنصاره، ودلس عليه ولاته، وكثرت أدواؤه وعلاته، فتح باب الفرج، وقد لفح شواظ الهرج، فدخلت عليه من المرابطين زمرة، واشتعلت لهم من التغلب جمرة، تأجج اضطرامها، وسهل بها إيقاد البقية وإضرامها، وعندما سقط الخبر عليه خرج حاسراً من مفاضته، جامحاً كالمهر قبل رياضته، فلحق أوائلهم عند الباب المذكور وقد انتشروا في جنباته، وظهروا على البلد من أكثر جهاته، وسيفه في يده يتلمظ الطلا والهام، ويعد بانفراج ذلك الإبهام، فرماه أحد الداخلين برمح تخطاه، وجاوز مطاه، فبادره بضربه أذهبت نفسه، وأغربت شمسه، ولقي ثانياً فضربه وقصمه، وخاض حشا ذلك الداء فحمسه، فأجلوا عنه، وولوا فراراً منه، فأمر بالباب فسد، وبني منه ماهد، ثم انصرف وقد أراح نفسه وسفاها، وأبعد الله عنه الملامة ونفاها، وفي ذلك يقول عند ما خلع، وأودع من المكروه ما أودع: كامل مجزوء أن يسلب القوم العدا ... ملكي وتسلمني الجموع

فالقلب بين ضلوعه ... لم تسلم القلب الضلوع قد رمت يوم نزالهم ... ألا تحصّنني الدروع وبرزت ليس سوى القمي? ... ?ص على الحشى شيء دفوع أجلي تأخّر لم يكن ... بهواي ذلّي والخضوع ما سرت قطٌّ إلى القتا ... ل وكان من أملي الرجوع شيم الأولى أنا منهمُ ... والأصل تتبعه الفروع وما زالت عقارب تلك الداخلة تدب، وريحها العاصفة تهب، وضلوعها تحنق وتحقد، وتضمر الغدر وتعتقد، حتى دخل البلد من واديه، وبدت من المكروه بواديه، وكر عليه الدهر بعوائد وعواديه، وهو مستمسك بعرى لذاته، منغمس فيها بذاته، ملقى بين جواريه، مغتر بودائع ملكه وعواريه، التي استرجعت منه في يومه، ونبهه فواتها من نومه، ولما انتشر الداخلون في البلد، وأوهنوا القوى والجلد، خرج والموت يتسعر في الحاظه، ويتصدر من ألفاظه، وحسامه يعد بمضائه، ويتوقد عند انتضائه، فلقيهم في رحبة القصر وقد ضاق بهم فضاؤها، وتضعضعت من رجتهم أعضاؤها، فحمل فيهم حملة صيرتهم فرقاً، وملأتهم فرقاً، ومازال يوالي عليهم الكر، حتى أوردهم النهر، وما بهم جواد، وأودعهم حشاه كأنهم له فؤاد، ثم انصرف وقد أيقن بانتهاب ماله، وذهاب ملكه وارتحاله، وعاد إلى قصره واستمسك به يومه وليته مانعاً لحوزته، دافعاً للذل عن عزته، وقد عزم على أفظع أمر، وقال يبدي لا بيد عمرو، ثم صرفه تقاه، عما كان نواه، فنزل من القصر بالقسر، إلى قبة الأسر، فقيد للحين، وحان له يوم شر ما ظن أنه يحين، ولما قيدت قدماه، وبعدت عنه رقة الكبل ورحماه، قال يخاطبه: طويل إليك فلو كانت قيودك أشعرت ... تصرّمَ منها كلّ كفّ ومعصمِ مخافة من كلُّ الرجال بسيبه ... ومن سيفه في جنّة أو جهنّمِ ولما آلمه عضه، ولازمه كسره ورضه، وأوهاه ثقله، وأعياه نقله، قال: متقارب تبدّلت من عزّ ظلّ البنودِ ... بذلّ الحديد وثقل القيودِ وكانَ حديدي سناناً ذليقاً ... وعضبا رقيقاً صقيل الحديدِ فقد صار ذاك وذا أدهما ... يعضّ بساقيّ عضّ الأسودِ ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت، وضمتهم جوانحها كأنهم أموات، بعد

ما ضاق عنهم القصر، وراق منهم العصر، والناس قد حشروا بضفتي الوادي، وبكوا بدموع كالغوادي، فساروا والنوح يحدوهم، والبوح باللوعة لايعدوهم، وفي ذلك يقول ابن اللبانة: بسيط تبكي السماء بمزن رائح غادِ ... على البهاليل من أبناء عبّادِ على الجبال التي هدتّ قواعدها ... وكانت الأرض منهم ذات أوتادِ عريسة دخلتها النائبات على ... أساود لهمُ فيها وأسادِ وكعبة كانت الآمال تخدمها ... فاليومَ لا عاكفٌ فيها ولا بادِ يا ضيق أفقر بيتٌ المكرمات فخذ ... في ضمّ رحلك واجمع فضلة الزادِ ويا مؤمّل واديهم ليسكنه ... خفّ القطين وجفّ الزرع بالوادي وأنت يا فارس الخيل التي جعلت ... تختال في عدد منهم وأعدادِ ألق السلاح وخلّ المشرفيّ فقد ... أصبحتَ في لهوات الضيغم العادي لمّا دنا الوقت لم تخلق له عدة ... وكلّ شيء لميقات وميعادِ أن يخلعوا فبنوا العبّاس قد خلعوا ... وقد خلت قبل حمصٍ أرضُ بغدادِ حملوا حريمهمُ حتّى إذا غلبوا ... سيقوا على نسق في حبلِ مقتادِ وأنزلوا في متون الشهب واحتملوا ... فريقَ دهمٍ لتلك الخيل اندادِ وعيثَ في كلّ طوق من دروعهمِ ... فصيغَ منهنّ أغلال لأجيادِ نسيت إلاّ غداة النهر كونهمُ ... في المنشآت كأمواتٍ بالحادِ والناس قد ملأوا العبرين واعتبروا ... من لؤلؤ طافيات فوق أزبادِ حطّ القناع فلم تستر مخدّرة ... ومزّقت أوجه تمزيق أبرادِ حان الوداع فضجّت كلّ صارخة ... وصارخ من مفدّاة ومن فادِ سارت سفائنهم والنوح يصحبها ... كأنّها إبل يحدو بها الحادي كم سال في الماء من دمع وكم حملت ... تلك القطائع من قطعات أكبادِ ولما نقل من بلاده، وأعرى من طارفه وتلاده، وحمل في السفين، وأحمل في العدوة محل الدفين، تنبه منابره وأعواده، ولا يدنو منه زواره ولا عوادة، بقي آسفاً تتصعد زفراته، وتطرد أطراد المذانب عبراته، لا يخلو بموانس، ولا يرى إلا عريناً بدلاً من تلك المكانس، ولما لم يجد سلوا، ولم يؤمل دنوا، ولم يروجه مسرة مجلوا، تذكر منازله فشاقته، وتصور بهجتها فراقته، وتخيل استيحاش

أوطانه، وأجهاش قصره إلى قطانه، وإظلام جوه من أقماره، وخلوة من حراسة وسمارة، فقال: بسيط بكى المبارك في أثر ابن عبّادِ ... بكى على أثر غزلان وأسادِ بكت ثريّاه لا غمّت كواكبها ... بمثل نوء الثريّا الرائح الغادي بكى الوحيد بكى الزاهي وقبّتة ... والنهر والتاج كلٌّ ذلُّة بادِ ماء السماء على أبنائه درر ... يا لجّة دومي ذات أزبادِ وفي ذلك يقول ابن اللبانة: بسيط استودع الله أرضاه عندما وضحت ... بشائر الصبح فيها بدّلت حلكاً كانَ المؤيّد بستاناً بساحتها ... يجني النعيم وفي عليائها فلكاً في أمره لملوك الدهر معتبر ... فليس يغترّ ذو ملك بما ملكا نبكيه من جبل خرّت قواعده ... فكلّ من كان في بطحائه هلكا ما سدّ موضعه للرزق سدّ به ... طوبى لمن كان يدري أيّةً سلكا وكان الحصن الزاهر من أجمل المواضع لديه وأبهاها، وأحبها إليه وأشهاها، لإطلاله على النهر، وإشرافه على القصر، وجماله في العيون، واشتماله بالشجر والزيتون، وكان له به من الطرب، والعيش المزري بحلاوة الضرب، ما لم يكن بحلب لبني حمدان، ولا لسيف بن ذي يزن في رأس غمدان، وكان كثيراً ما يدير به راحه، ويجعل فيه انشراحه، فلما استد إليه الزمان بعدوانه، ووسد عليه أبواب سلوانه، لم يحن إلا إليه، ولم يتمن إلا الحلول لديه، فقال: طويل غريب بأرض المغربين أسيرُ ... سيبكي عليه منبر وسريرُ وتندبه البيض الصوارم والقنا ... وينهلّ دمع بينهنّ غزيرُ مضى زمنٌ والملك مستانسٌ به ... وأصبح منه اليوم وهو نفورُ برأيٍ من الدهر المضلّل فاسدٍ ... متى صلحت للصالحين دهورُ أذلَّ بني ماءِ السماءِ زمانهم ... وذلُّ بني ماءِ السماءِ كبيرُ فيا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةٌ ... أمامي وخلفي روضةٌ وغديرُ بمنبتة الزيتون مورثة للعلا ... يغنّي حمامٌ أو تدنّ طيورُ بزاهرها السامي الذرى جاده الحيا ... تشير الثّريّا نحونا ونشيرُ ويلحظنا الزاهي وسعد سعوده ... غيورين والصبّ المحبّ غيورُ

تراه عسيراً أو يسيراً مناله ... إلا كلّ ما شاء الإله يسيرُ وأول عيد أخذه باغمات وهو سارح، وما غير الشجون له مسارح، ولا زيّ إلاّ حالة الخمول، واستحالة المأمول، فدخل عليه من بينه، من يسلم عليه ويهنيه، وفيهم بناته وعليهنّ أطمار، كأنّها كسوف وهنّ أقمار، يبكين عند التسايل، ويبدين الخشوع بعد التخايل، والضياع قد غير صورهن، وحير نظرهن، وأقدامهن حافية، وأثار نعيمهن عافية، فقال: بسيط فيما مضى كنتَ بالأعياد مسروراً ... فساءك العيد في أغمات مأسوراً ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للناس ما يملكن قطميراً برزن نحوك للتسليم خاشعة ... أبصارهنّ حسيرات مكاسيرا يطأن في الطين والأقدام حافية ... كأنّها لم تطأ مسكاً وكافوراً لأخدّ إلاّ تشكّى الجدبَ ظاهرهُ ... وليس إلاّ مع الأنفاس ممطورا أفطرتَ في العيد لا عادت إساءته ... فكانَ فطرك للأكباد تفطيراً قد كان دهرك إن تأمره متمثلاً ... فردّك الدهر منهيّاً ومأموراً من بات بعدك في ملك يسرّ به ... فإنّما بات بالأحلام مغروراً وأقام بالعدوة برهة لا يروع له سرب، وإن لم يكن آمناً، ولا يثور له كرب، وإن كان في ضلوعه كامناً، إلى أن ثار أحد بينه باركش معقلاً كان مجاوراً لإشبيلية مجاورة الأنامل للراح، ظاهراً على بسائط وبطاح، لا يمكن معه عيش، ولا يتمكن من منازلته جيش، فغدا بالمكاره على أهلها وراح، وضيق عليهن المتسع من جهاتها والبراح، فسار نحوه الأمير ابن أبي بكر رحمة الله عليه، قبل أن يرتد طرف استقامته إليه، فوجه وشره قد تشمر، وضره قد تنمر، وجمرة متسعر، وأمره متوعر، فنزل عدوته، وحل للحزم حبوته، وتدارك داءه قبل أعضاله، ونازله وما أعد آلات نضاله، وانحشرت إليه الجيوش من كل قطر، وأفرغ في مالسكه كل قطر، فبقي محصوراً لا يشد له إلا سهم، ولا ينفذ عنه إلا نفس أو وهم، وامتسك شهوراً حتى غرضه أحد الرماة فرماه، بسهم أصماه، فهوى في مطلعه، وخر قتيلاً في موضعه، فدفن إلى جانب سريره، وأمن عاقبة تغييره، وبقي أهله ممتنعين مع طائفة من وزرائه حتى اشتد عليهم الحصر، وارتد عنهم النصر، وعمهم الجوع، وأغب أجفانهم الهجوع، فنزلت منهم طائفة متهافتة، ورقت بأنفاس خافتة، فتبعهم من بقي، ورغب

في التنعم من شقي، فوصلوا إلى قبضة الملمات، وحصلوا في غصة الممات، فرسمهم الحيف، وتقسمهم السيف، ولما زأر الشبل خيفت ثورة الأسد، ولم يرج صلاح الكل والبعض قد فسد، فاعتقل المعتمد خلال تلك الحال وأثناءها، وأحل ساحة الخطوب وفناءها، وحين أركبوه أساودا، وأورثوه حزناً بات له معاودا، قال: كامل غنّتك أغماتيّة الألحان ... ثقلت على الأرواح والأبدان قد كان كالثعبان رمحك في الوغا ... فغدا عليك القيد كالثعبان متعدداً بحميك كل تعدّد ... متعطّفاً لا رحمة للعاني قلبي إلى الرحمن يشكو بثّه ... ما خاب من يشكو إلى الرحمن يا سائلاً عن شأنه ومكانه ... ما كان أغنى شانه عن شأني هاتيك قينته وذلك قصره ... من بعد لأتى مقاصرٍ وقيان ولما فقد من يجالسه، وبعد عنه من كان يوانسه، وتمادى كربه، ولم تسالمه حربه، قال: طويل تؤمّل للنفس الشجيّة فرحة ... وتأبى الخطوب السود إلاّ تمادياً لياليك في زاهيك أصفى صحبتها ... كما صحبتْ قلبي الملوك اللياليا نعيم وبؤس ذا لذلك ناسخ ... وبعدهما نسخ المنايا الأمانيا ولما امتدت في الثقاف مدته، واشتدت عليه قسوة الكبل وشدته، وأقلقته همومه، وأطبقته غمومه، وتوالت عليه الشجون، وطالت لياليه الجون، قال: بسيط أنباء أسرك قد طبّقن أفاقاً ... بل قد عممن جهات الأرض إقلاقاً سارت من الغرب لا تطوى لها قدم ... حتّى أتت شرقها تنعاك إشراقاً فأحرق الفجع أكباداً وأفئدةً ... وأغرق الدمع إماقاً وأحداقاً قد ضاق صدر المعالي غذ نعيتَ لها ... وقيل إنّ عليك القيدَ قد ضاقا إنّي غلبتَ وكنت الدهرَ ذا غلب ... للغالبين وللسبّاق سبّاقاً قلت الخطوبُ أذلّتني طوارقها ... وكان عزميَ لأعداء طرّاقا متى رأيت صروفَ الدهر تاركةً ... إذا انبرت لذوي الأخطار أرماقا وقال لي من أثق به لما ثار ابنه حيث ثار، وأثار من حقد أمير المسلمين عليه ما أثار، جزع جزعاً مفرطاً، وعلم أنه قد صار في أنشوطة الشر متورطاً، وجعل يتشكى من فعله ويتظلم، ويتوجع منه ويتألم، ويقول عرض بي للمحن، ورضي لي أن أمتحن،

ووالله ما أبكي إلا انكشاف من أتخلفه بعدي، ويتحيفه بعدي، ثم أطرق ورفع رأسه وقد تهللت أسرته، وظللته مسرته، ورأيته قد استجمع، ولشوف إلى السماء وتطلع، فعلمت أنه قد رجا عودة إلى سلطانه، وأوبة إلى أوطانه، فما كان إلا مقدار ما تنداح دائرة، أو تلتفت مقلة حائرة، حتى قال: متقارب كذا يهلك السيف في جفنه ... إذا هزّ كف طويل الحنينِ كذا يعطش الرمح لم أعتقله ... ولم تروه من نجيعٍ يمني كذا يمنع الطرف علك الشكي ... م مرتقباً غرّة في كمينِ كانّ الفوارس فيه ليوث ... تراعى فرائسها في عرينِ إلا شرف يرحم المشر ف ... يّ مما به من سماة الوتينِ الأكرم ينعش السمهريَّ ... ويشفيه من كل داءٍ دفينِ الأحنّة لبن محنيه ... شديد الحنين ضعيف الأنينِ يؤمل من صدرها ضمّة ... تبوّئه صدر كفؤّ معينِ وكانت طائفة من أهل فاس قد عاثوا فيها وفسقوا، وانتظموا في سلك الطغيان واتسقوا، ومنعوا جفون أهلها السنات، وأخذوا البنين من جحور أمهاتهم والبنات، وتلقبوا بالإمارة، واركبوا السواء نفوسهم الإمارة، حتى كادت تقفر على أيديهم، وتدثر رسومها بإفراط تعديهم، إلى أن تدارك أمير المسلمين رحمه الله أمرهم، وأطفأ جمرهم، وأوجعهم ضرباً، وأقطعهم ما شاء حزناً وكرباً، وسجنهم باغمات، وضمتهم جوانح الملمات، والمعتهد غذ ذاك، معتقل هناك، وكان فيهم طائفة شعرية، مذنبة أو برية، فرغبوا إلى سجانهم، أن يستريحوا إلى المعتمد من أشجانهم، فخلى ما بينهم وبينه، وغمض لهم في ذلك عينه، فكان المعتمد رحمه الله يتسلى بمجالستهم، ويجد أثر موانستهم، ويستريح إليهم بجواه، ويبوح لهم بسره ونجواه، إلى أن شفع فيهم وانطلقوا من وثاقهم، وانفرج لهم مبهم أغلاقهم، وبقي المعتمد في مجلسه يتشكى من ضيق الكبل، ويبكي بدمع كالوبل، فدخلوا عليه مودعين، ومن بثه متوجعين، فقال: طويل أما لانسكاب الدمع في الخد راحة ... لقد آن أن ينفي ويقنا به الخد هبوا دعوة يا آل فاس لمبتل ... بما منه قد عافاكم الصمد الفرد تخلصتم من سجن أغمات والتوت ... عليّ قيود لم يحن فكّها بعدُ من الدهم أمّا خلقها فأساودَ ... تلوى وأمّا الأيد والبطش فالأسدُ

فهنّئتمُ النعمى ودامت لكّلكم ... سعادته أن كان قد خانني سعدُ خرجتم جماعات وخلّفت واحداً ... ولله في أمري وأمركمُ الحمدُ ومر عليه في موضع اعتقاله سرب قطا لم يعلق لها جناح، ولا تعلق بها من الأيام جناح، ولا عاقها عن أفراخها الأشراك، ولا أعوزها البشام ولا الأراك، وهي تمرح في الجو، وتسرح في مواقع النو، فتنكد مما هو فيه من الوثاق، وما دون أحبته من الرقباء والأغلاق، وما يقاسيه من كبله، ويعانيه من وجده وخبله، وفكر في بناته وافتقارهن إلى نعيم عهدنه، وحبور حضرته وشهدنه، فقال: طويل بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي ... سوارح لا سجن يعوق ولا كبلُ ولم تكُ والله المعيد حسادة ... ولكن حنيناً أنّ شكلي لها شكلُ فإسرح فلاشمل صديع ولا الحشا ... وجيعٌ ولا عينان يبكيهما ثكلُ وما ذاك ممّا يعتريه وإنّما ... وصفت الذي في جبلة الخلق من قبلُ هنيئاً لها إن لم يفرَّقْ جميعها ... ولا ذاق منها البعد عن أهله أهلُ وإن لم تبت مثلي تطير قلوبها ... إذا اهتزّ باب السجن أو صلصل القفلُ لنفسي إلى القيا الحمام تشوّف ... سواي يحبّ العيش في ساقه كبلُ ألا عصم الله القطا في فراخها ... فإن فراخي خانها الماءُ والظلُّ وفي هذه الحال زاره الأديب أبو بكر بن اللبانة المتقدم الذكر وهو أحد شعراء دولته المرتضعين درها، المنتجعين درها، وكان المعتمد رحمه الله يميزه بالشفوف والإحسان، ويجوزه في فرسان هذا الشأن، فلما رآه وحلقات الكبل قد عضت بساقيه عض الأسود، والتوت عليه التواء الأساود السود، وهو لا يطيق أعمال قدم، ولا يريق دمعاً إلا ممزوجاً بدم، بعد ما عهده فوق منبر وسرير، ووسط جنة وحرير، تخفق عليه الألوية، وتشرق منه الأندية، وتكف الأمطار من راحته، وتشرف الأقدار بحلول ساحته، ويرتاع الدهر من أوامره ونواهيه، ويقصر النسر أن يقاربه أو يضاهيه، ندبه بكل مقال يلهب الأكباد، ويثير فيها لوعة الحارث بن عباد، أبدع من أناشيد معبد، وأصدع للكبد من مراثي أربد، أو بكاء ذي الرمة بالمربد، سلك فيها للاختفاء طريقاً لاحباً، وغدا فيها لذيول الوفاء ساحباً، فمن ذلك قوله: بسيط لكلّ شيءٍ من الأشاء ميقاتُ ... وللمنى من منائيهن غاياتُ

والدهر في صبغة الحرباء منغمسٌ ... ألوانُ حلّته فيها استحالاتُ ونحن من لعب الشطرنج في يده ... ورّبما فخرت بالبيدق الشاةُ انفضْ يديك من الدنيا وساكنها ... فالأرض قد أقفرت والناس قد ماتوا وقل لعلمها السفليّ قد كتمت ... سريرة العالم العلويّ أغماتُ طوتْ مظلّتها لا بل مذلّتها ... من لم تزل فوقه للعزّراياتُ من كان بين الندى والباس أنصله ... هنديّةٌ وعطاياه هنيداتُ رماه من حيث لم تستره سابغة ... دهر مصيباته نبلٌ مصيبباتٌ وكان ملء عيان العين تبصره ... وللأمانيّ في مراءة مراءاتُ أنكرتُ إلاّ التواءات القيود به ... وكيف تنكر في الروضات حيّاتُ غلطت بين همائين عقدنْ لهُ ... وبينها فإذا الأنواع أشتاتُ وقلت هنّ ذؤابات فكم عكست ... من رأسه نحو رجليه الذؤابات حسبتها من قناة أو أعنّته ... إذا بها لثقاف المجد آلات دورة ليثا فخافوا منه عاديةٌ ... عذرتهم فلعدو الليث عاداتُ منه المهابات في الأرواح آخذة ... وإن تكن أخذت منه المهاباتُ لو كان يفرج عنه بعض أوانةٍ ... قامت بدعوته حتّى الجماداتُ بحر محيط عهدناه تجيء له ... كنقطة الدارة السبع المحيطاتُ وبدر سبعٍ وسبعً تستميد به السب? ... ?ع الأقاليم والسبع السماواتُ به وإن كان أخفاه السرار سنا ... قبل الصباح به تجلى الدجنّاتُ لهفي على آل عبادٍ فإنّهمُ ... أهلّة مالها في الأفق هالاتُ تمسّكت بعرى اللّذات ذاتهمُ ... يا بئس ما جنيت للذات لذّاتُ راح الحيا وغدا منهم بمنزلة ... كانت لنا بكرٌ فيها وروحاتُ أرض كانّ على أقطارها سرجاً ... قد أوقدتهنّ في الأذهان أنباتُ وفوق شاطئ واديها رياض ربا ... قد ظلّلتها من الأنشام دوحاتُ كانّ واديها بلبّتها ... وغاية الحسن أسلاك ولبّاتُ نهر شربتُ بعبريه على صورِ ... كانت لها فيّ قبل الراح سوراتُ وكنتُ أورق في إيكانه ورقاً ... تهوى ولي من قريض الشعر أصوات وكم جريت بشطَّي طعنتته إلى ... محاسنٍ للهوى فيهنّ وقفاتُ

وربّما كنتُ أسمو للخليج به ... وفي الخليج لأهل الراح راحاتُ وبالغرسات لاجفّت منابتها ... من النعيم غروسات جنّياتُ معاهدٌ ليت أنّي قبل فرقتها ... قدمتّ والتاركوها ليتهم ماتوا فجئت منها بإخوان ذوي ثقة ... والأرض فيها من الإخوان آفاتُ وافيت في آخر الصحراء طائفة ... لغاتهم في كتاب الله لغاتُ رغد من العيش مالي ارتقبه ولي ... عند ابن أغلب أكناف بسيطاتُ إن لم يكن عنده كوني فلا سعة ... للرزق عندي ولا للأنس ساعاتُ هو المراد ولكن دونه خلج ... رخاوة عندها بيض معلاتُ وإن تكن رجس من فوق مذهبه ... فليس تغرب في وجهي الملماتُ هناك أوي من النعمى إلى كنف ... فيه ظلال وأموه وجنّاتُ بين الحصار وبين المرتضى عمر ... ذاك الحصار من المحذور منجاةُ هل يذكر المسجد المعمور شرجيه ... أو للعهود على الذكرى قديماتُ عندي رسالاتُ شوق عنده فعسى ... مع الرياح توافيه رسالاتُ ولم تزل كبده تتوقد بالزفرات، وخلله يتردد بين النكبات والعثرات، ونفسه تتقسم بالأشجان والحسرات، إلى أن شفته منيته، وجاءته بها أمنيته، فدفن باغمات، وأريح من تلك الأزمات، وعطلت المآثر من حلاها، وأفرزت المفاخر من علاها، ورفعت المفاخر من علاها، ورفعت مكارم الأخلاق، وكسدت نفائس الأعلاق، وصار أمره عبرة في عصره، وصاب أبداً عبرة في مصره، وبعد أيام وافاه أبو بكر بن عبد الصمد شاعره المتصل به، المتوصل إلى المنى بسببه، فلما كان يوم العيد وانتشر الناس ضحى، وظهر كل متوار وضحى، قام على قبره عند انفصالهم من مصلاهم، واختيالهم بزينتهم زحلاهم، وقال بعد أن طاف بقبره والتزمه، وخر على تربه ولثمه: كامل ملك الملوك أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عن السماع عوادِ لما خلت منك القصور ولم تكن ... فيها كما قد كنت في الأعيادِ أقبلت في هذا الثرى لك خاضعاً ... وتخذت قبرك موضع الإنشادِ قد كنت أحسب أن تبدّد أدمعي ... نيران حزن أضرمت بفؤادي فغذا بدمعي كلّما أجريته ... زادت عليَّ حرارة الأكبادِ

ابنة الراضي بالله أبو خالد يزيد بن محمد رحمه الله

فالعين في التسكاب والتهتان وال ... أحشاء في الإحراق والإيقادِ يا أيّها القمر المنير أهكذا ... يمحى ضياء النيّر الوقادِ أفقدتُ عيني مذ فقدت أناره ... لحجابها في ظلمه وسوادِ ما كان ظنّي قبل موتك أن أزر ... قبراً يضم شوامخ الأطوادِ الهضبة الشمّاء تحت ضريحه ... والبحر ذو التيّار والأزبادِ عهدي بملك وهو طلق ضاحك ... متهلّل الصفحات للقصّادِ والمال ذو شمل مذاذٍ والندى ... يهمي وشمل الملك غير مذادٍ أيام تخفق حولك الرايات فو ... ق كتائب الرؤساء والأجنادِ والأمر أمرك والزمان مبشّر ... بممالك قد أذعنت وبلادِ والخيل تمرح والفوارس تنحني ... بين الصوارم والقنا الميّادِ وهي قصيدة أطال أنشادها، وبنى بها اللواعج وشادها، فانحشر الناس إليه وأحفلوا، وبكوا لبكائه وأعولوا، وأقاموا أكثر نهارهم مطيفين به طواف الحجيج، مديمين البكاء والعجيج، ثم انصرفوا وقد نزفوا ماء عيونهم، وأقرحوا مأقيهم بفيض شؤنهم، وهذه نهاية كل عيش، وغاية كل ملك وجيش، والأيام لا تدع حيا، ولا تألوا كل نشر طيا، تطرق رزاياها كل سمع، وتفرق مناياها كل جمع، وتصمي كل ذي أمر ونهي، وترمي كل مشيد بوهي، ومن قبله طوت النمعان ابن الشقيقة، ولوت مجازها في تلك الحقيقة. ابنة الراضي بالله أبو خالد يزيد بن محمد رحمه الله ملك تقرع من دوحة سناء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وتحدر من سلالة أكابر، ورقاة أسرة ومنابر، وتصرف أثناء شبيبته بين دراسة معارف، وأفاضه عوارف، وكلف بالعلم حتى صار ملهج لسانه، وروضته أجفانه، لا يستريح منه إلا إلى متن سائل الغرة، ميمون الأسرة، يسابق به الرياح، ويحاسن بغرته البدر اللياح، عريق في السناء، عتيق الاقتناء، سريع الوخد والإرقال: من آل أعوج أو ولد العقال: إلى أن ولاة أبوه الجزيرة الخضراء، وضم إليها رندة الغراء، فانتقل من متن الجواد، إلى ذروة الأعواد، وأقلع عن الدراسة، إلى تدبير الرياسة، ومازال يدبرها بجودة ونهاه، ويورد الآمل فيها مناه، حتى غدت عراقاً، وامتلأت إشراقاً، إلى أن اتفق

في الجزيرة ما تفق، وخاب فيها الرجاء وأخفق، فاستحالت بهجتها، وأسالت عليها من الحوادث لجتها، فانتقل إلى رندة معقل أشب، ومنزل للسماك متنسب، وأقام فيها رهن حصار، ومهين حماة وأنصار، ولقيت ريحه كل أعصار، حتى رمته سهام الخطوب عن قسيها، وأمكنت منه يدي مسيها، فحواه رمسه، وطواه عن غده أمسه، حسبما بسطنا القول فيه، فيما مر من أخبار أبيه، وكان المعتمد رحمه الله تعالى كثيراً ما يرميه بملامه، ويصميه بسهامه، وربما استلطفه بمقال أفصح من دمع المحزون، وأملح من روض الحزون، فإنه كان ينظم من بدائع القول لئلئ وعقوداً، تسل من النفوس سخائم وحقوداً، وقد أثبت من كلامه، في بث الأمة، واستجادة عذله وملامه، ما تستبدعه، وتحله النفس وتودعه، فمن ذلك ما قاله وقد أنهض جماعة من أخوته وأقعده، وأدناهم وأبعده: وافر أعيذك أن يكون بنا خمول ... ويطلع غيرنا ولنا أفولُ حنانك أن يكن جرمي قبيحاً ... فإن الصفح عن جرمي جميلُ ألست بفرعك الزاكي وماذا ... يرجّى الفرع خانته الأصولُ واخبرني المعتد بالله أن المعتمد أباه وجهه إلى شلب واليا وكانت ملعب شبابه، ومالف أحبابه، التي عمر نجودها غلاماً، وتذكر عهودها أحلاماً، فقال يخاطب ابن عمار وقد توجه إليها: طويل إلا حيّ أوطاني بشلب أبا بكر ... وسلهنّ هل عهد الوصال كما أدري وسلم على قصر الشراجيب عن فتىً ... له أبداً شوق إلى ذلك القصرِ وقصر الشراجيب هذا متناه في البهاء والإشراق، مباه لزوراء العراق، ركضت فيه جياد راحاته، وأومضت بروق أمانيه في ساحاته، وجرى الدهر مطيعا بين بكورة وروحاته، أيام لم تحل عنه تمائمه، ولا خلت من أزاهر الشباب كمائمه، وكان يعتدها مجنة أماله ومنتهى أعماله، يميل إلى بهجة جنباتها، وطيب نفحاتها وهباتها، والتفاف خمائلها، وتقلدها مكان حمائلها، وفيها يقول ابن اللبانة: طويل أما علم المعتد بالله أنّني ... بحضرته في جنّة شقّها نهرُ وما هو نهر أعشب النبت حوله ... ولكنّه سيف حمائله خضرُ

ولما صدر عنها وقد حسنت آثاره في تدبيرها، وانسدلت رعايته على صغيرها وكبيرها، نزل المعتمد عليه مشرفاً لأوبته، ومعرفاً بسمو قدره لديه ورتبته، وأقام يومه عنه مستريحاً، وجرى في ميدان الأنس بطلاً مشيحاً، وكان واجداً على الراضي فجلت الحميا أفقه، ومحت غيظه عليه وحقنه، وصورته له عين حنوة، وذكرته بعده فجنح إلى دنوه، وبينما استدعي ووافى، مالت بالمعتمد نشوته وأغفى، فألفاه صريعاً في منتداه، طريحاً في منتهى مداه، فأقام تجاهه، يرتقب انتباهه، وفي أثناء ذلك صنع شعراً أتقنه وجوده، فلما استيقظ أنشده: متقارب الآن تعود حيوة الأمل ... ويدنو شفاء فؤاد معل ويروق للعزّ غصن ذوي ... ويطلع للسعد نجم أفل فقد وعدتني سحاب الرضى ... بوابلها حين جادت بطل أيا ملكاً أمره نافذة ... فمن شاء عزّ ومن شاء ذّل دعوتَ فطار بقلبي السرور ... إليك وإن كان منك الوجل كما يستطيرك حبّ الوغا ... إليها وفيها الظبا والأسل ولا غرو أن كان منك اغتفار ... وإن كان منّا جميعاً زلل فمثلك وهو الذي لم يزل ... يعود بحلم على من جهل ومرت عليه هوادج وقباب، فيها حبائب كن له وأحباب، الفهن أيام خلائه من دولة، وجال معهن في ميدان المنى أعظم جولة، ثم انتزعوا منه ببعده، وأودعوا الهوداج من بعده، ووجهوا هدايا إلى العدوة، وألموا بها إلمام قريش بدار الندوة، فقال: بسيط مرّوا بنا أصلاً من غير ميعادِ ... فأوقدوا نار شوقي أيّ إيقادِ وذكّرونيَ ايّاماً لهوت بهم ... فيها ففازوا بإيثاري وإحمادي لا غرو أن زاد في وجدي مرورهمُ ... فروية الماء تذكي غلّة الصادي ولما وصل المعتمد لورقة أعلم أن العدو قد جيش إليها واحتشد، ونهد نحوها وقصد، ليتركها خاوية على عروشها، طاوية الجوانح على وحوشها، فتعرض له المعتمد دون بغية، وطلع له من ثنيته، وأمر الراضي بالخروج إليه في عسكر جرده لمحاربته، وأعده لمصادمته ومضاربته، فأظهر التمارض والتشكي، وأكثر التقاعس والتلكي، فراراً من المصادر، وأحجاماً عن

المساورة، وجزعاً من منازلة الأقران، ومقابلة ذوابل المران، ومقاسات الطعان، وملاقات أبطال كالرعان، ورأى أن المطالعة، أربح من المقارعة، ومعانات العلوم، أريح من مداوات الكلوم، فقد كان عاكفاً على تلاوة ديوان، عارفاً بإجادة صدر وعنوان، فعلم المعتمد ما نواه، وتحقق ما لواه، فأعرض عنه، ونفض يده منه، ووجه المعتد مع ذلك الجيش الذي لم تنشر بنوده، ولم تصر جنوده، فعند ما لقوا العدو لاذوا بالفرار، وعادوا بإعطاء الغرة بدلاً من الغرار، وتفرقوا في تلك الأماريت، وفرقوا من تخطف أولئك العفاريت، فتحيف العدو من بقي مع المعتد واهتضمه، وخضم ما في العسكر وقضمه، وغدت مضاربه مجر عواليه، ومجرى مذاكيه، وآب أخسر من بائع السدانة، ومضيع الأمانة، فانطبقت سماء المعتمد على أرضه، وشغلته عن إقامة نوافله وفرضه، فكتب إليه الراضي: بسيط لا يكرثنك خطب الحادث الجاري ... فما عليك بذاك الخطب من عارِ ماذا على ضيغمٍ أمضى عزيمته ... أن خانه حدّ أنياب وأظفارِ لئن أتوك فمن جبنٍ ومن خورٍ ... قد ينهض العير نحو الضغيم الضاري عليك للناس أن تبقى لنصرتهمْ ... وما عليك لهم إسعاف أقدارِ لو يعلم الناس ما في أن تدومَ لهم ... بكوا لأنّك من ثوب الصبا عارِ ولو أطاقوا انتقاصاً من حيوتهم ... لهم يتحفوك بشيء غير إعمارِ فحجب عنه وجه رضاه، ولم يستلمه بذلك ولا أرضاه، وتمادى على أعراضه، وقعد عن إظهاره وإنهاضه، حتى بسطته سوانح السلو وعطفته عليه جوانح الحنو، فكتب إليه بهزل، غلب فيه كل منزع جزل، وهو: كامل مجزوء الملك في طيّ الدفاتر ... فتخلّ عن قود العساكر طف بالسرير مسلّماً ... وأرجع لتوديع المنابر وازحف إلى جيش المعا ... رف تقهر الحبر المقامر واطعن بأطراف اليرا ... ع نصرت في ثغر المحابر واضرب بسكّين الدوا ... ة مكان ماضي الحدّ باتر أولستَ رسطاليس أن ... ذكر الفلاسفة الأكابر وكذاك أن ذكر الخلي? ... ?ل فأنت نحويّ وشاعر

وأبو حنيفة ساقط ... بالرأي حين تكون حاضر من هرمسٌ من سيبوي? ... ?هـ من ابن فورك إذ تناظر هذي المكارم قد حوي ... تَ لمن حاباك شاكر واقعد فإنّك طاعمٌ ... كلسٍ وقل هل من مفاخر فحجبت وجه رضاي عن? ... ?ك وكنتَ قد تلقاه سافر أو لستَ تذكر وقت لو ... رقة وقلبك ثم طائر لا يستقرّ مكانه ... وأبوك كالضرغام خادر هلاّ اقتديت بفعله ... وأطلعته إذ ذاك أمر قد كان أبصر بالعوا ... قب والموارد والمصادر فكتب إليه الراضي مراجعاً عنها، بقطعة مطولة منها: كامل مجزوء مولاي قد أصبحت كافر ... بجميع ما تحوي الدفاتر وفللتُ سكّين الدوا ... ة وظلت للأقلام كاسر وعلمت أن الملك ما ... بين الأسنّة والبواتر والمجد والعلياء في ... ضرب العساكر بالعساكر لا ضرب أقوال بأق ... وال ضعيفات مكاسر قد كنت أحسب من سفا ... ةٍ أنّها أصل المفاخر فإذا بها فرع لها ... والجهل للإنسان غادر ولا يدرك الشرف الفتى ... إلاّ بعسّال وباتر وهجرتُ من سمّيتهم ... وجحدتّ أنّهمُ أكابر مولاي أن تسخر فلا ... عار بنا أن كنتَ ساخر ضحك الموالي بالعبي ... د إذا تأمل غير ضائر لو كنتَ تهوى ميتي ... لوجدتّني للعيش هاجر إن كان في فضل فمن ... ك وهل لذاك النور ساتر أو كان بي نقص فمن?ّ ... ?ي غير أن الفضل غامر ذكّرتَ عبدك ساعة ... يبقى لها ما عاش ذاكر يا ليته قد غيّب? ... ?ته عندها إحدى المقابر أتريد منّي أن أكو ... ن كمن غدا في الدهر نادر

المتوكل على الله أبو محمد عمر بن المظفر رحمه الله وعفا عنه

هيهات ذلك مطمع ... يعيي الأوائل والأواخر لا تنس يا مولاي قو ... لة ضارع لأقول فاخر ضبط الجزيرة عندما ... نزلت بعقوتها العساكر أيّامَ ظلت بها فري ... داً ليس غير الله ناصر إذ كان يغشى ناظري ... لمع الأسنّة والبواتر وبصمّ أسماعي بها ... قرع الحجارة بالحوافر وهي الحضيض سهولة ... لكن بها ثبتٌ مخاطر هبني أسأتُ كما اسأ ... تُ أما لهذا العتب آخر هب زلّتي لبنوّتي ... وأغفر فإنّ الله غافر فقربه وأدناه، وصفح عما كان جناه، ولم تزل الحال آخذة في البوار، ومعتلة اعتلال حب الفرزدق للنوار، حتى مضوا لغير طية، وقضوا بين الصوارم والرماح الخطية، حسبما سردناه، وعلى ما أوردناه، وإذا أراد الله إنفاذ أمر مسبق في علمه، فلا مرد لأمره ولا معقب لحكمه، لا إله إلا هو، كمل خبر الراضي والحمد لله كثيراً. المتوكل على الله أبو محمد عمر بن المظفر رحمه الله وعفا عنه ملك جند الكتائب والجنود، وعقد الألوية والبنود، وأمر الأيام فائتمرت، وطافت بكعبته الآمال واعتمرت، إلى لسن وفصاحة، ورحب جناب للوافد وساحة، ونظم يزري بالدر النظيم، ونثر تسري رقته النسيم، وأيام كأنها من حسنها جمع، وليال كان فيها على الأنس حضور ومجتمع، راقت إشراقاً وتبلجاً، وسالت مكارمه أنهارا وخلجاً، إلى أن عادت الأيام عليه بعهود العدوان، ودبت إليه دبيبها لصاحب الأيوان، وانبرت إليه انبراءها لابن زهير وراء عمان، فأرغمت فيه للمجد معطساً، ورماه سهم الحادثات فقرطساً، فدجت أيامه المشرقة، وذوت غصونه المورقة، ونقل هو وابناه، إلى حيث أمر لهم الدهر جناه، فأمضى عليهم حد الحسام حكمه، وأنفذ فيهم جور الأيام ظلمه، بحيث لم تعطف عليهم إلا جوانح الليل، ولم تقف لديهم إلا بوارح الويل، ولم يجب استغاثتهم إلا عواء الذياب، أو صدى تتسعر فيه نار الاكتئاب، فرويت الأرض من دائهم، وتعطلت المنابر من أسمائهم، وعاد صبح ملكهم عاتماً، وأقامت النجوم عليهم مأتماً، فخروا على الثرى

بدوراً، وسعروا بالجوى صدوراً، وغدوا صرعى تسفي عليهم الشمال، وتنفي منهم الآمالا، مجدلين على وجه الأرض، معفرين إلى يوم النشور والعرض، وقد توسدوا التراب بدلاً من الآرائك، وتضرجوا بالدماء بعد التضمخ بالمسك الصائك، وغدا مضرعهم من نجيعهم أحمر، كأنهم ما أعملوا أبيض ولا أسمر، وأرس الجلباب، غير انس الجناب، لا يطرقه إلا سبع أو ذيب، ولا يرمقه إلا تخيل للقلوب مذيب، وصارت في لحومهم للسباع ولائم، وعلى دمائهم من النسور حوائم، وطالما وردوا للمنى مناهل، ووجدوا الديار بها أواهل، وركبوا الجياد وجنبوها، وشهدوا الأعياد فوزينوها، ورقمت أوامرهم بطون المهارق، وتحكمت بواترهم في الطلى والمفارق، وطوقت مواهبهم الأعناق، وأغصت مهابتهم الجفون والأحداق، فمزقوا وما حضرهم أنيس، ولا أذهب إيحاشهم تانيس، وباتوا لم يطلب لهم بثار، ولا انتظم شملهم بعد الانتثار. أخبرني أحد قاتليه أنه رغيب في تقديم ولديه، بين يديه، ليحتسبهما حسنة تمحو بعض ذنبه، وكانا كوكبي رياسته، ووارثي نفاسته، فتقدما للحمام، وطلعا من ثنيته بدري تمام، وبدا منهما من الجلد، في ذلك الموطن الأنكد، ما حير قاتلهما وستر عنه مقاتلهما، ثم أمر عليهما غرارة، وساق الردى إلى تمامهما سراره، وقام المتوكل عند صرعتهما، مختبلاً من لوعتهما، ليصلي وقد أفرط في ملامه، وتشطط في كلامه، واختلط افتتاحه بسلامه، فبادروه بأسنتهم في الصلوة، وناهشوه مناهشة الطير لقتيل الفلاة، حتى خر لا لسجود، واستلقى لغير هجود، وهي الأيام هذه شيمها، تسيء وإن همت بالإحسان ديمها، أفقرت شعب ودان، وعفرت ملك غمدان، وأظفرت الحمام بعبد المدان، وفرقت عن مكنس رامة ظباءة، ورمت بسطام بن قيس مخر على الالآءة، ومزقت أبني بدر بجفر الهباءة، وقد رثاهم الوزير أبو محمد ابن عبدون عظيم ملكهم، ونظيم سلكهم، بقصيدة اشتملت على كل ملك قتل، وأشارت إلى من غدر منهم وختل، تكبرها المسامع، ويعتبر بها السامع، وهي: بسيط الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الشباح والصورِ أنهاك أنهاك لا ألواك معذرة ... عن نومة بين ناب الليث والظفرِ فالدهر حرب وإن أبدا مسالمةً ... والبيض والسمر مثل البيض والسمرِ

ولا هوادة بين الرأس تأخذه ... يد الضراب وبين الصارم الذكرِ فلا يغرنّك من دنياك نومتها ... فما صناعة عينيها سوى السهرِ ما لليالي أقال الله عثرتنا ... من الليالي وخانتها يد الغيرِ في كلّ حين لها في كلّ جارحة ... منّا جراح وإن زاغت عن البصرِ تسرّ بالشيء لكن كي تغرّ به ... كالأيم ثار إلى الجاني من الزهرِ كم دولة وليت بالنصر خدمتها ... لم تبق منها وسل ذكراك من خبرِ هوت بدراً وفلّت غرب قاتله ... وكان عصباً على الأملاك ذا اثرِ واسترجعت من بني ساسان ما وهبت ... ولم تدع لبني يونان من أثرِ واتبعت أختها طمساً وعادَ علي ... عادٍ وجرهمَ منها ناقص المررِ وما أقالت ذوي الهيأت من يمنٍ ... ولا أجارت ذوي الغيات من مضرِ ومزّقت سبّأً في كلّ قاصيةٍ ... فما ألتقى رائح منهم بمتكبرِ وأنفذت في كليب حكمها ورمت ... مهلهلاً بين سمع الأرض والبصرِ ولم تردّ على الضليل صحّته ... ولا ثنت اسداً عن ربّها حجرِ ودوّخت آل ذبيانٍ وإخوتهم ... عبساً وعضّت بني بدر على النهرِ وألحقت بعديّ بالعراق على ... يد ابنه أحمر العينين والشعرِ وبلّغت يزدجرد الصين واختزلت ... عنه سوى الفرس جمع الترك والخزرِ ومزّقت جعفراً بالبيض واختلست ... من غيله حمزة الظلاّم للجزرِ وأشرفت بخبيب فوق فارعة ... وألصقت طلحة الفياض بالعفرِ ولم تردّ مواضي رستم وقناً ... ذي حاجب عنه سمعا في ابنة الغيرِ وخضّبت شيب عثمانٍ دماً وخطمت ... إلى الزّبير ولم تستحي من عمرِ وأجزرت سيف أشقاها أبا حسنٍ ... وأمكنت من حسين راحتي شمرِ وليتها إذا فدت عمرا بخارجة ... فدت عليّاً بمن شاءت من البشرِ ما رعت لأبي اليقظان صحبته ... ولم تزوّده إلاّ الضحّ في الغمرِ وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسنٍ ... أتت بمعضلة الألباب والفكرِ فبعضنا قائل ما اغتاله أحد ... وبعضنا ساكت لم يوت من حصرِ وعمّمت بالردى فودي أبي أنسٍ ... ولم تردّ الردى عنه فنا زفرِ وأردت ابن زياد بالحسين فلم ... يبؤ بشسع له قد طاح أو ظفرِ

وأنزلت مصعباً من رأس شاهقة ... كانت بها مهجة المختار في وزرِ ولم تراقب مكان ابن الزبير ولا ... رعت عياذته بالبيت والحجرِ ولم تدع لأبي الذبّان قاضبه ... ليس اللطيم لها عمرو بمنتصرِ وأظفرت بالوليد بن اليزيد ولم ... تبقِ الخلافة بين الكاس والوترِ حبابهُ حبُّ رمَّان ألمّ بها ... وأحمرٌ قطّرته نفحة القطرِ ولم تعد قضب السفّاح نائبة ... عن رأس مروان أو أشياعه الفجرِ واسلبت دمعة الروح الأمين على ... دمٍ يثجّ لآل المصطفى هدرِ وأشرقت جعفراً والفضل ينظره ... والشيخ يحيى بريق الصارم الذكر وأخفرت في الأمين العهد وانتدبت ... لجعفر بابنه والأعبد الغدرِ وروّعت كل مأمون ومؤتمن ... وأسلمت كل منصور ومنتصر وأعثرت آل عبّاس لعاً لهمُ ... بذيل زبَّاءَ من بيض ومن سمرِ وأوثقت في عراها كلّ معتمد ... وأشرقت بقذاها كلّ مقتدرِ ولا وفت بعهود المستعين ولا ... بما تأكدّ للمعتزّ من مررِ بني المظفّر والأيام ما برحت ... مراحلاً والورى منها على سفرِ سحقاً ليومكمُ يوماً ولا حملت ... بمثله ليلة في مقبل العمرِ من للأسرّة أو من للأعنّة أو ... من للأسنّة يهديها إلى الثغرِ من لليراعة أو من للبراعة أو ... من للسماحة أو للنفع والضررِ أو دفع كارثة أو ردع آزفة ... أو قمع حادثة تعيي على القدرِ من للظّبي وعوالي الخطّ قد عقدت ... أطراف السنها بالعيّ والحصرِ وطوقت بالثنايا السود بيضهمُ ... أعجب بذاك وما منها سوى ذكرِ ويح السماح وويح الباس لو سلماً ... وحسرة الدين والدنيا على عمرِ سقت ثرى الفضل والعبّاس هامية ... تعزى إليهم سماحاً لا إلى المطرِ ثلاثة ما رأى السعدان مثلهمُ ... فضلاً ولو عززا بالشمس والقمرِ ثلاثة ما ارتقى النسران حيث رقوا ... وكلّ ما طار من نسر ولم يطرِ ومرّ من كلّ شيء فيه أطيبه ... حتّى التمتّع بالآصال والبكرِ من للجلال الذي عمّت مهابته ... قلوبنا وعيون الأنجم الزهرِ أين الإباءِ الذي أرسوا قواعده ... على دعائم من عزّ ومن ظفرِ

أين الوفاء الذي اصفوا شرائعه ... فلم يرد أحد منهم على كدرِ كانوا رواسي أرض الله منذ نادوا ... عنها استطارت بمن فيها ولم تقرِ وكانوا مصابيحها فمذ خبوا غبرت ... هاذي الخليقة يالله في سرر كانوا شجا الدهر فاستهوتهم خدع ... منه بأحلام عاد في خطا الخضرِ من لي ومن بهم أن أطنبت محن ... ولم يكن وردها يفضي إلى صدرِ من لي ومن بهم أن أظلمت نوب ... ولم يكن ليلها يفضي إلى سحرِ من لي ومن بهم أن عطّلت سنن ... واخفتت ألسن الآثار والسيرِ ويلمّة من طلوب الثأر مدركه ... لو كان ديناً على الأيام ذي عسرِ على الفضائل إلاّ الصبر بعدهمُ ... سلام مرتقب للأجر منتظرِ يرجو عسى وله في أختها طمع ... والدهر ذو عقب شتّى وذو غيرِ قرّطتّ آذان من فيها بفاضحة ... على الحسان حصى الياقوت والدررِ واخبرني الوزير أبو بكر ابن القبطرنة أنه كان مسامراً للمتوكل غذ وافاه خبر بخروج أحد أهل يابرة فاراً من ابنه العباس ولحاقه بالمعتمد على الله فبينما هو يردد الوعيد، ويبدي في ذلك ويعيد، إذا بكتاب العباس قد وافاه، يقسم أنه ما أخرجه ولا نفاه، ولا حمله على ذلك إلا البطر، وأنه كان له في ذلك أرب ووطر، وكانت حاجة في نفس يعقوب قضاها، وإرادة أنفذها وأمضاها، فوقع له على رقعة، قبولي لتنصلك من ذنوبك موجب لجرأتك عليها، وعودتك إليها، واتصل بي ما كان من خروج فلان عنك ولم تتثبت في أمره، ولا تحققت صحيح خبره، حين فر عن أهله ووطنه، والعجلة من النقصان، وليس يحمد قبل النضج بحران، وهو الذي أوجبه إعجابك بأمرك، وانفرادك برأيك، ومتى لم ترجع إلى ما وعدت به من نفسك، وصدرت به من كتبك، فإنا والله أريح نفسي من شغبك، وإن تكن الأخرى، فهو الحظ الأوفى، فاختر لنفسك أي الأمرين ترى إن شاء الله تعالى، وبلغه أنه ذكر في مجلس المنصور يحيى أخيه بسوء فكتب إليه، طويل فما بالهم لا أنعم الله بالهم ... ينيطون بي ذمّاً وقد علموا فضلي يسيئون في َّ القول جهلاً وضلَّة ... وإني لأرجو أن يسوءهمُ فعلي لئن كان حقاً ما أذاعوا فلا مشت ... إلى غاية العلياءِ من بعدها رجلي ولم ألقَ أضيافي بوجه طلاقةٍ ... ولم امنح العافين في زمن المحلِ

كيف وراحي درس كل غريبة ... وورد التقى شمّي وحرب العدى نقلي ولي خلقٌ في السخط كالشري طعمه ... وعند الرضا أحلى جنىً من جنى النحلِ فيا أيها الساقي أخاه على النوى ... كؤوس القلى مهلاً رويدك بالعلِّ لتطفي ناراً أضرمت في نفوسنا ... فمثلىَ لا يقلى ومثلكَ لا يقلي وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكياً ... فقل لي لمن أشكو صنيعك بي قل لي فبادر إلى الأولى وإلاَّ فإنّني ... سأشكوك يوم الحشر للحكم العدلِ وكان ابن الحضرمي وزيره فازدهى، واقتعد السهى، وعامل الناس أسوأ معاملة، وأعطاهم المقابحة عوضاً من المجاملة، وأهمل الحال التي علقها به وناطها، ودمرها عليه وما حاطها، ولما تجبر وعتا، وأتى من ذلك ما أتى، ظهر للمتوكل قبح أفعاله، واحتذائه بالنجم وانتعاله، فأقعده عن رتبته، وأبعده عن خدمته، فكتب إليه يستعطفه، فراجعه المتوكل، يا سيدي وأكرم عددي، الشاكي ما جنته يده لا يدي، ومن أسأل الله له التوفيق في ذاته، إذ حرمه في ذاتي، قرأت كتابك المتشكي فيه صدوري، وأعراضي عنك غاية مجهودي، نعم فإني رأيت الأمر قد ضاع، والأدبار قد انتشر وذاع، فأشفقت من التلف، وعدلن إلى ما يعقب إن شاء الله بالخلف، وأقبلت استدفع مواقع أنسي، وأشاهد ما ضيعته بنفسي، فلم أر إلا لحجاً قد توسطتها، وغمرات قد تورطتها، فشمرت عن الساق بلجمتها، وخدمت النفس بمهجتها، حتى خضت البحر الذي أدخلني فيه رأيك، ووطيت الساحل الذي كان يبعدني عنه سعيك، فنفسك لم، وبسوء صنيعك لذا واعتصم، وإن مت بجميل اعتقاد، ومحض وداد، فأنا مقر بغره، معترف بقله وكثره، ولكن كنت كالمثل شوى أخوك حتى إذا انضج رمد، وقد أطعمت في العدو، ولبست لأهل مصري الاستكبار والعتو، واستهنت بجيرانك، وتوهمت أن المروءة التزام زهوك وتعظيم شانك، حتى أخرجت النفوس على وعليك، فانجذب مكروه ذلك غليك، ومع ذلك فليس لك عندي إلا حفظ الحاشية، وإكرام الغاشية، ولما كتب الوزير أبو بكر بن القبطرنة مع بنت الحضرمي، وتأخر زفافها تأخراً أرقه، وأورى حرقه، واتفق أن نهض المتوكل إلى أرض الروم، لمنازلة أحد معاقلها وهو معه فأقام معه إلى أن فتحه، وأنهج له الظفر سعيه وأوضحه، فصدر والفتنة قد أنشبت أظفارها، وأعملت أسنتها وشفارها، وأغطشت ليلها، وأجالت في عراصه خيلها، فكتب إليه، ومملوكك قبل التهنئة:

بسيط يشكو إليك الذي تطويه أضلعه ... بالحضرميّة من همّ وتسهيدِ فانسخ ليّ السود من أيام وحشتها ... بالبيض قبل اختلاط البيض بالسودِ فقال ابن ايمن أراد الشباب والمشيب وقال هو والله ما أراد إلا الروم والزنج وكان باختلاطهم، وانتشارهم فينا وانبساطهم، ووالله لا جمعن بينهما قبل أن ينجر باسهم إلينا فيعود الشباب مشيباً، وترى الولدان شيباً وترحل كل سلوة، وتنحل كل حبوة، وتكثر الأجاحات، وتصبح الأعراس وهي مناحات، وعاقت الفتنة عن ذلك وشغلت، وتوقدت عواديها واشتعلت، فلم يتكيف أعراسه، ولا جرت في ميدان المنى أفراسه. ولما عفر المتوكل وصرع، وجرع من الردى ما جرع، ارتدت آمال أبي بكر على أعقابها، وانسابت إليه حيات الملمات من أنقابها، وانتهت أمواله، وهتكت أحواله، وغدت منازله وهي نزائل، وتراءى له ظل عزة وهو زائل، واستنسر له البغاث، وعدم المستصرخ والمستغاث، فقال يرثي المتوكل والفضل: طويل تهاوت بيَ الدنيا وهرّت كلابها ... بأسدي وجرّت بيض أفياليَ النملُ فقلت لها عيثي جعار وجرّري ... فلا عمر منّي قريب ولا الفضلُ ثم أعرس بها بعد والحال قد جف معينها، وخف قطينها، وورد ثمادها، وفقد عمادها، فأقام معها بين أحوال مكربة، وأمال مضطربة، إلى أن حان حينها، وبان رحيل المنايا وبينها، وفيها يقول عندما عاقها عنه الحمان وعداها، وثناها عنه كما ثنى عن الروضة نداها: متقارب ادمعاً جموحاً وصبراً حزوناً ... لقد جمع الحزن فيك الفنونا أيا ماشياً فوقها لاهياً ... تميس اختيالاً وتنتقدّ ليناً ترفّع برجلك عنها رويداً ... ستجعل خدّك فيها المصونا فلا تبكينَّ لشرخ أملس ... قناتك ميماً وياء وسيناً وخطّ على ورد كافورتيك ... بمسك عذاريك لاماً ونوناً وممّا يثبّت قولي لديك ... ورّبتما جرّشان شؤنا مصاب حكى في ابنة الحضرميّ ... مصاب صبيرة أدمى الجفونا ولفّ الشباب بأوراقه ... وأودعه الترب غضّاً مصونا فأنسي بها نضرة واقتبالاً ... وعيشاً نصيراً وأنساً طروناً وأخبرني الوزير أبو محمد بن عبدون أن الجدب توالى بحضرته حتى جفت

مذانبها، وأغبرت جوانبها، وغرد المكا في غير روضة، وخاض الناس بالباس أعظم خوضه، وأبدت الخمائل عبوسها، وشكت الأرض للسماء بوسها، فأقلع المتوكل عن الشرب واللهو، ونزع ملابس الخيلاء والزهو، وأظهر الخشوع، وأكثر السجود والركوع، إلى ان غيم الجو، وأنسجم النو، وصاب الغمام، وغنت الحمام، وسفرت الأزهار، وزهت النجاد والأغوار، واتفق أن وصل أبو يوسف المغني والأرض قد لبست زخارفها، ورقم الغمام مطارفها، وتدبجت الغطيان والربى، وأرجت نفحات الصبا، والمتوكل ما فض لتوبته ختاماً، ولا نفض عن قلبه منها قتاماً، فكتب إليه: متقارب ألمّ أبو يوسف والمطر ... فيا ليت شعري فما ينتظر ولست بأب وأنت الشهيد ... حضور نديّك فيمن حضر ولا مطلعي وسط تلك السما ... ء بين النجوم وبين القمر ركض فيها جياد المرا ... م محثوثة بسياط الوتر فبعث إليه مركوباً وكتب معه: متقارب بعثت إليك جناحاً فطر ... على خفية من عيون البشر على ذلل من نتاج البرو ... ق في ظلل من نسيج الشجر فحسبيَ ممّن نأمن من دنا ... فمن غاب كان فدا من حضر فوصل القصبة المطلة على البطحاء، المزرية بمنازل الروحاء، فأقام منها حيث قال عدي بن زيد يصف صنعاء: مديد في قباب حول دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا ومضى لهم من السرور ما مر لاذي رعين، ولا تصور قبل عيونهم لعين، وأخبرني أنه سايره إلى شنترين قاصية أرض الإسلام، السامية الذري والإعرم، التي لا يروعها صرف، ولا يقرعها طرف، لأنها متوعرة المراقي، معفرة للراقي، متمكنة الرواسي والقواعد، من ضفة نهر استدار بها استدارة القلب بالساعد، وقد أطلت على خمائلها أطلال العروس من منصتها، واقتطعت في الجو أكثر من خصتها، فمروا بالبش قطر سالت فيه جداوله، واختالت فيه خمائله، فما يجول الطرف منه إلا في حديقة، او بقعة أنيقة، فتلقاهم ابن مغاني قاضي حضرته وأنزلهم عنه، وأورى لهم بالمبرة زند، وقدم لهم طعاماً، واعتقد قبوله منا وأنعاما، وعندما طعموا قعد القاضي بباب المجلس رقيباً لا يبرح، وعين المتوكل حياء منه لا تجول ولا تمرح،

فخرج أبو محمد وقد أبرمه بتثقيله، وحرمه رواحه ومقيله، فلقي ابن خيرون منتظراً له، وقد أعد لحضوره منزله، فصار إلى مجلس قد ابتسمت ثغور نواره، وخجلت خدود ورده من زواره، وأبدت صدور أباريقه أسرارها، وضمت عليه المحاسن أزرارها، ولما حضر له وقت الأنس وحينه، وأرجت له رياحينه، وجه من يرقب المتوكل حتى يقوم جليسه، ويزول موحشه لا أنيسه، فأقام رسوله وهو بمكانه لا يريمه، وقد لازمه كأنه غريمه، فما انفصل، حتى ظن أن عارض الليل قد نصل، فلما عام أبو محمد بانفصاله بعث إلى المتوكل بقطيع خمر وطبق ورد وكتب معهما: رجز إليكها فاجتلها منيرةً ... وقد خبا حتى الشهاب الثاقبُ وافقة بالباب لم يؤذن لها ... إلاَّ وقد كاد ينام الحاجبُ فبعضها من المخاف جامد ... وبعضها من الحياء ذائبُ فقبلها رحمه الله وكتب إليه: رجز قد وصلت تلك التي زففتها ... بكرا وقد شاب لها ذوائب فهبّ حتّى نستردّ ذاهباً ... من أنسنا أن استردّ ذاهبُ فركب إليه، ونقل معه ما كان بالمجلس بين يديه، وباتاً ليلتهما لا يريمان السهر، ولا يشيمان برقاً إلاّ الكاس والزهر، وأخبرني ابن زرقون أنه حضر مجلس راح، ومكنس ضباء وأفراح، وفيه جماعة منهم الوزير أبو بكر بن القبطرنة شيخ الفتوة، ومعرض فتياتها المجلوة، ومعهم سعد ابن المتوكل وهو غلام ما نضا عنه الشباب بردة، ولا اذوي ياسمينة ولا وردة، وكان الوزير أبو بكر وأخواه أبو محمد وأبو الحسن مختصين بالفضل أخيه اختصاص الأنوار بالكمائم، واللبات بالتمائم، فتذاكروا فقه، وكيف شفى عليه الزمان حقه، ووصفوا صرعته، وأوقدوا لوعته، والمدام قد روقت دمعه، وشوقت لأحاديثه سمعه، فهاج شجوه، وبان طربه ولهوه، وأرسل مدامعه سجالاً، وقال ارتجالاً: كامل يا سعد ساعدني ولست بخيلاً ... وامنن بها خمراً تفيض همولاً وأحبس عليّ دموع عينك ساعة ... وأبرد بها ممّا ألمّ غليلاً أن يصبح الفضل القتيل فإنّني ... أصبحت من وجدي به مقتولاً كم قد وفيتم والحمام بمهجتي ... وحملت شول علائكم معقولاً

ومن كلامه الحر، ونثره المزري بالدر، ما كتب به إلى المعتمد شافعاً وهو، ما يسفر لي أيدك الله وجه مطالعتك، ويعن لي سبب مراسلتك، إلا واجد الزمان قد أقبل بعد أعراضه، وأمد حبل انتقاضه، وارى المنى تلقي إلي عنانها، وتدني من يدي إحسانها، فإنك العماد الذي اعتده جبلاً الوذ بحقوه، ومنهلاً أكرع في صفوة، ومعظماً أعاطيه بقسطه، أناجيه على شطحه، ولما كان فلان أبقاه الله قد سبقت به المعرفة القديمة، وسلفت معه الأدمة الكريمة، وأتاني ثناؤه عليك بالغيب أرسالاً، كأنما هب صبا أو شمالاً، لزمني أن أعلمك بمكانه من الانقطاع إلى جهتك، والتحيز إلى فئتك، وإن أشفع له عندك شفاعة حسنة أدرك بها كرم الشفيع، ويحوز بها منك شرف العارفة والصنيع، وهي منة طوقته إياها، وأطلعته بروضها ورباها، ثم اعترض عليه فيها، وقد شهر ملكه لها ولنواحيها، ويعيذ الله فخرك أن يكون ما وهبت مرتجعاً، وما أوليت منتزعاً، وأنا ارتقب لها الإسعاف والقبول، كما يرتقب الظمأن الورود والوصول، وإن مننت أيدك الله بالمراجعة الجميلة البديعة، وقرنتها بأحوالك المصونة الرفيعة، وقرنتها بأحوالك المصونة الرفيعة، اقتضيت الشكر من شاكر، كنور زاهر وغمام باكر، إن شاء الله تعالى، وكان ليلة مع خواصه للأنس معاطياً، ولمجلس كالشمس وأطيا، وقد تفرغ للسرور، وتسوغ عيشاً كالأمل المزرور، والمنا قد أفضحت ورقها، وأومض برقها، والسعد تطلع مخائله، والملك يبدو زهوة وتخايله، غذ ورد عليه كتاب بدخول أشبونة في طاعته، وانتظامها في سلك جماعته، فزاد في مسرته، وبسط أسرته، واقبل على خدامه، وأسبل نداه على جلسائه وندامه، فقال له ابن خيرة وكان يدل بالشباب، وينزل منه منزلة الأحباب، لمن توليها، أو من يكون واليها، فقال لك، فقال فاكتب لي بذلك، فاستدنى الدواة والرق وكتب وما جف له قلم، ولا توقف عنه كلم، لم يسوغ أولياء النعم مثل الذي سوغتموه من التزم الطاعة، والدخول في نهج الجماعة، ولذلك لا ألوكم ونفسي فيكم نصحا فيمن أتخيره للنيابة عني في تدبيركم، والقيام بالدقيق والجليل من أموركم، وقد وليت عليكم من لم أوثر والله فيه دواعي التقريب، على بواعث التجريب، ولا فرات التخصيص، على لوازم التمحيص، وهو الوزير القائد أبو عبد الله ابن خيرة ابن درية بعضي صحبة، ونشاتي شبكة وقربة، وقد رسمت له من وجوه الذب والحماية، ومعالم الرفق والرعاية، ما لتزم الاستيفاء بعهده،

والوقوف بجده عند حده، والمسؤول في عونه من لا عون إلا من عنه، ولن أعرفكم من حميد خصاله، وسديد فعاله، إلا بما سيبدو وللعيان، ويزكو مع الامتحان، ويفشو من قلبكم إن شاء الله على كل لسان، وقد حددت له أن يكون لناشئكم أباً، ولكهلكم أخا، ولذي التقويس والكبر ابنا، ما اعتموه على هذا المراد، ولزوم الجواد، وركوب الانقياد، وأما من شق العصا، وبان عن الطاعة وعصى، وظهر منه المراد والهوى، فهو القصي منه وأن مت إليه بالرحم الدنيا، فكونوا له خير رعية بالسمع والطاعة في جميع الأحوال، يكن لكم بالبر والموالات خير وال، إن شاء الله عز وجل، وأخبروني الفقيه أبو أيوب ابن أبي أمية أنه مر في بعض أيامه بروض مفتر المباسم، معطر الرياح النواسم، قد صقل الربيع حواذته، وانطلق بلبله وورشانه، والحف غصنه بروداً مخضرة، وجعل إشراقه للشمس ضرة، وأزاهيره تتيه على الكواكب، وتختال في خلع الغمائم السواكب، فارتاح إلى الكون به بقية نهاره، والتغم ببنفسجة وبهاره، فلما حصل من أنسه في وسط المدى، عمد إلى ورقة كرنب قد بللها الندى، وكتب فيها بطرف غصن يستدعي الوزير أبا طالب بن غانم أحد ندمائه، ونجوم سمائه: بسيط مجزوء أقبل أبا طالب إلينا ... وقع وقوع الندى علينا فنحن عقد بغير وسطي ... ما لم تكن حاضراً لدينا ولما وافي العيد الذي لم يفرع فيه بأسمائهم منبر، ولا تضوع في نواحيه منهم مسك ولا عنبر، وطوت الفضل منيته، وتعطلت في ذلك الموسم ثنيته، تذكر الوزير أبو محمد بن القبطرنة أيامه معه، وتصور أعياده وجمعه، وأشراقها بحلاه، وابتهاجها بعلاه، وتفكر في سقوط النسور عليه والعقبان، وتمزيق الوحوش لجسمه الذي كان كغصن البان، فقال: طويل أيا فضل لم أعجب لموتك أنّه ... هو الدهر لا يبقى عليه ولا الدهرُ ولكن لا سياف مشين عواضبا ... إليك وكنت السيف حليته النصرُ ويا عجباً للأرض حيّا ملكتها ... ومتّ ولم يسترك من قعرها شرُ فليتك من عيني وقلبي صيانة ... تؤب إلى قبر إذا لم يكن قبرُ ستبكي لهذا العيد بعدك فتنة ... زفيرهمُ نظم وأدمعهمْ نثرُ تؤمّل هل يبيضّ وجهك طالعاً ... فيسودّ في ألحاظها العيد والفطرُ

المعتصم بالله أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح رحمه الله

ليرعاك منّي مشفق ذو حفيظة ... عليك إذا لم يرعك الذئب والنسرُ نجز خبر المتوكل بحمد الله المعتصم بالله أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح رحمه الله ملك أقام سوق المعارف على ساقها، وأبدع في انتظام مجالسها واتساقها، وأوضح رسمها، واثبت في جبين أوانه وسمها، لم تخل أيامه من مناظرة، ولا عمرت إلا بمذاكرة أو محاصرة، إلا ساعات أوقفها على المدام، وعطلها من ذلك النظام، وكانت دولته مشرعاً للكرم، ومطلعاً للهمم، فلاحت بها شموس، وارتاحت فيها نفوس، ونفقت فيها أقدار الأعلام، وتدفقت بحار الكلام، كإجادة ابن عمار وإبداعه، في قوله معتذراً من وداعه: طويل أمعتصماً بالله والحرب ترتمي ... بأبطالها والخيل بالخيل تلتقي دعتني المطايا للرحيل وإنّني ... لأفرق من ذكر النوى والتفرقِ وإنّي إذا غرّبتُ عنك فإنمّا ... جبينك شمسي والمريّة مشرقي هذا على انكماش ولايته، وقلة جبايته، فإن نظرة لم يزد على امتداد ناظر، ولم يجد الغمام منه على يانع ولا ناضر، لأن أكثره منابت شيح، ومهامه فيح، استغفر الله إلا ضفتي نهر بجاية الممتد كالحبل، المستمد من الطل والوبل، فإن في جانبيه كاتساع الشبر، ما يفي بانتجاع ورق ولا تبر، فاقتصر هو على صمادحيته البديعة، وقصبته المنيعة، واشتغل بترميق أساطيله، وتنميق أباطيله، لم تمتد همته إلى مزاحمة ملك في ملكه، ولم يزد على مراعاة أمر جواريه وفلكه، ولا انتقل إلا من مجلس مدارسة، إلى مكنس موانسة، فكثيراً ما كان يعمر أندية اللهو، ويداولها من مجلس الحافة إلى البهو، كلاهما سري المنظر، قمري المرمر، وكان له نظم أرج النفحة، بهج الصفحة، يصف به مجالس إيناسه، ويصرفه بين ندمائه وكاسه، ولم يزل كذلك إلى ان نازلته المحلات، وطاولته المحلات، ففاضت نفسه في أثناء منازلتهم جزعاً، وذهبت روحه مقسماً بالأنكاد موزعاً، ونغصت عليه منيته حتى ما كان يلتفت إلا إلى رهج يغشاه، ولا يصيخ غلا إلى رجة تقلقل حشاه، فأكثر القتال أنما كان تحت مجلسه الذي كان به مضجعه، وفيه تألمه وتوجعه، ولقد أخبرني من سمعه يقول وقد علمت أصواتهم، وتقلقلت لغاتهم، نغص علينا كل شيء

حتى الموت فبكت إحدى حظاياه فرمقها بطرفه الكليل، وقال وهو يتنفس الصعداء من حر الغليل: متقارب ترفّق بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل وبقي ابنه عز الدولة مختبل التلفت، مرتقباً للتفلت، لا يحكم تدبيراً، ولا يملك من أمره قليلاً ولا كثيراً، قد نهك بالغصص، وذهل خوفاً من القنص، إلى أن ركب في البحر طريقاً غير يبس، وساعدته الريح بنفس، فامتطى ثبجه، وأورد غربانه لججه، فكانت أطوع من غربان نوح، وبلغت بأجنحة إلى حيث شاء الجنوح، فأصبح ناس وأطراف شراعه تلوح، وإطلاله تبكي عليه وتنوح، فأزجاه إلى بجاية سكانه، وحياه منها موضعه ومكانه، فاستقر فيها تحت رعاية المنصور بن الناصر، وأوى منها إلى جنات ومقاصر، وتوقد له شهابه، وجدد له العز ذهابه، فمن بديع أفعال المعتصم أن النحلي دخل المرية وعليه إسمال لا تقتضيها الآداب، ولا يرتضها إلا الانتحاب والانتداب، والناس قد لبسوا البياض، وتصرفوا في حضرتهم، في مثل قطع الرياض، والنحلي ظمأن يسعره جواده، عريان لا يستره إلا سواده، فكتب إليه: وافر أيا من لا يضاف إليه ثان ... ومن ورث العلي بابا فبابا أيجهل أن تكون سواد عيني ... وأبصر دون ما أبغى حجابا ويمشي الناس كلّهمُ حماما ... وأمشى بينهم وحدي غرابا فأدر له حباه، ووصله وحاباه، وبعث إليه من البياض ما لبسه، وجلل به مجلسه، وكتب إليه مع ذلك: طويل وردتَّ ولليل إليهم مطارف ... عليك وهذي للصباح برودُ وأنت لدينا ما بقيت مقرّب ... ومعيشك سلسال الجمام برودُ واخبرني الوزير أبو خالد ابن بشتغير أنه ركب ليتطلع بعض أقطاره، ويتودع فيها بقية نهاره، وقدم بين يديه من آلات أطرابه، وأدوات شرابه، ما تخذه لأنسه جالباً، وللوعته غالباً، فإن إحدى خطاياه المكينات عنده تركها تجود بنفسها، وترود مكان رمسها، فخرج فاراً من قصتها، مستريحاً من غصتها، فلما وضع رجله في ركابه، ودمعه يغلب جلله بانسكابه، خرج من أعلمه بموتها، وعزاه على فوتها، فأمر أن توضع في قبرها، ووصى من ينظر في أمرها، ولم ينصرف من وجهته، ولم ينحرف

عن نزهته، وقال: بسيط لمّا غدا القلب مفجوعاً بأسودهِ ... وفصّ كلّ ختامٍ من عزائمهِ ركبت ظهر جوادي كي أسليه ... وقلتُ للسيف كن لي من تمائمهِ وأخبرني الوزير المذكور أنه حضر مجلسه بالصمادحية في يوم وفيه أعيان الوزراء، ونبهاء الشعراء، فقعد على موضع يتداخل الماء فيه، ويتلوى في نواحيه، والمعتصم منشرح النفس، مجتمع الأنس، فقال: بسيط انظر إلى حسن هذا الماء في صببه ... كأنّه أرقم قد جدّ في هربه فاستبدعوه، ونيموه به وأولعوه، فاسكب عليهم شأبيب نداه، وأغرب بما أظهره من بشره وأبداه، واتفق أن غني بقول النابغة: متقارب ولمّا نزلنا بجسر النتاج ... ولم نعرف الحيّ إلا التماساً أضاءت لنا النار وجهاً أغرّ ... وملتبساً بالفؤاد التباساً فاستطابه واستحسنه، وجعله أبدع منا للنابغة وأحسنه، وأمر ابن الحداد بمعارضته فقال على البديهة: متقارب إذا ما التمست الغنا بابن معن ... ظفرتَ وأحمدت منه التماساً ومن يرج شمس العلى من نجيب ... فليس يرى من رجاه شماساً وبلغته عن ابن عمار هنات، لم تطرق جفونهه بهاسنات، وقرر عنه أنه يدب إليه دبيب الضراء، وينسبه إلى افن الآراء، ويكشف عن عوراته، ويستخف ببوادره وفوراته، فضاق بها ذرعاً، واعتقدها على ابن عمار أصلاً وفرعاً، ونوى غاية هجره، وزوى عينيه عن صباحه وفجره، فكتب إليه ابن عمار فلم يلتفت إلى ما كتبه، وعذل مبلغه وأنبه، واجتاز على المرية فما استدعاه، ولا أخصب له مرعاه، ولا بره على عادته ولا رعاه، فلما تمادى في تقاطعهما الأمد، وتوالى عليه بما يبلغه عنه الكمد، كتب إليه مراجعاً عن قطعة خاطبه بها: طويل وزهّدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحباً بعد صاحبِ فلم ترني الأيّام خلاّ تسرّني ... مباديه إلاّ ساءني في العواقبِ ولا قلت أرجوه لدفع ملمّة ... من الدهر إلاّ كان إحدى المصائبِ فراجعه ابن عمار بهذه الأبيات: طويل

فديتك لا تزهد فثمّ بقيّة ... سيرغب فيها عند وقع التجاربِ وأبق على الخلصان أنّ لديهم ... على البدء كرّاتٍ بحسن العواقبِ تكنّفتني بالنظم والنثر جاهداً ... وسقت عليّ القول من كلّ جانبِ وقد كان لي لو شئتُ ردّ وإنّما ... أجرّ لساني بعضُ تلك المواهبِ ولابدّ من شكوى ولو بتنفّس ... يبرّد من حرّ الحشا والترائبِ كتبت على رسمي وبعد نسية ... قرأت جوابي من سطور المواكبِ ثلاثة أبيات وهيهات إنّما ... بعثت إلى حربي ثلاث كتائبِ وكيف يلّذ العيش في عتب سيّد ... وما لذّ لي يوماً على عتب صاحبِ وقبل جرت عن بعض كتبيّ جفوة ... ألحّت على وجهي بغمز الحواجبِ سلكت سبيلي للزيارة قبلها ... فقابلت دفعاً في صدور الركائبِ وما كنت مرتاداً ولكن لنفحة ... تعودتُّ من ريحان تلك الضرائبِ ولو لمعت لي من سمائك برقة ... ركبت إلى مغناك هوج الجنائبِ فقبّلت من يمناك أعذب مورد ... وقضيّت من لقياك أوكد واجبِ وأبت خفيف الظهر إلاّ من النوى ... وخلّفت للعافي ثقال الحقائبِ سواك يعي قول الوشاة من العدى ... وغيرك يقضي بالظنون الكواذبِ وأقام عنده في بعض سفراته مقاماً امتد زمامه، وتوالت أيامه، حتى أقلقته دواعي شوقه، وشب صبره عن طوقه، والمعتصم يقيه ببره، ويعتمده بموالات لجبينه وتبره، ويرعيه ما شاء من بشره، ويستدعيه لبسط الأنس ونشره، ولما سئم الثواء ومله، وأنهله القلق وعله، وحن إلى حمص حنين نصيب للجفر، والمحرمين ليلة النفر، وهام بها هيام عمر بالثريا، وحارثه بن بدر بالحميا، كتب إليه يستسرحه، بشعر تتماه النفس وتقترحه، وهو: كامل مجزوء يا واضحاً فضح السحا ... ب يجود في معنى السماح ومطابقاً يأتي وجو ... هـ الجدّ من طرق المزاح أسرفت في برّ الضيا ... فِ فجد قليلاً بالسراح فراجعه المعتصم: كامل مجزوء يا فاضلاً في شكره ... أصل المساء مع الصباح هلاّ رفقت بمهجتي ... عند أتكلّم بالسراح

الحاجب ذو الرياستين أبو مروان عبد الملك ابن رزين رحمه الله تعالى

عن السماح ببعدكم ... والله ليس من السماح وخرج إلى برجه ولادية وهما نظران لم يجل في مثلهما ناظر، ولم تدع حسنهما الخدود النواضر، غصون تثنيها الرياح، ومياه لها انسياح، وحدائق تهدي الأرج والعرف، ومنازل تبهج النفس وتمتع الطرف، فأقام فيها اياماً يتدرج في مسارحها، ويتصرف في منازهها ومسايحها، وكانت نزهة أربت على نزهة هشام بدير الرصافة، وأنافت عليها أي إنافة، وفي أثناء مقامه، وخلال اتساق الأنس له وانتظامه، عن له ذكر إحدى خطاياه فهيجه وأقلقه، وأزعجه وأرقه، فكتب إليها رقعة وطيرها وفيها: طويل وحمّلت ذات الطوق منّي تحيّةً ... تكون على أفق المريّة مجمراً كمل ذكر المعتصم والحمد لله الحاجب ذو الرياستين أبو مروان عبد الملك ابن رزين رحمه الله تعالى ورث والرياسة من ملوك عضدوا مؤازرهم، وشدوا دون النساء مأزرهم، ولم يتوشحوا إلا بالحمائل، ولا جنحوا للباس إلا في أعنة الصبا والشمائل، وركبوا الصعاب فذللوها، وابتغوا سبباً للنجوم حتى انتعلوها، وملكوا الملك بأيد، وعقلوه من النخوة بقيد، وكان ذو الرياستين منتهى فخارهم، وقطب مدارهم، شيد بناءهم، وقيد غناءهم، رجلاً اتخذته البسالة قلباً، وضمت عليه شغافاً وخلباً، لا يعرف جبناً ولا خوراً، ولا يتلو غير سور الندى سورا، وكانت دولته موقف البيان، ومقذف الأعيان، ترتضع فيها للمكارم أخلاف، وتدار بها للأماني سلاف، فوردت الآمال نداه نميراً، ووجد الإجمال في سراه سميراً، إلا أنه كان يتشطط على ندامه، ولا يرتبط في مجلس مدامه، فربما عاد إنعامه بوساً، وانقلب ابتسامه عبوساً، فلم تتم معه سلوة، ولا فقدت في ميدانه كبوة، وقليلاً ما كان يقبل، ولا يناجي المذنب عنده إلا الحسام الصقيل، ومع هذا فإنه كان غيثاً للندى، وليثاً على العدى، وبدراً في المحفل، وصدراً في الجحفل، وله نظم ونثر ما قصرا عن الغاية، ولا اقصرا عن تلقي الراية، وقد اثبت منهما نبذا تروق شموساً، وتكاد تشرب كؤوساً. أخبرني الوزير أبو عامر بن سنون أنه اصطبح يوماً والجو سماكي العوارف، لازوردي المطارف، والروض أنيقة لباته، رقيقة هباته، والنور مبتل، والنسيم معتل، ومعه

قومه، وقد راقهم يومه، وصلاته تصافي معتفيهم، ومبراته تشافه موافيهم، والراح تشعشع، وماء الأماني ينشع، فكتب إلى ابن عمار وهو ضيفه: طويل ضمان على الأيّام أن أبلغ المنى ... إذا كنت في ودّي مسّرا ومعلناً فلو تسئلِ الأيام من هو مفردٌ ... بودّ ابن عمّارٍ لقلتُ لها أنا فإن حالتِ الأيّام بيني وبينهُ ... فكيف يطيب العيش أو يحسن الغنا فلما وصلت الرقعة إليه تأخر عن الوصول، واعتذر بعذر مختل المعاني والفصول، فقال أحد الحاضرين أني لا عجب من ابن عمار، وكيف قعد عن هذا المضمار، مع ميله إلى السماع، وكلفه بمثل هذا الاجتماع، فقال ذو الرياستين أن الجواب تعذر، فلذلك اعتذر، لأنه يعاني قوله ويعلله، ويرويه ولا يرتجله، ويقوله في المدة، الممتدة، فرأى أن الوصول بلا جواب إخجال لأدبه، وإخلال بمنازله في الشعر ورتبه، فلما كان من الغد ورد ابن عمار ومعه الجواب وهو: طويل هصرتَ ليّ الآمال طيّبة الجنى ... وسوّغتني الأحوال مقبلة الدنا والبستني النُّعمى أغصّ من الندى ... وأجمل من وشي الربيع وأحسنا وكم ليلة أحظيتني بحضورها ... فبتّ سميراً للسناء وللسنا أعلل نفسي بالمكارم والعلى ... وأذني وكفيّ بالغناء وبالغنا ساقرن بالتمويل ذكرك كلّما ... تعاورتِ الأسماء غيرك والكنى زلا وسعتني قولا وطولا كلاهما ... يطوّق أعناقاً ويخرس السنا وشرّفتني من قطعة الروض بالتي ... تناثر فيها الطبعُ وردوا وسوسنا تروق بجيد الملك عقداً مرصّعاً ... وتزها على عطفيه وشياً معيّنا فدم هكذا يا فارس الدست والوغى ... لتطعن بالأقلام فيها وبالقنا وأخبرني الوزير الكاتب أبو جعفر ابن سعدون أنه أصبح يوماً بحضرته وللرذاذ رش، وللربيع على وجه الأرض فرش، وقد صقل الغمام الأزهار حتى اذهب نمشها، وسقاها فأروى عطشها، فكتب إليه: طويل فديناك لا يسطيعك النظم والنثر ... فأنت مليك الأرض وانفصل الأمرُ مرينا نداك الغمر فانهلَّ صيّباً ... كما سكبت وطفاءُ أو فتق الزهرُ وجاءَ الربيع الطلق يندي غضارة ... فحيَّتك منه الشمس والروض والنهرُ

وما منهمُ إلاَّ إليك انتماؤه ... جبينك والجود المتمّم والبشرُ خلا منك دهر قد مضى بعبوسه ... فلمَّا أتت أيَّامك ابتسم العصرُ فبشرت أمالي بملك هو الورى ... ودار هي الدنيا ويوم هو الدهرُ وقاك الردى من يبتغي عندك المنى ... وساعدك الأسعاد واليمن والنصرُ فراجعه بقوله: طويل إليك فلولا أنت أم ينظم الدرُّ ... ولا التام في مدح نظام ولا نثرُ إذا قلتَ لم يتطلق فصيح مدرّب ... ولا ساغ في سمع غناءُ ولا زمرُ لك السبق كم روّضت من عاطل الربى ... وحلّلت من سحر وقد حرم السحرُ ولمَّا ملكت القول قسراً وعنوة ... أطاعك جيش النظم وائتمر النثرُ فلا نقل غلاَّ ما تقول بديهة ... ولا خمر ما لم تأتِ من فمك الخمرُ ثم توجه فيه إلى روضة قد أرجت نفحاتها، وتدبجت ساحاتها، وتفتحت كمامها، وأفصحت حمامها، وتجردت جداولها كالبواتر، ورمقت أزهارها بعيون فواتر، فأقاموا يعملون كاسهم، ويشملون إيناسهم، فقال ذو الرياستين: طويل وروض كساه الطلُّ وشياً مجدداً ... فأضحى مقيماً للنفوس ومقعداً إذا صافحته الريح خلت غصونه ... رواقص في خضر من العصف ميَّداً إذا ما انسكاب الماءِ عاينت خلته ... وقد كسرته راحة ريح مبرداً وإن سكنت عنه حسبت صفاءه ... حساماً صقيلاً صافي المتن جرّداً وغنَّت به ورق الحمائم بيننا ... غناءَ ينسّيك القريض ومعبداً فلا تجفونَّ الدهر مادام مسعدا ... ومدَّ إلى ما قد حباك به يدا وخذها مداماً من غزال كأنَّه ... إذا ما سقى بدر تحمَّل فرقدا وركب متصيداً في يوم غيم نضح رذاذه وجه الثرى، وتلفعت الشمس بمطرفه فلا ترى، والأرض لا تثبت حوافز الخيل في زلقها، ولا نهش الجياد إلى طلقها، والأفق لو مرت به دهمة الليل لغابت في نوه، وما بانت في جوه، والمدام قد علته، وأراؤها قد تولته، فقام بين يديه قنص فطارده في ميدان الجد لاهياً، وسايره في طريق الحذر ساهياً، وقد تفرد من عبيده، وتوحد في بيده، فسقط به فرسه سقطة أوهنت قواه، وانتهت به إلى ملازمة مثواه، وبلغه أن أحد عداته شمت بوقعته، وسر بصرعته، فقال: بسيط

إنّي سقطت ولا جبن ولا خور ... وليس يدفع ما قد شاءه القدر لا يشمتنَّ حسودي أن سقطت فقد ... يكبو الجواد وينبو الصارم الذكرُ هذا الكسوف يرى تأثيره أبداً ... ولا يعاب به شمس ولا قمرُ وأخبرني الكاتب أبو عبد الله ابن خلصة أنه لما دخل بيطرة بتخلي أبي عيسى ابن لبون عنها أنشدته طائفة من الشعراء والكتاب فحوم ووصل وأدنى قوماً وأبعد آخرين، وأصاخ من وزيره إلى اسوأ قرين، فأشار في جانب أبي عيسى بإخلال، وأصار عزته في قبضة الإخمال والإذلال، فتفرق القوم فرقاً، وسلكوا من التشغيب عليه طرقاً، وتشوفوا إلى المستعين، وأنفوا من الورود على غير عذب ولا معين، وكان في الجملة المنحرفة، والفئة المتطلعة إلى ابن هود المستشرفة، الكاتب أبو الحسن ابن سابق فقال: بسيط من كان يطلب من أصحابنا صلةٌ ... على فراق أبي عيسى ابن لبُّونِ فليس يقنعني من بعده عوض ... ولو جعلت على أموال قارونِ قد كان كنزي فطفَّ الدهر عنه يدي ... والدهر يمتع بالنعمى إلى حينِ كأنَّ قلبي إذا ذكّرت فرقته ... مقلَّب فوق أطراف الساكينِ فلما سمعه ابن رزين قال مطفئاً للوعته، ونازعاً كنزعته، نوعاً من السياسة سكن بها أنفه، وأعاد عليه الأهواء مؤتلفه: بسيط هبوا لنا حظّكم من آل لبُّون ... كم تبخلون علينا بالرياحينِ لا تعذلونا فحقّا إن ننافسكم ... في أكرم الناس للدنيا وللدينِ ذاك الكريم الذي نيطت تمائمه ... عند الفطام على علم ابن سيرينِ اختارنا فتخيّرناه صاحبنا ... وكلّنا في أخيه غير مغبونِ إن كان أنشر ذكري في بلادكمُ ... لأنش رنَّ له يحيى بن ذي النونِ وكلُّ من حوله حاظ بحظوته ... يشجي الحسود بترفيع وتمكينِ حتىّ تقول الليالي وهي صادقة ... هذا السموءَل في هذي السلاطينِ وخاطب ابن طاهر مستدعياً إلى الكون لديه برسالة ندل على أنافته في الفخر، دلالة النسيم على الزهر، والشاطئ على النهر، وتشهد له بالعلاء والمجد، شهادة النار بطيب الند، وكرم الزند، فإنه استدعاه والأذان قد صممت عن دعائه، وحكمه في ملكه والكل قد ضن عليه بما في وعائه، وهي.. أنت أدام الله عزك عالم

بالزمان وانقلابه، عارف بإعارته واستلابه، ومن عرفه حق معرفته لم تزده شدته إلا معتبراً، وشكر الله وتدبراً، وما زلت ألقاك بالود، على البعد، فأعلمك بتقدمك في الأعيان، وإن لم أرك بالعيان، واستخبر الأخبار فاسمع، ما يقرع صفاة الكبد ويصدع، بأنحاء الزمان عليك، تنكره لديك، إلى أن ورد فلان فاستفهمته عن حالك فذكر، ما أزعج وكدر، ارتماضاً لمثلك أن يعوزه مرام، أو ينبو به مقام، فجردت عن ساعد الشفاعة عند القائد الأجل أبي عبد الله في صرف مات يمكن من أملاكك فوقع الاعتذار بأنه أمر محظور، تقدم فيه حد محذور، وأشار بإجراء ما يلم بالاكتفاء وأنا أعزك الله أعرض ما هو الأوفق ليث، والأليق بي، عن عزيمة مكينة، ورغبة وكيدة، من الانتقال إلى جهتي، والانبساط في دولتي، فأقاسمك خاص ضياعي ومعلوم أملاكي وإن شق عليك الكون بجهتي لبرد هوائها، وبعد أنهائها، فهاهي شنت مريه أقف طاعتها عليك، وأصرف أمرها إليك، وعندي من العون على الارتحال، ما يقتضيه لك رفيع الحال، ولك الفضل في مراجعتي بما يستقر عليه رأيك، ويأتي به أنحاؤك، إن شاء الله تعالى.. وله يتشوق إلى خليط ودعه، وأجرى بعده أدمعه: طويل دع الدمع يفني الجفن ليلة ودّعوا ... إذا انقلبوا بالقلب لا كان مدمعُ سروا كاقتداء الطير لا الصبر بعدهم ... جميل ولا طول الندامة ينفعُ أضيق بحمل الحادثات من النوى ... وصدري من الأرض البسيطة أوسعُ وإن كنت خلاّع العذار فغنّني ... لبست من العلياءِ ما ليس يخلعُ إذا سلَّت الألحاط سيفاً خشيته ... وفي الحرب لا أخشى ولا أتوقَّعُ وأخبرني الوزير أبو عامر ابن سنون، أنه كان معه في منية العيون، في يوم مطرز الأديم، ومجلس معزز النديم، والأنس يغازلهم من كل ثنية، ويواصلهم بكل أمنية، فسكر أحد الحاضرين سكراً مثل له ميدان الحرب، وسهل عليه مستوعر الطعن والضرب، فقلب مجالس الأنس حرباً وقتالاً، وطلب الطعن وحده والنزالا، فقال ذو الرياستين: كامل نفس الذليل تعزُّ بالجريالِ ... فيقاتل الأقران دون قتالِ كم من جبان ذي افتخار باطلٍ ... بالخمر تحسبه من الأبطالِ كبش الندى تخمُّطا وعرامة ... وإذا تشبُّ الحرب شاة نزالِ

الرئيس الأجل أبو عبد الرحمن محمد بن طاهر رحمه الله تعالى

وله يحن إلى نازح من أحبابه، ألفه أيام شبابه، فاختلسه النوى من بين يديه، وترك الصبابة عوضاً منه لديه: كامل أترى الزمان يسرنا بتلاقي ... ويضمُّ مشتاقاً إلى مشتاقِ وتعض تفَّاح النهود شفاهنا ... ونرى مني الأحداق بالأحداقِ وتعود أنفسنا إلى أجسادنا ... فلطالما شردت على الآفاق وله: خفيف برحّ السقم بي وليس صحيحاً ... من رأت عينه عيوناً مراضاً إنَّ للأعين المراض سهاماً ... صيَّرت أنفس الورى أغراضاً وتجنى عليه ذو الوزارتين أبو بكر بن عمار وتعتب، ولامه وذنب، فكتب ابن رزين إليه، معرضاً بعينيه، وهو مما أبدع فيه تعريضاً وتصريحاً، وسقاه التنديد منه صريحاً: طويل تحقَّق أبا بكر ودادي وحقّق ... وصدّق ظنوني في وفائك وأصدقِ أيجمل يعي في كساد ببهرج ... وقد كان ظنّي ضدّ ذا بل تحقّقي ثنائي على مرّ والزمان مخلّق ... عليك وإن أبديت بعض التخلُّقِ وما كنت ممَّن يدخل العشق قلبه ... ولكنَّ من يبصر جفونك يعشقِ وله في شمعة: رمل مجزوء ربَّ صفراءَ تردّت ... برداءِ العاشقينَ مثل فعل النار فيها ... تفعل الآجال فينا ولما افترس ملوك الأندلس الليث، وطمس رسومهم الغيث، وخوصموا بالنسبة بالأغماد، ورموا بداهية ناد، بقي ذو الرياستين طالعاً بأفق الملاك وقد أفلت نجومه، محترساً من ذلك الليث الذي افترسهم هجومه، يحمي دولته من انقراضها، ويرمي من سعي في انتقاضها، فلم يرمه رام، ولم يجسر عليه عدو مترام، إلى أن خطبته المنية، وتخطت إليه تلك الثنية، وبقي ابنه على رسمه، مخطوباً له في منابرها باسمه، إلى ان دبت إليه تلك الأفاعي، واشتملت عليه تلك المساعي، فخر من عرشه، وأقيم من فرشه، فتبارك من لا يكيد به كائد، ولا يبيد ملكه وكل شيء بائد. كمل ذكره. الرئيس الأجل أبو عبد الرحمن محمد بن طاهر رحمه الله تعالى

به بدئ البيان وختم، ولديه ثبت الإحسان وارتسم، وعنه افتر الزمان وابتسم، واستقر الملك لديه، استقرار الطرس في يديه، واختال التاج بمفرقه، اختيال اليراع في مهرقه، وتمنى المسك أن يستمده، كما رجا القطر أن يمده، إن جد رأيت الطود وقارا، وأن هزل خلته يعاطيك عقارا، إلا ان نكباته تتابعت ولاء، وأعقبت الانتهاب جلاء، فخلع عن سلطانه وما سوغ المقام في أوطانه، وكانت له تنديدات تنفذ المجن، وتدرك كالليل إذا جن، يرسلها إلى الغرض فتصميه، وينكابها القرح فتدميه، عدت من هناته، ومحت أكثر حسناته، ودعت إلى رفضه، وسعت في نقضه، فبقي في قبضة ابن عمار محبوساً، ولقي من دهره المبتسم عبوساً، واشتدت عليه المحن، وبدت إليه تلك الأحن، إلى أن سعى له الوزير الأجل أبو بكر بن عبد العزيز، وسكن من ذلك الأزيز، فتسنى انطلاقه، وانفرجت أغلاقه، وعندما خلص من ذلك الثقاف، خلوص القناة من الثقاف، جنح إلى الاستقرار ببلنسية حضرة الوزير الأجل ابي بكر، جنوح الطائر المنتشل إلى الوكر، فلقي السعد إليه آتياً، ونزل على آل المهلب شاتياً، فوجد ما أراد، واحمد المراد، ودعا أبا بكر لما شاء فأجاب، وأراه زمن بشره الأفق المنجاب، فأقام بين مبرات والطاف، وجنى لما أحب وقطاف، إلى أن دار ببلنسية ما دار، وعطل العدو دمره الله ذلك القطب المدار، فعلقته حبالة الأسر، واتبع هيضه بالكسر، ولم يزل يكشف للعدو دفينه ويجدف، والموج يعوق سفينه ويصرف، إلى ظأن هبت ريحطه فجرى، وتسنّى تسريحه فأدلج وسرى، ووافى شاطبة خالياً إلا من الوجد، عارياً غلا من المجد، وقد انتشى من الذل، فأوى إلى الظل، وأقام مشتملاً بالخمول، موملاً غير المأمول، إلى أن برئت بلنسية من آلامها، فبادر إلى استلامها، وعاد إليها عود الحلي إلى العاطل، وأنجز له قربها بعد وعد من مماطل، فحل بها حلول الهائم في وصل الحبيب المسعد، وأنشد، ويجمعنا شتى على غير موعد، ولزم مطلعه متوارياً، وأقام بها ثابتاً لا سارياً، لم يطا رقعة أرض، ولا خرج لأداء سنة ولا فرض، حتى أدرج في كفنه، وأخرج إلى مدفنه، شهدت وفاته سنة سبع وخمسمائة وقد نيف على التسعين، وجف ماء المعين، وحين قضى دخل عليه الوزير أبو العلاء ابن ازرق شبيهه في التعمير، وحليفه منذ خلع عن تدمير، وهو يبكي ملء عينيه، ويقلب على مافاته.

بسيط مجزوء كان الذي خفت أن يكونا ... إنّا إلى الله راجعونا فوضع على أعواده، وودع من القلب بسويدائه ومن العين بسواده، وصلي عليه ببلنسية، ودفن بمرسية، فانقرض الكلام بانقراضه، وبكت البلاغة على أغراضه، وقد اثبت من نثره ما ترده عذباً نميراً، وتروده روضاً نضيراً، فمن ذلك رقعة كتب بها إلى المعتصم بالله صاحب المرية رياسته يصف العدو العائث بجزيرة الأندلس، كتابي أعزك الله وقد ورد كتاب المنصور ملاذي المعتد بك أيدك الله وقد أودعه ما أودع من حيات، ولم يدع مكاناً لمسلاة، فإنه للقلوب موذ، وللعيون مقذ، وللظهور قاصم، ولعرى الحزم فاصم، فليندب الإسلام نوادبه، وليبك له شاهدة وغائبة، فقد طفي مصباحه، ووطئ ساحه، وهيض عضده ثمده، إلى الله نفرغ، وإليه نضرع، في طارق الخطب ومنتابه، ولا حول ولا قوة إلا به، هو فارج الكروب، وناصر الحروب، وعالم الغيوب، ولا رب سواه، وذلك أن فرديناند وقمه الله نزل على قلعة أيوب محاصراً لمن فيها، ومغيراً على نواحيها، بجموع يضيق عنها الفضاء، وتتساقط لملاحظتها الأعضاء، وأنه قد بنى على قصد جهاتنا، ووطئ جنباتنا، إلا أن يدارا الله في نحره، ويحمي من شره، وغرسيه دملارة الله بسرقسطة كذلك وزميرا أهلكه بوشقة وما والاها ينكي، بما يبكي، والمسلمون بينهم سوام ترتع، وأموالهم نهب توزع، والقتل يأخذ منهم فوق ما يدع، فاطل الفكرة في هذا الحزم الداخل، والبلاء الشامل، وأسبل العبرة، وأطل العبرة، والله المرجو لتلافي الأمة، وكشف هذه الغمة، بمنه، وله مراجعاً إلى المأمون، ذي المجدين ابن ذي النون.. الآن أيدك الله عاد الشباب خير معاده، وأبيض الرجاء بعد سواده، وترك الزمان فضل عنانه، فلله الشكر المردد بإحسانه، وافاني أعزك الله لك كتاب كريم كما طرز البدر النهر، أو كما بلل الغيث الزهر، طوقتني به طوق الحمامة، وألبستني ظل الغمامة، وأثبت لي فوق النجوم منزلة، واراني الخطوب نائية عني ومعتزلة، فوضعته على رأسي إجلالاً، ولثمت كل سطوره احتفاء واحتفالاً، وناولنيه الوزير الكاتب أبو الحسن عبدك ونصيحتك اعزه الله وبشر بدنو الدار، واشار إلى ما لديك كما يشار إلى النهار، واخبرني عن ذلك المجمل بغاية الأمل، ويعلم الله أني ما أعدني لك الشيعة، ولا أرى ودك إلا د يناً وشريعة، فإنك الموثوق بوفائه وشرفه، والمسكون إلى برد أمنه وطرفه،

الذي لا توجد الأيام الفضل متمماً غلا لديه، ولا تعقد الأحرار الأصفاق إلا عليه، ولن أزال العالم بحقك ومقدارك، الناظم في سلكك واختيارك، إن شاء الله تعالى. وله إلى إقبال الدولة مهنئاً برجوع أحد معاقله إليه، والظفر بالمنتزي فيه عليه.. جراحات الأيام أيدك له هدر، وجناياتها قدر، وليس للمرء حيلة، وإنما هي أطاف لله جميلة، تستنزل الأعصم من هضابه، وتأخذ المغتربا ثوابه، أحمده عودا وبدءاً على النعمة التي ألبسك سربالها، والفتنة التي أطفأ عنك اشتعالها، والرياسة التي حمى فيها حماك، ورد ختامها إلى يمناك، وقد تناولته للباطل يد خشناء، فاستقالته يدك الحسناء، فلم يكن عنده أهلاً لتلك النيابة، ولا راءه حليا لنحصر الحبابة، والأعناق تقطعها المطامع، والنفاق يستوعر فيه المطامع، فأقر الله عز وجل الحال في نصابها، وأبرزها في كمالها تتراءى بين أترابها، ووضعت الحرب أوزارها، وأخفت الأسود أخياسها وزءارها، ومن كانت مذاهبه كمذاهبك، وجوانبه للسلامة كجوانبك، أعطته القلوب أسرارها، وأعلقته المعاقل أسوارها، وانجلت عنه الظلماء، وأكرم قرضه والجزاء، فليهنئك الإياب والغنيمة، وهما المنة العظيمة، وليكن لها من نفسك مكان، ومن شكرك لله بالموهبة أسرار وإعلان، وأما حظي منها فحظ مسلوب أمكنه سلبه، وذي مشيب عاوده شبابه وطربه، ولما اقترنا لي، وكانا معظم آمالي، وعلمت أن بهما زوال الخلاف، وتوطئ الأكناف، وأن بالصدر تثلج الصدور، ويبتهج السرور، بادرت إلى توفية الحق لك، وتعرف الحال بك، مشيعا بالدعاء في مزيدك، ضارعا في الأدامة لتأييدك، فإن الوقت إساءة وأنت إحسانه، والخير طرف وأنت إنسانه، فإن مننت، بما سألته أفضلت وأحسنت، إن شاء الله عز وجل، وله إلى ناصر الدولة صاحب ميورقة، أطال الله بقاء الأمير الأجل ناصر الدولة، ومعز الملة، منيعا حرمه، رفيعا علمه، إن الذي بثته الدنيا أعزك الله من مناقبك العليا فتجلت منه أقاصيها، وتكللت به نواصيها، لجاذب إليك أحرارها، وجالب إلى ظلك أعيانها وأخيارها، بقلوب تملكها هواها، وحركها نهاها، وهذا الوزير الكاتب أبو جعفر ابن النبي عبدك الأمل أبقاه الله صممت به إلى ذراك همم عوال، كأنها للرماح عوال، يحملها السفين، والعزم النافذ المكين، وريح جد ما تلين، إلى حلي من البيان يتقلدها، يكاد السحر يحسدها، وخلائق محمودة كأنها الخلوق، تنفح مسكا وتشوق، وأن

الوشي ما خطه، وربما أزرى به أو حطه، والخبر يغنيه عن الخبر، ويعلمه بالعين لا بالأثر، والتبر تعلمه منيف القدر والأثر، فلا زلت كلفا بالإحسان، منصفاً من الزمان، إن شاء الله تعالى، وله أيضاً، أطال الله بقاء الأمير الأجل ناصر الدولة ومعز الملة، وأيده، وأعلى يده، الشفاعات أيدك الله على أقدار ملتحفيها، ولكل عندك منزلة يوافيها، ولما تأمل ذو الوزراتين الفاضل أبو الحسن العامري أبقاه الله مالك في الناس، من الطول والإيناس، بما جلبت عليه من شرف السجية، والهمم السنية، حتى مالت إليك الأهواء، وارتفع لك بالحمد اللواء، قصد ذراك، واعتقد اليمن في أن يراك، فيملأ من زهر العلي أجفانا، ومن نهر الندى جفانا، ويستبدل من صد الزمان إقبالا، ومن تهاون الأيام ابتهالا، وله قدم الوجاهة، وقدم النباهة، ويدل عليه بيانه، كما يدل على الجواد عنانه، وأرجو أن ينال بك الآمال غضة، والأيادي منك مبيضة، فأقوم عنه على منبر الثناء خطيبا، وأوقد على جمر الآلاء عودا رطيبا، لازلت للقاصدين ملاذا، وللراغبين معاذا، إن شاء الله تعالى، ولما حصل بمنت قوط معتقلا قام الوزير الأجل أبو بكر بن عبد العزيز في أمره وقعد وأبرق على ابن عمار وأرعد وخاطب المعتمد فيه شافعا، ووقف مناضلاً عنه ومدافعا، لم ينم عنه ولا أغفى، ولا استناب سواه في تخلصه ولا استكفى، فوقع الاتفاق على إخلاء جملة وكان قريبه أبو بكر بن موسى ممتنعا فيها وكانت في صدر مرسية شجا، وفي صباحها دجا، قد سدت مسالكها، وصدت سالكها، وروعت طارقها، وقطعت مرافقها، فأجاب ابن طاهر إلى تمكينهم من أزمتها، وإعطائها لهم برمتها بعد أن يحل من عقاله، ويخرج من موقع اعتقاله، وأعطى في ذاك عهودا، وموثقا وكيدا، وابن عبد العزيز قد واطاه على النكث، ورخص له في الخنث، ومهد له في فنائه موضعا، وأحله من سمائه مطلعا، فلما، حصل منجاه، وعلم أنه قد فاز بنجاه، ركب إلى بلنسية متجه، ورمى في أعينهم رهجه، فلما حل بجزيرة شقر وهي أول عمل الوزير الأجل كتب إليه، كتابي إليك وقد طفل العشي، ومال بنا إليك المطي، ولها من ذكراك حاد، ومن لقياك هاد، وسنوافيك المساء، فنغفر للزمان ما قد أساء، ونرد ساحة الأمن، ونشكر عظيم ذلك المن، فهذه النفس أنت مقيلها، وفي برد ظلك يكون ملقيها، فلله مجدك وما تأتيه، لازلت للوفاء تحييه ودانت لك الدنيا، ودامت لك العليا،

إن شاء الله تعالى، فلما وافت رقعته الوزير الأجل أبا بكر ركب إليه في جملته، وتلقاه في أعيانه وجلته، وأنزل في قصر مجاور لقصره، وجامله مجاملة لم تعهد في عصره، وأشركه معه في نهيه وأمره، وأطلعه على سره وجهره، لم ينفرد عنه بقصة، ولا اختص دونه من الملك بحصة، إلى أن فرق بينهما مفرق الجموع، ومجثث الأصول والفروع، ولما عاين من بره ما أعظمه، وبهره ما نسقه منه ونظمه، كتب إليه، من ذا يضاهيك، وإلى النجم مراقيك، فشاوك لا يدرك، وشعبك لا يسلك، اقسم لأعقدن على علاك من الثناء إكليلا، يذر اللحظ من سناه كليلا، ولأطوفنه شرق البلاد وغربها، ولا حملنه عجم الرجال وعربها، وكيف لا وقد نصرتني نصرا مؤزرا، وصرفت عني الضيم عفيرا معفرا، وألبستني البأو بردا مسنما، وأوليتني البر متمما، ولم تزل الشعراء تسليه عن نكبته، وتمنيه بالعودة إلى رتبته، بأفصح مقال: وأملح انتقال: فمن ذلك قول الوزير أبي جعفر البني، طويل أترضى عن الدنيا فقد تتشوق ... لعمر المعالي أنها بك تكلف يقولون ليث الغاب فارق غيله ... فقلت لهم انتم له الآن أخوف ولن ترهبوا الصمام إلا إذا غدا ... لكم خارجاً من غمده وهو مرهف ستفرغ يمناه لتكتب أسطرا ... يرى الموت في أثناءه كيف يدلف إذا غضبت أقلامه قالت القنا ... فديناك أنا بالمقاتل أعرف ستكتشف عن سر الكتيبة مثل ما ... رأيناك عن سر البلاغة تكشف ويعتز لي هذا الزمان بجولة ... على من به دون الورى كان يشرف رويدا قليلاً يا زمان فإنه ... يغيظك منه بالذي أنت تعرف ولما كان ابن عبد العزيز الذي سهل طريق نجاته، ودس له الكنث أثناء مراسلته ومناجاته، اعتقدها ابن عمار غدرة جرت على يديه، وخديعة نسب عارها إليه، ولم يزل يعمل في الإضرار به فكره، ويقبح وصفه وذكره، ويغري به نفوس رعيته، ويريش ويبري في بليته، فمن ذلك قول يحرض أهل بلنسية على القيام عليه، كامل بشّر بلنسية وكانت جنة ... أن قد تدلت في سواء النارِ جاروا بني عبد العزيز فإنهم ... جرّوا إليكم أسوأ الأقدارِ

ثوروا بهم متأولين وقلدّوا ... ملكاً يقوم على العدو بثارِ هذا مجد أو فهذا أحمد ... وكلاهما أهل لتلك الدارِ جاء الوزير بها يكشف ذيلها ... عن سوأة سوأى وعار عارِ نكث اليمين وحاد عن سنن العلى ... وقضى على الإقبال بالإدبار آوى لينصر من نأي المثوى به ... ودهاه خذلان من الأنصار ما كنتم إلا كأمة صالح ... فرميتم من طاهر بقدارِ هلاّ وخصّكم بأشأم طائر ... ورمى دياركم بآلام جارِ برّ اليمين ولم يعرض نفسه ... ونفوسكم لمصارع الفجّار لا بد من مسح الجبين فإنما ... لطمته عذرا غير ذات سوارِ هيهات يطمع في النجاة لطالب ... ساع إذا ونت الكواكب سارِ كيف التفلت بالخديعة من يدي ... رجل الحقيقة من بني عمارِ رجل تطعّمه الزمان فجأة ... طرفين في الإحلاء والإمرار سلس القياد إلى الجميل فإن يهج ... يدع العنان كهيئة التيارِ طبنٌ بأغراض الأمور مجرّبٌ ... فطن بأسرار المكائد دارِ ماض إذا برزت إليه مصمم ... هون إذا التفت عليه مدارِ مازال مذ عقدت يداه إزاره ... قسماً فأدرك خمسة الأشبارِ كشّاف مظلمة وسائس أمة ... نفاع أهل زمانه الضرارِ عجبا لأشمط راضع ثدي الوغى ... منه وطود في القنا الخطار شراب أكواس المدام وتارةً ... شرّاب أكواس الدم الموارِ جرار أذيال القنا ظنوا به ... قد زاركم في الجحفل الجرارِ وكأنكم بنجومه ورجومه ... تهوي إليكم من سماء غبار وأنا النصيح فإن قبلتم فاتركوا ... آثارها خبراً من الأخبار قوموا إلى الدار الخبيثة فانهبوا ... تلك الذخائر من خبايا الدارِ وتعوضوا من صفرة حبشية ... بأغرّ وضّاح الجبين نصارِ وكتب إلى المنصور بن أبي عامر يعلمه بخير السيل الذي سال بمرسية فعفى آثارها وهد أسوارها، واحتمل ديارها، وكان ورد كتابه مستفهما عن خبره، ومنتهى عبره، وردني أيدك الله كتابك الكريم مستفهما لما طاربه إليك الخبر

من السيل الحافل الذي عظم منه الضرر وقد كنت آخذا في الإعلام، بحوادثه العظام، فإنه أذهل الأذهان، وشغل البيان، إذا أقبل يملأ السهل والجبل، والجنوب كما اضطجعت، والعيون قد هومت للنوم أو هجعت، فمن ماض قد استلبه، وناج قد حربه، وفازع قد أثكله، وحائر لا يدري ما حم له، والبرق يجب فواده، والودق ينسرب مزاده، وقد استسلم للقدر، واعتصم بالله عز وجل من وزر، حتى أرانا غاية إعجازه وبراهينه، وغيض الماء لحينه، وطلع الصباح على معالم قد غيرها، وأكام قد حدرها، لا ينقضي منها عجب لناظر، ولا يسمع مثلها في الزمن الغابر، فالحمد لله على وافي دفعه، ومتلافي غوثه ونفعه، لا رب غيره، وكتب إليه مع شوذانقات وأني لما شيعته أيده الله وبت في المحلة الكريمة معه قصدني نائل مملوكه في ارتياد أفرخ من الشوذانقات عند أوانها، والبعثة بها وقت تهيئها وإمكانها، فلم أفارق لها ارتقابا، ولا حدرت للمباحثة عنها نقابا، ولمظانها طلابا، إلى أن حان حين ظهورها، وامتلأت منها جحور وكورها، وبدا سعيها، واكتسى عريها، وجهت طبا رفيقا لاستنزالها، يرتقي إلى ذرى أجبالها، ويميز أفرهها، ويحوز أشرهها، فجلب منها عددا، دربت يدا فيدا، إلى أن تخرج منها ثلثه أطيار، كأنها شعل نار، أجل كل صيد، وقيده أيما قيد، تقلب حوادق مقل، وتنظر نظر مختبل، وتسرع في الانقضاض، كالوحي والإيماض، وترجع إلى يد وثاقها، كأنها أشفقت من فراقها، بمخلب دام، وأبهة مقدام، فناهيك بها يا مولاي سعد لك ذخرها، وعبد قن لك تخيرها، وهي واصلة من يد حاملها، تحمل رغبة ناظمها، في إلباسها حلة التشريف والتنويه بالأمر بقبولها، والمراجعة عن وصولها، إن شاء الله تعالى، وكتب إلى الحاجب نظام الدولة، أطال الله بقاء الحاجب نظام الدولة سيدي المعظم، وسندي المقدم المتيم، في اعتلا الجد، ومضاء الحد، أنه سبق إلي من بره أيده الله وتانسيه ما أثقل ظهرا وعاتقا، وبعث الشكر مبراً ورائقا، وكذا الشرف التليد، يكون له السبق الحميد، ووافاني أيده الله كتابه الرفيع فحدر عن الصلة لثامها، واطلع للمبرة غمامها، فألفى الوداد في أمحاضه لم يتعرضه الزمان بأعراضه، ووعيت أيده الله عن مؤيده سلمه الله ما تحمل، وطبق فيه المفصل، بحسن

نظفه، وإمارات صدقه، وراجعته عنه، بما يبلغ الشفاء منه، وقلدته من الثناء على سيد ما يسير في ضيائه، ويتعطر بانهائه، وإني ما دمت على الصفاء لمقيم، وإلى مجده مبستنيم، فلا برح أيده الله والسعد كانفه، والعز موالفه، إن شاء الله عز وجل، ولما انحل من أسره، وحل بين سماك ابن عبد العزيز ونسره، واستراح من الشجن، وارتاح ارتياح أبي محجن، عاد إلى عاداته من التنزير، ودسه أثناء الابتداء والتصدير، وأسلك ابن عبد العزيز طريقه، وعلمه تسديده وتوفيقه، وبلغه أن ابن عمار تختم بخاتمين أحدهما للمؤتمن والأخر لأذفرنش بن فرذيناند فأوى في ذلك إلى ابن عبد العزيز ورمز وألمز على رسوله المعلم بذلك وغمز، فلما بلغ ذلك ابن عمار أقلقه، وضيق في التماسك طلقه، فكتب إلى ابن عبد العزيز، كامل قل للوزير وليس رأي الوزير ... أن يتبع التنزير بالتنزيرِ أنّ الوزارة لو سلكت سبيلها ... وقفت على العزيز والتوقيرِ وأرى الفكاهة جل ما تأتي به ... وحماك في التصدير والتظفيرِ وصلت دعابتك التي أهديتها ... في خاتم التأمين والتأميرِ وأظنّها للطاهري فإن تكن ... فخليفة التقديس والتطهيرِ ولعلّ يوماً أن يصير نقشه ... في طينة التقديم والتأخيرِ وترى بلنسية وأنت مدارها ... سينالها التدمير من تدميرِ وجئته يوماً وقد وقفت بباب الخش فقال لي من أين فأعلمته، ووصفت له ما عاينته من حسنه وتأمله، فقال لي كنت أخرج إليه أكثر الليالي مع الوزير الأجل أبي بكر إلى روضته التي ودت الشمس أن يكون منها طلوعها، وتمنى المسك أن تضم عليه ضلوعها، والزمان غلام، والعيش أحلام، والدنيا تحية وسلام، والناس قد انتشروا في جوانبه، وقعدا إلى مذانبه وفي ساقيته الكبرى دولاب يئن كناقة إلى الحوار، أو كثكلى من حر الأوار، وكل مغرم يجعل فيه ارتياحه، بكرته ورواحه، ويغازل عيه حبيبه، ويصرف إليه تشبيبه، فخرجت إليه ليلة، والمتنبي الجزيري واقف وأمامه ظبي أنس، تهيم به المكانس، وفي أذنيه قرطان، كأنهما كوكبان، وهو يتاود تأود غصن البان، والمتنبي يقول: رمل

معشر الناس بباب الحبش ... بدر تم طالع في غبش علق القرط على مسمعيه ... من عليه آفة العين خشي فلما رآني أمسك، وسبح كأنه قد تنسك، وله صك بتقديم إلي الأحكام في إحدى جهاته، قلدت فلانا سلمه الله النظر في أحكام فلانة وتحزينه، لها بعد ما خبرته، واستحلفته عليها وقد عرفته، واثقا بدينه، راجيا لتحصينه، لأنه أن احتاط سلم، وأن أضاع إثم، فليقم الحق على أركانه، وليضع العدل في ميزانه، وليسوا بين خصومه، وليأخذ من الظالم لمظلومه، وليقف في الحكم عند اشتباهه، ولينفذه عند اتجاهه، ولا يقبل غير المرضي في شهادته، ولا يعرف سوى الاستقامة من عادته، وليعلم أن الله مطلع على خفياته، وسائله يوم ملاقاته، لا رب غيره، وله إلى صاحب قليبرة يستدعي منه أقلاما، قد عدمت أطال الله بقاءك بهذا القطر الأقلام، وبها يشخص الكلام، وهي حلية البيان، وترجمان اللسان، عليها تفرع شعاب الفكر، وذكرها منزل في محكم الذكر، ومنابتها بلدك، ويدك فيها يدك، وأريد أن ترداد لي منها سبعة كعدد الأقاليم، حسنة التقليم، فضية الأديم، ولا يعتمد منها إلا صليبها، الطوال أنابيبها، وإذا استمدت من أنفاسها، وافاك الشكر من أنفاسها، إن شاء الله تعالى، وكتب إلى الوزير الأجل أبي عبد الملك بن عبد العزيز عند الحادثة بفونكة، كتبت أعزك الله والحد فليل، والذهن كليل، بما حدث من عظيم الخرق، على جميع الخلق، فلتقم على الدين نوادبه، فقد جب سنامه وغاربه، ولتفض عليه مدامعه وعبراته، فقد غشيه حمامه وغمراته، وكان منيع الذرى، بعيداً عن أن يلحظ أو يرى، تحميه المناصل البتر، والذوابل السمر، والمسومة الجرد، ومشيخة كأنهم من طول ما التثموا مرد، فأبى القدر إلا أن يفجع بأشمخ مآذنه ومعاقله، ولا يترك له سوى سواحله، وكانت لطليطلة أختا، فاستلبها فجأة وبغتا، وقبل ما سلب الجزيرة وسطى عقدها بلنسية جيرها الله وأرجو أن يتلافى جميعها من نظر أمير المسلمين أيده الله ما يعيدها فيملاها خيلا ورجالا. ينفر بهم خفافا وثقالا، عليهم من قواده شيبها وشبانها، وفيهم من أجناده زنجها وعربانها، كامل من كل أبلج باسم يوم الوغى ... يمشي إلى الهيجاء مشي غضنفر يلقي الرماح بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفرِ

حتى يستقال جدها العاثر، ويحيا رسمها الدائر، فتبتهج الأرض بعد غبرتها، ويكتسي الدهر بزهرتها، وما قصر القائد الأعلى في الجد والتشمير، والاحتفال بالإبطال المغاوير، حتى بلغ بنفسه المجهود، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، ولكن نفذ حكم من له الحكم، ورمى قضاءه فما أخطأ السهم، والله لا يضيع له مقامه في العالم السالف، وما أورد المشركين فيه من المتالف، فما انقضى فتح حتى أعقبه فتح، كالفجر يتبعه صبح، مد الله بسطته، وثبت وطأته، ولازال للصنع الجميل عن هذا الدين مراميا، وله محاميا، بعزته وكتب إلى القاضي ابن فورتش، كتب أعزك الله عن ضمير اندمج على سر اعتقادك دره، وتبلج في مرافق ودادك بدره، وسال على صفحات ثنائك مسكه، وصار في راحتي سنائك ملكه، ولما ظفرت بفلان حملته من تحيتي زهرا جنيا، يوافيك عرفه ذكيا، ويواليك أنسه نجيا، ويقضي من حقك فرضا ماتيا، على أن شخص جلالك لي ماثل، وبين ضلوعي نازل، لا يمله خاطر، ولا يمسه عرض دائر، إن شاء الله عز وجل، وشفع له ذو الرياستين عند القائد الأعلى أبي محمد بن عائشة في أن يسوغه من أملاكه ما يرشيه ارتجاعه، ونعشه انتجاعه، فأعلمه أن أمير المسلمين حد له ألا يخوله شيئان ولا ينوله منها نفسا ولا ريا، فكتب إليه يعرض عليه الوصول إلى دولته، والحصول في جملته، فيوليه غاية أجماله، ويوليه ما شاء من أعماله، فكتب إليه، كل المعالي أيدك الله إليك ابتسامها، وفي يدك انتظامها، وعليك أصفاقها، ولديك إشراقها، وإن كتابك الرفيع وافاني فكان كالزهر الجني، أو البشري أتت بعد النعي، سرى إلى نفسي فأحياها، وأسرى عني كرب الخطوب وجلاها، وتنبه لي وقد نامت عني العيون، وتهتم بي وقد أغفلني الزمن الخؤن، فتملكني بإجماله، واستخفني باهتباله، فلتأتينه بالثناء الركائب، تحمله أعجازها والغوارب، وأما ما وصف به أيده الله الأيام من ذميم أوصافها، وتقلبها واعتسافها، فما جهلته ولقد بلوتها خبراً، ورددتها على أعقابها صغرى، فلم أخضع لجفونها، ولم أتضعضع لنبوتها، وعلمت أن الدنيا قليل بقاؤها، وشيك فناؤها، فاعدت قول القائل: متقارب تفانى الرجال على حبها ... وما يحصلون على طائل وعلى حالاتها فما عدمت فيها من الله صنيعا لطيفا، وسترا كثيفا، له الحمد ما أومض بارق، ولمع شارق، وأما ما عرضه أيده الله، من الانتقال إلى ذراه، والتقلب

في نعماه، والحلول في جنابه، فكيف وأنى به، وقد قيدني الهرم فما أستطيع نهضا، ولا أطيق بسطا ولا قبضا، ولو أمكنني لاستقبلت العمر جديدا، والفضل مشهودا، عند من تقر بسوابقه العجم والعرب، وتوكل خلائقه بالضمير وتشرب، جازاه الله بالحسنى، وأولاه ثواب ما تولى، بعزته تعالى، ولما نهضت بنت الوزير الأجل أبي بكر بن عبد العزيز إلى سرقسطة لتزف إلى المستعين بالله استدعى المؤتمن أعيان الأندلس وأمجادها، وأبطالها وأنجادها، وكتابها ووزراءها، وحجابها وأمرائها، لمشاهدة زفافها فأجابوا مناديه، وانحشروا لناديه، وكان عرسا لم تكتحل مدته بسرقسطة عين بوسن، ولم يحتفل احتفاله فيه المأمون لبوران بنت الحسن، وحشرت إليه الآمال حشرا، وطابت به الأماني عرفا ونشرا، وأبدت له الدنيا تهللا وبشرا، ورمت فيه المسرات جمارها، وفسحت لطراد المستهزئين مضمارها، فكتب أبو عبد الرحمن معتذرا عن الوصول إليه، والحصول لديه، نعمه أيده الله قد أغرقتني مدودها، وأثقلتني لواحقها ووفودها، ووافني كتابه العزيز داعيا إلى المشهد الأعظم، والمحفل الأكرم، الذي ألبس الدنيا إشراقا، والمجد إبراقا، فألفى الدعاء مني سميعا، لاسيما وقد قلدتني به الشرف والسؤدد والبر جميعا، وسما بناظري فيه إلى حيث النجوم شوابك، والمعالي أرائك، إلا أنه أيده الله أتم نظرا، وأصح تدبرا، من أن يلحق بخاصته الزلل، أو يوقع عليه الخلل، وقد علم أن الأيام تركن بالي كاسفا، وخطوي واقفا، فكيف يسوغ إلي أن ألقاه بذهن كليل، وفكر عليل، إذن فقد أخللت بأياديه، وما أجللت رفيع ناديه، وأقسم القسم البر بحياته أطالها الله ما كان من وطري أن أتأخر عنه ولي فيه الآمال العريضة، والقداح المفيضة، وفي يدي منه مواعد زهر النظام، ومواهب رزق الجمام، وإذا عرف أيده الله الحقيقة رأى العذر واضحا، والسر لائحا، وعسى أن يلاحظ سعد، ويستنجز للمنى وعد، وينفسح خاطر، ويهتدي حار، فيقف ببابه ملازما، ويخر على بساطه لائما، إن شاء الله تعالى ودخلت بلنسية سنة ثلاث وخمسمائة فلقيته وقد انحنى، وعوض من نشاطه الحنا، وهو يمسي بالعيش على الضجر، ويمشي على ساق من الشجر، لا تحمله المنساة من الكبر، ولا يملك رأس البعير أن نفر، إلا أنه امتنع بإنسانه، واقطع ما شاء من إبداع فكره ولسانه، فأعاد عصري صبا، واهب ريحي صبا، ودارت بيننا مراسلات أحلى من عطفات الحبيب، وأشهى من رشفات

اللمى الشنيب، وفي أثناء ذلك استدعاني أميرها إلى الالتزام، وعزم فيه كل الاعتزام، بعد أن أرسل مالاً، وملا لي بالرغائب يمينا وشمالا، وجلا علي أمالي شخوصا، وتلاها نصوصا، فأبيت، وتلومت والتويت، وفرقت ما أعطاني، وعطلت صهوة التوجيه التي أمطاني، فكتب إلي الرئيس أبو عبد الرحمن رحمه الله، أنا أعزك الله عليك شحيح، ولك في ما تأتيه وتحتذيه نصيح، فالزمان لا يساعد، والأيام تعوق وتباعد، فأقصر من هذه الهمة، واقتصر من أمورك على المهمة، التي تفجا مع الأوقات، ولا يلجأ فيها إلى ميقات، واقتصد في مواهبك، وأقصد إلى العدل، في مذاهبك، ولا تكلف في الجود بسرف، ولا تقف من التبذير على شرف، فلو أن البحر لك مشرب، والترب مكسب، لنفذا معاً، ولم يسد موضعا، ولو كان لك النجم مصعدا والفلك مقعدا، لما ثنيت إلى ذلك عنانا، ولا ارتضيت لهمتك مكانا، وقد خطبتك الخطوة سرا وجهرا، وبذلت لك الأمرة أسنى مراتبها مهرا، فازدريت زهوا، وامتطيت باوا، لا تتربص على مسديها، ولا يختص بإجابتك مناديها، وقد كان يجب أن لا ترغب عن راغب، ولا تنكب عنه إلى شغب شاغب، فأين تريد تنزل، وما الذي ترتضى وتستجزل، وقد عرضت عليك الأماني فما تأملتها، وخلعت عليك ملابسها فما اشتملتها، والذي أحظك عليه أن تكف من رسنك قليلا، ومن وسنك مستطيلا، إن شاء الله، وأقمنا نتجاذب أهداب المخاطبة، ونصل أسباب المكاتبة، ونتعاطى أحاديث كأنها رضاب، ونتراضى والأيام غضاب، إلى أن نهضت إلى ميورقة وانصرم في التزاور سببنا، وخوى من سمائه كوكبنا، فكتب إلي، يا كوكب مجد أظلمت بغروبه منيرات الأفاق، وذهب ما كنت عهدته بطلوعه من الإشراق، لقد استرجعت مسراتي أجمعها، وأزلت عن نفسي في السلوة طمعها، فسقيا لعهدك وقل له السقيا، ويا لهفي من بعدك أن قضي لي بالبقيا، وأن بي من الشوق لبعدك والكدر، ما لو كان بالفلك الدوار لم يدر، فلقد كانت غراء أيام تلاقينا، والأنس يساقينا، وإنها لممثلة لعيني، ما يحول السلو بينها وبيني، وعساها تعود، فتطلع معها السعود، إن شاء الله تعالى، ودعيت يوما إلى منية المنصور بن أبي عامر ببلنسية وهي منتهى الجمال، ومزهى الصبا والشمال، على وهي بنائها وسكون الحوادث برهة في قنائها، فوافيتها والصبح قد ألبسها قميصه، والحسن قد شرح بها عويصه،

وبوسطها مجلس قد تفتحت للروض أبوابه، وتوشحت بالأرز المذهبة أثوابه، يخترقه جدول كالحسام المسلول، وينساب فيه انسياب الأيم في الطلول، وضفاته بالأدواح محفوفة، والمجلس يروق كالخريدة المزفوفة، وفيه يقول علي بن أحمد أحد شعرائها، وقد حله مع طائفة من وزرائها. منسرح قم فاسقني والرياض لابسة ... وشيا من النور حاكه القطرُ والشمس قد عصفرت غلائلها ... والأرض تندى ثيابها الخضرُ في مجلس كالسماء لاح به ... من وجه من قد هويته بدرُ والنهر مثل المجرحف به ... من الندامى كواكب زهرُ فحللت في ذلك المجلس وفي أخدان، كأنهم الولدان، وهو في عيش لدن، كأنهم في جنة عدن، فانحنت لديهم ركائبي وعقلتها، وتقلدت بهم رغائبي واعتقلتها، وأقمنا نتنعم بحسنه طول ذلك اليوم، ووافى الليل فذدنا عن الجفون طروق النوم، وظللنا بليلة كان الصبح منها مقدود، والأغصان تميس كأنها قدود، والمجرة تتراءى نهرا، والكواكب تخالها في الجو زهرا، والثريا كأنها راحة تشير، وعطارد لنا بالطرب بشير، فلما كان من الغد وافيت الرئيس أبا عبد الرحمن زائرا فأفضنا في الحديث حتى أفضى بنا إلى ذكر منتزهنا في أمس، وما نلنا فيه من الأنس، فقال لي وما بهجة موضع قد بان قطينه وذهب، واستلب الزمان بهجته وانتهب، وباد فلم يبق إلا رسمه، ومحاه الحدثان فما يكاد يلوح وسمه، عهدي به عندما فرغ من تشييده، وتنوهي في تنميقه وتنضيده، وقد استدعاني إليه المنصور في يوم حلت فيه الشمس بيت شرفها، واكتست الأرض بزخرفها، فحللت به والدوح تميس معاطفه، والنور يخجله قاطفه، والمدام تطلع فيه وتغرب، وقد حل فيه قحطان ويعرب، وبين يدي المنصور ماية غلام أحدهم على العشر غير أربع، ولا يحل غير الفؤاد من مربع، وهم يريدون رحيقا، خلتها في كؤوسها درا وعقيقا، فأقمنا والشهب تغازلنا، وكان الأفلاك منازلنا، ووهب المنصور في ذلك اليوم ما يزيد على عشرين ألفا من صلات، متصلات، وأقطاع، ضياع، ثم توجع لذلك العهد، وأفصح بما بين ضلوعه من الوجد، وأنشد، كامل سقيا لمنزلة اللوى وكثيبها ... إذ لا أرى زمناً كزماني بها قال وأخبرني رحمه الله أن أبا أحمد ابن حجاف لما انتزى، وانتمى للرياسة واعتزى،

القسم الثاني من قلائد العقيان ومحاسن الأعيان في غرر حلية الوزراء وفقر الكتاب والبلغاء

وظن بقتل القادر أنه يتم له من الاستبداد، ما تم للقاضي ابن عباد، والقدر يضحك من ورائه، ويصك له بقبح آرائه، بادر لحينه بالامتداد إلى حاشيته، والاستطالة على غاشيته، فوجه إليه من قبله رسولا فنجهه، وسبه ومن وجهه، وكتب إلى صاحب المظالم ابن عمه، قد ألبستني من برك أعزك الله ما لا أخلعه، وحملتني من شكرك ما لا أضيعه، فأنا أستريح إليك استراحة المستنيم، واصرف الذنب إلى الزمن المليم، وأن ابن عمك مد الله بسطته لما ثار ثورته التي بلغ بها السماك، وظن أنه قد بذ معها الأفلاك، نظر إلي متخازراً متشاوساً، وظنني حاسداً أو منافساً، ولعن الله من حسده جمالها، فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها، ثم تورم علي أنف عزته، فرماني بصروف محنته، وكل ذلك أتجرعه على مضضه، وأتغافل لغرضه، وأطويه على بلله، وما انتصر بشيء من عمله، إلى أن رام اليوم بسوء رايه، أن يزيد في تعسفه وبغيه، فاستقبلت من الأمر غريبا ما كنت أحسبه، ولا بان لي سببه، ولما جاءه رسولي مستفهما عبس وبسر، وأدبر واستكبر، فأمسكت محافظا للجانب، وعاملا على الواجب، لا أن هيبة أبي محمد قبضتني، ولا أن مبرته عندي اعترضتني، وأنا أقسم بالله حلقة بر لو أن الأيام قذفت بكم إلي وأنا بمكاني لأوردتكم العذب من مناهلي، وحملت جميعكم على عاتقي وكاهلي، ولكن الله يعمر بكم أوطانكم، ويحمي من الغير مكانكم، ويحوط هذه السيادة الطالعة فيكم، البانية لمعاليكم، فلا يسرك مقطعه، وليسوك مصرعه، فما مثله يمطل، ولا ينظر ولا يهمل، أن شاء الله تعالى، ولم أسمع له شعرا إلا ما أنشدني في أبي أحمد هذا عند قتله القادر بالله يحمي بن ذي النون، رمل مجزوء أيها الأخيف مهلا ... فلقد جئت عويصا إذ قتلت الملك يحي ... وتقمصت القميصا رب يوم فيه تجزى ... لم تجد عنه محيصا تم القسم الأول بعون الله القسم الثاني من قلائد العقيان ومحاسن الأعيان في غرر حلية الوزراء وفقر الكتاب والبلغاء ذو الوزارتين أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون رحمه الله وأسكنه دار رحمته ورضاه زعيم الفئة القرطبية، ونشأة الدولة الجهورية، الذي بهر بنظامه، وظهر كالبدر

ليلة تمامه، فجاء من القول بسحر، وقلده أبهى نحر، لم يصرفه إلا بين ريحان وراح، ولم يطلعه إلا في سماء موانسات وأفراح، ولا تعدى به الرؤساء والملوك، ولا تردى منه إلا حظوة الشمس عند الدلوك، فشرف بضائعه، وأرهف بدائعه وروائعه، وكلفت به تلك الدولة حتى صار ملهج لسانها، وحل من عينها مكان إنسانها، وكان له مع أبي الوليد بن جهور تألف أحراما بكعبته وطاف، وسقياه من تصافيهما نطافا، وكان يعتد ذلك حساما مسلولا، ويظن انه يرد به صعب الخطوب ذلولا، إلى أن وقع له طلب أصاره إلى الاعتقال: وقصره عن الوخد والأرقال: فاستشفع بأبي الوليد وتوسل، واستدفع به تلك الأسنة المشرعة والاسل، فما ثنى إليه عنان عطفه، ولا كف عنه استنان صرفهن فتحيل لنفسه، حتى تسلل من حبسه، ففر فرار الخائف، وسرى إلى إشبيلية سرى الخيال الطائف، فوافاها غلسا قبل الإسراج والإلجام، ونجا براس طمرة ولجام، فهشت له الدولة، وتاهت به الجملة، فأحمد إليها فراره، وأرهفت النكبة غراره، وحصل عند المعتضد بالله كالسويداء من الفؤاد، واستخلصه المعتصم لابن أبي داود، والتقى بيده مقاد ملكه وزمامه، واستكفى به نقصه وإبرامه، فأشرقت شمسه وأنارت، وأنجدت محاسنه وغارت، ومازال يلتحف بخطوته، ويقف بربوته، حتى أدركه حمامه، ولقي السرار تمامه، فأجن منه التراب شمسا طالعة، وزهرة يانعة، وقد أثبت من مقاله، في سراحه واعتقاله، ومقامه وانتقاله، ما هو أرق من النسيم، وأشرق من المحيا الوسيم، فمن ذلك ما قاله متغزلا. سريع يا قمرا مظلعه المغرب ... قد ضاق بي في حبك المذهبُ ألزمتني الذنب الذي جئته ... صدقت فأصفح أيها المذنبُ وأن من أغرب ما مر بي ... أن عذابي فيك مستعذبُ ورحل من كان يهواه، وفاجاه بينه ونواه، فسايره قليلا وماشاه، وهو يتوهم ألم الفرقة حتى غشاه، فاستعجل الوداع، وفي كبده ما فيها من الانصداع، فأقام يومه بحالة المفجوع، وبات ليلته نافر الهجوع، يردد الفكر، ويجدد الذكر، فقال: رمل ودع الصبر محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك يا أخا البدر سناء وسنا ... حفظ الله زمانا أطلعك

أن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك وأخبرني الوزير الفقيه أبو الحسين ابن سراج رحمه الله أنه في وقت فراره أضحى، غداة الأضحى، وقد ثار له الوجد بمن كان يألفه والغرام، وتراءت لعينه تلك الظباء الأوانس والأرام، وقد كان الفطر وافاه، والشقاء قد استولى على رسم عافيته حتى عفاه، فلما عاده منه ما عاد، وأعياه ذلك النكد المعاد، استراح إلى ذكر عهده الحسن، وأراح جفونه المسهدة بتوهم ذلك الوسن، وذكر معاهد كان يخرج إليها في العيد، ويتفرج بها مع أولئك الغيد، فقال: طويل خليليّ لا فطر يسر ولا أضحى ... فما حال من أمسى مشوقا كما أضحى لئن شاقني شرق العقاب فلم أزل ... أخص بمخصوص الهوى ذلك السفحا وما أنفك جوفي الرصافة مشعري ... دواعي بث تعقب الأسف البرحا ويهتاج قصر الفارسي صبابة ... بقلبي لا يألو زناد الهوى قدحا وليس ذميما عهد مجلس ناصح ... فاقبل في فرط الولوع به نصحا كأنني لم أشهد لدى عين شهدة ... نزال عتاب كان أخره الفتحا وقائع جانيها التجني فإن مشى ... سفير خضوع بيننا أكد الصلحا وأيّام وصل بالعقيق اقتضيته ... فألا يكن ميعاده العيد فالفصحا وآصال لهو في مسناة مالك ... معاطاة ندمان إذا شيت أو سبحا لدى راكد تصبيك من صفحاته ... قوارير خضر خلتها مردّت صرحا معاهد لذات وأوطان صبوة ... أجلت المعلى في الأماني بها قدحا ألا هل إلى الزهراء أوبة نازح ... نقضت مبانيها مدامعه نزحا مقاصير ملك أشرقت جنباتها ... فخلنا العشاء الجون أثناءها صبحا يمثل قرطيها لي الوهم لي جهرة ... فقبتها فالكوكب الرحب فالسطحا محل ارتياح يذكر الخلد طيبه ... إذا عزان يصدى الفتى فيه أو يصحا هناك الحمام الزرق تندا خفافها ... ظلال عهدت الدهر فيها فتى سمحا تعوضت من شدو القيان خلالها ... صدى فلوات قد أطار الكرى صبحا ومن جلي الكاس المفدى مديرها ... تقحم الأهواء جلت لها الرمحا أجل إن ليلي فوق شاطئ نيطة ... لأقصر من ليلي بئانة والبطحا وهذه معاهد لبني أمية قطعت بها ليالي وأياما، وظلت فيها الحوادث عنهم نياما،

فهاموا بشرق العقاب، وشاموا به برقاً يبدو من نقاب، ونعموا بجوفي الرصافة، وطعموا عيشا تولى الدهر جلاءه وزفافه، وأبعدوا نصح الناصح، وحمدوا أنس مجلس ناصح، وعموا بالزهراء، وصموا عن بناء صاحب الزوراء، حتى رحلت الموت عنها وقوضهم، وعوضهم منها ما عوضهم، فصاروا أحاديث وأنباء، ولم يتزودوا منها إلا حنوطا وكباء، وغدت تلك المعاهد تصافحا أكف الغير، وتناوحها نعبات الطير، وراحت بعد الزينة سدا، وأمست مسرحا للسيد وملعبا للصدى، يسمع للجن بها عزيف، ويصرع فيها الباسل والنزيف، وكذا الدنيا أعمالها خراب، وأمالها أل وسراب، أهلكت أصحاب الأخدود، وأذهبت ما كان بمأرب من حيازات وحدود، وله يتغزل بولادة، بسيط يا نازحا وضمير القلب مثواه ... أنستك دنياك عبد أنت دنياهُ ألهتك عنه فكاهات تلذّ بها ... فليس يجري ببال منك ذكراهُ علّ الليالي تبقيني إلى أمل ... الدهر يعلم والأيام معناهُ وكان يكلف بولادة بنت المهدي ويهيم، ويستضيء بنور تخليها في الليل البهيم، وكانت من الأدب والظرف، وتتميم المسمع والطرف، بحيث تختلس القلوب والألباب، وتعيد الشيب إلى أخلاق الشباب، فلما حل بذلك الغرب، وانحل عقد صبره بيد الكرب، كر إلي الزهراء ليتوارى في نواحيها، ويتسلى برؤية موافيها، فوافاها والربيع قد خلع عليها برده، ونثر سوسنه وورده، وانزع جداولها، وانطلق بلابلها، فارتاح ارتياح جميل بواد القرى، وراح بين روض يانع وريح طيبة السرى، فتشوق إلى لقاء ولادة وحن، وخاف تلك النوائب والمحن، فكتب إليها يصف فرط قلقه، وضيق أمده إليها وطلقه، ويعاتبها على إغفال تعهده، ويصف حسن محضره بها ومشهده، بسيط إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا ... والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا وللنسيم اعتلال في أصائله ... كأنما رق لي فاعتل إشفاقا والروض عن مائه الفضي مبتسم ... كما جللت عن اللبات أطواقا يوم كأيّام لذّات لنا انصرمت ... بتنا لها حين نام الدهر سرّاقا نلهو بها بما يستميل العين من زهر ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا كأن أعينه إذ عاينت أرقي ... بكت لما بي فجال الدمع رقراقا

ورد تألق في ضاحي منابته ... فازداد منه الضحى في العين إشراقا سرى بنافجة نيلوفر عبق ... وسنان نبه منه الصبح أحداقا كل يهيج لنا ذكرى تشوقنا ... إليك لم يعد عنها الصدر أن ضاقا لو كان وفي المنى في جمعنا بكم ... لكان من أكرم الأيام أخلاقا لا سكن الله قلبا عن ذكركم ... فلم يطر بجناح الشوق خفاقا ول شاء حملي نسيم الريح حين هفا ... وافاكم بفتى أضناه ما لاقا يا عقلي الأخضر الأسنى الحبيب إلى ... نفسي إذا ما اقتنى الأحباب إعلاقا كان التجازي بمحض الود مذ زمن ... ميدان أنس جرينا فيه إطلاقا فالآن أحمد ما كان لعهدكم ... سلوتم وبقينا نحن عشاقا ولم تزل الأيام تدنيه وتبعده، وتسؤه وتسعده، وتقذف به إلى كل نازح، وتطرف أمله بعين اللاعب المازح، حتى أحلته بلنسية وهلال ذكائه كما أقمر، وغصن نباهته يانع قد أثمر، وبنو عبد العزيز غرر ملكها، ودرر سلكها، يفيضون بحور الندى، ويومضون في كل منتدى، فحل منهم محل الحميا في الكؤوس، ووقع منهم مواقع البشائر في النفوس، وأقام بين مبرة تواصله، ومسرة تغازله، ومجاملة كرائح القطر وغاديه، فلما انفصل، وحصل فيما حصل، تذكر بعد برهة ذلك العيش ونور عمره قد صوح وغصن سنه قد دوح، فلم يجد إلا له طيبا، ولم يهصر غير فننه غصنا رطيبا، فكتب إلى ابن عبد العزيز، كامل مجزوء راحت فصح بها السقيم ... ريح معطرة بالنسيم مقبولة هبت قبوم ... لا فهي تعبق في الشميم افضيض ميك أم بلن ... سية لرياها نميم بلد حبيب افقه ... لفتى يحل به كريم أيه أبا عبد الإل ... هـ نداء مغلوب العريم أن عيل صبري من فرا ... قكم فالعذاب به أليم أو أتبعتك حنينها ... نفسي فأنت لها قسيم ذكري لعهدك كالسها ... د سرى فبرّح بالسليم مهما ذممت فما زما ... ني لي في ذمامك بالذميم زمن كمألوف الرضا ... ع يشوق ذكراه الفطيم

أيام أعقد ناظري ... بذلك المرأى الوسيم فارى الفتوة غضة ... في ثوب أواه حليم الله يعلم أن حب ... بك من فؤادي في الصميم ولئن تحمّل عنك في ... جسم فعن قلب مقيم ثم السلام تبلغن ... نه بقلب مهديه السليم وفي أيام مقامه ببلنسية وتشوقه إلى ولادة قال: طويل غريب بأرض الشرق يشكر للصبا ... تحملها منه السلام إلى الغرب وما ضر أنفاس الصبا في احتمالها ... سلام فتى يهديه جسم إلى قلب وفي نكبته وقعود أبي الحزم عن إقالته من كبوته، يقول يعاتبه من قصيدة وقد بلغه أنه سعى به إليه فقال: طويل أبا الحزم إني في عتابك مائل ... إلى جانب تلوي إليه العلى سهلِ حمائم شكوى صبحتك هوادلا ... تناديك من أفنان آدابي الهدلِ جواد إذا استن الجياد إلى مدى ... تمطر فاستولى على أمد الخصلِ ثوى صافنا في مربط الهون يشتكي ... بتصهاله ما ناله من أذى الشكلِ وإني لتنهاني نهاي عن التي ... أشار بها الواشي ويعقلني عقلي أانفض فيك المدح من بعد قوة ... فلا اقتدي بي إلا بناقضة الغزل هي النعل زلت بي فهل أنت مكذب ... لقيل الأعادي إنها زلة الحسل ألا إن ظني بين فعليك واقف ... وقوف الهوى بين القطيعة والوصل وألا جنيت الأنس من وحشة النوى ... وهول السرى بين المطية والرحلِ وأين جواب منك ترضى به العلى ... إذا سألتني عنك السنة الحفل وله عند ثقافة، وفقد الوفاء من الآفة، يخاطب أبا حفص بن برد وقد حار ولم يجد هاديا، وصار رهينا لا يرجو فاديا، وعلم أن الناس متقلبون، وعلى من انقلب الدهر منقلبون، لا يدنيهم في الشدة إخاء، ولا يثنيهم عن ذي الحظوة زهو ولا انتخاء، رمل مجزوء ما على ظني باس ... يجرح الدهر وياسو ربما أشرف بالمر ... على الأمال ياسُ ولقد ينجيك إغفا ... ل ويؤذيك احتراسُ ولكم أجدى قعود ... ولكم أكدى التماسُ

وكذا الحكم إذا ما ... عزّ ناس ذل ناسُ وبنو الأيام أخيا ... ف سراة وخساسُ تلبس الدنيا ولكن ... متعة ذاك اللباسُ يا أبا حفص وما سا ... واك في فهم اياسُ من سنا رأيك لي في ... غسق الخطب اقتباسُ وودادي لك نصّ ... لم يخالفه القياس أنا حيران وللأم ... ر وضوح والتباس لا يكن عهدك وردا ... أن عهدي لك أسُ وادر ذكري كأسا ... ما امتطت كفك كاسُ فعسى أن يسمح الده ... ر فقد طال الشماسُ واغتنم صفو الليالي ... إنما العيش اختلاسُ ما ترى في معشر حا ... لوا عن العهد وحاسوا ورواني سامريا ... يتقى منه المساسُ أذوب هامت بلحمي ... فانتهاب وانتهاسُ كلهم يسأل عن حا ... لي وللذئب اعتساس إن قسا الدهر فلمأ ... من الصخر انبجاس ولئن أمسيت محبو ... ساً فللغيث احتباسُ ويفت المسك في التر ... ب فيوطأ ويداسُ ولما تعذر فكاكه، وعفر فرقده وسماكه، وعاودته الأوهام والفكر، وخانه من أبي الحزم الصارم الذكر، قال يصف ما بين مسراته وكروبه، ويذكر بعد طلوع أمله من غروبه، ويبكي لما هو فيه من التعذير، ويعذر أبا الحزم وليس له غيره من عذير، ويتعزى بأنحاء الدهر على الأحرار، وإلحاحه على التمام بالسرار، ويخاطب ولادة بوفاء عهده، ويقيم لها البراهين على أرقه وسهده، بسيط ما جال بعدك لحظي في سنا القمر ... إلا ذكرتك ذكر العين بالأثرِ ولا استطلت ذماء النفس من أسف ... إلا على ليلة سرت مع القصرِ في نشوة من شباب الوصل موهمة ... إلا مسافة بين الوهن والسحرِ

يا ليت ذاك السواد الجون متصل ... قد استعار سواد القلب والبصرِ يا للرزايا لقد شافهت منهلها ... غمرا فما اشرب المكروه بالغمرِ لا يهنأ الشامت المرتاح خاطره ... أني معنى الأماني ضائع الخطرِ هل الرياح بنجم الأرض عاصفة ... أم الكسوف لغير الشمس والقمرِ إن طال في السجن إيداعي فلا عجب ... قد يودع الجفن حد الصارم الذكرِ وأن يثبط أبا الحزم الرضى قدرٌ ... عن كشف ضري فلا عتب على القدرِ من لم أزل من تأنيه على ثقة ... ولم أبت من تجنيه على حذرِ وله يتغزل ويعاتب من يستعطفه ويستنزل، بسيط مجزوء يا مستخفاً بعاشقيه ... ومستغشاً لناصحيه ومن أطاع الوشاة فينا ... حتى أطعنا السلوَّ فيه الحمد لله إذ أراني ... تكذيب ما كنت تدعيهِ من قبل أن يهزم التسلي ... ويغلب الشوق ما يليهِ ولما عضته أنياب الاعتقال: ورضته تلك النوب الثقال: وعوض بخشانة العيش من اللين، وكابد قسوة خطب لا تلين، تذكر عهد عيشه الرقيق، ومراحه بين الرصافة والعتيق، وحن إلى سعد زرت عليه جيوبه، واستهدى نسيم عيش طاب له هبوبه، وتأسى بمن باتت له النوآئب بمرصاد، ورمته بسهام أقصاد، وضيم من عهد الأحص إلى ذات الآصاد، فقال: خفيف الهوى في طلوع تلك النجوم ... والمنى في هبوب ذاك النسيم سرنا عيشنا الرقيق الحواشي ... لويدوم السرور للمتسديم وطر ما انقضى إلى أن نقضى ... زمن ما ذمامه بالذميم أيها الموذني بظلم الليالي ... ليس يومي بواحد من ظلوم ما ترى البدران تأملت والشم ... س كما يكسفان دون النجوم وهو الدهر ليس ينفك ينحو ... بالمصاب العظيم نحو العظيم وله يتغزل. وافر أيوحشني الزمان وأنت أنسي ... ويظلم لي النهار وأنت شمسي وأغرس في محبتكك الأماني ... فأجني الموت من ثمرات غرسي لقد جازيت غدراً عن وفاءي ... وبعت مودتي ظلما ببخس

ولو أن الزمان أطاع حكمي ... فديتكك من مكارهه بنفسي وله أيضاً في مثل ذلك. كامل ولقد شكوتك بالضمير إلى الهوى ... ودعوت من حنق عليك فأمّنا منّيت نفسي من صفآئك ضلة ... ولقد تغرّ المرء بارقة المنى له عن المعتضد بالله إلى صهوة الموفق أبي الجيش صاحب دانيه، بسيط عرفت عرف الصبا إذ هبّ عاطرهُ ... من أفق من أنا في قلبي أشاطرهُ أرى تجدد ذكراه على شحط ... وما تيقّن أني الدهر ذاكرهُ ينئى المزار به والدار دانية ... باحبذا الفال لو صّحت زواجرهُ خلّي أبا الجيش هل يدنو اللقآء بنا ... فيشتفي منك طرف أنت ناظرهُ قصاره قيصران قام مفتخرا ... لله أوله مجدا وأخرهُ ولما حل من المعتضد بالمكان الذي حل، وانتكث عقد شدائده وانحل، تسلت نفسه من شجونها، وحنت إلى صفا ولادة وحجونها، وتذكرها وما تناساها، وعاودته لوعتها واساها، وحن إليها حنين من حيل بينه وبين ما يشتهي، وقنع باهدآء تحية تبلغ إليها وتنتهي، فقال يتغزل فيها ويمدح المعتضد. طويل أما في نسيم الريح عرف يعرّفُ ... لنا هل لذات الوقف بالجزع موقفُ فنقضي أوطار المنى من زيارة ... لنا كلف منها بما نتكلّفُ عزيز علينا أن تزار ودونها ... رقاق الظبى والسمهريّ المثقّفُ وقوم عدى يبدون عن صفحاتهم ... وأظهرها من ظلمة الحقد أكلفّ يودّون لو يثني البعاد زماعنا ... وهيهات ريح الشوق من ذاك أعصفُ كفانا من الوصل التحيّة خلسة ... فيؤمن طرف أو بنان مطرّفُ وأنّي ليستهويني البرق صبوة ... إلى برق ثغران بدا كاد يخطفُ وما ولعي بالراح ألاّ توهّما ... لظلم لها كالراح إذ يتشرّفُ ويذكرني العقد المرنّ جمانه ... مرنّات ورق في ذرى ألا يك تهتفُ فما قبل من أهوى طوى البدرَ هودج ... ولا ضمّ ريم القفر خدر مسجّفُ ولا قبل عبّاد حوى البحر مجلس ... ولا حمل الطود المعظّم رفرفُ هو الملك الجعد الذي في ظلاله ... تكفّ صروف الحادثات وتصرفُ

رويّته في الحادث الأد لحظة ... وتوقيعه الجالي دجا الخطب أحرفُ طلاقة وجه في مضآء كمثل ما ... يروق فرند السيف والحدّ مرهفُ على السيف من تلك الشهامة ميسم ... وفي الروض من تلك الطلاقة زخرفُ ولمّا قضينا ما عنانا أداؤه ... وكلّ بما يرضيك داع فملحفُ تظن الأعادي أن حزمك نآئم ... لقد تعد الفسلَ الظنون فتخلفُ رأيناك في أعلا المصلىّ كأنّما ... تطلّع من محراب داود يوسف ولمّا حضرنا الأذن والدهر خادم ... تشير فيمضي والقضآء مصرّف وصلنا فقبلنا الندى منك في يد ... بها يتلف المال الجسيم ويخلف لك الخيرانّى لي بشكرك نهضة ... وكيف أودي فرض ما أنت مسلف أعدّت بهيم الحال مّني غرة ... يقابلها طرف الحسود فيطرف ولولاك لم يسهل من الدهر جانب ... ولا ذلّ منقاد ولا لأن معطف ولما مات المعتضد رحمه الله وارتفع في أمره ما ارتفع، وراعى المعتمد مواته التي توسل بها واستشفع، وأبقاه جليسا وسميرا، وسقاه الصفح سلسالا نميرا، قال يرنيه ويشكر المعتمد ويذكر أنه لم يرفض سبب متاته، ةولم يغمض عن رعي حرماته. طويل أعّباد يا أوفى الملوك لقد سطا ... عليك زمان من سجيَّته الغدر فهلاّ عداه أنَّ علياك حليه ... وذكرك في اردأن أيّامه عطر أأنفس نفس في الورى أقصد الردى ... واخطر علق للندى أفقد الدهر إذا الموت أضحى قصر كل معمّر ... فإنّ سواء طال أو قصر العمر ومنها: فهل علم الشلو المقدّس أنني ... مسوغ حال ظل في كنهها الفكر وأنّ متاتي لم يضعه مجّدُ ... خليفتك العدل الرضي وابنك البرّ وارغم في برّي انوف عصابة ... لقاؤهم جهم ومنظرهم شزر إذا ما استوى في الدست عاقد حبوة ... وقام سماط حافل فلي الصدر وله عند فراره، وخروجه من سراره، وقد أقام بقرطبة متواريا يخاطب ولادة ويستنهض الأديب أبا بكر للشفاعة ويستنزل أبا الحزم بن جهور. طويل شحطنا وما بالدار ناي ولا شحط ... وشطّ بمن نهوى المزار وما شطّوا أأحبابنا الوت بحادث عهدنا ... حوادث لا عهد عليها ولا شرط

لعمركم أن الزمان الذي قضى ... بشتّ جميع الشمل مّنا لمشطّ وأما الكرى مذ لم أزركم فهاجر ... زيارته غبّ والمامه فرطُ وما شق مقتول الجوانح بالصدى ... إلى نطفة زرقاء أضمرها وقطُ بابرح من شرقي إليكم ودون ما ... أدير المنى عنه القتادة والخرط وفي الربرب الإنسي أهوى كناسه ... نواجي ضميري لا الكثيب ولا السقط غريب فنون الحسن يرتاح درعه ... متى ضاق ذرعا بالذي حازه المرط كانّ فوادي يوم أهوى مودعا ... هوى خافقا منه بحيث هوى القرط إذا ما كتاب الوجد أشكل سطره ... فمن زفرتي شكل ومن عبرتي نقط ألا هل أتى الفتيان أنّ فتاهمُ ... فريسة من يعدو ونهزة من يسطو وأنّ الجواد الفآئت الشاو صافن ... تخّونه شكل وأزرى به ربط وأنّ الحسام العضب ثاو بجفنه ... وما ذمّ من غربيه قدّ ولا قطّ عليك أبا بكر بكرت بهمّة ... لها الخطر العالي وأن منالها حطّ أبي بعد ما هيل التراب على أبي ... ورهطي فذّا حين لم يبق لي رهط لك النعمة الخضراء تندى ظلالها ... علىَّ ولا جحد لديَّ ولا غمط ولولاك لم يثقب زناد قريحتي ... فينتهب الظلماء من نارها سقط ولا الّفت أيدي الربيع بدائعي ... فمن خاطري نظم ومن زهره لقط هرمت وما للشيب وخط بمفرقي ... ولكن لشيب الهمّ في كبدي وخط وطاول سوء الحال نفسي فأذكرت ... من الروضة الغنّاء طاولها القحط منون من الأيام خمس قطعتها ... أسيرا وأن لم يبد شدّ ولا ربط تت بي كما ميط الإناء عن الأذى ... واذهب ما بالثوب من درن مسط أتدنو قطوف الجنّتين لمعشر ... وغايتي السدر القليل أو الخمط وما كان ظني أن تغرّبي المنى ... وللغّرقي العشواء من ظنّه خبط أما وارتني النجم موطئ أخمصي ... لقد أوطأت خدّي لأخمص من يخطو ومسبتطئ العتبى إذا قلت قد أتى ... رضاه تمادى العتب واتصل السخط وما زال يدنني فينأى قبوله ... هوى سرف منه وصياغة فرط ونظم ثنائي في نظام ولائه ... تحلت به الدنيا لآلئه وسط على خصرها منه وشاح مفصل ... وفي رأسها تاج وفي جيدها سمط

عدا سمعه عني وأصغى إلى عدي ... لهم في أديمي كلما استمكنوا عط بلغت المدى إذا قصروا فقلوبهم ... مكامن أضغان أساودها رقط يولونني عرض الكراهة والقلى ... وما دهرهم إلا النفاسة والغبط ولما انتحوني بالتي لست أهلها ... ولم يمن أمثالي بأمثالها قط فررت فإن قالوا الفرار به ... فقد فر موسى حين هم به القبط وني لراج أن تعود كبدئها ... لي الشيمة الزهراء والخلق السبط وحلم امرئ تعفى الذنوب لعفوه ... وتمحى الخطايا مثل ما تمحى الخط فما لك لا تختصني بشفاعة ... يلوح على دهري لميسها غلط تقي بنسيم العنبر الورد ريحها ... إذا شعشع المسك الأحم به خلط فإن يسعف المولى فنعم كريمة ... نفس عن نفس ألظ بها ضغط وإن يأب إلا قبض مبسوط فضله ... في يد مولى القبض ولبسط وله أيضاً: طويل كان عشي القطر في شاطئ النهر ... قد زهرت فيه الأزاهر كالزهر ترش بماء الورد رشا ونثني ... لتغليف أفواه بطيبة الخمر وبات ليلة بإحدى جنات إشبيلية فال: طويل وليل أدمنا فيه شرب مدامة ... إلى أن بدا للصبح في الليل تأثير وجاءت نجوم الصبح تضرب في الدجا ... فولت نجوم الليل والليل مقهور فحزنا من اللذات أطيب طيبها ... ولم يعنا هم ولا عاق تكدير خلا أنه لو طال دامت مسرتي ... ولكن ليالي الوصل فيهن تقصير لم يزل دنو ولادة فيتعذر، ويباح دمه دونها ويهدر، لسوء أثره في ملك قرطبة وواليها وقبائح كان ينسبها إليه ويواليها، أحقدت بني جهور عليه، وسددت أسنتهم إليه، فلما يئس من لقياها، وحجب عنه حياها، إليها يستديم، عهدها، يؤكد ودها، ويعتذر من فراقها بالخطب الذي غشيه، والامتحان الذي خشيه، ويعلمها أه ما سلا عنها بخمر، ولا خبا ما بين ضلوعه لها من ملتهب جمر، وهي قصيدة ضربت في الإبداع بسهم، وطلعت في كل خاطر ووهم، ونزعت منزعا قصر نه حبيب وابن الجهم، وأولها: بسيط

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... أشواقاً إليكم ولا جفت مآقينا يكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تآسينا حالت لفقدكم أيامنا غدت ... سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا إذ جانب العيش طلق من تآلفنا ... ومورد اللهو صاف من تصافينا وإذ هصرنا غصون الأنس دانية ... قطوفها فجنينا منه ما شيئا ليسق عهدكم هد السرور فما ... كنتم لأرواحنا إلا رياحينا من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم ... زنا مع الدهر لا يبلى ويبلينا إن الزمان الذي ما زال يضحكنا ... أنسا بقربكم قد عاد يبكينا غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا ... بأن نغص فقال الدهر آمينا فانحل ماكان معقوداً بأنفسنا ... انبث ما كان موصولا بأيدينا وقد نكون وما يخشى تفرقنا ... فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا لم نعتقد بعدكم لا الوفاء لكم=رأيا ولم نتقلد غيره دينا لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا ... إن طال ما غير النأي المحبينا والله ما طلبت أهواءنا بدا ... منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا ولا استفدنا خليلا عنك يشغلنا ... لا اتخذنا بديلاً منك يسلينا يا ساري البرق غاد القصر فاسق به ... من كان صرف الهوى والود يسقينا ويا نسيم لصبا بلغ تحيتنا ... من لو علي البعد حيي كان يحيينا يا روضة طال ما أجنت لواحظنا ... ورد أجلاه الصبا غصنا ونسرينا ويا حيوة تملينا بزهرتها ... منى ضروبا ولذات أمانينا ويا نعيماً حضرنا من غضارته ... في وشي نعمى سحبنا ذيله حينا لسنا مسك إجلالا وتكرمة ... وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا إذا انفردت وما شوركت في صفة ... فحسنا الوصف إيضاحا وتبينا يا جنة الخلد أبدلنا بسلسلها ... والكوثر العذب زقوما وغسلينا كأنا لم نبت والوصل ثالثنا ... ولسعد قد غض من أجفان واشينا سران في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يفشينا لا غرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت ... نه النهى وتركنا الصبر ناسينا إنا قرأنا الأسى يوم النوى سورا ... كتوبة وأخذنا الصبر تلقينا

ذو الوزارتين أبو بكر بن عمار رحمه الله وعفا عنه بمنه

أما هواك فلم نعدل بمنهله ... شربا وإن كان يروينا فيظمينا لم يخف أفق جمال أنت كوكبه ... سالين عنه ولم نهجره قالينا ولا اختيار تجنبناك عن كثب ... لكن عدتنا على كره عودينا ناسى عليك إذا حثت مشعشعة ... فينا الشمول وغنانا مغنينا لا أكواس الراح تبدي من شمائلنا ... سيما ارتياح ولا أوتار تلهنا دومي على العهد ما منا محافظة ... فالحر من دان إنصافا كما دينا فما ابتغينا خليلا منك يحسبنا ... ولا استفدنا حبيبا عنك يغنينا ولو صبا نحونا من علو مطلعه ... بدر الدجا لم يكن حاشاك يصبينا ولى وفاء إن لم تبذلي صلة ... فالذكر يقنعنا ولطيف يكفينا وفي الجواب ناع لو شفعت به ... بيض الأيادي التي ما زلت تولينا عليك مني سلام الله ما بقيت ... صبابة منك تخفيها فتخفينا ذو الوزارتين أبو بكر بن عمار رحمه الله وعفا عنه بمنه مقذف حصى القريض وجماره، ومطلع شموسه وأقماره، الذي بعث الإحسان عرفاً عاطرا ونفسا، وأنبته في شفاه الأيام لعسا، أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، ثم كسي بعد إشراقا ونورا، فأصبح راقي منبر وسرير، ولمح ما شاء بطرف غير ضرير، هيا له السعد أن عمر ربعا محيلا، صور في صورة الحقيقة مستحيلا، واصطفاه العدو، فاتفق به السكون والهدو، تهالك فيه كلفا وهياما، وأمطره من الخطوة غماما، واهتصر منه موادعة وايتلافا، استدر بهما الملوك أو أنه أخلافا، فارتاعت منه الأقطار، وطاعت له اللبانات والأوطار، حتى رأس بتدميره، وجلس مجلس الأمير، ثم رأى أن ينتزي عن موليه، ويجتزي بتوليه، فأخذه الله بغدره، وأعان على وضعه رافع قدره، فحصل في قبضة المعتمد قنيصا، وعاد معنى خلاصة مبهما عويصا، إلى أن طوقه الحسام فما استلانه طوقا، وذوقه الحمام فما استعذبه ذوقا، في قصة اشتهرت مع أخفائها، وظهرت بعد عفائها، فإنه قتله بيده، وأنزله ليلا في ملحده، ولقد رأيت عظمي ساقيه قد أخرجا بعد سنين من حفر حفر في جانب القصر المبارك وأساودهما بهما ملتفة، ولبلتهما مشتفة، ما فغرت أفواهها، ولا حلت التواءها، فرمق الناس العبر،

وصدق المكذب الخبر، وكان مع نقض أبرامه، ورفض أمامه، شاعراً مطبوعاً قد عمر للإحسان منازلاًوربوعاً وقد أثبت له ما تستهديه النفوس، وترتديه الشموس، فمن ذلك قوله يتغزل في ظلام رومي للموتمن قد لبس درعا. وافر وأغيد من ضباء الروم عاط ... بسالفتيه من دمعي فريد قسا قلبه وسن عليه درعا ... فباطنه وظاهره حديد بكيت وقد دنا ونأى رضاه ... وقد يبكي من الطرب الجليد وإن فتى تملكه بنقد ... وأحرز رقه لفتى سعيد وتنزه بالدمشق بقرطبة وهو قصر شيده بنواميه بالصفاح والعمد، وجروا في تقانه إلى غاية أمد، وأبدع بناؤه، ونمقت ساحته وفناؤه، واتخذوه ميدان مراحهم، ومضمار انشراحهم وحكوا به قصرهم بالمشرق، واطلعوه كالكواكب الثاقب المشرق، حله أبو بكر على أثر بوسه، وابتسم له به دهره بعد عبوسه، والدنيا قد أعطته عفوها، وسقته صفوها، وبات فيه مع لمة من أتباعه، ومتقيلي رباعه، كلهم يحييه بكاس، ويفديه بنفسه من كل باس، فطابت له ليلة في مشيدة وأطربه الأنس بسيطه ونشيده فقال: خفيف كل قصر بعد الدمشق يذم ... فيه طاب الجنى وفاح المشم منظر رائق وماء نمير ... وثرى عاطر وقصر أشم بت فيه والليل والفجر عنه ... عنبر أشهب ومسك أحم وله يتغزل: وافر رشى يرنو بنرجسة ويعطو ... بسوسان ويبسم عن اقاح تشير إلي قرطاه وتصغي ... خلاخله إلى نغم الوشاح ودخل سرقسطة فلما رأى غباوة أهلها، وتكاثف جهلها، وواصل منهم من لا يعلم قطعاً ولا وصلا، وحاضر من لا يعرف معنى ولا فصلا، عكف عل راحه معاقرا، وعطف بها عل جيش الوحشة عاقرا، فبلغه أنهم نقدوا شربه، وفلوا بالملام غربه، فقال: طويل نقمتم على الراح أدمن شربها ... وقلتم فتي لهو وليس فتى جد ومن ذا الذي قاد الجياد إلى الوغى ... سواي ومن أعطى الكثير ولم يكد فديتكم لو تعلموا السر إنما ... قليتكم جهدي فأبعدتكم جهدي

وأهدي الناس في يوم عيد إلى المعتمد واختلفوا، وقضوا الفرض ونقلوا، فاقتصره على ثوب صوف بحر وكتب معه: كامل لما رأيت الناس يختلفون في ... إهداء يومك جئته من بابه فبعثت نحو الشمس شبه آياتها ... وكسوت متن البحر بعض ثيابه وكتب إلى عضد الدولة يستدعي منه الكون عنده: بسيط مجزوء يا عضد الدولة المصفى ... من جوهر النبل والذكاء ماذا ترى في اصطباح يوم ... مذهب الصبح والمساء نسرقه من يدي زمان ... لم يقسم الرزق بالسواء وأخبرني ذو الوزارتين الأجل أبو المطراف ابن عبد العزيز أنه حضر معه عند المؤتمن في يوم قد جادت فيه السماء بهطلها، وأتبعت وبلها بطلها، وأعقب رعدها برقها، وانسكب دراكاً ودقها، والأزهار قد تجلت من كمامها، وتحلت بدر غمامها، والأشجار قد جلي صداها، وتوشت بنداها، وأكواس الراح كأنها كواكب تتوقد، تديرها أنامل كاد من اللطافة تعقد، إذا بفتى من فتيان المؤتمن أخرس لا يفصح، مستعجم لا يبين ولا يوضح، متنمر تنمر الليث، متشمر تشمر البطل الباسل عند الغيث، وقد أفاض على نفسه درعا، تضيق بها الأسنة ذرعا، وهو يريد استشارة المؤتمن في الخروج إلى موضع بعثه إليه ووجهه، فكل من صده عنه نهره ونجهه، وحتى وصل إلى مكان انفراده، ووقف بإزاء وساده، فلما وقعت عين ابن عمار عليه، أشار بيده إليه، وقربه واستدناه، وضمه إليه كأنه تبناه، وحد ان يخلع نه ذلك الغدير، أن يكون هو السقي المدير، فأمره المؤتمن بخلعه، وطاعة أمره وسمعه، فنضاه عن جسمه، وقام يسقي على حكمه ورسمه، فلما دبت فيه الحميا، وشبت غرامه بهجة ذلك المحيا، واستزلته سورة العقار، واستنزلته عن مراقب الوقار، قال: كامل وهويته يسقي المدام كأنه ... قمر يدور بكوكب في مجلس متارج الحركات تندي ريحه ... كالغصن هزته الصبا بتنفس يسعى بكاس في أنامل سوسن ... ودير أخرى من محاجر نرجس يا حامل السيف لطويل نجاده ... مصرف الفرس المحبس ياك بادرة الوغى من فارس ... خشن القناع على عذار أملس جهم وإن حسر اللثام فإنما ... كشف الظلام عن النهار المشمس

يطغى ويلعب في دلال عذاره ... كلمهر يمرح في اللجام المجرس سلم فقد قصف القنا غصن النقا ... وسطا بليث الغاب ظبي المكنس عنا بكاسك قد كفتنا مقلة ... حوراء قايمة بسكر المجلس وكتب إلى الراضي رحمه الله: كامل قالوا أتى الراضي فقلت لعلها ... خلعت عليه من صفات أبيه قال جرى فعسى المؤيد واهبا ... لي من رضاه ومن أمان أخيه قالوا نعم فوضعت خدي في الثرى ... شكراً له وتيمناً ببنيه يا أيها الراضي وإن لم يلقني ... من صفحة الراضي بما أدريه هبك احتجبت لوجه عذر بين ... بذل الشفاعة أي عذر فيه سهل على يدك الكريمة أحرفا ... فيمن فتنثني تفديه ولما أزمع على الرحيل من حضرة المعتصم خرج المعتصم مودعاً له فأنشده ابن عمار ارتجالا وقد كان تقدم لمعتصم إليه قطعة شعر من ثلاثة أبيات: طويل ألفظك أم كاس الرحيق المعتق ... وخطك أم روض الربيع المنمق ونظمك أم سلك من الدر ناصع ... يروق على جيد العروس المطوق بعثت بها يا قطعة الروض قطعة ... شممت بها عرف النسيم المخلق ثلاثة أبيات وهيهات إنما ... بعثت بها الجوزاء في صفح مهرق هي السحر أسرى في النفوس من الهوى ... وكيف يكون السحر في لفظ منطق معتصما بالله والحرب ترتمي ... بإبطالها والخيل من ذكر النوى والتفرق وإني وإن غربت عنك فإنما ... جبينك شمسي والمرية مشرقي وله يتغزل: كامل قالوا أضر بك الهوى فأجبتهم ... يا حبذاه وحبذا أضراره قلبي هو اختار السقام بجسمه ... زيا فخلوه وما يختاره عيرتموني بالنحول وإنما ... شرف المهند أن ترق شفاره من قد قلبي إذ تثني قده ... وأقام عذري إذا طل عذاره أم من طوى الصبح المنير نقابه ... وأحاط بالليل البهيم خماره فوحسنه لقد انتدبت لوصفه ... بالبخل لولا أن حمصا داره

بلد متى أذكره هيج لوعتي ... وإذا قدحت الزند طار شراره استدعي منه في إحدى سفراته مشروب ليس فيه غير القتاد، ومحل الزناد، فبعثه وقرن به رمانتين وتفاحتين وكتب إليهم: خذوها مثل ما استهديتموها ... عروسا لا تزف إلى اللئام دونكم بها ثديي فتاة ... أضفت إليهما خدي غلام وذكرت بهذه الحكاية ما ذكره الأصبهاني أن الحسن بن سهل استدعى من محمد بن عبد الملك مشروبا في بلاد الروم فبعث به وكتب معه: كامل مجزوء أرأيت مثلي صاحباً ... أندى يدا وأعم جودا يسقي النديم بقفرة ... لم يسق فيها الماء عودا وأجود حين أجود لا ... حصرا بذاك ولا بليدا خذها إليك كأنما ... كسيت زجاجتها عقودا واجعل عليك بأن تقوم بشكرها أبداً عهودا ولما ضيق المعتضد بالله على ابن عبد الله بقرمونة وسد مسالكه، وسدد إليه مهالكه، استدعى باديس بن حبوس، واستصرخه استصراخ الموثق المحبوس، رجاء أن ينفس عنه غصه، وينتهز في ابن عباد فرصة، فلما وصل باديس بن بوس إلى قرمونة أخرج إليه المعتضد جيشه قدمه ابنه لظافر، وقود منه أسوداً في المغافر، فلما التقى الجمعان، وارتقى ثنية بغية المعين والمعا،، حمل فيهم عسكر إشبيلية حملة خلعتهم عن مركزهم، وأدالتهم بالذل بم الظافر أحسن إيقاع، وتركهم مضرجين في تلك البقاع، وانصرف إلى إشبيلية وألويته تختال في أكف الرياح، وذوابله تكاد تنقصف من الارتياح فهنئ المعتضد بذلك، وقام ابن عمار ينشد هنالك: طويل لا للمعالي ما تعيد وما تبدي ... وفي الله ما تخفيه عنا وما تبدي نوال كما اخصر العذار وفتكة ... كما خجلت من دونه صفحة الخد جنيت ثمار النصر طيبة الجنى ... ولا شجر غير المثقفة الملد وقلدت أجياد البى رايق الحلى ... ولا درر غير المطهمة الجرد بكل فتى عاري الأشاجع لابس ... إلى غمرات الموت محكمة السرد

يكرفكم طعن كسامعة الفرا ... يضاف إلى ضرب كحاشية البرد نجوم سماء الحرب أن يدج ليلها ... يدربهم أفواجها فلك السعد خميس تردى من بينك بمرهف ... حكاك كما قد الشراك من الجلد ببدر ولكن من مطالعه الوغى ... وليث ولكن من براثنه الهندي فتى ثقف بن الحمائل منقدم ... جنى الموت في كفيه أحلى من الشهد سقيت به دنيا عفاتك مخصبا ... فأجناك من روض الندى زهر الحمد وجندته نحو الملوك محاربا ... فوافاك يقتاد الملوك من الجند ورب ظلام سار فيه إلى العدى ... ولا نجم إلا ما تطلع من غمد أطل على قرمونة متبلجا ... مع الصبح حتى قيل كنا على وعد فأرملها بالسيف ثم أعارها ... من النار أثواب الحداد على الفقد فيا حسن ذاك السيف في راحة الندى ... ويا برد تلك النار في كبد المجد لك الله إن كانت عداك بعضها ... لبعض فكل منهم جميعاً إلى فرد يهودا وكانت بربرا فانتص الظبى ... وأنبئهم منها بالسنة لد أقول وقد نادى ابن إسحاق قومه ... لا رصك يرتاد المنية من بعد لقد سلكت نهج السيل إلى الردى ... ظباء دنت من غابة الأسد الورد كأني بباديس وقد حط رحله ... إلى الفرس الطاوي عن الفرس النهد إلى الفرس الجاري به طلق الردى ... سريعاً غنياً عن لجام وعن لبد يحن إلى غرناطة فوق متنه ... كما حن مقصوص الجناح إلى الورد ظفرت بهم فارتح وأومض كؤسها ... بروقاً لها من عودها ضجة الرعد معتقة أهدت إلى الورد لونها ... وجادت برياها على العنبر الورد فأكثر ما يلهيك عن كاسها الوغى ... وعن نغمات العود نغمة مستجد وما الملك الأحلية بك حسنها ... وإلا فما فضل السوار بلا زند ولا عج إن لم يدن بك مرق ... فليس جمال الشم في الأعين الرمد هنيئاً ببكر في الفتوح نكتحها ... وما قبضت غير المنية في النقد تحلت من السيف الخطيب بصفحة ... وقامت من الرمح الطويل على قد ودونكها من نسج فكري حلة ... مطرزة العطفين بالشكر والحمد ألذ من الماء القراح على الصدي ... وأطيب من وصل الهوى عقب الصد

وما هذه الأشعار إلا مجامر ... تضوع فيها للندى قطع الند وكنت نثرت الفضل في إنما ... نثرت سقيط الطل في ورق الورد وها أنا باغ من نداك بقدر ما ... يضاف لتأميلي ويعزى إلى ودي فأقسم لو قسمت جودك بيننا ... على قدر التأميل فزت به وحدي قنعت بما عندي من النعيم التي ... يفسرها قولي قنعت بما عندي وقال يمدح المعتمد: طويل أفي كل يوم تحفة وتفقد ... بفضل نوال واهتبال يوكد لقد فاز قدحي في هواك وقابلت ... مطالع حالي في سمائك أسعد تبرعت بالمعروف قبل سؤاله ... وعدت بما أوليت والعود أحمد فأتأق حوضي من نداك تبجس ... ونمق روضي من رضاك تعهد أما وضيع زارني بجماله ... حديث كما هب النسيم المغرد لقد هز أعطاف القوافي وهزني ... إلى شكر حسان أغيب فيشهد فإن أنا لم أشكرك صادق نية ... تقوم عليها آية النصح تعضد فلا صح لي دين ولا بر مذهب ... ولا كرمت نفسي ولا طاب مولد وقال يمدح المعتضد: متقارب وفيت لربك فيمن غدر ... وأنصفت دينك ممن كفر وقمت تطالب في الناكثي ... ن مر الحفاظ بحلو الظفر بعاطلة من ليالي الحرو ... ب أطلعت رأيك فيها قمر ولم تتقدم بجيش الرجا ... ل حتى تقدم جيش الفكر فإن يجنك الفتح ذاك الأصيل ... فمن غرس تدبير ذاك الشجر تعاطي الخوارج حتى برزت ... تقوم من خدها ما صعر وأقبلتها الخيل حمر البنو ... د دهم الفوارس بيض الغرر فكروا فلم يغنهم من مكر ... وفروا فلم ينجهم من مفر ودارت دماؤهم كالكؤوس ... وفاحت نفوسهم كالزهر فعاقر سيفك حتى انحنى ... وعربد رمحك حتى انكسر وكم نبت في حربهم عن علي ... وناب عن الهروان النهر تمتع فقد ساعفتك الحيوة ... بريح الحديقة غب المطر

وعش في نعيم ودم في سرور ... ولا سر ربك من لا يسر وله يخاطب بني عبد العزيز وقد اجتازيهم فأخرجوا غليه تضييفاً وبرا مع قوم أغفال لم يلقوه فكتب إليهم: طويل تناهيتم في برنا لو سمحتم ... بوجه صديق في اللقاء وسم وسلسلتم راح البشاشة بيننا ... فما ضر لو ساعدتم بنديم ضننتم بأعلاق الرجال على النوى ... فلم تصلونا منهم بزعيم سألتمس العذر الجميل عن العلى ... واحتال للفضل احتيال كريم وأثني على روض الطلاقة بالجنى ... وإن لم أفر من نشره بنسيم ولكن سأستعدي الوفاء وأقتضي ... سماحك بالأنس اقتضاء غريم ولما فغر المعتمد على مرسية فمه، وأراد أن يرفع بها علمه، ويثبت بها قدمه، وجعل ابن طاهر غرضه، ونبذ ذمام الوفاء له ورفضه، لضيق مجاله، وقلة رجاله، وعجم أعواده، وسبر أنجاده، فلم يرسمها يفوه لعرشه، ولا شهما يطوقه أمر جيشه، إلا ابن عمار رأيا لم ينتقده، واعتقاداً لمن لم يعتقده، وظنا أخلفه، وقضاه ما أسلفه، مجازاة لبغيه، وموازة لقبح سعي، وانتصاراً من الله لمن لم يجن ذنبا، ولم يثن عن مضجع المولات جنبا، فلما وصل غليها، وحصل عليها، وفض ختمها، وصحح لتنفسه اسمها، نبذ عهد المعتمد وخلعه. وأنزل ذكره من منابرها بعدما أطلعه، ففيض له من ابن رشيق رجل حكاه فعلا، وصار لتلك العقيلة بعلا، فاقتص منه اقتصاص ابن ذي يزن من الحبشان، وتركه أخسر من أبي غبشان، ما كان إلا ريثما أوقده نهيه وأمره، وخرج هو إلى افتقاد أقطاره، وقضاء بعض أطاره، حتى ثار له ثورة الأسد الورد، وامتنع له بمرسية امتناع صاحب الأبق لفرد، فبقي ابن عمار ضاحيا من ظل غبطته، لاحيا نفسه على غلطه، ولما استبهم أمره ولم يعلم له تفسيرا، وعاد جناحه الوافر مهيضاً كسيرا، أراد الرجوع إلى المعتمد فخاف أن يوبقه غدره، وعزم عل القعود فضاق بفقد ما عهده عنده صدره، فكتب إليه: طويل أأسلك قصداً أم أعوج عن الركب ... فقد صرت من أمري على مركب صعب وأصبحت لا أدري أفي البعد راحتي ... فأجعله حظي أم الحظ في القرب إذا أنقذت في أمري مشيت مع الهوى ... وإن تعقبه نكصت على عقبي

على أنني أدري بأنك موثر ... على كل حال ما يزخر من كربي أهابك للحق الذي لك في دمي ... وأرجوك للحب الذي لك في قلبي حنانيك فيمن أنت شاهد نصحه ... وليس له غير انتصاحك من حسب وما جئت شيئاً فيه بغي لطالب ... يضاف به رأي إلى العجز والعجب سوى أنني أسلمتني لملمة ... فللت بها حدي وكسرت من غربي وما أغرب الأيام فيما قضت به ... تريني بعدي عنك أنس من قربي أما أنه لولا عوارفك التي ... جرت جريان الماء في الغصن الرطب لما سمت نفسي ما أسوم من الأذى ... ولا قلت أن الذنب فيما جرى ذنبي سأستمنح الرحمى لديك ضراعة ... واسأل سقيا من تجاوزك العذب فإن نفحتني من سمائك حرجف ... سأهتف يا برد النسيم على قلبي فرق له المعتمد وأشفق، وأقشع نوء حقده عليه وأخفق، وعزم على الصفح عنه التجاوز، وأن يرفع بالأعضاء له تلك المعاوز، فكتب إليه مراجعا: طويل لدي لك العتبي تزاح من العتب ... وسعيك عندي لا يضاف إلى ذنب وأعزز علينا أن تصيبك وحشة ... وأنسك ما تدريه فيك من الحب فدع عنك سوء الظن بي وتعده ... إلى غيره فهو الممكن في القلب قريضك قد أبدى توحش جانب ... فراجعت تانيسا وحسبك بي حسب تكلفته أبغي به لك سلوة ... وكيف يعاني الشعر مشترك اللب فما أورثته هذه المراجعة إلا نفارا، ولا زادت قلبه من الثقة به إلا خلوا وإقفارا، فإنه لما قبحت فعلاته، وحنظلت نخلاته، لم يزل سوء الظن يقتاده، ويصدق توهمه الذي يعتاده، فلذلك لم يقبل ما رجعه به من رفع إيحاش، ولا أمن عاقبة ما عامله من قبح وأفحاش، فكر إلى سرقسطة لاحقاً بالمؤتمن، وسائقاً له الدنيا بأيسر ثمن، وإنما كان يطلب ملكا يخلع ملكه على عطفيه، ويجعله كحنين وخفيه، أو يختدعه في إعانته على بلد يفتحه باسمه، ويجربه على سنن المعتمد ورسمه، فيتم المؤتمن بشقورة وأغراه، وأراه من تيسر مرامها، ما أراه، فأوطأ عقبه، وأعطاه مالا احتقبه، ونهض وهو لا يشك في النزول بها والاحتلال، ولا يتوهم أن يلم بالأمر طائف اعتلال، فأيقظ لها عزمه، وأقام حزمه، فلما وصل إليها عرس بصفحتها، وأيقن بفتحها، وخلع على من معه، ووصل من عاينه أو

تسمعه، فلما برا في ذلك وراش، ورأيه قد فال وطاش، إذا برسول صاحبها قد وافاه يعلمه أن البلد بلده، وأن ماله فيها إلا أهله ولده، وأنهى إليه رغبته في الكون عنده، وأن يطلع معه عبيدة المختصين به وجنده، فطار إليه في الحين، وسار بزعمه إلى راح ورياحين، فكانت راحه قيداً لا يدعه يبرح، وريحانه أوهاماً تجرح النفس وتقرح، ما كان إلا أن تجاوزوا ذلك المعقل، الذي لم يعقل أن له معتقل، حتى حيز منه أصحابه وتقسموا في كل باب، ووسموا بسن أو ذباب، فلما وصل إليه أوثقه بمثقل الحديد، وعوضه بصلصلته من البسيط والمديد، فلما أصبح كتب إلى رؤساء الأندلس يسوه، وقد علم أن ما منهم إلا يتشوقه وفي ذلك يقول: سريع أصبحت في السوق ينادوا على ... رأسي بأنواع من المال والله لا جار على نقده ... من ضمني بالثمن الغالي وفي مدة اعتقاله إياه، لم يثن عنه حمياه، ولا منعه ممن يريد مطالعته ولقياه، وأباح له الاستراحة إلى أخدانه، وأراح خاطره في مضمار القول وميادينه، فجاء بما أعجز، وأطال عنان الإحسان وهو قد أوجز، فمن بدع ذلك ما طالع به أبا الفضل ابن حسداي يصف موضعه المعتقل فيه: كامل أدرك أخاك ولو بقافية ... كالظل يوقظ نائم الزهر فلقد تقاذفت الركاب به ... في غير مرماة ولا بحر طفحت صحابته بلا سنة ... وتساقطوا سكرا بلا خمر بمعارج أدت إلى جرد ... حتى من الأنواء والقطر عال كأم الجن غذ مرت ... جعلته مرقاة إلى النسر وحش تناكرت الوجوه به ... حتى استربت بصفحة البدر قصر تمهد بين خافقتي ... نسرين من فلك ومن وكر متحير سال الوقار على ... عطفيه من كبر ومن كبر ملكت عنان الريح راحته ... فجيادها من تحته تجري ماوى العزيز وقد نصحت فإن ... مهل فقد أبليت في العذر ووصلت خدمة قاطع سببي ... وأطعت أمر مضيع أمري دع ذا وصلنا غير مؤتمر ... مستأثراً بالحمد والشكر واكتب إلينا أنها ليد ... تمحو الذي كتبت يد الدهر

ومر على أبي عيسى ابن لبون في أحد متوجهاته مستوفزاً، وإلى لباناته منحفزاً، وفلم يثنه المودة ثان، ولا جذبته نغم مثالث عهدها ومثان، وأسرع كالماء إلى الانحدار، والمرء إلى أيدي الأقدار، فلما علم أبو عيسى أن تخلفته ركائبه، كتب إليه بعاتبه: كامل ختمت بعصرك أعصر الجواد ... وعنت لذكرك السن الوراد وسبقت أملاك الزمان إلى مدى ... صلوه حتى كنت أنت الهادي وغدوت أكثرهم حسودا في العلى ... أن الكريم طليبة الحساد وبدا بفضلك نقص كل معاند ... تتبين الأشياء بالأضداد وقفت مغناك العيون فلاحظت ... أسد العرين به وبدر النادي وأتتك وافدة الرجال فقابلت ... أمل الحريص ونجعة المرتاد وصدرن قد حملن عنك عوارفا ... أصبحن كالأطواق في الأجياد فضل أرانا جود حاتم طي ... وفخار كعب في قبيل إياد إيه أبا بكر أتظلم ساحتي ... ظلما وصبح العدل عندك باد عجباً لوعدك كيف تمسك سيد ... موصولة الأفعال بالأوعاد ولسيب جودك كيف لم تسمح به ... لصحيح ظني أو صريح ودادي إني لمعتقد أخاءك موئلي ... وأرى ولاءك معقلي وسنادي وأصول منك على الزمان بمنصل ... جعل الطلى بدلاً من الأغماد فسقى محلك دانيا أو نائيا ... صوب الغمام المستهل الغادي ولئن رحلتن لقد حللت بمنزل ... من نور عيني أو سواد فؤادي فراجعه ابن عمار بقوله: كامل عطلت من حلي السروج جيادي ... وسلبت أعناق الرجال صعادي وثنيت عزمي عن مسير هزني ... سعدي إليه وحثني أسعادي إن لم أحلك من فؤادي منزلا ... ينبئك أنك مالك لقيادي وأخص جانبك الرفيع بخدمة ... تسقيك صفو حبة وأعاد وأراد بذكرك من ثنائي روضة ... غناء حالية بنور ودادي حتى تبين أن غرسك قد دنا ... لجنى وزرعك قد أتى لحصاد يا سيدي وأنا الذي ناديته ... لرضى قلبي منك خير مناد

أعطاك فضل الابتداء ولو جرى ... حكم لأنكر أن تكون البادي لله در عقيلة أبرزتها ... من خدر فكرك فيحلى الأنشاد فرعاء عاطرة الذوائب واللمى ... غيداء حالية الطلى والهادي خلصت إلى مع المساء فعارضت ... صلة الحبيب أتى بلا ميعاد خط من النظم البديع أفادني ... حظ الكرام وخطة الأمجاد وشي سخت يدك الصناع برقمه ... فكسوتنيه مذهبا بإياد يفدي الصحيفة ناظري فبياضها ... ببياضه سوادها بسواد أدي تحيتك الزكية طيها ... كافور قرطاس ومسك مداد ولقد تعين لو أعانت قدرة ... حسن الجزاء بها وهز النادي لكن عجزن فما استقل بنشاتي ... ماء الفرات ولا ثرى بغداد عذرا ففيك لكل طالب حجة ... خصم اللدِّ ووجه عذر باد بك فاخر القلم القصير وطاول ال ... رمح الطويل كتابة بطراد ولك الفصاحة أو لسيفك كلما ... استمطيت متني منبر وجود ثنيت عليك حلي الوزارة مثلما ... حل الحسام عليك ثني نجاد وتتوجت منك القيادة بالذي ... ترك الرياسة مهنة القواد أنت الحلال الحلو رق طبيعة ... وصفا مزاجا كالسحاب الغادي من معشر تتشرف الأذوا بهم ... كتشرف الأيام بالأعياد جلوا فحلوا في الأنام مكانة ... كمكانة الآلاف في الأعداد أفديك من حر تعبد بره ... شكري وقل له الفدا والفادي فلقد ظفرت من أقتبالك بالمنى ... وبلغت أقصى غايتي ومرادي وأرحت من تعبي بعهدك في ندى ... ظل فبت على وثير مهاد وشددت منك يدي بعلق مظنة ... ونفضتها بزعانف انكاد متعللين على الوفاء بعلة ... ضحك الطبيب لها مع العواد جمحوا إلى ظلمي فسمت جماحهم ... ولقيت شدته بلين قياد واستبطنوا حقداً وبين جوانحي ... طبع يسل سخائم الأحقاد ولكم دعي في الأخاء أعرته ... جذب ابن سفيان بضبع زياد حتى إذا رفض الوفاء رفضته ... واعتضت منه بطيب الميلاد

لا ذنب لي في طرد سآئمة الهوى ... منه على السرح الوبيل الصادي أنا قد رضيتك فارضني واعدّني ... أن كنت محتاجاً إلى الأعداد إني لمن إن دعوت لنصرة ... يوماً بساطاً حجة وجلاد أذكيت دونك للعدى حدق القنا ... وخضمك عنك بالسن الأغماد صلني أصلك وصل فديتك بي أصل ... بك واعتمدني أتخذك عمادي إيه وقلت إلى الوفاء محركاً ... إيه فما خطرت بعطف جماد ولئن بلغت إلى رضائي فربما ... ألفيتني لرضاك بالمرصاد وعلى تظاهرنا الضمان بقلة ال ... أعداء ثم بكثرة الحساد وزعمت تظلم ساحة ما بيننا ... ظلما وصبح العدل عندي باد كلا فما التسويف من شيمي ولا ... لي الجميل بعادة من عاد لابد من ذاك السفا وأن عدت ... عنه الليالي أنهن عواد سفران استبعدته فسأمتطي ... حرصي وأجعل من ثنائك زادي خذها نتيجة منكر لودادها ... يوم لها قال لها متفاد حذر من الود المخل فإنما ... يوم لها قال لها متفاد حذر من الود المخل فإنما ... أهدي الزيوف إلى يدي نقاد وكتب إلى ذي الوزارتين أبي الحسن بن اليسع وقد آب من إحدى سفراته: كامل أهلاً بقربك لو يطول مقام ... وكفي بطيفك لو يزور منام آذنت بالعهد الجديد وإنما ... قرب المدى دون اللقاء هيام وكتبت توهن للنوى فإنها ... قد قام منها ما عمت مقام وصلت إلي مع الأصيل وإنما ... وصلت إلى حديقة ومدام يرد من الكافور نمنم درجه ... مسكا وزر عليه منه ختام ومن قطعة هي قطعة الديباج أو ... هي قطعة البستان وهي كلام وكان أسطرها غصون أراكة ... ومن القوافي فوقهن حمام نادمتها والراح يلهب كاسها ... عذب اللمى ساجي الجفون غلام وتشاكلا حسنا فعانق قده ... إلف وعارض عارضيه لام أبه أبا الحسن اختبرت فقل لنا ... ماذا تقول إذا استشق عصام هل حاد بي من مذهب عن واجب ... أو لم يقدني للجميل ذمام

أو هل تلجلج منطقي في حجة ... لو كان تحت يدي القضاء خصام والشعب مشكور وفيات التي الغنا ... مرجوة وإلى الضياء ظلام ولقد جريت إلى التي قلدتها ... جريا تباعد عنك فيه مقام فوردت لم تلحق بغيبك ريبة ... وصدرت لم يعلق بسعيك ذام وعلى مسفوك السلام تحية ... ولقد نقل تحية وسلام وفي أيام خموله، وعريه من ماموله، أنشد المعتصم بالله: أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى ... والنجم قد صرف العنان عن السرى والصبح قد أهدى لنا كافورة ... لما استردّ الليل منا العنبرا والروض كلحسنا كساه زهرة ... وشيا وقلده نداه جوهرا أو كالغلام زهى بورد رياضه ... خجلا وتاه باسهن معذرا روض كان النهر فيه معتصم ... صاف أطل على رداء اخضرا وتهزه ريح الصبا فتخاله ... سيف ابن عباد يبدد عسكرا عباد المخضر نائل كفه ... والجو قد لبس الرداء الأغبرا عق الزمان الأخضر المهدي لنا ... من ماله العلق النفيس الأخطرا ملك إذا ازدحم الملوك بمورد ... ونحاة لا يردون حتى يصدرا الندى على الأكباد من قطر الندى ... والذّ في الأجفان من سنة الكرى يختار إذ يهب الخريدة كاعبا ... والمطرف أجود والحسام مجوهرا قداح زند المجد لا ينفك عن ... نار الوغى إلا إلى نار القرا لا خلق أقرا من شفار حسامه ... إن كنت شبهت المواكب اسطرا أيقنت أني من ذراه بجنة ... لما سقاني من نداه الكوثرا وعلمت أن ربعي مخصب ... لما سالت به الغمام الممطرا من لا توازنه الجبال إذا احتبى ... من لا تسابقه الرياح إذا جرى ماض وصدر الرمح يكهم والظبى ... تنبوا وأيدي الخيل تعثر في البرا فإذا الكتائب كالكواكب فوقهم ... من لامهم مثل السحاب كنهورا من كل أبيض قد تقلد أبيضا ... عضبا أسمرا قد تأبط أسمرا ملك يروقك خلقه أو خلقه ... كالروض يحسن منظراً أو مخبرا أقسمت باسم الفضل حتى شمته ... فرأيته في بردتيه مصورا

وجهلت معنى الجود حتى زرته ... فقرأته في راحتيه مفسرا فاح الثرى متعطراً بثنآئه ... حتى حسبنا كل ترب عنبرا وتتوجت بالزهر صلع هضابه ... حتى ظننا كل هضب قيصرا هصرت يدي غصن الندى الذي من كفه ... وجنت به روض السرور منورا حسبي على الصنع الذي أولاه أن ... أسعى بجد أو أموت فاعذرا يا أيها الملك الذي حاز المنى ... وجباه منه بمثل حمدي أنورا السيف أفصح من زياد خطة ... في الحرب إن كانت يمينك منبرا ما زلت تغني من عنى ك راجياً ... نيلا وتفني من عتا وتجبرا حتى حللت من الرياسة محجرا ... رحبا وضمت منك طرفا أحورا شقيت بسيفك أمه لم تعتقد ... إلا اليهود إن تسمت بربرا أثمرت رمحك من رؤوس كماتهم ... لما رأيت الغصن يعشق مثمرا وصبغت درعك من دماء ملوكهم ... لما علمت الحسن يلبس أحمرا نمقتها وشيا بذكرك مذهبا ... وفتقتها مسكا بحمدك أذفرا من ذا ينافحني وذكرك صندل ... أوردته من نار فكري مجمرا فلئن وجدت نسيم حمدي عاطرا ... فلقد وجدت نسيم برك أعطرا وإليها كالروض زارته الصبا ... وحنى عليه الطل حتى نورا ولم يزل المعتمد يتحيل على صاحب شقورة في أخذ ابن عمار منه، ويعطيه ما شاء عوضاً عنه، ويفرط في ترفيعه، ويبسط ما أحب من شفاعته ويعد بتشفيعه، حتى استزله فيه، استنزله بفرط تحفيه، فدفعه إلى ثقاته، ولم يتق الله حق تقاته، وخسر دون مال أخذه عوضاً، غير أمال جعل أمرها إليه مفوضاً، وكان خرج منها والجيوش تحفه، وكأنه مهدي والدنيا تزفه، فعجب الناس مما كان بين وردة وصدره، وتعوذوا بالله من سوء قدره ولم يزل يتوسل إليه بذممه، ويناشده الله في حقن دمه، ويستعطفه بكل مقال حر، ويتحفه منه بأنفس در، فلنم يصح إلى رقاه، وجرعه الحمام وسقاه، والموت لا يتوسل إليه، ولا يستشفع لديه. كامل وإذا المنية أنشبت أظفارها ... وألفيت كل تميمة لا تنفع

ودم المعتمد بعد موته، وأسف أسفاً لا يجدي على فوته، حين سبق السيف العذل، وقد يكون مع المستعجل الزلل، ومن بديع استعطافه، ومليح استلطافه، الذي يلين له الحديد، والخطب الشديد، قوله. طويل سجاياك إن عافيت أندى وأسمح ... وعذرك أن عاقبت أجلى وأوضح وإن كان بين الخطتين مزية ... فأنت إلى الأدنى من الله أجنح حنانيك في أخذي برأيك لا تطع ... عداتي وإن أثنوا علي وأفصحوا وماذا عسى الأعداء أن يتزيدوا ... سوى أن ذنبي واضح متصحح نعم لي ذنب غير أن حمله ... صفات يزول الذنب عنها فيفسح وإن رجائي أن عندك غير ما ... يخوض عدوي اليوم فيه ويمرح ولم لا وقد أسفلت وداً وخدمةً ... يكران لفي ليل الخطايا فيصبح وهبني وقد أعقبت أعمال مفسد ... أما تفسد الأعمال ثمة تصليح أقلني بما بيني وبينك من رضى ... له نحو روح الله باب مفتح وعف على أثار جرم جنيته ... بهبة رحمى منك تمحو وتصفح ولا تلتفت رأي الوشاة وقولهم ... فكل أناء بالذي فيه يرشح سيأتيك في أمري حديث وقد أتى ... بزور بني عبد العزيز موشح وما ذاك إلا ما علمت فأنني ... إذا تبت لا أنفك آسو وأجرح تخيلتهم لا در لله درهم ... أشاروا تجاهي بالشمات وصرحوا وقلوا سيجزيه لا در لله بفعله ... فقلت وقد يعفوا فلان ويصفح ألا إن بطشاً للمؤيد يرتمي ... ولكن حلما للمؤيد أرجح وبين ضلوعي من هواه تميمة ... ستنفع لو أن الحمام مجلح سلام عليه كيف دار به الهوى ... إلي فيدنو أو علي فينزح ويهنئه أن مت السلو فأنني=أموت ولي شوق إليه مبرح ذو الوزارتين القائد أبو عيسى بن لبون رحمه الله هو من راس وما شف، وكف جوده وما كف، وأعاد كأسد البدائع نافعا، ولم يصدر أملاً خافقاً، وكان مثير الرفد، كلفا بالوفد، وكانت عنده مشاهد، تزف فيها للمنى أبكار نواهد، أيام تطرق النوائب، ولم تشب صفوة الشوائب،

ودهره مسعد لا ينغص أحداً راحه، ولا تطرق له بالغير ساحة، حتى نبه نائم صرفه، وانحنى بنكره على عرفه، فارتدت على أعقابها مقاصده، ونكب عنه وافده وقاصده، وكانت مربيطر مطلع شمسه، وموضع انسه، فأخذها ابن رزين من قبضته، وأقعده بعد نهضته، وخدعه بالمحال، واقطعه أنكد حال، فبقي وغدا جوه من تلك الخطة صاحيا، وله نظم نظم من المحاسن جملاً، وأعاد سامعه ثملا، وقد أنبت منه ما يدل على نفاسة سبكة، وجودة حبكة، فمن ذلك ما قاله متوجعا بخليط ضعن، وأوغل في شعاب البعد وأمعن. وافر سقى أرضاً ثووها كل مزن ... وسايرهم سرور وارتياح فما الوى بهم ملل ولكن ... صروف الدهر والقدر المتاح سأبكي بعدهم حزناً عليهم ... بدمع في أعنته جماع وأخبرني الوزير أبو عامر ابن الطويل أنه كان بقصر مربيطر بالمجلس المشرف منها والبطحاء قد لبست زخرفها، ودبح الغمام ومطرفها، وفيها حدائق ترنو عن مقل نرجسها، وتبث طيب تنفسها، والجلنار لبس أردية الدماء، وارع أفئدة الندماء، فقال: كامل قم يا نديم أدر علي القرقفا ... أو ما ترى زهر الرياض مفوفا فنحال محبوباً مدلاً وردها ... وتظن نرجسها محبا مدنفا والجلنار دماء قتلى معرك ... والياسمين حباب ماء قد طفا وله أيضاً يعاتب بعض إخوانه: طويل لحى الله قلبي كمن يحن إليكم ... وفقد بعتم حظي وضاع لديكم أما نحن أنصفناكم من نفوسنا ... ولم تنصفونا فالسلام عليكم وله وقد كتب إليه الكاتب أبو الحسن راشد بن سليمان بالتمويل، وقد كان عهد إليه ألا يخاطبه إلا بالتسويل: كامل نقلت روحك أيما تثقيل ... فيما قصدت له من التمويل هذا على أني عهدتك خفة ... كرسول بر حل عند عليل فراجعه الكاتب أبو الحسن المذكور: كامل لا والذي ولاك ألوية الندى ... وحباك من خطط العلى بجزيل

ما حدت عن سنن الكتابة عامدا ... ولو اعتمدت فعلت فعل نفيل لكن بناني أنكرت ما عوجت ... فتبرعت بكتابة التمويل ولرب سر كامن عند أمري ... أبداه بعض فعاله المخبول لله رقعتك التي ضمنتها ... زهر النهى من لفظك المعسول نظم وعيشك لو غدا نثراً لما ... قدرته إلا من التنزيل وافى به لو أمنت صدوده ... عني عمرت يديه بالتقبيل وله يرثى ذا الوزارتين أبا محمد أخاه وقد توفى ولو رقة ف ملكه، ومنتظمة سلكه: خفيف قل لصرف الحمام كم ذا التباهي ... في تلقيك لي بهذي الدواهي كان في عامر وأرقم ما يك ... في فهلا أبقيت عبد الإله فيه قد كنت بعد استدع الخط ... ب وأسطو على العدى وأباهي أي شمس وافى عليها أفول ... فل غربي عزائمي ونواهي وشرب مع الوزراء والكتاب ببطحاء لو رقة عند أخيه ابن اليسع غائب عنهما في عشية تجود بذمائها ويصوب عليها دمع سمائها، والبطحاء قد خلع عليها سندسها، ودنرها نرجسها، والشمس تنفض على الربى زعفرانها، والأنوار تغمض أجفانها، فكتب إلى ابن اليسع. بسيط لو كنت تشهد يا هذا عشيتنا ... والمزن يسكب أحياناً وينحدر والأرض مصفرة بالمزن كاسية ... أبصرت تبرا عليه الدر ينتشر وله أيضاً: بسيط يا رب ليل شربنا فيه صافية ... حمراء في لونها تنفي التباريحا ترى الفراش على الأكواس ساقطة ... كأنما أبصرت منها مصابيحا وله بعد ما نقل عن ملكه، وأخذ سلطانه من ملكه، يحن إلى لياليه السالفة، وظلال أنسه الورافة ويتذكر لذته، وينكر أطراح الزمان له ونبذته: بسيط يا ليت شعري وهل في ليت من أرب ... هيهات لا تنقضي من ليت أراب وأين تلك الليالي إذا تلم بنا ... فيها وقد نام حراس وحجاب إن الشموس التي كانت تطالعنا ... والجو من وقه الليل جلباب تهدي إلينا لجينا حشوة ذهب ... أنامل العاج والأطراف عناب وله وقد أرهقته الرزايا والحت، وهمت عليه سحائبها وسحت، وبات له الأسى

ملأ الجوانح، وعوض بالبارح من السانح، فانصرمت أماله، واستبهمت أعماله، فأكثر التشكي من زمنه، وأظهر جوى محنه، وأصبح يبدي الضجر، ويكاد يبكي الحجر، ويندب ايامه ولياليه، ويذكر عاطل عيشه وحاليه. طويل خليلي عوجا بي على مسقط اللوا ... لعل رسوم الدار لم تتغيرا فاسأل عن ليل تولى بأنسنا ... وأندب أياماً تقصت واعصرا ليالي إذا كان الزمان مسالماً ... وإذا كان غصن العيش فينان أخضرا وإذا كنت أسقى الراح من كف أغيد ... يناولنيها رائحاً ومبكرا أعانق منه الغصن يهتز ناعماً ... والثم منه البدر يطلع مقمرا وقد ضربت أيدي الأمان قبابها ... علينا وكب لدهر عنا وأقصرا فما شئت من لهو وما شئت من دد ... ومن مبسم يجنيك عذبا مؤثراً وما شئت من عود يغنيك مفصحا ... سما لك سوق بعد ما كان أقصرا ولكنها الدنيا بعد ذلك كله ... موارد ما ألفيت عنهن مصدرا وكم كابدت نفسي لها من ملمة ... وكم بات طرف من أساها مسهرا خليلي ما بالي على صدق عزمتي ... أرى من زماني ونية وتعذرا والله ما أدري لأي جريمة ... تجني ولا عن أي ذنب تغيرا ولم أك عن كسب المكارم عاجزاً ... ولا كنت في نيل أنيل مقصرا لئن ساء تمزيق الزمان لدولتي ... لقد رد عن جهل كثير وبصرا وأيقظ من نوم الغرارة نائماً ... وكسب علما بالزمان وبالوراي وله يأنف من المقام على ما رتب له من الأجراء ويكلف بالإدلاج والإسراء: طويل ذروني أجب شرق البلاد وغربها ... لا شقي نفسي أو أموت بداءي فلست ككلب السوء يرضيه مربض ... وعظم ولكنني عقاب سماء تخوم لكيما يدرك الخصب حومها ... أمام أمامٍ أو وراء وراءٍ وكنت إذا ما بلدة لي تنكرت ... شددت إلى أخرى مطي إباءي وسرت ولا ألوي على متعذر ... وصممت لا أصغي إلى النصحاء كشمس تبدت للعيون بمشرق ... صباحاً وفي غرب أصيل مساء وله وقد أعرض عن الدنيا وخيالها ... ونفض يده عن حبالها بسيط

الوزير الكاتب أبو عمرو الباجي رحمه الله تعالى

نفضت كفي عن الدنيا وقلت لها ... إليك عني فما في الحق اغتبن من كسر بيتي لي روض ومن كتبي ... جليس صدق على الأسرار مؤتمن أدرى بها جرى في الدهر من خبر ... فعنده الحق مسطور ومختزن وما مصابي سوى موتي ويدفني ... قوم وما لهم علم بمن دفنوا الوزير الكاتب أبو عمرو الباجي رحمه الله تعالى بحر لا يمتطي ثبجه، ولا تخاض لججه، يقذف لسانه لؤلؤة المكنون، ويصرف من بدائعه الأنواع والفنون، فلا يجاري في ميدان الإحسان، ولا يباري في بلاغة يراعه ولسان، يقص كل بحر عن مداه، ويظهر الإعجاز فيما أظهره من البيان وأبداه، لاح وسماء المعالي قد تزينت بنجومها، وسمع بذكرها ولم ترم برجومها، فظهر أول الظهور وساد، ولم يخش في موضع نفاق الفضل الكساد، والناس إذ ذاك الأعلام، والدنيا تحية وسلام، فتهادته الرياسات، وقادته تلك السياسات، فانتقل إليهم انتقال الشمس في مطالع السعود، ومقل روض الأماني ناضر العود، واستدعاه المقتدر بالله فعرف محله، وأحله من الخطوة لديه ما أحله، فاستحسن ملكه واستطابه، وملا بعوارفه وطابه، ولقي من أهل سرقسطة كل ضاحك بسام، عاضد كالحسام، يرعيه مبرته، ويريه متهللة أسرته. فلما رحل عنهم حن إليهم أي حنين، وذاب شوقاً غليهم بين أرق وأنين، وفقال يخاطبهم: متقارب سلام على صفحات الكرم ... على الغرر الفارجات الغمم على الهمم الفارعات النجوم ... على لأيمن الغامرات الديم سلام شج لانقلاب المزار ... نوى غربة عن جوار أمم شجى عن نزاع يذيب الدموع ... بنار الجوانح لا عن ندم وأي الندامة من مجمع ... على ما نوى همه أي هم وهل يتلون رأي اللبيب ... إذا جد في أمره واعتزم عزمت على رحلتي عنكم ... فسرت بقلب شديد الألم أضاحك صحبي وأطوي الفجاج ... وفي كبدي لاعج كالضرم فما أنس لا أنس ذاك الحياء ... وذاك السناء وتلك الشيم ودنيا لكم طلقة المجتلى ... ودهراً بكم واضح المبتسم وساعات أنس تجول النفوس فيها محال حمام الحرمْ

ذو الوزارتين الكاتب أبو بكر بن القصيرة رحمه الله

أحن إليكم ومن ضاقه ... تذكر عهدكم لم يلم وإن كنت مغتبطاً ساحباً ... ذيول الرضى في قرار النعم وانشر من فضلكم ما ليت ... على أنه سافر كالعلم فما روضة الحزن ذات الفنون ... إذا ما الصباح عليها بسم وقد بلل الطل أحداقها ... كان الفريد عليها انتظم يا طيب من فنحات الثناء ... أسيرها عنكم في الأمم أروح وأغدو بها خاطباً ... لدى سامعي عرب أو عجم لدى كل معترف تابع ... إذا قلت ألقى إلي السلم ومن حقكم شكره آلائكم ... ومن حق شائنكم أن يذم وله يصف مطراً بعد قحط، وإن الله تعالى قضايا واقعة بالعدل، وعطايا جامعة للفضل. ومنحا يبسطها إذا شاء ترفيعا وأنعاما، ويقبضها إذا أراد تنبيتها وإلهاما، ويجعلها لقوم صلاحا وخيرا، وعلى آخر فساداً وضيرا، وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قطنوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد، وأنه بعد ما كان من امتساك الحيا، وتوقف السقيا، الذي ريع به الأمن، واستطير له الساكن ورجفت الأكباد فزعا، وذهلت الألباب جزعا، وأذكت ذكاء حرها، ومنعت السماء درها، واكتست الأرض غبرة بعد خضرة، ولبست شحوباً بعد نضرة، وكادت برود الأرض تطوى، ومدود نعم الله تزوي، نشر الله تعالى رحمته، وأتاح منَّته، وأزاح محنته، فبعث الرياح لواقح، وأرسل الغمام سوافح، بماء دفقن ورواء غدق، من سماء طبق، واستهل جفها فدمع، وسح دمعها فهمع، وصاب وبلها فنقع، فاستوفت الأرض رياء، واستكملت من نباتها أثاثا وريا، فزينة الأرض مشهورة، وحلة الروض منشورة، ومنة الرب موفورة، والقلوب ناعمة بعد بوسها، والوجوه ضاحكة بعد عبوسها، وأثار الجزع ممحوة، وسور الحمد متلوه، ونحن نستزيد الواهب نعمه التوفيق، ونستهده في قضاء الحقوق إلى سواء الطريق، ونستعيذ به من المنة، أن تصير فتنة، ومن المنحة أن تعود محنة، وهو حسبنا ونعم الوكيل. ذو الوزارتين الكاتب أبو بكر بن القصيرة رحمه الله غرة في جبين الملك، ودرة لا تصلح إلا لذلك السلك، وباهت به الأيام، وتاهت في يمنه الأقلام، واستملت عليه الدول اشتمال الكمام على النور، وانسربت

إليه الأماني انسراب الماء إلى الغور، وأتت الدولة اليوسفية ففازت به قداحها، وأورى زنده اقتداحها، فقال فيها ما شاء، وأقال من عثاره الإنشاء، بعد خطوب أصارته طريدا، وقطعت منه وريدا، وما زال يرتضع أخلافها، وينتجع أكتفها، ويبسم ببيانه غفلها، ويتمم فرضها ونفلها، حتى طواه ضريحه، وركدت ريحه، فسقط بسقوطه نجم البيان، وأضحى دائر الأثر خفي العيان، وقد أثبتت في هذا التصنيف، من كلامه العالي المنيف، ما تتخذه سميرا، وتجعله على الكلام أميرا، فمن ذلك رقعة راجعني بها، وافتني أعزك الله لك أحرف كأنها الوشم في الخدود، تميس في حلل إبداعها كالغصن الأملود، وأنك لسابق هذه الحلبة لا يدرك غبارك في مضمارها، ولا يضاف سرارك إلى أبدارها، وما أنت في أهل البلاغة إلا نكتة فلكها، ومعجزة تتشرف الدول بتملكها، وما كان أخلقك بملك يدينك، وملك يقتنيك، ولكنها الحظوظ لا تعتمد من تتجمل به وتتشرف، ولا تقف إلى على من توقف، ولو اتفقت بحسب الرتب لما ضربت إلا عليك قبابها، ولا خلعت إلا عليك أثوابها، وأما ما عرضت فلا أرى أنفاذه أقواما، ولا أرضى لك أن تترك عيون أرائك نياما، ولو كففت من هذا الخلق، وانصرفت عن تلك الطرق، لكن أليق بك، واذهب مع حسن مذهبك، وقديماً أوردت الأنفة أهلها، موارد لم حمدوا صدرها، والموفق من أبعدها وهجرها، وسأستدرك الأمر قبل فواته، وأرهف لك مفلول شباته، فتوقف قليلاً، ولا تنفذ فيه دبراً ولا قبيلاً، حتى ألقاك هذه العشية وأعلمك بما تنبني عليه القضية، إن شاء الله، وكتب عن أمير المسلمين وناصر الدين أيده الله إلى طائفة متعدية، وأما بعد يا أمة اتعقل رشدها، ولا تجري إلى اتقتضيه نعم الله عندها، ولا تقلع عن أذى تفشيه قرباً وبعدا وجهدها، فإنكم لا ترعون لجار ولا لغيره حرمة، ولا تراقبون في مومن إلا ولا ذمة، فد أعماكم عن مصالحكم الأشر، وأضلكم ضلالاً بعيداً البطر، ونبذتم المعروف وراء ظهوركم، وأتيتم ما ينكر مقتديا في ذلك صغيركم بكبيركم، وخاملكم بمشهوركم، ليس فيكم زاجر، ولا منكم إلا غوي فاجر، ولم نرى إلا أن الله عز وجل قد شاء مسلخكم، وأراد نسخكم وفسخكم، فسلط عليكم الشيطان ويغركم ويغريكم، ويزين لكم قبائح معاصيكم، وكأنكم به قد نكص على عقبيه عنكم، وقال أني بريء منكم، وترككم في صفقة خاسرة، لا تستقيلونها إن لم تتوبوا في دنيا ولا آخره، وحسبنا

هذا أعذار لكم، وأنذار قبلكم، فتوبوا، وأنيبوا، وأقلعوا، وانزعوا واقتصوا من أنفسكم كل من وترتموه، وأنصفوا جميع من ظلمتموه وغششتموه، ولا تستطيلوا على أحد بعد، ولا يكن إلى أذاه صدور ولا ورد، ولا عاجلكم من عقوبتنا ما يجعلكم مثلاً سائراً، وحديثا غابراً، فاتقوا الله في أنفسكم وأهليكم، وإياكم والاغترار فإنه يورطكم فيما يرديكم، ويسقكم إلا ما يشمت بكم أعاديكم، وكفى بهذا تبصرة وتذكرة، وليست لكم بعدها حجة ولا معذرة، ولا توفيق إلا بالله تعالى، وكتب عنه رحمه الله إلى صاحب قلعة حماد، وصل كتابك الذي أنقذته من وادي مني صادراً عن الوجهة التي استظهرت عليها بأضدادك، وأجحفت بطارفك وتلادك، وأخفقت فيها من مطلبك ومرادك، فوقفنا على معانيه، وعرفنا المصرح به والمشار إليه فيه، ووجدناك تجعل سيئك حسناً، ونكرك معروفاً وخلافكما صوابا بيننا، وتقضي لنفسك بفلح الخصام، وتوليها الحجة البالغة في جمع الأحكام، ولم تناول أن وراء كل حجة أدليت بها ما يدحضها، وإزاء كل دعوى أبرمتها ما ينقصها، وتلقاء كل شكوى صححتها ما يمرضها، ولولا استنكاف الجدال، واجتناب ترديد القيل والقال: ويخجل من ينتحله، حتى لا يدفع حجته دافع، ولا ينبو عن قبول أدلته راء ولا سامع، وها نحن ننشدك الله الذي لا تقوم السماء والأرض إا بأمره ألم نكن عندما نزع الشيطان بينك وبين فلان، وتفاقم الشنان، وقد توقدنا على ما كان بالحالة من أقلاق، وتأخرنا عما كانت النصبة تستقدم إليه من بدار أو سباق، ولم نمد الجهة حق أمدادها، ولا كثرنا وفق ما كان يلزم من جماهير أعدادها، ولا عناناً غير جهاد المشركين، ولا أقبلنا إلا على ما يحوط حريم المسلمين، رجاء أن يتوب استبصار، أو يقع إقصار، وأنت خلال ذلك تحتفل وتحشد، وتقوم وتقعد، وتبرق غيظاً وترعد، وتستدعي ذؤابات العرب، وصعاليكهم من مبتعد ومقترب، فتعطيهم ما ف خزانتك جزافاً، وتنفق عليهم كنزه أوائلك إسرافاً، وتمنح أهل العشرات مئين وأهل المئين ألافاً، كل ذلك لتعضد بهم، وتعتمد على تعصبهم، وتعتقد أنهم جنتك من المحاذير، وحماتك من المقادير، وتذهل عما في الغيب من أحكام العزيز القدير، وكتب عنه رحمه الله إلى أهل مكناسة، أما بعد أصلح الله من أعمالكم ما اختل، واصح

الوزير الكاتب أبو المطرف ابن الدباغ رحمه الله

من وجوه صلاحكم ما اعتل، فقد بلغنا ما أنتم بسبيله من التقاطع والتدابر، وما ركبتم رؤوسكم فيه من التنازع والتهاتر، وقد استوى في ذلك عالمكم وجاهلكم، وصار شرعاً سواء فيه نبيهكم وخاملكم، ولا تأتمرون رشداً، ولا تطيعون مرشدا، ولا تأتون سددا، ولا تنحون مقصدا ولا تفلحون إن لم تنزعوا عن غوايتكم أبداً، فلا يسوغ لنا أن نترككم فوضى وندعكم سدى، ولابد لنا من أخذ قناتكم بثقاف أما أن تستقيم أو تتشظى قصداً، فتوبوا من ذنب التباغض بينكم والتباين، واهصوا شياطين التحاقد والتشاحن، وكونوا على الخير أعوانا، وفي ذات الله أخوانا، ولا تجعلوا لعقوبة عليكم يدا ولا سلطانا، واعلموا أن من نزغ بينكم بشر، أو نفث في فتنة بضر، وقلم عندنا عليه الدليل، واتجه إليه السبيل، وأخرجناه عنكم، وأبعدناه منكم، فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين ولا تتولوا عن الموعظة وأنتم معرضون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، وحسبن هذا وبالله التوفيق. الوزير الكاتب أبو المطرف ابن الدباغ رحمه الله أحد أعلام الوزارة المتسمين بإزائها، والمرتسمين في زمام عليائها، والمشتهرين بالبلاغة، والمقتصرين على حسن التناول في كل أراغة، إلا أن الأيام عدت عل آماله، وأغرت صروفها بكماله، فلم تلح أمانيه حتى غربت، ولا اتفقت له حال إلا اضطربت وصل إلى المعتمد فكلف به، وألف حسن مذهبه، وثم نسبت إليه معائب، وانبرى له شانئ وعائب، حسد لخصاله، وجدا في زواله وانفصاله، وفأنف من المقام بذبك المثوى، والاحتمال لتلك البلوى، فانتقل إلى المتوكل، وحل منه بلطف محل، وألى إليه أزمة العقد والحل، وثم رأى أن يكر إلى سرقسطة بلده، ويفر فيها مع أهله وولده، وفلما وصل إليها استدعي إلى إحدى حدائقها في ليلة من منح الدهر، وتنسم أنسها أعطر من نفح الزهر، فلما أغفى دب غليه أحد عده، وج أوداجه بمداه، وسقي الأرض من نجيعه، وتركه لا يستيقظ من هجوعه، وكان كثيراً ما يشتكي في كتبه تشكياً يدل على ضيق صدره، وسمو قدره، فمن ذلك رقعة كتبها إلى ابن حسداي وهي، وكتابي وأنا كما تدريه، غرض للأيام تزميه، ولكن غير شاك من آلامها، ولأن قلبي في أغشية من سهامها، فالنصل على مثله يقع، والتألم بهذه الحالة قد ارتفع، وكذلك التقريع إذا تتابع هان، والخطب

إذا اشتد لان، والحوادث تنعكس إلى أضدادها، إذا تناهت في اشتدادها، وتزايدت على أمادها، وكتب في مثل ذلك، كتابي وعندي من الدهر ما يهد يسره الرواسي، ويفتت الحجر القاسي، ومن أجلها قلب محاسني مساويا، وانقلاب أوليائي أعاديا، وقصدي بالبغضة من حيث المقة، واعتمادي بالخيانة من جانب الثقة، فقس بهذا على سواه، وعارض به ما عداه، ولا تعجب إلا لثبوتي لما لم يثبت هـ الخلق السرد، وبقائي على ما لا يبقى عليه الحجر الصلد، لا أطول عليك فقد غير علي حتى شرابي، وأوحشتني فها أنا أتهم عياني، واشتريت من بناني، وأجني الإساءة من غرس إحساني، وقاتل الله الحطيئة في قبره، فطالما غر قوله في شعره: بسيط من يزرع الخير يحصد ما يسر به ... وزارع الشر منكوس على الراس أنا والله فعلت خيراً فعدمت جوازيه، وما أحمدت عوائده ومباديه، وزر عته فلم أحصد إلا شراً، ولا اجتنيت منه إلا ضراً، وهكذا جدي فما اصنع وقد أبى القضاء إلا أن أفني عمري في بوس، ولا أنفك من نحوس، ويا ليت باقية قد انصرم، وغائب الحمام قد قدم، فعسى أن تكون بعد الممات راحة من هذا النصب، وسلوة عن هذه الخطوب والنوب، فدع بنا هذا التشكي فالدهر ليس بمتعب من يجزع، وما في الأيام رجاء ولا مطمع، وله فصل من تعزية، من أي الثنايا طلعت النوائب، وأي حمى رتعت فيه المصائب، فواها لحشاشة الفضل أرصدها الردى غوائله، وبقية الكرم جر عليها الدهر كلاكله، ويا حسرتا للجة المواهب كيف سجرت، ولشمس المعالي كيف كورت، ويا لهفي على هضبة الحلم كيف زلزلت، وحدة الذكاء والفهم كيف فللت، فإنا الله أخذا بوصاياه، وتسليماً لقضاياه، وله فصل، ولئن كانت الأيام تنئيك، فللأماني تدنيك، ولئن كنت محجوراً من الناظر، فإنك مصور في الخاطر، أناجيك بلسان الضمير، وأعاطيك سلاف السرور، وله، ورد لك في كتاب خلته لطفه سماء، وتوهمته من خفته هباء، وفضضته عن أسطر فيها سواد، ولم يتحصل لي منه مستفاد، فتعوذت برب الفلق، من شر ذلك الغسق، وله إلى ابن حسد لي، كنت عهدتك لا تمتنع من مداعبة من يداعبك، ولا تنقبض عن مراجعة من يخاطبك، فمن أين حدث هذا التعالي، وما سبب هذا التغالي، عرفتني جعلت فداك، ما الذي عداك، ولعلك رأيت الحضرة قد حلت من قاض

فطمعت في القضاء وجعلت تأخذ شريعة نفسك باهته، وتترشح لرتبته، وأنت الآن لاشك تتفقه في الأحكام، وتتطلع شريعة الإسلام، وهبك تحليت بهذا السمت، ونهيات لذلك الدست، وما تصنع في قصة السبت، ودع هذا التخل وارجع إلى أخلاقك، وعد في أطراقك، وتجاهل ما قبلك جاهل، وتحاق مع الحمقاء وأنت عاقل، فلا تمتنع لذة الاسترسال، ولا تتبع الدنيا بجد منك في سائر لأحوال، فما أشبه أدبارها بالإقبال، وكثرتها بالإقلال، وله يستدعي خمراً، أوصافك العطرة، ومكارمك المشتهرة، تنشط سامعها من غير توطئة، في اقتضاء ما عرض من أمنية، فللراح من قلبي محل لا تصل إليه سلوة، ولا تعترضه جفوة، إلا أن معانيها قد جف، وقطينها قد خف، فما توجد للسباء، لو بحشاشة الحرباء، فصلني منها مما يوازي قدري، ويقوم له شكري، فإن قدرك أرفع من أن تقتضي حقه زاخرات البحار، ولو سالت بذوب النضار، وله يستدعي إلى مجلس أنس، يومنا يوم تجهم محياه، ودمعت عيناه، وبرقعت شمسه الغيوم، ونثرت صباه لؤلؤة المنظوم، وملأ الخافقين دخان دجنه، وطبق بساط الأرض هملان جفنه، فأعرضنا عنه إلى مجلس وجهه كالصباح المسفر، وجلبابه كالرداء المجر، وحله يشرق في ترائبه، ونده يعبق في جوانبه، وطلائع أنواره تظهر، وكواكب إيناسه تزهر، وأباريقه تركع وتسجد، وأوتاره تنشد وتغرد، وبدوره تستحث خطاك، وتقبل أنملها مفدية، وسائر نغماتها، خذ وهاتها، وأملنا أن تحث خطاك، حتى يلو سناك، ونشتفي بمرءاك، وله فصل، ورد كتابك فنور ما كان بالإعباب داجيا، وحسن مشافها عنك ومناجيا، واسترد إلى الخلة بهاءها، وأجرى في صفحة الصلة ماءها، وعند شدة الظمأ، يعذب الماء وبعد مشقة السهر طيب لإغفاء، ورأيت ما وعدتني به من الزيار فسرني بعض من أطرابي، وحسن لي دين التصابي، فارتحت كأنما أدر علي المدام مديرها، وجاوب المثاني والمثالث زيرها، ولا تسأل عن حال استطلعتها فيه كاسفة بالي، كاشفة عن خبالي، ولصبح لاح من خلال ذوابتي، وتنفس في ليل لمتي، فأدجى مطالع أعمالي، وأراني مصارع أمالي، وله فصل، يا ليت شعري كي أتغير على بعضي، وأمنحه قطيعتي وبغضي، وله فصل، طلع علينا هذا اليوم فكاد يمطر من الغضارة صحوة، ويقبس من الإنارة جوه، ويحيي الرميم اعتداله، ويصبي الحليم جماله، فلف5تنا

الوزير الفقيه الكاتب أبو القاسم ابن المجد رحمه الله تعالى

زهته، وضممتنا بهجته، وفي روضة أرضعتها السماء شأبيبها، ونثرت عليها كواكبها، ووفد عليها النعمان بشقيقه، واحتل فيها الهند بخلوق، وبكر إليها بابل برحيقه، فالجمال بحسنه طرفه، والنسيم يهز لأنفاسه عطفه، وتمنينا أن يتبلج صبحك من خلال فروجه، وتحل شمسك في منازل بروجه، فيطلع علينا الأنس بطلوعك، وتهديه بوقوعك، ولن تعدم نوراً شمائلك طيبا وبهجة، وراحا تخالها خلالك صفاء ورقة، وألحانا تثير أشجان الصب، وتبعث أطراب القلب، وندى من ترتاح إليهم الشمول، وتتعطر بارجهم القبول، ويحسد الصبح عليهم الأصيل، وبقصر بمجالستهم الليل الطويل. الوزير الفقيه الكاتب أبو القاسم ابن المجد رحمه الله تعالى راضع ذي المعالي، المتواضع العالي، آية الإعجاز، وفي الصدور والإعجاز، والذي جمع طبع العراق وصنيعه الحجاز، واقطع استعارته جانب الحقيقة والمجاز، فأبداها شمساً، وأهداها لأجساد معانيه نفساً، إذا كتب ملأ المهارق بياناً، وأرى السحر عياناً، وله أدب لو تصور شخصاً، لكن بالقلوب مختصاً، ولو كان نوراً، لكان له السماك نجداً والمجرة غوراً إلى الاتسام بالوقار ولحلم، والافتنان في أنواع العلم، أقامك زمناً معتكفاً على دواوينه، كلفا بالعلم وأفانينه، ومشتغلاً بالدراسة، معتزلاً للرياسة، والملك يضم ضلوعه على علائه، ويرقب طلوعه في سمائه، وإلى أن استدعاه أمير المسلمين فأجاب بحكم الطاعة وأناب، وأراه الغناء المستعظم والمناب، وبكتب تهزم الكتائب بأغراضها، وتروق العيون بإيماضها، وقد أثبت من نثره البارع، ونظمه لعذب المشارع، وما هو افتن للأسماع، من مطرب السماع، وألذ في الألباب، من مناجات الأحباب، فمن ذلك رقعة راجعني بها عن معاتبة له في توقف مراجعة وهي، لو أطعت نفسي أعزّك الله بحسب هواها، ومحتمل قواها، لما خططت طرساً، ولا سمعت للقلم جرساً، ولنمت في حجر العطلة مستريحاً، ولزمت بيت العزلة حلساً طريحاً، ولكني بحكم الزمان مغلوب، وبحقوق الإخوان مطلوب، فلا أجد بدا من أعمال الخاطرون غداً طليحاً، وتناهى تبليحاً ولما طبع علي طالع خطابك الكريم، وفي صورة المقتضى الغريم، وتعين ألأداء، ووجب ألأعداء، واتصل بالتلبية النداء، وقد كنت تغافلت عن

الكتاب الأول، وتغافل الساكن إلى العذر المتأول، فهزتني من الثاني كلمات مولمات، ولكنها في وجه الحسن والإحسان سمات، ولم توجدني إلى المعذرة طريقاً، ولا سوغتني في النظرة ريقا، فتكلفت هذه الأسطر تكلف المضطر، حفرة ثقل البر، وأنت بفضلك تقبل وجيزها، ولا تبخل بأن يحيزها، والله يطيل بقاءك محسود النجابة، ولا يخلي دعوتي لك من الإجابة، وكتب عن أمير المسلمين وناصر الدين أيده الله إلى أهل إشبيلية، كتابنا أبقاكم الله وعلمكم بتقواه، ويسركم من الاتفاق والايتلاف إلى ما يرضاه، وجنبكم من أسباب الشقاق والخلاف ما يسخطه وينعاه، ومن حضرة مراكش حرسها الله لست بقين من جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وخمسماية وقد بلغنا ما تأكد بين أعانكم من أسباب التباعد والتباين، ودواعي التحاسد والتضاغن، واتصال التباغض ولتدابر، وتمادي التقاطع والتهاجر، وفي هذا على فقهائكم وصلحائكم مطعن بين، ومغمز لا يرضاه مومن دين، فهلا سعوا في إصلاح ذات البين سعي الصالحين، ودوا في إبطال أعال المفسدين، وبذلوا في تأليف الآراء المختلفة وجمع الأهواء المفترقة جهد المجتهدين، ورأينا والله الموفق للصواب، أن نعذر إليكم بهذا الخطاب، فإذا وصل إليكم، وقرئ عليكم، فاقمعوا الأنفس الأمارة بالسوء وارغبوا في السكون والهدوء، ونكبوا عن طريق البغي الذميم المشنو، واحذروا دواعي الفتن، وعواقب الإحن، وما يجر داء الضمائر، وفساد السرائر، وعمى البصائر، ووخيم المصائر، وأشفقوا على أديانكم وأعراضكم، وتوبوا إلى الصلاح في جميع أغراضكم، وأخلصوا السمع والطاعة لوالي أموركم، وخلفتنا في تدبيركم، وسياسة جمهوركم، وأخينا الكريم علينا أبي إسحاق إبراهيم أبقاه الله، وأدام عزه بتقواه، واعلموا أن يده فيكم كيدنا، ومشهده كمشهدنا، فقفوا أسلس انقياد لحكمه وعزمه، ولا تقيموا على ثبج عناد بين حده ورسمه، ولله تعالى يفيء بكم إلى الحسنى، وييسركم إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا، بقدرته وله من قصيدة: طويل لئن راق مراى للحسان ومسمع ... فحسناؤك الغراء أبهى وأمتع عروس جلاها مطلع الفكر فانثنت ... إليها النجوم الزاهرات تطلع زفت بها بكراً تضوع طيبها ... وما طيبها إلا الثناء المضوع

لها من طراز الحسن وشي مهلل ... ومن صنعة الإحسان تاج مرصع وله فصل في جانب الفقيه لأجل ابن عياض إلى ابن حمدين رحمه الله، أما وكنف برك لمن أمك من أهل الفضل ممهد، وجفن رعايتك لهم مسهد، ومنزل حمايتك بهم متعهد، فكل وعز يلقونه في سبيل قصدك مستسهل، ولا يرويهم دونك منهل، ولا يضل بهم وأنت العلم مجهل، وممن رأى ن يقتحم نحوك ظهري لجة ومحجة، ويقرن في أم الكعبة فضلك بين عمرة وحجة، ويرحل إلى حضرتك المألوفة مهاجراً، ويعتمدها في طب العام تاجراً، ليجتهد في جمعه وكبسه اجتهاد مغترب، ويملأ من بضائعه وفوائده وعاء غير سرب، ومذهبه الاقتباس من أنوارك، والالتباس برهة من الدهر بجوارك، وللاستيناس بأسرة بشرك ومسرة جوارك، وفلان وله الفصل مذاهب يبهرج عندها الذهب، وعنده من النبل ضرائب لا يفارق زندها اللهب، وستقربه، فتستغربه، وتخبره، فتكبره، إن شاء الله، له مراجعا. طويل سلام كأنفاس الأحبة موهناً ... سرت بشذاها العنبري صبا نجد سلام كإيماض الغزالة بالضحى ... إلى الروضة الغناء غب الحيا العد على من تحراني بمعجز شعره ... فاعجز أدنى عفوه منتهى جهدي غزاني من حوك اللسان بلامة ... مضاعفة التاليف محكمة السرد دلاص من النظم البديع حصينة ... ترد سنان النقد منثلم الحد عليها من الإحسان والحسن رونق ... كما ديس متن السيف من صدا الغمد وفيها على الطبع الكريم دلالة ... كما افترضوا للسقط عن كرم الزند أبا عامر لا زال ربعك عامراً ... بوفد الثناء الحر والسودد الرغد لقد سمتني في حرمة القول خطة ... لففت لها رأسي حاء من المجد وكتب عن أمير المسلمين إلى ابن حمدين في أمر أب الفضل ابن عياض المذكور، وفلان أعزه الله بتقواه، وأعانه على ما نواه، ممن له في العلم حظ وافر، وزوجه سافر، وعنده دواوين إغفال، ولم تفتح لها على الشيوخ إقفال، وقصد تلك الحضرة ليقيم أود متونها، ويعاني رمد عيونها، وله إلينا ماتة مرعية أوجبت الإشادة بذكره، والاعتناء بأمره، وله عندنا مكانة حفية تقضي مخاطبتك بخبره، وإنهاضك إلى قضاء وطره، وأنت إن شاء الله تسدد عمله، وتقرب أمله، وتصل أسباب العون له، إن شاء الله، وله مراجعا إلى أحد الشعراء. طويل

أما ونسيم الروض طاب به فجر ... وهب له من كل زاهرة نشر تحامي له وعن سره زهرة الربى ... ولم تدر أن السر طية نشر ففي كل سهب من أحاديث طيبه ... تمائم لم يعلق بحاملها وزر لقد فغمتني من ثنائك نفحة ... ينافسني في طيب أنفاسها العطر تضوع منها العنبر الورد فانثنت ... وقد أوهمتني أن منزلها السحر سرى الكبر في نفسي لها ولربما ... تجانف عن مسرى ضرائبي الكبر وشبت بها معنى من الراح مطربا ... فخيل لي أن ارتياحي بها سكر أبا أبا عامر أنصف أخاك فإنه ... وإياك في محض الهوى الماء والخمر أمثلك يبغي في سماءي كوكبا ... وفي جوك الشمس المنبرة والبدر ويلتمس الحصباء في ثعب الحصا ... ومن بحرك الفياض يستخرج الدر عجبت لمن يهوى من الصفر تومة ... وقد سال في أرجاء معدنه التبر وكتب عن أمير المسلمين إلى أهل سبتة، كتابنا أبقاكم الله وأكرمكم بتقواه، ويسركم لما يرضاه، وأسبغ عليكم نعماه، وقد رأينا والله بفضله يقر جميع أرائنا بالتسديد، ولا يخلنا في كافة أنحائنا من النظر الحميد، أن نولي أبا زكريا يحيى بن أبي بكر محل ابننا، الناشيء في حجرنا، أعزه الله، وسدده فيما قلدناه إياه، ومن مدينتي فاس وسبتة وجميع أعمالها جرسها الله على الرسم الذي تولاه غير قبله، فأنفذنا ذلك له، لما توسمناه من مخائل النجابة قبله، ووصيناه بما نرجو أن يحتذيه ويمتثله ويجري عليه قوله وعمله، نحن في وراء اختباره، والفحص عن أخباره، لأنني بحول الله في امتحانه وتجريبه، والعناية بتخريجه وتدريبه، ولله عز وجل مخيلتنا فيه، ويوفقه من سداد القول والعمل إلى ما يرضيه، فإذا وصل إليكم خطابنا فالتزموا له السمع والطاعة، والنصح ولمشائعة جهد الاستطاعة، وعظموا بحسب مكانه منا وقدره، وامتثلوا في كل عمل من أعمال الحق نهيه وأمره، والله تعالى يمده بتوفيقه وهدايته، ويعرفكم يمن ولايته بعزته، وكتب عنه أيده لله ونصره إلى أبي محمد عبد الله بن فاطمة رحمه الله، كتابنا أطال الله في طاعته عمرك، وأعز بتقواه قدرك، وشد في ما تولاه أزرك، وعضد بالتوفيق والتسديد أمرك، أن نجدد مهدنا إلى عمالنا عصمهم الله بالتزامهم أحكام الحق،

وإيثار أسباب الرفق لما نرجوه في ذلك من الصلاح الشامل، والخير العاجل والأجل، والله تعالى ييسرنا لما يرضيه من قول وعمل بمنه، وأنت أعزك اله ممن يستغنى بإشارة التذكرة، ويكتفي بلمحة التبصرة، ولما تأوى إليه من السياسة والتجربة، اتخذ الحق أمامك، وملك يده زمانك، وأجر عليه في القوي والضعيف أحكامك، وارفع لدعوة حجابك، ولا تسد في وجه المضطهد المظلوم بابك، ووطئ للرعية حاطها الله أكنافك، وأبذل لها أنصافك واستعمل عليها من يرفق بها ويعدل فيها، واطرح كل من يحيف عليها ويوذيها، ومن سبب عليها من عمالك زيادة، أو خرق لا في أمرها عادة، أو غير رسما، أو بدل حكما، أو أخذ لنفسه منها درهما ظلما، فاعزله من علمه، وعاقبه في نده، والزمه رد ما أخذ تعديا إلى أهله، واجعله نكالاً لغيره فاعزله عن عمله، وعاقبه في ندنه، والزمه رد ما أخذ تعديا إلى أهله، واجعله نكالاً لغيره حتى لا قدم منهم أحد على مثل عله، إن شاء الله وهو تعالى ولي تسديدك، والملي بعضدك وتأييدك لا إله غيره، وله عنه إلى أهل غرناطة، كتابنا عصمكم الله بتقواه، ويسركم لما يرضاه وجنبكم ما يسخطه وينعاه، ومن حضرة مراكش حرسها لله يوم الجمعة التاسع عشر من شهر الصوم المعظم سنة سبع وخمساية وقد اتصل بنا أنكم من مطالبة فلان على أولكم، وفي عنفوان عملكم، وأنه لا يعدم تشغيباً وتأليباً من قبلكم، فإلى متى تلحون في الطلب، وتجدون في الغلب، وتقرعون النبع بالغرب، لقد آن حركتكم في أمره أن تهدي، وللنائرة بينكم أن تطفي، ولذات بينكم أن تصلح، ولوجوه المراشد قبلكم أن تضح، وإذا وصل إليكم خطابنا هذا فاتركوه متابعة الهوى، واسلكوا معه الطريقة المثلى، ودعوا التنافس على حطام الدنيا، وليقبل كل واحد منكم على ما يعنيه، ولا يشتغل بما ينصبه ويعنيه، لابد لكل عمل، من أجل ولكل ولاية، ومن غاية، ولن يسبق شيء أناه، وإذا أراد الله أمرا سناه، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون، وفقكم الله لما فيه صون أديانكم وأعراضكم، وتسديد أنحائكم وأغراضكم بمنه، وكتب أعزه الله مرحبا بك أيها البر الفاتح، والروض النافح، فما أحسن تويجك، وأعطر تارجك، لقد تحت بالمخاطبة بابا، طالما كنت له هيابا، ورعت حجابا، وترك قلبي وجابا، وما زلت أحوم عليه شرعة، وفلا أسيغ منها جرعة، وأغازلها أملاً، فلا أطيقها عملاً، وألاحظها أمدا، أذوب دونها كمدا، وفي تعب

ذو الوزارتين المشرف أبو بكر محمد بن أحمد بن رحيم أعزه لله

من يحسد الشمس نورها، ويجهد أن يأتي لها بضريب، وإلى أن وردني خطابك الخطير مشتملا على نظم من الكلام، رائق الأعلام، يقرب من الإفهام، ويبعد نيله في الأوهام، قد أرهفت نواحيه بالتهذيب، وطرزت حواشيه بكل معنى غريب، وحشيت معانيه باللفظ الرائع المهيب، فازددت به تهيبا ورعبا، وعاينت منه مركبا صعبا، وقلت التغافل عن الجواب، أولى بالصواب، وإن ألمت بالجفاء، وقابلت الوفاء باللفاء، إذ ليس بلبيب من يعارض السيل بوشل، ويناهض التشمير بفشل، ويطاول الفيل بشلو منتشل، ولا باريب من قيس الشبر بالبارع، والمد بالصاع، والجبان بالشجاع، والقطوف بالوساع، فمن طلب فوق طاقته افتضح، ومن تعسف الخرق النازح رزح، ومن سبح ف البحر كم عسى أن يسبح، ولا جرم أنه اقتضاني في المراجعة صديق لنا كريم لم لتت إلى معذرة، ولا سمح بنظرة، فتكلفتها بحكم عزمته وتحت فادح حصر، ونازح بصر، فقد يكدي على علمك الخاطر، ويحوي النجم الماطر، وربما عاد اللسن في بعض الأوقات لكنا، والجواد كودنا، وبحر القريحة ثمدا، وحسام الذهن معضدا، فإن تفضلت بالأعضاء، سامحت في الاقتضاء، وسلمت لك في اليد البيضاء، وبرزت لشكرك في الفضاء، واجتليت منك أدام الله عزك ف معنى تعذر تلاقينا، عند قرب تدانينا، فصولاً حساناً حسبتها برهانا، ورأيت بها السحر الحلال عيانا، ولئن اعترض عائق الزمان دون ذلك الأمل وقد عارضنا من أمم، وصار أدنى من يد لفم، فإن نفوسنا بحمد الله في المقاصد والأغراض، متلاقية على موارد الإخلاص ولا محاض، والله تعالى بحفظ جواهرها من الأرض، ويصونها من الانتكاث والانتفاض، بمنه وطوله أنه على كل شيء قدير، وبيده الأمر والتدبير، وأما ما جلاه من صورة الود، في معرض الجد، وفقد ثوى بين الجوانح محلاً، لا يسوم الدهر عقده حلا، ولا يزال جفني ف رعيه مسهدا، وقلبي لصونه ممهداً، إن شاء الله واقرأ عليك يا سيدي المعظم في خلدي ساماً شريف النصاب، كريم الإحساب، والسلام الأتم الدعم، ما طلعت الأنجم وتضوع المسك الأحم، على سيدي الأعظم، ورحمة الله وبركاته. ذو الوزارتين المشرف أبو بكر محمد بن أحمد بن رحيم أعزه لله

رجل الشرق سودداً وعلاء، وواحدة اشتمالاً على الفضل واستيلاء، استقل بالنفض والإبرام، وأوضح رسم المجاملة والإكرام، فله الشفوف في المجد، والحفوف إلى الوفد، تجتليه بساما، وتنتضيه حساماً، أن وأخاك أبرم عقد إخائه، وأعفاك من زهوة وانتخائه، مع أدب يزجر بحره، وتتزين به لبه الزمان ونحره، وسجية خلصت خلوص التبر، ونفس سلبت من الخيلا والكبر، تتهاداه الدول تهادي الروض للنسيم، وتفتقر إليه افتقار المصراع إلى القسم، فيطلع بأفاقها طلوع الشمس، وينشر سيرها الحميدة من رمس، قد آمنت غوائله، وحسنت أواخره وأوائله، وبنو رحيم من أعلام الشرق في القديم والحديث، وعنهم يؤثر أطيب الحديث، اتصلوا في الفضل اتصال الشوبوب، وانتشوا كالرمح أنبوباً على أنبوب، وقد أثبت له ما ترتشفه ريقا، وتبصر له في سماء الإحسان شروقاً، من ذلك قوله من قصيدة: بسيط نفديك من منزل بالنفس والذات ... كم ل بمغناك من أيام لذات نجني بك العيش والآمال دانية ... أعوام وصل قطعناها كساعات نسقي لديك اغتباقات مسلسلة ... والده قد نام عنا باصطباحات يا قبة الدهر لا زلت مجددة ... تلك المعالم ما دامت مقيمات حفظت من قبة بيضاء حف بها ... نه تفضض يجري بين دوحات عليك مني ريحان السلام كما ... حيتك مسكة دارين بنفحات خير البنيات لا تنفكك آهلة ... بمن حوت وهم خير البريات لله يوم ضربنا للمدام بها ... رواق لهو بطاسات وجامات وللبلابل ألحان مرجعة ... تجيبهن غوانينا بأصوات وللرياحين أنفاس معنبرة ... مع الرياح توافينا لأوقات وللمياه ابتسام في جداولها ... كما تشق خيوب فوق لبات حدائق أحدقتها للمنى شجر ... حسبت نفسي منها وسط جنات منازل لست أهوى غيرها سقيت ... حيا يعم وخصت بالتحيات ووصل هو وابن وضاح صهر المرتضى وابن جما الخلافة صاحب صقلية، وإلى إحدى جنات مرسية، فحلوا منها في قبة فوق جدول مطرد، وتحت أدواح طيرها

غرد، وأقاموا يتعاطون رحيقهم، ويعمرون بالمؤانسة طريقهم، إذا بالجنان وقف عليهم وقل كان بموضعكم بالأمس صاحب الموضع ومعه شعور منشورة، وخدود غير مستورة، قد رفعت البراقع وما منها نظرة إلا وهي سهم واقع، فاستدعي فحما وكتب في إحدى زوايا القبة. خفيف قادنا ودنا إليك فجئنا ... بنفوس تفديك من كل بوس فنزلنا منزلاً لبدور ... وحللنا مطالعاً لشموس وله يهنئ الوزير الشرف أبا الحسن أخاه بمولود وكان أكرم من لغمام، وأوقر من شمام، وأصول من ليث بخفان، وأغزل من ظبي بعسفان، فطوى منه الحمام أوحدا، أحله من الجوانح ملحدا. كامل خلصت إليك مع الأصيل الأنور ... أمنية مثل الصباح المسفر غراء إلا أنها من خاطري ... بمكان اسود ناظر من محجري أرجت شذاً أرجاؤها كأنها ... قد ضمخت بلخالخ من عنبر أهدت إلي مع النسيم تحية ... فتقت نوافجها بمسك أذفر فاتت كما زارتك عاطرة اللمى ... بيضاء صيغت جوهرا في جوهر هيفاء رود ذات خصر صائم ... ومعاطف لدن وردف مفطر هزت جوانب همتي فكأنما ... عجبا بها أنا تبع في حمير يا حسن موقع ذلك الأمل لذي ... تزري حلاوته بطعم السكر نظم السرور كما نظمت لآلئا ... بيد الصبابة في مقلد معصر ورد الكتاب به فرحت كأنني ... نشوان راح في ثياب تبختر لما فضضت ختامه فتبلجت ... بيض الأماني من سواد الأسطر قبلت من فرح به خد الثرى ... شكراً ولاحظ لمن لم يشكر يا مورد الخبر الشهي وحادي ال ... أمل القصي وهادي النبا السري زدني من الخبر الذي أوردته ... يا برد ذاك على فؤاد المخبر صفحاً وعفواً للزمان فإنه ... ضحكت أسرة وجهه المتنمر طلع البشير بنجم سعد لاح من ... أفق العلى وبشبل ليث مخدر لله درك أي فرع سيادة ... أعطيته وقضيب دوحة مفخر طابت أرومته وأينع فرعه ... والفرع يعرف فيه طب العنصر

أنت الجدير بكل فضله نلته ... وحويته ويكل مكرمة حري تهنا رحيما أنها قد أنجبت ... برحيم المحمود أسنى مذخر نامت عيون الدهر عن جنباه ... وحمت مناهله متون الضمر وصفا له ولإخوة يتلونه ... ماء الحيوة لديك غير مكدر فلأنت بدر السعد وهو هلاله ... ولأنت سيف المجد وهو السمهري أفدي لبشير بمهجتي وبتالدي ... وبطارقي وعذرت إن لم يعذر بابي أبوة أخي كبيري والذي ... أسدى إلي مواهبا لم تصغر ذاك الذي علقت بعلق نفاسة ... منه العلى وكأنه لم يشعر مصباح من هامت به ظلماؤه ... ومنار هدى السادر المتحير بدر ولكن أن تطع كامل ... ليث ولكن عند عزمته جري نذب تدل على علاه خلاله ... كالسيف يدري فضله في الجوهر سيف تحلى بالعلاء رياسة ... وصفت جواهره لظيب المكسر لو كانت العلياء شخصاً ماثلاً ... لرايته منها مكان المغفر وكذا رحيم من نمته فإنه ... حاز السيادة أكبرا عن أكبر نحن الرحيميون أن ذكر الندى ... نذكر وأن ذكر الخني لم نذكر أن أخبروك أو اختبرت علاءهم ... أنساك فضل البر طيب المخبر قسموا الثناء مع البرية والسنا ... يوما ففازوا بالقداح الأيسر شرف شرف سقاه الفضل وسمي العلى ... فتضوع أزهار الثناء الأعطر ساداتنا سادات كل معاشر ... أن حصلوا ولانت سيد معشري فإذا تلاحظت المكارم من فتى ... مضر أشار إليك أهل المحضر وإذا جروا يوم المكر سبقتهم ... وأتوا لقسمة مغنم لم تحضر وإذا دها خطب والظلم ليله ... جليت ظلمته بفضل تدبر وإذا وهبت فأنت أكرم واهب ... وإذا نطقت فأنت أصدق مخبر إياك يعني من غدا متناشدا ... بيتا رووه على مرور الأعصر وإذا تباع كريمة أو تشتري ... فسواك بائعها وأنت المشتري كم من يد عندي له أعلت يدي ... أن حصلت أو عددت لم تحصر هو مفخري يوم الجدال ومنصلي ... يوم النزال ورايتي في العسكر

من أين لي شكر يقاوم بعض ما ... فسرته وكثيرة لم أذكر فلأستعين عليه في شكري له ... بالأوحد القاضي الأجل الأكبر قاضي القضاة وماجد الأمجاد وال ... حبر المعظم والإمام الأشهر ملك الملوك ونخبة الأملاك من ... كلب وكل متوج في جير السامي النسبين أن ذكر العلا ... والمحرز الشرقين يوم المفخر من ذروة المجد الذي حل السهى ... وجري بسعد عطارد والمشتري لولاه ما طلعت أهله سودد ... فينا لو طلعت لنا لم تقمر من لم يرد علياه لم يرد العلى ... من لم يلذ بجريمة لم ينصر طرزت ديباج القصيد بذكره ... فأتى كما راقتك حلة عبقر ونشرت بعض خلاله فكأنني ... بالمسك قد أذكيت عود المجمر هو مفخر الأشعار ذكرت به ... فإذا خلت من ذكره لم تذكر وغدت كأجسام مضت أرواحها ... فتخالينا منسية لم تقبر يا باعثاً جدلي إليّ ومنجدي ... أبداً على صرف الزمان ومظهر يا باعث جذلي إلي ومنجدي ... أبداً على صرف الزمان ومظهري من بعد ما قضيت حق أبي أمي ... ية ذي المعالي والسناء الأبهر هنأت نفسي ثم جئت مهنئاً ... أنا حاضر معكم وإن لم أحضر أنا ذاك شيمتي الوفاء وأنني ... لا بالملول ولست بالمتغير وإذا تنكرت الأحبة فالرضى ... مني الجزاء ولست بالمتنكر أني لأصبر عند كل عظيمة ... وإذا ظلمت مجاهرا لم أصبر ودي هو الود الذي ينأى به ... أولى فجرب ثم بعد تخير مهما تقسني بالرجال وجدتهم ... مثل الحصا ووجدتني كالجوهر وإليكها مثل العروس زففتها ... سكرى تجر يولها بتبختر عذراء إلا نني حملتها ... عذر التأخر ليت لم أتأخر وركبت أعناق الرجال مسارعا ... وشققت كل ثنوفة لم تعمر مستهدياً عطف التجاوز والرضى ... مستنشقاً عرف الكثيب الأعفر فابسط بفضلك عذر وافدة العلى ... وأبسط لها وجه الكريم الموسر واسمح لها لا تنتقدها أنها ... مع مفرط الإعجال قول مقصر لولا تجاوزك الكريم لأصبحت ... نهب المزيف عرضة المستقصر

لا زلت تبقى للمحامد جامعا ... مع أحمد في ظل عيش أخضر والسعد ينشر فوق رأسك راية ... تبقى مع العليا بقاء الأدهر وكتب إليه الوزير الفقيه أبو بكر الطائي معاتباً له على تركه الزيارة قطعة أولها: طويل ألا هل أمر الدهر مثل أبي بكر ... بفكر فإني لست ينفك عن فكري فراجعه عنها: طويل سلام كما حيتك عاطرة لنشر ... وإلا كما هب النسيم مع الفجر وود كما سلسلت صافية الطللا ... وعهد كما راقت خدود من الزهر وذكر كما غنت حمامة أيكة ... وشوق كما حن الحمام إلى الوكر وحن إلى ذاك الجلال كما أتى ... حبيب بلا وعد ووصل على هجر تحية من يفديك من كل حادث ... وقيت الردى بالنفس والأهل والوقر ولله روض من جنابك زارني ... للفت له رأسي حياء أبا بكر هو السحر بل أخفى من السحر رقة ... وأسرى إلى الأكباد من نطف الخمر نسيت يدي مهما نسيتك معرضا ... وأخمل ذكري أن أرحتك عن ذكري ولا ذكرتني السن الحمد ما انثنى ... لساني عن حمد لأقوالك الغر ولكن عدتني عنك لا متلاهيا ... عود عدت من عادة الزمن النكر فحسن ولا تعتب بنا الظن والتمس ... وعندي لك العتب لنا أحسن العذر أمثلي يرى عن ذلك السرو سالياً ... سلوت إذاً عن كل مكرمة بكر ولو لم نكن بيني وبينك أسرة ... لهمت بذاك الفضل والعلم والشعر ولكنها قربى تعلق بالحشا ... لدي لها الإخلاص في السر والجهر وحب مع الأيام يزداد جدة ... تتمكن ما بين الجوانح والصدر ولم لا وقد أسلفت كل بديعة ... من الفضل قد خطت على صفحة البدر سقيت الملا ماء المكارم والندى ... وأطلعت في روض العلا أينع الزهر وقلدت جيد الدهر سلك محاسن ... وصنعت سوار المجد في معصم الدهر وألبستنيها من تنائك حلة ... مطرزة العطفين بالنظم والنثر نثرت على القول دار كأنه ... سقيط رذاذ الغيث في الورق النضر وكم لك عندي من يد المعية ... يقل لها بذل البقية من عمري

ومن مدح ضمتها كل مفخر ... حبيبة الأنفاس مسكية النشر تسير بها الركبان في كل غارب ... من الأرض سيراً مثل سير القطا الكدر بإنشادها تحدو لحداة ويهتدي ... بها كل من قد هام في المهمه القفر وهل أنت إلا دوحة المجد أثمرت ... لنا فاجتنينا يانعا ثمر الفخر نماك إلى العليا جهابذ سادة ... نمتهم ذوو التيجان في سالف الدهر ومن يك من قحطان فهو ممجد ... فقحطان ذو التاج المكلل بالدر وكم لك من جد رفيع متوج ... بتاجين من در وآخر من تبر فحاتمكم رب المكارم والعلى ... وحيداً كما قد قيل عن بيضة العقر وميسرة حاز البسيطة بالقنا ... وباليمنيات المهندة البتر وثار على ملك الأميين قائماً ... بملك بني العباس ناهيك من فخر بأرائه البيض ارتقى درج العلى ... وحل ذرى العليا براياته الخضر وفي يمن أضحى الفخار فإنها ... حمت أحمد المختار بالبيض والسمر ولم لم يكن للحميريين غير ما ... أتتنا به الآثار عن ملتقى بدر ويوم حنين إذ دعاهم محمد ... نبي الهدى فاستوصلت شافة الكفر فلا عزة ما لم تكن حميرية ... ولا همة إلا لمعتلي القدر وإن كانت الدنيا أرتك تجهما ... فمن عادة الدنيا مطالبة الحر وإن قعدت بعض القعود فقد درت ... بنك حقاً واحد الدهر والعصر وقد علمت قوم بأنك تاجها ... ولو أنها حلت ذرى الأنجم الزهر فتعسا الأيام تحط ذوي العلى ... وتعلي حطيط النفس والقدر والفخر فدونكها كالروض سامرة الحيا ... وحياة غب المحل منسجم القطر مقنعة خوف انتقادك خجلة ... كما أقبلت عذراء في حلل خضر على أنني أدري بأني مقصر ... ولكنني أرسلتها بيدي عذر فكنت كمن يهدي إلى الماء نغبة ... ويقصد أرض الهاشميين بالتمر ولابد من وصل الزيارة قائماً ... بحق العلى مني على دم البر وغني له في بعض أيام الأنس، شعر له لوطة بالنفس وهو: طويل خليلي سيرا واربا بالمناهل ... وردا تحية الخليط المزائل فإن سأل الأحباب عني تشوقا=فقولا تركناه رهين البلابل فكان بها من استحسنها ورغب إليه في أن يذلها فقال: طويل

وأن يتناسوني لعذر فذكا ... بأمري ولا تدري بذاك عواذلي لعل الصبا تأتي فتحيي بنفحة ... فؤادي من تلقاء من هو قاتلي فيا ليت أعناق الرياح تقلني ... وتنزلني ما بين تلك المنازل وفي بعض الليالي ني له هذه الشعر: وافر مجزور بدا فكأنه قمر ... على أزراره طلعا يفت المسك عن نيق ال ... جبين بنانه ولعا وقد خلعت عليه الر ... راح من أثوابها خلعا وحضر بها من استحسن الشعر ولعمل فرغب إليه في تذليلها فقال: وافر مجزوء فأهدى من محاسنه ... إلى أبصارنا بدعا فلما فت أكبدنا ... وحاز قلوبنا رجعا ففاضت أعين أسفا ... وفاضت أنفس جزعا وكانت بينه وبين ذي الوزارتين أبي الحسن جعفر بن الحاج صداقة سافرة الصفاء عاطرة الأرجاء، فخاطبه بشعر يروق سمعه، ويتعلق بالنفس موضعه، وهو: طويل سلام كما نمت بروض أزاهر ... وذكر كما نامت عيون سواهر تحية من شطت به عنك داره ... وأنت له قلب وسمع وناظر فيا سيد السادات غير مدافع ... ويا واحد الدنيا ولا من يفاخر لك الشرف الأسمى الذي لاح وجهه ... كما لاح وجه الصبح والصبح سافر لئن شهرت في المعلوات أوائل ... لقد شرفت بالمأثرات أواخر سجايا استوت منهن فكيف بواطن ... أقامت عليهن الدليل ظواهر أبا حسن شكري لبرك حافل ... وذكري وإن لم أقض حقك عاطر حرمت ندى تلك الظلال فأحرقت ... فؤادي سموم للنوى وهواجر وأني على فقد الصديق لجازع ... على أن قلبي للحوادث صابر حنانيك أغبيت العلاء فجئته ... أذكره عهدي فهل أنت ذاكر فإن كنت قد أخللت فالفضل باهر ... وإن كنت قد قصرت فالمجد عاذر أما أنه لولا خلائقك الرضى ... لما كان لي عذر ولا قام ناصر فمد يد الصفح الجميل فأنني ... على كل ما تولي وأوليت شاكر

وجرت بينه وبين الأجل الفقيه القاضي أبي أمية إبراهيم بن عصام مدة قضائه بمرسية ومعاتبات وأشعار ومراسلات أدخلت منها ما أسفرت له أوجه الاستحسان، وقامت على طبعه شواهد الإحسان، فمنها قوله من قطعة أولها: بسيط هي السيادة حلت منزل القمر ... وأنت منها سواد القلب والبصر وهي الجلالة لا تدري لها صفة ... لكنها عبرة جاءت من البعير أما المعالي فقد حطت رواحلها ... لديك ولخبر يغنيني عن الخبر ومنها: بسيط طرزت ثوب المعالي بعدما درست ... رسومه فأتانا معم الطرز رقت فراقت سناء للعلى شيم ... كأنها قطعت من رقة السحر وضاع عرف ثناء ذاع ريقه ... كما نشقت نسيم العنبر الذفر لولاك ما انساب ماء المكرمات ندى ... وعندي ولا سفرت لي أوجه البشر كم من يدلك في أجيادنا كتبت ... والله يعلمها في صفحة القمر لا تنثني أبداً نثني عليك بها ... كأنما هي آيات من السور يفديك كل من الأسوأ سوى نفر ... علمت بغيهم لا كان من نفر يخفون ضد الذي يبدون من ملق ... فلا تثقفهم وكن منهم على حذر إن الحجارة تلقى وهي خامدة ... حتى إذا قدحت حيتك بالشرر وله أيضاً من قطعة الذهب أولها، ولم يثبت إلا تغزلها: خفيف خص يا غيث مربع الأحباب ... وتعاهد بالعهد عهد التصابي ولتسلم على معرس سلمى ... ولتصل بالرباب دار الرباب هي روضات كل أنس وطيب ... ومغان سكانها أصل ما بي فكساها العلاء ثوب بهاء ... وسقاها الجمال ماء الشباب ثم طارت ألبابنا فبقينا ... بين أهل الهوى بلا الباب وأصيبت بها القلوب فصارت ... لشقاءي مألف الأوصاب أمرضتني مرضى صحاح ولكن ... ن عذابي بين الثنايا العذاب أقسم الشوق أن يقسم قلبي ... بين قوم لم يسألوا عن مصابي فرقة أثرت صدودي وأخرى ... أخذت حد سيرها في الذهاب أي وجد أشكو وقد صار متى ما ... لم أمت حسرة على الأحباب

بعت حظي من الوفاء متى ما ... لم أمت حسرة على الأحباب ولئن همت بالجمال فإني ... أبداً عفت موضع الارتياب ودعتني عن المقابح نفس ... خلقت من محاسن الآداب وكتب إليه أبو العباس أحمد بن حمدوس القرباوي شاكراً زيارته له، وناشراً لفضل صداقته معه: خفيف يا سريا تحتال منه الوزارة ... في الحلي تارة وف الحلي تاره بك تزدان خطة حملت من ... ك على شخصها بهاء وشاره ظهرت فيك للجلال خلال ... وعلى الندب للسناء إماره يا أبا بكر الوحيد بعصر ... لم يزل جاعلاً عليك مداره زرت بالفضل والفضائل تقضي ... أن نوالي إلى ذراك الزياره دمت بالفضل والفضائل تقضي ... إن نوالي إلى ذراك الزياره دمت يا نخبة الكرام عزيزاً ... ما تلا الليل في الزمان نهاره فراجعه: خفيف يا زكيا غدا يشيد فخاره ... مرشداً للعلى يشد إزاره وحساما براجحة المجد عضبا ... شحذت راحة الذكاء شفاوة سامر الفضل منك روض وفاء ... هصرت في يد العلى أزهاره وهمت ديمة الصفاء فروت ... مربع الود بيننا وثماره يا سنا مقلة الزمان أبا العب ... باس يا حلي جيده يا فخاره فإذا قيل من فتى الفضل يوماً ... وأشاروا فأنت معنى الإشارة زارني من سماء فكرك روض ... مثل ما واصل الحبيب الزيارة مهرق جاء في ثياب عروس ... أصبح المجد تاجه وسواره أي شكر أم أي بر يكافي ... حق حر سناءه قد أناره ومن العي أن أراجع لا بالشع ... ر فتى لا اشق فيه غباره غير أني وثقت أعضاء ندب ... عبر الدهر عنه أي عبارة وله: كامل خطت بنان الشوق بين جوانحي ... مرءاك فالتهبت من الوجد وتحدثت نفسي بزورتك التي ... قطعت بلا شك من الخلد فتعللك بالوهم وانتعشت ... سراً حشاشتها على البعد وله: كامل يا بغيتي قلبي لديك رهينة ... فلتحفظيه فربما قد ضاعا

أوقدته وتركته متضرما ... بأوار حبك يستطير شعاعا لا تسلميه فإنه نزعت به ... تلك الخلال إلى هواك نزاعا حاشا لمثلك أن يضيع ضراعتي ... ولمثل حبي أن يكون مضاعا أني لأقنع من وصالك بالمنى ... ومن الحديث بأن يكون سماعا وله في الأمير الأجل أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين في شعبان سنة خمس عشرة وخمس مائة: وافر سقى الله الحمى صوب الولي ... وحيا بالأراكة كل حي وإن ذكر العقيق فباكرته ... سحائب معقبات بالروي تروض مسقط العلمين سكبا ... وتلبسه جنى الزهر الجني ولا بليت لمرسية برود ... مطرزة بأشتات الحلي ذكرت معاهداً أقوت وكانت ... أواهل بالقريب وبالقصي أقول وإن غدوت حليف شجو ... أعلل لوعة القلب الشجي لأصرف عفة كفي ولحظي ... عن اللحظ العليل النرجسي وأخزن منطقي عن كل هجو ... وأهجر كل ملسان بذي ولما أن رأيت الدهر يدني ... دنيا ثم يسطو بالسني وجدت به على الأيام غيظاً ... كما وجد اليتيم على الوصي طلبت فما سقطت على خبير ... يخبر عن ودود أو صفي كما أني بحثا على كريم ... فما ألفيت ذا خلق على شخص سري هو الملك المعظم من ملوك ... ينير بها سنا الأفق السني له همم تعالي كل حين ... يفوت بها ذرى النجم العلي وحسن خلائق رقت فجاءت ... كما هب النسيم مع العشي مصون العرض مبذول العطايا ... ندي الترب مبرور الندي جواد جوده إن سال سيل ... ويأتي عرفه مثل الآتي يمد إلى العفاة يمين يمن ... تلين قسوة الدهر الأبي حلى ملكه بحلى نهاه ... كما أزدان المقلد بالحلي تدار عليه أكواس المعالي ... فتأخذ من هزير أريحي

يطارد بالضحا خيل الأعادي ... ويأوي كل وفد بالعشي لإبرهيم عند الله سر ... يدق عُلى على النظر الخفي يرى غيب الأمور إذا ادلهمت ... بعين الرأي والفكر البدي ويوضح كل مشكلة فيرمي ... بها فيصيب شاكلة الرمي درت صنهاجة ولها علاها ... بأن علاه مفتخر الندي وتعلم أنه السيف المحلى ... لدفع الخطب أو قرع الكمي وكم من سيد فيهم ولكن ... أتى الوادي فطم على القرى أيا ليث الحروب ومن تردى ... رداء الفضل والخلق الرضي لقد أصبحت روح العدل حقا ... واسود مقلة الملك الحفي سواك يريح من وخد المطي ... ويقصر عن مدى الأمل القصي وأنت تصادم العلياء لما ... غدت مرقى لكل فتى علي تصادر كل معضلة نود ... متى هجمت بصدر السمهري وتكشف كل غماء بهدي ... حكى هدى النبي الهاشمي أبا اسحق يا أمير ملك ... يقصر عنه ملك التبعي ليوسف مفخر يروى ويتلى ... كما يتلى الحديث عن النبي ركبت مناهج التقوى ففاقت ... أمورك كل أمر معتلي وسرت بسيرة العمرين عدلا ... ولم تقعد مضاء من علي أيا ملكت الملوك لدى قول ... فوطئ لي على كنف وطي وحسن فضل أخلاق كرام ... إذا حيت فعن مسكت ذكي لك الفضل الذي أوليتنيه ... فأشكره ولي حق الولي وأمري مظلم بالشرق حتى ... تبلجه لدى المولى العلي وهذا وقت خدمة كل أمر ... فسبب بي إلى السبب الحظي ومهما دار قول نمقته ... رجال لا تصاف إلى سري فلا تسمع لمشاء بنم ... ودع أقوال هماز غوي دعي الصفاء وليس يعطي ... بقدر الحب والود الخفي وليت قلوبنا شقت فتدري ... بها فضل الخون من الوفي ويهني المجد غزو نلت فيه ... جسيم الأجر بالسعي الزكي

كلامي قادة ودي فاهدي ... إليك قصيدة مثل الهدي فخذها كالعروس تفوت طبعاً ... ويا ويل الشجي من الخلي وله: فيه من قصيدة وجّه بها إليه في عيد الفطر سنة خمس عشرة وخمس مائة بسيط لدى سراك لعدو الجرد تصميم ... وفي عداك لبيض الهند تحطيم وللمكارم لا زالت مخيمة ... بساحة الدولة العلياء تخييم ثوى بربعك ملء الأرض منتظماً ... من المآثر منثور ومنظوم آيات عدلك تتلى وهي معتبر ... سر لكم في ضمير الدهر مكتوم لله فيك حديث سوف يوضحه ... وللمعالي على علياك تحويم تدبير ملكك بالتأييد مفتتح ... ما لم يكن هذا ملك فمذموم قسطت عدلك بين الناس فاعتدلوا ... وللمالك تقسيط وتقسيم لله فضلك ما يلقاك مكتئب ... ألا انثنى وهو مسرور ومعصوم قضى الإله وجود منك يغمرنا ... بان مالك بين الخلق مقسوم لما سريت إلى حمص وقد ظمئت ... أسرى إليها سحاب منك مركوم وافيت الريح تستقي الغمام بها ... مهما تهب فللأنواء تغييم كأنما المحل والأنواء تكنفه ... جيشان ذا هازم يلفى ومهزوم لما اكتسى الدهر واشيا من أزاهره ... ومبرم المحل منبث ومفصوم عاد الزمان ربيعاً عندما طلعت ... مني لها في سماء الفضل تعظيم رق النسيم وقت كل غادية ... فالأفق طلق برد الأرض مرقوم ومنها، بسيط قيدتني بأياد منك طائلة ... شتى فمنهن مجهول ومعلوم كم منة لك عندي لا ينوء بها ... شكري على أنه بالمسك مختوم من لي بذاك ولو وافتك تنجدني ... السبعة الشهب والسبع الأقاليم ومنها: بسيط يحف بي منك إعلاء وتكرمة ... بر بمنطقة الجوزاء محزوم من حق من هجر الأوطان من سعة ... وقادة نحوكم حب وتتييم أن يعتلي ويرى في النجم منزلة ... يحفه منك تكريم وتنعيم ومنها: بسيط بيني وبين النوى دخل فإن صدعت ... شملي فعندي تفويض وتسليم وإن تكن نثرت سلكي نوى قذف ... فإن سلك رجائي فيك منظوم

الوزير الكاتب أبو محمد بن القاسم رحمه الله

سقياً لعهد خليط لست أذكره ... ألا حننت كما قد حنت الهيم مهما تنسمت من تلقائه نفسا ... شوقاً تحدر من عيني تسنيم فالنفس من بعد جمر له صفة ... ميم وواو وجيم بعدها جيم عسى الليالي بسعد الملك تنظماً ... إن أنصف الدهر والإنصاف معدوم الوزير الكاتب أبو محمد بن القاسم رحمه الله رجل زهت به السياسة والتدبير، وجبل دونه يلملم وثبير، ووقار، لا يستفز ولو دارت عليه العقار، إذا كتب باهت البدر رقعته، وقرطست أفئدة المعاني نزعته، وضعته الدولة في مفرقها، وأطلعته في مشرقها، فاظهر جمالها، وعطر صباها وشمالها، فسهل لراجيها حزنها، وصاب بأحسن السير مزنها، واتضح بشرها، ونفح بعرف الأماني نشرها، وجادت يده بالحيا، وعادت به أيام الفضلبن يحيى، إلا أن الأيام أتقته، فما أبقته، وخشيه مكرها، فغشيه نكرها، فتخلت عنه الدولة تخلي العقد عن عنق الحسناء، وأعرضت عنه إعراض النسيم عن الروضة الغناء، وإنها لعالمة بسنائه، وهايمة بغنائه، ولكن الزمان لا يريد شفوفاً، ولا يرى أن يكون بالفضائل محفوفاً ويقيم مقام درياق سفوفاً، وهو اليوم قد انقبض عن أنواع الناس وأجناسهم، واستوحش من إيناسهم، وأنس بنتائج أفكاره، وهم بعيون العلم وأبكاره، وكلف بفنونه، وتصرف من سهوله إلى حزونه، ونبذ الدنيا نبذ النواة، وانتبذ من ملابسة الغواة، وصرف وجهه تجاه لبر والتقوى، وترك ربع الحظوة عافياً قد أقوى، وعلم أن الله به حفي، وأنه له صفي، وحين أعلقه بأسبابه، وصرفه عن باب الملك إلى بابه، وقد أثبت من نثره المنتخب، ونظمه المستحلى المستعذب، ما تعاطيه مدامة، ولا يدانيه قدامة، فمن ذلك ما راجعني به عن رقعة كتبها إليه مودعاً ووصفت فيها النجوم، عذيري من ساحر بيان، وناثر جمان، ومظاهر إبداع وإحسان، ما كفاه أن اعتام الجواهر اعتياماً، وجلاها في أبهج مطالعها نثراً ونظاماً، حتى حشر الكواكب والأفلاك، وجندها تحوى كتائب من هنا وهناك، وقدماً حمل لواء النباهة، وأعجز أدواء البداهة، فكيف بمن بكل حتى عن الروية، ورقض الخطابة رفضاً غير ذي مثنوية، وليس الغمر كالنزر، ورويدك أبا النصر، فما سميت فتحاً لتفتح علينا أبواب المعجزات، ولا مليت سروا لترتقي علينا إلى الأنجم الزهرات،

فتأتي بها قبيلا، وتريد منا أن نسومها كما سمت قوداً وتذليلا، وأنى لنا أن نساجل احتكاماً، وأن نباسل إقداماً، من أقدم حتى على القمرين، وتحكم حتى في انتقال الفرقدين، وقص قوادم النسرين، ثم ورد المجرة وقد تسللت غدرانها، وتفتح في جاماتها أقحوانها، وهناك اعتقد التخييم، وأحمد المراد الكريم، حتى إذا رفع قبابه، ومد كما أحب أطنابه، سئم الدهناء، وصمم المضاء، فاقتحم على العذراء رواقها، وفصم عن الجوزاء تطاقها، وتغلغل في تلك الأرجاء، واستباح من شاء أن يستبيحه من نجوم السماء، ثم أقنعه أن بهر بادلاله، حتى ذعرها بجياد أقواله، وغمرها بأطراد سلساله، فله ثم خيل وسيل، لأجلها شمر عن سوق التوءمين ذيل، وتعلق برجل السفينة سهيل، هناك سلم المسالم، وأسلم المعارض والمقاوم، فما الأسد وإن لبس البزة يلباً، واتخذ الهلال مخلباً، وإنما انتهض تحت صبا أعنته وقبض على شبا أسنته، وما لشجاع وإن هال مقتحماً، وفغر على الدواهي فما وقد أطرق مما رءاه، وما وجد مساغاً ناباه، وما الرامي وقد أقعص عن مرامه، ووجئت لبته بسهامه، أو لسماك وقد قطر دفينا، وغودر بذابله طعيناً، وما الفوارس وقد جللت سربتها عجاجة، ومسخت حلبتها زجاجة، ولذلك قطب زحل، واضطرب المريخ في نار وجد واشتعل، ووجل المشتري فامتقع لونه وضياؤه، وشعشع بالصفرة بياضه ولؤلؤه، وناهت الزهرة بين دل الجمال، وذل الاستبسال، فلذلك ما تتقدم تارة وتتأخر، وتغيب آونة ثم تظهر، وأما عطارد فلاذ بكناسه، ورد بضاعته في أكياسه، وتحجب الشمس بالغمام، واعتصم، بمغربه قمر التمام، هذه حال النجوم معك، فكيف بمن يتعاطى أن يشرع في قول مشرعك، أو يطلع في ثنية فضل مطلعك، وقد أدني وشك اقتضائ واقتضابك، وبعد من إغضابك فاعتمدت على إغضائك، فخذ السانح من عفوي، وتجاوز عن مقتي وصفوي، ثم متعني بفكري فقد رجع فليلاً، ودع لي ذهني عسى أن يتودع قليلاً، وأني وقد أصله من بينك الشغل الشاغل، وودعه من قربك الظل الزائل، ولا أنس بعدك ألا في تخيل معاهدك، وتذكر مصادرك النبيلة ومواردك، فسر في أمن السلامة محافظاً، وتوجه من ضمن الكرامة مشاهداً بالأوهام ملاحظاً، رعاك الله في حلك ومرتحلك، وقدمت على السني من متمناك والمرضي من أملك، بمن الله وفضله، واقرأ عليك

سلاماً يلتزمك في مقامك وسفرك، ويصحبك سرى أمامك وتأويباًِ على أثرك، ورحمة الله وبركته، ولما اشتهرت المخاطبة والجواب، وبهر الإبداع منهما والإغراب، وتهاداها كل ذكي وتعاطاها، وتوسد خد نباهته ابردي ارطاها، كتب إليه الأجل الفقيه الحافظ أبو الفضل ابن عياض في ذلك، قد وقفت أعزكما الله على بدائعكما الغريبة، ومنازعكما البعيدة القريبة، ورأيت ترقيكما من الزهر إلى الزهر، وتنقلكما إلى الدراري بعد الدر، فاحتما حمى النجوم، وقذفتماها من ثواقب أفهامكما بالرجوم، وتركتماها بعد الطلاقة ذلت جوم، فحللتما بسيطها غارة شعواء، لها ما عوت أكلب العواء، هناك افترست الفوارس، ولم تغن عن السماك الداعس، وغودرت النثرة نثاراً، وأغشي لؤلؤها نقعاً مثارا، كان لكما قبلها ثارا، وأشعرت العشريان ذعراً، قطعت له إحداهما أواصر الأخرى، فأخذ بالحزم منها العبور، وبدرت خيلكما وسيلكما بالعبور، وحذرت اللحاق عن أن تعوق، عن منحنى العيوق، فخلفت أختها تندب عهد لوفاء، وتجهد جهدها في الاختفاء، وكأن الثريا حين ثرتم بقطينها، اتقتكم بيمينها، فجذذتم بنانها، وبذلتم للخصيب أمانها، فعندها استسهل سهيل الفرار، فأبعد بيمنه القرار، وولى الدبران أثره دبرا، وذكر البعاد فوقف متحيراً، وعادت العوائد بشامها، والقت الجوزاء للأماني بنطاقها ونظامها، فمهلاً أعزكما الله سكنا الدهماء، فقد ذعرتما حتى نجوم السماء، فغادرتماها بين برق وفرق، وغرق أو حرق، فتزحزحا في مجدكما قليلاً، واجعلا بعدكما للناس إلى البيان سبيلا، فقد أخذتما بآفاق المعالي والبدائع، لكما قمراها والنجوم الطوالع، فكتب إليه مرجعاً عنها، بمثل نباهتك سارت الأخبار، وفيك وفي بداهتك اعتبار، لقد نلت فيها كل طائل، وقلت فلم تترك مقالاً لقائل، وعززت بثالث هو الجميع، وبرزت فأين من شارك الصاحب والبديع، جلاء بيان، في خفاء معان، هذا أثب للسهى جلالاً، وأشاد فيه لذوي النهى أمثالاً، وذاك رفع للأقمار لواء، والقى على شمس النهار بهجة وضياء، أقسم بسبقك، ومقدم حقك، لئن أفحمت بما نطقت، لقد أفهمت عن أي صبوح رفقت، ومهما أبهمت تفسيراً، فدونك منه شيئاً يسيراً، لما اعتمدنا نحن ذلك المظهر، فما أبعدنا هناك الأثر، بل اقتصدنا على الأصعاد، وقدنا في تلك النيرات كل سلس القياد، حتى إذا اشماز طلقها، فعز أبلقها، وصبحنا

مواردها، فافتتحنا ماردها، وثنينا عنان الكريمة، وارتضينا إياباً ببعض الغنيمة، هببت أنت هبوب زيد الفوارس، وقربت تقريب الأسد المداعس، تومض في وجوم، وتمتعض للنجوم، فاستخرجها من أيدينا، وأزعحتها عن نواحينا، ثم صيرت إليك شملها، وكنت أحق بها وأهلها، ومن هناك، وصلت سراك، فصبحت الفيالق، وفتحت المغالق، وتسنمت تلك الحصون، أقسمت لتخرجنهم من أذلة وهم صاغرون، فاذعن لشروطك الشرطان، وازدحمت بالبطين حلقتا البطان، وثار بالثريا ثبور، وعصفت بالدبران دبور، وهكذا استعرضت المنازل، واستهظم جميعها الخطب النازل، ثم تيامنت نحو الجنوب، فواها للمعاصم والجنوب، بسيط لم يبق غير طريد غير منفلت ... وموثق في حبال القد مسلوب استخرجت السفينة من لججها، وجالت الناقة بهودجها، وغودرت العقرب بخفق فؤادها، وذعرت النعائم فخاب أصدارها وإيرادها، ولما مسحت تلك الآفاق، فاثخنت فيها وشددت الوثاق، وعطفت الشمال، واتبعت أسباب الشمال، فلا مطلع إلا القى إليك باليمين، واستدارت حوله الفكة فسميت قصعة المساكين، وانتهيت إلى قطب فكان عليه المدار، وتبواتة ففيه من جلالتك افتخار، ثم أزحت صعادك، وأرحت ممسك الأعنة جيادك ونعمت بدار منك محلال، ثم ما نمت عن ذي إكبار لك وإجلال، تتيمة بسحر الكلام، وتجشمه لأن يستقل استقلالك بالإعلام، وإذ لا يتعاطى مضمارك، ولا يشق غبارك، فدونك ما قبلي من بضاعة مزجاة، وإليك مني معطي طاعة وطالب نجوة، إن شاء الله عز وجل، وكتب إلى الوزير الكاتب أبي بكر بن عبد العزيز مجاوباً عن كتاب خاطبه به مسلياً عن نكبته، متقارب ولو لو أقل شباة الخطوب ... بحد كحد ظبى الصارم ولم ألق من جندها ما لقيت، بصبر لأبطالها هازم ولم اعتبر حادثات الزمان ... بخبر خبير بها عالم لكان خطابك لي ذكرة ... تنبه من سن النائم ورداء يرد صعاب الأمور ... على عقب الصاغر الراغم فكيف وقد قرعت النائبات اصغارا، ولقيت هبوبها إعصاراً، ولم استعن في شيء

منها بمخلوق، ولا فوضت في جميعها إلا لأعدل فاتح وأحفظ موثوق، أسأله أن يجعلها كفارة للسيئات، وطهارة من دون الخطيئات، بمنه وكرمه، وأن خطاب السيد وصل، غب ما تجافى ومطل، فكان لحبيب المقبل، حقه أن يستمال ويستننزل، ولا عيب عليه فيما فعل، وقد علمت أنه أبطاً برهة متصلة، فما أخطا حفاظاً بظهر الغيب وصلة، وإنما نهنه عن مقتضى نظره، لينبه بفحوى تأخره، على أن العوائد أحمد من الباديات، والفوائد في النتائج لا في المقدمات، كما ختم الطعام بالحلواء، بل كما نسخ الكلام بالضياء، وبعث محمد آخر الأنبياء، وأن اختفاءه لمقدور حق قدره، ووفاءه لجدير بالمبالغة في شكره، ولقد بلغت مكارمته مداها، وسلت مساهمته عما اقتضاها، وقد آن أن ندع في ذكرى نهب صيح في حجراته، واستبيح من جهاته، وخطب وقد صرف الله عدآءه، وكشف بفضله غماءه، ولكن حديثاً ما حديث سحر جلوته مقالا، وسموت به إلى المهج حالا فحالا، يخترق الحجب إلى صميمها، ويرفق الآداب في تقاسيمها، ويخيل بالمعجزات عيانها، ويستميل إلى غرائب المبدعات أذهانها، ابابل في ضمير أقلامك، وما أنزل على الملكين في وزن كلامك، أم هو البيان لا غطاء دونه، وما أحقه أن يكونه، فما تسحر إلا بحلال، ولا تذر ثنية للعقول إلا أطلعتها بأهدى مقال: وإن قسيمك المجل لقدرك، وحميمك المتناهي في برك، تصفح ثناءك مجداً وطولاً، واستوضح أخاك عقداً وقولاً وأعطاك صفقة يمينه على المودة والإكبار، وولاك صفوة يقينه صادقة الإعلان والأسرار، فلن تزال بتوفيق الله ومجده، حيث تنشده وتعهده، على إبر ما تعتقده، إن شاء الله، ولما نفذ في أمره ما نفذ، وانفصل عن أمير المسلمين وانتبذ، خيرة في بلاد المغرب فاختار سلا، واعتقد أنه يانس فيها ويسلا، بمجاورة بني القاسم الذين غدوا بدور سمائها، وصدور سمائها، فلما حلها انقبض عليه أبو لعباس انقباضا تعي عليه أقبح نعي، ونسب فيه إلى قلة الوفاء والرعي، وكان بينهما أيام وزارته مودة محمودة التواخي، مشدودة الأواخي، واشتملت إذ ذاك على أبي العباس مساع أدجت مطلعه، وحنت على الوجد أضلعه، فجذب فيها أبو محمد بضبعه، والقاه بين بصر العضد وسمعه، فلما وردت مشيت إليه ونقمت عليه صدوده، وإيحاشة لمن كان ودوده، وعرفته بحرماته، وأوقفته على مواته، فاعتذر، بما يخاف من أمير المسلمين ويحذر، وكتب إليه، بسيط

الوزير أبو عامر بن أرقم رحمه الله تعالى

وا حسرتا لصديق ما له عوض ... وإن قلت من هو لا يلقاك معترض القاه بالنفس لا بالجسم منة حذر ... لعلة ما رأيت الحر ينقبض فكتب إليه أبو محمد مراجعاً بسيط شد الجياد إذا أجريت منقبض ... ما للوجيه على الميدان معترض أني تضاهيه فرسان الكلام من ... غبارة في هواديهن ما نفضوا جرت على مستو من طبعه كلم ... هي المشارب لكن ما لها فرض كان منشدها نشوان من طرب ... أو بلبل من سقيط الطل ينتفض تحية من بني العباس زار بها ... طيف من العذر في أثنائها يمض لا بالجلي فتستوفى حقيقته ... ويستبان بعين ما بها غمض لكن أغض عليه جفن ذي مقة ... كما يسد مسد الجوهر العرض يا من يعز علينا أن نعاتبه ... الأعتاب محب ليس يمتعض ناشدتك الله والإنصاف مكرمة ... أما الوفاء بحسن الود مفترض هب المزار لمعنى الريب مرتفع ... ما للوداد بظهر الغيب منخفض أما لكل نبيه في العلى حيل ... تقضى الحقوق بها والمرء منقبض كن كيف شئت فمن دابي محافظة ... على الذمام وعهد ليس ينتقض وهمة لم تضق ذرعاً بحادثة ... إن الكريم على العلات بنتهض والحر حر وصنع الله منتظر ... والذكر يبقى وعمر المرء ينقرض الوزير أبو عامر بن أرقم رحمه الله تعالى فريد الوقت وابن فريده، وعميد الكلام وابن وعميده، كان الوزير الكاتب أبو الأصبغ أبوه قد أربى على أهل أوانه، واستقر بكتابة زمانه فنبت أبو عامر في تربة العلم ونشأ في حجره، وشدا بين السحر البيان ونحوه، ثم لم يزل على كد الطلب وتعبه، اصبر من عود عضت جنباه بخلبه، حتى ارتوى من صافي الأدب ونميره، واحتجن من مصوحه ونضيره، فجمع حفظه بين الغريب الحوشي، والمولد الرياضي، وله شعر ونثر يفصحان بسعة باعه، ورحب ذراعه، ويشهدان أنه يغرف من عجاج، ويدع محاربه يعمه في عجاج، فمن ذلك قوله يمدح الأمير عبد الله بن مزدلي، بسيط سريت والليل من مسراك في وهل ... مبرا العزم من أين ومن كسل وسرت في جحفل يهدي فوارسه ... سناك تحت الدجا والعارض والهطل

والبدر محتجب لم تدر أنجمه ... أغاب عن سرر أم غاب عن خجل هوت أعاديك من سار يورقه ... ركض الجواد وحمل اللامة الفضل إذا الملوك نيام في مضاجعهم ... مستحسنون بهاء الحلي والحلل لله صومك برا يوم فطرهم ... وما توخيت من وجه ومن عمل نحرت فيه الكماة الصيد محتسباً ... وحسب غيرك نحر الشاء والإبل إذا صرير المداري هزهم طربا ... الهاك عنه صرير البيض والأسل وإن ثنتهم عن الإقدام عاذلة ... مضيت قدماً ولم تأذن إلى العذل كم ضم ذا العيد من لاه به غزل ... وأنت تنشد أهل اللهو والغزل في الخيل والخافقات البيض لي شغل ... ليس الصبابة والصهباء في شغلي ظللت يومك لم تنفه به ظمئا ... وظل رمحك في عل وفي نهل كلما رامت الروم الفرار أتت ... من كل أوب وضمتها يد الأجل فصار نقبلهم نهباً ومدبرهم ... وعاد غانمهم من جملة النفل فكم فككت عن الأغلال عن عنق ... وكم سددت بهذا الفتح من خلل أنت الأمير الذي للمجد همته ... وللمسالك يحميها وللدول وللمواهب أو للحظ أنمله ... ما لم تحن إلى الخطية الذبل لمزدلي لواء كان يرفعه ... مناسب كالضحا والشمس في الحمل الجابرين صدوع المعتفي لهم ... والكاسرين الظبى في هامة البطل والعادلين عن الدنيا ونضرتها ... والسالكين على الأهدى من السبل خير التبابع والأداء من يمن ... الغالبين على الآفاق الملل يسود في آخر الإعصار آخرهم ... وساد أولهم في الأعصر الأول يا أيها الملك المرهوب صولته ... والمرتجي غوثة في الحادث الجلل من كابد العدم لم يكمل له أمل ... والعدم من أقطع الأشياء بالأمل لولاه لم تبت الأشعار مرسلة ... عني وحقك لا نقضيه بالرسل فافصح لعبدك يا مولاي مغتفراً ... ما كان من خطا أو منطق خطل بقيت للدين والدنيا تحوطهما ... إذا حلا الغمض في الأجفان للمقل وكتب إلى الوزير الكاتب أبي جعفر بن مسعدة، سيدي الأعلى، وعلقي الأغلى، وذخري للجلى، أطال الله بقاءك محسود الجناب، محمود المقام والمناب، من كرم دام

عزك خيمه، وشرف حديثه وقديمه، أمط قبل أن يستبرق، وأثمر قبل أن يستورق، وأقبل دون أن يستقبل، واحتل قبل أن يستحل، سجية نفس تواقة إلى الحسنى، نزاعة إلى الأعلى، من النحار والأسنى، وكانت لك أعزك الله في جانبي مجالس ومشاهد، ومصادر وموارد، وصلت بها جناحي، مددت أوضاحي، ونبهت من ذكري البيت فأثقلت ظهري، وأوجبت علي الشكر دهري، وما تأخرت عن حضرتك لامحا لعزتك، وقاضياً حق مبرتك، ألا عن حال، لا تعين على الترحال، فعذرا عذرا، وغفرا غفرا، وعندي ود كماء المزن، وثناء كروض الحزن، جزاك الله يا سيدي جزاء الواصل وقد قطع الإلمام المواصر، وقد خولت الأيام الناصر، ولست أجدد الرغبة إليك، في شيء من أمري جار على الكريمتين يديك، قبل الهزفريت، وقبل النزول بساحتك قريت، وإن مننت بالمراجعة شفعت المكارمة بالمكارمة، واتبعت المساهمة بالمساهمة، وتطولت إن شاء الله، والسلام العاطر الناضر عليك ورحمة الله، وكتب إلى أحد إخوانه شافعاً لرجل يعرف بالزريزير، يا سيدي الأعلى، وعلقي الأغلى، وشهابي الأجلى، ومن أبقاه الله والأمكنة بمساعيه فسيحة، والألسنة بمعاليه فصيحة، موصله وصل الله جذلك حيوان، يصفر كل أوان، ويسفر بين الإخوان، رقيق الحاشية، أنيق الشاشية، يعتمد على كدواء، ويستمع بجدواء، ينظر من عين، كأنها عين، ويلقط بمنقار، كأنه من قار، أطبق على لسانه تخاله أغريضة، في ثوب أحريضة، يسلي المحزون، بالمقطع والموزون، ينفس عن المكظوم، بالمنثور والمنظوم، مسكي الطيلسان، تولد بين الطائر والإنسان، كما سمعت بسمع الفلاة، وعمر ابن السعلاة، قطع من منابت الربيع، إلى منازل الصقيع، ومن مطالع الزيتون، إلى مواقع السحاب الهتون، فصادف من الجليد، ما يذهب قوى الجليد، ومن البرد، ما لا يدفعه ريش ولا برد، والحدائق قد أغمضت أحداقها، وانحسرت أوراقها، والبطاح قد قيدت الفور، بحبائل الكافور، وأرقعت الصرد، فمني البائس بما لم يعهده، كما وسم بالزرزور ولم يشهده، ولما فال رأيه وأخفق أو كاد سعيه التفت إلى عطفة أشمط، وإلى أديمه أرقط، فناح، ثم سوى الجناح، وقد نكر مزاجه، ونسي ألحانه وأهزاجه، ولا شك أنه واقع بفنائك، وراشف من إنائك، أمل حسن غنائك واعتنائك، وأنت بارق ذلك العارض، ورائد ذلك الأنف البارض،

تهيئ له حبا، يجزيك عنه ثناء جميلا رحباً، وقد تحفظ يا سيدي رسائل تسام بها أهل الآداب، سوء العذاب، ودعى البطي منهم إلى الأهذاب، بسيط وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس وإذا ألقى كتابي إليك، يفسر هذه الجملة عليك، لازلت منافساً في العلوم، أسيا للأحوال والكلوم، إن شاء الله عز وجل وهو المستعان والسلام عليك ورحمة الله، ومن كلامه من مقامة إنشأها في الأمير تميم بن يوسف أيده الله ووصلها بالقرطبية أولها، قال فلان ابن فلان ولما اجتليت ما نصه، واستوفيت ما قصه، قلت أحق منزل بترك فعجت الرواحل، لا طوي المراحل، أمل كعبه الآمال، وقبلة الآمال، فينا أنا أسير، وقد لظي الهجير، ولا قعيد ولا ناطح، إلا الأكام والأباطح ولا سانح ولا بارح، إلا آلال والبارح، إذ رفع لي شخص، يقربه ذميل ونص، وإذا فتى عليه بزة، تشهد له بالعزة، يركب وجناء كأنها سبيكة لجين، قد أخلصتها يد القين، ويجنب دهماً تسبحاً، وكأنها ليل يباري صبحا، فلما دنا وقف، فظرف، ووضع من لثامه، وأوجز في سلامه، فرددت كما يرد العجل، وتوقعت فوته فقلت من الرجل، فقال: كامل إني امرئ لا يعتري خلقي ... دنس ويفنده ولا أفن من منقر في بيت مكرمة ... والفرع ينبت حوله الغصن فصحاء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه مصانع لسن لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن قلت في كل عود نار، واستمجد المرخ والعفار، لله أنت فما أصون جارك، وأكرم نجارك، لم تدب الضراء، ولم تمش الحمراء، فالتفت نحوي قائلاً النبع يقرع بعضه بعضاً ثم أداه الاهتبال، إلى السؤال، فقال أين أمك، وما همك، قلت غرناطة، فقال حيث اللمة المشفقة المحتاطة، والسدى، والندى، والأمجاد، والأنجاد، والإصراخ والأنجاد، والغور والنجاد، أكرمت فارتبط قلت وما علمك بها قال هي المطلع، وإليها بحول الله المرجع، قلت دنا مرادك، وتمثلت قتلت أرض جاهلها، وقتل أرض عالمها، ففهم النزعة فقال سل عما بدا لك على الخبير سقطت، طويل فأقبلت في الساعين أسأل عنهم ... سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله

الوزير الكاتب أبو محمد بن سفيان رحمه الله تعالى

قلت فسطاطها فقال قصور، تقر لها إرم بالقصور، وسور، أعين الحوادث عنه صور، كأنه الثغر المبتسم، والسلك المنتظم، ومن شعره فيها، متقارب فتى الخيل يقتادها ذبلا ... خفافاً تباري القنا الذابلا ترى كل أجرد سامي السليل تحسبه غصناً مائلا وجرداء أن أوجست صارخاً ... تذكرك الظبية الخادلا إذا شنهن بأرض العدى ... يصير عاليها سافلا ولم أدر بدر تمام سواه ... يسمونه الأسد الباسلا أقام العجاج سماء عليه ... وأقسم أن لا يرى أفلا ولم تصرف الهول هماته ... ومن يصرف القدر النازلا الوزير الكاتب أبو محمد بن سفيان رحمه الله تعالى من بلغت همته السماء، وجلت أسرته الظلماء، له الرتب المكينة، وعليه الوقار والسكينة، أخدم يراعه العوالي، واستخدم الأحرار والموالي، وأقام بدولة آل ذي النون وأقعد، وتبوأ سماكها واقتعد، فسما به قدرها، وهمى بسيبه قطرها، وحسنت سيرها، وأمنت غيرها، وحمدت أيامها، ووردت حمام الأماني خيامها، وله أدب غض المقاطف، رطب المعاطف، إن نثر فالنجوم في أفلاكها، أو نظم فالجواهر في أسلاكها، قد أخذ بمجامع القلوب كلمه، وأغذ في طرق الإبداع قلمه، وقد أثبت له ما تستهديه زهرا، وترتديه برداً محبرا، فمن ذلك قوله يخاطب أبا عيسى ابن لبون، وافر أبا عيسى أتذكر حين كنا ... على هام الكوكب نازلينا ندوس بخيلنا زهر الثريا ... ونوردها المجرة إن ظمئنا وننزل جبهة الأسد اعتسافاً ... إذا ما البدر سر بها كمينا ونطرق هودج العذراء وهنا ... فندخله عليها آمنينا إذا غنت لنا الجوزا مددنا ... لحل نطاقها منا يمينا وإن عرضت لنا كف الثريا ... سلبناها الخلاخل والبدينا إذا ما غار من ددنا سهيل ... على الشعرى فخلت به جنونا تجاوزنا العبور إلى العميصا ... ولم نرهب شجاعهم المبينا وله مراجعا إلى الحاجب ذي الرياستين أبي مروان بن رزين رحمه الله، بسيط

يا ابن الملوك أتتني عنك معجزة ... تنأى وإن قربت في أعين رأيها يشق سامعها في جيبه طرباً ... ويسمع الصخرة الصماء راويها لو أن هاروتهم لاحت لناظره ... لقال ما السحر إلا بعض ما فيها سماءه هي لا بل روضة رشفت ... ماء الغمامة فاخضرت حواشيها ومن بديعه الحسن، ومطبوعه المستحسن، هذه القطعة يخاطب بها القادر بالله يحيى ابن ذي النون رحمه الله، كامل خطبت بسبقي في الزمان يراعة ... سجدت إلى كفي وصلى المنصل أولست من وطئ السما تأودا ... وسما فقد سفل السماك الأعزل أغشي العوالي والمعالي باسها ... وأقول في الخطب البهيم فافصل ومتى أعد ليلاً نهارا صحيفة ... وضحت كواكبه عليه تهلل وإذا جلت جياد فكري في مدى ... سبقت فكبر حاسدون وهللوا رمدت عيون الحاسدين أما ترى ... قمر العلى والمجد ليلة يكمل ما الذنب عندهم ودونك فاخبرن ... ألا هوى بالمكرمات موكل همم إلى صرف العلى مصروفة ... وحجى أقام وقد تزحزح يذبل وبلاغة بلغت بآفاق الدنا ... وغدت تحية من يقيم ويرحل ولئن يضع فضلي ويذهب نقصهم ... صعدا فارجح كفة من يسفل فلا غشين الحادثات بصارم ... خدم غرارة حريق مشعل وبصيرة تذر العقول لوائحا ... فكأنها في كشفهن سجنجل ومشرب كالنار أن يذهب به ... كحضروان يسكن فماء سلسل نهد إذا استنهضه لملمة ... أعطاك عفواً عدوة من تسأل قيد الأوابد والنواظر إن بدا ... قلت الجواد أم الحبيب المقبل ومفاضة زغف كان قميصها ... ماء الغدير جرت عليه الشمال ترد العوالي منها شرعة حتفها ... وتغب فيه مناصل متفلل وعزائم بيض الوجوه كأنها ... سرج توقد أو زمان مقبل شيم عمرن ربوع مجد بن القاسم ... فأضاء معتكر وأخصب ممحل وكتب إلى الوزير أبي محمد بن القاسم، كتبت وما عندي من الود أصفى من الراح، وأضوأ من سقط الزند عند الاقتداح، وليس فيما أدعيه من ذلك لبس،

كيف وهو ما تجزي به نفسا نفس، فإن شككت فيه فسل ما تنطوي لي جوائحك عليه، أو اتهمته فارجع إلى ما أرجع عند اشتباه الأمر إليه، تجده عذبا قراحاً، سائل الغرة تياجاً، ولك لا يكون ذلك وبيننا ذمة تجل أن تحصى بالحساب، بيض الوجوه كريمة الأحساب، لو كانت نسيماً لكانت بليلاً، أو كانت زماناً لم تكن إلا سحراً أو أصيلا، فراجعه أبو محمد برقعة فيها، كتبت عن ود لا أقول كصفو الراح فإن فيها جناحاً، ولا كسقط الزند فربما كان شحاحاً، ولكن أقول أصفى من ماء الغمام، وأضوأ من قمر متوافي التمام، فراجعه عنها،، كتبت دام عزك عن ود كماء الورد نفحة، وعهد كصفائه صفحة، ولا أقول أصفى من صوب الغمام، فقد يكون معه الشرق، ولا أضوأ من قمر التمام، فقد يدركه النقص ويمحق، وليس ما وقع فيه الاعتراض مختصاً بصفو الراح، ولا بسقط الزند عند الاقتداح، فإن أمور العالم هذه سبيلها، وجياد الكلام كيف شاء مجيلها، وإنما نقول ما قيل، ونتبع ما أجاد التحصيل، وحسن التأويل، فنستعير ما استعاروا، ونسير من التلميح في القول إلى ما ساروا، وبين أنا لم نرد من الراح الجناح، ولا من الزند الشحاح، ولا من ماء الورد ما فيه من مادة الزكام، ولا زيادة في بعض الأسقام، وله متغزلاً، وهو مما تبوأ فيه الإحسان منزلا، بسيط يا ضرة الشمس قلبي منك في وهج ... لو كان بالنار لم تسكن ذرى حجر أبيت أسهر لا أغفى فإن سبحت ... أغفاءة فكمثل اللمح بالبصر إذا رأيت الدحى تعلو غواربها ... والنجم في قيدة حيران لم يسر أقول ما بال بازي الصبح ليس له ... وقع وما الغراب الليل لم يطر فإن سمحت بوصل أو بخلت به ... شكوت ليلي من طول ومن قصر لا أفقد النجم أرعاه وأرقبه ... في الوصل منك وفي الهجران من قمر وله فصل من رقعة، عمادي الأعلى أعزه الله شهاب إذا ظلم أفق، ووفاء إذا ضاع عند كريم حق، لا جرم أنه لسرو منار، ولمسيل الصفو قرار، به أنار ما أظلم، واستكمل من نقص من بهاء أدب واستتم، هذا ولم يبلغ أشدة، ولا استوفى في اكتهال حده، فكيف إذا أثمر زهره، وأبدر قمره، وتجاوز في الانتهاء رتبة، وحاز إلى طبع الكريم دربة، قسما ليحرزن المعالي، وإن أبى ذلك آب، ونبا فيه عن فهم الحقيقة ناب، ومجله أنا إن لم أراجعه

ذو الوزارتين أبو الحسن بن الحاج رحمه الله

عما نبه به أسعدي، وأثقب بتواخي الفضل منه أزندي، فلان القلم جمح في ميدان ما شرع، والكلم تعلق بأفنان من اخترع، فكان كالزهرة قطفت من رياضه، والنبغة ارتشفت من حياضه، ومحال أن أدعي معه صناعته، وأهدي إليه بضاعته، وله متغزلا، كامل نفسي فداك وعدتني بزيارة ... فظللت أرقبها إلى الأمساء حتى رأيت قسيم وجهك طالعاً ... لم تنتقصه غضاضة استحياء فعلمت أنك قد حجبت وأنه ... لو راء وجهك ما سرى بسماء وله إلى أبي أمية إبراهيم بن عصام يعرض بأحد الملوك رحمهم الله، منسرح أمرر بقاضي القضاة أن له ... حقاً على كل مسلم يجب وقل له أن ما سمعت به ... عن سر من راء كله كذب قد غرني مثلما غررت به ... فجئته يستحثني الطرب حتى إذا ما انتهيت صرت إلى ... سراب قفر من دونه حجب وسلة للسماح ناسخة ... لها نبي الألهة الذهب وله إلى أبي أمية وقد كتب إليه عين زمانه فرقعت نقطة على العين فتوهمها واعتقدها، وعددها وانتقدها كامل لا تلزمني ما جنته يراعة ... طمست بريقتها عيون ثناءي حقدت علي لزامها فتحولت ... أفعى تمج سمامها بسخاء غدر الزمان وأهله عرف ولم ... أسمع بغدر يراعة وأناء ذو الوزارتين أبو الحسن بن الحاج رحمه الله شيخ الجلالة وفتاها، ومبدأ الفضائل ومنتهاها، مع كرم كانسجام الأمطار، وشيم كالنسيم المعطار، أقام زمنا على المدامة معتكفاً، ولثغور البطالة مرتشفاً، لا يغدو إلى ثملاً، ولا يروح إلا بنشوة مشتملا، وجود أبدا هاطل، وجيدة إلا من المعالي عاطل، ثم فاء عن تلك الساحة، واختار تعب النسك عن تلك الراحة، فراح حليف خشوع، وأصبح بين سجود وركوع، وله شعر له في النفس شروق، وكان الحسن منه مسروق، وقد أثبت منه أنواعاً، يضم عليها الاستحسان جوانح وأضلاعا، ويجلها من تجويده منازل ورباعا، أخبرني الوزير أبا عامر بن يشتغير أنه حضر معه في مجلس ابن لبون في يوم صرف عنه الزمان صرفه، وغمض فيه الحدثان

طرفه، وزفت إليه الأماني أبكارها، وأطلعت عليه شموسها وأقمارها، وهزت فيه المدام أعطاف ندامه، وصار السعد من خدامه، وذو الوزارتين أبو الحسن قد نسك وعف، وأمسك عن الشهوات وكف، ولم تبق فيه للطرب إلا بقية لا تقبل إنسا، ولا تستحسن من أجناس اللهو جنسا (فحيّاه) فتى وسيم بكاس منهتكا عليه ومتواقعا، وطامعا أن يخرق من توبته ما غدا له راقعا، وأطمعه بفتور لحظ حسب أنه يفتنه، وتثور فيه فتنه، فأعرض عنه إعراض زاد، فير كلفٍ بالمحاسن ولا واجد، وقال: كامل ومهفهف مزج الفتور بشدّة ... وأقام بين تبذّلٍ وتمنعِ يثنيه من فعل المدامة والصبا ... سكران سكر طبيعةٍ وتطبّعِ أوما إليّ بكاسه فرددتها ... ودنا فشفّعها بلحظة مطمعِ والله لولا أن يقال هوى الهوى ... منه بفضل عزيمةٍ وتورّعِ لذهبت من تلك السبيل بمذهبي ... فيما مضى ونزعت فيه منزعي وله في أبي أميّة: كامل لي صاحبٌ عميت عليّ شوفه ... حركاته مجهولةٌ وسكونهُ يرتاب بالأمر الجليّ توهّما ... وإذا تيقّن نازعته ظنونهُ مازلت أحفظه على شرفي به ... كالشيب تكرهه وأنت تصونهُ وله في ذلك إليه: منسرح أسهر عيني ونام في جذل ... مدرك حظّ سعى إلى أجلِ دنياه مقصورةٌ عليه فما ... يطويها طائرٌ لذي أملِ قد لفقت بالمحال فاجتمعت ... من خدعٍ جمّة ومن حيلِ كم محنةٍ قد بليت منه بها ... وهو يرى أنّها يد قبلي وله في ذلك: وافر أخٌ لي كنت آمنه غرورا ... يسر بما أساء به سرورا هو السّم الذّعاف لشاربيه ... وإن أبدى لك الأرى المشورا ويوسعني أذى فأزيد حلما ... كما جذّ الذبال فزاد نورا وله في الغزل: خفيف من عذيري من فاترٍ ذي جفون ... صلن في صولة القدير الضعيفِ

علق مجد علقته وقديما ... همت بالحسن في النصاب الشريفِ يطلع الشمس في المساء ويهدي ... زاهر الورد في زمان الخريفِ يا مديرا من سحر عينيه جمرا ... أنا مما أدرت جدّ نزيفِ علّل المستهام منك بوعد ... وإليك الخيار في التسويفِ وله في مثل ذلك: سريع آه لما ضمّت عليه الجيوب ... من زفراتٍ وقلوب تذوب جاء بي الحبّ إلى مصرعي ... في طرق سالكها لا يؤب واستلبت عقلي خمصانة ... نابت مناب الشمس عند الوجوب يسحرني منها إذا كلّمت ... وجه مليحٍ ولسان خلوب تقول إذا أشكو إليها الهوى ... سبحان من ألّف بين القلوب وله في مثل ذلك: طويل أزورك مشتاقاً وأرجع مغرما ... وأفتح باباً للصبابة مبهما امنعي السقم الذي عاد حمله ... عزيزٌ علينا أن نصحّ وتسقما منعت محبّاً منك أيسر لحظة ... تبلّ غليل الشوق أو تنقع الظما وما ردّ ذاك السجف حين رميته ... عن القلب سيفا من هواك مصمّما هوى لم تعن عين عليه بنظرة ... ولم يك لأسمعه وتوّهما وملتقطات من حديث كأنما ... نثرن به سلك الجمان المنظّما دعون إليك القلب بعد نزوعه ... فأسرع لمّا لم يجد متلوّما وله إلى القاضي أبي أميّة: طويل تقلّص ظلّ منك وازورّ جانب ... واحرز حظّي من رضاك الأجانبُ وأصبح طرفاً من صفائك مشرعي ... وأي صفاء لم تشبه الأشائبُ رويداً فلي قلب على الخطب جامد ... ولكن على عتب الأحبة ذائبُ وحسبك إقراري بما أنا منكر ... وإنّي ممّا لست أعلم تائبُ أعد نظرا في سالف العهد أنّه ... لأوكد مما تقتضيه المناسبُ ولا تعقب العتبى بعتب فإنّما ... محاسنها في أن تتم العواقبُ وأغلب ظنّي أنّ عندك غير ما ... ترجمه تلك الظنون الكواذب لك الخير هل رأي من الصفح ثابت ... لديك وهل عهد من السمح عايب

يحثّ ركابي أنّني لك هائمُ ... ويثني عناني أنني لك هائبُ وإن سؤتني بالسخط في غير معظم ... فها أنا منك اليوم نحوك هاربُ وله إلى ذي الوزارتين أبي بكر بن رحيم في محرّم سنة سبع عشرة وخمس مائة منسرح يا دوحةً ما يريمها ثمر ... وروضة كلّ نبتها زهرُ يا مزنةً لا تغبّ نافعة ... والمزن في طول صوبه ضررُ يا منهلاً قد صفا فلا كدر ... يصدّ عن ورده ولا حظرُ يا عصرة الحرجين لا عصر ... يوجد في حادث ولا أسرُ برّك ذاك الفيّ اثقلتي ... وحمل ما لا أطيقه خطرُ فلتعفني من نداك تتبعه ... حسبك ما لقيت يا عمرُ قد ذهبت جملة الوفاء فما ... في الناس خبرٌ لها ولا خبرُ وصرت في معشر حقودهم ... تبدو إذا كلموك أو نظروا بني رحيم ركبتم سننا ... في المجد لا يقتفى له أثرُ كلّ أفانين برّكم عجب ... وكلّ أيام دهركم غررُ وله: كامل مجزوء عجباً لمن طلب المحا ... مد وهو يمنع ما لديه ولباسط آماله ... في المجد لم يبسط يديه لِمَ لا أحب الضيف أو ... أرتاح من طرب إليه والضيف يأكل رزقه ... عندي ويحمدني عليه وله: رمل كلّ من تهوى صديق محض ... لك ما لا تتقي أو ترتجي فإذا حاولت نصراً أو جدا ... لم تقف إلا بباب مرتجِ وله يتغزل: طويل وبيضاء ينبو اللحظ عند التفاتها ... وهل تستطيع العين تنظر في الشمسِ وهبت لها نفساً عليّ كريمة ... وقد علمت أنّ الضنانة بالنفسِ أعالج منه السخط في حالة الرضا ... ولا أعدم الإيحاش في ساعة الأنسِ وله مع تفاح أهداه: وافر بعثت بها ولا ألوك حمداً ... هديّةً ذي اصطناعٍ واعتلاقِ خدود أحبّةٍ وافين صبّا ... وعدن على ارتماضٍ واحتراقِ فحمّر بعضها خجل التلاقي ... وصفّر بعضها وجل الفراقِ

ابنه ذو الوزارتين أبو محمد أبقاه الله تعالى

وله في زرزور: كامل يا ربّ أعجم صامت لقّنته ... طرف الحديث فصار أفصح ناطقِ جون الإهاب أعير فوه صفرةٍ ... كالليل طرّزه وميض البارقِ حكم من التدبير أعجزت الورى ... ورأي بها المخلوق لطف الخالقِ وله يعاتب المعتمد بن عبّاد لما أجرى مرّتبه على يد ابن ماض: وافر عدمت بصيرتي وسداد رأيي ... ولوعاً بالحديث المستفاضِ وصرت مؤمّلاً أملاك حمص ... ورود الهيم مسفرة الحياضِ وردناها فالفينا أموراً ... مصرّفةً على رأي ابن ماضِ كأنَّ رئيسها الأعلى يتيم ... يدور عليه منه حكم قاضِ وإنَّ من الغرائب أنّ مثلي ... يحلّ بهم فيرحل غير راضِ وله عند انفصاله من إشبيلية: طويل تعزّ عن الدنيا ومعروف أهلها ... إذا عدم المعروف في آل عبّادِ أقمت بهم ضيفاً ثلثة أشهر ... بغير قرى ثمّ ارتحلت بلا زادِ وله: بسيط كم بالمغارب من أشلاء محترم ... وعاثر الجدّ مصبورٌ على الهونِ أبناء معن وعبّاد ومسلمةٍ ... والحميريين باديس وذي النونِ راحوا لهم في هضاب العزّابنية ... وأصبحوا بين مقبورٍ ومسجونِ وله: طويل كفى حزناً إنّ المشارع جمّة ... وعندي إليها غلّةً وأوامُ ومن نكد الأيام أن يعدم الغنى ... كريمٌ وإنّ المكثرين لئامُ وله يتغزل في معذر: متقارب أبا جعفر مات فيك الجمال ... فأظهر خدّك لبس الحدادِ وقد كان ينبت زهر الرياض ... فأصبح ينبت شوك القتادِ ابنِ لي متى كان بدر السمام ... يدرك بالكون أو بالفسادِ وهل كنت في الملك من عبد شمسٍ ... فأحنى عليك ظهور السوادِ وله يتغزل: كامل ومعذّر رقت محاسن وجهه ... فقلوبنا وجدا عليه رقاقُ لم يكس عارضه السواد وإنّما ... نفضت عليه صباغها الأحداقُ ابنه ذو الوزارتين أبو محمد أبقاه الله تعالى

الوزير الكاتب أبو محمد بن عبدون رحمه الله تعالى

له بدائع مائسات الأعطاف، مستعذبات الجنى والقطاف، تتنسمها زهر كمام، وتتوسمها بدر تمام، وترودها روضة ممطورة، وتراها على الأحجاز مجبولة مفطورة، وتخالها كواعب في خيام الأفهام مقصورة، وتثنيها إليك أفناناً بأيدي الأذهان مهصورة، مع تفاوت معلواته، وتهافت أدواته، وكرمه المنسجم الغمائم، وهممه السامية مذ نيطت عليه التمائم، فمن ذلك رقعة خاطبني بها، يا سيدي أبا النصر، المعي العصر مثني الوزارة، وسنّي الإمارة، كيف أساجلك في الأدب، وأنت تملأ الدلو إلى عقد الكرب، وأنا أمتاح من وشل، وأستنجد بفشل، وأستعين بنفس شعب الدهر اجتماعها، وقصر باعها، وأخملها عظيمة كريمة، عندما أظهر سواها لئيمة ذميمة، وهي الأيام، حربها الكرام، ولا أبعد، وأنت الماجد الأصيد، تخلفك في ما تعد، والدول تتقوّل لو حلّى عاطل أجيادنا، وتولى تصريف أنجادنا وجيادنا، لكان إشراقنا يروق، كما طلعت البروق، فهي تعترف، والحظ لا ينصف، وعساها تلين، ولعلّ إسعادها يبين، فنستنجز للحظوة وعدا، ونرد لنداك ماء عدا، إن شاء الله، ووافيت بلنسية صادرا عن سرقسطة فكتب إليّ مستدعياً فسرت إلى مجلس منضّد بالآس، مشيّد بالإيناس، معزّز الجلاّس، معطّر الأنفاس، فبتنا ندير الأنس ونتعاطاه، وقد وسد السرور خدودنا أبردي أرطاه، فلما كان من الغد كتب إليّ. واحدي أبا النصر مثني الوزارة كيف أستسقي لموضع احتلالك، وحسبه صوب نوالك، وأمتري الغمام لمنازلك، وكفاها فيض أناملك، ترسل من نوافلها دررا، وتنظم في لبّات الزمان من محاسنها دررا، قسما لولا وقفة، حنّت عليها من وداعك عطفة، انتهزتها مولعاً بحلال صبّا، وقد يوخد العلق الممنّع غصبا، ما لاح للأنس علم، ولا سكن لنواك ألم، فإنّما ألمعت بساعات قربك إلماعا، ملأت بها عيوناً وأسماعا، ومددت فيها للأدب والبحث باعاً وساعا، لم تمتع بحظّها حتى جعلت تسليمها وداعا، فلئن رحلت فإنّ هذه نفوس تشيّع، وقلوب تذوب فتدمع، وما هي أبا نصر إلا بديهة خاطر، في التعرض لك مخاطر، أرجو لكفّ شباة نقدك، عنها فضل ودّك، ولمأمول أغضائك، باهر علائك، فلا زالت حلاك رائقة، وعلاك شائقة، إن شاء الله. الوزير الكاتب أبو محمد بن عبدون رحمه الله تعالى

منتمى الأعيان، ومنتهى البيان، المطاول لسحبان، والمعارض لصعصعة بن صوحان، الذي اطلع الكلام زاهرا، ونزع فيه منزعاً باهرا، نخبة العلاء، وبقية أهل الإملاء، الشامخ الرتبة، العالي الهضبة، فاق الأفراد والأفذاذ، ومشى في طرق الإبداع الوخد والأغذاذ، وراقت رقة ما يحويه العراق وبغذاذ، له الأدب الرائق البهيج، والمذهب العاطر الأريج، فاز بمقاد، الانتقاد، وأمسك عن عنان، الافتنان، وقد أثبت له من البدائع الروائع، ما هو أصفى من الوقائع، وأبهى من الشمس في المطالع، حللت يابرة فأنزلني وإليها بقصرها، ومكنني من جنى الأماني وهصرها، فأقمت ليلي، أجرّ على المجرّة ذيلي، وتتطارد في ميدان السرور خيلي، فلمّا كان من الغد باكرني الوزير أبو محمد مسلمّا، ومن تنكّبي عنه متألما، ثم عطف على القائد عاتباً عليه، في كوني لديه، ثم انصرف وقد أخذني من يديه، فحللت عنده في رحب، وهمت عليّ من البرّ أمطار سحب، في مجلس كانّ الدراري فيه مصفوفة، أو كانّ الشمس إليه مزفوفة، فلما، حان انصرافي، وكثر تطلّعي إلى قيامي واستشرافي، ركب معي إلى حديقة نضرة، مجاورة للحضرة، فانحنا عليها أيدي عيسنا، ونلنا منها ما شئنا من تأنيسنا، فلما امتطيت عزمي، وسددت، إلى غرض الرحلة سهمي، أنشدني: طويل سلام يناجي منه زهر الربى عرفُ ... فلا سمع إلا ودّ لو أنه أنفُ حنيني إلى تلك السجايا فإنّها ... لآثار أعيان المساعي التي أقفُ دليلي إذا ما ضلّ في المجد كوكبي ... وإن لم يعقه لا غروب ولا كسفُ نأى لا نأي عهد التواصل بيننا ... فمجد به رسم التواصل لا يعفُ واطلعه يستام العقول كأنما ... يلاحظنا من كلّ حرف له طرفُ تقابلنا منه السطور بواسما ... أثغر تفري عن لمى الخبرام حرفُ معانٍ وألفاظ كما رقّ زاهر ... من الروض أو دارت معتّقة صرفُ تحلّ حبا الأحلام هزّاً كأنما ... لسامعها في كل جارحةٍ عطفُ يودّ بجدع الأنف شانيك أنها ... لناظره كحل وفي أذنه شنفُ فأنت الذي لولاه ما فاه لي فم ... ولا هجست نفسٌ ولا كتبت كفُّ نصيري أبا نصر على الدهر لا النوى ... فمنك لنا نصر وأنت لنا كهفُ

رحلت ولا شسعي ولا مركبي معي ... فلا حافر يقضي ودادي ولا خفُّ ولست على التشييع إن سرت قادرا ... فلا عيشة تصفو ولا ريشة تضفو عزيزٌ على الدنيا وداعك لي غدا ... فلا أدمع تهمي ولا أضلع تهفو سأشكو إليك البين حسبي ويا له ... ولو غيره ما ضاق عدلٌ ولا صرفُ أقلني بلى أشكو إليك لياليا ... مضت وعلى أظفارها من دمي وكفُ وإنّ حبيا بنت عنه لعاطل ... وإنّ عرينا غاب عنك لملتفُّ وله: متقارب سقاها الحيا من مغانٍ فساح ... فكم لي بها من معانٍ فصاحِ وحلّى أكاليل تلك الربى ... ووشّى معاطف تلك البطاحِ فما أنس لا أنس عهدي بها ... وجرّي فيها ذيول المراحِ ونومي على حبرات الرياض ... تجاذب بردي مرّ الرياحِ بحيث لم أعط النهى طاعةً ... ولم أصغ سمعاً إلى لحي لاحِ وليل كرجعة طرف المريب ... لم أدر له شفقاً من صباحِ وله: وافر أخلاني وفي قرب الصدور ... ظبٌي تمضي على قمم الدهورِ وقد ضمّت جوانحنا قلوباً ... أبت غير القبور أو القصورِ إذا الكرماء باتت تحت ضيم ... فما فضل الكبير على الصغيرِ فقبل أبي الدنيّة قيس عبس ... ولم يصغي إلى قول العشيرِ وله: متقارب وما أنس ليلتنا والعنام ... قد مزج الكلّ منّا بكلِ إلى أن تقوّس ظهر الظلام ... وأشمط عارضه واكتهل ومس رقيق رداء النسيم ... على عاتق البل بعض البلل وله: كامل هل تذكر العهد الذي لم أنسه ... ومودتي مخدومةٌ بصفاءِ ومبيتنا في نهر حمص والحجا ... قد حلّ عقد حباه بالصهباءِ ودموع طلّ الليل تخلق أعينا ... ترنو إلينا من عيون الماءِ وله: طويل وما أنس بين النهر والقصر وقفة ... نشدت بها ما ضلّ من شارد الحبِّ رميت بعيني رمية جمحت بها ... فلم أنتهي إلا ومجروحها قلبي وله: وافر أقول لصاحبي قم لا بأمر ... تنبه إنّ شأنك غير شأنِ لعلّ الصبح قد وافى وقامت ... على اليل النوائح بالآذانِ وله: طويل مررت على الأيام من كل جانب ... أصعّد فيها تارةً وأصوّبُ

ينيرني الثغران صبح وصارم ... ويكتمني القلبان ليل وغيهبُ وقد لفظتني الأرض إلا تنوفة ... يحدثني فيها العيان فيكذبُ وله القسم الأول للمتوكل بن الأفطس: كامل مجزوء الشعر خطّة خسف ... لكلّ طالبٍ عرفِ للشيخ عيبة عيب ... وللفتى طرف ظرفِ وكتب إليّ مراجعاً قد رماني على فوت من بياني بيانك وقد تولّى إحساني وأرجحنّ إحسانك بعينين من النظم والنثر نجلاوتين لو رقرقهما لنوء الثريا لتهلل برقها واستهلّ ودقها وفصلين من در وياقوت بل أصلين من سحر هاروت وماروت إذا لمحت النثر قلت لو نظم هذا لفسد وإذا تصفحت النظم قلت لو نثر هذا لتبدد ولئن أشرعت إليّ من البيان رمحا فيه نصلان ما من طرفيه إلا عاليه ركب فيه سنان قاض ولا من شفرتيه إلا فارية لا يثبت لها جنان ماض وقابلتني من كتائب الكتابة ومقانب الخطابة بطفيلها وبابنه عامر قائد خيلها وبابي براء ملاعب أسنتها وبابن الصماء صاحب أعنتها ودريدها يمن نقيبه وزفرها كثرة قعدة منها وكتيبه فإلى أي لامة تسدد رماحك وعلى أي هامة تجرد صفاحك هل تجد إلا من يمر بين يديك في شخص ضئيل وينظر إليك من طرف كليل وهل تجس إلا ضلوعاً من ساكنيها قفارا أو دموعاً من التاسف على التخلف حرارا ولا تستعد إلا بالتسليم لسبقك والتعظيم لحقك أنصاراً بادني لمحة من نثير منك أو نظيم فيرد من الأوهام والأفهام كل لفحة ولو كانت من نار إبرهيم وتركد من البصائر والخواطر كلّ نفحة ولو كانت من الريح العقيم دع ذا وعد القول في هرم هذا الزمان معليّ همم الأعيان جمال الدين والدنيا الرئيسي الأسنى أبي يحيى وأقسم بمساعيه العظام وأياديه الجسام المحليّة لأعناق الكرام المزرية بأطواق الحمام لقد نشرت عليه ثوب إحسان تقصر عنه صنعة قس وسحبان وأنه لا بصر بكرامة الضيفان من زرقاء اليمامة بعسكر حسان وأما ذلك المصحف المبدل للمعاني والأغراض المقابل لما لا يفهمه بالاعتراض فما الحساب لما طنّ الذباب إذا طنّ لا يناوبه بصفيره العصفور فكيف يجاوبه بزئيره الليث الهصور ولولا تمريث الزمان بذكره وتلويث الأواني بقبائحه ونكره لرأيتك من خطله وزلله ما يضحك الثكلى ويستدرك به الجاحظ

الوزراء بنو القبطرنية من أهل بطليوس

باب النوكى دع عنك رواحل الضليل والأشغال بالأباطيل من الأقاويل الحق الله ثانيه ابن أبي سلمى بخيار أهل ملّته فلقد انتفع السلف والخلف بحكمته ونادى عليه لسان الزمان فاسمع من كانت له أذنان وكأنه ما عني غير ذلك الإنسان وإن كان في غير هذا الأوان. طويل وذي خطلٍ في القول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله عبات له حلماً وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله وفي القطر الذي أنت فيه أدام الله بسطة ناصره وحاميه ووصل عزة حاضره وناءيه شرف قديم وسلف كريم وآداب وعلوم وألباب وحلوم وأودية يجتابها الفضل والطول عذاب وأندية ينتابها القول والفعل رحاب وعليك سلام الله ما لاح شهاب ووكف سحاب. الوزراء بنو القبطرنية من أهل بطليوس هم للمجد كالأثافي وما منهم غلا موفور القوادم والخوافي إن ظهروا زهروا وإن تجمعوا تضوعوا وإن نطقوا صدقوا ماؤهم صفو وكل واحد منهم لصاحبه كفو أنارت بهم نجوم المعالي وشموسها ودانت لهم أرواحها ونفوسها ولهم النظم الصافي الزجاجة المضمحل العجاجة وقد أثبت منه ما ينفح عطرا ويسفح قطرا فمن ذلك ما كتب به إليّ أبو محمد منهم. طويل أبا النصر إنّ الجدّ لاشك عاثر ... وإنّ زمانا شاء بينك جائرُ فلا توجت من بعد بعدك راحة ... براح ولا حنّت عليها المزامر ولا اكتحلت من بعد نايك مقلة ... بنوم ولا ضمّت عليها المحاجرُ ولي رغبةٌ جاءتك وهي مدّلة ... تسوق إليك الحمد وهو أزاهرُ لتعلم أني عن جوابك عاجز ... ومعتذر فيه فقل أنا عاذرُ وكيف أجاري سابقاً لم تقم له ... هبوب الصبا والعاصفات الخواطرً إذا قيل من هذا يقولون كاتب ... وإن قيل من هذا يقولون شاعرُ وإن أخذ التحقيق فيه بحقّه ... وقيل ومن هذا يقولون ساحرُ تشيّعك الألباب وهي أواسف ... وتتبعك الألحاظ وهي مواطرُ وله: كامل يا صاحبيّ تنبها لمدامة ... صفراء تجلى فوق كفّ أحمرِ واستقبلا برد النسيم وطيبه ... تحت الدجا فوق الكثيب الأعفرِ

واستعملاها سكرة قروية ... قبل الصباح وقبل صوت العصفر فاليوم بين محدث ومخبر ... وعداً ترى أحدوثة المستخبرِ وله: رمل مجزوء يا خليليّ لقلب ... نيل من كل الجهاتِ ليمَ أن هام بريّا ... بالبنينا والبناتِ وبان صادته سمر ... بين بيض خافراتِ بلحاظ ساحرات ... وجفون فاتراتِ وبجيد الظبية ارتا ... عت فظلت في التفاتِ وبعيني مغزل تر ... عى غزالا في فلاتِ تتمشى بين أترا ... ب لها حور لذاتِ وعليها الوشي والخزّ ... وبرد الحبراتِ راعها لما التقينا ... ما درت من فتكاتِ عثرت ذعرا فقلنا ... والعاً للعاثراتِ ضحكت عجباً وقالت ... لاخصّ الفتياتِ راجعيه ثمّ قولي ... ائتنا في السمراتِ وارقب الأعداء واحذر ... للعيون الناظراتِ فإذا أعلق فيها النّ ... وم إشراك السناتِ وعلا البدر جلاب ... يب لباس الظلماتِ فاطرق الحيّ تجدنا ... في ظهور الحجراتِ فالتقينا بعد ياس ... بدليل النفحاتِ وتلازمنا اعتناقا ... كالتواء الألفاتِ وبثثنا بيننا شج ... وا كنفث الراقياتِ وبردنا لوعة الحب ... ب بماء العبراتِ وتشاغلنا ولم نع ... لم بأنّ الصبح آتِ وبدت منه تباشي ... ر مشيب في شواتِ وله: طويل ومنكرة شيبي لعرفان مولدي ... ترجع والأجفان ذات غروبِ فقلت يسوق الشيب من قبل وقته ... زوال نعيم أو فراق حبيبِ وله: يخاطب الوزير أبا محمد بن عبدون: بسيط يا خابط الليل فوق الفوق الجون ... مسهد الجفن يحدو البين بالبينِ يكابد النوم قد مالت عمامته ... أبلغ معطرة عني ابن عبدونِ مسكيّة ربعت في حومل وشتت ... بالجزع ما بين قيصوم ونسرينِ وزارت الغور ممطوراً وسار بها ... ساري الجنوب على أكتاف دارينِ نذكر العهد قد شدت أوائله ... وراثة عن مطاعيم مطاعينِ ويحمل الودّ قد صانت أواخره ... أصالة من مناجيب ميامينِ ورغبة تخجل العليا متوّجة ... إليك عن صاحب بالغيب مأمونِ

وله: وافر مجزوء إذا ما الشوق أرقني ... وبات الهمّ من كثبِ فضضت الطينة الحمرا ... ء عن صفراء كالذهبِ وله في زوجه وقد أقلقه الحزن (وتدفقت دموعه مثل المزن) : بسيط مجزوء يا كوكب أسعدا حزينا ... أسهر ليل القريض عينه يا ويلتي كان لي حبيب ... فرّق الدهر بيني وبينه أهون وجدي على نواه ... وجد جميل على بثينة وله فيها أيضاً: وافر معاذ الله أن أسلو ببدر ... وإن أصبو إلى كاس وخمرِ ولا لاراكة نهضت بحقب ... ولا لروادف وهظيم خصرِ ولا تفاحة طلعت بخدّ ... ولا رمانة نبتت بصدرِ وإن الهو من الدنيا بشيء ... وأم الفضل يا سفى بقبرِ وبات مع أخويه في أيام صباه واستطابة جنوب الشباب وصباه بالمنية المسماة بالبديع وهي روض كان المتوكل يكلف بموافاته ويبتهج بحسن صفاته ويقطف رياحينه وزهره ويقف عليه إغفاءه وسهره ويستفزه الطرب متى ذكره وينتهز فرص الأنس فيه روحاته وبكره ويدير حمياه على ضفة نهره ويخلع سره فيه لطاعة جهره ومعه أخواه فطاردوا اللذات حتى انضوها ولبسوا برود السرور وما فضوها حتى صرعتهم العقار وطلحتهم تلك الأوقار فلما هم رداء الفجر أن يندا وجبين الصبح أن بتبدى قام الوزير أبو محمد فقال: خفيف يا شقيقي وافى الصباح بوجه ... ستر الليل نوره وبهاؤه فاصطبح واغتنم مسره يوم ... ليس تدري يما يجيء مساؤه ثم استيقظ أخوه أبو بكر فقال: خفيف يا خي قم تر النسيم عليلا ... باكر الروض والمدام شمولا في رياض تعانق لزهر فيها ... مثلما عانق الخليل خليلا لا تنم واغتنم مسرة يوم ... إنّ تحت التراب نوماً طويلا ثم استيقظ أخوهما أبو الحسن (وقد ذهب من عقله الوسن) فقال: بسيط يا صاحبيّ ذرا لومي ومعتبتي ... قم نصطبح خمرة من خير ما ذخروا وبادرا غفلة الأيام واغتنما ... فاليوم خمر ويبدو في غد خبرُ

وللوزير أبي بكر منهم مراجعاً لي: طويل إلى الله مني ما لقيت برقعة ... ورتني وأحمت في ضلوعي مكاويا أتتني أبا نصر وأنسي معرّس ... عزائم عزت في نواك عزائيا بطرس وحبر رائقين تطلّعا ... من لحسن أسطاراً فعدن أفاعيا لدغن فؤادي إذ بثثن لي النوى ... فأصبحت لا ألفي لبيني راقيا فهذي دموعي تستهل صبابة ... ونفسي من وجد تحلّ التراقيا وله يستدعي: متقارب دعاك خليلك واليوم طلّ ... وعارض خدّ الثرى قد بقل لقدرين فاحا وشمامة ... وإبريق راح ونعم المحل ولو شاء زاد ولكنّه ... يلام الصديق إذا ما احتفل وله في مثل ذلك: متقارب هلمّ إلى روضنا يا زهر ... ولح في سماء المنايا قمر هلمّ إلى الأنس سهم الإخاء ... فقد عطلت قوسه والوتر إذا لم تكن عندنا حاضرا ... فما لغصون الأماني ثمر وقعت من القلب وقع المنى ... وحسنت في العين حسن الخور وله إلى الوزير أبي الحسن بن سراج بقرطبة يذكر لمّة من إخوانه: كامل يا سيدي وأبي هدى وجلالة ... ورسول ودي إن طلبت رسولا عرّج بقرطبة إذا بلغتها ... بأبي الحسين وناده تمويلا فإذا سعدت بنظرة من وجهه ... فاهد السلام لكفّه تقبيلا واذكر له شوقي وشكري مجملا ... ولو استطعت شرحته تفصيلا بتحية تهدى إليه كأنما ... جرت على زهر الرياض ذيولا وأشم منها المصحفيّ على النوى ... نفساً ينسي السوسن المبلولا وإلى أبي مروان منها نفحة ... تهدي له نور الربا مطلولا وإذا لقيت الأخطبي فاسقه ... من صفو ودي قرقفا وشمولا وأبا علي بلّ منها ربعه ... مسكا بماء غمامة محلولا واذكر لهم زمناً يهب نسيمه ... أصلا كنفث الراقيات عليلا مولى ومولي نعمة وكرامة ... وأخا إخاء مخلصاً وخليلا

بالحير عابسة هناك غمامة ... لا تضاحك أذخراً وجليلا يوماً وليلاً كان ذلك كلّه ... سحراً وهذا أبكرة وأصيلا لا أدركت تلك الأهلة دهرها ... نقصاً ولا تلك النجوم أفولا الحير الذي ذكره هنا هو حتر الزجالي خارج باب اليهود بقرطبة الذي يقول فيه أبو عامر بن شهيد: متقارب لقد أطلعوا عند باب اليهو ... د شمسا أبي الحسن إن تكسفا تراه اليهود على بابها ... أميراً فتحسبه يوسفا وهذا الحير من أبدع المواضع وأجملها، وأتمها حسناً وأكملها، صحنه مرموصاً في البياض، يخترقه جدول كالحية النضناض، به جابية، كل لجة فيها كابية، وقد قرنست بالذهب واللازورد سماؤه، وتأزرت بهما جوانبه وأرجاءه، والروض قد اعتدلت أسطاره، وابتسمت من كمائمها أزهاره، ومنع الشمس أن ترمق ثراه، وتعطر النسيم بهبوبه عليه ومسراه، شهدت به ليالي وأياما كأنما تصورت من لمحات الأحباب، أو قدت من صفحات أيام الشباب، وكانت لأبي عامر بن شهيد به فرج وراحات أعطاه فيها الدهر ما شاء، ووالى الصحو والانتشاء، وكان هو وصاحب الروض المدفون بازائه اليفي صبوة، وحليفي نشوة، عكفا فيه على جريالهما، وتصرفا بين زهرهما واختيالهما، حتى رداهما الردى، وعداهما الحمام عن ذلك المدى، فتجاورا في الممات، تجاورهما في الحيرة، وتقلصت عنهما وارفات تلك الفيئات، وإلى ذلك العهد أشار وبه عرض، وبشوقه صحح وما مرض، حيث يقول عند موته يخاطب أبا مروان صاحبه وأمر أن يدفن بازائه ويكتب على قبره: بسيط مجزوء يا صاحبي قم فقد أطلنا ... أنحن طول المدى هجودُ فقال لي لن نقوم منها ... مادام من فوقنا الصعيدُ تذكر كم ليلة نعمنا ... في ظلها والزمان عيدُ وكم سرور همى علينا ... سحابة ثرّة تجودُ كلّ كأن لم يكن تقضى ... وشومه حاضر عتيدُ حصله كاتب حفيظ ... وضمّه صادق شهيدُ يا ويلنا إن تنكبتنا ... رحمةُ من بطشه شديدُ

يا ربّ عفواً فأنت مولى ... قصّر في شكرك العبيدُ وله يخاطب الوزير أبا محمد بن عبدون ويستدعي منه شوذانقا: طويل أغادية باتت مع الروض والتقت ... على الغور ريح الفجر مرت بدارينِ خطت فوق أرض من عرار وحبوة ... وحطت بروض من نهار ونسرينِ وباتت بوادي الشجر تحت ندي الصبا ... إلى الصبح فيما بين رش وتدخينِ ومرت بوادي الرند ليلاً فأيقظت ... به نائمات الورد بين الرياحينِ إذا ملت عن مجرى الجنوب فبلغي ... سلامي مبلول لجناح ابن عبدونِ وبين يدي شوقي إليه لبانة ... تخفق من قلب للقياه محزونِ مضى الأنس إلا لوعة تستفزني ... إلى الصيد إلا أنني دون شاهينِ فمن به ضافي الجناح كأنه ... على دستبان الكفّ بعض السلاطينِ إذا أخذت كفّاه يوماً فريسة ... فمن عقد سبعين إلى عقد تسعينِ وله يرثي زوجه: بسيط يا ربة القبر فوق القبر ذو حرق ... يرثي له القبر من شجوٍ ومن شجنِ تباينت فيك أحوالي أسىً فمضى ... إلى لقائك صبري طالب الوسنِ وخالق القلب فيك العين من كمد ... فاسودّ بالغمّ وابيضّت من الحزنِ وله مراجعاً لأبي الحسن بن الرمّاد عن قطعة كتبها إليه من السجن وذلك أن أهل إشبونة ثاروا بأبي زكريا يحيى بن تين إبرهيم وأضحوه من ظلالها، ورموه بصائبات نبالها، وانتزوا على أمير المسلمين فيها وغزوا واصلها وموافيها، وأوقدوا ناراً صلوا بحرها، وأقاموا حرباً عادوا غرقى ببحرها، وكان أبو الحسن من أصلبهم فيها عودا، وأثقبهم بروقا وأصولهم رعودا، فلما انجلى ليلها، وتقلّص ذيلها، وظفر الأمير رحمه الله ببطلهم ومقامهم، وأخذهم بنواصيهم وأقدامهم، وعاقبهم على جرءتهم وإقدامهم، بعثه الأمير إلى بطليوس مصفودا، ووجه إليه من النكايات وفودا، فكتب إلى أبي بكريستريح من بثّه، ويريح نفسه بنفثه، فراجعه. طويل أتتني على رغمي فما شئت عبرة ... أرشت بها عيناي طلهما وبلُ ومن زفرة أمسكتها لو بعثتها ... لذاب لها النكلان قيدك والقفلُ تساوت بنا حال وإن كنت سارحا ... فداري بكم سجن ونعلي بكم كبلُ عن المجد عاق الحجل رجلك والعلى ... كما حبست دون المدى السابح لشكلُ

الوزير الكاتب أبو محمد بن الحبير رحمه الله تعالى

ولا عجب إن ضمك السجن إنه ... لعمر العلة غمد وأنت له نصلُ ولأخيه أبي الحسن: متقارب ذكرت سليمي وحرّ الوغا ... كجسمي ساعة فارقتها وأبصرت بين القنا قدها ... وقد ملن نحوي فعانقتها وركب إلى سوق الدواب بقرطبة ومعه أبو الحسين ابن سراج فنظر إلى أبي الحكم بن حزم غلاماً كما عقّ ثمائمه، وهو يروق كأنه زهر فارق كمائمه، فسأل أبا الحسن ابن سراج أن يقول فيه فأرثي عليه، فثنى عنان القول إليه، فقال: طويل رأى صاحبي عمرا فكلّف وصفه ... وحملني من ذاك ما ليس في لطرقِ فقلت له عمرو كعمرو فقال لي ... صدقت ولكن ذا أشبّ عن الطوقِ الوزير الكاتب أبو محمد بن الحبير رحمه الله تعالى شيخ الأوان، القاعد على كيوان، الذي بهر بإبداعه، وظهر على الصبح عند انصداعه، وعطّل العوالي بيراعه، واطلع الكلام رائقاً، وجاء به متناسقاً، وقد أثبت من محاسنه ما تخال الروض عنه مبتسما، وترى الإحسان في زمانه مرتسما، نزلت عنده في إحدى سفراتي، نزولاً أجناني أزاهر مسراتي، وأولاني كل مستحسن سهل، وأراني أيام ابن الجهم مع الحسن بن سهل، وأقطفني كل نضر يانع، وأباح لي كل أملٍ لم تعقه أيدي الموانع، فلما أردت الانصراف أنشدني: طويل يذكرّني نيل الهمام أبي نصر ... زمان اهتمامي بالقريض وبالنثرِ وما لي لا أهدي الملام إليهما ... وقد رفعا من قد كل عر غمرِ فلله ما يسدي ويلحم طبعه ... وينثر من شذر وينظم من درِ ولله منه همّة عربية ... أبت أن ترى إلا على قمة النسرِ لقد أحرزت علياه كلّ فصيلةٍ ... مطرّزة الأبراد عاطرة النشرِ إلى حسب كالماء يصقله الصبا ... وعرض كعرف الروض غبّ حيا يسري وله أيضاً: وافر بدار الملك من صرف الزمان ... حوادث تجتليها الناظرانِ تبدلت الحوافر من خدود ... وغرّ الخيل من غرّ الغواني مطالع أوجه الغيد الحسان ... غصصن بكلّ يعبوب حصانِ كأنّ نسور أيديهن فيها ... يطأن غراب عيني أو جناني وله: بسيط يا هاجرين أضلّ الله سعيكم ... كم تهجرون محبيكم بلا سببِ

يا مسرين للأخوان غائلة ... ومظهرين وجوه البرّ والرحبِ ما كان ضركم الإخلاص لو طبعت ... تلك النفوس على علياء أو أدبِ أشبهتم الدهر لما كان والدكم ... فأنتم شرّ أبناء لشرابِ ما زدتم قدري أيام وصلكم ... نباهة لا ولا ذكري ولا حسبي ولا ازدريتم به أيّام هجركم ... فلستم من صعودي لا ولا صببي وله: متقارب رأيت الكتابة والجاهلو ... ن قد لبسوا عزّها لامه فقلت لكلّ فتى كاتب ... بديع الفصاحة علامه إذا عزّ غيركم بالمداد ... فلا أنبت الله أقلامه وله أيضاً: كامل أركابكم شطر العذيب تساق ... يوم النوى أم قلبي المشتاقُ عميت عليّ عيون رأيي في الهوى ... لله ما صنعت بي الأشواقُ ولقد أقول لصاحب ودّعته ... وقد استهلّ بدمعي الإشفاقُ يا فائزاً قبلي برؤية دوحة ... أضفت ظلال فروعها الأطواقُ من تغلب الحرب التي إن غولبت ... شقيت بحدّ سيوفها الأعناقُ فهم إذا ما جالسوا أو واكبوا ... أخذوا بحقهم الصدور فراقُ قاضٍ كان الليث حشو بروده ... وكان ضوء جبينه الإشراقُ بالله ربك خصّه بتحيةٍ ... من ذي خلوص قلبه توّاقُ يصبو إلى تلك العلى فكأنه ... صبّ أصابت لبّه الأحداقُ ثاوٍ بأرض بداوة لكنها ... بالمالكيين الكرام عراقُ قوم إذا ومضت بروقهم همى ... صوب الحيا وأنارت الآفاقُ وإذا استقلّ بنانهم بيراعة ... لبست وشيع برودها الأوراقُ وإذا انتدوا وتكلموا أنسيت ما ... صانته من أعلاقها الأحقاقُ أنصاركم وحماة مجدكم وما ... أولاكموه من العلى الخلاّقُ بلقالق ذلق كأنّ حديثها ... درر يفصّل بينها النّساقُ فهم إذا ألقوا حبال بنانهم ... غلبوا جهابذة الكلام فقاقوا لمّا جروا وشأوا ونالوا ما اشتهوا ... وثنوا أعنتهم وهم سبّاقُ نصبت لهم حسداً على ما خولوا ... من سؤدد ونفاسة أوهاقُ

وكتب أيضاً: كامل ياأيها القمر الذي يجلو دجا ال ... خطب البهيم لنا سناهُ هل لامرئ ألقت إليك به يد ال ... تأميل أن يلقى مناهُ مع أنه لا يحاول غالياً، ولا يطاول عالياً، وإنما يطلب ما طفّ، ويخطب ما خفّ، وذلك لاحتشاد الكساد في أسواق صناعته، وائتمار البوار بأعلاق بضاعته، التي هي جواهر، في أعناق جادر، وقلائد، على أطواق خرائد، وخود، مفصّلة العقود، وقدود، موشّاة البرود، وخمائل، مصندلة الغلائل، ومجاب مطولة الأشجار، ومجان معسولة الثمار، من أدب، كالذهب، وكلام، كالمدام، يسكر، مما يسحر، إن من البيان لسحرا، ولكنها أطواق اختطف عمرها، وأعلاق خسف بدرها، فجهلت قيمتها، وجعلت تلو الخرز يتيمتها، ولولا هذه البقية التقية، العادلة الفاضلة الزكية، الشريفة المنيفة التغلبية، أعلى الله قدرها، وأوزعني وجميع الآملين شكرها، ما بقي لصناعة البراعة رسم إلا دثر. كامل بل بدّلت أعلى منازلها ... سفلى وأصبح سفلها يعلو لتمحق، فتلحق، من الداثر المعدوم، بسدوم: طويل وذلك أنّ الدهر يحسد نفسه ... على كلّ فضلٍ أو يؤب به خسرا ولا لصناعة البلاغة اسم إلا بشر بإدالة أهله، وإذالة فضله، ليخفى، فيلفى، من الغابر المفقود، كثمود، هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا، فيالدرر الآداب، واستعبار تجارها، من بوارها، ويالغرر نتائج الألباب، واستنار أقمارها، في احتقارها، ويالفصاحة تستطير الأقلام، وزجاجة تحيّر الأفهام. وافر مجزوء وقد أخنى عليها ال ... لذي أخنى على لبدِ فلا دار ولا سند، ولا نوّي ولا مظلومة جلد. خفيف كلُّ شيءٍ مصيره للزوالِ ... غير ربّي وصالح الأعمالِ على مثله فليبك من كان باكياً، ثم يرجع الحديث إلى ابن إسحاق فإني والله ما قصدت، الذي سردت، من تأبين هذه المعادن لكن الحديث ذو شجون. كامل ولربما ساق المحدّث بعض ما ... ليس النديّ إليه بالمحتاجِ ولا أردت، الذي أوردت، من الإعلان، بهذه الأشجان، ولكن تفيض العين عند امتلائها وأما الذي أردته، فهو أمر أوردته، على الجبير ابني وعبده، ثم حددت له أن لا يخرج عنه لا بين يدي مجده، إن حل من عقد لسانه التقريب، واستقل

بعين بيانه لترحيب، ولئن كان ذلك، فلأحليّن ما هنالك، من سلف كريم، وشرف صميم، وهمم نفوس أبيّة، وشمم أنوف تغلبية، بشذور، منشور، هي الغناء المعبدي وعيون، موزون، هي السناء الأبدي. بسيط إني إذا قلت قولاً مات قائله ... ومن يقال له والقول لم يمتِ وإن أخذ بأذيال حسن الإصغاء، ولا تقع عوامل تأميلي عدده دام عزه في باب الإلغاء، وجد ذلك الإحسان، جواهر تقرط بها الآذان، ومسكاً يفتق، وعنبرا يحرق، إن شاء الله تعالى، وكتب إليه أيضاً. كامل قولوا لصخرة إذ تسايل حرمها ... جيئي جينة ترجعي بيقينِ أقذيت عيني بالزمان وأهله ... حتى نظرت إلى بني حمدينِ الوارثين المجد عن آبائهم ... والحاملين العلم عن سحنونِ قومٌ إذا حضروا النديّ تميزوا ... بعلوّ مرتبةٍ ونور جبينِ متزلفين إلى الإله فشأنهم ... إصلاح دنيا أو إقامة دينِ بمحمد لله درّ محمد ... من مستهام بالعلى مفتونِ قاضي القضاة المستضاء بمسفر ... من رأيه مثل الصباح مبينِ طود من الفضل استقلّ زمامه ... بإغاثة الملهوف والمحزونِ وأحمد لباني العلى نلت المنى ... وأخذت راية بغيتي بيميني قاضٍ كأن الحق نورٌ ساطعٌ ... يغشي الورى من وجهه الميمونِ قمراً كواكب تغلب ابنه وائل ... ذات الغنى والأيدي والتمكينِ الوارثين كليبهم فهم إذا ... ما نوزعوا في المجد أسد عرينِ وإذا يليّنهم خضوعٌ منازعٌ ... فلّوا له من غربه باللينِ أهل الرصانة والفطانة والنهى ... والعلم بالتقليد والتدوينِ فعليهم مني السلام تحيةً ... كالفاغم المجلوب من دارينِ أيّد الله الفقيه الأجل، والغيث الواكف المنهل، قاضي الجماعة وسيدها، وعاضدها ومؤيدها، إنه أعلى الله قدرك، وأوزعني وأهل هذا العصر شكرك، لما أذابتني لفحات الأشواق، إلى تلك الآفاق، التي تشرقون بها أقماراً، وتفهقون فيها بحاراً. وافر وما دهري بحبّ تراب أرض ... ولكن حبّ من سكن الديارا

وإنما هو كما قيل: طويل أحبّ الحمى من أجل من سكن الحمى ... ومن أجل أهليها تحب المنازلُ ورابتني غمرات الوجد، بذلك المجد، العالية قلله، الغالية حلله، الرائع تطريزها، الخالص إبريزها، كما رأب العليل تغامز العوّاد عاينتها نفساً صبّة، وقلباً قد حشي محبة، بما رقمته لعلاك من برود، كصفحات الخدود. كامل جادت عليها كلّ عين ثرّة ... فتركن كل حديقة كالدرهمِ ونظمته من حلاك كلاما، لو شرب لكان مداما، ولو ضرب به لكان حساما، ثم أنهيته، بعد ما أمهيته. طويل ليعلم مولاي بأني عبده ... وإنّ فؤادي عنده وهو في صدري وأنّي لا أنفكّ أخدم مجده ... بكلّ بديعٍ من قريضي ومن نثري ويأخذ بأذيال، ما وصفته من هذه الحال، أنه: متقارب رماني الزمان بأحداثه ... فبعضاً أطقت وبعض فدح ومن أثقلها وأفدحها، وأعلنها وأفضحها، وأغلبها وأعزها، وأسلبها وأبزها، ومن عزّ، بزّ، أنه كان لي نسيب، قريب، وربيب، حبيب. بسيط ربّيته وهو مثل الفرخ أعظمه ... أمّ الطعام ترى في ريشه زغبا فلما شبّ، دبّ ليلقط الحبّ، فما خمص، حتى قنص، ولا أخذ في الحركة، حتى وقع في الشركة، ويعدو على المرء ما يأتمر، وذلك أنه أم قرطبة حرسها الله طالباً جذم مال كان قد تصدق به عليه جده رحمه الله فإذا به قد ألفى هنالك عاصبه، وهو قد نصب له مجانبه، وفتح أشراكه، وبسط تحت هذا المطمع شباكه، فما نزل، حتى كتف، ولا حصل، حتى نتف، فأصبح مغلوباً مسجوناً، محزوناً مشجوناً. طويل إذا قام غنّته على الساق حلية ... بها خطوه وسط البيوت قصيرُ هكذا أعزك الله أورد، بعض من ورد، وبه أخبر، بعض من استخبر، وفي النوى يكذبك الصادق، فإنه قد حدث غيره أنه في وثاق، لكنه غير محلى الساق، وتحت اعتقال شديد، ولكنه بغير حديد. طويل ومن يسأل الركبان عن كلّ غائب ... فلابدّ أن يلقى بشيراً وناعيا فلو ترى أمه أمتك سترها الله وهي من اليمّ إشفاقها، وعظيم وجدها وانطباقها، قد ذهبت أو كادت، بل قاربت وزادت، لولا ناظر غريق يطرف، وعين سخية

الوزير الكاتب أبو محمد ابن عبد الغفور رحمه الله تعالى

تذرف، وربّ عيشٍ أخفّ منه الحمام، لاحتدمت، فما رحمت، ولاستعبرت، فما أبصرت، وهذا المظلوم المسجون، المكظوم المحزون، الذي غلب صبرها همه، وملأ صدرها ملمّه، فقتلها، مما أذهلها، فتى يعزف بفلان أقال الله عثرته، وأزال غمرته، فهل لك أن تتدارك هذه المسكينة بحسنة، تعدل عند الله عبادة ألف سنة، لقوله عزّ وجلّ "ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا"، لنبّهت للخير أهله، حيث خاطبت مولاي فهززت فضله، ومن نبّه عمر نام، ومثله أعزه الله ممن بذّ الكرام، وشح في مثلها بالحسام، ثم أمر كاسا بالإلجام. طويل وإلا فلم قالوا عتيبة فارس ... يشبّ وقود الحرب بالحطب الجزلِ فعل إن شاء الله تعالى ما هو أهله، وعند ربّه من حسن الثواب عدله، أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، بحوله، وطوله، ومنّه، ويمنه، والسلام. الوزير الكاتب أبو محمد ابن عبد الغفور رحمه الله تعالى قد كنت نويت ألا أثبت له ذكرا، ولا أعمل فيه فكرا، وادعه مطرحا، وأقطعه الإهمال مسرحا، لتهوره، وكثرة تقعره، فإنه بادي الهوج، واعر المنهج، له ألفاظ متعقدة، وأغراض غير متوقدة، لا يفك معماها، ولا يعلم مرماها، مع نفس فاسدة الاعتقاد، ثابتة الأحقاد، تتنكد بالأفراح، وتحسد حتى على الماء القراح، وتغصّ بفارس يراعة وتتربض الدوائر بحامل براعة، إلى لسان لا ينطق إلا هجرا، وأجفان لا ترمق من توقد الحقد فيها فجرا، فهي ترعى الظلم مكان الأنوار، وتود أن ترى النجاد كالأغوار، أستغفر الله ألا نظمه فربما ألمّ فيه بالبدائع إلماما، وملك لها زماما، وصرف فيها لسانا صناعا، وأسأل لها بالمحاسن تلاعا، وله سلف نبيه أعقله في حبالة هذا الديوان، وألحقه بأعيان الأوان، وربما نذرت في نثره ألفاظ سهلة الفرض، مستنبلة الغرض، سلسة القياد، وارية الزناد، تقرب مما جمعت، وتمتزج بما روّقت وشعشعت، لئلا أكون ممن قصد إغفالاً واعتقد إخمالاً وتعصب باطلاً، وترك مكان الحلي عاطلاً، فقد علم الله أني انحرف عن التعليل وأغفر الكثير للقليل، وأتغافل في الهنات لذوي الهيئات واخذ الحسنة من أثناء السيأت، وقد أثبت له ما شذ من إبداعه، ولم أبخل بتضمينه في هذا التصنيف وإيداعه، ورفضت كثيراً من كلامه فقليلاً ما يتوضح فجر إحسانه في ظلامه، فمما انتخبت له قوله يمدح لأمير يحيى بن سير

ويذكر فرساً أشهب جاء سابقاً. بسيط مجزوء يا ملكاً لم يزل قديماً ... بكلّ علياء جدَّ وامقْ وسابقاً في الندى أتتنا ... جياده في المدى سوابق لله منها أسيل خدّ ... أهديت شدقه كالجوالق حديد قلب حديد طرف ... ذو منكب يشبه البواسق ذو وحشة في الصهيل دلت ... منه على أكرم الخلائق أشهب كالرجع مستطير ... كأنه الشيب في المفارق خبّ غداة الرهان حتّى ... أجهد في أثره البوارق ما انس لا أنس إذ شاها ... مشربات مثل البواشق وبدّها شربا عتاقا ... لم ترض عن خصرها العواتق فقمن يمسحن منه رشحا ... مطيبات به المخانق أفديه من شافع لبيض ... قد كن عن بغيتي عوائق انصع منه لرأي عيني ... سود عذار الفتى الغرانق وله في الأمير يحيى: بسيط مجزوء أن الأمير الأجلّ يحيى ... نجل الأمير الأجلّ سيرِ بدر تمام بلا محاق ... يجل عن هذه البدورِ حفّ به كلّ ذي سناء ... أبهى من الكوكب المنيرِ كالنجم في رجمه عداه ... بكلّ ماضي الشبا طريرِ وأرعى من النجم للرعايا ... أروع سام عن النظيرِ لذت به من صروف دهري ... فكان من جورها مجيري ومدّ نحوي يداً بجود ... أهمي من العارض المطيرِ القى شعاعاً عليّ ليلا ... فخلتني في سناً منيرٍ حمى فأرضى الإله ثغرا ... حقاً له لذة الثغورِ قرّت به أعين الرعايا=فاعلموا أكؤس السرورِ وأصبح الشرك في ثبات ... يدعون بالويل والثبورِ يا إيّها الملك أقبلنهم ... على يعابيبك الذكورِ وأنهد إليهم بكلّ نهد ... يأبى عن الابن والفتورِ

وشنّ غارتها عليهم ... مثل العراجين من ضمورِ أهلّة لا تزال تسري ... لتحرز الحظّ من ظهورِ أصدرك الله ذا انتقام ... من العدى شافي الصدورِ وله فيه حين ارتحل إلى قصر إشبيلية: كامل مجزوء هذا محلّك يا أمير ... فاعمره متّصل السرور قصر تضآءلت القصوم ... وله ودانت بالقصور فاسحب به ذيل العلاءم ... مدى الليالي والدهور وأنعم باحراز الإمام ني ... في الوقود وفي الظهور لا تزال به أبداً رئيساً ولا يزال لك من كل ليث ضبارم خيسا تداس فيه بين يديك جماجم الأعداء، حتى تكل أنامل العد والأحصاء ويتردى من قادة ذويك وأخوتك السادة وأقربيك بنجوم رجال كالجبال أنت بدرها المنير ورضوى ماثلا بينها أو ثبير أن دنا من علائك شيطان فتنة رجمته بمشرعات الأسنة، وأن زحم ركن سنائك منكب عظيم حطمته بمقرطات الأعنة، تطيع أقحامها باللحم، وتفهم عن أهله لثم، كأنما اقتعدت من صهواتها بروجاً، واعتقدت إلى حيث المنازل المقدرة لأشباهها عروجا لتتم هناك بدورا وتمثل قدراً مقدوراً، وتحدق بك في الهيجاء أحداق مقلة العين بأنسابها وتجري في اللقاء على سنن أوليتها واستنابها. كامل مجزوء وبمثل قومك جالت ال ... نحيل اليعابيب الذكور وحكت سماوتنا السما ... ء بهم نجوما أو بدور وبمثل رأيك أذنت ... دهم الحوادث بالسفور ماض إذا أعملته ... أغناك من مضب ذكير واراك من صور العوا ... قب كلّ محتجب ستير تفل الصوارم ولا يفل، وتحل العزائم ولا يحل، لو ضرب بالعود لعاد أبيض قاصلاً، أو عالج شعر المولود لأصبح أسوده البهيم ناصلا. كامل مجزوء فليهننا أنّا خصص ... نا منه بالعلق الخطير يربو على ملء العيو ... ن إذا ملء الصدور لو جاور البحر الخص ... مّ ألمّ بالنزر اليسير

الوزير الأجل أبو بكر ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى

أو ديمة وطفأء لم ... تنسب إلى مطر غزير أن لم يقع شكري لكم ... أذكى من الزهر المطير لا نلت من زمني سرو ... را ارتجيه ولا حبور وعليه مّني ما حيي ... ت تحية الروض النضير وكتب إليه في غزاة غزاها: كامل سر حيث تحلّه النوّار ... وأراد فيك مرادك المقدارُ وإذا ارتحلت فشيّعتك سلامة ... وغمامة لا ديمة مدرارُ تنفي الهجير بظلها وتنيم بالر ... ش القتام وكيف شئت تدارُ وقضى الإله بان تعود مظفرا ... وقصت بسيفك نحبها الكفّارُ هذا ما تمناه الولي لا ما تمناه الجعفي، فإنه قال حيث ارتحلت وديمة، وما تكاد معها عزيمة، وإذا سفحت على ذي سفر، فما أحراها بأن تعوق عن الظفر ونعتها بمدرار، فكان ذلك أبلغ في الأضرار. وافر فسر ذا راية خفقت بنصر ... وعد في جحفل بهج الجمالِ إلى حمصِ فأنت بها حليّ ... تغاير فيه ربّات الحجالِ الوزير الأجل أبو بكر ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى ماضي اليراعة، مشهور البراعة، متحقق بالأدب ينسل إليه من كل حدب وله سلف يقصر عن مداناته الأقدار، وشرف تمكن فيه القطب المدار، مع سالفة يتفق عليها ولا يختلف، ومنزلة يتطلع إليها ويستشرق وهمة طالت كالسماك وطالولته، وتناولت كل ما حاولته وبنو عبد العزيز، بنو سبق وتبريز، ما منهم إلا علم مناظر، ولا فيهم إلا من هو للدهر ناظر، وقد أثبت له ما يبهر النفس ويروقها، ويحسك طلوع الشمس وشروقها، فمن ذلك قوله: خفيف قد هززناك في المكارم غصنا ... واستملناك في النوائب ركنا ووجدنا الزمان قد لان عطفا ... وتأتى فعلا وأشرق حسنا فإذا ما سالته كان سمحا ... وإذا ما هززته كان لدنا مؤثراً احسن الخلائق لا يع ... رف ضنا ولا يكذّب ظنّا أنت ماء السماء أخصب وادي ... هـ ورقّت رياضه فانتجعنا نزعت بي ودادك نفس ... قلّ ما استصبحت سوي الفضل خدنا

وله يودع الوزير أبا محمد بن عبدون: بسيط في ذمّة المجد والعلياء مرتحل ... فارقت صبري إذ فارقت موضعه ضاءت به برهةً أرجاء قرطبة ... ثم استقل فسدّ البينُ طلعه وكتب إلى الوزير أبي محمد قاسم، كيف رأى مولاي في عبد له وهو أنا يرى الوفاء دينا وملة، ولا يعتقد في حفظ الأخاء ملة، قصرته الأقدار عن رايه وأخرته الأيام عن سعيد، فادرع العقوق، ولبئست الحلة، وضيع الحقوق، ولم يضع الخلة، أيرده بعيب ما جناه الدهر، أم يسمح، فشيمته الصبر، بان يعفو ويصفح لو كان الغضب يفيض على صدره ويطفح، فله أعزه الله العقل الأرجح، والخلق الأسجح، والأنابة التي يزل الذنب عن صفاتها، ولا يتعلق العيب بصفاتها، وأن كتابة العزيز وردني مشيراً إلى جملة تفصيلها في يد العواقب، والزمان المتعاقب، ولقد اتفقت في أمره مشافهات انجلت عن تخيير في الأقطار، وانتجاع الخصب في مواقع القطار، حاشا ما استثنى من الجمع، وأفرد بالحظر والمنع، وفلان أيده الله كما يدريه يردد محاسنه ويرويها، وينشر فضائله ويطويها، إلا أن الأمور انقلبت عليه في هذه البلاد فلا تعرف له حالة، إلا وقد داخلتها استحالة، وربما عاد ذلك إلى نقصان في الوفاء، وأن كان باطنه على غاية الاستيفاء ولله تعالى نظر، وعنده خير منتظر، ويشهد الله أني أفرده بالجلال، واتخذ نفسي من أشياعه واتباعه في كل الأحوال. متقارب فلا تلزمّني ذنوب الزمان ... إليّ أساء وأياي ضارا فسمح الله مدته، وجازى مودته، وأعلى رتبته، وأحسن في كل حال وترحال صبحته، ولا رب سواه، وكتب إليه مسلياً عن نكبته، الوزير الفقيه أدام الله عزه، وكفاه ما عزه، أعلم بأحكام الزمان من أن يرفع إليها طرفا، وينكر لها صرفا، ويطلب في مشارعها مشربا زلالا أو صرفا، فشهدها مشوب وروضها مكمن لكل صل أرقم، وما فجئته أعزه الله الحوادث بنكبة، ولا حطته النائبات عن رتبة، ولا كانت الأيام قبل رفعته بوزارة ولا كتبه، فهو المر يرفعه دينه ولبه، وينفعه لسانه وقلبه، ويشفع له علمه وحسبه، وتسمو به همته وأدبه، ويعنو بين يديه شانيه وحاسك، ويثبت في أرض الكرم حين يريد أن يجتثه حاصك، ويفديه بالفضل من لا يوده، وينصره الله بإخلاصه حين لا ينصره سواعه ولا ودة. طويل

الوزير الكاتب أبو جعفر بن أحمد رحمه الله تعالى

وأنّ أمير المسلمين وعتبه ... لكا لدهر لا عار بما فعل الدهر وما هو أدام اله عزه إلا نصل أعمد ليجرد، وسهم سد طريقه ليسدد، وجواد ارتبط ليخلى عنانه، وقطر تأني سحابه وسيسيله عنانه، وأن المهارق لتلبس بعده ثياب حداد، وأن السنة الأقلام لتخاصم عنه بالسنة حداد، وسينجلي هذا القتام عن سابق لا يدرك مهله، ويعتمده الملك الهمام بإكرام لا يكدر منهله، ويونس ربع الملك الذي أوحش ويهله، ويرقيه أيده الله إلى أعلى المنازل ويهله، وينشد فيه، وفي طالبيه. كامل وسعى إليّ عزّة نسوة ... جعل الإله خدودهنّ نعالا وأنا أعلم انه أعزة الله سيبرم بهذا الكلام، ويوليني جانب الملام، ويعد قولي مع السفاهات والأحلام، فقد ذهب في رفض الدنيا مذهبا، وجلا التوفيق عن عينه غيهبا، وتركنا عبيد الشهوات نمسك بخطامها، ونرتع في حطامها، وأسأل الله عملا صالحاً، وقباً مصالحاً، ويقينا نافعاً، وأخلاصا شافعاً، بمنه إن شاء الله. الوزير الكاتب أبو جعفر بن أحمد رحمه الله تعالى كاتب مجيد، وفاضل مجيد، انخفض عن الارتفاع، ونفض يده من الانتفاع، فلم يلح في سماء، ولم يرد مورد ماء، وكانت له نفس عليه، تزهو بها الجوانح والضلوع، وسجية سنية، يعبق منها الفضل ويضوع، وما زال يغص بالأيام وحالها، ويتنغص بباطلها ومحالها، حتى أضله الحمام وغشاه، وأجنه التراب في حشاه، وقد أثبت من كلامه ما تنشرح له النفوس، ويلذ بسماعه الجلوس، دخلت حمة بجانة ليلاً وجفونها بالظلام مكتحلة، ومتونها من الأنس ممحلة، فتشوفت مستوحشاً، ووقفت منككشا، لا أجد أين أريح، ولا أرى مع من استريح، فبعد ونية، لقيني من أنزلني بها في منية، نائية عن الديار، خالية من العمار، فما حططت حتى وافاني رسوله يتحمل رغبته في الانتقال إليه، والنزول عليه، فاعتذرت له، وشكرت تطوله وتفضله، فما كان غير بعيد حتى وافاني مسلياً لي ومونساً، وأعاد لي المكان مكنسا، وبتنا بلية لم أجد للدهر غيرها، ولم أحمد إلا طيرها، ولما كان الغلس تركني مزمعاً، وانفصل عني مودعا، فلما حل بموضعه كتب إلي، استكمل الله تعالى لثمني الوزارة سعادة، واستوصله من سموها عادة، وأسأله المسرة بدنوها معادة، كيف لا أراقب مراقي النجوم، وأطالب مأقي العين

بالسجوم، وقد أذنر بالفراق منذر، وحذر من لحاق البين محذر، ويا ليت ليلنا غير محجوب وشمسنا لا تطلع بعد وجوب، فلا نروع بانصداع ولا نفجع بوداع، حسبنا الله كذا بنيت هذه الدار، وابني سبحانه أن تصل شمس أنسنا الأقدار ولعلها تجود بعد لأي، وتعود إلى احسن رأي، فتنطر رحيلا، وتعمر ربعا محيلا، وكنت كثيراً ما أخاطبه على البعد، وأواصله بتجديد العهد، فوافى بلنسية فلم يمكن لقاؤه، ولم يتمكن بقاؤه، فارتحل وكتب إلي، يا سيدي المخول كريم الصفاء، المفضل في زمرة ذوي الخاء، الموهل للمحافظة على الوفاء، ومن لا عدمت من أمره أنصافاً، ومن بره أسعافا، ودنا كالسراب بعده أنس، وقربه يأس، وعهدنا كالشباب حظه مبخوس، وفقده تتوجع منه النفوس، فنحن نتجمع بالسؤال، ونتمتع بالخيال، ونلتقي على الناي تمثلاً، ولا نبتغي في الحي تأملا، وما كذا الفت الحميم، ولا على هذا خلفت الرأي الكريم، ولا ادري لعل الأقطار خواص تغير، وللأحرار أخلاق تسير، فيجب أن أعد لكل خلق خلقا، واسلك في معاشرة الناس طرقا، مقال لو كان حقا، وألفي من قائله صدقا، وأنا وهو بالاحتمال قمين، وبحسن التأويل ضمين، ولكنها زفرة شوق لعج، وضجرة توق هأيج، تثور ثم تسكن، وتتأمل عينها فتحسن، وحبذا فعل الصديق كيف تقلب، ومذهبة حيث ذهب، وأكرم بقدره ما انجب، وبذكره ما أطيب وأعذب، لازلت أمتع ببقائه، ولا أمنع من لقائه، بمنه، وكتب إلى الرئيس أبي عبد الرحمن بن طاهر وقد وصل بلنسية ليلاً، لا اشتكي من اليل طولا، ولا أذم جنحه موصولا، وقد زادت بي حال صباحه، وكافحني أشد كفاحه، ووصلت البارحة على حين هجع السمير، وامتنع إلى حذرة المجد المسير، وفي يومنا للرجاء امتداد، وللوفاء ميعاد، ولدي شوق يطير بي إليه مطارا، ولا يوجد ما دونه استقرار، فسكنت من استطارته قليلاً، وبردت من برحائه غليلا، وعبرت في مبادرة الحق ومواصلة البرسبيلا، والله عز وجهه يعيد إلى أفقنا حسن ضيائه، ويعين في المتعين على قضائه، لا شريك له والسلام الأتم يتردد على الولي الوفي ورحمة الله تعالى وبكاته، وكتب إلى القاضي أبي الحسن بن واجب، أينقضي يوم الصب وقد عذبنا ليلة أرقا، وفرق القلب فرقا، ويقبل جنحه وقد حجب عنا فلقا، واجرى العيون علقا، فسال منها ماء دفقا، وتعسا للمطي وان جد بنا الماما، حين أوردنا ظلاما،

ذو الوزارتين القائد أبو الحسن بن اليسع رحمة الله تعالى

ووافى بنا الحي نياما، وكنت احببت مصابحة مجده فعاجلني مباكرة الغمام، وفاجأني غيثه مبادرة بالانسجام، فلم يمكني أن ابلغ من ذلك أملا، ولا أن أرد به منهلا، ولا عتب إلا على الزمان فيما أذنب، ولو شاء لرضى وأعتب، واتخذته تحية مشتاق، ورائد تلاق، وبدي أن ينجلي الغمام منجابا، ويكتسي غدنا من الصحو جلبابا، فأنال فيه من هذا الحظ وفورا، وأمل به جذلا وحبورا، أن شاء الله تعالى، وكتب وقد أهدى إليه مشموم ورد، زارنا الورد بأنفاسك، وسقانا مدامة الأنس من كاسك، وأعاد لنا معاهد الأنس جديدة، وزق إلينا من فتيات البر خريدة، فأحمر حتى خلته شفقا، وأبيض حتى أبصرته من النور فلقا، وارج حتى كان المسك من ذكائه، وتضاعف حتى قلت من حيائه، فليتصور شكري في مرءاه، وليتخيله في نفحته ورياه، أن شاء الله تعالى. ذو الوزارتين القائد أبو الحسن بن اليسع رحمة الله تعالى عامر أندية النشوة، وطلاع ثنايا الصبوة، كلف بالحميا كلف حارثة بن بدر، وهام بفتى سماط وفتاة خدر، فجعل للمجون موسما، واثبتها في جبين أوانه ميسما، وكان قبل أن ترقيه الرياسه أعوادها، وتحله فؤادها، لا يجد عمادا، ولا يرد إلا ثمادا، فلما أصح عاقد كتائب، وقائد جنائب، وصاحب الوية، ومنفذ بديهة في الأمور وروية، جرى إلى لذاته ملء العنان، وعدا بها مجنون الجنان، وترك الملك مهملا، ومشى في طرق الاستهتار خببا ورملا، فائتمر به الملأ من أهل مرسية أي ائتمار، وراوا قتله أو كد حجة واعتمار، فنصبوا له الحرب، وعصبوا به الطعن والضرب، حتى أعطى الدنية، ونزل لهم عن تلك الثنية، فقنعوا بارتفاع وباله، وامتنعوا من حربه وقتاله، وخلعوه عن تدمير وسقوه الرنق بعد النمير، وله شعر رقيق المعاني، أنيق المغاني، يشهد له بالشطارة، ويعيد كهولته إلى الغرارة، وقد أثبت منه فنوناً يكحل بها الاستحسان حفونا، فمن ذلك قوله يخاطب أبا بكر بن اللبانة وكانا على طريقين فلم يلقيا. طويل تشرق عامالي وسعدي يغرّبُ ... وتطلع أوجالي وأنسي يغرب سريت أبا بكر إليك وإنمّا ... أنا الكوكب الساري تخطاه كوكبُ فبالله إلا ما منحت تحية ... تكريها السبع الدراري وتذهبُ وبعد قعندي كلّ علق تصونه ... قلائق لا تبلى ولا تنقلبُ

كتبت على حالين بعد وعجمة ... فياليت شعري كيف يدنو فيعرب ولما مات أبن ليون صاحب لورقة ووصل أمرها إليه، وحصل تدبيرها في يديه، طلب ملكا يعطيه صفقتها، ويمطيه صهوتها، إذا لم يصح له توليها، والعدو بلبطيط يراوحها باغارته ويغاديها، فوصل إلى المعتمد رحمة الله مقليا إليه تلك المقاليد، ومجنيا له أفنانها الأماليد، فتلقى بالبر وفادته وصلته، وأنزل عليه أعيانه وجلته، أخبرني الوزير أبو الحسين أبن سراج والوزير أبو بكر ابن القبطرنة أن المعتمد أمرهما بالمشي إليه، والنزول عليه، تنويها لمقدمه، وتنبيها على حظوته لديه وتقدمه فسارا إلى بابه، فوجداه مقفرا من حجاجه، فاستغربا خلوه من خول، وظن كل واحد منهما وتاول، ثم أجمعا على قرع الباب، ورفع ذاك الارتياب، فخرج وهو دهش، وأشار إليهما بالتحية، ويده ترتعش، وأنزلهما خجلا، ومشى بين أيديهما عجلا، وأشار إلى شخص فتوارى بالحجاب، وبارى الريح سرعة في الاحتجاب، قفعدا ومقلة الخشف ترمق من خلل السجف، فانصرفا عنه، وعزما أن يكتبا إليه بما فهما منه، فكتبا إليه: وافر مجزوء سمعنا خشفة الخشفِ ... وشمنا طرفة الطرفِ وصدّقنا ولم نقطع ... وكذّبنا ولم ننفِ وأغضينا لجلالك ... عن أكرومة الظرفِ ولم تنصف وقد جئنا ... ما ننهض من ضعفِ وكان الحكم أن تحمل ... أو تردف في الردفِ فراجعهما في الحين بقطعة منها: وافر مجزوء أياسفنا على حال ... سلبت بها من الظرفِ ويالهفي على جهلي ... بضيف كان من صنفي وأخبرني الوزير أبو الحسن بن سراج أنه ركب معه في عشية الشك من شعبان ومعه لمة من أعيان قرطبة وقد غلبوه على المسير معهم، والزموة مجتمعهم، فخرج وهو مكره، ولا يتطلع إلى ذلك ولا يشره، ونفسه متعلقة بنشوة أطمعها بها، وسلوة اطلع لها كوكبها، فكان يروم التفلت، ويكثر التلفت، وكلهم قد حف به، ووقف دون مذهبه، حتى أخذ معهم في أمر جواده وعتقه، وبالغ في وصف مباراته وسبقه، ثم قام على متنه يريهم انه يجريه، ويعرض عليهم

تباريه، فطار بجناح، وصار إلى بغيته دون جناح، فانتظروه ليسفر عنه العجاج، وتطلعه تلك الفجاج، فلم يروا إلا منهجه، ولا اقتضوا عوضاً منه إلا رهجه، فعلم أبو الحسين ما حثه، وأشاعه فيهم وبثه، فما أنصرفوا إلا وهلال رمضام لائح، وهو على راحة رائح، فكتب إليه أبو الحسين ابن سراج: كامل عمري أبا حسن لقد جئت التي ... عطفت عليك ملامة الأخوانِ لمّا رأيت اليوم ولّي عمره ... واليل مقتبل الشبيبة دانٍ والشمس تنفض زعفرانا في الربا ... وتفت مسكها على الغيضانِ أطلعتها شمساً وأنت عطارد ... وخففتها بكواكب الندمانِ وأتيت بدعا في الأنام مخّلدا ... فيها قرنت ولات حين قرانِ ولهوت عن خلَّي صفاء لم يكن ... يليها عنك أقتيال زمانِ غنيا بذكرك عن رحيق سلسل ... وحدائقٍ خضر وعزف قيانِ ورضيت في دفع الملامة أن ترى ... متعلقا بالعذر من حسّانِ فكتب إليه مراجعاً قطعة منها: كامل وأنا أسأت فأين عفوك مجملاً ... هبني عصيت الله في شعبان لو زرتني والآن تحمد زورة ... كنت الاهلال أتى بلا رمضانِ وكتب في حينه ذلك إلى أبي بكر بن القبطرنة: طويل فديتك لا عرف لديّ ولا نكرُ ... ولا حّجة لي قد أبى ذلك السكرُ إذا قلت جىَّ ماذا يقول ممجّد ... وليس له في أن يجيب بلا عذر وأخبرني الوزير أبو بكر بن القبطرنة انه كان قاعاداً ببابه ببطليوس في غدوة الجمعة وقد اجتمعت العساكر، وروعت تلك الكنائس والدساكر، ولا أحد إلا راغب في الشهادة، مؤمل موته هناك واستشهاده، إذا برجل قد وضع بيده رقعة لا عنوان لها، فلما تأملها وجد فيها. طويل عطشت أبا بكر وكفاك ديمة ... وذبت اشتياقاً والمزار قريبُ فخفف ولو بعض الذي أنا واجد ... فليس بحق أن يضاعغريبُ ووفر لنا من خطا نرى بها ... نشاوى وبعد الغزو سوف نتوبُ فقال له ابن اليسع صاحب هذه الرقعة، أوقد حلّ في هذه البقعة، فقال له نعم فاستغرب ما قصد إليه، وذهب ووجه إليه، من التضييف ما وجب وقرن به خمرا وكتب معه. طويل

الوزير المشرف أبو محمد بن ملك

أبا حسن مثلي يمثلك عالم ... ومثلك بعد الغزو ليس يتوبّ فخذها على محض الصفاء كأنها ... سنا ما لها بعد الحساب توبُ الوزير المشرف أبو محمد بن ملك ورد نهر المجرة علاء، وقلد فخره الزمان ولاء، مع همم أنافت على الكواكب، وكرم صاب كالغمام الساكب، ووقار، ولا تحيل الحركة سكونه، ومقدار، يتمنى مخيران يكونه، وشيم كصفو الراح، أو الماء القراح، لو كانت في الروض ما ذوى، أو ظهرت للخلق ما رقد أحد بعد ما شوى، ولم يزل بما اعتقل من الأصالة والنهى، ينقل من سماك إلى سهى، حتى أقطعه أمير المسلمين خلد الله ملكه ما له بالأندلس من حصه، وأقعده على تلك المنصة، وبواة المراتب اللائقة به المختصة، وله أدب زاخر اللجة، باهر الحجة، لائح البهجة، واضح المحجة، يروق لمجتليه، وبرق زهره لمتنيه، وقد اثبت من فأئق كرمه، ورأثق نثره ونظامه، ما تديره الأوهام راحا وتتعطاه، وتوسد النباهة خدها أبردي أرطاه، فمن ذلك قوله في مجلس أطرابه سماعه، وبسطه أحتشاد الأنس فيه واجتماعه. خفيف لا تلمني بان طربت لشدو ... يبعث الأنس فالكريم طروبُ ليس شق الجيوب حقاً ... إنما الحقّ أن تشقّ القلوبُ ولما كثر اختلال الشرق وفساده، وظهر استفحال العدو فيه واستياده، صرف أمير المسلمين إليه وجه اهتمامه، وجد في صرف الشوائب عن جمامه، وجعل رايه فيه سميرة، وانعل نظره له جده وتشميره، ووجه أموالاً لرم خلله، وحسم علله، وأقامة ميله، وانتعاش رجله وخيله، ثم خاف أن ينتهيها العمال، وتتعذر تلك الآمال، فقلده طوقها، وحمله أوقها، ووجهه لبناء الأقطار، ونبهه لقضاء تلك الأوطار، فاستقل بها أحسن استقلال، ونظم مصالحها، نظم اللئال، فاجتزت عليه بطرطوشة فالفتيه مباشرا للأمور بنفسه، هاجرا لها مواصلة أنسه، فأقمت معه أياماً، أوردت منهل بدائعه جوانح كانت عليه حياما، وانشدني كل مستحسن، واسمعني كل مستطاب استطابة العين للوسن، فمن ذلك قوله: بسيط سالت بميّ صروف الدهر والنوبُ ... وبان حظك منها وانقضى السببُ فماء حزنك في الخدّين منسجم ... ونار وجدك في الاحتشاء تلتهبُ تعجّب الناس من حاليك واعتبروا ... وكلّ أمرك فيه عبرة عجبُ

الوزير الكاتب أبو القاسم بن السقاط

ضدّان في موضع كيف التقاؤها ... النار مضرمة والماء منسكبُ وخرجت باشبيلية مشيعا لأحد زعماء المرابطين فالقيه معه، مسايراً له في جملة من شيعه، فلما انصرفنا مال بنا إلى معرس أمير المسلمين أدام الله تأييده الذي ينزله عند حلوله أشبيلية وهو موضع مستبعد، كان الحسن فيه مودع، ما شئت من نهر ينساب انسياب الأراقم وروض كما وشت البرود راقم، وزهر يحسد المسك رياه، ويتمنى الصبح أن يسم بين محياه، فتطف غلام وسيم من غليانه نورة ومد يده إلي وهي في كفه، فعزم عليّ أن أقول بيتا في وصفه، فقلت: طويل وبدر بدا والطرف مطلع حسنه ... وفي كفّه من رائق النور كوكب فقال أبو محمد: طويل يروح لتعذيب النفوس ويغتدى ... ويطلع في أفق الجمال ويغرب ويجسد من الغصن أيّ مهفهف ... يجيء علي مثل الكثيب ويذهبُ وكتبت إليه يوماً مودعا، فجاوبني جواباً مستبدعا، وأخبرني رسولي أنه لما قرأ الكتاب وضعه وسوى، وكتب وما فكر ولا روى، ياسيدي الأعلى جرت الأقدار بجمع أفتراقط، وكان الله جارك في انطلاقك، فيغرك من روع بالظعن، وأوقد للوداع جاحم الشجن، فانك من أبناء هذا الزمن، خليفة الخضر لا تستقر على وطن، كأنك والله يختار لك ما تأتيه وتدعه، موكل بفضاء الأرض تذرعه، فحسب من نوى بعشرتك الاستمتاع، أن يعتدك من العواري السريعة الاسترجاع، فلا يأسف على قلة الثرى، وينشد، وفارقت حتى ما أبالي من النوى. الوزير الكاتب أبو القاسم بن السقاط مستعذب المقاطع، كأنما صور من نور ساطع، أبهى من محيا الظبي المخجل، وأحلى من الأمن عند الخائق الوجل، يهب عطرا نشره، ولا يغب حينا بشره، تجتليه بساما، وتنتضيه حساما، أن وأخاك أبرم عقد أخائه، وأعفاك من زهوة وانتخائه، ماء صفائه وارف يكاد يقطر، وسماء أحتقائه وأكفه أبدا تمطر، وله أدب لو نشر لكان بردا محبرا، أو تنسم لهب مسكا وعنبرا، وأما الخطابة ففي يده صار عناتها، وعليه وقف عناتها وقد أثبت من نظمه ونثره، ما ينظمه الزمان عقدا في نحره، فمن ذلك قوله يصف أيام أيناسه، وما كيف له الشباب من أنواع الوصل وأجناسه. متقارب

سقى الله أيامنا بالعذيب ... وأزماننا الغرّ صوب السحابِ إذ الحبّ يابثن ريحانه ... تجاذبها خطرات العتابِ وإذ أنتِ نوّارة تجتنى ... بكفّ الهنا من رياض التصابي لياليَ والعيش سهل الجنى ... نضير الجوانب طلق الجنابِ رميتكِ طيرا بدوح الصبا ... وصدّتك ظبيا بوادي الشبابِ وله يصف يوماً أطربته فيه الأماني، وهزته المثالث والمثاني، وجرى الدهر به طوعا في أزمته، وانقاد إليه الأنس برمته، وسقته الراح صفوها، وأقطعته الأيام طربها ولهوها. طويل ويوم ظللنا والمنى تحت ظلّه ... تدور علينا بالسعادة أفرك بروض سقته الجاشرية مزنة ... لها صارم من لامع البرق بتاك توسّدنا الصهباء أضغات أسه ... كانا على خضر الأرائك أملاكُ وقد نظمتنا للرضى راحة الهوى ... فنحن اللثالي والمودّات أسلاك تطاعننا فيه ثدي نواهد ... نهدن لحربي والسنّور أفناكُ وتجلى لنا فيه وجوه نواعم ... يخلن بدورا والغدائر أحلاكُ وكتب يشفع بذمام شباب صوخ نوره، وبرح به غدر الزمان وجوره، ياسيدي الأعلى، وظهيرى في الجلى، ونصيري المنيف في دوحة النبل فرعه، الحنيف في ملة الفضل شرعه، ومن أبقاه الله لرحم أدب مجفوة من الدروس والأخلاق، كالقلم المذهب، والخضاب الموشي لراحة الحسب، يستفيد به بهجة التكحل في العين، ورونق التشيب في مصوغ التبر واللجين، وقد رتبه النهى أشرف ترتيب، وبوبته العلى أبدع تبويب، فما أحقه بصدر النادي، وأسبقه إلى المرتبة بشرف المنادي، رعاية لأوامر الآداب، والمحافظة على الخلة الواشحة في أعصر الشباب، وتذكرا لربوع الصبا وأطلاله، وعهود اللذات المنثالة في بكره وآصاله، وما أسحبت الليالي في ميادينه من لبوس، نعيم وبوس، وأجنت الأيام في بساتينه من زهرات، أتراح ومسرات، حذوا للخلق الأكمل، وأخذا بقول الأول: بسيط أنَّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يالفهم في المنزل الخشنِ

وموصله وصل الله سراءك، واثل علاءك، أبو فلان، ذاكر مشاهدك الغر الحسان، وناشر ما تعتمد في صلته من مقاصد الحسن والإحسان، أبقاه الله ما نظمني معه سمط ناد، ولا أحتواني وأياه مضمار شكر وأحماد، إلا وأثبت من ماثرك خليطي الدر والمرجان، وجاء بطليعة السوابق في إحصاء مفاخرك رخي اللبب مرخي العنان، ولقد فأوضني من أحاديت ايتلافكما في العصور الدارسة العافية، وانتظامكما في زهرات الأنس في ظلال العافية، واتساقكما في حبرات العيش الرقاق الضافية، وارتشافكما لسلافة النعيم المزة الصافية، بافانين الغيطان والنجود، وزخارف الروض المجود، ومعاطف الطرر بين خيلان الخدود، ما لو لقيت بشاشته الصخر لمنح بهجة الإيراق، ولو القيت عذوبته في البحر لأصبح حلو المذاق، لو رقى به البدر لوقي آفة المحاق، ولو مر ببيداء لعادت كسواد العراق، وأزمع أن يسير بنواعج، في طرقه ومناهجه، ويطير بجناح الارتياح في الدر، إلى متفاذف ذلك الجو، ليكحل بالتماحك جفونه، ويجلو باوضاحك دجونه، ويجدد بلقائك عهداً أنهج البين رسمه، ويشاهد بمشاهدة علائك سروراً محت يد البين وسمه، ويحط من أفناء بشرك بالأهل العامر، ويسقط من أنواء برك على الحافل الغامر، فخاطبت معرضاً عن التحريض، ومجتز يا بنبذ العرض ولمح التعريض، وتابعا له بإسرارك تلك الخطرات ذكر العهود القديمة، وارتياحك للقاء مثله من أعلاق العشرة الكريمة، وأنت ولي ما تتلقاه به من تأنيس ينشر ميت رجائه، ويعمر مقفرا أرجائه، لازلت عاطفاً على الأخلاء بكرم الود، قاطعاً زهر الثناء من كمام الحمد، بحول الله. وله: طويل ويوم لنا بالخفيف راق أصيله ... كما راق تبر للعيون مذابُ نعماً به والنهر ينساب ماؤه ... كما أنساب ذعرا حين ريع حبابُ وللموج تحت الريح منه تكسّر ... تولدّ فوق المتن منه حبابُ وقد نجمت قصب لدان بشطه ... حكتها قدود للحسان رطابُ وأينع مخصرّ خلالها ... كما أقبلت نعمى وراق شبابُ وكتب عن أحد الأمراء إلى قوم عليه شفعوا لجناة، طاعتكم أبقاكم الله نابتة الرسوم، واضحة الوسوم، وضنانتكم بالسلطان عصمه الله ضنانة الجبان بالحيوة، وأعدادكم للمكافحة عن الدولة وطدها الله أعداد المهلب لبيات، فما لكم

والشفاعة، لرعاع ندوا عن عصمة الجماعة، ونفروا، وخاسوا بذمام الطاعة، وختروا، ثم ودوا لو تفكرون كما كفروا، فأرضوهم عن جماعتكم، وذودوهم عن حياض شفاعتكم، ذياد الأجرب، عن المشرب فنحن لا نقبل على توسل مستخف بالنفاق مستسر، ولا نقبل الحذعة من متماد على الغواية مصر، أن شاء الله، وله فصل من رسالة في أهداء فرس، وقد بعثت إليك أيدك الله بجواد يسبق الحلبة وهو يوسف ويتمهل، متى ترمق العين فيه تسهل، يزحم منكب الجوزاء بك منكبه، وتنزل عنه حين تركبه، أن بدا قلت ظبية ذات غرارة، تعطو إلى غرارة، أو عدا قلت انقضاض شهاب، أو اعتراض بارق ذي التهاب، فاضممه إلى أرى جيادك، واتخذه ليومي رهانك وطرادك، أن شاء الله عز وجل وأصبحت يوماً منبسط النفس، معترض الأنس، فمر بي فارس يحمل كتبا إليه، وينفض للسرعة مردويه، فحملته بيتين يضعهما في يديه وهما: طويل عسى روضة تهدي إليّ أنيقة ... تدبّج أسطارا على ظهر مهرقِ أحلّي بها نحري علاء وسوددا ... وأجعلها تاجا بهياً بمفرقي فكتب إلي مراجعاً: طويل أتتني على شخص العلاء تحّية ... كراد الضحى في رونق وتأنقِ أنمّ من الريحان ينضح بالندى ... وأطرب من سجع الحمام المطوّقِ سطيران في مغزاهما أمن خائف ... وسلوة مشغوف وأنس مشوّقِ نصوت أبا نصر بها همم العلى ... وأطلقت من آمالها كلّ موثقِ وحملنا الوزير القاضي أبو الحسن بن أضحى إلى إحدى ضياعه بخارج غرناطة ومعنا الوزير أبو محمد بن مالك، وجماعة من أعيان تلك المسالك، فحللنا بضيعة لم ينحت المحل أثلها، ولم ترمق العيون مثلها، وجلنا بها في أكناف، جنات الفاف، فما شئت من دوحة لفاء، وغصن يميس كعطفي هيفاء، وماء يناسب في جداوله، وزهر يضمخ بالمسك راحة متناوله، ولما قضينا من تلك الحدائق أربا، واقتضضنا منها أتراباً عربا، ملنا إلى موضع المقيل، وزلنا عن منارة تزري بمنارة جذيمة مع ملك وعقيل، وضد وصولنا بدا غلي من أحد الأصحاب تقصير في المبرة، عرض لي منه تكدير لتلك العين الثرة، فأظهرت التثاقيل أكثر ذلك اليوم، ثم عدلت عنهم إلى الأضطجاع والنوم، فما استيقظت إلا والسماء قد نسخ صحوها،

ذو الوزارتين الكاتب أبو عبد الله بن أبي الخصال أعزه الله

وغيم جوها، والغمام منهمل، والثرى من سقياه ثمل، فبسطني يتحفيه، وابهجني ببر لم يزل يتممه ويوفيه، وأنشدني: بسيط يوم تجهّم فيه الأفق وانتشرت ... مدامع الغيث في خدّ الثرى هملا رأى وجومك فارتدّت طلاقته ... مضاهيا لك في الأخلاق ممتثلا وكتب يستدعي إلى مجلس انس، يومنا أعزك الله يوم قد نقبت شمسه بقناع الغمام، وذهبت كاسه بشعاع المدام، ونحن من قطار الوسمي، في رداء هدي، ومن نضير النوار على نظائر النظار، ومن بواسم الزهر، في لطائم العطر، ومن غر الندمان بين زهر البستان، ومن حركات الأوتار، خلال نغمات الأطيار، ومن سقات الكؤس، ومعاطي المدام، بين مشرقات الشموس، وعواطي الأرام، فرأيك في مصافحة الأقمار، ومنافجة الأنوار، واجتلاء غرر الظباء الجوازي، وانتقاد درر الغناء الحجازي، موفقا أن شاء الله تعالى. ذو الوزارتين الكاتب أبو عبد الله بن أبي الخصال أعزه الله حامل لواء النباهة، الباهر بالروية والبداهة، مع صون ووقار، وشيم كصفو العقار، ومقول أصفى من ذي الفقار، وله أدب بحره يزخر، ومذهب يباهي به ويفخر، وهو وأن كان خامل المنشأ نازله، لم ينزله المجد منازله، ولا فرع للعلاء هضابا، ولا ارتشف للسناء رضابا، فقد تميز بنفسه، وتحيز من جنسه، وظهر بذاته، وفخر بادواته، والذي الحقه بالمجد، وأوقفه بالمكان النجد، ذكاء طبع عليه طبعه، ونجم في تربة النباهة غربه ونبعه، وتعلق بأبي يحي بن محمد بن الحاج وهو خامل الذكر، عاطل الفكر، فملك قياد ما موله، وهب من مرقد خموله، وقدح استعماله أياه زناد ذكائه، وأبدى شعاع ذكائه، ولم يزل عاثراً معه ومستقلاً، ومثريا حينا وحينا مقلا، إلى أن تورطوا في تلك الفتنة التي الفحو حائلها، وما لمحوا مخائلها، وطمعوا أن يغتالوا من أمير المسلمين ملكا معصوما، وأبرموا من كيدهم ما غدا بيد القدر مفصوما، وفي أثناء بغيهم، وخلال حربهم الوبيل وسعيهم، كانت ترد عليهم من قبله أيده الله كتب تحل ما ربطوه، وتروعهم مما تابطوه، فلم يكن لهم بد من أدنائه، لحسن منابه في المراجعة عنهم وغنائه، فورد عليهم ليلة كتاب راعهم، وأنساهم جلادهم وقراعهم، وهم بمجلس أنس فصحوا من حمياه، ومحوا منه عبق الأنس ورياه فاستدعاه في ذلك الحين للمراجعة

عن فصوله، والمعارضة لفروعه وأصوله، فأبان عن الغرض، وخلص جوهره من كل عرض، وأبدع في أحكامه، وبرع في قضاياه وأحكامه، فحمل أبا نجي بن محمد استحسان ما كتبه، أن خططه للحين ولقبه، والمدام لرايه البائل مالكة، وبعقله في طرق الخبال سالكة، فلم يعمل فيها فكرا، ولم يأمل أعرافا أتى أم نكرا، فجرت عليه لقبا، وأعلته من الاشتهار مرقبا، وصار مرتسما في العلية، متسما بتلى الحلية، وما زالت الدول تستدنيه نائياً، وتنئيه دانيا، ولا تجعله مجنيا عليه ولا جانيا، فما بيده رفع شومه، ولا محو وشومه، وقد أثبت له ما نجتليه فتستحليه، وتلمحد، فمن ذلك قوله في مغن زار، بعد ما أغب وشط منه المزار. كامل وافى وقد عظمت علي ذنوبه ... في غيبة قبحت بها أثاره فحما إساءته بها إحسانه ... واستغفرت لذنوبه أوتاره وكتب إليه عندما وصل أمير المسلمين، وناصر الدين إلى أشبيلية صادرا عن غزوة طلبيرة سنة ثلث وخمس مائة ووصل في جملته، ونزل بحملته، واتفق لي شغل توالى واتصل، إلى أن رحل أمير المسلمين أيده الله وانفصل، فاسلت عنه فأعلمت أنه سار معه، وما فارق مجتمعه، فكتب إليه نمستدعياً من كلامه ما أثبته في الديوان، وأنبته فيه زهر بستان، فوافاه رسولي من البلد على مرحلة، في ليلة من ضياء البدر محملة، فكتب إلي مراجعاً، الحذر أعزك الله يوتى من الثقة، والحبيب يوذي من المقة، وقد كنت أرضى من ودك وهو الصحيح بلمحة، واقنع من ثنائك وهو المسك بنفحة، فما زلت تعرضني للامتحان، وتطالبني بالبرهان، وتأخذني بالبيان، وأنا بنفسي أعلم، وعلى مقداري أحوط وأحزم، والمعيدي يسمع به لا أن يرى، وأن وردت أخباره تترى، فشخصه مقتحم مزدرى، ولا سيما من لا يجلي ناطقاً، ولا يبرز سابقاً فتركه والظنون ترجمة، والقال والقيل يقسمه، والأوهام تحله وتحرمه، وتحفيه وتخترقه، أولى به من كشف القناع، والتخلف عن منزلة الأمتاع، وفي الوقت من فرسان، هذا الشان، وأذمار هذا المضمار، وقطان هذه المناهل، وهداة تلك المجاهل، من تحسد فقره الكواكب، ويترجل إليه منها الراكب، فأما الأزاهر فملقاة في رباها، ولو حلت عن المسك حباها، وصيغت من الشمس حلاها، فهي من الوجد تنظر بك لعين شكرا، لا نكرا،

وإذا كانت أنفاس هؤلاء الفراد مثبوتة، وبدائعهم منثوثة، وخواطرهم على محاسن الكلام مبعوثة، فما غادرت متردما، ولا استبقت لمتاخر متقدما، فعندما يقف الاختيار، وبها يقع المختار، وأنا أنزه ديوانه النزيه، وتوجيهه الوجيه، عن سقط من المتاع، وبها يقع المختار، وأنا أنزه ديوانه النزيه، وتوجيهه الوجيه، عن سقط من المتاع، قليل المتاع، ثقيل روح السرد، مهلك صر البرد، إلا أن يعود به جماله، ويحرس نقصه كماله، وهبه اعزه الله قد استسهل استلحاقه، وطامن له أخلاقه، اتراني أعطي الكاشحين في أثباته يدا، وأترك عقلي لهم سدا، وما أخالك ترضاها لي مع الود خطة خسف، ومهواة حتف، لا يستقل غبينها، ولا يبل ظعينها، وله فصل منها، فلم نحل بطائل وصرنا تحت قول القائل: كامل ترك الزيارة وهي ممكنة ... واتاك من مصرِ على جملِ الزيارة هاهنا أعزك الله مثل، لا لفظ محتمل لأني أوجبها، ولا استوجبها، وأفرضها، ولا أفترضها، والتأويل على كل حال لا يتعدى الجميل مذهبا، ولا يتخذ ليل الشك مركبا، وأنت المفتتح للصلة، المولي للمنة المشتملة، وأن رسولك وافاني بكتابك الخطير والشمس واجبة سقوط منازع، وحياة الذي يقضي حشاشة نازع، والبيت قد غص ببانيه، وضاق لفظه عن معانيه، فاختلست أحرفي هذه أختلاس مسارق، والتماح بارق، والخاطر مخاطر، والشغل مساهم مشاطر، يصدر فكري إليه، ويخلع فقري عليه، إلا صبابة، ولا ترد صبابة، ورسيسا، لا يشفي نسيسا، فدونك واهي الدعائم، واهي العزائم، يتبرا تابعه من متبعه، ويفر سامعه من مسمعه، ولولا أن الجواب فرض يجرح معطله، ويخرج عن ملة التصابي مبطله، لاعتذرت، واقتصرت ولكني أوثر حقك وأن أبقى علي دركا، وبوأنى دركا، وقد حملت فلانا ما سمح به الوقت، وان اشتبه علي القصد والسمت، وحاضرت بما يسرت إلى ذكره، على شريطة كتمانه وستره، أنقيادا إلى أمرك، وتصديا غلى عقوقك ببرك، وله أيضاً، أيدك الله ليست الأذناب كالأعراف، ولا الأنذال كالأشراف، ولا كل أشراف بإشراف، فثم من يصم ما ولي، ويعمى عن الصبح وقد جلي أن ذكر نسي، وأن عذل فكأنما أغري، وكثيراً ما يمتد شططه، فتحذف نقطه، ويهجر نمطه، وان سمامحناه في الضبط، وامتنعناه بالنقط، نبذ الوفاء، فحذفنا الفاء، وجفا الكريم، فالغينا الميم، وله بعدما بقي، ما ألقى، وان أشرف فعلى الخطير العظيم، وان أطلع ففي سواء الجحيم، ورب طويل النجاد،

غريق في الاتهام والانجاد، ولايته أمان، وعمله جنان وخلقه رضوان، تود النجوم أن ينظمها في كتاب، اوينسقها نسق حساب، قد أرتقى بخطته باذخ السناء، وأخذ بضبعها رافعاً إلى السماء، فهناك وأنت ذاك، طاب الجنى ودنت المنى، وأيقن الشرف أنه في حرم وحمى، أقسم بالميتسم البارد، والحبيب الوارد، قسما تبقى على الشيب جدته، ويعز على المشيب حدته، ذكرى من ذلك العهد مدت بسببه ومنت إلى القلب بنسبه، ليحتون على الكرام، وليجترون على الأتام، وليأخذن قوق أيديها، وليكفن من تعديها، ما لهم تقحت أثلاثهم، وتسمهم بغير سماتهم، وتصفهم بصفاتهم وتعلهم بعرتهم، فأين أنت من الدب، وسنام قد أستوصل بالجب، وكيف ارتياحك بغير خمران دارت، ولمكرمة كالشمس أشرقت وأنارت، لا جرم إنك منها على ذكر، وبمدرجة حمد وشكر، وما هو إلا الشريف الوحد، ومن لا ينكر فضله ولا يجحد، أبو بكر أعزه الله وناهيك ثناء، وحسبك علاء وسناء، فتى دهي في ضيعته هناك بدواه، ورمي بخطوب غير ريوث ولا سواه، ورأيك أصاب الله برايك، وجبر الأولياء بسعيك، في تحصين مراعاته، وترفيهه ومحاشاته، ولولا عذر منع، لكان على أفقك النير قد طلع، ولكنه استناب قلانا وحسبه أن يودي كتابا، ويقتضي جوابا، ويتصرف على حكمك جيئة وذهابا، أن شاء الله، وله يعتذر من استبطاء المكاتبة. طويل ألم تعلموا والقلب رهن لديكمُ ... يخبركم عني بمضمره بعدي ولو قلبتني الحادثات مكانكم ... لا نهبتها وفري وأوطأتها خدّي ولما نكب الوزير أبو محمد بن القاسم النكبة التي أنبات يتعذر الأوطار، لذوي الأخطار، وأعلنت بكساد الفضائل بكساد الفضائل والمعالي، واستيثار الوضيع على الماجد الغالي، لأنه كان طود كمال، وبحر إجمال، وناظم خلال، وعالم جلال، وحين ثل الدهر عرشه، وأحل سواه فرشه، خاطبه كل زعيم مسليا عن نكبته، وانتقاله من رتبته، فكتب إليه هو في جملة من كتب، وان كان نازلاً عن تلك الرتب، برقعه مستبدعة وهي، مثلك ثبت الله فؤادك، وخفف من كاهل المكارم ما أدهى بك وعادك، يلقى دهره مكترث، وينازله بصبر غير منتكث، ويبسم عند قطوبه ويفل شباة خطوبه، فما هي إلا غمرة تنجلي، وخطرة يليها من

الصنع الجميل ما يلي، لا جرم أن الحر حيث كان حر، وان الدر برغم من جهله وهل كنت إلا حساما انتضاه، قدر أمضاه، وساعد أرتضاه، فإن أغمده فقد قضى ما عليه، وان جوده فذلك إليه، أما انه ما أنثم حده، ولبس جوهو الفرند خده، لا يعدم طبنا يشترطه، ويمينا يخترطه، هذه الصمصامة تقوم على كرها القيامة، طبقت البلاد أخباره، وقامت مقامه في كل أفق آثاره، قاما حامله فنسي منسي، وعدم منهي، كلا لقد فنيت الحقائق وأنهيت تلك العلائق قلم يصحبه غير غرار، ومتن عار، وكلاهما بالغ ما بلغ، ووالغ معه في الدماء أي ولغ، وما الحسن إلا المجرد العريان، وما الصبح إلا الطلق الأصحيان، وما النور إلا ما صادم الظلام، ولا النور إلا ما فارق الكمام، وما ذهب ذاهب، أجزل منه العوض واهب، وممن قضى حق المساهمة في هذه الحال التي التوى عرضها، وتأخر للأعذار القاطعة فرضها، أسف يردد، وارتماض يجدد، وذنوب على الأيام تحصى وتعدد، وحبا اللئام منها تحل وتعقد، فيعلم الله عز وجهه لقد استوفيت فيك هذه الأيام، ونهيت فيه حتى المرن عن الابتسام انتهى، وفي أيام مقامي بالعدوة اتفقت بيني وبين أبي يحي بن محمد بن الحاج سقى الله مصرعه، وأورده منهل العفو ومشرعه، مودة استحكم تواخيها، وشدت أواخيها، وغدونا بها حليفي صفاء وأخلاص، واليفي أخاء واختصاص، والزمان مساعد وصرفه متباعد، والشباب خضل يانع، والدهر مبيع ما هو له اليوم مانع، والدنيا سرو وإيناس، والأرض ظباء وكناس، فوقع بيني وبينه في بعض الأيام تنازع أدى بنا إلى الانفصال، وتعطيل تلك البكر والآصال، ثم نمي إلي عنه قول ضاق به ذرعي، وأجتث منه أصلي وفرعي، فكلما صدني عن الرحلة صممت، ونكثت من عرى التلوي ما كنت أبرمت، وبعد انفصالي علمت أن ذلك القول غدا زورا، ووشي به من غص أن يرانا زائراً ومزورا، فانقشعت تلك المخيلة، وتحركت لوعة مودته الدخيلة، وأكدت تجديد ذلك العهد الرائق، وكف أيدي تلك العوائق، فكتبت إليه: طويل أكعبه علياء وهضبة سودد ... وروضة مجد بالمفاخر تمطرُ هنئاً لملك زان نورك أفقه ... وفي صفحتيه من مضائك أسطر وأنّي لخفاق الجناحين كلّما ... سرى لك ذكر أو نسيم معطّرُ وقد كان واش هاجنا لتهاجر ... فبتّ وأحشائي جوى تنفطّر

فهل لك في ود ذوى لك ظاهراً ... وباطنه يندى صفاء ويقطر ولست بعلق بيع بخسا وأنني ... لأرفع أعلاق الزمان واخطرُ فأمره بمراجعتي فكتب بقطعة منها. طويل ثنيت أبا نصر عناني وربّما ... ثنت عزمة الشهم المصّمم أسطر ونالت هوى ما لم تكن لتناله ... سيوف مواض أو قنا متاطّرُ وما أنا إلا من عرفت وإنمّا ... بطرت ودادي والمودّة تبطرُ نظرت بعين لو نظرت بغيرها ... أصبت وجفن الرأي وسنان أشطرُ وقدما بذلت الودّ والحبّ فطرة ... وما الودّ إلاّ ما يخص ويفطرُ وكتب إلى الوزير المشرف أبي بكر بن رحيم يهنئه بولاية خطة الإشراف بحضرة أشبيلية وذواتها في شوال سنة خمس عشرة وخمس ماية: وافر إذا ما شرّف الإشراف قوما ... فإن بني رحيم شرفوهُ ومن يعرف به لهمُ قديماً ... وأن رغمت أنوف عرّفوهُ كفاة للملوك على سبيل ... ودين نصيحة ما حرّفوه أبو بكر له ولهم كفيل ... بكلّ كفاية أذ صرّفوهُ وما الإشراف إلاّ عبد قنّ ... فمتى تولّى استصرفوهُ هذه أعزك اله بديهة البشرى، وعجالة كعجالة القرى، وبريد إلى أم تلك القرى، فأنا لها بالإقبال ضمين، وعلي إليه ويمين، لتحوطنها أقلامك، وليحمدن فيها مقامك، ولتعرفن بالغرر والحجول أيامك، فحالفك السعد، ولاعدمك الملك الجعد، وأبل وأخلف مثلها جددا بعد، وما حق من بشر با بأعتلاتك، وسرى بأنبائك إلى أوليائك، أن يؤخر مراده، ويضيع عمله واعتقاده، وان الحاج أبا عبد الله بن شعران أملك، الداعي لك، أبقاه الله وجبره أشعرني بهذه المسرة، والديمة الثرة، ولقد هممت على هذا البرد، بخلع البرد، وحل العقد، وفض النقد، فدافعني انقباضا، وأعلمني أن له في علمك أنماه الله أغراضا، تكون على ذلك أثماناً وأعواضاً، وأراني عقداً يشهد بعدمه وصحة ما استحثه في مقدمة، وأنه ليس له سوى غرس قد صار عليه كلا، بل استدار في ساقيه كبلا، والتوى في عنقه غلا، وعاض له غلا لا مغلا، ولك الطول أن تفتح نظرك وفقه الله بالتخفيف على مثله من الضعفاء، ومن لا قدرة له على الأداء، وحمل الأعباء فإن ذلك ذكر في

ذو الوزارتين الكاتب أبو محمد بن عبد البر رحمه الله

العاجل، وأجر في الآجل، أن شاء الله تعالى. ذو الوزارتين الكاتب أبو محمد بن عبد البر رحمه الله بحر البيان الزاخر، وفخر الأوائل والأواخر، وواحد الأندلس الذي فاز بها بحظ الظهور، وحاز قصب السبق بين ذلك الجمهور، وامترى اخلاف أسعادها، وسقى صوب عهادها، واستقر في مراتب رؤسائها، استقرار الفلك عند أرسائها، إلا انه حصل في لهوات الأسد، وصار إلى موضع النفاق فكسد، وافي المعتضد بالله في طالع استوبله، ونحس استقبله، فكانت أيامه لديه حسرات، ولم تومض له فيها بروق مسرات، إلى إن لاذ بالفرار، وتخلص من يديه البدر من السرار، وأبوه أبو عمر هو كان سبب نجاته، وخروجه من لهواته، ولولاه لورد مشرع الحمام، وكرع في ماء الحسام، فقليلاً ما هم عباد فاقصر، ولا توهم إلا وكأنه أبصر، ولكن إمامة أبيه الشهيرة دفعت في صدر احتدامه، وشفعت له عند أقدامه، وقد أثبت له ما يتبين أنه سحر، ويتزين به للسناء نحر، فمن ذلك ما قاله في رجل مات مجذوما. رمل مات من كنّا نراه أبداً ... سالم العقل سقيم الجسدِ بحر سقم ماج في أعضائه ... فرمى في جلده بالزبدِ كان نمثل السيف إلاّ أنّه ... حسد الدهر عليه فصدي وله: كامل مجزوء لا تكثرنّ تامّلا ... واحبس عليك عنان طرفك فلربّما أرسلته ... فرماك في ميدان حتفك وكتب إلى أحد أخوانه، وقد نال الدهر من أخماله وامتهانه، من صحب الدهر أعزك الله وقع في أحكامه، وتصرف بين أقسامه، من صحة وسقم، وغنا وعدم، وبعاد واقتراب، وانتزاح واغتراب، وانفق لي ما قد علمت من الانزعاج والاضطراب، والتغرب والإياب، لا والله ما جرى من حركاتي شيء على مرادي، واعتقادي، وإنما هياتها الأقدار، والأثار، وعند ورودي أعلمت بما أصابتك به صروف الأيام، من الامتهان والإيلام، فيعلم الله لقد ألمت نفسي وساء به أثر الزمان عندي، وقلت هذا عدل ما تهيأ من جلدي وبعدي، فقد جمعتنا حوادث الأيام وصروفها، وأن اختلفت انواعها وصنوفها، على أن الذي أصابك أثقل عبا، واعظم رزاء، والله يعظم أجرك ويجعل هذه الحادثة أخر

حوادثك، واعظم كوارثك، حتى تستديم عزك في سراء سابغة تنعم بالك وخاطرك، وتقر عينك وناظرك، وتلحظ خطوب الدهر وأنت عنها في حماية من الكفاية مكينة، ودرع من الحماية حصينة، أن شاء الله وكتب عن الموفق أبي الجيش مهنئاً للمعتضد بأخذ شلب، كتابي أعزك الله تعالى عن حال قد طال جناحها، وآمال قد أسفر صباحها، ويد قد اشتد زندها، ونفس قد أنتجز بنجح كل مامول وعدها، بما وردني به كتاباك الكريمان أعز بهما من جميل صنع الله لك بحصول قاعدة شلب وذواتها في قبضتك، واستذراء ذلك الأفق بظل طاعتك، وخروج صاحبها عنها من غير عقد عاصم، ولا عهد لازم، قد كذبه ظنه في التماسك، وأخلفه أمله في التهالك، ورغم به أنف من بعد عنه وخدع به من لم يوضع الميسم عليه فأي نعمة يا سيدي، وأعلى عددي ما أجلها وأجزلها، وأي جنة ما أتمها وأكملها، على حين تضاعف حسن موقعها، وبان لطف محلها موضعها، ولاحت عنوناً في صحيفة مساعينا، وبرهانا بحول الله على تأتي راجينا، فالحمد الله ثم الحمد لله على ما من به واحسن فيه، حمدا يؤدي الحق ويقضيه، ويحتوي المزيد ويقضيه، وهو المسؤل عز اسمه أن يتبع ذلك بأشكاله، ويشفعه بأمثاله، ويهنئ ذلك النجح سلما وحربا، وشرقا وغربا، والظهور بعدا وقربا، فظهوري منوط بظهورك، وروري موصول بسرورك واتصال حالي بأحوالك، وحبلي بحبالك، هناك الله وأياي ما خولك، وقرن بالزيادة الأه قبلك، بمنه وكتب في عناية، أتم اله أيها الجليل محتده، الجميل معتقده المشهور فضله وسودده، عليك نعمه ظاهرة وباطنة، واجزل إليك قسمه متوافيه وراهنه، وأتاك من كل حظ أجزله، ومن كل صنع أجمله، ومن كل خير أتمه وأكمله، أن الأيام قد وصلت بيننا إلى التراسل سببا، وجعلت في التواصل أربا، فإذا أمكن سبب قدمته، وإذا تهيأ رسول أغتنمتة، توكيدا للحال معك، وتجديداً للعهد بيني وبينك، فمثل الحظ منك لا يهمل، وشبه الحق الذي لك لا يغفل، ومكاتبة لصديق عوض من لقائه إذا امتنع اللقاء، واستدعاء للأنبائه، إذا انقطعت الأنباء، وفيها انس، تلذ به النفس، وارتياح تنتعش به الأرواح، وارتباط يتصل به الاغتباط، وافتقاد يتبين به الاعتقاد والوداد، ومثل خلتك الكريمة عمرت معاهدها، ومثل عشرتك الجميلة شدت معاقدها، ومثل مكارمتك البرة

الوزير الكاتب أبو الفضل بن حسداي

حمدت مصادرها وموارها، وإذ قد تسببت لي أسبابها، فلا أقطعها، وغذ قد انفتحت بيننا أبوابها، فلا ادعها، وأنا أستدعيك مثل هذا إذا أسفر لك وطر، وعن لك أمر، فأني متطلع إلى أخبارك أراعيها، وحريص على أوطاك، أقضيها، ومستمطر لكتبك الكريمة اجتليها، وأشاهد نعم الله منها وفيها، فمذ صدر عني فلان لم أتلق لك خبرا، ولم الحظ من تلقائك أثراً، وذلك لا محالة لامتناع البحر وارتجاجه، وتعذر المسلك وارتتاجه، وإذ قد ذل صعبه لراكب، وهان خطبه على هائب فإنا اعتقد أن كتابك بأزاء كتابي، وخطابك سيلقى خطابي، ولما تهيا سفر فلان ضيفنا سلمه الله إلى الأفق الذي أنت عماده، والقطر الذي بيدك زمامه وقياده، وقد تقدمه فيك أمل قد استشعره وشكر لك قد بثه ونشره، أصحبته كتابي هذا مجدداً عهدا، ومهديا عنه حمدا، فإنه ما دخل تارة إلينا، ولا تكرر ثانية علينا، إلا وذكرك الجميل في فمه يديه ويعيده وأثرك الحسن عليه يلهج به ويشيده، يتلو بذلك كله معاقدته المحمودة، ومحافله المشهودة، في شكر الأمير الأجل أخيك أطال الله بقاءه والإشادة بتعظيم أمره، وتفخيم قدره، فإنه لا يغدو عندنا غلا باسمه، ولا يناضل إلا بسهمه، ولا يجاهد إلا عنه، ولا يحتسب إلا فيه، ومن جرى على البعد هذا المجرى، وشكر شكره النعمى، فحقيق بالأنعام، خليق بالإكرام، وقد استضاف إلى هذه الحقوق التي مثلها رعي، وشبهها قضي انه ضيف لي، وأثر ما عندي، اختصه بأتم العناية، واعتمده بإحمد الرعاية، وأشفع له الشفاعة الحسنة، واستظهر له المعونة التامة والمشاركة البينة، وأنت بفضلك تلقى أمله بالتحقيق، ورجاءه بالتصديق، وتصل فضلك عليه حتى يكون قليبا يروي وسقاء يشفي ووردا ينهل، وسبباً يتصل، أن شاء الله عز وجل. الوزير الكاتب أبو الفضل بن حسداي سابق فبرز، وأحرز من البلاغة ما أحرز وجرى في ميدانها إلى أبعد أمد، وبنى أغراضها بالصفاح والعمد، فغبر وجوه سوابقها، وظهر أما وجيهها ولاحقها، إذا كتب انتسب إليه السحر اصح انتساب، ونسق المعجزات نسق حساب، ورأى البدائع بيض الوجوه كريمة الأحساب، وقد كانت المذمة تقعده عن مراتب أكفائه، وتجد في ظموس رسمه وعفائه، وتصرفه تصريف المهيض وتقعده في ذلك الحضيض، حتى ألحقه الله باقرانه، واقاله من متجر خسرانه،

فتطهر من تلك السمة، واستظهر بعقيدته التي قيدت في ديوان الحق مرتسمة، وبدت محاسنه سافرة القناع، كافرة بذلك الدين الذي عدل بها من الإقناع، وقد أثبت له من ذلك مالا يرجى له لحاق، ولا يغشي تمامه محاق، فمنها هذه القطعة التي أطلعها نيرة، وترك الأباب بها متحيرة، في يوم كان عند المقتدر بالله مع علية، قد اتخذوا المجد حلية، والأمل قد سفر لهم عن محياة، وعبق لهم رياه، فصافحه الكل منهم وحياه، وشمس الراح، دائرة على فلك الراح، والملك ينشر فضله، وينثر وأبله وطله، يسدي العلاء، ويهب الغنا والغناء، فصدحت الغواني، وأفصحت المثالث والمثاني، بما استنزل من موقف الوقار، وسرى في النفوس مسرى العقار. بسيط توريد خدّك للأحداق لذّاتُ ... عليه من عنبر الأصداغ لاماتُ نيران هجرك للعشاق نار لظى ... لكنّ وصلك أن واصلت جنّات كأنّما الراح والراحات تحملها ... بدور تمّ وأيدي الشرب هالاتُ حشاشة ما تركنا الماء يقتلها ... إلا لتحيا بها منّا حشاشاتُ قد كان في كاسها من قبلها ثقل ... فخف إذ ملئت منها الزجاجات عهد للبني تقاضته الأمانات ... بانت وما قضيت منها لباناتُ يدني التوهّم للمشتاق منتزحا ... من الأمور وفي الأوهام راحاتُ تقضى عدات إذا عاد الكرى وإذا ... هبّ النسيم فقد تهدى تحيَّاتُ زور يعّلل قلب المستهام به ... دهرا وقد بقيت في النفس حاجاتُ لعلّ عتب الليالي أن يعود إلى ... عتبي فتبلغ أوطار ولذّاتُ حتّى نفوز بما جاد الخيال به ... فرّبما صدقت تلك المناماتُ ولما أعرس المستعين بالله ببنت الوزير الأجل أبي بكر عبد العزيز احتفل أبوه المؤتمن بالله في احتفالاً شهره، وأبدع فيه أبداعاً راق من حضره وبهره، فإنه أحضر فيه لآلات المبتدعة، والأدوات المخترعة، ما بهر الألباب، وقطع دون معرفتها الأسباب، واستدعى إليه جميع أعيان الأندلس من دان وقاص، ومطيع وعاص، فأتوه مسرعين ولبوه متبرعين، وكان مدير تلك الأراغة ومدبرها، ومشي مخاطباتها ومحبرها، الوزير الكاتب أبو الفضل وصدرت عنه في ذلك الوقت كتب ظهر أعجازها، وبهر أقتضابها وإيجازها،

فمن ذلك ما خاطب به صاحب المظالم أبا عبد الرحمن بن طاهر، محلك أعزك الله في طي الجوانح ثابت وأن نزحت الدار، وعيانك في أحناء الضلوع باد وأن شحط المزار، فالنفس فائزه منك بتمثيل الخاطر بأوفر الحظ، والعين نازعة إلى أن تمتع من لقائك بظفر اللحظ، فلا عائدة أسبغ بردا، ولا موهبة أسوغ وردا، من تفضلك بالحقوق إلى مانس يتم بمشاهدتك التام، ويتصل، بمحاضرتك انتظامه، ولك فضل الإجمال، بالأمتاع من ذلك بأعظم الآمال، وأنا أعزك الله على شرف سوددك حاكم، وعلى مشرع سنانك حائم، وحسبي ما تتحققه من نزاعي وتشوقي، وتتقنه من تطلعي وتتوقي، وقد تمكن الارتياح، باستحكام الثقة، واعتراض الانتزاح، بارتقاب الصلة، وأنت وصل الله سعدك بسماحة شيمك، وبارع كرمك تنشئ للموانسة عهداً، وتوري بالمكارمة زنداً، وتقتضي بالمشاركة شكراً حافلاً وحمداً، لازلت مهنئاً بالسعود المقتبلة، مسوغاً اجتلاء غرر الأماني المتهللة، بمنه، وله مراجعاً للوزير أبي محمد بن سفيان بقطعة منها: كامل قابلت بالعتبى كتابك حافظاً ... للعهد حفظ العينِ بالأجفانِ وبسطت أوضح من زياد عذرة ... لو لم تكن أقسى من النعمانِ أسقيك عذبا بارداً وسقيتني ... إذ جاش حميك من حميم أنِ أعضبت جهلا أن نسبت إلى الصبا ... فأفرح فإنك منه في ريعانِ وركب المستعين بالله يوماً نهر سرقسطة يريد طراد لذته، وارتياد نزهته، وافتقاد أحد حصونه المنتظمة بلبته، واجتمع له من أصحابه، من أختصه لاستحابه، وفيهم أبو الفضل مشاهداً لأنفراجهم، سالكاً لمناهجهم، والمستعين قد أحضر من آلات أيناسه، وأظهر من أنواع ذلك وأجناسه، ما راق من حضر، وفاق حسنه الروض الأنضر، والزوارق قد حفت به، والتفت بجوانبه، ونغمات الأوتار تحبس السائر عن عدوه، وتخرس الطائر المفصح بشدوه، والسمك تثيرها المكائد، وتغوص إليها المصائد، فتبرزها للعين، قبضان در وسبائك لجين، والراح لا يطمس لها لمع، ولا يجنس منه بصر ولا سمع، والدهر قد غضت صروفه، واقتض من منكره معروفه، قال: بسيط لله يوم أنيق واضح الغررِ ... مفضض مذهب الأصال والبكرِ كإنّما الدهر لمّا ساء أعتبنا ... فيه بعتبى وأبدى صفح معتذرِ

الوزير أبو عامر بن ينق

نسير في زروق حفّ السفين به ... من جانبيه بمنظوم ومنتثرَِ مدَّ الشراع به نشرا على ملك ... بدّ الأوائل في أيّامه الآخر هو الإمام الهمام المستعين حوى ... علياء مؤتمن عن هدي مقتدرِ تحوي السفينة منه أية عجبا ... بحر تجمّع حتّى صار في نهرِ تثار من قعره النينان مصعدة ... صيدا كما ظفر الغّواص بالدررِ وللندامى به عبّ ومرتشف ... كالريق يعذب في ورد وفي صدرِ والشرب في ودّ مولى خلقه زهر ... يذكو وغرته أبهى من القمرِ الوزير أبو عامر بن ينق بهر ذكاء وطبعاً، وعمر المحاسن ربعا، فأقام للأعجاز برهاناً، وتيم الباب وأذهانا، لولا عجب استهواه وأخل، بما حواه، وزهو ضفا على أعطافه، وأخفى نور أنصافه، إلا أن حسنة إحسانه لتلك السيئة ناسخة، وفي نفس الاستحسان راسخة، وقد أثبت له ما يستبدعه، ويفتئك منحاه فيه ومنزعه، فمن ذلك قوله يمدحه: بسيط حسبي من الدهرانّ الدهر ينتج لي ... بكر الخطوب وأنّي عاثر الأمل دعني أصادي زماني في تقلبه ... فهل سمعت بظلّ غير منتقلِ وكلّما راح جهما رحت مبتسما ... والبدر يزداد أشراقاً مع الطفلِ ولا يروعنك أطراقي لحادثة ... فالليث مكمنه في الغيل للغيلِ فما تاطرّ عطف الرمحِ من خور ... فيه ولا احمرّ صفح السيف من خجلِ لا غرو أن عطلت من حليها هممي ... فهل يعيّر جيد الظبي بالعطلِ ويده هل لا أنال القوس بارئها ... وقلدّ السيف جيد الفارس البطلِ ومنها في المديح: بسيط لأغرّ أن تدعه يوماً لنائبة ... جلى ولا يكشف الجلّى سوى جللِ قد أوسع الأرض عدلا والبلاد ندى ... فالروض طلق الربى والشمس في الحملِ يرعى المماليك في قرب وفي بعد ... ويأخذ الأمر بين الريث والعجلِ ذو عزمة لخطوب الدهر جرّدها ... أمضى من الصارم المرور في القلل وذو أياد على العافين جاد بها ... أشفى من البارد السلسال للغللِ مصرّف قصب الأقلام نال بها ... مناله بشبا الخطّيّة الذبلِ من كلّ أهيف ما في متنه خطل ... والسمهريّة قد تعزى إلى الخطلِ

الوزير الكاتب أبو بكر بن قزمان رحمة الله تعالى

دع عنك ما خلّدت يونان من حكم ... وسار في حكماء الفرس من مثلِ وانظر إليها تجدها أحرزت سبقا ... في الجهد منها وحاز السبق في مهلِ وله يتعزل: طويل وهيفاء يحكيها القضيب تاوّدا ... إذا ما انثنت في الريط أو حبراتها يضيق الأزار الرحب عن ردفها كما ... تضيق بها الأحشاء عن زفراتها وما ظبية غذ ما تالف وجرة ... ترود ظلال الغيل أو أثلاتها بأحسن منها يوم أومت بلحظها ... إلينا ولم تنطق حذار وشاتها الوزير الكاتب أبو بكر بن قزمان رحمة الله تعالى مبرز في البيان ومحرز الخصل عند تسابق الأعيان، اشتمل عليه المتوكل اشتمالاً أرقاه إلى مجالس، وكساه ملابس، فاقتطع أسمى الرتب وتبواها، ونال أسنى الحظوظ وما تملاها، فإن دهره كر عليه بخطوبه، وسفر له عن قطوبه، فكدر عيشه بعدما صفا، وقلص برده الذي كان صفا، وتجرع آخر عمره من كوس الذل أبشعها ذوقاً، ولبس من ملابس الهوان أشواهها طوقا، في قصة أساء بها ابن حمدين وما أجمل وجاء بها شوهاء لا تتأمل، وأخلاقه هي التي فلت من غربه، وكانت سبب لطول كربه، فإنها كانت تحتدم في جوانحه احتدام القيظ، تكاد تتميز من الغيظ، وكان رحمه الله ظاهر الصواب، متى نبس، طاهر الأثواب، من كل دنس، معجزاً ببيانه، موجزاً في كل أحيانه، وقد أثبت له ما تعلم به حقيقة قدره، وتعزف كيف أساء الزمان إليه بغدره، فمن ذلك قوله: كامل ركبوا السيول من الخيول وركبوا ... فوق العوالي السمر زرق نطافِ وتجلّلوا الغدران من ماذيّهم ... مرتجّة إلاّ على الأكتافِ الوزير الكاتب أبو بكر بن الملح حلّ كنفي العلم والعليا، وأخذ بطرفي الدين والدنيا، فهصر أفنان الفتوة، واقتصر برهة على أجتلاء غرر الأماني المجلوة، لم يتأنس بها إلا بنشوة، ولم يتنفس فيها إلا عن صبوة، ولا طاف مدتها بركن استتار، ولا عاف مورد استهتار، والدين يلحظه بطرف كلف، وقلب عليه مؤتلف، إلى أن أقصر باطله، وأستبصر مسوفه ومماطله، فعري من ذلك اللبوس، وبرئ من تلك الكؤس، وأصبح ثاني الأكابر، وراقي أعواد المنابر، وقد أثبت له ما يستجاد، ويرتاد له تهائم ونجاد،

تم القسم الثاني من قلائد العقيان ومحاسن الأعيان

فمن ذلك قوله: كامل والروض يبعث بالنسيم كغنه ... أهداه يضرب لاصطباحك موعدا سكران من ماء النعيم فكلّما ... غنّاه طائره وأطرب ردّدا ياوي إلى زهر كانّ عيونه ... رقباء تقعد للأحبّة مرصدا زهر يبوح به أخضرار نباته ... كالزَّهر أسرجها الظلام وأوقدا ويبيت في فنن توهمّ ظلّه ... يمسي ويصبح في القرارة مرودا قد خفّ موقعه عليه وربّما ... مسح النعيم بعطفه فتاوّدا وله يتعزل: خفيف حسب القوم أنّني عنك سالِ ... أنت تدري صبابتي ما أبالي قمري أنت كلّ حين وبدري ... فمتى كنت قبل هذا هلالي أنت كالشمس لم تغب لي ولكن ... حجبت ليلها حذار الملالِ وله يتعزل أيضاً: منسرح ظبي يموج الهوى بناظره ... حتى إذا ما رمى به أنبعثا مبتدع الخلق لا كفاء له ... يعدّ شكوى صبابتي رفثا أنكر سقمي وما قصدت له ... وما تعرّضت للهوى عبثا أقسم في الحبّ أن أموت به ... فما قضى برّه ولا حنثا تم القسم الثاني من قلائد العقيان ومحاسن الأعيان المضمن غرر علية الوزراء، وفقر الكتاب البلغاء القسم الثالث من قلائد العقيان، ومحاسن الأعيان في لمع أعيان القضاة ... ولمح أعلام العلياء السراة الفقيه القاضي أبو الوليد الباجي رحمة الله تعالى بدر العلوم اللائح، وقطرها الغادي الرائح، وثبيرها الذي لا يزحم، ومنيرها الذي ينجلي به ليلها الأسحم، كان أمام الأندلس الذي تقتبس أنواره، وتنتجع أتجاده وأغواره، رحل إلى المشرق فعكف على الطلب ساهراً، وقطف من العلم أزاهرا، وتفنن في اقتنائه، وثنى إليه عنان اعتنائه، حتى غدا مملو الوطاب، وعاد بلح طلبه إلى الأرطاب، فكر إلى الأندلس بحر لا تخاض لججه، وفجرا لا يطمس منهجه، فتهادته الدول، وتلقته الخيل والخول، وانتقل من محجر إلى ناظر، وتبدل من يانع بناصر، ثم استدعاه المقتدر بالله فسار إليه مرتاحا، وبدا في أفقه ملتاحاً، وهناك ظهرت تواليفه وأوضاعه، وبدا وخده في سبل العلم وأيضاعه، وكان المقتدر يباهي بأنحياشه إلى سلطان، وإيثاره لحضرته باستيطانه، ويحتفل

الوزير الفقيه أبو مروان بن سراج رحمه الله تعالى

في ما يرتبه له ويجريه، وينزله في مكانه متى كان يوافيه، وكان له نظم يوقفه على ذاته، ولا يصرفه في رفث القول وبذاذاته، فمن ذلك قوله في معنى الزهد: متقارب إذا كنت اعلم علما يقينا ... بان جميع حياتي كساعه فلم لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه وله يرثي أبنه وماتا مغتربين، وغربا كوكبين، وكانا ناظري الدهر، وساحري النظم والنثر. طويل رعى الله قبرين استكانا ببلدة ... هما اسكناها في السواد من القلبِ لئن غيبا عن ناظري وتبوّاى ... فؤادي لقد زاد التباعد في القربِ يقرّ بعيني أن أزور ثراهما ... والزق مكنون الترائب بالتربِ وأبكي وأبكي ساكنيها لعلّني ... سأنجد من صحب وأسعد من سحبِ فما ساعدت ورق الحمام أخا اسى ... ولا روّحت ريح الصبا عن أخي كربِ ولا استعذبن عيناي بعدهما كرى ... ولا ضئمت نفسي إلى البارد العذبِ أحنّ ويثني اليأس عن الاسى ... كما اضطرّ محمول على المركب الصعبِ وله يرثي ابنه محمداً: كامل أمحمّد أن كنت بعدك صابرا ... صبر السليم لما به لا يسلم ورزئت قبلك بالنبي محمّد ... ولرزوه أدهى لدّي واعظم فلقد علمت أنّني بك لاحق ... من بعد ظنّي أنّني متقدّمُ لله ذكر لا يزال بخاطري ... متصرّف في صبره متحّكم فإذا نظرت فشخصه متخيّل ... وإذا أصخت فصوته متوهّم وبكلّ أرض لي من أجلك لوعة ... وبكلّ قبر وقفة وتلوّمُ فإذا دعوت سواك حاد عن اسمه ... ودعاه باسمك مقول بك مغرمُ حكم الردى ومناهجٌ قد سنّها ... لأولي النهى والحزن قبل متمّم الوزير الفقيه أبو مروان بن سراج رحمه الله تعالى أحد أعيان البيان، وخاتم أعلام الكلام، ومعين الانتخاب والانتداب، على طموس رسم اللغات والآداب، فإنه أودى فطويت المعارف، وتقلص ظلها الوارف، لنه كان لجة بحر، وكان بالأندلس كعمر بن بحر، وزانها بمعرفته كدر

الوزير الفقيه أبو عبيد الله البكري رحمه الله تعالى

بنحر، وكانت دواوين العلم مقفلة ففتحها، ومبهمة فأوضحها وشرحها، وجاء ابنه بعده فصارت رباعه به أواهل، ولم تعد معالمه بعده مجاهل، إلا أن أبا مروان كان دوح ذلك الفرع، ومدر ذلك الضرع، وصحب شيوخاً درجة أبي الحسين أن يحمل عن طلبتهم، وينزل عن مرتبهم، وكان في ضبطه وتقييده، وحله لتشبك الغرض وتعقيده، في حد لا يأتي عليه تحديد، ولا يعبر لسان حديد، إلا أنه كان يضجر عند السؤال فما يكاد يفيد، ويتفجر غيظاً على الطالب حتى يتبلد ولا يستفيد، وقد أثبت له من بدائع أقواله ما تعيد القول في استحسانه وتبديه، وتلتحف سناه وترتديه، فمن ذلك قوله يمدح المظفر بن جهور رحمه الله. كامل أمّا هواك ففي أعزّ مكانِ ... كم صارم من دونه وسنانِ بين حروب لم تزل تغذوهم ... حتّى الفطام ثديها بلبانِ في كّل أرض يضربون قبابهم ... لا يمنعون تخيّر الأوطانِ أو ما ترى أوتادها قصد القنا ... وحبالهنّ ذوائب الفرسانِ عجباً لأسد في القباب تكلفت ... برعاية الظبيان والغزلانِ ولقد سريت وما صبحت على السرى ... غير النجوم أرادة الكتمانِ في ليلة نظرت إليّ نجومها ... أتقحم الغمرات غير جبانِ قالت فتاتهم وقد نبّهتها ... واليل ملقي كلكل وجرانِ كيف اجترأت على تجاوز من ترى ... من نائم حولي ومن يقظانش أو لست أنساناً وما أن تنتهي ... هذي النهاية جراءة الإنسانِ فأحببتها أنّ ابن جهورٍ الرضى ... منع المخاوف أن تحلّ جنانيِ ومنها في العتاب والاستمناح. كامل أتعود دلوي من بحور سماحكم ... صفرا وليست رثة الأشطانِ ويكون ربعي مستبينا جديد ... حتى أهيم بنجعة البلدانِ قسني بمن ينأى برفع مكانه ... بنديك العالي وخفض مكانيِ أمن السويّة أن لحلّوا بالربى ... من أرضه واحلّ بالغيطانِ أن ترخصوا خطري فكم مغل به ... يستام فيه بأرفع الأثمانِ الوزير الفقيه أبو عبيد الله البكري رحمه الله تعالى

عالم الأوان، ومصنفه، ومقرط البيان، ومشنفه، بتواليف، كأنها الخرائد، وتصانيف، أبهى من القلائد، حلي بها من الزمان عاطلاً، وأرسل بها غمام الإحسان هاطلا، ووضعها في فنون مختلفة وانواع، وأقطعها ما شاء من إتقان وإبداع، وأما الأدب فهو كان منتهاه، ومحل سهاه، وقطب مداره، وفلك تمامه وإبداره، وكان كل ملك من ملوك الأندلس يتهاداه تهادي المقل للكرى، والآذان للبشرى، على هناة كانت فيه فإنه رحمه الله مباكر للراح ولا يصحو من خمارها، ولا يمحو رسم إدمانه من مضمارها، ولا يريد إلا على تعاطيها، ولا يستريد إلى على معاطيها، قد اتخذ ادمانها هجيرة، ونبذ من الأقلاع نبذ عاصم بن الإيمن مجيره، فلما حان انقراض شعبان وانصرافه، كانت فيه مستبثنعة النكر، تمجها الأوهام والخواطر، ويثبتها السماع المتواتر، وقد أثبت له ما يشهد لك بتقدمه، ويريك منتهى قدمه، رايته وأنا غلام ما أقمر هلالي، ولا نبع في الذكاء كوثري ولا زلالي، في مجلس ابن منظور، وهو في هيئة كإنما كسيت بالبهاء والنور، وله سبلة يروق العيون إيماضها، ويفوق السواد بياضها، وقد بلغ سن ابن محلم، وهو يتكلم فيفوق كل متكلم، فجرى ذكر ابن مقلة وخطه، وأفيض في رفعه وحطه، فقال: بسيط خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودّت جوارحه لو أصبحت مقلا فالدرّ يصفر لاستحسانه حسدا ... والورد يحمرّ من إبداعه خجلا وله فضل من كتاب راجع به الفقيه الأستاذ أبا الحسن بن دري رحمهما الله، وتالله أني لاتطعم جنى محلورتك فيقف في اللهاة، واجد لتخيل مجالستك ما يجده الغريق للنجاة، واعتقد في مجاورتك، ما يعتقده الجبان في الحيوة. طويل متى تخطئ الأيام فيّ بان أرى ... بغيضا يناءي أو حبيبا يقرّب ورأيت رغبتك في الكتاب الذي لم يتحرر ولم يتهذب، وكيف التفرغ لقضاء أرب، والنشاط قد ولي وذهب، فما أجده إلا كما قيل. كامل نزرا كما استكرهت عائر نفحة ... من فارة المسك التي لم تفتقِ وإن يعن الله على المراد، فيك والله يستفاد، وبرغبتك أخرجه إلى الوجود من العدم وإليك يصل أدنى ظلم، بحول الله، وله فضل من رقعة يهنئ بها الوزير الأجل، أبا بكر بن زيدون بالوزارة، أسعد الله بوزارة سيدي الدنيا والدين،

الفقيه الأجل قاضي الجماعة أبو عبد الله بن حمدين رحمه الله

وأجرى لها الطير الميامين، ووصل بها التأييد والتمكين، والحمد لله على أمل بلغة، وجذل قد سوغه، وضمان حققه، ورجاء صدقه، وله المنة في ظلام كان اعزه الله صبحه، ومستبهم غدا شرحه، وعطل نحر كان حليه، وضلال دهر هديه. فقد عمر الله الوزارة باسمه ورد إليها أهلها بعد أقصار الفقيه الأجل قاضي الجماعة أبو عبد الله بن حمدين رحمه الله حامي ذمار الدين، وعاضده وقاطع ضرر المعتدين، وخاضده ملك للعلوم زماماً، وجعل العكوف عليها لزاما، فحيى رسمها، وأعلى اسمها، وخاصمت الملحدين منه السن لد، وتهدلت به على العالمين أغضن ملد، وكف أيدي الظالمين فلم تكن لهم استطالة، وأرهف خواطر المجتهدين فلم تستح لهم بطاله، فأصبح أهل مصره بين دارس علم، ولابس حلم، وآيس ظلم، ناهيك من رجل كثير الرعي لأهل المعارف، مؤو من بره إلى ظل وارف، أعم الورى منة، وأعظم خلق الله منة، أقام واقعد، وأدنى وأبعد، وانحس وأسعد، فتقلصت به الظلال وفاءت وحسنت به الأيام وساءت وأعمل للضر والنفع لسانه ويده، وشغل بالرفع والوضع يومه وغده، وعمر بهما فكره وخلده، حتى هد الجبال الشوامخ، واجتث الأصول الرواسخ، ولما أدار ابن الحاج من خلاف سنة تسع وتسعين ما أدار، واتفق هو ومن واطاه على ما فسخته الأقدار، استشير في الخلع فما استساغه، وريع حيره فلم يكن فمن راعبه، وعرض على الحمام فما هابه، ووالي في نقض ما أبرم جيئانه وذهابه، وسمح في ذلك بنفسه، وقنع من غده بذكر أمسه، فلما انجلت ظلماؤه، وتحلت بنجوم ظفره سماؤه، أغرى بالمطالبين اهتضامه، وحيفه وأعلن لمن أسر أغراءه ولم ينظر بالمكروه نظراءه، فأخمل منهم أعلاما، وأورث نفس الدين منهم ألاما، وألبسهم ما شاء ذما من الناس وملاما، فدجت مطالع شموسهم وخلت مواضع تدريسهم، فأصبحوا ملتحفين بالمهانة، متشوفين إلى الإهانة، يروعهم الرواح والغدو، ويحسبون كل صيحة عليهم هو العدو، ويذعرهم طروق النوم للأجفان، وينكرهم الثابت العرفان، قد فقدوا حبورا، وعات منازلهم قبورا، إلى أن نفس مخنقهم بعد أحوال، وخلا أفقهم من تلك الأهوال، فتنشقوا ريح الحيوة، وأشرقوا من تلك الظلمات، بعد أن أحال البوس نعيمهم، واخذ الحمام زعيمهم، وكان رحمه الله متضح طريق الهدى، منفسح الميدان في العلم

الفقيه الأستاذ أبو محمد عبد اله بن محمد بن

والندى مع أدب كالبحر الزاخر، ونشر كالدر الفاخر، وقد أثبت له منه ما تعذب مقاطفه، وتلين معاطفه، فمن ذلك فصل راجع به ابن شماخ، عمر بابك، وأخصب جنابك، وطاوعك زمانك، ونعم بك أوأنك وسقى بلادك غير مفسدها صوب الربيع وديمة تهمي فما درج لسبيله، من كنت سلالة سليله ووارث معرسه ومقيله، وما حام وضرع، فخر رمى عن وتر قوسك ونزع، فلم يهلك هالك، ترك مثل مالك، فتركت المهاد، وألفت السهاد، وتقليت الأباء والأجداد، فأسرجت في ميدان الحمد براقا، اتخذ الريح خافيه وساقا، فاجتل من شعاب المجد صقعا، أثار به نقعا، ودوم في أفق السماء، تدويم فرخ الماء، حتى كأنه على قمة الراس ابن ماء، محلق لباهر فضلك أن يطول فيقول: خفيف لا بقومي شرفت بل شرفوا بي=وبنفسي فخرت لا بجدودي أو يتنزل فيمتثل: كامل لسنا وأن كرمت أوائلنا ... يوما على الأحساب نتكلُ نبني كما كانت اوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا كم متعاط شاو طلقك، سولت له نفسه شق غبارك، واقتفاء مناهج أثارك، فما أدرك وطلح بعيره وبرك، وفي فصل منها، بيننا وسائل أحكمتها الأوائل، ما هي بالأنكاث، والوشائح الرثاث، من دونها عهد، جناه شهد، أرج عرف النسيم، مشرق جبين الأديم، رائق رقعة الجلباب، مقتبل رداء الشباب، كالصباح المنجاب، تروق أساريره، وتلقاك قبل اللقاء تباشيرة. وافر ورثناهنّ عن أباء صدق ... ونرثها إذا متنا بنينا الفقيه الأستاذ أبو محمد عبد اله بن محمد بن السيد البطليوسي عليه رحمة الله وجزيل غفرانه شيخ المعارف وأمامها، ومن في يديه زمامها، لديه تنشد ضوال الإعراب، وتوجد شوارد اللغة والإعراب، إلى مقطع دمث، ومنزع في النفاسة غير منتكث، وكان له في دولة ابن رزين مجال ممتد، ومكان معتد، ولما رأى الأحوال، واختلالها، والأقوال واعتلالها وتلك الشموس قد هوت، ونجوم الآمال قد خوت، أضرب عن سواه، ونكب عن نجواه، ولتغرب بلوغه ابن رزين وجواه، ونصب

نفسه لأقراء علوم النحو، وقنع بتغييم جوة بعد الصحو، وله تحقق في العلوم الحديثة والقديمة، وتصرف في طرقها القويمة، ما خرج بمعرفتها عن مضمار شرع، ولا نكت عن أصل للسنة ولا فرع، وتوليفه في المشروحات وغيرها صنوف، وهي اليوم في الآذان شنوف، وقد أثبت له ما يريك شفوفه، وتجد على النفس خفوقه، فمن ذلك قوله في طول اليل: طويل ترى لينا شابت نواصيه كبرة ... كما شبت أم في الجوروض نهارِ كأنّ الليالي السبع في الأفق علّمت ... ولا فصل فيما بينهما بنهارِ وأخبرني انه حضر مع المأمون بن ذي النون في مجلس الناعورة بالمنية التي تطمح إليها المنى، ومرآها هو المقترح والمتمنى، والمأمون قد اجتبى وأفاض الحبا، والمجلس، يروق كان الشمس في أفقه، والبدر في مفرقه، والنور عبق، وعلى ماء النهر مصطبح ومغتبق، والدولاب يئن كناقة أثر الحوار، أو كثكلى من حر الأوار والجو قد عنبرته أنواؤه، والروض قد رشته أمطاره وأنداؤه، والأسد قد فغرت أفواهها، ومجت أمواهها، فقال: منسرح يا منظرا أن نظوت بهجته ... أذكرني حسنه جنّة الخلدِ تربة مسك وجوّ عنبرة ... وغيم ندّ وطشّ ما وردِ والماء كاللازورد قد نظمّت ... فيه اللئالي فواغر الأسدِ كأنّما جائل الحباب به ... يلعب في جانبيه بالنردِ تخاله أن بدأ قمرا ... تمّا بدا في مطالع السعدِ كأنّما ألبست حدائقه ... ما حاز من شيمة ومن مجدِ كأنّما جادها فروضّها ... بوابلٍ من يمينه رغدِ لا زال في عزّة مضاعفة ... ميمّم الرفد واري الزندِ وله رقعة يصف فيها هذا التصنيف تأملت فسح الله لسيدي ووليي في أمد بقائه. كتابه الذي شرع في أنشائه، فرأيت كتاباً سينجد ويغور، ويبلغ حيث لا تبلغ البدور، وتبين به الذرى والمناسم، وتغتدي له غرر في أوجه ومواسم، فقد اسجد الله الكلام لكلامك، وجعل النيرات طوع أقلامك، فأنت تهدي بنجومها، وتردي برجومها، فالنثرة من نثرك، والشعرى من شعرك والبلغاء لك معترفون، وبين يديك متصرفون، وليس يباريك مبار، ولا يجاريك إلى

الغاية شفوفاً، ولا برح مكانك بالآمال محفوفاً، بعزة الله، وله يراجع الأستاذ أبا محمد بن جوشن على شعر كتب به إليه وتضمن غزلاً في أول القصيدة فحذا حذوه: طويل حلفت بثغر قد حمى ريقه العذبا ... وسل عليه من لواحظه عضبا وفرحة لقيا أذهبت ترحه النوى ... وعتبي حبيب هاجر أعقبت عتبا لقد هزّ عطفي بالقريض ابن جوشن ... سرورا كما هزّت صبا غصنا رطبا كساني ارتياح الراح حتى حسبتني ... حليف بعاد نال من حبّه قربا وأطربني حتى دعاني الورى فتى ... وقالوا كبير بعد كبرته شبّا كأنّ المثاني والمثالث هيّجت ... سروري ولم أسمع غناء ولا ضربا فيا مزمع الترحال قل لابن جوشن ... مقال محبّ لم يشب جدّه لعبا أمهدي سجاياه إليّ وناظما ... إلى الشهب عقدا راقني نظمه عجبا وما خلت أهداء الشمائل ممكنا ... لمهد وأنّ الدهر ينتظم الشهبا فهل نال عبد الله من سرّبابل ... نصيبا فأربى أوحوى الدهى والأربا لهينك فضل حزت من خصله المدى ... ونظم بديع قد غدوت له ربّا وهاك سلاما صادرا عن مودّة ... عمرت بها منّى الجوانح والقلبا وله في الزهد من لزوم ما لا يلزم. طويل أمرت إلاهي بالمكارم كلّها ... ولم ترضها إلاّ وأنت لها أهلُ فقلت اصفحوا عمّن ساء إليكمُ ... وعودوا بحلم منكمُ إن بدا جهلُ فهل لجهول خاف صعب ذنوبه ... لديك أمان منك أو جانب سهلُ وله في التوحيد والرد من قال بغيره: طويل إلاهي إنّي شاكر لك حامد ... وإنّي لساع في رضاك وجاهدُ وإنّك مهما زلّت النعل بالفتى ... على العائد التوّاب العفو عائد تباعدت مجدا وأدنيت تعطّفا ... وحلما فأنت المدني المتباعدُ ومالي على شيء سواك معوّل ... إذا دهمتني المعضلات الشدائدُ أغيرك أدعو لي الاها وخالقا ... وقد أوضح البرهان أنّك واحدُ وقدما دعا قوم سواك فلم يقم ... على ذاك برهان ولا لاح شاهدّ

وبالفلك الدّوار قد ضلّ معشر ... وللنّيرات السبع داع وساجد وللعقل عبّاد وللنفس شيعة ... وكلّهم عن منهج الحقّ حائد وكيف يضلّ القصد ذو العلم والنهى ... ونهج الهدى من كان نحوك قاصدُ وهل في الذي طاعوا له وتعبّوا ... لأمرك عاص أولحقّك جاحدُ وهل يوجد المعلول من غير علّة ... إذا صحّ فكر أو أرى الرشد راشدَ وهل غبت عن شيء فينكر منكر ... وجودك أم لم تبد منك الشواهد وفي كلّ معبود سواك دلائل ... من الصنع تبدي أنه لك عابدُ وكلّ وجود عن وجودك كائن ... فواحد أصناف الورى لك واحد سرت منك فيها وحدة لو منعتها ... لأصبحت الأشياء وهي بوائدُ وكم لك في خلق الورى من دلائل ... يراها الفتى في نفسه ويشاهدُ كفى مكذبا للجاحدين نفوسهم ... تخاصمهم أن أنكروا وتعاندُ وله يجيب شاعراً قرطبيا مدحه. بسيط قل للذي غاص في بحر من الفكر ... بذهنه فحوى ما شاء من دررِ لله عذراء زفت منك رائحة ... تختال من حبرها المرقوم في حبرِ صداقها الصدق من دوّي ومنزلها ... بصيرتي وسواد القلب والبصري هزّت بدائعها عطفّي من طرب ... لحسنها هزّة المشغوف بالذكرِ كأّنما خامرتني من بشاشتها ... راح وسكر بلا راح ولا سكرِ ما كنت احسب أنّ النّيرات غدت ... يصيدها شرك الأوهام والفكرِ ولا توّهمت أيّام الربيع ترى ... في ناضر غضّة الأنوار والزهرِ أمّا الجزاء فشي لست مدركه ... ولو بدرت إلى التوجيه بالبدرِ لكن جزاءي صفاء الودّ أضمره ... إذا القلوب أنطوت منه على كدرِ جاراك ذهني في مضمارها فكبا ... ذهني وفزت بخصل السبق والظفرِ وهل بطليوسُ في نظم مناظرة ... يوماً لقرطبةٍ في حكم ذي نظرِ وله يصف زيرطانة. وافر وذات عمى لها طرف بصير ... إذا رمدت فأبصر ما تكونُ لها من غيرها نفس معار ... وناظرها لذي الأبصار طين وتبطش باليمن إذا أردنا ... وليس لها إذا بطشت يمينُ

وكتب إلى الأستاذ أبي الحسن بن الأخضر رحمه الله، يا سيدي الأعلى، وعمادي الأسنى، وحسنة الدهر الحسنى، الذي جل قدره، وسار مسير الشمس ذكره، ومن أطال بقاءه لفضل يعلي مناره، وعلم يحيى أثاره، نحن أعزك الله نتدانى أخلاصا، وان نتناءى أشخاصا، وأن فرقنا النسب، فالأشكال أقارب، والآداب مناسب، وليس يضر تناءى الأشباح، إذا تقاربت الأرواح، وما مثلنا في هذا الانتظام، إلا كما قال أبو تمام. طويل نسيبيَ في رأيي وعلمي ومذهبي ... وإن باعدتنا في الأصول المناسبُ ولو لم يكن لمأثرك ذاكر، ولمفاخرك ناشر، إلا ذو الوزارتين، أبو فلان أبقاه الله لقام لك مقام سبحان وائل، وأغناك عن قول كل قائل، فإنه يمد في مضمار ذكرك باعا رحيبا، ويقوم بفخرك في كل ناد خطيبا، حتى يثني إليك الأحداق، ويلوي نحوك الأعناق، فكيف وما يقول إلا بالذي علمت سعد، وما تقرر في النفوس من قبل ومن بعد، فذكرك قد أنجد وغار، ولم يسر فلك حيث سار، وأن ليل جهل اطلعت فيه فجر تبصيرك، لجدير بان يصير نهارا، وأن نبع فكر قدحته بتذكيرك، لجدير أن يعود مرخا وعفارا، فهنيئا لك الفضل الذي أنت فيه راسخ القدم، شامخ العلم، منشور اللواء، مشهور الذكاء، مليت الآداب عمرك، ولا عدمت الألباب ذكرك، ورقيت من المراتب أعلاها، ولقيت من المشارب أقصاها، بفضل الله، وكتب مراجعا إلى الوزير أبي محمد بن سفيان رحمه الله، يا سيدي أعلى وعمادي الأسنى ومشربي الأصفى، أدام الله عزته، وحمى من النوائب حوزته، وافاني لك كتاب سري الموضع، سني الموقع، أطال الله علي إيجازه، وأطمع على أعجازه، وقابلت الرغبة التي ضمنتها فيه، بما تقتضيه جلالة مهدية، ولئن تراخى الكتاب، عن حسن ذلك العتاب، فإن المودة لم يقدح فيها من الملل، قادح، ولم يسنح لها من الخلل، سانح، بل كانت كالبرد تطوى على غره، إلى أوان جلائه ونشره، وقد علم علام الضمائر، والذي يظن غايبا وهو حاضر، أني أعتقدك القدح المعلى، وأضرب بك المثل الأعلى، وأرى أنك تحجيل واضح، في دهمة الزمان، وعلق راجح، في كفة الامتحان، وبقية سنح كريم، ما عهدهم عندنا بذميم. طويل عليهم سلام الله ما درّ شارق ... ورحمته ما شاء أن يترحّما

وما أدعى لك جانبا من السيادة، إلا ولك عليه أعدل الشهادة، ولكن قديما سفل ذو الرجحان، وعاد الكمال على أهله بالنقصان، وكبت الأعالي بارتفاع الأسافل، حتى اقتضى ذلك قول القائل: طويل فوا عجبا كم يدّعى الفضل ناقص ... ووا أسفا كم يظهر النقص فاضلُ وقال المذمر للناتجين متى ذمرت قبلي الأرجل وقد جاريتك أعزك الله في ميدان من البلاغة أنا فيه كمن كاثر البحر والمطر، وجلب التمر إلى هجر، والذي حداني إليه، أنه مر لي زمن، إلهي خاطري عنك فيه وسن، فقلت قد كان من العقوق، ترك رعاية الحقوق، فلا ستمطرنّ مرن القول فقد كنت عهدتها تنسجم فتغدق، ولا ستسقين جابية الشيخ العراقي فقد كانت تطم فتفهق، أيام كنت اسحب ذيل الشباب، وأسلك مسلك الكتاب ويعجبني سلوك سهل الكلام وحزونه، والتصرف بين أبكاره وعونه، أستن استنان الطرف الجامح، ولا أثني عنان الطوف الطامح، وأروي هامتي، وأقول بما صبت علي غمامتي، على أن تعمم مفرقي بالقتير، وعلتني أبهة الكبير، وودعت زمني الزائل، وعادت سهامي بين رث وناصل، وعريت أفراس الصبا ورواحله، وسدت علي سوى قصد السبيل معادله، فلئن هريق ماء الشباب، واستشن الأديم واقشع السحاب، وتجلت الغيوم فلعل في الأفق ربابة، وفي الحوض صبابة، وعسى أن يكون في أخلاف المقالة در يرضع، وفي حقاق البلاغة در يرصع، ولازفنها عذراء، لا ترتضي إلا الأكفاء، فليس يلين النجد إلا في مارق الهيجاء، ولا يحسن العقد إلا في عنق الحسناء، ولأجعلن الشعر لها شعارا، وفقر النثر لها دثارا، فاهتصرها إليك ولهى عروبا، قد رضيت بك محبا وحبوبا، فتضمخك بمسكها، وتؤمنك من فركها، وتذر ذرور الشمس عليك، وتهز في ندوة الحي عطفك، فإن قضت من حقك فرضا، ورتقت من فتق الأخلال ولو بعضا، فذاك ما تضمنه الخاطر الذي نمنم بردها، ونظم عقدها، وأن اخلف الظن ما أوهم ووعد، وقضى الذهن فيما أحكم وسدد، فللخاطر عذر في أنه منصل أغفل شحذه وجلاؤه، حتى ذهب فرنك وماؤه، ومنهل ضيع ورده، فنضب عده. كامل والشول ما حلبت تدفق رسلها ... وتجف درتها إذا لم تحلبِ

وله من قصيدة يمدح بها ذا الوزارتين أبا محمد بن الفرج. خفيف نبّه اليل بالوجيف ولا تو ... لع بدار الهوان بالأغماضِ وأقر ضيف الهموم كل أمون ... عنتريس وبازل شرواضِ أنقذتني من الردى وطاتي البي ... د ونقض الهموم بالأنقاضِ شكلها كالقسّي وهي سهام ... للفلا والرغاء كالأنباضِ خلتها حين خاضت اليل سبحا ... غمست من دجاه في خضخاضِ صدعت عرمض الدياجيَ حتّى ... كرعت ماء الصباح المفاض حين راع الظلام وخط مشيب ... قد سرى في سواده ببياضِ وقال في الزهد: طويل تجوهرك الأدنى عنيت بحفظه ... وضيعت من جهلٍ تجوهرك الأقصى لقد بعت ما يبقى بما هو هالك ... وأثرت لو تدري على فضلك النقصا وقال في ذلك: طويل وما دارنا إلاّ موات لو أنّنا ... نفكّر والأخرى هي الحيوانُ شربنا بها عزّا يهون جلالة ... وشتّان عز للفتى وهوانُ قال يمدح المستعين باله بن هود رحمه الله: طويل همُ سلبوني حسن صبريَ إذ بانوا ... بأقمار أطواق مطالعها بانَ لئن غادروني باللوى أنّ مهجتي ... مسايرة أضعانهم حيث ما كانوا سقى عهدهم بالخيف عهد غمائم ... ينازعها مزن من الدمع هتّانُ أأحبابنا هل ذلك العهد راجع ... وهل لي عنكم آخر الدهر سلوانُ ولي مقلة عبرى وبين جوانحي ... فؤاد إلى لقياكم الدهرَ حنّانُ تنكرّت الدنيا لنا بعد بعدكم ... وخفّت بنا من معضل الخطب الوانُ رحلنا سوام الحمد عنها لغيرها ... فلا ماؤها صدّا ولا النبت سعدانُ إلى ملك حاباه بالمجد يوسفً ... وشاد له البيت الرفيع سليمنُ إلى مستعين بالإله مؤيد ... له النصر حزب والمقادير أعوانُ ومنها يمدحه رحمهما الله. طويل بوجه ابن هود كلّما أعرض الورى ... صحيفة أقبال لها البشر عنوانُ فتى المجد في برديه بدر وضيغم ... وبحر وقدس ذو الهضاب ونهلانُ

من النفر الشمّ الذين اكفّهم ... غيوث ولكنّ الخواطر نيرانُ ليوث شرى ما زال منهم لدى الوغى ... هزبر فيمناه من السمر ثعبانُ وهل فوق ما قد شاد مقتدر لهم ... ومؤتمن بالله لقياده إيمانُ وله يعزي ذا الوزارتين أبا عيسى بن لبون في أخيه. كامل للمرء في أيّامه عبرُ ... والصفو يحدث بعده كدرُ خرس الزمان لمن تأمّله ... نطق وخبر صروفه خبرُ نادى فاسمع لو وعت أذن ... وارى العواقب لو رأى بصرُ كم قال هبّوا طالما هجعت ... منكم عيون حقّها السهرُ أباذن من هو مبصري صمم ... أم قلب من هو سامعي حجرُ لولا عماكم عن هدى نذري ... ومواعظي ما جاءت النذرُ ومنها: كامل هذي مصارع معشر هلكوا ... وعظتكم بالعتب فاعتبروا قالت أرى ليل الشباب بدت ... للشيب فيه أنجم زهرُ فأجبتها لا تكثري عجبا ... من شيبة لم يجنها كبرُ ومنها: كامل لكن طويت من الهموم لظى ... أضحى لها في عارضي شررُ حسنت شمائلكم وأوجهكم ... فتطابقا مراى ومختبرُ والحسن في صور النفوس وإن ... راقتك من أجسامها الصورُ لا ضعضعت أيدي الخطوب لكم ... ركنا ولا راعتكم الغيرُ وله يصف فرسا: طويل وأدهم من آل الوجيه ولاحق ... له اليل لون والصباح حجول تجرّ لماء الحسن فوق أديمه ... فلولا التهاب الحضر ظلّ يسيلُ كانّ هلال الفطر لاح بوجهه ... فأعيننا شوقا إليه تميلُ كأنّ الرياح العاصفات تقلّه ... إذا ابتل منه محزم وليلُ إذا عابد الرحمن في متنه علا ... بدا الزهو في العفين منه يجول فمن رام تشبيها له قال موجزا ... وان كان وصف الحسن منه يطولُ هو الفلك الدوّار في صهواته ... لبدر الدياجي مطلع وأفولُ وله يخاطب مكة أعوزها الله تعالى. طويل أمكّة تفديك النفوس الكرايمُ ... ولا برحت تنهلّ فيك الغمائمُ

الوزير الأستاذ أبو الحسين بن سراج رحمه الله تعالى

وكفّت أكّف السوء عنك وبلّغت ... مناها قلوب كي تراك حوائمُ فإنّك بيت الله والحرم الذي ... بعزته ذلّ الملوك الأعاظمُ وقد رفعت منك القواعد بالتقى ... وشادتك أيد برّة ومعاصمُ وساويت في الفضل المقام كلاهما ... ينال به الزلفى وتمحى المئاثمُ ومن أين تعدوك الفضائل كلّها ... وفيك مقامات الهدى والمعالمُ ومبعث من ساد الورى وحوى العلى ... بمولده عبد الإله وهاشمُ نبي حوى فضل النبيين واغتدى ... لهم أولاً في فضله وهو خاتمُ وفيك يمين الله يلثمها الورى ... كما يلثم اليمنى من الملك لاثمُ دعا دعوة فوق الصفا فأجابه ... قطوف من الفجّ العميق وراسمُ فأسعجب بدعوى لم تلج مسعمي فتى ... ولم يعها إلاّ ذكيّ وعالمُ ألهفي لأقدار عدت عنك همّتي ... فلم تنتهض منّي إليك العزايمُ فياليت شعري هل أرى فيك داعيا ... إذا جارت لله فيك الغمائمُ وهل تمحون عنّي خطايا اقترفتها ... خطا فيك لي أو يعملات رواسمُ وهل لي من سقيا حجيجك شربة ... ومن زمزم يروي بها النفسَ حائمُ وهل ليَ في أجر الملبّين مقسم ... إذا بذلت للناس فيك المقاسمُ وكم زار مغناك المعظمّ مجرم ... فحطّت به عنه الخطايا العظائمُ ومن أين لا يضحي مرجيك أمنا ... وقد أمنت فيك المهى والحمائمُ لئن فاتني عنك الذي أنا رائم ... فإنّ هوى نفسي عليك لرائمُ وأن يحمني حامي المقادير مقدما ... عليك فأنيّ بالفؤاد لقادمُ عليك سلام الله ما طاف طائف ... بكعبتك العليا وما قام قائمُ إذا نسم تهد عنّي تحيّة ... إليك فمهديها الرياح النواسمُ أعوذ بمن أسناك من شرّ خلقه ... ونفسي فما منها سوى الله عاصمُ وأهدي صلاتي والسلام لأحمد ... لعلّي به من كبّة النار سالم الوزير الأستاذ أبو الحسين بن سراج رحمه الله تعالى كبير دار الخلافة، الشهير الشفوف والأنافة، الذي جاءت به الدنيا، كما شاءت العليا، وقار، كان به تثبت الأرض، ومقدار، له النافلة في الجلالة والفرض،

همي به للعارف انسجام، وأفصح منها استعجام، فوسم علمه إغفالا، وأوضح فهمه أشكالا، وغدت به العلوم قد فض ختامها، وانتقض قتامها، وسهل صعبها، وسلك شعبها، ثم مضى فسد الدهر مطلعه، وضم عليه القبر أضلعه، فأضحت المعالي قد أقفر ربعها، وتفرق جمعها، وعادت المعارف قد طفى سراجها، واستبهم انفراجها، وأعيا على الناس علاجها، فأمست الدنيا كأن لم تنر بضيائه، وغدت المعالي ضاحية من أفيائه، وكانت له شذور بيان، كأنها نثير له ما تتضوع به الأفاق، وتخلع عليه سوادها الأحداق، فمن ذلك خاطبني بها منها، كتبت وروض العهد قد أفصحت أناشيده، وديوان الودّ قد صحت أسانيده، ودوح الإخاء يتفاوح زهرا، ويتناوح مجتني ومهتصرا، والله يصوب مزنته، بشآبيب الوفاء، ويمنح نغبته، أعلى درجات العذوبة والصفاء، برحمته وأما تلك المراجعة فكأنها لما عاقت عقت، وقد نالها من عتابي في ذلك ما استحقت، وله يصف كتاباً. وافر كتاب يزدري بالسحر حسنا ... وسمت به زمانك وهو غفل معان تعبق الآفاق منها ... يشيب لها حسود وهو طفل وله في ثوب رآه على غير أهله وكان عهده على من كان يوده. بسيط يا لابس الثوب لا عرّيت من سقم ... ولا تخطّاك صرف الدهر والخطرُ ويحي عليه ولهفي من تبدّله=كم قد تطّلع من أطواقه القمر وكم ترنّح في أثنائه غصن ... منعّم النبت يدمي خدّه النظرُ وكم ثنيت يدي عنه وقد نعمت ... وظلّ منها فتيت المسك ينتثرُ فاليوم أوحش عمّا كنت أعهده ... كذاك صفو الليالي بعده الكدرُ وله متغزلا. كامل لمّا تبوأ من فؤادي منزلا ... وغدا يسلّط مقلتيه عليهِ ناديته مسترحما من زفرة ... أفضت بأسرار الضمير إليهِ رفقا بمنزلك الذي تحتلّه ... يامن يخرّرب بيته بيديهِ وله: طويل لئن لم تفز عيناي منك بنظرة ... ولم أقض من لقياك ما كنت أملُ فعالم ما تخفي السراير عالم ... بأنّك في عيني وقلبي ممثلُ وأنّك فيمن أنتحيه بخلّة ... وأمحضه وديّ لصدر وأوّل

ذو الوزارتين الفقيه قاضي قضاة الشرق أو أمية إبراهيم بن عصام رحمه الله

وأنشدني له الفقيه أبو الفضل بن موسى بن عياض. بسيط بما بعينيك من غنج ومن دعج ... ومن صوارم تنضوها على المهجِ لا ترتضي الخلف في وعد تركت به ... قتيل حبّك قد أوفى على الفرجِ أو لا فثنيه للمشتاق يله به ... وفيت أو لم تفي قولي بلا حرجِ وكتب إلى الراضي شافعا. بسيط بثّ الصنايع لا تحفل بموقعها ... فيمن نأ أو دنا ما كنت مقتدرا كالغيث ليس يبالي حيث ما انسكبت ... منه الغمائم تربا كان أو حجرا ذو الوزارتين الفقيه قاضي قضاة الشرق أو أمية إبراهيم بن عصام رحمه الله هضبة علاء، لا تفرعها الأوهام، وجملة ذكاء، لا تشرحها الأفهام، هزم الكتائب بمضائه، ونظم الرياسة في سلك قضائه، إذا عقد حباه أطرق الدهر توقيرا، وخلته من تهيبه عفيرا يملأ بهوه بهاء، ولا تغب مداه حزا وأمها، يبرم أمره نهارا وليلا، ويشن من آرائه كل آونه خيلا، لم يستنر إلا بشمسه، ولم يستشر في رأيه غير نفسه، المهابة تخدم لحظته، والإصابة تقدم لفظته، كان الحميا تثني بشاشته وتحفيه، وكان الخلق قد جمعوا فيه، وله نثر تحلت الأيام بسناه، ونظم استحلت الأفهام جناه، وقد أثبت منهما سطورا، غدا حسنها في صفحة البدر، مسطورا، فمن ذلك فضل من رقعة كتب بها إلى الرئيس الأجل أبي عبد الله بن الحاج رحمه الله في جانبي، ووصل فلان فشكر ما أليته، ونشر مما قصدته في جانبه وأتيته، ما آمال الأهواء وأطال الثناء والدعاء، وحبب عندك الآمال، وجنب إليك الآمال، وهو ممن قد علمت أيدك الله ارتفاع شان، وإبداع بيان، وقد نهض بعزمة لا يرى أن يخدم غيرك، وهمة لا ترتضي أن تلتزم إلا أمرك، ومثلك رحب مقدمه، وأسبل عليه ديمه، وعزف قدره، وشرح بخلقه صدره، أن شاء الله، وكتب إليه الوزير أبو الحسن بن الحاج. كامل ما زلت في علاك بمقولي ... دابا واورد في رضاك وأصدرُ واليوم اعذر من يطيل ملامة ... وأقول زد شكوى فأنت مقصّرُ فراجعه أبو أمية. كامل الفخر يابي والسيادة تحجر ... أن يستبيح حمى الوفاء مزوّرُ وعليك أن ترضى بسمع ملامة ... عني السناء وعهده لا يختر

ولدّي أن نفث الصديق لراحة ... صبر الوفيّ وشيمة لا تغدرُ وكتب إليه الغرباقي: بسيط مجزوء أما ترى اليومَ يا ملاذي ... يحكيك في البشر والطلاقة والبحر يرتحّ مثل قلب ... راقب من الفه فراقه والجوّ صافي الأديم زهر ... مدّ على أرضه رواقه فامنن بمشي إليه أنّي ... ما لي على الصبر عنه طاقة فأجابه أبو أمية: بسيط مجزوء عندي لما تشتهي بدار ... يشهد أنّي على علاقة فأخبر بما شئت صدق عهدي ... تجد دليلا على الصداقة وارفق فلي مفراق قلب ... قطعّ أن زرته استباقه يطلع برّ الصديق بدرا ... أمّنه عمره محاقه وأسكن إلي رأي ذي احتفاء ... يعجز من رامه لحاقه وأبلغ سرّي الخلال أنّي ... جيت بما قد رأى وفاقه وكتب إلى أبي العباس المذكور: طويل كتب وعندي للنزاع عزيمة ... تسهّل تجشيم اللقاء على بعدِ ومعهد انس ما عهدت تحفّيا ... فهل مقرض شكري ومستقرض حمدي وان عاق عن عهد لبرّك عائق ... تلظّفت في العذر الجميل إلى ودّي وكتب إليه كاتبه أبو الحسن باقي وهو بالعدوة بهذه الأبيات. وافر قصيّ الدار في أسر الغرام ... اليم القلب من وقع الملامِ يضاهي دمعه دمع الغوادي ... ويحكي شجوه شجو الحمامِ وتذكره البدور سنا وجوه ... زهاها الحسن عن حمل اللئامِ ترق له الرياح فتقتضيه ... إذا هبّت تحية مستهامِ لضنوّا بالمنام غداة ظنوا ... بانّ الطيف يطرق في المنامِ ولولا طاعة ملكت قيادي ... لأبلج في الذوابة من عصامِ لما أثرت بعدا عن حبيب ... يجرّع بعده غصص الحمامِ فأجابه أبو أمية: وافر ذخرنا البرّ من لطف النظام ... ومال برأينا سحر الكلامِ

الوزير الفقيه صاحب الأحكام أبو محمد عبد الله بن سماك رحمه الله تعالى

وعندي للمطيع مطاع أمر ... يجرّد للقاء ظبي اعتزامِ الوزير الفقيه صاحب الأحكام أبو محمد عبد الله بن سماك رحمه الله تعالى هو وأخوه أبو عمر فرقدان متوقدان، وسراجان وهاجان، وفرعا مجد، ونبعا نجد، ولا وهد، ما منهما غلا أغر وضاحا، يوضح المشكلات ايضاحا، ولهما سلف تقصر عن مداناته الأقدار، وشرف تمكن منه القطب المدار، وتولى الفقيه أبو محمد الأحكام فأقالها، ووضع في يد التقوى عقالها، وحماها بأسنة من العدل وشفار، وأرادها وجه الديانة كالصبح عند الأسفار، همام إذا لقي، غمام إذا استسقي فإن احتفى جاد، وان اصطفى كان كالصارم والنجاد، مهلاب، مع تواضعه، وهاب، يضع العرف احتفى مواضعه، لا يستزل في حقيقة، ولا يستنزل عنها بملك النعمان ابن الشقيقة، وله علم كاللجة إذا اضطربت أمواجها، والكتيبة إذا تحركت أفواجها، وأدب كالروض غب المطر، ومذهب كالنسيم هب على الروض وخطر، وقد أثبت من نثره المبتدع، ونظمه الذي يوضع في النفوس ويودع، ما تستحليه، وتقلده الأوان وتحليه، فمن ذلك قوله يصف الروض، كامل الروض مخضرّ الربى متجمّل ... للناظرين بأجمل الألوان فكأنمّا بسطت هناك شوارها ... خود زهت بقلائد العقيانِ وكأنمّا فتقت هناك نوافج ... من مسكة عجنت بصرف البانِ والطير تسجع في الغصون كأنمّا ... نقر القيان حنّت على العيدانِ والماء مطّرد يسيل عبابه ... كسلاسل من فضّة وجمانِ بهجات حسن أكملت فكأنّها ... حسن اليقين وبهجة الإيمانِ ولما حللت غرناطة جاورته فكان لي كجار أبي ذؤاد، سقاني حتى أروى كل ضما وجواد، وأحلني من مبرته بين ناظر وفؤاد، ووالى من أتحافه، وضروب ألطافه، ما حسبتني به مفطوما يعلل عن الفطام، ورأيت الأماني مجنوبة إلي في خطام، وكنت كثيراً ما أجالسه فاقطف من موانسته أعبق نور، وأخالني بمجالسته جليس قعقاع بن شور، ولا أزال بين جني للبدائع وقطاف، وأعاطي أحاديث مستعذبات النطاف، وعندما ينشرح صدر انبساطه ويشرح بنشر الاسترسال ومد بساطه، استنشده لنفسه فينشدني كل سحر حلال، ويعلني منه بسلسال زلال، فيعلق سريعا بحبالة ذكري، وكم كنت احمل قول سواه ضغثا على أبالة

الفقيه الإمام الحافظ أبو بكر بن عطية رحمه الله

فكري، وعندما كنت أعزم عليه في جمع ماله من بديع، وإهداء لمع من ذلك الصديع، فيسدل دون ذلك حجابا، ولا يولي به ايجابا، فلم أزل ألح عليه إلحاحا، وأقتدح من إيجابه زندا واريا يعود لي في ذلك شحاحا، حتى كتب إلي، الكتابة اعز الله الشريف الماجد ميدان لا يضمر إلا أفراس الرهان، ولا تسابق فيه الأجياد الفرسان، ولا يعزف فيه بالعتق إلا من حاز قصب السبق، فكيف بالهملاج المقتاد، مع الفرس الجواد، وأني للسكيت إذا ركض، مع السابق إذا نهض، كلا وان أبا نصر ناظم سلك البلاغة، وقائد زمام البراعة سحبان في زمانه، وقس في أوانه، وابن المقفع في مكانه، والجاحظ في بيانه إذا أوجز أعجز وإذا شاء أطال وأطلق من البلاغة العقال: وأني من ذلك سحرا حلالا، وسقاه عذبا زلا، لا أصل للكتابة أصولا، وفصل أبوابها تفصيلا، وحصل أغراضها تحصيلا، فلسان الشاهد منه يقول: وافر تنسمت الكتابة عن نسيمِ ... نسيم المسك في خلق الكريمِ أبا نصر وسمت لها وسوما ... تخال وشومها وضح النجومِ وقد كانت عفت فأذرت منها ... سراجا لاح في اليل البهيمِ فتحت من الكتبة كل باب ... فصارت في طريق مستقيمِ فكتاب الزمان ولست منهم ... إذا راموا مرامك في همومِ فما قسّ بأبرع منك لفظا ... ولا سبحان مثلك في العلومِ لا غرو أعزك الله من تقصير، فالكل في ميدانك قصي، ولكنها صبابة من نهرك، وثمد من بحرك، أخرجها صميم ودك، وأبرزها صريح عقدك، ومذلك طوى عليها كشحا، وأعرض عن صفحاتها صفحا، وقبلها من باب الصفا، وحنا عليها من جانب الإخاء، واتلله تعالى يبقيك ويبارك للأخوان فيك، بقدرته وعزته. الفقيه الإمام الحافظ أبو بكر بن عطية رحمه الله شيخ العلم وحامل لوائه، وحافظ حديث النبي صلى اله عليه وسلم وكوكب سمائه، شرح الله لتحفظه صدره، وطاول به عمره، مع كونه في كل علم وافر النصيب، مباشرا بالمعلى وبالرقيب، رحل إلى المشرق لأداء الفرض، لابس برد من العمر الغض، فروى وقيد، ولقي العلماء وأسند وأبقى تلك المأثر وخلد، نشأ في بنية كريمة، وأرومة من الشرف غير مرومة، لم يزل فيها على وجه الزمان أعلم علم،

وأرباب مجد ضخم، قد قيدت مآثرهم الكتب وأطلعتهم التواريخ كالشهب، وما برح الفقيه أبو بكر يتسنم كواهل المعارف وغواربها، ويقيد شوارد المعاني وغرائبها، لاستضلاعه بالأدب الذي أحكم أصوله وفروعه، وعمر برهة من شبيبته ربوعه، وبرز فيه تبريز الجواد المستولي على الأمد، وجلى عن نفسه به كما جلى الصقال عن المنصل لفرد، وشاهد ذلك ما أثبته من نظمه الذي يروق جملة وتفصيلا، ويقوم على قوة العارضة دليلا فمن ذلك قوله يحذر من خلطاء الزمان، وينبه على التحفظ من الإنسان. رمل كن بذيب صائد مستأنسا ... وإذا أبصرت إنسانا ففر إنّما الإنسان بحر نما له ... ساحل فأحذره إياك الغرر وأجعل الناس كشخص واحد ... ثمّ كن من ذلك الشخص خذر وله في الزهد رمل أيّها المطرود من باب الرضى ... كم يراك الله تلهو معرضا كم إلى كم أنت في جهل الصبا ... قد مضى عمر الصّبا وانقرضا قم إذا الليل دجت ظلمته ... واستلذّ الجفن أن يغتمضا فضع الخدّ عن الأرض ونح ... واقرع السنّ على ما قد مضا وله في هذا المعنى. بسيط مجزوء قلبيَ يا قلبي المعنّى ... كم أنا أدعى فلا أجيب كم أتمادى على ضلال ... لا أرعوى لا ولا أنيبُ ويلاه من سوء ما دهاني ... يتوب غيري ولا أتوبُ وا أسفي كيف برء دأي ... دأي كما شاءه الطبيبُ لو كنت أدنو لكنت أشكو ... ما أنا من بابه قريبُ أبعدني منه سوء فعلي ... وهكذا يبعد المريبُ ما ليَ قدر وأيّ قدر ... لمن أحلّت به الذنوبُ وله في المعنى أيضاً: كامل لا أجعلن رمضان شهر فكاهة ... تلهيك فيه من القبيح فنونه وأعلم بأنّك لا تنال قبوله ... حتّى تكون تصومه وتصونه وله في مثل ذلك. طويل

انبه الوزير الفقيه الحافظ القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية وفقه الله

إذا لك يكن في السمع منّى تصاون ... وفي بصري غضّ وفي مقوليُ صمت فحظيّ إذا من صوميَ الجوع والضما ... وان قلت أني صمت يومي فما صمتُ وله في المعنى الأول: طويل جفون إنسانا كنت ألف وصلهم ... وما في الجفا عند الضرورة من باسِ بلوت فلم أحمد وأصبحت آيسا ... ولا شيء أشفى للنفوس من اليأسِ فلا تعذلوني في انقباضي فإنّني ... رأيت جميع الشرّ في خلطا الناسِ وله يعاتب بعض أخوانه: وافر وكنت أظنّ أن جبال رضوى ... تزول وأنّ ودك لا يزولُ ولكنَّ الأمور لها اضطراب ... وأحوال ابن أدم تستحيلُ فإن يك بيننا وصل جميل ... وإلاّ فليكن هجر طويلُ وأما شعره الذي أقتدحه من مرخ الشباب وعفاره، وكلامه الذي وشحه بمأرب الغزل وأوطاره، فإنه نسي إلى ما تناسه، وترك حين كساه العلم والورع من ملابسه ما كساه، فمما وقع إلي من ذلك قوله: كامل كيف السلوّ وكلّ حبيب هاجر ... قاسي الفؤاد يسومني تعذيبا لمّا درى أنّ الخيال مواصلي ... جعل السهاد على الجفون رقيبا وله: بسيط مجزوء يا من عهودي لديه ترعى ... أنا على عهدك الوثيقِ أن شئت أن تسمعي غرامي ... من مخبر عالم صدوقِ فاستخبري قلبك المعنّى ... يخبركِ عن قلبيَ المشوقِ انبه الوزير الفقيه الحافظ القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية وفقه الله نبعة دوح العلاء، ومحرز ملابس الثناء، فذ الجلالة، وواحد العصر والإصالة، وقار كما رسى الهضب، وأدب كما أطرد السلسل العذب، وشيم تتضاءل لها قطع الرياض، ويبادر به الظن إلى شريف الأغراض، سابق الأمجاد فاستولى على الأمد بعلائه، ولم ينض ثوب شبابه، أدمن التعب في السودد جاهدا، حتى تناول الكواكب قاعدا، وما أثكل على أوائله، ولا سكن إلى راحات بكره وأصائله، أثاره في كل معرفة علم في رأسه نار، وطوالعه في أفاقها صبح أو نهار، وقد اثبت من نظمه المستبده ونثره المستبرع، ما ينفح عبيرا، ويتضح منبرا، ويسيح نميرا،

فمن ذلك قوله من قصيدة. بسيط وليلة جبت فيها الجزع مرتديا ... بالسيف أسحب أذيالا من الظلمِ والنجم حيران في بحر الدجا غرق ... والبرق فوق رداء الليل كالعلمِ كأنّما الليل زنجّي بكاهله ... جرح فيثعب أحياناً له بدمِ وله يتخلق بأخلاق الشيب، ويندب الشباب وهو منه في ريعان قشيب، ويتوجع لحمامته عوض بها من غرابه، وصفت مسراته من شوائبه، وهو يركض للهو بطرف جامح وينظر للمنى بطرف طامح. بسيط سقيا لعهد شباب ظلت امرح في ... ريعانه وليالي العيش أسحارُ أيّام روض الصبا لم تذو أغصنه ... ورونق العمر عضّ والهوى جارُ والنفس تركض في تضمير شرَّتها ... طرفا له في رهان اللهو أحضارُ عهدا كريما لبسنا منه أردية ... كانت عيونا ومحّت فهي أثارُ مضى وأبقى بقلبي منه نار أسى ... كوني سلاما وبردا فيه يا نارُ أبعد أن نبهّت نفسي وأصبح في ... ليل الشباب لصبح الشيب أسفارُ وقارعتني الليالي فانثنت كسرا ... عن ضيغم ما له ناب وأظفارُ لا سلاح خلال أخلصت فلها ... في منهل المجد أيراد وأصدارُ أصبوا إلى خفض عيش دوحه خضل ... أو ينثني بي عن العلياء أقصارُ إذا فعطّلت كفّي من شبا قلم ... أثاره في رياض العلم أزهارُ همّي من العيش ودّ طاب مورده ... ولم يشب صفوه للنقص إكدارُ ومن سناكم أبا إسحق طالعني ... منه هلال له في النفس إبدارُ الظّ بالقلب يسري منه في أفق ... هالاته فيه إجلال وإكبارُ نور ألمّ من بعدكم حلك ... كالراح حفّ بها في دنهّا القارُ لئن تمطىّ بجور ليل فرقتنا ... لقد أنارت به للكتب أقمارُ وأن عدنا بعاد عن تزاورنا ... فأنّني ببنات الفكر زوارُ وله إلى الأمير عبد الله بن مزدلي وقد خرج في إحدى غزواته فوثق بظفره، وكريم صدره، واقر القطعة عند كاتبه الوزير أبي جعفر بن مسعدة ليرفعها إليه منصرفة فوفى بما كلفه وتقدم إلى رفعها عقب الغزاة وابتدر، وجاء بها على قدر، والقطعة المذكورة هي: كامل

ضاءت بنور ايابك الأيّامُ=واعتزّ تحت لوائك الإسلامُ أمّا الجميع ففي أعمّ مسرّة ... لمّا أنجلى بظهورك الأظلامُ بادرت أجرك في الصيام مجاهدا ... ما ضاع عندك للثغور ذمامُ وصمدت معتزما وسعدك منهض ... نحو العدى ودليلك الأقدام كم صدمة لك فيهم مشهورة ... غصّ العراق بذكرها والشامُ في مارق فيه الأسنة والظبى ... برق ونقع العاديات غمامُ والضرب قد صبغ النصول كأنّما ... يجري على ماء الحديد ضرامُ والطعن يبعث النجيم كأنّما ... ينشق عن زهر الشقيق كمامُ فاهنا مزّية ظافر متايّد ... جفّت برفعة شانه الأقلام وإليك ودّي واختصاصي سابق ... يجلوه من دّر الكلام نظامُ أنّي وأن خلّفت عنك فلم تزل ... منّي إليك تحّية وسلامُ وحل بسلا الفقيه أبو العباس فخر بني القاسم، وزين الأعياد والمواسم، الذي تهمي من يديه للندى سحب تكف، وتطوف بكعبته الآمال وتعتكف، غائب عنها فلم ينخ فيها عيسه، ولم ير تخييمه بها وتعريسه، ورحل من ساعته، وقال شعرا أخذ الناس في أشاعته وأذاعته، وهو: بسيط يا صاحبّي أنزلا قصر الحمى فسلا ... أنّي سلا المجد عن أن تحتويه سلا كأنّما الربع لما غاب أحمده ... منازل ضلّ عنها البدر منتقلا جاد الزمان بلقيا منك سرّبها ... طوراً وساء بذاك العهد إذ بخلا فاسمع مناجاة نفس من أخي ثقة ... مضى تحمّله منك النوى غللا وعد إليها أبا العبّاس تحك بها ... مراتب الشمس لما حلّت الجملا لازلت في عقدها وسطى ولا عدمت ... منكم حساما يباهي خوله خللا ومررنا في إحدى نزهنا بمكان مقفر، وعن المحاسن مسفر، وفيه برك نرجس كأنه عيون مراض، يسيل وسطه ماء رضراض، بحيث لا حس إلا للهام، ولا أنس إلا ما يتعرض للأوهام فقال: رمل نرجس باكرت منه روضة ... لذّ قطع الدهر فيها وعذبُ حثّت الريح بها خمر حيا ... رقص النبت لها ثم شرب فغدا يسفر عن وجنته ... نوره الغص ويهتز طرب

خلت لمع الشمس في مشرقه ... لهيا يحمله منه لهب وبياض الظلّ في صفرته ... نقط الفضّة في خطّ الذهب وكتب أعزه الله، يا سيدي الأعظم، وعمادي الأكرم ومعقلي الأعصم، ومن أطال الله بقاءه وائل علياءه وسناءه، ولا زال عميم المجد، كريم العهد، مراعيا حرمة ذي الخلوص والود، طارحا قذى المبطلين عن مشارب الصفا، مطيرا لحاء الغدر عن عود الوفاء، بعزة الله كتبته أدام الله عزك بعد أن وافاني كتابك الأكرم صحبة الفقيه الجليل أبي فلان اعزه الله فأول ما أقول في شكره الذي أفعم الأفق طيبا، واسمع الصم خطيبا، ورد فما زال يعيد ذكرك الأعطر، ويبدي وينثر أثناء الأحاديث حمدك الألزم وينشر، قضاء لحق المجد الذي لك سبقه وخلصه، وثناء بالذي أنت أهله، وذكر من تلك المكارم التي تحثو في وجه السحاب المجلب، والمنزل الذي كأنما كان على آل المهلب، ما أهب الألسنة بالدعاء، وغمر النفوس باريجة السراء، ثم تلاه لي دام عزك بم شاهده من مذهبك الأجمل، وصفائك الأول، واعتقادك في جهتي أن الوشاة أثنوا بالذي عابوا، وخابت سهامهم فما أصابوا، وهذه الأمور وصل الله توفيقك كما خبرت، وعلى ما جربت قديما وحديثا وسبرت، الغواة لا يتركون أديما صحيحا ولا يدرون في المعالي رأيا رجيحا، بل يتسنمون إلى ذوائب الشرف بالأذى، ويطرقون المشارب الزرق الجمام بالقذى، فإن ألفوا مهزا، وصادفوا لشفرة محزا، سدوا وصرخوا، بالفظاظة وهيمنوا، وأي حيلة أدام الله كرامتك في من يخلق ما يقول، وأني بالخلاص والسلامة شيء ما إليه سبيل، وما زلت مذ صبحت الأمجاد، وثافنت الحساد، أجعل هذه الأمور دبر الأذن، وأقنع لها بايلاء التجارب والفتن، علما بأن سري سيينه أطراد الإعلان، وأن قولي الغوي ستفضحه شواهد الامتحان، وبأواخر الأمور يقضى للأوائل، والله عز وجهه عند لسان كل قائل، ولو تتبعت كل وشاية بالتكذيب، وجبت كل نعيب وضغيب، لما اتسع لغير ذلك العمر، ولا استراح من وساوسه الفكر، وأنت وصل الله عزمك الملم بحفظ العهد، وجبر الأجر والقصد وعياذا أن يخفي للصوب بين عهدك الوفي، وظنك الألمعي، وتثبتك الشرعي، والله تعالى يعمر بالسدود ريعك، ويوسع لحمل المعالي وأعبائها ذرعك، ويجعل من كفايته ووقايته جنتك من الزمن ودرعك والسلام عليك ورحمة الله، وكتب إلى الأمير عبد الله

بن مزدلي معزيا بمصابه في أخيه الأمير محمد المستشهد على نبره، أدام الله تأييد الأمير الأجل محروسة بحسام القدر جوانبه، مكتنفة بجنن السعد مذاهبه، جارية مسرى الأنجم مراتبه، وأطال بقاءه جابر صدوع الرياسة عند انفصامها، وخلف سلف النفاسة ووسطى نظامها، ولا زال توزن به الأوائل فيرجح، ويعارض بعزته بهيم النوائب فيصبح، كتبته أعلى الله يدك عن فواد دام، ودمع هام، ولب حاير، وقلب في جناحي طاير، ونفس يجري بذوبها النفس ولا تقيق إلا ريثما تنتكس بهذا الطارق المطرق، والنبا المغص المشرق، والضارب بين مفرق الإسلام وجبينه، والمغيل ف يغيل الملك وعرينه، مصاب الأمير الأجل أبي عبد الله أخيك سقى الله ثراه، وضوا بأنوار الشهادة أفقه وذاراه، وبرد له بنوافح الرحمة مضجعا، وأزجى غليه الغوادي مربعا فمربعا، هلال ملك بادره السرار عنج أبداره ودوح مجد هصرته المنون أوان أثماره، حين مالت به الرياسة كما اهتز الغصن تحت المارح، وافتر نابه عن شباة القارح، فأنا لله أنا إليه راجعون تسليما فيه للقضاء المصم، وتاسفا منه على فرد يفدى بالخميس العرمرم، لله دره حين التقت عليه الفوارس، وحمى الوطيس واشتد التداعس، وعظم المطلوب فقل المساعد، وهب من سيفه مولى نصله لا يجارد، قراى المنية، ولا الدنية، وجرع الحمام، ولا النجاء براس طمرة ولجام، وشمر عن أكرم ساعد وبنان، وقضى حق المهند والسنان، ولبس قلبه فوق درعه، ولم يضق بالجلاد رحيب ذرعه. طويل وأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخصمك الحشرُ ومضى وقد وقع على الله أجره، ورفع في عليين ذكره، وخلد في ديوان الشهادة فخره، والله عز وجل يحسن فيه عزاء الأمير الجل ويشد بالتأييد عضده، ويريش بالسعادة جناحه ويمكن يده، ويكثر من محدتده الأكرام عدده، ولا غرو أدام الله تأييدك أن عض الزمان في غارب، فالشر لا يحسب ضربة لازب، وأناخ كلكله مرة، فالعيش طورا شماس وطور غره، ومثلك دام أمرك من حلب الدهر أشطرا، وعرف للأيام بطونا واظهرا، وخبر امتزاج النعم بالنوائب، وغني بفهمه عن التجارب، يرغم بجميل الصبر أنف الحادث، ويفل بلامة الجلد حد الكارث، ويعلم أن الزمن وان سرحينا فهمه ناصب، والدنيا إذا أخضر منها جانب جف جانب، قانت أعلى الله يدك أثقف قناة، وأصلد على البري عودا،

واثقب مع الوري زنودا، من أن يضعضع الؤريب لهضبة عزمك ركنا، أو يعمر الخطب الساحة حلمك مغنى، أو يقذف الدهر عليك بصرف، أو يبدع إلا بسجية وعزف، فالحيوة وان أرخى طولها فتياه باليد، والمرء وان جمح أمله هامة اليوم أو الغد وإنما ضربت أدام اله تأييدك هذه المثال، وان كدت أن لم يقبل وقال: وسددت هذه العبر، وأن جلبت التمر إلى هجر، حرصا على تسلية نفسك العزيزة عن طائف الهم، وتعزيتها عن حرة الملم، فأقصرها أيدك الله على العزاء وقفها، وأوردها مشرعة التاسي رفها، إلا ذيعتب لجازع الزمن، ولا يرد الفائت الحزن، والله عز وجل يلم بسعدك الشعث ويراب الشعب، ويضفي من رياستك الذوائب ويعلي الكعب، ويذيق الذين يضاهونك هونك، ويجعل الذين يحسدونك دونك، بعزته وصنع الله الأمير الأجل اجمل الصنع، ولما تلغب العدو على ميورقة كبته الله وجبرها، وتحققت الكافة خبرها، خاظب الفقيه أحد زعماء الدولة وادرج طي خطابه هذه المدرجة والشعر الموصول بها وأني أقر الله عينك لا تردد وقد قصر عن تململي السليم، واتجلد وفي نفسي المقعد المقيم، بهذا الصادم الهادم، والنبا القاصم، الذي أطفأ نور الحيوة وأخباه، وأوجب أن ينادي كل مومن وأحر قلباه، أمر ميورقة رأب الله بصرفها صدع الجزيرة، وجبر بجبرها من جناح الإسلام كسيره، وثقف بغوث دائها اضطراب مناده، وأعاد بتلافيها ما غيض من نصرة ومن أجلاده، فيالله لما كان فيها من إعلان توحيدها عاد همسا، ويوم إيمان آض أمسا، جي وبارقة كفر طلعت شمسا، وصباح شرع أظلم بداجي الشرك وأمسى ونجوم أصبح حرمها منتهبا، وفرقتها يد الغلبة أيدي سبا، وبخفرات أدال السياء صباحا، ولأوجه عفر منهم القتل سواعد وجباها، ومزقهم السيف كل ممزق، فله أرحام هناك تشفق، رحمهم الله ماتوا كرما، ولقاهم نظرة وسرورا وسلاما وختم لنا بعدهم بأحمد الخواتم، وأسندنا من أمره إلى عاصم. طويل ونحو أمير المسلمين تطامحت ... نواظر آمال وأيدي رغائبِ من الناس تستدعى حفيظة عدله ... لصدمة جور في ميورق ناصبِ مقيم فان لم يرغم السعد انفه ... ألم فوافى جانبا بعد جانبِ لقتل وسبي واصطلام شريعة ... لقد عظمت في القوم سوء المصائبِ

أليس جديرا أن يشيع ذكرهم ... بامة قلب في المدامع ذائبِ لنا الله والملك الذي ترتجى به ... من الزمن المذناب رجعة تائبِ هوم الغوث فأعطفه علينا بنظرة ... من الحزم تحثوا في وجوه النوائبِ أليس الذي لم ينجب الدهر مثله ... أغّر صباح الدين صدق المضاربِ وأعفى ووقع الذنب قدمى كلومه ... وأكفى إذا كفّت صدور التائبِ عهدناه يقري الضيف قبل نزوله ... ويلبس وقت السلم درع المحاربِ ويغزو فلا شيء يقوم لعزمه ... ولو أنه يرمي به في الكواكبِ إذا ظنّ لم يعدم يقين مشاهد ... وان همّ لم يخطئ رمّية صائبِ فلا زال جيش النصر يقدم جيشه ... وتلقاه بالبشرى وجوه العواقتِ وله يصف فحما. كامل علوا القرى للقرّ فحما حالكا ... قدح الزناد به فأورى نارا فبدا دبيب السقط في جنباته ... كالبرق في جنح الظلام أنارا ثمّ انبرى لهبا وثار كأنّه ... في الحرق ذو حرق يطالب ثارا وكأنه ليل تفجّر فجره ... نهرا فكان على المقام نهارا وله وقد ودع بعض أخوانه بسيط أستودع الله من ودّعته ويدي ... على فؤادي خوفا من تصدّعه بدر من الودّ حازته مغاربه ... فالنفس قد أشخصت طرفا لمطلعهِ اتبعه بعد توديعي له نظرا ... إنسانه غرقَ في بحر أدمعهِ ما أوجع البين في قلب الكريم غدا ... يفارق القلب في يوبي مودّعه يذيبه البين تعذيبا ويمنعه ... من أن يطير شعاعا أسر أضلعه يسطو به البين مغلوبا فليس سوى ... تململ في فراش من توجّعهِ وله يصف الزمان وأهله: كامل مجزوء دأء الزمان وأهله ... داء يعزّ له العلاجُ أطلعت في ظلمائه ... ودّا كما سطع السراجُ لصحابة أعيا ثقا ... في من قناتهم اعوجاجُ أخلاقهم ماء صفا ... مرأى ومظعمهم أجاجُ كالدرّ ما لم تختبر ... فإذا اختبرت فهم زجاجُ

وكتب إلى الفقيه القاضي أبي سعيد خلوف بن خلف اعزه الله من حضرة بلنسية وقد نهض في صحبة الأمير الأجل عبد الله بن مزدلي عند منهضه غلى سرقسطة أعادها الله ملبيا لمناديها، ومعبيا لمدافعة العدو المخيم بواديها، وأقام الفقيه أبو محمد خلاف العسكر هناك لغرض اعترضه، وعاق منهضه، أستوهب الله الفقيه الأجل قاضي الجماعة سيدي وعمادي شمول نعمه وأياديه، واتصال روائح عز الطاعة وغواديه، واتصال خواتم العمال بمباديه، والتام عواجز السعد يهواديه، ولا زال منهل سحاب العدل، ممتد أطناب الظل، منحضر جوانب الفضل، لا يقرع باب أمل إلا ولجه، ولا يعن لما تكره النفوس منأامر إلا فرجه، بعزة الله كتبته، أدام الله بالطاعة عزك من حضرة بلنسبة حرسها الله يوم كذا عن منبر ودك الذي تخبو لدي ناره، ولا تافل عندي شموسه وأقماره، ونظير عهدك الذي لا يخلع لبسة الكرم، ولا يزداد إلا طيبا على القدم، وعطر حمدك الذي به أحاور وأحاضر، وبمحاسنه أباهي وأفاخر، والله تعالى يمل بمحامدك أسماعا ويطلق السنا، ويبقيك للفضل غيثا كريما وأثرا حسنا، ويديم ما بيننا في ذاته زكي الفروع ثابت الأصول، حصين السكة مرهف النصول، بمنه بعد أن ورد كتابك الكريم روضة الحزن، غب المزن، وحديقة الزهر، تبسمت لوفد المطر، تتجارى إلى محاسنه العين والنفس، ويترقرق من خلاله الأنس، وانتهيت منه إلى ما يقتضي رضى وتسليما، ويسر كما سمي اللديغ سليما، وأما ما ذهبت إليه دام عزك، من تعرف الأنباء، واجتلاء الانحاء، فإن ابن رذمير وقفه الله قد جعل بناء سرقسطة لكلكله عطنا، واتخذ ذلك الحريم وطنا، وذلك انه ندب لهذه السفرة من أهل ملته ما ندب، واحلب من خيلهم ورجلهم ما أجلب، وهو أن بمنازلته سرقسطة ستفتح عليها أبواب حروب، وأنه قد وطئ غيلا غير مغلوب، فلما رأى أن حمامتها ليست بضربة لازب، وأبصر حبلها على الغارب، نبهت المطامع حرصه، ففعل فعل الضعيفة أصابت فرصه، فلازم ملازمة الغريم، وصرف إليها وجوه الهم والهموم، مع أن غراب الرحيل ينعب كل يوم في عرصانة ويفصح، وطوائف الافرتج دمرهم الله كل ليلة تمسي ولا تصبح، لأن نبتهم ونواهم نزوح، من دون أفواجهم مهامه فيح، وأيضاً فإن الأمير الأجل أبا محمد عبد الله بن مزدلي أيده الله قد أضاق بضبط الطرق وقطع المتصرفين ذرعهم، وعجز بنصب حبائل

الوزير الحسيب الفقيه المشاور القاضي أبو الحسن بن أضحى أعزه الله

الخيل لمن شد أو فر وسعهم، فإنه دام أمره أطل عليهم الفجر على الظلام، وأخذ هناك بضبع الإسلام، وأقام مرة كالحية النضناض، وطورت كالسد القضقاض، يسرب إلى محلتهم من يضرم نار الحرب في أكنافها، ويأتي أرضهم ينقضها من أطرافها، ولولاه ما علا هنالك للإسلام اسم، ولا عاد للمدافعة رسم، ولا لاح للمكافحة وسم، ولا عن لتلك العلل المجهزة على تلك الأقطار جسم، ولكنه ركب صعب الأهوال، وصدق الصيال، وهي أعزك الله أقطار أن لم تقم القوة منها ميلا وجنفا، ويستعمل الجد لها نظرا أنفا، وإلا فعقدها بمدرج نثار، وهي في طريق انتكات وعثار، والله يكفي المسلمين فيها، وينعم عليهم بتلافيها، بعزته والسلام الجزيل، عليك يا عمادي ورحمة الله وبركاته. الوزير الحسيب الفقيه المشاور القاضي أبو الحسن بن أضحى أعزه الله نسب ما وراءه منتسب ولا مثله حسب شرف باذخ تعقد بالنجوم ذوائبه، وتحل في مفرق النسر ركائبه، استفتحت الأندلس وقومه أصحاب رايات، وأرباب أماد في السبق وغايات، واستوطنوها فغزوا بحور مواهبها، وبدور غيابها، وجاء أبو الحسن أخرهم، فجدد مفاخرهم، وأحيا الرفاة، وأغنى العفاة، فبماذا أصفه وقد بهر، وبدا فضله كالصبح إذا اشتهر، وبماذا أحليه وعنه تقصر الحلى، وبه يتزين الدهر ويتحلى، ولكني أقول هو بحر زاخر، وفضل سواء أوائله والأواخر، تفخر به الدنيا وتزهى، وهو للعليا سماك وسهى، إذا جاد همى غيثا، وان صال غدا ليثا، ولي القضاء فهيب أنكاره، وانجلى من أفق الدين غيمه وعتكاره، وحييب به الرعايا، ولويت السن البغي والسعايا، وله سجايا برئت من الزهو، وأحكام عوفيت من الغلط والسهو، سقته العلوم زلالها، ومدت عليه ظلالها، وأرقته الجلالة هضابها، وأرشفته الأصالة هضابها، فلا في سماء العلاء بدرا، وصار في فناء السناء صدرا، عدلا في أحكامه، خزلا في نقضه وأبرامه، وله نظم متع الصفات، أحلى من الرشفات، وقد أتت منه ضروبا، لا تجد لها ضريبا، أخبرني ذو الوزارتين أبو جعفر بن أبي رحمه الله أنه كتب إليه شافعا لأحد الأعيان فلما وصل إليه بره وأنزله، وأعطاه عظاء استعظمه واستجزله، وخلع عليه خلعا، وأطلعه من الجلال بدرا لم يكن له متطلعا، ثم اعتقد أنه جاء مقصرا، فكتاب إليه معتذرا. طويل

ومستشفع عندي تجير الورى عندي ... وأولاهم بالشكر منّي وبالحمد وصلت فلمّا لم أقم بجزائه ... لففت له راسي حياء من المجد ومن باهر جلاله، وظاهر خلاله، انه أعف الناس بواطن، وأشرفهم في التقى مواطن، ما علمت له صبرة، ولا حلت له إلى مستفزة حبرة، مع عدل لا شيء يعدله، وتحجب عما يتقى ما يرسل عليه حجابه ويسدله، وكان لصاحب البلد الذي كان يتولى به القضاء ابن من أحسن الناس صورة، وكانت محاسن الأقوال والأفعال عليه مقصورة، ما شئت من لسن، وصوت حسن، وعفاف، واختلاط بالبهاء والتفاف، فحملنا إلى إحدى ضياعه بقرب من حضرة غرناطة فحللنا قرية على ضفة نهر، أحسن من شاذ مهر، تشقا جداول كالصلال، ولا ترمقها الشمس من تكاثف الظلال، ومعنا جملة من أعيانها فأحضرنا من أنواع الطعام وأرانا من فرط الأكرم والأنعام، ما لا يطاق ولا يحد، ويقصر عن بعضه العد، وفي أثناء مقامنا بدا لي من ذلك الفتى المذكور ما أنكرته فقابلته بكلام أحقده، وملام اعتقده، فلما كان من الغد لقيت منه اجتنابه، ولم أر منه ما عهدته من النابة، فكتبت إليه مداعبا فراجعني بهذه القطعة. طويل أتتني أبا نصر نتيجة خاطر ... سريع كرجع الطرف في الخطراتِ فأعرب عن وجد كمين طويته ... بأهيف طاو فاتر اللحظاتِ غزال أحم الملقتين عرفته ... بخيف منى للحين أو عرفاتِ رماك فاصمى والقلوب رميّة ... لكلّ كحيل الطرف ذي فتكاتِ وظنّ بانّ القلب منك محصّب ... فلبّاك من عينيه بالجمرات تقرّب بالنساك في كلّ منسك ... وضّحى غداة النحر بالمهجاتِ وكانت له جيّان مثوى فأصبحت ... ضلوعك مثواه بكّل فلاةِ يعزّ علينا أن تيهم فتنطوي ... كئيبا على الأشجان والزفراتِ فلو قبلت للناس في الحبّ فدية ... فديناك بالأموال والبشراتِ ومن غيثار ديانته، وعلامة حفظه للشرع وصيانته، وقصده مقصد المتورعين، وجريه جري المتشرعين، أن أحد أيعان بلده كان متصلا به اتصال الناظر بسواده، محتلا في عينه وفؤاده، ولا يسلمه إلى مكروه، ولا يفرده في حادث يعروه، وكان من الأدب في منزلة تقتضي أسعافه، وتورده من تشفيعه في مورد قد عافه، فكتب

إليه ضارعا في رجل من خواصه اختلط بمرآة طلقها، ثم تعلقها، وخاطبه في ذلك بشعر فلم يسعفه وكتب إليه مراجعا، متقارب. إلا أيّها السّيد المجتبى ... ويا أيهّا الألمعيّ العلم أتتني أبياتك المعجزات ... بما قد حوت من جميع الحكم ولم أر من قبلها بابلا ... وقد نفثت سحرها في الكلم ولكنّه الدين لا يشترى ... بنثر ولا بنظام نظم وكيف أبيح حمى مانعا ... وكيف أحلّل ما قد حرم الست أخاف عقاب الإله ... ونارا مؤججّة تضطرم أأصرفها طالقة بتة ... على أنوك قد طغى وأجترم ولو أن ذاك الغبي الجهول ... تثبّت في أمره ما ندم ولكنه طاش مستعجلا ... فكان أحقّ الورى بالندم وكتب في غرض عن له القول فيه: بسيط يا ساكن القلب رفقاكم تقطعه ... الله في منزل قد ظلّ مثواكا يشيّد الناس للتحصين منزلهم ... وأنت تهدمه بالعنف عيناكا والله والله ما حبّى لفاحشة ... أعاذني الله من هذا وعافاكا وله في مثل ذلك: بسيط روحي لديك فردّيها إلى جسدي ... من لي على فقدها بالصبر والجلدِ بالله زوري كئيبا لا عزاء له ... وشرفيه ومثواه غداة غدِ لو تعلمين بما ألقاه يا أملي ... بايعتني الودّ تصفيه يدا بيدِ عليك منّي سلام الله ما بقيت ... أثار عينك في قلبي وفي كبدي وله يتوجع من الفراق. كامل أزف الفراق وفي الفؤاد كلوم ... ودنا الترحل والحمام يحومُ قل للأحبّة كيف أنعم بعدكم ... وأنا أسافر والفؤاد مقيمُ قالوا الوداع يهيج منك صبابة ... ويثير ما هو في الهوى مكتومُ فلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة ... ودعوا القيامة بعد ذاك تقومُ ولما انتهز ابن رذمير في سرقسطة أعادها الله ووقمه، فرصة أسهرت العيون وأرقتها، وطرقت النفوس من ذلك بما طرقتها، انتدب الأمير عبد الله بن مزدلي

الفقيه الكاتب أبو عبد الله اللوشي رحمه الله تعالى

رحمه الله دون أن يندب، والمسلمون ينسلون معه غليها من كل حدب، وشمر تشمير البطل المغوار، وعمر عليها النجاد والأغوار، حتى دخلها والعدو صاغر، وأطل عليه منه أسد فاغر، وحصره في أخبيته ووقف له في ثنيته، لم ينله أنتهاب نعم ولا بهم، فاستبشر المسلمون بمضائه، واستظهر الدين بانتضائه، لولا ما عاجله الحمام، وساجله بيد أمضى من الحسام فخط الردى هناك موضعه، واثكل فيه الإسلام وفجعه، وعند أرغامه لابن رذمير، وإيغاله في شعابه بالخراب والتدمير، كتب غليه القاضي أبو الحسن يمدحه ويذكر منابه. بسيط يا أيها الملك مضمون لك الظفر ... أبشر فمن جندك التأييد والقدرُ وأب لنا سالما والسعد مقتبل ... والدين منتظم والكفر منتثر وقد طلعت على البيضاء من كثب ... كما تطلّع في جنح الدجا القمرُ حللت في أرضها في جحفل ... كما يحل بها في الأزمة المطرُ وحولك الصيد من لمتونة وهم ... أبطال يوم الوغى والنجم الزهرُ والعرب ترفل فوق الغرب سابحة ... كالسد ليس لها إلاّ القنا ظفرُ من كلّ أروع وضّاح عمامته ... كالبدر نحو لقاء الجيش يبتدرُ شعاره البرّ والتقوى ومونسه ... في ليلة رمحه والصارم الذكرُ ذوابة المجد من قحطان كلّهم ... أبوهمُ حمير ذو المجد أو مضرُ ومن زناتة أبطال غطارفة ... ذووا تجارب في يوم الوغى صبرُ ولمطة وهمُ أهل الطعان لدى ال ... هيجاء في زمر تقتادها زمرُ كأنّهم في جبين المجد إذا ركبوا ... مصممين إلى أعدائهم غررُ الفقيه الكاتب أبو عبد الله اللوشي رحمه الله تعالى طود علاء، رسا رسوثبير، وزند ذكاء، أورى بالإنشاد والتحبير، الفضل حشو أبراده والنبل تلو إصداره وإيراده، مع نفس عذبت صفاء وشيمة ملئت وفاء واحتفاء، ومذهب صفا صفاء التبر، وخلص من الخيلاء والكبر، وسعي لكل نجح ضامن، ووقار كان ثبيرا فيه كامن، وأدب زرت على الإعجاز جيوبه، وهبت بعزف الإحسان صباه وجنوبه، ونظم ونثر بلغا الغاية، وفي يدهما للسبق لواء وراية، إلا انه هين بخلق حرجت وساءت، وظنون شتى بعدت عن الخير وتناءت،

وأوجبت له من اللوم ما شاءه النقص وشاءت ولولاها امتطى الأفلاك، واستخفض الغفر والسماك، وقد أثبت من نظمه ونثره نبذا تدير عليها الحميا، وتتنسم لها عرفا وريا، فمن ذلك رسالة كتب بها إلى الوزير أبي محمد عبد الحق بن عطية وفقه الله وهي، أطال الله بقاءك يا سيدي الأعلى، وذخرى الأغلى، وواحد أعلاقي الأسمى، ومنحة الله العظمى، مخدوما بأيدي الأقدار، معصوما من عوادي الليل والنهار، مكتنفا من لطائف الله الخفية وعوارف صنائعه الحفية، بما يدفع عن حوزتك نوائب الخطوب، ويصنع لك في طيي المكروه نهاية المحبوب، لله تعالى أقدار لا تتجاوز مداها، وأحكام لا تخطى مرميها ولا تتخطاها، وآثار يحلها المرء ويغشاها، ولهذا من كتبت عليه خطا مشاها، غير انه عزك دام قد يخير الله لعبده في الأمر المكروه، ويلبسه في أثناء المحنة ثوبا من المنحة لا يسروه، فمن الحزامة لمن تحقق بالأيام ومعرفتها، وعلم صروف الليالي بكنه صفتها، أن يضحى عن الخطب شهما يواثبه، ولا يتوقى ظهر ما هو راكبه، غذ لا محالة أن العيش ألوان، وحرب الزمان عوان، وحتم أن يستشعر الصبر والجلد من يناوي الرجال، ويقري في نفسه أن الأيام دول وأن الحرب سجال، ويعتقد أن ما يعرضه في خلال النضال، من وخز الكفاح، ويعترضه بمجال الرجال، من خفز الرماح، غمار تقلع وغبار يقشع، لا سيما إذا كان الذي أصابه جرحا أشواه وسهم غرب حاب عن المقتل غلى سواه ثم أجلت الحرب عن قرنه ترت الجبين، شرقا بدم الوتين، فقد أربت لذة غلبه، وفرحة منقلة، على ما غاله من وصبه، وناله من تجشم نصبه، وأراح بعزة الظفر، وبلوغ الأمل وقضاء الوطر، ولم أزل أدام الله عافيتك أرتاع لفرقك، بتذكرك واشتياقك، وأتعلل منك بالمنى وأعول فيك على التسليم لمنافذ المنى، وأرجع على ترداد لعل وعسى، ومواصلة تجرع الكمد لانتزاحك والأسى، والأشفاق يفور بي وينجد، والتجلد يعين على مضض بعدك وينجد والتجلد يصور لي الأمل، ويثني الرجاء المعتل، إلى أن انتظر أن شاء الله في جانبك الصنع الجميل واثق لك منه عز وجهه باللطف الخفي، والفتح الجلي، وأتيقن لك بعادة الله السنية، وعارفته السالفة الهنية، وكونك قمر سنا، وهضبة سرو وسنا، انك لن تعدم حيث كنت مسرة، ولا تفقد بكل قطر تحلة تكرمة ومبرة، وان قدرك معروف بكل مكان، والنفيس نفيس حيثما

كان، ولكني علم الله كنت أتخيل خلو حضرتنا المزدانة بحلاك، من التجمل بمجدك وعلاك، فاستوحش وأتمثل بقوله نبئت أن النار بعدك أوقدت فأجهش. طويل أقبلت طرفي في الفوارس لا أرى ... حزاقا وعيني كالحجاة من القطر وأيم الله ياسيدي الأعلى تكدر بعدك المحيا، ونغص فراقك الدينا، واقشعرت بعدك العليا، وأصبح طرف لا أراك به أعمى إلى أن وافى من فلان راجلك بشيرا، فاغتديت لعمر الله جذلا وارتددت بصيرا، وقلت عودة من الزمان، وعطفة من درك الآمال والآمان، فالحمد لله الذي وهب هذه المسرة بتمامها، وأطلق النفس من عقلة اغتمامها، والشكر له على ما من به من أيابك، وأنعم به من فيئتك واقترابك، فإنها النعمة المالكة خلدي، المالئة لساني ويدي، التي هي أحلى من الأمان، وأسنى من كرة العمر وعودة الزمان، والرب يهنئك السلامة، ويلحفك أبراد العز في حالتي الظعن والإقامة ويعرفك يمن قفولك وبركة رحلتك وحلولك ويسعدك بمقدمك، ويجعل الأيام من خدمك، بعزته الباهرة، وقدرته القاهرة، والسلام الجزيل العميم عليك ورحمة الله وبركاته، وله من قطعة راجع بها الوزير أبا القاسم بن السقاط ارتجالا. كامل يا لابسا برد العلاء مفوفا ... بأجل مأثرة وأسنى مفخر أني وحقك لو جهدت مودة ... نفسي لأبلغ كنه ما في مضمري لو كنت أسطيع الوفاء بما أرى ... لجلال قدر إلا وحدي الشمري لنضوت جلبات الشباب غفارة ... وخلعتها بدلا له من ممطرِ أو كنت أرسل ما يليق بقدره ... لبعثتها من سندس أو عبقري وبذلت نفسي دونه ووقيته ... بنفيس عمري من صروف الأدهرِ لله أبيات أتتنا خمسة ... مثل الفرند نظمن نظم الجوهري جمعت من السحر الحلال محاسنا ... من كلّ رائق نظم مستندرِ سوّى وشيعتها لسان حائك ... ووشى سداها خاطر كالسمهري فأتت حبيبا لن يفوه بمثلها ... وأتت بما يزري بنبل البحتري فالبس هنيئا برد مجد سابغ ... واسحب ذيولك زاهيا وتبخترِ وله رسالة كتب بها إلى أمير المسلمين يعزيه في الأمير مزدلي رحمة الله، أطال الله

الفقيه الحافظ القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض رحمه الله تعالى

بقاء أمير المسلمين، وناصر الدين، الشائع عدله، السابغ فضله، العظيم سلطانه العلي مكانه، السني قدره وشأنه، في سعد تطرف عنه أعين النوائب، وجد تصرف دونه أوجه المصائب، كل رزء أدام الله تأييده وأن عظم وجل حتى استولى على النفوس منه الوجل، إذ عدا بابه، وتخطى جنابه، فقد أخطأ بحمد اله المقتل، وصد عن سواء الغرض وعدل، وإذا كانت أقدار الله تعالى غالبة لا تصاول، وأحكامه نافذة لا تزاول، فالصبر لواقعها أولى، والتسليم لجوازها أوهب لرضى المولى، والتزام أوامره أشرف وأعلى، وفي كل حال أجل وأولى، وكتبته أدام الله تأييده والنفس بنار زفراتها محترقة، والعين بماء عبرتها شرقة مغرورقة، لما نفذ قدر الله المقدور، وقضاؤه المسطور، من وفاة الأمير الأجل أبي محمد مزدلي قدس اله روحه، وسقى ضريحه، فياله رزء قصم الظهر، ووسم النجوم الزهر، وأذكى الأحزان، وأبكى الأحزان، وأبكى الأجفان وأقصى المهاد بمكانته من الدول المنيفة ومنزلته من الأمرة الرفيعة الشريفة، وعند الله نحتسبه ذخيرة عظمى، ونسأله المغفرة له والرحمن. فإنه كان نور الله وجهه متوفر الهمة على الجهاد، من أهل الجد في ذلك والاجتهاد، وحسبه أنه لم يقض نحبه غلا وهو متجهز في عساكره فأدركه الموت مهاجرا، ومع الله تاجرا، وأرجو أن يكون تعالى قد قرن له فاتحة السعادة، بخاتمة الشهادة، وأمير المسلمين أورى في الرياسة وندا من أن تضعضعه الخطوب وأن أهمت، وتوجعه الحوادث إذا ادلهمت والله يحسن عزاءه على فجعه، ولا يدني حادثا من ربعه بمنه عز وجل. الفقيه الحافظ القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض رحمه الله تعالى جاء على قدر وسبق إلى نيل المعالي وابتدار، واستيقظ لها والناس نيام، وورد ماؤها وهم حيام، وتلا من المعارف ما أشكل، وأقدم على ما أحجم عنه سواه ونكل فتحلت به العلوم نحور، وتجلت له منها حور، كأنهن الياقوت والمرجان، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، قد ألحفته الأصالة رداءها، وسقته أنداءها، وألقت إليه الرياسة أقاليدها، وملكته طريفها وتليدها، فبذ على فتائه الكهول سكونا وحلما، وسبقهم معرفة وعلما، وأزرت محاسنه بالبدر اللياح، وسرت فضائله سري الريا، فتشوفت لعلاه الأقطار، ووكفت تحكي نداه المطار، وهو على اعتنائه بعلوم الرشيعة، واختصاصه بهذه الرتبة الرفيعة،

يعني بإقامة أود الأدب، وينسل غليه أربابه من كل حدي، إلى سكون ووقار كما سار الطود، وجمال مجلس كما حليت الخود، وعفاف وصون، ما علمنا فسادا بعد الكون، وبهاء لو رأته الشمس ما باهت بأضواء وخفر، ولو كان للصبح ما لاح ولا أسفر، وقد أثبت من كلامه البديع الألفاظ والأغراض، ما هو اسحر من العيون النجل والجفون المراض فمن ذلك رقعه حملنيها تحية للرئيس أبي عبد الرحمن بن طاهر رحمه الله وهي، عمادي أبا نصر، مثني الوزارة ووحيد العصر، هل لك في منة تفوت الحصر، تخف محملا، وتبلغ أملا، وتشكر قولا وعملا، شكرا تترنم به الحداة ورمى، إذا بلغت الحضرة العلية مستلما، ولقيت الطاهر بن طاهر فخر الوزارة مسلما، وحلت من فنائه الأرحب حرما، ولمست بمصافحته ركن المجد يندى كرما، فقف شوقي بعرفات تلك المعارف، وانسك شكري بمشاعر تلك العوارف، واطف أكباري بكعبة ذاك الجلال سبعا وبوء لوادي في مقر ذلك الكمال ربعا، وأبلغ عني تلك الفضائل سلاما، يلئم بصريح الحب والتئاما، ويحسن عني بظهر الغيب مقاما، ويسير عني بارح الجد أنجادا واتهاما، وله مراجعا عن كتابين كتبتهما إليه معاتباً له. طويل أبا النصران شدّوا رحالك للنوى ... فإنّ جميل الصبر عنك بها شدّوا وأن تتركوا قلبي مقيما وترحلوا ... فماذا ترى في مهجة معكم تغدوا وله فصل من رسالة في جانبي، في علمك، سدد الله علا حكمك ما جمعه فلان من جلائل، تشد عن الحصر، وفضائل يعترف له بها نبهاء العصر، يقول: فيختلس العقول ويعن، فيذهل الألباب ويحن، أن نظم فعبيد، أو لبيد، أو نثر فعبد الحميد، أو ابن العميد، أوصال فأبو نعامة، أو أنال فكعب بن مامة، وا فاخر فشجرة سيادة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وا ذاكر فبحر معارف لا تكدره الدلاء، إلى همة تصفع هامه الثريا، وعزة تمتهن الفضل بن يحيى ولهجة تخرس العجاج، وبهجة تزري بنصر بن حجاج، ولو كنت ابن أبي هالة، لما بلغت المنتهى له، على أني لم أنبه لشأنه ذا جهالة، لكنه الكلام يطرد والبداية حسب ما ترد واللسان ينطق ملْ فيه والجبان يرشح بما فيه، ومن شعره قوله. طويل عسى تعزف العلياء ذنبي إلى الدهرِ ... فأبدي له جهد اعترافي أو عذري وقد حال ما بيني وبين أحبّه ... ألفتهم ألف الخمائل للقطرِ

همُ أودعوا قلبي تباريح لوعة ... فنأيهم أذكى وأنكى من الجمرِ على أنّ لي سلوى بانّ فراقهم ... وأن طال لم يمزج بصدّ ولا هجرِ سأفزع للريح الشمال لعلّني ... أحمّلها نجوى تلجلج في صدريِ تبلّع منها للوزير تحيّة ... معطرّة الأرجاء دائمة البشرِ تظلله من حرّ كلّ هجيرة ... وتونسه في وحشة البلد القفرِ وتنبئه أنّي أكنّ صبابه ... لحسن بدا في غير شعر ولا شعرِ أهزّ بها عطفيّ من غير نشوة ... وأرخي بها ذيلا من التيه والكبرِ وأنّي أشدو في النوادي بذكره ... كما شدت الورقاء في الغصن النضرِ أجل وعساها أن تبلّغ مهجتي ... فأبلي بها عذري وأقضي بها نذري وله في خامات زرع بينها شقائق نعمان هبت عليه ريح. سريع انظر إلى الزرع وخاماته ... احكي وقد ماست أمام الرياح كتابيا تجفل مهزومة ... شقائق النعمان فيها جراح وله فصل من رسالة راجع بها، وصلت لمعظمي قرب الجلال، وزهيت به رتب الكمال، وحامت على مشرع مجده العذب طيور الآمال، وغصت أفنية جنابه الرحب بوفود الإقبال، ولا غرو أعزك الله أن من لاحظ من أثار فضلك الرائقة لحظة، أو حظي من سماع محاسنك الرائعة ولو بلفظة، أن تسير به همته في لقائك واحداً، وتعتسف الطرق إلى ورد جلالك وافداً حتى يشاهد الكمال لم يحوج إلى نقص، وليس لله بمستنكر أن يجمع العالم في شخص، وله عند ارتحاله عن حاضرة قرطبة. طويل أقول وقد جدّ ارتجالي وغرّدت ... حداتي وزمت للفراق ركائبي وقد غمصت من كثرة الدمع مقلتي ... وصارت هواء من فؤادي ترائبي ولم تبق إلاّ وقفة يستحثّها ... وداعي للأحباب لا للحبائبِ رعى الله جيرانا بقرطبة العلى=وسقى رباها بالعهاد السواكبِ وحيّى زمانا بينهم قد الفته ... طليق المحيّا مستلين الجوانبِ أأخواننا بالله فيها تذكروا ... معاهد جار أو مودّة صاحب غدوت بهم من برّهم واحتفائهم ... كأنّي في أهلي وبين أقاربي وله في المتشابه. متقارب

الفقيه القاضي أبو الحسن بن زنباع رحمه الله تعالى

إذا ما نشرت بساط ابتساط ... فعنه فديتك فاطو المزاحا فإنّ المزاح كما قد حكى ... أولو العلم قبل عن العلم زاحا وله في فصل من رسالة، لا بد لكل حين من بنين يجلون عاطله، ويجلون فضائله، ولكل محال، من رجال، يقومون بأعبائه، ويهيمون في كل واد بأنبائه، ولئن كانت جمرة الدب خامدة، وجذوته هامدة، ولسانه حصير، وأنسانه حسير، فلن يخليه الله من هلال يطلع، فيشرق بسمائه بدار، وزلال ينبع فيغدق بفضائه بحرا، وشبل يشدو فيزار من غابه ليثا، وطل يبدو، فيمطر من ربابه غيثا، ومن شعره. متقارب لك الخير عندي لذاك النزاعِ ... عقل يهيم وقلب يراعُ يعزّ علينا تنأي الديار ... وذاك سلامك لي والوداعُ لكم أمل لي في اللقاء ... وأمنية قد طواها الزماعُ فلم أجن منها سوى حسرة ... فوجد جميع وانس شعاعَ لئن حّمل القلب ما لا يطاق ... فما كلّف الجفن لا يستطاعُ وخرجنا لنزهة فلما أنصرفنا أصاب غفارتي شوك شقها فلما وصلت موضعي أمر أن أبعثها إليه، مع أحد عبيده المتصرفين بين يديه، فلما كان من الغد تأخر صرفها، وحضرت الجمعة فكتبت إليه معاتباًَ في توقفها، قد بقيت أعزك الله كالأسير، ولقيت التوحش بجناح كسير، أن أردت النهوض لم ننهض، وليت من لا بريش لم يهض، وقد غدوت من المقام، في مثل السقام، فلتأمر بردها، لعلي احضر الصلوة وأشهدها، لا زلت سريا تطلق من يد الوحشة بريا، أن شاء الله فراجعني أدام الله ياوليي جلالك، وأبقى حليا في جيد الدهر خلالك الفغارة عند من ينظر فيها، وقد بلغت غير مضيع تلافيها، ويرجى تمامها قبل الصلوة وادراكها، وتصل مع رسولي وكأنما قد شراكها، وان عاق عائق، فليس مع صحة الود مضائق، والعوض رائق لايق، وهو واصل وأنت بقبوله مواصل، والسلام ما در شارق، وومض بارق. الفقيه القاضي أبو الحسن بن زنباع رحمه الله تعالى ملئ حياء، وقنئ استحياء، طود سكون ووقار، وروضة نباهة يانعة الأزهار،

وسمت صفحات المهارق غرره، وانتظمت بلبات المغارب والمشارق درره، أن نطق رأيت البيان منسربا من لسانه، والإحسان منتسبا لإحسانه، حوى العلوم وحازها، وتحقق حقائق العرب ومجازها، وروى قصائدها وأرجازها، وعلم أطالتها وإيجازها، وهو في الطب موفق العلاج، واضح المنهاج، وله نظم تزهى به نحور الكعاب، ويستسهل إلى سماعه سلوك الصعاب، وقد أثبت منه ما يجتليه، فتستحليه، وتمقله، فتنقله فمن ذلك قوله. كامل أبدت لنا الأيّام زهرة طيبها ... وتسربلت بنضيرها وقشيبها واهتزّ عطف الأرض بعد خشوعها ... وبدت بها النعماء بعد شحوبها وتطلعت في عنفوان شبابها ... من بعد ما بلغت عتّي مشيبها وقفت عليها السحب وقفة راحم ... فبكت لها بعيونها وقلوبها فعجبت الأزهار كيف تضاحك ... ببكائها وتبشّرت بقطوبها وتسربلت حللا تجرّ ذيولها ... من لدمها فيها وشقّ جيوبها فلقد أجاد المزن في أنجادها ... وأجاد حرّ الشمس في تربيبها ما انصف الخيريّ يمنع طيبه ... لحضورها ويبجه لمغيبها وهي التي قامت عليه بدفئها ... وتعاهدته بدرّها وحليبها فكأنّه فرض عليه موقّت ... ووجوبه متعلق بوجوبها وعلى سماء الياسمين كواكب ... أبدت ذكاء العجز عن تغييبها زهر توقّد ليلها ونهارها ... وتفوت شاو خسوقها وغروبها فضلت على سير النجوم بأسرها ... وسرّوها في الخلفتين وطيبها فتأرّجت أرجائها بهبوبها ... وتعانقت أزهارها بنكوبها وتصوّبت فيها فروع جداول ... تتصاعد الأبصار في تصويبها تطفو وترسيب في أصول ثمارها ... والحسن بين طفّوها ورسوبها فكأنّما هي موجسات أساود ... تناسب من أنقابها للصوبها فادر كؤس الأنس في حافاتها ... وأجعل سديد القول من مشروبها فحديث اخوان الصفاء لذاذة ... تجنى ويمن من جناية حوبها وأركض إلى اللذات في ميدانها ... وأسبق لسدّ ثغورها ودروبها أعريت خليك صيفها وخريفها ... وشتائها هذا أوان ركوبها

أو ما ترى الأزهار ما من زهرة ... إلاّ وقد ركبت فقار قضيبها والطير قد خفقت على أفنانها ... تلقى فنون الشدو في أسلوبها تشدو وتهتزّ الغصون كأنّما ... حركاتها رقص على تطريبها وله: منسرح كذا تصان السيوف في الخللِ ... ويفخر الحظّ بالقنا الذبّلِ وتكرم الخيل في مرابطها ... بر الفتاه المعروف بالرجلِ ويعطف النبع كالحواجب أو ... أحنى وتمهى السهام كالمقلِ ويوثر الشّرة الكميّ إذا ... خير بين الدروع والحللِ فتح أنارت له البلاد كما ... أشرقت المقربات للنهلِ هدّت له الروم هدّة ملت ... قلوب أبطالهم من الوجلِ فما أطاقوا الولوج في نفق ... وما أطاقوا الصعود في جبلِ القوا بأيديهم ولا سبب ... يفرق بين الفتاة والبطلِ فمجرئ الأسد في مرابضها ... كمجرى الغانيات في الكلِ وربّما لم تقم مناصلها ... مقام تلك اللواحظ النجلِ تغامسوا في الدروع زاخرة ... كي يسلموا من حرارة الأسلِ فما أفادتهم الدروع سوى الن ... نقلة من خّفة إلى ثقلِ كأنّهم والرماح تحفزهم ... جري فصال سلكن في الوحلِ جاءوا بها سبّفا مضاعفة ... قد أخلصت بالحديد والعملِ مثل عيون الدبا فصيّرها ... دم وطعن كأعين الحجلِ هناك سل بالوزير من شهد ال ... حرب وان كنت شاهدا فقل ولا تخف أن حكيت مغربة ... عنه مقام المكذّب الخطلِ فإنّه الوحد الذي ترك الد ... دهر بلا مشبه ولا مثلِ حدّث بما شئت عنه من حسن ... وعظّم المر ثمّ لا تسلِ ففضله يبهر الأهلّة في ... سعودها والشموس في الحملِ وكتب إلي أعزه الله مراجعا. طويل هوى منجد يلقى به اليل متّهمُ ... يصّرح عنه الدمع وهو يجمجمُ يبيت يدري أو يداري ما به ... ويغلبه أمر الهوى فيسلّمُ لأجفانه من كل شيء موّرق ... ومن أين للمشتاق شيء ينوّمُ

وليس الهوى ما الراي عنه مزحزح ... ولكنّه ما الراي فيه مفخّم واعذر أهل الحبّ كلّ مدلّة ... يرى أنّ من يهدي له النصح الومُ وأجلد أبناء الزمان مرزا ... يقاسي خطوب الدهر وهو متيّمُ ويصعب حمل الهّم والهمّ مفرد ... فكيف ترى في حمله وهو توأمُ ولولا أبو نصر ولذّات أنسه ... تقضّت حياتي كلّها وهي علقمُ فتى فتح الله المعارف باسمه ... ومن دونها باب من الجهل مبهمُ تأخر في لفظ الزمان وأنّه ... بمعناه في أعيانه متقدّمُ أتوا بالمعاني وهي درّ منظمّ ... وجاء بها من افقها وهي أنجمُ وما يستوي في الحكم راق وغائص ... لقد نال أسنى الرتبة المتسنّمُ إليك أبا نصر بديهة خاطر ... توالى عليه الشغل وهو مقسّمُ أهّبت به القول وهو لما به ... فلبّ ولم يسعده نطق ولا فمُ وكم مصقع لا يرهب القول فعله ... ثنته خطوب ما أنثنت وهو مفحم ولو لم يكن غلا وداعك وحده ... لا شفق منه يذبل ويلملمُ فما يصنع الإنسان وهو بفهمه ... يحسّ باشتات الأمور ويفهمُ وقد كنت تشكيني من الدهر دائبا ... فقد صوت أشكو منك ما أنت تعلمُ عليك سلام تسحب الريح ذيله ... فيعبق منه كلّ ما يتنسّمُ وأن لم يكن إلاّ وداع وفرقة ... فإنّ فؤادي قبلك المتقدّمُ وله أيضاً: طويل أرى بارقا بالأبلق الفرد يومض ... يذهّب جلباب الدجا ويفضّضُ كأنّ سليمى من أعاليه أشرفت ... تمدّ لنا كفّا خضيبا وتقبضُ إذا ما تولىّ ومضه نفص الدجا ... له صبغه المسودّ أو كاد ينفضُ أرقت له والقلب يهفو هفوّه ... على انه منه أحدّ وأومضّ وبتّ أداري الشوق والشوق مقبل ... عليّ وأدعو الصبر والصبر معرضُ واستنجد الدمع الأبيّ على الأسى ... فتنجدني منه جداول فيّضُ واعذل قلبا لا يزال يروعه ... سنا النار يستشرى والبرق ينبضُ تظنّهما ثغر الحبيب وخدّه ... فذا ضاحك منه وذا متعرّضُ غذا بلغت منك الخيالات ما أرى ... فأنت لماذا بالشخوص معرّضُ

إلى أن تفرّت عن سنا الصبح سدفة ... كما أنشق عن صفح من الماء عرمضُ وندّت إلى الغرب النجوم مروعة ... كما نفرت عير من السيل ركّضُ وأدركها من فجاة الصبح بهتة ... فتحسبها فيه عيونا تمرّضُ كأنّ الثريّا والغروب يحثّها ... لجام على رأس الدجا وهو يركضُ وما تمتري في الهقعة العين أنّها ... على عاتق الجوزاء قرط مفضّضُ ومنها في صفة الحرب. طويل سل الحرب منه والسيوف جداول ... دفق والأرماح رقط تنضنض وبالأرض من وقع الجياد تمدد ... ولكنه فيما تروم تقبض وبالأفق للنقع المثار سحائب ... مواخص لكن بالصواعق تمخض وقد سهكت تحت الحديد من الصدأ ... جسوم بما علّت من المسك ترحض ومدت إلى ورد الصدور عيونها ... صدور العوالي والعيون تغمض وأشرفت البيض الرقاق إلى الطلى ... لتكرع فيها والرؤوس تخفضُ فلست ترى لا دماء مراقة ... تخاض إلي أكباد قوم تخضخض وله: [وافر] نزاع ما أرى بك أن نزوع ... لقد شقيت به منك الضلوعُ يروعك أو يركعك كل داع ... أكل مثوب داع سميعُ جهلت وقد علاك الشيب أمرا ... يقوم بعلمه الطفل الرضيعُ ولولا ذاك ما قدرت أني ... أنوء بحمل ما لا أستطيع فحسبك أو فحسبي منك دهر ... يُشت بصرفه الشمل الجميع وشوق تقتضيه نوى شطون ... فتقضي عنه واجبها الدموعُ حملت الحب مؤتمنا عليه ... فكيف يضيع ذلك أو يذيع لقد جشمت نفسك متلفان ... بكل ثنية منها صريعُ وحال الصب تخضبه دموع ... كحال القرن يخصبه نجيع وقد تُحمى الدروع من العوالي ... ولا تُحمى من الحدق الدروع وربّ فتى تُراع الأسد منه=تقنَّص قلبه الرشا المروع وكتب إليه الوزير محمد بن القاسم معزيا في قريب مات له. [وافر] يشاطرك الصبابة والسهادا ... ويمحضك المحبة والودادا

صديق لو كشفت الغيب عنه ... وجدت هواك قد ملا الفؤادا يعزّ عليه رزء بتّ عنه ... شقيق النفس تلهمها سدادا انشقق للعباد ونحن منهم ... من الرب الذي خلق العبادا أراد بنا الفناء على سواء ... ولابد لنا مما أرادا لئن قدمت علقا مستفادا ... لقد أكرمت حظاً مستفادا ومثلك لا يضعضعه مصاب ... ولا يعطي لنائبه قيادا ومازلت الرشيد نهى وحاشى ... لمثلك أن نعلمه الرشادا فراجعه القاضي أبو الحسن بن زنباع. [وافر] لعا لك من جواد قد أجادا ... ونال الغاية القصوى وزادا وبشّر بالتي يسمو إليها ... سواك فلا تبلغه مرادا فإني قد رأيت الدهر مطلقاً ... تنزل عن خلائقه وحادا ومنذ بخست حظك وهو كبر ... أحال على الورى سنة جمادا ولن يرضى الزمان وأنت فيه ... تدافع من محلك أو تعادا ومثلك وهو أنت ولا مزيد ... شفى وكفى الملمات الشدادا ومن وفدته بالنوب الليالي ... فكيف يطيق عدوا واشتدادا ولولا ما كففت به فؤادي ... من الحكم التي تسلي تمادا ومن يطفئ بنزر الماء نارا ... فليس يزيدها إلا اتقادا جزاك الله خيراً من صديق ... أفاد صديقه مما استفادا ورد عليه صبر اصل عنه ... وأقسم لا ينال له قيادا وأنجدة على خطب عراه ... وأدرك فيه ثارا فاستقادا وله أيضاً: [كامل] لهواك في قلبي كريقك في فمي ... غيري يقول الحب مر المطعم فادر علي بمقلتيك كؤسه ... حتى يدب خمارة في أعظمي إن التلذذ في هواك تلذذ ... لو كان أقتل من زعاف الأرقم أحبب بحب لا يثير ملامة ... ملئت بموليه عيون النومِ شغل النواطر والقلوب ولم يدع ... من لم يسمع زمن الأنام بميسمِ ومن العجائب شغل شيء واحد ... في الحال أمكنةً ولم يتقسمِ

انتهى القسم الثالث من قلائد العقيان ومحاسن الاعيان والحمد لله حق حمده

وأقام أزمنة وليس بجوهر ... وجرى وليس بمايع مجرى الدمِ يا أيها القمر الذي إنسان ... يرمي أناساً للعيون بأسهمِ لم أبد حبك غيران جوانحي ... فاضت به فيض الإناء المفعمِ لا ذنب لي علم الذي أسررته ... نظرا ولم أرمز ولم أتكلمِ وأمرت بالشكوى إليك وإنما ... ينمى إلى الإنسان ما لم يعلمِ ولربما لم تشكني فأماتني ... ياسي فذرني تحت أمر مبهمِ وتلافني قبل التلاف فإنني ... من حمير وسيأخذونك في دمي الطاعنين بكل أسمر مدعس ... والضار بين بكل أبيض مخدمِ والواردين الصادرين إذا الوغى ... لفحت بجمرتها وجوه الحومِ ولعلهم تسمو بهم هماتهم=إن يدركوا في الظبي ثار الضيغمِ وزارة نفر من إخوانه فقال فيهم مرتجلاً: [بسيط] أهلاً وسهلاً وكم من سادة نجب ... كالدبل السمرا وكالأنجم الشهبِ أجملتُم وتفضلتم بزورتكم ... وليس يُنكر فضل من ذوي حسبِ أضاء منزلنا من نور أوجهكم ... وطاب من عيشنا ما كان لم يطلبِ انتهى القسم الثالث من قلائد العقيان ومحاسن الاعيان والحمد لله حق حمده والصلوة والسلام على سيدنا محمد نبيه وعبده القسم الرابع من قلائد العقيان، ومحاسن الأعيان، في بدائع نبهاء الأدباء وروائع فحول الشعراء الفقيه الأديب أبو إسحق بن خفاجه مالك أعنه المحاسن وناهج طريقها، العارف بترصيعها وتنميقها=الناظم لعقودها، الراقم لبروها، المجيد لإرهافها، العالم بجلائها وزفافها، تصرف في فنون الإبداع كيف شاء، وأبلغ دلوة من الإجادة الرشاء، فشعشع القول ورقمه، ومد في ميدان الإعجاز طلقه، فجاء نظامه أرق من النسيم العليل، وأنفق من الروض البليل، يكاد يمتزج بالروح، وترتاح الله النفس مكالغصن المروح، إن شبب فغمزان الجفون الوطف، أو اشارت البنان التي تكاد تعقد من اللطف، وإن وصف سراه والليل بهيم ما فيه وضوح، وخد الثريا بالندى منضوح، فناهيك من غرض انفرد بمضماره، وتجرة لحمي ذمارة، وإن مدح فلا الأعشى

للمحلق، ولا حسان لأهل جلق، وإن تصرف في فنون الأوصاف، فهو فيها كفارس خصاف، وكان في شبيبته مخلوع الرسن، في ميدان مجونه، كثير الوسن، بين صفا الانتهاك وحجونه، لا يبالي بمن التبس، ولا أي نار اقتبس، إلا أنه قد نسك اليوم نسك ابن أذينة، وغض عن إرسال نظرة في أعقاب الهوى عينه، وقد أثبت له ما يقف عليه اللواء، وتصرف غليه الأهواء، أخبرني إنه لما أقلع عن صبوته، وطلع ثنيه سلوته، والكهولة قد حنكته، وأسلكته من طرق الأرعواء حيث اسلكته، نام فرأى أنه مستيقظ وجعل يفكر فيما مضى من شبابه، وفي من ذهب من أحبابه، ويبكي على أيام لهوه، وأوان غفلته وسهوه، ويتوجع لسالف ذلك الزمان، ويتبع الذكر دمعاً كواهي الجمان، ثم استيقظ وهو يقول، [وافر] ألا ساجل دموعي يا غمامُ ... وطارحني بشجوك يا جامُ فقد وفيتها ستين حولاً ... ونادتني ورائي هل أمامُ وكنت ومن لبانات لبيني ... هناك ومن مواضعي المدامُ يطالعنا الصباح ببطن حزوى ... فينكرنا ويعرفنا الظلامُ وكان لي البشام مراح أنس ... فماذا بعدنا فعل البشامُ فانتزح الشباب إلا لقاء ... يُبل به على برح أوام ويا ظل الشباب وكنت تندي ... على إقياء سرحتك السلام وأخبرني أنه لقي عبد الجليل الشاعر بين لورقة والمرية والعدو يلبط لا يريم يفرع تلك الربى، ولا يزال يروع حتى مهب الصبا، فباتا ليلتهما بلورقة يتعاطيان أحاديث حلوة المساق، ويواليان أناشد بديعة الاتساق، إلى أن طلع لهم الصباح أو كاد، وخوفهم تلك الأنكاد، فقام الناس إلى رحالهم فشدوها، وافتقدوا أسلحتهم فاعدوها، وساروا يطيرون وجلا، وأن رأوا غير شيء ظنوه رجلا، فمال إليه عبد الجليل وفؤاده يطير، وهو كالطايا في اليوم العاصف المطير، فجعل، يؤمنه فلا يسكن فرقه، ويرنسه فيتنفس الصعدا نثيرهر حرقه، فأخذ في أساليب من القريض يسليه بأشغاله بها، وإيغاله في شعبها، فأحيل على تذييل وإجازة، واختبل حتى لم يدر حقيقة النظم ولا مجازة، إلى أن أمراً بمشهدين عليهما راسان باديان، وكأنهما بالتحذير لهما مناديان، فقال أبو إسحق مؤتجلاً،

[طويل] ويا رب رأس لا تزاور بينه ... وبين أخير والمزار قريبُ أناف به صلد الصفا فهو منبر ... وقام على أعلاه وهو خطيبُ فقال عبد الجليل مسرعاً: [طويل] يقول حذار الاغترار فطالما ... أناخ قتيل بي ومر سليبُ وينشد كلانا غربيان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسبُ فإن لم يزره صاحب أو خليله ... فقد زاره نسر هناك وذيبُ فما تم قوله حتى لاح قتام، كأنه أغنام، فانقشع عن سربة خيل، كقطع إليل، فما انجلت إلا عبد الجليل قتيل وابن خفاجة سليب وهذا من أغرب تقول، واصدق تقول، وبلغمني ذكرته في هذا الكتاب بقبيح، وأتيت في وصف أيام فتوته بتندير وتمليح، فكتب إلي يعاتبني، [كامل] خذها يرن بها الجواد سهيلا ... وتسيل ماء في الحسام صقيلا بسامة تسبي الحليم وسامة ... لولا المشيب لسمتها تقبيلا حملتها شوقاً إليك تحية ... حملتها عتباً إليك ثقيلا من كل بيت لو تدفق طبعه ... ماء لغص به الفضاء مسيلا أيه وما بين الجوانح قلة ... لو كنت أنفع بالعتاب عليلا ما للصديق وقيت تأكل لحمه ... حيا وتجعل عرضه منديلا أقبلته صدر الحسام وطالما ... أضفيته درعاً عليه طويلا ماذا ثناك عن الثناء ونشره ... بردا على الرسم الجميل جميلا أرجاكما عثر النسيم بروضة ... رطباً كما نضح الغمام مقيلا أعد التفاتك واذكرنها خلة ... لا تستقل به علاك مميلا واصح إلى سجع القريض فربما ... ندب القريض من الوفاء هديلا وعج المطي على الوداد وحيه ... طللا على حكم الزمان محيلا وأبعث بطيفك واعتقدها زورة ... وصل السلام على النوى تعليلا ولئن سألت بك الغمامة وأبلا ... يسم الجديب لما سالت بخيلا وإذا دعبت ولا دعابة غيبة ... فاغضض هناك من العنان قليلا واصحب وكرك من هجير لافح ... ذكرا كما سرت القبول بليلا فلقد حللت مع الشباب بمنزل ... يرتد طرف النجم عند كليلا

وبدهت لا نزر المحاسن مجبلا ... ومضيت لا قصم الغرار فليلا متدفقاً اعيا العقول طريقة ... فكأنما ركب المجر سبيلا يستوقف العليا جلالا كلما ... سجد اليراع بكفه تقبيلا لا تستنير بك السيادة غرة ... حتى يسيل بك الندى تحجيلا وسواي ينشد في سواك ندامة ... يا ليتني لم اتخذك خليلا وله في وصف ورد نثر عليه نوار نارنج: [كامل مجزوء] وندي أنس هزني ... هز الشباب من الشباب واليل وضاح الجين ... قصير أذيال الثيابِ فقنصت منه حمامة ... بيضاء تنسخ من غرابِ والنور مبتسم وخد ... د الورد محطوط النقابِ يندي بأخلاق الصحا ... بِهناك لا بندى السحابِ وكلاهما نثركما ... نثروا الوافي في الخطابِ فكان كاس سلافة ... ضحكت إليهم عن حبابِ وله في صفته أيضاً: [مجتث] وصدر ناد نظمنا ... له القوافي عقدا في منزل قد سحبنا ... بظله العزّ بردا تذكر به الشهب جمرا ... ويعبق اليل ندا وقد تارج نور ... غصّ يخالط وردا كما تبسّم ثغر ... عذب يقبل خدا وكتب إليّ معاتباً على مخاطبة لم ر لها جواباً، ولا قرع لا نبأي بها بابا، فكتبت إليه معتذراً بطول اغترابي، وتوالي اضطرابي، وإني ما استقررت يوماً، ولا نقعت في منهل الثواء ظمأ ولا جوعا، فكتب إلي،، يا سيدي الأعلى، وعلقي الأغلى، حلي بك وطنك، ولا خلا منك عطنك، كتبت والود على أولاه، والعهد بحلاه، ترف زهرة ذكراه، ويمج الري ثراه، منطوياً على لدغة حرقه، بل لوعة فرقة، أبيت بها بليل لا يندى جناحه، ولا يتنفس صباحه، فها أنا كلما تناوحت الرياح أصيلا، وتنفست نفساً عليلا، أصانع البرحاء تنشقا، وأتنفس الصعدا تشوقا، فهل تجد على الشمال نفحة، كما أجد على الجنوب لفحة، أم هل تحس لذلك الوهج الما، كما

أجد الأرج مما، وأما وحقك قسما، يشتمل على الإيمان لزما، إن في أدنى هذه اللواعج، ما يقتضي أنصاء هذه النواعر، ويحمل على حزق، جيب الخرق، وجر ذيل، برد اليل، حتى أهبط أرض ذلك الفضل، فاغتبط وارد، مشرع ذلك النبل، فانبرد، وعسى الله بلطفه أن ينظم هذا البدد، ويعيد ذلك الود، فيبرد الأحشاء، كيف شاء، بمنه وأن طتابك الكريم وفإني تحية، هزتني أريحية، هز المدامة تتمنى، والحمامة تتغنى، فلولا أن يقال صبا للزمت سطوره، ولثمت مسطوره، وما أنطقتني صبوة استفزتني، فهزتني، ولكن فضله راح في كاس العلا تناولتها، فكلما شربت، طربت، فلولا وقوع غمرات الشيب، لابتذرت ش الجيب، ثم صحت واطرباه، وناديت وأحر قلباه، وبعد فإني وقفت من جملته على ما وقع موقع القطر، وحسبك ثلجا، وطلع طلوع هلال الفطر، وكفاك مبتهجا، وما أعرب عنه من تفسير حالك، وتفصيل حلك وترحالك، ولا غروان تجذبك الرواحل، وتتهاداك المراحل، فما للنجم أخيك من دار، ولا في غير الشرف من مدار، فقع أني شئت وأرتع وطِر، حيث أحببت أو طر، فما انتصتك يد المغارب، إلا ماضي المضارب، ولا تعاطتك أقطار البلاد، لا طيب الميلاد، فما صار أن نعق ببينك غراب، وخفق برحلك سراب، إذ لم يقص من فضلك اغتراب، ولا أخل بنصلك ضراب، لازلت مخيماً بمنزلة مجد تجمع من اتساع، في ارتفاع، وأمتاع، في امتناع، بين امرة بغدان، ومنعة عمدان، بحول الله تعالى وبركاته والسلام، وله في وصف شجرة نارنج: [متقارب] لا أفصح الطير حتى خطب ... وخف له الغصن حتى اضطرب فمل طربا بين ظل هفا ... وطيب وماء هناك انعب وجل في الحديقة أخت المنى ... ودن بالمدامة أم الطرب وحاملة من بنات القنا ... أماليد تحمل خضر العذب تنوب مورقة عن عذار ... وتضحك زاهرة عن شنبِ وتندى بها في مهب الصبا ... زبرجدة أثمرت بالذهب فطوراً تفاوح أنفاسها ... وطوراً تغازلها من كثب فتبسم في حالة عن رضى ... وتنظر آونة عن غضبِ وله يتغزل: [مجتث] وا هيفٍ قام يسقي ... والسكر يعطف قدة

وقد ترنح غصنا ... واحمرت الكاس وردة والهب السكر جداً ... أورى به الوجد زندة فكاد يشرب نفسي ... وكدت أشرب خدة وله في مثله: [بسيط مجزوء] يا نزهة النفس يا مناها ... يا قرة العن يا كراها أما ترى لي رضاك أهلا ... وهذه حالتي تراها فاستدرك الفضل يا أباه ... في رمق النفس يا أخاها قسوت قلبا ولنت عطفا ... وعفت من تمرة نواها قال يندب معاهد الشباب، ويتفجع لوفاة الإخوان والأحباب، بعقب سيل عاد لديار آثارا، وقضى عليها وهيا انتثارا، [طويل] ألا عرّس الإخوان في ساحة البلا ... وما رفعوا غير القبور قبابا فدمع كما سح الغمام ولوعة ... كما ضرمت ريح الشمال شهابا إذا استوقفتني في الديار عشية ... تلذذت فيها جية وذهابا أكر بطرفي في معاهد فتية ... ثكلتهم بيض الوجوه شباب فطال وقوفي بين وجد وزفرة ... أنادي رسوما لا تجيز جوابا وأمحو جميل الصبر طوراً بعبرة ... أخط بها في صفحتي كتابا وقد درست أجسامهم وديارهم ... فلم أر إلا أعظماً ويبابا وحسبي شجوان أن أرى الدار بلقعا ... خلاء وأشلاء الصديق ترابا ولقد أحلني أحد الديار المندوبة وهي كعهدها في جودة مبناها، وعودة سناها، في ليلة انتحلت ظلامها أثمدا، ومحونا بها من نفوسنا كمدا، ولم يزل ذلك الأنس يبسطه، والسرور ينشطه، حتى نشر لي ما طواه، وبث مكتوم لوعته وجواه، وأعلمني بلياليه فيها مع أترابه، وما قضى بها من أطرابه، وكان هذا المنزل اشهى إليه من سواه، وأخص بهواه، لأنه كان كلفا بربه، مسرفاً في حبه، وفيه يقول وقد مات باغمات، [طويل] أرقت أكف الدمع طورا وأسفح ... وأنضح خدي تارة ثم أمسح ودونك طماح من الماء مائح ... يعب ومغبر من البيد أفيح وإني إذا ما الليل جاء بفحمة ... لاوري زناد ألهم فيها فاقدح

واتبع طيب الذكر أنه موجع ... فينفح هذا حيث هاتيك تلفحُ وألقى بياض الصبح يسود وحشة ... فاحسبني أمسي على حين أصبحُ ويوحشني ناع من الليل ناعب ... فازجر منه بارحا ليس يبرحُ واستقبل الدنيا بذكر محمد ... فييقبح في عيني ما كان يملحُ وأشفق من موت الصبا ثم أنني ... لآمل أن الله يعفو ويصفح غلام كما استحسنت جانب هضة ... ولأن على طش من الماء أبطح أقول وقد وافى كتاب نعيه ... يجمجم في ألفاظه فيصرّح أرام باغمات يسدد سهمه ... فيرمي وقلب بالجزيرة يجرح فيالغريب فاجأته منية ... أتته على عهد الشباب تجلح كان لهيبا بين جنبي واقداً ... به وركابا بين جفني تمتح جلست أسوم الدهر فيه ملامة ... وكنت كما قد قمت أثني وأمدح غريقا ببحر الدمع واللهم والدجا ... لو كان بحراً واحداً كنت أسبح ففي ناظري لليل مربط أدهم ... وفي وجنتي للصبح أشهب يجمح إذا كان قصد الأنس بالألف وحشة ... فما أشتهي أني اسر فافرح فيا عارضاً يستقبل الليل والبلا ... ويسري فيطوى الأطولين ويمسح تحمل إلى قبر الغريب مزادة ... من الدمع تندى حيث سرت وتنضح وطيب سلام يعبر البحر دونه ... فيندى وأزهار البطاح فتنفح وعرج على قبر الحميم بنظرة ... تراه بها عني هناك وتلمح وله في وردة طرأت في غير أوانها: [كامل] وغريبة هشت إلي غريرة ... فوددت لو نسخ الضياء ظلاما طرأت علي مع المشيب تشوقني ... شيخاً كما كانت تشوق غلاما مقبولة أقبلتها عن لوعة ... نظراً يكون إذا اعتبرت كلاما عذرت وقد أجللتها عن نشوة ... كبرا وأوسعت الزمان ملاما عبقت وقد حنّ الربيع على النوى ... كرما فأهداها إليّ سلاما وكانت بضفة الجزيرة أيكتر يانعة وكان هو ومن يهواه يقعدان لديها، ويوسدان خدودهما أبرديها، فمر بها ومحبوبه قد طواه الردى، ولواه عن ذلك المنتدى، فتذكر ذلك العهد وجماله، وأنكر صبره لفقده واحتماله، فقال: [طويل]

أما وشباب قد ترامت به النوى ... فأرسلت في أعقابه نظرة عبرى لقد ركبت ظهر السوى بي نومه ... فأصبحت في أرض وقد بت في أخرى فها أنا لا نفس تخف بها المنى ... فتلهى ولا سمع تطور به بشرى أقلب جفنا لا يجف فكلما ... تأوهت عن شكوى تأملت بي سكرا وإني إذا ما شاقني بحمامة ... رنين وهزتني لبارقة ذكرا لأجمع بين الماء والنار لوعة ... فمن مقلة ريا ومن كبد حرا وقد خف خطب الشيب في جانب الردى ... فصارت به الصغرى التي كانت الكبرى وللشعر عندي كلما ندب الصبا ... فأبكى محل الحق الشعر بالشعري فليت حديثاً للحداثة لو جرى ... فسلى وطيفا للشبيبة لو أسرى وله يستطيل الليل: [مجتث] يا ليل وجد بنجد ... أما لطيفك مسرى وما لدمعي طليقا ... وأنجم الجو أسرى وقد طمى بحر ليل ... لم يعقب المد جزرا لا يعبر الطرف فيه ... غير المجرة جسرا وله في الشقيق: [كامل] يا حبذا والبرق يزحف بكرة ... جيشا رحيق دونه وحريق حتى إذا ولى واسلم غنوة ... ما شئت من سهل وذروة نيقُ

أخذ الربيع عليه كل ثنية ... فبكل مرقية لواء شقيقُ وله مما يتعلق بصفة نار: [كامل] ومعين ماء البشر أبرق هشة ... فكرعت من صفحاته في مشربِ متهلل يندي حياء وجهه ... فتراه بين مفضض ومذهب أنضى الحسام حسادة ففرنده ... دمع ترقرق فوقه لم يسكب خيمت منه بين طود شامخ ... نال السماء وبين روض معشب تهفو به نار القرى فكأنها ... مهما عشا ضيف إليها معشبِ حمراء نازعت الظلام رداءه ... وهنا وزاحمت السماء بمنكب ضربت سماء من دخان فوقها ... لم تذر فيها شعلة من كوكب وتنفست عن كل لفحة جمرةٍ ... باتت لها ريح الشمال بمرقبِ مشبوبة وكأنما هي زفرة ... من محنق أو نظرة من مغضبِ قد ألهبت فتذهبت فكأنها ... لسكون شر شرارها لم تلهبِ تذكر وراء رمادها فكأنها ... شقراء تمرح في عجاج أكهبِ والليل قد ولى يقلص برده ... كبرا ويسحب ذيله في المغربِ وكأنما نجم الثريا سحرة ... وكف تمسح من معاطف أشهبِ ووصلت شاطبة في فطر سنة عشر وخمس ماية والأمير أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين أيده الله معيد بها، ومجدد ذاهب رتبها، وكان عيدا، كان عهد أهلها بمثله بعيدا، بل لم يعهد بالقطر شبيهه، ولم يحضر مثله خاملة ولا نبيهه، وكان ابن خفاجة هذا حاضراً لاستنجاز وعده، بالتوقيع على صك يحذى نعاله من عنده، فلما كان يوم العيد واحتفل جمعه واحتشد، قام أبو إسحق وأنشد، [طويل] سجعت وقد غنى الحمام فرجعا ... وما كنت لولا أن تغنى لاسجعا وأندب عهدا بالمشقر سالفا ... وظل غمام للصبا قد تقشعا ولم أدرِ ما أبكي أرسم شبيبة ... عفا أم مصيفا من سليمى ومربعا وأوجع توديع الأحبة فرقة ... شباب على رغم الأحبة ودعا وكان أشهى ذلك الليل مرقدا ... وأندى محيا ذلك الصبح ومطلعا وأقصر ذلك العهد يوما وليلة ... وأطيب ذاك العيش ظلاً ومكرعا

زمان نقضي غير ذكر معاهد ... يسوم حصاة القلب أن يتصدعا تحولت عنه لا اختيار وربما ... وجعت على طول التلذذ أخدعا ومن لي ببرد الريح من أبرق الحمى ... وريا الخزاما من أجارع لعلعا وقد فات ذاك العهد لا تذكرا ... لو أني على ظهر المطي توجعا وكنت جليد القلب والشمل جامع ... فما انقص حتى حان فارض أدمعا وبلّت نجادي عبرة مستهله ... أكفكف عنا بالبنان تصنعا وأني وعيني بالظلام كحيلة ... لآبي لجنبي أن يلائم مضجعا وابأي بنفسي أن أرى الصبح أبيضا ... بعين ترى ربع الشبيبة بلقعا كأني لم أذهب مع اللهو ليلة ... ولم أتعاط البابلي المشعشعا ولم أتخايل بين ظل لسرحة ... وسجع لغريد وماء بأجرعا ولم أرمِ عاما لي بازرق صايب ... وأبيض بسام وأسمر اصلعا وأبلق خوار العنان مطهم ... طويل الشوى والشأو أقود أتلعا جرى وجرى البرق اليماني عشية ... فابطأ عنه البرق عجزا وأسرعا كان سحابا اسحما تحت لبده ... تضاحك عن برق سرى فتصدعا وحسب الأعادي منه أن يزجروا به ... مغيراً عرابا صبح الحي أبقعا كان على عطيفة من خلع السرى ... قميص ظلام بالصباح مرقعا ركضت به بحراً تدفق مائجا ... وأقبلت أم الرال نكباء زعزعا يولل من أذن فأذن تشوفا ... إلى صرخة من هاتف وتطلعا كان له من عامل الرمح هاديا ... منيعا ومن ذلق الأسنة مسمعا ولما انتحى ذكر الأمير استخفه ... فخفض من لحن الصهيل ورفعا حنينا إلى الملك الأعز مرددا ... وشجوا على المسرى القصي مرجعا فعن حب أبراهيم أعرب صاهلا ... وفي نصر ابراهيم كر تشيعا أمام يباهي الحمد وشيا مذهبا ... به وبراس المجد تاجا مرصعا عشيت به أندى من المرن راحة ... وأطيب أفياء وأمرع مربعا طمى الجود في يمناه بحراً وربما ... تدفق في أرجائه فتدفعا وأغدا نداه الغيث فانهل واكفا ... وحسبك من سقياء أن أسجما معا فربّ حديث عن علاه سمعته ... وما طاير البشرى بأحسن مسمعا

فيا شائمي برق توضح موهنا ... وقعقع أرعاد بنجد فاطمعا إذا كف من قطريكما عارض الندى ... وأنكما برق البشاشة فاربعا فإن أبا إسحق أخصب تلعه ... وأشهى مدى ظل وأعذب مربعا وحسبكما أن قد تأسى به الحيا ... فعاود من رحماه ما كان أقلعا وعز الهدى منه بأوحد أمجد ... طويل نجاد السيف أبلح أدرعا أحل به العود اليبيس سماحة ... وأخدم مطرود الظبي لا تورعا إذا دب أخفى من حبال مكيدة ... يصوب أبرى من شهاب وأسرعا وما السيف في كف الكمي مجردا ... بأسطى وراء النقع منه وأسطعا دعا باسمه داعي الحفيظة والندى ... فلبّى على شرح السباب وأقطعا وهب كما هب الحسام استقامة ... وعبّ كما عب الخضم تبرعا وجر به ذيل الخميس بن غابة ... تردى عغلاما بالعُلى وتلفّع وداس العدى ركضا وأجرى الوغى دما ... بأطوع من يمناه فعلا وأطبعا ولما تدرى منهما النصل منطقا ... سديدا فريدا أو حميدا مقطعا فبيد في ذات المكارم وأنثنى ... وروة في جنب الإله ورفعا وخفض من صوت الأبي وصيته ... وزلزل من ذكر العصي وضعضعا وألقت اليله بالمقادة قادة ... تطامن من أعراقها ما ترفعا وذلل من أخلاقه كل ريض ... وأصحب خوار الشكيمة طيعا فمن مبلغ الأيام عني أنني ... تبؤأت منه حيث شئت تمتعا وطرت ثناء واطلعت ثنية ... فأسرفت إيضاعاً وأشرفت موضعا وهل بقيت للنفس إلا لطاعة ... إلى القلم الأعلى بخط موقعا فما القمر الساري بأجمل غرة ... ولا الوابل الغادي بأكرم مصنعا وهُنئت عيدا قد تلقاك قادماً ... ولم يك لولا أن طلعت ليطلعا وحسبك جد قد أظلك خادماً ... فما هو إلا أن تقول فيسمعا وجياك من فرع لا شرف دوحة ... نسيم كأنفاس العذارى تضوعا يلاعب من خوط الأراكة معطفا ... ويمسح من مسرى الغمامة أدمعا وله في الأخذ بحظ من الجد والهزل، والزهد والغزل، [منسرح] قل للقبيح القعال يا حسنا ... ملأت جفني ظلمة وسنا

الأديب أبو محمد عبد الجليل بن وهبون المرسي رحمه الله تعالى

قاسمني طرفك الصنا أفلا ... قاسم عيني ذلك الوسنا أني وأن كنت هضبة جلدا ... اعتز للحسن لوعة غصنا قسوت باسا ولنت مكرمة ... لم التزم حالة ولا سننا لست أحب الجمود في رجل ... تحسبه من جموده وثنا لم يكحل السهد جفنه كلفا ... ولا طوى جسمه الغرام ضنا ممن عصى داعي الهوى فقسا ... وكان صلدا من الصفا خشنا فلي فؤاد أرق من ظبة ... يابي الدنايا ويعشق الحسنا طوراً منيب وتارة غزل ... يبكي الخطايا ويندب الدمنا إذا اعترت خشية شكا فبكى ... أو أنتحت راحة دنا فجنا كأنني غصن بأنه خضل ... تثنية ريح الصبا هنا وهنا الأديب أبو محمد عبد الجليل بن وهبون المرسي رحمه الله تعالى أحد الفحول، البريء من المطروق والمنحول، تفتحت كمآثم رويته عن زهر المعاني، وأبدت قصايده غرض المداري لها المعاني، فما يبين في معناه انحلال معاقد، ولا تلين قناته لغمز ناقد، مع أدب منساب، تفرّع من دوحتي روية واكتساب وكان بينه وبن ابن عمار ذمام تذكره لما أسهل، وأعاد معلماً ذلك المجهل، فأعلقه بدولته، وألحقه بجملته، ونفّقه بعد الكساد، وطوّقه من استخلاصه ما أغاظ به الحساد، وكان يعتقد تقدمه، ويعقد بنواصي الشعراء قدمه، إلا أنه مع تمييزه له بالأخطاء، وتجويره إياه عند الاقتضاء، لم يوصله عندالمعتمد إلى حظ، ولم ينله إلاكرة لحظ، فمن بديعه الحسن ومطبوعه المستحسن، أنه ركب بأشبيلية زورقاً في النهر الذي لا تدانيه السرات، ولا يضاهيه الفرات، في ليلة تنقبت بظلمتها، ولم يبد وضح في دهمتها، وبين أيديهم شمعتان قد انعكس شعاعهما في اللجة، وزاد في تلك البهجة، فقال مرتجلاً في الحين، [منسرح] كأنما الشمعتان إذ سمتا ... جيد غلام محسن الغيدِ وفي حشا النهر من شعاعهما ... طريق نار الهوى إلى كبدي وكان معه غلام البكري معاطياً للراح، وجاريا في ميدان ذلك المراح، فلما جاء عبد الجليل بما جاء، وحلى للإبداع الجوانب والأرجاء، حسده على ذلك الارتجال،

وقال بين البطي والاستعجال، [كامل] أعجب بمنظر ليلة ليلاء ... تُجنى بها اللذات فوق الماء في زورق يزهى بغرة أغيد ... يختال مثل البانة الغيناء قرنت يداه الشمعتين بوجهه ... كالبدر بين النسر والجوزاء والتاج تحت الماء ضوء منهما ... كالبرق يخفق في غمام سماء وساير الوزير الأستاذ أبا بكر بن القبطرنة وهو غلام يحار مجتليه، ويغار غصن البان من نثنيه، وقد وضع يمناه في شماله، وتضوع عرف أماله، والناس ينظرون هلال شوال، فقال: [خفيف] يا هلال أستتر بوجهك عنا ... إن مولاك قابض بشمالي هبك تحكي سناة خدا بخد ... قم فجئني لقده بمثالِ وله من قصيدة هو فريد: [بسيط] بيني وبين الليالي همة جلل ... لو نالها البدر لاستحذى له زُحلُ سرابُ كل بيات عندها شنب ... وهول كل ظلام عندها كحلُ من أين أبخس لا في ساعدي قصرُ ... عن المعالي ولا في مقولي خطلُ ذنبي إلى الدهر فلتكره سجيته ... ذنب الحسام إذا ما أحجم البطلُ ومن هذه لقصيدة وهو بديع في بابه: [بسيط] جيش فوارسه بيض كأنصله ... وخيله كالقنا عسالة ذبلُ أشباه ما اعتقلوه من ذوابلهم ... فالحرب جاهلة من منهم الأسلُ يمشي على الأرض منهم كل ذي مرح ... كأنما التيه في أعطافه كسلُ ودخل المرية وقد أحرج المعتمد على الله وأضجره حتى أبعده وهجره فلما كان يوم العيد وحضر المعتصم شعراؤه، واجتمع كتابه ووزراؤه، بعث في عبد الجليل فتأخر، وزرى بالحال وسخر، وقال أبعد المعتمد أحضر منتدى واستمطر جودا أو ندى، وهل تروق الأعياد إلا في فنائه، أو تحسن الأمداح لا في سنائه، ثم قال: [طويل] دنا العيد لو تدنو لنا كعبة المنى ... وركن المعالي من ذوابة يعربِ فوا أسفا للشعر ترمى جماره ... ويا بعد ما بيني وبين المخصّبِ وكان كلفا بالغلمان، مكسفا بين الخوف والأمان، فإن الانفراد بهم كان

عليه محجورا، وكان من أجلهم ممقوتا مهجورا، فإنه اشتهر في حبهم أشد اشتهار، واستظهر على كلفه بهم بالشظف والاقتتار، فعلق بأشبيلية علاقة لم تدع له مجالاً، ولم يبق له روية ولا ارتجالا، فبينا هو يستدني منه عطفة المساعد ويجتني زهرات المنى بساحات المواعد، سنحت له رحلة ما أمهلته، ولا راعة منها إلا كل روعة أذهلته، فقال: وما عطل من حلي الإبداع ذلك المقال: [كامل] إن سرت عنك ففي يديك قيادي ... وإن بنت عنك فما يبين فؤادي صيّرت فكري في بعادك مونسي ... وجعلت لحظي من بعادك زادي وعلي إن أدري دموعي إن أنا ... أبصرت شبهك في سبيل بعادي كم في طريقي من قضيب يانع ... أبكي عليه ومن صباح بادِ تلقاك في طي النسيم تحيتي ... ويصوب في ديم الغمام ودادي وله في غلام وسيم كان يشار به، فنام وتقلد سمطاً من در العرق شاربه، [بسيط] وشادن قد كساه الروض حلته ... يستوقف العين بين الغصن والكثبِ مموه الحسن لم يعدم مقبله ... في خده رونقا من ذلك الشنبِ تدعو إلى حبه لمياء كللها ... زبرجد النبت يجلو لؤلؤ الجمبِ وعلق بأشبيلية أحد فتيانها وأنجد عيانها، وكان أجمل من جال في خلد، واستظال على جلد، وهام به هيام الأخوص بدعد، والرعي بهند بني سعد، وكان الفتى ينافر وصله، ويطرد في مباعدته أصله، إلى أن أطل شعر عرضه، وذل لمعارضه، فعاد إلى مساعدته، واستعاد بدنوه من مباعدته، فقال: [بسيط] يا نوم عاود جفونا طالما سهرت ... فإن باعث وجدي رق لي ورثا عانقته وهلال الأفق مطلع ... فعاد من حسدي حيران مكترثا وكان للحسن سر فيه مكتتم ... وشى به ناظري من طول ما بحثا لام يدل على بلبال مبصره ... مازال يبعث وجدي كلما انبعثا من آل مدحج في شخص كلفت به ... لم ينقض العهد من ودي ولا نكثا وله يتغزل: [كامل] أهوى سكيران اللواحظ ما رنا ... إلا وأسكر كل قلب صاحِ أمل من الآمال أحور أهيف ... خلعت عليه لطافة الأرواحِ متجند جعل الفؤاد وطيه ... ولحاظه بدلاً من الأرماحِ

الأديب أبو بكر الداني المعروف بابن اللبانة رحمه الله تعالى

عليته سفك الدماء بمهجتي ... وتركته يجني بغير جناحِ وله يصف بازيا: [منسرح] وصارم في يديك منصلت ... لو كان للسيف في الوغى روحُ يجتاب مما لبست ضافية ... لها على معطفيه توشيحُ متقد اللحظ من شهامته ... فالجو من ناظريه مجروحُ والريح تهفو كأنما طلبت ... سليلها في يمينك الريحُ وله يصف حرشفة: [طويل] وحرشفة إن كنت ذا قدرة على ... نفوذ إلى ذاك الجنى الحلو فانفذِ كأني قد توجهت منها ببيضة ... وقد وضعت للصون في جلد قنفذِ وله وقد اجتاز على فرن ويده مرتبطة بيد أحد فتيان أهل أشبيلية يسمى ربيعاً فقال له صف لنا هذا الفرن فقال: [خفيف] رب فرن رايته يتلظى ... وربيع مخالطي وعقيدي قالشبه فقلت صدر حسود ... خالطته مكارم المحسود وله يتغزل: [طويل] سقى فسقى الله الزمان من أجله ... بكاسين من لميائه وعقارة وحيا فحيا الله زهراً أتى به ... بناسين من ريحانة وعذاره الأديب أبو بكر الداني المعروف بابن اللبانة رحمه الله تعالى المديد الباع، الفريد الانطباع، الذي ملك للمحاسن مقادا، وغدا له البديع منقادا، أي مقال: ينبئ عن معناه وفصله، وأي أرقال: ينتهي إلى مداه وخصله، وقد يشذ فما يشرك، ويبد فما يدرك، رقى إلى ما أحبه، وقطع سنام كل معارض وجبه، وتقلد النظام حساماً لا تنبو مضاربه، وولد غرضاً لا يدانيه أحد ولا يقاربه، فبدا سابقاً، وغدا لفظه لمعناه مطابقا، وقد أثبت له ما تبصر له لمعا وشروقا، وتهصر غصنه ناعما وريقا، كان المعتمد على الله يميزه بالتقريب، ويستغرب ما يأتي به من النادر والغريب، ويوليه أنعاما وإحسانا، ويريد الزمان كله إذارا ونيسانا، فلما نبت صعاده، وأعوزه من دهره إسعاده، ورُحل به إلى المغرب، وحل فيه محل النازح المغترب، وغدرته الأيام غدر أهل خراسان لقتيبة، وفي له أبو بكر بالرحلة إليه وفاء الظعينة لعتيبة، وتراسلا هناك

بإشعار شفى بها المعتمد نفسه، واستوفى سلوه وأنسه، وشكر له ما ناله من مسلانه، وحمد عقد موالاته، وصار له بذلك حق مشهور، وفخر لا تبليه الدهور، وقد أوردنا من ذلك في أخبار المعتمد أعدل شاهد، ووصفنا تلك المحاضر والمشاهد، ومن بديع قوله يتغزل: [وافر] تولي السرب خيفة من يليه ... وأفلت من حبائل قانصيه على شرف الخميلة كان حتى ... توجس نبأة من خاتليه فمرّ على مهب الريح يعدو ... بأسرع من مدامع عاشقيه تعلّق آخر البطحاء هضبا ... تأمل منه خيبة عامليه وصادف عنك مرمى مريعا ... فأصبح يشرئب ويرتعيه توجه حيث لم تقفى خطاه ... بمنسوب إلى عال الوجيه بمياع الأديم يكاد يغشي ... بنقبته لواحظ مبصريه ودخل ميورقة في عهد ناصرها، وسلامة مقاصرها، وهي باهرة الجمال، عاطرة الصبا والشمال، تقيد الناظر ببهجتها، وتتيه بندى ملكها على لجتها، فتلقاه ناصر الدولة بمعهود إجماله، وصدق له ظنون عامله، فقال يمدحه: [كامل] حنيت جوانحه على جمر الغضا ... لما رأى برقا أضاء بذي الاضا واشتم في ريح الصبا أرج الصبا ... فقضى حقوق الشوق فيه بان قضى والتف في عبراته فحسبتها ... من فوق عطفيه رداء فضفضا قالوا الخيال حياته لو زاره ... قلت الحقيقة فلتم لو غمضا بهوى العقيق وساكنيه وإن يكن ... خبر العقيق وساكنيه قد انقضى ويود عودته إلى ما اعتاده ... ولقلما عاد الشباب وقد مضى ألف السرى فكان نجماً ثاقبا ... صدع الدجا منه وبرقا مومضا طلب الغنى من ليله ونهاره ... فله على القمرين مال يُقتضى مهما بدت شمس يكون مذهب ... وإذا بدا بدر يكون مفضضا هذا أفاد وفاد غير مقصر ... جهد المقل بأن يموت مفوضا ولرب ربه خانه نبهتها ... والجو لؤلؤ طله قد رضوضا وقد انطفت نار القرى وبقي على ... مسك الدجا مذرور كافور الغضا واليل قد سدى والحم ثوبه ... والفجر يرسل فيه خيطا أبيضا

ومتى ركبت لها أعالي أيكة ... نشرت جناحا للرياح معرضا والبحر يسكن خيفة من ناصر ... أرضى الرياسة بعد موت المرتضى ملك سمت علياه حتى دوحت ... وزكا ثرى نُعماه حتى روضا ماء الغمائم جرعة مما سقى ... فكان صلا نحو صل نضنضا وكان المرتضى رحمه الله الذي أورث ناصر الدولة الملك، ونظم بلبته ذلك السلك، فلك يكفريك، ولم ينثن عن مجازاة ما قلك، ولم يزل يتعهد سافتة، ويعتقدها، ويبر من كان يوالي دولته ويعتقدها، إلى أن ماتت أخته فاحتفل في جنازتها احتفالاً شكر فيه فعله، ومشى إلى لحدها وما ركب إلا نعله، وندب الشعراء إلى رثايها وتابينها، وإيضاح فضائلها وتبيينها، فقام أبو بكر على قبرها وقال: [طويل] أبنت الهدى جددت منعا على منعا ... مضى المرتضى أصلاً واتبعه فرعا جرى الموت جري الريح في منبتيكما ... فأذواك ريحانا وكسرة نبعا على نسق جاء المصاب وإنما ... تقدم وتراً واتبعته شفعا وقال يمدحه بقصيدة أولها: [كامل] هلا ثناك علي قلب مشفقُ ... فترى فراشا في فراش يحرقُ أنت المنية والمنى فيك استوى ... ظل الغمامة والهجير المحرقُ لك قد ذابلة الوشيح ولونها ... لكن سنانك أكحل لا أزرقُ ويقال أنك أيكة حتى إذا ... غنيت قيل هو الحمام الأورقُ يا من رشقت إلى السلو فردني ... سبقت جفونك كل سهم يرشقُ لو في يدي سحر وعندي أخذة ... لجعلت قلبك بعض وحين يعشقُ جسدي من الأعداء فيك لأنه ... لا يستبين لطرف طيف يرمقُ لم يدر طيفك موضعي من مضجعي ... فعذرته في أنه لا يطرقُ جفت لديك منابعي، ومنابتي ... فالدمع ينشع والصبابة تورقُ وكان أعلام الأمير مبشر ... نشرت على قلبي فاصبح يخفقُ الخيزرانة تلتظي في كفه ... والتاج فوق جبينه يتألق وكان صوب حيا وصعقة بارق ... ما ضم منه نديه والمازق

متباعد الطرفين جود غافل ... عما يحل به وعزم مطرق باس كما جمد الحديد ورآءه ... كرم يسيل كما يسيل الزئبق لا يعجب الأملاك كثرة مالهم ... النبع أصلب والأراكة أورق ضدان فيه لمعتد ولمعتفٍ ... والسيف يجمع والعطآء يفرق وبنو الحروب على الحرابي التي ... تردي كما تردي الجياد السبق خاضت غدير الماء سابحة به ... فكأنما هي سراب أنيق ملأ الكمأة ظهورها وبطونها ... فاتت كما ياتي السحاب المغدق وله: وافر رأت بك أوجه العليا مناها ... وعاد على لواحظها كراها وجاءت فيك السنة المعالي ... بأيات تشرق من تلاها ساك يسير في أرض فأما ... خطاك فبالمجرة لا سواها كان الشهب إذ تجري لسعد ... تخط لك الطريق على ذراها وله أيضاً: طويل بكت عند توديعي فما علم الركب ... أذاك سقيط الدرام لؤلؤ رطب وتابعها سرب لمخطئ ... نجوم الدياجي لا يقال لها سرب لئن وقفت شمس النهار ليوشع ... فقد وقفت شمس الهدى لي والشهب عقيلة بيت المجد لم ترها الدجى ... ولا لمحتها الشمس وهي لها ترب ظبي الهند مما ذب عنها وإنما ... تلطف لي فيها بخدعته الحب سرت وبروج النيرات قبابها ... وقدامها من كل خاطفة قب وما دخلت إلا المجرة واديا ... فليس لها إلا بأعطانها شرب وبحر سوى بحر الهوى قد ركبته ... لأمر كلا البحرين مركبه صعب غريب على جنبي غراب نهوضه ... بقادمتي ورقآء مطلبها شعب كأني قذى في مقلة وهو ناظر ... بها والمجاذيف التي حولها هدب ولما رأت عيني جناب ميورق ... أمنت وحسب المرء بغيته حسب نزلت بكافور وتبر وجوهر ... يقال لها الحصبآء والرمل والترب وقلت المكان الرحب فيه فقيل لي ... ذرى ناصر المعليآء أجمعه رحب وسعي به ناصر الدولة وبغي، ونبذ حق نباهته والغي، فلم يرع انقطاعه، ولا جوزي إحسانه ولا إبداعه، وهجر هجر الجرب، وأقام مقام الحائر المضطرب،

وكانت عادة ناصر الدولة في غير طار ولا ضيف، النفي أو السيف، فلم يفتح مع أبي بكر في أحدهما باب، ولاأغبه جزع ولا ارتياب فكتب إليه يسترحه، متقارب عسى رافة في سراح كريم، أبل ببرد نداه الغليلا وعلي أراح من الطالبين ... فاسكن للأمن ظلال ظليلا ومن بله الغيث في بطن واد ... بات لا يأمنن السيولا لقد أوقدوا لي نيرانهم ... فصيرني الله فيها الخليلا أفر بنفسي وإن أصجت ... ميورق مصر وجدواك نيلا وقال يمدحه كامل عرج بمنفرجات واديهم عسى ... تلقاهم نزلوا الكثيب الأوعسا اطلبهم حيث الرياض تفتحت ... والريح فاحت والصباح تنفسا مثل وجوههم بدورا طلعا ... وتخيل الخيلان شهبا كسنا وإذا أردت تنعماً بقدودهم ... فاهصر بنعمان الغصون الميسا بأبي غزال منهم لم يتخذ ... إلا القنا من بعد قلبي مكنسا لبس الحديد على لجين أديمه ... فعجبت من صبح توشح حندسا وأنى يجر ذوآئبا وذوابلا ... فرأيت روضاً بالصلال تحرسا لا ترهب السيف الصقيل بكفه ... وارهب بعارضه العذار الأملسا رام العدا قتلي عليه ففتهم ... والنجم ليس بممكن أن يلمسا وفككت بغيهم وفزت وهكذا ... فك الصحيفة قبلي المتلمسا كابد إلى العز الهجير ولا تكن ... في الذل ما بين الضلال معرسا وإذا وصلت إلى الأمير مبشراً ... فاجعل بساطك في ثراه السندسا نزع وجنس في مناك فإنه ... ملك تنوع في العلى وتجنسا وكان بينه وبين وزيرة أبي القاسم ذمام ايتلاف، ومعاطاة سلاف، وروحات، والتها بكر، وراحات، راح السرور عليها وابتكر، ووداد أشبه عصر الشباب، عهد أقفر من التعاهد حتى عاد كالفقر اليباب، فلما وصل ميورقة تجدد دارسه، وعادت أجاماً مكانسه، فكان أبو بكر يظن أن تلك الموات تنفقه وإن كسد، وتخلصه وإن حصل في لهوات الأسد، ولم يعلم أن لا جديد لمن لم تخلفه الأيام ولم تبله، ولم يسمع وحديث الناس أخبر تقله، فلما تغير له ناصر الدولة وتنكر، ورأى

من قعود أبي القاسم عنه ما أنكر، هب من غفلته، واحتال في نقلته، فلاذ بالفرار، وعاذ بيني حماد بحكم الاضطرار، وجعل يستنزله ويستعطفه، ويداريه من هناك ويستلطفه، ليمن بإعادته، بكل مقال يحل سخأيم الأحقاد، ولا تلين قناته لغمز الانتقاد، فمن بديع ذلك قوله، متقارب نسيمك حتى مَ لا ينبري ... وطيفك حتى مَ لا يعتري أعيذك من عرض أن يكون ... وأنت الذي كنت من جوهر أتذكر أيامنا بالحمى ... وأيامنا بذوي الأعصر ألا رافة من وفي صفي ... ألا عطفة من سني سري رمى زحل من أظفاره ... وحل يدا عني المشتري عطارد هل لك من عودة ... فارجع منك إلى عنصري سيطلبني الملك مهما أراد ... لباس نسيج من المفخر ولو أن كل حصاة تزين ... لما جعل الفضل للجوهر فلم يراجعه بحرف، ولم يعطه بنفس منه ولا عرف، فكتب إليه: طويل اذكر من لم ينس عهدا ولا ينسى ... وابسط في أكناف ساحته النفسا وانشئها خلقا جديداً واغتدي ... بظل علاه اعتدي معه الانسا والبس ريعان الشباب وطالما ... لبست الخطوب الحمر ما دونه ورسا وإني وإياه لمزن وروضة ... يباكرني سقيا وازكو له غرسا صفى بيننا من خالص الوة جوهر ... غلبنا فيه بنور جوهرها الشمسا وما أنا إلا من علاه مكون ... غدوت له نوعاً وأصبح لي جنسا مكارمه مرعى إلى جنب معقل ... أرود إذا أضحى وءاوي إذا أمسى وأرود خمسا كل يوم يمآئه ... وكم لي دهر قد مضى لم أرد خمسا أبا القاسم أشرب قهوة العز وانتقل ... ثنآءي ومن فضل الكؤوس اسقني كاسا وخذ بيدي من ثغرة قصرت يدي ... وكنت أخا باس فلم تبق لي باسا رميت لها فضفاضتي ومهندي ... وخطيتي والنبل والقوس والترسا ثغور المعالي قابلتك ضواحكا ... فصل لثمها امصص مراشفها اللعسا وأجيادها مالت عليك نواعما ... كما مالت الأغصان فانعم بها لمسا ولا ذكر في لأفواه حاشاك إنما ... صفاتك آيات ولعنا بها درسا

اليك بها درا تلقب احرفا ... وقطعة ديباج يسمونها طرسا وفضلك في الأغضآء عما بعثته ... فليس يجيد الشعر من عدم الحسا ولما نوى الانفصال، خاف الانتهاب والاستيصال، فأراد أن يكتم ذلك الفرار، ويطوي إعلانه في الأسرار، وخشي أن يفطن بخروجه، ويطلع علي من خلال فروجه، فعزم على موادعة بعض الإخوان، ومطالعة ما في ذلك الخوان، فكتب إليهم: وافر أقول تحية وهي الوداع ... خداع لي وما يعني الخداع اعلل بالمنى قلبا شعاعاً ... ولن يتعلل القلب الشعاع واترك جيرة حاروا واشدوا ... أضاعوني وأي فتى أضاعوا إذا لم يرع لي أدب وباس ... فلا طال الحسام ولا اليراع لقد باعتني الأيام بخسا ... وعهدي بالذخائر لا تباع أجفتني فلم تنبت ربيع ... وحطتني فلم يثبت يفاع ومكنت العدى مني فعاثت ... بلحمي ضعف ما عاث السباع ولما لم يره إعلانه وتصريحه، ولم تلق إعصارا ريحه، وأعلن بوداعه، وفتن بإحسانه وإبداعه، فقال يخاطت ناصر الدولة مودعاً ومعاتباً، متقارب سلام على المجد يندى بليلا ... كنشر الربى بكرة وأصيلا سلام وكنت أقول الوداع ... ولكن أدرج قلبي قليلا أخاف عليه انصداع الصفاة ... وألا يكون زجاجا عليلا جرحت لديك وكنت البري ... كما يجرح اللحظ خدا أسيلا ولو لم أكن ماضي الشفرتين ... لما فلني لدهر غضباً صقيلا أنت ذلة منك محبوبة ... فلم أرض بالعز منها بديلا تلفيت فيها سواد الخطوب ... فاشبه عندي طرفا كحيلا وله متغزلاً قي صاحب خيلان، متقارب رضى المتوكل فارقته ... فلم يرضني بعده العالم

الأديب الحكيم أبو الفضل بن شرف أعزه الله تعالى

وكانت بطليوس لي جنة ... فجيئت بما جاءه آدم وله يتغول في صبي نساخ: كامل أبصرت أحمد ناسخاً فرأيت ما ... أغمى واعيا أن يحد ويوصفا فكأنما منح السماء صحيفة ... والليل حبرا والكواكب أحرفا وله: سريع أبصرته قصر في المشيه ... لما بدت في خده اللحية قد كتب الشعر على خده ... أو كالذي مر على قرية وله: متقارب غناه يلذ ولا أكوس ... تسكن من أنفس طايشة وأعجب كيف شدا طائر ... بروض منابته عاطشة الأديب الحكيم أبو الفضل بن شرف أعزه الله تعالى الناظم الناثر، الكثير المعالي والمآثر، الذي لا يدرك باعه، ولا يترك اقتفاؤه واتباعه، أن نثر رأيت بحراً يزخر، وأن نظم قلد الأجياد درا تباهى به وتفخر، وأن تكلم في علوم الأوائل بهرج الأذهان والألباب، وولج منها في كل باب، وقد كان أول من نجم بالأندلس وظهر، وتسمى بحوك القريض واشتهر، تسدد إليه السهام، وتتقده الخواطر والأوهام، فلا يصاب له غرض، ولا يوجد في جوهر إحسانه عرض، وهو اليوم بدر هذه الآفاق، وموقف الاختلاف والاتفاق، مع جري في ميدان الطب إلى منتهاه، وتصرف بين سماكه وسهاه، وتصانيف في الحكم ألف منها ما ألف، وتقدم فيها ما تخلف، فمنها كتابه المسمى بسر البر ورجزة الملقب بنجح النصح وسواها، من تصانيف اشتمل عليها الأوان وحواها، فمن حكمه قوله العالم مع العلم كالناظر للبحر يستعظم ما يرى ما غاب عنه أكثر، ومنها الفاضل في الزمن السوء كالمصباح، في البراح، قد كان يضيء لو تركته الرياح، ومنها لتكن بالحال المتزايدة، اغبط منك بالحال المتناهية، فالقمر آخر أبداره، أول أبداره، ومنها لتكن بقليلك، اغبط منك بكثير غيرك، فإن الحي برجليه وهما ثنتان، أقوى من الميت على إقدام الحملة وهي ثمان، ومنها المتلبس بمال السلطان كالسفينة في البحران أدخلت بعضه في جوفها أدخل جميعها في جوفه، ومنها التعليم فلاحة الأذهان وليست كل أرض منبتة، ومنها الحازم من شك فروى وأيقن فبادر، ومنها قول الحق من كرم العنصر كالمرءاة، كلما كرم حديدها أرت حقائق الصفات، ومنها رب سامح بالعطاء على باخل بالقبول، ومنها ليس المحروم

من سال فلم يعط وإنما المحروم من أعطي فلم يأخذ، ومنها يا ابن آدم تذم أهل زمانك وأنت منهم كأنك وحدك البري، وجميعهم الجري، كلا بل جنيت وجني عليك، فذكرت مل لديهم ونسيت ما لديك، ومنها اعلم أن الفاضل الزكي لا يرتفع أمره، أو يظهر قدره، كالسراج لا تظهر أنواره، أو يرفع مناره، والناقص الدني لا يبلغ لنفعه، إلا بوضعه، كهوجل السفينة لا ينتفع بضبطه، إلا بعد الغاية من حطه، ول قصل من رسالة،، توسل الهمم، أعزك الله توسل الذمم، ورب راق، بوسيلة، ذي اشتياق واستباق، إلى فضليه، رصد، فقصد، واحتشد، فتحرى الرشد، ولما طلع بك المجد، من معالمه، وأينع لك الحمد، من كمائمه، فلاح محياك قمراً زاهراً، وفاحت سجاياك سحراً عاطراً، وأنار بأفقك منار الأنوار، ودار على قطبك مدار الفخار، وخف لديك بالقلوب وارتياحها، وصار إليك بالنفوس جناحها، فجوامع الجوانح لديك حضور، ونواظر الخواطر إليك صور، وقد تخيلتك نظرات الغيوب، وتيمتك خطرات القلوب، فحنت إليك حنين اليفن إلى صباه، واهتزت اهتزاز الغصن إلى صباه، ولا غرو أن أرمت أليك القلوب بأرواحها، وتلقتك العيون بالتماحها، فقد يرقب الصباح، ويلمح القمر اللياح، وليس على عاشق الفضل جناح، وكتب إلى وزير، أطال الله بقاء الوزير الأمجد، الأجل الأوحد، وأعلى مرتقاه في رفعة العز، ومنعة الحرز، الوزير الأمجد دام الله عزه كالمطر الجود يملأ الحياض، وينبت الرياض، بل كالقمر يقذف بالنور، ويذهب بالديجور، وقد أتحفني في سناه، وسقاني من سقياه، بما أنار فأضوى، وجاد فأروى، فلله إيادي الوزير ما أنزلها بكل فناء، واسمعها لكل نداء، حين رعى قصدي وهو مجفي، ووعى صوتي وهو خفي، فالآن أدام الله رفعة الوزير أضرب بحسام، اعتناؤه جرده، حتى أظهر في سمائه، واشتهر بأرفع أسمائه،، ومن بديع قوله في قصيدة أولها، بسيط قامت تجر ذيول العصب والحبر ... ضعيفة الخطو والميثاق والنظر تخطو فتولي الحصى من حليها نبذا ... وتخلط العنبر الوردي بالعفر غيرى الخلي بما تبديه من قلق ... في الوشح أوغصص تخفيه في الأزر

لم ادرهل حنق الخلخال من غضب ... عليه أم لعب الزنار من أشر تلفتت عن طلى سنان وابتسمت ... عن واضح مثل نور الروضة العطر إن نلت رياء لم أطمع بمطمعه ... لأن الروض الصبا نور الروضة العطر ما لذ للعين نوم بعد ما ذكرت ... ليلا سمرناه بين الضال والسمر تساقط الطل من فوفق النحور به ... تساقط الدر في اللبات والثغر ومفرق الليل قد شابت ذوائبه ... فبت أدعو له بالطول في العمر والليل يعجب الظلماء جانحة ... من ساهر يشتكي لليل بالقصر فبت أجرع من ليل لواضحة ... تبدو وأبخل من روض على سحر يا من جفا فجفاني الطيف هجرك لي ... بأي عذر فعذر الضيف في السهر ذكرت بالسفح شملا غير منصدع ... بالنائبات ونظما غير منتشر بكل بيضاء خود خلتها جمدت ... من السكينة أو ذابت من الخفر ومنها في وصف السيف: بسيط إن قلت نارا انتدى النار ملهبة ... أو قلت ماء يرمي الماء بالشرور ومنها في وصف الدرع: بسيط من كل ماذية انثى فيا عجبا ... كيف استهانت بوقع الصارم الذكر وله من قصيدة أخرى أولها: بسيط ما الرسم من حاجة المهرية الرسم ... ولا مرام المطايا عند ذي ارم ردي شبا الخط تهدين الركاب فما ... بالبيد للركب من هاد ولا علم حثي المطي وشدي في دوائرها ... هذا أوان اقتضاء الشد من زيم ريعت لنبأة سام السوط فالتفتت ... صغر الخدود إلى سواقة حطم ثبت على صهوات الناجيات وقد ... أخفت سروح المطايا صولة اللجم منوطة بغواشي البيض راحته ... كأنما اختلطت بالصارم الخذم بتنا نكالئ طرف العين عن سنة ... والطيف يستأذن الأجفان في الحلم معرسين بإغفال البطاح سالكة ... بين السبيلين لم تقعد ولم تقم ظنت بي العجز وارتابت فخاصمها ... جور الزمان فلم تعذر ولم تلم إني وإن غرني نيل المنى لأرى ... حرص الفتى خلة زيدت إلى العدم

فكما عكفت بآمالي على وثن ... ولا سجدت بأشعاري إلى صنم أهل المناظر والألباب خالية ... لا يعدمون من الدنيا سوى الفهم نالوا الخطوط فحازوها موافقة ... كما تقاسمت الأيسار بالزلم لما رأيت الليالي قد طبعن على ... جدب الأسود وخصب الشاء والنعم رجعت أضحك والأعوال أجدر بي ... من ميسر كان فيه الفوز للبرم تقلدتني الليالي وهي مدبرة ... كأنني صارم في كف منهزم ذهبت بالنفس لا الوي على نشب ... وإن دعيت به ابن المجد والكرم فللمصارع وأطراف اليراع يد ... بنت لي المجدبين السيف والقلم ومن مديحها: بسيط وإن أحمد في الدنيا وإن عظمت ... لواحد مفرد في عالم أمم تهدي الملوك به من بعد ما نكصت ... كما تراجع فل الجيش للعلم رحب الذراع طويل الباع متضح ... كأن غرته نار على علم من الملوك الألى اعتاد أوائلهم ... سحب البرود ومسح المسك باللمم زادت مرور الليالي بينهم شرفاً ... كالسيف يزداد إرهافاً على القدم تسنموا نكبات الدهر واختلطوا ... مع الخطوب اختلاط البرء بالسقم معوق السيل لا تنفك راحته ... من كف معتلق أو ثغر مستلم مكارم حكمت في ذاته يدها ... فكدت أرحمها من سطوة الكرم أضنى فؤادي واوهاه تحملها ... حتى وضعت يدي منه على ألمي كأنني إذا أوالي قبل راحته ... عجزت عن شكره حتى سددت فمي ومن أخرى أولها: طويل سروا ما امتطوا ألا الظلام ركابيا ... ولا اتخذوا ألا النجوم صواحبا وقد وخطت أرماحهم مفرق الدجا ... فبات بأطراف الألسنة شآيبا وليل كطي المسح جبنا سواده ... كانا امتطيا من دجاه النوائبا خبطنا به الظلماء حتى كأنما ... ضربنا بايدي العيس أبلا غرائبا وركب كان البيض أمست ضرائبا ... لهم وهم أمسوا لهن ضرائبا إذا أوبوا صاروا شموساً منيرة ... وإن أدلجوا أمسوا نجوما ثواقبا طوال طوال الباع والخيل والقنا ... تخالهم فوق الجياد أهاضبا

فما يحملون السمر إلا عواليا ... ولا يركبون الخيل إلا سلاهبا إذا اعتقلوا للطعن سمرا عواليا ... أو اتشحوا للضرب بيضا قواضبا وطال بليل الدارهم أبت له ... نجوم الدياجي أن تعود غواربا ومذ وطئت مروان ذروة ... من الشرق ألت تحب المغاربا ثوابت في جو السماء تخالها ... بها لبني عبد العزيز مناقبا وله من أخرى أولها: بسيط أرح خطاك فحلي النجم قد نهبا ... وقد قضي الشرق من وصل الدجا أربا أنا ركبنا من الظلماء جانحة ... كأننا من دجاه نمتطي نوبا سل النجوم هل ارتابت بصحتنا ... لما أثرن اليهن من آثارها ندبا تهفوا الركاب فتهدينا اسنتنا ... كأنما عارضت أطرافها الشهبا وباتت الخيل يقدحن الحصا حنقاً ... حتى تضرم ذيل اليل والتهبا تلك الفوارس لا تثني أعنتها ... عن وجهة أو ينال السيف ما طلبا باتوا على نشوة ما هاجها طرب ... وقد أرادوا بطاسات السرى نغبا إذا أثاروا القنا عن جنح مظلمة ... شالوا النجوم على أطرافها عذبا وله: وافر خيال زارني عند الصباح ... وثغر الشرق يبسم عن أقاح وقد حشر الصباح له ونادى ... فأصغى النجم منه إلى الصباح وفاض على الكواكب وهو طام ... فطار النسر مبلول الجناح وزائرة طردت لي منامي ... وقد عقد الكرى راحا براح وأدناها الهوى حتى أذلت ... وباتت بين ريحان وراح تهز الغصن في حقف ... وتفري الليل عن قمر لياح وأضناني الهوى فنعت نحولي ... ول ينعى النحول إلى الصفاح وحملت عبء الحب ضعفي ... كحمل الخصر للكفل الرداح أخن إلى رضاك وفيه برئ ... كما حن العلميل إلى الصباح وقد أحللت حبك من فؤادي ... محل المال من أيدي الشحاح سأفزع في هواك لحسن صبري ... ما فزع الجبان إلى السلاح واقتدح الرغيبة من ركاب ... براهن السري برئ القداح

تعنف إن رأت شاؤا بعيداً ... ومن يثني الجواد عن الجماح سرى جنبا به الظلماء حتى ... سبقنا البائتين إلى الصباح إذا ونت الكواكب عن مداها ... حفزناها بأطراف الرماح ومن كان الوزير له ظهيراً ... يسم راعيه في حي لقاح بحيث الرعي في أحوى أحم ... وحيث الورد في شيم قراح من القوم العزيزيين أهل العلى والطول والنسب الصراح أقاموا المجد من سمك علي ... ومدوا العز في أرض فياح فأوى كل عاف من ذراهم ... إلى بيض اللمى خضر البطاح وقد قام العلى عنهم خطيبا ... وصاح الجود حي على الفلاح بأبنية وأعمدة طوال ... وراحات وساحات فساح أبا بكر كتمت علاك حلما ... فنم على الري طيب الفواح فكم تحيي الموالي بامتنان ... وكم تردي المعادي باجتياح يمين ملكت رق المساعي ... وكف أعذبت ماء السماح وفضل لا ينيب إلى نصيح ... وجود لا يصيح لقول لاح وحلم أوسع الدنيا وقارا ... وقد خفقت له خفق الجناح لأعمى الفكر عن عيب الموالي ... أصم الجود عن قول اللواح فتى تجد الأماني في يديه ... وجود الري في الماء القراح يجلو حادث الدنيا بوجه ... كان جبينه فلق الصباح أضاء بوجهه أفق الدياجي ... وقام بكفه علم النجاح طلعت على العلى من كل باب ... وحزت المجد من كل النواحي وجاء بك الزمان على اكتهال ... فكنت الروض فاح مع الرواح فكف للسيادة ذا بسط ... وطرف للمعالي ذو طماح غضبت لكل حق مستباح ... ولم تغضب لمال مستباح فكيف نصرت كل حمى مدال ... ولم تنصر حمى المال المباح نوالك من ولاتك ذو تدان ... وقدرك عن عداتك ذو انتزاح تداركت انصداعاً بانشعاب ... وصيرت الفساد إلى الصلاح فقد بدلت كربا بانفراج ... وقد عوضت ضيقاً بانفساح

وداويت الليالي من رداها ... وقد نادتك يا آسى الجراح فقد أشفيتها من كل داء ... وقد أسقيتها بعد التياح دعوت المعتفين لخير ماوى ... وأحللت الطريد أعز ساح فما للفضل فيها زوال ... وما للمجد عنها من براح لقد أنسى زمانك كل عيد ... بعز ثابت واسى مزاح وذي الأيام أعياد الأيادي ... فكيف تضيفهن إلى الأضاحي وله فضل من رقعة،، مثلي أعزك الله في عناء، بلا غناء، كمن خض لماء يريد الزبد، ووعده للأبد، بل لا والله، واستغفر الله، ما استضاءت بغير منار، ولا اقتدحت بغير عفار، ولكن حرمت الدر والضرع حافل، طويل وما يوجع الحرمان من كف حارم ... كما يوجع الحرمان من كف رازق ومل فعلت أبا عبد الله تلك الأبيات، والرجاء الذي في بطون الحاملات، أأزعجته الأرحام، أم كره الزحام، أم استقر به المقام، فاقام، وتلك النتيجة هي حان نفاسها، أم خانها احتباسها، أم ولدت، ثم وئدت، أم وضعت ليلاً، وأرضعت غيلاً، في لا تدب، ولا تشب، والنجم أفل، والكفيل غافل، ومهما يكن من أمر فما ضاعت، إلا في ضمانك، ولا جاعت، إلا على خوانك، هلا حلبت أبا عبد الله ما در وطب، وطبعت والطين رطب، فلا أمان، من الزمان، ومن ذا الذي يبقى على الحدثان،، وكتب إليه ابن اللبانة: كامل يا روضة أضحى النسيم لسانها ... يصف الذي تهديه من أرجائها ومن اغتدى واهتدى لطريقة ... ما ضل من يسعى على منهاجها طافت بكعبتك المعالي إذ رأت ... أن النجوم الزهر في حجاجها شغلت قضيتك النفوس فأصبحت ... مرضى وفي كفيك سر علاجها هلا كتبت إلى الوزير برقعة ... تصبو معاطفه إلى ديباجها تجد السبيل لهم ولا تك للمنى ... وينير سعيهم بنور سراجها أنت المساء فما بانت لها رقعة ... اطلع عليه الشهب من أبراجها وضجت مفارق كل فضل عنده ... فاجعل قريضك دره في تاجها فراجعه أبو الفضل: كامل يا منجدي والدهر يبعث حربه ... شعثاء قد لبست رداء عجاجها

الأستاذ الأديب أبو محمد بن سارة الشنتريني رحمه الله

لله درك إذ بسطت إلى الرضى ... نفسا تمادى الدهر في إحراجها وأرقت ماء الود في نار الأسى ... كالراح يكسر وحدها بمزاجها فياتني تلك الغمام فبردت ... من علة كالنار في إنضاجها فأويت تحت ضلالها ووجدت برم ... نسيمها وكرغت في ثجاجها حاولت مني أن أطارد حاجة ... مرضت فأعيا الناس باب علاجها قل كيف تنعش بعد ول عثارها ... أم كيف تفتح بعد سد رتاجها هيهات لا تثني النفوس لوجهة ... من بعد ما رجعت على أدبارها لا زيد في أمري وضوحاً بعد ما ... قامت براهينه على منهاجها فأكون إن زدت الصباح أدلة ... خرقاء تمشي في الضحى بسراجها دعني أبرد بالقناعة غلة ... يأس النفوس أحق في أثلاجها بكر بخلت على الأنام بوجهها ... ومنعتها من ليس من أزواجها وصرفتها محجوبة بصوانها ... مثل السلوك تصان في أدراجها كالنور في أكمامها والبيض في ... أغمادها والغيد في أدراجها فالنفس إن ثبتت على أخلاقها ... أعيا على النصاح طول لجاجها وله وقد استدعاه المتوكل في يوم ماطر، ونسيم روض عاطر، فصحبته في ممشاه إليه سحابة، وبلت عليه ثيابه، فلما دخل على المتوكل أدناه، وأكرم مثواه، وهز إلى القول في ذلك فاهتز، وأتى بما طبق مفصل الإبداع وحز، سريع صاحبنا الغيث إلى الغيث ... لكنه غيث بلا غيث سحابة تهمي حياها سرى ... لا تخلط الاعجال بالريث يا ليث غاب حسنه باهر ... والحسن لا يعرف لليث أجلني قربك في موضع ... يجل عن أين وعن حيث الأستاذ الأديب أبو محمد بن سارة الشنتريني رحمه الله سابق الحلبة، وعقد تلك اللبة، لا يشق غباره في ميدان نظام، ولا تنسق أخباره في قلة ارتباط وانتظام، أعان على نفسه الزمان، واستجلب لها الخمول والحرمان، فلا يطير إلا وقع، ولا يرقع خرقاً من حالة الأخرق ما رقع، وهو اليوم مكتتم في كسر تواريه، متقنع بلفذة تنعشه وشملة

تواريه، وكانت له أهاج سددها نبالا، وأورث بها خبالا، ألا إنه قد قوض اليوم عن فنائها، ونفض يده من اقتنائها، وله بدائع تستحسن، وتستطاب كأنها الوسن، فمن ذلك قوله: طويل متى تحتلي عيناي بدر مكارم ... تود الثريا أنها من مواطئة ولما أهلّ المدلجون بذكره ... وفاح نسيم الترب مسكاً لواطئه عرفنا بحسن الذكر حسن صنيعه ... كما عرف الوادي بخضرة شاطئه أيا من محل النجم في جنباته ... منيف مدى الأيام ليس بلاطئه عليك بأعراض ودع ما ورائها ... فما صائبات النبل مثل خواطئه وكقوله: كامل ومعذر رقت حواشي حسنه ... فقلوبنا وجدا عليه رقاق لم يكس عارضه السواد وإنما ... نفضت عليه صباغها الأحداق وكقوله يتغزل: كامل يا من تعرض دونه شحط النوى ... فاستشرفت لحديثه أسماعي إني لمن يحضى بقربك حاسد ... ونواظري يحسدن فيك رقاعي لك تطوك الأيام عني إنما ... نقلتك من عيني إلى أضلاعي وله: كامل أما الوراقة فهي أنكد حرفة ... أغصانها وثمارها الحرمان شهبت صاحبها كإبرة خايط ... تكسا العراة وجسمها عريان وله: كامل ومهفهف يختال في أبراده ... مرح غصن اللدن تحت المارح أبصرت في مرءاة فكري خدة ... فالسر يفعل في البعيد النازح وله يصف فروا له: كامل أودت بذات يدي فرية أرنب ... كفؤاد عروة في الضنى والرقة إن قلت باسم الله عند لباسها ... قرأت علي إذا السماء انشقت يتجشم الفراء في ترقيعها ... بعد المشقة في قريب الشقة لو أن ما أنفقت في إصلاحها ... بحصر لزاد على رمال الدجلة وله: كامل ساروا وللريح البليل صراصر ... تلهي مسافرة القناع شموع يستنبط المقد ورماء حيائه ... بوسيطها الفرار من ينبوع

شقراء أشبهت الظلام بمارح ... كالبق سح سحابه بهموع ,إذا النسيم طفا عليها بصبصت ... بلسان أرقش كالزمام لسوع وكأنما اشتملت عليه ضلوعها ... والبين يقذف روعه في روعي وله: خفيف وصقيل مدارج النجم فيه ... وهو كان ما درجن عليه أخلص التبن صقله فهو ماء ... يتلظ السعير في صفحتيه وله: طويل تمنيت منه قبلة حين زارني ... فقبلة ثنتين في الخد والخد وقلت له جد لي بثغرك إنني ... أقول بتفضيل الأقاح على الورد وله: وافر بنو الدنيا بجهل عظموها=فجلت عندهم وهي الحقيرة تهارش بعضهم بعضا عليها ... مهارشة الكلاب على عقيرة وله: متقارب وبشر بصبح برد النسيم ... وسكر النديم وضعف السراج وكتب إلى القاضي أبي أمية يمدحه: كامل قدمت بين يدي مديحك هذه ... والوبل يبدأ أولاَ برذاذه والسهم يبدو في ترنم قوسه ... مقدار غلوته وكنه نفاذه والطرف يعلم عتقه من طرفه ... قبل احتماء الحضر في أفخاذه وكذا المهند يستبان مضاؤه ... في صفحتيه ولم يقع بجذاذه كم ذا يعذبني الرجاء ولا أرى ... للحظ إقبالاً على أغذاذه والذكر منك على لسان مودتي ... أحلى من البرني أو آزاذه في قلب ليل قطعته عزائمي ... فبكت فراقده على أفلاذه أو في رداء ضحى تراه معصفرا ... عند الأصيل بحمرة من ذاذه وسراب كل ظهيرة مترقرق ... يختال عطفي في ملاءة لاذه والركب من كأس الكرى مترنح ... كالشرب في الماخور من كلواذه والشمس في كف الهواء سجنجل ... يتوقد الهندي من فولاذه إن قابلت مرءاة رايك ابصرت ... منها شبيها في يدي انفاذه لو أن عدلك يحتذيه زماننا ... لم يلقنا بالجور في استحواذه ولكان بالإسعاف يلقي ناظري ... فيطوف منه بركنه وملاذه أصبحت ليثاً في مخالب ثعلب ... منة مطلبي في روغه ولواذه استاذه الزمن الخبيث وللفتى ... شيم تلوح عليه من استاذه

للناس عيش درت الدنيا لهم ... من دوننا بنعيمه ولذاذه أخذوه موفوراً كما شاؤوا ولم ... يؤذن لنا فنكون من أخاذه حضروا وغبنا شذ ذا ولربما ... حرم الغنى من كان من شذاذه وأراهم هذوا وأبطأنا وقد ... يدنو بعيد الخطو من هذاذه ليست تؤذ أخا اقتضاء غيلة ... مستظهراً فيها بخفة حاذه هذا إذا زحف الزمان بجمعه ... رفض الجميع وحل في أفذاذه يصمي الأفن من السهام وربما ... أنمى المريش على وفور قذاذه والمرء قد يجنى المرء من سخطه ... كالليث يفرس وهو في أسفاذه وقد الزمان جوانحي ووقدته ... فانظر إلى موقوذه ووقاذه إن صد عن رمحي بثغرة نحره ... فسنان رمحي واقع في كاذه لما ذكرتك لاذ بين صروفه ... فبغى النجوة ولات حين لياذه إني منيت من الزمان بصاحب ... قاسي الفؤاد خبيثه لواذه وافيت مرسية فوافى قائلاً ... يتصلف ما شاء ليست هذه فمتى أصول عليها بابن عصامها ... سباق ميدان العلى بذاذه ومتى أرى سعيي بدهري هازلاً ... وعلاه منه يجد في استنقاذه يا ويح قلبي كم يضيق وكلمه ... يسع الفجاج الفيح في أنفاذه زادت عوائق دهره في برحه ... إذ حان منها عوذه بمعاذه قاض تقابلنا حبا أبراده ... بابي هريرة في التقى ومعاذه ظمئت إلى ماء الفرات جوانحي ... وأنا مقيم في ثرى بغداذه ناديت بدر التم إن شئت السنا ... من غير نقص فالقه أو حاذه فلالقي به الزمان وأهله ... في تيه قصيره وزهو قباذه ومما كتب إليه أيضاً: وافر أدارتها يدا خود فتاة ... يميل بقدها عطف القناة وقام يعارض اللحظات منها ... غزال لحظ المهاة تسول لي شياطين التصابي ... بمقلته التصور في النهاة ولكني أرد شبا غرامي ... بشيب لاح مني في الشواة واستحيي لأني في مكان ... مكين من هدى قاضي القضاة

وكتب إليه يستنجده: طويل أشيع أيامي يعل وليتما ... واشغل أوصافي بما وكأنما وازمع يأساً ثم اذكر أنني ... بحضرة أزكى الناس فرعا ومنتمى فارتقب العتبى واشدوا تعللا ... عسى وطن يدنو بهم ولعلما أفضه علينا كوثريا لعله ... يبرد نارا في الحشى من جهنما ورد حوبي وهي تثني صوامتا ... كفاها لسان الحال أن تتكلما فما جئت جالينوس مستشفياً به ... ولا علتي حين المسيح ابن مريما وقال يمدح الفقيه القاضي أبا بكر بن العربي أدام الله بالطاعة عزهك: خفيف أيها البدر لا عداك التمام ... وسقانا من راحتيك الغمام لح طليقاً لنا بسيف صقيل ... مثل ما رقرق الفرند الحسام واجل ثغر نشيم منه الأماني ... بارقاً للسماح فيه ابتسام قد حططنا الرحال في ظل دوح ... اثمر البر فيه والإكرام ورأينا تواضعا من مهيب ... بمعاليه توج الأعظام قاعد ولزمان بين يديه ... قائم والصروف والأيام كلها سامع لها مطيع ... ينقذ النقض فيه والإبرام من يطع ربه تطعه الليالي ... وتجيئه الورى وهم خدام هو رضوان في سكينة رضوى ... رضي الله عنه والإسلام يا كتاب بالله قبل يديه ... بدلا من فمي ففيه احتشام ثم بين له بان ثواءي ... كان عاما والآن قد جاء عام ولبيد لم يشترط لبكاء ... غير حول مضى وقال سلام قل له قد أتتك منه القوافي ... كالأزاهير شق عنها الكمام جالبات من المديح إليه ... مسك دارين فض عنه الختام وادرنا فرائد المدح بحراً ... يغرق الدر فيه وهو توأم والأماني شبائب لم تفارق ... غرة العيش والرجاء غلام يتغنى من المديح بلحن ... فهمته منه الأيادي الجسام رش وطوق فإنما أنت دوح ... رف بالمكرمات وهي حمام حثنا للرحيل عنك اضطرار ... ولا رواحنا لديك مقام

وله قصيدة يمدح بها الأمير أبا بكر بن إبراهيم وقد قدم حضرة غرناطة والياً أمرها فدخل في جملة من الشعراء إليه، وأنشدها بين يديه، وهي: كامل اليوم أخمدت الضلالة نارها ... واسترجعت دار الهدى عمارها واستقبلت حدق الورى غرناطة ... وهي الحديقة فوقت أزهارها فكان تشرينا بها نيسانه ... يكسو رباها وردها وبهارها في غب سارية ترقرق أدمعا ... يحكي الجمان صغارها وكبارها ما شئت من نهر كصدر عقيلة ... شقت أناملها عليه صدارها أو جدول كالنصل في يد ثائر ... أمهى صحيفته وهز غرارها ما بين أشجار تميد كأنها ... شراب جريال يدير عقارها مترنحون إذا لحاها عاذل ... تركت سكون حلومها ووقارها لله أروع من ذوائب حمير ... راع العداة فما تقر قرارها راقت به أرض الجزيرة عزمة ... خلعت على حب الجمان عذارها ما هاله بيد تعسفها ولا ... لجج لجنح اليل خاض بحارها في فتية تسري إلى قصر الهدى ... فتظنهم سدوا الدجا أقمارها خضبوا السواعد بالرقاق تفاؤلاً ... إن سوف تخضب بالنجيع شفارها وتلثموا صونا لرقة أوجه ... جعل السماح شعارها ودثارها المنعمين على العفاة إذا وشوا ... والناقضين على العدى أوتارها غرسوا الأيادي في ثرى معروفهم ... فجنوا بالسنة الثناء ثمارها لم لا تراح شريعة التقوى بهم ... وجفونها منهم ترى أنصارها ضربوا سرادق باسهم من دونها ... وقد أشراب الكفر يهدم دارها فرقوا بخرصان الرماح جنابها ... وحموا بقضبان الصفاح ذمارها ومسمومات شرب إن حفرت ... نفضت على ثوب السماء غبارها ليسوا القلوب على الدروع فدوخوا ... أرض العدى واستاصلوا كفارها شهب إذا وفت على أفق الوغى ... جعلت أبا يحيى الأمير مدارها متلثم بالصبح فوق أسرة ... تهدي إلى شمس الضحى أنوارها أوردت زناد المسلمين له يد ... بالنجج تقدح مرخها وعفارها حاشا لا زند شرعنا من كبوة ... ويدا ابن إبراهيم توري نارها

أصفى مواردها أزاح سقامها ... أرخى حرارتها أقال عثارها أولي أمة أحمد ابهجتها ... من صرت من جور الحوادث جارها جلبت لك الأنعام ضرعاً حافلاً ... وارت على أفنانها أطيارها وارى زناد الراي منذ قدحتها ... أوريت في مقل النجوم شرارها حط الرعية في مريع جنابها ... وأراب ثاها واصطنع أحرارها وزد الأكابر من بنيها خطة ... واردد كبارا بالحباء صغارها واقذف نحور المشركين بجحفل ... يمحو معالم أرضها ومنارها لجب تظن السابقات به أوصى ... زرقا ونقع السابحات بحارها واحلل عرى تلك الجماجم أنها ... عقدت على بغض الهدى زنادها كأنني بك قد ثللت عروشهم ... وسلبت بيضة ملكه جبارها وقتلت من نجادها أنجادها ... وصرعت في أغوارها أغوارها لا ترض منهم بالنفوس تحوزها ... سمر القنا حتي تحوز ديارها وترى بها عيناك ليل ضلالها ... ويد الهدى فيها تشق زرارها صمتت سيوفك في الغمود وجردت ... يوم النزال فحدثت أخبارها لما احتست خمر الهياج نصالها ... أهدت إلى هام الطغاة خمارها زارتك في قصر الإمارة كاعب ... زانت محاسن جيدها تقصارها رضعت من الآداب محض لبانها ... وتجنبت ممذوقها وسمارها تثني الليالي هائمات كلما ... نفثت علي يسحرها أسحارها فاجل جفون رضاك في أعطافها ... كرما وشرف بالقبول مزارها وله في الزهد: بسيط يا من يصيح إلى داعي السقاة وقد ... نادى به الناعيان الشيب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ثوى ... في راسك الواعيان السمع والبصر ليس الأصم والأعمى سوى رجل ... لم يهده الهاديان العين والأثر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك الأعلى ولا النيران الشمس والقمر ليرجلن عن الدنيا وإن كرها ... فراقها الثاويان البدو والخضر وقال أيضاً منة كلمة: بسيط تنمر الدهر حتى ما فرقت له ... من قسوري الدجا في فروة النمر

لا بد أن يقع المطلوب في شركي ... ولو بنى داره في دارة القمر قاضي الجماعة في دار الإمارة لي ... قاض على الدهر أن لم يقض لي وطرى لولا ضلوع تواري نار فطنته ... لا حرقت وجنات الشمس بالشرر وله يصف نارا: خفيف لابنة الزند في الكوانين جمر ... كالداري في دجا الظلماء خبروني عنها ولا تكذبون ... الديها صناعة الكيمياء سبكت فحمها صفائح تبر ... رصعتها بالفضة البيضاء كلما رفرف النسيم عليها ... رقصت في غلالة حمراء لو ترانا من حولها قلت شرب ... يتعاطون أكوس الصهباء سفرت في عشائها فارتنا ... حاجب الشمس طالعا بالعشاء وله فيها: كامل جاءتك في تنورها المسجور ... زهراء في حلل من الديجور لما تهلل في الظلام جبينها ... لبس الظلام غلالة نور يا حسنها وقد ارتمت جنباتها ... شررا كمثل العسجد المنثور والجمر في حلل الرماد كأنه ... ورد عليه ذريرة الكافور في ليلة خلنا دجاها أثمدا ... ونجومها مرضى عيون الحور وله فيها: بسيط باتت لنا النار درياقا وقد جعلت ... عقارب البرد تحت الليل تلسعا زهراء قدت لما من دفئها لحفا ... بم يعلم البرد فيها أين موضعنا لها حريق بكانون نطيف به ... كمثل جام رحيق فيه مكرعنا تبيحنا قربها حينا وتبعدنا ... كالأم تفطمنا حينا وترضعنا وله فيها: طويل دعوا لأمري القيس بن حجر طلوله ... يظل عليها سافح العبرات وعوجوا بياقوتية ذهبية ... يهيم بها المغرور في السيرات إذا ما ارتمت من فحمها بشرارها ... رأيت نجوم اليل منكدرات حكى لي منها الجمر تحت رمادها ... دما بدقيق الريط معتجرات وقد عصفر التخميش بيض خدودها ... فانبت منها يانع السمرات

عليها فذب إن لم تجدها كآبة ... ودع السواقي برقة العبرات وقل حين تمشي في الندي وطيبها ... ينم على أذيالها العطرات تضوع مسكا بطن نعمان إن مشت ... به زينب في نسوة خطرات وله فيها أيضاً: سريع قد شابت النار بكانوننا ... لما تناهى عمرها واكتهل كأنها لما خبا جمرها ... مطيب الورد إذا ما ذبل وله في النارنج: طويل أجمر على الأغصان أبد نضارة ... به أم خدود أبرزتها الهوادج وقضب تثنت أم قدود نواعم ... أعالج من وجد بها ما أعالج أرى شجر النارنج أبدى لنا جنى ... كقطر دموع ضرجتها اللواعج جوامد لو ذابت لكانت مدامة ... تصوغ البرى فيها الأكف النوارج كرات عقيق في غصون زبرجد ... بكف نسيم الريح منها صوالج نقبلها طورا وطورا نشمها ... فهن خدود بيننا ونوافج نهى صبوتي إلا تصيخ إلى النهى ... عروس من الدنيا عليها دمالج وله فيه: بسيط يا رب نارنجة يلهو النديم بها ... كأنها كرة من أحمر الذهب أو جذوة حملتها كف قابسها ... لكنها جذوة معدومة اللهب وقال يمدح قاضي قضاة الشرق أبا أمية بن عصام رحمه الله تعالى: بسيط يا من عزائمه إذا انتضيت ... من حادث الدهر إذ يسطو بها القدر ومن إذا ما بدا في أفق مكرمة ... جبينه المسفر استحذى له القمر عين الرجاء إلى علياك شاخصة ... في حاجة أنت فيها السمع والبصر فاجر الصفوف إلى استنزالها قدما ... وصاحباك بها التأييد والظفر حتى تلاقي من قاضي القضاة بها ... شمسا أنارت بها الأحكام والسير في حبوتيه إذا استقبلته ملك ... مقدس الروح إلا أنه بشر أضفى على الدين أبراد الشباب فقل ... صديقه البر وفاروقه عمر من ادعى الشرك في أكرومة نعه ... فاغلط عليه وقل للعاهر الحجر وقل له ما ترى في روضة أنف ... وافت لسقيها من جودك المطر

وقال يمدحه أيضاً: خفيف هاكها كالجنوب تزكي القطارا ... صافح الورد نفحها والعرارا في جبين من حالك الحبر تبدي ... لك ليلا من طرسه ونهارا رق ديباجة فراق زلالا ... حيث دارت به النواسم دارا تتلألأ من المعاني شموس ... فوق صفحيه تخطف الأبصارا خجل الصبح من شكاتي فأهدى ... سوسن الخد منه جلنارا وروائي بلا عقار فكادت ... صفحة منه تستسهل عقارا وروائي السحاب اسحب حالا ... ذات عدم فذاب ماء ونارا عثر الدهر بي وقد جئت حراً ... زاكي الأصل ينعش الأحرارا إن تكن عصمة فإن عصاما ... جده لم يزل يقبل العثارا قاضي الشرق أشرقتني بريقي ... نائبات يطلبن عندي ثارا لا لذنب إلا لأني أديب ... طاب عود منه فكان نضارا أجل درا يرف حسنا وإن كام نت ضلوعي تهفو عليه أحرارا حاش لي أن أزفها ثيبات ... عنسا بل كواعبا أبكارا لفحت أضلعي بها فاستهلت ... بين كفيك تنشد الأشعارا طلعت في أهله من ضلوع ... لي تجلو نباتها أقمارا أرضعته در البلاغة منها ... أمهات لم تحتلب أضأرا وارتك الرياض منها كمام ... جادها النبل وابلا مدرارا ما على بابل لو استقبلتها ... فاجتنت من ثمارها الأسحارا كل خمرية ولم تسق خمرا ... تلبس الحسن والدلال خمارا تذر السامعين يثنون أعطام فاسكاري وما هم بسكارى لو تغلغلن في مسامع رضوى ... لا نثن راقصا وخلى الوقارا ليس في فسحة من الغدر إلا ... من صبا خالعا إليها العذارا وجهها أجزل المهور فلولا ... أنت ما أدلجت بهن المهارا أبصرتها النجوم أشرق منها ... فسرت تخبط الظلام حيارى وله في فتى وسيم نزل مكانه أسود: طويل مضت جنة الماوى وجاءت جهنم ... فها أنا أشقى بعد ما كنت أنعم

وما هي إلا الشمس حان غروبها ... فاعقبها قطع من اليل مظلم وله في غلام أزرق: كامل ومهفهف أبصرت في أطواقه ... قمراً بأفاق المحاسن يشرق نقضي على المهجات منه صعدة ... متألق فيها سنان أزرق وقال يرثي: طويل أيا واقفا والترب بيني وبينه ... ترحم على قبر الحبيب وسلم وقل أنه قبر تضمن أعظما ... رمام عريق في الندى والتكرم أتى يومه من دون شرخ شبابه ... ولم يقض منه حاجة المتلوم وقال في ابنة ماتت له: وافر ألا يا موت كنت بنا رؤفا ... فجددت الحيوة لنا بزورة حماد افعلك المشكور لما ... كففت مؤنة وسترت عورة فانكحنا الضريح بلا صداق ... وجهزنا الفتاة بغير شورة وله يصف نجما حرى في السماء، وترك وراءه مستطيل ضياء: بسيط وكوكب أبصر العفريت مسترقا ... فانقض يذكي أثره لهبه كفارس حل أحضار عمامته ... فجرها كلها من خلفه عذبه وله: طويل وليل كان الدهر أقصى بعمره ... جميعا إليه فانتهى في ابتدائه يحدث بعض القوم بعضاً بطوله ... ولم يمض منه غير وقت عشائه تكاثف ظل الغيم فيه فلم يكن ... بع العين تدري أرضه من سمائه إذا افتر في استبعاده برق دجنة ... حكى حبشيا ضاحكا من بكائه ضربت بسيف العزم عنق ظلامة ... وضرجت بردي فجرة من دمائه ولم أر لابن الهم أشقى من السرى ... إذا مات رفق العزم مات بدائه وإني لألقى كل وجه بمثله ... ولا عجب والماء لون إنائه وله: كامل إن كنت تستشفي بأنفاس الصبا ... فالمسك من أنفاسها بتنسم وافتك عاطرة النسيم كأنها ... رسل الحبيب أتتك عنه تسلم والجو يلبس للغمام مطارفا ... منها على عطفيه برد اسحم

أومى إلى روض الثرى بتحية ... وبكى فاقبل نورها يبتسم واستعجلته الأرض صنعة بردها ... فيد يحوك بها وأخرى ترقم وله: كامل النهر قد رقت غلالة صبغه ... فعليه من صبغ الأصيل طراز تترقرق الأمواج فيه كأنه ... عكن الخصور تهزها الأعجاز وله: بسيط ما في السفر جل شيء يستطار به ... ولا تكن منه مطويا على وجل إني نظرت إلى تصحيف أحرفه ... فانفك منهن لي تب تفرج لي ولم أقل سفر حل البلاء به ... أو حل منه وقوع الحادث الجلل وله: كامل عابوا الجهالة وازدروا بحقوقها ... وتهافتوا بحديثها في المجلس وهي التي ينقاد في يدها الغنى ... وتجيئها الدنيا برغم المعطس إن الجهالة للغنى جذابة ... جذب الحديد حجارة المغنطيس وله يمدح الأمير أبا بكر إبراهيم في نوروز: سريع طاف باكواس مسراته ... ما بين ريحان مبراته وراح في أبراد إيناسه ... ثاني عطفيى اريجياته قل لأبي يحيى أمام الهدى ... محيي الندى جامع أشتاته رعاه من في الأرض سلطانه ... ودونه حجب سموته يا ملكا أيامه لم تزل ... تجري على وفق إداراته ومن بكفي عزمه صارم ... يخاف صرف الدهر هناته أصلته التوفيق في كفه ... فابتهج الدين لاصلاته وأقبل الفتح له رائداً ... والنصر معقوداً براياته واتصل الأنس بأنصاله ... واقترن الروح بروحاته وإنما الدهر له خادم ... منتقد لمح إشاراته قد صارت الشمس إلى جريها ... واستقبل اليوم بأداته وأشرف النيروز فاستشرفت ... أي الأماني نحو عاداته في شارق أبرز مشبوبة ... أشرق منها ليل مشتاته

يريك خد الورد كانونها ... معصفرا في غير أوقاته روض إذا الريح هفت نضضت ... مذهبة السن حياته عقارب الشتوة مقبولة ... بالشمس منها حول حافاته لما بدت في أبنوسيها ... ونورها عسجد ياقوته منمنا في صفح كافورها ... واوات هماز ولاماته علمت أن الحسن منها نوى ... يبدي لنا معجز آياته كأنما النارنج أبدى لنا ... وجنته عند محاذاته أو هي شدت عقد أزراره ... حتي التظي خامد حياته في مجلس يختال عطف المنى ... في رفرف من عبقرياته زبرجد النبت على ساقه ... ولؤلؤ الطل بلباته والثلج كالهندب في كرسف ... تحلجه أيدي غماماته أو زهر في دوحه ساقط ... قد هامت الريح بهاماته سقوط جدواك على أمل ... همت بتكثير عطياته فعاد يغشي طرف حساده ... بياض نعمان بساحاته ردت في جسم الندى روحه ... حتى غدا ملء ملاءاته وزار بالغيث إلى أن تتا ... بعت سحاب صوب ملماته في بلد منذ نبوأته ... جر سرابيل مسراته وكف عنا كف حادثاً ... المنا مس ملماته لاحظه الله بعين الرضا ... فانفتحت أبواب جناته واصج الجامد من صخرة ... والروح يجري في جماداته بوأ الله منك فردوسه ... رضوانه خازن جناته لا زلت معضوداً بتأييده ... ظلا على أرض برياته وله يمد أبا العلاء بن زهر: كامل للرزق أسباب ومن أسبابه ... أعمال ناجية وشد حزام حرف كأني فوق عوج ضلوعها ... ألف أقيمت فوق عطفة لام وكأن زورتها ربابة ياسر ... لزت بأربعة من الأزلام لم يبق منها نصفها الأسفا ... كالريح تمسكه يدي بزمام

الأديب أبو جعفر الأعمى التليطلي رحمه الله تعالى

من نام عن حاجاته لم يلقها ... إلا بواسطة من الأحلام شيأن في الأسفار يكتنفها ... كسب الخطير وصحة الأجسام لا أم لي أن لم أيمم مسلكا ... يهدي الحيوة إلى فيه حمام العذب ياجن طعمه ما لم يكن ... ينساب بين أباطح وإكام والعضب يدركه الصدا ما لم ... في كل معركة بضرب الهام خيمت من حنق بأرض مضيعة ... والراي خلفي والهوي قدام حتى رأيت العجز أودي بي كما ... أودى الغرام بعروة بن حزام أكل الخمول بها بنات خواطري ... أكل الوصي ذخائر الأيتام يا دهر دعوة من يؤمل أن يرى ... بعلاك منتصفا من الأيام فاثيل مجدك نلته عن آدم ... وسمو قدرك حزته عن سام وأيضاً: كامل يا من رمى غرضي بمقلة أشرس ... وقد أمتلأ صلفا علي وريده لا تعجبن بحسن وجهك إنه ... وال بعزلته يحث بريده كم قد رات عيناي مثلك واليا ... للحسن تنتهب القلوب جنوده الدهر طوع يديه والدنيا له ... أمة أحرار الأنام عبيده زحف العذار إليه في جيش له ... ملأت أساوده الملا وأسوده فرأيت رونق وجهه وجماله ... بيد الشحوب طريفه وتليده وله أيضاً: كامل يا شادنا ترك الأراك بمعزل ... ورعى سويداء القلوب أراكا حجبوك عن بصري فصرت برغمهم ... بسجنجل الفكر الصقيل أراكا قمر جعلت سواد قلبي برجه ... وحني أضلاعي له أفلاكا وله يصف بركة: بسيط لله مسجورة في شكل ناظرة ... من الأزاهر أهداب لها وطف فيا سلاحف الهاني تقامصها ... في مائها ولها من عرمض لحف تنافر الشط إلا حين يحضرها ... برد الشتاء فتستد لي وتنصرف كأنها حين يبديها تصرفها ... جيش النصارى على أكتافها الحجف الأديب أبو جعفر الأعمى التليطلي رحمه الله تعالى

له ذهن يكشف الغامض الذي يخفى، ويعرف رسم المشكل وإن كان قد عفا، أبصر الخفيات بفهمه، وقصر فكها على خاطره ووهمه، فجاء بالنادر الذي أعجز، وعطل التطويل بالمقتضب الموجز، ونظم أخبار الأمم المتفرقة في لبة القريض، وأسمعها الطرب في نغم معبد والغريض، وكان بالأندلس سراً للإحسان ومزرئا على زياد وحسان، إلا أنه اختصر، حين احتضر، واعتبط، عنما استبشر به واغتبط، فلم يطل زمانه، ولم يهطل داركاً عنانه، وأغفل الأوان من وسمه، وأثكل لفقد اسمه، فأصبحت نواظر الآداب بعده رمدة، ونفوسها متوجعة كمدة، وقد أثبت له ما يبهر سامعه، ويثني إليه الإحسان مسامعه، فمن ذلك قوله: بسيط مللت حمص وملتني ونطقت ... كما نطقت تلاحينا على قدر وسولت لي نفسي أن أفارقها ... والماء في المزن أصفى منه في الغدر أما اشتفت مني الأيام في وطني ... حتى تضايق في ما عن من وطري ولا قضت من سواد العين حاجتها ... حتى تكر على ما كان في الشعر وله من قصيدة: وافر سطا اسدا وأشرق بدر تم ... ودارت بالحتوف رحى زبون وأحدقت الرماح به فاعيا ... علي أهالة هي أم عرين وله يتغزل: بسيط هو الهوى وقديماً كنت أحذره ... السقم مورده والموت مصدره يا لوعة وجلا من نظرة أمل ... الآن أعرف رشدا كنت أنكره جد من الشوق كان الهزل أوله ... أقل شيء إذا فكرت أكثره ولي حبيب دنا لولا تمنعه ... وقد أقول نأى لولا تذكره واغتيل فتى من فتيان اشبيلية ليلا، وجرت الأيام إليه حربا وويلا، فأصبح قتيلا قد قضى نحبه، ومضى وما ودع صحبه، وكان معروفاً بوجود، موصوفاً بكرم وجود، يباري بهما وابل القطر، مع كونه عينا من أعيان القطر، وكان لأبي جعفر هذا كثير الافتقاد، جميل الرأي فيه الاعتقاد، ينيله في كل وقت، ويزيله عن مواقف كل خزي ومقت، فقال يرثيه: طويل خذا حدثاني عن فل وفلان ... لعلي أرى باق على الحدثان وعن دول حسن الديار وأهلها ... فنين وصرف الدهر ليس بفان

وعن هرمي مصر الغداة أمتعا ... بشرخ شباب أم هما هرمان وعن نخلتي حلوان كيف تنآءتا ... ولم تطويا كشحا على شنان وطال ثواء الفرقدين بغبطة ... أما علما أن سوف يفترقان وزائل بين الشعريين تصرّف ... من الدهر لا وإن لا متوان فإن تذهب الشعرى العبور لشانها ... فإن الغميصا في بقية شان وجن سهيل بالثريا جنونه ... ولكن سلاه كيف يلتقيان وهيهات من جور الزمان وعدله ... شامية الوت بدين يمان فاجمع عنها آخر الدهر سلوة ... على طمع خلاة للدبران وأعلن صرف الدهر لابني نويرة ... بيوم ثناء غال كل تدان وكانا كندماني جذيمة جقبة ... من الدهر لو لم تنصرم لأوان وهام دم بين الدكادك فاللوى ... وما كان في أمثالها بمهان فضاعت دموع بات يبعثها الأسى ... يهيجه قبر بكل مكان ومال على عبس وذبيان ميلة ... فاودى بمنجني عليه وجان فعوجا على جفر الهباءة فاعجبا ... لضيعة أعلاق هناك ثمان دماء جرت منها التلاع بملئها ... ولا دخل إلا أن جرى فرسان وأيام حرب لا ينادي وليدها ... أهاب بها في الحي يوم رهان فهاب ربيع والكلاب تهنّره ... ولا مثل مود من وراء عمانِ وأنحى على ابني وائلٍ فتهاصرا ... غصون الردى من كرّة ولدِان تعاطى كليب فاستمر بطعنه ... أقامت لها الأبطال سوق طعانِ وبات عديّ بالذنائب يصطلي ... بنار وغى ليست بذات دخانِ فذلّت رقاب من رجال أعزة ... إليهم تناهى عزّ كلّ زمانِ وهبّوا يلاقون الصوارم والقنا ... بكلّ جبين واضح ولبانِ فلا خدّ إلاّ فيه حدّ مهنّد ... ولاّ صدر إلا فيه صدر سنان وصال على الجونين بالشعب فانثنى ... بأسلاب مطلول وربقة عانِ وأمضى على أبناء قيلة حكمه ... على شرس الوى به وليانِ ولو شاء عدوان الزمان ولم يشأ ... لكان عذير الحيّ من عدوانِ وأيّ قبيل لم يصدّع جميعهم ... ببكر من الأرزاء أو بعونٍ

خليّي أبصرت الردى وسمعته ... فإن كنتما فير مرية فسلانِ خذا من فمي هلاّ وسوف فإنّني ... أرى بهما غير الذي تريانِ ولا تعداني أن أعيش إلى عد ... لعلّ المنايا دون ما تعدانِ ونبّهني ناع من الصبح كلّما ... تشاغلت عنه عنّ لي وعناي اغمّض أجفاني كأنّي نائم ... وقد لجّت الأحشاء في الخفقانِ أبا حسن أمّا أخوك فقد مضى ... فوا طول لهفي ما التقى أخوانِ أبا حسن إحدى يديك رزيتها ... فهل لك بالصبر الحميل يدانِ أبا حسن أغر المذاكي شرّفا ... تجرّ إلى الهيجاء كلّ عنانِ أبا حسن ألق السلاح فإنّها ... منايا وإن قال الجهول إمانِ أبا حسن هل يدفع المرء حينه ... بأيد شجاع أو بكيد جبانِ أبا حسن أن المنايا وقيتها ... إذا التقت لم تتّبع بضما أقول كأنّي لست أحفل وأنبرت ... دموعي فأبدت ما يجنّ جنار أبا حسن أن كان أودى محمد ... وهيهات عدوي فيك من رسفانِ أجّدك لم تشهده إذا أحدقوا به ... ونادى بأعلى الصوت يأل فلانِ توقّوه شيئاً ثم كرّوا وجعجعوا ... بأروع فضفاض الرداء هجانِ أخي عزمات لا يزال يحثّها ... بحزم معين أو بعزم معانِ رأى ملّ ما يستعظم الناس دونه ... فولىّ غنيا عنه أو متغانٍ فتى كان يعرورى الفيافيّ والدجى ... ذوات جماح أو ذوات حرانِ تداعت له أبيات بكر بن وائل ... ولم ترجعيه لا ظفرتِ بشأنِ بنفسي وأهلي أي بدر دجنّة ... لست خلت من دهره وثمانِ وأيّ أبيّ لا تقوم له الربى ... ثنى عزمه دون القرارة ثانِ وأيّ فتى لو جاءكم في سلاحه ... متي صلحت كف بغير بنانِ يقولون لا يبعد ولله درّه ... وقد حيل بين العير والنزوانِ ويأبون إلا ليته ولعله ... ومن أين للمقصوص بالطيرانِ رويد الأماني أن رزء محمد ... عدا الفلك الأعلى عن الدورانِ وحسب المنايا أن تفوز بثله ... كفاك ولو اخطاته لكفانِ سقاك كدمعي أو كجودك وابل ... من المزن بين السح والهملانِ

شابيب غيث لا تزال ملثة ... بقبرك حتّى يلتقى الشريانِ أبا حسن وفّ اعتزاءك حق ... فقد كنتما أرضعتما بلبانِ تماسك قليلاً لست أول مبتلى ... ببين حبيب أو بغدر زمانِ أثاكلتيه والثواكل جمّة ... لو أنّكما بالناس تاتسيانِ إذيلا وصونا واجزعا وتجلدا ... ولا تأخذا إلا بما تدعانِ وعودا على الباقي المخلّف فيكما ... بفضل حنّو منكما وحنانِ خذاه فضماه إلى كنفيكما ... فإنّهما للمجد مكتنفانِ سدى ليس يدري ما السرور ما الأسى ... محيل على ضعفي يد ولسانِ لعلّكما أن تستظلا بطله ... غدا أنّ هذا الدهر ذو ضربانِ لشعر السلوان أن محّمدا ... مجاور حور في الجنان حسانِ وقال يمدح القاضي أبا الحسن علي بن القسم بن عشيرة بقصيدة منها: بسيط كم مقلة ذهبت في الغيّ مذهبها ... بنظرة هي شأن أو لها شانُ رهن بأضغاث أحلام إذا هجعت ... وربّما حلمت والمرء يقضانُ فأنظر بعقلك أن العين كاذبة ... واسمع بحسك أنّ السمع خوّانُ ولا تقل كلّ ذي عين له نظر ... أنّ الرعاة ترى ما لا ترى الظانُ دع الغنى لرجال ينصبون له ... أن الغنى لفضول الهّم ميدانُ وأخلع لبوسك من شحّ ومن أمل ... لا يقطع السيف إلا وهو عريانُ وصاحب لم أزل منه على خطر ... كأنّني علم غيب وهو حسّانُ أغراه حظّ توخاه وأخطاني ... أما درى انّ بعض الرزق حرمانُ وغرهّ أن رأه قد تقدمني ... كما تقدّم لبسم الله عنوانُ ومن مديحها: بسيط أنّي استجرت على ريب الزمان فتى ... إلا يكن ليث غاب فهو إنسانُ حسبي بعليا عليّ معقلا أشبا ... زمان سرّري به في الأمن أزمانُ صعب المراقي ولكن ربما سهلت ... على المنى منه اوطار وأوطانُ الواهب الخيل عقبانا مسوّمة ... لو سوّمت قبلها في الجوّ عقبانُ من كلّ ساع أمام الريح يقدمها ... منه مهاة وأن شاءت فسرحانُ دجنّة تصف النوار غرّتها ... ونبعة يدّعي أعطافها البانُ

عصا جذيمة إلا ما أتيح لها ... من أمر موسى فجاءت وهي ثعبانُ ومنها في صفة السيف: بسيط هيم رواء لو أنّ الماء صافحها ... لزال أو زلّ عنها وهو ضمان يكاد يحلق مهراق الدماء بها ... فلا تل هي أنصاب وأوثانُ موتى فإن خلعت أكفافها علمت ... أنّ الدروع على الأبطال أكفانُ نفسي فداؤك لا كفا ولا ثمنا ... ولو غدا المشتري منها وكيوانُ والتبر قد وزنوه بالحديد فما ... ساوى ولكن مقادير وأوزانُ وله يتغزل: كامل بحيوة عصياني عليك عواذلي ... أن كانت القربات عندك تنفعُ هل تذمرين ليالي بتنا بها ... لا أنتِ باخلة ولا أنا أقنعُ وله يرثي: كامل سل دمعي المبذول هل من حيلة=لي أوله في نوميَ الممنوعِ وحنيني الموصول كيف تعرّضت ... شبهاته لرجائي المقطرعِ لا تركننّ إلى الزمان وصرفه ... فتك الزمان بأمن ومروعِ ودع الأحّبة والدنوّ أو النوى ... ما أشبه التسليم بالتوديعِ يا وانيا يأسى على ما فاته ... أن الونى طرف من التضييعِ ومداجيا تخذ الخديعة جنّة ... إلاّ أنفت لرأيك المخدوعِ دافع بعزتك أو بجهدك أنّها ... عزمات حكم ليس بالمدفوعِ وانظر بعينك أو بقلبك هل ترى ... إلا صريعا أو مأل صريعِ أبني عبيد الله أين سراتكم ... من عاثر بعنانه المخلوعِ دهر كانّ صروفه قد جمّعت ... من نثر منتظم وشتّ جميعِ يهني البقيع وليته لم يهنه ... قبر غدا شرفا بكلّ بقيعِ عجبا له وسع المكارم والعلى ... ودعا له الدعوان بالتوسيعِ وإذا عجبت من الزمان لحادث ... فلتابع يبكي على متبوعِ وإذا اعتبرت العمر فهو ظلامة ... والموت منها موضع التوقيعِ وله في المعنى: بسيط اليوم حين لففت المجد في كفن ... نفسي الفداء على أن لاحت حين فدا

يا حسرة نشأت بين الضلوع جوىّ ... ما ضرّ لاعجها أن لا يكون ردا في ذمّة الله قبر ما مررت به ... إلاّ اختبلت أسى أن لم أمت كمدا أودى الزمان وكيف أسطاعه بفتى ... قد طال ما راح في اتباعه وغدا ملأ القلوب جلالا والعيون سنا ... والحرب باسا وأكناف الندّي ندا من لا يقدّم في العلى قدما ... ولا يمدّ لغير المكرمات يدا كأنّه كان ثأراً بات يطلبه ... حتى رأه فلم يعدل به أحدا يا يوم منعى عبيد الله أتى أسى ... بين الجوانح يأبى أن يجيب ندا وأيّ غرب مصاب لا يكفكفه ... دمعي الهتون ولا أنفاسي الصعدا ولا البلابل من مثنى وواحدة ... باتت تسلّ سيوفا أو تسنّ مدا ولا الهموم وقد أعيت طوارقها ... كأنّما بتن لي أو للدجا رصدا قل للدجى وقد التفّت غياها ... فلو تصوّب فيها الماء ما أطرّدا أنّ الشهاب الذي كنّا نجوب به ... أحوازها قد خبا في الترب أو خمدا لهّفي ولهف المعالي جاربي وبها ... صرف الردي وأرانا أيّة قصدا يا صاحبَّي ولا يحبسكما ضمأ ... طال الحيام وهذي ادمعي فردا أجدّها قد عداها بعد أوبته ... عن أن تهيم بذكراه أو تجدا وحدّثاني عن العليا وقد رزيت ... مسنونها اللدن أو مصقولها الفردا أه لها وترته ثمّ قد علمت ... أن لا تنال به عقلا ولا قودا هل نافع والأماني كلّها خدع ... قول له اليوم لا تبعد وقد بعدا وهل تذممّ هذا الرزء من قلق ... قام المصاب به أضعاف ما قعدا أما يوم عبيد الله وهواسى ... لقد تخير هذا الموت وانتقد يا ماجدا أنجز العلياء موعده ... اليوم انجزفيك الموت ما وعدا أنّ الفؤاد الذي مازلت تعمره ... قد ريع بعدك حتّى صار مفتادا سل المنايا على علم وتجربة ... في أيّ شيء بغى الإنسان أو حسدا تنافس الناس في الدنيا وقد علموا ... أن سوف تقتلهم لذّاتها بددا تبادروها وقد أذتهم فشلا ... وكاثروها وقد أحصتهمُ عددا قل للمحدّث عن لقمانَ أو لبد ... لم يترك الموت لقماناً ولا لبدا ولا الذي همه البتيان يرفعه ... أن الردى لم يغادر في الشَّرى أسدا

الأديب أبو بكر يحيى بن بقي أبقاه الله تعالى

ما لابن أدم لا تفنى مطالبه ... يرجو غدا وعسى أن لا يعيش غدا الأديب أبو بكر يحيى بن بقي أبقاه الله تعالى رافع راية القريض، وصاحب أية التصريح فيه والتعريض، أقام شرائعه، واظهر روائعه، وصار عصية طايعه، إذا نظم أزرى بنظم العقود، وأتى بأحسن من رقم البرود، ضفا عليه حرمانه، وما صفا له زمانه، فصار قعيد صهوات، وقاطع فلوات، مع توهم لا يظفره بأمان، وتقلب ذهن كواهي الجمان، وقد أثبت من قوله ما يستحلى، ويتزين به الزمان ويتحلى فمن ذلك قوله: بسيط عندي حشاشة نفس في سبيل ردى ... أن سمتها اليوم لم أمطل بها لغدِ وكيف أقوى على السلوان عنك وقد ... رتبت حبكّ حتّى شاب في خلدي خذها وهابِ ولا تمزج فتفسدها ... الماء في النار أصل غير مطّردِ وله: طويل وقالوا إلا تبكي فتلك مطّيهم ... على الشهب تحمل الوانس كالدما لئن بعدت مني الدموع تغامزوا ... وقالوا سلا أو لم يكن قبل مغرما فهلا أقاموا كالبكاء تنهدّي ... إذا ما بكى القمريّ قالوا ترنمّا وله: كامل عاطيته واليل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الفتيق لناشقِ حتّى إذا مالت به سنة الكرى ... زحرحته شيئاً وكان معانقي أبعدته عن أضلع بشياقة ... كيلا ينام على وساد خافقِ وله: طويل إلى الله أشطوها نوى أجنبية ... لها من أبيها الدهر شيمة ظالمِ إذا جاش صدر الأرض بي كنت منجدا ... وأن لم يجش بي كنت بين التهائمِ أكّل بني الآداب مثلي شائع ... فأجعل ظلمي أسوة في المظالمِ ستبكي قوافي الشعر ملء جفونها ... على عربّي ضاع بين أعاجمِ وله من قصيدة: طويل هو الشعر أجرى في ميادين سبقه ... وأفرج من أبوابه كلّ مبهمِ وسل أهله عنّي هل امتزت منهم ... بطبعي وهل غادرت من متردّمِ سلكت أساليب البديع فأصبحت ... بأقوالي الركبان في البيد ترتمي

وربّما غنّى به كل ساجع ... يردّده في شجوه والترنّمِ وضّيعني قومي لأني لسانهم ... إذا أفحم الأقوام عند التكلّمِ وطالبني دهري لأّني زنته ... وأنّي فيه غرّة فوق أدهمِ وله من قصيدة أخرى: بسيط صبحّت كلّ حريم في قلمريةِ ... بغارة أنت فيها الفارس النجدُ بس الصباح صباح المنذرين بها ... وعمَ غزو أمير أمره رشدُ لها الصفايا مع المرباع من نفلٍ ... في طيّه سيّد الكفّار والبلدِ قالوا لعلّ ظباء أقبلت سنحا ... إلى خمائل ترعاهنّ أو ترد تلك الظباء عراب الخيل دونكم ... نهد وورد وذبّال ومنجرد من كلّ سابحة طارت بفارسها ... كأنّها لقوة في عطفها أسدُ يسبيهم الجيش ما امتدت أعنته ... كالنار توسع حرقا كلّ ما تجدُ فكانت الخيل تطماهم دواهمه ... والمشرفيّة تلقاهم فتنتقدُ تخلى الرقاب من الأعلاج أن غلبوا ... على الحريم وتستحيى المهى الخرد إذا رأى ابنته الغيران قد سبيت ... مضى يقول إلا الله من يئد لمّا أراك وبحر الموت ملتطم ... ومن حميم المذاكي فوقه زبدُ صلّوا إلى سيفك المسلول وانحرفوا ... عن الصليب تلقاءه سجدوا وكان موعدهم والحسين أنجزه ... لكي تراق دماء ما لها قودُ يوماً من القيظ يسودّ السلام به ... كانّ كلّ كلام فيه مفتأد وفاض سيفك نهرا في ظهيرته=فأقبلت نحوه الأرواح تبتردُ وله من أخرى: بسيط أما ترى اليل قد ألهبته شمعا ... مثل الكواكب كانت حوله حرسا من كلّ ناشرة فرعا له شعب ... عند القيام وأسبال إذا نكسا وله من أخرى: بسيط وفتية لبسوا الأدراع تحسبها ... سلخ الأراقم إلاّ أنّها رسبُ إذا الغدير كسا أعطافهم حلقا ... طفا من البيض في هاماتهم حببُ وله من قصيدة: بسيط يا قتل الناس الحاظا وأطيبهم ... ريقا متى كان فيك الصاب والعسلُ

في صحن خدّك وهو الشمس طالعة ... ورد يزيدك فيه الراح والخجل إيمان حبّك في قلبي تجدّده ... من خدّك الكتب أو من لحظك الرسلُ إن كنت تجهل أنيّ عبد مملكة ... مرني بما شئت أتيه وأمتثلُ لو اطّلعت على قلبي وجدت به ... من فعل عينك جرحا ليس يندملُ وله يستنجد الوزير أبا محمد بن مسعدة رحمه الله: كامل قل للوزير أبي محمدّ الرضى ... وفعاله وقف على العلياء رعدت سائك ساحتي بسحابها ... فأنا أشيم بوارق الأنواء وإذا مطلتَ بشاشة منطقي ... وذوى قضيب الروضة الغناء وله في غلام مغن قام يرقص: كامل بأبي قضيب البان بثنيه الصبا ... عوض الصَّبا في الروضة الغنّاء نادمته سحرا فأمتع مسمعي ... بترّنم كترنّم الورقاء وكأنّما أكمامه في رقصه ... تتعلّم الخفقان من أحشائي ويمرّ يلتقط الزجاج بذيله ... مرّ النسيم على حباب الماء وله منحيا على أهل المغرب وفد ذم عندهم مثواه، وصفرت من نائلهم يداه. بسيط أقمت فيكم على الأقتار والعدمِ ... لو كنت حرّا أبّي النفس لم أقمِ وظلت أبكي لكم عذرا لعلّكمُ ... تستيقظون وقد نمتم عن الكرمِ فلا حديقتكم يجنى بها ثمر ... ولا سماؤكمُ تنهلّ بالديمِ لا رزق عندكم لكن سأطلبه ... في الأرض أن كانت الأرزاق بالقسمِ أنا أمرؤ أن نبت بي أرض أندلسِ ... جئت العراق فقامت لي على قدمِ أين الرجا والعلى من حازم يقظ ... يغزو أعاديه في الأشهر الحرمِ أن كان سهما فلا تنمي رمّيته ... أو كان سيفا فمسلول على البهمِ لا يكسر الله متن الرمح أنّ به ... نيل العلى وأتاح الكسر للقلمِ ولا أراق دما من باسل بطل ... ومات كلّ أديب عبطةً بدمِ أوغلت في المغرب الأقصى وأعجزني ... نيل الرغائب حتّى أبتُ بالندمِ ومنها: بسيط وساقط نال من عرضي فقلت له ... إليك عنّي فليس السبّ من شيمي أعرضت عنه ولو أني عرضت له ... سقيته حّنة الأفعى من الكلمِ

الأديب أبو العلا بن صهيب رحمة الله عليه

وله من أخرى: وافر ولي هممٌ ستقذف بي بلادا ... نأت أمّا العراق أو الشاما والحق بالأعاريب اعتلاء ... بهم واجيد مدحهم اهتماما لكيما تحمل الركبان شعري ... بوادي الطلح أو وادي الخزاما وكيما تعلم الفصحاء أنّي ... خطيب علّم السجع الحماما وقد أطلعتهن بكلّ أرض ... بدورا لا يفارقن التماما فلم أعدم وأيّاها حسودا ... كما لا تعدم الحسناء ذاما وله من أخرى: طويل أجلاّي والآداب تجمع بيننا ... وبعض طباع لست أقضي على كلّ ذوى أملي عند اهتزاز غصونه ... وارخصني الدهر الذي كان بي يغلي منى النفس في حمص وحمص لذي الحجى ... فروك لأمر ما تصدّ عن البعلِ نبت بي كما ينبو الجبان بنصله ... ويحمل ما يأتيه ذنبا على النصلِ وأيأسني من كلّ خير رجوته ... كثير وما شاحيت في الكثر والقلِّ أناس كما شاء الزمان ولا كما ... تشاء المعالي عقدهم بيد الحلّ أزورهم لا للوداد وقد دروا ... فيلقونني بين التودّد والغلِّ وأمدحهم يا حسبي الله كاذبا ... فيجزونني بالمنع شكلا إلى شكلِ وما نقموا منّي سوى بعد هّمتي ... وأني أخيراً جئت أخلف من قليِ وله من قصيدة يمدح بها أبا العباس بن علي رحمه الله تعالى: بسيط ونوبة من صهيل الخيل يسمعها ... بالرمل أطيب الحانا من الرملِ لا ينفذ العزم إلاّ أن ينفذه ... والسيف يكهم إلاّ في يد البطلِ يا كوكبا بغرق العافون في دفعَ ... منه وتحترق الأعداء في شعلش تهويمة في بساط البيد يهجعها ... أشهى إليه من التهويم في الكللِ لا يدرك الناس لو راموا ولو جهدوا ... بالريث بعض الذي أدركت بالعجلِ الأديب أبو العلا بن صهيب رحمة الله عليه نبيل المنازع، جميل المنازع، كريم العهد، ذو خلائق كالشهد، كثير الأفنان، جار في ميدان الذكاء بغير عنان. طويل وكالسيف أن لاينته لأن متنه ... وحدّاه لن خاشنته خشنانِ

مع فخر متأصل، وفهم إلى كل غامض متوصل، شقي بأبي أمية أو أنا، ولقي كل من صاحبه خزيا وهوانا، ثم أتلفا بقلوب دغلة، وضمائر نغلة، وأخلاق متنافرة، ونفوس بعضها ببعض كافرة، وله فيه أهاج مقذعة، وأقوال مستبشعة، أضربت عن ذكرها، وصنت كتابي عن نكرها، وقد أثبت من بدائعه نكتا يباهي بغرائبها، وتنظم في لباب الأيام وترائبها، فمن ذلك قوله يمدح أبا أمية رحمه الله: طويل ذكرت وقد نمّ الرياض بعرفه ... فأبدي جمان الطلّ في الزهرَ النضرِ حديثا ومرأى للسعيد يروقني ... كما راق نور الشمس في صفحة الدهرِ سريت وثوب اليل أسود حالك ... فشق بذاك السير عن غرّة البدرِ فلا أفق إلاّ جبينك نوره ... ولا نفس إلاّ في أناملك العشرِ حنانيك في برّ النفوس لعلّها ... تردّ بلثم الكفّ عارفة البرِ وعندي حديث من علاك علقته ... يسير كما سار النسيم على الزهرِ فيبلغ أقصى الأرض وهي عريضة ... ويهدي جنى نور من الروضة الشعرِ ففي كلّ أفق من حديثك عاطر ... يسير به لفظي ويطلعه فكري ودونك منّي قطعة الروض قطعة ... تحّييك عن ودّي وتنفح عن شكري ولقيني في أحد أسفاري إلى ذلك الأفق وأنا في جملة من حملة البيان ولمة من نبهاء الأعيان، فأومى إلى الترجل فمنعته، واقطعني من البر مثل ما أقطعته فقال: طويل سلام كما فاح العبير لناسم ... عليك أبا نصر خلال النواسمِ أحيّي به ذاك الجلال وأنمّا ... أحيّي به شخص العلا والمكارمِ وله إلى ذي الوزارتين الكاتب أبي بكر بن القصيرة وكانت بينهما مودة، متأكدة ومع بلى الأيام متجددة، على ناي دارهما، وبعد قطبهما من مدارهما، وكثيراً ما كان يرفهه عن المعونة، بعايته، وينزله الرتية المصونة، من حمايته، عملا على شاكلة الجلال، وأنصافا لمشاكلة الخلال. طويل كتبت على رسمي فبرّا بطالبِ ... رضاك وطولا من نهاك بأحرفِ أبا هي بها عبد الحميد براعة ... وأحملها حمل الغريب المصنّفِ وله إليه: كامل نافس فديتك في ذمام المنعمِ ... ركن العلاء وحجّ ذاك الموسمِ

الأديب أبو القاسم بن العطار رحمه الله تعالى

فالدهر يخدم أن وصلت بمجده ... والمجد ينفح عن خطير اعظمِ أهدي على ناي المزار عناية ... رفعت بذكري فوق زهر النجمِ فوصلت من عزّ الذمام أمانيا ... وركضت في بال المراد يمقدمِ فعليّ في شكر الملاذ إليّه ... وقفت على شكر الملاذ تهّممِ ولما طوى أبا بكر مقدور حمامه، وخرى نجم أهتباله به واهتمامه عاد إلى المغرم، فقال قول الضجر المبرم: متقارب فمن كان ينقص أغلاله ... فإنّ المعونة لا تنقص تكرّ سريعاً بلا ونية ... وكلّ طريد بها يقنص الأديب أبو القاسم بن العطار رحمه الله تعالى أحد أدباء أشبيلية ونحاتها، العامرين لأرجاء المعارف وساحاتها، لولا مواصلة راحاته، وتعطيل بكره وروحاته، وموالاته للفرج، ومغالاته في عرف لأنس أو أرج، لا يعرج، إلا على ضفة نهر، ولا يلهج، إلا بقطعة زهر، ولا يحفل بملام، ولا ينتقل إلا في طاعة غلام، ناهيك من رجل مخلوع العنان في ميدان الصبابة، مغرم بالمحاسن غرام يزيد بحبابة، لا تراه إلا في ذمة انهماك، ولا تلقاه إلا في لمة انتهاك، رافعا لرايات الهوى، قارعا لثنيات الجوى، لا يقفر فؤاده من كلف، ولا يبيت إلا رهن تلف، أكثر خلق الله علاقة، وأحضرهم لمشهد خلاقة، مع جزالة تحرك السكون، وتضحك الطير في الركون، وقد أثبت له ما يرتحله في أوقات انسه وساعاته، وينفث به أثناء زفراته ولوعاته، فمن ذلك ما قاله في يوم ركب فيه النهر على عادة أنكشافه وارتضاعه لشغور اللذات وارتشافه. طويل ركبنا على اسم الله نهر كانّه ... حباب على عطفه وشي حبابٍ وإلاّ حسام جال فيه فرنده ... له من مديد الظلّ أيّ قرابٍ وله في ذلك اليوم: طويل عبرنا سماء النهر والجوّ مشرق ... وليس لنّا إلا الحباب نجومُ وقد ألبسته الإيك برد ظلالها ... وللشمس في تلك البرزد رقومُ وله فيه: كامل لله بهجة منزه ضربت به ... فوق الغدير رواقها النشامُ فمع الأصيل النر درع سابغ ... ومع الضحا يلتاح فيه حسامُ

وله فيه: طويل مررنا بشاطي النهر بين حدائق ... بها حدق الأزهار تستوقف الحدق وقد نسجت كفّ النسيم مفاضة ... عليه وما غير الحباب لها حلق وله فيه: خفيف هبتّ الريح بالعشّي فحاكت ... زردا للغدير ناهيك جنّة وانجلى البدر بعد هدء فصاغت ... كفّه للقتال منه أسنه وله فيه: كامل لله حسن حديقة بسطت لنا ... منها النفوسَ سوالفُ ومعاطفُ تختال في حلل الربيع وحيله ... ومن الربيع قلائدٌ ومطارفُ وله متشكيا من وجده وغرامه، متبكيا لظبائه وأرامه، على عادته في بوحه وسجيته في عومله ونوحه: بسيط لابد للدمع بعد الجري أن يقفا ... وهبه سال فؤادي عنده أسفا وبي غزال غذا صادفت غرته ... جنيت من وجنتيه روضة أنفا كالبدر مكتملا كالظبي ملتفتا ... كالروض مبتسما كالغصن منعطفا ما همت فيه ولا هام الأنام به ... حتّى غدا الدهر مشغوفا به كلفا أيرتضي الفضل أن أطوى على حرق ... وفي مراشفه اللعس الشفاه شفا ما صافح الروض مكفّ المزن ترمقه ... إلاّ أرتنا به من خطّه صحفا وله في مثله: طويل إلا يا نسيم الريح بلّغ تحيتي ... فمالي إلى ألفي سواك رسولُ وقل لعيل الطرف عنّي بأننّي ... صحيح التصابي والفؤاد عليلُ أينشر ما بيني وبينك في الهوى ... وسرّك في طيّ الضلوع قتيلُ وله في مثله: كامل بأبي غزال ساحر الأحداقِ=مثل الغزالة في سنا الأشراقِ شمس لها الجيوب مشارق ... ومغاربٌ بجوانح العشّاقِ نثر العقيق ونظم درّ رائقٍ ... في مرشفيه وثغره البرّاقِ عقد من السحر الحلال بلفظه ... وبها تحلّ معاقد الميثاقِ هلاّ وقد مدّت إليه ضراعتي ... يدها تصافحها يد الأشفاقِ

ديم الغمام يرعدها وببرقها ... كاثرتها بسحائب الأشواقِ ما أدمعي تنهلذ سحّا إنّما ... هي مهجتي سالت على الآماقِ وله: بسيط الحبّ تسبح في أمواجه المهج ... لو مدّ كفذا إلى الفرقى به الفرجُ بحر الهوى غرقت في سواحله ... فهل سمعتم ببحر كلّه لججُ بين الهوى والردى في لحظه نسب ... هذي القلوب وهذي الأعين الدعجُ دين الهوى شرعه عقل بلا كتب ... كما مسائله ليست لها حججُ لا العدل يدخل في مسع المشوق ولا ... شخص السلوّ على باب الهوى يلحُ كانّ عيني وقد سالت مدامعها ... بحر يفيض ومن آماقها خلجُ جار الزمان على أبنائه وكذا ... تغتال أعمارنا الآصال والدلجُ بين الورى وصروف الدهر ملحمة ... وإنّما الشيب في هاماتهم رهجُ وله يتغزل: كامل رقّت محاسنه وراق نعيمها ... فكأنّما ماء الحيوة اديمها رشا إذا أهدى السلام بمقلة ... ولّي بلبّ سليمها تسليمها سكرى ولكن من مدامة لحظه ... فأغضض جفونك فالمنون نديمها وله في الوزير الجل أبي حفص الهوزني رحمه الله وقد مات بنهر طلبيرة عند أفتتاحها قصيدة طويلة منها: طويل وفي كفّه من مائع الهند جدول ... عليه لارواح العداة تحوّمُ بحيث الصدى بين الجوانح يلتظي ... ونار الوغى بين الأسنة تضرمُ وما من قليب غير قلب مدجّج ... ولا شطن غلاّ الوشيح المقوّمُ ووجه الضحى من ساطع النقع كاسف ... بيوم لاه زرق الأسنّة انجمُ ولمّا رأوا إلا مقرّ لسيفه ... سوى هامهم لذوا بأجراء منهم فكان من النهر معينهم ... ومن ثلم السدّ الحسام المثلّمُ فهلاّ ثنى عنه الردى في زلاله ... رداء برقراق الفقاقيع معلمُ فياعجبا للبحر غالته نطفة ... وللأسد الضرغام أداه أرقمُ وله يتعزل أيضاً: كامل ليل يعارضه الزمان بطوله ... ما لي به إلا الأسى من مسعدِ

الأديب الحاج أبو عامر بن عيشون

نظّمت لؤلؤ معي في جيده ... فكأنها فيه النجوم الأسعدِ وله أيضاً: منسرح وسنان ما أن يزال عارضه ... يعطف قلبي بعطفة اللامِ أسلمني للهوى فواحزنا ... أن يزّني عفتي وإسلامي لحاطه السهم وحاجبة ... وإنسان عينه رامِ الأديب الحاج أبو عامر بن عيشون رجل حل المشيدات والبلاقع، وحكى النسرين الطائر والواقع، واسيتمدر خلفي البوس والنهعيم، وقعد مقعد البائس والزعيم، فأونة في سماط، واخرى بين دارنك، وأنماط، ويماً في ناوس، وأخر في مجلس مانوس، رحل إلى المشرق فلم يحمد رحلته، ولم يعلق بأمل نحلته، فأرتد على عقبه، ورد من حباله الفوت إلى منتظره ومرتقبه، ومع هذا فله تحقق بالدب، وتدفق طبع إذا مدح أو نسب، وقد أثبت له ما تعلم به حقيقة نفاذه، وترى سرعة وخده في طرق الإحسان وأغذاذه، فمن ذلك ما كتب به إلي يستدعيني بفاس: طويل أيا موضع الشكوى أراح نجيها ... غوارب آمالي عليّ شوارد وروضة آداب تعهدها النهى ... فأزهارها تجنى تواما فواحدا تهيم بعلياك النفوس جلالة ... فتحسد من حبّ عليك الحواسدا تناهبن الأفكار انسى ولايد ... اذود بها فكرا عن النس ذائدا يطارحني الوسواس حتى كأنما ... أساور منها كلّ حين أساودا سوى أنّ قربا منك أن سمحت به ... ليالٍ ضنينات وسمنَ مجاودا فأجلو بمرأك البهيّ نواظراً ... تبيت برغم المجد رمدا سواهدا هلم إلى ورد من الأنس سائغ ... تظلّله الآداب هدلا موائدا يرق جناها حكمة وبلاغة ... فتنظم مقطوعاتها والقصائدا إذا أنتديت كابت قنا وقنابلا ... وأن عزلت كانت طلى وقلائدا تثير على الأيّام حربا لعلّها ... تفيد لنا يوما إلى البين فائدا تتوج بالمدكسات منك أناملا ... يظل لها تاج ابن ساسان ساجدا وان أنا واقعت الجفاء فمغرم ... قد أورده حبّ المعالي المواردا وأخبرني أنه دخل مصر وهو سار في ظلم البوس، عار من كل لبوس، قد خلا من

النقد كيسه، وتخلى عنه إلا تقديره وتنكيسه، فنزل بأحد شوارعها، لا يفترش إلا نكده، ولا يتوسد إلا عضده، وبات بليلة ابن عندل، تهب عليه صرصر لا ينفح منها عنبر ولا صندل، فلما كان من السحر دخل عليه ابن الطوفان فأشفق لحاله، وفرط أمحاله، وأعليه أن الأفضل استدعاه، ولو أرتاد بقطعة يغنيها له لاخصب مرعاه فصنه له في حينه. بسيط قل للملوك وأن كانت لهم همم ... تأوي إليها الأماني غير متّئدِ إذا وصلت بشاه شاه لي سببا ... فلن أبالي بمن منهم نفضت يدي من اوجه الشمس لم يعدجل بها قمرا ... يعشو إلى ضوءه لو كان ذا رمدِ فلما كان من الغد وافاه فدفع إليه خمسين مثقالا مصرية وكسوة وأعلمه انه غناه، وجود الإظهار لفظه ومعناه، وكرره حتى أثبته في سمعه وقرره، فسأله عن قائله فأعلمه يقتله، وكلمه في رفع خلته، فأمر له بذلك وكتب إلي يستعتبني: طويل كتب ولو وفّيت برّك حقّه ... لما اقتصرت كفّي على رقم قرطاسِ ونابت عن الخطّ الخطا وتبادرت ... فطورا على عيني وطورا على راسي سل الكاس عنّي هل أديرت فلم أصغ ... مديحك ألحانا يسوغ بها كاسي وهل نافح الآس الندامى فلم أدع ... ثناءك أذكى من منافحة الآسِ وله: طويل قصدت على أن الزيارة سنّة ... يؤكّدها قرض من الودّ واجبُ فألفيت باب سهّل الله فتحه ... ولكن عليه من عبوسك حاجبُ موضت ومرّضت الكلام تثاقلا ... إليّ إلى أن خلت أنّك عايبُ فلا تتكلّف للعبوس مشقّةً ... سأرضيك بالهجرانٍ إذ أنت غاضبُ فما الأرض تدمير ولا أنت أهلها ... ولا الرزق أن أعرضت عنّي حاجبُ وأرى علي غفارة وخاتما كلاهما مستغرب فوجه إلي في الغفارة فبعثتها غليه فكتب إلي: طويل نشقنا من المجد الموثلّ نفحة ... تزيد على الندّ المثلّث والمسكِ وما ذاك إلاّ أن سالت فجاد لي ... أبو نصر الأعلى ببرنسه المسكِ ينظم في جيد المعالي قلائد ... هي الدرّ للجدوى وعلياه للسلكِ إذا ختمت يمناه منّي عاطلا ... خلعت على اليسرى به خاتم الملكِ

الأديب أبو الحسن غلام البكري رحمه الله تعالى

وأن محكت أيدي اللئام بشكرها ... محكت فلم اجعل بلأي ولا محكم الأديب أبو الحسن غلام البكري رحمه الله تعالى ذو الخاطر الجايش، الباري لنبل المحاسن الرايش، الذي اخترع وولد، وقلد الأوان من إحسانه ما قلد، طلع في سماء الدولة العبادية نجما، وصار لمسترق سمعها رحما، وكان له فيها مقام محمود، وتوقد لم يعره خمود، ثم استوفى طلقه، ولبس العمر حتى اخلقه، صحب الدولة المرابطية برهة منم الزمان، لا يا لو تقليد نحرها لئالي وجمان، وقد أثبت له ما تستغربه، وينير لك به مشرقه ومغربه، فمن ذلك قوله من قصيدة أولها. طويل لاحت وللظلماء من دونها سدلُ ... عقيقه برق مثل ما انتضى النصلُ أطارت سناها في دجاها كأنّه ... تبلّج خدّ حفّه فاحم جثلُ لدى ليلة رومّية حبشيّة ... تغازلنا من شهبها أعين شهلُ تودّ عيون الغانيات لو أنّها ... إذا مرضت عند الصباح لها كحلُ بدت في حلاها فالتقتنا نجومها ... بأنجم راحٍ في الشفاه لها أفلُ إلى أن بدا للصبح في طرة الدجا ... دبيب كما استقرت مدارجها النملُ نعيم أرى الأيام تثني عنانه ... علينا إذا القى تثنيته الحسلُ أفى لهوات الليث ريع أبيه ... ولو علني فيها مجاحته الصلّ نكرت الدنا والأرض فيها فليس لي ... بها عقوة آوى إليها ولا أهلُ وأفردني صرف الزمان كأنّني ... طرير من الهنديّ اخلصه الصقلُ وسير يخلّي المرء منه قريبه ... فريدا كما خلّى تريكته الرألُ فكم من حبيب كان روضة خاطري ... يرفّ ويندى بين أفنانها الوصلُ ضحى ظلّه إذا كوّرت لي شمسه ... فشخص نعيمي لا يقوم له ظلُ غبرت وبادوا غير أنّ تلبثي ... وراهم عيش يلذّ له القتلُ إذا كان عيش المرء أدهى من الردى ... ففأيذة الأيّام داهية ختلُ ومن راد لم يعدم من اله نجعة ... ففي كلّ محل من غمامته وبلث وله: متقارب أعزّ البريئة في نفسه ... فتى خاشع الظرف من غير ذلّ

ومن يزن القول وزن النضار ... فلا يفتح القول ويعتدل ترى كلّ الوث من قوله ... يضاحك حكمته بالخطل ويحكي الأقاويل جهلا بها ... كما حكت الصوت بنت الجبل يكاثر نوع الأذى في الورى ... فلست ترى غير سمع أزل وقلّ أولوا الفضل أن حصّلوا ... وهل يتحمل نور المقل فخالط أناسا وزائلهم ... وكن فيهم ظلّك المنتقل لقاؤهمَ يستدرّ الدموع ... ويذكي الضلوع كواهي الطلل وفيهم تشاه ما في الفلاة ... خداع السراب وجوب السبل وأبين ضلوعي ما بينها ... وينهضني الحادث المصمئل وفي راحتي مرأى الهدى ... تربني انتعاشي قبل الزلل وطعن قواف لها شكّة ... مجنّ وقاح ونصل خجل يموت ويحيا بها من علا ... وليست تعوج على من سفل حديقة فكر سقاها الحجى ... فأثمرتِ الكلم المنتحل تمرّ إذا المستعيد ... مرور الحيا بالجديب المحل يسربلها الحسن وصف الحسود ... ويصفي لها الودّ قلب الدغل وله أيضاً: بسيط مجزوء أرقن يبعدك البعاد ... فناظري كحله سهادُ يا غائبا وهو فؤادي ... أن كان لي بعده فؤاد الله يدري وأنت تدري ... أنّ اعتقادي لك اعتقاد تذكر والحادثات بله ... ليس لها السن حداد ونحن في مكتب المعالي ... يصبغ أفواهنا المداد يسدل ستر الصبا علينا ... والمن من تحتنا مهاد لا نتهدّى لما خلقنا ... نجهل ما الكون والفسادُ تكلونا من حفاظ بكر ... لواحظ ما لها رقادُ وهمّة ناصت الثُّريّا ... تقود صعبا ولا تقادُ أذمةّ بيننا لعمري ... يحفظها السّيد الجوادُ يا غرر المجد في جباه ... لم يبد أشكالها الجيادُ

الأديب أبو عبد الله بن الفخار المالقي رحمه الله تعالى

آثاركم في العلى قديما ... دانت لها جرهم وعادُ سبحان من خصكم بأيد ... بهنّ تستبعد العبادُ إذا استهلّت لنا سماء ... أورق من تحتها الجمادُ والآن تبلى وربّ جود ... حلّ على ناره الرمادُ وأنت في السن البرايا ... معنى بألفاظها معادُ حسب العدى منك ما رواه ... لا وريت للعدى زناد لم يعلم الصايدون منهم ... أنك عنقاء لا تصاد وأنّ في راحتيك سعدا ... تندق من دونه الصعادُ والليث شبعانُ لا يبالي ... إذا نزت حوله النقادُ الأديب أبو عبد الله بن الفخار المالقي رحمه الله تعالى صاحب لسن، وراكب هواه من قبيح وحسن، لا يصد إذا صم، ولا يرد عما يتم، حمي الأنف لا يصام، قوي الشكيمة لا يرام، وقف للمطالبة والأسنة قد أشرعت وثبت والأطواد قد تضعضعت، حتى أقعد عدوه، وصفا رواحه وغدوه، وقد أثبت له ما يستطاب، ويسري في النفس كما يسري في البلح الأرطاب، فمن ذلك قوله: طويل باتي حسام أم بايّ سنانِ ... أنازل ذاك القرن حين دعاني من عري اليوم الجواد لعلّة ... فبالأمس شدّوا سرجه لطعانِ وان عطل السهم الذي كنت رايشا ... ففيه دم العداء أحمر قاني إلا أنّ درعي نثرة تبعيّة ... وسيفي صدق أن هززت يماني وما قصبات السبق إلاّ لأدهمي ... إذا الخيل جالت في مجال رهان تمنّى لقاءي من حللت وثاقه ... وأعطى غداة المنّ ذلّة عانِ وقد علم الأقوام من صحّ ودهّ ... ومن كان منّا دائم الشأنِ وما يزدهين يقول كلّ مموّه ... وليس له بالمعضلات يدانِ ويزعم أنّي في البيان مقصّر ... ويابى بناني واقتدار لساني وأنّي لنهاض بكل عظيمة ... يضيق عليها ذرع كلّ جانِ نهضت بها وحدي وغيريَ مدّع ... يشارك أهل القول شرك عنان أينسى مقامي إذا كافح دونه ... وقدطار قلب الذعر بالخفقانِ

ويذكر يوماً قمت فيه يخطبة ... كآثار عدّ الماء بالسيلانِ فقرّي جعاري أنّ دونك حارسا ... يمنيك بالأخلاف والولعانِ وما هو إلاّ المرء يقطع رأسه ... وأن دهنوه حيلة بدهانِ ولو كان يعطي الزائرين حقوقهم ... لما تركوه في يد الحدثانِ وله: طويل إلى كم يجدّ المرء والدهر يلعبُ ... ويبعد عنه الآمن والخوف يقربُ وهل نافعي أن كنت سيا مصمما ... إذا لم يكن يلقى لحدّي مضربُ أبيّتهم واليل كالنقس أسود ... وأهجمهم والصبح كالطرس أشهبُ فلا أنا عمّا رمت من ذاك مقصّر ... ولا خيل عزمي للمقادير تغلبُ أبا حسن سائل لمن شهد الوغى ... لئن كنت لم أصبح أهشّ وأطربُ واعتنق الأبطال حتّى كأنّما ... يعانقني منهم من البيض ربربُ أخاتلهم كالذيب وحدي وتارة ... يصول بهم منّي المزعفر يقضبُ وفي كلّ باب قد ولجت لكيدهم ... ولكن أمور ليس تقضي فتصعب فوا أسفا ذا أبيت بذلّة ... وسيفي ضجيعي والجواد مقرّبُ وله أيضاً: طويل أمستنكر شيب المفارق في الصبا ... وهل ينكر النور المفتّح في غصنٍ أظنّ طلاب المجد شّيب مفرقي ... وان كنت في إحدى وعشرين من سنِ وكتب إلى أبي عبد اله زنغي رحمه اله عند ولايته سجلماسة والشعر طويل اثبت بعضه. طويل بمن حلّ في سرغ فؤادك هأيم ... وهيهات منك اليوم من حلّ في سرغٍ وتكلف بالداعي هلمّ غلى النوى ... طماعا بأن تدنو من ابن أبي زنغي وكنا به نبغي قضاء لبانة ... ولو انه يبقى لقضى الذي نبغي سلام عليه عذّب النفس بعده ... عقارب همّ لا تفيق من اللدغِ وشوقا غليه أصبح القلب عنده ... ولم تثنه خود معقربة الصدغِ وله أيضاً: متقارب أقلّ عتابك أنّ الكريم ... يجازى على حبذه بالقلا

الأديب أبو عامر بن المرابط رحمه الله تعالى

وخلّ أجتنابك أن الزمان ... يمرّ بتكديره ما حلا وواصل اخاك بعلاّته ... فقد يلبس الثوب بعد البلا وقل كالذي قاله شاعر ... نبيل وحقك أن تنبلا إذا ما خليل أسا مرّة ... وقد كان قيي ما مضى مجملا ذكرت المقدمّ من فعله ... فلم يفسد الآخر الأوّلا أبا حسن أن أتى حادث ... يجرّد لي سيفك المصقلا فودّي جديدك لم أبله ... يروقك في حليه والحلا أولي الملامة عنك الزمان ... وأصحبك الأكوم الأفضلا أقول وأنت لسان المقال ... وعين الكمال ورأس العلا لئن جار فيك عليّ الزمام ... فقد كان لي حكماً اعدلا لياليَ كنت صحيح الأخا ... صريح الوفاء بما أمّلا تدافع عنّي خطوب الزمان ... يضرب الرقاب وطعن الكلا ولكن أطعت غواة الرجال ... وبعت صديقك لا بالغلا سأصبر للخطب حتى يزول ... وأدعو له رأيك الأجملا ودونكها كالعروس الكعاب ... عليها من الحلي ما فصّلا فكالزبد بالدهن في لينها ... وتخزي بشدّتها الجندلا إذا صيد للشعر طير بغاث ... رأيت لها الطائر الأجدلا ولم ألف جدّك جدّ الذي ... أكفّ به النازل المعضلا الأديب أبو عامر بن المرابط رحمه الله تعالى مديد الباع، شديد الانطباع، سالك مسالك المرققين، وترك سبيل المتشدقين، وأتى من الإبداع بما أراد، وسابق الأفذاذ والأفراد، إلا أن خ=هلاله لم يدرك الأقمار، وطواف عمره لم يبلغ الاعتمار، فأحتضر صغيرا، وأغار على المعاني حتى كر الدهر عليه مغيرا، وكانت له همة لم تعلق يده بعمل، ولم تطلق له عنان أمل، فأغري بالخمول، وبرئ من منازل المأمول، حتى حواه ملحده، وطواه دهره وهو أوحده، وقد أثبت له ما تعزف بع نبله، وترى إلى أي غرض كان يرمي نبله، فمن ذلك قوله يتغزل: رمل مجزوء سر أن اسطعت فأنّي ... لست استطيع مسارا

ذلك البرد الذي قا ... بلت لا يلقى السرارا قلّدوا مبسمه الدرّ ... وجفنيه الشفارا كلذما أومأ بالح ... ظ يمينا أو يسارا لا ترى عيناك إلاّ ... القوم قتلى أو سارا لا ترع يا شادن الأج ... راع كم تهوى النفارا لك هذا القلب ترعا ... هـ أراكا وعرارا وله أيضاً في المعنى: بسيط مجزوء هنالك الريّ من دموعي ... يا ظبي والظلّ من ضلوعي فرد معينا ورد ظليلا ... غير مذود ولا مروءِ وله في غير ذلك: طويل يشرّد أنسي موعد بعداوة ... ويبسط نفسي مقبل بودادِ لقلّو إذا والوا فغير صاحب ... وهانوا إذا ولّوا فغير أعادِ وقول له وقع الأسنّة لم أزل ... أكفّ عنانا عنه يوم طرادِ تهاوى قلوب فيه بين أسنة ... وتاوي جنوب منه فوق قتادِ وحال تثير البيض والسمر مثل ما ... أسام العلى في مسرح ومرادِ لبست غليها الصبر سرد مفاضة ... وأمطيت فيها العزم ظهر جوادِ وله: [مديد] من رأى ذاك الغزال ضحى ... يتمشى في أجارعهِ ينفض الأجفان عن سنة ... أشربتها في مضاجعهِ نظرات الظبي روعه ... قانص أدنى مراتعهِ بشر أو مثله قمر ... سن قتلي في شرائعه وله: [طويل] تركت الليالي لا أذم صروفها ... ولا أحمد الأيام إيان تقبلُ ونبهت عزمي للسرى فأجابني ... وكالعزم ما استنجدت من ليس يخذلُ ويسعدني إن جد بي الشوق فتية ... إذا ركبوا لم يحتو المجد منزلُ تجافوا عن الأوطان عزة النفس ... قصرن خطى الأعمار والضيم منهلُ بمصر عيون أن تراني قريرة ... وعني أوطان ببغداد تسألُ وله من قصيدة: [طويل] أعيدوا علي الربع لا تحية ... أخفف منها والركاب ربوعُ

الأديب أبو الحسن باقي بن أحمد رحمه الله تعالى

دعوني والأطلال أبكي فإن يكن ... ضلالاً فإني للضلال تبوعُ وله من أخرى: [كامل] فتناوحت فيه الرياح مع الضحا ... حتى تبلّ ترابه المزنُ ويسيل أبطحه وأجزعه معاً ... ويرق ذلك السهل والحزنُ وله: [وافر] تقول مطيتي لما راتني ... وبينك لا توادعني فواقا وقد أخذ السرى مني ومنها ... مأخذ لا نطيق لها مساقا لقد عنيت بنا النكبات حتى ... لودت كل نائبة فراقا وله أيضاً: [طويل] سل الركب عن نجد فإن تحية ... لساكن نجد قد تحملها الركبُ وإلا فما بال المطي على الدجا ... خفافا وما للريح حرجفها رطبُ وله أيضاً: [رمل مجزوء] راقنا النهر صفاء ... بعد تكدير صفائه كان مثل السيف مدمى ... فنجلوه عن دمائه أو كمثل الورد غضا ... فهو اليوم كمائه الأديب أبو الحسن باقي بن أحمد رحمه الله تعالى شيخ الانقباض، وسهم المعاني والأغراض، لم يكن له ظهور، ولا يوم في الحظوة مشهور، مع أدبه الباهر، ومذهبه الطاهر، ونفسه الزكية، ومنازعه الذكية، فاقتصر على القاضي أبي أمية، ينتدب بربعه انتداب غيلان بأطلال مية، واقتنع بوشله، فاضطلع بعبء تكاليفه على ضعفه وفشله، لم ينتجع سواه، ولم يسترجع إلا من ضيق محله لديه ومثواه، وقد أثبت له ما تستعذبه وتستطيبه، وتعلم به أنه أمام الإحسان وخطيبه، فمن ذلك ما كتب به إلى: [بسيط] الدهر لولاك ما رقت سجاياه ... والمجد لفظ عرفنا منك معناه كأن العلى والنهى سراً تضمنه، صدر الزمان فلمّا لحت أفشاهُ آيات فضلك نتلوها ونكتبها ... في صحة البدر ما أبدى محياه فأنت عصب وكفّ الدهر ضاربة ... تنبو الخطوب ولا تنبو غراراهُ وله إلى أبي العباس الغرباقي وقد وافى مرسية فعزم على زوره، وقطف أزهاره ونوره، فإنه من إبداع المجالسة، وإمتاء الموانسة، في حد يستنبل، وكأنه شهاب

الأديب أبو جعفر بن النبي رحمه الله تعالى

يقتبل: [كامل مجزوء] يا ماجداً في قربه ... من كل هم لي فرج ومملكا بمقاله ... وفعاله رق المهرِ هل طنّ أذنك للقا ... فإن عيني تختر وصحب أبا أمية إلى العدوة فمروا بفاس وفيها الوزير أبو محمد بن القاسم وزير ملكها، وبدر فلكها، وكان من سمو الهمةة بحيث يجلو الظلام العاكر، ويخجل الوسمي الباكر، فكتب إليه: [متقارب] نسيم الصبا بذمام العلى ... تمش على الروض مشي الكسيرِ وسر عبق النشر حتى تحل ... محل السيادة ربع الوزيرِ فطأ من حشاها دوين الضلوع ... حذار مهابته أن يطيرِ وقبل أنامله أنها ... ضرائر في فيضها للبحورِ وذكر بحاجة ضيف له ... فؤاد يقيم وجسم يسيرِ له أمل قبل وشك الرحيل ... طويل المدى ومداه قصيرِ وقل أن لقيا الوزير الأجل ... يقرب كل بعيد عسيرِ الأديب أبو جعفر بن النبي رحمه الله تعالى مطبوع النظم نبيله، واضح نهجه الإجادة وسبيله، ويضرب في علم الطب بنصيب، وسهم يخطئ أكثر مما يصيب، وكان أليف غلمان، وحليف كفر لا إيمان، ما نطق متسرعاً، ولا رمق متورعاً، ولا أعتقد حشرا، ولا صدق بعثا ولا نشرا، وربما تنسك مجونا وفتكا، وتمسك باسم التقى وقد هتكه هتكا، لا يبالي كيف ذهب، ولا بما تمذهب، وكانت له أهاج جرح فيها صابا، ودرع منها أو صابا، وقد أثبت له ما يُرتشف ريقا، ويلتحف به الأوان شروقا، فمن ذلك قوله يتغزل: [كامل] من لي بغرة فاتر يختال في ... حلل الجمال إذا مشى وحليه لو شبّ في ضير النهار شعاعها ... ما عاد خير اليل بعد مضيه شرقت بماء الحسن حتى خلصت ... ذهبية في الخد من قضيةِ في صفيحته من الحياء أزاهرُ ... غذيت بوسمي الصبا ووليه سلت محاسنه لقتل محبه ... من سحر عينيه حسام سميهِ

وله: [رمل مجزوء] كيف لا يزداد قلبي ... من جوى الشوق خبالا وإذا قلت عليّ ... بهر الناس جمالا هو كالغصن وكالبدو ... رِ قواماً واعتدالا أشرق البدر سرورا ... وانثنى الغصن اختيالا إن من رام سلوي ... عنه قد رامة محالا لست أسلو عن هواه ... كان رشداً أو ضلالا قل لمن قصّر فيه ... عذل نفسي أو أطلالا دون أن تدرك هذا ... يسلب الأفق الهلالا وكنت بميورقه فدخلها متسماً بالعبادة، وهو أسرى إلى الفجور من خيال أبي عبادة، قد لبس أسمالا، وأنس الناس منه أقوالا لا أعمالا، وسجوده هجود، وإقراره بالله جحود، وكانت له بسواحلها رابطة كان بلوازمها مرتبطا، ولسكناها مغتبطا، سمّاها بالعقيق وسمى إلا جواه، ولا يشوقه إلا هواه، فدخلت عليه يوماً لا زوره، وأرى زوره، فإذا أنا بأحد دعاة محبوبه، ورواة تشبيبه، فقال له كنت البارحة مع فلان بحماه، وذكر له خبراً ورى عنه وعماه، فقال مرتجلا: [وافر] تنفس بالحمى مطلول روض ... فأودع نشره ريحا شمالا فصبحت العقيق إلي كسلى ... تجر فيه أردانا خضالا أقول وقد شممت الترب مسكا ... بنفحتها يمينا أو شمالا نسيم بات يجلب منك طيباً ... ويشكو من محبتك اعتلالا ينم إلي من زهرات روض ... حشوت جوانحي منه ذبالا ولما تقرر عند ناصر الدولة من أمره ما تقرر، وتردد على سمعه انتهاكه وتكرر، أخرجه ونفاه، وطمس رسم فسوقه وعفاه، فأقلع إلى الشرق وهو جار، فلما صار من ميورقة على ثلثة مجار، نشأت له ريح صرفته عن وجهته، وردته إلى فقد مهجته، فلما لحق بميورقة أراد ناصر الدولة أباحته، وإبراء الدين منه وأراحته، ثم أثر صفحة، أخمد لهيب ذلك الحنق ولفحه، وأقام اياماً ينتظر ريحاً تزجيه، ويستهديها لتخلصه وتنجيه، وفي أثناء تلويه لم يتجاسر أحد من إخوانه على أتيانه، وجعلوا أثره كعيانه، فقال يخاطبهم: وافر

أحبتنا الأولى عتبوا علينا ... فأقصرنا وقد ارق الوداعُ لقد كنتم لنا جذلا وأنسا ... فهل في العيش بعدكم انتفاع أقول وقد صدرنا بعد يوم ... أشوق بالسفينة أن نزاع إذا طارت بنا حامت عليكم ... كان قلوبنا فيها شراعُ وله يتغزل: وافر بني العرب الصميم إلا رعيتم ... مآثركم بآثار السماح رفعتم ناركم فعشا إليها ... عشاء فارس الحي اللقاحِ وله في القاضي عبد الحق بن الملجوم: [بسيط] وسائل كيف خالي إذ مررت به ... ومن لواحظه كل الذي أجدُ ولي يد إذ توافقنا أشد بها ... على فؤادي وفي يمنى يديه يدُ والخمر في خده الوضاح رونقه ... يندى وفي قلبي المشفوف يتقدُ وله فيه أيضاً: [بسيط] يا من يعذبني لما تملكني ... ماذا تريد بتعذيبي وأضراري

عاج للأمير أبي بكر حمامة، واستسرّ فيها تمامه، فأجنة الثرى، وحاز منه بدر دجنة وليث شرى، فعطلت الدنيا من علاء وجود، وأطلت عليها بفقده حوادث أجدبت تهائمها والنجود، وفيه يقول يرثيه بما يسيل الفؤاد نجيعا، ويبيت به الأسى لسامعه ضجيعا، [خفيف] أيها الملك قد لعمري نعى المج ... د نواعيك يوم قمن فنحنا كم تقارعت والخطوب إلى أن ... غادرتك الخطوب في الترب وهنا غير أني إذا ذكرتك والدهرأخ ... ال اليقين في ذاك ظنا

وسألنا متى اللقاء فقالوا الح ... شر قلنا صبر الله وحرنا وكثيراً ما يغير هذا الرجل على معاني الشعراء، وينبذ الاحتشام من ذلك بالعراء، ويأخذها من أربابها أخذ غاصب، ويعوضهم منها كل هم ناصب، وهذا مما أطال به كمد أبي العلاء وغمه، فإنه من قوله يرثي أمه: [وافر] فيا ركب المنون إلا رسول ... يبلغ روحها أرج السلام سالت متى اللقاء فقيل حتى ... يقوم الهامدون من الرجامِ ومما تخلص فيه، واخترع كثيراً من معانيه، قوله يندبه ويرثيه: [منسرح] يا نازحاً لم تخطّ أرحله ... ولا جرى بالإياب سانحهُ وهاجدا لو يجيب داعيه ... أيقض بالصهيل سابحهُ وإن من لا تُحصى فضائله ... حربان لا تُحصى مدائحهُ ولما أمكنت العدو بموته الفرصة، وارتفعت عنه الغصة، وزالت التقيه، واشتاق لملك البقية، سرى إلى سرقسطة سرى قيس لأهل الهباءة، وأسرع نحوها إسراع الحمام إلى التابي من حر الإباءة، وأقام عليها يمحور رونقها، ولا يالو استسلابا رمقها، حتى أعادها كالنظم الواهي النثير، ويويبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير، وما زال يورث أهلها كل هم كامل ويجدد كل كامن دخيل، ويغير جنات ممن أعناب وزرع ونخيل، حتى أصبحت كالصريم، وراح الفساد فيها لا يريم، فطاع له أهلها بحكم القسر، ورأوا الذمة أجدى من الغل والأسر، فملك منها معقلا يوم العقول، ويوهن وقع الصارم المصقول، وحين استباحها، وأدجى فجرها وصباحها، بحث عن قبر الأمير أبي بكر فمي عليه موضعه، وحُمي منه بالإنكار مضجعه، فدل عليه أحد المرتسمين بخدمته، المتسمين بنعمته، وأثار منه طود مجد وبحر ندى، وأعراه من ثراه بعد ما التحف بإحسانه وارتدى: [طويل] ووضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضر كوضع السيف في موضع الندى فأخرجه من مدفنه، وأبرزه من كفنه، وعاث في تلك الأشلا، ومزق منها ما قصرت عنه يد البلى، سيرة من أقبح السير، تنكرها نفوس الغير، وفي ذلك يقول: [خفيف مجزوء] خلّ عيني كعهدها ... لبكاها وسهدها إن بالثغر رمة ... سكنت غير لحدها

أبرزتها أيدي رجا ... لٍ غدوا عين مجدها سكنوا ظل أمنها ... وأمتروا درّ رفدها وله في ذلك: [مديد] يا صدى بالثغر جاوره ... رمم بوركت من رممِ صبحتك الخيل عادية ... وأثارتك فلم ترمِ قد طوى ذا الدهر غرته ... عنك فالبس حلة الكرمِ ولابن خفاجة في مثل ذلك: [مديد] يا صدى بالثغر مرتهنا ... لممر الريح والديمِ لا أرى لا أخا كمد ... باكياً منك أخا كرمِ كم بصدري فيك من حرق ... وبكفي لك من نعم ولما فاتت سرقسطة من يد الإسلام، وباتت نفوس المسلمين فرقا منها في يد الاستسلام، ارتاب بقبح أفعاله، وبرئ من احتذائه بتلك الآراء وانتعاله، وأخافه ذنبه، ونبا عن مضجع الأمن جنبه، فكر إلى المغرب ليتوارى في نواحيه، ولا يتراءى لعين لائمه ولاحيه، فلما وصل شاطبة حضرة الأمير لأجل أبي إسحق ابراهيم بم يوسف بن تاشفين وجد باب نفاذه وهو مبهم، وعاقه عنه شيحان مدلول عليه ملهم، ناهيك من ملك سري، وليث جري، تبتهر العلياء بسجاياه، وتتأرج الدنيا بعبق مجده ورياه، فاعتقله اعتقالا شفى الدين من آلامه، وشهدله بعقيدة إسلامه، وفي ذلك يقول، وهو معقول، يصرح بمذهبه الفاسد، وغرضه المستأسد: [كامل] خفض عليك فما الزمان وريبه ... شيء يدوم ولا الحيوة تدومُ واذهب بنفس لم تضع لتحلها ... حيث أحتللت بها وأنت عليمُ يا صاحبي لفظا ومعنى خلته ... من قبل حتى بين التقسيم دع عنك من معنى الإخاء ثقيلة ... وأنبذ بذاك العبء وهوذميم واسمح وطارحني الحديث فإنه ... ليل كأحداث الزمان بهيمُ خذني على أثر الزمان فقد مضى ... بؤس على أبنائه ونعيمُ فعسى أرى ذاك النعيم وربه ... مرح ورب البوس وهو سقيمُ هيهات ساوت بينهم أجداثهم ... وتشابه المحسود والمرحومُ

ولما خلص من تلك الحبالة ونجا، وأنار من سلامته ما كان دجا، احتال في إعفاء ماله، واستيفاء آماله، فأظهر الوفاء للأمير أبي بكر بالرثاء له والتابين، دهيه في ذلك واضح مستبين، فإنه وصل بهذه النزعة من الحماية إلى حرم، وحصل في ذمة ذلك الكرم، واشتمل بالرعي، وأمن من كل سعي، فاقتنى قينات ولقنهن الأعاريض، من القريض، وركّب عليها ألحاناً أشجى من النوح، ولطف بها إلى إشادة الإعلان باللوعة والبوح، فسلك بها أبدع مسلك، واطلعها نيرات ما لها غير القلوب من فلك، فمن ذلك قوله: [منسرح] إن غراباً جرى ببينهم ... جاوبه بالثنية الصردُ صاروا فها أنت بعدهم جسد ... قد فارق الروح ذلك الجسدُ واكتتموا صبحة ببينهم ... أليس لله بئس ما اعتمدوا وكقوله: [طويل] سلام والمام ووسمي مزنة ... على الجدث النائي الذي لا أزوره أحقاً أبو بكر تقضى فلا يُرى ... ترد جماهير الوفود ستورهُ لئن أنست تلك القبور بلحك ... لقد أوحشت أقطاره وقصوره ومن قلة عقله ونزارته، أنه في مدة وزارته، سفر بين الأمير أبي بكر وبين عماد الدولة ابن هود بعد سعايات عليه أسلفها، وذخائر كانت له على يديه أتلفها، فوافاه لأوغر ما كان عليه صدره، وأصغر ما كان عنك قدره، فآل به ذلك الانتقال: إلى الاعتقال: فأقام فيه شهوراً يغازله الحمام بمقلة شوهاء، وتنازله الأوهام بفطرته الورهاء، وفي ذلك يقول بخاطب ذا الوزارتين أبا جعفر يزيد بن مجاهد: [وافر] لعلعك يا يزيد علمت حالي ... فتعلم أي خطب قد لقيتُ وإني إن بقيت بمثل ما بي ... فمن عجب الليالي أن بقيتُ يقول الشامتون شفاء بخت ... لعمر الشامتين لقد شقيتُ أعندهم الأمان من الليالي ... وسالمهم بها الزمن المقيتُ وما يدرون أنهم سيسقوا ... على كرة بكأس قد سُقيتُ وعزم عماد الدولة يوماً على قتله، وألزم المرقبين به التحيل في ختله فنمي إليه ذلك الأمر الوعر، وارتمى في لجج الباس والذعر، فقال: [طويل] أقول لنفسي حين قابلها الردى ... فراغت فرارا منه يسرى إلى يمنى

قرى تحملي بغض الذي تكرهينه ... فقال طال ما اعتدت الفرار إلى الأهنى ثم قضي له قدر قضى بأنظاره، وما أمضى من إباحته ما كان رهين انتظاره، ويمهل الكافر حكمه من الله وعلما، وإنما نملي لهم ليزدادوا إثماً، ثم القسم الرابع من قلائد العقيان ومحاسن الأعيان، وبتمامه تم جميع الديوان، والحمد لله حق حمده، وصلى الله على سيدنا محمد رسوله وعبده، انتهى طبعه على يد المعتني بتصحيحه فقير ربه عبده سليمان الحرائري عفي عنه أمين غرة ذي الحجة الحرام عام سبعة وسبعين ومائتين وألف.

§1/1