قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان

ابن الشَّعَّار

[مقدمة المؤلف]

بسم الله الرحمن الرحيم [مقدمة المؤلف] الحمد لله الذي ألهج خواطر الشعراء [بالكلام] الموزون، وألهمهم الغوص على درِّه النفيس وجوهره المخزون، وذلَّل لهم زمامه بعد الجماع فانقاد، حتى تملكوا رقَّة بذكاء الفهم والذهن الوقاد؛ فتصرفوا في أنواعه وفنونه، وأظهروا ما كان بديعًا من مكنونه، ومروا الخالص من درره، واستنبطوا النادر من غرره. فكم ابتكروا من المعاني البليغة التي جلت ودقت، وكسوها الألفاظ الرشيقة التي راقت ورقَّت؛ ما شهد لهم بكمال البراعة، والتبريز في إحكام الصناعة. فلو انتقدت هذه الألفاظ والمعاني، وتأملها الحاذق في صنعة المعاني؛ مع تلك البدائع التي اخترعوها، والمحاسن التي أتوا بها وابتدعوها، لقال مبادراً: هذا هو السحر الحلال، أو الراح الشَّمول شجَّت بالماء الزلال، ويواقيت رصعت في التيجان، وشذور ذهب فصِّلت باللؤلؤ والمرجان؛ ولا بل رياض أنيقة تبهج/2 أ/ الناظرين ناصع ألوانها، قد تضرجت وجنات شقيقها، وابتسمت ثغور أقحوانها. وزها نرجسها وعرارها، واستنار وردها وبهارها، وأشرق ياسمينها، ولاح نسرينها. ضاحكها الشمس غبَّ بكاء الغمام، فأصبح النَّور بأرجائها مفتَّح الأكمام؛ فإذا نشر النسيم خمائل زهرها وحياها، جاءت بالمسك السحيق من تربها وطيب تضوُّع ريَّاها. وكلما شدت أطيارها وترَّدت ألحانها، رقصت غصونها طربًا وصفَّقت غدرانها. نحمده على ما أولانا من فرائده الأثيرة، وأجرانا فيه على عوائده الخطيرة، وصلى الله على رسوله الصادق الأمين، سيد الأنبياء الأكرمين؛ الذي أنزل -عز وجل- في حقّه في كتابه المبين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.

ثم الصلاة على آله مصابيح الظلام، وصحابته نجوم الإسلام، ما نمّقت ثريحه وحبّرت، وأنشأت رويه وعبّرت. وبعد؛ فإنَّني لمّا قاربت إنهاء كتابي الموسوم "تحفة الوزراء" /2 ب/ المذيل على كتاب "معجم الشعراء" الذي ألَّفه وجمعه الشيخ أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني الكاتب –رحمه الله تعالى- فجاء كامل الوصف في تنقيحه، بديع الصنعة في تحريره وترقيحه؛ أحسن زينة من العرائس، تجلى في الغلائل النفائس. فأخلدت إلى أن أجمع من الشعراء الذين دخلوا في المائة السابعة وأدركوها، وانخرطوا في سلك فريقها وجاوزوها، ومن وطئ بساطها، وسلك سراطها، على حسب ما صار لدىَّ حصوله، واتفق إلىَّ وقوعه ووصله؛ من شعراء عصري، ومحاسن فضلاء دهري، وأفرد لذلك كتابًا بسيطًا، حاويًا لشوارد كلامهم محيطًا، يشتمل السمين والغيث، والقشيب والرث؛ ليكون أجمل في العيون وأبهى، وأحلى في النفوس وأشهر. لا يملّ من تصفحُّه قاريه، بل يروق له ما اشتملت عليه مطاويه. فبادرت –بحمد الله وحوله- وفضله السابغ وطوله، ألتقطه من الشفاه، وأتلقفه من الأفواه، وأودعه ما يستحب ذكره، وأسطر في غضونه ما يجب سطره /3 أ/ من شعراء أهل العصر، إذ هم الجمّ الغفير الذين لا يأتي عليهم الحصر؛ فإن حصرهم بحر لا يدرك قعره، ومتاع لا يسبرّ على الحقيقة سعره. ثم لا يشقّ هذا الغبار، ويجري في هذا المضمار، ويتمسك بهذه الأسباب،

ويتقمص هذا الجلباب؛ إلاَّ من يجهد نفسه فيه إجهادا، ويبذل لذيذ رقاده سهادًا. ولا يضيق به ذرعا، ويتخذ الصبر له جنّة ودرعا، ويشمّر في الطلب عن ساق جدّه، ويخلق جديد العمر بسعيه وكدّه. وجعلته له كالذيل، وأجريته في ذلك السيل، [وكلته بذلك الكيل]؛ إذ هو قطرة من حياضه، وزهرة من رياضه. ثم إنَّني أضيف إليه لمعًا من منثور يروق، وأوشحه بأنموذج من أخبار تشوق؛ مما نتيجته بنات أفكارهم، وضمنته ما يستحسن من نوادرهم واخبارهم، وأذكر من عرف بالكنية دون الاسم، واشتهر بها فصارت له تجري مجرى الاسم العلم، لا يعرف إلاّ بها وذلك كثر في الأسماء. ثم سقته على حروف المعجم مرتبا؛ ليأتي غريبًا في شأنه مهذّبا، ويكون أسهل/3 ب/ على محاولة، وأقرب إلى يد متناوله؛ فإنه ترتيب لم أسبق إليه، وتأليف لم يزاحمني أحد عليه. وتتبعت كل من هو داخل في الشرط الذي شرطته، ومعدود في القبيل الذي أثبتّه، مقتفيًا أثر من تقدّمني في هذا الأسلوب، ومقتديًا بمن هو بهذا الشأن مع العلماء محسوب؛ كالأستاذ السابق، والإمام الحاذق: أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري في كتابه "يتمية الدهر في محاسن شعرء العصر"، وتلاه أبو الحسن على بن الحسن بن أبي الطيب الباخرزي الكاتب

فعمل كتاب "دمية القصر وعصارة أهل العصر" فتبعه أبو المعالي سعد بن علي بن القاسم الحظيري الكتبي فألَّف كتابه "زينة الدهر في لطائف شعراء العصر" فتبع بعده الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصفهاني، فأنشأ كتابه "خريدة القصر وجريدة العصر"، ثم كتاب "الملح العصرية" تأليف أبي القاسم علي بن جعفر بن علي السعديّ الصقليّ الأديب/4 أ/ النحوي المعروف بابن القطّاع، وكتاب "الأنموذج في شعراء القيروان" صنّفه

أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي المهدوي، ثم كتاب "الحديقة" صنعه في شعراء العصر، الحكيم أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت المهدوي، ثم كتاب "أسر السرور" تأليف القاضي أبي العلاء محمد بن محمود بن أبي الحسن بن الحسين الغزنوي، في ذكر شعراء أوانه، وكتاب صنعه عمارة بن أبي الحسن علي بن زيدان اليمني في شعراء عصره، وكتاب

"المختار في النظم والنثر لأفاضل أهل العصر" تأليف ابن بشرون الصقلي، وكتاب "وشاح دمية القصر" تأليف القاضي الإمام الأديب أبي الحسن علي بن زيد بن محمد بن الحسين البيهقي. وإلى غير هؤلاء الفضلاء، المبرزين في الآداب النبلاء، ممن لم يقع إلى له تصنيف، ولم أعثر له على جمع وتأليف. وقد سمت هذا الكتاب بـ: "قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان" أعني بذلك زماني، ومن أدركه من الشعراء عياني. ثم إني أسأل الناظر فيه الصفح عن هفواتي، وأرغب إليه في الستر/4 ب/ على زلاتي وعثراتي؛ لأنني ألَّفته وأنا كليل الناظر، مشدوه الخاطر. قد أخذ مني الفقر بحقّه، وصيّرني أسيراً في قبضاع ورقّه. والدهر يجرّعني كاسات حتوفه، ويصميني بسهام صروفه. فلا غرو من ذي قلب محزون، وصدر بالأفكار مشحون؛ أن يصفو أو يزل، أو يخطئ أو يضل. وها أنا لم أصح من بقايا سكره، ولم أزل غارقًا في تيار بحره؛ لا سيما والشيب قد كتب في فوديَّ سطورًا، وبدّل مسك العذار كافورًا. وإلى الله تعالى ألجأ من توارت الهموم، وتتابع الأحزان والغموم، ومنه أستمد المعونة وحسن التوفيق، بأن يهديني إلى أرشد مذهب وأوضح طريق. إنه سميع مجيب الدعاء، وليّ الإجابة جمّ العطاء، وبه المستعان، وعليه التكلان.

حرف الهمزة

بسم الله الرحمن الرحيم وبه الثقة حرف الهمزة ذكر من اسمه إبراهيم [1] إبراهيم بن محمد بن حيدر بن عليِّ، أبو إسحاق الموذنيُّ الخوارزميُّ، المدرّس الحنفيُّ. كان أعلم أصحاب الإمام أبي حنيفة -رضي الله عنه- بالفقه في وقته، جليل القدر، كثير المحفوظ، متقنًا في علوم الإسلام والشريعة. وكان إمامًا في الفقه والفرائض وعلم التفسير والحديث والأصولين والكلام؛ وينضاف إلى ذلك معرفته بالنحو واللغة والأدب، مع أخذه بحاشيتي النظم والنثر. وكان له اعتناء بتصانيف أبي القاسم الزمخشري، كثير الميل غليها والتحفظ منها، وله ديوانا خطب وأشعار. كانت ولادته في شهر ذي الحجة سنة تسع وخمسين وخمسمائة. وكان فقيهًا حنيفًا مدرسًا أديبًا بارعًا؛ له من التصانيف كتاب "ديوان الأنبياء" وكتاب "شرح كليلة ودمنة" بالفارسية، /6 أ/ وكتاب "الوسائل إلى الرسائل" من نثره، وديوان

شعره بالعربية، وديوان شعره بالفارسية، وكتاب "الخطب في دعوات ختم القرآن"، سمّاها "يتيم اليتيم"، وكتاب "الطرفة في التحفة" بالفارسية رسائل، وكتاب "أسايش نامه" في المواعظ بالفارسية، وكتاب "تعريف شواهد التصريف"، وكتاب "أنموذار نامه" يشتمل على أبيات غريبة شرحها بالفارسية، وكتاب "كفتار نامه" منطق، وكتاب "مرتع الوسائل ومربع الرسائل". أنشدني أبو حامد سليمان بن جبرائيل بن محمد الإربلي بها، لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد يمدح النبي –صلى الله عليه وسلم لنفسه: [من البسيط] سليل عبد مناف من أناف على ... هامات كفر وسيف البغي مسلول له خصائص من حكم تبرُّ على ... خصائص الرُّسل لا يغتالها غول وشبِّهت بالنُّجوم الزُّهر صحبته ... فالرُّشد من كلِّهم للخلق مأمول فمن لهاهم هجان الحقِّ في مرح ... ومن نهاهم هجين الفسق مشكول فعن مودَّة أهل البيت خالصة ... ربع السَّعادة في الَّارين مأهول ولِّيت أعمال خيرات أقوم بها ... بأنَّني عن قبيل الرَّفض معزول /6 ب/ أوضحت معتقدي في شأن حبِّهم ... والله في ذاك للتوفيق مسؤول فمن يخالفني فالسيف مخترط ... ومن يحالفني فالسَّيب مبذول وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يمدح الخطيب برهان الدين محمد بن محمود: [من الطويل] لبرهان دين المصطفى الدِّين أجمع ... وإنِّ بني الدُّنيا على ذاك أجمعوا يقصِّر عن فضوى معاليه قيصر ... ويتبعه في الأمر والنَّهي تبَّع وبالشَّرق من ذكرى سجاياه محفل ... وبالغرب من عليا عطاياه مجمع وللعلم في أحكامه الزُّهر معلم ... وللشَّرع في أقلامه الغر مشرع له قلم في سنِّه منعش الورى ... ولكن إذا أستشرى العدا فيه مصرع

به يستقيم العلم إن سلَّه على ... صحائف شرع الله والجهل يضلع ففي مشقه رعد السماحة قاصف ... ومن شقِّه برق الفصاحة يلمع له قصدت مني إليه قصيدة ... غدّا الشِّيخ من أثنائهأ يتضوَّع فلو قرعت سمع أبن أوس لما أرتضى ... أما أنَّه لولا الخليط المودِّع وأنشدني، قال: أنشدني إبراهيم بن محمد يمدح شهاب الدين أبا سعيد عمران الخيوقي: [من الطويل] /7 أ/ عذريي من ترجيل صدغ مسلسل ... رجال التُّقى تهفو لهذا التسلسل عذيري من صدغ الغدار الَّذي التوًى ... فألوى بدين الزَّاهد المتبتِّل يرى في مقامات المناجاة جازعًا ... طلوعًا ومن حسن العزاء بمعزل بصوب دوموع دونه صوب مزنة ... وغلي فؤاد دونه غلي مرجل فيا حبة القلبً أصبري صبر مبتلًى ... بغير هوًى فالحب للصَّب مبتلي وما مغزل فرَّت لغدر وغادرت ... طلاها نحيفًا ي نحافة مغزل وقد عولت بالكره عن سكناتها ... بهيرًا وتشكو صيد شاك وأعزل وطارت شعاعًا نفسها إذ تناحت ... شعاع سيوف داسها يد صيقل وأثَّر فيها ذعر جند مكبِّر ... كما نال منها خوف جيش مهلِّل شرايين جرحاهم مواًرد قثعمً ... واشلاء قتلاهم موائد جيأل فمن سمرهم ناصت لطعن معجَّل ... ومن بيضهم باضت لقتل مؤجَّل بأكثر منِّي لوعة يوم آذتت ... برحل جديليِّ شبيه بأجدل ومن مديحها: بمدح شهاب الدِّين أرجم خصمه ... كريم بني الدُّنيا المرجَّى لمعضل خواطره مالت تحلُّ عويصة ... وآراؤه آلت إلى حلِّ مشكل /7 ب/ عديم نظير في المناظرة الَّتي ... لفرسان فقه صعبها لم يذلَّل

وإن أقفل الأشكال باب دقائق ... بفطنته ألغينا مفتاح مقفل خبير بصير عند كل مباحث ... بإجمال تفصيل وتفصيل مجمل حوى قصبات السَّبق بالعلم واحتوى ... على آخر بالمكرمات وأوَّل أتتك ابن عمران قصيدتك الَّتي ... قصت بها أشعار قيس وجرول فلو قرعت سمع أمرئ القيس لم يقل ... (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) وكتب إلى بعض الأكابر: [من البسيط] يا بدر دين إله الخلق نفسي من ... حرمان خدمتكم ماتت فمرتعش من رحمتي اغتدي حيران مرتعشًا ... كأنَّني زئبق في كفِّ مرتعش [2] إبراهيم بن عمر بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق الحانيَّ العطّار، المعروف بابن رقيقة. وهو من حيني مدينة من آخر ديار بكر من ثغر الروم. كان هذا الرجل عطارًا، وله حانوت بمدينة حيني يتعيش في العطر. وكان صاحب ثراء. وكان عزبًا لم يتزوج قطّ. شاعر متقّن، ومترسّل محسن، له أشعار مجموعة، ورسائل مدونة، وخطب مستجادة. حسن المعرفة بالأدب واللغة، /8 أ/ له مدائح في الملوك [من] بني أيوب وغيرهم من الأمراء والأشراف. وهو رجل صالح المروءة، عزيز النفس، سخيُّ الكفِّ، كثير التواضع، [حرّ الطبع، لا يرد سائلاً ولا يحرم وافداً يقصده، على سيرة لم يكن عليها أحد من أبناء زمانه الأسخياء من شرف النفس، وكمال المؤوءة، وسعة الصدر، والانقباض عن الأكابر والرؤساء؛ فإنه كان يرى في نفسه أنه أجل منهم قدراً، وأجل رتبة وفضلاً، ولم يعش ...... الذين كانوا يخالطونه؛ لأن نفسه كانت تترفع عن أن يمدح للاستجداء

والاسترفاد على عادة الشعراء الذين همّهم الدنيا وحطامها. ومدح الملك الأشرف؛ فلما أنشدت القصيدة بين يديه استحسنها وسيَّر له خلعة سنية، ودنانير لها قيمة؛ فلما وصلت إليه لم يتناولها وردّها عليه، وأنفذ معها طبقًا مملواً من السكر واللوز وما يصلح أن يهدي إلى الملوك .... ] ترفعه نفسه أن يسترفد بالشعر، لا يقبل عليه ثوابًا، ولم يكن من طلاّب الرفد، يرى ذلك من العار والنقص. [وكان مع ذلك قد قرأ أدبًا ونحواً ولغة فيما قرأ، وقال شعراً نادراً، ودونه وكتبه بخطه، يدخل في مجلد، وأنشأ رسائل وجمعها في مجلد. ورأيت كلا الديوانين بالموصل، وهما بخط يده. ونقلت من ديوان أشعاره جملة كافية يعربان عن بلاغة وبيان ...... ]. وكان الناس يقبلون عليه، ويميلون إليه لما كان عليه من السماحة والفضل. ولم يزل بحسن حال ونعمة حتى نفد ما كان بيده ............. فتوجه نحو ميافارقين، فأقام بها إلى أن مات سنة تسع وثلاثين وستمائه –رحمه الله تعالى-. أنشدني أبو علي الحسن بن حمزة بن حمدون الموصلي، قال: أنشدني إبراهيم ابن عمر لنفسه: [من الطويل] ومعتدل عن منهج العدل عادل ... من التُّرك مغرى بالتَّجنُّب والتَّرك تلوح أياة الشمس في صحن خدِّه ... وتظهر في أجفانه آية الفتك إذا رمت صون الحبِّ صال بهجره ... علي فكان الصول داعية الهتك يصدُّ فيشكيني دلالا وكلَّما ... شكوت إليه فرط حبيه لا يشكي جفاني فما دمعي بكيُّ ولا الكرى ... يلمُّ بعيني فهي ساهرة تبكي فكم منية لي منه عادت منيَّة ... ووعد بوصل شيب بالمين والإفك ولمَّا حوى رقِّي هواه ابحته ... دمي فنحاه بالإراقة والسَّفك وما خلت مذ ألقيت في هوَّة الهوى ... بأنَّ الهوى يفضي بقلبي إلى الهلك

بروحي كثير الغدر والظَّلم متبع ... قليل الوفا مرُّ القطيعة والمحك /8 ب/ بخيل بريق الثَّغر لم ينور رقَّة ... لنا حل جسم مشبته دقَّة السِّلك أأرجو فكاكا من هواه وإنَّني ... أسير له في ربقة الرِّقِّ والملك أحلَّ بقلبي لوعة سحر طرفه ... فواحربا من سحر ناظره التُّركي إذا ما أنثنى كالغصن عوَّذت قدَّه ... بحاميم والأحزاب والنَّجم والملك دعا حسنه أهل الضَّلال إلى الهدى ... فأنقذ أهل الِّرك من شرك الشِّلاك وله من قصيدة وأشندنيها الشيخ الأجل تاج الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن علي بن عمر القرشي العثماني الفارقي المقرئ الفقيه –أسعده الله تعالى- بمحروسة حلب عن قائلها: [من الكامل] ما لاح بارق متألِّقا ... إلاَّ تذَّكرت الحمى والأبرقا وسفحت سحب مدامعي أسفًا على ... شمل لنا السَّفح عاد مفرَّقا يا ساكني أرض الحجاز حجرتم ... طيب الكرى عنِّي قبتُّ مؤرَّقا وهواكم ما غار مدمع مقلتي ... مذغار حادي عيسكم يوم النَّقا طلعت طلائع بينكم بطويلع ... وجزعت إذ بالجزع عزَّ الملتقى تعس الفراق فكم أراق لنا دمًا ... فرقًا وكم من ناظر قد أرَّقا /9 أ/ كم خان مغتربًا وشيَّب مفرقًا ... للعاشقين ولم فريًق فرَّقا ولقد سألت فما حنا بالمنحنى ... حادي الرَّكائب حين ساًق الأينقا الوى فليت لوى على ذى لوعة ... متشوِّ أودت به أيدي الشَّقا عجبي لصبٍّ أوثقته صبابة ... يوم التَّفرُّق كيف يطمع في البقا أم كيف يفرح في اللِّقاء متيَّم ... كلف الفراق به فغادره لقى أبداً لذكر الهجر يخفق قلبه ... ولطالما رام الوصال فأخفقا أمسى لنوم جفونه ودموعه ... بعد الأحبَّة مطلقًا ومطلِّقا وقال من أخرى: [من البسيط] له على كلفي في الحبِّ أعوان ... عيم وقدُّ كخوط البان فتَّان

ومبسم ريقه السنُّوت خامره ... خمر وطرف كحيل الجفن وسنان يا للخلائق من يعدو على رشإ ... إخلافه موعدي ظلم وعدوان محرَّم وصله تيهًا على دنف ... نصيبه منه إخفاق وحرمان يردي المتيَّم منه حين يعوزه ... عذر له في الهوى صدُّ وهجران كم رمت صبراً فلم أملكه قد فتنت ... عقلي من الرِّيم أحداق وأجفأن فتور الحاظه المرضى أحلَّ دمي ... وحلَّ في القلب من جفنيه أحزان /9 ب/ إنِّي لأرتاح في تقبيل عارضه ... إذا بدا فوق صحن الخدِّ ريحان لو كنت ذا نهية تنهي إلى ورعي ... وراع روع لبارى الخلق عصيان لما نظمت سوى شعر أظلُّ به ... مقرِّطًا ملكًا مدحيه إيمان أندى ملوك الورى كفّا وأسمحهم ... سمحًا وأعرفهم بالعرف مذ كانوا وله من أخرى: [من الكامل] لو كان حسن الصَّبر من أعواني ... ما زادني قلقًا جنون جناني هيهات لم يطق التَّصبُّر عاشق ... صالت عليه صوارم الأجفان من كلِّ بيضاء الجبين يزينهأ ... قدُّ يقيم قيامة الإنسان حوراء حرت بحسنها وصدودها ... من فتكها في القلب حدُّ سنان وإذا تبدَّى وجهها بانت لنا ... شمس النَّهار على غصون البان أشبيهة المرَّان لين معاطف ... عطفًا فهجرك والجفا مرَّان أسرفت في ظلم المحبِّ فأحسني ... ودوام هذا الحسن بالإحسان ولئن عنوت إلى سواك فلا شفي ... ممَّا يعاني فيك قلبي العاني وقال: [من الكامل] ومدلَّل أضحت دلائل حسنه ... كالشمس واضحةً لعين النَّاظر /10 أ/ يسبي القلوب بناظر أجفانه ... مكحولة سحراً ووجه ناضر ينهى وينهر سائليه تجبُّراً ... ومن البلاء سؤال ناهً ناهر

لم يرع عهد متيَّم في حبِّه ... ذي مدمع كالعهد هام هامر وقال أيضًا وأوائلها أحرف يوسف: [من الكامل] يا من تفرَّد بالجمال فماله ... في العالمين مشاكل ومماثل وأطال مدَّة شقوتي بدلالة ... فله عليَّ شواهد ودلائل سهري بصدق مودَّتي لك شاهد ... ولطول حزن في هواك مخايل فتنت شمائلك الورى فاستعبدت ... منها النُّفوس بأسرهن شمائل وقال أيضا: [من الكامل] رام التَّكبر في الهوى فتركته ... وسئمته وملكته وهجرته وجحدته حتَّى كأنِّي لم أكن ... يومًا من الأيَّام قطُّ عرفته لمَّا أصرَّ على قبيح فعاله ... وأذاع سرّاً صنته وكتمته ناديت حسن الصَّبر عن فراغ له ... فأجاب حين أجبته فمللته والله لو أودى الهوى بحشاشتي ... وعدمت فيه تجلُّدي وفقدته /10 ب/ ما بعت عزِّي بالهوان له ولا ... هوَّنت صعب الضَّيم فيه ورمته وقال أيضًا: [من الطويل] دعتني إلى التَّرحال عنكم ضرورة ... وفارقتكم رغمًا بقلب مفجَّع ولو سمحت عيني بدمع تفيضه ... لأرويت تلك التُّرب من فيض أدمعي وقال: [من الطويل] إذا صاحب أودعته السرَّ في الرِّضا ... ولم يفضه للنَّاس في حالة السُّخط فذاك الَّذي لا ينبغي لك أن ترى ... له هاجراً في حالة القرب والشَّحط وقال: [البسيط] يا أكرم النَّاس إنسانًا وخير فتًى ... أضحى لعين العلا والمجد إنسانا أهديت لي الرُّشد مذ أهديت لي كرمًا ... صحيفة صمِّنت حسنًا وإحسانا وقال: [من الطويل]

يقولون لم لا تشرب الرَّاح إنَّها ... تريح من الحزن المبرِّح والهمِّ فقلت: ذروا هجر الكلام فإنَّني ... تجنًّبت شرب الإثم خوفًا من الإثم وله فيما يكتب على قوس: [من الطويل] عنت لي رماح الخطِّ في كلِّ مأقط ... وفاز بيمن النَّصر والسَّعد حاملي /11 أ/ فلم يخط سهمي حين يرميه باسلً ... مقاتل قيل في الحروب مقاتل وله في ماردين: [من الكامل] يا ماردين بقيت مونقةً الربى ... وسقى ربوعك صيِّب الأنواء كم فيك من ساجي اللًّواحظ قدُّه ... يحكي اعتدال الصَّعدة السَّمراء وقال: [من السريع] يا قلب قد أضناك فرط الجوى ... إنَّ الجوى يمرض أهل الهوى هذا ومن تعشقه حاضر ... فكيف إن أقصاه أيدي النَّوى وقال: [من السريع] يا ظالمًا في ظلمه ... سخطك داني ورضاك الدَّوا لامت أو تعشق حتَّى أرى ... جسمك في السُّقم وجسمي سوا وقال أيضًا: [من الطويل] إلى م أرضِّية وشيمته السخط ... وأصغي له ودِّي فيجفو ويشتطُّ وحتَّى م يسطو تائهًا بدلاله ... عليَّ ويذكي لوعتي كلَّما يسطو غريب المعأني فلًّ غرز تصبُّري ... كثير التَّجنِّي دأبه الجور والسُّخط يزيد جوًى مسكينه كلَّما بدا ... لناظره من درِّ مبسمه سمط /11 ب/ هو البدر في مرط الملاحة طالع ... فواها له بدراً مطالعه المرط يبلبل بالي كلَّما ماس معجبًا ... محيَّاه والصُّدع المبلبل والقرط يضمنُّ ولم يسمح بظلم كأنَّه ... لراشفه في لذة الطَّعن إسفنط

أرقُّ له بالرِّقِّ طوعًا فليته ... يرقُّ لصبٍّ لم يرم سلوةً قطُّ أكلُّ مليح قد حوى الحسن هكذا ... يجور فلا عدل لديه ولا قسط حرمت المنى من عطفه وحنوِّه ... فوا حربا إذ ليس لي فيهما قسط ترى حسنه أعطاه بألظلم قطَّه ... فأصبح فعًّالا لما ضمن القطُّ وحسبك منه كلما جار واعتدى ... يحبُّ ولم يبخس له من هوى قطُّ إذأ هزَّ خطِّي القوام تثنِّيًا ... فلا عجب والله أن ينجح الخطَّ وله فيما يكتب على سرج: [من الطويل] علوت مطا الجرد العتاق فلم يكن ... لأربابها عنِّي غنًي آخر الدَّهر إذا ما علاني بهمة وأقلَّني ... جواداً فإنِّي حزت فخراً على فخر وله يمدح: [من الخفيف] أريحيٌّ من أل أيُّوب بغضي ... كرمًا عن ذوي الذَّنوب العظام أذعن النَّصر والفلاح بفتحتي ... لمليك طلق المحيَّا همام /12 أ/ وقال يمدح: من [الخفيف] أيُّها الماجد الجواد صلاح الدِّين نجل الأكابر الكرماء إن طرا المنع عن لقاك فإنِّي ... كلَّ يوم مجدَّد الإطراء أوعدتني على خلائقك الغرِّ ... عوادي دهر كثير العداء قثنائي على خلائقك الغرِّ خليق بصدق دعوى الصَّفاء ويد العوق إن لوت وجه غشياني فلم تلو عنك وجه ولائي وله: [من الوافر] أقاموه ليرقص في نديٍّ ... فصار لحبِّه في القلب وقص غزال كلَّمة يزداد حسنا ... بدا في صبر من يهواه نقص

[3] إبراهيم بن نصر بن عسكر بن نصر بن عسكر بن نصر بن عسكر، أبو إسحاق الخطيب، قاضي السلاَّمية. وهي قرية مشهورة من قرى الموصل شرقيها وهي عنها بخمسة فراسخ. وكان أبو إسحاق يتولّى بها. /12 ب/ ولد بالسندية، وتفقه ببغداد وسمع بها الحديث من الوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة. وأصعد إلى الموصل وسمع بها القاضي تاج الإسلام أبا عبد الله الحسين بن نصر بن خميس الخميسي الموصلي وغيره. وكان خراً دينًا فقيهًا شافعي المذهب. تولّى قضاء السَّلاَّمية وخطابتها. وتوفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر سنة عشر وستمائة. أنشدني الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي –رحمه الله- قال: أنشدني أبو إسحاق لنفسه: [من السريع] يا طيف من أهوى على نأيه ... كيف تهدَّيت إلى مضجعي ظللت لا تبعث طيف اللِّوى ... إلاَّ لخدع المقل الهجَّع ولست بالنَّائم لكنَّني ... غرقت في الفكر فلا تخدع يا حسن التَّمويه في ناظري ... ويا شهيَّ الزُّور في مسمعي بيِّن لمولاك إذا جئته ... لعلَّه يرتاح للموجع ما لاح ملثومك من زفرتي ... وبلَّ مصمومك من أدمعي وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل]

/13 أ/ إذا أنأ أحببت الَّذي هو مبغضي ... وصافيته إنِّي إذاً للئيم وإن أنأ لم أعرض كما هو معرض ... فما أنا إن عدَّ الكرام كريم إذا خان من أهوى فكيف أفي له ... وإن حال عن عهدي فكيف أقيم وأكبر نفسي أن تذلِّ على الهوى ... وتغدو على ما لا تنال تحوم وأنشدني، قال: أنشدني القاضي لنفسه: [في السريع] لا تنسبوني يا ثقاتي إلى ... غدر فليس الغدر من شيمتي أقسمت بالذَّاهب من عيشنا ... وبالمسرَّات الَّتي ولَّت أنِّي على عهدكم لم أحل ... وعقدة الميثاق ما حلَّت وأنشدني يوسف بن صنو بن علىّ الإربليُّ، قال: أنشدني أبو إسحاق لنفسه في ذمّ الصوفيه: [من المتقارب] ألا قل لمكيِّ مقال النَّصوح ... وحقُّ النَّصيحة أن تستمع متى سمع النَّاس في دينهم ... بأنَّ الغنا سنَّة تتَّبع وأن يأكل المرء أكل البعير ... ويرقص في الجمع حتَّى يقع فلو كان طاوي الحشا جائعًا ... لما دار من طرب واستمع /13 ب/ وقالوا: سكرنا بحبِّ الإله ... وما أسكر القومً إلإَّ القصع كذاك الحمير إذا أخبت ... ينقِّزها ريُّها والشِّبع وقال أيضًا فيهم: [من المنسرح] شرُّ الورى يا أخي وأحمقهم ... تراه إن كنت عاقلاً فطنا من يدَّعي الزُّهد والصَّلاح وقد ... خالف في أمر دينه السُّننا كلُّ عتلٍّ كأنَّه وعل ... قد عظمت بطنه وقد سمنا خال من العلم شيخ طائفة ... قد صيَّروه من جهلهم وثنا دينهم الرَّقص والغناء لقد ... طغوا بهذا وفارقوا .... ما جعل الله ديننا لعبًا ... أكلاً ورقصًا وصيحة وغنا

وقال أيضًا: [من الطويل] أقول له صلني فيصرف وجهه ... كأنِّي أدعوه لفعل محرَّم فإن كان خوف الإثم يكره وصلتي ... فمن أعظم الآثام قتلًه مسلم وأنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي –رحمه الله- قال: أنشدني الخطيب أبو إسحاق إبراهيم في غلام عليه قباء أحمد: [من المنسرح] /14 أ/ يخطر في يلمق كوجنته ... أحمر قان من خالص السَّرق كأنَّه في أحمراره قمر ... قرفل في حلَّة من الشَّفق قال القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر العراقي –قاضي السلامية من أرض الموصل- في قتل الحسين بن علي- رضي الله عنه-: [من السريع] يا يوم عاشوراء أذكرتني ... مصارع الأشراف من هاشم أبكي ولا لوم على من بكى ... وإنَّما اللَّوم على اللاَّئم ما من بكى فيك أشدَّ البكا ... وناح بالعاصى ولا الآثم رزية ما قام في مثلها ... نائحة تندب في مأتم آل رسول الله خير الورى ... وصفوة الله على العالم مثل مصابيح الدُّجى عفِّرت ... وجوههم في الرَّهج القاتم رؤوسهم تحمل فوق القنا ... مظلومة شلَّت يد الظَّالم ساروا بها يا قبحها فعلة ... مثل مسير الظَّافر الغانم كأنَّما الزَّهراء ليست لهم ... أمّا ولا الجدُّ أبو القاسم قل لابن مرجانة لابدَّ أن ... تعضَّ كفَّ الحاسر النَّادم /14 ب/ محمَّد خير بني آدم ... خصمك يا شرَّ بني آدم يطلب منك الثَّأر في موقف ... ما فيه للظالم من عاصم وفيه يقتضُّ من المعتدي ... بالنَّار لا بالسَّيف والصَّارم وقوله في كبر السن: [من الخفيف]

أيُّ عيش يطيب والعمر قد أربى ... على خمسة وسبعين عاما كيف يلتذُّ في الحياة بعيش ... يتمنَّى لاقيه فيه الحماما إنَّما العيش بالشَّباب لو اشتدَّ على ... طيبه الزَّمان دواما نوَّرت فودي السٌّنون فيا ليت ضياء منحن كان ظلاما ما أرى صحَّتي على كبر السِّنِّ ... أفادت إلاَّ ضنىً وسقاما فكثيراً أقول: آه إذا رمت نهوضًا لحاجة أو قياما وإذا ما مشيت [كنت] كأنِّي ... بتُّ أحسو مع الغواة المداما صحبتني أولاد حام زمانًا ... أحصنوا صحبتي وماتوا كراما ليتهم عمِّروا وكانوا على الدَّهر لأولاد عمِّهم خدَّاما أكرم الشَّيب إنَّما تصحب الشَّيب إذا ما رأيته آثاما /15 أ/ ثمَّ من بعده تصير إلى القبر فياليته أطال المقاما وقال أيضًا: من السريع] من يتمنَّ العمر فليتَّخذ ... صبراً على فقد أحبَّائه وله: [من الوافر] إذا ما جاوز السَّبعين عمري ... بخمس ثمَّ أردفها بخمس يئست من البقاء وكيف أبقى ... وقد نعيت إلى بذاك نفسي وقد أيقنت أنِّي عن قريب ... بلا شكًّ أكون رهين رمس وكيف يلذُّ طعم العيش شيخ ... تصبِّحه المنيَّة أو تمسِّي فيا ربَّاه جد بالعفو عنِّي ... فقد فرَّطت في يومي وأمسي

[4] إبراهيم بن أبي الكرم بن المفرج القاضي، أبو إسحاق القبطي أصله من القبط ومولده ومنشأه مصر. اشتغل بالفقه والحديث، وقرأ شيئًا من العربية. وكان شاعراً مترسًلا ذا بلاغة /15 ب/ وفهم. وكان من الأسخياء، واسع المروءة، يجود بما تملك يداه. وتقدّم عندً الملوك، وحظي لديهم، وتولّى القضاء بمدينة موش وأعمالها بصعيد مصر الأدنى إلى أن توفي في شوال سنة اثنتين وعشرين وستمائة. أنشدني القاضي أبو الماثر عبد الصمد بن أحمد بن عبد الله المصري الأنصاري، قال: أنشدني القاضي أبو إسحاق لنفسه: [من الطويل] لئن كنت عن طرفي بشخصك غائبًا ... فمعناك في قلبي معي لا يفارق وشوقي لجهدي زائد وتصبِّري ... فقيد وإنِّي في الَّذي قلت صادق وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني القاضي قوله: [من الكامل] يا عتاتبي ولو انتخيت لعتبه ... كان الأحقَّ بأن يعاتب دائما والشَّخص ينسى ذنبه متعاميًا ... ويرى على عتب الصَّديق ملازما [5] إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن غازي بن عبد الله الحرّانيُّ، المعروف بابن النقيب. /16 أ/ كان من أهل الأدب والفضل، دمث المعاشرة، حسن المحاضرة. وكان كحَّالا بالمارستان الذي أنشأه مظفر الدين كوكبوري بن علي بكتكين –رضي الله عنه- ويجتمع عنده الشعراء وأهل الفضل؛ وله طبع في النظم. وكان يحاضر بالحكايات والأشعار. وكان سريع المجون، خفيف الروح. توفي بحرّان سنة اثنتين وعشرين وستمائة. أنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي يزيد التبريزي، قال: أنشدني ابن

النقيب لنفسه: [من الكامل] أشتاقكم فإذا أتى من نحوكم ... آت طفقت إليه أسأل عنكم فتسرني أخباركم ويسوءني ... إذ لم يكن معه كتاب منكم وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني إبراهيم لنفسه: [من الوافر] تعلِّلني الأمأني في هواكم ... بلقياكم فأطرب للتلاقي وأعلم أنها خدع ولكن ... تحقَّق بعض ما أنا منه لاقي أمرَّر إذ تمرُّ نوىً بفكري ... وأفرق حين أخبر بالفراق وقوله: [من الوافر] /16 ب/ لعمرك ما جفوتك عن ملال ... ولا أعرضت إلاَّ خوف مقتي لأنَّ طبائع الإنسان ليستً ... على وفق الإرادة كلَّ وقت ومن شعره أيضًا قوله: [من الخفيف] ورخيم الدَّلِّ معتدل القامة كالغصن حنَّ قلبي إليه اشتهي أن يكون عندي وفي بيتي وبعضي فيه وكلِّي عليه [6] إبراهيم بن عليِّ بن محمد بن أبي الحسن بن زيد، أبو إسحاق بن أبي الحسن البغداديُّ كانت ولادته بالسِّندية ثامن شعبان سنة ثمان وخمسمائة. وكان والده خطيبها. وكان أبو إسحاق رجلاً صالحًا دينًا متعبداً من أهل العلم والفضل وحملة القرآن وقرائه. صاحب نظم ونثر، وسمع الحديث، وقرأ على القاضي أبي زكريا يحي بن القاسم التكريتي كتاب "الناسخ والمنسوخ" لأبي القاسم هبة الله بن سلامة المفسّر، وكتاب "إفحام اليهود".

ووعظ تكريت /17 أ/ وحضر دروس قاضيها، وتكلّم عنده مراراً؛ وله أشعار حسنة. أنشدني أبو الفضل العباس بن بزوان الموصلي، قال: أنشدني أبو إسحاق لنفسه من كلمة قالها: [من الطويل] وقل لبني الإسلام والسنَّة الَّتي ... يضيء بأدنى نورها كلُّ فاحم ودواي لكم محض ومدحي لفضلكم ... وداد حميم خالص الودِّ سالم [7] إبراهيم بن الحسن بن عليِّ بن محمد بن موسى بن عسكر بن عثمان الحنشند، المعلِّم الشيبانيُّ. أخبرني أنه ولد بباورد من بلد الزعفران من بطن الجزيرة العمرية، ثم انتقل إلى الموصل، وفتح له مكتبًا يعلِّم الصبيان. مولده سنة ستين وخمسمائة. من شعره: [من الكامل] ما بات يلحاني عبيد السَّيِّد ... إلاَّ معاندة لال محمَّد ما قال: إنَّك رافضيٌّ ملحد ... إلاَّ بلهجة ناصبيًّ ملحد يا للعجائب والعجائب جمَّة ... مثلي يضلُّ ومصله من يهتدي؟ /17 ب/ وأنشدني الخنشند لنفسه باربل يمدح شرف الدين أبا البركات المستوفي –رحمه الله-: [من الطويل] وقالوا: امتدح من ولد موهوب ماجداً ... تحيَّر في أوصافه كلُّ من يقرأ أبا البركات الأريحيَّ ومن له ... يدلم تخلِّي في خزائنه تبرا فقلت وقد حيِّرت في كنه وصفه ... بأنِّي لسان أمدح البدر والجرا

[8] إبراهيم بن سليمان بن عبد الله، أبو إسحاق التيميُّ الخطيب الصرخديُّ. كان يتولّى خطابه صرخة، وأنشأ حطبًا. وكان يترسل ترسلاً جيداً. وقرأ على أبي اليمن الكندي، ويقول شعراً يسلك فيه مسلك العرب من فخامة الألفاظ. مدح الملك العادل وأولاده وأبناء صلاح الدين وجماعة من بني أيوب. وكان شاعراً فصيحًا في الإنشاد. وكان ذا فطرة صحيحة، وطبع سليم من اللحن. أنشدني الشيخ العالم تاج الدين أبو الثناء محمود بن عابد بن الحسين التميمي الصرخدي /18 أ/ بدمشق بالمدرسة المنسوبة إلى الملك العادل محمود بن زنكي –رحمه الله- في شهر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني خالي جمال الدين إبراهيم لنفسه –وذكر أنه توفي بصرخد سنة سبع عشرة وستمائة، وبلغ أربعًا وخمسين سنة-: [من الطويل] غدت والهوى نحو الحجاز يسوقها ... ونشر الخزامي والعرار يشوقها يسهل منها ذروة الحزن وخدها ... ويطوى بأنفاس الغرام سحيقها كأنَّ الثريا تنثني في حزامها ... إذا ما الصُّبا بالمسك وافى فتيقها يشقُّ ذميلاً شقَّه اللُّيل شوقها ... ويعنقها حوذانها وشقيقها ويجذبها حرُّ الجوى نحو سلعها ... ويشكو هواها بأنها وعقيقها أعاذلتي كفِّي فيهاتيك دارها ... تلوح وما ذاك الفريق فريقها معاهد في قلبي لهن معاهد ... وإن أخلفت من ساكنيها بروقها لهم منزل يرعاه أسود ناظري ... سبوح بمرجان الدُّموع غريقها

يطلُّ دفين الصَّدر شلاُّ لعيسم ... وأين استقلَّت فالفؤاد رفيقها محجَّبة نجديَّة غضوبة ... بروك إذا قام المطيُّ فنيقها ترى الشَّمس منها تحت ناصية الدُّجى ... ومأ حان من شمس النَّهار شروقها /18 ب/ وله: [من الكامل] متهلِّل يصل النَّوال ببشره ... فيظلُّ يهذي منه وجه الطَّارق كالرَّوض لم يبز ضاحكًا ... حتَّى تبسَّم فيه ثغر البارق [9] إبراهيم بن نصر بن ظافر بن هلال، أبو إسحاق بن أبي الفتح الحمويُّ. نزيل الديار المصرية. له: [من البسيط] إذا زرعت جميلاً فاسقه غدقًا ... من المكارم كي ...... لك الشَّجر ولا تشبه بمنًّ فالَّذي نقلوا ... من عادة المنِّ أن يؤذى به الثَّمر وكتب إلى بعض الأصحاب من الصعيد لطول مقامه بها: [من جزوء الكامل] من يدَّعي فيَّ الحياة يمين فيما يدَّعيه أنا ميِّت ودليله ... أن الصَّعيد دفنت فيه وله: [من مجزوء الرجز] يا مفتي العصر أما ... تفتون في قضيَّتي قتلت عمداً خطأ ... وقد وزنت ديتي وله: [من مجزوء الرمل] /19 أ/ يا زماني كلَّما حاولت أمراً تتمنع إن تعصَّبت فإنِّي ... باصطباري أتقنَّع

وله: من مخلّع البسيط] لو أنَّ كتبي بقدر شوقي ... إليك لم تنقطع ورودا وكان سلطان وجد قلبي ... ينشر في خفقها بنودا وله: [من المتقارب] بخدمتكم لم أنل طائلاً ... وميزان نقصي بكم راجح وللطَّرف من أدمعي نثره ... وللقلب من سعدكم ذابح وله: [من السريع] ما يستر المملوك في بعثه ... نزر حقير القدر إلاَّ الرِّضا وليس في الوقت ولكنُّنه ... من فاته الفرض يؤدِّي قضا وله: [من مجزوء الكامل] لمَّا علمت بأنَّ ما ... أهديه نزر القدر تافه أنفذته وهربت ما ... هذي عديَّة من يواجه وله /19 ب/ من قصيدة مرثية في علم الدين ابن الصاحب بن شكر: [من مخلّع البسيط] قلت وقد زرت قبر يحيى ... ذخري ومن كان لي ملاذا والعين كالعين ذات سحًّ ... ياليتني متّ قبل هذا! وله: [من المنسرح] لا تغترر بالذين ........... من قربهم ما لجلدهم دابغ أقمت فيهم أرجو نوالهم ... خمسين عامًا وما أنا بالغ [توفي برهان الدين المذكور في ثاني جمادى الأولى سنة ثمان ...... وستمائة –بمصر، ودفن من الغد، ومولده سنة إحدى أو اثنتين وسبعين وخمسمائة].

[10] إبراهيم بن يعقوب، أبو إسحاق الكانمي. الأديب النحويُّ الشاعر الأسود. وكانم اسم بلد بلد بنواحي غانة وهي دار ملك السودان الذين بجنوب المغرب. أخبرني شيخ الشيوخ [عبد الله بن عمر الجويني الدمشقي بها –رحمة الله تعالى-] قال: رأيته وقد قدم إلى مراكش في أيام السيد أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن. ومدح كبراء الدولة، واختلط بساداتهم، وارتزق وانتفع بجاهاتهم. وكانت العجمة في لسانه لكنه يعرب عن شعر فصيح، ولفظ /20 أ/ صحيح، ووزن مستقيم، ومعنى قويم. وكان يحفظ الجمل في النحو، وكثيراً من أشعار العرب. قال: وذكر لي أنه اشتغل في بلد غانة، وتخرج بها مع أنَّها بلد كفر وجهل، وقد تردد إلىّ كثيراً، وذاكرني وجالسني؛ إلاَّ أني لم أجد في تعاليقي حين ألفت هذا المجموع سوى هذا القدر الذي علقته. فمنه قوله يمدح أبا إسحاق إبراهيم بن يعقوب. وكان قد انقطع إليه، ولازمه وحسده قوم من أصحابه على ذلك: [من البسيط] ما بعد باب أبي إسحاق منزلة ... يسمو إليها فتى مثلي ولا شرف أبعد ما بركت عيسي بساحته ... وصرت من بحره اللجِّيِّ أغترف همُّوا بصرفي وقد أصبحت معرفة ... فكيف ذلك وأسمي ليس ينصرف يعني إبراهيم. وقوله يخاطبه على عادتهم في المخاطبة بلفظ الجمع، ويذكر السواد، وأنشده لنفسه: [من الطويل]

سمعت بأن تهدي الطَّرائف نحوكم .... فسقت وليداً شاعراً وهو أعجم وإنَّ الجياد الشُّقر أسبق خيلكم ... فهاك طمَّرا سابقًا وهو أدهم /20 ب/ وله يتغزل ..... زوجته التي زوجها به بعض السادة: [من البسيط] غيرى عليكن يا زهراء يصطبر ... لأنَّ صبري على ذاك الهوى صبر لوني بلونك من دان إذا أجتمعنا ... كما يزين سواد المقلة الحور وإن شككت فقيسي قيس تجربة ... ففي أختبارك ما ينسى به الخبر ولا يسؤك من الأغماد حالكهاً ... إذ كان كامنها الصَّمصامة الذَّكر وقال: وأنشدني له محمد بن محمد بن خميس: [من البيسط] وقائل لم لا تهجو، فقلت له ... لأنَّني لا أرى من خاف من هاجي فليس ذم كرام النَّاس من شيمي ... وليس ذمُّ لئام النَّاس منهاجي قال: وأنشدني مذاكرة لما دخلت إلى السيد يعقوب بن إبراهيم بن يعقوب، أنشدت: [من الوافر] أزال حجابه عنِّي وعيني ... تراه من المهابة في حجاب وقرَّبني تفضله ولكن ... بعدت مهابة عند أقترابي وأنشدني شيخ الشيوخ، قال: أنشدني /21 أ/ الكانمي لنفسه –من أبيات- في السواد: [من البسيط] بكلِّ لون ينال المرء سؤدده ... مهما تجرَّد من أخلاقه السُّود [11] إبراهيم بن سليمان بن حمزة، أبو إسحاق القرشيُّ الدمشقيُّ الكاتب. شاعر مجيد حسن الخط والكتابة من أرباب الفضل والتّميز.

أنشدني أبو الفضل [العباس بن بزوان بن طرخان] الموصليّ، قال: أنشدني إبراهيم بن سليمان لنفسه يمدح الملك الأشرف مظفر الدين أبا الفتح موسى بن العادل أبي بكر بن أيوب بن شاذي –رحمه الله تعالى-: [من البسيط] رام العواذل إصلاحي وما شعروا ... أنَّ الهوى جمرة بالعذل تستعر باتت تنمِّق لي من زورها عذلاً ... كأنَّه في حواشي مسمعي إبر وتستقل الَّذي ألقى وقد علمت ... أنَّ الغرام الَّذي استعذبته صبر يا راقي الدَّمع إنَّ العين في فرق ... يا راقد اللَّيل قد أدوي بي السَّهر من مسعدي من عذيري من هوى رشًأ ... خاطرت بالنَّفس فيه والهوى خطر ما كنت أحسب أنًّ الحبَّ يملكني ... وأن ليث الشَّرى يصطاده النَّظر /21 ب/ إن أومض البرق من شرقيِّ كاظمة ... باتت مدامع من عينيك تبتدر يجدُّ لي خطرات الشَّوق ذكركم ... الله ما تصنع الأشواق والذِّكر إذا اللَّيالي بما نهواه كافلة ... والعيش رطب وإذ غصن الصِّبا نضر لياليًا كنَّ عمر الدَّهر فانقرضت ... عنَّا وللهَّو في أبنائه عمر ويوم لهم ظللنا ساجدين له ........... الكأس لمَّا أذَّن الوتر ويوم وجد وصلناه بليلته ... يكاد يقبس منه الجمر والشَّرر حتَّ بدت غرَّة الإصباح تلمع في ... مهلهل النَّسج في أذياله قصر كأنَّها يد موسى أو تبسُّمه ... أو ضوء غرُّته والنَّقع يعتكر شاه أرمن بن أبي بكر أعم ملوك الأرض جوداً إذا لم يورق الشَّجر قالت سليمى وقد جدَّ الرُّحيل بنا ... عنهأ فدمعتها في الخدِّ تنحدر حتَّى م ترحل أنضاء المطيِّ ولا ... ي، فكُّ غرمك مقرونا به سفر يا هذه إنَّني آو إلى ملك ... تشاركت في نداه البدو والحضر ليست لغير النَّدى والباس همَّته ... لله والمجد ما يأتي وما يذر ترى الوفود إلى أبوابه زمراً ... أمامها زمر وخلفها زمر حتَّى إذا وردوا ساحاته نزلوا ... بماجد يهب الدُّنيا ويعتذر

/22 أ/ أفعاله غرر في المجد واضحة ... بيض وأيَّامه في دهره غرر ماضي الشَّباه له يومان يوم ندًى ... ويوم بأس كلا يوميه مشتهر لو أنَّه رام فوق الشمس منزله ... ما عاق عمَّته عجز ولا خور لو طاولته يد الأيَّام طاولها ... عبل الذِّراعين ما في باعه قصر بذَّ الملوك ومأ يألون في طلب ... ففي أعنَّتها عن قصده زور تكبو السَّوابق في آثار عزمته ... والجدُّ منها وفيها القيق والضمر جمُّ النَّوال يعمُّ النَّاس نائله ... كفَّاءه تفعل ما لا يفعل المطر أعطى فلم تخل كف من مواهبه كالبحر يلفظ في اعباره الدُّرر تبيت أعداؤه منه على حذر ... هيهات ينفع منه الخوف والحذر في كلِّ ثغر نذوب من وقائعه ... حتَّى اللَّيالي بها من مسِّها أثر يغدو أمام الخميس المجر يقدمه ... كأنَّه فيه ليث الغابة الهصر مسدَّد الحزم ماضي العزم يصحبه ... أنَّي سرى أو أقام النَّصر والظَّفر يا ربَّ حومة حرب قد نقعت بها ... صدى السُّيوف ونار الحرب تستعر مهما الصَّوافن حيرى والكمأة لقًى ... والمضرفيَّة كلمى والقنا كسر والنَّقع أسفع والأبطال عابسة ... والبيض .......................... /22 ب/ وكنت أشجع من يلفى وأكرم من ... يسمى وأفضل من ينمى ويفتخر يجلو الخطوب إذا أسودَّت غياهبها ... كما يجلي مراد الظُّلمة القمر يروق رائيه منه منظر حسن ... يلقاه أحسن منه حين يختبر باتت تمثِّل لي فيك المنى أملاً ... فسرت نحوك لم ينفذ بي الطير يا دهر ويحك نكِّب عن محاربتي ... إنِّي بني أيُّوب منتصر الأشرف القمر الملك الَّذي حسدت ... مقامه في السَّماء الأنجم الزُّهر وزاد فضلاً بني أيُّوب أن كرموا ... في النَّاس أصلاً وطاب الظِّلُّ والثَّمر عجبت من ظمأ إن جرت بي هممي ... على موارد ماء صفوها كدر سارت إليك وآمالي أزمَّتها ... يقتادها الجود لا الأرسان والعذر يحملن كلَّ بديه النَّسج مطَّرد ... يهدي إليك ثناء نشره عطر كأنَّه روضة جاد الوليُّ بهاً ... حتَّى تأرَّج من أكمامها الزَّهر

لا يضحك الدَّهر يومًا عن بنيه رضًا ... إلاَّ إذا ابتسمت عن مجدك اليِّسر دأمت بغرَّتك الأيَّام مشرقة ... إنَّ الزَّمان إليك اليوم مفتقر تطول السننا حتَّ إذا قصرت ... إلى مداك ثناها العيُّ والحصر مأكلُّ ذي خطر يسمو إلى مدحي ... وهنَّ دونك يا من دونه الخطر /23 أ/ ألبست كلَّ وليًّ نعمةً غبطت ... وإنَّني بالولاء اليوم مشتهر يا خير من صدرت عنه الوفود ومن ... يثني الورود على جدواه والصَّدر لا أسأل الله شيئًا غير مغفرة ... وأن يجيرك من مكروهه القدر [12] إبراهيم بن دنينير الموصليُّ. أنشدني القاضي السعيد بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم الخشاب –أيده الله تعالى- قال: كتب إلى ابن دنينير هذه الأبيات لنفسه: [من البسيط] أبا محمَّد المرجوَّ نائله ... أصبحت منك على أمن من العدم قد خالطت منك نعماك الَّتي شملت ... وفرط حبِّك منِّي أعظمي ودمي فاليوم لا أتخشى وقع حادثه ... من صرف دهري ولا من جور منتقم لي منك ما لم أزل أزهى به فرحًا ... من احترام وإكرام ومن نعم أضف إليها قليلاً من مساعدة ... بجاهك العامر الموفي على الهمم وأكتب كتابًا أفز بالنَّقع منه كما ... تفوز منه بحسن الذِّكر في الأمم [13] إبراهيم بن عيسى بن درباس /23 ب/ أبو إسحاق المصريُّ المارانيُّ. كانت ولادته بالقاهرة في شوال سنة إثنتين وسبعين وخمسمائة، ونشأ بمصر.

كان من أهل الحديث الذين رحلوا في طلبه [إلى] البلاد، وكتب منه شيئًا كثيراً، وسمع المشايخ، ولقي العلماء. وكان شافعي المذهب؛ إلاَّ أنه كان يطعن على أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، ويقع فيه. له من أبي طاهر السلفي إجازة معيّنة في شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وخمسمائة. وخبرت أنه دخل بلاد الهند، وسكن مدينة من أعمالها تدعى "نهر وألا"، وحصل لديها رزق واسع وثروة وافرة؛ وهو مقيم بها. أنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي، قال: أنشدني الماراني لنفسه: [من البسيط] حكمت يا دهر في أمري بإفراط ... وما عدلت إلى عدل وإقساط إنِّي وقد طرحت أيدي النَّوى جنفًا ... جسمي بحمص وروحي ثغر دمياط ومما كتبه إلى القاضي زين الدين ابن الأنصاري، وأنشدنيها الشيخ شمس الدين أبو الطاهر إسماعيل /24 أ/ ابن سودكين بحلب في شهر ربيع الأول سنة أربعين وستمائة، قال: وقد زاره ابن الأنصاري المذكور وولده عشية الجمعة ببستان كمال الدين؛ وتفضل ووعد أن يزوره فيه في الليالي المقمرة من كل شهر ويبيت فيها: [من البسيط] أفدي الَّذي زارني من غير موعدة ... فعادلي الرَّوح لمَّا زار والفرح أكرم به مالكًا أهدى بزورته ... كلَّ السُّرور وزال الغمُّ والتَّرح فلست أحصي الَّذي أسدى بزورته ... من الجميل وما زالت له المنح لم أبلغ الفضل من إكرام حضرته ... بما يليق له فأهتاج بي كلح لولا أعتمادي على علمي مودَّته ... لكنت من خجلي والله أفتضح أتاحه الله في الإسعأد منزلة ... ينال منها الَّذي يبغى ويقترح وكتب إلى المذكور يستنجزه ما وعده من الزيارة: [من الطويل] أيا راكبًا يبغي منازل جيرتي ... ويمَّم في مسراه دار أحبَّتي ألا حيِّ أهل الحسِّ عنِّي تفضُّلاً ... وعرِّفهم بالله يا سعد قصَّتي /24 ب/ عساهم إذا أخبرتهم بقضيَّتي ... يغشونني منهم بعطف ورحمة

ألا حيِّ زين الدِّين أوفي تحيَّة ... وبلَّغ جمال الدَّين أيضًا تحيَّتي وقل لهما إنَّ الوداد بحاله ... وحقِّكما حتَّى أوسَّد حفرتي ولست بناس فضلكم وجميلكم ... عشيَّة ما كنَّا جميعًا وجمعة وقد وعد المولى بعود جميله ... وإسعافه في المقمرات بزورة وقد شخصت منَّا العيون لصوبكم ... تراءى هلال الوصل منكم وحقت فإن غبتم فالقلب فيكم معذَّب ... وإن عدتم عادت إلى مسرَّتي فبادر فليس الأنس دونك حاضراً ... وما نزهة إن غبت عنَّا بنزهة ولا زلت يا مولاي تسدي جميلة ... ولازلت يا مولاي سلك أحبتَّي وكتب إليه أيضًا: [من الخفيف] لا تلمني على الولا يا جاري ... أنا عبد لسيِّد الأنصار هو خلِّي وسيِّدي ونسيبي ... ورفيقي في أشرف الأسفار وصديقي من مكتبي ثم جاري ... في حقوق تجلُّ عن إحصار فأجبني يا سيِّدي عن مقالي ... ببلال من بحرك الزَّخَّار وكتب إلى كمال الدين، وقد بالغ في إحسانه: [من الطويل] /25 أ/ ملكت كمال الدِّين رقِّي وإنَّني ... لأفخر أن أصبحت أدعى بعبدكا وما زلت بالإحسان حتًّى ملكتني ... فلا زلت مملوكًا ولا زلت مالكا رواي هذه الأبيان عن قائلها شمس الدين إسماعيل بن سودكين. [14] إبراهيم بن محمود بن أحمد بن حمزة بن أبي عليًّ، أبو إسحاق الشيرازيُّ، المعروف بابن الميراثيِّ. نسبة إلى الميراث. كانت ولادته ليلة الاثنين سادس صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة. كان فقيهًا عالمًا أصوليًا شاعرًأ؛ وهو من أبناء الرؤساء، وبيتهم أكبر بيت بشيراز. أنشدني أبو الفتح محمد بن بدل التبريزي –رحمه الله- قال: أنشدني إبراهيم بن محمود الميراثي لنفسه جواب كتاب ورد عليه من بعض أصدقائه: [من الوافر]

أحبُّ إلىَّ من نفس الصَّباح ... وأشهى من ملاقاة الصِّباح وأطيب رشفة وألذُّ طعمًأ ... من الصَّهباء بالماء القراح /25 ب/ كلام من نواحيكم أتاني ... ألا يا حبَّذا تلك النَّواحي ألا أبلغ تحيَّاتي وشوقي ... أباك القرم ذا الكرم الصُّراح فإنَّ أباك خير الخلق خلقًا ... وأعلمهم بأسباب النَّجاح مواليَّ أذكروني في دعاء ... فإنَّ دعأكم أمضى سلاح فلا تنسوا لدى الطَّيران طيراً ... غدا في الفخِّ منكسر الجناح وأنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي –رحمه الله تعالى- قال: أنشدني ابن الميراثي لنفسه: [من الطويل] حياءً فما بعد المشيب غرام ... وصحواً فما بعد الصَّباح منام أعد نظراً في الدَّهر تبصر صروفه ... لوامع آل ما لهنَّ دوام وله: [من الكامل] هل للفؤاد من الغرام مخلِّص ... أم جور ذات الخال يومًا ينقص لا بل تمادى في الكمال كلاهما ... فالقلب بين الحالتين منغَّص وقال: [من الكامل] دار حللت بها وأيَّة دار مغنى النُّجوم ومنزل الأقمار /26 أ/ مرَّت بنا فإذا رأتني أعرضت ... حذراً من الرقباء والنُّظَّار ومنها: نظرت فلاح ضميرها في عينها ... إن العيون طلائع الأسرار [15] إبراهيم بن المظفر بن إبراهيم بن محمد بن عليّ بن سلمان، المعروف بابن البرنيِّ، أبو إسحاق بن أبي منصور الموصليُّ المولد، البغداديُّ المنشأ والأصل.

رأيته شيخًا قصيراً نقي الشيبة، ضعيف العينين. كانت ولادته في أيام التشريق من سنة ست وأربعين وخمسمائة. وتوفي بها أول يوم من المحرم سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ودفن غربها ظاهر البلدة بمقبرة المعافى بن عمران –رضي الله عنهما- إلى جانب الشيخ عمر بن محمد بن الخضر الملّاء الموصلي. وكان واعظًا فقيهًا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل –رضي الله عنه- وسمع الحديث الكثير على مشايخ دار السلام؛ كأبي محمد بن الخشاب النحوي، وأبي الفرج ابن الجوزي، وعبد المغيث بن زهير الحربي، وغيرهم من شيوخ الحديث. واشتغل بفن الوعظ وبرع فيه. /26 ب/ وكان يعظ الناس. نزل الموصل وسكنها، واتصل بأبي القاسم علي ابن مهاجر الموصلي، وفوَّض إليه دار الحديث التي أنشأها بباب سكّة أبي نجيح، وانتفع بصحبته واشتهر اسمه. وكان يسمع الحديث بالدار المذكورة ويفتي على المذهب الأحمدي. وصنَّف مصنفات كثيرة، وله أشعار ساقطة. شاهدته مراراً عدّة، وحضرت مجلس وعظه، ولم يتفق لي الرواية عنه. أنشدني تلميذه محمد بن منصور بن دبيس الموصلي، قال: أنشدني أبو إسحاق ابن البرني لنفسيه: [من المجتث] لا تشغلنك خلوب .... بذات فرع أثيث عن التشاغل بالفقه واستماع الحديث فالعلم خير قرين ... مستصرخ ومغيث

فلا تبعه بجهل ... ما بليت كحيث وأنشدني أبو علي الحسن بن محمد بن يحيى بن شمير الموصلي، قال: أنشدنا ابن البرني لنفسه، يرثي الأمير مودود /27 أ/ ابن المراق ويعزّي أخوته وأقاربه: [من الخفيف] طال يومي وطال بي التَّسهيد ... منذ قالوا: أودى الفتى مودود واعترتني وساوس شيبتني ... لو درى بعضها لشاب الوليد راعنا بالفراق وهو الودود ... وارتعى جانبيه ترب ودود وفقدنا لفقده لذَّة العيش فصبر الصَّبور منَّا فقيد غائب غاب ماله من إياب ... خاب فيه الرَّجاء ليس يعود وهي طويلة. [16] إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عليّ بن نصر الله، أبو إسماعيل المعروف بابن دنينير الموصليُّ اللخميُّ ثم القابوسي. من أهل الموصل. هكذا قرأت نسبه بخط يده.

رأيته غير مرة. كان شابًا أشقر مشربًا بحمرة، مقرون الحاجبين، جميل الصورة؛ وله منظر. اشتغل بشيء من الأدب على أبي الحرم مكي بن ريان النحوي، وكتب خطًّا حسنًا. وعرف علم النحو معرفة جيدة، وفهم حلّ التراجم، وقال الشعر، ورحل به إلى الملوك؛ إلاَّ أنه كان /27 ب/ رديء الاعتقاد، يتهاون بالدين والصلاة، ويطعن في الشريعة والإسلام، ويتظاهر بالإلحاد والفسق، ويصرُّ على شرب الخمر. وكان مع ذلك بغيضًا إلى الناس، ممقوتًا عندهم لما يرونه سالكًا طريق القبائح والأشياء المنكرة. سافر إلى الديار المصرية والبلاد الشامية، وامتدح جماعة من ملوكها وكبرائها. وبلغني أنه قتل سنة سبع وعشرين وستمائة؛ وسبب ذلك أنَّ بعض ما كان يخالطه عثر له على أوراق تتضمن كلامًا ردئيًا في حقّ الله -سبحانه وتعالى- ما يوجب قتله، وأهاج في الملوك وكفريات. فأخذ الملك العزيز عثمان بن الملك العادل وصلبه بالصبيتة- قلعة قريبة إلى بانياس. رأيته غير مرّة بالموصل، ولم آخذ عنه شيئًا لقلّة اهتمامي بهذا الشأن. ووجدت له قصيدة بخط يده، قالها في الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب صاحب حلب -رحمه الله- وأنشدنيها عنه أبو القاسم بن أبي النجيب /28 أ/ ابن أبي التبريزي، قال: أنشدني دنينير لنفسه: [من البسيط] لولا تذكُّر عهد بالحمى سلفا ... ما فاض دمعي على ربع ولا كفا ولا سقيت ربى الجرعاء من إضم ... دمعًا غدا يوم سار الحيُّ منذرفا كم لي أكتِّم أشواقي ويظهرها ... سقم برى أعظمي يوم النوى أسفا وفي الهوادج لي شمس إذا برزت ... يظلُّ منها جبين الشَّمس منكسفا لولا النَّصيف يواري من أشعَّتها ... لما رأيت بمرأى وجهها سدفا ولو بدا ثغرها يومًا رأيت له ... برقًا تألَّق للأبصار مختطفا

ومقلتاها وخدَّاها وطرَّتها ... لخلت في الوجه منها روضة أنفا حتَّى نأت فغدا لي من قطيعتها ... وبعدها سببا قتل قد اختلفا ألفتها ونأت عنِّي فرحت به ... حلف الضَّنى والمعنَّى كلُّ من ألفا لا ارتضي عيشتي من بعدما ما تركت ... يد النَّوى بدني طول المدى دنفا أبكي دمًا بعد تفريق الفريق أسى ... من بعدهم وكفى جفنيَّ ما وكفا يا ذا الملامة فيهم لم تعنِّفني ... إنَّ الصَّفا لو رأى حالي بهم لصفا دعني أكابد برح الحبِّ في كبد ... جرى وأندب ربعًا قد خلا وعفا وأستقلُّ بعبء لو تحمَّله ... رضوى لأوهاه حتَّى كلَّ أو ضعفا /28 ب/ كشفت ستر هواهم بألصُّدود كما ... غازي بن يوسف طرق الجود قد كشفا ملك إذا عدم الأجواد كلُّهم ... كانت فضالة ما يولي لهم خلفا تنقَّل الجود لم يبلغ لدى أحد ... مدى فحين تناهى عنده وقفا لطف ينيلك ما ترجو ويكنفه ... بأس فؤاد اللَّيالي منه قد رجفا في كلِّ يوم يرى من فيض أنعمه ... ما لا رأى مثله جوداً ولا عرفا قالوا: غدا الكرم الموصوف منه يداً ... لما أستعدَّ به يومًا ولا وصفا أستودع الله من سارت ركائبه ... عنِّي فأودعني من بعده أسفا جاد الزَّمان على حين برؤيته ... وكان مثل خيال في الكرى خطفا أمر عيشي منَّاه وكدَّره ... من بعد ما كانً فيه قد حلا وصفا فرحت أوسع دهري من جوى وهوى ... حمداً وذمًا لما أولى وما اقترفا يا ابن الملوك الألى لولا مآثرهم ... لم يوجد الجود مأثوراً ولا عرفا الباذلي عرفهم والسَّحب مخلفة ... والمانهي جارهم والدَّهر قد جنفا ما أشرفت من هضاب المجد منزلة ... إلاَّ تعالوا على هاماتها شرفا فرَّقت وفرك في الدُّنيا فعاد وقد ... أعاد مجدك موعوداً ومؤتلفا ذكاءك الصُّبح إن ليل الشُّكوك دجا ... وبأسك الجار أن رسم الجوار عفا /29 أ/ إن يدَّعي الفخر أقوام فحقُّكم الموروث متَّلداً منه ومطَّرفا ألست من معشر نادت مكارمهم ... في النَّاس إنَّ محيَّا الجود قد كشفا من آل أيُّوب حيث الملك منسبل ... والحمد مغتنم والظِّلُّ قد ورفا

قوم إذا أسرفوا في البذل من كرم ... لم يتبعوا منَّهم بذلاً ولا سرفا فلوقفت حادثات الدَّهر نهجهم ... لم يختلف في مجاريها ولا اختلفا أدنيت حظِّي إذ أدنيت منزلتي ... فعاد عنِّي صروف الدًّهر قد صرفا كلفت بالجود إذ لم تلف مبتهجًا ... بغيره وجدير أن ترى كلفا لا تنكرن فيك أيَّامي على بخل ... وأغفر [فديتك] ذنبًا عندها سلفا فأمدد إلى بعين العفو عن زللي ... فأنت ممَّن إذأ استغوى الجهول عفا فما تخلَّفت عن توديعكم طمعًا ... في أن أرى من زماني عنكم خلفا وكتب إلى الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي –رحمه الله تعالى-: [من الطويل] أيا شرف الدِّين الَّذي سوق مجده ... بمعروفه بين البريَّة نافق ويا من عطاياه إذا ضن بالنَّدى ... تقصِّر عنهنَّ الغيوث الدَّوافق إذا شمت برقًا من جميل خلالكم ... شممت لكم عرفًا له المجد فاتق /29 ب/ لئن كان شكري في معاليك صامتًا ... فعذري بعجزي عن صفاتك ناطق وما غاية المثني وفيك خلائق ... تقصِّر عن أوصافهنَّ الخلائق وقال: [من السريع] قابلني ليلة قبَّلته ... ظبيٌّ من الشَّمس غدا أملحا طيب نسيم بين أنيابه ... لو رقد المخمور فيه صحا [17] إبراهيم بن عليِّ بن محمود بن هبة بن أحمد بن يوسف بن أبي طالب بن عبد الرحمن بن عليّ، أبو إسحاق الكفر عزّيُّ الإربليُّ. ابن عمِّ القاضي أبي محمد جعفر بن محمد بن محمود الكفر عزّيِّ.

حدثني الصاحب أبو البركات في تاريخه، قال: توفي أبو إسحاق بإربل ليلة الجمعة تاسع شهر رمضان سنة عشرين وستمائة. ووصى أن يحمل إلى كفر عزّة ويدفن بها ومولده كان فيها- فحمل ودفن بها. ثم قال: وذكر لي القاضي أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الكفر عزّي: أن عمره خمس وثمانون سنة. وأنشدني الصاحب أبو البركات، قال: أنشدني أبو إسحاق /30 أ/ لنفسه: [من الطويل] لعمرك ما فعل الأسود إذا أعتدت ... ولا السمهريَّات العوالي ولا الظُّبا كما تفعل الأشواق في قلب وامق ... إذا حنَّ يومًا للمعالم أو صبا [18] أنشد هذه القصيدة القاضي السعيد العالم جمال الإسلام شرف السادة بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب، قال: أنشدني إبراهيم بن علي الإربليّ لنفسه: [من الوافر] لئن صدقت سعاد في المقال ... ولجَّت في القطيعة والدَّلال ونفَّرها مشيبي فاسترابت ... وكانت لا تحيد عن الوصال ولم أصل الخرائد كاعبات ... وقد غفل الرَّقيب عن السُّؤال خليَّ القلب من فكر وهمًّ ... يقلقلني ومن داء عضال وما ترك المشيب عليًّ حالاً ... تميل إليه رَّبات الحجال فمأ أخشى إذا ما كان عوني ... بهاء الدِّين من غير اللَّيالي فتى كالبدر يزهو حين يسمو ... ليالي تمِّه عند الكمال /30 ب/ تصدَّى للعلا مذكان طفلاً ... وها هو بالعلا والمجد حالي يجلُّ عن القياس بكلِّ فنًّ ... ويكبر أن يمثَّل في مثال ولو جاراه حاتم في نوال ... كبا من حيث يجري في المجال له همم تجلُّ عن العوالي ... وتزري بالمهندة الصِّقال

أمين الملك في الأشياء جمعًا ... صدوق في المقال وفي الفعال له قلم به الأرزاق تجري ... وفي الأعداء تجري بالنَّكال تخال مداده سم الأفاعي ... وشقَّة رأسه حدَّ النِّصال فقد يغني عن الأسياف فيما ... يشطِّره وعن سمر العوالي إليه شددت أكوار المطايا ... مجنِّحة لسيري وأرتحالي وليس إلى سواه مددت كفّا ... لأنَّ على مكارمه أتِّكالي أمولانا بهاء الدِّين خذها ... مهذَّبة كنظم بالَّلآلي يروق النَّاس مسمعها بلفظ ... على الأسماع كالماء الزُّلال بلا كدر ولا نظم يشيهًا ... ولا مضمونه طول المطال وعلمك أيُّها المولى بأنِّي ... كما تختأره العبد الموالي لمجدك بعد حيدرة وسبطي ... رسول الله والتِّسع التَّوالي /31 أ/ ولست لغيرهم أهوى ولكن ... مدارة الزَّمان على الرِّجال ولا برحت نجومك في سعود ... ولا أذنت سعودك بانتقال [19] إبراهيم بن عمر، أبو إسحاق الجزريُّ، المعروف بابن الزرقاء. من أهل الجزيرة العمرية. كان يعلّم الصبيان ويتردد إلى الأمراء يعلّم أولادهم الخط. وكان يكتب الخط الحسن، ويقول شعراً طيبًا سهلاً؛ يضمنه المجون والهزل، ويعرف الحكايات النادرة. ويحضر مجالس الكبراء والصدور، ويقبلون عليه ويكرمونه لظرفه وحسن محاضرته، ويتنافسون فيه لدماثة أخلاقه. وكان مع ذلك حافظًا للقرآن الكريم، ذا دين متين وخير وصلاح، مغرًى بالزواج لا يصبر عن ذلك.

أنشدني الأمير أبو المفاخر بدران بن فتوح بن سلطان العقيلي بمحروسة حلب –بخانكاه القصر- وكان وردها رسولاً في سنة سبع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن عمر المعلم الجزري لنفسه ما كتبه إلى والدي /31 ب/ وكان قد أحاله بشيء من النفقة على غلام له اسمه أحمد فعوّقها عليه: [من مجزوء الرجز] يا من رقى إلى العلا ... والمجد أعلى طبقه ومن ترى غرَّته ... مثل الهلال مشرقه إعلم بأن أحمداً ... هذا النَّقيف العنفقه لحاله تعلمها ... عوَّق عنِّي النَّفقه وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني المذكور لنفسه، وقد أحضرته زوجته إلى مجلس القاضي وشكت منه ما يضع في حقّها: [من الكامل] يا سيِّدي القاضي ويا زين الورى ... لي زوجة وأريد منك تصكُّها آتي لها في كلِّ يوم بكرةً ... رأسين من قبل الصَّباح تفكُّها والظُّهر آتي الدَّار أطرح عندها ... رطلين من سمك تقوم تحكُّها وشرائحًا ... في سفُّودنا ... عند العشاء تقوم فيه تشكُّها وإذا أتانا اللَّيل أضرب خرقها ... حتَّى الصَّباح وبعد ذاك أبكُّها وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أبو إسحاق لنفسه /32 أ/ من أبيات: [من المتقارب] تزوَّجت إمرأة مغنيه ... وكانت بطلعتها مفتنه ولكنَّها عند شغل يكون ... تقاصر عنه وتبدي السِّنه وبعد ذلك هذا البيت مضمَّن: دعوه فقد ساء تدبيره ... سيضحك يومًا ويبكي سنه

[20] إبراهيم بن أحمد بن صبح، أبو محمد البغداديُّ، المدعو بالمعين الصوفيُّ، ويعرف بابن غزالة. استقر مقامه بمدينة حلب وتدبيرها، وأولد بها. وكان دلاّل الكتب، ومعيشته منها؛ وله شعر طيِّب يصدر عن طبع صحيح فيه سهولة. وكان نازلاً بخانكاه القصر- وله فيها جراية ونصيب، تصل إليه في كل يوم كعادة الصوفية، فتولّى الخانكاه رجل يرف بالمخلص بن شمس الرؤساء فأظهر السياسة، وكلّف المتصوفة الذين هم مقيمون في الخانكاه الملازمة ومنعهم /32 ب/ من الخروج، وشرط عليهم أن لا يخرج أحد منهم. وإذا أردا أحدهم حاجة أنفذ الفراش فقضاها، ومن تعدّى هذا الشرط يهان ويؤدّب؛ فثقل ذلك على الصوفية وامتعضوا منه، وضاق عليهم هذا الأمر الذي سامهم إليه. وكان المعين له عيال لم يمكنه الملازمة والدخول تحت هذا الشرط لأجل عياله والتكسب لهم في تحصيل ما ينفقه عليهم؛ ورأى أنَّ الأمر قد اشتدّ وأن لا مخلص له منه. نهض وطوى سجادته، وحمل قماشه من الخانكاه، وخرج منها إلى منزله، فأنشأ قصيدة يذكر فيها شرح أحواله وأنفذها إلى السلطات غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب –رحمه الله- فأنشدت بين يديه فاستملحها، وأمر له بخمسمائة درهم، خلعة حسنة وجبة وبقيار ورسم أن يلبسه الخلعة بيده المخلص بن شمس الرؤساء، وأني جريه على ما كان عليه، ويبسط سجادته في الخانكاه. وكانت وفاته في سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين وستمائة بحلب، والقصيدة أنشدنيها /33 أ/ أبو عبد الله محمد بن عثمان بن أبي نصر البغدادي الصوفي بخانكاه القصر- تحت القلعة المحروسة- يوم الاثنين الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أخي لأمي أبو محمد إبراهيم بن صبح البغدادي الصوفي لنفسه: [من المنسرح] يا أهل بغداد عندكم خبري ... تبت عن الرُّبط وانقضى وطري لا مللاً ملت عن جوانبها ... ولا تألَّمتها من الضَّجر

وكيف أسلو عمَّن ربيت بها ... رضيع ثدي الآيات والسَّور وطال والله ما خلوت بها ... أجمع شمل العشاء بالسَّحر مع فتية راقبوا الدُّجى زمنًا ... حتَّى صفوا عن مآثم البشر على السجاجيد ساجدين كما ... ينقضُّ شهب السَّماء بالشَّرر صاحبت منهم كلَّ ابن منجبة ... يسقي رياض الإيمان بالخفر إذ كنت في صحبة الشِّهاب أبي ... القاسم شيخ الشُّيوخ في سفري وخرقة الأصل من تبرُّك ركن الدِّين قد فصِّلت على قدري وكم حملت الزَّبيل مجتهداً ... أكبر نفسي في البدو والحضر أنا المعين الصُّوفي وآبائي ... بدِّلت بعد الصَّفاء بالكدر /33 ب/ قد كنت إذ نغَّم المشبِّب بالزِّير وغنَّى اللَّطيف الجزري أدور مثل الدُّولاب في فلك الوجد وخبري ينبيك عن خبري يا أهل ودِّي القديم في خانكاه ... القصر ما زاغ عنكم بصري فهل كريم الطِّباع يقبل إن ... أمكن فيما أقول من عذري ولي عيال إذا تأملهم ... إنسان عيني يغني عن النَّظر مثل فراخ القطا إذا درجوا ... أحنوا عليهم من شدَّة الحذر إن عشت عاشوا أو متُّ في دعة ... حياتهم تستمدُّ من عمري فارثوا ..... له المخاليف في القفصة ..... أشمط الشَّعر ......................... ............ في أثري إن طالبتني بالنَّظم قلت لها ... مستتراتي في السَّمت فاصطبري تقول لي لم منعت عن خانكاه القصر هل زلَّة على كبر فقلت لا والَّذي يطيل لك العمر وحقِّ المبعوث من مضر ما ملت عن مذهب الكتاب ولا السُّنَّة مع قينة ولا وتر بل قيل لي: هي الجنَّة الفيحاء ... فاخرج منها إلى سقر ألا تقنًّعت بالنِّعال وما ... يجمل لبس القناع بالبقر /34 أ/ يا أم خضف إن كنت صاحبتي ... لا تعتبي للزمان واعتبري قال: بغازي بن يوسف الملك الظَّاهر تكفي مؤنة الحذر

أمم علاه حتَّى ترى ملكًا ... يغنيك في دسته عن القمر كالبحر حدِّث عنه ولا حرج ... وهو بحار الأخبار والسِّير [21] إبراهيم بن عيسى بن المعلَّى بن مسلمة، أبو إسحاق الرافقيُّ. شاعر فاضل. وكان والده من كبراء أهل الأدب والفضل؛ وسيأتي شعره مكانه من هذا الكتاب. وكان حيًا في سنة خمس وستمائة. صار إلى ديوان والده، وقد رتبه إبراهيم هذا وشرح ما فيه من الأمثال العربية والألفاظ اللغوية؛ كل ذلك يسنده إلى والده. وحدّثني القاضي أبو القاسم بن أبي جرادة، قال: قدم أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى حلب بعد الستين والخمسمائة، ومدح جماعة من أكابرها وأماثلها، وأنشأ خمسين مقامة. وفيها من نظمه قوله: /34 ب/ لا يأمن الدَّهر خلق في تقلُّبه ... فالدَّهر بالسُّوء والمكروه دوَّار أعزَّ قومًا لئامًا لا خلاق لهم ... وذلَّ فيه بحكم الله أحرار وصار ذو العسر فيه موسراً صلفًا ... وعاد فيه لدى الإيسار إعسار وقال أيضًا مما ضمنها المقامات: [من الخفيف] إسأل العرف إن سألت جواداً ... لم يزل يعرف الغنى واليسارا ليس إجلالك الكبار بذلًّ ... إنَّما الذُّلُّ أن تجعلَّ الصِّغارا ومن شعره أيضًا فيها: [من السريع] نحن الألى ما أمَّنا قاصد ... يرجو النَّدى إلاَّ منحناه ولا أتانأ خائف يشتكي ... إلاَّ أزلنا عنه شكواه

[22] إبراهيم بن عمر بن عبد الله، أبو إسحاق الموصليُّ. المعروف والده بالقاتل، والدنبليِّ أيضًا ولم يكن دنبليًا، وإنما كان يتولّى خدمة الدنابلة وأشغالهم وقضاء حوائجهم فنسب إليهم. وابنه أبو إسحاق /35 أ/ هذا كان شابًا ضريراً، شيطانًا مريداً. استوطن مدينة حلب، وتديَّرها إلى حين مماته بها في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وقد نيّف على الثلاثين بشيء يسير –سامحه الله تعالى وعفا عنه-. ينبز الجني. وكان ينبغي لهذا الفاضل أن يسمى الجنِّي –بتشديد النون- على ما خبرت من شأنه؛ لأنه كان يأتي بضروب من الغرائب، يبدع فيها، كأنّ الجن قد أتت بها وعملتها، ويغرب في أشياء يخترعها لم يأت بمثلها البصراء فكيف العميان. وكان آية في الذكاء والفطنة، حاذق الفهم، ثاقب الحس. وبلغني أنه كان إذا حضر مجلسًا وفيه نفر يجتمعون فيتناول شمعًا مختلف الألوان، فيداخل يديه من تحت أثوابه لينفي الظنّ عنه، ويصوغ من ذلك الشمع تمثال فرس وصورة فارس فوقه، ويفرق تلك الألوان على الفرس حليًا منقوشًا من طوق وسفرسار وسرج ولجام ومهامز. ثم يضع للفارس عدّة كاملة كسيف و .... وقوس ونشَّاب وما شاكل ذلك مستوفى، حتى لم يكد يفوته من عدَّته شيء. /35 ب/ ثم يبرزه ويعرضه على الحاضرين فلم يبق أحد منهم إلاّ ويظهر التعجب من ذلك، ويستظرفه جداً، ويصفه بالذكاء والحذق. وكان مع ذلك شديداً في نفسه، قوي القلب شجاعاً مقداماً جرئيًا. وأما مبلغه من العلم فكان شاعراً مطبوعًا، قارئًا حسنا. قرأ القرآن العزيز بالقراءات السبعة والشواذ، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- وفهم طرفًا من الفرائض والحساب والنجوم مع معرفة بالنحو والأدب. وكان معاشراً خليعًا مدمنًا شرب الخمر قليل الدين، تاركًا للصلوات الخمس،

مصرّاً على الفساد، يغنِّي ويشبِّب وينبسط. وكان إذا مشى في الأسواق لم يستعن بحمل عصًا معه، ويعرف أزقة المدينة معرفة لم يعرفها أحد من ذوي البصائر مثله، ويهتدي فيها إلى مسالك ومواضع كأنه قد ولد فيها، وتربى بها، وله في ذلك حكايات عجيبة، ونوادر طريفة لم يمكن شرحها. أنشدني إبراهمي بن عمر الموصلي المعروف بالجنّي لنفسه. أنشدني أبو سالم بن علي بن أبي سالم المقرئ الحلبي، قال: /36 أ/ أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن عبد الله الموصلي الدنبليّ المعروف والده بالقاتل: [من الكامل] دع رسم سلع واللِّوى والأجرع ... وربى زرود والعقيق ولعلع كان العقيق بهم أنيقًا مونقًا ... وهم بدور طلَّع بطويلع خلت المغاني من مغانيهم فما ... يجدي غرامك بادَّكأر الأربعاء مالي وللأطلال وهي عواطل ... يا صاحبي فذر الدِّيار ونج معي واندب على فقد القرين تأسُذفًا ... واسفح على سفح اللِّوى بالأدمع وأقر السَّلام على المقام وذب جوًى ... إن كان حقًّا في الهوى ما تدَّعي أسروا الفؤاد مع الرُّقاد وأودعوا ... إذ ودَّعوا نار الأسى في أضلعي قوم أقأموا بالفراق قيامتي ... فمتى لحشري معهم من مرجع وأرفض معأتبتي وبثَّ صبابتي ... فلعلَّعن أن يرحموا لتوجُّعي ناديت في آثارهم لمَّا سروا ... بحشاشتي: رفقًا بقلب الموجع بانوا ذوى من بعدهم بان الحمى ... وذوت غصون شبيبتي وتشجُّعي ونأى اصطباري والغرام أقام في ... قلبي وقلت لمقلتي: لا تهجعي لله يوم النُّفر ما لاقيت من ... حرِّ الجوى ومن الغرام الموجع /36 ب/ وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] لولا تقلقل قلبي المتبول ... وتفكُّري وتذُّكري ونحولي وبلابل هاجت بلابل خاطري ... مارقِّ لي الواشي وكف عذولي إني لأهوى في الهوى تلفي وما ... أرضى الرِّضا في سلوتي يا سولي

كيف التَّسلِّي عن قضيت مائس ... يهتزُّ لا من شمال وشمول أخشى عليه من النَّسيم وربما ... كان النَّسيم إلى الحبيب رسولي كلفي به لا ينتهي وتولُّهي ... ما حيلتي قد حار فيه دليلي قمر دجاه شعره وصباحه ... من وجهه بدر بغير أفول حجب الكرى عن ناظري وحمى الحمى ... من لحظه بالصَّارم المصقول جفني حكى ليل الوصال وصدُّه ... يحكي ليالي هجره في الطُّول [23] إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن يحيى الوكيل، أبو إسحاق النقاش. كانت ولادته بدمشق سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. ودخل بغداد في سنة ستين؛ /37 أ/ وأصله من بغداد، وهو من بيت الوكيل القضاة الذين يعرفون ببيت الشطويّ. كان شيخًا فاضلاً؛ له كلام حسن على لسان أهل الحقيقة، وأشعار حسنة، وألفاظ عذاب. وقد صنَّف في ذلك كتابًا في رقاع، ما أظنّه بيّضه لاشتغاله بالكسب ونقش الصُّفر. توفي يوم عرفة سنة أربع وعشرين وستمائة ببغداد، ودفن بالشونيزية. قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] ومن لم يتب والدَّمع مسهر جفنه ... إذا ضحك الباكون أصبح باكيا وكيف ينام اللَّيل من طعم الهوى ... وما أنفكَّ مهجوراً وما كان ساليا وعن وجده تروي بلابل قلبه ... أحاديث من أمسى لظى الحبِّ صاليا

[24] إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن يحيى الوكيل، أبو إسحاق الكاتب الدمشقي المولد، البغداديُّ المنشأ والدار. كانت ولادته سنة إثنيتين وأربعين وخمسمائة. تأدّب ببغداد، وقرأ بها النحو والعربية. وكان شاعراً جيد الشعر فاضلاً، حسن الترسُّل. أورد من شعره أبو عبد الله الدّبيثي في مذيله: [من الرمل] ..... ......... ........ الشيخ بذكري عرضا علَّ من أمرض جسمي بعده ... بتدانيه يزيل المرضا ولكن أنكر قتلي .... .............. قلبي غرضا فقتيل الحبِّ أضحى دمه ... هدر أبطله من أعرضا وقال: [من الطويل] /38 أ/ وكم في ليلى قتيل صبابة ... ومجنونها المغرى بها العلم الفرد وما كلُّ من ذاق الهوى تاه صبوةً ... ولا كلُّ من رام اللِّقا حثَّه الوجد وللحبِّ في البلوى شروط عزيزة ... يقوم بها في حلبة الوله الأسد [25] إبراهيم بن أبي النجم بن عبد الرزاق، أبو محمد البغداديّ الكاتب. كان كاتبًا في الأيام الناصرية، ومدح الإمام الظاهر بأمر الله، وأدرك أوائل دولة أمير المؤمنين الإمام المستنصر بالله أبي جعفر المنصور –خلد الله دولته- وامتدحه.

وكان شاعراً مقلاً، له ديوان. وكان شيخًا ظريفًا، كيِّسًا لطيفًا من أبناء المتصرفين، مطبوع الشعر رقيقه. وكان يخدم في أعمال السواد، ومساحة المزروعات، وفسمة الغلات. أنشدني أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبد الله البغدادي، بمدينة السلام سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو محمد إبراهيم بن أبي النجم بن عبد الرزاق البغدادي لنفسه، يمدح الإمام المستنصر بالله /38 ب/ أمير المؤمنين –خلّد الله ملكه-: [من الكامل] دعني وشرب الخندريس المسكر ... من كفِّ ذي طرف غضيض أحور كالبادر ذي وجه منير مشرق ... كالغصن ذي قد رشيق أسمر رشأ ردينيِّ القوام مهفهف ... فتن الآنام بورد خدًّ أحمر لم أضح مسلوب الفؤاد متيَّمًا ... في حبِّه مضنًى بلون أصفر الأَّ لوجدي في هواه ولوعتي ... [و] لما لقيت من العذار الأخضر أضنوا من الشَّمس المنيرة وجهه ... فاق الملاح بمنظر وبمخبر شاد يغنِّيني إذا استنشدته ... مدح الإمام الظَّاهر المستنصر ملك سحاب بنانه ونواله ... متدفِّق كالعارض المثعنجر خير البريَّة من ذؤابة هاشم ... من معشر أكرم بهم من معشر لا زال في عزٍّ وظلِّ سعادة ... وسلامة تبقى بقاء الأعصر وأنشدني أيضًا، قال: أ، شدني لنفسه يمدحه: [من المجتث] أنا صبٌّ بجؤذر ... فاتر الطَّرف أحور ذي قوام مهفهف ... كالرُّديني أسمر /39 أ/ قد سباني بمنظر ... زانه حسن مخبر

ونجدٍّ مورَّد ... اسمر اللَّون أحمر فوقه ورد وجنة ... تحت خال معنبر ليس يرثي لعاشق ... مستهأم محيَّير ناحل الجسم مذهبً ... شاحب اللَّون أصفر باع فيه صفو الحياة بعيش مكدَّر وأشترى ذلَّة الخضوع بعزِّ التَّصبُّر طائعًا باع نفسه ... في الهوى غير مجبر مثل ما باع نفسه ... في القريض المحبَّر بعطايا مولى الأنام الإمام المستنصر باع خير الشِّعر الرَّقيق على خير مشتري ملك سيل كفِّه ... كالسَّحاب المثعنجر ملك طيب ذكره ... كالنَّسيم المعنبر وبريَّاه طاب كلُّ خطيب ومنبر وله ذكر ليث هزبر غضنفر /39 ب/ وبه راق للورى ... كلُّ عيش مكدَّر يا أبا جعفر الَّذي ... كفُّه ألف جعفر دمت في العزِّ والعلا ... ألف عام مكرَّر وهو القائل في غلام اسمه بدران، أنشدني أبو الحسن علي بن الأنجب بن عثمان بن عبيد الله البغدادي بمدينة السلام، قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من الخفيف] وغرير مهفهف القدِّ أحوى ... حار فيه عقلي ولبِّي وحسِّي قلت: من أين قد أتيت. وما الإسم لأحظى منه بقرب وأنس قال: بدران، قلت: تصدق والله وأضوا من كلِّ بدر وشمس! وقال أيضًا يتغزل: [من مجزوء الرمل] وغزال ريقه القرقف درياق اللَّديغ من ظباء التُّرك معسول اللَّمى دون البلوغ

ذي جمال حار فيه ... كلُّ منطيق بليغ أسبغ الحسن عليه ... ظلَّه أيَّ سبوغ /41 أ/ وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني إبراهيم بن أبي النجم الكاتب البغدادي لنفسه يمدح أمير المؤمنين المستنصر بالله – خلّد الله ملكه-: [من الكامل] شرف الزَّمان بدولة المستنصر ... الطَّيِّب الأصل الكريم العنصر /41 ب/ وبعصر مولانا الخليفة ذي النُّهى ... والعدل والإحسان فخر الأعصر ملك حذا في صومه وصلاته ... وصلاته حذو النَّبيِّ المنذر مولى صفا للنَّاس في أيَّامه ... بالجود والمعروف كلُّ مكدًّر ولعظم سطوته وشدَّة بأسه ... خضع الملوك وذلَّ كلًّ غضنفر وبد له أمن الأنام نوائب الدَّهر الخؤون وآن يسر المعسر والدَّهر وافى النَّاس بعد قطوبه ... بضياء وجه ضاحك مستبشر وحنا الزَّمان على الأنام وزال ما ... في قلبه من وحشة وتنمُذر دامت له النَّعماء ما صرع الدُّجى ... فجر وصال بنور صبح مسفر [26] إبراهيم بن قصربا بن عبد الله، أبو إسحاق الموصليُّ التركيُّ الصلاحيُّ الصوفيُّ. كان والده مولى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب –رحمه الله تعالى- وكان اسمه أيدمر فسمّى نفسه إبراهيم. لقيته بظاهر حلب المحروسة ببانقوسا يوم الأحد سادس ربيع الأول سنة ستّ وثلاثين وستمائة؛ فرأيته شيخًا حسنًا بهيًا جميلاً. وذكر لي أنه ولد بالموصل في سنة تسع وسبعين وخمسمائة. وكان في بدء أمره

جنديًا استخدمه الأمير ركن الدين ملكشاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر. ثم ترك الجندية في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وأقبل على الصلاة والقيام بوظائف الله تعالى، ومعاشرة الفقراء والمتصوفة، وصحبة ذوي الأحوال ومخالطتهم، والتنقل في البلدان، والاشتغال بالعبادة، وتزيّا بزي السلف الصالحولبس قميصًا قصيراً، وطاف البلاد وتوغلها، ونظم أشعاراً كثيرة في الغزل. ثم سافر إلى دمشق ولم يزل بها مستوطنًا إلى أن توفي بها في شهر رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة –رحمه الله تعالى-. /42 ب/ رأيته بإربل ولم آخذ عنه من شعره شيئًا. نقلت من خطّه قوله في الغزل، وأنشدنيه بحلب: [من الخفيف] يسبح الورد في الخدود باس ... في بياض يزهو على القرطاس ما يرى من توقُّد الخدِّ كألجمر فذاك اللَّهيب من أنفاسي رشأ ذلَّت الفوارس لمَّا ... صاد أسد الشَّرى من الأخياس بعيوان أعاذنا الله ممَّا ... فعلت يوم حاجر بالنَّاس فتكت بالقلوب تحت دروع ... سابغات فمالها من آسي وجبين كأنه صبح وصل ... بشَّر المستهام بعد الإياس وقوام كأنَّه خوط باًن ... ربِّ عفواً عن زلَّتي وقياسي إ، أكن قد غلطت فيه فقد ... شبِّه نور الإله بالنِّبراس لم يزرني إلاَّ إذا عسعس اللَّيل بطيف الخيال عند نعاسي هو سهل فيما أحاول حتَّى ... أطلب الوصل فهو صعب المراس ربَّ وقت نادمته فسقاني ... من سلاف الثُّغور لا من كاس قال: هاك المدام قلت: بطيب ... قال: خذها فطيبها أنفاسي واغتنم عقله الرَّقيب فلابدَّ لقلب الوصال من وسواس

/43 أ/ وأ، شدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] تلفي بلين قوامك الفتَّان ... ودمي تقاد بثأره العينان وشمائل حكت الشَّمول فهذه ... للروح حسب وتلك للآبدان وهواي بالرَّشأ الَّذي وحَّدته ... عشقًا فليس لحسنه من ثاني عيناه قد نطقت تقول عليكم ... سحري يقضُّ مضاجع الشُّجعان ودم الشَّهيد قتيل معركة الهوى ... خدَّاي قد شرباه من أجفاني يا أيُّها الرَّشأ الَّذي لجماله ... وعلى الغوير بوابل هتَّان أنسيتني بلذيذ ذكرك كلَّما ... قد كان قبل هواك في إنسان أنا ذلك الصبُّ الَّذي لو مرَّ بي ... صأحي الفؤاد لعاد كالسَّكران عنِّي روت ورق الحمام بشدوها ... وتحدَّثت بهواي في الأغصان ومررن صبح وصالنا بطويلع ... طربًا كشارب قهوة نشوان فتمايلت أغصانه فكأنَّما ... قسَّمت فأضل نشوتي في البان ومعربد الألحاظ أحيا صبوتي ... وأمات لين كلامه سلواني موتًا يودُّ بنو الهوى لو أنَّهم ... ماتوا كذاك هوى من أحياني /43 ب/ هل تذكرنَّ لنا بمنعرج اللِّوى ... وقتًا لعودته أعضُّ بناني لمَّا التزمتك للوداع صبغت من ... خدَّيك درَّ الدَّمع أحمر قاني وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] هو الصَّب لا يزداد إلاَّ تشوُّقا ... إلى جيرة بالجزع عن أيمن النَّقا رأى السَّير لا يدنيه من فرط شوقه ... إلى الدَّار إلاَّ بعد حين فأعنقا وجانب أرباب البطالة عفَّة ... وصاحب من ملًّ الحياة وطلَّقا وكم زار حيّا ترعف السُّمر دونه ... نجيعًا وخاض الموت في طمع اللِّقا وهان عليه كلُّ صعب تهابه ... نفوس بني الآمال لمَّا تعشَّقا أخو حاجة إمَّا وإمَّا تلافه ... عسى يرتقي بالعزم ما ليس يرتقى

ويصبح محسودًا بنيل مرامه ... سعيدًا بقرب الدَّار قد باين الشَّقا يحدِّث عن ذاك الحمى وأهليه ... لينهض للعلياء من قد تعوَّقا أراح ظهور العيس بعد كلالها ... وغرَّب من يبغي المزيد وشرَّقا [27] إبراهيم بن عبد الله العامريُّ. شاعر يرتزق الناس بشعره، ويستجديهم. رأيت له بخطة هذه الأبيان الأربعة، ويزعم أن مالها بيت خامس: [من مجزوء الكامل] ما كلِّ سانحة كريم ... كلاَّ ولا ناد كرامه يا من يظنُّ بأنَّ عيني بعدهم ذاقت كرى مه كم رام قلبي الوصل منك فلم ينل ما منك رامه لا سمع للعذَّال في ... هجر الحبيب ولا كرامه [28] إبراهيم بن محمد بن يوسف، أبو إسحاق القابونيُّ الدمشقيُّ الحنفيُّ. كان فقيهًا على مذهب الإمام أبي حنيفة –رضي الله عنه- ذا فضل حسن /44 ب/ وشعر جيد.

وجدت له من الشعر هذه الأبيات يذم بها القيء: [من الوافر] عجبت وقد ظننت القيء سكرا ... فلم أره يعم الشَّرب طرَّا فقلت لصاحبي: يا ليت شعري ... لبعض الشَّرب ممَّا ألقى يطرا وقد بذل النُّضار لشرب راح ... تزيد نفاسه وتزيل فكرا فقال: لعزَّة في الخمر تأتي ... مع النَّفس الخبيثة أن تقرأ [29] إبراهيم بن عبد الكريم بن أبي السعادات بن كرم بن كنصا، أبو إسحاق بن أبي محمد الموصليُّ المولد والمنشأ. البغداديُّ أصلا ووالداً. الفقيه الحنفيُّ الكاتب. كانت ولادته –على ما أخبرني من لفظه- سنة خمس وتسعين وخمسمائة. وتوفي ليلة الجمعة العشرين من المحرم سنة ثمان وعشرين وستمائة بالموصل. كان شابًا أسمر خفيف العارضين قضيفًا. تفقه على أبي جعفر محمد بن إبراهيم بن محمد الرازي الفقيه الحنفي نزيل الموصل. وجدّ في الاشتغال وتكلم في المسائل /45 أ/ الخلافية، وناظر الفقهاء، وحصّل من علم الأدب والعربية نصيبًا وافراً حتى فاق أبناء جنسه معرفة وذكاء. وشرح مختصر القدوري في الفقه لم يتممه. وكتب الإنشاء بديوان الموصل لملك الرحيم بدر الدين –أدام الله نعمة عليه- مديدة؛ ثم استعفى من ذلك. وكان نبيهًا نبيلاً فاضلاً عاقلاً متنسِّكًا ورعًا حسن الأخلاق جميل الخطاب أقتدر على أمره بالتدين وإيثار العزلة لنفسه والتصوف. وكان –مع ذلك- شاعراً مقصداً، له منظوم ومنثور لم يقصّر في إنشائهما،

وانتظمت بيني وبينه مودة مؤكَّدة، وصحبة محكمة الأسباب. وأنشدني من شعره كثيراً في كل فنّ، وكتبه إلي بخط يده في جزء، ومما أنشدني لنفسه –رحمه الله تعالى- يمدح الأمير الكبير أمين الدين أبا المكارم لؤلؤ بن عبد الله البدري بالموصل: [من الخفيف] أمطرت سحب جفني الفيَّاض ... حين أبدت محاسنًا كالرياض أعرضت يوم أعرضت يالقلب ... ضاع بين الأعراض والإعراض /45 ب/ وأرتني حمر المنايا ضحى افترت تمشي خلال ذاك البياض علَّمتني طريقة المطل في الحبِّ وعلَّمتها طريق التَّقاضي من مجبيري من ظبية عقد السِّحر بأجفانها الصِّحاح المراض رضيت في الهوى بقتلي وإنِّي ... في الهوى بالسَّلام منها لراضي حبًّذا حبًّذا الدُّهور الخوالي ... بلوى الرَّمل واللَّيالي المواضي وعهود عهدتنا بالحمى لم ... يرمها الدَّهر ناكثًا بانتقاض حين عيشي بقرب عائشة رغد شهي الإحلاء والإحماض وعيون الرَّقيب مغضبة والدَّهر طوع في سائر الأغراض زمن بعت حزنه بالمسرَّات وكانت تجارة عن تراضي جاد أكنافه فروَّى رباه ... كلُّ جود من الحيأ فيَّاض كندى الماجد الجوأد أمين الدِّين ربِّ الأيدي الطِّوال العراض ملك يسند النَّوال إليه ... في حديث عن جوده مستفاض يقصد الحمد ربعه من جميع الأرض قصد السِّهأم للأغراض فتكت بالثَّناء أخلاقه ... الغرُّ ولا مثل فتكه البرَّاض خائض غمرة الوغى والمنايا ... واقفات حيث المواضي مواضي /46 أ/ وحماة الخميس كالأسد والمرَّان قد حفَّ جمعهم كالغياض صان بالمال عرضه إذ غدا ... بالمال صون الأحساب والأعراض يتلقَّى ذنب المسيء وإن أكبر عنه بالصَّفح والإغماض

فمتى أومضت صوارمه سحَّت نجيعًا عن ذلك الإيماض أسخط المال في رضا المجد والمجد عن المرء أسخط المال راضي وقضت بالغنى لراجيه يمناه فأزرت حكمًا على كلِّ قاضي يقظ العزم والسِّهام لدى الهيجا نيام سواهمًا في الوفاض راش كفَّ الورى وقد حصَّته ... أيدي العدا يلا ..... وحمى جانبي وأفعم بالمعروف دون الأنام طرّاً حياضي فاستمعها من عبد إحسانك الرَّافل في ثوب برِّك الفضفاض واعتمد بسطها عروسًا وقد جاءت لفرط الحياء ذات أنقباض باقيًا للثناء فيك اعتراب أبن زهير والحارث بن مضاض وأنشدني أيضًا لنفسه –وهي غزل- قصيدة لم ينشدها في أحد: [من الطويل] دعوه كما شاء الغرام يكون ... فلست وإن خان العهود أمين /46 ب/ ولينوا له في قولكم ما أستطعتم ... عسى قلبه القاسي عليَّ يلين وبثُّوا صباباتي إليه وكرِّروا ... حديثي عليه فالحديث شجون بنفسي الألى بأنواعن العين حقبة ... وحبُّهم في القلب ليس يبين وسلٌّوا على العشَّاق يوم تحمَّلوا ... سيوفًا لها وطف الجفون جفون لئن سمحوا عند الوداع بمهجتي ... فإنِّي على علم بها لضنين أأصغي إلى العذَّال فيهم وما وفوا ... بوعدهم إنِّي إذن لخؤون ويطمع في السلوان قلبي حياله ... وليس له إلاَّ الصَّبابة دين سلام على ذاك الوداد فإنَّه ... وداد على مرِّ الزِّمان مصون هم عاهدوا أن لا يعينوا على دمي ... وكلٌّ عليهم بالصُّدود معين وهم حلفوا ألاَّ يخونون في الهوى ... وليس لمخضول البنان يمين خذوا بدمي يا أهل ودِّي فإنَّه ... دم سفكته بالفتور عيون ودونكم وادي العقيق فلي به ... حقوق هوى لا تقتضي وديون

وكيف لقائي من أحب وبيننا ... مهامه بيد لا ترام وبين بحقِّ ودادي في هواكم وإنِّها ... يمين أمرئ في الحب ليس يمين أعبدوا بإحسان ليالينا الَّتي ... تقضِّت فقد ساءت بهمَّ ظنون /47 أ/ ولا تمنعوني زورة من خيالكم ... فقلبي بها لو تعلمون رهين يحنُّ إذا هبَّت من الغور نسمة ... وهل ينفع الصَّب الكئيب حنين ويقلق إن جنَّ الظَّلام كأنَّما ... به من تباريح الغرام جنون ذلول لمن يبغي هواه وإنَّه ... على من يروم الصًّبر منه حرون معذِّب قلبي بألصُّدود إذا أنقضت ... فنون به عادت عليَّ فنون اللواله المشتاق من ألم الجوى ... شفاء به بعض الأساة ضمين يزيد إذا ظن الفراق صبابة ... ووجداً كأنَّ الظَّنَّ منه يقين ويهتزُّ من شوق إلى البان إن سرى ... نسيم صبًا تهتزُّ منه غصون وتوقظه بعد المشيب إلى الصِّبا ... عيون نيام بالثًّنية عون أعيذك من داء أقاسيه إنَّه ... مع الدَّهر داء في الفؤاد دفين وشوق كمين في الحشا إن لقيته ... بجيش اصطبار عاد منه كمين فلا تحرموا سمعي حديث حديثكم ... فلي وله دون القديم شؤون ولا تودعوا سرِّي أمينًا سوى الكرى ... أليس على سرِّ سواه أمين دعوني وصرف الحادثات فإنَّني ... أعزُّ وصرف الحادثات يهون ولا تعجبوا إن نال جوني ثروة ... وعزّا منيع الجنب من هو دون /47 ب/ فهاتيك أخلاق الزَّمان مضى بها ... قرون على آثارهن قرون رمتني يد الأيام عن قوس صرفها ... بسهم ردًى يصمي وليس يبين وشبت ولم أبلغ ثلاثين حجًّة ... لجور زمان ما عليه معين فقل لحسودي مت بغيظ وحسرة ... وقل لزماني كيف شاء يكون فلي من فلان الدِّين جار من الرَّدى ... مجير ودخض في الخطوب حصين

وأنشدني قوله من أبيات: [من البسيط] يا خير من ترتجى في الخير همَّته ... ومن ندى كفِّه يغني عن المطر قد كنت عوَّدتني عادات ذي كرم ... تعجيل حاجي وتفضيلي على البشر فجئت نحوك هذا العام ملتمسًا ... ما كنت عوِّدته في سالف العمر فعدت ذا خجل باليأس مشتملاً ... مكرِّراً قول ميت دارس الأثر (هذي الأرأمل قد قضَّيت حاجتها ... فما لحاجة هذا الأرمل الذكر) فانعم نعمت بسطر الرّوز مغتنمًا ... شكراً يدوم دوام الأنجم الزُّهر وأكسب ثناء يزين العمر رائقه ... أتأك منتظمًا في زيِّ مستتر (فالحسن يظهر في شيئين رونقه ... بيت من الشِّعر أو بيت من الشَّعر) وله: [من الطويل] /48 أ/ ولمَّا حدا الحادي بعيسهم ضحًى ... ولم يبق في غير التَّفرُّق مطمع وقفنا فداع لا يجاب دعاؤه ... ومستشفع بالدًّم ليس يشفَّع وقال: [من المتقارب] إذا أضحكتك صروف الزَّمان ... فقد ضحكت منك لو تفطن فلا يغرنَّك لين العدوِّ ... فإنًّ بمقداره يخشن وله: [من الطويل] وملآن من ضغن عليَّ مقطِّب ... كساني وقد عرِّيت منها ذنوبه لوى وجهه غنِّي غداة لقيته ... كأنِّي مرآة أرته عيوبه وقوله: [من الوافر] أعيذك أن أرى زمنًا طويلاً ... ببابك لا أحلُّ ولا أسير وأحجب عنك في سبب حقير ... ولا الله ما مثلي حقير وأمنع حسن رأيك في زمان ... وملك أنت أنت به الوزير أغار عليك من مطلي لأنِّي ... محبُّ والمحبُّ كذا غيور

وقال بديهًا يصف سيفًا وقد سلّ ذلك بحضرة السلطان أتابك /48 ب/ الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه –رضي الله عنه-: [من الطويل] وأبيض من طبع الهنود تخاله ... إذا هزَّ في الهيجا سنًى متلهِّبا متى سلَّة السُّلطان مسعود لم تجد ... أسود الشَّرى عن منهل الموت مهربا حسام وغى مذ فضِّضت شفراته ... صقالاً غدا للهام في الحرب مذهبا وقال أيضًا في المعنى: [من الكامل] ومهنَّد ماضي الغرار مجرَّد ... في غير معركة وسفك دماء عني القيون به فجاء كما أرتضوا ... من بعد كدًّ وأرتكاب عناء وافي الفرند كأنَّما نسجت له ... أيدي صياقله قميص هباء ما هزَّ يوم الرَّوع إلاَّ خلته ... أفعى تقلَّب في حشار مضاء وله: [من مجزور الرمل] ضاع قلبي فانشده ... في هوى من لا يسمَّى صنم مازال مفتونًا به العالم قدما طاب ورد الخدِّ منه ... يأنعًا عضًّا وشمَّا خضت في بحر هواه ... سابحًا إمَّا وإمَّا /49 أ/ وقال أيضًا بديهًا، وقد سئل القول في النبي صلى الله عليه وسلم: [من السريع] ذاك النَّبي الَّذي مناقبه ... أكثر من أن يحوزها حصر ذو الشرف الأطول الَّذي أبتهج الرُّكن به والمقام والحجر بمدحه نزل الكتاب فما ... هذا الَّذي فيه يبلغ الشِّعر إنشقًّ إيوان فارس فرقًا ... منه وطفَّا نيرانها الذُّعر ذلَّت خضوعًا لعزِّة اللاَّت والعزَّى وهان الصَّليب والكفر وليس لي إن تأخرت مدحي ... عنه وقد صحَّ مقولي عذر وقال في رجلين أحدهما يلقب بالشمس والآخر بالبدر وقد زاره: [من البسيط] يحلُّ للدار أن تختال شامخة ... على السَّماء وتثني عطفها تيها

إذ أضحت الشَّمس تسري في منازلها ... وأصبح البدر يسعى في حواشيها وقال على لسان شخص سأله ذلك: [من البسيط] يا أحسن الخلق أخلاقًا وأسمحهم ... وأذكر النَّاس للمعروف للنَّاس ويا أجلَّ الورى قدراً وأطيبهم ... ذكراً وأثبتهم جاشًا لدى الباس /49 ب/ حاشاك حاشاك أن ألقى ببابك ممنوعًا ويدخل شمَّاس بن شمَّاس أظلُّ فيه ذليلاً جدُّ مطَّرح ... كأنَّني أمويٌّ عند عبَّاسي إن كان ..... أبداً ... فلست .... له ما عشت بالنَّاسي وأنشدني لنفسه يرثي والدته –رضي الله عنها- ووجد عليها وجداً شديداً: [من الطويل] رمتني يد الأيَّام حتَّى كأنَّني ... لها غرض والنَّائبات نبال وعاندني دهري فأصبحت تقتفي ... رعال الرَّدى منه إلى رعال فريداً كنصل السَّيف ما إن يشينه ... شحوب ولا يزري عليه هزال صبوراً على الأهوال لا يستفزني ... إلى طمع في العالمين نوال ويقعني والماء دان فراته ... وقد كظَّني حرُّ الموامي آل وأصبح غرثانًا عن الزَّاد طاويًا ... على الجوع والأيدي إليه عجال تكنفني في المجد جدٌّ ووالد ... وعمٌّ بهم فخر الزَّمان وخال ونلت ونال الدَّهر منِّي محاربًا ... وللحرب فيما قد يقال سجال متى أسرعت نحو الدَّنية أرجل ... فعلقي عنها والعفاف عقال أضلُّ إذا كان الهدى باعث الخنى ... وبعض الهدى لو تعلمون ضلال /50 أ/ ولست أداني النَّقض أنَّي وقد غدا ... الكمال أبي إذ لا يعدُّ كمال فلا كان يوم لم يزدني به علي ... حياة ويكسوني الفخار جلال وأنشدني أيضًا قوله: [من المتقارب] ولمَّا تفقَّدت أهل الزَّمان ... لأصحب منهم صديقًا صدوقا

ولم أر إلاَّ ودود اللِّسان ... يظهر برّاً ويخفي عقوقا صحبت الدَّفاتر مستأنسًا ... بهنَّ فكنَّ رفيقًا رفيقا وقال: [من الطويل] وذي حنق تغلي مراجل صدره ... عليَّ زوى عنِّي العبوس جبينه يبين محيَّا فكره في مساءتي ... وذنبي إليه نيلي المجد دونه وقال: [من المنسرح] وربِّ ضعن عليَّ حنق ... لقيته وهو معرض تيها فصد عنِّي كأنَّما أنًا مرآة رأى قبح وجهه فيها ومن نثره، جواب: "ورد كريم كتاب المجلس الفلانيّ فضرَّف سمعه وشنَّفه، وهذَّب طبعه ولطَّفه، وأسعده بفواضله الدَّارَّة /50 ب/ وأسعفه. تناوله بيد الثناء والحمد، وتأمَّله بعين الغرام والوجد، وحدَّثه بألسنته الفصاح حتى خيِّل إليه وإنه لسعد، وتمتّع بريَّاه الطيِّب مستغنيًا عن عرار نجد. أقبِّله تقبيل فم الحبيب، واستروح إله استرواح المريض إلى الطبيب، واستنشق منه طيبًا يزري نسمه على طلِّ كلِّ طيب، وسمع من الفاظه المعجمة ما حقِّر عنده الألفاظ التي يسمعها من الخطيب؛ وطفق يشرح ظرفه في آثاره، ويجتني يانع ثماره، ويقتطف محاسن أزهاره؛ قائلاً بلسان ولائه المبين؛ {سبحان الَّذي سخَّر لنا هذا وما كنَّا له مقرنين} لكنه جدد شوقه وما كان عافيًا، وأذكر غرامه ولم يكن ناسيًا، والآن قلب وجهه وحاشاه أن يرى فيه قاسيًا. فرعى الله مولًى أهداه، وسقى الله رسولاً حملته يمناه، وبرّ كتابًا جدّ به إليه سراه. ووجده مشتملاً من ذكر الوجد والغرام، ووصف الشوق الذي لا يزال ينمى على مرَّ الأيام؛ ما ظنّه يخبر به عن خاطره، ويتحدّث /51 أ/ بفحواه عن ضمائره، ويعرب بصادق موَّته عن أول حبِّه وآخره".

جواب آخر: "أدام الله أيام المجلس السامي، وطرف عن عليائه عين الكمال، وصرف إلى آلائه وجوه الإقبال، ونظم منه قلائد في أعناق الرجال، ولا زال مسعاه في الناس جميلاً، وبرُّه على الخلق جزيلاً، وبقاؤه على بقاء المكارم دليلاً. ورد الكتاب الكريم الذي أعرب عن المجد وأغرب، وأزال بالأنس الوحشة وأذهب، وأوضح في الموالاة والمصافاة المذهب؛ المنفتحة لكمامه عن زهر الحسن والحسنى، المتصلة به وفود المسار اتصال اللفظ بالمعنى، فتلقاه مستمتعًا برؤيته وريَّاه، متقسم السرور بين لفظه ومعناه، وما تضمنه من الإنعام الذي لا يزال يبديه ويعيده، وتحلو به الأعناق العاطلة عقوده؛ بدعائه المستجاب، وثنائه المستطاب، وحمده الذي يذهب شخص الزمان وليس له ذهاب." جواب آخر: /51 ب/ "ورد كتاب المجلس السامي؛ أسعد الله أيامه، وجدّد على الأنام إنعامه، وأعلى بإعلاء قدره أعلامه، وعجّل إذلال عدوِّه وإرغامه؛ ولا زال مسعود المصادر والموارد، موقوف المساعي على إقتناء مطلقات المحامد، مبني السعادة على أثبت القواعد وأصحِّ العقائد، فأزال الوحشة الكامنة بأنسه، وجلّى ظلم الأشواق الباطنة بشمسه، وشرف بوصوله يومه على غده وأمسه؛ فتلقاه تلقي الأحباب، واستقبله استقبال الغياب، وفضّه عن جنات عدن المفتحة الأبواب. وقابل ما أودعه من الإنعام بدعاء هو دأبه في ساعات ليله ونهاره، ووظيفته المواظب عليها في عشيه وإبكاره. وجدَّ به داعي الشوق إلى خدمته، واقتسمته دواعي الغرام إلى مشاهدته، وأمطرته على بعد من سحاب مكارمه ما روّض به روض أمنيته؛ فإن حاول وصف ما وجده من الابتهاج بإقباله، وحواه من السرور عند إظلاله، وما قابله به من الاحترام الواجب على مثله /52 أ/ لأمثاله، فقد رام أمراً يعجز عنه لسانه، ويكلّ فيه بنانه، ويتبلَّد دون إدراكه بيانه؛ والله المسئول أن يوزعه شكر حقوقه الجسام، وأياديه الباقية غرّة في وجه الأيَّام، وتفضلاته التي أضله عماؤها الدائم إظلال الغمام، وفهم ما أشار

إليه في معنى كذا وكذا". ابتداء كتاب: "أسعد الله أيام المجلس الفلاني ووالى فضله، وأعلى محلّه، وقرن بالنجاح عقده وحلّه، وجمّل به الزمن وأهله؛ ولا زال كلّ فصيح ناطقًا بحمده، وكلُّ بليغ حامداً لمجده، وكلُّ أمل محققًا في رفده، وكل إنجاز كامنًا في جانب وعده. وصدرت هذه الخدمة مشتملة على الدعاء الموصوف بالصلاح، والثناء الذي لا يزال يهديه في الغدوّ والرواح، والحمد المتوالي فيه عند الملوِّ والولء الذي أصبح ضميره ابن قيسه فاقسم أن لا براح، والأشواق التي لا تنفك تتجدد، والأتواق التي زفراتها مع ساعات النهار تتردد، والغرام الذي لو كان البحر مدداً لكلماته /52 ب/ لنفد البحر قبل أن ينفد. وكيف لا يكون كذلك وقد أصبح في محبَّته عريقًا، وغدا في بحر فواضله غريقا، وصار لرفيق إحسانه رفيقًا: {وحسن أولئك رفيقًا}. [30] إبراهيم بن محمد بن معالى بن عبد الكريم، أبو إسحاق الرقيُّ، المعروف بابن الجبناتيِّ. قدم الموصل في حداثته، ولم يزل بها قاطنًا إلى أن مات يوم الأحد السادس عشر من المحرم سنة تسع وعشرين وستمائة. وكانت ولادته في شهر ذي القعدة سنة أربع وسبعين وخمسمائة. صحب الشيخ أبا الحرم مكي بن ريان النحوي، وتأدّب عليه ودرس فقه الإمام الشافعي –رحمه الله تعالى- وصار معيد درسه بالمدرسة العَّزيَّة التي أنشأها أتابك نور الدين أبو الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود –رضي الله عنه- وكان خازن كتبها وكتب المدرسة العِّزيًّة التي مقابلها؛ مضافًا إلى الإعادة. رجل طويل كهل، نزل الشيب بعارضيه. كان رجلاً عاقلاً محترمًا عند الناس،

رزينًا وجيهًا، ذا فضل وعلم، له شعر حسن في مديح /53 أ/ وغزل. أنشدني لنفسه يمدح الملك القاهر عّز الدين مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود –رضي الله عنه- ويهنئه بالنوروز: [من السريع] بات يدير الرُّضا والضَّربا ... نشوان يهتزُّ صبوة وصبا يجلو علينا جبينه قمراً ... مكلَّلاً بالجمال معتصبا يغضب من أن رمت تقبيل خدَّيه ويا حسنه إذا غضبا ظبي يعاني من فتكه أسد ... مختلسًا للنُّفوس منتهبا طلق المحيَّا تلفاه ما لم تسم وصلاً فإن سمت وصله غضبا قام وضوء الصَّباح قد مدَّ في الشَّرق شعاعًا والنَّجم قد غربا وهزَّ أعطأفه فأسكرنا ... وما شربنا خمراً وما شربا وحثَّ راحًا كالشَّمس جلَّلها ... حبابها عند مزجها شهبا في روضة جادها الوليُّ كما ... سحَّ عليها الوسميُّ وانسكبا فأصبحت غبَّ ذلك تربو وتهتزُّ وتبدي من وشيها عجبا والطَّير يشدو في دوحه فإذا ... جاوبه الزِّير صأح وانتحبا إذا أنقلبنا منها وجدت لنا ... بدير باتحائيل منقلبا /53 ب/ نأوي إليه ليلاً فنسمع من ... رهبانه ما يزيدنا طربا هذا وبدر السماء يرمي على دجلة من نار نوره لهبا فتحسب الماء إذ يخالطه الشُّعاع ثوبًا مغرَّقًا ذهبا ونحن في فتية تخيَّرهم ... للَّهو فصل الرَّبيع وانتخبا مثل الدَّراري يزينهم كرم ... ضمُّوا إليه المجون والآدبا نختلس العيش في حمى ملك ... سمح يرى الحمد خير ما اكتسبا سهل إذا ما الزَّمان دان له ... فإن رأى ما يريبه صعبا كالغيث للمعتفى إذا وهبا ... والَّيث للمعتدي إذا وثبا نابته آمالنا وقد سدنت ... فقراً فزوَّى من كفِّه نسبا

إذا اعتلقنا من ظلِّه سببًا ... لم نخش يومًا من حادث سببا يا ملكًا لم تجد أنامله ... إلاَّ وبذَّت بسحِّها السُّحبا تهنّ هذا النَّوروز والعشر ... والنَّحر وعش تستجدَّها حقبا فما نبالي إذا بقيت لنا ... ما فات من عيشنا وما ذهبا وقال يمدح أتابك نور الدين أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود –رحمه الله-: [من الطويل] /54 أ/ سل الربع عن سكَّانه أين يمَّموا ... سروا وهواهم بالفؤاد مخيِّم تولَّوا فيا لله من شقيت بهم ... نفوس بمرآهم تلذَّ وتنعم أحلُّوا دم العاني بوشك رحيلهم ... وذادوا الكرى عن ناظريه وحرَّموا وما ضرَّهم يوم استقلُّوا لو أنَّهم ... أشاروا بإيماض اللَّحاظ وسلُّموا تنسَّمت أرجو نفحة من ديارهم ... وهيهات ما أرجو وما أتنسم وقدمًا سمعت البعد يعقب سلوة ... فها أنا ذا صبٌّ مع البعد مغرم وحاولت أن أحظى بطيف خيالهم ... وأنَّى مع التَّسهيد طيف مسلِّم هو الدَّهر لا ينفك حادث خطبه ... يجوز على الحرِّ الكريم ويظلم سألجأ من صرف الزَّمان وريبه ... إلى ملك يحمي الجوار ويعصم ففي ظلَّ نور الدِّين لي متفيأ ... منيع يقي من سوء ما أتوهّم شديد الإبا ماضي الثَّنا غامر الحيا ... خصيب الرُّبى يعطي الجزيل وينعم رحيب الفنا عالي السَّنى كاسب الثَّنا ... مشيد البنا مولي الغنى متكرم بطائره الميمون يستنزل الحيا ... وتستدفع الجلَّى به حين يقدم يضيء دجى اللَّيل البهيم جبينه ... وإمَّا سطا فاليوم بالنَّقع مظلم تسيخ الرَّواسي الشُّم خيفة بأسه ... سراعًا وتطفو خفَّةً حين يحلم /54 ب/ إذا ما انتضى العضب الجراز انتضى به ... على الموت موتًا يستضير وينقم ومهما أحتبى في المنتدى بنجاده ... عنا اللَّيث وأنقاد الخميس العرمرم فلا موت إلاَّ حين يزأر مغضبًا ... ولا عيش إلاَّ حين ما يتبسم

ولا عزَّ إلاَّ في جوار جنابه ... ولا ذلَّ إلاَّ حين يجفو ويصرم بصير بأخرى الأمر من قبل بدئه ... خبير بفص الأمر والأمر مبهم تحلَّى بعزم لا يجاريه صارم ... وبالجزم طرّاً لا يباريه لهذم تكنَّفت الحدباء منه مملَّكًا ... يعالج أدواء الخطوب ويحسم فيا نبعة الملك الأثيل غراسه ... ويا باني المجد الَّذي لا يهدم فداؤك روحي ليس لي فوقها فدى ... وذلك أقصى ما تعاطاه معدم سقى الموصل الحدباء كلُّ ملثَّة ... تسحُّ على أكنافها وتديِّم فما هي إلاَّ روضة طاب نشرهاً ... يهشُّ إليها النَّاظر المتوسِّم تفوَّقت ......... العلم منها وصار لي .... لسان يجيد النَّثر فيها وينظم ولا بدع أن يمتاحها كلُّ وارد ... ويصدر عنها سجله وهو مفعم فقد أصبحت للعلم داراً ومعلمًا ... فسيحًا إليه يفزع المتعلِّم سأرحل عنها مكرهًا متأسِّفًا ... وأعظم بما ألقى ومأ أتجسم /55 أ/ وأودعها درَّ القريض مودِّعًا ... وأسلب فيها درَّ دمعي وأسجم وأتحفها ممَّا جبتني مدائحًا ... هي الدُّرّ حسنًا بل أجلُّ وأعظم قوافي لو مرت بسحبان وائل ... ثناءً لأضحى وهو ألكن أعجم ولا برحت مأنوسة بمليكهًا ... تتيه به منها ربوع وأرسم ولا زال دست الملك منه متوًّجًا ... بهاءً مدى الأيَّام ينمى ويعظم وقال أيضًا: [من الخفيف] كلُّ كفٍّ تجود من غير وعد ... نعمًا توسع البريَّة برَّا وإذا ما وعدت كانت ببًذل الجود للمعتقين أولى وأحرى لست من يقتضيك وعداً ولكن ... خفت نسيانه فجددت ذكرا وله: [من الخفيف] زارني من أحب واللَّيل داج ... فأعاد الظَّلام عندي صباحا

وثنى عطفه فعاينت غصنًا ... وجلا ثغره فخلت أقاحا [31] إبراهيم بن محاسن بن عبد الملك بن عليِّ بن نجا التنوخيُّ، أبو إسحق الدمشقيُّ. من أهل دمشق. كانت ولادته غي إحدى الجماديين سنة ستمائة. كان والده من العلماء المتفننين في وقته في علوم الشريعة؛ إمامًا زاهداً متعبداً في نفسه، ذا دين وتقوى. وابنه هذا شاهدته بحلب وهو شاب فاضل حافظ للقرآن العزيز، عارف بالنحو واللغة والعربية، مستظهراً جملة وافرة من الأشعار، فهمًا للمعاني، متكلمًا مناظراً، يبحث بحثًا جيداً في كل فن من العلوم حتى تميّز على أبناء جنسه بذكائه، وقوة فطنته. وكان يسكن بيتًا ببعض مدارسها، ولم يكن ....... ، وعاشر جماعة من أماثلها وصدورها؛ فأقبلوا عليه. وكان يغشى منازلهم في بعض الأوقات، ثم ينقبض عنهم ويتجنبهم؛ وفي جملة من كان يغشى عون الدين أبا المظفر سليمان بن عبد المجيد بن العجمي. وكان يرغب في معاشرته؛ وربما انبسط معه وداعبه في مجالس أنسه. ثم إنه نبزه بالَّزلزول، فامتعض من أجل هذا اللقب، وأظهر غيظًا، فلما رآه أنه قد اغتاظ، دسّ غلمانه عليه، فكان إذا أقبل صاحوا عليه بهذا النبز. فتوغر صدره عليه حتى كاد يتلف غيظًا، فحمله الغيظ على أن صار يكتب رقاعًا يودعها هجواً شنيعًا مقذعًا في العون بن العجمي، ويلقيها في أبواب الدور التي ............ الكبار من أهل حلب وبني عمّه. ويمزقه فيها كلَّ ممزق، ويشتره أقبح التشتير حتى كتب ما يقارب خمسمائة رقعة، وشاعت في المدينة وتداولها الناس وحفظوها وتحدّثوا بها؛ فعظم ذلك على العون، ولجّ في طلبه وفحص عمن يفعل ذلك ولم يعلم من كان يكتبها ............. ، فقبض عليه العون أنهى أمره إلى حاكم البلد والمستولي عليه فحكَّمه فيه وأهدر دمه؛

فاعتقله في منزله، وهمَّ جماعته بقتله فلم يمكنهم العون من ذلك ...... ]. أنشدني لنفسه: [من الطويل] /55 ب/ أيا من شكا الهجر المبرِّج بالصَّب ... لقد أقرحت شكواك يا منيتي قلبي وأسبلت دمعًا من جفوني أقلُّه ... إذا ضنِّت الأنواء يعيى عن السُّحب وأعجب شيء قاتل يشتكي الجوى ... إلى مغرم أشجانه ذكرها يصبي على كبدي أضعاف ما أنت واجد ... من الشَّوق والبلبال والوجد والكرب إذا كنت في قلبي مقيمًا وناظري ... يراك بعين الفكر مع كثرة الحجب فلا حاجى لي أن أخاطب ساكنًا ... بقلبي في طيِّ الرَّسائل والكتب ولي أنَّه ما تنقضي وتوجُّع ... عليكم وأشجان أكتِّمها صحبي فلو ظهرت أسرار وجدي لعطِّلت ... أحاديث أهل الحبِّ يا سالبي لبِّي يهيِّجني ليلاً حمائم دوحكم ... ولولاك ما هأج الحمائم للصبِّ وإن خطرت عند الصَّباح نسيمة ... لها أرج منكم أقول لها: هبَّي ولا تقطعي ريَّاهم عن متيَّم ... به من هواهم ما يجلُّ عن الخطب متى ينقضي هذا البعاد وأجتني ... بطيب التَّداني منكم ثمر الحبِّ وأصبح في أمن الصَّدِّ والجفا ... وأسعد من بعد التَّباعد بالقرب أجلُّك أن أشكو إليك صبابتي ... وأشفق أن أشكو هواك إلى رِّبي وأصبح ظمانًا إلى ورد وصلكم ... عسى شربة من ذك المورد العذب /56 أ/ زعمت وصالي طبُّ سقمك يا منى ... فؤادي من لي أن أفوز بذا الطِّبِّ ويطلب رفقًا من أسير هواك في ... جوانحه ما بين قلب إلى خلب أيا من يشهِّيني إلى طيب وصله ... ويصطاد قلبي بالحديث الَّذي يسبي ويظهر لي شوقًا ونحن شبيهنا ... إذا خفق التَّشبيه كالحوت والشَّبِّ ولاحظَّ لي منه سوى الهجر والقلى ... وتعذيب قلبي بالدَّلال وبالعجب فلو كنت في دعوى المحبَّة صادقًا ... لواصلتني من غير قولي لكم عج بي

[32] إبراهيم بن حامد بن عطا بن حامد بن محمد بن نبهان بن عيسى بن عبيد الله بن بشر بن ريان الأسديُّ الحورانيُّ. مولده بشبهة –قرية من أعمال بصرى من الثغور الشامية- سنة إحدى عشرة وستمائة. أنشدني لنفسه يمدح الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين –خلّد الله دولته: [من الكامل] حرم له من ذي الجلال ذمام ... وصلاة قدس طاهر وسلام حرم يفوق النَّيِّرين ومنزل ... أضحى له فوق السِّمًاك مقام /56 ب/ فلئن سعدت بقربه وبلثمه ... فلأنت في الدَّارين لست تضام قد زين الله البلاد بدولة ... ما شابها ظلم ولا إظلام بإمامنا المنصور فاخر دينناً ... طود الحجى إن خفت الأحلام جبل الحلوم رسا وخير خليفة ... نيطت به في الأعصر الأحكام من ذا يحيط بوصفه وهو الَّذي ... قد قصَّرت عن كنهه الأفهام لو رامت الأقلام تكتب فضله ... ما أدركت ما رامت الأقلام تزهى المنابر حين يذكر وصفه ... طربا ويحسن في نهاه نظام مستنصر بالله حافظ حرمة الإسلام ليس عن الأنام ينام فيه قوام الدِّين والدُّنيا معًا ... والله شاهد ذاك والإسلام ما همُّه في لذَّة بل همُّه ... أن تجبر الضُّعفاء والأيتام هو بدر أرض الله والدُّنيا له ... فلك كواكبها له خدَّام خير الخلائق وابن عمِّ محمَّد ... أحكأمه لزمانه إحكام هو كعبة القصَّاد والحرم الَّذيً ... أبداً له الإحلال والإحرام طافت به الآمال وهي نوافر ... ما قأدهن إلى سواه زمام

عمَّ الخلائق من فواضل جوده ... بنواله الأنفال والأنعام /157 أ/ عدل الزَّمان بخلقه وبخلقه ... فتباشرت بخلاله الأيَّام لولا هداه لما أستبان لذي النُّهى ... رشد ولا نقض ولا إبرام يبقى أمير المؤمنين فإنَّه ... للدين والدُّنيا حيًا وقوام ..... دينًا أشاد عماده ... لعلاكم الإجلال والإعظام وعلوتم في العالمين إلى مدى ... سأم يقصِّر دونه الأوهام هم حجَّة ومحجَّة لولائه ... تتطهر الأوزار والآثام تحيا به ذمم المكارم والنَّدى ... ويموت من إفضاله الإعدام زهرت به الدُّنيا فطاب نعيمها ... وتواصلت بحنوه الأرحام ففخاره في كلِّ فخر أوَّل ... وثناه للمسك الذّكيِّ ختام ولكم قطعت إليه من ديمومة ... غبراء لا دبب ولا آرام يمَّمتها ..... وقد حمي الحصى ... بهجيرها وبها النَّسيم سهام والآل يلمع في القفار كأنه ... للناظرين يحوزها أعلام علَّلتها بثنا الإمام فأرقلت ... مثل الظَّليم وقد حداه ظلام حتَّى أفوز بلثم ترب لثمه ... شرف ومن جور الزَّمان ذمام وموارد ما مسَ وارد فضلها ... أبداً على طول الزَّمان أوام /57 ب/ فالله يحرسه لأمَّة أحمد ... ما ناح في الغصن النَّضير حمام [33] إبراهيم بن عمر بن سعد بن محمد، أبو إسحاق ...... الشهر كرديُّ، المعروف بابن البوريانيِّ الخطيب. وهو من قرية تدعى شهر كرد بين دقوق وقلعة كرخيني. وكان يتولّى خطابتها. شاهدته بإربل شيخًا من أهل الفضل والصلاح وحفظ القرآن والمتفقهة. ويرجع في الشعر إلى سلامة قريحة.

أنشدني لنفسه سنة ستٍّ وعشرين وستمائة ما كتبه إلى صديق له يستمد منه الشفاعة في حاجة عرضت له: [من البسيط] شكوت دهري إلى خلٍّ فأرشدني ... إلى كريم يزيل الهمَّ والكربا وقال: لا تلح دهراً فيه سيِّده ... فذا أقام منار الدِّين والأدبا! فقلت: من ذاك قل لي ناصحي وحزت ... شكراً أضمنه الأوراق والكتبا فقال: واعجبًا من ذي نهى ندس ... عداه فضل سديد الدِّين واعجبا الألمعيِّ الَّذي ما خاب منتجع ... جناته من حوى من برِّه نشبا /58 أ/ الأريحي وستر الجود منسبل ... ومن ......................... وقد زففت إليه بكر قارفية ... عمداً ليمهرها من جوده الأربا ولست أطلب لا تبراً ولا ورقًا ... بل اعتناء يفوق التِّبر والنَّسبا وإن تحصل ما أبغي بهمَّته ... وإن تعجَّل من إحسانه الطَّلبا [34] إبراهيم بن نصر بن عيسى بن عليِّ بن أحمد بن الحسين بن عليِّ بن خزريّ، أبو إسحاق بن أبي الفتح العباديُّ الموصليُّ. رجل مكتهل أشقر اللون. كان والده إليه الإستيفاء في الدولة الأتابكية، نافذ الأمر فيها، مقبولاً في آرائه؛ وأخباره في ذلك مأثورة على ما يأتي ذكره في موضعه –إن شاء الله تعالى-. ونشأ ولده وتخلّق بأخلاقه، وتولّى التصرف في الأعمال السلطانية، ونظر في الأشغال الديوانية، ولم يزل كذلك بسيط الجاه، ذا أمر ونهي حتى فارق الموصل متوجهًا نحو البلاد الشامية [هاربًا فهدمت داره بالموصل، أمر بهدمها بدر الدين لؤلؤ مليكها]. واتصل بملوكها بني أيوب فأحسنوا إليه إحسانًا عظيمًا.

/58 ب/ ثم إنَّه عاود الموصل في جمادى الأولى سنة ثلاثين وستمائة، فرتبه الملك الرحيم بدر الدين سلطانها –أعز الله أنصاره- عارض الجيش، وولاّه النظر في ملكه الخاص، وزيد في إكرامه. سألت أبا إسحاق عن مولده، فقال: ولدت يوم الأربعاء سابع عشر المحرم سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بالموصل. وحفظ القرآن الكريم، وقرأ شيئًا من الفقه والأدب، وسمع كتاب "جامع الأصول في أحاديث الرسول" على مصنفه أبي السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم الجزري؛ وله إجازات من عدّة مشايخ. وهو متفرّد بعلم الحساب والمساحة، ومعرفة مسائله. والتبريز في التصرف وقوانينه. أنشدني لنفسه يمدح الملك الرحيم بدر الدين أبا الفضل –أنفذ الله أمره ونهيه- بالخلعة التي شرفه بها الخليفة المستنصر بالله أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور –خلّد الله ملكه وسلطانه-: [من السريع] مولاي يا مالك رقِّي الَّذي ... ببأسه يدفع صرف اللَّيال /59 أ/ ملكت بالعدل قلوب الورى ... وحاميًا عنهم بعضب ومال أعطيهم فوق الَّذي أمَّلوا ... وجدت للسائل قبل السُّؤال فجاءك السُّلطان عفواً وقد ... نصَّ الإمام العصر قبلكم وقال طاعة بدر الدِّين لي طاعة ... ومن عصاه ذاق طعم الوبال يا واحد الدَّهر وسلطاننا ... ومن له في كلِّ ناد نوال ومنها يقول: فاسعد بهذا الملك في دولة ... خالدة محروسة من زوال وليهن عصر أنت سلطانه .. وليلفك الرَّحمان عين الكمال

[وقال أيضًا يمدح الملك القاهر عزّ الدين مسعود بن أرسلان شاه: [من الكامل] يا أيَّها الملك الَّذي بمغيبه ... حجب الكرى عن مقلتي ونفَّرا عوفيت من ألم غدا متعرِّضًا ... بمزاجك المحروس يا خير الورى يا ليته إذ لم يجد إلاَّك ذا ... عفو أتى من ذنبه مستغفراً] [35] إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد، أبو نصر بن أبي الفضائل الشيبانيُّ، المعروف بابن القفطيِّ. وهو أخو الوزير القاضي الأكرم وزير حلب، وسيأتي نسبه مستوعبًا في ترجمة أخيه –إن شاء الله تعالى-. أخبرنا أنه ولد في رابع عشر المحرّم /59 ب/ سنة أربع وتسعين وخمسمائة بالبيت المقدس –حمى الله حوزته-. وكان والده القاضي الأشرف كاتبًا في دولة بني أيوب، يتولّى ذلك بالبيت المقدس، فهاجر إلى اليمن واستوطنها إلى أن توفي بها، وخلف ولده هذا أبا نصر صغيراً فتوجه إلى حلب وعمره يومئذ سبع سنين؛ فقرأ شيئًا من الأدب على أخيه، وسمع الحديث كثيراً على الشريف افتخار الدين الهاشمي، وأبي محمد عبد الرحمن بن الأستاذ الحلبي وغيره. [من الكامل] /60 أ/ وأهزم جيوش الهمِّ عنك بعانس ... بكر بغير القار لم تتلفَّع

شمطاء تذكر آدمًا في طينه ... وتريك في الظَّلماء معجز يوشع وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] طلَّقت لهوي ثلاثًا حين طالعني ... من ثغره ...... شيبي البادي فهل يليق بي الرّجعى وقد شهرت ... ظباه من شفرتى همٍّ وميلاد وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] ليست عهود هواك ممَّا تنقض ... أبداً ولا الحرمات ممَّا ترفض فعلام تتَّخذ الملالة ملَّة ... وتميل ميل معاند يتعرَّض أفردتني بالسُّقم مذ أوردتني ... في القسم مورد من يغصَّ ويجرض أضرمت ناراً في ضميري وقدها ... وبوجنتيك لها شعاع مومض حكم الجوى أنَّ الأسى لا ينقضي ... أبداً وأنَّ أخا الهوى لا يغرض هيهات والذكرى تحرِّك ساكن البلوى وحادي الإشتياق يحرِّض وبنفسي الغادون لو عاجوا على الوادي وعادوا مستهامًا أمرضوا صرفوا عن الأجفان مذ سدفوا الكرى ... وإلى محاجرها المدامع قوَّضوا إن فيَّضوا ماء العبون فإنَّهم ... عين التَّبصُّر والتَّجلُّد غيَّضوا /60 ب/ الله جارهم الجوارح بعدهم ... مجروحة والقلب دام مرمض وعلى تجنِّيهم فليس سواهم ... غرض ولا عن حبِّهم متعوَّض يا كم نهضت وقد نمى ضعفي بما ... شمُّ الجبال ببعضه لا ينهض ولقيت من حبٍّ وخبٍّ ماكر .... أبداً بميدان الغواية يركض متملِّق بادي النَّفاق وحالب ... أفواق مذق دهره لا يمخض يبدي المحبَّة والولاء لسانه ... وجنانه صلٌّ عليَّ ينضنض فمن الصَّفاء مبرَّأ ومن الرِّياء مملا ومن المروءة مفضض ولكلِّ ما أكرمت زاد لامة ... وملاله أدرانه لا ترحض

فعلى إسعاف الصَّديق بكلِّ ما ... أسطعيه وله جناحي أخفض فإذا قسا لا ينته وإذا نأى ... دانيته وإذا تجانف أغمض وإذا وفاة وفائه صحَّت ولم ... تبق الخيانة فيه عزمًا ينبض هاجرته الهجر الجميل ووجهه ... المسود عند لقًى ووجهي أبيض وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] بكيت دمًا فأزورَّ سؤلي مكبراً ... فعالي فقلت: أرفق فما جئت بالنُّكر نذرت إذا ما ورتني نحر مقلتي ... فلمَّا بدا مرآك وفَّيت بالنَّر /61 أ/ وأنشدني أيضًا في المعنى لنفسه: [من الطويل] ولمَّا بدا المحبوب سالت مدامعي ... دمًا فتولَّى مكبراً سوء فعلتي فقلت: نحرت القلب من عظم اللِّقا ... لديك فهذا عيد نحر لمهجتي وأنشدني أيضًا لنفسه في المعنى: [من السريع] قال حبيبي لمَّا رآني ... أذري نجيعًا أرعت سربي فقلت: من فرحة التَّلاقي ... يا نور عيني نحرت قلبي وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المجتث] لمَّا وقفت جنوني ... على الدُّموع الجواري فرَّ المنام وقال العوار سكنى العواري وأنشدني أيضًا لنفسه وقد اقترح هذا المعنى: [من الكامل] حسد الهلال على الجمال معذِّبي ... فتزيد الأنوار كي يحكيه ثمَّ اعتراه النَّقض عند كماله ... بقصوره عن بعض ما يحويه وأنشدني لنفسه: [من السريع] نشدت لمَّا فصلت عيرهم ... وحبُّ قلبي بالنَّوى حصيد /61 ب/ يا سائقي أظعانهم ترفَّقوا ... ألأيس منكم رجل رشيد؟ قد كشف الشَّوق غطا صبرنا ... فبصر الدَّمع به حديد

وجنَّة الخدِّ وكوثر اللَّمى ... لحرقي عليهما خدود لا تنطفئ بقربه وكلَّما ... عاودها تقول: هل مزيد وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الرجز] أفدي بسيط الغدر مجتثَّ الوفا ... وافر سقمي من طويل صدِّه ذهاب صبري ومقام ضرِّي ... من فضَّة مذهبة بخدِّه وقال: كنت بميافارقين، وبلغني أن أخي أعيد إلى الوزارة للملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر، فقلت، وأنشدنيها لنفسه: [من الكامل] بشراي أبدى البشر بعد تجهُّم ... وأعاضني بشهادة عن علقم نسخت سنين السُّخط ساعات الرِّضا ... ومحا محمَّدهنَّ كلّ مذمَّم فرتعت من وجناته في جنَّة ... مسقيَّة بحيا الحياء المثجم صفرت يدي من وصله إن لم يكن ... نومي زمان جفاه جدَّ محرَّم وبمهجتي كلف بوصل قطيعة ... مغرى بتعذيب المحبِّ المغرم /62 أ/ يرمي المقاتل عن قسي حواجب ... من مقلتيه بصائبات الأسهم سلب العقول مؤشَّر من ثغره ... سلب الرِّجال ربيعة بن مكدَّم من خطِّ عارضه ومقلة خاله ... قد أفصحت عذبات دمعي الأعجم يزورُّ إن خاطبته في زورة ... متشابهًا ويصول صولة ضيغم لم أنسه إذ قال لي: يا راكب الشَّهباء خلِّ صبيًّا لراكب أدهم فشكرت ليلاً من شبابي ظاعنًا ... وشكوت صبح مقيم شيبي المقتم فأجابني يا ظالمي قدك أئَّئب ... وأشكر ثناي لمنجد ولمتهم وأبشر بتجديد العليِّ الأكرم الصُّنع الجميل لدى عليِّ الأكرم

[36] إبراهيم بن عليِّ بن الحسن بن جريّ، أبو محمد النحويُّ الموصليُّ. أخبرني أنه ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة بالموصل. زعم أنَّ والده من قرية من قرى العراق تدعى شنا. استظهر كتاب الله تعالى، وأخذ علم النحو والعربية عن شيخه أبي حفص عمر بن أحمد النحوي ...... ، صحبه مدّة حياته. وهو رجل قد وخطه [الشَّيب] /62 ب/ ربعة أسمر. كان يخيط القلانس في ابتداء أمره، على أشد غاية ما يكون من الفقر؛ فلما تميّز في العربية ومهر، صار من أعيان تلامذة الشيخ أبي حفص عمر بن أحمد العسفي. اتصل بالأمير أبي الفضل لؤلؤ بن عبد الله البدري بالموصل؛ لتأديب أولاده –فانتفع به وصار يصحبه إلى مدينة السلام حين ينفذ رسولاً، فتمشت أحواله. وحصل رزقًا صالحًا، وأغناه ذلك عن صناعة القلانس. وكان يصلي الصلوات الخمس بالمدرسة البدرية إمامًا، ويختلف إليها جماعة من فقهائها، يقؤون عليه شيئًا من النحو والعربية. يتولّع بالشعر ويقول منه الشيء النزر. أنشدني لنفسه يمدح الأمير أمين الدين لؤلؤ ويذكر أولاده من أبيات: [من الوافر] سرور لا يزال على التَّوالي ... يدوم مع الأهلَّة واللَّيالي وسعد لا يزال لكم قرينًا ... يصرِّف عنكم عين الكمال لقد ظفرت بما تهوى الأماني ... واضحت في انتظام كالآلي وساعدنا الزَّمان بطيب وقت ... وولَّى القرُّ منبتَّ الحبال

/63 أ/ وقد جاء الرَّبيع بكلِّ فنٍّ ... من الأزهار مفقود المثال شبيه خلائق عذبت بصفو ... من المولى الموفَّق في الفعال أمين الدِّين مرموق السَّجايًا ... كريم الخيم مع كرم الخلال فيا مولى صنائعه شموس ... تسير مع النُّعامي والشَّمال بلغت من الأماني منتهاها ... فولدك بالمحاسن في اكتمال تجمَّع فيهم من كلِّ فضل ... يسود به الأواخر والأوالي فمن أسد يحمّل يوم روع ... ببيض في الجلاد وبالعوالي وأحمد في ديانته حميد ... يعدُّ مع الأئمة في المقال فلا زالا وأنت لهم كفيل ... يحوزان المفاخر والمعالي وأنشدني لنفسه فيما يكتب على سيف أهدي لأمير المؤمنين المستنصر بالله أبي جعفر المنصور –خلّد الله ملكه-: [من الكامل] ولقد سموت على البريَّة رفعه ... وقصمت كلَّ معاند متجبِّر لو لم يكن فيَّ الَّذي قد قلته ... ما كنت فزت براحة المستنصر وأنشدني أيضًا من شعره: [من الوافر] /63 ب/ أيا زمن الصِّبا ولَّيت عنَّا ... وما أبقيت من أمر بديع سلبت الأنس من طرف وقلب ... وحلو العيش من ..... وقد كنت الأنيس لكل شيء ... فقد أذهبت أبهة الجميع وأنشدني أيضًا قوله: [من الوافر] أمتلفتي بوعد في تمادي ... وملبستي سواداً في سواد لقد أسملت للأسقام جسمي ... وصار الجفن منِّي للسُّهاد فكفِّي الآن عن هجري وعودي ... إلى قطع القطيعة والبعاد وأنشدني أيضُا لنفسه: [من الطويل] أما والَّذي سنَّ التَّحية في الكتب ... وفضَّل بالإحسأن في البعد والقرب

لقد سبقت منك الأيأدي تفضُّلاً ... وما زلت تولي ...... وأوليتني ما لا أقوم ببعضه ... فحسبي بما أوليتنيه به حسبي أما والَّذي أحيا المودَّة بالكتب ... وأقصاك عن عيني وأدناك من قلبي وأنشدني أيضًا قوله: [من الطويل] /64 أ/ كتبت وفي قلبي من الوجد لوعة ... وعندي شجون من فراق الحبائب ولولا رجائي أن نعيش ونلتقي ... لما كنت من وجدي إليكم بكاتب سلام إليكم ما حننت إليكم ... وما .......... مشتلق بمقدم غائب وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] كتبت وقلبي مستهام وحقُّه ... يهيم بمن أهدى المسرَّة برقه فذكَّرني عهداً وما كنت ناسيًا ... وأوجب شكراً في الصَّحيفة نطقه [37] إبراهيم بن أبي النجم بن ثريّ بن عليِّ بن ثريّ، أبو إسحاق الموصليُّ أخبرني أنَّه ولد سنة سبع وثمانين وخمسمائة. [توفي في سنة أربع وخمسين وستمائة بحلب ودفن بالمقام رحمه الله]. شاب أشقر اللون، أزرق العينين؛ ربما دعي والده بنجم وأبي النجم، جميع ذلك تقوله العامة. اشتغل وهو صغير بشيء من العلم، وطالع التواريخ وأيام الناس، واستظهر قطعة جيّدة من الأشعار العربية، وحفظ شعر أبي الطيب المتنبي حفظًا حسنًا وفهم معانيه، وقال الشعر؛ ثم أغرى بلعب /64 ب/ النَّرد والشطرنج.

أنشدني لنفسه قصيدة يمدح بها الإمام أمير المؤمنين المستنصر بالله – خلّد الله أيامه وأنشدها في صفر سنة ثمان وعشرين وستمائة بحضرة الوزير مؤيد الدين محمد بن محمد العلقمي: [من الكامل] دار السلام وقبلة الإسلام ... وأجلُّ مرتبع وخير مقام فاستقص في نظم الكلام ونثره ... كالدُّر في سلك وحسن نظام وأعلم بأنَّك واقف بمواقف ... وقف على التَّبجيل والإعظام يكسى بها قس فهاهة باقلً ... ويرى الفصيح بحلبة التَّمتام حيث المقر أقرَّ أنَّ سحابه ... هطل الفواضل صيِّب الإنعام حرم البُنّوَّة والخلافة والتُّقى ... نادي النَّدى والفضل والإكرام تتضاءل الأوصاف عن أوصأفه ... وتضلُّ فيه هوادي الأفهام وأبت جلالته مقال كأنه ... وسما فقصَّر عنه كلٌّ مسامي فافخروته شرفًا فإنَّك مادح ... خير المديح بمدح خير إمام القائم المستنصر المنصور والبرِّ الرَّؤوف الصَّائم القوَّام هو حجَّة الله البليغة في الورى ... والعروة الوثقى بغير فصام /65 أ/ وهو المقدًّس والمطهَّر محتداً ... من كلِّ رجس غائب وأثام وهو الوسلية والمحجَّة والرِّضا ... والمرتضى في الحلم والأحكام والمجتبى والمرتجى والمنتهى ... في كلِّ مطلوب ونيل مرام هو موجد الجود المشتِّت جامع ... حسن المحاسن معدم الإعدام ألف المروءة قدر ما ألفت به ... ما ريع مرضع درِّها بفطام وتساويا حبًّا وفرط صبابة ... فكلاهما في صبوة وغرام ومتى قرنت به الكرام فحالهم ... في جوده والحلم والإقدام كعب ككعب في السِّماح وحاتم ... حتم عليه النَّقض بعد تمام ويقلُّ قيس أن يقاس بعبده ... حلمًا وأحنف أحنف الأحلام وابن الطُّفيل غدا كطفل مرضع ... عجزاً ومدَّرعًا بدرع ملام وعتيبة المعتوب في تقصيره ... هو مقدم لكن على الإحجام

وإذا الوغى أحتدَّت وكلَّ حديدها ... حتَّى تشبَّه فاصل بكهام وبقسطل النَّقع المثار كأنَّه ... ليل تطلَّع أو طلوع غمام وكأنَّما لبست به شمس الضَّحى ... ثوبين ثوب دجى وثوب قتام والخيل تعثر بالطُّلى وتقسَّمت ... قسمًا لقسَّام وسهم سهام /65 ب/ وترى الدِّماء على الثَّرى فكأنَّما ... علَّت به الدَّهناء كأس مدام تلقى أمير المؤمنين بمنصل ... يبكي النَّجيع ومبسم بسَّام وقد استعد لحزبه ولحربه ... رفق الشَّقيق وسطوة الضّرغام يا بان الخلائف من قريش والألى ... خلفوا الكرام وخلِّفوا بكرام يا موتمًا أبناء كلِّ معاند ... دين النَّبيِّ وكافل الأيتام صلَّى الإله على ابن عمِّك أحمد ... وعلى أبيك مفضَّل الأعمام وعليك يا خير البريَّة رتبة ... من كلِّ مكتهل وكلِّ غلام وبقيت في نعم تقارن أنعمًا ... وسلامة مقرونة بسلام ما أورقت شجر وأخصب مجدب ... وتهافتت في الدَّوح ورق حمام وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] لولا التَّعرُّض بالظِّباء الغيد ... وولوع قلبك بالمهاة الرُّود ما صاب خدَّك صيِّب من دمعه ... وأصاب جفنك صائب التَّسهيد فغدوت في أرق ترق له العدا ... وعهاد دمع ليس بالمعهود إن كان أمحل عارض من عارض ... وأهيل صوب الخدِّ بالتَّخديد فصبابة حكمت عليك فحكَّمتً ... وبل المدامع في وبال خدود /70 أ/ واهًا لعان مولع بعنائه ... جلد على حمل الغرام جليد كفلت لهيب حشائه نار الجوى ... وتكفَّلت بفؤاده المفؤود فطةى على نارين نار واصلت ... وصل السَّقام به ونار صدود هذا ولو سلم السَّلامة من ضنًى ... أقوى القوى منه وحرِّ وقود قالت جهنَّمه لرِّبه ... هل من مزيد من لظًى ومزيد ما ذاك إلاَّ أن تعذبت الهوى ... عذب لكلِّ متيَّم معمود

كلف بحبِّ الرَّملتين فرملة ... سكنت حشاه ورمله بزرود يغدو يعالج لا عجًا من عالج ... فيبيد بالمسرى سرايا البيد ويروم من آرام رامة موعدًاً ... يا بعد ما وعدوا وقرب وعيد ما زال يشكو باللِّوى أشجانه ... جهد المقلِّ وقلَّة المجهود حتَّى ترنَّج رنده فكأنَّما ... سلب القرار بوجده الموجود وعلى الكثيب الفرد من جرعائه ... رشأ كخوط البانة الأملود بهر الدُّجى لمَّا دجأ بذوائب ... ذابت لهأ مهج اللَّيالي السُّود وأمدَّ نور الصُّبح نور جبينه ... حتَّى أهتدى بضيائه الممدود والشَّمس والقمر المنير كلاهما ... لو مكِّنا همَّا له بسجود /70 ب/ وتودُّ غزلان الصَّريم بميحها ... جيداً تخصَّص عنهم في الجيد ذرِّي مبتسم شتيت واضح ... حلو اللَّمى عذب الرُّضاب برود لم أنس إذ يسعى بكأس سلافة ... حدَّث لطافتها عن التحَّديد والخدُّ ورديُّ اللِّباس وكأسه ... ورديُّة ورد من التَّوريد فكأنَّ حمرة كأسه من خدِّه ... كسيت وفاحمه من العنقود وكأنَّ دقَّة حصره صبٌّ شكا ... وصب الضَّنى من بنده المعقود مازال يوليني دنوَّ بعاده ... قربًا إلى وله عليه شديد والقلب في صفد المحبَّة هائمًا ... وارحمتا للهائم المصفود وله: [من الطويل] سلامًا لقلب همُّه ربه القلب ... يملُّ من العتبى ويصبوا إلى عتب كأنَّ علاج الحبِّ ضربة لازب ... عليه فما ينفكُّ من لاعج الحبَّ إذا سمته سلمًا ليصبح سالمًا ... من الجهد عاصاني وجاهد في حربي يراني من حزب الوصيِّ فما اعتنى ... لحزبي إلاَّ أنَّه من بني حرب وقد كنت غرّاً بالغرام فغرَّني ... وجرًّد لي من خدِّه مطلق الغرب وسهَّل لي حزن الهوى فسلكته ... وسهل الهوى لا حزنه أصعب الصَّعب /71 أ/ وما برح التَّبريح عنِّي بجانب ... فها هو بعد البعد جاري بالجنب

وطاوعته رغمًا ومن ذا الورى ... تبرَّأ من قلب لأبراً من قلبي عفا الله عنه الآن إن كان مقصراً ... وإن هو لم يقصر وإن لجَّ في العصب ألم ير جسمًا قد تجسَّم من ضنًى ... فعيناه معنيَّان بالسَّلب والسَّكب يهيم متى هبَّ النَّسيم ولم يزل ... لصبِّ الضَّبا مرُّ الضَّبا أبداً يصبي ويأرق إمَّا لاح منهنَّ بارق ... ويسرب بي أنَّى رنت مقل السِّرب وجارية جادت ففاتت بسيفها إلى ... الحسن من جاري وجادت على الصَّبِّ محجَّبة لم يغن عنهأ حجابها ... وهل يختفي الصُّبح المنير مع الحجب لعوب من الأتراك خاقات جدُّهأ ... فما نشأت في دار قيس ولا كعب متى سفرت قلت الغزالة أشرقت ... أو انتقبت وابن الغزالة في النّقب وما البدر إلاَّ لمحة من جمالها ... ولا الشُّهب إلاَّ من قلائدها الشُّهب لها واضحى أبدى من العذر واضحًا ... لصحبي وقد لاموا فأغرى بها صحبي وفاحم فرع مفخم كلَّ واصف ... يضلُّ به الهادي ويذهل ذو اللُّبِّ وطرف طريف للعقائًل عقله ... وطرف لطيف للعقول به يسبي وعقرب صدغ لسبها داخل الحشا ... تؤجِّج ناري كلَّما أكثرت لسبي /71 ب/ وتبسم عن ثغر نقيٍّ كأنَّه ... سنا البرق يهدي في الدُّجى حافر الرًّكب وما زال إذ لالي بعزِّ دلالها ... ويلصق إعظامي لها الخدَّ بالتُّرب ويشتاقها قلب ثوت في صميمه ... وهذا من المشتاق في غاية العجب إلى أن ألم الشَّيب وأحتلَّ لمتَّي ... فمالئت لوَّامي وملت إلى العتب وقلت لجدِّي أقبل فقد فات ما مضى ..................... أبعد فما وللِّعب وخلٍّ رأى لبثي بدار مهانة .... فجرَّأه إصرار لبثي على ثلبي رآني أعاني ما يعنِّي أقلُّه ... وقد كاد أن يقضى .... بها نحبى وبات يعاطيني كؤوس ملامة ... فأكسبني سكري بها حيرة الضَّبِّ فقلت له: مأ في نزاعك منزع ... عن القدر الجاري وهذا إلى الرَّب ولا بأس إن والى الزَّمان عناده ... فكم للأسى آس وللداء من طبِّ وكم رضت أرضًا بالكريم مضرَّة ... ثراها من الإثراء متَّصل الحدب

قضمَّت عرأها في عراها على الَّذي ... عراها وأغراها فصرت إلى الخصب فخلِّ الما وأعص الكرى تطع السُّرى ... وعج بي إلى صهيون فهي المنى عج بي إلى المطلب الأقصى إلى صيِّب الحيا ... إلى الغاية القصوى إلى المنهل العذب تجد بذرأها منبت الجود والنَّدى ... كما في ذراها بالنَّدى منبت العشب /72 أ/ وحيَّ هلاً فيها بملك تواترت ... إلينا به الأنباء عن فضله تنبي ملاذ الورى طود الحجى قمر الدُّجى ... سمام العدا ترب العلا الأروع النًّدب مظفَّر دين الله عثمان والَّذي ... يعافى به العافي ويعفو عن الذَّنب فما سمعت أذن بما حاز من علاً ... ولا مرَّ في وهم ولا جاء في الكتب أجار على جور الخطوب فبأسه ... على كلِّ خطب في الَّزمان من الخطب وأخلاقه راقت فلو قد تمثَّلت ... لشرب لما أعتًاقت لديهم عن الشُّرب فأغضى عن الفحشاء من جفن حرَّة ... وأمضىً لدى الخيجاء من مفصل عضب ونمَّ على معروفه طيب عرفه ... كذا نفحات الرُّوض نمًّت على السُّحب ونادى مناديه منادي سخائه ... فجاؤوه أفواجًا من البعد والقرب فوافوا به عرضًا عن النًّقص معرضًا ... ومالاً لمن وافى صبوراً على النَّهب وكفًا بما كفَّت من العدم تكتفي ... ودرّاً من النُّعمى بدر على الحلب فقال الوفا نيلاً ولم يقل ........ على كثرة الإرفاد نائله حسبي مليك لحجِّ البيت قصد جنابه ... يناجي بما يرجى فينحى من الكرب إذا أحتدّ في يوم الهياج وهاجه ... جلاد يفلُّ الحدَّ من سورة الضَّرب وقد راح بالأرواح عامل رمحه ... فأثنت على كرَّاته السن القضب /72 ب/ وأردى العدا تحت السًّنابك وأرتدى ... من المجد ثوبًا لا من الوشى والعصب ولم يرض إلاَّ الهام عمداً لسيفه ... وأقنعه سلب النُّفوس عن السَّلب أعأد على من عاد عائد عفوه ... وأشغله كسب الثَّناء عن الكسب لك الله أشكو ضنك حالي فأشتكي ... فأنت الرَّحيب الباع والمربع الرّحب ودونكها عذراً فلو قال قائل: هي الدُّرُّ لفظًا لم يكن فاه بالكذب

إذا أنشدت في محفل ناب نشرها ... عن العنبر الهنديِّ والمندل الرَّطب وصار لها أبن العبدً عبداً ونقَّصت ... زياداً وكادت في فصاحتها تربي وإن بلغت عنها البلاغة أخَّرت ... قدامة وأختالت على ابن أبي وهب فدم وابق محروس الجناب مملَّكًا ... تدين لك الأملاك في الشَّرق والغرب /66 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه بحلب المحروسة في شهر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة، يمدح الأمير مظفر الدين عثمان بن منكورس –صاحب صهيون- وأنفذها إليه من حلب المحروسة: [من الطويل] نعم هذه نعم وهاتيك دارها ... تشبُّ بأعلى الغور للعين نارها هدت ضمَّراً بالبيد أضمرها السُّرى ... فأقطارها مهديًّة وقطارها يريك سناها أنجمًا في سمائها ... إذا هاج عاديها وطار شرارها يقول لي الخلُّ الخليُّ وما درى ... أزندي أورى من جوى أم أوارها أنار القرى بين الحشا منك والقرا ... فعينك عبرى ما يقر قرارها فقلت: لظاها ما تجنُّ أضالعي ... شهرت بها حينًا فبان أشتهارها ولفتحها من زفرتي مستعارة ... ألم ترها يحكي سعيري أستعارها فحقَّ لدمعي أن يواصل مقلة ... جفا ناظريها نورها ونوارها إذا جاورت نعم بنعمان جيرة ... وأبعد عنها قربها وجوارها وأوجد أنس الوجد منِّي نفورهًا ... ونفَّر طيب النَّوم عنِّي نفارها وأعوز شكلي في الهوى حين أشكلت ... معاني مغانيها وشطَّ مزارها /66 ب/ لها الله إن جادت وإن هي أنصفت ... على جملة الحالين والله جارها متى شئت تلقى الغصن ريًّان ناظراً ... على الدِّعص فانظر ما يضمُّ إزارها خفاجيَّة الأنساب عذرية الهوى ... سما فرعها الزَّاكي وطاب نجارها حمتها حماة عادلت كلَّ معرك ... فسلَّت مقبسات النُّفوس شعارها ففي كلِّ لبٍّ روعة من مغارهم ... كما كلُّ قلب لم يفته مغارها مليكة حسن الدَّهر فاللَّيل فرعها ... ووضَّاحها للنّاظرين نهارها

يحرن حسان الحور فيها إذا رنت ... ومن أين للحور الحسان أحورارها وسيَّان نظمًا ثغرها وعقودها ... وشتَّان طعمًا رسقها وعقارها لها معصم لا عاصم منه لو دعت ... به العصم لانقادت وبان أنهيارها منى البدر أني يلوى إذا ما تسوَّرت ... ولم يسم بدراً بل تعالى سوارها عجبت لنفسي كيف بالشَّام أصبحت ... وعن جيرة اتلحدباء كيف أصطبارها أخيِّرها بين الثَّنيَّة واللِّوى ... فمأ ينثني إلاَّ إليها أختيارها يؤرِّقني مرُّ النَّسيم بربعها ... ويوقظني عند الهجوع أدَّكارها فللَّه ليلات قصرن لطيبها ... وأطيب أوقات السُّرور قصارها ويا ليت شعري حيث كنَّ عواريًا ... فهل أنا يومًا قبل يومي أعارها /67 أ/ إذ الورق قينات علون أسَّرة ... من الأيك يصبي سجعها وثمارها وصوت المثاني والمثالث معرب ... بلحن غرور في الخدور ..... إذا ردَّدت أقمارها نغماتها ... شدا طربًا قمريُّها وهزارها فشقَّ قميص الهمِّ عنه شقيقها ... وبثَّ شحوب الوجد منه بهارها وساق يدير الرُّوح روحًا فحبَّذا ... مدير حميَّا كأسها ومدارها كسا راحه راحًا يريك مزاجها ... بياض لجين ذاب فيه نضارها كأنَّ على الياقوت إكليل جوهر ... إذا أنفض مسلًوبًا وقاري وقارها أو البدر أبدى الشَّمس للشّرب فاكتسبً ... حياءً بحباب .... فالدراري ..... سلاف أتانا سالف الدَّهر بعدها ... فأعوز عصر كان فيه أعتصارها فهات كبيراً فالسَّعادة حثُّها ... كباراً كما أنَّ الصَّغار صغارها إذا خفت عاراً واللَّيالي معارة ... فليس بعار أن يصيبك عارها أرى هممًا لا تنثني عن دناءة ... أضرَّ عناهًا أم أضرَّ أضطرارها ولي همَّة عن مركز العِّز ما خطتً ... ونفس إليه طعنها وسفارها فيا ويحها ماذا دهاها فأقصرت ... وعن قصدها صهيون ماذا أنتظارها؟ به أسد إن صال ذلَّت أسودها ... وبحر إذا ما فاض غاضت بحارها /67 ب/ فتبًا لها إن خافت الضَّيم والأذى ... وناصرها عثمانها وانتصارها

مظفر دين الله ناشر عدله ... وقد ضاق عن عشم الطُّغاة أقتدارها مليك على كلِّ البريَّة حكمه ... وفي قبضتيه برُّها وبوارها تكفَّلت العافي بيمن يمينه ... وقد ضمنت يسر المقلِّ يسارها ففي خمسه للناكثين خميسها ... وفي عشره للماكثين عشارها له محتد أصل العلاء فروعه ... ودوحة فخر لا يبارى فخارها إلى منكورس القيل والمجد تنتمي ... فمن دونه قحطانها ونزارها ومسعر حرب إن سطا يوم معرك ... فربح الأعادي في الكفاح خسارها إذا نازعت أقيالها وتنازعت ... رؤوس حمام لا يدواى خمارها وظلَّ بها سمُّ المنيَّة نافعًا ... فأرخت ستور النَّقع خوفًا قعارها جرى سابقًا من لا يشقُّ غباره ... بسبَّق خيل لا يشق غبارها لها عثير بين السَّنابك معتق ... ولكن بأعتاق الكماة عثارها لتروى ظوام من قنًا وقواضب ... أبت إذ أثيرت أن يعطَّل نارها فيصدر عن فري الصدور صدورها ... وقد وردت ورد الوريد عقارها وأضحى رفيعًا قدره واقتداره ... وظلَّ وضيعًا قدرها وأقتدارها /68 أ/ على أنَّها لم تأل جهداً وما وقى ... وقد حذرت لو كان يغني حذارها وإن أمعنت في الفرِّ من سطواته ... فأين من اللَّيث الهصور فرارها أيا ملكًا كلُّ الملوك مشارها ... إليه وفي دفع الأذى مستشارها ورب أيأد لا يطاول طولها ... ولكن طوال الطول منها أحتصارها وغيثًا يرينا غوثه من بنانه ... سحائب لا تنفَّك تهمي غزارها لك الله من غضب على الشِّرك مقصل ... له صفحة أرضى الإله غرارها فكم مأزق في مأزق رهن حدِّها ... وكم مهج هاجت إليه مصارها تأمَّل قريضًا مأخلا عن مقرِّض ... وأبكار أفكار يروق أبتكارها هدت بقوافيها من الفهم حائراً ... وأوضح سبل السَّالكين منارها معان على جيد المعالي قلائد ... عرائس تجلى والفريد نثارها يفوق شذاها المسك ليس كروضة ... يمجُّ النَّدى شيحانها وعرارها

ودم في سعود نيِّر بك بدرها ... ومكِّنه تمكين إليك بدارها وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] تهادى فكاد الغصن يشبهه قدّاً ... وأهدى إليه الورد من لونه خدَّا فجاد على جوريِّه ورد خدِّه ... وقدَّ قضيب البان أهيفه قدَّا /68 ب/ فريد جمال جوهر الحسن ذاته ... فلا غرو إن سمَّيته الجوهر الفردا حبيب حبا الصَّهباء سلسال ريقه ... فراقت به طعمًا ورقَّت به بردا كسا كأسها طيبًا وحلَّى حبابها ... فصار على إكليلها ثغره عقدا وأشهد أن الشَّهد من فيه يختشى ... ومن ذا جنى في النَّاس من برد شهدا هدى الصُّبح لمَّا ضلَّ في ليل فرعه ... بصبح جبين كلُّ صبح به يهدى علاه دجوجيٌّ من الشَّعر حالك ... تخال به قطعًا من اللَّيل مسودَّا ولمَّا رأى شمس الضُّحى تستمدُّه ... جملاً وبدر التَّم يلتمس الرِّفدا ومن ذا لها لو أشرقت من لثامه ... وكيف له لو كان يرضى به عبدا له عامل في ناظر تحت حاجب ... أمير يمير المستهام به الوجدا تجلَّى فنالا من سناه سناهمًا ... ولولاه ما عادا ولولاه ما عدَّا يجرِّد هنديًا من اللَّحظ مرهفا ... متى ما انتضاه جاز في حدِّه الحدَّا مضاربه جارت وجادت وجالدت ... فلا جلداً تبقي لديها ولا جلدا فبين قتيل لا ..... وبين أسير لا يفدَّى ولا يعدى فيا ساريًا يغري العلاً بمناسم ... تبيد عراص البيد في سيرها وخدا إذا جئت وادي المنحنى دون ضارح ... وعاينت ذاك الرِّيم والبان والرَّندا /69 أ/ فلذ بحمى ذاك الجناب فمن به ... إليه مطايا الشَّوق في شوقها تحدا وقل يا مريح الرُّوح إن كان واصلاً ... ويا رابحًا بالرُّوح إن منح الصَّدَّا خف الله في صبٍّ من الصَّبر مخفق ... فخفاقه من فرط حبِّك لا يهدا تعمَّدت معمود الفؤاد سلبيه ... فعنَّفته شوقًا وأقصدته قصدا فإن قال لم أعمد فقد صحًّ قتله ... لقيت بلاه إن وفاقًا وإن عمدا وإن كان يومًا يحياه مسعداً ... فلا لقيت عتب ولا أسعدت سعدى

وكم لاح لاح في هواه أجبته ... وقد ظنَّ ما يبديه من غيِّه لاشدا عدمتك إنَّ القلب أضحى زمامه ... بكفِّ مكاف ما أرى منه لي بدَّا فمغسوله المسكيُّ أوردني الظَّمأ ... وعساله اللَّدنيُّ هدَّ القوى هدَّا أرى حبَّه فرضًا وإن سنَّ قتلتي ... وإن هو أخفى من تعدِّيه أو أبدى وإن هو أولى أو تولَّى وإن وفي ... بميعاده أفديه أو أخلف الوعدا وها أنا تصبيني مذاكرة الحمى ... وأهوى الثَّنايا الغرَّ والفاحم الجعدا ويطربني مرُّ النَّسيم إذا سرى ... سحيراً بريَّا جيرة سكنوا نجدا وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى بدر الدين لؤلؤ –صاحب الموصل-: [من الكامل] مولاي عبدك شاكر لم يثنه ... إبعاده عن شكره وثنائه /69 ب/ ووحقِّ نعمتك الَّتي عمَّ الورى ... إنعامها فعجزن عن إحصائه قسمًا وراحتك الَّتي ما جاوزت ... جود الحيا إلاَّ أحتبى بحبائه والبحر باراها فبار وكاد من ... نبط الكابة أن يغيض بمائة لمَّا رفعت محلَّه في مجلس ... النَّصر والإقبال من جلسائه ووعدته نظراً بعين عناية ... فغدا به يسمو على نظرائه لم يبق في الدُّنيا سواك له رجًا ... فمتى يراك محقِّقًا لرجائه وأنشدني أيضًا قوله يتغزل: [من البسيط] قل لي عداك غرامي أيُّها البان ... أبان أهل الغضا للعين أم بانوا وجيرة بالنَّقا ما خنت عهدهم ... ولا هم لعهودي في الهوى خانوا أضيعوا العهد أم حالت معاهدهم ... فحال عهدهم أم هم كما كانوا إن أضمروا سلوةً حيث اللِّوى سلكوا ... فإنَّهم في ضمير القلب سكَّان أو أنكر الطَّرف مغناهم فلا عجب ... فالعقل معتقل واللُّب حيران ومدمعي ضلَّ حتَّى ما أهتدى بصري ... أهذه رامة أم تيك نعمان؟ عهدي بعم وشتيت الوصل مجتمع ... على الحمى وهم أهل وجيران فالآن لا الأهل أهل بعد بعدهم ... عن الطُّول ولا الأوطان أوطان

أبكتهم وجفون السُّحب تنجدني ... فالقطر والدَّمع هتَّان وهتان وأسأل الربع عنهم من تشوِّقهم ... جهد المقلِّ وما بالربع إنسان [38] إبراهيم بن المظفر بن أحمد بن المبارك بن موهوب بن غنيمة بن غالب، أبو إسحاق بن أبي العزِّ المستوفي الإربليُّ. شاب أسمر اللونً؛ أخبرني أنه ولد في المحرم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة؛ وهو ابن أخي الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي –رحمه الله-؛ وهو من بيت جليل /73 أ/ بإربل في الرئاسة؛ أجلاء معروفون، رؤساء موصوفون. حفظ القرآن المجيد، ويحفظ حملة من الشعر؛ وهو يتولّى التصرف لأمراء بلده، وفيه ذكاء. وله شعر أنشدني منه، وكتبه إلى بخطّه: [من الطويل] إلى الله أشكو من هموم تواصلت ... أما تغلط الدُّنيا لنا بصديق لقد خانني لمَّا هجرتم مواصلي ... وقد صدَّ عنِّي معشري وفريقي فواحربا كم تضرمون بصدكم ... وإعراضكم في القلب نار حريق أقاسي همومًا من أناس فعالهم ... قذًى لعيون أو شجى لحلوق وأنشدني له: [من الطويل] تجلُّ عن التَّشبيه يا متملَّكًا ... بمقدمك الميمون إنتظم النَّصر لئن سرت في برً من الأرض فدفد ... فقد صار بحراً ماؤه مفعم غمر [39] إبراهيم بن أبي المنى بن أبي الفضل بن عليٍّ، أبو إسحاق الحبّال الحلبيُّ. رأيته بحلب في ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين وستمائة؛ رجلاً كهلاً سوقيًا. وسألته /73 ب/ عن ولادته، فقال: ولدت في سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وزعم أنَّه تأدب على جماعة من فضلاء الحلبيين، واستظهر مقدمة باب شاذ وسرّ

الأدب لمنصور الثعالبي؛ فرأيته ذا طبع موات في عمل الشعر وخاطر حسن. وأنشدني كثيراً من شعره، وكتبت عنه مقطعات؛ فمما أملى علي قوله: [من السريع] سلطانة سلطانة الحسن ... سقى محيَّاها حيا المزن فالشَّمس من لألائه تكتسي ... نوراً وبدر التَّم في الدّجن أفديه وجهًا لو تراءى لدى ... حسن لأصباه إلى الزَّفن يقودني منها إلى حبِّها ... قدٌّ رشيق كالقنا اللَّدن ناديت لمّا أقبلت فرحةً ... من ذا رأى شمسًا على غصن فنٌّ من الحسن يهيم الفتى ... وكم لها في الحسن من فنِّ وأنشدني أيضًا: [من مجزوء الرمل] ساعدي سلطانة الحسن ... أسارى ساعديك فأرى بالي وبالي ... جسدي طوع يديك وأرحمي من بات يشكو ... من تجنِّيك إليك /74 أ/ فلقد أشفق من عاقبة الظُّلم عليك وله: [من الرمل] سيِّدي إنَّ ودادي لصحيح ... وبسرِّي حاش لله أبوح ولك اليوم بقلبي منزل ... ماله عن حبَّة القلب نزوح خبري دلَّ عليه .... ...... العاشق في الوجه تلوح فاغتنم أجري ودعني أغتدي ... عند رؤياك بنجح وأروح وأشف جسمي من سقام شفَّه ........ الأسى إذا مات الجريح يا لقومي آفتي من نظري ... لم يزل طرفي إلى السُّمر طموح أيُّها السَّمح بهجري والقلى ... وهو بالوصل ............... لك روحي خلِّها في بدني .... وهو لا تدعني جسداً ما فيه روح أنت لي راح مزاح في فمي ... لذَّلي منه غبوق وصبوح قد حويت الحسن والطَّرف معًا ... يا مليحًا لا يضاهيه مليح

ما لليلي .... لا أرقده ... ونهاري تعب لا أستريح أرقب الصُّبح ودمعي كدمي ... من رآني قال في الفرش ذبيح قرّة العين إلى كم ذا الجفا ... إن جفني من تجافيك قريح /74 ب/ إن تكم ساءتك منِّي ترحة ... توجب التَّقبيح ما العفو قبيح وله: [من مجزوء الرجز] رحة قلبي تعب ... وبرء جسمي وصب ودمع عينيَّ دم ... في الخدِّ منه ندب وبين جنبيَّ جوًى ... بوقده التهب كأنَّما الدَّمع لنيران الجسوم الحطب والهم عندي مقعد ... ما عشت لا يقترب إن أقشعت نائبة ... منه تنامت نوب وإن تناءى سبب ... عنِّي تدانى سبب فيا إلهي فرجًا ... أو أجل يقترب إذا أمرَّت عيشة ... فالموت منها أطيب [40] إبراهيم بن أبي عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن يوسف، أبو إسحاق الأنصاريُّ الإسكندريُّ. شاب قصير أسمر شديد السمرة، كوسج، يتطلَّس بزي بلده /75 أ/ أخبرني أنَّه ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة، تفقه على مذهب الإمام مالك ابن أنس –رشي الله عنه- وتأدّب على أبي زكريا يحيى بن معط بن عبد النور الزواوي النحوي المغربي؛ وذكر لي أنه سافر إلى بلاد اليمن والهند والعراق والشام والروم. شاهدته بالموصل أواخر سن اثنتين وثلاثين وستمائة؛ فرأيته رجلاً ذا عناية بفن المنثور والمنظوم، حلو الحديث، لطيف المحاورة، جميل المحاضرة؛ له لسان وفصاحة، وقبول عند الكبراء، وفيه دماثة وكياسة، ترغب الناس في عشرته، ويتقبلونه ويقبلون عليه حلس منزله. لم يمدح أحداً رجاء نائله وجدواه إلاّ رياضة لخاطره.

أنشدني لنفسه: [من الطويل] رعى الله أيَّامًا مضين بجلِّق ... لقلبي عليها أنَّه وتوجُّع رحلت وأبراد الشَّباب قشيبة ... وعدت وأسمال المشيب ترقَّع وأنشدني أيضًا شعره: [من الطويل] تصفَّح تصانيف الأنأم تجد بها ... عقولاً صحاحًا تارة ومراضا /75 ب/ فإن زرت مرضاها وجدت رياضة ... وإن رضت أرضاها رأيت رياضا وأنشدني أيضًا: [من المديد] ليس لي في غيرهم طمع ... وصلوا في الحبِّ أم قطعوا أوجعوا قلبي ببينهم ... واستمرَّ البين والوجع [ف] كأنِّي بعد بعدهم ... في الورى بالعيش انتفع وأنشدني أيضًا قوله: [من الرمل] بات يسقيني رشًا كالقمر ... يمزج المرِّيخ لي بالمشتري بكؤوس من لجين أبيض ... ملئت لي من نضار أصفر فوق أرض بسطت من سندس ... رصِّعت فيه نجوم الدُّرر ذات عرض حفَّ بالتُّرك فلمً ... أر فيه غير أحوى أحور وله ثوب جمال أحمر ... ذو طراز من عذار أخضر [41] إبراهيم بن عرب بن عبد الرحمن .... الشيباني. أخبرني أنه ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة بالبيت المقدس –حمى الله حوزته-. أنشدني لنفسه: [من الرجز] يا خاضب الشَّيب وفي ظنِّه ... أنَّ خضاب الشَّيب لا يشينه .. ..... ..... ..... ............. في ذقنه

وأنشدني أيضًا لنفسه، وكتبها إلى تاج الدين الصرخدي يلتمس شيئًا من شعره، فأبطأ عليه إنفاذه: [من الخفيف] .. ..... ...... تاج الدين عن شاكر عد إحسانه هذه حالة عذرناك فيها ... درر التَّاج لا تزال مصانه وأنشدني لنفسه في إنسان كبير الأنف: [من الخفيف] .............. أنف عظيم ... في خياشيمه يضيع الفيل ولأنفاسه صفير إذا ما ... سمعت قيل قام إسرافيل وأنشدني أيضًا قوله في المعنى: وأعجب شيء في الذي ... أنفه يوازي باقي اسمه . ..... ...... ............... من أنفه في المجرّة]

ذكر من اسمه أحمد

ذكر من اسمه أحمد [42] أحمد بن عبد الغني بن أحمد بن خلف بن المسلم اللَّخميُّ القطرسيُّ. كان من أهل الديار /76 أ/ المصرية. وبها نشأ خاملاً، وكفله شخص من مصر يقال له "القطرس" ورّباه فلا يعرف إلاّ به. وفتح مكتبًا يعلّم فيه الصبيان، وبقي زمانًا طويلاً يؤدّب الصبيان ويعلمهم الخط. هكذا حكى لي من أثق به. وكان فاضلاً نبيلاً شاعراً جليلاً فقيهاً على مذهب الإمام مالك بن أنس -رضي الله عنه- وعنده معرفة حسنة بالأصولين والفلسفة، وحصل من ذلك على الأمد الأقصة. ثم ترك ذلك وخدم في الأشغال الديوانية وفي ديار مصر؛ وله شعر كثير لطيف الغزل رقيقه. وتوفي بقوص في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وستمائة. وساق ذكره الإمام أبو حامد الكاتب في خريدته، وأثنى على فصاحته ومعرفته. قال العماد أبو حامد محمد بن محمد الكاتب الأصفهاني في خريدته: النفسي بن القطرس شاب مصري فقيه في المدرسة المالكية بمصر له خاطر حسن ودراية، ولسن ويد في علوم الأوائل قوية وروية من منابع الأدب ومشارعه روية. أنشدت له: [من البسيط] /76 ب/ يسرُّ بالعيد أقوام لهم سعة ... من الثَّراء وأمَّا المقترون فلا هل سرَّني وثيابي فيه قوم سبا ... أو راقني وعلى رأسي به أبن جلا

عيد عداني الغنى فيه إلى ....... لا تعرف العرف أيديهم ولا القبلا ظللت أنحر فيهم مهجتي أسفًا ... وهم به ينحرون الشَّاء والإبلا ..................... لكان أرفع ........ الَّذي سفلا قال المبارك بن أبي بكر ........... ، أنشدني أبو الفضل زهير بن محمد بن علي الكاتب، أنشدني الفقيه النفسي أبو العباس أحمد بن عبد الغني بن أحمد بن عبد الرحمن بن خلف بن المسلم اللخمي القطرسي لنفسه بقوص: [من الوافر] وأهيف كالقضيب إذا تثنَّى ... وكالقمر المنير إذا تبدَّا سبى قلبي هواه وكنت حرّاً ... وأضرعني هواه وكنت جلدا فديتك من يمان كاليماني ... إذا ما أهتَّز الحاظًا وقدَّا رآني الحسن أهوى الثَّغر المى ... فألبسه اللمَّى المعسول بردت /77 أ/ لئن لانت معاطفه دلالاً ... فإنَّ السَّيف يقتل وهو يندى وإن عذبت مرأشفه فممَّا ... يذيب حديثه فيهم شهدا وأنشدني بالإسناد له: [من المنسرح] وقامة كالقضيب مائسة ... تحمل جسمًا كأنه الذَّهب شمائلً الحسن فيه شاهدة ... بأنَّه حيث ينتهي الطَّلب .. تفته والدلال يجذبه ... والقلب منه إليه ينجذب وذقت ريقًا مزاجه عجب ... الخمر والمسك فيه والضَّرب ولم أزل في أنتهابه شرهًا ... فاعجب لملكي وكيف أنتهب أنشدني زهير بن محمد بن علي الكاتب، قال: أنشدني أحمد بن عبد الغني لنفسه: [من الطويل] وذي هيأة يزهى بحال مهندس ... أموت به في كلِّ يوم وأبعث محيط بأشكال الملاحة وجهه ... كأن به أقليدسًا يتحدَّث فعارضه خطُّ أستواء وخاله ... به نقطة والخدُّ شكل مثلَّث /77 ب/ وقال: [من مجزوء الكامل] نفسي الفداء لبابليِّ اللَّحظ فضِّيِّ الثَّنايا

ساجي الجفون على عرامة لحظه دمث السَّجايا المى كأنَّ المسك قبَّله فأدوعه بقايا وقوله: [من الكامل] وأغن أغنى وجهه عن روضة ... غنَّى وإن كان القضيب المائدا وإذا رأيت جماله وسمعته ... أبصرت بدراً وأستمعت عطاردا عطارد: مغن مشهور من القدماء. وقال أيضًا: [من الرمل] علق القلب غزالاً أحورا ... أهيفًا أسمر يحكي الأسمرا بابليَّ اللَّحظ شهديَّ اللَّمى ... لؤلؤيَّ الثَّغر بدريَّ السُّرى يوسفيَّ الحسن إلاَّ أنَّه ... ما له بالثَّمن البخس شرا لو رأى إبليس في صورته ... آدمًا يأمره ما استكبرا أرسل الطُّرَّة كاللَّيل على ... غرَّة كالبدر لمَّا بدرا وأراني الورد والنَّرجس من ... مقلًة حورا وخدِّ أحمرا /78 أ/ وحباني أقحوانًا أشنبًا ... فضلً الخمر وفاق العنبرا وقوله أيضًا: [من الوافر] وأخضر مثل غصن البان لدن ... وأحسن ما يكون الغصن أخضر كأنَّ عذاره وافاه عذراً ... ليظهر فيه حسنًا كان مضمر جرى ماء الصِّبا فيه فأزهى ... وأشرف نوره فيه وأزهر وأثمر بالدَّراري والدَّياجي ... وهل غصن بذلك قطُّ أثمر وقالوا: ريقه خمر ومسك ... وقد جهلوا بأنَّ الطَّعم سكَّر نعمت بوصله في جنح ليل ... تظاهر من ذوائبه بمغفر إلى أن جرَّد الإصباح سيفًا ... مضارب حدِّه الله أكبر! وقال أيضًا: [من الطويل] وأهيف مثل الرُّمح لينًا ودقَّة ... وكالسَّيف قدّاً واهتزازاً ورونقا يضيء الصِّبا في وجهه فجماله ... يجدَّد فيه كلَّما قيل أخلقا

سبت مهجتي منه جفون كحيله ... وما كحلت بالسِّحر إلاَّ لتعشقا وقدم حلب أيام الملك الظاهر وامتدحه ومن شعره قوله: [من الكامل] /78 ب/ هلاَّ عطفت على المحبِّ المدنف ... فشفيت غلَّة قلبه المتلهِّف يا محرقًا قلبي بناء صدوده ... لو شئت كان ببرد ريقك ينطفي أتلفتني بهواك ثمَّ تركتني ... حيران أسكب دمعتي يا متلفي أو ما علمت بإنَّني رهن الضًّنى ... وقف الهوى لعذارك المتوقِّف لا شيء أحسن من محبٍّ مغرم ... وجد السَّبيل إلى حبيب منصف من لي وقد سمح الزَّمان بخلسة ... لولا تذكُّر طيبها لمً تعرف إذ بتُّ معتنق القضيب على النَّقا ... ونعمت مغتبق السُّلاف القرقف ومن شعره أيضًا: [من الكامل] يا من تعوِّذه محاسنه ... من عين عاشقه إذأ شكُّوا فبوجهه ياسين طرَّته ... وعلى لماه ختامه مسك وله يرثي صديقًا: [من البسيط] يا راحلاً وجميل الصَّبر يتبعه ... هل من سبيل إلى لقياك تتَّفق ما أنصفتك جفوني وهي دامية ... ولا وفي لك قلبي وهو يحترق [43] أحمد بن أسعد بن أحمد /79 أ/ بن عبد الرزاق بن بكران، أبو الفضل المزدقانيُّ الوزير. استوزره عز الدين أبو سعيد فرخشاه بن شهنشاه بن أيوب بن شاذي –صاحب بعلبك- وكان متقنًا في كل نوع من العلوم؛ كعلم الفقه والحساب والكلام والنحو اللغة

والأدب والشعر، وقرضه ومعانيه. وتوفي يوم الجمعة ثامن المحرم سنة خمس عشرة وستمائة. أنشدني أبو محمد عبد الله بن عبد الوهاب بن عبد الكافي الدمشقي الأنصاري المعروف بابن الحنبليّ، قال: أنشدني الوزير أبو الفضل المزدقاني لنفسه: [من البسيط] ردُّوا زمان الصِّبا واللَّهو والكاس ... وعلِّلوني بندماني وجلاَّسي وأسنيقنوا أن أقصى ما أؤمِّله ... وأشتهي شربه من ماء بلناس وإن تحقَّقتم أن ليس يمكنكم ... هذا فحسبي صباباتي ووسواسي من ليس يقدر أن يقضي لصاحبه ... خقًّا يعدُّ من الأحياء في النَّاس وأنشدني، قال: أنشدني أبو الفضل شعره: [من مجزوء الكامل] واضيعتا إن لم تجد ... لي خالقي بالعفو عنِّي /79 ب/ أذهبت عمري في الهذاء ... وبالتَّرجَّي والتَّمنِّي وأتيت أطلب عفوه ... فالذَّنب والتَّقصير منِّي وأنشدني المفضل بن أحمد، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من السريع] قبِّل بساط الملك الشَّاغر ... عن عبد قنٍّ لنداه شاكر الملك الأمجد دام ملكه ... سيف أمير المؤمنين النَّاصر ذي الماثرات الباهرات في الورى ... ربِّ النَّوال الجمِّ والماثر وقف أمام دسته إذا أحتبى ... لوفده كبدر تمٍّ سافر وأتل لديه سورة الفتح تقل ... لك الجواد السَّمح لفظ العاثر وقل له: يا ملكًا فاق الورى ... من أوَّل في عصره وآخر عزَّ بك الإسلام يا ناصره ... وذلَّ منً خوفك كلُّ كافر وفتَّ أرباب الفخار والعلا ... بما تدرَّعت من المفاخر لو كنت قسَّ زمني فصاحة ... قصَّر عن وصف علاك خاطري لأن أبناء الزَّمان وشل ... وأنت كالبحر الخضم الزَّاخر حجَّ إليك أملي من دونهم ... فعاد بالأخر الكثير الوافر

/80 أ/ فكيف لا أشكر مولًى منعمًا ... ملأت من نائله غرائري قد كملا صفاته في ذاته ... وفاق بالأصل الشَّريف الطَّاهر دم ملكًا على الزَّمان حاكمًا ... بقدرة الملك القديم القادر ما لاحا النُّجوم في جنح الدُّجى ... وما بدا الصُّبح لعين النَّاظر [44] أحمد بن جعفر بن أحمد بن محمد بن الحجاج، أبو العباس بن أبي محمد الواسطيُّ، المعروف بابن الدُّبيثيِّ. وهو ابن عمِّ أبي عبد الله محمد بن سعيد الدُّبيثيِّ الواسطيِّ "صاحب المذيّل" الذي ذيّله على أبي سعد السمعانيِّ. كانت ولادة أبي العباس سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. وتوفي مستهل جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وستمائة. وكان ضامن البيع بواسط، والناس يسيئون الثناء عليه؛ لأنه كان غير محمود السيرة في ولايته. سمع الحديث من أبي طالب محمد بن علي الكتانيّ، وكتب عنه جماعة. وكان عارفًا بالأدب شاعراً فاضلاً /80 ب/ حسن الشعر، وديوان شعره كبير يحتوي على أصناف المدح والهجاء والغزل والنسيب وشرح رسالة أبي العلاء المعري المعروفة بالأغرضية. أخبرني أبو عبد الله محمد بن سعيد الدّبيثي الواسطي، قال: أنشدني ابن عمي أحمد بن جعفر لنفسه –وهو مما عمله بدمشق-: [من البسيط] يا بين روّعت بالبعاد وكم ... قد بات قلبي والأسى يروِّعه يا دهر كم لك من جمع تبدَّده ... للعاشقين ومن شعب تصدِّعه

وأنت يا بين قلبي كم تجرعه ... مرَّ الأسى وفؤادي لم تقطِّعه يا خالي القلب قلبي حشوه حرق ... وهاجع اللَّيل ليلي لست أهجعه إن خنت عهدي فإنِّي أخنه وإن ... ضيَّعت ودِّي فإنِّي لا أضيِّعه هذا مقام ذليل عزَّ ناصره ... يشكو إليك فهل شكواه ينفعه يلومه في الهوى قوم وما علموا ... أنَّ الملامة تغريه وتولعه من لا يكابد فيه ما أكابده ... فيه ويوجعني ما ليس يوجعه من لي بمن قلبه فأسمعه ... بثِّي فيبسط من عذري ويوسعه قلَّ الوفاء فما اشكو إلى أحد ... إلاَّ أكبَّ على قلبي يقطِّعه /81 أ/ من منقذي من يدي من ليس يرحمني ... يقتادني للهوى المردي فأتبعه آتيه بالصِّدق من حالي فيجحده ... ظلمًا ويكذبه الواشي فيسمعه وليلة زارني فيها على عجل ... الشَّوق يحضره والوجد يفزعه وبات مستنطقًا أوتار مزهره الفصاح يتبعها طبعًا وتتبعه إذا بدت نغمة المثنى سمعت لها ... وقعًا يلذُّ على الأسماع موقعه فبت أنظره بدراً وأرشفه ... خمراً وأقطفه ورداً وأسمعه وقام والوجد يبطيه ويعجله ... ضوء الصَّباح وأنفاسي تشيِّعه وأنشدني الشريف أبو العباس أحمد بن الحسين ابن نقيب العباسيين الوايطي ببغداد، قال: أنشدني جدّي لأمي لنفسه يصف الشمعة: [من الكامل] ونديمة زارت لها بعد الكرى ... وجه إذا كلح الظَّلام صبيح يقضي البقاء لها بلا روح كما ... يقضى الفناء لها وفيها الرُّوح ممشوقة مثل القضيب قضيفة ... لم يضوها همُّ ولا تبريح ومن العجائب أنَّ من جليت له ... ضحكت إليه ودمعها مسفوح /81 ب/ وقال أيضًا وقد حبس في ديوان واسط حبسًا طويلاً: [من الخفيف] من كفي طارق الخطوب فأكفا ... أم عفي من صروفهنَّ فأعفا الدهري حقد عليَّ وعهدي ... زمني وهو بي أبرُّ وأحفى

أم لهذا الزَّمان عندي ترات ... تقتضيه لشدَّة البطش عنفا كلَّ يوم يروعني منه خطب ... والَّذي راع قبله ما تقفى مغرم بي إما حبيب أورايه ثرى الأرض أو أفارق إلفا خصَّني منه بالنَّوائب حتَّى ... صرت رهنًا على الحوادث وقفا أتفدَّى الرَّدى وأحتمل الخطب ... جسيمًا وأشرب الهمَّ صرفا وفؤادي عليه وقدة جمر ... يشفع القلب جمرها ليس يطفا قد طعمت الزَّمان حلواً ومراً ... وحملت الأنأم ثقلا وخفَّا وتبدًّلت بعد أهلي عتاة ... يتمشَّون في الأساود عسفا كلَّ عأن يئنُّ في ظلمة اللَّيل ... إذا أعتنَّ بأسه قال: لهفا بوجوه أرقَّ من نطف المزن ... وأندى من السحائب كفَّا نفس صبراً على الملمَّات صبراً ... وترجَّى لها من الله لطفا /82 أ/ كم رأينا من كان أشفى على ... الموت فتقضى له الحياة فيشفى فأجابه شخص من الواسطيين ينقض عليه: [من الخفيف] قل لمن ظلَّ يعتب الدَّهر عنفا ... لو كفيت الورى لقد كنت تكفى أيَّ خير عملت بل أيَّ يوم ... لا ترى أرض واسط منك خسفا أتظنُّ الرَّقيب يخفى عليه ... منك حال على الورى ليس يخفى أتذمُّ الزُّمان من أجل ما أولادك ... صرفًا وكم لقي منك صرفا طالما قد شربت نغمأه صرفًا ... وشربنا في وقتك البؤس صرفا أترى قد نسيت أخذك للكتب وتقرا السُّطور حرفًا فحرفا وضجيج النِّساء إذ هنَّ يبكين ... لضرب الرِّجال حزنًا ولهفا كم ألوف قد أقترضت من النَّاس ولم تقضهأ وفرَّقت إلفا وأناس من خوف ظلمك ضلُّوا ... في الفيافي ورسمه قد تعفَّى إن أسرَّ المتاع منك أخذت ... الضِّعف عمَّا تريده منه ضعفا أو أذاعوا لديك ما كتموه ... حزت ما تشتهيه منه مكفَّا ثمَّ لمَّا عوقبت تنشد جهلاً: ... من كفى طارق الخطوب فأكفا

[45] /82 ب/ أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هشام بن أحمد بن محمد ابن المظفر، أبو طاهر بن أبي الفضل الخطيب الطوسيُّ، الموصليُّ المولد والمنشأ. من بيت الخطابة والعلم الغزير، والرواية والنسك والتصاون. له رواية بالحديث أخذه عن والده وجدّه وعمه أبي محمد عبد الرحمن بن أحمد، وأبي البركات محمد بن محمد بن خميس [الموصلي، وسمع ببغداد في سنة أربع وخمسمائة من أبي الفرج عبد الخالق أحمد بن يوسف] وغيرهم من المشايخ. خطب على منبر الجامع العتيق بعد والده بالموصل- وكان ربما يرتجل الخطبة من وقته. وكان قارئًا للقرآن، محدّثًا شاعراً متأدّبًا جميل الأخلاق حسن الدعابة. سمع عليه الحديث شيخنا أبو الخير التبريزي، والصاحب أبو البركات المبارك بن أحمد المستوفي وغيرهما. وكان مقعداً من فالج عرض له في آخر عمره لا يقدر على النهوض، ولم يزل يقرأ عليه الحديث، إلى أن توفي يوم الأحد تاسع جمادى الآخرة سنة إحدى وستمائة. /83 أ/ بالموصل. وكانت ولادته سادس رجب من سنة سبع عشرة وخمسمائة. أنشدني أبو الثناء محمود بن أحمد بن الأنجب الإربلي، قال: أنشدني الخطيب أبو طاهر لنفسه: [من الوافر] بدمع في الملاحة ما يمارى ... إذا ما العقل فكَّر فيه حارا لنا من وجهه قمر منير ... ومن خدَّيه نجني الجلَّنارا ومن ألحاظه نفحات سحر ... يثير شواظها في القلب نارا

وأنشدني، قال: أنشدني الخطيب قوله وقد سئل ذلك: [من الطويل] خليلي مرَّابي على أجرع الحمى ... وعوجا على أثلاث يبين والهضب ... بين سلع وحاجر ... وقولا لهم ما بال قلبي من الحبِّ عساهم يرقُّوا للَّذي ملَّك الهوى ... لهم رقّه حتَّى غدا موثق القلب أجيروه من نار الصُّدود فإنَّه ... له أضلع في الحبِّ موصدة اللَّهب إذا قيل هذي دار ميٍّ برامة ... تزايد شوقي واستطار به لبِّي يقولون لي عنها تسلَّ يغيرها ... فقلت لهم: كفُّوا فما بيدي قلبي وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف] إن تناسيتم الوداد وحلتم ... لي قلب إلى التَّواصل صابي /83 ب/ لست أبغي عن الحبيب سلوّاً ... فأطيلوا وأقصروا في عتابي ليس أذني تصغي للوم وقلبي ... ليس ممَّن يسلو عن الأحباب إنَّ لوم العشَّاق لوم وعذل الصَّب ما فيه منهج للصواب وقال أيضًا، رواها عنه محمد بن أحمد بن عمر بن الحسين بن خلف القطيعي: [من الطويل] دعيه ففي تذكاره ما يشيبه ... ولا تعذليه فالغرام حسيبه ورقِّي له ممَّا يلاقي من الأسى ... لقد ذلَّ من قسم الصُّدود نصيبه فكم بين أكناف العقيق وحاجر ... محاجر يصمي نبلها من يصيبه وكم بربى تلك الرُّسوم مدلَّه ... قتيل بداء الحبِّ باد شحوبه إذا مرَّ بالأعلام هيَّجن .... وأغراه من ذاك النَّسيم دبيبه وفي عذبات الرَّمل من جانب الحمى ... مواقف للمشتاق فيها يجيبه بها كلُّ نضو الهمِّ طاو على الحشا ... مروَّع مفقود الفؤاد سليبه خليليَّ بالزًّوراء عوجًا فإنَّ لي ... بها قمراً في أفق قلبي غروبه وفي نهر عيسى والصَّراة مرابع ... ونهر معلَّى دوره ودروبه /84 أ/ وله: [من السريع] قد أبدت الأرض كلَّما خزنت ... من كلِّ نوع مدَّبج بهج

ترفل في بردها القشيب وقد ... ضمِّخ طيبًا من عرفها الأرج تبسم بالبشر كلَّما سفرت ... سماؤها عن أديمها السَّمج ألقت قناع الحياء مذ رشفت ... كأس حميَّا الحيأ بلا حرج أنهارها بالغناء مفصحة ... غرائب اللَّحن من يد الدُّعج خريرها زيرها ويبتعه ... من موجها البمُّ وهي في هزج فانظر إلى مجلس قد أجتمعت ... فيه تحايا العقول والمهج عجائبًا للربيع أبدعها ... بواعثًا للنُّفوس في الفرج [46] أحمد بن عليِّ بن الحسن بن أبي زنبور، أبو الرّضا النّيليُّ. الساكن بالموصل. قرأ بها النحو والأدب على أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان النحوي البغدادي، وقرأ القرآن العظيم على أبي بكر يحيى بن سعدون بن تمام القؤطبي المقرئ الأزدي. /84 ب/ وكان عارفًا باللغة العربية والقراءات السبع والعشر وغير ذلك من الشواذ. وكان يختلف إليه جماعة يقرؤون عليه، وبلغ سنًا عالية، ونظم أرجوزة مزدوجة سمّاها "وسيلة الإنسان" تتضمن مدح الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب صاحب بلاد الشام –رضي الله عنه- وشرحها في نحو أربع مجلدات فأحسن صلته. وكان أعلم الناس في زمانه بنعوت الخيل وأوصافها –وكان يتدين بمذهب

الشيعة الإمامية، ويقول الأشعار ويمدح بها، وتوفي بالموصل سنة ثلاث عشرة وستمائة. أنشدني العباس بن بزوان الموصلي، قال: أنبأني أبو الرضا لنفسه يمدح بني أيوب سلاطين الشام: [من الرمل] وصلكم يستنجح الفكر العقيم ... وهواكم كالصِّراط المستقيم فإذا ما هدي العبد له ... كان عين العالم الحرِّ الحكيم أصل من والى أصيل ناصع ... والمعادي ناصل الأصل زنيم يا بني أيُّوب ما أشرفكم ... من صناديد كرام لكريم عرَّفت أخلاقكم أعراقكم ... إنَّكم إرث صميم عن صميم /85 أ/ جمع الله بكم شمل العلا ... في ذرى ملك أخي فضل عظيم ماجد قرم جواد باسل ... عارف عاف عن الجرم حليم كلُّكم متبَّع سيرته ... يستفيد العلم من طبًّ عليم رحم الله أمرءاً خلَّفكم ... ورعاكم فهو رحمان رحيم هل رأيتم قطُّ عبداً هكذا ... إثر فتح في جهاد ونعيم يحمل المجروح منَّا رُّبه ... وهو ذو جهد من الجرح أليم وترى الأبطال كلُّ منهم ... يغبط المستلب النَّفس السَّليم من يمت منَّا يبت في جنَّة ... وملاقونا يقيلون الجحيم فأهنأوا طرّاً به وليهنه ... أنَّكم فيه ذوو عرف عميم واكتبوا أعداء ما عشتم ... بمراعاة وليٍّ وحميم يا بناة المجد قد عاملتكم ... بالَّذي نعضي بإكرام الغريم بمديح وولاء مخلص ... من يلمني فيهما فهو المليم وأرى الحال أقتضتني رحلةً ... نحو قوم شوقهم عندي مقيم كلُّهم يرجو إيابي سالمًا ... غانمًا من نائل غير ذميم من مليك كاد يحيا في الثَّرى ... من ندى راحته العظم الرَّميم /85 ب/ جوده للمرتجي إنعامه ... بالغنى عن كلِّ مرجو زعيم ضاعف الله عليه فضله ... وتولاَّه بنصر لا يريم

وأسلموا في دولة محروسة ... بمواضيكم وجبَّار قديم ولأنتم ..... الدَّهر لناً ... وغياث للهيف وعديم ما شرى ركب وغنَّى راكب ... وبدا نجم .... لئيم [من السريع] الحمد لله على أنَّن ... قضيت خمسًا وثمانينا بلَّغنيها مجزل مفضل ... فازددت فيها العلم والدِّينا وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أحمد بن علي لنفسه: [من السريع] ما لي أرى الرَّغبة قد أصبحت ... تطلب منِّي عوض الظَّرف قد ذدتها عنِّي بسوط المنى ... وكفَّ عنها اليأس عن كفِّي [47] أحمد بن محمد، أبو نصر الآمدي. فقيه عالم شافعي المذهب؛ وهو يتولى بماردين إعادة الفقه /86 أ/ بالمدرسة العزيزية. وله أشعار في المقطعات. أنشدني الأمير شرف الدين أبو حفص عمر بن أسعد بن عمار الموصلي، قال: أنشدني أحمد بن محمد الموصلي الآمدي لنفسه: [من الوافر] ينمُّ بها وجنح اللَّيل داج ... ثلاث عن زيارتها تعوق وساوس حليها عند التَّثنِّي ... ومبسمها وريَّاها الفتيق ولو خلعت حلاها واستكنَّت ... بفاضله لما تمَّ العبيق وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه ما كتبه إلى صديق له مسافر: [من الطويل]

رحلتم ولا والله ما قرَّ في الحشا ... فؤادي ولا والله ما قرَّ لي جنب وجفني على ما كنت تعهد دائم الدُّموع وقلبي في الهوى ذلك القلب وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه وكتب ذلك إلى ضياء الدين بن شيخ السلامية: [من الطويل] وما كنت إلاَّ في المحافل ناشراً ... علاك بأفواه الثَّنا باذلاً جهدي محبٌّ على بعد الدِّيار وقلَّما ... أقام الهوى في قلب صبٍّ على البعد /86 ب/ فما عند ليلى لي سقى الله دارها ... وحيَّا مغانيها فهذا لها عندي [48] أحمد بن سليمان بن حميد بن إبراهيم بن أحمد بن عليِّ بن إبراهيم المخزوميُّ الكسائيُّ، أبو العباس البلبيسيُّ المعروف بابن كساء. من شعراء ديار مصر-وبلبيس إحدى قرى مصر-. شاعر يرحل إلى الملوك وسلاطين الأنام فيسترفدهم بأشعاره واشتهر أمره بالشعر. أدركت زمانه وكان رجلاً شديد سمرة اللون، يرد كل عام الموصل مادحًا مالكها الملك الرحيم بدر الدين أبا الفضائل –أدام الله اقتدراه- وكان متجملاً ذا هيأة وثروة وحال حسنة وغلمان ظراف، ومات بالقاهرة في صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ بعد أن دوَّخ قطعة من البلاد، وامتدح أكابرها. وكان قبل ذلك قد تفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- وفهم طرفًا صالحًا منه، وتأدّب وقال الشعر ومدح الملوك /87 أ/ والوزراء، واشتهر بقول الشعر،

وسافر إلى بلاد الجزيرة وغيرها، وكتب الناس شيئًا من أشعارة. وجدت له قصيدة مدح بها الملك الرحيم بدر الدين –ضاعف الله معاليه-: [من الكامل] وركبت ظهر توصُّلي في أوبتي ... وحلفت أنِّي لا أنام عن السُّرى حتًّى رأيت الأفق أنَّ بدوره ... تخفى وبدر الدِّين متَّقداً يرى ليث إذا ما الحرب شبَّت نارها ... عاينت تحت النَّقع منها قسورا وإذا انتضى البيض الصِّفاح أعادها ... يومًا وقد خضبت نجيعًا أحمراً ومتى يصول على الفوارس تلقهم ... صرعى كأن شربوا شرابًا مسكرا ألقت له الحدباء فضل زمامها ... إذ عاينته للغوامض مبصرا وإليه ألقى القأهر الملك الَّذي ... قد جلَّ لمَّا أن رآه مدٍّبرا فأنار منهاج المكارم وارتدى ... برد الفخار وحلَّ في أسنى الذُّرى واستعبد الأحرار منه بأنعم ... سبقت سوابقها السَّحاب الممطرا وغدا ينادي جوده يا للنَّدى ... كرمًا وتدعو ناره يا للقرى! شهدت له شمُّ الملوك بأنَّه ... قد طاب خبراً في العلاء ومخبرا أنشدني الصاحب شرف الدين أبو البركات /87 ب/ المستوفي بإربل –رضي الله عنه- قال: أنشدني أبو العباس أحمد بن سليمان بن كساء الشاعر لنفسه: [من الرجز] سل عن دمي غير السُّيوف والأسل ... ولا تحد عن الخدود والمقل ويلاه ما أضيع مطلول دم ... لم تحتكم فيه دمى ولا طلل وبي غزال كلَّما غازلني ... طاب نسيبي في هواه والغزل ومنها: أغنُّ أغنى طرفه عمَّا أرتدى ... لقتلتي وعطفه عمَّا أعتقل أعرب عن حالي وواو صدغه ... لا تعرف العطف ولا عنه بدل ذو حاجب ينسيك قوس حاجب ... بحيث يرمي منه طرف من ثعل قد أجمع النًّاس على تفضيله ... من بعد ما أفنوا زمانًا في الجدل دعني قد أذَّنت في حبِّي له ... مهاجراً حيَّ على خير العمل

منها: مذاهب تجمع أشتات المنى ... وأنعم تضحك في وجه الأمل [49] أحمد بن عبد السيّد بن شعبان /88 أ/ بن محمد بن بزوان بن جابر بن قحطان، أبو العباس الإربليُّ. خدم جنديًا للملك المعظم أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكبين بإربل –رضي الله عنه- وحاجبًا بين يديه. ثم أبعده مخدومه وصار إلى الأمير شهاب الدين أبي الوفاء قراطايا، ورحل في صحبته عن إربل إلى الديار الشامية سنة أربع وستمائة واتصل بملوكها بني أيوب، وانحاز في جملة الملك الكامل ناصر الدين أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب، فأقام عنده وأنعم عليه إنعامًا سنيًا، ورزق ثروة من خدمته، وصار أحد ندمائه والمقربين إليه. وكان شاعراً متأدبًا مغنيًا، اجتمعت فيه أسباب المنادمة. بلغني أنه توفي بالرها أواخر ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وستمائة. أنشدني الصاحب شرف الدين أبو البركات –رحمه الله- قال: أنشدني أحمد بن عبد السيد لنفسه، وأوائل هذه الأبيات إذا اجتمعت كانت بيت شعر، وهو: قاض به صحَّ يسري ... ومات ضرِّي وعسري /88 ب/ كتبها إلى القاضي أبي محمد جعفر بن محمد الكفر عّزيّ الحاكم بإربل: [من المجتث] قل للَّذي لام تدري ... بأنَّ لومك يغري الله ينصفني منك ... إذ ولعت بهجري

ضرِّي قصدت فهلاَّ ... قصدت إصلاح أمري يا منيتي في حياتي ... وبغيتي يوم حشري بمن أباحك قتلي ... صلني فقد عيل صبري ها قد أتيتك أشكو ... حالى لتكشف ضرِّي صل مدنفًأ صار نضواً ... ما بين نهي وأمر حرَّمت في العشق وصلي ... هتكت بالصَّد سرِّي يا قاتل الصَّب مهلاً ... عرفَّتني فيك قدري سلني عن العشق يومًا ... فمنه تعرف عذري رميت قلبي بسهم ... أمسى يراش بسحر يا من بمن نالني منه قد تقسَّم فكري والله مازلت شوقًا ... أعدُّ يومي بشهر من لي سواك حبيب أفضي إليه بسرَّي /89 أ/ إحتجت في العشق لمَّا ... أنفقت بيضي وصفري ترجو سلامة روحي ... وخدُّ هجرك يغري ضاقت عليَّ حياتي ... إذ وسَّع الشَّوق سكري روحي سلبت وبدَّلت اسم خيري بشري يحلُّ قتلي إذا قلت أنت في النَّاس بدري وامحنتي كم أقاسي ... ملام زيد وعمرو عدني فالبوعد أحيا ... وفيه طيِّى ونشري سألت عن وصف حالي ... وما به جاش صدري رتِّب حروف المعاني ... أوائل الشَّعر تدري يا تاج دين المعالي ... أصبحت فخري وذخري وقال أيضًا في الساعات التي عملت بقلعة القاهرة المعزِّية: [من الخفيف] قل لي أيُّ حكمة في سماع الطَّبل ظهراً وعند وقت الأصيل قلت ساعاتنا تخبِّر أنَّا ... نحن سفر والطَّبل طبل الرَّحيل وأنشدني أبو الثناء محمد بن محمد الإربليّ، قال: أنشدني /89 ب/ أبو العباس

أحمد بن عبد السيد لنفسه جواب أبيات كتبها إليه جلال الدين أبو الحسن علي بن شماس الوزير بإربل: [من الطويل] ألبِّي جلال الدِّين عند دعائه ... بتلبية شكري بها يتسلسل وأحمد درهاً خصَّني منه بالرِّضا ... ولست بما قد قلته أتقوَّل ولي شاهد من قلبه غير أنَّني ... مجدِّد ذكر ليس فيه تأوُّل وأحمل عنه النَّائبات إذا عرت ... وجملة سعدي أنَّني عنه أحمل شكا رجلاً لا خير فيه وإنَّه ... بحنكته كلُّ امرئ يتمثل وسمَّاه مقداراً ومقداره الَّذي ... عليه من القدر الحقير وأرذل [50] أحمد بن عبد الرحيم بن عليِّ بن الحسن بن الحسن بن أحمد، القاضي الأشرف، أبو العباس ابن القاضي الفاضل أبي عليٍّ اللخميّ البيسانيّ. كان والده ممن يضرب به المثل في البلاغة والإنشاء وحسن العبارة؛ وابنه هذا من أماثل أهل زمانه، وأوفاهم قدراً، كثير الاعتناء بالحديث وسماعه. قد بغداد رسولاً /90 أ/ وسمع من أصحاب أبي الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي، وأبي بكر بن الزاغوني وفيه فضائل وآداب. أنشدني أبو بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة البغدادي، قال: أنشدني القاضي

أبو العباس لنفسه: [من الطويل] وقائله لا تلزم البيت دائمًا ... فإنَّك قبل القبر مستعجل القبر فقلت: دعي تحت الخمول عزائمي ... لعلِّي أن أخفى على نظر الدَّهر تعادلت الأحوال عندي كلُّها ... فما خفَّ ميزاني لأنس ولا ذعر وأستترت عيني صباحًا على دجلى ... ولا أسترحبت نفسي مطاراً على وكر وأنشدني، قال: أنشدني من شعره: [من الكامل] من شاكر عنِّي نداك فإنَّني ... من عظم ما أوليت ضاق نطاقي منن تخفُّ على يديك وربما ... ثقلت مؤونتها على الأعناق [51] أحمد بن عبد الله بن محمد بن عيسى بن جامع العقرّي، أبو العباس الفقيه الشافعيُّ. اشتغل بالفقه بمدينة السلام على أبي الحرم أحمد بن إسماعيل /90 ب/ القزويني، ويحيى بن فضلان البغدادي. وتولّى إعادة درسه. ثم سافر إلى الموصل وسكنها إلى أن توفي بها في أوائل المحرم سنة إثنتين وعشرين وستمائة، ودفن جوار فتح الكاري الزاهد، وتولّى تدريس المدرسة الفخرية المطلّة على دجلة. وكان قد قرأ الخلاف والفرائض وقال أشعاراً. أنشدني الخطيب أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد العقري، قال: أنشدني أخي أحمد بن عبد الله لنفسه: [من الكامل] يا ساكيني أهل الجبال ومن ... في الكهف والحدباء والعقر ما كنت أعرف قدر وصلكم ... حتَّى بليت بفارط الهجر لو تعلمون تألُّمي بكم ... يوم الفراق لساءكم أمري قد كان لي صبر أعيش به ... قدمًا فوا أسفا على صبري

من طيب أيَّام الوصال وما ... قضيته في سالف الدَّهر وسقت ليالينا بخيف منى ... فالمأزمين سواكب القطر [52] أحمد بن عمر بن عليٍّ، المعروف /91 أ/ بابن قرّة العين، أبو عبد الله الحلبيُّ. نزل إلبيرة من أعمال حلب، وانحاز في جملة أصحاب مليكها الملك الزاهر أبي سليمان داود بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، وصار أحد شعرائه والمنقطعين إليه. وهو شاعر مقصّد ينظم الشعر طبعًا، ناقص الخط من العربية وعلم الأدب وآلة القريض. توفي سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وكان جنديًا يلبس الشربوس ويقول شعراً متوسطًا يمدح به الصدور والسادات من الناس. أنشدني أبو عبد الله محمد بن حيدر الدبندار الشاعر الواسطي، قال: أنشدنا ابن قرّة العين لنفسه يمدح فلك الدين أبا القاسم عبد الرحمن بن هبة الله بن علي بن المسيري: [من البسيط] لو ساءه قبح هذا الغدر ما غدرا ... ولو درى كيف طعم الهجر ما هجرا مهفهف رقدت عيناه مذ سهرت ... عيني وقد طال ليلي بعده قصر ومائس العطف لا أمسي على خطر ... في الحبِّ إلاَّ إذا ما ماس أو خطرا كالرِّيم لم يرم سهمًا من لواحظه ... إلاَّ وصاد بذاك السَّهم ليث شرى /91 ب/ ظبي من التُّرك وحشي سجيته ... ينفِّر النَّوم عن عيني إذا نفرا أفديه من رشأ في ليل طرَّته ... يبدو لنا قمر للقلب قد قمرا وليلة بات ندماني فأسكرني ... بالسِّحر من غنج عينيه وما سكرا

لكن صحوت لما حبِّرت عن فلك الدِّين الَّذي خبره قد صغَّر الخبرا عود إذا عاد ما أبداه من همم ... لم نلق من عوده ضعفًا ولا خورا سل الأعادي بيوم الرَّوع هل نظرواً ... بكفِّه قلمًا أو صار ما ذكرا ماضي المضارب ما هزَّت خشينته ... في هامة قطُّ إلاَّ قطَّ أو بترا لا يخذل الدَّهر من أمسى بعزم يد المولى أبي القاسم المنصور منتصرا لو لامست كفُّه يوم النَّدى حجراً ... صلداً أسال بماء ذلك الحجرا هو السَّماح الَّذي تعمي بوادره ... على العفاة وإن لم يسألوا البدرا لو لم يكن للورى في دسته فلكًا ... ما كان في كلِّ يوم يطلع القمرا فربعنا لم يزل من جوده خضراً ... ووردنا لم يزل من حوضه خضرا فقد أمنَّا به ممَّا نحاذره ... فلو يسالمنا لم نعرف الحذرا فراية الملك ما أهتزت ظفيرتها ... إلاَّ به وتلقَّت ذلك الظَّفرا وراحة الملك لا نلقى بها شللاً ... عند اللِّقاء ولا في باعها قصرا /92 أ/ يعطي فلم يلق في إكثار نائله ... قلاً ولا في صفا إحسانه كدرا ومنها قوله: فربعنا بعد دثر مربع زهرا ... وعودنا بعد يبس مطلع ثمرا يبدو فنلقاه في الإقناط مبتسما ... يعطي فنلقاه في الإفراد معتذار إذا تيَّممه سفر رأوا رجلاً ... في وجهه الشَّمس تبدو كلَّما سفرا جاد الزَّمان لأبناء البريَّة من ... ابن المسيري بغيث ناب أو خضرا [53] أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي نصر، ابو حامد الساويُّ خطيب همذان. قال القطيعي: قدم حاجًا سنة ثلاث عشرة وستمائة، وروى عن شيخنا أبي

الوقت. وسألته عن مولده، فقال: في سنة ست وأربعين وخمسمائة. ثم أنشدني لنفسه: [من الوافر] أتيتك مستجيراً مستعيذاً ... بعفوك من عذابك يا إلهي فقد أوقرت ظهري بالخطايا ... وقد أكثرت غشيان الملاهي فإن لم تعف ربِّي عن ذنوبي ... رجائي حبله ياربِّ واهي /92 ب/ فكم عاص عفوت الذَّنب عنه ... وقلت له عصاني وهو ساهي [54] أحمد بن الحسن الدمشقيُّ الواعظ كان يرتفق بالوعظ، وينتقل في البلدان طلبًا للجدوى. رأيت له هذه الأبيات أنفذها إلى كامل الدين عمار بن سعد بن عمار الوزير بماردين: [من الطويل] وعار على ذي المكرمات وذي الحجى ... تغافله عن لائذ بجنابه وليس له عون سواه فيرتجى ... ولا مفزع إلاَّ الوفوق ببابه إلى كامل الدِّين بن سعد مدائحي ... تزفُّ وتهدى رغبة في اقترابه وكتب إليه أيضًا لنفسه وهو مقيم بماردين: [من الطويل] أرى الدَّين شين الدِّين حقًّا كما روي ... فجد بوفاه وأغتنم منِّي الشُّكرا فلست أرى في ماردين مساعداً ... سواك أبن عمَّار فجد وأكسب الأجرا وعدَّ الَّذي توليه منك تفضُّلاً ... كما لم تزل يا عدَّتي تكشف الضُّرَّا [55] أحمد بن إسحاق بن هبة الله /93 أ/ ابن صديق بن محمود بن صالح، أبو العباس بن أبي البشائر الخلاطيُّ، المعروف بابن قاضيً خلاط: لأنّ أباه كان يتولى القضاء بها.

وكان أحمد شابًا له فطنة في الشعر لطيفًا دمثًا سهل الأخلاق. رحل إلى مدينة السلام وصار صوفيًا متزهِّداً، ولزم طريقة أهل الدين والتصوُّف، وأقام بها إلى أن مات يوم الاثنين العشرين من ذي الحجة سنة سبع عشرة وستمائة ولم يبلغ الثلاثين. وكانت ولادته بخلاط في سنة تسعين وخمسمائة؛ روى لي من شعره عنه جماعة. أنشدني أبو الفتح محمد بن بدل التبريزي –رحمه الله تعالى- قال: أنشدني أحمد بن قاضي خلاط لنفسه يمدح الأشرف موسى بن العادل أبي بكر بن أيوب –رحمه الله-: [من الطويل] دعيه فقد أودى الغران بقلبه ... لقد لمت لواجدى الملام بصبِّه إليك فمن يصغي إليك وللهوى ... لدى اللَّوم وقر سدَّ سمع محبِّه أرى جلدي قد قل عمَّا عهدته ... على أنَّه ما زال مغلوب حبِّه فشدوة حاد بين جنبيَّ والجوى ... ولمعة برق بين دمعي وسكبه /93 ب/ أزاجرهًا قف حيث تدنهو من اللِّوى ... بربع ملول لا أنقضاء بعجبه وناد ألا هل من مجير على النَّوى ... لصبٍّ بسكب الدَّمع مغرى وصبِّه ولي غلَّة في القلب ليس يبلُّها ... سوى ثغر ألمى بارد الرِّيق عذبه ولي نحو رضوى زفرة تملأ الحشا ... جوًى تاركًا قلبي دمًا ملء خلبه ولو لم أكن أصبو إلى العلم الَّذي ... ضراغمه صرعى جاذر سربه لما ضاقت الدُّنيا علي بأسرها ... إذا ذكرت عندي مضائق شعبه سقى الله نجداً ملعبي زمن الصِّبا ... وليُّ حيًا يولي حياةً لتربه فتمسي أراضيه رياضًا وتجتلي ... على وهدة وشي الرَّبيع وهضبه وتطرب ورق الأيك فيه عشيَّةً ... على عفَّة الأرواح من بين عشبه فيا غيث بخلاً بالحيا حيث يغتدي ... فإن جئت نجداً جد به قبل جدبه أحبُّ سيوف الهند حيث حكت ظبا ... لواحظ ظبي وصله لم أفز به رجوت كرى يدني بعيد مزاره ... ويبرد قلبًا ذابً من حرِّ كربه وأنَّى يذوق الغمض جفن مسهَّد ... جو فرشت شوك القتاد بجنبه بعادي من الأهلين أدنى أنقلابه ... ونأيي عن الأوطان أيسر خطبه إلى م أقضِّي العمر للدَّهر عاتبًا ... وليس يفيد الدَّهر تكرار عتبه

/94 أ/ يجور على ربِّ العلا متعمِّداً ... كأنَّ العلا للمرء أعزم ذنبه لقد فرَّق الأيَّام شملي ولا أرى ... سوى الملك موسى من يرجَّى لشعبه فتى سخطه إن يذك في البحر جذوةً ... مجاوره لم يلق ماءً لشربه ولو هطلت يمناه في البرِّ بالنَّدى ... لأصبح مثوى الحوت مسكن ضبِّه همام هو الحامي حمى الدِّين حيث لا ... مردَّ له عمَّن تصدَّى لنهبه بأملد خطَّي يريد أعوجاجه ... لتنساب ريم الرِّمل من بين كثبه كأنَّ ظلام اللّيل حذَّر خصمه ... فأخبر عن طغيانه لمع شهبه وأبيض ماض للفرند بمتنه ... كمثل تسامي النَّمل فوق مدَّبه كأنَّ أشتقاق الصُّبح ينذر قرنه ... فيبدي له في الشَّرق آثار غربه وعوجاء مرنان إذا طاش سهمها ... يخاف السُّها من مكثه عند قطبه كأنَّ لموع البرق منه أرتعاده ... يخاف فيخفى في ستائر سحبه ينظِّم نظم الدُّرِّ بالرُّمح للعدا ... وينثرهم نثر الجمان بعضبه فسبحان ربٍّ ليس يخلق ضدَّه ... كما خلقت طعناته ضدَّ ضربه له الفخر فليسحب مدى الدَّهر ذيله ... فقد ظلَّ في الدُّنيا مليًا بسحبه أبا الفتح حزم العزم في طلب العدا ... يرفع لوا .... عند نصبه /94 ب/ فبادر إلى إسراعه تملك الدُّنى ... فأنت منى عجم الأنام وعربه ملأت فضاء الأرض من فيض نائل ... به شرقه يثني عليك كغربه حوت منه أرجاء الرَّجاء مناهلاً ... يفوز لديها كلُّ ظام بشربه كما فازت الأيَّام منه بماجد ... حميد السُّجايا واسع الصَّدر رحبه أتتك مليك العصر أفكار خاطري ... كأزهار روض في تنعُّم خصبه فأقبل عليها بالقبول فإنَّها ... ثناء فتًى حر أخي الفضل تربه وخذها عروسًا ما ترى ضرَّة لها ... خذا من صبا نجد أمانًا لقلبه مديح بأنواع البيأن مدَّبج ... يدوم دوام العصر من غير مشبه أراد أمتزاجًا بالهواء لطافة ... عن الذِّهن لو لم أدركته بكتبه بقيت لعاف يرتجيك وآمل ... ودمت لإحصاء الثَّناء وكسبه وعشت على مرِّ الزَّمان مخلَّداً ... لإطلاق عانيه وإسهال صعبه

ولا زلت فيه وارف الظِّلِّ وافر النَّدى والأيادي بالنَّبيِّ وصحبه وأنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي زيدي التبريزي، قال: أنشدنا أحمد بن إسحاق لنفسه يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات /95 أ/ المستوفى –رحمه الله تعالى-: [من البسيط] أساكني خطَّة الغرَّاء ما لكم ... لا الفضل راقكم يومًا ولا الأدب شعري هو الورد ريَّا المسك نفحته ... والورد النُّهى سلساله الخصب وعندكم جعل الملقى سدًى هملاً ... أأنتم جعل أم عظلم كلب أقول جهراً وصدق النُّطق من شيمي ... قول أمرئ ليس فيما قاله كذب لو لم يكن شرف الدِّين المبارك لم ... يكن إليهًا لندب منكم طرب خصَّ النَّدى بابن موهوب بذي كرم ... يظنُّ أن ليس يبقىً غير ما يهب سوى أبي البركات السَّمح من بركت .. لكلِّ من يجتدي في ربعه نجب يودُّ للمال أن يودي الذَّهاب به ... فداه كلُّ لئيم ربه الذَّهب صدر حوى صدره الرَّحب العراض ... بحار الفضل فهي إذا يطمو ويضطرب ويقذشف الدُّر أمواجًا لها كلمًا ... درّاً كأنَّ لديه الدُّرُّ مخشلب من كلِّ عذراء بكر العقول لها ... كفعل صهباء بكر أمها العنب لو كان ذو الرُّمًّة المفقود يسمعها ... وهو الَّذي فخرت قولاً به العرب جرت مدامعه فقداً فقيل له ... (ما بال عينيك منها الماء ينسكب) أو كان مهيار حيًّا كان قائدها ... بالنَّفس حبًّا وقلَّ المال والنَّشب /95 ب/ وكان هام بها وجداً وقال لها: ... لك الغرأم وللواشي بك التَّعب عجبت من قلم ضمَّت عليه أنامل شأنها بين الورى عجب تكاد من لمسها تندى الصُّخور ندًى ... فكيف لا من نداها يورق القصب تروق طرفًا رآها سود أسطره ... فلم يكن حيث يرنو عنه تحتجب كأنَّما حكل الحسناء حال لها ... نفسًا ومن ثغرها طرسًا لها الشًّنب غرُّ السَّجايا لديه تجتلي كرمًا ... وكلُّ مجد إليه اليوم ينتسب

والفضل كان يتيمًا قد أهين ومنه صار دون الورى يحنو عليه أب طالت مع الدَّهر في رحب وفي رغد .................. العلا سبب ما يعذب الماء للظامي وما خطرتً ... فمال للغصن أنفاس الصَّبا عذب وأنشدني أبو الحسن علي بن مجد الكاتب التبريزي، قال: أنشدني أحمد بن إسحاق لنفسه في غلام خرج من الحمام: [من البسيط] رأيته مائلاً كالغصن في حلل ... خمر تحاكيه عين الشَّمس بالشَّفق ووجنتاه من الحمَّام قد جمعتً ... لونيّن من أحمر في أبيض يقق والماء عن شعره يحكي تساقطه ... تساقط الشُّهب عن جنح من الغسق /96 أ/ وأنشدني الحسن بن علي بن شماس، قال: أنشد أحمد له في صفة عوَّاد: [من الكامل] ومهفهف غنَّى فغاب لطيبه ... رشدي وطاب كأن أتاني غائب لعبت يداه بعوده فكأنَّما ... يمناه تكتب واليسار تحاسب وأنشدني محمد بن أبي الخير النيسابوري –رحمه الله تعالى- قال: أنشدني أبو العباس أحمد بن قاضي خلاط من شعره: [من الطويل] ولست بناس ليلةً كنت باللِّوى ... وقد جمع الدَّهر المشتُّ ... فلانت لمًا قاسيت قسوة قلبه ... من الوجد والتَّذكار والزَّفرات وبات لما ألفاه منِّي سائلاً ... بلفظ أراني السِّحر في الكلمات وقال: [من الطويل] ولمَّا أتاني ما كتبت معطَّراً ... بما قد حوى من فكرك الطَّيِّب النَّشر نشرت على ما بي من النَّاس طيبه ... فنلت المنى من ذلك الطَّيِّ بالنَّشر وقوله: [من الطويل] أقول لقلبي والنوى مطمئنَّة ... إذا نأب الأحباب لم تتأسف /96 ب/ فقال مجيبًا: إنَّني تابع لهم ... فقل ذا لقلب عنهم يتخلف وله: [من البسيط] لله كم ليلة لي بالحمى سلفت ... بوصل ظبي رشيق القدِّ معتدل

أذبتها وجفوني غير راقدة ... أروي غليل أشتياقي منه بالقبل يا طيبها من ليال لو رجعن وإن ... لم تدر فيهنَّ ما طيب الكرى مقلي وقال: [من السريع] لمَّا تولَّى سكني راحلا ... يا ليت صبري لم يكن زائلا لا تسألا عن خلدي إنَّه ... قد كان إذ كان النَّقا آهلا تيَّمة حبُّ ظباء النَّقا ... فليس إلاَّ للهوى قابلا أطاع قلبي الحبَّ من بعده ... لا غرو إن لم يطع العاذلا ما كان فيهم لائم لامني ... لو لم يكن من كلفي غافلا وقال: [من الطويل] رأيت الَّذي قد شف جسمي غرامه ... أسير هوى من ليس في الحبِّ ينصف فقلت له: ذقت المرارة في الهوى ... وقاسيت بلوى ما يقول المعنِّف فرقَّ لما بي ثم قال: دع الهوى ... فما فيه إلاَّ زفرة وتلهُّف /97 أ/ وصف ما ترى حتَّى أرى كيف حالتي ... فقلت وقلبي قد براه التأسف كأنَّك يا من حبُّه قد أذابني ... من الحزن يعقوب وفي الحسن يوسف وقوله: [من الكامل] ومههفهف يحكي القضيب قوامه ... من لين أعطاف وحسن تمايل عاطيته راحًا يريح فلم يطب ... ومرُّ الشَّمول بغيًر حلو شمائل وله: [من الكامل] كم ليلة بالجزع لي سلفت ... إذ كان فيها مشبه الشَّمس عذب اللَّمى أرج يسامرني ... وضَّاح ثغر ناعم اللَّمس فلهذه الأوصاف علقته ... ملكت قياد حواسي الخمس وقال: [من الكامل] هيهات سرُّ هواك كيف يكتَّم ... والدَّمع عمَّا في الضَّمير يترجم يا قاسيًا أشكو إليه فلم يزل ... يتأمَّل الشَّكوى ولا يتألَّم كيف السَّبيل إلى الوصال وحولك الرُّقباء قد كثرت وحولي اللُّوَّم

لا تظلمَّني في هواك فربما ... تعطى الهوى فأخاف أنَّك تظلم وحذار من سفك الدِّماء فقلَّ من ... سفك الدِّماء ولا يراق له دم /97 ب/ لي في الجنان جنان وجهك صورة ... والنَّار فيه من الهوى تتضرَّم إنِّي عجبت له ومن عجب الهوى ... قلبي وفيه جنَّة وجهنَّم وله من قصيدة: [من الكامل] فرش النَّوى شوك القتاد بمضجعي ... فالطَّيف كيف يزور من لم يهجع لله ما فعلت عشيَّة ........ بالقلب منِّي حين قأل مودِّعي: نجد عشيته تزول سريعة ... فاطلب شميم عراره وتمتَّع وله: [من الطويل] وما رقدت عيناي إلاَّ خياله ... أتاني على طول النَّوى طالبًا عذري أحبُّ الكرى شوقًا إليه لأنُّه ... يريني يوم الوصل في ليلة الهجر وقوله: [من الطويل] بلوت بني الدُّنيا فلم أر فيهم ... صديقًا يوافي أو شقيقًا يوافق وما زال منهم كلُّ شخص رأيته ... حقوداً ينافي أو حسوداً ينافق وقال: [من السريع] هبَّت عليلاً نسمات الصَّبا ... بمنحنى الجزع قبيل الصَّباح فذَّكرتني طيب عهد الصِّبا ... إذا كنت مغرًى بالحسان الصِّباح /98 أ/ وقال في الخمر: [من الطويل] وصفراء مثل التِّبر عاطيت كأسها ... من التُّرك طيبًا والدُّجى مسبل الذيل أضاءت نواحيها فكاد شعاعها ... يريني طروق الجنِّ في ظلم اللَّيل وله: [من الكامل] هاجت مطاياهم غداه رحيلهم ... لمَّا بدت آثارهنَّ زفيري لاحت بدراً تجتلى وأهلًّة ... فذكرت قرب أهلَّتي وبدوري

وقال يرثي أخاه محموداً. وكان أصغر أخوته وتوفي ولم يستكمل سبع سنين: [من مجزوء الرمل] يا هلالاً سارع الموت إليه بالأفول كيف غطَّى التُّوت مرآى ... ذلك الوجه الجميل لك فيها اليوم يا ... غابة آمالي وسولي مقلة نجلاء قد ... سالت على الخدِّ الأسيل وقوام كالقضيب الرَّطب ملقًى للذبول كلُّ شيء ينتهب إلاّ بكائي وعويلي /98 ب/ ولكلِّ غاية إلاَّ ... لوجدي وغليلي بعد أن قدمت لامتِّعت بالعمر الطَّويل فعسى ألقاك إن نلت المنى عمَّا قليل وقال: [من الكامل] ومنعَّم خصر المراشف خصره ... أعطى الضنَّى جسدي فرضَّ عظَّامي لو لم يكن ........ يخالف حبَّه لا ............................ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقال: [من البسيط] حتَّى ترتاح يا ذا الوجد والوصب ... إلى ديار عفت من حادث النُّوب وكم تعالى الجوى من سجع هاتفة ... باحت بسرِّك إذ ناحت على القضب بادر إلى الرَّاح وأشربها معتَّقةً ... تصفي من العيش ما قد شيب بالكرب ودع حديث طلول باللِّوى درست ... ومربع قد خلا في الحزن بالعذب وهأت يا طيِّب الأخلاق صافيةً ... بدونها العيش لا يصفو ولم يطب تحيى بشربي لها نفسي وقد تلفت ... وليس إحياؤها نفسي من العجب فإنَّها شابهت ماء الحياة بأن ... قد جيء قدمًا بها من ظلمة العنب /99 أ/ مشبوبة بزلال الماء جمرتها ... والنَّهار من قبلها بالماء لم تشب

كأنَّها حين تجلى في زجاجتها ... ودٌّ صفا في فؤاد رقَّ من طرب إنِّي عجبت لماء جامد أبداً ... عليه ذائب نار وهو لم يذب وما رأيت سوى صفراء مذهبةً ... ناراً متى شبتهًا بالماء تلتهب وقد سقاني وذيل اللَّيل منسدل ... جذلان يسحب ذيل اللَّهو واللَّعب ذو غرَّة بسواد الصُّدغ قد سترت ... كالصُّبح من كلل الظَّلماء في حجب ظبي من التُّرك أعيا خصره هيفًا ... حمل النِّطاق بردف ماج في كثب حسبته إذ سعى نحوي وفي يده ... كأس مرصَّعة من جوهر الحبب بدراً تمنطق بالجوزاء قاربه ... شمس عليها بواقي السَّبعة الشُّهب رعى الإله زمانًا فيه واصلني ... من عن تمنِّيه قلبي غير منقلب إذ كنت في دعة لو تذُّكرها ... رأسي علي عنفوان العمر لم يشب ولم أكن شائقًا أصبو إلى وطن ... قد غيرته صروف الدَّهر والحقب حيَّا خلاط حيًا يحيى الثَّرى فبهًا ... مثوى خليط ثوى في قلبي الوصب لم يخل ذكراه عن فكري وأين خلا ... عن فكر ظمان ذكر السَّلسل الخصب ولا عداها سحاب مرزم هطل ... لتجتلي الأرض في أبراده القشب /99 ب/ والورد يبدو كخدٍّ حليه خجل ... والأقحوان كثغر زين بالشَّنب وإنَّ قلبي لا تصفو مشاربه ... حتَّى لدى أرضها مملوءة القلب وإن جفا جوده مغنًى بها فلها ... موسى الَّذي جوده مغن عن السُّحب المالك الأشرف السَّمح الَّذي أبداً ... إن ضنَّ بالماء غيث جاد بالذَّهب لله درُّ فتى نال العلا بيد ... منها ينال المنى ذو الفضل والأدب فيها إذا ما شكا عاف بها ظميء ... ماءً متى يأته ظمان ينسكب ما حلَّ موكبه أرضًا وقد جدبت ... إلاَّ لوطأه تختص بالعشب [56] أحمد بن عثمان بن خطلخ بن عبد الله الموصليُّ، المعروف بابن الشهرستانيِّ: من بيت مشتهر بالموصل.

وكان جنديًا في خدمة الملك الرحيم بدر الدين أبي الفضائل –أعز الله نصره- وكان يحفظ من الحكايات والأشعار جملة. وتوفي سنة تسع عشرة وستمائة. أنشدني إبراهيم بن مسعود الشهرستاني، قال: أنشدني أحمد بن عثمان لنفسه من قصيدة أولها: [من الطويل] ألا هل مجيري من غرام أكابد ... وهل يقصرنَّ اللَّوم خبٌّ معاند /100 أ/ وكيف أعي للعذل في حبِّ أغيد ... يحلُّ أصطباري وهو للبند عاقد ورأيت له قصيدة يمدح بها الملك الرحيم بدر الدين أبا الفضائل –أعز الله أنصاره-[من الكامل] لام العواذل في هواك المغرما ... أو كيف لا أصبو إلى ذاك اللَّمى دنف يبيت بكم حليف صبابة ... لا يستفيق من الغرام تألُّما تعتاده زفرات وجد أعربتً ... عن سرِّ حبٍّ لا يزال مكتَّما نامي الصَّبابة لا يصيخ لعاذل ... فيكم ويعصي في الغرام اللُّوما قلق المضاجع لم يذق طيب الكرى ... يصبو إلى وصل الحبيب تتيُّما صبٌّ يحنُّ إذا تألَّق بارق ... من نحو رامة أو أضاء تبسُّما ويهزُّه طربًا إلى أرض اللِّوى ... ذكرة تعاوده وشوق خيَّما فلعلَّ أيَّامًا مضت وتصرَّمت ... يومًا تعود له بسكَّان الحمى ولئن تعذَّرت المطالب أو غدا ... باب المسالك دون قصدي مردما فرجاء بدر الدِّين يكفل ضامنًا ... ويجير ملهوفًا ويغني معدما ملك يثيب السَّائلين فحاتم ... من دونه والحلم أحنف قد سما مولًى يجود على العفاة بما حوى .... أبداً ويبدأ بالنَّوال تكرُّما /100 ب/ فتراه يوم الرَّوع ليثًا باسلاً ... شرسًا وفي يوم النَّدى بحراً طما مغني الكماة بصارم من عزمه ... قبل النِّزال وبالنَّضال إذا رمى ومجدِّل الأبطال في يوم الوغى ... كلمى وجاعل وردهم علق الدِّما شرفت به الحدباء إذا أضحى بها ... ملكًا فعاد لكل أمر مبرما وترنَّحت طربًا وقالت صبوةً ... وزهت على كلِّ البلاًد به فما

بلد يضاهيها فقد أضحت به ... في فخرها كالشَّمس في أفق السَّما لازال في عزٍّ وسابغ نعمة ... ما حنَّ حاد في الفلا وترنَّما [57] أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن غازي بن خولة السلميُّ الشريديُّ، أبو جعفر الخفافيُّ، من ولد خفاف بن ندبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كانت وردته بغرناطة –إحدى بلاد الأندلس- في شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. وخبرت أنه توفي بهراة سنة سبع عشرة وستمائة. وكان محدثًا حافظًا طاف الآفاق، وجال البلدان في طلب الحديث /101 أ/ وسماعه. ثم مال إلى الشعر، فامتدح به الملوك وسادات الناس؛ فحسنت حاله وأثرى بعد الإملاق. أنشدني أبو عبد الله الدُّبيثي، قال: أنشدني أبو جعفر لنفسه: [من الوافر] إذا ما الدَّهر بيَّتني بجيش ... طليعته اهتمام واكتئاب سننت عليه من جلديً ... أمراه الذبالة والكتاب وبتُّ أنصُّ من شيم اللَّيالي ... عجائب في حقائقها أرتياب أريع بها التّسلِّي مستريحًا ... وليس على الزَّمان بها عتاب وقال يلغز باسم: [من مجزوء البسيط] نعتُّ من ملكت قيادي ... وهام في حبِّها فؤادي تأثير مقلوبه عظيم ... في عالم لكون والفساد لو صيّر العين فافعل ... كان شقائي من الجواد وقال أيضًا ملغزاً: [من البسيط] إسم الَّذي بي إن أسقطت أوَّله ... إحدى المقولات فاصدع عنه أو فحد وإن نطقت بموضوع أسمه خبراً ... ولا تحاش من الأقوام من أحد

وقال أيضًا: [من البسيط] /101 ب/ للحبِّ في أنفس العشَّاق منزلة ... طرف الخلييِّن منها جدُّ مطروف وللهوى حالة تخفى لطافتها ... إلاّ على غزل بالظَّرف موصوف لم يدر ما لذَّة الدُّنيا سوى كلف ... قد سيم في الحبِّ أنواع التَّكاليف لا والهوى ورجال بالهوى عرفوا ... وليس غيرهم عندي بمعروف لولا مرارة طعم الهجر ما تركت ... حلاوة الوصل قلبًت غير مشعوف وقال أيضًا: [من الكامل] يا راحلين ومارثوا لمتيَّم ... ضعفت حشاشته عن التَّوديع بنتم وعاق الصَّبَّ عن تشييعكم ... أمران فرط ضنًى وفرط مشيع قسمًا بما فعلت تباريح الجوى ... يوم الرَّحيل بمقلتي وضلوعي لولا حرارة زفرتي يوم النَّوى ... ضرقت ركائبكم بفيض دموعي وقال يرثي البخاري محمد بن إسماعيل المحدث: [من الطويل] سقى جدثًا فيه البخاريُّ ثاويًا ... عهاد الغوادي صيِّف وربيع فقد نضبت أحجاره فوق رمًّة ... لها منصب سام أشمُّ رفيع ضريح بأدنى الصِّين عاطر نشره ... بأقصى بلاد المشرقين يضوع /102 أ/ ففي كلِّ نجد في البلاد وغائر ... حنين إلى أرجائه ونزوع [58] [أحمد بن محمد بن عمر الأزجيُّ: من أهل بغداد.

أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي بها، قال: أنشدني أحمد بن محمد لنفسه: [من الطويل] أحبَّة قلبي طال شوقي إليكم ... وعزَّ دوائي ثمَّ لم يبق لي صبر أحنُّ إليكم والحنين يذيبني ... وأشتاقكم عمري وينصرم العمر فوالله ما أخترت البعاد ملالة ... ولا عن قلى يا سادتي فلي العذر ولكن قضة رِّبي بتشتيت شملنا ... له الحمد فيما قد قضة وله الشُّكر فصبر العلَّ الله يجمع بيننا ... نعود كما كنَّا ويصفو لنا الدَّهر [ [59] أحمد بن هبة الله بن العلاء بن منصور النحويُّ المخزوميُّ، أبو العباس بن أبي المعالي البغداديُّ، المعروف بابن الزاهد، ينعت بالصَّدر: من أهل قطيعة العجم، وسكن آخر عمره باب العامة. أخذ علم النحو والأعراب عن جماعة من كبراء النحويين كأبي محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب النحوي، وبعده على أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري وغيرهما. وروى الحديث عن أبي البركات الأنماطي، وأبي العباس المندائي؛ وقرأ عليه جماعة واستفادوا منه. وكان أديبًا حاذقًا فاضلاً له شعر حسن. وتوفي ببغداد يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة إحدى عشرة وستمائة. وقد نيَّف على الثمانين، وقيل يوم الثلاثاء؛ وترك ستمائة دينار وزيادة يسيرة. وكان يسأل الناس إلى أن مات وورثه زوجته وبيت المال ودفن بقرب مشهد. /102 ب/ عبيد الله،

وتعرف بمقبرة دفين النذور. فمن الشعر المنسوب إليه، قوله: [من الطويل] فما رفع الهنديُّ وهو حديدة ... على التِّبر إلاَّ ضربه بالمفارق ولو رمت ما راموه بالعلم لم يكن ... وجيههم في حلبة المجد لاحقي وقال أيضًا: [من البسيط] فعربدت منه الحاظ معوَّدة ... بالفتك تخجل بيض الهند والأسلا مرحًا تهزَّأ بالآرام لو عرضت ... لأشهب كسبت الحاظه كحلا وكتب إلى الحيص بيص، وقد توفيت زوجته يعّزيه: سيدي شهاب الدين أيده الله بقرين من الأناة، ومصاحب من صليب العزيمة خبراً لا دعاء متحصن بشكَّتي بسالة وسداد يقيانه سهام الجزع، ويحميًانه وخز أسنة الأسف لنازحة فرطت إلى الورد الرَّوي بجًوار ذي الطَّول عَّز وعلا. [60] أحمد بن خالد بن محمد، أبو العباس البغدادي المحوّلي. من باب المحوّل.

كان شيخًا ماجنًا فيه ظرف وكياسة، له أشعار يظهر فيها تخالعًا، ويخلطها بالهزل. وكان متوليًا في أيام الناصر /103 ب/ لدين الله –رضي الله عنه- المصالح. أنشدني أبو الفضل هبة الله بن أبي بكر محمد بن شنيف الكتبيُّ البغداديُّ، قال: أنشدني أبو العباس أحمد بن خالد المحوَّلي لنفسه: [من الكامل] لمَّا رأت شيبي وعّزه ولَّى وقد ... أودى وما يرجى لديه قيام من بعد ما قد كان يفتق طعنه ... رتق الكساس ودأبه الإقدام طفقت تلمَّس شلوه وترنَّمت ... (يا دار ما صنعت بك الأيَّام؟ ) أصبحت ملقًى فوق بيضك ميِّتا ... لم تبق فيك بشاشبة تستام ثم أنثنت مقروحة فأجبتها ... منِّي عليك إلى المعاد سلام [61] أحمد بن عبد الواحد بن أبي الأصبغ الكاتب، أبو العباس المراكشيُّ اللخميُّ، المعروف بابن الشريشيِّ. عالم متقن بارع، أخذ في كل جنس من العلوم كالفقه والحديث والأدب والتفسير والطب والمنطق والنجوم والهندسة والأصولين والخلاف، ولم ير مثله في تفننه وكمال /102 أ/ فضائله. خرج عن وطنه، ونزل الديار المصرية، وهو بها مقيم يقرئ العلوم. أنشدني أبو عبد الله محمد بن يحيى المغربي الفقيه القسطنطيني، قال: أنشدني أبو العباس بن الشريشي لنفسه، وزعم أنه عملها بديهة: [من الطويل] يكلِّفني كتمان أمر صبابتي ... وفي مقلتي عنوانها ودليلها ويخشى عليها إن شهرت بحبِّها ... مقالة أهل الحيِّ أنِّي خليلخا فتهجرني والهجر لا شكَّ قاتلي ... وإن متُّ قالوا: إنَّ هذا قتليها وقالوا: أمأ يشفى فؤادك من جوى ... وروحك من بلوى يذيب غليلها وأنت قد قيل في الطِّب أوحد ... تباشر أدواء الورى وتزيلها فقلت لهم: إنَّ الصَّبابة حكمها ... مع السُّقم أن لا يستفيق عليلها

وعندي إذا حدَّثت نفسي سلوةً ... غرام ينافيها وشوق يحيلها وبايعتها طوعًا فلست أقيلها ... ولو أنَّها جارت ولا أستقيلها وقال: [من الكامل] يا ناسيًا يسعى بذاك تمنُّعًا ... هيهات شخصط في الفؤاد مقيم سر حيث شئت تكفَّلت بك لوعة ... طير الفؤاد بها عليك تحوم /104 ب/ وقوله من أبيات: [من مخلّع البسيط] عمرك يا ذا النُّهى قصير ... فاعلم وإن طال إذ تمادى يزيد نقصًا إن زدت يومًا ... وأنت تفنى بأن تزادا [62] أحمد بن مسعود بن محمد، أبو العباس القرطبيُّ الخزرجيُّ. كان إمامًا فقيهًا شافعيًا مدرسًا متفننًا في علوم كثيرة؛ وله اليد البيضاء في علم الحساب والفرائض والحديث وتفسري القرآن والقراءات والكلام والأصول مع معرفته باللغة والنحو والعروض وضروب الأدب. وضع أرجوزة في الطب نحو ثمانمائة بيت، وصنف كتابًا آخر في الأصول نحو ثماني مجلَّدات سمّاه "تقريب المطالب والقوانين في أصول الدين"، وله كتاب في النحو، وكتاب سمّاه "الاختيار في علم الأخبار". نزل دنيسر وسكنها وانتفع بها أهله واستفادوا منه، إلى أن توفي بها سنة إحدى وستمائة. أنشدني أبو العباس لنفسه من أبيات: [من الكامل]

/105 أ/ وقع الملام مواقع الأشواق ... فأصاب فيك مقاتل العشَّاق ذِّكر فديتك يا عذول معاتبًا ... إنَّ التَّكُّكر راحة المشتاق ومنها: جارت عليه الرَّاح وهو محادثي ... فكبا وأطراف الحديث بواقي ومن مديحها: ما جاد حرصًا أن يقال: هو الجوأد ولا توقَّف خشية الإملاق لكنه يعطي ويمنع عالمًا ... بمواقع الإمساك والإطلاق وقال أيضًا: [من الطويل] أرى نفحات الرَّوض جاءت بريَّاكم ... لعلَّ نسيم الرِّيح مرَّ بمغناكم إذا ما شممناهأ طربنا كأنَّنا ... نشاوى فعلَّلنا القلوب بذكراكم يذِّكرني عرف الصَّبا زمن الصِّبا ... فأرتاح للذكرى أرتياحي للقياكم ألا ضوِّعوا ذيل النَّسيم بنشركم ... وحيُّوا لتحيوا في الهوى بعض قتلاكم وإلا أئذنوا لي في الكرى علَّ طيفكم ... يزور فحقّ أن تعينوا معنَّاكم تمثَّلتم في كلِّ شيء لناظري ... فحيث التفتنا أو نظرنا رأيناكم وكنت أمنِّي النَّفس قبل فراقكم ... تصبُّرها عنكم إلى حين لقياكم /105 ب/ ولم أدر أنَّ الصَّبر عنكم يخونني ... وأنَّ منى الآمال أن أتمنَّاكم قال أبو الفتح مسعود النقاش أنشدني أحمد بن مسعود لنفسه في يوم الخميس الحادي عشر من ربيع الآخر سنة ستمائة بظاهر حلب: [من الطويل] أعانقه غصنًا والثمه بدراً ... وأرشف وهنًا من لمى فمه خمرا وأهصر منه حين تثتيه نشوة ... تهادت به تيهًا وماست به سكرا بتمثال نور في ظلام ذوائب ... إذا ما توارت شمسه أطلع البدرا ومنها: ونمَّت بنا في اللَّيل أنوار وجهه ... فمدَّ علينا من ذوائبه سترا وقال من أبيات: [من مجزوء الكامل] راض بحكم هواك واجد ... فعلام أنت عليَّ واجد

ما كان لي ذنب سوى ... أنِّي سهرت وأنت راقد أنشدني أبو الحسن علي بن يوسف /106 أ/ بن محمد بن الصفار المارديني الشاعر، قال: أنشدني أبو العباس الخزرجي لنفسه: [من الوافر] وفي الوجنات ما في الرَّوض لكن ... لرونق زهرها معنًى عجيب وأعجب ما التعجُّب منه أنِّي ... أرى البستان يحمله قضيب وأنشدني، قال: أنشدني أبو العباس لنفسه: [من الرجز] يا ظبي سنجار أما ترثي لمن ... قد صار من أجلك في كفِّ الأجل قد كان مشغولاً بدرس علمه ... فاليوم لا علم بقي ولا عمل [63] أحمد بن محمد بن المظفر المختار، أبو العباس الرازيّ. كان من أهل الفقه والعمل فاضلاً شاعراً. وكان بعد الستمائة. وجدت له أشعاراً في مدح الأئمة الراشدين والخلفاء المهديين –رضي الله عنهم- فأثبتها ونقلتها من خط يده، من ذلك قوله في أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-: [من الوافر] /106 ب/ أبو بكر قد ابتكر العروبه ... وعن غير الهدى أختار العزوبه مواليه عزيز في البرايا ... وفي العقبى له خير المثوبه ومنهله لأهل الحقِّ ورد ... فشت فيه الفروقة والعذوبه وشانئه ذليل كلَّ حين ... وفي الدَّارين يبلى بالعقوبة وقال أيضًا في عمر بن الخطاب –رضي اللع عنه-: [من الوافر] لقد عمر الهدى عمر التَّقيُّ ... وعند العالمين هو الرَّضيُّ لروض الحقِّ منطقه وليٌّ ... ولله العليِّ هو الوليُّ بكى من خشية الرَّحمان دهراً ... وما يده لدى النُّعمى بكيُّ

خفى في الدِّين بارقه وضوحًا ... وما في الحقِّ حجَّته خفيُّ وقال أيضًا في عثمان بن عفان – رضي الله عنه-: [من البسيط] عفا الإله بعثمان بن عفَّانا ... ذنوبنا وعن النِّيران أعفانا منه الملائكة أستحيت معظِّمةً ... فاستحي با جاهلاً عن بغض عثمانا هذا الَّذي جمع القرآن أجمعه ... واستشهدوه لدى القرآ، عدوانا قد فرَّق المال في الخيرات قاطبةً ... فحاز من رَّبه بالجود رضوانا وقال في علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه-: [من الوافر] /107 أ/ عليٌّ سيِّد الأبرار طراّ ... عليٌّ في العلا قد كان بحرا عليٌّ أشجع الشُّجعان حقًّا ... عليٌّ أوسع الأحرار صدرا به جبر الكسير فلا كسير ... كما كسرت به الأصنام كسرا تمسَّك وأعتصم بهوى عليٍّ ... تصر يا عبد في الدَّارين حرّا وهذا أحمد بن المختار أبو العباس الفقيه الحنفي الرازي الصوفي المفسر قدم دمشق. وكان يفسر القرآن على المنبر بجامعها. ثم رحل عنها متوجهًا إلى بلاد الروم، وتولّى بها القضاء والتدريس، وسمع الحديث الكثير بنفسه من أبي المعالي عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل العرادي، وبدمشق من أبي اليمن الكندي، وأبي المعالي محمد بن موهوب بن البنا. أنشدني الشيخ الحافظ العالم نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العربي أبي طالب الشيباني الصفار الشافعي، بحضرة شيخ الشيوخ صدر الدين بن برناطة، قال: أنشدني أبو العباس لنفسه: [من السريع] تفقُّد السَّادات خدَّامهم ... مكرمة لا تنقص السُّؤددا هذا سليمان على ملكه ... قد قال: "ما لي لا أرى الهدهدا"

[64] /107 ب/ أحمد بن عليّ بن باختيار بن عبد الله، أبو القاسم البغداديُّ. كان من أهل الفضل والمعرفة؛ شاعراً متأدّبًا أشعاره فيها ضعف، ومعظمها في الألغاز. لقيته بمدينة السلام –شيخًا كبيراً- برباط أبيه بدرب المقبرة؛ وهو رجل خير صالح ذو دين وعفاف، فاستنشدته هذه الأبيات [فأنشدها، وسألته عن ولادته، فقال: ولدت في سنة خمس وخمسين وخمسمائة] كتبها إلى الشيخ أبي عبد الله بن الدُّبيثي: [من البسيط] ماذا يقول جمال الدَّين لا برحت ... آراؤه في ليالي دهره شهبا في مسلم شافعيٍّ ظلّ مكتئبًا ... بغادة تحجل الأغصان والكثبا ما زال يلطف في الأيَّام مجتهداً ... حتَّى رأى خلوةً يقضي بها إربا هل أن يرى ما رأى داود معتمداً ... يرجو النَّجاة به أو يحذر العطبا ورأي داود أنَّ العقد منفرد ... يقضي بصحَّته فاسلم ودم حقبا فأجابه أبو عبد الله: بزيارة ممَّن حوى الأدبا ... والعلم والفضل والإفضال والرُّتبا لا زال في نعمة تصفو مشاربها ... مبلَّغًا سؤله مستنفداً حقبا /108 أ/ وقفت منها على درًّ شدهت له ... وحكمة أعجزت سحبان إذ خطبا وقلت لا عرو إن بحر طما فلكم ... من مثلها لصفيِّ الدِّين إن طلبا والحكم منِّي أنَّ العقد مفتقر ... إلى وليٍّ وإشهأد لمن رغبا فإن ترخَّص هذا الشَّخص معتمداً ... خلاف مذهبه فالحدُّ لن يجبا لسنَّة قالها داود منفرداً ... إنَّ النَّكأح بلا إشهاد قد ذهبا خذ الجواب ودم في العزِّ مرتقبًا ... ما لاح نجم وحنَّ الصَّب أو طربا

[65] أحمد بن محمد بن عليِّ، أبو الفضل القاشانيُّ: نزيل همدان. كان من الفقهاء الحنفية أصوليًا عارفًا بالمسائل الخلافية حافظًا من الأشعار جملة؛ شاعراً باللسانين، منشئًا للرسائل، ويكتب خطًا في نهاية الحسن والملاحة ما يعجز عن نظيره أبناء زمانه. وكان صاحب سخاء ومروءة. ومات بهمذان سلخ ذي القعدة سنة تسع عشرة وستمائة. أنشدني من شعره ابنه أبو بكر إسحاق –رحمه الله تعالى- بمدينة السلام بالمدرسة /108 ب/ التتشية في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، هذه القصيدة عن أبيه؛ ثم نقلتها من خطّ ناظمها يمدح بها بعض رؤساء همذان: [من الوافر] بحمد الله حصِّلت المارب ... ونلت من العلا أسنى المراتب هنيئًا للمعالي منك مجد ... تلاشى عند منصبه المناصب ترفَّع في مراقي العزِّ حتَّى ... تسنَّم هامة الشثّهب الثَّواقب أفضت على الورى عدلاً وبذلاً ... فيالك من فتىً حاوي المناقب بعارفة لها فوح كمسك ... حوى ريًّاه أجنحة الجنائب يجاليك الغمام إذا تراخت ... عزاليه بأنواء سواكب وظنَّ ......... أنَّهم حقيق ... بحفظ الملك أو كشف الحوازب تمكَّن في دماغهم التَّمنِّي ... وفيما يعشقون لهم مذاهب فلمَّا طالعوك أقرَّ كلٌّ ... بسبق علاك في نيل المطالب سبقت العالمين ولا عجيب ... فما لك في المعالي من مناسب لدولتك الَّتي طابت ودامت ... على الله الرِّعاية في المصاعب شأوت النَّاس مكمةً وفضلاً ... وعدت مبرَّاً من قدح عائب هو الصَّدر الَّذي يرجى لديه ... إغاثة صارخ عند النَّوائب /109 أ/ تلوذ بظلِّه زمر الرَّعايا ... وتمشي تحت موكبه المواكب وفيك فضائل يكفيك ... بلى يغنى العيان عن التَّجارب

له لفظ وأين الشَّهد منه ... فيغرق في احجى له منه صاحب يكشِّف بشره جنح اللَّيالي ... متى يبدو لبدر في الغياهب سحاب نواله من غير مطل ... يفيض على الأقارب والأجانب بنى العلياء عالية ذراها ... وهل للمكرمات سواه كاسب يفرِّج فكره إن عنَّ خطب ... برأي في أمور الملك صائب له قلم وأين السَّيف منه ... فقد يغني الكتاب عن الكتائب لذي القرنين في ظلمات نفس ... يخوِّض تارة كالشَّمس غارب فمشرب مائه كدر ولكن ... يصفِّي بالعطيَّات المشارب سطور سواده كاللَّيل أمَّا ... معانيه المضيئة كالكواكب حباك الله من نعماه جاهًا ... تمنَّته الأعاجم والأعارب محلُّك شامخ والقدر عال ... وفضلك باهر والجدُّ غالب [66] أحمد بن ظفر بن محمد /109 ب/ بن هبيرة بن سعيد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن الجهم بن عمر بن هبيرة ابن عمران بن الحوفزان –وهو الحارث بن شريك بن عمرو بن قيس بن شرحبيل ابن مرّة بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن الحصن بن عكابة بن صعب بن عليِّ بن بكر بن وائل قاسط هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة ابن أسد نزار بن معد بن عدنان، أبو الفتح بن أبي المنذر الغداديُّ. كان جدُّه الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة. وأبو العباس كان أمثل أسرته أدبًا وفضلاً وفصاحة ونبلاً، شاعراً له حظ من علم النحو والعربية. وانتدب لإنشاء مقامات فصنع مقامات حذا فيها حذو مقامات

الحريري؛ وهي تسع عشرة مقامة. وخبرت أنه أنشأها في مدّة تسعة عشر يومًا. وكان حاجب الباب في أيام الناصر لدين الله –رضي الله عنه- وأمور القضاء عائدة إليه. وكذلك أمور المناثر وغيرها. وخدم المستنجد بالله والمستضيء بأمر الله. /110 أ/ ولم يزل منتدبًا في هذه المدد إلى الرتب الجسيمة والمقامات النبيلة، مع احترام الجانب ووفور المنزلة. وتوفي في أيام الناصر لدين الله – رضي الله عنه-. قال أبو عبد الله الدبيثي في مذيَّله: من بيت مشهور بالتقدم والولاية. وكان فيه فضل وتميّز، وله معرفة بالأدب. تولى حجابة النوبى في أواخر المحرم سنة ثمانين وخمسمائة، إلى أن عزل يوم الاثينين ثامن جمادى الآخرة من سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. ثم تولّى الإشراف ببعض البلاد المزيدية، وخرج إليها وأقام بها، وقد سمع الحديث من أبي الوقت لمّا قرئ عليه بمجلس جدِّه، وأبي الفضل فاخر وغيرهما. سمع منه أبو عبد الله الدبيثي، وسأله عن ولادته، فقال: ولدت يوم الاثنين خامس عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وتوفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من المحرم سنة عشرين وستمائة. ودفن يوم الجمعة بباب البصرة عند جدّه الوزير أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة غربي بغداد. أنشدني أبو الفضل عمر بن علي /110 ب/ ابن محمد بن الوزير يحيى بن هبيرة، قال: أنشدني ابن عمي أحمد بن ظفر لنفسه: [من المنسرح] لا ضمَّني اللَّيل في غياهبه ... ولا أستقلَّت بي السَّلاهيب ولا أثرت الثَّرى بمصطدم ... حتَّى يرى الصَّبح وهو غريب ولا تركت العدوَّ مرتفقًا ... يأوي إليه الضِّباع والذِّيب إن كان يعرى لرسمها طلل ... إلاَّ ودمعي له جلابيب وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه مما ضمَّنه في كتاب المقامات من إنشائه: [من الكامل] دع ما تؤمِّل من زمان فاسد ... وصن الشِّكاية عن صديق عائد

واصبر فللأيام جولة باطل ... تغري بسفك دم الوليِّ العابد غير البديع إذا رمى بمقاصد ... موفورة الأقسام أو بمكائد حرب لذي الخطر الكبير ومتجر ... رغد الأماني للجهول الهامد تبًا له ما حلَّ يومًا عقدةً ... منه ففاتتها يد من عاقد يعطيك وهو إلى سلابك مسرع ... ويريك صفحًا وهو كلُّ القاصد وبنيل صفو مشارب من دونها ... كفّ الهمام ....... /111 أ/ فهباته كهباتً أحلام الكرى ... ملأت يديك وأنت عين الفاقد وبروقة ما إن ترى في غيِّها ... إلاَّ سرابًأ لا معاً للرائد وتراه معتذراً إليك وربما ... شاب المقال بمحكمات أوابد والنَّاس أبناء الزَّمان وغلطة ... أن لا ترى ولداً شبيه الوالد [67] أحمد بن عبد اللطيف بن بدل، أبو الفضل القاضي التبريزيُّ. كان يتولّى قضاء أهر من بلاد أذربيجان. وكان من الفقهاء الأدباء العلماء الفطناء؛ له معرفة بالتفسير والحديث وعلم الكلام والأدب والشعر. أنشدني الفقيه أبو بكر بن الخطيب جبرئيل بن عبد الجليل الأهري، قال: أنشدني القاضي أحمد بن عبد اللطيف لنفسه ما كتبه إلى شمس الديت الدهسّان يلتمس منه شرح "عيون الحكمة" فلم يجبه إلى ما سأل. وكان لشمس الدين هذا ولد اسمه المرتضى: [من المتقارب] أيا قرَّة العين للمرتضى ... لك المرتضى قرَّة للعيون /111 ب/ ويا من بفضلك قرَّت عيون ... أقَّرنَّ عيني بشرح العيون وأنشدني، قال: أنشدني أيضًا لنفسه من قصيدة كتبها إلى مسعود المراغي: [من الطويل]

لو ما سواد اللَّيل جاز تحوزه ... يداه لأفنى في بياض نهار فيا دهر لا تنكر مقالي ولا تقل ... يمين وساعد كفه بيسار وقال: [من الوافر] تبدَّى وجههها تحت اللِّثام ... كما يبدو الهلال من الغمام فحيَّت إذ تبدَّت بالسَّلام ... وأحيت إذ أشارت بالسَّىم وهبَّ نسيم ريَّاها فهبَّت ... عيون ناعسات من منام وراقت وأشرقت ثم رقَّت ... لما بين الضُّلوع من الضَّرام وخصَّتني بعطف بعد عطف ... فزادت في الغرام على الغرام وقال: [من الطويل] خليليَّ إنِّي قد شعفت بغادة ... تبدَّت لنا تختال بين عواني بفاترة الأجفان فاتنة الصِّبا ... صقيله مرآة العذار حصان خفيفة ما دون الوشاحين بضَّة ... ثقيلة ما تحت الإزار ردان /112 أ/ أعدَّت سنان اللَّحظ للقتل عدَّةً ... ليوم ظعان لا ليوم طعان تسابق قرناها إلى حدَّ ساقها ... فصارا على الخلخال بلتويان عفوت لها حين أبتليت بحبِّها ... وكم للهوى كالعاملايّ عراني وفي القلب أن أفدي بروحي مبسمًا ... عن الدُّرِّ معتّزاً كما ترياني ويا جبلي نعمام واصلت فيكما ... لدى الدوحة الخضراء أمَّ أبان وعندما غازلتها فسقيتما ... حيا ديمة يا أيُّها الجبلان وقال: [من الطويل] حمائم ورق قد هتفن سحيرة ... فهيَّجن لي شوقًا إلى ساكني نجد سلبن سلوِّي وأجتلبن مدامعي ... وذَّكرنني ما قد نسيت من الوجد تذَّكرت من شدو الحمائم بالنَّقا ... نقا ردفها يرتجُّ في حلَّة البرد ومن ضوء بدر التَّمِّ في حندس الدُّجى ... سنى وجهها الوضاح في كلَّة المهد تمايل غصن البان شبه أختيالها ... لو أنشقَّ غصن البان عن لمَّة الورد على نقوي وادي الأراك بذي الغضا ... تقضَّت لي الأيَّام في عيشة رغد

تغازلني سعدى سعدت بوصلها ............. الأسنان مصقولة الخدِّ سقتني شفاهل من نمير شفاهها ... ألذَّ من السَّلسال في .... الشَّهد /112 ب/ عهدت بها عهداً نعمت بوصلها ... سقى الله ذاك العهد من صيِّب العهد أأنسى بطول العهد [عهد] أحبَّتي ... ولست يناسي العهد طال به عهدي وقال: [من الطويل] لها الله من خود تميس كأنَّه ... قد أعتورتها شمال وجنوب طوت كشحها عنِّي لتعرض فانطوت ... على النَّار منِّي أضلع وجنوب وقال معرّضًا ببعض تلامذته: [من الطويل] ولست وإن أ‘رضت عنِّي مضيِّعًا ... حقوقي إضلال الأنام عن الحقِّ بأوَّل ثان عطفه ليضلَّ عن ... مناد سبيل الله قاطبة الخلق وكتب من صدر كتاب إلى حلال الدين الخواري: [من الكامل] ريح الصَّباهبِّهي على صوب الحمى ... تشفي لقلبي بالهبوب غليلا ..... لطفًا برقَّة دمعة ... وجدت على الخدِّ الأسيل مسيلا وتحمَّلي منِّي تحيَّة مدنف ... قد ظلَّ مثلك في المسير عليلا وإذا أسترحت من الهبوب فقبل مًا ... تجدين فيه للقرار مقيلا خصِّي جلال الدِّين أفضل من غدا ... بجلاله الدِّين القويم جليلا من ذهنه أضحى لكلَّ دقيقة ...... ناديه البيان دليلا /113 أ/ غرر اللَّطائف تحت ظلِّ بنانه ... صادفن ظلاً لا يزال ظليلا لو صافحت حدَّ الحسام يمينه ... بيراعها عاد الحسام كليلا ... صبّ لم تجد لشفائه .... نحو الوصول إلى الوصال سبيلا [68] أحمد بن شاه ملك الواسطيُّ. نزل البصرة وتولّى بها النيابة في ديوان الأشراف؛ وله عناية بالأدب وقرض الشعر، وله فيه طبع.

أنشدني أبو الحسن علي بن أبي الفرج بن محمود الجراحي الواسطي، قال: أنشدني أحمد بن شاه ملك الواسطي لنفسه من قصيدة يمدح بها الأمير أبا الفضائل باتكين بن عبد الله المستنصري –وكان يومئذ أمير البصرة: [من الطويل] أقول لصحبي والرَّكاب ملاحة ... طلائح يحدوهن بين يزايله إلى باتكين القيل عجُّوار كابنا ... لتبلغ من أيَّامنا ما نحاوله ومنها: أمولاي شمس الدِّين تاهت بك العلا ... فلا مفخر إلاَّ عليك غلائله /113 ب/ مضى رمضان وهو يثنى على أمرئ ... فرائضه مقبولة ونوافله فلا زلت في ظلِّ الإمام مملَّكًا ... سعيداً تحاماك الرَّدى وغوائله إمام هدى عمَّ الأنام سماحةً ... وجوداً إذا ما أضمر الخير فاعله ومنها: وأبيض فياض لديه غمامة ... على معتفيه ما تغبُّ نوافله فلا زلت شمس الدِّين في كنف العلا ... تبلِّغك الأيَّام ما أنت آمله [69] أحمد بن رستم بن المبارك بن الحسن بن الحسين، أبو العباس الموصليُّ. كان يكتب على الحيطان تشبيهًا بعلي بن أبي بكر الهروي السائح. وكان يميل إلى زيّ المتصوفة، وفيه فطنة، ويقول شعراً حسنًا، ويعرف بالنعًال. وتوفي قريبًا من سنة عشرين وستمائة بالموصل. أنشدني أبو عبد الله محمد بن ميكائيل بن أحمد الموصلي، قال: أنشدني أحمد بن رستم لنفسه ملغزاً في الدفّ والشبابة: [من الطويل] /114 أ/ ومقروحة الأحشاء مثلي نحيلة ... تناءت عن الأهلين وأنتابها البعد تزوَّجها عشر وذاك محرَّم ... فلا حرج كلاَّ ولا وجب الحدُّ

إذا وطئوها القوم تصرخ صرخةً ... يرقُّ لديها القلب لو أنَّه صلد فيا عجبًا تزني ويجلد آخر ... إلى جنبها حدّاً ويلزمه الجلد ففي أيِّ شرع أم بأيِّ قضيَّة ... يحدُّ عفيف والَّذي ساؤ ما حدُّوا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه ملغزاً في اللسان: [من المتقارب] وما أسد حلَّ في قلَّة ... لها شرف دون أبوابها يخاف ويرجى ولكنَّه ... بعكس الأسود لأصحابها وأنشدني، قال: أنشدني له يلغز في السروال: [من الوافر] وصندوق يروق العين حسنًا ... بمنظره ويعطي اللَّمس لينه زكيِّ الأصل ذي نسب منيف ... بعرق نابت في قعر طينه له رجلان لم تحمله حتَّى ... يرى ملآن بالسِّلع الثَّمينة بقفل واحد سهل ضعيف ... بعشر مفاتح عدد مكينه /114 ب/ وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] لا تطمعنَّ بشيء أنت طالبه ... بغير شيء فتحظى منه بالتَّعب من لم تنل منك بالبرطيل راحته ... أخطتك راحته عمداً ولم تصب لو لم تروِّ نخيلاً أنت غارسها ... من المياه لما جاءتك بالرُّطب وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه من قصيدة: [من البسيط] ألا بهايا أصيحابي إذا أخذت ... منِّي فروُّوا بها روحي وجثماني حتَّى أقول على صحوي بها شعفًا ... أماتني كأسها والدَّن أحياني [70] أحمد بن عليِّ، [بن أبي الفتح] المعروف بابن الشمّاع بن الرقيق، أبو العباس الواسطيُّ. من أهل حلَّة واسط وجملة من ينظم بها الشعر.

وقيل عنه: إنَّه ينتحل الأشعار ويسرقها ويمدح بها الناس. أنشدني الرئيس الأجل كمال الدين أحمد بن إبراهيم بن أحمد الموصلي، قال: أنشدني أحمد ابن الشماع لنفسه: [من البسيط] يشتاق عرف الصَّبا من نحوكم قرم ... إلى لقاكم به البلبال يقلقه /115 أ/ ما إن تنفَّس إلاَّ ظلَّ من كمد ... أنفاسه لزفير الشَّوق تحرقه ولا أستنار هلال في دجى غسقً ... إلاَّ وأزعجه بين يؤرِّقه ولا أضاء سنى برق بكاظمةً ... إلاَّ وتيَّمة بالجزع أبرقه ولا تألق ثغر البدر مبتسمًا ... إلاَّ وأذكى صباباتي تألُّقه شوقًا إلى قمر كالآس عارضه ... يذيب قلبي هجرانًا ويحرقه ما غاب عن لحظً عيني قطُّ محتجبًا ... إلاَّ وأصبح وسط القلب مشرقه ولا أراش بنا لا قوس حاجبه ... إلاَّ وأصمى فؤادي حين يرشقه أغار من لحظ قلبي إذ تصوَّره ... ألف فكري لقلبي حين يرمقه فكيف لي إن تبدَّى كالهلال وأبصار الخلائق بالرُّؤيا تحقِّقه [71] أحمد بن أبي بكر بن أبي محمد الخابرانيُّ، أبو الفضل الخلاطيُّ: وخابران قرية من قرايا خلاط الأديب النحويُّ. نزل تبريز وسكن بها، إلى أن مات تقديراً بعيد سنة عشرين وستمائة، واتصل بوزيرها ربيب الدين علي بن أبي القاسم دنقان، ومدحه ... /115 ب/ بشعر كثير. وكان فاضلاً لم يكن له نظير في زمانه في علم الأدب والعربيّة والتصريف واللغة. وكان يميل إلى علوم الحكمة إلاَّ أنَّ الغالب عليه معرفة العلوم الأدبية والتبحّر فيها.

وكان شابًا ذكيًا. أنشدت له ابتداء قصيدة أولها: [من الكامل] هيهات ليس يفيق من سكر الصِّبا ... من لا يزال تشوقه ريح الصَّبا ساروا ودمعي قائل من خلفهم: ... مهلاً فإنَّ السَّيل قد بلغ الزُّبى [72] أحمد بن أبي السعود بن حسّان، أبو الفضل الرُّصافيُّ. من شرقيِّ مدينة السلام. كان شيخًا خطاطًا يؤدّب الصبيان بالخط ويكتِّبهم. وكتب خطا قريبًا؛ إلاَّ أنه كان عنده دعاوى في الخط، ويتبجح به كثيراً. وينزل نفسه في الخط منزلة ابن البوّاب، ولا يثبت لأحد من كتّاب زمانه شيئَا. كان جاهلاً بالأدب لم أسمع له من الشعر إلاّ هذه الأبيات /116 أ/ أخبرنا بها إجازة أبو محمد عبد العزيز بن دلف بن أبي طالب الخازن البغدادي الناسخ، قال: أنشدني أبو الفضل أحمد بن أبي السعود الرصافي لنفسه: [من البسيط] يا ربّ إن كنت قد أسرفت في عمري ... من أرتكاب الخطايا غير مشدي أو كنت عمَّ يقوم الصَّالحون به ... مجانبًا واعتدى غيِّي على رشدي فلي لذلك حسن الظَّن يطمعني ... في جنب عفوك يا ذخري ويا سندي وأنبأني أيضًا، قال: أنشدني أحمد لنفسه: [من الطويل] سأغضي على وخز القذى من معاشر ... أداريهم إنَّ الكرين يداري وأصبر للأيَّام علَّ صروفهاً ... سوق من أستقرارها بدياري فإن بلَّغتني همَّتي غاية العلا ... فذاك وإلاَّ فالخمول شعاري

[73] [أحمد بن سعد، الشريف العلوي أخبرني الصاحب أبو البركات المستوفي –رضي الله عنه- قال: أنشدني هذا الشريف لنفسه من آخر رسالة أنفذها إلى الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين صاحب إربل: [من الطويل] إلأى م أرى النُّعمى أليف ذوي الجهل ... وأبصر ..... حليف ذوي العقل فيا حسرات لي لو أن ثقلها ... على جبل لا نهدَّ من فادح الحمل وأرحها كوني على رغم معطبي ... مقيمًا بأرض لا يقيم بها مثلي حليف ذوي جهل وشرُّ ثلاثة ... مقام الفتى ذي الفضل بين ذوي الجهل أيا دهر رفقًا با ....... فإنَّها ... ........................ ] [74] أحمد بن عليِّ بن أحمد بن عبد المنعم بن هبل، أبو العباس بن أبي الحسن الحكيم المتطبب البغداديُّ، المعروف بابن الخلاطيِّ: وسيأتي ذكر والده وشعره. اشتغل بعلم الطب ببغداد وتميّز فيه /116 ب/ حتى صار فرد عصره. وكان مع [ذلك] له يد في قرض الأشعار، وطبع في نظمها صحيح. وينشئ الرسائل العربية والفارسية. أقام بالموصل مدّة، ثم سافر إلى بلاد الروم فسكنها إلى أن توفي بملطية في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وكانت ولادته ببغداد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.

أنشدني ولده أبو الفتح يوسف، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من الطويل] أخلاَّي هل خنتم عهودي بعد ما ... رماني زماني بالتَّفرُّق منكم وهل قد وعت أسماعكم من عدوِّنا ... أحاديث إفك بالنِّفاق تنظَّم أم العهد باق والمودَّة بيننا ... كعهدي بها والعيش غضٌّ منعَّم أحبَّة قلبي إن هجرتم وخنتم ... فإنِّي على عهدي لكم لم أخنكم ولم أتبدَّل غيركم غير ذكركم ... أنيسًا إذا جنًّ الظَّلام ونمتم أكابد شوقًا لست أقدر وصفه ... وهل يصف الإنسان ما ليس يفهم إذا ذكرت نفسي مقامي بقربكم ... وعيشًا يقضَّى والحوادث نوَّم وأسباب عيشي مذ نأيتم تصرَّمت ... فللَّه قلب بينهمَّ مقسَّم وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه [من البسيط] /117 أ/ أمسي وأصبح والآمال تلعب بي ... والعمر منصرم والدَّهر ذو عجب أمسي وأصبح في لهو وفي طرب ... والموت يضحك من لهوي ومن طربي كأنَّني قد أمنت الدَّهر ......... أو إنَّني لست أخشى حأدي النُّوب كأنَّني لست من ..... قدر ... يسوقه بغتة نومًا إلى القطب دنيًا تغرُّ بآمال مزخرفة ... كما يشاب مذاق السُّم بالضَّرب وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الوافر] أقول لرفقة زمُّوا المطايا ... ألا هل مبلغ عنِّي التَّحايا إلى أرض العراق وساكنيه ... إلى قوم هم خير البرايا كرام سادة من تلق منهم ... تقل: لاقيت أحسنهم سجايا نشوا في المكرمات وفي المعالي ... فلم تعلق بخيمهم الدَّنايا كريمهم لدى الإضفال هشٌّ ... طليق الوجه مبتسم الثَّنايا وفارسهم لدى الهيجاء ليث ... قطوب الوجه مقتحم المنايا بذكر جميلهم سرُّ القوافي ... بطيب حديثهم تخدي المطايا

لئن أخنى عليهم صرف دهر ... فقد أبقى لنا منهم بقايا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] /117 ب/ بنيَّ لقد جربت دهري وصرفه ... ومارست أهليه على العسر واليسر فلم أر مثل الصِّدق أنفع للفتى ... ولا مثل فعل الخير أبقى على الدَّهر وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] والله ما نظرت عيني إلى حسن ... إلاَّ تمثَّلت في إنسان عينيَّا ولا ذكرتك في غمٍّ ولا فرح ... إلاَّ تغلغل قلبي بين جنبيَّا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] إذا لم أجد لي في الزَّمان مؤانسًا ... جعلت كتابي مؤنسي وجليسي وأغلقت بابي دون من كان ذا غنى ... وأفعمت من مال القناعة كيسي وأنشدني، قال: أنشدني قوله: [من الطويل] إذا لم أجد من صاحبي ما أريده ... طويت فيافي دونه وقفارا هي الهمَّة العليا فسام بها العلا ... ولا ترمين دون السِّماك مطارا فليس الفتى من نال وفراً مجمَّعًا ... من الحمد ما يضحي عليه شعارا وأنشدني، قال: كتب إلى والدي وهو مقيم برأس عين: [من الوافر] سطرت إليكم من رأس عين ... كتابًا مودعًا قلبي وعيني /118 أ/ فعين الرَّأس تجري من دماًء ... كما تجري المياه برأس عين [75] أحمد بن أسعد بن حيدر بن عبد الباقي بن المؤمل بن حلوان، المعروف بابن المنفاح، أبو العباس بن أبي الفضل المعرى السّليحيُّ، الطبيب الدمشقيُّ. أخبرني أنه ولد بدمشق في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وتسعين

وخمسمائة. وقرأ علم الطبّ على الحكيم صدقة بن السامري الدمشقي. وبرع في الذي قرأ عليه، وتميَّز على أهل زمانه، وصنَّف في ذلك مصنَّفات شتى، ورحل إلى آمد فاستخدمه صاحبها الملك المسعود ركن الدين مودود بن محمود بن محمد بن قرا ارسلان بن داود بن سكمان بن أرتق الأرتقي، وحظي لديه ونال منه منزلة رفيعة. ثم استوزره بعد ذلك، وفوض إليه أموره، فحين أخذت آمد من الملك المسعود فارق خدمته واتصل بخدمة الملك الكامل ناصر الدين أبي المعالي محمد /118 ب/ ابن أبي بكر –رحمه الله تعالى- فمكث عنده مديدة. ثم شخص إلى الديار المصرية وعاد إلى خدمة الملك المسعود ركن الدين مودود فلم يحظ منه. ثم كر راجعًا إلى بلاد الشام، ثم إلى الموصل؛ فلقيته بها أواخر المحرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة؛ وهو على عزم التوجه إلى مدينة السلام. من تنيفاته كتاب "تدقيق التحقيق في الجمع والتفريق"، وكتاب "الإشارات المرشدة في الأدوية المفردة"، وكتاب في "علم أصول الطب" مختصر، وكتاب "منتهى الأغراض في العلل والأمراض"، وكتاب "حل شكوك ابن الخطيب الرازي على كليات القانون"، وكتاب "الموجز في أصول الطب"، وكتاب "شكوك على مسائل حنين"، وكتاب "شكوك على فصول بقراط" وكتاب "المسائل المهمات في كتاب الكليات" وغير ذلك. أنشدني لنفسه: [من البسيط] يا شقيَّ الجسد الفاني بعنصره ... وطبعه في عنا الدُّنيا أترك الطَّلبا لقد أضعت نفيسًا في طلابك ما ... لا تستطيع له يا صاح مكتسبا /119 أ/ إحفظ عنك لا تعطيه أمنية ... فما تزال إذا طارحتها تعبا إنَّ الأماني أوهام تؤثِّر في ... نفس الموف على تحركيه سببا والعالم النَّدب تغشاه فيدفعها ... فيأمنَّ ولو من أمرها النَّصبا

أو كان يسعى لما تمَّ القضاء به ... فمتعب النفس لم يسع لما وجبا أو كان يطلب ما لم يجر في قدر ... أو سابق قد مضى كالمستحيل أبا فاسكن فما الحرص مجد ما تؤمِّله ... ولا ينيلك من أغراضك الأربا وأعلم بأنك محبور تعش رغدًا ... لا تندمن على ما فات أو ذهبا خذها إشادة ذي نصح وتجربة ... مهذَّب قد رأى من دهره العجبا ما ظنَّ ذا الدَّاء حتى راح معظم ما ... أعطى من ..... ..... كم سار في الأرض في كسب العلا قمنًا ... برأيه وبعزم يمتطي الشُّهبا فخانه أمل يقوى الرَّجاء به ... وجاءه حيث لا يرجوه مقتربا فوالَّذي أوجد الأشياء من عدم ... من كذب القدر المحتوم قد كذبا وبعد حسبك فاعمل للنجاة به ... فالبعث لابدُّ منه وأمن العطبا [76] أحمد بن عبد الله بن أحمد /119 ب/ بن عليِّ بن محمد بن أحمد بن عليِّ بن حماد بن محمود بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب، أبو العباس بن أبي محمد العلويُّ الحسنيُّ. أصله من مدينة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فحدث لهم حدث وهاجروا إلى الموصل، وسكنوا قرية من قراها تدعى الشرفية شماليها. ثم انتقلوا إلى لزيو مجاورة خربا، فولد بها أبو العباس؛ وهو شاب صالح متدين جميل الطريق، متفقه يقول الشعر. سافر إلى حلب، وهو بها مقيم إلى الآن. أنشدني من شعره بحلب يوم الجمعة خامس عشري رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة: [من الطويل] إذا قلَّ توفيق الفتى قلَّ خيره ... وإن كثر التَّوفيق فالخير يكثر

وما لامريء في ذاك مدخل حيلة ... ولكنما الحالات أمر مقدَّر فيا ربِّ إن سامحت عبدك فالَّذي ... يروم وإن واخذت فهو المقصِّر جديرًا أراه بالجحيم اصطلاؤه ... وأنت بعفو عنه يا ربِّ أجدر وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] نزِّه شهودك عن وجودك ترشد ... فمتى فقدت شهور ..... /120 أ/ ما في الوجود سوى الإله وأنت ... أنت الفرق وهو الجمع في المتبدِّد فإذا عدمتك فيه كنت موحِّدًا ... وإذا وجدتك كنت غير موحِّد [77] أحمد بن فلان بن جعفر بن النفيس بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن علي بن عبيد الله بن علي بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو العباس الكوفي. هو ابن أخي الشريف أبي طاهر عبد الله بن جعفر. قال الصاحب أبو البركات – رحمه الله تعالى – ورد هذا الشريف غير مرة إربل. وكان يصله إيجاب من سلطانها الملك المعظم أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين – رحمه الله تعالى – وكان عامي اللفظ والعبارة ليس عنده شيء من علم. كتب إليّ من شعره: [من مجزوء الكامل] مولاي يا شرف الخليقة ... في الطَّريقة والحقيقية يا من سما بمكارم ... صن ماء وجهي أن أريقه /120 ب/ لسواك إنِّي لا أذُّل ... وأنت أسبابي الوثيقه

[78] أحمد بن محمد بن صدقة بن إبراهيم بن ظبية الضرير الموصلي. حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي في تاريخ إربل – من تصنيفه – قال: ورد أبو العباس بن ظبية إربل قديمًا؛ وهو أمرد. نزل بعينيه ماء وكان أحسن الناس صورة، وعنده طيش وخفّة. وكان يعظ الناس إذ ذاك ويحفظ الكثير سريعًا. ثم ورد إربل في سنة خمس عشرة وستمائة شيخًا قد تغيرت أوصافه لا يكاد يعرف، يستجدي بأشعاره، ويعرف نفسه بأحمد الواعظ الضرير؛ وحدثت أنه توفي سنة ثماني عشرة وستمائة. وأنشدني لنفسه: [من المجتث] يا من له ربع جود ... أضحى لدينا نضيرا فلن ترى في البرايا ... كمثل ذاك نظيرا أصبحت تهوى عليًّا ... فصرت فينا ظهيرا /121 أ/ وقِّع على ظهر طرسي ... فالعبد يهوى الظُّهورا لمن أحلت عليه ... فلا برحت كبيرا [79] أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن الطَّيِّب بن أبي محمد، أبو عليٍّ الواعظ البطائحيُّ. كان شيخًا في علمي الطريقة والحقيقة، يتكلم في الوعظ، ويورد فيه فصولًا أحسن كلام. رأى المشايخ وصحبهم وسمع الحديث النبوي. وكان قطب زمانه في الورع والمعرفة والقرآن وتفسيره والوعظ. وسكن سنجار

وصار شيخ الشيوخ بها؛ وله مريدون وتلامذة ينتمون إليه، ويلبس خرق التصوف، وصادف من الملك الصالح نجم الدين أيوب بن محمد بن أبي بكر – صاحب مصر – قبولًا؛ فمال إليه وأكرمه وأقبل عليه، ووعظ بين يديه فولّاه سنجار شيخ الشيوخ، وأسند إليه أمر الخانقاهات، وتلمذ له. وكان يجتمع به ويعظه. وله تصانيف كثيرة منها "تفسير القرآن"، وكتاب سمّاه "الدرّ المكنون الحاوي لكثير من الفنون" يتضمن .... .... والأحاديث النبوية وشرحها /121 ب/ وفقهها، والحكايات عن المشايخ الثقات، وأبيات في المعاني مطابق وحقائق. وبوبه أربعين بابًا عن أربعين شيخًا يشتمل على أربعة كتب، والمجلدة الأخيرة أفردها في أهل البيت فقط – صلوات الله عليهم وسلامه – وكتاب "الطريق المسلوك في نصيحة الملوك" وهو أربعون حديثًا عن أربعين شيخًا سمعها في أربعين بلدًا في معنى واحد، وكتاب "التاريخ" ابتدأ فيه من الحس والبسّ إلى زمانه. وروى الحديث عن عدَّة شيوخ منهم؛ أبو القوقت السجزي، وروى سند البخاري بطريق آخر؛ وهو عن جده أحمد بن محمد بن الطيب. وعاش مائة وأربع سنين. وكان عمر أبي علي أحمد بن عبيد الله يومئذ تسع سنين، وجدّه يروي عن الكشمبهيني عن الغربري عن البخاري. وكان ولادته في ثامن عشر ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بقرية منسوبة إليه يقال لها "الشيخية" وفيها تربة والده الشيخ عبيد الله ابن أحمد بن محمد من أعمال واسط. وكان له أشعار يقولها لغلبه، ويرتاح بها في خلواته؛ أنشدني منه /122 أ/ ولده أبو الحسن علي بحلب المحروسة، قال: أنشدني والدي لنفسه وهو مما قاله في صباه: [من الرجز] حنِّي إلى أرض الغوير حنِّي ... إن كنت حقَّقت رواح الظَّعن ورجِّعني إذا ذكرت رامة ... شوقًا إلى ساكنها وإنِّي ولا تزالي يا رياح دائمًا ... مبلغات للسَّلام عنِّي قصِّي على ذاك الحمى وأهله ... تفجُّعي وما علمت منِّي

وأنشدني، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من البسيط] أذكى الغرام بهذا الرَّكب حاديه ... واذكر الصَّبَّ عهدًا غير ناسيه شدا قبيل الضُّحى بالمنحنى فبكت ... حمامه وتثنَّى بان واديه ناشدتك الله يا حادي الرَّكائب إن ... جئت المصلَّى ولاحت نار أهليه إلا طلبت لكربي من يفرِّجه ... من الهموم ودائي من يداويه ويا رفيقيَّ عونًا والرَّفيق منة استعنته فيعاني ما تعانيه سألتماني التَّسلِّي يوم كاظمة ... فهل تعيرانني قلبًا أسلِّيه /122 ب/ وأنشدني، قال: أنشدني والدي من شعره: [من البسيط] أحوى أغنُّ عضيض الطَّرف وسنان ... ألحاظه البيض والأجفان أجفان مورِّد الخدِّ لدن القدِّ شمس ضحى ... في وجهه لمجال الحسن بستان فالغصن من قدِّه الميَّاس معتدل ... والبدر من حسنه الفتَّان خجلان هذا الَّذي شعره ليل وغرَّته ... صبح ووجنته ورد وريحان بدر يدير علينا فوق راحته ... شمسًا لها تلك ذاك الدجن أزمان محجوبة في دنان الغيب ما عرفت ... قسّا ولا حازها في الدَّير مطران رقَّت فراقت لقلبي في تقلُّبها ... روحًا تنقَّل في الكاسات أبدان [80] /123 أ/ أحمد بن عقيل بن نصر، أبو العباس الزَّرعيُّ العامريُّ. وزرع التي ينسب إليها قرية على باب دمشق. أخبرني الشيخ العالم الفاضل نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب الشيباني، قال: كان شابًا ذكيًا له طبع سليم في الشعر، يقوله ارتجالًا. خدم

الملك المعظم عيسى بن أبي بكر، وجعل له عليه رزقًا يتناوله كل شهر؛ وله فيه مدائح كثيرة. وكان ملازمًا حضرته سفرًا وحضرًا، ومات شابًا في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وأنشدني، قال: أنشدني أبو العباس لنفسه في سنة إحدى عشرة وستمائة: [من الزجر] إن سلَّ سيف الهجر من غمد الجفا ... فادرع الصَّبر الجميل والوفا وقاتل الهجران بالوصل وما ... كدِّر من ورد التصابي بالصَّفا /123 ب/ وإن خذلت بالسُّلوِّ فانتصر ... بالمدمع المنهلِّ حتَّى يكتفى ولا تطع أمرًا سوى أمر الهوى ... وعاص في شرعته من عنَّفا وبالدُّنوِّ فاستعذ خوف النَّوى ... من نزغ شيطان عزول سوَّفا أحلى الهوى شهد الرُّضاب سيَّما ... إذا اجتناه الصبُّ من صاب الجفا حسب الَّذي أجعله من ذلَّتي ... وسيلة إلى الجيب وكفى من منقذي من يد هجر ظالم ... يأبى إذا أنصفته أن ينصفا يهزُّ من قامته مثقَّفًا ... وينتضي من الجفون مرهفا لو عنَّ للشَّمس استحت ولو بدا ... للبدر ضوء وجهه لانكسفا يريك بالغرَّة صبحا نيِّرًا ... منه وبالطُّرَّة ليلًا مسدفا يجذب خوط قدِّه من ردفه ... دعص فلولا لينه لانقصفا مضعف ورد الخدِّ كم قلب به ... بعد القوى في حبِّه قد أضعفا أقام من أصداغه عقاربًا ... تحرسه من لحظنا أن يقطفا ما أنكرت أجفانه سفك دمي ... إلا أتاني خدُّه معترفا خدٌّ به جمر من الحسن جرى ... من حوله ماء الحيا وما انطفا . كل مشرق ورائق ... بعد اختلاف عنده تألَّفا /124 أ/ كأنَّ في فيه لدى ابتسامه ... برقا أضا أو درًّ عقد قد صفا تحسب في نكهته وطعمه ... مسكًا وشهدًا وسلافًا قرقفا أضاء بدرًا ورنا ظبي نقًا ... وفاح مسكًا وانثنى مثقَّفا وصدَّتيهًا وتجنَّى مللًا ... وصال كبرًا وتولَّى صلفا

فهمت وجدًا ونحلت كمدًا ... وذبت شوقًا وقضيت أسفا لم أر من قبل أراه شادنًا ... مسوَّرًا مخلخلًا مشنَّفا لا رأيت صنمًا من قبله .. يضلُّ رشد المسلمين الحنفا يصلي بنيران الصدود من ثوى ... عليه في دين الهوى معتكفا آليت لا أبرح مغرى مغرمًا ... به مغنًّى في الهوى معنًّفا [81] أحمد بن عبد العزيز بن محمد الواسطيُّ الطحّان. قال الصاحب أبو البركات: كان من غلمان الطحن توجه عليه دين، وبقي مدة محبوسًا، وأطلق فخرج فسكن بعض نواحي البلد، ولم يكن عنده شيء من العلم. وذكر هو أنه كان طحانًا، وأنه أخذ لمّا أخذ /124 ب/ بنو أمسينا، ولم يبق له شيء مما كان، فورد إربل. ومن شعره: [من الكامل] لوت الصَّبابة والغرام عناني ... وأذابني شوق الحمى وبراني وتزايدت زفرات وجدي للهوى ... فأنا الحريق بجذوة الهجران يا للرجال أفيكم من آخذ ... بدم القتيل بأعين الغزلان بأبي الحمول سرت بكلِّ غريرة ... بهرَّت بقامتها قضيب البان [82] أحمد بن الحسن بن كمار، أبو نصر الأرمويُّ، المعروف بابن إمام الجامع. كان فقيهًا شافعي المذهب خطيبًا فاضلًا عالمًا، سمع الحديث كثيرًا. وكانت وفاته يوم الأحد ضاحي نهاره الرابع من شوال، ودفن بكرة يوم الإثنين بأرمية سنة ست وعشرين وستمائة. وسئل عن سنه في مرضه الذي توفي فيه، فقال: عمري سبع وخمسون سنة تخمينًا. وكان مولده في رجب سادس عشريه.

أنشدني أبو بكر محمد ولده، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من الكامل] /125 أ/ لمَّا فقدت أكابرًا كانوا هم ... من فضلهم متفقَّدي إيَّاهم مالي سواهم لا أرى من بعدهم ... متأسِّيًا بقعودهم وقيامهم قد صحَّ ما قد قاله متمِّثلًا ... أما الخيام فإنَّها كخيامهم [83] أحمد بن بهرام، أبو العباس الإربليُّ: ابن بنت أخي الأمير مجاهد الدين أبي منصور قايماز بن عبد الله الزينيُّ. قال الصاحب أبو البركات المستوفي: جندي لطيف المعاشرة، ظريف المحاورة، قيم بوظائف الصلوات، صائم في أكثر الأوقات، ظاهر الدين، عفيف مستور، ربما عبث في بعض الأوقات بشيء من الشعر تأدبًا. بلغتني وفاته بطريق الشام في شعبان من سنة ثماني عشرة وستمائة. اجتمعت به والمغني يغنّي بإربل: دع ملامي بالحمى أو رح ودعني ... واقفًا أنشد قلبًا ضاع منِّي فقال بديهًا: [من الرمل] /125 ب/ يا حبيبي صل محبًّا هائمًا ... قد براه في الهوى طول التَّمنِّي ثم قال: تمم، فقلت: لم يقل إذ باعكم مهجته ... بهواكم يا لها صفقة غبن فأفكر ساعة، وقال: فانضحوا ماء وصال منكم ... فوق عودي فعسى يورق غصني أيها المعرض عنِّي ظالمًا ... لا تدعني ندمًا أقرع سنِّي وحدثني الصاحب أبو البركات – رحمه الله – قال: جمعني وأحمد بن بهرام في منزله بالموصل ليلة من الليالي مجلس مؤانسة في سنة ست وتسعين وخمسمائة، فغنى صدقة بن محمد المغني الإربلي أبياتًا من شعره في لحن صنعه، وهو: [من المجتث]

إذا تمنَّع صبري ... وضاق بالهجر صبري ناديت واللَّيل داج ... وقد خلوت بفكري يا ربِّ هب لي منه ... وصال يوم بعمري وأتم عليه صدقة، فقال: لأجتني ورد خدٍّ ... زاه على كلِّ زهر واجتلي غصن بان ... يميس من .... بدر /126 أ/ إن صحَّ لي ذاك منه ... يومًا وفيت بنذري وسئلت أن أقول، فقتل: إذا بدا يتثنَّى ... نشوان من غير خمر عجبت من صبح وجه ... يلوح من ليل ثغر فالشَّمس تلعب ما بيننا بدارة بدر وقال أحمد بن بهرام: أقول من فرط وجدي ... به وقلَّة صبري يا من تملَّك رقِّي ... إرحم فديتك ضرِّي وقلت: عذار خدَّيك فيه ... يقوم للنَّاس عذري وفيك طاب جنوني ... ولذَّلي هتك سرِّي وأنشدني الصاحب أبو البركات، قال: أنشدني أحمد بن بهرام وكتبها إليّ أوّل كتاب: [من الكامل] يا راحلين وفي حشاي لبينهم ... نار تسعَّر حرُّها في أضلعي والله ما ألفت جفوني بعدكم ... طيب الرُّقاد ولا هناني مضجعي ولقد بليتكم جوى وصبابة ... حتى تزوَّد ركبكم من أدمعي وأنشدني أيضًا، قال: نقلت من خط أبي العباس أحمد بن بهرام ما كتبه إلى بعض أصدقائه: [من الكامل] /126 ب/ ورد الكتاب من الأجل العالم ... فقرأته ولثمت ثغر القادم

وذكرت أيامًا مضت ولياليًا ... قضيتها فرحًا وكان منادمي وكان حمل الكتاب إليه صبيٌّ جميل الصورة، ظاهر الملاحة. وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أحمد بن بهرام لنفسه: [من الوافر] أما وهواك ما ملكت شؤوني ... مدامعها ولا برد الغليل وما برح اصطباري عنك واه ... وجسمي بعد بعدكم نحيل لقد أودعتني حسرات شوق ... عشَّية قوِّض الرَّكب الحمول وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] سل اللَّيل عنِّي كيف أرعى نجومه ... لعظم غرامي فيك والنَّاس نوَّم وإنِّي لمشتاق إليك وناظري ... طموح إلى لقياكم متألمِّ أيأ قمرًا قد تاه عجبًا بحسنه ... لقد نال مني الشَّوق ما أنت تعلم فإن يسعد المشتاق منك بنظرة ... تبرِّد نارًا بين جنبيه تضرم أما فيكما يا صاحبيَّ مساعد ... يعاتب .... يترحَّم [84] /127 أ/ أحمد بن الخضر بن أبي بكر بن حسكويه، أبو العباس. ابن أخي الشيخ عليِّ بن أبي بكر. وكان هذا علي بن أبي بكر معلمًا بإربل، واتصل بالحاجب سرفتكين بن عبد الله الزيني – والي إربل من قبل زين الدين أبي الحسن علي بن بكتكين رضي الله عنه – فحسنت حاله عنده، وارتفع قدره بصحبته، وحصل له مال كثير من خدمته؛ ولما توفي سرفتكين استؤصل ما كان عنده من مال، وبقي فقيرًا إلى أن مات – رحمه الله – هكذا ذكر ذلك الصاحب أبو البركات في تاريخه. وأما ابن أخيه أحمد هذا؛ فإنه قال: إربلي المولد والمنشأ، ويعرف بحميدان.

أوّل ما اشتغل بالفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه – بالمدرسة المجدّدة بدرب السهرية. وكان ذكيًا وقحًا. وأخذ شيئًا من الخلاف، وسمع معنا الحديث على الشيخ أبي المظفر المبارك ابن طاهر بن المبارك البغدادي الخزاعي المقرئ، وختم عليه الكتاب /127 ب/ العزيز. وتوفي في يوم الأربعاء ثاني عشر شهر رجب سنة ثلاث عشرة وستمائة بإربل، ودفن بها بظاهر البلد. أنشدني لنفسه، ونقلته من خطّه، وكتبها إلى أبي الثناء محمود بن محمد بن الأنجب الإربلي: [من مجزوء الرجز] قل للَّذي فاق الورى ... بالفضل والتَّفضُّل ومن أياديه لنا ... مثل السَّحاب الهطل إنِّي وإن كنت كما ... يزعم مولاي علي عن الحساب والخلاف والتُّقى بمعزل لكنَّني بذلت مجهودي حيث عنِّ لي أن أجمع الجذور من ... كتاب الجمَّل ما في الحروف كلِّها ... جذر لجذر الأوَّل فكتب إليه محمود بن محمد بن الأنجب – رحمه الله تعالى -: [من مجزوء الرجز] يا علم الدِّين الَّذي ... يوضح كل مشكل إسم الَّذي تيَّمني ... ثانيه جذر الأوَّل وثالث الأحرف جذر ثاني المستعمل /128 أ/ ورابع الأحرف ضعف الثَّالث المكمّل لكنَّما خامسه ... إن جئته بالجمَّل تلقاه جذر جذر رابع ... الأوَّل المفصَّل فالإسم إن صحَّفته ... تلقاه غير الأوَّل

[85] أحمد بن محمد بن رافع بن خليفة بن أحمد بن محمد القريحيُّ بن عمر الودّاك أبو العباس الباجسريُّ. قال الصاحب أبو البركات – رحمه الله تعالى – كذا أملى علي نسبه، وسألته عن معنى القريحي، فقال: كان ذا قريحة جيدة فسمي بذلك – هذا لفظه -. وسألته عن مولده، فقال: مولدي يوم الجمعة مستهل شهر رمضان من سنة ستٍّ وستين وخمسمائة بالدور، وأقمت بباجسرى. وكان أولًا يقول القارحي فغيّره، ومن أهله بإربل قوم يدعون بني القارح؛ وله أشعار سلك في طريقها مذاهب العرب؛ استعمال ألفاظ ومعان. وكان كثير اللحن في إنشاده. /128 ب/ ورد معه نسخة من شعره إلى إربل في المحرم من سنة أربع عشرة وستمائة، وعليها خطوط جماعة من البغداديين بالثناء على شعره المودع فيها، وأرادني أن أكتب له مثل ذلك عليها فلم أفعل. ورد إربل مرّة أخرى قبلها، وأنشدني كثيرًا من أشعاره في المرتين؛ وله بإربل أقرباء يدعون بني القارح لا القريحي. وقد كتب إلى علي بن موسى الضرير أبياتًا نسبه فيها إلى القارحي لا إلى القريحي، فمما أنشدنيه قوله، ونقلته من خطّه: [من الطويل] سما لك مجد باذخ متطاول ... وجدُّ على أعلى المجرَّة نازل منيف يراه النَّجم كالنَّجم ساميًا ... يقصِّر عن إدراكه المتناول وأبدت لك الأيَّام ما في غيومها ... من السَّعد حتَّى حام عنك المماثل ومتَّعك الله المهيمن ما دعا ... على البان ورق أو تفوَّه قائل

ومالي أن أهدي إليك فصاحة ... وقسُّ الأيادي في فنونك باقل وليس لنا عن سيب جودك معدل ... وقد نضبت فيمن سواه المناهل وما كلُّ مثر يرتجى منه نيله ... ولا كلُّ ذي مال لديه فواضل /129 أ/ ولا كلُّ جدلاء الغصون حبيكة ... تقمَّصها يوم الكريهة باسل فيا خير من ضمَّ اليراعة كفُّه ... وأكرم من شدَّت إليه الرَّواحل وأشجع من أحنى على قائم يدًا ... وأحلم غضبان إذا طاش جاهل وأنشدني، قال: أنشدني أبو العباس لنفسه في سنة أربع وستمائة: [من الكامل] طرقتك بعد صدودها أسماء ... والحبُّ فيه سجاحة وإباء بيضاء لو ترك الخمار جيبها ... لا شكَّ يقرأ أثرها الرُّقباء وتدير خوفًا لحظها فكضأنَّها ... بين اللِّدات غريرة أدماء فمضت لنا عن عفَّة وصيانة ... إلَّا ارتشافًا ليلة غرَّاء [86] أحمد بن محمد بن عليِّ، أبو العبّاس الهيتيُّ: من أولاد السنبسيِّ الشاعر. قال الصاحب أبو البركات – رحمه الله تعالى -: ورد إربل غير مرّة رسولًا من سنجار. وحدثني أبو القاسم /129 ب/ ابن أبي الحسن بن علي بن السنبسي، قال: توفي أحمد بن السنبسي في سابع وعشرين من شعبان من سنة خمس عشرة وستمائة، ودفن بالموصل، قال: ثم أنشدني له: [من الرمل] من لعاني القلب صبٍّ مستهام ... حرمت مقلته طيب المنام وجفا أجفانه طيب الكرى ... يذرف الدَّمع سجامًا كالغمام لي بهيت ضيعة قد ضيَّعت ... كلَّ ما استكسبت من آل الكرام تر ..... بدين موبق ... وخراج رضَّ جسمي من عظامي

[87] أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشيبانيُّ. ابن أخي قاضي مكة من ولد القاضي المحامليِّ. ساق ذكره القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد الفقيه الحنفي – أدام الله أيامه – فيمن قدم حلب من تصنيفه، وقال: رجل فاضل شاعر مجيد من أهل مكة – حرسها الله تعالى – قدم علينا حلب في شهور سنة ... وستمائة، ممتدحًا للملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف، وللأكابر /130 أ/ من أهلها. وكان حسن السَّمت جيد الإيراد. سمعته بين يدي السلطان الملك الظاهر ينشده قصيدتين رثى بهما أخاه الملك الأشرف محمد بن يوسف وقد جلس للعزاء يومين بعد موته، فأنشده في اليوم الأول مرثية استجادها السلطان والحاضرون، فعمل أخرى وأنشدها في اليوم الثاني. وسمعت القصيدتين من لفظه حالة إنشاده إحداهما. قال المبارك – مؤلف هذا الكتاب – وأنشدنيها القاضي بمنزله المعمور يوم السبت ثاني عشر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وستمائة: [من الطويل] إلى كم ترى يا دهر ترمي بصائب ... إلى أن دهتني منك أمُّ المصائب بموت مليك كنت مهما دعوته ... لسلبك لي إلَّا استعدت سلائبي بموت مليك كان عطفك قد كسي ... جمالًا به حتَّى نأيت بجانب سددت فم الناعي بكفِّي تطيُّرًا ... وألويت وجهي عنه ليَّ مغاضب وقلت: تبيَّن ما تقول لعلَّها ... تكون كتلك الحادثات الكواذب فلما بدا لي الكره في كرِّ قوله ... ربطت نوازي أضلعي بالرَّواجب /130 ب/ فلا تحسبنِّي أتَّقي بعد هذه ... شبا طاعن من مصمياتك ضارب ولا باسطًا للخطب كفَّ مدافع ... ولا فاتحًا من بعدها فم عاتب أبعد أبي عبد الإله محمَّد المليك الفتى آسي على إثر ذاهب أبعد المليك الأشرف النَّدب أرسل الرثا رائدًا أبغي انتجاع المطالب ونطمع من بعد المليك بن يوسف ... ببقيا وتخليد العصور الذَّواهب

فكم قدم أماط الضيم عمَّن هوت به ... المذلُّة في عمياء ذات غياهب وكم قد هفا الحزن الغريب بفقده ... فمر هباءً في الدُّموع الغرائب وكم نفثت جمر الغضا نادباته ... كأنَّ فؤادي في حلوق النوادب عزاءً عليه أجمعين فإنَّني ... أراه عزيزًا ليس بالمتقارب أيا شرف الدِّين الَّذي كنت آملًا ... ..... ...... نداه حقائبي .. ..... ..... ... بأصناف التَّجمُّل كاذب فوالله لا أنفكُّ أبكيك دائمًا ... وأندب مجدًا منك مرخى الذَّوائب ذخيرة أنسي لست أنساك مارسا ... ثبير وما حطَّت بأرض نجائبي طوى منك هذا الموت بردًا مسهَّمًا ... مصانًا لديه ..... ..... وسدَّ طريق الجود من كلِّ وجهة ... وأورد ذا الآمال مرَّ المشارب /131 أ/ فما إن أزال الدَّهر بعدك ناظمًا ... عقود ثنائي خاطبًا بالمناقب أريح سوامًا للمراثي لترتعي ... لديك أزاهير المعاني العجائب فلا زلت ممنوحًا بأرسال مزنة ... تروح وتغدو دانيات المآدب وإن كنت يمًا قد غنى في ضريحه ... بأمواجه عن هامرات السحائب وأخبرني القاضي الإمام أبو القاسم - أيده الله تعالى – قال: حدثني أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل القيلوبي، قال: حدثني بعض رفقاء أحمد بن أخي قاضي مكة، قال: كان له رفيق فتوفي بدمشق قرأى أحمد بعد وفاته بأيام، كأنه جاء فقيل له: إلى أين؟ قال: جئت آخذ فلانًا يعني نفسه وأمضي؛ فلما استيقظ، قال لأصحابه: إني ميت لا محالة، فلم يبق إلا أيامًا يسيرة ومات بدمشق. [88] أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عليِّ بن محمد بن عليِّ بن العباس بن محاسن بن عليّ بن عيسى بن موسى بن عيسى /131 ب/ بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن العباس،

أبو هاشم بن أبي حامد الهاشميُّ الصالحيُّ الحلبيُّ. هو وأبوه من أهل حلب ما زالوا بها من زمن عيسى بن صالح وعليهم بها وقف من زمنه. وحدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي – ضاعف الله إقباله – قال: كان أبو هاشم شاعرًا مجيدًا عارفًا بالتواريخ. سمع الحديث على جماعة من شيوخنا مثل الشريف أبي هاشم بن ..... الهاشمي، وقاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، وأبي البقاء يعيش بن علي بن يعيش النحوي الحلبي، وجماعة غيرهم. وأخبرني أنَّ مولده بحلب في سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وتوفي بها يوم السبت الحادي عشر من شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وستمائة. ودفن خارج باب أنطاكية في تربة لأخواله بني عبد الرحيم. ثم قال: أنشدني أبو هاشم لنفسه: [من البسيط] رأيت في النَّوم أحبابي قد ارتحلوا ... فأوجس القلب من ترحالهم حذرا فجئت عند انشقاق الفجر أطلبهم ... فلم أجد منهم عينًا ولا أثرا /132 أ/ فأقسم الجفن إذ كان الرُّقاد له ... ناعي الأحبَّة أن لا ذاق طعم كرى وأنشدني القاضي أبو القاسم – أدام الله أيامه – قال: أنشدني أبو هاشم الصالحي لنفسه: [من الطويل] تأمَّل لسعدى بالأبيرق منزلا ... كسته الرِّياح الهوج ثوبًا من البلى عفت رسمه الأرواح حتى كأنَّه ... بقيَّة وشم في نبات تمثَّلا عهدناه بالبيض الأوانس معلمًا ... فأصبح بالسُّود الطَّوامس مجهلا تحمَّلت أعباء الصَّبابة والأسى ... غداة نوى عنه الخليط تحمُّلا

وإنَّ محالًا صبر قلبي وإن بدا ... لعيني ربع المالكيَّة محملا وأنشدني، قال: أنشدني أبو هاشم الحلبي قوله. وكان الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب قد اقترح هذا الوزن واستخفه، فعمل جماعة من الشعراء بحلب عليه، فعمل هو قصيدة منها: [من الطويل] نعم ذاك ربع العامريَّة قد أقوى ... فيا لك من قلب على البين ما أقوى /132 ب/ سروا فسروا بالعيش يتبع عيسهم ... وولَّوا فقد ولوا على جسدي البلوى وكم خدعتني أعين العين عنهم ... فما عزَّ يا قلب عليها ولا ألوى هم أخذوا طرفي وسمعي زميلهم ... فما أملك الرُّؤيا ولا أسمع النَّجوى وبالهودج المحجوب بالسُّمر غادة ... عدت وحديث الحسن عن وجهها يروى منعَّمة لا من هبيد طعامها ... ولا قومها كعب ولا دارها حزوى إذا أسفرت واللَّيل مرخ سدوله ... لنا عن محيَّاها تشعشعت الأضوا ولو أن بدر التمِّ يشبه وجهها ... لما أحدث الرَّحمان في وجهه محوا [89] أحمد بن رستم بن كيلان شاه، الديلميُّ الأصل، الدمشقيُّ المولد، أبو العباس الشافعيُّ. كان أبوه يعرف بأسباسلار. حدَّثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي – حرس الله مدَّته – في شهر ربيع الآخر بحلب في منزله المعمور سنة أربع وثلاثين وستمائة، قال: قدم أبو العباس بن أسباسلار حلب وأقام بها مدّة في صحبة أبي محمد ظاهر بن جميل، إلى أن انتقل ابن /133 أ/ جميل إلى البيت المقدس فانتقل في صحبته وأقام بالبيت المقدس بعد وفاته، وكان من المعدّلين، وكان شيخًا حسنًا مستورًا له شعر حسن وكلام منثور. اجتمعت به بالبيت المقدس سنة تسع وستمائة وكتبت عنه جزءًا من الحديث،

سمعه بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أبي العجائز الأزدي، آخر سمعه من أبي علي الحسن بن هبة الله بن يحيى المعروف بابن البوقي الواسطي، وكتبت منه جزءًا من شعرا. ولما هدم البيت المقدس في سنة ..... وستمائة خرج منها وسكن دمشق إلى أن مات بها على ما أخبرني أبو عبد الله محمد بن البخاري البغدادي يوم الجمعة الرابع عشر من ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وستمائة، ودفن بجبل قاسيون. وأخبرني إبراهيم بن الأزهر الصريفتي: أنَّ مولد شيخنا أحمد بن أسباسلار في سنة ثماني وأربعين وخمسمائة بدمشق. ثم قال: وأنشدني أبو العباس أحمد بن رستم الديملي لنفسه في الغزل: [من الرمل] شهرت من لحظها لي مرهفين ... يوم زمَّت عيسها بالمأزمين /133 ب/ عرَّفت في عرفات وانثنت ... بشعار النُّسك نحو المشعرين وأفاضت فأفاضت عبرتي ... ..... الأعمال العلمين لمنى ثمَّ رمت حاذقة ... جمرة أذكت بقلبي جمرتين ثمَّ طابت نفسها في طيبة ... إذا ألبَّت سحرًا باللَّابتين حرمت عيني الكرى وادعة ... حين ولَّت من وداع الحرمين ليتها إذ عذَّبتني بالقلى ... سمحت مالكتي بالأعذبين كلَّما استحدثت فيها عزمة ... لسلوٍّ فترت بالفاترين كيف أسلو والهوى لمحة عين ... أودعتني عارضًا من عارضين من مجيري من هواها فلقد ... حجب النَّوم قسيُّ الحاجبين أعرضا عنِّي فما ينفعني ... طبُّ بقراط ولا رأي حنين ليس يرجى لي شفاء عنده ... بل شفائي من برود الشَّفتين قد رآني قاضيًا حق الصِّبا ... لحقاق حمِّلت عنبرتين

عجبًا منِّي ومن معجبة ... بنت تسع وثلاث واثنتين وأنشدني القاضي الإمام أبو القاسم – أيده الله تعالى – قال: أنشدني /134 أ/ أبو العباس من شعره: [من الخفيف] ربَّ كأس عار من الآداب ... همُّه ما يشيده للخراب يتباهى بثوبه وثرا المال ... وجسم يبلى وعيش لباب مهملًا أمر دينه ليس يدري ... أنَّ هذا جميعه للذهاب وأنشدني أدام الله أيامه – قال أنشدني أحمد بن كيلان شاه لنفسه يمدح قاضي القضاة محيي الدين أبا المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن يحيى القرشي الدمشقي: [من المتدارك] إشتدِّي أزمة تنفرجي ... فالضِّيق منوط بالفرج والعسر يؤول إلى يسر ... والرَُّّوح تراح من الحرج مذلاح بياض في لمم ... من بعد سواد كالسبج فاسمع يا صأح وصيَّة من ... في زور الباطل لم يلج إعلم واعمل بالعلم لكي ... تسمو في الخلد ذوي الدَّرج ما أنت وأغيد ذو هيف ... بمعقرب صدغ منعرج من نسل التُّرك إذا نسلوا ... سلبوا وسبوا أسد الخلج /134 ب/ بعيون ظباء سانحة ... وفتور لحاظ في دعج ترمي الأبطال فما تنفكُّ ... سهام اللحظ من الودج وبغالية من غالية ... فتنتك على خدٍّ ضرج وبلعس شفاه ظامئة ... ما فيه شفاء للمهج وببرد رضاب من برد ... كالقرقف منية كلِّ شجي وبناصع سالفة نجمت ... كعمود صباح منبلج لا ترض أخاك وتوسعه ... مكرًا فالبهرج لم يرج

لا ترم النَّاس بمعضله ... يرموك بقاصمة الشَّبج إيَّاك فلا تك معتذرًا ... للَّائم من أمر مرج إيَّاك وعيب سواك وكن ... ما عشت بعيبك ذا لهج والخلَّ فواس بما ملكت ... كفاك ..... خلق سمج جد بالأموال لخاطبها ... حثيًا حثيًا لا بالصَّبج فبطون أكفِّك من أنامل كفٍّ منقبض شنج كالنِّيل ونائل محيي الدِّين ... مميت الباطل بالحجج .. ..... شرس ... في الخلق ولا بالمنزعج /135 أ/ وقال أيضًا يمدح الملك الأفضل نور الدين علي بن يوسف بن أيوب: [من الكامل] سل همومك بالرضاب البلبل ... من طفلة مثل المهاة المطفل لا دارها بالرَّقمتين فبارق ... كلاَّ ولا طلل بدارة جلجل نزلت بأعلى النَّيربين منازلًا ... لم يعفها مرُّ الصَّبا والشَّمأل تتفيأ الرَّوض الأريض وجاورت ... هارون لا سقط الدَّخول فحومل بظلال كلِّ خميلة عنيت بها ... في وشيها كفُّ الرَّبيع المقبل فتبسَّمت أرجاؤها لما بكت ... عين السَّحاب بكلِّ دمع مسبل حلت فحلَّت كلَّ روض عاطل ... منها بأنواع الملابس والحلي فالدَّوح بين منوَّر ومثمَّر ... ومسيطر ومشمَّر ومذيَّل والرَّوض بين معنبر ومزعفر ... ومعطَّر ومكفَّر ومصندل والنَّهر بين تدفُّق وترفُّق ... وترقرق وتخرق وتسلسل والرَّاح في راح السقاة تضوَّعت ... أرج القرنفل في مذاق الفلفل والكأس ما بين الكياس مذالة ... فمحرَّم في شربها كمحلَّل /135 ب/ والنَّاي والمزمار يخفت صوته ... والعود بين تسكُّن وتقلقل والعيش غضٌّ والزمان كأنَّه ... في طيبه زمن المليك الأفضل

وقال وهو بمصر، وقد اشتد شوقه إلى دمشق وذكر أيامًا له قد تقضت بالنيربين، ويمدح الوزير نجم الدين يوسف بن الحسين بن المجاور: [من الرمل] علِّلاني بالمنى صدقًا ومين ... فحديث النَّفس إحدى اللذَّتين ضاع والهفي زماني ودنا ... هرمي من صحَّتي بالهرمين فإلى كم ذا التَّمادي ولقد ... أودت النَّفس بشوق الواديين لست أسلو بسواها إنَّما ... راحة الرُّوح بنور النَّيربين لا ولا أنسى رقيِّي دوحة ... أجتني منها جنيَّ الجنَّتين ومبيتي جار جاريها وقد ... سحرتنا ورقها بالسَّحرين قمرت ألبابنا أقمارها ... مشرفات من أعالي المشرقين ظلَّ يرعى ناظري في ظلِّها ... ظبيات لا ظباء الحلمتين مذ بكتها كلُّ عين ..... ... أضحكت للرَّوض منها كلَّ عين /136 أ/ رقم المزن بها ديباجة ... خجلت منها رقوم الرَّقمتين وبدا بارقها مغلولسا ... فخبت منه بروق الأبرقين باكرت ما راع في ريعانه ... من ضريب الشَّوك ضرب الشَّوكتين زمن قضَّيته في ظلِّها ... لا زمان بالنَّقا والأجرعين إن تقضَّى فلقد عوِّضت من ... ظلِّه ظلًّ الوزيرا بن الحسين مقول قيل وزير وزر ... إفتخار الملك صدر الدَّولتين وقال يمدح الإمام الحافظ ثقة الدين أبا القاسم علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي: [من الرجز] قد اغتدي بكلِّ لدن أملد ... وكلِّ مرهوب الشَّبا المحدَّد

لا بالكهام لا ولا بالمعضد ... مهنَّد ناهيك من مهنَّد في جنح ليل مسدف كالإثمد ... قد طلعت نجومه بالأسعد والأرض مشن ألطاف صنع الأحد ... مذ جادها جود الملثِّ المرعد كأنَّها بسط من الزَّبرجد ... قد طرِّزت بأصفر كالعسجد /136 ب/ وفصِّلت بأحمر كالبسد ... ورصِّعت بأبيض كالبرد وسوسن منمنم بأسود ... كأنَّه عذار الأمرد ومن شقيق كعيون الأمد ... ومن أقاح كثغور الخرَّد والأيك والأغصان في تأوُّد ... يعلو ذراها كلُّ شاد منشد من بلبل وعندليب غرد ... مناديًا جلَّ جلال الصَّمد ومنهل لم يك بالمصرَّد ... ولا بقايا ثمد مثهمد وردته بعنتريس أجد ... تهوا الماوي جلدة بالجلد ماردة كالغدن الممرَّد ... متينة بقدمين القردد تجوز جوز الهرجل البعمرَّد ... محفدة تفلي الفلا بمحفد بمثلها أجدُّ عرض الجدد ... أجول في آجالها كالصَّرد ما بين سيدان الفلا والأسد ... والهقل والرَّال والحفيدد يجهدها سوقي وشوقي مجهدي ... حتَّى بدت من السُّرى والسُّهد كالوقف في رقَّة ذات المرود ... أزجرها بأن تجدِّي تجدي وتحمدي رأي أبي محمَّد ... القاسم السَّامق فوق الفرقد /137 أ/ وقال وهو في مصر في الوزير بن المجاور: [من الكامل] حيِّ الدِّيار بشاطئ مقياسها ... فالقاسم الفيّاح بين دهاسها فالرَّوضتين وقد تضوَّع عرفها ... أرج البنفسج في غضارة آسها فمنازل العِّز المنيفة أصبحت ... بغنى سناها عن سنى نبراسها فخليجها لذَّاته مخلوجة ... تسمو محاسنه على أناسها

حافاته محفوفة بمنازل ... نزلت بها الآرام دون كناسها والفلك فيه سوانح وبوارح ... ما بين حاكتها إلى دكَّاسها واشفع بباب فتوحها فبنصرها ... فمنازل السُّعداء طبن لناسها فالتُّرك أمثال الشُّموس شوامس ... ومساسها يحوي صلابة فاسها أبراجها صهوات قبٍّ شزَّب ... مثل الصُّقور شموسها كشماسها أطرارها تزهو على أقمارها ... وكذلك الألباس فوق لباسها فكأنَّها سردت لهم وكأنَّها ... فرسانها حلفوا على أفراسها واعطف على قليوبها فقليبها ... فسبح ثمَّ مليح من سبطاسها فدميرتيها فالمحلَّة بعدها ... فمذينتيها في جوار شباسها فالمنتسين فحارها تقدوسها ... فرشيدها وخدًا إلى سقاسها /137 ب/ فمنوفها ممَّا يلي شطنوفها ... إن كنت مجتازًا على أبناسها فصعيدها فعروستنيه فقوصها ... فغرابها فالنَّخل عند كياسها فاسيوط من دهيوط إن تك قافلًا ... من منفلوط إلى دروط فواسها ثمَّ الثُّغور فخصَّها بتحيَّة ... منِّي على مخضلِّها وطساسها هذي ديار الملك ليس بلعلع ... وزود الوعساء من أوطاسها أبدت زخارفها وزينة زيِّها ... وبهاء بسطتها دمع غراسها لجلال مولانا الوزير ومن له ... خضعت رقاب الأسد في أخياسها بهجا ببهجته ويمن يمينه ... ويسار يسراه على إفلاسها وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز] يا عاذلي برَّح بي ... منظّم كالحبب مؤشَّر معطَّر ... من الزُّلال الشَّنب ومقلة فاترة ... فاتنة من ربرب وحاجب مقوَّس ... يرمي بسهم الهدب من طفلة إذا بدت ... عاينت كلَّ العجب تزهو على أنزابها ... كالبدر بين الشُّهب إن أقبلت أو أدبرت ... كانت فتاة أو صبي

يا قوم يا قوم فلم ... أموت بالتَّجنُّب ولا أذيع لاعجا ... ولا أبثُّ وصبي وما بلغت أملًا ... وما قضيت أربي وقد عزمت هتك ما ... أستره في الحجب إلى الذي تيَّمني ... وخصَّني بالنَّصب /138 أ/ إن كان لي كنت له ... وإن أبى واحربي وقال في خيل الحلبة: [من الرجز] يا من يروم عدد السَّوابق ... في أمد الحلبة واللَّواحق أصخ لما أودعه من شعري ... وكن فدتك النَّفس ممن يدري لكي تنال لذَّة الفضيلة ... وهي لديك أعظم الوسيله فاحفظ مقالي واتَّبع ما أوصي ... وكن على العلم شديد الحرص فللعليم تطرق الرُّؤوس ... والجهل لا يرضى به الرَّئيس أوَّلها السَّابق والمجلِّي ... ثمَّ المصلِّي بعده المسلِّي والخامس التَّالي والمرتاح ... سادسها جاء له ضباح والعاطف السَّابع والمؤمِّل ... ثمَّ اللَّطيم قد تلاه القسكل وهو السُّكيت زعموا والغابر ... يا صاح والقاشور وهو العاشر وما يوافي بعده لا يحسب ... ولا يعدُّوه وعنه يضرب فهذه جملة خيل الحلبه ... قربتها لمن أطاع ربَّه وقال أيضًا في ترتيب سهام القداح: [من الرجز] /138 أ/ يا سائلي عن عدد القداح ... خذها من الشِّعر ولا تلاحي جاءتك منِّي أيُّها الحريص ... على العلوم زانها التَّلخيص نظمتها للفطن المهذَّب ... وطالب للعلم خير مطلب أوجزتها وما أطلت فيها ... سهَّلتها لكلِّ من يرويها قد جعلوها واحدًا وعشره ... أحوالها عندهم مشتهره

حظوظها في السَّبعة العوالي ... تتبع بالأربعة الأغفال جاءت على ما يقتضي الترتيب: ... الفذُّ والتَّوأم والضَّريب والحلس والنَّافس وهو الخامس ... منهنَّ والمسبل وهو السَّادس ثمَّ المعلَّى سابع السِّهام ... يفوز بالمياسر العظام والأربع الأغفال هنَّ بعد ... أوَّلها رقيبها والوغد وأبدلوا الرَّقيب بالمصدَّر ... والوغد بالمضعَّف المؤخَّر ثمَّ المنيح بعده السَّفيح ... وذاك عندي نسق صحيح وهذه خطبة من إنشائه أوردها بالمقر الأشرف الملكي العادلي: /139 أ/ "الحمد لله الذي يسبِّح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، والسحاب الهواطل، ويسجد لعَّزته ما اخترع من بريته ..... بالغدوِّ والآصال، جامع كلمة الموحدين، ومؤيدها بلوامع البراهين والدلائل وقاطع حجة الملحدين ..... ، وقامع أهل البدع والباطل. باعث النبي الأمي من أفضل المنازل، وأشرف القبائل، الذي نسخ بكتابه ورسالته ما تقدمه من الكتب والرسائل – صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه – ما وخد في بيداء بازل، وأمتع الإسلام والمسلمين بطول بقاء السيد الأجل، الملك العادل، السميدع الباسل، الحليم الحلاحل، المفضل الفاضل، الواصل الصائل، ذي العزم القاصل، والرأي الفاصل، الذي طهر الله به وبصنوه الأرض المقدسة والساحل، واستنفذ بسيفهما ما استحوذ عليه الكفرة من البلاد والمعاقل، حين غزوهم بليوث الجحافل، على متون الصواهل، فظهر دين الله بعد أن كان من الدين ..... ، وتحلى بالتوحيد على منبر كان منه عاطل. فالحمد لله منير الحق بعد خبوه /139 ب/ ومبير الباطل. جلّت ذاته، وتقدَّست صفاته، عن المشابه والمماثل، وتنَّزه عن الحلول والحين والجهة وأن يكون له العرش حامل. لا يقال: متى كان؟ ولا أين كان؟ ولا كيف كان؟ وكل ذلك سؤال الأراذل، كان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان ليس بمنتقل عنه ولا زائل. يجلُّ الربُّ عن

سمات الحدث وعن زعم المشبِّه الجاهل، وتعالى الخالق عن مشابهة المخلوق وأن يوصف بأنه صاعد أو نازل، كما وصفه المبتدع في عقيدته التي عقد بها لبّ كل غافل. جعلها ذريعة للتحريف، ووسيلة للتكليف من أعظم الوسائل، ولو اقتصر على ما قال الأوائل. أو كان عاقلًا، لكان للسانه عاقل، بل قصد ..... والإشارة إليه بالأنامل، في تكفير من خالفه من الشافعية والحنفية والمالكية وموحدي الحنابل، فانتصر الله ولينصرن الله من ينصره إن الله لا يضيع عمل عامل، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل حامل. فأنت المفزع وإليك /140 أ/ المرجع إن نزل بالمسلمين نازل، أعانك الله على ما ولاك ورعاك، فيما استرعاك، وأراك الحق حقًا. ووفقك لإتباعه، وأراك الباطل باطلًا وأحسن عنك دفاعه. وبلغك في الدارين سؤلك وأملك، وتقبل صالح الدعاء فيك ولك. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم تسليمًا كثيرًا". [90] أحمد بن عليِّ بن أبي معقل بن أبي العلاء المحسن بن أحمد بن الحسين بن محمد بن معقل، أبو الحسين الأزديُّ ثم المهلبيُّ. من أولاد المهلب بن أبي صفرة من أهل حمص. حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد الفقيه الحنفي المدرس بحلب

- أيده الله تعالى – في تاريخه الذي صنفه لحلب المحروسة، قال: أبو الحسين أحمد ابن علي الأزدي، شاعر أديب فاضل؛ له معرفة جيدة باللغة العربية، وهو من بيت الأدب والشعر بحمص. ورد علينا حلب في سنة ثلاث عشرة وستمائة، وذكر لي أنه: نظم "الإيضاح"، و"التكملة" لأبي علي الفارسي، /140 ب/ أرجوزة، وأملى علي مقاطيع من شعره بحلب. ثم اجتمعت به بدمشق سنة ست وعشرين وستمائة ونقلت عنه شيئًا آخر من شعره، وهو ممن يصدّر لإفادة العلوم العربية واشتغل بها عليه. قال: وأنشدني لنفسه: [من الوافر] أنى لي أن أفيق من التَّصابي ... وسكرته وقد جاء النَّذير وينزع عن غوايته فؤادي ... وفي فودي قد لاح القتير فما هذي الحياة سوى عناء ... ولا لذَّاتها إلا غرور وما الدُّنيا الدَّنيَّة غير ظلٍّ ... يزول وطيف أحلام يزور وليس سعيدها إلا شقيٌّ ... وليس غنيُّها إلا فقير يروح المرء ذا أمل طويل ... فيخلف ظنَّ هـ أجل قصير ويحرص أن يقيم بدار ظعن ... يسير ومكثه فيها يسير وأنشدني القاضي الإمام – أيده الله تعالى – قال: أنشدني أحمد بن علي لنفسه: [من الخفيف] يا نديمي من سرِّ أذد عمان ... أشرف النَّاس محتدًا ونجارا إحبس الكأس عن أخيك فقد مال إلى صحوة وملَّ العقارا /141 أ/ وطوى الأربعين لا بل طوته ... وأرته المجون واللَّهو عارا وجلى الشَّيب وانجلى لون فوديه فعادا من بعد ليل نهارا

أأرى خاسر الشَّبيبة والرُّشد ... جلَّ ذان عندي خسارا ما اعتذاري بعد أبيضاض عذاري ... في ارتكابي الآثام الأنام والأوزارا أعذر الدَّهر حين أنذر بالشَّيب ... بنيه وأسمع الإنذارا وأرى بعضهم مصدِّع بعض ... وكفى ذلك اللَّبيب اعتبارا وأنشدني، قال: أنشدني أبو الحسين قوله: [من مجزوء الكامل] يا هند فلَّ الدَّهر حدَّ عزيمتي وتعلمينا وأمرَّ طعم العيش بعد حلاوة مرُّ السِّنينا ونضوب ثوب الدَّهر لمَّا أن نضوت الأربعينا وأنشدني، قال: وسألته بعد أن أنشدني القطع الثلاث، أن ينشدني شيئًا من الغزل، فأنشدني لنفسه: [من الكامل] سفحت دموعك يوم سفح الحاجر ... آرامه بسوالف ومحاجر بيض شهرن من العيون خناجرًا ... للفتك تغمد في طلى وحناجر /141 ب/ لو كان صبرك صادقًا يوم النَّوى ... ما بتَّ مرتقب الخيال الزَّائر ولما غدوت لذكر أيَّام الحمى ... وكأنَّ قلبك في مخالب طائر عرَّضت قلبك للهوى فإذا به ... إعراض ريم من ذؤابة عامر سلَّت عليك سيوفه وعيونه ... فوقفت بين بواتر وفواتر كم ليلة قد بات نومك نافرًا ... فيها لذيَّاك الغزال النَّافر يا صاح من عليا تنوخ أناظر ... ماذا جناه على فؤادي ناظري وأنشدني، قال: أنشدني أحمد بن علي لنفسه بجامع دمشق: [من البسيط] مالي أزوِّر شيبي بالخضاب وما ... من شأني الزُّور في قولي وفي كلمي إذا بدا سرُّ شيبي في عذار فتى ... فليس يكتم بالحنَّاء والكتم وأنشدني، قال: وأنشدني أبو الحسين من شعره: [من المتقارب] رأتني سعاد حليف الهموم ... وكنت قديمًا حليف السُّرور

فغضَّت عن الشَّيب لمَّا بدا ... برأسي طرفًا شديد الفتور فقلت لها: أقذى في الجفون ... فقالت نعم وشجى في الصُّدور [91] أحمد بن هبة الله بن سعد الله /142 أ/ بن سعيد بن سعد بن مقلّد بن أحمد بن صالح بن مقلد بن عامر بن عليِّ ابن أحمد بن يحيى بن عبيد، أبو القاسم بن أبي منصور البحتريُّ الطائيُّ الحلبيُّ، المعروف بابن الجبراني القارئ النحويُّ اللغويُّ. من أهل حلب. قال القاضي الإمام أبو القاسم بن أبي الحسن بن أبي الفضل الحلبي الحنفيُّ – حرس الله مدّته – كان رجلًا فاضلًا، مقرئًا مجودًا، عارفًا بعلوم القرآن العزيز واللغة والنحو معرفة جيدة. وذكره القفطي في كتاب النحاة – من تصنيف – قال: كان شديد الكلب للدنيا، يدخل في دنَّيات الأمور، ويعامل المعاملات المخالفة للشريعة، ويحتمل من ضيق العيش في المأكل والمشرب ما لا يوجد من مثله، إلى أن حصل له جملة من الدنيا ما انتفع بها وخلفها لولده. ولقد شاهدته في الأيام الشديدة البرد؛ وهو رقيق الملبوس، يقاسي من ألم القرّ ما يظهر أثره عليه، وعدته في مرضه؛ فرأيت منزله على جودة بنائه وهو في غاية من الزراية في المفرش والملبس. ورأيته في أول مرة؛ وهو /142 ب/ على خلاف في كل هذا، فإنني شاهدته عند ورودي حلب في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وهو حسن البزة والمخدوم والمركوب. ثم نسخ الله ذلك بما ذكرته بعد مدّة ليست بالطويلة.

وتصدّر بجامع حلب برزق قرر له من وقف الجامع لإقراء القرآن والعربية. وكان بخيلًا بما عنده من ذلك يصادف فيما يذكره في أوقات حضوره فما استفاد منه أحد، ولا ظهر له تلميذ معروف. ولم يزل على جده في الكد وتعرّضه للطلب من أكابر بلده من الجند بغير حاجة إلى أن ذهب لسبيله بالوفاة. وكان له شعر رديء من شعر النحاة، فيه تكلّف ..... وتصنع، يذهب رونق النظم يمدح به لطلب الازدياد. وكان إذا تلا القرآن تلاه بصوت غير شج، ويتصنع الحروف من مخارجها فيزيد في ذلك على الواجب، يرفع به صوته ..... المسامع؛ غير أنه كان شديد الاجتهاد في طلب الفوائد من صفحات الصحف يلازم المطالعة ليلًا ونهارًا، ويلزم الحفظ لبعض ما يمر به في أثناء ذلك. ولقد حكى لي الشريف أبو هاشم /143 أ/ ابن أبي حامد الحلبي صديقي – رحمه الله – قال: أخبرني جار له، قال: رأيت ابن الحبراني في زمن الصيف يقوم في ثلث الليل الأخير في سطحه، ويوقد سراجًا في موضع ..... من ..... ، ويقعد للمطالعة وقتًا طويلًا دائمًا في كل ليلة لا يشغله الحر ولا القر عن المطالعة والاستفادة. وكان إذا لوحح في السؤال تضجر وسط لضيق عطنه، وربما سئل عن المسلة فسارع إلى الجواب ويخطئ فإذا ردد عليه الخطأ عز عليه واستوحش وانقطع عن ذلك المجلس. قال الإمام القاضي أبو القاسم بن أبي الحسن الحنفي الحلبي: قرأ على شيخنا أبي القاسم بن علي بن قاسم بن الزقاق الأشبيلي المقرئ وغيره، وقرأ اللغة على شيخنا أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، والنحو على أبي الرجاء محمد بن حرب النحوي الحلبي، وسمع أبا الفرج يحيى بن أبي الرجاء بن سعد الثقفي، وأباه أبا منصور هبة الله بن سعد؛ وله شعر حسن. تصدّر بالمسجد الجامع لإفادة علوم القرآن العظيم واللغة والنحو إلى أن مات بحلب يوم الاثنين سابع عشر شهر رجب من سنة ثماني وعشرين وستمائة /143 ب/ ودفن في سفح جبل جوشن.

وسألته عن نسبته ابن الجبرانيُّ، فقال: من أجداده من هو منسوب إلى جبرين قورسطايا قرية من ناحية عزاز؛ قال: وهو من شواذ النسب. وكتبت عنه شيئًا من الحديث، وشيئًا من شعره، وفوائد من شيوخه، وسألته عن مولده، فقال: في سنة إحدى وستين وخمسمائة. أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم العقيلي – أبقاه الله تعالى – قال: أنشدني أبو القاسم أحمد بن هبة الله الحلبيّ لنفسه: [من الطويل] لقد سمت ما لا أستطيع من الأمر ... رويدك إنَّ اللَّوم لي بالهوى يغري فلو ذقت ما قد ذقت من لذَّة الهوى ... تيقَّنت أنَّ العذل ضرب من الهجر سقاني الصِّبا كأس الهوى ثمَّ علَّني ... وجرَّعني من حلوه ومن المرِّ بنفسي الَّتي أودى هواها بمهجتي ... وأصبح قلبي عندها موثق الأسر إذا سمتها تعجيل حلو وصالها ... تكلِّفني صبرًا أمرَّ من الصبر وترنو بطرف كلَّما طرفت به ... تقلَّب قلبي في ذكيٍّ من الجمر فتحسب هاروتًا وماروت إذ رنت ... لدى الرَّأي في البابنا نافثي سحر لقد منعت يقظى لذيذ وصالها ... وفي النَّوم حتَّى صدَّت الطَّيف أن يسري /144 أ/ ولو أنَّها تستطيع بخلًا بذكرها ... لصدَّته أن يجري ويخطر في فكري عليه وصالًا منك بشقيه أنَّه ... أضرَّ به الهجران يا ضرَّة البدر جوانحه تأتجُّ نارًا من الأسى ... وأجفانه قرحى وأدمعه تجري لك الله من قدٍّ رشيق وطلعة ... لقد أزريا بالبدر والغصن النَّضر تعطِّر نادي الحيِّ إذ خطرت به ... ولم تمس الأردان شيئًا من العطر ولم أنسها يوم الوداع وقد سبت ... فؤادي وغالت ما ادَّخرت من الصَّبر بدرَّين منثورين لفظ وأدمع ... ودرَّين منظومين في الفم والنَّحر لأزمع لمَّا إن رحلت ترحُّلًا ... رقادي عن عيني وقلبي عن صدري قفي زوِّديني نظرة منك علَّني ... أعيش بها يا عزُّ واغتنمي أجري

ولا تجمعني هجرًا وبينًا فلم أكن ... لأقوى على بين الأحبَّة والهجر رأت شيب رأسي الغانيات فعفنني ... وكنت أرى ما بين سحر إلى نجر مضت لي أيام الشَّباب حميدةً ... ولم يبق من عصر الشَّباب سوى الذكر وأقبل عصر الشَّيب بالكره مؤذنًا ... بتصريم أيام بقين من العمر كأنَّ شبابي كان ليلة وصلها ... تدج حتَّى روِّعت بسنى الفجر كأنَّ سواد الشَّعر سود مطالبي ... يبيِّضها غاز بأفعاله الغرِّ /144 ب/ وأنشدني، قال: أنشدنا أبو القاسم بن الجبرانيّ لنفسه من قصيدة: [من الكامل] ملك إذا ما السِّلم شتَّت ماله ... ردَّ الهياج عليه ما قد فرَّقا وأكفُّه تكف النَّدى فبنانه ... لو لامس الصَّخر الأصمَّ لأورقا وحدثني القاضي الإمام أبو القاسم – أيده الله تعالى – قال لي أبو القاسم أحمد بن هبة الله النحوي: عمل أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري في لزوم ما لا يلزم؛ وهي النون الساكنة مع الباء والذال وواو الرِّدف: [من السريع] كل واشرب النَّاس على خبرة ... فهم يمرُّون ولا يعذبون ولا تصدِّقهم إذا حدَّثوا ... فإننَّي أعهدهم يكذبون وإن أروك الودَّ عن حاجة ... ففي حبال لهم يجذبون وقيل لا رابع لهذه اللفظة، قال: فزاد فيها أبو الحسين ابن منير بيتًا وهو: /145 أ/ قزم إذا سيلوا وإن أطمعوا ... رأيتهم من طمع يهذبون قال: فزدت أنا بيتًا آخر، وهو قولي: ليس يرجِّي خيرهم آمل ... يومًا ولا عن لاجئ يشذبون قال، وقال، أبو القاسم عملت بيتًا ثالثًا لبيتي أبي محمد الحريري اللذين ذكرهما

في المقامات، وقيل لا ثالث لهما، وهما: [من المنسرح] لا تسأل المرء من أبوه ورز ... خلاله ثمَّ صله أو فاصرم فما يشين السُّلاف حين حلا ... مذاقه كونها ابنة الحصرم قال: فقلت: [من المنسرح] وإن غدا راقيًا مراتب ذي ... أصل عريق فلا تقل حص رم [92] أحمد بن يرنقش بن عبد الله العماديُّ، الأمير أبو العباس السنجاريُّ. كان أبوه من مماليك عماد الدين زنكي بن مدود بن آق سنقر – صاحب سنجار -. وكان أحمد أميرًا مكملًا فاضلًا شاعرًا حسن الأخلاق طيب المعاشرة /145 ب/ متمولًا، وله أملاك كثيرة بسنجار، ووجاهة عظيمة. تغيّر عليه قطب الدين بن عماد الدين – صاحب سنجار – وقبض عليه، وأخذ جميع ماله وحبسه حتى مات بسنجار سنة خمس عشرة وستمائة في حبس قطب الدين ممنوعًا من الطعام والشراب. وحدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي – أيده الله تعالى – قال: قدم علينا أحمد بن يرنقش حلب، وأقام بها مدة وسكن درب العادل؛ ثم عاد إلى سنجار. قال العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى: روى لنا عنه شيئًا من شعره أبو الحسن علي بن الحسين الحنفي السنجاري، وأخبرني أنه كان في صدر عمره مسرفًا على نفسه، وأنه أقلع وتاب توبة حسنة، قال: وكان يصوم الهواجر، ويقوم الليل.

ثم أنشدني أبو الحسن، قال: أنشدني أحمد بن يرنقش العمادي لنفسه: [من مجزوء الوافر] مشيب الرَّأس حين بدا ... يقول دنا الَّذي بعدا فقم بادر إلى عمل ... يسرُّك أن تراه غدا فيومك ذا إذا ما فات ليس بعائد أبدا /146 أ/ وأنشدني أبو الحسن السنجاري، أنشدي أحمد بن يرنقش لنفسه: [من الطويل] تقول وقد ودَّعتها ودموعها ... على نحرها من خشية البين تلتقي مضى أكثر العمر الذي كان نافعًا ... رويدك فاعمل صالحًا في الَّذي بقي وحدثني القاضي أبو القاسم – أسعده الله تعالى – قال: أخبرني جماعة بسنجار أن أحمد بن يرنقش مات في حبس قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي – صاحب سنجار – بعد أن قبض على جميع ماله ومنعه من الطعام والشراب، فبلغ من أمره أن أكل قلنسوته وأكمامه لشدة الجوع. ودخل إليه بعض من كان يشرف على حاله من أصحاب قطب الدين، فقال له: قل لقطب الدين يطعمني ويسقيني، وأعطيه ألف دينار ولم يبق لي غيرها؛ فلما ذكر ذلك لقطب الدين ما ذكره، سير إليه طعامًا وماء بثلج، وقال للرسول: أدخله إليه ولا تمكنه حتى يعطيك الدنانير؛ فلما دخل إليه نظر إليه، فقال: لا سبيل لك إليه! إلا بعد إداء ما ذكرت، فقال: والله ما بقي لي شيء، والذي لي قد قبض جميعه، وإنما قلت ما قلت لتطعموني وتسقوني؛ فردوا الطعام والماء، ولم يتناول منه شيئًا /146 ب/ وخرجوا من عنده، فنام فرأى النبي – عليه السلام – في المنام فناوله شيئًا فأكله فزال عنه الجوع والعطس، فدخلوا عليه فوجدوه قائمًا يصلي؛ فلما فرغ من صلاته أخبرهم بما رأى، فلما بلغ قطب الدين اتهم والدته – أم قطب الدين – بأنها أنفذت إليه مأكولًا ومشروبًا. ولم يزل على ذلك إلى أن مات. وبلغني أن قطب الدين – صاحب سنجار – لما احتضر ودنت منه وفاته جعل يشكو العطش ويسقى فلا يروى، وذكر أحمد بن يرنقش ويردد اسمه على لسانه

إلى أن مات. وقال لي علي بن الحسين بن دبابا: بلغني أن أحمد بن برنقش أتي بماء ليشرب فرده، وقال: لا حاجة لي فيه فإني رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فشكوت العطش فناولني خاتمه فمصصته فزال عني العطش. [93] أحمد بن يوسف بن عبد الرَّحمن بن مروان بن عبد الجبار، أبو العباس اللخميُّ الفرِّياني ينسب إلى فرِّيانة موضع من نواحي القيروان. أنشدني أبو محمد /147 أ/ عبد الله ولده، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من البسيط] أما رجاء فإسم لا يباح به ... فأقسم الناس بالآيات والصُّحف فنقطة الجيم من فوق أحقُّ بها ... والرَّا تنقَّل بين الخاء والألف [94] [أحمد بن يوسف بن محمد بن عبد الوهاب القيسيُّ، أبو محمد الجيانيُّ. كان فيه فضل وأدب؛ وله شعر حسن. أنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي – رضي الله عنه – قال: أنشدني محمد بن أحمد بن يوسف، أنشدني والدي لنفسه: [من الطويل] أحبه قلبي والمزار بعيد ... لمن يشتكي ممَّا يجنُّ عميد كفى حزنًا أنِّي على النأَّي منكم ... فريد على كثر الجليس وحيد وقلتم بأنِّي قد تسلَّيت عنكم ... وكيف وودِّي لا يزال يزيد

أيألف قلبي غيركم وهواكم ... عليه رقيب لا يزال عتيد فمازلتم مذ شطَّت الدَّار بيننا ... يمثِّلكم شوق لديَّ شهيد نأيتم فبان الصَّبر منذ نأيتم ... وعندي على ما أدَّعيه شهود سقام بجسيمي لا يزال يشفُّه ... وعين كما شاء السُّهاد تجود عميت ..... ..... ... عليل ولكن لا يباح ورود] [95] أحمد بن محمد بن عبد الله بن عمر القرشيُّ المصريًُّ، يكنّى أبا المكارم، يعرف بابن نقّاش السِّكَّة. من أهل الديار المصرية. كانت ولادته ليلة حادي عشري شهر رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة. أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبيّ بحلب، قال: أنشدني أبو المكارم لنفسه: [من السريع] يا غيث لو لم تك من أدمعي ... لما هفا برقك في أضلعي أراك أقلعت وقد أزمعوا ... كلُّ سحاب الدَّمع لم يقلع أجاب قلبي: إن قلبي مضى ... يوم النَّوى معكم فلم يرجع ويا حمام الأيك هل أنت إذ ... تبكي على الأحباب تبكي معي لو كنت مثلي فاقدًا إلفه ... ما كنت تبكيه بلا أدمع /147 ب/ ويا نسيم الرَّوض حدِّث لقد ... ناب انتشاقي لك عن مسعي وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه فيمن اسمه غبراهيم: [من السريع] إن قيل إبراهيم ذو عجمة ... تمنعه الصرف فلا عذل لم لا يجوز الصَّرف فيه ولا ... معرفة فيه ولا عدل وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في بعض المغاربة: [من الطويل] يقولون: أهل الغرب أهل فضيلة ... وكلُّهم ينبيك لفظ مقاله

وما يطلع الغرب الَّذي غير ناقص ... ومن شكَّ فلينظر طلوع هلاله وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب] وقالوا لنا: الشَّهم عيسى قضى ... وكثِّر في الموت معنى الحديث وعوَّض عن ماله نفسه ... فقلت الخبيث فداء الخبيث وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يخاطب الملك الكامل، وقد جذب الريح بعض المراكب على ثغر دمياط، فأخذها المسلمون وأحرقوها، وطلعت ومطرت السماء، وكسرت الفرنج /148 أ/ في ذلك الوقت: [من الطويل] ليهنك نصر الله يا كامل العلا ... لقد حزت ما لا رامه قطُّ إنسان الم تر ملك الرِّيح للسُّفن غاصبًا ... وعمَّهم يا مالك الأرض نيران نصرت بجند الرُّعب، قلنا: محمَّد ... ووافاك جند الرِّيح أنت سليمان وطمَّ على أعدائك البحر والحيا ... فهل أنت نوح في زمانك طوفان فلا زلت منصورًا وجيشك غالبًا ... نعم وعلى الأعداء ذلُّ وخزلان وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه ما كتبه له على حربه: [من السريع] برسم لبَّات أعاديك يا ... مصطنع الإسلام والكفر سلطاننا الكامل ملك الورى ... محمد بن أبي بكر وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] أيا ملك الإسلام خذها بشارة ... من الله تنطيق لفكري بإلهام إذا ما علا دمياط بالكفر ظلمه ... وكان عليه نور الدين وإسلام فلا تيأسن ما ذاك باق وإنَّه ... يزول بأمر الله عنها وإرغام وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه لما مات العماد بن الشكوي: [من البسيط] /148 ب/ تعجَّب النَّاس من قسم القضاة على الأحكام بعد العماد الكوكب السَّاري فقلت: لم يجدوا كفرًا لمنصبه ... عدلًا وقد قسموا في بعض أخبار قاض منازل عز الخلد مسكنه ... والقاضيان كما قد قيل في النار

[96] أحمد بن المبارك بن عبد الرحمن بن الحسن بن نفاذة، أبو الفضل السُّلميُّ الكاتب. من أهل دمشق، يلقب نشو الدولة. توفي في سنة إحدى وستمائة. كان أحد الكتَّاب بين يدي الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي – رحمه الله – وممن كان بصحبته حضرًا وسفرًا. ذكره الإمام أبو حامد الكاتب في خريدته، وأثنى على فضله ومعرفته، وقال: شاب محبّ للفضل، حريص على تحصيله، بجملته وتفصيله، وهو متولّي الإشراف على الهري بالقلعة بدمشق، وقد كتب ديواني شعري ورسائلي. أنشدني القاضي شهاب الدين أبو المحامد إسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن الأنصاري القوصي /149 أ/ بدمشق سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني أبو الفضل أحمد بن نفاذة لنفسه: [من السريع] إن أعوز الحاذق فاستبدلوا ... مكانه أخرق لم يحذق فلاعب الشِّطرنج من شأنه .. وضع حصاة موضع البيذق وحكى أبو حامد الكاتب في خريدته، قال: أنشدنا أبو الفضل هذين البيتين؛ قلت مجاوبًا له – البيذق أصغر ما في الشطرنج تقوم الحصاة عوضه – فارتجل في المعنى ما كتبه إليّ: [من الكامل]

ما سدَّ موضعه بمشبه فضله ... ولقد سما فضلًا عن الأشباه وضعوا حصاة وهي يصغر قدرها ... عن بيذق غلطًا مكان الشَّاه وأنشدني القاضي أبو المحامد أيضًا، قال: أنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل] يا من غدا شكري له ... كفريضة بين العباد قد كدت أنسخ شكره ... لولاه في جاه الوداد [97] أحمد بن خليل بن سعادة، أبو العباس الخويِّيّ النحوي. قاضي قضاة دمشق. كان فقيهًا شافعي المذهب نظّارًا إمامًا في الخلاف والأصولين والجدل، ذكيًا مفرط الذكاء والفطنة. سمع من المؤيد الطوسي؛ وله يد في التفسير. صنّف كتبًا شتى في العلوم الشرعية وغيرها. ومات شابًا ولم يبلغ الخمسين. وكان وفاته في سنة سبع وثلاثين وستمائة بدمشق، ودفن بجبل قاسيون.

قال أبو عبد الله محمد بن نصر بن أبي النيان ما كتبه إلى الخويي القاضي بدمشق: [من المتقارب] فديتك يا أحمد بن الخليل ... ويا حكمًا شكره قد وجب ولا تعدمنَّ علاك الشِّام ... وبلَّغك الله أسمى الرُّتب فكم حجج لك عند الجدال تثني الخصوم وتجلي الكرب وكم مشكلات حكين الدُّجى ... فأوضحها علمك المنتخب وأضحت دمشق بأحكامه ... تطول إذا فاخرتها حلب /150 أ/ ولولا النَّبيُّ – عليه السَّلام – ... ذكرنا الأعاجم قبل العرب فكتب إليه الخويّي جوابًا لنفسه: [من المتقارب] أيا شرف الدِّين يا ابن الكرام ... ويا فاضلًا قرشيَّ النَّسب لقد بمديحك شرَّفتني ... وجمَّلتني عند أهل الرُّتب رفعت مناري نحو السَّماء ... ولا زلت ترفع أهل الأدب فكان مديحك من لؤلؤ ... ومدحي فالخرز فلا تعتبن فإنِّي فقيه ... وشغلي في الدَّرس أو في الطَّلب فجوزيت عني يا سيِّدي ... وشكرك عندي إذن قد وجب [98] أحمد بن محمد بن عليِّ بن أحمد بن الناقد الوزير، أبو الأزهر بن أبي السعادات البغداديُّ. أحد الأعيان الفضلاء، والسادة النبلاء، من البيت المعروف بالتقدّم والمكانة

والتجارة والأمانة. كان أبوه من التجار المعروفين، والأمناء المشهورين. سافر إلى الشام وخراسان، وعاد إلى بغداد، وتولى وكالة الجهة /150 ب/ الشريفة والدة الناصر لدين الله، وتقلّد أعمالًا جليلة منها النظر في المظالم والوكالة، وغير ذلك. وكان له خمس بنين كلهم فاضل جميل. فلما مات قام مقامه أكبر من أولاده؛ وهو أبو الأزهر، فنظر فيما كان ينظر فيه أبوه من الأوقاف التي شرطت الواقفة لهم، والنظر فيها مدّة. ثم عزله الناصر لدين الله فلازم داره مواظبًا على تلاوة القرآن المجيد؛ إلى أن عين له على نيابة بعض الأمراء والنظر في حال جنده وإقطاعه؛ فكان على ذلك مدة. ثم انفصل عنه وانقطع إلى منزله منعكفًا على قراءة كتاب الله تعالى على أحسن قاعدة، وأجمل طريقة؛ إلى أن مات الناصر لدين الله – رضي الله عنه – وبويع ولده الظاهر بأمر الله – رضوان الله عليه – فاستدعاه لمبايعته. ثم فوّض إليه وكالة السادة الأمراء من أولاده، فبقي على ذلك إلى أن توفي الظاهر – رضي الله عنه – وبويع ولده الإمام المستنصر بالله – أعز الله أنصار دولته – فقربه وأدناه، وفضله على من سواه، وأحضره في يوم /151 أ/ المبايعة، وأحضر قاضي القضاة أبا صالح نصر بن عبد الرزاق، وقال له أستاذ الدار العزيزة أبو نصر المبارك بن الضحاك. وكانا قائمين بين يدي الشباك الشريف، وهو الذي قام بأمر البيعة لشيخوخته ... لأشغال الدار العزيزة، فقال له: إن أمير المؤمنين قد وكل أبا الأزهر أحمد بن محمد بن الناقد في كل ما يتجدد من بيع وإقرار وعتق وابتياع، فقال قاضي القضاة: أهكذا يا أمير المؤمنين! قال: نعم، فقال له: وليتني ما ولاني والدك – رضوان الله عليه؟ - فقال: نعم قد وليتك ما ولاك والدي فنزل وأثبت الوكالة الشريفة بالعلم، وأشهد عليه بثبوتها عنده سائر المعدلين. ثم ردّ أمر الوكلاء بالأبواب الشريفة إليه مضافًا إلى الوكالة، وخلع عليه في ذلك اليوم؛ ولم يزل يرتقي ..... وجاهة في كل يوم؛ إلى أن عزل الوزير أبو الحسن محمد بن محمد بن برز القمي عن نيابة الوزارة وذلك في يوم السبت سابع عشر شوال

من سنة سبع وعشرين وستمائة. استدعي أبو الأزهر إلى دار الخلافة، وخلع عليه في موضع البستان خلعة جميلة. /151 ب/ سنية لنيابة الوزارة، وقلّد سيفًا محلى بالذهب. وكان قد حاز من الأوصاف الحميدة في نفسه من: الفضل الشائع، والدين الذائع، وغزارة الأدب، وتوفر الحياء والعقل الرصين مع معرفته بالعلوم الأدبية، وإتقانه من الصناعتين؛ الكتابية، والشعرية، وتفننه في الإنشاء، وتصرفه في ذلك على حسب ما شاء. وما يحفظه من عيون الأشعار، ونكت السير، مع إحكامه للقرآن المجيد، وتحصيله لفنون الأدب دراسةً وبحثًا؛ فإنه نشأ عفيفًا صينًا عالي الهمة، شريف النفس، لم يطلع له على ريبة قط. لا جرم حصل له ما لم يحصل لغيره، وخدمته السعادة، وامتطى غارب السيادة، وانقاد لطاعته قلوب الأنام، وامتثل أمره الخاص والعام، ومدحه الشعراء، واعترف بفضله الفضلاء، وأثنى عليه العلماء، ودعا له الصلحاء. وله نظم صحيح المعاني، جيد المباني؛ ومن شعره ما قاله وكتبه على بعض القصور الشريفة: [من الكامل] لله من قصر الخلافة منزل ... من دونه ستر النُّبوة مسبل /152 أ/ وروقا ملك فيه أشرف بقعة ... ظلَّت تحار له العقول وتذهل تغضي لغرَّته النَّواظر هيبةً ... ويردُّ عنه طرفه المتأمِّل حسدت مكانته النُّجوم فودَّ لو ... أمسى يجاوره السِّماك الأعزل وسما علوًّا أن يقبِّل تربه ... شفة فأضحى بالجباه يقبَّل وله: [من الكامل] أبدًا لشمس سعودك الإشراق ... يا موطنًا شرفت به الآفاق بل يأمن الجاني ويقترب المدى ... للراغبين وتبسط الأرزاق وله في مثله: [من السريع] ومنزل تخفر القصور به ... لا زال يجري بسعده القدر إنَّ القصور الَّتي تحفُّ به ... كواكب وهو بينها قمر

[99] أحمد بن عليِّ بن أبي محمد، أبو العباس الصفَّار الشيبانيُّ، من أهل دمشق المعروف بابن شقشقة. كان له عناية بالنحو واللغة، جامعًا فضيلتي النظم والنثر. وتوفي في سنة تسع وعشرين وستمائة. أخبرني نجيب الدين أبو الفتح نصر الله /152 ب/ ابن أبي العّز بن أبي طالب الصفّار الشيباني الدمشقي بها – في المحرم سنة أربعين وستمائة. قال: خالي أبو العباس حبر مجيد، وإمام مفيد، جمع الفضائل والمروءات، وحاز الغايات والنهايات، إن تكلم أضرب، وإن أغرب أعرب، يفوق برقة نظمه شدو الحمام، ويخرج من بساتين فضله ثمرًا يزري بذروات الأكمام، ساد بما لديه أبناء جنسه، فنمق بيراع علمه طرسه بنفسه. أخذ من كل فن غايته، وبلغ من كل أمد نهايته، شهاب قبسه موري ولا يواري، وطرف طرفه في بيداء بدايته لا يجاري، فاق الأدباء في مضماره، فصار الشعر من بعض شعاره، ففنونه لا تدخل في العد، ولا يحيط بها حصر الحد. وأنشدني، قال: أنشدني خالي لنفسه من أبيات: [من البسيط] من لي بصبر غداة البين إذ بانوا ... وكيف بعد وفائي في الهوى خانوا حفظتهم ثمَّ خانوني وما حفظوا ... عهدًا لنا فيه إيمان وأيمان أقسمت بالرُّكن والبيت العتيق ومن ... لبَّاه خوفًا له حاف وعريان /153 أ/ ما إن سلوت ولالي عنهم عوض ... وإن تناءت بنادار وأوطان وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه من أبيات في مدح دمشق: [من الطويل] وبلِّغ سلامي قاسيون وبرزة ... وجوير والميطور والشَّرفين وحيِّ ربوع النَّيربين ومزًّة ... وسكان داريَّا وما العلمين فأكرم بها يا صاحبيَّ منازلًا ... حكت جنة الفردوس بالضفتين

[100] أحمد بن الحسين بن أحمد بن أبي المعالي بن منصور بن عليٍّ النحويُّ الضرير اللغويُّ الفرضيُّ الحاسب الأديب الشاعر، المعروف بابن الخباز، أبو العباس. كان أبوه من أهل إربل عاميًا يبيع الخبز، وأصل آبائه من بعض قرايا العراق. ونزل الموصل وتأهل بها وتديَّرها إلى حين وفاته؛ ولد [له] عدة أولاد من الذكور والإناث. وولد له أبو العباس هذا ونشأ، وصرف همته إلى الاشتغال بالعلم وأحبه وأقبل عليه /153 ب/ بكليته فحفظ أولًا الكتاب العزيز، وقرأ التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي حفظًا جيدًا. ثم ترقى إلى العلوم الأدبية، وتردد إلى جماعة من أدباء الموصل، ولازم الشيخ أبا حفص ودرس عليه كتبًا كثيرة من علم الأدب والنحو واللغة والعروض والقوافي حتى برز على أقرانه، وفاق أبناء زمانه، وبرع في ذلك، وتمهر تمهر المجتهدين. فلما مات أبو حفص شيخه جلس مكانه، وتصدر لإفادة علم الأدب والعربية والقرآن والفرائض والحساب ومعاني الشعر وغير ذلك؛ فانثالوا عليه من كل فج. وهو اليوم شيخ وقته، وحبر مصره، ولم ير في زماننا أسرع حفظًا منه ولا أكثر استحضارًا للأشعار والنوادر والحكايات واللطائف، وهو غاية في الكاء والفهم، سريع الخاطر في نظم الشعر، قوي الروح وقت القراءة عليه. يشغل الناس من بكرة إلى عشاء الآخرة في مسجد بسكة

أبي غنج أنشأه الصاحب أبو الكرم محمد بن علي ابن مهاجر الموصلي. وأقام له فيه جاريًا يدّر عليه، وجامكية تصل إليه تقوم بأوده وتفضل عنه؛ إلّ أنَّه /154 أ/ لم يزل متألمًا من الزمان، كثير التعب من صروفه، شاكيًا من أبناء دهره، قليل الحظ منهم. ثم انتقل إلى المدرسة البدرية، فلم يزل مقيمًا بها إلى أن توفي. كان رجلًا أسمر اللون، عبل البدن، مدور اللحية. وذكر لي أنَّه كان في بدو أمره له بصر يسير، ويعرف الألوان، ويفرق بينها. ثم ذهب بصره بالمرّة. وكان إذا مشى لم يحتج إلى قائد يقوده. وكان له لحية سوداء حسنة مدوّرة. وحدثني، قال: لما شرعت في الاشتغال بكتاب "الفخري في الحسنات" واجتهدت في دراسته وحفظه على الشيخ أبي المعالي ثارت على السوداء، وبقيت مدة مريضًا بها؛ فلما أبللت من ذلك انثرت لحيتي جميعها ولم تعد إلى ما كانت عليه. وكان خفيف العارضين جدًا خالطه الشيب قليلًا. أخبرني أنه ولد في اليوم الثاني عشر من جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وتوفي في العشر الأول من شهر رجب سنة تسع وثلاثين وستمائة – رحمه الله تعالى -. وحفظ عدّة من الكتب المجردة في النحو /154 ب/ والأدب واللغة والأشعار العربية منها كتاب "الإيضاح" لأبي علي الفارسي، وكتاب "المفصل" لأبي القاسم الزمخشري، وكتاب "الكافي في علم العروض والقوافي" لأبي زكريا التبريزي، وكتاب "مجمل اللغة" لأبي الحسين [أحمد] بن فارس الرازي، وكتاب "الفخري في الحساب". ثم إنه تحفظ من أشعار العرب الجاهلية والإسلام والمولدين والمحدثين ما لا يحصى، وصنف كتبًا مفيدة في النحو والعروض منها: كتاب "الجوهرة في مخارج الحروف" وهي قصيدة مزدوجة رجز، وكتاب "الإلماع في شرح لمع ابن جني"، وكتاب "التوحيد" في شرحه أيضًا، وكتاب "تحرير المقياس في تفسير القسطاس"

عروض، وكتاب "قواعد العربية" وكتاب "كفاية الأعراب عن علم الإعراب"، وكتاب "نظم الفريد في شرح التقييد" شرح المقدمة الجزولية، وكتاب "الغرة .... /155 أ/ في المسائل الألفية" من علوم شتّى، وكتاب "الإفصاح في الجمع بين المفصل والإيضاح" لم يتمّمه، وكتاب "النهاية في شرح الكفاية" وهو كتاب طويل الذيل جدًا، قل أن يؤتى على مثل مسائله، وقد أملى كثيرًا منه، وكتاب "الفريدة في شرح القصيدة" وهي قصيدة سعيد بن المبارك بن الدهان؛ وهي تشتمل على مسائل معوصة من النحو، وشرع في شرح المفصل مرتين، وعاقت عن ذلك عوائق. أنشدني لنفسه يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات المبارك بن أحمد بن المبارك المستوفي – رحمه الله – وأنفذ إليه من الموصل إلى مدينة إربل من غير انتظام معرفة بينهما ولا مشاهدة، ولا اجتماع به إلّا لما شاع من معروفه وأفضاله بين الأنام، خصوصًا أهل الأدب والفضل، وإجماع الخلق على شكره، وجلالته في العلم والرئاسة؛ فآثر أن يمتدحه ويثني على حاله حبًا وتقرّبًا، ولم يطلب بذلك أجرًا ..... لكنه رآه أهلًا للمدح والثناء. [من الكامل] /155 ب/ سترن الغصون الرَّاح من حركاتها ... وتعلَّم الملكان من لحظاتها ونضَّت عن الوجه النِّقاب فأشرقت ... شمس الضُّحى والبدر من قسماتها سمراء تحمي بالملاحة طرفها ... كسنانها وقوامها كقناتها حسناء لو أنضفتها في وصفها ... لحكمت أنَّ الحسن بعض صفاتها وعدت فمات المستهام بخلفها ... وحياته إنجازها وحياتها وكفاه ضرًّا أنَّه في بعدها ... لم يخل من رقبائها ووشاتها فأسرَّ شكوى حاله من خوفه ... منهم وأخفت نفسه خطراتها يا من غرست لها المودَّة في الحشا ... وسقيتها من أدمعي لبناتها ثمر المودَّة أينعت من سقيها ... فإلى متى لا أجتني ثمراتها؟ ! لا تحسبي طول النَّوى ينسي الهوى ... حتى يردُّ النَّفس من صبواتها حكم السَّقام وقد هجرت فجار في ... أحكامه ورضاك في إثباتها قل للبخيلة بالوفاء نفوسنا ... من غدرها قد حان حين وفاتها إن لم يكن وصل فحسبي ..... ... بعد البلى يحيي الرَّميم رفاتها

وتعلَّمي جدون ابن موهوب أبي البركات فالثَّقلان في بركاتها وتشبَّهي بفتى إذا ما صاب في ... ..... بردِّ الرُّوح في أمواتها /156 أ/ جمع الفضائل والفواضل بعد ما ... دان اللِّئام بتركها وشتاتها وبنى من الشَّرف الرَّفيع محلَّةً ... جعل الطَّباق السَّبع من شرفاتها يا والي الشُّعراء حلمًا إنَّما ... يجني رعايا الناس حلم ولاتها لك بيت عزلٍّا لا يقوم بوصفه ... أضعاف ما حبَّرت من أبياتها ومنها يقول في ذمّ أهل الزمان: فحمدت ربَّ العالمين على العمى ... فيه فقدت شخوصها وشياتها وذممت سامعتيَّ لمَّا كانتا ... سببًا تقربني إلى أصواتها مغناك جنَّات النَّعيم فليتني ... أرعى ثمار الأنس من روضاتها وتغور من ..... من سكَّانه ... روحي ..... زهوقها بنجاتها وأنشدني أيضًا من شعره يتغزل: [من المجتث] علقِّته غصن بان ... فيه جميع المعاني ريق كخمر وثغر ... يفترُّ كالأقحوان تشتقُّ من وجنتيه ... شقائق النُّعمان بنفسجيُّ عذار ... عيناه نرجستان تملي على عاشقيه ... مقاتل الفرسان /156 ب/ كل عاذل فيه جهلًا ... بما يجنُّ جناني لسان حالي مجيب ... عن عذله لا لساني فراقه والرَّدى عند عبده سيَّان ووصله وحياة النُّفوس مؤتلفان لا يرتجى أحد وصله ولا سلواني يا نائي الوصل شوقي ... إلى لقائك داني يا باقي الهجر صبري ... عن حسن وجهك فاني لم يكف عينيك سقمي ... وبعضه قد كفاني نسيت ليلًا جنينا ... فيه ثمار الأماني

ونحن من كلِّ واش ... وحاسد في أمان وفي الكؤوس رحيق ... منطَّق بالجمان يخال قبل مزاج ... نارًا بغير دخان أبدت لنا لونه قبل شربك الوجنتان وفي ثناياك ريق ... من الرَّحيق ثناني /157 أ/ وطيب لفظك يغني ... عن استماع الأغاني يا من حرمت رقادي ... بطرفه الوسنان ومن قضى فتعدَّى ... في الحكم بالهجران ومن إذا قلت: حان الوصال، قلت: جفاني لولاك ما لمت حظِّي ... ولا ذممت زماني وأنشدني أيضًا لنفسه من قطعة يذم بها أهل الزمان: [من البسيط] فلا تثق بالليَّالي طالما غدرت ... بذي الوفاء ولو أعطته ميثاقا ذم الورى ..... زمانهم ... لوما فأحدق بالأيام إحداقا أعراضهم لم تزل مسودَّة فإذا ... قدحت فيهم أصاب القدح حرَّاقا بلوتهم فطعمت السُّمَّ في عسل ... فما وجدت سوى الهجران درياقا وأنشدني أيضًا من قصيدة: [من الطويل] أجد له شوقًا إلى ساكني الغضا ... سنا بارق منهم على البعد أو مضا فبات وفي أحشائه فرط لاعج ... إذا هاج بالذِّكرى أقضَّ وأغمضا فيا برق هل ..... الحبيب لعاشق ... ..... في الوصل يخلف ما مضى /157 ب/ يسرُّبه المحزون من قبل موته ... ويشفي سقيمًا بالحمام معرَّضا تمنَّى وصالًا والأماني منيَّة ... إذا لم يكن يقضيه ود لو قضى وما زال حتف العاشقين محبَّبا ... إليهم إذا ما العيش صار مبغَّضا رعى الله إلفًا قرَّب القلب شخصه ... وإن كان عن عيني بعيدًا معرّضا تعوَّضت عمَّا فاتني بنظيره ... سواه فإنِّي لم أجد متعوَّضا حبيبًا إلى قلبي وإن كان قاتلي ... ..... إلى نفسي وإن كان معرضا وأنفقت صبري بعد يوم فراقه ... فلم أر في أيَّام عسري مقرضا

ولم أنس يوم البين موقفنا وقد ... رأت زفرتي بين الجوانح تركضا وأجريت دمعًا لو جرى فوق صفصف ... لأخصب منه كلُّ محل وروَّضا وكم حاولت بسطًا لتوديعه يدي ... فواحرَّ وجدي أن تكفَّ وتقبضا ومن شقوتي أنِّي حرمت وداعه ... لأن النَّوى قد صار حتمًا بها القضا ولمَّا رأيت الهجر كالدَّهر باقيًا ... تخيَّلته واش عليه محرِّضا لعمرك إنَّ العيش من بعد حمده ... ذميم وكم سخط يولِّده الرِّضا صفا لي بالإقبال والإلف مقبل ... وأعرض عني صفوه حين أعرضا ولم أتجنَّب قصد مغناه سلوة ... ولكنه لمَّا نأى ضيَّق الفضا /158 أ/ قضى الدَّهر بالهجران بيني وبينه ... ولي دين وصل عنده ليس يقتضي قنعت ببرق الشام يبدو مذهَّبًا ... فيترك خدِّي بالدُّموع مفضَّضا وأنشدني لنفسه في مشترك اللغة: [من الكامل] ودجاجة صارت لثور مركبًا ... والفيل فوق الثُّور يقتل أخرسا الدجاجة: الكبَّة من الغزل، والثَّور: القطعة من الأقط، والفيل: الرجل الضعيف الرأي، ويقتل: يمزح، ولبن أخرس: لا صوت له في الإناء. ناولته قوسًا بلا وتر لها ... سهم إذا ما صاب أحيا الأنفسا القوس: ما بقي في القوصرَّة من التمر، والسهم: النصيب، وقد خيل به التشابه. وصاب وأصاب لغتان، وقوله: أحيا الأنفسا؛ لأن التمر قوت، وهذا موضع الإلغاز. وشربت من كعب لديه مسمّن ... فأثرت من عسل ترابًا أغبسا الكعب: بقية السمن في العكَّة /158 ب/ ومنه قول الحجاج للطّباخ في سمكة سمنها. والعسل: العدو، والأغبس: من الغبسة كلون الذئب. وفد المسيح له فزرنا مريمًا ... ربُّ المسيح إذا رآها أفلسا وفد: أي جاء، والمسيح: العرق، وقوله: به: أي بالعسل لأنه شيرة، والمريم

من النساء كالِّزير من الرجال، قال رؤبة: لزير لم تصله مريمه والمسيح: الدِّرهم الأطلس، والضمير في رآها يعود إلى مريم، وقوله: أفلس؛ لأنه يبذله لها. وقال يرثي أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الكريم الحنفي البغدادي – رحمه الله تعالى -: [من الكامل] جاد الغمأم كأدمع الأحداق ... قبرًا ثوى فيه أبو إسحاق فلقد ثوب فيه الفضائل والعلا ... بثوائه ومكارم الأخلاق /159 أ/ قبر بعين الشَّمس فضل جماله ... بعد الشُّروق كبهجة الإشراق قبر مقيم في الثَّرى وعلاؤه ... سام على سبع رفعن طباق قبر أحاط ببحر جود مفعم ... عذب المذاقة ماؤه دفَّاق لم يستفد حرٌّ جزيل هباته ... إلا تقلَّد ربقة الإرقاق ما بعد يومك للصديق سوى الأسى ... ولهيب شوق دائم الإحراق وسهاد عين لو تزوَّجها الكرى ... نشزت فبت حبالها بطلاق وسقام جسم لو ألمَّ جديده ... بالصَّخر الجأه إلى الإخلاق أبقيت في كبدي صدوعًا لا ترى ... شعبًا ولسعًا لا يفوز براقي ليت الحمام وقد غزاك بجيشه ... آلت غنيمته إلى الإخفاق سخنت عيون الشَّام ..... رأت ... شيئًا سوى العبرات والإبراق يا غصن ريح الموت ..... عاصفًا ... فذويت بعد الرِّي والإيراق يا بدر فاجأك المحاق ومن رأى ... بدرًا يفاجأ ..... بمحاق يا شمس عاجلك الكسوف فقطَّبت ... لذهاب نورك أوجه الآفاق يا ليث ..... المنيَّة ظفرها ... ذا لبدتين وماله من واقي .. من سحابة حادث ... هطلت عليك فعدن بالإغراق /159 ب/ أثريت من صبري وفقدك ردَّني ... من بعد إثرائي إلى إملاق

غيِّبت في لحد وذكرك حاضر ... وفنيت والخيرات منك بواقي إن قيَّدتك يد الزَّمان فطالما ... جادت يداك عليه بالإطلاق ومن العجائب أنَّه يدري ولم ... يستحي حين دهاك بالإرهاق ساقيت إخوان الصَّفاء شموله ... دهرًا وأنت اليوم غير مساقي لا تغضبن عليهم فجميعهم ... صافي المودَّة محكم الميثاق أسرتني الأحزان بعدك عنوةً ... فاعطف عليَّ وحلَّ عقد وثاقي ولقد شفيت عداك من أدوائهم ... لما مرضت ولست ذا إفراق وأعدت فقداني ففقدك عارض ... ما كان وابله سوى الإصعاق لما بلغت حمى ..... فقدته ... ..... ..... بفراق لا تقدر الأيَّام بعدكما على ... تقليل أحزاني ولا أشواقي ولقد أمنت الخوف من حدثانها ... أمنًا يسهِّل حزن ما أنا لاقي يوم الحسين شبيه يوم سميِّه ... في الحزن والتَّبريح والإشفاق وإذا ذكرتكما تحنُّ إلى الرَّدى ... نفسي حنين الواله المشتاق ومتى أراد الصَّبر قلبي عنكما ... سفهًا فإنَّ الصَّبر غير مطاق /160 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه يرثيه – رضي الله عنه -: [من الكامل] جرت الدُّموع فسحبها لا تقلع ... ومضا العزاء فلا أراه يرجع أعجبت من جزعي لرزء هدَّني ... لا تعجبنَّ فذو الرَّزيَّة يجزع أبكي ولا أرجو إعادة ما مضى ... ومتى أعادت ما تقضَّي الأدمع في كلِّ يوم فقد خلٍّ مؤلم ... ومحلُّ إيناس خلاء بلقع فإلى م أحمل ما يصدِّع حمله ... صمَّ الصُّخور وكاهلي يتضعضع كنت الضَّنين بوالدي فسخا [به] ... دهر يفرِّق صرفه ما أجمع حفظتني الأيَّام قبل وفاته ... فمضى فها أنا بينهنَّ مضيَّع ومصاب إبراهيم إجهاز على ... علمي فما في قوس صبري منزع يا يوم إبراهيم إلَّا ..... ... شمس الفضائل بعده لا تطلع يوم به وجه الزَّمان مقطِّب ... داج وانف الفضل فيه أجدع اللَّيل محزون عليه لأنَّه ... مازال يسجد في دجاه ويركع

وعلى كواكبه كآبة عاشق ... فقد الحبيب فطرفه لا يهجع ذهبت محاسنها وأبطأ عيرها ... وجدًا فهن به قباح طلَّع ونهاره يثني عليه بصومه ... وقت الهجير وليس ريق ينقع /160 ب/ وإذا أتى صاد إلى إحسانه ... فله من المعروف بحر مترع يهوى البداءة بالعطاء ودينه ... صمت وإغضاء به وتخشُّع ويغضُّ عن نظر الفواحش مقلة ... تقذى إذا رأت العيون وتدمع وإذا تحدَّث من يجالسه بما ... فيه ذهاب مروءة لا يسمع وإذا جرى يوم السِّباق إلى العلا ... وقفت عن الجري الرِّياح الأربع وإذا أمال ذوي الغواية مطمع ... فيما يدنِّس لم يمله مطمع ويفلُّ حدَّ النَّائبات بحدِّه ... ويذبهنَّ عن الصَّديق ويدفع ويذُّل من عادى ويخفض صيته ... ويعزُّ بالنَّصر الوليَّ ويرفع يا موت كم أشقيت مسعودًا به ... ما زال في روض التَّنعُّم يرتع فنضا بكره عنه ثوب نعيمه ... فسروره يوم المصاب مودَّع قل للسَّحاب إذا مرته يد الصَّبا ... وذكت بأعلاه البروق اللمَّع وأصمَّت الأسماع شدَّة رعده ... فبكلِّ أذن حين يرعد إصبع واسودَّت الآفاق من إظلامه ... فعلى النَّهار من الحنادس برقع احلل عراك على ضريح حلَّه ... من لم يزل يروي نداه ويشبع وتعلَّم المعروف من معروفه ... حتى تنيل فكلُّ علم ينفع /161 أ/ واستحي لا تفخر عليه فإنِّه ... وله المفاخر بالحياء ملفَّع وحياك نائله وبرقك نشره ... فرحًا ورعدك بأسه إذ يوقع يعفو عن الجاني بغير مذلَّة ... ويكفُّ غرب المعتدين ويردع يبغي رضا الله الكريم ووجهه ... فيما يلامسه وما يتوقَّع وإذا طريق القول ضاق على امرئ ... من عيِّه فله طريق مهيع كم مشهد للعلم يعجز حيرة ... عن أن يفوه به الخطيب المصقع أمضيت فيه من لسانك صارمًا ... تفرى الأكفُّ بحدِّه والأذرع كم جائع أشبعته متيِّقن ... من بعد موتك أنَّه لا يشبع

كم ليلة أحييتها بعبادة ... لله تسهر والخلائق هجَّع سعدت قبور جاورتك وأهلها ... بخلود جنَّات النَّعيم تمتَّع جزعي لفقدك في الفؤاد مخيِّم ... ومن العجائب أننَّي لا أجزع أرضاك رُّبك بالنَّعيم مضاعفًا ... ووصلت بالخير الَّذي لا يقطع وضفا عليك من الخلود لباسه ... وصفا لديك من الجنان المكرع وسكنت جارًا للنبيِّ بمنزل ... في كلِّ وقت بالكرامة يشفع وأنشدني أيضًا يرثي أبا إسحاق إبراهيم /161 ب/ ابن محمد الرُّقي المعيد بالمدرسة النوريّة: [من الطويل] تمنَّى بنو الدُّنيا بها أن يعمَّروا ... وإنَّ المنايا من مناهم لتسخر تدور كؤوس الموت في كلِّ ليلة ... ويوم وتسقاها برغم فتسكر ونعرف أنَّا صائرون إلى الرَّدى ... ولكنَّنا نهوى الحياة فننكر نريد على مرِّ اللَّيالي تغيُّرًا ... وتأميلنا للعيش لا يتغيَّر أما في ذهاب الأهل عنَّا إلى البلى ... لمن كان ينسى حتفه ما يذكِّر أما في فناء الأصدقاء وفقدهم ... موارد أحزان لها الفكر مصدر فحتَّى م شيطان الغرور مسلَّط ... وكيف انتعاش المرء والجدُّ يعثر وكم يستغرُّ النَّفس في الغيِّ مطمع ... ويغدر بالنَّاس الزَّمان فيعذر وكم ينظم العيش الرَّخيُّ عصائبًا ... فيغتالهم صرف الحمام فينثر ومن يتَّقي بالمال سهم منيَّة ... يصاب به منَّا مقلٌّ ومكثر وما نحن إلاَّ مثل سفر مشيَّع ... فمنَّا الذي يغدو ومنَّا المهجِّر ولو غشي الألباب نور رشادها ... لكان لها في كل وقت يذكِّر ومن أبن الموتى بذكر محاسن ... فتأبين إبراهيم أولى وأجدر كريم إذا رجَّيته فزت بالغنى ... وحبر لأنواع العلوم يحبِّر /162 أ/ شجاع إذا ما الخصم صعَّر خدَّه ... أقمنا به من خدَّه ما يصعَّر ولو كان ملكًا أو خطيبًا سما به ... على كلِّ ما يسمو سرير ومنبر يروقك ألفاظًا حلت ومعانيا ... ومن سرعة الإدراك لا يتفكَّر وكم وشي شعر حاكه ببديهة ... إذا وشت استحيت من الوشي عبقر

بنى لأبيه بيت مجد مشيِّدًا ... إذا طاولته الأنجم الزُّهر تقصر وكان عصاميَّ السِّيادة نفسه ... تعلِّمه أفعالها وتبصِّر يذكِّرني أخلاقه بهبوبه ... نسيم الصَّبا والرَّوض ريّان أخضر فتزداد أشواقي إليه وبينه ... وبيني منهال من التُّرب أغبر شكوت خطوب الدَّهر من قبل فقده ... ومن بعده البلوى تزيد وتكثر شرين خيار النَّاس من بشرهم ... فبعت على كره لأنِّي أخسر خليليَّ هلاَّ تسعداني فإنِّني ... ذخرتكما وألخلُّ للخطب يذخر أعيراني الصَّبر الجميل فإنِّني ... جزعت ومن لي أنَّني عنه أصبر قفا بي على قبر الغريب وإنَّما ... وقوفي عليه عبرة وتحسُّر ولو أننَّي أنصفته فاض مدمعي ... دمًا فكأنِّي في شؤوني أنحر وقولًا له مغناك بعدك مظلم ... تجنَّبه السُّكَّان والتِّبر نيِّر /162 ب/ وقولا له إن حالت الأرض بيننا ... تساوى له عندي مغيب ومحضر وقولا له عظَّمت قبرًا سكنته ... فليسُّ يمس القبر إلا المطهَّر فقدناك فقد الرَّوض سقيا سحابة ... وفقد الضحى شمسًا بها كان ..... ولو كانت الأنواء عالمة بما ... وهانا لما زالت من الحزن تمطر ولو عرفت شمس الضُّحى ستر وجهه ... بهيل تراب لم تزل تتستَّر طوته المنايا في اللُّحود وحمده ... إلى يوم إنشار الخلائق ينشر ويحيا الفتى بالذِّكر بعد وفاته ... وما مات من آثاره الغرُّ تذكر وأنشدني من شعره لغزًا في اللحية: [من الطويل] وصاحبة مصحوبها لا يملُّها ... إلى الموت يكسي جسمها ثوبي الدَّهر يخاف إذا ما صارمته وأنَّه ... يرى هجر بعض إن أحبَّ أبا بكر تصاب بغسل إن أصيب ولم تكن ... لتغشى ويحيا الطُّهر إن كان ذا طهر وأنشدني أيضًا في الديك والدجاجة: [من الخفيف] جارتي أمُّ حفصة وأبو المنذر زوجان يرضيان الفجورا حرَّما الغسل دائمًا عن جماع ... واستباحت دم ابنها المحضورا فصحيح إذا ناها وإن يدن ترى العين صلبه مكسورا

/163 أ/ وهو عاج أبو لجين وتبر ... سخيًا لابسين فيه حريرا وأنشدني أيضًا لنفسه يلغز: [من الطويل] رأيت أبا بكر يصلِّي وقد زنى ... بأنثى ولم ينكر عليه محمَّد ولولا ابنه أو عرسه لم يكن أتى ... إلى عمر في الدَّهر يومًا موحِّد وعثمان لم يظلمه قاتله وما ... لحيدرة إذ جار إلاَّ المهنَّد وقال: [من الكامل] وقب الظَّلام بخدِّه فأعاذني ... من لامني من شرِّ ليل غاسق ما زال يظلمني البياض ويعتدي ... فاسودَّ من ظلمات ظلم العاشق وله: [من مجزوء الكامل] كم خاب ذو العقل الصَّحيح ... وفاز ذو العقل السَّقيم فالله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وقوله: [من الكامل] يا من تراه الشَّمس وقت شروقها ... فتصير حمراء المحيَّا والحيا وأقبِّل التُّفاح وهو مذكِّري ... خدَّيه مكتفيًا بآل عن حيا لما عصيت اللاَّئمين تقوَّلوا ... زورًا وأخرجهم إلى السَّفه العيا /163 ب/ وأنشدني قوله في غلام قبّل المرآة: [من الكامل] أمقبِّل المرآة حين رأى بها ... وجهًا يردُّ الطرف عنه كليلا لا أحسد المرآة حين منحتها ... قبلًا لأن لثغرك التَّقبيلا وأنشدني لنفسه ابتداء قصيدة: [من الكامل] ظفرت يد المشتاق يوم فراقه ... أهل النَّقا من طيبهم بعناقه وأراد منه قبلة يحيا بها ... فاستعجل الحادي بحثِّ نياقه ومنها: لم أنس ليلة زارني ونسيمه ... عبق يفوح المسك من أطرافه فلثمت من فيه أقاحي روضة ... حل الغمام بها عقود نطاقه

فسألته إخلاصه لو كاده ... والحسن يأمره بقبح مذاقه هو كالزَّمان إذا أذاقك حلوه ... أسقاك مرًا منه بعد مذاقه ومنها: فالعلم محروم بقبح كساده ... والجهل مرزوق بحسن نفاقه يا ليتني أبصرت قبل منيَّتي ... من نال حظًّا منه باستحقاقه [101] أحمد بن المبارك بن نوفل /164 أ/ ابن ناش بن المهيا، أبو العباس الضرير النحويُّ النصيبيُّ. أخبرني أنَّه ولد بقرية من نواحي الموصل – تدعى خرفة – غربيها، وانتقل إلى نصيبين وعمره اثنتا [عشرة] سنة، فأقام بها مدّة فنسب إليها. ثم قدم الموصل وصحب الشيخ أبا حفص عمر بن أحمد العسفنيّ النحويّ، فأخذ عنه علم العربية، وقرأ عليه أشعار العرب واللغة والعروض، وسائر فنون الأدب. وكان أولًا قد درس فقه الشافعي والفرائض والأصول والحساب وغير ذلك، وذكر لي أنه حفظ القرآن العزيز في سبعة أشهر. سألته عن ولادته، فقال: ما أتحققها إلا [أن] لي الآن أربعون سنة. وكان سؤالي له في شوال بالموصل سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وهو رجل فاضل عالم حافظ لأخبار الناس وحكاياتهم ونوادرهم يغشى مجلسه جماعة من المستفيدين، يقرأون عليه. وصنف كتبًا في النحو والعروض، منها كتاب سماه "إيضاح العلل الخوافي في معرفة العروض والقوافي"، وكتاب في النحو /164 ب/ سماه "بيان المنهج وشرح الأنموذج" لأبي القاسم الزمخشري، وكتاب

"الرجحان في شرح الميزان" لأبي البركات الأنباري، وكتاب "الإفصاح في شرح الإيضاح" لأبي علي الفارسي. وهو مقل من عمر الشعر، يقول منه يسيرًا في غرض يقع. أنشدني لنفسه، وكان في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة في جمادى الأولى بعد رجوع التتار الملاعين – خذلهم الله تعالى – عن الموصل، وأمر أميرها بدر الدين لؤلؤ ابن عبد الله بتعطيل المدارس وصرف الفقهاء والمدسين، وأن لا يقيم أحد بها غير بوَّاب وفرَّاش وإمام ومؤذن، يستعين بذلك على العدو وقمعه. ثم أقطعها الأجناد والأمراء فلم يبق يومئذ بالموصل مدرسة يدرس فيها الفقه، فعند ذلك سافر المتفقهة وتبدد شملهم، وتفرقوا في البلاد، ودثرت معالم الدين، وعظمت البلوى لنزول هذه الحادثة الشنيعة، وحلول هذا الخطب الجسيم، فقال في ذلك أبو العباس متوجعًا نادبًا لرسوم الفقه باكيًا أهله: [من الخفيف] /165 أ/ يا لخطب دها وشأن شنيع ... وبلاء فاجا وآمر فظيع ورزايا أصابت الدِّين حتَّى ... هدمت منه كلَّ حصن منيع ومصاب ذلَّت به ملَّة الإسلام ... من بعد عزِّها المجموع وانتهاك لحرمة الشَّرع بالمنكر ... من خفض قدره المرفوع حين أضحت معالم العلم قفرا ... آفلات الأقمار بعد الطُّلوع خاليات من لذة الأنس فيها ... موحشات الأرجاء بعد الجموع لهف نفسي على المدارس إذ تندب سكَّانها بفيض الدُّموع سلبت بهجة الدُّروس فأضحت ... في دروس من بعدها وخشوع طالما كان ليلها كسنى الفجر بتكرار كلِّ فنٍّ بديع إذ بسكانها يؤسّس للدين مباني أصوله والفروع فابك يا صاح بعدها منصب الشَّرع بحزن وعبرة وخشوع ثم منَّ الله بعد ذلك على الفقهاء وأهل العلم، وتداركهم بلطفه وأنزل في قلب الأمير بدر الدين بأن أمر بردّ الفقهاء إلى المدارس، وإعادة جراياتهم، وذلك في أوائل

شهر صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة. /165 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه يصف الربيع: [من المنسرح] لله درُّ الرَّبيع من زمن ... في طيب آنائه وأوقاته فهو نبيُّ الزَّمان والزَّهر الزَّاهر في الحسن بعض آياته من كلِّ لون يتسأسر اللَّحظ إذ ... يرنو ويحبوه فوق مرضاته بكى على ..... طربًا ... فضاحكت أرضه سماواته وانتثرت أدمع السحاب به ... فنظَّم الدُّرَّ حسن إنباته . في الرُّبى برود بأيدي ... المزن فيها جميل صنعاته يا حبَّذا نفحة الرِّياض إذا ... باشرها الطَّلُّ وقت خطراته كأنَّها نشر من تحبُّ وقد ... واصل من بعد طول غيباته وحبَّذا ذلك النسيم الَّذي ... يحيى بغدواته وروحاته يهدي إلى كلِّ ذي حياة إذا مرَّ عليه جميع لذَّاته وأنشدني أيضًا من شعره: [من الخفيف] همَّتي همُّها بلوغ الثُّريَّا ... لكن الحظُّ نجمه في الحضيض فمتى ما نهضت أبغي المعالي ... ردَّني الدهر ذا جناح مهيض وإذا قالت السَّعادة لي اقرض ... قلت: حال الجريض دون القريض /166 أ/ كيف أسمو وطالع الحظِّ يقضي ... بأمور صحيحها كمريض [102] أحمد بن قرطايا بن عبد الله، أبو الثناء بن أبي الوفاء الإربليُّ الأصل. الكامل، والأروع، الفاضل، والشهم الذكي، والفطن اللوذعي، ذو الكرم

والسخاء، و ..... والرواء، والصبح المحيا، الذي ..... والنفس الأبية، والمروة والأريحية، إن استغاثه مستجر حماه، ..... له النظم المطرب في النثر المغرب، والبلاغة الإنشائية، والعبارة الكتابية، أربى بإجادتها على الكتاب المترسلين، وفاق بإنشائها على البلغاء المبرزين]. كان والده من عتقاء الملك المعظم مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين صاحب إربل – رضي الله عنه – وكان أعظم أمير في دولته، ناب عنه في مملكته، رفيع المنزلة لديه، فاعتقله مخدومه بقلعة كرخين، ومات محسوبًا – رحمه الله تعالى – وكان يميل إلى أهل العلم، ويقرّبهم لأجل ولده هذا؛ لأنه كان يبالغ في تأديبه، ويجتهد في تعليمه، وسمع الحديث النبوي وجالس فضلاء ذلك الوقت .. فنبغ – بحمد الله – أميرًا كبيرًا نبيلً متأدبًا جليلًا مقبولًا عند ملوك زمانه، وافر الحرمة لدى سلاطين أوانه. وابنه هذا أمير جليل ذو منظر حسن، وفيه بشر وحياء ومحاضرة مليح الخط، جيد القول نظمًا ونثرًا، ويعرف علم النجوم والإصطرلاب. أخبرني أنه ولد يوم الإثنين التاسع والعشرين من المحرم سنة ثماني وتسعين وخسممائة بالدربند، بقرية تعرف بالراية من أعمال إبريل. ترددت إليه أيام مقامي بإربل، وكان ينشدني أشعارًا في الغزل وغيره، وخرج عن إربل متوجهًا في ذي الحجة سنة ثلاثين وستمائة، نحو حلب، ونزل بها، وأقبل عليه مالكها السلطان الملك غياث الدين وقربه إليه، وأنعم عليه إنعامًا عظيمًا، ولم يقبل على أحد من الأمراء. /166 ب/ كإقباله عليه. وكان السفير بينه وبين الملك الكامل فيما يرجح إلى إصلاح الدولة؛ فلم تطل به الأيام حتى توفي الملك العزيز، فزيد في إكرامه، واحترم احترامًا عظيمًا وافرًا، واستدعي من الديون العزيز المستنصري، ووصل إلى مدينة السلام في شهر شعبان سنة خمس وثلاثين وستمائة، فحيث قدمها

أكرم مورده، وأنعم عليه إنعامًا عظيمًا، وأقطعه إقطاعًا تليق بمثله ببلد البطائح، وعرفوا نبله وفضله، ولقب من دار الخلافة بعدة ألقاب، وكني أبا شجاع، وكان من قبل يكنى أبا الثناء ..... لم يكرمه مثله أحد من الأمراء الذين هم ..... إلى هذه الفضائل التي أحرزها علمه بالآداب الملوكية ..... بالجوارح والكلاب واللعب بالكرة وسباق الخيل ..... في الفروسية، وما يتعلق بهذه الأصناف السلطانية. ثم إنه كان أخبر الناس بملاقاة الملوك ومخاطباتهم والوقوف بين أيديهم، وأقدرهم على المفاوضة لهم، وأحسنهم في ..... فمما أنشدني لنفسه: [من الطويل] لذي السَّالف المسكيِّ والمقلة النَّجلا ... رسيس هوى في القلب يبلى ولا يبلى عزيز عرفت الذُّل من كلفي به ... وكم من عزيز في الهوى عرف الذُّلاَّ كثير التَّجنِّي ليس لي عنه سلوة ... وأعجب شيء جائر الحكم لا يسلى ومعتدل كالغصن لا عدل عنده ... ولولا شقائي في الهوى عرف العدلا فلا تعذلوني في هواه فإنَّني ... حلفت بذاك الوجه لا أقبل العذلا دعوني وشكوى الحبِّ بيني وبينه ... فما أعذب الشَّكوى إليه وما أحلى وأنشدني أيضًا بحلب المحروسة محاضرها السليماني يوم الجمعة الرابع والعشين من جمادى الآخرة: [من الطويل] لعلَّ لقاء بعد طول التَّفرق ... يبلُّ أوامًا من غليل التَّشوُّق فمنُّوا بتعليل المنى من لقائكم ... فربَّ منى تشفي صبابة شيِّق فيا ويح قلبي عزَّ فيكم سلوُّه ... فدمعته حرَّى بعدكم ليس ترتقي بعدتم فلا نشر الشَّام كطيبه ... قديمًا ولا للعيش بهجة رونق ولا حلب مذ غبتم دار لذَّة ... لبعدكم عنِّي ولا ربع جلِّق ولا غيِّر النَّأي الَّذي تعلمونه ... وحاشا هواكم ينقضي بألتَّفرُّق أهيم إذا ما لاح برق دياركم ... وأسأله أخباركم في التألُّق وأستنشق الأرواح منكم وحبَّذا ... لمغدى الصبا من أرضكم طيب منشق وأصبو لها وجدًا وأبرح لوعة ... بلين التَّصابي وجدعان ومطلق

وأبعث أشواقي مع الرِّيح علَّها ... تمرُّ بريَّا من صباكم فتلتقي وأيُّ نسيم الرِّيح يبلغ مشئمًا ... وقد خاب مسراها رسالة معرق وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] أيوسف إن أصبحت للوعد مخلفًا ... وبالعهد غدَّارًا فغير بديع بذا العقل والتهوير ضيَّعت شيزرًا ... وتأمل منها حظوة برجوع وكان من الأيَّام ملكك غلطةً ... وعارًا عليها فابكها بنجيع /167 ب/ وأنفذ له الشهاب الشيزري فهدة فطلعت عرجاء فكتب إليه، وكان أعرج أيضًا: [من الكامل] جاد الشِّهاب الشَّيزريُّ بفهدة ... عرجاء زعمًا كلُّ ذي عرج زري فليعذر الملك العزيز محمَّدًا ... في نفيه لعراجه عن شيزر وقال فيه أيضًا: [من الوافر] وقالوا: الشَّيزريُّ غدا مهانًا ... لجهل والهوان به خليق فلا في الشرِّ يخشاه المعادي ... ولا في الخير يرجوه الصَّديق وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] بنتم فشوقي على ما تعلمون وكم ... قد فرَّق الدهر أحبابًا وأخوانا لو كنت أملك بالأموال ردكم ... وبالكرائم ممَّا أقتني هانا واهًا لبغداد من دار لقد عدمت ... منكم ..... ومن معناك لقمانا تغدو الشَّياطين فيها من أطبتَّها ... ممرَّدين فلو ألقى سليمانا وما كتبه إلى مولانا أمير المؤمنين [المستنصر بالله]: [من الطويل] أرقت لبرق بالدِّيار كليل ... فيا لك من ليل عليَّ طويل وآمرة بالصَّبر عمَّن أحبُّه ... إليك فحسن الصَّبر غير جميل /168 أ/ سقى جيرة الشَّهباء من سفح جوشن ... غوادي حيًا ذي هيدب وسيول نأوا وهم الأدنون والدهر مولع ... بتفريق جمع أو بصدع قبيل

خليليَّ هل لي في الأخلَّاء مسعد ... على لوعة ما تنقضي وغليل تبرِّح بي ذكرى ..... وتركتهم ... وقد ساءهم حيث ارتحلت رحيلي ثلاثة أغصان رجوت نموَّها ... رمى الدَّهر شفعًا منهم بذبول فقد ساء بالماضين دهر ولا أرى ... إلى أوبة الباقين وجه سبيل دواء بأكناف الشّام ممنَّع ... ومؤلم داء بالعراق دخيل يطالبني قلبي ..... إليهم ... وإن طاب في ظلِّ الإمام مقيلي أبي جعفر المستنصر بن محمَّد ... خليفة حقٍّ وابن عمِّ رسول كريم السَّجايا غافر الذَّنب قادر ... شديد على الأعداء غير عجول عليه جلال للنُّبوَّة لائح ... كشمس الضُّحى لاحت بغير دليل محبَّته فرض أتى بوجوبها ... تلاوة آيات وحكم نزول إمام هدى طال الخلائف فعله ... فأعجز عن شبه له ومثيل حمى الدِّين واستدعى الكتائب فانبرت ... إلى النَّصر خيل أردفت بخيول وليلة يمَّمنا من الشَّام ظلَّه ... بعزم كحدِّ المشرفيِّ صقيل /168 ب/ هدانا إلى معرفة نور وجهه ... فبتنا نشيم البرق غير كليل تجوب إليه الأرض حبًّا ورغبة ... ونفري الفيافي من نقًا وسهول ولو شاء نلنا من خراسان مانعًا ... بسمر قنا ملد وبيض نصول دنونا فألفينا الندى في جنابه ... خصيبًا وفيض الجود غير قليل فرقَّت حواشي العيش في ظلِّ ملكه ... وراقت كمزن ضعِّفت بشمول لنا منه إحسان إلينا ورأفة ... علينا وعطف واصطناع جميل هنيئًا لأهل الأرض عدل خليفة ... غدا لرسول الله خير رسيل أبا جعفر مالت إليك قلوبنا ... فملنا إلى حسناك كلَّ مميل أتيناك نبغي عيشة من ..... ... ببابك في ظلٍّ لديه ظليل تركنا على وعد من القرب أهلنا ... وخلنا النَّوى مرماه غير طويل قضى شطرهم دون اللِّقاء بغربة ... ولست على سبِّ الرَّدى بوكيل فإن شملتنا نظرة منك حقَّقت ... مآرب نرجوها وحسن وصول وكيف قنوط النَّفس من قرب زورة ... ورأي أمير المؤمنين كفيلي

وما كتبه إلى صاحب الديوان يتشوقه إلى واسط؛ وهو فخر الدين /169 أ/ المبارك بن يحيى المخزومي: [من الوافر] أجدَّك لو أتيتك بالصَّواب ... لجئتك ساعيًا عوض الكتاب ولو أنِّي استطعت لكنت دهري ... ملازم مجدك الخضل الرِّحاب أيا مولاي فخر الدِّين عذرًا ... لمشتاق يقصِّر في الخطاب غدت بغداد بعدك في حنين ... تراقب منك ساعات المآب فحيَّا واسطًا إذ بتَّ فيها ... ملثٌّ القطر منبجس السَّحاب وأعقل ركبة في كلِّ أرض ... يحلُّ بها المبارك بالرِّكاب تملَّكت القلوب فدتك نفسي ... أبا سعد بأخلاق عذاب فلي مذ سرت نحو فرط شوق ... كشوق أخي ..... ..... سلام الله منِّي كلَّ يوم على ... علياء بابك والجناب ومما عمله بديهًا بدار الوزارة الشريفة مجاوبًا لبدر الدين أب نصر زيادة دجلة، وانقطاعه عن خدمة الدار: [من الطويل] وقيت الرَّدى يا موج دجلة بيننا ... إذا ما طرا من موجبات العوائق فما قطعت تيه السماوة عنكم ... مرادي إذا ودِّي لكم ودُّ صادق /169 ب/ ولا بعدت دار وللنَّفس هبَّة ... إليها ولو حالت سلوك المضايق وقال أيضًا: [من الكامل] سقيت قبور بالشَّام ولا ونى ... جفن السحاب بها يسحُّ ويسمح أجداث من اعزز عليَّ بفقدهم ... فينا عليهم غلَّة لا تبرح جدث به الملك العزيز وحفرة ... ضمَّت أخي والقرح بالأخ أبرح وقال أيضًا: [من الطويل] إذا ما سقى الغيث الشَّام فلا غدا ... ربى حلب من سحبه كلُّ ممطر ديار بها مثوى العزيز محمَّد ... أخي الجود جادته دموعي بكوثر جزى الله عنِّي أهلها كلَّ صالح ... أطابوا مغيبي بالثَّناء ومحضري صحبتهم حينًا كأنَّا مع النَّوى ... ذوو رحم في إربل لم تغيَّر

وقال أيضًا من قصيدة عملها ليسيرها إلى شمس الدين لؤلؤ تشوقًا إليه، ولم يسيّرها: [من الطويل] صفا لك ودِّي والدِّيار بعيدة ... وما الصَّفو إلَّا ما يكون على البعد وما غيَّرتني عن عهدك سلوة ... وكلُّ الَّذي في البعد يبقى على العهد /170 أ/ أبا الفضل جادت ربع دارك ديمة ... تبسَّم فيها البرق من غضب الرَّعد يفلِّل جيش المحل حبل بروقها ... بصارمها المسلول من باطن الغمد يضوع عليها من خلال برودها ... ..... طيب من شذا البان والرَّند تحوك بها وشيًا من الرَّوض مذهبًا ... وترقم طرزًا فوق جدولها الجعد فأحسن بخد الأرض منها معذَّرًا ... وإن كان حسن الخدِّ وصفًا من المرد فهام رباها تحت تاج مرصَّع ... وجيد حماها في الثَّمين من العقد فللَّه قلبي ماله كلَّما بدا ... له البرق شامََيًا يهيم من الوجد يذكِّرني من طيب قربك ذاهبًا ... وعيشًا صفيق الظِّلَّ في زمن رغد فوا وحدة إلا لا أراك مصاحبًا ... وإن كنت ذا قوم كرام ذوي ودِّ فما كان أهنأ العيش لولا منيَّة ... أتاحت لنا فقد العزيز على عمد فلو أن دهرًا ردَّ سالف عيشة ... على سائل يومًا سألناه في الرَّد ومما أراد أن يسيره إليه ولم يسيره: [من الوافر] خيال زار وهنا في المنام ... يذكِّرنا لييلات الشَّام وعيشًا بالعواصم مرَّ رغدًا ... لنا في خدمة الملك الهمام أهيم إليك شمس الدِّين شوقًا ... فيا لله شوق المستهام! /170 ب/ يذَّكرنيك ضرب البيض صبرًا ... وطعن السُّمر في يوم الزحام وأوقات السُّرور وركلُّ خلٍّ ... لقيت وطيب ساعات المدام وأذكر منك عزمًا كان أمضى ... على الأعداء من حدِّ الحسام وأخلاقًا كنشر الرَّوض مرَّت ... معطَّرة بأنفاس الخزام سقى مثوى العزيز سحاب دمعي ... إذا ما ضن منسجم الغمام وحيَّا الله من حلب مقامًا ... وأجداثًا بأكناف المقام سلام رائح منِّي وغاد ... عليهم من حمى دار السَّلام

ومما كتبه إلى عز الدين صدقة جوابًا عن كتاب ورد منه يذكر فيه سلام الصدر الكبير تاج الدين بن إربل: [من الطويل] تحيَّة من بالودِّ منك كفيل ... مقيم بحفظ العهد ليس يحول يكلِّف خفَّاق النَّسيم سلامة ... إليك فخفَّاق النَّسيم رسول أحمِّله شوقي ولو كان ممكنًا ... عملت ببرح الشَّوق حين يقول وأسأله حمل الجواب لو أنَّه ... مليء بإيراد الجواب حمول /171 أ/ كفى أسفًا إذ لا تزاور بيننا ... ولا رسل إلَّا أن تهبَّ قبول رحلت فللزَّوراء نحوك لفتة ... يرقُّ لها قاسي الفؤاد عذول سقى جانبي بغداد غادر ورائح ... من الودق لماع البروق هطول منازل أهليك الَّذين تريدهم ... ورهطك والرَّهط ..... قليل ولا دار من تهواه منها بعيدة ... ولا الرَّسم فيها من هواك محيل وإن بتَّ ذا شوق إليها فشوقها ... إليك على مرِّ البعاد طويل وعزُّ بني أيُّوب سام رواقه ... عليَّ وظلُّ وارف وظليل تدرَّع بحسن الصَّبر فيما لقيته ... من الدَّهر إن الصَّبر منك جميل بلى لك في خلق ابن نصر وفعله ... وقرب علاه موطن وقبيل ولا عجب إذا أنت منها تحبُّها ... ويحنو عليها نازح ودخيل ففي حبِّها خلَّفت قومي وجدَّلي ... عن الأهل والرَّبع الأنيس رحيل وفارقت عليا الشَّام ..... لأجلها ... ولي في ذراه مسرح ومقيل لك الله إذ بدِّلت عنها بإربل ... وبالرُّغم إذ عنها الخراب بديل كرهت بناديها المقام أنيسة ... وقد أوحشت دار لها وطلول فقد يكره المرء الَّذي فيه ضرُّه ... ويوثر فعل الأمر وهو وبيل /171 ب/ ومن يلق تاج الدِّين ماشطَّ أهله ... ولا بان عنه صاحب وخليل وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] يجدِّد شوقي طيفكم كلَّما سرى ... إليَّ ولكنَّ الخيال كذوب لعلَّ نسيم اللَّيل في نفحاته ... يخبِّرني أنَّ اللِّقاء قريب تمنَّيت يومًا وصلكم فحرمته ... وكل أماني العاشقين نحيب

ومنُّوا بلقياكم على ضعف مهجة ... متى نشدت ذكراكم فتذوب ولا تحسبوا أن الحياة تلذُّ لي ... وأيُّ حياة للفراق تطيب سأنكر عرفاني لكم عند سائلي ... حذارًا عليكم أن ينمَّ رقيب وأصغي إذا الرَّاؤون أجروا حديثكم ... وأعرض كيما لا يقال مريب وأنشدني لنفسه من صدر مكاتبة جواب أبيات لأبي المجد أسد بن إبراهيم الكاتب الإربلي النشابي كتبها إليه فأجابه الأمير على الوزن والقافية: [من الطويل] أبا المجد شوقي جاوز المدَّ وصفه ... إليك فهل يوم اللِّقاء قريب يقرُّ لعيني أن أراك وشملنا ... جميع وليلات مضين تؤوب /172 أ/ فمن لي بلقيا أسعد لا عدمته ... ويدعو ودادي حبَّه فيجيب وليس ..... ..... ... ولكنَّ صبري مذ نأيت عجيب وأنشدني أيضًا قوله من أبيات: وقد نزل عمّكاباذ – قرية على باب إربل فيها يباع الخمر ويقصدها أهل البطالة والخلعاء من الناس وأرباب الحرف يشربون بها – وفيها شخص اسمه نيسان خمار: [من الطويل] ولمَّا نزلنا عمّكاباذ شاقنا ... زيارة نيسان وحانته الكبرى ذكرنا بها ليلات لهو حميدة ... تقضَّت مع الأحباب أكثرها شكرا فيا ضيعة الأعمار إن كنت بعدها ... أعدُّ زماني كلَّه أبدًا عمرا وحدثني أنه نزل بدير باقوقا. وكان به راهب يقال له معدان حبيسًا، له أربعون سنة، فقال: [من البسيط] يا ساكن الدَّير إن كان ابن معدان ... أمسى حبيسًا فإنِّي المغرم العاني وإن قضى زمنًا في الدَّير معتكفًا ... فقد قضيت مع الأحباب أزماني /172 ب/ كيف السُّلوُّ وهل أبغي بهم بدلًا ... وحبُّهم شيعتي والشَّمر سلواني فهم وإن هجروا في القلب منزلهم ... وهم وإن وصلوا ..... أحزاني ويا حمامة دوح الدَّير عن شجن ... تشكو الفراق كلانا حلف أشجان شتَّى الصَّبابة والأشواق تجمعنا ... ما شان لوعتها في نوحها شاني لفقد طائرة نشدانها أبدا ... والأسمر اللَّدن ساجي الطَّرف نشداني

نائي المزار قريب الدَّار محتجب ... روحي الفداء لذاك النَّازح الدَّاني [103] أحمد بن عليِّ بن الحسن بن محمد بن رضى، أبو العباس بن أبي المكارم العمرانيُّ الأزديُّ الموصليُّ. من أبناء الرؤساء والمتصرفين في جلائل الأعمال في الدولة الأتابكية ولهم المحلُّ الأسنى في الرئاسة. وأبو العباس هو اليوم المستوفي بالديوان الملكي البدري بالموصل، وإليه الحكم والنظر في الارتفاعات. حفظ القرآن العزيز، وقرأ طرفًا من الأدب، وعرف من الفرائض ما يحتاج إليه؛ وله اتساع تام في صناعة الحساب وضروبه والأشغال الديوانية، /173 أ/ وحل التراجم والألغاز. لقيت أبا العباس بمدينة إربل سنة ست وعشرين وستمائة؛ فوجدته عارفًا بمقادير الناس، كثير الثناء عليهم، رئيسًا في نفسه، غاية في الذكاء والفهم، ينشئ فصولًا حسنة، ويعمل أشعارًا جيدة. ثم إنه أي لغز سمعه تسارع في حله وكشفه من غير توقف ولا فكرة كأنه يعرفه. ومما أنشدني لنفسه، وكان قد وعده أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد الكريم الجزري الكاتب المنشئ بشيء من رسائله، فاستنجزه بهذه الآيات: [من البسيط] قل للوزير ضياء الدِّين منبسطًا ... في القول إنَّك ذو فضل وإفضال أحرزت قدح المعلَّى في العلاج جذعًا ... وفزت من مجدها بالشَّامخ العالي

خطبت منك وحسن الظَّن يشفع لي ... إليك إبنة فكر مهرها غالي لمثلها تذهل الألباب ليس لذي ... خدر تجرِّر تيها فضل أذيال قلَّدتني مننا بالوعد قابلها ... شكري وحقَّقت في علياك آمالي فاشتدَّ شوقي إلى استجلاء عزمتها ... أفدي البشير بها بالأهل والمال وله: [من الكامل] /173 ب/ لولا تعلُّله بقرب كتابكم ... عادت حشاشته لشوق تزهق عذر يذود عن اللِّقاء ومهجة ... سلبت قرارًا فهي وجدًا تقلق وأنشدني أيضًا قوله: [من الطويل] رعى الله أحبابًا ترحَّلت عنهم ... وخلَّفت قلبًا عندهم لا يفارق وما كنت ممن نفسه بفراقهم ... تسامح لكن فيه عذري ناطق وأنشدني أيضًا من شعره: [من الوافر] على العهد القديم وإن تناءوا ... مزارًا أو تباعدت الدِّيار أحنُّ إليكم فأبلُّ شوقي ... من الذِّكرى وهل يغني إدِّكار عدمت الصِّبر مذ رحلوا وبانوا ... إذا بعد الأحبَّة لا قرار فوا أسفًا على عصر التَّصابي ... كأنَّ العيش فيه مستعار إذا أرخى الزَّمان لنا عنانا ... يعزُّ به ومن كثب يغار فأيَّام الثُّبور به طوال ... وأعوام السُّرور به قصار وأنشدني لنفسه لغزًا في القبر: [من الطويل] ومستودع كلُّ الأنام لهم به ... وثوق وفيه الغدر ضربة لازب .. بما يحويه حينًا وبرهة ... ويتلفه فعل العدوِّ الموارب وأنشدني لنفسه يرثي أخاه /174 أ/ أبا حامد محمد بن علي، وتوفي بمدينة إربل: [من الطويل] رسوم عفت منكم ورسم تجددَّا ... وقلب غدا من شدَّة الوجد مكمدا وعين بفيض الدَّمع تجري تأسُّفا ... على من ثوى في ظلمة الرَّمس ملحدا أقول لربع كان بالحبِّ أهلًا ... فأقفر من سكَّانه وتأبدا

أيا منزل لأحباب لا زلت بعدهم ... خرابًا وما والاك إلا ..... أبا حامد لو يرهب الموت ..... ... لها بك حقًّا أن يفاجئك بالرَّدى أبا حامد لو خلَّد المرء مجده ... لكنت على المجد الأثيل مخلَّدا أبا حامد فقت الأنام تفضُّلًا ... وفضلًا وإحسانًا وحلمًا وسؤددا إذا افتخر الأقوام يومًا بحلَّة ... فخرتهم بيتًا كريما ومحتدا لقد كنت لي عضبًا أصول بحدِّه ... إذا كشَّرت عن حدِّ أنياها العدا وقد كنت لي حصنًا ألوذ بركنه ... من الدَّهر إن مدَّت حوادثه يدا يهيج أحزاني عليك حمائم ... تحاور من شجو حمائم غردَّا سقى الله تربًا أنت فيه موسَّد ... سحاب الرِّضا والعفو مثنى وموحدا أيا ساكن الأرض الغريبة ميِّتًا ... عليك سلام الله وقفًا مؤِّبدا وأنشدني لنفسه وقد أهدى إلى بعض الرؤساء طيبًا: [من الوافر] /174 ب/ ..... بطيب ذكرك ..... ... إذا ما كان غيرك مستطيبا وما أهدي إليك الطِّيب إلَّا ... ليكسب منهم أرجًا وطيبا [104] أحمد بن جعفر بن أحمد بن محمود بن هاشم، أبو الفضل الوائليُّ الهيتيُّ المعروف بالحائك. شاب أسمر؛ وهو شاعر من المكثرين الأكياس المطبوعين، ماجن خفيف الروح، دمث مداعب، يقفو نهج أبي عبد الله الحسين بن الحجاج في أقاويله، ويتبعه في سائر مقاصده وفنونه. قدم بغداد، وامتدح الناصر لدين الله أبا العباس أحمد – رضي الله عنه – ومن بعده من الخلفاء، ورؤساء الحضرة والأمراء وغيرهم. وهو صاحب الكتاب الموسوم بـ "الانتصار لآل شيث على ذوي الابن والمخانيث" ناقض به كتاب الصدر أبي محمد عبد الله بن محمد بن الهروي في ذكر معائب الحاكة وسخافة عقولهم، واتضاع أقدارهم وخمولهم؛ فأنشأ أبو الفضل هذا الكتاب، أحسن ترتيبه /175 أ/ ووضعه، وأجاد ترصيفه وجمعه؛ وضمّنه كل نكتة غريبة، ونادرة عجيبة، من أحوال المخنثين،

وأمور البغائين، ومما اصطلحوا عليه في كلامهم ومخاطباتهم وأقوالهم؛ فجاء الكتاب لم يسبقه أحد إلى تأليف مثله أعجز من تقدمه، وجاء بعده في هذا الشأن. وله القصيدة السائرة التي سماها "ذات الفنون وسلوة المحزون" نحا فيها نحو القصيدة السوسية التي أوّلها: [من المنسرح] الحمد لله ليس لي بخت ... ولا ثياب يضمُّها تخت وقصيدة أبي الفضل تربي على ثمانمائة بيت، استوعب فيها جميع أجناس الحرف والصنائع على اختلاف حروفها. وكتبت منها أبياتًا يسيرة ولم أستكثر منها شيئًا لفرط ما حشا فيها من الهزل والمجون، وفيها مدح للإمام الناصر لدين الله – رضي الله عنه -. أنشدني منها بمدينة السلام، وأولها: [من الهزج] لحى العاذل البتّ ... على الفقر وأصبحت وما نلت الغنى حتى ... يقول الناس أفلست /175 ب/ ولم يدر بأنِّي ... في طلاب الحظِّ لجَّجت فلو نال الغنى بالجدِّ ... جدًا كنت قد نلت وما أبصرت لي ملجا ... سوى أنِّي تمسَّكت بحبل من إمام العصر مولانا وفوَّضت إليه الأمر لما صلح الفكر وسلَّمت كذا أيقنت أنِّي من ... صروف الدَّهر قد فزت وأعطيت به الأمن من الدَّهر فأنقذت هو النَّاصر لازال ... به ينتصر الوقت هو القبلة للخلق ... ولي أنَّي توجَّهت بالائك يا مستخلف ... الرَّحمان قد لذت فما في الخلق لي غيرك لا فوق ولا تحت ولا إلَّاك لي بحر ... يروِّيني ولا قلت ولا غير أياديك ... وآلائك أمَّلت

وأنت القبل والبعد ... فعش ما اتَّسع البيت وهي طويلة، وهذا القدر يغني. وقال أيضًا: [من البسيط] /176 أ/ الجهل عمَّ ولو خصَّ الحجى أحدًا ... لباينوه وساموه إلى البله والغافلون إذا ما أبصروا يقظًا ... ظنوا بيقضته ضربًا من الوله وقال أيضًا من قصيدة: [من الطويل] لك الخير موفور إلى م تغور ... وقربك مأثور وأنت أثير وحتَّام [ربع] الوصل منك مصوِّح ... وعود غرامي في هواك نضير سقاك الحيا هل نظرة تبرد الحشا ... بها ولنار الشَّوق فيه زفير وهل تسمح الأيَّام منك بزورة ... تريني طول اللَّيل وهو قصير فوجدي مقيم والسُّلوُّ مقوَّض ... ودمعي طليق والفؤاد أسير وإنِّي على قرب المعاهد والنَّوى ... مقيم بعهدي ما أقام ثبير ضنين بسِّري فيك سمح بما حوت ... يدي ..... والحادثات تجور أعلَّل فيك النَّفس بالوعد بالمنى ... ومثلي بإدراك المرام جدير عجبت لعزم مرهف العزم باتر ... شكيمة جفن و [هو] فيه فتور قضى الحبُّ أن يستأسر الظَّبي ضيغمًا ... ويقضي على ..... غرير وما الحبُّ إلاَّ لوعة تملك الحشا ... يضارع مأمور بها وأمير /176 ب/ وأشعاره كثيرة في كل نوع، وطريقته في الخلاعة والمجانة ينفرد بها على أبناء جنسه، ولا تجري معه فيها، وخبرت عنه أنه صرف وتاب عن قول الشعر، وسلك طريق أهل الدين والخير. أنشدني لنفسه من قصيدة مدح بها الناصر لدين الله – رضوان الله عليه – أوَّلها: [من الكامل] الله أكبر ..... ..... ... ..... ..... ..... وفيها يقول: يا من إذا بالغت في تمجيده ... ألفيته ..... ..... أمجدا

وبأي شيء قست غامر جوده ... في الخلق كان أبرَّ منه وأجودا ما أنت إلا الجوهر الصافي الَّذي ... فاضت به الأشياء حين تولَّدا فلذاك بتَّ من البريَّة كلِّها ... بجميع أوصاف العلا متفرِّدا لم نتل آيًا أو حديثًا معجزًا ... إلاَّ وجدناه إليكم مسندا وضعت بنو العبَّاس أسًّا للعلا ... فرقا أبو العبَّاس فيه وشيّدا كلأ العباد برأفة نبويَّة ... مضريِّة الإطراق سامعة الصَّدى ورعاهم منها بعين جفنها ... في حفظ جنب الله بات مسهَّدا لله درك يا ابن عمِّ محمَّد ... لقد ارتديت من الفخار ..... /177 أ/ ونصرت دين الله ثم أقمته ... فليهن ما فعلت علاك محمَّدا وجريت في سنن العلاء مشمِّرًا ... حتَّى بلغت إلى مدى عبر المدى وظفرت بالشَّرف الَّذي ما ناله ... إلاَّك فارق فأخمصيك الفرقدا واعلم بأنَّك ما بلغت المنتهى ... فيما حباك الله هذا المبتدا [105] أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن عبد الملك، أبو العباس. كان أبوه من أهل قزوين، وابنه هذا موصليُّ المولد والمنشأ. قرأ طرفًا من العربية على أبي حفص عمر بن أحمد النحوي، وسمع من الحديث جملة، وله قول صالح، ونظم حسن في المقطعات؛ إلَّا أنه عاجز في القصائد، ومقامه بالموصل يكتب بها القصص للناس. أنشدني لنفسه في الأمير شمس الدين لؤلؤ بن عبد الله أحد الأمراء بمدينة حلب، وقد كبابه الفرس: [من الطويل] رأى طرفك الميمون بحرًا وضيغما ... وطور حجى عالي الذرى فوق متنه /177 ب/ ونسكًا ومجدًا مشمخرًا وسؤددا ... وحلمًا حباك الله منه بمنِّه كما فرقًا إذا لم يطق حمل هذه ... المكارم من ربِّ السَّماح وخدنه فوقِّيت من دنياك من كلِّ آفة ... ومات الَّذي يشناك كبتًا بضغنه

وأنشدني لنفسه، وكتب إلى نقيب العلويين عبد المطلب بن المرتضى الحسيني الموصلي، يلتمس منه ثوبًا من أثوابه: [من الخفيف] أنا يعقوب في التأسُّف والحز ... ن وفي الحسن أنت يوسف مصرا واشتياقي إليك يا ابن عليٍّ ... ترك العين بالمدامع عبرى وشفاها منك القميص لألقيه ... عليها في ساعة الحال تبرا ومعاليكم أجلُّ إذا فهت فلم أحصها مدى الدَّهر حصرا فسلام عليك من عبدك القنِّ سلام أذكى من المسك نشرا وأنشدني لنفسه يهجو: [من الكامل] صلبت أعالي سالم لمَّا غدت ... منه الأسافل بالمنىِّ تلين فيما حوى سرواله متكرِّم ... وبما حوت كفَّاه فهو ضنين وأنشدني قوله: [من الطويل] /178 أ/ وأعجب ما الله حظُّ أمرئ له ... مدائح نظم في معاليك تشرق وجودك قد عمَّ البرايا بأسرهم ... وباب الندى في وجهه منك مغلق وأنشدني لنفسه في ..... إنسان اسمه مطر يهجوه: [من الكامل] مطر يشحُّ ولا يسحُّ بقطره ... والغيث يحيي قطره الأقطارا هو كاسمه مطر يصوب عذابه ... أبدًا على جلسائه مدرارا وأنشدني ملغزًا في غلام اسمه حمزة: [من السريع] اسم الَّذي أهواه في خدِّه ... وفي فؤادي ثمَّ في فيه قد صدَّ عنِّي وانثنى معرضًا ... طاب تلافي في تلافيه وأنشدني في محمد الشاعر، ويلقب حمار النصارى، وقد رآه لبوس الصليب: [من المتقارب] تعجَّب قوم لبوس الصَّليب ... محمَّد لمَّا رآه اضطرارا ولا ريب أنَّ النَّصارى حمير ... فكيف يكون حمار النَّصارى

وأنشدني أيضًا من شعره: [من الخفيف] من يبت وهو مستلذٌّ بوصل ... فلقد بتُّ كارهًا للوصل /178 ب/ مستلذُّ بالهجر إذا ارتجى الوصل ... وأخشى في الوصل تشتيت شملي [106] أحمد بن عليِّ بن أحمد بن شندل، أبو العباس الأوانيُّ: وأوانا بلدة مشهورة فوق بغداد بعشرة فراسخ. ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة خارجها، ونشأ بها؛ وهو شاعر مكثر مداح منتجع، يمتاح بأشعاره، له بديهة في الشعر، وخاطر جيد في نظمه، يتكل على طبعه في النظم لا يستعين بغيره على عمل الشعر. وجلُّ قوله في شكوى الزمان وأهله، ولم يزل من الدهر متألمًا، ومن أبنائه متظلّمًا، لقلّة حظّه من أهل عصره، يتردّد إلى مدينة السلام، ويفد إلى أمرائها وأماثلها مستجديًا لهم بشعره وعنده دعاو عظيمة، وافتخار بقوله، ويرى تفضيل نفسه على أبي تمام والبحتري والمتنبي! حتى يسرف في القول. لقيته ببغداد في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة، وزعم أنه لم يعرف من النحو شيئًا، ولا قرأ منه لفظة، /179 أ/ ولا طالع كتابًا قط إلا [أنه] يضع الشعر طبعًا. سئل عن معنى "شندل" فقال: هو من أجدادي؛ وهو لقب له غلب عليه، وذلك أنه نزل إلى بئر فخرج منها وقد أصابه البرد، فمشى غير مستقيم، وقيل: كأنَّه شندل، فنحن نسمى ببني شندل. وكان رجلًا أسمر طويلًا خالطه الشيب خبِّرت أنه توفي في الشعر الأخيرة من رمضان سنة خمس وثلاثين وستمائة. أنشدني لنفسه في لطف التقاضي: [من الوافر] .. ..... كأن ضبّا ... أتى يبغي مواصلة لحوت حياء مانع حسن التَّقاضي ... وفقر يقشعرُّ من السُّكوت

وأنشدني له: [من الوافر] سألت عن انتهالي من شمول ... تباعد بين قلبي والهموم وقلت حصرت ما أوعيت منها ... بقسطاس محقٍّ مستقيم فقلت الشُّرب من حمراء صرف ... معتَّقة على صوت قديم يوفَّر تارةً ويقلُّ أخرى ... على قدر المسامر والنديم وأنشدني قوله: [من الطويل] /179 ب/ منيت بما أعيا عليَّ علاجه ... وكنت أنا الجاني فواعجبا منِّي يقرِّبني شعري من الخصم كلَّما ... ترنَّمه والضِّغن يبعده عنِّي وأنشدني لنفسه: [من الطويل] لك الخير إن كان المراد فأغنني ... عقيب التَّمادي بالزَّهيد من البرِّ فخذ بالرِّضا حظِّي وعجِّل بنائل ... يحيل على طرس العلا قلم الشُّكر وأنشدني له: [من الطويل] إذا ما سعى الإنسان في طلب العلا ... وجدَّ ولم يظفر ببعض مراده جنى كلَّ يوم يجتليه وليلة ... ثمار التأسِّي من غصون اجتهاده وأنشدني أيضًا لنفسه في إنسان يقلب "التقي": [الطويل] ألا أيُّها المغترُّ في طلباته ... بكلِّ حسود في كلام منمَّق إذا شئت أن تقضي مآربك الَّتي ... كلفت بها في مجلس فاتَّق التَّقي وأنشدني من شعره: [من الخفيف] ما شربنا من العلوم جليلًا ... ولو أنَّا نريد بيعًا لبعنا فاتَّبعنا ولو سبقنا إلى ما ... قد منحنا به لكنَّا تبعنا /180 أ/ وأنشدني لنفسه: [من الطويل] يقولون عنِّي قد أصاب بأسرهم ... إذا أنا من لفظي نظمت لهم سمطا وألقي يدي صفرًا عقيب كلامهم ... فيا ليتهم جادوا وقالوا: لقد أخطا

وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] أشوقًا وقلبي لا يمثِّل غيركم ... لطرفي إذا ما غاب شخصكم عنِّي فإن نمت جاد الحلم لي بخيالكم ... وإن لم أنم أدنأكم ولهي منِّي وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] لا تنقموا يا قوم فرط تطاولي ... تجدوا على الأعراض فضل الجوهر وتدبروا شعري الَّذي أودعته ... لفظ القديم وصنعه المتأخِّر وأنشدني قوله من قصيدة: [من الوافر] ولو أنَّ النجوم بغت عنادي ... لما أمنت مصافحة الرُّغام رضعت ثديَّ أبكار المعاني ... ولكنِّي أمنت من الفطام وأنشدني أيضًا لنفسه [من السريع] لنا زمان حكمه نافذ ... في كل سبَّاق ومسبوق فيفعل ..... بأبنائه ... من وامق منهم وموموق /180 ب/ يغصُّ ذو النَّقص بمأكوله ... منا وربُّ الفضل بالرِّيق كأنَّه آلى على نفسه ... ألا يصفِّى عيش مخلوق وأنشدني له: [من الطويل] لقد كنت أحكي عنكم في مجالسي ... فصول ثناء تستحبُّ وتعشق وكان حديثي عنكم لمطارحي ... يضوع كمسك أذفر حين ينشق فلمَّا صبحتم من صحبت من الورى ... وملتم إلى من عرضه متمزِّق تقاعست عن ذكري لكم بفضيلة ... مخافة أن آتي بها لا أصدَّق وقال: [من الطويل] عشقتك عشق الطِّفل للثدي وانطوت ... ضلوعي على حبِّيك في زمن الوصل وصدَّقت زور القول منك جهالة ... واتبعت قربي بالتَّباعد عن أهلي

فلمَّا حببت الغدر حبِّي للوفا ... وجرَّعتني يا هذه جرع المهل هجرتك حتَّى لو رأيتك في الكرى ... ذممت رقادي عند جدِّي والهزل [107] أحمد بن عبد الله بن إبراهيم بن الحسن بن عبد الواحد بن محمد بن الحصين، أبو العباس /181 أ/ ابن أبي عليٍّ، الموصليُّ المولد والمنشأ، البغداديُّ أصلًا. وجدّه أبو سعد الحسن بن عبد الواحد، كان صاحب المخزن في الأيام المستظهرية. وكان يعرف بابن الفقيه. وأحمد هذا كان شابًا ذكيًا، صرف همته مديدة فختم فيها القرآن الكريم، وحفظ جملة من المقامات الحريرية. وكان يتولّع بالشعر وعمله، ومات شابًا ليلة السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وستمائة بالموصل، ودفن غربيها ظاهر البلد بمقبرة المعافى بن عمران الزاهد – رضي الله عنه – وكانت ولادته في ربيع الأول سنة ستمائة. ومما أنشدني لنفسه – رحمه الله تعالى -: [من الرمل] ورشيق القدِّ من مبسمه ... سفت مسكًا وترشَّفت مداما عرض الوصل فلمَّا رمته ... منع الوصل وأعطاني السَّقاما اطلع البدر لنا من وجهه ... ثمَّ غشَّاه من الفرع ظلاما كالطَّلا الوسنان إلاَّ أنَّه ... ما رعى شيحًا ولا ساف خزامى ما رأينا قبله من رشأ ... جعل الثَّغر على الجيد نظاما /181 ب/ كلَّما عرَّضت شكوى حبِّه ... ملأ القلب من الجفن سهاما وأنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الكامل] ملك الزَّمان بأسره ... من قادني في أسره فنهاره من وجهه ... وظلامه من شعره والرَّاح من وجناته ... وحبابها من ثغره

والسِّحر من لحظاته ... وسقامنا من خصره [108] أحمد بن عبد الله بن الزبير بن أحمد بن سليمان أبو العباس الشيبانيُّ الخباوريُّ. زعم أنه من قرية بالخابور تدعى الحدقانية قريبة من المجدل. شاب أسمر اللون قصير مقرون الحاجبين، يتزيا بزي ذوي التصوف، كثير التنقل والأسفار لا يستقر في مدينة إلاّ قد أذهب جدة عمره في الغربة، وأقبل على الأشغال؛ وحصل في سفره أدبًا وفقهًا. وهو فقيه شافعيُّ المذهب، خلافيٌّ عالم فاضل جدلي مناظر حافظ للقرآن العزيز /182 أ/ يقرأه للسبعة والعشرة، من أحسن الناس قراءة للقرآن في زمانه، وأطيبهم صوتًا، درس القصيدة الشاطبية حفظًا جيدًا على الإمام أبي الحسن علي بن محمد السخاوي المقرئ النحوي؛ وله يد في علم الإعراب وغيره. وهو مع ذلك فيه لطافة وحسن عشرة وكياسة ودماثة أخلاق، جواد النفس، وأي شيء يحصل له من عرض الدنيا لا يستبقي منه شيئًا إلا يخرجه، وذلك لسفه نفسه. ولد سنة ستمائة بالحدقانية. وكان والده من ..... من سواد البصرة، ويقول النزر من الشعر نحو البيتين والثلاثة. شاهدته بإربل وحلب والموصل وبغداد. أنشدني قوله: [من الطويل] نعمنا بجمع الشَّمل مع من نحبُّه ... زمانًا وأشقانا القضا فتفرَّقنا فقل لصروف الدَّهر ما شئت فاصنعي ... فقد كان ما خفنا وما منه أشفقنا

وقال: [من الوافر] مررت على ديار قد عفاها ... وغيَّرها البلى بعد النَّعيم تذَّكرت الشَّباب بها وأهلي ... وجيراني وأروح النَّسيم /182 ب/ وهاجت عبرتي زفرات حزن ... يجدِّدهن إخلاق الرُّسوم [109] أحمد بن عبد الله بن شعيب بن محمد بن عبد الله أبو العباس بن أبي محمد التميميُّ. سمع الحديث الكثير وطلبه بنفسه ورواه عن مشايخ دمشق والواردين عليها من الأقطار، ومن مشايخه الحافظ أبو محمد القاسم بن علي الدمشقي، وأبو اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأبو جعفر أحمد بن علي بن إسماعيل القرطبي، والأمير عزيز بن شداد بن باديس الحميري، وأبو البركات أسعد بن المنجا التنوخي، وحنبل بن عبد الله بن الفرج البغدادي، ..... النساخ وغيرهم. وحفظ القرآن العزيز على والده وجوده على علم الدين السخاوي، وقرأه بالقراءات السبع المشهورة، وعلى تاج الدين الكندي بالسبع وغيرها، وعلى الشيخ أبي محمد عبد الخالق بن يونس بن موقا الإسكندري. وأخبرني أنه ولد في أوائل سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وشخص إلى الديار المصرية؛ فسمع من أصحاب السفلي، وقرأ أدبًا وفقهًا وحصل أشياء /183 أ/ حسنة من الحديث والقرآن والقراءات، وكتب بيده شيئًا كثيرًا من الأدب والحديث. أنشدني لنفسه في الإمام العالم تقي الدين بن الصلاح، وفي علم الدين السخاوي عند فراغه عليها قراءة مسلم: [من البسيط] جزيت خيرًا تقيَّ الدِّين سيَّانا ... يا قاصدًا ما له مثل يماثله يا من تجمَّع فيه ما تفرَّق من ... كلِّ العلوم فما تخفى فضائله فتحت للناس بابًا مغلقًا أبدًا ... على الصَّحيح فما خلق يزاوله فمسلم لو رآكم، قال مفتخرًا: ... هذا الَّذي طال علمًا من نطاوله هذا الَّذي بيَّن المخفيَّ من علل الحديث حتَّى بدا للخلق قائله

يا طالب العلم يمِّمه تجده على ... حالاته متقنًا فيما يحاوله ما للفتاوى له مثل يسطِّرها ... كلاَّ ولا في الورى قرم يساجله يا ابن الصَّلاح غدا علم الشَّريعة في ... أمن من الخوف محروسًا دلائله يبيضُّ من نور فتواه المداد إذا ... عاينت ما هو مبديه وباذله قد فاق في العلم كلَّ الحاسدين له ... ومن يعادي فما تخفى شمائله ومن يرد كيد عثمان بمنقصة ... فاعلم أخي بأنَّ الله خاذله /183 ب/ فما له مشبه في فضله أحد ... إلا علىُّ الرِّضا حقًّا يعادله ذاك الإمام العليم العالم العلم الحبر السَّخاوي الَّذي عمَّت فواضله ذاك الذَّي ساد أهل الأرض كلَّهم ... ولم يزل للعلا تبنى محافله فعشتما في سرور دائمًا أبدًا ... ما غرَّدت سحرًا شجوًا بلابله ودام نفعكما للنَّاس ما شرقت ... شمس النهار وما دارت أصائله وقال أيضًا: [من الطويل] سقاه الصِّبا كأسًا من الحسن مترعا ... وروَّاه من ماء الشَّباب فأمرعا وأطلع بدرًا من فناء ..... ضياؤه ... يشأبه بدرالتمِّ حسنًا ومطلعا .. كأنَّ الشَّمس أرخت رداها ... عليه فأعطته الملاحة أجمعا سقاني وروَّاني مدامة ثغره ... فلمت وصالي بعد ما قد تقطَّعا كأنَّ مجاج النَّحل من طعم ريقه ... مخالط مسك عرفه قد تضوَّعا له قامة مثل القضيب إذا انثنى ... وعينان كالهنديِّ في حومة الوغى لقد ذقت من هجرانه ما أذابني ... وصيَّرني حلف السَّقام مروَّعا ووَّكلني رعي النُّجوم مسهَّدًا ... طوال اللَّيالي آفلات وطلَّعا فيا عاذلي رفقًا بقلب معذَّب ... رهين عذاب لم يزل متَّصدِّعا [110] /184 أ/ أحمد بن جعفر بن الحسين بن محمد بن الحسن، أبو العباس الموصليُّ. رجل سوقي عامي يتعيش تارةً في التجارة، ومرّة في صنعته؛ وهي نسج الآلة التي

تكون للدواب. وهو أوحد زمانه فيما يعانيه من الفقر الضرب خيط، وقد فرغ من صنعته أشياء عجز عنها المتقدمون في هذا الشأن. وهو على غاية ما يكون من الذكاء والفطنة، ويحفظ جملة من الأشعار والحكايات الرائقة والنوادر. وصار له بذلك الحفظ والأنسة طبع مؤات، وخاطر مساعد في قرض الأشعار؛ وربما أتى في خلل أبياته التي ينظمها لحن لكونه لم يقرأ من علم النحو شيئًا. أنشدني لنفسه: [من الخفيف] نزل الشَّيب عظَّم الله أجري ... ما بلغت المنى ولا صحَّ نذري كم حملت الأثقال كرهًا وقاسيت ... أمورًا من بعضها عيل صبري لو تلاقي صمُّ الجبال الَّذي قد ... نال قلبي لفكَّ صلد الصَّخر كنت أرجو صلاح ابني من الله ... وهذا أمر به جبر كسري /184 ب/ ثمَّ أرجو الخلاص من زوجة لي ... فانقضى العمر بالمنى واعمري وأرى الدَّهر معكسي في أموري ... يا لقومي ما مالي وما للدهر أترى طالعي يدلُّ بهذا ... أم طباع الزَّمان يا ليت شعري قيل إنَّ الزَّمان حلو ومر ... ما شربنا إلَّا كؤوس الصَّبر من غلام رَّبيته لي عدوًّا ... كنت أرجوه ملحدي في قبري وعجوز قد عمِّرت لعنائي ... وشقائي ومحنتي ولضرِّي عمرها في القياس مذ عهد نوح ... ورأوها يوم القتال ببدر قد سقاني كلاهما السُّمَّ والحنظل ... قهرًا صرفًا وقد بان سكري قلت فيها شعرًا بجهدي فصارت ... مثل صخر وصرت مثل أخت صخر غير أن الخنساء تمدح صخرًا ... وأنا أهجو ما يحيِّر فكري هي سورة هود وقول رسول الله: ... قول به الرَّكائب تسري أشغلتني عن عيشتي ومعاشي ... بهموم قد حار فيهنَّ أمري إن قضى الله بالفراق وفيَّ ... رمق عدت كالعزيز بمصر

أحمد الدَّهر بعد ذمٍّ قديم ... ثمَّ أمحو ذاك العتاب بشكر وأنادي لمن ترى الملك عرى ... صرت وحدي وأخليت سرِّي /185 أ/ فارقتني قرينة السُّوء لا كان ... زمان كانت به خلف ظهري إن جرى خلف ما أقول فبالله ... اكتبوا من ذي على لوح قبري: مات هذا ولم ينل بعض ما رام ... وكم هكذا تقيل بقفر وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الهزج] عذولي قلَّ يا أشعب ... ترفَّق ويك لا تتعب تظنُّ القلب يسلوه ... وموتي في الهوى أقرب فلا تذكر لي سعدي ... ولا ليلى ولا زينب فمن عاين محبوبي ... فعذري عنده أصوب له وجه كبدر التَّم كم ... من عاشق غرَّب وكم زرفن صدغيه ... وكم أرخى وكم عقرب وكم يقتلني تيهًا ... وكم يرضى وكم يغضب فيا أعذب ما عذَّب ... وما أطيب ما أطنب فصبرًا ويك يا قلبي ... فقد عزَّبك المطلب فلا تذكر لي راحًا ... فظنِّي ريقه أعذب ولا تذكر ريحانًا ... فريَّاه لنا أطيب /185 ب/ وحملي للهوى صعب ... وسلواني له أصعب لأنِّي سرت في الحبِّ ... وكان البدر في العقرب وأحلف أنني أسلو ... إذا عاينته أكذب يقول الشيخ في حبِّي ... سريحي ما له مذهب

[111] أحمد بن عمر بن أحمد بن ابي شاكر، أبو محمَّد الفقيه الحنفيُّ الكفرعزِّيُّ. وكفر عزَّة قرية من قرايا إربل. وأبو شاكر جدُّه الأعلى كان رجلًا مغربيًا. قدم من الغرب إلى كفر عّزة وتديَّرها، وأعقب بها أولادًا. رجل طويل أسمر اللون مائل إلى الصفرة، بوجهه آثار جدري، صالح صدوق في علمه، حافظ للمذهب، أخذ الفقه عن عبد الرحمن بن محمد الفقيه الحنفي البغدادي، وسمع الحديث بإربل. وهو مدرس أصحاب أبي حنيفة بها، ويلم بعمل الشعر لغرض يتفق وقوعه، أو سب من الأسباب. وكان مولده تقديرًا في سنة سبع وستين وخمسمائة؛ ولما تغلب التتار – خذلهم /186 أ/ الله تعالى – إلى مدينة إربل وتملكوها. ثم ترحلوا عنها، توجه إلى بلاد الشام، وذلك في سنة أربع وثلاثين وستمائة، فنزل دمشق وأقام بالمدرسة المنسوبة إلى قايماز النجمي مدرسًا فقه أبي حنيفة – رضي الله عنه -. ولم يزل كذلك إلى أن اعتراه مرض وطال به وأضرّ، وكان ولده الأوسط أبو عبد الرحمان عبد الصمد ينوبه في التدريس. وتوفي ثامن عشر جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وستمائة، ودفن ظاهر البلد، بمقبرة الصوفية – رحمه الله تعالى -.

أنشدني لنفسه في الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي – أبقاه الله تعالى – وكان يومئذ متمرّضًا: [من الرمل] ليس للمولى شبيه في الورى ... غير قلب المرء في جملته فصلاح النَّاس في صحَّته ... وسقام النَّاس في علَّته وأنشدني لنفسه فيه أيضًا، وقد غاب عنه مدّة: [من الطويل] إذا كان طفل ليس يعلم ما الَّذي ... يضرُّ ولا ما فيه نفع معجَّل يقاسي عناء عن فطام فكيف من ... يفارق مولاه إذا كان يعقل /186 ب/ وأنشدني لنفسه، وقد جاء إلى دار الوزير بحجبه البواب: [من الطويل] أيا أيُّها المولى الذي عمَّ جوده ... جميع بني الدُّنيا وعزَّ عديله ألا إنَّ ..... الثَّواب لضدِّه ... مفيدكم فاستبدلوا من يزيله فعنوان ما عند الفتى ما لغرَّته ... كما أنَّ بادي كلِّ أمر دليله وأنشدني لنفسه يلغز في بغل المدار: [من الطويل] وما راحل جدًّا مقيم حقيقة ... يديم السُّرى عن أرضه ليس يبرح إذا نظر المسرى تقاعس وانثنى ... من السَّير فافهم ما أقول فتنجح وإن عينه كلَّت عن النَّظر الذي ... به يرشد السَّاري يمرُّ ويسرح له سائق في رأسه شدَّ رأسه ... ولم ير ميت وهو للحيِّ يكدح إذا ما عكست الأمر يا سيِّد الورى ... تراه عن الدُّنيا الدَّنيَّة يفصح وأنشدني أيضًا له لغزًا في الديك: [من الطويل] وما قائم في ليلة متهجِّد ... ويزني نهارًا والخلائق تشهد ولا عقر في ذا الوطء والحدُّ ساقط ... ولا غسل فيه كيف ذا الأمر يوجد يبرُّ إذا ما كان طفلًا بأمِّه ... وتحنو عليه الأمُّ خوفًا وترعد /187 أ/ إذا ما أتى حولًا عليه يكن لها ... عقوقًا ويجفوها ملالًا ويحقد يرى وطئها حلًا له لا بشبهة ... وليس ..... ولا هو ملحد

إذا ما عكست الأمر يا خير ذا الورى ... يكن حظ من يشناك أو لك يحسد [112] أحمد بن عيسى بن سعد بن حمدان، أبو العباس. شاب ربعة أسمر قد وخطه الشَّيب من أبناء الموصل. ولد بها سنة تسعين وخمسمائة، كذلك أخبرني من لفظه. أحرز جملة من الفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه – وكلّف نفسه نظم الشعر يمدح به الناس لابتغاء الرفد، ويتراءى إلى طريق المتصوفة، ويذهب إلى التشيع. لقيته بمدينة إربل سنة ثماني وعشرين وستمائة، وأنشدني لنفسه يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي – رحمه الله تعالى -: [من المتقارب] إذا الخطب وافى على غرة ... وجرَّد للقتل في النَّاس عضبا وأمسى الزَّمان وقد بدِّلت ... مفارقه السُّود بالهول شهبا /187 ب/ وكرَّت على الحرِّ نوباته ... فغادرنه بيد البؤس نهبا فجود المبارك لي جنَّة ... بها أتَّقي الدَّهر خطبًا فخطبا وجدواه إن عضَّ ناب الزَّمان ... تعمُّ البريَّة شرقًا وغربا به انقاد جامح دهر إليَّ ... وسالمني بعد ما كان حربا فلسنا نرى حاتمًا ذا السَّماح ... يباريه إذ جاء عفوًا وكعبا وكنا قديمًا نلوم الزَّمان ... ونوسعه في التَّصاريف عتبا إلى أن علمنا بأنَّ الوزير ... من أبنائه فمنحناه حبًّا فلا زال عرفك للمدلجين ... دليلًا وربعك للوفد رحبا إليك ارتمت بي صهابيَّة ... تخبُّ الفيافي والبيد خبَّا مرافقها محكمات القوى ... إذا انبعثت خلتها الرِّيح هبَّا

إذا مأتشكَّت كلال السُّرى ... وألقت إلى الأرض جنبًا فجنبا أقول لها إن بلغت الوزير ... بنا بعدها لا تراعين قلبا فتى شاع سؤدده في البلاد ... فأصبح للجود والمجد ربًّا يفرِّق أمواله تاجرًا ... لجمع المحامد ناهيك كسبا غدا ليل حظِّي به مقمرًا ... وسهَّل لي ذلَّ ما كان صعبا /188 أ/ وغضُّ الأمانيِّ لما ذوى ... بماء الرَّجاء له عاد رطبا وإن نكَّد المنُّ بر الرِّجال ... ترى برَّه الجمَّ للنَّاس عذبا إذا القوم عدُّوا مزايا الكرام ... تكون مزاياه أوفى وأربى رفيع العماد طويل النِّجاد ... خدين النَّدى جوده لن يغبَّا إذا ما دعاه عفاة الزَّمان ... لبذل الصَّنائع يا بشر لبَّا عقيلة قوم به أنجبت ... وقد كان آباؤه قبل نجبا وعلَّمني الشِّعر مدح امرئ ... به الدَّست يزداد تيهًا وعجبا إذا الدَّهر ألَّب أحداثه ... ورجَّا جموع الرَّزايا وعبَّا لجأنا إلى معقل من حماه ... به يعصم الناس عجمًا وعربا فمت كمدًا يا زماني العنود ... أمنت الخطوب به واقض نحبا فقد صرت في مانع لا يرام ... إليه [فلا] تستطيعنَّ وثبا [أنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] وما ذات طوق مسَّها البين فانثنت ... مرزَّأة بعد التألف والجمع صدوح على الأفنان بالبان سحرة ... ترتل ألحانًا بأيمن ذي الجزع يجاوبها في الثكل أمثال حالها ... ويسعدها بالنَّوح في الدوح والسجع بأوجع من قلبي غداة تحملت ... ركائب من أهوى وغودرت في الرّبع أذيل دموعي علّها أن تعينني ... فتصر نار الوجد عن شدّة اللذع وكنت بأحبابي على الدهر ظاهرًا ... وحسبك أني عدت متخذًا دمعي]

[113] أحمد بن محمد بن سعيد بن عنتر بن إبراهيم بن يوسف بن محمد بن يعقوب ابن فارس بن رملي بن نجدة بن بشرى بن خضري، أبو السعادات بن أبي بكر الواسطيُّ. هكذا أملى عليَّ نسبه /188 ب/ والده أبو بكر محمد بن سعيد – رحمه الله تعالى – وزعم أنهم يرجعون في النسبة إلى بعض الأكاسرة، ومولده بالهمّامية، وبها منشأه؛ وهي قرية من قرايا واسط. شاب مائل إلى الشقرة أزرق، نزل البياض بعارضيه؛ وهو فقيه شافعي المذهب، عالم مناظر، أصولي نحوي، ذو فنون في كل نوع من العلوم الأدبية والدينية مع حفظه للكتاب الكريم. وفيه عشرة وحسن صحبة لأصدقائه، وأقام بمدينة إربل زمانًا. ثم سافر عنها وقدم بغداد وسكنها برهة من الزمان؛ فقلده الإمام أمير المؤمنين المستنصر بالله – خلد الله ملكه – قضاء واسط وأعمالها وذلك في شعبان سنة تسع وعشرين وستمائة؛ وربما سمحت قريحته بشيء من النظم في غرض يقع له، وشعره يتقاصر عن معرفته وفضله. أنشدني لنفسه: [من الرجز] مهفهف القدِّ أسيل خدُّه ... إذا استدار الصُّدغ فيه وانعطف قد بات يسقيني المدام باردًا ... من ثغره الألمى اللَّذيذ المرتشف ما مال بي داعي الغرام غرَّة ... إلاَّ ثناه الدَّل عجبًا فانصرف /189 أ/ ولا نهاني عنه دين وازع ... إلاَّ وأغراني به حسن الوطف وأنشدني لنفسه من قطعة: [من الطويل] وأسمر ممشوق القوام تخاله ... إذا نظرت عيناه بالسِّحر ينظر يقرُّ له بالحسن طوعًا حواسد ... إذا مرَّ في ثوب الملائك يخطر

وأنشدني أيضًا قوله من أبيات: [من الطويل] فإن أنت أحببت الوصال بزورة ... يعود ذويُّ الغصن أخضر مائس وإلاَّ فجلبات الوزارة خالع ... وثوب الحجر لا شك لابس [114] أحمد بن أبي الفرج بن منيع بن المفرِّج، أبو العباس الدنيسريُّ شاب قصير لطيف الخلقة أسمر اللون. كان شاعرًا فطنًا متوقد الخاطر، صاحب معان صحيحة، وألفاظ فصيحة، غزير الشعر، جيد البديهة والفكر، منقاد الطبع في كل ما يتوخاه من أنواع القريض. يزاحم الشعراء ويجري معهم في أساليبهم ويسلك بمنهجهم فيما يأتون به، فيقرون له بالتقدم، ويشهدون له بالحذق؛ وهو أشعر /189 ب/ أبناء زمانه، وأغوصهم على المعاني واستنباطها. قدم الموصل سنة إثنتين وعشرين وستمائة، وأقام بها مدّة، وامتدح بها جماعة من أهلها من الصدور والسُّوقة. وكان رقيق الحال، بادي الحرف صعلوكًا، يستجدي بشعره الرفيع والوضيع طلبًا لشيء من عرض الدنيا، يعبّر به وقته وزمانه. ثم سار عنها إلى إربل، فلبث فيها شهورًا يمدح الناس، ثم عاد إلى الموصل، ورحل منها إلى دنيسر، فلم يمكث با إلاَّ قليلًا حتى توفي هناك وذلك سنة ست وعشرين وستمائة وقد جاوز الثلاثين. أنشدني لنفسه: [من الكامل] أيموت فيك المستهام بدائه ... وبفيك عين حياته ودوائه صبُّ أقام من الغرام على شفا ... إذا شفَّه فغدا عديم شفائه يمسي ويصبح فالهيام أقل ما ... يلقاه بين صباحه ومسائه

إن شئت تعلم كيف بات على الهوى ... سل من يبيت معانيًا لعنائه عجبًا له يشكو تباعد حبِّه ... عنه وما ينفكُّ من أحشائه رشا يشوب وصاله بصدوده ... مللًا ويعقب سخطه برضائه /190 أ/ لولا تملُّكه الفؤاد وقد رنت ... سوداؤه ما حلَّ في سودائه لم تصف أيَّامي بشهد وصاله ... إلاَّ وكدَّرها بصاب جفائه ملك الجمال فلو رأى سلطانه ... ملك الجمال لسار تحت لوائه قبس الملاحة فاستقلَّ كيوسف ... في حسنه لمَّا ارتدى بردائه يرتجُّ في خطواته ويميس في ... خطراته ويلوح في استجلائه والدِّعص من أردافه والغصن من ... أعطافه والبدر من لألائه سجدت لديه الشَّمس حيث طلوعها ... من وجهه وغروبها في مائه كم أكثروا فيه الملام وليس لي ... من حبِّه جلد على إصغائه (أأحبُّه وأحبُّ فيه ملامة ... إن الملامة فيه من أعدائه) وأرى السُّلوَّ وحلٌّ عقد تصبُّري ... متولِّد من شدِّ بند قبائه وأنشدني أيضًا من قصيدة أولها: [من البسيط] لولا تألُّق برق أنت شائمه ... ما سحَّ ساكب دمع العين ساجمه إيها عدمتك طرفًا ما رمقت به ... إلا تحلَّل من صبري عزائمه ولا جنى بطموح اللَّحظ مجترمًا ... إلا وحاق بجثماني جرائمه هتكت بالدَّمع ما في القلب مستتر ... من الهوى وهو خافي الوجد كاتمه /190 ب/ كم استجرت من البلوى بشرع هوى ... فما أجار ولكن جار حاكمه لله شادن ذاك الحيِّ كيف غدت ... تفرُّ من سحر عينيه ضراغمه أظنُّ أنَّ رقاه غير مطلقة ... فلو تكون لأنحتها تمائمه عذب المقبَّل لولا خمر ريقته ... لما انثنى ثمل الأعطاف لائمه شكى إلى حاجبيه ظلم ناظره ... قلبي فما كشفت عنه مظالمه يا من أحلَّ سهام اللَّحظ في كبدي ... يكفي الَّذي فتكت فيها صوارمه

لم لا ترقُّ لجسم أنت عائده ... من سقمه وفؤاد قلَّ راحمه ذللت في عزِّ دهر لست منتصفًا ... من ظلمه وكذا من عزَّ ظالمه وأنشدني أيضًا لنفسه في غلام اسمه علي: [من مخلّع البسيط] نفَّر نومي غزال أنس ... كالظَّبي في شدَّة النِّفار له على عاشقيه نصر ... من جفنه وهو في انكسار أعار ورد الرِّياض لونًا ... من خدِّه غير مستعار وعلَّني من لماه كأسًا ... ألذَّ طعمًا من العقار فبي خمار فليت داوى ... بها الَّذي بي من الخمار ما انسدل الشَّعر منه ليلًا ... على جبين من النَّهار /191 أ/ إلَّا غدا الوجد في انتهاك ... عليه والصبر في استتار أذاقني من هواه ما من ... سميِّه ذاق ذو الخمار فكلَّما سمته وصالًا ... سلَّ من الجفن ذا الفقار وقال يداعب بعض أصدقائه بديهة: [من المتقارب] أيا شرف الدِّين يا ذا الَّذي ... محاسنه ليس فيهنَّ ريبه تحذلقت دهرك حتىَّ وقعت ... على رغم أتقك في وسط خربه ولو تم دسَّك في مجلس ... لبعض الملوك لأعطاك قربه وله وهو مما كتبه إلى شمس الدين بن البهاء أسعد السنجاري الشاعر كاتب الإنشاء بماردين: [من الطويل] كتبت ولي قلب على البعد شيِّق ... وصدر على رحب من الهمِّ ضيِّق وليس بخاف عنك مضُّ صبابتي ... وخطُّ غرامي في الرِّقاع محقَّق رمتني يد الأيَّام منك بفرقة ... وقد كنت قدمًا من فراقك أفرق فما شاقني من بعد بعدك منظر ... ولا راق لي يا شمس من فيه رونق /191 ب/ يجدِّد إخلاق الغرام تذكُّري ... خلائقك اللاَّتي بها تتخلَّق إذا ما بدا القطب الجنوبيُّ هيجت ... جنوني إلى الشَّهباء شهب تألَّق وما خطرت ما ماردين نسيمة ... على الشَّرق إلاَّ كدت بالدَّمع أشرق

وما ذكرتك النَّفس إلا كأنَّني ... أحسُّ بقلبي من عل يتحلَّق عسى الدَّهر يوليني بقربك منَّة ... وتسمح لي الأيَّام أو تتصدق وعلَّ صباح الغرب يجلو دجى النَّوى ... فتسفر شمس الوصل منك وتشرق وقال يمدح الأمير ركن الدين أبا شجاع أحمد بن قرطايا – أدام الله إقباله – ويهنئه ببناء دار استجدّها: [من الخفيف] شيَّد الله بالسَّعادة دارًا ... ظلت فيها لها وللدين ركنا أصبحت إربل قصيدًا وأضحت ... لك بيتًا وأنت للبيت معنى إن سمت رفعة فما زال يسمو ... بك ربع تحل فيه ومغنى هي دار الخلود لا زلت تبقى ... ألف عام بها وضدُّك يفنى قد أتيناك للهناء ولكن ... هي أولى بركنها أن تهنَّا وقال غزلًا: [من الخفيف] /192 أ/ ذلَّتي من مدلَّل ذي دلال ... ربَّ جفن مكحَّل كالهلال ذي عذار مزرَّد مستدير ... تحت صدغ مسلسل فوق خال بت فيه مسهَّدًا ذا اشتغال ... بفؤاد مبلبل ذي اشتعال حاز روحي فأصبحت في يديه ... كأسير مكبَّل في عقال وأنشدني لنفسه ابتداء صدر كتاب: [من الطويل] كتبت وبي من لاعج الشَّوق غفلة ... فلم أدر ما أملي عليَّ ضميري ولولا زفير ..... عدته صبابتي ... محوت بتقطير الدُّموع سطوري وأنشدني لنفسه يهنئ بخلعة حمراء: [من السريع] يا شرف الدِّين الَّذي للندى ... سحابة من كفِّه تقطر خلعتك الحمراء من أنفس الحسَّاد لا زلت بهم تظفر تفنى أعاديك بها حسرةً ... لأنَّها موتهم الأحمر وأنشدني لنفسه في ابن عنين الشاعر وأخيه: [من الوافر] أصاب النَّاس من ولدي ... عنين شدَّة وشقا قد اجتمعا على ضرٍّ ... عظيم الخطب واتَّفقا

كأنَّهما عدمتهما ... على الإفساد قد خلقا /192 ب/ فذا الأعراض يقطعها ... وهذا يقطع الطرقا وأنشدني لنفسه في شخص أعرج: [من الخفيف] أعرج ربُّ عاهة لا كفاني الله فيه شماتة الحسَّاد لم تزل رجله تكفَّ أذى نيكٍ إلى أبت عن الانقياد لم تزل رجله تكف أذى نيك إلى أن أبت عن الانقياد [115] أحمد بن معدِّ بن عليِّ بن رافع بن فضائل بن عليِّ بن حمزة بن أحمد بن حمزةً بن عليِّ بن أحمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليِّ بن الحسين بن عليٍّ، أبو عقيل البغداديُّ العلويُّ الموسويُّ. من أولاد الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب – صلوات الله عليهم -. شاعر من شعراء البغداديين، جزل القول، يسلك في أشعاره مسلك العرب ويذهب مذهب الحيص بيص في استعمال الألفاظ الحوشية، ويتبادى في إنشاده، ويتشدق في إيراده وأكثر قوله في الافتخار بنفسه وأهله. أنشدني لنفسه بمدينة الموصل سنة ثلاثين وستمائة: [من الوافر] /193 أ/ لعمرك ما جنيت على أناس ... جناية من يؤوب على هوان ولكنِّي فضلت فكان فضلي ... عليهم مدره الحرب العوان ولمَّا أن علوتهم رموني ... بعرض حين أعجزهم بياني فذوقوا حرها ودعوا علاها ... فليس مكانكم فيها مكاني

وأنشدني أيضًا من شعره: [من البسيط] لأن أبيت خميص البطن منحجرًا ... عاري الجوانب خصَّافًا من الورق خير وأكرم لي من أن أرى سفهًا ... ذا بطنة في بداء اللُّؤم والرَّنق وأنشدني من قوله أيضًا: [من الطويل] كأنِّي بهذا القصر قد باد أهله ... وأسلمه للحادثات منازله وأصبح قفرًا تحجل الطير حوله ... وينتابه من الظِّباء مطافله مضى قبلنا قرن فقرن وإنَّنا ... لنأمل ما ذو المس في الدهر آمله ألم تك فيما قصَّه الله ملهدى ... شفاء لداء حالفته مفاصله ففي قوم نوح ثمَّ عاد جلية ... تريك اغترار المرء أين مقاتله وقوم أثاروا الأرض ثم ابتنوا بها ... معاقل لو ينجى يزيد معاقله وأنشدني لنفسه: [من الطويل] /193 ب/ أتعمر دارًا إذا تولَّى جديدها ... وأصبح معمورًا لديها صعيدها وقد غالت الأيَّام من كان قبلنا ... شقيًّا وما نال الخلود سعيدها وإلاَّ فأين الملك قيصر والألى ... وأين تولَّى عادها وثمودها وأين الملوك الشُّمُّ من آل جفنة ... وكسرى أنو شروان طار عمودها وسابور والأملاك آل محرق ... أبادهم والمرسلات مبيدها فأضحوا كأن لم يضربوا بمهادها ... مصائب ملك لا يرام حريدها فإنَّك عن إيماض برق للاحق ... بهم والموالي كالعبيد عبيدها فبادر فحتف المرء يعقد حبله ... بأعناق آجال الرِّجال يؤودها وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] كتاب أرسلوه إلى الرِّباب ... أسيرك قد ثوى تحت التُّراب ففي نظري إليك حياة نفسي ... وفي فيك الشِّفاء من الرُّضاب

وأنشدني قوله: [من الطويل] مرى الشَّوق غرب العين فهو هموع ... وصدَّع واهي القلب فهو وجيع وليس لأيَّام الحمى ومقيلنا ... بظلِّ ..... السُّتور رجوع ألا يا حمامات بنجد ترنَّمي ... فقد هاجني منك الغداة سجوع /194 أ/ سقيت من الوسميِّ صوب سحائب ... لها بعد إقلاع السَّحاب ربيع وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] يا هند ويحك أنجزي الوعدا ... وصلي الكئيب قتلته عمدا وارعي عهودًا في الهوى سلفت ... إن الكريم لحافظ عهدا قد لامني من كان ينصحني ... فيكم وقلت وقال لو أحدى لو أن كفِّي لا تطاوعني ... فيكم جذذت بنانها جذَّا أسقاك ربُّك صوب غاديه ... وأدام عيشك رافقًا رغدا وأنشدني لنفسه: [من الوافر] ألا يا ليت أيَّام التَّصابي ... رجعن ومورق الخود الكعاب ويوم بالثَّنيَّة حيث تمشي ... قطوف الخود دانية الحقاب لها جيد كجيد الظَّبي حقًّا ... وناظرة المهاة لدى الهضاب وفوهًا فيه كالعسل المصفَّى ... على برد القلال على شراب لقاؤك يا سليمي بنت عمرو ... حياة المرء من تحت التراب [116] أحمد بن محمد بن أبي الوفاء /194 ب/ ابن الخطاب بن محمد بن عليِّ بن الحسن، ويلقب الهزبر، أبو الطَّيِّب الموصليُّ المعروف بابن الحلاويِّ.

أخبرني أنه ولد آخر سنة ثلاث وستمائة، وهو من أشهر بيت بالموصل وأقدمه. وكان يقول الشعر منذ كان حدثًا، وطاوعه طبعه في نظمه، ورزق منه حظًا لم يرزقه أحد من أبناء جنسه وأقرانه. ورحل عن الموصل سنة إحدى وعشرين وستمائة إلى بلاد الشام، وسكن دمشق واتصل بالملك الناصر صلاح الدين أبي المكارم داود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب سلطانها، وصار من جملة شعرائه، وأخص جلسائه ومدحه بعدة قصائد واكتسب منه رزقًا صالحًا، وسار في صحبته إلى الديار المصرية. ثم فارق خدمته سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ينتقَّل في البلاد ويمدح الملوك، وكبراء الأنام، وحظُّه فوق شعره. شاهدته بالموصل سنة اثنتين وثلاثين وستمائة شابًا جميلًا، وأنشدني لنفسه يمدح المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين أبا الفضائل حسام أمير المؤمنين – أعّز الله أنصاره وشيّد فخاره – من /195 أ/ قصيدة مطلعها: [من الطويل] إلى م السُّرى هل مطلع الشَّمس قصدنا ... فقلت لها بل قصدنا مطلع البدر إلى ملك لولا مواهب كفِّه ... لظلَّ بنو الآمال عن منهج البرِّ مليك إذا ما المزن ضنَّ بدرِّه ... يجود علينا مزن كفَّيه بالدُّرِّ قريب النَّدى في السِّلم من كلِّ وافد ... بعيد المدى في الحرب من كلٍّ ذي غمر فما حجبت أبوابه دون سائل ... ويحجب في يوم الوغى بالظُّبا البتر جزيل الجدى مردي العدا موضح الهدى ... بعيد المدى داني النَّدى وافر الوفر

مفيد الورى قطب الوغى أسد الشَّرى ... قليل الكرى جم القرى هاطل الدَّرِّ بطيءٌ عن الثَّغر الشَّهيِّ بروده ... سريع إلى الحصن الممنَّع والثَّغر إذا قطَّب الجاني ..... بأسه ... تلقَّاه منه العفو في حلل البشر له الصَّوت في النَّادي، له الصِّيت في النَّدى ... له الرأي بعد الرَّأي والأمر ... ألا أيَّها الملك الَّذي حد َّحده ... فأصبح نسر الطَّرف منه على النَّسر لقد قمت للدين الحنيف بعزمة ... أقامت قلوب المشركين على ذعر فضلت ملوك الأرض طرًّا بأربع ... غدا فخرها يسمو على كلِّ ذي فخر: فبأسك للباغي وعرضك للثنا ... وعفوك للجاني وجودك للفقر /195 ب/ فما مخدر شهم النِّضال مذرَّب النِّصال تراع الأسد منه على صعر بأمنع بأسًا منك في حومة الوَّعى ... إذا الحرب ماست في غلائلها الحمر وما روضة غناء مرَّت بها الصَّبا ... عبيرية الأرجاء مسكيَّة النَّشر بأعطر من أبكار مجدك كلَّما ... جلين على الأسماع في حلل الشِّعر وما شامخ لو شاء رقَّ على الحيا ... مواهبه سام على الأنجم الزُّهر بأثبت حلمًا منك لا طائش الحجى ... ولا مانع الحسنى ولا حرج الصَّدر وما الغيث منهلُّ العزالي سحابه ... يسحُّ بها في الودق منبجس القطر بأسمح كفًا منك في حالة النَّدى ... إذا هطلت كفَّاك بالنَّائل الغمر وإن كنت يوم الرَّوع في العين واحدًا ... فأنت من الإقدام في جحفل مجر ألا أيَّها الملك الرَّحيم الَّذي غدت ... خلائقه أبهى سناءً من الزَّهر مدحتك من قبل احتلامي منطقًا ... على صغر في السِّنِّ لا صغر القدر فعلَّمني مدحيك ما أنا قائل ... من السَّائرات الزُّهر والمدح الغر فأكرم ملك صافحتني هباته ... وأوَّل ملك سار في مدحه شعري وقد جئت صفر الرَّاحتين مؤمِّلًا ... سحاب ندى ينهل بالبيض والصُّفر ولا زلت محروس الجناب مؤيدًا ... يطالعك التأييد من حلل النَّصر /196 أ/ فبأسك للطَّاغي وجدواك للنَّدى ... ويمناك لليمنى ويسراك لليسر وأخبرني أبو الطيب أنه كان بسنجار مقيمًا؛ فجاء البشير من الموصل بإبلال

الملك الرحيم بدر الدين من المرض الذي لحقه، وركوبه للناس؛ فعملت هذه القصيدة بسنجار، وقصدته إلى الموصل فاستحسنها، وأسنى لي الجائزة، وأوّلها: [من البسيط] وافى البشير بما كنَّا نحاوله ... ونال أقصى المنى من بات يأمله وأسفر البدر في لألاء غرَّته ... فأشرقت بمحيَّاه منازله تكاملت في بروج العزِّ أسعده ... وتمَّ في أعين النُّظَّار كامله وغير نكر ذا ما البدر عاوده ... تمامه وزها بالسَّعد آفله بدا فأخمد نار الشِّرك مطلعه ... من بعد ما عمَّت الدُّنيا زلازله ولاح كالرُّمح أهداه مثقَّفه ... أو صفحة السَّيف هزَّته صياقله فريح جيش الرَّدى من بعد ما شرعت ... إلى وجوه معاليه عوامله وفاه كلُّ لسان كان ذا خرس ... في مجده بالَّذي قامت دلائله /196 ب/ من بعد ما كتم الأخبار ناقلها ... وجمجم القول في علياه قائله فليسخ بالمال للقصاد مانحه ... وليوف بالنَّذر للرَّحمان باذله وليهن ذا الدِّين والدُّنيا وساكنها ... نصر من الله قد لاحت مخايله إذ صح للملك كافيه وكافله ... وقام بالعبء حاميه وحامله ملك الملوك الَّذي لولاه ما اتَّضحت ... سبل السَّماح ولم تسلك مجاهله أبو الفضائل والملك الذي سمقت ... به على الفلك الأعلى فضائله ملك سمت بالنَّدى والبأس همَّته ... فليس في الأرض من خلق يماثله حامي المماليك خوَّاض المهالك مغور المعارك لا تلوي عواسله لولاه ما طابت الدُّنيا ولا حسدت ... أواخر الدَّهر لولاه أوائله له من المدح حاليه وعاطره ... وللمعادين خاليه وعاطله أنرقب الغيث في أرض أنأمله ... من بعد ما هطلت فينا أنامله يا راكب القفر خوف الفقر منتجعًا ... يطوي السَّباسب كالبازيِّ بازله عرج على ساحة الحدباء تلق بشها ... غيث السماح الذي يغنيك وابله وثق بنيل المنى إن زرت ساحتها ... فثم داني النَّدى ما خاب سائله حتَّى إذا عدت في الرَّكب الَّذي رحلت ... قيلة الخطو من ..... رواحله

/197 أ/ قل للملوك دعوا كسب الثَّناء له ... فما تليق به إلَّا شمائله هل فيكم من له جود كنائله ... أم فيكم من سجاياه تساجله يا مالك الأرض قصدي أنت مانحه ... بالنُّجع منك وحبلي أنت واصله وأنشدني لنفسه أيضًا بحلب المحروسة في العشر الوسطى من جمادى الآخرة بالحاضر السليماني سنة خمس وثلاثين وستمائة يمدح بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله – صاحب الموصل -: [من الطويل] حكاه من الغصن الرَّطيب وريقه ... وما الخمر إلَّا وجنتاه وريقه هلال ولكن أفق قلبي محلُّه ... غزال ولكن سفح دمعي عقيقه وأسمر يحكي الأسمر اللَّدن قدُّه ... عذار أشقا قلب المحبِّ رشيقه على خدِّه جمر من الحسن مضرم ... يشبُّ ولكن في فؤادي حريقه أقرَّ له من كلِّ حسن جليله ... ووافقه من كلِّ معنى دقيقه بديع التَّثنِّي راح قلبي أسيره ... على أن دمعي في الغرام طليقه على سالفيه للعذار جديده ... وفي شفتيه للسُّلاف عقيقه /197 ب/ يهدِّد منه الطَّرف من ليس خصمه ... ويسكر منه الرِّيق من لا يذوقه على مثله يستحسن الصبُّ هتكه ... وفي حبِّه يجفو الصَّديق صديقه من التُّرك لا يصبيه وجد إلى الحمى ... ولا ذكر بانات الغوَّير تشوقه ولا حلَّ في حي تلوح قبابه ... ولا سار في ركب يساق وسيقه ولا بات صبًّا بالفريق وأهله ... ولكن إلى خاقان يعزى فريقه له مبسم يسبي المدام بريقه ... ويخجل نوَّار الأقاحي بريقه تداويت من حرِّ الغرام بثغره ... فأضرم من ذاك الحريق رحيقه إذا خفق البرق اليمانيُّ موهنًا ... تذكَّرته فاعتاد قلبي خفوقه حكى وجهه بدر السَّماء فلو بدا ... مع البدر قال الناس: هذا شقيقه! وأشبه زهر الرُّوض حسنًا وقد بدا ... على عارضيه آسه وشقيقه رآني خيالًا حين وافى خياله ... فأطرق من فرط الحياء طروقه

وأشبهت منه الخصر سقمًا فقد غدا ... يحمِّلني كالحصر ما لا أطيقه فما بال قلبي كلُّ حبِّ يهيجه ... وحتَّى م طرفي كل حسن يروقه فهذا ليوم البين لم تطف ناره ... وهذا فبعد البعد ما جفَّ موقه ولله قلبي ما أشدَّ عفافه ... وإن كان طرفي مستمرًّا فسوقه /198 أ/ أرى النَّاس أضحوا جاهليَّة ودِّه ... فما باله عن كلِّ قلب معوقه فما فاز إلاَّ من يبين صبوحه ... شراب ثناياه ومنها غبوقه وآخر يسعى للمواهب والنَّدى ... هدته إلى الملك الرَّحيم طريقه إلى بحر جود يغرق الوفد فيضه ... ويحمده في كلِّ وقت غريقه إلى الغيث أحيا بالحيا كلَّ وجهة ... فما أخلفت للشَّائمين بروقه وكيف يقاس الغيث منه بنائل ... يسحُّ بمال لا بماء دفوقه إلى كسرويٍّ عدله ونجاره ... يعزُّ على كسرى الملوك لحوقه إلى سائق في حلبة الجود والنَّدى ... شا النَّاس مأمون العثار سبوقه إلى والد للجود برٍّ بأهله ... يعزُّ على غرِّ المساعي عقوقه إلى واجب في كلِّ أرض مديحه ... كما وجبت في ساكنيها حقوقه إلى واهب الجرد الجياد يؤمُّها ... نداه ومعطي الذَّود يرغو أفيقه إلى جوهر أعيا البحار فريدة ... إلى نيِّر عمَّ البلاد شروقه مليك إذا كرَّرت أوصاف مجده ... فسحقًا لنشر المسك يهدى سحيقه يفوق على صيد الملوك مكارمًا ... وما فيهم من حاله من يفوقه لهم من حديث المكرمات كذوبه ... ولكن لبدر الدِّين منه صدوقه /198 ب/ بديع المعاني مشرق الوجه طلقه ... جزيل النَّدى سامي النِّجار عريقه يسوق جزيلات العطايا إلى فتىً ... غدا نحوه حسن الرَّجاء يسوقه أفاد ندى كفَّيه حتَّى عدوَّه ... ويعظم أن يلحاه فيه صديقه إذا وثق الغرُّ الملوك بخائن ... فليس بغير المشرفيِّ وثوقه لقد سبق الآجال ماضي حسامه ... فخلِّق لكنَّ الدِّماء خلوقه به اتَّسعت لي كل أرض نزلتها ... وفرِّج لي من كلِّ أمر مضيقه أطاع لساني فيه للقول حرُّه ... وساعدني للشِّعر فيه رقيقه

فلي عنده من كلِّ جود جزيله ... وعندي له من كلِّ مدح أنيقه أيا ملكًا ينهلُّ حلمًا ونائلًا ... فما النَّاس إلى حرُّه ورقيقه رآك أمير المؤمنين لملكه ... حسامًا ونهج الحرب قد عمًّ ضيقه فقمت بما يهوى الإمام ولم تزل ... تقوم بأمر ما سواك مطيقه وكنت له بدرًا تنير سماؤه ... سناك وليل الشِّرك داج غسوقه وأعليت ركن المجد حتَّى لقد بدا ... لنا وهو مرفوع العماد وثيقه حميت دماء المسلمين وصنتها ... وكم من دم للجود فيهم تريقه فجودك ما في النَّاس من ليس عبده ... وسيفك ما في الأرض إلاَّ عتيقه /199 أ/ وعزمك قد جاز السَّماء سموُّه ... وقدرك قد أعيا النُّجوم سموقه وخلقك صب بالجميل جماله ... وخلقك مغزى بالوفاء خليقه ولولاك مات الشِّعر صبرًا ولم تقم ... لكسب العطايا والمحامد سوقه تكلَّم لكن في علاك صموته ... وأخرس لكن عن سواك نطوقه فما سار إلاَّ من نداك دليله ... وجودك يا خير الملوك رفيقه فلا زلت محروس الجناب مؤيَّدًا ... وعيشك تهمي بالأماني بروقه وأنشدني لنفسه مبدأ قصيدة ربيعيّة: [من الكامل] قدم الرَّبيع منيرةً أزهاره ... فافترَّ عند قدومه نوَّاره وترنَّحت لسرورها أغصانه ... وتعانقت للقائها أشجاره روض حكى خدَّ الحبيب شقيقه ... لما حكى خدَّ المحبِّ بهاره أسدى صنائعه إليه بساطه ... ومضى ففاز بحسنه آذاره لو لم يجد بالدُّرِّ درُّ سحابه ... ما زان درهم زهره ديناره حجَّ السُّرور إليه في ركب الصَّبا ... واللَّهو لما أن رمين جماره طلعت نجوم النَّجم فيه وقابلت ... زهر السَّماء بمثلها أزهاره أفضى إلى واشي النَّسيم بسرِّه ... فبدت لنا من طيبه أسراره /199 ب/ ضحكت ثغور أقاحه لمَّا بكت ... عين السَّماء وجادها مدراره جاد السّماء فأسرفت أنواؤه ... زهر الرَّبيع فأشرقت أنواره لمَّا رقصن به الغصون وغنَّت الورق الحمام وصفَّقت أنهاره

خلع السَّحاب عليه حلَّة روضه ... وغدا ومن حبِّ الغمام نثاره فأقرَّ وشي الغانيات لوشيه ... وأعارهنَّ الطِّيب منه عراره فاشرب على الرَّوض الأريض كأنَّما ... نقل الغناء عن الغريض هزاره واعقر به لؤم الدِّنان فخير ما ... عقرت على ضيف الرَّبيع عقاره في مجلس أضحى المفوَّه أخرسًا ... عن وصفه وتكلَّمت أطياره خضل البنان شدا على أغصانه ... قمريَّة فتمايلت أقماره خمرًا تخال بكأسها لمَّا بدت ... جمرًا ومن طافي الحباب شراره نار وفي خدِّ النَّديم لهيبها ... حلي وفي كفِّ المدير سواره يسعى بها لدن القوام ممنطق ... لم أنسه فيهيجني تذكاره رشأ من الأتراك لا آباؤه ... قيس ولا عدنان يبلغ داره ما الغصن إلاَّ ما أراه قوامه ... والحقف إلاَّ ما حواه أزاره خجلت غصون البان خيفة قدِّه ... ورنا فريع لمقلتيه صواره /200 أ/ فله من الغصن النَّضير قوامه ... وله من الرَّشأ الغرير نفاره ما هزَّ أسمر رمحه وقوامه ... إلاَّ ثنى خطِّيَّه خطَّاره جنب وخمر ثغره ورضابه ... ورد وآس خدُّه وعذاره يرنو بلحظ جاهل سخَّاره ... بالعاشقين وعالم سحَّاره ماض غرار جُّفونه طرد الكرى ... عنِّي فما زار الجفون غراره ما خاف في يوم الكريهة ضارب ... أضحى كصارم جفنه بتَّاره وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] إلى م أرى الغرام به غريمي ... وفي م ندامتي فيه نديمي؟ وحتَّى م البكاء بكلِّ ربع ... كأنَّ عليَّ رسمًا للرُّسوم أخاف عليَّ من غرق بدمع ... فأحبسه فأغرق في الهموم أحنُّ إلى الصَّريم لأجل ظبي ... يعير الظَّبي غزلان الصَّريم

وأنثر درَّ دمعي من غرامي ... بواضح درِّ مبسمه النَّظيم هلال ما اعتراني السُّقم إلَّا ... غرامًا منه بالجفن السَّقيم سليم القلب من كلفي ووجدي ... أبيت عليه في ليل السَّليم أقام قيامتي منه قوَّامٌ ... يريك معاطف الغصن القويم /200 ب/ وخصَّ الحسن وجنته بخالٍ ... يفوق به الأنام على العموم أيا قمرًا رعاني السُّقم فيه ... وعلَّم مقلتي رعي النُّجوم بسحر الجفن رعت كليم قلبي ... وكيف نفوذ سحر في كليم وأسهرني لديك رقيم خدٍّ ... فواعجبًا أأسهر بالرَّقيم وألقى من خدودك في جحيمٍ ... وفرقك كالسِّراط المستقيم سباك الخمر حين سببيت عقلي ... ليمزج مثل ريقك لي نديمي ولولا الخمر مثل لماك طيبًا ... لما ملنا إلى بنت الكروم ولو لم تشبه الغزلان لحظًا ... لما شمنا برامة لحظ ريم جهلت فبان عن جسدي فؤادي ... وأقبح ما يرى جهل الحليم وإنِّي إن رضيت سواه خلًا ... لمختار الشَّقاء على النَّعيم وماحكم الحمام على المعنَّى ... بأصعب من مفارقة الحميم أميل إذا ذكرتك للتَّصابي ... كميل الغصن من مر النَّسيم ويبكيني بعادي كلَّ وقتٍ ... بكاء البحتريِّ على نسيم وأنشدني أيضًا له من أبيات: [من الكامل] ألف الملال فمال عن ميثاقه ... رشا فراق النَّفس دون فراقه /201 أ/ عذب اللَّمى حلو الخلال كأنَّما ... خلقت مراشف فيه من أخلاقه جوَّال حلي الخصر أخرس صبه ... عن ذكره السُّلوان نطق نطاقه يفتر عن عذب المراشف واضحٍ ... مرُّ الصَّبابة دون حلو مذاقه يشفي لماه سليم عقرب صدغه ... فينوب منه الرِّيق عن درياقه دقَّت معاني حسنه ولقدِّه ... عبث الأنام من القنا بدقاقه وسنان يقلقني توعُّد طرفه ... ويودُّه قلبي على إقلاقه يهوى المطال ولو بأيسر موعدٍ ... ويصدُّ حتَّى الطَّيف عن مشتاقه

وقف الجمال على محاسن وجهه ... حتى ظننَّا الحسن من عشَّاقه يا محرقًا قلبًا أقام بربعه ... ألَّا كففت جفاك عن إحراقه اطلقت أدمع عينه يوم النَّوى ... وفؤاده وحكمت شدَّ وثاقه رفقًا بصبِّك إن أردت بقاءه ... يكفيه ما يلقاه من أشواقه أسهرته وأسلت مقلته دمًا ... أترى ذبحت النَّوم في آماقه وأنشدني لنفسه، وقد نفذ له السلطان الملك الكامل خلعًا وخيلًا، وأنشده ذلك ارتجالًا: [من السريع] /201 ب/ يا أيُّها الملك الَّذي مدحه ... يعجز عن إدراكه القائل طلت ملوك الأرض في جودهم ... وعمَّهم من كفِّك النَّائل ما كلُّ ما يأتيك منهم لما ... أسلفت يا خير الورى طائل لأنَّك البدر فلا غرو أن ... زانك من اوصافك الكامل وأنشدني لنفسه من قصيدة: [من الطويل] تبدت فأود بالقضيب اعتدالها ... وأربى على نقص الهلال كمالها وفاهت من الدرِّ الثَّمين بمثله ... فأزرى على السِّحر الحرام حلالها فما الحسن إلَّا ما حواه لثامها ... وما الغصن إلَّا ما أراه اختيالها من التُّرك في رشق السِّهام وإنَّها ... ليعزى إلى حي هلال هلالها تصول بميَّاد القوام بمثله ... يكرُّ إلى قتل الرِّجال رجالها وما الصَّعدة السَّمراء إلّا قوامها ... فصعب على غير الجليد اعتقالها نأت دارها عنِّي وفي القلب شخصها ... فحمَّلني ثقل الغرام احتمالها ولو لم تكن بدر السَّماء لما غدا ... إلى القلب بعد الطَّرف منِّي انتقالها فذلِّلت في حبِّي لها فتذلَّت ... ..... في الغرام دلالها ومن عجب أخشى مع الهجر بعدها ... وما ..... يرجى في الدُّنوِّ وصالها /202 أ) وما هي إلَّا الشَّمس يدنو منارها ... ويبعد عن أيدي الرِّجال منالها من البيض وافاها النَّعيم فعمَّها ... وزيَّنها في زينة الحسن خالها وأنشدني لنفسه مما كتبه إلى محيي الدين يوسف بن زبلاق الكاتب الهاشمي

الموصلي وقد آذاه فرس بحافره: [من الوافر] ألا يا خير من يرجى نداه ... ومن عمَّ البريَّة بالنَّوال ومن إن هزَّ في الجلَّي يراعًا ... خضعن لحدِّه سمر العوالي ومن إن غاص في بحرٍ المعاني ... خجلن لحسن منطقه الَّلآلي أتيتك عائدًا وكفين حالًا ... تعاد لأجلها في كلِّ حال [فبابي منذ خفت عليك بال ... وحالي من مصابك غير حالي] ورحت وبيت فكري في اشتغالً ... عليك ونار قلبي في اشتغال وأقسم ما برحلك نيل طرفً ... وذهنٌ ظنَّ ذلك في ضلال ولكن داس أخمصها الثَّريَّا ... وجاز مدى الكواكب في المعالي وطال على الهلال فلم ينله ... فنال الثَّأر منه أخو الهلال فأجابه محيي الدين الكاتب بديهًا: [من الوافر] أيا ربَّ البلاغة في المعاني ... ومرضيَّ المكارم والمعالي /202 ب/ ومولى كلِّ إحسانٍ وبرِّ ... ومطلق كلِّ شكر من عقال ومن أربى على الفصحاء قولًا ... وزاد على الأكرام في الفعال لقد خوَّلتني نعمًا أضاءت ... نجوم سعودها في ليل حالي فمنك علمت تحبير القوافي ... وعنك بقيت محمود المقال أأحمد إنَّ مجدك حيث أهوى ... عليٌّ عن نظيرٍ أو مثال فما أرجو من الرَّحمان شيئًا ... سوى أنِّي أراك رخيًّ بال معافي الجسم مكبوت الأعادي موقًى من معاندة اللَّيالي وأنشدني لنفسه في غلام قصر شعره: [من الكامل] قصَّرت شعرك كي تقلَّ ملاحةً ... فكساك أبهى الحسن وهو مقصَّر وقطعته ليقلَّ عنَّا شرُّه ... والأيم أقتله القصير الأبتر

وأنشدني لنفسه في المعنى: [من المجتث] قصَّرت شعرك حتَّى ... أميل عنك كميلك وضاع فيه سؤالي ... لمَّا علقت بذيلك جعلته بعد ما كان ... مثل ليلي كليلك وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الطويل] /203 أ/ حللت من الملك العزيز براحة ... غدا لثمها عندي أجلُّ الفرائض وأصبحت مفترَّ الثَّنايا لأنَّني ... حللت بكفٍّ بحرها غير رائض وقبَّلت سامي خدِّه بعد كفِّه ... فلم أخل في الحالين من لثم عارض وأنشدني لنفسه بمدينة السلام في شوال سنة تسع وثلاثين وستمائة يمدح الأمير العالم الكبير الأصفهسلار ركن الدين أبا شجاع أحمد بن قرطايا –أعز الله أنصاره وأعلى مناره-: [من مجزوء الكامل] بلمى مراشفك العذاب ... قد لذَّ لي مرُّ العذاب لك ريقةٌ مثل المدا ... م ومبسمٌ مثل الحباب يا صاحب الخدِّ الَّذي ... حاكى فؤادي في التهاب لا تحسبن سمعي يصيـ ... ـــخ إلى العواذل في العتاب وجدي مقيمٌ واكتئابي في محبَّتك اكتئابي والهجر دأبك في الهوى ... يا قاتلي والوجد دابي من لي بأهيف قدُّه ... ريَّان من ماء الشَّباب /203 ب/ صاحي الفؤاد تخاله ... نشوان من خمر الرُّضاب كلفي به في الحبِّ لا ... كلفي بزينب والرَّباب قمرٌ سعى فمدامعي ... للبعد عنه في انسكاب منهلَّة كنوال ركن الدَّين أوسحِّ السحاب ملكٌ غدا بحر النَّوال ... بكفِّه طامي العباب عذب الشَّراب لوارديه ... وغيره لمع السَّراب

معطي الرَّغائب للعفاة ... وواهب الخيل العراب ألف السَّماح فربعه ... بالوفد مأهول الجناب جمُّ الفواضل والقرى ... عالي المضارب والقباب فهو اللَّبيب الأريحيُّ ... وصاحب الحسب اللُّباب ملك له منن كأطواق الحمائم في الرِّقاب صعب الحجاب ودونه ... لوفوده سهل الحجاب ليثٌ يصول بعزمه ... بأسًا على الأسد الغضاب غيثٌ تكفَّل كفُّه ... ريَّ الأباطح والشِّعاب فتراه مرجوَّ النَّدى ... أبدًا ومخشيَّ العقاب /204 أ/ يا ماجدًا أوصافه ... أسنى اجتلابي واحتلابي يا عاقر الكوم المنيفات الذُّرى مثل الهضاب يا من إلى أبوابه ... دون الورى نصُّ الرِّكاب أنزلتني من ظلِّ بابك في الأنيس المستطاب ومنحتني من بعض جودك ما يجلُّ عن الحساب وأعدت لي من لطف برِّك حسن أيَّام التَّصابي لقياك مأمولي وما ... يرضيك من أسنى طلابي وحماك مقصودي وبأبك ... إذ يجور الدهر نابي أنسيتني وطني وأغناني ... نوالك عن صحابي فأتيت محمود السُّرى ... ورجعت مشكور الإياب غردًا بمدحك لا أحايي ... في هواك ولا أحابي وبك استطلت من الزَّمان على نوائبه الصِّعاب يا من مواهب كفِّه ... في غير جدواها ارتيابي المجد ناب بمدحه ... عنِّي فأحسن في المناب ومن العجائب أنَّ نظم الدُّرِّ ناب عن السِّخاب /204 ب/ إذ قال منتدبًا لمجدك ... بالدُّعاء المستجاب لا زلت تختطف العدا ... بشهاب عزم غير نابي

فالضدُّ شيطانٌ وانت ابن الشِّهاب أبو الشِّهاب وكناك صار أبا شجاعٍ ... والكنى عين الصَّواب لمَّا غدوت بصعدة ... مثل الشُّجاع بألف ناب وسقيت من ضرب الملاحم ... للعطاش على ظراب وبكى على بغراس حين ... أخفننها حصن الخوابي وغدوت في كلِّ العلوم ... مكمِّلًا فصل الخطاب ولديك مسند أحمدٍ ... يروي صفاتك في كتاب ولك الوجيز من النِّظام مهذبًا سهل الجواب ولك الفصيح من الكلام إذا بدا ما في الوطاب إيضاح لفظك مجملٌ ... ومفصلٌ في كلِّ باب لا زال مجدك سالمًا ... في الدَّهر من عارٍ وعاب وقال أيضًا بمدح الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين /205 أ/ -خلّد الله دولته ونشر بالنصر ألويته-: [من الكامل] ورد الحياء بوجنتيك نضير ... ته ما لحسنك في الأنام نظير يا مضعفي من وجنتيه بمضعف ... جوريُّه أبدًا عليَّ يجوز حتى م أحرم من رضابك خمرةً ... ما ذقتها وأنا بها مخمور غادرت دمعي بعد بعدك مطلقًا ... فعلام قلبي في يديك أسير دانت لدولتك القلوب محبَّةً ... لا شكَّ إنَّك في الملاح أمير وغدت تطيعك للجمال عساكرٌ ... أبدًا بهنَّ على القلوب تغير ما قابلت جيش التصبُّر من فتًى ... إلا وعاد وقلبه مكسور مخضرُّ عارضك الصَّقيل وخمرة الخدِّ الأسيل ..... تشهير أصبحت يا ملك الملاحة آمرًا ... في العاشقين وغيرك المأمور تعطي المحاسن من تشاء محكَّمًا ... في الحسن تخلع وشيه وتعير فالقد رمحٌ فيه وجهك طلعةٌ ... والشَّعر منه لواؤك المنشور شهرت صوارم مقلتيك على الورى ... فحديثها في فتكها مشهور وسمت بوجهك للمحاسن دولةٌ ... خدَّامها دون الملاح كثير

في الخدِّ ريحانٌ وثغرك جوهر ... والخال عنبر دونه كافور /205 ب/ وبجيش حسنك فوق خدِّك عارضٌ ... بالمسك أثبت خطُّه المسطور يدعو النُّفوس إلى هواك بحاجبٍ ... أبدًا بتعذيب النُّفوس يشير وحميت ثغرك باللِّحاظ كما حمى ... دين الهدى المستنصر المنصور القائم المهديُّ صفوة رِّبه ... في العالمين وهديه والنُّور مولًى إذا جار الزَّمان على الورى ... فنداه من جور الزَّمان يجير خضعت لدولته الملوك فما لهم ... من بأسه إلَّا حماه مجير القهر محتومٌ على أعدائه ... فعدوُّه من نفسه مقهور نزلت ملائكة السَّماء بنصره ... فله المهيمن حافظ ونصير فلديه من آي الكتاب كتائبٌ ... وعليه من سير النُّبوَّة سور بدرٌ أقلُّ عطائه لك بدرةٌ ... حبرٌ أنامل راحتيه بحور مبتسِّمٌ للقاصدين فبشره ... بندى يديه لقاصديه بشير هو مطلق العأني الأسير وعنده ... أنَّ الكثير من النَّوال يسير أخلاقه وندى يديه لوفده ... والعام أغبر روضةٌ وغدير ليث تحاذره اللُّيوث مهابةً ... غيثٌ على مرَّ الزمان مطير سدِّت ثغور المسلمين بعزمه ... فتبسَّمت للنَّصر منه ثغور /206 أ/ طودٌ إذا عاذ المسيء بحلمه ... فالذَّنب منه بعفوه مغفور أبدًا تخفُّ له الشَّوامخ خيفةً ... ويكاد يذبل يذبل وثبير طالت مكارمه الكرام فقد غدا ... عنه لسان الشُّكر وهو قصير من معشر أحسابهم ووجوههم ... في اللَّيل للسَّاري تكاد تنير المنقذين من الضَّلال ومن لهم ... غررٌ تكاد لها النُّجوم تغور وهم البحور إذا الموارد اعوزت ... وهم إذا خيف الضَّلال بدور وهم ظهور اللَّاجئين وفي الوغى ... فهم القلوب وفي النَّديِّ صدور فقرًى تقرُّ به العيون وأربعٌ ... يعشو إلى نيرانها المقرور أحيا أمير المؤمنين زمانهم ... فهم وإن غاب الشُّخوص حضور ولهم من المستنصر بن محمَّد ... بحرٌ نمير ندى يديه يمير

فمن الخليفة عنهم خلفٌ لهم ... لكن تخالف أعصرٌ ودهور وافى أخيرًا في الزَّمان ..... ... ما ضرَّه في عصره التَّأخير هو أوَّل في المكرمات وجوده ... ختم الكرام فجاء وهو أخير طولًا أمير المؤمنين على الورى ... وعلًا فدون محلِّك التَّأثير ولآل ربِّ العربش أمر عباده ... فجميع ملك غير ملكك زور /206 ب/ سارت بسيرتك الرَّكائب في العلا ... فعلى زمانك نضرةٌ وسرور ودعا تبسُّمك العفاة إلى النَّدى ... فسفور وجهك للعفاة سفير فتهنَّ بالشَّهر الَّذي في مثله ... أبدًا يضاعف سعيك المشكور حتَّى يعود عليك في أمثاله ... صومٌ غدا متقبَّلًا وفطور فتملَّ بالعيد السَّعيد فإنَّه ... دون الأنام إلى علاك يشير طالت فضائله الفضائل رتبةً ... فالمدح في تقصيره معذور لو رام يمدحكم جريرٌ بالغًا ... أقصى المدائح ما أطاق جرير وأنشدني لنفسه في [غلام] يعرف بالسكَّر، وكان صبيًا مليحًا جميلًا حين اختط عذاره، اسمه حسن: [من مخلّع البسيط] الحاظ عينيك فاتنات ... جفونها الوطف فاترات للغصن من قدِّك انفتال ... والظَّبي من جيدك التفات والثَّغر كالثَّغر في امتناع ... يحميه من لحظك الرُّماة حيَّات صدغيك قاتلاتٌ ... فما لملسوعها حياة فرَّق بيني وبين صبري ... منك ثنايا مفرَّقات يا حسن صدُّه قبيح ... فجمع شملي به شتات /207 أ/ الشَّمس لو حاكمتك حسنًا ... قضت عليها لك القضاة قد كنت لي واصلًا ولكن ... عداك عن وصلك العداة يا بدر تمٍّ له عذارٌ ... بحسنه تمَّت الصِّفات

منمنم الوشي في هواه ... يا طالما نمَّت الوشاة نبات خدٍّ حلَّاك حسنًا ... والحلو في السُّكَّر النَّبات وأنشد لغزًا في الشبابة وهو: [من الطويل] وناطقة خرساء باد شحوبها ... وتكنَّفها عشرٌ وعنهنَّ تخبر يلذُّ إلى الأسماع رجع حديثها ... (إذا سدَّ منها منخرٌ جاش منخر) فقال: [من الطويل] نهاني النُّهى والحلم عن وصل مثلها ... (فكم مثلها فارقتها وهي تصفر) وقال أيضًا، وكتبه إلى بدر الدين ابان الرومي كاتب الإنشاء بالديوان العزيز يذكر برسمه من الوزير نصير الدين بن الناقد سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من الكامل] /207 ب/ يا أيُّها البدر المنير ومن له ... أعلى المراتب فى النَّدى والباس أنت الَّذي فضل الأنام فذكره ... بين الأنام معطَّر الأنفاس لولا ذكاؤك لم يقل في شعره ... يومًا حبيبٌ في ذكاء إياس حاشاك أن أنسى لديك ولم أكن ... أبدًا لشكرك في المحافل ناسي فإلى متى السترى يغدوا منشدي ... (ما في وقوفك ساعةً من باس) كن مذكر المولى الوزير بشاعرٍ ... جزل المدائح في بني العبَّاس فمن العجائب والحلاوة نسبتي ... أنِّي أذوق مرارة الإفلاس وأنشدني لنفسه في الأمير ركن الدين أبا شجاع أحمد بن قرطايا –أيده الله- ويعرض في ذلك بذكر الموفق بن أبي الحديد: [من الوافر] اركن الدِّين يا أسنى البرايا ... وأسمى النَّاس في كرم وجود وخير فتًى له مننٌ وجودٌ ... يطوِّق بالمواهب كلَّ جيد

يخوِّفني الموفَّق كل وقت ... ويأمرني بتجويد القصيد وقلت له قصائد حين تجلى ... كنثر الدُّرِّ في نظم العقود فلنت أأذكرت وغير بدعٍ ... إذا لان الحلاوة للحديد /208 أ/ وقال أيضًا: [من الطويل] علمت بأنَّت صائرون إلى الفنا ... وما يتساوى عالمٌ وجهول وأنَّا وإن عشنا زمانًا فإنَّنا ... إلى الموت من بعد البقاء نؤول على الشَّمس منَّا رحمةٌ ما دجا الدُّجى ... وما حان من شمس النَّهار أفول فتًى كان أهلًا للجميل وفعله ... فما صبرنا عنه الغداة جميل ولسنا مخاريقًا على فقد هالك ... وظلُّ أمير المؤمنين ظليل وما ضرَّنا أعمارنا أن تقاصرت ... وعمر أمير المؤمنين طويل وأنشدني لنفسه يمدح الملك الصالح ركن الدين عز الإسلام، وفخر الأنام جلال الدولة ناصر أمير المؤمنين إسماعيل بن المولى الملك الرحيم بدر الدين –شيّد الله قواعد دولته بمحمد وعترته-: [من الكامل] هل للمتيَّم عن هواه عدول ... وشهود ادمعه عليه عدول يغريه تفنيد الوشاة وربما ... اغرى المحب مفنِّدٌ وعذول يا لائمي فيمن كلفت بحبِّه ... هيهات عذلك في الغرام يطول /208 ب/ ألزمتني بالصَّبر عنه تجلُّدًا ... والصَّبر إلَّا عن هواه جميل كيف التَّستُّر في الغرام وفاضحني ... دمعٌ على الخدِّ الأسيل يسيل وبليَّتي لدن القوام يزينه ... خصر كجسمي في هواه نحيل نطق النِّطاق بشرح حالي عنده ... لما صمتن أساورٌ وحجول يحمي بعسَّال القوام إذا انثنى ... لدن المعاطف ثغره المعسول ظبيٌ عن الصَّبِّ الكئيب نفاره ... غصنٌّ عن الهجران ليس يميل جهلت على قلبي رماة جفونه ... فعلام يفتك بالعليم جهول ورنا عن اللَّحظ الكحيل تزينه ... سنةٌ فجفني بالسُّهاد كحيل في خدِّه زهرٌ يزيد غضاضة ... لا يعتريه على الزَّمان ذبول جوريُّ ورد مضعفٌ قبَّته ... كلفًا فضاعف حسنه التقَّبيل

أرجو ازديار الطَّيف منه تعلُّلًا ... لو كان ينفع حبَّه التَّعليل أو كيف ينعم بالزِّيارة مانع ... أم كيف يسمح بالخيال بخيل ما لي إليه وقد تناءت داره ... إلَّا نسيمات العشيِّ رسول ولذاك يطربني النَّسيم إذا انبرى ... فكأنَّ أنفاس الشَّمال شمول رشا به تحيا الصَّبابة مثلما ... أحيا لنا الآمال إسماعيل /209 أ/ الصَّالح الملك الجليل ومن به ... يرجى دفاع الخطب وهو جليل الألمعيُّ يحلُّ كلَّ عظيمةٍ ... عقل البليغ بمثلها معقول فإذا اختبرت ذكاءه في مشكل ... طرد ..... ذهنه المصقول ملكٌ لديه من السَّخاء مخايل ... وعليه للشَّرف الرَّفيع ديل ذرب اللِّسان يحار في أوصافه ... فهم البليغ إذا رآه يقول حلو الشَّمائل في السَّماح مذرَّب ... جمُّ الفضائل في الفخار أصيل فالغيث منه يصوب في يوم النَّدى ... واللَّيث منه على العداة يصول يقظ إذا شغل الجهالة خدنه ... بالمكرمات ..... مشغول ضمنت لنا عنه النَّجابة أنَّه ... يسمو على أترابه ويطول ملكٌ تبيَّن في أسرَّة وجهه ... أنَّ الممالك نحوه ستئول ألقى تمائمه النُّهى فاستبشر ... السَّيف الصَّقيل بأنَّه المحمول ونضا ملابس للصِّبا متدرِّعًا ... حكمًا فسرَّ التَّاج والإكليل حاز الفصاحة والسَّماح فلفظه ... جزل وجود ندى يديه جزيل ما همُّه في ناهد بل همُّه ... نهد المراكل زانه التَّحجيل كلَّا ولا البيض الرِّشاق شجونه ... لكن شجاه الأبيض المصقول /209 ب/ لهج على صغر بكلِّ بديعة ... عظمت فحار لحلِّها المعقول شبلٌ من الأسد الَّذي أظفاره ... في يوم مغزاه قنًا ونصول فله من البيض الصَّوارم جنَّةٌ ... وله من السُّمر اللَّهاذم غيل ومجدِّل اللَّيث الهزبر يمدُّه ... كفٌّ ازب وساعدٌ مجدول

ملكٌ له السَّيف المهنَّد صاحبٌ ... أبدًا ومن زاكي الخيول خليل ما إن يلذُّ بسمعه يوم الوغى ... إلَّا صليل صوارم وصهيل كلفٌ بعيد المكرمات فقلبه ... لا تطَّبيه الغادة العطبول طودٌ يخفُّ إلى المكارم عطفه ... لكن سطاه على العداة ثقيل كرم الأبوَّة ضامنٌ بسموِّه ... من فوق كلِّ متوَّج وكفيل فيكفِّيه ماء السَّماحة هاطلٌ ... وبوجهه ماء الحياء ..... أبدى شمائل من أبيه فحلبه ... بولاء آل محمَّد موصول فهم له سفن النَّجاة إلى الهدى ... وهم الوسائل عنده والسُّول يا أيُّها الملك الَّذي شهدت له ... بالبأس سمر لهاذم ونصول أنت الَّذي ترجى لكلِّ ممنَّع ... صعب المراس وجودك المأمول وعليك للملك الرَّحيم شواهدٌ ... نطقت بأنَّ عدوَّك المخذول /210 أ/ وسموت فالمثني عليك مقصِّرٌ ... أبدًا وباعك في السَّماح طويل وأنشدني لنفسه، وكان قد خلع عله الملك العزيز محمد بن عبد الملك الظاهر غازي ابن يوسف– صاحب حلب- خلعة صفراء فلم يرضها فكتب إليه: [من الكامل] يا أيُّها الملك الَّذي شهدت له ... بالمكرمات شوارد الأخبار والمقتني حسن الثَّناء وخير من ... زفَّت إليه عرائس الأفكار ما كنت أرجو أن تكون ملابسي ... إلَّا كما ألبست من أشعاري أبستكم حلل الثَّناء قشيبةً ... كالرَّوض جيد بعارض مدرار فعلام ألبس من فواضل جودكم ... ما لا يليق بهمَّتي وفخاري صفراء آذن لونها لمًّا أتت ... بقصةر حجَّتها عن الأعذار قابلتها بيد القبول وإنَّما ... شعري تأبى أن تكون شعاري فرددتها ولسان حالي منشدٌ ... (ما في قعودك عاريًا من عار) وكتب إلى محيي الدين محمد بن سعيد بن أبي النداء الجزري الوزير، وكان قد

أمر مشرفه /210 ب/ على المطبخ أن يحمل إليه طعامًا وكان أحول فقصَّر فيه: [من الطويل] أيا ماجدًا تلفى السَّماحة والحجى ... وبدر الدُّجى والبأس ما بين ثوبيه أأشكو إليك الباقلانيَّ لائمًا ... وقد رحت محتاجًا إلى برِّ كفَّيه يجيء إلينا بالقليل يظنُّه ... كثيرًا وليس الذَّنب إلَّا لعينيه ومن سوء حظِّي أنَّ رزقي مقدَّرٌ ... براحة شخصٍ ينظر الشَّيء مثليه وأنشدني لنفسه في إنسان يدّعي معرفة العروض: [من الطويل] وقالوا غدا نجل الجنيد مصنِّفًا ... عروضًا وبعض النَّاس أفضل من بعض يقطِّع أعراض البسيط وإنَّما ... يقطِّعه أهل البسيطة في العرض لقد رميت بالثَّلم والخرم دبره ... كما رميت كفَّاه بالكفِّ والقبض وقال فيه: [من السريع] قالوا غدا ابن الجنيد منفردًا ... ما مثله في العروض من أحد وقصدنا فكُّ دابره ... وهو بسيط يفكُّ بالوتد وله فيه من أبيات: [من الوافر] /211 أ/ أريناه الطَّويل وقد أرانا ... بسيطًا شكل دائرة المذال نقطِّعه بأسباب خفافٍ ... على الأسماع وهو من الثِّقال [117] أحمد بن بوران بن سنقر بن عبد الله، أبو عليِّ بن أبي أحمد الموصليُّ، النقاش الدهان. أخبرني أنَّه ولد بالموصل في سابع عشر رجب سنة ستّ وتسعين وخمسمائة. شاب من الأذكياء في صناعة التزويق والنقش وتصوير المدور والكتب وتذهيبها، فاق في ذلك على أهل زمانه لا يماثله أحد فيما يخترع من غرائب التزاويق، وبدائع التصاوير، ويكتب خطًا مليحًا، ويرجع في الشعر إلى صحّة طبع، وسلامة قريحة في المنظوم.

أنشدني لنفسه يمدح الملك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين تاج الملوك وشرف السلاطين أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين- أنفذ الله أمره- ويذكر الجوسق الذي أنشأه بظاهر البلد بالرضاصي /211 ب/ ويصف ما فيه من التزاويق والتماثيل والبرك والبساتين وغير ذلك: [من الطويل] تبلج صبح الملك بعد ظلامه ... وبدِّل عن تقطيبه بابتسامه وجمَّع أشتات التَّهاني نظيمةً ... وشتَّت عشقد الهمِّ بعد انتظامه وأصبحت الدُّنيا تطير بأهلها ... سرورًا فقرَّت عينها بدوامه بملك أقام الدِّين بعد اعوجاجه ... وأنصفه من بعد طول اهتضامه ألا فأنظروا هل نال مثل مناله ... مليكٌ مضى أو همَّ مثل اهتمامه يشيد بناءً لا ترام لغيره ... شواهده في عزمه ومرامه تخبِّرنا أن ليس قصدٌ كقصده ... وليس غرامٌ بالعلا كغرامه هي الدَّار لا دارٌ سواها فقف بها ... ترى منظرًا باليمن حسن ابتسامه تطوف بها الأملاك من كلِّ جانبٍ ... كما طاف إبراهيم حول مقامه فلا يوان لا إيوان كسرى ببابلٍ ... لما قد حواه من فنون رخامه إذا ما رنا طرفٌ ليدرك شأوه ... يعود كليلًا دونه لم يسامه .. فيها البرُّ والبحر عامرًا ... بحيتانه في عامر بنعامه تلاعب فيها الضَّبُّ والنُّون دائبًا ... فمن سابحٍ أو سائحٍ في إكامه /212 أ/ ترى الرَّوض ما أبدى رفيع سقوفها ... لطائف من نوَّاره وثغامه تميس غصونًا لم يمسن وما شدت ... على الأيك منها طائرات حمامه فكم من نديم أوطأ الكأس كفَّه ... ولكنَّه لم يرتشف من مدامه وهيفاء امست يوجع العود ضربها ... وما هو عنها مفصحٌ بكلامه وريمٍ رماه نابل فأصابه ... وما ذعرت ألَّافه من بغامه وكم من هزبر فاغرٍ فاه طالبٍ ... كميًا على طرف ثنى بلجامه ومن باذل ما نيط حبل عقاله ... ولا سابقٍ يلوى بجرِّ زمامه وفتيان صدق من قوارير كوِّنوا ... فكل يرى عن حلمه لاحتكامه صفوا عن يد الأكدار فالسِّر عندهم ... مذاع ولمَّا يحمدوا باكتتامه

فكلٌّ ترى من جاءه من ورائه ... جليًّا كمن قد جاءه عن أمامه لدى بركة حفَّت بوشي حدائقٍ ... يخجِّل زهر الرَّوض حسن نظامه تدرُّ ضروعًا لا يملُّ رضيعها ... ولا هي تدعوه أليم فطامه تدافق فيها الماء من كلِّ جانب ... فيطرب من تصفيقه وانتظامه إذا انبعت فوَّارة منه منبعًا ... تخال ..... ما فوَّقت من ..... يروع العذارى الحاليات نثيره ... فتدرك كلٌّ عقدها بالتزامه /212 ب/ فمن كامل التَّثمين لاقى مسدَّسًا ... فوافق في التَّربيع عند لحامه كأن مدار القطب وجه بساطها ... ترى الشُّهب من وحدانه وتؤامه تصدِّق إن قلت السَّماء لأنَّه ... يرى البدر فيها كاملًا في تمامه مليكٌ براه الله للنَّاس رحمةً ... بقوم تحدِّي حلِّه وحرامه فللبرِّ والحسنى بنان يمينه ... كما ضمن الآجال حدُّ حسامه به ختم الله الكرام لأنَّه ... رأى كلًّ خير فضله بختامه تواضع في عزٍّ وصار محاربًا ... وجاد احتسابًا عند إقتار عامه رأى منه تحت الملك ما لم يحلُّه ... سليمان في أطياره وهوامه فأشرف في الآفاق نورٌ مملَّكٌ ... سنى البدر في الظَّلماء تحت لثامه فعلَّم منه اللَّيث بأسًا وجرأةً ... كما علَّم الأنواء فيض سجامه كميٌّ أذاق التُّرك يوم نزاله ... من الموت كأسًا مرة من زؤامه حمى حوزة الإسلام بالبيض والقنا ... فما ذمَّ دهرًا داخلٌ في ذمامه وما حفظت أهل الثُّغور ثغورها ... بغير مواضي حدِّه واعتزامه فللذئب برٌّ زائدٌ من شراكه ... وللنَّاس حظٌّ زائدٌ من طعامه هنيئًا نداماه لقد نلتم به ... على قصر الجوزاء نيل سنامه /213 أ/ بلغتم به أقصى الأماني فحبُّكم .. بمن جرع الأعداء كأس حمامه جوادٌ به بلِّغت ما كنت آملًا ... فأصبح حظِّي ناقهًا من سقامه يجود بلا منٍ ولا لي موعدٌ ... إذا الغير خلَّاب بلمع جهامه فمن أجل ذا لم يشك للبين مركبي ... مجاذبه من نسعه وزمامه وما خاب طرفٌ فاز منه بنظرةٍ ... ولو شامه إنسانه في منامه

فبورك بنيانًا وبورك ساكنًا ... وبوَّأه الرَّحمان دار سلامه ولا زال مأهول الجناب مؤيَّدًا ... ممرَّ اللَّيالي دائمًا بدوامه وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] سلاه هل عدَّ قتلي بالصُّدود رضا ... أم ساخطًا كان في أمرٍ عليَّ قضى كلَّفت قلبي لديه الصَّبر معترفًا ... ..... كلَّما عاينته انتقضا إني لأعجب من طرف التَّجلُّد في ... هواه يعثره وجدي إذا ركضا وعارضٍ من جفوني كلَّما نظرت ... عيناي بارق ثغر منه معترضا أما وليل كحظِّي من ذوائبه ... على صباح كفرق في الجبين أضا لا كنت ممَّن يرى في الحبِّ مبتذلًا ... عنه ولو جار أو أبغي له عوضا [118] أحمد بن إبراهيم بن أحمد /213 ب/ بن هبة الله بن الحسين بن الحسن، أبو العباس بن أبي إسحاق الموصليُّ. من أبناء الرؤساء المتصرفين بالموصل. أصل آبائه من الجزيرة العمرية، وانتقلوا إلى الموصل وتولوا بها الأعمال الجليلة لبني أتابك؛ وهبة الله جده يعرف بالعفيف وبه يعرف بيتهم. وأبو العباس أخبرني أنه ولد في شهر صفر سنة اثنتين وستمائة، ونشأ في طاعة الله تعالى، والتمسك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم مع سداد وصلاح، وحفظ القرآن العزيز، وسمع الحديث على أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري، والنقيب أبي الفتوح حيدر بن محمد بن عبيد الله الحسيني، وصحبة مدّة. واستدعى إلى ديوان الاستيفاء بعد موت والده فما أصاب وأعرض عن ذلك ورعًا وتدينًا ونزاهة نفس. ثم تولّى خزانة كتب المدرسة المولوية السلطانية البدرية المطلّة على دجلة- عمّرها الله ببقاء منشئها-. وهو من سروات الناس وأمثالهم، وأماجد أهل بيته وأفاضلهم، ذو دين وافر، ونسك ظاهر /214 أ/ كثير الخير، واسع النفس، مهذَّب الأخلاق؛ له بلاغة في

خطابة، وحسم عبارة، وخط رائق، وشعر مستحلى، ولم يكن يؤثر إظهار شيء من أشعاره، ولا يسمح عليّ بها فحيث طالع هذا الكتاب وتأمله قراءة شرَّفني ببيتين من قيله، وهما: [من الكامل] وجمعت أرباب الفضائل والنُّهى ... في سفرك الحسن الأنيق الكامل وسلكت أجمل مسلكٍ في رصفه ... فوقيت لؤم العائب المتجاهل [119] أحمد بن ملاعب بن علويٍّ أبو عليٍّ الإربليُّ أصله من الموصل. شاب ملء بدنه، عبل الجسم، أسمر. يحفظ من الحكايات المستظرفة، والنوادر الغريبة جملة. وكان كيسًا مطبوعًا مازحًا فيه دماثة ومداعبة، ولم يكن نظم الشعر من شيمته إلا [أنَّه] يقوله طبعًا. كان يتولى في الدولة الظاهرية عملًا، فحين جاءت الدولة المستنصرية عزل عما كان عليه، وصار يكتب القصص بالأجر، واستشهد بإربل حين دخلها التتار- خذلهم الله تعالى- سنة أربع وثلاثين وستمائة. /214 ب/ أنشدني لنفسه ما كتبه إلى الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي- رحمه الله-: [من الخفيف] كان ظنِّي متى قصدت عليًا ... في مهمٍّ يبرُّ لي مقصودي خاب ظنِّي فما عليَّ جناحٌ ... إن تواليت بعدها ليزيد وأنشدني لنفسه في قرد رآه راكب كلب، وناس يطوفون به الدروب والأسواق يتكسبون عليه رزقًا: [من الوافر] واعجب ما رأيت ركوب قردٍ ... على كلب يطوف به المغالق وماذا بالعجيب فكم رأينا ... كلابًا بحتها دهمٌ سوابق وأنشدني لنفسه، وكتبه إلى شرف الدين أبي البركات المستوفي- رحمه الله تعالى-: [من الطويل]

أيا شرف الإسلام قد مسَّني الضُّرُّ ... فلا جلدٌ من بعد هذا ولا صبر أجرني فقد أضحى الزَّمان معاندي ... وحسبي بلا منة أيسره الفقر وماذا احتيالي قد بليت بأربعٍ ... بها حسدي مضني وقد نفد العمر وحيدٌ ومعيول وطول مطالةٍ ... دهاني تماديها وقد خانني الدَّهر /215 أ/ وكم لي أسلِّي النَّفس عما أصابني ... على مضض منِّي إذا هاج بي الفكر أقول: اصبري بالله يا نفس واعلمي ... بأن ابن موهوب لنا في الورى ذخر رئيسٌ كبيرٌ عالمٌ سيِّدٌ معًا ... كريم حليمٌ صائمٌ قائمٌ حبر له عزمات في النَّوال متى دنا ... أخو عسرة مغناه حلَّ به اليسر فلو حاتمٌ في الجود باقٍ بعصره ... لكان له عبدًا لديه ولا فخر ولو أنَّ كسرى عاش فينا بعدله ... لبان لنا من عدله أنَّه كفر ومنها: فخذها عروسًا طفلةً فجهازها ... مديحك والإحسان منك لها المهر وعش وأبق في عيشٍ رغيدٍ ورفعةٍ ... مدى الدَّهر ما لاح السَّما وبدا البدر وأنشدني لنفسه، وهو مما قاله على لسان مسعط: [من الكامل] أيا عدَّة المولود إذ هو يشتكي ... ظماءً فأورده زلال الماء ومن العجائب أنَّه يشتاقني ... أدنو إليه فينثني ببكاء [120] أحمد بن جعفر بن الحسن بن علوان /215 ب/ بن حمزة بن سويدة التكريتيُّ الأصل. شيخ رديء العينين، عاميّ لم يعرف ما يقوّم به لسانه، بغدادي المولد والمنشأ والدار. وهو دلّال الكتب وبائعها. لقي جماعة من شعراء العراق وروى عنهم شيئًا من أشعارهم. وكان كثير التردد إلى الموصل، ويقيم بها. ثم رحل عنها إلى بغداد في تجارة الكتب، ولم تحمد طريقته مع الناس في معاملته؛ وربما يصدر عن خاطره أبيات قريبة. وأنا أستبعد هذا الشعر منه لكونه عاميًا لم يقرأ من الأدب شيئًا؛ سئل عن مولده، فقال: في سنة ستين وخمسمائة.

وروى الحديث عن أبي القاسم سعيد بن أبي المكارم بن بركة النحاس، وسماعه صحيح. أنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل] قدم المعين فأشرقت ... بغداد إذ قدم المعين فأمارنا بالبرِّ حتَّى خلت ممنهله معين قد كان حظِّي حين وافى منه أحسن ما يكون وبحست منه الجانبين ... وذاك عندي لا يهون وأنشدني أحمد بن جعفر بن الحسن /216 أ/ الكتبي لنفسه: [من الخفيف] ذهب العمر بالمنى والتَّقاضي ... وبصدِّ الحبيب والإعراض وتولَّى عصر الشَّباب وما ... نلت مرادي منه ولا أنا راضي وتبدلت بعد بهجة لوني ... باصفرارٍ ولمَّتي بالبياض أفأرجو من بعد هذا بقاءً ... إقض يا دهر فيَّ ما أنت قاضي [121] أحمد بن أبي شجاع بن أحمد بن أبي البدر الدمشقيُّ، المعروف بالذهبيِّ. نسب إلى بني تميمٍ نفسه، وادَّعى أن الحيص بيص الشاعر هو جدُّه من قبل الأمّ. وأشعاره ضعيفة جدًا، قليل الحظ من العربية ومعرفتها. وفي شعره لحن فاحش. يتشيّع ويقصد الناس بأقواله؛ وهو دميم الصورة، خفيف اللحية والعارضين، قبيح الهيأة، يفرط في الفحش، كثير الكذب، ..... في ذاته. أنشدني لنفسه؛ وهو أصلح شعره، يستدعي صديقًا له: [من الخفيف] نحن في مجلسٍ حكى الرَّوض تفويفًا وما في الرِّيَّاض ما هو فيه /216 ب/ نرجس الأعين المراض وتفَّاح خدودٍ الحاظنا تجتنيه وروامش سوسنٍ يخجل الخيريَّ في صبغه الَّذي يبديه ونديمٌ قد اكمل الله للأنفس فيه جميع ما يشتهيه

ومدامٌ أرقُّ من دمعة الصَّبِّ وشاد ألجٌ من عاذليه لم يفته ممَّا تجرُّ المسرَّات إليه إلَّا حضورك فيه وأنشدني أيضًا لنفسه في غلام وضع في فمه درهمًا: [من السريع] وشادن قابلت في ملعبٍ ... وهو بعقلي تائهٌ يلعب فقلت لمَّا اختال كالغصن لا ... أجيء من وجد ولا أذهب فافترَّ تيهًا فبدا درهمٌ ... في فيه لي مبسمه يحجب فقلت هذا منظرٌ لم يجد ... في النَّاس منه قبله أعجب عضَّ على حقفٍ نقًا فوقه ... بدر دجًى في وسط كوكب وأنشدني لنفسه في غلام اسمه موسى بخدِّه خال: [من السريع] واهيف القدِّ على خدِّه ... خال على سفك دمي عونه /217 أ/ فهو كموسى والعصا لحظه ... وقلب من يهواه فرعونه وأنشدني لنفسه: [من الطويل] سقى ليلةً بتنالها في مسرَّة ... وقد غفل الواشي ونام المراقب أقبِّل وردًا فوق خدٍّ وعارضًا ... أسيلًا عليه العنبر الرَّطب ذائب وأرشف ريقًا كالأقاحي وأجتلي ... هلالًا أنابت عن دجاه الذَّوائب ذهلت به حتَّى توهَّمت أنَّني ... من الوجد في وادٍ من الحلم ذاهب وحتًّى حسبت البدر يدنو صبابةً ... وكادت بأن تهوي إلينا الكواكب وأنشدني قوله: [من المنسرح] وزائر ٍكالهلال واللَّيل قد ... جرَّ على الخافقين أذياله حسبته حيث زارني قمر التَّمِّ له من عذاره هاله وأنشدني له: [من الطويل] لبست جديد الحيِّ لمَّا تعرَّضت ... علائق ودٍّ قبله وعهود وها أنا لمَّا أخلق العذر ..... ... تعرَّض منِّي جفوة وصدود وقد كان قلبي لم يطعني على القلى ... وها هو طوعي اليوم كيف أريد

وأنشدني لنفسه: [من الوافر] /217 ب/ وذي هيفٍ من الأتراك وجدي ... برشف رضابه وبوجنتيه ولكني أحاذر حيث يرنو ... مهاجمة الرَّدى من مقلتيه أقول قد ثناه التيه لينًا ... وجاذبني تأوُّدُّه إليه فوا أسفي على عمر أقضِّي ... بجفوته وواحربي عليه رمى ورنا فكان اللَّحظ أودى ... بقلب الصَّبِّ ممَّا في يديه وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف] زارني خلسةً من الرُّقباء ... بعد مطلٍ مبرقعًا بالحياء غير أنَّا لمَّا اندفعنا إلى بثِّ شكاةٍ من لوعةٍ وعناء أبعدتنا عين الرَّقيب ..... ... نتشاكى باللَّحظ والإيماء وأنشدني قوله أيضًا: [من مخلّع البسيط] وددت لو زارني حبيبي ... ولو خيالٌ بلا رقيب فوالَّذي بالهوى ابتلاني ... ووَّكل القلب الوجيب ما قلت: أيأتي الحبيب إلَّا ... جاء رقيبي بلا حبيب [122] أحمد بن داود بن بلال /218 أ/ بن معالي الإربليُّ، أبو العباس الخطيب المقرئ. شاهدته كهلًا ضعيف النظر، إحدى عينيه نادرة. وهو دلال الكتب بمدينة إربل؛ من أهل العلم والقرآن وسمع الحديث كثيرًا على جماعة. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى الوزير الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي- رحمه الله-: [من الطويل] ألا أيها المولى الَّذي سار ذكره ... واثقلني دون البريَّة برُّه أهنِّيك بالعام الجديد وإنَّما ... يهنَّي بك العام الجديد وعشره

[123] أحمد بن اسفنديار بن الموفق بن أبي عليٍّ، أبو المكارم بن أبي الفضل البغداديُّ الواعظ الصوفُّي. وسيأتي شعر والده في موضعه من هذا الكتاب- إن شاء الله تعالى-. كانت ولادته في الثامن والعشرين من رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة ببغداد، وتوفي بعد منصرفه من بغداد في أوائل شهر ذي القعدة من سنة تسع وثلاثين وستمائة. شاهدته ببغداد؛ وهو متقدم الصوفية /218 ب/ برباط الإرجوانية، وهو كهل حسن يروى عن أبي محمد إسماعيل بن أحمد الكاتب، وبالإجازة عن أبي الفرج بن كليب وغيرهما من المشايخ البغداديين. وكان حافظًا للقرآن الكريم، صحيح السماع والإجازة، واشتغل بفن الوعظ على أبيه؛ ولديه فضل وأدب، وقال الشعر ودوّن لنفسه ديوانًا يشتمل على مجلدتين، ولم يودعه هجوًا البتة. وذكر لي- في سنة ثلاث وعشرين وستمائة- أنَّ شعره يبلغ عشرة آلاف بيت.

وكان شيعي المذهب، غاليًا في الولاء. أنشدني لنفسه يوم الأحد الحادي عشر من شهر رمضان بالجانب الشرقي من مدينة السلام بالرباط المقدم ذكره، وذلك في سنة تسع وثلاثين وستمائة، يمدح الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين- خلّد الله ملكه-: [من البسيط] قضى لك الله بالتَّأييد والظَّفر ... ما لاح في الأفق ضوءٌ من سنى القمر خليفة الله يا من نور نائله ... جلَّى غمامة فقر البدو والحضر .. مربع الإسلام منهمرًا ... من جنودك الغمر يغنيه عن المطر إحسأن مستنصر بالله منتصر ... لله معتضد بالله مقتدر /219 أ/ فلو رأى زمن المنصور صوب ندى ... المنصور لم يبق من ضرٍّ ولم يذر إمام حقٍّ رآه الله خير بني العبَّاس من آمرٍ منهم ومؤتمر فناط حكم بني الدُّنيا بهمَّته القدسيَّة الحدس والأوهام والنَّظر تفويض راضٍ لما أولاه من كرم ... مأثور سيرته المحمودة الأثر خليفةٌ زيَّنت أنباء سيرته ... محاسن الكتب والآثار والسِّير مصوَّرٌ في مقرِّ القدس من صورٍ ... جلَّت لتقديسها من عنصر الصُّور في خلق يوسف في أخلاق أحمد في ... حكم المسيح المصفَّى من أذى الكدر فجاء أغنى بني الدُّنيا بسؤدده ... عن أن تعرَّف بالأوضاح والغرر ينسي بإحسانه الأجواد من مضر ... وبالسِّياسة ما قد قيل عن عمر كأنَّه في معاني فضله ملكٌ ... وإن تصوَّر في ملك من البشر فيا أبا جعفر عمِّرت منتصبًا ... في سدَّة الملك أقصى منتهى العمر ولا برحت لآفاق العلا فلكًا ... يهدي سنى نوره للشَّمس والقمر ولا عدتك تهاني العيد وافدةً ... ما هزَّت الرِّيح ميَّادا من الشجر وعشت عيدًا لأعياد البريَّة ما ... ترنَّمت ساجعات الورق في الشَّجر ولا خلا منك دست الملك ما فرق الفصيح ما بين لفظ الغمر والغمر /219 ب/ ولا ألمَّت بربعٍ أنت ساكنه ... إلمامهٌ من مجاري حادث الغير

ولا برحت لبرج المجد نيِّره ... العلويَّ ما طاف وفد الله بالحجر وأنشدني أيضًا لنفسه في مولانا أمير المؤمنين، وذكر أنه أنشدها بالمدرسة التاجيّة في يوم الغدير. وكان قد صادف ذلك اليوم مجلس الوعظ: [من مجزوء الكامل] لا تسق بالقدح الصَّغير ... من كان ذا خطرٍ كبير إنَّ الأكابر للأكابر ... والأصاغر للصَّغير وأدر كؤوسك لا عدمتك ... من أخي نظرٍ مدير حمراء يشرف من زجاجتها سنى القمر المنير جلَّت محاسن وصفها ... عن أن تشبَّه بالخمور بكرًا إذا نطقت حكت ... ما كان في قدم الدُّهور كانت ولم يخطر وجود الكون في نفس الضَّمير يهدي إلى قلب الحزين ... حديثها روح السُّرور قدسيَّة الأوصاف مشرع ودرها العذب النَّمير يجلو العمى وينير بالإيمان أوعية الصُّدور /220 أ/ فإذا انتشيت من المدام ومست في حلل الحبور وأرتك أنوار الهدى ... بخلًا لدى النَّظر البصير فاحلف بمن ظهرت خصائص فضله يوم الغدير وعلا على كتف النَّبيِّ الصَّادق البرِّ الطَّهور وأباد عمرًا بالحسام ... المقصل العضب الطَّرير وشفى بقتله مرحب ... في خيبر قلت البشير إنَّ الندَّى المستنصريًّ ... ندى يجلُّ عن النَّظير جود الخليفة لا يقايس ... بالحيا الهامي الغزير أنَّى وكيف وفضله ... القدسيُّ عن كرمٍ وخير ومواهب المنصور للإسلام ... كالحامي النَّضير

مولى يخاف سطاه قلب الباسل الأسد الهصور فاسلم امير المؤمنين من الردَّى حتى النُّشور في دولةٍ أساسها ... تعلو على الفلك الأثير تبنى دعائمها برأي وليِّك المولى الوزير النَّاصح البرِّ الوفيِّ ... الصَّادق العفِّ الضَّمير /220 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه في المستنصر بالله، وأنشدها بالبدرية الشريفة من لفظه: [من الخفيف] لست أخشى جور الزَّمان وإن جار إذا كان عدَّتي المنصور فإليه تعزى المناقب والفضل وعنه يروى النَّدى والخير كالمعالي حيث استقرَّ استقرَّت ... والأيادي تصير حيث يصير جدَّد الله ملكه ألف عامٍ ... يتوالى للخلق فيه السُّرور وأرانا فيه المنى ووقانا ... في معالي حلاله المحذور وجرت بالَّذي تنشَّا المقادير وواتاه بالمنى المقدور أنا أدعو والله يعلم صدقي ... في ولائي وما يجنُّ الضَّمير يا إمام الهدى الَّذي للمعالي ... بمعاني آرائه تدبير رجبٌ قد أتى يبشِّر بالنَّصر فنعم الآتي ونعم البشير فتملَّ الزَّمان وأبق لدهر ... أنت فيه مؤيَّدٌ منصور فبكم يجبر الكسير وينفكَّ الأسير العاني ويغني الفقير وقال أيضًا: [من الكامل] /221 أ/ مالي ألام على الهوى وأعنَّف ... ما في العواذل في اللَّوائم مصنف أيلام صبٌّ وجده متوقِّدٌ ... وسحاب مدمعه يسحُّ ويذرف صبٌّ إذا ذكر الحمى وعهوده ... لحمى العقيق ورامة يتأسَّف حيران لا ينفكُّ مذ شحط النَّوى ... بالظَّاعنين عن اللِّوى يتلهَّف يرعى النُّجوم كأنَّه لطلوعها ... وغروبها مترصِّدٌ متكلِّف شوقًا يهيِّجه إذا جنَّ الدُّجى ... نشوان من خمر الملاحة مخطف رشا لواحظ طرفه سحريَّة ... وبفيه لو بذل المراشف قرقف

رشا به عرف الملاحة مثلما ... بشحوبي الوجد المبرِّح يعرف [124] أحمد بن الحسن بن عمر بن محمدٍ، أبو الفضل الأسفرايينيُّ. نزيل ملطية من بلاد الروم. شاب أشقر؛ شاهدته بالمدرسة النورية بحلب المنسوبة إلى بني عصرون، وقد وردها صحبة القاضي تاج الدين يوسف بن عبد الصمد بن أبي بكر التبريزي حين وافى رسولًا من سلطان البلاد الرومية، وذلك في شهر ربيع الأول /221 ب/ سنة سبع وثلاثين وستمائة. وأنشدني لنفسه ما تضمنت هذه شيئًا من شعره. وسألته عن ولادته، فقال: ولدت ليلة الجمعة رابع جمادي الأولى سنة سبع وتسعين وخمسمائة. وشعره لم تكن عليه طلاوة، وتظهر فيه العجمة والتكلف، فمما أنشدني له قوله: [من الطويل] نسيم الصَّبا عرِّج على ملطَّية ... وبلِّع سلامي أهلها وتحيَّتي وخصِّص بفرط الشَّوق من بينهم سربهم ... غزالًا أراني البعد عنه منيَّتي وقل بلسان الذُّلِّ يا غاية المنى ... يقول فلانٌ حلَّ فيك رزيَّتي تمرُّ وفي عيني خيالك غدوتي ... وتمسي وفي قلبي هواك عشيَّتي نسيت وطول العهد منسي عهودنا ... وإنِّي على الحالين اخلصت نيَّتي وعنك على بعد المزار روايتي ... ومنك وإن طال البعاد رويَّتي نسين الصَّبا تأبى القبول تخيُّرًا ... وإلَّا فها روحي إليك هديَّتي

[125] أحمد بن عليِّ بن أبي المكارم بن مسعود بن حمزة الموصليُّ، البغداديُّ الأصل، أبو العباس. حفظ القرآن على والده، وعنده صدر حسن من العربية؛ /222 أ/ ومولده سابع صفر سنة ثماني وتسعين وخمسمائة. أنشدني قوله: [من الطويل] وإنِّي لأولى من تفيَّأ ظلَّكم ... وأحرى من استصنعتموه مدى الدَّهر لأنشر ديوان المدائح فيكم ... ولا طيَّ بعد النَّشر إلَّا إلى الحشر فإحسانكم عندي تليدي وطارفي ... ومعروفكم يسري مع العسر واليسر [126] أحمد بن أبي القاسم بن أحمد بن أبي القاسم بن نصر بن سعيد، أبو العباس المعروف والده بالجزار الموصلي، وأحمد يلقب كشاجم. وهو شاب معاشر مسترفد بقوله لا غير، ينظم الشعر في الهجو والمدح والغزول وغير ذلك. وخبرت أنَّه يتهم في أشعاره، وينتحل أشعار الناس ويسرقها والله أعلم صحة ذلك؛ وليست له حرفة يعتمد عليها سوى التكسب بالشعر والاستجداء. وسألته عن ولادته، فقال: ولدت سنة خمس وتسعين وخمسمائة بالموصل. وأنشدني لنفسه يمدح الملك الأشرف- رحمه الله-: [من الكامل] /222 ب/ دانت لطاعة أمرك الأقدار ... وجرى بما تختاره المقدار وبيمن سعدك أيُّها الملك الَّذي ... أحيا العلا فلك السُّعود يدار فاحكم على الدُّنيا فإنَّك مدركٌ ... منها بجدِّك كلَّ ما تختار ومن القضاء بما تشاء فإنَّه ... لك والزَّمان وأهله الأنصار فاسعد بملكك والَّذي أوتيت من ... نعمٍ بها تستعبد الأحرار واسلم إلى يوم الحساب محكَّمًا ... في العالمين إذا ألمَّ بوار

وأنشدني لنفسه يمدح بعض الرؤساء: [من الخفيف] حكَّمته لحاظه في القلوب ... فحمته من كلِّ لحظٍ مريب رشا كالهلال وجهًا وكالغصن ... قوامًا وردفه كالكثيب بابليُّ الجفون في وجنتيه ... جنَّة القلب في دماء القلوب أيُّها الهائم الَّذي ظلَّ في الحبِّ ضلالًا يلومني في الحبيب أنا صبٌّ به كئيبٌ وكم في ... يده من فؤاد صبٍّ كئيب ما احتيالي والخصم قاضٍ وعندي ... مرضٌ دلَّه عليَّ طبيبي يا أخلَّاي هل مجيبٌ خليُّ البال من حرِّ لوعةٍ ووجيب يستميل الحبيب أو يرجى لواش بنا أو يغضُّ لحظ الرقيب /223 أ/ وغزال تراه في اللَّيل بدرًا ... في قضيب يسعى بشمس الغروب كلَّما رمت سلوةً عنه وافى ... حسنه سافعًا بفنٍّ غريب زارني والظَّلام داجٍ فأغنى ... عن سراجٍ بكأسه المقطوب وسقاني إلى الصَّباح من الرَّاح ومن ريقه بكأس وكوب حبَّذا ما مضى لنا من زمان الوصل واللَّهو بالحمى والكثيب حيث غصن الشَّباب غضٌّ وريقٌ ... ناعمٌ لم تصبه عين المشيب والصِّبا شافعٌ إلى كلِّ خودٍ ... كقضيب الأراك رؤد ٍكعوب لو تراءت للشَّمس غابت وإن لم ... يدعها للمغيب وقت المغيب تنفث السِّحر من جفون مراض ... فاتكات بكلِّ سهم مصيب لم تذق خمرةً وتسطو بقدٍّ ... من حميَّا كأس النَّعيم شروب فعلها بالعقول أفعال تاج ... الدِّين بالفقر والعدا والخطوب الوزير الَّذي يحلُّ بنو القافة من ... ظلِّه بناد رحيب يبسم الثَّغر من محيَّاه بالآمال ... والنُّجح في الزَّمان القطوب كلَّما جاد جاد من فيض نعمى ... راحتيه فيض السَّحاب السّكوب جلَّ من أن يحدَّ وصفًا فأضحى ... في الورى واحدًا بغير ضريب /223 ب/ ينثني عطفه إذا سمع المدح ... وطيب الثَّناء مثل الطَّروب وكأنَّ المديح إذ صار فيه ... نشر زهرٍ أو نشر مسكٍ وطيب

منحته الورى ولاءً وحبًا ... وحبته طبعًا صفاء القلوب ذو يد تغمر الوفود بجودٍ ... طافح دافقٍ غزير القليب ومتى أجدب الزَّمان أنخنا ... منه آمالنا بربع خصيب ملبسي من مناقب المجد عارٍ ... في بني الدَّهر من جميع العيوب عالمٌ بالأمور والدَّهر والغامض من كلِّ كائنٍ والغيوب عزمه في الزَّمان يفعل ما يعجز عن فعله شفار القضيب فات ريح الجنوب سبقًا وهل فات سواه في السَّبق ريح الجنوب نافذ الأمر في الحروب إذا ما ... نبت الزُّرق والظُّبي في الحروب أيَّها السَّائق الَّذي يقطع البيد وجوب الفلابحثِّ النِّيب ناد للمكرمات مولاي بدر الدِّين تظفر منه بجود صبيب وسحاب هام وطود أشمٍّ ... وسميع لكلِّ داعٍ مجيب أيُّها المالك الَّذي أصحب الآمال قصدي في مشهد ومغيب أنا عبدٌ لكم بودٍّ صريحٍ ... محكم في الأنام غير مشوب /224 أ/ فانظر الآن في ولاء محبٍّ ... صادقً في الثَّناء غير كذوب وافتقدني عمًّا عهدت بجودٍ ... من أياديك دافق الشُّؤبوب وابق واسلم ما لاح نجمٌ وما هلَّ هلال في ظلِّ عيشٍ رطيب وله: [من الكامل] امدد إليَّ يد السَّماح لأنها ... عونٌ على السَّراء والضَّراء تولى مواليك النَّوال وتارةً ... بالبيض تفتك في طلى الأعداء وأنشدني لنفسه من صدر مكاتبة: [من السريع] وانتحب الرَّاووق في مجلس ... وطاف في المجلس ساق براح وقال عند السُّكر مستهترًا ... بالرَّاح: هذا وقتها لا براح وحنَّ مستاقٌ إلى أهله ... وأحيت الجود الأكفُّ السِّماح ودام في الأرض مهبُّ الصَّبا ... واستظرف النَّاس حديث السَّماح

وناحت الورق وراق الصَّبا ... وشقَّ جيب اللَّيل كفُّ الصَّباح وأمَّل الجود فتى فاقة ... وتاه مثلي بالوجوه الصِّباح وأنشدني لنفسه في الشيطان الشاعر، وقد توجه عن الموصل /224 ب/ قاصدًا مدينة إربل: [من الوافر] سرى الشَّيطان عن بلدٍ رحيبٍ ... إلى ضنك وجانب خير مالك فقلت مقارقًا جنَّات عدنٍ ... يمهِّد منزلًا في قرب مالك وأنشدني أيضًا من شعره: [من البسيط] باكر إلى كأس راحٍ بات يمزجها ... بريقه ثمل الأعطاف نشوان في خلقه روضةٌ بالنُّور مشرقةٌ ... وفي خلائقه حسنٌ وإحسان فثغره أقحوانٌ أشنبٌ عطرٌ ... وخدُّه الورد والتَّعذير ريحان وجفنه جفن بيض الهند مصلتةً ... سنان قامته الهيفاء وسنان علا على رأسه شاشٌ حوى عجبًا ... فيه لعاشقه كفرٌ وإيمان [127] أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان بن باوك بن عبد الله بن شاكلٍ الإربليُّ الأصل. من أبناء الأكراد ومن بيت فقه وعلمٍ. شاب قصير يتزيّا بزي الأجناد. أخبرني أنه ولد بالجزيرة العمرية يوم الخميس آخر النهار ثالث عشر ذي الحجة سنة تسع /225 أ/ وتسعين وخمسمائة، ولم يكن عنده ما عند أهله من الفقه. أنشدني هذه الأبيات يرثى بها بعض بني عمه، وليس هي من صالح الشعر؛ غير أنَّ في أبياتها أبياتًا قريبة. رأيته بالموصل في رجب سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وأنشدني لنفسه: [من الكامل] عظم المصاب فعزَّ فيه عزائي ... وتبدَّلت عبراتنا بدماء

ومنها يقول: وتصرَّمت لفراقه نار الجوى ... وتأجَّجت في القلب والأحشاء واستوحشت لمَّا خلت أوطانه ... منه وحلَّ الأنس بالصَّحراء يا أيُّها الجدث الَّذي صفحاته ... صدفٌ لستر الدُّرة الغرَّاء أتراك تعلم ما حويت وما ثوى ... بك من عفافٍ وافر وجباء لله قبرٌ طيُّ سرِّ ضميره ... أصل الفخار وسيِّد العلماء يا راحلًا أبقى الغرام مخيِّمًا ... عندي وبان بسلوتي وعزائي قد كنت قرَّة كلِّ طرٍف ناظرٍ ... فاليوم صرت قذًى لعين الرَّائي أتفقَّد الأحياء بعدك لا أرى ... هيهات مثلك قطُّ في الأحياء يا ليت شعري كيف حالك أنت في ... ضيق اللُّحود ووحشة الظَّلماء /225/ فعليك رضوان الإله ورحمةٌ ... تأتيك في الإصباح والإمساء مولاي إبراهيم والشَّرف الَّذي ... أضحى تحمل سائر الوزراء اصبر على هذا المصاب تجمُّلًا ... فالصبر محمودٌ على الضَّراء وأنشدني أيضًا: [من الكامل] يا أيُّها الأسد الَّذي بفعاله ساد الورى ... بالعدل والإنصاف الدِّين ثمَّ الملك شخصٌ أنت منه كالنُّهى ... وهو المحلُّ الوافي ولأنت أكرم من مشى في عصرنا فوق الثَّرى ... من ناعلٍ أو حافي إنِّي جزعت من الزَّمان ومن شماتات العدا ... إذ لم يكن لي شافي حتَّى انتميت إلى من التجى ... من جور دهرٍ جافي فامنن عليَّ بما يساعدني على دهرٍ جنى ... قدمًا على الأشراف من افخر الملبوس يا أسد الشَّرى ... تعلو به أوصافي وتهنَّ بالشَّهر الأصمٍّ وعش متى هبَّت صبا ... برغيد عيشٍ صافي

[128] أحمد بن محمّد بن أبي الحسن بن بوبا، أبو العباس الإربليُّ. كان والده كرديًا من قرية /226 أ/ بنواحي إربل اسمها "حريرا". اشتهر اسمه بعباس وبه يعرف عند أهل بلده .. هكذا أملى عليَّ نسبه وخبّرني باسمه. وهو فقيه حنفي مناظر, قرأ الفقه على جماعة من أئمة الفقهاء الحنفية, ودرس علم الأصول والخلاف والمنطق؛ وهو مع ذلك صالح عفيف الفرج, يحبّ الخمول, قليل المخالطة لأبناء هذا الزمان. وكان بيني وبينه صحبة بمدينة إربل أيام إقامتي بها. أنشدني لنفسه من قصيدة يقول منها: [من الكامل] رفعوا القباب على المطيَّ وأزمعوا ... ووضعت من أسفي على كبدي يدي صاحوا النَّوى فوقفت في آثارهم ... أبكي الطُّلول وأندب البان النَّدي أخذوا بأكناف اللِّوى في سيرهم ... وأخذت أخذة حائرٍ لا يهتدي سلُّوا من الحدق السُّيوف وأغمدوا ... بين الجوانح جمرةً لم تخمد [129] أحمد بن غزّي بن عربيّ بن غزي بن جميل بن نبيل بن هندامٍ, أبو العباس الموصليُّ الربعيُّ .. هكذا نسب لي نفسه لما سألته عنه. شاب ثط /226 ب/ ربعة مائل إلى السمرة, من أنشا المواصلة. كان خبّازًا في مبدأ شأنه شخص هو وابوه وأهله إلى ديار مصر فسكنوها مدة لما وقع الغلاء بالموصل في سنة اثنتين وعشرين وستمائة؛ فتعلم بها طرفًا من العربية, وتأدّب وأخذ

نفسه بضاعة الشعر, ونظم منه ما استحلاه الأدباء, واستملحه الفضلاء. وفيه ذكار حسن, وله بديهة جيدة إلّا أنه كثير الإعجاب بقوله لا يرى أحدًا فوقه من أبناء زممانه يطرب إذا أنشد أشعاره في وصفها والثناء عليها, والإسهاب في نعت معانيه, والمدح لجودة ألفاظه ومعانيه. ومن شعره ما أنشدني لنفسه مبدأ قصيدة: [من الكامل] وحياة ووجهك لا أردت بديلا ... أبدًا عليك ولا أطعت عذولا ديني هواك فكن بهذا واثقًا ... من يشتهي عن دينه تحويلا يا منكرًا سفك الدِّماء بلحظه ... يكفيك خدُّك شاهدًا ودليلا والله ما أرضاك أمرٌ في الهوى ... إلَّا وكان على الرَّضا محمولا بأبي غزال لم يزل بصدوده ... سمحًا عليَّ وبالوصال بخيلا /227 أ/ وأغنَّ ما للكحل في أجفانه ... خطٌّ وتحسب جفنه مكحولا حنق اللِّحاظ على القلوب كأنَّما ... قتلت لعينيه القلوب قتيلا في خصره معنًى دقيقٌ لم يزل ... خطب الغرام به عليَّ جليلا ووراءه ردفٌ ثقيلٌ زادني ... عبئًا على عبء الصُّدود ثقيلا عقد البنود فما رآه حازمٌ ... إلا وأصبح عزمه محلولا وتقلَّد السَّيف المهنَّد مغمدًا ... وسطا بسيف لحاظه مسلولا أمسى قليل الحظِّ منه وما أرى ... حظِّي من العذَّال فيه قليلا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] تظنُّ الحبَّ سهلًا يا خليلي ... وتحسب ناره نار الخليل وما تدري بما يلقى محبٌّ ... من الأحزان في اللَّيل الطَّويل أما من منصف من جور ظبيٍ ... على قتل الضَّراغم مستطيل أشدُّ عليَّ من شوق عزيز ... رأي حكمًا على دمعٍ ذليل وأحكم فيَّ من نوب اللَّيالي ... وجور الدَّهر في مال البخيل معنِّفتي على سقم بجسمي ... دعيني ما يهمُّك من نحولي أما والحسن خلفه مستهامٍ ... بورد الخدِّ والطَّرف الكحيل

/227 ب/ يمينًا لا أطعتك في ملامٍ ... فقولي ما بدا لك أن تقولي عليَّ رضا الحبيب بكلِّ وجهٍ ... وليس عليَّ إرضاء العذول وله: [من مجزوء الكامل] وحياة فيك وما حوى ... قسمًا عظيمًا في الهوى ما ضلَّ صاحبُ مهجةٍ ... تلفت عليك ولا غوى يا أيُّها القمر الَّذي ... نجم السُّلوِّ له هوى ماذا أثرت على القلوب من الصَّبابة والجوى بأبي وأمِّي غادرٌ ... رفع العذار له لوا وأغنُّ في أردافه ... هزءٌ بكثبان اللِّوى لو أنَّ لين قوامه ... بقوام غصنٍ ما ذوى قد زان مشبع ردفه ... خصرٌ يبيت على الطِّوى أفدي الَّذي ناديته ... وركابهُ بيد النَّوى مولاي عشقك نيَّتي ... ولكلِّ عبدٍ ما نوى [وله: ] [من الوافر] فؤادٌ لا يقرُّ له قرار ... ووجدٌ لا يلائمه اصطبار وأجفانٌ من العبرات غرقى ... وأحزانٌ لها في القلب نار .. ...... ...... ... ......... لا يحب لها بدار مررت بقبره والدَّار قبرٌ ... ورحت أهيم والقبر دار وعدت وللأسى عندي ..... ... وللعبرات في خدِّي انتثار وكيف يكون والده عليه ... وكيف ........ ومال حال الكبير إذا عرته ... من الدُّنيا نوائبها الكبار كمال الدِّين مثلك من يرجَّى ... إذا ضنَّت بنائلها البحار ومثلك من إذا ما ناب خطبٌ ... تثبِّته السَّكينة والوقار وجار غير مختصٍّ ..... وأنت ... ..... ..... ..... فكيف تطرَّقت نوب اللَّيالي ... إليك وأنت منها المستجار أدام الله ظلَّك من وزيرٍ ... ليالينا بنعمته قصار

ودرجت سطايا ..... ...... ... ..... الليل النهار] [130] أحمد بن عبد الملك بن أبي منصور بن محمد بن أبي نصر عليّ بن محمد بن أحمد بن أحمد، أبو العباس الهمدانيُّ الموصليُّ، المعروف بابن الخميِّ الضرير. كانت ولادته- فيما أخبرني من لفظه- ثاني عشر ربيع الأول سنة ستٍّ وسبعين وخمسمائة؛ وهو أحد القراء ..... بالمدرسة النورية بالموصل على تربتها. صحب أبا حفص عمر بن أحمد النحوي مدة، وقرأ عليه جملة من علم العربية. من أهل الفهم والمعرفة، حافظ للقرآن العظيم؛ وفيه فضل وذكاء وعنده علم وأدب وحسن عشرة ولطافة، ويقول المقطعات الرائقة. أنشدني من شعره: [من السريع] وكلُّ ما تعلمه يا فتى ... عليك من رزقك محسوب فلا تؤمِّل أن ترى ثروةً ... فألرِّزق عن مثلك محجوب [131] أحمد بن محمد بن إبراهيم بن بي بكر بن خلّكان بن ياوك بن عبد الله بن شاكل بن الحسين بن مالكٍ، أبو العباس بن أبي عبد الله الإربليُّ.

/228 ب/ شاب من أحداث الإربليين. كانت ولادته- على ما أخبرني به من لفظه- يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر سنة ثماني وستمائة بإربل بالمدرسة المظفرية. وهو من بيت فقه وعلم. وخرج عن إربل سنة ستٍّ وعشرين وستمائة طالبًا بلاد الشام، فنزل حلب وسكن المدرسة التي أنشأها القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الموصلي الأسدي. وقرأ صدرًا صالحًا من فقه الإمام الشافعي- رضي الله عنه- على الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن باشي بن الخبَّاز الموصلي، وتميّز فيما قرأ عليه. وقرأ طرفًا من النحو على أبي البقاء يعيش بن علي بن الحلبي النحوي. وحفظ جملة من الأشعار الرقيقة، وقال شعرًا حسنًا، وسمع بإربل في حال صغره مسند البخاري على أبي جعفر محمد بن هبة بن المكرم الصوفي بروايته عن أبي الوقت السجزي؛ وغير ذلك من الأحاديث النبوية. ورحل إلى دمشق في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وامتدح السلطان الملك الكامل ناصر الدين أبا المعالي محمد بن محمد بن أيوب بن شاذي /229 أ/- خلّد الله سلطانه- بهذه القصيدة الرائية، وأنشدنيها بحلب في المدرسة القاضوية البهائية في شهر جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وستمائة. وبعد ذلك شخص إلى الديار المصرية؛ وهو مقيم بها. وكانت أخباره ترد إلى حلب بكل ما يسرّ القلب- بحمد الله تعالى-: [من الطويل] هوًى بين أحناء الضُّلوع مخامر ... وفرط غرام أضمرته السَّرائر ومشرع حبٍّ كلَّما قلت قد صفت ... موارده أبدت قذاه المصادر

خليليِّ ما بال النسيم معطّرًا ... أجاور نجدًا أم أضاعته حاجر ولا تعجبا إنِّي ..... فإنَّني ... شممت الشَّذأ إذ مرَّ بي وهو خاطر تضمَّن نشر المالكيَّة طيَّه ... وما آفة الأسرار إلَّا النَّواشر نشدتكما هل بعد عزَّة أعشبت ... عراص الحمى أم روَّض الجزع ماطر وهل عذبات البان صوَّحن بعدها ... لعظم الأسى أم هنَّ لدنٌ نواضر إذا أومض البرق اليمانيُّ شمته ... برجع جفونٍ لحظها متخازر أردِّد فيه الطَّرف حتَّى كأنَّني ... إلى ضوء ثغر المالكيَّة ناظر ترى تسمح الأيَّام يومًا بزورة ... فينعم مهجورًا ويُنعم هاجر /229 ب/ لئن نزحت ذات الوشاحين فالجوى ... مقيمٌ بقلب رسم مغناه كاثر تولَّت ولمَّا يقض منها لبانةً ... أخو أسفٍ يلقى النَّوى وهو صابر يحنُّ اشتياقًا إن تألَّق بارقٌ ... باعلام حزوى أو ترنَّم طائر غريبٌ ثوى بالشَّام كرهًا وقلبه ... إلى الشَّرق في إثر الظَّعائن سائر يمنَّى بطيف المالكيَّة جفنه وكيف يزور الطَّيف والطَّرفُ ساهر وركبٍ كأمثال السِّهام تقلُّهم ... نواصل آمال الحنايا ضوامر ترام جنابًا كاملّيًا معظَّمًا ... لهيبته ترتدُّ عنه النَّواظر إلى ظلِّ سلطان لعزِّ جلاله ... وسطوته تعنو الملوك الجبابر إلى الكامل الملك الَّذي بحر جوده ... لورَّاده عذب المذاقة وافر هو المخصب الأكناف والعامُ مجدبٌ ... ومخجل فيض السُّحب والنُّوء هاجر لميت النَّدى والحلم والعلم منشرٌ ... وللعدل في كلِّ البسيطة ناشر كتائبه أنصار دين محمَّد ... فطوبى لمن أضحى إليه يهاجر لقد خذل الباغين منصور جيشه ... ولكنَّه للدِّين في الله ناصر فردَّ وجوه القوم سودًا ببيضه ... فعاد بإفراط الصَّغار الأكابر وفي سمره حمر المنايا فمن سطا ... ثعالبها تخشى اللُّيوث الخوادر /230 أ/ ولم يلقه الأعداء إلا لعلمهم ... بما يقتضيه حلمه وهو قادر يسيء اليهم بأسه وهو غائبٌ ... ويحسن فيهم عفوه وهو حاضر ويربي على الطَّود الأشمِّ وقاره ... وقد سئمت ضرب الرِّقاب البواتر

إليك ابن أيُّوب سمت بي همَّةٌ ... هداها ضياءٌ من جبينك ظاهر وما أثبت الأخبار في ..... ... لدى النَّاس إلَّا جودك المتواتر ولولاك ما كنَّا نحقِّق أنَّه ... يفوق الملوك الأوَّلين الأواخر فما قدر وسعي إن اتيتك مادحًا ... بنظم ولو أنَّ الكلام جواهر فلا زلت منصورًا وللدِّين ناصرًا ... وضدُّك مقهورٌ وجدُّك قاهر وسمع قول ابن الساعاتي: [من الكامل] لمَّا رأيت هلال وجهك آفلًا ... ورأيت خدَّك قد علاه قتام عرَّجت بالوجنات أندب رسمها ... (يا دار ما صنعت بك الأيَّام) فعمل هذه الأبيات: لمَّا رأيت ديار وجهك أوحشت ... أرجاؤها وتنكَّرت أعلامها أنشدت في عرصاتها مترنِّمًا ... (عفت الدِّيار محلَّها فمقامها) وقال: [من البسيط] /230 ب/ لمَّا نظرت إلى أرجاء وجنته ... ورسمها طامسٌ محَّت علائمه ظللت أندبه شجوًا وأنشده: ... يا منزلًا باللِّوى أقوت معالمه وقال: [من الطويل] ألا يا حماماتٍ بمنعرج اللِّوى ... إليكنَّ عن شوقي وعن برحائي فما الوجد منكنَّ الغداة مبرِّحًا ... كوجدي ولا تبكين مثل بكائي وقال أيضًا يرثي الملك العزيز محمد- صاحب حلب-: [من الطويل] هوى من نظام الملك واسطة العقد ... ولم يك من صرف المنيَّة من بدِّ

فما للرِّماح السُّمر مشرعة القنا ... وما للصِّفاح البيض مرهفة الحدِّ أمن بعد فقدان العزيز محمَّدٍ ... تدور رحى حرب على صافنٍ نهد إذا عطِّلت من بعده حومة الوغى ... فما تصنع الفرسان بالقضب والملد لقد جلَّ هذا الرُّزء عن وصف واصفٍ ... كما كلَّ عن إدراكه حدُّ ذي حدِّ سقى جدثًا ضمَّ المكارم تربه ... ولحدًا حوى تلك المناقب من لحد مواطر دمع ما تزال يمدُّها ... سحائب تحدوها مواسم من وجد فللَّه ما أذكى ثراه كأنَّما ... تنفَّس في روض المراحمٍ عن ندِّ /231 أ/ لئن أظلمت دنيا العفاة لفقده ... فقد أشرقت من وجهه جنِّة الخلد عليك سلام الله يا خير مالكٍ ... مصحوب سوى حلَّة الحمد [132] أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر بن المعلَّى، أبو جعفرٍ المعافريُّ. من أهل مالقة- إحدى مدن الأندلس. شاب أشقر خفيف العارضين، مقرون الحاجبين. حفظ القرآن العزيز، وشدا طرفًا من العلم، فيه ذكاء وفطنة، وعنده حدّة في مزاجه إذا بحث وناظر مع الفقهاء يكاد يخاصم الذي يخاطبه في شيء ما. لقيته بحلب؛ وهو يتردد إلى المدرسة النورية المنسوبة إلى بني أبي عصرون، وبها كان له جامكية يتناولها. أنشدني لنفسه في الشيخ شهاب الدين أبي العباس عبد السلام بن المطهر بن عبد الله بن أبي عصرون يهنئه بخلاص ولديه من الاعتقال: [من الكامل] يا خير معتمد وأفضل سيِّد ... ومن السُّعود بسعده قد أسعدا يا نخبة الإسلام يا خير الورى ... أصبحت للدين القويم مشيِّدا

/231 ب/ فاهنأ بجمع الشَّمل عشت مؤيَّدا ... ما دام بالأيك الحمام مغرِّدا والله يمنحك الجنان بمنِّه ... وزيادةً حورًا حسانًا خرَّدا وأنشدني أيضًا لنفسه في القاضي زين الدين أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمان بن علوان الأسدي، يهنئه بولايته القضاء: [من الكامل] تهنا المناصب إذ علوت أجلَّها ... ولك التُّقى والدِّين والتَّحصيل شهدت صدور العصر أنَّك صدرهم ... يا من له الإكرام والتَّبجيل زيَّنت دين الله يا ابن وليِّه ... فلك الفضائل منه والتَّفضيل وعليكم تاج السِّيادة دائمًا ... فلأرضكم يتَّطأطأ الإكليل /232 أ/ وقال أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر المعافري يمدح الأمير المعافري يمدح الأمير الكبير الأصفهسلار عماد الدين عزّ الإسلام عمدة السلاطين أبا المحاسن يوسف بن الأمير علاء الدين طاي بغا- أدام الله سعده وكبت حاسده وضدّه-: [من الكامل] ظبيٌ يمدُّ الشمس من وجناته ... نورًا فنور الكون من آياته والبدر من شمس الضُّحى إمداده ... فكلاهما قد مدًّ من وجناته يسطو بلحظ جفونه فكأنَّما ... صيغت ..... الهند من لحظاته ولقد تحلَّى الحسن عاطل جيده ... فالحسن من أوصافه وهباته ما إن تعطَّل بل تعطَّلت الحلى ... إذ لم تلح عقدًا على لبَّاته يسبي العقول بقدِّه وقوامه ... ويعلِّم الأغصان من ميلاته وإذا نظرت لوجهه متعجِّبًا ... أبصرت وجهك في سنى صفحاته لو كان نسوة يوسف في عصره ... لقتلن أنفسهن في مرضاته ملك القلوب فجار في أحكامه ... والعدل والإنصاف من عاداته فبقيت من ولهي به متحيِّرًا ... أرجو وصالًا من جميل صلاته /232 ب/ كم ليلة سمحت وبتُّ نديمه ... نجني ثمار الوصل من جنَّاته وحسودنا وعذولنا ورقيبنا ... قد ذاق طعم الموت من نوماته غدر الزَّمان ولم يزل متعدِّيًا ... والغدر من عاداته وصفاته فلقد عدمت الصَّبر يوم فراقه ... ولهيب قلبي مشعلٌ زفراته رمت السُّلوَّ وكيف يسلو عاشقٌ ... شرب المدام الصِّرف من كاساته

خمر الهوى قد خامر العقل الَّذي ... يصحو به السَّكران من سكراته لا خمر من شيءٍ سوى من حبِّه ... لكن يذوب القلب من عصراته لم يعتصر خمر الهوى من كرمة ... لكنَّه معنًى تلا فطراته كم مهمه قد خضته ومفازةً ... أسد الشَّرى قد فرَّ من غاباته في ليلةٍ طالت عليَّ كأنَّما ... فلك البروج ينام عن دوراته حتَّى رأيت الصبح جرَّد سيفه ... عن رتبةٍ تعلو على ..... هي ..... للقاصدين أذابهم ... غدر الزَّمان وجار في غدراته يا أيُّها المولى الأمير ومن به ... صار الزَّمان مكمِّلًا أدواته أعطيت رتبة ملا ..... لكنَّه ... لو كان يعطي الرِّزق من راحاته يا ابن الأمير الأوحد البطل الَّذي ... فرَّت أسود الحرب من وثباته /233 أ/ كم موقف ضيقٍ توسَّع خيفةً ... من ضربه حينًا ومن طعناته وكأنَّما آراؤه يوم الوغى ... جيشٌ تبدَّى مظهرًا راياته سارت بسيرته الرَّكائب عندما ... رأت العجائب منه في غزواته فكأنَّه صحب النَّبيِّ محمدٍ ... من خيره وصلاته وصلاته ويقينه وجنانه وحنانه ... وصيامه وقيامه وسماته زكت الفروع مع الأصول كلاهما ... إذ كنت فرعًا في ثرى دوحاته أنت الأمير الكامل الفرد الَّذي ... هابت ملوك الأرض من هيباته خجَّلت حاتم طيِّيءٍ ولطالما ... خجلت كرام النَّاس من وهباته إن أمَّل العافي لكشف ملمَّةٍ ... يلقاك خير متيَّم لعفاته أنت العماد لديننا ولشرعنا ... أو كنت تحمي الدِّين في حوزاته بمهنَّد ومثقَّف ومريَّشٍ ... يشكو الدِّلاص الموت من رشفاته ولطالما روَّيت سيفك ظامئًا ... في موقع الرَّشفات عند عداته مهلًا عماد الدِّين أنت مؤيَّدٌ ... بهت العدوُّ ومات في بهتاته لمَّا رآك لضيغمٍ ضارٍ على ... قتل الأسود بغيظه وثباته سست الأنام سياسةً يرضى بها ... كلُّ العباد ورُّبنا لولاته /233 ب/ يا طاهر الأثواب من دنسٍ ومن ... عيبٍ يشين المرء عند شناته

تالله لو صوَّرت نفسك لم تزد ... شيئًا على ما فيك من حسناته لله درَّك يوسف من فاضلٍ ... شابهت يوسف مصر في حركاته ما إن سمعت بمثله في سيرة ... ليثٌ يقول الشِّعر في جولاته شعرٌ أرقُّ من النَّسيم لطافةً ... سحر حلالٌ صاغه لرواته فاعجب لبحرٍ طاميءٍ في بلدة ... يرمي عجيب الدُّرِّ من قذفاته من كان في فهم القريض محقق ... لم ينظم الأشعار من خجلاته هجرٌ إليه التَّمر سقت هديَّةً ... سفهًا وعال التَّمر من تمراته للشيء في شأوه أجري عسى ... أغدو ..... هوى جرياته حاز المكارم كلُّها فزماننا ... يعلو على الأزمان طول حياته قد طأطأ الفلك الأثير لأرضه ... فحضيضه أوج الأثير بذاته وافيته والسَّيل قد بلغ الزُّبى ... عندي وضيق العيش في غاياته فأنالني ما لم نؤمِّل بعضه ... وأزال عنِّي الفقر من ساعاته لا زال محظوظ الجناب مؤيَّدًا ... مأغرَّد القمريُّ في جراته نلت المنى وزيادةً ما أنشدت ... ظبيٌ تمدُّ الشَّمس من وجناته [133] /234 أ/ أحمد بن الحسن بن أحمد بن أيوب بن صديق بن عثمان بن أنشتاش بن كنغلي بن كند غدي بن داود بن بنغاج بن سلُّورا، أبو الحسين بن أبي علي التركستانيُّ السلُّويُّ. من أهل ماردين نزل حلب، لقيته بها في سنة أربع وخمس وست وثلاثين وستمائة. وهو شاب قصير ضعيف العينين في بصره ضوء، على زيّ المتصوفة، يتعاطى الوعظ والأدب ونظم الشعر. وذكر أنَّه استظهر الكتاب العزيز وفيه ذكاء. أنشدني لنفسه: [من مخلّع البسيط] ما أحسن ما أتى حبيبي ... فاعتاد مريضه وزاره

وافى فشفيت من سقامي ... وارتحت وفزت بالزِّياره يا بدر دجًى أقام عندي ... عذَّالي أدرأوا عذاره قاسوك وقد رأوك قدًّا ... بالغصن فزيَّنو العباره هذا قمرٌ على قضيبٍ ... ما أحسن هذه الإشارة وأنشدني لنفسه وقد عاده جماعة من أصدقائه: [من الكامل] شكرًا لسعيكم إليَّ فإنَّكم ... عين الزَّمان وسمعه وفؤاده وبكم برئت من السَّقام وكيف لا ... يشفى مريضٌ أنتم عوَّاده ونظم كتابًا في الفرائض منه "باب القضاء في الميراث": [من الخفيف] إنَّني قد فتحت بابًا مضيّا ... فليكن خاطر السَّميع ذكيَّا مسلمٌ مات عن تراثٍ جزيل ... وله زوجة ..... التَّقيَّا /234 ب/ قال الزَّوج: كان طلَّقني في السُّقم والإبن قال: كان سويَّا حين جاء الطَّلاق منه لها الإرث وما قالته كان قولًا جليَّا وإذا ما أتت خليلة من مات وقد كان كافرًا ذمِّيًّا ثمَّ قالت: أسلمت من بعد موت الزَّوجٍ والابن قال: بل كان حيَّا حين أسلمت صحَّ منه ولا إرث ومرت وجئت شيئًا فريَّا وكذا لو أتت خليلة من مات وقد كان مسلمًا سنِّيَّا ثمَّ قالت: أسلمت والزَّوج حيٌّ فيكون التُّراث لي مأتيَّا وابنه قال بعد ما مات: أسلمت فقد كان قوله مرضيَّا وإذا ويد أودع المال عمرًا ... ثمَّ زيدٌ قد مات يا صاحبيَّا ثمَّ عمرٌو، يقول: بشر بن زيد ... ثم يعطيه مأله موفيَّا ثمَّ أيضًا يقول: نصر بن زيد ... ونفاه بشرٌ فلم يعط شيئَّا وله النِّصف إن يصدِّق بشر ... نقلته الثُّقات حقًّا إليَّا وأنشدني أيضًا: [من مجزوء الكامل] سبحان ربٍّ صوَّرك ... وعلى تلافي قدَّرك وجلاك في حلل الملاحة والبهاء ونوّرك

/235 أ/ حزت الجمال بأسره ... ونصبت لي فيه شرك وجرحت قلبي إذ سللت من اللَّواحظ خنجرك قل لي: على قتلي بغير جنايةٍ من جسَّرك ولقد عهدتك حافظًا ... عهدي فمن ذا غيَّرك وبما ألاقي في هواك من الجوى ما أخبرك أخلو بذكرك في الدُّجى ... ويحقُّ لي أن أذكرك ولئن سفكت دمي فليس عليك في قتلي درك لا كان يومٌ ينقضي ... وأعيش فيه ولم أرك يا قلبي الصَّادي على ... ألم الهوى ما أصبرك ولمن تحبُّ على قساوة قلبه ما أشكرك بل يا هواه المتلفي ... بين الورى ما أشهرك ولكم كتمتك في الفؤاد ودمع عيني أظهرك يا طول ليل صدوده ... في وصله من قصَّرك لولا غرامي لم يكن ... من عادتي أن أسهرك يا عاذلي في حبِّ من ... أنا عبده ما أكفرك /235 ب/ لم يبق منِّي حبُّه ... غير الرُّسوم ولا ترك [134] أحمد بن محمد بن أبي الخير الحمويَّ بن أبي الفضل بن الفضل بن أبي الفضل بن سطح بن الفضل بن أبي عبد الله الحكيم المتطيب الكاتب شاب كيّس من أبناء الأجّلاء المعتبرين بحماة. فيه بشر وكياسة، وله قدر ونباهة كثير التواضع والقيام لمن يردّ عليه. خدم- أولًا- صاحب حماه الملك المظفر تقي الدين أبا الفتح محمود بن محمد بن عمر بن شهنشاه، وحظي لديه، وارتفعت منزلته عنده. ثم- بعد ذلك- اعتقله، فأنفذ في طلبه الصاحب سراج الدين أبو الفتح

المظفر بن الحسين- صاحب الدعوة بمصياف- فسرحه على مال قررّه عليه، وذلك في سنة سبع وثلاثين وستمائة، فاتصل به وقرب من قلبه، وتولّى خدمته حتى كاد أن يكون بمنزلة الوزراء عنده. وأنفذه إلى عدّة جهات، وصار كاتبًا بين يديه ذا أمرٍ ونهي يحكم بكلامه، ويعمل بآرائه. وكان اجتماعي به يوم الأربعاء العشرين من ذي /236 أ/ القعدة بحلب المحروسة سنة سبع وثلاثين وستمائة، وافاها رسولًا من قبل مخدومه الصاحب سراج الدين أبي الفتح المظفر بن الحسين- أمير الطائفة الإسماعيلية- مجتازًا إلى الخوارزمية بحران وما والاها من بلاد الجزيرة. وذكر أنَّه حفظ القرآن وعمره إحدى عشرة سنة، وأخذ الطب عن والده، وبرع في علمه، وشدا طرفًا من علم الحكمة، وتميّز فيه، وقال شعرًا مرضيًا. وذكر لي أنه ولد في ربيع الأول سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وأنَّه يرجع في النسب إلى جرير بن عبد الله بن البجلي- صاحب رسول الله- وقرأ بدمشق على سيف الدين الآمدي أبي الحسن علي بن علي بن علي الفقيه الشافعي، وأخذ الأدب عن الشيخ أبي سعد الله بن قانت النحوي الحموي الضرير. أنشدني لنفسه: [من الطويل] عجبت لمن باع الهدى بالضَّلالة ... ومن يشترى دنياه بالدِّين أعجب واعجب من هذين من باع دينه ... بدنيا سواه فهو أخزى وأخيب أخرِّب ديني كلَّ يوم وارتجي ... عمارة ذي الدُّنيا ودنياي أخرب كأنِّني ما بين الفريقين ضائعٌ ... فلا الدِّين مأمورٌ ولا العيش طيِّب /236 ب/ وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] لا تأيسنَّ فربما ... نلت الأماني بعد حين الدَّهر لا يبقى على ... حالٍ بغثٍ أو سمين وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] كلَّما رمت أن أراه بعيني ... قال لي القلب داره في صميمي فأناجيه في السَّريرة نجوى العبد للمالك العليِّ العليم

فتقول العينان قد فات حظِّي ... من حصولي على النَّعيم المقيم وأنشدني أيضًا قوله في معنى: [من المنسرح] مملوك مولاه يستغيث به ... فهل يغيث المخدوم مملوكا يرجو حصول المراد منتظرًا فاجعل إليه الطَّريق مسلوكا لا تطَّرح سنَّة المكارم فالنَّاس إذا أمَّوك أمُّوكا وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل] من سرَّه العيد الجديد فما لقيت به سرورا كان السرور يتمُّ بي ... لو كان أحبابي حضورا وقال أيضًا /237 أ/ وقد خرج منها مغاضبًا، ويتذكر أيامه بها ويصفها: [من الطويل] مغاني حماةٍ لا زرودٌ ونعمانٌ ... مواطنٌ أنسي حين تذكر أوطان وشوقي إليها لا إلى رمل عالجٍ ... ولا الأجرع الجنان والجزع حنَّان عصيت بعاصيها مقال عواذلي ... ولم يسلني عن مائها العذب مأوان لقد أصبحت في رحبة الشَّام شامةً ... يقرُّ لها بالحسن مصرٌ وبغدان فمن أيِّ قطر جئتها جئت جنَّةً ... لها ثمرٌ داني القطوف وأفنان ويسيبك إمَّا جزت بين قصورها المنيفة حورٌ قاصرات وولدان فيا وطني لا زال حبُّك مذهبي ... وديني فحبِّي للمواطن إيمان بما يغضب الإنسان عنك ويزدهي ... وماؤك صدَّاءٌ ومرعاك سعدان أميدان لهوي بين حمصٍ وشيزرٍ ... إذا عدَّ للإطراب واللَّهو ميدان عدتك من الدَّهر العوادي ولا رقت ... لعين الغوادي في عراصك أجفان [135] أحمد بن المظفر بن القاسم بن الحسين الرازيّ. [قال] يمدح الخدمة الشريفة المقدَّسة /237 ب/ النبوية المستنصرية- خلد الله ملكها- ويعرض بذكر المدرسة المستنصرية: [من الطويل] أيا خير من تزجى إليه الرَّواحل ... وأفضل من تطوى إليه المراحل

وأعظم من يدعى لدفع ملمَّة ... وأكرم من ترجى لديه الفواضل ومنها: بنى بنيةً شمَّاء يلقى بها العلا ... ونيل الأماني والأماني الفضائل لها شرفٌ فوق السَّماء قبابها ... ومنزلةٌ من دونها النَّجم آفل فأشرق وجه الدِّين والدِّين شاحبٌ ... وأورق روض الشَّرع والرَّوض ذابل وجدَّد رسم العلم والعلم دارسٌ ... وزيَّن جيد الفضل والفضل عاطل يديم لسان الدًّهر وصف علائه ... ولكنَّه فوق الَّذي هو قائل فلا زال غوث العالمين وغيثهم ... وعمر معاديه ..... زائل قدم بغداد شابًا، واستوطنها مقيمًا بالمدرسة النظامية، متفقهًا بها على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه-، واشتغل بالأدب والفقه /238 أ/ مذهبًا وخلافًا، وصارت له في ذلك ملكة؛ ورتّب معيدًا بالمدرسة المذكورة. ثم عين عليه مفتيًا بباب النوبى في استيفاء القصاص وإقامة الحدود على الوجه الشرعي، ثم عزل عن ذلك، ورتب نائبًا لأقضى القضاة أبي الفضل عبد الرحمان بن عبد السلام بن إسماعيل بن الحسن اللايغاني؛ ولما فتحت المدرسة الشريفة المستنصرية- عمرها الله تعالى- جعل معيدًا بها. لقيته غير مرّة، وسألته عن ولادته، فقال: يكون تقديرًا في أوائل سنة ثمانين وخمسمائة. أنشدني لنفسه يمدح الإمام المستنصر بالله أبا جعفر المنصور-خلّد الله دولته- ويعرض بذكر المدرسة المستنصرية- عمرها الله تعالى- وذلك في يوم السبت حادي عشر رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة بمدينة السلام، والأبيات تقدمت في أول الترجمة لامية.

ذكر من اسمه إسحاق

ذكر من اسمه إسحاق [136] إسحاق بن هبة الله بن صديق /238 ب/ بن محمود بن صالحٍ الأرجيشي الخلاطيُّ. وقد تقدم شعر ابنه. يكنى أبا البشائر قاضي أرجيش. كان فقيهًا عالمًا أصوليًا واعظًا شاعرًا، حسن الكلام في الوعظ والتذكير؛ له مصنفات في علم الأصول، مع أخذه من العربية والأدب بأوفر الحظ وأكمله. وكان من محاسن القضاة وظرَّافهم، يرجع إلى عفاف ونزاهة نفس ودين ظاهر. قدم مدينة إربل وسكنها إلى أن توفي بها يوم الخميس وقت المغرب العشرين من شهر شعبان سنة ستّ عشرة وستمائة. وكانت ولادته سنة خمسين وخمسمائة فأكرمه سلطانها الملك المعظم مظفر الدين أبو سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين-رضي الله عنه وأحسن إليه إحسانًا عظيمًا-. وكان ينفذه رسولًا إلى الأطراف. أنشدني أبو الفتح محمد بن بدل التبريزيّ-رحمه الله تعالى- قال: أنشدني قاضي خلاط لنفسه: [من الطويل] وقفت وربع العامريَّة داثر ... ودمعي ووجدي سابقٌ متواتر وقفت وذكراها تجدِّد لوعتي ... وأبكي كما تبكي الغوادي البواكر /239 أ/ وأذكر أيَّامًا مضت ولياليًا ... وأظهر فيها ما تجنُّ الضَّمائر غداة النَّقا بالباهليَّة آهلٌ ... وحين الصَّفا بالعامريَّة عامر وقفت أدير الطَّرف في عرصاتها ... وأطلالها دارت عليها الدَّوائر ومن ..... تلك الغانيات عواطلًا ... لقد سكنت فيها المها والجاذر

.... ..... ... تملك ربع الآنسات النَّوافر فخالفني ..... في سائر المنى ... ووافقني بيتٌ من الشِّعر سائر (كأن لم يكن بين الحجون إلى الصَّفا ... أنيسٌ ولم يسمر بمكَّة سامر) وأنشدني العباس بن بزوان الموصلي، قال: أنشدني أبو البشائر لنفسه: [من البسيط] قال الهلال وعندي في مجالستي ... بدرٌ بوجهٍ على شمس الضُّحى سادا وفي فؤادي لهذا البدر منزلةٌ ... ما نالها أحدٌ قبلي ولا كادا ليس الهلال بمحبوبٍ لذي أربٍ ... وإن حببناه أحيانًا وأعيادا هذا يريد حياتي في مجالستي ... وذاك ينقص عمري كلَّما زادا [137] إسحاق بن معالي بن شماس /239 ب/ بن هبة الله بن إبراهيم بن شماس، أبو إبراهيم الإربليُّ. وهو ابن أخي الوزير أبي الحسن عليِّ بن شماس وزير الملك المعظم مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضي الله عنه- صاحب إربل. كان عالمًا بأيام العرب وأشعارها، خبيرًا بلغتها وأخبارها. قرأ شيئًا من الهندسة والطب، ويرجع إلى حسن عشرة، وسهولى أخلاق. وكان يتولى الأهراء بإربل والتصرف لسلطانها الملك المعظم فرفع عليه مال جزيل عجز عن أدائه، فابتلى بسخط السلطان فأخذه وقيّده واعتقله إلى أن مات في السجن رابع عشر ربيع الأول سنة سبع عشرة وستمائة. وكان قد نيَّف على الستين. أنشدني القاضي أبو البركات محمود بن جعفر بن محمد بن محمود الإِربليّ،

قال: أنشدني إسحاق بن معالي لنفسه ما كتبه إلى عمّه الوزير أبي الحسن علي بن شماس بن الحسين يشتكي من دهره، ويستنصر على ما ألم به من طوارق اعترته، وحوادث لازمته: [من الوافر] /240 أ/ جوًى بين الضُّلوع له ضرام ... وصبٌّ لا يزايله الغرام وأجفانٌ تسحُّ دمًا ودمعًا ... مسهَّدة إذا هجع النِّيام تولَّى العيش إذ ولَّت سليمي ... وواصل حيث فارقت السَّقام سقى الله العقيق وساكنيه ... ملثٌّ الدَّمع إن ضنَّ الغمام وحطَّت دونه نوب اللَّيالي ... وأضحى للسُّرور بها مقام ديارٌ رقَّ ثوب العيش فيها ... وطابت لي بساحتها المدام قطعت بها لييلات قصارًا ... على تلك اللُّييلات السَّلام ومهزوز القوام إذا تثنَّى ... يريك تثنِّي الغصن القوام يزور خياله من غير وعد ... إذا ألقى كلاكله الظَّلام ليعليم هل طعمت الغمض كلًّا ... لذيذ الغمض بعدهم حرام وكيف ينام صبٌّ مستهامٌ ... له في السِّجن عامٌ ثمَّ عام بلا جرمٍ تقدَّم منه لكن ... له في المجد بيت لا يرام له المولى جلال الدِّين عمٌّ ... عظيمٌ لا تساجله العظام وزير ممالكٍ ونفاق دهر ... وصدرٍ أكابر الدُّنيا إمام رأي الملك المعظَّم منه نصحًا ... ودينًا لا يخالطه أثام /240 ب/ صحيح الودِّ ميمون المحيَّا ... له إن عبَّس الدَّهر ابتسام كفاني صرف حادثة اللَّيالي ... وقد خيفت ولي منه ذمام وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه ما كتبه إلى الأمير عزي الدين محمد بن بدر الكردي الحميدى: [من البسيط] يا موضع العنس أضحت وهي ضامرةٌ ... مثل الهلال على الأفق الجنوبيِّ يسائل النَّاس من يقري الضُّيوف ومن ... يروي السُّيوف ويروي كلَّ خطِّيِّ ومن يجير إذا ما الدَّهر جار ومن ... تذكى له النَّار في اللَّيل الدَّجوجيِّ إن شئت تدرك من هذي الصِّفات به ... من أكرم النَّاس مسموعٍ ومرئيِّ

أنخ بساحة عزِّ الدِّين خير فتًى ... محمَّد بن الفتى بدر الحميديِّ حلو الكلام ترى من لفظه عجبًا ... فصاحة البدو في ألفاظ كرديِّ ناديته وهو في مصر فجاوبني ... لله من مسمعٍ للخير مصغيِّ! فقام في نصرتي والنَّاس قد قعدوا ... عنِّي وبلَّغني كلَّ الأمانيِّ وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه ما كتبه إلى جلال الدين أبي الحسن عمِّه [من البسيط] /241 أ/ ما كنت أحسبني وأنت على ... سامي التليل جلال الدِّين ذيَّال لكن أمورٌ قضاها فهي محكمةٌ ... تجري على غاية فينا وآجال والسِّجن لله والإفراج منه فما ... يغني احتيالٌ لذي رأي ومحتال والدَّهر والله لا يبقي على أحد ... ولا ترى حاله تبقى على حال فدم على فعلك الخيرات مجتهدًا ... فخير عاقبة من خير أفعال ولا تقف عند نقل النَّاقلين أذًى ... فصدق أقوالهم من شرِّ أقوال وأنشدني الحسن بن علي بن شماس، قال: أنشدني ابن عمي إسحاق لنفسه: [من البسيط] ويوم دجًى قطعناه بصافية ... من المدام ووجه الشَّمس مستور والبيت من فوقع ظلٌّ يشاكله ... بسط الزَّبرجد فيها الدُّرُّ منثور وله: [من الطويل] ألا إنَّما قومي حلالٌ أبوهم ... ولكنَّهم كالخمر والدها العنب فجاؤا حرامًا من حلال وإنَّهم ... لشرُّ بنين ينسبون لخيرات [138] إسحاق بن مروان بن أبي السعادات /241 ب/ بن أبي العلاء بن يوسف بن سعيد بن صاعد بن لاحق بن ثقف بن سمكان، أبو يعقوب بن أبي سعيد الموصليُّ النحويُّ العروضيُّ.

رجل أسمر طويل قصيف مكتهل يخضب بالسواد، يتشتيع من أبناء الجند، ومن بيت مذكو قديم؛ وهو جندي في خدمة الملك الرحيم أتابك بدر الدين أبي الفضائل- أعز الله نصره-. صحب الشيخ أبا حفص عمر بن أحمد النحوي الضري ودرس عليه فنون الآداب؛ كالنحو واللغة والعروض والقوافي؛ وغير ذلك حتى انفرد على أقرائه، وتقدّم عليهم حينئذ بهذه الفضائل. وهو مع ذلك يعرف علومًا أخر من حل التراجم والنجوم والطب والوقف والحساب. وصنّف كتابًا في العروض سمّاه "الهادي" ونظم أرجوزة في الباه؛ وله شعر عجيب القوافي، أتى فيه بالمعجز البديع. أخبرني أنه ولد آخر النهار يوم الثلاثاء سادس جمادي الآخرة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بالموصل. وكان قد سيّره بدر الدين لؤلؤ- صاحب الموصل- ليكون له بها صاحب /242 أ/ خبر من جهة التتار الملاعين- خذلهم الله تعالى- فبقي بها مدّة يطالعه بأخبارهم فيها؛ فلما دخل التتار المدينة استشهد في جملة من كان بها تحت قلعتها في شهر شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة. أنشدني لنفسه هذه الأبيات بحوزان، يكون حرف رويّها وقافيتها أن تنشد مطلقة ومقيدة، ويجوز أن يكون حرف إطلاقها واوًا ويجوز أن يكون ياءً ويجوز أن يكون ألفًا، وهي بديعة في فنّها صنعها على أسلوب أبيات أبي الفتح البلطي الذي يقول في أوّلها: إنِّي إمرءٌ لا يطَّبيني ... الشَّادن الحسن القوام ما وقصيدة أبي يعقوب أولها: [من المتقارب] إلى م ألام على الغانيات ... وكم لي على صبوتي عاذل لا فهلَّا غنيت بين ثناء فتًى ... لم يزل جوده شامل لا أمينٌ هو الرُّوح في نسله ... جوادٌ لمن جاءه آمل لا كريمٌ يعمُّك قبل السُّوال ... عطاياه والمسعف السَّائل لا كميٌّ ليوث الشَّرى تتَّقيه ... على الصِّيد صائلةً صائل لا /242 ب/ بليغٌ إذا أفحم النَّاطقون ... لما شاء من حكمةٍ قائل لا

به وبنائل معروفه ... سما رتبة الفضل والفاضل لا وسيرته حلي جيد الزَّمان ... وكم قد مضى زمنٌ عاطل لا عطاه إذا أجلَّ الباخلون ... عطاءٌ جزيلٌ أتى عاجل لا عليه الخناصر تثنى إذا ... فتى كرمٍ عدا وباخل لا إليه تشدُّ الرِّجال الرِّحال ... فيغمرها جوده الطَّائل لا ويصدر عنه عناء الفقير ... ويردع عن جهله الجاهل لا يعلِّم مادحه وصفه ... فيصبح كالمادح النَّاقل لا تخولف إلَّا على فضله ... ومدَّت يد الحقَّ والباطل لا وإنِّي كفاني إحسانه ... يدافعني الأسف الماطل لا ولست وقد شدَّ أزري به ... بمستمطر الطَّل والوابل لا فلا زال في نعمة وصفه ... عليه غدًا رتبة الفاعل لا وقد جاد في مدحه خاطري ... بما ..... مسلكه هائل لا إذا ما اعتمدت على عاملٍ ... بعاقبه غيره عامل لا فمن يحذ حذوي فليتَّئد ... فما كلُّ ذي طلبٍ نائل لا /243 أ/ أمولاي إن أك أهدي القليل ... إليك فحلمك لي جامل لا فقد يتحف الملك تفًّاحةً ... وكلُّ البلاد له حاصل لا وكتب إلى الملك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين حسام أمير المؤمنين- أعّز الله نصره وأنفذ أمره-: [من الوافر] ألا يا أيُّها الملك الرَّحيم ... ومولّى جوده جمٌّ عميم ملأت الأرض عدلًا مثلما قد ... أضاء بوجهك اللَّيل البهيم فبرجك للقضا إيوان كسرى ... وجسرك ذا السِّراط المستقيم إليك أتيت أشكو شرح حالي ... وما ألقى وأنت به عليم أيحسن أن يقلَّ عليَّ رزقٌ ... أعيش به وأنت به زعيم وأن أرمى ببعد منك عمدًا ... وقلبي عن ولائك لا يريم وإنِّي ما أقام جبال رضوى ... على حبِّيكم أبدًا مقيم ولي من ليس يعذرني ولا لي ... بدفعهم يدٌ وهم خصوم

وعندي من يطالبني برزقٍ ... ويلزمني كما لزم الغريم وأنت وسيلتي وإليك أشكو ... كما يشكو إلى الطَّبِّ السَّقيم /243 ب/ فخذ بيدي وعش في عزِّ ملكٍ ... أثي العرش ما سرت النُّجوم وأنشدني لنفسه في نار الأكراد: [من السريع] قد كانت النَّار إذا أوقدت ... في اللَّيل ترتاح إليها النُّفوس فاليوم قد صار يراه الفتى ... فينثني عنها بوجهٍ عبوس وأنشدني أيضًا لنفسه فيها: [من البسيط] كم أوقد الكرد في الدَّربند نارهم ... من خوفهم كدنيا من غير ما خبر والخوف أن يكذبوا فأعجب لحادثةٍ ... في صدقها آفةٌ للبدو والحضر وأنشدني أيضًا لنفسه من أول قصيدة في أتابك عز الدين مسعود: [من الطويل] أحنُّ إذا طيف الكرى زارني وهنًا ... يهزُّ قوامًا أهيفًا يخجل الغصنا ألمَّ وحيَّانا فأحيا وكم له ... يدًا عند مسلوب حشاشته مضنى سرى والدُّجى مرخٍ علينا ذيوله ... فجلَّا محيَّاه لنا السَّهل والحزنا يلوم على غمض الجفون ولو درى ... بأنَّ الكرى من أجله لم يعنِّفنا ولولا رجاء الطَّيف من بعد بعدكم ... يزور لحرَّمنا الرُّقاد وما نمنا حفزنا وضيَّعتم وفينا ولم تفوا ... ودمنا وما دمتم ونمتم وما بنا قطعتم وصلنا حلتم عن ودادنأ ... ونحن على حفظ المودَّة ما حلنا /244 أ/ أخذنا عليكم موثقًا وبمثله ... حلفنا فمنتم في اليمين وما منّا وكنَّا لكم عن حادث الدَّهر جنَّةً ... فيا ليتكم في حقِّنا مثل ما كنّا وليت علمتم حالنا يوم بينكم ... ويا ليتنا ندري من اعتضتم عنَّا أألهاكم عنَّا سوانا ولم يكن ... لغيركم قلبي وإن غبتم معنى أخذتم بديلًا في الهوى وعذرتم ... وبان بأنَّ الهجر منكم وما بنَّا وكم ليلة غابت علينا نجومها ... وزهر الأماني من وصالكم بحنا أحبَّتنا بأن التَّصبر بعدكم ... فعودوا بوصلٍ أو عدونا فقد ذبنا

ألا فارحموا صبًّا كئيبًا متيَّمًا ... حليف غرامٍ لم يجد عنكم مغنى نحيلًا برته لوعة الشوق والأسى ... خفيًا عن العوَّاد إلّا إذا أنَّا يجنُّ إذا جنَّ الظَّلام بذكركم ... وكم مثله من عاشق في الهوى جنَّا مطيعًا بأسباب الهوى بين قلبه ... وبين التَّسلِّي عن مودَّتكم سجنا يلبِّي إذا ناداه داعي هواكم ... وإن هتفت ورقاء في غصنٍ حنَّا توعَّده طيف الخيال بهجره ... وكان على المضنى لباغيه ضغنا وانكحه التَّبريح قاضي وعيده ... فطلَّق طيب الغمض من طرفه الجفنا وأصبح مسلوب الفؤاد كمعشر ... توعَّدهم ملكٌ تعاظم أن يكنى /244 ب/ أتابك عزُّ الدِّين وابن أتابك ... له حسبٌ يفنى الحساب وما يفنى فتًى من ملوك الأرض أعظم رتبةً ... أجلُّهم قدرًا وأفتاهم سنًا أبيٌّ من ..... ماجدٌ ... على غيره ..... الخناصر ما تثنى فواعجبًا منه وقد ملك الورى ... وآجالهم والعيش في يده اليمنى إذا ما سطا أفنى الرِّجال وإن همأ ... سحاب يديه أخجل البحر والمزنا له السَّبعة الشُّهب العوالي مطيعةٌ ... فمن شاء أقصاه ومن شاءه أدنى سما في العلا فالنَّجم لو رام شأوه ... تغنَّى ولم يقض له أربٌ عنَّا أخو همَّة ينفي المحال حلولها ... إذ الكون مقضيٌّ لها بالَّذي تعني على صفحات الدَّهر يكتب جوده ... العميم على الإحسان أضحت له الحسنى تراه إذا دارت رحى الحرب واشتكت ... من البيض واشتكى الزود والطَّعنا وأصبحت الشُّوس الكماة عوابسًا ... من الخوف من ضارب ..... وزلزلت الأرض الوقور وأترعت ... كؤوس الرَّدى والخيل تحسبها سفنا يصول على الجيش العرمرم وحده ... فيجعل أقصاه على بعده أدنى وكم هامة في الحرب جفنٌ لسيفه ... وكم نحر بطريقٍ سقى دمه اللُّدنا على سيفه في الرَّوع عهدٌ لنفسه ... إذا لم يصدَّ الهام لا يسكن الجفنا /245 أ/ أميرٌ على الموت المميت فلم يطق ... على قبض إنسان ولم يعطه إذنا تذكره يردي نفوس عداته ... ويسلب منها في مامنها الأمنا كفى كلَّ عاف في الأنام نواله ... ومن أمَّه باللُّهى أغنى

فلو قيل بحرٌ غير ملحٍ وجوهرٌ ... بلا عرضٍ ما إن سواه ترهَّمنا أيا مالك الدُّنيا أيا ابن مليكها ... أيا خير من أغنى أيا خير من أقنى أيا خير من يدعى وأشرف منصتٍ ... وأكرم من أضحى الزَّمان له قنَّا حباك أمير المؤمنين بخلعةٍ ... فألبستها لمَّا تدرَّعتها حسنا فجئت أهنِّيها بما شرفت به ... فمثلك من عنِّى الزَّمان به يهنى فدم ما بدا ضوء الصَّباح مهنَّئًا ... وما ناح في الدُّوح الحمام وما غنَّى [139] إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عليِّ بن عبد الله، أبو محمدٍ الخزاعيُّ الإربليُّ. وتوفى- بها- في سنة أربع وثلاثين وستمائة. أخبرني [أنه] ولد بإربل في شهر رمضان في سنة ثمانين وخمسمائة. شيخ قصير متصوف يترامى إلى طريقة التصوف، ويحفظ شيئًا من كلام الصوفية، ويتعاطى التكبر في نفسه، وعنده نوع حماقةٍ، وله أشعار. أنشدني- منها- بمدينة إربل /245 ب/ ست وعشرين وستمائة، يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي رحمه الله [من المنسرح] يا من يجوب البيداء في الغسق ... هديت فاقبل نصيحتي وثق إيَّاك إن جئت حاجرًا فبه ... ظبيٌ يصيد الأسود بالحدق له قوامٌ كأنَّه غصنٌ ... تميله الرِّيح حفَّ بالورق يا ليت أنِّي أراه واحدةً ... في الدَّهر قبل الممات معتنقي قد كمل الحسن والصِّفات كما حاز ... كمالًا في الحسن والخلق الصَّاحب النَّدب ذو النُّهى شرف الدِّين من السُّوء والبلاء وقى وأنشدني له: [من الطويل] تراءت لي الدُّنيا اختيالًا وموَّهت ... بزخرفها حتَّى لقد كنت أهواها فأعرضت عنها حيث قابلت وجهها ... بغرَّتها بانت عيون خطاياها

وأنشدني قوله: [من الطويل] تخامرني عن نفحة الشِّيح نسمةٌ ... أغيب بها عن حظِّ طبعي وعن حسِّي فإن هي دامت كان عندي دوامها ... نعيمًا وإن عادت أعود إلى نفسي وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] /246 أ/ وردت كتبكم عليَّ فكانت ... كقميصٍ أتى إلى يعقوب ذاك ردَّ الأعمى بصيرًا وهذا ... كان نورًا في قلبي المكروب وله وأنشدنيه: [من الوافر] كتبت وفي فؤادي نار شوقٍ ... لها لهبٌ وفي جفني سحاب فلولا النَّار بلَّ الدَّمع خطِّي ... ولولا الدَّمع لاحترق الكتاب

ذكر من اسمه أسعد

ذكر من اسمه أسعد [140] أسعد بن مهذّب بن زكريا بن مماتي, أبو المكارم, الكاتب المصري. أصله من نصارى لميوط- بليد بصعيد مصر. وهو من أهل بيت في الكتابة عريق يتوارثونه وكان جدّه أبو المليح مماتي كاتبًا لبدر الجمالي؛ وهو كالمستولي على الديار المصرية, ليس علي يده يد. وأما والده المهذب [فـ] كان كاتب ديوان الجيش بمصر في آخر أيام المصريين, وأول أيام بني أيوب مدّة. فقصده الكتَّاب, وجعلوا له حديثًا عند الملك /246 ب/ فهمَّ به صلاح الدين يوسف وأسد الدين شيركوه- وهو يومئذ المتولي على الديار المصرية- فخاف المهذب فجمع أولاده, ودخل على السلطان وأسلموا على يده فقبلهم وأحسن إليهم, وزاد في ولاياتهم. ولما مات المهذب خلفه ابنه أبو المكارم على ديوان الجيش, وتصدّر فيه مدّة طويلة. ثم أضيف إليه في الأيام الصلاحية والعزيزية ..... ديوان المال- وهو أجل دواوين مصر- وتصدّر فيه. واختصّ بصحبة القاضي الفاضل ونفق عليه, وحظي عنده, وكرم لديه, فأقام بأمره, وأشاع في ذكره ونبّه على فضله. وكان يسمِّيه بلبل المجلس لما يرى من حسن خطابه, وجودة بيانه, وفصاحة منطقه, وكمال بلاغته. وكان متفردًا في عصره, فات النظراء بنظمه ونثره ذا فضل جلي وأدب عليّ, وشعر سويّ, وخاطر في الإنشاء قوي, ..... والفطنة الثاقبة, والدراية الصائبة. وصنّف عدّة تصانيف باسم القاضي الفاضل. ولم يزل كذلك إلى أن ملك الملك العادل

سيف الدين أبو بكر محمد بن أيوب- رضي الله عنه- الديار المصرية فكان وزيره والمدبر /247 أ/ لدولته الصفي عبد الله بن علي بن شكر. وكان بينه وبين أبي المكارم ذحلٌ قديم أيام رآسته عليه. ووقعت من أبي المكارم إهانة في حق ابن شكر فحقد عليه, إلى أن تمكن منه. فلما ورد إلى مصر أحضر أبا المكارم إليه, وأقبل بكليته عليه, وفوّض إليه أمور الدواوين التي كانت باسمه قديمًا, وبقي على ذلك سنة كاملة عمل له المؤامرات, ووضع عليه المحالات, وكثر فيه التأويلات, ولم يلتفت إلى أعذاره فنكبه نكبة قبيحة, ووجه عليه أموالًا كثيرة وطالبه بها, فلم يكن لها وجه؛ لأنه كان عفيفًا ذا مروءة؛ فأحال عليه الأجناد فطالبوه وقصدوه ولزوه, فهرب إلى حلب وأقام إلى أن مات بها ثامن عشر جمادى الأولى سنة ستّ وستمائة ودفن بالمقبرة المعروفة بالمقام على جانب الطريق المسلوك إلى دمشق خارج تربة أبي الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي الموصلي الخراط. وكان له نوادر مطبوعة, ونكت مستحسنة, وذلك أنَّ الملك الظاهر سلطان حلب كان قد استخدم السديد محمد بن المنذر على مصالح قناه حلب؛ /247 ب/ فاتفق أن سئل القاضي الأسعد عن السديد بن المنذر ما هو؟ فقال مجاوبًا للسائل: مستخدم على القناة. أنشدني القاضي أبو الماثر عبد الصمد بن عبد الله بن أحمد المصري بإربل سنة خمس وعشرين وستمائة, قال: أنشدني ابن مماتي لنفسه: [من مجزوء الرجز] لمَّا شكوت صدَّه ... وما لقيت من أذى ورقَّ قاسي قلبه ... وحبَّذا وحبَّذا قال: صفا الوقت ولكنَّ الرَّقيب كالقذى قلت: إذا غاب ارضني ... يا قاتلي, قال: إذا

وقال يصف أترجة كانت بين يدي القاضي الفاضل: [من السريع] لله بل للحسن أترجَّةٌ ... تذِّكر النَّاس بأمر النَّعيم كأنَّها قد جمعت نفسها ... من هيبة الفاضل عبد الرَّحيم وقال من قصيدة: [من الخفيف] لا تلم في اصفراره لاحمراره ... جلُّ نار القلوب من جلَّناره وهو خدٌّ يكاد يقتصُّ منه ... كلُّ طرف لولا أعتذار عذاره /248 أ/ مارئي منكرًا مدام رضابٍ ... مذ روى طرفه حديث خماره ليس فيه من راحه لمريدٍ ... قبله تطفئ اضطرام اضطراره غير أنَّ الحياء فيه مضاهٍ ... للحيا في انهماله وانهماره أوجدا الفاضل الَّذي أوجد الجود فمن كفِّه انفجار بحاره وقال يصف الخليج يوم فتحه بالقاهرة: [من الوافر] خليجٌ كالحسام له صقال ... ولكن فيه للرائي مسرَّه رأيت بها الملاح تجيد عومًا ... كأنَّهم نجومٌ في المجرَّه وقال في قصيدة عملها السديد أبو القاسم الكاتب "لامية مقيّدة": [من السريع] تبكي قوافي الشِّعر لاميَّة ... بيَّضتها من حيث سوَّدتها لمَّا علا وسواس ألفاظها ... ظننتها جنَّت فقيَّدتها وقال أيضًا: [من البسيط] أحبابنا والَّذي يقضي بألفتنا ... يوم الفراق ويخلينا من الفرق ومازلت أخبط في عشواء مظلمة ... من بعدكم وأبيع النَّوم بالأرق /248 ب/ حتَّى ثويت بنار الشَّوق في حرقً ... وصرت أشرق من دمعي على الشَّرق فمتِّعوني ولو ليلًا بطيفكم ... ما دمت أقدر من روحي على رمقي وقال في غلام خيّاط: [من مجزوء الوافر] وخيَّاطٍ نظرت إليه مفتونًا بنظراته أسيل الخدِّ أحمره ... بقلبي ما بوجنته

وقد أمسيت ذا سقمٍ ... كأنِّي خيط إبرته واحسد منه ذاك الخيط فاذبرى ريقته وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] يأ بدر تمٍّ هيَّجت ... شوقي لرؤيته المنازل وغدت أدلَّته على ... ما قلت فيه من الدَّلائل ظنَّ الشَّمول بريقه ... تخفى فاسكر بالشَّمائل رشا تفقَّه في الخلاف فصار يلقيه مسائل لا تقبلنَّ من الوشاة ... وتقبلن على العواذل فالعين قد جنَّت ببعدك والدُّموع لها سلاسل وأنشدني القاضي السعيد أبو محمد الحسن /249 أ/ ابن إبراهيم بن الخشاب- أيده الله تعالى- قال: أنشدني ابن مماتي لنفسه بحضرة السلطان الملك الظاهر بحلب وقد حا [ن سقوط الثلج] فأشار عليه السلطان أن يعمل فيه شيئًا فأنشد بديهة: [من البسيط] قد قلت لمَّا رأيت الثَّلج منبسطًا ... على البسيطة حتَّى ضلَّ سالكها ما بيَّض الله وجه الأرض في حلبٍ ... إلَّا لأن غياث الدِّين سالكها وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه في المعنى: [من الطويل] بعزِّ غياث الدِّين غازي بن يوسف بن أيُّوب دام النَّصر واتَّصل الفتح فشبَّهته في الدَّست والثَّلج حوله ... فقلت سليمان بن داود والصَّرح وله وقد خرج مع العماد أبي حامد الكاتب الأصفهاني إلى ثغري دمياط والإسكندرية، فوصلا إلى ترع وخلجان ومخاضات وغدران، فقال بديهًا: [من البسيط] لو أطلق الدَّمع مشتاقٌ ومدَّكرٌ ... لمن يحبُّ لأشفينا على الغرق /249 ب/ لكنَّما هذه الخلجان قتاقه ... لأنَّها رشح ما يغضي من الحدق

[141] أسعد بن عليِّ بن المبارك بن عبد الغفار بن محمدٍ، أبو القاسم الواسطيُّ، المعروف بابن رشادة الواعظ. ولد بواسط، وبها نشأ، وتوفي فيها في جمادى الآخرة سنة ستّ عشرة وستمائة. وكان فقيهًا شافعيًا فاضلًا حافظًا للقرآن العزيز، لطيف التكلم في المواعظ؛ له فصول وعظية وشعر. أنشدني ولده أبو المظفر عبد الله، قال: كتب إلى والدي من واسط، وأنا مقيم يومئذ بالجزيرة العمرية لنفسه من صدر كتاب، وأنشدنيها فيما بعد ذلك: [من الكامل] أحباب قلبي لا الطَّلاقة بعدكم ... عندي ولا ذاك السُّرور بباقي جهَّمت وجهًا كان قبل فراقكم ... طلقًا وساءت بعدكم أخلاقي قسَّمت قلبًا كان غير مقسَّمٍ ... وأرقت دمعًا كان غير مراق فغدت على الإنفاق كلّ ذخيرة ... ولأدمعي مددٌ على الإنفاق /250 أ/ دمعًا لو أنَّ الورق تبكي شجوهًا ... يومًا به عطلت من الأطواق صبرًا على نوب الزَّمان فرُّبما ... سمح الزَّمان برجعةٍ وتلاقي [142] أسعد بن أحمد بن موسى بن منصور بن عليِّ بن نصرٍ، أبو المحاسن الإربليُّ الخزندار. كانت ولادته بإربل، وبها توفي في ليلة الخميس سابع المحرّم سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وقد جاوز أربعًا وثمانين سنة. وكان يتولّى خزانة السلاح بإربل من قبل سلطانها الملك المعظّم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضي الله عنه-. وكان شيخًا فكهًا ظريفًا يستظرف أشعاره ويستعذبها من يسمعها.

أنشدني أبو محمد الحسن بن أفشين بن حسنون الإربلي، قال: أنشدني أبو المحاسن لنفسه من قصيدة ويعرض فيها بنواب مطبخ الملك المعظم مظفر الدين-رضي الله عنه-: [من الكامل] والعدل عثمان المعنَّى لم يزل ... في المطبخ المعمور خلف المنزل عيناه إن رمدت تشمُّ دخانه ... تشتمُّ رائحة الطَّبيخ فتنجلي /250 ب/ ينقضُّ كالشَّاهين إن لاحت له ... زبديَّة السِّكباج حتَّى يمتلي ويقول: لا شلَّت يدا طبَّاخها ... هذا النَّعيم فلا عدمنا جوسلي وأنشدني: قال: أنشدني أبو المحاسن: [من الطويل] إذا كان شعر المرء في أمِّ رأسه ... قليلًا وباقي الرَّأس من شعره قفر فذاك دليلٌ أنَّه ليس عنده ... من الخير شيءٌ بل بساحته شرُّ وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يهجو المنتجب إبراهيم بن أبي نصر. وكان هذا رجلًا من المعدلين بإربل، ويلقب مشكي: [من مخلّع البسيط] رأيت ثورًا على جوادٍ ... ووجهه المكفهرُّ يبكي فقلت: من ذا، فقيل: هذا ... منتجب الدِّين، قلت: مشكي وله وأنشدني ولده أبو المجد، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من الوافر] إذا ..... لم يغن عنِّي ... معالجة الطَّبيب ولا الدَّواء ولا يغني سوى التَّقوى وحبِّي ... بقومٍ شمل ضمِّهم العباء وأنشدني أيضًا ولده المذكور، قال: /251 أ/ كتب إليّ والدي لنفسه وأنا بالموصل: [من الطويل] فدتك حياتي والحياة عزيزةٌ ... لأنَّك أحلى من حياتي وأعذب فلا كان يومٌ لا أرى فيه شخصكم ... فبعدكم عنِّي من الموت أصعب قال فأجبته بهذين البيتين: [من البسيط] إذا ذكرتك كاد الشَّوق يقتلني ... وأرَّقتني صباباتٌ وأوجاع فإن نطقت فكلِّي فيك ألسنةٌ ... وإن سكتُّ فكلِّي فيك أسماع

ومما نسب إليه أيضًا من الشعر: [من الطويل] كتبت بأقلام اشتياقي إليكم ... سطور دموعي كزمًا مدادها وهاجر قلبي بعدكم كلَّ لذَّة ... كما هجرت عيني لذيذ رقادها وجانب جنبي مضجعي فكأنَّما ... وسادي محشوٌّ بشوك قتادها [143] أسعد بن سعد بن زين العابدين الجرباذقانيُّ، أبو سعدٍ. كان ذا علم بالعربية والآداب؛ فاضلًا شاعرًا مشهور الذكر ببلده. أنشدني محمد بن أحمد الجرباذقاني الفقيه، قال: أنشدني أسعد لنفسه: [من الطويل] /251 ب/ حنانيك يا صدر ..... ..... نحو لقياك جأشه فأنحى عليه إذ أثيرت ضبابةٌ ... فمن يحترشه اليوم جلَّ احتراشه [144] أسعد بن عبد الرحمن بن الخضر بن هبة الله بن عبد الواحد بن حبيشٍ، أبو التمام التنوخيُّ. أصله من حماة. وكانت ولادته بدمشق في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة في شوال. وكانت وفاته رابع صفر سنة خمس وثلاثين وستمائة بالمَّزة من نواحي دمشق. وكان أحد الشهود المعدلين بدمشق، واستوطنها إلى أن توفي بها. وكان يكتب الشروط على باب جامعها، وإمامًا بمسجد واثلة بن الأسقع باب الصغير. وسمع الحديث من أبي الفضل الحدوي، وحدّث عنه وعن غيره.

وكان ينظم شعرًا حسنًا رائقًا؛ ولي منه إجازة بجميع رواياته ومقولاته من النظم والنثر؛ وله أدب وفضل. ومن شعره: [من الخفيف] خلِّ لومي يا لائمي في البكاء ... كلُّ داءٍ رأيته دون دائي /252 أ/ نح معي ساعةً مع الرَّبع إنَّ الرَّبع أقوى من سادتي الكرماء هول يوم الفراق فرَّق قلبي ... فرقًا من شماتة الأعداء لهذ نفسي على الَّذين تولُّوا ... إذ تولَّوا بفطنتي وذكائي فغرامي من بعدهم لي غريمٌ ... ليس ينفكُّ والسَّقام ردائي خيَّموا يوم بينهم في فؤادي ... وأقاموا في منزل البعداء ليس آسي على الحياة لأنِّي ... بعدهم في مراتب الشُّهداء ومما أنشدني لنفسه: [من السريع] فعل الفتى يخبر عن أصله ... فاختبر الإنسأن من فعله ولا تعاتبه على زلَّةٍ ... واحمله إن شئت على جهله واصبر إذا الخلُّ جفا لا تقل: ... كم يصبر الخلُّ على خلِّه وأدرج الأيَّام حتى إذا ... ما سأل الدَّهر به خلِّه إن لم تكن أصلًا بليغ الأذى ... عنك وإلَّا كنت من أهله وأنشدني الأمير أبو حفص عمر بن أسعد بن عمار، قال: حدّثني أبو التمام بدمشق في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وستمائة /252 ب/ قال: جاءني من سألني أن أعمل له على وزن قول الشاعر: إن يكن حبلك من حبلي وهى ... فإلى شوقي إليك المنتهى قال: فقلت بديهًا: [من الرمل] وإلى رؤياك طرفي طامحٌ ... وإلى غيرك يومًا ماسها كم أسلِّي النَّفس يا متلفها ... وهي لا تزداد إلَّا ولها

ولزوم الصَّبر يا منيتها ... وغرامي بك للصَّبر ..... قال لي العاذل: ماذا تشتهي ... قلت: هل غير حبيبي يشتهي يخجل البدر إذا عاينه ... وتغار الشَّمس ..... ..... إنتهى وجدي به عن صدِّه ... وتناهى بي وعنه ما انتهى وأخبرني أيضًا، قال: أتاني من سألني وأنا بالجامع أن أضع على وزن بيتي عمر بن الشحنة وهما: نعم عند الكثيب الفرد والبان وواديه غزال ثمل اللَّحظ من الشَّوق بناديه قال: فقلت بديهة: [من مجزوء الهزج] /253 أ/ وأبكيه إلى أن ضحك الرُّوض بواديه غزالٌ عزَّ لقيأه ... ومن لي بتلافيه ووجهٌ سجد البدر له سبحان باديه أراني الورد من خدَّيه ... والصَّهباء من فيه فلو عاينه العاذل ما عنَّفني فيه تعالى الله ما أحلى ... تلافي في تلافيه وأنشدني أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن حمدان العروضي الموصلي، قال: أنشدني أبو التمام لنفسه ما خلا البيت الأول: [من مخلّع البسيط] (إن قدَّر الله بالتَّلاقي ... وكفَّ عنَّا يد الفراق) وعاد عود الوصال غضًّا ... بعودة الأهل والرِّفاق شكوت ما في الفؤاد منكم ... لتعلموا بعض ما ألاقي فما لذا البعاد شافٍ ... ولا للسع الغرام راقي يا سادةً حين فارقوني ... طلَّقت أنسي كلَّ الطَّلاق صبري من بعدكم تولَّى ... عنِّي وجيش الغرام باقي /253 ب/ فالجسم في جلَّق مقيمٌ ... والقلب في حيِّز العراق وإن تصبَّرت قال وجدي ... صبرك هذا من النِّفاق

يا لهف نفسي على زمان ... بهم تولَّى عذب المذاق أمرض بعد المزار عنكم ... قلبي وأضناني اشتياقي وصرت في أمركم رهينًا ... فخلِّصوني من الوثاق وعلِّلوني منكم بقربٍ ... قد بلغت روحي التَّراقي وقال أيضًا: [من الكامل] أترى الأحبَّة عاقهم مرض ... أم هل لهم في غيرنا غرض وعدوا الزِّيارة مغرمًا بهم ... لكن حديث الزُّور ينتقض إن أعرضوا فهم أحبَّتنا ... أو أعرضوا ما منهم عوض هب أنَّهم غدروا بلا سببٍ ... من ذا على الأحباب يعترض يا لائمي في حبِّهم سفهًا ... هم جوهرٌ وسواهم عرض قد خانني الصَّبر الجميل فهل ... من مقرضي صبرًا فأقترض [145] أسعد بن نصرٍ، أبو غانمٍ الأبزريُّ. /254 أ/ كان من بلد بفارس يعرف بأبزر. وكان فقيهًا جدلًا مناظرًا أصوليًا، درس علم الخلاف وأتقن طرفًا من الحكمة، ونظر في فن الأدب، وإنشاء الرسائل، وصنّف التصانيف مع قوله للشعر. وكان يميل إلى الأدباء والفقهاء، ويحبّ المناظرة؛ فلما رآه صاحب فارس ماهرًا في العلوم، متبحرًا في فنونها عرض عليه وزارته، فأبى عنها. وكان يعمل عمل الوزارة إلَّا أنه لم يكن يليها. وكان إليه الأمر والنهي والحكم ببلاد فارس أجمع. وكان يلقب عميد الملك. وبقي إلى سنة إثنتين وعشرين وستمائة ثم قتله صاحب فارس. ومن شعره يقول: [من الكامل] من للمحبِّ براجل أو فارس ... ينبئه حالًا عن أحبَّة فارس ينبيه عن غزلانها رأد الضُّحى ... يصر عن لحظًا كلَّ ليثٍ فارس

مفتون نيرنجات أسود ساحرٍ ... وقتيل نارنجات غصن فارسي ومباسم لو ذاقها دنف الهوى ... حسد الزمان على نعيمٍ يابس وقال أيضًا: [من الطويل] /254 ب/ بنفسي فؤادٌ يزدهيه غرام ... ولا سيَّما إن حلَّ منه مرام مرامي مرامي والسِّماكان دونها ... إذا حلَّ شكلي خطوه فتمام فخطوي لقومٍ آخرين مراحلٌ ... وساعي أيَّامٌ ويومي عام وما أدَّعي في الفضل فهو مسلَّمٌ ... وما يدَّعي غيري ففيه كلام ألام على حبِّ الكمال وحبَّذا ... ملامٌ على حبِّ الكمال يلام [146] أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور بن عبد العزيز بن رجب بن هبّان بن سوار بن عبد الله بن ربيع بن ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن يربوع بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو المعالي السُّلميُّ السِّنجاريُّ: القاضي الفقيه الشافعيُّ.

تفقه ببغداد على أبي القاسم بن فضلان، والمجير أبي القاسم البغداديين، وبالموصل على القاضي تاج الإسلام أبي عبد الله الحسين بن نصر بن خميس الجهني؛ ثم على الشيخ /255 أ/ القاضي أبي سعد بن أبي عصرون بالشام، والقاضي أبي الرضا سعيد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري الموصلي. وتميّز في الفقه، وتكلم في المسائل الخلافية، وسمع الحديث على القاضي أبي الفرج عبد القاهر بن نصر بن أسد بن غياث بن عبسون؛ إلَّا أنه غلب عليه قول الشعر، واشتهر به. وولي القضاء بدنيسر سنين وبغيرها من البلاد. وكان شاعرًا من الشعراء المكثرين الفضلاء المتأدبين؛ طاف بلاد الشام، وامتدح ملوكها، وانتجع سلاطينها. وممن سار شعره واشتهر بين الناس أمره، وغنى به المغنون، ولطف موقعه في القلوب، وتداوله الناس بينهم. وكان- مع ذلك- فقيهًا شافعي المذهب شيخًا مفاكهًا ظريفًا متنادرًا. وبلغ من العمر تسعين سنة، بل نيّف عليه. واستوزره صاحب حماة وميّزه على نظرائه. وكان ينفذه إلى البلاد رسولًا. أدركت أواخر أيامه ولم أرزق لقاءه، وروى لي عنه جماعة؛ وخبرت أنه توفي بسنجار في أوائل المحرم سنة أربع وعشرين وستمائة. وكان مولده في حادي عشر جمادي الأولى /255 ب/ من سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. [ساق ذكره الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي في تاريخه ..... قال: الفقيه الفاضل الشاعر ذو الألفاظ المتناسقة، والمعاني الرائقة، المفرغة في قوالب الإحسان صورها، المتلون بكل لسان آياتها وسورها، له أخلاق للصبا لطفها، ومحاسن لعطارد ظرفها. قال: وقرأ عليه أخي أبو المعز المظفر بن أحمد المستوفي شيئًا من شعره وكتبه له بخطه، وكنت أحب أن أجتمع به وآخذ عنه شيئًا من شعره حتى أتاح الله لقاءه رسولًا من حماة من الملك المنصور، وكان له عنده منزلة، فأنشدني من

أشعاره قطعًا عدّة رويتها عنه. ثم قدم في صفر سنة أربع وستمائة ..... ]. حدّثني الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي- رحمه الله- قال: قدم علينا أبو المعالي أسعد بن يحيى السنجاري إربل غير مرّة، وقدم أخرى في صفر سنة أربع وستمائة، وقد ساءت حاله، وكان ورد قبلها من حماة وهو حسن الحال كثير التجمل. ثم قال: وأنشدني لنفسه من قصيدة أوّلها: [من الكامل] وهواك ما خطر السُّلوُّ بباله ... ولأنت أعلم في الغرام بحاله ومتى وشى واشٍ إليك بأنَّه ... سالٍ هواك فذاك من عذَّاله أو ليس للكلف المعنَّى شاهدٌ ... من حاله يغنيك عن تسآله؟ جدَّدت ثوب سقامه وهتكت سرَّ غرامه وصرمت حبل وصاله أفزلَّةٌ سبقت له أم خلَّةٌ ... مألوفة من تيهه ودلاله يا للعجائب من أسير دأبه ... يفدي الطَّليق بنفسه وبماله بأبي وأمِّي نابلٌ بلحاظه ... لا يتَّقي بالدِّرع حدَّ نباله ريَّان من ماء الشَّبيبة والصِّبا ... شرقت معاطفه بطيب زلاله كتب العذار على صحيفة خدِّه ... نونًا وأعجمها بنقطة خاله تسري النَّواظر في مراكب حسنه ... فتكاد تغرق في بحار جماله /256 أ/ فكفاه عين كماله في نفسه ... وكفى كمال الدِّين عين كماله وأنشدني الأمير ركن الدين أبو الثناء أحمد بن قرطايا المظفري الإربليّ، قال: أنشدني أبو المعالي أسعد بن يحيى السنجاريّ لنفسه، وعمل هذه الأبيات لمن سأله إياها بالموصل في غلام مليح الصورة اسمه سنجر بباب سلّة مصعب سنة ستّ وستين وخمسمائة: [من الكامل] لام العواذل في هواك فأكثروا ... هيهات ميعاد السُّلوِّ المحشر جهلوا مكانك في القلوب فطوَّلوا ... لو أنَّهم وجدوا لوجدي قصَّروا

صبرًا على عذب الهوى وعذابه ... فأخو الهوى أبدًا يلام ويعذر لولا التَّفاوت في المحبَّة لم تبت ... تلتذُّ طيب كرى الجفون وأسهر بأبي الَّذي حجبت محاسن وجهه ... أشياء فيها ناظري متحيِّر يا للعجاب بباب سلَّة مصعب ... ظبيٌ ومن أسراه ليثٌ مخدر متناسب الأوصاف خدٌّ أحمرٌ ... ضرجٌ بحمرته وشعرٌ أشقر يبدو بقدٍّ كالقضيب أماله ... سكر الصِّبا لله ذاك المنظر! ويميس كالغصن الرَّطيب يكاد من ... أعطافه ماء الشَّبيبة يقطر /256 ب/ يا راشقًا غرض القلوب بلحظه ... رفقًا فقتل النَّفس أمرٌ منكر ما إن عطفت برمح قدِّك طاعنًا ... إلّا وأنت بمن أردت مظفَّر أصبحت سلطان القلوب ملاحةً ... وجمال وجهك في البريَّة عسكر طلعت طلائع عارضيك مغيرةً ... بالنَّصر يقدمها لواءٌ أخضر وتسرَّبت سرب القلوب وأقبلت ... تبغي الأمان ومثل جيشك ينصر فلأنت أعلى رتبةً من سنجرٍ ... أبدًا يدين لك الورى يا سنجر وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه من قصيدة أولها: [من السريع] عذاب قلبي فيكم يعذب ... والموت في حبِّكم طيِّب كدَّرتم صفو حياتي وقد ... لذَّ لقلبي ذلك المشرب أحبابنا ما كان ظنِّي بكم ... هذا ولا كنت له أحسب ما لي منكم سادتي مهربٌ ... إلَّا إليكم المهرب ولا لقلبي عنكم مذهب ... كيف وعشقي مذهبٌ مذهب لا نلت آمالي من وصلكم ... إن كنت في غيركم أرغب سلبتم عيني لذيذ الكرى ... وكلُّ من يهواكم يسلب /257 أ/ كأنَّما قد ذبح النّوم في ... عيني فأجفاني دمًا تسكب يا بدر تمٍّ برجه خاطري ... مشرقه ليس له مغرب ما الخمر إلَّا ريقك المشتهى ... والدُّرُّ إلَّا ثغرك الأشنب يسكرني حين أرى شخصه ... كأنَّني في ناظري أشرب وتلعب الرِّيح بأصداغه ... وصولجان الصُّدغ بي يلعب

قلت لمن يلعب في سلوتي ... بعذله أنت إذًا أشعب قال: تبدَّى الشَّعر في خدِّه ... قلت له هذا الَّذي أطلب لا تحسبوه شعرًا إنَّما ... ذا قلتم الحسن به يكتب هبَّت نسيمات الصَّبا سحرةً ... ففاح منها العنبر الأشهب فقلت إذ مرَّت بوادي الغضا ... من أين هذا النَّفس الطَّيِّب هل خطر الظَّاهر يومًا به ... عطَّره من نشره الموكب أم ذاك من طيب ثنا نشره ... طيب الثَّنا من طيبه أطيب وأنشدني أيضًا الأمير أبو الثناء أحمد والشيخ أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصلي الفقيه الشافعي- أيدهما الله تعالى- /257 ب/ قالا: أنشدنا أبو المعالي لنفسه: [من البسيط] من منصفي من ملول لجَّ في الغضب ... يظلُّ يلعب والأشواق تلعب بي تناسب الحسن فيه غير مكتسبٍ ... والحسن ما كان طبعًا غير مكتسب مستعربٌ من بني الأتراك ما تركت ... أيَّام جفوته في العيش من أرب مناني من لذَّة الدُّنيا بأجمعها ... تقبيل دُّرِّيِّ ذاك المبسم الشَّنب فديته من حبيبٍ قال مبتسمًا ... دعني من الهزل ما أجني من اللَّعب لله ليلتنا والشمس دائرةٌ ... على النَّدامى ووجه البدر لم يغب طافت لحيني كفُّ الأعجميِّ بها ... فكدت أسلب من عقلي ومن أدبي بكرٌ إذا قرعت بالماء ولَّدها ... بكر السُّرور فيا فخر ابنة العنب كادت تطير وقد طرنا بها طربًا ... لولا الشِّباك التي صيغت من الجبب تخالها بيد السَّاقي وقد مزجت ... منثور درٍّ طفا في مائع الذَّهب أدارها فتغشَّته أشعَّتها ... فخلته غاص في بحرٍ من اللَّهب فقلت: يا قوم هذي النَّار تحملها ... كفٌّ من الماء هذا غاية العجب وأنشدني أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحسين الرازي، قال: أنشدني أسعد بن يحيى لنفسه: [من الكامل]

/258 أ/ أعلمت ما صنع الغرام بقلبه ... أودى به لمَّا ألبَّ بلبِّه بأبي الَّذي لا يستطيع لعجبه ... ردَّ السَّلام فإن سلكت فعج به لبَّاه لمَّا أن دعأه وهكذا ... من يدعه داعي الغرام يلبِّه متتائهٌ بالحسن مغرورٌ به ... لا يرعوي عند العتاب لعتبه إن كنت تنكر ما جناه بلحظه ... من سلبه يؤم الغوير فسل به أو شئت أن تلقى غزالًا أعفرًا ... في سربه أسد العرين فسر به ظبيٌ من الأتراك ما تركت ظبا ... ألحاظه من سلوة لمحبِّه يا ما أميلحه وأعذب ريقه ... وأعزهَّ وأذلَّني في حبِّه [الشَّمس تبدو من أسرَّة وجهه ... والغصن يخجل من مهفهف رطبه كم من خمار دون خمرة ريقه ... وعذاب قلبٍ دون رشفة عذبه يا للرجال أظلُّ أطلب قربه ... عجبا وأصل بليَّتي من قربه] حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي الحنفي- أدام الله أيامه- بمحروسة حلب بمنزله المعمور في العشر الأول من ربيع الآخر سنة اربع وثلاثين وستمائة- من لفظه- قال: حدّثني أبو المعالي أسعد بن يحيى بن موسى السنجاري الشاعر، قال: كان صاحب آمد يهوى قينة، فقال لها يومًا وهو سكران، فعلقت يدها في طوقه وقالت متمثلة: /258 ب/ (لتقرعنَّ عليَّ السِّنَّ من ندمٍ ... إذا تذكَّرت يومًا بعض أخلاقي) فوقع ذلك في قلبه، فدخلت عليه فأخبرني بالقصة، فقلت: ارتجالًا وضمّن البيت: [من البسيط] أدر كؤوسك عنِّي أيُّها السَّاقي ... وأرفق عليَّ فهذا وقت إرفاقي أما ترى سورة الصَّهباء قد سلبت ... عقلي وقد أسكرتني خمر أشواقي نار الغرام وماء الدَّمع قد جمعا ... فاعجب له بين إعراقٍ وإغراق لم يبق منِّي هوى ليلى سوى رمقٍ ... وفي الزُّجاجة باق يطلب الباقي قالت وقد قلت في سكر أمازحها: ... سلوت عنك فمدَّتني بإطراق

(لتقرعنَّ عليَّ السِّن من ندمٍ ... إذا تذكارت يومًا بعض أخلاقي) وعدت معتذرًا ممَّا جنيت وقد ... قامت وقد قامت الدُّنيا على ساق وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف] كلَّ يومٍ يلوح لي منك معنى ... وأنا العاشق الكئيب المعنَّى وسقامي يزيد في كلِّ وقتٍ ... أنا أفني وحبُّكم ليس يفنى يا غزالًا ما بين نجد وسلعٍ ... لك بين الضُّلوع ربعٌ ومغنى كنت لا تستطيع عنَّا اصطبارًا ... ليت شعري بمن تشاغلت عنَّا /259 أ/ ما رأينا من قبل قدِّك إن تأ ... ..... الورد باللَّواحظ يجنى غنّى لي سائحًا على مهره يومًا فناديته فعن فعنّا ورماني عن قوس حاجبه سهمًا فناديته بوسنان وسنا فتأمَّلته وقلت لصحبي ... ما عليه لو أمَّ في اللَّيل وهنا ثمَّ قالوا بأسرهم وهو معنى ... أنَّ هذا في حسنه ألف معنى قد أصبنا به فقلت لهم: تالله بل كلُّنا به قد أصبنا لي حبيبٌ كالبدر وجهًا ... وكالغصن قوامًا إذا بدا وتثنَّى ومتى ما شكوت ما بي إليه ... من جوى حبِّه جنى وتجنَّى لهف نفسي على زمانٍ تقضَّى ... بأهيل الأثيل كانوا وكنَّا فرَّق الدَّهر شملنا فافترقنا ... واشتفى الحاسدون منهم ومنَّا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يمدح الأمير مجاهد الدين قايماز- رضي الله عنه-: [من السريع] يا عاذلي في الحبِّ كن عاذري ... أما لهذا العذل من آخر عمرك لولا شقوتي لم أقل: ... ويلاه من ظبي بني عامر مغفلٌ عمَّا ألاقي به ... وراقدٌ عن سهر السَّاهر /259 ب/ ما كنت لولا سحر أجفانه ... أصدِّق القول على السَّاحر نشوان من خمر الصِّبا قدُّه ... أهيف مثل الغصن النَّاضر تجول قرطاه على سالفٍ ... مثل صقال المرهف الباتر يا قلب تبًّا لك من صاحبٍ ... كلُّ البلا منك ومن ناظري

لله أيامي على لعلعٍ ... وطيب أوقاتي على حاجر يكاد للسرعة في مرِّها ... أوَّلها يعتزُّ بالآخر أحبابنا عودوا فقد عادني ... عيد الضَّنا من زجره الزَّاجر أهكذا كلُّ الورى غادرٌ ... واحربا من صحبة الغادر والله ما كان انقطاعي قلى ... ولا جرى يومًا على خاطري وإنَّما الأقدار تأتي بما ... لا أشتهي والحكم للقادر كسرتم قلبي بهجرانكم ... وجابري بحر النَّدى الزَّاخر مجاهد الدِّين ومن لم يزل ... مذ كان للوارد والصَّادر وله: [من البسيط] سائل برامة أهل الحيِّ مذ بانوا ... وأين هم بعد ذاك الجزع سكان وإن عطفت على وادي الأراك فقل ... بان الغضا فعسى أن يعطف البان /260 أ/ كم قد بكيت فما حنُّوا ولا عطفوا ... وكم شكوت فما رقُّوا ولا لانوا كيف استقلَّ ركاب الرّكب يوم غدوا ... وهل على العهد من ..... أم خانوا وقل لأهل الكثيب الفرد عادلنا ... وللشُّؤون وقد حمَّ النَّوى شأن وله: [من الوافر] وخلٍّ لامني لمَّا رآني ... أسوِّد لون شيبي بالخضاب فقلت له جهلت مكان قصدي ... وذا حزنٌ على فقد الشَّباب وأنشدني الخطيب أبو النجاء سالم بن عمر بن سالم الموصلي، قال: أنشدني أسعد بن يحيى لنفسه: [من مجزوء الكامل] ومن العجائب أنِّني في لجِّ بحر الجود راكب وأموت من ظمأٍ ولكن عادة البحر العجائب وحدّثني الصاحب أبو البركات المستوفي- رحمه الله- قال: حدّثني أبو

المظفر بن سنينيرة الشاعر الواسطي، قال: كنت أنا وأبو المعلى أبعد بن يحيى السنجاري سائرين في طريق سنجار، وكان معه مملوك حسن الصورة بديع في جماله، /260 ب/ فتقدمنا فناداه فلم يجبه، فأنشد بديهة: [من الطويل] بنفسي حبيبٌ جار وهو مجاورٌ ... بعيدٌ عن المشتاق وهو قريب يجيب صدى الوادي إذا ما دعوته ... على أنَّه صخرٌ وليس يجيب وقال يمدح الملك الناصر صلاح الدين- رضي الله عنه-: [من السريع] ما أومض البارق من نجد ... إلَّا واذكى لوعة الوجد ولا جرت ريح نسيم الصَّبا ... إلَّا جرى دمعي عى خدِّي اشتاق أنفاس نسيم الصَّبا ... إذ تتهادى عذب الرَّند وأشتكي البين إلى بانةٍ ... وقلَّما أجدى ولا يجدي يا لأصيحابي على لعلعٍ ... هل عندكم للبين ما عندي قالوا أتشتاق ليالي الحمى ... قلت: لقرب العهد بالعهد ليس الحمى إلَّا بأهل الحمى ... طيب زمان الورد بالورد يا واحدًا شام بريقًا على ... الشَّام غدا يحدو على الوخد حيِّ أثيلات بوادي النَّقا ... وقف بأعلى العلم الفرد وقل له حيِّيت من هاجرٍ ... يحبُّه قلبي على الصَّدَّ /261 أ/ يمزج لي صابًا بشهد وما ... أحبُّ مزج الصَّاب بالشَّهد بسهمه أثبت قلبي وما ... أثَّر خرق السَّهم في جلدي أبعدني عنه زماني وما ... أعلم ما أحدثه بعدي فعدِّ عن نجد وسكَّانها ... إلى نمير البارد العدِّ وذِّكر النَّاقة سعدانها ... وقل لها: يا نأقتي جدِّي قال: لقد بالغت في زجرها ... قالت: لقد جزت عن الحدِّ أمطلع الشَّمس بنا تبتغي ... فقلت: لا بل مطلع الحمد الملك النَّاصر من وجهه ... كالقمر الزَّاهر للرِّفد

سلطان أرض الله من ماله ... مقسَّم للحرِّ والعبد يا ملك الدُّنيا ويا أوحد الوجود يا واسطة العقد عدلت في العالم حتَّى لقد ... رعيت سرح الشَّاء بالأسد سر واملك الأرض فإنَّ السُّرى ... تبلغ فيه منتهى القصد فالشَّمس لولا سيرها دائمًا ... ما طلعت في شرف السَّعد يا من إذا أوعد يومًا عفا ... ومن نداه سابق الوعد لا ترض دون السّدِّ قصدًا فما ... مثلك من يرضى سوى السّدِّ [147] /261 ب/ أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن عليٍّ، أبو المجد النَّشّابيُّ، الكاتب الإربليُّ. كان مولده بمدينة إربل في صفر اثنتين وثمانين وخمسمائة. وكانت صنعته في ابتداء عمره عمل النشاب فلذلك لا يعرف إلَّا بها. فارق إربل وخرج إلى البلاد الشامية، وغاب عنها مدَّة، ثم عاد إلى إربل فقلّده الملك المعظّم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضي الله عنه- كتابة الإنشاء بديوانه، وصار الراتق والفاتق عنده ذا أمرٍ ونهي كبير المنزلة بسيط الجاه، نافذ القول. ولم يزل كذلك في أمره ونفسه حتى قبض عليه الملك المعظم مظفر الدين في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وستمائة وسجنه بقلعة كرخين لشيء أبلغ عنه؛ فلما أخذت إربل العساكر المستنصرية أفرج عنه، وذلك سنة ثلاثين وستمائة. رحل إلى مدينة السلام فتولى بها عملًا جليلًا وكان شاعرًا بذيء اللسان مقدامًا /262 أ/ على الهجو والسب، ذا أهاج سخيفة، وذم فاحش، كثير التعرض بأرباب الدولة وأصحاب المناصب؛ قلّ أن سلم احد من رؤساء إربل وأماثلها من لسانه؛ لأنه

سلك طريقة أبي الحسن علي بن بسّام في هجاء الأشراف والأكابر وتمزيق أعراضهم. وأشعاره لاذعة في الهجاء، ونثره دون شعره، واتصلت مدائحه بالديوان العالي المستنصري- مجده الله تعالى- فصارت له كل عام وظيفة تدرّ عليه، ورسم لا ينقطع. لقيت أبا المجد النشابي بإربل سنة خمس وعشرين وستمائة، فأنشدني كثيرًا من أشعاره؛ ومما أنشدني لنفسه يمدح مولانا وسيدنا الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور- أدام الله أيامه- ويشير إلى ذكر الخلفاء الراشدين- صلوات الله عليهم- من عهد السفاح إلى الدولة المستنصرية- ثبتها الله وأيدها: [من الكامل] الجدُّ يرتع في المقام الأفخر ... والعزُّ يربع في الجنا الأخضر والدَّهر من بعد القطوب بدا لنا ... يزهو كوجه الضَّاحك المستبشر وتجلَّت الدُّنيا على أبنائها ... تدعو بحيَّ على الفلاح الأكبر /262 ب/ وغدا بها الإسلام يحمل رايةً ... سوداء راية منذر ومبشِّر والدِّين لاح له دليل النَّصر من ... سيف الإمام القائم المستنصر أعلى الأئمَّة من سلالة هاشمٍ ... قدرًا وأشرف محتدًا من عنصر ورث الخلافة طاهرًا عن طاهرٍ ... إرثًا تنزَّه عن مقالة مفتري ولحقِّه إرث اللِّواء وبرده ... وحسامه وقضيبه والمنبر فإذا أردنا ذكر بعض صفاته ... يومًا قرأنا سورة المدَّثر وإذا رأى الرَّاؤون نور جلاله ... لم يلق غير مهلِّل ومكبِّر أعطى إلى أن قالت الدُّنيا قدٍ ... وحبا إلى أن قال سائله: اقصر فنداه في الدُّنيا بأرزاق الورى ... جمعًا وفي الأخرى بنهر الكوثر جمعت مكارمه الشّراف جميع أوصاف الخلائف مفخرًا عن مفخر فبكلِّ وصف منه نعت خليفةٍ ... كالفعل شقَّ بيانه عن مصدر فنواله السَّفَّاح والمنصور فالمنصور سيِّدنا الإمام الأنور مهديُّ هذا العصر والهادي إلى الأمر الرَّشيد بنور هديٍ مبصر وأمين أمَّة أحمد وإمامها ... حقًّا ومأمونٌ لها في المحشر طوبى لمعتصم به من واثق ... من فضله بأواصرٍ لم تخفر /263 أ/ كم مدقعٍ أضحى على إنعامه ... متوكِّلًا أمسى بمالٍ مكثر

لم يرض منتصرٌ ببعض عبيده ... إن شبَّهوه بتبَّع في حمير ما بات غير المستعين بعزَّة ... في جنَّة من جوده أوعبقري لو شاء معتزٌّ به أن يملك الدُّنيا رآها خاتمًا في خنصر نصب السِّراط المستقيم لمهتدٍ ... وأفاض نائله العميم لمعسر ولكلِّ معتمدٍ ندًى لم يقتر ... ولكلِّ معتضد يدٌ لم تقهر والمكتفي بعزيمة من بأسه ... يطأ البلاد بكلِّ ليث مخدر مازال مقتدر المرام وقاهر الأعداء بالجدِّ السعيد الأظهر فالله راضٍ بالَّذي يرضى به ... إن قال خلقٌ غير هذا يكفر ترضاه تقوى المُتَّقي ولكل مستكف بنائله كنوز الأبحر فاز المطيع له فطائع أمره ... يومًا متى أصفى السَّريرة يؤجر ملك البلاد فكان أقدر قادرٍ ... ولحكمة قد دان كلُّ مقدّر ما شأنه إذ كان قائم هديه ... متقدِّمًا في عصره المتأخِّر فالمجتدى من جوده المتوفِّر ... كالمقتدي بعلائه المستظهر وإذا استقلَّ بقوَّةٍ مسترشدٌ ... وجد الهداية مثل لمحة منظر /263 ب/ هو راشد للمقتفي ومساعدٌ ... للمعتفي ومعاندٌ للمجتري هذا الَّذي أضحى الزَّمان بعزمه ... مستنجدًا في الحادث المستنكر وإذا ادلهمَّ الخطب كان مساره ... للمستضيء ضياء صبح مقمر لله سيفٌ منه ناصر دينه ... وبغيره دين الهدى لم ينصر فاليوم برهان النُّبوُّة ظاهر ... بخلافة المستنصر المستنصر جدٌّ تقاعست النُّجوم لعزِّه ... لو بيع كيوانٌ لكان المشتري أو عاين المرِّيخ حمرة بأسه ... جعلته هنَّته بلون أصفر قد بان سر الله فيه وقد دنا ... أمد المنى ظفرًا بعزم مظفَّر ويد المعجزة أدلة نصره ... في قهر كلِّ مخالفٍ متجبِّر قهر العداة ولا انتضى عضبًا ولا ... فتقت له ريح الجلاد بعنبر ومنها:

ضلَّ الخوارزمي من بلواه في ... صمِّي صمام وذلة المتجبِّر وكفى جميع الأولياء قتاله ... وارتاح كلُّ مطهَّمٍ ومضمَّر سبيت حلائله وأضحى ملكه ... هملًا ونبت مناه لم يتأزَّر وتشرَّذمت أنصاره وتمزَّقت ... أعوانه في كلِّ برٍّ مقفر /264 أ/ جدٌّ له عقد الملائك رايةً ... بالنَّصر دائمةً دوام الأعصر وأنشدني لنفسه يمدح الملك المنصور أبا سعيد زنكي بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر-رحمه الله تعالى-: [من الخفيف] يا لقومي قد جئتكم مستجيرا ... لا أرى منكم وليًّا نصيرا أنا ما بين عاذل ورقيبٍ ... منهما خلت منكرًا ونكيرا بأبي شادنٌ تبدَّى فأبدى ... من محيَّاه بهجةً وسرورا وعذارٌ في ذلك الخدِّ أبدى ... منهما الحسن جنَّةً وحريرا وثنايا كأنَّها من لجينٍ ... قدَّروها في ثغره تقديرا لا رعى الله يوم زمُّوا المطايا ... إنَّه كان شرُّه مستطيرا أودعوا حين ودَّعوا الصَّبَّ وجدًا ... ونأوا والقلوب تصلى سعيرا وأسالوا الدُّموع من نرجسٍ غضٍّ على الخدِّ لؤلؤًا منثورا فغدا الصَّبُّ يرتضي الحبَّ دينًا ... ويرى ناظر السُّلوِّ حسيرا وهدي قلبه السَّبيل فإمَّا ... صابرًا شاكرًا وإمَّا كفورا ملكٌ أشرقت به ظلم الدَّهر فأضحى لنا سراجًا منيرا /264 ب/ صمَّ سمعي عن الملام كما صرت بمدحي زنكي سميعًا بصيرا وأرانا نواله وسطاه ... فرأينا منه بشيرًا نذيرا أنا ساعٍ داعٍ له بدوام الملك ما زال سعيه مشكورا كم سقى سيفه شرابًا حميمًا ... وسقى سيبه شرابًا طهورا سرِّح الطَّرف في ذراه ترى ثمَّ نعيمًا به وملكًا كبيرا

لم ير النَّازلون في ظلمة المعمور شمسًا يومًا ولا زمهريرا ويبيح الطَّعام والمال كم عمَّ يتيمًا بزاده وأسيرا قسم الدَّهر بين بأسٍ وبذلٍ ... فدعوناه سيِّدًا وحصورا إذ توفَّى العفاة منه أجورًا ... يقذفون العفاة منه دحورا وأنشدني أيضًا لنفسه ابتداء قصيدة: [من الطويل] سل الخدَّ عن قتل الكئيب المتيَّم ... ليخبر عنه العندميُّ من الدَّم وحاذر إذا حاولت رشف رضابه ... كميًا بكسر الجفن رام بأسهم رنا فانتضى من جفنه كلَّ لهذمٍ ... وماس فأزرى بالوشيج المقوَّم عجبت وقد أضحى يقوِّم قدَّه ... وفي فيه ثغرٌ درُّه لم يقوَّم يقول وقد قبَّلته ورشفته ... أراك أبحت الخمر والخمر في فمي /265 أ/ فقلت: طبخت الخمر حين لثمته ... بأنفاس وجدي فهو غير محرَّم ولمَّا رأى بالتَّرك هتكي ورام أن ... يكتِّم منه بهجةً لم تكتَّم تشبَّه بالأعراب عند التثامه ... بعارضه يا طيب لثم الملثَّم فما زادني إلّا نحولًا ونمَّ بي ... إلى النًّاس عذرٌ بالعذار المنمنم شكى خصره من ردفه فتراضيا ... لفضلهما بند القباء المكتَّم وردَّ جيوش العاشقين لأنَّه ... أتاهم بخطِّ العارض المتحكِّم وجسَّد ذاك النَّهد والرِّدف ثوبه ... فهل قدري يأتي بهتك المجسِّم وقابلت دمع العين حمرة خدِّه ... فقال: أرى ثغري، فقلت: أرى دمي! تملَّك رقِّي عندما تمَّ حسنه ... فشعري غدا في مالك ومتمَّم يوهِّمني حفظ الوداد وعذره ... يكذِّب مأ يعتادني من توهُّم فأضحي إلى جوريِّ خدَّيه عاذلًا ... وأمسي ومن ميل القدود تظلمُّني وقد كنت جربت الهوى وعرفته ... فأصبح وجداني به مثل معدم أعلِّل نفسي بالأماني تعلَّةً ... وأرجم شيطاني بغيبٍ مرجَّم وما هوَّمت عيني سرورًا بنعسةٍ ... ولكن سرورًا بالخيال المسلِّم أحبُّ مزار الطَّيف يخلو صنيعه ... من الإثم في تنغيصه والتَّندم /265 ب/ وقال- وهو محبوس بقلعة كرخين-: [من مخلّع البسيط]

يا قلب خفِّض عليك حزنًا ... واصبر فللصابر طيب مجني هبك ملكت البلاد جميعًا ... ألست تبلى ألست تفنى؟ دنيا غدت كلُّها دنايا ... فكلَّ يوم تكون أدنى ونحن ركب الأيَّام فيها ... نرحل عنها كما نزلنا أو مثل طيف الخيال يسري ... في مقلة للزَّمان وسنى والدَّهر يومان ذا الهناء ... بما أتاه وذا يعنَّي فلا المعنَّى يدوم فيما ... عنِّي فيه ولا المهنَّا وكلُّ مقضٍ يكون حتمًا ... وليس للمرء ما تمنَّى في قصص الأنبياء وعظٌ ... والف معنىً لمن تمعنى مات نبيُّ الهدى بسمٍّ ... كذاك صدِّيقه المكنَّى ومات فاروقه بقتل ... وقتل عثمان قد علمنا وفي عليٍّ لنا اعتبارٌ ... وفي بنيه لو اعتبرنا والأمويُّون من قريشٍ ... ماتوا جميعًا قتلًا ..... والخلفاء الَّذين جاءوا ... أئمَّةً للهدى وأمنا /266 أ/ كم من أخٍ قاتلٍ أخاه ... ومن أب قد أباد إبنا كلُّ نبيٍّ إلى وصيٍّ ... رأى بلاءً وحلَّ سجنا وفي الزَّمان الَّذي وجدنا ... كم قد رأينا وكم سمعنا وكم رزئنا وكم نعينا ... وكم ألفنا وكم فقدنا أين الملوك الَّذين شادوا ... وحصَّنوا بالحصون مدنا وجمَّعوا المال واستقلُّوا ... خزائنًا ما تحاط وزنا تراهم أصبحوا جميعًا ... بين مضيق اللُّحود رهنا لو نطقوا كلُّهم لقالوا ... يا ليت متنا يوم ولدنا ولا أمرنا ولا نهينا ... ولا أكلنا ولا شربنا وهكذا الدَّهر في بنيه ... كم جار ظلمًا بهم وأخنى فكلُّ من مسَّه بلاءٌ ... قد كان ذا قبل أن خلقنا فاصبر على الحكم في الرَّزايا ... وأحسن بربِّ السَّماء ظنَّا

وتب إليه تجد كريمًا ... يجزي على السَّيِّئات حسنا ما دام ما كنت أمس فيه ... أيضًا وهذا يزول عنَّا وأنشدني لنفسه في سعد الدين /266 ب/ ابن عبد العزيز الدمشقي- طبيب الملك الأشرف موسى- وكان قد حجّ: [من مخلّع البسيط] حجَّ سعيد الطَّبيب عامًا ... وهو من الإثم غير ناجي ما حجَّ إلَّا يتوب ممَّا ... قد قتل النَّاس بالعلاج لا يقبل الله منه حجًّا ... لأنها حجَّة المداجي وأنشدني لنفسه في يعقوب غلام سراج الدين الكندي، وقد رحل إلى بغداد وامتدح أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله- رضي الله عنه-: [من المنسرح] قالوا النَّجيب الكنديُّ صار له ... شعرٌ لمدح الإمام مولانا وقد حباه منه بجائزةٍ ... على هذا يا ليت لا كانا فقلت لا تعجبوا فسيِّدنًا ... يجزي على السَّيِّئات إحسانا وأنشدني لنفسه في أصحاب الديوان بإربل: [من الخفيف] قد قسمنا الدِّيوان خمسة أقسامٍ عليها لكلِّ قولٍ دليل ربَّ حقٍّ ولا يطاع ومنسوب إلى الظُّلم قوله مقبول ثم شخصٌ كأنَّه الحرف في النَّحو فلا فاعلٌ ولا مفعول /267 أ/ ومصرٌّ على التَّجنُّف والظُّلم ... بعيدٌ عن الصواب جهول وأخو حاجةٍ يمشي أحوالًا ... لديه إن جاءه البرطيل أتراهم لم يعلموا أنَّ كلًا ... منهم عن فعاله مسؤول وأنشدني لنفسه يحرض الوزير أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن أبي حرب ابن الوالي الموصلي، وهو يومئذ يتقلّد وزارة الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل- رضي الله عنه- حين عمل الحساب وحبس جماعة من الديوان: [من مجزوء الرجز] جماعة الدِّيوان في ليلةٍ سخطٍ مظلمه وقد غدت أيدي الوزير منهم منتقمه

لا رحم الله الَّذي ... يرحم قومًا ظلمه وأنشدني أيضًا من شعره فيهم: [من المتقارب] جماعة ديواننا أصبحوا ... وهم في العذاب لسوء الحساب فإن كان يرجو الوزير الثَّواب ... فقتلهم من جزيل الثَّواب وأنشدني أيضًا لنفسه: /267 ب/ لما حبس يعقوب بن إسماعيل النصراني البابوري مشرف ديوان إربل، وتولّى المختص أبو الحسن بن القابض النصران مكانه عارض الجيش: [من الطويل] فرحنا بيعقوب اللَّعين وحبسه ... وقلنا أتانا ما يطيب به القلب فلمَّا ولي المختص فالكل واحد ... إذا ما مضى كلب أتى بعده كلب وقال في البابوري أيضًا يهجوه: [من السريع] قد خسرت دولة من يرتجي ... عندك يا يعقوب إصلاحها وكم أجيجت إربلٌ مرَّةً ... وغير تدبيرك ما اجتاحها وإن أقل أحسنت مستهزئًا ... يا صدر بابوري وفلَّاحها وقال أيضًا فيه: [من المتقارب] عجبت ليعقوب في قوله ... بأنَّ الكفاية فحوى حسابه وردَّ العمارة في إربلٍ ... وتلك العمارة أقصى خرابه وقد رفع المال لكن إليه ... وشال الجباب بلى في جبابه وقال أيضًا فيه: [من الكامل] /268 أ/ يا أيُّها الملك المعظَّم إنَّها ... لمشورةٌ ونصيحةٌ لا تهمل يعقوب قد نهب البلاد وضعضع الأجناد واستغنى غناءً يذهل فاعجل عليه بقبضه فلرُّبما ... هو لا خلاف بقبض مالك أعجل وقال أيضًا وكتبها إلى الأمير ركن الدين- أدام الله أيامه-[من الطويل] فديتك إدلالي عليك تقرُّب ... إليك وهذا الفضل أنت به أحرى جعلتك دون النَّاس ذخري وعدَّتي ... فلم أبق للحظِّ احتجاجًا ولا عذرا وإن سرت عنَّا قبل إنفاذ كسوتي ... فلا شكَّ يا نجل الأكارم أن اعرى

وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الطويل] يقولون لي لمَّا رأوا ربَّ بغلة ... ترى من نراه بعد نحسٍ قد استوى فقلت لهم لم تعرفوه فإنَّه ... ..... بيَّاع المكانس والنَّوى وأنشدني قوله في أبي علي بن صالح وقد لبس خلعة وقلّد أشراف الديوان بإربل: [من المتقارب] رأيت ابن صالح من جهله ... يتيه اختيالًا بلبس البرود فقلت له لو بإستبرق ... تقمَّصت ما أنت إلَّا يهودي /268 ب/ وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الوافر] لقد أهدى الوزير لنا طعامًا ... بليل حين رمنا أن نناما فجاء وقد أكلنا والتقينا ... على شبع وقد كنَّا صياما وأعطينا الغلام دريهماتٍ ... على كرهٍ ليحسبنا كراما ففرَّقنا الطَّعام بغير معنًى ... وضيَّعنا الدَّراهم والطَّعاما وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] نبِّه الظَّبي من كناس النُّعاس ... إنَّ داعي الصَّبوح قدحة غاسي أوما تنظر الثُّريا وقد ولَّت إلى الغرب رخوة الأمراس ولقوس السَّماء عن بندق الشُّهب مرامٌ والبدر كالبرجاس وعمود الصَّباح قد خلقوه ... حين زاد الضِّياء كالمقباس وعلى الشَّرق أسودٌ باسمٌ يرفع منه سترًا من الدِّيماس وكأن الغرَّار قد حمل المشعل ... يدعو بيقظة الحرَّاس فاصطحبها حمراء تظهر في الكاسات ضوء المشكاة بالنِّبراس بنت خدر تسبي فتحمرُّ حتَّى ... تغتدي من حبابها في لباس ثمَّ تصفرُّ حين يفتضُّها الماء كذا البكر ساعة الافتراس /269 أ/ ما جلتها السُّقاة إلَّا غدا ... الشَّرب لنهب الأفراح في الأعراس

أولدوها السُّرور في ساعة العرس ... فأبدت نقا كئيبًا في النفاس وتجلَّت فخلِّقت بخلوق ... النُّور منها أنامل الجلَّاس قال لي صاحبي هي الشَّمس إذ تكسف شهبًا بكلِّ عقدة راس ودليلي بأنَّها الشَّمسي إظهار سناها الواري بوجه الحاسي قام يسعى بها أغنُّ غضيض الطَّرف حلو الكلام مرُّ المراس بلحاظٍ لسيف ذي يزنٍ سفكًا وشعر كأنَّه ذو نواس عجبًا إذ غدا يطوف بشمسٍ ... كيف لم يثن عطفه عن شماس حكم الحبُّ فيه أنِّي أقاسي ... منه قلبًا عليَّ كالصَّخر قاسي قطفت مقلتي شقيقة خدَّيه ... فأمست محمرَّةً بالقياس قلت أين الدَّواء؟ قال: عذاري ... لك آسٍ فيه برود الآس وأنشدني لنفسه يمدح الخليفة المستنصر بالله- خلّد الله ملكه- وهذه القصّة أكثرها موجّه يشتمل على ذكر عشرة علوم: [من المنسرح] /269 ب/ سلي فما في السُّؤال من باس ... عن عزم صبري في الحبِّ أو ياسي خلقت جلدًا على الغرام وكم ... قاسيت من كان قلبه قاسي ما زال لي والهوى ممارسةٌ ... منها تعلَّمت شدَّ أمراسي قالوا: جفاك الحبيب، قلت لهم: ... ما في جفاء الحبيب من باس يحتاج من يعشق الملاح إلى ... صبر جميل وطول أنفاس بمهجتي ذلك الدَّلال إذا ... مال بقدٍّ كالغصن ميَّاس والعارض المستدير في دقَّة الأقلام شكلًا وخصره الآسي وتحسب الخال فو وجنته ... نقطة ندٍّ من فوق قرطاس أو حبشيٍّا يعوم في لججٍ ... وليس يبدو منه سوى الرَّاس وربَّ ليل خالسته فكأنَّ البدر فيه من بعض جلَّاسي يدير مشمولةً لها شفقٌ ... في الكأس يغني عن ضوء مقباس يحدِّث النَّاس عن أبي لهب ... وما لناسي الحديث من باس فهي لنا شيخة الزَّمان بدت ... في حبب كالمشيب في الرَّاس تخبر عن نافعٍ وإن قرأت ... لابن كثيرٍ روت لعبَّاس

فكم عليها البسيط قد سمع القوم فقاموا بنفض ..... /270 أ/ وطالبوا الدَّور والتَّسلسل في ... مسألة البيع خوف إمكاس .. الصَّفا في منى الطَّواف بها ... حتَّى تحلَّ الإحرام للحاسي فكم نحرنا زقًّا وقد نفر النَّوم برمي الجمار في الطَّاس وإن نحا نحوها النَّديم رأى ... للهمِّ رفعًا بضمَّة الكاس فصرفها كم صرفت من جملٍ ... وعلَّة الصَّرف جمع وسواس مديد أفراحها ووافرها ... وزنت فيه عروض إفلاسي ينظم منها الحباب نظم أبي الطِّيب كافور يوم أعراس جبرت في جذورها الكسور وقد ... ضربت أسداسها بأخماس وكان منها مثلَّثًا يستوي الأضلاع منه من بعد أنكاس ساعاتها يستعير منها أبو الرَّيحان فضل الذَّكاء في النَّاس فهي بلا شكَّ شمس كأسٍ ... لا تكسف إلَّا بعقدة الرَّاس شفت بقانونها القلوب وكم ... أبدت بمغنى الشِّفاء من آسي بياض إبريقها وحمرتها ... ولَّدت منه اجتماع إيناسي بربع بغداد بع أفضل خلق الله طرّأ من آل عبَّاس وصاحب العصر والزَّمان أبي ... جعفر ربِّ النَّوال والباس /270 ب/ والفتح والنَّصر والشَّفاعة يوم العرض حقًّا والمحتد الرَّاسي مستنصرٍ أصبحت خلافته ... تحيي البرايا من بعد إرماس قام به الدِّين حين قام وطرف الشِّرك من خوف بأسه خاسي هدايةٌ ضوء نور كوكبها الدُّرِّيِّ مشكاته بنبراس كسا الوى جوده وأطعمهم ... فخاطبوه بالطَّاعم الكاسي فصفو إنعامه بلا كدرٍ ... وهو رجاء المنى بلا ياس وبذله مسرفٌ بلا عددٍ ... وعدله قائمٌ بقسطاس سيرته تبهر العقول فكم ... أتعب فيها قياس قيَّاس قد نسخت سيرة الألى ويرى ... نسخها ألف ألف كرَّاس وطهَّر الله عرض مادحه ... وقوله من عروض أدناس

وضدُّه من سطا مهابته ... في قعر بؤسٍ وضنك إبلاس وملَّة الحِّق عند ناموسها الأعظم محروسةٌ بحرَّاس لولا الأماني فجود راحلته ... ما عرِّيت عن سواه أفراسي واليوم عامي عام أيماث به ... من بعد ما كان عام عمواس وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] /271 أ/ وكم من قائل هل من كريمٍ ... أراه فحسرتي ألقى كريما فقلت له: كريمٌ ما تراه ... ولكن كيف درت ترى لئيما وحدّثني أيضًا، قال: كنت جلدت جزءً أودعته مدائح أمير المؤمنين المستنصر بالله- خلّد الله ملكه- وكان في يدي جزء من الربعة الشريفة أقرأه، فأردت أن أحمل جزء المديح يوم الهناء فحملت جزء الربعة، ثمَّ بعد ذلك علمت أنني قد سهيت فكتبت إلى المولى الوزيرر نصير الدين- عزّ نصره- أعتذر: [من الطويل] عجبت وقد أودعت جزءً مدائح الإمام أهنِّيه بعيدٍ به أتَّصل فحاولت حمل الجزء يوم هنائه ... فسابقني القرآن عن مدحه بدل ولم يك سهوًا إذ تبدَّل مدحه ... بجزءٍ من القرآن كي يحدث الخجل وقد كان بالقرآن أولى مدائحًا ... لأنَّ كتاب الله في حقِّه نزل وقال في المعنى: [من البسيط] قال من النَّصر قد وافيت أشرحه ... والفأل فيه لنصر الله برهان /271 ب/ قد كنت أقرأ في جزئين ضمِّن ذا مدح الإمام وجزءٍ فيه قرآن فجئت أحمل جزء المدح أعرضه ... يوم الهناء ولي في عرضه شان فما أراد كتاب الله يسبقه ... شعرٌ إلى مدح مولانا وأوزان

فسابق الذِّكر في حملي فخيِّيل لي ... أنِّي سهوت وذاك السَّهو تبيان وجئت بالمدح لمَّا أن تقدَّمه ... القرآن وهو نجح المدح معوان والفأل في ذاك قول الله أنزله ... مباركًا وهو للتَّأييد عنوان وأنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الرمل] صدحت ورق التَّهاني ... بين بانات الأماني وتبدَّى الرَّوض في ثوب شقيق أرجواني وأدار العيش صهباء أوانٍ في أواني [فانتشى الوقت ونادى ... عند تغريد المثاني] بمديح القائم المستنصر العالي المكان أيُّها العشَّاق قوموا ... واسمعوا صوت الأغاني فاح نشرٌ من شذاه ... مشبهًا روح الجنان وأتى شوَّال في أطيب وقت وأوان لابس الورد رداءً ... كالرِّداء الخسرواني /272 أ/ وله الرَّوض قصيدٌ ... قد حوى كلَّ المعاني لإمامٍ كم حبا بالجود من قاص وداني نائب الله أبي جعفرٍ السَّامي المباني خير من دانت له أيَّامه والثَّقلان خير من ضاءت بأنوار هداه القمران خير من سار بعدلٍ ... سار فيه العمران بشَّر الله به العالم في بدء القران يا إمامًا ما له ... في الجود والمعروف ثاني والبرايا في اعتزازٍ ... والعطايا في هوان وعلى الدُّنيا جلالٌ ... من عطاياه الحسان أمره فرضٌ على النَّاس بإيضاح البيان

بأبه الكعبة للعافين والرُّكن اليماني لأمير المؤمنين المدح في السَّبع المثاني لأمير الجود في كلِّ مكانٍ وزمان كم عفا عن ذنب جانٍ ... بندى حلو المجاني /272 ب/ أبدًا لا زال مسرورًا بإقبال الزَّمان يتملَّى ألف عامٍ ... ثمَّ ألفًا باقتران ما دعا لله داعٍ ... في صلاةٍ وأذان وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] أليس عجيبًا أنَّ بغداد قد حوت ... خلائق لا تحصى ولم تحنو منعما ولولا أمير المؤمنين وجوده ... لما جاءها خلق عليها مسلِّما وأنشدني أيضًا من شعره في الشيب: [من الكامل] زمن الصِّبا ما كنت إلَّا زائرًا ... كانت زيارته كلمحة بارق غمَّضت جفني في التَّصابي ساعةً ... وفعته فرأيت شيب مفارقي فكأنَّ شيبي لم يزل وكأنَّما ... كان الشَّباب خيال طيفٍ طارق كان الشَّباب دخان عشق شبابه ... سرر المشيب لحزن عشق العاشق قد كنت زوَّجت الصِّبا أمُّ المنى ... فعدت ..... ..... طالق وخشيت من وقع المشيب فعندما ... وافى خشيت ..... بلون مفارقتي لو كان ينفعني البكاء على الصِّبا ... لبكيت من شوق له بشقائق هيهات تستدني قطاف شبيبةٍ ... بعد الذُّبول وحصد عمرٍ خافق /273 أ/ قد كان لهوي للشَّباب موافقًا ... واليوم عند الشَّيب غير موافق ما أقبح الشَّيخ الكبير إذا اغتدى ... يصبو بأهيف أو بخودٍ عاتق وإذا انقضت ستون عامًا للفتى ... قالت منيَّته أرراك معانقي وأنشدني لنفسه، وحدثني- من لفظه- قال: اجتمع عندي جماعة من الفضلاء ذكر أحدهم، أنه لما نزل شرف الدين معد بنهر عيسى نظم فيه الشعراء يهنئونه، فلم يستحسن سوى قول شاعر، كان طبقة بغداد في الشعراء، إذ قال من جملة قصيدة

موسومة بنهر عيسى: [من مجزوء الكامل] يا نهر رد من بحره ... إن كنت تحذر أن تخيسا قال: فنظمت هذه الأبيات ارتجالًا حين قدم الأمير ركن الدين أبو شجاع أحمد بن قرطايا- أدام الله علوّه- وقد قدم من اقطاعه التي ببلاد واسط يهنئه بقدومه ويمدحه: [من مجزوء الكامل] أهلًا بمقدم من غدا ... يحي بمقدمه النُّفوسا /273 ب/ يا نهر عيسى قد أتى ... ملك آيات موسى كم قد تلقَّف سيفه ... في يوم بغراس الرُّؤوسا يا نهر قد جاورت بحرًا يقذف الدُّرَّ النَّفسيا ذا بحره أبدًا يدوم وأنت قد تمسي تمسيا وكذا شريعة أحمد ... نسخت قديمًا شرع عيسى قدم الأمير فقد غدًا ... ربعي بمقدمه أنيسا ولبست بالأفراح عند لقاء خدمته لبوسا ورأيت للإقبال ..... ... طلعته شموسا وأنشدني أيضًا لنفسه في سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من المتقارب] ترى أنت يا مهجتي مستفيقه ... من الحبِّ أم أنت فيه عريقه عجبت لقلبي أسير الغرام ولي عبرةٌ من جفوني طليقه وبي رشا جلًّ في حسنه ... بما حازه من معانٍ دقيقه تجمَّع في وجهه ستَّةٌ ... غدت كالحديقة عند الحقيقه ففي ثغره الطَّلع والأقحوان وفي خدِّه وردةٌ في شقيقه /274 أ/ وفي لحظه نرجسٌ والعذار كزرع البنفسج حول الحديقه وفي الرَّوض يحسن شرب المدام وفي ثغره من مدامٍ رحيقه وفي نون حاجبه مشقةٌ ... بها ابن هلال أجاد الطَّريقه وقد أوسع البخل من وعده ... ولم لا يكون وفي العين ضيقه

فيا حكم الحسن لم قد كتبت بخطِّ العذار علينا وثيقه وليس لإقرارنا حجَّةٌ ... ولا قدرة الصّبِّ منا مطيقه وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] أماط لثامًا والدُّجى مثل شعره ... طويلٌ فأبدى ثغره مثل فجره وماس فخلنا البدر فوق أراكة ... على دعص رملٍ قدَّ من ضعف خصره وضمَّ له جيبًا فحاولت فتحه ... بنصب احتيال يستعان لجرِّه لأقطف رمَّان النُّهود ففتَّ من ... دموعي حبًّا أحمرًا فوق حجره وعانقت ..... ..... ... كسلك جمان دائر حول نحره يغيب فأقفوا إثره فيدلُّني ... على الأرض رسمٌ من مساحب شعره رأيت حبيبًا من ثناياه ناظمًا ... زهيرًا كأنَّ الحسن شاعر ثغره ومن عجب يهدي بضوء جبينه ... وذاك الهدى يبدي لنا كفر هجره /274 ب/ ترى لون ذاك الخال من فوق خِّده ... غدا أسودًا لمَّا اصطلى حرَّ جمره أم الخال قد أضحى بلالًا مؤذِّنًا ... لطلعة شمس ظنَّنها وقت ظهره وما عجبي إلَّا لفرعون لحظه ... ويعجز موسى الخال عن دفع سحره ومن جفنه ما سلَّ سيفًا لفتنةٍ ... من اللَّحظ إلَّا رام قتلًا بأسره وأحسب ذاك السَّيف في كفِّ أحمدٍ ... بنغراس أعطاه مقاليد نصره أعاد وجوه الكفر سودًا ببيضه ... وغادر شهب الخيل حمرًا بنصره فتًى كملت أوصافه فسما به ... فخارٌ يسامي كلَّ فخر بفخره وأصبح ركن الدِّين ركني وقد غدا ... به ..... ..... بأزره [148] أسعد بن أبي نعيمٍ الوراوي الأذربيجانيُّ. كان من الشعراء المقدمين في صنعة الشعر الفارسي وحيدًا في فنّه، مشارًا إليه؛ وديوان شعره كبير. وكان- مع ذلك- فقيهًا شافعي المذهب له يد في علم الأصول

والخلاف تام المعرفة بفنّ النحو واللغة والأدب. رأيت له قصيدة فارسية /275 أ/ وفيها هذه الأبيات بالعربية: [من الوافر] بدا للشهب في الآفاق مسلك ... فماست تحت جلبابٍ ممسَّك ومنها يقول في آخرها: كمشرع جودك الصَّافي تصدَّى ... بذيل جلالك الضَّافي تمسَّك بلابل طبعه حنَّت إذا ما ... سلاسل شوقه لقياك حرَّك

ذكر من اسمه إسماعيل

ذكر من اسمه إسماعيل [149] إسماعيل بن عبد الله الحداد الحلبي وكان رجلًا سائحًا في البلاد صاحب مجاهدات ورياضات على قدم التقوى والطاعة والتجرد ومعاشرة ذوي الأحوال والمعارف، وله شعر عجيب الفن، يسلك فيه مسلك أصحاب الطريقة والحقيقة من غير أن كان يعرف الخط، وتوفي بدمشق. أنشدني الأستاذ أبو محمد أحمد بن أيوب بن مسعود بن عبد الله الخيَّاط البعلبكي ثم الدمشقي، قال: أنشدنا الموفق إسماعيل بن عبد الله الحداد /275 ب/ الحلبي لنفسه: [من الخفيف] حبُّكم مذهبي ونص اعتقادي ... ولكم أبتغي وأنتم مرادي وإليكم وجَّهت وجهي وما زال بذكراكم يسرُّ فؤادي أنتم منيتي وراحة قلبي ... وعليكم في النَّائبات اعتمادي قد ملكتم رقِّي فرقُّوا لصبٍّ ... لم يخن عهدكم وحفظ الوداد ولزمت التَّشديد فيكم لأنِّي ... لم أجد قطُّ رخصةً للأعادي ابعثوا طيفكم بجسِّ ضميري ... مذ تولَّى الكرى وحلَّ سهادي فوحقِّ الَّذي تجلَّى لموسى ... ملكٌ أرتجيه يوم المعاد لا ..... عنكم طول عمري ... أفأبغي الضَّلال بعد الرَّشاد أنا عبدٌ لكم على كلِّ حال ... واصلوني فقد ملكتم قيادي إنَّما العمر والحياة غرورٌ ... فاز من يتَّقي إله العباد إسمعوها وقد حوت كلَّ معنًى ... وهي نظم الموفَّق الحدَّاد [150] إسماعيل بن عليِّ بن سعدان المقرئ الواسطيُّ. فاضل حافظ للقرآن الكريم، متقن له مجيد /276 أ/ لادائه، قد قأ بالقراءات

الكثيرة، وسمع الحديث واشتغل بالأدب نحوًا ولغةً، وقد نظم مثلث قطرب في قصيدةٍ مزدوجة مدح بها المستنصر بالله أولها: [من الرجز] يا قاتلي بالصَّدِّ والهجران ... وملهب الأحشاء بالنِّيران ومسلمي ظلمًا إلى الأحزان ... مهلًا ترفَّق بالأسير العاني * * * فدمعه فوق الخدود غمر ... وصدره ما حلَّ فيه غمر وقد ضني ممَّا يلوم الغمر ... فهو سقيم القلب والجثمان * * * وحيِّ إن مررت بالسَّلام ... ترم العدا إذ ذاك بالسِّلام حين يروا الإيماء بالسلام ... أكرم بها من أحسن البنان ومن مديحها: ناديته والشَّوق قد برَّح بي ... وازداد من عظم التَّجافي عطبى صلني فقال: يا قليل الذَّهب ... ما ها هنا عندي سوى الحرمان * * * فقلت للقلب ارجعن عن هذا ... وامدح أبا جعفر الملاذا من جوز دهرٍ للأنام آذى ... طاعته إرادة الرَّحمان * * * خليفة في كفِّه بحار ... طاميةٌ ليس لها قرار /276 ب/ أمطارها على الورى نضأر ... تعمُّ كلَّ نازحٍ وداني * * * أجلُّ من قدِّم للإمامه ... من كلِّ ملك قد مضى أمامه أيَّامه في الدَّهر كالعلامه ... تسمو على الأوقات والأزمان * * * مؤيَّدٌ منتجب الأعراق ... مكمَّل مستحسن الأخلاق مستنصرٌ مؤتمن الإرهاق ... إذا اعتزى ينمى إلى عدنان * * *

جبهته الغرَّاء تخجل القمر ... وعدله بين الأنام كعمر وبرُّه عمَّ الأنام وغمر ... كالوابل المثعنجر الهتَّان * * * نظيفةٌ في أمره الأقدار ... بحبِّه تمحَّص الأوزار بنسكه مفاخر المختار ... في الحشر عند الواحد المنَّان * * * خليفةٌ ينظر للرعيَّه ... بفكرة صائبة مرضيَّه يحكم بالإنصاف والسَّويَّه ... فهو تقيٌّ كامل الإيمان * * * لا زال في عزٍّ وفي سلطان ... ودولةٍ باسقة الأفنان وقدره يسمو على كيوان مسلَّمًا من غير الزَّمان [151] إسماعيل بن صالحٍ بن أبي ذئبٍ /277 أ/ أبو طاهرٍ القفطيُّ، يعرف بابن البنَّاء. كان شاعرًا فاضلًا، يكتب حسنا ويرتزق من الوراقة ولديه أدب. فارق بلده، وانتقل إلى المحلّة، وصحب بها ابن بهرام وإليها هكذا أخبرني يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد القفطي بمحروسة حلب. وأنشدني من شعره، قال: أنشدني ابن البناء لنفسه: [من الكامل] سيَّرت لي حملًا يساق فخلته ... جملًا لأنَّ الله بارك فيه لا تنحرنَّ فقد نحرت من العدا ... من قد يهاب الموت أن يأتيه وأنشدني، قال: سمعته ينشد لنفسه من قصيدة يرثي بها الشريف قاسم بن مهنّا الحسيني، أمير مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم: [من الكامل]

لمَّا اشترى من رِّبه بثوابه ... جنَّات عدنٍ راح يأخذ ما اشترى [152] إسماعيل بن حمزة بن المبارك بن حمزة بن عثمان بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن، المعروف بان الطَّبال. بغداديٌّ من أهل باب الأزج. كان يكتب مسائل /277 ب/ في الفراشض شعرًا له إلى ابن الصقّال ويجيب عنها بشعر، فجمع ذلك كتابًا. وتوفى يوم الخميس لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وستمائة ببغداد، ودفن من الغد بالجانب الغربي بمقبرة أحمد بن حنبل باب حرب. ذكر ذلك جميعه القطيعي. ثم قال أنشدني لنفسه: [من الوافر] كتبت إليكم بأكفِّ غيري ... وقد آيست من خيرٍ وخير وأولادي على قدم التَّعدِّي ... وينتظرون لي ..... وسيري ولا هنُّوا بما يرثون بعدي ... ولا فرحوا بأموالي وخيري وبالإسناد: [من الرجز] يقلقني الشَّوق فما لي راحةٌ ... إلَّا إذا مرَّ بعيني الوسن تخيِّل الأحلام لي شبيبتي ... واجتماعي بحبيب قد شطن فيوصل النَّوم إليَّ راحةً ... حتَّى إذا استيقظت عاد لي الحزن

[153] إسماعيل بن عليِّ بن محمد بن مواهب، أبو محمّدٍ الحظيريُّ. والحظيرة قرية كبيرة مشهورة /278 أ/ من قرى بغداد ولد ونشأ بها. وقدم بغداد، وقرأ الأدب والعربية على أئمتها المذكورين كأبي عبد الله محمد [بن] عبد الله بن أحمد بن الخشاب النحوي، وأبي الحسن علي بن عبد الرحيم بن العصّار اللغوي البغدادي، وأبي محمد إسماعيل بن موهوب بن محمد بن أحمد بن محمد الخضر الجواليقي البغدادي، وأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري النحوي. كان فاضلًا شاعرًا متميّزًا خطيبًا مترسلًا ذا بلاغة وبراعة، ورعًا زاهدًا تقيًا؛ له تصانيف معروفة متداولة، وجمع خطبًا تدلّ على علمه، وتنبئ عن صحة فهمه. سافر إلى الموصل، وحدّث بخطبه وجمع كتابًا سمّاه "تحرير الجواب وتقرير الصواب". وكانت وفاته بالموصل لعشر مضين من صفر سنة [ثلاث وستمائة]. وكانت ولادته في رجب سنة إحدى وثلاثين و [خمسمائة] بالخطيرة. قال أبو الحسن القطيعي: أنشدني أبو محمد الحظيري لنفسه: [من الطويل] أحبَّتنا من أهل بغداد إنَّني ... إليكم مشوقٌ لست بالشَّوق أوضح ومنَ يكتم الشَّكوى فإنَّ زفيره ... ينمُّ بها والدَّمع للسِّرِّ يفضح /278 ب/ وكيف يلذُّا العيش أو يطعم الكرى ... جفونٌ لمن أحبابه عنه نزَّح

له بعدهم همُّ يذيب فؤاده ... وفكرٌ إذا لجَّ الغَرام المبرِّح عسى الدَّار أن تدنو وبدّل نائيًا ... بقربٍ وإلا فالمنيَّة أروح وله بالإسناد: [من الرمل] مغرمٌ يدعوك شوقًا فأجيبي ... وأثيبي بالهوى أو لا تثيبي كم أنادي معرضًا عن سقمي ... ومعنًى مَن دعا غير مجيب يا أصيحابي ومن حسن الوفا ... أن يجيبوا من دعا عند الخطوب ليت شعري من دعا روض الحمى ... بعدنا أم من ..... القليب وبالإسناد، وكتبها إلى صديق له وقد نزح عن بغداد. وكانت داره برحبة الجامع: [من مجزوء الرمل] عد إلى رحبة بغداد ففيها ما تريد من ظباءٍ سانحات ... كم بها صديت أسود وقدودٍ كغصونٍ ... تتثنَّى وتميد وخدودٍ كرياضٍ ... غرست فيها الورود وغريرٍ فيه من ريم الفلا طرفٌ وجيد /279 أ/ عاطلٍ حال من الحسن ... له ثوبٌ جديد ماطلٍ إن صحَّ يومًا ... وعده ينسى الوعيد أنا في الحزن وحيدٌ ... وهو في الحسن وحيد في هوى ذاك الرَّشا يستحسن الغيُّ الرَّشيد عد إليها عد إليها ... فهو الرَّهن السَّديد ليس بالجنَّة ما ليس بها إلَّا الخلود أنشدني أبو محمد الحسن بن محمد بن الزاهد الشريف العلوي البغدادي، قال: أنشدني أبو محمد إسماعيل بن علي الحظيري لنفسه: [من الوافر] عجبت لوردةٍ كفِّ ظبيٍ ... تنوب بلونها عنِّي وعنه

فباطنها كلون الخدِّ منَّي ... وظاهرها كلون الخدِّ منه وأنشدني أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن الموصلي العمراني المستوفي, قال: أنشدني أبو محمد الحظيري: [من الكامل] غبتم فما لي في التَّصبُّر مطمع ... عظم الجوى وأشتدَّت الأشواق /279 ب/ لا الدَّار بعدكم كانت ولا ذاك البهاء بها ولا الإشراق أشتاقكم وكذا المحبِّ إذا نأى ... عنه أحبَّه قلبه يشتاق قال أبو العباس فأتممتها بقولي: [من الكامل] والصَّبر يسألني العذول قساوةً ... في قلبه والصَّبر ليس يطاق وإذا رأيت الصَّبر يوجد لامرئٍ ... فاعلم بأنَّ الحبَّ فيه نفاق وله في أثناء رسالة في وصف كلام كتبها إلى بعض الرؤساء: [من البسيط] تفترُّ عن ملح الأزهار ضاحكةً ... والطَّلُّ مثل الَّلآلي في نواحيها فالثَّغر مبتسمٌ والطَّلُّ منسجمٌ ... والقطر يضحكها طورًا ويبكيها يومًا بأحسن ممَّا قلت من ملحٍ ... أبدعت في غرزٍ أودعتها فيها وقال أيضًا: [من السريع] لا عالمٌ يبقى ولا جاهلٌ ... ولا نبيهٌ لا ولا خامل على سبيلٍ مهيعٍ لاحبٍ ... يودي أخو اليقظة والعاقل [154] إسماعيل بن عليِّ بن الحسين /280 أ/ أبو عبدالله الشيبانيُّ, الفقيه الحنبليُّ البغداديُّ.

كان مولده ببغداد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وتوفي بها يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول سنة عشرين وستمائة. تلمذ في الفقه لأبي الفتح نصر بن فتيان بن مطر النهرواني المعروف بابن المنِّي, وأبو عبد الله يعرف بابن الرفا, وابن الماشطة. وكان فقيهًا حسابيًا واعظًا مصنّفًا متوحدًا في علم الخلاف والأصول والنظر والجدل. ناظر وأفتى ودرس حتى برع في جميع ذلك, سمع الحديث من جماعة, وصنَّف كتبًا مفيدة منها في الخلاف كتاب سمّاه "جنَّة الناظر وجنَّة المنظر", وكتاب في الجدل سمّاه "نور المصباح في بيان الاصطلاح", وكتاب "صحيح المنقول وصريح المعقول", وكتاب"الأربعين مسئلة في الخلاف", وكتاب"الموجز في الفرائض", وكتاب"الإيجاز في تفسير الإعجاز" وهو تفسير القرآن العزيز, وإلى غير ذلك. أنشدني ولده أبو طالب عبد الله بمدينة إربل في شهر شوال سنة خمس وعشرين وستمائة, قال: أنشدني والدي لنفسه: [من المتقارب] /280 ب/ أجرني إلهي فدائي عضال ... وقد طال سقمي وطال المطال وحار الأساة ولو أدركوا ... دواءً لداء بجسمي لقالوا وملَّ زيارتي العائدون ... وأهل المودَّة حالوا ومالوا وأنت الذَّخيرة للحادثات ... إذا أعرضوا جملةً واستقالوا فجد لي بما أنت أهلٌ له ... فلم يبق منَّي إلاَّ الخيال وإلاَّ تذرني لقًى للهوان ... فراجيك ياسيِّدي لا يذال وإن كنت أسأل طبًا سواك ... فتعليل قلب به واشتغال فأنت الطَّبيب وأنت الحبيب ... وأنت المجيب وأنت المال فشكرًا وإن حملت أضلعي ... سقامًا تدكدك منه الجبال

وأنشدني, قال: أنشدني لنفسه في السنة التي توفي فيها: [من الطويل] دليلٌ علي حرص ابن آدم أنَّه ... ترى كفُّه مضمومةً وقت وضعه ويبسطها عند الممات إشارةً ... إلى صفرها ممَّا حوى بعد جمعه وأنشدني أيضًا, قال: أنشدني والدي لنفسه: [من البسيط] عددت ستَّين عامًا لو أكون على ... تيقُّنٍ أنُّها الثلثان من عمري /281 أ/ لساءني أنَّ باقي العمر أيسره ... وآخر الكأس لايخلو من الكدر [155] إسماعيل بن يحيى بن أحمد بن مكابر بن الحسين بن محمد بن عبد العزيز, أبو محمد النيلىُّ العنزيُّ النفّريَّ. من قرية نفَّر زعم أن أصًله منها. كان شاعرًا فاضلًا, راوية للأشعار حافظًا جملة كثيرة منها, عارفًا بالتورايخ وأنساب العرب وأيامها. وتوفي سنة تسع وستمائة. أنشدني الوزير الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي- أدام الله توفيقه- قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من الطويل] ألا من لنفس ما يكلُّ نزوعها ... وعبرة عين مايكلُّ هموعها وقلبٍ أذابته الكآبة كلَّما ... بدا من بروق الجامعين لموعها أهضب الحمى هل من سبيل إلى الحمى ... وهل دارنا بالنِّيل تدنو شموعها وهل لليالينا بشرقيِّ بابلٍ ... رجوعٌ ومن لي أن يحين رجوعها إذا ما تذكًّرت العراق وأهله ... رقا الدَّمع من عيني وفاض نجيعها /281 ب/ ومنها يقول: أأحبابنا إن شطَّت الدَّار أو غدا ... وصول الإخا بالبعد وهو قطوعها

فلي مقلةٌ بحَّ البكاء سوادها ... ولي كبدٌ قد أوهنتها صدوعها وبي نار شوقٍ لو تحمَّل بعضها ... هضابٌ من الصمَّان زلَّت فروعها إذا ظمئت روحي إلى ماء وصلكم ... ففي ماء حزني والسَّقام شروعها ومن مديحها: تدارك أقطار البلاد بعدله ... وقد درست بالجور منها ربوعها أقام بها شوقًا من البأس والنَّدى ... فأثرى ثراها ..... فرعها وأنشدني: قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] فوا أسفًا أشباحكم نصب ناظري ... وروحي مع الأنفاس تطلب لقياكم ويشتاقكم قلبي المعنَّى ورُّبما ... شكى ألمًا من بعدكم وهو مأواكم [156] إسماعيل بن محمود بن مخشي بن موسى بن يونس بن آدم بن طون, أبو محمدٍ البلغاريُّ. فقيهًا حنفيًا عالمًا فاضلًا. سمع الحديث من أبي محمد عبد الغني /282 أ/ ابن الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد العطار الهمذاني. وقرأ على أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري. سمع منه الصاحب شرف الدين أبو البركات المبارك ابن أحمد المستوفي, وأبو الفتح محمد ولد شيخنا أبي الخير بدل التبريزي بإربل. طالعت من تأليفه فصلًا أنشأه في فضيلة أهل البيت- صلوات الله عليهم- ثم أتبعه بأبيات من قيله, يشير فيها إلى بعض السادة العلويين يمدحه بها, ويذكر مكارمه ونبله ومآثره وفضله: [من الوافر] بعزَّ الدَّين للدهر افتخار ... ومن إنعامه أنزاح البوار

وفي أيَّامه يغشي النَّوال ... لأهل الرَّيَّ وأخضرَّ القفار وعلَّى للمعالي والأماني ... بيوتًا ما يساميها الفخار وأحيا من رسومٍ كان ماتت ... لأهل العلم في تلك انتصار أيحصي فضله الإنسان عدّا ... وهل تحصي الرِّمال أو القطار فدهري قد رماني بالرَّزايا ... وعزُّ الدِّين كهفي والجوار يحوز القاصدون البحر درًّا ... وقصدي من أياديه بحار [157] إسماعيل بن إبراهيم بن صدقة /282 ب/ الموصليُّ, المعروف بابن ظبية الخبّاز. وظبية هي أمُّه لا يعرف إلاَّ بها. قيل إنَّه كان خبازًا في ابتدائه, فصرف همته إلى الشعر والأدب, وله أشعار مستجادة في المديح والغزل. ثم صار متصرفًا للأمراء في أشغالهم. ومات سنة ستّ وستمائة. أنشدني الحاجي أبو العّز يوسف بن محمود بن سلطان الموصلي, قال: أنشدنا إسماعيل بن ظبية: [من المديد] ظاعنٌ والقلب في أثره ... يقصص الأقطار في سفره رشاٌ للبدر سنَّته ... وشعار اللَّيل من شعره مستطيلٌ في ملاحته ... متناهي البند في قصره عجب الرَّاؤون من نمشٍ ... بان في خدَّيه أو أثره وهو نار الصَّبِّ سعَّرها ... بتجنِّيه على سكره قابلت ماءً بوجنته ... فانطفا ما طار من شرره

وقال أيضًا في غلام في خدّه قوبة: [من الكامل] /283 أ/ يا ليت قوبته الَّتي عبثت به ... وعلت سوادًا فوق حمرة ورده جعلت سوادًا فوق أسود ناظري ... قدر السَّواد على صحيفة خدِّه أنشدني أبو سليمان داود بن محمود الإربلي، قال: أنشدني ابن ظبية لنفسه: [من الكامل] تمنَّى فما كلُّ السَّرى إعناق ... راح الهوى وتخلَّص العشَّاق أسروا وسلطان الغرام مطاوعٌ ... لك والقلوب إلى رضاك تساق وحسام جندك في القلوب محكَّمٌ ... ولمقلتيك الأمر والإطلاق وبوجنتيك من الملاحة روضةٌ ... ماء الحياة بضميها رقراق تستعبد الأحرار وهي دقيقةٌ ... وتفلُّ بيض الهند وهي رقاق ما لان إذ لسواك يجتلب الأسى ... ولغير حسنك ..... الأشواق جهلًا يذكِّرني بأيَّام الصَّبا ... والعيش غضٌّ للزَّمان نطاق ألَّا عدلت وإنَّ ملكك مثل ما ... عدل المليك الواهب الغيداق لمجاهد الدِّين المليك مآثرٌ ... حليت بها الآفاق والأعناق فلهنَّ في تلك البلاد مراقبٌ ... ولهن في أعناقا أطواق يثنى ثناه معطَّرًا بفعاله ... فبكلِّ ناحية له استنشاق /283 ب/ نفق المديح عليه بعد كساده ... ثمَّ اقتناه فقامت الأسواق يهب العتيق على العتيق وينثني ... وله عتاقٌ كلُّهنَّ عتاق مولاي دعوة مخلص في حبَّه ... لا مدَّع فيها ولا مذَّاق ما كان ترصيف القريض شعاره ... وله الوجيز وغيره أخلاق بل أنت مغناطيس كلِّ فضيلةٍ ... فالنَّظم يعذب والقريض براق فلذاك أصبحت المدائح دأبه ... لا مجتد فيها ولا سرَّاق فاسلم جديد الجدِّ في درج العلا ... راقٍ إلى غاياتها سبَّاق

[158] إسماعيل بن سودكين بن عبد الله، أبو الطاهر المصريُّ. كانت ولادته بمصر سنة ثمان أو تسع وسبعين وخمسمائة. وكان والده أكبر أمير في دولة الملك العادل نور الدين أبي القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر- رضي الله عنه- وحدثني، قال: كان والدي: رجلاً أرمنيًا صار إلى الملك العادل وتعلق بخدمته وأمره، وتقدّم ..... عنده فنسب إليه فطعن جماعة /284 أ/ من الناس، أنه أشتراه من ماله، وأنه من عتقائه، وليس بصحيح؛ وما دخل والدي قطّ تحت رق أبدًا. وأبو طاهر ترك ما كان عليه في الجندية، وخالط الفقراء والصالحين وصحب ذوي الأحوال، وسمع الحديث بعدة مدن منها على الشيخ أبي الفضل محمد بن يوسف بن علي وغيره وبدمشق. وله أشعار على طريقة أولي المعارف والسلف. هاجر إلى مدينة حلب واستوطنها؛ وله أشعار غزيرة. أنشدني لنفسه: [من الخفيف] إن تبدَّلت بي فلا [أ] تبدَّل ... يا ملولًا وحبُّه ليس يملل ويح قلبي ادَّعى الجلادة عنهم ... وإذا لاح بارقٌ يتملل ونسيم من الأحبَّة هبَّت ... حبَّذا ريحهم وما تتحمَّل نفحةٌ رنَّحت شمائل صحبي ... أشمولٌ هزَّتهم أم شمال غازلتنا بذكرهم ففهمنا ... عن نسيم الأحباب ما يتغزَّل وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المتقارب] إذا ذكر الجود جود الملوك ... فحيَّ على كرم الأشرف فيا ليته مع جودٍ له ... على جوهر النَّفس لم يسرف

/284 ب/ أيا عجبًا أسعف الأبعدين ... والجار ذي القرب لم يسعف وبالجار أوصاه معبوده ... وقد جاءه النَّص في المصحف وأقرب جارٍ له نفسه ... فلم يتقوَّى على الأضعف وقد كان ما كان فيما مضى أما آن فيما بقي أن يفي وقال أيضًا وقد التمس عليه أن يعمل موازنة: يأكلَّ كلِّي كن لي ... إن لم تكن لي فمن لي فقال: [من المجتث] أنتم فروضي ونفلي ... أنتم حديثي وشغلي يا قبلتي في صلاتي ... إذا وقفت أصلِّي جمالكم نصب عيني ... إليه وجَّهت عقلي وأنسكم في فؤادي ... والقلب طورًا ..... آنست بالحيِّ نارًا ... ليلًا فبشَّرت أهلي قلت امكثوا فلعلِّي ... ألقى هداي لعلَّي دنوت منها فكانت ... نار المكلِّم قبلي /285 أ/ نوديت منها ..... ... ..... عدّ اليالي بوصلي وثب إلينا اشتياقًا ... والشَّوق جهد المقلِّ حتَّى إذا ما تناهى ... الميقات في جمع شملي صارت جبالي ريحًا ... من سطوة المتجلِّى ولاح سرٌّ خفيٌّ ... يدريه في الحبِّ مثلي في الموت كانت حياتي ... وفي حياتي قتلي فكنت موسى زماني ... إذ صار بعضي كلِّي وكان لي قبل قولي: ... يا كل كلِّي كن لي وقال أيضًا وكان مريضًا وقد فدَّاه الطبيب: [من الخفيف] كم شقيق رثى ورام الحملا ... مذ رآني من الجوى أتقلَّى قال: باللُّطف إذ رآني لما بي ... ليت أنِّي لك الفدى قلت: كلاّ

أنا أولى بنار شوقي ووجدي ... ولهيبي بحبِّهم أنا أولى ياشقيقي لا تغترر بالتَّمنِّي ... وتظنَّ الحريق بالنَّار سهلا /285 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الرمل] يا نسيمًا هبَّ مشكورًا لدي ... اهدت الأشواق مسراه إلي وبريقًا لاح من حبِّهم ... حاكيًا ذاك السَّنى من محجري آه شوقي إلى من قد غدا ... بصري يلقاهم في كلِّ شي وإذا لم يجتليهم ناظري ... أيُّ نفع لي إذًا في ناظري قرَّة العين بهم في نقطةٍ ... لست موقوفًا على .... وسماعي طيَّب ألحانهم ..... ... ..... الأحباب تتلوها علي لو خلا سمعي عنها نفسًا ... لاعتراني صممٌ في مسمعي ما تشفَّعت بنايٍ مطرب ... ليعود الوجد بعد الموت حي بل وجودي مطلقٌ لي أفقي ... قد طوي النَّعمة والألحان طي قدم العهد بجيران النَّقا ... وهو اسمٌ مستجدُّ يا أخي كلَّ يوم لي شأنٌ في الهوى ... لا خلوت الدَّهر من هذا الهوي ليس عندي مللٌ في حبِّهم ... ذاك بعد الرُّشد للعشَّاق غي وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] وحقِّك مذ فارقت شخصك لم أر بألطف من تلك الشَّمائل ابحرا /286 أ/ لقد ظلم الأوصاف منك مشبِّهٌ ... لها بالنَّسيم البابليَّ إذا سرى وفيك الَّذي لم تشهد العين مثله ... ولم تسمع الآذان عنه مخبِّرا جمالك فيَّاضٌ على كلَّ ناظرٍ ... جمالًا به ذاك المحلُّ تنوَّرا يرى كلُّ طرفٍ منك معنٌى بقدرة ... وحسنك يأبى أن يحاط ويحصرا ففي كل ِّجزءٍ منك يشهد جنَّةً ... ويبصر بدر التَّمِّ فيه مصوَّرا وأنشدني لنفسه: [من المتقارب] خليلي إن جئت كثب اللِّوى ... فعرِّج فديت علي رنده ورد منهلًا طال عهدي به ... وإنِّي لظامٍ إلى ورده

وسلِّم على باخل لم يجد ... بأن يرد الطَّيف من عنده وقل: ذلك الصَّبُّ باق على ... محبَّته ..... وجده مقيمٌ على العهد لا ينثني ... وقلَّ المقيم على عهده لك الله مابال حبِّي إذا ... تلا فيه لجَّج في بعده وإن كنت في كلِّ حالاته ... حليف الوفاء علي ودِّه شكورٌ على وصله إن بدا ... صبورٌ على المرء من صدِّه وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الرمل] /286 ب/ يا بريقًا لاح وهنا ... وحكي خدِّي مزنا وحكي لمَّا تراءى ... لامعًا من ثغر لبنى خبِّر الأحباب عنِّي ... أَّنني ذاك المعنَّى إن فنى فيهم وجودي ... فغرامي ليس يفنى آه لو نال فؤادي ... منهم ما قد تمنَّى ياحبيبًا حلَّ قلبي ... كيف ما شئت تجنَّى فيك قد طال عنائي ... وبك الغير تهنَّى ودنا منك سوائي ... وودادي منه أدنى وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الوافر] غزالٌ قد تعرَّض لي ... فتًى في وصفه غزلي خناجر لحظه حكمت ... على العشَّاق بالأجل ولمَّا انكرت عيناه قتل العاشق الوجل أقام الخدَّ بيِّنةً ... واظهر شاهد الخجل أتى وقميص وجنته ... عليه قدَّ من قبل فحينئذ قضي حكمٌ ... بأنَّ الذَّنب للمقل /287 أ/ أيًالله لم يحم أسيل الخدِّ بالأسل ولم يذك لهيب القلب ... ما يلقى من العذل

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الرمل] لي فؤاد في فناكم عرَّسا ... بسوى حبِّكم ما أنسا هو ضيفٌ ونزيلٌ عندكم ... متَّعوه بقراكم نفسا ذكر الله بخير مجلسًا ... بالحمى قد ضمَّنا والجلسا إنَّ في الحيِّ مريضًا كلَّما ... كاد يشفيه رجاه انتكسا إن خشى من زفرة تفضحه ... ستر الخال وشمَّ النَّرجسا لو تكن أنفسنا ملكًا لنا ... ذلك اليوم بذلنا الأنفسا يا لييلات مضت عهدي بها ... إختلسنا العيش فيها خلسا وفؤادًا يترجَّى عودةً ... بالَّذي منَّ بها لا تأيسا فعسى الدَّهر بها مرتجعًا ... مابقي إلاَّ تعاليل عسى وأنشدني أيضًا من شعره: [من الوافر] إذا أبصرت برقًا يثربيًّا ... يشبُّ لهيب وجدي يا أخيَّا /287 ب/ يذكِّرني عهود أهيل نجد ... ولم أك قبل لامعه نسيَّا أصيحابي لعلَّكم تراعوا ... خليلًا لم يزل لكم وفيَّا إذا وافيتم خللًا بنجد ... هنيئًا جمع شملكم هنيًّا فقولوا رام ذو قلق ووجد ... زيارتكم ولكن ما تهيَّا ولي قلب ترحَّل إذ تغنَّت ... حداتكم وأعملت المطيَّا فيا قلبي الَّذي قد فرَّ منَّي ... إلى الأحباب يطوي البيد طيَّا إذا وافيت بدر بني تميم ... فحِّيي بحيٍّهم ذاك المحيَّا ومن لي إن رأى قلبي حماهم ... وحيَّا عن قتيل الشَّوق حيَّا [159] إسماعيل بن علوي بن علوان، أبو محمد البوازيجيُّ. كان رجلًا صالحًا من أولياء الله تعالى. صحب الشيخ حماد بن محمد بن جساس البوازيجي. نزل إربل وسكنها إلى أن توفي بها يوم الخميس تاسع عشري ربيع الآخر سنة إثنتين وعشرين وستمائة. وكان

منزله مألفًا للفقراء وذوي التّصوّف. أنشدني ولده أبو أحمد محمد /288 أ/ قال: سمعت والدي ينشد لنفسه: [من الوافر] عصيتك يا إلهي واشقائي ... وغيرك ليس يعرفني فني بذاكا وإنِّي أرتجيك العفو عنِّي ... وليس العفو يرجى من سواكا [160] إسماعيل بن الحسين بن محمد بن الحسين بن أحمد بن محمد بن عزيز بن الحسين بن أبي جعفر محمد الأطروش بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن محمد الديباج بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليِّ الحسين بن علي بن أبي طالبٍ، أبو طالب الحسيني المروزيَّ. القاضي, النسَّابة، الفقيه الأديب، المصنّف. قرأ علم الأدب والعربية على أبي الفتح محمد بن سعد بن محمد الديباجي، وأبي الفتح المطرِّزيّ. وأخذ الفقه عن الإمام فخر الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسين الطيّان الماهروي الحنفي, وقاضي القضاة أبي الفتح محمد بن سليمان بن إسحاق الفقيهيّ. وسمع الحديث على إسماعيل بن محمد بن يوسف القاشاني وغيرهم من العلماء والمحدثين. ولي القضاء بمرو، وصنّف تصانيف كثيرة /288 ب/ منها كتاب "حظيرة القدس" نحو ستين مجلّدًا، وكتاب "بستان الشرف" وهو مختصر ذلك، وكتاب "غنية

الطالب في نسب آل أبي طالب"، وكتاب "الموجز فى النسب"، وكتاب "الفخري في النسب" صنفه للإمام فخر الدين أبي الفضل محمد بن عمر الرازي، يكون عشرين مجلّدًا، وكتاب "زبدة الطالبية"، وكتاب "العترة النبوية في أنساب الموسوية"، وكتاب "المثلث فى السير"، وشرح عدّة كتب منها كتاب أبي الغنائم الدمشقي، وكتاب "الطبقات" للفقيه زكريا بن أحمد البزاز النيسابوري، وكتاب "الشافعي" خاصة، وكتاب "وفق الأعداد فى النِّسب" وإلى غير ذلك من المصنفات. وكانت ولادته ليلة الإثنين الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. وكان أعلم الناس .... بالأنساب والنحو واللغة والفقه /289 أ/ والشعر والأصول والنجوم وغير ذلك. وتفرّد في بلده بالتصدر لإقراء العلوم على اختلافها في منزله ينتابه الناس على حسب أغراضهم فمن قارٍ للفقه، ومتعلَّم للنحو، ومصحح للغة، وناظر في النجوم، ومباحث في الأصول؛ وهو مع سعة علمه متواضع لين الجانب لا يرد غريبٌ إلاّ عليه ولا يستفيد مفيد إلاَّ منه، قد طبعه الله من كرم الأخلاق، وطهارة الأعراق، وحسن البشر، وحرمة الطبع، وحياء الوجه، وحبّ الغرباء ما لا يرى متفرقًا مع خلق كثير- فرضي الله عنه وأرضاه- فلقد كان من محاسن الدنيا وعجائبها. ومن شعره قوله: [من السريع] قولوا لمن لبِّي في حبِّه: ... قد صار مغلوبًا ومسلوبا وفي صميم القلب منِّي أري ... هواه والإيمان مكتوبا وصحَّتي في عشقه صيَّرت ... جسمي معلولًا ومعيوبا ومدمعي منهمرًا هاميًا ... منهملًا فى الخدِّ مسكوبا وقال أيضًا: [من البسيط] والعين يحجبها لألأء غرَّته ... عن التَّأمل في ذا المنظر الحسن /289 ب/ بل عبرتي منعت لو نظرتي عبرت ... إليه من مقلتي إلا على السُّفن

لولا تجشُّمه بالإبتسام وما ... أمدَّه الله عند النُّطق باللَّسن لما عرفت عقيقًا شفَّه دررٌ ... ولم يبن فوه نطقًا وهو لم يبن [161] إسماعيل بن إبراهيم بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنود بن أسحم بن النعمان- ويقال له الساطع- ابن عديِّ بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح ين خديجة بن تيم اللات بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة- وقضاعة لقبٌ واسمه عمرو بن مالك بن عمرو بن مرّة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو محمد بن أبي إسحاق، المعريُّ الأصل، الدمشقيُّ المنشأ والدار. كان جده أبو اليسر شاكرًا كاتبًا لنور الدين /290 أ/ أبي القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر. وهو من بيت عريق في القضاء والعلم والأدب والفقه والشعر. وأبو محمد من الفضلاء الفصحاء العلماء الأدباء. حدّثني الأمير أبو حفص بن أبي المعالي، قال: سألت الإمام محمد بمدينة دمشق في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وستمائة أن يحلّ أبيات أبي الحسن بن الرومي وهي: [من الكامل] وحديثها السِّحر الحلال لو أنَّه ... لم يجن قتل المسلم المتحرِّز إن طال لم يملك وإن هي أوجزت ... ودَّ المحدِّث أنَّها لم توجز شرك النُّفوس وقينةٌ ما مثلها ... للمطمئنِّ وعقلة المستوفز فنثرها، وقال: "وحديثها الحديث لا كالحديث عذب كالماء الزلال، وأسكر فأشبه العتيق من الجريال، واستملى من غير ملّ ولا إملال، وشغل عن غرر من واجب الأشغال، وجنى من قتل المسلم المتحرز ما ليس بحلال صادت بشركه النفوس،

ومالت إلى /290 ب/ وجهة الأعناق والرؤوس، فيهن نزهة العيون وعقال العقول، والموجز الذي ودّ المحدّث أن يطول .. ثم أنشد لنفسه: [من الطويل] حديثٌ حديث العهد فتَّح نوره ... فمن نوره قد زاد في السَّمع والبصر يخرُّون للأذقان عند سماعه ... كأنَّ بهم شيعيَّه وهو منتظر يلذُّ به طول الحديث لسامر ... ولا يعتريه من إطالته ضجر به طرفٌ للطرف تجنى وعقلةٌ ... لعاقل ركب مستفزًّا إلى السَّفر هي البدر فاسمع ما تقول فإنَّه ... غريبٌ وحدِّث بالرِّاوية عن قمر [162] إسماعيل بن الحسين بن حامد بن جبارة بن المحسن بن عبد الله، أبو الفداء الموصليُّ، المعروف بابن القائد. وهو والد رشيد ومعتوقٍ، وسيأتي شعرهما في موضعه -إن شاء الله تعالى-. كان رجلًا عاميًا، يقول الأشعار طبعًا من غير قراءة نحو وأدب، وبلغ قريبًا من تسعين سنة، ولم يتغير ذهنه وعقله. أنشدني ولده /291 أ/ رشيد قال: أنشدني والدي لنفسه: [من الكامل] ومزرفن الأصداغ معسول اللَّمى ... جرح الفؤاد بطرفه لمَّا رمى كتب العذار على سوالف خدَّه ... سطرًا فقام به الجمال مترجما ما تمَّ حسن البدر عند تمامه ... حتى أستدار به الظَّلام مخيِّما وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] قامت تودِّعني أميمة والهوى ... قسمان بين مودَّع ومودِّع في برقع برزت إليَّ فمن رأى ... شمس الضُّحى محجوبةً في برقع؟ ! فلثمت رشف رضابها ودموعها ... هطَّالةٌ خوف الفراق وأدمعي وشكوت ما ألقاه من وجدي بها ... يوم النَّوى فتنهَّدت وبكت معي

ثم أفترقنا وهي قائلةٌ لقد ... بلغ الحسود مناه فيما يدَّعي فارقت جيران الرِّضا لا بالرِّضا ... منِّي ونيران الغضا في أضلعي وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من السريع] لم أنساها وهي إلى جانبي ... تعبث في حلِّ سراويلي قلت: وما تبغين يا منتهى ... سؤلي ويا غاية مأمولي قالت وقد زال الحيا بيننا ... ياعمُّ إحليك يحلو لي! /291 ب/ وأنشدني، قال: أنشدني والدي قوله: [من الطويل] ولمَّا رأت ايري كبيرًا تمنَّعت ... كأن بها ضيقًا وسيِّئ أخلاق فأولجت فيها بعضه فتحسَّرت ... فقلت: على ماذا؟ فقالت: على الباقي [163] إسماعيل بن عليٍّ، أبو الفداء البغداديُّ. كان متوليًا الأبنية المعمور في زمان الإمام الناصر لدين الله- رضي الله عنه- وحبس. وكان عنده أدب وفضل. ومن شعره وهو محبوس ما كتبه إلى أهله وأقاربه، ويمدح الناصر لدين الله: [من الطويل] ألا فابلغا الأهل الكرام سلامي ... وقولا لهم وجدي بهم وغرامي وإنِّي لا أنسى زمان وصالهم ... وأذكرهم في يقظتي ومنامي وأعجب شيء أنَّ طيف خيالهم ... يزود دجًى والحارسون أمامي لئن فاتني فصل الرَّبيع بقربهم ... فإنَّ ربيعي علَّتي وسقامي ووردي ورودي مورد الذُّل والضًّنا ... وآسي يأسي والدُّموع مدامي ولو شاهدد الحسَّاد ما قد لقيته ... من الحبس رقُّوا الاستماع كلامي /292 أ/ وما أنا إلاَّ السَّيف لان لصيقلٍ ... وإني في يوم الوغى لمحامي وإن كنت محبوسًا فقد طال ما ثوى ... بحبس رفيع القدر نجل همام فلا تيأسوا من عودتي وتمسَّكوا ... بحبل دعاء فهو خير ذمام فلولا دعا ذي النُّون في اليمِّ ما نجا ... ودام به في وحشة وظلام

وعفو أمير المؤمنين مؤمَّلٌ ... ورحمته لي فهو خير إمام وخير مليك يفتح الشَّرق عنوةً ... ويملك غربًا فاتكًا لحسام وقال في الشيب: [من البسيط] شيب الدَّواة وشيب الرَّأس قد منعا ... خطَّي وخطوي فلا حكمٌ ولا سبب مركَّب النِّقس ما لي عشر قيمته ... ولا الركاب يواتيني ولا الرُّكب وقال أيضًا: [من البسيط] لهفي على صاحب قد كان يسعدني ... على الرَّجاء ويحدوني على الأمل وعزمتي كلَّما عاينت طلعته ... فوق السِّماك ويتلو عزمتي عملي وقال أيضًا: [من البسيط] إنِّي أخاف من التَّأخير فاستمعي ... يارَّبة الخدر قولًا غير مندفع والوجد يحرقني والشَّوق يقلقني ... والدَّمع يسبقني والقلب ليس معي /292 ب/ أموت باليأس إن طال الفراق وإن ... وعدتم باللِّقا أحيا من الطَّمع وله: [من الطويل] بكيت شبابي إذ رأيت مشيبي ... وأبدلت من إلف بعرف غريب وما أسفي أن فاتني اللَّهو والصِّبا ... ولكن لأيَّامٍ مضت بعيوبي وما توبة الإنسان بعد مشيبه ... وزهد الغواني فيه مثل حبيب وكيف يقاس الغصن بعد جفافه ... بغصن ربيعيِّ القوام رطيب وإني لأرجو بعد ذلك كلِّه ... من الله عفوًا عن جميع ذنوبي [164] إسماعيل بن موسى بن منصور بن إبراهيم بن العاص الربعيُّ المقرئ، أبو المجد البوماريُّ. شيخ ضعيف العينين، ربعة كبير السن أربى على الثمانين. وهو من قرية من قرى

الموصل الغريبة تدعى "بومارية" بها ولد ونشأ وخرج عنها صغيرًا. وحفظ القرآن العزيز حفظًا جيدًا، وسمع الحديث وسافر إلى مدينة السلام في طلب العلم، وقراءة القرآن وتجويده، ونزل عبادان. ثم كرّ راجعًا إلى الموصل فاستوطنها، وأدرك /293 أ/ الإمام أبا بكر يحيى بن سعدون بن تمام القرطبي المقرئ بالموصل؛ وله منه إجازة. وهو رجل صالح متدّين له أشعار فى الزهديات والتحريض على طاعة الله تعالى والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنشدني لنفسه من قصيدة طويلة أولها: [من البسيط] أستغفر الله في سرِّي وإعلاني ... ممَّا جنيت ومن زلَّات إخواني وأسأل الله لي عفوًا ومغفرًة ... فإنَّه أهل ذي عفو وغفران واحفظ الودَّ للإخوان إن بعدوا ... وإن دنوا ثمَّ أعفوا عن أخي الجاني والعهد أرعى لأصحابي وإن نقضوا ... عهدي كذاك أراعي حقَّ جيراني وأطلب الرِّزق من رَّبي ويطلبني ... أشدًّ من طلبي والحرص أعياني وأتبع الشَّرع فيما قد أمرت به ... والشَّرع يأمرني والشَّرع ينهاني وأحمد الله رِّبي ثمَّ أشكره ... كما هداني لهذا وهو يرعاني أصحابنا أستمعوا ما قال والدكم ... قد قال نصحًا وصدقًا غير بهتان واستمسكوا بكتاب الله واتَّبعوا ... قول الرَّسول هما للشَّرع أصلان وسنَّة الخلفاء الراشدين بها ... أوصى النَّبيُّ الَّذي من ولد عدنان خلُّوا الهوى وحديث النَّفس واتَّبعوا ... ما قد ذكرت لكم تجزوا بإحسان [165] /293 ب/ إسماعيل بن إبراهيم بن غازي بن عليِّ بن محمدٍ، أبو طاهر النُّميريُّ المعروف بابن فلّوس.

من أهل ماردين. كان فقيهًا حنفيًا أصوليًا فاضلًا ذا قدرة على ما يريد من إنشاء القريض، وخاطر مطاوع في ذلك. سكن بالآخرة دمشق، يدرس الفقه بالمدرسة العزيَّة المنسوبة إلى الأمير عزّ الدين ايبك أستاذ الدار، وتوفي بدمشق يوم الأربعاء من المحرم في سنة سبع وثلاثين وستمائة. وكانت ولادته فى أربع وتسعين وخمسمائة. أنشدني أبو الفتوح الحسين بن الحسن بن محمد بن محمد البكري، قال: أنشدني أبو طاهر بن فلّوس لنفسه بدمشق: [من الوافر] لحاه الله من زمن خسيس ... أكابره الأراذل والعبيد زمانٌ قلَّ أهل الفضل فيه ... بل انقرضوا فليس لهم وجود وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] سأترك من أهواه لا عن ملالةٍ ... ولكن لأمرٍ أوجب الأخذ بالتَّرك /294 أ/ أراد شريكًا في المودَّة بيننا ... وإيمان قلبي لا يميل إلى الشِّرك وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه جوابًا لبعض أصحابه، وقد كتب إليه أبياتًا وهي: [من السريع] يا أيُّها العالم ماذا ترى ... في عاشق ذاب من الوجد في حبِّ ظبي لأهيف أغيد ... سهل المحيَّا حسن القدِّ فهل ترى تقبيله جائزًا ... في النحر والعينين والخدِّ من غير ذي فحشٍ ولا ريبة ... بل بعناقٍ ضم في جلد

فأجابه أبو طاهر بن فلّوس: [من السريع] يا أيُّها السَّائل إنِّي أرى ... تقبيلك العينين بالخدِّ يفضي إلى ما بعده فاجتنب ... تقبيله بالجدِّ والجهد لأنَّ من يرتع في روضة ... لا بد أن يجني من الورد [166] إسماعيل بن هبة الله بن يوسف بن إبراهيم بن أبي الفضائل, أبو الفداء الحمويُّ. كانت ولادته /294 ب/ في سنة خمس وتسعين وخمسمائة. شاب له معرفة حسنة بالنجوم, وكتبة التقاويم, وفيه فضل وعلم. أنشدني لنفسه بدمشق في سنة أربعين وستمائة وماكتبه إلى بعض الأمراء يخاطبه: [من الكامل] إسعد بهذا الحول يا ملك الدُّني ... وتملَّ نعمى ليس عنك لها انثنى واغنم مسرَّات النُّفوس فإنَّها ... فرضٌ ودع ذكر اللِّوى والمنحنى يا مالكًا أبت الهوي آراؤه ... شرفًا كما عزماته أبت الونى ما بال ملكك ليس يبرح موطنًا ... وجزيل مالك ليس يألف موطنا وأنشدني لنفسه ماكتبه علي لوح رمل معمول من .... يولد فيه ويضرب من غير أن يكون فيه رمل, يستغني بذلك عن الرمل: [من الكامل] أنا كاشف الأسرار فيَّ بدائعٌ ... من حكمة وغرائبٌ وعيوب أنا ذو البلاغة والمحدِّث صامتٌ ... وبمنطقي التَّرغيب والتَّرهيب يخفي اللَّبيب ضميره فأبينه ... فكأن أعضائي خلقن قلوب إنِّي بسطت أديم وجهي خاضعًا ... وتركته عوض التَّراب ينوب

[167] إسماعيل بن عبد الرحيم /295 أ/ بن المرجَّى بن عبد الله بن المؤمَّل, الفقيه الشافعيُّ المدرس المفتي القوصي الأنصاريُّ. سألته عن مولده، فقال: ما أتحققه؛ إلاَّ أنَّ لي من العمر خمسًا وستين سنة, فيكون مولده تخمينًا فى سنة خمس وسبعين وخمسمائة. حفظ القرآن العزيز ببلدته, وسمع الحديث بمنية ابن الخصيب على الشيخ علي بن خلف بن معز الكومي التلمساني, وبدمشق على أبي طاهر الخشوعي, والحافظ أبي محمد بن عساكر وطبقتهما خلق كثير, وبالموصل من المجد بن الأثير, وعبد القادر الرّهاوي, وأبي الحرم النحوي وجماعة بها؛ وبمكّة- شرّفها الله- من الحافظ برهان الدين أبي الفتح نصر بن أبي الفرج الحصري وغيرهم.

وترسل إلي الملوك بذلك الزمان عن الملك العادل, ودرس بزاوية جمال الإسلام بجامع دمشق, وتولّى وكالة بيت المال عن ملوك بني أيوب, ونفذ إلى الأطراف إلى ديار بكر والموصل وسنجار والجزيرة العمرية وخلاط وبلاد الحشيشية وحلب. ودرس فقه الشافعي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة, وحضر مجلسه الأكابر والصدور والوزراء من العلماء, وقرأ الأدب على تاج الدين الكندي, /295 ب/ ولازم عماد الدين وأخذ عنه علمًا كثيرًا, وقرأ عليه تصانيفه حتى لم يكد يفوته منها شيء؛ "كالفتح القدسي" و"البرق الشامي"، و"نحلة الرحلة وحلية العطلة"، و"عتبى الزمان وعقبى الحدثان". وله مصنفات منها كتاب "الدر الثمين في شرح كلمة آمين" المصنّف للسلطان الملك الكامل سمي بني أكرم الأكرمين محمد, وكتاب "بغية الراجي ومنية الآمل بمحاسن دولة الملك الكامل"، وكتاب "الروض الناضر في محاسن دولة الملك الناصر"، وكتاب "تحف المحاضرة وظرف المذاكرة" مبوب أبوابًا، وكتاب "الحلة الموشاة في أسباب النصرة على خوارزم شاه" المصنف للملك الأشرف– رحمه الله تعالى-، وكتاب "الروض البهج والعرف الأرج" المصنف لعلي بن قلج. أنشدني لنفسه يوم السبت الحادي عشر من المحرم سنة أربعين وستمائة بمنزله المحروس بدمشق في التاريخ المذكور: [من البسيط] /296 أ/ فكري تقسَّم والأشواق تزعجني ... والقلب في لهب النِّيران يتَّقد وسحب عيني بماء الدَّمع هاطلةٌ ... والصَّبر قد خانني ياصاح والجلد وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الطويل] هب الدَّهر أرضاني وفرَّج كربتي ... وأنقدني من ذلَّة السَّجن والأسر فمن لي بأيَّام السُّرور الَّتي مضت ... ومن لي بما أنفقت في السِّجن من عمري وأنشدني أيضًا لنفسه لغزًا في القداحة: [من الكامل] قدَّاحة يحكي فؤادي نارها ... تخفى وتكمن تحت برد الظَّاهر فاعجبت لنارٍ تحت بردٍ تختفي ... كالمكر فى قلب العدوِّ الماكر

[168] إسماعيل بن هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن محمد بن باطيش، أبو المجد بن أبي البركات الموصليُّ. أصله من الحديثة. كان والده عدلًا بالموصل مقبول الشهادة؛ وابنه أبو المجد هذا فقيه شافعي المذهب، قرأ الفقيه بالموصل، وسافر إلى بغداد فتفقه بها مدّة في المدرسة النظامية /296 ب/ حتى برع فيه وفي الخلاف والجدل والأصولين، واشتغل بالأدب والحديث، وقرأ الفقه على يحيى بن سليمان بن العطار، وأبي المظفر محمد بن علوان بن مهاجر، وسمع من أصحاب أبي القاسم بن الحسين، وأبي بكر محمد بن عبد الباقي, وأبي غالب بن البناء، وأبي العز بن كارش العكبري وطبقتهم، وعاد إلى بلده ورتب معيدًا بالمدرسة البدرية وخازن كتبها. وصنّف كتبًا منها كتاب فى "طبقات أصحاب الشافعي- رضي الله عنه-"، وكتاب "مزيل الارتياب عن مشتبه الانتساب"، وكتاب في "مشتبه النسبة"، وكتاب "شرح ألفاظ المهذّب" لأبي إسحاق الشيرازي والأسامي المودعة فيه، وكتاب "التميّز والفصل بين المتفق في الخط والنقط والشكل"، وكتاب "غاية الوسائل إلى معرفة الأوائل"، وكتاب "نهاية الأرب" في تهذيب عجالة النسب"، وكتاب "أقصى الأمل فى

علم الجدل"، وكتاب "عدّة السالكين"، وكتاب "فريد الشهاب"، وكتاب "مزيل الشبهات في إثبات الكرامات"، وكتاب /297 أ/ "نهاية المرام في إيضاح أركان الإسلام"، وكتاب "فضل الصيام وما ورد الحث على صومه من الشهور والأيام"، وكتاب "النخبة من مشتبه النسبة"، و"أربعين حديثًا عن أربعين من فقهاء الصحابة"، و"شرح البنية" لأبي إسحاق الشيرازي في عشر مجلدات أخذته الغرب في جملة كتبه، وعاد بعضه، وكتاب "بغية المشتاق إلى نعرفة الأوفاق" وغير ذلك .... على يده بحلب. سافر صحبه أبي الكرم محمد بن علي بن مهاجر الموصلي إلى الرّقة، وقد وصل إلى الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن ايوب ففارقه منها، وقدم حلب فسمع بها قاضي القضاة أبا المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الموصلي الأسدي، وأبا محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي. وكان قصد دمشق في سنة ثلاث وستمائة، فسمع بها أبا اليمن الكندي، وأبا القاسم الحرستاني وجماعة من أصحاب الفقية نصر الله وابن قبيس وغيرهم. واجتاز بحلب فسمع بها أبا الفضل الهاشمي، ولقي بها حنبل الرصافي مجتازًا إلى دمشق، وسمع في طريقه بحماة ..... وزاد شيوخه على المائة شيخ. /297 ب/ ثم توجّه إلى بلده، فأقام به مدة إلى أن أرسل خلفة بلديه الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني، وكان كثير الاعتقاد فيه، فاستدعاه إلى حلب فخرج من الموصل متوجهًا إلى حلب؛ فخرج العرب على القافلة فأخذوه فيما بين حرّان ورأس عين، وأخذوا كتبه وقماشه في الجملة، وسلم بنفسه. ثم وصل إلى حلب وذلك سنة إثنتين وعشرين [وستمائة] فأنزلة شمس الدين لؤلؤ في داره ومال إليه بجملته، واعتمد عليه في أموره، ودام على ذلك مدّة. ثم فوّض إليه قاضي القضاة أبو المحاسن المذكور آنفًا التدريس بالمدرسة النورية المعروفة بالنغري.

سئل عن مولده، فقال ولدت في يوم الأحد السادس عشر من المحرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وهو شيخ فاضل كيّس تام المروءة، كريم الصحبة، حسن الأخلاق، حرّ الطباع، يراعي حق أصدقائه ومعارفه، ويتعصب لهم باجتهاده، ويبالغ في قضاء حقوقهم، وإيصال الراحة إليهم؛ نعم الرجل هو دينًا وفضلًا وسكونًا وعقلًا وحلمًا وعلمًا. أنشدني لنفسه بمدينة حلب يوم الأحد العشرين من ربيع الآخر /298 أ/ من سنة أربع وثلاثين وستمائة ما كتبه من الموصل إلى مدينة السلام في كتاب إلى بعض أصدقائه يداعبه ويطايبه: [من الطويل] بأيِّ لسان بعد بعدك أنطق ... لأبدي شكايات جناها التَّفرُّق سهادٌ بجفن العين منِّي موكلٌ ... وقلب لتذكار الأحبَّة يخفق وشوقٌ إلى الزَّوراء يزداد كلَّما ... ترنَّم قمريُّ وناح مطوَّق وما شاقني حسر ولا رقَّة ولا ... صراة بها الماء الفرات مرقرق ولا نهر عيسى والحريم ودجلةٌ ... ولا سفنها أمست تخبُّ وتعتق ولكن لييلاتٌ تقضَّت بسادةٍ ... برؤيتهم شمل الهموم يفرَّق فلا غرو أن تذرى الدُّموع ببعدهم ... ومنهم حليف المكرمات الموفَّق سلامٌ عليه كلَّما ذرَّ شارقٌ ... وإن كان يلهيه الغزال المقرطق [169] إسماعيل بن أبي الفتح بن رزق الله بن الهائم السنجاريُّ. أنشدني أبو الحسن علي بن الحسين بن دبابا الفقيه الحنفي، قال: أنشدني إسماعيل بن أبي الفتح السنجاري لنفسه: [من الطويل] /298 ب/ سقى الله أرضًا بالعراق وإن خلت ... تهائمها من بعدكم ونجودها سحائب يسحبن الذُّيول كأنَّها ... نجائب قد مالت عليها قتودها إذا شارفت منها الشَّوارف بلدةً ... وقد مات مشربها وجفَّ صعيدها

بكين بها ورقٌ كأن هاج شجوها ... من الورق في رأد الضُّحي .... [وله يرثي أبا القاسم علي بن محمد بن علي بن مهاجر الموصلي، واستشهد على يدي التتار الملاعين– خذلهم الله تعالى– وذلك في سنة إحدى وثلاثين وستمائة: [من الطويل] أحقًا درى الناعي بما هو قائله ... وما ثكلته عند ذاك ثواكله نعى أسدًا يردي الخطوب قراعه ... وتسترحب الأرض الوقور زلازله فواحسرتا لم تحظ نفسي بقربه ... ولا علمت أن الحمام يعاجله ويا طول حزني بعده وتلدُّدي ... ويا خيبتاه في الَّذي أنا فاعله وحسبي حزنًا أن أرى الرَّبع موحشًا ... ..... ..... جلا جله فلله قلبٌ ما تغنَّت حمامةٌ ... على إلفها إلا وهاجت بلا بله لقد أودع المعروف ..... ..... ... ..... ..... جنادله فيا ..... يستضحك الرَّوض برقه ... ويبكي تلاع الأرض بالقفز وابله تحمل إلى قبر الشَّهيد تحيِّةً ... تطيب بها أسحاره وأصائله فيا أيُّها النَّاعيه جهلًا بقدره ... ستبدي لك الأيَّام ما أنت فاعله وقال معين الدِّين أثبته الرَّدى ... بسهم ردًى أصمى المعالي عاجله فلو كان كفؤًا من أصيب بسهمه ... عذرت ولكن ليس بالكفء قاتله مضى والعلا لم تستتمَّ رضاعه ... ولم ترو من ماء الشَّباب مناهله ولم تشف ..... السَّمهريِّ بكفَّه ... ولم ..... ..... ..... .. ..... ..... ... ..... قد أظهر آياته ..... .. الأيام دونك والنَّوى ... وأنت بقلبي ساكنٌ ..... .. إلى سحائب ليس يقلع نوؤه ... أواخره من رحمةٍ وأوائله ولا برح التُّرب الذي أنت جاره ... تزف ..... الرياض ..... ..... وصابك من سروى أبيك وبرَّه ... سحائب يهديها إليك فواضله هو الصَّاحب المولى الوزير محمَّدٌ ... مكارمه معروفةٌ ونوافله فلولا كمال الدِّين ..... تطيب ... ..... ..... ..... غوائله

فلا راعنا فيه الزَّمان بفادحٍ ... ولا زال يعلو بالعلا من يطاوله] [170] إسماعيل بن عمر بن عبد العزيز بن هبه الله بن الحسن بن أحمد بن حمدون، أبو الفداء السنجاريُّ، المعروف بابن الخطيب. كان لسلفه الخطابة بسنجار، وبيتهم مشهورٌ بالعلم والفضل. وأبو الفداء قرأ شيئًا من الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة– رضي الله عنه– ورحل إلى مدينة السلام مادحًا الإمام المستنصر بالله أبا جعفر المنصور– خلّد الله دولته– وعاود منها إلى إربل؛ فلقيته بها في شهر ذي الحجة سنة خمس وعشرين وستمائة، وأنشدني قوله في أمير المؤمنين المستنصر بالله– عظم الله سلطانه-: [من الكامل] دار السَّلام وصلتها فاستبشري ... واستشعري حمد الصَّباح المسفر /299 أ/ وتفيَّئي برد الظِّلال وغادري ... حرَّ الهجير لمنجد ومغوِّر هذي قصيَّات المنى بلِّغتها ... وسلي إدامتها وسعيك فاشكري يا ناق حلَّلت النُّسوع ولم تكد ... أو لم تحلَّ بالمحلَّ الأكبر حرم النُّبوَّة والخلافة مركز الإسلام والدِّين الحنيف الأطهر نادي أمير المؤمنين وموئل ... اللَّاجين من عافٍ ومن مستغفر من طاعة الله طاعته ومن ... عصيانه كالشِّرك ضد مكفَّر مستنصرٌ بالله لم تعدم إجابته بنصرة دعوة المستنصر عرفت لبيعته الإمامة حقَّها ... فعلا بوطئته علاء المنبر نسخت مكارمه المكارم كلَّها ... فكأنَّها من قبله لم تذكر في الأرض أبحر عشرةٌ مشهورةٌ ... والأرض نعرفها بسبعة أبحر مستحدثٌ في كلِّ يوم سؤددًا ... متحدِّثًا عن سؤددٍ في العنصر

ألقى له الإسلام فضل زمامه ... فاقتاده بيد المحقِّ المظهر كالسَّيف في ذات الإله وإن غدا ... كرمًا كميَّاد الأراك الأنظر وأغرَّ بالمجد الغريب مظفَّرٌ ... وسواه بالعاديِّ غير مظفَّر كالغيث يجري نائلًا ومواهبًا ... لم يعطها صوب السَّحاب الممطر /299 ب/ شرفت بنو العبَّاس منه بمشرفٍ ... من فوق اسمه العلاء مشمِّر قوم هم شمُّ الجبال رجاحةً ... وخلائقًا كالماء غير مكدَّر لهم فتوح المكرمات وفيهم ... نزلت مفاتح سورة المدَّثِّر سمعًا أمير المؤمنين قصيدةً ... عذراء قد طالت مقال البحتري بك فخرها والنَّاس لم يعرف بهم ... أحدًا سواك بمدحه لم يفخر قامت بمدحك حسب طاقتها ومن ... يسطيع مدح مكارم لم تحصر حزت المدى في الشُّكر حتَّى ما يرى ... يومًا لفضل نداك من لم يشكر شرفت بنو العباس يوم العبَّاس يوم خلفتهم ... بمكارمٍ مشهورة لم تنكر وفدت هباتك وفد كلِّ قبيلةٍ ... وسرين نحو العاجز المتدٍّبر لمَّا أرد إلَّا لملكك داعيًا ... ومؤدِّيًا فضل المديح المثمر إلَّا فماذا بالغٌ نظم أمرىٍء ... عن بعض شكرك والثَّناء مقصِّر وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] نؤمِّل بعد البين أن نتجمَّعا ... وشحط النَّوى لم يبق فى القوس منزعا وقد كنت أشكو البعد والدَّار لم تبن ... فقد صرت أشكو هجركم والنَّوى معا /300 أ/ نأيتم فلا جفني يلمُّ به الكرى ... حفاظًا ولا جنبي يلائم مضجعا وكنت أرى أنِّي عصيٌّ على الهوى ... فكنت له من بانة الشِّعب أطوعا تصاممت عن طير الفراق وإنَّما ... أضاءت بنا داعي الرَّحيل فأسمعا وطارت بلبِّي يوم طارت ركابكم ... على إثرها تلك النَّواعب وقَّعا فلا يتَّهمني الكاشحون بأنَّني ... صبوت فقلبي يوم أزمعت أزمعا

[171] إسماعيل بن عليِّ بن أحمد بن يوسف بن عمر الموصليُّ، أبو الفداء. نزل مدينة إربل وتولّى بها عملًا وأقام بها مدّة طويلة في دولة سلطانها الملك المعظم مظفر الدين– رحمه الله-؛ شيخ طويل أبيض اللحية. أخبرني أنه ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وتوفي بإربل يوم الأربعاء سادس عشر شعبان سنة إحدى وثلاثين وستمائة. أنشدني لنفسه: [من الكامل] يا أيُّها المولى الَّذي عجز الورى ... عن شرح ما يأتيه من إحسان جلَّت جواهرك الشَّريفة أن تكن ... أعراضها جسمًا لذي جثمان لكن لطفت فصرت معنًى قائمًا ... بصفاته في صورة الإنسان /300 ب/ وأنشدني أيضًا قوله: [من المتقارب] وقائلة لم لبست البياض ... وقد كنت تلبس ثوب الحداد فقلت السواد مضى في البياض ... وهذا البياض لهذا السَّواد وأنشدني لنفسه أيضًا: [من البسيط] محبتي آدم من فرط زلَّته ... ومن نجا باسنه نوحٌ من الغرق وآل طأها ومن في فضله نزلت ... آي الكتاب وتأتي سورة الفلق لأنتم في فؤاد قلَّ ما هدأت ... منه الجوانح احراقًا من القلق أحلى من الأمن في قلب المخوف ومن ... طيب الكري في جفون السَّاهر الأرق ووجدت له من الشعر قوله: [من الهزج] أما آن لمرِّ الهجر يا مولاي أن يحلو وما أوهنه الهجران أن يجبره الوصل وما أرخصه الإعراض والتَّفريق أن يغلو رعى الله أنأسًاسا ... ء فينا منهم العدل

عقدنا بيننا العهد ... ولكنَّهم حلَّوا إذا كان الجفا منهم ... لأمر ماله أصل /301 أ/ فمن يرجو من بعدي ... بأن يصفو له الخلُّ فللَّه فتًى قال ... مقالًا صدَّه الهزل ترى تجمعنا الدَّار ... ترى يكنفنا الظلُّ [172] إسماعيل بن صديق إسماعيل أحمد بن خليفة بن سويدان بن عليِّ بن عطّاف بن قرقاش القرشي الدمشقيُّ، المعروف والده بالرامي. كانت ولادته فى سنه ستّ وتسعين وخمسمائة بنابلس، وانتقل إلى دمشق وهو صغير السن. ثم قدم حلب وتعلق بخدمة الملك الظاهر ثم بعده لولده الملك العزيز ثم ولده الملك الناصر يوسف. شاهدته بمدينة حلب يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ شاب جندي كيّس جميل، له رواء ومنظر حسن. أنشدني لنفسه من قصيدة يمدح الملك العزيز صاحب مدينة حلب: [من الكامل] ما آل يوسف حامد يثني كما ... يثني الثَّرى الصَّادي عن الغيث الرِّوى وجهًا كشفت قناعه في مدحكم ... إذ صنتموه بجودكم عمَّن سوى /301 ب/ قسمًا ولست بشاعرٍ مسترفد ... أودى به طمع الهوى حتَّى هوي ما للمدائح عنكم مندوحةٌ ... لا غرو من فرج ..... صوى ولأنتم الكهف الَّذي لذنا به ... فأفاض نعمته وأدنى المنتوى وأقام معقلنا وكان مزلزل الأركان مفصوم العرى واهي القوى

إنِّي صدفت عن المديح لغيركم ... وعجمت عود مطامعي حتَّى ذوى لكن علمت بأنَّ مدح محمًّد ... فرضٌ ومن ناجى الكليم بذي طوى ملكٌ أراني المجد شخصًا والنُّهى ... روحًا لغايات المكارم قد حوى فروى عليَّ جلاله آي العلا ... وهو الخليق بما رويت وما روى فليعلم الفصحاء أنَّ مدائحي ... ما ضلَّ شاعرها المجيد ولا غوى أول قصيدة: أخبار أوسمة الأجيرع فاللِّوى ... تنشي الغرام لمن روى ومن ارتوى فإلى م تسأل عن ديار قطينة ... والدَّاء من سبب تروم به الدَّوا فاكتب فما ترك الأسى لى أدمعًا ... كلَّا ولا جلدًا ينازعه جوى ولقد نويت على التصبِّر للهوى ... ولصثرفه ولكلِّ عبدٍ ما نوى يا راكبًا تهوي به شدنَّيةٌ ... وجناء طاوية المصير على الطِّوى /302 أ/ ناء عن الأوطان قد قذفت به ... أيدي النَّوى حتَّى استكان على التَّوى ليلوذ معتصمًا بحبل محمَّد ... .... عرين علاه خفَّاق اللِّوا لذ بالغياث بن الغياث محمَّد الملك العزيز وقد شكرت يد النَّوى ملكٌ روى صوب الحيا عن كفِّه ... وأقرًّ بالتَّقصير عن رىِّ الرِّوى وتلا سنى غرر الجياد جياده ... طمعًا فقهقهر دون ..... ولقد طوى جور الزَّمان بهم فما ... نشرت من اليسر الكريمة ما أنطوى [173] إسماعيل بن محمود بن المكارم، أبو محمد النعّال الواعظ. شاب فاضل خيّر لم يزل مواظبًا على الاشتغال بعلم الوعظ، والجلوس برباط منسوب إلى والده. وهو أحد من أنعم عليه الإمام الظاهر بأمر الله– رضى الله عنه– وأذن له في الجلوس بباب بدر الشريف، وشهد عند قاضي القضاة أبي صالح نصر بن عبد الرازق

فقبل شهادته، وأثبت تزكيته. أنشدني لنفسه يمدح الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين– خلّد الله دولته- [من البسيط] ياصاحبيَّ بأعلام العذيب صفا ... شوقي إلى منهل بالأبرقين صفا /302 ب/ وحدِّثا أهل نعمان الأراك بما ... لقيته مذ غدًا قلبي بهم كلفا وسائلا الرَّكب عن وجدي فإن وقفت ... .... وادي الحمى فقفا لي جنَّةٌ إن سرى من نحو كاظمةٍ ... برقٌ يسير به الدَّاجي إذا خطفا بدا وميضًا فأبدا لمعه حرقي ... وعاد خفيًا فأخفى الصَّبر حين خفا هاجت لقلبي تذكار العهود وماء الوصل بالبان حتَّى صحت واأسفا قل للحبيب الَّذي أفنى بهاجرة ... صبري فأضحى جفاءً منه حين جفا كن كيف شئت فما لي اليوم ملتبسٌ ... إلَّا بقاء إمام العصر لي وكفى فهو الَّذي أنشر الأرمام نائله ... بهاجر من غوادي برِّه وكفا خليفةٌ جمَّل الدُّنيا وأنعش من ... فيها بظلٍّ على كلَّ العباد ضفا لو عاش في الدَّهر يومًا حاتمٌ ورأى ... جدواه عادله بالفضل معترفا له عوارف تسري بعضها ملأ ... الأيَّام طيب ثناءٍ نشره ألفا ما قال: لا في جواب السَّائلين له ... بجود كفَّيه ألغى اللَّام والألفا بل قوله نعمٌ تلفى بها نعمٌ ... بفيضهنَّ على العافين قد عطفا فديت في مشرق الدُّنيا ومغربها ... عرف المديح لمعروف به عرفا داوى بطيب أياديه ورأفته ... من كان أشفى لفقرٍ نازل فشفى /303 أ/ مولًى له قصبات السَّبق كاملةً ... لأنه كمَّل العلياء والشَّرفا أضحى ..... ..... ... للُّطف مدَّرعا بالعطف متَّصفا مؤسِّسًا للتُّقى أساس ذي ورعٍ ... لكونه من بحار الوحي مغترفا وقد حمى الدِّين والدُّنيا سطًا وندًى بخاطر عن مراضي الله ما صدفا .. مواكبه الإملال حيث سرت ... لا زال شملهم بالنَّصر مؤتلفا ودام للملك مولانا الخليفة ما ... رقى الغصون حمام البان أو هتفا

أنشدني محمود بن عثمان، قال: أنشدني إسماعيل بن محمود بن مكارم البغدادي لنفسه: [من الخفيف] روِّق الصِّرف قد تولَّى الظَّلام ... وأدرها فقد تغنَّى الحمام والشَّحارير صوَّتت في البساتين أيبقى من بعد هذا منام والمعيديُّ في المياه ينادي ... كلُّ نومٍ على المحبِّ حرام ونسيم الصَّباح بالطِّيب والمشموم والعرف سجسجٌ نمَّام وصريع الشَّراب كالرَّمس ملقًي ... والسُّقاة الأهداف والأعلام مثل ما صاغ قبلنا نبعة المعتزِّ هذا المعنى فتمَّ النَّظام وكأنَّ السُّقاة بين النَّدامى ... ألفاتٌ بين السُّطور قيام /303 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] قم فاطرد النَّوم عن وسنان قطربلٍ ... وقل له كم كرى أودى له السَّهر فقام يبزل دنًّا كان غارم ... فاطلع الشَّمس والدَّيجور معتكر أما ترى لازورد الأفق ملتمعًا ... نوراً وعقد الثريَّا ظلَّ ينتثر وكنت مرتقب المصباح يوقده ... فضاء بالراح ما قد عطَّت الشَّجر وأشبهت حاله الرَّاووق إذ مزجت ... كهالة التِّبر لاحت فوقها الدُّرر كم قد خطرت على السَّاقي على خطرٍ ... في زمرةٍ غيِّبوا عنهم وقد حضروا وقال أيضًا: [من الخفيف] هذه الدَّار كأسها الحلو من جودها راجحٍ وليس يشف أسرت إن سرت مرت أمرت ... أنصفت إن صفت وهيهات يصفو خلِّها خلِّها فمن شأنها الغدر وفى أطيب التَّواصل يجفو وقال أيضًا: [من الخفيف] لو قطعت العراق من سفح قاف ... قاطعًا للحزون والأحقاف واضعًا ..... على الأرض في السِّير ووجهي .....

لم أجد كلفة المسافة من شوقي إليكم وذلكم غير خافي [174] إسماعيل بن يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي زيد بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن عليٍّ- ويلقب باغرّ- بن عبيد الله بن عبد الله بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالبٍ, أبو زيد بن أبي جعفرٍ الحسنيُّ البصريُّ. كان والده نقيب البصرة. وأبو زيد كان خبيرًا بأيام العرب وأشعارها ومعرفة اللغة والأدب, وقول الشعر, كريم النفس, تام المروءة شجاعًا في نفسه من بيت العلم والشرف والنقابة والأمالي, وأشعاره لم يقع لي منها شيء إلّا ما أنشدني أبو الحسن علي بن أبي الفرج الواسطي, قال: أنشدني أبو زيد لنفسه من قصيدة يقول منها: [من الطويل] إذا ولي الأعمال كلَّ ..... ... غشومٍ ظلوم لم يزل متحرِّما ويظهر نسكًا للأنام وإنَّما ... سجيَّته أن يستبيح المحرَّما وكم قد بني من مسجد في خرابةٍ ... ليجعل مال الله نهبًا مقسَّما فقف بإزاء التَّاج من أرض بابلٍ ... وناد بصوت معربٍ غير أعجما ألا يا ولاة الأمر حتَّام أنتم ... تكونون عن مال الخليفة نوَّما [175] إسماعيل بن يرنقش بن عبدالله /304 ب/ أبو الفداء, السنجاريُّ العماديُّ. مولي عماد الدين أبي الحارث بن زنكي بن مودود بن زنكي- صاحب سنجار-. حدثني الصاحب أبو البركات, قال: رأيت أبا الفداء هذا بالموصل وكان جنديًا

لطيفًا حسن الصورة, دمث الأخلاق, ذا جود وسخاء وأدب وفضل من أحسن الناس شبابًا, وأكملهم جمالًا وظرفًا. توفي وهو شاب بالموصل سنة نيّف وستمائة. ثم قال: وأنشدني من شعره أبو القاسم أبو بكر بن إسماعيل التلعفري, قال: أنشدني أبو الفداء لنفسه يعّزي الملك الأشرف أبا الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب في أخ له من أمّه اسمه يوسف: [من الطويل] دموع المعالي والمكارم ذرَّف ... وربع العلا قاعٌ لفقدك صفصف غدا الجود والمعروف في اللَّحد ثاويًا ... غداة ثوى في ذلك اللَّحد يوسف فتًى خطفت كفُّ المنيَّة روحه ... وقد كان لللأرواح بالبيض يخطف سقته ليالي الدَّهر كأس حمامها ... وكان يسقِّي الموت في الرَّوع يعرف فيا حسرتا لو ينفع المرء حسرةٌ ... ويا أسفا لو كان يجدي التَّأسُّف وكانت على الأرزاء نفسي قويَّةً ... ولكنَّها عن حمل ذا الرُّزء تضعف وختمها بقوله: /305 أ/ جزاءً بما أسلفتني من عوارف ... وكلُّ امرئٍ يجزى بما كان يسلف [176] إسماعيل بن إبراهيم بن المأمون بن محمد بن الحسن بن الحسين بن أحمد بن العباس بن يوسف, أبو المجد الأنصاريُّ الواعظ الدمشقيَّ. حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي, قال: ورد أبو المجد إربل فامتدح الملك المعظم أبا سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين- رحمه الله- بقصيدة, لنفسه في أوائل سنة خمس عشرة وستمائة: [من الكامل] قم نغتنم فرصًا من اللَّذات ... بالرَّاح نجلوها على الرَّاحات صهباء تشرق في الزُّجاج كأنَّها ... برقٌ تألُّقه من الآيات أو مثل شمسٍ أشرقت بحبابها ... درُّ تنضَّد في ذرى الكاسات من كفِّ أهيف كالهلال إذا بدا ... حلو الشَّمائل فاتن الحركات يسبي القلوب قوامه وكلامه ... طلق المحيَّا فاتن الحركات

رشاٌ يعاطينا الكؤوس بمجلس ... فيه اصطحاب العود والنَّايات يرنو فأحسب بابلًا بلحاظه ... أو مشرفيًّا ماضي الشَّفرات أهوى مضاربه واعشق خدَّه ... وأودُّ أبصره مع السَّاعات وأهيم من شوقٍ إلى تقبيله ... شوقًا يزيد بحلمه حسراتي /305 ب/ وأرى النَّعيم به عذابي دائمًا ... وتلذُّ لي بصدوده زفراتي [177] الياس بن جامع بن عليِّ بن أبي طالب العبديُّ، أبو الفضل الإربليُّ. الفقيه الشافعيُّ العدل. كان أحد عدول إربل المعتبرين. وكان ووالده يلقب أيّنا. حدثني الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي- رحمه الله تعالى- وهو مما ذكره في تاريخ إربل، قال: كان أبو الفضل يبلغ إلى أبي طالب من غير زيادة في النسبة، فقال لي يومًا: بلغني أن أبا طالب- يعني جدّه- كان نحويًا، فقلت لعله العبدي أحد أئمة إربل المذكور بها. تفقه بإربل ثم رحل إلى بغداد طلبًا للفقه، فأقام بها زمانًا طويلًا، وكتب الكثير من حديثها بيده، وسمع من رجال الحديث خلقًا كثيرًا، وروى عنهم. سمع شهدة بنت أحمد الأبري، والأسعد بن بلدرك الجبريلي، وأبا إسحاق

إبراهيم بن علي بن الفراء السلمي، وأبا الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف، والشريف أبا الفتوح المبارك بن محد بن سلم الهاشمي /306 أ/ وأبا هاشم عيسى بن أحمد الدوشابي، وأبا العّز محمد بن محمد [بن مواهب بن الخرساني، وأبي الحسن علي بن محمد بن بكروس، وأبي الكلام] جعفر بن عقيل، وأبا الفتح عبيد الله بن عبيد الله بن شاتيل، وأبي السعادات نصر الله بن عبد الرحمان القزاز وخلق كثير. وكان وافر الهمّة كثير الكتابة والتحصيل. سافر إلى مدينة السلام طالبًا للحديث النبوي في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة, وأقام بها مدة يتفقه بمدرستها النّظامية على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه- وعاد إلى بلده، وخرّج التخاريج، وجمع مجموعات جمّة، وحدّث هناك بأكثر سماعاته، وتفرّد بكتابة الشروط. وسمع منه جماعة من الإربليين والواردين إلى إربل، وأفاد الناس، وانتفع به عالم لا يحصى. وكان صدوقًا ثقة مأمونًا. وكانت ولادته- مما قرئ بخطّ يده-: مولدي في وقت الغروب من ليلة الأحد سابع وعشرين شعبان سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بإربل. وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الإثنين خامس عشري شهر ربيع الآخر سنة إحدى وستمائة، ودفن بظاهرها في شرقيها قريبًا من مقبرة أحمد الزرزاري الزاهد. ألقى بإربل تفسير الإمام أبي إسحاق الثعلبي على جماعة با ....... ؛ وله تواليف عدّة /306 ب/ منها اكتاب "تفسير القرآن الكريم"، وكتاب كبير في الناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول؛ وغير ذلك. وقال الصاحب الوزير شرف الدين أبو البركات، أنشدني لنفسه: [من البسيط] قالوا الكمال يزيديٌّ فقلت لهم ... لا تأمنوه وكونوا منه في حذر أضحى بسوء اعتقادٍ فى الوصيِّ وفي ... أبنائه النُّجباء السَّادة الزُّهر أعمى الفؤاد وأعمي العين فهو إذن ... على القياسين أعمى القلب والبصر

وقال أيضًا، وهو مما نقل من خطه: [من الطويل] أممرض قلبي ما لهجرك آخر ... ومسهر طرفي هل خيالك زائر ومستعذب التَّعذيب جورًا بصدِّه ... أما لك في شرع المحبَّة زاجر هنيئًا لك القلب الَّذي قد وقفته ... على ذكر أيَّامي وأنت مسامر فلا فادح الحزن المبرِّح خاطري ... لبعدك حتَّى يجمع الشَّمل قادر فإن متُّ فالتَّسليم منِّي عليكم ... يعاودكم ما كبر الله ذاكر وحدّثني يوسف بن ضوء بن علي الإربلي، قال: وعدت الياس بن جامع بجزء من تفسير الثعلبي /307 أ/ أن آتيه به إذا انقضى في ذلك الوقت عيد النصارى، فانقضى العيد بأيام، وكتب إلي يقتضني الجزء: [من الطويل] مهذَّب الدِّين يا ذا الفضل والحسب ... والعلم والشَّرف السَّامي مع النَّسب عيد النَّصارى انقضى والدَّين حلَّ به ... لا صبر لا صبر لي عن سيِّد الكتب فانعم به كأياديك الَّتي سبقت ... فالمنُّ بالكتب فوق المنِّ بالذَّهب تم الجزء الأول من هذا الكتاب والحمد لله أولًا وآخرًا وصلّى الله على محمد وآله ويتلوه في الجزء الثاني إن شاء الله ذكر ولده الياس بن الياس بن جامع بن علي الإربلي

حرف السين

بسم الله الرحمن الرحيم وبه الثقة [حرف السين ذكر من اسمه سعد] [178] سعد بن خليل بن محمد بن أبي المجد الجبراني الشاعر من جبرين الشمال، قرية من أعمال عزاز- حرسها الله تعالى- يتردد إلى المدرسة النورية المنسوبة إلى بني عصرون. فمن شعره، قوله يمدح الأمير الكبير الأصفهسلار عماد الدنيا والدين، شرف الإسلام والمسلمين، اختيار الملوك والسلاطين، أبا المحاسن يوسف بن الأمير الكبير علاء الدين طاي بغا الملكي الناصري، المتولي بحلب- حرسها الله تعالى- أسعد الله جدَّه، وجدد سعده: [من الطويل] علامة وجدي أن تلوح المعالم ... وداعي حمامي أن تنوح الحمائم /2 أ/ وفرط غرامي كلّما شمت بارقًا ... من الغور تهديه إليّ المباسم فيا صاح كن عوني على البين والهوى ... فقلبي ودمعي مستهام وساجم وذرني أيثّ الحزن حزني ولوعتي ... فوجدي على فقد الأحبة دائم وأشكو صباباتي إلى البان واللّوى ... فقد بان صبري والغرام ملازم وفي ألحيِّ ريمٌ من تميم ألفته ... قديمًا وما نيطت عليه التّمائم يصدّ إذا حاولت منه وصاله ... وينكر ما بي في الهوى وهو عالم ويمنحني بالبعد إن رمت قربه ... ويدفعني عن ظلمه وهو ظالم

غزال بأكناف الصريم محله ... لحبل وصالي والمودَّة صارم بدا بدر تم فوق غصن مهفهف ... يحف به ليل من الشعر فاحم وماس دلالًا في ثياب جماله ... كما ماس ريان من البان ناعم وأشرف ماء الحسن في ورد خده ... فجن به ظام إلى الورد هائم وحين بدا يا سعد لام عذاره ... بدت للهوى في وجنتيه علائم أبيت على جمر من الشوق مضرم ... وأسهر من وجدي به وهو نائم فإن كان دمعي بالصّبابة بائحًا ... فإنَّ لساني بالصّبابة كاتم /2 ب/ ول أنس إذ عاتبته في قطيعتي ... وقد غفلت لما خلونا اللوائم فقال وقد مضَّ العتاب فؤاده ... وقد خجلت منه الخدود النواعم إذا رامت العشاق تقبيل وجنتي ... تسل عليها من جفوني صوارم وليل سرت بي في دجاه نجائب ... عتاق تجوب المقفرات رواسم عرامس تفلي بي الفلاة كأنها ... إذا لمحت لمع البروق نعائم إلى ظلِّ مولانا الأمير أخي الندى ... وخير فتى تعزى إليه المكارم إلى يوسف بحر السماح وماجد ... بساحته للمعتفين مواسم همام عليُّ الجدِّ ماض جنانه ... له همم نحو العلا وعزائم إذا جال في يوم الردى فهو حيدر ... وإن جاد في يوم الندى فهو حاتم وإن خفقت راياته خفقت لها ... قلوب وطارت للكماة جماجم وإن صدم الأعداء يومًا ببأسه ... تدين له عند النزول الصلادم وإن لمعت في الحرب زرق رماحه ... تذلُّ له أسد ضوار ضراغم له سطوات في البلاد وهيبة ... على الأرض حتى ليس تسعى الأراقم له الجدُّ والإقبال والنصر والعلا ... وجرد المذاكي والقنا والصوارم علا حلب الشهباء منه سكينة ... وفاضت بحار من يديه خضارم /3 أ/ كريم إذا ما الركب أمَّ جنابه ... فمن ماله تهدى إليه كرائم جواد إذا شمنا بوارق كفِّه ... تجود علينا من نداه غمائم ألا يا عماد الدين والماجد الذي ... له رتب من دونهنّ النّعائم

وطود علا نأوي إليه إذا سطت ... علينا خطوب للزَّمان عظائم عبيدك سعد قد برى البرد جسمه ... وأنت له دون البرية حاسم فعجِّل له يا معدن الجود بالذي ... وعدت فوعد الحرِّ كالدَّين لازم وجد يا حليف المكرمات بجوخة ... سريعًا فجيش البرد لا شك قادم وبادر بزرقاء الأديم إذا بدت ... تهون علينا في هواها الدراهم فقلبي إلى إنجاز وعدك شيق ... وطرفي إلى إيماض برقك شائم لقد فاز بالأمال من جاء راجيًا ... نداك وراجي جود غيرك نادم وقال أيضًا يمدحه- أدام الله معاليه-: [من الخفيف] قاده قائد الهوى في زمام ... نحو حيِّ الحمى وتلك الخيام وحداه حادي الكآبة والوجـ ... ـد إلى حرة اللِّوى والبشام وصبا نحو حاجر وزرود ... فجفا جفنه لذيذ المنام /3 ب/ حنَّ شوقًا إلى العقيق ونعمًا ... ن بقلب متّيم مستهام ناح إذ ناحت الحمائم في الدَّو ... ح وسحّت شؤونه كالغمام يا خليليَّ علّلاني بتذكا ... ر أهيل النَّقا وسرب المقام وظبا رامة وأيام لهوي ... بالمصلَّى ومربع الآرام بين شاد وشادن وشفيق ... وشقيق وقينة ومدام وغزال غزًا صميم فؤادي ... بجفون سقامها من سقامي قمر عنده الوصال حرام ... والجفا والصدود غير حرام صاد قلبي بورد خدِّ وريحا ... ن عذار ومقلة وقوام رشا كلما شكوت إليه ... ما بقلبي من لوعة وغرام هز من قده علي قناة ... ورماني من طرفه بسهام فلئن زادها جري وتمادى ... في عنادي وزاد في الآلام وغدا الدّهر عائقي عن مرادي ... وبدا قاصدي بداء عقام فاعتمادي على الأمير عماد الد ... دين كنز العفاة كهف الأنام يوسف خير من إليه امتطينا ... عيسنا في الوهاد والآكام كعبة الجود للوفود زحام ... بفناه كوفد بيت الحرم

/4 أ/ سيد سابق إلى غاية الحلـ ... ـم خبير بالنقض والإبرام ما جد كلُّ من ترامى إليه ... عمَّة بالنَّوال قبل السَّلام بحر جود عذب المصادر والور ... د خضمُّ يؤمُّه كلّ ظامي وإذا جالت الجياد المذاكي ... وسما في الوغي سماء قتام واستحال النّهار ليلًا وجالت ... في رؤوس القنا نجوم الظلام وسرت أمُّ قشعم في الفريقيـ ... ـن وسلَّ النّفوس غرب الحسام صال في الصّيد يوسف القائد الفذُّ وأسقى الكماة كأس الحمام أيّها السيّد الهمام المرجّى ... لخطوب الزمان والأيَّام والجواد المجدُّ في كلّ حال ... وعماد الإيمان والإسلام عبدك السعد ساقه نحو مغنا ... ك ولاه يا معدن الإنعام فاستمع مدحة سمت بمعاليـ ... ـك وفاقت على مديح التِّهامي وأبق ما لاح بارق وحدا الرّكـ ... ـب حداة وناح ورق الحمام وكتب إليه- أعلى الله قدره- يهنيه بعيد النحر: [من الطويل] ألا يا عماد الدين يا خير ماجد ... وقرم سما فوق السها والفواقد /4 ب/ وبحر سماح لا يغيض معينه ... يعم على العافين عذب الموارد وكعبة آمال لكلِّ مؤمِّل ... ومنقذنا من صرف دهر معاند تهنَّ بعيد النّحر يا أوحد الورى ... ونحر الأعادي واكتساب المحامد وسد واسم واسلم وابق ما لاح بارق ... بجد ومجد دائمًا غير نافد وقال أيضًا يمدحه- أدام الله بقاه-[من الكامل] منِّي على تلك الرّسوم سلام ... ومنازل عبثت بها الأيام دمن عهدت بها البدور طوالعًا ... فالصبح مذ رحلوا عليَّ ظلام أقوت من الغيد الحسان وأصبحت ... يأوي إليها الرّبد والآرام

أسفي على عصر الشَّباب وجيرتي ... بالمنحنى لو كان دام وداموا أيام أرتع في رياض مسرَّتي ... لا العذل يردعني ولا اللّوام يا حبذا زمن تولّى باللِّوى ... فكأنّما ذاك الزّمان منام والدّار تجمعنا بمنعرج اللّوى ... وتضمُّنا وظبا العقيق خيام والدهر عنا غافل ورقيبنا ... والعيش صاف والوشاة نيام والراح دائرة براح مهفهف ... تحيا بها الأرواح وهي رمام /5 أ/ رشأله من قدِّه وقوامه ... يزنيّة يسطو بها وحسام بدر بدالي من خلال قبائه ... فبدا بقلبي لوعة وغرام ريم يصيد بنا ظريه وجيده ... أسد العرين فما إليه مرام لو عاين العذّال لام عذاره ... عذروا وما عذلوا عليه ولا موا لم أنس ليلة زار طيف خياله ... زورًا وقد سمحت به الأحلام حيا فأحياني بطيب سلامه ... وألمَّ بي فشفاني الالمام فطفقت ألثم خدّه ورضابه ... شهد يحييني به ومدام حتى إذا ما الفجر سلَّ حسامه ... وانزاح جيش الليل وهو لهام فارقت من أهوى بدمع سافح ... وحشاشة هاجت بها الأقسام وبدا الصّباح فقلت غرة يوسف ... لاحت فزال الظَّلم والاظلام بحر السماح أبو المحاسن خير من ... وقفت بظلِّ فنائه الأقدام وعماد دين الله أفضل من مشى ... فوق الثَّرى والماجد القمقام يا أيُّها النَّدب الجواد ومن له ... منن على كلِّ الأنام جسام دم للنَّدى أبدًا وسفك دم العدا ... يا من له الاحسان والانعام وعليك ما ناح الحمام تحيه ... وعليك ما سرت النَّسيم سلام /5 ب/ وقال أيضًا يمدحه- رفع الله محله-: [من الطويل] أحنُّ إلى ريم برامة ذكره ... أنيس إذا نام الخليُّ ومؤنسي

تحفُّ به سمر وبيض صوارم ... وأسد وغى تسطو على كلِّ اشوس عزيز عرفت الذُّل منذ عرفته ... عزيز بسربال المحاسن مكتسي من التُّرك يسبيني بسحر جفونه ... غزال بأثواب الكآبة ملبسي خلوت به يا سعد والليل مظلم ... فجلّى محيَّاه دجى كلِّ حندس وبات إلى صدري اضم قوامه ... واخشى عليه من لهيب تنفُّسي ومذعانة ريَّانة شد قميَّة ... هوجاء كالهيق عرمس جزعت بها اجواز كلّ تنوفة ... وجبت عليها بسبسا بعد بسبس إلى يوسف النَّدب الهمام وخير من ... يجود بجدواه على كلِّ مفلس جواد لنا من راحتيه سحائب ... تصوب كصوب العارض المتبجِّس كريم لديه حاتم الجود مادر ... ومن عنده قسُّ الأيادي كأخرس فما جئته إلاِّ وجاد بكلِّ ما أروم وأدناني وقرَّب مجلس فلا زال في عزِّ وجدِّ مجدد ... يعري الورى من كلِّ مجد ويكتسي /6 أ/ وكتب إليه، وقد حثه على نظم أبيات: [من البسيط] قل للأمير عماد الدين خير فتى ... عمَّت أياديه كلَّ النَّاس بالنِّعم يا يوسف الحسن والإحسان لا برحت ... كفّاك تغني الورى عن واكف الدِّيم عبيدك السعد لا ينساك من مدح ... حلَّت ومن خدم يا سيّد الأمم وقال أيضًا يمدحه- أسبغ الله طلاله- وذلك في العشر الأول من ربيع الأول سنة

سبع وثلاثين وستمائة: [من الطويل] قوامك أم غصن من البان أهيف ... وطرفك أم سيف من الهند مرهف؟ ووجهك أم بدر تبدَّى لناظري ... وفرعك أم جنح من الليل مغدف وثغرك أم در ثمين منظَّم ... وريقك أم شهد شهي وقرقف؟ لقد حارت الألباب فيك وألبت ... علي وشاة في هواك وعنَّفوا فيا هاجري من غير جرم جنيته ... فحتَّى م لا تحنو ولا تتعطف؟ حلفت يمينا لا تخون فخنتني ... كذا كلّ غدَّار يمين ويخلف /6 ب/ رويدًا بمن جمر الجوى في فؤاده ... وادمعه من لوعة البين تذرف حليف غرام لا يفيق من الأسى ... كئيب على ما فاته يتأسف فيا أيُّها البدر العزيز مناله ... ويا أيُّها الخشف الغرير المشنف ويا قاتلي في الحب رفقًا بمهجتي ... فأنت بما ألقى من الشوق أعرف صرفت إليك القلب يا قمر الدُّجى ... وليس لقلبي عن ودادك مصرف ويا لائمي مه لا تلمني على الهوى ... ومهلًا فكم في الحبِّ تلحى وتسرف؟ ذر اللوم عنّي فالفؤاد معذَّب ... بحبِّ ظلوم في الهوى ليس ينصف غزال له قلبي كناس ومرتع ... مليح المحيا ساحر الطرف أوطف فحبِّي له طبع بغير تكلف ... وحبُّ جميع العالمين تكلف سباني بقدِّ كالقضيب مهفهف ... فيا ويح من يسبيه قد مهفهف وخصر كصبر المدنف الصبِّ مخطف ... نحيل لألباب البرية يخطف فلا وجد إلا ما وجدت محبة ... ولا جود [إلاّ] ما حبانيه يوسف سري سرى شرقًا وغربًا نواله ... جري إلى الإحسان لا يتوقف يحنُّ إلى بذل النَّدى كلَّ ساعة ... كما حنَّ مشتاق إلى الالف ندنف هو البحر بحر الجود عمَّ نواله ... وأمواجه بالدرِّ للنَّاس تقذف /7 أ/ هو الغيث والليث الهزبر إذا سطا ... هو البدر يهدي نوره ليس يكسف

إذا جالت الجرد الجياد لدى الوغى ... ولم يبق إلاَّ صارم ومثقَّف ودارت رحاء الحرب واشتدَّ بأسها ... وهبَّت رياح بلمنيَّة تعصف وزلزلت الشُّمُّ العوالي وأقبلت ... أسود وغى من خوفها الأرض ترجف رأيت عماد الدين ذا البأس والعلا ... بصارمه هام الضَّراغم يقطف حلفت وإنِّي صادق غير كاذب ... بما صحَّ عندي من يقيني وأعرف بأنَّ عماد الدِّين كعبة مقصد ... وأفضل من كلِّ الأنام وأشرف فلا زالت الأقلام والبيض والقنا ... تساعده والدَّهر بالنَّصر يسعف وقال أيضًا يمدحه- أسمى الله رتبته-: [من الخفيف] هل إلى ورد وجنتيك وصول ... وإلى سلسبيل فيك سبيل؟ يا غزالًا غزا فؤادي حسام ... بين جفنيه مغمد مسلول وهلالًا بدا على غصن بان ... كلَّما هبَّت النسيم يميل صل فجسمي من الفراق عليل ... وبقلبي صبابة وغليل وحسودي على هواك كثير ... ومعيني على الغرام قليل /7 ب/ يا عذولي ذر الملام فسمعي ... كلَّ عمّا تقوله يا عذول لا تلم في هوى بديع المعاني ... ففؤادي عن حبِّه لا يحول رشأ ردفه كوزري ثقيل ... وكذا خصره كجسمي نحيل ومن بني التُّرك ناعس الطرف أحوى ... بابليُّ الجفون ظبي كحيل كلَّما رمت سلوة عن هواه ... هاج وجدي رضابه المعسول وجبين إذا بدا يخجل البد ... روخال داج وخد أسيل وقوام إذا مشى قلت أنفا ... س شمال سرت به أم شمول؟ طال في حب طلعه البدر ليلي ... وكذا ليل عاشقيه يطول وبريق بدا من اللَّيل وهنا ... ودجى اللَّيل ثوبه مسدول فحداني إليه وجد قديم ... وغرام مبرِّح لا يزول ودعاني نحو الحمى نوح ورقا ... ء جفاها كما جفاني الخليل فهي تدعو على الغصون وأبكي ... فكلانا فؤاده متبول

جاد صوب العهاد عهد التَّصابي ... وزمان الوصال غيث هطول وسقى بالعقيق عيشًا سرقنا ... هـ من الدّهر والرَّقيب غفول كأيادي أبي المحاسن ذي المجـ ... ـد كريم لديه كعب بخيل /8 أ/ يوسف المرتجى لكلِّ ملمِّ ... لوذعي لقاصديه كفيل والأمير الَّذي يجير من الدَّهـ ... ـر إذا جار والفتى المأمول فهو من عثرة اللَّيالي مقيل ... وبناديه للعفاة مقيل ماجد عرضه المنقَّى مصون ... ونداه إلى الورى مبذول وإذا جالت الجياد المذاكي ... فهو بالسَّيف في الكماة يجول بحر علم وطود حلم وضرغا ... م هياج وسيف عزم صقيل كم شجاع قد غادرته مواضيـ ... ـه صريعًا تطا عليه الخيول وهزبر على الجدالة ملقى ... تحجل الطَّير حوله وتجول يا عماد الإسلام يا من بناديـ ... ـه لراجي نداه ظلُّ ظليل دم مدى الدَّهر في نعيم وعز ... ما لصرف الرَّدى إليك وصول واسم واسعد بالعيد وابق منهَّا ... ما بدا بارق وهبَّت قبول وقال أيضًا يمدحه، ويداعبه بهذه الأبيات- حرس الله مهجته، وكبت حسدته-: [من المجتث] أبا المحاسن يا من ... يداه بالجود تترى /8 ب/ ومن أباد أعاديـ ... ـه بالمهنَّد قهرا وأشرف الناس خيمًا ... وأشرف النَّاس قدرا وأغزر الخلق علمًا ... نعم وأطيب ذكرا

وفي الشَّجاعة والعد ... ل أنت عمرو وكسرى إليك خذ بيميني ... أبثك الآن أمرا فأنت ذخري لدهري ... إذا عدمت الذُّخرا رأيت شخصًا ينادي ... بين البريَّة جهرا وقال: إنِّي حكيم ... أبدِّل العسر يسرا فقلت صف لي دواء ... لعلَّ دائي يبرا فقال قرطلُّ تبن ... يكون من تبن حزرى فجد به يا رجائي ... واكسب ثناء وأجرا ودم مدى الدَّهر يا من ... عمَّ البريَّة برا وقال أيضًا، يمدح السلطان الملك العزيز غباث الدين محمد بن غازي بن يوسف- رحمه الله/9 أ/ في سيف لبعض العلويين: [من الخفيف] صارم كلَّما تذكر صفّيـ ... ـن بكى غربه بدمع سجام ذاب حزنًا على الحسين ووجدًا ... وبراه الأسى وفرط السقام وقال أيضًا وهو مريض يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وستمائة: [من البسيط] يا ربِّ عبدك سعد ما له أحد ... ينجيه من دائه المودي وشدَّته ولا معين على البلوى يساعده ... ولا أنيس له في دار غربته ولا دواء لداء قد اضر به ... ولا طبيب يداويه بحكمته ولا مجير ولا جار ولا سند ... ولا نصير ولا برء لعلته إلاَّك يا سيدي يا من بقدرته ... أجرى الجواري وأنشاها بصنعته فانظر إليه بعين منك راحمة ... بأحمد المصطفى الهادي وعترته

وقال أيضًا: [من الطويل] يحن إلى حي العقيق وقلبه ... يهيم هوى نحو الرُّبى والرَّبارب /9 ب/ ويصبو إلى ريم رماه برامة ... بأسهم لحظ قاتلات صوائب غزال غزا البابنا وقلوبنا ... بقدِّ وطرف بابليِّ وحاجب وقال أيضًا في بعض العلويين: [من الخفيف] لك يا أبن النبيِّ مرتبة المجـ ... ـد علا جدها على بهرام قم فهذي الجياد والبيض والسمـ ... ـر وجند الإله عنك تحامي واطلب الثَّأر من أميَّة واضرم ... نار حرب في آل حرب اللئام سر وصل في الطُّغاة من آل سفيا ... ن فسيف التأييد غير كهام وقال أيضًا: [من الوافر] حدا حادي المطايا بالبعاد ... فنار البين تضرم في فؤادي وأرقني فراق أهيل نجد ... فها أنا بعدهم حلف السُّهاد ألا يا سائق الأظعان رفقًا ... فقلبي رائح في الركب غادي يحنُّ إلى الغوير وساكنيه ... وجيران الأجيرع من إياد ويوم تحمَّلوا حمِّلت منهم ... جوى يوهي قوى صمِّ الصلاد وربَّ نسيمة هبَّت سحيرًا ... تبشِّرني بوصل من سعاد /10 أ/ فقلت شغلت عنك بمدح ندب ... سما شرفًا على السَّبع الشِّداد فكلُّ جوانحي باتت تنادي ... بألسن حالها في كلِّ نادي بأنَّ مديح زين الدِّين فرض ... على أهل الغوائر والنِّجاد جواد نرتجيه لكلِّ خطب ... وبحر ندى يروِّي كلَّ صادي فكم من راحة في راحتيه ... تسعُّ على الورى سح الغوادي

بمدح أبي المناقب طال شعري ... على الشِّعرى وزاد على زياد وقال أيضًا: [من الخفيف] يا مذيب الفؤاد ما بتُّ من بعـ ... ـدك إلاّ بليلة الذبياني صل كئيبًا حلف الغرام غريبًا ... قلبه في يد الصَّبابة عاني

ذكر من اسمه سعيد

ذكر من اسمه سعيد [179] سعيد بن عبد الله الشاعر الحلبي. من شعراء الحلبيين المجيدين، أبو محمد الحريري. كان شاعرًا جيدًا، حين العقل، فصيح القول، قليل المعرفة بعلم العربية، صاحب اقتدار على إنشاء القوافي وعمل الشعر، يقوله بطبع سليم، وكانت تصدر عن خاطره /10 ب/ القصائد النادرة، يرتضيها الأفاضل، ويستجيدها نقاد الشعر، عارية من اللحن، ولعله برز في عملها على كثير من شعراء زمانه. وتوفي بحلب في الثاني عشر من صفر سنة تسع وستمائة، ودفن بمقام إبراهيم- عليه السلام- قبلي حلب، عن نيف وسبعين سنة. روى عنه القاضيان، القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد، والقاضي أبو القاسم عمر أحمد بن أبي جرادة بحلب أدام الله أيامها. شاهدت ولده بمحروسة حلب شاهدًا ثبت الجنان، وسألته عن نسبه، فلم يزدني على ذلك شيئًا، وزعم أن والده لم يرفع في نسبه أكثر من هذا، وذكر أن شعره يدخل في أربعة أجلاد، وأنه بلغ من العمر أربعًا وثمانين سنة. وطالعت بعد ذلك مجموع مدائح الوزير نظام الدين أبي المؤيد الطغرائي، فوجدت فيه: قال سعيد بن عبد الله بن المبارك: حدثني القاضي الأجل أبو محمد الحسن بن إبراهيم بحلب سنة أربع وثلاثين وستمائة بمنزله المعمور، من لفظه- أيده الله تعالى- قال: /11 أ/ كان سعيد بن عبد الله الحريري له أشعار حسنة ومقاصد سديدة، وألفاظ عذبة، ومعان سهلة، سمعت منه الكثير من شعره، وأنشدني معظمه،

حتى إنه لم يشذ عني منه إلا اليسير، وكانت معرفتي به مذ كان يتردد إلى الوالد- رحمه الله تعالى في سنة ثمانين وخمسمائة إلى أن توفي رحمه الله- يعرض عليه أشعاره، وجل مدائحه في الدولة الغياثية، والمملكة السلطانية الظاهرة، وأشعاره مشحونة بتشييد مكارمها، وإعلاء مفاخرها، ثم في خواصها، ووزرائها، وكتابها، وأمرائها، وها أنا قد اخترت بعض أشعاره وقصائده، وإن كان شعره كله مختارًا حسنًا، خفيفًا على القلوب سماعه، ثم قال: وحدثني الحريري في عاشر ربيع الأول سنة ستمائة قال: ذكر لي الوزير نظام الدين أبو المؤيد محمد بن الحسين بن محمد الطغرائي- رحمه الله- وزير الملك الظاهر- رحمه الله تعالى- أنه أنشد بالحضرة العالية المولوية السلطانية الظاهرية- شيد الله أركانها /11 ب/ في بعض الليالي بيتين هما: [من البسيط] إشرب هنيئًا عليك التاج مرتفقا ... في مناذمهر ودع غمدان لليمن فأنت أولى بتاج الملك تلبسه ... من هوذة بن عليِّ وابن ذي يزن فوقع التقدم إليه بأن يعمل الشعراء في هذا المعنى، فعلمت بديها: يا من تفرد في أيَّام دولته ... بسيرة ما حكتها صورة الزَّمن أفنيت مالك في ذكر نسخت به ... كسرى قباذ وأنسيت ابن ذي يزن فما أقول ومن أدنى مواهبكم ... ما عزَّ من مضر الحمراء واليمن فليخش من كان فيه مدح شاعره ... (تلك المكارم لا قعبان من لبن)

وجلَّ ذكرك قدرًا أن نشبهه ... بالعارض الهتن ابن العارض الهتن اعطيت حتَّى غوادي المزن قابلة ... تبعت غايته جهدي فأتعبني إشرب فلا تاج إلا تاج شامخة ... عزت وقالت لمن يبغي مداك: هن وأنشدني أيضًا- أبقاه الله تعالى- قال: أنشدني سعيد بن عبد الله الحريري لنفسه يمدح السلطان الملك الظاهر غياث /12 أ/ الدين- تغمده الله برحمته- وأنا حاضر بالقلعة المنصورة- حرسها الله تعالى- في ليلة عيد النحر: [من الخفيف] كلف بالحمى ووجد قديم ... وغرام بالظَّاعنين مقيم وجوى أسهر الجفون فلا النَّو ... م بها مولع ولا التّهويم وشجًا خامر للفؤاد ووجد ... بت منه كما يبيت السَّليم شفَّ جسمي سقمًا وما السُّقم إلا ... ما جناه الطَّرف المريض السَّقيم بأبي زائرًا تعسَّف نجدًا ... وزرود من دونه والصَّريم وأتى يقطع الفجاج وللظَّلـ ... ـماء عقد بالنِّيرات نظيم أودع الليل سرِّه وهل الليـ ... ـل بسرِّ الأقمار إلا نموم؟ فاكتسى الليل بهجة فلهذا ... راق ماء به ورقَّ النَّسيم وكأنَّ الثَّرى بمسراه فيه ... عنبر فض من شذاها لطيم يا لها زورة لعيني منها ... نظرة من رقادها ونعيم أذكرتني غضَّ الصِّبا حيث لا النَّبـ ... ـت هشيم ولا النَّسيم سموم واللَّيالي واها لطيب ليال ... لا ذميم فيها ولا مذموم والصِّبا في اقتباله لا جديد ... رثَّ جدًّا ولا استشنَّ الأديم

/12 ب/ حبَّذا حبَّذا بنجران رسم ... لمطايا اللَّذات فيه رسيم وعقار باكرت عانسها البكر ... ـر وفود الظَّلماء داج بهيم بندامى تناهزوا فرص اللذ ... ذات علمًا بأنَّها لا تدوم فطرقنا بالقصف حانة شمطا ... ء فكادت لضعفها لا تقوم زولة هرقليَّة النَّجر ... ما تفتأ في بيعها ما تسوم فأنخنا بها فحطَّت رحال ... بحوانيتها وفكَّت ختوم ثمَّ قالت قرُّوا عيونًا فعندي الـ ... القهوة الصِّرف والغزال الرِّيم فاغنموا غفلة الزَّمان فما العيـ ... شة إلا مدامةٌ ونديم فنزلنا من ساحها في جناب ... كلُّ طار يغشاه إلّا الهموم فأشارت إلى نزيف عُقار ... يُقعد البدر وجهه ويقيمُ فأتى حاملًا من الرَّاح شمسًا ... كلَّلتها من الحباب نجوم وجلاها صرفًا وفي شفتيه ... ما إليه هيم القلوب تهيم من عقار أريجه النَّشر لا التبـ ... ـخيس من شرطها ولا التَّحريم كرمت أن تهان بالعصر أو تسـ ... ـخوبها في قديم عصر كروم فأحيها يا مزنَّر الخضر بالقتـ ... ـل لتحيا أرواحنا والجسوم /13 أ/ وأدرها لا من يديك فما الخر ... طوم إلا ما كأسه الخرطوم واسقها مملقًا متى خاف عسرًا ... جاده للغياث كفء كريم ملكٌ طبَّق البرية جودًا ... فتساوى غنيَّها والعديم يوسفني نماه من وحة المُلو ... ك نجارٌ لا يعتليه وصوم تمّ سلطانه فسادًا الملوك الشيب طفلًا لم يُلق عنه تميم إن أساءوا فمحسن وإذا ضنـ ... ـنوا فسمح وإن هفوا فحليم

وإذا دقَّ مشكل فبصير ... وإذا جلَّ حادثٌ فعظيم لهم النَّقض لا محالة مما ... لك منه التكميل والتَّتميم ولأعدائك التأخر عمَّا ... لك فيه الإقدام والتَّقديم؟ حاولوا ما حويت من رتب المجـ ... ـد وأين السماء ممّا يروموا؟ ولك الحزم لو رميت به العصـ ... ـم لألقت بها إليك الحزوم والخلال التي كأنَّك فيها ... للثَّريا والفرقدين نديم والمساعي التي ملكت خصال السبق فيها وما عصاك سليم فتقدمت والذي أوجب التَّقـ ... ـديم سرٌّ لله فيك قديم /12 ب/ وهو شيء قضى بأنك في الملـ ... ـك إمام وغيرك المأموم فلهذا أعطأك من أمره الأمـ ... ـر سعودًا ما دَّبرتها النُّجوم نافذات أحكامها تعقد الزِّيـ ... ـج ويعوجُّ عندها التقويم وهي من دون كنهها يقصر الفهـ ... ـم وفي مثلها يحار الحكيم غير أنَّ الإقبال حظُّك منها ... ولشانيك خسفها والرُّجوم ولك الدهر لا محالة حزبٌ ... ولأعدائك الليالي خصوم ولأنت الخصوم في هذه الدُّنـ ... ـيا بما منه غيرك المحروم طلت فخرًا فما لمجدك مجدٌ ... في البرايا ولا لخيمك خيم كم خرقت النَّقع المثار بعزم ... تنتصي حدَّ غربه وتشيم فوق طرف يفوت عالية الطر ... ف وتكبو له الرياح العقيم أجرد إن زجرته فشهاب ... ثاقب أو أهجته فظليم راح يطوي البلاد لأكرك عز ... ز عليه ولا عصى داروم يا غياث الدِّين الذي يهب الأقـ ... ـليم جودًا وما عسى الإقليم

والذي ما سألته الرزق إلّا ... جاد ساح منه أجشُّ هزيم بندى راحتيك اينع غصني ... وتثنَّى فهو الرَّزين القوم /14 أ/ فلماذا أهملت حتى كأني ... في الرَّايا معبَّد وسقيم؟ تنتحيني الأرزاء طردًا فطردًا ... عن حياض ما زلت فيها أعوم غير أني أقول للنَّفس صبرًا ... تجدب الأرض تارة وتسيم ويضن الحيا لأمر ويسحو ... قطره تارة فتحيا الرُّسوم فثقي من مواهب الملك الظَّا ... هر بالنَّائل الذي لا يريم ومتى أعوجَّ أو تناقص حالي ... فبكم لا بغيركم يستقيم فادّرع حلة من العمر تُفنى ... كلّ عيد من دونها وتدوم وانحر الحاسدين ما نحر الهد ... ى بجمع وما أقام الحطيم وأنشدني قال: أنشدني سعيد لنفسه: [من الطويل] أبى البين أن يرقا لمدمعه شان ... وللبيد خفض بالركائب هتَّان وأنى يفيض الدمع أو يحمد الجوى ... ودون التداني منك يا نعم نعمان؟ ناى جلدي لمّا ترامت بك النّوى ... وولّت حمول بالفريق واظعان واسلمني بين الخليط إلى جوى ... لجفني به واد من الدَّمع ملان غرامًا بظبي ساحر اللَّحظ ساخر ... كثير التعدِّي ما تعَّداه عدوان من الغيد ما قدُّه فهو بانه ... تثنى وأما وجهه فهو بستان /14 ب/ على خدِّه القاني من الحسن روضة ... يُضاحك فيها الورداس وريحان حمى كلَّما امتدت له كفُّ قاطف ... حماه من الصُّدع المشوَّش ثعبان فيا بأبي أفدي على القرب والنّوى ... غزالًا لديَّ منه ظلٌّ وليَّان نفورًا يفوز الغير دوني بوصله ... وحظِّي صدود من هواه وهجران يسدِّد سهمًا ريَّشته جفونه ... وما السَّهم إلَّا ما أراشته أجفان فمن منصفي من منبض السَّهم مُعرضٍ ... حواجبه للنزع عوجاء مرنان

سقاني الحميا من يديه وثغره ... فملت ولا عيب إذا مال سكران عشيَّة أصلتنا القفار سعيرها ونحن بنجران فللَّه نجران وفي ديره خمَّارة هرقلية ... لها مسح تختال فيها وصلبان انخنا به والليل يبدي نسيمه ... وللغيم دمع لا يكفُّ له شان وقد صدرت ريح الصَّبا عن عبائق تضوّع من أنباتها الرَّند وألبان فقلنا وكادت لا تجيب لضعفها ... وفي طرس فوديها من الكبر عنوان اعندك يا قدسية الدَّير قهوة؟ ... فقالت: وظبي فاتر الطّرف وسنان وأومت بأطراف البنان مشيرة ... إلى بدر تمَّ ما تولَّاه نقصان نزيف أمال التيه غضَّ قوامه ... كما مال من صرف المدامة نشوان /15 أ/ فجاء وفي إبريقه مثل خدِّه ... عُقار بواري نورها استعر ألحان وقال هي الرَّاح التي ما سخا بها ... لقديسة في دير سمعان سمعان؟ يروقك في الرَّاووق منها عقائقٌ ... يذوب لها في درّه الكأس مرجان وطاف بها العيسي فينا وقدُّه ... كغُصن تثنَّى في نقا وهو ريَّان شكا خصره الرُّنَّار وارتجَّ ردفه ... فما جت بقضبان البشامة كثبان وبتنا أوثانًا عليها برانس ... لها من تصاوير الكنيسة أوثان خليليَّ لا أنسى الشباب فإنّه ... لخيل التَّصابي في الخلاعة ميدان فما العيش إلا قينة ظاهرية لها الملك الغازي بن يوسف سلطان مليك له من باذخ الملك منصب ... تكوَّن فيه قبل يوجد كيوان وجرد تهاى في الحديد كأنها ... أسود لها ناب السنّور خفان

وتحسبهم فوق الجياد أجادلًا ... تطير بها في مأزق الحرب عُقبان فوارس هيجاء تخف إلى الوغى ... سراعًا إذا خافت من الطعن فُرسان لها جلل من سابغي مفاضها ... ومن يلب العادي وللبيض تيجان /15 ب/ صدور الخيل واعتقلوا القنا ... وخاضوا غمار الحرب والنقع طوفان بكل جرئ لا يردُّ عنانه ... ولو أنَّ حصباء البسيطة أقران هو النار لكن في غدير مفاضة ... يشق به ليل الفجاجة سرحان يحنُّ إلى الحرب العوان فقلبه ... بها لا بحبِّ العامرية ولهان ويضحك واليوم العماس مقطِّبٌ ... فيرضى له الخطيُّ والقرن غضبان لدى ملك ما سلَّ غرب حسامه ... فصاحب هامًا من أعاديه أبدان ولا ركب الجرداء إلا نزعزعت ... له وهو في أرض الشام خُراسان ولا اهتزَّ يوم الجدِّ في صدر دسته ... فحنَّ لمن يرجو أياديه ميزان عُلا لا تضاهيها الكواكب رفعة وراسخ علم لا يوازيه ثهلان فلا عجب إن زدت في الملك رفعة ... ولا غرو إن ذلوا عداك وإن هانوا وأنت الذي رضت الصعاب من العلا ... بهمة من يلقى الدجى وهو يقظان ومن دأبه رعي الرَّعايا وشأنه ... حُنوٌّ على مستضعفيه وإحسان بنى مجده إذ كان للمال هادمًا ... وفي هدمه الأموال للمجد بنيان /16 أ/ وقام بأعباء الممالك ناهضًا ... بما عجزت عنه تميم وذبيان وتمَّ وما تمَّ الرِّهان لحكمة ... تبّوا منها ما تبوّأ لقمان فحيدة الكرار في متن طرفه ... وفوق سرير الملك منه سليمان يعزُّ به ثغر وملك وموكب ... ويزهى به تاج ودست وإيوان هو الظَّاهر الملك الذي في ظهوره ... دليل فما فيه مع الله بطلان حواني وأيام الزَّمان أساود ... تحاول لسبي والبرية سيدان

ومدَّ لنصري راحة مذ لثمنها ... تروَّى بها قلبٌ إلى الجود ظمأن وقالت يدي للنيِّرات تطامني ... فشأني من العلياء ما فوقه شأن ونلت وقد أصبحت خادم بابه ... بما لم ينله بابن أيهم حسان وخاطبت منه البحر بالفضل مفعمًا ... فكنت لديه باقلًا وهو سحبان وهذَّب أشعاري فصرت مهذَّبًا ... وروحت ودوني في المدائح غيلان فلا زال في ملك مديد رواقه ... على الدَّهر ما أرسي ثبير ولبنان فيا ملكًا ما فاز كسرى بملكه ... ولا ناله من قبل كسراه ساسان أرى الخلق جثمانًا وملكك روحه ... ولولا وجود الرُّوح ما قام جثمان [180] /16 ب/ سعيد بن حمزة بن أحمد بن الحسن بن علي بن نصر بن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن القاسم بن عبد الله بن سارخ، أيو الكاتب النيلي:

كانت ولادته بالنيل لثلاث خلون من ربيع الأول سنة ثماني عشرة وخمسمائة، وقدم بغداد في صباه بعد عشرين سنة من عمره. وقيل: كانت ولادته ببغداد في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، كذلك ذكر الشيخ أبو الحسن محمد بن أبي أحمد بن القطيعي. توفي يوم الجمعة عاشر شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن بمقابر قريش بمشهد باب التبن. كان صاحب شعر رقيق، وترسل حسن، فاضلًا متميزًا، خدم ببغداد في الأمور السلطانية، وامتدح بشعره الأمراء والولاة، وكان قد طاف بلاد الشام، سمع الحديث من أبي المظفر هبة الله بن أحمد بن الشبل الدقاق، وأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحراني، روى عنه من شعره الشيخ الحافظ أبو عبد الله بن النجار، وابن الدُّبيثي، وابن القطيعي وغيرهم، وكتبوا عنه. /17 أ/ أنشدني الشيخ الحافظ محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادي بمدينة السلام، يوم الأحد ثالث شوال سنة تسع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني أبو الغنائم سعيد بن حمزة بن أحمد بن الحسن بن محمد بن منصور بن الحارث بن سارخ النيلي الكاتب لنفسه: [من الطويل] هوى قاطن في ساحة الصَّدر رابع ... وبين عن الأحباب والأهل مانع إذا قلت قد جاد الزمان بأوبة ... تقر بها عيني وترقا المدامع تعرَّض يرمي عن قسي من النَّوى ... لأسهمها في قلب شملي مواقع مُنيت بفقد الصبر إذ كان جُنَّة ... تمنَّته من بيض الخطوب القواطع

وفقد بشاب كان فيه وسيلة ... بقلبي إلى البيض الحسان وشافع نضا صبغ فودي بعد ما كان حالكًا ... وأعدى إلى خطِّي وخطِّي ناصع فيا وفد شيبي ليت أنَّك ظاعن ... وعصر شبابي ليت أنَّك راجع وسامحة لي في الكرى بعد بينها ... وقد بخلت بالوصل والشَّمل جامع /17 ب/ وما زار منها الطَّيف إلا أزاره ... رسيس غرام ضمِّنته الأضالع أيا ظبية الوعساء من بطن وجرة ... هناك الكرى إني عن النوم نازع يرينيك عند القرب يأسي بعيدة ... وتدنيك أطماعي وربعك شاسع وما فقدت أطلالك البرق والحيا ... إذا قابلتها زفرتي والمدامع سأسعى فإن عزّت عليَّ مطالبي ... فدون الغنى خرق من الأرض واسع وإن أنا لم تكفل بنيل مطالبي ... بلاد فما ضاقت عليَّ المطالع وأنشدني قال: أنشدني ابن سارخ لنفسه: [من مجزوء الكامل] أما الشُّؤون فقد مضت ... والشَّأن في شأنيكما لكنَّها نضبت وسد ... د مفيضها شأنيكما ثم اجعلا ما قد بقى ... في تربتي مأقيكما فإذا أمر تكما بفيـ ... ـض الدَّمع من غربيكما حلاَّ غزاليها وخد ... دابالبكا خديكما حتى يقال بأنَّني ... بكما بكيت عليكما وأنشدني قال: أنشدني أبو الغانئم من شعره: [من الطويل] /26 أ/ لقد هجرتني أم هاجر وابتدت ... تقول لقد خابت لنا فيك آمال رأت رجلًا أعشى مسنًّا وما به ... حراك وقد أرداه بؤس وإقلال ومن جاوز التِّسعين عامًا فعدله ... برود قواه رثَّة وهي أسمال ولما رأت شيبي وفقري تنكرت ... وصدَّت وحالت حين حالت بي الحال

وماذا عسى مثلي يحبُّ وماله ... شفيع إليها لا شباب ولا مال؟ ومن شعره: [من البسيط] يا شائم البرق من شوقيِّ ... يبدو مرارًا وتخفيه الدَّياجير إذا سقيت الحيا من كلِّ معصرة ... وعاد مغناك خصبًا وهو ممطور سلِّم على الدَّوحة الغنَّاء من سلم ... وعفِّر الخدَّ إن لاح اليعافير واستخبر الجؤذر السَّاجي اللحاظ أخاالتـ ... ـعذير هل عاقه عنَّا معاذير؟ فإن يكن حال عمّا كنت أعهده ... وشاب أيمانه البهتان والزور فلا يغرنَّ مخلوقًا ببهجته ... بعدي فما ذاك عند النّاس معذور ومنها قوله: هل من رجوع إلى الزَّوراء عن كثب؟ ... وأين من واسط بغداد والقور وأين رقَّتها والدَّوح تسجع في ... أغصانها بالتغاريد الشَّحارير؟ /26/ أحنُّ شوقًا إلى تلك الديار وقد ... ضاهي بنفسجها ورد ومنثور ومالت السَّرو في خضر الثياب كما ... تمايلت في الحرير الأخضر الحور فالرَّوض والماء يجري في جوانبه ... مثل السماء على أرجائها النُّور أو مثل سندسة تزهو وجدولها الـ ... ـجاري حسام جلاه القين مشهور والغصن سكران من شرب الندى فإذا ... دعا ابن ورقاء أضحى وهو مخمور وهاتفات على الأغصان قد رقدت ... عنهنَّ في غسق الليل النَّواطير فظلن يسجعن حتى كدت من ولهي ... أقضي ولكنَّما في العمر تأخير لكنَّ وجدي بترجيع الهديل وما ... غرَّدن باقٍ إلى أن ينفخ الصور وقال أيضًا، يمدح عز الدين [مسعود] بن [مودود بن زنكي] بالموصل: من الخفيف

ناشداني برملتي يبرين ... فغرامي بذكرها يبريني وانظرا بين رامة والمصلّى ... كم غزال أودي بليث عرين يا خليليَّ خلَّياني لكي أبـ ... ـذل بالبثِّ كلَّ سر مصون واكتبا ما أملُّ من لاعج الشو ... ق فويق الثرى بماء الجفون لا تضنَّا عليَّ أن تسعداني ... فخليل الصَّفاء غير ضنين /67 أ/واضمنا فائت الكرى فعلى الضَّا ... من حقًا غرامة المضمون أمكن الوقت فاجعلا مهـ ... ـر أبكار المعاني غبَّ المهاري العون واذعر بالسُّرى فؤاد الدياجي ... وبأيدي الرَّكاب قلب البين وأنا كافل الغنى إن وصلنا ... ربع صدر الزَّمان عزِّ الدين لا تخافا سوء الإضافة في المو ... صل أو حادث الزَّمان الخؤون والفتى ذو الرياستين سديد الد ... دولة المرتجى لدفع المنون يا جوادًا علقت من فضله السَّا ... بق بين الورى بحبل متين قد أتيت الحدباء مذ عرقتني ... مدية الفقر بعد خمس سنين ردَّت الصَّدر يشبه التِّسع في التسـ ... ـع وخمسًا من نسبة السِّتين فاصرف المهمّة العليِّة في تد ... بير حالي برأي عقل رصين وابق ماذرَّ شارق لابسًا في الـ ... ـفخر ثوب التأييد والتمكين [181] سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطَّاف، أبو القاسم الهمداني المؤدب، البغدادي المولد والمنشأ: أصله من الجزيرة العمرية، يلقب الجرذ، /27 ب/ من أبناء المحدثين، وكان

محدثًا صحيح السماع، حدّث عن أبيه، والقاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي البزار الأنصاري وإسماعيل بن أحمد السمرقندي، ومات يوم الأحد ثاني ربيع الآخر من سنة ثلاث وستمائة. له شعر حسن، ولم يقع إلى منه سوى بيت واحد من جملة أبيات، وهو ما كتبه إلى بعض إخوانه يتقاضاه حاجة: [من المجتث] أراك تنسى وعودي ... مذ صرت تأكل قرضي [182] سعيد بن محمد بن سعيد بن الموفق بن علي الخازن، أبو منصور بن أبي بكر، النيسابوري الأصل، البغدادي المولد والدار: كان فقيهًا فاضلًا متميزًا متأدبًا، من بيت الدين والخير والتصوف. وسكن رباط شيخ الشيوخ، وصحب المشايخ والصوفيه، وكان أبوه وجده وأبو جده من المعهودين بالتصوف، المقيمين /18 أ/ برباط شيخ الشيوخ، وإليهم أمر الخزن به، في زمن كل من تولى مشيخة الشيوخ بالرباط المذكور. وسكن أبو منصور هذا المدرسة النظامية، واشتغل بها على الضياء ابن أبي القاسم عبد الرحمن الطيبي المعيد بها، وعلى غيره، وأقام بها من صغره، واشتغل بعلم المذهب والخلاف، وعلم الآداب والفرائض والحساب، وسمع من جماعة من مدينة السلام، وكثرت صحبته للشيخ أبي أحمد عبد الوهاب علي ابن سكينة، وسمع منه، وكتب عنه.

ولما قدم القاضي تاج الدين، وولي تدريس النظامية، لازم الاشتغال به، وسماع دروسه، واستبدل بحلقة المناظرة، كتبه، تكلم مع الفقهاء، وسمع ما كان يقرأ عليه من الفنون، وسمع منه، وكتب عنه، وقرأ عليه في مدة مقامه بالنظامية، وتعمد انفصاله عنه بالفتوى، وسمع من لفظ تاج الدين كتاب "روح العارفين"، وقرأ عليه من حفظه في سنة تسع وستمائة جميع كتاب "الخطب النباتية"، وكتاب "ألفاظ عبد الرحمن"، و"مقصورة ابن دريد"، وقرأ من حفظه عليه كتاب "الفصيح"، لثعلب، وكتاب "ملحة الإعراب"، وكتاب "المستصفى" بكماله تأليف الغزالي، وكتاب "كفاية المتفقه وتذكرة الفرضي المتنبه"، وغير /18 ب/ ذلك من التواليف. وكانت ولادته سنة تسع وسبعين وخمسمائة ببغداد، وتوفي بها يوم الجمعة عاشر رجب سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ودفن بالجانب الشرقي، بالمقبرة الوردية. شاهدته ببغداد شابًا يتفقه على مذهب الإمام الشافعي، ولم أعلق عنه شيئًا من فيه، ثم وجدت له بعد موته قطعة يمدح بها بعض رؤساء إربل: [من الطويل] سلام على المولى السديد المؤيد ... سلام بريَّاه الرّكائب تغتدي تحية من أضحى على العهد قلبه ... يراه بعيني شوقه والتَّودد إذا ضلَّ ركب نحو إربل قاصد ... فمن طيب ما أهدى مع الركب يهتدي يردُّهم قصد الطريق نسائم ... تضوع بريا الماجد القيل أحمد كريم يجول البشر في قسماته ... فأنواره كالبرق للشائم الصَّدي ترى ربعه بالبرِّ والخلق آهلًا ... فمورده بالبر أعذب مورد فلا زال في عزِّ يدوم ورفعة ... ولا زال في جدِّ سعيد وسؤدد وأنشدني ولده عبد الرحمن قال: أنشدني والدي لنفسه من قصيدة امتدح بها بعض الأمراء ببغداد، أولها يقول: [من الكامل] /19 أ/ لام العذول على الغرام مململا ... قلقًا يعقُّ من الهيام العذَّلا رضع الهوى طفلًا ولم يك واردًا ... بحر السلوِّ فما له أن يقبلا كفَّ الملام فلو شربت كؤوسه ... لعذرته وكففت عنه المقولا صب يذوب على الحبيب تأسفًا ... وتمثِّل الأفكار منه ممثَّلا

وبقيت رهن صبابة لم يلهني ... إلا ندى الملك الذي حاز العلا ملك إذا ركب الجواد تخاله ... ملكًا على ظهر الجواد تمثَّلا [183] سعيد بن محمد بن سعيد بن جحدر بن الحسين بن جحدر، أبو منصور الجزري: من أهل الجزيرة العمرية، ومن بيت مشهور بها. كانت ولادته في يوم الأحد، رابع عشر جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وخمسمائة. يروي عن شميم الحلي، ومكي بن علي بن الحسن العراقي. صار صوفيًا، نزل الخانقاه بمصر، وعنده شيء من أدب، وله طبع يواتيه في عمل الشعر. أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي بحلب قال: أنشدني أبو منصور سعيد بن محمد بن سعيد بن جحدر لنفسه: [من الطويل] /19 ب/ وما كنت أرضى أن تكون كما ترى ... ولكنَّها الدنُّنيا تجيء وتذهب إذا كنت أسعى والمقادير حكمها ... خلاف مرادي فالمقادير أغلب فلا تجزعي يا نفس وارضي بما قضى ... فإنَّ قضاء الله ما منه مهرب لئن كانت الأيام غيّرن حالتي ... فما ذاك بدع إنَّها تتتقلَّب ولا تعجبي إن كان دهري يضيمني ... فقدمًا إلى الأحرار ما زال يذنب صبرت على الشكوى واضمرت عفَّة ... فلا زمني أشكو ولا الخلّ اعتب [184] سعيد بن مودود بن سعيد بن الصباح بن المبارك، الضرير، أبو عبد الله، الكرخيني الخطيب.

كان حافظًا للقرآن العظيم، وعنده شيء من فقه، وقرأ طرفًا من الحساب والفرائض، وكان يتولى خطابة كبستدر من ولاية إربل، وبها توفي سلخ رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة، وله شعر. أنشدني أبو الفتح مسعود بن مودود بن الصباح قال: أنشدني أخي سعيد لنفسه من قصيدة أولها: [من الطويل] /20 أ/ تناشأت سيفًا صفحه الصفح والشَّبا ... وحدَّاه عزم منك يختطف العدا وإنَّ الحيا والشمس ضدّان آلفا ... بوجه شجاع الدين من حاز سوددا فتى لم يدع للشِّرك شملًا مجمَّعا ... كما لم يذر للدِّين شملًا مبدَّدا [185] سعيد بن سعد الله بن عيسى بن محمد، أبو الخير، المعروف بسيدا: من أبناء الأكراد، مولده بقرية من أعمال الموصل بنواحي عقر الحميدية، تدعى خلبتا، ونشأ بإربل، وأقام بها وزمانًا طويلًا، إلى أن توفي بها ليلة الأربعاء الحادية والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وعشرين وستمائة، وكان قد جاوز الثمانين- رحمه الله تعالى. ختم القرآن العزيز على أبي الثناء البوازيجي، وأتقن طرفًا من النحو على أبي الثناء محمود بن الحسن الضرير المعروف بابن الأرملة. كان شيخًا مداعبًا ساكنًا، من أهل الخير والعلم، وكان يتردد في إربل إلى أبناء أمرائها، يؤدبهم ويستفيدون منه، ويقرأون عليه، وله أشعار غريبة، أنشدني منها في الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي- رحمه الله-: [من الكامل] /20 ب/ صمِّد بنشءٍ من ذؤابة أحمد ... فهم الكرام الطيِّبون الصِّيد

لو أمَّهم يوم القيامة مجتد ... والنار تزفر والأنام سجود أعطوه برَّ صلاتهم وصيامهم ... كيلا يراهم سائل مردود يا ال موهوب بكم عُرف الندى ... أنتم موال والأنام عبيد وأنشدني لنفسه أيضًا فيه- رحمه الله: [من الوافر] نجوع وأنت يا مأوى المقاوى ... لنا ولكلِّ عاف مستجير ونصبح في الطَّوى خمصًا ونمسي ... ولم نقدر على خبر الشَّعير فعش ما عقَّب الصبح الدَّياجي ... وما بزغت براح على ثبير وأنشدني أيضًا فيه يهنيه بالشهر: [من الوافر] نهنِّي الشَّهر بالمولى السَّعيد ... أبي البركات ذي الكرم التَّليد فعقوتك الطواف بكلِّ ساع ... ودارك ماتني حجُّ العبيد فلا برحت عداتُك في نحوس ... ولا زلت نجومك في سعود

ذكر من اسمه سلمان

ذكر من اسمه سلمان [186] سلمان بن نصر الله بن علي/21 أ/ بن حمَّاد بن حبُّون، أبو الفوارس بن أبي المعزِّ النُّميري الرحبيُّ: من رحبة مالك بن طوق/ وهي مدينة مشهورة على الفرات بين الرقة وعانة. كان شاعرًا طلق اللسان، خبيثه، قرأ شيئًا من الفقه والأدب، أنشدني الصاحب شرف الدين أبو البركات- رحمه الله- قال: أنشدني أبو الفوارس لنفسه من قصيدة قالها في عز الدين عيسى بن مالك أولها: [من الطويل] أعاين ما حاك الرَّبيع ونظَّما ... ودنَّر من نور الرِّياض ودرهما ثياب حرير أخضر في عروضها ... أجاد لها الرَّبعي رقمًا وسهَّما ومدَّت يد الأيام تجري عوارفًا ... فنوّرها كفُّ الربيع وختّما وما هو إلا أن خلا صفحة الثرى ... بمدوس صنع الخافقين فأحكما وقابها وجه السَّماء فخيِّلت ... لنا من صفاها في البسيطة انجما ألا فاسقني بين الرياض مدامة ... وقل هاكها في الكأس نصا محرَّما يعاطيكها ظبي تخال رضابه ... أرقَّ من الصهباء ريحًا ومطعما حرى ماء ريعان الشباب بخدِّه ... فبقَّل ريحان العذار ونمنما فلم أر ماء قبل خدِّيه رقة ... جرى فوق نار يستشيط تضرُّما /21 ب/ فلولا مشيبي والحياء يصدُّني ... شفيت غليلي من جنى ذلك اللَّمى وأنشدني قال: أنشدني سلمان بن نصر الله لنفسه في ولي الدين أبي الثناء محمود بن محمد بن مقدار الحراني، وزير الملك المعظّم مظفر الدين كوكبوري بن علي- رضي الله عنه- عند توجهه إلى إربل يمدحه: [من البسيط]

أقسمت لم تُسق أرض أنت موعدها ... بالبين وهو لديها أكبر الحزن وإنما دفعت في البين قصَّتها ... إلى السَّماء فأبكت أعين المُزن وأنشدني قال: أنشدني لنفسه في الوزير أبي الثناء المذكور: [من الكامل] مات المعلِّم للمكارم والندى ... ونسوا الدين تعلّموا ما علِّموا آها لأيّام الزَّمان لو أنها بمكارم ابن محمد تتكلَّم أنشدني الشريف جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد بم أبي الغنائم الحارثي الهاشمي السويداوي قال: أنشدني سلمان بن حبون الرحبي لنفسه/22 أ/ يخاطب الملك العادل |أبا بكر محمد بن أيوب- رحمه الله-: [من مجزوء الكامل] قسمًا بال محمّد ... ما فوق ذلك من قسم إن الأمير محمّدًا ... لولاه ما خلق الكرم يهب اليراع براعة ... والسيف يخضبه بدم ويجود بالمئة العشا ... ر وليس يتبعها ندم لكنَّ تربة أرضنا ... نقلته عن تلك الشِّيم وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الوافر] أعندك إنَّ وخط الشَّيب عار ... إذا ما قيل شاب ولا قار فلا وأبيك لا صحبت يميني ... شمالي حين تهجرني العقار ولا ألقاك ممتلئًا سرورًا إلى أن يملأ القلب الخمار أعاذل في المُدام أليس شرعًا ... وعقلًا في الحياة لي الخيار؟ أأترك لذَّة الصَّهباء نقدًا ... لوعد فيه مطل وانتظار فإني إن فعلت أخو خسار ... إذا ما فاز بالربح التِّجار ذروني والمدام فكلُّ عيش ... لذيذ أو كريه مستعار

وإن طال الحساب فإن عمري ... وأيام السرور به قصار /22 ب/ أيا ذات الخمار بما حواه ... من الحسن البديع لك الخمار بياض مشرق فيه احمرار ... وطرف فاتر فيه احورار وثغر كالجمان على عقيق ... له بالمسك والخمر اختمار أديري الكأس مترعة عقارًا ... وسرِّيني بها ولك العقار أديريها بأقداح كبار ... فمثلي لا يروِّيه الصِّغار فقد هتف القماري بالندامى ... وقد غنَّى على الفنن الهزار وقد خرف الخريف لنا ثمارًا ... ولي في دنِّها نعم الثمار عروس من دم العنقود تجلى ... علينا والهشيم لها نثار فأصفر ذاك في هذا شقيق ... وأبيض ذاك في هذا بهار ألا قوما بنا فالدهر نار ... لها لهب [و] أنفسنا استعار لنقضي العمر في غمر التصابي ... ففيه لنا على الدَّهر انتصار ونمحو بالسرور طروس قوم ... عليهم في معانيها اعتبار ونشربها معتَّقة شمولًا ... لها للهم بالفرح أنتشار فلولاها لما ضربت قداح ... لدى شرب ولا عرف اليسار كما لولا ابن محمود ينال ... لما عرف الفخور ولا الفخار [187] /23 أ/ سلمان بن مسعود بن الحسن بن أحمد بن يوسف بن محمد بن محمد الطوسي. من أبناء حلب، وجملة من يعتزي إلى هذا الشأن، والطوسي هو جده الحسن بن أحمد بن يوسف، ورد حلب على عهد الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بن آقسنقر- رحمه الله تعالى- وخدمه جنديًا، وبقي بعده، وخدم ابنه الملك الصالح

أبا الفتح إسماعيل، وكذلك ولده مسعود، ثم سليمان أيضًا. وكان يخاطب بالحاجب، ويلبس لبس الأجناد، وكان شاعرًا ذكيًا فطنًا، مقتدرًا على المعاني الصعاب واستنباطها، سهلًا عليه إنشاء الشعر، التحق بالشعراء المتقدمين في حلاوة الألفاظ، واختراع المعاني، وإبداع الوصف، وحسن السبك، وكان إذا حاول معنى غريبًا لبعض الشعراء، نظمه وأتى به نادرًا بديعًا، وسرقه أحسن سرقة، وعبر عنه، ثم أتى به نادرًا، وسبكه أجود سبك ثم اشتهر شعره بمدينته، ولم يزل هو وأبوه وجده متصلين في خدمة ملوك حلب وولاتها. لقيت ولده بحلب المحروسة، وذكر أن والده توفي في عاشر صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة، عن أربع وستين سنة، فمن شعره قوله /23 ب/ في بركار: [من الطويل] ولي صاحب للمشكلات تخذته ... يساهمني في الصَّعب منها ويشرك إذا ما انبرى يومًا لقطع مسافة ... يسند من عجز القيام ويمسك يقوم على رجل ويعدو بأختها ... وتلك إذا ما سار لا تتحرَّك رهاوي سير يسبق الطَّوف سيره ... ويسقط من ضعف به حين يترك وله في ركاب دار: [من مخلع البسيط] وشاكرتي لنجل بدر ... بدر الدجى وجهه يخال إذا تثّنى رأيت غصنًا ... يميس في فرعه هلال يدني جوادًا إلى جواد ... أشجع من ضمَّه نزال وقلبه ما رأيت ليثًا ... يقود ذئبًا له غزال يا قوم كم من نبيل قوم ... أردته من لحظه نبال وأنشدني أبو محمد القاسم بن سراج الحلبي بها قال: أنشدني

الحاجب سلمان لنفسه: [من الطويل] ألا زد غرامًا بالحبيب وداره ... وإن لجَّ واش فاحتمله وداره /24 أ/ وإن قدح اللوام فيك بلومهم ... زناد الهوى يومًا فأورى فواره عسى زورة تشفى بها منه خلسه ... فإنك لا يشفيك غير أزدياره وذي هيف فيه يقوم لعاذلي ... بعذري إذا ما لام لام عذاره ووجه يضاهي البدر عند كماله ... بعيد المدى عن نقصه وسراره فلا بدر إلا ما بدا من جيوبه ... ولا غصن إلا ما أنثنى في ازاره فسبحان من أجرى الطِّلا في رضابه ... ومن أنبت الريحان في جلَّناره وقد ذبَّ عنها صدغه بعقارب ... وناظره من سيفه بشفاره فنرشف هذا بالتوهُّم عنوة ... وباللحظ ذا نجني بغير اختياره ولي منزل بالحزن أقوت طلوله ... وقرَّب مني الحزن بعد مزاره فيا غيث كم تجفو ثراه وتغتدي ... يمينًا وطورًا تغتدي عن يساره همت أدمعي فانحلَّ عقد فما به ... إليك افتقار إذ جرت في فقاره فللَّه أيام الربيع وقد شدت ... بلا بله في الدَّوح غبَّ قطاره وللغيم انداء تقلِّد شحَّه ... زرائد درِّ من نظيم انتشاره وللطلِّ أنفاس تروق كأنما ... تقضَّى أصيلًا منه كلُّ نهاره /24 ب/ فهل من نديم يستلذُّ حديثه ... لطيف المعاني فائق من خماره إذا قلت أوقد نار خمر اصطباحنا ... يكون ببرد الماء إيقاد ناره وهل مسعد والليل جامع قاره ... دجيَّ يحييِّني بجام عقاره ولي صاحب إن شئت ألهاك منشدًا ... قوافي شعر نظمها من شعاره بلحن يردُّ الطَّير عن وكناته ... ولفظ يبيت الوحش دون وجاره فتى يوشعي الفعل في الليل دأبه ... يردُّ علينا الشمس من غرب داره ويسعى بها الساقي فتحسب طاسها ... وقد شجَّها زندًا لفرط شراره

مشعشعة صاغت لزند مديرها ... سوارًا يحيل الليل ضوء نهاره سلافًا كأخلاق العزيز محمد ... ونور محياه وطيب نجاره مليك كسا الأيام والناس عزَّة ... ثياب فخار طرزها من فخاره فيا من غزاه الفقر زره وأنت يا ... حريب الرَّزايا مل ولذ بدياره تجد ملجًا للخائفين ومريعًا ... تسحُّ على العافين سحب يساره وإن كنت شاكًا فاختبره مجربًا ... لتستصغر الأخبار عند اختباره ترى جبلًا يصيبك منه لذاذة ... نسيم صبًا من لطفه ووقاره ولا يأتلي الضِّيفان ملء فنائه ... واعشاره مملوءة من عشاره ويجمع بين الشَّاء والذئب عدله ... وسطوته في بطشه واقتداره /25 أ/ فيسنح هذا خائفًا من وجاره ... ويسرح هذا آمنًا في جواره أيا ملكًا من عزمه ليس يأتلي ... له صارم يغري العدا بشفاره أأظما وبحر من نوالك زاخر ... وساقي قد ضلَّت تموج غماره؟ غواربه لا تختطى بمعابر ... وغوَّاصه لا يلتقي بقراره وأحداث دهري قارعتني وخيَّمت ... بريعي فقلبي آنس باصطباره ولولا يقيني من نوالك بالغنى ... لما كنت جلدًا في لقاء المكاره فخذ بنت فكر كالغزالة مبسمًا ... يبرقعها فرط الحيا بخماره وإن تك قد جاءتك من بعد فترة ... وكسرة طرف للحيا في أنفطاره فقد أصبحت في وجه عصري ناظرًا ... بفترته تسبي الورى في انكساره فلا زلت في امن حليف سعادة ... وضدك من خوف عديم قراره وقال أيضًا في الغزل: [من البسيط] ابدى لنا من فنون الحسن أصنافا ... تروى فتستغرق الألفاظ أوصافا زبر جدًا في عقيق زانه سبج ... ولؤلؤًا في زلال الرِّيق شفَّافا كأنَّه حين يجلوه تبسمه ... يشقُّ من شفتيه عنه أصدافا /25 ب/ يريش من مقلتيه اسهمًا وكذا ... يسلُّ منها إذا ما شاء أسيافا

والسن الزَّرد الموضون وجنته ... إذ صيَّرتها عيون الناس أهدافا فغادرت حلقات منه حين رمت ... خدوده أسهم الألحاظ انصافا ريم من الروُّم مطبوع على صلف ... يفوق غصن النَّقا قدًا وأعطافا يجاذب الريح منه لين معطفه ... كما يجاذب خصرًا منه أردافا أمير حسن تراه واحدًا وترى ... في طرفه من جنود الحسن آلافا يخال ناظره مبيضَّ ناظره ... سيفًا وإنسانه المسودَّ سيَّافا يقول لي ولهيب النار في كبدي ... يبغي بألطاف ذاك القول اسعاف لا تنكرن شعلة في قلبك اضطرمت ... ومنه أوطأتني للحب أكنافا فالعرب ما برحت جودًا تدل إلى ... بيوتها بوقود النار أضيافا أستودع الله أحبابًا فقدتهم ... بالرَّغم مني وجيرانًا وألاَّفا نذرت أدمي لثمًا إن هم رجعوا ... مناسمًا من مطاياهم وأخفافا مازلت اسأل سقيا أربع درست ... لهم برامة هامي المزن ذرَّافا حتى سقاها من الوسميِّ منهمر ... فزان مرتبعًا منها ومصطافا مثعنجر طبَّق البطنان وابله ... كأنَّه من دموعي كان غرافا /28 أ/ منازلًا لظريف الحسن كلُّ فتى ... ما يأتلي طرفه فيهنَّ طوَّافا تلقى بها الماء عذبًا والهوا عطرًا ... والظلَّ ضافي والجنَّات ألفافا وأنشدني الشريف أبو نصر محمد بن أبي ظاهر البغدادي الهاشمي قال: أنشدني سليمان بن مسعود لنفسه يمدح راحج بن إسماعيل الحلي الأسدي الشاعر: أهاجك برق بالابيرق لائح ... فدمعك من سحب النواظر سائح وتطربك الورقاء حتى كأنما ... تبثُّك اشجان الهوى وتطارح؟

وتشتاق عرف الريح جاءت به الصبَّا ... كأنَّ نسيم الريح بالمسك فائح؟ وما ذاك إلا أن لمياء بالحمى ... سرت والدُّجى هاو إلى الغرب جانح وللصبح نور من حشا الشرق مشرق ... وفيه سنى الشَّمس المنيرة لائح ومرَّت على الامرات منه فضيلة ... آكامها والصَّحاصح ودون الكثيب الفرد من آل عامر ... غرير بقلبي لا بواديه سانح يغار إذا ما عنَّ سرب ظبائه ... ويخجل منه بانه المتناوح اكتِّم اشجاني به واصونها ... ودمعي بها واش علي وشارح /28 ب/ له طرَّة كالليل والليل حالك ... على غرَّة كالصبح والصبح واضح حلفت برب البيت برًا ومن سرت ... إليه بهم خوص الركاب الطلائح لقد فاق أهل الحسن بالحسن هاجري ... كما فاق أهل الفضل بالفضل راجح [188] سلمان بن داود بن غازي بن عين الدولة، أبو داود، البغدادي المنشأ، الموصلي المولد: كانت ولادته بالموصل سنة سبع وستمائة. شاب شاهدته بالموصل سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وهو ذو قريحة في الشعر راغبة، وفكرة في صياغة المعاني صائبة، وفيه دماثة ولطافة، مدح المولى الملك الرحيم بدر الدين عضد الإسلام والمسلمين، أتابك، أبا الفضائل، نصير أمير المؤمنين- خلد الله ملكه- بهذه القصيدة، ويهنيه فيها بالنوروز، أولها: [من الطويل] قف النِّضو بالوادي فقد فاح شيحه ... وجاءت بريا ذلك الريح ريحه فإن كنت لا تبغي وقوفًا فسر به ... على مهل علَّ الذميل يريحه

/29 أ/ ولا تدن من ذاك الجناب فإنَّه ... به نابل هيهات يوسى جريحه كنانته جفناه والنَّبل لحظه ... وحاجبه قوس يبيد قدوحه أغنُّ غضيض الطَّرف أحوى حوى على ... محاسن مغنى الحُسن فهو مليحه قسا قلبه في الحبِّ حتى لقد غدا ... يُبيح دم العشَّاق بل يستبيحه يموت بداء الصَّدِّ منه قريبه ... ويهلك شوقًا في هواه نزيحه هو الروح لا روح سواه لعاشق ... كما أنَّ بدر الدِّين للدِّهر روحه سما رفعة حتى تطأطأ دونه ... سماك سما المجد الرفيعة يوحه فلا منكر ما قلته من صفاته ... وجود أمير المؤمنين يميحه على أنه كالمسك فاح وإنَّما ... خليفة رب العالمين مفيحه أقول ولا أخشى ولو خفت لم أقل ... وأحسنقول صحَّ فيه صحيحه حوى حيِّز المجد الملوك ومجدها ... وضاق لعمر الله عنك فسيحه ملأت قلوب الناس خوفًا ورحمة ... كذا البرق يخشى ثم يهمي دلوحه وأحييت بالإحسان من قد أماته ... سواك فهذا العصر أنت مسيحه فإن فار تنُّور الضغان وطاف بالـ ... ـخلائق ماء لا يغيض سحوحه فموصلك الفيجاء خير سفينة ... بها الله نجَّى الناس إذ أنت نوحه /29 ب/ لك الله والمختار والصَّفو عدّة ... وفاطم والمسموم ثم ذبيحه هم أهل بيت لا يخاف وليُّهم ... إذا شقَّ عنه في المعاد ضريحه هنيئًا لك الزُّلفى بحبِّك حيدرًا ... أمام أتى في كلِّ نصٍّ مديحه ويهنيك نيرو السَّعد تسري أمامه ... حثيثًا فمن ذا عن علاك يزيحه فلا زلت تستجلي القريض وساعيًا ... إليك به من كلِّ فجٍّ فصيحه وأنشدني أيضًا لنفسه من قصيدة: [من الخفيف]

دقَّ عظمي وخصر من أهواه ... مثل ما دقَّ في الهوى معناه دقَّ عن كلِّ ناظر رام رؤيا ... هـ بتكييف وصفه أن يراه وتعالى عن خاطر خامرته ... شبهات وجلَّ عنه ثناه لا تقسه بالبدر جهلًا فإني ... لسني البدر في السماء سناه؟ ذاك ينبو عن الرَّواء وهذا ... ليس ينبو جمأله ورواه هو أهدى من أن يهدَّي فما يو ... جد هاد إلا هَداه هُداه لو رأى وجهه الكليم وقد ألـ ... قى عصاه [ولي يجر عصاه] يا له عالمًا بما في فؤادي ... من جوى والَّذي براه يراه /30 أ/ حال حالي لمّا حوى القلب منّي ... حبّه فاحتوى على ما حواه صرت عبدًا له وقد يشغل العبـ ... ـد إذا كان عادلًا مولاه وأنشدني لنفسه من قصيدة يقول فيها: [من الخفيف] أنا ضيف الكرام جئت لأقرى ... فاقرني من لدنك مولاي حسنًا لا تكلني إلى سواك فكلٌّ ... إن تعاط الإحسان يتبعه منَّا أنا سلمان والذي بعث الله ... نبيًا يقول: سلمان منّا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] تأمَّل يوم البين تركي وداعه ... وضمّي له من بعد حسن تودُّد فأنكر صبري ثمَّ قال سلوتني ... فقلت له لا تنكرنَّ تجلُّدي مددت يد التوديع من قبل نظرة الرْ ... رقيب فكفت إذ بصرت به يدي وثانية في القلب نار صبابة ... توقَّد من حبِّيك أيَّ توقُّد خشيت على ذاك القوام تحيله ... وتذهب أنفاسي بما وجهه النَّدي وأنشدني أيضًا من شعره: [من الكامل] إني لأصرف عنك طرفي هيبة ... وأجلُّ وجهك عن مطامح ناظري /30 ب/ وأغار من فكر عليك إذا غدا ... منك الخيال مخيّمًا في خاطري

ذكر من اسمه سليمان

ذكر من اسمه سليمان [189] سليمان بن النجيب بن المعلَّى بن النجيب بن سليمان، أبو الربيع الرقي المؤدب: كان يعرف بذقينات، سكن حرَّان إلى أن مات بها، وكان شيخًا مسنًا، عُمِّر إلى أن جاوز المائة، وكان معلم صبية. وأخبرني أبو الفضل عمر بن علي بن هبيرة قال: ترددت إليه للتعليم مدة بحران، ومدح والدي بعدة قصائد، ووقع إليّ مجلد من أشعاره مقصورة على مدح الوزير ولي الدين أبي الثناء محمود بن محمد بن مقدار بن فارس الحراني، وهو إذاك وزير الملك المعظم مظفر [الدين] كوكبوري بن علي بكتكين- رضي الله عنه- بحران، وهي غثّة وفيها ركاكة، لم تصدر عن فهم ومعرفة، وتنبئ عن خفة ورقاعة، ومن قرأ شعره وتدّبره علم أنه كان معلمًا حقيقة، إذ هو ممتزج بحماقة المعلمين. ومن شعره يمدح الوزير ولي الدين محمود بن محمد/31 أ/ الحراني، وكان متشكيًا من مرض: [من الكامل] عافاك [يا] من تشتكي الرَّحمن ... يا من له المعروف والإحسان وعلت عداك كآبة فندامة ... وشقاوة وشكاية وهوان يا من تألَّم جسمه فتألَّمت ... منَّا له الأرواح والأبدان عوفيت من مرض ودمت بنعمة ... وحدت بوصف ثنائك الرُّكبان الله يرليك من يشنا علاك مجدَّلًا ... تنتاشه العُقبان والغربان ببقاء مولانا الأمير مظفَّر الدـ ... ـين الذي خضعت له الشجعان الله ينصره على أعدائه ... فعلى المهيمن ربنا التُّكلان

وأنشدني أبو الفضل عمر بن هبيرة قال: مدح أبو الربيع سليمان بن النجيب والدي بهذه القصيدة: [من الكامل] سبحان ذي الملكوت والسُّلطان ... ربّ العباد الواحد الرَّحمن أنشأ الأنام من البرا وبراهم ... والكلُّ يجمع بينهم أبوان وتشتَّتوا من بعد ثم تفرقوا ... فرقًا مع الأحوال والأديان /31 ب/ ثم اجتمعن المرشدون إلى الهدى ... منهم على الإسلام والإيمان وتفاضلوا في سعيهم ومعاشهم ... وعُلوِّهم في رتبة ومكان وتباينوا من بعد ذلك في الدُّنى ... في العيش والمعروف والإسكان هذا فقيرٌ بائسٌ مستعطيٌ .... يُمسي ويُصبح ما له فلسان ولذاك مال وافرٌ ورجاؤه ... فيه الزِّيادة وهو في رجحان والكلُّ في تعب وليست راحة ... فيها لذي بصر وذي تبيان يتكامشون على الدَّنيَّة وهي لا ... تُجدي لهم فيها سوى الخسران فعليك بالإحسان ما انبعثت به ... فيها لك القدمان والكفان وإذا رأيت أخاك وهو بكربة ... فعليك نصرته بلا خذلان وأبذل جميلًا ما استطعت ولا تكن ... ممَّن له بين الورى وجهان مولاي شمس الدِّين دعوة صادق ... يا خير من يُعزى إلى الإحسان إني رددت عليك حسن وصيَّة ... [بيضاء] في حق الأديب العاني تالله ما نفعت ولم يعبأ بها ... فكأنَّما أوصيته هجراني إن لم تكن نفعت فكن أنت الذي ... بالنِّذر موفٍ غير ذي نسيان والحمد لله المهيمن ذي العطا ... ء الجمِّ والإحسان والغفران /32 أ/ ثمَّ الصلاة على النبيِّ محمد الـ ... مبعوث من مضر ومن عدنان فاشرح بما أبغيه صدري إنَّه ... فرض عليك تعين ذا العرفان واسلم ودم في نعمة ومسرَّة ... يا خير من قد حلَّ في حرَّان

أنا منذ بنت بلوعة وكآبة ... وبنور وجهك صرت في لهثان أنت الوزير المستنير ومن له ... لفظ يفوق به على سحبان هين وليس إهانة في فعله ... لين ببسط يد ونطق لسان عجزت تفوه بوصف شكر صنيعه ... فيما تحاول وصفه الثقلان إنِّي أعيذك بالإله من الردَّى ... ومن الأذى وطوارق الشَّيطان لازال جدُّك ثابتًا حتى إلى ... مأواك عند الحور والولدان أنا لم أزل لك داعيًا ما أمتدَّ بي ... عمري وطاب لما أفوه جناني وذكرت أنَّك جئت تعبانًا فوا ... شوقي لرؤيا القادم التَّعبان ذهب العناء وفزت فيه برؤية الـ ... أصحاب والإخوان والسُّلطان الله يوليك السَّلامة ما دجا ... ليل ولاح بأفقه قمران فالسلم ودم لا زال جدُّك صاعدًا ... يعلو بتوفيق على كيوان [190] سليمان بن عبد الله بن الحسن بن علي بن عبد السلام بن محـ[ـمد بن] المبارك بن راشد بن عقال، أبو الربيع التميمي الدارمي الحلي، المعروف بابن الريحاني: كانت ولادته بمكة- حرسها الله تعالى- في السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين وخمسمائة، نزل مصر /33 أ/ وأقام بها. وهو شاعر حسن المعاني جيد الألفاظ، له عناية بالأدب والعربية، وحفظ الأشعار وروايتها، وسماع الأحاديث. أجازني جميع رواياته ومقولاته، أنبأني لنفسه ما نقلته من خط يده قال: كنا في مركب متفرجين بثغر دمياط في بركة بتشنين كالسماء، وفيها البتشنين، كالنجوم، فقلت: [من مخلّع البسيط] لله يوم به نعمنا ... لو أنَّ نعماءه تدوم

كأنما ماؤنا سماء ... فيها بتشنينه نجوم وقال أيضًا: [من المنسرح] وأسمر القدِّ ذي اعتدال ... يعجز عن وصفه اللِّسان كأنَّما قدُّه قناة ... وطرفه الأزرق السِّنان وقال أيضًا: [من البسيط] طال الثَّواء بأرض لا تخال بها ... مولى يجير من الإعسار والعدم إلا حثالة قوم لا خلاق لهم ... سادوا من اللُّؤم ما سادوا من الكرم [191] سليمان بن دواد بن يوسف /33 ب/ بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، الملك الأجود، أبو سعيد بن الملك الزاهر: من أبناء الملوك والسلاطين، وأبوه صاحب إلبيرة، وهي بلدة بقرب سميساط على الفرات. شاهدته بمدينة حلب، سابع جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وستمائة، شابًا جميلًا مقرون الحاجبين، أسمر اللون، وسألته عن ولادته فقال: ولدت بقلعة حلب المحروسة في سنة تسعين وخمسمائة. وهو من الشعراء الظرفاء، فيه ذكاء وفطنة، وله عناية بصناعة النظم، وشغف بالطرب وأساليبه، يقول شعرًا حسنًا، ويفهم معانيه فهمًا جيدًا، ويتكلم في الطب، والنجوم، والعربية، والأدب كاملًا يستحسنه من له بهذا الشأن اعتناء، إلا أن في عقله تشوشًا وضعفًا في تدبير أحواله، ولم يكن عنده مما عند أهله وأبناء عمومته من الحشمة

والتصاون، وإقامة ناموس الأسرة على عادة أبناء الملوك، وزي أهلها، بل يصنع من نفسه ما يحط من قدره ويزري بنسبه، مما لا يفعله رعاع الناس/34 أ/ والأراذل من التبذل في الأسواق، ووقوفه راجلًا فيها، واطراحه للتكلف، ومحادثته للعامة، ومعاشرته للسفلة، وأرباب الحرف الدنيئة، شديد الطيش، بادي الخرق، عنده تهور ونقصان. وكان قد جرت له وهلة مع أبيه، فأخذه وسجنه، وبقي مدة في السجن، ثم أطلق، ولم يكن في إخوته ممن له معرفة وفضل سواه، وهو منطلق اللسان، مغري بهجاء أسرته، وذوي الأقدار من الأمراء والصدور، وينشد شعره في الهجاء لمن يلقى من معارفه، ولا يستنكف من ذلك، ولا يتحاشى، ولا يؤاخذ فيما يفعله، لقربه من السلطنة. فمن شعره ما أنشدني لنفسه: [من الكامل] لو كان كأسك من مراشف فيه ... لصحا فؤادك من غرام فيه بل إنَّه المحميُّ منه بلحظه ... كيف الورود وصارم يحميه ووراء عقرب صدغه من خلفه ... ثعبان شعر عدوه يلويه وعلى أقاحي نبت فيه شقيقة ... شقّت فؤاد متيَّم يجنيه من وجهه الوضّاح يومًا أهتدي ... إذ لي بطرَّته ضلال التِّيه كالغصن منثنيًا بدا لو أنَّه ... عنّي يد للعدل لا تثنيه إنّي أشبِّهه وأعلم أنَّه ... جلَّت شمائله عن التَّشبيه سكران غادرني به متشبِّهًا ... سكري هوى إذ سكره من فيه وهو الَّذي ما إن يزال مقاطعًا ... حتى الكئيب لنحبه يقضيه إن يحترق بالهجر جسمي ممكن ... فالعود يسرع حرقه ذاويه وأنشدني في النارنج لنفسه: [من الكامل] لله نبت عذار بدر دجى ... يسعى به عصن على دعص لمّا استدار بوجنتيه كما ... دار الخسوف بحافة القرص كملت محاسنه ومن عجب ... بدر يتمُّ بحالة النقص

[أنشدني لنفسه ... من قصيدة: كم تشوِّقني الحمى وأصلائلا ... حيث الحبيب بهنَّ كان مواصلا قد انثنى شاقي الشَّمول مهفهف ... معاطفًا وشمائلا العذار لهنَّ لاح حمائلا ... وغدا لمخضرِّ الرَّياض حمائلا سقى من ريقه ... درياق أفعى الشَّعر صبَّا باطلا والرُّوضة الغنّاء تجمع شملنا ... أن تراه زائلا حلو المراشف والمعاطف لم يزل ... لك المسعول منه ولقد رأيت ... غصنًا من الرمان أضحى حاملا وتكاد ... عقارب صدغه ... من حيث تلبسني الحياة قواتلا بحر به السلسال أزرق صافيًا ... ترى على الحصباء منه سلاسلا ما إن يسيل من الجفون مناصلًا ... حتَّى تراه بهديهنَّ مناضلا وبخِّده الورد الجنيُّ مضاعفًا ... وبثغره الورد الجنيُّ مناهلا ولكم وقفت ببابه ذا حاجة ... لما رأيت الدَّمع منيِّ سائلا ولكم رأيت ... كالمغزل الأدماء إلاّ أنَّه ... أدمى قلوب العاشقين مغازلا] وكتب إلى أخيه الملك الصالح، يتقاضاه دينًا له عليه ويتشوق: [من البسيط] استغر الله لا إثم ولا سفه ... إذا تأوه للأسقام مفؤود وللشُّجون حديث في روايته ... عن الغريب غريب منه مسنود ولفظه لا تلمني إذا أبوح بها ... فرَّبما باح بالأسرار مفؤود ولا بها وحشة كلاّ ولا حرج ... لكنَّ مؤنسها من دونه البيد ولا بصالحها مولاي شائنة ... تسر شائنه إذ طبعه الجود /35 أ/ لكنَّما الزُّهد منه لا ينجِّزه ... ففي مواعيده مطل وتفنيد فقل له عن أخيه غير محرجه ... أسير وعدك في الأغلال مصفود وكيف وهو سليمان تماطله ... أما علمت شفيع فيه داود؟

وقد دعاه إلى أوطانه زمن ... بجود كفِّك فيه أورق العود حيث النَّسيم على ضعف يجاذبه ... والطير فيه لدى الأشجار غرِّيد والروض قد راضت الأنواء شامسه ... ففي خمائله فرش وتمهيد وللفرات وقد أمددته كرمًا ... فيض به كلُّ عام منك موعود أعطته نشوتها الأغصان نائلة ... فماؤه صخب الآذيِّ عربيد كأنَّما سفنه الأحداق جائلة ... لهالك الثَّغر تصويب وتصعيد تجلى اللدائن في التيار مقلعة ... فكلُّ لدن عليه الندُّ معقود والطَّرف والطِّرف في ميدانه أبدًا ... كلُّ إلى سبق الغابات مطرود فاستغنم الأجر فمن لا يبلغه ... إلى الأحبَّة إلا الضُّمَّر القود [192] سليمان بن عبد الله بن عبد المؤمن بن عليِّ، الأمير السَّيِّد الفاضل، أبو الرَّبيع، وجده/35 ب/ المستولي على بلاد المغرب. حدثني شيخ الشيوخ ابن حمويه بمدينة دمشق سنة أربعين وستمائة قال: لما وردت إلى مراكش، كان الأمير أبو الربيع في تلك المدة على مدينة سجلماسة

وأعمالها واجتمعت به حين قدم إلى مراكش بعد وفاة السيد أبي يوسف، يعقوب بن يوسف، لمبايعة ولده محمد، وزرته في داره لعله وفضله، فرأيت شيخًا بهي المنظر، حسن المخبر، فصيح العبارة باللغتين، متمكنًا من البراعة والبلاغتين، بلغني أنه كان يملي على كاتبه الرسائل الصَّنيعة بغير توقف، وإذا عرض له أمر يحتاج إلى الخطابة اخترعه بلا تكلف، وكذلك يفعل في اللغة البربرية، إلا أنني لم أسمعه يتكلم إلا بالعربية. فمن كلامه قوله في جواب رسالة إلى ملك السودان بغانة وأعمالها، ينكر عليه تعويق تجار، وردوا عليه من المغرب، قال لكاتبه: أجبه عن كتابه، واكتب إليه في اثنائه: "نحن نتجاوز بالإحسان، وإن تخالفنا في 36 أ/ الأديان، ونتفق على السيرة المرضية، ونتألف على الرفق بالرعية، ومعلوم أن العدل من لوازم الملوك، في حكم السياسة الفاضلة، والجور لا يعانيه إلا النفوس الشريرة الجاهلة. وقد بلغنا احتباس مساكين التجار، ومنعهم من التصرف فيما هم بصدده، وتردد الجلابة إلى البلاد مفيد لسكانها، ومعين على التمكن من استيطانها، ولو شئنا لاحتبسنا [من] في جهاتنا من أهل تلك الناحية، ولكننا نستصعب فعله، ولا ينبغي لنا أن ننهى عن خلق ونأتي مثله. والسلام". ووقع إلى عامل له، كثرت الشكاوي منه: "قد كثرت فيك الأقوال وإغضائي عنك رجاء في أن تنصلح، فتنصلح الحال،

وفي مبادرتي إلى ظهور الإنكار عليك [ينسيني] إلى سوء الاختيار، فاحذر فإنك على جرف هار" ومن شعره المشهور، قصيدة يمدح فيها السيد يعقوب بن يوسف، وهو ابن عمه، وولي نعمته: [من الكامل] هبَّت بنصركم الرِّياح الأربع ... وجرت بسعدكم النُّجوم الطلَّع فأمدَّك الرحمن بالفتح الذي ... ملأ البسيطة نوره المتشعشع /36 ب/ لم لا وأنت بذلت في مرضاته ... نفسًا تفدِّيها الخلائق أجمع ومضيت في نصر الإله مصمِّمًا ... بعزيمة كالسّيف بل هي أقطع لله جيشك والصَّوارم تنتضى ... والخيل تجري والأسنَّة تلمع من كلِّ من تقوى الإله سلاحه ... ما إن له غير التوكُّل مفزع لا يسلمون إلى النَّوازل جارهم ... يومًا إذا أضحى الجوار يضيع يقول فيها ويصف انهزام العدو: إن ظنَّ فراره منج له ... فبجهله قد ظنَّ ما لا ينفع أين المفر ولا فرار لهارب ... والأرض تنشر في يديك وتجمع أخليفة الله الرَّضشيَّ هنيته ... فتح يمد بما سواه ويشفع فلقد كسوت الدَّين عزًا شامخًا ... ولبست منه أنت ما لا يخلع هيهات سر الله أودع فيكم ... والله يعطي من يشاء ويمنع لكم الهدى لا يدَّعيه سواكم ... ومن أدَّعاه يقول ما لا يسمع إن قيل من خير الخلائق كلَّها ... فإليك يا يعقوب تومي الأصبع إن كنت تتلو السَّابقين فإنَّما ... أنت المقدّم والخلائق تتبع /37 أ/ خذها أمير المؤمنين مديحة ... من قلب صدق لم يشبه تصنُّع فالمدح منِّي في علاك طبيعة ... والمدح من غيري إليك تطبُّع واسلم أمير المؤمنين لأمة ... أنت الملاذ لها وأنت المفزع وعليك يا علم الهداة تحية ... يفنى الزمان وعرفها يتضوَّع

وأنشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن يوسف الغرباني قال: أنشدني عبد الرحمن بن محمد الجزولي قال: أنشدني السيد أبو الربيع لنفسه: [من الوافر] لقاؤك صيَّر الأيام عيدًا ... وأنشأ حسنها خلقًا جديدًا وقدَّ من الأديم لها خلاء ... تمايست من كواكبه عقودًا فقال العاقلون: ألمَّ موسى ... وقال الجاهل: العيدُ استعيدا وكلُّهم أثار قضاة صدق ... يقيم بها لدعوة شهودًا تعطَّر قرب مسراه فداست ... به الفرسان مسكًا لاصغيرًا وهمَّت أن تخرَّ له الدّراري ... فتلقاه ركوعًا أو سجودًا /37 ب/ ولو حذيت مطاياه خدودًا ... وأرضاه حذوناه الخدودا نحيِّي من أبي عمران بدرًا ... نلقَّي في مطالعه السُّعودا تأنَّقت الفضائل فيه لمَّا ... أتاح الله منه لها الوجودا ورامت أن تزيَّد فيه حسنًا ... فلم يدع الكمال لها مزيدًا يفنَّد من يروم له لحاقًا ... ويعذر من يبيت به مسودًا وما عدمت به الأيام شيئًا ... يسرُّ به سوى الَّا يبيدا لعلَّ مصير الدُّنيا جنانًا ... به يقضي له فيها الخلودا وله: [من الكامل] يا سائلي ما لي أراك ضئيلًا ... إني أظنُّك بالهوى مشغولًا وأرى فؤادك مثل برق خافق ... وأرى دموعك قد جرين سيولا هذي شمائل من جفاه حبيبه ... أتريد أن أمضي إليه رسولا؟ إي والعليم بما تكنُّ جوانحي ... فاذهب هديت إلى الرَّشاد سبيلا وزر الدِّيار إذا وصلت مسلِّما ... واندب بها قلبي الصَّديع طويلا واقر السَّلام على ألوف وقل لها ... بتلطُّف إحيي فديت قتيلا قتلته اسهم لحظك الجاني فما ... أبقين فيه سوى السَّقام دخيلا /38 أ/ قالت فسر نحو الحبيب وقل له ... بي مثل ما بك فاطَّرح ما قيلا

[193] سليمان بن داود بن نخلة الموصليُّ السلميُّ، المعروف بابن الكيمائية: كان ذا شعر رقيق. ومات في سنة سبع وستمائة. أنشدني محمد بن العباس الموصلي قال: أنشدني سليمان بن داود لنفسه: [من الطويل] ألمَّت صبا نجد بنا فنما الوجد ... تُخبَّرنا ما قاله البان والرَّند أتت سحرًا والليل مرخ ستوره ... عن الصُّبح والجوزاء فضَّ لها عقد عليلة أنفاس تداوي بقربها ... عليلًا أذاقته تباعدها هند تنمُّ على هند كأنَّ نسيمها ... ينشَّر فيه من ملابسها برد وعهدي بها تدني الخيال وبيننا ... فدافد قفر يقطع الإبل الوخد فما بالها ضنَّت بطيف خيالها ... وما ذاك إلّا أنَّه نقض العهد؟ خليليَّ مهلًا كلُّ لها هوى ... نعم والهوى العذريُّ معدنه نجد أكرِّر ذكر الأجرع الفرد كلَّما ... شدا طائلًا والعلَّة الأجرع الفرد سقى الموصل الحدباء كلُ مجلجل ... سحائبه يحدو بها البرق والرَّعد /38 ب/ ليفعم واديها ويخضرَّ عودها ... ويزكو على أجراعها البقل والجعد [194] سليمان بن إبراهيم بن الخضر بن محمد بن الحسين، أبو الربيع الموصليُّ، المعروف بابن الشيرجي المؤدِّب: من بيت علم وفضل، وكان له مكتب يعلم الصبيان، وكان من أهل الدين والصلاح، عفيفًا، ثقة، يرغب الناس فيه لسداده وخبرته، وكان خبيرًا بالحساب

والفرائض، مع معرفة بعلم الأدب والعربية، وقول الشعر السهل، ينظم المقطعات، ويمدح بها الأكابر. أنشدني أبو العّز يوسف بن محمود بن سلطان الموصلي قال: أنشدني مؤدبي سليمان بن إبراهيم لنفسه: [من الرمل] جمعت فيك خلال جمَّة ... الوفا والجود ثمَّ الكرم وعفاف وحياء وتقى ... وسماح وعلا منتظم وأنشدنا عماد الدين قال: أنشدنا الشيخ أبو الربيع سليمان بن إبراهيم ابن الشيرجي لنفسه: [من المتقارب] /39 أ/ ألا ما ترى فعل هذا المطر؟ أثار النَّبات وأنمى الشَّجر وأغنى العباد وأحيا البلاد ... وجدَّد للمملقين الوطر وأنشدني أيضًا قال: أنشدنا لنفسه، وألقاها على صبيان المكتب، فأنشدوها في الحذاق: [من الرجز] صُبِّحتم بالسَّعد يا آل سعد ... ما هطل الغيث يزجر الرَّعد وقرَّ عينًا يا زكيَّ الدِّين ... بالولد المبارك الأمين الكاتب الحاسب ذي الفنون ... ونزهة الأبصار والعيون [195] سليمان بن الفضل بن سليمان بن الحسين بن إبراهيم، أبو المحاسن الدمشقيُّ المعروف بابن البانياسي. أخو القاضي نبأ قاضي حلب. حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي الحسن الحنفي- أيده الله تعالى- قال: قدم علينا أبو المحاسن حلب، رسولًا من الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب- رحمه الله تعالى- إلى الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف/39 ب/- رحمه الله- واجتمعت فيها به، بدار والدي- رحمه الله تعالى- ولم يتفق لي سماع شيء منه، واجتمعت به مرارًا بدمشق بعد ذلك.

وكانت ولادته سنة خمس وخمسمائة، توفي بدمشق في السنة التي مات فيها الملك العادل- رحمه الله- وكانت وفاته سنة أربع عشرة وستمائة. أنشدني النجيب نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الشيباني الدمشقي الصفار بمحروسة دمشق بمسجدها الجامع، يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني أبو المحاسن لنفسه في جزار رآه وفي يديه مدية: [من السريع] يا جازرًا في يده مدية ... من لي بأن أطمع في وعدك؟ مكِّن فمي من قبله مرَّة ... في الخدِّ واذبحني على زندك [196] سليمان بن بليمان بن أبي الجيش بن عبد الجبار بن بليمان الصَّائغ، أبو الربيع الإربلي: أخبرني أنه ولد سنة تسعين وخمسمائة برعبان، من نواحي حلب. من [كتاب] إنشاء الأربليين وهو أحد من /40 أ/ لقيت بها من المتأدبين. شاب قصير لطيف الخلق، خفيف اللحية والعارضين، ذو حركات موزونة، ونوادر بالدعابة والمجون معجونة، صاحب أهاج ومدح، ومحاضرات وملح، ولم يزل يترامى إليّ القريض بصحة فهمه، حتى صار له طبع في إنشائه ونظمه، واستظهر من

الأشعار أحسنها وأفصحها، ومن غرائب الحكايات ألطفها وأملحها، جاري اللسان في الحديث، وإذا حضر مجلسًا لم يرض أحدًا فوقه في الكلام إلا وهو مستمع قوله، فتراه إذا أنشد يتشدق في إنشاده، ويحترز من اللحن في إيراده، ويستغرق في الثناء ويأتي به من المنظوم والمنثور، ويستحسنه غاية الاستحسان والظهور، فتارة يشير بيده، ومرة يحرك رأسه، وطورًا يهّز منكبيه، ثم لا يرى السكوت عن نادرة تقع له في محفل ناس ولو أن فيها إراقة دمه. فمن شعره ما كتبه إلى المولى الأمير الكبير الأصفهسلار عماد الدنيا والدين أبي المحاسن يوسف بن الأمير علاء الدين طاي بغا، متولي حلب أعلى الله قدره: [من الطويل] /40 ب/ ألا يا عماد الدِّين والمالك الذي ... له راحة تربي على صيِّب القطر وأروع طلّاع الثَّنايا محلُّه ... وهمَّته أعلى من الأنجم الزُّهر وبحر نوال لا يغيض قراره ... وليث وغى يعدي على نوب الدَّهر لئن غبت يومًا عن فناك فإنَّ لي ... ثناء يفوق الدُّر بالنَّظم والنَّثر فلا زلت محمود العوارف ما شدت ... مطوَّقة ورقاء في الورق الخضر أنشدني يمدح الوزير الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي- رحمه الله-: [من الكامل] هل عند سكان اللِّوى والأجرع ... علم بما تطوى عليه أضلعي أم هل درى ذاك الغزال بأنَّني ... باك على آثار تلك الأربع؟ سكن، اللَّوى وله فؤادي منزل ... ورعى النَّقار مياهه من أدمعي ناء يمثِّله الضَّمير وأن غذا ... يحمى بأطراف الرماح الشُّرَّع إن يمس ممنوع الجناب فإنَّني ... فيه أخو خوف وقلب موجع يا سعد قف بلوى المحصّب ناشدًا ... قلبًا يسير مع الخليط المزمع

ومسائلًا هل أقفرت من بعدنا ... أرض الحمى من أهل ذات البرقع؟ إني ليطربني الحمام إذا شدا ... سحرًا وأهفو للبروق اللُّمَّع /41 أ/ ويشوقني مرُّ النَّسيم إذا سرى ... منهم وتتبعه سحائب مدمعي هل مسعد لي في البكاء عليهم ... أم هل يفيد تلهُّفي وتوجعي؟ كيف السَّبيل ولي رقاد نافر ... من بعدهم وسهاد جفن طيِّع؟ أتراك ما تجدي عليك شكاية ... من بعدهم لرسوم ربع لا تعي؟ خفِّض ودع عنك التَّعلُّل بالمنى واعدل إلى ربِّ الجناب الممرع نجل ابن موهوب الوزير وماجد ... شاد الفخار وذي المحلِّ الأرفع جبلت على حسن الفعال طباعه ... فأتت خلائقه بغير تطبُّع فإذا أتيت حماه فاسجد واقترب ... فهناك آمال البرايا ترتعي فإلى أبي البركات تخترق الفلا ... هو جاء تطوي كل قفر بلقع تبغي [تحجُّ بنا] لأروع ماجد ... وأعز منتجع وأعذب مشرع [مولى تفرَّد بالمكارم والعلا ... وسما بقوم كالنُّجوم الطُّلَّع] زهر [الوجوه] عريقة أنسابهم ... شادو الفخار بكلِّ ليث أروع تغنيك سطوة عزمه يوم الوغى ... عن كلِّ مسنون السِّنان مدرَّع شرف له برج السعادة منزل ... ناهيك من مرأى لديه ومسمع فبه أصول على الخطوب وأجتلى ... وجه الزَّمان وفيه يصدق مطمعي وبذكره يسمو القريض فمدحه ... أمسى يشوقك لا ظباء الأجرع /41 ب/ وأنشدني لنفسه في البهاء ابن صامح، ويذكر أنَّ أصله كان يهوديًا، وأنه لا يفي بعهد مسلم: [من الكامل] لا تطلبنَّ من البهاء مودَّة ... فلقد ثنته عن الجميل جدود

واعذره إن خان الوداد وضيِّعت ... يومًا لديه مواثق وعهود فشعاره لا يفي لخليله ... ومتى وفت للمسلمين يهود؟ وأنشدني أيضًا يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات: [من الطويل] ألا قل لمن يبغي الغنى متطلَّبًا ... وتعنق في نيل الأماني ركائبه رد المنهل العذب الذي طاب ورده ... وراقت على كلِّ [المياه مشاربه] متى شمت برقًا للوزير تدفَّقت ... عليك غوادي جوده وسحائبه وإن أنت وافيت المبارك طالبًا ... لرفد تلقَّاك الذي أنت طالبه جواد جرى في حلبة السَّبق والنَّدى ... وفاضت على كلِّ الأنام مواهبه هو الغيث يروي كلّ صاد على الثَّرى ... هو البحر حدِّث ما أرتك عجائبه ترفَّع عن حدِّ القياس مديحه ... كما ارتفعت فوق السِّماك مراتبه /42 أ/ وكلَّ لسان الشُّكر في وصف ماجد تفرَّد حتَّى ما تعدُّ منا قبه ينيلك من قبل السؤال تكرُّمًا ... ويعطيك أضعاف الذي أنت طالبه ولما رأيت الدَّهر يعنو لأمره ... وما في بنيه ربُّ فضل يناسبه خطبت له أبكار نظمي لأنه ... يحقُّ له من كلِّ مدح غرائبه وأنشدني أيضًا فيه- رحمه الله-: [من الكامل] يا أيُّها المولى الوزير وماجد ... في كفِّه البيضاء خمسة أبحر ورضيع درِّ المكرمات ومن له ... جود كمنهلِّ السحاب الممطر فاق الأنام بهمَّة مشكورة ... وعزيمة قرنت بسعد المشتري وخلاقه كالرَّوض باكره الحيًا ... فزهت خمائله بأحسن منظر مولاي [قد جاءتك] مدحة شاكر ... مثن على علياك غير مقصِّر أخنت عليه صروف دهر جائر ... أبدًا يجوز على اللَّبيب ويجتري فلقد بعثت بها وفي ألفاظها ... عتب ويقنع عن لقاك تأخُّري إذ لي ولاء يشرب صفاءه ... كذر وعهد مودَّة لم تخفر هب أنَّني لا أقتضيك بنائل ... أفما ترى درر الثَّناء فتشتري! ؟

فاقبض شوارد فكرة ألفاظها ... تغنيك حسنًا عن ظباء محجَّر /42 ب/ وأستر محاسن وجهها عن باخل ... برزت له من بعد طول تخدُّر فإليك أشكو صرف دهر إنني ... بك استعين على العدو المفتري واسلم ودم في خفض عيش ما جلا ... جنح الدُّجى فلق الصّباح المسفر وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] قيل لي لم تركت دار بهاء الد ... دين ذي الجود والنّجار العريق؟ وتبدَّلت صابحًا غير ذاك الـ ... ماجد السَّمح والودود الشَّفيق قلت ما إن تركته عن كلال ... بل تحقَّقت غاية التَّحقيق إنه لا يفي لخلِّ ولا ير ... غب إلا في فاسق زنديق قلَّ من يحفظ الذِّمام ومن تلـ ... ـقاه عونًا في كلِّ أمر مضيق وأنشدني أيضًا يمدح الصاحب شوف الدين أبا بركات المستوفي- رحمه الله-: [من الوافر] ألا يا خائض اللَّيل البهيم ... مجدًّا في الذَّميل وفي الرَّسيم ومفني العمر في خدع الأماني ... ومغرورًا بتسآل الرُّسوم إذا جارًا الزَّمان عليك يومًا ... واعرض عنك كلُّ أخ حميم ولم تظفر بسمح أريحيِّ ... ولا من وجهه حرُّ الأديم /43 أ/ وأسلمك الرجاء إلى أناس ... ترفَّع عندهم قدر اللَّئيم فلذ بحمى ابن موهوب المرجَّى أبي البركات ذي الطَّول العميم حمى ينجيك من صرف اللَّيالي ويدقع حادث الخطب الجسيم جواد لا يملُّ من العطايا ... سحاب نداه مرتجز الغيوم له شرف على كلِّ البرايا ... ومجد فوق مرتبة النُّجوم تزيد بمدحه الأشعار حسنًا ... كحسن الدَّرِّ في العقد النَّظيم فغنِّ بذكره وانشر ثناه ... ودعني من حديث ظبا الصَّريم فقد قدمت بطلعته سعودي ... وقد ذهبت برؤيته همومي

فلا برح الزمان له مطيع الـ ... أوامر ما سرى وفد النَّسيم وأنشدني أيضًا لنفسه فيه يمدحه: [من الكامل] يا أيها [المولى] الوزير وماجد ... شاد العلاء بجوده وبفضله ومن الَّذي بمقاله وفعاله ... أضحى يصول على الزَّمان وأهله قد أصبحت أيامنا بك غبطة ... وارتدَّ كلُّ ذوي عمى عن جهله فلتفخر الدُّنيا بمجدك ولتطب ... نفسًا فقد سمح الزَّمان بوصله مولاي كيف يروم شأوك باخل ... أمسى يضنُّ على العفاة ببذله؟ /43 ب/ ويبيح في طلب المآثم ماله ... ويصون حسناه لطالب ظلِّه يكفيك منه إن حضرت بمجلس ... يثني عليك على ضغائن ذحله وكفاك حبُّك للنبي وآله ... من أن تضام وقد علقت بحبله [لا زال هذا الدَّهر طوعك دائمًا ... يسعى لديك بخيله وبرجله] وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] رويدك إن عذلك غير مجدي ... فلا تضرم بعذلك نار وجدي ففي أذنيَّ وقر عن سماع الـ ... ـملام وفي الهوى عيُّ كرشدي عذولي لا تزد بلواي بلوى ... فسقمي قد تجاوز كل حد فليس من المروءة عذل صب ... تطير بلبِّه نفحات نجد أسير لا يفكُّ له قياد ... بنرجس مقله وبورد خدِّ يعيد غرامه ذكر اللَّيال الّتي سلفت بنعمان ويبدي ألا يا صاحبي إن كنت ترعى ... مواثيقي الألى وقديم عهدي علام إذا تألق برق نجد ... يؤرقني خلاف الرّكب وحدي! ؟ وأسكب عند ملمعه دموعًا ... تفوق السُّحب إن هطلت برعد وإن نسمت نسيم الغور تهدي إلىَّ أريج حوذان ورند

/44 أ/ أو ارتفعت بأعلى الغور نار ... تؤرقني على قرب وبعد أرحني صاح من ذكر البوادي ... وخلِّ عن القباب قباب سعد فقد ملكت بنو الأتراك رقيِّ ... بهزل من تجنّيهم وجد ظبًا صرعت أسود الغاب فاعجب ... لآرام لأسد الغاب تردي بدور دجى أقلَّها غصون ... غنوا عن كل خطِّي بقدّ يحل عزيمتي أنَّى تصدَّوا ... بحلٍّ من بنودهم وشدِّ كلفت بهم ولا كلفي بمولى ... أسيرُ إليه في حل وعقد فكم سير لغرس الدين سارت ... العافين من شكر وحمد له [أيد على كل] البرايا ... ولا سيما خلاف الناس عندي [سخا في المكر] مات جدود صدق ... صناديد الوغى وبناة مجد لهم في المنتدى حلم الرواسي ... ويوم الرّوع سطوة طلِّ ورد أداود الذي لولاه ضاقت ... لديَّ مذاهبي وأسيغ وردي ومن بمديحه ذهبت نحوسي ... وأقبل حيثما يمَّمت سعدي أتاك العيد يأذن بالبقاء ... الطويل وكلّ إقبال وجد /44 ب/ تهنَّ به ودم ما دام رضوى ... على رغم الحسود وكلّ ضدّ وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض الرؤساء: [من الوافر] أيا مولى زكا أصلًا وفرعًا ... وجاد فما له في الجود ثاني ومن في راحتيه للمعادي ... وللراجي المنايا والأماني لقد عمَّت مكارمك البرايا ... ولكن قد تخطّت عن مكاني وما خابت قداحي فيك لكن ... أرى الحرمان من ذنب الزَّمان وما أشكو سوى حظّي وإني ... أعيذ علاك بالسَّبع المثاني

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] ألا يا أيُّها المولى المرجَّى ... ومن حاز المكارم والمعالي وبحر للورى في راحتيه ... سحاب الجود منهل العزالي إذا ما يمَّم العافي حماة ... كفاه نداه عن ذلٍّ السُّؤال وإن بلغت إليه بنا المطايا ... فإنا بعد ذلك لا نبالي لقد حسنت به الأيام حتى ... لياليها أضاءت كاللآلي له القلم الذي أنّى انتضاه ... تدين لبأسه سمر العوالي وعزم يملأ الآفاق رعبًا ... تقصِّر دونه بيض النِّضال /45 أ/ سما نحو العلا مذكان طفلًا ... فأصبح فيه جيد الشِّعر حالي ومذ حلَّت بمربعه ركابي ... أمنت بذاك حادثة الليالي أيا مولاي تاج الدِّين إنِّي ... أعيذ علاك من عين الكمال أمانًا لي من التقصير إني ... أجلك عن شبيه أو مثال وعفوًا عن تجاهل وصف مدحي ... لأنَّ العفو من شيم الموالي ولا زلت نجومك في سعود ... وأمرك نافذ الأحكام عالي وأنشدني لنفسه في إنسان يعرف بالمريض: [من المتقارب] وقالوا: المريض به خلقة ... وقد كاد يتلف من فعلها فقلت لهم قول ذي فطنة: ... تعود الطِّباع إلى أصلها وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] قم بنا يا أخا المكارم نسعى ... لارتشاف الطَّلا وعضّ الخدود واغتنم غفلة الزمان وحاذر ... أن تبيع الموجود بالمفقود وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] مولاي تاج الدِّين عبدُك لم يزل ... يثني عليك بنظمه وبنثره

/45 ب/ قد أضحت الدُّنيا بكم مسرورة ... وصحا الزَّمان وأهله من سكره وغدت لجودك في الزَّمان سحائبٌ ... تربي على فيض السَّحاب وقطره لا فارق الإقبال طلعتك التي ... تزهو على حلل الرَّبيع وزهره يا جوهري الشِّعر مدحة مادح ... وافى بمخشلب القريض وشذره فأعجب لقصَّة تاجر من جهله ... جاءت إلى هجر تجارة تمره وأنشدني لنفسه من قصيدة في شرف الدين المستوفي: [من الكامل] شرف المناصب أن يحَّل صدورها ... الشَّرف المبارك ذو النَّدى والجود مولى إذا ذكرت مناقب مجده ... اغنتك عن ذكر استماع العود ومنها: مولاي كم لي فيك من مدح غدت ... أبهى وأحسن من نظام فريد تربى على المسك السحيق بنشرها وتفرق شعري جرول ولبيد لو شام بارقها الوليد لما انبرى ... في ذكر رملي عالج وزرود

أو لو تأمَّلها ابن أوس لم تقل: ... (أريت أيَّ سوالف وخدود) وأنشدني لنفسه أيضًا: [من السريع] /46 أ/ قل لفلان الدِّين يا من له ... رشح ندى يربي على القطر ومن إذا قصَّرت في وصفه ... فحلمه يبسط لي عذري يا أيها الصَّدر الكبير الذي ... فاق الورى بالنَّظم والنَّثر لقد تفرّدت ببكر غدت ... عذراء لم تفرغ مدى الدهر بدرَّة القصّار لكنَّها ... تفوق في الحسن على الدُّرِّ لها معان أودعت لفظها ... تقصر عنها دمية القصر فلا تملّكها لغير امرئ ... يبذل فيها أوفر المهر أنها شادت لأهل النّهى ... مآثرًا تبقى إلى الحشر وليس [من] يعرف مقدارها ... إلّا المليك الأشرف القدر لا [مثله بين] الورى رفعة ... وأعرف العالم بالشِّعر لا زال في هام العدا سيفه ... مؤيدًت بالعزِّ والنَّصر [197] سليمان بن جبرائيل بن محمد بن منعة بن مالك بن محمد بن سعد بن سعيد بن عاصم/46 ب/ بن عائذ بن كعب بن قيس، أبو حامد ابن أبي القاسم العُقيليَّ الإربليَّ الفقيه الشافعيُّ، المدرِّس، الملقب بالجعل. ولقب بذلك؛ لأنه كان شديد سمرة اللون. وقد ذكرت والده في كتابي المتقدم المترجم بتحفة الوزراء، المذيل على معجم الشعراء، لأبي عبد الله المرزباني.

من أكبر بيت بإربل في الفقه والعلم، سافر إلى البلاد الخراسانية، في طلب العلم، ووصل بخارى وسمرقند، فأقام زمانًا، ثم انكفأ إلى بلده، وصار مدرس الشافعية وفقيهها. وأنفذ رسولًا عدة مرات إلى مدينة السلام، من قبل الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بكتكين- رضي الله عنه. وتولع بقول الشعر، ولا طائل له فيه، ويقول منه اليسير. أنشدني لنفسه: [من الرمل] لا تسل عن ذلك الربع وسل ... أين أرباب قدود كالأسل لعب البين بهم فافترقوا ... آه من جور زمان ما عدل وأنشدني أيضًا لنفسه يرثي صديقًا له: [من الكامل] /47 أ/ في كلِّ بيت مأتم من فقده ... فكأنّه للعالمين نسيب يا أوحدًا فجعت به مهج الورى ... فبكت عليه نواظر وقلوب روَّى ثراك وآنستك تحيّة ... تغدو على طول المدى وتؤوب [198] سليمان بن أبي أبي طالب بن عيسى حامد الخيَّاطـ، أبو الرَّبيع البلديُّ، المعروف بابن بصيلة. رأيته شابًا أشقر طويلًا أبيض، يخضب بالحناء، وكان شاعرًا ذا طبع صالح في السعر، ويصنع الحكايات، وينشئ الأسمار، ويوشحها بالأبيات الحسنة من قوله، وربما ظهر في ذلك تعسف، وكان شيعيًّا مغاليًّا في ولائه، يتكسب بشعره، وله في أهل البيت- صلوات الله عليهم- مديح كثير. وبلغني أنه توفي ببلدة في جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وستمائة، ليقيته بالموصل سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وأنشدني لنفسه في الوزير الصاحب شرف

الدين أبي البركات المستوفي- رحمه الله- وقد قدم من غيبة، ويقتضيه/47 ب/ رسمًا له عليه: [من الكامل] أهلًا بمقدمك السَّعيد ومرحبًا ... يا من يرى طلب المعالي مطلبًا فارقتنا فتفرقت أرواحنا ... شوقًا إليك وحنة وتلهبًا فإذا خلت منك البلاد فلا خلت ... أبدًا ولا وجدت محلًا مخصبًا طلت الأنام فصاحة وسماحة ... ورياسة ونفاسة وتهذَّبا وعلا محلَّهم محلُّك إذ غدا ... فوق السِّماك مخيِّمًا ومطنِّبًا مال الزَّمان إليك ميل مسأعد ... لمّارآك تحبُّ أصحاب العبا ألهمت نفسك نيل شأو ومتعب ... فنزلت للساعين شأوًا متعبًا رام العلا قوم فخيَّب ظنَّهم ... فيه وأشقاهم لذاك وأتعبا وأتى إليك مع السؤال قبوله ... متقرِّبًا ومناه أن يتقرّبا مولاي إني قد مُلئت تشتتا ... وتفرُّقا عن موطني وتغربا فاجمع بجودك لا عدمتك جائدًا ... شملي فقلبي نحو ذلك قد صبا رسم عليك مبين فأنعم به ... لأرى بذاك من الحبيب تقرُّبا فإذا رأى يسري تيسَّر أمره ... ويقول أهلًا بالمحبِّ ومرحبًا وأنشدني لنفسه من قصيدة/48 أ/ يصف الممدوح: [من الخفيف] أذن الله للملائكة الأر ... بع ألا يوفدون فيما يقول فانثنوا طائعينه خيفة اللَّـ ... ـه وكلٌّ بكلِّ وجه كفيل فإذا كان ساخطًا أمَّ بالسُّخـ ... ط إلى ما يشاء عزرائيل وإذا كان راضيًا يتولَّى ... نصر من رام نصره جبريل وإذا ما أراد مجتمع الخلـ ... ـق كفاه المراد إسرافيل وإذا ما اجتدى سحابًا من الجو ... د أحلَّ السَّحاب ميكائيل وأنشدني لنفسه: [من الكامل] ومهفهف غنج اللِّحاظ تخال في ... أجفانه كُحلًا بلا تكحيل سلب [النفوس] وقد تبدَّى وجهه ... كالشَّمس مشرقة بغير أفول بسواد شعر كالدُّجى متسلسل ... ورياض خدٍّ كالصباح أسيل

قد طرَّز الشَّعر المنمنم خدَّه ... مسكًا فقلت مقالة المتبول تمَّت عذاراه فحاولت المنى ... في ثغره فهممت بالتَّقبيل فبدرن آساد اللحاظ مغيرة ... تسطو بكلِّ مهنَّد مصقول فتلبَّست وجناته لمّا انجلى ... نقع الوغى بنجيع كلِّ قتيل /48 ب/ وأنشدني لنفسه: [من البسيط] سعيًا على الرأس لا سعيًا على القدم ... من فرط شوق إلى ريم يريق دمي أحنو عليه وقلبي منه في ألم ... يعيي الدَّواء وجسمي منه في سقم لي علَّة منك سدَّاها ملالك لي ... وبرؤها نهلة من ريقك الشبم كن كيف شئت فإنِّي كيف شئت وإن نقمت منِّي فإني غير منتقم أحبابنا لا تظنوني لبعدكم ... اضمرت غدرًا فليس الغدر من شيمي عندي قديم غرام ما تغيره ... يد التّناسخ بالأحداث والقدم ما لي أحنُّ إذا لاحت خيامكم ... واستلذُّ بنشر الضَّال والسَّلم؟ وما الخيام وادي المنحنى غرضي ... وإنما غرضي في ساكن الخيم وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] تحنُّ إلى قرب المزار وبعده ... وتصبو إلى شيح العذيب ورنده ويطربها الحادي فتهفو إلى الحمى ... لطيبة مرعاه ولذَّة ورده ويلهمها ذكر المحصَّب وجدها ... به وكذاك الصَّبُّ يُغرى بوجده ولولا الهوى ما كان في الأرض منزل ... يطيب ولا خلٌّ يسر بورده ألا أيُّها البرق اليمانيُّ لامعًا ... أماء حيًا يهمي انسكابًا برعده /49 أ/ تعرَّض بآرام العقيق فإنَّ لي ... لديهنَّ ريمًا قدَّ قلبي بقدِّه تملكته عبدًا فلمَّا هويته ... ثناني الهوى عبدًا حقيرًا لعبده على أنني راضٍ ومن لي أن أرى ... رضاه بذلِّي في جلالة مجده وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]

عجبوا بابتهاج لوني وألوا ... ن المحبيِّن من أذى الوجد صفر قلت لا غرو إن تمثَّل في وجـ ... ـهي نور ففي فؤادي بدر وأنشدني قوله: [من الكامل] قد قلت يومًا للحبيب وعيشنا ... صاف ومنهل قربنا لم يطرق أهجر وصدَّ وكان أصل مقالتي ... مزحًا وباغي المزح غير موفَّق فجفا وصدَّ بجهده فتضرَّمت ... كبدي وشاب من اتَّجافي مفرقي فعلمت حقًّا بعدها وتيقَّنا ... أن البلاء موَّكل بالمنطق وأنشدني أيضًا من شعره: [من البسيط] وقهوة تنعش الأرواح صافية ... تُسابق الرِّيق من مشروبها السَّلس صفراء حمراء بيضاء المزاج لها ... طعم ألذُّ وأحلى لي من اللَّعس نظرتها وظلام اللَّيل معتكرٌ والعين حاسرة من ظلمه الغلس /49 ب/ فقلت جذوة نار غير كاذبة بدت كما قال موسى ليلة القبس فجئتها وإذا راح مشعشعة ... تزيد قوَّتها في النَّفس والنَّفس فشاقني نهلة منها فصرت بها ... ما بين منتهل ريًّا ومقتبس وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف] فاشرب الكأس وانهل الطَّاس واستثـ ... ـن على اللَّهو بالآواني الكبار من مدام إذا بدت في دجى اللَّيـ ... ـل أعارته مستضاء النَّهار أرسلوها في الكأس سرًّا فما ... مكَّنها من تحجب واستتار فاختفى كأسها فليس لنا علـ ... ـمٌ بما فيه جامدٌ أم جاري فكأن الحباب في الكأس ما بيـ ... ـن كبار منظومة وصغار وهي في راحة المدير وقد طا ... ف بها مسرعًا على السمَّار حقُّ درٍّ إلى التِّجار تهادي ... لازدياد في راحة السِّمسار

[199] سليمان بن المظفَّر بن موسى بن منصور بن عيسى بن نصر، أبو الربيع الإربليُّ، المعلِّم: ذكر لي أنه ولد بقلعة إربل سنة ست وستين وخمسمائة /50 أ/ وهو أستاذي الذي علمني الخط، وله عليَّ حق الوالد على ولده. انتقل من الموصل إلى إربل، وفتح مكتبًا يؤدب فيه الصبيان، وانثال عليه خلق كثير، وأتوه من كل مكان، ورغب الناس فيه لعفته وديانته، وكان ذا هيبة على المتعلمين، وأكثر أبناء الرؤساء والمعتبرين بالموصل عليه تأدب، وبه تخرج، وبقي مدة طويلة في التعليم والتأديب، وصار له ثروة، ثم ترك ذلك، وسافر إلى البلاد تاجرًا، ثم أملق، ونفذ ما اكتسب، وساءت حاله، فرتب وكيلًا بين يدي القاضي أبي علي بن عبد القاهر الشهرزوري بالموصل. وكان يقول أشعارًا، يخلطها بالهزل، ويظهر فيها الإحماض، أنشدني لنفسه ما كتب إلى سعد [الدين]. منوجهر بن محمود بن محمد الأصفهاني الكاتب: [من الطويل] ألا قل لسعد الدِّين أسعده الله ... وحيَّاة من بين الأنام وأحياه وسلَّمه من كلِّ خطب يسوؤه ... وأعطاه من دنياه ما يتمنَّاه عبيدك يا مولاي قد جدَّ جدُّه ... وقد عضَّه الدَّهر الخؤون وعاداه فجد بالذي يرجوه منك ولا ترق ... بردِّك يا مولاي ماء محيَّاه /50 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] قالوا المشيب نذير الموت قلت لهم ... كم من صغير قضى نحبًا وما شابا وكم رأينا فتيَّ السِّنِّ قد علقت ... به شعوب وشيخًا عاش أحقابًا وأنشدني أيضًا قوله: [من المقتضب]

بالمهيمن الصَّمد ... من هواك خذ بيدي وأكشف الثياب ترى ... ناحلًا من الكمد صل ولا تصدَّ فقد ... أنحل الهوى جسدي صاح قد أريق دمي ... أين طالب قودي؟ يا عذول دع عذلي ... كم تلجُّ في فندي لو نظرت طلعة من ... قد هويت من بعد كنت آمنًا آبدًا .. من نوازل الرًّمد وأنشدني قوله: [من الوافر] أهمُّ ودون همَّتي الثُّريا ... وحظِّي في الحضيض له قرار ولو قمر السماء جرى بسعدي ... لستَّره لشقوتي السّرار ولي شيم حسنَّ وطاب خيمي ... وخلقي لا يغادره وقار /51 أ/ فلو أني بعثت إلى ثمود ... لصالح صالحًا فيها قدار [200] سليمان بن أبي البدر عبد الله بم محمد بن سلامة، أبو الرَّبيع البغداديُّ. شاب قصير، يتزيا بزي المتصرفة، يعرف بالمقاماتي، زعم أنه عمل خمسين مقامة على نهج القمامات الحريرية. عار من الفضل، لم يكن عنده من العربية ما يُقوِّم به لسانه، يلحن كثيرًا إذا أنشد شعرًا، ويخطئ إن أورد نثرًا، ويظهر في نثره ونظمه تكلف رديء، ولزوم يأخذ نفسه به من التعسف، ولم يحسن شيئًا من العلوم البتة. وذكر لي أنه صنَّف عدّة مصنفات، فشاهدته عدّة مرات يتناول كتابًا ذا خط معرب صحيح، فإذا ابتدأ بقراءته يصحف ويلحن، ويتلعثم في القراءة، ثم ينتمي إلى الكتابة وفن الإنشاء والرسائل، وله في ذلك مصنفات، ذكر لي أسماءها منها كتاب: "ملتمس

الجوانح"، يتضمن صنعة الإنشاء، وكتاب "إنهاء المصالح بالوزير الصالح" /51 ب/ وكتاب "مستنبط التسليك في معرفة المليك"، يشتمل على حكم وآداب وبلاغة وفقر، وكتاب "أنوار المسامرة وأزهار المحاضرة"، يحتوي على طرف من الإنشاء، واستدعاآت، وغير ذلك، وكتاب "المقامات"، انتهج فيها منهج الحريري في فنونها ومقاصدها، وكتاب "بلوغ الأمنية في التهاني الأمينية"، صنفه برسم أمين الدين أبي المكارم لؤلؤ بن عبد الله البدري، وهو مما كتبه إليه في المواسم والتهاني، وقال أشعارًا كثيرة. أنشدني لنفسه يمدح مولانا المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين، شرف الملوك والسلاطين، أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين- خلد الله دولته وكبت أعداءه وحسدته- ويُهنيه بالنيروز: [من الكامل] أبشر فطوع مرامك الأقدار ... يا ابن الملوك وحبَّذا الأنصار والدهر يحكم بالذي تختاره ... فأساله يا ابن الصِّيد ما تختار ورم التملُّك للبلاد فإنَّها ... ستجيئ مذعنة لك الأنصار وإذا عفوت عن البلاد وأهلها ... فالعفو عن زعمائها إيثار /52 أ/ فافدح زناد القصد منك بعزمة ... فالنُّجح إضرام له وأوار للقاك أبعد ما تحاول مثلما ... في الوهم بثَّته لك الأفكار فاستجل نصرك من وجوه سعادة ... فحسامها بتأيُّد بتَّار يا خيرة الله العزيز وحبَّذا ... الملك الرحيم وملكه المختار لن يستحقَّ الأمر إلا ضيغم ... سامي السَّماحة مقدم كرَّار ولك الشَّجاعة والمراحم والنَّدى ... وبمثل ذلك تملك الأحرار وبنو الفضائل والفواضل والنُّهى ... والملك في غير التَّليد معار فالملك إسماعيل صالح دولة ... أمسى له ولها بك استنصار ملك فدتك وقد فدته نفوسًا ... وفداكما الأملاك والإكثار فسميته لمَّا تعظَّم قدره ... أضحى فداه الكبش لا الأعمار فسلالة الملك الرَّحيم قساور ... آجامها الآراء والأوطار فالملك أصبح والتمكن والنَّدى ... فلكًا وأنَّك بدره السَّيَّار

يا ابن العلا ولقد ظلمتك مادحًا ... وإليك يومى بالعلا ويشار حلمٌ وجودٌ والتزام مروءة ... ولدى الصَّريخ فعصمة وقرار فجميع ما في الخلق من مستحبس ... فرَّقتموه فأنتم الأخيار /52 ب/ فمديح غيركم يعود عليكم ... إذ ليس تخلو منكم الأشعار أعمى عيون المدح شحَّ سواكم ... فتوارت الأضواء والأنوار وكحلتموها بالسَّماح فأبصرت ... فكأنها الزَّرقاء والأطيار فلك الهناء بيوم نيروز أتى ... في طيِّة التأييد والإيثار أعطيت آخره ثلاثة أحرف ... بالملك أمضته لك الأقدار وعليه علمت السعادة والعلا ... ومن الإله بحكمه الإقرار فاسلم لدى ظلَّ السعادة إنَّها ... عشَّاقة لك والهوى قهَّار فلقد صبت لك إذ رأتك لحبِّها ... أهلًا فحقَّ لقلبها التَّذكار فاحسن بحبِّ السِّعد ظنَّك آمنًا ... ففؤاده بعداكم غدّار وقال فيه أيضًا حين أجرى قناة بمدينة الموصل: [من الوافر] أمولانا علام على قناة ... خروج الماء مع تعب الولاة ألا فالمس بكفِّ نداك منها ... ترابًا أو فدس أرض القناة وقد أضحت وحقَّ نداك حقًّا ... تضاهي ماء دجلة والفرات فيحمدك الورى خصبًا ويثني ... عليك الطَّير مع وحش الفلاة /53 أ/ وأنشدني لنفسه يهنيه بإبلاله من المرض: [من المجتث] تباشري بالفلاح ... يا أنفس المداح قد لاح بدر الأماني ... في أوج برج النَّجاح مهنِّيًا للقوافي ... بحقوق نفس السَّماح وأرسل السَّعد فينا ... على لسان الصَّلاح وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الخفيف]

واقتناء الثَّناء أحلى لديه ... من مرام يناله بالنَّجاح فرَّ من بيت ما له بنداه ... مصفرًا من تزاحم المدَّاح وأنشدني لنفسه قوله: [من الخفيف] وانقراض القريض من قلَّة الرا ... غب فيه وفي العلا والسناء واللَّبيب الأريب حرَّضه معـ ... ـروفه والكساد في الحسناء وأنشدني لنفسه في قوس: [من الكامل] وتلين للرَّامي ويقسو قلبها ... فتحبُّ في بغض العدوِّ الكاشح ومتى تقيَّد تسع اسهمها ردى ... ففساد مطلبها برمي صالح /53 ب/ وله من رسالة في المقامة الخيفاء، كلمة منقطعة وكلمة عارية: [من الوافر] وما حبُّ المحامد بثَّ حمد ... فخذ حمدًا يحبُّ ولا يحدُّ وما بذُّ الحلاحل في سماح ... يشين ولا يخيف ولا يعدُّ وله في مثل ذلك: [من السريع] وها فتى أمَّك في عسره ... فذٌّ ولم تفن عداه ففز ولم يفز إلا فتى ماله ... ينبت حمدًا في سماح نشز وقال في الأمير أمين الدين حين قدم من بغداد: [من السريع] قدمت مولانا بما تجتني ... من غصنه عصمة داعيكا غصن له الآراء جرثومة ... وشربه نجح مساعيكما وأنشدني لنفسه في الملوكي المالك، الملك الرحيم بدر الدين نصير أمير المؤمنين- ثبت الله دولته: [من البسيط] وقائل إنَّ مولى النَّاس قاطبة ... أمِّيُّ ملك وهذا العدل من نعمه /54 أ/ فقلت إن كان أمِّيًا فلا عجب ... هذا النبيُّ بها قد خصَّ مع عظمه وله، وأنشدنيها بديهة، وقد حضر القاضي محيي الدين بن مهاجر، بالمدرسة

البدرية، وشيخها كمال الدين موسى بن يونس، وهو في درسه: [من الخفيف] جاء قاضي القضاة أيَّدك الله ... وقد أعوز الحلومة فهم فاستفاد الإفصاح منك وباليقـ ... ـظة تسمو علومه والحكم وتولَّى مقبِّل الفهم كسبًا ... حيث وافاك يستفيد ويسمو وله، وقد عزل جمال الدين أحمد بن علي المستوفي عن الديوان البدري، ورتب مكانه غيره، وأشند بديهة: [من البسيط] يا ابن العلا ما لديوان حكمت به ... يدٌ تطاول فيه موضع النِّعم هب أنَّهم جلسوا فيه وما عرفوا ... طعم الإصابة في رأي ولا حكم فالغيث ما يخصب المعزاء ساكبه ... لكن يزُّل عن الصَّفوان والرُّضم [201] /54 ب/ سليمان بن يحيى بن حسن بن حرب بن يوسف بن حرب بن زائدة بن منصور بن لديد بن المسيب بن رافع بن المقلِّد بن جُمح بن عمرو بن المهيا بن يزيد بن عبد الله بن يزيد بن قيس بن حوثة بن طهفة بن ربيعة بن حزن بن عبادة بن عقيل العقيلي المسيبي، أبو الربيع: شاب أسمر اللون، يخدم جنديًّا ببغداد مع الأمير ركن الدين أبي شجاع، أحمد بن قرطايا- أسعده الله تعالى-.

بدوي، إنسان يجعل القاف كافًا في جميع كلامه، وفيه عشرة وتودُّد، وكانت تربيته بالبادية، وبها ولادته، وله طبع صحيح في عمل الشعر، وربما أتى في أثناء شعره لحن؛ لأنه ما قرأ شيئًا من النحو. أنشدني لنفسه ببلد البطائح في سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من الطويل] ألا ما لليلي لا يقرّ قراره ... ولا تنطفي من لاعج الشَّوق ناره ولا يستطيع الصَّبر عمَّن يحبه ... وأنَّى وقد شطَّت عن الشَّام داره؟ ذروه يعاني وجده وغرامه ... وتودي به أشواقه وادِّكاره /55 أ/ يهيم إذا ناح الحمام مغرِّدًا ... إلى منزل بالشَّام ناء مزاره ويُذكرني من ذكركم طيب نشوة ... وددت لسكري لو يدوم خماره أأحبابنا الله عيش بقربكم ... تقضَّي لذيذًا ليله ونهاره واضحت قطفتا بعدكم دار غربة ... لصبٍّ نأى بعد البعاد اصطباره فلا جملة يومًا تجامل صحبتي ... ولا نوَّرت روضات لهوي نواره أقمت غريبًا بينهم بعد بُعدكم ... يروني بطرف طال نحوي ازوراره وأنشدني لنفسه: [من الطويل] إذا ما سقى بغداد غيث فلا سقى ... قطفتا ملث من سحابة عارض محلَّة سوء ما بها غير قاعدٍ ... عن الخير ساعٍ في المخازي وناهض [202] سليمان بن عبد المجيد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن زيد، أبو المظفر بن أبي القاسم، ابن العجمي:

من بيت مشهور بحلب، شاب كيّس جميل لطيف، يجمع فصاحة في منطقه، وظرفًا في ملبسه، وهو أمير أسرته نبلًا، وفضلًا، وقدرًا ومعرفة. أخبرني أنه ولد في أواخر/55 ب/ ذي الحجة من سنة ست وستمائة، وحفظ القرآن الكريم، وسمع حديثًا كثيرًا على جماعة من أعيان الحلبيين، منهم: عبد الرحمن بن الأستاذ، والقاضي بهاء الدين بن شداد وغيرهما، وقرأ كتاب التنبيه لأبي إسحاق على القاضي بهاء الدين من حفظه، وأتقنه إتقانًا جيدًا، بحثًا وفهمًا ورواية، وقرأ على الشيخ أبي البقاء يعيش بن علي النحوي جملة من علم العربية والنحو، حتى تمهر في هذا الشأن. رأيته بحلب متوليًا وقوف المسجد الجامع، والنظر في البيمارستان النوري، وكان ينشدني من أشعاره كل رائق، هو نعم الرجل تواضعًا وبشرًا وبشاشة، وهو مع الصدور الكبراء، يجمع ظرف الكتاب إلى أبهة الوزراء. أنشدني لنفسه: [من الطويل] حننت إلى ربع الحبيب تشوُّقًا ... وذَّكرك الأحباب برقٌ تألَّقًا قبحت بأسرار الهوى بعد سترها ... وأفصحت بالشَّكوى وذبت تحرُّقًا وتقت إلى من كمَّل الله حسنه ... له قامة تزهو على بانة النَّقا

رشيق التَثني مائس العطف إن بدا ... أراك سواد اللَّيل أبيض مشرقًا /56 أ/ وطرفًا يريك السِّحر في غير بابل ... وروض جمال بالملاحة محدقًا وردفًا لدعص الرَّمل من تحت بانة ... تميس وخضرًا بالسَّقام ممنطقًا خلوت به والليل مرخ ستوره ... وقمت ولم تخفر به ذمَّة التُّقي خشيت وأغصان التَّداني رطيبة ... على شملك المجموع أن يتفرَّقا فكان الذي اضمرت وهما فلم تزل ... صروف اللَّيالي فيه حتى تحقَّقا أأحبابنا ما عشت والله بعدكم ... سلوًّا ولا صبرًا ولا لذَّ لي البقا ولا قلبي العاني سلا عن ودادكم ... ولا جفني المقروح من بعدكم رقا ولا جنح القلب المعذَّب في الهوى ... إلى غيركم لكنَّه يرتجي اللِّقا وأنشدني لنفسه- أيده الله تعالى-: [من الطويل] وأغيد ممشوق القوام لحسنه ... فتون وللعشَّاق فيه فنون له فوق ورد الخدِّ عند عتابه ... من الرَّشح درٌّ لا يسام ثمين غزال يريك السِّحر من غنج طرفه ... له اللَّيل فرع والصَّباح جبين نظرت إليه نظرة فتهتَّكت ... ستورًا اصطباري فيه وهو مصون تبدَّى من الحمَّام والوجه مشرقٌ ... كبدر تجلَّت عن سناه دحون فغاب دجى صدغيه في صبح وجهه ... وليل بصبح لا يكاد يبين /56 ب/ وأنشدني أيضًا من شعره: [من الكامل] أيحن نحو المنحنى من قد غدا ... فوق السِّماك محلّه ومكانه؟ لولا تأرُّج نفحة من حبِّه ... مرَّت على الوادي بها أشجانه ما غرَّدت فوق الأراك حمامة ... طربًا ولا ماست به أغصانه يا من تشرَّف بالحبيب وحبِّه ... وبه تجمَّل كونه وزمانه صن سرَّه عن غير أهل وداده ... حذرًا عليه فصونه كتمانه وأنشدني أيضًا قوله: [من مجزوء الكامل] لا تغر بي يا ليل نجد ... ودع الملام فليس يجدي إني مرؤ شغلتني الـ ... أيَّام عن ليلى وهند

وأبان خلَّاني الزَّما ... ن فصرت مثل السَّيف وحدي إن جرت يا دهري عليـ ... ي وزدت ظلمًا في التَّعدِّي فلا صبرنَّ عليك صبـ ... ـر فتى كريم الأصل جلد ورث الأبوَّة من أب ... والمجد عن جدٍّ لجدِّ وأنشدني أيضًا لنفسه/57 أ/ ما كتبه إلى صديق له: [من الطويل] إذا غبت عن عيني ولم أك راعيًا ... لعهدك بعد البعد جمَّ التَّودُّد فلا جرِّدت لي في اللِّقاء مناصل ... ولا مُتِّعت يومًا بأعمالها يدي ولا داس طرفي والوغى مدلهمَّة ... حياة العد بين الوشيح المقصَّد وأنشدني أيضًا قوله: [من البسيط] أحنُّ شوقًا إلى ربع بخفَّان ... سقاه منهمل من سحب أجفاني معاهد بان عنِّي من عهدت بها ... قدمًا فروحي فداء النَّازح الدَّاني يا جيرة الجزع من وادي العقيق ومن ... كانوا الغداة أصيحابي بنعمان هل تذكرون لييلات لنا سلفت ... وأنتم بذرى الجرعاء جيراني جرعت ماء جفوني بعدكم جزعًا ... فانهلَّ سحًّا بياقوت ومرجان وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] ألا مبلغ من حلَّ بالعلم الفرد ... غرامي وما ألقاه من ألم الوجد يهيج فؤادي كلَّما هبَّت الصبا ... ويصبو إذا أومض البارق النَّجدي أيا راكبًا من فوق وجناء جسرة ... يجوب الفيافي لا يملُّ من الوخد إذا ما أتيت المنحنى فأنخ به ... وحيِّي به من لا يحول عن العهد /57 ب/ وحقِّ الهوى العذريِّ حلفة صادق ... وما نلته في الحبِّ دون الورى وحدي لقد فقت كلَّ الناس عشقًا وعفَّة ... فجنون ليلى في المحبَّة من جندي أيا عاذلي كفَّ الملام وخلِّني ... فلومي في ترك الأحبَّة لا يُجدي أيحسن لومي في محبة من أرى ... محبَّته ذخري إذا ضمَّني لحدي؟

أورِّى بغزلان الصَّريم وحاجر ... وقصدي من دون البريّة كيكلدي رشا يصرع الآساد فاتر لحظة ... فيا عجبًا ظبيٌ يصول على الأسد [وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] لهيب الخدِّ حين بدا العيني .. هوى قلبي عليه كالفراش فأحرقه فصار عليه خالًا ... وها أثر الدُّخان على الحواشي] وأنشدني لنفسه وعملها بديهًا: [مجزوء الخفيف] قل لظبي هويته ... راقب الله في دمي أنا صبٌّ سبيته ... بالعذار المنمنم أنا عبد لماجد ... بالمعالي متَّيم كيف أخشى من الرَّدى ... وهو درعي ومخذمي وحدثني- أيده الله- قال: كان للأمير جمال الدولة إقبال بن عبد الله، السلطان الملكي الناصري، نائب المملكة الناصرية الصلاحية، والحاكم بها يومئذٍ بحلب المحروسة، بازي، واتفق أن كان بحضرته ذات يوم على/58 أ/ يد بعض البازدارية، وهو على عادته الجارية، إذ أخذ البازي اضطراب، واعتره قلق، ونفر نفورًا شديدًا، فعجب منه البازداري، وأنكر حالته، ولم يعرف سبب ذلك، وجعل يقصد الأمير جمال الدولة، ويهفو إليه، والبازداري يسكنه ويثبِّته، وهو يطلبه، وكلما رام تسكينه، زاد اضطراب ونفوره، ولم يبرح كذلك على هذه الصورة عدة مرات، والأمير جمال الدولة يشاهد البازي بفعله وفعل البازداري به، ويلحظ ذلك منهما، ثم إن الأمير جمال الدولة استدعى البازي وتناوله من يده، فحين استقر على كفه سكن ذلك الاضطراب والنفور، فأنشأ هذين البيتين ارتجالًا: [من البسيط] لا تعجبوا إذ أتى البازيُّ مجتديًا ... كفَّ الأمير الذي قد خُصَّ بالكرم لقد أتى نحو كفٍّ كلُّ أنملة ... منها تجود بأنواع من النِّعم وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط]

لقد تملّك رقّي أهيف غنج ... بلحظة في الهوى يا صاحِ دمي /58 ب/ ظبيٌ من الترك في قلبي مراتعه ... وما مراتعه بالضّال والسِّلم ألفت في حبِّه رعي النجوم ولم ... أشك السُّهاد لأني قط أنمِ أبديت ما كنت أُخفي من محبته فعاد أشهر من نار على علمِ لئن غدوت أسيرًا في حبائله ... فالتُّرك من دأبها الغارات في العجم لله ليلة وافاني وغرَّته ... تُبدي لنا الصُّبح في داج من الظُّلم فبتُّ منه أرى الأيّام طوع يدي ... فيما أُحاوله والدَّهر من خدمي [وحدثني قال: في سنة أربعين حضرت سماعًا عمله بعض الأمراء الحلبيين، فغنى المغني بهذه المقطوعة: [من الطويل] وحقِّ الهوى إنّي لغيرك لا أهوى ... ولولاك ما أصبحت وفقًا على البلوى ولا قلت يا برق الحمى قف برامه ... سُحيرًا وحيّ النَّازلين على حزوى قال: فاستطاب الحاضرون هذا الشعر والوزن، وطربوا له، وأخذوا منهم كلّ مأخذ، وأعجبتهم معانيه، فقلت ارتجالًا: [من الطويل] أقول لعُذّالي .... ... ولومي لا يُجدي على الرشا الأحوى ذروا اللَّوم عنّي فالغرام سجيتي ... وموتي على ذكر الهوى بُغيتي القُصوى وأين استماع العَذل من أُذن له ... له نشوة أغرته بالقامة النشوى فألقيت ذلك على المغني، فعجب القوم من ذلك، وغنى بها المغني، وتكرر في مسامعهم، واستمر الشرب، ولم يزل القوم يرمون به، إلى أن انقضى المجلس، وقصدت منزلي ..... ].

ذكر من اسمه السموأل

[ذكر من اسمه السموأل] [203] السَّموأل بن أبي كامل المصري البليقي: [كان] يعاني عمل البليقات، وهي جنس من موشحات المصريين، وله معرفة بضرب الرمل حيدة، ويفهم طرفًا من علم النجوم، كانت ولادته سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، و [كان] يقول شعرًا مقاربًا، فمن شعره قصيدة يمدح بها الأمير الكبير الأصفهسلار عماد الدين أبا المحاسن يوسف بن الأمير الدين طاي بغا، متولي حلب- أعلى الله محله-: [من البسيط] أما السُّلوُّ فعهدٌ لست أعهده ... وغيرُ عادة قلبي لا أعوِّده /59 أ/ وكلَّما خلق الشَّوق المبرِّح بي ... عاد التفكر بالذكرى يردِّده ومن عجائب سرِّ الحبِّ قاتله ... بسرِّ محبوبه منه تعمُّده وذا دلال يُريني حُسن صورته ... أدله أنَّ لي ربًا فأعبده وما يُجرد سيفًا من لواحظه ... إلا وفي كبد المُشتاق يُغمده كم ليلة بتُّ أُسقي خمر ريقته ... فلاح من لحظ عين الصُّبح أرمده أعد أحاديث نجد والمقيم بها ... عساك يومًا على الأشواق تُسعده وكيف أستر ما بي من فراقهم ... قالوا تسلَّى فقلت الحشر موعده تبًّا لدهر رماه بالفراق فكم ... أضحى على ذنب دهر منه يقصده لئن ذممت زماني في تقلُّبه ... فبالأمير عماد الدِّين أحمده وذا الأمير الذي طابت مغارسه ... وكلُّ من طاب أصلًا طاب مورده هو العماد يهنَّا بالسُّعود ومن ... ربُّ السَّماوات بالأملاك يعضده لا يصلح الحكم إلَّا من تصرفهم ... جيشًا يُجهِّز أو ما لّا يُبدِّده يا باسط العدل في الدنيا وناشره ... وقاصي الجور يمحوه ويقصده ما جادت الناس إلا جُدت عن كرم ... إلّا وعنك إلى العلياء يُسنده وحسبه شرفًا أنَّ العدوَّ له ... يُقرُّ بالمجد لا يستطيع يجحده

/59 ب/ إذا لحاه عذول في تكرُّمه ... يظلُّ يغريه من عنه يفنِّده أضحى سداد ثغور المسلمين فهل ... يسدُّ إلا ثغور الثَّغر سؤدده لا زلت ترقى وتبقى دائمًا أبدًا ... تُحلُّ سيف القضا فينا وتغمده وقال أيضًا: [من المجتث] وعدتني بقميص ... والمطل أقبح خلَّه لا شك يا نور عيني ... كتَّانه في المبلَّه وقال أيضًا: [من الطويل] إلى الله أشطو ما بقلبي من الوجد ... لظبي غدا في الحسن فردا بلا ندِّ تأمَّلت في كفَّيه وردًا فشاقني ... على لثم خدَّيه فأنعم بالورد فقلت له تفديك نفسي وإنَّما ... أردت جنى خدَّيك يا جنَّة الخلد فقال أخاف الآن جور رقيبنا ... ولا بدَّ للإنسان من سطوة الضِّدِّ وأنشدني لنفسه: [من البسيط] أين الصديق الذي تبقى مودَّته ... على اختلاف الليالي ليس ينتقص ومن يُسرُّ إذا ما راءني فرحًا ... وإن أكن ذا انقباض فهو ينقبض ومن يواسي إذا ما كنت مفتقرًا ... بماله ونفيس ماله عوض /60 أ/ دهري أفتِّش عنه وهو في عدمٍ ... وقد أموت ولم يحصل لي الغرض وأنشدني لنفسه يهجو إنسانًا يعرف بكريم الدين: [من الطويل] مدحت كريمًا ثم عدتُ هجوته ... وقايست بين المعنيين وما درى وأيقنت أنَّ الهجو يؤلم قلبه ... ولم أدر أنّي قد خريت على الخرا

ذكر من اسمه سهل

ذكر من اسمه سهل [204] سهل بن محمد بن رافع بن المحيَّى الهلاليُّ، أبو المحامد الشاعر: من بني هلال، من رامة الشعر ببلدة حوران، مولده ومنشؤه ومقامه بها، كان من الشعراء المجيدين في دهره. حدثني القاضي أبو القاسم عمر بن أحمد الحنفي- أيده الله- من لفظه قال: قدم أبو المحامد حلب مرارًا كثيرة، مسترقدًا من ملوكها وأمرائها، واجتمعت به، وكان حلو المنطق، فصيح العبارة، حسن الشعر، وكتبت عنه شيئًا من شعره، وتوفي في رجب أو شعبان سنة/60 ب/ ثلاث وعشرين وستمائة ببعلبك: ومما أنشدني لنفسه من قصيدة يمدح بها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب، ويتشوق فيها أهله ووطنه: [من البسيط] لي نحو رامة قلب شأنه الطرب ... وعبرة يعد يوم البين تنسكب وأنَّه كلَّما ناحت مطوَّقة ... تكاد من حرِّها الأحشاء تلتهب كم رمت كتمان ما أبديه من كمد ... وباعث الشَّوق يعصيني فأنتحب يا حادي العيس بالجرعاء هل نظرت ... عيناك مثلي معنَّى شفَّه الوصف؟ أحشاؤه من جوى التَّذكار في حرق ... وقلبه لفراق الحيِّ مكتئبُ لا كان يوم وداع كنت أحذره ... والبدر يسفر أحيانًا وينتقب وطلعة الشمس تبدو غير آفلة ... من المعاجر طورًا ثم تحتجب

ودَّعت لذَّة عيشي يوم فُرقها ... ودمع عيني من هول النَّوى سرب فاستعبرت ومطايا الحيِّ مزمعة ... سيرًا يسايره التَّقريب والخبب فخلت حمرة خدَّيها وادمعها ... راحًا تجول على ناجودها الحبب لمياء يُخبر عن شهد مقبَّلها ... ويُخجل الدُّرَّ منها ثغرها الشنب تُريك وجهًا يريك الشَّمس طالعة ... سبط المحاسن لا خال ولا ندب /61 أ/ خودٌ هلالية الآباء لا أمم ... يقضي المودَّة لي منها ولا صقب من دون رشف حميا شهد ريقها ... بيض الصَّوارم والعسَّالة السلب قالت وقد ازمعت لي عن مواطنها ... ميساء مضمرة مهرية نجب ماذا الرَّحيل وقد غادرت منزلنا ... صفر الجوانب لا ورق ولا ذهب فقلت خلَّي سبيل الهمِّ منصرفًا ... غازي بن يوسف ذخري والمدى حلب وأنشدني أيضًا قال: أنشدني سهل لنفسه من قصيدة يمدح بها سنقر الحلبي: [من الكامل] ملك يسرُّ المعتفين لقاؤه ... وتخاف شدَّه بأسه أسد الشَّرى متألّق الأضواء يحمد وفده ... عند الصَّباح بوجهه غبَّ السُّرى قهر الفوارس قبل شدِّ نطاقه ... وأتى المكارم يافعًا وحزوّرًا وحوت مناقبه مآثر معشر ... ما كان ذكرهم حديثًا يفترى ماضي ظبا العزمات لا يعتاده ... زمع إذا صبح الأسنَّة اسفرا يلقى الكتيبة غير مكترث بها ... ويكرُّ والأرواح واهية العُرى متقلد عضبًا كأن مضاءه ... قدر لكلِّ ملمّة قد قُدِّرا ما شيم برق من مضارب حدِّه ... إلا كسا الآفاق مرطًا احمرا /61 ب/ يغشى غمار الموت غضبًا فاتكًا ... ويلوح في رهج العجاج غضنفرا أخبرني القاضي أبو القاسم- أيده الله- قال: قال أبو البقاء يعيش بن علي النحوي قال: رأيت الهلالي ينشد السلطان غياث الدين قصيدة من حفظه لنفسه، يمدحه بها، فجعل يتوقف فيها، ويعيد أبياتها، فلما فرغ منها قال للسلطان الملك الظاهر معتذرًا من

تغلظه فيها: يا مولانا، الجواد يكبو من قلة العلف، فقال السلطان في الحال مجاوبًا له: وقد يكون من حمير. [205] سهل بن محمد بن أيوب بن مالك، أبو الحسن الأزديُّ الغوناطي الأندلسي: كان من العلماء الأفاضل المتفنّين في عصره، إمامًا في البلاغة/62 أ/، والخطابة، والشعر، والكتابة، قادرًا على إنشاء الكلام نظمًا ونثرًا، فقيهًا مالكي المذهب، عارفًا بأصول الدين، وأصول الفقه، مقدمًا في علم الأدب والعربية، مبرزًا في علم المنطق والجدل. أنشدني أبو الوليد إسماعيل بن عبد الله بن إسماعيل بن أحمد البلوي القضاعي البيّاسي في العشرة الأخيرة من جمادى الأولى بحلب سنة أربع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني أبو الحسن سهل بن مالك الغرناطي لنفسه في سنة تسع وستمائة، وقد فارق وطنه، ونزل مدينة سبتة: [من الكامل] لما حططت بسبتة قتب النَّوى ... والقلب يرجو أن تحوّل حاله أبصرت من بلد الجزيرة مكنسًا ... والبحر يمنع أن يصاد غزاله كالشَّخص والمرآة تُبصر وقد ... قربت مسافته وعزَّ مناله وحدثني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن يوسف اللخمي الفراتي قال: أخبرنا أبو العباس أخمد بن محمد بن مسعود السبتي قال: كيف كان للفقيه الإمام العلامة أبي الحسن

سهل بن مالك خطيب/62 ب/ غرناط- كلأهما الله- ابن مدمن على شرب الخمر، وتعشق جارية، كان أبوه كثيرًا ما ينهاه عنها، وعن الشرب معها، وهو مع ذلك [لا يزداد] إلا غرامًا [بها]، فلما لم يجبه إلى ترك ما علق به من ذلك، حبسه، وقيده، وبقي على تلك الحال مدة طويلة، ثم سرَّحه بعد ذلك لموشحة صنعها. وصنع طعامًا، وأراد أن يحضر أصحابه، فيأكلون ذلك الطعام في منزل ابنه، ليطيب قلبه، فتقدم أبوه إلى منزله، فوجد الباب مفتوحًا، فدخل عليه، فوجده يشرب مع تلك الجارية، وهي تسقيه بفيها خمرًا، فرجع من غير أن يراه ابنه، وكتب إليه وهو لا يعرف اسم الجارية: [من مخلع البسيط] يا من أُراعيه ملء عيني ... خف وصلة أعقبت يبين إذا تمكَّنت من قلانه ... فمرَّة واترك ائنتين فما سقت خمرة بفيها ... إلا لتشفى بسكرتين /63 أ/ فكتب إليه ابنه: [من مخلع البسيط] يا واحد الدَّهر دون مين ... ومن تحلَّى بكلِّ زين مثلك ينهى أخا غرام ... عن وصلة أعقبت يبين وقد نهيت الفؤاد لكن ... يرجع قلبي لحكم عيني قال: فسكت عنه، ووصله، ولم يعرض بذكر الجارية أبدًا.

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف [206] سنجر بن المقلد بن سليمان بن مهارش بن المُجلي بن سكِّيت بن قيان بن شغب بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المهيا بن يزيد بن عبد الله بن ىيزيد بن قيس بن حوثة بن طهفة بن ربيعة بن حزن بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر/63 ب/ بن نزار بن معد بن عدنان، الأمير أبو الحارث العقيليُّ: ملك العرب، وشجاعها المقدم، وفارسها المعظم، وله البيت الأصيل، والمجد الأثيل، في اصطناع المعروف، وقرى الضيوف، وكان أميرًا كبيرًا، سيد أسرته، ومتقدمًا على عشيرته. ومن شعره يفتخر، أنشدني أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد الأزري قال: أنشدني محمد بن أبي الفضل العراقي قال: أنشدني الأمير سنجر لنفسه من قصيدة يفتخر فيها: [من الوافر] أما أنا سنجر وأبى مليكٌ ... شعاع الشَّمس نور العالمينا أنيس مضربي وزفير خيلي ... وردِّي عن كريعان الكمينا كريعان: تصغير كرعان، وهي قبيلة مشهورة من عبادة. [207] سعد الله بن أبي الفتح بن معالي بن الحسين، أبو نصر المنيجي. شيخ فاضل من أهل الأدب والعلم، عارف في فن الأدب، كثير الشعر، وديوان

أشعاره/64 أ/ يدخل في مجلدين، سافر إلى بلاد خراسان، وتوغل فيها، ورزق حظوة من ملوكها، وأقام بها زمنًا طويلًا، ثم عاد قافلًا إلى بلاد الشام، فنزل دمشق، وسكن مسجدها الجامع، وهو مقيم به، ينتمي إلى التصوف، وطريقة الفقر. لقيته به وسألته عن مولده فقال: لي الآن سبعون سنة، وكان سؤالي له في أوائل شهر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، وأنشدني كثيرًا من شعره، وأجازني جميع رواياته وأشعاره، ومما أنشدني لنفسه وهو مما كتبه بخطه: [من الطويل] لكلِّ امريء في كلِّ حادثة تطرا ... عليه من الدُّنيا وأحوالها ذكرى وما المرء في شيء إذا ضاع عمره ... ومن طلب الدُّنيا فقد ضيَّع العمرا يا ربِّ خذ بيدي ها قد مددت بها ... إليك إنَّك نعم الجار للجار يا ربِّ قد قلَّ فيما أنت تعلمه ... صبري وقلَّ إلهي فيك أنصاري تبارك الله لا أهلٌ إلى نار لتحرقني ... أحرق النَّار ما عندي من النَّار /64 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] لست الحريص على الدُّنيا يجادبها ... كما يجاذب في الدهوَّة الجعل يا ربِّ رزقًا كرزق الطَّير ألقطه ... لا كالوحوش على الأرزاق تقتتل وأنشدني الشيخ أبو نصر الله لنفسه: [من الخفيف] أوضح الخمر في الخلاعة عذي ... مذرآني في حانة الخمر أجري بين قوم لا يعرفون سوى الرَّا ... ح عروسًا تجلى بطبل وزمر ورياحين قام فيها رياحيـ ... ـن قدود تاوَّدت كالسُّمر وندامي غرِّ الوجوه كرام ... ينشدني أطراف أغزال شعري إسقياني إذا ارتدت ظلمة الليـ ... ـل رداء من النُّجوم الزُّهر وإذا الجوُّ صفَّقته رياح ... قد تكيَّفن من أفاويح زهر بنت كرم تغلي الحباب كجمر ... يتلظَّى وما علت فوق جمر كم أتتنا بكف ظبي غرير ... علَّها إذا أقلَّها خمر سحر فانتشت من جفون عينيه سكرًا ... غير عهدي وعهدها من سكر

فست في عروقنا ليس ندري ... حين تسري من سكرها أين تسري /64 أ/ وأنشدني لنفسه أيضًا في التاريخ المذكور: [من مخلّع البسيط] لا خير يا سعد في كثير ... ممَّن رأينا ولا قليل الناس وحل وأنت تدري ... مشقَّة المشي في الوحول إن صدقوك الوداد ملُّوا ... وغير مجدودُّ الملول وإن سعوا كالصِّلال دُّبوا ... إليك في الوعر والسُّهول هذا تداري وذا تماري ... وذا تجاري إلى الفضول بين ثقيل ومستقيل ... ومستحيل ومستميل مصدَّع الرأس بين قال ... تسمعه منهم وقيل وأنت منهم على كثيب ... إن عرضت حاجة مهيل وإنَّهم إن سخوا بفلس ... دقُّوا على الفلس بالطُّبول لا ابتغي منهم خليلًا ... وإنَّما درهمي خليلي رئيسهم ويحهم ضعيف ... يجذب في محمل المشي والخمول ما أحسن المرء ذا كفاف ... يُغنيه عن رؤية البخيل فإن في وجهه عذابًا ... يُقطع بالشَّد والرَّحيل /65/ وأنشدني أيضًا لنفسه وحفظه في التاريخ: [من الخفيف] أحرق البين مهجتي فتأنَّى ... بوقوف على الكئيب المعنَّى قف لعلِّي أقول والدَّمع يجري ... بوشيك الفراق منك ومنَّا آه ما أقتل الفراق مع الحبِّ ... وقول المحبِّ كانوا وكنَّا كان ذيَّاك ملء عيني زمانًا ... فافترقنا وليتنا ما افترقنا والذي أضحك المحبَّ وأبكا ... هـ وأبقاه في هواه وأفنى ما تمنيت في حضورك شيئًا ... أنت كلُّ المنى فما أتمنى؟ عجبًا يا حبيب تزداد حسنًا يملأ العين كلَّما ازددت سنّا وإذا قوَّم الحقيقة جزء ... لزم الذّات أيَّ وقت فرضنا والذي الجزء منه والكلُّ منِّي ... مستحيل زواله إن أسنّا

كلَّما ماس قدُّه الأهيف اللَّد ... ن بكأس من المدام علمنا: أنَّ لله في الشَّمائل سرًّا ... ما علمنا أقلُّ مما جهلنا وأنشدني أيضًا لنفسه من قصيدة فيها: [من الكامل] /66 أ/ أنا عبده أشكو إليه حبَّه ... ما لي إلى أحد سواه شكاة ما ملَّه قلبي بأية حالة ... وهو الحياة وهل تملُّ حياة! لله ليلة هبَّ حين تواترت ... بالدِّيك بعد مؤذن صيحات يدعو بأسماء النِّدام تنبَّهوا ... من نومكم ما هذه الغفلات؟ هبُّوا إلى اللَّذَّات في أوقاتها ... فسقاتها قسمًا لهم أوقات وتغنَّموا شرخ الشَّباب وطيبه ... قبل الشَّتات فللشَّتات شتات يا ضيعة العمر المنام وما لمن ... هو نائم عقل ولا لذَّات فأتى النّديم إلى النّديم وقلبَّلت ... فاه النَّديم من الكروم فتاة أربت على تسع وقارب سنُّها ... عشرًا ففيها الشُّوم والبركات [208] الساطع بن عبد الباقي بن المحسن بن أبي حصين عبد الله بن المحسن بن عبد الله بن محمد بن عمر بن سعيد بن محمد بن داود بن المطهر بن زياد بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنور بن أسحم بن النعمان- ويقال له التالع- بن عديِّ بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن/66 ب/ أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة لقب واسمه عمرو- بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، القاضي الأديب الشاعر، أبو البيان المعريُّ التنوخيُّ:

من شعراء معرة النعمان، وأبناء أفاضلها ومقدميها في كل نوع من العلم، وأماثلها، وكان شاعرًا مجيدًا مداحًا للملوك من بني أيوب، حسن الشعر، لطيف التغزل. حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحنفي- أدام الله تأييده- من لفظه في شهر ربيع الآخر بمنزله المعمور، في سنة أربع وثلاثين وستمائة قال: أقام الساطع بحلب، ومرض بها، وحمل إلى معرة النعمان، فمات في الطريق بين المعرة وحلب، وذلك سنة إحدى وعشرين وستمائة، سمعت منه هذه القصيدة التائية، ينشدها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب- رحمه الله تعالى- بالقلعة المحروسة في بعض ليالي شهر رمضان/67 أ/ من سنة اثنتي عشرة وستمائة، ويهنيه بولد جاءه، لقبه بالملك الناصر، فاستحسنها الملك الظاهر، و [لا سيما] البيت الذي يذكر فيه: جدوده أم أبوه أم عمومته، وكان ذلك بحضرة البهنسي رسول الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب- أدام الله سلطانه- ثم أنشدني القصيدة وهي: [من البسيط] أما لحجِّ تلاقي الحيِّ ميقات ... ولا لرمي جمار الهجر أوقات؟ لعلَّ في عرفات من عوارفكم ... وصلًا لصبِّ له بالخبت إخبات فليت يجمعنا جمع ويشعرنا ... سعيًا بمشعر تلك الدَّار ساعات كيما أقوم مقامًا لا أخاف له ... نوى فتشرح من حالي مقامات يا راحلين وقلبي في رحالهم يحدوه إن غفل الحادون روعات

عودوا وإلَّا عدوًا وصلًا بقربكم ... فللجميل وللإحسان عودات عهدي بنا قبل وشك البين يجمعنا ... ظلٌّ ظليل وروضات أريضات في جنَّة سرحت أنهارها وزهت ... أزهارها فلها باللَّهو لذّات تدير فينا شموس الراح في فلك ... من الزُّجاجة أقمار منيرات كرمية كرمت صونًا متى فقدت ... حشا الأباريق صانتها الحشاشات /67 ب/ لو أنَّها كُنيت من حيثما اعتصرت ... أمَّ العناصر لم تُخط الكنايات هوًا وماء ونار والإناء لها ... من جوهر التُّرب فهي الاسستقصَّات ونحن في جنَّة ما فات ساكنها ... فيها نعيم ولا واتته آفات سماؤها الدَّوح يبدو الزَّهر من زهر ... وأرضها كيف سار الطَّرف روضات قد أبدع الله فيها كلَّ رائقة فأوحيت فنواحيها بديعات ما أعربت قينة إلا شدت طربًا ... من أعجم الورق في الأغصان قينات نمارق وزرابيّ ملفَّقة ... نسج الربيع لرابيها أنيقات كأنَّها دولة الغازي التي كملت ... وصفًا فعمَّت رعاياها الرِّعايات الظَّاهر الظَّاهر المخلوق من ملك ... ومن أياديه أنواء مطيرات تخافه الأسد في الأخياس مشبلة ... وتستحي من حياة المستهلَّات يا أيها الملك السُّلطان لا برحت ... تهدى إليك التَّهاني والمسَّرات هنِّيت بالناصر الثَّاني ودمعت له ... ما دامت الأرض تعلوها السَّماوات ملكٌ أبى الله إلا أن يكون له ... جدٌّ كجديه تتلوه السَّعادات ماذا يقول الذي ما إثره [ ... ] ... في مشهد الحمد لو تغني المقالات جدوده أم أبوه أم عمومته ... أم الخؤولة حسبي والتَّحيات؟ /68 أ/ وأنشدني القاضي أبو القاسم بن أبي جرادة قال: أنشدني ساطع لنفسه: [من الطويل] دعاها فبرق الأبرقين دعاها ... أيا حادييها والغرام دعاها

ذراها تباري الرِّيح نحو مرامها ... فجذب البرى عما تروم براها ولا تلوياها أن تحاول باللِّوى ... ديونًا لها بعد المزار لواها ألم ترياها كالحنايا وفي السُّرى ... سهامًا ورام بالحنين رماها؟ أنشدني القاضي أبو الفتح منصور بن معالي بن منصور التدمري الشافعي قال: أنشدني ساطع المعري- رحمه الله- هذه الأبيات، وذكر أنه عملها لما دخل حلب بعد موت السلطان الملك الظاهر- قدس الله روحه- وقد تغيرت الأحوال عن ما كان يعهد: [من الوافر] قفا بي صاحبيَّ على الرُّبوع ... لترويها سحائب من دموعي منازل طال ما كانت لعيني ... لياليها كأيَّام الرَّبيع تصدَّع شعبها وغدت خلاء ... من القوم الألى شعبوا صدوعي /68 ب/ فوالهفي عليها من بدور ... تعوَّضت الأفول من الطُّلوع [وله في ابنة توفيت: [من الطويل] جزى االه عني ... من فقدتها ... وإن وجدت وجدًا على فقدها نفسي غير كفوٍ ... ... عروقي وعن نكس .. ... .... إليه ولاذت بالكريهة والرمس وقال القاضي ساطع بن أبي حصين: [من الطويل] تذكر أيام التَّصابي وطيبها ... دعاني إلى حبِّ البياض ولبسه وبيض أعدن البيض عنِّي شوامسا ... وشيب رمت ليل الشَّباب بشمسه ورائعة العينين راعت بأحرف ... ... يمحو النَّفس كاتب طرسه أعدَّت لعيني مغنم العيش مغرمًا ... وأيُّ نفيس لا يصاب بعنسه؟ ومن يومه أمسى إلى الموت مسلمًا ... فمن حقِّه يبكي على فقد نفسه] وقال أيضًا ابتداء قصيدة أولها: [من الكامل] طرقتك داعية الصَّبابة تهتف ... وهنا تنظِّم سجعها وتؤلِّف

يشجي الخليَّ حنينها بله الَّذي ... في صدره ريحُ الكآبة تعصف يا برق أهد إلى جزيرة قبرس ... غيثًا يبيت بها يجود ويغرف حتى يرى التَّيار في بطمونها ... وله به زجل يهدُّ ويرجف تلك الرُّبوع ظباؤها محروسة ... بظبا الصًّوارم والقنا يتقصًّف وبديعة اللَّحظات زرقة طرفها ... من دونها زرق الأسنَّة ترعف خطرت فقلت السَّمهري قوامها ... ورنت فقلت اللحظ سيف مرهف وتبسَّمت عن واضح لعقودها ... رتل عليه من الرُّضاب القرقف وثنت بجيد جداية لحظاتها ... عنِّي ومال بها القوام الأهيف نظرت مخالسة إليّ كأنَّها ... وسني الجفون أو السَّقيم المدنف يقظى تجور بصدِّها ولدى الكرى ... تحنو على الدَّنف الكئيب وتعطف عجبًا لزائر طيفها أنَّى اهتدى ... نحوي ودوني لُجَّةٌ أو نفنف /69 أ/ آي ابن مريم أوتيت أم نفثة ... من طرفها وعُبابها يتخطف؟ لله أشواقي وما ترك الهوى ... بحشاشتي من لوعة تتردَّف ووجدت من شعره ما كتبه إلى القاضي بهاء الدين أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن يحيى- أدام الله إقباله-: [من البسيط] أبا محمد المولى تفضُّله ... وليَّه من وليِّ الفضل والكرم ومن حوى خلقًا كالرَّوض باكره ... صوب الغمام وحلم الشِّيب في الحكم كم منَّة لك عندي لست أكفرها ... ونعمة قد أنافت لي على النِّعم وكتب إليه أيضًا- أيده الله تعالى-: [من البسيط] وما ذكرتك إلَّا صحت من حرق ... يا مقلتيّ على أحبابنا جودي ولا ذكرت ليالينا التي سلفت ... وإلّا وقلت: ليالي وصلنا عودي ولا تلهبت الأحشاء من كمد ... إلا وقلت لها يا لوعتي زيدي وكتب إليه أيضًا يمدحه- أدام الله إقباله- من معرة النعمان: [من الطويل]

إليك بهاء الدِّين تعثير واحد ... على الدَّهر لمَّا أن نأت عنك داره /69 ب/ عظيم الأسى قد ملَّ منه أساته ... مرارًا قريب الودِّ ناء مزاره متى أسلمت ريح الشّمال بنشركم ... طوت نشر صبر ما استقر قراره فللَّه عيش قد تقضَّى بأرضكم ... هو العمر إذ عصر الشَّباب اعتصاره حياه وحيَّاه حيًا عمَّ ضاله ... وأخلت به الأقطار عفوًا قطاره سقى عهده صوب العهاد ومعهدًا ... عهدناه لا يخشى من الجور جاره بباب مليك قد أبى الله أن يرى ... لباب سواه ملكه واقتداره له شرف لو شرَّف البدر تمُّه ... لما غاله عند التَّمام سراره وبهرام جور لو يجار بظلَّه ... لخاف وبهرام النُّجوم وجاره وكسرى أنوشروان لو عدل ملكه ... رأى قال هذا العدل هدي شعاره أو الفلك الدَّوار حمِّل همَّه ... وهمَّته أعيا بذين مداره تحمَّل أعباء الممالك كافلًا ... لها وأقام الحقَّ يعلو مناره وقصَّر عنها طول كلِّ مطاول ... ونفَّره والرُّعب منه نفاره وأسهر في حفظ الممالك طرفه ... على طرف عزم لا يرجى عثاره وخطَّ بسمر الخطِّ نهر مخافة ... وأمن تساوى ليلة ونهاره وكم خامرت أسيافه من مخامر ... صريعًا إلى يوم المعاد خماره /70 أ/ وكم أسكرت من مارق ودم الطُّلى ... طلاه ومن عصر الوريد عقاره فمن تبَّع أو عمر وهند وقيصر ... وقد قصرا عمّا اقتضاه اقتصاره فلا زال في ملك تنير شموسه ... بسعد ولا تخبو مع الدَّهر ناره وقال يمدح الملك المنصور صاحب حماه: [من الطويل] دعاه الهوى نحو الخليط المودَّع ... وحنَّ إلى حيِّ بأكناف لعلع ديار عهدت الشَّمل فيها مجمَّعًا ... سقتها الغوادي من طلول وأربع منازل من قوم على غير ريبة ... بسمر القنا يحمى لئام لبرقع فمن غادة كالشَّمس أو اغيد حكى ... سنى البدر يبدو بعد عشر وأربع أسكَّانها عطفًا عليَّ بزورة ... عسى مورد يصفو بشمل مجمَّع هجرت الكرى هجرانكم لمودتي ... فماذ يفيد الطَّيف لو زار مضجعي

وكيف يزور الطَّيف طرفًا مسهَّدًا ... يعوِّض عن طيف الرقاد بأدمع إذا قلت أنَّ القلب يشفى من الجوى ... غدًا وهو من ذكر الأحبة موجع يراجعه شوق ليشتاق كلَّما ... ترجَّع تغريد الحمام المرجَّع ومنها في المدح: /70 ب/ هو الملك المنصور والنَّاصر الَّذي ... له عاد ذئبًا عاويًا كلُّ مسبع ومرسلها مثل السَّعالي عوابسًا ... فوارسها من كلِّ ليث مدرَّع يجود بآمال النُّفوس فجوده ... لراجيه طبع لم يكن بتطبُّع أب للمعالي وهي وقف حبيسة ... عليه بجدِّ صادق غير مبدع [209] أبو السعود بن الحسن بن أبي منصور بن مردويه الواسطي: خبرت أنه شيخ كبير قد أربى على المائة، وذهبت إحدى عينيه، وكان يعلم الصبيان بواسط بدو أمره، فلما أسن تصرف في الأعمال الديوانية، ومال إلى قول الشعر، وامتدح به الرؤسا المقدمين، وأرباب الولايات، واستكثر من نظمه، وديوان شعره في نحو أربعة أجلاد. وهو شاعر هجاء سفيه اللسان، ممن يتقى شره، ويخاف من هجوه، وذكر لي في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة أنه حي يرزق، ولما توجهت إلى مدينة السلام سنة تسع وثلاثين وستمائة، واتفق انحدار الأمير /71 أ/ ركن [الدين] أبي شجاع أحمد بن قرطايا – أبقاه الله – إلى واسط، ثم إلى البطائح، وهي الأقطاع التي أقطعه إياها الخليفة المستنصر بالله –خلد الله دولته- فاستصحبني معه، فلما نزلنا واسط، وسألت عن من بها الشعراء، فذكر لي بأن أبا السعود هذا لحق باللطيف الخبير في الشعر الأول من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة. أنشد [ني] أحمد بن محمد بن سعيد بن البلاسي الواسطي بمدينة أربل قال:

أنشدني أبو السعود لنفسه من قصيدة: [من الكامل] وخط المشيب فأنكرتني زينب ... وتنمَّرت مني وقالت: أشيب ثمّ انثنت شبه القضيب إذا انثنى ... دلاّ لأذيال الملال تسحِّب وتحجَّبت فالنَّوم في جنح الدُّجى ... بحجابها عن مقلتي يتحجَّب ونأت فلا منها خيال زائر ... كلاَّ ولا منها مزار يقرب والسّقم في جسدي يدبّ لبينها ... يوم الرّحيل كما تدبُّ العقرب كم قلت للُّوّام لما أسرفوا ... واتوا بلوم لا يفيد وأطنبوا لوموا عليها والحيا ما شئتم ... أو فنِّدوا في حبها أو أنِّبوا /71 ب/ فأخو الملامة للذي لا يرعوي ... يشقى على طول الزَّمان ويتعب وأبعد ما أهواه شبت على الصبا ... واستنفرت مني الرَّداع الخرعب وبقيت مذ نزل القتير بعارضي ... كرهًا كما بقي البعير الأجرب وله في بعض الرؤساء: [من البسيط] لئن بخلت فلا بدع ولا عجب ... فالبخل عندك إرث عن أب فأب المرتجي منك نيلًا أو يروم ندى ... كالمرتجي ثمرًا من يابس الخشب دع الفخار ولا تعرض له ابدًا ... فكيف يفجر كلب أبتر الذَّنب؟ وأنشدني قال: أنشدني أبو السعود لنفسه: [من المديد] مات أيري آه والهفي ... ليت شعري من يكفِّنه فاندبوا حزنًا عليه معي ... وارشدوني أين أدفنه؟ وأنشدني محمد بن حيدر بن الدُّنبدار الشاعر الواسطي قال: أنشدني أبو السعود لنفسه من قصيدة، وكان محمد بن حيدر بإربل، وأبو السعود بالبصرة، يخاطب بهاء الدين أرغش زعيم البصرة: [من الوافر] /72 أ/ أنا الدُّنبداري اقتسمنا ... بأرباب الركائب في البلاد فأضحى باتكين له معينًا ... وأنت حصلت قسمي يا عتادي

وأنشدني أبو منصور بن أبي عبد الله بن أبي منصور الواسطي قال: أنشدني أبو السعود لنفسه من قصيدة أولها: [من الطويل] مريض هواكم من يعوده ... وعصر تداني وصلكم من يعيده؟ نايتم فما حظِّي من النَّوم في الدجى ... إذا رقد السمار إلا شريده وثوب اصطباري مزَّقته يد النَّوى ... ورث على بعد المزار جديده فإن عدتم عاد السُّرور بأسره ... وعاد من العيش الهني رغيده وله وقد رتب في بلد الكاس وهي قرايا من أعمال واسط، كتبها إلى ناظر واسط، وهو ابن المصطنع: [من البسيط] ونائب الحضرة العلياء حيث رأى ... في الكاس زهدي أرماني إلى الكاس فعند بدو شبابي ما ولعت به ... فكيف عند بياض الفود والراس فكتب إليه ابن المصطنع مجاوبًا: [من البسيط] /72 ب/ أبا السُّعود زهدت الكأس من قصر الإرتفاع وليس الزُّهد في الكاس [210] أبو سرايا بن خزرج بن ضحاك بن أحمد بن خزرج بن ضحاك، الكاتب الأنصاري الدمشقي: هكذا أملى علي هذا النسب، وكتبه لي بخط يده، وسألته عن أسمه فقال: لا أعرف لي أسمًا، أسمي كنيتي، وأخبرني أنه ولد في تاسع عشر ذي الحجة سنة تسع وثمانين وخمسمائة بدمشق، وكان اجتماعي به في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة بدمشق المحروسة، وخبرت أن والده كان من المياسير المحمولين وذوي النعمة والثروة الوافرة، بالغ أبوه في تهذيبه وتأديبه، وأنفق عليه أموالًا، ونشأ أبو السرايا هذا محبًا للأدب والفضل، استظهر الكتاب العزيز، وسمع قطعة من الحديث

النبوي، وعني بسماع الآداب، فلازم الإمام أبا اليمن زيد بن الحسن الكندي، فقرأ عليه جملة من الأشعار، وضروب الأدب، وحفظ كتبًا من الكتب الشعرية، منها: الحماسة لأبي تمام، وديوان أبي /73 أ/ الطيب المتنبي، وأدب الكاتب، حفظًا جيدًا، وغير ذلك. وعانى نوع المنثور، وفن الكتابة، وترامى إليها، فأول من خدم من الملوك الملك الفائز، سابق الدين، إبراهيم بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، فكتب له الإنشاء، ثم قلده وزارته، فلما توفي الملك الفائز، جذبه الملك المعظم عيسى بن الملك العادل إليه، وقدمه وعظم قدره، وقربه، وأضاف الملك الناصر داود ابنه إليه، وأقره على ما كان، وسافر معه إلى مدينة إربل، فبقي في خدمته مدة متطاولة، ثم سخط عليه الملك الناصر صلاح الدين داود، وصرفه عن خدمته، ففارقه، ونزل دمشق، فكتب ناصحًا، فتقبله الملك الصالح عماد الدين أبو الفدا إسماعيل، وجعله منشئًا في ديوانه، و [كان] مع ذلك ينسخ الكتب للملك الأشرف موسى شاه أرمن بالجراية والجامكية الدَّارَّة، وهو اليوم أقوم أهل زمانه بصناعة الكتابة الإنشائية، وأعرفهم بإنشاء الرسائل والتقليدات، والتقييدات، وأحسنهم خطًا وعبارة، وأسرعهم قلمًا ولسانًا لائق الكتابة، كأن الله قد خلق يده لها، وربما كتب في يوم واحد /73 ب/ عدة من الكتب الإنشائية، في أصناف مختلفة متفرقة، مما يعجز عن ذلك غيره من الكتاب المترسلين، ومع ذلك فله الباع الطويل في حل التراجم، وفتح مشكلاتها، وقدره شديدة في استخرجها. أنشدني لنفسه يمدح الملك الصالح أبا الفدا إسماعيل بن الملك العادل سيف الدين ابي بكر بن أيوب، مهنئًا له بقدوم أخيه الملك الأشرف شاه أرمن من مصر، وقد استدعاه ليلًا، ولم يكن عنده أحد على مجلس الشراب، فأجلسه إلى جنبه، فأنشده هذه القصيدة فأعجبته: [من الطويل]

أهاجك ترحال الحبيب المودِّع ... وشاقك إيماء البنان المقمّع؟ فرحت وراء الظَّاعنين بعبرة ... تصوب وقلب من جرى البين موجع لحا الله دهرًا لا يزال يروعني ... لحادث دهر أو ببين مروِّع أهيم أسى إن عنَّ في الجوِّ بارق ... ويطربني نوح الحمام المسجَّع ودوِّية كم سرت في بطن خبتها ... على متن طرف لاحق الإطل مسرع /74 أ/ كميت كأن الصبح في قسماته ... وأرساغه نهد – إذا كلَّ – أفرح وليل دجوجيِّ كأن نجومه ... فرادى حباب فوق كأس مدعدع سريت به حتى الصَّباح وبان لي ... دوارس بانت من جناب وأربع دوارس بانت غير نؤي مهدَّم ... وموقد نار أقتم اللوم أسفع وغير ثلاث من أثاف كأنها ... ثلاث حمامات على الأرض وقّع إلام يروع البين قلبي صبابة ... وحتَّى م يستمري التفرق مدمعي؟ وحتَّى لا أنفك في ظهر شامخ ... من الشُّم أو في بطن مكَّاء بلقع؟ لقد كلَّ من حمل المهنَّد عاتقي ... وكلَّ سفاري كلُّ هوجاء ميلع أمون إذا ناجى شواها عثارها ... بجاويَّة الإبقاء منها بدعدع لقد ملَّت البيداء تكرار وخدها ... وما ملت الوجناء رحلي وأنسعي سعيت بها يعيي الرياح لحاقها ... تقيس ملاء البيد منها بأذرع تلاعب إنشاء الزِّمان إلى فتى ... يلاعب أطراف الوشيج المزعزع إلى الأشرف السُّلطان شاه أرمن الذي ... يسير إلى أبوابه كل مهيع إلى الملك المحيي النَّدى بهباته ... إلى الواهب البرِّ الرؤوف السَّميدع وركب كأمثال الحنيَّة شمَّروا ... على مثلها للسير في كلِّ مدفع /74 ب/ تباروا بأجواز الفلا وتذاكروا ... حديث النَّدى ما بين ماض وموضع فقلت لهم والصِّدق ليس بصاحب ... يصاحبه الإنسان في كلِّ موضع إلى الصَّالح السُّلطان حثُّوا مطيَّكم ... تفوزوا ويا طوبي لمن قالها معي إلى الملك المعطي الألوف عفاته ... إذا الغير اعطى من ثلاث وأربع

فمذ سمعوا قولي وعته قلوبهم ... وما كلُّ من حدَّثته مسمعًا يعي فسرت أؤمُّ القوم لم أرض منزلًا ... من الأرض حتى جئت بالركب أجمع إلى ملك في السِّلم والحرب حلمه ... وصولته ريحا رخاء وزعزع إلى خير غيث في أياديه مقنع ... لعاف وليث بالحديد مقنَّع إلى خير من أعطى وأشرف من وفى ... وأكرم من لبَّى العفاة وما دعي تقول العلا لما حللنا جنابه ... إلا خير ذود حلَّ في خير مرتع تبيت النُّجوم النيِّرات كليلةً ... نواظرها عن مجده المترفِّع تمنَّع في يوم النِّزال ببأسه ... وما هو في يوم النَّدى بممنّع يجود إذا ما الحيُّ أكدت لبونه ... وأجدب من أرجائها كلُّ ممرع فزعت إليه من زماني فرعته ... ومن قبله كان الزّمان مروعي فيا حادثات الدَّهر ما شئت فافعلي ... ويا نوب الأيّام ما شئت فاصنعي /75 أ/ فلست أخاف الحادثات ومانعي ... حمى ملك حامي الحقيقة أروع إذا افترَّ باهي حسنه كلَّ نيِّر ... وإن جاد عنَّى جوده كلَّ مدقع وإن صال أغنى بأسه كلَّ باسل ... وإن قال أعيا شأوه كلَّ مصقع ليهنك يا هارون موسى قدومه ... كبدر الدُّجى في نوره من كلِّ مطلع لقد باهت الأيام عند لقائه ... وضاع نسيم النَّصر أيَّ تضوُّع! مليك يسحُّ الجود فينا تبرُّعًا ... إذا غيره أعطاك غير تبرُّع تدرَّع بالصَّبر الجميل وبالحجى ... وبالحلم والإحسان أيَّ تدرُّع! أيا ملكًا نحو المعالي استماعه ... إذا كلَّ عن ذكر العلا كلُّ مسمع لقد صنت وجهي عن سواك تكرُّمًا ... وأنجحت آمالي وصدَّقت مطمعي ولكنَّني في أمة قال حاسدي ... أوارث كسرى أم خليفة تبَّع؟ فلا زلت منصور اللواء مظفَّرًا ... سعيدًا على رغم العدوِّ المفجَّع

حرف الشين

/76 ب/ حرف الشين [211] شعيب بن أبي طاهر بن كليب بن مقبل، الضَّرير، أبو الغيث البصريُّ: دخل بغداد وأقام بها إلى أن توفي في يوم الجمعة مستهل المحرم سنة ثمان وستمائة. تفقه على أبي طالب صاحب ابن الخل، وقرأ كتاب الخلاصة في الفقه لأبي حامد الغزالي على الشيخ أبي جعفر بن البوقي، وأخذ على العربية عن أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري النحوي، وأبي محمد بن عبيدة المقرئ البغدادي، وكان أحد القراء النحويين، عالمًا فاضلًا، يحب الخمول لفسه، ويكره الصيت والرئاسة، وله شعر ورسائل، وصنف كتابًا سماه "الحتم المفروض في علم العروض"، وكتاب: "الأهم في الأهم". أنشدني الإمام زين الدين بن [أبي] ألبة بن أبي جعفر بن ناصر الشيرازي الشافعي، قال: أنشدني أبو الغيث شعيب الضرير لنفسه. [من الطويل] ألا إنَّ أشواقي إلى ما عهدته ... من الحضر العلياء ذات شبوب /77 أ/ تأجَّج وجدًا كلَّ يوم وليلة ... وتزداد وقدًا عند هبَّ جنوب ولو حملتني شمال في هبوبها ... لطرت إليكم عند كلِّ هبوب

ولكنها تسري إليكم ووفرها ... سلامي وأشواقي ودمع غروب وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] ألا ليت شعري هل أفوزنَّ مرة ... بنظرة محبوبي وحسن مالي وهل يجمعنَّ الله من بعد بعدنا ... وقد فنيت أعمارنا بتقالي وقد برحت أيدي المدى بجموعنا ... وولَّى نضير العيش غير مبالي وعدنا نسجُّ الدَّمع حزنًا وحسرةً ... على طيب أيام مضت وليالي وقال أيضًا: [من الطويل] كتابي بأشواقي إلى من أحبُّه ... يناجيه عنّي بالغرام المحرِّق ويشكو إليه عن لساني تألُّمي ... بطول النَّوى عنه وطول التَّفرق وقال أيضًا: [من البسيط] إليك يا رب أشكو ما أكابده ... من التَّنائي وأنهي ما ألاقيه قد مسَّني الضرُّ فارحم مدنفًا قلقًا يفنى الزَّمان بفيض من مآقيه يرعى نجوم السَّما من وقد لوعته ... تردُّه النَّفس منه في تراقيه /77 ب/ لو لم يكن منك يرجو أن سيجمعه ... يوم بمن يبتغي ما عاش باقيه [212] شمعلة بن أبي النَّما، أبو محمد الواسطيُّ: هو من قرية من أعمال واسط، تدعى نهفة وقيل: من مركوري، وكلاهما من الأعمال الواسطية. كان رئيس قريته وشيخها، شاعرًا متأدبًا، جيد الروية، مطبوع الشعر، حسن النظم، سمح اليد، واسع النفس، تام المروة، متعصبًا لمن يقصده. أنشدني أبو الحسن علي بن أبي الفرج بن محمود الخرابي النحوي الواسطي قال: أنشدني شمعلة لنفسه ما كتبه على سيفه، وكان يومئذٍ عاملًا بنهر جعفر في أيام

الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله- رضي الله عنهما-: [من مخلع البسيط] شمعلةٌ قد أعدَّ هذا ... لنصرة الحجَّة الإمام فقل لأهل العناد صبرًا ... سنجلي غيهب الظَّلام فقل لأهل العناد صبرًا ... سينجلي غيهب الظَّلام /78 أ/ وأنشدني قال: أنشدني لنفسه في ابن الأمير السيد هاشم بن علي العلوي، وكان ناظرًا بواسط. [من الخفيف] إنَّ عندي لهاشم بن عليٍّ ... مننا كالنُّضار لا تستحيل وثناء كأنَّه قطع الرَّو ... ض أريضٌ غضٌ عريضٌ طويل جدُّه أحمد وحسبك بالآ ... باء من بعد حيدر والبتول وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] ألا إنَّ لي نفسًا أبت أن أسومها ... لخسف وأن ترضى بذمٍ طباعها أكلِّفها سرَّ الهوى فتصونه ... مخافة أن يبدو لسرٍّ قناعها حكت نفثات الدارميِّ وقوله ... وناهيك أبيات يروق سماعها (وفتيان صدقٍ ليس يطلع بعضهم ... على سرِّ بعض غير أني جماعها) وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] أمحمِّلي عبء الغرام وتاركي ... غرض السِّهام متى غليلي ينفع؟ وإلى م ما تنفكُّ نيران الأسى ... والوجد ما بين الجوانح يسفع؟ ولأيِّما حال أذاد عن العلا ... والصَّاب كاسات الرَّدى أتجرع؟ وتلذُّ عينك بالرُّقاد وما كذا ... فعل الكرام ومقلتي لا تهجع /78 ب/ ما كنت أحسب يا محمد خلَّتي ... تُثنى ولا تلك العهود تضيِّع فلئن أضرَّ بي الغرام ونال من ... جسدي السقام وهام قلبي الموجع فلقد كتمت الوجد وهو مبرِّحٌ ... ولأمت شمل الجمع وهو مصدَّع وظللت أظهر للوشاة تجلدًا ... وببعض قول أبي ذؤيب مقنع

(وتجلدي للشَّامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع) ولسان حال أخي الرِّواية منشد ... بيتًا عليه بنو الهداية أجمعوا: (إذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كلِّ تميمة لا تنفع) وأنشدني قال: أنشدني شمعلة لنفسه في وجع عينه، ويصف شخصًا يعرف بابن ريان الطبيب: [من البسيط] ما مات بقراط إذ أضحى له خلفٌ ... من آل ريانًا من الحكم يقضي على الداء فلأقدار جارية ... مما يحاول من برء ومن سقم [هذا وأيسر شيء من محاسنه ... إنشاده عند حسم الداء والألم (لا يحمد الدَّهر في ما شاء يكنفها ... فلو أردت دوام البؤس لم يدم)] وأنشدني موفق الدين أبو الحسن علي بن مهذب بن أبي محمد بن بكران بن العاصماني الواسطي، بأرض البطائح يوم الجمعة /79 أ/ خامس شعبان سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني شمعلة بن أبي النما لنفسه ما كتبه إلى ابن أخيه: [من الطويل] عليُّ افترق فينا وما شئت جازني ... محازاة من لم يرع حقًّا لوالد وعدِّ عن الصُّنع الجميل وخلِّني ... أكابد من بلواك ما لم أكابد فقد خُيّبت فيك الظُّنون وصدِّقت ... مقالة من آسى اللَّهى بالمحامد (بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهنَّ أبناء الرَّجال الأباعد) فيا حسن إحساني إليك وقبح ما ... أسأت فدن ما بين مثنٍ وجاحد [213] شجاع بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي زهران، أبو محمد الموصلي: كانت ولادته تقديرًا سنة أربعين وخمسمائة، وتوفي مستهل رجب سنة عشرين

وستمائة بالموصل. كان صاحب فضل، ومحاضرات، وفكاهة، وحكايات، ومعرفة الناس وأيامهم، وله أشعار كثيرة، ورحل إلى البلاد الشامية، وامتدح الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب- رضي الله عنه- وولديه/79 ب/ الظاهر والأفضل وغيرهم. أنشدني ولده أبو شجاع يعقوب قال: أنشدني [أبي] لنفسه يمدح صلاح الدين يوسف بن أيوب بدمشق سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ويذكر فتحه بيت المقدس- رحمه الله تعالى-: [من الطويل] دموع جرت يوم الفراق سجام ... وقلب لناء الشَّوق فيه ضرام لحى الله يوم البين إنَّ مذاقه ... لكلِّ نفوس العاشقين حمام وكلُّ محبٍّ لم يمت يوم فرقة ... فذاك له عند المنون ذمام لئن درست بالأنعمين معاهدٌ ... وعزَّ بأعلى الجلهتين مقام وأمست عراص الأبرقين مواثلًا ... فمنِّي على تلك الديار سلام وإن جلِّ خطب أو عرتني ملمَّةٌ ... فليس عجيبٌ أن يفلَّ حسام سأدَّرع الليل البهيم لعلَّني ... أجوب الموامي والعيون نيام إلى من حباه الله بالملك إذا رأى ... حمول الهدى والكفر فيه غرام وزيَّنه بالحلم والعلم والتُّقى ... فما حسن إلا لديه يرام أقام قنا الدِّين الحنيفي راغبًا ... إلى الله لما آض وهو ثمام إلى ملك الدُّنيا الذي لو تفرقت ... كتائبه والمشركون نيام /80 أ/ لقام مقام الجيش حتَّى تزورهم ... بأيدي الفيافي أنسر وهوام إذا الحرب أعيت كلِّ قرم وباسل ... وخام شجاعٌ واستسرَّ همام وجاشت نفوس المسلمين بأسرهم ... وعزَّ على المستسلمين كلام كشفت قناع الرَّوع عنهم بمهجة ... تميت وتحيي والصفوف قيام

عليها من الرحمن في الروع جُنَّة ... ومن غير الدهر الخؤون زمام وحين لقيت المشركين وظنُّهم ... بأنَّهم في الحرب ليس يضاموا أدرت عليهم بالصَّوارم والقنا ... كؤوسًا لها مزج الدِّماء مدام وغادرت فتح القدس للنَّاس آيةً ... ولم يكُ حتى الحشر قط يرام تهنَّى به الإسلام شرقًا ومغربًا ... وصلَّى لديه العابدون وصاموا ضمنت لربِّ العرش ملء جهنَّم ... من النَّاس فاقتل ما عليك أثام وحين عفت سبل المكارم والنَّدى ... وأصبح حلُّ الجود وهو حرام وقال ذوو الآمال عطِّل ذا الورى ... من الجود أم غال الكرام لئام؟ شرعت لهم سبلًا شواهدها النَّدى ... وأوردتهم بحر السَّماح فعاموا لقد جدت حتى لم تجد قطُّ سائلًا ... وحاربت حتى ما يسل حسام وأرهبت أهل الظُّلم حتى كأنَّما ... عليهم رقيبٌ منك حيث أقاموا /80 ب/ كأنَّك في الملك ابن داود طاعة ... وفي العزم ذو القرنين ليس يرام لك الفتح لمَّا كان للسُّدِّ قسمةٌ ... من الله إذ لاسبسب وأكام لك الرزق فاقسم حيث شئت على الورى ... لك الأرض إمَّا اخترت فهي مقام تكاد الحصون الشُّم تسعى محبَّة ... إليك وأرباب الحصون قيام نهضت بأعباء الكتاب وإنَّه ... ليعجز عنه يذبل وشمام سهرت لئلاَّ يسهر النَّاس إنَّه ... متى سهر الملك المعظَّم ناموا لطاف بنو سام وحام ويافث ... بأروع فيَّاض نداه غمام من النَّفر الغلب البهاليل في الوغي ... وفي السَّلم إن ضنَّ الغمام كرام مطاعيم في اللأواء والعام أشهب ... مطاعين والجيش الخميس لهام ومنها: ولمَّا رأيت الخطب قد جدَّ جدُّه ... وقد مرَّ عام بالهموم وعام وذلك لما انتاشني الدَّهر ما حوت ... يميني وقلَّ الأقربون ولاموا

سلكت فجاج الأرض أسعى بهمَّة ... لها ذروة فوق السُّها وسنام إلى ملك لو أنَّ نور جبينه ... على الدَّهر ما اجتاح الضياء ظلام فعاينت بحرًا يغرق البحر جوده ... وبدرًا يشين البدر وهو تمام /81 أ/ بقيت على الإسلام ما ذرَّ شارق ... وغرَّد قمري وسحَّ غمام وأنشدني قال: أنشدني والدي لنفسه من قصيدة يتذكر بها أيامه بالموصل، ويتشوق إليها، ويمدح الملك الأفضل نور الدين علي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب –رضي الله عنهما-: [من الخفيف] خليّياني ولوعتي خلِّياني ... ما عليكم يا عاذليَّ ضماني إنَّ طيف الخيال شرَّد نومي ... وعراني لزروة ما عراني طارق بالشّام من سرحة المو ... صل يا حبَّذا البعيد الدَّاني ومنها يقول: وبباب العراق من سكّة الليـ ... ـث مغان أكرم بها من معاني سكَّة تطلع البدور فما تفـ ... ـتا تلقى بدرًا على غصن بان كم خلعت العذار بالشرف الأعـ ... ـلى وأطلقت في السُّرور عناني روضة تخجل الرِّياض بزهر ... مثل وشي البرد القشيب اليماني حيث تلقى بها من الطير ما نغـ ... ـنى به عن مثالث ومثاني /81 ب/ يتناغى بها الهزار على الشَّحـ ... رور فالحيقطان فالورشان وتطرَّبت مستهامًا إلى ديـ ... ـر سعيد بالرَّاح والرَّيحان وزمان مضى بدجلة فالخو ... صر فالحوض بالوجوه الحسان ولكم بالغروب أصبحت معتا ... ضًا دواليبها عن العيدان فمتى ما سمعت يومًا بباب الـ ... ـجسر بلّت مدامعي أرداني وكذا إن ذكرت ساحة شطِّ النـ ... ـهر لج الفؤاد بالخفقان

غادر الباصلون قلبي قريحًا ... لفراق الخلاّن والنُّدمان وغزال مقرطق يخلب الألـ ... ـباب منَّا بطرفه الفتَّان تلك أشهى إليَّ من رقَّة القفـ ... ـص فقطر بل مع البردان يا خليلي إن كنت أمسيت ناء ... عن بلادي وغبت عن أوطاني فإلي الأفضل المعظّم نور الد ... دين ركن الهدى ثنيت عناني ملك صيغ من نوال ومن بأ ... س ومن عفَّة ومن إحسان حلَّ في شامخ من المجد في بيـ ... ـت ثراه سام على كيوان [214] /82 أ/ شيبان بن تغلب بن حيدرة بن سيف بن طراد بن عقيل بن وثاب بن شيبان، أبو عبد الله الشيباني: من أهل دمشق، كان شيخًا فقيهًا، أدبيًا شاعرًا، رقيق الشعر، طيب الغزل، أنشدني القاضي الإمام ابو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الفقيه الحنفي –أدام الله سعادته- بحلب المحروسة، قال: أنشدني شيبان بن تغلب لنفسه بدمشق سنة ثلاث وستمائة: [من البسيط] من ذا يخلِّصني من شادن غنج ... يميت قلبي أحيانًا ويحييه؟ حلو الشَّمائل لا أبغي به بدلًا ... ولا أطيع عذولًا لا مني فيه

من كان مقتسبًا نارًا فوجنته ... أو كان ملتمسًا درًا فمن فيه دعا فؤادي فلبَّاه لشقوته ... لأنَّه ما رأى شيئًا يضاهيه فحسن صبري فان من تذكره ... وحسنه دائم لا شيء يفنيه أموت مما تلاقي مهجتي كمدًا ... لا أستطيع من الواشين أبديه وأنشدني أبو الحجاج يوسف بن الخليل الدمشقي قال: أنشدني أبو عبد الله شيبان لنفسه: [من المجتث] كفِّي عن الصد كفِّي ... ففي صدودك حتفي وواصلي أو فجودي ... بنظرة منك تكفي /82 ب/ يا من سبتني بقدِّ ... قد قدَّ قلبي وطرفي وتيَّمتني بجيد ... ومعصم وبكفِّ قد زدت في الحسن حتى ... جللت عن كلِّ وصف بالله وقِّي لذلّي ... وسوء حالي وضعفي وأنشدني قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الرجز] أحببت ظبيًا حسنا ... شردَّ عنِّي الوسنا حلو إذا مرَّ على أيك يحاكي الغصنا مرمر عيش عاشق ... به المعنَّى افتتنا دموعه منهلَّة ... وجسمه حلف الضَّنا وأنشدني أبو الحجاج قال: أنشدني شيبان لنفسه: [من مجزوء الكامل] لام العذول ولو درى ... من قد عشقت لأعذرا ظبيًا غريرًا شادنًا ... صقل العوارض أحورا وأنشدني أيضًا قال: أنشدني أبو عبد الله قوله: [من الطويل] بلوتهم مذ كنت طفلًا فلم أجد ... كما أشتهي فيهم صديقًا وصاحبا ولا ساترًا عيبًا إذا كنت حاضرًا ... ولا قائلًا خيرًا إذا كنت غائبًا فصوبت رأيي في فراري منهم ... وشمَّرت أذيالي وامعنت هاربا

حرف الصاد

حرف الصاد ذكر من اسمه صالح [215] صالح بن محمد [بن] القويصي الأسعرديُّ: من أهل إسعرد، له أشعار لا بأس بنظمها، أنشدني الحسن بن حمزة بن حمدون الموصلي قال: أنشدني صالح بن محمد بن القويصي لنفسه: [من الطويل] بعهدك أنِّي يا منى النَّفس واثق ... وحتَّى اللِّقا قلب المتيَّم شائق مقيم على حفظ المودَّة موقن ... بأنَّك لي نعم الحبيب الموافق وإنَّ الوفا بين الأصحاب خلَّة ... محبَّبة فيما تراه الأصادق وإنِّي لمحزون الفؤاد وواله ... وراض بما ترضى وميت وعاشق ومنها: صبور قنوع مستهام متيَّم ... عليك ولي قلب من الشوق خافق بديع جمال واعتدال كأنَّما ... لشمس الضُّحى من وجنتيك المشارق ومنها: تفرَّدت بالحسن الذي ما استحقَّه ... سواك وحقَّت بالصِّفات الحقائق [216] صالح بن مكارم بن صالح /83 ب/ بن داود، أبو محمد الإربلي: رجل سوقي من العامة، رأيته مناديًا في سوق البز بمدينة إربل، لم يكن عنده شيء من علم ما، له طبع في عمل الشعر حسن. أنشدني لنفسه في الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي - أيده الله تعالى -: [من الخفيف]

يا ابن من كفُّه أمدُّ من البحـ ... ـر وأعلى من السِّماك ارتفاعا عبدك الأصغر المحب يناديـ ... ـك وقد هزَّه الحياء ارتياعا وهو يرجو منك الإحالة يا أطـ ... ـول من مدَّ في البريَّة باعا من سوى عصبة اللُّصوص فقد تعـ ... ـلم في الملك مع بقاك اتِّساعا

ذكر من اسمه صدقة

ذكر من اسمه صدقة [217] صدقة بن محمد بن القاسم بن محمد بن علي الملحن، أبو البر الإربلي: كان يصنع الألحان ويخترعها، ويصنف أقوالًا يأخذها عنه أهل الطرب، ويغنى بها، وكان جيد المعرفة بالغناء والأصوات، وله شعر يجيد نظمه، وكان منقطعًا إلى يوسف بن بكتمر /84 أ/ بإربل، وتوفي صبيحة يوم الجمعة، الثاني والعشرين من رجب سنة ثماني وستمائة بلإربل. أنشدني الوزير الصاحب أبو البركات المستوفي - حرس الله مهجته - قال: أنشدني صدقة بن محمد الملحن لنفسه: [من مخلع البسيط] ما لجنوني عليك راقي ... قد بلغت روحي التراقي وعيل صبري لطول هجري ... فليت شعري متى التَّلاقي؟ يا ممرضي بالصُّدود مهلًا ... فليس لي طاقة الفراق أما ترى زفرتي وناري ... عليك في الحبِّ واحتراقي؟ فاطف لهيبي برشف فيك الـ ... ـعذب اللَّمي البارد المذاق حسبك أنِّي افنيت كلِّي ... وأنَّ وجدي عليك باقي وأنشدني أبو الحسن بن شيبوص الإربلي قال: أنشدني صدقة نفسه: يا نجل بكتمر الذي ... حاز العلا كنزًا وصانه ومن اتخذت ولاءه ... دون البرية لي ديانه وإن كان خنتك قطُّ أو ... حدّثت نفسي بالخيانه

/84 ب/ فبرئت من حبِّ النبيِّ وآله وجحدت شانه ورفضته وأخذت مو ... لاي ... مكانه وأنشدني أيضًا قال: أنشدني صدقة بن محمد لنفسه ما كتبه إلى الأمير ضياء الدين يوسف بن بكتمر: [من مجزوء الرمل] لأذيقنَّك فقدي ... راغبًا عنك بجهدي عد إلى غيري فإنِّي ... رجل لست بجندي كعت من خبر شعير ... أكله حرَّق كبدي طال مكثي ومقامي ... بين فلاَّح وكردي يا ضياء الدِّين هيها ... ت ترى مثلي بعدي في تصاريفي وأعما ... لي وفي حلِّي وعقدي قلَّ أن تلقى غلامًا ... ناهضًا سدَّ مسدّي ذا احتياط واحتفاظ ... للأمانات يؤدِّي آه لولا سوء ظنِّ ... فيَّ قد أوجب طردي /85 أ/ لم أصعِّر لسوى فضـ ... ـل ندى كفِّك خدَّي أنا إن خنتك في شيء ... ولم أوف بعهدي كافر اشنا عليًا ... وأوالي لابن هند فلما أحتمل الضَّيـ ... ـم لأهلي أم لولدي؟ عيلتي بطني وإنِّي ... جملة التكميل وحدي برغيف وقميص ... متعشِّ متردِّي فبذا أشبع بطني ... وبذا استر جلدي هكذا طول زماني حالتي حرِّ ورد وإذا متُّ فما يعـ ... ـوز من يحفر لحدي لي نفس جبلت طيـ ... ـنتها بالماء ورد بعد ما شيبت بمسك ... وبكا فور وندَّ أنا سيف غربه أمـ ... ـضى شبًا من غرب هندي

نوب الأيَّام والأز ... مان لا تثلم حدِّي لا ولا أصبحت في ضرِّ ... من الفقر أكدِّي [218] صدقة بن أبي ألبة بن أبي جعفر /85 ب/ بن ناصر بن أبي غالب بن حمزة بن أبي محمد، أبو الفضل الشيرازي. شاب طويل مائل إلى السمرة. أخبرني أنه ولد بشيراز سنة ست وثمانين وخمسمائة، وخرج عن بلده، وقدم مدينة السلام سنة عشر وستمائة، وأقام بالمدرسة النظامية، وصرف همته في طلب العلم، فتفقه على كمال الدين عبد الودود بن محمود بن المبارك البغدادي، القاضي أبي المناقب محمود بن أحمد بن بختيار الزنجاني، وقرأ على شراج الدين عمر بن مكي بن علي الخوزي علم الحكمة والأصولين، وسمع الحديث على أبي المكارم محمد بن عائد بن محمد الكرماني، وشهاب الدين أبي عبد الله عمر بن محمد السهروردي، وسمع عليه شيئًا من تصانيفه، ثم رحل عن بغداد، وورد الموصل بعد أن حج إلى بيت الله الحرام، وذلك في ربيع الأول سنة أحدى وعشرين وستمائة، فنزل بالمدرسة المولوية البدرية، ومدرسها يومئذ الشيخ العلامة كمال الدين أبو المعالي موسى بن يونس بن محمد بن منعة الموصلي، فأخذ عنه علمًا كثيرًا، وقرأ عليه علومًا شتى، [واستوطنها مدة طويلة، ثم سافر إلى بلاد الروم فسكن قونيا، فتوفي بها في جمادى الآخرة سنة] ... /86 أ/ وهو إمام فاضل، عالم، كامل، مناظر أصولي، مباحث، جدلي، متفنن في كل علم، مقل من قول الشعر، لم يتعرض لنظمه إلا لغرض، ولم ينشدني من أشعاره شيئًا سوى هذه الأبيات: [من الكامل] إن كنت تطلب للنجاة طريقة ... فتذَّكرن قول الحكيم الفاضل خبر الرَّذيلة بالفضيلة مخلص ... أبدًا لجوهرك الشريف الكامل

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] إلى الله أشكو من جناية ناظري ... ومن عظم ما يلقى الفؤاد وخاطري فلولا طموح العين ما شفَّني الهوى ... ولولا الهوى ما كان طرفي بساهر [219] صدقة بن سعيد بن أبي السعود بن سعيد بن عطية أبو المعروف التاجر: كان من أبناء التجار الممولين بمدينة السلام، كثير التنقل في البلدان، ذا ثروة ويسار ونعمة واسعة، وقرأ قدرًا كبيرًا من الأدب، وله طبع موات في الشعر، وينظم مقطعات لا بأس بها. /86 ب/ وتوفي بدمشق يوم عاشوراء من سنة سبع وعشرين وستمائة، كذلك أخبرني بوفاته الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن [الحسن] بن النجار. أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن البغدادي ببغداد في سنة تسع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني صدقة بن سعيد لنفسه في وصف غلام تزوج: [من المتقارب] أنا من هواي عليه حبيس ... إن شفَّني حبُّه والرَّسيس فدتك نفوس براها هواك ... وقلَّت لمثلك تلك النُّفوس الست الذي إن عددنا الملاح ... فأنت الأمير وأنت الرئيس؟ على طالع السَّعد هذا الزَّفاف ... ولا قربت من ذراك النُّحوس فوا لله ما نظر النَّاظرون ... عروسًا يزفُّ عليها عروس وكتب إلى شرف الملك أبي المعالي بن الحسين وزير خوارز مشاه، يستعين به في رد مملوك باعه: [من المنسرح] قل للوزير الذي بسيرته ... يرتحل الجو ثمَّ يغترب يا ملكًا لم تزل منا قبه ... يعزى إليها الحجى وينتسب

/87 أ/ أبا المعالي نجل الحسين ومن ... يدنو نداه منَّا ويقترب لو أنَّ غيرك يرجى إذن عدلت ... إليه عنك الخلائق النُّجب إسمع حديث امرئ يرق له ... عدوُّه رحمة وينتحب كان له مؤنس يصول به ... على زمان صروفه غلب ظبي رشيق القوام معتدل ... تحسن في مثل حسنه الرِّيب له من التُّرك هيبة ومن الزوراء ... لطف فشانه عجب فلاحظته العيون واستبق النـ ... ـناس إليه واحضر الذهب وكنت في سكر حبِّه فجرى الـ ... ـبيع وبيع السَّكران لا يجب فانظر إلى قصَّة الغريب تفز ... منه بشكر تزهو به الكتب وقوله: [من الطويل] سقى الله دهرًا بالعراق قطعته ... بذي هيف حلو الشمائل والشَّكل تزيَّا بزيِّ الترك تيهًا فأصبحت ... قلوب محبيِّه عن العذل في شغل لعمري لقد حاربت فيه عواذلي ... وبات خليًا عن ملام وعن عذل [220] صدقة بن عبد الله /87 ب/ بن أبي بكر بن فتوح بن الأغلب، أبو المعروف بن أبي محمد اللخمي الحسيني. ينتسب إلى بطن من لخم يقال له: حسين، من أهل الإسكندرية، من أفاضلها وعدولها. كان متأدبًا فاضلًا، من أهل الحديث، روى عن أبي طاهر السلفي.

أنشدني الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار قال: أنشدني صدقة لنفسه بالإسكندرية في ثقيل: [من المتقارب] ثقيل تراه إذا ما مشى ... تئنُّ له الحوت مهما وطي فلو أدخل النَّار من ثقله ... لقالت جهنمُّ منه قط

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف [221] صاعد بن علي بن عمر بن محمد بن علي، أبو المعالي الواسطي الواعظ. وشاهدت في أجزاء من الحديث النبوي اسمه، وهو محمد، ثم غيره بعد ذلك، وتسمى بصاعد، موافقًا لكنيته، واستمر على كتابة ذلك. كانت ولادته /88 أ/ ببغداد في درب سجزة سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، وكان أبوه حنبليًا قاضيًا في ولايات الغراف، وانتقل مع أبيه إلى واسط، فلذلك سمي الواسطي. لقي ابا الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي، وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وغيرهما من مشايخ بغداد، وسمع الحديث الكثير، وتفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ثم صار شافعيًا. وكان إمامًا فاضلًا، صالحًا، لطيفًا، من ظرفاء العلماء في وقته، متفننًا في صيغة الوعظ، له حركات على المنبر، لم يسبق إليها، وإيقاعات موزونة، لم يغالب عليها. سكن إربل إلى أن توفي بها يوم الثلاثاء لسبع خلون من ربيع الأول، سنة خمس

وعشرون وستمائة، ودفن بمنزله، ووعظ الناس مدة حياته، وأسمع بها الحديث، وله أشعار عثة، وقفت على شيء منها غير مرضي، ولم أر الإخلال بذكره، فأوردت له هذه الأبيات، وهي أصلح ما وجدت له من النظم. أنشدني ولده عبد الباسط قال: أنشدني /88 ب/ والدي لنفسه في الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه- وقد خرج إلى الصيد: [من الخفيف] أنت لمّا رحلت أظلمت الدُّنـ ... ـيا وحالت لبعدك الأيّام خلِّ صيد الوحوش كم صدت قلبًا ... مذ ترحَّلت ناله الإعدام فأرانا الإله ما نتمنَّى ... في مليك وجوده الإسلام شرَّف الله نفسه بالعطايا ... والسَّجايا فجوده لا يرام فاسمعوا ما أقول ثمَّ اكتبوه ... فهو سحر محلَّل لا حرام وأنشدني قال: أنشدني أيضًا والدي لنفسه حين أنفذ رسولًا إلى بغداد من إربل، ما كتبه إلى عّز الدين أبي اليمن نجاح الشرابي الناصري –رضي الله عنه-: [من الكامل] مولاي عزَّ الدّين جودك شائع ... بين الأنام وأنت بحر زاخر لازلت في ملك وعزِّ دائم ... ما دام يسعدك الإمام النَّاصر من شأنه التَّغليس في طلب العلا ... وله من التَّقدير حظٌّ وافر من بيته ظهر الهدى فتأثَّلت ... آثاره فغدت وهنَّ ظواهر /89 أ/ وهو السَّماء لنا ونحن فأرضها ... والأرض يحييها السَّحاب الماطر فازرع يدًا عندي لتحصد شكرها ... إنَّ الذي تولي جميلًا شاكر أيجوز أن ألغى وتهمل حالتي ... ولي الثَّناء بجودكم متواتر؟ كم قد عقدت ببلدتي من مجلس ... أدعو ويدعو كلُّ من هو حاضر ببقاء ملكك إنَّه شرف الورى ... ووسيلتي السَّجاد ثمَّ الباقر

يا نائب الحقّا الإمام المرتجى ... أيليق أن أجفى وأنت القادر؟ آن الرَّحيل وكسرتي معلومة ... فاجبر بما تولي فأنت الجابر وأنشدني أيضًا قال: أنشدني والدي لنفسه يناقض قول عمران بن حطان في قوله: [من البسيط] يا ضربة من تقيِّ ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إنّي لأذكره يومًا فأحسبه ... أوفى البريَّة عند الله ميزانا فناقضه أبو المعالي بقوله: [من البسيط] يا ضربة من شقيِّ ما أراد بها ... إلا ليصليه ربُّ العرش نيرانا فهو اللَّعين بلا شك يردِّده ... ويلعن الله عمران بن حطَّانا [222] صباح بن عقبة الحلي: /89 ب/ من أهل الحلة المزيدية، شاعر هجاء، متشيع، كان يفد إلى الموصل، ويمدح النقباء، بيت عبيد الله العلويين، هاجي شعراء وقته. أنشدني محمد بن سليمان الموصلي قال: أنشدني صباح بن عقبة لنفسه يهجو أبا الطليق الشاعر الخزاعي: [من الوافر]

مررت بدرب عثمان نهارًا ... فألفيت الأكابر والصِّغار بهم داء الملوك فحنَّ دبري ... إلى أير ولم أر ذاك عارا فهذا إن مررت به فويل لمن أضحى لأهل الدَّرب جارا ودرب عثمان هذا من دروب الوصل، بشاطئ النهر، وأهله يرمون بالأبنة، وأبو الطليق كان ساكنًا بهذا الدرب. وأنشدني عبد الرحمن بن عبد الله الصيقل الشاعر قال: أنشدني صباح بن عقبة لنفسه في الربعي الشاعر، يهجوه، وقد غير اسمه، وسمى نفسه خطابًا، وأنَّه ادعى أنه من ربيعة الفرس: [من الكامل] /90 أ/ خطَّاب يا ابن محمَّد المنقوشي ... ما تدرك الأحساب بالتَّجميش لقد اعتزيت إلى ربيعة كاذبًا ... من منهم في ليله المأشوش وافاكم حتَّى اعتزيت إليهم ... وأبوك أكار لعبد عميش [223] صفوان بن إدريس، أبو البحر المرسي الأندلسي: كان شاعرًا مجيدًا، متقنًا، كثير الشعر، أديبًا مقتدرًا على النظم والنثر، وافر المحفوظات، حسن المعرفة، له رسائل وخطب، وديوان شعر مشتمل على كل نوع من القريض، وكان ذا تمكن من العلوم الأدبية، وأفرد من شعره مجلدة في أهل البيت – صلوات الله عليهم وسلامه-، وكان قريب العهد من سنة خمس وستمائة فيما خبرت.

أنشدني من شعره أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن أبي العافية البلنسي، وذكر لي أنَّه أدرك آخر أيامه، ولم يأخذ عنه شيئًا، وهو القائل: [من الكامل] يا حسنه والحسن بعض صفاته ... والحسن موقوف على حركاته بدر لو أنَّ البدر قيل له اقترح ... أبدًا لقال أكون من هالاته /90 ب/ يعطي ارتياح الحسن غصنًا أملدًا ... حمل الصَّباح فكن من زهراته والخال تنقط من صحيفة خدِّه ... ما خطَّ حبر الصُّدغ من نوناته وإذا هلال الأفق قابل وجهه ... عاينته كالشمس في مرآته ما زلت أخطب للزَّمان وصاله ... حتَّى دنا والبخل من عاداته غفل الرَّقيب فنلت منه نظرة ... يا ليته لو دام في غفلاته بتنا نشعشع والعفاف نديمنا ... خمرين من غزلي ومن كلماته وضممته ضمَّ البخيل لماله ... أحنو عليه من جميع جهاته حتّى إذا اعتلق الكرى بجفونه ... واشتدَّ في عضديَّ طوع سناته عزم الغرام عليَّ في تقبيله ... فنفضت أيدي الطَّوع من عزماته وأبي عفا في أن يقبِّل ثغره ... والقلب مطوي على جمراته فاعجب لملتهب الجوانح غلَّة ... يشكو الظَّما والماء في لهواته وأنشدني الوزير الصاحب أبو البركات المستوفي- أيده الله تعالى- قال: أنشدني أبو الروح عيسى بن محمد بن موسى الحميري التاكرني القرطبي قال: /91 أ/ أنشدني أبو بكر يزيد بن صقلاب المري الأندلسي قال: أنشدني صفوان بن إدريس لنفسه: [من السريع] سلَّم إذ مرَّ بنا شادن ... يا ليته من لحظه سلَّما وقبَّل الإصبع من نحوه ... كأنَّه يستر عنَّا الفما

حرف الطاء

حرف الطاء /92 أ/ ولم يرد في حرف الضاد شيء. ذكر من اسمه طاهر [224] طاهر بن محمد، أبو الفوائد الفاريابي: شاعر عالم، وكان مقامه بأذربيجان، واشتهر ذكره هنالك، كان يشعر باللسانين، عربيًا، وفارسيًا، والغالب عليه اللسان الفارسي، امتدح جماعة من ملوك تلك البلاد، وسلاطينها، ورؤسائها، وأشرفها. وأخبرني من أثق به أنه كان حيًا بعد الستمائة، وصار إلى مجموع أشعاره، وفيه شعر بالعربية يسير، فاخترت قوله يمدح بعض الرؤساء، وهو ربيب الدين أبو القاسم: [من الطويل] دعاني وما اضمرت من لوعة الهوى ... ففي القلب منّي ما خييت بلابل أاشفي سقامي بعد ما قد مضى الصِّبا ... ورنَّح أغصان وحنَّ بلابل؟ وإنَّ شفائي في كؤوس رويَّة ... يساعدني فيها حبيب مجامل فبدِّد للدَّمع المصون قلائد ... وحرك للقلب المشوق سلاسل /92 ب/ ومنها: ورقَّ كمام الورد عنه كأنَّه ... كواعب بيض شفَّ عنها غلائل أقلاَّ ملامي إنَّ ذنبي لديكما ... كثير وأيام الرَّبيع قلائل هل العيش إلا أن تنوَّر روضة ... عليها لنوء المرزمين مخايل؟ يفئ إلى أطلالهنَّ هواجرًا ... وقد طلقت أسحارها والأصائل الثَّ رباب المزن فيها كأنَّه ... بنعمى ربيب الدِّين هام وهاطل أبو القاسم المقسوم في الناس عرفه ... فإن جاد وفرًا جاذبته الوسائل أقام عماد المجد والمجد ساقط ... ونوَّه باسم الفضل والفضل خامل

وصبَّ على الآفاق سجلًا من النَّدى ... ففاضت به عذرانها والمسايل وقال من قصيدة: [من الرمل] أقبل السَّاقي بريحان وراح ... هاتها تفتَّر عن ثغر الملاح أنبهن في السُّكر أغصان الرُّبى ... ما لصحبي بين سكران وصاح؟ ومنها في المديح: قام في نصر الهدى مستنصرًا ... أحرز الملك بأطراف الرِّماح /93 أ/ ينتحي أرض العدا في جحفل ... ضلَّ في لألائه ضوء الصَّباح ثابت الإقبال منصور اللِّوا ... مستقيم الأمر مأمول النَّجاح [225] طاهر بن محمد بن قريش بن أحمد بن عبد الملك بن قريش، أبو محمد العتابي البغدادي: من أهل العتابيين، وهي محلة مشهورة غربي بغداد، كان يتفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه- وكان له طبع يطاوعه فيما يرومه من صناعة الشعر، وقول سهل متسق، يشبه بعضه بعضًا في رقة الألفاظ ولينها. وكان فيه خفة روح ودعابة ودماثة، ورأيت له من جمعه كتابًا مطبوعًا سماه: غنية النديم، في وصف الخمر والغناء، وأخبار المغنين، وطرف من أخبار الطفيلية، مما يستحسن في ذلك من الأشعار والنوادر والحكايات. ونظم قصيدة مزدوجة في أهل مصر، وأودعها نكتًا طريفة، وسبب إنشائها أنَّ بعض المصرية عمل رسالة هجا /93 ب/ بها بغداد، فأنشأ أبو الطيب هذه الأرجوزة، ورسمها بالأرجوزة البغدادية المنتقمة من الرسالة المصرية، هجا بها المصريين. وسكن بآخره سنجار، وبها توفي في رجب سنة تسع وستمائة، أنشدني

أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الأواني الموصلي قال: أنشدني طاهر بن محمد العتابي لنفسه، وأنشدنيها الصاحب شرف الدين قال: أنشدني طاهر لنفسه: [من الخفيف] درست معهد النَّعيم الدُّروس ... فالام الوقار والنَّاموس؟ فاعمروه في العمر عمرًا فقد رقـ ... ـقت وراقت في كأسها الخندريس وليال بالدَّير دير سعيد ... حبَّذا ذلك الزَّمان الأنيس وسقى فيه غرفة لأبي جا ... بر غيث فربعها مأنوس قهوة عيسويَّة طال ما صلـ ... ـلت عليها وسبَّحتها القسوس بزلت وهي بالشام فدانت ... بسناها بأرض كسرى المجوس وغناء يكاد ينبعث الشَّا ... هد منه حيًا ويبدو الحبيس والرَّوابي بالزَّهر تزهو كما يز ... هو بألوان ريشه الطَّاووس /94 أ/ ونديم له معين على اللَّهـ ... ووثلاث كأس وكسٌّ وكيس يخلص الود للجليس وما للـ ... ـراح طيب حتى يطيب الجليس كلَّما رتَّل المثاني والزِّيـ ... ـر اذانًا أجابه ناقوس قسما بالّذي تزفُّ إليه ... طلب الأجر والثواب العيس ما لليل الهموم إلا شموس ... دائرات أفلاكهنَّ شموس وأنشدني قال أنشدني أيضًا لنفسه: [من مخلع البسيط] هذي شيبتي شبه شخص ... منافق معلن مصر بظاهر فيه كلُّ خير ... وباطن فيه كلُّ شر وأنشدني أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الصيقل الشاعر الموصلي قال: أنشدني طاهر بن محمد لنفسه: [من الكامل] شم سيف لحظك عن فؤاد التَّائه ... فمثال شخصك منه في سودائه

عجبًا لوجهك وهو بدر كيف لا ... يخفي شعاع الشَّمس نور بهائه ولحسن قدِّك وهو لدن كيف لا ... يلويه من ترف هبوب هوائه /94 ب/ ولخال خدِّك كيف ينبت مسكه ... في ناره ويخوض لجَّة مائه وأنشدني أبو الربيع سليمان بن الحسن بن علي البصري الموصلي قال: أنشدني طاهر لنفسه: [من البسيط] مررت في بعض أحياني بمعصرة ... وللمدامة في أرجائها لهب وكلَّما أخمدت نار العصير بها ... أذكى سناها مجاري دمعها العنب وللسُّقاة اضطراب في قرارتها ... تخب أرجلهم طورًا ةتضطرب فقلت والعين ما تقضي بهم عجبًا ... والخمر ما زال في حالاتها عجب ايرقصون ولمَّا يشربوا قدحًا ... منها فكيف بهم لو أنهم شربوا؟ وقال أيضًا: [من السريع] قوِّض خيام الشُّكر عن معشر ... برق الأماني عندهم خلَّب لا بأسهم يخشى ولا برهم ... يرجى ولا ذكرهم طيِّب يصدق من يثلم أعراضهم ... بقدر ما مادحهم يكذب أموالهم باللوم محروسة ... نعم وأعراضهم تنهب إن صفعوا بالكف لم يغضبوا ... أو سئلوا خردلة فطَّبوا /95 أ/ يهدون في طرق المخازي فإن ... ضلَّوا إلى مكرمة نكَّبوا تقاسم النَّاس النَّدى كلَّه ... وأوسقوا منه وهم غيب فحين جاءوا وجدوا اللؤم في موضعه قد حلَّ فاستحقبوا لو مثل الجود سفينًا وقد ... القوا بقعر البحر لم يركبوا وقال: وقد طلب من بعضهم حماضًا، فما طله به ولم يعطه شيئًا: [من الخفيف] قصرت في المكارم الأغراض ... ما لخلق إلى ذراها انتهاض كرم مخلف السَّحائب لا يصـ ... ـدق فيه برق ولؤم مفاض فدع المدح والهجاء ولا تلـ ... ـمم بشعر فللقريض انقراض ما بقي في الأعراض موضع ظفر ... يتمشى في قطعة المقراض

كم تحمضت وامتقعت فلا كنـ ... ـت ولا كان ذلك الحمَّاض وقال أيضًا: [من السريع] يا ذا الذي درهمه ربَّه ... وعرضه من لؤمه عبده يسجد للدِّرهم حّبًا له ... وعرضه اتعبه كدُّه سألت عنه بعض جيرانه ... والضدُّ قد يظهره ضدُّه /95 ب/ فقال لي هذا الّذي وجهه ... ثكلته من حجر جلده هذا يشمّ الخبز غلاَّ به ... كأنَّما كثرته نده وجوده أعمى عيون الورى ... فليتها يكحلها فقده هذا الَّذي قد مات من بخله ... وهذه أثوابه لحده وقال يهجو: [من السريع] وليلة بتُّ على طولها ... أفكر في عرض ابن عمَّار لعل أن افتح من هجوه ... بيت خلًا في بيت أشعار فلم أجد فيه سوى رقعة ... قد خلقت من كثرة العار وقال أيضًا: [من البسيط] لو كان عرضك مبيضًا رقمت له ... من الهجاء طرازا غير مندرس لكنَّه بالخنا واللُّؤم مذ وضعت ... عنك التَّمائم مشحون من الدَّنس بخلت حتّى لو أنَّ النَّار طوعك في الـ ... ـجحيم ما نالها مصباح مقتبس فاصبر فسوف يفيق الدَّهر عن كثب ... فالدَّهر لو لم يكن قد جنَّ لم ترس وقال أيضًا: [من الطويل] وذي ثروة لا يطرق الضَّيف بابه ... سمين إهاب الذَّم نضو المحامد /96 أ/ فكعبته في ماردين وداره ... دنيسر لا بل وجهه سور آمد وقال أيضًا: [من الطويل] عذيري من قوم وردت بمدحهم ... على أيَّما واد من اللؤم مترع (مدحتهم وحدي فلمَّا هجرتهم ... هجرتهم والنَّاس كلُّهم معي) وقال أيضًا: [من السريع]

وباخل قلت له مرة ... خبز فهزَّت جسمه البارده رأيت في منزله مصحفًا ... وليس فيه سورة المائده وقال أيضًا: [من الطويل] وما بذل القوم القليل لأنَّهم ... كرام ولا عادوا عن اللُّؤم والبخل ولكنَّهم صاروا نصارى جهالة ... وهذا الذي يعطونه جزية الجهل وله في أبي غالب الماوردي الطبيب النصراني: [من السريع] لا تستطبنَّ أبا غالب ... فإنَّما تدبيره قاتل يحكم بالتَّخمين في غيره ... وهو بما في نفسه جاهل يمشي إلى المرضى فيمشي على ... آثاره الحفَّار والغاسل /96 ب/ وقال أيضًا: [من الطويل] وقالوا فلان ذو يسار وثروة ... ولكن بخيل ما ينيل ولا يقري فقل فيه شعرًا يعرف النَّاس لؤمه ... فما يكشف اللؤم المستَّر كالشِّعر فقلت اعذروني ذاك بالبخل ميِّت ... وقد قيل قدمًا عدِّ عن صاحب القبر وقال أيضًا: [مجزوء الرجز] يا إخوتي تفهَّموا ... وكلكم تعلَّموا نصيحة يحظى بها ... سامعها ويغنم هذا الزَّمان فرض ... أوقاته تغتنم وذا الرَّبيع مقبل ... ووشيه المنمنم والماء في مروجه ... بقسطه مقسَّم والطَّير قد أفصح منـ ... ـهنَّ اللسان الأعجم والراح تجلوها على الشـ ... ـشرب الزُّجاج المحكم كأنَّما شعاعها ... في الكأس نار تضرم أو ذوب تبر قد علا ... هـ لؤلؤ منظَّم يكسى بها كفُّ المديـ ... ـر صبغة والمعصم /97 أ/ أنحلها الدّهر فما ... يدركها التَّوهم

فهي من الدَّهر وإن ... طال مداه أقدم آنس موسى نورها ... واللَّيل داج مظلم فقال آنست لكم ... نارًا وأنتم نوَّم وهي التي كانت تسقِّيها ... لعيسى مريم حرَّمها النَّص وكم ... يرتكب المحرم يسعى بها ظبي على ... عشَّاقه محتكم حلَّة حسن وجهه ... له العذار علم وقدُّه من القضيـ ... ـب الخيزران أقوم فلو رآه صنم ... دان لديه الصَّنم يقتلني إذا أنتشى ... كلامه المجمجم لبَّى من الفقه فما حقَّ الفقيه يرحم يموت بالجوع وفي ... دماغه التبرطم وهو على حرقته ... مقمَّص معمَّم وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] /97 ب/ يا عاذلي هات المدامه ... ودع التبرطم والملامه فأنا الشَّقيُّ بشربها ... لا أنت في يوم القيامه أنا مذهبي مذ كنت طفـ ... لًا رشف كاسات المدامه أتعجَّل العيش اللَّذيـ ... ـذ وأسأل الله السَّلامه لو كنت شاهدنا وبد ... ر التِّم قد أرخى لثامه مثل القصيب اللَّدن قد ... زانته أعطاف وقامه يسعى بشمس مدامه ... والليل مدرع ظلامه فتخاله صبحا إذا ... أبصرت طلعته وجامه وسماع مطربة لها ... مع حسن صورتها وسامه أخلاقها مثل النسيـ ... ـم أرق من ماء الغمامه ألفاظها كالدُّرَّ أتـ ... ـقن حذق ناظمه نظامه حوت الفصاحة والملا ... حة فهي بين النَّاس شامه

تشدو فتطرب ثم تطـ ... ـرب وهي للقفص الحمامة فيجيبها مثل المحبـ ... ـب يبثُّ محبوبًا غرامه إن أذَّن الوتر الفصيـ ... ـح بمجلس فهي الإمامه /98 أ/ تقضي صلاة سرورنا ... في الحال من قبل الإقامه قم نطَّرح قول النَّصو ... ح فلا تطعه ولا كرامه فأشرب إذا طاف الغلا ... م بها وطرَّبت الغلامه وكتب إلى نقيب العلويين بالموصل، وكان قد مدحه فأبطأ في جائزته: [من السريع] يا سيدي يا طلعة البدر ... ويا سليل الأنجم الزُّهر ألست من قوم أتى مدحهم ... في {هل أتى} في محكم الذكر؟ ألست من قوم أنا خوا حمى ... أموالهم في الحمد والشُّكر؟ ألست من قوم إذا فاخروا ... بذُّوا جميع الخلق بالفخر؟ ألست من قوم إذا استمطرت ... أكفُّهم أربت على القطر؟ قد عشت شيعيًا إلى أن مضى ... في حبكّم سبعون من عمري فكيف ترضى لي وحوشيت أن ... أبدِّل الإيمان بالكفر؟ وأن أرى مدحك كلاَّ على ... لفظي وأن أمحوه من شعري وما احتالي في غد إن خلت ... صحيفتي عنه وما عذري؟ إن قلت: قد أعرض عنِّي وقد ... أضرب عن حمدي وعن شكري /98 ب/ كذَّبني الخلق جميعًا فوا ... فضيحتي في موقف الحشر وقال أيضًا: [من البسيط] شحُّو فلو مرضوا دهرًا وقيل لهم ... هبوا لنا ألم الحمَّى لما وهبوا ولو راوا في زلال الماء مكرمة ... وهم عطاش لعافوه وما شربوا وقال أيضًا: [من البسيط]

اليوم ما اجترح الندمان مغفور ... ومجلس الراح في النيروز مأثور فبادر الرَّاح واشربها معتَّقة ... فقد دعاك إليها البمُّ والزِّير كأنما نثرت من نور جوهرها ... على ثياب نداماها دنانير صفراء روميَّة قد طال ما بزلت ... فأمها في ظلام اللَّيل مقرور ناريَّة اللَّون عند النَّوح عظَّمها ... كسرى وصلَّى لها في البيت سابور إذا تحلَّت عقود الدرِّ دائرة ... دارت على أذرع الساقي أساوير تكسو الزَّجاجة لونًا لا بقاء له ... فالكأس من كسيها عار ومستور كأنَّها فضَّة في وسطها ذهب ... من حولها حبب كالدرِّ منثور سواذج فإذا طاف السُّقاة بها ... تشكَّلت في تلاليها تصاوير يا حبَّذا أرض سنجار إذا لبست ... نور الرَّبيع وزانتها الأزاهير /99 ب/ وحبَّذا المرج حيث الزَّهر منتظم ... في سلك أغصانه والماء مذعور والورد وهو أمير الزَّهر يقدمه ... فرسانه ولها [في الأرض] تشهير والأقحوان كمبيض الثغور له ... أزرار تبر وحول التِّبر كافور والسَّوسن الغضُّ بين الرَّوض تحسبه ... أعلام جيش فمطري ومنشور أرض كأجنحة الطاووس مختلف ... ألوانها والنَّدامى حولها سور والطَّير إن أعجمت لحنا بلابلها ... عنَّت به أعربت عنها الشَّحارير فبادروا غفلات الدَّهر واغتنموا ... أوقاته فزمان العمر محضور وله وقد صعد صديق له إلى كرسي، قرية من قرى سنجار، فتركه في البستان يومه أجمع، ولم يطعمه شيئًا، ومضى في بعض أشغاله، فقال فيه ارتجالًا: [من الخفيف] يا أبا طالب رويدك ما عنـ ... ـدك لا كلفة ولا تقصير قد تناهيت في الضَّيافة هذي ... روضة غضَّة وهذا غدير يترجَّى بها إذا عدم الزَّا ... د ويعطى خير الجزاء الصَّبور كحمار القصَّار يقنع بالما ... ء ويعدو وإن عداه الشَّعير /99 ب/ وله وهو مريض، وقد سأله صديق له عن حاله فقال: [من الكامل] يا عائدي لا تسألن عن حالة ... جلَّت عن الآلام والتَّبريح

فلقد ضنى جسمي فلو كشَّفته ... لعلمت منه صنعة التَّشريح وقال أيضًا في مرضه: [من مجزوء الكامل] ألف السَّقام جوارحي ... حتَّى خفيت عن الضمير فكأنِّني في مضجعي ... من بعض طاقات الحصير وقال من ربيعية: [من الوافر] ألا هبَّا فقد صفت الخمور ... لشاربها وغرَّدت الطُّيور وهبَّ نسيم أنفاس الخزامى ... ولاح الصَّبح وانشقَّ الغدير وأزهار الرَّبيع مفتَّحات الـ ... ـجفون كأنهَّا حدق تدور فصوص قد نثرن على حرير ... فأظهر حسن رونقها الحرير إذا ما احضرَّ وجه الأرض فابكر ... إلى حمراء حقَّ لها البكور ومطربة متى ما شئت غنَّت ... مكانك أيَّها القلب الأسير وقال أيضًا: [من المنسرح] /100 أ/ واحسرتا ضاعت الدَّراهم من ... كيسي وأصبحت اشتكي عدمي وقام إن قام من هويت إلى ... جنبي وقد قام وهو لم يقم وقال أيضًا: [من المنسرح] الحمد لله قد رجعت إلى الـ ... ـحقِّ وزالت عن قلبي الرِّيب وتبت إلا عن شرب صافية ... صفراء يجلو كاساتها الحبب إذا بدا كرمها يقدِّح بالأو ... راق يبدو في نفسي الطَّرب وأنثني كلما مررت به ... لا سيَّما أن يلوَّن العنب وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] ذكر الصِّبا وزمانه فصبا ... وتمايلت أعطافه طربا شيخ يكاد يطير من فرح ... بين الكرام إذا رأى العنبا ويعود ريعان الشَّباب له ... غضًّا إذا ما خمسة شربا لا يصطلي في القرِّ غير سنى ... لهب الكؤوس ويربح الحطبا وقال أيضًا: [من الخفيف]

عج على حانة الدَّنان ففيها ... كسرويَّ غطّى عليه الغبار نسخ العنكبوت فيها بيوتًا ... عاونته في نسجها الأعصار /100 ب/ قف يمينًا على البزال وحاذر ... ربما طار من سناها الشَّرار إنَّ شيخًا من النَّصارى كبيرًا ... عاين الدُّرَّ أفرغت فيه نار وقال أيضًا: [من البسيط] وعاذل لجَّ في عذلي وعنَّفني ... على المدام وعيشي دونها نغص إنِّي لبيب وما شربي لها رفث ... ولا فسوق كما جاءت به القصص لكن غصصت بزاد الهم اطعمه ... والخمر حلّ إلى أن يذهب الغصص وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] بادر صلاتك في الغلس ... والق الدُّروس لمن درس وذر الخليع وقهوة ... حمراء تلمع كالقبس واغفل إذا الزَّما ... ن فلذَّة الدُّنيا خلس وقال أيضًا: [من الطويل] وليلة قرَّيت أهزم بردها ... بجيشين من خمر عتيق ومن جمر فطورًا ظنَّ الخمر ذائب جمرها ... وطورا أظن الجمر من جيِّد الخمر وقال أيضًا: [من الكامل] بادر صبو حك مطلع النَّجم ... إنَّ البدار قضيَّة الحزم /101 أ/ أو ما ترى جيش الصَّباح وقد ... غارت أشاهبه على الدُّهم؟ ولخير ما زوَّجت مبتكرًا ... ماء الغمام كريمة الكرم ومدامة لطفت فليس لنا ... منها سوى الإدراك بالوهم لم يبق إلاَّ رسم صورتها ... فكأنَّها روح بلا جسم تغري السَّفيه على سفاهته ... وتمدُّ ربَّ الحلم بالحلم وتثير حربًا للعقول على ... خدع لها في صورة السَّلم وتعلَّم الكرم البخيل فلا يخشى إذا دارت من العدم تبدو طلائعها ملبَّسة ... زردًا فتهزم عسكر الهمَّ

وقال أيضًا: [من السريع] لا تخلين بيتك من خابيه ... ورواقن تجري إلى باطنه وصاحب يستر في حالة الـ ... ـسُّكر على عورتك الباديه يعني كتابًا وسلِّم الدُّنيا إلى أهلها ... فإنمَّا مدَّتها فانيه من عرف النَّاس أنزوى عنهم ... وضمَّه في بيته زاويه وقال أيضًا: [من الخفيف] /101 ب/ خلَّني حلس منزلي فنداما ... ي كؤؤس مملوءة وقناني فظروف المدام خير لمن قد ... خبر الخلق من ظراف الزَّمان وقال أيضًا: [من الخفيف] ربَّ يوم قابلت فيه شعاع الش ... ـشمس بالضَّعف من شعاع السلاف وكأنَّ الراووق مفصود عرق ... سائلًا أو ممرَّض بالرُّعاف وقال أيضًا: [من الوافر] وكم ليل شربنا الرَّاح حتَّى ... وشى بحديثنا ضوء النَّهار ولم تحفل بنا الأقداح حتَّى ... شربناها وعيشك بالجرار وقال في عنقود قد تخمر ارتجالًا في مجلس: [من البسيط] ما أحسن الخمر في العنقود كامنة ... لم يبتذل حسنها كف ولا قدم بكر عروس وقفناها وما انفصلت ... ولا تشقَّق حتى أبرزت رحم ولا اشتكت لفحات الشَّمس ضرَّبتها ... ولا تناولها في مجلس خدم ثم قيل له: ومعه، فقال في الحال: [من البسيط] لا تشرب الرَّاح إلاَّ في الزُّجاج [وقد] ... تعنَّست وجنتيها الأعصر القدم /102 أ/ وعافها الدَّنُّ حتَّى أبرزت شبحًا ... كأنَّه قبس يخفي سناه فم واستجلها وتأمَّل حسن صبغتها ... كالشَّمس تشرق من لألائها الظُّلم بعدًا لها وهي في العنقود يسترها ... كأنَّ أفواهها من سارق حلم

وقال أيضًا: [من البسيط] قالوا اطبخ الخمر واشربها محلَّلة ... فقلت كفرا فما للنَّار والرَّاح؟ فإنَّني لا أحبُّ الخمر قد عصرت ... من كرمة غرسوا فيها بمصباح وكان قد وعده مؤيد الدين أبو المحاسن ابن الصابوني بمطبوخ، فأبطأ عليه، فكتب إليه: [من البسيط] مؤيَّد الدِّين ما المطبوخ من أربي ... وكيف أصبر حتى تطبخ العنبا؟ فإن مضى نصفه بالنَّار تأكله ... فإنَّ أطيب نصفيه الذي ذهبا لكن أخو الودِّ من يسقي معاقرة ... في شرعة الرَّاح بالكأس الذي شربا فإن بعثت به نيئًا رضيت به ... والأمر أمرك فيه فأربح الحطبا وقال أيضًا: [من الطويل] وقيِّم دير جئته بعد هجعة ... وقد حان من نجم الثريا شروقها /202 ب/ فقام سريعًا والنُّعاس يردُّه ... وقد بان من أجفان عينيه موقها وملنا إلى كرم فعاينت جذوة ... فقلت لحاك الله ممَّ حريقها؟ فقال معاذ الله بل هي قطرة ... من الدَّنِّ حتَّى يستبين طريقها وقال يذم مغنيًا: [من السريع] ومطرب ترجيع الحانه ... من كلِّ شيء وحش أوحش فليته يخرس أو ليتنا ... إذا تغنَّى بيننا نطرش وقال أيضًا: [من السريع] وذي وفاء لجَّ في توبتي ... والنُّصح ممّا يبعث الودُّ فقلت أنظرني وحسبي به ... عذرًا إلى أن ينقضي الورد وقال أيضًا، وهي الأجوزة البغدادية، المنتقمة من الرسالة المصرية، التي هجا بها [أحد المصريين] بغداد: [من الرجز] يا سادتي هل عائد وراجع ... دهر مضى والشَّمل فيه جامع وهل يعود عيشنا والدَّار ... جامعة والحبُّ فيها جار هذا كتاب مدنف كئيب ... مبعَّد عن أهله غريب

/103 أ/ مسهَّد باللَّيل ما ينام ... ودمعه لبينه سجام يرتاح إن أقبل ركب الشَّام ... وإن أثار كامن الغرام لعلَّ فيه من ديار الموصل ... مخبِّرًا عنها وإن لم يسأل لعلَّه أن يبرد الغليلا ... وأن يداوي جسدًا عليلا كنت أظنُّ العزَّ في الترحُّل ... وأنَّ طيب العيش في التَّنقُّل وأنَّ من يستوطن البلادا ... لا يحرز الكمال والسَّدادا أدرس ما قد قيل في الأسفار ... ونفعها من ملح الأشعار فلم أزل يسوقني القضاء ... والطَّمع الكاذب والرَّجاء حتّى سلكت المسلك البعيدا ... واللَّقم المرتَّق المسدودا مفاوز جميعها مهالك ... مجهولة يحا فيها السَّالك وقلت مصر بلد كبير ... وماله وخيره كثير وما علمت إذ دخلت مصرا ... لشقوتي أني دخلت القبرا البوم في دورهم يصيح ... وبقُّهم منَّته تفوح أزهارهم تجمع في الغفاري ... وشربهم من كدر الآمزار وصرُّهم أجوده مادوَّدا ... وكان في ما عونه مقدَّدا /103 ب/ ونقلهم ألذه المدلينس ... وبقلهم أطيبه البقدونس والزفر الماشي إذا ما احتفلوا ... عليه في شربهم المعوَّل هذا وإن قدِّمت القضامة ... فما بقي عتب ولا ملامه يا حبَّذا رائحة السِّمَّان ... مقدَّدًا في الملح في البراني فريحه أطيب من أخلاقهم ... وماؤه أطيب من أعراقهم والطَّائر البرَّيِّ وهو الغار ... يأكله من أهله التجَّار يقول يا أسود كم بدرهم؟ ... يقول عشر فاكتسبها تغنم وحزمة الحشيش في أيلون ... فرض عليهم ليس بالمسنون ترشُّها المرأة في الحيطان ... تحرزًا من أعين الجيران

رئيسهم يشرب وهو نائم ... وعبده بين يديه قائم في يده اليمنى وغير فخر ... لفتيَّة قد ملئت بمزر وبطَّة للبول في شماله ... والعبد لا يقصر في امتثاله حتَّى إذا أراد أن يبولا ... أشار إن أشفق أن يقولا ورفع اليسار من رجليه ... وكلُّ شخص ناظر إليه وجاءه غلامه بالبطَّه ... وغير بدع إن أتى بضرطه /104 أ/ فيدخل البطَّه في إحليله ... من غير أن يستر عن خليله وإن تدشَّا واحد بنفره ... فهو اللَّطيف بين أهل الحضره هذه تذكر في المناقب ... ليست إذا عدت من المثالب هذا وإن عاقرهم غريب ... فليس شخص دونه محجوب بنوهم يسقون والبنات ... وربَّما قيَّنت الزَّوجات وربما كاسرربُّ الدَّار ... وقال أمضي قاعة المزار ثمَّ مضى وغلَّق الأبوابا ... يوهم أنِّي أحضر الشَّربا وربما غاب جميع اليوم ... وقال كنت عند بعض القوم وقصده أن يخلو الإنسان ... بعرسه لأنَّه قرنان وهذه شنشنة قد ورثت ... من العزيز سالفًا ودونت إذ قال يا يوسف أعرض وأترك ... واستغفري يا هذه لذنبك حديثهم جميعه خرافه ... وجلُّ حلوائهم الكنافه وبيدة كأنَّها رجيع ... الفلس في قنطارها يضيع وقولهم عند التَّلاقي شفت ... وكيف حتى كان هذا البخت وانقشرت بوشِّك الميمون ... وجاءني البلاَّن بالتَّبلين /104 ب/ والتُّوم والتُّوت وتوري وكذا ... ولَّهتني قرفان من ذاك الغذا

والعدس في قاعتها والفول ... فاسمع من المرأة ما تقول وطاجن البوريِّ واللُّفاتي ... وكلُّ هذا الشَّرِّ من حماتي فتبرز المرأة كالشَّراره ... قد خربت بكفِّها إزاره تقول فتِّش حزبتي يا قازي ... هذا غلام الله ذو المخازي ومرهف يشهد والدِّرغام ... بأنَّه في فسقه مقدام ومصطفى وخيلجان شهدا ... بأنَّه لماله قد بدَّدا وابنتي قد عافها من شهر ... وها لخبزي وبقولي مزري يحكي بما يقشعه وشيرجي ... فما الذي من مثل هذا ارتجي ومقعدي قد بعته وسفلي ... فهل يرى بعد طلاقي مثلي؟ وهو لحيني رجل رقَّاص ... فكيف من نكاحه الخلاص؟ وقال لي يومًا صديق صادق ... لا كاذب الودِّ ولا مماذق بأنَّني حضرت دار القاضي ... ملازم خصمي للتَّقاضي فجاء شخصان كما أنبيكا ... فوضعا بين يديه ديكا ثمَّ تبدَّى واحد فهيَّطا ... ونال من صاحبه وخبَّطا /105 أ/ وقال هذا باعني دجاجه ... كأنَّها في حسنها درَّاجه وكنت قد حسبتها تقفُّ ... وخير مما قد لقيت الحتف وأنت قد عددتها بياضه ... فما وجدت مثلها غضاضه فخرجت كما تراها ديكا ... إنَّ العيان يذهب الشُّكوكا فردهَّا الحاكم بالتَّدليس ... أحسن بذاك الحكم الخسيس وقيل لي: جاء إلى الشنباشي ... يومًا فلان راكبًا أو ماشي فقال في جارتنا سمَّان ... قد شاع عنه النَّحس والبهتان أرسلت مع جاريتي محبوبه ... إليه ربعًا طالعًا خروبه فقالت: اقنع لي به قطاره ... فغرَّها وباعها عصاره حرى إليه صحبتي رقاصا ... يأخذ لي من خصمي القصاصا وسم عليه ساعة من يوم ... فما عليك بعدها من لوم خبز له في الخزبل في العينه ... فإنَّها حصينة أمينه

غيومهم جميعها جهام ... فما يبلُّ تربهم غمام ما للقطاط عندهم مقام ... إذ ليس في دورهم طعام بل الدُّروب كلَّها كلاب ... لكنَّهم ليس لهم أذناب /105 ب/ مركوبهم جميعهم حمير ... ولبس أعيانهم المقصور ينقش في عرسهم الرِّجال ... أمارة بأنَّهم جهَّال وهذه من سمة النّسوان ... لا سمة الكهول والشُّبَّان خلق كثير مالهم خلاق ... ودينهم جميعه نفاق لا يقبسون الضيف فضل نار ... ولا يردُّون يدًا عن جار بل يضمرون الغلَّ والخيانه ... وما لهم عهد ولا أمانه المكر من عادتهم والختل ... واللُّؤم في طباعهم والبخل قد حزِّبوا في دينهم أحزابا ... وعبدوا من جهلهم أرباب ففرقة تقول بالتَّشبيه ... وظاهر الأخبار والتَّمويه قد جعلوا احلامهم في النَّوم ... دلائلًا يا ضعف رأي القوم! وفرقة ينتظرون الحاكم ... وأنَّه في كلِّ وقت قادم إذا رأوا عن بعد حمارا ... قالوا الإمام قد أتى جهارا وفرقة قالت تصير فالا ... رأيته لذاته مثالا واثبتت تناسخ الأرواح ... منقولة في سائر الأشباح وفرقة قالت بأنَّ زيدا ... إمام حقِّ قد أكيد كيدا /106 أ/ وإنَّنا نلقى إله الحقِّ ... بدينه فهو إمام حقِّ وفرقة تقول إسماعيل ... إمام حقِّ ماله عديل قد شملت آل عبيد دعوته ... وأنهم نوَّابه وأسرته وإنَّ منهم نرتجي الرِّضوانا ... والفوز والعطاء والإحسانا وآخرون من سراة القاهرة ... أفعالهم بما ادَّعوه ظاهره تزعم أنَّ الحقَّ في محمَّد ... في حاضر وغائب معتقد وأنَّنا أتباعه في الأرض ... في كلِّ مستور وكلِّ فرض وأنَّه في وقتنا إمام ... محكَّم بعدله قوَّام

وفرقة تخلِّق الأركانا ... قالوا الإمام خلف هذا كانا وقد حكى لي رجل ظريف ... أنَّ وراء كنهم كنيف وفرقة يرون قول الزُّور ... شهادة من أحسن الأمور وهذه معتقدات فاسده ... جميعها منتحلات باردة يجمعها من الضِّلال جامع ... والحق ما بين الجميع ضائع هذا وفرعون لهم إله ... قدمًا فكم قد عمهوا وتاهوا /106 ب/ وعبدوا بعد عبور البحر ... عجلًا مصاغًا من حلي التِّبر وقال قولوا حطَّة ثمَّ ادخلوا ... فصحَّفوها حنطة وبدَّلو وهبطوا من بعد موسى مصرا ... وحملوا من النَّكال إصرا والبسوا الذِّلَّة والصَّغارا ... وورِّثوا الغباء والزَّيارا وفرقة جميعهم سودان ... كأنَّما أشخاصهم غيلان قد سكنوا الأرياف والسَّوادا ... وأضموا الفتنة والأحقادا حتَّى لقد أغراهم الشَّيطان ... وعصبة عقيدهم ريحان وكان رأس القوم لمَّا التأموا ... على اليمين رجل منجِّم حكى لهم من طالع البروج ... ما حمل القوم على الخروج وقال قد آن لكم أن تملكوا ... ودولة التُّرك سريعًا تهلك واتَّخذوا المنجِّم الوزيرا ... ووقَّروا منصبة ترقيرا وأخرجوه في رباع الفاضل ... يسكن منها أحسن المنازل وقال يوم ستَّة وعشر ... من شهر شوال ظهور الأمر فوثبوا بعد عشاء الآخره وشهروا السُّيوف وسط القاهرة واخترقوا الدُّروب والأسواقا ... وأظهروا الفتنة والشِّقاقا /107 أ/ وانتظروا أحلافهم فخانوا ... ونكثوا عهودهم ومانوا ووقفوا هنيهة وارتكبوا ... وقام في الحال الأمير موسك واستيقظت عساكر السُّلطان ... وعرفت مكائد السُّودان

فأمسكوا من وجدوه إلبا ... وصلبوا على الجذوع صلبا وأخذوا المنجِّم الكذَّابا ... فافرغوا من فوقه العذابا تبًا لهم اللمليك الناصر ... فوق مديد الأرض من مجاهر! ؟ كيف وقد أطاعه الجماد ... وفتحت بسيفه البلاد! ؟ وغمرت بعدله العباد ... يا بؤس ما ترهَّموا وكادوا وفرقة للكيمياء وظَّفوا ... قد أحكموا كيزانه ورصَّفوا إن صلب الزِّئبق منهم عامل ... فهو على رأي الجميع واصل وأي نفع كان في تبييضه ... وإنَّما شيطانه يلهو به حتَّى إذا أفسدها المرواس ... عاد إلى دماغه الوسواس وإن رأى تبييضه في الدَّهر ... يقول قد فزت بملك العمر وما درى أنَّ العمى مآله ... وأنَّه قد غرَّه محاله حتَّى إذا ضاقت عليهم الحيل ... مالوا إلى ضرب الزَّبوق والزَّغل /107 ب/ وفرقة تدور في المطالب ... تسلك فيه أصعب المذاهب يضيِّعون العمر في المحال ... وينفقون حاصل الأموال وأيُّ شخص ظفرت يداه ... بمطلب بلَّغه مناه وفرقة تبخِّر الكواكبا ... تسلك في تبخيرها عجائبا لهم دعاء ولهم بخور ... وهكذا تلبَّس الأمور فليس السواد أصحاب زحل ... مع الخضوع والخشوع والوجل يلبث طول اللَّيل في الوهاد ... منغمسًا في أهبة السَّواد وآخر للمشتري تبخيره ... قد طال في تبخيره تخييره هيأته البياض والوقار ... واللُّطف والطِّيب له شعار وهذه من ترَّهات القيل ... يغنى بها الغرُّ بلا تحصيل صنَّفها إبليس للجهَّال ... كي تنقضي الأعمال في المحال وهل سمعتم والظُّنون تكذب ... في الدَّهر من لبَّى نداه كوكب؟ والسِّيميا وصنعة التَّنجيم ... وعمل الخاتم والتَّغريم هذا وعندي لهم دفاتر ... مكسورة يسرح فيها الخاطر

أكبر أفراحهم الخليج ... لهم إليه أبدًا حجيج /108 أ/ ينتظرون العام ثمَّ يكسر ... وما الَّذي في ذاك لو تدبروا؟ وجانباه كلَّها تراب ... وقعره الزِّحام والضَّراب وما الخليج غير نهر جاري ... يمدُّه البول من المجاري يدوم شهرًا سيله وينشف ... وكلَّ عام حافتاه تكشف حتَّى إذا عاد لبعض الأرض ... في عمقه وطوله والعرض ثوى به الذُّباب والنَّاموس ... والفأر والجرذان والعروس إن حكَّموا عند التَّداعي قاضي ... في حالة النُّفور والتَّراضي يقول شيخ القوم هذي حوزتي ... قد خزنت كتابها وجرتي وعندها القلقاس والفقوس ... والزِّير والوردة والقادوس والقدر والحصير والسَّرير ... والقمح والجلبان والشَّعير وقد أكلت بعده أشنانا ... وذي خوافي يأكل اللّحمانا صنيعة الملك متاع العادل ... وخذ قماشي من زمام الفاضل جاريتي خازنة أمينة ... تنظف القاعة بالبلينه أباعها مني بتسحتحشر ... شيخ وكيل لحظايا شاور دورهم مشحونة خنافس ... فمن ترى في طيبها ينافس؟ /108 ب/ والحيَّة النَّاظر في الآبار ... والفأر والعروس ملء الدَّار لو مسح السُّلطان سوء صور ... لسئلوا قد حلَّ في القدور وأرسل الرِّجال والأحمالا ... والخيل والبغال والجمالا وجمع النّمل الذي بمصر ... وسيَّروه نحو ذاك الثَّغر وقد حكى لي رجل سفَّار ... والصَّدق ما يحدِّث التُّجَّار قال سكنت حجرة في خان ... مليحة القسمة والبنيان والخان في الشَّارع وسط القاهرة ... طباقه مرتفعات عامره وكان قد جاء معي غلامي ... كالبدر في إنارة التَّمام أبيض رومي طويل الشعر ... لحاظه قد ملئت بالسِّحر وقدُّه كأنَّه القضيب ... وردفه كأنَّه كثيب

وعارضاه كمدبَّ النَّمل ... وحاجباه كقسيِّ النَّبل وثغره كالدُّر في نظام ... وشعره كسدفة الظَّلام فبتُّ في بعض اللَّيالي وحدي ... معانقًا في طول ليلي زندي ونام مملوكي في الخزانة ... وكنت قد اريته الإهانة /109 أ/ وبتُّ طول اللَّيل في وسواسي ... وفي سبيل الحبِّ ما أقاسي حتى تبدَّى الصُّبح في المشارق ... واللَّيل لا يرثي لوجد العاشق فقمت ولهانًا إلى الغلام ... أبلُّ من تقبيله أوامي فحين أقبلت على دواجه ... مخالسًا أحذر من إزعاجه وجدت في ثني اللِّحاف عبدا ... قد مدَّ من فوق الفراش مدّا أسود في سواده تنقيط ... وقد علا من نومه الغطيط فصحت لمَّا عاينت عيناي ... تبدل الأسود من مناي وكاد أن يذهب منِّي عقلي ... وقلت هذا كلُّه من فعلي وانتبهوا من كان في جواري ... واقبلت عصابة التُّجار وأقبل الحارس بالسِّلاح ... قد ملاء الأقطار بالصِّياح وقال ما شأنك يا مولاي ... ليس الزَّعيم فيهم سواي فقلت قد أبدل لي غلام ... مثل النَّهار اغتاله الظَّلام ولم يكن في سالف الأزمان ... عوائدي أرغب في السُّوادن واعجبًا أين مضى الرُّوميُّ ... ونام في مكانه زنجيُّ؟ ! فأقبل الحارس كالضِّر غام ... مفكِّرًا في قصَّة الغلام /109 ب/ ثمَّ دنا ورفع الإزارا ... وصاح عارًا يا تجار عادرًا هذي البراغيث على الغلام ... لا خير في إجارة الطَّغام وهذه أرجوزة وجيزه ... رائقة في نظمها عزيزه نظمتها والغرض الإحماض ... والعقل تستخفُّه الأعراض ولو تتبَّعت الخصال كلَّها ... لكان من طالعها قد ملَّها وإنَّما التَّطويل والإكثار ... حاصله الملال والإضجار والحمد للواهب جمع الشَّمل ... وملحقي عن كثب بأهلي

عليَّ للرَّحمن صوم شهر ... إن فارقت عيناي أرض مصر [226] طاهر بن ثابت بن أبي المعالي ب ثابت بن حسان ابن أبي نصر بن محمَّد بن لؤلؤ، أبو الطَّيب القاضي البوازيجي: ذكر لي ولده أبو عبد الله الحسين، أنهم يرجعون في نسبتهم إلى حسان بن ثابت الأنصاري شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو الطيب ولد بالبوازيج، ونشأ بها، وقدم الموصل، وتفقه بها على الإمام/110 أ/ أبي حامد بن يونس بن محمد بن منعة الفقيه الموصلي، المدرس الشافعي مدة طويلة، وتميز في الفقه، واتصل بخدمة القاضي حجة الدين أبي منصور بن عبد القاهر بن الحسن الشهرزوري، فسمع شهادته، ولازمه مدة، ثم عاد إلى شيخه أبي حامد محمد بن يونس، وسكن المدرسة الزينية، ثم عاد إلى خدمة القاضي حجة الدين أبي منصور، ولازمه، وكان يصحبه في [حمل] الرسائل إلى ديوان الخلافة وغيره، وفوض إليه عقود الأنكحة، والتدريس بالمدرسة الكمالية، فأقام بها برهة من الزمان، يدرس ويفتي، وذكر بها كتاب الشمل، للإمام أبي نصر ابن الصباغ في الدرس، وكان القاضي حجة الدين يأذن له في سماع الشهادة والحكم في بعض القضايا، وبقي على ذلك مدّة، ثم ولاه نيابة القضاء، واستقل بسماع البيّنات، قبول الكتب الحكمية، والحكم، والتثبيت، والإشهاد عليه بذلك.

واستمرت أحواله على الانتظام، ولم يزل كذلك إلى أن توفي يوم الأحد، سادس وعشرين صفر سنة اثنتين وعشرين وستمائة /110 ب/ وصلي عليه من الغد بالموصل بالجامع النوري، ودفن في داره. وكان حسن السيرة، مددًا في القضاء، قيمًا بمعرفة المذهب، متطرفًا من سائر العلوم الدينية، وكان قد سمع من الحديث شيئًا كثيرًا على أبي حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد، وقال الشعر، أنشدني الإمام أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصلي الفقيه الشافعي –أدام الله إقباله- بمدينة حلب في سنة أربع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني القاضي أبو الطيب طاهر بن ثابت البوزايجي من شعره: [من الطويل] فلا تغترر يومًا بطيِّب عيشة ... وقرب حبيب فالفراق قريب فإني أمنت الدَّهر يومًا فخانني ... على عجل إنَّ الزَّمان عجيب

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف [227] أبو طالب بن علي بن علي بن علي العبسي الحلي، من الحلة المزيدية، المعروف بابن الخيمي: كذا وجدت نسبه بخط يده، في غير قصيدة من نظمه، واسمه كنيته، وبذلك يعرف. كان شاعرًا شيعيًا، فاضلًا، عارفًا باللغة والشعر، مكثرًا من نظمه، شخص إلى مصر، فسكنها /111 أ/ إلى أن توفي بها. وله مدائح كثيرة جيدة في أهل البيت -صلوات الله عليهم وسلامه- أنشدني أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الغريب الصيقل الشاعر الموصلي قال: أنشدني أبو طالب بن الخيمي لنفسه: [من المنسرح] كم من مريق يوم الفراق دمه ... وبائح سرَّه الذي كتمه؟ وكم حبيب سرت ركائبه ... على محبِّ مضى فما رحمه؟ دعا على ظالميه محتسبًا ... وما درى أنَّه الذي ظلمه ذو طلعة كالصَّباح مشرقة ... من تحت فرع كأنَّه العتمه ومقلة بابليَّة شهدت ... بصدق هاروت في الذي اجترمه ظبي نسيت التوحيد من كلفي ... به وأمسيت عابدًا صنمه

سألته قبلة فأوردني ... نار صدود بالهجر مضطرمه فقلت يا مالكي اتحرق من ... بات قسيم النّيران معتصمه! ؟ ونقلت من خطه قوله، وهو ما كتبه إلى النقيب مجد الدين أبي جعفر أحمد بن زيد بن عبيد الله الحسيني /111 ب/ الموصلي – رضي الله عنه-: [من الخفيف] زادك الله أيُّها المجد مجدا ... فلقد رحت أغزر الناس رفدا وأجل الورى أبًا وعمومًا ... وخؤولًا زهرًا وأما وجدا معشر ما نظمت فيهم قريضًا ... من مديح إلاَّ تضرَّع رندا لا ولا فهمت باسمهم في أجاج ... من شراب إلاَّ تبدَّل شهدا يا أبا جعفر اجر ذا ولاء ... لكم نازحًا عن الأهل فردا حلَّ في الموصل الفسيحة حتَّى ... خالها للهموم والضِّيق لحدا وهو لا يرتجي سواكم لدنيا ... هـ ولا للمعاد سؤلًا وعضدا كان وعدي لقيا المجاهد مذ أمـ ... ـس فلا أفتا دون ذلك جهدا وتفشَّت تلك الأحاديث عنِّي ... عاد عندي بيض الأمانيِّ ربدا وجيوش الشِّتاء قد بادرتني ... يتوَّعدنني خواء وبردا وعطاياك لم تزل قطُّ نقدًا ... وعطايا الأيام وعدًا وفقدا فتحنَّن عليَّ يا ابن عبيد الـ ... ـلَّه يا أوسع البريَّة رفدا إنَّني عبدكم ومثلك في السَّا ... دة ما إن يبيع مثلي عبدا فاغتنم شكري المريع الذي ما ... زال وقفًا عليك قربا وبعدا /112 أ/ مثلما بات ناصب اللَّعن والثَّلـ ... ـب لمن ما رعوا لجدِّك عهدا وكتب إليه يهنيه بالشهر: [من الطويل] ليهن بك الشَّهر الجديد فإنَّما ... بقاؤك في العزِّ الهناء المجدَّد وحسبك مدحًا أن تبيت وحيدر ... أبوك وأن تضحي وجدُّك أحمد وأن تغتدي والعالمون ملوكهم ... وأحرارهم رغمًا لبيتك أعبد ولست بمحتاج إلى المدح بعد أن ... أتت لكم الآيات بالفضل تشهد ولكنَّما يدعو الغرائز فخركم ... إلى القول منا قربة فنقصد ونعلم أنَّ المدح ليس بزائد ... مناقبكم لكنَّنا نتودد

ونرعى عهودًا للنَّبيِّ أضاعها ... طوائف في بغض الوصيِّ وألحدوا فيا ابن عُبيد الله يا من بحبِّهم ... نفوزُ غدًا يوم المعاد ونسعد ويا أيُّها المجد الذي با مطلقًا ... عطاه وشكر النَّاس فيه مقيَّد ويا من له في كلِّ أنملة ندى ... يفيض ونارٌ في الوغى تتوقَّد ألست من القوم الذي بشرعهم ... تٌحلُّ أمور العالمين وتعقدُ؟ فعش ما أقام الفرقدان وما بكى ... غمامٌ وما ناح الحمام المغرّدُ وقال فيه أيضًا يمدحه: [من الطويل] /112 ب/ أفي كلِّ ربع دمع عينيك هامع ... وفي كلِّ جمع سرُّ قلبك ذائع؟ وفي أيِّما أرض حللت معرِّسًا ... أجدَّ لك الشَّوق الحمام السَّواجع؟ هواتف بالأسحار شجوًا كأنَّها ... نساءٌ تلبَّسن الحداد فواجع تُذَّكرني بالجامعين وبابل ... مرابع عفَّتها الرِّياح الزِّعازع فأسعدها بالنَّوح نوحًا وتارةً ... تتابعني في شدوها وأتابع أنا الفلق إن عيَّ المقال فخاطب ... أنا السَّيف إن فلَّت ظباه فقاطع وإنِّي إذا ما نابني الهمُّ والأسى ... وبتُّ تجافي جانبيّ المضاجع جعلت وسادي كور عنساء جسرة ... جماليَّة لم يعلها الدَّهر فارع مُخفَّفة نحو السُّرى بمناسبهم ... صلاب تشكَّى وقعهنَّ البلاقع ويثلثنا قاض وقور وإنَّه ... جهول إذا ما استعقلته الوقائع إذا كذبت صحف الخؤولة أظهرت ... معاطفه حكمًا به العمُّ قانع صفا رونقًا حتّى كأنَّ لموعه ... تبسُّم مجد الدِّين حين يقارع أبي جعفر نجل الميامين أحمد ... فتى حمده في البرِّ والبحر شائع سليل رسول الله وابن وصيِّة ... عليِّ الَّذي تثنى عليه الأصابع إمام أبان الدَّين بعد كمونه ... وأخبر بعد الكون ما الله صانع /113 أ/ فهل بالغ مدح امرئ كلَّ قومه ... له مننٌ ما تنقضي وصنائع؟ مغاور إن شنَّت من الدّهر غارة ... مغاوث إن لم يعد في الأرض ضارع تظلُّ سراحين الفلا لسيوفهم ... مصليّة حيث الرِّماح صوامع فما ساجدٌ بالطَّعن بات وفوقه ... من الطُّلس إلّا أسحم اللون راكع

مجمِّع فلِّ الحمد والحمد شاردٌ ... وهازم جيش اللُّؤم واللؤم جامع حسيب أديب قادرٌ متعطِّفٌ ... سخيٌّ أبيٌّ مالكٌ متواضع أعزُّ مليك للورى وخدت به ... علنداة أسر هجَّنتها الجلافع وأكرم محمول على متن سابح ... بقبهلة لطخ من الفجر لامع تُزاحمني فيه القوافي كأنَّها ... حوائم حمسٌ بالفرات تدافع إذا ما انتضى في حندس الخطب عزمه ... تسرَّى ووجه النَّصر أبلج ناصع وإن لبست أقلامه الطِّرس ساخطًا ... أُبيحت حلال واستقيدت صعاصع وإن جاد إنعامًا أتتك كتابة ... وفي كلِّ سطر جعفرٌ متدافع غدت سيرة الحدباء في الأرض صورةً ... بعدلكم تحدى إليها المطامع إذا تليت بين اللِّئام تحتموا ... وأنشد كلٌّ وهو في البذل راتع /113 ب/ سما بي أوسٌ في السَّماح وحاتمٌ ... وزيد القنا والأثر مان ورافع فاصغ إليَّ السَّمع يا مجد إنَّني ... لأجدر من تصغي إليه المسامع فما المدح إلَّا ما أنا اليوم موردٌ ... وما الطَّول إلَّا ما غدا أنت جامع ولا الفضل إلَّا فضل ما نطقت به ... سوابق كتب قبله وشرائع مناقب غرٌّ ما دجا شرك فترة ... فأظلم إلَّا وهي زهرٌ طوالع [228] طه بن إبراهيم بن أبي بكر بن فبرك بن أحمد بن شيرك بن بختيار، أبو محمَّد الإربليُّ المولد والمنشأ، الكرديُّ الهذبانيُّ:

حفظ القرآن العزيز، وقرأه بواسط للسبعة والعشرة، وتفقه وتأدب، وله طبع سمح في الشعر، وذهن صالح في النثر، وبديهة حسنة، وفطنة جيدة، يصنع البيتين والثلاثة بلا فكرة. وكان قد اعتقله السلطان مظفر الدين، صاحب إربل، وأنشأ أربع مقامات في الحبس بألفاظ تشجي سامعها، ضمنها شرح حاله. جمعتني وإياه حضرة الصاحب أبي البركات المبارك بن أحمد المستوفي –رحمه الله- /114 أ/، فوجدته رجلاً متواضعًا حسن الفضل، وأنشدني لنفسه في الصاحب أبي البركات، وكان السبب في إطلاقه من الاعتقال: [من الكامل] مولاي دعوة يائس ذي عيلة ... أطفأت بالإطلاق نار عياله قعد الزَّمان به فقام بحمله ... نحو ابن موهوب عرى آماله أي ربِّ أبق لي المبارك واستحب ... منِّي دعائيّ للنَّبيِّ وآله أولاني الأفراح أيَّ صنيعة ... أولى وأردفها بخالص ماله وحضرنا ليلة في جماعة مجلس الصاحب أبي البركات –رحمه الله –ونحن في دكة لبستان داره –عمرها الله تعالى –فجاء الغيث متواليًا، وقمنا مسرعين، ودخلنا منزله المحروس، وكان طه حاضرًا، فارتجل هذين البيتين بديهة، وأنشدهما: [من الطويل] دخول لإقبال الشتاء مبارك ... عليك ابن موهوب إلى آخر الدَّهر /114 ب/ تفرُّ من الفطر الملم عشيًة ... ولم نر بحرًا قطُّ من القطر

وأنشدني لنفسه، وهو ممّا قاله في السجن يذم إربل وأهلها، وعمال الديوان بها: [من الوافر] ألا قف بالأجيرع والكثيب ... وناد نحوه هل من مجيب؟ وحيِّ أهليه عن مستهام ... أسير موثق صبٍّ كئيب لعلَّ الله يرجع لي زمانًا ... قضيناه على رغم الرَّقيب لممشوق القوام إذا تثنَّى ... رجعت من المديح إلى النَّسيب يغيب عن النَّواظر خوف واش ... ويبرز في سويداء القلوب له منِّي المصرَّع والمقفَّى ... ولي منه معالجة الكروب واخشاه ولا الأسد الضَّواري ... فيا لله من رشأ مهيب واهون من صوارم مقلتيه ... ملاقاة الكتائب والحروب أسائل عن سواه وهو قصدي ... ولا تخفى مساءلة المريب دعا لي بالتَّسلِّي عنه قومي ... فلا تك يا إله بمستجيب فقد أيست منه ومن زماني ... بحبس الملك من فرج قريب / 115 أ/ فما يوم يمر ولست فيه ... عالج للردى داعي النقيب لحاك الله من بلد خبيث ... فلست تطيب إلاَّ للغريب أإربل لا سقاك الله غيثًا ... فقد أقفرت من رجل لبيب أرى الغرّاء قد ملئت لثامًا ... وقد ضاقت على النَّصح الوهوب فما في مالكيها من معين ... على صرف الزَّمان ولا الخطوب ولا في قاطنيها اريحيٌّ ... ولا في ساكنيها من طروب ألا أخزى الإله بليد سوء ... تحكَّم فيه عبَّاد الصَّليب واجتمعنا ليلة أخرى في مجلس الصاحب شرف الدين أبي البركات فأنشدني: [من السريع] وناحل الجسم دقيق الشَّوى ... معتدل لم يحك ما فيه وصف فهو إذا أنت تأمَّلته ... بفكرة إسم وفعل وحرف

فما كان في الجماعة من عرفه، فلما كان بعد ساعة قال طه: قد عرفته، وأنشد ارتجالاً: [من السريع] يا شرف الدِّين الذي ليس في ... أفصاله وفضل مغناه خلف /115 ب/ إنَّ الذَّي أنشده ملغزًا ... الألف المكتوب –بقيت –ألف فعجب الحاضرون من حلِّه اللُّغز وارتجاله البيتين. ولمّا حبس الصاحب شرف الدين أبو البركات بن موهوب، أنشد طه المذكور هذين البيتين: [من الوافر] أقول لصاحبي يا صاح قوِّض ... خيامك نرتجل نحو الشام فقد عزل ابن موهوب وولَّى ... وما بعد المبارك من مقام ثم سافر إلى الشام، وكتب إلى شرف الدين، وهو في الحبس كتابًا صدره بهذه الأبيات: [من الكامل] أمذكري الأوطان إنَّ لذكرها ... أرجًا يشوق إلى الدِّيار نفوسا ذكر تنيها فاجتلبت بلابلي ... ونشرت من داء الغرام رسيسا هي ما علمت منازلي زمن الصِّبا ... تجلو البدور بها عليَّ شموسا لكن لريب الدَّهر أضحت مألفًا ... وكفى بريب الدَّهر فيها بوسا الأربل الغرّاء تطلب أوبتي ... هيهات فارقت الجسوم الرُّوسا / 116 أ/ كيف الرُّجوع إلى مغاني بلدة ... فارقت ماجدها بها محبوسا كبرت عزائم اهلها من برِّه ... فوشوا به للظّالمين رئيسا باعوا بدنيًا دينهم وتخيَّروا ... جهلاً على صدر الهدى قسِّيسا لا تقر عنِّي موحشات ربوعهم ... وأقر التحيَّة ربعه المأنوسا ما قبل بيت النار دهليز لها ... إلاَّ لكون السَّاكنين مجوسا عندي أبا البركات كلُّ عظيمة ... من حبسكم ما كلُّ جرح يوسى فتود نفسي لو تكون مكانكم ... وأظنها نفسًا تروم نفيسا تشكو الذي أشكو الغداة وما لمن ... أودى به فرعون إلاّ موسى وأنشدني كثيرًا من قيله في الدوبيت، وصنف له عروضًا لم يسبق إليه، وسماه

المخترع، وذكر فيه كثيرًا من دوبيتاته فمنها: ذا علم الحمى وذا واديه ... فاحبس نفسًا وقف بنا نبكيه ما أطيب ما كان زماني فيه ... والهفي والهفي على ماضيه ومنها: هذي عرصاتهم وهذي الدَّار ... صارت غرض الدُّموع لمّا ساروا قد كان لنا بها أحاديث هوى ... طابت فتحدَّثت بها السُّمَّار زمنها: يا واحد فيك جسدي الفاني ... والجفن عليك والبكاء إلفان والدَّهر ليدك خاضعًا الفاني ... واطول جفاك عند صبري الفاني

حرف العين المهملة

/ 116 ب/ ... حرف العين المهملة حرف الظاء المعجمة فارغ لم يرد فيه شيء من الأسماء. ذكر من اسمه العباّس [229] العبَّاس بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الملك بن عليِّ بن محمَّد بن عليِّ بن العباس بن محاسن بن عليِّ بن عيسى بن موسى بن عيسى بن صالح بن عليِّ بن عبد الله بن العباس، أبو البركات ابن أبي جعفر الهاشمي العبِّاسي الحلبيُّ، الشَّريف الكاتب: فخر البيت، كان يلقب بعضرس. سمع بدمشق أبا اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، وبحلب جماعة، وكان يكتب في ديوان الإنشاء بحلب، في دولة السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب. وكان له خطّ حسن، وكتابة مرضية، وكان بذيء اللسان، مغرى بهجاء الرؤساء الأعيان، وجلّ شعره ساقط رديء، ليس بالجيد السنيّ. حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد الحنفي -أدام الله أيامه -/ 117 أ/ من لفظه قال: سار الشريف أبو البركات عن حلب طالبًا الحج سنة ثماني وستمائة، فوصل إلى دمشق، ولم يتفق له الحجّ، وخرج منها إلى بغداد، فوصل إليها، وأقام بها مدة يسيرة، وكان كثير الهجو، فتكلم بشيء لا تحتمله أمزجة أهل بغداد، فوشى به أصدق الناس إليه، وهو الموفق المعروف بشمس كلي عينه، وكان هذا الشريف كثير الإحسان إليه إذا قدم عليه حلب، فذكر أنَّه دسّ إليه شيئًا سقاه إياه، فمات في أوائل سنة تسع وستمائة. وأنشدني القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن

الخشاب الحلبي –أيده الله تعالى –بمنزله المعمور بحلب سنة أربع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني الشريف أبو البركات العباس بن عبد الله الهاشمي لنفسه، وكتبها إلى السلطان الملك الظاهر، يطلب منه فروة: [من مجزوء الكامل] يا أيها الملك الَّذي ... لابدَّ أن يرث الممالك وأرى جميع الأرض في ... يده وليس له مشارك / 117 ب/ وأرى ملوك الأرض سا ... جدًة له عند الحوالك مولاي إنَّ العبد قد ... أضحى بعيد نداك فاتك فتراه طول نهاره ... أبدًا على الكانون بارك فامنن عليه بفروة ... يحيا بها يا خير مالك أولا فمرني أن أقرِّر ... موضعًا لي عند مالك فبعث إليه فروة، فكتب إليه: [من مخلّع البسيط] تخاصمت جثَّتي وراسي ... خصومًة طيَّرت نعاسي وطال ما بينهم جدال ... بلا مراء ولا قياس فقال رأسي علام تكسى ... وأغتدي اليوم غير كاسي؟ ولم حباك الغياث دوني ... وأنت يا هذه أساسي بفروة لم يكن حباها ... الرَّشيد يومًا أبا نواس ولا ابن حمدان كان يعطي ... لو اشتهاها أبو فراس عطاء ملك جمِّ العطايا ... يصفع بالنَّعل ذا نواس فنطقت جثَّتي وقالت ... مقال طبٍّ صعب المراس / 118 أ/ لولاي ما كنت أنت شيئًا ... يومي إليه بيننا الأناسي وكنت كالرَّيم ليس إلاَّ ... ذقن كبير بِّين المقاس الرّيم: يعني به رجلاً من أعيان حلب، كان يجعل الغين راء في كلامه، وكان

يقول في الغيم: الريم. وبعد هذا فاطلب فإنَّ السُّـ ... ـلطان يعطي بلا مكاس أبقاه ربُّ السَّما مليكًا ... مادام رضوى ثابت الأساس فبعث إليه بعمامة. ومن شعره يهجو بعض رؤساء حلب: [من الكامل] شكت ابن صقر عرسه وتظلَّمت ... عدم الجماع وقلَّة الإنفاق فأجابها بتذلُّل وتخضُّع ... والدَّمع منحدر من الآماق: (بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي ... من حلَّ قيدك أن يحلَّ وثاقي) ومن نثره ما كتبه إلى نظام الدين أبي المؤيد محمد بن الحسين بن محمد بن/ 118 ب/ الحسين الطغرائي الكاتب الوزير بحلب: "مملوك مولانا الصاحب وليِّ النِّعم، لازالت أيَّامه أعيادًا، وأكنافه لمرتادي الرِّزق مرادًا، قد أبقى من حاله ما علم الصَّاحب دقيقه وجليله، وكثيره وقليله، ولا حاجة به إلى إعادة كلام، أو قول، وترقب ماليس بمأمول، لكنَّه يقصد الأخفَّ على قلب الصَّاحب والأسهل، ويعتمد الأليق بحاله والأشكل، وهو دستور مفرغ من شوائب الأراجي البعيدة المرام، المفنية عمره على مرور الأيَّام، ليتوجَّه في هذه الأرض الواسعة، ويقصد الممالك السارحة الشَّاسعة، فقد قال الطائي: (انضر الروض عازبه) وعسى ما جمل في هذه البقعة أن يتَّفق في سواها، وما اطَّرح بها أن يشرق إذا باعدها وقلاها، ولعلَّ فرجًا يلقاه، فيحمد صبحه مسراه، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستقم له بمكَّة حال، فاستقام بيثرب، فقد

سئمت نفسه التقاضي بما لو علم أنَّ حاله تقف عنده، وتنتهي إليه لمات همَّا، واعتبط غيظًا وغمًا: [من الرجز] / 119 أ/ لو كانت الأحلام ناجيتي بما ... ألقاه يقظانًا لأصماني الرَّدى منزلة ما خلتها يرضى بها ... لنفسه ذو أرب ولا حجا والمملوك في بعض أواله يحمل أموره على المقادير، وينتظر الفرج بالصَّبر، ويتَّخذ هذا نوعًا من العبادة، فلا يفيده ألا يقضي عمره، ودنو أجله، ويرى قومًا ليس لهم ماله من الحقوق السَّالفة والآنفة، وقد بلغوا من الأماني سماها، ومن الدَّرجات أعلاها، فيقطع نفسه أسفًا وحزنًا، ويموت حرقًا وغبنًا، ولا تسامحه نفسه بتجرع كاس الصَّبر، على معاندة الدَّهر، وقد عوَّل على الأخذ ببيت [بنت] عمرو بن الشَّريد، أعني الخنساء في قولها: [من المتقارب] سأحمل نفسي على غاية ... فإمّا عليها ومَّا لها ولقد وَّبخته نفسه منذ ليال على الإخلاد إلى الهوينا، والرِّضا بهذه الحال الحقيرة، فانشدها: لو درت فوق الفلك الدَّوَّار لم ... تزدد نقيرًا فوق ما الله رزق فأجابت بقول الطائي: [من الخفيف] / 119 ب/ من أبنَّ البيوت أصبح في ثو ... ب من العيش ليس بالفضفاض والفتى من تعرَّقته الفيافي ... واللَّيالي كالحيَّة النَّضناض فأجابها بقول الآخر: [من الرجز] الرِّزق يأتيك وإن لم تطلبه ... مالك من رزقك إلاَّ تعبه فأجابته بقول الطّائي: [من الطويل]

وأخرى لحتني حين لم أتيع النَّوى ... قيادي ولم ينقض زماعي ناقض أرادت بأن يحوي الرَّغيبات وادع ... وهل يفرس اللَّيث الطّلا وهو رابض؟ فلمّا غلبته بحجتها، أنشدها قول أبي الشِّيص الخواعي: [من الكامل] لا تنكري وجدي ولا إعراضي ... ليس المقلُّ عن الزَّمان براضي حلِّي عقال مطيّتي لا عن قلى ... وامضي فإنِّي يا أميمة ماضي وقد بقي الأمر موقوفًا على رأي الصَّاحب، فإن رأى أن ييسر الأمر فعل منعمًا". [وكان] الجواب من الوزير أبي المؤيد –رحمه الله تعالى: - "وقفت على ما شرحه، وتبيَّنت ما أوضحه، وعجبت كلَّ العجب ممَّا أهمله. / 120 أ/ من الصَّواب واطَّرحه، وكيف يقع له أنَّ الاغتراب أجدى عليه، والضَّرب في الأرض أصون له وأحب إليه، فلا إله إلاَّ الله. أيُّها السيِّد، أنت تعلم ما ألتزمه من صونك، وأتوخَّاه من مصالحك، وما احرص عليه من إصلاح شأنك، وأنت من الضَّجر والقلق على مثل حالك، فكيف إذا نبت بك الدَّار، وتقاذفت بك الأقطار، وأصبحت على أبواب غريبة وعند أقوام أجانب لا يعرفون قديمك، ولا يكرمون حديثك، ولا يراعون ما يجب لك من حرمة، ولا يفهمون ما عندك من فضيلة، وتطير حينئذ بخبرك عنقاء مغرب، ويذهب بتجلُّدك وبحلمك اليسير ما تلقى به من اطراح جانبك، وتكون قد سعيت لتعزَّ فتعجَّلت المذلَّة، وفي المواعظ القديمة:

النَّاس من خوف الفقر في الفقر، ومن خوف الذلِّ في الذُّل، اللَّهمَّ إلاَّ أن يكون غرضك التَّخلِّي والعزلة، والرُّجوع إلى ما يجب على كلِّ ذي لبٍّ، وبصيرة من اطِّراح الدُّنيا، والسَّعي في ترك عاجلها الفاني، وذلك أمر ميسَّر لك في وطنك، وممكن لك بين / 120 ب/ إخوانك وخلاَّنك، إلا أن يكون قد اشتعلت في قلبك نار المحبَّة، ورميت شياطين شهواتك لشهب الاصطفاء والمكاشفة، فيحملك ذلك على أن تسرح في الجبال، ويسهل لديك صعب المعاش، وما أرى لذلك أمارة تدلُّ عليه، ولا حالاً تشير إليه، والصَّواب الَّذي أراه لسيِّدنا فخر الدِّين، أن يستقيم على الطَّريق، ولا يتابع نفسه لما يخطر له من هذه الأحاديث اللَّيليَّة التي تمرُّ بخاطره في وقت السَّحر، فإن سببها اهتياج أخلاط، واضطراب بخارات، واصطفاق أجرام، وتموج رطوبات، تثير ضبابًا يرين على القلب، ويغشى نور الفكر، وهو بسعادته إذا نظر إلى ما هو حريص على طلبه، بعين الحقيقة رآه دون هذه النِّعمة التي قد سهل عليه [أن] بدّلها باديًا، ويعزُّ عليه التَّفريط في اليسير منها عائدًا. فالله الله من العمل بالرأي البادي، والإجابة لأوَّل الدَّاعي، وعندي له ما يؤثره من سعي أبلغ فيه الغاية التي يتَّضح معها العذر، ويقوم عنده بها عليَّ بذل الجهد، والدَّليل على ما تبعده عنه الحصول على غرضه إن شاء الله تعالى".

ذكر من اسمه عبد الله

ذكر من اسمه عبد الله [230] عبد الله بن محاسن بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الملك بن عليٍّ بن محمَّد، أبو عليٍّ العباسيُّ الحلبيُّ: أنشدني لنفسه بحلب المحروسة، بمنزله يوم الأحد سنة سبع وثلاثين وستمائة، ما كتبه إلى والده الشريف أبي عليّ، يلتمس منه ثوبًا: [من البسيط] وقائل قال لي يومًا وقد بصرت ... عيناه ثوبي رثّا ماله خطر أرى ثيابك قد أودى الزَّمان بها ... كأنَّها رسم دار دارس دثر لم يبق منها البلى شيئًا فتدركه الأ ... بصار بل دقَّ عن إدراكها البصر فقلت والقلب فيه النّار تستعر ... والدَّمع من فرط ما أبكاه ينحدر رثاثة الثوب لا تزري بلابسه ... لا تزري به الذِّكر وأنشدني أيضًا لنفسه من نظمه ما كتبه على ظهر تقويم أهداه إلى السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز محمد بن غازيي بن يوسف بن أيوب بن شاذي أعّز الله نصره: [من مجزوء الرجز] يا ملكًا فرع ملك ... أعطاك رِّبي أملك وصيَّر الله ملو ... ك الأرض جمعًا حولك مملوكك الداعي الشَّريـ ... ـف [آمل أن] يسألك قبول ما أهداه من ... لطيف [تقويم الفلك] وأنشدني أيضًا: [من الكامل] يا مالكًا تنهلُّ سحب نواله ... فينا إذا ما العام عمَّ بجدبه أنت الذي يفني ويغني بالنَّدى ... والبأس في يومي عطاه وحربه فعلى الموالي نعمة من ماله ... وعلى المعادي نقمة من عضبه

[قد جاءك] الفيروز .. يوسف ... لازالت طول الدهر مسعودًا به [231] /121 أ/ عبد الله بن علاَّن بن زاهر بن عمر بن أحمد بن علاَّن بن رزين، أبو الفضل بن أبي الحسن الواسطيُّ الخواعيُّ: هكذا قرأت نسبه من خط يده، ذكر أبو عبد الله [ابن] الدُّبيثي أنَّه من أولاد رزين، ابن أخي دعبل بن علي الخزاعي الشاعر. وكانت ولادته في عاشر ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وستماية. زعم أنه سمع أبا جعفر المبارك بن أحمد بن زريق الحداد الواسطي المقرئ إمام الجامع بواسط العراق، وأبا بكر عبد الله بن منصور بن عمران الباقلاني، وأبا الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي الصولي، والشريف نقيب العباسيين أحمد بن محمد بن عبد العزيز الهاشمي ببغداد، وأبا يعلى حيدرة بن بدر الرشيدي الهاشمي الخطيب، وأبا الفضل محمد بن نصر السلامي البغدادي الحافظ، وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان بن البطي، وأبا عبد الله محمد بن محمد المروزي العجلي، وأبا المظفر يوسف بن عبد الله بن الظريف/ 121 ب/ الشاه بوري،

وأبا الظفر يوسف بن فضل الله بن يحيى وغيرهم. روى عنه القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي الحنفي –أدام الله أيامه-، والصاحب أبو البركات المبارك [بن] أحمد بن المبارك المستوفي الإربلي، وغيرهما. وكان يلقب بشاشل. سمع كثيرًا من كتب التفسير والحديث، والأخبار والسير والمغازي ورواها، وصنف كتبًا عدة، ومن تصانيفه كتاب: "اللباب في تحرير الكتاب"، وهو ثماني مجلدات، وكتاب "جواهر الحكم وتواريخ الأمم وسير ملوك العرب والعجم"، وهو خمس عشرة مجلدة، وكتاب "حماسة العرب وأيام العرب"، وهو عشرون مجلدًا، وكتاب "التبيين في سير الملوك والسلاطين"، وكتاب "الغرر والبدر في سيرة خيرة الخير وصفوة البشر صلى الله عليه وسلم"، وهو خمس مجلدات وكتاب "مختصر الغرر والبدر"، مجلد، وكتاب "الممدود/ 122 أ/ والمقصور"، مجلدان، وكتاب "المسألة الأتابكية العزّية في الصفات الإلهية"، وكتاب "التنبيه بالرّد على من قالبالتشبيه"، صنفه لأتابك عّز الدين مسعود بن مودود بن زنكي، وكتاب "الإشارة في تدبير الوزارة"، وكتاب "الجمع بين الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول"، وكتاب "المدح والفصل في سيرة ملوك العدل"، وكتاب "مختصر الحكم" مجلد، وكتاب "الدرّ الثمين في مدائح بدر الدين صاحب الموصل". وهذه أسماء الكتب التي ذكرتها نقلتها من كراسة هي بخط يده، ولم يقع إليّ شيء منها سوى كتاب "الدرّ الثمين". حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد العقيلي –أسعده الله تعالى- من لفظه قال: قدم عبد الله بن علان حلب مرارًا، وكان أقام بحماة مدة في خدمة الملك المنصور محمد، وذكر لي أن مولده سنة خمس وثلاثين وخمسمائة إن صدق، وكان كذابًا، يدعي أنه سمع أبا الوقت وغيره، وقفت/ 122 ب/ على طبقات وأثبات زورها بخطه، وآفة كذبه جهله، فإنه خلط في أسانيدها، والشيوخ الذين ادّعى أنه سمعهم، وغرّ جماعة من طلبة الحديث، فسمعوا منه بالموصل وغيرها، ثم قال: أنشدني

لنفسه: [من مجزوء الكامل] يا مشبه القمر المنير ... هل من صدودك من مجيز؟ قسمًا بما في فيك من ... شنب ودرٍّ مستنير وبورد خدَّيك اللَّذيـ ... ـن يضاهيان الورد جوري وبماء آس في عذا ... رك اخضر غض مطير وبنفسج في مقلتيـ ... ـك ونرجس رغد نضير صل عاشقًا صبًا فذكـ ... ـرك يا منى قلبي سميري وأنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي –أبقاه الله تعالى- قال: أنشدني أبو الفضل بن أبي الحسن لنفسه في الثامن عشر من صفر سنة خمس عشرة وستمائة: [من الكامل] ملك يذمُّ من الزَّمان وخطبه ... إن أخفرت نوب له وخطوب / 123 أ/ لو تستجير به الغصون وقضبها ... ما راعهنَّ من الرِّياح هبوب وإذا يسالمه امرؤ هو سالم ... ومحاربوه فكلُّهم محروب وإذا نحا نحو القتال فسيفه ... رفع ورأس عدوِّه منصوب مازال فرَّاج الصُّفوف وفارجًا ... إذ يستجير ببأسه مكروب نصر الإمام بقوله وفعاله ... وجيوشه والرأي منه مصيب لكم تحلَّت بالمهابة والتُّقى ... ولكلِّ ما تحوي يداه وهوب ملك فلا مثل ولا ضرب له ... والناس أمثال لهم وضروب ملك رحيم بالبريَّة عادل ... برٌّ رؤوف عالم يعسوب الفائت الطُّلاب عن إداركه ... والمدرك الغايات وهو طلوب وقعاته فيها الحوائم وقَّع ... وعلى الجداول من ظباه تلوب وكجامد الجلمود قلبًا في الوغى ... وبكفه ماء النَّوال يذوب

[232] عبد الله بن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن علوان بن عبد الله بن علوان بن رافع، أبو محمَّد/ 123 ب/ ابن أبي محمَّد الأسديُّ: من أهل حلب، القاضي الإمام الفقيه الشافعي المدرس، كان والده وعمّه أحمد وجدّه من المشايخ الأتقياء العلماء بالحديث والقرآن، وكل كلّ منهم يشار إليه في الصلاح والعبادة، وفعل الخير. والقاضي أبو محمد هذا سمع الحديث من أبيه وأبي الفرج الثقفي، وأبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأبي حفص عمر بن محمد بن طبرزد، والقاضي أبي القاسم عبد الصمد الحرستاني، وقاضي دمشق أبي المعلي محمد بن علي القرشي، وحنبل المكبّر، والقاضي أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، وغيرهم، وهم

كثيرون. واستنابه أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم القاضي، في التدريس والحكم، وكان زوج أخته، ولما توفي قاضي القضاة أبو المحاسن، قلّده الملك العزيز غياث الدين أبو المظفر محمد بن غازي بن يوسف –رحمه الله- القضاء بمدينة حلب في أعمالها، وذلك في يوم الجمعة الرابع عشر من شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. واستمرَّ في القضاء، وعلت منزلته عنده، واحترمه احترامًا وافرًا، / 124 أ/ وأنفذ رسولاً إلى دمشق ومصر وبغداد، واعتمد عليه في مهماته وأموره. ولمّا توفي الملك العزيز، أقرّ على ما هو عليه، ولم يغير عليه شيء من أمور القضاء، وازداد كلّ يوم يأتي من الوجاهة والتقدم، وصار يشاور في الأمور، يؤخذ برأيه، ويرجع إلى قوله. وكان رجلاً كامل العقل، وافر الفضل، على غاية ما يكون من الورع والدين، وصحة العقيدة، وصدق النفس. لقيته بمحروسة حلب، وقرأت عليه جزءًا من الحديث النبوي، وأربعين حديثًا من تأليفه، وسألته عن ولادته، فذكر أنه ولد في سنة ثماني وسبعين وخمسمائة. وتوفي بحلب المحروسة ليلة السبت، السادسة عشرة من شعبان، صلاة عشاء الآخرة سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأخرج يوم السبت ضاحي نهاره، فصلّى عليه بالمسجد الجامع أخوه القاضي أبو البركات محمد بن عبد الرحمن، وحمل إلى مقبرة الجبيل شمالي البلد، فدفن بتربة لهم، وكان قد أصابه قولنج قبل موته بأعوام، وكان يخفيه، وشيَّع السلطان الملك الناصر/ 124 ب/ صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب –خلد الله ملكه- جنازته، وكذلك أمراء الدولة، وأرباب المناصب، والمتصرفون، والفقهاء،

والصوفية، وعامة البلد، ولم يتخلف يومئذ عن جنازته إلاّ اليسير من الناس، وكان ذلك اليوم يومًا مشهودًا، من كثرة الخلق، وشدّة الزحام، والتمسك بنعشه، والتبرك به، والانعكاف عليه، والغلبة والجمع العظيم، فأوسعه الله رحمة ورضوانًا، وتغمده برحمته وغفرانه إنه سميع مجيب. حثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي جرادة القيه الحنفي المدرس –أيده الله تعالى- قال: اجتمعت بالقاضي أبي محمد بحمص، وقد وافاها رسولاً، وأنا مجتاز إلى دمشق، وأقمت معه أيّامًا، ثم ودعته، وسرت إلى دمشق، ورجع بعدي إلى حلب، فكتب إليّ بهذه الأبيات إلى دمشق: [من الطويل] إلى الله أشكو ما وجدت من الأسى ... بحمص وقد أمسى الحبيب مودِّعا وأودع في العين السُّهاد وفي الحشا ... اللهيب وفي القلب الجوى والتَّصدُّعا / 125 أ/ ولله أيام تقضَّت بقربه ... فيا طيبها لو دمت فيها ممتَّعا ولكنَّها عمَّا قليل تصرَّمت ... فأصحبت منبتَّ السُّرور مفجَّعا وقد كان ظنِّي أنَّ عند قفولنا ... إلى حلب ألقى من الهمِّ مفزعا فلمّا رأيت الدَّار هيَّج منظري ... إليها حنينًا كامنًا وتوجُّعا فأنشدت بيتي شاعر ذاق طعم ما ... شربت بكاسات الفراق تجرّعا: (فلا مرحبًا بالرَّسم لستم حلوله ... ولو كان مخضرَّ الجوانب ممرعا) (ولا خير في الدُّنيا ولا في نعيمها ... إذا لم يكن شملي وشملكم معا) وأنشدني القاضي أبو القاسم قال: أنشدني القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن من شعره: [من الطويل] أنزِّه نفسي عن أمور شهيَّة ... وأكبحها عن أن تنال المطامعا مخافة أن تعتاد نيل مرادهًا ... فأصبح من كأس المذلَّة كارعا وأن مبيت الحرِّ جيعان قانعًا ... أعزُّ له مما إذا بات خانعا

[233] عبد الله بن عليٍّ، الدُّونيُّ الأصل/ 125 ب/، البغداديُّ المولد والمنشأ، أبو محمَّد: كان شيخًا لطيفًا، كيِّسًا، عنده أدب، وفيه فضل ودعابة وخلاعة، وهزل، يحذو حذو ابن الحجاج في فنونه. ومن شعره يمدح المستنصر بالله أبا جعفر المنصور بن محمد –خلد [الله] دولته: - [من الطويل] إلى كم بقلبي للغرام لمام ... وللعشق فيه موطن ومقام؟ كأني في عصر الشَّبية راتع ... ولي من قواه شرَّة وعرام أدلُّ بريعان من العمر مقبل ... وفي قبضتي ممَّن أحبُّ زمام وأسحب مرط اللَّهو في مربع الصِّبا ... ولي بمغانيه هوى ولزام أمن بعد ما لاح المشيب بمفرقي ... وأصبح أحوى الفود وهو ثغام؟ بددا صبح شيبي في مطالع لمَّتي ... فعادت نهارًا منه وهي ظلام وودعني عصر التَّصابي مفارقًا ... فخلف داء الشَّيب وهو سقام على عصر أيام التَّصابي وطيبه ... وما نلت من وصل الحبيب سلام فلا أذني تصغى إلى شدو مطرب ... يذلُّ لديه معبد ويضام وكيف أرجِّي وصل حسناء غادة ... وبين مشيبي والشباب خصام ولكنَّني استغفر الله جاهدًا ... فكلُّ غضارات الشَّباب أثام

/ 126 أ/ وامدح مولى النَّاس شرقًا ومغربًا ... ومن طؤره في الحلم ليس يرام إمامًا حوى شمل المناقب واغتدى ... لكلِّ زمان في يديه زمام شموس هداة في الممالك طلَّع ... وغيث نداه للعفاة سجام فلا جود إلاَّ وهو من سيب كفِّه ... يسحُّ على الأقطار منه رهام لكلِّ زمان أمَّة وإمام ... به حجَّة الدِّين الحنيف تقام ومستنصر بالله دام انتصاره ... لكلِّ إمام في العصور إمام رضاه حياة للوليِّ وسخطه ... لسائر من يشنا علاه حمام فلا زلت للإسلام خير خليفة ... لك الملك عبد والزَّمان غلام [234] عبد الله بن عمر بن أبي الفرج بن عبد الله، أبو بكر الأروجاني: شاب فاضل، مليح الخط، صحيح الضبط، ذو عقل وديانة، وتعفف وصيانة، وهو أحد المتفقهين بالمدرسة النظامية بمدينة السلام، له قصيدة بمدح المستنصر –خلد الله ملكيه- أولها: [من البسيط] بين الخميسين والهنديَّة القضب ... والأعوجيَّة ترداد القنا الأشب / 126 ب/ ومنها: وسر بنا طالبي مجد ومنزلة ... مستمطيين ظهور الأنيق الحدب واقصد بنا وجهة الزَّوراء نحو حمى ... المستنصر المالك المنصور ذي الحسب ملك تظل ملوك الأرض طائعة ... له وذاك لها من أفضل القرب ملك الملوك تسامى أن يقاربه ... ملك وأنِّي يقاس النَّبع بالغرب؟ إن ينتسب يوم فخر تلف نسبته ... موصولًة بالنَّبيِّ المصطفى العربي ومن يكن جدُّه العبَّاس منتسبًا ... إلى الرَّسول يكن من أكرم النَّسب حاز المفاخر والمجد الأثيل وما ... شد الخلائف قدمًا عن أب فأب وضم شمل العلا من بعد ما انصدعت ... فيما مضى فغدت مشعوبة الشُّعب يا ابن الخلائف والقوم الذين سموا ... على السِّماك وحازوا خير محتقب

فخرًا مليك الورى إذ ليس مفتخر ... لفخر آبائك الصِّيد الألى النُّجب هم منار الهدى من يعتلق بهم ... فقد حوت راحتاه أعظم السَّبب بهم تجلَّى عن الإسلام غيهبه ... وذل كلُّ عنيد مارد شغب هل في الورى من يجازيهم بمكرمة ... أم من يساجلهم في الفضًل والأدب؟ وحسبهم مفخرًا ما شاده لهم ... المنصور من كلِّ مجد باذخ العذب / 127 أ/ حوى الحجى والتُّقى والفضل واكتسبت ... كفَّاه من كلِّ برٍّ خير مكتسب ما أعمل الرأي في أمر يسدِّده ... إلاَّ وأعملت الأعداء في الهرب ولا امتطى كفُّه يومًا مطا قلم ... على الكتائب إلاَّ ارتعن للكتب [235] عبد الله بن عليِّ بن نصر بن عقيل بن أحمد بن عليِّ العبديُّ، المعروف بابن القيريني: من أهل واسط. وهو أخور الشاعر المجيد، أبي علي الحسن بن علي، وقد ذكرته في كتاب "تحفة الوزراء" المذيل على معجم الشعراء. وكان عبد الله هذا يلقب بالصّارم، وهو شاعر كثير الشعر، لم يلحق طبقة أخيه في الفضل والأدب، لكنّ شعره لا بأس به. خرج عن مدينة واسط، وتوجه إلى البلاد الشامية، وامتدح الأمراء والملوك والرؤساء، ثم سكن بالآخرة مدينة حلب، وتوفي بها في سنة ستّ أو سبع وستمائة، هكذا أخبرني بوفاته الوزير أبو نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم القفطي. ومن شعره يمدح الملك المنصور ناصر الدين أبا المعالي محمد بن عمر بن شهنشاه بن أيوب بن شاذي صاحب حماة: [من مجزوء الرجز]

/ 127 ب/ كم برسوم لعلع ... من البدور الطُّلَّع يمنعن أقمار السَّما ... ء في الدُّجى عن مطلع نواعم رواتع ... أكرم بها من رتّع كلُّ رداح كالقضيـ ... ـب سهلة المقنَّع تصمي القلوب بسها ... م من خلال البرقع صحيحة لا تأتلي ... عن قلبي المصدَّع واحر قلبي لبرو ... دريقها الممنَّع وآومن ذكر لييـ ... ـلات الحمى والأجرع لهفي على تفريق طيـ ... ـب شملي المجمع وما جلا بذلك الـ ... ـمصطاف والمرتبع منازل غيَّرها ... مرُّ الرِّياح الأربع واستبدلت بعد الأنيـ ... ـس بالغراب الأبقع وبالقيان أنَّة ... القرغل والسَّمعمع تعدُّ بعد أهلها ... من الدِّيار البلقع أندب ماضي زمن ... بربعها لم يرجع / 128 أ/ واستهلُّ في ذرى ... تلك الرسوم ادمعي ولم أجد للعذل في ... سلوِّهم سمعًا يعي لا والأمام الطَّاهر الـ ... ـمولى البطين الأنزع الطَّاهر الآباء والـ ... ـمغامر السميدع وقالع الباب الَّذي ... بغيره لم يقلع ومن له فضائل ... بمثلها لم يسمع وسالك الوليَّ في ... نهج الطَّريق المهيع صنو النَّبيِّ العلم الـ ... ـمكرَّم المشرِّع

معاشر بحبِّهم ... آمن يوم مفزعي ومن ندى محمَّد ... منزلة المنتجع الملك المنصور ذي الـ ... طَّول الجزيل الأرفع وطود بأس وحجى ... بالخطب لم يزعزع جامع فضل بسوى ... علاه لم يجمَّع بالبأس والنَّوال والـ ... إحسان والتَّورع ذو مقول يخرس كـ ... ـلَّ مفصح ومصقع / 128 ب/ كهف العفاة ملجأ الـ ... ـخائف والمنقطع مردي الكماة بالموا ... ضي والرِّماح الشُّرَّع سل عنه في يوم النِّزا ... ل بالقنا المزعزع هل غيره كان المجيـ ... ـب في الوغى إذا دعي؟ أم كشفت غمامها ... بالبطل السرعرع؟ من ردعت سيوفه ... في الرَّوع من لم يردع فاتح أبواب الرَّجا ... ء للورى والطمع فما لهم عن قصد با ... ب داره من مطمع وله أيضًا فيه من قصيدة أولها: [من الطويل] لكسب العلا ولمجد ما أنا واجد ... وللسَّبق في نيل المنى ما أكابد أنا ابن طراد الخيل إن أحجم الورى ... وإن اقتروا أو ضنت السحب جائد تروع بي الخطِّيُّ وهي شوارع ... وترهبني الأسياف وهي حدائد ويخضع ممن بأسي لدى الرَّوع معشر ... قلوبهم يوم الجلاد الجلامد ومنها في المديح: فحتَّى م أرضى من زماني ببلغة ... وللّيث في برديَّ قلب مجالد؟ / 129 أ/ وللملك المنصور منِّي مواهب ... ومد مديد زاخر الجود زائد؟ مليك جواد والملوك كثيرة ... ولكنَّه في فعله اليوم واحد يجود على قاصي البلاد وقاصد ... ليهنك قاص من نداه وقاصد ومن جمع الحمد الجزيل بجوده ... وشتت جمًع المال فالمال شارد

تفيدك رؤياه إذا ما رأيته ... فرويته للوافدين فوائد فقد حقَّق الآمال فيك بأسرها ... فأرقل يبغي الجود من هو واجد يدلُّ على إنعامه بشر وجهه ... كذا البرق قبل القطر للقطر رائد وما روضة حلَّ الرَّبيع ربوعها ... عن السَّفر منها برزخ متباعد سقتها جفون المزن غير جوامد ... زمانًا فجفن الزَّهر سهران جامد تغنَّت بها ورق الحمام فساجع ... على أثله أو نازح الوكر فاقد تؤرِّجها ريح الصَّبا بهبوبها ... وما نفحت إلاَّ لليهتاج واجد كأنَّ ثراها عنبر وغصونها ... لثقل ثمار الحمد قوم سواجد بأطيب عرفًا من تأرُّج غرسه ... ومن ذكره تبدو النُّهى والمحامد [236] عبد الله بن عيسى: أنشدني الشيخ العالم الأجلّ زين الدين أبو محمَّد، عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن أبي عيسى، واسمه الفضل بن إبراهيم ...... لنفسه بمدينة السلام غربيها: [من الخفيف] كلَّما جاءني كتابك أبدى ... لي فنًا من السُّرور غريبا وكأنِّي مواصل كلَّ يوم ... بمواتاته بقلبي حبيبا لم تشفني ......... ... .................. وأنشدني ما كتبه إلى بعض الفضلاء: [من الكامل] صحبت ركابك حيث سرت ثلاثة ... عز وتأييد ومجد معرق وغدت تسايره السعادة والعلا ... ويؤمه رأي أعزّ موفَّق يا من به حسن الزمان ... ... عمرو العلا يتألق ها أنت أرأف بالرعية من أب ... وأخي منه على بنيه وأشفق ان شيد .... الألى لكم علاً ... فلما بنيت شدت منه أوثق

مجدك قد تضوّع في .... ... وعلا بذلك ..... ومعرق وأنشدني .... ما كتبه إلى مؤيد الدين أستاذ الدار العزيزة، وهو أبو طالب محمد بن أحمد بن علي العلقمي: [من الطويل] وقد قالت الآمال لي قول صادق ... شفيق نصوح في المقال مسدَّد تمسَّك إذا ما الدهر ساءك فعله ... ...................... محمد بأشرف أبناء الزمان خلائقًا ... وأكرم فرع في العلاء ومحتد ترد منهلاً عذبًا نميرًا ونائلاً ... غزيرًا وجودًا غامرًا كلَّ مجتدي وغير بديع أن .......... ... ......... نجل العلقمي المؤيد إذا ما اقتنى الأقوام قوم فإنَّه ... يرى الحمد أبقى من لجين وعسجد وكتب لي ........... : [من البسيط] .................... ... عضوًا سليمًا من الأوصاف والألم ولم تدع في منيع العزّ جارحًة ... جلبته من أذى الأوجاع والسَّقم فلا تعدَّتك ألطاف الإله ولا ... برحت من حادث الأيام في حرم ولا وهى لك مجد لم تزل أبدًا ... تشيده بجميل الصفح والكرم ودمت يا خير من يرجى البقاء له ... مؤيد ...... سائر الأمم في دولة جعل الله الزمان لها ... عبدًا وأبناؤه من أصغر الخدم [237] عبد الله بن علي بن سعد بن المرزبان، أبو جعفر الواسطيُّ. شاب كيّس من أبناء المتصرفين بواسط وكبرائها، شاهدته لما انحدرت صحبة الأمير العادل ركن الدين أبي شجاع أحمد بن قرطايا –أدام الله تأييده- إلى بلاد البطائح التي أقطعه إياها أمير المؤمنين المستنصر بالله –رضوان الله عليه- وذلك في سنة تسع

وثلاثين وستمائة، اجتزنا بواسط، فورد عليه أبو جعفر بن المرزبان هذا مهنئًا بالقدوم، فاجتمعت به ساعة، وأنشدنا قطعًا من شعره، ولم يكن في الوقت سعة لأعلقها عنه، ورأيته شابًا فصيحًا، وسألته عن ولادته فقال: ولدت في صفر سنة تسع وستمائة، له يد في صناعتي النظم والنثر، وذكر لي أنه قد عمل عدّة كتب ليتقدم بها للديوان المستنصري، وأنه يفد في كلّ عام بتصنيف من تصانيفه إلى مدينة السلام فيخدم به المواقف المقدسة المستنصرية، فيثاب عليه جبّة وعمامة ومائة دينار، وصارت له رسمًا يتناوله في كل سنة، ومن كتبه "كتاب جواهر فصول البان في تفاخر فصول الزمان" يتكلم على الفصول الأربعة فيها على الربيع والأزهار والأطيار وعلى ألسنة بعضها بعض والمفاخرة بينهم، و"كتاب السعادة الفانية" يحتوي على أربع مجلدات، وقسّمه فصولاً أربع منها "كتاب العارف والغارف" وهو كتاب النور وما يتعلق به، و"كتاب اعتقاد .... " يفصح عن وصف الهواء وما يتعلق به، و"الكتاب السائح والصالح" و"كتاب الراغب والراهب" و"كتاب معادن الحكم الفكرية في محاسن القيم المستنصرية" و"كتاب ...... إمام العصر" و"كتاب المفاتح الفطرية في المدائح المستنصرية". ثم شاهدته مرة ثانية بمدينة السلام مطالبًا برسمه في الديوان المستنصري، وعاقني عن ذلك ..... قوله: [من الطويل] ................... أنين ... ولواعج موصولة وحنين وإلى مغاني الغانيات بواسط ... قلب ......... شجى وشجون يا ساكني بطن العقيق تعطَّفوا ... فالقلب في أسر الغمام رهبن ............... ترزي به ... نزلت ركائبكم ............. يشنِّف قلبي حبّكم فكأنَّه ... ليلى وحبَّة قلبي المجنون

[238] عبد الله بن محمَّد بن إبراهيم بن الحسن بن عبد الله، أبو محمَّد الموصليُّ المعروف بابن الكردية: شاب كيّس خطير، اشتغل بشيء من الطبّ وتفقّه، وعنده فضل وسيرة، منحوس الحظّ من زمانه ذو فاقة وفقر. أخبرني أنَّه ولد بالموصل في سنة سبع وتسعين وخمسمائة، نبا به وطنه إلى الشام، فنزل بحلب، وأقام ببعض مدارسها مرتزقًا من ذلك من الوراقة، وربّما أنشأ أبياتًا امتدح بها الرؤساء، وفتح له بها مكتبًا يعلم فيه الصبيان، وقد تأكدت بيني وبينه معرفة. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى الوزير مؤيد الدينأبي نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم القفطي –أسعده الله تعالى: -[من الخفيف] قلت للدَّهر ما الذي يصلح العا ... لم إن حلَّ حادث يعتريه قال: سعد السُّعود في فلك الإقـ ... ـبال أعني مؤيد الدِّين فيه كيف لا يطرق الزمان ارتياحًا ... وله الأمن من فساد بنيه؟ بعلى الصَّاحب الذي ملك الفضـ ... ـل .......... يوليه سل به ماجدًا فما خاب من ... ... .... معه آمل يرتجيه [239] عبد الله بن محمَّد بن فتيان/ 129 ب/ أبو محمَّد الجزريُّ. من أهل الجزيرة العمرية. قد ذكرت والده في كتاب (تحفة الوزراء) المذيل على معجم الشعراء. وابنه هذا كان شاعرًا مطبوعًا، ذا شعر رقيق، يغنّى بأكثره، وله في معز الدين

سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، صاحب الجزيرة عدّة قصائد، ولم يقع إليّ من شعره إلاّ ما أنا ذاكره. أنشدني الأمير الحاجب أبو المفاخر بدران بن فتوح بن سلطان العقيلي الجزري بحلب المحروسة قال: أنشدني عبد الله بن فتيان لنفسه ابتداء قصيدة: [من الكامل] صدَّ الأحبَّة واستباحوا جفوتي ... ونأوا فصدَّ خيالهم عن مقلتي وتعمَّدوا قتلي بغير جناية ... واسحَّ يوم البين صيِّب عبرتي يا سادتي وأعزَّ خلق الله في ... قلبي وإن عمدًا أطالوا جفوتي إن كان لا يرضيكم إلاَّ دمي ... فالله فد أبراكم من ديَّتي [240] عبد الله بن أحمد [بن] محمَّد/ 130 أ/ بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله، أبو محمَّد المقدسيُّ. هكذا أملى عليّ هذا النسب حفيده بمدينة السلام. الشيخ، الموفق، الفقيه. ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، سمع الحديث ببغداد من أبي الفتح بن

البطّي، ويحيى بن ثابت، وتفقه بها على مذهب الإمام أحمد –رضي الله عنه-: وعاد إلى دمشق، وصنّف، وحدث، وانتفع به خلق كثير، وتوفي بها يوم عيد الفطر سنة عشرين وستمائة، ودفن من الغد بجبل قاسيون –رضي الله عنه-. وكان إمامًا ثقة، قارئًا دينًا، تاليًا لكتاب الله تعالى، صاحب كرامات ظاهرة، وكان مفتي زمانه على المذهب الأحمدي بالشام. ومن تصانيفه كتاب: "الانتصار في أسماء الأنصار"، وكتاب "التبيين في أسماء المهاجرين"، وكتاب "الكافي في الفقه"، معلل، وكتاب "المغني"، أيضًا في الفقه، وكتاب "المقنع"، وكتاب/ 130 ب/ "العمدة"، وكتاب "التوّابين"، وكتاب "مختصر غريب أبي عبيد القاسم بن سلام". وله أشعار، كان ينظمها على طريقة أهل المعرفة، وذويي الأحوال، أنشدني أبو العزّ المفضل بن علي بن عبد الواحد المصري قال: أنشدني الشيخ الموفق لنفسه: [من الطويل] ابعد نزول الشّيب أعمر منزلاً ... سوى القبر إنّي إن فعلت لأحمق! ؟ يخبرني شيبي بأنِّي ميِّت ... وشيكًا وينعاني إليَّ فيصدق يخرِّق عمري كلَّ يوم وليلة ... فهل مستطيع رفو ما يتخرَّق؟ إذا سئلوا عنِّي أجابوا واعولوًا ... وأدمعهم يجرين هذا الموفَّق وشالوا سريري ثمَّ ساروا فأسرعوا ... ونودي ألاَّ تعجلوا وترفَّقوا وغيِّبت في صدع من الأرض ضيَّق ... وأودعت لحدًا فوقه اللّبن مطبق

ويحثو على الترب أوثق صاحب ... ويسلمني للدُّود من هو مشفق فيا رب كن لي مؤنسًا يوم وحدتي ... فإنِّي بما أنزلته لمصدِّق مقرُّ بأنِّي ذو ذنوب كثيرة ... أسير الخطايا بالإساءة موثق وما لي سوى معروف رِّبي وجوده ... وما لي إلاَّ فضله متعلَّق / 131 أ/ وما ضرني أنِّي إلى الله صائر ... ومن هو من أهلي أبرُّ وأرفق وأنشدني قال: أنشدني الإمام الموفق أبو محمد لنفسه: [من الوافر] أتغفل يا ابن أحمد والمنايا ... سوارع يختر منك عن قريب! ؟ أغرَّك أن تختطَّتك الرَّزايا ... فكم للموت من سهم مصيب؟ كؤوس الموت دائرة علينا ... وما للمرء بدٌّ من نصيب إلى كم تجعل التَّسويف دأبًا ... أما يكفيك إنذار المشيب؟ أما يكفيك أنَّك كلّ حين ... تمرُّ بقبر خلٍّ أو حبيب تسرُّ بما أطعت الله فيه ... وتحزن من مفارقة الذُّنوب وأنشدني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من البسيط] لا تسأل النَّاس وأسأل رازق النَّاس ... فاليأس منهم غنى فاستغن باليأس واسترزق الله ممَّا في خزائنه ... فإنَّ رَّبك ذو فضل على النَّاس فليس للنَّاس ظن يعطوك خردلًة ... ولا يعيذوك من فقر وإفلاس وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] / 131 ب/ حذفوك حين أردت منهم شركًة ... وقلوك لمّا صرت صاحب حاج وتنكَّرت أخلاقهم ووجوههم ... فعل البخيل لرؤية المحتاج لا تطلبنَّ إلى لئيم حاجًة ... إلاّ لكي تلقاه بالإزعاج فلعلَّ روعته تكون مثوبًة ... لمروِّعيه بلحَّة ولجاج وأنشدني قال: أنشدني لنفسه يرثي ثلاثة نفر من بعض أهله: [من البسيط] مات المحبُّ ومات العزُّ والشَّرف ... ثلاثة سادة ما منهم خلف

ما ودَّعوني غداة البين إذ ظعنوا ... بل أودعوا قلبي الأحزان وانصرفوا شيعتهم ودموع العين جارية ... لبينهم وفؤادي حشوه أسف أكفكف الدَّمع من عيني ويغلبني ... وأحضر الصَّبر في قلبي فينصرف فقلت ردُّوا جوابي أوقفوا نفسًا ... رفقًا عليَّ فما ردُّوا ولا وقفوا أحباب قلبي ما هذا بعادتكم ... ما كنت أعهد هذا منك يا شرف قد كنت تعظم تبجيلي ومنزلتي ... وكنت برًا شفيقًا فوق ما أصف وكنت عونًا لنا في كلِّ حادثة ... تظلُّ أحشاؤنا من همِّها تجف وكان جودك مبذولاً لطالبه ... جنح اللَّيالي إذا ما أظلم السَّدف / 132 أ/ وكنت عونًا لمسكين وأرملة ... وطالب حاجًة قد جاء يلتهف وللغريب الذي قد مضَّه سغب ... وللمريض الذي قد شفَّه الدَّنف وكنت تقضي حقوق النَّاس كلهم ... من قد عرفت وممَّن لست تعترف وكم فقدنا بموت العزِّ منقبًة ... فيه لهم غرف من فوقها غرف فيها مع الحور والولدان تحسبهم ... لآلئًا شقَّ عن أنوارها صدف وله، وذكر أن البيت الثالث يظنه أنه لابن سناء الملك: [من الطويل] خليليَّ عوجا بارك الله فيكما ... على منزل بين المغارة والكهف ومن دير مرَّان ودار بن واصل ... إلى جبل الصُّوان أو بركة الجرف محل ترى دمعي إذا ما ذكرته ... لفرط اشتياقي نحوه دائم الوكف غدا الدين والإسلام غضّا كأنَّه ... على زمن الفاروق أو كاتب الصَّحف به سرِّح الإسلام علمًا وسنَّة ... ودينًا ومعروفًا وردَّا إلى العرف وله وهي المسألة الأكدرية: [من البسيط] ماذا تقولون في ميراث أربعة ... أصاب أكبرهم جزءًا من المال ونصف ذلك للثاني ونصفهمًا ... لثالث ترب للخير فعَّال

/ 132 ب/ ونصف ذلك مجموعًا لرابعهم ... فأخبروني فهذا جملة الحال وقال وهي أيضًا مسألة: [من الرجز] ماذا يقول السَّادة الأفاضل ... في أربع من نسوة حوامل تقول إحداهنَّ إنِّي إن ألد ... بنتًا فما لي ولها من حاصل وإن ولدت ابنًا ورثنا ثلثًا ... في قول كلِّ عالم وقائل وقالت الأخرى أنا بعكسها ... إن جئت بابن لم نفر بطائل وإن ألد بنتًا ورثت معها ... يروح ثلثانًا بسدس عائل وجاءت الأخرى بقول ثالث ... يعلمه العالم بالمسائل إن تلك لي بنت ورثت دونها ... والابن يحوي الكلَّ بالدَّلائل وله جوابها: [من الزجر] أمّا لَّتي قالت ورثنا ثلثًا ... فابنة ابن ذات عقل كامل وزوجها ابن عمِّها وجدُّها ... قد مات عن بنتين بالأصائل وإن تمت جدَّتها أم جدُّها ... عنها وعن زوج شريف فاضل وخلَّفت بنتًا وأمًا وأبًا ... فهذه ثانية المسِّائل وابن ابنها قد كان قبل موته ... وموتها زوجًا لهذي الحامل / 133 أ/ وإن تكن معتقة تزوَّجت ... أخًا لمولاها بمهر عاجل ومات مولاها وكانت حاملاً ... فإنَّها آخر قول السَّائل وقال في منازل القمر: [من الطويل] فنطح وبطن والثُّريّا ومجدح ... وهقع وهنع والذِّراع ونثره وطرف محيط والحران وصرفه ... وعوَّاء يتلوها السِّماك وغفره زباني وإكليل وقلب وشولة ... نعائم بلدان وسعد ونحره وسعد وسعد ثمَّ سعد وفرغه ... وفرغ وحوت ناضب عنه بحره وله أيضًا فيها: [من الطويل] فللنطح غفر والزَّبانى لبطنه ... وللنَّجم إكليل وللقلب مجدح وللهقول شول والنَّعائم هنعة ... ذراع بلاد نثره السعد يذبح

وللطَّرف سعد ثمَّ سعد لجبهة ... وللَّزبر سعد صرفه الفرغ تفتح وآخر للعوّاء والحوت سامك ... فدونكها إن كنت بالفهم تسمح وله في معرفة ما يتوسط من المنازل وقت الصبح في كل شهر: [من الطويل] لغرَّة آب يصبح النطح واسطًا ... وسابع عشر للبطين التَّوسُّط / 133 ب/ وفي سلخه تعلو الثريا بوسطه ... ومجدح في نصف لأيلول يسقط وفي عشره الثَّاني الذِّراع وبعدها ... إلى السَّبع في الثَّاني لنثرة مهبط وفي سلخه للهقعة الوسط منزل ... وفي عشر تشرين لهنعة مسقط وفي نصفه طرف وتصبح جبهة ... لخمس وعشرين خلت تتوسَّط وزبرة في خمس لكانون ترتقي ... وفي النِّصف منه صرفة تتمعَّط وفي سلخه العوَّاء ثمَّ سماكها ... إذا العشر في الثَّاني خلت تتثبَّط وللغفر في العشرين منه توسُّط ... ويأتي الزَّبانى سلخه يتمطَّط وثالث عشر من شباط محلُّه ... لأكليل في وسط السَّماء ومهبط وللقلب من عشرين منه توسُّط ... وفي العشر من آذار شولة أوسط وفي العشر من نيسان تأتي نعائم ... وبلدة في العشرين منه توسَّط وفي خمس أيّار توسُّط ذابح ... وتاسع عشر سعده المتوسِّط حزيران في خمس توسُّط سعده ... وفي نصفه السَّعد الأخير الموسَّط وغرَّة تموُّز لفرع ونصفه ... لفرغ يسحُّ الماء إن كنت تضبط وفي خامس العشرين للحوت مسبح ... ألا إنَّ حفظ العلم للدِّين أحوط وأنشد عبد الكريم بن منصور الباوشناوي/ 134 أ/ قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من الرجز] إصبر من الدَّهر على ضراره ... ما الدَّهر للإنسان باختياره لابدًّ من تجرُّع المكاره ... وإن صحبت صاحبًا فداره

ولا تشاققه ولا تماره ... وإن رأيت سيِّئًا فواره وأنشدني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من المجتث] طلبت منك سواكا ... وما أردت سواكا وما أردت أركا ... لكن أردت أراكا [241] عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسن، أبو البقاء النحوي: الأديب، الفقيه، الحنبلي، المصنف، الحاسب، البغدادي المولد والمنشأ، العكبريّ الأصل. كانت ولادته ببغداد في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بها ليلة الأحد، ثامن ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة، ودفن غربيّها، بباب حرب –رحمه الله تعالى-. أخذ النحو عن شيخه أبي محمد عبد الله بن أحمد ابن الخشاب النحوي،

/ 134 ب/ وعليه كان يعتمد في علم النحو، وكان إمامًا في الفقه فرضيًا حاسبًا قارئًا شيخ وقته فيي علم الأدب واللغة والإعراب لفنون من العلوم. وله من التصانيف الأدبية شيء كثير ما شهد بفضله منها: كتاب "المصباح في شرح الإيضاح" لأبي علي الفارسي النحوي، وكتاب "المتبع في شرح اللمع" لأبي الفتح بن جنّي النحوي، وكتاب "التلقين" في النحو، وكتاب "اللباب في علل البناء والإعراب"، وكتاب "البيان في إعراب القرآن"، وكتاب "المنثور المعلم" وهو ترتيب إصلاح المنطق على حروف المعجم، وكتاب "إعراب الشواذّ"، وكتاب "متشابه القرآن" في الجدل، وكتاب "الناهض في الفرائض"، وكتاب "بلغة الرائض في الفرائض"، وكتاب "التلخيص في الفرائض"، وكتاب "الاستيعاب لأنواع/ 135 أ/ الحساب"، و"مقدمة في الحساب"، و"شرح الحماسة"، و"شرح الفقه"، و"شرح سيبويه" و"إعراب الحماسة". [و] "الإفصاح عن معاني أبيات الإيضاح" شرح أبيات سيبويه على حروف المعجم، و"تلخيص كتاب الشعر لأبي علي الفارسي"، "الترصيف في التصريف"، كتاب "المحصل في إيضاح المفصَّل"، "نزهة الطرف في إيضاح قانون الطرف"، "الإشارة في النحو"، "التلخيص في النحو"، "تهذيب اللسان" شرح بعض قصائد رؤبة وبه مسائل الخلاف في النحو، "العروض" معلل، "تلخيص التنبيه في إعراب الحمساة" لابن جنّي، كتاب "العروض"، كتاب "القوافي"، كتاب "المرام في نهاية الأحكام"، "شرح البداية" لم يتمّه، "المنتخب من المحتسب" لابن جنّي، "شرح الخطب النباتية"، "تفسير القرآن"، "عدد آي القرآن". / 135 ب/ وكتاب "الجدل"، وكتاب "شرح ديوان أبي الطيب المتنبي"، وكتاب "في الجبر والمقابلة"، وهو مقدمة، و"شرح المقامات الحريرية" شرحًا مختصرًا، وإلى غير ذلك من المشروحات والمؤلفات. وكان قليل الإلمام بقول الشعر، أنشدني أبو الحسن علي بن عدلان بن حماد النحوي الموصلي، قال: أنشدنا شيخنا أبو البقاء عبد الله بن الحسين النحوي

لنفسه، وكتبه إلى الوزير نصر الدين أبي منصور ناصر بن مهدي العلوي، وكان حينئذ وزير الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد –رضي الله عنه-: [من الخفيف] بك أضحى جيد الزَّمان محلَّى ... بعد أن كان من حلاه مخلّى لا يجاريك في نجاريك خلق ... أنت أعلى قدرًا وأعلى محلاً دمت تحيي ما قد أميت من الفضـ ... ـل وتنفي فقرًا وتطرد محلا وكتب إليه بعض الفضلاء هذه الأبيات، وسأله الجواب عنها وهي: [من مخلع البسيط] / 136 أ/ مرَّ بنا شادن فقلنا ... ما الاسم يا أيُّها الغزال؟ فقال ثلث ثمان عشر ... تضرب في مثل ما يقال تجعل آحادها حسابًا ... ويجبر النَّاقص الكمال فبينوه فمثل هذا ... يعجز عن كشفه الرِّجال فأجابه أبو البقاء: [من مخلع البسيط] يا حاسبًا ماله مثال ... عوَّضت واستعجم السُّؤال إنِّي أرى ما سألت عنه ... مبيَّنًا ما به اعتلال الاسم عيسى بمقتضى ما ... ذكرت فيلفهم المقال تسعين فاعدد حروف عيسى ... من بعد ستِّين والكمال هذا جواب له اتِّجاه ... وغير هذا له محال

[242] عبد الله بن أحمد بن عليٍّ بن محمَّد بن أحمد بن عليٍّ، أبو محمَّد العلويُّ الحسنيُّ. وقد مر نسبه مستوعبًا عند ذكر ابنه أحمد، كانت ولادته بكزبرا من نواحي الموصل، رأيت من أشعاره عدة قصائد بخطه. / 136 ب/ أنشدني ولده أبو عبد الله الحسين قال: أنشدني [والدي] ابتداء كلمة لنفسه: [من الكامل] خلِّ ادِّكاء معاهد ومغاني ... وبنات كرم عتِّقت بدنان ومدَّبج من روضًة سحَّ الحيا ... فسقاه بعد النصف من نيسان فتفتَّحت أزهاره وتكاملت ... أنواره وطوافح الغدران ومعدِّدات في الغصون يميلها ... نفس الصَّباح إمالة النَّشوان تنسيك أصوات الحداة ومعبدًا ... وغناه مع إسحق الهمذاني ومهفهف حلو الشَّمائل مترف ... يسبي بطرّته فؤاد العاني يعطي ويمنع بل يميت ومثله ... يردي الصَّحيح بأسهم الأجفان ومزاهر تشجي وقد عبثت بها ... لمدار كاسات بنان أغاني ومدامّة ذهبيَّة من مثلها ... سكبت إلى كاس من العقيان شبَّت وشابت ثمَّ شيبت مرًة ... ماًء فأحيت أنفس الشُّبان وإذا حسا منها الوقور ثلاثًة ... نبذ الوقار وباح بالكتمان وخذ السَّيل عن العقيلة بالحمى ... وذر المها وجاذر الغزلان [243] عبد الله بن أحمد بن عليِّ بن عبد الله/ 137 أ/ بن الحسين بن عليِّ بن محمَّد بن يعقوب بن الحسين بن عبد الله المأمون بن الرَّشيد هارون بن المهديِّ محمَّد بن المنصور

عبد الله بن محمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المطَّلب، القاضي أبو محمَّد بن أبي العبَّاس البغداديُّ: كان والده قاضيًا بأعلى دجيل، وكان من أئمة المسلمين، وعلماء الإسلام، وابنه هذا كان مولده سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وتوفي في المحرم سنة وعشرين وستمائة. بالغ والده في تخريجه، وتعليمه، وتهذيبه، وأحضره مجالس علماء ذلك الزمان، وحفظ القرآن الكريم، وقرأ للعشرة أجمع على الشيخ أبي الحسن علي بن المرحب البطائحي الضرير، وكتب الخط المليح، وتردد إلى مشايخ ذلك الوقت، لقراءة علم العربية والنحو والأحاديث، منهم أبو محمد عبد الله بن أحمد ابن الخشاب النحوي، وأبو محمد إسماعيل بن موهوب بن الخضر بن محمد بن الجواليقي، وأبو الفضل أحمد بن شافع، وجماعة سواهم، من أعيان هذا العلم، والمحدثين، وقرأ كتبًا كثيرة أدبية وشعرية، ولقي مشيخة كثيرة. وكان متيقظًا/ 137 ب/ عارفًا، ذا فهم وفطنة، ومن شعره ما كتبه إلى زعيم الدين صاحب المخزن، يتشفع له إلى أبي المعالي أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة الباجسري، ليقرأ عليه كتاب الجمهرة لأبي بكر محمد ابن الحسن بن دريد

الأزدي، وكان ابن حنيفة قد تفرد بروايتها، وأحد من بقي من رواتها: [من الوافر] قصدت فناك فاشفع لي بقول ... إلى ابن حنيفة إن كان خاما فأنعم لي لتحظ بشكر عبًد ... وليٍّ ما يزال وقيت ذاما فوعده بنجاز ذلك، فتمادى الأمر لكثرة مهامّه، فعاوده التذكار بأبيات منها: أهزُّ عطفك لا آلو لتنجز لي ... وعدًا تبيَّنت أنَّ النّجح في خلله فانعم وجد وتقدم واقض وامض ومر ... فالعبد منتظر ما راح في أمله وذا الكتاب فهذا الشَّيخ منفرد ... به وليس سواه اليوم في شغله فأحسن الوعد، وتمادت الحال أيامًا، وراسل ابن حنيفة في ذلك فماطل فكتب أبياتًا في ذلك منها: [من الطويل] / 138 أ/ تقدَّمت لي طولاً بحسن شفاعة ... وأوليتني نعمى تجلُّ وتعظم فخفَّض فيها من أشرب بقصده ... وقد وهن الأمر الذي ليس يبرم فعزِّز بأخرى يا كريمًا وماجدًا ... فمثلك يا مولاي في الخير يقدم وليس سوى أن يحضر ابن حنيفة ... فيؤمر جزمًا فالمطاع التَّقدُّم فلهنة عمر الشَّيخ فرصة مغنمي ... يبادرها الشَّادي الحصيف المحزَّم فأنعم وحقِّق في الشَّفاعة موعدي ... فإنِّي بحبِّ العلم صب متيَّم ودافع ابن حنيفة، وتعلل بأسباب وأحوال، واعتذر عن التصدي لقراءة الكتاب، وقال في جملة قوله: إنَّ أرتق بن سليمان قد قرر قراءة الكتاب عليه في داره، فيكون معه، فعرض بأبيات منها: [من التقارب] دفاع الحنيفيِّ يرجو به ... سكوتي عن نوبة الجمهرة ولست ونعماك يا ماجدًا ... أنكَّب عن ذاك أو يقدره فأنَّي وكيف ومن أين لي ... سواك ييسِّر ما عسَّره؟ ون تعط وعدًا فلا تسمعن ... فأقواله كلها مقصره

/ 138 ب/ وكلُّ مواعيده هكذا ... بخطٍّ ولكن بلا مسطره لئن كان يرغب في درهمي ... فوالله ما لي سوى المحبره ..... قد براها الشِّتاء ... وهذي الخميسية المدبره وقرص ....... فمن أين لي ... وأدم فهيهات أن أبصره فعاود ابن حنيفة في ذلك، وهو مصر على الاعتذار، طال الزمان في الترداد، فأذكره بأبيات منها: [من البسيط] قد حان للعبد أن يدعى بما وعدا ... ومن يفز بفعال الحرِّ قد سعدا مولاي طال خطابي والزَّمان عدا ... والشَّيخ مغتنم ما في المنون غدا فجلس الزعيم في مجلسه، واستدعى ابن حنيفة، وجزم عليه، ورتب الأديبين أبا العز محمد بن مواهب بن الخراساني، وكان من كبار الأدباء العلماء في العربية والنحو والأشعار، وعلت سنّه فيه، ولقي مشيخة كثيرة وتفرّد في فنّه ومصنفاته، ومهذب الدين أبا الحسن علي بن عبد الرحيم/ 139 أ/ بن الحسن بن عبد الملك بن إبراهيم السلمي البغدادي المعروف بابن العصّار اللغوي، وكان من أئمَّة اللغويين والأدباء، ورؤسائهم وثقاتهم، وكانا يقابلان مع عبد الله بن أحمد القاضي كتاب الجمهرة، فبيد أبن الخراساني أصل ابي منصور الجواليقي، وبيد ابن العصار أصله، وبخطه الذي عارض به أصل ابن خروف، وكانت نسخ أخر بيد من يحضر القراءة من الأدباء، واستقرأه زعيم الدين الجزء الأول بين يديه، فعجب من قراءته، وفهمه، وفطنته، ومعرفته بالكتاب، فحينئذ أمره بقراءته.

وكان قليلاً ما يفتقر إلى تسديد وتثقيف لما فيه من الهمة واليقظة، وكان يقرأ في كلّ مجلس جزءًا قوامه عشرون قائمة، في كل صفحة سبعة وعشرون سطرًا وكل سطر لا يخلو من عشرين كلمة، يهذّ ذلك هذًا فإذا أتاه ما يشكل عليه معناه وإعرابه ولفظه، توقف، وتفهم، وحشاه على هامش الكتاب، بخط ابن العصار، وأثبته بخطه في ورقة. وكان في كل يوم على الدوام مستمرًا على القراءة، فانقطع يومًا لغيث هطل، فأرسل الزعيم بالاستيحاش له، فلما جاء من الغد، كتب إليه بديهًا: [من المتقارب] / 139 ب/ لسيل الغيوث ودرِّ السُّحب ... قطعت المجيء اعتماد الأدب وأخَّرت ذلك في أمسنا ... وبكَّرت يومًا لما قد وجب فأحضر [عبد الله] وقرأ، ولم يزل على ذلك حتى دخل شهر الصيام، واستوعبت بطالته من القراءة عشر أيام، وابن حنيفة لا يحضر، وإذا روسل بأعوان زعيم الدين، يعتذر، فحضر عبد الله عند الزعيم، وأنشده أبياتًا على سبيل الدعابة، منها: [من المتقارب] تقارب من شهرنا نصفه ... وابن حنيفة ما يحضر وفي كلِّ يوم يصدُّ الغلام ... ويعرض عنه ويستعذر يقول كبير وهذا الصِّيام ... فلا يد فيه لمن يفطر وثمَّة لحم فمن أين لي ... فحيلي إذا لم يكن، مدبر فدَّبره العبد في أمره ... بأشياء فيها الذي يؤثر يكون نزيلي فإنِّي به ... عن الخلِّ والبقل ما أقصر وعندي قصبان في خلِّه ... غريق كثير ومستعزر وإن شاء ريحان أخلق به ... يضاهيه في طعمه السكَّر وإن شاء كامخنا بالكشوك ... وإن شا فكا مخنا الأحمر / 140 أ/ وفي هرطمان لنا رونق ... وماش وسلق لنا أخضر كان زعيم الدين، شريف النفس، هشا إلى المكارم.

[244] عبد الله بن موسى بن عبد الله، أبو محمَّد الشَّاطبيُّ البونتيُّ. وبونت حصن شرقي شاطبة. كان شاعرًا، متأدبًا، حافظًا للقرآن الكريم، فقيهًا على مذهب الإمام مالك بن أنس –رضي الله عنه-، وله شعر مليح. أنشدني أبو محمد عبد الله بن موسى البونتي لنفسه، في أبي الحسن علي بن حريق الشاعر بمدحه: [من الخفيف] ما حبيب أو الوليد إذا ما ... صغت من جوهر القريض نظاما لم نخل في الأنام قبلك شخصًا ... فكره بالنُّهى يصوب غماما إنَّما أنت في البلاغة فذٌّ ... وأرى من سواك فيها سواما لك في الكيمياء سرٌّ عجيب ... فتَّ فيه الورى فصرت إماما تنفث القول من جنانك سحرًا ... يستفزُّ الحجى فيدعى كلاما [245] عبد الله بن مسلمة بن عبد الله/ 140 ب/ أبو محمَّد الشاطبيُّ: كان من أعيان أهل شاطبة وفضلائها المشتهرين بالفضل والآداب، شاعرًا فقيهًا، مترسلاً. أنشدني عبد الله بن مسلمة لنفسه، في عامل جائر، له ولد جميل حسن الصورة: [من المتقارب] غدا جور موسى وجور ابنه ... على كلِّ خلق بدا أو حضر فهذا يجور بسمر اليراع ... وهذا يجور ببيض الحور

وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] أشبهت وجهك الغزالة حسنًا ... وحكاك الغزال طرفًا ولينا ووليت الجمال ملكًا عظيمًا ... فتوليت معرضًا إذ ولينا [246] عبد الله بن أحمد بن عليٍّ، أبو محمَّد الإسعرديُّ الرُّبعيُّ، المعروف بابن زهراء: وهي أمّه، لا يعرفه الناس إلاَّ بها. كان شاعرًا ماجنًا، ظريفًا، قيِّمًا بعلم النحو واللغة، مجيدًا في الشعر، ذا بديهة في النظم جيّدة، وكان متصلاً بالملك الصالح أبي الفتح محمود بن/ 141 أ/ محمد بن قرا أرسلان بن أرتق، صاحب آمد، وبعده لولده الملك المسعود مودود. أنشدني الخطيب أبو النجاة ذو النون بن أحمد بن محمد بن فضلان المعدني –من معدن خلاط- قال: أنشدني عبد الله بن أحمد بن زهراء لنفسه يمدح الملك الصالح ناصر الدين أبا الفتح محمود صاحب آمد من قصيدة أولها: [من البسيط] لو كان يخطر سلوان بخاطره ... خبا تضرُّم وجدي في ضمائره نهوه عنكم ليسلوكم فزاد لكم ... ذكرًا فناهيه عنكم مثل آمره صبٌّ تدلَّه حتَّى بات عاذله ... لديه من خيره فيه كعاذره من لي بعذب اللَّمى مرِّ الضُّدود رشا ... حلو الشَّمائل ساجي الطَّرف ساحرة جذلان نام خليًّا ملء مقلته ... عن ليل أسوى الليل ساهره يحدِّث الشَّهد عمَّا في مراشفه ... حديث بابل عمَّا في محاجره لا يشرق البدر إلاَّ تحت طرَّته ... ولا يرى اللَّيل إلاَّ في غدائره أحمُّ يحمي بعينيه حمى بلد ... له خفارة باديه وحاضره تستبشر الشَّمس إن مرَّت بطلعتًه ... تباشر الدِّين في أيام ناصره / 141 ب/ وأنشدني قال: أنشدني الدِّين في أيام ناصره / 141 ب/ وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من المنسرح]

ذا العضب من مقلتيك من شهره ... والورد في وجنتيك من نثره يا غصنًا ناعمًا يحركه ... كلُّ نسيم وليس من شجره وفاتر الطَّرف في لواحظه ... سحر يقوِّي عزائم السَّحره إن تنكره أنَّه أراق دمي ... قفوا انظروا خدَّه تروا أثره في غاية اللِّين واللَّطافة لو ... مرَّ نسيم الصَّبا به عقره تحسبه الخمر في الزُّجاج وقد ... أزانه فرط رقَّة البشره يعشقه كلُّ من يراه فلا ... يحبُّه واحد ولا عشره وأنشدني قال: أنشدني من شعره: [من الكامل] لو كنت أسمع فيك لومة لائم ... ما رحت عنك بقلب صبٍّ هائم من كابد اللَّيل الَّذي كابدته ... أطوي على الزَّفرات فيه حيازمي بأبي ظلوم كلَّما حاكمته ... أودت لواحظه بعقل الحاكم نشوان من خمر الدَّلال يهزُّه ... مرح الصِّبا هزَّ القضيب النَّاعم خافوا عليه أذى العيون فعوَّذوا ... أعطافه بقلائد وتمائم عقدت يمين السِّحر في أجفانه ... عقدًا يحلَّ به عقود عزائمي / 142 أ/ يا ذا الصَّبابة كيف تطلب رحمًة ... ممَّن كلفت به وليس براحم أتريد أخذ الثأر من رشأ له ... عين يريق بها دماء ضراغم لا تبرزنَّ إذا برزت لحربه ... في مأزق إلاَّ بشكَّة حازم وتوقَّ صارم مقلتيه فقد ترى ... ما حلَّ بي منه وكان مسالمي وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] صدودك يا من لا يطاق له صدُّ ... دليل على أن ليس عندك لي ودُّ أصبر عنك النَّفس وهي لجوجة ... ولا صبر عمَّن ليس من وصله بدُّ هواك هوان والنُّفوس تحبُّه ... هو السُّمُّ إلاَّ أنَّ أوَّله شهد مزحت لحتفي في هواكم ولم أكن ... عليمًا بأنَّ المزح آخره جدُّ أعيدوا زمان الأنس إن كان راجعًا ... وردُّوا الصِّبا إن كان يمكنكم ردُّ وإن كان بعد الدَّار غيَّر ودكم ... فعندي ودُّ لا يغيِّره البعد فصمتم عرى العهد الذي كان بيننا ... وخنتم ومثلي لا يخان له عهد

أراد العدا التَّفريق بيني وبينكم ... فنالوا غداة البين فوق الَّذي ودُّوا رحلت وقد خلَّقت في عرصاتكم ... فؤادًا أذابته الصَّبابة والوجد خليليَّ من نجد هل الدَّهر راجع ... فيجمعنا –فيما نسرُّ به- نجد؟ / 142 ب/ سمحت بما عندي لكم وبخلتم ... وأهديت أشواقي إليكم ولم تهدوا دياركم لا أرض نجد مرامنا ... ونشركم المطلوب لا الشِّيح والرَّند ومن بعض غيِّ النَّفس في الحبِّ أنَّها ... تظنُّ بأن الغيَّ من فعلها رشد ودون الكثيب الفرد من رمل عالج ... غزال بديع في ملاحته فرد له من ظباء البيد جيد ومقلة ... وبعض غصون الخيزران له قدُّ يقصِّر عن الحاظه سحر بابل ... ويخجل من توريد وجنته الورد وقد ملكته دولة الحسن دولًة ... معظمًة يعنو لها الحرُّ والعبد وقال أيضًا: وأنشدنيه ذو النون عنه: [من الرمل] لجَّ فيض الدَّمع ف تخديد خدِّي ... والحَّ الوجد إلحاح المجدِّ وتصدَّى لتلافي رشا ... بابليُّ يا له من متصدِّي أين في رامة ريم مثله ... لا ولا يسبح في آرام نجد وعذار دب في سالفه ... كدبيب النَّمل في روضة ورد سرد الحسن على جانبه ... زرد العنبر في أحسن سرد وتراءت فوقه من صدغه ... عقرب سوداء من مسك وندَّ / 143 أ/ قمر يشرف في بوريَّة ... وهلال يثني في ثني برد فاتر الألحاظ ينضو طرفه ... مرهف الخدَّين لمَّاع الفرند صيَّرت صورته عشَّاقه ... في أسار محكم من غير قيد عنِّفوني في هواكم واجهدوا ... جهدكم إن كان هذا اللَّوم يجدي وأنشدني قال: أنشدني لنفسه ابتداء قصيدة: [من الكامل] رفقًا فديتك بالكئيب الواله ... فإلام أنت تزيد في بلباله؟ وعلام تقتل بالقطيعة والقلى ... صبّا فداك بنفسه وبماله؟ لو كنت تعلم ما تجنُّ ضلوعه ... لرحمته وحملت من أثقاله يشكو إليك من الصَّبابة والأسى ... سلوى العليل إلى العليم بحاله

وأنشدني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد الزاهد الموسوي الشاعر البغدادي قال: أنشدني عبد الله بن زهراء لنفسه من قصيدة: [من الطويل] هل الوجد إلاَّ أن أبيت مسهَّدا ... ويضحي لذيذ النوم عنّي مشرَّدا / 143 ب/ أقلِّب قلبًا في لظى الحبِّ كلَّما ... نسيم الصَّبا هبَّت عليه توقَّدا ويجفو الكرى جفني وأهواه زائرًا ... لعلِّي أرى من طيف علوه موعدا وأنَّى يروم الطَّيف من بات ساهرًا ... وأمسى بهجران الحبيب مهدَّدا سألتكم ردُّوا لذيذ رقاده ... فقد بات من فرط الصَّبابة مكمدا سأطَّرح الأهواء إلاَّ هواكم ... وأنشد بيت العاشقين مغرِّدا: (إذا رمتم قتلي وأنتم أحبَّتي ... فلا فرق ما بين الأحبَّة والعدا) ومما نسب إليه أيضًا من الشعر قوله: [من الكامل] بيني وبينك في المودَّة قدمة ... مستورة عن علم هذا العالم نحن اللَّذان تعارفت أرواحنا ... من قبل جبل الله طينة آدم وقال أيضًا: [من السريع] كاتبتكم والدَّمع من مقلتي ... يفيض فيض الوابل الماطر حتَّى لقد أشفقت ممَّا جرى ... من مائه الهامي على ناظري فكيف أنسى سكنًا ما جرى ... لغيره ذكر على خاطري؟ وقال أيضًا: [من الخفيف] كادت الرُّوح أن تطير بجسمي ... نحوكم من صبابة وغرام / 144 أ/ فثناها عن النُّهوض بعبء الـ ... ـجسم ثقل من جوهر الأجسام وقال أيضًا: [من الطويل] بنفسي من أهدى إليَّ صحيفة ... مكرَّمة مملوءًة حشوها نعمى فتلن بها السؤال الذي كنت آملاً ... وزادني الشوق الذي كان بني قدما وقال أيضًا: [من الوافر] أتاني منك مكتوب كريم ... وجدت من البلاغة فيه أجزا كتاب كلًّما عوَّلت أنَّي ... أردُّ به أمسكت عجزا

[247] عبد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي الفتح بن الحسن بن أبي السِّنان، أبو محمد العدل الموصليُّ: كانت ولادته فيما قرأته بخطه، ليلة الإثنين الثاني والعشرين من شهر صفر سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة بالموصل، وتوفي بها يوم الخميس ضاحي نهاره، رابع عشر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وستمائة، ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة، ظاهر المدينة بين باب كندة وباب الجديد/ 144 ب/ -رحمه الله تعالى-. ويعرف بابن الحدوس، وذكر لي ولده أبو منصور محمد أنهم من أولاد الأشتر النخعي. وكان أبو محمد شيخًا جليلاً محترمًا عند القضاة والرؤساء، خدم العلم، وصحب الأعيان والأماثل من أهله، وكان لديه فضائل جمّة لا ينكرها من صحبه، وله مسجد بالموصل جميل، كان يتردد إليه فيه كبراء أهل الموصل، من ذوي النباهة، وأرباب الرتب العالية من أبناء الدين والدنيا، ويقصده من يرد من الغرباء من أهل العلم والخير، وذوي الحاجات، فيتعصب لهم ويجتهد في قضاء مآربهم، وحصول أغراضهم، وبلوغ أوطارهم. وكان من ظرفاء العدول، وجيهًا عند الوجهاء، ذا ثروة ظاهرة، وسمع الحديث

الكثير، وتفرد بأسانيد عالية، وقرئ عليه الحديث والتفسير، وافاد الناس مدة حياته. شاهدته عدة مرات، ولم أرزق أن أسمع منه شيئًا من شعره وشعر غيره، إلاّ أني استجزته، فأجازني جميع رواياته، وما يتعلق بها. أنشدني أبو/ 145 أ/ عبد الله محمد بن عثمان بن أبي هندي الموصلي قال: أنشدني أبو محمد عبد الله بن الحسن لنفسه في النقيب شرف الدين أبي منصور محمد بن زيد بن عبيد الله الحسيني الموصلي، وقد بلغه أنه مريض ولم يعده: [من البسيط] مولاي يا شرف الدِّين الذي شهدت ... بفضلكم محكم الآيات والسُّور ويا ابن بنت رسول الله ما أحد ... أحق منك بتفضيل على البشر يا من سحائب كفَّيه إذا هطلت ... تنوب في الجدب عن مثعنجر المطر ومن إذا رمت أن أحصي مناقبه ... أفضى بي الأمر عن عجز إلى الحصر حاشا لمجدك من شكوى تعادلها ... يا من تشكِّيه في سمعي وفي بصري وأنشدني أبو البركات عليّ قال: أنشدني والدي لنفسه في مجاهد الدين قايماز الزيني: [من الكامل] ما كان تركي ضمَّه وعناقه ... عند اللِّقاء تجنُّبا وملالا لكنِّني أعظمته لمَّا بدا ... وتركت ذاك لقدره إجلالا [248] عبد الله بن المختار/ 145 ب/ بن محمَّد بن شريف الزُّهريُّ، أبو الفتح، المعروف بابن قاضي دارا:

المقيم بديار مصر، وهو مشرف بدواوين قوص وأسوان، من قبل الملك الكامل ناصر الدين أبي المعالي محمد بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد ابن أيوب. وهو شاعر مجيد، فاضل أديب، له مصنفات في علم الكتابة والترسل والشعر. أنشدني خالد بن درباس بن يوسف الحميدي الكردي قال: أنشدني ابن قاضي دارا لنفسه: [من الرمل] خلِّني من ذكر غيلان ومي ... واطو عنِّي بالهوى أخبار طي أنا مالي ولأيام الحمى ... ما الحمى عندي ولا الجزع بشي تلك آثار أناس درسوا ... وطوتهم حادثات الدَّهر طي هات بالله أحاديث الحمى ... فهي أشهى من أحاديث لؤي واسقني صهباء تبدو كأسها ... فكأن النَّار تذكى يا أخي من يدي معتدل القدِّ فإن ... عطفته نشوة مال إلي غربيٌّ عجميٌّ لفظه ... أيَّما حسن تراه منه أي!

/ 146 أ/ فلقلبي فيه صبر دائم ... وغرام فوق ما تعهد حي ومنها يقول: واستمع منِّ فإني شيخه ... كلُّ من يقرأ عشقًا فعلي [249] عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن محمَّد بن أبي بكر بن موسى بن حفص، أبو محمَّد بن أبي عمر الأنصاريُّ الأندلسيُّ الدانيّ: شاب أسمر مربوع، كانت ولادته بدانية سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، ونشأ بشاطبة شرقي الأندلس. شاهدته بمدينة الموصل شابًا، تفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- بالمدرسة البدرية –حرسها الله تعالى- ذكر أنه سمع الحديث كثيرًا بالأندلس، وحفظ كتاب الله تعالى، وله نظم ونثر، ويحفظ من أشعار الأندلسيين والرسائل والموشحات صدرًا جيدًا. أنشدني لنفسه يمدح بعض أمراء العرب، واسمه موسى: [من الكامل] عادت لحسن بهائها الأيَّام ... واخضر عيش جادة الإنعام / 146 ب/ لمَّا بدت شمس الهمام المرتضى ... وانلَّ من يمنى يديه غمام ملك نمته للعلاء عصابة ... قد حفَّها الإجلال والإعظام وتهدَّلت أغصانها عن نبعة ... حارت بوصف سنائها الأوهام

مختارة من عنصر بجلاله ... عند الأذان يبيَّن الإسلام فالمجد بدر والمعالي هالة ... وبهاء موسى في سناه تمام قرم بذكر مضائه وعطائه ... أودي الضَّلال وقتِّل الإعدام يغني ويحيي بالحسام وبالغنى ... فبكفِّه عيش يرى وحمام جمعت محاسنه كريم أرومة ... وعميم علم زانه إعلاام وأرت به الدنيا خلائف غيبت ... تحت الصَّفائح منهم الأجسام وأتت به آيات دهر عابس ... غظَّى بهاء إياته الإظلام والحرب قد شبَّت لنًا نيرانهًا ... وأبيح فيها للدِّماء ذمام فأزال مظلمًة وأطفأ كربًة ... وجرت له في دهره الأحكام عرف الخليفة فضله وغناءه ... ومضاءه والنَّائبات جسام فأعدَّه لسداد أمر معرض ... قد حلَّ من أقطاره الإحرام فغدا يضم الشَّمل بعد تفرُّق ... ويزيل ضغنًا لا يكاد يرام / 147 أ/ بكلام صدق في النُّفوس مقرًّة ... لمهابة هي في القلوب حسام فالقلب قرطاس وسود ضمائر ... نقش وأفكار الحجى أقلام لم يختلف في معظم إلاَّ لكم ... في جمعه الإسراج والإلجام فالنَّصر يسرج خيلكم ويقودها ... بزمام حزم عزمه الإقدام وكأنَّ يوم قدومكم من حسنه ... شمس ورعد مبرق وظلام فالشَّمس منكم والرُّعود لجردكم ... والبيض برق والظَّلام قتام والنَّاس قد غضوا العيون مهابًة ... وحداهم شوق لكم وهيام جمعتهم الأشواق ثمَّ تفرَّقوا ... لمهابة فيها يزلُّ شمام فوهبتهم بالسّلم منهم أنفسًا ... قد رام نهب كيانها الصَّمصام وجعلتهم للدَّهر ثغرًا ضاحكًا ... كالزَّهر يبسم عن سناه كمام فالآن قرَّ السَّعد في أرجائه ... وصفت من الأقذاء فيه جمام [ورجوت من دهري قضاء مآربي ... في نيل ما غلبت به الأيَّام

فأنال عزَّة رفعة ويضمُّني ... وعد بكم للمكرمات ذمام لازلتم والنَّصر من خدّامكم ... وببابكم من آمليه زحام] وأنشدني أيضًا لنفسه في كتاب ورد عليه من بعض أصدقائه: [من الطويل] أتاني كتاب منكم فقرأته ... وقرَّت به العينان وانشرح الصَّدر فقرطاسه بدر وحالك نقشه ... ظلام وشكل الأحرف الأنجم الزُّهر / 147 ب/ ومعناه أنفاس الرِّياح وقد وهى ... نطاق من الجوزاء وابتسم الفجر وألفاظه نور وحسن صنيعه ... جنى لا يفي بالواجبات له شكر وأنشدني لنفسه يخاطب بعض الكتاب: [من الكامل] لله درُّ مجمِّع لبلاغة ... هبَّت على روض النِّظام نسيما ألقت بحار بيانه لبنانًه ... غررًا تنظِّم حسنه تنظيما وغدت تصيِّره لمفرق دهره ... تاجًا وتطلع من سناه نجوما فكلامه سحر يريك معانيًا ... غرًا ويمطر للقلوب علوما قد خطَّه في البدر عند تمامه ... فبدت بهالته الحروف وشوما وأنشدني لنفسه في آس ونور وورد: [من مجزوء الرجز] آس ونور ناصع ... وحسن ورد خضل كشارب ومبسم ... وخدِّ ظبي خجل وأنشدني لنفسه يصف الشقائق: [من الكامل] إعجب بنور شقائق النُّعمان ... يحكي مداهن مشرق المرجان فيها بقايا من خلوق حالك ... كالخال في خدِّ الرَّشا الوسنان وأنشدني لنفسه أيضًا فيه: [من الكامل] / 148 أ/ أنظر إلى نور الشَّقيق كأنَّه ... أصداغ مسك فوق خدٍّ مخجل أو مثل نقش في مقبَّل شادن ... جمع الغوالي واحمرار الصَّندل

[250] عبد الله بن أحمد بن عليِّ بن أبي الحسن، أبو حامد، الموصليُّ الزُّهريُّ النَّحويُّ: شيخ ربعة من الرجال، أبيض يعلو لونه صفرة، وذكر لي غير مرّة أنَّه ولد بالموصل تقديرًا في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وكانت صناعته عمل القلانس. وقرأ العربية على جماعة من أدباء الموصل، وأقرأ الناس مدّة، وهو رجل مفيد عاقل، له معرفة وعلم حسن، ويعمل الأشعار. أنشدني لنفسه في أخوين أحدهما يسمّى عليًا، والآخر إبراهيم يرثيهما: [من الكامل] صبري وحزني راجل ومقيم ... والدَّمع من بعد الحميم حميم أسفًا على من كان زين زمانه ... إنَّ الزَّمان بما أتاه لئيم لهفي على الأخوين جار عليهما ... إنَّ النَّسيم عليَّ فيه سموم فكأنَّ يوم عليِّ يوم سميِّه ... وكأنَّ إبراهيم إبراهيم / 148 ب/ وأنشدني لنفسه يرثي أخاه أبا المعالي: [من مجزوء الكامل] عفت المكارم والمعالي ... لمَّا فقدت أبا المعالي وعدمت من عيني الرُّقا ... دوصرت نضوًا كالخلال واحسرتا للدَّافنيـ ... ـه أمأ رعوا حسن الخلال! ؟ قد كان ذخرًا للصَّديـ ... ـــق وللشَّقيق وللموالي قد كان حصنًا للغريـ ... ـب وللقريب وللموالي ما لي أرى البستان والشُّبَّ ... ــاك منه اليوم خالي يتقاسمون متاعه ... كلٌّ يقول أبي ومالي حيَّاه رقراق النَّسيـ ... ــم وجاد مثواه العوالي وأنشدني لنفسه: [من المتقارب] وإنِّي لمَّا بلوت الأنا ... م طلَّقت كلَّ أناس بتاتا

فمن جاء جاء ومن راح راح ... ومن عاش عاش ومن مات ماتا [251] عبد الله بن أسعد بن عليِّ بن المبارك بن عبد الغفار، أبو المظفَّر ابن أبي القاسم/ 149 أ/ الواسطيُّ: تقدم شعر والده المعروف بابن رشادة. كهل أسمر مربوع، سألته عن ولادته فقال: ولدت سحرة يوم الثلاثاء ثالث عشر من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وهو من بيت علم وقفه، صحب الفقراء والصوفية، وسافر [إلى] بلاد العراق والشام وديار مصر، وجالس المشايخ الصالحين، وعاشرهم، وهو رجل فقير رقيق الحال، يفهم شيئًا من أحوال أهل التصوف، وعنده دين، وتكلم في علم الطريقة، وفيه فصاحة، [وكان] يعظ الناس، ويقول الشعر. أنشدني لنفسه يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي –رحمه الله-[من الطويل] أبا البركات الصَّاحب النَّدب ذا النُّهى ... رضيع اللهى نجل الكرام الأطايب نداء محبٍّ يعرف الرُّتبة الَّتي ... لكم في الورى لا كالجهول بواجب أقل عثرتي فالوقت قد عضَّ عضَّة ... وأنشبني في معضلات المصائب ديون وأمراض وبرد وغربة ... وبعد مزار عن ديار الحبائب فعش وأنعش المسكين وابق على المدى ... مبيد العدا بالمرهقات القواضب فليس أرى إلاَّ جنابك جنَّة ... ولا جددًا إلاَّ إليك بلا حب / 149 ب/ وأنشدني لنفسه في غلام اسمه حسن بن مرجّى: [من المنسرح]

أفدي الذي كاسمه محاسنه ... من حادثات الزَّمان والمحن بدر دجى كالقضيب قامته ... عند التَّثنِّي يهتزُّ كالغصن كلُّ عذاب الهوى بليت به ... وكلُّ معنى للحسن في حسن أقسمت لازال عن محبَّته ... وهو حياتي والرُّوح في بدني! ؟ به اشتغالي عن كلِّ شاغلة ... وهو مناي في السِّرِّ والعلن يا أبن مرجَّى أرجوك تسمح لي ... منك بوصل فالصَّبر عنك فني تظفر منِّ بالشكر يا أملي ... طول حياتي ما عشت في الزَّمن وأنشدني لنفسه، يصف واعظًا من أبيات: [من الطويل] ومدرك بحر والعلوم جواهر ... وليس بغير البحر تلقى النَّفائس ومنبرك الميمون كالطِّرف راكضًا ... وأنت عليه بالبلاغة فارس فشرِّف وشنِّف أعينًا ومسامعًا ... ليرتدَّ عاص أو يراجع آيس / 150 أ/ ودم سالمًا كي يسلم النَّاس كلَّهم ... فأنت هم حقًا لك الله حارس [252] عبد الله بن إسماعيل بن عليِّ بن الحسين، أبو طالب بن أبي محمَّد الشَّيبانيُّ البغداديُّ: سبق ذكر والده، كان يعرف بابن الرفّاء، ويعرف الآن بغلام ابن المنّي، لأن والده كان أحد تلامذته.

وعبد الله شاب أبيض اللون، ربعة، حفظ القرآن الكريم على أبي شجاع ابن المقرون، وتفقه على أبيه، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل –رضي الله عنه- وسمع الحديث الكثير على شيوخ منهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، وأبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد، وأبو الفتح محمد بن أحمد المندائي وغيرهم. لقيته بمدينة إربل سنة خمس وعشرين وستمائة، وأخبرني أنه ولد في يوم السبت تاسع عشر من جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وخمسمائة ببغداد. وهو فقيه مناظر، عالم بالتفسير، جيد المناظرة، واعظ/ 150 ب/ حسن الكلام في الوعظ، جاري المنطق، وذكر لي أنه قال ثلاثة عشر ألف بيت من الشعر، وأخبرني جماعة من أهل الفضل أنه يتَّهم في أشعاره، ويسرق أقاويل الناس، والله أعلم بصحة ذلك. وجرت له حادثة ببغداد في أيام المستنصر بالله –خلد الله ملكه- فأودع السجن. أنشدني لنفسه من قصيدة يمدح بها الناصر لدين الله أمير المؤمنين –رضي الله عنه-: [من البسيط] من مبلغ المتنبِّي أنَّ مدحته ... لنجل حمدان فيها الحيف والميل؟ يقول: أنعلت أفراسي بعسجد من ... نعماك، تبًا له إذ فعله الزّلل ولو يجوز لمثلي مثل فعلته ... فعلت ما لم يكونوا مثله فعلوا وكنت أصنع قصرًا من زمردة ... من جود أحمد ملك دونه زحل وإنَّما خيل مثلي في محبَّة مو ... لانا الإمام دم الأعداء تنتعل

وأنشدني لنفسه من قصيدة: [من الطويل] أتت سحرًا واللَّيل في قبضة الفجر ... ففكَّت أسيرًا موثقًا في يد الهجر وأبدت لنا من وجهها وحديثها ... بدائع ترزي بالبدور وبالدُّرَّ / 151 أ/ شكوت إليها ما ألاقي من الهوى ... فقالت: رعاك الله مالك من صبر خلقت جليدًا إنَّما الحبُّ سائق ... عنيف إلى ما لا يطاق من الأمر سرت سحرًا من أيمن الحيِّ نسمة ... فكاد لها قلبي يطير من الصَّدر وأطرقت خوفًا أن يقال به هوًى ... فقالوا مصاب عاده عائد الضُّرَّ ألا فليقل من شاء ما شاء إنَّني ... رضيت بما بي من جنون ومن سحر ألا لا تلوموني فما لي حيلة ... ولا قدرتي تجدي ولا بيدي أمري وأنشدني لنفسه، يمدح الناصر لدين الله أبا العباس أحمد –رضوان الله عليه-: [من البسيط] جوب المهامه بالعيديَّة الرُّسم ... ألذُّ من حفض عيش عند ذي همم ووقفة في مثار النَّقع يوم وغى ... أولى به من تلقِّي جور مهتضم والحزم في الأمر أن ينأى على عجل ... إذا كسته اللَّيالي حلَّة العدم ولا يقيم بدار يزدريه بها ... من كان يرجو نوالاً منه في القدم فكم تغرَّب سيران وقد صفرت ... كفَّاه فقرًا فحاز المال عن أمم وكم نحا مسعفات المجد معتضد ... بحيلة الحزم فاستولى على أمم لا يلبث الحر في دار يضام بها ... مادام في دهره يسعى على قدم / 151 ب/ بل يخطب العز في أعلى معاقله ... ويمتطيه بغرب الصَّارم الخدم ولا ينال العلا إلاَّ فتى مصع ... ماضي العزيمة مقدام على البهم تعاف برد ظلال الخفض همته ... ويستلذُّ هجير الغور والأكم يا قاتل الله دهرًا لا يزال له ... ميل على كلِّ ندب زاهر الشِّيم كم حل عزمًا لذي عزم فغادره ... حلف الهموم يعضُّ الكفَّ من ندم

وكم سطت ببزاة الجوِّ غدرته ... وكم وفى سفهًا للبوم والرَّخم سر في البلاد ولا تقعد على ضمد ... إمّا بلوغ المنى أوحفرة الرَّجم فإن تنل كلَّ ما تبغيه وارتفعت ... رايات مجدك بين العرب والعجم فاسمح بما ملكت كفَّاك مكتسبًا ... حسن الثَّنا بما توليه من نعم لولا ابتذال اللُّهى والقطر محتبس ... ما سار شعر زهير في ندى هرم ولا تذَّكرت الرُّكبان في سفر ... كعب بن مامة بالإيثار في القسم ولا ارتدى في فجاج الأرض منتشرًا ... ذكر الإمام أبي العبَّاس بالكرم جادوا بما ذهبت أيدي الزَّمان به ... والمدح باق على الأخلاق والرِّمم لا ترجونَّ من الدُّنيا بلهنيًة ... تدوم وهي على الإقبال لم تدم فكلُّ لذَّة عيش طاب موردها ... فإنَّها كطروق الطَّيف في الحلم [253] / 152 أ/ عبد الله بن محمَّد بن منصور بن جميل، أبو العزِّ بن أبي عبد الله التغلبيُّ: كان أبوه يتولى صدرية المعمور في الأيام الناصرية، وابنه هذا أبو العزّ ولد بجبَّا، قرية من أعمال هيت، في جمادى الآخرة في سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وخرج عنها وهو ابن همس سنين، ونزل بمدينة السلام. وتأدب بها، وقال شعرًا لطيفًا، وتميزَّ وخدم في بعض الأعمال الديوانية، ثم صار في الدولة المستنصرية كاتبًا على التركات الحشرية في سنة أربع وعشرين ثم عزل عن ذلك وانتقل في صفر سنة ست وثلاثين، ورتب في حجابة المخزن المحروس، وهو مقدّم الشعراء في الديوان المستنصري، وله قصائد شتى في الإمام المستنصر بالله –رضي الله عنه-. شاهدته مصادفة بمدينة السلام، سلخ جمادى الآخرة يوم الجمعة، شابًا كيّسًا

جميلاً، في سنة وثلاثين وستمائة، وأنشدني من شعره، وكتب لي شيئًا منه بخطه، وهو: [من مجزوء الكامل] زفرات وجد نارها ... بين الضُّلوع أوارها وصبابة قد أقسمت ... أن لا يقرَّ قرارها شوقًا إلى من أوحشت ... بعد الأنيس ديارها يا من أنست بأدمعي ... لمّا استمرَّ نفارها إنّي لتسحرني الظِّبا ... ويلذُّ لي إسحارها ما بال أيام الوصا ... ل قصَّرت أعمارها أيام لهو طوَّلت ... ليل المشوق قصارها / 152 ب/ طابت بكم آصالها ... وتعطَّرت أسحارها لله ليلات مضت ... ووجوهكم أقمارها خطبت سيوفك إربلاً ... فتمرَّدت أغمارها وغدا ينازع في القلا ... ع لقلعة يزدارها ففتحتها بسوابق ... سدَّ الفضاء مثارها وبغلمة مثل الصُّقو ... ر من القنا أظفارها فأتتك تجلى كالعرو ... س من الرؤوس نثارها حرست وقد جليت فملـ ... كك سورها وسوارها أطلقت أموالاً أقا ... م مسلسلاً دينارها وله: [من البسيط] دع كلَّ من بات يلحى في ابنة العنب ... وخذ بقسط من الأقداح والضَّرب واجل العروس ففيها للهموم جلى ... وزفَّها في أكاليل من الحبب وقل لمن لام فيها إنَّني رجل ... من الهموم إليها لم يزل طربي أما ترى اللَّيل في أجلى شمائله ... والبدر في الجانب الغربيِّ لم يغب من كفِّ من أنشب النِّيران في كبدي ... لمَّا رماني ببرد الثَّغر والشَّنب جمال معناه لي في غرِّ بزّته ... كما الإمام نداه غير منسكب

[254] عبد الله بن إبراهيم بن عليِّ بن إبراهيم بن يوسف، أبو بكر الموصليُّ: كان رجلاً نساجًا، ضعيف العينين، أسمر، أميًا، لا يكتب ولا يقرأ، ويقول شعرًا صالحًا في التشبيهات، والأوصاف، وله أشياء في الغزل، والمديح، والهجاء، يجيد رصفها بصحة غريزته، وكنت أقترح عليه وصف شيء فينظم فيه نظمًا مرضيًا. ولم يعلق الآن بحفظي من شعره سوى ما أنا ذاكره إن شاء الله تعالى. أنشدني لنفسه يصف الثريا: [من الخفيف] كم قطعت الظَّلام من فوق بكر ... عيطموس تفلي نواصي البيد والثُّريا تلوح في الشَّرق كالكأ ... ي وطورًا في الغرب كالعنقود وأنشدني لنفسه في طلوع البدر على الماء: [من البسيط] كأنَّ ماء الفرات العذب حين جرى ... والبدر من فوقه في اللّيل ممدود فيروزج ذائب في الأرض منبسط ... فيه من الذَّهب الإبريز عامود [255] عبد الله بن عمر بن صامح/ 153 ب/، أبو محمَّد الإربليُّ: وهو أخو الذي مرّ شعره. رجل طويل مائل إلى السمرة، يخضب بالسواد، أخبرني أنه ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، وخبرت أنه توفي بقلعة إربل سادس ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وستمائة. من أبناء المتصرفين بإربل، وله في صناعة التصرف، والحساب، والمساحة، الحظ الأوفر، وقد ولي للملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين، صاحب إربل –رضي الله عنه- أعمالاً جليلة.

وهو شاعر جيد حسن الشعر، مطبوع المعاني، أنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المبارك بن أحمد المستوفي –أجدّ الله سعده-: [من الرجز] يا نسمًة تضوعت بندِّ ... ومزنًة جادت بماء ورد من أين هذا العرف هل حللتما ... أو جزتما بروضة بنجد؟ أم نسمت إليكما منه صبا ... باناته وأثله والرَّند؟ أم جئتما لتخبرا عن علوة ... بأنها قد سمحت بوعد؟ / 154 أ/ أم تنظرا ما بي من نار جوى ... مشبوبًة بأعظمي وجلدي؟ ويا ركاب الصَّبر هل حادي النَّوى ... حداك عن ربع الحشا أم وجدي؟ أم زفرات أضلع لو ظهرت ... أحرقت الأرض بغير وقد؟ أم عبرات أدمع شؤونها ... محمرة السَّح احمرار الورد؟ أم لانسكاب ما جرت واستبقت ... وأثرت في صفحات الخدَّ؟ فإن يكن روعك منهنَّ ارجعي ... ساكنة الرَّوع بغير ضدِّ فإنَّني أرسلها لآلئًا ... منظومًة في سلكها كعقد وأجري من غروبها سحائبًا ... وابلة الهطل بغير رعد وأنبتنَّ الأرض منها زهرًا ... يغنيك مرعى عن عرار نجد بالله ناشدتك إن لم تحبسي ... بقلعة عن السُّرى والوخد حاملًة رسالة الصَّبِّ إلى ... من بالصَّريم والكثيب الفرد والعلمين واللِّوى والمنحنى ... والأجر عين والهضاب الجرد مبلغًة عنِّي السَّلام مربعًا ... عن مربع وموردًا عن ورد وناديًا علوة إنَّ مغرما ... يكنّ ما بين ضنى وجهد إن تنقضي منك العهود لم يكن ... بناقض عنك قديم عهد / 154 ب/ أو تصرمي منه الوداد لم يكن ... بصارم منك حبال ودِّ أو تقصري بالصَّد عنه سلوًة ... فليس يسلوك المدى عن صدِّ لعلَّها تسمح بالوصل إذا ... ما علمت بحاله والوجد فإن ابت فاعتسفي ويمِّمي ... ربع ابن موهوب الخصيب المجد

مولى له عزائم مرهفة ... تبري يد لخطب بغير حدِّ وأنعم لو أنَّها تجمَّعت ... لم تحص من كثرتها بعدِّ كأنَّها إذا جرت من يده ... البحر عند جزره والمدِّ ترهب من جنانه الأسد إذا ... ما زأرت عند لقاء الأسد وكيف لا يرهب من بأسي الرَّدى ... وربعه أضحى الغداة قصدي أي شرف الدِّين أتيت مهديًا ... إليك حالاً طالبًا لرفد معانيًا فهت بها ما ضمِّنت ... بنظم من قبلي ولا من بعدي يقوله مبتدئًا في نظمه ... تنبَّهي يا عذبات الرَّند ألحقتها بمن مضى من الألى ... لكنًّها زائدة في الحدَّ وأنشدني لنفسه فيه أيضًا يمدحه: [من الخفيف] وغلام أدنى يديه إلى الكأ ... س لتفتضَّها يداه جهارا / 155 أ/ فسطت سطوًة فألقت على كفَّيه ... من نورها شعاعًا ونارا قلت ماذا الشُّعاع قال سل الكأ ... س فإن لم يجبك فالخمَّارا فسألت الخمَّار قال ابن موهو ... ب الوزير المولى يدًا ويسارا جاز يومًا بها فأوما إليها ... فكساها إيماؤه أنوارا وأنشدني لنفسه يصف عوادًا وأحسن: [من السريع] ومطرب تفهم أوتاره ... الأسماع ما لا يفهم النُّطق كأنَّها رعد ومن فوقها ... كفَّاه في تحريكها برق وأنشدني أيضًا قوله: [من الطويل] إذا لم تكن ذا قدرة بمن افترى ... عليك وأولاك الأذى بافترائه فذره فإنَّ الدَّهر يفعل فوق ما ... تؤمِّل من إضراره وإذائه وأنشدني لنفسه يخاطب بعض الرؤساء في أمر جرى له وحبس بسببه: [من الكامل] أأمين دين الله يا من لم يزل ... مبسوطًة كفَّاه بالإسعاف ومبيد جيش الخطب يومًا إن سطا ... بوميض حدّ سنانه الشفَّاف

/ 155 ب/ أمن المروءة أن أولَّى عاملاً ... يومًا على طرف من الأطراف؟ يومًا ولا طرق المسامع لفظة ... في أرضه من منطقي بخلاف وأظلُّ بالحبس الخسيس وما جرى ... لي فيه من ثلم على إجحاف ويظل من ظهرت عليه خيانة ... في المال في أمن وعيش صافي؟ فلئن يكن ذنبي العظيم لديكم ... بين الأنام كفايتي وعفافي قد تبت يا مولاي عنه توبًة ... ليست على شرط ولا استئناف وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المتقارب] إذا ضامك الدَّهر في قسمة ... فصبرًا على ذلك القسم صبرا فلا القسم باق عليك المدى ... ولو شئت ذلك ما اسطعت قدرا فبينا ترى المرء في ضيق أمر ... ترى فرج الله يأتيه أمرا وأنشدني أيضًا قوله: [من الطويل] إذا ما الفتى أبداك بعض ضميره ... لسان له يومًا وأخفاك من بعض تأمل بما أبدته عيناه إنَّها ... تبوح بمخفيِّ المودَّة والبغض فعين الفتى تبدي الذي بضميره ... على يقظة منها وتخفيه عن بعض وأنشدني لنفسه: [من الوافر] /156 أ/ أيا مولى أقرَّ الدَّهر طوعًا ... له بالفضل والذِّكر الجميل ومن عمَّت مواهبه البرايا ... عطاءً للحقير وللجليل إذا ما مال غصن بالتواء ... عليك حناه بالحمل القليل تدارك قطعه أبدًا لئلاً ... يميل عليك بالحمل الثَّقيل فكم مالت غصون عن أصول ... فأوجب ميلها قطع الأصول وأنشدني لنفسه: [من البسيط] مولاي إن تكن الأرزاق قد قسمت ... وظلَّ قسمك منها أوفر القسم فلا تكن فرحًا يومًا به أبدًا ... وأحذر باذهابه من زلَّة القدم فإنَّ موليك هذا الرِّزق ظلَّ على ... إيلائه ثملاً من خمرة النَّدم فإن صحا سترى في صحوه نقمًا ... يلقيك أيسرها في عالم العدم

وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] ولمَّا رأيت الحبَّ ليس لدائه ... شفا غير ما وصل يجود به الحبُّ ولم أر من حبِّ يجود بوصله ... عليَّ ويدنيني إليه ولا يصبو وقد زاد ما بي فوق ما تجد الورى ... وأدركني من عظم ما زادني العطب عذلت لذاك القلب كيما يطيعني ... عليه لأسلوه فلم يطع القلب / 156 ب/ فأيقنت أنِّي لا محالة هالك ... فذاك الذي لم ينج منه المدى صبُّ وأنشدني لنفسه أيضًا: [من البسيط] بعدًا لقوم غدوا من عظم ما جهلوا ... يعلو الغواة بهم فوق النَّحارير ودولة ظلَّ أعناق البزاة بها ... مجرورًة بمناقير العصافير والفار قد علقت يومًا وقد نشبت ... أظفارهن بلبَّات السَّنانير فاربأ بعمرك يومًا أن تقيم بهم ... وإن أقمت فقل أي مهجتي سيري وأنشدني أيضًا قوله: [من البسيط] قالوا نرى ببلاد النَّاس أجمعها ... أمنًا ومن دونها في إربل الحذرا أحبتهم لو أراد الأمن يسكنها ... ما أرسل الله في أطرافها التَّترا [256] عبد الله بن محمَّد بن بشير بن سعد الله بن أبي محمَّد بن أبي مضر بن أبي تغلب بن عليِّ بن أحمد بن الحسن بن محمَّد بن إبراهيم بن محمَّد بن موسى بن جعفر بن محمَّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب –صلوات الله عليهم أجمعين-، أبو الأزهر بن أبي المعالي الحائريُّ: من مشهد الحسين بن علي/ 157 أ/ عليهما السلام، لقيته بمدينة السلام.

سنة أربع وعشرين وستمائة، وأنشدني من شعره يفتخر، من جملة أبيات: [من الطويل] أنا الموسويُّ الفاطميُّ الذي سمت ... بنا مضر والعالمون شهود إذا افتخرت في كلِّ يوم قبيلة ... ففخري على كلِّ الأنام يزيد ولولا أبي ما كان في النَّاس صالح ... ولا نصبت للمسلمين عمود وجدِّي رسول الله أكرم مرسل ... رقا عند ربِّ العرش وهو حميد وأمِّي البتول الطُّهر سيِّدة النِّسا ... لأولادها كلُّ الأنام عبيد فمن شكَّ فيما قلته واعتمدته ... فذلك فيما يقتضيه عنيد تخرَّق ثوب المجد عن كلِّ لابس ... وثوبي بهم في العالمين جديد [257] عبد الله بن محمَّد بن عليٍّ بن محمَّد بن عليٍّ الأزديُّ، أبو محمَّد البغداديُّ المولد والمنشأ، المعروف بابن الهرويّ: شيخ أبيض ربعة، نقي الشيبة. أخبرني أنه ولد في شهر رمضان سنة سبع وخمسين وخمسمائة. وهو أحد الشعراء البغداديين المطبوعين. قرأ الأدب على/ 157 ب/ أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري النحوي، ولقي أبا محمد عبد الله بن أحمد الخشاب البغدادي النحوي، وغيرهما من العلماء. وشعره كثير في الهزل والسخف، وهو يحذو حذو أبي عبد الله ابن الحجاج، في فنونه، ويسلك نهجه في سائر منظومه. شاهدت أبا محمد ببغداد، واجتمعت به غير مرّة، فرأيته رجلاً حسنًا، يجمع

فضلاً وكيسًا وظرفًا ولطافة، ويمزح ويلهو ويتماجن، وهو ممن يشار إليه في هذه الأصناف، وأنشدني الكثير من شعره، إلا أني لم أحفظه، ولا كتبت عنه شيئًا غير أبيات، أنشدنيها ملغزًا في المشط: [من الوافر] وما شيء له وجهان فيها ... له رأسان شأنهما عجيب له ثغران مبتسمان بشرًا ... وبشرهما فليس له قطوب يفرق كلَّ مجتمع وهذا الَّذي من فعله تهوى القلوب أبن لي أيَّ شيء قد لغزنا ... فما يدري به إلاَّ لبيب [258] عبد الله بن يوسف/ 158 أ/ بن عبد الرَّحمن بن يحيى بن عمران بن إسماعيل الهنتانيُّ، أبو محمَّد المراكشيُّ: شاب يحفظ كتاب الله تعالى، ويعرف طرفًا حسنا من الأدب، وهو شاعر صالح المنظوم، وقع إلى إربل، من بلاد الشام والديار المصرية منتجعًا بقوله، ومستميحًا بكلامه، فشاهدته بها في شهر شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة، قاصدًا مجلس الصاحب شرف الدين –رحمه الله- وتأملاً له، ورجاء لنائله، فأنشدني قصائد وقطعًا من شعره، وسألته عن ولادته فقال لي: الآن سبع وعشرون سنة، وكان سؤالي له في الشهر المبدوء بذكره، وأنشدني لنفسه يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات –رحمه الله تعالى-: [من البسيط] لا وجد أعظم من وجد يخامره ... ولا جوى غير ما تحوي ضمائره صبٌّ ألمَّ به يوم النَّوى ألم ... من الهوى فثوى في القلب ضائره يهمُّ ممَّا به شوقًا فلا جلد ... له ولا عاذل في الحبِّ عاذره لله درُّ زمان اللَّهو من زمن ... قضيته حيث لا واش أحاذره والدَّار جامعة والشَّمل ملتئم ... وربرب الحيِّ تهواني جاذره / 158 ب/ ولي حبيب كبدر التِّمِّ طلعته ... واف له من بديع الحسن وافره

اغنُّ اغيد مثل الغصن معتدل ... لم يستطع حمل ما تحوي مآزره بيض ترائبه سود ذوائبه ... زجٌّ حواجبه كحل نواظره يزورني ثمَّ يجفوني بل سبب ... وآفة الصَّبِّ أن يجفوه زائره أقول لمّا غدا في الهجر مجتهدًا ... كيف اصطبار محبٍّ أنت هاجره؟ ومنها في المدح يقول: هو المبارك ما في النَّاس مشبهه ... ونجل أحمد ربُّ المجد باهره ربُّ الجدى معدن الجود الَّذي عظمت ... عن أن تحدَّ وأن تحصى مآثره فتة يجيبك عمَّا أنت مضمره ... قبل السُّؤال وقد لبَّاه خاطره قد كمَّل الحسن والإحسان خالقه ... به فباطنه خير وظاهره أكرم به سيِّدًا طالت مناقبه ... في المكرمات كما طابت عناصره ما ذمَّه من نزيل منذ كان ولا ... ترحَّل الضَّيف إلاَّ وهو شاكره يا ذا الَّذي حسنت من حسن سيرته ... في كلِّ قطر من الدُّنيا محاضره إليك جاء يجوب البيد منتجعًا ... من أرض مصر وحيد العصر شاعره يرجو لديك بما أرجو وآمله ... من الجميل فإنِّي عنك ناشره / 159 أ/ واسلم ودم في علا عزٍّ وفي نعم ... تأتيك من كلِّ ما ترجو بشائره [259] عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة بن إبراهيم بن عبد الله بن رواحة بن عبيد بن محمَّد بن عبد الله بن رواحة الأنصاريِّ، أبو القاسم بن أبي عليٍّ الحمويُّ:

وجده الأعلى عبد الله بن رواحة كان شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان والده الحسين بن عبد الله من الشعراء المجيدين، والفقهاء المبرزين، وهم من بيت الأدب والعلم بحماة. وأبو القاسم كانت ولادته فيما أخبرني من لفظه بساحل البحر بمدينة صقلِّية، سنة ستين وخمسمائة، وانتقل مع أبيه إلى الإسكندرية، وأسمعه الحديث الكثير من الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السَّلفي الأصفهاني، وأخذ له إجازات من مشايخ ذلك الوقت، كالحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي وغيره، وقدم إربل في شهر ذي الحجة سنة خمس وعشرين/ 159 ب/ وستمائة، مجتديًا نوال سلطانها الملك العظيم مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه- وطالبًا رفده كعادة الذين يردون إربل من البلدان للاستجداء، فأقام بها أيامًا، وسمع عليه من مسموعاته جماعة، وحصل له نفقة صالحة.

وكان عسير الأخلاق، ضيق العطن، شرسًا في الإملاء، تافه النفس، لم يحب أن يسمع عليه أحد إلاّ بعوض، وفائدة، وفضل إليه. أنشدني لنفسه ابتداء قصيدة عملها في الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي –رضي الله عنه- أولها: [من الكامل] صبرًا لعلَّلك في الهوى أن تنصفا ... أو أن ترقَّ لمدنف أو تعطفا ما كلُّ من أضحى الجمال بأسره ... في أسره منح القطيعة والجفا كلاَّ ولا من حاز أفئدة الورى ... بجماله أبدى المسير تعسفا يا مانعًا جفني الكرى بصدوده ... قسمًا بعهدك بعد بعدك ما غفا غفا، لغة رديئة، وإنما يقال: أغفى. / 160 أ/ إن كان قصدك أن تريق دمي فلا ... تتقلَّدن سيفًا فطرفك قد كفى لو أنَّ جسمي في بحار مدامعي ... يطفى لنار فيه من سقم طفا ومن مخلصها في المديح: أحييت يوسف في المحاسن مثلما ... أحيا أبو بكر أخاه يوسفا وأنشدني لنفسه في صديق له سافر ولم يودّعه: [من الوافر] رحلت ولم أودِّع منك خلاَّ ... صفا كدر الزَّمان به وراقا ولكن خاف من أنفاس وجدي ... إذا أبدى العناق يرى احتراقا فكأس الشَّوق منذ نأيت عنِّي ... أكابدها اصطباحًا واغتباقا وأنشدني لنفسه في غلام أصفر الشعر، كان عريانًا في الحمام، وقد عرق جسمه: [من البسيط] واغيد كقضيب البان معتدل ... قدًا وألحاظه أمضى من القضب كأنَّما جسمه كافورة رشحت ... درًا وطرَّته الشَّقراء من لهب

[260] عبد الله بن عبد المحسن/ 160 ب/ بن عبد الله بن أحمد بن محمَّد بن عبد القاهر بن هشام بن محمَّد بن أحمد بن المظفَّر، أبو الفضل بن أبي القاسم بن الطّوسيِّ الخطيب: من أبناء الخطباء بالموصل، وبيت الخطابة والعلم فيها، مشهور عند الناس، وأبو الفضل حفظ القرآن العزيز، وسمع على والده الحديث، وتفقه عليه أيضًا على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- ووعظ الناس، وقال شعرًا كثيرًا، وأنشأ خطبًا منبرية. أخبرني أنه ولد حادي عشر شعبان سنة ثلاث وستمائة بالموصل، وهو الآن مقلد الخطابة بالجامع العتيق. أنشدني لنفسه يمدح مولانا وسيدنا الإمام أمير المؤمنين المستنصر بالله أبا جعفر المنصور –أدام الله أيامه- حين شرّف المولى السلطان المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، شرف الملوك والسلاطين، أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين –أنفذ الله أمره، وشدّ ببلوغ الأماني أزره –بخلعة وفرس وسيف وسنجق وسلطنة وخطب له/ 161 أ/ على المنابر: [من الوافر] إمام العصر حزت الحصر جودًا ... وشرَّف ملكك الدُّنيا وجودا وأضحى الدَّهر نحرًا ثم أضحت ... ولايتكم له فينا عقودا فلولاكم لما بلغت أمان ... ولا عذب البقاء لنا ورودا وإن أعددتم للحرب جندًا ... فإنَّ من الدُّعاء لكم جنودا

وإن جدَّدتم نعمًا علينا ... فشكرك لا يزال لها جديدا سهرتم في مصالحنا عيونًا ... وكنّا عن مصالحنا رقودا ووليتم علينا خير وال ... مناقبه بذاك غدت شهودا يقوم بأمركم سرًا وجهرًا ... إذا أمثاله أمسوا قعودا وأمّا في رعايته الرَّعايا ... فقد حازت مناقبه الحدودا ويكفي أنَّنا كنًّا عظامًا ... كساها من مكارمه جلودا وفضل أبي الفضائل غير جاف ... أقرَّ به الّذي أمسى حسودا لقد أضحى بما آتاك فينًا ... أمير المؤمنين اليوم عيدا ملابس قد غدت بيض المعاني ... وإن كانت بمرأى العين سودا يضيء بليلها منكم جبين ... به يهدي إلى الجود الوفودا / 161 ب/ وسيف يغرق الأعداء موجًا ... ويخطف ضوؤه البصر الحديدا إذا اشتبكت وغى سمر العوالي ... يغادرها بحدَّيه حصيدا وطرف يسبق الطِّرف امتدادًا ... كأنًّ بمن يجاريه قيودا وأما السَّنجق الميمون فينا ... به عقدوا لنصركم البنودا ذوائبه تذيب من الأعادي ... قلوبًا قد غدت ملأى حقودا يطيعكم بما شئتم قيامًا ... ويعصي إن ترد منه سجودا وكان رجاؤنا هذا وأنَّى ... [نجد من] بعد ذاك لكم مزيدا لئن خربت ربوع علا سواكم ... فربع علاكم أضحى مشيدا بحبكم إمام العصر فينا ... لقد أضحى المحبُّ له سعيدا يضاعف من يواليه صعودًا ... ويرهق من يناويه صعودا ولازلتم مطاعي الأمر فينا ... ولازلنا لدولتكم عبيدا ودمت مخلَّدًا ما فاح رند ... ولاح الصُّبح بعد دجى عمودا وأنشدني أيضًا لنفسه يمدح المولى المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين –أعّز الله نصره- ويلتمس من/ 162 أ/ إنعامه توقيعًا بالخطابة: [من الوافر] مليك الأرض يا من في يديه ... مواهب تخجل الغيث الهتونا ومن تخشى الأسود سطاه حقًا ... فتلزم من مخافتها العرينا

ومن بالجود منه كلُّ حرٍّ ... غدا في الرِّقِّ معتقلاً رهينا ومن بالعدل منه في الرَّعايا ... وبالألطاف كم أحيا دفينا أما بشَّرتكم بالنَّصر لمَّا ... حضرناكم وشاهدنا اليمينا؟ وقلت وقال من أضحى كفيلاً ... بما قد قاله وغدا ضمينا معاذ الله أن تخشوا عدوًا ... وناصركم أمير المؤمنينا ومن يك من مواقفه ببال ... فقد ناك المنى دنيا ودينا ولازلنا لدولتكم عبيدًا ... ولا حكمت يد لسواك فينا فعلمك قد أحاط بصدق وعدي ... وصار الشكُّ عندكم يقينا ولست بمدَّع في ذاك غيبًا ... ولكن فوز جدكم يرينا ولي حق البشارة من نداكم ... فعندكم غدا حقِّي مبينا وآمل منك توقيعًا شريفًا ... بتوليتي خطيب المسلمينا كتوقيعي أبي وبيه قبلي ... ليضحى في يدي سيفًا متينا / 162 ب/ وأنشدني أيضًا من شعره، ما كتبه إلى زين الدين أبي الحسن علي بن سالم الكاتب، منشئ الديوان المولوي البدري –حرس الله مجده- ويتنجز منه أن يكتب له توقيعًا بتقليد الخطابة بالجامع العتيق: [من الوافر] أيا مولى له في النَّاس ذكر ... يفوق بنوره نور الصَّباح أتتني منك معتبة ولمَّا ... أهمَّ إلأى جنابك باجتراحي وإنَّي كنت أولى النَّاس عتبًا ... عليك جزاء هجرك لي الصُّراح وإنَّ حوائجي أضحت لديكم ... مقابلًة بترك واطِّراح وما زلتم لريب الدَّهر ذخري ... ولم أبرح أريش بكم جناحي على أنِّي مريض القلب همَّا ... وليس على مريض من جناح فإن تعفو فأهل العفو أنتم ... وأهل للمكارم والسَّماح وإن صمَّمتم طلب انتقام ... رميت لديكم طوعًا سلاحي وما أنا عنكم أبدًا بسال ... ولا مصغ إلى واش ولا حي فلا تجعل لطردي عنك وجهًا ... فمالي عن جنابكِّ من براح / 163 أ/ وسمِّ وتمِّم التَّوقيع باسمي ... على اليمن المؤمَّل والنَّجاح

وأحكمه بخطٍّ مستنير ... وألفاظ مهذَّبة فصاح ولا تكتبه إلاَّ في فراًغ ... وحال سرور قلب وانشراح وكن إعذار تقصيري مقيمًا ... فقد أضحى لديكم ذا اتِّضاح فلولا أننَّي في ضيق عيش ... أقاتل بالصَّوام والرِّماح ودين قد علاني كنت منه ... بريئًا في أمان وارتياح لما قابلت خادمكم بهذا ... ولا أصبحت ذا وجه وقاح ولكنِّي سأجبر نقص فعلي ... إذا اتَّسعت بما أرجوه راحي وليس وأنت لي هذا بعيدًا ... أؤمِّله غدوِّي أو رواحي [261] عبد الله بن الخضر بن محمود المقرئ، أبو العبَّاس، الموصليُّ المولد والمنشأ، المعروف والده بالجامدار: قرأ القرآن الكريم على أبي عبد الله محمد بن قريش بن مسلم الفارقي المقرئ –رضي الله عنه- تلقينًا، نزل بمدينة إربل سنة وعشرين وستمائة، وأقام بدار حديثها مدّة/ 163 ب/ يسمع الحديث على شيخنا أبي الخير بدل بن أبي المعمّر بن إسماعيل التبريزي، ثم رحل عن إربل، وقدم الموصل، وانحدر إلى مدينة السلام في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، ثم توجه نحو الموصل، فبينما هو سائر إذ وقع من ظهر الجمل، فآلمه بعض أطرافه من شدة الوقع، فانقطع في الطريق، وعدم خبره، ولم يعرف إلى الآن حقيقة خبره. أنشدني لنفسه يمدح الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين أبا العباس أحمد –رضوان الله عليه-: [من الطويل] تذكر أيَّام الصِّبا فتألَّما ... وحنَّ وهل يشفي الحنين المتيَّما؟ وفي النفس أشواق وفي القلب حسرة ... أبت طول هذا الدَّهر أن تتصرَّما

فلا هو بالرَّاقي إلى سؤل نفسه ... ولا بالَّذي يسلو لينجو مسلَّما ولمَّا رأيت القوم للبين أزمعوا ... يصيحون للراقي إذا ما ترنَّما أشرت إلى نار الحشا فتضرَّمت ... وقلت لدمعي جدَّ قد أقفر الحمى خليليَّ إن عاينتما دمن الحمى ... فعوجا على أبيات سلمى وسلِّما وإن جئتما ورد الحمى فاشربا به ... وإن أنتما لم تسقياني شرقتما / 164 أ/ منازل سلمى بالعقيقين هجت لي ... غرامًا إذا نامت عيون الورى نما ولكن تصاريف الزَّمان عجيبة ... تغادر حلو العيش والحال علقما ولم أر مثلي عاشقًا ذا صبابة ... ولا مثل دمعي في الديار إذا همى ولا كأمير المؤمنين خليفًة ... بتفضيله الرَّحمن فينا تكلَّما إمام إذا لم يعرف المرء فضله ... على النَّاس يصلى في المعاد جهنَّما إذا جال طرفي فيه أصبح خاسئًا ... حسيرًا لديه خاضعًا متوسِّما هو الجوهر الغالي النَّفيس فلا يرى ... هو البحر رده لا ترى بعده ظما هو الشغلة المأخوذ ضوء سنائها ... من القبس المودوع في صلب آدما هو النَّاصر ابن المستضيء فلا ترى ... أجلَّ وأعلى منه فضلاً ومنتمي فليست سماء الله هذي التي ترى ... ولكنَّ أرضًا تحتويه هي السَّما ولو لم يطأ هذا التُّراب برجله ... لما جاز للإنسان أن يتيمَّما أخا الفضل لا تجزع لوقع ملمًّة ... فلابدَّ للأيَّام أن تتصرَّما إذا ما اعتراك الدَّهر يومًا ببأسًه ... وأمَّلت أن تلقى إلى العزِّ سلَّما أنخ بفنا دار السَّلام ترى بها ... إمامًا إذا عاينته تأمن العمى / 164 ب/ ترى جنَّة المأوى ترى علم الهدى ... ترى كلَّ ما تهوى من الأرض والحمى ترى واحد الدُّنيا وباذل وفرها ... وترجع بالزُّلفى عزيزًا مكرَّما إذا افتخرت يومًا قريش بمفخر ... فخير قريش من إلى جدِّه انتمى فلولاه لم نسعد ولولا ابن عمِّه ... لما شرَّف الله الحطيم وزمزما يميت ويحيي كلَّ يوم عصابًة ... فكلُّ بنان منه عيسى بن مريما فلو عاين الدَّجال شدَّة بأسه ... تمزَّق إعظامًا له ثمَّ أسلما ولو ظهرت منه على الخلق نقمة ... لما صحَّ عندي أنَّ في الأرض مسلما

ولا بدَّل الله البلاد بغيره ... ولا زال معمور الجناب معظَّما [262] عبد الله بن يوسف بن محمَّد بن يوسف بن أحمد بن الحسن، أبو محمَّد الموصليُّ: كان شابًا متأدبًا ذكيًا، من أبناء الرؤساء، وذوي النعم، وكان يميل إلى الشعر، والتحفظ من مختاره وأحسنه، وربما قال أبياتًا صالحة. وكانت ولادته تاسع ذي القعدة سنة ستمائة بالموصل، بسكة الكاروز، وتوفي ثالث عشر ذي الحجة/ 167 أ/ سنة ثماني وعشرين وستمائة، تغمده الله برحمته. أنشدني له أخوه الرئيس أبو الحسن علي بن يوسف قال: أنشدني أخي عبد الله لنفسه يصف القصيل وقد علاه الندى: [من الكامل] أنظر إلى قضب الزُّمرد بكرًة ... ولما عليه من النَّدى تتحيَّر فكأنًّه دمع يكفكفه الحيا ... فيجول في الآماق لا يتحدر [263] / 165 أ/ عبد الله عبد الرحيم: [من البسيط] ما حاول الصَّب يومًا عنك سلوانا ... فكيف بدلتَّه بالوصل هجرانا ونمت عن ليلة باتت كواكبها ... ترعى بعينيه حتى الصُّبح ولهانا والحبُّ لو كان عدلاً في حكومته ... لصدَّ دون الكرى أجفان أجفانا ضنوا بما عونه سكنى الحمى ولووا ... ديون عشاقهم ظلمًا ولَّيانا واستصوبوا جورهم فينا مجاهرًة ... كأنَّنا لم نكن بالأمس جيرانا وأظهروا لمحبيهم مخادعًة ... من محكم الودِّ ما ضنُّوا به الآنا

أقمار تمٍّ علتها من براقعها ... عمائم ما اكتست فيهن أدجانا كأن ريح التصابي في مجاسدها ... باتت تهزُّ من الأعطاف أغصانا يالائمي في الهوى مهلاً فلي كبد ... تذكي بها نفحات الشَّوق نيرانا وكيف أنعم بالاً أو الذكرى ... وفي الحمول اللَّواتي جزن نعمانا / 165 ب/ هيفاء في خدها ورد وفي فمها ... ورد يظلُّ إليه القلب ظمانا ليليَّة الفرع تنضو من غلائلها ... دكنًا تفحُّ سحيق المسك والبانا لولا المجرب من درياق ريقها ... كما أضافت إليه منه ثعبانا في وجهها نيِّر لا يستسرُّ وقد ... يعرو السِّرار بدور التمِّ أحيانا والحلي تكسبه حسنًا ترائبها ... إذا ترائب أخرى غيرها زانا مفيقة القلب من وجدي وناظرها ... تخاله لانكسار الدَّلِّ سكرانا لو باسمها نودي الأروى لأسهل عن ... طوع ولو لامست متن الصفَّا لانا تحمي سلافة فيها ثمَّ ترشفها ... من الأراك بعيد النَّوم عيدانا للحسن فيها صفات قلَّما اجتمعت ... إلاّ لتغدو على العشَّاق أعوانا تلهي الجميع بلذٍّ من فكاهتها ... يخال طبعًا إذا كرَّته ألحانا كأنَّ أنفاسها أنفاس سارية ... هبَّت فهزَّت قبيل الصُّبح ريحانا فلو تمرُّ بنا موتى وقد كشفًت ... بحرفها عن محيَّاها لأحيانا ما استعبد الحسن لولاها ولا أحد ... في النًّاس كابن سعيد بثَّ إحسانا / 166 أ/ أوفى البريَّة معروفًا وأرفعهم ... قدرًا وأثبتهم في المجد أركانا واري زناد النَّدى والفضل قد عرفت ... فينا صنائعه سرًا وإعلانا سيًّان كفراننا مشهور أنعمه ... فينا وإضماره بالله كفرانا مولى يمنُّ بلا منٍّ ويرغب عن ... نيل المنيل إذا ما كان منَّانا جمُّ الذَّكاء تريه ألمعيَّته ... ما لم يكن داخلاً في ما كانا لذنا به فأرانا من مكارمه ... وفضله ما كرام النَّاس أنسانا تعشو إلى نار نعماه الضيوف كما ... ينفك جار علا قدرًا وضيفانا ويستبيح حمى الأموال نائله ... ولم يصب من حمى أمواله صانا تروى أحاديث نعماه مسلسلة ... عن موثقي مسند العلياء إتقانا

في كلِّ وقت يرينا من خلائقه ... وحسن آدابه نورًا ويستانا يلقى رحال المنى عافي مواهبه ... بحيث لم يخش عافي الجود حرمانا بأضيق الناس عذرًا إن هم سؤلوا ... جودًا وأوسعهم ............ إذا أتيناه نشكو من أذى زمن ... سخا فما يعقب الأزمان أزمانا سهل الحجاب منيع الدار منبته ... في دوحة كرمت أصلاً وأفنانا قوم إذا وزنوا بالناس كلِّهم ... في سؤدد رجحوا بالنَّاس ميزانا / 166 ب/ القائمين بأعباء العلا كرمًا ... ثمَّ المقيمين أفعالاً وأديارنا توسعوا في النَّدى حتَّى لقد سمحوا ... بالمستحيل من الإعطاء إمكانا لو جاز أن يرجع الماضي على أحد ... من عمره لأصاروا الشِّيب شبَّانا لا يهتدى لمساعيهم وإن سطعت ... أنوارها وغدت كالشَّمس تبيانا جاءوا العلا قبل إلمام الكرام بها ... فاستصلحوا خيرها دينًا وبنيانا شعارهم حبُّ مبطان الضُّيوف إذا ... حبَّ السَّفير ولم يبدوه إبطانا تلقى أعاديهم يوم اللِّقاء بهم ... آساد خفَّان في أكناف خفَّانا باهت بفضل بهاء الدِّين أسرته ... حتَّى لقد أشبهت في الفخر عدنانا مولى بنى لبني الخشَّاب بيت علاً ... طالتت مبانيه حتَّى جزن كيوانا إذا استمحناه أعطى فوق بغيتنا ... وإن أسأنا يرينا منه غفرانا أعاشنا الله نتلو شكر أنعمه ... حتَّى عليه إذا متنا توفّانا فكم أعان على خطب أجاز بنا ... مكروهه وحمى من حينه حانا ودام وابناه فيما شاء من دعة ... حتى يحرّك أمر الرّيح ثهلانا [264] عبد الله بن عيسى بن الحسيين ن أبي طالب بن محمد بن باروخ، أبو الهيجاء بن أبي منصور الكرديُّ المهراني الموصليُّ: كانت ولادته سنة أربع وتسعين وخمسمائة بالموصل، وكان والده أميرًا جليلاً

عظيم المنزلة، عند أتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود، وأخص حجابه في دولته. وابنه هذا أبو الهيجاء شاب جندي، ذو طبع في الشعر سليم، وفكر في إنشائه مستقيم، صاحب معان منتخبة، وألفاظ مستعذبة، مجيد في كلامه، محسن في صوغ القريض ونظامه، له طرف/ 167 ب/ شائقة، وأوصاف رائقة، ولم يعتن بشيء من الصنائع إلا وكان فيه تام المعرفة والحذق، يفوق به أقرانه وأشكاله، ثم إنَّ له اليد الباسطة في الآداب الملوكية، كالتصيد بالصقر والكلاب، والضرب بالصولجان، والرمي بالقوس، وركوب الخيل وسباقها، وغير ذلك، وهو في نفسه مفرط الذكاء، سريع الإدراك. أنشدني لنفسه يمدح المولى المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، مغيث الأنام، صفي الإمام، قسيم الدولة، محيي الملة، بهلوان جهان، خسرو إيران، قزل أرسلان، أتابك أبا الفضائل، نصير أمير المؤمنين -خلّد الله ملكه- من قصيدة مطلعها في المديح: [من الكامل] يا من يعير الغصن قدًا والنَّقا ... كفلاً ويحسد خصره الزُّنبور إخفض جناح العطف منك فإنَّه ... ظلٌّ عليَّ وما سواه حرور إلاَّ سوابغ أنعم سحَّت على الـ ... ـدُّنيا فهنَّ سحائب ونحور من كفَّ من كفِّ الحوادث طوله ... والطَّول فهو من الزَّمان خفير / 168 أ/ الضَّيغم البحر الخضمُّ الطَّود للـ ... ـخطب الملمِّ المالك المنصور العادل السُّلطان بدر الدِّين والـ ... ـملك الرَّحيم المنعم المشكور القاهر المتمرِّدين القامع الشـ ... ـشرك الكميُّ الأروع المحذور عضد الخلافة ناصر الإسلام محـ ... ـيي العدل حام للثُّغور مجير زاكي النِّجار فتى الفخار أخو الوقا ... ر أبو اليسار فما لديه عسير

من دونه كسرى وقيصر في الغلا ... هاذاك مكسور وذا مقصور سبحان معطيه السَّعادة والنُّهى ... من أردشير لديه من سابور؟ من عنتر من حاتم من قيس بل ... من قسًّ حيث حديثه المأثور؟ كم من خميس كتيبة كادت لديـ ... ـه الأرض تزحف والسَّماء تمور جعل الرِّياح الهوج ساكنًة فلم ... تسطع لمشتبك الوشيج تسير وسمت أسنَّته فأوجس خيفة ... منها الغيور فما لديه غيور ومضت صوارمه لرعد بنوده ... فالصَّيِّب المتدفِّق التَّامور وافي اقتحامك وهو ... بدوه ... يكفيك عودًا والجواد درير جنحًا جناحاه وقلب قلبه ... حتَّى القوادم والخوافي بور يومًا تكاد تميَّز الأبطال من ... غيظ وأوداج الكماة تفور / 168 ب/ يا من يجلُّ بأن ترام صفاته ... حضرًا وكلٌّ وصفه محصور ما إن رأى الرَّاؤون قبلك مالكًا ... طوعًا له فلك الزَّمان يدور لم أثن في شعري لديك تكلُّفًا ... مدحًا ودون طباعك المذكور خذ في علاك قصيدًة قد أفحمت ... نطق الفرزدق حيث جاء جرير واسلم مدى الأيَّام مهما أسفر الـ ... ـصبح المنير وأظلم الدَّيجور وأنشدني لنفسه: [من الكامل] عجبي له شرب المدامة طالبًا ... سكرًا وقهوة ريقه من فيه لو كان يفعل في خلائقه الطِّلا ... كانت سلاف رضابه تنشيه أو أنَّه ثمل بها ولعلَّ صهـ ... ـباء العقار بفعلها تصحيه مثل العليل المستمرِّ صلاحه ... يرجى بثاني علَّة تأتيه وأنشدني لنفسه: [من الطويل] تقول وقد زمَّت لبين جمالها ... مراعيًة عهدي بلطف التَّودُّد هلمَّ لتوديعي فقد أوشك النَّوى ... وأرخت دموعًا كالجمان المبدَّد فقلت وأنفاسي يصعدها الأسى ... وقد أذخت نار الهوى في توقُّد محّلك في قلبي وإن أقفر الحمى ... ولكنَّ طرفي من جمالك زوِّدي / 169 أ/ ولا تنكري تركي الوداع فإنَّه ... بمثلك لا يسخو متى ظفرت يدي

وأنشدني قوله: [من الطويل] ولمَّا تهادى أن ترى كتبك الَّتي ... أسرُّ بها ما دمت في شاسع البعد علمنا بأنَّ البين ينسى ولم تدم ... شروط جرت عند الوداع من الودَّ كتبنا عسى تحنو علينا بمثله ... كتابًا يبكِّي ضمنه أعين الصَّلد ولابدَّ في بطء السَّحاب عن الرُّبى ... موافاة مستسقًى له ربَّما يجدي وأنشدني من شعره: [من الطويل] وذو، هيف حاز الجمال ظرافًة ... ودقَّ معان في الجمال وفي الهيف تحار عقول الواصفين لحسنه ... ويكبر عند الوصف قدرًا فلم يصف وأنشدني أيضًا قوله: [من الكامل] لو كان يجزي الصبَّ خبر وداده ... لمحبِّه في قربه وبعاده تالله لم يصدرنه أيدي النَّوى ... عمَّا يلذُّ الصَّاب في إيراده كلاًّ ولا أضحى الغرام غريمه ... حتَّى لقد أخفاه عن عوّاده يا سائلاً عن حال صبٍّ ساهر ... أنساه هجر الوصل ذكر رقاده خدَّدن خدَّيه دموع جفونه ... تيك التي حشيت بكحل سهاده / 169 ب/ لم يصح من سكر الصَّبابة ساعًة ... أن يرعوي وإذا شككت فناده يا ويحه كم ذا يكابد من جوى ... وأقلُّ سبل الغيِّ دون رشاده أو ما كفى أن لم يخلِّ له الهوى ... إصلاح حال لم يقم بفساده وأنشدني أيضًا من شعره: [من الكامل] ريُّ ثغر ما بدا إلاَّ أرا ... نا البدر يحمله قضيب مائل طبعت سيوف لحاظه من نرجس ... ولها بنفسج عارضيه حمائل وأنشدني لنفسه: [من الوافر] محمَّد صل كئيبًا مستهاما ... بحبِّك لا يقرُّ له قرار صبورًا في الحوادث غير واه ... ولكن عنك ليس له اصطبار بنرجس مقلتيك وورد خدٍّ ... أحاط به بنفسجه العذار وقدَّ كالقناة وليل شعر ... تبلَّج تحت حاجبه النَّهار

أجرني من هواك ومن جفاك الـ ... لذين كلاهما في القلب نار ولا تبخل بقربك من محبٍّ ... سخا بالعرض فيك وليس عار وأنشدني من شعره أيضًا: [من الكامل] لم أنس زورته بلا وعد وقد ... ارخى الظلام حنادسًا بسدوله / 170 أ/ وافى نسيم عبيره فتأرَّجت ... نفحات ريَّاه قببل وصوله وتلألأت أنواره حتَّى لقد ... قام الورى لله في تهليله قصد اكتتام السِّر خوف رقيبه ... معنا فلم نقدر على تحصيله وأنشدني لنفسه: [من البسيط] يا حبَّذا اليوم من يوم أغرَّ لقد ... وافى بأعجوبة سيَّرتها مثلا كأنما اشتبكت دون السَّماء على ... الأرض الفواخت حتى سدَّت الخللا ونافرت بعضها بعضًا مقاتلًة ... فظلَّ يسقط زفُّ الرِّيش مانسلا وقام بالأرض حتَّى لو توجَّه في ... إحدى المسالك خلق طلَّ وانخذلا ولا سماًء ولا جوًا نرى أبدًا ... ولا نحقِّق لا سهلاً ولا جبلا ولو سألت عن الدُّنيا لقيل نرى ... كندف قطن وأمّا غير ذاك فلا وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] كتبت إليه شاكيًا من جفونه ... وكون تعدِّيها عليَّ بلا جرم وأنهيت أحوالي إليه تضمُّنًا ... وما يعقب التَّذكار عندي من السُّقم رجاء عسى يرثي فيحيى بقربه ... لمقتول بعد نازح الدَّار عن ظلم / 170 ب/ فوقَّع لي ليس المريض عليه من ... جناح وقد أنهى عن الوصل في الحكم وبعد فمن ألقى ضلالاً بنفسه ... إلى الهلك حقًا ما على الغير من إثم

[265] عبد الله بن أبي القاسم بن أبي الفرج، المعروف بالجديد الحريميِّ: من أهل الحريم الطاهري، كان رجلاً حرفته التكسب بالشعر لا غير، ويستجدي به الرؤساء من البغداديين، فيثاب عليه في ذلك بالنزر الطفيف. أنشدني الشيخ العدل أبو بكر عبيد الله بن يحيى بن أبي بكر بن سالم ابن عثمان البغدادي الكاغدي بمنزله ببغداد، بجانبها الغربي، بدار القز، سنة تسع وثلاثين وستمائة قال: كتب إليّ أبو بكر عبد الله بن أبي القاسم بن أبي بكر الحريمي لنفسه بهذه الأبيات: [من الخفيف] دم أبا بكر سالمًا من صروف الـ ... ـــدَّهر والنَّائبات والأعراض صافي الورد ضافي البرد سامي الـ ... ـجدِّ والعزِّ مترع الأحواض ومر الدَّهر يستجب أمرك النَّا ... فذ من غير وقفة واعتراض وأبق في هضبة من العزِّ والعلـ ... ـياء ما لم تشم بروق انتقاض أيُّها الماجد الكريم السَّجايا ... والنَّقي الأذيال والأعراض دعوة من أخي وداد سليم الـ ... ـعهد والودِّ صالح الأغراض كلَّ يوم نسدي إليك ثناًء ... مثل نشر النَّسيم فوق الرِّياض لاعدا ربعك السُّرور ولازا ... ل مصوبًا بالعارض النَّهَّاض وتوالت على أعاديك أحدا ... ث من البؤس في النُّفوس قواضي

[266] عبد الله بن محمَّد بن محمود بن علي بن عبد الرحيم بن عليِّ بن خلف بن هلال بن نعمان بن داود بن عليِّ بن خلف بن الخضر بن مالك بن عبد الله بن مالك بن الحصين بن عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس بنزيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو القاسم بن أبي عبد الله التميمي الحلبيُّ: طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو القاسم بن أبي عبد الله التميمي الحلبيُّ: كان لسلفه قدم في الأدب والفضل، ونظم الشعر. وأبو القاسم شاهدته بمحروسة حلب في العشر الأواخر من شهر شعبان سنة أربع وثلاثين وستمائة، وهو يتصرف في الأعمال، ويتولى النظر في ديوان/ 171 أ/ الإهداء. وسألته عن ولادته فقال: ولدت خامس شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة بمدينة حلب، وهو شيعي المذهب، شاعر مجيد فيما يأتي به من مديح وتغزل، بمعان حسان، وألفاظ عذاب، يسلك أسلوب الشعراء المتقدمين فيما يحاولونه، وأندني جملة من أشعاره. فممّا أنشدني بمنزله المحروس بمدينة حلب يوم الثلاثاء ثامن رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة لنفسه، وأنا سألته: [من الكامل] لو كان أعتب بعد طول عتابه ... لشفى فؤاد الصَّبِّ من أوصابه لكن خلا قلبًا فبات مخلِّيًا ... قلبي وما يلقاه من إطرابه وهواه لولا ما تجنُّ جوانحي ... منه لما استعذبت مرَّ عذابه قمر يكنُّ البدر تحت لثامه ... ويميس خوط البان بين ثيابه

اشفى على تلف ولمَّا يشفني ... من حرِّ بلبال برشف رضابه وأودُّ منه مولعًا بصدوده ... تمري ذهاب الدَّمع ريح ذهابه وشي العذار بعارضيه أصارني ... لا أستجيب لمن بحالي وشى به ما كان أرغد عيشتي لو كان لي ... من جيده في الليل حظُّ سخابه / 171 ب/ يفري القلوب بمرهف من لحظه ... لم يدر يومًا ما فراق قرابه إن بان عن عيني فإنَّ خياله ... ليجرُّني ولهي إلى منتابه لمَّا تعرَّض لي وقد طعم الكرى ... جفني وجدَّ الوجد في استحلابه أفنيت ليل وصاله لثمًا له ... وذهلت عن تعنيفه وعتابه حتَّى لقد حاولت عند مضيِّه ... منعًا له وتعلقًا بثيابه وافى فقلت: الطِّيب حاول تجره ... في حندس الظَّلماء فضَّ عبابه أو مدح أحمد الرُّواة تناقلت ... مأثوره وتعرضت لملابه المغتدي همَّ العلا لسماحه ... وهباته في عنفوان شبابه حتَّى لقد حاولت عند مضيِّه ... منعًا له وتعلُّقًا بثيابه وافى فقلت: الطِّيب حاول تجره ... في حندس الظَّلماء فضَّ عبابه أو مدحح أحمد الرُّواة تناقلت ... مأثوره وتعرَّضت لملابه المغتدي همَّ العلا لسماحه ... وهباته في عنفوان شبابه مازالت الأيَّام تخلف موعدي ... حتَّى أقامني الرَّجاء ببابه يقفو سبيل العدل في أحكامه ... فكأنَّه داود في محرابه ويجير من جور الزَّمان إذا عدت ... أحداثه ويفلُّ من أنيابه فالملك ليس بقاؤه إلاَّ على ... تدبيره وصلاحه إلاَّ به وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] لولا اعتياد لواعج الأشواق ... لم يع ذا هواك نفث الرَّاقي ولكان يقنع من وصالك في الدُّجى ... إلمام طيف خيالك الطَّرَّاق / 172 أ/ لكن جمعت عليَّ من ثقل الهوى ... بيد الجوى والبين غير مطاق ولا تخفقي مسعى هواي فإنَّني ... أطوي الضُّلوع على حشًا خفَّاق وعدي جميلاً عاشقيك وجانبي ... في الحبِّ نقض مرائر الميثاق كيف السَّبيل إلى السُّلو لمغرم ... جمعت عليه شوارد الإشراق

أم كيف لا يبدو هواه وقد بدا ... طلل الأحبة ظاهر الإخلاق طلل لعلوة باللِّوى ابقى البلى ... من رسمه لحشاشة المشتاق كانت معالمه تروق لما بها ... من صمت خلخال ونطق نطاق من كلِّ رائعة الجمال غريرة ... خمريَّة الوجنات والأرياف تأوي الحجال وترتعي ألبابنًا ... وتعاف رعي الشَّت والطُّبَّاق لا أظلم الغربان لم يقذف بها ... أمد النَّوى إلاَّ رغاء نياق ولربَّ كأس بتُّ أسقاها على ... مثل الحديقة من محيَّا السَّاقي خلفت خلال محمَّد ففعالها ... بالهمِّ فعل نداه بالإملاق وأنشدني أيضًا لنفسه في التاريخ المذكور: [من الطويل] / 172 ب/ بدا قمرًا في حندس اللَّيل نيِّرا ... وهزَّ ردينيًا من القدِّ أسمرا وأبدى لنا ما بين آس عذاره ... غداة بدا وردًا من الخدِّ أحمرا وأمعن في بري الجسوم تعمُّدًا ... بما راش من نبل الجفون وما برى من الهيف معشوق الشمائل أغيد ... أقلُّ غرامي أن ينام وأسهرا يريك قضيب البان أملد أهيفًا ... إذا ما بدا والظَّبي أجيد أحورًا يميس بريحان الذوائب مورقًا ... ويبدو بورد الوجنتين منورَّا وتصبيك منه طرَّة فوق غرَّة ... تبدَّت على كافورة لوجه عنبرا عسى يجمع الشَّمل المشتَّت جامع ... فيرجع ليل الصَّدِّ بالوصل مقمرا والهو بواهي الخصر بين جفونه ... لواحظ يذكرن الحسام المذَّكرا يدير علينا مسكرًا من سلافها ... ونرشفها من ريقه العذب سكَّرا وندمان صدق هبَّ لمّا دعوته ... يمسح عن أجفانه سنًة الكرى وقد ولت الظلماء إلا بقيًة ... غدا الدِّيك فيها بالصَّباح مبشِّرا وقد فلَّ جيش الفجر مذ سلَّ سيفه ... على اللَّيل من زهو الكواكب عسكرا وقد ظلَّ نجديُّ النَّسيم كأنَّما ... يجرُّ على الأهضام ذيلاً معنبرا فقام إلى صفراء يعرف لذَّة ... ولهوًا إذا منها تجرَّع منكرا كأن سلاف الرَّاح تحت حبابها ... صعيد من العقيان أنبت جوهرا

/ 173 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه من قصيدة: [من الكامل] لولا الخيال ورقبتي منه السُّرى ... لمنعت عيني أن يلمَّ بها الكرى ولكنت آنف من رقاد متيَّم ... قضت النَّوى لجفونه أن يسهرا أفنى تجلُّده الغرام وزاد في ... زفراته فغدا مقلاًّ مكثرا يرتاح وجدًا للحمام إذا شدا ... سحرًا ويصيبه النَّسيم إذا سرى وإذا خفى متألِّقًا برق الحمى ... كان الكفيل بشجوه أن يظهرا يا حَّبذا نفحاته وكأنمَّا ... تنضاع مسكًا إذ تضوَّع عنبرا والوصل ما سدَّت مطالعه ولا ... سدَّت لو شك فراق جيرته العرى جزعوا أديم ثراه وهو مروَّض ... فغدا برّبات الخدور منوَّرا وأسلت لمًّا أن أسال شعابه ... بمطيِّهم ماء المدامع أحمرا وكذا العيون الفاتنات أسيرها ... لا يفتدى وقتيلها لن يوترا وصريع صافية صبحت بمثلها ... قعدت عليه يد السُّلاف وما درى لمّا استمرّ به الرُّقاد دعوته ... فأتى بفضل ردائه متعثرًا قم فانشط اللَّذَّات من أشطانها ... فالنَّجم قد حبس العتاق عن السُّرى والرَّوض قد حطَّ الغمام وسوقه ... في تربه فكساه بردًا أخضرا / 173 ب/ وغدت بأنوار الرَّبيع ونوره ... لمَّا بدا كلُّ المواطير عبقرا فدع التَّنافس في سواها للورى ... وانهض إليها طائعًا لا مجبرا واشرب على زهر الرَّبيع سلافها ... وتوخَّ مزمارًا يروق ومزهرا من كفِّ أغيد ما رنا إلاَّ انتضى ... عضبًا من اللَّحظ الكحيل مجوهرا فسقى الحيا ليلاً أحلت سراره ... بجبينه والكأس ليلاً مقمرا وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] محبّكم والعاشقون ضروب ... مصاب على حكم الهوى ومصيب أسرتم وأسهرتم فؤادي وناظري ... فقلبي أسير والرقاد سليب صلوا واصلاً فيكم غرامًا أقله ... يزيل الأسى من قلبه ويذيب ورفقًا بما من عاشقيكم سكنتم ... فلسن حديدًا إنَّهنَّ قلوب وأسمر معشوق الشَّمائل حسنه ... غريب كما حزني عليه غريب

بدا قمرًا في ليل فرع يقلُّه ... قوام يريك الغصن وهو رطيب يجور على المشتاق وهو مجاور ... وينأى مزار منه وهو قريب ألا حبَّذا وادي الأراك وأهله ... حلول وبرد العيش فيه قشيب غصون على أوراقهن ذوائب ... بدور على أفلاكهنَّ جيوب / 174 أ/ جفوا فجفوني في المنازل بعدهم ... تعلِّم نوء المزن كيف يصوب وأنشدني لنفسه من ابتداء قصيدة: [من الكامل] صفت المدام فناد في أحلاسها ... وأبن ظلامهم بكوكب كاسها وأجل قداح هواك في أقداحها ... تلبس من السَّرَّاء خير لباسها بكر إذا ما زوجت بمزاجها ... نثرت هموم الشَّرب في أعراسها جهميَّة أوصافها فإذا بكى ... راووقها ضحكت لنا في طاسها كادت زجاجتها تطير بما حوت ... لو لم يرض بالماء فضل شماسها خلصت سبيكة دنِّها من غشِّها ... لمّا غدت والدَّهر من روباسها ما المسك تعبق موهنًا أنفاسه ... بألذَّ للمشتاق من أنفاسها كلاَّ ولا المقباس في حلك الدُّجى ... بأتمَّ نورًا من سنى مقباسها في حان محسنة أتت في حانها ... حزنًا على المنعوت من أجناسها غالت عليًّ بسومها فقبلت ما ... قالت وما دلَّستها بمكاسها وشربتها حتى تقضَّت ليلتي ... وانجابت الهبوات من أغلااسها من كفِّ مقتبل الشَّباب غريرة ... خوطيِّ لين معاطف ميَّاسها يجني علينا بالمدام ويجتنى ... من ورد روضة وجنتيه وآسها / 174 ب/ خلس القلوب بوارد من فرعه ... تفديه من فتانها خلاَّسها وبزاهر من خدِّه وحواجب ... منها نبال اللَّحظ في أقواسها لله من خبلت مواطن لذًّة ... من سفح جوشنها إلى بطياسها حيث القصور اواهل ما بدِّلًت ... بالوحشة الشَّوهاء من إيناسها

والرِّيح تعبث وهي دانية السُّرى ... بمعاطف البانات من أغراسها يصف الطُّلول الدَّارسات محيِّن ... وقف الشَّقاء به على أدراسها مالي وللدَّار التي قد أقفرت ... أبكي على عرصاتها من ناسها شغل البلى منها فأين بلون ما ... يتلون حلف الشَّوق من إحساسها دعها فقد شغل الغياث بمدحه ... البابنا عن وصف ظبي كناسها ملك إذا قيس الملوك بفضله ... ناجته بالتَّفضيل نفس قياسها تفديه من حلاَّل أنديه الوغى ... خلاَّع كلِّ عجاجة لبَّاسها مقدامها في يوم كلِّ كريهة ... مطامعها مطعانها مدعاسها جاءت مواهبه بدرَّة جودًة ... كرمًا ولم تخرج إلى إبساسها جم السبالة لو تقدم عصره ... لم تسم بالقدماء شدَّة بأسها لو عاينت بكر بن وائل فتكه ... ما استعظمت ما جاء عن جسَّاسها / 175 أ/ فلاَّل كلِّ كتيبة ملمومة ... شعل السَّريجيَّات من أقباسها وإذا تمرَّس بالكتائًب حاملاً ... رمحًا فقد نكست قوى أمراسها محضرُّ وادي الجود عرِّيض النَّدى ... أمواله لم تثو في أكياسها لعفاته ماسرَّ من إرفادها ... وعداته ما ساء من إتعاسها ملأت مواهبه القلوب مودَّة ... حتى كفاك رجاؤها من ياسها وتزَّينت بفعاله الدُّنيا كما ... طهرت بفيض نداه من أدناسها تددعو له الأحياء في أوطانها ... وتهابه الآساد في أخياسها فتملَّ يا اسنى الملوك سعادًة ... جاءتك راكضًة على أفراسها وبناء دار للنُّجوم نواظر ... تسمو إذا نظرت إلى نبراسها مأهولًة الأرجاء منك بمشبل ... نهَّاب أرواح العدا فرَّاسها لو فاخرت غمدان أذعن رُّبهًا ... ولودَّ أن لو عدَّ من أحراسها ولو الخورنق زارها لتطامنت ... شرفاته عن مس ترب أساسها شرفًا بني أيُّوب فالأيَّام في ... أيّامكم قد بان لين مراسها أنتم إذا وعدَّ الملوك كرامها ... وسواكم المعدود في أنكاسها

/ 175 ب/ وتفاضلت باللُّطف في أخلاقها ... ألفيتم الأكياس من أكياسها وصفاتكم ما كدِّرت فكأنَّها ... راح يطاف بها على جلاَّسها ولأنتم شرف الممالك مثلما ... شرف الخلائق في بني عبَّاسها فتُّم ببأسكم بني حمدانها ... وفضلتم كرمًا بني مرداسها والله يأبى أن تضام رعيَّة ... أصبحتم الأمناء من سوَّاسها بدَّلتموها بالغنى من فقرها ... كرمًا وبالأثراء من إفلاسها بمواهب الملك العزيز وعدله ... طهرت بلاد الله من أرجاسها حسنت بسيرته وأنشر فضله ... رمم النَّدى والبأس من أرماسها قل للملوك رميتم من عزمه ... بمبيد دار عدوَّه جوَّاسها فتخوَّفوا منه فتى فتكاته ... اخلت زوايا الغاب من هرماسها ودعوا له سبل العلاء فلستم ... من نبع دوحتها ولا أحلاسها لا غير نوء نداه يخلف صيِّب الـ ... أنواء بل يوفي على رجَّاسها ولنيل مصر دون نائله إذا ... ما ظلَّ معتليًا على مقياسها تجد الكماة حياتها في سلم مضـ ... طلع بغلب الغلب من أشواسها فإذا نحاها أكثرت من ضربها ... أخماسها للخوف في أسداسها / 176 أ/ لازالت الأعياد حاليًة به ... ما استمتعت عين امرئ بنعاسها وأنشدني لنفسه أيضًا ما كتبه إلى بعض أصدقائه: [من الكامل] يا أيها المولى الظَّهير ومن ... أحسانه لرحى العلا قطب والماجد النَّدب الذي يده ... من سحِّها تتعلَّم السُّحب في ترك خدمتك التي شرفت ... للدَّهر لا لغلامك الذَّنب ولأنت تعلم أنَّني رجل ... بين الزَّمان وبينه حرب والنَّاس قد خسَّت خلائقهم ... فمطالبي عن قصدهم نكب من كلِّ جعد الكفِّ ليس له ... مذكان غير حطامه رب لا يألمون إذا هجوتهم ... بل يفخرون ويكثر العجب وبمثل مجدك لا يليق على ... عبد عرفت ولاءه العتب لك من ودادي صفوه فإذا ... ما غبت عنك فعندك القلب

ذكر من اسمه عبد الرحمن

ذكر من اسمه عبد الرحمن [267] عبد الرَّحمن بن محمَّد/ 176 ب/ بن عبد السَّميع بن عبد الله بن عبد السَّميع بن عليِّ بن القاسم بن الفضل بن الحسين بن أحمد بن جعفر بن سليمان بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المطَّلب، أبو طالب بن أبي الفتح الهاشميُّ العبَّاسيُّ الواسطيُّ: كانت ولادته بواسط في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بها، ودفن بدير وردان، غربي واسط، في سادس المحرم سنة إحدى وعشرين وستمائة. كان يسمى بواسط: الشيناتي؛ لأنه اجتمع فيه سبع شينات، لم تجتمع في أحد سواه من ذوي الشرف. كان شيخًا في العلم والآداب، شافعي المذهب، يلقب شرف الدين، شريفًا شاعرًا، شروطيًا شاهدًا، وقد نظمت هذه الألفاظ ببيت شعر وهو: [من الخفيف] شرف الدِّين شيخنا شافعي ... شاعر شاهد شريف شروطي وهو من بيت العلم الغزير، والجاه الوافر، اعتنى بالحديث وسماعه، فصار فيه

إمامًا، يشار إليه، سمع بواسط من أبي جعفر ابن البوقي، وأبي الحسن علي بن المبارك بن نغوبا، وأبي طالب/ 177 أ/ محمد بن علي الكتّاني، وسمع ببغداد من أبي المظفر هبة الله بن أحمد ابن الشبلي وأبي الفتح بن البطي، ويحيى بن ثابت في جماعة، حدث بمسند مسدّد ابن مسرهد، عن علي بن نغوبا. وكان ثقة صحيح السماع، فاضلاً، مصنفًا، عذب المنطق، حسن الفصاحة، جيد الكلام في الوعظ، ينشئ الخطب والفصول في المواعظ، وله مديح كثير في الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد رضي الله عنه. وصّنف كتبًا مفيدة منها: كتاب "اللباب المنقول في فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم"، و"كتاب الدرّ المنثور في معرفة الأيام والشهور"، وكتاب "المناقب العباسية"، وكتاب "مجموع الرسائل والوسائل"، وكتاب "تعبير الرؤيا"، وكتاب "الدرّة الفريدة في العقيد"، وهي أرجوزة، وكتاب "النخب في الخطب"، وكتاب "الخواطر العقلية والفصول الوعظية"/ 177 ب/، إلى غير ذلك من المصنفات. أنشدني أبو نصر بن أبي طاهر البغدادي الهاشمي قال: أنشدني الشريف أبو طالب بن أبي الفتح لنفسه يذم الدنيا: [من البسيط] دع ما يزول من الدُّنيا وزخرفها ... واطلب رضا الله في قول وفي عمل ولا تطع آمرًا بالظُّلم مبتغيًا ... نيل الحطام غبيَّ الحسِّ ذا خطل يغريك بالنور جهلاً منه بغيته ... ظلم العباد كثير الغيِّ والزَّلل واعلم بأنَّك مسؤول فكن حذرًا ... من الوقوف غدًا في موقف الخجل

واشفق على الخلق إن وفِّقت مجتهدًا ... مادمت مقتدرًا واصفح عن الخلل فالعفو والصَّفح عمَّن زلَّ مغتنم ... ولا تكن عجلاً فالخطء في العجل واسأل إلهك توفيقًا وكن ورعًا ... تمسي وتصبح في خوف وفي وجل وأنشدني أيضًا قال: أنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل] دار تكدرِّ صفوها ... وسرورها غير الليالي ويحيل بهجة حسنها ... صرف الرَّدى في كلِّ حال غدَّارة خوَّانة ... أفراحها مثل الخيال وكمال صحَّتها يؤو ... ل إلى فناء أو خبال من كان ساكنها يعدُّ ... الزَّاد حقًا لارتحال أو كان مغترًا بها ... ألقته في شرك الوبال / 178 أ/ فارفض علائق حبِّها ... فصحيحها عين المحال واعلم بأنَّك راحل ... عنها إلى دار المال والموت قد نادى بنا ... فتأهبوا يا للرجال وقال أيضًا في الوعظ: [من المنسرح] إلى متى ذا الغرور يا غافل ... تخوض طول الزَّمان في الباطل تضيع العمر منك في عمل ... لا يرتضيه لنفسه عاقل وتدَّعي العلم ثمَّ تتركه ... مرتكبًا ما يعافه الجاهل تستمع الوعظ ثمَّ ترفضه ... وأنت للَّغو سامع قائل حبُّك دنياك لو عقلت فيه ... داء لعمري مستمكن قاتل غرَّك حتى أطعته سفهًا ... وبعت أخراك منه بالعاجل دع عنك ما أنت فيه مغتنمًا ... ما قد تبقَّى من عمرك الزَّائل واعمل ليوم الحصاد مجتهدًا ... عساك تحظى من ذاك بالحاصل وقل إلهي، لا تقطعن أملي ... منك وكن لي في بغيتي كافل جد لي بما أنت أهله كرمًا ... يا خير مولى يعنو له الآمل وأضرع إلى الله جلَّ مبتهلاً ... فإنَّه لا يخيِّب السَّائل

وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] / 178 ب/ تبًا لمن همُّه الدُّنيا وبغيته ... زيادة المال فيها وهو منتقص يسعى ويدأب فيها ليس يدركه ... حرصًا وتنتابه الأسقام والغصص كم أسعف الدَّهر أقوامًا يبغيهم ... فيها وأعطى فلمّا زادهم نقصوا وكلَّما أدركوا ما أمَّلوا بطروا ... وكلَّما زيد في أموالهم حرصوا رأس الخطيئة حبُّ المال فاسخ به ... واسمح وجد فذوو الأفضال قد خلصوا والباخلون حظوا بالذَّمِّ إذ بخلوا ... وقتَّروا وعلى أعقابهم نكصوا واحذر مصارعهم إن كنت متَّعظًا ... فقد أتتك به الأنباء والقصص [268] عبد الرَّحمن بن صالح بن عمَّار بن عربدّ بن رافع بن المزعفر العربدَّيُّ، أبو محمَّد التَّغلبيُّ الدُّنيسريُّ: كان يتولى الحسبة بدنيسر، تعلق بسبب قوي من علم العربية والعروض، وحفظ القرآن العظيم، وفهم طرفًا من اللغة والأدب، وكان شاعرًا فصيحًا، فيه سماحة ومروءة، حبسه الملك المنصور ناصر الدين أرتق أرسلان بن إيلغازي بن ألبي بن إيلغازي بن تمرتاش الأرتقي، صاحب ماردين/ 179 أ/ بسبب قصيدة نظمها في الملك الأشرف موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وكان يومئذ محاصرًا قلعة ماردين، فأنكر الملك المنصور تخلفه عن الصعود إليه إلى ماردين، وأنه امتدح الملك الأشرف، فأخذه وسجنه خمس سنين، ومات مسجونًا في أواخر ذي الحجة سنة سبع وعشرين وستمائة. أنشدني أبو الثناء محمود بن أسعد الهمذاني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من الوافر]

تزايد في هوى أملي جنوني ... وأورث مهجتي سقمًا شجوني وصرت أغار من نظر البرايا ... عليه ومن خيالات الظُّنون وأحرص أن يكون له وفاء ... من الأبصار قلبي أو جفوني ويعذب لي عذابي في هواه ... وهذا نصُّ معتقدي وديني فقل للاَّئمين عليه جهرًا ... دعوني لست أدركه دعوني وقال أيضًا: [من البسيط] دع الملامة فيه أيُّها اللاَّحي ... فما أطيع عليه قول نصَّاحي / 179 ب/ شدُّوا علىَّ فسدُّوا باب مصلحتي ... وظنُّهم أنهم جاءوا بإصلاحي وهزَّة السُّكر لا يخطى بلذَّتها ... إلاّ خليع تحاشى حشمة الصَّاحي وقال أيضًا: [من الكامل] لاحي المتيم بالملام متيَّم ... وبما يضر أخا الصَّبابة تحكم يلحاه وهو مدلَّه بأحبَّة ... لفؤاده ملكوا وفيه خيَّموا سنُّوا الجفا فكلُّ هجر متلف ... في سنَّة العشَّاق يروى عنهم وفتى تنمُّ بسرِّة أجفانه ... إن زمَّت الأجمال أنَّى يكتم؟ بالله يا ركب الحبيب ترفَّقوا ... بالمستهام أخي الصَّبابة وارحموا لا تعجلوا قلص الرِّكاب فتتلفوا ... دنفًا بعيد فراقهم ما يسلم متلهِّب الزَّفرات نار غرامه ... ما تأنلي في قلبه تتضرَّم عملت جراح الهجر فيه ومالها ... إلاَّ الوصال وعزَّ ذلك مرهم وإذا أتت برضا الأحبَّة خطَّة ... تردي فمثل الشَّهد منها العلقم رفقًا بحقَّكم على ذي لوعة ... عنها تنشَّأ لحمه والأعظم ما فارق الحمد المبرِّح قلبه ... نفسًا ويعدم والهوى لا يعدم وقال من قصيدة/ 180 أ/ يمدح الملك المنصور أرتق أرسلان، صاحب ماردين: [من الكامل]

لم تولينَّ الصَّبَّ يا ذات اللَّمى ... وتحلِّلين من الصُّدود محرَّما؟ يا ضرًّة القمرين بل يا غلطة ... الدُّنيا حجى وصيانًة وتكرُّما إن كان في قتلي رضاك فقطِّعي ... كبدي بهجرك واسفكي منّي الدِّما فلقد أطعت صبابتي وأضعت من ... كلفي الصَّواب وقد عصيت اللُّوَّما وغدوت مكتئب الفؤاد مدلَّهًا ... قلق الحشا قرح الجفون متيَّما فتكاد تحرق زفرتي أثل الغضا ... أسفًا وتغرق عبرتي أهل الحمى يا من يبدِّد شمل دمعي في الهوى ... من وصفه لفظ وثغر نظِّما قل للعباهلة الكرام بحرزم ... شرَّفتم عن كلِّ واد حرزما هل تعرف مع الهجوع بأنني ... ما زلت بعدكم أناجي الأنجما ليلي وليلكم سواء إنَّما ... قضَّيته سهدًا وبتُّم نوَّما من كان عن ورد المراد محَّلاً ... ألفى حلاوة كلِّ شيء علقما كم نظرة جنت الهوى وألذُّ من ... نظر العدوِّ منعَّمًا صفة العمى يا عادليَّ بحقِّ ربِّكما ارحما ... ولهي لعلكما غدًا أن ترحما / 180 ب/ وترفَّقا بحشاشتي وتأيَّدا ... في قصَّتي بلِّغتما ما رمتما إن كنت أخدع عن هواها إنَّني ... من جود أرتق ذي النَّدى غيث هما ما سلَّ سيفًا فوق طرف أو رمى ... يوم الهياج إلى عدوٍّ أسهما إلاَّ ظننت البدر حمِّل بارقًا ... ريح الصَّبا وأقض عنها أنجما وقال أيضًا: [من الكامل] أنا أوحد العشَّاق يتلف مهجتي ... من ساق سائلة الظّغائن أوحدا قرح الجفون يظن ناقف حنظل ... إثر الظَّعائن أو مريضًا أرمدا ومنها يقول: لولا منظَّم ثغره وكلامه ... ما ظلَّ دمعي في الرُّسوم مبدَّدا رشا أرقُّ من الهوى جسمًا حوى ... قلبًا قسا فحكى لحيني جلمدا

يا ذاكرين تذَّكروا كلفًا بكم ... ما نام قطُّ ولو سقوه المرقدا بيد يردُّ بها الحداة عن السُّرى ... ويردُّ من وله على كبد يدا أسفي على يومي القصير بوصلكم ... كيف استحال مع القطيعة سرمدا يا عاذليَّ أتعلمان حقيقًة ... أنِّي أطيق مع القضا ردَّ الرَّدى لو كنت أملك مهجتي يوم النَّقا ... ما كنت أنصف من على ضعفي اعتدى / 181 أ/ وقال أيضًا: [من البسيط] لا والَّذي بيديه البرء والسَّقم ... ما لي سوى وجنتيه في الهوى قسم أحوى حوى السِّحر في أجفانه وعلى ... خدَّيه من مهجات المدنفين دم مزنَّر الخصر واشوقًا إلى خصر ... في فيه يقصر عنه البارد الشَّبم كالماء جسمًا ولكن قلبه حجر ... وما سباني إلاَّ وهو لي صنم وقال أيضًا: [من البسيط] أما وجفنيك والسِّحر الَّذي بهما ... لقد تقطَّع قلبي للنَّوى ندما أظبية الخيف ألحاظًا متى سفكت ... دمًا غزيرًا بلا جرم لحاظ دمى؟ أما لهذا القلى والصدِّ من أمد ... أما رثيت لمقتول يذوب أما؟ وحرمة الحبِّ إيمانًا بمولده ... وصبوة الصًّب عشقًا عزَّ ذا قسما زمُّوا الجمال عليها كلَّ مشبعة ... من الجمال لخضر يستغيث ظما لمياء سحَّارة الأجفان ما تركت ... بالخيف إلاَّ مخافَّا يشتكي ألما لها ذوائب تحكيها الأراقم من ... صاف مبين فويق الأرض ما رقما كأنَّها ليل مهجور وأعجب ما ... في حسنها جمعها الأنوار والظُّلما [269] عبد الرحمن بن يخلفتن/ 181 ب/ بن أحمد، أبو زيد الفازازيُّ المغربيُّ، الساكن بمدينة مراكش:

فاضل عالم مقدّم في الأدب، كبير المحل في الفضل، شاعر مقتدر على الكلام، صاحب فصاحة في الإنشاء، نزل مراكش، وتقدم عند مليكها، وحظي لديه، وقلده الوزارة، وكتابة الإنشاء، وله شعر كثير في كل نوع. أنشدني أبو القاسم عبد الرحيم بن أحمد بن علي بن طلحة الأنصاري السبتي، بمدينة إربل في أواخر ذي الحجة سنة ثلاثين وستمائة قال: أنشدني الوزير أبو زيد عبد الرحمن الفازازي لنفسه: [من الطويل] أزيد اشتياقًا كلَّما زدتني بعدًا ... وآلف وجدًا حين أطَّرح الوجدا وتشفع عندي في صدودك لوعة ... تجاذبني لا أستطيع لها ردَّا وما مرَّ يوم من شديد مودتي ... وحقّك إلا زدت في غده ودّا كأنَّ الهوى جسم ثوى بين أضلعي ... فضمَّ عليه الشَّوق من جسدي بردا أرى نار إبراهيم بين جوانحي ... نشبُّ ولكن لا سلامًا ولا بردا وما جزعي للموت إلا لعلَّة ... إذا لم تقرَّ العين لا تشمت الأعدا عجبت لأهل الوجد ماتوا بوجدهم ... وما اعتنقوا غصنَّا ولا ارتشفوا شهدا / 182 أ/ فلو أنَّ ما أهواه في علم من مضى ... لما عشقت لبنى ولا مدحت سعدى ولا مشت الخنساء تسحب ذيلها ... ولا علَّقت عفراء في جيدها عقدا إذا ظفرت عيناي منك بنظرة ... فقد أسكنت عدنًا وجاوزت الخلدا [270] عبد الرَّحمن بن الحسن بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن الحسين بن أحمد بن محمَّد بن عيسى بن محمَّد بن حمدويه بن دينار بن شيلة بن شيلمة بن فذهر مز بن آه بن أوه بن أشك بن شكرك بن زاذان فرّوخ بن بيغان بن زاذان فرُّوخ الأكبر –وزير الحجاج بن يوسف-، وهو أخو

يزدجرد بن هرمز بن نوشروان ملك الفرس، المعروف بابن بصلا البندنيجي، وبصلا لقب لمحمَّد بن حمديه، أحد أجداده. هكذا ساق هذا النسب شيخنا أبو عبد الله محمد بن سعيد الدبيثي قال: أملاه عليّ من حفظه أبو المكارم عرفة بن علي، والد شيخنا عبد الحميد، وأثنى عليه خيرًا. وعبد الرحمن، يكنى أبا محمد، كان متصوفًا، وسمع الحديث، وصحب الصوفية، قال القاضي أبو القاسم الحنفي: / 182 ب/ شيخ حسن صالح، وقور فاضل، من شيوخ الصوفية، قدم علينا حلب في صحبة شيخنا عمر بن محمد السُّهروردي، وسيره رسولاً إلى ملك الروم، ثم قدم مرّة أخرى في سنة ثماني عشرة وستمائة، وسمعنا منه الجزء الثاني والرابع من أمالي المحاملي بسماعه من أبي بكر أحمد بن المقرئ أبي الحسين بن الحسن الكرخي، وأبي القاسم يحيى بن ثابت بن بندار البقال. وكانت ولادته سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وله أشعار، فمنها ما أنشدنيه أبو جعفر محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمذاني قال: أنشدنا أبو محمد عبد

الرحمن بن بصلا لنفسه، وقد طلبت منه الإجازة: [من البسيط] أجزت للولد المذكور ما سألا ... آتاه رِّبي التُّقى والعلم والعملا فليرو عنِّي ما صحَّت روايته ... لديه ممَّا روى عنِّي وما نقلا ويتَّق الله فالتَّقوى له شرف ... وأكرم النَّاس في تقواه من عقلا وليجعل العلم مالاً يستعين به ... وليس ينفع إلاَّ من به عملا ومن تحمل علمًا ليس يحمله ... فإنَّما هو أسفار لها حملا وحامل العلم من يخشى الإله ومن ... يكون في كلِّ حال خاشعًا وجلا / 183 أ/ ومن تحمَّل علمًا وهو حامله ... فهو الَّذي عند أهل العلم قد كملا فالله ينفع من هذا السُّؤال له ... والله أكرم مسؤول إذا سئلا ثمَّ الصَّلاة على المبعوث من مضر ... خير الأنام ومن فاق الورى فعلا [271] عبد الرَّحمن بن نجم بن عبد الوهَّاب بن عبد الواحد بن أبي الفرج بن محمَّد بن عليِّ بن يعيش الأنصاريُّ، أبو الفرج الواعظ:

هو من ولد سعد بن عبادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعروف بابن الحنبليّ الدمشقي. من أشهر بيت بدمشق في العلم، وأكبره، وهو واعظ حسن، فقيه حنبلي، محدث مفسر، عالم سائر الذكر ببلاد الشام، كانت ولادته فيما أخبرني [سابع عشر شوال] سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتوفي بدمشق، ثالث المحرم سنة أربع وثلاثين وستمائة. و[كان] يقول الأشعار، أنشدني أحمد بن إسماعيل بن نجم الحنبلي الدمشقي قال: أنشدني أبو الفرج عبد الرحمن لنفسه: [من السريع] يا صاحبي إن كنت لي ناصحًا ... فمر وسلِّم لي على جلِّق / 183 ب/ وابرد بوادي بردى واستمع ... الحان طير طيِّب المنطق واذكر أحاديث ليال مضت ... بالنيرب الأعلى وبالجوسق وأنشدني قال: أنشدني أبوالفرج قوله: [من الكامل] اذكرتني ناسي وما فعل الصِّبا ... بالنَّيرب الأعلى على باناس نهر كحدِّ السَّيف تكسو متنه ... الأزهار غمدًا فهو عار كاس وجواسق مثل القصور شواهق ... ومقاعد محفوفة بالآس فهي الشِّفاء لعلَّتي ولربما ... طال السَّقام بسوء فعل الآسي وأنشدني قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من الرمل] سلَّم الله على قوم سروا ... وفؤادي بعدهم قد أسروا

عاهدونا وتناسوا عهدنا ... فدموعي غدر مذ غدروا ما لصبحي سحر بعدهم ... مات حزنًا أم له قد سحروا يا نسيم الرِّيح من أرضهم ... خبِّريني ليس عندي خبر هل هم في راحة أم تعب ... كدت من همَّي بهم أنفطر خبِّريهم أنَّني حلف الضَّنى ... ما بقي منِّي إلاَّ الأثر [272] عبد الرَّحمن بن عمر/ 184 أ/ بن الحسن بن نصر بن سعد بن عبد الله بن باز، أبو محمَّد الموصليُّ: كان يكتب القصص بالأجر، ويعمل أشعارًا، ويمدح بها الناس، وكان مخلاً بفردعين، متشيعًا، خارجًا في التشيع، وربما كان يظهر منه في حق الصحابة كلام رديء، وتوفي بالموصل سنة عشر وستمائة. حدثني سبطه أبو محمد الحسين بن إبراهيم بن حماد، النبع الموصلي قال: رأيت جدي في المنام بعد موته، وهو بزيّ جميل، وهيأة حسنة، فقلت له: ما فعل الله لك؟ قال: غفر لي، فقلت: بماذا وقد كنت تتناول أبا بكر وعمر، وتطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إنني رجعت عن ذلك وتبت عنه قبل موتي بشهر، فتاب الله عليَّ. أنشدني أبو الفضل مودود بن مسعود الإربلي قال: أنشدني عبد الرحمن بن عمر بن باز الموصلي لنفسه: [من الطويل] رأت غصني بعد النَّضارة ذاويًا ... وماء شبابي غاض عن كلِّ مورد فنفَّرها ما كان من لون لمَّتي ... فصدتَّ وقالت أيبض بعد أسود فقلت ضلالاً واهتديت فأعرضت ... وقالت ألا يا ليت لم تك تهتدي / 184 ب/ ألم تدر أنَّ الشَّيب ذنبك عندنا ... فقلت لها لا تعجلي وتأيَّدي بهجرك أضرمت الغضا في حشاشتي ... فهذا شرار النَّار من غير موقد وأنشدني قال: أنشدني لنفسه عبد الرحمن، من قصيدة يمدح بها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب: [من الكامل]

يا مستميح الحمد دعوة نازح ... عن داره أوفى بحلية شاعر وله من الحدباء أكرم موطن ... فيه منه الجيران خير مجاور ورأيت من الحدباء أكرم موطن ... فيه من الجيران خير مجاور ورأيت من شعره هذه القصيدة يمدح بها أتابك نور الدين أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي –رضي الله عنه- ويهينه بتشريف أمير المؤمنين الناصر لدين الله –رضوان الله عليه-: [من الخفيف] أيُّها المالك المؤيَّد نور الد ... دين قرَّت لديك عين الزمان حيث أصبحت للخليفة ظهرًا ... ظاهر المجد عالي الأركان فأتاك التَّشريف منه فللتَّشـ ... ـريف فخر الإسلام في الأديان / 185 أ/ واكتسى منك أشرف الرُّتب العلـ ... ـياء حتَّى علا على كيوان وكذا الغمد يكتسي الشَّريف العا ... لي بحدِّ العضب الحسام اليماني ولواء الحمد الذي عقد النَّصـ ... ـر به في مثقف وسنان وجواد تعلو به قمم الأعـ ... ـداء قبل السِّباق في الميدان فانتهز فرصة الزَّمان فقد أمـ ... ـكن منه نهاية الإمكان واملك الأرض كلَّها فهي طوع ... لك مشحونة من الأعوان عصرك اليوم منك يسمو على الأعـ ... صار مثل الرَّبيع في الأزمان وعلى الدَّهر من أياديك وسم ... فوق جيد يسمو بأرسلان إنَّما سائر الملوك كألفا ... ظ كلام وأنت فيها المعاني فاشمل الجند بالعطاء فللإنـ ... ـعام وقع التَّعجيل عند التَّواني فجميع الأنام أعبد آما ... ل وقيد الإنسان بالإحسان جد وطل وابق في نعيم مقيم ... وعلوَّ ورفعة وأمان وتملَّ الصِّيام فالله راض ... عنك فيما تأتيه من رمضان ولك الله ناصر ومعين ... وظهير في كل شيء تعاني ومنها يقول في آخرها: / 185 ب/ فاستمع نبذًة أتت من محبٍّ ... أخلص العهد منه بالإيمان ينظم المح في معاليك كالدُّر ... روما المدح نظمه كالجمان فلهذا أضحى يوالي مواليـ ... ـك ويشنا بهجوه للشَّاني

[273] عبد الرَّحمن بن أبي بكر عليِّ بن أحمد بن عبد الله، المؤدِّب البغداديُّ المعروف بابن الحمّامي: أصله من نيسابور، وكانت ولادته ببغداد، وتوفي بها ليلة الجمعة، سابع عشر جمادى الأولى سنة عشر وستمائة. وكان يؤدب الصبيان، ويشعر، والذي وقع إليّ من شعره، يقول في رجل يلقب الشميس الفقيه الأنباري، ويعرف بالحيوان، وكان قد أضاف صبيًا من أهل سنجار أمرد مليح الصورة، وقدّم له قطايف، فحين أكلا، تقدم إليه فقبّله، فغضب الصبيّ، فقام إليه، فضربه ضربًا مؤلمًا، فقال في ذلك عبد الرحمن: [من الطويل] / 186 أ/ لقد دام دهرًا للشّميس دبيبه ... فظلَّ على علاَّته يستطيبه يدبُّ إذا ما اللَّيل أرخى ستوره ... عليه فلا يدري بذاك رقيبه ولا يشعر النُّوَّام من حوله وقد ... أغار على سرم الغلام يصيبه فغيره الدَّهر الغشوم عن الَّذي ... تعوَّده والدَّهر جمٌّ خطوبه فصادف من سنجار ليثًا فظنَّه ... غزالاً فأهوى نحوه يستجيبه وجذَّره لمّا حواه قطايفًا ... ليشغله والقلب باد وجيبه وأهوى إلى تقبيله فرأى فتى ... من الحيوان النَّذل حالاً تريبه فدقَّ قفاه ثمَّ شجَّ جبينه ... وغادره يبكي عليه طبيبه طريحًا جريحًا بالدِّماء مضرَّجًا ... ينادي ضعيف الصَّوت من لا يجيبه ومن يدلِّي للواط عصيبًة ... فأكثر من هذا لعمري يصيبه [274] عبد الرَّحمن بن عبد الله بن أبي المحاسن، أبو الدُّرِّ الرُّوميُّ:

هكذا قرأت نسبه بخط يده في غير موضع، كان اسمه ياقوتًا، مولى منصور الجيلي التاجر، فسمى نفسه عبد الرحمن. نشأ ببغداد/ 186 ب/ وحفظ القرآن العظيم، وشدا طرفًا حسنًا من العربية، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- وقال الشعر الرائق الألفاظ، واستكثر منه في فن الغزل والتصابي، وذكر المحبة والغرام، وراق شعره، وتحفظه الناس، وتناقله الرواة، وغنّى به المغنون. وكان تاليًا للقرآن، مشغوفًا بمذهب الإمامية، والتعصب لهم، كثير الميل إلى أهل البيت –صلوات الله عليهم- سيّر فيهم عدة قصائد اشتهرت في البلدان، ومدحهم مدحًا كثيرًا، وكان مع ذلك يحفظ كلّ غريبة ونادرة، ويذاكر بالأشعار، وملح الحكايات، وكانت وفاته فيما بلغني يوم السبت رابع عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وجد في بيته ميتًا. وكان عزبًا لم يتزوج قط، أنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي يزيد التبريزي قال: أنشدني أبو الدرّ الرومي لنفسه، وكتب ذلك لي بخط يده: [من الكامل] أتظننُّي أسلو هواك وأنتهي ... عن جنَّة تجني النُّفوس وانتهي / 187 أ/ برح الخفاء وشاب صبري في الهوى ... ووهى وها عزمات وجدي لم ته بأبي الَّذي أنا منته في حبِّه ... شغفًا كما هو في الملاحة منتهي يا منتهى أملي أما لي من مدى ... في الحبِّ أو أمد إليه أنتهي؟ أمط اللِّثام فلثم ثغرك واللَّمى ... وهواك غاية ما أروم وأشتهي

تجني وأصبر في هواك فأجتني ... بالصَّبر شهدًا من مقبَّلك الشَّهي وقال نشدني أبو الدرّ لنفسه: [من البسيط] إن غاض دمعك والأحباب قد بانوا ... فكلَّما تدَّعي زور وبهتان وكيف تأنس أو تنسى خيالهم ... وقد خلا منهم ربع وسكَّان؟ لا أوحش الله من قوم نأوا فنأى ... عن النَّواظر أقمار وأغصان ساروا فسار فؤادي إثر ظعنهم ... وبان جيش اصطباري ساعًة بانوا لا افترَّ ثغر الرُّبى من بعد بعدهم ... ولا ترنَّح أيك لا ولا بان أجرى دموعي وأذكى النَّار في كبدي ... غداة بينهم همٌّ وأحزان فماء نوح ثوى في مقلتيَّ وفي ... طيِّ الحشا لخليل الله نيران لو كابد الصًّخر ما كابدت من كمدي ... فيكم لجاد له أحد وثهلان يا من تملَّك رقِّي حسن بهجته ... أمما لسلطان هذا الحسن إحسان؟ / 187 ب/ كن كيف شئت فما لي عنك من بدل ... أنت الزُّلال لقلبي وهو ظمان وأنشدني قال: أنشدني من شعره: [من الكامل] جسدي لبعدك يا مثير بلابلي ... دنف نحيل ما أبلَّ بلى بلي يا من إذا ما لام فيه لوائمي ... أوضحت عذري بالعذار السَّائل إن كنت تجهل ما أتى في النصَّ من ... تحريم سفك دم المحبِّ فسائل ما قول أرباب الشَّريعة والتُّقى ... والعلم والفضل العميم الشَّامل أأجيز قتلي في الوجيز لقاتلي ... أم حلَّ في االتَّهذيب أم في الشَّامل أم في المهذَّب أن يعذَّب عاشق ... ذو مقلة عبرى ودمع سائل أم طرفك الفتَّاك قد أفتاك في ... تلف النُّفوس بسحر لحظ بابلي أو ما علمت بأنَّ سحر جفونك الـ ... مرضى الصَّحاح يفوق حدَّ الذَّابل والسِّحر إن قتل المتيَّم غالبًا ... وجب القصاص على الظُّلوم القاتل

رفقًا بجوهر جسم صبٍّ مغرم ... غادرته غرضًا كخصر ناحل وجعلت أسهم مقلتيك وسيلة ... وذريعًة حتَّى أصبن مقاتلي إن أنكرت عيناك قتلي في الهوى ... فبخدِّك القاني وضوح دلائلي لكنَّ طرفك ناعس والشَّرع قد ... كفَّ القصاص عن النؤوم الغافل لا تأخذوا بدمي فإنِّي عبده ... والحرَّ ليس لعبده بمماثل / 188 أ/ طرفي تسبَّب وهو ناشر قتلتي ... فلمن ألوم ولحظ طرفي قاتلي؟ وأنشدني الإمام عماد الدين أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الفقيه الشافعي الموصلي قال: أنشدني أبو الدر لنفسه ببغداد: [من الطويل] خليليَّ لا والله ما جنَّ غاسق ... وأظلم إلاَّ جنَّ عاشق أحبُّ سواد اللَّيل حبًا لشادن ... يواصلني ليلاً وصبحًا يفارق إذا سمت قلبي الصَّبر زاد تشوُّقًا ... فقلبي مشوق واصطباري شائق وما الصَّبر بالمشتاق عمَّن يحبُّه ... وإن ساءه منه خلائق لائق بروحي من روحي تساق إذا حدا ... مطاياه حادي البين أو ساق سائق مفارقة الأحباب لولاك لم يذب ... فؤاد ولا شابت لصبٍّ مفارق أمنت الجوى والبين غبَّ فراقه ... فلست أبالي بعده من أفارق وأنكحت أجفاني السُّهاد لبعده ... وقلت لنومي بعده أنت طالق وأنشدني أبو القاسم التبريزي قال: أنشدني [أبو الدرّ] أيضًا: [من الهزج] إذا ما ضحك الورد ... وماس البان والرَّند / 188 ب/ وعاد العود مخضرًا ... له من زهره برد وأضحت ترقص الأشجا ... ر إذ أطيارها تشدو فلي والرَّاح من راحـ ... ـة من هيَّمني ورد هلال ماله في حسـ ... ــنه شبه ولاندُّ إذا ما أعوز الرَّاح ... وعزَّ المسك والنَّدُّ فلي من ريقه راح ... ومن نكهته ندُّ

ومن حاجبه آس ... ومن وجنته ورد بروحي رشأ ذلَّت ... له في غابها الأسد رشيق القدِّ ميَّاس ... سباني ذلك القدُّ يكاد الخصر من لين ... إذا ما قام ينقدّ غزال وصله وعد ... ولكن هجره نقد كأنَّ الورد من أهوى ... دنوُّ بعده بعد فلا ذاك له ودٌّ ... ولا هذا له عهد ومالي منه إذ واصـ ... ـل أو قاطعني بدُّ وأنشدني عبد الكريم بن الذكي/ 189 أ/ بن شبانة الحظيري المعلم قال: أنشدني أبو الدرّ لنفسه يمدح أهل البيت –صلوات الله عليهم-[من الوافر] دعا عذلي وكفّا عن ملامي ... فعذل عوذالي يغري غرامي وكيف يرام صرفي عن هداة ... بهم عرف الحلال من الحرام ليوث كريهة وغيوث محل ... بدور هدى مصابيح الظَّلام بهم فيي يقظتيي شغفي ووجدي ... وذكرهم سميري في منامي إذا ما شئت أن تمسي وتضحي ... عريًا من ذنوبك والأثام فزر بمدينة الزَّوراء موسى الـ ... إمام بن الإمام بن الإمام وأمَّ بأرض سامرّا وطوس ... قبور أئمَّة غرر كرام وقف بالطَّف وابك بكربلاء ... على ظمانهًا والماء طامي وعذ من كلِّ نائبة وخطب ... بحبِّ أبيهم البطل الهمام وحي بيثرب أجداث قوم ... هم خير البريَّة والأنام فما خابت مساعي مستجير ... تمسَّك منهم ذيل الذمِّام وأنشدني أبو عبد الله الحسين/ 1889 ب/ بن عربشاه بن عبد الوهاب البغدادي قال: أنشدنا أبو الدرّ الرومي لنفسه: [من الطويل] فؤادي على مرِّ الزَّمان متيَّم ... وصبري ووجدي ظاعن ومخيِّم

أيا جنَّتي غادرت بالبعد في الحشا ... جحيم أسى نيرانه تتضرَّم ألست من الولدان أحلى شمائلاً ... فكيف سكنت القلب وهو جهنَّم؟ نفرتم فنفَّرتم رقادي ببينكم ... وثوَّرتم الأحزان يوم أثرتم إذا ما خلت منكم منى لا خلت منى ... ولا جادها جون من المزن مرزم أنادي مناديكم وقد عزَّ عنكم ... عزائي ألا لا أوحش الله منكم ربيعي جمادى مذ نأيتم ومنزلي ... به صفر منكم ونومي محرَّم جفا الغمض جفني والكرة بعد بينكم ... كأنَّ الكرى طيب وجفني محرَّم ظننتم وبعض الظَّن إثم بأنَّني ... سلوت هواكم والسُّلوُّ مذمَّم هواكم يقين والسُّلوُّ توهُّم ... وأين من الأمر اليقين التَّوهم أنا ذلك الصَّب المعنَّى بحبكم ... وأنتم وإن خنتم عهودي أنتم [275] عبد الرَّحمن بن بدر بن الحسن/ 190 أ/ بن المفرِّج، أبو محمَّد النابلسيُّ، المنبوز بمدلويه: أحد الشعراء المعروفين، والفضلاء الموصوفين، كثير الشعر، نبيه الذكر، ذو نظم مستجاد، أحسن في إنشائه وأجاد، يجمع السهولة والمتانة والعذوبة والرصانة. امتدح الملوك من بني أيوب، ملوك الشام، وأكرموه لفضل أدبه غاية الإكرام، ثم غيرهم من الأمراء والقضاة والوزراء والولاة، تأدّب على الإمام الأديب أبي اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي البغدادي النحوي، وقرأ عليه كثيرًا من مسموعاته، واشتغل في صباه على الشهاب فتيان بن علي الأديب الفاضل الشاغوري، ورحل إلى مدينة السلام، وقرأ بها المقامات الحريرية على أبي الفضل منوجهر بن محمد بن

تركانشاه البغدادي الكاتب، عن مصنفها، واتصل بأخرة بالملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، صاحب دمشق، ولم يزل منقطعًا إليه إلى أن توفي بدمشق، يوم الجمعة في العشر الأولى من ذي الحجة/ 190 ب/ سنة تسع عشرة وستمائة، عن ستّ وستين سنة، وكانت ولادته في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. وكان مشغوفًا بشرب الخمر، مفتونًا بها، منعكفًا عليها، إلى حين مماته، وكان نزقًا، مرّ المذاق، شرس الأخلاق، جافي الطباع، غليظ الجواب، يخاطب من يستنشده شعره خطابًا بشعًا، ولا ينشده من شعره غير مرّة واحدة، كذا كانت شيمته مع الناس، وكان يحتمل لفضله وموضعه من الأدب، وديوان شعره يدخل في مجلدين كبيرين. أنشدني أبو بكر محمد بن نصر الله النابلسي الشاعر قال: أنشدني أبو محمد عبد الرحمن بن بدر النابلسي لنفسه، يمدح الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذى –رضي الله عنه-[من المنسرح] زار وسيف الصَّباح مسلول ... واللَّيل ملقى لديهمقتول معفر خدُّه ومن دمه ... قان على المشرقين مطلول والأنجم الزُّهر في مواكبها ... منهزم داهش ومذهول / 191 أ/ كأنَّها والصَّباح يلفتها ... قسرًا إلى الغراب أعين حول فالنَّسر يهوي كأنَّه ملك ... وللثُّريا عليه إكليل والرٌّمح رمح السِّماك منحطم الـ ... ـقناة والحدُّ منه مفلول والقطب قطب الشَّمال معتقل ... في أوجه كالأسير مكبول وقد تغنّى لجاشريته ... ديك له في الغناء ترتيل حيَّ على مجلس الصَّبوح إذا ... كان له بالصَّباح تكميل زار وقد رنَّحت شمائله ... راح بها راح وهو مشمول أهيف عذب الرُّضا قامته ... وثغره عاسل ومعسول قام ينادي وعطفه ثمل ... وطرفه بالنُّعاس مكحول قم يا نديمي إلى الصَّبوح فما ... عذر مخلِّي الصَّبوح مقبول

نشرب في بيعة بساحتها ... تتلى المزامير والأناجيل بين قوس كأنَّ أوجههم ... لدى محاريبهم قناديل على عذارى ملحور بهجتها ... من النَّصاري بيض عطابيل أوانس أنطقت مناطقها ... وأخرس السُّور والخلاخيل تحسبها والقباب تحجبها ... هياكلاً بينها تماثيل / 191 ب/ ومن بني الرُّوم شاذن غنج ... حلو مكان الوشاح مجدول مكتحل بالفتور ناظره ... ولم يجل في جفونه ميل لشعره الجعد فوق غرَّته ... كما لعزمي لديه ترجيل مزنًّر راق عقد مبسمه ... فعقد صبري عليه محلول يقرأ للحسن فوق وجنته ... سطر بشكل الجمال مشكول ولاية وقَّع العذار بها ... لكنًّ والي العذار معزول فامدح مليكًا تبقى ولايته ... ما مدَّ يحكي نواله النِّيل خير فتى يمَّمت مواهبه ... على النَّوى البزَّل المراسيل وانقلبت عن نداه يثقلها ... منه القناطير لا المثاقيل الملك الأروع المظفَّر من ... لمجده في العلاء تأثيل نجل الألى منهم الأكاسرة الأنـ ... ـجاب والسَّادة البهاليل هم المناسب في مناقبهم ... وجلُّ من في الورى مجاهيل لله منهم هاد إلى سنن الـ ... ـرُّشد إذا عمَّت الأضاليل غيث ولكن سحابه يده ... ليث ولكن يراعه الغيل كالسَّهم عزمًا والسَّهم منصلت ... والسَّيف رأيًا والسَّيف مصقول / 192 أ/ بحر نوال عذب الموارد لا ... يقدر عرض له ولا طول يسبق إحسانه الوعود فإن ... أوعد فالعفو منه مأمول مطلق باع النَّدى لسائله ... ساعة باع الكريم مغلول يصان بالمال مجده فكم الـ ... مال لديه مبذول

ومنشر العدل في البريَّة فالظُّلـ ... ـم قد اغتال ذكره غول ولابس العزِّ ذيل أنعمه الضَّا ... في على الخافقين مسدول تحمل أمواله كرائمه ... وللنَّدى حامل ومحمول إذا ملوك تكلَّفوا كرمًا ... فهو على المكرمات مجبول يا طالب الرِّفد بابه فبه ... للمعتفي حظوة وتنويل مل نحو ظلٍّ لكلِّ مفتقر ... مال إليه غنى وتمويل مولي الأيادي مولى الملوك تقـ ... ـيِّ الدِّين لا خاب فيه تأميل ملك له في عفاته نعم ... لها عليهم برد وتظليل كماله في عداته نقم ... ترميهم طيرها الأبابيل فجنَّة الخلد في رضاه لمن ... شاء وفي السُّخط منه سجّيل حبر إذا سوجلت فضائله ... حار لها سائل ومسؤول / 192 ب/ ينطق فصل الخطاب واليقظ الـ ... ـمدرة عن الجواب مذهول ويوسع الحلم والرَّضانة إذ ... حبل ثبير بالطَّيش موصول خرق أقلُّ النَّوال من يده ... فيه لجود الغمام تبخيل قرم إذا أغمد الظُّبا خور ... فعرفه كالقضاء مسلول حيث لحدِّ العضب المهنَّد في ... خدِّ الشُّجاع الكميِّ تقبيل يقدم في الرَّوع كالأتيِّ وللضَّـ ... ـرب بهام الكماة تنكيل ساعة ذو الجأش دمعه طلق ... وعقله كاليدين معقول فكم له وقفة على غرر ... لا ينقضي ذكرها وتحجيل ورتبة ما استوى الأجل الحتـ ... ـم بها من يشاء مثكول كان لدين الهدى بساحتها ... عزٌّ وللمشركين تذليل أفرط فيما ينيل من كرم ... حتَّى النَّدى من يديه مملول وجاز في البأس حدَّه فلذًا ... تحار في وصفه الأقاويل فهارب لم يلذ بساحته ... لحم بناب الخطوب مأكول

وغالب لم يصل بنصرته ... على صروف الزَّمان مخذول / 193 أ/ قضى بتفضيله الحسود وللـ ... ـفضل بهذا القضاء تسجيل وأطرب المدح في علاه كأن ... يسمع منه آي وتنزيل فهو نبيٌّ للمكرمات وما ... أتاه بالمعجزات جبريل يا عمر العدل ما لذي أمل ... في الأرض إلا عليك تعويل يا من إذا أربع العلا درست ... فربعه بالعلاء مأهول دان لأيّامك البقاء فلا ... يرى لنعمى عليك تبديل وعشت ما غرَّد الحمام وما ... حنَّ مشوق وأن متبول فارغ قلبه من الهموم ومن ... يشناك بالحادثات مشغول لا جيل يبلي الزَّمان جدَّته ... إلاَّ ويفديك ذلك الجيل وقال يمدح الملك الناصر صلاح الدين أبا المظفر يوسف بن أيوب ابن شاذى –قدّس الله روحه- وهي تقرأ وزنين وقافيتين: [من الرجز] بدر دجى نوَّر ليل السَّفر أم شمس ضحى ... جلت دياجي الظُّلم أم واضح الغرَّة بالحسن بدا متَّشحا ... بكى المحبُّ وابتسم / 193 ب/ لاح فغضَّ طرفه من لمحبِّيه لحا ... يقرع سنَّ ذي ندم معتدل يميله الدَّل صبًا ومرحا ... وجائر إذا احتكم معربد سكران من خمر الدَّلال ما صحا ... مسكر عذب المبتسم صيَّر جسمي في هواه بالسَّقام شبحا ... وجوده يحكي العدم وغادر الدَّمع لطول هجره منسفحا ... ممتزج الماء بدم كأنَّما جدوله جدوى الصَّلاح سمحا ... به يداه للأمم من عرفه وعرفه الرَّوض إذا ما نفحا ... ضاع أريجًا وفغم ومن نداه ويداه للغمام فضحا وأزريا ... على الدّيم ومن صيال بأسه لصوله الأسد محا ... أسد العرين والأجم كعبة جود فاز من طاف بها أو انتحى ... فهي من الدَّهر حرم ما زارها ذو حزن إلا وعاد فرحا ... مبرًا من كلِّ هم عاد بما أمَّل غاد صدره منشرحا ... يحمد محمود الشِّيم

طاف بباب لم يزل لسائل مفتَّحا ... لا بل لعرب وعجم ينهلُّ للعافي نداه منحًا فمنحا ... وينهل العاتي سقم يسقي الموالي خمر جود قدحا فقدحا ... ويسكر الأعداء سم / 194 أ/ مرتديًا برد الجلال بالعلا موشَّحا ... له من المدح علم لو عدله في الذِّئب والشَّاء عدا لاصطلحا ... واطَّرحا ضغن القدم محمَّد من لم يزل من الورى ممدَّحا ... سامي العلا خلاه ذم يسمح طبعًا إن يجد ذو كرم تسمُّحا ... فيا له من ذي كرم أيُّ حسام لم يفل حدَّه مجرّحا ... وأيَّ داء ما حسم أيُّ غنى لم يبنه لسائل مجترحا ... وأيَّ فقر ما هدم أربح من تاجره بشعره ممتدحا ... وحاز ما شاء وضم وكيف لا يرجع من أمَّ حماه مربحا ... يرفل في ثوب النِّعم قريب إيراء زناد جوده مقتدحا ... بعيد عزم وهمم تدو من آرائه على أعاديه رحى ... ينقض منهم ما انبرم ملك ترى الملوك ما بين يديه سرحا ... تجرُّ أذيال الخدم لو وزنت نداه بالبحر ندى لرجحا ... على ندى البحر الخضم أو ناضلا أحدًا ورضوى حلمه تطحطحا ... واثناهما طود أشم يخدمه الإقبال والسَّعد ألا لا برحا ... له عبيد وخدم يا من يقرُّ ضدُّه بفضله مصرَّحا ... إن حاسد فضلاً كتم / 194 ب/ إلمح تجد من غرر الآداب فيها ملحا ... يفض عنها كلُّ فم لو أعجميٌّ ذاقها سمعًا لعاد مفصحا ... ينثر درًا إن نظم تلذُّ للسَّامع إذ يسمعها مفتتحا ... كما تلذُّ مختتم وله وقد رأى بين يدي الملك الأفضل نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف صبيًا حسن الصورة، بديع الحسن، بين عبدين أسودين، شنيعي الخلق: [من البسيط]

لله من عاينت عيني محاسنه ... يومًا فعوذته بالله من عيني يختال كالغصن تيها في تمايله ... ما بين عبدين لون اللَّيل علجين فقلت والشَّوق يطويني وينشرني ... لم ألق قبلك صبحًا بين ليلين فمرَّ يضحك من قولي وقال بلى ... كم قد رأى النَّاس سعدًا بين نحسين! واقترح عليه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب –قدس الله روحه- بمرج عكّا، ما يعتذر به عن الشيب، أنه ليس بوهن، ولا ضعف، ولا كبر، فقال: [من الرجز] / 195 أ/ يا من لآيات شبا ... بي في الهوى تأوَّلت ما شيبة قد فعلت ... بلمَّتي ما فعلت لكنَّها نار شبا ... بي قويت فاشتعلت وقال أيضًا: [من السريع] لا تنكري رأسي عن ريبة ... ولا تظنّي أنَّه أشيب فإنَّه في مفرقي العنبر ابـ ... ـيضَّ وخير العنبر الأشهب وقال أيضًا في معناه، وفيه لزوم ما لا يلزم: [من مجزوء الرجز] رأت بليل لمتي ... كواكبًا قد طلعت وأوقعت في نفسها ... من كبري ما أوقعت وإنَّها دليل أيام ... شبابي لو وعت فآية اللَّيل إذا ... زهر النُّجوم اجتمعت وقال أيضًا: [من الطويل] لئن شاب رأسي قبل حين مشيبه ... وذاك من الأيَّام غير عجيب فمن بعد أوطاني وقرب صبابتي ... ووصل علاقاتي وهجر حبيبي / 195 ب/ وإن تهجر السُّود الغرايب لمَّتي ... فلي سؤدد في المجد غير غريب وإنِّي لأغنى عن شبابي بهمَّتي ... ويغني وقاري عن بياض مشيبي فإمَّا تريني نازعًا عن غوايتي ... أنادي من الأحباب غير مجيب فقدمًا أرى والغانيات يرينني ... بعين مريد لا بعين مريب

شفيعي نضار عندها ونضارة ... تحلُّ ويحلو في طللى وقلوب وكتب إلى الملك الأفضل نور الدين، وأشار في ذلك إلى بعض كتابه: [من السريع] قف بجناب الملك الأفضل ... وناد يا ذا الشَّرف الأطول إصرف طويسًا إنَّه كاتب ... يراعه أحصد من منجل واحذر على ملكك من رجله ... فكعبه أقلع من معول ألا ترى قبلك آثاره ... في السَّلف الأوَّل فالأوَّل فاقبل وأبعده وإلاَّ فعن ... قرب ترى إن كنت لم تقبل وكتب إلى هذا الكاتب: [من مجزوء الكامل] لا توحشنَّك سطوتي ... إنِّي نحيف الجسم بالي فالنَّجم تنظره صغير الـ ... ـجرم من فرط التًّعالي / 196 أ/ والشَّمس وهي الشَّمس في الـ ... أفلاك تكسف بالهلال وقال غزلاً: [من مجزوء الرجز] وأهيف يخزي الغصو ... ن قدُّه إذا انثنى ويفضح الظَّبي إذا ... أتلع جيدًا ورنا لم يره طرف امرئ ... في النَّاس إلاَّ وزنى قلت له ممازحًا ... وقد دنوت ودنا في ليلة لوصله ... نبذت فيها الوسنا لو طلع البدر لكا ... ن ضوؤه آنسنا فقال لي مبادرًا ... ويك وما البدر أنا؟ ! وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العز قال: أنشدني أبو محمد لنفسه عند الكبر: [من المتقارب] أرى النَّاس يستعذبون الحياة ... وغايتهم أن يصيروا رفاتا فمن دبَّ شبَّ ومن شبَّ شاب ... ومن شاب مات ومن مات فاتا وقال مثله: [من السريع]

/ 196 ب/ وساحر المقلة في حبِّه ... عصيت لوَّامي والعذَّلا ناديته لمّا أبى في الهوى ... إلاَّ صدودًا إذ نوى أو قلى يا راجلاً بالكره عن ناظري ... تطيق عن قلبي أن ترحلا وقال أيضًا: [من المديد] وغزال بات معتنقي ... آنسًا بي غير ذي فرق ظلت من وجد بزورته ... لاثمًا للخدِّ والعنق والدُّجى من لون طرًّته ... قد تردَّى حلَّة الغسق وهو والبدر المنير وقد ... تمَّ بدر التمِّ في نسق فتخيَّلت الفراق فلم ... أستطع صبرًا ولم أطق وجرى من أدمعي غدق ... فاض حتّى خاف من غرقي وقال أيضًا، وأنشدنيه عنه أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب الصّفار الشيباني الدمشقي: [من مخلّع البسيط] / 197 أ/ أما وأجفانك المراض ... إنِّي بما ترتضيه راضي كم فيك للحسن من معان ... ترتع منهنَّ في رياض بسطت كفّي إليك أبغي ... حسنى فما زلت في انقباض وسيف جفنيك من فتور ... فما له في القلوب ماضي؟ يا ماطلي في الهوى ديوني ... ما آن أن تحسن التَّقاضي قد كنت في الحبِّ ذا انتصار ... لو أنَّ للعاشقين قاضي وقال أيضًا، وأنشدنيه أبو الفتح عنه: [من السريع] يا للهوى هل فيكم مسعد ... يقرضني الصَّبر فقد أعوزا أصبحت من وجدي في مأتم ... قد خانني الصَّبر وعزَّ العزا وما رزاني الدَّهر لكنَّه ... ريم من الرُّوم لقلبي غزا وقال غزلاً: [من الطويل] طبعت على دين الوفاء وشرعه ... فما شيمتي للغدر أن أتطبَّعا فيا يوسفيَّ الحسن لم غصن قدِّك الر ... رطيب بوصل لا يرى قطُّ مونعا

لقد أفرغت فيك الملاحة وسعها ... وصاغك صواغ الجمال فأبدعا / 197 ب/ وملّكت أهواء النُّفوس فكلُّها ... تجيب إّا داعي هواك به دعا فديتك لا أنفكُّ أودع مهجتي ... لديك ولا ألفاك إلاَّ مودِّعا وقال أيضًا: [من المنسرح] يا من عيون الأنام ترقبه ... رقبة شهر الصِّيام والفطر وإنَّما يرقب الهلال فلم ... ترقب بعد الكمال يا بدري وقال في مملوك له: [من مجزوء الرجز] وشادن كالغصن في ... رشاقة وهيف والظَّبي في طرف يجي ... ء سحره بالطُّرف والبدر في كماله ... وليس بالمنكسف حفَّ إلى أمر على ... حسِّي المعنَّى ما خفي فقمت في ضربي له ... كالخابط المعتسف وكدت أن أتلفه ... وكان أيضًا تلفي وقال أيضًا، وأنشدنيه عنه أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب/ 198 أ/ الشيباني الدمشقي بها في أوائل المحرم سنة أربعين وستمائة: [من الطويل] أدرها على برد النَّسيم فإنَّها ... لداء همومي يا نديم دواء مشعشعة للشَّب منها إذا دجا ... صباح منير مسفر وضياء سطت فهي نار في العقول وإنَّها ... ولا شكَّ في عين الحقيقة ماء تخال إذا فضت ختوم دنانها ... مجامر فيها عنبر وكباء وتحسب من فرط الصَّفاء كؤوسها ... فوارغ منها والكؤوس ملاء وقال يصف الشراب الأصفر: [من الكامل] ومدامة صفراء فاقع لونها ... يجلو سناه دجى الظَّلام الرَّاكد بزغت على ندمانها فرأيتهم ... من راكع صعق وآخر ساجد

صفراء كلّلها فريد حبابها ... بتمائم من درِّه وفرائد مسكيَّة النَّفحات تحسب نشرها ... أنفاس ما اشتملت عليه قلائدي لم تدن من شفة امرئ إلاّ شفت ... همًا يدين لقربها بتباعد فكأنَّها ويد المزاج تشجُّها ... نار تسعَّر بالزُّلال البارد وكأنَّها والكأس محدقة بها ... ذهب مذاب في لجين بارد / 198 ب/ وقال أيضًا، وأنشدنيه عنه أبو الفتح نصر الله بن أبي العز ابن أبي طالب الشيباني الدمشقي، في سنة أربعين وستمائة، في المحرم: [من الكامل] إشرب على الورد الجنيِّ مدامًة ... تجنيك أثمار المني صهباؤها ذهبيَّة لهبيَّة لطفت فما ... في الكأس إلاَّ نورها وبهاؤها نار ولكن في الكؤوس ضرامها ... شمس ولكن في النُّفوس ضياؤها لا عيش غير صبوحها وغبوقها ... لا عمر إلاَّ صبحها ومساؤها نهّابة لهمومنا وهَّابة ... أبدًا مسرَّات النُّفوس عطاؤها ورد وورد مدامة تشفي الجوى ... حتم عليَّ ولاؤه وولاؤها وقال غزلاً، وأنشدنيه أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب عنه: [من الطويل] / 99 أ/ ومهزوزة الأعطاف أمَّا قوامها ... فرمح وأمَّا طرفها فحسام حكت رشفات من لماها وأسكرت ... ولا غرو شهد ريقها ومدام وصحَّت مرامي لحظها في قلوبنا ... وإن كان فيها فترة وسقام أحلَّت دم العشَّاق وهو محرم ... فلم وصلها وهو الحلال حرام؟ وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز] وليلة قضيتها ... من اللَّيالي الغرِّ يسَّر فيها من أحبـ ... ـب للوصال أمري خريدة قد كحلت ... أجفانها بسحر تبسم عن مثل الذي ... تقلَّدت في النَّحر بيضاء صبح وصلها ... من مزَّق ليل الهجر

تسفر عن وجه لهت ... أنواره بالبدر وتستبي بمنطق ... له فعال الخمر فإن بدت فقمر ... وإن شدت فقمري وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] من لي بفاترة الجفو ... ن غريرة نشوى المعاطف / 199 ب/ هيفاء مخطف خصرها ... إذ ينثني للعقل خاطف ما اهتزَّ رامح قدِّها ... إلاَّ وفي الأجفان سائف كم رمت عنها سلوًة ... والعطف لي عن ذاك عاطف يا ليتني يومًا لور ... دة خدِّها باللَّحظ قاطف وقال في غلام له، لعب معه بالنرد وغلبه، فبدا منه ما ضربه عليه: [من مجزوء الرجز] وشادن نادمته ... وقد تجنَّى وعتب وقد لعبنًا ندبًا ... فناح منه وندب في قبله منه ومنِّ ... ـي إن غلبت في وهب فقال لي بغيظة ... وقلبه قد التهب وعقله لغلبه ... قد بان عنه وذهب تضربني وريقتي ... تصفع بالنَّعل الضَّرب؟ ! علام ذا يا مالكي ... قلت على سوء الأدب وقال أيضًا: [من مجزوء الرمل] علَّم الغصن التَّثنِّي ... قمر حلو التَّجنِّي غصن ثمر الأماني ... منه لا تجنى ويجني / 200 أ/ خلته لما تبدَّى ... الشَّمس في حلَّة دجن وقال أيضًا، وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العز الشيباني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من مجزوء الكامل] حوت الجمال بأسره ... فقلوبنا في أسرها

وتقلَّدت فحسبت ما ... في نحرها في ثغرها هيفاء صبح وصالها ... أنسى ليالي هجرها وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب قال: أنشدني أبو محمد عبد الرحمن بن بدر النابلسي لنفسه: [من الكامل] ومعربد الأجفان صرف الرَّاح في ... فيه فمائس عطفه كيف انتشى رشأ يعار الرُّمح هّزة قده ... ويغار غصن البان منه إذا مشى في خِّده ماء ونار أسكنا ... لصدوده في ناظريًّ وفي الحشا وأنشدني قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من مجزوء الرجز] / 200 ب/ وساحر بالفخِّ في ... حبَّة قلبي نفثا شمس ضحى جنـ ... ـاه والصَّد عثا بدر دجي حفظت عهـ ـ- حبِّه إذ نكثا ما بعث الطيف ولـ ... ـكن يتلاقى عبثا يا حسنه لو رقَّ لي ... مما أقاسي ورثا وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] يا عتب حمَّلت المتيَّم ... في الهوى ما لا يطيق وتركته سكران من ... خمر الصَّبابة لا يفيق فعلت به عيناك ما ... لا يفعل الخمر العتيق ورحيق ثغر في حشا ... ي على ترشُّفه حريق ............... وطار بأوطان تضمنَّها العقيق لولا عقوقك ما جرى ... دمعي ولؤلؤه عقيق ولقد فرقت وقد تحمَّ ... ـل نحو كاظمة الفريق فحشا تذوب ومقلة ... بالدمع ناظرها غريق وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز] / 201 أ/ أيُّ بريق ومضا ... هيَّج وجدي ومضى غضَّ من الطَّرف وأذ ... كى في الحشا جمر غضا

يا ظالمًا للعهد من ... بعد الوفاء نقضا أصبح في حبّكم ... جوهر جسمي عرضا غادرتموني لسها ... م البين منكم غرضا إذا رضيتم بالجفا ... قتلي فصبرًا ورضا وقال أيضًا، وأنشدنيه أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الشيباني الصفار الدمشقي في المحرم سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من مجزوء الخفيف] وساحر الطَّرف أغيد ... لدن المعاطف أملد مثل الهلال تجلَّى ... وكالقضيب تأود ريم يصدّ بعينـ ... ـه ......... أصيد / 201 ب/ الخمر من فيه تجنى ... فطرفه كيف عربد ظبي شرود ونومي ... عنِّي به قد تشرَّد أذاب بالهجر قلبي ... فمدمعي كيف يجمد وسنان وكِّل طرفي ... برعي نجم وفرقد فلا أسرُّ بنوم ... ولا أقرُّ بمرقد وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من الوافر] أقاسي من صدودك ما أقاسي ... وقلبك لا يزال عليَّ قاسي وعهدك ذكره أبدًا سميري ... وأنت مضيِّع للعهد ناسي وما مثِّلت لي وشربت إلاَّ ... مزجت بدمعي المنهلّ كاسي تحكَّم فيَّ ما تهوى وغادر ... سقامي لا تداركه الأواسي فمهما تأتني من فعل سوء ... فمحمول على عيني وراسي وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز] قل للحبيب الهاجري ... والواصلي خياله يا غصنًا جاد علـ ... ـيَّ في الهوى اعتداله

/ 202 أ/ وبدر تمٍّ لم يزل ... يشيبني جماله فديت منك هاجرًا ... دلاله إدلاله فليس يرجى من جميـ ... ـل وجهه إجماله مهفهف يخال من ... حبة قلبي خاله خيَّبت فيه أملي ... لا خيِّبت آماله وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] زار الحبيب فقلت أهـ ... لاً بالحبيب ومرحبا ونايت عنه مهابًة ... فدنا إليَّ تقرُّبا وسألت منه قبلًة ... عند الدُّنو فما أبى ورشفت مبسمة فكا ن من المدامة أعذبا فرأيت يومًا مذهبًا ... للهمِّ رغدًا مذهبا وعهدته متجرِّمًا ... متجنِّيًا متجنِّبا فظللت أظهر حيرًة ... في أمره وتعجُّبا فرنا إليَّ مغازلاً ... وشدا بلحن أطربا / 202 ب/ إنِّي بليت بما بليـ ... ـت به فصرت مهذَّبا وقال يستدعي صديقًا إلى مجلس الشراب، وفيها لزوم ما لا يلزم: [من الوافر] فديتك مجلسي عطل فأنعم ... فإن أنعمت عن عجل تحلّى ولي من وجهك الميمون [بدر] ... وأحسن ما يكون إذًا تجلّى وعندي قهوة كالمسك ريحًا ... وحاشا أن يناسبها وكلاّ وشاد شادن لو أنَّ [عيسى] ... تمثله لصام له وصلَّى وقد صلبت إلى لقياك روحي ... فأدركها تجد بردًا وظلاّ فسهمك في المكارم والمعالي ... على طول المدى السَّهم المعلَّى وعجِّل مسرعًا من غير بطء ... تحز شكري الَّذي تهوى وإلا وقال يشكو قلة الإنصاف في العشرة، وعدم الصديق: [من المجتث] نادمت روحي وراحي ... ومنزلي وغلامي

إذ لا نديم عليها ... يخلى من الإيلام / 203 أ/ من كلِّ مجنيك شهدًا ... بالقول خافي السِّمام لئيم طبع فما إن ... يخشى مضيض ملام فكان منها سراجي الـ ... ـوهَّاج عند الظَّلام وكان منها شميمي ... الضَّواع عند اشتمامي أجل وكان قعودي ... لكاسها وقيامي ولا يزال عليها ... تحيَّتي وسلامي فيا ابنة الكرم من لي ... عليك بابن كرام عليه أعقد في الو ... دِّ خنصري وبهامي هيهات لا في عراق ... هذا ولا في شام ولا من العرب يلفى ... ولا من الأعجام ولا أرى من صديق ... خياله في منام وقال أيضًا: [من الخفيف] قتلتني بسحرها الألفاظ ... وسبتني بغنجها الألحاظ وحبيبي أغنُّ أغيد مازا ... ل عند نومه استيقاظ فإذا نام عامدًا لوصال ... برحت بي وشأنه الإيقاظ / 203 ب/ هو لي جنَّة ولكن بقلبي ... منه في حالة الصُّدود شواظ رقَّ لي قلبه ولكن بلائي ... رقباء في حبِّه أغلاظ وقال غزلاً: [من مجزوء الخفيف] من لصبّ بحلوة الـ ... ـقدِّ مهضومة الحشا كالغزال الغرير في الـ ... ـلحظ والجيد كالرَّشا تخجل الغصن في التَّثنـ ... ـني إذا قدُّها مشى وتعير السُّلاف سكـ ... رًا إذا طرفها انتشى وتغير البدر المنيـ ... ـر تجلَّى بعد العشا فلها حكمها على ... عاشقيها كما تشا

وقال أيضًا: [من الخفيف] إن نقضتم فإنَّني حافظ العهـ ... ـد وإن خنتم فلست أخون أيُّها المعرضون بالودِّ عنَّا ... لكم في الحشا مكان مكين لست أرتدُّ عن هواكم لدين ... حبُّكم شرعة لقلبي ودين لا تبيعوا بالغدر ودِّي وحبِّي ... إنَّني بالوداد عنكم ضنين لي قلت أضحى بقبضة عينيـ ... ك وتستملك القلوب العيون / 204 أ/ وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] يا من جنى ولحاسدي ... من وصله الثَّمر الجني من سقم جفنك قد سقمـ ... ـت فعد كما أمرضتني إنِّي الفقير إلى لقا ... ك وأنت عن هجري غني وقال وقد تفكر [في] أحوال الدنيا: [من المجتث] ما لي أحاول علمًا ... بالغامض المكنون الأمر أعظم حالاً ... من هاجسات الظّنون وهل أنا غير خلق ... من الحما المسنون؟ وقال غزلاً: [من مجزوء الرمل] ريقك العذب الفرات ... وثناياك النَّبات وإذا ما متَّ بالبيـ ... ـن فلقياك الحياة يا غزالاً غزلي فيـ ... ـه تهاداه الرُّواة لا يرى يومًا لشمليـ ... ـنا مدى العمر شتات تغفل العذَّال عنّا ... ويوالينا الوشاة وقال مثله: [من الخفيف] / 204 ب/ لي حبيب إليه منه المعاذ ... كبدي من صدوده أخّاذ ما لقلبي من طاقة بتجنّيـ ... ـه ولو أنَّ قلبي الفولاذ صار دمعي وبلاً عليه وقدمًا ... كان يجري عليه وهو رذاذ وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز]

وشادن رأيته ... وحوله النَّاس زمر كأنَّه البيت لمن ... حجَّ إليه واعتمر فقلت هل أحدوثة ... تتلى عليكم أو تمر فقيل لا بل عجب ... ننظر في الأرض قمر فقلت لي فراسة ... إن صدقوا فهو عمر وأنشدني القاضي الأمين الأجل، بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب أيده الله تعالى –بحلب المحروسة قال: أنشدني عبد الرحمن بن النابلسي لنفسه مبدأ قصيدة يمدح بها الملك الظاهر غياث الدين –رحمه الله تعالى- [من الرجز] / 205 أ/ جار عليه البين لمَّا حكما ... فلم يدع من نفسه إلاَّ الذِّما وهكذا حكم الفراق دائمًا ... ما سئل الإنصاف إلاَّ ظلما أحبابنا لا لذَّ طرفي بكرى ... إن كان مذ فارقتموه هوَّما وإن رقت جفونه من بعدكم ... فلا جرت دموعه إلاَّ دما أو نظرت إلى سواكم نظرة الـ ... ـمحبِّ عاث في ماقيها العمى لا وهواكم ما السُّلو خاطر ... بخاطري وجلَّ [هذا] قسما ولا حمى عن ناظريَّ نومها ... إلاّ كم يا ساكني روض الحمى يا للهوى هل فيكم متيَّم ... يرحم منِّي عاشقًا متيَّما ينشدُّ قلبي للغضا فإنَّه ... والصبر يوم البين منِّي عدما واعجبًا طلَّ طلا الخيف دمي ... هيهات لو لم ينتظر تلك الدما رنا من التُّرك غزال أغيد ... يصبي ويصمي إن رنا وإن رمى يرمي سهامًا من فتور لحظه ... وراش من هدب الجفون الأسهما حلو اللَّمى مرُّ الصُّدود والقلى ... أبيض يجلي الأسمر المقوَّما لم أعص في حبِّي له صبابًة ... ولا أطيع ما حييت اللُّوَّما بدر دجى من قبل سهمي لحظه ... لم تر عيني في هلال أنجما / 205 ب/ ولا ظننت قبل ما لثمته ... بأنَّ درًا حلَّ عذبًا شبما منعم لو نسمت ريح الصَّبا ... وهنًا أذابت جسمه الممنعًّما

راق روقَّ خدُّه فلو سرى الـ ... ـوهم على وجنته تألّما يعقِّد الصُّدغ إذا سلسله ... رأيت منه عقربًا وأرقما أصبح وهو في الجمال ملك ... فكيف للفتنة أمسى صنما؟ أطلب ريَّا من رضاب ثغره ... وكلَّما رشفته زدت ظما كذا اللَّمى المعسول يستشفي به ... من حرِّ وجد من يريد [الألما] واستطبُّ نظرًة من طرفه ... وقلَّما يبري سقيم سقما يريك منه التِّيه قلبًا كافرًا ... لا يعرف العطف وعطفًا مسلما كما يريك وصله الجنَّة والـ ... مزيد من هجرانه جهنَّما كالملك الظاهر إن صان وإن ... صال استهل أنعمًا ونقما مولي الأيادي مشرقًا ومغربا ... مولى الملوك عربًا وعجما [276] عبد الرَّحمن بن عبد المجيد بن إسماعيل بن حفص بن الصَّفراوي: كان أحد أجداده/ 206 أ/ من موضع يقال له الصَّفراء، قريب من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان من أعلم الفقهاء المالكية في زمانه، رأسًا في الفقه، وفي غيره من العلوم الدينية، وكان مفتي الإسكندرية في وقته، وسمع الحديث النبوي كثيرًا، مع نظره في علم الأدب واللغة، ومعرفة القرآن والقراءات والتفسير، وتشدُّ إليه الرحال في زمانه، وصنف كتابًا في علم القرآن سماه "العنوان". وخبّرت أنه توفي سنة أربع وثلاثين وستمائة ولي منه إجازة كتبها إليّ من ثغر الإسكندرية، وأنا مقيم بإربل –رحمه الله تعالى-. قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المجيد بن الصفراوي الإسكندري، يمدح الفقيه الحافظ أبا طاهر أحمد بن محمد السِّلفي نثرًا: [كان] ممَّا ينتقده ديوان المفاخر صحفًا، [ومما] يتقلَّده منكب المعالي مرهفًا، وتقصر عنه أنفاس المدائح، وتستفتح له سرائر القرائح، ويتعين على الأعيان نظمه ونثره في ترصيع لآليء أوصاف سيدَّنا عقودًا، ووشي مناقبه برودا، وتحبير ما ضاق الزَّمان عن حصره انتفاعًا، وتدوين ما لم تبلغ شاو وصفه/ 206 ب/ الشُّهب ارتفاعًا، حتى استوى في العجز عن إدراك حصر أوصافه، والقصور عن الإحالة ببعض أطيافه، اللَّسن المسهب، والمكثار المطنب، والعجز الآخر، والحصر القاصر، إذ كان حافظ نظام الشَّريعة، وخير هذه الملَّة الرفيعة، وبيده حلُّ إحكام هذا الدِّين وعقده، وإليه ألقي نظامه وعقده، فهو عين الَّزمان، وأوحد الأنام، وإمام الأئمة، ولسان السُّنًّة، وإشراق شمس الهداية، وفريد علم الرِّواية: [من الكامل] سمحت به العلياء وهي بخيلة ... وبمثله من حقِّها أن تبخلا ألفته رحب الباع آخر سيِّد ... منّا وفي سبق المعالي أوّلا لمَّا سما شرفًا ومحض جلالًة ... لم يرض منزلة السِّماك الأعزلا كن كيف شئت فمفضل أو فاضل ... ومتى ارتقيت إلى المديح تبدَّلا

كم بين من فنيت محابر أمَّة ... فيه وبين من اسمه لن ينقلا ومدائح الفقهاء فيه يزيدهم ... شرفًا ول يخشون منه تبذُّلا والسّيد الندب البصير مميز ... بين القريض المجتنى والمجتلى / 207 أ/ سيِّد عمَّ نواله، وغمر إفضاله، وأشرق زمانه، وأغرق إحسانه، وفاح روضه، واستفاض فيضه: [من السريع] (ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد) وليس بغريب للبحر الزَّاخر، والبدر الزَّاهر أن ينعم الأنام نداه، وتهتدي الكافَّة بشمس هداه، جاد به هذا الثَّغر على الثغور، وزها به هذا الدَّهر على الدُّهور، فكأنَّما نشاهده قسُّا في الفصاحة، وسحبان في البلاغة، ولبيدًا في اليقظة والبراعة، والسَّلف الصَّالح في السُّنَّة والجماعة، وتنظر منه إلى معاوية حلمًا، وشريح حكمًا، وحاتم كرمًا، والمبرِّد قلمًا، ومالم إتقانًا، والشافعيِّ برهانًا: [من الكامل] جمعت فضائل من مضى في واحد ... فرد فعبَّر عالم عن عالم فكم من مشكلة أوضحها، ومعجمة أفصحها، ومعوجَّة صحَّحها، ومنيحة منحها، أرضع الأفهام سلسبيل العلوم، وهذَّب القرائح بمعرفة المنثور والمنظوم: [من الطويل] وإنِّي وإن كنت البخيل بأن أرى ... مرصِّع مدح في فتى أو منظِّما / 207 ب/ وأمزج جاه العلم بالشِّعر مرًة ... ولو كنت منه بالسِّماك مخيِّما أرى مدح صدر الدِّين أحمد شيخنا ... مبدًّى على كلِّ العلوم مقدَّما شهرته بعلوِّ الأسانيد، والعلوِّ في معرفة المراسيل والمسانيد، والعناية بحفظ الآثار، والتَّبصُّر في الأخبار، محيل الشَّمس شمعًة،

والأسد ضبعًة، منه يستمدُّ فقهاء الإسلام، وأئمَّة الهدى الأعلام، وهذا الشَّأن لم ينفرد به في هذا العصر، ولا شاتهر به في سالف الدهر: [من الطويل] سوى أحمد النَّدب الذي شهدت له ... سعود المعالي بل صدور المحابر بأنَّ اسمه مازال يتلى ويجتلى ... على كلِّ هضب في رؤوس المنابر فكم ببابه من ركب نازل، وراكب زائل، وملك زائر، وقمر زاهر، وظافر بمناه، وعارف بنداه، كلُّهم يرتوون من بحر فضله، ويكرعون في منهل جوده المعين: [من الكامل] زره تجده للعفاه إذا طمى ... بحرًا وللسَّارين بدرًا مشرقا وإذا امتطى عند الحوادث جسرًة ... ألفيته في الحرب نارًا محرقا وأمّا أنا فمستضيء بشمس هدايته، ومستظلٌّ بظلِّ عباءته/ 208 أ/ يعينني على المقال، وإن عجز الخاطر عن مدحه واستقال، وعلى الجملة فإنِّي أقول: [من الكامل] ما المجد إلاَّ ما احتواه الماجد ... علمًا فإمَّا فاقد أو واجد والعلم ما شهدت بوافر حظِّه ... لفظ المحابر لا الأغنُّ الشَّاهد والعلم موروث النَّبيِّ محمَّد ... لا يمتري في مثل ذلك جاحد والصَّدر صدر الدِّين لا صدر الخنًا ... والسَّيِّد السَّامي الإمام الناقد دع عنك فخرًا للجدود وللملا ... لا يبخسنك علاه ربٌّ واحد المجد ما جنَّ الجنان وعبَّرت ... عنه سطور أو لسان حامد ومتى ترد علمًا وفضلاً أو حجى ... فاقصد محلاًّ للسَّعادة ساعد من ذلَّت الأيَّام وهي عزيزة ... بجلاله فهو الأجلُّ الماجد ومن اغتدى بحر العلوم فلا ترى ... بذراه إمّا مورد أو وارد يا أحمد العالي نداء متيَّم ... بهواك مات بما جزيت الحاسد ما الفخر إلاَّ ما عقدت لواءه ... بركات أقوام لهنَّ سوعد ومقصِّر ومبالغ ومواصل ... ومقاطع ومحاسد ومساعد

فخر الأئمة كم دعاك من امرئ ... دان وكم وافاك قاص قاصد / 208 ب/ فأجبت هذا واستمعت مقاله ... ونصرت هذا وهو ليث شارد والحافظ المفني خزائن ماله ... بالبذل لا من ماله متزايد جمَّعت من شمل العلوم مفرَّقًا ... فبك العلوم وأهلها تتزايد فلكم حديث مشكل إسناده ... أوضحته وجوابه متابعد ومصنفات قد حفظت بها لنا ... أركان دين الله فهي فرائد وفصاحًة إن عرِّيت عن مشكل ... فنعتَّها للنَّفس ماء بارد من كان ينثر في الورى درَّ العلاً ... نظمت له فيما ينيل قلائد قالوا الإمام الحافظ العلم الهدى ... فأجبتهم هو للسَّماح الواحد هذي مناقبه تبدت في الضُّحى ... شهبًا وفي الإظلام صبح صاعد عذب وعضب في النَّدى أو في الرَّدى ... ردء فإما موعد أو واعد لا يدرك الماشي مفازة راكب ... لا يستوي من جدَّ لا والقاعد شمت الكرام ... عن فضلكم ... وشروق مرآهم إليهم قائد عزَّت صفاتك أيُّها الحبر الَّذي ... بيمينه للمكرمات قلائد ومهابة لله جلَّ ثناؤه ... وعقيدة تزداد فهي عقائد ندب لدين الله فيه حراسة ... وتواضع وتذلُّل وتوجًّد / 209 أ/ زهد تبيَّن في تقى فمنامه ... إن نام إمَّا راكع أو ساجد علاَّمة بل قطب أعلام الهدى ... عدد كثير وهو شخص واحد يا من شرفت به بأعلى منزل ... إعرف مكاني إن وشى بي عاند واعلم بأنِّي إن مدحت فمقصدي ... مض الولاء ولي بذلك شاهد صوني القريض عن الأنام ونظمه ... لا في سؤال أدله لتشاهد ولهمَّتي ولأنت تعلم شأنها ... تأبى شعار الشِّعر وهي شواهد لكنَّ من يطريك ليس بشاعر ... هو عالم بل عامل بل عابد إن كنت ذا شرف بعلم أو تقى ... فالشِّعر في علياك عزٌّ زائد يا من تنوَّع في المفاخر تارًة ... قمرًا وأخرى بحر علم مائد وتقسَّمت أوصافه وصفاته ... نار تشبُّ وبحر جود ...

أهديتها هيفاء رودًا طفلًة ... للطَّيف رقَّتها يلين الجاحد خذها موشَّحة البرود سنيَّة ... تدعى قصيدًا وهي فيك قصائد وليهن عيد النَّحر أنك سالم ... فلذاك جاد وعطفه يتمايد وقال أيضًا يمدحه: [من الكامل] لولاك ما بسط المقال لساني ... ولما تهذَّب خاطري وجناني /209 ب/ ولما غرست فكنت غصنًا يانعًا ... يزهو بمنظره على الأغصان وأنا الذي في بحر جودك غارق ... قد فزت منه بوابل هتَّان ألبستني من عزِّ فضلك حلَّة ... فأنا أتيه بها على الأقران وإليك يا فخر الأئمة أحمد ... أعزى ولولا ذاك ضلَّ زماني ما كنت أوَّل من ألمَّ ببابه ... فغدا يميس مفوَّف الأردان لم لا أبوح بشكر ما أوليتني ... وأذيعه في السِّر والإعلان؟ وجميل رأيك قد بنى لي سلَّمًا ... أعددته سببًا إلى كيوان قالوا وكيف حويت مدحًا يرتقي ... سنن الأكابر جاء بالبهتان أتراهم جهلوا غراس مروءة ... لا والرَّحيم القادر الرَّحمن ما يعرفون بفيض فضلك فيهم ... ورضاعك الآداب للولدان ما قال قط صغار من آويتهم ... وكلأتهم كبراء أهل زماني أم معجبون لشاعر من مصرهم ... أربى على متباعد أو داني إن كنت فيهم عالمًا ... ... أو كنت فيهم داعيًا بلساني [277] عبد الرَّحمن بن أحمد بن القصريِّ: [من شعره]: [من السريع]

/ 210 أ/ سقيًا لأيامي على حاجر ... إذ ما على اللَّذات من حاجر وناظري يرتع في روضة ... أريضة للزَّمن النَّاضر وللهوى ربع غدا عامرًا ... بمن سباني من بني عامر بحسن دلِّ عاد ذلّي به ... من بعد عزٍّ طاهر ظافر طاب الهوى العذريُّ في حب من ... أصبح فيه عاذلي عاذري ظبي من الأعراب أعربت في ... عشقي له عن عقلي الوافر فحسنه الطَّائر ما وكره ... إلاَّ سويدا قلبي الطَّائر قد ضلَّ قلبي فيه حيث اهتدى ... لرشده يا للرَّشا الجائر شكوت وجدي وشكرت الهوى ... فاعجب لشاك في الهوى شاكر خاطرت في عشقي له جاهلاً ... فما وهى من نظرة الخاطر بحسن قدٍّ قدَّ قلبي أسى ... بلحظ طرف فاتن فاتر أنا الذي طلَّ دمي عامدًا ... من مستبيح لدمي هادر لمّا عتبت القلب في حبِّه ... أحال بالذَّنب على النَّاظر وقال هذا الباعث الوجد لي ... وكنت منه في حمى ساتر هذا الَّذي أوقعني لحظه ... في لجِّ بحر للهوى زاخر / 210 ب/ قلبي وطرفي اشتركا في دمي ... الجور من قلبي ومن ناظري قلبي محتاج إلى قالب ... وناظري أيضًا إلى ناظر في هجره أوثر قتلي عسى ... أخلص لكن بيد الهاجر وأشتهي طرد همومي بكا ... سات عقار بيدي عاقر صفراء لم تنزل بقلب امرئ ... بحادثات الهمِّ من صافر فهاتها يا صاح واشرب ودع ... من لام يبغي صفقة الخاسر ما طاعتي إلاَّ لمن أمره ... يطاع في النَّاهي وفي الآمر وقال أيضًا يمدح كمال الدين أبا القاسم عمر بن العديم: [من المنسرح] وأسمر صرت في هواه قمر ... لو قامر البدر بالجمال قمر أهيف ترزي الغصون قامته ... بحسن التَّثنِّي إذ تثنى وخصر قلوب عشَّاقه على خطر ... منه إذا ماس معجبًا أو خطر

أحوى حوى مهجتي وتيَّمني ... مليح غنج بطرفه وحور هاروت ماروت في لواحظه ... المرضى الصَّحيحات مقلًة ونظر الرِّدف عبل والخصر مختصر ... فيه لحتفي والرِّيق فيه خصر / 211 أ/ آه عليه ومنه واحربا ... واعظم وجدي كم ملَّني وهجر أقسم لو عاين العذول بلا ... علم عليه حسن العذار عذر فجل ناري من جلِّنار بخذ ... يه ووجه كائن أليف قمر ظبي من التُّرك لست أتركه ... عشقًا ولو نلت في هواه سقر فاعجب لملكي وقد تملَّكني ... وخلّف أسري وللفؤاد أسر عقرب أصداغه وحيتَّها ... تسعى للسب القلوب وهي شعر جدَّ بوجدي والهزل شيمته ... وصين عنِّي بعفَّة وخفر خاطرت في حبِّه ولم أدر أنَّ العشق يجني على المحبِّ خطر فاق جمالاً كلَّ الملاح كما ... فاق كمال الدِّين الإمام عمر بالعلم والحلم والسَّماح فقد ... شيَّد أركان مجده وعمر الأوحد العالم العظيم تقى ... والحبر كاس من العفاف حبر أحيا لميت العلوم علمًا وأحـ ... ـيا ميِّت الجود حيث كان غبر مفتي الفريقين لا يرجع في الفتـ ... ـيا ومفني الأموال لا بقدر والله قد خصَّه خصائص ما ... خصَّ بها قبل في الأنام البشر / 211 ب/ علمًا وحلمًا ونائلاً وعلاً ... وعفَّة نورها عليه ظهر هذا ابن قاضي القضاة سيِّدنا ... هذا أبو القاسم العظيم خطر مولاي يا من يولي الجميل لمن ... والاه طبعًا منه وحسن نظر منَّا لك المدح حيث منك لنا ... المنُّ الذي سيبه العفاة غمر خذها عروسًا بكرًا أتاك بها ... كفوًا بمدحيك قلِّدت بدرر منسرح بحرها لمنسرح الـ ... جود نوالاً من كفِّه ببدر واهنأ بعيد الفطر السَّعيد فلا ... زلت مهنَّا بنيل كلِّ وطر وابق سعيدًا ما هبَّ ريح صبًا ... وما صبا سامر لطيب سمر

[278] عبد الرَّحمن بن محمَّد بن عبد العزيز بن سليمان بن محمَّد، أبو القاسم اللَّخميُّ: كانت ولادته بقوص في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، كان فقيهًا حنفيًا، فاضلاً، شاعرًا، متأدبًا، عالمًا حسن الشعر، استوطن مصر مدة مديدة. أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبيني بحلب قال: أنشدني أبو القاسم لنفسه: [من الكامل] / 212 أ/ عجب من الأيمان كيف يقرُّ في ... صدر الفقير المقتر المتذلِّل من كان ذا صبر عليه فإنَّه ... ذو البرِّ والتَّقوى وذو القدر العلي وأنشدني قال: أنشدني لنفسه يصف كتاب البسيط: [من البسيط] خصَّ البسيط بمجد ذاع وانتشرا ... بين الأئمَّة والحكَّام والوزرا شمِّر إلى حفظه تشمير مجتهد ... فقد حوى باتِّفاق ذائع دررا كذا المهذَّب أهل الدِّين كلُّهم ... مضوا عليه فمن يعرف لذاك ذرا ففيه سرٌّ عجيب فاعتبره ترى ... ما قد رأى وروى من قبلك الكبرا وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] الفقر باب للمروءة والتُّقى ... والصَّبر والإيمان إلاَّ من كفي فهو الصَّبور المؤمن الورع التُّقي ... طوبى له قد خصَّ باللُّطف الخفي وأنشدني قال: أنشدني لنفسه في كتاب كتبه لأبي إسحاق: [من البسيط] يا من يروم صعودًا لازمًا أبدا ... في دينه ثم دنياه وما قصدا عليك بالحفظ للتنبيه ملتزمًا ... تعش به في نعيم عيشًة رغدا / 212 ب/ نعم الذَّخيرة صنه صون مجتهد ... طريقه من نحاه يقتبس رشدا

فرحمة الله تغشى روح جامعه ... مدى الدُّهور مع الأبرار والشهُّدا وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] سلام عليكم كلَّ وقت فإنَّني ... أتوق إلى تلقائكم وأودُّه وأوثر تخفيفًا مع الشَّوق دائمًا ... خلاصة قلبي ملككم وهو ودُّه وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من السريع] صبرًا على الفقر لتحظى بما ... قد ناله خير رجال السَّلف فالفقر خير من غنى مقتر ... أدَّى إلى الكبر وقبح الصَّلف [279] عبد الرَّحمن بن يوسف بن عبد الرحمن بن عليِّ بن محمد بن عبد الله بن الجوزيِّ، أبو الفرج بن أبي محمد: من البيت المشهور بالعلم والدين والتصنيف في كل فن من الفقه، والتفسير، والحديث، والوعظ، والتاريخ، وأيام الناس. وأبو الفرج هذا ربي في حجر والده، فتأدب بآدابه، وبحلو أخلاقه، وتحلّى بحليته، / 213 أ/ واتصف بصفته، وحذا حذوه، وسلك طريقته الواضحة، واقتدى بأفعاله الصالحة، ونابه في الحسبة، ثم استقل بها، وخلفه في التدريس في المدرسة المستنصرية، فقام مقامه، وسدّ مسدّه، وكان أذن له في الوعظ في الأيام الظاهرية، وعمره إذ ذاك ثماني عشرة سنة. وكان يجلس في كل أسبوع يومًا، ويحضره الخلق الكثير، واستمر ذلك وصارت له الملكة التامة، واليد الطولى في الوعظ، وهو مليح العبارة، لطيف الإشارة، حسن

الصورة، جميل الأوصاف، طيب الإنشاد، حلو الإيراد، وله نظم ونثر. ومن شعره في المستنصر بالله أمير المؤمنين –أدام الله أيامه-: [من المتقارب] حرام على مقلتيَّ المنام ... وقد طرد الشَّوق عنها المناما ومن هام وجدًا بطيف الكرى ... يكون على مقلتيه حراما فاه على طيب عيش مضى ... لنا بالمحصَّب لو كان داما ألا ما لجيران ذاك الجناب ... رحلن فأسكنَّ قلبي غراما فليتهم حين سارت بهم ... مطاياهم ودَّعوا المستهاما / 213 ب/ لقد عاد من بعد بعد الحبيب ... فؤادي في كلِّ واد وهاما فهل من سبيل إلى نظرة ... تبلُّ الغليل وتشفي الأواما أيدري غزال الحمى أنَّه ... بقلبي لا بالحمى قد أقاما يميط لثام الأسى والجوى ... إذا زارني وأماط اللِّثاما بروحي حبيب بديع الجمال ... أرى وصله فرصًة واغتناما ويسكرني بعتيق الحديث ... حتَّى كأنِّي ارتشفت المداما كما أنني لست أبغي النَّسيب ... إلاَّ لأمدح هذا الإماما لقد بذَّ آباءه الراشدين ... بأجمعهم همَّة واعتزاما وأولى الهبات وأدَّى الصِّلات ... وأحيا العفاة وفاق الغماما وسنَّ العطايا وأسنى الصَّفايا ... وخصَّ الرَّعايا بعدل وداما أبا جعفر ثق بفتح قريب ... ونجح مديد المدى لا يسامى مضى رجب شاكرًا جودكم ... وأظهر شعبان حمدًا مداما تملَّ بشهر الصِّيام الَّذي ... أتى شاكرًا برَّك المستداما فكم لك من نائل في الصِّيام ... وبرٍّ غزير يعمُّ الأناما فلا وجد الرَّاضعون النَّدى ... مدى الدَّهر من راحتيك الفطاما / 214 أ/ فعش أبد الدَّهر يا من به ... تهنَّى المواسم عامًا فعاما

[280] عبد الرَّحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسيُّ، أبو محمد: كانت ولادته في يوم عاشوراء، سنة أربع وتسعين وخمسمائة. يروي عن عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي، وعبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، وغيرهما. أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبيني، بحلب قال: أنشدني عبد الرحمن بن عبد المنعم المقدسي لنفسه: [من الطويل] أتى الرَّكب من أرض الحجاز مخبرًا ... بأخبار أحباب أتوا عرفات فقلت وفي القلب المعذَّب جمرة ... من البعد إذ لم أحظ بالجمرات: ألا ليت أنِّي كنت بالقرب من منى ... فنلت المنى بالوصل قبل مماتي ويا ليتني قد كنت بالخيف من منى ... فما الخيف إلاَّ الخوف من تبعاتي سعيتم فلا خابت مساع سعيتم ولا زلتم في أرفع الدَّرجات وأنشدني بالإسناد: [من البسيط] وحقِّ ذمة ما بيني وبينكم ... من الوداد ومن عهد وميثاق / 214 ب/ إنِّي مقيم على وجدي بكم أبدًا ... وإنَّ ودكم بين الحشا باقي وله بالسند: [من الطويل] أضمُّ يدي من خوف حرصي إلى الحشا ... فيعرض منك الحلم لي فأمدُّها فأذكر ما في سالف الدَّهر أسلفت ... فأقبضها من خوفه وأردُّها

[281] عبد الرَّحمن بن الحسين بن عبد الله، أبو منصور النُّعمانيُّ، المعروف بشريح: قاضي النيل والنُّعمانية. كان فقيهًا فاضلاً، له أدب وشعر ورسائل، دمث الأخلاق، حسن العشرة، سجن ومات في سجنه يوم الخميس تاسع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة، ودفن في داره، وقيل عنه: إنَّه لمّا حضره الموت أذكر الله فقال: [من البسيط] تألّق البرق نجديًا فقلت له: ... يا أيُّها البرق إنِّي عنك مشغول [282] عبد الرحمن بن إبراهيم/ 215 أ/ بن نصر بن ظافر بن هلال، أبو القاسم بن أبي إسحاق، الحمويُّ أصلاً، المصريُّ مولدًا: من بيت فيه علم ونباهة، وكان والده يتقلد القضاء بقوص، وقع إليّ هذه الأبيات، أنشدنيها عنه أبو المكارم فتيان بن محمد بن فتيان بن سمينة الجوهري قال: أنشدني أبو القاسم لنفسه: [من الطويل] إذا لم يلذَّ الطَّرف منكم بنظرة ... فما ضركم ذكر يلذُّ به سمعي

فوالله مالي بعد بعدك فرحة ... ولا بلذيذ العيش بعدك من نفع ولو نلت مقصودًا بطيب وصالكم ... لما كنت مغرى بالكثيب وبالجزع ولكنَّها فرع وأنتم أصولها ... ومن لم يصل للأصل حنَّ إلى الفرع تذرّعت في حرب الغرام بعشقكم ... ولكنَّ سهم الهجر ينفذ في روعي وأصبحت عبدًا مفرد الاسم سالمًا ... ولكنَّني أخشى أن أكسر بالجمع وبي ألف من قدِّ طيَّات لفِّها ... تكون إلى وصل ولم تك للقطع واسمك اسم معرب متمكِّن ... بقلبي ومنه النَّاس في الضَّرِّ والنَّفع ولولا بقلبي من هواه حرارة ... تنشِّف طرفي كنت أغرق في دمعي أقول لعذّالي عليه أطلتم ... فما دينكم ديني ولا شرعكم شرعي [283] / 215 ب/ عبد الرحمن بن محمود بن بختيار بن عزيز بن محمد، أبو حامد، الكاتب الإربليُّ والدًا، الموصليُّ مولدًا ومنشأ: كان شابًا قصيرًا، أسمر اللون، تفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- على أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن زبيدة الجزري، وكان متصلاً بالقاضي أبي منصور المظفر بن عبد القاهر بن الشهرزوري، وانقطع بأخرة إلى أبي الكرم محمد بن علي بن مهاجر الموصلي، يتولى خدمته. لقيته غير مرة، ولم آخذ عنه شيئًا، أنشدني الإمام عماد الدين أبو المجد إسماعيل بن هبة [الله] بن باطيش الموصلي –أدام الله سعادته- قال: أنشدني أبو حامد لنفسه، لما مررنا بدير الحافر، قاصدين حلب، يتشوق إلى الموصل: [من الطويل] يقول زميلي حين جدَّ بنا السُّرى ... وعاين منِّي فيض دمع المحاجر أشوقًا إلى الأوطان وهي قريبة ... إليك فما ألفاك عنها بصابر؟

فقلت له: مهلاً وكن لي عاذرًا ... فأين ربى الحدباء من دير حافر؟ وأنشدني موفق الدين أبو الثناء/ 216 أ/ محمود بن يوسف بن إسماعيل بن مكي ابن الهائم الفقيه السنجاري، قال: أنشدني أبو حامد عبد الرحمن بن محمود بن بختيار بن عزيز بن محمد الكاتب الإربلي لنفسه: [من البسيط] خمر بثغرك أم ضرب من الضَّرب ... سكرت منه وهذا غاية العجب ما خلت أنَّ رضاب الثَّغر يفعل في ... عقل الفتى أبدًا فعل ابنة العنب يا أسمرًا صرت في حبِّي له سمرًا ... بين الأنام حليف الهمِّ والنَّصب سللت سيف لحاظ حدُّ مضربه ... يفلُّ حسنًا سنى الهنديَّة القضب إن دام لي منك وصل قد حصلت على ... صفاته نلت أقصى غاية الأرب وأوائل هذه الأبيات إذا جمعت كانت اسم خميس. ومن شعره قوله في سليمان بن جبرائيل الفقيه الشافعي: [من السريع] قل لسليمان الَّذي جهله ... لو كان علمًا فاق كلَّ الورى تذكر للدَّرس ولكنَّما ... ذكرك إيًّاه شبيه الخرا / 216 ب/ وقال أيضًا يمدح قاضي القضاة حجة الدين عند قوله مترسلاً، ويهنيه بعيد النحر أيضًا: [من الوافر] محبٌّ ليس يثنيه الملام ... وقلب بات يغريه الغرام ودمع فوق خدَّ ليس يرقا ... وجفن ذو سهاد لا ينام فبين الجفن والنَّوم افتراق ... وبين الدَّمع والخد التئام بنفسي صارم للودِّ طبعًا ... وودِي ماله الدَّهر انصرام غرير بتُّ أعذل فيه ظلمًا ... وبين جوانحي منه اضطرام الأم على هواه وليس يدري ... بأني في هواه له ألام أروم وصاله في الدَّهر يومًا ... ودون وصاله الموت الزُّؤام لقد لذَّ التَّهتُّك في هواه ... كما لذَّت لشاربها المدام كلفت به فأعداني سقام ... لجفنيه فلذَّ لي السَّقام رمى عن قوس حاجبه سهامًا ... نكصن لها العوالي والسِّهام

وأعمل لحظه عضبًا حسامًا ... فدان لحدِّه العضب الحسام وفاق ملاحًة دون البرايا ... وبي برح يطول له المقام / 217 أ/ كما في الفضل فاق الخلق طرًا ... حليف المجد والنَّدب الإمام فتى خلق الحيا من راحتيه ... فسحُّهما انسكاب وانسجام فقل لمؤمِّليه وقاصديه: ... عرى نعماه ليس لها انفصام تفرَّد في خلائقه وأضحى ... فريدًا في الخلائق لا يرام رضيع البذل قبل [كون] طفلاً ... فما لرضاعه أبدًا فطام سما أهل الدُّنى علمًا وحلمًا ... فلا كهل لديه ولا غلام له قلم مدى الأيَّام طولاً ... لزاخر بحر سطوته النِّظام تنوب عن القواضب شفرتاه ... وفي أبوابه الجيش اللَّهام فحدُّ غراره ماض طليق ... وحدُّ سواه مفلول كهام سبرت الناس سبرًا بعد سبر ... فكنت التِّبر والنَّاس الرَّغام فكلُّ فريدة نثرت لديهم ... لها في سلك علياك انتظام حماك حمى منيع لا يبارى ... وجارك لا يذلُّ ولا يضام ورفدك دائم في كلِّ وقت ... دوامًا لا يضرُّ به دوام فيا مولى له في كلِّ وقت ... يد تهمي كما يهمي الغمام ويا قاضي القضاة أقول حقًّا: لقد شرفت بمقدمك الأنام / 217 ب/ نأيت فحلَّ بالحدباء همٌّ ... لنأيك لا يضاهيه اهتمام وبان ضياء نورك عن رباها ... فحاق بجنب ساحتها الظَّلام إلى أن أبت في أمن ويمن ... فعاد بها ابتهاج وابتسام لنا عيدان عيد حيث وافى ... قدومك للإله به سلام وعيد النَّحر فانحر للأعادي ... فحشو جسومهم خوفًا .... ومن عمَّ الأنام بكلِّ فضل ... فأنَّى ينتهي فيه الكلام؟ وقال أيضًا يهجو شخصًا وجماعة منتمين إليه، ومستند ذلك سبب يطول شرحه، ويمتدح فيها الأمير الكبير الأصفهسلار بدر الدنيا والدين، والقاضي حجة الدين: [من مجزوء الكامل]

نفسي فداؤك من مشير ... سمعًا لذا العلق الظَّهير ذي حلقة مطروقة ... أبدًا على مرِّ الدُّهور من لم يزل ...... ... من ......... الأمور لو جئته فوجدته ... يبغي الفسوق مع الفجور / 218 أ/ لحظيت منه بما أرو ... م من المسرَّة والحبور لكنني وافيته ... بفرائد الدُّر النَّثير فوجدته في فهمها ... كالتَّيس أو بعض الحمير بالله أقسم إنَّه ... أزرى ببيت الشَّهرزوري رأس بخفَّة مخِّه ... والرُّوح أثقل من ثبير مستهترًا بالجهل طو ... ل الدَّهر في شرب الخمور وله من الوزراء من ... يزرون بالكلب الحقير مثل الشّقرَّاق القبيـ ... ـح الخبر من بين الطُّيور تالله لولا خالقي ... ألقيته بين الصُّقور تنتاشه بمخالب ... تنسيه أيَّام السُّرور وكذا الموزَّر .... ... تبًّا لذلك من وزير ذو الحكمتين الفيلسو ... ف وصاحب العقل الغرير لا تبغ شيئًا عنده ... لا كان ذلك من نظير ولقد أتانا نجله ... يختال ما بين القدور أضحى حوائج كيسه ... لشرا الطُّبول أو الزُّمور / 218 ب/ وكأنَّه في الجبَّة الـ ... ـخضراء جاء من الحضير وكذاك سقف ....... ... كهيأة التَّيس الكبير بسواد وجه كالغداف ... ولحية كخرا النّسور فلتنقرنًّ قفيَّهم ... نقر الدُّفوف بل فتور فليأخذوها كالسِّها ... م تغير عن شخص غيور لا يرتدي ثوب الهوا ... ن ولو تجلب بالحصير إن كنت من قصري أهنـ ... ـت فليس شعري بالقصير

أو كنت أظلم في البريَّـ ... ـة فانتصاري بالأمير مولى يخاف سطاه أر ... باب الممالك والثُّغور ليث وغيث في الورى ... وحليف معروف وخير بدر ببهجة وجهه ... يزهو على كلِّ البدور لم يبق فيض يمينه ... في النَّاس من شخص فقير أضحت قلائد برِّه ... تسمو على كلِّ النُّور وغدت تميس لذكره ... الأيَّام كالغصن النَّضير ذكر تضوَّع عرفه ... كالمسك فاح أو العبير / 219 أ/ مولاي يا حلف النَّدى ... سمعًا كلامًا غير زور لمَّا أمرت بنفيه ... ومنعته سكنى القصور شكرتك أبناء الدُّنى ... وأثبت من ربٍّ غفور أنت المبخِّل حاتمًا ... كرمًا وذو البأس الخطير مولاي بدر الدِّين أقـ ... ـسم بالمصاحف والزًّبور لو شئت كنت جعلته ... في الحال من أهل القبور لكن رعيت حقوق هـ ... ـذا البيت بالصَّدر الكبير قاضي القضاة أخو النَّدى ... كهف الطَّريد المستجير لازال ملك شاملاً ... لهم على كلِّ الأمور [284] عبد الرَّحمن، أبو القاسم القليوبي: أنشدني وجيه الدين الإسكندري قال: أنشدني أبو القاسم لنفسه: [من الطويل] تجلَّى الَّذي أهوى عن الشِّبه والمثل ... فيا عاذلي دعني وخلِّ من العذل ورقَّ لما ألقاه من فرط حبَّه ... ولا تحسبن العذل لي في الهوى يسلي / 219 ب/ وكن لمعاني حسنه متأمِّلاً ... تجد كلَّ جزء فيه معنى من الكلِّ فبدر الدُّجى والشَّمس من نور وجهه ... فمن لي بأن أقضي على حبَّه من لي وكلُّ صفات الحسن بعض صفاته ... فواحسرتي قد حار في وصفه عقلي

خضعت له في موقف الحبِّ طائعًا ... وقابلت عزِّي في المحبَّة بالذُّلِّ فهمت به إذ قد فهمت جماله ... وأصبحت عن كلِّ البريَّة في شغل تعلَّمت فيه النَّوح والحزن والبكا ... وأمسيت من علم اصطباري في جهل تهتَّك سترى فيه بعد تستُّري ... فواخيبتي إن لم أفز منه بالوصل ولست أخاف الموت في الحبِّ إذ أمت ... غرامًا فقد مات المحبُّون من قبلي [285] عبد الرَّحمن بن عيسى بن أبي الحسن بن الحسين، أبو الفرج البزوريُّ الواعظ كان يعظ بالجانب الغربي بجامع المنصور. وكانت ولادته في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القرآن، وسمع الحديث، وقرأ شيئًا من الفقه. وكانت وفاته يوم الإثنين لست مضين من شعبان سنة أربع وستمائة، ببغداد/ 220 أ/، ودفن بمقبرة أحمد بن حنبل –رضي الله عنه-. قال أبو الحسين القطيعي: أنشدني أبو الفرج البزوري لنفسه: [من الرجز] إذا ذكرت ما مضى من وصلهم ... بين الرِّياض فالنَّقا فالمنحنى أهجت بلبالي ففاضت أدمعي ... وأصبح القلب عليهم حزنا لله درُّ الوصل لو عاودني ... بذلت نفسي في هواه ثمنا

[286] عبد الرَّحمن بن عبد المحسن بن عبد الله بن أحمد بن محمَّد بن عبد القاهر بن هشام بن أحمد بن محمَّد بن المظفر، أبو أحمد بن أبي القاسم ابن الطُّوسيِّ، الموصليُّ المولد والمنشأ: كانت ولادته على ما أخبرني من لفظه ليلة الأربعاء سادس عشر رمضان سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. وتوفي يوم الإثنين مستهل ربيع الآخر سنة ست وعشرين وستمائة بالموصل –رضي الله عنه-. من أبناء الخطباء، ومن بيت عريق في الخطابة أيام الجمع، بعد أبيه بالموصل، بجامعها العتيق، وسمع الحديث على والده، وحفظ/ 220 ب/ الكتاب العزيز، وقرأ شيئًا من فقه الإمام الشافعي –رضي الله عنه- وهو أحسن الناس قراءة وترنُّمًا بالقرآن، وأطيبهم صوتًا، خصوصًا في المحراب. وكان مقبول الشهادة عند الحكام، متواضعًا ورعًا، من المتدينين، حسن الخطابة والتفوة بالكلام، شاعرًا عذب الشعر. ومن شعره يمدح المولى المالك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، أبا الفضائل، نصير أمير المؤمنين –أعّز الله أنصاره-: [من الكامل] الملك ما عقدت لكمم تيجانه ... والمدح ما نظمت لكم أوزانه والبأس ما شهدت به لكم ظبا ... يوم الطِّعان وسهمه وسنانه والجود ما هطلت به أيديكم الـ ... ـهطلات لا كفُّ الحيا وبنانه أنتم بحور ندى وغيركم إذا ... وصفوا وبولغ فيهم غدرانه عجبًا لكفٍّ لا يبارحه ندى ... بحر ولا تطفى وغى نيرانه

ولمركب غاد عليه ورائح ... غيث ولم تورق به عيدانه بأبي الفضائل أسعد الله الورى ... وبراح راحته ارتوت غلمانه وبأيّما بدر كبدر الدِّين أضـ ... ـحى ابن الخطيب صقيلًة أذهانه / 221 أ/ يا مالكًا يكفي وليًا جامعًا ... يحوي الصِّفاط لمصطفاه عيانه ومن الَّذي للجود أضحى بأبه ... بيتًا تقبل دائمًا أركانه يهب الجرائم قدرًة فكأنَّما ... ثمر الجرائم عنده غفرانه ما قابلت فرسان جيش جأشه ... إلاَّ أتته فريسًة فرسانه شكرًا لرأي خليفة الله الذي ... أبدًا يسيح تعطُّفًا سيحانه لمَّا رأى ديوانه قرح الورى ... داوى بكم قرح الورى ديوانه ولمن حباك إمارة الملك الذي ... لولاك ما جمع السُّعود قرانه ولاَّك ملكًا ما سواك ظهيره ... ونصيره وقرابه وصوانه لا كان ملك ما إليك مردُّه ... وتسلُّط ما في يديك عنانه كم بات حين أبيت إلاَّ عزَّة ... عبد إلى الله التَّضرُّع شانه وانسلَّ ذّبًا عنك صارم دعوة ... ممَّن جفت فيك الكرى أجفانه كذبت ظنون الحاسدين وطاب من ... ذي الغمر ما غمر النَّدى إحسانه وغدا المثبَّت بينكم إيمانه ... من كان ثابتًة بكم أيمانه وأنشدني لنفسه في التجنيس: [من مجزوء الكامل] ما لاح ناظر مقلتيـ ... ـه لناظر إلاَّ وشامه / 221 ب/ للصُّبح يشبه والظَّلا ... م إذا بدا خدًا وشامه فاقت محاسنه الحسا ... ن عراقه فينا وشامه يا ليته مثلي يقو ... ل لمن إليه بنا وشى: مه

وله ما كتبه صدر كتاب تعزية: [من البسيط] لو كان ينفع فيما يجزع الجزع ... لكنت أوَّل من بالحزن يدَّرع لله أقضية في الخلق واقعة ... ما في خلاص امرئ من أمرها طمع النَّاس كلُّهم موتى وما أحد ... يبقى ولكنَّهم ماض ومتَّبع فانظر لنفسك واعمل ما تنال به ... الزُّلفى فذاك به في الحشر ينتفع واعلم بأنَّ ضمانات المنى خدع ... تلهي وأقطع ما للأخدع الخدع وقال وقد خلع على القاضي أبي منصور المظفر بن عبد القاهر الشهرزوري خلعة بيضاء: [من الرمل] أيُّها المولى الذي بحر النَّدى ... من يديه في جميع الأرض جاري لم يغب عن ملك الأرض الَّذي ... للبرايا عدله أمنع جار إنَّ للأهبة من هيبتكم ... لا خلت عن دستكم أبهى شعار / 222 أ/ علموا أنَّك شمس فاصطفوا ... لك دون الخلق ثوبًا من نهار أبدًا تجري سعاداتكم ... من سماء المجد في أعلى المجاري وقال أيضًا: [من الطويل] ونور زهور مثل نور زواهر ... تبرّجن حسنًا في بروج رياض فلم ندر ما أسنى إذا ما تقابلاً ... نجوم سماء أم نجوم أراضي وقال أيضًا ما كتب به إلى بعض الشرفاء: [من مجزوء الرمل] أيُّها المولى الَّذي يمـ ... لأجودًا كلَّ عين والذي أضحى على كـ ... ـلِّ عناء أيَّ عون والذي يسن أياديـ ... ـه وشكري أيُّ بون غيَّرت ألوان آلا ... ئك بالتَّحجيل لوني يا جمال الدِّين حسبي ... يا كريم الحسبين أيُّ دين لك أقضيـ ... ـه بمدحي أيُّ دين؟ ليس يستغرب إحسا ... ن من ابن الحسنين

[287] عبد الرَّحمن بن عبد الله/ 222 ب/ بن رشيد بن عليٍّ، أبو محمَّد بن أبي الغريب التَّميميُّ، المعروف بالصَّيقل، الموصليُّ مولدًا ومنشأ: كانت ولادته فيما أخبرني ليلة الجمعة، سابع ذي الحجة سنة اثنتين وستين وخمسمائة بسكَّة أبي نجيح. وتوفي بالموصل ظهر يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن بالصحراء الكبيرة بباطن المدينة –رحمه الله تعالى-. وكان أبوه من حلم سريا، قرية من نواحي دجيل، ورد الموصل، وسكنها، وولد أبو محمد ولده بها، وأحب الأدب والشعر من صغره، وحضر مجالس أهل العلم والفضل، وعاشر العلماء، وخالط الأدباء، وأغري بقول الشعر، وحفظ آلته، وبرز فيه على نظرائه، وسلك قديمًا في ابتدائه مسلك الشعراء المتقدمين، واستعمال اللفظ الحوشي في أشعاره، فأعرض عن ذلك، ونهج طريقة المولدين في الرقة والسهولة، وحذا حذو شعراء بلده الخالديين، والسري الرفاء. وغيرهم، وهو واسع الحفظ لأشعار/ 223 أ/ العرب والمحدثين، ويحفظ في كل فن عجيب من فنون الشعر يهذّه هذًا، وكأنه يقرأه من وراء كفه، وهو حسن الاستخراج لمعاني الشعر، لا يصعب عليه شيء منها، من أحسن الناس، إنشادًا، وأعذبهم ألفاظًا وإيرادًا، وكثيرًا ما يذاكر بشعر

أبي تمام، وشعر البحتري، وشعر مسلم بن الوليد، وعلى خاطره جملة كثيرة من أقاويلهم، وإلى غير ذلك من الأخبار والسير وأيام الناس. ومع ذلك لم يزل حظه ناقصًا من الزمان وأهله، كتبت عنه كثيرًا من قوله ورواياته. ومما أنشدني يمدح مولانا السلطان المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام، غياث المسلمين، سيد أمراء المشرق والمغرب، أتابك [أبا] الفضائل، نصير أمير المؤمنين –أنفذ الله أمره-: [من البسيط] ته كيف شئت على العشَّاق يا قمر ... وصل فكلُّ دم أجريته هدر يا قامة الغصن المَّيال كم ملل ... صلني فإنَّك أنت الرُّوح والبصر أفديك من رشأ يلويه من ترف ... مرُّ النَّسيم ويدمي خدَّه النَّظر / 223 ب/ مقلَّد بحسام من لواحظه ... يكاد منه فؤاد الصَّب ينتثر تصمي لواحظه العشَّاق عن أمم ... بأسهم من لحاظ ما لها وتر مبلبل الصُّدغ قد أوهى قوى جلدي ... كأنَّما قلبه القاسي لنا حجر عذب المراشف مخضرُّ السَّوالف ريـ ... يان المعاطف في أجفانه حور نمَّ العذار بخدَّيه فأعرب عن ... وجدي به وبرى أجفاني السَّهر كم ليلة بتُّ أجني ورد وجنته ... والعيش لا رنق فيه ولا كدر وبات لا تحتمي عنِّي مراشفه ... أيَّام غضُّ شبابي يانع نضر يسعى وفي كفِّه حمراء صافية ... على النَّدامى ولي من ريقه سكر مشمولة من بنات الكرم ما بزلت ... إلاَّ وفاح علينا نشرها العطر

تخالها وهي في الكاسات يحملها ... أنَّ السُّقاة لما في خدِّه عصروا يا سالبي جنَّة قد كنت مستترًا ... بها فمن بعدها بالسُّقم أستتر لا تحسبنَّ غرامي فيك يا أملي ... يفنى وإن قلَّ عذَّالي وإن كثروا لا والمشاعر والبيت الحرام ومن ... عليه أنزلت أنزلت الآيات والسُّور وحقِّ ما حاز بدر الدِّين من كرم ... جمٍّ به تخجل الأنواء والمطر الباذل المال والأعوام مجدبة ... لطالبي رفده والضَّيغم الهصر / 224 أ/ إذا الوفود أناخوا حول حجرته ... في حادث الدَّهر يعطي وهو معتذر هو المليك الذي جلَّت صنائعه ... بين البريَّة والإحسان والسِّير ملك حوى قصبات السِّبق عن كرم ... موف ولازال مقسومًا له الظَّفر مازال يعطي اللُّهى في كلِّ نازلًة ... حلَّت وكان لما يوليه يحتقر هذي سمات المعاني فيه لائحة ... تثني على فعله الأملاك والبشر إذا الحروب بدت أبطالها وغدت ... نيرانها بالمنايا وهي تستعر بكلِّ سابحة تدمى شكائمها ... وكلِّ سابغة كأنَّها غدر والبيض محمرَّة الأطراف تخضب من ... دم الهوادي وليل الخطب معتكر والسَّمهريَّة ما بين القتام ترى ... كأنَّها في الدَّياجي أنجم زهر سقى ينابيعها ماء الكلى فترى ... هام العدا وهي في أغصانها عثر لا ينثني عزم بدر الدِّين حيث سطا ... على الكتائب إلاَّ وهو منتصر وقال أيضًا يمدحه: [من مجزوء الكامل] يا من غدا بالملك أحرى ... ما بالهم سمَّوك بدرا؟ وعليك من نور الإله ... دلائل توليك فخرا ولقد أبان الله يا ... ربَّ المكارم فيك سرّا / 227 ب/ وغدت مكارمك الجسا ... م على بني الآمال تترى سر حيث شئت فإنَّ ر ... بَّ العالمين حباك نصرا واجعل أعاديك الطُّغا ... ة لديك في الأصفاد أسرى يا كافل الأيتام عن ... آبائهم جوزيت أجرا يا من غدا وكأنَّ فو ... ق جواده ليثا وبحرا

يا من صنائعه سرت ... بين الورى سرًا وجهرا كم يطمعون عداك في ... أن يدركوا مسعاك قهرا ويخيب سعيهم فما ... نالوا به دنيا وأخرى راموا مساعيك التي ... قد هجَّنت في العدل كسرى وتأمَّلوك فصادفو ... ل لدى الوغى ليثًا هزبرا يا من إذا أكدى السَّحا ... ب وكانت الأعوام غبرا تهمي أنامله الجسا ... م على بني الآمال نهرا وإذا المنايا أوقدت ... نيرانها لهبًا وجمرا وغدت متون البيض فيـ ... ـها من دم الأبطال حسرى تسعى بكلِّ مدجَّج ... بالحرب مشغوفًا ومغرى فعزيمة الماضي لدى ... أعدائه أمضى وأبرا أأبا الفضائل دم إلى ... كم توسع الجانين عذرا؟ وإلى متى تغني الزَّما ... ن على المدى صلًة وبرّا؟ قم باكر اللَّذات فالـ ... أيَّام ما تعصيك أمرا واشرب معتَّقة كأ ... ىَّ بكأسها ذهبًا ودرّا حمراء قد صاغ المزا ... ج لرأسها عقدًا وشذرا أو ما ترى وجه الرَّبيـ ... ـع الطَّلق يكسو الأرض زهرا؟ وأنشدني لنفسه يمدح الوزير الصاحب شرف الدين أبا البركات المبارك بن أحمد بن المبارك المستوفي، بإربل –رحمه الله تعالى-: [من الخفيف] قل لمن لام في هواه وفنَّد ... وغرامي به غرام مجدَّد كيف يصغي إلى الملامة صبٌّ ... مستهام بادي الصًّبابة مكمد / 225 ب/ كلَّما شام بارقًا يوم حزوى ... شاقة بالبراق رسم ومعهد بات يستنجد الدُّموع على رسـ ... ـم محيل بالرَّقمتين تأبد واقفًا في معالم طال ما غا ... زل فيها لدى المعاطف أغيد شادنًا كلَّما تيبسَّم أبدى ... من ثنايا فيه جمانًا منضَّد

كقضيب الأراك قدًّا إذا ما ... هزَّ أعطافه الصبا وتأوَّد بابلي اللِّحاظ سلَّ على العشَّـ ... ـاق من مقلتيه سفيًا مهنَّد تم عذري في حبِّه حين خطَّ الـ ... ـمسك في خدِّه عذارًا مقيَّد كم سقاني من ريقه وثنايا ... هـ على الحالتين قهوة صرخد من مدام إذا سقاها النَّدامى ... خلتها من خدَّيه يجنى زبرجد في زمان صفا ورقَّ فأضحى ... وهو غضٌّ يحكي خلال ابن أحمد الجواد الذي إذا جاد غيث ... وهو ليث إذا سطا وتهدَّد والوزير الأريب والفاضل النَّد ... ب المرجَّى والأريحيِّ الممجَّد كلَّما أخلف السَّحاب وأكدى ... أمطرت كفُّه لجينًا وعسجد جاد حتَّى خلنا ندى راحتيه ... من مسيل الأتيّ أندى وأجود كتبه تفتح الحصون العوالي ... وهي للملتجين حصن مشيَّد / 226 أ/ والَّذي في يراعه للموالي ... والمعادي جود وعيش منكَّد هو في كفِّه وبين يديه ... للبرايا من بأسه تتوقد أيُّها السَّيِّد الذي لأياديـ ... ـه على النَّاس مَّنة ليس تحجد أنت أخجلتني بجودك حتَّى ... صار شكري عليك وقفًا مؤبد وبألفاظك اهتديت فأهديـ ... ت إلى ظلِّك المديح المردَّد من قواف كأنَّها حين تنشد ... يتغنًّى بها الغريض ومعبد فابق واسلم على الزَّمان ومانا ... ح على غصنه الحمام وغرَّد وقال فيه أيضًا يمدحه: [من الكامل] حيِّيت من دمن ومن عرصات ... بالأبرقين محيلة الآيات وسقى معالمك الحيا وغدت بعر ... صتك الرِّياح عليلة النَّفحات فلكم قضيت بك اللُّبانة لاهيًا ... بأوانس مثل الدُّمى خفرات ومنها يقول: لاحظته والكأس في يده وقد ... لعبت بمشيته يد النَّشوات في ليلة جمع النَّعيم بها وما ... أذنت كواكب أفقها بشتات فكأنَّما الجوزاء فيها قينة ... باتت تساعدنا على اللَّذَّات

/ 226 ب/ والبدر في كبد السَّماء كأنَّه ... في حسن طلعته أبو البركات وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الكامل] دار السَّلام فقل هديت سلام ... فيها لمرتاد النَّدى إنعام ومواقف نبويَّة قرشيَّة ... في ظلِّها التَّبجيل والإعظام ومكارم ومحامد ورزانة ... منها تعلَّم يذبل وشمام فإذا وصلت قباب خير خليفة ... شرفت به الأخوال والأعمام قيل ترى عزماته وحياضًه ... فرعًا بها للمقتفين مرام هو حجَّة الله التَّي نزلت على ... أبياته الآيات والأحكام وملاذ كلِّ مومِّل يثني على ... إحسانه ونواله الأيتام وهو السِّراط المستقيم فمن هوى ... عما يروم هوت به الأيَّام وسماحه أحيا الأنام وجوده ... روَّى متون الأرض وهي حرام اقنى الإمام مكارمًا ومحامدًا ... ما تنقضي أو تنقضي الأيَّام ملأ البلاد رفائدًا وكتائبًا ... بهما العراق مزلزل والشَّام وعليه من نور النَّبي دلائل ... ما تنظفي أنوراها ووسام فإذا سطا أو ثال يوم كريهة ... خرس القضاء ودقَّت الأقلام / 227 أ/ فخرًا بني العبَّاس إنَّكم على ... رغم العدا الخلفاء والحكَّام وأبوكم أسقى الحجيج على الظَّما ... وبه استهلَّ على البلاد غمام منعت حمى البيت الحرام سيوفكم ... وحماكم في الله ليس يرام أعززتم الدِّين الحنيف وقمتم ... في نصره والعالمون نيام يا ابن الخلائف والَّذين بهديهم ... عرف الهدى وتمهَّد الإسلام هذا حسامك مثل عزمك مرهف ... تفرى الخطوب به وهنًّ جسام فاستبق للمهديِّ منه مضاربًا ... فلأنت زند للهدى وإمام فتكًا أمير المؤمنين به على ... أعدائكم ولباسك الإقدام وإذا الحروب توقَّدت أنفاسها ... وعلا بها بين الكماة ضرام والخيل تعثر بالصَّوارم والقنا ... ولها بأعلى الخافقين قتام يسعى بكلِّ مدجَّج يقني الوغى ... فحل البوارق والصُّفوف قيام

قابلتها بعزيمة قرشيَّة ... للنّاكثين بها ردى وحمام إنِّي أتيتك والحوادث جمَّة ... عندي ومن يتيك كيف يضام؟ مستنصرًا بخليفة مستنصر ... بالله ليس لنصره إحجام وأنشدني أيضًا من قصيدة أوَّلها: [من المديد] / 227 ب/ ما على الحادين لو وقفوا ... ساعًةة بالرَّكب أو عطفوا فعسى يشفي بلابله ... مستهام مغرم دنف فله في الرَّكب معتدل ... قدُّه قد زانه الهيف وقضيب فوق قامته ... بدر تمٍّ ليس ينخسف راش من ألحاظ مقلته ... أٍهمًا قلبي لها هدف وغدا يفترُّ عن برد ... طاب رشفًا حين يرتشف قلت لمَّا راح ينهلني ... راحه واللَّيل معتكف أسنى برق يدير لنا ... أم تبدَّى في الدُّجى الشَّرف وقال فيه أيضًا يمدحه: [من الطويل] لك الخير يا ابن السَّابقين إلى العلا ... وخيير فتى سارت إليه الركائب ومن بندى كفَّيه إن أخلف الحيا ... مصائرنا لو أعوزتنا المطالب تعلَّمت الأنواء منك فأسبلت ... على النَّاس حتَّى ما ترام المذاهب فجودك يحيي العالمين وهذه ... تجاذبها هام الرُّبى والمذانب لشتَّان ما بين النَّوالين فالحيا ... يجود وأحيانًا يرى وهو ناضب / 228 أ/ وأنت على برِّ الزَّمان مواصل ... عفاتك بالنُّعمى وجودك ساكب أتاك بنو الآمال حسرى لواغبًا ... فعمَّتهم من راحتيك المواهب (فعاجوا فأثنوا بالّذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب) فلا زال مغناك الملاذ لمن أتى ... إلى ساحتيه وهو في الجود راغب فزوِّده عبدًا ما يزال ثناؤه ... عليك مقيمًا وهو حقٌّ وواجب

وأنشدني لنفسه يعاتب النقيب جمال الدين أبا طالب المعمر بن أحمد بن زيد بن محمد بن عبيد الله الحسيني الموصلي، وهو يومئذ يتولّى نقابة العلويين بالموصل: [من الوافر] إذا نزلت جسيمات الخطوب ... بنا فزوالها بيد النَّقيب كريم ما يماثله كريم ... جواد ما يقاس إلى قريب نؤمل منه بحرًا فاض حتَّى ... طغا بين السُّهول إلى السُّهوب شمائله شمائل حيدريٍّ ... نما من ذلك البطل الحَّبيب ألا يا ابن الأكارم من قريش ... ويا من شعبه خير الشُّعوب أراك غفلت عن عبد مريض ... سلامته من العجب العجيب / 228 ب/ تمتُّ إليك بالأدب المصطفَّى ... مدائحه وبالعهد القريب على أنَّ الأديب إذا لحته ... يد الأيَّام بالجدِّ الخشيب وحلَّ به عظيمات الرَّزايا ... جفاه الأقربون بغير حوب وكيف أخاف من غير اللَّيالي ... وجود يديك في الدُّنيا نصيبي وكتب إليه أ] ضًا، يمدحه ويعاتبه: [من المجتث] يا قامة القضيب ... يا نزهة القلوب في القلب منك داء ... أعيا على الطَّبيب ومن إذا تثنَّى ... بقدِّه الرَّطيب أيا ابن بدر تمٍّ ... موف على كثيب رقَّ لمستهام ... متيَّم كئيب إليك يا مناه ... يشكو جوى الوجيب ففي حشاه نار ... مضرمة اللَّهيب علله بالتَّلاقي ... في غفلة الرَّقيب ألا ومن يراه ... يشكو إلى النَّقيب / 229 أ/ الطَّاهر السَّجايا ... والفاضل اللَّبيب فطالما تردَّى ... بجوده الخصيب وجرَّ ذيل لهو ... في ظلِّه الرَّحيب

وسلَّ سيف عزم ... من بأسه الصَّليب فهو لمرتجيه ... مفرِّج الكروب آراؤه المواضي ... تفري شبا الخطوب وجود راحتيه ... في عامنا الجديب طغا ففاض بين الـ ... ـسُّهول والجدوب يا ابن النبي غثني ... بآية الذُّنوب وشى إليك واش ... يا ابن أبي الغريب حتَّى رفضت عمدًا ... لصيقل أديب ألولاه فيكم ... يجفى بغير حوب؟ أم حالت اللَّيالي ... بعهده القريب علَّلته بخطٍّ ... كبارق الجنوب فعاد عن قريب ... ممنَّع الشُّؤبوب / 229 ب/ فاسلم مع اللَّيالي ... فردًا بلا ضريب وقال أيضًا يمدحه، ويصف الروض: [من مجزوء الرجز] رقَّ نسيم السَّحر ... وطاب نشر الزَّهر واكتست الأرض بنو ... ر حليها المنوَّر فانظر إلى ما صنعت ... بالرَّوض أيدي المطر قد دَّبجته فغدا ... في حلل من عبقر أما ترى الجوَّ غدا ... في مطرف معنبر؟ يبكي فتفتر الرُّبى ... عن أبيض وأصفر فقم بنا نشربها ... على حنين المزهر وانتهز الفرصة من ... قبل فوات العمر من كفِّ ساجي المقلتيـ ... ـن كالغزال الأحور يميله الدَّل إذا ... ماس كغصن نضر لم أنسه وراحه ... في كأسه المصوَّر في ليلة بتُّ بها ... ونجمها لم يغر

نهلني من ريقه ... برد رضاب خصر / 230 أ/ يقول إذ مال به الـ ... دَّل وجود السَّكر واللَّيل قد قابله ... ضوء الصَّباح المسفر أما ترى الصُّبح بدا ... كالطلعة المعمَّر؟ الهاشميِّ الأحمد ... يِّ الفاطميِّ الحيدري هبَّ إلى مديحه ... فهو جمال السِّير وأنشدني لنفسه يمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –عليه السلام-: [من الوافر] نديمي هبَّ من سنة المنام ... وباكر صبح يومك بالمدام فقد هزمت جيوش الصُّبح لمَّا ... تراءى مشرقًا جيش الظَّلام وقد رقَّ النَّسيم وقد تبدَّى ... عبير الزهر مفضوض الختام وقد خلع الرَّبيع على ربوع الـ ... ـحمى وعلى الرُّبى خلع الغمام يباكرها النَّى غلسًا فتضحي ... عقود الدُّرِّ واهية النِّظام ألمَّ لأبها غيث] السَّما ... ء معنبر الأطراف هامي إذا ابتسمت ثغور الزَّهور فيه ... بكت بغزير أدمعه السِّجام وقد أضحت غصون الدَّوح فيه ... نشاوى من أغاريد الحمام / 230 ب/ وصفَّقت في القناني ... على صخب الأغاني والزنامي فباكر فرصة الأيَّام إنَّ الـ ... ـزَّمان هباته هبة اللِّئام وخذها من يدي رشأ غرير ... عليل اللَّحظ ممشوق القوام أقول وقد غدا يسعى علينًا ... بها في الكأس من نسج الفدام أنار في الكؤوس تدير أم قد ... تبدَّى في الدُّجى نور الإمام؟ وأنشدني أيضًا لنفسه يمدح الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب –رحمه الله-: [من الكامل]

دع ذكر زينب والمحلِّ الصَّفصف ... وتولَّ عن وصف المادم القرقف ودع النَّسيب وخلِّ أبكار الدُّمى ... وصفاتهنَّ لكلَّ صبٍّ مدنف واثن العنان عن الحساب مجانبًا ... وصفًا لكلَّ مرنَّح ومهفهف قوِّض ركابك طالبًا نيل العلا ... فالذُّلُّ للمتقاعس المتخلِّف فالعزُّ بين أسنَّة وأعنَّة ... لا بين لثم مقرطق ومشنَّف واعلم بأنَّ ذرى المكارم لا ترى ... مبنيَّة إلاَّ بمدح الأشرف / 231 أ/ ملك إذا عاينته في دسته ... أو سرجه لعدوِّه والمعتفي عاينت ليث وغى وبدر دجنَّة ... ذا لم يذلَّ سطًا وذا لم يخسف يجفو لذيذ من عزِّ التُّقى ... والمال من عزِّ القننا والمشرفي ومنها قوله: لكن ذئاب البرِّ واثقة به ... وتخاف في إكرامها أن لا يفي وترى طيور الجوِّ عاكفًة على ... مغزاه بين محلِّق ومرفرف ثقًة به في كلِّ يوم كريهة ... والخيل تعثر بالقنا المتقصِّف ألاَّ تعود بغير شبع من قرًى ... أسياف مالكها المليك المسعف يا أيُّها الملك الرؤوف ومن بما ... يوليه من بعض المكارم نكتفي يا بدر بل يا بحر بل يا ليث بل ... يا غيث زدت على الغيوث الوكَّف إنِّي أتيتك والحوادث جمَّة ... حولي وريب الدَّهر منِّي مشتفي ويد الزَّمان تنوسني بمخالب ... هاضت جناح مذاهبي وتصرُّفي فرضيت من زمني بما أوليتني ... إذ كان في لقياك غير مسوِّفي فخرًا بني أيُّوب بالملك الَّذي ... أحيا لكم في العدل سيرة يوسف إن كان يا موسى سميُّك أبهرت ... آياته بعصاه عند تلقُّف / 231 ب/ فيمينك البيضاء صيغت للنَّدى ... والبأس يوم تخوُّف وتعطُّف وأنشدني لنفسه من قصيدة أولها: [من المديد] باكر اللَّذات مصطبحًا ... واعص من في تركها نصحا فلقد رقَّ النَّسيم على ... مرِّه والدِّيك قد صدحا والدُّجى ولًّلت عساكره ... هربًا من بعد ما جنحا

وتخال الصُّبح حين بدا ... راهبًا بالمسح متَّشحا وغصون الدَّوح مائلة ... في نواحي رزضها مرحا كلَّما طلَّت خمائلها ... مال سكرًا بانها وصحا وإذا ناحت حمائمها ... هاجت الأشواق والبرحا فاسقينها يا نديم فقد ... قهقه الإبريق إذ رشحا واقتبس من نروها قبسًا ... فزناد الدَّنِّ قد قدحا بنت كرم كلَّما سكبت ... خلت برقًا في الدُّجى لمحا صوِّبت في كأسها فغدا ... نشرها كالمسك إذ نفحا لم يدع فيها الزَّمان على ... مرِّه من روحها شبحا وإذا طاف السُّقاة بها ... خلتها في الكأس شمس ضحى / 232 أ/ وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى صديق له يلقب بالجمّال يتشوقه: [من المتقارب] سلام شج مدنف القلب بال ... براه التَّفرُّق بري الخلال يجنُّ إذا ما دجا ليله ... ويرقب في النَّوم طيف الخيال فما شاقه عذبات الغوير ... [وما بالحمى من] ذوات المطال ولا شااقه شادن أهيف ... بلين القوام وبيض الحجال ولكن تذَّكر أيَّامه ... وعيشًا تقضَّى بقرب الجمال معيني على نكبات الزَّمان ... وذخري على النًّائبات العضال وكنزي وحرزيي وعزِّي إذا ... توالت عليَّ صروف اللَّيالي أيا صاحبي ددون كلِّ الصِّحاب ... ويا عدَّتي في الورى يا أمالي سقى الله دهرًا نعمنا به ... وعود الصَّبا خضل الغصن حالي لهونا بكلِّ رشيق القوام ... وغضِّ الصِّبا حسن الاعتدال عليل اللِّحاظ بديع الجمال ... رخيم التَّثنِّي مليح الدَّلال إذا ما انثنى فقضيت وإن ... أماط اللِّثام فوجه الهلال

يطوف براح حكى نشرها ... نسيم الخزامي وريح الشَّمال / 232 ب/ كأنَّ بكاساتها جذوًة ... إذا صوِّبت من فدام البزال وقد غفل الدَّهر عن شملنا ... وما خطر البين منَّا ببال فلمَّا رمتنا صروف الزَّمان ... ووشك البعاد بسهم النِّضال بكيت على ما مضى آسفًا ... وعصر الوصال بدمع مذال لك الخير يا ابن الكرام الألى ... تساموا إلى هضبات المعالي ويا مانحي غرر المشكلات ... وحسن المعاني ودرَّ المقال أعِّطلت الكتب بين الأنام ... ابن لي هديت أم النِّفس غالي وأنشدني أيضًا لنفسه ابتداء قصيدة: [من الوافر] فدتك النَّفس كم هذا التَّجنِّي ... لقد أسهرت بالهجران جفني وكيف رأيت سفك دمي حلالاً ... بغير جناية بلغتك عنِّي أيا صنم الملاحة فقت حسنًا ... على كلِّ الأنام بكلِّ فنِّ وي غصن النَّقا الميَّال أفدي ... بما ملكت يدي ذاك التَّثنِّي ويا قمر السَّماء غدا لتمٍّ ... ويا شمس النَّهار ليوم دجن شهرت من اللَّواحظ مشرفيّا ... ومن لين القوام قوام غصن يعنفني العذول عليك جهلاً ... وقد كرهت سماع العذل أذني / 233 أ/ وحبُّك غايتي وسرور قلبي ... وأنت بموضع العينين منِّي سقى ليلاً نعمت بجانبيه ... وأنت إلى فمي بالكأس تدني وقد غفلت صروف الدَّهر عنَّا ... لما نخشاه من فرح وحزن وأنشدني لنفسه وقد حااجَّه شخص في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –عليه السلام-: [من البسيط] يا عائبًا شيعة المختار أنت بمن ... تقتاد أم من به في الحشر تعتلق؟ زعمت أنَّ بني الزَّهراء طامسة ... أنوارهم كيف يخفى الصُّبح والفلق هم الميامين إن عدَّ الفخار وهم ... أئمَّة الدِّين إن فاهوا وإن نطقوا

وأنشدني لنفسه في غلام قصد الحجّ: [من البسيط] يا قاصد الحجر المسودِّ يلثمه ... ولئمه للورى يشفى به السَّقم مقلَّدًا بحسام من لواحظه ... يبغي النِّضال وهذا الرّكن والحرم إذا تقلَّدت وزرًا من دمائهم ... وليس يسفك فيه للأنام دم فأين أجرك والحجَّاج شاخصة ... أبصارهم فيك ما حجُّوا ولا استلموا إغمد لحاظك عنهم إنَّهم حرم ... فقد سفكت دماء القوم يا صنم وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض الأمراء: [من الكامل] / 233 ب/ قسمًا بربِّ اليعملات إلى منى ... من متهم بمحلِّه أو منجد إنَّ الخطوب فتكن بي فتك الظُّبا ... بيد الأمير أخي المكارم أحمد ملك له في كلِّ يوم كريهة ... رأي يفلُّ به غرار مهنَّد وله إذا عدَّ الفخار مكارم ... وعزائم مقرونة بالفرقد وإذا تواترت الخطوب على الورى ... فيمينه منهلَّة بالعسجد يا أيُّها الملك الَّذي في كفِّه ... بحر لمن وافاه عذب المورد أمن السَّويَّة أن أكون محلاً ... عن مطلبي ولديك غاية مقصدي وعليك متّكلي وأنت وسيلتي ... وإليك قصدي يا غياث الوفّد فاسمح بجاهك لا برحت على المدى ... في كلِّ ننائبة ملاذ المجتدي وأنشدني لنفسه يهجو العميد أبا نصر الحنائي بالموصل، حين عمل صهريجًا ظاهر البلد بمشهد الرأس، واحتبس في تلك النة الغيث، وتأخر مجيئه: [من الخفيف] يا صحابي إن اعوز الماء غورًا ... أورأيتم أيّامنا البيض سودا أو تنشَّا غيم فلا غرو إن أصـ ... ـبح عنَّا مواريًا مطرودا / 234 أ/ كيف نرجو السَّحاب من بعد ما أضـ ... ـحى أبو نصر في البرايا عميدا أو نرجِّي أن يرخص الملك العلاَّم سعرًا وفضله أن يجودا

حاش لله أن نرى لك صهريـ ... ـجًا تروِّي به الظَّماء الشَّديدا لو روانا فيه من البارد السَّلـ ... ـسال أضحى مهلاً وعاد صديدا إنَّما يعمر المصانع من كا ... ن جوادًا بماله ... مقصودا لا كمن صار عرضه هدفًا للنـ ... ـناس لم يدَّخر سماحًا وجودا يا أبا نصر كم رأينا من النَّا ... س مليكًا صعب المرام عنيدا كان لا يتَّقي الحوادث إن را ... مت حماه ولا يهاب الجنودا خطفته يد المنيَّة حتَّى ... غادرته تحت الثَّرى ملحودا ولذا أنت صرت تنهي لك الأيام سهمًا من المنايا سديدا وأنشدني لنفسه يهجو المجد النشابي كاتب الإنشاء بإربل في الأيام المظفرية المعظميّة: [من الرمل] عد إلى النُّشَّاب يا مجد فقد ... ضجَّ ممَّا تمتطيه القلم راحة من شأنها اليبس فلو ... قطعوها ما جرى فيها دم / 234 ب/ وأنشدني لنفسه فيه أيضًا: [من المتقارب] يصون أبو المجد من لؤمه ... خزائن أسخى الورى ككبري ويبذل أعراضه دونها ... فعرض مصاب ومال بري وأنشدني أيضًا فيه يهجوه: [من المتقارب] أبو المجد قالوا به أبنة ... تدلُّ على أنه كاتب وقالوا له منزل فارع ... وحاجبه دونه حاجب [288] عبد الرحمن بن محمَّد بن محمد بن عمر بن أبي القاسم بن بخمش، أبو المظفرَّ بن أبي سعيد الواسطي المعروف بابن سنينيرة:

شاهدته بمدينة الموصل سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وهو شيخ كبير، وسألته عن ولادته، فذكر أنه ولد بواسط سنة سبع أو تسع وأربعين وخمسمائة، وبلغني أنه توفي بواسط سنة ست وعشرين وستمائة. وكان ينتجع الناس بأشعاره، ويطوف البلاد، وكان من عوامّ الشعراء/ 235 أ/ قليل الآلة في صناعة القريض، ذا بضاعة في الأدب مزجاة، إلاَّ أنَّ له طبعًا يعينه في إنشاء الشعر لاغير. وكان مع ذلك عنده دعاوى كثيرة، وافتخار بالنظم مفرط. قلت له يومًا في أثناء كلام، وقد جرى ذكر شعراء العراق ورقة طباعهم في الشعر، وسهولة ألفاظهم في المنظوم والمنثور –أتروي لأبي الغنائم بن المعلم والأبلة شيئًا من شعرهما؟ فالتفت إليّ كالمغضب الحاد المزاج وقال: من هما حتى أروي عنهما من أشعارهما، أنا أسحب ذيلي عليهما فضلاً ومزية. وكان شيخًا شرسًا فيه حدّة مفرطة، ولم أر من الشعراء الذين ينتمون إلى هذا الشأن أعسر منه أخلاقًا، ولا أجفى في إنشاد الأشعار، له ولغيره، وربما كان يتبسط في بعض الأوقات، ويسلك سبيل المجون والمداعبة. وكان قد أقام بمدينة إربل مدة، فقصد زيارته صدرها ووزيرها المفضال الصاحب شرف الدين أبو البركات المبارك بن أحمد المستوفي –كبت الله أعاديه- فلم يجده في منزله، فجاء أبو المظفر منزله، وأخبر بمجيء الصاحب/ 235 ب/ إلى زيارته، فحينئذ عزم على المصير إلى خدمته، فجاء الغيث متواليًا، وكثرت الوحول في

الطرق، فحبته عن الذهاب إلى حضرته، فأنشأ فصلاً يشتمل على نظم ونثر، وصدَّره بهذه الأبيات، وكتبها لي بخط يده: [من الكامل] يا لحظًة سنحت بها طير المنى ... وجرت لنا بسعودها الأفلاك عجليَّة الأٍر الوثيق فما لمن ... أسرت وإن بذل الفداء فكاك سمحت بها كفُّ اللَّيالي فلتًة ... وطباعها التَّجعيد والإمساك فكأنَّما وهمت بها واستدركت ... غلطًا فردَّ فواتها الإدراك ولقد رجوت بأن تثنِّي فانثنت ... وسبيلها التَّوحيد والإشراك فكأنَّها طيف تعرَّض معرضًا ... نصبت له بيد الكرى أشراك ما شئت فاصنع يا زمان فإنَّما ... أفتاك فينا صرفك الفتَّاك ثمّ أورد نثرًا، وعقبه بهذه الأبيات: [من الطويل] وكم عزمة أمضيتها للقائكم ... فأًبح فيها للخطوب فلول ومهري شوق سار بي نحو أرضكم ... كأنَّ أباه شدقم وجديل إلى أن بدا للعين آرام رامة ... وهوَّم حاد واستراح دليل / 236 أ/ دنوت فحال الوحل بيني وبينكم ... وكيف احتيالي والوحول تحول وقال أيضًا: [من الكامل] إذهب شباط فقد أتى آذار ... وصفا العقار وسامح الخمَّار ودعا لشاربها وأمَّن إذ دعا ... غبَّ الدُّعاء العود والمزمار وبكى السَّحاب على الرِّياض فزخرفت ... لبكائها وتبسَّم النُّوار وتضرجت وجنات وررد شقيقه ... واصفر من حذر القطاف بهار وتلفَّعت تلك التِّلاع ملاءًة ... رقشت وشائع وشيها الأمطار من أزرق في أصفر ومعصفر ... في أحم قان حكاه نضار ومفضَّض في مذهب فكأنَّه ... صحف لها من عسجد أعشار قد زمّكت باللاَّزورد ومسَّها ... الإبرنج والزَّنجفر والزِّنجار نفحاتها دارَّية فكأنَّها ... سحق العبير لجوِّها عطَّار وبنفسج بادي الحياء ونرجس ... وقح ونمام نمى وعرار من دونها برك بها نيلوفر ... كرؤوس بطٍّ ما لهنَّ مطار

حاولن فلي صدورهنَّ تحرُّشًا ... فبكلِّ جؤجو بطَّة منقار ما العيش إلاَّ خمسة لا سادس ... لهم وإن فطرت لها الأعمار / 236 ب/ زمن الرَّبيع وشرخ أيّام الصِّبا ... والكأس والمعشوق والدِّينار فاشرب مشعشعًة إلى لألائها ... يعزى الضِّياء وتنسب الأنوار جسمًا تألَّف من نضار مائع ... فالماء من أجزائه والنَّار تغشى بجوهرها البصائر مثلمًا ... تغشى بنور شعاعها الأبصار مذ خلِّدت في الدَّنِّ لم يكشف لها ... بأنامل الخمّار قطُّ خمار بكر بخاتمها لنا في شربها ... محض السُّرور وللهموم سرار فلها إذا رقصت لصفق مزاجها ... في الكأس من درر الحباب نثار من كفِّ ريم في مطاوي طرفه ... نبل يسنُّ وصارم بتَّار ريشت بأهداب الجفون [فأعملت] ... رشقًا وما لقسيهِّا أوتار ترمي فتصمي العاشقين ولا لها ... أثر وللرامي عليه ثار طلعت لنا في ذيل ليل [أليل] ... شمس فليل العاشقين نهار دلَّت محاسنه الطَّريق إلى الهدى ... وتتبّعوا تيه الدَّليل فحاروا كم قد أخذت يد السُّلوِّ لتوبة ... من حبِّه فيقودني الإصرار غصن على دعص يضيق بما جرى ... منه الإزار وتثمر الأزرار ويكاد يدمى بالغلائل جسمه ... ترفًا ويجرح خصره الزنَّار / 237 أ/ يا من أراق دمي لغير جريمة ... من قال إنَّ دم المحبِّ جبار؟ قسمًا بحقِّك إنَّ حقَّك واجب ... إنِّي عليك من النَّسيم أغار هبني أسأت فكن لذنبي غافرًا ... إنَّ الكريم مسامح غفَّار وقال غزلاً من قصيدة: [من مجزوء الكامل] لو كفكف الهجران قاتله ... ونفى القلى قلَّت بلابله شهدت بصدق الحبِّ عبرته ... طلاًّ وزكى الطَّلَّ وابله والحب أطهر ما يكون إذا ... هجر المحبُّ ولجَّ عاذله أخفى الغرام فلا جوارحه ... شعرت بذاك ولا مفاصله كالسَّيف يصحبه الحمام ولم ... يعلم بما حملت حمائله

صبٌّ رهين في صبابته ... دنف نحيف الجسم ناحله يهوى الصَّبا ويودُّ لو حملت ... فيها لذي وصب رسائله مطل الدُّيون ولا ادَّعى عدمًا ... يستوجب الإنظار ماطله لو قابل البدر المنير دجى ... بجماله استحيا يقابله ومنها قوله: / 237 ب/ أيحلُّ قتلي كم أبحت حمى ... قلب قطين هواك نازله؟ حرمًا عزيز الجار يسلمه ... للحين تغلبه ووائله لولا الألى هجروا وما وصلوا ... ما بات ذا سقم يواصله صدُّوا فما أبدت شفاعته ... نفعًا ولا قبلت وسائله هل وقفة تشفي رسيس جوى ... يومًا على الوادي نسائله لو بكائي على شفائي لما ... حمَّت لوارده مناهله ما الجزع ما رمل العقيق وما ... بان اللِّوى لولا مطافله عقلت عقول العاشقين به ... يوم النَّقا أسرًا عقائله من كلِّ ذي قدٍّ يميد كمن ... سرت الشَّمول به تمايله وأغنّ ما نطقت مراسله ... إلاَّ وقد خرست خلاخله للرَّمل ما سترت مآزره ... والغصن ما ضمَّت غلائله قمر يهيج لي البلابل إن ... ما سـ على صدغ بلابله أمست منازله القلوب فيا ... لله ما تحوي منازله وقال يمدح الملك الظاهر غياث الدين/ 238 أ/ غازي بن يوسف بن أيوب صاحب حلب، وقد امتحنه، وسأله أن يرّكب من أعجاز أبيات البحتري الميمية، على صدور أبيات ينظمها، ويصف فيها القناة التي أخرجها بحلب: [من الكامل] دون الصَّراة بدت لنا صور الدُّمى ... لا أدم صيران الصَّريم ولا الحمى غيد هزرن من القدور ذوابلاً ... لدنًا ورشن من اللَّواحظ أسهما

عنَّت وكم دون الحريم أحلَّ من ... دم عاشق عان وكان محرَّما؟ فنهبن أنقاء الصَّريم روادفًا ... ووهبن إيماض البروق تبسُّما وأعرن أنفاس الصَّريم من الصَّبا ... أرجًا أبت أسراره أن تكتما وعلى أواناكم ونى يوم النَّوى ... جلد وعهد هوى وهى وتصرَّما أأميم لولا فرط صدِّك لم أهم ... ظمًا ولا أظما إلى رشف اللَّمى ولما وقفت بسفح سلمى منشدًا ... أمحلَّتي سلمى بكاظمة اسلما خلَّفتني بين التَّجنِّي والقلى ... لا ممعنًا هربًا ولا مستسلما وتركتني أقني الزَّمان معلِّلاً ... نفسي بذكر عسى وسوف وربما / 238 ب/ ولكم طرقتك زائرًا فجعلت لي ... دون الوسادة والمها والمعصما ومنحتني ضمًّا ولثمًا لم يكن ... حوض العفاف بورده متهدِّما فاليوم طيفك لو ألمّ لبخله ... بالصَّبِّ في سنة الكرى ما سلَّما يا سعد إنَّ حلاوة العيش الَّتي ... قد كنت تعهدها استحالت علقما سر بي فلي السِّرب قلب سار في ... إثر الفريق مقوِّضًا ومخيِّما قد فاز بالقدح المعلَّى من أتى ... نهر المعلَّى زائرًا ومسلِّما لو لم تكن تلك القباب منازلاً ... ما قابلت فيها البدور الأنجما يا ساكني دار السَّلام عليكم ... منِّي التحيَّة معرقًا أو مشئما وعلى حمى حلب فإن مليكها ... ما زال صبًا بالمكارم مغرما قرم ترى في الدِّرع منه لدى الوغى ... ذا لبدة قرمًا وصلاًّ أرقما ويضم منه الدَّست في يوم النَّدى ... بحرًا طمى كرمًا وطودًا أيهما ومنها في ذكر القناة: روَّى ثرى حلب فصارت روضًة ... أنفًا وكانت قبله تشكو الظَّما أحيا رفات مواتها فكأنَّه ... عيسى بإذن الله أحيا الأعظما

لا غرو إن أجرى القناة جداولًا ... ولطالما بقناته أجرى الدما وبكفِّه للآملين أنامل ... منها العباب أو السَّحاب إذا همى وقال يهجو الوزير ابن أبي يعلى: إنَّ اللئيم ابن أبي يسفلٍ ... ولا أقول ابن أبي يعلى رأي على دين نصيرٍ يرى ... أن عليا ربه الأعلى عمامة من تحتها قرعة ... فارغة تحسبها سطلا شيعته ما شهدت مشهدًا ... لم تلق فيه الكفَّ والنَّعلا قد هجر الطاهر فعل الندى ... به وعاف الجود والبذلا وكان يهواه قديمًا فمذ ... قدمه علمه البخلا من جعل الخطَّاف بازيه ... صاد له الذُّبان والنَّملا وقال يهجو الوزير الجلالي وزير إربل: وثقيل على الفؤاد ولا التُّخمـ ... ـمة وافى بثقلها شوَّال قرأت عند ثقل وطأته الأر ... ض لممشاه أوبي يا جبال وقصيرٍ ولا المبارك في الهمَّة لكن له قرون طوال ذي دماغ حوى من الطيش والخفـ ... ـفة ما حازه الوزير الجلالي وقال يهجو الناصح يحيى بن سعيد بن الدهان النحوي الموصلي: يقولون للدهان يحيى حليلة ... تخيرها دون النسا من صحابه حصان ولكن مثل ما هو ناصح ... لأصحابه والغدر تحت إهابه إذا ما خلا الشَّيخ الجليل بأمردٍ ... تخلَّت بأصحاب اللِّحى في جوابه

[289] عبد الرحمن بن أبي الفضل بن عبد الله، أبو محمَّد الأوانيُّ: من أهل أوانا، وهي أشهر قرايا مدينة السلام، وهي فوقها بعشرة فراسخ، بجانبها الغربي. رأيته بالموصل مرارًا كثيرًا، وكان نازلًا برباط الصوفية، وذكر لي أنه ينظم الأشعار في الغزل والنسيب، ولم ينشدني شيئاً، ثم لقيته بمدينة السلام، ووعدني أن يعلق لي جزًء من قيله، فما عدت إليه لتوان لحقني، وبعد مدة طالعت مجموع أشعار كبير، فوجدت فيه أقطاعًا من من شعره، وهي مكتوبة بخط يده، فنقلت منها قوله: أشاقك إذ عنَّ برق لموع ... وأغراك إذ حنَّ ورق سجوع وما كنت أحسب أنَّ الهوى ... له بذوي الحلم يومًا ولوع إلى أن رأيتك في أسره ... تقاد وأنت سميع مطيع وأنت حفيٌّ برجع خلت ... مرابعه وهو ناءٍ شسوع تسائل هل مطرت أرضه ... وهل فيه بعد نواهم ربيع؟ وتعنو إذا الركب ألفيت في ... حقائبهم منه نشر يضوع ألم تك ذا خلَّة لا تهي ... لخطبٍ فكيف اعتراك الخضوع؟ وأنَّى استفزّك حتى جزعـ ... ـت على الجزع يوم استقلُّوا الهلوع هو الحبُّ أسهمه لا تني لموقعها تتشظًّى الدُّروع فكيف إذا ساعدتها نوى ... تنوء بصبري وشمل صديع وإني أرى الصبر فيما زعمت ... جميل العواقب لو أستطيع ونقلت أيًا من خطه شعره: وأبيكما إنًّ الذي تريانه ... مغنى الهوى فسلاه عن سكَّانه

إن تنكراه ففي ثراه لطيبهم ... عرف يدلّكما على عرفانه وأسيل خد ما السلو بممكن ... عنه لأنَّ القلب من أعوانه حجبوه يوم سروا بأسمر مثله ... لدن وأبيض سلَّ من أجفانه وله من قطعة أولها: دار الهوى بين الصريم وحاجر ... هل فيك منتجع لصاد صادر؟ عهدي بربعك عامرًا ولطالما ... عقلت به لبي عقائل عامر عبد الرحمن بن أبي القاسم بن غنائم بن يوسف بن أحمد بن عبد الله، أبو محمَّد الكنانيُّ، المعروف بابن المسجَّف: أصله من عسقلان، ومولده بمصر، ونشأ بدمشق، شاعر محسن بذيء اللسان، هجاء متهجم على الهجاء، متسلط على أعراض الكبراء من الناس، وذوي الجاه منهم، وعرف بالهجاء حتى عزي إليه ما ليس له، اكتسب بالشعر ثروة واسعة، ورزق منه حظَّا وافرًا. لقيته بالموصل في شهر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وستمائة، وردها من بلاد الروم، فوجدته شابًا ذا نعمة ظاهرة، وحسن حال، وغلمان ظراف. ثم سافر إلى دمشق، فتوفي بها في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وستمائة، وخلف مالًا جزيلًا، نحو ثلثمائة ألف درهم، وغيرها من الأثاث والبضائع، ولم يكن له وارث، ولا تزوج قط، وسمعت أنه كان بخيلًا ساقطًا مقترًا على نفس. فاستنشدته من أشعاره، فأنشدني كثيرًا منها، فمن ذلك قوله في ابن كساء الشاعر

المصري، يهجوه حين قدم الموصل، وسار عنها إلى العقر: أرى ابن كساء قد تقدَّم حاله ... وذلك بالحدباء من عجب الدَّهر تردََّى رداء الجهل والنَّقص فانثنى ... تدرُّ له الأرزاق من حيث لا يدري كذلك أفعال اللَّيالي قديمة ... وشيمتها مع كلِّ منتحل الشِّعر ولو كان مشهورًا بأدنى فضيلة ... لأصبح فيها ناقص الحظ والقدر ولو لم يكن يحكي الذباب قذارًة ... لخسَّة مقدارٍ لما صار بالعقر وأنشدني أيضًا لنفسه فيه يهجوه: أرى ابن كسا يسرِّق كلَّ شيء ... مجاهرةً ويكذب حيث كانا فلو أنَّ الًّزمان قصيد شعًر ... يصادمنا بها سرق الزَّمانا ولولا أنَّه رجل جبان ... لساء الفعل وانتحل القرانا وأنشدني لنفسه يهجو ابن عنين الشاعر: يا علَّة القولنج لا تتركني ... من صحَّة العالم في سقمه ولا تخلِّي درهمًا واحدًا ... من نجوه يخرج من سرمه حلِّي قواه واشددي طبعه ... حتى تروح الروح من جسمه لتسلم الأعراض من شتمه ... ويستريح النَّاس من ظلمه وأنشدني لنفسه يصف الخمر: ومدامة رقت فعيش نديمها ... ممَّا يكدِّره الزَّمان مروَّق وأنشدني لنفسه فيها أيضًا: حمراء تعقب شاربيها راحة ... فلأجل ذلك سميت بالرَّاح طاف السُّقاة بها علينا في الدُّجى ... فجمعن بين اللَّيل والإصباح وأنشدني لنفسه في صديق له يلقب بالكمال، وعبد الرحمن يلقب البدر

فقال في ذلك: يا ابن هلال الكمال أضحى ... قدري وضيعًا وكان عالي صاحبته فاكتسبت ذلًّا وكنت من قبل ذا دلال والبدر لا يعتريه نقص ... إلا إذا لاذ بالكمال وقال في إنسان يعرف بكتيع، وله غلام اسمه شمعة، كتبها على طريق المداعبة إلى صديق له: هام الكتيع بشمعة فنهاره ... مع ليله عن ظهره لم ينزل فاعجب لأسفل شمعًةٍ يطفا به ... طول الزَّمان لهيب ذاك المشعل وله وقد أحالوه بحوالة على إنسان يعرف بالقمر: قل للصَّفيِّ ومن أنامل كفِّه ... تغني إذا بخل الغمام عن المطر كيف السبيل إلى الشَّعير ودونه ... الشَّعرى وأخذ حوالةٍ عند القمر؟ وقال يهجو: وكيل بيت المال قد أصبح النـ ... ـجم وكم من حوله حاما فهو لبيت المال أهل إذا أسقطت من آخره لاما واخيبة الآمال في عصره ... وضيعة الأموال إن داما وقال يهجو أهل الموصل: تجنب مصاحبة الموصلِّي ... فإنَّك من تركها تربح فلو قيل للكلب يا موصلي ... لما عاد من بعدها ينبح وله في ابن عنين الشاعر، حين تقلد الوزارة للملك المعظم عيسى ابن أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق، وفي وفي البهاء ابن المتنبي، لما تولى دار الزكاة: أرى ابن عنين والبها مذتولَّيا ... على النَّاي ولَّى الخير عن كلِّ مسلم فوالله يا عيسى بمن شئت منهما ... بعثت ولو كنت المسيح بن مريم وقال يهجو أصحاب الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن أبي بكر: جماعة عند موسى ليس عندهم ... فضل ولا فيهم خير لمخلوق

ابن المحوّر والدُّخوار والفلك الـ ... ـمصريُّ وابن جريرٍ وابن مرزوق وقال يهجو مدينة إربل: إربل دار الفسق حقًا فلا ... يعتمد العاقل تعزيزها لو لم تكن دار فسوق لما ... أصبح بيت النَّار دهليزها وقال فيها أيضًا: وقال فيها أيضًا: إربل دار الظَّلم لا أخصبت ... ولا أشاد الله بنيانها لو لم تكن بلدة سوءٍ لما ... أصبح بيت النَّار عنوانها وقال يهجو الفصيح الشاعر: إن يشا رزقنا الذي نحن فيه ... عدم الظَّلُّ عنده والهواء مثل وجه الفصيح أسود مذمو ... م قبيح الصِّفات ما فيه ماء وقال: رأس الضِّيا بلسان الحال يخبرنا ... بما جنت كفُّ محيي الدِّين في الماضي فاعجب لرأس وزيرٍ دأبه أبدًا ... يروي أحاديث صفعٍ عن يدي قاضي عبد الرَّحمن بن وثَّاب بن نصر الله ين وثَّاب بن أبي المنيع زمام بن هبة الله بن أحمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد بن العبَّاس بن سعيد بن مشرف بن معاذ بن معارك بن عامر الصِّيهان بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو القاسم البزاعي:

وبزاعا قرية قريبة من حلب، وهي أشهر قراها. وجده سعيد بن العباس بن سعيد هو أخو أبي موسى محمد بن العباس بن سعيد، كان الأمير المستولي على حلب وأعمالها في زمن أحمد بن طولون، وقد امتدحه أبو عبادة البحتري بالقصيدة السينية التي أولها: (أقام كل ملث الودق رجاس" وهي من فرائد قصائده وأشهرها، وأبو القاسم أخبرني بحلب المحروسة أنه ولد ببزاعا في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث الكثير بحلب، ودمشق، وبيت المقدس، والموصل، وحرّان، ومكة –حرسها الله تعالى- والمدينة، وبغداد، من أصحاب أبي الوقت، وحفظ القرآن الكريم، ودرس فقه الإمام الشافعي على الشيخ فخر الدين بن عساكر الدمشقي، حتى أتقن معرفته دراسة وفهمًا، وقرأ الخلاف والأصول، وتولى القضاء ببزاعا في سنة إحدى عشرة وستمائة، وأقام بها أيامًا قلائل، ثم عزل نفسه منها، ثم قدم حلب، وتولى الحسبة بظاهرها بالحاضر السليماني من سنة أربع وعشرين وستمائة، وكفّ بصره في سنة ثلاث وثلاثين وستمائه، ولم يعزل عنها، ثم أقام نائبًا عوضه في الحسبة، ثم رتِّب معيد درس الإمام عماد الدين أبي المجد إسماعيل بن هبة الله بن سعيد بن باطيش الفقيه المدرس الموصلي، بالمدرسة النورية المعروفة بالعِّزيَّة، ويختلف إليه جماعة من الفقهاء يشتغلون عليه، وهو رجل قصير، أشيب، ضرير، عالم فاضل، شاطر مناظر، له أشعار، أنشدني منها، وأنا سألته ذلك، وزعم أنه [قال] ذلك ارتجالًا: ندبت إلى نظم القريض تأسِّيا ... بأهل النُّهى والعلم والجود والفضل فقلت ارتجالًا ليس لي رتبة النُّهى ... ولا لي شعر يجتنيه أخو النِّقل

ولكنَّني صاحبت قوما أفاضلًا ... بهم يقتدى في كلِّ عقد وفي حلِّ فأجهدت نفسي في اقتباس علومهم ... لعلي أنجي النَّفس من ورطة الجهل فمن رام مِّني غير هذا فإنَّه ... كطالب خفض العيش في زمن المحل عبد الرَّحمن بن أبي بكر بن يوسف بن بختيار، أبو سليمان البلخي والدًا، الكرخيني مولدًا ومنشًا: اعتنى بعلم الحديث وسماعه، فتوجه إلى مدينة السلام سنة أربع عشرة وستمائة، فسمع على مشايخها كثيرًا، وحصل منه جملة، وكان متعلقًا بخدمة بعض أمراء إربل، فارتحل أستاذه إلى مرت منولاية إربل، وهو في صحبته، فبقي بها مدة إلى شوال سنة إحدى وعشرين وستمائة. فحين جاء التتر –خذلهم الله تعالى- بنواحي إربل، فقتلوا خلقًا عظيمًا، وسبوا، فاستشهد في جملة من كان في ذلك الوقت، وذلك في التاريخ المذكور –رحمه الله تعالى- أنشدني لنفسه بإربل من قصيدة أولها: برح الخفاء وبان صبر الواله ... فإلى م قلبك لا يرقُّ لحاله؟ حمَّلته عبء الغرام وجرت في ... شرع الهوى وعدلت عن آماله يا أيها الرَّشا الرَّشيق ومن به ... عذب العذاب وطاب مرُّ دلاله عد بالوصال وعدِّ عن هجري وجد ... بالودِّ وارث لمدنف بخياله حتى م تمنحني البعاد تعمُّداً ... ويظلُّ طرفك راشقي بنباله وعلام تقتل عاشقًا هجر الكرى ... لمّا هجرت وصدَّ عن عذَّاله يصفو إذا هبَّت صبًا فتزيده ... وصبًا فصبُّ الدَّمع أحسن حاله ويشوقه مر النَّسيم إذا سرى ... عبقًا بنشر ربى العقيق وضاله يا صاح عج بالظعن منعرج اللوى ... ورد العذيب سقيت عذب زلاله واستعطف الرَّشأ الأغن لمغرمٍ ... ظامٍ إلى مارقَّ من سلساله وأنشدني لنفسه في الخمر: قم هاتها قهوةً تجلو دجى الظُّلم ... وسقِّنيها ولو في الأشهر الحرم

/244 ب/ ذر الملام فقد لجَّ الغرام بها ... هات المدام وسل ما شئت واحتكم بكر تحدِّث عن عاد بلا كذب ... وعن ثمود بلا شكٍّ وعن إرم حمراء قانية تعطيك إن قرعت ... بالمزج درًّا نظيمًا غير منفصم ليس السُّرور الذي [تعطي] بمنقطعٍ ... ولا النَّعيم الذي تولي بمنصرم تقدَّست ذاتها عن أن يحيط بها ... وصف ونعت سوى الموصوف في القدم يديرها خنث الأعطاف ذو هيفٍ ... مشوبةً برضاب سلسلٍ شبم أحوى حوى الحسن والإحسان شيمته ... تغنيك نغمته عن سائر النغم عبد الرَّحمن بن منصور بن أبي بكر بن منصور بن الحسين بن ثامر القنطريُّ الإربليُّ: شاب طويل أبيض اللون مشرب حمرةً، من أبناء القضاة، اعتنى بقول الشعر وعمله، من غير أن يشتغل بالأدب، فصار له طبع في إنشائه. أنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المستوفي بإربل –أدام الله سعادته- ويعتذر إليه من شيء بلغه عنه: أما وأيام وصلٍ بالحمى سلفت ... وما مضى من ليالي الشعب والعلم ومنزل باللِّوى أقوت معالمه ... من الغواني ذوات الدَّلِّ والنعم وما علا فوق أكوار المطيِّ ومن لبَّى ومن طاف حول البيت والحرم لو أن لي كبداً تشتاق غيركم ... خرجت عنها وهذا أعظم القسم فقد حملت من الأشواق جلَّ هوى ... لو قام رضوى بجزءٍ منه لم يقم أكابد النَّوم في تلقاء طيفكم ... لولا رجا طيفكم في الحلم لم أنم

ومنها في المدح: مولاي يا شرف الدِّين الذي شرفت ... به الأماجد من عرب ومن عجم يا معدن الجود قد وافاك عبد وفا ... معوَّد منك بالإحسان والكرم معفِّرًا فوق ترب الأرض وجنته ... خزيان يقرع أسنانًا من النَّدم ومنشدًا بيت شعرٍ كان فاه به ... نجل النميري في أيامه القدم إقبل معاذير عبد جاء معتذرًا ... يثني عليم بما أوليت من نعم وأنشدني أيضًا لنفسه: أحنُّ إلى رند الحمى ويشوقني ... عرار بنعمان على العلم الفرد يذِّكرني أيام وصلٍ تصرّمت ... ونحن على شاطي الأجيرع من نجد ولست كمن يشتاق دعداً وزينبًا ... ولا أنا مشغوف بميلٍ إلى هند ولكنني أهوى عذارًا مزرَّدًا ... وأزهد في سعدى وأرغب في سعد وضمِّ رشا عذب المراشف أشنبٍ ... إلى وجنتيه تنتمي حمرة الوردً لذيذ التَّجنِّي مائس القدِّ اهيفً ... مليح التَّثنّي مشرق الثَّغر والخدَِّ نعمت به عصرا مضى ليت أنني ... قضيت نحبي قبل أن يقضين بعدي فللَّه كم عانقته في عشيَّةٍ ... وكم بات يسقيني حساريقه الشَّهد وأنشدني أيضًا لنفسه: حبَّذا حيٌّ على كاظمةٍ ... صرعت غزلانه أسد الشَّرى عوِّدت آرامه سفك الدِّما ... فتقلًّدن عقيقًا أحمرا عبد الرَّحمن بن عمر بن بركات بن شحانة، أبو محمَّد الحرَّانيُّ:

المحدِّث المؤرِّخ. سمع الحديث الكثير بالشام، والعراق، وديار مصر، ولقي مشايخ العلم، والأدب، والحديث، وأخذ عنهم، واستفاد منهم، وكتب، وحصل وجمع، وألّف بحرّان تاريخًا كبيرًا ذا مجلدات عدة، وله شعر، وكتب لي إجازة بخطه. أنشدني أبو الفتح محمد بن بدل التبريزي النيسابوري –رحمه الله تعالى- قال: أنشدني أبو محمد عبد الرحمن بن شحانة لنفسه: يا قاتلي لو أنَّ قلبك جلمد ... وشكوت أشواقي لرقَّ الجلمد فيك اكتسيت الذُّلَّ بعد مهابة ... وبك اشتفى منِّي العدى والحسَّد وسهرت في حبِّيك ليلي لم أنم ... أتراك مثلي ساهرًا لا ترقد؟ ويلاه من نارٍ بقلبي أضرمت ... ما إن لها إلا رضابك أبرد وقسىِّ سحر من لحاظك فوِّقت ... فأصيب قلبي المستهام المكمد ودمي بخدِّك قد أقرَّ بقتلتي ... فعلام يا مولاي جفنك يجحد؟ عبد الرَّحمن بن حمد الإسعرديُّ: شاعر من أهل إسعرد، ضعيف الشعر، مشهور ببلده. أنشدني خاصبك بن غازي بن طغلي قال: أنشدني عبد الرحمن لنفسه من جملة أبيات أولها: ما شمت بالجزع برقًا أو شممت صبا ... إلا وهيج لي تذكاركم وصبا يا نازحًا عن جفونٍ قلَّما رقدت ... ومدمعٍ مذنأيتم قلَّما نضبا

أنهنه الدَّمع كي أطفي به حرقي ... فلا يقلُّ ولا يفكُّ منسكبا وما سمعنا بنار كلًّما طفيت ... بالماء تزداد إلاًّ زفرتي لهبا أحبابنا بليالينًا بخيف منى ... بالأبرقين بعيش بالحمى ذهبا هبوا لنا من هبوب الرِّيح رائحةً ... من نشركم نفحةً نشفي بها الكربا ومنها يقول يخاطب الممدوح: ظننتهم لك نوَّابًا وما برحوا ... في جمع مالك لمَّا حكِّموا نوبا فاستكشف الأمر يا ابن الأكرمين فما ... من الجماعة إلاَّ من شنا وسبا لا يخدعوك بما صاغوه من ملق ... وزخرفوه على أغراضهم كذبا قد أضرموا في الورى بالظُّلم مسعرةً ... فاجعلهم لسعيرٍ أضرموا حطبا لا تتق الله يومًا في عقوبتهم ... فليس يهزم من لله قد رقبا عبد الرَّحمن بن محمد بن عبد العزيز بن نصر بن عبد العزيز بن نصر بن عبد الله بن إسماعيل بن إسحق بن محمَّد بن أحمد بن إسماعيل بن سويد بن مالك، أبو المحاسن الخطيب المرندي: هكذا أملى عليَّ نسبه. كان أجداده خطباء مرند على المنابر، وخطابته في عقبهم تتردد إلى زماننا هذا. رأيت أبا المحاسن بمدينة إربل سنة ست وعشرين وستمائة، وردها مستميحًا نوال سلطانها الملك المعظم نظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه- ومنتجعًا جدواه. وأنشدني لنفسه في التاريخ [المذكور] قصيدة في الملك المعظم مظفر الدين، وسمعت من لا أشك في حديثه، أنَّ الشعر الذي يأتي به ليس له، إلاَّ أنَّه يسرقه ويمدح به الناس، والله أعلم.

ثم شاهدته بحلب، وبدمشق، وكان رجلًا من أشد الناس حرصًا على حطام الدنيا، يجول البلاد، ويرحل إلى الملوك يسألهم ويدخل معهم في الأمور الجدية والهزلية بكل طريق فيختارون حينئذ منادمته، لما يشاهدون منه، فتارة يوهمهم أنه خطيب، يخطب على المنبر أيام الجمع ومرّة بصنعة الطرب، والغناء، وأخرى بقول الشعر والاستجداء به، وغير ذلك. وكان يزعم أنَّ له فصولًا وعظية من إنشائه، ولم يكن عنده مما يزعم شيء، وذكر لي أنه ولد بمرند في سنة تسع وثمانين وخمسمائة. ومات بحلب في صفر سنة أربعين وستمائة. ومما أنشدني وزعم أنه له، القصيدة التي تقدم ذكرها، وأوَّل القصيدة: السَّعي في طلب العلياء لا الغزل ... والمجد يبنى على الخطيَّة الذُّبل والعزُّ ما قاد نحو الهمِّ صاحبه ... وما عداه فأنفاس على علل إن كنت تشكو إلى ورد الحمى ظمأ ... فاسق الحسام دمًا رطبًا على نهل من لم يخض لجة الأخطار مبتدرًا ... عدَّته أقرانه في معشر عطل إذا تدرَّع جنح اللَّيل ظلمته ... نضوت كالصُّبح عزمًا غير مرتحل أنَّى أجوب على هوجاء جائية ... ظلَّت يضلُّ بها هادي بني ثعل وجناء جنِّيَّة الأخلاق طائشة ... تلاحق الوحش إدراكًا على كلل وقد تمطَّيت للإدلاج يعملةً ... حنَّت على كللٍ وجدًا إلى كلل أجتاب بيدًا من الأيَّام ملتمسًا ... ميامن الغزل لا بيتًا من الغزل ومنها قوله: حتى إذا عالج النُّور الدُّجى سحرًا ... تعانق الصُّبح منه نفس مرتحل وأقبل الأشهب الخقَّاق ملتقطًا ... [يجري] على حدق الجوزاء والحمل والشمس تمحو من الظَّلماء آيتها ... كمحو كهف المعالي ككبري بن علي

[297] عبد الرَّحمن بن أبي الحسن بن عليٍّ بن عيسى بن أحمد بن يعرب البوازيجيُّ: رأيته بإربل سنة ثلاثين وستمائة، شابًا طويلًا أشقر، ذا هوج وطيش، كثير الدعاوى في فن النظم والنثر، مفتخرًا بنفسه: أنشدني له يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المستوفي –رحمه الله تعالى- باكر اللَّهو يا أخا اللَّذات ... واغتنم غفلة الزَّمان المواتي قم بنا نصرف الهموم بصرف من عصير الرُّهبان والرَّاهبات قبل أن يفطن الزَّمان ومن قبـ ... ـل وقوع المشيب بالشَّعرات خذ من اللَّهو ما استطعت ومن أيـ ... يام شرخ الشباب قبل الفوات لا تؤخِّر يوم السُّرور ففي مقـ ... ـدار لحظ تنبُّه الحادثات فإلى كم أرى توانيك في الشُّر ... ب مع الشَّرب يا أخا التُّرًّهات إن تكن تبت يا نديمي واقلعـ ... ـت عن الخمر بعد هاك وهات فانفض التَّوبة التي تبت واطلب ... حانة الخمر بالفتى والفتاة واصطبح كالعقيق لونًا وكالعنـ ... ـبر نشرًا يفوح بين السُّقاة قهوًة تجلب السُّرور وتنفي ... الهمَّ قسرًا وتطرد الكربات مرَّة تستطاب طعمًا ومن عجب ... شيء مرٌّ من الطيِّبات بزلوها واللَّيل داج فلاحت ... من بعيد كالنجم في الظُّلمات طاف يسعى بها علينا من التُّر ... ك غرير مورَّد الوجنات حاز كلَّ الصِّفات حسنًا كما حا ... ز المعالي طرَّاً أبو البركات قد هززناه للنَّدى فانثنى غصـ ... ـنًا رطيبًا عذب الجنى للجناة وقصدنا جنابه فوجدنا ... هـ غزير العطا كثير الهبات جلَّ في الجود عن شبيهٍ فقد أصـ ... بح فردًا في الجود والمكرمات

وتعالى عن المديح فقد جا ... وز حدَّ الثَّنا وحدَّ الصِّفات عبد الرَّحمن بن أبي الفوارس المخزوميُّ: خبِّرت أنَّه من عقر الحميدية، من أعمال الموصل، ولم أعرف من حاله شيئًا لأثبته عليه، وقع إليّ من قوله قصيدة طويلة يمدح بها المولى المالك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام، سلطان المسلمين، شرف الملوك، تاج السلاطين، أبا الفضائل أتابك طغر لتكين بلكا، نصير أمير المؤمنين- أنفذ الله أمره، فما رأيت إيرادها بجملتها لطولها، وتعسف ألفاظها، وركة نظمها، فاقتصرت منها على ما اخترته من أبياتها، فإنني لم أر الإخلال بها، لكونها نظمت في معاليه، ففيها يقول: يا أيُّها الملك العالي مناقبه ... وصاحب الفضل هاك الفضل فانتقد واسرح بطرفك في أطراف جنته ... فأنت والله فينا بيضة البلد أنت الذي هجر الياقوت مفتخرًا ... بأحمد وكذاك البحر ذو المدد أبو الفضائل بدر الدِّين حاتم هذا ... العصر بل كعبة في البذل والصَّفد أعطيت حتَّى فضلت البحر موهبةً ... وصلت حتى فضحت الصٍّيد فاقتصد مآثر لك لا تحصى فضائلها ... عدَّ النُّجوم ومن بيض العطا تسد والحق بدوحتك الغنَّاء واسم إلى ... العلا واعل إلى ما شئت من أمد واجلس على تختك الميمون سدَّته ... واقص العدا واعتصب بالتَّاج واستند واحكم ومر وانه واسلم ما عليك يد ... محسَّد المجد مأمونًا من العند ولا تخف حدَّ ناب ناب أو ظفرٍ ... فسعد جدك ما ينفكُّ في صعد واستعبد النَّاس بالإحسان سالمك الـ ... ـزمان فالدَّهر ما يبقي على أحد فخير ما ادَّخر الإنسان من حصن ... حمد يضوع سناه آخر الأبد فأنت يا خير من تحذى النِّعال له ... عين الكمال الّتي لم ترم بالرَّمد

[299] عبد الرَّحمن بن أبي غانم بن إبراهيم بن سندي بن أبي الحسين بن منصورٍ، أبو الفضل الخفاجيُّ: من أهل حلب، هكذا نسب لي نفسه لما سألته عنه، وأنَّ أصله كان من بني خفاجة، من عرب الشام. روى عن أبي الحسن علي بن الحسن المعروف بشميم الحلي، وحماد بن خليفة، وأبي الحسن الفراء الدمشقي وغيرهم من الشعراء الشاميين. شاهدته بحلب المحروسة، شيخاً /250 أ/ كبيراً، وروى عن جماعة من الذين أدركهم، وأخبرني أنَّه ولد يوم الأربعاء ضاحي نهاره سنة ست وخمسين وخمسمائة، وتوفي في أوائل شهر صفر سنة أربعين وستمائة بحلب، وزعم أنه لم يشتغل بشيء من علم العربية والأدب والإقراء، [ولكنه مع ذلك كان] ينظم الأشعار بصحة ذوقه، وسلامة طبعه، ووجدته إذا أنشد يتحرَّى من اللحن، قلّ أن يلحن. وكان رجلاً تاجراً، يسافر في البلاد للتجارة من الشام إلى العراق، وديار مصر، وهو ذو طبع حسن في إنشاء الشعر، وخاطر سهل، من المشايخ الظراف، يحكي الحكايات النادرة من حظفه، ويتشيع، ويذهب مذهب الإمامية. أنشدني من شعره قوله بحلب المحروسة: [من الطويل] ولمَّا برزنا للوداع وأحدجت ... جمالٌ وزمَّت للترَّحُّل نوق وبان خليطٌ عن خليطٍ ورجَّعت ... حداة المطايا واستقلَّ فريق ولم يبق إلاَّ ظاعنٌ أو مشيِّعٌ ... جرى من جفوني في العقيق عقيق وعدت كأنِّي منتشٍ من مدامةٍ ... وسكران خمر الوجد ليس يفيق /250 ب/ أردِّد طرفي في ربوع ديارهم ... وإنسان عيني بالدُّموع غريق وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الطويل] أشاقك ربعٌ بالغوير محيل ... عشيَّة زمَّت للقطين حمول سروا فأذاب القلب حرُّ فراقهم ... فأصبح دمعاً في الخدود يسيل

أحبَّتنا لا حلت عن حفظ عهدكم ... ولا لام فيكم كاشحٌ وعذول وكم يدَّعي مثلي هواكم تصنُّعاً ... يقول لدى قاضي الهوى وأقول وأشتاق ريَّا أرضكم فعسى بها ... يبلُّ عليلٌ أو يبلُّ غليل وأنتم وإن شطَّت بكم غربة النَّوى ... بقلبي لا وادي العقيق نزول وإن أوحشت منكم ديارٌ أنيسةٌ ... فأنتم إذاً بين الضُّلوع حلول وأجفان عيني مذ بعدتم قصيرةٌ ... وليلى مذ شطَّ المزار طويل ولا القلب تهدا مذ هجرتم جفونه ... ولا الصَّبر من بعد الفراق جميل وأنشدني لنفسه: [من الرمل] عدِّ عن لومك لي يا من عذل ... حسن صبري مذ نأى الحبُّ رحل وغدا قلبي في إثرهم ... حاملاً ثقل الهوى فيما حمل ولكم ناديت في الحيِّ وقد ... فعل الشَّوق بقلبي ما فعل /251 أ/ يا لقومي طلَّ في الحبِّ دمي ... بقدود السُّمر لا سمر الأسل ولحاظ عجبي من سيفها ... لم يفارق جفنه كيف قتل؟ حرَّم الشَّرع الدِّما في حكمه ... فدمي يا ليت شعري كيف حل؟ يا حداة العيس إن سرتم بهم ... فاعدلوا بالظَّعن عن سفح الجبل وإذا جزتم على كاظمةٍ ... فانشدوا قلبي في تلك الحلل فبها سرب ظباً آجالها ... راتعاتٌ بعدها يدني الأجل فيهم بدر جمال ما بدا ... للورى إلاَّ على البدر الخجل قد تقضَّى العمر فيه بعسى ... وبسوف وبربَّ ولعل وأنشدني أيضاً لنفسه من قصيدة أولها: [من الكامل] يا دار جادتك الدُّموع سجام ... وسقاك من سحب الجفون غمام وحباك خفَّاق النَّسيم مسرَّة ... ورعى أناساً كان فيك أقاموا عهدي بهم مثل الأهلَّة ما بدوا ... إلاَّ تجلَّى غيهبٌ وظلام أنأتهم أيدي الفراق فأصبحوا ... بعد النَّوى وكأنَّهم أحلام واستوطنوا داراً بمنعرج اللِّوى ... منِّى عليها ما حييت سلام حلّوا بها فتأرجت أكنافها ... طيباً وحالت دونها الأيام

/251 ب/ وأنشدني أيضاً لنفسه من أبيات يصف فيها مجلساً في يوم ثلج: [من الكامل] وكأنَّ وجه الأرض وجه خريدة ... برزت لنا في حلَّة بيضاء والنار يحكي لونها ما بيننا ... شمساً للغرب عند مساء وكأنَّ نرجسنا عيون حاذرٍ ... يسرقنا نظراً من الرُّقباء وكأنَّما الأترجُّ يحكي لونه ... لون المحبِّ إذا رمي بتناء ولنا مغنٍّ إن شدا كحمامةٍ ... وإن انثنى كأراكةٍ خضراء يسقي النَّدامى من كؤوس رضابه ... خمراً تنوب لهم عن الصَّهباء كم قد أمات العاشقين بهجره ... وأعادهم بالوصل في الأحياء مع فتيةٍ وقفوا على كسب الثَّنا ... أرواحهم فلهم بذاك ثنائي غرر الزَّمان وجوههم وأكفُّهم ... تغني العفاة بها عن الأنواء جادوا وقد ضنَّ الورى بنوالهم ... سمحوا وقد بخل السَّحاب بماء [300] عبد الرَّحمن بن إبراهيم بن أبي عليِّ بن إبراهيم الحلبيُّ: كان جندياً في خدمة الأمير حسام الدين /252 أ/ طمان بن غازي بن بلمن بن تنجول، من جبل سلور بحلب، رأيت له أرجوزة تاريخية لمدة ستين سنة هجرية، أولها سنة تسع وستين وخمسمائة، وآخرها إلى سنة ثمان وعشرين وستمائة، تدخل في مجلدين، أولها: [من الرجز] أقول باسم الواحد الحميد ... الصَّمد المهيمن المجيد أحمده حمداً كثيراً لم يزل ... متَّصلاً بين الغدوِّ والأصل ثمَّ صلاة الله والسَّلام ... على الذي قام به الإسلام محمد الهادي إلى الرَّشاد ... قامع أهل الشِّرك والإلحاد

سألتني يا أيُّها الرَّفيق ... والصَّاحب المساعد الشَّقيق عن الذي عاينه عياني ... وكلِّ ما سمعت في زماني وكلِّ ما شاهدته من العجب ... فيما تقضَّي من زماني وذهب وما تهيَّا لي من المشاهده ... عند لقا الحروب والمطارده فاسمع حديثاً يستفزُّ السَّامعا ... يعرفه من شاهد الوقائعا أقصُّه عليك بالتَّاريخ ... مطرَّد النَّاسخ والمنسوخ وذاك عند صحبتي طمانا ... وقد وجدت عنده إحسانا /252 ب/ وذاك في العام الذي صحبته ... في جلِّقٍ أوَّل ما خدمته وكان ذاك العام في البدايه ... تسعاً وستِّين وخمسمايه والنَّاس يثنون على براعته ... وعظم ما أظهر من شجاعته ثنوا على ثنائه الخناصرا ... وعطَّروا بشكره المحاضرا وذكره يلذُّ للمسامع ... ونحوه يشار بالأصابع وهي طويلة جداً، عدد أبياتها أربعة آلاف وسبعمائة وبيت. وقال لما ختمها هذه الأبيات: [من البسيط] الحمد لله رِّبي فهو يسَّرني ... لنظم أرجوزةٍ جاءت على قدر وسمتها بطمانٍ إذ أشار بها ... ثمَّ استمرَّت فكانت سيرة السِّير وشَّحتها بفنونٍ من حوادثها ... من المواعظ والآداب والعبر فلو رآها وقد جاءت موافقةٌ ... نظم الجمان مع المرجان والدُّرر ألفاظها لمعانيها مجانسةٌ ... في الاتَّحاد امتزاج النُّور بالبصر وكالهيولى الأوالي وهي واحدةٌ ... عند القبول لأنواعٍ من الصُّور إذاً تحقَّق أن الله أنطقه ... بما يكون قبيل الكون في البشر /253 أ/ والله يهدي القلوب المستنيرة بالإ ... شراق كالشَّمس تهدي النُّور للقمر فيدركون بنور الحقِّ عن كثبٍ ... بعد الحوادي في مستقبل العصر

[301] عبد الرَّحمن بن عثمان بن منصورٍ بن أبي الفوارس الإربلي، أبو زيد: كانت ولادته في حدود سنة ست وثمانين وخمسمائة، شيخ من أهل إربل، خرج عنها، وأقام بحلب المحروسة، يتعيش في سوق البز، له قريحة في عمل الشعر، وطبع، وكنت أغشى حانوته كثيراً، وينشدني من أشعاره. ومما أنشدني لنفسه، وكتبها إلى تاج الدين الوزير يوسف بن عبد الله بن علي بن شكر يعاتبه: [من الكامل] يا سيِّد الوزراء إنَّ قضيَّتي ... قد اشكلت وعليك حلُّ المشكل أبعدتني وأنا القريب وليس لي ... ذنبٌ يقال فكيف لي لو أنَّ لي؟ لكنَّما عثمان كان مصاحبي ... فرفضته وعدلت عنه إلى علي وأنشدني لنفسه أيضاً ما كتبه إليه: [من الخفيف] /253 ب/ كم رقاعٍ كتبتها لك نظماً ... ورقاعٍ كتبتها لك نثرا ودعاءٍ حفظته لك سراً ... ودعاءٍ رفعته لك جهرا وشكاوى فضحت فيها وأوضحـ ... ـت ولم أحتشم وألمعت عذرا لم تفدني شيئاً وغالب ظني ... أنَّ مولاي مضمرٌ لي شرَّا ودليلي الحرمان منك وإحسا ... نك عمَّ البلاد براً وبحرا وأنشدني لنفسه في صديق كان له، واتفق أنه كان مسجوناً، ومنع الناس عن زيارته: [من الخفيف] لا ترع إن حجبت عن أعين النَّا ... س فهذا الزَّمان تفنى قطوعه

إنَّ بدر السَّماء ينقص حيناً ... فإذا ما استسرَّ يرجى طلوعه [302] عبد الرَّحمن بن عليِّ بن يحيى بن خالد بن عمران الأمويُّ الغماريُّ السَّبتيُّ: ومولده في شوال سنة سبع وثمانين وخمسمائة، ببادية سبتة. الفقيه المالكي، المدرس المفتي. تفقه بفاس، وبها تأدب على /254 أ/ الأستاذين زيدان، وابن خروف الأديب النحوي، وبالديار المصرية، وببغداد، والشام، وسمع البخاري، والموطأ، والسنن، ومسلم بفاس، وتفنن في علوم شتى من الأصولين، والخلاف، والحساب، والفرائض، وعلوم أخر، وقيل إنَّه استظهر على ثلاثين ألف بيت من الأشعار العربية. فمن شعره: [من البسيط] وافى بليلٍ وليل الشَّعر ساتره ... ظبيٌ غريرٌ غضيض الطَّرف فاتره على قوامٍ يكاد اللِّين يمحقه ... لولا الكثيب الذي ضمَّت مآزره حلو الشَّمائل مكحولٌ مدامعه ... ولم تغمَّض على كحل نواظره كغرَّة البدر إشراقاً محاسنه ... ولمحة البرق إيماضًا سوافره إذا رنا فسيوف الهند نابيةٌ ... في مضربيها ولم تنب بواتره وإن سطت فعلى الأجساد سطوتها ... وسيفه في صميم القلب شاهره كأنَّما بابلٌ من سحر مقلته ... وقد حشاها به هاروت ساحره كأنَّ فاحمه والطِّيب غامره ... ريش الغراب إذا التفَّت غدائره يقبِّل الأرض من اجلال ساحبه ... إذا تعثَّر فيه وهو ناشره ووجنتاه كروض الورد باكره ... طلٌّ فلم يعد أن راقت بشائره /254 ب/ والثَّغر كالدُّرِّ لا بل من ملاحته الدُّرُّ النَّفيس إذا ما عدَّ فاخره

والرِّيق كالشَّهد أو طعم العقار إذا ... ما عاقر اللُّبَّ يوماً فهو عاقره لو أنَّ من في حبيس الدَّار اسمعه ... منه حديثاً لأضحى وهو آسره أو راء ميتاً وذاك الميت في كفنٍ ... في قعر لحدٍ لأمسى وهو ناشره وأنشدني لنفسه في الحمى: [من الطويل] سرت كالخيال لا حسيسٌ ولا نبح ... فوافت فراشي عندما اتَّضح الصُّبح وقد سمحت بالوصل والصُّبح مسفرٌ ... ونجم السَّماك طاح من كفِّه الرُّمح وألقت عصاها واستقرَّ بها النَّوى ... وحلَّت بجسمي فاستبان لها البرح تعانقني بالرَّغم لا عن مودَّة ... عناقاً يرى كالذبح أو دونه الذبح وقد صار وصفي الخفض والضمُّ وصفها ... ولم يقترب منَّا سكونٌ ولا فتح وأصبحت منكوحاً لها وهي ناكحٌ ... ويا من رأى أنثى يكون لها نكح أجازت نكاح العهر من غير شرعةٍ ... كفعل النَّصارى لا طلاقٌ ولا صلح وأنشدنا لنفسه: [من الكامل] عبث النَّسيم بيانه وبهاره ... واستمطر الكافور من نوَّاره /255 أ/ وجلا عروساً طيبها وحلُّيها ... من مزنه وربيعه وقطاره فسوارها وعقودها وحجولها ... وبهاؤها من راحتي آذاره من أحمرٍ شرق وأبيض ناصعٍ ... ظهرت صفات الحقِّ في أنواره من نرجسٍ وشقائقٍ وبنفسجٍ ... يجلو ثياب العجب من أزهاره والياسمين بها إلى نيلوفرٍ ... ترنو لواحظه على أنهاره عرسٌ جنت ثمر السُّرور شهوده ... لمَّا تشابه ليله بنهاره فالمسك والجاديُّ من مشمومه ... والدُّرُّ والياقوت بعض نثاره وعذابه الشُّحرور ينشد معرباً ... بلحونه ما رقَّ من أشعاره يشدو على غصن الأراك تعجُّباً ... من صوته ومجاوباً لهزاره حتَّى بكى قمريُّه للبعد عن ... معشوقه أو إلفه أو جاره فبكلِّ قطرٍ جئت من أقطاره ... داود معتكفاً على مزماره وترى الحباب على الجداول مائساً ... فعل المتيَّم من شدا أطياره يجلو علينا الرَّاح أحور شادنٌ ... طلعت شموس الحسن من أزراره

فالمسك من أنفاسه وكأنَّها ... من طيبها وقفٌ على عطَّاره بدرٌ [يضيء فيختفي من دونه] ... بأفوله وكسوفه وسراره /255 ب/ لا تهتدي أن تعلق الشمس المنيـ ... ـرة من ملاحته بذيل غباره والفكر إما قام بين ثيابه ... مستغرقٌ عن خمره بخماره فالرِّيُّ كلُّ الرِّيِّ في أردافه ... والمحل بين نطاقه وإزاره يتفرُّ عن برد نضيد نظمه ... كالبرق حال وميضه ومطاره وإذا دنا فالسَّيف يقصر فعله ... حال الضَّريبة عن فعال شفاره غازلته حتى إذا وخط الدُّجى ... بالشَّيب فوق جبينه وعذاره فرمى بسهمٍ ما تكامل نزعه ... حتى أصاب القلب في أعشاره ومضى هزيم اللَّيل ينهض خلفه ... جيش الصَّباح فعاث في أقطاره ففرى أديم اللَّيل عن شمس الضُّحى ... فمحا به ما اختطَّ من آثاره حتى إذا طلعت لغرَّة أيبكٍ ... شمس الضُّحى أخذ النَّهار بثاره

ذكر من اسمه عبد الرحيم

ذكر من اسمه عبد الرحيم [303] عبد الرَّحيم بن أحمد بن قائد بن محمد بن عبد الرحمن، الحموني القائديُّ، أبو المكارم، وقيل أبو المظفِّر بن أبي نصر: من أهل خويّ، ومن بيت الرئاسة المشهورة بها، الرئيس الفاضل الصدر، وكانت وفاته /256 أ/ فيما أخبرني عبد السلام بن أحمد الحموني، يوم الثلاثاء ثالث ذي الحجة من سنة ثلاث وستمائة بخوي، ودفن بظاهر البلد بسوق دشنبه، جوار المدرسة التي أنشأها والده مجد الإسلام أبو نصر أحمد بن قائد. أجرى ذكره الإمام محمد بن محمد الكاتب في خريدته، وقال: "هو الرئيس بعد أبيه، الوارث مجده وفضله"، ثم قال: "أنشدني له الحكيم يوسف ابن القطب الخونجي، وقد قدم بغداد سنة اثنتين وستين وخمسمائة أبياتاً كتبها عبد الرحيم رئيس خويّ إلى أخيه الأكبر يستهدي شراباً: [من الكامل] بلِّغ جمال الدِّين عبد الواحد ... صدر الأنام الماجد ابن الماجد برد الهواء وزاد في قلبي الهوى ... فانعم عليَّ بقلب ضدِّ البارد ضد البارد، الحار، وقلبه: الراح". وله في شمعة: [من الطويل] تساهرني في ظلمة الليل شمعةٌ ... تشاركني في لوعتي وسهادي لها ذوب جسم وانسكاب مدامعي ... وصفرة لوني واحتراق فؤادي /256 ب/ وقال أيضاً: [من الطويل]

يقولون: لا تجف القوافي بعدما ... إلى فكرك الوقَّاد ألقت زمامها فقلت: الثُّريا لو تشتَّت شملها ... أنفت لنفسي أن أعيد نظامها [304] عبد الرحيم بن النَّفيس بن هبة الله بن وهبان بن روميّ بن سلمان بن محمد بن سلمان بن صالح بن محمد بن وهبان، أبو نصر بن أبي جعفر البزوريُّ السلميُّ الحديثيُّ: كان من حديثه النورة، على فراسخ من الأنبار، قلعة حصينة في وسط الفرات، والماء محيط بها. كان كثير الطلب للحديث وسماعه، سمع أبا السعادات المبارك عبد الرحمن القزاز، وأبا منصور عبد الله بن محمد بن عبد السلام، وأبا الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، وغيرهم. طاف البلدان، وسمع بمصر، والحجاز، والشام، ودخل إلى خراسان، وأقام بمرور، وكان طالباً، ثقة، حافظاً، متقناً، عارفاً باللغة، قيِّماً بها، تفقه على مذهب الإمام الشافعي /257 أ/ رضي الله عنه. وله رسائل وشعر، صحبه أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، في القراءة على جماعة وافرة من مشايخ مرو وخوارزم، وتركه في خوارزم في سنة سبع عشرة

وستمائة، فقتله التتر شهيداً. وكانت ولادته على ما أخبرني القاضي الإمام أبو القاسم بن أبي الحسن الحلبي قال: أخبرني إبراهيم الصريفيني [في] عاشر ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة بالحديثة. أنشدني أبو بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة البغدادي قال: أنشدني أبو نصر عبد الرحيم بن وهبان لنفسه: [من البسيط] لي صاحبٌ لم أؤِّكد عقد خلَّته ... إلاَّ وقابلني في حلِّها دابا يزورُّ عن جهة الإنصاف مقصده ... جهلاً فإن سمته حفظ الوداد أبى داريته زمناً رعياً لذمَّته ... رجاء أن يرعوي عن غيِّه فنبا فحيث عيل به صبري وأعجزني ... قطعت من ودِّه المخلولق السِّببا وقلت: رح غير مصحوب إلى سقرٍ ... فكم أكابد فيك الويل والحربا وأنشدني أيضاً قال: أنشدني أبو نصر لنفسه، وكتبها إلى المفيد يونس /257 ب/ بن أبي بكر البغدادي الفقيه الحربي، يتقاضاه بوعد الاجتماع: [من المجتث] ما هكذا كان ظنِّي ... مع المفيد الأجلِّ أنجزت وعد التَّلاقي ... لكن بليٍّ ومطل وعدتني منك قرباً ... ينسي الهموم ويبلي فبتُّ أرقب طيف الـ ... ـخيال جهد المقلِّ أجفى وأقصى ويحظى ... غيري بلذَّة وصل يا قومنا ناصفونا ... ماذا قضيَّة عدل

حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي الحسين العقيلي قال: خرجت يوماً من سماع الحديث على شيخنا أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي الحلبي، ومعي أبو نصر عبد الرحيم بن وهبان، فناولني في الطريق رقعة بخطه من شعره في فضل أصحاب الحديث، فتأملتها فإذا فيها، وكتبتها من خطه: [من الكامل] علم الحديث أجلُّ علمٍ يذكر ... وله خصائص فضلها لا ينكر /258 أ/ ركنٌ من أركان الشَّريعة موثقٌ ... وبنصِّه أي الكتاب يفسَّر وهو الطَّريق إلى الهدى وضياؤه ... لظلام إشكال الأمور منوَّر وهو الذَّريعة في معالم ديننا ... وبه الفقيه اللَّوذعيّ يعبِّر لولاه لم يعرف لقوم سيرةٌ ... فلسانه عن كلِّ قرن يخبر ورجاله أهل الزَّهادة والتُّقى ... وهم بتحقيق المناقب أجدر وقفوا نفوسهم عليه فجدُّهم ... لا ينثني ودؤوبهم لا يفتر ينفون عنه إفك كلٍّ معاندٍ ... بدلائلٍ متلألئاتٍ تزهر ويقونه شبه الشُّكوك بجهدهم ... فيظلُّ بعد الشَّكِّ وهو مشهّر ويميِّزون صحيحه وسقيمه ... بمقالة تبيانها لا يقصر لله درُّهم رجالاً ما لهم ... في هذه الدُّنيا مغانٍ تعمر في الله محياهم وفيه مماتهم ... وهم على كلف المشَّقَّة صبَّر قنعوا بمجرى قوتهم من دارهم ... ورضوا بأطمارٍ رثاثٍ تستر ما ضرَّهم ما فات من دنياهم ... فلذيذ عيشهم الهنيُّ مؤخَّر وأنشدنا القاضي الإمام الكامل زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن /258 ب/ بن عبد الله ابن علوان الأسدي –رحمه الله- بمنزله المعمور، يوم الثلاثاء،

ثاني عشر رجب سنة أربع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني عبد الرحيم بن وهبان لنفسه: [من المجتث] أراك تنظر قولي ... فتزدريني لأجله وقد حوى لو ذعياً ... شاعت محاسن فضله يكفيك فعلاً وقولاً ... في عقد أمرٍ وحلِّه إما بلوت حساماً ... فانظر إلى حدِّ نصله ولا يغرَّك منه ... غمدٌ جديدٌ لصقله بل اختبر ظبتيه ... تحط بكنه محلَّه وأوله من شفيقٍ ... حمداً وذَّماً بفعله هذا هو الرُّشد فاسلك ... منه مناهج عدله [305] عبد الرَّحيم بن عليِّ بن إسحق بن شيث بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن مروان بن محمد الحمار، أبو القاسم بن أبي الحسن الكاتب الصعيدي المصري /259 أ/ القرشي: بقية الشيوخ الكتاب البلغاء، وأصحاب الدواوين الفضلاء، وكان ذا فضائل كثيرة، ورسائل شهيرة، وتصانيف حسنة في أصول الدين والرقائق.

كتب الإنشاء بديوان مصر للملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بن أيوب بن شادى، وبعد الملك العزيز رحل إلى دمشق، وصار منشئاً لسلطانها الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب- رحمه الله تعالى- وتوفي فيما بلغني في المحرم سنة خمس وعشرين وستمائة، وكانت ولادته في سنة ثلاث وستين وخمسمائة. حدثني القاضي أبو القاسم- أدام الله سعادته- قال: كان يكتب بين يدي القاضي الفاضل، وقدم علينا مدينة حلب في صفر من سنة ثلاث عشرة وستمائة في دولة الملك الظاهر، فأنزله، وأكرمه، وعرض عليه الإقامة بحلب ليستخدمه، ورشحه لوزارته، فأقام مدَّة، ولم يتهيأ له ما أراد، فتجهز للرحيل عن حلب، فصدّه الملك الظاهر، ووعده بوعود كثيرة /259 ب/، وطالت إقامته بحلب، وكان متشوقاً إلى التوجه إلى الملك الأشرف موسى بن الملك العادل، وقد كان بينه وبينه معرفة أكيدة، وخدمة سالفة، حين كان الملك الأشرف بالبيت المقدس، فتوجه إليه، فلم يحظ عنده بما يريد، فأقام مدة، ثم عاد، واجتاز بحلب بعد موت الملك الظاهر، وتوجه إلى حماة، فأقام بها مدة في ضيافة الملك المنصور محمد بن عمر، ثم سار عن حماة إلى دمشق، وعاد إلى خدمة الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر بها. وكنت اجتمعت به بالبيت المقدس في سنة تسع وستمائة، وهو إذ ذاك يتولى الديوان بها، فأنشدني شيئاً من نظمه، ووهبني كتاباً من تأليفه، قرأته عليه، وأنشدني بحلب أقطاعاً كثيرة من شعره، وكان حسن النظم والنثر، بليغاً في الكتابة، وسألته عن مولده فقال: في محرم سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وكان قد ترشح قبل موته بأيام لوزارة الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم بن أبي بكر بن أيوب. أنشدني القاضي أبو المآثر عبد الصمد /260 أ/ بن عبد الله بن أحمد المصري قال: أنشدني أبو القاسم بن شيث لنفسه: [من الطويل]

وما قلمي في شرح ما أنا واجدٌ ... وإن كان في كفِّي ينوب منابي فلست أرى يومي كتابي بالغاً ... مرادي ومن هذا قطعت كتابي وأنَّ الذي بيني وبينك خالدٌ ... ليؤنسني في البعد عند غيابي وأنشدني أبو المجد أسعد بن إبراهيم الكاتب الإربلي قال: أنشدني أبو القا سم ابن شيث لنفسه: [من الطويل] إذا نحن أهدينا إليك فإنَّما ... بفعلك نهدى لا بجودك نهتدي وما عندنا إلاَّ عطاياك فالَّذي ... يوافيك منّا بعض مالك من يد وأنشدني قال: أنشدني أبو القاسم من شعره: [من الكامل] ثقتي بفضلك توجب استرسالي ... ومحبَّتي لك تقتضي إدلالي وكفى بأنَّك صافحٌ في ذا الَّذي ... أبديه من قولي ومن أفعالي وقال أيضاً: [من الطويل] وقد كنت ارجو من زماني لقاءه ... وأهواه من قبل اللِّقاء سماعا فلمّا تلاقينا ومتَّعت ناظري ... برؤيته كان اللَّقاء وداعا [306] عبد الرحيم بن محمد بن محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك، أبو القاسم بن أبي عبد الله الموصليُّ من أبناء الفقهاء المدرسين، ومن بيت العلم والفقه، وأبو القاسم كانت ولادته في سنة أربع وستمائة.

تفقه على عمِّ والده الشيخ العلاَّمة أبي المعالي موسى بن يونس بن محمد بن منعة، وتميز على أبناء زمانه، وصار معيد درسه بالمدرسة المولوية البدرية – خلّد الله ملك منشئها-. وهو شاب جميل، مناظر، فاضل، ذو كياسة ولطافة، وله أشعار رقيقة غزلة، أنشدني منها قوله: [من مجزوء الكامل] قسماً بنرجس مقلتيه ... وشقائق في وجنتيه وسنى أقاحي ثغره ... وبنفسجٍ في عارضيه وبنور صبح جبينه ... وظلام ليل ذؤابتيه إنِّي لأهوى أن أمو ... ت متيَّماً كلفاً عليه وأنشدني أيضاً قوله: [من الرجز] يا شادناً نفَّرني ... عن السُّلوِّ إذا نفر /261 أ/ فتَّرتني إذا فترت ... عيناك عن كلِّ البشر هجرتني فالنَّوم مذ ... هجرتني جفني هجر يا من له قدٌّ قضيـ ... ـبيٌّ وخصرٌ مختصر سحرت ليلي بالجفا ... فما لليلى من سحر أقصر عن الفتك فإن كلّ مستطر أحلَّ قتل الصَّبِّ في ... التَّنبيه أم في المختصر؟ لمَّا بدا شاربه ... مع العذارين وطر أيقنت أنِّي في الهوى ... أقضي ولا أقضي وطر [307] عبد الرحيم بن عمر بن شهنشاه بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، الملك الفائز، أبو منصورٍ بن الملك المظفر أبي المناقب:

كانت ولادته بحماة في حدود سنة ست وثمانين وخمسمائة، هكذا ذكر لي لما سألته عن ذلك فقال: كان لنا في العمر سنة ونصف، لما توفي والدي، وكانت وفاة والده في سنة /261 ب/ ثمان وثمانين وخمسمائة، وكان اجتماعي بالملك الفائز في شهر ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة. ترك ما كان عليه من أمور الإمارة والخدمة، وصار صوفياً يطلب الصوفية، ويعاشرهم، ويعاني قول الشعر الحجازي، ويلقيه على المغنين فيغنون به، ويتداولونه. وشعره سهل الألفاظ سلس، وهو كثير العناية بصنعة الدوبيت، وحضور السماعات، ومعاشرة الفقراء. أنشدني بحلب المحروسة في شهر ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة لنفسه: [من الطويل] إذا نفحت ريح المحصَّب من نجد ... طربت لمسراها بما هاج من وجدي ثملت بريَّاها وحمَّلت نفحها ... غرامي بلقيا جيرة العلم الفرد ألا يا صبا نجدٍ بحقِّك بلِّغي ... أحبَّتنا من شدَّة الشَّوق ما عندي أسائلها عن ساكني الحيِّ سحرةً ... فتخبر أنَّ الظَّاعنين على عهدي فيا لك من ريحٍ إذا هبَّ نفحها ... تزيد الَّذي في القلب من شدَّة الوقد تحدِّث أخبار الغرام عن الحمى ... وتسنده نقلاً عن البارق النَّجدي لها بأسانيد المحبَّة شاهدٌ ... صحيحٌ بما ترويه في الحبِّ عن عهد /262 أ/ عسى زائرٌ يأتمُّني من بلادهم ... أسائله من حلَّ دارهم بعدي أحنُّ إلى الأوطان من ربع لعلعٍ ... وأعشق نشر الشِّيح والبان والرَّند ولولا قدود الهيف ما كنت مولعاً ... بترنيح بان مذكرٍ أهيف القدِّ فلا عيش إلاَّ ما قطعناه في الحمى ... بأيام لهوٍ أشبهت زمن الورد

[308] عبد الرَّحيم بن عبد الملك بن عليِّ بن عبد الكريم بن المفضَّل بن أبي شيبة القرشيُّ العبدريُّ من أهل منبج، يكنى أبا شيبة، رجل من أهل الرئاسة والجلالة، أخبرني أنَّه ولد في شهر رجب سنة أربع وتسعين وخمسمائة. حافظ للقرآن الكريم، وكانت وفاته بحلب في شهر الله رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة، في العشر الوسطى منه. أنشدني لنفسه: [من الخفيف] ما لصرف الهموم غير المدام ... فاسقينها معرِّجاً عن ملامي واغتنم ساعةً تريك سروراً ... إنَّ عمر الإنسان بالأحلام واتَّخذ في زمانك الآن خلاًّ ... فلقد عزَّ كلُّ خلٍّ محامي /262 ب/ واصطبح في غبوق كأسك واعلم ... أن كلاًّ ترديه كاس الحمام وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الوافر] بلوت النَّاس في عقلي ولبِّي ... فلم أر شافياً منهم لكربي وعشت إذاً وحيداً في خمولٍ ... وملت إلى القناعة فهي حسبي وألجيت الأمور إلى إلهي ... إلى أن ينقضي رزقي ونحبي

ذكر من اسمه عبد السلام

ذكر من اسمه عبد السلام [309] عبد السَّلام بن عبد الرَّحمن بن يوسف، أبو محمد البوبانيُّ: من أهل المغرب. حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي -رضي الله عنه- بأربل قال: كان أبو محمد ينسخ ويكتب واضحاً، قدم إربل غير مرة، وتوفي بها سنة أربع وستمائة، وأخذ عامل التركات تركته. وكان شاعراً، قصد بشعره الملوك. أنشدني -رحمه الله- لنفسه في شهر رجب من سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بإربل، وهي أول قدوماته: [من الوافر] /263 أ/ رويدك أيُّها الرَّشأ الغرير ... فكم أغرى بغرَّتك الغرور ويرِّد يا فديتك حرَّ وجدي ... بوصلك إنَّ هجرك لي مبير أما إن آن أن تحيي [معنّى] ... قتيل هوىً رضاك له نشور إذا جنَّ الدُّجى جنَّ اشتياقاً ... فليس سوى النُّجوم له سمير حكى يعقوب قبلاً مثل وجدي ... إلى أن جاء ينذره النَّذير وأقسم لا يذوق النَّوم حتَّى ... يجيء بثوب يوسفه بشير فوالهفي على زمن تقضَّى ... وغصن شبيبتي غضٌّ نضير سقى صوب العهاد عهود لهو ... عهدناها وشاهدها السُّرور ديارٌ للفؤاد بها غرامٌ ... مقيمٌ ما له عنها مسير قضى صرف القضا عنها بصرفٍ ... وللأقدار أحكامٌ تجور ترى الأيَّام تسمح واللَّيالي ... فيقضى لي إلى مصرٍِ مصير؟ فقد ضاق الصَّعيد عليَّ حتَّى ... كأنِّي بين أسرته أسير

[310] عبد السلام بن المطهَّر بن عبد الله بن محمَّد بن هبة الله بن عليِّ بن أبي عصرون، أبو العباس/263 ب/ بن أبي المعالي التميمي: الفقيه المفتي. من أبناء العلماء، والقضاة، وبيت الفقه، والعلم، والرئاسة الظاهرة في الدين والجاه العريض والتقدم عند الملوك والسلاطين. سمع أبا الفرج الثقفي، وجدَّه القاضي أبا سعد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون، وكان فقيهاً حبراً، قرأ الخلاف والأصول، ودرّس الفقه بحلب، بالمدرسة التي أنشأها الملك العادل نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر –رضي الله عنه- المنسبة إليهم. وكان مع ذلك رجلاً عاقلاً، هيوباً، صيِّناً، ذات سمت ووقار، ورئاسة وجلالة، سمح اليدين، كريم النفس، باراً بالفقراء والمساكين، لا يرد قاصداً يفد عليه، وله إيثار ومعروف يصل إلى جماعة يردون عليه، ولم يكن يدّخر شيئاً من عرض الدنيا، وتوفي وعليه دين. وكانت ولادته في سنة ثمان وستين وخمسمائة، وكانت وفاته بدمشق في ليلة

الثلاثاء، الثامن والعشرين /264 أ/ من المحرم سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن بجبل الصالحية –رحمه الله تعالى-. عثرت له بقصيدة مطوّلة سمّاها بالزكية في مدح سيد البرية صلى الله عليه وسلم، عدد أبياتها مائة وثمانية وثمانون بيتاً، ليست من جيد الشعر ورائقه، بل هي متكلفة الألفاظ، وفيها تعسّف، وذلك لأنه لم يكن نظم الشعر من شأنه، أنشأها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تشتمل على مناقبه، وفضائله، ومعجزاته التي ظهرت وانتشر ذكرها في أقطار الدنيا، وأنشدها عند قبره عليه السلام لما حجَّ، وسمعها منه خلق كثير، ولم يقل من الأشعار سواها، فلم أر الإخلال بها، فأثبتُّ بعضها تبركاً بذكره عليه السلام، وكونها في مدحه، واعتمد فيما ضمنها من المعجزات والمناقب على "كتاب الشِّفا في شرف المصطفى"، تصنيف القاضي أبي الفضل عياض بن موسى السبتي، ثم على "كتاب الروض الأنُف" للسهيلي، ثم على سفر ابن عبد البر، ثم سيرة ابن هشام /264 ب/ وغيرهم، نطق بذلك متأخراً في عجز القصيدة، أنشدنيها الشيخ العارف الأمين أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن عبد القاهر بن النصيبيني بحلب المحروسة، يوم الخميس ثالث عشر شوال سنة سبع وثلاثين وستمائة، بدار الشيخ

الأجل المحترم الكبير محيي الدين بن صالح بن عبد الكريم بن عثمان بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن العجمي –أدام الله تأييده؛ وقرن بالسعادة توفيقه وتسديده بمحمد وآله أجمعين –أولها: [من الطويل] سأذكر مجداً لا أطيق له حصرا ... وأنشد فضلاً أعجز البدو والحضرا لخير نبيٍّ أظهر الله دينه ... بإرساله براً وإظهاره بحرا نبيٍّ كساه الله علماً ورفعةً ... وأعلى له شأناً وأسمى له قدرا محمد المختار من آل هاشمٍ ... فأنعمه [موفورةٌ أبداً] تترى مخالفه قد باء بالذُّل والشَّقا ... وناصره قد أحرز العزّ والنَّصرا وأباؤه سادوا وكان ....... ... وفضلهم عمُّوا العمارة والقفرا ومن فضلهم أنَّ الدَّعيَّين منهم ... أطاعا لأمر الله إذ فهما الأمرا /265 ب/ وأعمامه سادت فهر ومالكٍ ... بهم شرَّف الله السِّقاية والنَّصرا فأوَّلهم ذكراً أبو طالب الذي ... حمى ابن أخيه ما أرادوا به المكرا وحمزة والعبَّاس عمّا نبيِّنا ... أشادا له عزًّا وكانا له ظهرا فجازاهما الرحمن خير جزائه ... وآتاهما نوراً واتبعه شكرا وعترته حازوا المكارم والعلا ... فحسبهم فضلاً وحسبهم فخرا فعزهم إرثٌ لهم عن أكابرٍ ... ومجدهم أعلى من الفلك المجرى وأصحابه خير البريَّة كلِّها ... وأنصاره سادت من وطأ الغبرا هم جاهدوا في الله حقَّ جهاده ... وقاموا به سراً وقاموا به جهرا بهم أيَّد الله النَّبيَّ وشرعه ... فسرُّوا به دنيا وفازوا به أخرى فعمَّهم الله الكريم بفضله ... وجازاهم خيراً وآتاهم برَّا وبلَّغهم منه سلاماً ورحمةً ... يدومان في الأفلاك مادامت الخضرا وأربعةٌ من صحبه خير صحبه ... بهم شرَّف الله الخلافة والعصرا فأوَّلهم صدِّيقه وصفيُّه ... وثانيهم الفاروق ما افترقا دهرا ويتلوهما عثمان ثمَّ ابن عمِّه ... أبو حسن قد أوهن الشِّرك والكفرا فحيَّاهم الرَّحمن خير تحيَّةٍ ... فقد أحرزوا منه القرابة والصِّهرا /265 ب/ وفاطمة الزَّهراء خير نسائها ... وأولادها سادات من ركب الظَّهرا

به بشَّرتنا الرُّسل من قبل بعثه ... وردُّوا جميعاً أن يشدُّوا له آزرا وهذا القدر فيه كفاية من أبياتها. [311] عبد السلام بن جعفر بن أبي محمد عبد الله بن أبي طاهر محمد بن محمدٍ، أبو الغنائم التكريتي، المعروف بابن الكتبيِّ: قرأ في صغره وفي كبره بتكريت على قاضيها أبي زكريا يحيى بن القاسم، وسافر إلى الموصل، وأقام بها مدة، ولقي بها جماعة من المشايخ والفضلاء، وأهل العلم، وصحبهم، وقرأ عليهم، ثم إلى مدينة السلام، وأقام بها واشتغل بفنون من علم الأدب، ورأى بها جماعة من العلماء، ولما قدم القاضي ضياء الدين القاسم بن يحيى الشهرزوري إلى بغداد، وولي قضاء القضاة بها، وأمر الوقوف، استنابه في الوقوف العامة، وبعد ذلك استنابه عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء على الإشراف بالمنائر المعمورة. /266 أ/ وكان جميل الأمر، ظاهر الديانة، معروفاً بالثقة والأمانة، رياناً من العلوم، يكتب الرسائل الحسنة، وينظم الأشعار المهذَّبة. فمن أشعاره إلى القاضي تاج الدين التكريتي: [من الطويل] وما نح تاج الدِّين كلَّ فضيلةٍ ... ومصفيه أوصافاً مضوَّعة النَّشر

وموليه أسباب السِّيادة والعلا ... ورافعه أوج السِّماكين والنَّسر وناظم شمل الفضل بعد شتاته ... بهمته العليا وآرائه الزُّهر وجاعله ردءاً لكلِّ مؤمِّلٍ ... مجيباً لمن نادى نداه بلا عذر لوقتٍ أرى فيه محيَّاه قبلتي ... وأهنا بحبِّيه لخالصة الدَّهر وأن انقضاء الوقت دون تيمُّني ... وأنسي به لا أرتضيه من العمر وقد كنت أرجو أن أسوِّغ قربه ... ومن لي بقرب السَّيِّد السَّند الذكر وإن كنت لم أنه الأمور تفضُّلاً ... فلا ريب أن الحال تشهد بالعذر ومن قبل ما تغدو الغزالة اغتدي ... وبين العشائين الرَّواح إلى الوكر فيا ربِّ روِّ القلب من قرب مجده ... وأوربه زند السِّيادة والفخر وقوله فيه: [من الكامل] /266 ب/ مولاي مسَّاك الإله بنعمةٍ ... غرَّاء دائمة على الإيثار بلِّغت في علياك غاية بغيتي ... يا سيِّد العلماء والأبرار واشتدّ ازر العلم منك بصائب الـ ... آراء في الإيراد والإصدار وأقيم مناد الأمور بعزمك الـ .... ـماضي الشَّبا المشكور في الأخبار وسرت فضائلك الشَّهيرة في الورى ... حتى تؤرِّج سائر الأمصار حييت من مولى الأنام بكلِّ ما ... تختاره من رفعةٍ وفخار وخصصت من آلائه بمواهبٍ ... مشكورةٍ موفورة المقدار لازلت تحت رضاه يا من لم يزل ... ترضيه في الإعلان والإسرار لمَّا رآك مؤهَّلاً لمراتب ... ما إن لها إلاَّك في الأقطار أدنى محلَّك واجتباك ولم يزل ... نظر الخليفة في رضا الجبَّار لازال منصور الكتائب بالغاً ... أقصى المآرب باهر الأنوار وأراك أولى النَّاس قاطبةً بما ... أولاك فاشكر نشعمة المختار هذا هو الشَّرف الذي أضحى به ... ربع الفضائل ناضر الآثار زنت الفضائل والعلوم بأسرها ... وفرعت أوج المجد باستظهار ما كلُّ من نال العلوم بهمَّة ... علوية كمكاثر مكثار /267 أ/ ليس اتِّفاق الأمر كاستحقاقه ... والحقُّ أبلج لائح الإسفار

فتيمَّمت بكريم مقدمك العلا ... وفداك كلُّ مباينٍ خوَّار قد كنت يا صدر الورى متأخِّراً ... من عارضٍ وضحت به أعذاري فهو الَّذي منع الحضور وصدَّ عن ... ذاك الجناب الفاغم المعطار ولقد ظمئت إلى اللِّقاء وهكذا ... الأشواق تنمى عند قرب الدَّار ولو استطعت أطعت شوقي إنَّه ... شوقٌ يتوق إلى أجلٍّ مزار لكنَّ ضعفي ظاهرٌ من وعكةٍ ... أرجو إزالتها بلطف الباري والبرء قد وافى وتمَّ وإنَّه ... عند اللَّقاء يتمُّ باستمرار ولقد عجبت من الزَّمان وكيف لم ... أر سائلاً عنِّي وعن أخباري وتأخُّري من أعجب الأشياء لو ... لا ما بدأت به من الأخبار ولي الهناء على الخصوص وسائر الـ ... جمهور أمنحهم من استبشاري هذا الذي قد كنت آمله وقد ... نلت المنى ونهاية الأوطار فبطالع السَّعد القدوم [مباركٌ] ... واسلم ودم في أسوغ الأعمار وأنشدني الشيخ العالم، تاج الدين أبو طالب علي بن النجيب بن عثمان بن عبد الله البغدادي /267 ب/ بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة قال: أنشدني أبو الغنائم عبد السلام بن جعفر بن عبد الله [قال: أنشدني]، أبو محمد بن محمد التكريتي لنفسه من قصيدة يمدح بها المستنصر بالله –رحمه الله تعالى-: [من الكامل] أبدي التجَّلُّد والضَّنى ما يستر ... وأروم كتمان الغرام ويظهر وأظلُّ محنيَّ الضُّلوع على أسى ... ورسيس شوقٍ ناره تتسعَّر وأحاول الصَّبر الجميل ومن يكن ... صبَّاً وحلف صبابة لا يصبر وأسرُّ ما بي ثمّ أظهر ضدَّه ... جلداً وباعي في التجلد يقصر وإذا ذكرت ليالياً سلفت لنا ... زمن الوصال يهيجني ما أذكر ولطالما حلَّ السُّرور لنابهٍ ... فيها وماس بها الحبيب الأحور وأباح فيها ما حمى من ريقه ... وهو السُّلاف البابليُّ المسكر وثنى قواماً قام عذر محبِّه ... لمَّا غدا في حسنه يتبختر واحوم حول حمى رضاه لعلَّه ... يوماً إليَّ بعين عطفٍ ينظر

مازلت متَّبعًا رضاه وطالبًا ... إعراضه فيما يحبُّ ويؤثر ما كان لي ذنبٌ فأحرم وصله ... وعلى محبَّته أموت وأحشر وهو العليم بكلِّ ما عانيته ... في حبِّه وبما أسرُّ وأجهر إن عادت الأيّام لي بطويلع ... أو ضمَّني والهاجرين محجَّر لأخبِّرنَّ بما لقيت من الهوى ... ولأشكونَّ بأدمعٍ تتحدَّر ولأعتبنَّ على أناسٍ لم أخل ... من بعد حسن وفائهم أن يغدروا عهدي بنا زمن التَّصابي والهوى ... غصنٌ نضير والهواء معنبر والشَّمل ملتئمٌ وإخوان الصَّفا ... يتراضعون مودَّةً لا تكدر فتفرَّقت تلك الجموع وأوحشت ... تلك الدِّيار وعاث فيها العثير وبقيت منفردًا أسامر سورة الـ ... ـبرحاء في اللَّيل الطَّويل أفكِّر مازالت الأيَّام موحشةً لمن ... قد آنسته وفعلها لا ينكر فاستجل أبكار الثَّناء بكلِّ ما ... تجني به ثمر الثَّواب وتذخر هاجر إلى الحرم الشَّريف وطف به ... لتنال غاية ما بفكرك يخطر وتعود موفورًا تصيب من الغنى ... تختال في حلل الحباء وتخطر فهناك أبلج من أسرَّة وجهه ... يتلألأ الكرم الأريج ويسفر ملكٌ تولَّاه الإله بلطفه ... واختصَّه بأجلِّ وصفٍ يؤثر الماليء الآفاق عدلًا نائب اللَّه الإمام المالك المستنصر خير الخلائف صفوة الله الذي ... كلُّ الورى في عصره قد أيسروا ما أنضر الدُّنيا بمالك رقِّ من ... فيها ومن بولائه نستبشر .. ! لازال في حرز السَّلامة خالدًا ... تزهى به الدُّنيا ويسمو المنبر [312] عبد السلام بن أبي عليِّ بن يحيى بن مناحيم. وهو الرابع عشر من أجداده. أبو الغنائم اليهوديُّ. من أهل حلب.

كانت ولادته عل ما أخبرني من لفظه يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وخمسمائة. رجل متصرف في الأعمال الديوانية، فيه ذكاء وفطنة، ويعمل الشعر الصالح طبعًا، ولم يكن عنده شيء من علم العربية، ولا اشتغل به، وربّما مرّ له أبيات لا بأس بها، ويضاف إلى ذلك معرفته بعلم الحساب، وبالتصرف في إيراد أنواعه [وكان] يتولى بحلب الاستيفاء بديوانها العالي، وله أشعار كثيرة في المقطعات الغزلية وغيرها. أنشدني لنفسه: [من مجزوء الرمل] إنَّ يومًا أنت فيه ... لست تدري ما وراه لا تضع حقَّك فيه ... لفقيد لن تراه ليس بالحزن عليه ... يمنح الدَّهر لقاه لا ولا يلقى شقاءً ... أقرب النَّاس سلاه فاغنم العمر ولو فا ... رقت في الغنم رضاه وأنشدني لنفسه: [من المتقارب] ولمّا حكى مستدير العذار ... على صبح خدِّك خيط الظَّلام توهَّمه مزريًا بالجمال ... متى نزَّه الوهم طيب المنام؟ ولم يدر- أفديك- أنَّ العذار ... طراز الجمال ومسك الختام وأنشدني لنفسه: [من الكامل] يا لائمي في حبِّ معسول اللَّمى ... لو بالهوى يقضي عليك الأوجس لعلمت أنَّ اللوم مرٌّ في الهوى ... وعرفت ما فيه إذًا أتوجَّس وتركتني وهواي من في حبِّه ... سمعي الأصمُّ ودمعي المتبجَّس قمرٌ لعيني ما يلذُّ بوجهه ... فبخاطري سلوانه لا يهجس الخدُّ وردٌ والشِّفاه شقائقٌ ... والخطُّ آسٌ واللَّواحظ نرجس والثَّغر درٌّ في العقيق وخصره ... ما إن به ما يأكلنَّ الجرجس والصُّدع عقربه فلا راقٍ لها ... واللَّفظ سحرٌ ليس منه محبس

وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] قم بنا نجتلي كؤوس العقار ... فهي تجلو وساوس الأفكار ولئن كان ذا وجومك أفديـ ... ك لحرِّ اجتناب شمس النَّهار ففي بهجة المدام غناءً ... عن ضياء الشُّموس والأقمار وأنشدني لنفسه: [من الكامل] يا حادي الأظعان إن جئت اللِّوى ... سلِّم على اللَّاوي ذنوبي في الهوى حدِّثه أنَّ مدامعي من بعده الـ ... ـبحر الخضمّ وفي الحشا نار الجوى وبأنَّ سقمي قد تجاوز حدَّه ... لفراقه الموهي العزائم والقوى ولعلَّه يرعى العهود ويرعوي ... ولئن رعى أبرى الضَّناء أو ارعوى قمرٌ حوى في الحسن أوصافًا لها ... بل دونها الصِّدِّيق يوسف ما حوى سلوانه قبل النَّوى قلبي نوى ... وقد انثنى بعد النَّوى عمَّا نوى فكأنَّما بين الحبيب مقوِّمٌ ... عود الغرام إذا التوى بعد النَّوى وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المتقارب] أيا من تعرَّضني في الكرى ... وإعراضه نفطه يحرق تعهَّد عهودي عهود الهوى ... بماء الوفاء عسى تورق .. بدَّلته عذَّالي ... فما هو من شمسه يشرق ولا برقه غير ما خلَّبٍ ... ولا سحبه ماؤها يهرق نصحتك فاقبل وإلَّا فعن ... قريبٍ كذا الدَّمع قد يشرق وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الرمل] صاح دنيانا كبحرٍ ... من أذىً فيه نعوم إن تجد فيها نعيمًا ... فالشَّقا ذاك النَّعيم وأنشدني لنفسه أيضًا من شعره: [من مجزوء الرمل] صاح دنيانا مقامٌ ... ما بها شيءٌ يدوم ولذي الجهل جنانٌ ... ولذي العقل جحيم وأنشدني لنفسه تهنئة .. بولاية: [من الكامل]

كم من أناسٍ للولاية شرَّفوا ... وأرى الولاية شرِّفت بإياس القرم فخر الدِّين خير بني الدُّنى ... اللَّابس العلياء خير لباس قطب العلا ربُّ التُّقى حلف النُّهى ... حتف العدا خدن النَّدى والباس سارت بسعدٍ فلكه ونجومه ... تسري بعزٍّ ثابت الآساس وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل] عنَّ ادّكاركم فعنىً ... يا مدمن الإعراض عنّا كم ذا الجفا منكم لنا ... ولكم حميم الودِّ منَّا إن كان ذا حكم الهوى ... فلقد قضاه الله عنَّا عزَّ العزاء على شج ... بهواك هان وما تهنّا أنضاه صدُّك صبره ... وفؤاده والجسم أضنى فامنن عليه بالرِّضا ... نلت المنى وامنحه أمنا واحنن وحنَّ فحينه ... قد حان إلَّا أن تحنَّا وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل] يا أيُّها الرَّشا الَّذي ... امسى الأسى فيه سميري أسرفت في جورٍ علـ ... ـيَّ ولم تكن لي بالمجير أتظنّ أنَّي في الهوى ... -أفديك- خوَّانُّ الضَّمير. قسمًا بنرجس مقلتيـ ... ـك وخال أقناك العبيري وبنفسجٍ في عارضيـ ... ـك وورد خدَّيك النَّضير والأقحوانة في الشَّقيـ ... ـق بفيك والرِّيق النَّمير ما لي نظيرٌ في الوفا ... ء ولا لحسنك من نظير وانشدني لنفسه: [من الطويل] وأسمر كالخطِّيِّ همت به وجدًا ... ضنا خصره جسمي وأخفى به عدَّا إذا اهتزَّ عطفاه وماد قوامه ... حسبت قضيب البان من قدِّه قدَّا تخال إذا ما ماس من ثقل ردفه ... بساقيه قيدًا جاء في ثقله إدَّا له نبل لحظٍ في قسيِّ حواجبٍ ... على غرَّةٍ منه برت مقلتي عمدا

وجيدٌ غزاليٌّ وصدغٌ معقربٌ ... نكايته في القلب جاوزت الحدَّا ولام عذارٍ مستديرٍ منمنمٍ ... بذائب مسكٍ من ذوائبه مدَّا وشاربه الآسيُّ نقشة خاتمٍ ... كحقِّ عقيقٍ ضمَّ من لؤلؤٍ عقدا وريقته شهدٌ يشاب بقرقفٍ ... ووجنته الدّكناء مسكٌ علا وردا أكاتمه حبِّيه خوف نفاره ... لعلّي بالكتمان أن أبلغ القصدا رشًا إسمه هو خلقه ثم َّ أصله ... وحانوته فوه وفوه لنا أجدى لئن ساعف الدَّهر الجموح بوصله ... لأضعفنه أضعاف ذمَّ الورى حمدا [313] عبد السَّلام بن يحيى بن عبد الله بن المفرِّج بن درع بن الحسن بن الخضر بن حامدٍ التَّغلبي القاضي، أبو محمَّد بن القاضي أبي زكريا التكريتيُّ: آخر أولاد أبيه، يفوقهم فضلًا، وفهمًا، وذكاءً. ولد يوم الخميس بعد الظهر، وهو الثامن عشر من شعبان سنة سبعين وخمسمائة. قرأ القرآن العزيز في صغره، وحفظ فصولًا وعظية، ورتب له والده مجالس الوعظ، فحفظ منها عدة مجالس، وتكلم في دارهم حتى تمرّن وصارت له فيه دربة جيّدة، ولون حسن، فعقد له المجلس في بعض مشاهد تكريت، حيث يتكلم الوعاظ، وتكلم ووعظ الناس وعمره يومئذ تسع سنين، فكان يتعجب من يسمعه من جودة كلامه على صغر سنه، وكلّما قدم تكريت واعظ أو أحد من أهل العلم والأدب يحضر مجلسه. ولما قدم البلخي الواعظ، حضر مجلسه وقال: هذا عنده استعداد حسن، ثم انحدر صحبة والده إلى بغداد، واستحضر والده بالديوان العزيز عند الوزير معز الدين

أبي المعالي سعيد بن عليٍ بن أحمد بن الحسين بن حديدة واستصحب أبا محمد معه، ورتب له مجلسًا حسنًا، ودعا لأمير المؤمنين الناصر لدين الله- رضوان الله عليه- فاستأذن والد الوزير في أن يتكلم أبو محمد، ويدعو للخليفة، فأذن له، وحين شرع في الكلام، أشار إليه صاحب الحجاب فخر الدين بن الدوامي بأن يقوم ويتكلم قائمًا على عادة من يتكلم بحضرة الوزير، فقال له الوزير: تكلم على حالك، وإذا وصلت إلى الدعاء للخليفة قم قائمًا فشرع وتكلم بكلام حسن، وكان المجلس حافلًا بالصدور والحجّاب والأمراء، وذلك في العشر الوسطى من ذي الحجة من سنة أربع وثمانين وخمسمائة. وبعد ذلك سافر والده إلى تكريت، فتقدم الوزير إلى المدرس بالنظامية، وهو يومئذ أبو طالب بن الخل بتسليم غرفة لأبي محمد يسكنها، فسلم إليه مفتاح الغرفة، فأقام على أمر العمارة، وما يخرج عليها، واستمر الحال على ذلك إلى أن عزل الوزير ابن مهدي عن الوزارة، وولي بعده نيابة الوزارة ابن مسينا فولّاه الأشراف من جانب الديوان على تكريت، وجميع أعمالها، وخلع عليه كما جرت العادة، وكتب له التوقيع بذلك فاستمر على هذه الولاية يشارف ما يفعله النواب بالمدرسة، وبمعاملاتها، ويضبط القيام بوظائفها، وتولى بيع المشاعات في أوقاتها، وما أجرى له من حاصلها، إلى أن صرف عن ذلك في أواخر سنة ثمان وستمائة، وأقام عند أبيه في النظامية إلى أواخر سنة عشر وستمائة، وأنفذه والده إلى تكريت، وفوض إليه النظر في بعض الوقوف التي بها هناك، وتولي أمرها، وما كان يتعلق هناك بوالده وبه من أسباب، إلى أن تقدّم الديوان العزيز إلى مستحفظ قلعة تكريت بالنظر في أمر الوقوف فتسلم ما كان بيده ويد غيره، فرجع إلى مدينة السلام في سنة اثنتي عشرة وستمائة. من بيت القضاء والخطابة ببلده، والدين والعلم، وهو فاضل أديب، شاعر خطيب، له مؤلفات من الخطب والرسائل والأشعار، وقفت على جملة كبيرة منها. وهو الآن بالنظامية، في غرفة من غرفها، لقيته بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة، ويختلف إليه جماعة من المستفيدين يقرأون عليه أنواعًا من الأدب والفقه والقرآن وغير ذلك.

فمما أنشدني لنفسه قوله: [من الطويل] خليليَّ قد بان الكثيب ولعلع ... وسحَّت لتذكار الأحبَّة ادمع قفا فاعجبا من جفن عيني تواصلت ... به عبراتٌ والفؤاد مفجَّع هم فارقوني واستقلَّت ركابهم ... وودَّع نومي مقلتي يوم ودَّعوا وأصبحت ذا شجوٍ بغير مؤانسٍ ... وحيدًا وقد أقوت ديارٌ وأربع أحنّ إلى رؤياهم كلَّ ساعةٍ ... واشتاقهم والشَّوق بالقلب مولع وأذكر أيامًا تقضّت بوصلهم ... يكاد لذكراها الفؤاد يصدَّع فقد كان لي عيشٌ هنيٌّ بقربهم ... ترى هل لنا في عود ذلك مطمع؟ قضى الله بالبين المفرِّق بيننا ... وما لقضاء الله في الخلق مدفع ترى ترجع الأيَّام بعد تفرُّقٍ ... تجمُّعنا هيهات هيهات تجمع وانشدني- أسعده الله- قال: كتب إليه هذان البيتان، وهما لبعض الشعراء في صدر كتاب من بغداد إلى تكريت: [من الطويل] ولي بعدكم من بعدكم فرط لوعةٍ ... لها في صميم القلب لذع شهاب سأغفر للأيّام كلَّ خطيئةٍ ... إذا بشَّرتني منكم بكتاب فأجاب لنفسه: [من الطويل] لئن كانت الأيَّام ضنَّت بقربنا ... فقد سمحت في وصلنا بكتاب وقد يعقب الصَّبر الجميل مسرةٌ ... فدونك فاكتب واستعدَّ جوابي وأنشدني عبد السلام لنفسه: [من البسيط] أنهنه الدَّمع جهدي وهو منذرف ... فالقلب في تعب والصَّدر مرتجف وأوحشت رحل الأحباب وانصرفوا ... دع الدُّموع على وجدي بهم تكف وأسأل حداة المطيِّ إن هم وقفوا يا غائبًا أثرت في القلب غيبته ... وأنبتت عندي الأسقام غربته من داؤه البين قد عزَّت أطَّبته ... فلا تلم من نأت عنه أحبَّته وغالبته يد الأسقام واللَّهف قد كنت من بينهم مستشعرًا حذرًا ... لو كان فرط حذاري يدفع القدرا

بانوا فبان سروري معهم وسرى ... سار وأسرت بهم بزل النَّوى سحرا لله ما ضمَّت الأكوار والسُّجف لو كنت يوم استقلَّ الظَّاعنون معي ... لكنت تعجب من ذلّي ومن جزعي حثُّو المطايا وسار القلب في التَّبع ... وما برحت أناديهم على طمع من الجواب فما حنُّوا ولا عطفوا رفقًا بصبٍّ يد الأسقام تهلكه ... يخفي الغرام وفيض الدَّمع يهتكه يروم قربهم لو كان يملكه ... أريد من زمني ما لست أدركه فما احتيالي ووجه الدَّهر منصرف؟ وأنشدني لنفسه يمدح المستنصر بالله- رذي الله عنه-: [من الكامل] ما عذر من شرخ الشَّباب معينه ... وزمانه صافٍ لديه معينه بادر إلى اللَّذات مادام المنى ... في بحر إقبالٍ تسير سفينه وانهض إلى عيشٍ يمرُّ زمانه ... قصرًا فعيش المرء يبعد حينه فالوقت يمضي لا يعود وكلُّ حـ ... يُّ سوف تعدمه الحياة منونه وانهب من العمر القصير مسرَّة ... فالموت في طيِّ الزَّمان كمينه في نهر من قد .. لي .. فعم ... فيه إذا عام فيه سفينه سر فيه في سيَّارةٍ حيزومها ... يفري الفرات كفري ماء نونه فالماء فضِّيُّ القميص تزرَّدت ... بعبير أنفاس الرِّياح متونه وعلى الجوانب منه نبت بنفسجٍ ... والزَّهر زاهٍ في الرِّياض فنونه والبان يرقص كلَّما هبَّ الصَّبا ... وتبوس ثغر الأرض منه غصونه والطِّير بين مجاوبٍ لقرينه ... ومفارقٍ يدني الغرام حنينه وترنُّم الدُّولاب يحكي عاشقًا ... لجَّ الغرام به فرقَّ أنينه فالقلب منه كقلب مهجورٍ به ... قلقٌ وكالماء السحوح شؤونه وأرقُّ من نوح المفارق نوحه ... وأصحُّ من كلِّ النَّشيد لحونه مع أغيدٍ قد علَّمت هاروت سحـ ... ـرًا لا يحلّ مدى الزَّمان جفونه يحكي سواد اللَّيل حالك فرعه ... طولًا ولونًا والهلال جبينه

وإذا استقر بك المكان وقابلت ... عيناك صاد فتى الجمال ونونه وجلا همومك لينه ورواؤه ... ودعا الدَّعابة لطفه ومجونه فاخلع إذا ثوب الوقار فخير من ... عقل الفتى عمَّا ذكرت جنونه واقطف جنى لين الشَّباب فإنَّه ... إن عشت سوف يصير يبسًا لينه واظنن برِّبك رحمةٌ فالعبد تنـ ... ـفعه لدى ربِّ العباد ظنونه لا تيأسنَّ مع المتاب وصدقه ... من محو ذنبٍ فالإله ضمينه وكذاك لا تجزع لعجم ملمَّةٍ ... فخليفة الله المكارم دينه مولىً على ركني عطاءٍ واسعٍ ... وعموم عدلٍ في العباد ركونه مولىً إذا ضنّ السَّحاب بقطره ... أغنت عن الغيث المغيث يمينه لازال يرفل في ثياب سعادة ... ما سحَّ من دمع السَّحاب هتونه دام الخليفة في الأنام خليفةً ... ما لازم القلب السَّليم وتينه فدعاؤه فرضٌ عليَّ وواجبٌ ... أبدًا فلا زالت عليَّ ديونه وأنشدني أيضًا لنفسه، وذلك بالمدرسة النظامية، في العشر الأواخر من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من البسيط] لي فيك قلبٌ على وجدي يطاوعني ... وإن أردت سلوًا منك يعصيني وعاذلٌ دأبه عذلي يؤنبني ... وعاذرٌ مستهام القلب يغريني فالشَّوق والعذل قتلي في اجتماعهما ... بل واحدٌ منهما في ذاك يكفيني فإن أمت فاجعلوا قبري على جدد الـ ... ـطَّريق كيما يمرُّوا بي فيبكوني ووسِّدوا التُّرب خدِّي واكتبوا بدمي ... على الجوانب هذا قبر مسكين قتيل شوقٍ أذاب الحبُّ مهجته ... كما يموت ويقضي كلُّ محزون وإن أعش فحياةٌ غير طيّبة ... لا سيَّما وغريم العذل يؤذيني دعني أجنُّ فعقل المرء يعقله ... ما لذَّة العيش إلَّا للمجانين وقال وعظيّة وأنشدنيه: [من الكامل] يا نفس أنت عن الرَّشاد بمعزل ... لا تبصري غير الممات وتغفلي وتؤِّملي طول الحياة وهل سمعـ ... ـت بأنَّه طالت حياة مؤمِّل؟ غرَّتك من دنياك وهي غرورةٌ ... خدعٌ فبعت معجّلًا بمؤجَّل

لا تغفلي عمَّا يؤاتي بغتةً ... وسهامه لا تنثني عن مقتل أو ما مصارعه لديك ترينها ... أو ما شراب كؤوسها كالحنظل؟ وكما حملت إلى القبور جنازةً ... فتيقَّني لابدَّ من أن تحملي والموت منهل كلِّ حيٍّ فاعلمي ... لا مصرفٌ لك عن ورود المنهل ولكم منازل بعد موتك صعبةٌ ... تلقينها والقبر أول منزل إن كان سهلًا كان سهلًا بعده ... أو كان صعبًا كان أصعب مبتلي وقال في إحماد عاقبة الصبر: [من البسيط] لا تيأسنَّ وإن مسَّتك ضائقةٌ ... فآخر الضِّيق مقرونٌ به الفرج واصبر فإنَّ زمان الصَّبر منصرمٌ ... مادام قطُّ اتِّساعٌ لا ولا حرج وله في التعجب ممن يتناسى الموت: [من الطويل] عجبت لملتذٍّ بطيب رقاده ... ومختلس الأرواح ضيف وساده يحبُّ بأن يدعى حكيمًا ومن يكن ... حكيمًا يكن ذا همَّة لمعاده وقال في صدر كتاب جوابًا، وأنشدنيه: [من الكامل] أفدي الذي بشراي في مكتوبه ... وافى فروَّى غلَّتي بنسيبه فكأنَّه في العين حلَّة يوسفٍ ... وكأنَّه في القلب وصل حبيبه وقال في ذمّ اللجاج والعجب والتكبر وإتباع الهوى: [من الطويل] وأربعةٍ فيها لذي العقل راحةٌ ... إذا ما توقّاها وإصلاح شانه لجاجٌ وإعجاب الفتى وتكبرٌ ... ومن يتبع الأهوا يعش بهوانه وقال في الصديق، وأنشدنيه: [من الوافر] صديقك من تجافيه فيغضي ... ويحفظ عهدك الماضي ويرعى وليس صديقك المولي ثناءً ... من الحسنى وإن قاطعت أفعى وقال في فعل الشوق، وأنشدنيه بمدينة السلام: [من البسيط] أشكو من اللَّيل طولًا إذ شكا قصرا ... مهفهفٌ عنه قلبي قطُّ ما انزجرا كأنَّما الأسمر الخطيُّ قامته ... والسحر مع لحظه هاروت قد سحرا يصدُّ عنّي الكرى مهما يصدُّ وإن ... أبدى الوصال يعود العيش لي نضرا

يا ذا الَّذي وصله لي جنَّةٌ قربت ... وهجره بضرام الشَّوق قد سعرا إن كان قصدك قتلي في الهوى فأنا ... لم يبق لي الشَّوق لا سمعًا ولا بصرًا مازلت فيك أعاني كلَّ لائمةٍ ... وما رأيت لمثلي قطُّ من عذرا لولا تمنِّي وصالٍ منك آمله ... قد كان قلبي بطول الهجر منفطرا وقال في الاعتذار، وأنشدنيه: [من الطويل] أرجِّي لديك العذر فيما أقوله ... ومثلي إذا يشكو إليك له عذر لقد كنت في عيشٍ رغيدٍ ونعمةٍ وصحبة إخوانٍ بهم عسري يسر فقد عاد حظِّي بعد طول بياضه ... من الوقت والأحوال يسمعه الحرُّ وأنَّ الذي أرجو وآمل أنَّه ... يبيِّض بالإحسان ما سوَّد الدَّهر وقال في ذم الكلام، وأنشدنيه: [من الكامل] لا تكثرنَّ من الكلام فطالما ... جلب الكلام أذىً على المتكلِّم وقال غزلًا، وأنشدنيه: [من البسيط] بين العقيق وبين الضَّال والسَّمر ... تملَّك القلب منِّي أحور النَّظر مهفهف القدِّ ساجي اللَّحظ أكحله ... ما إن رأيت له شبهًا من البشر كأنَّما الغصن الميّاس قامته ... والفخر للَّيل في التشبيه بالشَّعر لطيف خلقٍ وخلقٍ شأنه خفرٌ ... منزّه القدِّ عن طولٍ وعن قصر يزورني والدُّجى مرخٍ غلائله ... فاكتفى بمحيَّاه عن القمر يكاد من حسنه العميان تبصره ... ومن سنى نوره يعمى ذوو البصر له من الريم جيدٌ والمها مقلٌ ... والسحر لحظٌ وجنح الليل في الطور كم من ليالٍ تقضَّت في منادمة ... وفي محادثة ترضى وفي سمر وأعين البين والحسَّاد غافلةٌ ... عنَّا وصفو اللَّقا خالٍ من الكدر فبينما نحن في روض الوصال إذا ... سهمٌ من البين يقفو مسرعًا أثري فلم أسرَّ بشيءٍ بعد موقعه ... وصرت للبين ذا وردٍ وذا صدر

فدع غرور الأماني فهي كاذبةٌ ... وكن على وجلٍ منها وفي حذر فكلُّ جمعٍ إلى التَّشتيت موئله ... وكلُّ حلوٍ فعقباه إلى مقر وقال: [من الكامل] رفقًا بمن أمسى لديك قتيلا ... يشكو الضَّنى وصبابةً ونحولا وحسام بينٍ مولعٍ بشباته ... ماضي المضارب لم يزل مسلولا يا عاذلي على الغرام إليكما ... عنِّي فإنِّي لا أطيع عذولا أظننتما أسلو هواه وحبَّه ... أو أنَّني أرجو إليه سبيلا فقفا على وادي الأراكة والنَّقا ... فعسى الوقوف به يبلُّ غليلا فلعلَّ من جلب السَّقام فراقه ... يحنو ويسعى بالوصال قليلا فالقلب من ألم الفراق مولَّهٌ ... والطَّرف أصبح بالسُّهاد كليلا عوجا على تلك الخيام فربعها ... فيه لذي الداء الدواء ... فلقد وقفت على رباها حائرًا ... والعيس تطوي البيد ميلًا ميلا صار السُّهاد لجفن عيني مألفًا ... يلقي مع السَّعات فيه مسيلا وقال بتكريت، وعرض في المعنى إلى شدَّة شوقه إلى والده ببغداد، وأنشدنيه: [من الخفيف] دمع عيني من الجفون سكوب ... وحشا حشوها أسىً ولهيب وسقامٌ له ترقُّ الأعادي ... وغرامٌ به تذوب القلوب إنَّ بين الضُّلوع نارًا تلظّى ... فالهوى واقدٌ وشوقي حطوب ما تريد النُّوى بنا كلَّ يومٍ ... منه تأتي فجائعٌ وخطوب؟ فرَّقتنا يد الشّتات فما العيـ ... ـش بحلوٍ ولا الحياة تطيب كيف بالعيش للمشوق أليفًا ... فاته الصَّبر حيث غاب الحبيب؟ يا غريب الدِّيار كن لي أنيسًا ... إنَّما يألف الغريب الغريب يتشاكى سهام بينٍ إذا ما ... ندبتها يد الفراق تصيب فلكم بالفراق سحَّت جفونٌ ... ولكم بالنَّوى قلوبٌ تذوب لا تلمني إن نمَّ بالسِّر دمعي ... ما يلام المفجَّع المكروب فهيامي بهم به ضجّ جاري ... وسقامي قد حار فيه الطَّبيب

سادتي بعدكم عدمت سروري ... وبقائي مع البعاد عجيب من نواكم أخذت أوفى نصيبٍ ... أترى لي من اللِّقاء نصيب؟ أتراه يعيد شملي قريبًا ... ألريح اجتماع شملي هبوب؟ إن يسرُّ الشَّمال قومًا فإنّي ... أشتهي أينما تهبُّ الجنوب وقال أيضًا: [من البسيط] صبٌّ معنىًّ بمعسول اللَّمى كمد ... لم يبق فيه على حمل الضَّنى جلد له من السُّقم ثوبٌ دام لابسه ... حلَّ القوى لبسه مذ أنحل الجسد يبيت من طول همٍّ ساهرًا وله ... جفنٌ قريحٌ بترداد البكار مد سقيًا لأيّامنا بالجزع إذ غفلت ... عنَّا الحوادث والواشون قد رقدوا إذ بات من ريقه لي قهوةٌ ومن الـ ... ـخدود وردٌ ودرُّ الثَّغر منتضد ومن ذؤابته ليلٌ وجبهته ... صبحٌ وقدٌّ كغصنٍ ما به أود فذلك العيش لا شيءٌ يعادله ... عليه نار الجوى في القلب تتَّقد ترى تعود ليالينا بمنعرج الـ ... ـلِّوى وهذا الجفا يقضى له أمد؟ هيهات هيهات ما في عودها طمعٌ ... ودون هذي الأماني ينفد الأمد لا تأملنَّ صفاءً قطُّ مطَّردًا ... وإنَّما الرَّنق والأكدار تطَّرد وكن مع الوقت فاقطف منه راحته ... فما ليوم التَّهاني والسُّرور غد فبسمة الدَّهر لا تبقي على أحدٍ ... وإن شككت فقل لي هل نجا أحد؟ وقال أيضًا: [من الخفيف] طال لبثي بدارهم ووقوفي ... باكيًا فقد مؤنسي وأليفي وزمانًا بلعلعٍ لست منه ... في رياضٍ من تالدٍ وطريف لست ألقى من الورى غير لومٍ ... أو سماعٍ [يبكي] وعذلٍ عنيف ورقيبًا أمرَّ من فجعة البيـ ... ـن ولذع القنا وضرب السيوف كان بدر السُّعود في برج وصلي ... ولحظِّي أمسى ببرج الكسوف وقال: [من الخفيف] ليس يثني الفؤاد عنه ملام ... فلماذا يلومني اللُّوَّام؟

فحرامٌ على الجفون كراهًا ... مثلما أنَّه الوصال حرام سيِّدي أمن كم تلوم وفي القلـ ... ـب لهذا الكلام منك كلام كم تراني أروم صبرًا عليه ... وهل الصَّبر في هواه يرام؟ رشا للعيون فيه رياضٌ ... مزهراتٌ وفي القلوب ضرام ومن الوجه لون وردٍ وآسٍ ... ومن الرِّيق قهوةٌ ومدام ومن العين نرجسٌ ومن الشَّعـ ... ـر سوادٌ وحلكةٌ وظلام ما القضيب الرَّطيب منه بشيءٍ ... في التَّثنِّي ولا القوام قوام لا ولا الدُّر كالثَّنايا إذا ما ... ثغره العذب بان منه ابتسام فعلى العيش والحياة جميعًا ... بعده أيُّها العذول سلام وقال في الفراق: [من الطويل] ترحَّل عنِّي الإلف فالعين تهمر ... وناديته والعيس تحدى وتزجر أيا سادتي منُّو عليَّ بنظرةٍ ... أبلُّ بها نار اشتياقٍ تسعَّر ففي كبدي للبين وخز أسنَّةٍ ... إذا أحدقت بالقلب زال التَّصبر فأدمع عيني لا ينال غريقها ... ونار غرامي في الجوانح تسجر فمن لقتيلٍ بين نارٍ وأبحرٍ ... لواعجه ما تأتلي قطُّ تفتر وقال أيضًا: [من الوافر] إذا لم ألق من يهدي سلامي ... ويشكو ما لقيت من الغرام أشير إلى الخيام وأيُّ شيءٍ ... يفيد لمن يشير إلى الخيام؟ نأوا عنِّي وكان الطيف إلفي ... فأشكو ما بقلبي في المنام فلمّا قاطعوا وجفوا وصدُّوا ... جفا جفني الكرى والدَّمع هامي هم رحلوا فزاد بهم هيامي ... وقلَّ تصبُّري والشَّوق نامي فخلِّ العذل لست وإن جفوني ... وصدُّوا قطُّ أصغي للملام

ذكر من اسمه عبد الصمد

/280 أ/ ذكر من اسمه عبد الصمد [314] عبد الصَّمد بن عبد الله بن الحسين المراغيُّ. المنشئ الكاتب. كان يكتب الإنشاء بمراغة للملكة ألغ خاتون بنت ركن الدين أقطاي، صاحبة مراغة. كان من الموصوفين بالفصاحة والكتابة، ولم ير في زمانه أفصح لسانًا منه مع حسن خط، وسهولة عبارة، وأخذ من الأدب أو في حظ، وله رسائل وأشعار. أنشدني من شعره أبو عبد الله محمد بن جعفر بن محمد الإربلي قال: أنشدني عبد الصمد الكاتب لنفسه، ولهذه الأبيات قصة: [من الطويل] ألم تر للكفَّار فوزًا ونصرةً ... كأنَّ زمان المسلمين قد انتهى؟ وغارت نجوم الدِّين وهي طوالعٌ ... وهدِّم من إسلامنا المجد والبها تولّى من الآفاق دين محمَّدٍ ... سلامٌ على الإسلام حيث توجَّها [315] عبد الصَّمد بن عبد الله بن أحمد بن مسعود بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي نصر بن محمَّد، أبو المآثر الأنصاريُّ المصريُّ: ففيه شافعي فاضل، حافظ للمذهب، مناظر، وله معرفة بأصول الفقه، وصنَّف فيه كتابًا سمّاه: "أرواح الحقائق"، وعى ذهنه قطعة صالحة من التواريخ وأشعار أهل ديار مصر.

ولم يكن له في قرض الشعر حظ، إلَّا أنَّه يقول منه شيئًا نزرًا، ولم يتعدَّ البيتين أو الثلاثة، فأحببت أن أنبه على فضله ومعرفته، ولا أخلي الكتاب من ذكره. وكان يتولَّى قضاء قليوب ونواحيها من أعمال ديار مصر، وبلغني أنَّه تولّى الوكالة بنصيبين، وظهر منه ظلم أوجب عزله عنها. لقيت القاضي أبا المآثر بإربل سنة خمس وعشرين وستمائة، وسألته عن ولادته فقال: ولدت في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وروى لي جملة من أشعار أهل بلده، واستفدت منه. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى جمال الدين أبي القاسم عبد الرحيم شيث الكاتب: [من الوافر] جمال الدِّين شوق العبد شوقٌ ... يقصِّر عن عبارته اللِّسان ولكن في ضميرك لي شهودٌ ... عدولٌ لا يجرِّحها العيان بقلبي منك حبٌّ ثبَّتته ... أيادٍ سابغاتٌ وامتنان فلا تخطب بقطع الكتب عتبى ... فمثلكً عن معاتبتي يصان [316] عبد الصَّمد بن محمَّد بن المجلِّي بن محمَّد بن المجلِّي بن المنصور بن المبارك أبو عليِّ بن أبي عبد الله: كانت ولادته بنصيبين ليلة النصف من شعبان سنة عشر وستمائة. وكان جدّه المجلّى بن محمد إليه رئاسة نصيبين، والحكم فيها. وأبو علي شاب يتوقد ذكاءً، متأدب في نفسه، لطيف، قرأ طرفًا من علم العربية على الرشيد أبي حفص عمر بن محمد الفرغاني، ويرجع إلى سلامة عقيدة، [و] قريحة في صناعة القريض، وله أشعار حسان، ومديح جيد، ومدح الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، فأنعم عليه إنعامًا سنيًّا. قدم الموصل قاصدًا شيخها الإمام كمال الدين أبا المعالي موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الفقيه الشافعي، ليقرأ عليه الفقه ونزل بالمدرسة

المولوية البدرية المطلة على دجلة- حرس الله منشئها- وهو ذو فضل واف وبشر وكياسة وسجاجة، وكان كثير التردد إلى مجلس الأمير الأصفهسلار، أمين الدين أبي المكارم لؤلؤ بن عبد الله البدري السلطان، فيقبل عليه، ويبالغ في إكرامه، ويرفع من قدره. أنشدني لنفسه يمدح المولى الملك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، أبا الفضائل أتابك، غرس أمير المؤمنين- خلّد الله ملكه- وأنشده إياها بظاهر البلد، بالجوسق المحروس، في جمادى، سنة إحدى وثلاثين وستمائة من حفظه: [من الوافر] [ألا] يا مالكًا أمست سطاه ... يذلُّ لعزِّها الخطب الجسيم ومن أضحت به الدُّنيا إذا ما ... دهى عوجٌ تقرُّ وتستقيم بك افتخرت ملوك الأرض وطرًا ... فأنت البدر حيث هم النُّجوم سموت علًا على كلِّ البرايا ... فما لك في النَّدى يومًا قسيم وجدت على رقيق نداك عفوًا ... ببرءٍ عنده يشفى السَّقيم فيمَّم بابك المحروس لمّا ... غدا يحدو به الحبُّ القديم وباتت نفسه تشكو إليه ... غرامًا لا يقرُّ لها غريم فقال لها رويدك فاستقرِّي ... فهذا المالك الملك الرَّحيم بلغت بقربه أقصى الأماني ... ونالك عزُّ دولته المقيم فبشرى بالَّذي قد نلت بشرى ... فهذا الفخر والشَّرف العظيم وأنشدني لنفسه من قصيدة أولها: [من الطويل] أيا ساكنًا بين الحشا والضَّمائر ... تعطف فإنَّ الصَّبر ليس بضائر ويا من إذا ما شاء فتَّر لوعتي ... بنظرة وصلٍ بالجفون الفواتر تصدَّق بوعدٍ يجعل اليأس قربةً ... من الوصل أو طيفٍ لكسري جابر فوجدي مقيمٌ والتَّجلُّد راحلٌ ... وعمري مضى والسِّتر ليس بسائر ويا عاذلي لا تلحني في معذِّبي ... فإنِّي على السُّلوان لست بقادر يجور على ضعفي لأنِّي في الهوى ... وحيدٌ ولكن [ليس] عندي بجائر ويقتلني بالهجر منه تغلُّبًا ... وإن كنت أزري في القتال بعامر

وكم كسر الأبطال لا بمثقَّفٍ ... ولا بالسيُّوف المرهفات البواتر ولكن بسحرٍ في الجفون كمينه ... بياض خدودٍ لا بياض خناجر وأنشدني لنفسه وقد ودّع أهله وصديقًا، فبكى عند ذلك: [من الطويل] ترحَّلت عن صحبي وقلبي لديهم ... رهينٌ ونار الشَّوق في القلب تلذع وودَّعت صفو العيش عند وداعهم ... فلا عضو إلَّا وهو منِّي مجدَّع أينكر هذا أو ألام على البكا ... وقلبي من فرط الصَّبابة موجع؟ وأعظم من هذا الذي قد ذكرته ... فراق فلان الدين والعين تدمع وأنشدني لنفسه وقد طلب منه بعض أصحاب الأمير أمين الدين أبي المكارم لؤلؤ بن عبد الله البدري، أن يعرِّض بذكره عند الأمير، وكان الأمير قد وعد ذلك الشخص أن يزوجه، فنظم هذه الأبيات في المعنى المقترح عليه: [من الطويل] أمالك رقِّي من له النَّهي والأمر ... ومن نطقه درٌّ وإنعامه بحر ومن هو كهفٌ للعفاة وملجأٌ ... إذا نابهم خطبٌ ومال بهم دهر تصدَّق على المملوك واسمع مقاله ... فأنت الذي يسمو به النَّظم والنَّثر عبيدك يرجو منك إنجاز وعده ... فليس له عمّا وعدت به صبر ولا يرتجي إلَّا سماحك شافعًا ... ليشفعه إذ قد أضرَّ به الوتر وأنشدني لنفسه جوابٍ كتاب، ورد من صديق له: [من الكامل] وصل الكتاب فمرحبًا بوصوله ... فنفى هموم القلب عند حلوله وقرأته فوجدت فيه فصاحةً ... تزري على قسٍّ بحسن فصوله واشتقت كاتبه فصار مصون ما ... ء العين حين قرأت من مبذوله وأنشدني لنفسه: [من الطويل] وما كنت أرجو من عدوٍّ إذا جرت ... نوىً بيننا نجفو فكيف من الخلِّ فإن يكن التَّقصير منِّي فتائبٌ ... إليه وإلَّا فهو في أوسع الحلِّ وأنشدني قوله: [من الطويل] وحقّ عهودٍ بيننا ما تأخَّرت ... مكاتبتي عنكم ملالًا ولا جفا ولكنَّ شوقي حين أشرحه لكم ... لهيبٌ ونارٌ والفراق قد انتفى

ولم يجتمع شوقٌ مع الطرس لحظةً ... وهذا هو العذر الذي لن يكيَّفا وأنشدني لنفسه وقد جاءه من صديق له كتاب: بمن المتقارب] أتاني كتابك يا مالكي ... فهيَّج قلبي لذكراكم وضاعف شوقي وزاد الغرام ... جنونًا إلى حسن رؤياكم فأنشدت حين تأمَّلته ... ولم أك والله أنساكم لئن غبت عنك فإنَّ الفؤاد ... مشوقٌ إلى طيب لقياكم وأنشدني لنفسه: [من الطويل] بنفسي أفدِّي كلَّ ضيمٍ بمؤمنه ... وإن حرمتني لذَّة النَّوم والسِّنه وإن قبحت بالهجر يومًا فطالما ... أتت بوصالٍ لم تزل فيه محسنه وأنشدني لنفسه يرثى عمَّه، ويعزي والده، وأنفذها إليه، ووالده بنصيبين، وعبد الصمد يقيم بالموصل: [من الطويل] ولمَّأ أتى ما صمَّ سمعي بذكره ... وإن كننت في حال الحقيقة أسمع شققت ردائي حسرةً وندامةً ... ولو شقَّ منِّي القلب ما كنت أقنع وأضحى به صبري يغيض وأدمعي ... تفيض ونار الحزن في القلب تلذع وذاك قليلٌ في فراق أحبَّتي ... وقد كنت أرجو الاجتماع وأطمع وكنت إذا حدَّثت قلبي ببعدهم ... يكاد من الوجد المبرح يصدع فكيف نوىً لا أستلذٌّ لأجلها ... بعمر ولو كان الَّذي أتوقع ولكن أسلِّي النَّفس عمّا أصابها ... بقاؤك لي إذ من بقائك مقنع وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى والده بنصيبين، وعبد الصمد بسنجار: بمن الكامل] وافي الكتاب وفي فؤادي لوعةٌ ... لم يلقها أحدٌ من العشّاق فقرأته والنار تحرق مهجتي ... والدَّمع منسكبُّ من الآماق وشكوت من ألم الفراق وبعض ما ... لاقيته من شدَّة الأشواق وسألت من جرت النَّوى بقضائه ... ما بين مشتاقٍ إلى مشتاق دعوى غريبٍ طالبٍ لقبوله ... أن يعقب الإبعاد يوم تلاقي

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] أروحي كم يعنِّفني العذول ... وما لي عن محبَّتكم نصول فوجدي تضرب الأمثال فيه ... وحسنك لا يعدّ له عديل فيا من وجهها شمسٌ وبدرٌ ... وقامتها كغصن نقًا يميل وخدٌّ يخجل التُّفّاح منه ... وريقٌ منه يجري السَّلسبيل وطرفٌ في الصِّناعة بابليٌّ ... وخصرٌ مثل عاشقها نحيل لئن حرَّمت من وصلي حلالًا ... فإنِّي في خيامكن قتيل فيا لله من ليلٍ تقضَّى ... وجادت باللِّقاء به الطُّلول فأحييت الصَّباح بلثم خدٍّ ... ووصلٍ عنده يشفى العليل وبتُّ أراقب البدرين فيه ... ولا واشٍ ينمُّ ولا عذول فبدرٌ يقطع الأفلاك سيرًا ... وبدر الحسن عندي لا يزول فلمّا أن دنا التَّوديع منه ... وصدري قد أحاط به الغليل أخذت عهوده قسمًا بوصلٍ ... وأكد صدقه وعدٌ جميل

ذكر من اسمه عبد العزيز

ذكر من اسمه عبد العزيز [317] عبد العزيز بن النَّفيس بن هبة الله بن وهبان بن روميِّ بن سلمان البغداديُّ: وقد سيق نسبه بتمامه، عند ذكر أخيه أبي نصر عبد الرحيم. يكنّى أبا القاسم، كان يعاني نوع الأدب، ويتعاطى نظم الشعر، وكان لطيفًا مطبوعًا، ذ فضل وأدب ومروءة، وسماحة، فمن شعره قوله: [من المنسرح] أمسيت صبًّا ذا مدمعٍ صبب ... قد ذهبت عنك ظبية الذَّهب [فـ] يا ربيعًا خلت مرابعه ... من غصن بانٍ يهتزُّ في كثب روميَّة من يرومها كلفٌ ... مثلك إلَّا بكثرة الذَّهب أعطتك لون اسمها فوجهك مصـ ... ـفرٌّ بورس الغرام والشَّحب وأوقدت في حشاك وجنتها الـ ... ـحمراء نارًا شديدة اللَّهب أصبحت بالموصل الغداة بلا ... وصل حبيبٍ مستعذب الغضب كاسٍ من العلم والمناقب والمجـ ... ـد وعارٍ من حلَّة النَّشب ما ذات شعرٍ كالليل فوق سنى ... صبح بشعرٍ ينال أو خطب أكلَّ يومٍ تصبيك غانيةٌ ... رود الصِّبا ذات منظرٍ عجب هب أنَّ بغداد كنت ماجنها ... منهمكًا في السُّرور والطَّرب فكيف ترجو وأنت مغتربٌ ... إلفًا بلا عسجدٍ ولا ذهب؟ في كلِّ أرض تهوى الملاح وتلـ ... ـقينا بشكوى هواك في العطب كلا الهوائين عندك اجتمعا ... للباردين الشّتاء والنَّشب خمسون يومًا أقمتت في بلدٍ ... ولم تنل بغيةً من الطَّلب

/285 ب/وقد أتاك الشِّتاء تبعثه ... مقدِّمات الرِّياح والسُّحب قل لي بماذا تلقى عساكره ... إذا أغارت في جحفلٍ لجب ماذا الخمول الذي دهاك وما ... زلت نبيهًا يا أفصح العرب؟ وقد تفيّأت ظلَّ ذي نسبٍ ... معرِّقٍ في العلاء والحسب أخيَّ مذ صرت في جناب جمًا ... ل الدِّين عانيت حرفة الأدب لا تيأسن إنَّما عنايته ... يأتيك منها الجناح عن كثب فارقت بغداد فهي شيِّقةٌ ... إلى بديع المديح والنَّسب كنت بها زهرة الرَّبيع وقد ... جيدت بهامي الرَّباب منسكب فاليوم تشتاقك المواسم والـ ... ـدُّولة والجالسون في الرُّتب سقيًا لأيامنا التي سلفت ... بنهر عيسى ومائه السَّرب ونحن بين الرِّياض في زهرٍ ... نوَّاره المستنير كالشُّهب حيث المخاليف لا تخالفنا ... يا سعد في لذَّة ولا أدب لهم قسيٌّ من الجفون ومن ... عيونهم أسهمٌ لمكتئب من كلِّ ظبي حبوب مغرزه ... لآليءٌ أو تراصف الحبب يحمي بسيف الجفاء مجلسه ... إذا سقانا سلافة العنب ذاك زمانٌ مضى بلذَّته ... فكيف أصبحت من جوى الكرب أنشدني الشيخ الأجل، العالم نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الشيباني الدمشقي بها في المحرَّم سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني أبو القاسم عبد العزيز بن النفيس بن هبة الله بن وهبان البغدادي لنفسه ما قاله بدمشق من قصيدة: [من الرمل] هاج وجدي عند تغريد الحمام ... فصبا قلبي إلى دار السَّلام بلدةٌ جانبتها إلا عن قلىً ... وإليها جذب الشَّوق زمامي

شاقني بالكرخ من غربيِّها ... رشأ من سقم جفنيه سقامي مخطف القدِّ رشيقٌ راشقٌ ... بسهام اللحظ أبناء الغرام لؤلؤيُّ الثَّغر معسول اللَّمى ... عندميُّ الخدِّ عسَّال القوام كيف لي بالورد من ريقته ... وبوردٍ أجتنيه بالشام؟ وهو محميُّ الحمى من قدِّه ... ومن اللحظ برمحٍ وحسام وهب الطيف اهتدى حين سرى ... هل تلاقي الطيف إلَّا في المنام؟ بعده طرفي وسمعي هجرا ... لمنامٍ ذا وهذا لملام عقَّني إذ عاقني عن قصده ... زمنٌ مغرىً بتشتيت التامي أبدًا يرشقني من صرفه ... بسهامٍ وقعها فوق سهام وأنشدني قال: أنشدني لنفسه في غلام فقيه: [من مجزوء الرمل] يا فقيهًا طرفه الفتـ ... ـتان قد أفتى بقتلي والذي تلقي دروس الـ ... ـسِّحر عيناه وتملي أيُّ شرعٍ حلَّ هجري ... فيه أو حرَّم وصلي؟ قد رماني لحظ عينيـ ... ك من الغنج بنبل ولكم قد قتلت مقـ ... ـلتك الكحلاء قبلي يا بديعًا يسجد البد ... ر له عند التَّجلِّي ما يرى مثلك في الحسـ ... ـن ولا في الحزن مثلي وأنشدني قال: أنشدني أيضًا فيه لنفسه: [من مجزوء الكامل] يا قاتلي بصدوده ... لك في الوجيز أجيز قتلي أم طرفك الفتتاك قد ... أفتاك في تحريم وصلي؟ وأنشدني قال: أنشدني في غلام يرمي بالنشاب: [من مجزوء الكامل] روحي الفداء لشادنٍ ... روحي تعذَّب في يديه في كفِّه سهمٌ وقو ... سٌ غير محتاجٍ إليه وسهامه من لحظه ... حظ ورده من وجنتيه

إن أخطأت يده فما ... تخطي رماية مقلتيه وأنشدني له قال: أنشدني يداعب شخصًا لقبه نجم الدين: [من السريع] يا أيُّها النَّجم الذي لم نزل ... في ظلمة الفسق به نهتدي النَّجم ينقضُّ على ماردٍ ... وأنت تنقضُّ على أمرد وأنشدني قال: أنشدني لنفسه من قصيدة: [من البسيط] لا يطمع العذل في إذنٍ على أذنٍ ... فلست أصغي للومٍ لا يلائمني ولا جفوني في طيب الرُّقاد ولا ... فؤادي الصَّبُّ أن يخلو من الشَّجن مادام لي نظراتٌ تحتها طمعٌ ... فإنَّ لي زفراتٍ ما تفارقني وكيف أعدم يوماً من دمشق هوىً ... وقد بليت بغزلانٍ تغازلني أين التفتُّ رأت عيناي بدر دجىً ... من كلِّ ناحيةٍ فيها يطالعني وقد تملَّك رقِّي منهم رشأ ... أراق إعراضه دمعي وأرَّقني إن صدَّني عن لماه العذب عذبني ... وإن حمى رشف ذاك الظَّلم يظلمني فكيف لي بوصال وهو يعجزني ... أم كيف بالصَّبر عنه وهو يعوزني؟ وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] هجر الحبيب وهجر قول معنفي ... قدحا بقلبي لوعةً ما تنطفي عجبًا أذمُّ على الهوى الواشي به ... وتشي دموعي فيه بالسِّرِّ الخفي مالي أراعي عهد من لا يرعوي ... وإلى وصالي لا يفيء ولا يفي؟ يا صاحبي أودى هواه بمهجتي ... وظمئت فانقع غلَّتي بالقرقف قم فاسقنيها خمرةً ذهبيَّةً ... واذهب بصرف الراح همِّي واصرف من كفِّ ذي غيدٍ يجود إذا سقى ... كالغصن معتدل القوام مهفهف ظبيٌ من الأتراك لم تترك ظبا ... أجفانه فعلًا لحدِّ المرهف شاكي السِّلاح إذا رنا وإذا انثنى ... أردى الكميَّ بصارمٍ ومثقَّف في دوحةٍ جاد السَّحاب رياضها ... فالنَّبت بين مدَّبحٍ ومفوَّف

[318] عبد العزيز بن محمَّد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمَّد بن محمَّد بن الحسن بن علي بن زيدٍ الكرابيسيُّ النَّيسابوريّ، أبو محمَّد بن جعفر بن العجميِّ: من أهل حلب، ومن بيت معروف بها في التقدُّم والرئاسة والثروة واليسار، كانت ولادته في شهر صفر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وتوفي يوم الجمعة، ثالث عشري جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وستمائة، ودفن بالقرب من مقام إبراهيم عليه السلام في مشهد أنشأه والده شرقي المقام. كان عدلًا على الخزانة، من قبل ولاة حلب، الملك العزيز غياث الدين، وبعده لولده الملك الناصر يوسف، وكان أوَّلًا قد قرأ فقهًا ونحوًا وأدبًا، وسمع الحديث النبوي على جماعة منهم القاضي أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي، وأبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الآدمي، وابن روزبة، وغيرهم، من الذين قدموا محروسة حلب، وفهم طرفًا جيّدًا من الفرائض، والحساب، وقال شعرًا صالحًا من المقطعات النادرة. وكان مع ذلك فيه مروءة وسماحة، يحبّ أهل الفضل، وأرباب العلم، أنشدني من شعره ولده كمال الدين أبو يوسف أحمد قال: سمعت والدي ينشد لنفسه: [من الطويل] سقى الله دهرًا كان يجمع بيننا ... إذ العيش غضٌّ والحبيب قريب نجرِّر أذيال الصِّبا في رياضه ... ويدعو بنا داعي الهوى فنجيب

وأنشدني أيضًا ولده قال: أنشدني والدي من شعره: [من الطويل] وقد كنت أرجو أنَّ عهدي دائمٌ ... وأنَّ مكاني من ودادك لا يخلو فأخلقت الأيّام ظنِّي بعهدكم ... وإن كان قلبي لا يملُّ ولا يسلو وأنشدني نجم الدين عثمان قال: أنشدني ابن عمّي أبو محمد بن أبي جعفر لنفسه: [من الوافر] ألا لله من عيش تقضَّى ... عساه يعيد لذَّهته إليّا وذه فيروز لمّا أن تغنَّت ... ظنّنا معبدًا قد عاد حيّا علقت بحبِّها طفلًا صغيرًا ... وأسكرني الهوى سكر الحميّا إذا قبَّلتها قالت بغنجٍ ... لق أضجرتني فتنحَّ هيَّا ومن شعره أيضًا ما كتبه إلى وزير الوقت، زين الدين عبد المحسن بن محمد بن عبد الواحد بن حرب، وهو يتولّى يومئذ وزارة الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب، بمحروسة حلب: [من الوافر] إذا ما طاولتني الشُّهب يومًا ... رأت شرفًا ينزَّه عن عيان بقربك لا بقرب سواك خلقًا ... وجدت مكانتي أعلى مكان وكيف أخاف حربًا من فلانٍ ... وأنت السِّلم لي أبد الزَّمان؟ [319] عبد العزيز بن محمَّد بن أبي الفضائل بن أبي البركات، أبو محمَّد ابن أبي المعالي البغداديُّ الواعظ، المعروف بابن الدِّيناري: كانت ولادته بمدينة السلام بباب المراتب، ليلة الجمعة العاشر من رجب سنة ستٍّ وخمسين وخمسمائة، وقرأ القرآن الكريم على أبي الحسن علي بن عساكر بن

المرحب البطائحي وغيره، وسمع الحديث على جدِّه لأمّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن هبة الله بن أبي طالب الفرغاني الديناري، وقرأ الأدب على الإمام أبي البركات عبد الرحمن بن محمَّد الأنباري، وأبي محمد إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي النحوي، وأبي الحسن علي بن عبد الرحيم بن العصار اللغوي البغدادي، وأبي العز محمد بن محمد بن مواهب الخراساني، وأبي محمد الحسن بن عبيدة المقرئ الكرخي، وتفقه على الشيخ أبي طالب البارك بن المبارك الكرخي المعروف بغلام ابن الخل الفقيه الشافعي. ثم قدم الموصل، وتفقَّه بها على القاضي أبي الرضا سعيد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري، وأبي المظفر محمد بن علوان بن مهاجر، وقرأ الفرائض على أبي الثناء الضرير الفرضي، واشتغل بالوعظ وتميّز فيه، واشتهر به. وكان مليح الكلام، حلو العبارة، حسن الإيراد، أقام بالموصل يعظ بالمدرسة الأتابكية العتيقة، ثم توجَّه إلى الشام، ودخل ديار مصر، وسكنها مدّة، يعظ ويفيد الناس، ثمَّ عاد إلى الموصل في سنة أربع عشرة وستمائة، ومكث بها مديدة على عزم العودة إلى الشام، ونزل دمشق، وتوفي بها يوم الجمعة، رابع ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وكان متميزًا متقنًا، ينظم الشعر الرائق، أنشدني من شعره الإمام أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصلي الفقيه الشافعي- أيَّده الله تعالى- بحلب سنة أربع وثلاثين وستمائة قال: أنشدنا أبو محمد عبد العزيز الديناري بالموصل في ثاني عشر المحرم سنة خمس عشرة وستمائة لنفسه في الغزل: [من مجزوء الكامل] مالزال يمطلني بديني ... بدرٌ له قدُّ الرُّديني

/290 ب /ظبيٌ غريرٌ أحورٌ ... يسبي بخدٍّ كاللُّجين ترمي سهام جفونه ... فينا قسيُّ الحاجبين كم يسترق متيَّمًا ... بعذاره والسَّالفين سفكت دمي ألحاظه ... عمدًا بسهم المقلتين ما لي ألوم على الهوى ... قلبي وطرفي جرَّ حيني؟ أنا كلَّ يومٍ معهما ... في حرب بدرٍ أو حنين أألام في قمرٍ على ... خدَّيه صورة عقربين؟ دبَّت على قلبي وما ... جلب البلية غير عيني وأنشدني أيضًا قال: أنشدني عبد العزيز بن أبي المعالي يرثي شيخنا الإمام أبا المظفر محمد بن علوان بن مهاجر، [وكان قد] توفي يوم الأحد، ثالث المحرّم من سنة خمس عشرة وستمائة- رحمه الله تعالى-: [من الخفيف] أوحشتنا لمَّا تولّى الدُّروس ... والفتاوى بكته والتَّدريس آه واحسرتاه على شرف الدِّين ... ومن كان صمته تقديس وإذا فاه بالفوائد تملى ... صحفٌ من علومه وطروس ولكم كان ينشر الدُّرًّ إن نا ... ظر في محفلٍ وتجلى عروس ولكم عمَّ حزنه وتساوى ... في عزاه الرئيس والمرؤوس كلُّ عينٍ عرى وكلُّ فؤادٍ ... فيه من حزنه الطويل رسيس ولقد ألبس الزَّمان حدادًا ... فهو بالحزن ظلمةٌ خندريس عجبًا كيف حلَّ في اللَّحد طودٌ ... وهو في ضيق تربه مرسوس ولبحرٌ ثوى بقعر الثَّرى فيه ... من المأثرات درٌّ نفيس ولقبرٌ حوى بضيقته ليـ ... ثًا هزبرًا له ثراه حبيس ولئن أظلمت لحودٌ ففي قبـ ... ـرٍ حواه من العلوم شموس أو شكت وحشةً فقد حلَّ في لحـ ... ـدٍ به حلَّ من بقاه أنيس وبه الدَّهر كان طلق المحيّا ... وهو الآن حين بان عبوس ولو أنَّ المصاب يفدى بشيءٍ ... لفدته من الحمام النُّفوس وأنشدني القاضي الإمام كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الفقيه الحنفي

المدرس- أدام الله تأييده- بحلب في سنة أربعين وستمائة قال: أنشدني أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن أبي الفضائل بن أبي البركات الفقيه الشافعي البغدادي الواعظ المعروف بابن الديناري لنفسه بحلب سنة اثنتين وعشرين وستمائة: [من الطويل] غزالٌ سباني فاتر الطَّرف أحور ... يقدُّ الردينيات بالقدِّ أسمر إذا ما رنا أصمى الرَّميَّة لحظه ... وفي طرفه سيفٌ من اللَّحظ أبتر وكم قتلت ألحاظه من متيَّمٍ ... يسلُّ عليه باللواحظ خنجر وقد أمرضت جسمي مراض جفونه ... ومذ فترت سقمي بها ليس يفتر بخدٍّ نقيٍّ كاللُّجين بياضه ... ومن فوقه وردٌ من الحسن أحمر وثغرٌ هو الإغريض لا بل لآليءٌ ... منضدةٌ عند التَّبسُّم تبهر ترى الدرَّ منظومًا إذا كان باسمًا ... ولكنَّه للدُّرِّ بالنُّطق ينثر ونكهته المسك الذكيُّ تخالها ... بعيد الكرى بل مازج المسك عنبر وريقته يشفي المتيَّم رشفها ... ورائقها عند الترشُّف يسكر بأجفانه إمَّا دنا سحر بابلٍ ... ومن لفظه أو لحظه الصَّبُّ يسحر إذا صدَّ الصَّبر عنّي بصدِّه ... ويهجرني طيف الكرى حين يهجر وأنشدني أيضًا قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب] حفظت العهود وضيَّعتم ... فأين الحفاظ وأين العهود؟ ففي القلب منكم جوىً ناره ... لها في الحشا مذ حللتم وقود أأكتم ما بي من حبِّكم ... وقد خدِّدت بالدُّموع الخدود وإن أنا أنبأت سرَّ الهوى ... فها زفرتي ودموعي شهود وقد كنت قبل الهوى صابرًا ... جليدًا وفي الحبِّ يفنى الجليد سقى الله نجدًا وأرض الحمى ... ملثًّا بتلك المغاني يجود أحبُّ زرودًا وتلك الرُّبوع ... فكم جمعتنا قديمًا زرود زكم قد سحبت برود الشَّباب ... بها فازهتني تلك البرود وكان الشَّباب شفيعي ولي ... غدائر تسبي المحبِّين سود فشبت وما شاب وجدي بكم .. وإن كنت شبت فحبي وليد

وأنشدني أيضًا قال: أنشدني لنفسه أبياتًا عملها في طريق مكة، وقد حجَّ من العراق في سنة ثلاث وستمائة، وحجَ في تلك السنة صدر جهان وكانت الوقفة الجمعة، وهلك من الحاج خلق كثير من العطش، ولا سيَّما في منزلة به تسمى العسيلة: [من مجزوء الكامل] يا سائلي عمّا جرى ... إنِّي اختصرت لك العبارة إنَّ العسيلة أصبحت ... فينا حلاوتها مرارة وكذا النُّقيرة قبلها ... عدم الفتى فيها قرارة كم من شبابٍ شاحبٍ ... بعد الملاحة والنّضارة أضحى بقفرٍ عادمًا ... فيه أقاربه وجاره مستوطنًا بمفازةٍ ... وفراشه فيها الحجارة لا ليله ندري به ... عند الظَّلام ولا نهاره ولكم رأى من يستجيـ ... ـر به ولكن ما اجاره ترك النِّساء أراملًا ... وجفا لسفرته دياره كم من وقورٍ عادمٍ ... بالموت بينهم وقاره متوسِّد يمناه فو ... ق جبينه ألقى يساره كم مرضعٍ ورضيعها ... تومي إلينا بالإشارة من ذا يبرِّد غلَّتي ... بالماء يربح بالتِّجارة؟ كم مترفٍ ومنَّعمٍ ... والرمل قد أضحى دثاره كم مات منهم جالسٌ ... بين الحجارة والمحارة كم من وجوهٍ سوِّدت ... من قبل كانت مستشارة كم من قطارٍ مات والـ ... ـجمَّال متَّبعٌ قطاره وجميعهم صرعى كأنَّ ... السُّكر ألأبسهم خماره وأتاهم البيت الحرا ... م إلى العسيلة للزِّيارة إنَّ الملائكة الكرا ... م أتت إليهم بالبشارة

إنَّ الإله رضي لهم ... في جنة المأوى جواره قد كان ينتفع الفتى ... بالذِّكر لو أبدى ادِّكاره أو كان يفتكر اللَّبيـ ... ـب ويكثر الدَّهر افتكاره لرأى بعين العقل أنَّ ... محاسن الدُّنيا معاره فاترك تجارتها فإنَّ ... تجارة الدُّنيا خسارة فالملك فيها لا يدو ... م فكيف يفرح بالإمارة واعدل إذا ولِّيت أمـ ... ـرًا فالإمارة بالعمارة وقوله: وأتاهم البيت الحرا ... م إلى العسيلة للزِّيارة قيل: رأى بعض الحاج في منامه كأنَّ البيت الحرام مشى، فقيل: إلى أين؟ فقال: إلى زيارة الموتى بالعسيلة. [320] عبد العزيز بن قرّى، ينعت بالقاضي الأمجد المصري: كان من الفضلاء في زمانه أدبًا، وفضلًا، وعلمًا، وتبريزًا، له يدٌ في كتابة الإنشاء، مع حفظ القرآن، وتدريس الفقه، وقول الشعر، والأدب الوافر. ومن شعره: [من الكامل] قد كنت أحذر من وقوع فراقكم ... وأعافه وأخافه حتَّى جرى سبق القضاء به فقدَّر يومه ... حتمًا فلا ردٌّ لما قد قدِّرا ساروا فلو ألقي يسير تشوُّقي ... يومًا على الصَّخر الأصم تفطّرا ولو أنَّ بحرًا صادفته قطرةٌ ... من دمعتي لجرى نجيعًا أحمرا يا عاذل العشَّاق جهلًا بالهوى ... ما كان أحسن أن ترقَّ وتعذرا إن كنت لم تر قطُّ يومًا قيمة الـ ... ـدُّنيا ففارق من تحبُّ لكي ترى

[321] عبد العزيز بن محمَّد بن عليِّ بن حمزة بن القبَّيطيِّ، أبو البركات، الحرَّانيُّ الأصل، البغداديُّ المولد: شيخ فاضل حافظ القرآن العظيم، متقن له، مجيد لأدائه، حسن التلفّظ به، شيخ صالح، ذو سكون ظاهر، سمع الحديث، وكان فيه فضل وأدب، سمع شهدة بنت الإبري، ومن بعدها، وحدث وسمع، وكانت وفاته في منتصف ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة بمدينة السلام. أنشدني أبو طالب علي بن الحسن بن عثمان بن عبد الله البغدادي، بمدينة السلام سنة تسع وثلاثين وستمائة [قال] أنشدني عبد العزيز بن محمد بن القبيطي لنفسه من قصيدة طويلة في المستنصر بالله- رضي الله عنه-: [من الطويل] حمى شرعة الإسلام من كلّ باطل ... إمام هدى برٌّ كريم الشمائل إمام هدىً أعطى الخلافة حقَّها ... وقام بمفروضاتها والنوافل وأعلى من الإسلام كلَّ دعامةٍ ... وشيَّد من أركانه كلَّ مائل يذبُّ عن الإسلام منه حميَّةً ... يبيد أعاديه عديد الجحافل

ويحمي ثغور الدِّين في كل وجهةٍ ... ويدفع عنها بالرِّماح الذَّوابل يسحُّ على العافين سيب نواله ... كما سحَّ هطَّال العيون الهواطل برحمته عمَّ الخلائق كلَّهم ... ونال المنى من برِّه كلُّ آمل بمستنصرٍ بالله نسأل ربَّنا ... فيكشف عنَّا كلَّ لأواء باطل به تكشف البلوى ويستنزل الحيا ... وتدنو الثُّريا من يد المتطاول لقد منح الله الخلافة راحمًا ... رؤوفًا جوادًا جامعًا للفضائل فنسأل ربَّ العرش تطويل عمره ... على مرِّ دهرٍ دائمٍ متطاول [322] عبد العزيز بن عثمان بن منصور بن أبي الفوارس، أبو أحمد الفزاريُّ الإربليُّ: كان شابًا، لهج بقول الشعر، وأكثر النظم، وادّعى أنَّه من بني فزارة، وكثيرًا ما يذكر ذلك في شعره ويردِّده مفتخرًا به، خرج من إربل قاصدًا ملوك الشام أبناء أيوب، فامتدحهم، وأخذ صلاتهم وحسنت حاله، ثم توجه نحو إربل، فوصل نصيبين في أوائل صفر سنة ست وعشرين وستمائة، وكانت ولادته في حدود سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وكان معه غلامان له، فتحاملا على قتله، وأخذا الموجود من ماله ومتاعه، وهربا. وذكر لي بإربل أنه كان يسرق الأشعار، ويمدح بها، وقد عثر له جماعة على السرقة. أنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي يزيد التبريزي قال: أنشدني أبو أحمد عبد العزيز بن عثمان لنفسه، ما كتبه إلى الوزير الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي يهنيه بعيد الأضحى، وزعم أنه عمل ذلك بديهو: [من الطويل] أبا البركات العيد وافاك مقبلًا ... بسعدٍ فكن يا سعد للبرِّ قابلا

أتاك أناسٌ للتَّهاني فصادفوا ... من اسمك فألًا فيه للخلق شاملا فولُّوا وجاء الدَّهر في إثر سعيهم ... يقيم لهم عذرًا ويخضع سائلًا ونقلت من خطه قوله، وقد جاء ولد، وهو ما كتبه إلى الشرف أبي بكر محمد بن علي بن حامد، يسأله أن يضع له اسمًا: [من الكامل] حيِّ الفتى الشَّرف بن حامد إنَّه ... غيثٌ بغير عطائه لا أقنع يحدو الركاب وفي يده ورأسه ... رمحٌ أشقُّ وصارمٌ لا يطبع يسعى على شرف الطُّروس بغربه ... كيلا تلوح به الشُّموس الطُّلَّع تروى أحاديث النَّدى مأثورةً ... عنه وأصدقها عليه تسمع فبكفِّه شمل اللُّهى متفرِّقٌ ... ولديه شمل المكرمات مجمَّع لله كم لفتىً شقيٍّ من يدٍ ... يضاء تبرع في السَّماح وتبدع ما إن قصدتك في اكتساب فضيلةٍ ... إلَّا وبرُّك للفضائل يتبع ألبست [فيك الشعر ما يزهو] به ... يثني عليك معمَّمٌ ومقنَّع نوَّهت بي بعد الخمول وزدتني ... شرفًا به تومي إليَّ الإصبع ولقد صحا جدِّي العثور وأقبل الإقبال نحوي في خطاه يسرع وأتى يبشِّرني البشير بدرَّةٍ ... في غير تاج فزارةٍ لا ترضع بدرٌ تكامل نوره في ليله ... وتزيده عشرٌ تمرُّ وأربع فاختر له اسمًا يبق فوق جبينه ... وسمًا ..... والمرصع وقال من قصيدة: [من الطويل] تفرَّق شعب الحيِّ وانصدع الشَّمل ... فلا كثبٌ تدنو إلينا ولا رمل وشطَّت بمن نهواهم غربة النَّوى ... وأقصاهم عن ناظري الحزن والسَّهل فما ساعدت سعدى محبًّا بوصلها ... ولا أجملت من قبل وشط النَّوى جمل وأنشدني الحسن بن علي بن محاسن قال: أنشدني عبد العزيز لنفسه من قصيدة: [من الكامل] جاد العهاد ملاعبًا ومعاهدًا ... وسقى وهادًا باللِّوى ومعاقدا وصبت بدمنتها الصَّبا وتنسَّمت ... فيها الشَّمال تجرُّ بردًا باردا

دمنٌ سحبت بها ذيول شبيبتي ... وهصرت غصن العيش لدنًا مائدا أيام لا أخشى الوشاة ولم أخف ... في حبِّ علوة كاشحًا ومعاندا وسعاد تسعد بالوصال وقد سها ... جفن الرَّقيب وبات عنّا راقدا ونديمنا خنث المعاطف وجهه ... بدرٌ لديه البدر أمسى ساجدا حيّا بكأسٍ خلتها في كفِّه ... برقًا تحدَّر أو ضرامًا صاعدا مدَّت على وجناته من نورها ... شفقًا فصار بوجنتيه جامدا رشا له دين المسيح عقيدةٌ ... وبذاك للزُّنَّار أضحى عاقدا كم قد نصبت له الحبائل ابتغى ... صيدًا له فغدا لقلبي صائدا يا شاردًا بالأمس يلقي نظرةً ... إياك تتلف فيك قلبًا شاردا لا تسفكنَّ دم المحبِّ تعمُّدًا ... فالإثم لا يلقاك إلَّا عامدا إن أنكرت جفناك قتلي أظهرت ... لي من دمي وجنات خدٍّ شاهدا ته في الملاحة كيف شئت فلم أطع ... في دين حبِّك لائمًا أو حاسدا يا راقدًا عنِّي وحبِّك إنَّني ... مذ غبت ما صاحبت حبًّا راقدا أأنام والنِّيران حشو حشاشتي ... يذكي الرفيق بها زنادًا زائدا يا سعد هل لك أن تعين أخا هوىً ... لم يلق غيرك في الغرام مساعدا قف دون ما حوت الخيام مناشدًا ... قلبًا غدوت له برغمي فاقدا نكِّب بها طيب العذيب مجانبًا ... وازجر قعودك عن قعودك واخدا وصل الوجيف إلى الذَّميل بجسرةٍ ... تذر الرِّياح العاصفات رواكدا خرقت بطون الخرق في إرقالها ... وغدت تقدُّ أما عزًا وجلامدا فإذا وصلت إلى الحمى من رامةٍ ... وشممت للقيصوم عرفًا صاعدا ورأيت ثمَّ قنابلًا وقبائلًا ... وذوابلًا وصواهلًا ومجالدا فهناك حيُّ بني فزارة قف به ... وأغث بنصرهم محبًّا واجدا وقل: السَّلام عليكم من ناحلٍ ... لم يلق بعدكم الصَّبابة عائدا ابني فزارة كيف ذلَّ فتاكم ... ويراكم أسدًا له وأساودا

أأخذتم بدلًا به واهًا له ... من بعد قربٍ لم غدا متباعدا وأنشدني أبو إبراهيم فارس بن عسكر بن الحسن الإربلي قال: أنشدني عبد العزيز لنفسه من قصيدة: [من الطويل] نعم هذه نعمٌ وتلك المعالم ... فهل أنت للبرق الشاميِّ شائم؟ حمتها من السُّمر الدِّقاق ذوابلٌ ... ومن جوهر البيض الرِّقاق صوارم ومن أسدٍ أسدٌ ضوارٍ لسمرها ... ثعالب تردى من سطاها الضَّراغم تثنَّت فأثنى الغصن لمَّا تمايلت ... على قدِّها والغصن ريَّان ناعم إذا أقبلت تختال في حلل الصِّبا ... غدا غادرًا فيها عذولٌ، ولائم تعذِّب قلبي والجوى يستزيدها ... فآثمة والمستزيد ............ لها حاجبٌ يسطو بعامل قدِّها ... وناظرها بين الرَّعيَّة ظالم رفعت إليها قصَّةً لي فوقَّعت ... على رأسها ما في الهوى لك راحم أحلَّت دم العشَّاق في مذهب الهوى ... وفي الشَّرع حقًّا ما تحلُّ المحارم بكيت دمًا في حبِّها فتبسَّمت ... وإن أعجب الأشياء باكٍ وباسم ونهنهت دمعي إذ تولَّت بها النَّوى ... وللدَّمع شؤبوبٌ على الخدِّ ساجم ولما دعا داعي الفراق وحثَّت النِّياق غدا قلبي بها وهو هائم وحلَّت بأكناف العقيق من الحمى ... وحالت بها غيطانه والمحارم تعسَّست حتى قال صحبي صريمة ... من النَّار هاجتها الرِّياح النَّواسم خليليَّ إلَّا تسعداني على الهوى ... فقلبي في سحر الصَّبابة عائم نشدتكما إن جئتما بانة اللِّوى ... سلا هل سليم العامريَّة سالم؟ وإياكما ماء العذيب فحوله ... حماةٌ بأيديها رماحٌ حوائم وإلَّا قفا لي أنَّني بعد بعدها ... بحتفي إن لم أدن منكم لعالم سأركب ظهر العزم نحو خيامها ... وما تحمل الأثقال إلَّا العزائم وأسأل خفَّاق النَّسيم فإنَّه ... عليمٌ بما تحوي الرُّبى والمعالم قطعت إليها كلَّ بيداء سملق ... بعيد المهاوى حيث تدمى المناسم

ومرَّت بمرت ضلَّ فيه دليله ... وما صاحبي إلَّا جوادٌ وصارم وخضت ظلام اللَّيل وهو أنيسه ... وبحر المنايا موجه متلاطم فإنِّي قد آليت لا أطعم الكرى ... وللرُّمح أنبوبٌ وللسيف قائم إلى أن بدت حزوى ولاحت خيامها ... وناحت على رند العقيق الحمائم وقد نصبت سود الأسود ببابها ... بروج قنىً أفلاكهنَّ اللَّهازم تخطَّيتها والليل ملق جرانه ... وقد غفل الواشون والدَّهر راغم وبتنا وقلب اللَّيل يخفق خيفةً ... علينا وحول الخافقين النمائم إلى أن سرت ريح النَّسيم عليلةً ... وفرَّ سهيلٌ هازئًا والنَّعائم ومالت نجوم الشَّرق للغرب جنَّحًا ... ورقَّت حواشي الليل والصُّبح قادم ومنها يقول: متى رمت عن أهلي رحيلًا تعرَّضت ... إليَّ خطوبٌ بالمقام لوازم وما إربلٌ لي دار سكنى أقيمها ... وإن عقدت فيها عليَّ التمائم حللت بها في معشر هان عندهم ... مديحي [وعزَّت دون ذاك] الدَّراهم متى لم أزر قالوا ثقيلٌ وأحمقٌ ... وإن زرتهم قالوا العطايا مواسم فيا ليت شعري كيف أصنع فيهم ... وحظَي منهم حالك اللون عاتم سأرحل عنهم لا قلىً بل تغرُّبًا ... ففي الهند ما للمندل الرَّطب سالم وأقصد أبواب الملوك فإنَّني ... كفيلٌ لنفسي بالَّذي أنا عازم متى قلت إنِّي ما ترخَّصت بالذي ... ادَّعيت وقال الخلق إنِّي ناظم تم الجزء الثالث والحمد لله أولًا وآخرًا يتلوه في الجزء الرابع إن شاء الله تعالى عبد العزيز بن إبراهيم بن علي بلغ المقابلة من أصل مؤلفه بخط يده والحمد لله على .........

بسم الله الرحمن الرحيم 1/ب/ تتمة حرف العين تتمة ذكر من اسمه عبد العزيز [323] عبد العزيز بن إبراهيم بن علي بن علي بن أبي حرٍب، أبو الفضل بن أبي إسحق الموصلي يعرفون بالموصل ببيت الوالي. كان والده يتقلد الوزارة بإربل، لسلطانها الملك المعظم مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين - رضي الله عنه-، ثم قبض عليه وعلي أولاده، أواخر ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وستمائة. وكان أبو الفضل ينوب عن والده في الوزارة، أيام ولايته، وأنفذه رسولا غير مرّة إلى الديوان العزيز ببغداد .... عظيمًا، وأنعم عليه. ولما توفي الملك المعظم مظفر الدين - رضي الله عنه -. أفرج عن والده وإخواته من الاعتقال، وكان في جملتهم؛ فرحل عن إربل. وكان عبد العزيز شابًا أبيض اللون، مشربًا بحمرة، أشقر عبلًا وسيمًا ذا جمال ومنظر، مترفًا متجملًا في زيه من المتنعمين؛ يتأنق في مأكوله وملبوسه، مالا يفعله أحد من الرؤساء /2 أ/ في زمانه، يلبس الثياب المرتفعة الثمن، طلبًا للصيت والحشمة، وكان فيه كبر عظيم وتيه؛ مغرمًا معجبًا بنفسه ونعمته، حتي تجاوز في ذلك الحدود، وذلك الَّذي كان يشينه عند الناس. اجتمعت بعبد العزيز سنة خمس وعشرين وستمائة في إربل بداره، واخبرني انه ولد ليلة الأربعاء سابع عشر رمضان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة بالموصل.

وأنشدني لنفسه: [من البسيط] لا تولني من أياد طالما حسنت ... حتي أؤدِّي ما أسلفت من نعم ذرني أقوم بحسنًاك التي سبقت ... فقد عجزت عن الآلاء والكرم وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] إذا أمَّت الآمال كعبة رفدكم ... فلا عجبٌ أن تنتحي بالرَّغائب ومن عذبت منه الموارد أجمعت ... عليه رجال الوفد من كلِّ جانب [324] عبد العزيز بن أبي عليِّ بن أبي غالب بن أبي عبد الله بن أبي المجد، أبو الخير النحوي الإربلُّي. شاب أحمر اللون أشقر، أخبرني انه ولد بإربل في صفر سنة/2 ب/ثلاث وستمائة؛ وهو من فتيانها الأذكياء قي زمانه، برَّز بفضله على أشكاله وأقرانه، واشتغل مدَّة بفنِّ النحو والعربية، وحقق معرفته، ونظر في مسائله وأصوله، ثم حفظ شعراً كثيراً من أشعار المحدثين وغيرهم، وله شعر يسير. أنشدني لنفسه ما كتبه متشفعاً إلى الوزير الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي؛ في أقوام ألزموهم الولاية بإربل فامتنعوا منها، فنفاهم الملك المعظم؛ مظفر الدين أبو سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين – رضي الله عنه – فأقاموا بظاهر البلد: [من الخفيف] هل لطعن القنا ووقع الحديد ... مثل فعل العيون بي والقدود أم لشرب الطِّلا ونيل الأماني ... مثل رَّشف اللَّما ولئم الخدود وعلي رامة فتنت وقبلي ... (كم قتيل كما قتلت شهيد) نقض الغانيات عهدي ولكن ... عادة الغانيات نقض العهود حَّبذا وصلنا بنجد وطوبي ... لي بعيش مضي بجبلي زرود ومن العيش أن يزورك طيفٌ ... أو يعود الوصال بعد الصُّدود /3 أ/ أو تري طلعة المبارك تبدو ... يسرع الناس كلُّهم للسُّجود

لم أجد من رأيت إلاَّ ويختا ... رله أن يكون بعض العبيد جهل المجد في الوري فهو لا يو ... جد إلاَّ وأهله ..... لم يزل منصب الوزارة يدعو ... قبله الله ما لها من مزيد حينما بشَّروه بالقرب منه ... وحَّده الله غاية التوَّحيد شرف الديَّن يا كثير العَّطايا ... يا ملاذ الملهوف والمجهود خاطب الملك في مصائب قومٍ ... أهلكتهم مقالةٌ من حسود اخرجوهم من دارهم مثل قومٍ ... عقروا الناقة الَّتي لثمود فإذا كنت ذخرهم صار منهم ... طيِّب العيش مثل حبل الوريد كلَّ هذا فان صفحت عن العبد فقد حلَّ في جنان الخلود [325] عبد العزيز بن عمر بن يحيي السراج الإربلي، أبو العزّ. كان شاباً سرياً جميلاً، لطيف العشرة مع أصدقائه، محباً لأهل الأدب والفضل، وكان ربما كلف خاطره وصنع قطعاً من /3 ب/ الشعر لا بأس بها، أنشدني منها جملةٌ، ولم تطل به الأيام حتى اخترمته المنون، أكمل ما كان شباباً، وذلك يوم الاثنين عاشر رمضان سنة ثلاثين وستمائة بإربل. وكان مولده بها سنة خمس وستمائة-يرحمه الله تعالي-. أنشدني لنفسه يهجو إربل: [من السريع] لا بارك الرَّحمن في بلدةٍ ... يدحض فيها الحقُّ بالباطل ولا أقام الله راياتها ... ولا سقاها من حيا هاطل وأنشدني لنفسه: [من المتقارب] .. مذ صدَّصدَّ الكري ... جفوني واأحلني بعده علي كلَّ حالٍ وان خانني ... هو العبد لي وأنا عبده

[326] عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن هبه الله بن عليِّ بن المطهر بن أبي عصرون، أبو الفضائل بن أبي البركات الموصليُّ الحمويُّ. كانت ولادته بحماة، عاشر ذي القعدة سنة سبع وتسعين، له الحظ الموفور في إنشاء المنظوم والمنثور، والبديهة /4 أ/ الحاضرة، والغريزة النادرة. ومما أنشدني لنفسه، بلغه الله مناه، وأسعده في آخرته ودنياه، وضاعف في إقباله، بمحمد وآله؛ هذه القصيدة الفريدة في الباري-سبحانه وتعالي – ورسوله (صلي الله عليه وسلم) وجعلها خالصةً لوجهه الكريم، عملها حين قصد بيت الله الحرام – حرسه الله تعالي: [من الكامل] ملك الملوك اليك من دون الوري ... أرسلت في الفلوات أنضاء السُّري .. ذا الثَّقلين منك بنظرة ... نعم المبيع ونعم ذاك المشتري قدمي لأول خطوة أسعي إليك بها ...... ................. يا باعثي بعد الوفاة وصاحبي ... عند الهنات وواهبي طيب الكري إني أعوذ بنور وجهك بعدما ... يممت بابك أن أعود القهقري أنا جارك اللاَّجي فهل انا آمنٌ ... أنا ضيفك الراَّجي وان ..... أنت الَّذي اغني واقني والَّذي ... أرضي المقلَّ حجيً وراض المكثرا [فودادك الحبل المتين ............ ...... غيرك مفتري] جلَّت صفاتك أن تحد وقدِّست ... تلك المكارم كثرة أن تحصرا ظميت إليك حشاشة لا ترتوي ... حتى أراك ولو وردت الكوثرا

وعلمت أنَّك للخطايا غافرٌ ... فخطوت نحوك خاضعاً مستغفرا /4 ب/ أضع الجبين علي الثري متذللِّاً ... وأمرُّ خدِّي في التُّراب معفِّرا وأقبِّل العتبات من شغف بها ... وأقوم في أفنائها مستغفرا فلعلَّ ليل الهجر يقضي نحبه ... وصباح يوم وصالنا أن ينشرا ويعود قلبي بالمسرةَّ آهلاً ... فلطالما كان اليباب المقفرا يا سادًة هزموا جموعي في الهوي ... ودعوا دموعي فاستجابت نفَّرا بكم حلفت ليظفرنَّ مؤمِّلٌ ... بكم عليكم قد اتي مستنصرا يا فاطري كن حاضراً في خاطري ... فمتي خطرت يحقُّ لي أن أخطرا .. القلوب علي العيون وإنَّها ... لجديرةٌ بمكانها ان تفخرا هاتيك ناظرةٌ إليك وهذه ... محجوبةٌ ممنوحةٌ أن تنظرا لا يشمت الاعدا فمدحي فائزٌ ... ولسان شكري عاجزٌ أن يشكرا بعد ازورارهم زيارة أحمد ... وخرجت من حلب إلى أمِّ القري بلد أقلِّب من حصاه جواهراً ... واشمُّ مسكاً من ثراه اذفرا فيه النهار بواكرٌ وأصائلٌ ... واللَّيل لا ينفكَّ فيه مقمرا تملي الرِّياح رسائلاً عن بره ... فتميل من أرج يفوق العنبرا ومتي جري ..... مركبٌ ... ناهيك في الدَّارين ذلك متجرا /5 أ/ ما أبرد الحرَّ الشَّديد لغلَّة الحر السَّديد اذا تحَّنف في حرا وألذَّ خوف الخيف في قلب امرئ ... حسر الأماني عنده أن يحسرا يا ليت شعري هل تعود عوارفٌ ... عرَّفتني عرفاتها والمشعرا صفر الرِّداء من التُّقي وسلنني ... ثوب الرَّدي كرماً وضنَّ المئزرا ايام طيبة في خفارة طيِّب ... رفع المنارة ذكره والمنبرا لما تر الابصار خلقاً مثله ... مذكنَّ في مقل العيون ولا تري فتبارك الملك الَّذي أحيا به ... ميت الهدي وبه امات المنكرا كم ..... أبغيه وعدت مفلساً ... فرجعت من شوق إليه مبكرا

من دون قربك لي بحارٌ سبعةٌ ... أرجو الشَّفاعة منك فيها معبرا عسرٌ لقاؤك غير إنِّي آملٌ ... أبداً بفضل الله ان يتيَّسرا [من كان يؤمن ............. نكبراذا أتى والمنكرا] واخجلتا إن زاغ عندك موقفي ... فمددت كفَّا في ندائك ابترا أنت الخليق من الخليقة كلِّها ... بحقيقة البيت الحفيف علي السُّري من ذا ينافحني وذكرك مندلٌ ... أوردته من نار فكري مجمرا ذكر يعار المسك طيِّب عرفه ... ويغار منه النيَّرَّان إذا جري يا سيِّد الكونين هل من نظرة ... فلعلَّ كسر قلوبنا أن يجبرا /5 ب/ قد كان عبدك بالعراء مضيعًا ... واليوم عندك لا يبالي ما عرا أنا لائذٌ بك مستجير عائذٌ ... أرجو الشَّفاعة يوم نأتي المحشرا لا ينثني أملي وعيشك عن فتي ... ألله فضَّله علي كلِّ الوري من دون بهجته سني شمس الضُّحي ... والزّبر قان إذا تبدَّي مبدرا افني الضَّلال بصارم وبضامرٍ ... وأعاد يضمر ما أتاه مظهراً في جهل كسري إذ أتاه كتابه ... عبر [اً] وفي أدب أتى من قيصرا وخمود نار الفرس عند سفوره ... والماء من يدهً الكريمة إذ جري وتحنّف الفاروق بعد تحيُّف ... لما أتاه ... لن ينكرا يا من أعاد الدِّين أبيض ناصعاً ... ودعا البريةً بدوها والحضَّرا وأقام معوجَّ الأمور وقام في ... ذات المهيمن منذراً ومبشّرا لو رام أهل الأرض ضبط مناقب ... لك والبحار تمدُّهم لتعذَّرا لم اقتصر حتي علمت بانني ... أبداً وان طوالت كنت مقصِّرا ولربَّ بيت ألف بيت دونه ... قد قيل كلُّ الصَّيد في جوف الفرا تحلو القصيدة فلو تعاد تجمَّعت ... ما كلُّ شعر يستلذ مكرَّرا ليل المداد إذا دجت آثاره ... أبدي ثناؤك فيه فجراً مسفرا /6 أ/ فعليك صلَّي الله عدَّ صلاته ... وعلي ضجيعيك اللذين توزَّرا

وعلي القرابة والصحابة مثلما ... قد كان فضلهم لديك مقدَّرا وكسا قبوركم سحائب أعيٍن ... تهوي لقاءكُّم رداءً اخضرا عدم النَّظير فلا يزال مكللاّ ... بالقطر بالنَّهر النَّمير مجوهرا وأنشدني لنفسه أسعده الله تعالي، في الله- جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه: [من الطويل] جلالك اعلي أن يحدَّ له كنه ... وجودك ادني أن يحاد بنا عنه وأنت الَّذي كل الأمور حقيقةً ... إليه انتهاها وابتداءتها منه إذا أنت لم تغفر ذنوبي تكرُّمًا ... فقل لي الَّذي ارجوه يغفرها من هو كما صنت وجهي عن عبادة عاجز ... فقلبي الَّذي يخشاه أو يرتجي صنه صحبت أناساً اخلفوا الظَّنَّ فيهم ... فما قال قلبي قطُّ عن واحد خنه فلا تقبلن يا صاح في الحبِّ حبَّةٌ ... جزافا@ ولكن بالوفا في الخفا زنه وأنشدني أيضاً لما قصد الحجَّ ثم توجه إلى زيارة النبي صليٍ الله عليه وسلم وأنشدها عند قبره الشريف: [من الكامل] /6 ب/ عظم المقام وجلَّ عن أن يوصفا ... فأحفظ جفونك هيبة أن تطرفا نور النُّبوَّة ساطعٌ متلألئٌ ... فاغضض لحاظك خشيةً أن تخطفا قبر النّبيِّ محمَّدٍ ومكانه ... لله ذلك ما اجلَّ واشرفا قف بين منبرة الشريف وقبره ... واهتف بشعرك في مديح المصطفي واذكر خلائقه الكريمة إنَّه ... يغنيك صدقك فيه عن أن تحلفا سلَّ الإله علي الطُّغاة ....... صلي الإله عليه سيفاً مرهفا وأنشدني لنفسه، في القاضي الإمام زين الدين أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن ابن علوان الأسدي الحلبي، وهو يومئذ متولي الحكم بحلب المحروسة، أنشدها بعض الوعاظ بين يديه، وهي صورة دعوي تعرض فيها بمديح السلطان الملك العزيز بن غازي بن يوسف – رحمة الله تعالي – [من الخفيف] إدَّعي أيُّها الإمام المرجَّي ... حاكم المسلمين قاضي القضاة أنَّ هذا السلطان خير ملوك الأرض [طراً] وواحد العزمات

/7 أ/ مالكٌ حائزٌ قلوب رعاياه بإحسانه وبالحسنات وله شاهدان عدلان عدلٌ ... في نوال كنيلها والفرات لم يبغ منصب الشَّريعة بالمال ولا اعتاضً عنه بالتُّرَّهات فاستخر ربك المهيمن واحكم ... لعلاه بأشرف الدَّرجات حكم اتقي الورى لخير بني ... الدُّنيا جميعًا بأوضح البيَّنات وأنشدني لنفسه أيضاً، في القاضي زين الدين، واتفق يوم جلس للقضاء جاء الغيث متوالياً، وكثر مجيئة: [من المسرح] قد عجب العالمون إذ نظروا ... يوم تولَّيت كثرة المطر لا تعجبوا إنَّها لمنقبة ... خصَّ بها دون سائر البشر تكدَّر الجوُّ من مشاركة ... أمَّلها الجاهلون لم تصر فهذه نعمة الإله علي الأرض طهورٌ من ذلك الوضر وأنشدني لنفسه: [من الكامل] أنا إن عجبت لمن أضاع مودتي ... فمن المضيع وفعله أنا عجب ما في البرية كلهم من واحد ... يرجي ولا في الناس شخصٌ يصحب /7 ب/ وأنشدني من شعره أيضاً: [من مجزوء الكامل] قد كنت أعجب انَّني ... في ظلِّ شمس لا تغيب حتىَّ بدا بقدومه ... للعالم العجٌب العجيب الريح تكنس طرفه ... ويرشها الغيث السَّكوب ويري فيحسب وحده ... وعليه تزدحم القلوب وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى صديق له وقد اجتمع به يومًا: [من المجزوء الكامل] يومٌ سرقت سروره ... من حزر صرف الدًّهر حرصا ليقوم عذرك بعدها ... فاذا قطعت قطعت لصَّا وأنشدني أيضاً قوله: [من الكامل] جاء الشِّتاء وليس عندي جبةٌ ... تدفي ولا تصحيفها في الكيس .. ألدُّيون علي كلِّ ........ جمل من التَّنجيش والتَّدليس

حتَّى لقد البست من نسجيهما ... عمداً علي شرف ثياب حسيس ما ضرَّ فقر يد لمن كانت له ... نفسٌ تجود غنيً بكلِّ نفيس /8 أ/ ضاقت عليّ يدي وصدري واسع ... ثقةً بمن بيديهم تنفيسي ولأركبنَّ العيس نحوهم عسي ... يدني لقاءهم ركٌوب العيس [327] عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أحمد بن هبه الله بن أحمد بن عليِّ بن الحسين بن محمد بن جعفر بن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق – بتقديم الراء المهملة وضمَّة علي الزاي المعجمة -، أبو بكر الحمويُّ، المعروف بابن قرناصً. من بيت معروف بحماه شاهدته بحلب المحروسة في سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وهو نازل بخانقاه القاضي بهاء الدين أبي المحاسن يوسف بن نافع بن تميم بن شداد الأسدي الموصلي. وسألته عن ولادته؛ فقال: ولدت في ليلة الجمعة تاسع عشر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وخمسمائة؛ فرأيته رجلاً عاقلاً ليبياً فاضلاً متديناً ذا سمت حسن وسكون، له يد في النظم والنثر، يتفقه علي مذهب الإمام الشافعي-رضي الله عنه- وله رسائل مدونة، وشعر إلاَّ انه /8 ب/ لم يثبت من أشعاره شيئاً، ولم يعترف بها لكونها غير مرضية عنده، فاستمليت منه أن أكتب شيئاً منها، فلم يجب إلى ذلك وأبي، ثم أملي عليَّ هذه القصيدة اللامية، يمدح بها النبيّ صلي الله عليه وسلم وقال: لو لم تكن هذه الأبياتَّ مديحاً في الرسول صلي الله عليه وسلم لما أنشدتك شيئاً من شعري: [من البسيط] هبت عيون القوافي من كري الخطل ... لها خشوعٌ وإغراءٌ عن الغزل واصلت الجد عضباً منه مقتحماً ... حمي القريض فاضحي منه في وهل

ونافست فيه اوزان العروض فما ... سعي السَّريع إليه سابق الرمَّل وأقبلت تنهادي شرعاً ذبل اليراع تهزأ بالخطيَّة الذُّبل كلُّ يؤمّل بالسَّعي القبول لدي ... من لم يبؤ منه بالإخفاق ذو أمل فذر يراعك يذري ادمعا طللاً ... علي زخارف هذر لا علي طلل واجعل توسُّله بالصَّفح مفتتحاً ... بحمد من حمده من أفضل الوسل فالحمد لله ذي الطول الَّذي قصرت ... عنه يد الشُّكر من قول ومن عمل رب السموات والأرض الَّذي خشعت ... لأمره فعنت كالخضَّع الذُّلل /9 أ/ حتى قضاهنَّ سبعًا هنَّ ممسكةٌ ... بغير ما عمد منها ولم تزل وزينِّت بالنُّجوم الزُّهر موضحةً ... في كل برٍّ وبحًر مبهم السبل وسخَّر الشمس تجري في مفازتها ... لمستقر لها جرياً إلى أجل يزجي نهاراً فلا ينفكٌّ يولج في ... ليل ويولج فيه اللَّيل بالطفل والأرض بعد دحاهأ ثمَّ فجَّر في ... أنهارها في أديم السهل والجبل وبثَّ فيها صنوفاً من بدائع ما ... تظل في فهمه الأّفهام كالظلل وللرياح انبعاثٌ حين يبعثها ... لواقحاً منشات الذَّرِّ في الهطل همت علي الأرض واهتزَّت له وربت ... وانبتت كلَّ زوج رائق الأكل فتبدل البشر من بعد القطوب به ... وتكتسي وشي روض معلم الحلل صنع الإله الَّذي في كنه حكمته ... تظل عن كنهه الأفهام في شغل وهل تحيط به علمًا وفي يده ... زمامها فهي تسري وهي في عقل لا قطر يحويه في الأقطار أنشأها ... ولم تكن معه إذ كان في الأزل وعالم السِّر والنَّجوي وغامض ما ... تحوي البحار ومحصي الرَّمل والسيل وقدرةٌ أحكمت إنشاء فطرتها ... لتحكم العلم بالتَّفصيل والجمل /9 ب/ سبحانه سارت الأفكار جائلة ... في كنهه ثمَّ عادت وهي كالذهل فبين معترف بالعجز ذي درك ... ومدَّعٍ دركاً بالعجز مشتمل عنت لعزَّته الألباب خاضعةً ... وثقفِّت من ضلال الزِّيغ والميل بنور معرفة أهداه فجر هدًي ... للناس مطلعة من خاتم الرُّسل محمَّد المصطفي خير البريَّة من ... بهديه أفترَّ ثغر الدَّهر من جذل

من خصَّه الله بالزلفي فأرسله ... في آخر الرسُّل ذا فضل علي الأول وخصَّ بالمعجزات الباهرات أضاءت في البصائر ضوء الشَّمس في المقل عنت له أرؤسٌ للحقِّ صاغرةٌ ... لم تعن من غيره للبيض والأسل فجاءهم بكتاب أخرس اللُّسن الفصاح ... من آخر منهم ومن أول وعاد عنه جذاذاً حدُّ السنة ... غلب إذا عاًد حدُّ السَّيف ذا فلل وحلُّ من شرف الإسراء منزلةً ... يفوت شأو مداها ناظر الأمل وانشقَّ في افقه البدر المنير له ... لما نأي عن ذراه نأي منتقل فضمَّه رحمةً منه فسكَّنه ... وعاد يبدي أنين المدنف الوجل واخجل الشُّهب لمَّا فجِّرت غدرٌ ... من بين أنمله كالواكف الهمل وطالما كفلت بالرِّيِّ إذ بسطت ... للغيث تبسط منه السُّحب كالطَّلل /10 أ/ وطالما طعم الجيش اللُّهام بها ... حدَّ الكفاية ما لم يكف للرَّجل وطالما صافحت من شفهم علل ... للوقت منهم شفت ما كان من علل ولو غدت السن الأقلام محصية ... أياته نالها عسي ولم تنل إلى مكارم أخلاقٍ تبَّين من ... نقص البليغ تعاطي وصفها الكمل ومحتذ في العلا والنبل اثبت من ... طود ولكنه اسري من المثل وما الَّذي يبلغ المثني عليه وقد ... أثني الإله علي اخلاقه الفضل فلم يزل في رضا الرَّحمن يدأب في ... أنضاء عزم لصون الدِّين مبتذل مبلِّغاً كلمات الله موضحةً ... سبل الرشاد بقوم ضلَّلٍ غفل والشِّرك يجمع في فضل العنان فما ... لذي يد ... منه من قبل حتى تزحزح ليل لغي يدأب في السُّري يفخر هدي في إثره عجل افديه من ناصر لله منتصرٍ ... أباد فرداً عديد الجحفل الزَّجل وقلَّ ذاك لمن كانت ملائكة ال ـ ... ـــــــــــرحمن أنصاره في الحرب كالخول وليت شعري إلى ما ينتهي ولها ... طرف اللِّسان ..... غير ذي مهل وكلَّ نبل مقالٍ رام مدحته ... يغدو ضئيلاً لدى أوصافه النُّبل لكنَّ مدحي له جهد المقلِّ عسي ... جسني من القول تمحو سيِّئ العمل /10 ب/ يا خير من أعملت أيدي الركاب له ... وخير هادٍ هدانا أشرف الملل

إنَّ الشَّقاوة عاقت شائقاً فله ... نزوع ظمآن ممنوع من النَّهل يودُّ لو كان في ذاك المقام له ... تعفير مستغفرٍ في الذُّل منجدل كم انتحي منك أقداماً مكرَّمةً ... في ارغد الحلم بالتَّعفير والقبل وقلَّ ذاك لمن لو كان منتعلاً ... وجهي لقلَّ له فعلاً لمنتعل وقد سرت نفثات الصَّدر يحملها ... رجاء عفو بحبل منك متَّصل فأنت خير شفيعٍ للأنام إلى ... عفو الإله وعفو النَّائل النَّفل فسله لي أجلاً إحماد خاتمه ... وعاجلاً لطف صنع مصلح خللي وسله رضوانه عن والديَّ إذا ... دعاهما ليحلَّا أكرم النُّزل يا من يجيب لداعية وقد بسط ... الرَّجاء منه إليه كفُّ مبتهل أدعوك دعوة عبدٍ خاشعٍ فرقٍ ... مَّما تكنَّفه من سالف الزَّلل ألهاه عن رشده تسويف معتمدً ... لبطء توبته مع سرعة الأجل وحكم أشتات أهواء مصرفةً ... عنان آرائه في مهمة الأمل وليس تعنو له نفسٌ لحكم هدًي ... ألَّا لحظٍ لها تحظي به جلل فكيف تبصر رشداً من مذاهبه ... أحكامها أبداً مدخولة العلل /11 أ/ وقد أتيتك أرجو لطف صنعك في ... مبرَّأ العزم من حولي ومن حيلي مستشفعاً بشفيع لا يردَّ إذا ... ما رجَّت الأرض والألباب من وجل صلَّي عليه الإله زاده شرفًا ... وخصَّه بسلامٍ عاطر ِهمل وخلص روح ضجيعيه بروح رضا ... يروي ضريحيهما كالعارض الهمل وسائر الآل والأصحاب ما هتفت ... ورق الحمائم بالأسحار والأصل [328] عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور بن خلف، أبو محمد بن أبي عبد الله الأنصاريُّ، المعروف بابن الرَّفاًء.

من أهل دمشق، وجدّه عبد المحسن كان رفَّاء، وكان والد عبد العزيز هذا، فقيهاّ شافعياّ، يتولي القضاء بمدينة حماة. وأبو محمد عبد العزيز نزل حماة واستقرَّ مقامه مرتزقاَ بجراية المدرسة، يتناولها، وترقت به الحال إلى أن اتصل بصاحبها الملك المظفر آبي الفتح محمود بن محمد بن عمر بن شهنشاه بن أيوب بن شاذي، واستخلصه من بين نظرائه وأشكاله وقدمه، وكان ينفذه رسولاَ إلى البلاد الرومية /11 ب/ والديار المصرية وغيرها، وجعله شيخ الشيوخ، وحظي لديه، وقرب منه، ومشت أحواله، واكتسب بالترسل وفراً صالحاَ، وصار له نعمة واسعة. صار إلى من شعره قصيدة، ثم بعد ذلك خبرت انه قدم حلب المحروسة في رسالة، فمضيت إليه، وهو نازل بظاهر المدينة، واستصبحت القصيدة، وكان اجتماعي به يوم الأحد سادس صفر سنة خمس وثلاثين وستمائة. وهو رجل ربعهٌ، كهلٌ إلاَّ أن البياض غالب عليه، كثّ اللحية. رسالته عن ولادته، فذكر أنَّه ولد بكرة يوم الأربعاء الثاني والعشرين من جمادي الأولي سنة ست وثمانين وخمسمائة بدمشق.

وأخذ طرفًا من فقه الإمام الشافعي عن والده، ثم علي تقي الدين عبد الله قاضي حماة، وسمع الحديث علي جماعة كثيرة من المشايخ؛ كعبد المنعم بن الحراني وغيره، وتأدّب وقرأ القرآن الكريم علي الشيخ أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وقال أشعاراً مستجادة في مدح وغزل وأوصاف، وغير ذلك، اشتهرت عنه، وتداولها /12 أ/ الناس، ولم يكن في الوقت مجال لأعلق عنه شيئا من قيله غير أني استنشدته القصيدة التي صحبتني فأنشدنيها، وهي مديح في الملك المظفر أبي الفتح محمود بن محمد بن عمر- صاحب حماة – ثم قال لي مخاطباً: أتيتني في وقت ضيِّق، ونحن علي أهبه السفر غداة غد، فإن وفق الله تعالي بعد ذلك بالاجتماع علقت لك مقطعات مختارة حسنة ما ينبغي أن تسطر في تاريخ. وأنشدني مقطوعة لنفسه، كتبها إلى القاضي أبي الفضائل عبد العزيز بن نباته الشاعر، والقصيدة هذه: [من الكامل] اهدي إلىَّ لواعج الاشواق ... نظر الغريق وقد أجدَّ فراقي ليس الفرائض بالمقاتل إنَّما ... بين الجفون مقاتل العشَّاق من لي بريان المعاطف أهيف ... واهي عقود الخصر والميثاق راعت حلاوته وراق جماله ... فاخاف كل ميتَّم مشتاق بسقيم صدِّ ماله من مبرئٍ ... وسليم صدغٍ ماله من راقي /12 أ/ ملكته رقِّي وعفت لحبِّه ... ذنب الاباق وقربة الاعتاق نامت عيون وشاتنا سلماَ فكم ... قامت لحرب عتابنا من ساق جاذبته أطراف كلّ طريفة ... في العتب لم تنفق بسوق نفاق وتعارضت أقوالنا فتعارضت ... سعر القلوب وأبحر الآماق في روضةٍ للنَّار من نوَّارها ... لهب بفائض مائها الرَّقراق راحي بها عذب الرَّضاب ونزهتي ... ورد الخدود ونرجس الأحداق أفديه من حلو الفكاهة واللَّما ... أضحي يساقيني الهوي وأساقي متلون أشفقت عند وصاله ... من هجره فضنيت من إشفاقي بدرٌ يزيد سني أزيد به ضني ... حتى كأنَّ تمامه لمحاقي

قبح الصُّدود تقيه عين كماله ... والله للملك المظفَّر واقي ملكٌ تكامل في بهاه وحده ... وفخاره والخلق والأخلاق وقَّي تحلم سخطه ورضاه في ... سلب النُّفوس وقسمة الأرزاق يردي ويحيي في وغاه وسلمه ... فيذيق طعم السُّمِّ والدِّرياق لسطاه في التَّهذيب والتعذيب ما ... للنَّار في الإنضاج والإحراق كالغيث في الأزمات أو كاللًّيث مثله ... الإفراق أو كالشمس في الإشراق /31 أ/ عقم الحواضن عن سليلٍ مثله ... فحوي عقيم الملك باستحقاق وأمدَّ ثابت جأشه بيقينه ... فالنَّصر تحت لوائه الخفَّاق شهمٌ يحمِّل في الخطوب همومه ... ما شاء من خيل لديه عتاق تغدو محجَّلةً به فيعيدوها ... حمر القوائم بالدُّم المهراق سدَّ الثُّغور بصدر كل مسددٍ ... مازال مراقاً من المراق نفاذ كلِّ مفاضةٍ سقَّي بها ... ألخطيَّ مثل الخطِّ في الأوراق وبكلِّ مطرور الغرار مهنًّدٍ ... رقراق مَّاء الَّصفحتين رقاق عصبٍ لأبطال الفرنج مصحطحٍ ... ولهامها في بيضهأ فلاَّق وكتائبٍ تمحو بثابت حقِّها ... ما للعدا من باطلٍ زهَّاق أهدت إلى الصيف الشِّتاء بسحبها ... والويل والإرعاد والإبراق تركت جموع المشركين لجمعها ... رهني حديد قواضب ووثاق قتلت كرامهم بلا قودٍ كما ... نكحت كرائمهم بغير صداق حتَّى أعاد بها ضراغم صيدهم ... في خيسها كالصَّيد في الأوهاق أعياهم قاضي العزيمة ماجدٌ ... زاكي الفروع مطهر الأعراق فإذا جري وجري الملوك إلى العلا ... لم يطمعوا لغباره بلحاق /13 ب/ وتيقَّنوا أنَّ المكارم حلبةٌ ... ما زال فيها اسبق السبَّاق لجأوا إلى اليأس المريح ولجَّ في ... حدٍّ إلى غايأتها توَّاق حفظ البلاد بسيفه الفتَّاك إذ ... أغني العباد بسيبه الدَّقاق نرجوه في إعساره ويساره ... ونهابه في البشر والإطراق رحب الذُّري لمَّا منيت ببعده ... ضاقت عليَّ مسالك الآفاق

والآن إذ سمح الزَّمان بقربه ... فالشَّام شامي والعراق عراقي محمود يا ابن محمَّد فقت الوري ... مجداً يقصِّر عنه جهد الراقي وعممتهم بالجود ثمَّ خصصتني ... فأطاع دهري بعد طول شقاقي لم يرم نطقي بالفهاهة عن مدي ... شكري ولا مسعأي بالإخفاق حبَّست من نظمي عليك قلائداً ... أبقي من الأطواق في الأعناق ولبست من جدواك أنفس حلَّة ... لكنَّها تفني من الأطواق في الأعناق ماذا يصدُّ قصائدي عن قصدهاً ... وجداك عن برِّي وعن إرفاقي بذر الندي عندي بأخصب منبت ... والمدح عندك نافق الأعلاق شرفت بنات قرائحي فتكرَّمتًّ ... فعرضتها في اشرف الأسواق وزففتها زفَّ الهديِّ مهِّناً ... بقدوم عيد سيق خير مساق /41 أ/ قّلَّدتنا في النَّحر درَّ مواهبٍ ... أغرقت فيهّا غاية الإغراق قبلت ضحاياك العداة قبول ما ... ضحَّاه إبراهيم عن إسحق فاسعد بنحر الظلم والإظلام والأعداء والإنعام والإملاق لازلت تطلق عانياً من حبسه ... بلهًي محبَّسه علي الإطلاق وبقيت ملكاً للخلائق واحداً ... ترعاك عين الواحد الخلاَّق

ذكر من اسمه عبد الغني

[ذكر من اسمه عبد الغني] [329] عبد الغنِّي بن عبد الكريم بن نعمةً بن مسرّة بن كتائب، أبو محمد الخندقيُّ الثوريُّ لأمِّه ولأبيه الشَّافعيُّ. أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبه الله بن النصيبي، بحلب؛ قال: أنشدني أبو محمد الخندقي لنفسه: [من الخفيف] يا دعيَّ الحساب سحقاً وبعداً ... فلقد زدت في الحماقة جدَّا رمت بالجهل ترتقي رتبة الفضـ ... ـــــل وتبني بسخف عقلك مجدا والإمام الرَّشيد في الأرض حيٌّ ... نجمة لم يزل يقارن سعدا من له العنصر الزكَّىُّ ومن أصـ ... بح مذ كان في الفضائل فردا /14 ب/ كعبة الوافدين في كلِّ فنٍّ ... فإلى بابه الرَّكائب تحدي ما رأي خطَّه ابن مقلة إلَّا ... ودَّلو يرتضيه في النَّاس عبدا وكذا في الحسابٍ فاق شجاعاً ... وعلا رتبةً عليه وجدًّا كم له طالب جوي كلَّ فضّلٍ ... ساحب في ذري البلاغة بردا فاق سبحان في البلاغة والفضـ ... ــل فما إن رأي له الناس ندَّا فدع الحمق إنَّ بين دعاويـ .... ــــــك وببن الَّذي بدا منك سدَّا واغنم الرِّبح في السُّكوت فيكفي ... أنَّك اليوم بيننا لن تعدَّا وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] لئن كنت لم أبصر دمشق وحسنها ... وطيبة أيام بها للأفاضل فحسبي بما قد قلت عنها وما به ... يحدِّث عنها كل حافٍ وناعل وقال بالإسناد: [من الطويل] إذا شئت أن تحظي برؤية جنَّةٍ ... علي الارض فيها كل ما تشتهي النَّفس وحورٍ من العين الحسان صبت لماً ... بدا من جمال حزنه الجنُّ والإنس فبادر إلى تلقا دمشق فإنَّها ... محل سرور النَّفس طاب بها الأنس

وقم واغتنم طيب الحياة بها فما ... تراه من الأمصار من دونها حبس /15 أ/ وقال بالإسناد: [من السريع] يا سيداً في عصرنا أوحد ... وقدره من دونه الفرقد قل لي: أفي شرع الهوي جائزٌ ... محبكم إذ جاءكم يبعد [330] عبد الغنِّي بن يوسف بن عبد الواحد بن الحسن بن الحسين أبو محمدٍ البكري المعروف بابن المؤذّن. من أهل حرّان، شابٌّ لهجٌ بقول الشِّعر، واستكثر النظم منه، وامتدح به خلقاً من الأكابر والرؤساء، ولم يكن له حرفة سوي عمله الارتزاق به. أنشدني من شعره كثيراً بحلب، ومما أنشدني لنفسه بحرّان في أواخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة: [من الطويل] بنفسي من لو مرَّ برد بنانه ... علي كبدي كانت شفاءً من الوجد نبيُّ سنا في فترة من جفونه ... أتي وصلالٍ في دجى شعره الجعد تبارك من أنشاهٌّ للنَّاس فتنةً ... وصيَّرني في حبِّه أمَّه وحدي جري جعفراً سفَّاح دمعي تشوقًا ... إلى وجهه الهَّادي إلى سنن الرُّشد [331] /15 ب/ عبد الغني بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن تيميُّة، أبو محمد الخطيب بن الخطيب أبي عبد الله الحرّانيُّ. قاضي حرَّان وخطيبها ونقيبها وعالمها وفقيهها علي المذهب الأحمدي، له

ولأسلافه مكانة عند أهل بلده وجاه طويل، سمع الحديث كثيراً، وقال الشعر الحسن، وتوفي بحرَّان بكرة الأحد سابع عشر المحرم سنة تسع وثلاثين وستمائة. أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن احمد بن أبي جرادة الحنفي – أيده الله تعالي – من لفظه، سنة أربعين وستمائة؛ قال: أنشدني القاضي الخطيب أبو محمد عبد الغني بن محمد بن تيميه لنفسه في الملك الناصر، صلاح الدين ابن أبي المظفر يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف – سلطان حلب، خلد الله ملكه – وقد فتح حديثه حران من أيدي الخوارزمية – خذلهم الله تعالي – سنة ثمان وثلاثين وستمائة. ووفد كبير الحرانيين عليه، مهنئين له، وهو فيهم، فخلع عليهم وأحسن /16 أ/ إليهم، وأورد بين يديه في القلعة فصلاً في الهناء: [من الخفيف] قد شفي الله غلَّة الأكباد ... ببلوغ المني ونيل المراد وتبدَّي الزَّمان غضاً جديداً ... حيث وفَّي سوالف الميعاد وبلغنا المني وغاية ماكـ ـ ... ــــنَّا نرجِّيه من ضروب الأيادي اخصبت ارضنا بكلِّ مرامٍ ... وأضاءت لنا بروق الغوادي وحبانا بجوده كلُّ نوءً ... وأتانا بسيله كلُّ وادي وقضي الدَّهر حاجةً طالما طول بالمطل وعدها في الفؤاد هذه ذروة الكمال وقد نيلت علي رغم أنفس الحسَّاد نالها ذو السَّعادة الملك الناصر كافي الإصدار والإيراد قال فيها: فتهنَّ السُّرور فالوقت مصقول الحواشي محبَّر الأبراد أن تعيش ..... فعش ألف عام ... كل يوم عيدٌ من الأعياد أنت شبل السُّلطان حقاً وما الأشـ ... بال إلاَّ طبائع الآساد فتوَّل البلاد وانهض لبعزم الـ ـ ... جد فالسعد في نما وازدياد وابسط العدل واعتمد همَّم الاخـ ... ــــيار والصَّالحين والزُّهاد /16 ب/ واغتنم منهم الدُّعاء فما نصرك إلاَّ بهَّمة العبَّاد

وتحقق إنَّ الرَّعيَّة في حرَّان ... قد اخلصوك محض الوداد فتوخ الإحسان جهدك فيهم ... والغ قول الحسَّاد والأضداد يا لها من سعادة تمًّ بشراها ويا بردها علي الأكباد وأنشدني أيضاً؛ قال: أنشدني لنفسه، وقد خلع عليه السلطان الملك الناصر صلاح الدين – أدام الله دولته -: [من الطويل] بأيِّ لسانٍ يشكر العبد مولاه ... وتقصيره في كلِّ حال قصاراه وكيف يطيق الجزر ان يشكر الحيا ... أذا جاده الجود النَّمير فّأحياه وانَّي لمن اضحت عليه سوابغٌ ... من المنِّ ممَّن عرَّفتني عطاياه عقيد الندي لا زال جودك جائداً ... وكفك وكَّافاً علي الخلق جدواه بسطت يدي حتّى ظننتك قابضاً ... يدُّ الدَّهر عني مع تفاقم بلواه وعيلَّتني حتَّى ظننت بأننًّي ... سأعبر عن برج السِّماك ومأواه وشرفَّتني طول الزَّمان بخلعة ... بلغت بها من شامخ العزِّ اقصاه لئن كان جلباب التطوّل صافياً ... علي باديك الكريم محيِّاه كأنَّ جلابيب المحبَّة قد حوت ... فؤادي فأنت اليوم سرِّي ومعناه /17 أ/ وإن كان رسم الثَّوب باللُّبس دارساً ... فرسم هواك الدَّهر لا اتناساه فلا قلب لي إلَّا وأنت نزيله ... ولا سرَّ لي إلاَّ وذكرك مأواه بقيت علي مرِّ الليالي وكرِّها ... بعيش هنيٍّ يحمد المرء عقباه

ذكر من اسمه عبد القادر

ذكر من اسمه عبد القادر [332] عبد القادر بن إبراهيم بن شجاع بن بقاء بن علي بن احمد بن محمد بن يحيي بن عرفجة، أبو محمد البغداديُّ. كان فقيهاً حنفياً، عالماً بالأصول، حسن النظر في الكلام، ومسائل الخلاف، وله معرفة بالمنطق والفرائض والحساب وعلم القراءات. وجدت من شعره قصيدة مطولة بخط يده، يمدح بها أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبا العباس احمد - رضوان الله عليه -. وكانت وفاة أبي محمد في رجب سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ببغداد. أنشدني ولده إبراهيم؛ قال: سمعت والدي ينشد لنفسه: [من البسيط] /17 ب/ وجدٌ أقام غداة الجيزة ارتحلوا ... وصاح حادي المطايا زمَّت الإبل ووكلوا بالماقي درَّ أدمعها ... يا بئس ما عوَّضوا من بعد ما رحلوا ليت الَّذين ألفناهم ما ألفوا ... يوم النَّوي سألوا من ذا الَّذي قتلوا نفسي فداء أصيحاب وهبت لهم ... قلبي فمذ ملكوا جاروا وما عدلوا وطالما وصلوا حتّى إذّا علموا ... حبِّي لهم قطعوا حبلي وما وصلوا اروم كتمان مابي من جوًي وهوًي ... وكيف يخفي ودمع العين منهمل أم كيف اكتمه والنَّاس قد علموا ... بأنَّ بي وبوجدي يضرب المثل بالله يا معشر العذَّال حسبكم ... كفُّوا الملام فعندي منكم شغل نار الغرام بقلب الصَّبِّ يوقدها ... حرُّ الملام ويذكي جمرها العذل قد خاب من يرتجي سلوان مكتئب ... جارت عليه لحاظ الغنج والمقل لهفي علي زمني والدار دانيةٌ ... وشملنا ووشاه الحيِّ قد غفلوا في مجلس جمع الدَّهر السُّرور به ... وشرَّد الهمَّ عن أنيابه الجذل والكأس كالشَّمس تبدو من مطالعها ... منفضَّ ة في بدور ...... من كلِّ احوي كأنَّ البدر طلعته ... واغيد طرفه بالسِّحر مكتحل

إذا تثني فغصن ألبان مجسده ... أو لاح فالشَّمس يعلو نورها خجل /18 أ/ والورد والآس والمنثور مختلفٌ ... ألوانه وربيع الدَّهر مقتبل والليَّل منسدلٌ والوقت معتدلٌ ... والورد زاه وشمل الوصل متَّصل يحكي زمان أبي العباس احمده ... خليفة الله مولًي جوده جلل مولي عوارفه عمَّت رعيتَّه ... فالقفر مرتبعٌ والفقر مرتحل مولًي تفنَّن في إحسانه فأتي ... بما يضيق التَّمنِّي عنه والامل مولًي إذا جارت الأيَّام قوَّمها ... بسطوة زال عنها الجوز والميل مولًى له عزماتٌ ليس يدركها ... وهمٌ وأصغرها بالنَّجم متَّصل مولي إذا رام أمراً عز مطلبه ... بوهمه كاد قبل الكون ينفعل يقيم في الأرض حد الله مجتهداً ... يبغي رضاه بحلمٍ زانه عمل ماضي السِّنان شديد البأس لا هلعٌ ... يثني عنان مرامية ولا وجل ثبت الجنان إذا نار الوغي اضطرمت ... بالحرب فهو الشُّجاع المقدم البطل له بديهة رأي لا يقوم بها ... فكر إذا ضاقت الآراء والحيل له أياد إذا قابلت أيسرها ... بالغيث زادت عليه حين ينهمل كأنما الناس في أيام دولته ... لجنة الخلد لا صابٌ ولا شل إذا سري جيشه في يوم معركة ... قيدت لهيبته الأبطال والخول /18 ب/ بهمَّة لو بدت يوم الوغي فعلت ... ما ليس تفعله الخطيَّة الذُّبل سوابل الغيث في أهداف وابلها ... تحكي عطاياه لا منعٌ ولا بخل يراقب الله في ادني رعيته ... ولا تراه بنار البأس تشتعل لو اقشعرت فجاج الأرض من ظمأ ... لجادها من نداه الطَّيبَّ الهطل أو استطالت صروف الدَّهر قوَّمها ... بصولة رهبتها البيض والأسَّل لو قال للدَّهر لا تلمم بحادثة ... لعاد أسرع ممشًي وهو ممتثل أو جاز في الدهر يوم .... حائره ... أو همَّ بالخطب ولَّي وهو منخذل أو رام من قدرٍ حتمٍ فمانعه ... كادت لهيبته الأقدار تنفعل

أو شلَّ كفَّ المنايا بعد ما اتَّصلت ... بجسم حيّ لكادت منه تنفصل يخبِّر اللَّحظ عنه أنُّه رجلٌ ... ولو دري لم يقل إلاَّ هو الرَّجل يعطي ويحيي بلا من ولا عضلٍ ... كالماء بيديه الرزق والأجل طابت بسيرته الدُّنيا وزاولها ... ظلامها واستنار السَّهل والجبل جلُّ الملوك بدون الدِّين قد شغلوا ... وناصر الدِّين بالإسلام منشغل /19 أ/ ملائك الله أنصارٌ له فهم ... يوم الضِّراب له بالنًّصر قد كفلوا ليثٌ هزبرٌ مكرٌّ باسلٌ بطلٌ ... مستبشرٌ وليوث الحرب قد ذهلوا قيلٌ شجاعٌ مطاعٌ ضغيمٌ قدامٌ ... غيثٌ مغيثٌ كريم الخيم .... به من الله تستقي الغمام اذا ... ضنَّت بوابلها الشَّحَّاحة الهطل يا نائب الله حقّاً في بريَّته ... ومن بدولته قد عزَّت الدُّول ومن أوامره فرضٌ به نطقت ... أي الكتاب ووحي الله والرُّسل آباؤه خلفاء الله وهو لهم ... فخرٌ وليس لهم من فخره بدل آل الرسول وأعلام الورى وبهم ... يهدي الأنام إذا ما استحوذ الزَّلل هم النُّجوم ولكن أنت شمسهم ... لمَّا بدا نورك السَّاري لهم أفلوا أنت الإمام الَّذي لولا خلافته ... صبا الأنام إلى الطَّاغوت وانتقلوا أنت الَّذي خضعت هام الملوك له ... طوعاً وكرهاً ودانت أمره الملل أنت الَّذي طاعة الرحمن طاعته ... في الأرض لولاك عمَّ الخطب والخطل لو كان في الأرض إنسانٌ يخالفه ... ضاقت عليه فجاج الأرض والسُّبل فان تداركه من جود رحمته ... لطف وإلَّا اقتراه الذئِّب والوعل وصار للوحش بعد العزِّ مأكلةً ... والميت للوحش في بيدائها أكل /19 ب/ أما رأيتم أحاديث الَّذين عصوا ... رأي الإمام وفيما أيَّه نزلوا رموا عساكرهم بالبغي واجتمعوا ... في الغيَّ واطَّرحوا الإسلام واعتزلوا واحكم الشَّر والشَّيطان بغيهم ... وعاندوا الله بالطُّغيان واحتفلوا ففرق الله منهم كلَّ ما جمعوا ... وردَّ بأسهم بالخزي واتخذلوا تيقَّنوا بعد ما حلُّوا معاقلهم ... أن ليس يعصمهم عن بأسك القلل تزلزلت بهم اعلي جواسقهم ... من بعد أمنٍ وذاقوا سوء ما عملوا

لاقوا منيتَّهم من دون منيتهم ... بالرَّغم وادَّرعوا بالذُّلِّ واشتملوا بادتهم حادثات الدَّهر ما نفعت ... تلك الأسرَّة والتِّيجان والحلل واصبحوا قد اباد الله ملكهم ... أعزُّ من فيهم بالهون مبتذل سوء الصَّنيع لقوا بعد النَّعيم شقوا ... في حشرهم حرقوا بالنَّار واشتعلوا أتاهم الله بالبأساء إذ جحدوا ... حقوق مولًي علي باريه متكل تنعموا وطغوا في عيشهم وبغوا ... فأصبحوا بعد رغد العيش قد أكلوا يا ابن البطاح ويا غيث النَّواح ويا ... بحر السَّماح إذا اجواده بخلوا عام الرَّمادة مشهورٌ لجدُّكم ... سري وغنَّت به الرُّكبان والرَّجل عمِّ النَّبيِّ وشيخ المأزمين ومن ... له السِّقاية والإعظام والنَّفل /20 أ/ عليكم نزُّل التنزيل وانتشرت ... آياته واليكم حجَّت الرَّسل يا صاحب الدَّهر يا من لا شبيه له ... في العصر قولاً صحيحاً ليس ينتحل الملك فيكم فمن ملكتهم ملكوا ... والفضل منك فمن فضَّلتهم فضلوا عش وابق واسم وصل وانعم ودم وانل ... فالأكرمون لما أوليت قد خجلوا أيَّامك الغر ُّلا زالت مخلَّدة ... يقضي الزَّمان ولا يقضي لها ـجل ما غنتَّ الطيَّر في غنًّاء مورقةٍ ... وحنَّ صبٌّ براه الصدُّ والملل [333] عبد القادر بن أميريّ بن بختيار بن الخلِّ بن محمد بن داود بن عبد الله، أبو محمدٍ بن أبي الخير الأشهي والداً واصلاً، الإربلي مولداً ومنشأ. كانت ولادته بإربل تقديراً سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وتوفي بها حادي عشر جمادي الأولي سنة إحدي وعشرين وستمائة، ودفن شرقها بمقبرة تعرف بمشهد الكفّ. وكان والده رجلاً صالحاً من الفقهاء المتبعدين، محدِّثاً يلقَّب قطب الدين؛ وابنه أبو محمد اعتني بالحديث، فسمع منه كثيراً علي جماعة /20 ب/ علي جماعة من المشايخ، وكان ذكياً مطبوعاً، له طبع النظم من غير اشتغال بالأدب.

أنشدني أبو عبد الله محمد بن أرسلان لاجين الإربلي؛ قال: أنشدني عبد القادر بن أميري لنفسه من قصيدة يرثي بها والده – رضي الله عنه -: [من الطويل] شجا قلبي العاني فراق الحبائب ... فأضحي عليَّ الهمَّ ضربه لازب وسحت جفوني بعد بعد أميمة ... بدمعٍ كما سحَّت جفون السَّحائب وكنَّا جميعاً في رياض مسرَّةً ... وطيب امان من صروف النوائب فلم يبق إلَّا حسرةٌ بعد حسرةً ... وتعليل نفسٍ بالظُّنون الكواذب وفرقة قطب الدّين والدي الَّذي ... لها بفؤادي مثل وقع القواضب تباعد عنَّا بعد أن كان دانيّا ... بنفسي ابي من غائب غير آثب لقد كان يدعو ليله ونهاره ... لمالك أعناق الورى بالمواهب وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في إنسان: [من الوافر] لنا جيران سوء لا نبالي ... بصحَّتهم لأنَّهم كسالي /21 أ/ رجوت نوالهم من فرط جهلي ... ودون نوالهم طعن العوالي لقد صدق الَّذي قال قبلي ... مقالة رب صدِّق في المقال: امن دار الكلاب تريد عظماً ... لقد أطمعت نفسك بالمحال رجوناهم يعينونا فباعوا ... هداياهم بأنواع الضلال ولم انس الإساءة من أناسٍ ... وزجرهم الصَّوافن بالنعال عتبناهم لأنُّهم جواري ... وحفظ الجار من شيم الموالي وأنشدني أبو عبد الله بن عبد السيد بن احمد الإربلي البغدادي؛ قال: أنشدني أبو محمد عبد القادر لنفسه في الوزير الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي – رحمه الله تعالي – كان قد خرج ليلاً، فوثب عليه شخص سوء فضربه بسكين ليقتله، وانهزم فصادف في طريقه إنساناً اسمه غزال، فقتله: [من الطويل] عجبت لكلب أمَّم اللَّيث بالرَّدي ... فكانت فداء اللَّيث روح غزال /21 ب/ بإحسانك الجمَّ العميم إلى الورى ... وقاك الرَّدى: ربُّ الورى المتعالي

وحبُّ رسول الله للمرء عصمهٌ ... وآل رسول الله أكرم آل [334] عبد القادر بن مسلم بن سلامة بن أبي البهاء الحرّانيُّ. وقع إلى من شعره قصيدة مدح بها الوزير الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي – رحمه الله – أنشدنيها عنه أبو عبد الله محمد بن احمد بن عمر الإربليّ الحنفي؛ قال: أنشدني عبد القادر بن مسلم لنفسه: [من الكامل] الدَّمع يظهر ما اجنُّ وأضمر ... والسُّقم يهتك في الَّذي ما أستر لو أنَّ قيساً قيس بي لفضلته ... وكثيِّراً عداً يقلُّ ويكثر يا من تقر بقتلتي وجناته ... حتَّى م تجحد مقلتاك وتنكر كم ذا التمادي في الصُّدود وعبرتي ... بمدى المدامع فوق نحري تنحر ماذا يضرَّك لو سمحت بزوره ... زوراً عسي بالنَّوم طرفي يظفر من لي بمرَّ الهجر حلو وصلهً ... يصحو من الشَّوق العنيف واسكر /22 أ/ أدنو فيبعد بعد وصلً جافياً ... ويخون عهدي إذ وفيت ويغدر يا من يميل إلى الملالةٍ والقلي ... وينام عن ليلي الطَّويل واسهر حتَّى م لا ألقاك إلَّا معرضاً ... متجِّنياً عنِّي تصدُّ وتهجر ألَّا رثيت لرثِّ حالٍ لم يزل ... يصفيك محض وداده وتكدِّر أمسى غريقاً في بحار دموعه ... والنَّار حشو حشاشه تسعَّر يا غصن بان شعره أوراقه ... من فوق أعلاه هلالٌ يثمر خدَّاك ورد واللَّوحظ نرجسٌ ... والصدع آسٌ والمقبَّل جوهر حكت الغزالة نور وجهك إذ بدت ... ورنا لمقلتك الغزال الأحور ما قلت إنَّك قد حكيت بجؤذر ... بل قلت انك قد حكاك الجؤذر ويلاه من ثمل المعاطف قدُّه ... رمحٌ ومقلته الكحيلة خنجر في فيه ورد كالسُّلاف مذاقه ... وبخدِّه وردٌ جنيٌ أحمر

فضح القضيب بقدِّه لَّما بدا ... يهتزُّ من مرح الشَّباب ويخطر وغدا الفؤاد بأسره من أسره ... لمَّا بدا في مشية يتبختر فاق الغصون المايسات نضارةً ... فحلت شمائله وراق المنظر من سود جفتيه يجرد أبيضٌ ... ويهزُّ من عطفيه لدنٌ اسمر /22 ب/ يا منذري بالعذل في من خدُّه ... لشقائق النُّعمان بئس المنذر لو عاينت عيناك خطَّ عذاره ... ما لمتني ولكنت فيه تعذر عدَّ الملامة فهي لومٌ واقتصر ... يا من أطال ملام من لا يقصر لا تخذلني يا عذول فإنَّ بالمولي ... أبا البركات أضحى ينصر الماجد الحبر الجواد ومن غدت ... عنه أحاديث المكارم تسطر ما زال من جدوي يديه موردٌ ... عذبٌ لمن يرجو نداه ومصدر بحر علي قصَّاده متدفِّقٌ ... نارٌ علي حسَّاده تتسعَّر عمَّ الورى بالمكرمات فلا ترى ... إلَّا فتًى يثني عليه ويشكر ولقد طويت البيد نحو فتًي له ... صحف النَّدي في كلِّ ناد تنشر يا عامراً بالمال آمال الورى ... لا زلت تعمر بالنَّوال وتغمر لو أنَّ كفَّك صافحت حجراً غدت ... منه ينابيع الندي تتفجَّر يا من سماء ندى يديه لم تزل ... في أرض عافية تسح وتمطر إ، جدت للعافي فإنَّك حاتمٌ ... أو صلت في الباغي فإنكَّ عنتر الله خصَّك دون سائر خلقه ... ببلاغةٍ معروفةٍ لا تنكر فإذا نظمت نظمت أكباد العدا ... وإذا نثرت فكم رؤوس تنثر؟ /23 أ/ يا من له القلم الَّذي دانت له ... بيض الصَّفائح والوشيج الأسمر يا من إذا سارت كتائب كتبه ... في النَّاس تطلق من تشاء وتأسر بك قامت الأرواح أرواح الورى ... إذ كلهم عرضٌ وأنت الجوهر [وقال في غلام عليه قباء أزرق: [من الوافر]

وبدرٍ في دجي شعر تبدَّا ... يقلُّهما قضيبٌ في كثيب غريب الحسن يطلع في قباء ... سماوي ويغرب في القلوب وقال أيضاً وقد ودع محبوباً له: [من البسيط] ودعته وحشاي حشوها حرقٌ ... ومدمعي بالَّذي أخفيه قد نطقا فما تفارقت الأجسام حين سري ... ألَّا وروحي وجسمي بعده افترقا [325] عبد القادر بن زنكي بن بنيمان، أبو بكرٍ الأشتريُّ. ينسب إلى الأشتر، أحد [أعيان] البلاد الجبلية. فقيه شافعي المذهب، تفقه ببغداد علي أبي القاسم بن فضلان وغيره، وحصل طرفاً من المذهب والخلاف، وتكلّم في المسائل وأعاد بالمدرسة النظامية، ثم درس بعد ذلك بالمدرسة التي أنشأها فخر الدولة أبو المظفر بن المطلب بعقد المصطنع، وولي النظر في أوقافها فلم تحمد طريقته، وعزل عن ذلك في جمادي الآخرة سنة ست وتسعين وخمسمائة. وكان سمع الحديث من أبي المعالي بن الفراوي، واحمد بن إسماعيل القزويني، ذكر لي أبو المجد إسماعيل بن هبه الله بن باطيش /23 ب/ الموصلي، انه شاهده بمدينة السلام في سنة ثلاث وستمائة، علي قدم البطالة. وجدت له قصيدة مزدوجة، ترجمها بكتاب التبيان في ذكر الفتوة والفتيان، وقدّم من مشاهير الفتيان آدم، ثم تلاه في فتوة إبراهيم، ثم إسماعيل، ثم يوسف، وفتوة يوشع؛ وذكر الفتوة والفتيان في آي القرآن، وفتوة أصحاب الكهف، وفتوة النبي المصطفي، والمرتضي، وفتوة الأخيار من المهاجرين والأنصار، وختمة بفتوة الإمام الناصر لدين الله، والثناء علي المواقف المقدسة الشريفة الإمامية – زادها الله عزاً وشرفاً – وذكر حقيقتها وشروطها وأركانها وحدها وأحكامها وأضدادها، وماهية

محصولها، وقول العلماء الزُّهاد فيها مثل: الجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، واحمد بن حنبل، وإبراهيم النصر اباذي، وعمرو المكي، والحارث المحاسبي، والفضيل بن عياض، وأبي القاسم القشيري، وافتتحها بقوله في الثناء علي الله تعالي وعلي رسوله سيد /24 أ/ الأنبياء صلي الله عليه وسلم: [من الرجز] ثناء ربِّ العزَّة القديم ... أولي لدي المقال بالتقديم فالحمد لله الَّذي برانا ... ثمَّ إلى توحيده هدانا والحمد لله وليِّ النِّعم ... مبدي الأقاليم وبادي النَّسم مصوِّر الأفلاك والأملاك ... مقدِّر الإخلاص والإشراك مزيِّن الأنفس بالعقول ... مقسِّم الفصول والأصول موشح الأشباح بالأرواح ... مروِّح الأرواح بالأفراح باسط ارض العرش في السماء ... واضع فرش الأرض فوق الماء موجد كلِّ ما سواه وجدا ... هو الَّذي حق له أن يعيدا من علينا بفنون النِّعم ... مقسومةً ولم يجر في القسم شرَّفنا بملَّة الإسلام ... عرفنا تجنُّب الآثام نحمده حمداً كما يستوجبه ... والحمد منَّا هو أيضاً واهبة وهي تربو علي مائتي بيت، وآخرها ما هذا شرحه: أقول معتذراً إلى الحضرة الكريمة الشمسية – أكرمها الله تعالي: [من الطويل] /24 ب/ خزانة شمس الدُّين دام ظلاله ... بها غنيةٌ عن كلِّ مبتكر ندر هو البحر ... إلَّا أنَّه البرُّ بالورى ... وها اهديت الجمال إلى البحر بعثت له من بعض ما منه نقتني ... لذا البحر تأتيه السحابة بالقطر

[336] عبد القادر بن يحيي بن أبي القاسم بن أبي المعالي بن هود بن حماد بن أبي بكر بن خبيرٍ، أبو الفضل الحميريُّ البوازيجيُّ من أشهر بيت بالبوازيج، حفظ القرآن العظيم، وقال شعراً كثيراً، مدح به الناس، وما مدح أحداً إلَّا وعاد هجاه، وهو شاعر مجيد، سخيف الهجاء، خبيث اللسان. أنشدني لنفسه؛ يمدح الإمام العلامة حجّة الإسلام كمال الدين أبا المعالي موسي بن يونس بن محمد بن منعه بن مالك الفقية المدرس، الموصلي الشافعي – رحمة الله -: [من الطويل] مغانيالصِّبا لا زال ربعك غانيا ... وأصبح خاليه من النُّور حاليا عدتك العوادي من زمانك واغتدت ... إلى ربعك الأنواء تهدي الغواديا نثرت لآلي الدَّمع فيك وطالما ... نظمت بوصل الغانيات الَّلاليا /25 أ/ ومنها: يسائلني عن علَّةٍ ما شكوتها ... أليه خليلٌ ليس يعلم حاليا ويأبي الهوى أن يكشف السِّتر بيننا ... فيصبح سرُّ الحب للنَّاس باديا وكنت إذا ما جئت أسماء زائراً ... نظرت يميني تارةً وشماليا فأدنوا ولم يشعر من الحيِّ كاشحٌ ... وامضي وقد سلُّوا عليَّ المواضيا إذا رمت من أسماء في اللَّيل خلوةً ... تنبِّه في جنح الظَّلام الأعاديا كأنَّ ظلام اللَّيل كل نجمة ... عليَّ رقيباً أو به مثل ما بيا كأنَّك يا نجم السَّماء حمامةٌ ... تهيِّج للأعداء ليلاً حماميا كأنَّك دهر عاندتني صروفه ... فكدَّر من أسماء ما كان صافيا نأي النَّوم عنِّي بالهموم كأننَّي ... وهبت لطرّاق الهموم رقاديا وخيفاء كلَّفت المطيَّ اعتساقها ... ذميلاً وقد القي الظَّلام المراسيا وهبَّت لنا ريحٌ من الأرض قرَّةٌ ... ولا نار إلَّا جذوةٌ في فؤاديا

ولاح لنا وهنًا من الغور بارقٌ ... أضاءت به الآفاق لمَّا اضاليا فقلت لصحبي حين عاينت ومضه ... وقد بلَّ بالعلل النسيم ردائيا ـما في الَّتي لاحت لموسي بدت لنا ... من الطُّور أم أنوار موسي أماميا /25 ب/ من الفضل آياتٌ له لو دعا بها ... إلى سبله أضحى إلى الحقِّ داعيا ولو أنَّه يوماً تحدَّي بفضله ... لأعجز في الدُّنيا قريباً وقاصيا لئن كان موسى ضلَّ طوراً بقومه ... فإن كمال الدين ما زال هاديا له طور فكر من حجاه إذا ارتقي ... علي ظهره أضحي كليماً مناجيا ولو أنَّه ألقيً عصاً من علومه ... علي سمع فرعون لما كان عاصيا تسير العلا أنَّي سري في ركابه ... ويسعي إلى اكنافه العز ماشيا ولو فر إنسانٌ من الموت هارباً ... إلى ظله أضحى من الموت ناجيا وأنشدني أيضاً لنفسه؛ يمدح الملك الناصر صلاح الدين داود بن عيسي: [من الطويل] بآلاء ذا الملك الَّذي عمَّ نائله ... تبلَّج وجه الملك واشتدَّ كاهله وسالم دهرٌ كان حرباً وأصبحت ... بداود عنَّا راحلات نوازله وأقبلت العلياء تسري إلى فتًي ... جميل محيَّاه كريمٍ شمائله من القوم مطعام العشَّية والضُّحي ... يعمُّ البرايا فرضه ونوافله فيحيي ويردي جوده وانتقامه ... فبيضٌ أياديه وحمرٌ مناصله /26 أ/ كذا الدَّهر يرجي منه للمعدم الغني ... وتخشي علي أهل النَّعيم غوائله سما بحر هذا الملك فالحظُّ وافرٌ ... لداود منه حين شرَّف كاملة تهنُّي به الدُّنيا وأنَّي لمثله ... يهنَّي به الشَّئ الَّذي لا يماثله ولكنَّني هنيَّت كلَّ فضيلة ... بأكرم من تغشي الأنام فواضله لسان نضالٍ أفحم النَّاس نطقه ... فما آمنٌ في العالمين يناضله وذو حكم لو أنَّ سقراط في النذُهي ... مسائله هانت عليه مسائله له سطواتٌ تملأ الأفق هيبةً ... وعارض جود طبَّق الأرض وابله ففي كلِّ قلب خلَّف الرُّعب بأسه ... وفي كل شعب خلَّف الحمد نائله ففي الحرب تِّهمي بالدِّماء سيوفه ... وفي السِّلم تهمي بالعطايا أنامله

ألا أيها الملك الَّذي سار خوفه ... إلى كل قلب ثم حطت رواحله إلي م عدوُّ الدين تهجره القنا ... وقد نحلت شوقاً إليها مقاتله ذر السَّيف يروي فيهم فلسانه ... فصيحٌ بهذا الدّين ما النَّصر قائله فإن كنت لا ترضي لنفسك قتله ... فإنَّ الَّذي في نفسه منك قاتله فكم ملكٍ تحت العجاج تصادمت ... قناتك في يوم الوغي وقنابله شهرت عليه المشرفيَّة والقنا ... فولَّت كعانات الفلاه جحافله /26 ب/ أقلَّت رياحٌ من سطاك عليهم ... سحاباً بصوب الموت جادت مخايله همي فحدود المشرفيَّة سيله ... علي كلِّ هام والنُّحور جداوله واعملت في اللَّبَّات كلَّ مثقَّفٍ ... يسيغ دماً حتَّى تبزَّل عامله فلو أنَّ ملك الارض يوماً دعوته ... أجابك حقُّ الملك يوماً وباطله فأنت حسام الله في يد قهره ... وأنت لواء الدِّين والله حامله ومن كان في الآفاق بالجود قابلاً ... فإنَّ صلاح الدِّين في النَّاس فاعله ولو لم يحاول جود كفَّيه آملٌ ... سري نحو ربع الآملين يحاوله وأنشدني لنفسه يمدح الوزير الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي – رحمة الله -: [من مجزوء الرمل] يا لقومي الأقارب ... للقنا والقواضب قتلتني تعمُّداً ... لحظات الكواعب ورمتني بأسهمٍ ... عن قسيِّ الحواجب ضرهَّ الشمس لو بدا ... وجهها في الغياهب منع الطرَّف ان يري ... مشرفات الكواعب تتعاطي لقومها ... باجتناب المعايب /27 أ/ فهي لا شكَّ أنَّها ... من لؤيِّ بن غالب كيف أدنو ودونها ... بالظُّبا كلُّ ضارب وحرابٌ يهزُّها ... كلُّ ليث محارب ولها من عفافها ... حاجب أيُّحاجب ظلت من فرط حبِّها ... هائماً في السباسب

هكذا كلُّ قابض ... مولعٌ بالرَّبارب نجل موهوب يممِّوا ... تظفروا بالمواهب لو دنا كلَّ راهبٍ ... من حماه وراغب لاغتدي غير خائفٍ ... وانثني غير خائب [ولقد قلت للركا ... ئب بعد الركَّائب] هو مازال راغباً ... في ابتذال الرَّغائب أنت يمٌّ يؤمُّه ... كلُّ ماش وراكب ومغانيك كعبةٌ ... للمني والمارب شرف الدِّين دعوةً ... من محبٍّ وصاحب فاستجب دعوة أمرئٍ ... في الهوي غير كاذب بنوالٍ مسحِّب ... ذيله كالسَّحائب /27 أ/ وابق للحلم والنَّدي ... والعلا والمناصب وأنشدني أيضاً لنفسه: [من مخلّع البسيط] مرَّ أبو مرَّة علينا ... وقد تجلَّت لنا المدام فظلَّ منَّا لهًا سجودٌ ... طوعاً ومنَّا لها قيام في زيِّ حبر عليه مسحٌ ... من لونه ينشر الظَّلام قال: سلامٌ، فقلت: منَّا ... عليك سيِّدي السَّلام فقال: مالي اراك عنهم ... بمعزلٍ أيُها الغلام رغبت عن مذهب الحميَّا ... ما هكذا تفعل الكرام فقلت: شرب المدام حلُّ ... فقال لي: تركها حرام إشرب فقال النَّديم: خذها ... أفتاك في شربها الإمام فخضت بالإثم في بحور ... يموج في لجِّها الأنام كم طاح شهرٌ، وراح دهرٌ ... ومرَّ عامٌ، وجاء عام

ونحن في جنَّةٍ الحميًّا ... يسمح في دوحها الحمام يدبر ماساتها علينا ... بدر الدُّجي زانه التمام تسعي إلى السُّكر بعد سكرٍ ... فلا صلاةٌ ولا صيام /28 أ/ وأنشدني لنفسه يمدح السلطان الملك الأشرف موسي بن أبي بكر بن ايوب: [من البسيط] مالي وذكر الرُّبي والمنزل الحرب ... وترك ما رمت من لهو ومن طرب لا أبتغي غير رشف الكأس تكرمةً ... من الزَّمان ولثم الواضح الشَّنب من كفِّ راهبة في الوصل راغبةٍ ... تلين من رهبٍ طوراً ومن رغب شمس تراءت لنا ليلاً علي غصنٍ ... كأنَّها طلعت صبحاً ولم تغب ظلَّت مصفِّقةً بالرَّاح ما زال يعصمها ... من الخطوب فلم تفرع ولم تشب حتَّى إذا كان منها غفلةٌ بررزت ... للنَّاس من خدرها في منظر عجب زني بها الماء فاصفرَّت له خجلاً ... منا وبرقعتٍ الخدِّين بالحبب رقت فلا جوهرٌ أمست ولا عرضاً ... وليس من فضة كانت ولا ذهب حتّى تحيَّر فيها الواصفون فلم ... يحظ المبالغ في وصف ولم يصب تخال أنَّك في الإسلام تشربها ... لو لم تمل برؤوس الشَّرب عن كئب لولا تنصُّرها في الكأس ما سبيت ... وشدَّ راووقها الباقي إلى الصَّلب ولا سعينا إلى الحانات تسلبها ... بالطَّاس لا بالمواضي والقنا السلب /28 ب/ لكنَّها اعربت عن كفرها وغدت ... حرب الأعاجم في الإسلام والعرب صالوا عليها، وصالت في عقولهم ... فليس ينفكُّ بعد النَّهب في نهب تحكَّمت فيهم سكراً كما حكمت ... أشباع موسي علي الاعداء بالقضب القائد الجيش كالآذيِّ يتبعه ... وسائق الجيش بالخطيِّ في العقب وفتيةٍ سبقوا بالطَّعن اذ علموا ... أن التاخُّير لا ينجي من الهرب المقدمون وفي الإقدام حتفهم ... يوم النزال كأنَّ الخير في العطب لو أنَّهم جزعوا يوم الوغى حتفهم ... يوم النزال كأنَّ الخير في العطب أبت تقرٌّ علي جسم رؤوسهم ... لو لم تقرَّ لك الهيجاء بالرُّتب

فاستسلمت للعدا في الحرب إذ نصرت ... أعلامهم ودعت بالويل والحرب ناداك والملك قد شالت نعامته ... صونا فلبيَّته بالفيلق اللجب فزرته ورماح الشِّرك تحسبها ... في ساحل البحر آجاماً من القصب لقبتهم مغضباً فانقض جمعهم ... خوفاً فكان الرَّضا في ذلك الغضب ضربتهم بالظُّبا حتَّى نثرتهم ... ضرباً علي هامهم احلي الضرب فاقبل الوحش يبغي من أماكنه ... قري الأسنَّة والهنديَّة الشُّطب علماً بأنَك تردي ما يميرهم ... جاءوك فانقلبوا في خير منقلب /29 أ/ ردَّت كتائب عيسي وهي طالعةٌ ... أيات موسي التي اثبتن في الكتب لم يحيي امواتهم لكنَّها ظهرت ... لقوم في سلب الأرواح والسلب فأنهل العجم في الهيجاء ما نهلوا ... وعلَّهم من حياض الرُّزء والنُّوب فإن بأسك بأسٌ لو قذفت به ... صدر المجرَّو أجرها على العقب واعلم بأنَّك إن لم تلق خيلهم ... كانت لها قثب الخطيِّ كالعشب إنَّ الكلاب إذا لم يلقها أسدٌ ... كانت كأسد الشَّري من شدَّة الكلب وجمرة الشَّرِّ ان لم يطفها غدقٌ ... من الأسنَّة لم تفتر عن اللَّهب يا أيُّها الملك الميمون طائره ... ومن إليه انتهاء المجد والطّلب أني أتيتك أبغي منك ما ضمنت ... لي الظنون واشكو حرقة الأدب وأنشدني أيضاً: [من الوافر] إذا طلعت وليل الهمِّ داجي ... كؤوس من الرَّاح في كفِّ النَّديم ودارت بيننا خمساً وخمساً ... درات بنورها ظلم الهموم وطارت في وجوههم وأمسى ... حقير القوم في خلق العظيم تبسَّطنا علي الآثام حتَّى ... شربنا بين زمزم والحطيم ويغمرنا علي الالحان بحرٌ ... فنغرق منه في لجج النَّعيم /29 ب/ وأنشدني لنفسه، وقد قصد بعض الرؤساء، فححبه البواب: [من الكامل] ما زلت أكره من جنابك زورةً ... حتَّى كفاني شرَّها البوَّاب واراك تتَّخذ الحجاب تعلُّلاً ... وحقير برِّك للاتي حجاب

قد كنت اعلم أنَّ الك في الوري ... أل ترفِّعه رُّبي وهضاب لكن سمعت بأنَّ جودك لجَّةٌ ... فإذا الَّذي غرَّ الأنام سراب وأنشدني لنفسه في مغن يهجوه: [من المنسرح] غنَّي ابن أخت الزَّعيم والشَّرب قد ... دار عليه الشَّراب فانشعبا فما شككنا وقد مضوا فرقاً ... أن غراباً عليهم نعبا ورجَّع القول في بقيَّتهم ... فاطنبوا بالمقال واحربا وهو علي جهله بصنعته ... يظنُّهم قد تهتكوا طربا وأنشدني لنفسه في مستنيب يهجوه: [من المتقارب] كأنَّ أبن افشين في زيره ... رياح الشِّتاء جرت بالأّصيل فتلك تجمد صوب الغمام ... وهذا يجمِّد صوب العقول له نفسٌ باردٌ يابسٌ ... يردِّده في الخفيف الثَّقيل /30 أ/ وانشدني أيضاً قوله: [من الوافر] ومعتدل القوام اذا تثَّني ... أراك معاطف الغصن الرَّشيق كأنَّ عذاره والخدُّ منه ... غضيض النَّبت احدق بالشَّفيق إذا سقَّاك في درٍّ عقيقاً ... تقبِّل منه دراً في عقيق ففي ألفاظه واللَّحظ سحرٌ ... يرد الطَّائعين إلى الفسوق دعاني فاهتديت إلى طريق ... يضلُّ المهتدين إلى الطَّريق رشفت رضابه وشربت خمراً ... ففضَّلت الرَّحيق علي الرَّحيق وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الكامل] قدم الرَّبيع بورده وبهاره ... فاستجل نبت الدَّهر في ازهاره وتوقَّ غرته اذا أبرزتهأ ... للناس إنَّ الرَّاح من ابكاره زمنٌ اعار الارض ثوب سمائه ... وبدت كواكب ليلة بنهاره فاخلع عذارك في الملام لأهيفظس ... تسيبك مقلته وحسن عذاره وأنشدني أيضاً من شعره: [من الطويل] بعثت إلى المولي الوزير شكايةً ... واظهرت فيها ما تجنُّ الضَّمائر

ليعلم إنِّي قاطعٌ حبل وصله ... وأنِّي من بعد المودَّة هاجر /30 ب/ وأنَّي مع هجري له واجتنابه ... علي القري والنَّأي المفرِّق شاكر فكم موطن يا ابن الكرام لديكم ... تساوي الحصافي جوِّه والجواهر ولم أنس فيضٍ الدَّمع حلماً لأنَّني ... صفحت عن الازمان وهي غوادر ولكنني احببتكم وأخو الهوي ... علي كلِّ مكروه من الحبِّ صابر وأنشدني لنفسه يمدح النقيب محيي الدين أبا طاهر محمد بن حيدر بن محمد بن زيد الحسيني الموصلي: [من الطويل] جهلت من المعروف ما أنت عالمه ... إذا لم تزر ربعًا تعفَّت معالمه وما هاج وجدي معلمٌ بان اهله ... ولكنَّ عهداً في ... تمائمه وقفت به والصَّبح قد هزم الدُّجي ... إلى الغرب لمَّا سلَّ بالشَّرق صارمه وللطير في شجراته وقصوره ... ترنُّم زنجيٍّ شجتني طماطه فأسبل دمعي كالعقيق واسلمت ... فؤادي إلى ايدي الحمام حمائمه سقت تربه الأنواء حتي تصرَّمت ... وحيَّاه من نوء السِّماكين رازمه واغيد فتَّان اللَّوحظ لو رنا ... إلى بارحٍ لانهلَّ بالماء قائمة أغار علي ألبابنا بلحاظه ... فراح وألباب الرِّجال غنائمه /31 أ/ إذا البرق أمسي ثغره مبتسِّماً ... حكته وقد لاح الصَّباح مباسمه أري الدَّهر للحرِّ الكريم محارباً ... وإن كان بالرَّغم الكريم يسالمه فيخفضه ان رام في الناس رفعهً ... ويصرفه عن حقِّه وهو ظالمه ولكنَّ سمحاً تسلب الدَّهر حكمه ... إذا برزت آراؤه وعزائمه يخوض إلى العلياء كلَّ كريهة ... يصادم اطراف القنا وتصادمه لأجدر أن يلقي الَّذي لا يسوؤه ... من الدَّهر او يعنو له وهو راغمه وإن أخا الإعدام من بات طالباً ... مزيد غنًي في نفسه وهو عادمه ومظلمة الأرجاء قفرٍ قطعتها ... علي خاضبٍ كا ..... تترو قوادمه تجهَّمها واللَّيل ملق جرانه ... وقد لاح راميٍه وطارت نعائمه كأن نجوم اللَّيل نور خميلة ... تفتَّح وهنا والنَّهار كمائمه كأنَّ الدُّجي سارٍ بحيٍّ تفاذفتً ... براكبها الأمواج والركّب عائمه

رسمنا البلد الغبر لمَّا تغشمرت ... إلى ابن عبيد الله .... رواسمه إلى ذي ندي ينهلُّ قبل سؤاله ... كما انهلَّ من نوء السِّماكين رازمه إذا ما أتاه طالب ...... .... يعارضه ثمَّ استهلَّت غمائمه نداه يعمُّ المعتفين وبرُّه ... يزور اليتامي قائم الدَّهر صائمه /31 ب/ من القوم لا المَّعروف فيهم بمنكرٍ ... ولا البرق من آلائهم خاب شائمه ولو لم يكن من معشرٍ طاب خيمهم ... كرامٍ كفتهم في الفخار مكارمه وإنَّ لمحيي الدِّين فضلاً عليهم ... كما فضل الحيَّ اليمانيَّ حاتمه لئن فخرت أبناء فهر بما بنت ... وزاد علي ما شيَّد القوم هاشمه بكم جلَّ هذا البيت حتَّى تواضعت ... لديه المعالي واشمخرت دعائمه وأنتم من الهادي اذا انتسب الورى ... يداه وما ضمت عليه حيازمه وأنتم لهذا الدِّين آل محمَّد ... علي الخصم عضبٌ في يد النَّصر قائمه أبوكم إمام المتَّقين فمن عصي ... أوامره اصلته ناراً جرائمه إمامٌ له جبريل ما زال خادماً ... وحسبك فخراً أنَّ جبريل خادمه ولولاكم ما قام للدِّين منبرٌ ... ولا خطبت اعرابه واعاجمه بجدَّكم المبعوث جلَّت فروعه ... ومن علمه دون الوري قال عالمه وكنتم علي الآفاق عارض رحمةٍ ... بوارقه محمودة وهماهمه وأنشدني أيضاً لنفسه من قصيدة يمدح بها: [من الوافر] لسعدك يخضع الفلك الآثير ... وأنت الحيُّ تخدمك الدُّهور /32 أ/متي خاضت بحدِّ ظباك حرب ... فليس لها وإن هزمت ظهور تسيل بها دماً مهج الأعادي ... إذا افترعت بكارتها الذُّكور ويوم ظلَّ مسودَّ الحواشي ... تحلقه بأنفسها الصُّدور كأنَّ تناوح الجيشين فيه ... جبال الرُّوم قابلها ثبير شهرت عليهم بيض المواضي ... من الأغماد وهي لها خدور وقد انكحتهنّ الهام ضرباً ... وكان نتاجهنَّ دماً يمور وأنشدني له: [من المنسرح]

ربع الهوي ما وقفت في كثبه ... وقد رماك الغرام عن كثبه وقفت عن اهله تسائله ... والدَّمع قد عمه بمنسكبه أضحي خلاءً فما به طللٌ ... يعرب بعد المحول عن عذبه كيف يلذُّ الفتي بعيشته ... والعمر سفرٌ والدَّهر في نهبه والمرء ما زال في تقلَّبه ... تسلم آماله علي عطبه ومنها: وأهيف كالقضيب أهدي لك السِّرَّ من مأسه ومن شنبه علي ريلض تحكي الظَّلام ويحكي نورها النَّيَّران من شبهه /32 ب/ يلثمني كأسها والثمه ... حبّاً فسكري بها وصحوي به [337] /34 أ/ عبد القادر بن أبي عبد الله الخياط – والده من أهل دمشق – الدمشقيُّ كان شاباً ذكي القريحة في قرض الشعر، وقرأ شيئاً من الادب علي شيخه أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي. أنشدني الخطيب عبد الرحمن بن منصور بن /34 ب/ جامع الدمشقي؛ قال: أنشدني عبد القادر بن العجيل؛ يمدح شيخه تاج الدين الكندي، وهو زيد بن الحسن: [من الكامل] أفض الدِّما بمرابع الأدم ... واندب معالمهنَّ بالعلم برزت غصوناً في كثيب نقاً ... وبدت بدوراً في دجي لمم وسروا بليل مدلجين كما ... تسري بدور التَّم في الظلم ما انجدوا بل أتهموا ولها .. بالصبر اضحي غير متَّهم يا وفقة التَّوديع طلت بها ... ومدامعي تنهلُّ كالدِّيم أبكي وأندب أربعاً درست ... بعد الفراق بأدمع سجم

حيِّ الظِّباء بحيِّ كاظمةٍ ... وأقر السَّلام مهًا بذي سلم من سافر بالحسن ملتثمٍ ... فاق الهلال وغير ملتثم بقناة قدٍّ ما بها خورٌ ... وبسيف جفن غير منثلم لله ليلة زارني ولها ... طرف الدًّجي والصُّبح لم ينم باتت مضاجعنا جشاً حشاً ... وغدت مراشفنا فماً لفم حتَّي بدا ضوء الصَّباح بطلعة زيد الكنديِّ في الظُّلم العالم الحبر الجواد سليل الجود ربِّ المجد والكرم /35 أ/ ندبٌ اذا انتدب اليراع تري ... في الطِّرس يبدي غاية الحكم فكأنَّما اقلامه أسدٌ ... بين الأنامل منه في أجسم يا كعبةً للجود قد نصبت ... للوفد من قاصٍ ومن امم تالله ما ...... .... أذن إلَّا لملتمس ومستسلم

ذكر من اسمه عبد القاهر

[ذكر من اسمه عبد القاهر] [338] /32 ب/ عبد القاهر بن الحسن بن عبد القاهر بن ثمامه بن الحسين بن شجاع، أبو القاسم بن أبي عليٍّ الكلبيُّ، المعروف بابن المطهَّر. كان في أجداده من يلقب بالمطهَّر، اصله من حماة وجدّه عبد القاهر، كان خطيبها، وبنو عمَّه قضاتها. وأبو القاسم ولد بدمشق في حدود سنة اثنتين وستين وخمسمائه؛ قرأ الفقه بها علي القاضي محيي الدين، واشتغل بالخلاف علي الخطيب الدولعي، وسمع الحديث علي ابي المفرج الثقفي وغيره، وعنده فضل، ويقول شعراً حسناً. شاهدته بدمشق بمسجدها الجامع شرقيه، يكتب بها المشروط، وهو أحد عدولها المتميزين، شيخنا كبيراً، طلق اللسان، وذلك في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائه. ووجدته كثيراً ما يشكو من الزمان ويتظلم من أبنائه، وخبِّرت أنه كان في أيام الملك المعظم عيسي بن أبي بكر /33 أ/ ابن أيوب - صاحب دمشق - بخير وحسن حال، وله ثروة ويسار متجمِّلاً يتولي الأمر ناظراً فطمحت نفسه، وامتدت يده في مال السلطان، فتناول منه فوِّبخ عليه وحبس وصودر، فاستوصل منه عشرة آلاف درهم، فتضعضع امره، ورقت حاله، وأثَّر الفقر عليه، وهو يجتدي بشعره صدور دمشق فيثاب علي ذلك بأنزر شئ وأطفِّه فيقنع به.

وقيل لي عنه: إنذَه يبيع لمنتحلي صناعة الشعر قصائد من نظمه ليمحوا بها الناس بأحقر ثمن، يبعثه على ذلك قلّة ذات يده، والحاجة والإملاق، فالله تعالي يغنينا بفضله عمن سواه، إنَّه جواد كريم. فارقته بدمشق وهو حي يرزق في سنة اربعين وستمائة، وذُكر لي انه لحق باللطيف الخبير. أنشدني من شعره في التاريخ المذكور: [من البسيط] تصرُّف الدَّهر في هذا الورى عجب ... تصرُّفٌ فيه من خلف به ريب وحكمه في بنيه من تناقضه ... أن التناقض منه يعجب العجب يعطي ويسلب ما يعطي مفاجأةً ... ويستردُّ علي الفور الَّذي يهب /23 ب/ وقد تدَّبرت ما قد قاله مثلاً ... ذو خبرة قول صدق ما به كذب فقال حيث أجاد القول منتخباً ... معانياً مثلها في الشِّعر ينتخب [ما النَّاس إلَّا مع الدُّنيا وصاحبها ... فكيفما انقلبت يوماً به انقلبوا] يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت ... يوماً عليه بما لا يشتهي وثبوا] إن يسمعوا الخير اخفوه وإن سمعوا ... شراً أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا واحزم النَّاس من يخشي غوائلهم ... ومن يظنُّ بهم شرّاً فيجتنب ولا تصاحب منهم صاحباً أبداً ... إلّا وتحذره طبعاً وتجتنب والصَّاحب الوغد يعدي من يصاحبه ... كأنَّما هو في إعدائه الجرب والعاقل الفطن النَّدب اللبَّيب ومن ... في كلَّ حالاته مستيقظٌ درب لا تركننَّ إلى الدُّنيا فراحتها ... للرَّاكنين إليها كلُّها تعب لأنها دار آفات سلامتها ... لمن تسالمه من أهلها عطب ما إن بخيرٍ إلى من ينتهي انقلبت ... إلَّا بشرٍّ إليه بعد تنقلب تالله لولا عياٌل كلُّهم حرمٌ ... كدِّي عليهنَّ شرعاً بعض ما يجب طلَّقتها قبل ما فيها يطلِّقني ... هذي الحياة الَّتي بالموت تغتصب بئس الحياة يعود المرء مستلباً ... منها وما حاز فيها للعدا سلب /34 أ/ هذا سجيُّه هذا الدَّهر قد ذهبت ... في أهله وعليها أهله ذهبوا

ولست عنه براضٍ، والرَّضا خلقي ... وإن غضبت عليه حقَّ لي الغضب والعلم في صغري مازلت اطلبه ... من اهله راعياً يا حبّ! ذا الطلب وما برحت حليف الفضل في كبري ... لمَّا تكسَّبته والفضل مكتسب وقد عرفت بني الدُّنيا كمعرفتي ... نفسي إلى حسب التقوي لها حسب وقد خبرت أناساً ران من طبعٍ ... علي قلوبٍ حووها اللَّهو واللَّعب في القول الذي ما كانوا إذا صدقوا ... والفعل أبعد ما كانوا اذا قربوا عبيد من كانت الدُّنيا له فإذا ... ولَّت عن المرء ولَّوا عنه وانجذبوا [339] عبد القاهر بن الفضل بن عبدالقاهر بن محمدٍ القرشيُّ، أبو غانمٍ. من أهل حلب، كانت ولادته بها في شهر الله رجب سنة سبع وستين وخمسمائة، وهو عدل من عدولها، ويتولّي النظر في وقف المدارس، وهو شيخ طويل له حرمه وقدر سمع حماد البزاغي، وابن اخيه أبا الفوارس البزاغي. أنشدني لنفسه هذة الابيات، وأوصي ان تكتب علي قبره بعد موته: [من الرمل] هذة تربة عبد مذنبٍ ... بخطاياه ثوي في لحده ترك الأولاد والمال معاً ... ليس يدري ما جري من بعده كان إن مسَّ من ترابٌ برده ... خاف من تأثيره في برده /35 ب/ أصبح اليوم بقبر موحش] ... والثَّري ملتصقٌ في خدِّه يسأل الله نعيماً ورضاً ... ثمَّ يرجو رحمةً من عنده

[340] عبد القاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن عبد الله بن عبد العزيز، أبو محمدٍ البغداديُّ، المعروف بابن الفوطي. من حفاظ القرآن الكريم، ومن أهل المعرفة، طلق اللسان في الكلام إذا شرع، وأخذ في المحادثة، وهو شاب أسمر ربع القامة. اجتمعت به غير مرة بالموصل وبغداد، ولم ينشدني شيئاً من أشعاره، وبعد ذلك عثرت له علي هذة القصيدة البائية؛ يقولها في شيخه حين لبس الحرير ومال إلى رياسة الدُّنيا وزينتها، وحبّ المال والجاه والعزّ والحشمه والأمر والنهي، وطلب المناصب الدنيوية، وكان ينهي عن ذلك كلّه ويرزي علي من يروم بنفسه حبّ المراتب، وجمع المال ونهي أصحابه ومريديه عن التعرض للدنيا. وكان قبل ذلك فقيراً مملقاً /36 أ/ علي قدم التجردّ، زاهداً في الدنيا، راغباً في الاخره، يلبس الصوف، ويسلك طريق الزهد، والانقطاع إلى الله – عز وجل – والاجتهاد والرياضة؛ فأنشأ أبو محمد هذة القصيدة، زارياً عليه فيما صدر عنه. ثم اجتمعت به بمدينة السلام؛ بالمدرسة الشريفة المستنصرية، وذلك في اواخر ربيع الاخر من سنة تسع وثلاثين وستمائة، فاستنشدته القصيدة جميعها وغيرها من شعره، وسألته عن ولادته، فذكر إنَّه ولد ببغداد ليلة الخميس الثالث والعشرين من ربيع الاول سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. وسمع جملة من الحديث، ورأيت له طبعاَ جيداً في الكتابة الانشائية، وفصولاً املاها علي، وتفقه علي المذهب الاحمدي، وتأدب، وتولي في الايام المستنصرية، مشرفأ علي منشر التمور: [من المنسرح] ناديت شيخي من شدَّة العجب ... وشيخنا في الحرير والذَّهب في دسته جالساً ببسملة ... بين يديه ان قام في أرب وركبه منه كنت أعهده ... يذم أبناؤها علي الرَّيب /36 ب/ وكان أربابها لديه علي ... سخط من الله شامل الغضب أصافي الرَّأي من دعاك لها ... وأنت لمَّا أجبت لم تصب

أول صوت دعاك عن عرض ... لبيته مقبلاً علي السَّبب قد كنت ذاك الَّذي يظنُّ به ... لو لم تكن مسرعاً إلى الرُّتب إن كان ما قد منحت ممتحناً ... فما صبرت اصطبار ذي أرب أو كنت مستخفياً سعيت لها ... يا خسرها صفقةً علي النصب شيخي أين الَّذي يعلَّمنا الزُّهد ويعتدُّه من القرب أين الَّذي لم يزل يسلَّكنا ... إلى خروجٍ عن كلِّ مكتسب أين الَّذي لم يزل يعرِّفنا ... فضل التعري والجوع والسَّغب أين الَّذي لم يزل يرغِّبنا ... في الصُّوف لبساً له وفي الجشب وأين من كان مزعجاً اسقاً ... زفيره قلب كل مرتغب وأين من كان قابلاً نسكاً ... فضل قميص من أكثف الحجب وأين من كان في بدايته ... يهيج هيج الجمال في الجرب وأين من غرَّنا بزخرفه ... حتَّى اعتقدناه زاهد العرب وأين ذاك .... يشعرنا ... أن سواه في السَّعي لم يجب /37 أ/ وأين من لم يزل يذمُّ لنا ... الدُّنيا وقول المحال والكذب وأين من لم يزل يوهَّمنا ... منها فراراً بشدة الهرب وأين من لم يزل بأدمعه ... يخدعنا باكياً علي الخشب واين تلك الأنفاس صاعدةً ... من شدَّة الخوف مورد الخطب وأين من كان في مواعظه ... يصول زجراً عن كل محتسب ويقطع القول لا يتمِّمه ... منقلباً بالسَّماع والطَّرب ومن ير الشَّيخ بعد خطبته ... ير أمراً غائباً ولم يؤب فيقسم العمر أئَّه رجلٌ ... ليس له في الوجود من أرب لو كانت الأرض كلُّها ذهباً ... أعرض عنها إعراض مكتئب أسفر ذاك النَّاموس مختبئاً ... عن راغب في التُّراث مستلب وكان ذاك الصُّراخ يزعجنا ... شكوي فقيرٍ علي الدُّني وصب لو كان مولي الأنام عاينه ... يخطبنا في خشوع منتحب أيقن منه بعد القبول إذا ... دعاء في رتبةٍ علي الرُّتب

وكان حاشاه حين وافقه ... قد ساء ظناً في كلِّ مقترب شيخي بعد الذظذضمِّ الصرَّيح لما ... أتيته جئته علي طلب /37 ب/نسيت ما قلته علي ورعٍ ... عنّي لمَّا اكتسبت بالدَّأب ويلٌ له إن يمت بخدمته ... يمت كفوراً وليس بالعجب ما كان مال السُّلطان مكتسباً ... لمؤمنٍ سالمٍ من العطب هذا ورزقي في وقفٍ أربطه ... قدرٌ طفيفٌ أعطاه بالتَّعب ولست في تروة اسرُّ بها ... دنياي منها موفورة النَّشب فليت شعري ماذا اقول وقد ... حللت منها في مربع خصب في المال والجاه والتَشرَّف والعزِّ وأمرٍ يطاع في النَّسب أعطيت كرَّاثةً فتنت بها ... عن طلب كان أشرف الطلب لو أنها لحمةٌ جنيت علي ... دينك تركاً يكون عن كثب وكان ذاك التَّحنيك منعطفاً ... لجام من يدَّعي ولم ينب شيخي بعد التَّفصيل متقياً ... ثوباً قصيراً مجاور الركُّب إختلت في ملبسٍ دلادله ... تسحب من طولها علي التُّرب يرفعها كلذُ شادن غنج ... يفتن نسَّاكناً علي الرَّهب واعتضت عن عصبة الزَّهادة ... مثني الغلمان بالقضب لو كنت ما قلت زاهداً ورعاً ... لم ترض دنيا الغرور واللَّعب /38 أ/ وكان في الله شاغلٌ أبداً ... عمَّا تراه بعين محتجب وبعد هذا فأنت مفتتناً ... خيرٌ لها من سؤال ...... لا يغترر بعدها اخو ثقةٍ ... بمحسنٍ في جميل مطَّلب وليتَّعظ مدعي تقربُّه ... بحال شيخي المفتون وليتب

ذكر من اسمه عبد القوي

ذكر من اسمه عبد القوي [341] عبد القويِّ بن حرميِّ بن وهيبٍ، أبو محمدٍ الأنصاريُّ الارتجيُّ. من أهل مصر، كان شاباً أدبياً ذكياً، روي عنه الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنقدي؛ أخبرني عبد العظيم المذكور آنفاً إجازة؛ قال: أنشدني الارتاجي لنفسه: [من مجزوء الرجز] مرَّ بنا فاستعبرت ... أجفاننا إذ عبراً فقلت: لا غرو علي ... دمعٍ عليه قد جري فالشَّمس تبكي الطَّرف إن ... كرَّر فيها نظراً [342] عبد القويِّ بن عبد العزيز/39 ب/ بن الحسين بن عبدالله بن الجبَّاب السعديُّ الاغلبيُّ، القاضي الأسعد، أبو البركات بن أبي المعالي. كان والده من المتصدرين في قرض الشعر، وإنشاء الرسائل بالديار المصرية، وابنه أبو البركات هذا كان شاعراً لطيفاً فاضلاً مليح النظم، جيد الشعر، حسن الأدب؛ ذا ذكاء وفطنة، توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائه.

أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي بها، عن أبي البركات لنفسه: [من السريع] أسكرني الحبّ فما إن أري ... يا صاح من سكرته صاحي وهمت بالظَّبي فمن خدَّه ... وردي ومن ريقته راحي وأنشدني عن القاضي الأسعد لنفسه: [من البسيط] وظبيةٍ من ظباء الإنس هائمة ... بحبِّ ظبيٍ مليح الدَّلَّ والحور باتت ترفِّع استار الغرام له ... حتَّى اغتدي في هواها غير مستتر فبتُّ اعجب والأهواء جائزةٌ ... من مهجة الشَّمس يحويها سني القمر ومما وجدت من الشعر المنسوب إليه؛ قوله: [من الخفيف] /39 أ/ بين قلبي وبين عينك سرُّ ... فيه للعاشقين طيٌّ ونشر كلَّما مسَّني لأجلك عذل ... قام لي من جمال وجهك عذر اأقصدتني سهام عينك حتي ... صرعتني وغرَّني ما يغر لي قلبٌ وناظرٌ فهما بالـ ... وجد من وجنتيك ماءٌ وخمر أنت كالبدر في وصالك والهجـ ... ـــر وحال البدور ما تستقرٌ ليِّنٌ في مراسه وهو صعبٌ ... عسلٌ في وصاله وهو مرُّ وكذا عادة المحبذش مع المحـ ... بوب في حالتيه يسرٌ وعسر لك قلبي وناظري ولساني ... وجناني فأين منك المفرُّ قصرت بي محبتَّي عن مدي سحـ ـ ... ـــرك اذ كلُّ مفصل فيك سحر اشتكي علَّتي اليك فهل قلـ ... بك يا لِّين المعاطف صخر كن كما تشتهي فما منك بدٌّ ... مذ تملَّكتني ولا عنك صبر ليس لي في الخلاص منك سوي الصَّبـ ... ـــــر عليك ونعم ذلك ذخر

ذكر من اسمه عبد الكريم

ذكر من اسمه عبد الكريم [343] عبد الكريم بن أبي السعادات /39 ب/ بن كرم بن كنصا، أبو محمدٍ البغدادي الحنفيُّ. والد إبراهيم الَّذي تقدّم ذكره، نزل الموصل ولم يزل مقيماً، إلى أن توفي عشية السبت ثامن جمادي الآخرة سنة عشرة وستمائة ودفن ذلك اليوم بمقبرة الجامع العتيق قبليَّه - رضي الله عنه - وكان قد جاوز الثمانين، وخدم الأمراء من بيت أتابك، وأنفذ رسولاً إلى عدّة جهات من قبلهم، وكان أثيراً مقبولاً ذا منزلة وحرمة. وكان شيخاً طويلاً متواضعاً سخياً، حسن المروءة، واسع النفس تفقّه علي مذهب الامام ابي حنيفة - رضي الله عنه-. وكان يقول أشعاراً رائقة، في أغراض تقع له، ومنها ما انشدني ولده أبو إسحاق ابراهيم رحمه الله تعالي. قال: أنشدني والدي لنفسه؛ ما كتبه إلى اتابك نور الدين أبي الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن زنكي - صاحب الموصل رضي الله عنه - /193: 5 أ/: [من الخفيف] بعد سبعين حجَّة قد تقضَّت ... عند ملكٍ جم النَّوال عظيم ذهب الناس في الزيادة والنَّقصـ ... ـص وعبد الكريم عبد الكريم وأنشدني، قال: أنشدني والدي لنفسه ما كتبه في صدر كتاب إلى اتابك عزِّ الدين بن مسعود بن مودود: [من الخفيف] لا تضعني من بعد حفظك يا ما ... لك رقي في حادثي وقديمي انا عبد الكريم أنت ومن أعـ ـ ... جب شئٍ ضياع عبد الكريم

وقال أيضاً: [من السريع] إن مسَّك الناس بسوءٍ فكن ... بما قضي الله به راضياً ودع أذاهم وتوكَّل علي الـ ... ــــــــــله تجده ابداً كافيا وقوله: [من السريع] كن أوثق الناس بما في يد الله ودع الله ودع ما في يد الناس لا تقطع العمر ولا تفنه ... لا برجاء لا ولا ياس لا يوحشنك البعد عنهم وإن ... ساء ففيه كل إيناس وله في الشيب: [من المتقارب] /193: 5 أ/ وقالوا: جزعت لفقد الشَّباب ... فقلت: ومالي لم اجزع نعاني المشيب إلى أسرتي ... ونفسي بصوت له مفظع ونادي فلبَّيته سامعاً ... وكلكم إن يعش يسمع [344] /193: 5 أ/ عبد الكريم بن يوسف بن الحسين بن محمّد بن العباس، أبو الكرم الموصليُّ المعروف بالمهذّب الأّفطس. كان رجل زمانه في الدهاء والحيل، قد حاز كل فضل. وكان بصيراً بعلم النجوم، وتعبير الرؤيا، عارفاً بأمور الناس وأحوالهم، ذا يد باسطة في صناعة الشعبذة والنارنجيّات والسَّيمياء والطلسمات والكيمياء، وما يتعلق بهذة الأجناس الغريبة مع حفظه للحكايات الظريفة، والأشعار المستحسنة، وقول الشعر، ومعرفة الادب. وذكر لي عنه؛ إنه كان مستهتراً بشرب الخمر، منعكفاً عليها. وكان متشعياً مغالياً؛ شاهدته غير مرة. وهو شيخ يعلم نفراً من الصبيان /195: 5 أ/ الخطَّ في حانوت، ولم آخذ عنه شيئاً. وتوفي اواخر سنة ثلاث عشرة وستمائة. أنشدني الشيخ الأديب أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن الخبّاز النحوي اللغوي الضرير، قال: انشدني أبو الكرم عبد الكريم عبد الكريم بن يوسف بن الحسين الموصلي المعلم

لنفسه يرثي كبشاً كان له: [من الكامل] لهفي علي كبشٍ انست به ... رَّبيته وبذلت مجتهدي قد كان لي خلا اسرُّ به ... يجري كمجري الرُّوح في الجسد حتَّى إذا ما اشتدَّ هيكله ... عندي وصار كجبهة الأسد أودت به أيدي المنون ضحًي ... والموت لا يبقي علي أحد [345] /195: 5 أ/ عبد الكريم بن محمد بن علوان بن مهاجرٍ، أبو الفضل بن ابي المظفر الموصليُّ. القاضي الفقيه المدرس الشافعيُّ. كان والده من جلّة الفقهاء الشافعية بالموصل وعلمائهم. وابن أبو الفضل اخذ الفقه عن والده، وقام مقامه في /195: 5 ب/ التدريس بعده، ونظر في المسائل وتلمذ له جماعة. وكان من قبل قد حفظ القرآن العزيز، وسمع الحديث علي أبي الفرج محمد بن عبد الرحمن بن ابي العز الواسطي. وهو من أكبر بيت في الموصل في الجاه وكثرة المال واليسار والعلم، وقلّده المولي المالك الملك الرحيم بدر الدين عضد الإسلام والمسلمين أتابك أبو الفضائل غرس امير الحسن بن عبد القاهر بن الحسن الشهرزوري. لقيت القاضي أبا الفضل بالموصل في شوال سنة سبع وعشرين وستمائة؛ وسألته عن ولادته، فقال: ولدت بالموصل سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وأنشدني لنفسه: [من الطويل] وأضمر في نفسي إذا ما لقيتهم ... أبثُّ الَّذي ألقاه من ألم الوجد

فتبرد انفاسي ويخفق ساكني ... وأُذهل حتَّى لا أعيد ولا أبدي [346] عبد الكريم بن منصور /196: 5 أ/ بن أبي بكر بن عليِّ بن إبراهيم بن جابرٍ، أبو محمدٍ الاثريُّ الباوشناويُّ. ينسب إلى قرية من أعمال الموصل اسمها باوشنايا، ولد بها في شهر الله رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. سمع الحديث الكثير واقتفي اثره؛ فلذلك يسمي نفسه بالأثري. سمع ببغداد والشام والموصل وديار مصر وغيرها من البلاد، ولقي جماعة من القراء والفقهاء والمحدثين والعلماء. وهو من حفّاظ القرآن العزيز وحملة العلم ورواة الحديث والمتفقهة، وله أشعار في الرقائق والزهديات؛ كتبت عنه بالموصل وبغداد. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى كمال الدين أبي الكرم محمد بن علي بن مهاجر الموصلي في غرضٍ له: [من الكامل] أكمال دين الله دم في رفعة ... وسيادةٍ وسعادةٍ تتجدَّد في حفظ ربَّ العالمين وصونه ... عن كلِّ ما أمل الحسود الأبعد تسدي إلى أهل العفاف عوارفًا ... ومكارماً فيها تؤمُّ وتقصد وهب الإله لك التُّقي ووقاك محذور الدُّني وكلاك مولي يعبد واقرَّ عينك بالمعين وحاطه ... من شرِّ ذي شرٍّ وعين تحسد /196: 5 ب/ واأاله حفظ الكتاب وفهمه ... ومن العلوم سواه ممَّا يحمد خذها ابيات امرئٍ ما شانه ... صوع القريض ولا له يتعمَّد داعٍ لكمٍ بالصَّالحات مواصلٌ ... للمسلمين نداكم يتفقَّد

ما رغبتي في حاجة من رغبة ... عندي لدنيا بل بها أتزهَّد قصدي زراعة ما يحلُّ لطعمةً ... مرضيَّة عند امرئ يتعبَّد والله لولا ذا لحضت كحائض ... في كلِّ مورد شهوةً تتورَّد لكنَّني أخشي الإله ومقته ... وعقاب زلاَّتٍ لها يتوعَّد جاد الإله علي الجميع بجوده ... فضلاً فذلكم الإله الأجود وأنشدني لنفسه، وذكر أنَّه عمل هذة الابيات بديهة عقيب درسه عقيدة لبعض اصحاب الإمام مالك بن أنس – رضي الله عنه -. وكان علي منهاج السلف: [من مخلع البسيط] عقيدة المالكيِّ نورٌ ... فدم علي درسها بجدِّ وأعمد إلى مالها يضاهي ... وعن سواه أخي فعدِّ /197: 5 أ/ مخرجة من كتاب ربِّي ... وسنَّة المصطفي المؤدِّي عن ربِّه ما إليه أوحي ... ببذل وسعٍ وفرط جهد فرضٌ علي الخلق قفو هذا ... مع أمتثال من غير ردِّ فاعقد عليه وارفض سواه ... من قول جهمٍ او قول جعد أو قول من جاءنا بقولٍ ... مموَّه في الضَّلال يردي أربي علي من وصفت ممَّن ... ذكرت من أخوة التَّعدِّي ... . قولاً إلى مقال ... لجهمٍ المعتدي يؤدِّي ابن أبي بشر انتقده ... رابعهم يا أخا التَّهدِّي فالحمد لله إذ هدانا ... إلى طريقٍ للفوز تهدي وأنشدني أيضاً لنفسه، يحرض علي سماع سنن أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي: [من الكامل] سنن النِّسائي واجبٌ ان تسمعا ... إذ كان جامعها إماماً مقنعا فيها أحاديث النَّبيِّ وصحبه ... فجزاه رِّبي الخير فيما اودعا

/197: 5 ب/ الله أسأل أن يتمَّ سماعها ... فهو المجيب بلطفه عبداً دعا يا طالبي سنن النَّبيِّ ألا أبشروا ... وخذوا بها تكفوا وعيداً مفزعا إنَّ المجامع في العلوم كثيرةٌ ... والمجمع الآثار خيرٌ مجمعا فبهمَّة المولي الأجلِّ تحصَّلت ... أشياء يبعد مثلها ان يجمعا إلَّا إذا ذهبت شهورٌ عدةٌ ... والله يأجره علي سعيٍ سعي أعني بهاء الدِّين نجل الفاضل القاضي إلى الخيرات يلفي مسرعا فالله يصحبه السَّلامة دائماً ... مهما أقام هنا ومهما أنعما وأنشدني أيضاً لنفسه: [من السريع] عاص هوي نفسك يا عاصي ... وادن من الخيرات يا قاصي لا تعقلن عن ذكر مولي الوري ... وليكن الذَّكر بإخلاص وأنشدني أيضاً لنفسه: [من المديد] تب علي عبد له عملٌ ... لو به جازيته هلكا غافلٌ عما يراد به ... مسلك العاصين قد سلكا وقال يمدح الأئمة الثلاثة مالك بن انس، والشافعي، واحمد بن حنبل /198: 5 أ/ - رضي الله عنهم -. [من الرجز] وقائل عبد الكريم مالكا ... لا تمدح الحبر الإمام مالكا وتمدح المطليَّ بعده ... وابن هلالٍ أحمد المباركا قلت له: فأسمع مديحي فيهم ... فإنَّني لست لذاك تاركا وكيف لا أمدح أشياخ الهدى ... وكلّهك للجقَّ كان سالكاً أمَّا الإمام الأصبحي مالكٌ ... فحبُّه للقلب أمسي مالكا فقيه دار الهجرة المفتي بها ... ناهيك من فخر له بذلكا

نجم الرُّواة ذو الوقار لا تري ... في مجلس العلم لديه ضاحكا طوبي له من رجلٍ مؤيَّد ... بالحقِّ قوَّال به طوبي لكا والشَّافعيُّ لست انسي ذكره ... ألق لمدحيه خليلي بالكا ذاك الشريف العالم الحبر الَّذي ... مع العلوم كان براً ناسكا حوي التُّقي والعلم غير زائغٍ ... عن سنَّة المختار فاعلم ذلكا جزاه رَّبي الخير عن صنيعه ... وعظَّم الاجر له هنالكا والثَّالث ابن حنبل أكرم به ... قدوة اهل الحقِّ لن يشاركا في محنة القرآن والضرب الَّذي ... لجسمه في الله اضحي ناهكا /198: 5 ب/ لو أنَّه أجابهم في قوله ... تبدَّل الُسلام كفراً حالكا قام مقاماً لم يقمه غيره ... وناصح الله الكريم المالكا فأعظم اللَّهمَّ في جواركا ... في جنًّة الخلد له ثوابكا وبلَّغ اللَّهمَّ عنَّا أحمداً ... نبَّينا وآله سلامكا وصحبه والتَّابعين بعده ... وكلَّ عبد كان من عبادكا واغفر لي اللَّهمَّ ذنبي كلَّه ... إن لم تجد كنت بجر مي هالكا وقال أيضاً: [من الكامل] أيعاب من اهدي لبيت نبِّيه ... مدحاً ويحمل في القضاء ملامه بيتٌ هم سفن النَّجاة وحبُّهم ... ريٌّ لمن في الجهل طال أوامه هم أنجم الدين الحنيفي الَّذي ... شرع الإله لنا وهم أعلامه وهم المهداة القائلون بحقِّه ... وهم الدُّعاة له وهم حكَّامه نطق الكتاب بفضلهم حتَّى لقد ... حكمت بحكمتهم لهم أحكامه طوبي لمن طابت سريرته لهم ... والي خيامهم تضم خيامه ذاك امرؤٌ حاز المفاز فجنَّة الفردوس مسكنه وثمَّ مقامه منهم عليٌّ ذو الفخار متبِّر الفجار أم الخير فهو إمامه /199: 5 أ/ علمٌ عليمٌ بالعلوم معلِّمٌ ... حسم الضَّلال لسانه وحسامه

يحيي قلوب العارفين كلامه ... ويميت اجساد الطُّغاة كلامه والبضعة النَّبوَّية الطهر الَّتي ... أن عد طيب الذَّكر فهي ختامه سادت نساء العالمين كذا أتي ... في النَّقل جاريةً به اقلامه وكذلك الحسنان نجلاها اللَّذا ... بهما جمال العقد ثمَّ نظامه صلَّي الإله عليهم ما أورقت ... شجرٌ وغرَّد في الأراك حمامه [347] عبد الكريم بن أحمد بن محمَّد الضرير البوازيجُّي، أبو الفضل المقرئ المعروف بابن حرمية. نزيل الموصل وحرميّة كانت امرأة يعرفون بها. تفقه علي أبي الفضل يونس بن محمد بن منعه الإربلي العقيلي، ومكث عنده اثنتي عشرة سنة، وقرأ عليه كتابي "التشبيه" و"المهذب" للإمام ابي إسحاق إبراهيم ابن علي بن يوسف الشيرازي – رضي الله عنه - ورأي القاضى أبا الفرج منصور بن الحسن بن علي بن عاذل بن يحيي البوازيجي /199: 5 ب/ البجليّ الفقيه الشافعي غلام الإمام أبي إسحاق الشيرازي، وسمع المقامات علي ابي سعيد محمد بن علي الحلي – صاحب الحريري-. وأخبر عنه أنه قراها علي الحريري ستين مرة. وقرأ للسبعة علي أبي بكر يحيي بن سعدون القرطبي، وسمع الحديث علي القاضي الإمام تاج افسلام أبي عبد الله الحسن بن نصر بن خميس الجهني. وروي عنه أكثر مصنفاته ونبذاً من مصنفات غيره. وكان – رحمه الله – يقرئ القرآن الكريم، ويفيد الناس، وتخرج عليه عالم كثير إلى ان توفي بالموصب سنة إحدي عشرة وستمائة، ودفن ظاهر البلد غربيهبباب الميدان بمقبرة تعرف "بمكيكة" وكان قد شارف المائة.

وحدثني الشيخ العالم أبو العباس أحمد بن الحسين الأديب النحوي، قال: كان شيخنا أبو الفضل قيماً بتفسير القرآن خيراً ديناً. وكان يقول لنا: إذا ألحدتموني وحثثتم علي التراب، وانصرف الناس عني، فقفوا عند القبر يسيراً آنسوني بذلك، وخلوا بين الكريم وبين عبد الكريم. /200: 5 أ/ وكان ينشدني أشعاراً كثيرة لغيره ولنفسه، ولم يعلق من شعره بقلبي طائل، فمما التقطت منها قوله من قصيدة: [من البسيط] والشمل منتظمٌ والدَّهر ملتئمٌ ... والهمُّ مقسمٌ والوصل مأمول ونحن بالموصل الفيحاء في زمنٍ ... كأنَّه منهلٌ بالرَّاح معلول وقوله من قصيدة في مرثية: [من الطويل] وكنت لهم كالليَّث والغيث دائماً ... تميت وتحيي بالوعيد وبالوعد [348] عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم بن عبد الرحمن النفربيُّ الشاطبيُّ القصار، أبو محمد المراكشيُّ. كان رجلاً جليلاً، ذا نعمة واسعةً، وثروة ظاهرة، يرحل إلى الملوك فيسترفدهم بأشعاره ولديه فضل ومعرفة باللغة والادب، وله قصائد مطولات كثيرة، ولم يكن شعره سائغاً بل متوسطاً يظهر فيه التعسف. انشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن يوسف الغرياني بحلب المحروسة، قال أنشدني أبو محمد /200: 5 ب/ عبد الكريم بن إبراهيم لنفسه: [من البسيط] يا من شمائله احكي من القمر ... ومن فضائله احلي من السَّمر سموت قدراً، فقلت: النَّجم في فلك ... وطبت ذكراً، فقلت: الرَّوض بالزهر يا احوذيَّ الوري، والألمعي ومن ... قد بذَّ جمعهم بالذَّات والقدر أمَّا النَّوادي فقد عمرت ساحتها ... بطيب ذكرك في الإمساء والسحر ماذا أقول وقد البستني حللاً ... أبهي فواتق من زهر ومن زهر أفضت افضلت في سر وفي علنٍ ... أحميت أكسبت من بيضٍ ومن صفر

حسنت أحسنت في قرب وفي بعدٍ ... منحت انحلت من وفرٍ ومن بدر أوليت من منن جلَّت جلت كربي ... نمت وتمَّت كروض مزهر نضر ماذا ليمناك من يمن ومن منن ... ماذا ليسراك من يسرٍ ومن يسر جادت عليَّ سحابٌ من اكفَّكم ... فاطلعت في أكفي دوحة البدر مازال واكفها ينصبُّ في غدق ... حتّى ..... بناني بالِّندي الهمر يا محسناً كل إحسان بلا كذب ... ومغنياً كل إغناء بلا قدر فقت الأكارم في سر خصصت به ... فأنت من مالك ما أنت من بشر هذي أياديك لا أحصي لها عدداً ... ما ينقضي سردها أو ينقضي عمري /201: 5 أ/ قد احدقت وأحاطت بي إحاطة من لبي وطاف ببيت الله والحجر والشكر فرض عليه لازم فأصخ ... لسمع شكر كمثل السِّمط بالدُّرر ما شابه دخلٌ كلاً ولا خللٌ ... صفا صفاءً يميز الماء في الغدر شكري لنعماك شكر الرَّوض للمطر ... أو مقترٍ لغني وافي علي وطر أو شكر عبد لمولّي كان أعتقه ... أو شكر حام لصفو السَّلسل الخضر أو كالغريق لما انجاه من خطر ... أو كالطليق لمن نجاه من ضرر أو كالسَّقيم لبرءٍ إثره فرحٌ ... أو كالكريم لضيفٍ جاء من سفر أو كالمحبَّ لمحبوَّب يؤانسه ... أو كالنَّزيف زمانَ النَّور للسَّكر والحمد يتبعه عجلان في مهلٍ ... حثا بلاً مهلٍ نصّاً علي الأثر لو كان للشكر شخص يا مني أملي ... يري لجئت به في أحسن الصُّور حتَّى تراه وتدري أنَّني رجلٌ ... شكري لك الدَّهر شكر السَّمع والبصر السَّمع يشكر للأصوات ما حسنت ... والعين تشكر طول الدَّهر للنَّظر لكنَّه في ضميري والكلام محرِّكٌ بلسان الخبر والخبر لو حلَّ شكري وسط البحر في مدد ... لصار في حينه احلي من السَّكر أو حلَّ في فلواتٍ تربها حجرٌ ... لأنبت ...... .. بالثَّمر

/201: 5 ب/ الشُّكر أحسنه ما كان قائله ... يبثُّه بين أهل البدو والحضر ينصه بكلامٍ مرتضي حسنٍ ... نص الحديث لأهل العلم والنَّظر وقائلٍ قال: فيمن ذا الثَّناء فقد ... نظمت شكراً له نظماً علي صور فقلت في النَّدس العدَّ الَّذي شهرت ... أوصافه كأشتهار الشَمس والقمر محمَّد بن نحيل من سما قدراً ... نجل لآحمدي ذي الآثار والآثر للعالم العلم الصِّنديد من شرفت ... به الكتابة في الإيراد والصَّدر فاق البديع بما قد حاز من بدعٍ ... فأبن العميد وما يحويه من غرر والصَّاحب الملك والصَّابي وقبلهم ... عبد الحميد وكلٌّ قاله العصر راعت براعته الكتَّاب قاطبةً ... لما أنارت من الإبداع والغرر إأشرعت في حجال الطرس عاملها ... علت محاجتها للبيض والسُّمر وإن أقرَّت علي صفح ...... ... أزرت بوشي الرُّبي والرَّوض والحبر انسي ابن مقلة في اعمال انمله ... وهو النِّهاية فيما شاع من خبر لولا .... يديه لليراع لما ... حكت أنامله حرفاً مع الكبر إن االكتابة بعضٌ من مناقبه ... كما اللآلئ بعضٌ من ندي البحر الطّيب الخيم والميمون طائره ... من قد سما وعلا دأبًا علي السُّور /202: 5 أ/ مفرِّج الضِّيق واللأواء قد حميت ... ومخرج العسر بالإيسار واليسر الكامل الذَّات في خلق وفي خلقٍ ... صنو الغمامة في صوب وفي همر كأن طلعته والسَّعد حفَّ بها ... بدرٌ أحاط به جيشٌ من الزُّهر يا طالب الخير في بدوٍ وفي حضر ... وجالب اليسر في ورد وفي صدر يمِّم لتونس فهي الان مربعةً ... واربع بها تأمن من سطوة الغير روض أريضٌ بلا لولا لمعتذرٍ ... بستان أمنٍ بلا شئ من الذُّعر أنوار اسعده حلَّت بساحتها ... فليس يدركها شئ مدي العمر إن تلقه تلق آمالاً مجمعةً ... وفق الطراد بلا شئٍ من الكدر

من أمَّه مرَّةً في الدَّهر واحدةً ... ألقي عصاه فلم يبرح ولم يسر لا زال يصعد في سعد يساعده ... تتري عليه مع الآصال والبكر ثمَّ الصَّلاة عليه صيِّباً غدقاً ... ما غرد الطَّير يوماً في ذري سحر ثم ختم هذة القصيدة بهذة الأبيات: [من مجزوء الكامل] خذها إليك قصيدةً ... بالشكر تنطق والثَّنا قد اشبهت في حسنها ... طرفاً كحيلاً قد رنا أو حبَّ صبٍّ مدنف ... بعد التَّباعد قد دنا /202: 5 ب/ كلَّا وما إن أشبهت ... ألَّا نداك المقتني وقال: [من المنسرح] لازال ذاك المقام الأسمي ... يهمي علي قاصديه هميا ما اكتحلت مقلة بضوءٍ ... وأقبلت بالشَّباب لميا وأنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي بحلب، قال: انشدني أبو محمد عبد الكريم بن إبراهيم لنفسه: [من الكامل] إصبر علي مضض الزَّمان وعضِّه ... فالصِّبر أحسن مكسب الكسَّاب والصَّبر أجمل بالفتي وبفعله ... والحرُّ لا يرض بغير صواب كم من فتًي في الأرض حر مقترٍّ ... متظلِّم من ظالمٍ غصَّاب لم يتَّرك من ماله من تالد ... أو طارف شيئاً من الانشاب من بعد ذا جبر الإله مصابة ... فأثابه ضعفين من ...... فاصبر هديت ولا تخف من عسرةٍ ... فالصبر يفتح مغلقات الباب فالصَّابرون هم غداً في فرحة ... يعطون اجرهم بغير حساب /194: 5 أ/ يكفيك أنَّ الله ذاكر فضلهم ... في الرَّعد والتَّنزيل والأحزاب

[349] /194: 5 أ/ عبد الكريم بن أحمد بن مقلد بن أبي الفرج بن عبد المنعم بن جليق، أبو الفضل التغلبي الجشميُّ. شاب قصير من أهل حماة، استوطن حلب، ورأيته بها ينسخ الكتب اللطاف والمتوسطة بالأجر. ويكتب القصص في باب مسجدها الجامع؛ ومن ذلك معيشته وارتزاقه. ويعاني قول الأشعار الغزلية، وله في نظمها طبع مؤات، ويقول منها المقطعات والقصائد. وذكر لي: أنه تأدب علي ابي الحسن علي بن محمد السخاوي النحوي المقرئ، وربما أحوجه وقته إلى الاسترفاد بالشعر انشدني لنفسه، وكتبه لي بخط يده: [من الكامل] خبر الغضا أم نشره الفيَّاح ... هذا الَّذي عبثت به الارواح نقلته عن أرج الخزامي مسنداً ... عن ساكنيه فهم له شرِّاح يروي عن الرشأ الَّذي سكن الحمي ... فيه عليَّ ثنّيه وجماح /194: 5 ب/ إن قد بذلت لك التَّواصل في الكري ... فاقنع بأنَّ تتواصل الأشباح ولقد طرقتك والمحصَّب بيننا ... ومهامهٌ مجهولةٌ وبطاح ومفاوزٌ للنيِّرات مجاهلٌ ... ما دونها مجهولةٌ وبطاح يجتازها المرَّيخ شاهر سيفه ... ويميل عنها الأعزل الرَّماح اهلاً بمقتحم الدجي لزيارتي ... ولديه من وضح الدي إيضاح وله دليلٌ عارفٌ من عرفه ... جواب كل مفازة فتاح يا طيب العبقات ما لقلوبنا ... أبداً إليك صبابةً ترتاح طبعت كذاك علي هواك فما لها ... كف عن التبريح فيك براح

وأغن نستجلي محاسن وجهه ... لهواً ويجلي من يديه الراح كالشَّمس في الإشراق يجلو كأسها ... للشهب من شهب الحباب مباح نزلت بأرجاء الصُّدور فرحَّلت ... هما تحلُّ مكانه الأفراح شربت لخسران العقول ولم يزل ... في الرَّاح خسران العقول رباح ووشي بأسرار الغرام لشربها ... ثمل لأسرار الهوي فضاح وقال أيضاً: [من الوافر] حديثك أيُّها النَّشر العليل ... إلىَّ فلست أجهل ما تقول /183: 5 أ/ أهجت بذكرهم ثملاً بعقلي ... فأنت له شمال أم شمول نسيم هبَّ من هضبات نجد ... له أرجٌ تفِّتقه القبول سرى مسرى الخيال له حثيثاً ... وما للبدر لولاه دليل ولمَّا ان تواقفنا لعتب ... تشابهت الصَّبابة والنُّحول فلم يشعر لوجد كيف يشكوً ... ولا أنا للتَّشوق ما أقول ولكنَّا سألناه حديثاً ... عن الأحباب إذ أؤف الرَّحيل فروَّي ما روي من بين ريَّا ... معاهدها ...... السُّيول وعرَّض بالطلُّول فجدا وجدي ... لأنِّي من تتِّيمه الطُّلول سقي جبلي حماة والمصلَّي ... أجشُّ الرَّعد موَّارٌ هطول إذا ضحكت بوارقه بكتها ... عيون سماً مدامعها هطول فكم شقت بها لحياً جيوبٌ ... وجرت بالنَّسيم لها ذيول لها واد عزيز الجار يرعي ... ويعذب في خمائله الخمول تري الاحزان تطردها حزونٌ ... وإن صعبت تسهِّلها السُّهول تغازل أعين النوَّار فيها ... فهمنَّ بها صحيحاتٌ وحول كأنَّ المسك ضوَّع في قراها ... وسلسل في البطون السَّلسبيل /183: 5 ب/ فهذا الطَّير من طربٍ يغنِّي ... وهذا الغصن من ثملٍ يميل

يعاصي أرضها العاصي فتثني ... أعنَّته مرناتٌ ثكول ينحن وما أصبن بفقد إلف ... ولا أودي بهنَّ جوًي دخيل فتسفح دمعها في خدِّ روضٍ ... أريضٍ دونه الخدُّ الأسيل وقال أيضاً: [من الخفيف] أتراني من لوعة الحبِّ ناجي ... بغزال ممرَّض الطَّرف ساجي أم لقلبي مجبِّر بعد كسرٍ ... كيف يرجي انجبار صدع الزًّجاج فوحقِّ الهوي وعهد التِّداني ... وافتقاري إلى الوفا واحتياجي ما دهاني إلا صدودك عني ... بعد ما كنت للتواصل راجي والذي غدا اسمه كف صبر ... حين اضمرته بلفظ الأحاجي يا عز الا كناسه في فؤادي ... فهو فيه مصور ومناجي عد إلى وصلي القديم ولا ... تعدل عم حسن ذلك المنهاج لا تطع في لائماً من بني الدهر مسراً حديثه أو مفاجي واثن عطف الوصال نحوي وقلل ... من صدودي ..... في اللجاج ثَّم زرني عسي تسكن ما بي ... من حنين ولوعةٍ وانزعاج /184: 5 أ/ وتعلَّم من لطف أخلاق نجم الدِّين ربِّ الفضائل بن سراج فهو كالراح صفقت فكساها ... ساطع النور مستطاب المزاج لو دعيٌ لولاه قد كان باب الفضل والجود محكم الإرتاح ذو بنان ينسي العلا وبيانٍ ... كلَّ درٍّ من بحره العجَّاج هو لي قدوةٌ بنظم القوافي ... حين اضحي مثقِّفاً لاعوجاج غير أنِّي اخاف منه عتاباً ... يورث القلب شعلة الإنضاج حين اهدي إلى عذباً فراتاً ... ثم قابلته بملح أجاج ليس هذا عادات مثلي وحاشاي ولكن دهري أحال مزاجي كلَّما رمت منه منجي أتاني ... منه ضيقٌ ولم يجد بانفراج ورماني بنوه مثل أبيهم ... قد شغلنا عن مدحهم بالآهاجي سوَّدوا اوجه المحامد والأعراض في ردِّ قاصد باحتياج ثم صانوا تلك الجسوم الخسيسات ... بلبس الحرير والدِّيباج

ولأنت المنجي وفي ظلِّك الملجا ... جوادٌ لكل عافٍ ولاجي فاغفر الذَّنب واعف عن زلَّة العبد ودم في مسرة وابتهاج /184: 5 ب/ ثمَّ كن قانعاً من الكل بالبعض ... إلى حين يسرةٍ من نتاج فوحقِّ الباري المصوِّر إنساناً ... أدبياً من نطفة أمشاج ليس تحوي يدي ولا البيت عندي ... غير ما قد بعثته بالروَّاج فاقبل العذر ثمَّ صدَّق يميني ... يا رجائي وعمدة المحتاج وقال أيضاً: [من الكامل] ذكر التَّلافي بالظِّباء تلاف ... أذ ما لسالف عصره إخلاف أيام لهوك مع جاذر جاسمٍ ... وظباؤه بك أنسٌ ألاف إذ روض أرض حماة زاه زاهرٌ ... بأريجه مشتي لنا مصطاف تغدو الكؤوس من المدام خفيفةً ... بأكفِّنا وتروح وهي خفاف ومهفهف صحبته لصبوحه ... بالكأس ..... الراَّح وهي سلاف حمراء مشبهةٍ تورُّد خدِّه ... فكأنَّما هي في الكؤوس رعاف مزجت فراقت فهّي نورٌ ساطعٌ ... يغشي سناها الجوهر الشَّفاف وسبقته حتَّى غداً ولقدِّه ... من غصن بانه حاجز أعطاف وتنرجست لحظاته فقتلن في العشَّاق ما لا تقتل الأسياف رشاً من الأتراك كل حديثه ... مذقٌ وكل وعوده إخلاف /185: 5 أ/ لا يستقرُّ علي ربيع واحدا ... ويسير ليلاً والمطي عجاف متنقلٌ كالبدر إلَّا أنَّه ... لا يعتريه النَّقص والإجحاف يا من عقارب صدغة تهدي إلى ... أحشاي صرف السم وهو زعاف لو ان صدغك واو عطف جدت لي ... بالوصل لكن واوها استئناف لله اسمر احورٌ ما عنده ... من تيهه لمتيمٍ إنصاف تحميه سمر السمهرية في الوغي ... فكأنها لقوامه أحلاف فسقي الحيا زمناً نعمت بوصله ... وجني عليه البارق الخطَّاف ولياليا بتنا نعانق بعضنا ... بعضاً وكل عتابنا الطاف ومع الهوي لا يستخف بنا هوًي ... ومع العناق بنا تقي وعفاف

اشكو إليه فيشتكي من مثله ... شعفاً ونحن لدي الغرام كفاف لا من محب له بوصل مسعف ... يوماً ولا لي عنده إسعاف يا حسنة ثمراً ولكن لي ... بقطو تعطي يدي قطاف وقال أيضاً: [من الطويل] هو البرق يبدو في الدُّجنذَة من ذوي ... دان لذكراكم به كبدي يكوي إذا اقدحت ايدي الغمام زناه ... فلاح علي بعدٍ من الغاية القصوي /185: 5 ب/ تتَّبعته نوءاً من الجفن ماطراً ... يشحُّ إذا ما شحَّ منبجس الأنوا أري كل من يعزي إلى الوجد قلبه ......... .. مع الأيام ...... .. الأدوا ووجدي ينمي والغرام مجدَّدٌ ... بها ولعمري ما الصَّبابة كالدَّعوي ونيران حيَّ من حماةً بدت لنا ... ونحن علي الاكوار نرتقب الاضوا علي كلَّ معتاد الوحي ضامر الحشا ... دعاك إلى التَّيسار في مهمة ألوى بلادٌ إذا ما ذٌبت من شدَّة الجوي ... إليها فلا لومٌ عليَّ ولا عدوي أعاصي بها العاصي فيعطفني له ... نوازع شوق قادراتٌ علي اللأوي كأنَّي مذ فارقتها آدمٌ وقد ... نأي كارها بالرغم عن جنَّة المأوي وإني لمشتاقٌ إلى هضباتها ... فجد لي بها يا عالم السِّرِّ والنِّجوي

ذكر من اسمه عبد اللطيف

ذكر من اسمه عبد اللطيف [350] عبد اللطيف بن عليِّ بن علي بن هبه الله بن محمد بن أحمد أبو الفتوح بن أبي طالبٍ، المعروف بابن البخاري. وأهل العراق يصغِّرونه فيقولون /186: 5 أ/ ابن البخيريِّ. كان من ابناء القضاة العلماء؛ مولده بأقصرة من بلاد الروم في يوم الثلاثاء سلخ ذي الحجة سنة خمس وسبعين وخمسمائه. ونشأ بمدينة السلام وقرأ الفقه علي مذهب الإمام الشافعي - رضي الله عنه - علي أبي القاسم يحيي بن فضلان البغدادي، واشتغل بالأدب علي أبي العباس أحمد بن هبه الله الزاهد النحوي البغدادي. قلّده أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبو العباس أحمد - رضي الله عنه - قضاء بغداد شرقيها وغربيها مع قاضي القضاة عماد الدين بن الدامغاني. ثم انتقل إلى النطارة في البلاد العراقية؛ ثم صار صاحب المخزن المعمور، ولم يزل علي ولايته إلى ان مات يوم الجمعة ثالث وعشرين ربيع الاخر سنة سبع عشرة وستمائة ببغداد. وكان متجاهراً بالفساد والفسق متظاهراً بهما، كثير الظلم للكبراء واصحاب الثروة والمال من المتصرفين والرؤساء، شديد السطوة عليهم؛ مصراً علي الشرب والانعكاف عليه؛ لم تكن له سيرة محمودة في ولايته. يرتكب المحارم، ويستبيح /186: 5 ب/ الاموال، ويقتل النفس التي حرمها للمسلمين. قد نزع الله الرافة من قلبه؛ الا انه كان مع ذلك متميزاً في علم الحساب والمساحة، مليح الخط. كتب علي امين الدين ابي الدر ياقوت بن عبدالله الموصلي - رضي الله عنه -. وله شعر مشهور والذي وجدت منه قصيدة خمرية يغني بها المغنون، وتتداولها

الألسن ببغداد – وفيها ألفاظ ساقطة – أولها: [من البسيط] عرِّج بدير حنينا أيُها الجاني ... ولج فإنّ عذولي فيه يلحاني وانزل بقلَّابة المطران بطرش واقرئه السَّلام وللشَّمَّاس مرَّان واسأل عن الشَّيخ متي والأساقف والخمَّار ماري وشمعون وشمعان وخصَّه بالتِّحيَّات الكرام وللرَّبان يوشع فالرَّبان ربَّاني وليلة بتُّ استجلي العروس علي ... أيدي القسوس بإكليلٍ وصلبان وقد أتي الجاثليق الشَّيخ يحجبه ... ألقس بن مران والقدوس مرَّاني ومنها يقول: وجاء بليوس والإنجيل في يده ... يتلو الزَّبور بإطراب وألحان /187: 5 أ/ ومعهم الطَّاس والكاس المروُّق ... والدَّنُّ المعتق من عهد ابن كنعان وأبرزوا إبنه البطريق في يدها الإبريق تسكب منه أحمراً قاني وابزلوا الدن حيَّنّ اللَّيل جنَّ ودار الكأس وافتتح السَّاقي وسقَّاني يغيب رشدي فلا أدري أمن طرب الصَّهباء أم خيفة الحناء تغشاني [351] عبد اللطيف بن أحمد بن عبد اللطيف بن بدل القاضي التبريزيُّ. من أبناء القضاة. كان إماماً بارعاً فقيهاً فاضلاً في صناعة النظم والنثر؛ عربيه وفارسيّه. ومن شعره من صدر كتاب يشتمل علي نظم ونثر ما كتبه إلى جلال الدين أمجد بن عبد الملك الوركاني جواباً له في شعبان سنة ثماني عشرة وستمائة: [من الطويل] أتاني كتابٌ من فريد زمانه ... حقيقٌ بإفهام المعاني مقاله إمامٌ خبيرٌ سابقٌ في بيانه ... جلال لدين الله جلَّ جلاله

كتاٌب لو أن الدَّهر يبصر ما حوى ... ..... ... ..... ... ...... وقدمتُّ عطشانًا من الَّشوق نحوكم ... كمن غاض في قلب البوداي زلاله / 5187 ب/ فقام واحياني وآمن مهجتي ... كما أنصب من بعد الاوام سجاله فلا زال في طود من المجد شامخٍ ... يبعُّد عن عين الكمال كماله

ذكر من اسمه عبد المجيد

/ 40 أ/ ذكر من اسمه عبد المجيد [352] عبد المجيد بن الحسن بن الخطَّاب بن بدلٍ، أبو الحسن المراغي. من فضلاء أذربيجان، وأفراد أدبائها، كان غزير الحفظ، عالماً بالأدب، مبرزاً في اللغة والشعر، ولم يكن أحد في زمانه يضاهيه، فيما يتعاطاه من الفنون الأدبية، وصنعة النظم والنثر والتصنيف. وكان أوحد وقته في معرفة شعر أبي الطيب المتنبي، وعلمه بمعانيه وتفسيره، وشرح عدَّة كتب منها شرح اللمع، وشرح ألفاظ عبد الرمحن، وشرح سقط الزند، وشرح الأنموذج لأبي القاسم الزمخشري، وشرح /40 ب/ كتاب أفكار الأبكار للرسيد وطواط، وشرح كتاب لأبي النضر العتبي. وشرع في شرح سر الأدب لأبي منصور الثعالبي، لم يتممه. استشهد في شوال سنة سبع وعشرين وستمائة، بقية من قرى أربل -رحمه الله تعالى-. أنشدني الفقيه زين الدين محمد بن أشكري بن محمد بن أشكري المراغي؛ قال: أنشدني عبد المجيد بن الحسن المراغي لنفسه، من قصيدة طويلة يذكر فيها خراب مراغة حين قدمها التتار -خدلهم الله تعالى- وتغلبوا عليها وخرَّبوها، وانتهبوا أموالها، وسبوا الذراري، وقتلوا عالماً عظيمًا: [من الكامل] حرمت جفوني من هدوِّ غراري ... وصميم قلبي من نعيم قرار ونفاد دمعي من بكائى دائمًا ... بمدامع حال البكاء غزار وعقود عمري اليوم تمًّت خمسةً ... وبها تناهى أكثر الأعمار والشَّيب شامل عارضي ومفارقي ... لطليعة طلعت بجيش بوار مار صار لولا تلك رأسي أغبراً ... فالجيش يقدمه مثار غبار أوما رأيتم أنَّ طوفان الرَّدى ... أخذ المراغة من هجوم تتار

/ 41 أ/ جيش لهامٌ مشرقيٌّ أقبلوا ... متموِّجين تموُّج الأبحار ان المراغة كالسفينة أغرقت ... في لجُّة من عسكر جرَّار في النِّصف من يومين قد ظفروا بها ... قهرا بحكًم الواحد القهّار فظهيرة الأحد ابتداء حصارهم ... والأخذ في الإثنين شرُّ نهار هجموا وقد أخذوا أعالى سورها ... بمجانق يمطرون بالأحجار نصبوا المجانق تحت برجٍ واحد ... ليلاً ويوفي شغلهم بحصار أحجارها رقًت وشفَّت حرمةً ... كالثَّوب تحت مدقَّة القصَّار والنَّقب يأخذ من حجارة أسِّه ... فانهار في بدن كجرف هار بسقوطه ارتفع الغبار وراع اهـ ... ــل الحق فانحدوا إلى الأسوار لمَّا رأى الكفَّار سوراً خاليًا ... وهويَّ برجٍ ساق منهار صعدوا إليه رافعين لواءهم ... قصَّاد قتل الزُّمرة الأبرار لجات إلى دار الهمام إمام ديـ ... ـــــن الله آلافٌ من الأخيار فأجارهم ووقاهم في داره ... قاض لحقِّ إجارة وجوار وأطاب قلبهم بطيب وعده ... إذ قال احميم أنا في داري فحماهم يومًا وليلاً كاملاً ... عن ناب قوم كالكلاب ضواري / 41 ب/ وغدا الثلاثة إستداروا حولها ... كأحاطة الهالات بالأقمار فسماء غيث الَّهم تمطر دراه ... مطر السما بالصَّيِّب الممطار وعلا ليمنعهم أعالي داره ... فلهم تيسَّر فتح باب الدَّار دخلوا وقد ظفروا به في داره ... فلهم تيسر فتح باب الدَّار قتلوا جميعهم بأدنى لحظةٍ ... ما من مجير عندهم ومجار وقال أيضًا: [من الكامل] رحل الشباب وما اعتبرت من العبر ... وأتى المشيب وما انتبهت على الكبر وأخو الصِّبا تصفو مشارب عيشه ... وإذا تزعزع شانها شوب الكدر أين الطَّراوة والطَّلاوة والصِّبا ... هيهات منك أعارها جيش القدر أوما رأيت الغصن عند ربيعه ... يحلو بزينة زهره فوق الشَّجر حتى يغيَّره خريف خريفه ... عن حاله بيد الحوادث والغير

وإذا تولَّى الأربعون وقد دنا الـ ... ــخمسون صاحبها يقول على غرر: يا أيها الوُّفقاء حان رحيلنا ... فتأهبوا فالآن ميقات السَّفر دنياكم ليس المناخ لراكب ... ما حلَّ حتى فيه أشعر بالخطر عزم الرحيل بناظر متزوِّد ... نظر المودِّع والمفارق للحضر / 42 أ/ ها نحن سفرٌ نحو أبعد غايةً في كنهها حارت عيون ذوي النَّظر سارت قوافلنا إليها قبلنا ... منهم إلينا قطُّ ما رجع الخبر بقيت لدينا بعدهم آثارهم ... وكذاك يبقى بعدنا منَّا الأثر وقال أيضا: [من الكامل] إعلم بأنك لا أبا لك في الَّذي ... أصبحت تملكه لغيرك خازن يا عامر الدنيا أتعمر منزلاً ... لم يبق فيه مع المنيَّة ساكن إنَّ المنميَّة لا تؤامر من أتت ... في نفسه يوماً ولا تستأذن والموت شيءٌ أنت تعلم أنَّه ... حقٌ وأنت بذكره تتهاون والمرء يسكنها ويعلم أنَّه ... عنها إلى وطن سواها ظاعن ولقد رأيت معاشر وعهدتهم ... فمضوا وأنت معاينٌ ما عاينوا ورأيت سَّان القصور ومالهم ... بعد القصور سوى القبور مساكن جمعوا فما انتفعوا بذاك وأصبحوا ... وهم بما اكتسبوا بذاك رهائن [353] عبد المجيد بن محمد بن منكديم بن عبد العزيز، أبو المعالي بن أبي الفرج الرزودباري الهمذاني. / 42 ب/ كان فقيهًا شافعيّ المذهب، مناظراً فاضلًا، أخذ بأطراف من العلوم الدينية؛ كعلم الأصول والخلاف والفقه وغير ذلك. وله شعر كثير؛ أنشدني بإربل في شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة: [من الوافر] أحنُّ هوًى إلى أرض العراق ... حنين المستهام إلى العراق

إذا حمل التراب الرِّيح منها ... مرت نار الأسى ماءً الماقي رعى الله الأحبَّة ثمَّ جلَّى ... نهار وصالهم ليل الفراق بهم تخلو الحياة وفي نواهم ... مماتٌ عيشنا مرُّ المذاق تناسوا سالمين لهم سليمًا ... سواهم ماله في الناس راقي ألفت على الصِّبا حبَّ التَّصابي ... فقد فني الصِّبا والحبُّ باقي سقيت مدامة الأشواق حتى ... بفيض مدامعي جرت السَّواقي أضام على النَّوى ظلمًا صريحًا ... واحمل في الهوى غير المطاق فما وجد اكتئاب كاكتئابي ... ولا عهد اشتياق كاشتياقي فلا قاسى الأ باعًد ما أقاسي ... ولا لاقى الأقارب ما ألاقي سيرجع غاربًا نجم التَّنائي ... وتطلع شارقًا شمس التَّلاقي / 43 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] يجرِّعني دهري سموم همومه ... وقلبي سقيمٌ من أليم سمومه سأفطئ إن عمِّرت نيران ظلمه ... ....... من دماء كرومه وأنشدني لنفسه: [من الكامل] هذا العقيق وهذه غدرانه ... يروى بعذب زلالها حوذانه يرعاه سربٌ من ظباء تهامة ... تصطاد آساد الشرى غزلانه يحميه حي نازلون بروضه ... يحكي رشاق قدودهم أفنانه وقد استعار من الوجوه نضارةً ... تحكي رشاق قدودهم أفنانه من كلِّ وضَّاح الجبين كأنَّما ... عقدت على شمس الضُّحة تيجانه طلق المحيَّا واليدين تخاله ... تجري شآبيب الغمام بنانه ليل العجاج إذا دجا يوم الوغى ... تجلوه غرِّة وجهه وسنانه وبملتقى الهضبات منهم شادنٌ ... أصمى لأفئدة البرايا شأنه

ريَّان من ماء الملاحة فائق ... في حسنه ثمل الصِّبا نشوانه يختال في حلل البهاء وقدُّه ... كالبان ماس بسحرة أغصانه تملي وقد سحر القلوب بطرفه ... وحيًا على عشًّاقه أجفانه / 43 ب/ درِّى ثغر لو تكشَّف موهنًا ... للعاشقين محا الدُّى لمعانه عسلي ريق بارد يشفى به ... دنف الهوى ظمآنه ابت مساحب ذيله وتأرجت ... بالمسك من أصداغه أردانه سكنوا العذيب فقلت من شغل بهم ... نعم العذيب [و] حبَّذا سكَّانه أخفي هواه غير أنَّ لمدمعي ... عهداً يذيع سرائري هطلانه أبغي وليس سوى الحبيب طبيبه ... تسكين قلب دائم خفقانه يارب ليل بتُّ مطرود الكرى ... شوقًا تساهر ناظري شهبانه والصبح ورديُّ النِّقاب كأنَّما ... شبَّب على قلل الرُّبى نيرانه وأنشدني لنفسه من أبيات قصيدة: [من الكامل] ولكم رشفت رضابها ومدامه ... من شغرها وكلامها لم يمزج فرج الهموم بها وبي منها الأسى ... ملأ الحشا ناراً ولمّا يفرج يا مورد الماء الزُّلال حرمته ... مهما جرى ذكراهم تتأجج خطرت بنا والليل داج نفحةٌ ... أرجت كنفح العنبر المتأرِّج فغمت خياشيم الرِّفاق ونبِّهت طرب الحليِّ ومقلة الصَّب الشَّجي / 44 أ/ شغف الفؤاد بها لعلمي أنها ... لو لم تمرَّ بصدغها لم تأرج ولربَّ ليل جبت ستر ظلامه ... بعزيمة تحكي ضياء تبلُّج ضاهت كواكبه بنادق عسجد ... نثرت على صحن من الفيروزج أو زهر أزهار العرار تفتَّقت ... في وسط روضٍ من رياض بنفسج والبدر ينفج في الُّرى فكأنَّه ... صبٌّ يروم الحبَّ بين الأبرج

واللَّيل مسدود عليه طريقه ... يحبو حسيراً كالوليد الأعرج والشُّهب حيرى في السماء كأنَّها ... وفدٌ يضلُّهم الصَّدى عن منهج والبرق يلمع في خبايا مزنة ... كالسيف صمِّم في دلاص مدجَّج حتى بدا ضوء الصباح كأنَّه ... نار على شرف تشبُّ لمدلج وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] لد أبرزوا أسرار عيني وأحرزوا ... غزالاً عظيمًا في الملاخة شانه فهم حلَّلوا بالبين حيني وحرَّموا ... عليَّ عناقًا كان يدنو أوانه كما أوقدوا بالهجر بين جوانحي ... سعيراً بدا في عارضيه دخانه فمن ذا رأى مثلي من الناس هائما ... إذا ذكر الخلَّان يدمع شانه / 44 ب/ ومن أين مثلي في هواكم متيَّم ... إذا مسح الآماق تدمى بنانه وأنشدني من شعره من أبيات: [من الكامل] سقيًا لأيَّام الربيع فإنَّه ... زان البسيط بحلَّه خضراء وشَّى الحيا قطع الرياض كأنَّما ... أهدى له الحبرات من صنعاء حكت البروق وميض بيضٍ فارقت ... أجفانها في بهرة الظَّلماء ومنها يقول: وترى هزيم الرَّعد في جنباته ... كالطَّبل يشرب غدوة الهيجاء والقطر في وسط الشَّقيق كعبرةٍ ... تجري خلال المقلة الرَّمداء ومنها قوله: تترنَّح الأغصان من نفس الصَّبا ... كترنُّح النَّشوان من صهباء

ذكر من اسمه عبد المحسن

ذكر من اسمه عبد المحسن [354] عبد المحسن بن عبد الله بن الحسين بن رواحة بن إبراهيم بن عبد اله بن رواحة، يكنى أبا الخير بن أبي محمد الحموي الأنصاري. وقد تقدَّم نسبه. / 45 أ/ على الاستقصاء، عند ذكر ابن أخيه، وهم بمدينة حماه من بيت جليل في العلم والأدب، دخل حلب في أيام سلطانها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب، وقلَّده كتابة الجيش والعرض والأقطاع، وكان عنده شيء من علم الفقه؛ ويقول اليسير من الشعر. انشدني أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن رواحة الحموي؛ قال أنشدني عمِّي أبو الخير لنفسه: [من السريع] في حلب أصبحت مستضعفًا ... لا مال لي فيها ولا جاه يستنصر الأ بعد مستصرخًا ... سفاهةً والنَّاصر الله [355] عبد المحسن بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هشام، أبو القاسم بن أبي الفضل الطوسيُّ الموصليُّ الخطيب. وقد مرَّت أشعار أخيه وولديه متقدما. كان اسلافه خطباء الموصل، وكذلك أولاده، وهو من بيت العلم والخير

/ 45 ب/ والخطابة. وأبو القاسم كان شيخًا بهيًا لطيفًا، حسن المنظر، متواضعًا للناس، من صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم سمع حديثًا كثيراً من ابيه وعمِّه وغيرهما، وحدث بالموصل، وحمل عنه الحديث. وكان له قبول عند الناس وقدر جليل، وحرمة وافرة، ولي منه إجاوة كتبها بخطِّه، وله أشعار حسنة. وان مولده بالموصل ليلة الثلاثاء ليلة عاشر رجب سنة ثمان وخمسمائة، وتوفي بها ضاحي نهار يوم الخميس منتصف شهر بيع الأول سنة اثنتين وعشرين وستمائه –رضى الله عنه -. أنشدني الخطيب أبو الفضل عبد الله؛ قال: أنشدني والدي من شعره ما قاله على لسان أتابك نور الدين أرسلان شاه تبن مسعود بن مودود، وقد جاءته سفينة من أمير المؤمنين الناصر لدين الله –رضى الله عنهما -: [من الكامل] إن كان أتحفني الإمام سفينةً ... تنجي من البحر الخضمِّ الزَّاخر فتمسُّكي بعرى الولاء لبيته ... سفن النَّجاة من العذاب الآخر / 46 أ/ وقال يهنِّي القاضي حجَّة الدين أبا منصور المظفَّر بن عبد القاهر الشهرزوري بمجلس الحكم: [من البسيط] تهنَّه مجلسًا لمَّا قعدت به ... قامت صروف الليالي عنك ترتحل به من العدل أبواٌب قد أفتتحت ... كما به سدَّ خرق الدِّين والخلل من كان يبسط آمالًا ويقبضها ... فأنت لازلت مبسوطًا لك الأمل وقال يهنيه بالعيد: [من مخلّع البسيط] تهنَّ بالعيد يا جواد ... ما مثله قطُّ من جواد عادت عليك الأعياد حتى ... تنال ما شئت من مراد ودمت في نعمة وخفضٍ ... رغمًا على آنف الأعادي وقال يهنِّي بمولد: [من البسيط]

لك الهناء بميمون نقيبته ... مبشَّر بسعادات وإقبال ولي هناءٌ بما بلِّغت من أمل ... لا خيَّب الله فيك الدَّهر آمالي وقال يمدح: [من الطويل] وكلُّ بني مجد لمجدهم بما ... بنت لهم الآباء من شرف الذِّكر / 46 ب/ وأنت بنيت المجد حتى سمت به ... جدود هذا غاية المجد والفخر وقال أيضًا: [من الخفيف] مدَّة الورد مدَّةٌ ليس نبقى ... فاغتنمها فعن قليل تفوت واطَّرح ما يكون من فضل عيش ... واقتنع بالكفاف يكفك قوت وانتهز فرصة التواصل في الدنـ ... ــيا فكلٌ عمَّا قليل يموت وله إلى ولده أبي أحمد يستوحش له عند انتقاله إلى المدرسة: [من الطويل] لقد ملكتني من فراقك وحشةٌ ... يكاد لها نور العزالة يظلم تنكَّر في عيني لها كلُّ ما أرى ... ويجهل قلبي كلَّ ما كان يعلم فلا كانت الدُّنيا ولا أنت حاضرٌ ... ولا ساغ إلَّا وإيَّاك مطعم وقال أيضًا: [من الخفيف] عيشنا طيِّبٌ لكنَّ بعد الـ ... ـــــدَّار عنم لا عيش فيه يطيب أنتم جنَّتي إذا أعظل الخطـ ... ــــــــب وأنتم بكلِّ داء طبيب وله إلى أتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود، وقد شرف أرباب الدولة، ولم يشرِّفه: [من السريع] / 47 أ/ ماذا الَّذي أوجب نسياني ... يا ملكًا ليس له ثاني؟ أخدمتي توجب لي ميزتي ... أم تقتضي منعي وحرماني؟ اعيذ بحراً زاخراً منك أن ... تجعلني منه بطوقان إن كان سلطان الورى مانعي ... فأنت في العالم سلطاني كلُّ البرايا رفلوا لابسي ... تشريف نور الدِّين رسلان فلم أنا وحدى حرمت المنى ... مبدِّلاً ربحي بخسران لا زلت في أوج العلا صاعداً ... برغم أنف الحاسد الشَّاني

وقال أيضًا: [من مجزوء الخفيف] كيف ادَّعى الحقَّ قوم ... أم كيف ذاك استجازوا؟ ما حاز ملكك قومٌ ... بل دون ملكك حازوا! أنت الخليفة حقَّاً ... وما سواك مجاز كلُّ الخلائق ثوبٌ ... وأنت فيه الطِّراز خليفة الله وعدي ... قد حان منه انتجاز في البعث أنت إمامٌ ... وفي يديك الجواز وفي يديك يراعٌ ... حكاه عضبٌ جراز / 47 ب/ وقال أيضًا: [من الطويل] أشاقك برقٌ بالحجاز لموع ... ففاضت على الخدَّين منك دموع وهيهات ليس الدَّمع في الربع مقفراً ... بشافِ إذا لم يجر فيه نجيع وقال أيضًا: [من المنسرح] مجلسنا قد حوى من النُّجب ... كلَّ مليح ومنظر عجب خيمتنا هذه لها شرفٌ ... على خيام الأعجام والعرب بها أناسٌ أولو حجى وندًى ... ورتبةِ قد علت على الرُّتب وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز] يا سائق الأطغان أيـ ... ــــــــــن سارت الأطغان رفقا ففي آثاركم ... مدلَّهٌ حيران ينشدهم قلبي وهم ... في وسطه سكَّان والعين ترجو قربهم ... وهم لها إنسان هذا غرامي بهم ... وهم لنا جيران فكيف بي إن شطَّت الـ ... ـــــــدَّار بهم أو بانوا يا دارهم أين هم الـ ... ـــــحلَّال والقطَّان / 48 أ/ مذ ظعنوا أقامت الـ ... ـــــأحزان والأشجان وأضرمت لبينهم ... في كبدي نيران

هذي أثيلات النَّقا ... وهذه الكثبان وذاك رمل عالجٍ ... ورنده والبان وهذه آثارهم ... وهذه الأوطان وجدي بهم مشتهرٌ ... سارت به الرُّكبان إن أعوز الماء لهم ... فأدمعي غدران أو كان وجدي خافيًا ... فهي له عنوان هذا الحمى والبان ... وهذه نعمان وهذه أطياره ... أين هم السُّكَّان هل عائد ولن يعو ... د ذلك الزَّمان قد استوى في حبِّهم ... سرِّي والإعلان هل عائدٌ ولن يعو ... ذلك الزَّمان مرابعٌ كانت بها الـ ... ـــــــــــــــــــارام والغزلان / 48 ب/ لكنَّما يقصده ... عن ذلك الحرمان وله إلى قاضي القضاة أبي الفضائل في إيوان استجدَّه: [من البسيط] إن كان إيوان سرى عاليًا فلقد ... علاه بالعدل والإنصاف إيوانك أو عمَّ إحسان بانيه الورى فلقد ... شأوته واسترقَّ الناس إحسانك اشبهت بدر الدُّجى لمَّا جلست به ... في الدَّست والثاَّقبات الشُّهب أعوانك فدم لشمل الهدى والدِّين تجمعه ... فجمع شمل المعالي والهدى شانك وقال أيضًا: [من السريع] أنتم سرور القلب والخاطر ... وأنتم النُّزهة للنَّاظر لا تكمل النزهة إلا بكم ... فبادروا في حالنا الحاضر كلُّ المسرَّات إذا ما خلت ... منكم فلا هنِّي بها ناظري والأرض قفرٌ ما خلت منكم ... مغبرةٌ مع روضها النَّاضر وقال يمدح شاعراً: [من الطويل]

أيا ناثراً دراً وناظم عقده ... ومستخرج المعنى ومورى زنده شأوت الأولى فاقوا الأنام فصاحةً ... بما حال منك الفكر موشيَّ برده / 49 أ/ فته كيف ما شاءت قوافيك مصعداً ... فويق السُّها أو جائزاً فوق خدَّه معان تروق السَّامعين كانَّما ... سقوا قرقفا كالسلسبيل وبرده لها أرجٌ في الحيِّ إن هي أنشدت ... تفوق على بان الأراك ورنده فصاحبها ينيبك قسًا وجرولًا ... وإيراده يغنيك عن عبد ودِّه يريك إذا ما فاه بالنَّظم ناطقًا ... لبيداً بعقد النًّظم أو نظم عقده وله في شمس الدين على بن أبي غالب السَّلاميّ: [من السريع] قال فرات الشام لمَّا جرى ... بحر النَّدى في موجه الغالب: من ذا الَّذي يعلو على صهوتي ... قلت: علي بن أبي غالب وقد علا من فوق حرَّاقة ... أكرم به من جالس راكب ذاك الَّذي إن نقص البحر في ... نقص الزمان الغابر الذاهب فجوده لا يألي زائداً ... للقانع المعترِّ والطالب وكيف لا يعلوك من جوده ... هامٌ على السَّالب والواهب تجود بالماء وتختفي الَّذي ... في القعر من جوهرك الثَّاقب وجود شمس الدَّين من كلِّ ما ... يحويه في الشاهد والغائب وقال في صبيِّ: / 49 ب/ صعد المنبر تجاه الكعبة الشريفة وأذن العشاء: [من الوافر] تبدَّى بين زمزم والمقام ... لنا بدرٌ حكى بدر التَّمام بدا والليل قد أرخى سدولًا ... حكت صدغيه من نون ولام لعا فوق الحطيم لحسن لفظ ... حكى الُّرَّ المنضَّد في النِّظام فعاد الليل حينئذ بهاراً ... بوجهك إذ سفرت عن اللِّثام وأغنانا جبينك إذ تبدَّى ... عن المصباح في جنح الظَّلام تصيد قلوبنا والشَّرع يأبى ... جواز الصَّيد في البلد الحرام وتشهر سيف لحظك في مقام ... نهينا فيه عن سلِّ الحسام بأية جرأة وبأي أيدٍ ... تحلِّل حرمه البيت الحرام

وتفتن بالقوام اللَّدن قومًا ... غدوا يتحرَّجون عن الأثام وتنهر سائليك وقد نهاك الـ ... ــــــــــــــإله عن انتهار المستضام أفي شرط المحبَّة أن تجازي ... محبَّك بانقطاع وانصرام ملكت الحسن أجمعه فهلَّا ... عدلت مع التَّحكُّم في الأنام نجود بأنفس منّا غوال ... وتبخل أنت حتَّى بالسَّلام / 150 أ/ رميت الجمر لا جمرات حجٍّ ... فأصبحت القلوب بها دوامي وتكرع من حياض الحسن ريَّاً ... ونجرع فيك اسات الملام فلا تلم الحجيج إذا اشرأبوا ... إليك مسابقين بالازدحام وظنُّوا أنَّه رٌكنٌ فمالوا ... بتقبيل إليه واستلام وله عند وداع والده إلى الحج: [من السريع] جرَّعني الدَّهر من فراقكم ... كأساً كرير الحمام أعذبها وددت أنَّ الحمام عالجني ... من قبل يقضي عليَّ أشربها قد كانت الأرض قبل واسعةً ... فضاق بي مذبان أرجبها وابتهجت من منى مرابعها ... وخيفها وأزدهى محصَّبها وله إلى ولده بمكة –حرسها الله تعالى-[من الطويل] إذا ما سرت ريح الصَّبا من دياركم ... وجدت لمسراها على كبدي بردا أناشدها إن زرت أرض أحبتي ... فقولي لهم والله ما نقص العهدا وله إليه أيضا من أبيات: [من الطويل] بعدت فلا عيشٌ يسرُّ ولا حشًا ... تقرُّ ولا مرأى يروق لناظري / 50 ب/ وخلَّفتنى فرداً أنيسي وحدتي ... إذا ما دجا ليلي وفري مسامري فإن كنت أوحشت الدِّيار وأهلها ... لقد أنست أرجاء تلك المشاعر وإن كنتم غيِّبتم عن نواظري ... عف رسمها من دمعي المتحادر ومنها قوله: ولله ذاك الشَّعب لمّا حللته ... وماذا حواه من علا ومآثر

وله إلى من عاتبه على أكل القطائف: [من الخفيف] ما تفرَّدت بالقطائف عنكم ... حاش لله كيف ذاك وأنَّى؟ لا تظمُّوا أنِّي يطيب لي العيـ ... ــــــــــــــــــش إذا كنتم بعيدين عنَّا أو إذا ما سقيت من دونكم ما ... ءً زلالًا أنِّي به أتهنَّا وله إلى القاضي بهاء الدين بن شداد: [من الكامل] لم يخطني دهري بخلوة ساعة ... حتى أبث إليكم أشجاني فتأمَّلوا ما في ضميري تدركواً ... بصفاء ذهن سرَّ ذا الإدهان بين القلوب تفاوتٌ وتناسبٌ ... لا تعبأوا بتبًاعد الأبدان وله في غرض: [من الرمل] / 51 أ/ أكتم الحبَّ ولكن أدمعي ... كلَّما نمَّت عليه ظهرا يا هلالًا لو تجلَّى في ضحىً ... أخجل الشمس فولَّت قهقرا يا خليَّ البال فلبي ممتل ... منك والعين تعاني السَّهرا نم هنيئاً فرقادي نافرٌ ... مذ هجرتم لجفوني هجرا وله على وزن ما ذكرت: [من الرجز] لا يبعد الله لييلات مضت ... فيها كرعنا العيش صفواً ريِّقا إذ حادثات الدَّهر عنَّا نوَّمٌ ... وشملنا المجموع ما تفرَّقا يا حادي الأظعان رفقاً إنَّما ... مناسم العيش يطأن الحدقا تمشي الهوينى في السُّرى فإن بدت ... كنت الحمى لها تسير العنقا لا تحسبوا أنَّا نقضنا عهدكم ... بعد الفراق أو حللنا موثقا أشفقت إذ ساروا على ركابهم ... من حرِّ أنفاسي أن تحترقا منُّوا بوصل فليالي هجركم ... لم تبق من روحي إلَّا رمقا أكابد الهم نهاري كلَّه ... حرنًا وفي الليل أعاني الأرقا كأن ما كان من اجتماعنا ... حلمٌ تقضَّى أو خيالٌ طرقا / 51 ب/ إن غربوا كان الهوى مغرِّبا ... أو شرَّقوا كان الهوى مشرقا إن كنت أضمرت لم غدر فلا ... منيت بعد البين منكم باللِّقا

وفقت في الأطلال من بعدهم ... أسال جرعاء الحمى والأبرقا الجيرة الغادون ما ضرهم ... لو وعدوا أو ودَّعوا بالملتقى نحن على العهد مقيمون فهل ... لعهدكم من بعد تفريق بقا تحزَّب الواشون أحزابا بنا ... وافترق العالم فينا فرقا ومنها: حتى رأيت الحادثات أحدقت ... بشملنا وسهمها قد رشقا يا راكبا يقطع أجواز الفلا ... خالطها طيف جنون طرقا وقال من أبيات: [من الكامل] ما كان ضرَّك لو مننت بزورة ... وشفيت قلبًا بالصَّبابة مكلما أعرضت حتى قيل إنَّك هاجرٌ ... وبخلت حتى بالجواب مسلِّما أصبوا إذا برقٌ تألَّق باللِّوى ... وهنًا وهاج على الرُّبى متسنِّما وقال في قدوم صديق له: [من الكامل] / 52 أ/ ضاءت بك الحدباء حين قدمتها ... من بعد ما كانت كليل عاتم وتضوَّعت أرجاؤها فكأنما ... عبقت نواحيها بنشر لطائم وقال أيضًا: [من مجزوء الوافر] سل الأطلال لم سعدى ... نوت عن أرضنا بعدا ولم مالت عن العهد ... وكانت تحفظ العهدا أصدَّت عن ملال أم ... رفرعا كان مسودَّا حكيت الرِّيم ألحاظًا ... وبانات اللِّوى قدَّا وغصن البان أعطافًا ... وورداً قانيا خدَّا وأصبحت على حسنـ ... ــــــــــــــك مثلي في الهوى فردا ألا لله يوم البيـ ... ــــــــــــن كم من عاشق أردى وكم من مدمعٍ إجرى ... وكم مشن كامنٍ أبدى

تزوَّد من صبا نجد ... فهيهات ترى نجدا ورح رائحة الضَّال ... وجدِّد باللِّوى عهدا فلن تنشق بعد اليو ... م لا ضالًا ولا رندا / 52 ب/ أبا سعد عداك الذَّمُّ إن جرت على سعدى فسفَّ إذن ترابً الرَّبـ ... ــــــــــــــــــــع حتى تلثم الصلدا وبلِّغ بعض اشواقي ... عساك اليوم أن تهدا وقال أيضًا: [من البسيط] والله مالي أنيسٌ بعد فرقتكم ... إلَّا البكاء وقرعي السِّنَّ من ندمي ولا ذكرت ليالينا التي سلفت ... إلَّا جرت أدمعي ممزوجة بدم وقال من أبيات: [من مجزوء الرمل] أيُّها العاذل رفقا ... كفَّ عنِّي لا تلمني عدِّ عن عذلي فيكفيني تباريحي وحزني انت خلوٌ من سهادي ... وغرامي المستكنِّ انت ذو قلب خليِّ ... وفوؤاد مطمئنِّ ليت تصغي يا عذولي ... لملام فيه أدلي لو شهدت العيش لمَّا ... ثوَّروها لم تلمني إنَّ يوما فيه ساروا ... ونهاري بالتَّمنِّي / 53 أ/ يوسفي الحسن والأعًـ ... ــــــــطاف غصنيُّ التَّثنِّي إن بدت أطلال سعدى ... سفَّ ترب الرَّبع عِّني وقال أيضًا: [من البسيط] شوقي إليكم يفوق الحضر والعددا ... لا أستطيع أبث الوجد والكمدا وجفن عيني غضيضٌ منذ فارقكم ... آليت أن لا أرى من بعدك أحدا لله أيَّا منا والدار جامعةٌ ... ونحن فيها نقضِّي عيشةً رغدا ما كنت أحسب أنَّ الدَّهر يبعدني ... عنكم فلا كتبًا منكم ولا صددا

هلَّا الدِّيار بنا تدنو فينتظم الشَمل الشَّتيت بكم فيها كما عهدا أم هل أراكم وعبد الله يقدمكم ... عندي فيرجع قلبٌ كان قد فقدا إذا تذكَّرتكم وهنا وضعت يدي ... على حرارة قلبٍ كلَّما بردا أراقب النَّجم لا طيفٌ فيطرقني ... غضَّا رطيبًا فإنَّ الصَّبر قد نفدا [356] عبد المحسن بن حمود؛ هو أبو الفضل عبد المحسن بن حمود بن المحسن بن علىٍّ/ 53 ب/ بن يوسف التَّنوخيُّ. من إنشاء حلب، كانت ولادته بها في سنة سبعين وخمسمائة. يعرف والده بالحجّار، كان عاميًا يقطع الحجارة، ويبيعها ويرتزق بها، ومنها كانت معيشته، وكذلك أخوه ولم يكن من بيت فضل ونشأ أبو الفضل هذا محبًا للعلم، راغبًا في تحصيله، استظهر أولًا الكتاب العزيز، وقرأهً للسبعة، وجوَّد قراءته ثم إلى غيره من الكتب الأدبية والشعرية، كالمقامات الحريرية وحماسة أبي تمام، ودرس الأدب والنحو، واطلع على كثير من أخبار الناس وأيامهم، وسمع الحديث النبوي كثيراً، ولقي المشايخ وأخذ عنهم بحلب، وتولَّع بقول الشعر فبلغ فيه مبلغًا لم يبلغه أحد من أبناء زمانه، وتقدَّم على عامة معاصريه فيه.

ثم تعاطى الكتابة الإنشائية، وصناعة الترسل، فبرز في ذلك، وأجاد وفتح مكتبًا بحلب، يعلِّم فيه الصبيان، فبقي مدة في التعليم ثم عزله ...... والسفر عن الوطن، فتوجه إلى دمشق طالبًا لخدمة / 54 أ/ الملوك، في سنة تسع وتسعين وخمسمائة، فاستقرَّ مقماه بدمشق، وتردَّد إلى الإمام تاج الدين الكندي، فقرأ عليه جملة، وصحبه مدة واستفاد منه أدبًا وفضلًا كثيراً، فنبغ بدمشق واشتهر أمره، فحينئذ استكتبه الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب لدولته، فلم يزل يكتب له الإنشاء إلى أن توفي المعظم، فخدم بعده مولاه الأمير عز الدين إيبك المعظمي واستوزره. ثم طلبه الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب، فصار غليه، فأكرمه وقرَّبه وصحبه إلى الديار المصرية، ثم انفصل عن خدمته، وانضاف إلى الملك الجواد مظفر الدين يونس بن مودود بن أبي بكر بن أيوب، ثم فارقه، واتصل بخدمة الملك المنصور ناصر الدين أبي طاهر إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي – صاحب حمص- وهو الآن في خدمته، وكاتب الإنشاء لدولته. واجتمعت به بحلب، يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثلاثين وستمائة. / 54 ب/ وأنشدني جملة وافرة من أشعاره، أنا أذكرها بعد ذلك – إن شاء الله تعالى- وسمعت عليه جزءاً من الحديث النبوى، وأجازني جميع رواياته ومقولاته، وكان قدومه صحبة مخدومه الملك المنصور حين وردها معاونًا ومساعداً، ومجداً للسلطان صلاح الدين يوسف بن محمد بن غازي – صاحب حلب- لمّا تغلب الخوارزمية- لعنهم الله تعالى- على أكثر البلاد الشامية والفراتية، ونبهوا ..... واستباحوا حريمها، وكذلك ..... وجملة من القرى وأفسدوا وعاثوا فيها، فنصره الله عليهم، وبدد شملهم، وأكثر منهم القتل والأسر؛ فكان الله له ناصراً ومعيناً بمحمد وآله أجمعين. وذكر لي أنه؛ اعتنى بتأليف كتاب عجيب في فنِّه، حسن الترتيب، لم يسبقه أحد من الأوائل الذين عنوا بهذا الشأن إلى ما وضع؛ وهو عشرون كتابًا؛ كل كتاب يشتمل على أغراض وفصول وأبواب، ويكون مجموع ذلك الكتاب ستين مجلداً، سمَّاه:

أخاير الذخائر من جواهر الجماهر". / 55 أ/ وذكر لي أنه ألَّف كتبًا غير ذلك منها كتاب "الروضة الممرعة في فضائل الأئمة الأربعة" وكتاب "مفتاح الأفراح في امتداح الراح" قصره على شعره، ورتَّبه على توالي الحروف، وديوانا أشعاره ورسائله مدخلات في عشرة أجلاد. وهو رجل قد حاز فضيلتي الكلام؛ نظمًا ونثراً، وبرز في صناعتهما، مناكتب الناس في وقته، وأعملهم بقوانين الترسل، وأساليب الكتابة، وأجود الكتَّاب شعراً، نقي في نفسه، يميل إلى أهل الصلاح والدين؛ حسن الطباع كريم الاخلاق. انشدني عبد المحسن بن حمّود لنفسه: [من الخفيف] عدِّ عن زينب وعن أسماء ... وأسقني من سلافة صهباء خندريس كالشمس قد نثر المز ... ج عليها كواكب الجوزاء نالها الطَّرف في الزُّجاجة لكن ... فاتها الكفُّ قد جمِّدت من هواء وكأن الحباب حين علاها ... عرقٌ فوق وجنة حمراء من يدي شادن إذا ما تجلَّى ... غار من وجهه هلال السَّماء / 55 ب/ خضَّبت كفَّه المدامة فاستغـ ... ـــــــــــــنى بلألائها عن الحنَّاء بنت كرم إذا اللئيم احتساها ... علَّمته خلائق الكرماء واتل من وصفها على الشُّرب ذكراً ... نفحته قرائح الشُّعراء كلُّ معنى يكاد يضحك بالَّصهـ ... ـــــــــباء فعل الصَّهباء بالنُّدماء إنًّما لدَّة الحياة شبابٌ ... وشرابٌ على غنًّى وغناء وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] لا تطع في المداد قول مداجي ... وأدرها صرفًا بغير مزاج قهوة تصرف الهموم عن الشُّر ... ب إذا أشرقت وراء الزُّجاج ومتى ما دجا الظلام كفانا ... نورها في الزُّجاج نور السِّراج تبرز الشمس حين تبرز في الكا ... يات والليل مظلم الجنح داجي توَّجتها يد المزاج بتاجٍ ... من حباب يا حبَّذا من تاج

عالج الهمَّ حين يعرض للأر ... واح بالرَّاح فهي خير علاج تفتح الرَّاح حين تجلى إلى الأفـ ... ـــــــــــــــــراح للشاربين كلَّ رتاج إن تكن أفسدت صلاح الدِّيانا ... ت فقد أصلحت فساد المزاج وأسقنيها من كف ظبي غرير ... أكحل الطَّرف أغيد مغناج / 56 أ/ دبَّ من فوق وجنتيه عذاراً ... هـ كنمل بدت من فوق غاج كلَّما ماس قدُّه كاد ينقدُّ بردف موفَّر رجراج وإذا الراح هزَّ عفيه سكراً ... جادلي بالذي أنا منه راجي وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الخفيف] يا مدير السُّلافة الصَّهباء ... لا تكدِّر صفاءها بالماء وأدرها صفراء صرفًا إذا .... ... .... تجلى حنادس الظَّلماء قهوةٌ إن يصبك من شربها دا ... ء خمار فداوه بالدَّاء يقبل الكأس حين يقبل منه ... ما تولَّى عنَّا من السَّراء كلَّما أطلع السُّقاة شموسًا ... من مدام غربن في النُّدماء ما الحيا بالزُّبى بأنفع منها ... بعد محل في الروح والأعضاء فإذا ما شربت منها ثلاثًا ... وثلاثًاً يأتين غير بطاء فعلت في لباب لبِّك ما يفعـ ... ــــــــــــــل بالطَّرف أوَّل الإعفاء لذَّة العيش المدام وما اللَّذَّة إلَّا في ساعة الإنتشاء فاسقنيها حتى تراني لا أفـ ... ــــــــــــرق بين الإصباح والإمساء وقال أيضًا وأنشدنيه: [من المنسرح] / 56 ب/ وافى وجنح الظلام قد جنحا ... وطائر الدَّوح فيه قد صدحا وللنَّسيم العليل طيب شذاً ... عطَّر جوَّ السماء إذ نفحا وبلَّل القطر ذيله فلو الـ ... ـــــمخمور أعفا في برده لصحا والدِّيك يدعو من فوق منبره ... هبُّوا فرجه الصباح قد وضحا فبادروا الصبح بالصَّبوح فقد ... أفلح من راح فيه مصطبحا أهيف كالغصن آده كفلٌ ... كالِّعص أعيى في وصفه الفصحا لولا ظلامٌ في ليل طرَّته ... يستره عن وشاته أفتضحا

ابن ثمان وأربع غنجٌ ... لغير ذاك الفعال ما صلحا فقمت من سكر خرمة وكرى ... أرفل في بردة الصِّبا مرحا أخططب بنت الكروم .... ... ..... الفرحا فقال: هات اسقني فقلت له ... خذها مداماً كالبرق إذ لمحا حمراء تحكي دم الغزال إذا ... ما باخل القوم ذاقها سمحا تريك في حال مزجها شرراً ... تومي به كالزِّناد إذ قدحا فعبَّ منها فقلت بدر دجى ... يلثم منها في الكأس شمس ضحى أشرب من سؤره فينفحني ... منه نسيم يعطِّر القدحا / 57 أ/ حتىغذا ما المدام رنَّحه ... وراض بالسُّكر منه ما جمحا غنَّى بييت ابن هانئ ولقد ... كنت له قبل ذاك مقترحا يا صاح لا أترك المدام ولا ... أقبل في الحبِّ قول من نصحا وقال أيضًا وأنشدنيه: [من مجزوء الرمل] لا تطع قول النصوح ... وأجب داعي الصَّبوح ما ترى نجم الثُّريَّا ... قد تولَّى للجنوح وبدا الصبح كرهبا ... ن تبدَّت في المسوح فكؤوس الراح تجلى ... في يدي ساق مليح بدر تمَّ قام يسعى ... بستى البرق اللَّموح قهوةً عتَّقها من ... قبل نوح قوم نوح فهي في اساتها تحـ ... ــــــكي دم الظَّبي الذَّبيح فأشربنها واسقينها ... او يواريني ضريحي وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الوافر] / 57 ب/ أدر يا منيه النَّفس ... علينا قهوة القسِّ وصرِّف ليلنا بالصِّر ... ف حتى مطلع الشمس ولا تمزج بها ماء ... بربِّ الرُّوح والقدس فإن الراح عند النَّفـ ... ـــــــــــــــس أحلى من منى النًّفس مدامًا صانها كسرى ... أنوشروان للفرس

فأفنى الدَّهر جدَّتها ... وطهَّرها من الرِّجس ولطَّفها إلى أن دقَّ معناها عن الحسَّ تراها حيثما حلَّت ... نظام اللَّهو والأنس فإنَّ الكأس قد صحَّت ... لول المكث والحبس وطير السَّعد قد وافى ... وولَّى طائر النَّحس وقال أيضًا، وأنشدنيه: [من الطويل] ألا .... في الراح قد جئت بالإفك ... وإني لفي شغل بلذَّتها عنك اتنهين من لم يقبل ... ... من الله عنها كيف يقبله من تقولين لي اتركها وتب وهي تجتلى ... بكفَّ غلام أهيف من بني الترك أفديه من ساق إذا ما رمقته ... يمازج تقطيباتهً لي بالضِّحك / 58 أ/ حكى أسها خدَّاً وثغراً ومقلةً ... وسورتها أفعال مقلته تحكي إّا فضَّ بين الشَّرب عنها ختامها ... أتت بنسيم الرَّوض أو نفحة المسك وإن مزجت أبدت بصفحة كأسها ... حبابًا كدرٍّ قد تبدَّد من سلك ولو تبت من شربي لها وتركتها ... وعاينت ذا أو بعضه تبت من نسكي وقا أيضًا، وأنشدنيه: [من الوافر] نديمي قم إلى شرب الحميّا ... فقد جنحت إلى الغرب الثريّا وقد أهدت صبا نجد إلينا ... بطيب نسيمها مسًا ذكيّا وغنَّت في فروع الأيك عجمٌ ... تروح بها عن الفصحى غنيّا وحيَّتنا بها خودٌ رداحٌ ... نرى بدر الدُّجى منها حييَّا إذا هزَّت معاطفها أرتنا .... قومًا يخجل الغصن الرَّويّا تميت الحيَّ من سكر وتشدو ... بتلحين يعيد الميت حيَّا وتبدي من ثناياها أقحوانًا ... ومن وجناتها ورداً جنيّا مجاجة ثغرها الوضَّاح أحلى ... وأعذب من معااة الحميّا جلتها في الزُّجاج لنا عروسًا ... ونظًّمت الحباب لها حليًا يري مديرها في الكأس .... ... وقد غسق الدجى ....... /58 ب/ كأن الشمس قد حلَّت عليها ... رجاءً من .... بهيّا

إذا نسمت حسبت الريح هبَّت ... على روضٍ فأهدت منه ريَّا وقال أيضًا، وأنشدنيه: [من المجتث] بالله هل يا ملول ... إلى الوصال وصول ام هل إلى سلسبيل ... من ريق فيك سبيل صلني فماذا التَّجافي؟ ... من ذا الجمال جميل ساءت لبعد حالي ... ولست عنك أحول قضى اعتدالك فينا ... أن ليس عنك عدول يميل كل فؤاد ... إليك حين تميل فهل ثنى قدَّك اللَّدن شمال أم شمول مولاي ها أنا من خصـ ... ـــــــــــرك النَّحيل نحيل وها فؤادي من طر ... ف العليل عليل إن كنت تنكر أنِّي ... بمقلتيك قتيل فها دمي كاد من خدِّك الأسيل يسيل وذا الدَّلال على ما ... بي من هواه دليل / 59 أ/ لكن يهون على الغمت ... ــــــــــر الهوى ما يهول وله من أبيات: [من المديد] وأهيف كقضيب البان ميَّاس ... رقيق جسم ولكن قلبه قاسي ناديت لمَّا بدا والكأس في يده ... كأنه قمرٌ وافى بنبراس وأنشدني لنفسه، بحلب المحروسة تاسع عشر جمادى الآخرة، سنة ثمان .... وستمائة من قصيدة مولة، امتدح بها النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول فيها – في وصف الناقة بع أبيات كثبرة-: [من البسيط] حتى إذا بلغت قبر النبيِّ فلا ... رحلٌ على ظهرها من بعد محمول وكيف يبلغ [من] هذا المقام مطًا ... ويغتدي وهو للتَّرحال مرحول

يا طيب طبت بقبر فيك ساكنه ... له على كلِّ خلق الله تفضيل قبر تلقى بيتًا حلَّ فيه رضا ... من الإله وتكريم وتبجيل فيه النبي الَّذي لولا نبوته ... لما اقتفى الرُّشد قابيلٌ وهابيل / 59 ب/ فيه النبي الَّذي لولا هدايته ... لما انجلى عن ذوي التَّضليل تضليل فيه النبىُّ الَّذي لولا شفاعته ... ما فكَّ من ربقه العصيان مغلول هو الوليُّ فمن والاه منتصرٌ ... على العداة ومن عاداه مخذول ذو الحشر يورده في الحشر أمته ... وذو الشفاعة ما في ذين تأويل أباد أهل التَّماثيل الذين بها ... ضلُّوا فذلوا ولم تغن التماثيل لقد هدانا إلى دين له شهدت ... بالصِّدق والحقِّ توراةٌ وإنجيل وجاءنا بكلام لا تبدِّله ... خلقٌ وهل لكلام الله تبديل فيه بيانٌ وأمثالٌ ومرحمةٌ ... وحكمةٌ ومواعيظٌ وتفصيل تلا على الناس وحيًا جلَّ قائله ... كما تلاه أمين الله جبريل كلامه الصدق لا ريبٌ يخالطه ... لأنه عن إله العرش منقول إليك جئت رسول الله من بلد ... ناء تخبُّ بي القود المراسيل وليس شاغر تسليمي عليك وتقـ ... ــــبيلي الضَّريح الَّذي يحيوك تأميل لعلَّ وزري إذا ما زرت قبرك أن ... يروح وهو بعفو الله مشمول عساك تسأل ربَّ الخلق في فما ... يخيب من فيه رب الخلق مسؤول فقد تدنَّس عرضي بالذنوب عسى ... أن يغتدي وهو بالغفران مغسول / 60 أ/ يا صفوة الله من هذا الأنام ومن ... مريره في سبيل الله مجدول أوضحت سبل الهدى والدِّين فاتَّضحت ... وبان للناس تحريم وتحليل فالحقُّ متبعٌ والصدق مستمعٌ ... والعدل متسعٌ والنُّصح مبذول طابت خلائقك اللاَّتي حبيت بها ... وفي الخلائق ممرورٌ ومعسول ورضت باللُّطف أخلاقًا جمحن على ... ان راضها لك أصحابٌ وتذليل لو كنت فظَّاً غليظ القول ما اتَّبع الـ ... ـــــــــــقول الَّذي قلت جيلٌ بعده جيل

وانفضَّ من حولك الأقوام وارتجع الـ ... ــــــــولي عنك وولًّى وهو إجفيل دانت لدينك أحبار اليهود ورهـ .... ــــــبان النَّصارى وأقيالٌ بهاليل وليس فيه على أربابه حرجٌ ... بل فيه رفقٌ وتيسيرٌ وتسهيل انار شرعك فينا كلَّ داجيةٍ ... كما أنار دجى الظَّلماء قنديل ما ينكر البعث والإرسال غير عم ... منافق قلبه بالغشِّ مدخول وليس يجحد آيات اتيت بها ... إلا امرؤ كافر بالله ضلِّيل وكل ناقض أمر أنت مبرمه ... فإنِّما دينه شكٌ وتعطيل يا طيب طوبى لمن أدناه فيك إلى ... تراب قبر نبي الله تقبيل قولي لليلى بأني حيثما برزت ... عنها بمدح رسول الله مشغول / 60 ب/ ما حب ف\قلبي له دعوى أنمِّقها ... ولا مديح لساني فيه منحول مديحه اليوم تفضيلٌ لقائله ... وفي غد هو في الميزان تثقيل به أرجي إيابي سالمًا وخطيـ ... ـــــــــــــآتي مكفَّرةٌ والحجُّ مقبول جاء الرسول بآيات مبيَّنة ... للجاحدين لها ويلٌ وتنكيل من ذا يكذِّب ما جاء النبيُّ به ... وقوله من عبير الصدق مجبول هو الَّذي ختمت رسل الإله به ... عن شرح جملته تعيا التَّفاصيل من معشر قد وقى أعراضهم كرمٌ ... ما تقيهم لدى الهيجا السَّرابيل إذا احتبوا فهم الأطواد راسية ... وإن حبوا فهم الدأماء والنِّيل وهم غيوثٌ لهم أحوالهم مطرٌ ... وهم ليوثٌ لهم سمر القنا غيل قوم إذا فوضلوا ان الأفاضل ما ... فيهم وإن أطنب الحسَّاد مفضول ذوو عمائم قد ذلأَت لعزتها ... ذوو الأكاليل قسراً والأكاليل هم أيَّدوه على تأييد ملَّته ... لمَّا استطالت على الحقِّ الأباطيل ومهَّدوا الدِّين والإسلام وانحسمت ... بحدِّ سيفهم عنه الأضاليل ودوَّخوا كلَّ ملك لم يدن لهم ... فملكهم آيلٌ والعرش مثلول من كلِّ قرمٍ إذا ما القرن بارزه ... لم ينثن القرن إلا وهو مغلول

/ 61 أ/ أمضى سلاح معاديهم إذا اعتقلوا الـ ... ـــــــــــــرماح للطَّعن تسليمٌ وتخذيل مناذا أقول وإن أسهبت في ملأ ... قد جاء في مدحهم وحيٌ وتنزيل لولاهم هدم البيت العتيق وقد ... وافاه قومٌ عصاةٌ فيهم الفيل عادوا وقد عاد في التَّضليل كيدهم ... وأرسلت فوقهم طيرٌ أبابيل ترمي بأحجار سجِّيل تغادرهم ... إذا رمتهم كعصف وهو مأكول هل مثل مجدكم آل النبيِّ له ... في الجاهليَّة والإسلام تأثيل مجدٌ مشيدٌ قريشٌ شيَّدته لكم ... ما شان شاهده جبنٌ وتبخيل فخراً بذلكم آل النبيِّ فقد ... أدركتم ما ونت عنه البهاليل أدركتم من ذرى العلياء منزلةً ... تنمى فيعجز عن إدراكها القيل إذا صفاتكم أثنى القران بها ... فما الَّذي بعده تثني الأقاويل صلَّى الإله عليكم ما بدا قمرٌ ... يسري ومنزله قلبٌ وإكليل ثمَّ الصلاة على أصحابه فبهم ... قد كان للدِّين تتميمٌ وتكميل وعنهم رضي الرحمن إنهم ... أرضوه والأجر عند الله مكفول هم الألى بايعوه تحت أيكته ... وللملائك تكبيرٌ وتهليل أنصار دين الهدى ما فيهم كشفٌ ... ولا معازيل في الهيجا ولا ميل / 61/ بشدَّهم شيد بع الدِّين وهو إلى ... يوم القيامة معمورٌ ومأهول هم الغياث إذا ما استنجدوا وهو الـ ... ــــــغيوث سائلة بالجود إن سيلوا شوشٌ مغاوير خوَّاضون في لجج الـ ... ـــــحروب لدٌّ مقاويلٌ مفاضيل صيد صناديد أنجادٌ جحاجحةٌ ... غرٌّ ميامين أمجاد مباجيل إذا ينالون لا يزهاهم فرحٌ ... ولا ينالهم حزنٌ إذا نيلوا خوف الإطالة ما استوعبت مدحهم ... فربما شان بعض القول تطويل أرجو من الله إسعافي لحبِّهم ... فإنَّ حبهم اجرٌ وتنويل وأسال الله تزويدي التُّقى بهم ... فإنهم نعم يوم الفاقة السُّول وأنشدني أيضًا: [من الطويل] إذا ما سفيه القوم أوسعني شتمًا ... كظمت له غيظي وأوسعني حلما وما الفرق عند الناس بيني وبينه ... إذا قال لي شتما فقلت له شتما

وله وأنشدنيه: [من المجتث] لا تعتب الدَّهر حملا ... فما على الدَّهر عتب وإنَّما الناس ساءوا ... وليس للدَّهر ذنب وأنشدني له: [من الوافر] / 62 أ/ تجنَّب ما استطعت عن الخلائق ... فهجر الخلق من كرم الخلائق فأعوز ما ترى في الناس شخصًا ... خليَّ القلب أو خلاًّ موافق وأنشدني لنفسه: [من المنسرح] حيَّاه محبوبه بنرجسة ... من بعد طول الجفا فأحياه كأن مضفرَّها خدود محبِّـ ... ــــــيه ومبيضَّها ثناياه وقال أيضًا: [من السريع] لا تطلع الناس على سركا ... يومًا ولا تخرجه عن صدركا إن تفثه كنت أسيراً له ... وإن تصنه كان في أسركا وقال وأنشدنيه: [من الكامل] رشقت فؤداي عن قسيِّ حواجب ... ففعلن فيه وفي غير الواجب فكأنَّ حاجبها الأرجَّ وقد بدا ... نونٌ أجادتها صناعة كاتب وقال في غلام راكب أشهب، وأنشدنيه: [من مخلّع البسيط] ولابس حلَّة الجمال ... يميس في حلية الدَّلال أغنت عن القوس حاجباه ... ومقلتاه عن النِّبال / 62 ب/ وافترس الناس منه ليثٌ ... ينظر عن مقلتي غزال مرًّ على أشهب فقلنا ... تبارك الله ذو الجلال من أنبت الغصن في كثيب ... وسخَّر الصُّبح للهلال وكتب وهو بدمشق، يتشوق حلب وأنشدنيه: [من البسيط] عرِّج على حلب وايأل مغانيها ... بم استحلَّت دمي ظلمًا غوانيها سقى ربى حلبٍ سحبٌ روائحها ... نهمي إذا أقلعت عنها غواديها

من كلِّ وطفاء دان فضل هيدبها ... منحلةٌ في نضواحيها عزاليها كم قد نعمنا بلذات الشباب بها ... في عيشة طاب مخليها لجانيها أبدى لنا ملكٌ غاز محاسنه ... ما يطرف الطَّرف منَّا عن مساويها تدبرت دولة الإسلام واعتصمت ... به العواصم واعتزَّت صياصيها أعطاه قلعتها الشَّهباء خالصةً ... دون الملوك فأعطى القوس باريها غلت على سائميها قلبه وعلت ... تبارك الله مغليها ومعليها فليس يحكيه في خلق ولا خلق ... ملكٌ ولا قلعةٌ في الأرض تحكيها أبت على خابيها فهي شامخة الـ ... ــــعرنين باد ............... / 63 أ/ .... بسماء الجوِّ واعتجرت ... بسحبها فهي أحمى من دراريها [357] عبد المحسن بن إسماعيل بن حمدان، أبو علي الجزري. شاعر كاتب عند شيء من علم النحو والأدب، وهو يكتب الإنشاء لصاحب الجزيرة المعمورة، المل المعظم محمود بن سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي: ومن شعره: [من الطويل] سيوفٌ بدت أم سحر بابل عيناه ... ووردٌ زاهم ام ذي الشقائق خدَّاه وصبحٌ تجلَّى أم ضياء جبينه ... وليل دجى أم قد تعقرب صدغاه رشا قدُّه غصنٌ من البان ناضرٌ ... نسيم الصَّبا في آخر الليل سكناه رماني فأصماني بسهم لحاظه ... وكم عاشق مثلي رماه فأصماه رمى ومماتي لحظةٌ من جفونه ... نأى وحياتي نظرةٌ من محياه واستنجد العين القريحة للكرى ... لعلِّى أحظى في الرُّقاد برؤياه واهوى نسيمًا هبَّ من نحو أرضه ... عساه راه أم تحمَّل ريَّاه بروحي أفديه وما ملكت يدي ... تناضل ...... الغداة وأهواه / 63 ب/ بعثت إليه في النسيم تحيَّةً ... فمرَّ به في الليل وهنًا فحيًّاه أراه بعين الحبِّ والبين بيننا ... وأنظره حقَّاً على بعد مغناه

وما أتمناه لفحشٍ ولا خنًا ... ولكنَّني أهوى ملاحة معناه لقد كذب الواشون بي وتقولوا ... وفاهوا بأنِّي بتُّ مرتشفًا فاه لبسنا عفافًا وارتدينا بمثله ... وعفنا الخنافي في حبِّنا وأنفناه سألزم نفسي حمل ما لا تطيقه ... وأحمل في .... ما ليس أقواه وأركب أهوالا تجوب بي الفلا ... إلى بلدٍ لا تعرف الريح مسراه [358] عبد المحسن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عيسى بن جامع، أبو محمد بن أبي العباس العقري. وقد مرَّ شعر والده؛ وهو موصلي المولد والمنشأ. أخبرني أنه ولد يوم الثلاثاء عاشر صفر سنه ست وتسعين وخمسمائة، درس فقه الشافعي – رضى الله عنه- على جماعة بالموصل وبغداد، وقرأ الأصول والخلاف والفرائض والحساب، وتميَّز على أقرانه، وجلس بعد أبيه لتدريس / 64 أ/ الفقه، وقام مقامه. وله شعر؛ أنشدني لنفسه كا كتبه إلى الأمير الكبير امين الدين أبي الماكرم لؤلؤ بن عبد الله البدري: [من الوافر] امنت بوائق الزمن الخؤون ... ونلت مناي بالمولى الأمين وهل أخشى وقد علقت يمني ... بحبل من مودَّته متين فتىً حاز الفضائل والمعالي ... بجود سابغٍ وتقًى ودين تفرَّد بالعلاء ولا نظيرٌ ... له فيمن تقدَّم في القرون فأصبح جامعًا لجميع فنِّ ... تفرق في الأنام من الفنون أمين الدِّين لا زلنا نهنِّي ... بك النَّيروز حينًا بعد حين

ذكر من اسمه عبد الملك

[ذكر من اسمه عبد الملك] [359] / 5: 187 ب/ عبد الملك بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد بن محمد بن أبي علىٍّ الحسن بن عليِّ بن يزيد الكرابيسيُّ، أبو المظفر صاحب الشافعيِّ - رحمه الله-. وهو من أشهر أصحابه، وله قول في مذهبه، له في سيف كتب هذه الأبيات عليه، وقدم للسلطان الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب، في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة -ومولده سنة إحدى وتسعين وخمسمائة-: [من الخفيف] برق متني إذا سناه تبدَّى ... من سحاب العمود سحَّت دماء بيمين الغياث خفيت حتَّى ... ظنَّ ما خفيت أنَّي هواء كاد نهري يفيض ماءً ... في يد من ندًى بها فيَّ ماء وقال أيضًا في دبوس حديد خالي البان وفيه قعة حديد إذا نكس

/ 5: 188 أ/ تمشي فيه فيسمع لها حسٌّ، وكذا إذا استوى ... في التاريخ: [من البسيط] حس حديد ولكن بأس مالكه ... أذابه ففؤادي بعده قلق خلا فلم يبق إلَّا ظاهرٌ حسنٌ ... وباطنٌ كلُّه من ذنوبه طرق وقال في الورد في شهور سنة ستّ وعشرين وستمائه: [من البسيط] كأنما احمر الورد الَّذي نظمت ... حبَّابه الصُّفر فيه عند ذي النَّظر نارٌ مرودةٌ ترمي مضرِّمها ... إذا تناهت بمكفوفٍ من الشَّرر وقال في اللينوفر في التاريخ: [من البسيط] لينوفيٌ خضلٌ يحي لرامقه ... عند الصباح إذا ما لاح في الورق نجوم جوٍّ بدت في الأرض ساطعةً ... والماء من تحتها ينساب كالشَّفق وقال في دمّل أصابت الأمير شهاب الدين بن مجلى بن مروان الهكاري – رحمه الله- في ركبته في شهور سنة عشرين: [من البسيط] / 5: 188 ب/ أظنُّ دمَّل موسى عند رؤيته ... خافاته فاجتمعت من عظم هيبته وعندما عاينته عينها سجدت ... وقبَّلت شفتاها عين ركبته وقال في الدواة والأقلام في التاريخ: [من الطويل] ووالدة أولادها ليس فيهم ... دماءٌ ولا لحمٌ عليهم ولا جلد إذا طمئوا روَّتهم من رضابها ... فينتج منه في الورى الحلُّ والعقد وقال في العذار في التاريخ: [من الرجز] واعجبًا من غفلت الخضَّار ... إذ لم يروا معجزة العذار كأنه والخدُّ ذو أحمرار ... بنفسجٌ منضدٌ في نار وقال في فوَّار في شهور سنة اثنتين وعشرين وستمائة: [من المتقارب] وفوَّارة ماؤها كاللجين ... جماداً تذوبه فهو يجري تصعده كقضيب قويم ... وتنثره نثر منظوم درِّ وقال في مليح اسمه عيسى في التاريخ: [من السريع]

عادة عيسى بالورى أنَّه ... يعيد من مات لهم حيًّا / 5: 189 أ/ والآن عيسى في الهوى قاتلي ... وهو الَّذي يحيي إذا حيَّا وقال في لوزة مرود بعثها محبٌ لحبيب: [من السريع] بعثت باللَّوزة مقرونةً ... ..... منها بقرب التَّلاق وقلت: ياليت لنا مثل ما ... لها من الضَّمِّ وضيم العناق فامنن على الصَّبِّ بما يرتجي ... واطفئ بماء الوصل نار الفراق وقال في دير سمعان –وهو دير كبير، كثير الآثار، هائل البنيان، وهو ببلد حلب من غربيها- في شهور سنة ثمان وعشرين وستمائة: [من البسيط] يا دير سمعان دارت فيك دائرةٌ ... هي الرَّدى طحنت فيك الألى ذهبوا اخنت عليهم صروف الدَّهر فانقلبوا ... صرعى فلا فضَّةٌ اغنت ولا ذهب وقال في النار في التاريخ: [من الكامل] يا أيها الحبر الَّذي من شانه ... كشف الرُّموز وحلُّ عقد المشكل ما بنت دهر في الصَّبايا عمرها ... نزرٌ وتهرم في الزمَّان المقبل / 5: 189 ب/ وبناًتها في صدرها من جسمها ... يأكلن وهي تريد شرَّ المأكل ونودُّها في بعدها وبقربها ... بلتذُّ لكن مع تنائي المنزل زارت بلا ..... ... ...... أحل وقال في حمام حياضها رخام أصفر، في شهور سنة اثنتين وعشرين وستمائة: حمَّامنا اليوم حوت نزهةً ... يرى بها الرَّائي عجيب العجب مياهها تجري بأحرواضها ... كفضَّة ذائبة في ذهب وقال في يوم غيم وثلج كثير، هبَّت فيه ريح شديدة بارة كشفت السماء ونبت الثلح على الأرض، في شهور سنة ثلاث وعشرين وستمائة: : لأمن البسيط] وجه السماء تجلَّى بارزاً نضراً ... وان عنَّا ..... السُّحب محتجبا أظنُّ إذ صفَّقت فيه الرياح رمى ... به على الأرض من إيقاعه طربا وقال أيضًا في نزول الثلج في التاريخ: [من المنسرح]

/ 5: 190 أ/ كانما الثَّلج في الفضاء إذا ... بالريح منه الجناح ينتشر رجل جراد انثر ساكنها ... فهي حيارى تعلو وتنحدر وقال أيضًا في الثلج ونزوله في التاريخ: [من البسيط] الجو ثوب لجينِ مرَّ مرتديًا ... فحفَّ من مجتدي الدنيا بأطماع وحين أمسكه بخلًا وما وصلت ... إلى تناوله الأهواء بالباع أثارت الريح منه ساكنًا فله ... ينثال فيهم بأنصاف وأرباع وقال في كمة صقر أو بازي كتب عليها هذان البيتان، وقدمت للسلطان الملك العزيز – تغمده الله برحمته- في شهور سنة تسع وعشرين: [من الكوامل] أنا كمَّةٌ صغرت وجلَّ محلُّها ... فبدت لوامعها كنجم زاهر وبلمسها الملك العزيز تعززت ... فكأنَّما للعزِّ فوق النَّاظر وقال في مليح في عنقه خال، في شهور سنة سبع وعشرين: [من البسيط] / 5: 190 ب/ العزُّ بدرٌ ولكن ليس شامته ... مسروقةً من دجى صدغيه والغسق وإنَّما حبَّة القلب التي احترقت ... في حبِّه علِّقت للظُّلم في العنق وقال في مغن حاذق في الضرب للدف في التاريخ: [من المنسرح] كأنما العزُّ حين يضرب بالكاس ضروبًا تطير بالنَّنفس بدرٌ منيرٌ على قضيب نقًا ... يخطف بالرق بهجة الشمس وقال في مليح يحُّز بطيخًا ويفرِّقه على جماعة يهوونه في التاريخ: [من المتقارب] أيا عاذلاً عدَّ عشقي لمن ... هوت لطلعته الشمس ذلَّه اتعذل في عشق بدرِ غدا ... يقسِّم في عاشقيه أهله وقال في مليح كان بين جماعة، وفيهم خادم أسود فأخذ يده وجعلها في يده، في التاريخ: [من السريع] لا تعجبوا للبدر إن صافحت ... كفَّاه جوراً كفَّ ذا العبد

فالدَّهر لا يبعد عندي بان ... يجمع بين الرِّيم والقرد / 5: 191 أ/ وقال في مليح في عنقه حزر ذهب في التاريخ: [من الوافر] إشارة حرز عزِّ الدِّين لمَّا ... بدا للنَّاظرين من النُّضار مترجمةٌ بأنِّي سوف أرمي ... قلوب العاشقين بسهم نار وقال فيه، في التاريخ: [من البسيط] لا تحسبوا حرز عزِّ الدِّين حين بدا ... في جيده من لجين صيغ او ذهب لكن شهابٌ بأفق الحسن ارصده ... لرجم شيان قلب العاشق الوصب [360] عبد الملك بن علىِّ [بن] أبي صالح بن عبد الكريم بن المفضَّل بن أبي شيبة القرشيُّ العبدريُّ. من بني شيبة أصحاب السدانة لبيت مكة –حرسها الله تعالى – من أهل منبج. كان رجلا من الرؤساء الأجلاء، رفيع القدر، عالى المحل، كبير المنزلة عند السلاطين، كثير الاحترام؛ واستوزره الملك المنصور أبو المعالي محمد بن عمر بن شهنشاه –صاحب حماة- وقرب من قلبه. وكان ينفذه إلى /5: 191 ب/ أطراف البلاد رسولاً، فيرم لأجله ويبجِّل ويحترمونه. وكان أولاً قد خدم الملك الظاهر غياث الدين وتكمن منه، وعرض عليه عدة ولايات فلم يجبه إلى ذلك. وكان وزيرهه سرَّاَ وسيَّره رسولًا إلى عدة جهات، وبعده اتصل بالملك المنصور. وبعد موته ارتحل على مدينة منبج. وكان مع ذلك واسطة خير عند من يلوذ به، كثير المروءة والعصبية، ريمًا أريحيًا ذا نفس واسعة، ونعمة وافرة، ومات ولم يدَّخر شيئا إلا قليلًا، لم .... ببعض ما كان عليه من الديوان. وكان مقصد من يرد عليه، لا يردّ آملاً، ولا يخيب سائلًا. وكانت ولادته في حدود سنة خمس وخمسين وخمسمائة. وتوفى في ربيع الآخر

سنة ثلاث وعشرين وستمائة بمنبج – رحمه الله تعالى -. فمن شعره قوله: [من الخفيف] حيِّ حيَّاً بمنبج فيه هند ... بابلٌ من لحاظها والهند إنَّما يبعث التحيَّة من نحـ ... ــــــــــوي إلى منبج غرامٌ ووجد وتوخَّ الحنين فيها فمن تر ... ب حماها تشفى العيون الرُّمد /5: 192 أ/ مربع الحيِّ باللِّدان ولذَّا ... تي دواني الجنى قطافٌ شهد والغواني فيها ظباءٌ عينٌ ... والمغاني بها ركابٌ وجرد ألف الجسم تربها قبل أن يألف لحمي والعظم منِّي جلد وتراني أحوم شوقًا إليها ... حومة الهيم حين يشرع ورد هل لنا عودةٌ إلى طيب ريَّا ... ك فرؤياك بغيتي والقصد يا خليليَّ خلِّياني فما طا ... ب وصالٌ إلَّا تعرَّض صدُّ أسلماني إلى الغرام بسلمى ... ودعامي للوجد هاتيك دعد يا لييلاتنا بمنبج هل ير ... جع ماض منكنَّ لي أو يردُّ أم يروح الرِّكاب بالملك المنـ ... ــــــــصور يومًا إلى ذراها ويغدو [361] عبد الملك بن يوسف بن عبد الملك بن رستم بن محمد بن على، أبو الوليد الديلمي الحلبي. كانت ولادته في السابع والعشرين من شهرؤ رمضان سنة ست وستين وخمسمائة؛ [شيخ كبير السنِّ به عرج، شيعي المذهب من المغالين في الولاء، يميل إلى نوع الأدب والشعر؛ وعنده محفوظ جيد من نظم ونثر. وكان في بدء أمره يسافر تاجراً إلى الديار المصرية. وهو ذو طبع مؤات في عمل الأشعار. غير أنَّ أثرها مرذول نازل يحذو فيها حذو ابن الحجاج في السخف والهجاء، فلم اثبت منها شيئًا لسقوطها ورداءة ألفاظها سوى

ابيات كتبها إلى الملك الظاهر. أنشدني لنفسه. وكان قد قفل من الديار المصرية عقيب الغلاء الشديد الَّذي أصاب الناس / 5: 192 ب/ سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وفي صحيته ملاعق من .... أهداها للسلطان الملك الظاهر غيّاث الدين – رحمه الله تعالى – ويسأله قضاء حاجة عرضت له فكتب المملوك عبد الملك يقبل الأرض، وينهي ان هذه الملاعق الأربع: [من الطويل] شكت ظماً لمَّا ثوت في فنائنا ... وجوعًا فقالت: ليت ربعكم قفر رزءتم بموت أم رزءتم بفاقة ... أم انتهكتكم بالغلا والجلا مصر قضى الجود والأجواد والزَّاد نحبهم ... ام ارتحلوا واستوطن الجوع والفقر فكم انا في ضنك من الجوع ليتني ... قضيت ولن يقضى علىَّ به شهر وتبًا لربع لا أرى فيه متجراً ... سوى باخل في ربحٍ رؤيته خسر فقلت لها كفِّي سأعطيك مالكًا ... موائده فاستعمي واطعمي .... مع الفلك الدَّوَّار دارت برزقنا ... ...... لا يستطاع لها حصر هو الملك الغازي الغياث بن يوسف ... فإقطاعه جمٌّ وإيصاله وفر هو الملك المحيي المميت ببأسه ... ونائله لا راعني فيهما الدَّهر مليك يرى في الحرب أسهم عزمه ... تأجَّج نيرانًا ومنبعها بحر فقالت، وقد أطلقت طوعًا سراحها ... وقد حفَّها إذ خفت في ... / 40 أ/ وما عسرةٌ فاصبر لها إن تتابعت ... إلا سيتبعها يسر لئن نلت ما منَّيتني من طعامه ... فبشراك إذ لا قلَّ من مالك البشر وعشت سعيداً لا تضام بدولة ... غياثيَّة بالسَّعد يخدمها النَّصر وكنت الَّذي أهدى بكوراً عرائساً ... قلائدها من درِّ منظومه بكر

ذكر من اسمه عبد المنعم

/ 64 أ/ ذكر من اسمه عبد المنعم [362] عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن أحمد بن خضر بن مالك بن حسان، أبو الفضل الغساني السِّندي الجليانيُّ الحكيم الأديب. كانت ولادته بقرية، تدعى جليانة من قرى غرناطة من مدن الأندلس، في سابع المحرم سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة. / 64 ب/ وكان صاحب رياضة وحكم ومعرفة قويه بالبِّ والأدب والعروض والنحو؛ وله تصانيف في علم الرياضيات والتشريح. وكان شاعراً مطيلًا متوسعًا في الشعر، طاف البلدان واخترق الآفاق، ثم سكن بأخرة في دمشق في أيام الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شاذى - رضى الله عنه -، وتوفي بها في صفر سنة إحدى وستمائة. انشدني شيخنا أبو الخير بن أبي المعمر التبريزي المحدثِّ؛ قال أنشدني الحكيم أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن حسان الغساني - رحمه الله - لنفسه، يمدح الملك الناصر صلاح الدين، ويهنئه بفتح بيت المقدس؛ وكان فتحه السبت السابع والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة - حرسه الله تعالى وحماه بمنِّه ولطفه -: [من البحر الطويل]

لقد أوسع الله الفتوح بعامنا ... وخيَّس منها المصعب المتابدا أمورٌ نبت عنها العقول وأذعنت ... بأنَّ اختصاص الحظِّ لله موحدا / 65 أ/ تحرَّك شخصا حرَّك الأرض جائلاً ... وهزَّ من الشُّهب الذَّوائب مصعدا ولقَّبه بالنَّاصر الملك يوسف ... ونقَّبه نور المهابة سيَّدا والهمه حسن الشمائل مجملًا ... وفهَّمه أسمى الفضائل محمدا يزيد على عظم المرام تواضعًا ... ويدنو على بعد المقما تودُّدا أتته وفود الخافقين فعاينوا ... حلى مالك قد أتلع .... فرقدا ينوِّع أثناء النهار سياسة ... ويقطع آناء الدُّجى متهجِّدا ويرمق أحوال المدائن حافظاً ... وينفق أموال ... فتنفدا أحاط بملك الأرض خبراً وقوةً ... وحاط ضروب الخلق خيراً ومرفدا فوفَّى بفضل من قضاياه مترعًا ... وأصفى لكلِّ من عطاياه موردا وأروت نفوس السائلين بنانه ... فلم أدر بحراٌ مدِّ للناس أم يدا سا بحسام واسترقَّ بأنعم ... وما المجد إلاّ في الشجاعة والنَّدى فنمدحه حبًا ويعي تبرعًا ... فيعجزنا شأواً ويشأى ممجَّدا رأيت علاه مالها .... مثلها ... بدائع نظم وامتداحاً مخلَّدا فقلَّدته سلكًا عزيزاً وجوده ... كما لم نجد ملكًا يضاهي المقلَّدا كذا فليكن صوغ القريض مسمَّطًا ... تفاصيل إعجاز ووشيًا منجَّدا / 65 ب/ ولفظًا كما تحكي الدَّراريُّ تحته ... معان كما ترمي الأشعة أنجدا قرائن أحوال ومعلم سيرة ... وحكمة أمثال وعلمًا منضَّدا إذا الشِّعر لم يحك العلوم فقد حكى ... جعاجع أصوات ولغواً مفنَّدا ولولا اصطناع الحلم لم يك باقلٌ ... ليحضر في ميدانً سحبان منشدا لاوجه أرباب السماح طلاوةٌ ... تعلِّم طلاَّب النجاح التَّرددا وقيمة قدر الشيئ قيمة ذكره ... فما راق وصفًا فاق صيتًا منددا

وهذا مليكٌ أمره غيث عصره ... فسيرته تبقى حيّاً متورِّدا فيسقى بها الظَّمان للعلم مسنتًا ... ويرقى لها الدَّيان في الحكم مسندا ينال الفتى بالصبر مقسوم حظَّه ... وكم جاهد في الحرص ما نال مقصدا عجبت من الأيام تطوى كمائنًا ... إذا انتشرت أعيت نجيباً ومنجدا وكنت أرى ذا الفتح من قسم يوسف ... فلله ذاك القسم ما كان أسعدا! ولله يومٌ هلَّ فيه ولادةٌ ... لقد اب مولوداً وبورك مولدا لفى مطهراً من هَّر القدس واحتوى ... بني أصفر سبيًا وقتلاً تعمُّدا هو المسجد الأقصى وهم شوكة الوغى ... فما كان لولا الله يخلص معبدا / 66 أ/ هنيئاً لبيت القدي ألآن طهره ... وللنَّاصر المنصور غبطته غدذا فيا خير ممدوح وأطهر مجتبى ... وأسعد ممنوح وأبهر محتدا مديحك أحلى في فمي من جخى المنى ... ومن طعم برد الماء عذبًا على الصَّدى وأشهى سماعًا من حديث حبائب ... يلدُّ لها عهد الصِّبا متجدَّدا أسامر فيك الشِّعر مستمتعًا به ... فأبسطه بسط الحميَّة في النَّدى أودُّ لو أنَّ البيت ألف قصيدة ... وكلُّ قصيد ألف حزب تردُّدا وكيف اقتصارٌ في مدائح يوسف ... وقد بذَّ غايات السَّوابق في المدى سرى وهو نورٌ قاهرٌ بلطافةً ... وحلَّ بن صوت العلا فتجسَّدا ولو لم يلح للناس ما علموا فتى ... سما كلَّ عال وهو يرتاد مصعدا فكل ابتداء في معاليه منتهى ... وكلُّ انتهاء في تعاليه مبتدا وأنشدني قاضي اليمن لعبد المنعم بن حسان: [من مخلّع البسيط] يا ساهراً في اقتناء علم ... بخطب منه مقام محكم لا تطلب العلم في كتاب ... بل وسِّع الكمَّ ثمَّ عمِّم والبس من .... طيلسانًا ... واعقده بالمنكبين واختم واقعد مع القوم في جدال ... لا بالبخاري ولا بمسلم / 66 ب/ إلّا صياحًا ونفض كمٍّ ... وجمع لا لا وعقد لم لم وما أرى بينهم علوماً ... اكثر من لا ولا أسلِّم

وقال أيضًا: [من الوافر] عجبت لخططوة حصلت لقوم ... تعاف سلوكهم همم الرَّجال لهم زيٌّ وألقابٌ عظامٌ ... وهم في الجدِّ من همج الرِّجال ونالوا ما أرادو بالدعاوى ... كما نال المبرِّز في الخصال فقد ضاع اجتهاد أخي التَّحرِّي ... إذا حصل التَّقدم بالمحال وقال وأنشدني عنه الشيخ حافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن البغدادي؛ قال أنشدني عبد المنعم لنفسه؛ وقد سئل عن إعراض زيارة الأكابر والرئساء: [من الكامل] قالوا نراك عن الأكابر تعرض ... وسواك زوَّارٌ لهم متعرِّض قلت الزِّيارة للزمان إضاعةٌ ... وإذا مضى وقتٌ فما يتعوَّض إن كان يومًا لي إليهم حاجةٌ ... فبقدر ما ضمن القضاء تقيَّض / 67 أ/ انشدني شهاب الدين القوصي، بمنزله المعمور بدمشق في المحرم سنة أربعين وستمائة. أنشدني عبد المنعم الحكيم لنفسه: [من المتقارب] اشدُّ بلاء الرجال النسا ... بهم أبدا الدهر منهنَّ داء إذا ما بعدن فعيشٌ يسوء ... ومهما قربن فنفسٌ تساء يكلفن ذغ المال ما لا يطيق ... ويلزمن ذغ الحال ما لا يشاء ويقضين لابدَّ ما يشتهين ... ولو ان حارسهنَّ القضاء وأنشدني، قال أنشدني لنفسه: [من البسيط] قالوا نرى نفراً عند الملوك سموا ... وما لهم همَّةٌ تسمو ولا ورع وأنت ذو همَّة في الفضل عالية ... فلم ظمئت وهم في الجاه قد كرعوا؟ فقلت باعوا نفوسًا واشتروا ثمنًا ... وصنت نفسي فلم أخضع كما خضعوا قد يكرم القرد إعجابًا بخسَّته ... وقد يهاب لفرط النَّخوة السبع وأنشدني: قال أنشدني من شعره: [من الكامل]

إن قيل من فحل الرجال فقلت في ... مستحكم الأقوال والآراء ذربٌ بتقليب القلوب مجاذبٌ ... للنافرات بألطف استهواء / 67 ب/ وأنشدني أبو الفتوح بن أبي الغنائم بن أبي بكر البغدادي؛ قال أنشدني عبد المنعم بن عمر الجلياني لنفسه بحلب: [من الطويل] وصفراء لولا نفحها ومذاقها ... لقلت نضارٌ في الأباريق ذائب من الماء فيها للحباب عمائمٌ ... وللنُّور منها في الأكف ذوائب وقال أيضًا: [من الكامل] حاول مفازك قبل ان تتحوًّلا ... فالحال آخرها كحالك أولا إنَّ المنيَّ من المنيَّة لفظة ... ليدُّل في أصل البناء على البلا ومن شعره يقول: [من الطويل] وقائلة كيف استطعت تجلُّداً ... لضحك فلان وافتراء فلان فقلت لها يا هند لو كنت ناظراً ... إليهم مضى بين الفصول زماني حعلت بني الدنيا جميعًا لواحد ... وقد حلَّ فيه الموت احة فاني وماذا عسى أن يغني الموت وهو في ... تقاذف أمواج من الحدثان فشمَّرت ذيلي عنهم متحلِّيا ... وألقت فيما قد عناني عناني ولم ألتفت إن أعرضوا او تعرَّضوا ... أو اعترضوا مستهزئين .... / 68 أ/ أرى مدحهم سهواً وذمهم سدًى ... وهل ذو نهى يصغي إلى الهذيان فلو حصَّنوا الأوقات كان سلوكهم ... لتصحيح فعل او صفاء جنان ولو شعروا في خصلة بفضيلة ... لما نطقوا في فضله بلسان وقال أيضًا: [من البسيط] قالوا رموك ببهتان فقلت لهم ... يا هند لو عقلوا لم يرتضوا الفندا ما العاقل الحرُّ من تنسى معائبه ... وقد حضرن ويغتاب الَّذي بعدا قالت: فما لك لا تنفي اعتراضهم ... وتدفع الوهم عمَّن ساء معتقدا فقلت لي شغلٌ عنهم ولو شغلت ... نفسي بهم صرففت عن نهج من رشدا إن كان دينهم يقضي لهم حسدا ... فديننا يقتضي أن ننفي الحسدا

إن أدرك المرء ما الإحسان ما وعدا ... فما نبالي بمن رام الأذى وعدا وليس منا فتى للعرض منتصرٌ ... لسوء سعي ولا ماَّا فتًى حقدا وكل نفسٍ لها شأنٌ ومنبعثٌ ... وغايةٌ نصبت ..... لها أمدا وقال أيضًا: [من الكامل] قالوا نحجُّ البيت قلت يجوز ... قالوا متى قلت القضاء عزيز لولا الرِّيا ما حجَّ أكثر من ترى ... من ذا بإخلاص الضمير يفوز / 68 ب/ فيالحجِّ أخطارٌ غنيٌ رُّبنا ... عن فعلها والشرع والتمييز حشر اللصوص له كحشر حجيجه ... فبكلِّ شبر قاطعٌ مركوز في يثرب جهراُ وفي أم القرى ... يسبى كريم المال وهو حريز وعلى الظَّواف وفي الآل والورى ... ...... للصوص حفيز حرم لدى حرم .... فتصدُّ عن صدر الكعاب عجوز وعزيز وفر جاء مكَّة فانثنى ... والعزُّ عنه والعنا محجوز وتشاغلٌ وقت الصلاة وفتنةٌ ... وتقاطع وتدابرٌ ونشوز ولو انَّه أمنٌ وبرٌّ خالصٌ ... فبعشره الجمَّال ليس يحوز ورأيت له كتاباً مشجراً، ترجمه: ب "منادح الممادح" وروضة المآثر والمفاخر من خصائص الملك الناصر" يعني صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي –رحمه الله تعالى – وهو يحتوى على نظم ونثر، جعله منطويًا على أثنتي عشرة مدحةً وهو غريب في وضعه جداً. / 69 أ/ حدثني القاضي أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحنفي – أيده الله تعالى -؛ قال: أخبرني السديد بن عمر القفصي؛ قال كان عبد المنعم الجلياني قليلًا ما يمتدح الناس، وكان يمدح الملك الناصر جالسًا، وعمل له كتابًا في مدائحه مشجراً، وكان السبب الَّذي دعاه إلى عمله، أنَّه لزمه دين مقداره ثلاثمائة دينار، وعمل في هذا الكتاب مشجرات في مدحه، وحمله إليه، فلما وقف عليه لم يهتد إلى قراءته، فطلب عبد المنعم ليحَّل المشجرات، وكان بحضرته إنسان يقصده، لم يسعه عند طلبه إلا إحضاره. فلما حضر حلَّ له المشجرات، فاستحسنها وساله عن حاجته؛ فقال: علي

دين أطلب قضاءه، فتقدم إلى الديوان أن ..... بدينه، فلما خرج؛ قال له ذلك الرجل الَّذي يقصده: هذا عليه ثلاثمائة دينار! فأمر الديوان أن ..... ثلاثمائة دينار، ويطلق له ثلاثمائة دينار أخرى. فأراد ذلك الرجل أن يضره فنفعه. وقال القاضي؛ وسألت السديد عمر عن حاله فوصفهخ بالفضل والعلم؛ قال لي: وكان يميل إلى الحكمة. / 69 ب/ وكان كاتبًا في بلاد المغرب للوزير عمر، فرجد عليه فضربه ثمانين سوطًا، فكان ذلك سبب خهروجه إلى هذه البلاد. وحدثني القاضي أو القاسم، قال: حدثت عن عبد المنعم انه كان في مجلس الملك الناصر صلاح الدين؛ فقال له القاضي الفاضل ليغضّ من قدره نسبته إيّاه إلى قرية: كم بين جليانة والمريّة؛ فقال مجيبًا له في الحال: مثل ما بين بيسان وبيت المقدس. قال أبو محمد عبد الرحمن بن بركات بن شحاتة، سمعت الأمير أبا الحسن علي بن إيداش يقول: سمعت عبد المنعم الجلياني يقول: لبست البلاس فعاتيني بعض أهلي على ذلك؛ فقلت: [من المتقارب] وقائلة لم لبست البلاسا ... ولم تره قبل هذا لباسا؟ فقلت لها لو رأيت الَّذي ... رأيت لخالفت هذا القياسا ولي بالرِّياض وربِّ الحمى ... حبيبٌ حمى مقلتيَّ النُّعاسا أخاف إذا ما رأى لبستي ... سوى جبَّة أن يراها التباسا ويحسبني ناسيًا عهده ... وبئي الحبيب حبيبٌ تناسى / 70 أ/ قال أبو الحسن القطيعي: أنشدنا عبد المنعم لنفسه في الشوق: [من الخفيف] عيَّروني بأنني مستهام ... ولمثلي يلذُّ فيك الهيام شوَّقوني إليك ثمَّ تولوا ... عجباً كيف أيقظوني وناموا ونديم سقاني السِّر صرفًا ... فسكرنا وليس ثمَّ مدام حثَّ كأسًا ممَّا هناك دهاقًا ... فاستطارت لدورها الأحلام

أين أهل الأذواق قوموا فشقُّوا ... كلَّ جيب فالآن طاب المقام نسمت من حبيبنا نفحاتٌ ... فعلى العيش بعدهنَّ السَّلام [363] عبد المنعم بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن الحسين، أبو محمد بن أبي البركات الموصليُّ، المعروف بابن الشَّيرجِّى. كان والده متقدمًا في الفقه، على مذهب الإمام الشافعي – رضى الله عنه – وابنه هذا أبو محمد كان فقيهًا جيداً، عالمًا فاضلًا من أهل الصلاح والدين، قرأ على والده الفقه، وروى شيئاً من الحديث عن أبى بكر محمد بن علي / 70 ب/ بن ياسرؤ الجيّاني الأنصاري، وسمع عليه جماعة، وكان يقول المقطعات من الشعر في الآداب والحثّ على طلب العلم، وغير ذلك مما يتعلق بهذا الفن. أنشدني الخطيب أبو النجا يالم بن عمر بن سالم الموصلي، قال: أنشدني أبو محمد عبد المنعم لنفسه: [من السريع] قول الفتى لا علم لي بالذي ... سألتني من جملة الفضل وما على العالم في قول لا ... أعلم من قوم ولا عذل والجاهل الآنف من قول "لا" ... مخالفٌ للشرع والعقل قد قال عن إبن أبي طالب ... وابن عبَّاس أولو النَّقل: إنهمالم بأنفا قولها ... فكيف يأبى قولها مثلى وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من الخفيف] ليس للعلم غايةٌ يقف الطَّالـ ... ــــــــــــــــــب عند التَّحصيل يومًا عليها طالب العلم كلَّما ازداد علمًا ... ألبسته العلوم شوقًا إليها شرفت نفس عالم تطلب العلـ ... ـــــــــــم لتحوي علم الرجال لديها وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] / 71 أ/ سأطلب العلم في الآفاق مجتهدا ... فالعلم بحرٌ وفيه الدُّرُّ مستتر

يا صاحب العلم لا تبغي به بدلاً ... فالمال يفنى وكنز العلم مدَّخر وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفيه: [من السريع] صغير ما تجهله عندما ... تسأل عنه بين جمع كبير لا تحتقر فائدة لم تكن ... عندك أن تأخذها من صغير فالعلم مثل القطر في لطفه ... تمَّت ينمو منه بحرٌ غزير [364] عبد المنعم بن عبد العزيز أبي بكر بن عبد المؤمن، أبو الفضل القرشي العبدري الاسكندري، المعروف بابن النَّطرونيِّ. والنرون هو البورق، يكون بنواحي مصر. كان فيها عالمًا فاضلًا فرضيًا حاسبًا خيراً، متفننًا في علم العربية والتصريف، قيِّمًا بعلم الأدب واللغة، شاعراً مدَّاحاً إمامًا في الشعر. سافر إلى الملوك، وامتدحهم وسيَّر فيهم مدحًا كثيراً، وكان قد مضى / 71 ب/ إلى ..... في رسالة بإفريقية، فحصل لع منه عشرة آلاف دينار مغربية، فرَّقها جميعها على معارفه وأصدقائه. وتوجَّه إلى العراق، فأقام ببغداد مسترفداً على عادة الشعراء، فمدح الإمام أمير المؤمنين الناصر لدين الله – رضى الله عنه – وأنعم عليه إنعامًا وافراً، وتعلَّق بخدمة ديوان الخلافة، وصار أحد شعرائه، وولي رباًا بجانبها الغربي، يعرف بربا العميد شيخ الصوفية، وناظراً في وقفه ومصالحه، إلى أن مات ليلة السبت خامس جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة، ودفن في الشُّونيزيّ – رحمه الله تعالى -. ووجدت له كتابًا بخط يده، ترجمه "النبذ الأبريزية في المدائح العزيزية" تحتوي

على ذكر نفر من الشعراء الذين امتدحوا الملك العزيز أبا الفوارس طغتكين بن أيوب بن شاذي، وختم الكتاب بقصيدة من قيله. أنشدني أبو يوسف يعقوب بن علي بن نصر الله الموصلي؛ قال: أنشدني أبو الفضل عبد المنعم بن النروني لنفسه يمدح / 72 أ/ اتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آق سنقر –صابح الموصل رضي الله عنه: [من السريع] ماقبل العاشق ممَّن نهاه ... ولا درى الغافل ما قد جناه ولو درى من تاه في حسنه ... أنَّ لمن يهواه جسمًا أتاه هيهات يبقى جسمه بعدما ... ضاعف في يوم نواه جواه يا قوم ما أقرب يوم النَّوى ... وأبعد المشتاق ممَّن نواه ليت زمانًا كان عهدي به ... من قبل أن يجفو جفاه كراه يزورني وهنًا فأشكو له ... وإنَّما يشكو المعنَّى عناه وكيف لا يشكو الهوى مدنفٌ ... هوانه أيسر ما في هواه ومن يبت مثلي قريح الحشا ... لم ير يومًا لأساه أساه وفي الحمى ذو عبث لم تزل ... جوارحي مجروحةً من أذاه ظبيٌ من التُّرك لبه مقلةٌ ... تغنيه في يوم الوغى عن ظباه كأنما قامته صعدةٌ ... أو غصنٌ معتدلٌ من نقاه لو أنَّه قابل شمس الضُّحى ... رأيتها في خجل من سناه / 72 ب/ شهدت أنَّ الشَّهد في شغره ... ولم أن بالله ممَّن جناه لكنَّني أعلم أنَّ الجوى ... شفاؤه ما قد حوته الشِّفاه يا حاديًا بات بنا ساريًا ... والعيس لا تسأله عن سراه في جنح ليل لو بدا صبحه ... لكاد يخفيه علينا دجاه ومهمه متَّسع خرقه ... فيه عزيف الجنِّ عال صداه قل لمطًايانا إذا ما اشتكت ... طول السُّرى أو قطع عرض الفلاه: إذا وصلنا الموصل استبشري ... ويمِّمي درا أرسلان شاه أتابك الملك الَّذي لا يرى ... خير ملو الأرض من لا يراه

العالم العادل بين الورى ... إلَّا على ما قد حةته يداه من قاس بالبحر ندى كفِّه ... فإنِّه عظَّم قدر المياه ومن يشبِّهه بأسد الشَّرى ... فإنه من أمره في اشتباه ملكٌ إذا عدَّدت أهل العلا ... رأيتهم قد قصَّروا عن مداه راحته فيها لمن أمَّه ... راحته بين الحيا والحياه وكفُّه كفَّت صروف الرَّدى ... وشتَّت بالبطش شمل العداه مهذَّب الآراء ذو همَّة ... تبلغ بالأمن إلى منتهاه / 73 أ/ سار على سيرة آبائه ... في حلمه عنء قدرة والأناه وقام بالملك قيام الألى ... قد أسسوا المجد وشادوا بناه قالناس فيه بين داع له ... وشاكر ما عنجه من نداه يا ملكًا موطنه في الثرى ... وفوق أفق النجم سامي علاه ومن إذا أقبل في موكب ... تزاحمت فوق التراب الجباه أنت الَّذي لله في ملكه ... سريرةٌ يظهر منها هداه أنت الَّذي لم يحو ما قد حوى ... من العلا والمجد ملكٌ سواه أنت الَّذي اختار صلاح الورى ... فاختاره الله لهم واجتباه مولاي نور الدِّين خذ ضرمةً ... قد خلع الحسن عليها حلاه وقد أتت باسمك موسومةً ... ووسمها باسمك عزٌ وجاه وما أراها بلغت مقتضى ... وصفك بالمدح على مقتضاه فابسط لها عفوك إن قصَّرت ... فإنه ما زال رحبا ذراه واهنأ بعيد أنت عيدٌ له ... وواجبٌ فيك علينا هناه ونقلت من خطِّه قوله يمدح العزيز أبا الفوارس / 73 ب/ طغتكين بن أيوب بن شاذي: [من الخفيف] ما لداء الهوى الدَّفين دواء ... فليقل عاذلي إذاً ما يشاء كيف أيلو الهوى وللبيض ..... ... ما لقلب من أجلها سوداء صاح إن كنت بالمدامة غرَّاً ... فأدر إنَّ الملام لي أغراء بادر العيش فالتفاوت في الفر ... صة والناس في المنى أكفاء

لا تكن وانيًا عن السير في اللَّهـ ... ــــو إذا أشرقت لك الصَّهباء إنما لذَّة النَّديم مدامٌ ... وغناءٌ وروضةٌ غنَّاء شعشع الراح فهي ويك النَّفـ ... ــــــــــــــــــس وفيها لكلِّ جسم عناء وأجلها في الكأس فهي نجومٌ ... كلُّ أرض تدار فيها سماء واسقنيها محروسة من أذى المز ... ج فما يطرب العقول الماء واستبق للسُّرور في مجلس فيـ ... ـــــــــه سريرٌ يعزى إليه العلاء واغتنم فالزمان فيه هناءٌ ... للبرايا وللغرير بقاء ملكٌ ربعه خصيبٌ وداعيـ ... ــــــــــــــــــــــــه مجابٌ ووعده إيفاء كل يوم له التفاوتٌ لراجيـ ... ــــــــــــــــــه وفي كلِّ ساعة إعطاء لا تقس بالبحار نائل كفَّيـ ... ـــــــــــــــــــــــــــــه فما إن لخنصريه كفاء / 74 أ/ ومنها قوله: هممٌ تفضل الوجود وقدرٌ ... دون أدنى غاياته الجوزاء وعلاً لا ينالها الدَّهر راجٍ ... وندى لا يخيب فيه رجاء سعدت أولياؤه بأياديـ ... ـــــــــــــــه وخابت بعزمه الأعداء شهدت بالنَّدى له العرب والعجـ ... ــــــــــــم وسارت بفضله الأنباء بهرت واصفيه أوصافه الغرُّ فماذا تقثوله الشعراء ومنها يقول: هكذا هكذا تكون السجايا ... هكذا هكذا يكون الثناء فيك سيف الإسلام ما أعجز الدَّهـ .... ــــــــــــــر فما أنت والملوك سواء دمت في عيشة تطيب وقدر لا يسامى وغبطة لا تساء وبلغت الَّذي تؤمِّل في الدَّهـ ... ــــــــــر ونالت عدوَّك الاواء وأنشد في الصاحب الوزير القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي، قال: أنشدني عبد المنعم بن النطروني لنفسه / 74 ب/ بقفط، يمدح الأعَّز يوسف بن صالح بن مهدي – قاضي فقط -: [من الطويل] تقبلَّته في قلبة حين أسعفا ... وقبَّلته لمَّا وفى لي إذ وفى

وعاتبته إذ لاح بدراً مكملاً ... وعانقته إذ ماس غصناً مهفهفا وعاينت من خدَّيه لمَّا توردا ... عذارين من أس وورداً مضعَّفا أقيما له عذري عليَّ وعنده ... ولا تحسباني بنت عن أرضه جفا وإن أنتما سوئلتما عن قضيتي ... فقولا جميعاً راح يقصد يوسفا هو الماجد النَّدب الَّذي من يؤمه ... يؤم أعم الناس برَّاُ وأشرفا [365] عبد المنعم بن عليِّ بن نصر بن منصور بن هبة الله النهريُّ، أبو محمد الحرَّاني، المعروف بابن الصَّيقل. كان من فقهاء الحنابلة، عالمًا واعظًا، أخذ الفقه عن أبي الفتح نصر بن فتيان بن مطر الحنبلي الفقيه المعروف بابن المنى النهرواني، وسمع الحديث من أبي الفتح بن برشاتيك وأبي السعادات ابن زريق وتكلم / 75 أ/ في الوعظ، وكان متديناً وراعًا، سكن بغداد إلى أن توفي بها يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول سنة إحدى وستمائة، ودفن بباب حرب. أنشدني أبو الفضل عمر بن علي بن محمد بن يحيى بن هبيرة حرّان، وأقمت بمصر في صدر كتاب: [من الطويل] وكنَّا نرى حرَّان أطيب منزل ... فمذ غبتم عنها استبانت عيوبها وبان لنا صدق الَّذي قال قبلنا: هوى كلِّ نفس حيث حلَّ خبيبها وقال يرثى شيخه أبا الفتح أبن المنيّ: [من البسيط] إن روَّق الليل جافى الجنب مضجعه ... يبكي بمدع غزير واكف هطل وإن بدا مشكلٌ في الشرع منغلقٌ ... أتى به ظاهراً فوراً على عجل

فرحمة الله تتلوه وتنقله ... إلى الجنان وهذا غاية الأمل [366] عبد المنعم بن نصر الله بن أحمد / 75 ب/ ن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حواريِّ بن حطَّان بن المعلى بن حطَّان بن سعد بن زيد بن لوذان بن غنم بن الساطع، وهو النعمان بن عدِّ بن غطفان بن عمرو بن شريحٍ، أبو الفضل بن أبي الفتح التنوخيّ. أصله من معرّة النعمان، وهو دمشقي الولادة والمنشأ، فقيه حنفي عالم بالخلاف ومسائله، ..... لأصحاب أبي حنيفة (رضى الله عنه) وسمع حديثاً كثيراً بالشام، وكان يعظ الناس على المنبر، ويحفظ القرآن، وعرف تفسيره، وشخص إلى الديار المصرية، فتوفي بها في أحد الربيعين سنة تسع وعشرين وستمائة، وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وكان منقطعاً إلى الملك المعظم شرف الدين عيسى بن محمد بن أيوب -صاحب دمشق- وبعده لأخيه الملك الأشرف مظفر الدين موسى. أنشدني نصر الله ولده بمدينة إربل؛ قال: أنشدني والدي لنفسه يمدح الملك عيسى: [من الكامل] إنِّي عتبت على العهاد بحلِّق ... فأجابني ودموعه تتقاطر كيف القفول إليكم ومليككم ... عيسى المعظَّم وهو بحرٌ زاخر /76 أ/ وأنشدني؛ قال: أنشدني فيه أيضاً يمدحه: [من البسيط] أحيا النفوس بإحياء الرَّجاء لها ... فلم يشكَّ الورى في أنَّه عيسى وكم له من يدٍ بيضاء قد ظهرت ... للناظرين فقالوا إنَّه موسى

[367] عبد المنعم بن صالح بن أحمد بن محمد التيميُّ القرشيُّ الاسكندري النحويُّ الأديب. إمام كامل ذو فنون من العلوم، متوحد فيها، / نزل تمصر وهو بها مقيم، يقرئ العلم والأدب، ويفيد الناس، وهو رجل مطبوع المعاشرة، طريف الجملة والتفصيل، له شعر حسن في الهوجو. أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن أبي عبد الله إبراهيم الأسكندري؛ قال: أنشدني أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمد التيمي النحوي الأسكندري لنفسه، في وزَّان كان بين يدي صفي الدين عبد الله بن علي بنشكر المصري، وكان اسمه "حسناً": [من المنسرح] يا حسناً نونه مقدَّمةٌ ... فلا رعا الله من يؤحِّرها /76 ب/ كلُّ أيادي الصَّفيِّ صافيةٌ ... لكنَّ وزَّانها يكدِّرها وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في إنسان يعرف بالهدهد جاءه ولدٌ أسود: [من الرجز] قد ولد الهدهد أعجوبةً ... غراب نوحٍ أسوداً حالكا ما صدق الهدهد فيما ادَّعى ... بل كذب الهدهد في ذلكا وأنشدني؛ قال: أنشدني عبد المنعم لنفسه في إنسان يعرف بالتالحيب بن شكر؛ قراءته على خر الفيل أبي الحسين: [من البسيط] ذا التَّالحيب بن شكر في قراءته ... على خرا الفيل معنًى غير مشكول ما كان يغمز منه طول لحيته ... وعرضها أبداً إلاَّ خرا الفيل

وقال في الشرف بن الحباب –قاضي ثغر الإسكندرية- من قصيدة أولها: وماذا على البين الَّذي كان جائراً ... إذا ما تعدِّى الجور فينا إلى العدل شفانا من البين اجتماعٌ من الشَّمل ... فصلنا على جيش القطيعة بالوصل

ذكر من اسمه عبد الواحد

/153/ ذكر من اسمه عبد الواحد [368] عبد الواحد بن أبي سالم بن جعفر بن محمدٍ، أبو محمد] المصريُّ. كان فقيهًا شافعي المذهب، شاعراً يعرف الأدب والعروض، ويحفظ كثيراً من أشعار العرب. ورد مدينة السلام، ونزل بالمدرسة النظامية واثبت بالخبز والمشاهرة، ودفن بجانبها الشرقي بدرب الخبازين. وكان حاذي اللسان من الشعراء المذكورين في خدمة الديوان العزيز الناصري وله في الإمام الناصر لدين الله -أمير المؤمنين- مدائح كثيرة. أنشدني أبو الحسن علي بن محمد بن صدقة الخفاجي البغدادي الشاعر؛ قال: أنشدني أبو محمد المصري لنفسه من قصيدة: [من الكامل]. بيضاء قد لعب الصِّبا بقوامها ... وأقام فيه قيامه العذَّال رأت انهمال مدامعي فتبسمت ... فنضت عقيقاً عن عقود لآلي /77 ب/ ... معاطفها الوشاح فاسلمت ... شمل العبير إلى هبوب شمال أو ضلَّ واشيها المضلِّل أنَّني ... سالي الهوى في ريقها السَّلسال ومنها: أو أنَّ قلبي راح منها خالياً ... أو من هواها في الزمان الخالي ما روح بلبالي غداة تحمَّلت ... في الظَّاعنين مجدَّد بل بالي قد قوبلت بالحسن كلُّ جهاتها ... من حيث عنَّت أقبلت بجمال

وأنشدني الشريف علي المظفر بن الفضل الحسيني؛ قال: أنشدني أبو محمد المصري لنفسه، يهجو إبن العصّار اللغويّ البغدادي: [من مجزوء الكامل]. أضحت عيوبك بادية ... لغريب جهلك حاشيه يا كلب كلب بنى سليـ ... ــــم عبيد أهل البادية ما إن رأيتك مقبلاً ... كالدَّلو نيط برواية إلاَّ قرأت كأنًّه ... {إعجاز نخلٍ خاويه} وقال أيضاً: [من البسيط] /78 أ/ الروح في لصمة الساقي إذا نعسا ... والوجد في قول مقتول الصُّدود عسى ما للهوى مذهوى نجمي بساحته ... أحسنت فيه لمحبوب إلى أسا لم يبق من جلدي عقبى .... .... إلاَّ الزفير وإنء أعلىً له نفسا ومن نوى ذا اللَّما ظامٍ موشَّحه ... أغضي لديه فيبدي لحظه شوسا قد أردف الرِّدف منه في الضّلوع حوّى ... والساق ساق رسياً في الفؤاد رسا يسعى بكوكب راحٍ من زجاجته ... كأنَّه من سنى خدَّيه قد قبسا مازلت أمزجهّا من خمر ريقته ... حتى أضاء من الدَّيجور ما التبسا [369] عبد الواحد بن أبي سالم المصريُّ يمدح تاج الدين التكريتي: [من الوافر] بك الأيام مثمرة الأماني ... فدام بها سعودك والتَّهاني ولازالت حليُّ الفضل يهنى ... ويرفل في مغانيك الحسان لقد أصبحت تاج الدِّين تاجاً على الإسلام كلِّل بالجمان وللعلماء قد أصبحت ظلًّا ... ظليلًا للأقاصي والأداني /78 ب/ وكم لك أوَّل في كلِّ مجدٍ ... ومالك أنت في العلياء ثاني

رددت إلى العلوم علوَّ شأن ... خفضت به مكانة كلِّ شاني تعوَّد بالمثاني كلَّ يومٍ ... إذا القيت تفسير المثاني فدم تحيا ليحيا كل ظنٍّ ... بجود منك للعافين داني وعش لبنيك في عمرٍ طويلٍ .... بعيد الشَّأو ممتدَّ العنان لتبلغ فيهم وليبلغوا في ... علاك الأمن من غير الزمان فراقد قد لأحطن ببدر تمٍّ وما في الأفق إلاَّ الفرقدان لمدرسة النِّظام بلا انتظامٍ ... رفعت محلَّها أعلى مكان ولم لا تستنير وقد حواها ... إمامٌ جامعٌ كلَّ المعاني تهزُّك أريحيَّات السَّجايا ... كما هزَّت شمالٌ غصن بان ويأرج في المحافل منك ذكرٌ ... كنفح النسك في حلل الغواني إذا ما جال مدحك في ضميري ... حبست به جناتي في جناني فحلمك لا يزال ملاذ جاني ... وعلمك لايزال تشمار جاني فدونك مدحةً عن ذي ولاء ... بنشر علاك مرتهن اللِّسان /79 أ/ فما حاك الوليد ولا ابن أوسً ... لها إبناً ولا الحسن بن هاني ودم في المجد ما سجعت حمامٌ ... بألحانٍ كألحان الفيان [370] عبد الواحد بن إبراهيم بن الحسن بن نصر الله بن عبد الواحد بن أحمد بن الحسين، أبو نصر المعروف بابن الفقيه، البغدادي منشاً، الموصليُّ أصلاً.

والدَّسكرة قرية في طريق خراسان، قريبة من شهرابان، من بيت ذوي أملاك وثناية، وثروة وكفاية، وفقه وولاية، ورواية وجراية. دخل عبد الواحد بن أحمد بن الحسن المعروف بابن الفقيه، إلى بغداد ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي –رحمه الله- واشتغل عليه، وانتفع به، وائتمَّ به بالفقه، وصار لا يعرف إلاَّ بالفقيه، وعرف بيته به حتى إنَّ أباه الحسن بن الحصين، صار لا يعرف ألاَّ بأبي الفقيه. وحسن ظن الإمام المقتدي بالله فيه؛ فجعله وكيله. وجده الحسن بن نصر الله تولَّى أشراف المخزن. /79 ب/ المعمور في أيام المستضيء بأمر الله، وثقة الدولة أبو القاسم الحسن وهو أخو نصر الله، تولى صدرية المخزن المعمور في أيام المستظهر بالله. وأبو نصر كان شاعراً مجيداً، كاتباً سديداً، فصيح العبارة، متمكناً من القول، أديباً بارعاً فاضلاً، فمن شعره قوله: [من الوافر] وما متكثِّر النَّظر ...... ... ولكن لا نظير له بمعنى له وجهان هذا غير هذا ... ومن هذا فوائد ذاك تجنى يهبِّر عن أمورٍ غائباتٍ ... متى ظهرت إلينا غاب عنَّا ويركبه من الحشرات شيءٌ سعى فيما عناه وما تعنَّى ويؤوي من ذوات الِّلف جمعاً ... وممَّا في قرار البحر .... يثدير جوارحاً ويثير وحشاً ... ويحمل عدَّةً ويروض جنَّا

له تاجٌ ومنطقةٌ فإمّا ... ............................... وله أيضاً: [من الطويل] وما حيوانٌ إن يغب عنك شخصه ... فإنَّ فيما أحاجي تلاقيه تكمَّل إنساناً بتضعيف نصفه ... وتبدي لك البيداء تضعيف باقيه أملى علي جملة من أقاويله، وما نشدني وزعم /80 أ/ أنه عمل هذه الأبيات بديهاً: [من الكامل] قم عاطني خمراً يكاد شميمها ... يحيى به المقبور وهو رميم فكأنَّها شمس الضُّحى ويروجها ... أيدي النَّدامى والحباب نجوم يسعى بهارشأ كأنَّ رضا به ... ضربٌ زهاه لولوٌ منظوم في كلِّ سهمٍ من سهام لحاظه ... أجلٌ لمرميَّ به محتوم دَّبت إلى صدري عقارب صدغه ... فأنا السَّليم بهنَّ وهو سليم ومن العجائب أنَّ هذا ظالمٌ ... لا يرعوي ومحبِّه المظلوم وأنشدني لنفسه: [من البسيط] قم عاطني من شمول الراح شمس ضحًى ... براح بدر دجًى حلو شمائله مورَّد الخدِّداجي الفرع فاحمه ... عل الرَّوادف واهي الخصًر ناحله يستل من بين جفنيه لسفك دمي ... مهنَّداً فوق خدَّيه جمائله ما سحر هارت إلاَّ في لواحظه ... سبي القلوب وفي الأجفان بابله تخال نور الأقاحي في مقبَّله ... والغصن ما ضمِّنت منه غلائله من المعين على وجد به ومتى ... ودلَّت لواذعه لجَّت عواذله أعجب به معرضاً عني بلا سببٍ ... وفي فأخطأ قلب الصَّبر نائله كأنَّ في القلب مغناطيس أنصلها ... أو السِّهام كناناتٌ مقاتله يروم رؤياه طرفي وهو مسهره ... ويشتهيه فؤادي وهو قاتله وأنشدني أيضاً قوله: [من البسيط] وشادن بابليِّ الطَّرف لو رشقت ... لحاظه قلب هاروتٍ لما سحرا

كأنَّ غانيةً فتَّ العبير بها ... في فيه لمَّا ترشَّفت اللَّما سحرا لمَّا أقرَّت بقتلي وجنتاه بدا ... خطًّ العذار على خدَّيه معتذرا عاطيته في ظلام الليل شمس ضحىً ... درُّ الثُّريّا على كاساته نثرا فقال لي وثنى من قدِّه غصنا ... وشام مبتسماً من ثغره دررا: كيف السبيل إليها أو إلى بها ... والشمس ما ينيغي أن تدرك القمرا فقلت لمَّا رأى فيها محاسنه: ... دع ما سمعت وصدِّق ما ترى نظرا وأنشدني أيضاً من شعره: [من مجزوء الرجز] عش خاملاً لا حاملاً ... في رتبةٍ ثقل الحذر ونم ولا تنم فإنَّ المرتقى فيه الخطر فالمرء لا يسقط إلَّا إن علا وإن ظهر والريح لا تقلع إلَّا ما علا من الشجر /81 أ/ وأنشدني أيضاً لنفسه: [من البسيط] كان الأخلاء في الماضي من الزمن ... نعم الذَّخائر في الأفراح والحزن واليوم خيرهم من إن علت يده ... بعدُّ كفُّ أذاه اعظم المنن وأنشدني لنفسه: [من الكامل] نفسى الفداء لمن سميري ذكره ... وحشاشتي في أسره ووثاقه رشاً لو أن البدر قابل وجهه ... في تمِّه لكساه ثوب محاقه يناد ليناً قدُّه فكأنَّه ... غصن الأراك يميس في أوراقه فمعاطف الأغصان في أثوابه ... ومطالع الأقمار في أزياقه تبدو على وجناته لمحيِّه ... ما سأل يوم البين من آماقه طعم السُّلافة ريقه وشعاعها ... في خدِّه والطف في أخلاقه غفل الرقيب فزارني فوشى به ... في ليل طرَّته سنى إشراقه حتى إذا ما الليل مدَّ رواقه ... وقضى بجمع الشَّمل بعد فراقه

هجم الصباح على الدُّجى بحسامه ... فظننت أنَّ الصبح من عشاقه وأنشدني له؛ يلغز في البومة: [من الطويل] وما حيوانٌ إنء يغب عنك شخصه ... فإنَّ اسمه فيما أحاجي نلاقيه /81 ب/ تصحَّح بتضعيف نصفه ... وتبدي لك البيداء تضعيف باقيه وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الكامل] قسماً يحبِّك إنَّ في قلبي إلى ... رؤياك حرَّاً منه صبري ذائب فلو أنَّ أشواقي إليك تجسَّمت ... ضاقت بهنَّ مشارقٌ ومغارب أو كنَّ لي عملاً يراد حسابه ... أعيا بها الملك الحفيظ الكاتب وأنشدني لنفسه في ثقيل: [من مجزوء الكامل] وثقيل طبع من رزا ... نته أديم الأرض شاكي تقع الزلازل إن مشى ... فالأرض دائمة الحراك وكأنَّما كره البسيـ ... ــــطة تحته كره المحاكي وأنشدني أيضاً من شعره: [من مجزوء الرجز] من منصفي من ظالمٍ ... أسهر عيني ورقد يضحك منَي كلَّماً ... بليت من طول الكمد فأدمعي وثغره ... عقد عقيق وبرد لكنَّ ذا منتظمٌ ... وذا على خدِّي بدد بدر تمام ما بدا ... لناظرٍ إلَّا سجد /82 أ/ وقال ما قال النَّصا ... رى في المسيح واقتصاد إذ لم يقل حين بدا ... بأنَّه الفرد الصَّمد مقتدياً فيه بمن ... للبدر والشمس عبد حتى إذا صار الضلا ... ل فيه ديناً يعتقد خطَّ على أسيله ... عذاره لمَّا ورد: يا قوم لا تفتتنوا ... ما اتَّخذ الله ولد أعيذه بهل أتى ... وقل هو الله أحد

من كيد كل كائد ... وحاسد إذا حسد ما فاتك الألحاظ لا ... يفتك في قتلى أحد فما على المولى إذا ... ما قتل العبد قود ووجدت له هذين البيتين في غلام رمدت عيناه: [من السريع] قالوا أهذا رمدٌ أم خبت ... شقائق النُّعمان عيناه فقلت: كلاَّ سيف الخاظه ... مختصبٌ من دم قتلاه وقال أيضاً: [من الوافر] /82 ب/ إذا وردٌ تمرَّض بين قوم ... واحوج أن يداوى كالعليل وصار الوصل بينهم سبيلاًّ ... إلى هجرٍ وهجران طويل فذاك القرب أقرب منه نفعاً ... مقاطعةٌ على وجهٍ جميل وقال أيضاً: [من الرمل] أنت مادمت غنيًا موسراً ... لك كلُّ الناس خلُّ وحبيب ذا يداجيك وهذا ودُّه ... لك مبذولٌ وذا منك قريب فإن احتجت إليهم مرَّةً قلبت عنك وجوهٌ وقلوب

ذكر من اسمه عبد الرازق

ذكر من اسمه عبد الرازق [371] عبد الرازق بن أحمد بن الخضر بن أحمد بن صالحٍ، أبو محمدٍ العامريُّ الأطرابلسيُّ، المدعو بالبديع. من شعراء الشام، غزير الشعر يكثر من قوله. رحل إلى الديار المصرية، قاصداً الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن شاذي -رحمه الله تعالى- ليمدحه، واتصل ببني أيوب فسيَّر فيهم مديحاً كثيراً. ولعلَّ /83 أ/ ديوان شعره يزيد على عشرة أجلاد، ومعظمة مرذول قليل العيون، إلاَّ أنه ما يخلو من فائدة ومعانٍ، وربما مرَّ له أبيات صالحة. ولم يكن شهر بالشعر كشعراء عصره، وكان يأخذ نفسه بصناعة الترسل، والإنشاء الكتابي؛ صار إلى من نظمه كتاب سمّاه "در المدائح ودرُّ المنائح" وجعل في مقدمته خطبة ذكر فيها فضيلة الشعر ومدحه. وخرج من مصر طالباً البلاد الجزريّة، إلى مدينة آمد، فانحاز في جملة مليكها الصالح أبي الفتح محمود بن محمد بن داود بن سليمان بن أرتق، فأكرمه وصيَّره أحد ندمائه وجلسائه، فولاه الإشراف على .... بالعربيه ولم يزل متوالياً إلى أن مات بذلك. وأخبرني من شاهده بآمد، سنة خمس وستمائة؛ وقال: كان شيخاً ربعة يتزيّا بزيِّ الجند، ويلبس القلنسوة ذات القنجس. وكان مشغوفاًَ بالخمر، مصرَّاً عليها، ذا نعمة واسعة، وحشمة وزي حسن وغلمان، وكان الصاحب ضيائ الدين أبو القاسم أحمد بن شيخ السلامية وزير صاحب

آمد، ..... في حقَّه ويكرمه ويقرِّبه وينعم عليه. /83 ب/ وكان أبو الحسن علي بن محمد الساعاتي الشاعر بمصر، فاقتضت أن عمل إبن الساعاتي دعوى، وجمع إليه جماعة من أصدقائه، من الديار المصرية، وغيرهم وفي جملتهم عبد الرازق الشاعر، وكان يومئذ مقيمًا بمصر، وكان مع ابن الساعاتي ألف دينار مصرية، فحار أين يخبّئها، فألقاها في حبَّ الماء، وفي ظنِّه أنَّ أحداً لا يفطن لذلك، فشرب من كان عنده كم أصدقائه الماء، واستعملوه، ولم يبق في الحّبِّ ماء، فقام بعض من كان عنده يستقي ماء، فوجد الألف دينار، فأخذها فلما أراد ابن الساعاتي يعينه: [من البسيط] يا عادم الألف من بعد التَّبذُّل في ... تحصيلها في زمان عزَّ لقياه قد كان مالك ماء الحبِّ أمَّله ... كما عملت وماء الحبِّ أفناه وأنشدني أسفنديار بن عثمان بن اسفنديار الديلمي البغدادي بحلب؛ قال أنشدني عبد الرازق له: [من السريع] /84 أ/ يا ظالماً لولاه ما كان لي ... عند إلهي في غد ذنب كلَّفتني في الجبِّ ما لم أطق ... وبعض ما كلَّفتني صعب وقال في الغزال: [من البسيط] آس العذار أسًى للهائم الدَّنف ... ألفته مذ بدا في الخدِّ كالألف تعانق الصُّبح والظلماء وائتلفا ... وما ائتلافهما إلاَّ على تلفي وقال في مثله: [من السريع] وشادن شدَّ فؤادي الأسى ... في حبِّه شدَّ الزاة البغاث لمَّا تردَّى الحسن ردَّ الرَّدى ... نحوي وجسمي فيه للسُّقم لاث عذاره الآسي في خدِّه الـ ... ـــورديِّ في السَّلوة والصبر عاث كالمسك في الجمر انتهى لبثه ... والمسك في الجمر قليل اللّباث

أسرف في الصَّدِّ ولا ذنب لي ... والصَّدُّ لا يحسن فوق الثلاث وقال أيضاً: [من الوافر] سياج الورد أحسن كلَّ وقت ... بعين الصَّبَّ من ورد السَّياج فهذا كالسياج على ظلامٍ ... وهذا كالظلام على السِّراج وقال في المعنى أيضاً: [من الوافر] /84 ب/ تبدَّى فوق عارضه عذارٌ ... بذلك عذري واحتجابي فحار العاذلون له وقالوا ... يواقيتٌ موشَّاةٌ بزاج فقلت سياج آس فوق وردٍ ... وهل وردٌ يكون بلا سياج وقال أيضاً: [من الهزج] عديم الناس من من كان إلى ذي البخل محتاجاً وما يغنيه ان يفتـ ... ـــح نحو الهجو منها منهاجاً فدع عنط المهاجا ... ة فلن يفلح من هاجى وقال يستدعي صديقاً له إلى مجلس شراب: [من الرمل] يوم أنس وسرورٍ وفرح ... وكؤوس قد تغشت بالملح وشموس كشموس أشرقت ... برجها الكأس وطاسٌ وقدح ومغنَّ ليس يعدولفظه .... في التَّغنِّي كلَّ معنًى مقترح وغلام يخجل البدر إذا ... لاح فالَّلا حي عليه ما ألح فأتنا لا فاتنا منك المنى ... فالمنى معتبقٌ أو مصطبح وله في القناعة: [من مجزوء الكامل] إربأ بنفسك أن تكو ... ن لكلِّ من تلقاه عبدا /85 أ/ إن السؤال مذلَّةٌ ... والقنع يولي المرء مجدا مرٌّ لم يبلى به ... وأمرُّ منه أن يردَّا واقترح عليه حسام الدين دمرداش بن عز الدين الجاولي في مجلس شراب، أن يجيز له هذا البيت، وقد غني به بين يديه: [من مجزوء الخفيف] لي حبيبٌ فديته ... مثله ما رأيته

والشعر للعماد الكاتب، فقال ارتجالاً: [من مجزوء الخفيف] يا من القلب بيته ... أيُّ شيء جنيته كلُّ ما ترتضيه لي ... من بلائي ارتضيته في فؤادي سرُّ العوى ... عن فؤادي خفيته فلماذا أراك تنـ ... ـــشر ما قد طويته ليت شعري وقلَّما ... نفع المرء ليته لم غداً يؤثر القطيـ ... ـــعة من لي اصطفيته /85 ب/ بيعة الغبن باعني ... من بقلبي اشتريته بان لي منه ما اشتهيـ ... ـــن وما لا اشتهيته إن أقل قد سلوته ... منت فما ادعّيته وإذا غيره ذكر ... ت فإنِّي عنيته أيُّ سهمٍ إلى فؤا ... دي بكفِّي رميته ما وقاني منه حسا ... مٌ بمدحٍ إنتضيته لسماحٍ عنه وعن ... حاتمٍ قد رويته دام لي مضا شدا امرؤٌ: ... لي حبيبٌ فديته وتلاه بقوله: يا من القلب بيته [372] عبد الرازق بن أبي الغنائم بن ياسين التيمي القرشي الضَّرير. من أهل دقوقا؛ خرج عن بلده سنة خمس وثمانين وخمسمائة إلى إربل ونزل بقرية من قراها تدعى البشقرة، وحفظ القرآن بها على كثير بن عطية الباحباري. ودخل إربل وأقام بها مدَّة، ورحل /86 أ/ عنها إلى الموصل، ولزم الشيخ أبا الحرم، فجوَّد عليه قراءة القرآن تلقينا، وقرأ على العزّ عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن حومية ..... تجويداً

وتوجه إلى بلاد الشام سنة ست وثلاثين، واستوطن دمشق، وتفقه على أبي القاسم عبد الملك بن زيد بن ياسين الدولعي الفقيه الشافعي، واشتغل على تاج الدين الكندي، وقرأ طرفًا من علم العربية، وسمع الحديث، وهو بهات مقيم له حلقة بالجامع يقرئ القرآن، وطرق القراءات وتعليلها. سألته عن ولادته؛ فقال: تكون تقديراً سنة ثمان وستين وخمسمائة. ومع ذلك، اطبع في عمل الشعر، يقول منه القصائد والمقطعات. أنشدتي لنفسه؛ بمدرسة الشيخ أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل ابن زيد بن ياسين الدولعي في أوائل المحرم سنة أربعين وستمائة في النوق: [من الكامل] وكريمة تحنو على أربابها ... فتقل أيديهم فويق المنكب حتى إذا حملت به أهوى لها ... ضرباً وليست بالظلوم المذنب فإذا العصيُّ تكنَّفت اكنافها ... جاءت كمثل العارض المتحلِّب /86 ب/ تهي إذا ضُربت بشهد جامدٍ ... وهنا وتحبسه إذا لم تُضرب وأنشدني لنفسه: [من الوافر] سل الركبان هن أمة الرَّحيم ... اباقيةٌ على العهد القديم أم الأيام خلن دوين عهدي ... وصيَّرن المودَّة كالرَّمسم سقى الله الفراق بكلِّ كفٍّ ... غداة البين شوباً من حميم ولا برحت يد الأيّام صفراً ... من البين المشتِّ بكلَّ ريم رويدك حادي الأضغان رفقاً ... بضبٍّ هائمٍ قلقٍ سقيم رهين صبابة واسير شوقٍ ... مقيمٍ في جوانحه قديم يعذبك البعاد وفي التَّداني ... فما يينفعك من ألم اليم ويذكره دقوقة كل وقت ... على سخطٍ النَّوى مر النسيم فيشرق بالزُّلال العذب طورًاً ... ويفهق تارةً بجوِّى مقيم وما ينفكّ من ولهٍ وشوقٍ ... إلى تلك المعالم والرٌّسوم وأنشدني أيضاً لنفسه: [من البسيط] لا غرو ان صمّ يوم الدّين مسمعه ... وان جرى ساعة التّوديع مدمعه

واهاً المكتئب اودى الغرام به ... ما تاتلي زفرات الوجد تلدغه /87 أ/ تصرّع الأسد يوم الرّوع سطوته ... لكن عيون المها في السّلم تصرعه لو لم يلذ بالهوى ما ان من اسف وهناً ولا ذرفت فى الدَّار ادمعه فى ذا الَّذي لم يذب في الحبّ من كلف ... إذا تلظت بنار الهجر اضلعه يا حادي العيس لا ذقت الفراق ولا ... ونت عهاد الحيا تسقيك ...... رفقاً بمن بات يرعى النّجم ارقه ... حرّ التفجّع لو يجدي تفجّعه مولّه قلقٌ حيران اسلمه ... إلى الصّبابة والبلبال مطمعه حليف شوقٍ اسأل البين عبرته ... لم يدر أن صروف الدّهر توقعه يخادع الحبًّ خوقاً أن يموت به ... وما توهَّم انّ الحبّ يخدعه يأوي إلى زفرات ليس يقكعها ... إلَّا التّأوّه آناً أو تقطِّعه هو الغريب الَّذي أودى بغربته ... حرُّ الغرام وأرداه توجُّعه إذا تذكر أيّاماً بكاظمةٍ ... فاضت نجيعاً على ما فات ادمعه وأنشدني لنفسه يتذكر وطنه: [من الرمل] إنَّ في قلبي من الشّوق حريقا ... يتلظى عند ذكراي دقوقا موطنٌ كنت به في نعمةٍ ... لا أرى إلَّا ولياً أو صديقا والغريب الدّار لا يصغو إلىّ ... شرب يوماً ولو كان رحيقا /87 ب/ وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] إنّ داعي الهوى إليه دعانب ... فدعاني من الملام دعاني يا خليلي خلّياني وقلبي ... واتركاني شأن الغرام وساني ضقتُ ذارعاً بذي الملامة في الحبّ ... إن كنتما تنصاحني وادعواني إلى الصبابة إنّي ... ساجيب الدّاعي بغير تواني وعداني بوصل من شفني سقـ ... ـــم بحبّيه ساعةً فعداني وانظراني حتى أعلّل قلبي ... بالأمانيّ ريثما تنظراني لا يغرّنكما انيني ولوعا ... ت فؤداي وفيض دمعي القاني وبكائي خلف الرّكائب ذيا ... ك سروري وعيشتي وأماني

ذكر من اسمه عبد الباقي

[ذكر من اسمه عبد الباقي] [373] عبد الباقي بن نصر بن هبة الله بن يحيى بن رضا، ابن العمرانيّ الأزديّ. أصل آبائه من قرية تدعى العمرانيّة، من قرى الموصل الشرقية، يكنى أبا المظفر بن أبي الفتح؛ من أبناء الرؤساء الأجلاء، ومن بيت مشهور معروف في الولايات الديوانية، والأعمال /88 أ/ الجليلة السلطانية. قد صحب الشيخ عبد العزيز بن أحمد بن هاجر الموصلي المقري، وختم عليه القرآن المجيد، وحفظه حفظاً جيداً، وقرأه للسبعة والعشرة، وسمع الحديث، وأتقن صدراً وافراً من فقه الإمام الشافعي -رضي الله عنه- على أبي المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصليّ، حتى تميّز فيه. وكتب خطاص حسناّ؛ وكان يقول الشعر الرقيق، يمدح به الأعيان من الناس، ولم يقصد بذلك أجراً ولا رفداً، وحج بيت الله الحرام، وتزيّا بزيّ أهل الديانة والصلاح، ولم يكن في أهله وعترته مثله، في حسن طباعٍ وسلامة جانب. نزل مدينة حلب في سنة أربع وعشرين وستمائة، واستوطنها، وكان يرتزق من جامكية المدرسة ... النورية، مضافاً إلى مسجد كان يصلي فيه إماماً الصلوات الخمس، وكان له يد قوية في خياطة السجاجيد والمرقعات وربما تمشت أحواله بها، لكونه لم يكن له جهة غيرها. لقيته بحلب المحروسة في سنة أربع وثلاثين وستمائة، واستنشدته شيئاً من أشعاره /88 ب/ فأنشدني كثيراً منها، إلاّ أني لم أقيد شيئاً عنه، لأنه كان يضنّ بها، ويعتذر إلى من قصوره في هذا الشأن.

وكان رجلاً تقياً ساكناً متواضعاً عاقلاً، ضعيف الحال، مستوراً، ليّن الجانب، خيّر، الطباع. ولم يزل نحيفاً متمرضاً، وكان قد استولى عليه مرض السلّ حتى أذهب قوته، واصفرّ لونه، وبقى به برهة من الزمان يعالج نفسه ثالث جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وستمائة، ودفن بمقام الخليل إبراهيم –عليه السلام- قبلي حلب. وكانت ولادته فيما أخبرني من لفظه في الليلة المسفرة عن صباح يوم الثلاثاء الثالث عشر من صفر سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، بالموصل بمحلة شاطئ النهر، بزقاق الاكلة. وكان قد أوصى بعد موته؛ أن يغسل جميع ما قاله من الشعر، فغسله الموصى له فوقع عند بعض المعارف جزء فيه من شعره، وهو بخط يده، فاستعرته فتأملته فإذا فيه أقطاع متعددة، كان أنشدنيها /89 أ/ -رحمة الله- في حال مذاكرتي له. ولازم الشيخ أبا عبد الفارقي المقرئ نحو عشر سنين، وقرأ عليه القرآن تجويداً، حتى أحكم قراءته غاية الإحكام، وشهد له شيخه في بالحذق في القراءة، ولم يكن بعد شيخه أبي عبد الله محمد الفارقي مثله في قراءة القرآن وآدابه وتجويده، ومخارج الحروف، وتفرّد بهذا الشأن على قرّاء وقته. فمما أنشدني لنفسه؛ قوله: [من مجزوء الرجز] كم وعدوا واخلفوا ... وعاهدوا ولم يفوا وكم دمٍ قد سفكوا ... ومهجةٍ قد اتلفوا وكم محبٍّ قتلوا ... يوم النوى وانصرفوا اظلُّ في آثارهم ... مناشداً توقّفوا ساروا ولم يرثو له ... وفي الفيافي عسفوا ترحلوا وفي الحدو ... ج اغيدٌ مهمفهف بطلعه كالبدر لـ ... ـكنّ البدور تكسف وقامةً كالغصن قد ... جار عليها الهيف

ومبسم كالدُّورّ إذ ... فتّح عنه الصّدف /89 ب/ مزرفن الأصداغ لا ... مي العذار أوطف في خده وردٌ وفي ... فيه سلافٌ قرقف وفي سنى الحاظه ... سيفٌ صقيلٌ مرهف كم من دمٍ أراقه ... بحدّه لو عرفوا وأنشدني أيضاً لنفسه: [من البسيط] إن انجدوا جيرة الحدباء أو غاروا ... أو اتهموا بالمطايا بعد ما ساروا أو عذبوا عذب التعذيب أو بعدوا ... قرٌبت حبّا وإن شطّت بي الدّار وانكر الطّرف رؤياهم فإنّهم ... طول المدى في سويدا القلب حضّار لي في تذكرهم سرٌّ تتلى به معنّى ... وإن أوحش القطا فلا عار فالهتك صوني وعذلي في الهوى عذرٌ ... وصحّتي سقمٌ والصّمت تذكار هم هم واصلوا صدّوا دنوا بعدوا ... أحبّتي عدلوا في الحكم أم جاروا فتخضب الأرض منهم أيّةً سلكوا ... فهم غيوثٌ لها حقّاً وأمطار ونقلت من خطّة قوله: [من الكامل] حتّى م أكتم لوعتي واستّر ... ومدامعي تبدي الغرام فيظهر /90 أ/ وأسرّ وجدي والحنين يذيعه ... ولهيب أنفاسي بذلك تخبر أهوى الملامة في الهوى ويسرني ... عذل العواذل فيكم كي يذكروا ويح العواذل في الملامة طوّلوا ... عذلي ولو شهدوا ... قصّروا عذلوا بجهلهم وما عرفوا الهوى حقّاً ولو عرفواه مثلي اعذروا قلّ الوفاء فلا حميمٌ يرتجى ... للنائبات ولا صديقٌ يذخر رفقاً بقلبي إنّ بين جوانحي ... أسرار حبٍّ ولا صديقٌ يذخر رفقاً بقلبي أنّ بين جوانحي ... أسرار حبٍّ عن ضميري تضمر لا تتهموني بالسّلوّ فأضلعي ... أسرار حبّ عن صميري تضمر واهدوا إلى جفني الرُّقاد عسى أرى ... رؤياً تؤولّل باللّقا وتفسّر حاشاي أضمر سلوةٌ عن حبكّم ... وأعيذٌكم يا سادتي أن تهجروا ونقلت من خطّة أيضاً شعره: [من البسيط]

كم في الحشا حرقٌ من زجرة الحادي ... يوم الرحيل لصبٍّ مغرمٍ صادي وكم دموعٍ جرت في إثر عيسهم ... حتى تلاطم منها شاطئ الوادي وكم محبّ لهم قد حلّقوا لقًى ... لمّا تولّوا وأقوى منهم النّادي تحمّلت عيسهم أرواحنا سحراً ... ما أشبه الحيّ ........ ساروا فكم حسرةٍ في طيّها أسفٌ ... في طيّها زفرةٌ في طي أكباد /90 ب/ ونقلت من خطّه أيضاً قوله؛ وكان بإربل كما عرض وعنّ: [من الطويل] خضعت ذليلاً حين عزّ مرامي ... وقلّ اصطباري حين زاد غرامي وحالفني فرط السّهاد وملّني ... جليسي وطرفي بالمدامع دامي فمن منقذي من لوعة البين والأسى ... ومهد إلى ربع الجيب سلامي عساه بأن يرثي لما بي من الجوى ... وينقذني من لوعتي وهيامي وقوله: [من الرجز] عصر الصّبا تصرّمت أيّامه ... وانقرضت في حبكّم أعوامه فما احتيال مغرمٍ ذي لوعةٍ ... وفّى ولم يرع له ذمامه حجّته ظاهرةٌ وإنّما ... خصومه على الهوى حكّامه ذلّته تعزّزٌ ورفعهٌ ... كذاك في صحّته سقامه أنفاسه ......... ... ودمعه يرويكم سجامه يزداد وجداً وغراماً كلّما ... تزايدت على الهوى لوّامه وكلّنا تكاثرت عذّاله ... زاد اشتياقاً ونما هيامه /91 أ/ وقال وقد طلب منه المعنى: [من السريع] زارت بجنح الليل ذات الوشاح ... فطبّق الآفاق ضوء الصباح فاستيقظ الرّكب لأجل السّرى ... قلت: اهجعوا برقٌ من الشّرق لاح وقال وكان بإربل: [من الطويل] ترنّح من برح الغرام متيمٌ .... عشّية جدّ البين والنوق ترزم وأخفى تباريح الجوى ليلة النّوى ... وفي قلبه نار الأسى تتضرّم

وكيف يذود الهمّ أو يطعم الكرى ... وقد أعرق الحادي بهم وهو مشئم ألمّت سليمى والظلام يجنُّها ... فتمّ عليها حسنها والتّبسم تبدّت كبدر التّمّ لولا محاقة ... وكالشمس إلّا أنّها هي أعظم أحلّت صدودي واستحلّت قطيعتي ... فوثلي على مرّ الومان محرّم وقال وكان بعين القيارة في صحبة نفيس الدين أبي الفتح نصر بن عيسى بن جزري: [من الطويل] ساشكر دهري ما حييت مطالعاً ... تجلّت بقرب العين منك سعودها يرنّحني شوقي إليها فأنثني ... أعلّل تفسي أن تعود عهودها /91 ب/ وقوله: [من الكامل] سهم الفراق أصاب حبة قلبه ... لمَّا تعرّض للوداع لصحبه وتزايدت أشجانه وغرامه ... لمّا سرت أيدي المطي بحبّه وقال وكان بالعقر في بستان الزعيم الشربدار، وكان به بركة مليحة، وبها ماءٌ صافٍ وبطيخ وتفاح؛ وسئل أن يعمل في هذا المعنى شيئاً، وكان حال وصوله ونزوله هناك: [من مجزوء الكامل]. يا بركةً جمعت معاني ... قد خصصت بهنّ وحدي دمعى وخدّي عند ذكـ ... ــــــــر معذّري وصفاء ودّي وقال، وكان فارق تاج الدين ابن خاله معين الدين – رحمه الله- بإربك وأقام على بعده بها، وضاق صدره لذلك: [من الخفيف] /92 أ/ تاج دين الإله إنّ اصطباري ... قلّ من بعدما ترحّلت عنّي واعترتني نوائبٌ لو تفرًّغـ ... ــــت زماني لبثّها لم يسعني وقال وكان مريضاً، وقد دخل إليه شيخه عبد العزيز ين أحمد بن هاجر، وكان قد صحبه، وختم عليه القرآن المجيد: [من الخفيف] فيك عبد العزيز أضحى فؤادي ... لم يزل بين خيفةً ورجاء أتخشى الفراق عند التّداني ... وأرجّي اللقاء عند التّنائي وقال وكان بإربل، في منزل ابن عمه أثير الدين أبي حامد محمد بن علي بن

الحسن بن العمراني: [من الوافر] لك البشرى فقد نجم السّعود ... بما تهوى وقد كبت الحسود وقد نال الموالي ما تمنّى ... واعطته الأماني ما يريد فلا زالت بك الأيام تسمو ... وظلّ علاك مخضرٌ مديد وله في خاله الصاحب معين الدين أبى القاسم: /92 ب/ ابن أبي طالب بن كسيرات، بمنّى وقد حجّ عديله وكان يوم عيد النحر: [من الطويل] تهنّ بعيد النّحر يا خير صاحبٍ ... له في المعالي طارفٌ وتليد فلازالت الأيّام تأتي وتنقضي ... وأنت على رغم الحسود سعيد ورأيك فيما تبتغيه موفقٌ ... وفعلك في كلّ الأمور حميد وضدّك مكبوتٌ وندّك خاضعٌ ... وظلّت مخضرّ الجناب مديد وقولك مسموعٌ وأمرك نافذٌ ... ويومك مهودٌ ودهرك عيد وقال في المرحوم وهو بالطريق بالحجاز بديهة في تلك السنة: [من مجزوء الكامل] حثّ المطيّ بلا فتور ... بالصّاحب المولى الكبير وبذكره فتغنّ لي ... تخدي وتعنق في المسير يا صاحا فاق الورى ... بالفضل والجود الغزير يا من سحاب أكفّه ... يغني عن العام المطير ويراعه تحمى به ... قمم الصياصي والثّغور فعطاؤه قبل السّؤا ... ل وعذره بعد .... /93 أ/ فاسلم ودم لا ساورتـ ... ـــك يد الحوادث في الدّهور لازال جدّك ساميا ... يلعو على متن الأثير [ما غرّدت قمريّةٌ ... وشدت على غصنٍ نضير] وقال: [من السريع]

لازالت الأيّام تأتي بما ... تأمله أوحد العصر وعشت في أمنٍ وفي رفعة ... محروسة من غير الدّهر ما لاح نجمٌ أو بدا بارق ... أو أنّ صبّ أو شدا قمري وقال يهنئه بحلب، بالمدرسة في شهر شعبان من سنة أربع وعشرين وستمائة: [من الطويل] ولمّا وقفنا للوداع وأحدقت ... بنا أعينٌ للشامتين نواظر رحلنا فغرّ بنا وراحوا فشّرقوا ... وفاضت للوعات الفراق المحاجر وسرنا وفي طرس النّفوس وجائعٌ ... كوامن لم تظهر عليها الضّمائر سرائر تبلى وهي تبقى مصونةً ... إلى يوم حشر فيه تبلى السّرائر ولم نقض من أهل الوفاء شجوننا ... ولم تنجنا الأيّام ممّا نحاذر وله أيضاً بحلب: [من الطويل] /93 ب/ وأنّي إذا قلّ اصطباري عنكم ... وزادت صباباتي بكم وهيامي أحمّل وقد الريح إن سار ركبه ... مجداً إليكم لوعتي وغرامي ويخفق قلبي نحوكم كلّما بدا ... تألق برقٍ منجدٍ وتهامي وأمنحكم صفو الوداد لأنّني .... لمغرى بكم في رحلتي ومقامي وقد صرت أهوى ذكركم من عواذلي ... وأكثر إلمامي بهم لملامي [374] عبد الباقي بن محمد بن عليّ بن إسماعيل بن عبد الباقي بن محمد بن أبي يعلى بن عبد الله بن الخليل بن إبراهيم الوزير، أبو المظفر بن أبي جعفرٍ، البغدادي أصلاً، الموصليّ المولد والمنشأ. كان قد أخذ من كلّ علمٍ طرفاً حسناً كعلم النجوم والهيأة والأقليدس، وله يد في

إنشاء الرسائل –وهب الغالب كانت عليه- وقرض الشعر، وكان ذا روية جيدة، وبديهة حاضرة، سريع الحفظ، يرجع إلى سماعه. حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي –أبقاه الله تعالى- قال: /94 أ/ وصل أبو المظفر عبد الباقي بن محمد بن أبي يعلى [من] الموصل إلى حلب في سنة إحدى وستمائة، وخدم الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب –رحمه الله تعالى- مستوفياً في الديوان، وكان ابن أبي يعلى يتوصل إلى الملك الظاهر يجمع الأموال، ويظلم له الناس، ويفتح له أبواباً يحمله على التعدّي على الرعية، ارتفع مكانه عنده، وعظم محله، إلى أن تفرد بأمر الديوان، وكان الوزير نظام الدين محمد بن الحسين –صاحب سر الملك الظاهر والمتمكن عنده- وكان يحسّن للملك خلاف ذلك من الإحسان إلى الرعية، وكفّ أيدي الظلمة، واحترام الأكابر، فاتفق موته، فقوي أمر ابن أبي يعلى بعده، ونفي شرف الدين ابن الحصين متولي ديوان الإنشاء، وصار بين [إبن] أبي يعلى وبينه عداوة في الباطن إلى أن مات ابن الحصين، فاستفحل أمر ابن أبي يعلى، وعظم شانه واستقلّ بالأمور كلها، ونظر في جميع أعمال الدولة، وأضاف الملك الظاهر إليه ديوان الإنشاء، ولم يزل كذلك إلى أن مرض الملك الظاهر، مرض موته، وأوصى بالملك بعده لولده الملك العزيز محمد ثم /94 ب/ بعده للملك الصالح، وأن يكون الوزير ابن أبي يعلى على ما هو عليه، في خدمة ولده الملك العزيز، واستوثق ابن أبي يعلى من الأمراء بالأيمان على ذلك، وحدثته نفسه بأشياء انعكست عليه بعد ذلك. كان الملك الظاهر لما مات جعل إبن أبي يعلى يظهر التيه العظيم الزائد والجبروت، ويأخذ نفسه بأمور الملك، ويكلّم الأمراء بكلام خشن؛ إنّ أتابك طغرل، سرّ إليه في أمر؛ فقال: وهو أيش هو خازن وليس له كلام في أمر الدولة؟ وقال للأمير سيف الدين بن أبي قليج في كلام جرى بينهما في تدبير أمر الملك: أيش هذه الصبيانية؟ حتى همّ به الأمراء. وكان يمضي ويجلس في دار العدل، مكان السلطان ويقول: اطلبوا الحاكم –يعني القاصي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم قاضي القضاة- ويكتب له

في التواقيع، وكتب بالإشارة المولوية الصاحبية الوزيرية، وبرسالة الأمير شهاب الدين طغرل إلى غير ذلك .. فاختّل أمره عند ذلك، وأجمع رأي القاضي القضاة وجماعة الأمراء على تولية /95 أ/ الأتابك شهاب الدين، أتابكية الملك العزيز، قولي له جميع أمور الدولة والحكم فيها، وفي القلعة والخزائن والمدينة. وأحضر إليه نواب الإنشاء والجيش والحجاب، وأمر ونهى، فاجمع رأيه مع الصاحب قاضي القضاة والأمراء على عزل ابن أبي يعلى، فعغزل به موت السلطات الملك الظاهر بعشرين يوماً، ولزم بيته ثم مرض، وأقام شهراً في مرض الداسنطاريا، وعوفي من المرض، فتقدم إليه بالخروج من حلب؛ فباع كتبه، وهيّأ أسبابه، وسار عن حلب في يوم السبت حادي عشر شوال من سنة ثلاث عشرة وستمائة. وسار منها حتى مرّ منها على حرّان، وأراد المقام بها، والتعرض بخدمة الملك الأشرف، فلم يلتفت إليه، ومنعه من الدخول عليه. وحكى لي الملك الأشرف أنه سيّر إليه يطلب خدمته؛ قال فتقدمت بأن ليس له في بلادي شغل، ولا له عندي مقام، وتقدمت بإخراجه، وكنت قد اجتمعت به على الطور في خدمة الملك العادل والدي /95 ب/ وقد سيّره السلطان الملك الظاهر، فرأيت منه حماقة عظيمة فأبغضته، وانضم إلى ذلك ما بلغني عنه من تعسّفه وما اعتمده بعد موت السلطان الملك الظاهر، فمنعته من المقام في بلادي. ثم إنّ ابن أبي يعلى سار إربل، غألزمه صاحبها الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين –رحمه الله تعالى- وأنزله عنده، ولكنه لم يستخدمه، وبقي في إربل مدّة أشهر. ثم كاتب ملك الشمال كيكاوس، ورغب في الوصول إليه، فسار من إربل، وتوجّه إلى بلد الشمال، واجتمع بعّز الدين كيكاوس، ثم إنه مرض، وحكى لي بعض أصحابه: أن كيكاوس نزل إليه وعادة في مرضه، ثم إنه فارق كيكاوس وانفصل عنه، فتوفي في قرية من قرى بلاد الروم. وكان إبن أبي يعلى سيئ المؤاخذة لكلّ أحد، قليل الصفح عمن جنى. يقابل أقلّ الناس على فعله.

وكان بحلب إنسان ظريف من ظرفاء المصريين، يقال له أبو عبد الله المصري الصوفي، وكان له اجتماع بالشرف إبن الحصين /96 أ/ ويعرّض بمثالبه، فبلغه ذلك عنه، فأسرّه في نفسه إلى أن مات ابن الحصين فقطع معلومه الخانقاه، وبقي هذا المصري كذلك، إلى أن جرى لابن أبي يعلى ما جرى من خروجه من حلب، فخرج أبو عبد الله المصري، إلى ظاهر باب العراق، ووقف له حتى خرج سائراً من حلب، فتقدّم إليه وخدمه وقال له: في أمان الله، فجرى على إن أبي يعلى من ذلك شيء عظيم. وحدثني الصاحب أبو البركات المستوفي –رحمه الله- في تاريخ إربل من تأليفه؛ قال: كان إبن أبي يعلي مقيماً بالموصل مطّرحاً، فسافر إلى بغداد، فقيل إنه أراد ولاية المخزن الشريف الإمامي الناصري، فلم يجب إليها، فرحل إلى الشام، وأقام بحلب، وصار من أعيانها، متولي النظر في ديوانها، فلم تكن له الحظوة، حياة أبي المؤيد محمد ين الحسين الطغرائي، إلى أن توفي –رحمه الله تعالى- فتقدم عند الملك الظاهر مدّة حياته، فلما توفي لم يستقم له بعده أمر فورد إربل /96 ب/ فتلقاه السلطان مفر الدين، بضروب الإكرام وصنوف الإنعام مدّة مقامه بإربل، ثم سافر إلى بلد الروم فتوفي به. وحدثني أيضاً؛ قال: كتب إلى ابن أبي يعلى بخطّه لغزاً وضعه في صفة بيضة في شعبان سنة أربع وستمائة بحلب المحروسة. وحدثني من حمله إلى عنه أنه قال: لم يقدر أحد على حلّه، فلما حللته تعجب من ذلك وهو: "ما شيء من الحيوان وهو شبيه بالجمادات، نبطي الأصل والنجار، موجود في البلاد والأمطار، مكنون في الصدف، ليس بحيّ، ولا ميت وهذا من الظرف، وطبائعه مختلفة، والعقول بفضله معترفة، باطنه تبرٌ سائل، وهو في نوعه متفاضل، إذا شق لحاه غدا مفردا، وأضحى على العبادات منبّها ومسعدا". وحدثني، قال: حدثني غير واحد عنه، أنه حدثه عنه، أنه رآني في المنام ليلة الاثنين من ذي الحجة من سنة ست عشرة وستمائة، كان بقلعة حلب في مجمع كثير من الخلق، وفي آخر المجلس شخص أسمر كثّ اللحية متكهل /97 أ/ لابس ثوب فوط، وهو يتكلم ويدعو للملك الظاهر –رحمه الله- ثم رفع يديه إلى السناء، وأشار

بوجهه، وأنشد: [من السريع] يا عالم الباطن والظاهر ... أغفر لغازي الملك الظاهر واسكنه في روض وفي جنّة ... مع النبيّ المصطفى الطاهر واكتب له مشهد آبائه ... أيّوب ثمّ الملك النّاصر ولما مات ببلاد الروم، مات بقرية يقال لها كادك بين فيسارية وسيواس في اليوم السابع عشر من رجب سنة ثلاث وستمائة، وحمل إلى الموصل، إلى صحراء عناز فدفن بها، وقبره هناك؛ وألّف كتاباً سمّاه "نخبة الكلم وروضة الحلم". أنشدني ولده علي، قال: أنشدني والدي لنفسه ما كتبه إلى بهاء الدين أبي الفتح نصر بن محمد بن القيسراني، على سبيل المداعبة والإحماض: [من السريع]. يا أيّها الصّدر الكبير البها ... ومن غدا حلف الحجى والنّهى إن كان ذا التّأخير عن موجب ... بأغيد مقلته كالمها /97 ب/ فالعذر مقبولٌ بألحاظةً ... إذ كان رؤيا مثله تشتهى وكتب إلى نور الدين أتابلك أبي الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود –صاحب الموصل-: [من البسيط] أحييت بالوعد آمالي فبت له ... على رجائك مسروراً بما أثق وعزّ دوني بابٌ ضاق مسلكه ... فناب شعري لمّا عزّت الطّرق سبقت كلّ البرايا في محبتّكم ... حتى وثقت بسبقي دون من سبقوا ووجد على جزء بخطه؛ لما خرج من حلب، وكان ذلك بعد وفاة الملك الظاهر، وصاحبها يومئذ وهو طفل مرضع، وأتابك العسكر خادم يقال له شهاب الدين طغرل: [من المتقارب] أقول وظنّي أن لا يعوا ... لأنهم حمرٌ رتّع كفى حلباً وكفى أهلها ... مصاباً حوادثها الأربعاء أتابك عسكرهم خادمٌ ... وسلطان ملكهم مرضع

رئيسهم قاطعٌ في البغا ... وعن نيل مكرمة اقطع /98 أ/ فقوّض خيامك عن أرضهم ... فإنّ مقامك لا ينفع فما أنت من شرّهم آيسٌ ... ولا لك في خيرهم مطمع تأنّ رويداً فعمّا قليل ... ترى أسعد القوم من يصفع فجارهم مثلما قد علمت ... وحقّك من أشعب اطمع يحصّل ما ليس من صيده ... ويحصد ما لم يكن يزرع

ذكر من اسمه عبد الخالق

[ذكر من اسمه عبد الخالق] [375] عبد الخالق بن أبي الفرج بن أبي بكر بن عليّ بن محبوبٍ، أبو محمد المسدي الحريمي. من أهل الحريم الطاهري شاعر له شعر صالح، وقول لا بأس به، لم يقدر لي الاجتماع به، وإنما كتب إلى الإجازة بما قال من الأشعار. انبأني لنفسه: [من الطويل] يدوب فؤاد العاشق الصّبّ حسرةٌ ... تزيد على مرّ الزمان أنينه على نظرة ممّن يحبُ وطالما ... يعالج من فرط الغرام فنونه وتبلغ منه حرقة الوجد إنّما ... تلجلجل فيما تقبل النّفس دونه [376] عبد الخالق بن عبد الحميد /98 ب/ بن عبد الله، أبو الفضائل الوبري الخوارزمي الضرير الفقيه الحنفي. كان من رؤساء أصحاب أبي حنيفة -رضي الله عنه- وأئمتهم، عالماً مناظراً متكلماً أصولياً فصيحاً، وإليه كانت الفتوى والتدريس بخوارزم، وله مع ذلك حظ في علم الأدب والعربية، وعمل الأشعار وكان أدبياً بارعاً، حافظاً للغة، والأشعار العربية، ومتّشحًا في الآداب، وأستاذاً يشار إليه في قطره، يعتمد عليه في الفنون الأدبية. حدثني القاضي الإمام أبو سالم محمد بن طلحة الفقيه المدرس الشافعي النصيببي، بحلب المحروسة؛ قال: حدثني أبو الفضل الوبري من لفظه؛ قال: أحفظ بعد متاب المقامات وحماسة أبي تمام والجمهرة الدريدية، والرد على أحد وأربعين

ألف بيت من الشعر قال: انشدني لنفسه: [من الطويل] سقى الشّعب من حزوى ومن ضمّه الشعب ... سحائب أدنى صوبها الوابل السّكب /99 أ/ وإن كفّ أو ضنّ السّحاب فعبرةٌ ... يجود بها جفني إذا ذكر الشّعب فإنّ لنا بالشّعب ملهًى وملعبًا ... حرامٌ علينا بعده اللهو واللّعب [وصحبا نأوا عنّي بقلبي إذ نأوا ... فلم يبق استحلى منامهم هبوا] وأنشدني أبو حامد سليمان بن حرابيلك الإربلي، الفقيه الشافعي، قال: أنشدني أبو الفضائل لنفسه: [من السريع] تذكر الجزع وآرامه ... فهاجت الذاكرة الامه وظلّ يشتاق إلى منزٍل ... آساده تخدم آرامه يصبو إلى الجزع وأيّامه ... إن ذكر الجزع وأيّامه يا ليت شعري والمنى ضلّةٌ ... والدهر ينأى الخير ما رامه هلاّ طرقت الحيّ يشتدّ بي ... أدهم يكسو الليل إظلامه وصاحبي أبيض ذو رونقٍ ... شام سنى البرق الَّذي شامه كعزم مولانا الأجلّ الَّذي ... سام زمان السّوء ما سامه برهان دين الله من انبتت ... عزمته الشّرع وأحكامه فالفضل ما شيّد أركانه ... والجهل ما نكّس اعلامه لا يسكن الدّهر وا .... .... إلاّ إذا حرّك اقدامه فهو الَّذي سلّ على المعتدي ... ........... اقدامه /99 ب/ وهو الَّذي أهدى إلى المعتفي ... برأيه غيّر إعدامه وأنشدني، قال: أنشدني عبد الخالق قوله: [من السريع]

بان وما ودعّتي حين بان ... أغيد يحكي قدّه غصن بان بان فليت الروح من بعده ... عنّي في إثر مطاياه بان ففي الحشا من شوقه لوعةٌ ... تمدّها عينان نضّختان متى تذكرت مغاني الحمى ... مقفرّة احبب بها من مغان وذلك الظّبي الغرير الَّذي ... لحكمه ليث عفرّين دان إذا رنا فالعين مثل الظّبا ... وإن مشى فالقدّ كالخيرزان أهنت من ذكر الحمى عبرةّ ... مصونةٌ عهدي بها لا تهان ككفّ عبد الله يوم النّدى ... أو دم من عاداه يوم الطّعان فهو الَّذي إن طرقت إزمةٌ ... عنا لجدوى كفّه الرّافدان وإن بدت طلعته في الدّجى ... لم يبد من غرّتها النيّران سلّ على الدّهر له عزمة ... تزري على حدّ الحسام اليمان /100/ أعدّ للرّاجي إذا أمّه ... عرضاً مصوناً وندًى لا يهان يا ثاني الخطب العظيم الَّذي ... ليس له في الفضل والجود ثان ومن إذا النّكس ونى في اعلا ... ألفي في كسب العلا غير وان أنت الَّذي يشري بفانٍ من الـ ... أموال حمداً باقيًا غير فان وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف] عن بدا لي من العقيق عقيقه ... أصبحت بالبكاء عيني حقيقه لا أرى كالعقيق في الأرض مغنى ... وكأسماء في النساء عشيقه فهو عندي بأن يحلّ خليقٌ ... وهي عنديبأن تحبّ خليقه من يذق طعم ريقها يلق سكراً ... لا يرى منه نفسه مستفيقه با ابنة الفاتك المشيع في معـ ... ـــتركٍ يفرج الصوارم ضيقه عادةٌ تشبه الفواقع ثغراً ... والمدام القطر بليّة ريقه حرّ يوم الفراق حرّق قلبي ... ليس يوم الفراق حامي الوديقه قد تركت العزاء مني قتيلاً ... وجعلت الفؤاد منّي وسيقه

ومنها يقول في المدح: [من السريع] أحمد العارض الَّذي يحمد العا ... رض والبحر والسماح طريقه /100 ب/ ولكلّ طريقه في التّساخي ... وله في السخاء كلّ طريقه ماجدٌ لو علا الخلائق طرّاً ... لعلاهم سماحةً وخليقه ذو مسّاعٍ جميلة يتوالى دون غدراكها مساعي الخليقة يا صئولاً أذاه عمّ عداه ... ووصولاً نداه عمّ صديقه خذ من الشّعر ما يقر المساليـ .... ـــٌ لمن صاغه بحسن السّليقه فالقوافي أنيقةٌ بسرى أر ... يحي به المعاني أنيقه شجرات العلا بسقياك دامت ... غضةً حلوة المغاني وريقه

ذكر مفاريد الأسماء في العبيد

ذكر مفاريد الأسماء في العبيد [377] عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن الحسن بن عبد الله بن جعفر بن عليّ بن إسماعيل بن تميم بن همام الطائي، أبو محمدٍ المصري، المعروف بابن أبي الأصبع. حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي -رحمه الله تعالى- قال: أخبرني عبد العظيم، أنه ولد بمصر فى المحرم سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وأصله من الميمون قرية من كورة /101 أ/ بوش، هكذا أملى علي. ورد إربل في شهر رجب سنة ست عشرة وستمائة؛ شاب لطيف الأخلاق، حسن الفاكهة، أسمر شديد السمرة، طويل. سألته أي أجداده أبو الإصبع؛ فقال: هو عبد الله، وسمي بذلك لإصبع زائدة في يده، فهم يعرفون ببني أبي الإصبع؛ ثم قال: وحدثني أنه سمع على أبي اليمن الكندي -رحمه الله تعالى- كتب من أدب الشعرية.

شاعر ذلق اللسان، أحسن في قوله غاية الإحسان، له في الشعر مجال فسيح، ونظر في صنعته صحيح كصر استعماله في لزوم البديع، حتى نال فيه المحل الرفيع. خرج عن الديار المصرية، وحال في أقطار البلاد الشامية، ومدح ملوكها، ولقي سلاطينها، وكان عنده ك من كل صنف غريب من النوادر والمحاضرات مع معرفته بالنحو والعروض والقوافي، وعمل الموشحات. أنشدني له سليمان بن سليمان الصائغ الإربلي الشاعر؛ قال: أنشدني عبد العظيم من قصيدة اوّلها: [من الطويل] تصدّق بوصل إنّ دمعي سائل ... وزوّد فوادي نظرةً فهو راحل فخدّك موجودٌ به التّبر والغنى ... وحسنك معدومٌ لديه المماثل /101 ب/أيا قمراً من شمس وجنته لنا ... وظلّ عذاريه الضحى والأصائل تنقلت من طرف لقلب مع النّوى ... وهاتيك للبدر التّمام منازل إذا ذكرت عيناك للصّبّ درسها ... من السّحر قامت بالدليل الدلائل جعلتك بالتّمييز نصباً لناظري ... فهلاّ رفعت الهجر والهجر فاعل أعاذل قد أبصرت حبّي وحسنه ... فإن لمتني فيه فما أنت عادل محياه قنديلٌ لديجور شعره ... تعلّقه فيه فما أنت عادل محياه قنديلٌ لديجور شعره ... تعلّقه بالصّدغ منها السلاسل غدا القدّ غضّاً منه يعطفه الصّبا ... فلا غرو أن هاجت عليه البلابل وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يمدح الملك الأشرف موسى بن محمد بن أيوب: [من الطويل] أظنّ خيال العامريّة قد ضنّا ... وحاشاه لكن ليس لي مقلةٌ وسنى وكيف يزور الطّيف صبّاً يراقب الـ ... ــــنّجوم إذا ما ليله موهنًا جنّا سميري ما للّطيف ذنبٌ لأنّه ... رأى خدته وهو الكرى قد جفا الجفنا

وكم ليلةٍ فاوضته أن يلمّ بي ... إذا ما هدا ليلي فعنّ وما عتّى بكيت فناداني: أتبكى وبيننا ... بحكم التّداني قاب قوسين أو أدنى /102 أ/ فقلت كذا كنّا بمنعرج اللّوى ... ولكنّنا من بعد ذاك تفرّقنا رأيت بفيه إذ تبسّم أدمعاً ... فقلت رنا لي إذ بكى فمه حزناً أجاد له في النّظم شاعر ثغره ... ولكنّه من مقلتي سرق المعنى ومنها في المديح: إذا رعدت خيلٌ لبرق سيوفه ... غدا الوبل نبلاً والقسيّ لها دجنا إذا امطرت أرض الوعى من عداته ... جماجم ريحان ببيض الظّبى تجنى تأمّل إذا ما جئته لملمّة ... ترى اليسر في اليسرى كما اليمن في اليمنى تظن بها من كثرة اللّثم حمرةً ... وحاشا اليد البيضاء من أثر الحنّا وقال أيضاً: أرى الخج تبدي ناره جنةّ خضرا ... اسطري به أم خطّ من صدغه سطرا عجبت له خدّاً تورّد خجلةً ... يريك بياض الصّدغ فيه الدّجى ظهرا ترى كحل الأجفان ذاب بدمعه ... الدّلال فخلناه على متنه شعرا ومعسول ظلم الرّيق ظالم صبّه ... على أنّه للهجر أعدل من كسرى رفعت له من دمع عينى ظلامةً ... أروم بها عطفاً فوقّع لي تجرى يقول وقد غال البكا مقلتي: قف ... لتنظر قلت: اشهد فلي مقلةٌ أخرى /102 ب/ أمكسور ذاك الجفن جد بتعطّف ... لمكسور هذا القلب واهدله جبرا أيا قيصري الخدّ والثّغر والطّلى ... ويا قاصر الألحاظ ملّكتني قسرا رعى الله أيّاماً جنيت بها المنى ... تقضّت وما أبقت لقلبي سوى الذّكرى ليالي سقاني الرّاح فيها بمنطقً ... أصار سقام اللّحظ من طرفه خصرا تلألأ لي في غيهب الشّعر وجهه ... فخيّلت أنّ الليل أبدى لنا البدرا وأبرز من خدر الدّنان خبيئةً ... ولا غرو أن تسبى أن تحجب العذرا وأنكحها الماء النّقاخ فأصبح ... النّثار عليها من حباب الحيا درّوا وجاد بها عنّا وجاد بريقه ... فملنا كما مال القضيب به سكرا شممنا وقد رام الغناء ولم يفه ... شذاً لم تلذّ النّفس من دونه عطرا

إلى أن تعنّى مدح موسى فحقّفت ... بأنّ اسمه أهدى لها ذلك البشرى وأنشدني أبو الفتح محمد بن بدل النيسابوري، قال: أنشدني عبد العظيم لنفسه: [من الوافر] وربّ مهفهف وافى بكأسٍ ... وباقة نرجسٍ فسقى وحيّا فقلت لصاحبي أبصرت بدراً ... سقى شمسًا وحيّاً بالثّريّا وأنشدني أيضاً قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] /103 أ/ وشاد شدا فابتّز عقل جليسه ... فخلناه يسقيه معتّقة الخمر يغير على الألباب ضرباً كأنّما ... تطالبها أو تاره ... بالوتر فقلت له: راحا سقيت فقال: لا ... ولكنّ ضرب العود ضربٌ من السّحر فقلت له: ما ثمّ سحرٌ فقال لي: ... عجيبٌ أتنفيه وأصلك من مصر! وقال أيضاً: [من الطويل] وأدهم جارى الشمس في مثل كونه ... سباقاً من الغرب القصيّ إلى الشّرق فجاء إليه قبلها متمهّلاً ... فأعطاه من أنواه قصب السّبق وله في اجتماع الملك الأشرف موسى وابن عمّه الملك الظافر الخصر بن يوسف بالرقة: [من الطويل] قرانّ أرانا برجه الشمس والبدرا ... فاضحى لنا بل للأنام به البشرى غدا مجمع البحرين شاطي فراتنا ... ألم تر موسى فيه قد لقي الخضرا به اجتمعا لكنّ ذا لم يقل لذا ... غداة أتى: لن تستطيع معي صبرا وكيف ترى هذا وموسى بفهمه ... أحاط بعلم الكون من فطنة خبرا أيا ابن أبي بكر زمانك فترةٌ ... بها مالك الأقطار لا رسلهم تترى /103 ب/ ظفرت بلقيا الظّافر الملك الَّذي ... نجوم علاه في الدّنى تبهر الزّهرا غدا ناهلاً ماء الحياة بقربكم ... فيهنؤه ربّي أطال له العمرا توافق فعل المالكين كرامةً ... فلم يعص إنسان لصاحبه أمرا

وكان .... ناديت نفسّا فلم تقل ... لقد جئت في ذا الأمر يا صاحبي إمرا وقال أيضاً: [من الوافر] وفدت على الكمال إذ أنّ كيسي ... غدا صفراً الصّفر الثّقال فما لمحت بريق العين عيني ... ولا نالت يسيراً من نوال أجيبت فيّ دعوى قائلٍ لي ... كفاك إلا هنا عين الكمال وقال أيضاً: [من السريع] إبن فلانٍ أكرم الناس لا ... يمنع ذا الحاجة من فلسه وهو فقيه النفس لكنّه ... نصّ على التقليد في درسه يستحسن البحث على وجهه ... ويطلب الدّخل على نفسه وقال يهجو رجلاً ناظراً بالغربية، والغربية من أعمال مصر، وهي المحلّة وأعمالها: [من الطويل] /104 أ/ لحا الله بالغربيّة الآن ناظراً ... تصلّب لمّا أن شكوت له العدما ولا سقيت أرضٌ بها سببت له ... معالم ذكركنّ من قبلها رسما بلاد لئامٍ لا ترى حقّ وافدٍ ... ترى هل يريني الله ناظرها أعمى وله يوشح قصيدة أبي تمّام الطائي؛ يمدح بها الحسين بن علي بن أبي طالب –صلوات الله عليهما وسلامه-: [من الطويل [ هو البحر أودى بل هو المجتبى البرّ هو ابن البتول الطّهر الحبر سلامٌ عليه مات من بعده الصّبر أقول وللأحزان في كبدي جمر كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر ... وليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر *** لقد فاز من ولاّه بالأمن في غد كما فاز من قد أمّه وهو مجتدي فقولوا لسارٍ في دجى الليل منجد

يؤمّل إن يحظى برؤية منجد قضى الجود من بعد ابن بنت محمّد ... وأصبح في شغلٍ عن السّفر السّفر *** سرى مؤثراً يعدى بطول بقائه من الموت ذكراه وطي ثنائه مضي حين فلّ الفوت غرب مضائه فتّى كان يستسقى الحيا من حيائه غدا غدوةٌ والحمد نسج ردائه ... فلم ينصرف إلاّ واكفانه الأجر *** /104 ب/ تولّى الَّذي ما أبصر الدّهر مثله أباّ وإباءً فاق في الدّهر أهله فلو تحسن الأيّام تمدح فضله لقالت وقد ولّى نؤّبن فعله ألا في سبيل الله من عطّلت له ... فجاج سبيل الله واثغر الثّغر *** مخيلته أكرم بها من مخيلة مخيلة سمحٍ ربّ كلّ فضيلة تنال المنى منها بادنى وسيلة فسقيا لآب عاب كلّ رذيلة فتّى كلّما فاضت عيون قبيلةٍ ... دمًا ضحكت منه الأحاديث والذكر *** تزوّد عزمًا ثمّ ودّع طيبة ويمّم أرض الطّفّ لم يبغ ريبةً فلاقى الحمّام المرّ ....... أقدم يردي بالكتائب هيبةً فتى مات بين الطّعن والضّرب ميتةً ... تقوم مقام النّصر إذا فاته النّصر

ترى هل يريني الله زائر طيفه لأسأل عن حكم البغاة وحيفه ومين خذولٍ لم يعنه وزيفه غدا رآه الموت أكرم ضيفه ومات حتى مات مضرب سيفه ... من الضرب واعتلّت عليه القنا السّمر *** له الله ما أورى لدى الرّوع زنده جلاداً وما أخلى الرّدى فيه عنده تقدّم والإقدام مرهف حدّه فباشر أهوال المنيّة وحده وقد كان فوت الموت سهلاً فردّه ... إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر *** /105 أ/ أبى عزمه الماضي هنالك أنّه يرى ناكصاً والصّبر أضحى مجنّه وبأسٌ أبوه الأنزع الحبر سنّه وجأشٌ إذا جاش الرّدى كان قرنه ونفسّ تخاف العار حتى كأنّه ... هو الكفر يوم الرّوع أو دونه القبر *** إمامي الحسين الله كمّل فضله وأبكى عليه عالم الكون كلّه درى أنّ هذي الدّار ليست محلّه وأنذ الردى لابدّ من أن يحلّه فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر *** فعدا مقدماً والسيف في العام قد عتا وزرق عيون السّمر أن تتلفّتا

وطاعن عن ميراثه مثبّتا فلمّا نحاه السيف عريان مصلتا تردّى ثياب الموت حمراً فما أتى ... لها الليل إلاّ وهي من سندسٍ خضر *** قضى ظامياً أثوابه الآن فضّهٌ تطوف بها حوراء غيداء بضّةٌ بروحي روحٌ منه في الخطب عرضةٌ ذوت بعدها آمالنا وهي غضّةٌ مضى طاهر الأثواب لم تبق روضةٌ ... من الأرض إلاّ واشتهت أنّها قبر *** صلاة إله العرش وزن صلاته عليه فكم أغنى الورى بهباته فكأنًّ بني الزهراء يوم وفاته نجوم سماءٍ خرّ من بينها البدر *** فوا حزنهم إذ مزّقته يد البلى ويا شوقهم مذبزّه منهم القلى /105 ب/ لقد ودّعوا إذا أودعوا شخصه الفلا حياّ طالما روّى من العين ممحلا يعزّون عنء ثاوٍ به قد ثوى العلا ... ويبكي عليه الناس والجود والشّعر إليك ففي أكبادهم لاعج الغضا على مالك منهم رضوان يعوّضا ففلا تعد فيهم بالملام معرّضا فحزنهم للصبر أمسى مقوّضا وإنّي لم أصبر عليه وقد مضى ... إلى الموت حتى استشهدا هو والصّبر ***

أيا ابن رسول الله فقدك بزّني ثياب عرائي فيك الحزن عزّني إذا ما عراني ذكر يومك هزّني جوّى فأنادي والشؤون تؤزّني عليك سلام الله وفقاً فإنّني ... رأيت الكريم الحرّ ليس له عمر *** وقال يمدح الملك الأشرف مظفر الدين أبا الفتح موسى بن أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي: [من الطويل] ثلاث خمور غال عقلي السّكر ... لواحظك المرضى وريقك والنّشر ومالي أخصٌّ اللّحظ والرّيق والشّذا ... بخمر ولي من كلّ معنّى بها خمر ومن أعجب الأشياء سكري دائمٌ ... ولم يّبد لولا الدّمع للكاشح السّرّ /106 أ/ جرت شهب دمع العين في الهجر مثلما ... جرت في النّوى منها سوابقها الحمر فكانت لنا خيل البريد جرت بما ... جرى بيننا للناس فانهتك السّتر أقول لعذّالي عليها لجهلهم .... ودمعي غديرٌ: ليس من شيمتي العذر دعوني فإني كلّما مر ذكرها ... يكاد فؤدي ليس يمسكه الصّدر نحلت فصار الجسم سلكاً نظمت إذ ... بكيت به دمعي كما انتظم الدّرّ فلمّا رأتني جرّدت سيف لحظها ... وقالت لغير العقد ما صلح النّحر حكيت خيالي بالنّحول فزرتها ... وأوهمتها أنّي استزارني الفكر فظنّت بأنّي زرتها في منامها ... وأنّ النهار الليل إذ ادمعي زهر بكت لؤلؤاً عند الوداع وأمطرت ... جفوني عقيقاً فالتقى الماء والخمر يورّد دمعي الخدّ منّي وخدّها ... يورّد منها الدمع إذ يشتكى الهجر أغنّى وأنسى نظم عيني ونثره ... فتبكي ومن خوف المراقب تفتر يعارض شعري والتّرسّل مبسمٌ ... ودمعٌ بخدّيها هما النّظم والنّثر تقول لتربيها بدت سرقاته ... فسجعاته دمعي وأبياته الثّغر

أيجحد قلبي صنوه وهو زادها ... جمالاً به لو أنصفت يجب الشّكر ولم أنس إذ حيّت بكأس .......... .... ........... وكل جار جارحة سكر /106 ب/ وغنّت وهزّت عطفها كحمامةٍ ... شدت فتثنّى تحتها الغصن النّضر يرنّحها سكر الصّبا وتهّزّني ... إذا ردّدت أو صاف شاه أو من السّكر تقول فدت روحي ملكياً بذكره ... غدت نكهتي يعزى إلى طيبها العطر ولولا اسمه لم يعشق الناس صورتي ... ولا طاب في أوصاف غانية شعر فمٌ ميمه والصّدع واوٌ وسينه ... إذا حقّقوها مبسمٌ وهو مفترّ وحسن اعتدال القدّ من ألف اسمه الـ ... ـــتي سكنت بالقصر يا حبذا القصر مليكٌ تناديه السعادة نب إلى ... مرادك فالأقدار طوعك والدّهر أبو الفتح ربّ الفتح منه اعتزامه ... إذا ما غزا لكن أخو غزوه النّصر يعود لديه البعد قرباً بعزمه ... ويغدو له سهلاً إذا رامه الوعر فلو قصدت محو النّجوم عقابه ... محاربةً لا نقضّ من خوفها النّسر كريمٌ يمين الله ظهر يمينه ... على أنّها من بطنها يقتنى الشّذر إذا ارتضع العافون باللّثم كفّه الـ ... ـــكريمة أضحى الدرّ وحولهم درّ فيمناه واليسرى لقاصد برّه ... إذا أمّه دون الورى اليمن واليسر حكى وهو موسى أحمداً حين اتبعت ... لقصاده الأوراق أنمله العشر اباغي النّدى يمّم ذرى ملك الورى ... أبي الفتح موسى خير من أمّه السّفر /107 أ/ تر الفجر بشراً من أسارير ماجد ... مواهبه شفعٌ وسؤدده وتر هو اللّيث لكنّ الوشيح عرينهً ... هو الغيث لمتّ النّضار له قطر تمنّت سيوف البرق خطّ سيوقه ... وقد صدئت بالضّرب والجوّ مغبرّ على طول أسياف البروق وصقلها ... وأن ظباه غير مصقوله بتر بسعد أخيه الكامل الملك قد غدا ... يعيش به الإسلام إذ يهيك الكفر وتهدي له الدنيا الممالك كلها ... ويهدي غداً جنّات عدن له الحشر فطوبى لعبد قد أطاع محمداً ... فراح ولا لومٌ عليه ولا وزر حروف اسمه ملكٌ وحمدٌ مخلّدٌ ... ومال ودينٌ .......... البرّ فمن كان من أعوانه نال باسمه ... جميع الأماني واغتدى عبده الدّهر

لقد شرّف التّشريف بالأشرف الَّذي ... به شرفت إذ حلّ ساحتها مصر ولمّا أهان التّبر كسر لقلبه ... دعا مالكاً للناس مذهبه الجبر فشرّفه باللّبس رفعاً لقدره ... وكم جرّه للاّئذين به الحرّ ركبت بذا التّشريف ليلاً فاشرقت ... دياجيه حتى قيل قد طلع الفجر وقد نثرت فيه المجرّة زهرها ... عليك وأضحت وهي فوق الرّبى زهر وظّنّك قصر الفاطميين رّبه الـ ... ــــخليقة إذ وافى إليه بل الفخر /107 ب/ غدا مجلس الدّاعي يقول أعيدلي ... إذاً عصر أحبابي فيا حبّذا العصر رقبناك في ليل العماية طالعاً ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر أغاية قصدى بطن يمناك غايةً ... بترتبها للمعتفي ينبت التّبر فضحت الحيا والبحر جوداً فقد بكى الحيا من حياء منك والتطم البحر اسلطاننا أنت العزيز بمصرنا ... وقد مسّنا والأًهل بالعدم الضّرّ أعد نظراً لي بالجميل فإنّ بي ... لجودك فقرٌ ليس يشبهه فقر ألم تدر أنّي غرس نعماك فاسق من ... غيوثك غرساً بعض أثماره الشعر وخذها تهادى في حليّ تديّها ... كما تتهادى في الحلى الظّبية البكر حياءً من التّقصير يحمر وجهها ... وضرّاتها الحسّاد أوجهم صفر عيون معانيها سماحٌ وأعينٌ ... ملامحٌ مراضٌ تلك في حسنها سرّ أضاعت عقولاً حين ضاعت فما درت ... أبابل قد أهدت إليها أم الشّجر هي السّحر فاعجب لامرئٍ جاء يرتجي ... عواطف من موسى وصنعته السّحر بقيت لقصاد نصيبًك منهم ... ومن ربّهم نظم المدائح والأجر [378] عبد المجيد بن هبة الله /108 أ/ بن محمد بن محمد بن الحسين ابن أبي الحديد المدائنّي

من بيت القضاء ببلده، كاتب فاضل أديب، ذو فضل غزير، وأدب وافر، وذكاء باهر، شاعر مجيد، سريع الإدراك، جيد الفكرة، خدم في عدّة أعمال آخرها كتابة ديوان الزّمام المعمور. أخبرني أنه ولد غرّة ذي الحجة بالمدائن سنة ست وثمانين وخمسمائة، وتأدّب على الشيخ أبيس البقاء عبد الله بن الحسين النحوي العكبري، ثم على أبي الخير مصدّق بن شبيب الواسطي. واشتغل بفقه الإمام الشافعي –رضي الله عنه- وقرأ علم الأصول، وهو شاعر، وكان أبوه يتقلّد قضاء المدائن، لقيت أبا محمد بمدينة السلام مراراً، ولم يقدر أن آخذ عنه شيئاً من شعره. من بيت القضاء ببلده، كاتب فاضل أديب، ذو فضل غزير، وأدب وافر، وذكاء باهر، شاعر مجيد، سريع الإدراك، جيد الفكرة، خدم في عدّة أعمال آخرها كتابة ديوان الزّمام المعمور. أخبرني أنه ولد غرّة ذي الحجة بالمدائن سنة ست ثمانين وخمسمائة، وتأدّب على الشيخ أبي البقاء عبد الله بن الحسين النحوي العكبري، ثم على أبي الخير مصدّق بن شبيب الواسطي. واشتغل بفقه الإمام الشافعي –رضي الله عنه- وقرأ علم الأصول، وهو شاعر، وكان أبوه يتقلّد قضاء المدائن، لقيت أبا محمد بمدينة السلام مراراً، ولم يقدر أن آخذ عنه شيئاً من شعره. ثم رأيت له قصيدة بخطّه عملها في الوزير أبي الأزهر أحمد بن محمد بن علي بن الناقد، وزير المستنصر بالله أبي جعفر المنصور –رحمه الله-. ولما توجهت نحو مدينة السلام في سنة تسع وثلاثين وستمائة، اجتمعت به في منزله، وذلك في شهر جمادى الآخرة من العام المذكور، فألفيته متمرّضاَ /108 ب/ فقرأتها عليه، وذكر لي أنّ له كتاباً مجموعاً غير مرتب سمّاه "العبقري الحسان"، يحتوي على مسائل شتى في علم الكلام والمنطق والطبيعي والأصول، ونبذ من التاريخ والرسائل والأشعار مما أختير من ذلك ويدخل الكتاب في نحو خمس مجلدات. وصنّف كتاباً آخر ترجمه "بالفلك الدائر على المثل السائر" اعترض فيه على

مصنّفه أبي الفتح نصر الله بن محمد بن عبد الكريم الكاتب الجزري، وذكر أغاليطه وخطأه في مواضع أخذها عليه في تفسير شعر، ونقد معان وغير ذلك. وكان قد ولي في الأيام الناصرية مشرفاً بأعمال طريق خراسان، وبقي إلى الأيام الظاهرية، ثم صار في الدولة المستنصرية كاتباً في الديوان العزيز، ثم انتقل من ذلك، ورتّب كاتباً في المخزن لمحروس، ودار التشريفات، وهو اليوم يتولّى الإشراف بأعمال السواد. أنشدني الشيخ أبو محمد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد المدائني، ما كتبه إلى القاضي أبي صالح نصر بن عبد الرازق بن عبد القادر الجيلي: /109 أ/ في أيام ولايته قاضي القضاة: [من الطويل] أبا صالح ما أدّعي لك سؤدداً ... فيطعن في دعواي حيٌ من الناس فلو اجمعوا في الدّين إجماعهم على ... كمالك أغفو من شكوك ووسواس وقار أبي بكرٍ وأحكام حيدر ... وصدق أبي ذرٍّ وفتيا ابن عبّاس ألا لا تقل كان ابن معروف قبله ... وقام شريحٌ أو إياسٌ بقسطاس فإنهم كانوا هضاباً منيعةً ... وذا العلم المشهور والجبل الرّاسي إذا ذكروا كانوا كجثمان سؤددا ... وذا الرّاس للجثمان والعين للرّاس فلو أن دستا ينبت النّور زخرفت ... دست عماد الدين بالورد والآس عتبت على الأيام فينا فاعتبت ... وليّنت من قلب الزّمان لنا القاسي وقوّيت من آمالنا فكّانما ... نصرت لنا جيش الرّجاء على الياس فلو كنت في أيام يكر بن وائلٍ ... لأخمدت ناراً شبّها جزم جسّاس وهيبة تقوّى قمّصتك شعارها ... تضاءل فيها كلّ أغلب معّاس ...... كانت صروف زماننا ... فمذ قمت فهو الصّاغر الرّاغم الـ .. فضلت الورى بالعلم والحلم والتّقى ... وبذل النّدى والعزم والحزم والباس فاحبطت مدح المادحين ولو أتوا ... بجرول يطري آل لأي بن شمّاس /109 ب/ ولو لم يقل جدّي الَّذي تعرفونه ... عرفنا عقار الدّنّ بالخمر والكاس أتى رجبٌ يحيك نسكًا وعفّةً ... وأين من الدّيباج سربال كرباس وهيهات منّا حصر أوصافك التي ... تعجز عدّا واضعي قاطغر ياسي

ولإنّي بما أثني عليك كجاعل ... مثالاً لنور الشّمس من نور نبراس فلا برحت حسّاد نعماك مثلها ... فليس لهم آسٍ وليس لها ناسي وكتب إلى عماد الدين بن الدامغاني –قاضي القضاة- في أيام ولايته قصيدة نظمها ولم يبلغ الحلم أوّلها": [من الخفيف] عارضٌ عنّ في الهواء طخاء ... فرّقته الرياح فهو جفاء فسقته أيدي الشّمال فلا ينـ ... ــــظر منه في الأفق إلاّ عماء ثمّ ساقت منه الجنوب ركاماً ... مكفهراً يضيق عنه الفضاء فهو جونٌ تظنّ في كلّ أفقٍ ... من نواحيه ظلمةٌ حمّاء وتدلّت دون السماء سما مثلها بيد أنّها سوداء واستطارت به البروق ففي كـ ... ـــــل مكان من ضزئها لألاء وتداعت به الرعود فلا يسـ ... ـــــــمع إلاّ الأصّوات والضّوضاء /110 أ/ ثمّ درّت أخلافه فكأنّ الـ ... ـــــــــجوّ نارٌ وأرضه دأماء فأعالي الجبال ماءٌ وتحت الـ ... ــــــــأرض ماءٌ وظاهر الأرض ماء فهو يحكي قاضي القضاة عماد الـ ... ــــــــــدين إذ أحدقت به اللأواء وبعيدٌ ما بين .... في الجو هذا ضحكٌ وذاك بكاء وكتب إلى بعض الأصدقاء العلويين بالمدائن: [من الكامل] الجسم مضنّى والوداد صحيح ... والقلب يضمر والدّموع تبوح والنار في كبدي تشبّ فادمعي ... كالجمر في ماء الخدود تلوح راع الفؤاد زقاء طير هاتف ... ووميض برق بالعقيق يلوح يأبن الأراكة هل بعينك جمرّةٌ ... من اضلعي تغدوا بها وتروح يا بعد ما بيني وبينك في الهوى ... أنا نائحٌ باك وأنت صدوح لو كنت تضمر بعض ما أكننته ... لذوت فروع البّان حين تنوح أهوى وتهوى هاجراً ومواصلاً ... وشحيح حبِّ الهاجرين بريح يا باخلاً عن قدرةٍ بكلامه ... إنّ الشحيح بنطقه لشحيح

هبني أبيح إذا صبرت محبّتي ... فإذا عفا جللاً فكيف أبيح /110 ب/ لولا ...... .... ومن الوفاء إذا يعدّ قبيح وأغرّ أزهر من أورمة هاشم ... ماء الجمال بوجهه مسفوح إن تأته في حادث أو كارثً ... فالبعض من تعريضه التّصريح لا يستكين لنازل كّالطّود لاّ ... يلويه إن سهلت عليه الريح وهو الفلان الطّالبي فإنّه ... لي في الخطوب مثقّفٌ وصفيح هو ساعدي المستدّ والعضد الَّذي ... نيطت إليه ومنكبي المشبوح لو كان للطّوفان فسحة صدره ... لم ينج منه بالسفينة نوح من كل زوج خلفه فلأجل ذا ... لا يحتويه من البريّة روح ها روضةٌ للطلّ في أرجائها ... درٌّ على كافورها منضوح ضحكت بها الأزهار والنّوار إذ ... عبست لها جون الغمام دلوح ما الجود الإثراء أبعد صحبةُ ... من أن يصاحب نبتها ..... لو حلّها الظّربان أصبح فأرةً ... في داره منها العبير يفوح يوماً بأعطر من ذلايقه التي ... هي للصّبوح من المدام صبوح لا ضالعي ضلع إليه ...... ... بجوانحي حرقٌ عليه جنوح فلذاك لست لترك وجدي واجداً ... أبداً كما لا تبرح التّبريح /111 أ/ وقال في الإمام الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله –صلوات الله عليهما- لمّا أطلق من ماله خمسة آلاف دينار في عمارة المشهد الشريف الكاظمي بعد احتراقه، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وستمائة: [من الطويل] تهنّ أمير المؤمنين محمّدا ... بعارفة حلّت وجوه بنى فهر وصلت بها أرحام آل محمّد ... وفقت بها أهل النّباهة والذكر سررت عظاماً بالصفيح رميمةً ... لموتى وأثقلت الجواد من البرّ وأنشرت موتى بالبقيع واعظماً ... بطوس وسامراء طيّبة النّشر ورمسين رمساً بالغريّ مقدّساً ... ورمساً بأرض الطّفَ مشتهر الأمر ولو سئل القبر الشريف بطيبة ... لأثنى لما أوليته صاحب القبر بنو عمّكم دون الأنام وأهلكمً ... وإخوانكم في العسر طوراً وفي اليسر

أبو طالب عام المجاعة لم يجد ... سوى صنوه العبّاس في الخطب من ظهر وكانت متى يغضب إلى السيف يعتضد ... برأي أخٍ ثبت العزيمة في الذكر /111 ب/ فمولاكم مولاهم وأبوكم ... أبوهم وبرّ الأهل يفسح في العمر وأنت عليم بالذي كان واشجًا ... من الودّ بين السّبط والسّبط والحبر فلو تنطق الزهراء اثنت وخبّرت ... أباها بما قدّمت من صالح الذّخر وأرضيت ربّ الناس والناس فاغتدى ... بنانك مملوءاً من الأجر والشكر فلا برحت راياتك السود تهزو الـ ... ـــجنود بنصرٍ أيّدٍ يا أبا نصر وكتب إليه النقيب الطاهر قطب الدين بن الأقساسي جزءاً من شعره، لتأمله، وكتب على ظهره: [من الكامل] لا غرو إن فقت الأنام فصاحةً ... وأبوك أفصح ناطق بالضاد منع القريض صيانةً لمقامه ... ورزقت منه قلائد الأجياد فكلاكما ذو معجز لكنّك التالى له وهو النبيّ الهادي طبع يفيض بلاغةً وفصاحةً ... فيض الأتي إلى قرار الوداي يدنو فيهزأ بالوليد وتارةً ... يعلو فيسخر من قريض زياد . لجرجرة الفنيق إذا رغا ... وصل الشّقاشق منه بالإزباد /112 أ/ لا غاض هذا البحر منك ولا خبت ... جمرات هذا الخطاب الوقّاد وإذا ذوى عود البيان فلا ذوى ... من دوح فضلك أنضر الأعواد وبقيت محسوداً على درك العلا ... فمن السعادة كثرة الحسّاد فكتب النقيب الجواب: [من الكامل] عبد الحميد جزيت عنّي خير ما ... يجزى صديقٌ حافظٌ لوداد وبلغت في الحساد أنهى ما يرى ... ذو نعمة في الكبت للحسّاد حزت الخلال الصالحات بأسرها ... من عفّةً ونزاهة وسداد وجمعت أشتات العلوم مغبّراً ... من شأوهاً في وجه كلّ جواد ورأيت ما أصّلت عمراً ثانياً ... والبذور يبقى بعد كلّ حصاد وكذا الَّذي تسمو به همّاته ... حتى يكون فتى من الأمجاد قد كنت لا أبدي القريض مراقباً ... خللاً يعدّده ذوو الإنشاد

وأقول إنّ له أعادي ربما ... عدلوا عن الإصلاح للإفساد وأقول لست بمظهر ولدي إلى ... من ليس يعرف حرمة الأولاد حتى رأيتك أهل ذاك فلم أكن ... لأصونه عن منصف نقاد فوصفت منه ما أسار رواته ... في كلّ قطرٍ في البلادً ونادي /112 ب/ أطلقت منه ما حبست بشكره ... لك ظاهر بين الخليقة بادي وعددت شعري عند وصفك منحةً ... رقدت بها عيني وقرّ وسادي ولأعطفنًّ عليك منه محامداً ... ذللاً إليك على يد الحقّاد تكوك أبراد الثّناء فإنّها ... ناهيك للفضلاء من ابراد يبقى عليك بها ... ما غرّدت ... قمريةٌ وحدا القلائص حادي وكتب إلى فخر الدين أبي المظفر هبة الله بن الموسوي عند تربيته صدراً بالمخزن المعمور في سنة عشرين وستمائة: [من الكامل] لي في الرجال فراسةٌ لا تكذب ... قد أخبرتني أنّ جدّك يغلب وارى الأمور إلى يديك ستنتهي ... غاياتها وإلي علاك ستنسب خلت البلاد من الكماة فلا ندى ... يرجى ولا فتكٌ يهاب ويرهب ذاخائرٌ طمعاً وذا مسترسلٌ ... عجزاً وذا متهوّرٌ متوثّب وتقسّمت أعمالها في معشر ... خربت بسوء فعالهم وستخرب إنّ البغاث بأرضنا مستنسرٌ ... والشّاء في طرقاتنا تستذئب قد أعضل الداء الَّذي بقراطه ... تدبيرك الحسن الأسدّ الأصوب /113 أ/ ومنها: ما المخزن المعمور إلاّ أيّمٌ ... قلت الرجال وأقسمت لا تخطب فنكاحها متعذّر وطريقها ... متغيّرٌ ولقاؤها مستعصب رغبت عن الأكفاء عزّاً واغتدت ... في مجدها السامي المكانة ترغب يا بن اللّيوث وقد نصحتك فاستمع ... مثلاً فقد هدر الفنيق المصعب لا تخرجنّ العصب منك فربما ... كان الَّذي ينجيك ممّا يعطب ومنها وقد ذكر ترتيبه مشرفاً حينئذٍ بطريق خراسان: [من الكامل]

فانظر أنار الله سعدك مادجا ... ليلٌ وأشرق في الدجنّة كوكب هل مثل مشرفك الَّذي ترتيبه ... في مشرفي الأعمال لمّا رتّبوا جمعت له شعب الفضائل كلها ... لمّا غدت في غيره تتشعّب حدث الشّبيبه وهو إن مارسته ... كهلٌ خبيرٌ بالأمور مجرّب يقظان ملتهب الفؤاد جنانه ... ذكرٌ وعزمته حسامٌ مقضب يغني عن النّظار إن فقدوا كما ... يغني عن الكتّاب ساعة يكتب إن شئت فهو أبو رشيد حاسباً ... وإذا تشاء فمشرفٌ لا يحسب /113 ب/ في هذا البيت كناية عن معنىّ كان بينهما: كتبت عليه الرّقّ طول حياته ... جهتان إحسانٌ إليه ومذهب وكتب إليه أيضاً: [من الخفيف] لو بحفظ العهود كنت وفّياً ... ما سعرت الهوى عليّ وفيّا هدّني ضعف مقلتيك وقد قيـ ... ـــل ضعيفان يغلبان قويّا ملكٌ مثّلته لي يكره الحـ ... ـــب غلاماً بين الأنام سوياً عذت بالله منك والمخزن المعـ ... ــــمور إن كنت يا غلام تقيّا بحمى ماجد إذا ضيم للأمـ .... ـــجاد جارٌ كان الغيور الأسيّا من قبيلٍ يتلى الكتاب عليهم ... فيخرون سجّداً وبكيّا خلفونا أيا المظفّر من مجـ ... ـــدك ما يكبت الحسود الشّقيّا أمّل الدّرّة التي أنجبت من ... جوهر المجد راضياً مرضيّا وأبوك الإمام موسى كظيم الـ ... ــــغيظ حتى يعيده مرضيّا وأبوه تاج الهدى جعفر الصّا ... دق وحيًا عن الغيوب وحيّا وأبوه محمّدٌ باقر العلـ ... ـــم مضى هاديًا لنا مهديّا وأبوه السّجّاد أنقى عباد الـ ... ــاه في الكون مجلسًا و .... /114 أ/ والحسين الَّذي تخيًّر أن يو ... دي عزيزاً ولا يعيش دنيّا وأبوه الوصيّ أشرف من طا ... ف ولبّى سعيًا وساق الهديّا طامنت مجده قريشٌ فأعطتـ ... ـــه إلى سدّة السماء رقيّا أهملت صيته فطار إلى أن ... ملأ الأفق ضجّةً ودويّا

وأبو طالب كفيل أبي القاسـ ... ــــم كهلاً ويافعاً وصبيّا ثمّ شيخ البّطحاء تاج معدٍّ ... شيبة الحمد هل علمت سميّا وأبو عمرو العلا هاشم الجو ... دومن مثل هاشمٍ بشريّا وأبوه الهمام عبد منافٍ ... قل تقل صادقاّ وسديديّا ثمّ زيدٌ أعني قصيّ الَّذي لم ... يك عن رتبة العلاء قصيّا نسبٌ إن يلفّع النّسب المحـ ... ــــــض لفاعًا عان السّليب العريّا وإذا أظلمت [به] بيضة الإنـ ... سان يوماً كان المنير الجليّا تالدٌ مجده على قدم الدّهـ ... ــــــر وقد يفصل العتيق الطريّا وإذا ما عددت أجدادك الغـ ... ـــــــــــرّ فيكفيك أن تعدّ النبيّا شرفٌ أفحم الزمان فلو حا .... ولت وصفًا له لعد غنيّا وعتيقاً إذا عددت وكسرى ... أورثاه لسان صدق عليّا /114 ب/ ملكي فارسٍ وعدنان فافخر ... عربّيًا إن شئت أو فارسيّا وإذا ما فخرت من جهة الأعـ ... ــــــــــمام فادع السّبط الجليل الزّكيّا حسنّا وادع جعفراً تدع ليثًا ... يرهب الليث بأسه شمّريّا وادع عمّيك حمزة الحرب والعبّـ ... ـــاس ذمراً وسيداً لوذعيّا الإمام الحبر المعظّم عبّد الـ ... ــــله والعابد التّقيّ النّقيّا وابنه الكامل الجليل فقل ما ... شئت فيه فقد أصبت الرّميّا وبني عمّك الجحاجح والصّيـ ... ــــد سريّاً من بينهم فسريّا وبينه أئمّة الدّين هل تذ ... كر منهم إلاّ شجاعاً كميّا أو عظيمًا مرشّحاً أو أميراً ... أو إماماً مستخلفاً أو وصيّا وإذا ما النّديّ فاخر بالأخـ ... ــــوال فافخر فقد شأوت النّديا بسميّ الخليل واذكر أخاه ... قاسماً تذكر الوصيّ البهيّا وأذكر الطّيّب المطهّر والطّا ... هر نحو العلا ..... الغريّا بضعات من المؤيّد بالوحـ ... ــــي نوراً من الإله جليّا بكم استعيذ من روعه المو ... قف جمعًا حول الجحيم جثيّا حين يستفرغ الملائك من كـ ... ـــلّ قبيلٍ أوفى القبيل عتيّا

/115 أ/ ربّ لا تجعلنّني في الألى كا ... نوا بنار الجحيم ولى صليّا فاتح الأمر منكم ولدى الخا ... تم منكم وعداً لكم مقضيّا وكتب إلى شرف الدين معد الموسري، يذكر نهر ملك بالفولوجة، وقد أحكمه بناءً: [من المتقارب] منازل ليلى وأوطانها ... سقيت من المزن هتّانها ولا سحبت مثقلات السّحاب ... بغير صعيدك أشطانها منازل جار عليها الزمان ... فأبدك بالوحش غزلانها وربتما ليلة بتّها ... أعاقر بالراح سكّانها وقد عمّم النور ضلع النّجاد ... منها وجلّل غيطانها وليلى على العهد لا ......... ... حذرات ولا خفت هجرانها تبوح إلينا بأسرارها ... ونأمن في الوعد ليّانها فما ضرّها لو أدامت لنا ... زكاةً عن الحسن إحسانها تحكي عن وصلها البارقا ... ت توقد في البيض نيرانها وصمّ الأنابيب عسّالةً ... تضاهي سنى الغصن مرّانها /115 ب/ ومقربة من نبات ........ ... .......... قب تجاذب ارسانها تحفّ من الشّوس ذا نخوة ... أبيّ العشيرة غيرانها لو ارتاب بالطّيف في نوم مقًـ .... ـــلتيه لأسهر أجفانها فغار عليها من الشمس أن ... تقابل بالنّور جثمانها حذار الأحاديث إنّ الكريـ ... ـــــم ليخشى ثناها وبهتانها أحبُّ أخا العزم لو سار الـ ... ــــــــجبال لزعزع ثلانها يكاد بهمّته أن ينا ... ل نجوم السماء وأعنانها كعزم معد بن موسى الَّذي ... إذا زان ملكاً علا زانها هو الطاهر الطّيب المرتجى ... إذا حارد الشّول البانها وأمست هشيماً رياض النّدى ... وأفنت يد المحل أفنانها وذو العزم لو قذف الجنَّ منـ ... ــــه شهابٌ لأحرق شيطانها ينأل بأدناه مثنى الصِّعا ... ب من المجد إن وجدانها

هنيئاً لأرض تولّيتها ... وأحييت بالعدل قطّانها وكادت تكاد من الجور أن ... تميد فثبّت أركانها ذوى نبتها وعفا رسمها ... فأحييت بالعرف سكانها /116 أ/ كأنّك موسى ونهر المليـ ... ـــك مصرٌ ودينك قد دانها وأعطى يرعك بين اليرا ... ع معاني عصاه وبرهانها فأصبح يبطل ما موّهتـ ... ــــه حبالاً تلقّف ثعبانها تداركت بالحلم جزم الجنا ... ة وكفّرت بالعفو عصيانها ومازال صفحك بين الأنا ... م يلمّ ويجبر نقصانها لفعل أبيك وقد ضمَّت الـ ... ـــعقاب سلّه عقبانها عفا والإساءة لم ..... ... ولم يطل العهد أزمانها إذا ما أردءت ابتياع العلا ... وجدت من الحلم أثمانها عجبت لإيداع نهر المليـ ... ـــك أتي الفرات وطوفانها وقطعك آذيّ تيَّارها ... بما أصحب الضَّبَّ حيتانها لطافة ذهن ........ ... سلبت البريَّة أذهانها أكان متعالها ما قطعـ ... ــــت به البحر أم كان شعرانها لقد أعجز الإنس ما قد فعلـ ... ــــ ت فهل كنت مستخدماً جانها وبعد سليمان ما سخرت ... .......... يا سليمانها لتبق العلا أبداً ما بقيت ... ويا دعوة صادفت آنها /116 ب/ وكتبت إليه وهو متوجِّه إلى الأعمال الواسطية عوضاً عن ابن التجاري: [من البسيط] سر تحت ألوية الإقبال والظَّفر ... يهزُّك العزم عند الصارم الذَكر للسعد حولك فسطاط تطيف به ... مواكب النصر كالأكمام بالثمر واقصد بلاداً متى تحلل بساحتها ... تقدم عليها قدوم المزن بالمطر ألات حين انبرى بادي القسيِّ لها ... وعاين النَّهج قصداً مدلج السَّحر يا جائراً عن سمت مسلكه ... إرفع جفونك هذي طلعة القمر

هذا معد النقيب الموسوي متى ... تحلل بساحته تأمن من الدَّعر أمن الحمائم بالبيت الحرام ومن ... يأمن من البحر لا يغرق من النَّهر اليوم يا شرف الدين المهام جرى ... طرف المعالي فحاز السَّبق بالحضر هذا المنير منير الشمس جالبةً ... للنفع دامغةً للبؤس والضَّرر لولا تنقُّلها لاختلَّ مضطرباً ... ما بالبسيطة من حي ومن شجر تحدى بك الأعوجيَّات العتاق كما ... حدت بجدِّك في الأبطال من مضر إنِّي لأعجب من أرض حللت بها ... ثمَّ ارتحلت فلم ترحل ولم تسر /117 أ/ ومن بلاد درت أنَّ الزعيم لها ... تدبير مجدك ........ لم يطر تّباً لشائنك المشؤوم طائره ... ألم يخف ضربات الضَّغيم الهصر غرَّته منك أناةٌ لا شبيه لها ... ألا يكون شهاب النار في الحجر الرِّفق أنجح للمسعى وأجدر في الـ ... ــــعقبى وأطيب ذكرٍ شاع في خبر ولا فضيله ما مدَّ في طول الـ ... ـــمعاصي أزيد له في الرِّزق والعمر جزيت عن ناصر الإسلام مالكنا ... خير الجزاء لقد أجملت في الأثر عممت بالعدل والبر البلاد فقد ... جمعت بين أيود الغيل والحمر يا ابن الأكارم لولا العدل ما سطرت ... غر المدائح في كسرى وفي شمر ما استثمر المال وازداد النَّماء بمثـ ... ـــل العدل في سالف الأيّام والعصر حال العراق مع الحجاج يعرفه ... أهل التواريخ في التكريم للبقر فاشدد يديك بما أوتيت من نعم الـ ... ـــلهِ العليِّ وسر قصداً من السِّير رفقّا وعنفّا وحلمًا تحته نقمٌ ... كالوصل والهجر أو كالشَّهد والصَّبر وعش فعش بصلاحٍ ما بقيت لنا ... كأنَّنا ورقٌ في عودك النَّضر وكتب إلهي عند رجوعه من زيارة بعض المشاهد: [من الكامل] /117 ب/ أزيارةً أم حجَّةً مبرورةً ... قضَّيت يا ملكاً عظيماً شانه لو يستطيع القبر حين وقفت في ... عرصاته أثنى عليك لسانه ويكاد يستلك الضريح يديك إلـ ... ــــزامًا فينشر عرفها عرفانه

ورد البشير إليه أنَّك زائرٌ ... فهتلَّلت لسروره جدرانه وصدرت مسروراً وها نورٌ على ... صفحات وجهك ظاهرٌ برهانه فالنصر مضروبٌ عليك رواقه ... والدَّهر مكتوبٌ لديك أمانه إنَّ الإله لشاكرٌ راضٍ ... أوليته يا شائعاً إحسانه ودليله إنَّ الخليفة شاكرٌ ... راضٍ وفي رضوانه رضوانه فإذا حمى ثغراً فأنت عديده ... وإذا سطا غضباً فأنت سنانه وإذا عفا صفحاً فأنت أناته ... وإذا همى جوداً فأنت بنانه فاسلم لعافٍ إن يكن في سابقٍ ... رب التَّرافد بالزمان زمانه ومن كلامه أيضاً؛ وهو نسخة توقيع كتبه لبعض كتاب الأعمال، أيام كان في المخزن المعمور بالخدمة، وفيه تحذير من مكيدةتمَّت على الكاتب قبله: /118 أ/ قد عوّل في الكتابة بالمعاملات الفلانية، وما يجري منها على فلان، لما برز في مضمار البرهان، وحمع إلى أدوات الكتابة عفّة اليد واللسان، وشهد تكرير الامتحان له والجريب؛ أنه الضَّرب الأديب، والفرد اللبيب، والمهذّب الَّذي بلغ أقصى مراتب التهذيب، فليستخر الله تعالى، ويشرع في تحقيق حساب المعاملات المذكورة، وإصلاح ما عساه يجده فيه من الخلل، وتهذيب ما يلمحه من الخطل والزَّلل، وتقويم المائل منه والمائد، وتثقيف الحائل منه والحائد، والخروج به إلى الطريقة المسلوكة، وإعادته إلى الأوضاع الصحيحة المعهودة، والبداية باسترفاع المشاريح بالضمانات، ووجوه العين بأسرها، لسنة كذا الخراجية من كافة الكتّاب والمقابلة بها، لتذاكر الأعمال مما وجده من زيادة في المشاريح أضافها وكلمَّها، وسأل عن صورة الحال فيها، وأنهى إلى المخزن المعمور حقيقة واقعتها، ثم يشرع في تخريج ما يختلف بالمعاملات من وجوه العين، وأثمان المعاملات للسنة المذكورة /118 ب/ وما قبلها، ويجث على استيفائها، ويحاسب المعاملين عن آخرهم، ويحقق ضماناتهم من

أبوابهم، ويسألهم عن نقداتهم، وتواريخ تصحيحاتهم، ويلمح الروزات التي عساها تكون بأيديهم، ويسلك معهم مسلك التحقيق والإنصاف، ويعدل بهم عما كانوا من العنف والإجحاف، ويوطِّئ لهم أكنافه، ويليِّن أعطافه، ويحسن إليهم بمداراتهم واحتمالهم، وسعة الصدر اسماع أحاديثهم وأقوالهم، فالضجور الطائش لا يبلغ غرضاً، وسوء الخلق من الأمراض، وكفى به مرضًا، ولو كان العبوس جمالاً، لكان عبئًا ثقيلاً، ولو كان البشر إنساناً لكان حسناً جميلاً. ثم يشرع في تخريج جرائد البذور والتقاوى والفروض من ارتفاع سنة كذا الخرجية، وما قبلها ليستوفي منها ي القسمة ما يساعد الحاصل عليه، ويغضي النظر في مصلحة العمل إليه؛ وليكن مهيمناً على كافة العمال، ومطالبًا لهم بما يتكمَّل عندهم من الحقوق والأموال، ويلتمس منهم حساب المعاملة /119 أ/ إلَّا إلى قلمه وعقله وفكره؛ فالمثل السائر: ما حكَّ جلد المرء كظفره، ومن استعان باليد الغريبة عرّض نفسه للخطر، ومن سلَّم زمامه إلى غيره فقد ركب الغرر، أيّ غرر. وليلازم ديوان المعاملة زمانه كلّه، وليوطن نفيه على أن يحمل ثقل العمل وكلَّه، فمن تعب استراح، وإنما يحمد السَّير عند الصباح، وليطالع المخزن المعمور بالمتجددات في أوقاتها، فتأخر المصالح سبب فواتها، وأهم ما يؤمر به وإن كان كلّه مهمًا وأوجب ما يلزمه وإن كان جميعه واجباً وحتماً ما هو دأبه وعادته وطريقته المألوفة، وقاعدته من التقمص بجلباب الأمانة، التي هي أجمل الخلال الحميدة شعاراً، وأعلاها مناراً، وأحمدها إيراداً وإصداراً. فالغنيُّ على الحقيقة هو القانع، وإنًّما تقطع أعناق الرجال المطامع، ومن كان أمير نفسه، فهو الأمير، ومن لم يغنه القليل لم

يستغن بالكثير؛ والنفوس مجبولة على الحرص والطلب، ولو كان لابن آدم واديان من ذهب، وطالما كان الحريص هو المحروم، ولم يؤمن بالنبوة ولم يؤمن أنَّ الرزق مقسوم. /119 ب/ وربُّما كانت الحيلة في البقاء علّة الممات، وربّ أكلة حرمت أكلات، والمال يلعب بالعقول والألباب، ويعمي عين من لا يملأً عينه إلّا التراب، فليحذر عن أن يزلَّ عن المنهج القويم، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولو استغنى أحد عن الوصيّة، لعفافه وغضّ أطرافه؛ لكان غنيًا عنها لما عرف من أمانته، وغير محتاج إليها لما تحقق من نزاهته وصيانته؛ لكنّه قد يوصى الحكيم ويحثّ الجواد، ويهزم الصارم وهو يأكل الأغماد. والمفروض له في هذه الخدمة كذا وكذا، إلى آخر ما جرت به العادة بذكره في التواقيع والأجل، فلأنَّ الدَّيَّن الناظر يعمل بذلك ويحسبه ويساعده على تحقيق الحساب وجمعه وإيضاحه ورفعه، وكل ما يلتمسه من العمال وغيرهم من النواب من حساب التحويلات وغيرها، ..... في أسرع وقت، وأقرب الديوان ورجاؤه، وبدء حسابه ومنتهاه". /120 أ/ نسخة لمشرف بعض الأعمال، كتبه في أيام الخدمة بالمخزن المعمور، وفيه تحذير من مكيدة تمَّت على المشرف قبله: "لمّا تحلّى الأجل فلان، تحلى المحاسن والخصائص، وتزين بدرِّ الأمانة، الَّذي أتعب كل .... رئي التعويل عليه، بردّ إشراف المعاملات الفلانية إليه، علمًا أنَّه الشهم الندب، والرجل الضَّرب، والحاذق الطَّبّ، فليُقابل ما أنعم الله به عليه، من أفراده، بالاختيار والإصطفاء، وتقديمه على كافة الأضراب والأكفاء. فالخدمة التي يكون بها قاضياً حق تقدمه على الكفاة، ومؤديًا

فرض المناصحة، التي هي أفرض من الصوم والصلاة. وليجعل الأمانة جنتّه الواقية، وذخيرته الباقية، وعصمته المانعة، وعدته النافعة، ولسانه النَّناض، ودرعه الفضاض، وسيفه القاطع، وحصنه الدافع، وبابه الَّذي إذا ولجه فقد أتى البيوت من أبوابها، وكتابه إذا كانت كلّ أمة .... تدعى إلى كتابها، وليحذر نزغ /120 ب/ الشيطان وتسويله ووساوسه، وأظاليله ومكائده، وتخييله وخدعه وأباطيله. فإنَّه إن أجابه وأطاعه، وبسط إلى غوايته باعه، أصبح من النادمين بل من الهالكين، {كمثل الشَّيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمَّا قال إنِّي بريءٌ منك إنِّي أخاف الله ربَّ العالمين}. وليبدأ بطوال المعاملات واستقرائها وتصفحها واستبرائها وإثبات قدمها ورجالها، والبحث عن أحوال معاملتها وعمالها، والتأمّل لمصالحها ووفورها، واستعلام الواضح والخفي من أمورها، وحراسة ما بها من متخلف ارتفاع سنة كذا وكذا الخراجية، والتطلع على ذلك، إلى أن لا يترك وراءه متطلعاً، والاجتهاد به إلى أن لا يبقي في قوس الاجتهاد منزعاً، والحث على استيفاء المتخلّف من ضمان السنة الخراجية المذكورة، ومطالبة العمال والعاملين بذلك، والتماس جريدة محرّرة بالمتخلف من وجوه العين بأسرها للسنة الخراجيّة المذكورة، وإرهاف العزائم على تحصيلها، والبحث عن علّة /121 أ/ تأخيرها، والمطالبة ببقايا السنة الخالية قبلها، وتحقيق القروض والتقاوي والبذور المسلّمة من ارتفاع سنة كذا الخراجية، وتعجيل قسمة الغلّات الجارية على الأمانة، واستعادة القروض المذكورة منها، والمحافظة عليها من اطراح المراقبة فيها، والإهمال

لها، والتغاضي عنها وإفراد بذور الوكلاء ..... الله تعالى. هو حسب ما يخرجه كاتب المعاملات من أجود الأجناس وأضربها، كيل مثلها وتتخير المحارز الحصينة، وترتيب المذكورين الثقات عليها، والاتفاق مع نواب المخزن المعمور على اعتماد سائر المصالح في أوقاتها، والمطالعة بها قبل فواتها، يتقدم إليه ما يحتذيه ويكون الجزاء والمفروض له عن هذه الخدمة كذا وكذا، والأجل السيد فلان الدين ينفق معه على حراسة الأموال، وتدبير الأعمال، وحفظ الارتفاع، وكفّ الأطماع، ما يعود بصلاح العمل واستقامة الأمور، وما يرضي الله تعالى، والمخزن المعمور- إن شاء الله تعالى". /121 ب/ وجدت في آخر كتاب "العبقريّ الحسان" هذا الفصل من كلام أبي محمد ابن أبي الحديد من جملته: "وقد مضى من الوسائط بين هذين الطرفين الشريفيم من النكت الدقيقة، والمعاني البديعة، والاختيارات الحسنة؛ ما فيه مقنع وبلاغ، وقد تضمن هذا المجموع أشياء تتعلق بستة عشر علمًا وهي: الكلام، أصول الفقه، المنطق، الطبيعات، الإلهيات، النحو، اللغة، التصريف، العروض، القوافي، النظم، النثر، صناعة الشعر، النسب، الاشتقاق، السير، والتواريخ". ومن كلامه؛ نسخة توقيع لمشرف بعض الأعمال: "ولما اجتمع في الأجل فلان، أدام الله رفعته، ومن الخصائص المشكورة، والمزايا المأثورة، والمحاسن المشهورة، ما يوجب له تقديم القدم، والتعويل عليه من الملحوظ من الأعمال والخدم، رؤي التعيين عليه ورد الأشراف /122 أ/ بالمعاملات الفلانية إليه، علماً أنَّه الكفؤ الكافي، والطب الشافي، إلى ما يحرسه ويليه، والموثوق بما يشارفه ويراعيه. فليقدم استخارة الله تعالى في مقاصده وانحائه، والتوكل عليه،

في مرامي أغراضه، ومطارح آرائه، وليستمر على ما ألف منه من التقمص بجلباب الأمانة، واشتهر عنه من التدرع بجنَّة النزاهة والصيانة؛ فإنها الدرع التي تسخر بالنبال، وتهزأ بالنصال، وتضمن سلامة دراعها يوم النزال، وقلّ من أصبح منها حاسراً إلّا ومشى في صفقته خاسراً، أو كان لها مجانياً إلا وترك السعادة جانباً؛ فالأمانة سرّ المرء وجوهره، وباطن الإنسان ومخبره، وبها يستدل على شريف نفسه ودنائتها، ومنها يعلم ثمنها ومقدار قيمتها، فإن كملت وتمّت، دّلت على غزّة النفس وعلوها واحتقارها لدنايا الحطام وسموها، وإن نقصت وأسلمت أبانت عن لؤم المرء ونقصه، وكشفت عن شرهه وحرصه، فليستكف على جلاء قبح الذكر، ويتحمل ادلاء أثقال الوزر، وقلّ أن يعدم /122 ب/ بينهما تقديم العقوبة وتعجيلها، وطروق الحادثة وحلولها، فليكن عصمه الله ممن يستشعر الحذر، ويشاهد الأشياء بالبصيرة قبل مشاهدتها بالبصر، في تطواف المزدرعات [و] ملاحظتها، وملابسة الأعمال ومشارفتها، وما تخلف من ارتفاع المعاملات لسنة كذا الخراجيّة، وما قبلها، بجمعه من مظانه، ويحرسه بنفسه وأعوانه، وينصب من التذاكر ما يحتوي على المحارز والعزول، عند ..... وخروجها إلى حيّز المعلوم، عن صبر المجهول، ويطالب بجرائد البقايا ..... ما يرجى حصوله منها، ويسأل السبب من إرجائها، والمقتضي لتأخير استيفائها، ويهتم غاية الاهتمام بتطواف المزدرعات لسنة كذا الخراجية، وحراستها من القطع، والرعي والحثّ على تعاهدها بالنظارة والسبي. وإذا استعدت للحصاد، وراجت ثمرة الاجتهاد وأعمل جيد /123 أ/ فكرته، في استعلام حقائق الأحوال، واختيار بواطن الرجال، وتخيّر من ألطافه الثقات أرباب الديانات، أو أرباب"

الأمانات، فمن جهل حاله فليرجع فيه إلى الكفالات، وليباشر بنفيه أو من يقوم مقامه، كل ما يمسح في قسم، ويحرز ويقرر، ويجل ويعقد، ويستوفي ويستخرج غير مستهين بالنزر اليسير، ولا مغض عن الأمر الحقير، ولا مسامح في الفتيل ولا النَّقير، فقد يهدى الأبؤسً الغوير، وكم .... مطير، وليطالع بما قلَّ وجلّ من المتجددات إذا فاتها، ليتقدم بتدبيرها قبل فواتها، فالمصالح المتجددة لا يجوز أن تؤخر وتترك، وأوقاتها كأوقات الحج، فارطها لا يستدرك، والمفروض له عن هذه الخدمة". نسخة توقيع لمشرف عمل أيضاً: لما كان الأجل فلان –أدام الله رفعته- من أعيان الرجال، وأرباب العمال، وممن اشتهر بمحاسن الأفعال، وأعرب عن تخصيصه لسان الحال، قبل لسان المقال، رؤي الإنعام عليه /123 ب/ ردَّ الأشراف بالمعاملات الفلانية، إليه ..... إلى تدرعه من العفّة والنزاهة، بأوفى جنَّة، والاعتضاد من حولها، وقوتهما بأتّم حول، وأعظم منه، واتحادهما أكرم فضل، وآكد سنة. فليستخر الله تعالى وليواظب على حج كعبتهما، والتوجه إلى قبلتهما، والتدين بشرعهما، والسلوك في شرعتهما، وليستمر على التقمص ببردهما السني، والتعري عن ثوب الإسفاف الَّذي ............ ، ولنفسه عن معطم السوء إذا اعترض قاهراً، وفيما ثبتت قدمه جاهداً، وللشيطان له مجاهداً، ليكون بأفعاله الحسنة مكافياً للأنعام، ومستحقاً لزيادة الموهبة والدوام؛ تقديماً في المثل: الزم الصحة يلزمك العمل. وليبدأ فيما تخلف بالمعاملات من ارتفاع كذا الخراجية عليه، .... موضع ختمه على المحارز في ..... اعتبارها بالأوزان والكيول، ولينصب من التذاكر، ما يكون حاويًا لأصول الارتفاعات

وفروعها، ومحيطًا بجملها وتفاصيلها. وليلتمس جرائد البقايا /124 أ/ ويحثّ على استيفاء ما تيسّر منها، ويبحث عن علّة تأخير متخلفها، يسترفع من مستوفي الأعمال، مشاريح الفدن والبذور، ويعتبر مواقعها، ويلازم تطواف المزدرعات، لسنة كذا الخراجيّة، وحراستها مما يليها، ويتطلع على بعيد الأعمال وقريبها، فإذا حان وقت الحصاد، ونفقت الأكمم عن ثمار الاجتهاد، رتّب من ألطافه والأعوان من يثق بمنصاحته، ويسكن إلى حراسته، وأدلّ عليهم عيون التطلع، أصغى إليهم بمسامع التصفح والتتبع، فمن وجده للمحجَّة سالكاً، وللدناءة تاركًا، أقرّه واستخدمه، وأدناه وأكرمه، ومن ألفاه عن الجدّ ناكبًا، ولأثباج الطمع راكبًا، أحصن تأديبه وتقويمه، وفرى بغرب الياسةى أديمه، وجعل ما يعتمده من نكاله رادعاً لأمثاله، وبأفعاله في مستقبل أمره وماله؛ فليس الكهل كالحدث الصبي، ولا القارح كالجذع الفتي، والحوادث ذخيرة العواقب، والمصائب أثمان التجارب. وليباشر بنفسه أو من يقوم مقامه، سائر ما يستوفس ويستخرج /124 ب/ ويمسح ويقسم، وينشر ويبرم، ويحل ويعقد، ويحرز ويقدّر، ويزاد وينقص، ويخمن ويضمن، ويكال ويوزن، ليحيط عمله وقلمه بالجليل والقليل، والكبير والصغير، والخطير والحقير، ويتمثل أحوال العمل عنده شخص نصب عينه، وتلقاء وجهه، وتجاه ناظره. وليفرد في التسمية بذور الوكلاء بموجب ما يشهد به حساب المعاملة من أجود الأجناس ..... ، وأوفى الكيول وأكثرها، وليختر لها المحارز الحصينة، والنواحي الأمينة، وليجهد في حراستها في حالتي إحرازها وإخراجها؛ فهي البضاعة الملحوظة، والذخيرة المرموقة، والسلعة النفيسة، والجوهرة الثمينة، ورأس

المال المصون، وبالكسر الَّذي تناقله الألسنة، وتمتدّ إليه العيون، وليصدق المظنون فيه في حراسة جميع ما يلاحظه. ...... في حمايته، عمن يتناوله او يتلفه، ..... عليه بعد تعيينه واختياره، وأفراده بالتقديم والتأهيل، وإيثاره أن يهجر لذّة الرُّقاد، في بلوغ المراد، وأن يكون لين المهاد، وعنده أخشن من شوك القتاد /125 أ/ إلى أن يقال له: قد وفيت وكفيت، وعولج بلك فشفيت. وليواصل متجددات العمل في أوقاتها، قبل اختلاف أنواعها وجهاتها، ولا يستحقر منها حقيراً، ولا يستصغر منها صغيراً، فالكتاب سطر إلى سطر، وأول الغيث قطر، والمفروض له عن هذه الخدمة". نسخة توقيع لناظر بعض الأعمال: "لما ظهر منكفاية الأجل فلان –أدام الله علوّه- ما يستوجب به شمول الإنعام والاصطناع، ومن آثار خدماته ما يستحق به سمو الطرف، وإطالة الباع، وأسندت أخبار حسناته إلى مرأى العيان، لا إلى مروي السماع، ونيطت به مهمات الأعمال فكفاها، وعولجت، بنظرة أدواؤها المعضلة فشفافها. رأى المخزن المعمور، أن ...... به على الأضراب والأكفاء، ونجذب بضبعه إلى رتبة الرئاسة والعلا، فعوّل عليه في النظر بالمعاملات الفلانية؛ يكونًا إلى أمانته وعفافه، وركونًا إلى نزاهته /125 ب/ وصيانة أطرافه، ووثوقاً بتقاعسه عن الدَّنس وإيضاعه إلى الخير والجافة، وعلمًا بما عنده من الجدّ والتشمير والهمّة، التي تستقّل الكثير، وتستصغر الكبير، والقوة التي تنهض بالأثقال، ولو كلفت حمل يذبل وثبير، فليشكر هذا الإنعام، بلسان الاجتهاد, فالشكر بالفعل لا بالقول، هو الشكر المراد. وليبدأ بتطواف المعاملات المذكورة، وتصفح أحوالها، وإثبات مدَّتها ورجالها .... ، العوامل وانتحابها، وترغيب الأكرة

واستجلابها، وحفر الأعمدة ومحولاتها، وخرق مردوها، وإصلاح فوهاتها، وما عساه تخلف من الحفر يستدركه قبل فواته، وتهريف الزرع مومن من تطرف آفاته، فلتنتهز الفرصة حال إمكانها، .... القدرة قبل إنقضاء ومانها. فأقول المزدرعات ناقصة البخت، وفضيلة الصلاة في أول الوقت، وتضريب البذور وحفظها من أكبر المصالح، وأتمها وأشملها نفعاً في العاقبة وأعمها فإياه أن يسامح في ..... ، أو يغضي على عيب من عيوبها /126 أ/ فيصبح غداً كالضّمان المغرور، بسراب بقيعة حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، أو كالقابض على الماء خانته فروج الأنامل! ، فأدّى ذلك القبض إلى ما لم يفده. وحراسة الغلاّت من القطع والرعي، وتعاهدها بالماء والسقي، واستصلاح الضياع المحببة، والبقاع الطيبة، والمغارس الزكيّة، والمنابت ..... . وكلُّ ذلك من أصول الالستغلال، وإن كان عمارة الأعمال، فإذا راحت للحصاد، وأينعت ثمرة الاجتهاد، فليرتب عليها من الثقات من يخبر باطن دخلته، ويعرف خبي نحلته، وتستشف ضمائره، بفراسة ظواهره، ويعرف من اسرار وجهه، ما في مطاوي سرائره، وليدب جنيد نفسه في جميع متفرقها، وضمّ متمزقها، وينقلها في اختلاف الأطوار، وتعاقب الأدوار من الحصاد، والرقاع والدياس، إلى التصفية والقروشة بالقسطاس، فإذا صارت في تصرف النّواب والعمال، وحكمت عليها يد القسمة بأنها حق من حقوق بيت المال، وخرجت من خير الشركة إلى خير الانفراد والاستقلال، فليواصل بالحمول /126 ب/ الدارة التي تجعل ميزانه راجحًا، وقدحه فائزاً، وسهمه رابحاً، وليواصل المخزن المعمور بمطالعاته، وإنهاء المتجدد من حركات عمله ... ، ليدبّره بآرائه الصائبة، وأوامره النافذة، وإرشاده الَّذي يقوّم الاعوجاج، ويفيد الناكبين عن

طريق الإصابة إلى سواء المنهاج، والمفروض عن هذه الخدمة". وقال يمدح الوزير أحمد لن الناقد: [من الخفيف] قد بدا ما تسرُّ فيما تقول ... إنَّما أنت عاشقٌ لا عذول رابني منك في ملامك تكثيـ ... ــــــــــــــرٌ لصبري ببعضه تقليل زحيثٌ ملجلجٌ فيه للقلـ ... ـــــــــب على السِّر آيةٌ ودليل قاتل الله شادنًا أمست الأضـ ... ـــــــــــداد فيه للحسن وهي شكول قسم اليدر بيننا فله النُّو ... ر وعندي محاقه والذُّبول أجدٌ النَّاس ذا يماثله ذا ... ك وفيه قد اعوز التَّمثيل وأرى الخلق عرضة لزوال ... وارى أنَّ حسنه لا يزول يا حميد الجفاء وهو ذميمٌ ... وخفيف الدَّلال وهو ثقيل /127 أ/ هذه مهجتي بكفِّك فافعل ... ما ترى لست عن هواك أحول اسمح النَّاس ناصحٌ مستخانٌ ... ومحبٌ على الحبيب بخيل أتراني أروم عنك بديلاً ... أنت أخحلى وغيرك المملول إنّما أنت مهجتي واتخاذي بدلاً عن حشاشتي مستحيل لا تظنَّنَّ جفوتي عن سلوٍّ ... عزَّ ما خلته وسدَّ السَّبيل كما وصول هو القطوع نفاقاً ... وقطوع هو المحبُّ الوصول لست أرضىً بأن تجودبوصل ... وامتناني عليك نزرٌ قليل إنَّ لؤماً أن يطلب العاشق الوصـ ... ــــل ولم تسبق العيون السُّيول في جميل ..... قبيحٌ ... عند مثلى وفي القبيح جميل ثروتي دون همَّتي ومرامي ... فوق طوقي وساعدي مغلول فإلى م الرِّضا بما أنا فيه ... مشروعٌ ميِّتٌ وحيٌّ دليل في نهوضي لها وترك اقتناعي ... مطلبٌ منفسٌ وكسبٌ جليل وانتجاع الوزير أحمد عندي ... أحمد الفعل والرُّكام مخيل

[379] عبد الجليل بن عثمان /127 ب/ ابن منصورٍ لن أبي الفوارس، أبو محمدٍ الإربليُّ. وقد مرَّ شعر أًخويه؛ عبد العزيز وعبد الرحمن في مواضعهما. وأبو محمد هذا حفظ القرآن العزيز بإربل، وشدا طرفًا من الفقه على مذهب الإمام الشاعفيّ – - رضي الله عنه -، وقال شعراً صالحاً. لقيته وهو بحلب؛ شيخ ربعة من الرجال، وذكر لي أنه ولد بإربل سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وكان اجتماعي به في شهر شعبان سنة خمس وثلاثين وستمائة بحلب المحروسة. وأنشدني كثيراً من أشعاره، وعنده مفاكهة، وحسن محاضرة وتودّد. أنشدني عبد الجليل بن عثمان لنفسه: [من الخفيف] أمدامٌ في ثغره أم رضاب ... عتَّقته تلك الثَّنايا العذاب وشفيقٌ سطا على وجنتيه ... حين حال العتاب أم عنَّاب رشا كلَّما أتى يتثنَّى ... هوَّة النَّزيف الشَّباب إذا رأني عند الوداع بناناً ... قد نمى من دمي عليه الخضاب وتثنَّى تيهاً فأذهلت الأبصار منَّا وحارت الألباب /128 أ/ وأراق الدَّما بأسهم جفنيه ... وولَّى وما عليه عقاب أربي أن أفوز منه بطيب الوصل لو تنقضي لي الآراب لا اروم السُّلو عن ذلك الحسن ... ولو عارضتني إلا ..... أيُّ صبِّ مثلس له كلَّ يومٍ ... من تباريح هجره أوصاب

كلَّما قلت قد تقضَّى عذابٌ من جوى حبِّه علاه عذاب ظالمٌ دأبه التَّعزُّز في الحبِّ ولي في الهوى التَّذلُّل داب فلماذا أعلِّل القلب منه ... بأماني الوعود وهي سراب يا خليلي في الجوانح منه ... زفرات لها لطى والتهاب أتمنّى إذا مشى فوق أرض ... أنَّ جفِّني أرضٌ له وتراب كيف أدنو إلى الَّذي منعتني ... عن لقاه أسدٌ لها السُّمر غاب حجبوه وما دروا أنَّ من أسياف أجفانه عليه حجاب يا رباب الغمام شقِّ دياراً ... سكنتها أميمةٌ والرّباب دمنٌ طالما سقاها سحابٌ ... من جفوني إذ ضمن عنها السَّحاب وغدا في ربوعها كلَّ يومٍ ... للغوداي وللدموع انسكاب كان من قبل يحدث الدَّهر ... وشك البين فيها السُّرور والإطراب /128 ب/ إذ لشمس السُّرور عندي مقرٌ ... كلَّ يومٍ وللهموم اجتناب وزماني مساعدٌ لي وأترابي فيه الكواعب الأتراب وشبابي غضَّ نضيرٌ واعطافي به حلوة التَّثني رطاب فمضت جدَّة النَّضارة منِّي ... حين ولَّت وحان منها الذَّهاب وانثنى يعبث التَّفرُّق بالأحباب حتَّى تفرَّق الأحباب لا زمان الشَّباب يبقى على العهد مقيماً ولا الحسان الكعاب وإذا جارت النَّوائب وامتدَّ لدهري إلى ظفرٌ وناب حجب الحادثات عنِّي مليكٌ ... ما على جود راحتيه حجاب وقال من قصيدة أخرى؛ وأنشدنيها بحلب: [من الكامل] اغراه نحو حمى الأرأكة والأضا ... برقٌ نفى عنه الكرى إذا أومضا وسما لهيمنة النَّيم تعلُّلاً ... ليروم برء سقامه فتمرَّضا يصبو إلى ذات اللًّما ويهيجه ... أنَّى سرى ذكر الغضاة بذي الغضا أأميم لولا فرط حبِّك لم أعم ... ظلماً ولا ألماً إلى سفح الأضا ولما وقفت بسفح عاقل منشداً ... قلباً ولا مستعطفاً دهراً مضى /129 أ/ قج كان يسعفني وصالك قبل أن ... ألفي سواد الفود منِّي أبيضا

فاليوم طبقك لو ألمَّ لبخله ... فالصَّبُّ في سنة الكرى ما عرِّضا يا سعد إنَّ عذوبة الورد الَّذي ... قد كنت تعهده استحال وعرمضا سر بي فلي في السِّرب قلبٌ سائرٌ ... إثر الفريق مخيِّماً ومقوِّضا وتوقَّ غزلان النَّقا فثمَّ لي ... علقٌ أبين لمقلتي أن تغمضا وحذار إن يمَّمت سفح محجَّر ... فهناك أسياف المحاجر تنتضى لله دهرٌ لا تزال خطوبةً ... ترمي بأسهمها اللَّبيب فتغرضا يسطو عليَّ وما جنيت جنايةً ... إلَّا العلا ويسومني دون الرِّضا قد قلت لمَّا مدَّ نحوي مخلباً ... مهلاً كفاك من النَّوائب ما مضى وظللت أذكر قول من قد ساءه ... الزَّمن الخؤون ونال منه فأجرضا عندي من الأيَّام ما لو أنَّه ... أمسى بشارب مرقدٍ ما غمَّضا وقوله من أخرى؛ وأنشدنيها بحلب: [من الخفيف] ما لقول العذول عندي قبول ... في هوى من عذابه مقبول لا ولا لي إلى السُّلوِّ سبيلٌ ... عن حبيب رضا به السلسبيل /129 ب/ بدر تمٍّ يذرُّ من غصن بان ... وله في حشا الكئيب أفول فاتر الطَّرف باعتلال جفونً ... فاترات بها يداوى العليل يخجل البان باعتدال قوام ... هو عمَّا يراد منه عذول زارني في الدُّجى بوجه جميل ... أبداً يستثاب منه الجميل جاد حَّى ظننت ما قال حقّاً ... وانثنى وهو في الكرى تضليل لا يغرَّنك وعده إنَّما الوعد وعيدٌ ونيله تعليل [380] عبد السيد بن محمدٍ الجزري. كان والده يعرف بالجان؛ هو من الجزيرة العمريّة، وهو ابن أخت حمد الجرزي الشاعر، وقفت على قطعة كبيرة من شعره؛ فاخترت منها ما يصلح لهذا الكتاب.

وخبِّرت أنه حيّ يرزق؛ وهو القائل من قصيدة أولها: [من الكامل] يا هاجر طرد الكرى عن ناظري ... أفما لطيفك أن يكون مسامري ومنها يقول: /130 أ/ ما كان أطيب عيشنا فيما مضى ... والدَّار تجمعنا وأنت معاشري فبأيِّ شرعٍ حلَّ قتلي في الهوى ... يا خير من عقدت عليه ضمائري وقال من أبيات: [من الكامل] ما بين منعرج اللِّوى والمنحنى ... ظبي أصاب صميم قلبي إذ رنا قمرٌ أقام قيامتي بقوامه ... وكألأنَّما في لحظة سيف الفنا متأوِّد كالخيرزانه أهيفٌ ... أي حبَّذا ذاك القوام إذا انثنى في خدِّه وردٌ وفي رشفاته ... خمرٌ وفي حركاته قدُّ القنا عبد الرازق بن رزق الله بن أبي بكر خلف بن أبي الهيجاء، أبو محمدٍ الرسعنيُّ. كانت ولادته فيما قرأتها بخط يده، يوم الأحد بين الظهر والعصر الثالث والعشرين من رجب سنة تسع وثمانين وخمسمائة برأس عين.

حفظ القرآن العزيز على الشيخ مبارك بن إسماعيل الحرّاني، وقرأه بالروايات المنقولة عن العشرة –رضي الله عنه- ببغداد على أبي البقاء عبد الله بن الحسين /130 ب/ النحوي، وسمع الحديث الكثير على الإمام أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي، وأخذ الفقه على المذهب الأحمدي –عنه أيضاً- وقرأ عليه كثيراً من كتبه الفقهيّة وغيرها. قدم الموصل في شوال سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ونزل بدار الحديث المهاجريَة بباب سكّة أبي نجح التي أنشأها أبو القاسم علي بن مهاجر بن علي الموصلي؛ وهو يسمع بها أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يفيد الناس، وصنف عدّة مصنفات منها: كتاب "القمر المنير في علم التفسير"، وكتاب "أسنى المواهب في أحاديث المذاهب"، وكتاب "المنتصر في شرح المختصر" في الفقه، شرح به مختصر الحرقي، وكتاب "عقود العروض"، وكتاب "المشرع الصافي من المين في مصرع الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين –عليه السلام-". وهو فقيه محدّث شاعر فاضل، ذو قريحة في المنظوم والمنثور، أجازتي جميع رواياته ومصنفاته ومقولاته. وأنشدني لنفسه بالموصل سنة ثلاثين وستمائة: [من الخفيف] /131 أ/ إنَّما هذه الحياة متاعٌ ... فلجزها بالزُّهد من فيه عقل فطر العارف اللّبيب معنَّى الفكر فيها فلم يعرَّنه عقل كم فتيل لها بسيف غرورٍ ... لا قصاصٌ فيه ولا فيه عقل هى أحبولةٌ ولذَّاتها الحبُّ إذا رمته أصابك عقل من عقل البعير، وهو أن يشدَّ وظيفه إلى ذراعه. فهب العمر كلَّه في سرورٍ ... ونعيمٍ اليس عقباه عقل

وأنشدني لنفسه من فاتحة كتاب إلى صاحب له اسمه يحيى بن سلامة: قلت للقائلين جهلاً بحفظي ... حرمة الودِّ والإخاء سلامه كيف أنسى يحيى وأسلو هواه ... وهو لي إن ألمَّ خطبٌ سلامه ولو أنِّي أعطيت ما أتمنَّى ... لتمنَّيت أن أرى ابن سلامه وأنشدني أيضاً لنفسه ابتداء كتاب كتبه إلى نجم الدين الفتح المغربي: [من الطويل] ترى منزلي من قلبه لاعدمته ... على بعده أو قربه من ثوى به /131 ب/ رجوت بودِّي منه أعاف ودِّه ... ولم أدر أنَّ الهجر بعض ثوابه ومن عجب أنِّي أضلَّ عن المنى ... وأنت لنا نجمٌ وفتحٌ لبابه وظنِّي أنَّ الحبَّ مازال بالنَّوى ... وإن حال قشر الهجر دون لبابه وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى ولده أبي الفضائل محمد ... حمراء: [من الوافر] كتبت بما يشابه دمع عيني ... عليك إليك يا نظري وسمعي لعلَّك أن ترقَّ لسوء حالي ... إذا نظرت عيونك شبه دمعي وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى صاحب له: [من الخفيف] إنَّ شوقي إليك يا ناصح الدِّين على القرب والبعاد يزيد ما على فرط ما لديَّ من الوجد وإن قلَّ في هواك مزيد إنَّ يوماً أراك فيه سليماً ... ول أنِّي أموت فيه سعيد وعزيزٌ عليًّ أن يذهب العمر ومن اشتهيه منِّي بعيد وأنشدني لنفسه، وقد فارق محمداً وأخوته: [من الكامل] /132 أ/ قف بالدَّيار إذا مررت مسلِّماً ... وأبك الأحبَّة حسرةً وتندُّما واستخبر الأطلال أين ترحَّلوا ... فعسى تخبِّر عنهم ولعلَّما لا يوحشنَّك سوء منظرها فقد كانت وكان بها السرور مخيَّما أيامنا ما كان أطيب عيشنا ... الخالي بمن نهوى بها وألذَّ ما قل: يا منازل أين أهلك، أين من ... كنت السّماء لهم وكانوا أنجما؟

أين الَّذي لا الشَّمس تشبه وجهه ... حسناً ولا البدر المنير إذا سما؟ سارت بهم هوج المطي فهيَّجت ... شوقي وخلَّفت الفؤاد متيَّما لم أدر أنَّ البين موتٌ أوَّل ... حتَّى وقفت مودِّعاً ومسلِّما ورجعت أنظر بعدهم آثارهم ... فإذا بها تكبي جوى وتألما أمحَّمدٌ لاحمد للدُّنيا متى ... لم التزمك مقبِّلاً منك الفما أبنيَّ ما طمع الزًّمان بأن يرى ... عندي لخطب المعضلات تبرُّما! كلاَّ ولم أجزع لوقع نباله ... حتى يريني من فراقك اسهما افنت مدامعه حوادث دهره ... فبكى وقد نفدت مدامعه دما في كل يوم قد أقام زمانه ... بفراق من يهوى لديه مأتما وأنشدني لنفسه في المعنى: [من الطويل] /132 ب/ وقائلة مالي اراك مسهَّدا ... وجسمك للأسقام أصبح موردا فقلا وناذا تنكرين من الَّذي ... ترين وقد فارقت حتَّى محمَّدا فكلُّ جوًى دون الَّذي بي من الجوى ... عليه وإن أظهرت عنه تجلُّدا يرمون إطفاء الَّذي بي عذَّلي ... ألا إنَّه بالعذل زاد توقُّدا إذا خطرت لي سلوةٌ عنه صدَّني ... غرامٌ بقلبي قد أقام واقعدا أحنُّ إلى من جاء يخبر أنَّه ... رآه وأرعاها عليَّ له يدا لئن كانت الأشواق تجري لغاية ... فشوقي إليه ليس يجري إلى مدى وإنَّ سروري طالقٌ بعد بعده ... سوى ما أمنِّي القلب من قربه غدا إلى أن أرى فوق الجمال جماله ... وأسمع حادي البين بالوصل قد حدا وأنشدني لنفسه؛ يرثي شيخه الموفق عبد الله بن أحمد المقدسي: [من الطويل] ألا ما لوجه المكرمات ملفَّع ... وما لعيون الدِّين تدمى وتدفع وما لمغني الفقه أقوت فأصبحت ... معطَّلةً اركانها تتضعضع وما بال نجم العلم ليس بناجمٍ ... وما بأل شمس الشَّرع لا تتشعشع وما لصبا نجد صبت عن مهبِّهاً ... وما بأل نشر المسك لا يتضوَّع /133 أ/ وما للورىً سكرى ولم يشربوا طلاً ... وما لغيوم الهمِّ لا تتقشَّع ويا قوم ما للشمس أظلم ضوؤها ... وما لجبيت البجر أيضاً مبرقع

أحقّاً خبا نورٌ من الله يسطع ... وغيِّب طود الحلم والعلم أدرع وقام على الشَّيخ الموفَّق نادبٌ ... من الدِّين يبكي فضله ويرجَّع لقد ماتت الآمال من أجل موته ... فكادت رحى الأفلاك إذ .... وناجت عليه الكائنات بأسرها ... وما كلُّ ذي سمعٍ لذلك يسمع وعيني اطأعتني بسفح دموعها ... عليه وقلبي بالصَّبابة أطوع ولم أبكه إلاَّ ذكرت مصيره ... فيضحكني ما كان من قبل يدمع ألا يا لقومي كيف سارت رجاله ... به وهو بحرٌ زاخر الموج مترع وكيف استطاعوا أن يروه ونوره ... كبرق إذا ما شامِّه الطَّرف يلمع عجبت له جنس الفضائل نوعه ... فما جنسه العالي وما يتنوَّع وكلُّ المعالي بعضه وهي دونه ... فما بعضه الباقي الَّذي هو ارفع فلو طالت الأعمار بالفضل لم يكن ... لموت على مثل الموفَّق مطمع ولو أنَّه بالمشرفيَّة يتقَّى ... حمتًه سيوفٌ دونه تتقعقع ولكَّنه حكمٌ من الله يستوي ... لديه ذليلٌ أو عزيزيٌ ممنَّع /133 ب/ أيا قبره هل أنت دار من الَّذي ... حويت ومن في قعر لحدك مودع فكعبة أهل العلم فيكً وإنّهم ... على فقدها أكبادهم تتصدَّع فأنت لنا بيتٌ نحجُّك قربةً ... إلى الله إلَّا إنَّنا لا نودِّع وإن لم تبلِّغنا إليك رواحلٌ ... أتتك قوافينا تخبُّ وتوضع وإنِّى على ما في ثراك مولَّهٌ ... وإنِّي إلى من حلَّ فيك مولَّع وها كبد يا لحرَّى عليك قريحةٌ ... وها جسدي ما فيه لليّقم موضع ولا غرو إن جفَّت دموعس فإنها ... بنار الجوى في كلِّ وقت تلدذَّع وقد تدمع العينان والقلب ضاحكٌ ... وقد يضحك الإنسان والقلب يدمع ومنها يقول: وبعد فلا زالت سحائب رحمةٍ ... من الله في لحد الموفَّق تهمع وأنشدني قوله موصياً نفسه: [من مجزوء الخفيف] نفسي النُّصح تنعمي ... وابتغي الله تغنمي

واسلكي منهج الرَّشاد تفوزي وتسلمي واحفظي الله تحفظي واتَّقي الله تعلمي /134 أ/ واعلمي بالَّذي علمت تزَّكي وتكرمي واقصدي الحقَّ في الجدال تسودي وتفهمي واهجري مربع الهوى ... واحذري مربعاً حمي واتركي الكبر تكبري ... وارحمي الكبر ترجمي واغفري إن بدئت يوماً بذنب تعظمي وأنشدني لنفسه، من أبيات: [من الطويل] وما الدَّهر إلاّ ما الممات ألذُه ... وما خير هذا الدَّهر إلاَّ عقاربه وما هو إلاَّ حيَّةٌ لان مسُّها ... وسمَّت بأنواع العذاب مضاربه وما زادت الأيام معرفتي بها .... ولا كسبتني غير ما أنا كاسبه لقد حنَّكتني النَّائبات ومن يكن ... كذلك لم تعظم لديه نوائبه فكن يا زماني كيف شئت فإنَّني ... حمولٌ إذا ما الخطب حطَّت ركائبه غفرت لك الزَّلاَّت إلاَّ مذلَّتي ... فلا كان حرٌّ بالذُّل جانبه ومن لم يذد عن مورد الذُّلِّ نفسه ... فذاك الَّذي كلُّ العيوب معائبه ومن يسلب الدُّنيا ولم يكسب العلا ... فما أخسر الإكساب إلاَّ مكاسبه وما قيمة الإنسان إلاَّ فعاله ... علت أو دنت أحسابه ومناصبه /134 ب/ وأنشدني لنفسه من أبيات أوّلها: [من البسيط] بما يعينيك من سحر ومن كحل ... وما بريقك من خمر ومن عسل وما بفيك من الدُّر النَّظيم ومن ... حسن الحديث الَّذي ماشين بالخطل وما بخدًّيك من ورد غنيت به ... فلم تزده أحمراراً حمرة الخجل وما بوجهك من حسنً إذا بزغت ... أنواره أخذ الإشراق في الطَّفل صلي محبَّاً صلي منكمً بنار جوًى ... تزيد وقداً على الإصباح والأصل فبي ليَّ النَّوم علَّ الطَّيف يطرقني ... ليلاً فاقطف ورد الخدِّ بالقبل

يا ويلتا من تجنيها وخلفتها ... إني لأمر هواها غير ممتثل تجني علي وترميني بما أكتسبت ... ظلماً وأسألها صفحاً عن الزلل وأفعل الشئ كي ترضى فيغضبها ... ياليت أ، ي لم أفعل ولم أقل تميل عني كل الميل ذاهبه ... مع الدلال وعنها القلب لم يمل أبكي إذا وصلتني خوف فرقتها ... كأنني في هجير الهجر لم أزل ترضى فيمنعني من أن أسر به ... علمي بما عندها من سرعه الملل إن كان مجنون ليلى قد مضى مثلاً ... فها أنا اليوم أقصى غايه الملل قميص يوسف إن قدته من دبر ... يد الغرام فقلبي قد من قبل /135 أ/يا من دنت فرمت قلبي لواحظها ... لما رنت بسهام العشق والغزل أذبت روحي فسال أدمعي ... وأي روح بنار الوجد لم تسل يزول رضوى على مر السنين وتبلى ... أعظمي ورسيس الحب لم يزل كل تنقل عن أحبابه مللاً ... منهم وفرط الَّذي بي غير منتقل حرمت منك المنى إن كان في خلدي ... يوماً سلوك أو أصغيت للعذل سمعي لديك وعيني غير ناظره ... إلا إليك وكل منك في شغل إن كان ظنك أو قول الوشاه سلاً ... حقاً فلا نلت أوطاري ولا أملي حذار من مقلتيها إن سحرهما ... في القلب أمضى من العساله الذبل غضوا نواظركم عن خال وجنتها ... فقد جنى لي جرحا غير مندمل قوموا أنظروا ما أباحت لي محاسنها ... من النحول وغالتني من الغيل وعللوني إذا ما خفتم تلفي ... بذكرها إنه يشفي من العلل ما ذاق بؤسي ولا ذاق النعيم سوى ... فتى بخمر الغواني والهوى ثمل ما كان ظني أن الأسد يأسرها ... ريم من الروم بين الحل والحلل /135 ب/ ولا حسبت بأذن العشق يشغلني ... عن العلوم ويلهيني عن العمل

أصبحت أروي أحاديث الغرام وما ... تجني النفوس بإسنادي عن المقل وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الكامل] أنا يا لذيذ الأتصال ... قلبي بنار الشوق صالي لما تملكت القياد ... قطعت اسباب الوصال قسماً بما كحلت به ... عيناك من سحر حلال ما لذلي بعد النوى ... طعم الحياه ولا حلالي يا من تفرد بالجمال ... فوجهه بالحسن حالي كم ذا التجني والصدود ... أما ترق لسؤء حالي أيس العزول وقد رأي ... ولعي به مما رجالي فأنا النذير إليكم ... مما جرى لي يا رجالي وأنشدني أيضاً لنفسه: [من المديد] أما وتوريد خديها وما كحلت ... به لواحظها من سحر هاروت وما روت لي عيناها وقد غشيت ... أجفانها سنه من علم ماروت لو أن وصلك يشري كنت أبذل ... ياقوتي وعيني له عيني وياقوتي /136 أ/ وأنشدني لنفسه؛ وقد سمع الخبر بتسليم البيت المقدس إلى الفرنج-خذلهم الله تعالى-: [من الطويل] تعالوا نقيم الحزن في مجمع الأنس ... ونصبغ أثواب المصيبه بالنقس ونعمل للأسلام أعظم مأتم ... كما أن عباد الطواغيت في عرس ونبكي دماً بعد الدموع وإنه ... قليل على ما قد أصبنا من القدس أيؤخذ فيه الأسلام فيه بقيه ... فواعجباً أين النخاه من الحمس عذيرك من ضرب النواقيس ... موضع الآذان وتبديل الأئمه بالقس مناماً أرى أم يقظه ما سمعته ... أحقا عباد الله أم خانني حسي لئن تم هذا الأمر لا تم أنه ... لأشهي إلى نفسي حلولي في رمسي

لئلا أرى داعي الضلال مصوتاً ... على المسجد الأقصى يؤذن بالنقس لعمرك هذا الرزء لا هلك هالك ... ولا سلب مال لا ولا عدم نفس وأنشدني أيضاً قوله: [من الكامل] أترى لمن أسر الفراق عتاق ... أم هل لشمس وصالنا إشراق أم هل تعود الدار تجمع بيننا ... فترى حدائق وصلنا اللأحداق /136 ب/ لولاكم يا سادتي لم تضطرم ... في مهجتي نار لها إحراق أنا من بعدكم سليم ليس لي ... إلا جميل وصالكم درياق وتهتكي فيكم لقد صنع الهوى ... بي ما تذوب لسطره الأوراق ما ليم قلبي فيكم إلا وقال ... هم المراد تكدروا أو راقوا ما دار لي ذكر السلو بخاطر ... هيهاتاك من المحب نفاق سوق المحبه ليس فيه لعاقل ... يبغى سلو العاشقين نفاق ما استنكح العشاق من عذر الهوى إلا وقيل لها النفوس صداق شرط الولي عليهم في عقدها ... أن لا يكون لها الزمان طلاق عبد الولي بن قراتكين بن عبدالله، أبو محمد الحكيم الفاضل البغدادي. كان والده مولى المستضئ بأمر الله-رضي الله عنه_اشتغل بعلوم الحكمه عن أبي الفتح يحيى بن حبش السهرودي، وأخذ علم .... عن فخر الدين محمد بن عبدالسلام، وصنف في الطب كتباً كثيره منها؛ كتاب ((شرح القانون لابن سينا))، /137 أ/ وكتاب ((الرد على فخر الرازي))، فيما أخذه عن ابن سينا، ((وأرجوزه في التشريح في الطب))، ((وأرجوزه في المعالجه من القرن إلى القدم))، ((وأرجوزه في الباه))، وكتاب ((الباه))، و ((نظم تذكره الكحالين)) أرجوزه، وكتاب ((الحاكم في الطب)). نزل سنجار، واتصل بملكيها عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي بن آق

سنقر، وبعده لولده قطب الدين محمد، وبعده لولده الملك العزيز شاهنشاه. فلما أخذت سنجار من بني أتابك، وصارت في يد الملك الأشرف شاه أرمن، رحل إلى آمد وانقطع إلى خدمه صاحبها الملك الصالح أبي الفتح محمود بن محمد، وبعدها لولده الملك المسعود مودود، ولم يزل بها مقيماً إلى أن مات سنه تسع وعشرين وستمائه عن ثمانين سنه. وأنشأ بسنجار مدرسه جعلها وقفاً على المشتغلين بعلم الطب، وأفيها القناه المشتهره المعروفه به إلى الآن، وكان إلى حين وفاته مكباً على التصنيف، والناس يختلفون إليه للأفاده. وله أشعار في المقطعات؛ أنشدني ولده/137 ب/ محمد، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من المتقارب]. وقائله قد أتلك المشيب ... فما آن للدرس من آخر فقلت علقت ببعض العلوم فقد ... غصت في بحره الزاخر وأنشدني أيضاً، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من الطويل] وواعدتني عند الفراق يزورني ... خيالك إذبان الكرى لجفوني وقد حاك ذاك الحال حتى كأنني ... خيال خيال في ضمير أمين وأنشدني، قال: أنشدني والدي لنفسه في الخضاب: [من الطويل] ولما رأتني قد خضبت تبسمت ... وقالت مضي طيب الزمان ورونقه فواعجباً عند الشباب هجرته ... أيطمع في هجري وقد شاب مفرقه وأنشدني، قال: أ، شدني والدي لنفسه: [من الكامل] في تليعفر للغريب مقاتل ... والضر بين أناسها مبثوث وقت الهجيره للذباب مباضع ... ومع الدياجي البق والبرغوث

ذكر من أسمه عثمان

ذكر من أسمه عثمان [383] /138 أ/ عثمان بن خمر تاش بن عبد الله، أبو عمر تركي الهيتي. كان شاعراً مقتدراً، في نهج سلكه، يرحل إلى الملوك، ويسترفدهم بشعره، وكان ظريفاً، خليع العذار، حافظاً لكثير من النوادر والأشعار، ويدعي علم المنطق والطب والنجوم. وقيل عنه: أنه كان متسامحاً في الأمور الدينيه، مخلاً بالصوات الخمس، متعلقاً على الفساد، وشرب المسكر-تجاوز الله عنا وعنه-بمنهوفضله-. روى شعره غير واحد من أهل الأدب. أنشدني أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن الحسين المريدي؛ قال: أنشدني عثمان بن خمرتاش لنفسه: [من الكامل] لا تغفلن عن حقد من أحرجته ... أما بأصلاح أو استئصال /138 ب/ إياك تحقره فكم من سوقه ... نفذت سهامه من الإقبال ولرب أمر لا يطاق دراكه ... وصلت إليه حيله المحتال وأنشدني أيضاً؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] لهجت بعلم الطب والشعر آملاً ... نوال ذوي الإبرام في الدهر والنقض

وبالغت في التدقيق من معنييهما ... فما رغبوا في حفظ نفسي ولا عرضي وأنشدني أبو المظفر يوسف بن الحسين بن يوسف بن العتايقي الشيباني؛ يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من رمضان سنه تسع وثلاثين وستمائه، بمدينه السلام، بجانبها الشرقي؛ قال أنشدني عثمان بن خمارتاش الهيتي لنفسه من قصيده: لم أدر والليله الغراء تجمعنا ... ونفحه الروضه الغناء تأتينا أنغمه الود أم أذيال عصبتنا ... أرق أم خمرنا أم ختل ساقينا وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] ذكر الصبا أصباك أم خلانه ... وهوى الحمى أبكاك أم جيرانه /139 أ/ مهلاً فما عطر الشبيبه عابراً ... أبداً عليك ولا الحمى وزمانه كانت لعمرك تلك لمعه بارق ... في جنح ليل والقضا لمعانه غلط الزمان بجمع شملك مره ... أترومه إذ قطعت أقرانه أو ما علمت بأن دهرك صفوه ... كدر وعند كماله نقصانه هب أن عينك عاينت رمل الحمى ... وبدا لها طلح الغوير وبانه ماكنت يومئذ بقلبك صانعا ... في منزل قد خانه سكانه قسما لئن رجع الزمان بحاجر ... يوماً وعاد من الصبا ريعانه ووشت بنشر رياضه ريح الصبا ... وصفت بشرقي النقا غدرانه فارقت نجداً والشباب فهل أري ... فرحاً بعيش غضه أفنانه أو راجياً لزمان لهوي رجعه ... من بعد ما ولى وفات أوانه وأنشدني، قال: أنشدني من شعره: [من الكامل] أن حان من وفد الحجاز قفول ... ونحا به أرض العراق دليل فسلوه هل نشر الحمى من بعدنا ... عطر وهل ذاك النسيم عليل وهل المغاني بالرياض أنيقه ... أم رسمها بعد الفراق محيل /139 ب/ فلقد صحبت بها الأحبه والصبا ... زمناً وظل العيش فيه ظليل وبلغت حظاً في جهالات الهوى ... لو كان للدهر الخؤون خليل

يا جيره الخيف الذين عرفتهم ... يوم المحصب والحجيج نزول وأكفنا تلقي الجمار وبيننا ... لحظ الأسرار القلوب رسول ما كان يوم النفر أرغد عيشنا ... ودم الهدايا في منى مطول لما تمكن من فؤادي حبكم ... بخل الزمان بكم وآن الرحيل خلفتموني بعد يوم فراقكم ... شبحاً تميلني الصبا فأميل هل إن وردت المأزمين نراكم ... يوماً فيشفى باللقاء غليل وتماط سجف قبابنا بربي قبا ... ويضمنا تحت الأثيل مقيل إن لاح برق من تهامه هاج لي ... طرباً وأني يطرب المقتول؟ وأظل إن هتف الحمام كأنني ... ثمل ترنح معطفيه شمول هلا بعثتم لي خبيراً في الصبا ,,, إني لأفهم ما النسيم يقول وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] لي بالبقيع وبالغري وكربلا ... والجانب الغربي من بغداد وبكرخ سامراً وطوس أئمه ... حبي لهم ذخري ليوم معادي /140 أ/ وأنشدني أبو فراس بن شبل بن أبي فراس الهيتي، قال: أنشدني عثمان لنفسه: [من الكامل] المال أفضل ما أدخرت فلا تكن ... في مريه ما عشت في تفضيله ما صنف الناس العلوم بأسرها ... إلا لحيلتهم على تحصيله وأنشدني أبو الفتح محمد بن بدل التبريزي، قال: أنشدني ابن خمرتاش لنفسه: [من مجزوء الكامل] لاتخضعن ولو بدت زرق الأسنه منك حمرا لابد من ورد الحما ... م فمت شريف النفس حرا

وأنشدني الياس بن توما بن عيسى البوازيجي، قال: أنشدني عثمان من شعره: [من الطويل] لعمرك ما أسم المرء عنوان دينه ... ولا معرب عن سعده وشقائه فكم من علي لا يرى حب حيدر ... وكم طلحه قد شاع فضل ولائه وقال: أيضاً: [من المتقارب] إذا أدبر الأمر لم يغن فيه ... حصافه رأي ولطف اجتهاد فسيان ناتف نبت العذار ... وخاضب لمته بالسواد /140 ب/ وقال أيضاً: [من الطويل] توخ مداجاه العدو توفعاً ... لفرصه مكان يسوغها الحزم وحاول بسهم الكيد حبه قلبه ... ولا تلتفت إلا وقد نفذ السهم وقال أيضاً: [من الطويل] إذا رمت تهذيب الرسائل فاعتمد ... على حسن خط في سهوله المنطق فأسمح مسطور سماعاً ومنظراً ... غرائب ألفاظ بخط معلق وقال أيضاً: [من الخفيف] أيها السائرون شرقاً وغرباً ... يخلطون السهول بالأوعار هل سوى باتكين بالبصره الغراء ... يرجى ندى وفي الأقطار ماجد جاد والغمام ضنين ... ووفى في زماننا الغدار وقال أيضاً: [من الكامل] ذو مال محبوب اللقاء مبجل ... بين الورى في أرضه وسمائه وإذا الفي صفرت يداه من اللها ... درست معالم مجده وبهائه وقال أيضاً: [من السريع]

شيئان لم يبلغهما [واصف] ... فيما مضى بالنظم والنثر /141 أ/ مدح أبنه العنقود في كأسها ... وذم أفعال بني الدهر وقال أيضاً: [من المتقارب] أخو العيش يكتم مهما أستطاع ... ما ربه حذر العائب وعشق الغلام إذا ما التحى ... بعيد عن الظن في الغالب وقال أيضاً: [من الوافر] ولي قلب لشقوته ألوف ... ينغص عيشتي طول الليالي ولو أني ألفت الهجر يوماً ... بكيت عليه في زمن الوصال وقال أيضاً: [من مجزوء الخفيف] إنما العيش قهوه ... وغلام مراهق فإذا ما عدمت هذين ... فالكل طالق وقوله يهجو: [من البسيط] قالوا هجاك أبن ميمون فقلت لهم ... لا تدخلوا بيننا بالهم يا حسده كم سجده سجد المأبون بين يدي ... ولم يقل سمع الله لمن حمده [384] عثمان بن محمد بن عثمان /141 أ/ بن علي بن محمد بن عثمان، أبو عمرو الشروابي. كان مولده بأصبهان، في شهر ذي الحجه سنه ثمان وستين وخمسمائه. كان فقيهاً شافعي المذهب؛ قرأ على الأمام فخر الدين أبي الفضل محمد بن عمر الرازي، وهو من جمله تلاميذه، وأخذ عنه العلوم الدينيه. ترك مدينه إربل في شهر ربيع الأول سنه ثلاثين وستمائه؛ مستجدياً سلطانها الملك المعظم مظفر الدين-رضي الله عنه-فخاب أمله، وخفق سعيه، ولم يحظ منه

برزق، ثم خرج منها سريعاً ولم ألقه. وله شعر؛ أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد السيد بن أحمد البغدادي الإربلي؛ قال: أنشدني أبو عمرو الشروابي لنفسه من قصيده أولها: [من الطويل] تذكرت أياماُ مضت بربي نجد ... فكاد فؤادي أن يطير من الوجد رأى صاحبي مدرار دمعي فصاح بي ... ترفق فكان الدمع من أضعف الجند وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] إذاا تنفس عن واديك ريحان ... تأرجت من قميص الصبح أردان ون تغنت على أيك حمامته ... يعاود القلب من ذكراك أحزان [385] عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمر الفقيه المالكي الأديب النحوي العروضي.

أصله من دوين، بلد ضمن نواحي تفليس، ومولده بإسنا-من قرى الصعيد مصر الأعلى- يقرب من سنه سبعين وخمسمائه. وكان والد يعرف بحاجب الأمير عز الدين موسك بن جكوبن موسك، أمير مشهور من أهل دوين، وكان والياً بإسنا أيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي_رضي الله عنه-. وكان إماماً فاضلاً أديباً فقيهاً مالكي المذهب مصنفاً شاعراً، نزل مصر، وقرأ القرآن العزيز بالروايات السبع على أبي الجود الغياث بن فارس بن مكي اللخمي بالقاهره، وسمع على أبي القاسم فيروز بن أبي القاسم الشاطبي، كتاب التبين في القراءات، وحضر مجالسه في إقراء النحو من الإيضاح والمفصل، وقرأ على ابن البناء كثيراً من العربيه، وقرأ أصول الفقه على أبي المنصور /142 ب/ظافر بمصر، وسمع الحديث على أبي القاسم هبه الله بن البوصيري، حتي لم يكد يفوته شئ من مسموعاته، وأبي الثناء حماد بن هبه الله الجراني وغيرهم. وانتقل إلى دمشق سنه سبع عشره وستمائه، ودرس بها الفقه المالكي بالمدرسه المالكيه التي أنشأها نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنفر-رضي الله عنه-والنحو، والأصول، والفقه، وضورب الأدب. وصنف كتباً منها ((إملاء شرح المفصل))، و ((ومقدمه مختصره))، وإملاء عليها كالشرح، و ((قصيده في العروض على قافيه اللام في البسيط))، تزيد على المائه قليلاً؛

وقال: لم أسبق إلى مثلها، وكتاب في أصول الفقه سماه ((بمنتهى الأمل والوصول في علم الأصول)) سفر واحد، كتاب في مذهب الأماممالك-رضي الله عنه-ولي منه إجازه كتبها لي بخط يده. أنبأني لنفسه، ونقلته من خطه: [من البسيط] قد كان ظني أن الشيب يرشدني ... إذا أتى فذا غيي به كثرا يا واسع الرحمه اغفر واعف عن زللي قد عم عفوك من يأتيك متجرا /143 أ/ إن خص عفو إلهي المحسنين فمن ... يرجو المسئ ويدعوه إذا عثرا وقال أيضاً: [من البسيط] إن غبتم صوره عن ناظري فما ... زلتم حضوراً على تحقيق في خلدي مثل الحقائق في الأذهان حاضره ... وأن ترد صوره من الخارج تجد وقال في المعنى: [من الخفيف] إن تغيبوا عن العيون فأنتم ... في قلوب حضوركم مستمر مثلما قامت الحقائق في الذهن ... وفي الخارج لها مستقر وله قد قال يوماً: وقد بحث الجماعه في قداح الميسر؛ فقال بعضهم: لو كانت منظومه لكان حسناً؛ فقال بديهة: [من الخفيف] هي فذ وتوام ورقيب ... ثم حلس وناكس ثم مسبل ومعلى والوغد ثم فسيح ... ومنيح هذي الثلاثه تمهل ولكل مما سواها نصيب ... مثله أن يعد اول اول [386] عثمان بن إبراهيم بن علي /143 ب/ بن أحمد بن محمد بن سالم بن مالك، أبو عمرو الرصاصي الإربلي.

نسبه إلى عمل الرصاص؛ هكذا نسب نفسه؛ ثم ادعي أنه من أبناء شرف الدوله أبي المكارم مسلم بن قرواش العقيلي، ويعرف بإربل ابن كشكسه. وهو إربلي المولد والمنشأ، معدود في شعرائها، يمدح ويهجو، ونظم أرجوزه هجا بها أصحاب الديوان والمقدمين بإربل، مزق فيها أعراضهم، وشاعت عنه، وانتشر ذكرها، فخرج بسببها هارباً خائفاً نحو بلاد الجزيره، فأقام برهه من الزمان ينتقل من مدينه إلى أخرى، ثم عاد الى إربل وبقي بها ينقش سكك الدنانير في دار الضرب لمالكها الملك المعظم مظفر الدين أبي سعد كوكبوري بن علي بن بكتكين-رضي الله عنه- إلى حين وفاه مظفر الدين. ثم خبرت أنه توفى في يوم الأربعاء خامس عشر المحمرم سنه اثنتين وثلاثين وستمائه. أنشدني لنفسه؛ يذم إربل وأهلها، ويمدح الصاحب شرف الدين أبا بركات المستوفي-: [من الوافر] تعز فإنه برق جهام ... وما لسحابه أبدا سجام /144 أ/ ولا تستسق عارضه بنوء ... فإن سقاء عارضه سمام وجرد سيف عزمك من جفير ... الأقامه وارتحل فلك الذمام وباين ربع إربل وانا عنها ... فليس لعاقل فيها مقام وكيف ترى الثواء بأرض قوم ... بها الأبريز عدل والرغام هلا فارحل قلوصك عن أناس ... هم عن كل مكرمه نيام إذا ناري القرى وقدت لقوم ... لنار الكي عندهم ضرام إذا ما قيل ضيف جاء يلفى ... كأن غشاء أوجههم قتام إذا ذكر الفخار فلا فخار ... وإن عد الكرام فلا كرام تكاد بهم تغور الأرض لولا ... ابن موهوب له بهم اهتمام وزير إن تباخلت الغوادي ... فوابل كفه غدق سجام

من القوم الذين زكوا وطابوا ... وصلوا بعد فرضهم وصاموا حياه مسالميه وللأعادي ... وإن ملأ الفضا موت زؤام تشاغل بالمعالي عن سواها ... إذا ما أشغل الناس الحطام يرام منال كيوان المعلى ... ومسلك نهجه ما لايرام وفود عفاته في كل يوم ... له بمقيل عرصته إزدحام وأنشدني أيضاً، لنفسه في بمعنى: [من السريع] يا رؤساء الناس من إربل ... ما اغرب الخير بناديكم حرام من جائكم سائلاً ... وأخيبه المسعى لراجيكم لو جمعت كل حساب الورى ... أعياهم عد مساويكم لا نيلكم يرجى ولا جاركم ... يحمى ولا يخشى معاديكم منكم أنا لكن طباعي أبت ... أني على اللؤم أداجيكم .... عذري فإني إمرؤ ... ما قلت إلا بعض ما فيكم وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الوافر] يواصل مانحاً فيصير مني ... بمنزله المزاج من الشراب ويقطع عاتباً حبلي إلى أن إخال وصاله طيفاً سرى بي بديع لو بدا للشمس يوماً ... بغرته توارت بالحجاب سقاني الكأس يوم السبت صرفاً ... بسكرته ................ وأنشدني أيضأ قوله: [من الطويل] ربوع أراها بالكثيب طوامسا تأبدن أحقاباً وكانت أوانسا /145 أ/ محتها الغوادي والرياح فغيرت ... معالمها حتى غدون دوارسا وعهدي بالآرام يلعبن في الضحى ... بأرجائها يخطرن دلاً موائسا ظباً من بنات العامريين إن رنت ... تظل لها أسد العرين فرا~سا تخذن بأثناء الضلوع مراتعا ... وفي وسط حبات القلوب كنائسا

[387] عثمان بن نصر الله بن محمد بن أبي هندي بن أبي النجم بن رافع بن جامع بن جعفر البزار، أبو عمرو بن أبي الفتح الموصلي. كانت ولادته في شهر الله رجب سنه ثلاث وخمسين وخمسمائه بالموصل، وتوفي بها يوم الخميس تاسع ربيع الأول سنه ثلاثين وستمائه. وهو من بيت مشهور في الموصل باليسار والثروه، واستظهر القراءن الكريم، وكان تاجراً، يسافر من البلاد العراقيه إلى الديار المصريه. فكف بصره، وترك التجاره، ولازم بيته، وواظب على الصلاه وقراءه القراءن حتى صار يختم بين ليلته ويومه ختمه يدرسها. وكان قد سمع الحديث بالأسكندريه على الحافظ أبي ظاهر أحمد بن محمد /145 ب/ ابن أحمد الأصفهاني السلفي. وكان له طبع في النظم من غير أن يقرأ أدباً ونحواً. وشعره مدون أجازني جميع رواياته وأقاويله. أنبأني لنفسه في غلام أسمه يلبا: [من الرمل] نظرت عيناي بالبدر طالعاً ... مشرقاً ما بين أزرار القبا بقوام يخجل الغصن إذا ... هزه مر نسيمات الصبا وعذار حل من ابنته ... يفتن العجم به والعربا قلت من هذا الَّذي خصه ... الله بالحسن فقالوا أيلبا أترى ينعم بالوصل فقد ... هد عمري وفؤادي سلباً والهوى أوقعني في أسره ... ما احتيالي إن تجني أو أبي وأنبأني أيضاً لنفسه، واوائل هذه الأبيات أحرف محاسن: [من المتقارب] متي يسمح لي الدهر بالوصال ... ونرجع لذات نكد الليالي حدا بالأحبه حادي الفراق ... وشط المزار فكيف احتيالي إذا جن ليلي بذكر أسمه ... أعلل قلبي بطيف خيال سألت إلهاً قضي بالفراق ... يمن علينا بطيب الوصال

/146 أ/ نعود إلى طيب أوطاننا .. برغم العدو على كل حال [388] عثمان بن سعيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن تولوا، أبو عمرو السلمي، وقيل القرشي التوزري. وتوزر من قطر أفريقيه، وكان منأهل الشعر والعربيه، فاضلاً متميزا. أنشدني أبو محمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف التجاني اللخمي؛ قال: أنشدني أبو عمرو بن عثمان بن سعيد لنفسه في غلام قد جر رمحاً في يده: [من الكامل] أغناك قدك أن تجر مثقفاً ... وحماك لحظك أن تقلد مرهفاً فعلام تحمل وزر نفسك حاملاً ... أوزار هاتيك الحروب تكلفا وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه، وقد احترقت خزانه الملك الأشرف، ولم يسلم بها غير مصحف كان بها: [من الطويل] ولما قدحت الزند زند عزيمه ... معوده النصر الفضائل والنقا أطار شراراً بعضه ما رأيته ... غداً لسوى آيات ربك محرقا /146 ب/ وأنشدني من سمعه ينشد لنفسه: [من الكامل] شكوى الزمان إلى سوالك محال ... يا من عليه متي أفتقرت احال تأبى الفضائل قصد غيرك للغني ... أبغير جودك تضرب الأمثال والله لولا أن غدوت كما ترى ... ماحط من قدري لديك سؤال ولا لزمن رياضه ترضيكم ... من حسنها التفصيل والأجمال

ذكر من اسمه علي

ذكر من اسمه علي [389] علي بن محمد بن علي بن رستم، أبو حسن الدمشقي الخراساني، المعروف بابن الساعاتي. شاعر حشو ابراده، محسن في إصداره وإيراده؛ فرد زمانه في صناعه القريض، بحر خاطره متدفق يفيض، ذو قول أبهج من أنيق الرياض، وأخلب للقلوب من غمزات الحدق المراض. فلله دره! ما أعذب كلامه، وأحسن نظامه، وأحلي قطوفه ومجانيه، وأرق الفاظه وأدق معانيه! ، يكاد ماء الحسن يقطر من أطرافه، ويرى بالجوهر النفيس في ترصيفه /147 أ/ وائتلافه. مدح الملوك من بني أيوب مع رؤساهم ووزارئهم وامراء تلك الديار. وديوان شعره موجود، يدخل في مجلدتين، أحسن فيه ما شاء؛ يدل على فضله وغزاره علمه وتمكنه من الأدب، ولطافه مزاجه، وجزاله عباراته، وملح استعارته.

وكان مع ذلك شاباً سرياً جميلاً لطيفاً، مليح الصوره، مطبوع الشمائل، ولد في سنه اربع واربعين وخمسمائه، وتوفي في شهر رمضان سنه أربع وستمائه بالقاهره، بالديار المصريه-رحمه الله تعالى-. أنشدني أبو منصور بن يوسف بن أبي منصور العصافيري الموصلي؛ قال: أنشدني ابن الساعاتي لنفسه مبدأ قصيده: [من الطويل] ألمت سليمي والنسيم عليل ... فخيل لي أن الشمال شمول كأن الخزامي صفقت منه قرقفاً ... فللكسر أعناق المطي تميل شديد إلى باب البريد حنينه ... وليس إلى باب البريد سبيل منازل أما ماؤها فمصفق ... زلال وأما ظلها فظليل نحلن وما قولي نحلت تعجباً ... هل الحب إلا لوعه ونحول /147 ب/ وأنشدني لنفسه في السعيد بن سناء الملك، وقد وقع عن بغل له، وكان يسمى البغل الجمل: [من البسيط] قالوا السعيد تعاطى بغله نزقاً ... فزل عنه وأهل ذاك للزلل فقل له لا أقال الله عثرته ... ولا سقته بنان العارض الهطل أبغضت بالطبع أم المؤمنين ولم ... تحبب أباها وهذي وقعه الجمل وقال أيضاً: [من الوافر] أتهويما وليل الهم داجي ... فهات من السلاف سنى السراج وأطلع بالسقاه بدور تم تدير الشمس في صبح الزجاج ونصليها رماحاً من الشموع ... لوامع تحت رايات الدياجي ولو ركبت لتقتنص الأماني ... بنان يدتسالم في الهياج تجيد الضرب لكن في مقام ... دخان كبابه رهج العجاج

بكي الرواق مرجاناً نثيراً ... ونظم لؤلؤاً أضحك المزاج فقد نسج الحيا جسراًوحلى ... بدر النور اجساد الفجاج وأرشفها ثغوراً من أقاح ... صوامت وهي مفصحه النتاج /148 أ/ كأن الأرض وجه من حبيب ... تبلج عن سرور وابتهاج وأغيد فاتن الحركات يسطو ... بأدمع فاتر اللحظات الساجي يتيه بوجنه كالورد حسناً ... يحيط به عذار كالسياج كما نمنمت خطاً ذا خفاء ... على سطحين من ذهب وعاج وجسم حسم داء الوجد فيه ... إذا ما الهم جل عن العلاج فغصن البان منه في اهتزاز ... ودعص الرمل منه في ارتجاج ونقطه خاله والصدع نور ... يروقك بانفراد وازدواج كأن الليل قبل خد الصبح ... فأثر ذاك حسن الأمتزاج وقال من قصيده: [من الكامل] عج بالحمى ومهفهفات غصونه ... وحدار من غيد الكثيب وعينه من كل وسنان كأن لحاظه ... نصلت ذوابل قومه من دونه كيف الخلاص لمن هواه هوانه ... في حبه ومناه ريب منونه ما كدت تغلبني جيوش جماله ... لولا العذار يمدها بكمينه كالسيف يعرف حده من هزه ... خشناً ويعرف صفحه من لينه أهدي إلى الأغصان لين قوامه ... وأعار جسم الصب سقم جفونه /148 ب/ تتقابل الأضداد عند محبه ... في حسنه فتبين عن مكنونه فسقام مقلته لصحه لفظه ... وظلام طرته لصبح جبينه وكتب إلى صديق له يلقب بالنجم-صدر كتاب-: [من الطويل] وأبيض من نجل الكرام كأنما ... خلائقه في لطفهن ابنه الكرم تجلى ظلام الدهر عني بوجهه ... واقلع صرف النائبات عن الظلم

وأني لأستجدي العلا من جنابه ... وما خاب مستجدي المعالي من النجم وكتب إلى تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي؛ وقد ابل مرض: [من الطويل] ليهن الورى برء العلا والفضائل ... هناء الثرى بالمدجنات الهواطل لقد شرحت صدر الورى قسماته ... وردت وضوحاً في وجوه الأصائل واصبح قس ماثلاً في اياده ... وانشر بعد اليأس سحبان وائل سقت أنمل السحب بلاد لأجله ... واتام بعد العقم حمل الخمائل له حل في الآفاق حبوته الحياً ... فحلت أيادي مزنه كل عاطل /149 أ/ وهز قدود البان ناشيه الصبا ... كما هز عطف الشرب قهوه بابل وقال: بديهة: [من الطويل] وصاحب أنس أن تعشق الفضل نفسه ... وحسبك ذو نفس تيممها الفضل أخو فطنه لم يمزح العيش وده ... ولا هز من عطفي رصانته الجهل وقال أيضاً بديهة: [من الكامل] يا صاحبي والأفق قد لبس الدجى ... وكواكب الظلماء لم تتقوض حيث المجره في السماء كأنها ... ماء جوانبه تشاب بعرمض أو ما ترى لون السماء كأنه ترس يناط من الهلا بمقبض وكأن كل شهاب رجم ثاقب ... سهم أصاب وربه لم ينبض أو إبره نفذت رداء ازرقاً ... والنور يتبعه كخيط ابيض وقال في صبي أصفر اللون من غير عله، وقد سئل ذلك: [من الخفيف] وبروحي من وجهه شفقي اللون ... كالشمس روعت بالفراق

لا لدا لكنَّه عمَّ جدا ... لم يدع غير هائم مشتاق راق ماء الجمال في وجنتيه ... فهو مرآة أوجه العشاق /149 ب/ وقال في شجر المشمش: [من الطويل] ألست براء كلَّ يا نعة غدت ... جني كل غصن يانع متأود إذا قابلتك شمس الآصائل خلتها ... كواكب تبر في سماء زبر جد وقال بديهاً في البدر على الماء: [من البسيط] أما ترى البدر يجلوه الغدير غدت ... تحفُّه قضب بالنور في لثم كخوذة فوق درع حولها أسلٌ ... سمر اسنتًّها مخضوبةٌ بدم وقال أيضاً: [من الكامل] ولقد نزلت بروضة حزنيَّة ... رتعت نواظرنا بها والآنفس فظللت أعجب حيث يحلف صاحبي ... والمسك من نفحاتها يتنفَّس ما الجوُّ إلاًّ عنبر والدوح إلا جوهر والروض إلا سندس سفرت شفائفها فهم الأقحوان بلثمها فرنا إليه النرجس فكأنَّ ذا خدٌ وذا ثغر يحا ... وله وذا أبداّ عيونٌ تحرس وله وقد حضر قبل خروجه من دمشق مع جماعة من الأصدقاء بالنيرب /150 أ/ على شرا ب وعندهم سقاة كالشموس؛ وجاء مطركثير ورعد وبرق؛ فسألوه أن يسم ذلك اليوم بشئ؛ فقال بديهاً: [من الكامل] لله يوم النَّيربين ووجهه ... طلقٌ وثغر اللهو ثغرٌ اشنب وكأنَّما فنن الأرآكة منبرٌ ... وهزارها فوق الذِّوائب يخطب والرَّعد يشدو والحيا يسقي وغصن البان يرقص والخمائل تشرب

وكأنَّما الساقي يطوف بكأسه ... بدر الدُّجى والكفُّ منه كوكب بكرٌ بها نقع الغليل ومعجب ... نقع الغليل بجذوة تتلهَّب يفتضٌّها ماء الغمام ويا له ... عجباً غداة الدَّجن وهو لها أب حمراء حاربنا الصُّروف بصرفها ... فزجاجها يدم الهموم مخضَّب والقطر نيلٌ والغدير سوابغٌ ... موضونةٌ والبرق سيف مذهب وكتب عند وصول البشير إلى الأجل صفي الدين أبي الفتح نصر بن القابض؛ يهنثه ويشكره على حسن عنائه, وكان قد كثر الإرجاف على الملك الناصر /150 ب/ صلاح الدين يوسف بن أيوب ـ رضى الله عنه -: [من الكامل] سر الحسود بما أساء وأرجفا ... والله مما كنت خائفة كفى بعث الشفاء إلى الزمان وأهله ... من بعد ما كانوا وكان على شفا وافى البشير فكان كل مؤمل ... لقياه يعقوباً ويوسف يوسفا أهدى السرور إلى القلوب كتابه ... عظمت به النعمى وكان ملطفا نباأهو الماء الزلال أتى على ... ظمأ فأطفا لوعةً وتلهُّفا من كإبن أيوب ومن كصفيه ... نصر إذا ما النصر أعوز والصَّفا لسما سمو الشمس في صدر الضُّحى ... وفللت بالعزم الحسام المرهفا وكلآكما محيي السَّماح وقد ثوى ... ومثبِّتٌ حلم الزمان وقد هفا أعطى ومن على المسيء بعفوه ... عنه فأنشر حاتما والآحنفا ففدى صلاح الدين كلُّ متوجٍ ... كالنجم يفدي الشمس من أن تكسفا وبقيت تعضده وتحمي سرب دولته إذا خطب أغدَّ وأوجفا فلقد ذوى روض الثَّناء كأهله ... فأعدته بندى يديك مفوفا وصفا معين الرفد فهو مصفق ... وحلفت لولا راحتاك لما صفا /151 أ/ وسواك إما جدَّ جدَّ تصنعا ... منه وإما جاد جاد تكلفا حطت البلاد وما سللت لحفظها ... سيفا ورعت وما هززت مثقَّفا بخلائق غيد وبأس تحتها ... خشن كما نبع الزلال من الصفا

همم جمعن المجد ثم شددن منته وكان مبدَّداً مستضعفا وسلكن نهجا واضحاً هو العلا ... جدد يؤم مدى الزمان ويقتفى فلك الهناء وللورى بك إنها ... نعمى شفت نضو العلاء المدنفا وقال من قصيدة: [من الطويل] شكوت هوى في مثله تسمع الشكوى ... فما عن من أشكو إليه ولا ألوى صبابة قلب يحمد الموت عندها ... وإن كان مذموما وتستعذب البلوى وإنى لأباء على كل عاذل ... إذا ما حوى رقى هضيم الحشا أحوى وما الناس في التمثيل إلاً قصيدة ... هم اللفظ من أبياتها وهو الفحوى وهوب إذا ما النجم أخلف نوءه ... وقور إذا ما طاش من حادث رضوى مناقبه شهب الليالي فلا خبت ... ومنزله ربع المعاني فلا أقوى وقال من أبيات: [من الكامل] أنظر إلى نسج الربيع وحوكه ... والشمس ترقم والسحائب تحبك /151 ب/ والأرض تجلى في معارض سندس ... والنهر ردن بالنسيم يفرك حيث الوجوه من القاع سوافر ... والأقحوان بها ثغور تضحك فعقولنا وهي المراتع تجتلى ... وقلوبنا وهي العرئس تملك وفضاء هاتيك السماء معنبر ... ونسيم ذاك الجو منه ممسك والطل في جيد الغصون منظم ... وعلى السهول مبدَّد لا يسلك كم فض من بطحائها من فضة ... بدد وتبر لو يصاغ ويسبك ومنها: عجبا تخاف الفقر أو ترجو الغنى ... ويداك تأخذ ما تشاء وتترك فاهجر معاتبة الليالي واصلاً ... دم كرمة في عرس لهو يسفك سخط الأنام على الزمان وصرفه ... ورضا الخلائق غاية لا تدرك ونهاية الدنيا وموعد أهلها ... ملك يزول وستر قوم يهتك

كم لذة فيها تشاب بذلة ... أمنية هي بالمنية تنهك تحلو فتعقب غصة ومرارة ... وتحب وهي بنا تصول وتفتك فأعجب لهذا الكون من متحرك ... يلقى السكون وساكن يتحرَّك وقال يمدح الملك المظفر / 152 أ/تقي الدين أبا الفتح عمر بن شهنشاه بن أبوب: [من الكامل] وافى فهز من القوام مثقَّفا ... ورنا فسَّل من اللَّواحط مرهفا ثمل القوام كان رقة جسمه ... ماء صفا وفؤاده مثل الصفا يحبو الغزال بجيده وبلحظه ... والغصن يمنحه القوام الأهيفا با عطفه كيف الملاذ بعطفه ... هلاَّ تعلم منك أن يتعطفا متدلل خلف الحمام وعنده ... وعد الوصال أخا الحياة فأخلقا جد بالشفاء لعاشق أسقمته ... يمسي ويصبح من هواك على شفا ودع الصدود فمأ أطيق زيادة ... عندي من الوجد المبرح ما كفا يا مانعي طرفاً لقلبي خاطفاً ... ومقبلاً خصراً مخطفا ما الخال نقطة قد صدغك إنما ... قلبي محبته حباه تلهفا وكفاك عذرك إنما صدغاك قد ... كتبا على مرآة وجهك أخرفا زهر وللزهر الحياة من الحيا ... تجنيه من نار الحياء مفوَّفا ومنها في المدح: متايد حلماً فإن عرضت له ... فرض السماح فما أغذَّ وأوجفا /152 ب/ أعطى على عدم وقد ضن الحيا ... ووفى على مضض وفد غاض الوفا كم منية أهدى وذى زيغ هدى ... وحشاشة أحيا ومال أتلفا يعطيك عفواً أو يسامح مذنباً ... عفواً إذا غضب الكريم وسوَّفا جود وحلم لا تؤبن بعده ... لابل تؤنب حاتماً والأحنفا نيطا بعزم لا يقال له ونى ... خوراً ورأي لا يقال له هفا

لطفت كما لطف الزُّلال خلاله ... وصفت موارد راحتيه كما صفا في السلم ماء وهى نار في الوغى ... موت إذا يسطو حياة إن عفا وقال يمدح الملك الأفضل نور الدين أبا الحسن علي بن يوسف بن أبوب, حين قدم دمشق مالكاً لها في جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة: [من الخفيف] ما على الركب من تلافي تلافي ... بين تلك الغصون والآحقاف يا خليلي بالحمى ضاع قلبي ... بين بيض الدمى وسود الآثافي بي ماضي الحسام واللحظ في العشاق لدن القناة والأعطاف رشا جفنه سقيم صحيح ... هو باللحظ مسقم وهو شافي /153 أ/ ثقف الحسن قدُّه مثلما ثقف قدَّ القناة حسن الثقاف شغفتني شمائل منه في البان ومعنى من ريقه في السلاف يا ولاة الهوى قدرتم مع الضعف ... ودنتم بقلة الإنصاف من لخد به من الدمع خدَّ ... وفؤاد صب إلى الهيف هافي حيث ذل القلوب للوجد في الأطلال ذل الحضور للأرداف ومنها: وليال شفت غليلاً ووجداً ... فلها في القلوب وخز الأشافي مشرقات كطلعة الملك الأفضل ... بحر العفاة والأضياف ومنها: أصبحت جلق به جنة الخلد ... وباتت فسيحة الأكناف لا ترى غير عين ماء بها نجلاء في وجه روضة ميناف أى بعل جلاً عليه عروس المدن بعد النشور يوم الزفاف

لم يزل قبل ذلك الخطب خطب ... والليالي شديدة الإلحاف في رقيبي صدودها والتَّجنيِّ ... وردائي جمالها والعفاف أي بشرى للخيل جلَّت عن الشكر ونعمى نداكم الأحقاف /153 ب/ حملت خير من تحلَّت به يوم مصاع عواطل الأسياف قمراً في نجوم خطيِّه الآسمر جادت به سماء الفيافي فأتى رحمة كما أقبلت ... غر الغوادى حوافل الآخلاف طود حلم عن المسيء فإن شيم نداه فمزنة الآلطاف وقال أيضاً من قصيدة: [من الطويل] شهيدا غرامي أدمعي وسجومها ... وخصما ولوعي بابل ونسيمها أنست بوجودي فىظباء كناسها ... فلست على إلف النفارألومها لقد نحلت أجفانها وخصورها ... كما نحلت أجسامنا ورسومها وحتًّام أشكو الحب والحب ظالم ... إلى سلوة أعيا فؤادي حليمها فكم حلبة للغيث دمعي جوادها ... وكم وقعة للجود صبري هزيمها ولولا الهوى ما غرَّ قلبي غريرها ... ولا رام أن يسطو على الأسد ريمها [390] عليُّبن محمَّد بن يوسف بن يحي, المعروف بابن النبيه أبو الحسن, المصريُّ الربعيُّ كان من مفاخر المصرين, ومحاسن الشعراء العصريين؛ شاغراً /154 أ/ملء

جلبابه، أبرَّبقوله على نظرائه وأضرابه, ذا عارضة في النظم شديدة, يتوصل بلطيف ذهنه إلى الأغراض البعيدة, حسن المعاني أنيقها, حلو الألفاظ رشيقها, شعره في تهايتة الحلاوة, ياوح عليه رونق الملاحة والطراوة. وكان يتولى بمصر ديوان الخراج والحساب, ومدح الملوك من بني أيوب, ووزراء تلك الدولة وأكابرها؛ ثم اتصل بخدمة الملك الأشرف مظفر الدين أبي الفتح موسى بن محمد بن أيوب بن شاذي, فانتظم في سلك شعراء دولته, وسكن نصيبين, وبها مات في سنة تسع عشرة وستمائة؛ فقال الملك الأشرف عند موته, وكان معجباً بمحاسن شعره, وما يأتي به من بديع الكلام"مات رب القريض". أنشدني أبو المجد أسعد بن إبراهيم الكاتب النشابي الإربلي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن محمد بن النبيه المصري لنفسه؛ يمدح الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين أبا العباس أحمد- رضوان الله عليه-[من البسيط] باكر صبوحك أهنا الغيش باكرهٌ ... فقد ترنَّم فوق الآيك طائرهٌ /154 ب/ والليل تجري الدَّراري في مجرَّته ... كالرَّوض تطفو على نهر مزاهرهٌ وكوكب الصُّبح نجَّابٌ على ... يده مخلَّق تملأ الدُّنيا بشائرهٌ فانهض إلى دوب يا قوت له حببٌ ... تنوب عن ثغر من تهوى جواهرهٌ حمراء في وجنة السَّاقي لها شبهٌ ... فكم جناه مع العنقود عاصرهٌ؟ ساق تلوَّن من صبح ومن غسق ... فأبيض خدَّاه واسودَّت غدائرهٌ بيضٌ سوالفه, لعسٌ مراشفه ... نعسٌ نواظره خرسٌ أساوره مفلَّج الثَّغر, معسول اللما غنجٌ, ... مؤنَّث الخضر, عبل الردف وافرهٌ كأنَّه بسواد الصُّدغ مكتحلٌ ... أوركبت فوق صدغيه محاجرهٌ نبيُّ حسن أضلَّته ذوائبه ... وقام في فترة اللأجفان ناظرهٌ

فلو رأت مقلتا هاروت آيته الكبرى لآمن بعد الكفر ساحرهُ قامت أدلَّه صدغيه لعاشقه ... على عزول أتى فيه يناظره خذ من حبيبك ما أعطاك مغتنماً ... وأنت ناه لهذا الدَّهر آمره فالعمر كالكأس تستحلى أوائله ... لكنه ربما مجَّت أواخره وكيف يخذل في يوم المعاد فتى ... والناصر ابن رسول الله ناصره /155 أ/ إمام عدل لتقوى الله باطنه ... وللجلالة والإحسان ظاهره تجسَّد الحقُّ في أثناء بردته ... وتوِّجت باسمه العالي منابره له على سرّ ِستر الغيب مسترقٌ ... فما موارده إلاَّ مصادره راع بطرف حمى الإسلام ساهره ... ساط بسيف أباد الكفر شاهره في صدره البحر أو في بطن راحته ... كلاهما يغمر السؤَّال زاخره يقضى بتفضيله سادات عترته ... لو كان صادقه حيا وباقره كلُّ الصِّلاة خداجٌ لا تمام لها ... إذا تقضت ولم يذكره ذاكره كل الكلام قصير عن مناقبه ... إلاَّ إذا نظم القرآن شاعره محجب في سجوف العز فرجت ... عن نور وجه يباهي الصبح باهره رأيت ملكاً كبيراً فوق سدَّته ... جبريل داعيه أو ميكال زائره طوراً أضاءت لموسى نار جذوته ... حتى أنجلت لمناجاة بصائره نضاه سيفاً على أعداء دولته ... ما كلُّ سف له تثنى خناجره فضل أصطفاء أتى من غير مسألة ... يغنى به عن أخ برَّ يؤازره تهنَّ نعمى أمير المؤمنين ودم ... يا أيها الأشراف الميمون طائره بحدً سيفك آيات العصا نسخت ... إذا تفر عن يوم الرَّوع كافره /155 ب/ سل الكلى والطلى يا من يسجله ... فالرمح ناظمه والسيف ناثره تنجست بدم القتلى صوارمه ... وطهرت بيد التقوى مازره نض النوال سريع البطش متَّئد ... كالدهر يرجى وما تخشى بوادره إذا حبا أغنت الأيدى مواهبه ... وإن سطا سدت الدنيا عساكره أين المفرُّ لمن عاداه من يده ... والوحش والطير أتباع تسايره؟

إن يصعد الجو ناشته خواطفه ... أو يهبط الأرض غالته كواسره يا جامعاً بالعطايا شمل عترته ... كالقطب لولاه ما صحت دوائره إن جاد شعري فهذا الفضل علمني ... من غاص في البحر جاءته جواهره وقال يمدح الملك الأشرف, مظفر الدين, أبا الفتح, موسى بن محمد بن أبوب بن شاذي: [من البسيط] الله أكبر ليس الحسن في العرب ... كم تحت كمة ذا التركي من عجب! صبح الجبين بليل الشعر منعقد ... والخدُّ يجمع بين الماء واللهب تنفَّست عن عبير الراًح ريقته ... وافتر مبسمه الشهدي عن حبب لآفي العذيب ولآفي بارق غزلي ... بل في جنى فمه أو ريقه الشنب /156 أ/ ثغر إذا ما الدُّجى ولى تنفس عن ... ريح من الندَّ أو ضرب من الضرب كأنه حين يرمي عن حنيته ... والهائم الصب فيها غير مقترب أليس من نكد الأيام يحرمها ... فمي ويلثمها سهم من الخشب؟ لدن المعاطف قَّاسي القلب مبتسم ... لا عن رضاً معرض عني بلا غضب فكم له في أخلاق الذنب من سبب ... وليس لي في قيام العذر من سبب

تميل أعطاافه تيهاً بغرته ... كما تميل رماح الخط بالعذب أشار نحوي وجنح الليل معتكر ... بمعصم بشعاع الكأس مختضب بكر جلاها أبوها قبل ما جليت ... في حجرة الدَّنَّ أو في قشرة العنب حمراء تفعل بالأحزان ما فعلت ... أسياف شاه أرمن في عسكر لجب ملك تفرَّق يوم السلم ما جمعت ... في الحرب يمناه بالهندية القضب ثبت تحف جماهير الجيوش به ... كأنَّ أفلاكها دارت على قطب دم العدا وصليل المرهفات له ... أحلى وأطيب من كأس على طرب في غير موسى أحاديث الورى اختلفت ... هو الكريم بلا شكَّ ولا ريب الأشرف الواهب الآلاف مبتسماً ... وذا [ك] يعجز عنه عيشه الصخب /156 ب/ صحَّت له كيمياء الحمد إذ سبكت ... يمناه للبذل إكسراً من الذهب لا تعجبن لأموال يفرقها ... بقاؤها للعطايا غايه العجب الطاهر النَّسب أين الطاهر النَّسب أين الطَّاهر النًّسب أين الطَّاهر النَّسب نفس لآبائها من فضلها شرف ... كذا الثمار لها فضل على الخشب عليه نور إلهي أشعَّته ... تغنيه عن كثيرة الحجاب والحجب مت يا حسود أنتظاراً إنَّ مولده ... قد كان في برج سعد غير منقلب وقف على جو زهر الرَّأس عاشره ... وبيت أعدائه وقف على الذنب ياكوكباً أسعد الأيام طالعه ... وهو الوبال لأهل الشرك والصُّلب لا خيب الله في ذا العيد دعوة من ... رجاؤه من ندى كفيك لم يخب وقال أيضاً يمدحه: [من مجزوء الوافر] تعالى الله ما أحسن ... شقيقاً حفَّ بالسوسن خدود لثمها يبري ... من الأسقاًم لو أمكن فما تجنى وحارسها ... بقفل الصدغ قد زرفن

غزال ضيق الأجفان ... يسبي الرشأ الأعين له قلب وأعطاف ... فما أقسى وما ألين /157 أ/ ولم أر قبل مبسمه ... صغير الجوهر المثمن فتنت بحسن صورته ... ومن يهوى الدُّمى يفتن عزيز يوسفيُّ الحسن ... لم يشر ولم يسجن قد أبيضت به عيني ... وللمهجور أن يحزن أبث هواه من حرقي ... لنجم اللَّيل لمَّا جن وما ينفع كتماني ... ودمع العين قد أعلن وكم أسكنته قلبي ... فسار وأحرق المسكن فأنسي بعد وحشه ... بنظم مديح شاه أرمن كريم باسل قتلاه في يوم الوغى تدفن على الأموال والأعداء كم من غارة قد شن فما ينفع ما يلقاه درع لا ولا جوشن رصين الجأش لمَّا جاش بحر خميسه الأرعن عجاف خيله والوحش يوم نزاله تسمن له بشر لسائله ... كفيل بالندى يضمن ومن لايكدره ... علينا بالأذى والمن /157 ب/ فذاك المال مبذول ... وذاك العرض ما أصون ملكت الأرض يا موسى ... وعندك قدرها أهوان فأورد خيلك الدنيا ... فكل مدينة مدين ملأت الأرض إحسانا ... وغيرك يملاً المخزن له نور إلهيُّ ... لرونق حسنه زيَّن وجود يجبر العافي ... وبأس للعدا أوهن

فهذا ينطق الآلكن ... وهذا يخرس الآلسن صلاة صلاته قامت ... وحيَّ على العدا أذن فلو علم مدح ما ... تغالي في الَّذي دوَّن أيا مولآي زال البأس ... والبرُّ قد استمكن لك الحسنى وربُّك لآ ... يضيع أجر من أحسن وقال أيضاً يمدحه: [من الوافر] ممنعَّةٌ لها جفن سقيمٌ ... شديد الآخد للقلب البري تغازلني وتزوي حاجيبها ... كما أبرت السهام من القسيِّ وتخترق الصُّفوف بروق فيها ... وهل يخى شذا المسك الذكي؟ وشاحاها على خضر عديم ... ومنزرها على ردف مليِّ ومعجزها على ليل يهيم ... ويرفعها على قمر سنيِّ تردُّ شبا القنا عن وجنتيها ... كمنع الشوك للورد الجنيِّ إذا مأرمت أقطفه بعيني ... يقول حذار من مر عى وبيِّ لسان السيف من أذانى وشاتي ... ومن رقباي طرف السمهريِّ كأنَّ لجفنها في كل قلبٍ ... فعال المشر فيِّ الآشرفي حساماً جاء متنقلاً له عن ... أمير المؤمنين عن النبي سيسمع عنهما ما قد علمنا ... به عن ذي الفقار وعن عليِّ

/158 ب/ إذا يده الكريمة صافحته ... فقل في لآمع أو ألمعي يقول الناس أيهما حسامٌ ... إذا استبقا إلى هام والكميِّ تخيَّره وعاف سواه حرا ... بأخد الجيد أوردِّ الرَّديِّ رمى أعداءه منهم بسهم ... يصيب نهاية الغرض القصيِّ أبا الفتح افتخر وأبدأ بنفس ... لها شرفٌ على الفلك العلي لك الكرم الَّذي فضح الغوادي ... فميز برقها خجل الدَّعيِّ يخص بماءها في الحين أرضاً ... وما لك للفقير وللغني لك الجيش الَّذي إن جاش أرضاً ... وفي الهضبات كالسيل الآتيّ وكيف تبيت طوداً مشمخراً ... وأنت أخفُّ من أسد طويِّ وفي تلك البيضاء غضبٌ ... يحقق كل فعل موسويِّ إذا اشتجر القنا النقفاه حطماً ... كما التقف الحبال مع العصيِّ قهرت به الجبابرة أقتداراً ... وأنصفت الضعيف من القويِّ فإن تلك كالجحيم على عدوِّ ... فأنك كالجنان على الوليِّ بقيت لهذه الدنيا جمالاً ... سعيد الجد في عمر هنيِّ وقال أيضاً يمدحه: [من الطويل] /159 أ/ رنا وأنثنى كالسيف والصعدة السمرا ... فما أكثر القتلى وما أرخص الآسرى خذوا حذركم من خارجيِّ عذاره ... قفد جاء زحفاً في كتيبته الخضرا غلام أراد الله إطفاء فتنة ... بعارضه فاستؤنفت أخرى فزرفن بالآصداغ جنَّة خده ... وأرخي عليها من ذوائبه سترا أغنُّ يناجى شعره حلي خضره ... كما يعتب المعشوق عآشقه سراً أخوض غمار الموت من دون ثغره ... كذاك يغوص البحر من طلب الدُّرا وصلت بداجي شعره ليل وصله ... فلم أرصبحاً غير غرَّته الغرَّا غزال رخيم إلى في يوم سلمه ... وليث له في حربه البطشة الكبرى دريُّ بحمل الكأس في يوم لذًّة ... ولكن بحمل السَّيف يوم الوغى أدرى

أهيم به في عقده ونجاده ... فلابد في السرَّاء منه وفي الضَّراَّ وصامته الخلخال أنَّ وشاحها ... فهذا قد أستغنى وذا شتكى الفقرا تلأ لآ العقد تيهاً بجيدها ... وساكن ذاك البحر لآ يكدر البحرا لها معصم لولا السوار يصده ... إذا حسرتأكمامها لجرى نهرا دعتني إلى السلوان عنه بحبِّها ... وما كنت أرضى بعد إيماني الكفرا بأيِّ اعتذار ألتقي حسن وجهه ... لحى الله رب الشعر لو نظم الشِّعرا /159 ب/ ألم ترنىي بين السماطين منشداً ... كأنيِّ على شاه أرمن أنثر الدرَّا مليكٌ كريمٌ باسلٌ عمَّ جوده ... فمن حاتمٌ وابن الوليد ومن كسرى أبيُّ سخيُّ تحت سطوته الغنى ... فخف وتيقن أن مع عسره اليسرا هو البحر بل أستغفر الله إنَّ في ... بنان يديه للندى أبحراّ عشرا إذا قام يسميه الخطيب بمنبر ... تأودتيها وأكتسي ورقاً خضرا لحا الله حرباً لم تكن قيل جيشهاً ... ومجلس عدل لا تكونبه صدرا أطلَّ على أخلاط يوم قدومه ... بلجَّة جيش تملأ السهل والوعرا وقد برزت في شكًّة من سلاحها ... فلو أمرت أخلاط ما خالفت أمرا تاقَّاه من بعد المسافة أهلها ... فذا رافعٌ كفاً وذا ساجدٌ شكرا فشككت أن الناس قد حشروا ضحى ... أم الناس يستسقون ربهم القطرا تسير ملوك الأرض تحت ركابه ... وأعناقهم من هول هيبته صعرا فللَّه يوم تفليس حربه ... وسارت إلى أرض العراق به البشرى تهن أمير المؤمنين بمثله ... نصيراً يسدُّ الثغر أو يفتح الثَّغرا حسام إذا هزته يمناك هزَّةً ... تروَّق ماء والتظى حدُّه جمرا /160 أ/ طراز على كم الخلافة مذهب ... وجوهرة في تاجها تكسف البدرا

أبا الفتح شكراً لاختصاص صنيعة ... فحسبك في الدنيا جلالاً وفي الأخرى وقال أيضاً يمدحه: [من الكامل] مالي وللتشبيب بالأوطان ... لي شاغل بجمالك الفتان الرَّيق والثغر العذيب وبارق ... وقباك مزرور على نعمان وسنان حورىُّ الصفات كأنه ... مل الجنان ففر من رضوان طاقت على عطفيه ليلة شعره ... فترنحا كالعاشق الولهان فاخضر فوق الورد كأس عذاره ... فعجبت للجنَّات في النيران جنت بمنظره البديع عيوننا ... فتسلسلت نمدامح الأحفان غزلي به ومديح موسى روضة ... جمعت فنون الحسن والإحسان ملك به أخضر الزمان كأنما ... أيام دولته ربيع ثاني أثرى ثراه بعد محل محله ... بدوام سح سحابه الهتان فلكل غادية رحيق سلسل ... ولكلَّ غصن هزة النشوان والنهر خد بالشعاع مورَّد ... قد دب فيه عذار ظل البان والماء في سوق الغصون خلاخل من فضة والزَّهر كالتيجان /160 ب/ وكأن طائرها خطيب مصقع ... قد قام فوق منابر الأغصان يشدو وأنشد فالمدائح بيننا ... تهدى إلى موسى بكل لسان إشرب ثلاثاً يا نديم وسقني ... واطرب لعجمة نغمة وبيان كأساً إذا صافحتهأ أثرت يدي ... من فضَّة ملئت من العقيان حمراء رصعها الحباب بجوهر ... كالزهر في مرج من المرجان والله لو عقل المجوس لكأسها ... جعلوه بيت عبادة النيران سكر المدام وشكر موسى مذهبي ... فلقد محوت بطاعتي عصياني شغلي مدائحه وغيري لم يزل ... كالبوم يندب دارس الجدران للبيد والكوم الرَّوامس معشر ... عدل السقاة بشانهم عن شاني سيما إذا التهب الهجير وحوَّمت ... فوق السَّراب حشاشة الظمان

والشَّمس ترسل فضل خيط لعابها ... يمتاح من عطشٍ ثرى الغدران يشوي الوجوده سمومها فكأنَّما ... اعتاضوا عن الأكواب بالكيزن فعلام ألقي للمضهالك مهجتي ... ةالأشرف السُّلطان قد اغناني طرد القنيص بكلِّ ضارٍ ضامرٍ ... من مخلبيه مقرَّط الآذان وبكلِّ مردفةٍ مغلغلة لها ... في كلِّ عضو مقلة الغضبان /161 أ/ تركَّية سبيتفسأل بخدِّها ... ما كان من كحل على الأجفان قلنا وشلوا قميصها في صدرها ... هذا عناق العاشق الولهان لو قال: يا موسى أجرني منهما ... لنجا واصبح في أعزِّ مكان موسى الَّذي أزرى بكسرى آنفاً ... في أسر إيوان عن الإيوان لمَّا أتاه على الجزيرة بعد ما ... سدَّت عليه الكرج كل مكان بجحافل زمر الملائك فوقها ... مجفوفة بخواطف العقبان لا يهتدون إذا أدل عجاجهم ... إلاَّ بشعلة صارمٍ وسنان فجلا عن الإسلام ظلمة كفرهم ... وأعاده للعزِّ بعد هوان طَّهرت أرمينيَّةً فاستبدلت ... من دقِّ ناقوسٍ بصوت أذان نفذت جسومهم الرِّماح كأنَّهم ... يتلون آيات من القرآن يا من يرى أيدي العفاة لماله ... أكفى الكفاةً وأوثق الخزًّان يا من يرى أنَّ الثَّناء ذخيرةٌ ... تبقى عليه وكلُّ شيء فان أغليت أعلاق المدائح بعد ما ... كانت تباع بأرخص الأثمان شوَّال مثلك مطعمٌ فلأجل ذا ... أضحى له فضلٌ على شعبان فتهنَّ يأملك الملوك بعيده ... في ظلِّ ملكٍ دائم السُّلطان /161 ب/ وقال أيضاً يمدحه: [من مجزوء الكامل]

بعذارك الفتَّان أعذر ... يا وجنة السَّيف المجوهر خطٌ على خدٍّ يكاد لرقَّة يخفى ويظهر غشقيقه ينشقُّ عن ... آس يروقً العين أخضر مولاي وجهك جنةٌ ... ورضابك المعسول كوثر يفتر منك ختامه ... عن مسكرٍ عطر وسكَّر من نسل يافث نافثٌ ... وسنان يسهرني ويسحر فتبسُّم بومزُّد ... من عقد ياقوت وجوهر ولى بشعرٍ كالدُّجى ... وبدا فقلت: الصبح أسفر ما خلت بل جبينه الكافور ينبت منه عنبر يا قاصص الطَّرف القصيـ ... ـــص كذلك الهنديَّ أبتر يا غصن خصرك لا يطيـ ... ـــــق حياصةً عقدت وخنجر يا بدركم من تائهٍ ... في ليل هجرك قد تحيَّر رفقاً بصبٍّ كلَّما ... أخفى بليَّته تشهَّر الجسم أصفر ناحلٌ ... دنفٌ ودمع العين أحمر /162 أ/ لولا الدُّموع أذابه ... نفسٌ تصعَّد بل تسعَّر من يعشق الظَّبي الغريـ ... ـــر ينام عاذله ويسهر غزلي له ومدائحي ... وقفٌ لمولانا مقر\ذضر الأشرف الطَّلق النَّدى ... شاه أرمن موسى المظفَّر ملكٌ إذا واليته ... اغنى وإن عاديت أفقر يردي ويجدي كالزَّما ... ن فلم يزل يشكى ويشكر صبٌّ بحدِّ السَّيف أحـ ... ـــمرٌ أو بقدِّ الرُّمح أسمر نجس الظذُبى ونجاده ... من كلِّ منقصة مطَّهر فكأنَّ صارمه خطيـ ... ـــبٌ مصقعٌ والعًام منبر صلَّى بمحراب الطُّلى ... وصليله الله أكبر بين الرِّماح كأنَّه ... غيلٌ على أسدٍ غضنفر

وكأنَّه بين الموا ... كب والقواضب والسَّنوَّر جبلٌ تلاطم حوله ... بحرٌ من الماذيِّ أخضر في قليه برٌّ وإن ... قتل العدوَّ وإن تغيَّر غسل الفوارس بالدِّما ... ء وفي بطون الأرض تقبر /162 ب/ قاسٍ إذا سيف عدا ... هـ ومارج الهيجاء يسعر سحَّت سحاب عجاجه ... من نبله نبلًا كنهور يا أيّها الملك الكريـ ... ــــم صفات مجدك ليس تحصر يا ناسياً لصنيعة ... وهو المردَّد والمكرَّر يا مورثاً أباءه ... شرفاً ليوم الحشر يذكر لك سيرةٌ مع عدلها ... بأس فمن كسرى وقيصر ولك الجمال مع الجميـ ... ــــل فمنظر حسنٌ ومخبر يا عبد مولانا الإما ... م جلال ظلِّ النَّعت أشهر أوتيت في الدُّنيا به ... شرفاً وفي أخراك أكثر فإن أصطفاك لنفسه ... فليسعدنَّ بمن تخيَّر فافخر على الدُّنا بنفـ ... ـــك أو به فكفاك مفخر وتهنَّ صوماً حزت فيـ ... ـــ÷ ثواب من صلَّى وافطر وبقيت ما بقي الثَّنا ... ء عليك منصوراً مظفَّر وقال أيضاً يمدحه، ويذكر وصول رسول الكرج إليه: [من الكامل] /163 أ/ صن ناظراً مترقبّا لك أن يرى ... فلقد كفى من دمعه ما قد جرى يا من حكى في الحسن صورة يوسف ... آه لو أنك مثل يوسف تشترى تعشو العيون لخدِّه فيردُّها ... ويقول: ليست هذه نار القرى يا قاتل الله الجمال فإنَّه ... مازال يصحب باخلاً متجبراً يا غصن بانٍ في نقا رملٍ لقد ... أبدعت إذ أثمرت بدراً نيِّرا

ما ضرَّ طرفك لو أكون مكانه ... فقد اشتبهنا في السَّقام كما ترى أترى لأيَّامي بوصلك عودةً ... ولو أنَّها في بعض أحلام الكرى زمنًا شربت زلال وصلك صافياً ... وجنيت روض رضاك أخضر مثمرا ملكتك فيه يدي فحين ملكتها ... لم ألق إلاّ حسرةً وتذكرا لي مقلةٌ مذ غاب عنها بدرها ... ترعى منازله عساها أن ترى لولا إنسكاب دموعها ودمائها ... ما كنت بين العاشقين مشهَّرا فكأنَّما هي كفُّ موسى كلًّما ... نثر اللُّجين أو النُّضار الأحمرا استغفر الله العظيم فإنَّني ... شبهت بالنَّزر القليل الأكثرا ملكٌ توقَّد سيفه وجرى دماً ... فعجبت للنِّيران تطفح أبحرا من معشر فخرت أوائلهم بهم ... كفخار آدم بالنَّبي مرخَّرا /163 ب/ تنبو المسامع عن مديح سواهم ... إذا كان أكثره حديثا يفترى بيض الأيادي حمر أطراف القنا ... يود العجاج تحلُّ ربعاً اخضرا الأنس تهدى للقرى بدخانه ... والوحش تشبع حيث يعقد عثيرا فإذا حبا ملأ المنازل نعمةً ... وإذا سطا ملأ البسيطة عسكرا منع الغوادي باشتباك رماحه ... عن تربه وسقاه غيثا أحمرا فلذاك أثمر أيديا وجماجماً ... وقناً بلبَّات الرِّجأل مكسَّرا يقظٌ حفيظٌ القلب إلَّا أنًّه ... ينسى مكارمه إذا ما كررَّا معسول أطراف الحديث كأنَّما ... يسقي المسامع مكسراً أو سكَّرا إنِّي لأقسم لو تجسد لفظه ... أنفت نحور الغانيات الجوهرا لو كان في الزَّمن القديم مخاطباً ... للنَّاس لم يبعث رسولاً في الورى ودليله الكج الَّذسن برِّبهم ... كفروا وفضلك بينهم لن يكفرا جحجَّوا لقصرك مثل قبَّة قدسهم ... ورأوك فيها كالمسيح مصوّراً فهنالك الملك العظيم معفَّراً ... وجهاً تخال التُّرب مسكاً أذفرا كم ناظرٍ أرسدت ليلة صومنا ... قد كان في جوِّ السَّماء محيَّرا

يا ناظري بن إلى هلال مانع ... للزاد موسى البدر مبذول القرى /164 أ/ رمضان ضيفٌ سار حولاً كاملاً ... حتَّى رآك مسلَّماً مستبشراً وافاك مبتهجاً ضيفٌ ببرِّك والتُّقى ... ومضى لما أوليته متشكراً فتعنَّ عبداً أنت حقاً عيده ... يا خير من صلَّى وصام وأفطر وقال أيضاً يمدحه: [من الوافر] أماناً أيُّها القمر المطلُّ ... ففي جفنيك أسيافٌ تصلُّ يزيد جمال وجهك كلَّ يومٍ ... ولي جسدٌ يذوب ويضمحلُّ وما عرف السقام طريق جسمي ... ولكن دل من أهوى يدلُّ يميل بطرفه التُّركيَّ عنِّي ... صدقتم إنَّ ضيق العين بخل إذا نشرت ذوائبه عليه ... ترى ماءً يرفَُ عليه ظلَُ وقد يهدي صباح الخدِّ قومًا ... بليل الشَّعر قد تاهوا وضلَّوا أيا ملك القلوب فتكت فيها ... وقتلك للرعيَّة لا يحلُّ قليل الوصل يقنعها فإن لم ... يصبها وابلٌ منه فطلُّ أدركاس المدام على النَّدامى ... ففي خدَّيك لي راحٌ ونقل فنيراني بغيرك ليس تطفا ... وأسواقي بغيرك لا تسلُّ بمنظرك البديع تدلُّ تيها ... ولي ملكٌ بدولته أدلُّ /164 ب/ أبو الفتح الكريم الطَّلق موسى ... فتّى يعطي الكثير ويستقلُّ به اخضرَّت فجاج الأرض خصباً ... فما للمحل في بلد محلُّ أغرُّ غيره كيساً فكيسا ... وملء زمانه كرمٌ وعدل وقالوا: حفظ هذا المال عقلٌ ... فقلت: نعم وبعض العقل جهل فليس تزمُّه إلَّا مطايا ... إلى أبوابه تنصى وسبل تملكه البلاد قناً وجرداً ... وبترٌ من يطاولها يذلُّ إذا انبثَّت عساكره اتسِّاعاً ... تضايق دونها حزنٌ وسهل

بوارقها لعين الشمس داء ... وعثيرها لعين الشمس كحل لمولانا الخليفة فيه رأي ... حديد لا يصل ولا يفل تأمل في الكنانة منه سهماً ... سديداً لا يطيش ولا يزل ففتاه وأرسله اختصاصاً ... ورواه الحديث وذاك فضل فزادت هذة النعمي ودامت ... عليه فإنه للخير اهل وقال أيضاً يمدحه: [من السريع] من سحر عينيك الامان الامان ... قتلت رب السيف والطيلسان /165 أ/ أسمر كالريح له مقلة ... لو لم تكن كحلاً لكانت سنان أهيف عبل الردف حلو اللما ... مر الجفا قاس رطيب البنان ساق سها رضوان عن حفظه ... ففر من جملة حور الجنان بدر وكأس الراح شمس الضحي ... يا قوم ما اسعد هذا القران توقدت جمرة لألأئها ... كأنها بهرام أو بهر مان بخده أو طرفه أو جني ... لماه سكري لا ببنت الدنان يا لائمي دعني فإني فتي ... ما ترك الحب بقلبي مكان لا تسأل العاشق عن حاله ... فدمعه عن حاله ترجمان لولا دموعي والضني لم أبح ... قد ينطق المرء بغير اللسان اعزني موسي ولولا هوي ... معذبي ما ذقت طعم الهوان الملك الأشراف شاه أرمن ... مظفر الدين كريم الزمان والله لو قيس به حاتم ... لقل ما قد قيل فيه وهان ذا يملأ الارض بإحسانه ... وذاك يمتن بملئ الجفان يروي العلا عن نفسه عن أب ... عال فما في نصه عن فلان قد نظم الله له نسبةً ... كالدر تجلوه ونحور الحسان /165 ب/ طلق الندي طلق المحيا ... وطلق السيف طلق الامر طلق اللسان له علي وقع الظبي هزة ... إذا التقي الجمعان يوم الرهان

صلت وصلت في رؤوس العدا ... كأن في الآذان منها أذان مولاي جد وأنعم وصل واقتدر ... وافتك فما تفرح أم الجبان واركب جواد الدهر واسبق إلى ... ما تشتهيه قد ملكت العنان دمتم بني أيوب في نعمة ... تجوز في التخليد حد الزمان والله لا زلتم ملوك الوري ... شرقاً وغرباً وعلي الضمان وقال يمدح القاضي أبا علي، عبد الرحيم بن علي البيساني من قصيدة: [من الخفيف] قمت ليل الصدود الا قليلا ... ثم رتلت ذكركم ترتيلا ووصلت السهاد قبح وصلاً ... وهجرت الرقاد هجراً طويلا مسمع كل عن سماع عذولي ... حين ألقي عليه قولاً ثقيلا وفؤاد قد كان بين ضلوعي ... أخذته الاحباب أخذا وبيلا قل لراقي الجفون إن لعيني ... في بحار الجفون سحاً طويلا /166 أ/ ماس عجباً كأنه ما رأي غصـ ... ــــــــــناً طليحاً ولا كثيباً مهيلا وحمي عن محبه كأس ثغر ... حين أمسي مزاجها زنجبيلا بان عني فصحت في أثر العيـ ... ــــــــــــــس أرحموني ومهلوهم قليلاً أنا عبد للفاضل بن علي ... قد تبتلت للثنا تبتيلا لا تسمه وعداً بغير نوال ... إنه كان وعده مفعولا وإذا كان خصمك الدهر والحكـ ... ـــــــــــــــــــــم إلى الله فاتخذه وكيلا إن مدحي له أشد وطاءً ... وقريضي أقوي وأقوم قيلا

جل عن سائر الخلائق مدحاً ... فاخترعنا في مدحه التنزيلا وقال من قصيدة: [من الرجز] يا طيف يا أكرم ضيف قد طرق ... لمثله تعقرا أجفان الحدق تراكضت خيل دموعي ودمي ... في حلبة الخد فللحمر السبق جدت فلولا أن أراك زائراً ... ما عتقت عيناي من رق الأرق هل من سبيل أن أروي عطشي ... من برد الثغر الَّذي قد اتسق مهفهف جبينه وشعره ... ينتسبان للصباح والغسق خضرة خديه ربيع ناظري ... كالغصن في اول إخراج الورق /166 ب/ حلو اللما يميل من خمر الصبا ... طوبي لمن قبله او اعتنق! حذار من جمرة خديه فقد ... تجاسر الخال عليها فاحترق يا ايها العاذل ما لي سلوة ... عنه ولا حبي له كيف اتفق؟ دع الفؤاد عند ذكر حبه ... يخفق فالعذر له إذا خفق ما كنت يا طيب زمان وصلنا ... من دولة الصاحب غلا مسترق وقال من اخري: [من الكامل] خذ من حديث شؤونه وشجونه ... خبراً تسلسله رواة جفونه لولا فصيحة قلبه بدموعه ... ما زال شك رقيبة بيقينه واغن تؤيسني قساوة قلبه ... منه ويطعمني تعطف لينه مازال يسقي خده ماء الحيا ... حتي جنيت الورد من نسرينه وإذا وصلت بشعره قصر الدجي ... هحم الصباح بوجهه وجبينه خفر الدلال أضمه وأهابه ... لوقاره وحيائه وسكونه قالت روادفه ولين قوامه ... إياك عن كثب الحمي وغصونه

ساق صحيفة خده ما سودت ... عبثاً بلام عذاره وبنونه جمد الَّذي بيمينه في خده ... وجري الَّذي في خده بيمينه /167 أ/ طاب الصبوح كأنما عجن الصبا ... كافور مزنته بعنبر طينه وتفضضت أزهاره وتذهبت ... فكأنها الطاووس في تلوينه والطير تنشد باختلاف لغاتها ... موسي أدام الله في تمكينه ملك بأسرار الغيوب مكاشف ... فظنونه تغنيه عن جبرينه موسي الَّذي أغنت شهامة عزمه ... أن يستمد النصر من هارونه وقال ايضاً: [من الطويل] نديمي ماس في سندسيه ... واظهر ما اخفي لنا من حليه وبان بجيد الغصن والفجر طالعٌ ... من الطل عقد حل في جوهريه وألقي الضحي في فضة النهر تبره ... فأثري الثري بالنور من عسجديه هو السيف إن أصداه ظل غصونه ... فألقي شعاع الشمس علي قمريه سقي الراح مثل الراح من ريق ثغره ... وأين حباب الخمر من لؤلؤيه؟ ! إذا ما جنت عيناه قاصصت خده ... فلا برء لي إلا بلثم ...... وقال يمدح: [من الخفيف] /167 ب/ ويح قلب المحب ماذا يقاسي ... كل قلب عليه كالصخر قاسي يا جفوني أين الدموع فقد أحـ ... ــــــــــــــرق قلبي توقد الأنفاس جد وجدي بحب لاه وأودي ... بفؤادي تذكاره وهو ناسي من بني الترك لين العطف قاسي الـ ... ـــــــــقلب سهل الخداع مر المراس ضيق العين وهي من صفة البخـ ... ـــــــــــــل فإن جاد كان ضد القياس

جذب القوس فاكتست وجنتاه ... ثوب ورد طرازه من آس ورمي عن قوسين سهمين هذا ... في فؤادي وذاك في القرطاس فهو تحت السلاح ليث عرين ... وهو فوق الفراش ظبي كناس يا نديمي بالله غن بذكراً ... وموه عن ريقه بالكاس اقتطف زهرة الزمان فما ... جلق إلا للهو والإيناس حبذا النيربان من نهر ثوري ... واخضرار المروج من باناس والنسيم الَّذي يمر علي الغو ... طه ريان عاطر الانفاس بلدة حلها الوزير فمرعا ... ها خصيب والناس في أعراس كل لرأئيه قل أعوذ برب النـ ... ــــــــــاس هذا الوزير رب الناس هيبة تملأ الصدور وشخص ... تمتلي منه أعين الجلاس /168 أ/ دبر الخافقين لا حرج الصدر ... ولا خائفاً من الإلباس وتولي برأيه راية الكفر قولت نكساً من الانكاس وقال أيضا: [من مجزوء الرجز] لماك والخد النضر ... ماء الحياء والخضر اخذتني يا تاركي ... اخذ عزيز مقتدر احلت سلواني علي ... ضامن قلب منكسر ونمت عن ذي أرق ... إذا غفا النجم سهر وماء عيني التقي ... لا برحت علي قدر ما نصبت اشراك الـ ... ــــــــحاظك إلا للحذر قلبي علي الترك ... بهذا الهاشمي يفتخر ولي عهد البدر إن ... غاب فأني المنتظر

خلعت إذ بايعته ... عذار من لا يعتذر في خلقه وخلقه ... طبع الغزال والنمر ترعاه أحداق القنا ... فكيف ما سار تسر إن طريق ناظري ... إلى محياه خطر /168 ب/ وقال أيضاً: [من الطويل] خدمت بديوان المحبة ناظراً ... علي غرة يا ليتني فيه عامل وحاسب فرط السقم جسمي فلم تكن ... بواقيه إلا أعظم ومفاصل وقال في ثبي يهودي: [من السريع] من آل إسرائيل علقته ... أسلمت نفسي للأسي فيه أنزلت السلوي علي قلبه ... وأنزل المن علي فيه وقال في مغن: [من المنسرح] اصبحت في خدمة الغرام ولي ... جار من العيش مطلق هامل قلبي بباقي هواه منكسر ... وحمل همي لأجله واصل وقال يمدح الامام الخليفة الناصر لدين الله، أبا العباس أحمد – رضي الله عنه -: [من الخفيف] انست بالعراق برقاً منيراً ... فطوت غيبهاً وخاضت هجيرا واستطابت ربا نواسم بغدا ... د فكادت لولا البري أن تطيرا ذكرت من مسارح الكرخ روضاً ... لم يزل ناضراً وماء نميراً /169 أ/ بلغينا دار الخلافة يانا ... ق لنقضي بعد السجود النذورا عتبات ترابها ينبت المجـ ... ــــــــــد وجو بالجود أضحي مطيرا

قبلتها الملوك حتي شككنا ... أحصي في رحابها أم ثغورا يا إمام الهدي سلاماً سلاماً ... كان فيهم مقسماً منثورا أهل بيت قد اذهب الله عنهم ... كل رجس وطهروا تطهيرا انت آل النبي خابت صلاة ... لم تكن في خلالها مذكورا قرن الله اسمه باسمك العا ... لي فزادا جلاله وطهورا فهو عقد علي صدور التحيا ... ت وتاج حلي به التكبيرا يا معيني إذا دجت ظلمة القبـ ... ـــــــــــر وخاطبت منكراً ونكيرا يا مجيري إن خفت يوماً عبوساً ... مكفهراً مستصعبا قمطريرا يا معيني والنار توقد بالنا ... س وترمي شرارها المستطيرا بولائي أمنت من سيئاتي ... يوم ألقي كتابي المنشورا يا دليلي علي السراط إذا ما ... دهش الخوف ناظري فيحيرا فيك سر لولاك ما خلق الله علي الناس جنة وحريرا قد هدانا بك السبيل فإما ... مؤمناً شاكراً وإما كفوراً /169 ب/ فعليك السلام يا أقرب النا ... س لمن جاء شاهداً ونذيرا وقال يمدح الملك الاشرف موسي بن محمد بن أيوب بن شاذي: [من المنسرح] يا بارقاً اذكر الحشا حزنه ... منزلنا بالعقيق من سكنه ومرتع اللهو يانع خضر ... أم غير الدهر بعدنا دمنه يا برق هذا جسمي يذوب ضناً ... ومهجتي بالعقيق مرتهنة يا برق اشكو عساك تخبرهم ... وكل من هام يشتكي شجنه بلغ حديث الحمي وساكنه ... لمغرم أنحل الهوي بدنه أسمعه ذكر الحبيب مقترباً ... فقد اصمت عذاله أذنه

هم آنسوه لكن بوحشتهم ... ونفروا عن جفونه وسنه أشقي المحبين عادم وطراً ... فكيف ان كان عادماً وطنه؟ لو بيع يوم منها وكيف به ... كنت بعمري مسترخصاً ثمنه اليك يا عاذلي فلست أنا ... أول صب جمالهم فتنة فكم لنفسي علي سيئةً ... وكم لموسي علي من حسنه مجازف في عطاه آمله ... محرر الرأي عند من وزنه /170 أ/ للجود والشكر خازن أبداً ... ولم يصن ماله ولا خزنه مؤيد الرأي، من ينافسه ... تحت حضيض الخمول قد دفنه لو لم يقيض للجود راحته ... لم تعترف فرضه ولا سننه له بنان تسدي لنا منحاً ... ومن يعاديه يشتكي محنه [391] عليُّ بن أحمد بن عثمان بن وهب بن عمر، أبو الحسن، المعروف بابن الجمَّاس. كان مولده بقرية من قرايا دجيل؛ تسمي حصاية، قدم هو وأبوه من العراق، وأقام بقرية من قري إربل، تدعي باكلبا؛ وتزوج بها وولد له. وكان مدة معلم صبيان؛ ثم فتح الله عليه بالشعر، فمدح به السوقة والشاه ومقدمي النواحي، واشتهر كلامه، واستجاده اهل الادب، ثم سافر إلى الشام طامعاً فيما عند الملك الاشرف شاه أرمن أبي الفتح موسي بن ابي بكر محمد بن أيوب، فتوفي بحران في شهر رمضان من سنة تسع وستمائة، ودفن بها. أنشدني الوزير الصاحب /170 ب/ أبو البركات المستوفي – رحمه الله تعالي -؛ قال: أنشدني أبو الحسن بن الجماس لنفسه من قصيدة أولها: [من الكامل] صب عراه من الصبابة ما عري ... وسري الخيال بقلبه لما سري عبث السقام بجسمه فأعاده ... نضواً وصيره الفراق كما تري

رشا أراك الفرع ليلاً مظلماً ... وأراك نور الشعر صبحاً مقمرا قابلته فرأيت بدراً مشرقاً ... تحت الظلام يغض طرفا أحور وضممته فوجدت غصناً ناضراً ... ولثمته فوجدت راحاً مكسرا في ليلة لولا حار رقيبها ... كادت لطيب نعيمها أن تقصرا ومنها في المديح: قوم ينادي في الظلام نذيرهم ... يا طارق البيدا إلى [أم] القري رسخوا جبالاً واستضاؤوا أنجماً ... وسط .... واستفاضوا لأبحرا وعباب سيل سيوفهم يغني الوغي ... وعباب سيل أكفهم يغني الوري وأنشدني القاضي أبو عبدالله محمد بن علي بن محمد الكفر عزي؛ قال: أنشدني الحسن بن الجماس له: [من البسيط] /171 أ/ أما الخليط فقد زمت نواجيه ... فما لدمعك ما تهمي هواميه هذا الكثيب الَّذي كان الفريق به ... وهذة ساحة الوادي وشاطيه يا صاحبي قفا بالربع نقض له ... حقاً فللربع حق لا نؤديه أفديه من طلل ناجيته حرقاً ... لو كان يعقل نجوي من يناجيه لقد رنا لبكائي لبلواي جاذره ... ولا اصاخت لشكواي جوازيه إني لأنكر هذا الربع حين خلا ... من البدور التي عاينتها فيه ما اظلم الدار مذ غابت أهلتها ... وأوحش الربع مذ بانوا اهاليه نادي مناديهم بالبين فارتحلوا ... عن الحمي وثوي فيه أثافيه أقول للقلب لما إن وقفت به ... هذا لحمي ..... أين حاميه؟ إن كان قد نحلت مثلي معالمه ... أسي فلم لا بكت مثلي جوازيه؟ وبالديار سقيم لا يعلله ... بجانبيه ولا الدالي يدانيه إذا تذكر جيران العذيب رقت ... أنفاسه حين لا ترقي ماقيه حياته موته وجداً وصحته ... سقامه ومناياه أمانيه ومتلفي بتلافيه وقد قنعت ... روحي بطيب تلافي في تلافيه /171 ب/ أنا الَّذي عرف البلوي ومارسها ... بالصبر حتي حلت عندي مجانيه

وأنشدني أبو العباس أحمد بن داود بن بلال الإربلي؛ قال: أنشدني ابن الجماس لنفسه في القاضي تاج الدين جعفر بن محمد الكفر عزي: [من البسيط] ليس الزمان علي حال بمنفرد ... فاغضض علي كمد إن كنت ذا كمد ولا الضرار وإن طال المطال به ... ولا النعيم بمقرون مع الأبد والعسر واليسر أوقات مقررة ... فإن رأيت رخاً لابد من نكد وليس من شدة الا لها فرج ... ما بين يومك محتوم وبين غد فإن بليت بها يوماً فكن رجلاً ... واصبر فإن عقيب الصبر كالشهد ولا اري لك في الدنيا أخا ثقة ... إذا تبين نصحاً منك قال: قد ومن يواسيك في بؤس وفي رغدٍ ... واين من يستوي في البؤس والرغد والناس أكثرهم شوك بلا ثمر ... وإن يكن ثمر في الشوك لم يفد ما ليس تدركه بالسيف عندهم ... فكيف تطلبه بالنفث في العقد لقد عبثت بأبناء الزمان فما ... وجدت ذا خلق أطوي عليه يدي /172 أ/ إلا بقية قوم أنت مجدهم ... بجعفر فوق كيوان علي عمد مولاي جعفر تاج الدين خذ بيدي ... فأنت لي وعليك الدهر معتمدي انهي إلى علمك المحروس ما اخذت ... يد المشقة من قلبي ولم تعد كم من قلائد در قد نظمت علي ... من ليس يفرق بن الدر والبرد حتي وضعت تقاصيري علي رجل ... يضيع في بلد واهاً لذا البلد قوم علي رشد ظنوا فأكثرهم ... ندي لفظ بكف منه غير ندي وآخرون علي جهل بهم منعوا ... فضاع منهم بين الجهل والرشد يا أوحد الناس ما قلبي بمعتمدٍ ... علي سواك ولا كفي بمنعقد

[392] عليُّ بن سالم بن محمَّدٍ، أبو العباس العباديُّ الشنينيُّ الحديثيُّ. من الحديثة_ بلدة على طرف الفرات _ كان من قرية من أعمالها تدعى الخزانة. وكان شاعراً كثير الشعر، منتجعاً بشعره، واسع النفس في عمله يحفظ صدراً جيداً من اللغة، صفراً من علم الأدب والعربية؛ كان يفد إلى بغداد، ويمدح الملك المعظَّم/172 ب/ أبا الحسن على بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبى العباس أحمد- رضي الله عنهما- وغيره من رؤساء الحضرة والأمراء. أدركت أيامه، وأنا جنيد مقيد ببغداد وهو بها؛ ولم يقدّر الاجتماع به لمرضٍ لحقني، فلما أبللت منه، سافر إلى وطنه، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وستمائة وخبرت انه توفي هنالك. أنشدني أبو بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة البغدادي؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه: [من البسيط] همُّ الفتى في طلاب المجد متَّصل ... وصادق العزم مقرونٌ به الأمل والمرء ساعٍ فإما بالغٌ أملاً ... أو قاصرٌ يختليه دونه الأجل فانهض إلى شرف العليا وكن رجلاً ... تسمو به هممٌ من دونها زحل ولا تخف ما تخاف اليوم من عنت ... في مأزق لجبٍ يعنو له البطل فالعمر منتهبٌ والغمر مستلبٌ ... والعيش مقتضبٌ أيامه دول لا تقنعن بالأماني والخمول فما ... نال المعالي قديماً معشرٌ خملوا

ولا حوي السَّبق في الغايات منسدرٌ ... مواظبٌ في الملاهي عاجزٌ وكل ولا تقم بديار الهون مقتنعًا ... ببلغة في المعالي أصلها النفل لولا مفارقة الأغماد ما شكرت ... بيض الصِّفاح ولا الخطِّيِّة الذُّبل /173 أ/ وقد بليت بأقوام ذوي حمقٍ ... علي الغبا وعدوات النهي جبلوا عميٌ عن الحقِّ مفتوحٌ عيونهم ... إلى معايب قومٍ عنهم شغلوا والحرُّ ممتحنٌ. . . . . وذو النُّهي والتُّقي مغري بت السَّفل عداوةٌ بين أهل العلم قاطبةً ... وصدِّهم ليس في إصلاحها عمل وقال يمدح بعض الأمراء، واسمه كج قندي: [من الكامل] بدرٌ جلا بجماله الحنديسا ... وجلا علينا في الكؤوس شموسا ذهبيَّةٌ عقد الحباب بكأسها ... تاجاً تخال شعاعه مقبوسا فتك اللٍّحاظ تجوب في وجناته ... ماءٌ ونار جراحه لا توسى ما هزَّ غصن قوامه في مجلسٍ ... إلا وأضرم في القلوب وطيسا لبس العيون من الملاحة حلَّةٌ ... وأذاب من وجد عليه نفوسا يبدوا فيسجد كلُّ حسنٍ في الورى ... ويظلُّ من فرط الحياء حبيسا حاز الصٍّفات كحوز كوج قندي العلا ... حتَّى سماكيوان والنَّرجيسا الباذلٍ المعروف قبل سؤاله ... والتَّارك البطل الكميٍّ فريسا تتقاصر الأوهام دون صفاته ... وتخال عقل ذكيٍّها مألوسا /173 ب/ ما سلَّ سيف العزم يوم كريهة ... إلاَّ وفاقت الجسوم الرَّوسا أسدٌ فرائسه الأسود إذا الوغى .... زينت عن النَّشب النَّفيس الشُّوسا يصطاد كلًّ هزبر غاب أهيسٍ ... يصطاد إن عزَّ الحصيد الهيا وافي بعين اللَّيث عين كريهة ... شثن البراثن ضيغماً دعِّيا تعدو السَّوابق حين يزأر جفَّلاَّ ... عنه تكاد من الجراء تكوسا أشبهت ايبك في الخلال وطالما ... ولد النَّفيس من الملوك نفيسا

ملكٌ تدين له الملوك محبَّةٌ ... قربًا وبعداً سائسًا ومسوسا أربى على هرمٍ ومعن وحاتمٍ ... كرماً وطال علاً أبا قابوسا عمَّ الخزانة والقصر بجوده ... عفواً وعمَّ بعدله آلوسا يا شمس دين الله دونك حرَّةٌ ... تحكى بحسن صفاتها بلقيسا تأتي الكرام فيعرفون محلَّها ... علمًا وتأبي أن تزور خسيسا من شاعرٍ سبك الكلام وصاغه ... درّاًً ورصَّع جوهراً ولبيسا فاسلم له ولكلِّ جالب مدحة ... لا يعرف الدَّعوى ولا التَّلبيسا ما لاح وضَّاح الصَّباح وما دجاً ... ليلٌ ورفَّعت الحداة العيسا وقال أيضا يمدحه ويهنئه بعيد الفطر: [من الكامل] /174 أ/ كتم الغرام فنمَّ دمع شجونه ... وشى إلى الواشين عن مكنونه والدَّمع أعدل شاهد أبدى الهوَّى ... من وامق وأذاع سرَّ جفونه في حبِّ معتدلٍ القوام مهفهف ... يذري بنور البدر نور جبينه لبس العيون من الملاحة حلَّةٌ ... ما حاطها إلاَّ بدمع فتونه فغدت قلوب الخلق طوع شماله ... عشقًا لصورته وطوع يمينه جمعت صفات الحسن فيه بأسرهأ ... وغني بأدنى الحسن عن تحسينه لو كان يعدى خلقه من خلقه ... أعدى قساوة قلبه من قلبه وأرقَّ للصبِّ الكئيب فؤاده ... وأضافه المضنون من ماعونه وزكاة ربِّ الحسن واجبةٌ على ... حكم الهوى عطفًا على تمكينه لولاه ما بات الغرام ملازمي ... والُّسُّقم ينحلني لسقم جفونه ومديح شمس الدِّين كج قندي غدا ... همِّي لأقضي شكر بعض ديونه الباذل المعروف قبل سؤاله ... والقاتل الضِّرغام وسط عرينه والتَّارك البطل المدِّل ببأسه ... يوم الوغى يكبوا على عرنينه ما واجه اللَّيث الهزبر بمعرك ... إلاَّ وجرَّعه كؤوس منونه تتجمَّل الدُّنيا بكلِّ متوَّج ... فيها بفضل عفافه وبدينه /174 ب/ ويطيع خالقه ومالك أمره ... وأباه في حركاته وسكونه لا ينثني يوم النِّزال إذا اكتنى ... في مأزق إلا بروح طعينه

يا ماجداً فاق الملوك بحلمه ... وبعلمه إذ حاز عشر سنينه إن رمت مدحك فالصِّفات معينةٌ ... في نظم أبكار القريض وعونه فاسعد بعيد الفطر وابق مؤيداً ... بشيوع نصر سار ذكر مبينه ما حرَّك الدَّوح النَّسيم وما دعا ... ورق الحمام على فروع غصونه وقال أيضاً يمدح: [من الخفيف] أسفر الجدُّ في بروج السُّعود ... وسما في العلاء عالي الصُّعود وبدا المجد فوق كيوان قرباً ... بعد كيوان عن محلِّ الصَّعيد شرفٌ باذخٌ ومجدٌ أثيلٌ ... وفخارٌ ما فوقه من مزيد والمعالي ما أنتجت بالعوالي ... بين خطف الظًّبى وخفق البنود ونوال مواصلٍ بنوالٍ ... لقريبٍ من الورى وبعيد كنوال الملك المنيل فلان الدّين خدن العلا المحيد المجيد النَّجيِّ الوفيِّ لله بالعهد ... وللنَّاصر الإمام الرَّشيد ملكٌ همُّه ابتداع معالٍ ... لم تنلها أيدي الملوك الصِّيد /175 أ/ ملكٌ وصفه يجلُّ عن ... الوصف لذي فطنة كرمل زرود ملكٌ صدره تضيع به ... الدُّنيا اتِّساعاً في كلِّ خطب كؤود من ملوك التُّرك الَّذي يعقد الملك لهم صغرةٌ بطون المهود ونشا مذ نشا يسوس أمور النَّاس عدلاً بحسن رأيٍ سديد ورآه الإمام ناصر دين الله أهلا لكلِّ فعلٍ حميد يقظًا عالمًا حليمًا رحيمًا ... ذا وفاءٍ مغري بحفظ العهود فحباه الفرات ملكًا ورفقًا ... للرعايا ..... وحفظ الجنود فحماها بنائلٍ وحسامٍ ... وبعدل وردِّ كلِّ شديد وغدا ذكره حميداً بمصرٍ ... وتعدَّىَّ في الخلق أرض زبيد يا مليكي ومن سما كلَّ ملكٍ ... في البرايا بنشر عدل وجود هكذا هكذا نوالك للخلق ... مباحٌ في كلِّ يومٍ كعيد

وأمير وفاك في طلب ... المجد ونجح المرام بالتَّأييد فاق أضرابه سماحًا وبأسًا ... وانتسابًا إلى جناب سعيد ناظمًا نفسه بسلك معاليك ... ليحظى بحظَّك المسعود فأتحفنه إتحاف موسى شعيبًا ... درَّةً من نفيس درَّ فريد /175 ب/ ساد آباؤها جميع .... وأجدادها جميع الجدود في ظلال الإمام ناصر لدين الله والمرتجى ليوم الخلود فابق في نعمةٍ وفي عزِّ ملكٍ ... واقتدارٍ وسعد جدِّ جديد وقال أيضًا: [من الطويل] أعيذك من قلبي المعنَّى ووجده ... وجسمي على طول البعاد وجهده وطرف متى ما شام للشام بارقًا ... تتابع عقد الدَّمع من حلِّ عقده وخلَّ متى ما حان إَّبان وصله ... تعرَّض صرف الحادثات لصِّده أطيع الهوى فيه واعصي عوازلي ... وارضي من الطَّيف الطَّروق بوعده كانَّ مذاب الشَّهد رف رضابه ... كأنَّ جنيُّ الورد توريد خدَّه تزاحم فيه الحسن من كلِّ خلقه ... وقدَّ قضيب الخيزرانٍ بقدِّه شهيُّ اللَّما عذب المباسشم أحورٌ .... ..... ..... ...... ...... يصيب قلوب الخلق سهم لحاظه .... ويصمي على قرب ..... وبعده رعى الله أيَّام الوصال وقربه ... وعيشًا فقدت النَّوم في حال فقده فلا وجد [عندي] دون وجدي ببينه ... ولا وجد إلاَّ بعض وجدي بوجده /176 أ/ علقت به طفلاً وليدً فإنَّني ... فتى ليس يسلوه إلى رمس لحده وكلُّ هوى يسلى سوى إلفة الصِّبا ... وكلُّ محبً حبُّه مثل ودِّه خلقت وفيًا حافظًا كلُّ صحبة ... مقيمًا مدى الدًّنيا على حفظ عهده كحفظ أبي الغارات كج قندي العلا ... بحدِّ الظًّبى والجود جزلاً لوفده ومن يحمل اللَّيث الهصور لباسه ... ومن يخجل الغيث السَّحوح لرفده ومن نظر الأقوام فيه شمائلاً ... تدلًّ بعظم القدر من وقت مهده ومن همُّه كسب المحامد والعلا ... تراثًا وكسبًا عن أبيه وجدِّه

ومن طال أرباب المعاقل همَّةٌ ... وطال النُّجوم الزَّهرات بمجده إذا ما اكتنى في مأزق متضايقٍ ... تثعلب أهل الحرب من عظم شدِّه وإن جال فالآجال طوع مراده ... وإن صال فالأبطال صرعى لحدِّه حبا مذ حبأ واحتلَّ ناصية العلا ... وانطق جدواه الأنام بحمده .. رأى منه الإمام مهذَّبًا ... وفيًا محبًا خالصًا عند نقده يطول الملوك نائلاً وفضائلا ً ... وحلمًا وفهمًا يستضئ بوقده تهنَّ بسعد العيد وابق مؤيدَّاً ... بنصرٍ يدين العالمين بجدِّه مدى الدَّهر ما ناح الحمام وما رسا ... شمامً وما سار الغمام برعده /176 ب/ وقال من قصيدة: [من البسيط] ظبيٌ من الأنس يهواني وأهواه ... يشوقني منه رؤياه وريَّاه إذا بدا سجد الحسن العميم له ... ودانه الخلق من راه وما راه مورَّد الخدِّ لدن القدِّ قد طبعت ... على سقام فتى عاناه عيناه ما سلَّ سيف لحاظ يوم المعركه ... إلاَّ وجدل في ملقاه ملقاه ولابد للورى يختال في حللٍ ... إلاَّ وأصمى بمغزاه ومعزاه فجمَّع الحسن فيه كلَّ مفترقٍ ... من الصِّفات فأصفاه وصفاه يقلّ ليلاً على صبحٍ على غصنٍ ... على كثيب نقًا لو تاه واتاه لو مرَّ يومًا على ميت له سنةً ... في القبر ملقى وحيَّاه لاحياه لام العوازل لي فيه ولو علموا ... ماذا أذان اللَّما فيه لما فاهوا يزوروني وهو مزورُّ على عجلٍ ... خوف الرَّقيب وأغشاه وأخشاه وينثني وغرامي فيه مستعرٌ ... خوفًا عليه لما أهواه أهواه يأتي إلى على بعد المزار فيا ... لله ما طيب مسراه وأسراه! لو لاح للبدر في تمِّ لأخجله ... أو مرَّ بالضَّخر خدَّاه لخدَّاه يفترُّ عن برد عذب مراشفه ... لو يستطيع محلاَّه لحلاَّه /177 أ/ أهوى هواه ويهو ما هويت ومن ... أصفيه وديا ومن أرعاه أرعاه

[393] عليُّ بن محمَّد بن عليٍّ، أبو الحسن النيريزىُّ. بكسر النون وتسكين الياء المعجمة باثنتين من تحتها، وبعدها راء مهملة ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها، وبعدها زاي معجمة. قرية من أعمال شيزار؛ كان أبو الحسن يتولى خطابتها. وكان عالمًا فاضلاً فقيهًا محدِّثًا شاعرًا؛ له خطب وأشعار، وتصنيف في كتاب الله تعالى؛ روى عن أبي المبارك عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم الشيرازي الآدمي، كتب عنه أبو عبد الله محمد بن سعيد بن الدُّبيثي، وأبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي ببغداد وكانت ولادته في سنة ثمان عشرة وخمسمائة بتبريز، ونشأ بشيراز؛ وتوفي سنة اثنتين وستمائه. أنشدني أبو عبد الله محمد بن سعيد الدبيثي؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه [من الطويل] تقوَّست من سهم رماني به السِّحر ... وصرت هلالاً في فراقك يا بدر جلا وجهك الوضَّاح ليلة وصله ... وسوَّد ليلي مثل طرَّتك الهجر /177 أ/ وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] ألمَّ بنا طيفٌ يجلُّ عن الوصف ... وفي طرفه خمرٌ وخمرٌ على الكفِّ وقال أبو الحسن القطيعي؛ أنشدني علي بن محمد النيريزي: [من الرمل] دخل البستان يومًا يلعب ... وحشاه للطوى يلتهب

قال: لمَّا نيل [من] معروشه ... حامضٌ والله هذا العنب [394] عليُّ بن محمَّد بن محمَّد بن المختار بن عمر بن المسلم بن محمد بن محمَّد بن عبد الله بن عليِّ بن عبيد الله بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، أبو الحسن الكوفيِّ. النقيب بالكوفة. كان من أشراف عترته، وسادات أسرته، أدبًا ورئاسة، حاسبًا كاتبًا، مترسلاً شاعرًا، حسن النظم، رقيق الشعر. أنشدني أبو عبد الله الحسين بن علي بن يوسف النيلي؛ قال: أنشدني النقيب/178 أ/ أبو الحسن علي بن محمد لنفسه من قصيدة أوّلها: [من الرجز] عاتبتني ظالمةٌ يا عتب ... مذنبةٌ وقلت منك الذَّنب وجرت في الحكم ولمَّا تنصفي ... إذ هو فيك مستهامٌ صبُّ سلي نجوم اللَّيل هل زار الكرى ... طرفي تخبِّرك النُّجوم الشُّهب أو لامس المضجع لي بعدكم ... لمَّا اجتنيت وهجرت جنب يلوموني العاذل فيكم ضلَّةً ... منكم ونيران الهوى تشبُّ قلبك مره بالسُّلوِّ عنهم ... وقلت هيهات فأين القلب؟ لا والَّذي حجَّت قريشٌ بيته ... قصدًا وما ضمَّ الصَّفا والشِّعب والمستجير قبره بطيبة ... أكرم من أمَّ ذراه الرَّكب ومر بأكناف الغريِّ إنَّه ... سلم الهدى ..... حرب ما خطر السُّلوان لي بخاطرٍ ... أنَّى وقلبي للغرام نهب ولا جرى ريح الصَّبا بذكركم ... إلاَّ صبوت واستطار اللُّبُّ من لي بأن يعقب بعد هجركم ... وصلٌ ومن بعد البعاد القرب أو تصفر الدَّار الشَّطون بكم ... وينقضي يا عتب ذاك العتب

/178 ب/ أحبَّكم قلبي فما جزيتم ... غير القلى والبغض من يحبُّ [395] عليُّ بن منصور بن عليِّ بن عبد الله بن رطلبن، أبو الحسن الصًّرويُّ. من الصَّروات، قرية من أعمال الحلّة (1)؛ وكان واسطي المولد والمنشأ. نزل مدينة السلام، وتفقّه للشافعي بالمدرسة النظامية، وصار فيه الخبز والمشاهرة. وكان له معرفة بالأدب، وصناعة الشعر؛ وكان شاعراً فاضلاً، لقيته ببغداد سنة ثلاث وعشرين وستمائه، ووعدني أن يكتب شيئاً من شعره، فعاقت دون ذلك عوائق، وما عدت رأيته ومن شعره يمدح القاضي تاج الدين أبو ذكريا يحي بن القاسم التكريتي: [من الكامل] لبقاء تاج الدِّين يحي ذي الحجي ... لذوي السيادة من خيار المرتجي الصَّالح بن القاسم بن مفرجٍ ... نسباً يردُّ اللَّيل صبحاً ما دجا من بات يرضع ثدي كلِّ فضيلة ... حتي اغتدي متحرِّياً متحرِّجاً لذوي التَّهاني التَّهنيات هدايةٌ ... مادام جيش الصُّبح يطرده الدُّجي /179 أ/ طبٌّ إذا ما الأمر أبهم وجهه ... أبدي له في الشَّرع وجهاً أبلجا وإذا رأي العلماء يحجر بينهم ... حجرٌ وبين الحق يأبي مرتجي رأت الَّذي آباؤه أقوالهم ... ونجا بت من كلِّ همٍّ ما نجا ولكلِّ ما ألفوه أفضلهم تقًّي ... وأجلُّهم قدراً وأوضح منهجا وجدا المجاهد في الهداية مدخلاً ... حسناً به ومن الضلالة مخرجا ردَّ الزَّمان صبيح فرحة مشرقٍ ... ولطالما أضحى بوجه أسمجا ما قام مجتهدًا يريد جداله ... إلاَّ انثنى عمَّا استخار معرِّجا إن سابقوه إلى ابتدار فضيلةٍ ... يومًا أقاموا صامتيين وأدلجا

أو باهلوه تقاعسوا وسما بهم ... حكم إذا ما ضاق أمر فرِّجا حبر إذا اجتهدوا وشادوا منزلًا ... في الأرض شاد على المجرَّة أبرجا وإذا تضايقت الأمور عليهم ... جعلوه من بعد الإله الملتجا ما جال في ميدان حرب حكومة ... إلا وحلَّ حزام من قد أسرجا لا تطَّبيه كما أطَّبى من قبله ... حسن تختَّم أو تلبَّس دملجا أيروم سبق أقبَّ أجرد سابح ... من كان يسبقه المعبَّد أعرجا هيهات يدرك شأو منتعل الشَّوى ... في حلبة خطم القوائم ذو وجى /179 ب/ ثان ثنى في كلِّ أرض مصنعًا ... للوافدين وكلِّ شعب دولجا حتَّى حبانا بالجميل وخصَّنا ... بضياء دين الله معتمد الرَّجا لا زال في ظلِّ الخلافة ما حدا ... حاد وما اتَّخذ الظَّعائن هودجا أنشدني أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبد الله البغدادي، بمدينة السلام سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه، يمدح المستنصر بالله – رحمه الله -: [من مجزوء الكامل] هبَّت إليك مع الرَّواح ... كهبوب أنفاس الرِّياح بدرت فأشرق في الدُّجى ... من وجهها فلق الصَّباح هزَّت معاطف قدِّها ... من عجبها هزَّ الرِّماح فبدا لنا من نشرها ... نفحات كافور رياحي حسناء في حركاتها ... برء لمختلف الجراح نشأت على لطف الخلاعة والدُّعابة والمزاح وألذ من حدق الرِّياض على غدير في براح خطرت بأرجاء القراح فعطرت كلَّ القراح /180 أ/ وسرت بعنبرها النسيم ففاح في كلِّ النَّواحي عمَّاله لا ترتضي ... غير المحلَّل والمباح

تهوى الأميريَّ الصحيح ولا تميل إلى الصلاحي ومحَّبة المستنصري فما عليها من جناح ظهرت إلى عين الرَّقيب وهوَّنت قول اللواحي وأتت وقد علمت بأنِّي من هواها غير صاحي علقت بما ظفرت يدي ... وظفرت منها بالنَّجاح قد طاب في حبِّي لها ... هتكي وهان بها افتضاحي علق الفؤاد بها فما ... لهوى فؤادي من براح وهوى تمكَّن في الفؤاد فما الملام له بماحي جمع الجمال لها وفرِّق منه في كلِّ الملاح جمع الخليفة كلَّ ما ... في العالمين من السَّماح ملك يحثُّ على المكارم بابتسام وانشراح ويجدُّ في نفع الرَّعية في المساء وفي الصَّباح قسما بهمَّته التي ... أمضى من البيض الصِّفاح /180 ب/ إنَّ الإمام طباعه ... خلقت من الكرم الصُّراح أعدى الشِّحاح نواله ... فتسمَّحت أيدي الشِّحاح مولى يسرُّ إذا رأى ... أنَّ الرَّعَّية في صلاح وتلوح بشراره إذا ... ما قيل حيًّ على الفلاح وإذا بدت عزماته ... في جحفل يوم الكفاح أغنى الجيوش برأيه ... في الحرب عن حمل السِّلاح فليسلمنَّ خليفة ... في طيب عيش وارتياح فسلامة المنصور غاية الاختيار والاقتراح لا زال طائر نصره ... بالسَّعد متَّصل الجناح تجري بطاعته الأمور مجاري القدر المتاح ما زيَّن الله الورى ... بالأوجه البيض الصِّباح

[396] علي بن أحمد بن سعيد، أبو الحسن المقرئ، المعروف بابن الدباس الواسطي. قدم بغداد في سنة ثلاث وستمائة؛ وروى بها عن جماعة. وكان /181 أ/ قد قرأ القرآن، وسمع الحديث من عبد الوهاب بن لخفان بن الصابوني، وأبي الكرم المبارك ابن الشهرزوري، وعلي بن محمويه اليزدي؛ وبهمذان من أبي زرعة والحافظ أبي العلاء؛ وبواسط من أبي الفتح المبارك بن أحمد بن زريق الحداد، وأبي بكر أحمد بن أحمد بن عمر القطيعي؛ وقال: لمّا قدم هذا الشيخ كان إمامًا بمسجد الخليفة بسوق العجم مقابل سوق العميد؛ إلى أن توفي سنة سبع عشرة وستمائة. وقال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] (ص 262) لهفي على عمري لقد أفنيته ... في كلِّ ما أرضى ويسخط مالكي ويلي إذا عنت الوجوه لرِّبها ... ودعيت مظلومًا بوجه حالك ورقيب أعمالي ينادي شامتًا ... يا عبد سوء أنت أول هالك لم يبق من بعد الغواية منزل ... إلا الجحيم وسوء صحبة مالك [397] علي بن رشيد بن أحمد بن محمد، أبو الحسن الحربوي المعدل الحنبلي. قدم من حربا إلى مدينة السلام سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وتولى وكالة

الخدمة /181 ب/ الشريفة، وسمع الحديث من نصر بن نصر العكبري. واشتغل بالفقه على القاضي أبي بن الفرّاء، وبعده على أحمد بن بكروس، وشهد عند القاضي أحمد بن علي الدامغاني في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وجمع كتابًا يشمل على الوكالة وشروطها، وتولّى استيفاء الجزية بغير إشراف عليه. ثم تقدم فصار وكيلًا للخليفة؛ وتوفي يوم السبت ثامن عشر شوال سنة خمس وستمائة. قال أبو الحسن القطيعي: أنشدني أبو الحسن لنفسه يمدح أمير المؤمنين – رضي الله عنه – [من الطويل] إمام يجلُّ المدح عن وصف مجده ... ويقصر باع الحلو عن طول حدِّه له طالع بالسَّعد ليس كسعده ... نظير ولا جدٌّ لشَّخص كجدِّه تراه كغيث السُّحب ينهلُّ مزنها ... بفيض على كلِّ البرايا برفده ولو جمع الأملاك من لدن آدم ... إلى وقتنا هذا لدانوا بمجده فلا زالت الأيَّام طوع قياده ... ولا زالت الأقدار تجري بسعده [398] عليُّ بن عليِّ بن روزبهان /182 أ/ بن الحسن بن باكير، أبو المظفر الفارسيُّ الأصل، البغداديُّ المولد والمنشأ. روى عن أبي القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي؛ كتب عنه أبو الحسن القطيعي؛ وقال: سألت ابن باكيرا، لم سميت بالفارسي؟ فقال: أنا وأبي ولدنا ببغداد وزرت الملك سليمان السلجوقي، حيث كان تحت ظلّ الخدمة لأمير المؤمنين. وإنَّما

جدِّي روزبهان فارسي. وسألته عن ولادته؛ فقال: ولدت سنة خمس عشرة وخمسمائة، وكانت وفاته بطريق مكّة في سنة إحدى وستمائة؛ قال: وأنشدني أبو المظفر علي بن باكيرا: [من الطويل] قنعت من الدُّنيا بما لا أودُّه ... وألزمت نفسي خطَّة الضَّيم والضَّعف وجرَّعتها هجران كلِّ لذيذة ... إلى أن غدت تنقاد طوعًا إلى الحتف وما ذاك إلاَّ أنَّ حظِّي مذمَّم ... فما لي من الدُّنيا سوى الهون والعسف فبالنرد إن جاذبت دستي مشذّر ... وإن خفت بالشِّطرنج شاهي على ضعف ترى ينقضي هذا الشَّقاء فأغتدي ... إلى راحة أو تستمرُّ إلى الحتف [399] عليُّ بن محمَّد بن إبراهيم /182 ب/ بن أبي نصر بن المبارك بن غنّاج، أبو الحسن الواسطيُّ مولدًا ومنشًا. وأصله من خسر سابور، وكان حافظًا للقرآن الكريم، وأخذ طرفًا من علم العربية، وله شعر صالح، وكان يتشيع، ويميل إلى المرد الملاح، ويشعف بحبِّهم، ولم ير منه ريبة، مع غفلة كانت فيه وبله. أنشدني أبو الفضائل جعفر بن محمد الواسطي؛ قال: أنشدني علي ابن غناج لنفسه في غلام مغن يلقب اللطيف بن جعفر، سافر إلى بغداد من واسط ولم يودّعه، ثم جاءه بعد ذلك منه كتاب: [من الطويل] علام أخفِّي ما ألاقي من الوجد ... وأكتمه والدَّمع من مقلتي يبدي فيا ساكني الزَّوراء رفقًا بمدنف ... رمت شمله أيدي التفرُّق بالبعد سبي قلبه فيكم غزال ببهجة ... كبدر الدُّجى يسمو عن الوصف والحدِّ له مبسم كالأقحوان وريقه ... ألذُّ من الخمر المعتَّق والشَّهد

سرى طيفه وهنا فأضحت بنشره ... رياض النَّقا أذكى من البان والرَّند وحقِّ هواه لا سلوت وداده ... ولا حبَّه حتى أوسدَّ في لحدي وإن كان قد أبدى الملال وحال عن ... عهود الهوى إنِّي مقيم على العهد /183 أ/ أحنُّ إلى لقياه وجدًا بحبِّه ... وإن كان لا يغني حنيني ولا وجدي وأكره دارًا قد خلت من جماله ... ولو خليت لي بعده جنَّة الخلد فيا أيُّها الرَّكب العراقيُّ بلِّغوا ... سلامي حييتم بالتَّحيَّة والرُّشد إلى منية القلب اللَّطيف ابن جعفر ... وقولوا له من لوعة القلب ما عندي وقولوا له: إنِّي قرأت كتابه ... وقابلته بالشُّكر لله والحمد وقبَّلته ألفًا ففاضت مدامعي ... فأنشدت قول الشاعر الفطن الجلد: (شممت بنجد شيحة حاجريَّة ... فأمطرتها دمعي وأفرشتها خدِّي) وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه من قصيدة مبدؤها: [من الطويل] أيا ساكني دار السَّلام سلمتم ... أجيروا المعنَّى من عيون الجاذر وردُّوا فؤادًا طالما ظلَّ عندكم ... أسير هوًى ما بين وافٍ وغادر وأنشدني أبو المنصور بن أبي عبد الله بن أبي منصور العامري؛ قال: أنشدني علي بن محمد بن غناج المقرئ الواسطي لنفسه: [من الطويل] /183 ب/ أيا ساكني دار السَّلام سلمتم ... أجيروا المعنَّى من عيون الجاذر وردُّوا فؤادًا طالما ظلَّ عندكم ... أسير هوًى ما بين وافٍ وغادر ومنُّوا بإهداء السَّلام تكرُّما ... لصب على هجرانكم غير صابر سبى قلبه يوم النَّوى في رحالكم ... غزال عجيل من قبيلة عامر شهيُّ اللَّما عذب المحيَّا مهفهف القوام بطرف فاتر اللحظ ساحر أرى أنَّ هلكي في هواه صيانتي ... ولو أنه دون البريَّة هاجري وأنَّ عذابي في تجافيه طيِّب ... أيا عاذلي كن في عذاريه عاذري

يمينًا بأيَّام السديرة والهوى ... وطيب ليال بات فيها مسامري لأنِّي على العهد الَّذي كان بيننا ... وما خطر السُّلوان يومًا بخاطري وأنِّي على ما تعهدون من الوفا ... وما راق شيء مذ نأيتم لناظري وأنِّي إذا ما عزَّ يومًا لقاؤكم ... على ناظري ألفيتكم في ضمائري وأنِّي إذا عزَّ الحيا في بلادكم ... سقيت ربي العاقول فيض محاجري وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف] هي دار الحمى فقف يا خليلي ... بوقوف في الرَّبع يشفي غليلي /184 أ/ وانشد الربع ساعةً في المغاني ... وأنخ في محلَّة العاقول فبها أهيف مليح المعاني ... قد سباني بغنج لحظ كحيل ما أدلهم الظَّلام إلاَّ غنينا ... بسنى وجهه عن القنديل إن تثنَّي في الفاضليَّات ليلًا ... صحت ويلاه من عنائي الطَّويل أو تبدَّى تحت ..... صبحًا ... قلت: بدر الدُّجى بلا تطويل يا نسيم الصَّبا بحقِّ اشتياقي ... أخبريه وجدي به ونحولي وأخبريه أني على العهد باق ... ما تبدَّلت في الهوى ببديل [400] عليُّ بن عبد الله بن عبد الرحمن بن زيدٍ، المعروف بابن حريقٍ الكاتب، أبو الحسن البلنسي. شاعر مفلق، وأديب محقِّق، قيِّم بالشعر والأدب، عارف باللغة وأيام العرب، عالم بتفسير القرآن والقراءة، حافظ لجملة وافرة من الأخبار والحكايات.

ولم يكن في زمانه أجود منه شعرًا، ولا أحسن نظمًا ونثرًا؛ مدح ملوك الأندلس، وأخذ صلاتهم، وانتشر ذكره /184 ب/ هنالك؛ وتولى التصرف في الأعمال الديوانية مع كتابة الإنشاء لبني عبد المؤمن، المستولين على الديار الأندلسية. أنشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أبي بكر الشاطبي الأنصاري، قال: أنشدني أبو الحسن علي بن محمد بن حريق لنفسه في غلام أعور؛ وأحسن فيما قال وأبدع في المعنى: [من الخفيف] لم يعبك الَّذي بعينيك عندي ... أنت أعلى من أن تعاب وأسنى لطف الله ردَّ سهمين سهمًا ... رأفةً بالعباد وازددت حسنا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يهجو كاتبًا: [من الرجز] وكاتب ألفاظه وكتبه ... بغيضة إن خطَّ أو تكلَّما ترى أناسًا يتمنُّون العمى ... وآخرين يحمدون الصَّمما وأنشدني أبو القاسم محمد بن محمد الشاطبي؛ قال: قرأت على أبي الحسين ابن حريق من شعره قوله: [من الكامل] يا ويح من بالمغرب الأقصى ثوى ... حذر العدا وجبيبه بالمشرق /185 أ/ لولا الحذار على الورى لملأت ... ما بيني وبينك من زفير محرق وسكبت دمعي ثم قلت لسكبه ... من لم يذب من زفرتي فليغرق لكن خشيت عقاب ربِّي أن أرى ... أحرقت أو أغرقت من لم أخلق وأنشدني؛ قال: أنشدني أبو الحسن بن حريق، وكان قد خرج إلى متنزهٍ له مع من يحبّه إلى خارج؛ فجاء السيل ومنع محبوبه من العود إلى البلد، فباتا جميعًا: [من مخلّع البسيط] يا ليلةًَ جادت الأماني ... فيها على رغم أنف دهري تسيل فيها عليَّ نعمي ... يقصر عنها طويل شكري

إذ بات في منزلي حبيبي ... وقام لي أهله بعذري وأنشدني إسماعيل بن عبد الله بن إسماعيل البياسي، بمحروسة حلب في سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن حريق البلنسي لنفسه بيّاسة، وكان مشرفها: [من الكامل] /185 ب/ يا صاحبيَّ وما البخيل بصاحبي ... هذي الدِّيار فأين تلك الأدمع أتمرُّ بالعرصات لا تبكي بها ... وهي المنازل منهم والأربع هيهات لا ريح الصَّبابة بعدهم ... رهو ولا طير التشوُّق وقَّع حلفوا على قلبي بسحر جفونهم ... لا زال يتعبه الهوى ويصدِّع وأبى الهوى إلَّا الحلول بلعلع ... ويح المطايا أين منها لعلع لم أدر أين ثووا فلم أسأل بهم ... ريحًا تهب ولا بريقًا يلمع وكأنَّهم في كلِّ مدرج ناسم ... فعليه منهم رقَّة وتضوُّع وإذا منحتهم السَّلام تبادرت ... تبليغه عنِّي الرِّياح الأربع [401] عليُّ بن عبد الله [بن] ورياش بن المبارك بن يوسف بن موسى بن يزكوك، أبو الحسن الوهرانيُّ الأنصاريُّ. نزيل دمشق، الخطيب الصالح الفاضل. كانت ولادته بوهران، في رجب ستة سبع وثلاثين وخمسمائة، وتوفي – رحمه الله – يوم الأربعاء سادس عشري ذي القعدة سنة خمس عشرة /186 أ/ وستمائة، بداريا من أعمال دمشق – كان خطيبها -. وكان قد أعطاه الله العلم الوافر، والعمل الصالح، له تصنيف وأشعار، كان يقولها، وفضله على كثير من أبناء زمانه؛ وكان تقيًا في نفسه ذا ورع وخير، سديد

الطريقة، جميل الأمر. خرج عن بلاد المغرب، ونزل الشام، وتولّى خطابة داريا، وأوطنها، إلى أن توفي بها؛ وصنف تفسيرًا لكتاب الله تعالى أجاد في تصنيفه وأحسن. أنشدني نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الصفار الشيباني الدمشقي بها في أوائل سنة أربعين وستمائة؛ قال: أنشدني الشيخ الجليل الصالح أبو الحسن علي بن عبد الله ورياش بن المبارك الوهراني لنفسه في الوحدة: [من البسيط] أصبحت والحمد للرحمن منفردًا ... عن كلِّ وغد من الأقوام شتَّام ما لي أنيس سوى أنِّي امرؤ عكفت ... نفسي على الكتب أيَّامي وأعوامي أوحي إليها بطرفي وهي تخبرني ... عن من تقدَّم من سامٍ ومن حام وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الوافر] أما في ذا الزَّمان أخ شفيق ... كثير فضله غمر طليق /186 ب/ يردُّ بفضله الأزمات عنِّي ... إذا طرقت ويتَّسع المضيق فقد كثرت حوادثهنَّ عندي ... ولا سيما إذا فرغ الدَّقيق تهدُّ لخطبها الشُّمُّ الرَّواسي ... فكيف يطيقها الشَّخص الرَّقيق وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الحر: [من الطويل] ويوم تمجُّ الشَّمس فيه لعابها ... يكاد الحصى من حرِّه يتفلَّق ينضِّج أفراخ القطا جوف قيضها ... ويتَّرك الرُّبد النقانق تفهق فلو حطَّ شلو فوق أمعر شاهق ... لعاد حنيذًا لحمه يتمزَّق وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في حاله بدمشق: عليَّ ثياب باليات لو أنَّها ... تقوم ولم تبلغ بقيمتها فلسين وإني أراني عزَّة وجلالة ... إذا سرت فيها أسحب الذيل ذا القرنين وما ذاك إلاّ العلم يسمو بربِّه ... فيستصغر الدنيا وما جمعت من عين

وتبصر فيها من المال والعلا ... مع البؤس والفقر الملمّ بها سيبين وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الشَّمعة: [من البسيط] وراهب بات طول اللَّيل منتحبًا ... يبكي وفي رأسه طرطور من ذهبه /187 أ/ يشكو إلى الله إحراق الجحيم له ... يا فوخه واحتكام البرد في ذنبه وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في البرغش: [من البسيط] لله ليلتنا ما كان أطولها ... ظللت أقمص والبرغوث يرتقص وبات يزمر حولي اللَّيل برغشها ... وبتُّ الطم وجهي وهو يمَّلصُّ وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه من أبيات في الغربة: [من البسيط] هبَّت له من ثنيَّات العيون صبا ... فحنَّ وجدًا لأيَّام الصِّبا وصبا وذاب من ذكر وهران ومنزلة ... قد شبَّ فيها قديمًا عظمه وجبا لله أيامنا والشَّمل ملتئم ... بساحتيه ودهر بالسرور حبا إذ أسحب الذَّيل من عار الحمام إلى ... طود الشَّرائع أسعى والهوا خببا لا أعرف الهمَّ أنى سار متَّجهًا ... ولا أوافق داعي العمر إن وثبا فشتَّت الدَّهر شمل من معالمها ... كصاحب السدِّ إذ يسعى به سببا وبدِّلت عيشتي بعد النَّعيم بها ... كما تبدَّل جنَّات بأرض سبا وقد تردَّيت ثوب العزِّ بعدهم ... وبعد عزِّ وثوب الذُّل للغربا إذا رأيت غريبًا سحَّ أدمعه ... وافقته في البكا إذ كلُّنا نسبا /187 ب/ وما توادع قوم يوم بينهم ... إلا توقَّد قلبي والحشا لهبا أعارض الرَّكب علِّي أن أرى رجلًا ... من آل وهران أو ألقى به كتبا لا تيأسنَّ فإن الدَّهر ذو عجب ... وربما أعتب الدَّهر الَّذي عتبا قد فاز يعقوب في الدُّنيا ببغيته ... من بعد ما عاش في أحزانه حقبا [402] عليُّ بن أبي منصور بن محمد، أبو الحسن الموصلي. حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي – رضي الله عنه – قال: كان من صناع الموصل الصفارين؛ عاميًا جاهلًا في غاية.

لقيته عند شيخنا أبي الحرم النحوي، وقد أنشده أبياتًا عينية، وارتكب فيها ألفاظًا ومعاني، لا يفهمهما من وقف عليها، ولا هو إذا سئل عنها يعلم معناها! ، إنما هي ألفاظ موزونة فقط؛ وكان شيخنا أبو الحرم قد بلغه أنه يقع في شعر أبي عبد الله النجراني؛ فتغيظ عليه ذلك اليوم تغيظًا شديدًا، فلم نزل نسكنه عنه حتى سكن. كان يرد إربل ويتوصل إلى لقاء الوزير ولي الدين أبي الثناء محمود بن محمد بن نقدار الحراني، الَّذي كان مقدمًا بها، ليمتدحه فيأبى عليه /188 أ/ ويجبهه بكل منكر، وهو لا يكثرث لذلك، ولا يزال حتى يأخذ من صلة السلطان مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين؛ ومنه هكذا في كل سنة. وقد سمعت منه كثيرًا من شعره، إلا أني لم أره أن أقيد عنه شيئًا لجهله؛ هذا كلّه كلام الصاحب أبو البركات – رضي الله عنه – ثم أنشد له هذه الأبيات من قصيدة: [من الطويل] أدرها كؤوسًا يا نديمي وداره ... وخذ واعطه من قبل حال داره ولا تسقنيها في صغار محرِّمًا ... فإني أرى تحليلها في كباره ولا تطف نيرانًا لها بمياهها ... اتقَّ الله واحذره وخف حرَّ ناره معتقةً من رحل آدم في الحيا ... وعذراء بكرًا كالطلا في كباره لها حبب كالدرِّ في الكأس لم يزل ... على رأسها في نظمه ونثاره .. دهقانها في يمينه ... ترى لهبًا أو شعلةً في يساره [403] عليُّ بن أحمد بن عليِّ بن محمد، أبو الحسن بن أبي العباس العنبري المنجم، المعروف بابن دوَّاس القنا. /188 ب/ من أهل واسط، ومن بيت معروف بها، كان هو وأبوه وأخوه شعراء،

وهم من بيت أدب وفضل. وكان أبو الحسن يقول شعرًا مقاربًا، ويمدح به الناس، وله يد جيدة في تقويم الكواكب، وكتبة التقاويم؛ قرأ علم الأوائل، وانفرد بمعرفة علم النجوم وتسيرها، وأجاد في ذلك، واشتهر به، وعرف بهذا النوع وإحكامه. قدم بغداد مرارًا، وقرأ بها على جماعة من أدبائها ومشايخها، وأخذ عنه من أهلها، واستوطنها إلى أن قبر بها في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وستمائة؛ وكانت ولادته سنة أربع وأربعين وخمسمائة. أنشدني الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادي، بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدنا أبو الحسن علي بن أحمد بن دواس القنا لنفسه في الإجازة ونقلته من خطه؛ وأنشدني عنه ابن الحمامي: [من البسيط] إنِّي أعالج أقوامًا إذا اختبروا ... كأنَّ شاب جمال تحتها صور مقدَّمين فلا أصل ولا حسب ... ولا نسيم ولا ظلٌّ ولا ثمر /189 أ/ هم الصدور ولكن لا قلوب لها ... يا ليت مذ نظروا ما كان لي نظر من كلِّ صدر متى لاقاه مادحه ... كانت مواهبه التَّقطيب والضَّجر [404] عليُّ بن سعد. هكذا رأيته. ناولني القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم الخشاب – أيده الله تعالى – مجلّدة متضمنة أشعار شعراء العصريين بخطوطهم، منهم جماعة امتدحوا السلطان غياث الدين الملك الظاهر – صاحب حلب – فتصفحتها، فعثرت في أثنائها باسم هذا الشاعر على قصيدة من نظمه معنونة "المملوك علي بن سعد"، لا غير. فسألت القاضي بهاء الدين – أيده الله تعالى – عن شيء من أمر هذا الرجل؛ قال: لا أعرف من حاله شيئًا؛ والقصيدة في الملك الزاهر محيي الدين أبي سليمان داود بن يوسف بن أيوب بن شاذي – صاحب البيرة -: [من البسيط]

فخر الملوك مجير الدِّين داود ... من ظلُّ جدواه فوق الخلق ممدود /189 ب/ من الملوك وإن جلُّوا وإن عظموا ... عند التناسب محسوب ومعدود ملك غدا فضله في الأرض منتشرًا ... ومجده فوق أفق الأرض معقود قف حيث دوحة ذاك الملك زاهرة ... والسَّيف ذو شطب والرُّمح أملود والعزُّ أقعس والآمال باسمة ... وللعفاة ببذل الجود تبديد فثمَّ أبلج وضَّاح الجبين إلى ... حديث نائله تعلو الأسانيد يهزُّ للمدح أعطافًا مكرَّمةً ... لم يثنها عن بناء المجد تفنيد متيَّم بالمعالي هائم دنف ... سكران من نشوات الفضل عربيد ما بال سيفك لا تنبو مضاربه ... تراه في عزمك الفتَّاك مقدود وخيلك الجرد لا تنفكُّ غائرةً ... كأنَّها المال من كفَّيك والجود وطيب نشرك لا ينفكُّ ذا أرج ... كأنَّه المسك والجاديُّ والعود إنَّ الإمارة إسم أنت مثبته ... والملك أنت له ركن وتشييد والفضل لولاك ما قامت دعائمه ... ولا استقام له ساق ولا جيد لله أنت فكم قد حزت من شيم ... بنشرها يستلذُّ الرَّكب والبيد فضل وعلم وإفضال ومعرفة ... وهمَّة وندى كفٍّ وتأييد لا يطَّيبه أقاويل مزخرفة ... ولا يرنِّحه الوهنانة الرُّود /190 أ/ وللسرير وللدست المطلِّ به ... والتَّاج والسَّرج تعظيم وتمجيد وما سمعنا بملك قبله بشر ... كفَّاه بحر ندى والقلب جلمود يهتزُّ تحت وشيج الخطِّ منه فتى ... في الحرب والسِّلم معروف ومشهود طلق النَّقيبة في النَّادي لآمله ... وفي الكريهة مقدام وصنديد حوض وروض لجانيه ووارده ... فالحوض والرَّوض مروود ومورود يقول للوفد والطرَّاق نائله ... هذا الغنيُّ متى ما شئتم عودوا كأنَّما نغمات السَّائلين إذا ... طافوا بأبوابه لحن وتغريد زها به الملك وانقادت شكائمه ... إليه فهو إلى الأملاك محسود أفتى وأفتك في يومي ندى ووغى ... لأنت ذاك على الحالين محمود نثني عليك وتأتينا عوائدك الحسنى فأنت لنا قصد ومقصود

قد أسعد الله أرضًا أنت مالكها ... وعصرها بك يا داود مودود ربوعها بندى كفَّيك مرتبع ... وكلَّ يوم لأهليها بها عيد باتت إليك أمانينا وأنفسنا ... كثيرة الشَّوق والمهريَّة القود كالأرض تشتاق هطَّال السَّحاب إذا ... ما صوَّح النبت يومًا أو ذوى العود لا زال كفُّك للقصَّاد منتجعًا ... تبيضُّ من جوده آمالنا السُّود [405] /190 ب/ علي بن أحمد بن فشتال، أبو الحسن الكاتب. الفاضل الأديب. أخبرني شيخ الشيوخ؛ قال: أظُّنه من أهل الأندلس، رأيته بمراكش. وكان معطلًا عن العمل حاليًا بفضائله، وإن كان في العطل. وله رسائل حسنة، وألفاظ بديعة معتبرة؛ وكان يميل في رسائله وشعره، إلى طريقة أهل المشرق، وحصل من عندي كثيرًا من ترسل القاضي الفاضل، والعماد الكاتب وغيرهما – رحمهم الله -. وكتب إلى بإحسان تجدد لي من السيد أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن، وهو تمليك بستان بناحية أغمات، وتقدّم إلى بقضاء حوائج الغرباء والعود عنده: [من الطويل] رأيت بعيني اليوم في صحف المنى ... لمجدك ما تعطي من الحظِّ في غد فصرت أمنِّي النَّفس تجديد ما عفى ... من العزِّ لي في عزِّك المتجدِّد

[406] عليُّ بن عبد الرحمن /191 أ/ بن أحمد بن عليٍّ، أبو الحسن المراكشيُّ. متفقه على مذهب مالك بن أنس – رضي الله عنه – نزيل بغداد. أنشدني وجيه الدين الإسكندري؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه ويعرف بالكرديِّ والغّزي أيضًا: [من الطويل] خلعت عذاري في الحبيب تطرُّفًا ... على أنَّني من أخلع النَّاس في الخلع وما [ذاك] في التَّحقيق مني تطبُّعًا ... بلى هو في أصل الجبلَّة بالطبع فمن رام من قلبي سلوا فإنَّما ... يكلِّفني بالجهل ما ليس في وسعي يقولون لا تهواه هلاَّ سلوته ... وهذا إذا حقَّقته فاسد الوضع وهل شاهدت عيناي إلَّا جماله ... دنا أو نأى في حالة الفرق والجمع فمحبوب قلبي ما تعلَّلت باسمه ... ولا وقع للعذَّال في القلب والسَّمع فلست مطيع العذل ..... ..... ... لقتلي إمام العدل بالسَّيف والنَّطع فإن قيل مجنون وقيل مموِّه ... وأكثرت الأقوال بالظَّنِّ والقطع فعرضي مبذول ومالي مبذَّر ... وقتلي وختلي مستباحان في شرعي [407] عليُّ بن يحيى بن المبارك بن عليِّ بن الحسين بن بندار، أبو المحاسن المخرّميُّ.

/191 ب/ [قال] [من الطويل] ويوم دجوجيٍّ له الصَّقع غيهب ... ولمع الظُّبى برق وسمر القنا شهب كشفت بسيفي ما دجا من خطوبه ... وإني بذاك اليوم مستهتر صبُّ وما زلت كشَّافًا لكلِّ ملمَّة ... رحى الحرب إن دات فإنِّي لها قطب حبيبًا لدى الأقوام ليثًا لدى الوغى ... ويعظم شأني كلَّما عظم الخطب فسيفي لا يهوى سوى لمم العدا ... ويعظم شأني كلّما عظم الخطب وأنشدني المجد النشابيّ عنه ببغداد: [من الطويل]

يقول فتى الفتيان بشر بن خازم ... مقالًا له في كلِّ صادقة نطق وكيل لقينا العين في العين للعدا ... فطرنا لحرب قبل أن يسفر الشَّرق فأطلعت المرَّان فينا كواكبًا ... بخرصانها والبيض ضاء لها برق وأبدى بريق السابغات على الدِّما ... شعاعًا كما يبدي لنا الشَّفق الأفق وإنَّا لنهدي بالسُّيوف إلى العدا ... فما ضلَّ هادينا ولم تبهم الطُّرق إلى أن بدا خيط الصَّباح كأنَّه ... على حالك من فرع غيهبها فرق فيا لك من ليل فتت ظلامه ... برتق علًا ما بعد رتقي لها خرق وكم كربة كشَّفتها وملمَّة ... لعزمي عليها حين فرَّجتها حقُّ بوجه حييٍّ في النَّوال وإنَّه ... وقاح لدى يوم الوغى وليس السَّبق /192 أ/ ولي صارم مغرى بحز غلاصم ... الأعادي وكلٌّ بالنوال لها عبق ومن عجب أنِّي أسرت بنائلي ... عفاة لهم من أسر إعدامهم عتق أكذِّب ظنِّي في الوعيد وعنده ... وعود لها في ظنِّ إنجازها صدق وفخري بإنعام الخليفة إنَّه ... ندى عاش فيه الخلق واتَّسع الرِّزق وله: [من البسيط] وربَّ فتيان صدق طاب ذكرهم ... نادمتهم ونجوم الأفق لم تغب وشمسنا من سماء الكأس واجبة ... فينا وسورتها بالسُّكر لم تجب يحدو بها مسمع في شدوه طرب ... يرنِّح الشَّرب مغنى ذلك الطَّرب وبيننا من أحاديث منمَّقة ... نظم من الشِّعر أو نثر من الخطب حتى دعا للوغى داع فخلتهم ... نارًا تضرَّم أو جندًا من الغضب وعادت الرَّاح محمر النَّجيع وما ... الكاسات غير الدُّرينَّيات والعضب والضَّرب بالعود ضرب العود راسله ... حسام قرب له بعد عن القرب إذا سقوا فارس الهيجاء كأسهم ... في الحرب سابقت اللَّبات للَّبب لهم سماء من النَّقع المثار به ... من الأسنَّة لمع الأنجم الشُّهب إذ السُّيوف بروق والصَّيهل بها ... رغد ووقع مطار النَّبل كالسُّحب

/192 ب/ كأنَّما خلقوا دنيا لحربهم ... فأيقنوا أنَّها الدُّنيا بلا كذب خطُّوا على كلِّ درع نقط خطِّهم ... في شكل بيضهم نقلًا من الكتب (بيض الصَّفائح لا سود الصَّحائف في ... متونهنَّ جلاء الشَّكَّ والرِّيب) قالوا وقد سئلوا الأنساب بينهم ... جود الخليفة فينا أفضل النَّسب وله: [من المتقارب] لأنعامنا بالمدى إلفة ... كما يألف النَّاظران الشَّهر تسيل المذاكي على حدِّها ... فما تراهنَّ إلَّا حمر ترى العرف في ذبحها للضيوف وفي تركها للبقاء البكر وجرد أعدَّت ليوم الجلاد عواري للسمع قبُّ شزر صيام يلكن حديد اللِّجام ... وأسيافنا في الدِّماء الغدر ولا نألف البيض بيض الخدور ... ولا السُّمر إلَّا عوالي السُّمر [408] عليُّ بن يوسف بن نصر بن فتيان، أبو الحسن البصريُّ. تفقه على مذهب الإمام الشافعي؛ ولديه فضل وأدب ويقول الأشعار /193 أ/ الحسان. خرج عن البصرة، متوجهًا إلى البلاد الشامية، ونزل دمشق، وقصد بها الملوك وغيرهم من الأمراء يمتدحهم بشعره، وهو مقيم بها. أنشدني الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن يوسف الفرّبالي اللخمي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن يوسف البصري لنفسه بدمشق – خارجها بسفح جبل قاسيون – في شهر شوال سنة ثلاث وثلاثين وستمائة: [من الطويل] يلومك في الظَّبي الظَّليم ظلوم ... سليم من البلوى وأنت سليم ويلحاك قوم في الغرام بأحور ... كريم وما يلحاك فيه كريم أفي خدِّه أم خاله أم عذاره ... تلام وفي كلٍّ ملامك لوم

غزال له من مقلتيه صوارم ... لها من قلوب العاشقين كلوم وقالوا أتهوى أعرجًا يحمل العصا ... وذلك شين في الحبيب ذميم فقلت لهم قد كان موسى بكفِّه ... عصا قبل من أهواه وهو كليم كما وجهه في الحسن فرد وقدُّه ... كذا ساقه فرد أخوه عديم وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب] يزورك من أنت لا تعشق ... وطيف حبيبك لا يطرق /193 ب/ فيا من بدا فتنةً للورى ... إذا ما بدا وجهه المشرق تركت ازدياري خوف العدا ... فطيفك باللَّيل ما يفرق إذا غاب شخصك عن جلِّق ... فبعدك لا مطرت جلِّق وأنشدني له أيضًا: [من البسيط] أهوى الغزال الَّذي ما زال مرتعه ... واد تضوَّع بالقيصوم والشِّيح إنَّ الخمائل أمسى نشرها أرجًا ... من طيب ريَّاك من نسمة الرِّيح هلاَّ كففت سهامًا أنت مرسلها ... فالقوم ما بين مقتول ومجروح أهواك حتَّى إذا لم تبق لي جسدًا ... أسكنت حبَّك ما أبقيت من روحي قد وفَّر الله حظِّي في هواك كما ... في الحسن حظُّك أضحى غير مرجوح منائح الله يؤتيها خلائقه ... والنَّاس ما بين مجروح وممنوح وأنشدني له أيضًا: [من الكامل] إمَّا مررت على النَّقا وكناسه ... فخذ الأمان من الظِّباء لناسه فلربَّ ربِّ نهى بها فتكت به ... تلك الجاذر لم يحفن لباسه من كلِّ أحور ما رنا إلاَّ رمى ... قتلًا فقل دفاعه نبراسه رشأ تشين الشَّمس غرَّة وجهه ... وتفوق جنح اللَّيل طرَّة رأسه /194 أ/ وأنشدني له أيضًا: [من السريع] فديت مولى لم يزل سابقًا ... فضلًا دنا مملوكه أو قصا ذا أدب لمَّا أتى طرسه ... أطاعني من كان قدمًا عصى فها أنا في الشام عيسى الَّذي ... أرسل من بعد نبيِّ العصا

أنشر ذا الرَّمس بألفاظه ... وأبرئ الأكمه والأبرصا لا زلت فخر الدِّين في نعمة ... تنمو وسعد لا يرى ناقصا [409] عليُّ بن خمير، أبو الحسن السبتيُّ. كان فقيهًا مالكيًا، شاعرًا مفلقًا، أصوليًا عالمًا، أديبًا لغويًا؛ توفي سنة أربع عشرة وستمائة. أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الواحد الأوسي السبتي بحلب المحروسة؛ قال: أنشدني الشيخ أبو الحسن علي بن خمير لنفسه: [من الطويل] إذا شئت أن تبكي فريدًا من الهوى ... فتندبه بعد النَّبيَّ المكرَّم فحامل علم عالم متورِّع ... حرص على التَّحريض للمتعلِّم /194 ب/ وحاكم عدل بالشَّريعة قائم ... يقول بحكم الله لا بالتحكُّم وصاحب مال فاضل متفضِّل ... يجود به حقًا على كلِّ معدم وساهر ليل شافع متشفِّع ... بكلِّ نؤوم شابع متبشِّم وصاحب سيف للعدوِّ مرابط ... يسدُّ به في كلّ ثغر مثلَّم هم خمسة يبكون حقًا وغيرهم ... إلى حيث ألقت حملها أمٌّ قشعم [410] عليُّ بن محمد بن داود بن الناصر، أبو الحسن بن أبي جعفر الحسنيُّ. من أهل حلب، ومن شرفائها المميزين؛ وكان فاضلًا قارئًا للقرآن العزيز، وأخذ طرفًا من العربية، ونظر في الأدب، وصار له معرفة حسنة. وقال شعرًا متوسطًا، وكانت بينه وبين الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الجبار القيرواني الكاتب المعروف بابن الزيات، مكاتبة بالأشعار ومجاوبة. أخبرني الصاحب مؤيد الدين أبو نصر إبراهيم بن يوسف بن القفطي – أسعده الله

تعالى – قال: توفي أبو الحسن علي بن محمد بن الناصر في آخر شهر رمضان سنة /195 أ/ ست عشرة وستمائة بحلب. أنشدني من شعره نجم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن سراج الحلبي – أسعده الله تعالى – بحلب؛ قال: أنشدني الشريف أبو الحسين علي بن محمد بن داود بن الناصر لنفسه، يمدح الملك الظاهر – صاحب قلعة حلب – في سنة إحدى عشرة وستمائة: [من الكامل] سائل حداة الرَّكب أني يمَّموا ... هل أنجدوا بفؤاده أو اتهموا؟ وابلغ تحيَّته الفنيق وقل سقى ... مغناك من وطف السَّحاب المرزم طلل أسمت بروضه سرح الصِّبا ... ورتعت فيه لاهيًا لا أسأم أيام لا العذَّال تملك سلوتي ... فيها ولا يثني هواي اللُّوَّم ما نافعي أنِّي أكتِّم حبَّها ... خوف العواذل والضَّنى يتكلَّم وإذا الظَّلوم رعيت عهد وداده ... في الحبِّ إنَّك منه فيه لأظلم فخرت به الهيف القدود كما زها ... الأملاك قاطبة بأنَّك منهم ولأنت أفخرهم إذا انتسبوا أبًا ... وأجلُّهم نعمى إذا ما أنعموا فخرًا غياث الدين يا أندى الورى ... كفًا وأشجعهم إذا ما استسلموا وافى أخيرًا عصره وأتى بما ... لم يأته من عصره المتقدِّم من منَّة مشهورة وصنيعة ... مأثورة ويد تعول وتنعم /195 ب/ بيمينه هيفاء يرهب نفثها ... الجاني فتلك يراعة أم أرقم؟ في السِّلم يقطر من أنامله اللُّهى ... والحرب يقطر من أنامله الدَّم ومنها: جاء الشِّتاء فليس عندي درهم ... وبمثل ذلك قد يصاب المسلم وتجلبب النَّاس الخزوز وغيرها ... وكأنَّني بفناء مكَّة محرم لا يغرر الرَّائي رداء مونق ... كلَّا ولا ثوب قشيب معلم فمن الغياث قديمه وحديثه ... وهو الَّذي يولي الجميل وينعم فتهنَّ بالشَّهر الأصمِّ ممتَّعًا ... بالملك ما لبَّى بمكَّة محرم

وأنشدني الصاحب مؤيد الدين أبو نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم؛ قال: أنشدني الشريف لنفسه: [من الكامل] ومهفهف ثمل الشَّمائل زارني ... فوشى عليه جماله والطِّيب فمتى أسر بوصل من أحببته ... وعليه منه مع الرَّقيب رقيب [411] عليُّ بن أحمد بن محمد، أبو الحسن /196 أ/ الأشبيليُّ المعروف بالقسطار. من أهل الحديث والقرآن، وله نظم. أقام بدمشق مدّة يسمع الحديث على مشائخها. أنشدني الشيخ تاج الدين أبو الحسن محمد بن أحمد القرطبي الدمشقي، بها سنة أربعين وستمائة؛ قال أنشدني القسطار لنفسه: [من الطويل] سقاني ولم يشرب وذاك تأدُّبًا ... وأقسم أنِّي قبله سوف أشرب فما اسطعت إلاَّ أن أبرَّ يمينه ... وكنت لعمر الله في السُّوء أرغب وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه، وقد سئل عن شوقه للأهل كيف هو؟ : [من البسيط] يا سائلي كيف شوقي الأهل والوطنا ... هيَّجت والله لي ما كان قد سكنا كيف اشتياق غريب الدَّار منقطع ... عشرين عامًا يقاسي غربة وضنى شوقي إليهم شديد لا انفصام له ... والقلب ذو حرق مذ فارق السَّكنا وأنشدني أيضًا؛ قال: أنشدني لنفسه، وكان يومًا عند شيخه خزعل بن عسكر النحوي؛ وسأله أبو موسى عيسى بن سليمان الرعيني أن يجيزه، فوعده الشيخ بذلك فقال: [من الكامل]

/196 ب/ جرت العوائد إذ يجاز محدِّث ... بحضور آخر لم يجز يتغبَّن وعوائد المولى التقيِّ بفضله ... جبر القلوب وجبر قلبي هيِّن وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه، وقد ذهب بابنه كرهًا إلى جدّته وهو يقول له: دعني عندك اليوم وغدًا وابعثني إليهم؛ فقال: [من الكامل] لهفي على الولد العزيز وقد غدا ... كرهًا يفارقني إلى بيت العدا ويقول: يا مولاي تسلمني إلى ... من ليس يرحمني، ويوردني الرَّدى! مولاي دعني عندكم متنعِّمًا ... يومي وينتقمون مني هم غدا مولاي كيف تسرُّ وابنك موثق ... في أسر باغيه عليه تمرَّدا؟ فأجبته والدَّمع منهمل على ... خدٍّ نحيل أصفر: نفسي الفدا نفسي فداؤك من أذى جرِّعته ... طفلًا فساعدك الإله وأسعدا [412] عليُّ بن عبد الرحمن بن عثمان بن الحسن بن عبلة بن الرفاعيِّ، أبو الحسن. /197 أ/ كانت ولادته – بقرية من سواد واسط، تدعى أم عبيدة – في سنة ثمانين وخمسمائة، وتوفي بها ظهر يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وستمائة، وقبره بها يزار – رحمه الله تعالى -. كان شيخ وقته زهدًا وحالًا؛ فقيهًا شافعي المذهب، واعظًا كبير البيت، عارفًا بتفسير القرآن والحديث النبوي، وله جماعة كثيرة من المريدين والأتباع، ينتمون إليه، ويقصدونه من كلّ مكان، وأهل السواد يقبلون عليه ويعتقدون فيه اعتقادًا عظيمًا، وذكره مشهور في البلاد سيَّار في الأقطار. أنشدني القاضي أبو العباس أحمد بن الحسن بن عبد الله بن سابور الهمامي، بالهرب من الأعمال الواسطية في شهر شعبان سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن عبد الرحيم بن الرفاعي لنفسه: [من الطويل]

أتيناكم مستغفرين لأنَّنا ... عرفناكم بالصفح عن كلِّ معتدي وطفنا بناديكم وقلنا ترابه ... ذرور به نعتاض عن كلِّ إثمد بحرمة أيَّام الوصال الَّتي مضت ... وما شاب صافيها كلام مفنِّد /197 ب/ أقيلوني الذنب الَّذي قد أتيته ... ولا تشمتوا بي قلب واش وحسَّد وله عند قصده باب الشيخ منصور بن الرفاعي – رضي الله عنهما -: [من الكامل] وفد الوفود إلى جنابك كلُّهم ... سألوا الشَّفاعة منك في الزَّلَّات فتيقَّنوا أنَّ الإله بفضله ... منح القبول ومنَّ بالطَّاعات فأنزل فديتك في ذراه فإنَّه ... أهل العطاء ومعدن الخيرات وأبشر وجدَّ بقصده ومزاره ... وانعم بقرب منه في الجنَّات وله: [من الطويل] ولو بذل الدَّلاَّل وصلك يافعًا ... لقمت إليه راغبًا ومبادرا وقبَّضته روحي وقلبي وقالبي ... وأيقنت أنِّي لست في ذاك خاسرا وأنشدني صدر الدين أبو القاسم بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عثمان الرفاعي؛ قال: سمعت الشيخ العالم ينشد هذه الأبيات لنفسه؛ قالها في مطرب كان بين يديه: [من البسيط] هذا الجمال عليٌّ في جماعته ... كصنو بدر تجلَّى في ملاحته /198 أ/ ترنو إليه عيون النَّاس ناظرةً ... شوقًا إلى وجهه من طيب نغمته يئنُّ كلُّ حسود من تحسُّره ... على زمان مضى من قرب دكَّته [413] عليُّ بن محمَّد بن إبراهيم بن محمَّد المدنتانيُّ. ومدنتان قرية من قرى بعلبك. أبو الحسن الكاتب المدعو بالتقيّ، كاتب الملك الأمجد؛ كان عنده أدب وفضل

شاعر؛ ومن مختار شعره قوله يمدح الملك المنصور محمد – صاحب حمأة – وذلك في سنة سبع وتسعين وخمسمائة من قصيدة أوّلها: [من البسيط] نومي لهجر ظباء الجزع مهجور ... والغمض يوم حضور البين محظور كيف اصطباري ونار الشَّوق تضرم في ... قلبي وخدِّي بماء الدَّمع ممطور فمن لصبٍّ غريق بالدُّموع له ... جسم حشاه بجمر الوجد مسجور يشوقه بارق الجرعاء منبسطًا ... له على النَّور من روض الحمى نور كأنَّه حين يبدو من غمامته ... مهنَّد لامع المتنين مشهور ما البان مذبان سكَّان العقيق بمأنوس وقد عتبت أقماره العير /198 ب/ ومنها في المدح: أيَّام أنصر فيها بالوصال كما ... الإسلام بالملك المنصور منصور سلطان حلم وبأس دنت أعبده ... وقرن هيجاء معفور ومعفور كم في قلوب العدا كلم لخيفته ... لكنه بسنان الرُّمح مسبور لا غرو أنَّ فرَّق الأعدا بسطوته ... وهم فريقان محصود ومحصور بدر كواعبه الخرصان راجمةً ... إذا دجا من عجاج الحرب ديجور ملك هو البحر مرجى ما سجا فإذا ... ما هاج موج ظباه فهو محذور يجري على الناس من إنعامه نعمًا ... تترى وتجري بما تهوى المقادير وفوده نحوه أنضت مراكبها ... حتى شكاها إليه السَّرج والكور مؤزَّر ببرود الحمد مشثتمل ... متوَّج بوقار الملك محبور [414] علي بن سعيد بن حمامة، أبو الحسن الصنهاجي التلكاني.

من أهل المغرب؛ كان شيخًا فيه فضل وأدب، وله معرفة بعلم العروض والقوافي، وعناية بتأليف الأشعار، وجمعها وترتيبها، ويلزم نفسه /199 أ/ ذلك. نزل حماة، وانقطع إلى لسانها الملك المظفر تقيّ الدين أبي المناقب عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي – رحمه الله -. وجمع باسمه كتابًا سمّاه "نفائس الأعلاق في مآثر العشاق" وعمله مبوّبًا، عشرين بابًا، أودع فيه من بدائع الحكايات، ونوادر الأشعار. وظفرت له بكتاب آخر، لقبه بـ "زناد المقتبس في ملح أهل الأندلس"، ..... الأشعار التي ضمنها الكتاب على حروف المعجم، ولم يأت فيه بغريب من الشعر. وكان شاعرًا مكثرًا من النظم، وعمل الموشحات، قادرًا على إنشائه وارتجاله، يصنع منه ما شاء في ساعة واحدة بغير فكرة ولا رويّة. وفد إلى البلاد الشامية، في أيام الملك العادل نور الدين أبي القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر – رحمه الله – فامتدحه بقصائد شتى، ومدح بعده الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب – رحمه الله – بعدة قصائد. وبلغني أنَّه أدرك أوائل المائة السابعة – والله أعلم – كذا أخبرني بذلك الوزير الصاحب القاضي الأكرم أبو الحسن علي /199 ب/ بن يوسف بن إبراهيم القفطي – أسعده الله – بحلب. أنشدني أبو الحسن علي بن فيّاض بن علي المغربي الحلبي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن سعيد بن حمامة الصنهاجي التلكاني لنفسه – وقد رأى فاختة على شجرة نارنج وهي تغرّد: [من الطويل] ولابسة ثوبًا من الرِّيش أدكنا ... تروقك مرأى في الغصون ومسكنا بنت في أعالي الدَّوح وكرًا محصَّنًا ... تفيَّأ أوراقًا لدانا وأغصنا أرتنا بأفنان الأراكة قيصرا ... وقد حلَّ أعلى قبَّة الملك والسَّنا

وأنسك ألحانًا وسجع مخارق ... إذا مسَّ أوتارًا وغرَّد معلنا بكت طربًا لمَّا بكيت صبابةً ... وكم بين مسرور ومن يشتكي الضَّنا ومن شعره أيضًا أول قصيدة: [من البسيط] غنَّى الحمام على أغصانه طربا ... فلم يدع مهجةً إلَّا التظت لهبا هاجت لي الشَّوق في الأغصان صارخةً ... لا تعرف الوجد والأشواق والوصبا ما إن رأيت جهولًا قبل رؤيتها ... أصبى الحليم إلى أن بات مكتئبا تبكي وما فارقت إلفًا ولا وطنا ... فكيف من فارق الألاَّف مغتربا /200 أ/ يا قاتل الله صدَّاح الخمام إلى ... كم يألف النَّوح في أغصانه طربا هاج الصَّبابة من أعنان كاظمة ... حتى استهلَّت علينا باللِّوى سحبا ومن شعره أيضًا في كتابه المسمّى بـ"النفائس الأعلاق": [من الكامل] باتا بأنعم عيشة حتَّى بدا ... صبح تألَّق كالأغرِّ الأشقر فتلازما عند الصَّباح صبابة ... (أخذ الغريم بفضل ذيل المعسر) [415] عليُّ بن المعمّر بن أبي القاسم، أبو الحسن الواسطيُّ. كان قارئًا حسنًا، محدّثًا شاعرًا؛ قرأ القرآن بواسط، وسمع الحديث الكثير؛ وعنده دراية بالنحو واللغة. قدم بغداد واستوطنها، إلى أن توفّي بها يوم السبت ثاني شهر رمضان سنة تسع وستمائة، ودفن غربيها، عند قبر معروف الزاهد – رضي الله عنه -. أنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي – رحمه الله – قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه، في شيخه ابن الجوزي، وقد أصابت /200 ب/ النار بعض جوارحه: [من المنسرح] ما مسَّت النَّار منك جارحةً ... ذات خصال يهي معدِّدها إلَّا لقول الإله ما أحد ... من البرايا إلا سيوردها فعجَّلت كي يكون في النَّشأة الأخرى سليمًا ممَّا ينكِّدها

وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من السريع] يا أحسن العالم وجهًا ويا ... من هو فينا فتنة الكلِّ إن كان يرضيك دمي في الهوى ... فأنت من قتلي في حلِّ سلبتني عقلي وقد لذَّ لي ... أنِّي أهواك بلا عقل لأنَّ مجنونك يا متلفي ... يسلم من لوم ومن عذل وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من السريع] عيناك لي أفلَّ من صارم ... أرهفه القين على عمده لأنها تقطع في غمدها ... والسَّيف لا يقطع في غمده وقال أيضًا: [من البسيط] يا نهر عيسى إلى عيسى نسبت وما ... نسبت إلَّا بتحقيق وإيضاح فإنَّما بك إحياء القلوب كما ... عيسى المسيح به إحياء أرواح [416] عليُّ بن شمَّاس بن هبّة الله /201 أ/ بن إبراهيم بن شماس. وقد تقدّم شعر ولده. أبو الحسن بن أبي الفضل الإربلي، المولد والمنشأ، الوزير. كتب في ديوان الإنشاء بإربل للملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين؛ ثم استوزره بعد قبضه على وزيره ولي الدين أبي الثناء محمود بن محمّد بن مقداد بن فارس الحرّاني. وتمكن لديه، وحكم في دولته، ونال عنده مرتبة رفيعة، لم ينلها أحد قبله ولا بعده.

ثم جرت له نبوة فسجنه بقلعة هرور من أعمال إربل؛ ومات بها محبوسًا يوم الاثنين خامس عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وستمائة؛ وكانت ولادته في ثامن عشر ذي الحجة سنة أربع وأربعين وخمسمائة – رحمه الله تعالى -. وكان من محاسن زمانه، وظرفاء الدّهر وأعيانه؛ لطيفًا جليلًا عاقلًا حصيفًا؛ يرجع إلى فضل وذكاء وكفاية ودهاء بصيرًا بالأمور السلطانية، ذا رأي ثاقب، وحزم شديد، تاركًا للتكلف؛ يكره الحشمة والرئاسة، ويتبسط مع الأصدقاء والأصحاب، ويظهر البشر والبشاشة بينهم، ويتعصب للغرباء /201 ب/ وأهل الأدب والشعر. أنشدني الصاحب الوزير أبي البركات المستوفي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن شماس الوزير لنفسه في محبوس: [من الكامل] لا يشمت الحسّاد حبسك إنَّه ... شرف يتيه يمثله الأشراف ثكلتهم أمُّ العلاء أما دروا ... مأوى نفيس الجوهر الأصداف لو كان ينصفك الزَّمان كفاك ما ... يجني ولكن فاتك الإنصاف وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] يا من يسامرني بعجمة لفظه ... فإخال سحبانًا بها متكلِّما فأظلُّ مكتئبًا بنطق صامت ... يا قاتل الله الفصيح الأعجما وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] هل ناصر قد عزَّت الأعوان ... أم راحم قد لجَّ بي العدوان أم حامل ضيمي وتلك بوارق الطَّمع الكذوب سحابها لمعان وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه من قطعة: [وكتب بها إلى الأمير عزّ الدين الدين محمد .. بدر ... الكردي يعاتبه من الحبس، وكان .... أولها: [من الطويل] متى ينقضي ..... ..... ... ..... ..... وجروح .. أضرَّ بها النوى ... وتوقى دموع جفنهنَّ قريح ... .. ..... ..... ... ..... ...... ..... تنوح] وتجمعنا دار نعمنا بظلِّها ... ونغدو على جيراننا ونروح

ونهجر أوطان البلى ومنازلًا ... غبوقي أحزان بها وصبوح /202 أ/ ونعدم أثقال القيود وتذهب الجروح بأقدام لنا وقروح ونأمن روعات الحبوس وينجلي ... شحوب على حرِّ الوجوه يلوح وينشر مطويُّ الأحاديث بيننا ... ونلقي عصا أحزاننا ونريح ويعتذر الجافي إلينا ويصبح ... السَّقيم من الأحوال وهو صحيح إلى الله يشكو قسوة الدَّهر عاجز ... ذليل على فرش الهوان طريح قرارة أحداث اللَّيالي وملتقى ... جيوش الرَّزايا سانح وبريح ومجتمع الأحزان فلُّ مصائب ... صريع بسيف النَّائبات جريح سهام المنايا تنتحيه نصالها ... ومسلك أقوال الوشاة فسيح يضجُّ ضجيج النِّيب نهب سقامها ... وأعوزها ورد وعزَّ نصوح وأصبح إلبًا لا يرجَّى ونفعه ... إذا سيم حمل المكرمات طليح إلا مبلغ عنِّي ابن بدر رسالة ... لها نفحات بالعتاب تفوح إذا تليت آياتها في محافل ... تيمَّمه اللَّوم الممضُّ صريح أصاخ إلى قول الوشاة وبينها ... وصدق أحاديث مهامه فيح إلى خالق الخلق المصير ويقبل الصحيح إذا ضمَّ الجميع ضريح [وقال يصف طبيبًا: [من السريع] يا من غدا بقراط مع علمه ... عبدًا له في صنعة الطِّب ومن به راحت نفوس الورى ... في دعة آمنة السِّرب ومن إذا شاهده ..... ..... ... ..... ..... ...... الكرب] [417] /202 ب/ عليُّ بن ظافر بن الحسين، أبو الحسن بن أبي المنصور الأزديُّ.

من أهل الديار المصرية. كان والده فقيهًا مالكيًا، إمامًا في الفقه والأصول؛ له حلقة يختلف إليه جماعة من المستفيدين، يقرأون عليه العلم. وكان ابنه هذا رجلًا نبيهًا جليلًا، ذا فضائل وافرة، وبلاغة متظاهرة، ومكان جيد من صناعتي النظم والنثر؛ وله اليد الطولى في فن الأدب، مع أخذه بحظٍّ من مذهب مالك، وقيامه معلم الأصول والإطلاع على أخبار النّاس وأيامهم، وأمثال العرب وأشعارهم. وصنّف عدّة كتب، تعرب عن فضله، وتنبئ عن فهمه؛ منها "كتاب الشجعان"، وكتاب "أساس السياسة"، وكتاب "الدول المنقطعة"، وكتاب "بدائع البدائة". وترقت به الحال، إلى أن استوزره الملك الأشرف أبو الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب، على حرّان وأعمالها؛ فبقي يتولاها مدّة يظهر على أهلها الحماقة الزائدة /203 أ/ عن الحدِّ والصلف؛ واستطال عليهم بالسفه والكلام الشنيع، ولم تحمد سيرته عندهم، فأبلغ الملك الأشرف ما كان يعامل به الناس، صرفه عن الولاية، فانتقل إلى مصر، فتوفّي بها في سنة ثلاث عشرة وستمائة. وكان تيَّاهًا معجبًا بنفسه على من يخاطبه، شرس الأخلاق، تعتريه علّة سوداوية؛ وقفت على قطع وافرة من أشعاره، رواها عنه نجيب الدين بن شقيشقة. أنشدني نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الصفار الشيباني الدمشقي بها في المحرم سنة أربعين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن أبي المنصور ظافر بن الحسين الأزدي المصري الكاتب لنفسه يذم الدنيا، ويذكر أغراضًا له: [من المنسرح] مقتُّ هذا الزَّمان بعد مقه ... قد يبغض المرء بعض ما عشقه

تبًا لهذي الدُّنيا فما رؤيت ... إلا بحبل الجهَّال معتلقه عقيرة حولها الكلاب فقد ... وافق شن من أهلها طبقه أين رجال الدُّنيا وساستها ... ذلك جيل أفناه من خلقه قد سبقوني موتًا فلا بد للمسبوق أن يلحق الَّذي سبقه /203 ب/ وخلَّفوني بالكره في خلف ... أجرع من سوء فعلهم رنقه زعنفة تسكن الحوانيت ما ... زالت إليها للكسب منطلقه وباعة تجمع الحرام وما ... من غير أديانها لها نفقه حتَّى إذا ما لمنصب وليت ... أضحت بسحت البرطيل مرتفقه لو راهنوني في أنَّهم بقر ... يومًا لأضحت رهانهم علقه أو حلَّ ما بينهم هبنَّقة ... لكان أغنى حجاهم حمقه ما في كتاب الأوراق أجمعه ... مثل أحاديثهم ولا الورقه وزاده الملك ما التِّجارة من ... آلاتها يا طغام يا فسقه أين السِّياسات للمالك من ... سمُّورة تشترى ومن وشقه صونوا السوء بالأمر كم رفعت ... ولا تكونوا لها من العققه فربَّ ..... الكفّ فاتله حبلًا ... بما أبرمته مختنقه كم ذنب صار من جهالته ... رأسًا ففكُّوا من رأسه عنقه وكم وضيع علا فحطَّ وقد ... أضحت قلوب الورى به حنقه لولا تعاليه في سفالته ... ما حرموه الحنوَّ والشَّفقة يا ليت ضبَّ الفلاة يسلم من ... محترش وهو ساكن نفقه /212 أ/ أنت كالنَّجم بينهم وهم كاللَّيل يعلو ركامه غسقه يخشونني كالحمير عاينت الليث فظلَّت مرهوبة فرقه فهم يظنُّون [أنَّ] الأرض مائدةً ... من رعبهم والسماء منطبقه كذاك من يمتطي المناصب لا ... من أهلها لم تزل به قلقه ومن رقى شاهقًا ولم يعتد المشي فلا يأمن به زلقه كم مقرف رام رائعًا فكبا ... وانشقَّ بهرًا ولم ينل طلقه ما شاء يهوى خَلقًا ولا خُلقًا ... إلا كما شابه الرّصاص رقه

فلي لسان بالعلم منطلق ... إلى يد بالعطاء مندفقه ولي كلام كالدُّر لو ظفر الدُّرُّ به وقت غفلة سرقه معنى القنا خذ وخلِّ صورته ... فكم أتتنا من دودة سرقه كم ذا تراني أجدُّ منتحيًا ... رتق أمور تجيء منفتقه رقَّعتها مثلما يرقع بالدِّيباج خرق العباءة الخلقه في فقراء من كلِّ تجربة ... وقفت عقلي عليهم صدقه وباذل الودِّ مثل ..... ... وممحض الحبِّ مثل من مذقه /212 ب/ أخفى وفضلي في الأرض مشتهر ... هل يجهل المسك ناشق عبقه خلِّ بلادًا عليمها مثل ذي الجهل وموثوقها كغير ثقه للحرِّ في الأرض أيُّ مرتبع ... إن شوك دوح عنه حمى ورقه وإنَّ في صوله الصَّواعق تكدَّ ... سقيا السَّحائب الغدقه ودن بيأس من رفد مرتزق ... مثلك عبد وارج الَّذي رزقه واقدم على الهون غير مرتدع ... فإنَّ من رام مطلبًا لحقه ولا يروعنك قولهم بطل ... حيَّة واد فأصله علقه وما توقى الشجاع ناقصه خمرة ... قد كان يحمل الدَّرقه أن لا يراكن خالقها من ... خلف أهداب جفنها الحدقه وقلَّ ما تنفع امرءًا عدد الحرب إذا صرف دهره طرقه لم تنفع القارة الرَّقاء وقد ... كادهم دهرهم ولا الحرقه ولا تحامي المطَّيِّبين لأجل الحلف صرف الرَّدى ولا اللَّعقة أودى بسعد من خلف شكَّته ... من ولدته لحتفه العرقه ولا حماه سرد الحديد ولا ... بأس إذا اللَّيث راءه فرقه وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الحكمة: [من مجزوء الكامل] /213 أ/ استنطق الإنسان يظهر ... نطقه خافي شؤونه فالنَّاس فخَّار ويبدو حاله لك من طنينه وقال بالإسناد: [من الكامل] إستقر أحوال الفتى ... إن شئت من قرنائه

فالنَّاس من ماء ولون الماء لون إنائه وأنشدني: قال: أنشدني لنفسه: [من المنسرح] إذا مكان لم ينب جانبه ... عنك فلا تطَّلب به بدلا فذاك بغيٌّ والبغيُّ مهلكة ... والمرء رهن بكلِّ ما فعلا وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في غلام بديع الجمال، لابس حلقتين في أذنيه فيهما جوهرتان: [من الطويل] وبي شادن حالي المسامع مذ بدا ... يميس هفت حبّا له منِّي النَّفس حكت حلقتاه ضمن جوهرتيهما ... هلالين في نجمين بينهما شمس وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في البطيخ: [من الكامل] وافى ببطِّيخ حكى في ريحه ... ومذاقه شهدًا خليط مدام /213 ب/ فرأيته لما انتضى سكِّينه ... وغدا يشقِّقه لنا في الجام كالشَّمس قطَّعت البدور أهلَّةً ... بضياء برق في سواد ظلام وأنشدني؛ قال: أنشدني في صغير السنّ: [من مجزوء الرجز] بي شادن صوَّره ... لفتنتي من صوَّره يودُّ من رآه خوف عشقه لو لم يره ولم يصغِّر قدره السن الَّذي قد صغَّره بل جاء كالغصين تحت صفحة كالزُّهره يبيضُّ ذاك الوجه إذ ... تسودُّ تلك الشَّعره ذو ناظر هاروت لو ... قابله لسحره ومبسم يبصره البرق فيغشى بصره تراه كاللُّؤلؤ في ... فم كلمح الجوهره سبحان من نظَّم زهر الشُّهب وسط الزُّهره وله في الحكمة بالإسناد: [من مخلّع البسيط] لا تغترر بالعدوِّ يومًا ... إن لان منه عليك قلب عوائد الطَّبع غالبات ... كم آلم الشُّوك وهو رطب

/214 أ/وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره, وكتبه إلى صديق له بالموصل وهو الأمير الأجل مجد الدين إسماعيل بن مجاهد الدين العماديّ يستهديه سمكًا: [من الطويل] يا أيُّها المجد الَّذي المجد شيمةٌ ... له زان منها إذ سواه يشينها ومن خلقه مثل الرياض تجاوبت ... حمائمها جهراَّ ومادت غصونها يقولون لي أسماك دجلة شكلها ... بديع إذا لاحت لمن يستبينها يعين الَّذي يبغي لها الاكل طيبها ... ويسعده في سرعة الهضم لينها ملوك فما الأسماك إلاَّ عبيدها ... لذا لبست أثواب تبر متونها إذا ما جلاميد الصخور غدت لهم ... حصوناً فأمواج البحار حصونها فكالعسجد المحض النُّضار ظهورها ... وكالفضة البحت الخلاص بطونها وإن أزرق الياقوت ذاب فنهرها ... وإن لم تذب أحجاره فعيونها لبسن دروعاً ..... دروع ... وفي مثل الدروع متونها فيا عجباً منها تموت ..... ... كل لا يزال يصونها وليس لنا طاه مجيد تطيب من ... صنائعه أنواعها وفنونها /214/فدونك فاًصنع ماتشاء فأنت من ... يذل نفيسات الندى ويهينها ودم للعلا توفى لديك وعودها ... إذا جحدت يوما وتقتضى ديونها وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الحكمة: [من الطويل] إذا احتاج قوم للحكيم فإنَّهم ... لذي الجهل ممَّن شأنه الحكم أحوج فلا يرتجي الناس انتظام أمورهم ... متى لم يكن فيهم ركين وأهوج وهل ينفع الرَّامي استقامة ... إذا لم يؤيده من القوس أغوج وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] إن ترض بالدُّون ممَّن ترتجيه تفز ... منه بكلِّ زهيد القدر منحوس ومن أبت نفسه نزر الجدا أنفاً ... ينل نفائس مذحور وملبوس رضا الحمائم بالآحواق أخرها ... عن أن تشارك في وشي الطواويس وقال أيضاً: [من السريع]

إعوجَّ إن كنت تريد الغنى ... تظفر وإلا عضك الاحتياج فالفحُّ لم يصطد ولم يقتض ... لولا الَّذي فية من الإعوجاج [418] / 204 أ/ عليُّ بن أحمد بن عليٍّ بن عبد المنعم بن هبل, أبو الحسن بن أبي العباس الحكيم، البغداديُّ المولد والمنشأ الفاضل المشهور المعروف بالخلآطي، وليس خلاطياً على الحقيقة، إلآ أنه رحل إلى خلاط, وأقام بها دهراً طويلاً, فنسب إليها. وكان تلميذ أوحد زمانه أبي البركات هبة الله بن ملكا الحكيم البلدي، وعليه قرأ علم الطبّ /204 ب/ وأتقنه, واقتبس من فوائده, وتقدّم حينئذ وبرع في فنِّ الطب والمداواة، وفاق أهل زمانه بالحذق والصناعة. ثم قدم ماردين, ووزر لصاحبها قطب الدين إيل غازي بن البى بن تمرتاش بن أرتق الأرتقي, وصنف في الطب كتاباً حسناً سماه

"المختار", وكان قدسمع شيئاً من الحديث على أبي القاسم إسماعيل السمر قندي, وقرئ عليه بالموصل, وأضرَّ في آخر عمره. وكانت وفاته بالموصل, ثالث عشر المحرم سنة عشر وستمائة, ودفن ظاهر البلد _ غربيه _ بمقبرة المعافى بن عمران الزاهد _ رضي الله عنهما؛ وكانت ولادته ببغداد بباب الأزج, بدرب ثمل في الثالث والعشرين من ذى القعدة سنة ست أو خمس عشرة وخمسمائة. هكذا ذكرا لما سئل عن مولده, وكان مع ذلك كثير الصدقة, حسن الأخلاق, واسع النفس, له أشعار. أنشدني أبو العباس أحمد بن سيف بن محمد الموصلي؛ قال: أنشدني الحكيم أبو الحسن لنفسه: [من الطويل] ومن لم يخف ذماً فلا ترج أنَّه ... يعفُّ عن العوراء وهو قدير / 205 أ/ ومن لم تكن آباؤه وجدوده ... كراماً وإن يبخل فذاك جدير وممّا وجد له ايضاً؛ قوله يتشوق فيه إلى أهله بالعراق, ونقِّل من خطه: [من الطويل] أيا أثلاث بالعراق ألفتها ... عليك سلام لا يزال يفوح لقد كنت جلداً عند قربي بقربها ... فقد عاد مكتوم الفؤاد يبوح فمأ أحسن الأيام في ظل أنيبها ... قبيل طلوع الشمس حين تلوح وقد غرَّد القمري في غسق الدجى ... وداعي حمام في الغصون ينوح ذكرت ليال بالصراة وطيبها ... نطير لها شوقاً ونحن جموح

وقال أيضاً: [من الطويل] أيا دوحة هام الفؤاد بذكرها ... عليك سلام الله يا دوحة الأنس رمتني النوى بالعبد منك وقولها ... وقد كنت جاراً لاصفاً لك بالأمس فيا ليت أنِّي بعد بعد احبتي ... نقلت كريماً راضي النفس بالرَّمس وإلاَّ فليت الدَّهر يمكن منهم ... بقبض حبال الوصل بالأنمل الخمس إذا جال طرفي بالعراق وجوه ... كأني نظرت الأفق من مطلع الشمس [419] / 205 ب/ عليُّ بن محمد بن يوسف بن مسعود, أبو الحسن القرطبيُّ القيسي القبذاقيُّ, المعروف بابن خروف. خرج عن الأندلس, وقدم بلاد الشام, ونزل حلب, واستوطنها في أيام الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب, وانقطع إليه وامتدحه بعدة قصائد؛ ومات في أيامه في سنة أربع وستمائة. وكان من المطبوعين في الشعر, وظراًف الناس في وقته؛ وكان من المطبوعين ذا فصاحة ودماثة, قيماً بعلم العربية والأدب, حسن الشعر, يتخالع فيه, وله مكاتبات ورسائل ويد باسطة في عمل الموشح والأزجال الأندلسية. وكان من أقدر الناس في صنعتها. وكان صديقاً لابن لهيب الشاعر, وبينهما انبساط يقتضي الاسترسال, معه [في]

المداعبة؛ ومما كتبه إليه وقد استدعاه ابن لهيب, فكتب إليه أبو الحسن الجواب: [من المجتث] أبن اللهيب دعاني ... دعاء غير النبيه /207 أ/ إن صرت يوماً إليه ... فوالدي في أبيه وأنشدنى أبو الحسن علي بن عبد الجبار القيرواني؛ قال: أنشدني أبو الحسن ابن خروف لنفسه من صدر كتاب كتبه إلى القاضي أبي المحاسن يوسف بن رافع بن شدّاد الموصلي- قاضي حلب- يطلب منه فروة: [من الوافر] بهاء الدين والدنيا ... ونور المجد والحسب طلبت مخافة الأنواء من حسناك جلد أبي ففضلك عالم أني ... خروف بارع الأدب حلبت الدهر أشطره ... وفي حلب صفا حلبي وأنشدني الحكيم أبو الفرج عبد القاهربن عفيف بن عبد القاهر بن سكرة الحلبى الإسرائيلي بحلب؛ قال: أنشدني ابن خروف لنفسه في المهذب بن الدخوار الدمشقي [من البسيط] /207 ب/ إن الأعيرج حاز الطِّب أجمعه ... أستغفر الله إلا العلم والعملا وليس يجهل شيئاًمن غوامضه ... إلا الجواهر والآعراض والعللا في حيلة البرء قلت عنده حيلٌ ... ويدري للردى حيلا الروح تسكن جثمان العليل على ... علاته فإذا ما طبه رحلا وقال يصف النيل: [من البسيط] مأعجب النيل ما أحلى شمائله ... في ضفتيه من الأشجار أرواح من جنّة الخلد فيَّاضٌ على ترع ... يهب قيها هبوب الروح أرياح ليست زيادتهُ ماء كما زعموا ... وإنما هي أرزاق وأرواح وأنشدني الحكيم أبو الفرج عبد القاهر بن سكرة؛ قال أنشدني ابن خروف

لنفسه: [من مجزوء البسيط] أنت بطبِّ الوري عليمٌ ... لكنه إن. . . . . . . . . . .طبا وقال في رجل مغربي يقال له ابن السُّميل: [من الوافر] أيا نجل السُّميل سملت حتي ... ... غدوت من الممُّزقة الرِّثاث عجانك من سباع الطير أودي ... به قومٌ وأنت من البغاث /206 أ/ تناك وأنت أقرع ذو قرون ... فأشبهت الجرادة في ثلاثٍ أي هو أقرع له قرون ويناك. وقال وكان أميناَ ببيمار ستان بدمشق، وكان له بواب اسمه السِّيد: [من السريع] مولاي مولاي أجرني فقد ... أمسيت في دار الآسي والحتوف وكيف لي صبرٌ علي مننزلٍ ... بوابه السِّيد وجدِّيخروف السِّيد: الذئب. وله يصف سنديّا، والسندي لاعب الخفّ الَّذي يلعب بالسيوف وغيرها: [من الكامل] ومنوَّع الحركات يلعب بالنهي ... لبس المحاسن عند خلع لباسه متأوُّد كالغصن فوق كثيبه ... متلاعب كالظبي عند كناسه بالعقل يلعب مقبلاً أو مدبراً ... كالدَّهر يلعب كيف شاء بناسه وقال في زربطانه: [من البسيط] لافظةٌ من جوفها دورا ... تعطِّل الَّروض من شاد وصدَّاح /206 ب/ مثل البراع ولكنها ما لها عقدٌ ... إذا تسدًّد بالأفواه والراح أبصرت راميةٌ في شكل طاعنة ... فتتمني لقسيِّ أو لأرماح نفخت فيها وقّد سوَّيتها جسداً ... روحاً فتقبض أروحاً لأرواح يا مشرقًا تشرق الدُّنيا بسؤدده ... هبها فتاةٌ وخذ آيات امداح

وله يستهدي خمراً: [من مخلّع البسيط] يا من يهزُّ المديح منه ... عطفاً حكي المائس المروحا خذ جسداً ليس فيه روح ... وانفخ من الراح فيه روحا وله في كأس: [من مجزوء الرمل] أنا جسمٌ للحمياَّ ... والحميَّالي روح بين أهل الظرف أغدو ... كل وقتٍ وأروح وله في الحكيم الأعرج المهذب بن علي الكحال المعروف بالدخوار الدمشقى: [من الوافر] تجرِّر ياأعيرج ذيل كبر ... وتعلم لؤم وغد أنت نجله وتمشي مشية الخيلاء زهواً ... أمام السَّامري وأنت عجله السامريّ: رجل كان بدمشق، وكان شريكًا للاعيرج. عليُّ بن عمّار بن عليِّ بن جميل بن صالح بن عثمان بن علىِّ بن محمد بن عمر، أبو الحسن الكرخينىُّ. وكرخنيى قلعة حصينة بينها وبين إربل مسافة يومين؛ وأبو الحسن كان خطيبها، وفتح لها مكتبً يعلم صبيانها الخط، وتوفي بها يوم الجمعه غرّة رمضان

سنة إحدى وستمائه، وبلغ سنًا عالية حتي قارب المائة؛ وكان من حفاظ القرآن العظيم، وأهل اخير، له أشعار ضعيفة. أنشدني ولده عبد المؤمن؛ قال: أنشدني والدي له في الملك العظيم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضي الله عنه- ويعِّرض بذكر رجل، يلقب بالشجاع، وكان عاملا بكرخين: [من الوافر] ألا يا أيُّها الملك المطاع ... ومن ذلَّت لهيبته السِّباع بكر خانينا أسدٌ ضريُّ ... أخو بأس يقال له الشُّجاع /208 ب/ يناصحكم مناصحةً بصدق ... وأوفر همَّة لا تستطاع تكاد القلعة العلياء تسمو ... به لو قبلها سمت القلاع كأنَّ تجاوب الأجراس فيها ... مثاني العود حرَّكة السَّماع فدم لا زال ملكك في دوام ... علي الأيَّام ليس له انقطاع وأنشدني؛ قال: أنشدني والدي لنفسي: [من المنسرح] زار وجيش الظَّلام مفلول ... وسيف نجم الصباح مسلول مهفهفٌ صيغ من محاسنه ... فهو بماء النفوس مجبول قد كتب الحسن فوق عارضه ... كل محبّ بالهجر مقتول سري بأنفاس مقلتى قمرٌ ... منقوط خطِّ العذار مشكول ومنها يقول: [من المنسرح] ياأيٌّها المجد أنت من كرم ... يرجي إذا زادت الأقاويل عرِّف بفضلي من ليس يفهمه ... علمًا فإنَّ الغريب مجهول وانعم وجد واغنم الثَّنا ثمنًا ... إن الوري فاضل ومفضول

علىُّ بن ملاعب بن علويِّ/209 أ/، أبو الحسن الموصليُّ المولد والمنشأ، الإربليُّ الدار. كان حافظاً للقرآن الكريم، قرأه بالموصل علي أبي بكر يحيى بن سعدون بن تمام القرطبي المقرئ. سكن مدينة إربل إلى أن توفي بها في شهر الله رجب سنة أربع وستمائة، فكان يكتب بها الشروط، وختم عليه القرآن أكثر من أربعمائة شخص؛ وكان من أهل الفضل والصلاح، عاقلا متدنيا؛ يقول الشعر. أنشدني ولده أحمد؛ قال: أنشدني والدي لنفسي: [من الكامل] ياراكبًا يفلي الفلا بمناسم ... تدمي كطرفي أو كقلبي الخافق عرِّج علي وادي العقيق فأهله ... عقُّوا وضلُّوا بالخيال الطارق واقر السَّلام عليهم من معشر ... علقوا من الدُّنيا بقطع علائق غاروا بطرفهم الغرير مع النوي ... نوم الغرير علي محبٍّ شائق وبحاجر حجروا العقول وحرَّموا ... مذ حرَّموا وصلي بكل طرائقي بانوا فما بان الآراك بمائس ... أبداً ولا ماء العذيب برائق ما ضرَّوا لو رقُّوا لرق هواهم ... بالقرب بعد تباعدٍ وتفارق وأنشدني؛ : قال أنشدني أبي يمدح القاضي عون الدين /209 ب/أبا العباس أحمد بن حنبل بن محمد بن منعة بن مالك الإربلي: [من الرمل] علَّلاني بالأماني فلعلِّي ... واعذراني واعذلا من رام قتلي وارحما من ظلَّ يحسو دمعه ... كلَّما غنَّي حمامٌ فوق أثل يرتجي طيف خيال ... ومتي يطرق في غير محلِّ آه إن عاود جفني وسنٌ ... وسري طيفٌ وهيهات ومن لي

خفِّفوا عن كاهلي نقل الهوى ... ملكم من في الهوى يرحم مثلي أو ما يكفي عزاءً أنّني ... نازح الآوطان عن جارٍ وأهل قد عدمت القرب والوصل معاً ... وعطا شمل من قاض أجلٌ هو عون الدين مولي ما له ... في جميع الناس من شبه وشكل طود علم ما له من مرتقَّى ... بحر جود فيضه في كلِّ سبل أيها الموالي الَّذي إنعامه ... ونداه كالحيا في كلٍّ محل لا تطل مطل محبٌ صادقٍ ... فعذاب الدَّهر في فقر ومطل وابق للعلياء ما لاح سني ... بارقٍ أو جعجعً الحادي بإبل وأنشدني؛ : قال أنشدني والدي لنفسه: /211 أ/ رفقًا بها يا أيُّها السَّائق ... قد سميت لا عاقها عائق وقف علي الوادي ورد ماءه ... فإنَّه من ادمعي دافق ونَّاد بالناَّدي الَّذي دونه ... هل يجمع المعشوق والعاشق؟ وكتب إلى القاضي تاج الدين جعفر بن محمد الكفر عزىّ: [من الكامل] يا حاكم الحكُّام حالي في الوري ... حال البعير الجائع الظَّمآن يجترُّ من خمصٍ ويحسب أنه ... بطنٌ وتلك مظنَّة الشَّبعان وكتب إليه بعض أصدقائه، في يوم مطير هذين البيتين؛ وهما لبعض الشعراء: [من الكامل] إن كان هذا الغيث جاء لرحمة ... نشرت به في شمال وجنوب فلقد جني يا صاحبيَّ جناته ... منع المحبِّ زيارة المحبوب فأجابه أبو الحسن على الوزن والقافية: [من الكامل] يا أيهُّا الحبر اللَّبيب وصاحب الفضل الغري ومن أتى بعجيب لم يجن هتَّان السحاب وما أتى ... بإساءةٍ يا ممرضي وطبيبي /211 ب/لكنه حبس الرَّقيب ولم يكن ... منع المحبَّ زيارة المحبوب

فانعم وزر فالغيث جاء لرحمةٍ ... ما جاء للهجران والتِّعذيب /210 أ/ وله إلى القاضي بهاء الدين بن شدّاد-قاضي حلب-يشكو إليه بوّابه [من السريع] زرت بهاء الدٍّين في منزل ... قد أصبح المجد له مالكا كأنَّه في حسنه جنةٌ ... لو لم يكن رضوانها مالكا وله بيت مفرد في وصف عذار: [من الطويل] وكان غريب الحسن قبل عذاره ... فلمَّا بدا صار الغريب المصنَّفا وقال في الملك الظاهر غياث الدين: [من البسيط] يا ظاهراً ظهرت في الدَّهر سيرته ... كالزَّهر للروض أو كالزُّهر في الأفق لم تبد حالي مثل اللَّيل حالكة ... إلا لتطلع فيها أنجم الورق وقال: أيضا [من البسيط] غازلت بالرَّملة العفراء ملتفاً ... غزيَّلاً بصفات الحسن منعوتا حلَّته وجنته فيها ومقلته ... حسنًا ليوسف أو سحراً لها روتا فعاد جيش أصيحاب له فلي ... بظنِّه النَّهر المنساب طالوتا وبالكثيب لحذَّّاف له نصبت ... صفًا كما نضب الكفَّار طاغوتا أصابها بشبيه القلب منه كما ... أصاب داود بالأحجار جالوتا /210 ب/ وله في البليغ المنبوز بالأسحل [من البسيط]

شعر البليغ ولو أصبحت ذا أدب ... لكنت أنثر ما فيه على ما فيه بيوته كبيوت الخان قد نظمت ... وماله كنفٌ إلاَّ قوا فيه وقال: [من الوافر] وأسمر ماله في الحسن ثاني ... ولا يثني المحاسن عنه ثان فو بهته ترد الحزن عرساً ... بلحنٍِ لا المثالث والمثاني وقال أيضاً: [من الوافر] أتيت لوعد مولانا ... ولي في وعده أمل وأعلم أنَّه شمسٌ ... ويعلم أنَّني حمل وله في ابن عثمان المصري: [من الوافر] رأيتك يا ابن عثمان ... وعينك قد غدت عينا فقلت الله يأجره ... ويترك عينه عينا [422] /211 ب/ عليُّ بن محمود بن عليِّ بن علوان بن خليفة بن علوان، أبو الحسن الأنصاريُّ البزاعيُّ. من بزاعا، قرية بباب حلب (1). قال أنشدني علي بن محمود بن علي البزاعي لنفسه، يمدح الملك الأشرف موسي بن محمد بن أيوب؛ من قصيدة أوّلها: [من الطويل] هو الربع لا غمَّت عليك ملاعبه ... ولا برحت عن مقلتيك رباربه فهن نسمات الرِّيح من نحو أرضه ... ترحب صبّ صادفته حبائبه ومنها: وفي الكلَّة الدريّة اللَّون شادنٌ ... تشابه منه ليته وترائبه

ولم أنسه عند الرَّحيل وبيننا ... رقيبٌ نداجيه وضدٌّ نراقبه وكلُّ لبيب يكتم الوجد قلبه ... ويفضحه من حيرة البين قالبه /214 أ/وليل ترتدَّي بالغمام ووشِّحت ... مشارقه من دجنة ومغاربه يجرَّد نور البرق فيه حسامه ... فتنصاع من خوف الحسِّام كواكبه ومن مدحها قوله: كأنَّ ندي شاه أرمن الأشرف أبتدا ... بوابله اوبا كرتنا مواهبه فتي ضمَّنا مع غلطه الدَّهر لطفه ... ولآن لنا مع شدة الدَّهر جنابه وبوَّأنا من ر وضه ما صفت لنا ... مشاربه عند الطَّما ومساربه ومنها أيضاً: وهل من يدٍ بيضاء في الدَّهر لم تكن ... لموسي إذا ما الدَّهر عمَّت غياهبه [423] /214 ب/ عليُّ بن الحسن بن عنتر بن ثابتٍ، /215 أ/ أبو الحسن الحليُّ، المعروف بشميمٍ (1).

أديب شاعر، عزيز الشعر في فنون، تامُّ العلم باللغة، واسع الحفظ استظهر شيئا كثيرا من الأشعار, وأيام العرب؛ وكان من جمله محفوظاته؛ إصلاح المنتق، يهذّه هذا من خاطره, وغير ذلك. اخذ علم العربيه, عن ابي محمد بن الخشاب النحوي, وابي نزار الحسن بن صافي البغدادي, والملقب ملك النحاة. وكان صاحب رسائل وخطب ومنظوم ومنشور, وتصنيفات جمَّة, فمن مصنفاته؛ كتاب ((الحماسة)) من شعره, وكتاب ((بداءة الفكر في بدائع النظم والنثر)) من قبله ايضا, وكتاب ((انيس الجليس في محاسن التجنيس)) من إنشائه وشعره, وكتاب ((النكت المفحمات في شرح المقامات))، وكتاب" مجتنى ريحانة الهمّ في اشتقاق المدح والذم"، وكتاب"معاية العقل ومعاناة النقل"، وكتاب /215 ب/"أري المشتار في القريض المختار"، وكتاب صياح المنى في إيضاح الكنى"، وإلى غير ذلك من التواليف. وكان مع فضله وحفظه؛ فاسد العقل والدين، مهوّسًا تاركًا للصلوات الخمس، ضعيف العقيدة، ذا خفةٍ وطيش، يطعن في العلماء، ويقدح في الأدباء؛ وكان دأبه الإزراء علي الشعراء المتقدمين، ويجهل الاوائل، وينبزهم بالكلاب، ويصف نفسه ولا يري فوقه أحداً، وتبدر منه ألفظ رديئة في حقِّ أهل العلم. وكان قد طاف قطعة من البلاد، ثم قطن الموصل، وانتابه الناس لاستماع كلامه، ولم يزل بها ساكناً، إلى أن توفي في العشر الآخرة من ربيع الآخر سنة إحدي وستمائة؛ ودفن بمقبرة المعافي بن عمران. أنشدني أبو عبد الله محمد بن أبي السعادات الموصلي؛ قال: أنشدني أبو الحسن شميم لنفسه، يصف الخمر وعتقها: [من مجزوء الكامل] إمزج بمسبوك اللجين ... ذهبا حكته دموع عيني لمَّا نعي ناعي الفراق ... ببين من اهوى وبيني

/216 أ/ كانت ولم يقدر لشئ ... قبلها إيجاد كون أحالها التَّحريم لمَّا شبهت بدم الحسين خفقت لنا شمسان من لآلائها في الخافقين وبدت لنا من كأسها ... من لونها في حلَّتين فاعجب هداك الله من ... كون اتِّفاق الضَّرَّتين في ليلةٍ بدأ السرور بها يطالبني بدين ومضي طليق الرَّاح من ... قد كان مغلول اليدين هي زينة الأحياء في الدُّنيا وزينة كلِّ زين لم تبدو من أينٍ وهل ... جسم يري من غير أين وأستغفر الله العظيم من كتبه! وأنشدني أبو حامد بن أحمد بن أبي الحسن الموصلي؛ قال: أنشدني أبو الحسن شميم لنفسه: [من المنسرح] أهلكت عاداً وبعد إرما ... وكان ما أهلكوا لهم أمما تنهي عن القذع باللَّسان ولا ... ينهاك عذلٌ أن تهلك الأمما كانت معاصيهم الِّتي كتبت ... أخفي من أن تجري بها قلما /216 ب/ وأنشدني أبو الربيع سليمان بن المظفر بن موسي المؤدِّب الإربلي؛ قال: أنشدني شميم لنفسه: [من الخفيف] قد أتى العيد يقتضيك رسومًا ... أنت أعلي قدراً بأن تقتضاها يا كريمًا جلَّت معاني معاليه التي فاقت الوري أن تضاهي وأنشدني أبو الفتح مسعود بن سعيد الموصلي؛ قال: أنشدني شميم لنفسه من كتاب الحماسة الَّذي صنعه في باب النسيب: [من الكامل] لا تسرحنَّ الطَّرف في بقر الفلا ... فمصارع الآجال في الآجال كم نظرةٍ أردت وما أخذت يد المصمي لمن قتلت أداة قتال سنحت وما سمحت بتسليمٍ وأغلال التَّحيَّة فعلة المختال

أظللت قلبي عندهنَّ ورحت أنشده بذات الضَّال ضلَّ ضلالي ألوي بألوية العقيق علي الطُّلول مسائلاً من ذا يجيب سؤالي؟ تربت يدي في مقصدي من لا يدي ... قودي وأولي لي بها أولى لي يا قاتل الله الدُّمي كم من دمٍ ... أجرين حلاً كان غير حلال أسلين ذلِّ اليتيم في الأشبال ... وفتكن بالآساد في الأغيال /217 أ/ ونفرن حين نكرن إقبالي ولو ... أنِّي نفرت لكان من إقبالي لكن ..... ذمام الحبِّ أن أولي الوفاء قطيعةً من قالي وأنشد محمد بن سليمان الموصلي المجلد؛ قال أنشدني شميم الحلي لنفسه: [من مجزوء الرمل] كان طرفي قبل ... أن ينظر ميّاً فارقنا غائضا الدمع فلما ... حلَّها فار يقينا وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: [من مجزوء الكامل] ومشرِّع أفتي ... معاقرة السُّلاف البابلي قلت أتيت هذا حرام ... قال: هذا الباب لي وأنشدني في الخطيب الإمام أبو عبد الرحمن محمد بن جاسم بن أحمد بن عبد الواحد ابن هاشم الأسدي الحلبي، بمحروسة حلب، بمسجدها الجامع، في شهر جمادي الآخرة سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني علي بن الحسن الحليّ المعروف شميم لنفسه: [من الطويل] /217 ب/ سقي منزلاً حاز الهوي لو ثويته ... بحرَّان ربعيُّ الرَّباب غزيره وأيَّام لهو يطبيني نعيمها ... ورائق عيشٍ بان عنٍّي غريره وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه [من المتقارب] رعي الله مرتبعاً في الفؤاد ... ترامت به عزمات النّوي وكان له من صروف الزَّمان ... نعم المجاور أنَّي ثوي وأنشدني أيضاً؛ قال: أنشدني شميم قوله [من الكامل] لو حلَّ نأيك لي مقيل هوي ... أو دار شحط الدَّار في خلدي

لمنعت عينى أن تذوق كرى ... حتي تري يا جنَّة الخلد ونواك أوَّل حادثٍ أومي ... ما القت الآحزان من جلدي وأنشدني بالاسناد: [من الكامل] إن عزَّبت حلب الشّام وعزَّبت ... سكني المقيم بها عن الأبصار فنعم عوني عن دمع عيني إن تفانت أسرتي وتخاذلت أنصاري قال وأنشدني لنفسه: [من المجتث] لو أنَّ تحمل كتبي ... إليك ريح شمال لاستكتمتها يميني ... ما استكتبتها شمالي /218 أ/ قال؛ وأنشدني من شعره: [من مخلّع البسيط] في كلِّ يوم بجفن عيني ... دمعٌ غريبٌ على غريب حتَّى كأنَّ الغرام دون الأنام يا صاحبي غري بي قال وأنشدني له في الفصول الموكبيَّه: [من الكامل] إنَّ السَّحاب حداه شوقٌ أن يوافي وجهكا وأحبَّ أن يلقي له ... مثلا يزار فأمَّكا ومحاكيًا في الجود من ... من في الجود كفَّك ماحكى هيهات قصَّر أن ينال وإن أطال محلَّكا ورأي بعين العجز ما ... أبكاه فانتاب البكا وشكا إلى من لا يصيخ ... إلى مقالة من شكا ملك العدا وله النَّدى ... دون المنام تملُّكا فاسلم ودم فالدَّهر ... فيما تنتحيه طوعكا والأمر بعد الله يا ... خير البريَّه أمركا وأنشدني أبو الثناء محمود بن محمد/218 ب/ابن الأنجب الإربلي؛ قال: أنشدني شميم لنفسه [من السريع]

إنَّ نبات الشَّعر لابدَّ أن ... يمتصَّ ماء الورد من وجنتيك ويستردَّ القبح ماشفَّ من ... شعار حسن مستعار لديك ويطلب الثأر دمٌ طلَّه ... سيفٌ نضاه السِّحر من مقلتيك وينثني من كان يبكيه منك الصَّدُّ والإعراض يبكي عليك فارجع إلى الإنصاف في دولةٍ ... أصغي زمام الأمر فيها لديك وقال أيضا: [من مجزوء الرجز] ثغر الرَّبيع ضاحكٌ ... لضحك ثغر زهره يجكي نور نوره ... نور نجوم زهره فأيُّ عذرٍ لفتي ... ضيَّع نفع عمره برفع دال زيده ... ونصب وراء عمره وله في وصف ساحر: [من مجزوء الكامل] قل لي فدتك النَّفس قل لي ... ماذا تريد إذاً بقتلي أأردت خمراً في كؤوسك ... هذه أم سمًّ صلِّ /219 أ/ وقال أيضًا: [من الكامل] قالوا نراك بكلِّ فنِّ عالماً ... فعلام حظُّك من ذباك خسيس؟ فأجبتهم لا تعجبوا وتفهَّموا ... كم ذاد نهزة ليث خيسٍ خيس وقال أيضًا: [من الوافر] أقيلي عثرة الشَّاكي أقيلي ... فسؤلي في سماع ثار سولي وإن لم تأذني بفكاك أسري ... فدلِّيني علي صبرٍ جميل وقال أيضًا: [من مجزوء الرمل] ليت من طوّل بالشَّأم ثواه وثوي به

جعل العود علي الزَّوراء ... من بعض ثوابه أتري يوطئني الدَّهر ... ثري مسك ترابه وأراني نور عيني ... موطئا لي وتري به علىُّ بن ناصر بن مكِّي بن اللّيث، أبو الحسن المدائنيُّ الشيبانيًّ كان فقيهاً شاعراً مترسلاً، زاهداً في الصلاة؛ قليل الرغبة في الصِّلات؛ ذا أدب وعلم، أتقن طرفاً من/219 ب/ الحكمة. وكان سوداويُّ المزاج، به وسواس كان يعتريه؛ سافر إلى مكّة، ودخل الديار المصريّه، وبلاد الموصل وغيرها من البلاد. أنشدني أبو الثناء محمود بن محمد بن الأنجب؛ قال: أنشدني علي بن ناصر لنفسه بإربل سنة خمس وتسعين وخمسمائه؛ وبلغني أنَّه بقي إلى بعد سنة عشر وستمائة: [من الطويل] أعد نظراً يا طرف إنَّك حالم ... وخلِّ الهوى يا قلب إنَّك هائم فما الرَّكب إلاَّ غير من أنا ناشد ... وما الصحب إلاَّ غير من أنا لائم أضعت غداة البين رشدي وأنكرت ... معارف عندي للنُّهى ومعالم وقال أصيحابي ذر الهمَّ والمنى ... فلن يكرث الفتيان ما أنت راغم وكن راضياً بالدَّهر فيما قضى به ... فإنَّ نصيب الدَّهر ما هو قائم فيا ناشد الآظعان إن جزت بالحمي ... وعجت بحزوي والعيون نوائم وشارفت رند الأبرقين وأبرقت ... عليك بأطراف القباب اللَّهازم فحيِّي بها من حيَّ شيبان معشراً ... تحيِّك من أبياتهن المكارم وقال أيضاً: [من الطويل]

أعهد الهوى إنِّ لذكراك واصل ... وطيب الكرى إني لمسراك راقب /220 أ/ وعهد التَّداني هل إلى أربع الحمى ... معادٌ وهل تقضي بهن المآرب فمنذ سرى الرَّكب العراقيُّ لم تزل ... تسامر قلبي بالبكاء النَّواعب ومذ حبس الحادي المطيَّ علي النَّقا ... وحنَّت إلى الوجد القلاص النَّجائب أراق دمي للبين دمعٌ أراقه ... غداة التقينا للوداع الحبائب وأصمي فؤادي سهم لحظ رمت به ... وقد ودَّعتني بالسَّلام الحواجب بنفسي فتاةٌ أيقظ الصُّبح طرفها ... وقد ذعرتها بالرُّغاء الرَّكائب رنت فرنا الرِّيم الحجازيُّ كلُّه ... وهبَّت لريَّاها الصَّبا والجنائب وماست فماس البان زهواً وغرَّدت ... بشجوٍ فغنَّها الحمام المجاوب وسائلت الأتراب ولهى وردَّدت ... تنفُّسها حتي اهتززن التَّرائب وقالت وقد هاج الهوي ما تجُّنه ... وقد رمقتها بالملام العواتب أذاك الفتى المرِّيّ هل غض شمله ... واعفسه شط المزار الثَّوائب فقلن لها بل قوَّض البين دمعه ... وسرن به تلو الرُّكاب الحقائب وأقفر منه الواديان وأوحشت ... لمسراه من بطن العقيق الجوانب فأقطر منها الطَّرف دمعاً كأنَّه ... لآليء فضَّتها الأكفّ الخواضب /220 ب/ وكلل منها المقلتين فحدَّقت ... كما أحدقت بالفر قدين الكواكب .. فرط التَّأسُّف والأسى ... وورَّد خدَّيها الحياء المغالب عليُّ بن إدريس بن مقلّد بن شبل بن حريزٍ، أبو الحسن الحمصي، الكاتب بحماة. من الشعراء المكثرين في زماننا، طويل الباع في النظم، رزقه الله قريحة صافية، ومنحه من علم اللغة حصة وافية. وهو شاعر مسهب، يتأتى له الكلام من كلّ مذهب، يمدح الملوك والكبار، بمطولات القصائد والأشعار. ثم إنَّه إذا مدح أحداً نشر فيه ألف بيت، وربما بلغ نظمه خمسين ألف بيت، على

ما أنشدني أبو عبد الله محمد بن حيدر بن الدبندار الشاعر الواسطي؛ قال: أنشدني علي بن أدريس الكاتب لنفسه يمدح فلك الدين أبا القاسم عبد الرحمن بن هبة الله بن علي بن الميري المصريّ: [من الطويل] على دار سلمى إذ مررت مسلِّماً ... وقد أقفرت منها جرت ادمعي دما /221 أ/ وكنت أراها جنَّةٌ باجتماعنا ... فعدت أراها للفراق جهنَّما وإن جمعت بين الصُّدود وبينها ... فكم جعلت فكراً بذين مقسَّما وما هي إلاّ ظبيةٌ بجفونها ... تعفِّر لا بالصَّارم العضب ضيغما وإن ظلمت باللَّحظ ساحرً بابلٍ ... فمن خدِّها الورد الجنيِّ تظلَّما وإن علَّمته النَّفث فترة جفنها ... فمن سقمه جسمي السقام تعلَّما وما حرَّمت إلاَّ وصالاً محلَّلاً ... ولا حلَّلت إلاَّ صدوداً محرَّما وبي ألمٌ يا ليته لا ألمَّ بي ... ولم يشفني منه سوى رشفة اللَّما وقولي لها إذ هزَّها ثمل الصِّبا ... كما هزَّ غصن البان روحٌ تنسَّما رعى الله يومَّ الرّّّّّقمتين لكونه ... علينا بنعم المتنعم أنعما وليلة وادي النخلتين وعيتها ... يذَّكرني غزلان وجرة والحمى وقد أرشفتني قهوةٌ من رضابها ... وقد جعلت منها لها كأسها فما فقالت ببعض العيش لو رحت قانعاً ... حلمت على دهر عليك تحلَّما فأنشدتها البيت الَّذي شاع ذكره ... وعنه لديها ما أملت الترنُّما قنعت ببعض العيش إن عزَّ كلُّه ... ومن لم يجد ماءً طهوراً تيمَّما ووسَّدها منِّي التَّضاجع ساعداً ... ووسَّدني منها كما اخترت معصما /221 ب/ وبتنا وأستار العفاف انسادلها ... علي مريم منها ومنِّي ابن مريما إلي أن بدا ضوء الصَّباح فخلته ... سني فلك الدِّين الوزير مخيِّما فتي أمنت عيني برؤية شخصه ... إلى أن توافي حينها خيفة العمي وكان مقالي للَّذي قال قد حوي ... به الأشرف السَّلطان للملك مغنما فموسي كموسي وهو هارون ملكه ... ومنه إلى ما يسلم سلَّما ولا عجبٌ إن شدّ بالرّأي أزره ... كما شدَّ أزر الحمد جود يد همي وبالقلم الساطي. . . . . علي القنا ... وبالخذم كم ألقي إلى الفلِّ مخذما

كما قد أباد السَّابريَّ تمزُّقا ... وإن كان يسمو عن مقالي له كما فإياك أن تذكر لدي خط نفسه ... حساما وأن تدني إلى الوصف لهذما فكم سمهريَّ صار منه محطَّما ... وكم مشرفيَّ عاد منه مثلَّما ولم تغن إلاًّ كتبه عن كتائب ... وأشقرها بالكرِّ يتبع أدهما وما فضَّها من لا رأى من سطورها ... لديه خميساً للبلاغ عرمرما فقل للِّذي يرجو ندى يد جائدٍ ... على البحر فيما جاد للمجتدي ظلما إلي غير جواد ابن المسيري ..... ..... ..... ...... هو الصَّاحب الصَّدر الَّذي غاية النَّدى ... يصاحب من يسدي إليه تكرّما /222 أ/ تخال عطاياه لقاصده بها ... جبالاً أتت في أبحر البشر عوَّما لهم أعربت أغراب معني مدائحٍ ... وكنَّا نراه قبل ذلك معجما مسدّدةٌ آراؤه فلكيِّةٌ ... مسيرته بالحزم تحزم أحرما لقد حنَّكته حكمةٌ وتجاربٌ ... فخذ من علاه أحلم الفصل محكما أيا سيِّد السَّادات كن لي مساعداً ... علي زمنٍ يخطني بغنًي رمي إلي كم أشق القفر الفقر منجداً ... وفيم اقتضت منِّي المتاعب متهما وعن كعبة المعروف كم أنا عائدٌ ... كما جئتها ممًّا أؤمِّل محرما وأنت لها الرُّكن الَّذي عرافته ... لمعروفها ما أنكر الحمد مر تما وزمزم جدواها ومنسك فضلها ... ولمَّا تزالا منك نسكاً ترمرما وفي كلِّ عامٍ بالأماني يعلُّني ... رجائي بما يدني عسي ولعلَّما وليس قيامي في سوي لجَّة النَّدي ... لأعذب ورد كيف أقضي من الظَّما؟ ! وذا السَّهم إن لم يصم لي غرضاً به ... غدوت علي فقد الحياة مصمِّما وما ثَّم إلاَّ عزمةٌ فلكيِّةٌ ... تشكل لي حظاً بفقر تهدَّما فإن لمحتني من علاها عنايةٌ ... تسربلت سر بال السَّعادة معلما وعاد إلى أهلي النَّذير قائدي ... ولست بقوَّال أعود مدرهما /222 ب/ ودم في سماوات المعالي محكّماً ... مناقبك الَّلاتي له صرن أنجما وأنشدني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد الحلبيّ؛ قال: أنشدني أبو

الحسن علي بن أدريس بن مقلد بن شبل بن حريز الحمصي، لنفسه من أبيات: [من الخفيف] أيُّ طيفٍ تطيفه الأحلام ... بكئيبٍ جفونه لا تنام أو تري عدل حاكم البين في شرع الكآبات والغرام الغرام يا لقومي تجنَّبوا الخيف إذا ما ... فيه أمنٌ لمستهامٍ يسام وتعدًّوا رمال رامة إذ فيه تصيد الضراغم الآرام بجفونٍ. . . . . الذم للغضب فما عندها لقلبٍ ذمام وأنشدني؛ قال لي: واقترح علي الملك المنصور – صاحب حماة – أن يجيز بيتاً هو: [من الكامل] يغدوا عليَّ بريقه وبكأسه ... فيعلُّني بالكأس بعد الكاس والروض قد أهدي إلى نوَّاره ... روح النَّسيم بأعطر الأنفاس ومهفهف من خدِّه وعذاره ... يجلو جنيَّ الورد تحت الآس /223 أ/ يغدو عليَّ بريقه وبكأسه ... فيعلُّني بالكاس بعد الكاس فيروح لي سكران منه ولم يكن ... للراح إلاَّ سكرةٌ للحاسي رشاٌ يعير البدر ضوء جبينه ... والغصن لين قوامه الميَّاس وإذا أراد مسيرة ناديته ... (ما في وقوفك ساعةً من باس) وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه، وقد اقترح عليه: [من الكامل] ولربَّ قائلة: سيول الجود لم ... ركدت وكانت جمَّة التَّيَّار فأجبتها لا تنكري هذا فقد ... جمد النَّدى لبرودة الأشعار نصف البيت الأخير لابن حكِّينا البغدادي. وأنشدني؛ قال أنشدني لنفسه: [من الوافر] يرقُّ لي العواذل وهي تجفو ... وأنكر حبَّها والسُّقم عرف بدت كهلال دجنٍ والثًّريَّا ... منظمةٌ لها قرطٌ وشنف

تهدّد بالنوى ..... ..... ..... ...... ..... فلا وأبيك لم يكن غير لمحٍ ... وأسار الدُّجى كالصَّدِّ وجف وقالوا في الضَّعائن أمُّ خشف ... سرت ولخدرها الخرسان سجف /223 ب/ وفوق عقودها قمرٌ منيرٌ ... وتحت ثيابها خوطٌ وحقف فقلت لصاحبي ظعنت سليمى ... فدمعي بعد مسراها مسفُّ وأنشدني؛ قال أنشدني وقد أهدي إلى الملك الأفضل سروة من شمع في كأس رخام: [من البسيط] ودوجة ما سقاها شأن غاديةٍ ... تميس في كأسها كالشَّادن الثمل كأنَّ أصفرها لوني وأحمرها ... دمعي وأبيضها وجه المليك علي وأنشدني؛ قال أنشدني لنفسه في قويق، وقد ملَّ وهو وابن نظيف واقفان عليه: [من الكامل] ولقد وقفت علي قويق عندما ... وافاه سيلٌ ليس بالممنوع لو لم يكدِّره لقلت مواهب ... ابن نظيف للعافي بغير شفيع وكذاك لولا برده لحسبته ... لمَّا تولَّى الظَّعن فيض دموعي وقال في صديق ودَّعه: [من الكامل] يا أيُّها الغادي إليك نصيحةً ... من قبل توديع وحثِّ مسير أخشى يفرِّق عيسكم يوم النَّوى ... دمعي ويلهبه شرار زفيري فخذوا أماناً من جفونٍ دمعها ... هتنٌ وقلبٍ عنك غير صبور /224 أ/ وأنشدني؛ قال أنشدني لنفسه أيضاً، في الفلك بن المسيري يمدحه: [من الخفيف] فلك الدٍّين ما إلى غير معروفك سيرى بالنَّاجيات البدن أنت عبد الرَّحمن لفظاً ومعنى ... لسموٍّ تسمى الفخار وتكني لم يجزني سواك مالاً وجاهاً ... ويعنِّي ومن زماني يجرني إن لوت ليت مكرماتك عنِّي ... غفلةٌ فهو آخر العهد مني حاشا لله أن يخيِّب فيمن ... هو روح الوجود للقصد ظنِّي

أو يراني الحسود ممَّا أرجِّيه لقرع الفاقات أقرع سنِّي ومسيري إلى ندى بن المسيريِّ بقلبٍ لآنعمٍ مطمئن بل معادي يكون عنه بما ... عاد نظام الثَّناء عن وجود معن دام في نعمةٍ لعلياه يغني الحمد إذ للعفاة بالمال يغني [246] علي بن إسماعيل بن الحسن بن الطوير، أبو الحسن المصريُّ. أدرك دولة المصريين، وخدم .... بن شاور، واستوزره بهاء الدين قرقوش، وعاش عمرا طويلاً/224 ب/ مائة وسبع سنين؛ وتوفي في أواخر صفر سنة سبع عشرة وستمائة. وكان رجل جليلاً من كبراء أهل مصر في الرئاسة، وأحد الشهود المعدّلين بها، وكان معتنياً بالتواريخ والسير والأشعار؛ شاعراً فاضلاً. أنشدني أبو المآثر عبد الصمد بن عبد الله المصري؛ قال: أنشدني أبو الحسن له: [من الطويل] لئن كنت قبل اليوم أسأل خالقي ... يمتِّعني بالمال والجاه والأهل فإني لا أسأله يبقيك دائماً ... ويوزعني شكريك أصبحت في شغل عسى الله يجزيك ما أنت أهله ... ويبقيك ماضي العزم والقول والفعل وأنشدني؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه: [من الطويل] أكرِّر تسليمي عليه بأننَّي ... أشاهده بالقلب وهو بعيد وليس علي حبِّي له ومودَّتي ... وشكري وإن رمت المزيد مزيد

[427] عليُّ بن عليُّ بن سالم، أبو الحسن بن أبي البركات البغداديُّ، المنعوت بالمفيد. من أهل الكرخ، ويعرف بابن الشيخ قرأ شيئًا من النحو على أبي الفرج/225 أ/ محمد بن الحسين الجفني البغدادي. وكان شاعراً صاحب بديهة حاضرة في النظم، سريع الخاطر فيما يقوله من القريض؛ وديوان شعره مجموع، وله مدائح في الناصر لدين الله- رضي الله عنه- أجاد فيها. وكانت ولادته بكرخ بغداد سنة تسع وخمسين، ومات يوم الثلاثاء سابع رحب سنة سبع عشرة وستمائة. أنشدني أبو الحسن علي بن المبارك بن هرثمة البغدادي الكرخي؛ قال أنشدني ابن الشيخ لنفسه: ؛ يمدح جما الدين بن الحصين : [من مجزوء الرمل] بان من أهواه عنِّي ... فتجافى النُّوم عيني قمرٌ أيسر ما فيه ... صدودٌ وتجنِّي ذكره يدخل قلبي ... قبل أن يدخل أذني أنا افدي منه غصنًا ... في كثيبٍ مثنَّي عدت يوم البين عنه ... نادماً أقرع سنِّي كم أناديه فأدعوه ... فلا يسمع منِّي ما تخيَّلت بأنَّ ... الخدن لا يرعى لخدن سيِّدي ما كان ظنِّي ... فيك أن تخلف ظنِّي /225 ب/كلُّ شيءٍ ما سوى وصلك لي صفقة غبن

يا غريب الحسن والجالب منه كلِّ فنٍ ما ذكرنا البدر إلاَّ ... وبه إيَّاك نعني أو ذكرنا الغصن إلاَّ ... وكنت من أحسن غصن متلفي فيك تلافيك ... وإعراضك عنِّي أترى ذلك يرضيك ... فإن كان فزدني كم تأنَّيت لأمرٍ ... عزَّ مع طول التَّأنِّي وكم استعجلت شيئا ... جاء من غير تعنِّي أتمنَّى ليلة السَّفح ... وما يجدي التَّمنِّي نح معي يا طائر البان وإن شئت فغنِّ كلُّنا صاحب وجد ... وصباباتٍ وحزن صاح ما ذي الغارة الشَّعواء في منزل أمن رشأ يفتك بالأسد ... بلا ضربٍ وطعن ما رمى إلاَّ أصاب القلب من قبل المجنِّ /216 أ/ فهو في السُّخط جحيمٌ ... والرِّضا جنَّة عدن كجمال الدِّين مولى ... معرب السُّؤود منِّي ماجدٌ في راحتيه ... ما يروم المتمنِّي يهدم المال ولكن ... لقصور المجد يبنِّي فهو عزِّي وغياثي ... من أذى الدَّهر وحصني قد جرت في بحر جدواه بريح النُّجح سفني وأنشدنا محمد بن سعيد الواسطي؛ قال: أنشدني أبو الحسن الكرخي لنفسه: [من الكامل] ما هذه الدُّنيا لطالب رفدها ... وعطائها إلاَّ شقا وعناء يبني بها داراً ويعلم أنَّه ... يمضي ويسكن داره الأعداء ولو ارعوى لم يبن فيها منزلاً ... ونهاه عن عمل الفناء فناء كمثال دود القزِّ ينفع [غيره] ... ولنفسه بفعاله الضَّرَّاء وانظر إلى المعنى بعين بصيرةٍ ... فاللَّفظ للمعنى الجليل وعاء

ما الفرق في صور الرِّجال وإنَّما ... بالفضل قد تتميَّز الأشياء وإذا العبارة لم تكن من نيَّةٍ ... لله من ذي القصد فهي هباء /226 ب/ من لم يكن في نفسه بمعظَّم ... لمَّا يعظٍّم قدره العظماء والحرُّ يشبه كلُّ حرٍّ مثله ... وكذا السَّفيه نظيره السُّفهاء وقال في مدح السواد: [من المنسرح] إنّي لأستحسن السَّواد إذا ... فكَّرت فيه بقلب معتبر لو لم يكن في السَّواد منقبةُ ... ما طرِّزت منه وجنة القمر ولم يكن في أعزَّ منزلةِ ... وخير مثوًى في القلب والبصر ولم يكن في الورى شعارً بني ... العبَّاس آل النَّبيِّ من مضر خلائف الله في بريِّته ... أثني عليهم في محكم السُّور وقال أيضا: [من المنسرح] قصَّر نومي طويل تسهيدي ... لذات قدِّ كالغصن أملود بيضاء كالدُّرَّة النَّقَّية زينت ... بحسن الغدائر السُّود أبدت لنا ساعة الوداع وقد ... زمُّوا المطايا لساحة البيد وأنشدني الحافظ الإمام أبو عبد الله بن النجار؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن علي لنفسه: [من الوافر] /227 أ/ ومعتدل القوام إذا تثنَّى ... تثنَّى الغصن وانهال الكثيب يجرِّد من لواحظه حساماً ... له في كلِّ جارحةٍ نصيب ويرسل اسمها من مقلتيه ... مواقعها من المهج القلوب سقام جفونه مفتاح سقمي ... وذلك ممرض وهو الطَّبيب كأنَّ الحسن يعشق وجنتيه ... فليس يغيب عنه ولا يغيب

[428] عليُّ بن الحسن بن شدادِ، أبو الحسن المصريُّ. كان شاعراً متفقهًا، متأدبًا، حسن الشعر. أنشدني القاضي عبد الصمد بن عبد الله المصري؛ قال: أنشدني علي بن الحسن لنفسه: [من الخفيف] يا بعيد المزار ودُّك داني ... ليس ينأى وإن نأت بك دار واقتراب القلوب مطلوب أهل الفهم لا أن تزاحم الأبشار ربَّ دانٍ بالجسم ناءٍ عن القلب وناءٍ له الفؤاد قرار وأنشدني؛ قال أنشدني لنفسه: [من البسيط] يردُّني الشَّوق إما كنت نحوكم ... فلست اعرف أرضاً غير أرضكم /227 ب/ نسيت كلًّ طريقٍ كنت أعرفها ... إلاَّ طريقًا يؤدِّيني لربعكم [429] عليُّ بن الحسن بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن ثابت بن مزاحم بن عيّاش بن وديعة، أبو الحسن الرّبعيُّ النيليُّ هو قرية من قرى النيل، تسمى أرديخلي. كان مولده بها سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وخرج عنها إلى الموصل، وأقام بها يؤدِّب الصبيان، إلى أن مات لثلاث ليال بقين من المحرم سنة عشرين وستمائة؛ ودفن بباب العراق، ظاهر البلد، بمقبرة عنار. وكان ذا معرفة بالنحو والحساب؛ شاعراً شيعياً، أشعاره كثيرة في أهل البيت- صلوات الله عليهم وسلامه-.

أنشدني ولده أبو عبد الله محمد؛ قال: أنشدني والدي لنفسه يتشّوق أهله: [من البسيط] هل لي إيابٌ إلى أهلي وأوطاني ... وجيرةٍ ذكرهم روحي وريحاني أرضٌ هويت هواها إذ بها نجمت ... قدمًا منابت أعراقي وأغصاني وجيرةٌ جارهم لا جور يكلمه ... وهم له مثل أنصارٍ وأعوان إذا تعوَّضت عنهم لم أجد عوضاً ... كلاَّ ولم يري إنساني لإنسان /228 أ/ وصاحبٍ كنت أرجوه وآمله ... عوناً لفتح ملمَّاتٍ وأضغان جازيته بجميل الفعل مجتهداً ... في حفظه وبضدِّ الفعل جازاني كم نال بالنِّيل بعد الصَّدِّ من غرضٍ ... وكم عليَّ قسي كلبٌ بقوسان ولسد أجزع من ضدٍّ ولي سندٌ ... عليه بعد إله العرش تكلاني إمام حقٍّ أقام الدِّين مجتهداً ... بالسَّيف أبني طغاة الإنس والجان وأنشدني أيضاً؛ قال: أنشدني والدي لنفسه من جملة أبيات قالها في غرض له: [من الطويل] سقي منزلاً بالنَّيل لي فيه منزل ... سكوب الحيأ مثعنجرٌ متهلِّل وأيام. . . . . بالسُّرور قطعتهأ ... وقلب مقيمٍ بالجميل موكَّل ومنها: أجواد أقيالٌ كرامٌ أعزَّةٌ ... عوار فهم تزداد والعام ممحل تري تقدر الأقدار تجمع بيننا ... وتنصفنا الأيَّام والدَّهر يعدل ونلبس ملبوس المواهب والتُّقي ... ونسجتها في الصَّالحات ونرفل ندير دروس العلم فينا ولم نزل ... نعلَّ معانيها الحسان وننهل وإنَّا وإن شطَّت بنا غربة النَّوي ... . . . . . في النَّاس مجدٌ يؤثَّل /228 ب/ سمونا فأنجانا السُّمو وقد سما ... أبو جرض أنجاه حرٌ محجَّل وهيهات ينجو فاسقٌ حال بينه ... وبين نجاة جحفلٌ فيه جحفل بأيديهم سود ..... كأنَّها ... إذا لمست كادت لها النَّفس تجفل وأعلوه لكن ظهر حرٍّ تخاله ... كراكبه عيناه عيناه تغزل وحافره [يا] للرجال مقبَّبٌ ... كحافره صلب المسامير منعل

ونقلاته نقلاته بيد أنَّه ... إذا ما مشي بين الحمير يحمّل شديدٌ سر سيع الخطا سيَّان عنده ... إذا باشر المسرى مخفٌ ومثقل [430] عليُّ بن إسماعيل بن إبراهيم بن جبارة بن مختار بن يوسف بن إبراهيم بن الحسن الكنديُّ التُّجيبيُّ الأشعثيُّ الهذلىُّ المحليُّ. منسوب إلى المحلّة؛ وهو بلد بالديار المصرية. سكن مصر، وكان نحوياً أديباً فاضلاً، معبّراً، يرجع إليه في علم النحو والعربية، وتصدّر لإفادة علم هذا الشأن، يقرأ عليه. وله مع ذلك يد في الفقه والأصول، وطبع في صناعة الشعر، ومعرفة باللغة؛ وخبرت أنه كان/ 229 أ/ شيخاً حسناً، جميل الهيأة لطيفاً، طيب المعاشرة، خدم في الأعمال الديوانية، بمصر مدة طويلة وتنقل فيها، ثم كف ّبصره بأخرة، فانقطع إلى منزله يشغل في العلوم الأدبية كثيراً من الناس. كانت ولادته في سنة أربع وخمسين وخمسمائة بمدينة سخا من الأعمال الغربية. أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الواحد الأوسي السبي- أدم الله سعادته- قال: أنشدني أبو الحسن علي بن إسماعيل بن جبارة السخاوي المصري لنفسه بالقاهرة، بمسجد الأزهر في سنة إحدى وثلاثين وستمائة: [من الرمل] هتفت ورقاء غصنٍ تغَّني ... ذات شجوٍ أخذت في كلِّ فنِّ

صاح بي عند ذهولي شجوها ... يا معنَّى بالحمى إيَّاك عنَّي إن ترد علم الهوى عن صحَّة ... خذ أحاديث الحمى عنَّي ومنَّي يا حمام الأيك من أخبارهم ... إن تحدَّثت بها يوما فزدني كرِّر الأخبار يا راويها ... ومتى ما عن شوقي فأعنَّي يا فؤاداً ظلَّ في وادي الغضا ... عنده خلَّفته لم يتَّبعني /229 ب/ قالوا للجسم وقد فارقه ... ها هنأ إلفي فودِّعني ودعني أضرم الشوق بقلبي جمرةً ... عجباً لم يطفها طوفان جفتي أتمنَّاهم على بعد المدى ... قلَّماً يجدي على الصَّبِّ التَّمني وأرجَّي عودة بعد النَّوى ... واللَّيالي أحلفت لي حسن ظنَّي يا أخلائي من الخيف لقد ... كان لي في قربكم جنَّات عدن وقال أيضاً: [من الخفيف] قد جعلت البدور منك حيارى ... حسداً والنُّجوم منك غيارى بأبي من دفعت قلبي إليها ... باختياري فلم تدع لي اختياراً الأمان الأمان منها ومن نار هواها أو الفرار الفرارا وبقلبي من كان عهدي بقلبي ... مضغة ثمَّ قد احالوه داراً جيرة أحسنوا إلينا وإن جاروا علينا وإن اساءوا الجوارا حملوا الرَّاح في المباسم لكن ... هم صحاة منها ونحن سكارى كم أتينا لها ورحنا زماناً ... وجئنا بها ... مرارا وبلغنا بها الأماني طوالاً ... وقطعنا بها الليالي قصارا ما جعلت العناق منى دثاراً ... أو جعلت الشُّعور منها شعارا /230 أ/ بدياري عشقت لم أندب الر ... بع ذهولاً ولا سالت الدًّيارا كلفي قطُّ لم يسافر ولا سار غرامي ... خلف الُّذي عنه سارا ثمَّ شاب العذار مِّني ويكفيك شيب العذار عند العذري فأ‘رت الشَّباب غيري وما زال شباب الإنسان ثوباً معارا طلع الشَّيب في عذاري نجوماً ... ورأيت النجوم منه نهارا وقوله: {من مجزوء الكامل]

جاءت بحسن مطمئنِّ ... جاءتك منه بكلِّ فنٍّ يا حسنها ممَّا يروع بالعذار المرجحنِّ فرِّت من الفردوس إما من ملال أو تجيِّي يشتاقها مثلي كما ... تشاقها جنَّات عدن لحلا صورة كحلها في جفتها سيف بجفن لمياء مبسمها كصبح قد أحيط بيوم دجن أنفاسها كنسيم ندِّخاض فيه نسيم دنِّ يا عاذلي فيه أعِّني ... أو إليك إليك عنِّي دخل الغرام بغير أمري للحشا وبغير إذني /230 ب/ تدعو ملاحتها الغرام فيستجيب بلا تأنِّي ويريك كل إساءة ... وجه يجيء بكل حسن وقوله: [من مجزوء الخفيف] قلت يوماً لمن على ... خسنه الخلف مجمعه يا غزالا بحسنه ... ملك القلب أجمعه كنت سلِّفتنك الوداد لترعاه في دعه قال لي مثله رددت من الضِّيق والسِّعه قلت: زدني من الوصال وخذ مهجتي معه قال: هذا محرم ... سلف جرَّ منفعه وقال: [من الخفيف] زار عنها الخيال وهي نحيله ... فاغتنمنا منها الوصال لحيله جعلت مقلتي منامي سبيلاً ... لتلافي وصالها ووسيله تتناءى يقظي وتدنو مناماً ... فاعجبوا من ضنينه ومنيله هي منصورة بحسن ودِّل ... وهما في الورى أعزُّ قبيله تتثنَّى غصنا وترنو غزالاً ... حين تدنو بدراً وتذكو خميله /231 أوأنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي

بحلب؛ قال: أنشدني ابن جبارة لنفسه: [من المجتث] لا تعجلن بملامي ... دهاك منى اعتذاري فليس عاري بأنِّي ... أغذو وجسمي عاري فضلي إزاري فمن ذا ... عليَّ من بعد زاري عليٌّ اسمي ولكن ... ذو الفقر لا ذو الفقار وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب] ولمَّا تنادوا لو شك النوى ... وجاء الفراق بما احذر كتبت بدمعي على وجنتي ... سطوراً بنار الجوى تخبر وأعجلها سيرها أن تجفَّ ... فأثَّر فيها دمعي الأحمر وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: [من البسيط] وصاحب في رضاع الكأس نادمني ... وندَّمِّني بلا جرم فندَّمني وقال للقلب لمَّا غاب عن بصري: ... يا أيها القلب بعد البعد كن دمني وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] /231 ب/ إذا ما شكا المملوك قلت له: اصطبر ... وقد ملَّني صبري ولم يحتمل كلِّي وكيف اصطباري للخطوب وكلِّها؟ ... وقلبي بلا خلٍّ وبقلي بلا خلِّ وأنشدني؛ قال: أنشدني من قصيدة أولها: [من الكامل] آيات حِّبي فيك لا تتأوَّل ... سقمي النَّبيُّ بها ودمعي المرسل حكم الغرام بأنَّ دمعي مايني ... أبداً يجود وأن صبري يبخل جنَّ الفؤاد بما أجن صبابة ... فعلام دمعي في الخدود مسلسل يا مرسلاً من خطِّه مسترسلاً ... سهماً بما يوحي إليه يفعل لا ترسلنِّ إلي سهماً بعده .... أمسك سهاماً قد أصبن المقتل وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] لهفي على أسرة ما سرَّني بهم ... عيش وأنَّهم مشن بيننا فقدوا كانوا المراجيح والأحلام طائشة ... وكالمصابيح في الظَّلماء تتَّقد وآخر الأمر قالوا قد قضى عمر ... خرست ناعية أو خانك الرَّشد

لقد أتيت بها شنعاء ... لا يستقلُّ قلب ولا كبد قد خلف ... فكان خط على بعده الكمد /232 أ/ وأنشدني؛ قال: أنشدني علي بن جبارة لنفسه: [من الرمل] قلَّدوني من هوى نجد نجادا ... ودعوني امتطي الوجد جوادا واتركوا العدل صفاء إنَّني ... بسيوف الشَّوق افنيهم جلادا وافتدوني من يدي أسر النوى ... باصطبار وافيدوني فؤدا واحبسوا الركب فإن هم وقفوا ... بلَّغوا منهم مرادي ما أرادا واستعيروا لي إذا ما طاف بي ... طيفهم من أعين العين رقادا واعيدوا لي حديثي بالحمى ... فمعادي فيه إذ يبدو معادا سرت خلف العيس أنسا ابتغي ... فرأوا شخصي فردُّوني فرادا أترى خافوا من الواشي ومن ... حرقة القلب انتقاداً واتقَّاداً وأظلم الجوُّ لعيني بعدهم ... وكذا يلبس ذو الحزن الحدادا لم تذق عيني كرى بعد النوى ... إن شككتم فاسألوا عني الوسادا كم منعتم أن يعاذ المبتلى ... بهواكم وأبحتم أن يعادى وبقلبي ظبية إنسية ... جعلت عيني لذا الحبِّ رشاداً رمت ان اصطادها فانعكست ... قصِّتي فيها فحارتني اصطيادا /232/ب/أبصرت شيبي فولت ولكم ... في شبابي قد اتتنا تتهادى فسقى المعهد من عهد الصبا ... كلُّ غيث قد تمالا وتمادى من يد الصَّاحب من راحته ... بالنَّدى أحيت جماداً في جمادي لا تسمُّوه جمادى إنه .... قد كساه الجود واسموه جوادا يهب الدُّنيا بلا من بها ... ويرى ذاك لراجيه اقتصادا فاح عرف العرف من راحته ... فملا الدُّنيا يفاعاً ووهاداً ناده إن حلَّ خطب إذ بدا ... وجبه جدب إنه نعم المنادى واطل سؤلك واسأله الغنى ... إنما تسأل من بحر ثمادا وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الوافر] أيا حلو المجانة والمجاني ... جفوت فنوم عيني قد جفاني

وآمل من جفائك لي أماناً ... فأرجع من أماني بالأماني أسال الوجد فيك دموع عيني ... مطيعات وسلواني عصاني وكم قد رمت سلواناً ولكن ... قوامك في تثَّنيه ثناني وكم امر اصطباري عنك قلبي ... فقال له: هواه قد نهاني وأنشدني؛ قال: أنشدني قوله: [من الخفيف] /233 أ/ هات كأسي ولا تخف من مكاسي ... لا تكن لي بين الأناس بناسي إن همي الهمُّ من سحاب أكنَّت ... أو دجا ليله غدت نبراسي قستها بالخدود حمراء حتَّى ... جاء درُّ الحباب ردَّ قياسي حبَّذا ذلك الحباب كدرِّ ... فوق تبر مفرَّع الأكياس نفضت نفسها وقد بخل الشَّرب عليها وهم من الأكياس فسقوها وقد سقوها فكانت ... سلسبيلا مسكية الأنفاس ولدت فيهم المسرَّة بكراً ... من رأى البكر وهي ذات نفاس تتجلى شمساً وتجلى عروسا ... بين غصن النَّقا وظبي الكناس ذاب حسِّي من حبِّ من لست أنساه بذكر له وهو لي متناسي لا أسمِّيه خوف زجر يقال ... حين اسماه أهله بأياس وأنشدني أيضا؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] شوقي تمادى فولا أننَّي ... علَّلت قلبي باللِّقاء لذابا ما شاب قلبي بالمودَّة سلوةً ... لكن فرقي بالتَّفرق شابا قد طال عهد البين فيما بيننا ... إلا تزر فابعث إلى كتابا وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: [من البسيط] /233 ب/ ما لي وللشَّوق أبديه ويخفيني ... وللصبابة أرويها فتضميني أروم آتيكم مع بعد داركم ... عن العيان فيأبى البين يدنيني لعلَّ نسمة ريح من خيالكم ... تهبُّ قصداً تحييِّني فتحييني وأنشدني؛ قال: أنشدني قوله: [من الطويل] وكم آمر بالصَّبر قلبي رددته ... وقلت له ما لي إليه سبيل

ثنيَّة قلبي اسكنوها بثينةً .... وما الصَّبر عنها يا جميل جميل ضمنت الهوى منها بروحي فحسنها ... وكيل ووجدي بالوفاء كفيل وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الرمل] يا هلالاً في فؤادي أشرقا ... ليس لي مذ غاب عن عيني بقا سلب الصبر وأعطاني الأسى ... وسبى النوم وأهدى الأرقا تخذ الحاجب قوساً وانتضى ... لحظه سهماً وقلبي رشقا لم يبقِّ الوجد عندي والجوى ... رمقا في مهجتي مذ رمقا فسلوه حين ولَّى معرضاً ... ملقاً منه لمن اضحى لقى هذه نجد وهذاك الحمى .... فسلوه أين غزلان النقا آه وجدً إن أجبت دارهم ... بعد المرمى وعز الملتقى /234 أ/ جيرة كانوا فجاروا إذ ناوا ... واعاضوا عن سلوِّي قلقا أنعموا بالطَّيف نعمي خلَّصت ... مهجتي بالقسر في أسر الشقا حي طيفا طاف بي من حيَّهم ... حين حياَّني أزال الحرقا بات يسليني ودمعي مسبل ... فرقاً حتى رقاه فرقا ما رقا دمعي حنوّا إنمَّا ... خاف لمّا فاض منه الغرقا أيها الورقاء أميلت الدُّجى ... من غناء وملأت الورقا خفضي لحنك لا تزهي به ... ليس من نمَّق لفظا شقى أنا أميلك مديحا لو بدا ... في دجى اللَّيل أزال الغسقا ذاك مدحي في أبي بكر ومن ... جوده في الأرض اضحى غدقا وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في طول الليل: [من الطويل] تطاول هذا اللَّيل حتَّى طننته ... يدوم وأنَّ الصبح لا يتوقَّع ترى الليل قد صف النجوم عساكراً ... لديه وضوء الصُّبح من ذاك يفزع وقال أيضا: [من البسيط] يكفيك أنَّ فؤادي في تلافيه ... بكلِّ سورة وجد قد تلافيكا وأن قلبي متى ما رام تسلية ... عن الغرام ثنى غزمي تثنيِّكا

/234 ب/ فأنت لي جنَّة أرجو النَّعيم بها ... لولا تجنيِّك لم أبرح أناجيكا يا كعبة الحسن ناد القلب محتجا ... فإنَّه في إحرامي يلبيِّكا كم ليلة غبت عن عيني فما حفلت ... بالبدر في الأفق لما بات يحكيكا وملت للغصن لما أن حكاك هوى ... فلم أجد فيه شيئا من معانيكا أهوى لأجل ثناياك العذاب من ... لثم الأقاح وما فيها لما فيكا تعلًّلاً لفؤاد لم تعده سوى ... هدر فيتعاض عن وصل تمنيِّكا إن كنت أنكر ما بي من جوى وهوى ... فانظر لشاهد حالي فهو يببيكا وحسب حبِّك أنَّ القلب في وله ... وما تعداَّك توليه تعدِّيكا زد يا غرامي وإن زاد الحبيب قلى ... فإن أدنى وصال منه يرضيكا وقوله: [من الخفيف] غردت في الأراك وهنا حمامه ... فأتاحت للمستهام حمامه هي تبكي تطرُّبا وهو يبكي ... بجفون قريحة مستهامه مغرم ما انتشى بكأس سلو ... فيعِّنيه عاذل بملامه ذو فؤاد للوجد يسكن نجدا ... وهو يهوى من الهيام تهامه سلبته ظباء وجرة قلباً ... ما ارتضى بعدهن دار مقامه /235 أ/ ومنها: بوجوه مثل الصَّباح صباح ... وثغور نقَّية بسَّامه نقل المسك عبقة عن شذاها ... وروى البدر عن سناها تمامه لا تلمها إن عربد اللحظ منها ... ثملت بالرُّضاب وهي مدامه وغزال خطَّ الجمال بخدَّيه على ... الورد للوسامة شامه طرّز الحسن وجهه بعذار ... ما تعدّى فمن ترى رسَّامه طرفه الملاحة حتى ... كسرت جفنه وسلَّت حسامه إن سألناه الوصل صال ليثاً، أو سألناه اللثم ردَّ لثامه أو طلبنا منه ديون هواه ... أثبت التِّيه عندنا إعدامه وقال: [من مجزوء الرجز]

يا للغرام قد سبى ... باللَّحظ قلبي ... ... .... مهفهف هزَّ الصِّبا ... منه القوام لا الصَّبا وشادن بطرفه ... يصير ليثًا أغلبا غضُّ الشَّباب لحظه ... في مهجتي ماضي الشَّبا /235 ب، واه مناط خصره ... يضعف عن عقد القبا طلعته من صدغه ... بدر يحلُّ العقربا وما بدا إلا اختفى .... ضوء الصباح أو خبا النار في قلبي فلم ... خدَّاه قد تلهَّبا وقاتلي بمقلة ... يملك قلبي سلبا أأسهم الحاظه ... تصمي القلوب أم ظبا سألته في قلبة ... فلم يجبني وأبى حلو الرضا لكنَّه ... مر إذا تغضَّبا يا ليتني مرتشف ... ذاك اللَّما والشَّنبا أفديه ما أحلاه ما ... أحسنه ما أعذبا عذب ولكن لم يزل ... محبُّه معذبا وأنشدني أبو المعالي محمد بن الظفر الإربلي المصري؛ قال: أنشدني علي بن جبارة لنفسه: [من البسيط] /236 أ/ من ذا يبشِّر جفناً في سرى السَّهر ... بطيِّ ثوب الدُّجى في ساحة السحر ومن يعين عيوناً لم يؤب غسق ... إلَّا وبات الكرى منها على سفر ومن يجير جنوباً كلما اضطجعت ... كانت على الفرش بين الشَّوك والإبر يا أهل حاجر ما أقسى قلوبكم ... من حاجر انتم حقاً أم الحجر؟ ! حجبتم عن عياني بدر أرضكم ... فبات يرعى أخاه في السَّما بدري وقال أيضا: [من الخفيف] في الغرام العذريِّ قد بان عذري ... لم يفدني ف الحيِّ اخذي حذري خبَّر العاذلون عنِّي بأنِّي ... في الهوى قد سكرت من غير خمر روِّني من حديثهم حين تروي ... أو فدعني من قول زيد وعمرو

هات زدني يا سعد عنهم حديثاً ... واعده وخذ بقيَّة عمري لم أجد في الغرام كتماً لأنِّي ... قد تساوى في الحبِّ سرِّي وجهري لا وبيض على الرِّكاب وسمر ... قد حموها عنِّي ببيض وسمر لم أجد هودجاً كناساً لظبي .... ونقاباً .... وأفقاً لبدر أسدلت شعرها فحاروا بليل ... وبدا وجهها فساروا بفجر وانثنى قدُّها فقالوا كغصن ... ورنا طرفها فهاموا بسحر /236 ب/ وقال أيضا: [من الخفيف] لي في ذمَّة الوصال ديون ... إن أراد الوفاء فهي تهون أتقاضاه والغريم مطول ... وأداريه والزَّمان خؤون قيل لي: قد جفاك قلت مجيبا: ... أنا أهواه كيف كان يكون كلُّ هجر من غيره فهو قبح ... وهو منه حاء وسين ونون يا عذولي مات الهوى في فؤادي ... فهو ما بين أضلعي مدفون في هواه أهوى أغنَّ غريراً ... زاحمتني على هواه العيون [431] علي بن بكمش بن عبد الله، أبو الحسن التركي العزي البغدادي ينسب إلى عز الملك، ومن ولد نظام الملك الوزير أبي الحسن بن علي بن إسحق الطوسي وكان والده جندياً، خدم بعد قتل مولاه بواسط مع ... ... وتزوج بوالدته، ثم قدم بغداد، وأقام بها، وخدم مجد الدين بن الصاحب إلى أن مات.

وأبو الحسن قرأ النحو والعربية على أبي بكر المبارك بن المبارك الواسطي، ثم علي عميد الرؤساء أبي منصور/237 أ/ هبة الله بن حامد الحلي اللغوي وغيرهما؛ وحفظ القرآن العظيم في مدةّ قريبة، وفي خمسة وخمسين يوماً على عبد الوهاب الوقاباتي، ولازم أبا بكر محمد بن موسى الحازمي، وخدمه كثيراً إلى أن مات. ثم صحب جماعة من شيوخ بغداد كأبي القاسم يحيى بن أسعد بن بوش، وعبد المنعم بن كليب الحراني، وابن سكينة عبد الوهاب بن علي بن علي البغدادي وغيرهم؛ ثم توجه إلى الشام فصحب أبا اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، وأخذ أكثر ما عنده، ولم يكن في أصحاب أبي اليمن أعرف منه بعلم العربية. وكان أديباً فاضلاً زاهداً ورعاً ذكياً؛ توفي بدمشق سنة ست وعشرين وستمائة؛ وكانت ولادته يوم الجمعة في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وخمسمائة. أنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه خادم خصي أبيض يدعي مختاراً: [من الكامل] مختار مختار النُّفوس وفتنة ... للنَّاظرين ومحنه العشَّاق ومنى القلوب وغاية المطلوب في ... شرع الهوى ومطيَّة الفسَّاق وقال: وأنشدني/ 237 ب/ الشيخ نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب الشيباني، بدمشق سنة أربعين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه: [من الطويل] وقائله بغداذ منشاك الذي ... ونشأت به طفلاً عليك التَّمائم فما بالها تشكو جفاءك معرضاً ... أما آن تثنى إليها العزائم فقلت [أجل] إني الفريد وإنَّها ... أوان مغاض الدَّمع والوقت غائم وقد جرت العادات في الدُّر أنَّه ... إذا فارق الأصداف لاقاه ناظم وله وقد أوحش بينه وبين السلطان ثم أصلح بينهما، وأنشدنيه نجيب الدين عنه: [من السريع] يا ملكاً صيَّرني كسره ... جبري كسيراً لازم الكسر عبدك قد أصبح في حالة ... تشبه ضرب الكسر بالكسر

[وأنشدني له: [من مخلع البسيط] مرَّ بنا لابساً سواراً ... من فوق جسم كلون عاج تشرق أنواره علينا ... كأنَّه البدر في الدَّياجي] [432] عليُّ بن المؤمِّل بن عليِّ بن أبي الحسن الباجريُّ. وباجرة قرية مشهورة من قرايا بغداد عند بعقوبا وصل من العراق إلى إربل، بعد التسعين والخمسمائة للتصرف في أيام الملك /238 أ: المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضي الله عنه- فتولى بها ولاية، مدة من الزمان، ثم رحل عنها- بعد أن حبس- إلى بغداد، وهو مقيم بها؛ ويدعي قول الشعر، وشعره غث بارد اللفظ. أنشدني أبو الثناء محمود بن محمد بن الأنجب الإربلي؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه، يمدح جلال الدين علي بن شماس ... ، بمدينة إربل من قصيدة: [من المتقارب] وسانحة مذ قصد الوزير .... تغرِّد في الدَّوح إذا تصدح تحثُّ ركابي إلى بابه الَّذي .. بالمنى أبداً يفتح وكانت تضنُّ بغير البروج ... مذ بنت عنه به تبرح فإن سخت ويقيني بنيل ... مناي الُّذي مثله ينجح وأوجبت الهجر للباخل الذي ... قط بالوصل لا يسمح وافهم معنى تغار يدها ... بأنَّ مريضي قد يصلح ولما انخت بباب الجلال ... رأيت من البشر ما يفرح وباتت مخايل مثلي به ... ولاحت أساريره اللًّوَّح وعذت إلى منهل سلسل ... يمير الوفود ولا يمتح

/238 ب/ وقال وقد حضر في بيت ضيق، كان لصديق له؛ فأنشد بخديها لنفسه: [من المتقارب] لئن ضاق في ربعه مربع ... لتخصيصه لا لضيق المكان ففي صدره ما يعمُّ الفضا .... ءقدراً ويفضل عرض الجنان [433] علي بن الأكمل بن النجار، أبو الحسن الصوفي من أهل بغداد، أحد الصوفية بالرباط الشريف المجاور لعون ومعين في مشرعة الكرخ؛ رجل خير حسن الطريقة، متكلم بلسان أهل الحقيقة. ومن شعره في المستنصر بالله- رضي الله عنه-[من الكامل] يا نعم هل لي بالأنيعم وقفة؟ ... أحظى لدة سمراتها بالأسمر إذ ذاك تنصفني ظلوم وتتَّقي ... ظلمي وتلقاني بوجه مسفر ببياض وجه واسوداد غدائر ... وحواجب خضر وخدا أحمر فالآن مذ لبس العذار بياضه .. ما كنت في خلع العذار بمعذر /239 أ/ ومنها: أصبحت يا روح الزمان محكَّماً ... خذ ما تشاء من الأماني وأبشر بشرى لكلِّ الخلق حتى صفحة ... الدِّينار مبتهج وعود المنبر لا أتقي نوب الزمان وعدَّتي ... فضل الإله ونعمة المستنصر [434] عليُّ بن يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، الملك الأفضل، أبو الحسن

أحد أولاد الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر- رضي الله عنه- ملك بعد أبيه ديار مصر والشام وغيرها من البلاد؛ فانتزع ذلك جميعه منه عمه الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن محمد بن أيوب- رضي الله عنه، ولم يبق للملك الأفضل غير سميساط، فسكنها إلى أن مات بها في يوم الجمعة بعد أن صلى صلاة الجمعة، وأدركته الوفاة فجأة، فأوصى وذلك في الخامس والعشرين من صفر سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وكانت ولادته بمصر يوم عيد الفطر سنة خمس وستين وخمسمائة، وأخباره ببلاد الشام مشهورة، وجرت بينهما حروب ووقائع يطول/239 ب/ ذكرها. وكان يقرب العلماء ويكرمهم، ويقبل على أولي الفضل ويستفيد من محاسنهم كثير الاحترام لأهل العلم والدين، ويقول الأشعار الحسنة؛ وسمع الحافظ أبا طاهر السلفي بالإسكندرية وجماعة سواه. حدثني أبو الفضل عمر بن علي بن هبيرة من لفظه؛ قال: حدثني الأمير بدر الدولة لؤلؤ بن عبد الله الملكي الأفضلي؛ قال: جلس الملك الأفضل يوماً في مجلس من مجالس أنسه، وحضر معه جماعة من ندمائه وأصحابه؛ وكان من جملتهم إنسان يلقب الهمام أمير آخر، وكان ربما استثقل ولم يطلبني الملك الأفضل لهذا المجلس؛ قال: فكتبت إليه بديهة بهذه الأبيات: [من المتقارب] أيا مالكاً عدله قد أناف ... على عدل كسرى الَّذي يدرس ومن جوده عمَّ كلَّ الأنام ... فذكراه في الدَّهر لا تدرس أفي شرع عدلك أنَّ الهمام ... إلى الكأس يدعى ويستحلس ويحظى ببهجة ذأك الرَّواء ... ولؤلؤ يضيق به المجلس

تغيَّر رأيك ذاك الجميل ... وما الذَّنب إلَّا الولا الأنفس /240 أ/ وما القصد في الشرب لكنَّما ... تنافس في قربك الأنفس وبعد فلا زلت في نعمة ... مجدَّدة أبداً تحرس قال: فأجابني على الوزن والقافية بديهاً: [من المتقارب] أتني أبياتك المشبهات ... للدُّرَّ في النَّظم بل أنفس تعرَّضت فيها بعتب غدت ... تألَّم من ذكره الأنفس وكيف وودك أضحة لديَّ ... أجلَّ العلوم الَّتي تدرس وإن درست عند غيري العهود ... فعهدك عندي لا يدرس ولا يحضر الأنس إلَّا إذا ... حضرت فأنت لنا المؤنس وأنشدني المولى الملك الناصر صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن الملك المفضل قطب الدين أبي محمد موسى بن الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بحلب المحروسة، بمنزله المعمور في شهر ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة/240 ب/ قال أنشدنا عمي الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي بن يوسف- رحمه الله تعالى- لنفسه: [من البسيط] يظنُّ دهري أن القلَّ اقعدني ... عن أن أروح بصدر الرُّمح مكتسبا والفقر ليس بعار في الزَّمان لمن ... لم يبق جود أياديه له نشبا ولَّي شبابي ولم أظفر بنيل مني ... ولا تقضَّيت من أسبابه سببا وهب زماني ارضاني وأعتبني ... فهل يعيد لي العمر الَّذي وهبا أبعد خمسين من عمري وأربعة ... يلذَُّ لي أبداً عيش وإن عذبا وأنشدني أيضاً؛ قال: أنشدني عمي لنفسه: [من الطويل] وشيَّب رأسي قبل إبَّان شيبه ... قراع اللَّيالي لا قراع الكتائب وليس شجاع النَّفس ذا الجأش في الوغي .... ولكنَّه من يرع للنوائب تظنَُ خطوب الدَّهر أنِّي جازع ... لما أحدقت بي من خطوب المصائب وتتبع سهماً بعد سهم أصابني ... لتنكيه جلّ الخطب إن طل غالبي وسطَّرت الأيَّام صبري تعجُّبا ... تسطُّر إلا أمهات العجائب

وأنشدني؛ قال: أنشدني عمّي لنفسه: [من السريع] في حلبة الصَّبر جوادي كبا ... وسيف عزمي عن سلِّوى نبا /241 أ/ وكلَّما خاطبت قلبي بأن ... يسعدني بالصًّبر فيكم أبى لهيب وجدي مذ خبت ناركم ... عن ناظري في خاطري ما خبا سبيته من العدوِّ عنوةً ... يا عجباً كيف لقلبي سبى بدر إذا أشرق في قبائه ... ليس له غير فؤادي مغربا لمَّا رأى سيف علىٍّ منتضى ... من جفنه صيَّر قلبي مرحبا وكتب إلى عمِّه الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب: [من الطويل] أسلطاننا إن كنت لي خير صاحب ... وخير مليك إنَّني خير مصحوب وها أنا قد شيَّدت مجداً ليوسفً ... كما أنت قد شيَّدت مجداً لأيوب وقوله: وقد نشأت سحابة من الغرب لها برق ورعد: [من الطويل] وناشئة من جانب الغرب أقبلت ... فخلت بأن اللَّيل جاء من الغرب إذا ضحكت بالبرق جادت بأدمع ... من الودق فانهلَّت تدفَّق بالسَّكب تباين حاليها عجيب ولن ترى ... بأقرب من ضحك بكاء من السحب وقوله: [من المتقارب] /241 ب/ أقول له وهو يبكي الشَّباب ... بدمع يواصله بالنَّحيب أتبكي بدمع لفقد الشَّباب ... سيبكي دماً عند فقد المشيب وله في الشيب: [من الرجز] وشعرة لمَّا بدت في عارضي ... شائنة للحسن منه شائبه قلعتها وقلت لا كنت اغربي ... فجاوبتني وهي عنِّي ذاهبه أمنت إذ قلعتني سوف ترى ... من الَّذي يقلع منَّا صاحبه وقال لما بلغه أنِّ غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان استشهد بطعنة أصابته في المصاف: [من الطويل] وشمس غياث الدِّين بعد ضيائها ... وإشراقها في كلِّ شرق ومغرب أنار لديها كوكب الرُّمح فاختفت ... ولم تر شمساً قطُّ تخفى بكوكب

وقال يرثي: [من الخفيف] إكتئابي قد كان منه وقد صار عليه لمَّا ثوى في التُّراب يا أخا الوجد خذ حديثي واعجب ... لاكتئابي أنا له في اكتئاب وقوله: [من الطويل] /242 أ/ وساق سقاني قهوة فحسبتها ... للذَّتها من ريقه البارد العذب سناه اعتزى للشَّمس والطَّرف للظُّى ... كذا القدُّ والأغصان والرِّدف للكثب وقال: [من الكامل] ما خلت أنَّ ظهور مبسمه ... عن لؤلؤ متنضِّد رطب من بعد علمي أنَّ مسكنه ... ملح بأنَّ الدُّرَّ في العذب وقال فيمن شرب خمراً فاحمرَّ خدَاه: [من الوافر] ومن عجب الملاحة باتِّفاق ... جرى منَّا ولم يك ذاك عمداً سقيناه شراباً خندريساً ... فأنبت منه في الخدَّين وردا وله: [من الخفيف] كلَّما رمت أن يبرِّد ناري ... طيفه في الكرى ويطفى لهيبي زاد في لوعتي وفرط غرامي ... حيث أني فارقته عن قريب وكتب إلى الملك العزيز- رحمهما الله تعالى: [من المجتث] لمَّا رأوك الأعادي ... على صدودك تصبو وأنني منك مقصى ... تقوَّلوا ما أحبُّوا /242 ب/ واسعروا نار إفك ... واضر موا واشبُّوا إن كان للذنب ذنب ... فهكذا لي ذنب وله يرثي بعض العلماء: [من مجزوء الكامل] عجباً لمن درس الفضائل والبلاغة كيف يدرس ضمِّنت كلَّ فصاحة ... يا قبره وغدوت أخرس وقال أيضا: [من الطويل]

أبيت بليل ليس لي فيه راحم ... سوى أنجم الجوِّ الَّتي ليس تغرب وغيري يرى التعذيب مراً مذاقه ... وفي مذهبي التَّعذيب في الحبِّ يعذب وله في الخضاب: [من الوافر] عمدت إلى الخضاب إذاً لتنسى ... زماناً كنت فيه بلا خضاب وأيام الصِّبا عندي محال ... بأن تنسى بأيام التَّصابي وقال يهجو بعض أصحابه، وقد تاب عن شرب الخمر ثم عاد إلى شربه: [من الوافر] وقالوا: تاب عن شرب الحمَّيا! ... فقلت لهم كذبتم ما يتوب /243 أ/ وكيف يتوب عن فعل دني ... فتى قد جمِّعت فيه العيوب وقوله في النزيه بن الضياء القزويني يداعبه: [من الكامل] قل للنزيه وأنت صادقه ... لم تخل من صدق ومن كذب حمِّلت من عار خزيت به ... ما حمِّلت حمالة الحطب أزريت بالعلماء كلِّهم ... فلأنت شرٌّ من أبي لهب وقال: [من الوافر] أقول للائمي لما لحاني ... دع الهذيان قد صدَّعت رأسي سماع اللَّوم أعجز كلَّ لاح ... كذاك الموت أعجز كلَّ آسي وقال: [من الوافر] لئن أخطا الكرام الحظُّ يوماً ... وخصَّ به اللَّئام بلا احتجاج فإنَّ الدُّر يعدل عن زلال ... وعن عذب ويسكن في أجاج بنرجس مقلة وبورد خد ... وآس من حواجبه الزِّجاج وخمرة ريقه وأقاح ثغر ... وبدر لاح من تحت الدَّياجي أدار عذاره حرساً عليه ... أبستان يكون بلا سياج؟ ! وقوله: [من الخفيف]

/243 ب/ رب ليل قطعته بتناجي ... فيه ما عندنا من الإرتياح أنا أشكو هجر الصِّباح إليه ... وهو يشكو إليَّ هجر الصَّباح وله يصف فرساً: [من الطويل] وطرف يجاري الطَّرف في حلبة المدى ... فيعجز عن إدراكه إن جرى اللَّمحا يفوت الهواء عدواً ويسبق آصفاً ... إذا جريا من قبل أن يحضر الصَّرحا وقال: [من البسيط] قد كنت من قبل أن يبدو بعارضه ... شعر يسمِّجه عندي ويقبحه إخال أنَّ نبات الشَّعر يفسده ... وما علمت بأن الشعر يصلحه وقال يمدح إخوته: [من الطويل] بني يوسف أنتم غيوث سماحة ... وأنتم لدى الحرب العوان أسود وما أضرمت نار القرى ببيوتكم ... فكان لها طول الزَّمان خمود وقال يهجو النزيه الضياء القزويني: [من الكامل] ويقول إبليس اللَّعين إذا رأى ... وجه النزيه: فديت من أنا عبده أسعى لأفسد من نأى عن داره ... ولقيت إفساد الذي هو عبده وله يرثي: [من الرمل] /244 أ/ أو يرد رجلاً يجاريك بها ... في العلا لم ير رجلاً ذاهبه وقوله: [من الطويل] وقالوا أتبكي من مشيت رأيته ... بفودك مثل البرق يلمع في الدَّجن فقلت لها لا تعجبي تلك عادة ... مدى الدهر ضوء البرق يلمع بالمزن وقال: [من المتقارب] إذا المرء أكثر فيما أدَّعاه ... فمن واجب الأمر أن يمتحن فيظهر بالفعل برهانه ... فيكرم إذا ذاك أو يمتهن وقال: [من البسيط] بالغ إذا رمت بنيانا تخلِّفه ... فيما توطِّد من أسِّ وأركان

شيِّد مبانيك تذكر حين لات بقا ... تبقى المباني ولكن يهدم الباني وقوله: [من المجتث] أستغفر الله رِّبي ... من كلِّ ذنب وجرم ومن قبيح فعال ... وقَّتل نفس وظلم وقال في غلام اسمه إبراهيم: [من الكامل] عجباً لإبراهيم يسكن قاطنا ... قلبي ولم يبرد لهيب ضرامه /244 ب/ ولخدِّه المحمرِّ كيف تورَّدت ... وجناته والطَّرف خلف سقامه أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي الحسن بن أبي جرادة الحلبي الحنفي- أيده الله تعالى- قال: أنشدني الخطير أبو نصر فتوح بن نوح بن عيسى؛ قال: أنشدني الإمام عماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد الكاتب الأصفهاني؛ قال: أنشدني الملك الأفضل علي بن يوسف بن أيوب لنفسه، في العشرين من شوال سنة تسعين وخمسمائة؛ وكتبها إلى أخيه الملك العزيز عماد الدين عثمان يستعطفه بعد أن ودعه واجتمع معه ساعة واحدة: [من الوافر] نظرتك نظرةً من بعد تسع ... تقضَّت بالتَّفرُّق من سنين وغضَّ الدَّهر عنها طرف غدر ... مسافة قرب طرف من جبين وعاد إلى سجَّيته فأجرى ... بفرقتنا العيون من العيون فريح الدهر لم يسمح بوصل ... يعود به الهجوع إلى الجفون /245 أ/ فواقاً ثمَّ يعقبه ببين ... يعيد إلى الحشا عدم السُّكون ولا يبدي جيوش القرب حتى ... يرتِّب جيش بعد في الكمين ولا يدني محلي منك إلَّا ... إذا دارت رحى الحرب الزَّبون فليت الدَّهر يسمح لي بأخرى ... ولو أمضى بها حكم المنون وأنشدني الملك الناصر صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن موسى بن يوسف بن أيوب بن شاذي؛ بحلب المحروسة؛ قال: سمعت عمي ينشد لنفسه: [من الطويل] أتاني كتاب منكم فلثمته ... وأمطرته دمعي وأفرشته خدِّي وقالوا: ترفَّق بالبكاء سفاهة ... وإنَّ البكي بعد التَّفرق لا يجدي

وسركم أخفيته في جوانحي ... فنمَّت به عيناي والذَّنب للمبدي فهل منجد لي في البكاء على الذي ... تناءت بهم أيدي التَّنائي إلى نجد صدرنا عن الوصل الذي كان بيننا ... ببين فهل دهر يبشِّر بالورد إذا فاه نطقي كان مبداه ذكركم ... كما في كتاب الله يبدأ بالحمد قصدتم جفوني مذ نزلتم قلبي مذ ملكتم قياده ... وما هو للمولى حرام على العبد /245 ب/ وفارقت قلبي مذ ملكتم قياده ... وما هو للمولى حرام على العبد وأقسم لا التذُّ بالعيش بعدكم ... ولو أنَّني أصبحت في جنَّة الخلد وما كنت أدري نعمة الوصل دون أن ... بدا هجركم والضِّد يظهر للضِّدَّ عقدت على قلبي الوفاء بعهدكم ... فمات ولم تحلل عرى ذلك العقد [435] علي بن المفضل بن علي، أبو الحسن المقدسي من أهل الإسكندرية؛ الفقيه المالكي المفتي الحافظ المصنف، صاحب التصانيف في الفقه والحديث. سمع بالحجاز وديار مصر والشام، وتغرب وكتب الكثير، وخرج الفوائد الصحاح. وكانت من الحفاظ الأثبات الثقات، الأمناء الفضلاء المعتبرين العلماء الفهماء؛ وكان إماماً في الحديث وحفظه، ومعرفة علومه. وكان فقيهاً فاضلاً مدرساً على مذهب الإمام مالك- رضي الله عنه- مع أدب وافر، وشعر حسن كان ينظمه.

رأيت له أبياتاً وازن بها أبيات الحافظ أبي طاهر السلفي/ 246 أ/ وأبيات الأديب أبي المظفر الأبيوردي، وأبيات الشيخ أبي العلاء المعري، وكلهن على حرف الغين المعجمة. قال السلفي: أنشدني الرئيس أبو المكارم الأبهري؛ قال: أنشدني أبو العلاء لنفسه بمعرة النعمان قطعة ليس لأحد مقلها وهي: [من الطويل] رغبت إلى الدُّنيا زماناً فلم تجد ... بغير عناء والحياة بلاغ وهي أربعة أبيات. قال السلفي: فذكرت قول الرئيس أبي المكارم للرئيس أبي المظفر الأبيوردي، فأنشدني بعد يوم لنفسه على وزنه ورويه: [من الطويل] ألا هل إلى أرض بها أمُّ سالم ... وصول لطاوي شقَّة وبلاغ وهي خمسة أبيات. قال السلفي: فقلت أنا تبركاً بقولهما بعد سماعي من الرئيسين القطعتين: [من الطويل] ترى هل إلى وصل الذي قد أعلَّني ... هواه وصول يرتجى وبلاغ وهما بيتان؛ فقال الحافظ أبو الحسن ناسجاً على منوالهم هذه الأبيات: [أ] يا ذا الذي اشكو اشتغالي بحبِّه ... ولكن به عمَّا شكوت فراغ /246 ب / لئن ساغ هجراني لديك فليس لي ... مدى الدَّهر في السُّلون عنك مساغ ولا ذنب لي إلَّا أكاذيب تفترى ... أمانيها من حاسد وتصاغ وإني لأرضى أن أفوز بنظرة ... تعلِّل نفسي والحياة بلاغ وأخبرني أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري المصري، إجازة منه إلى مصر؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي لنفسه: [من الطويل] لكلِّ امرئ ما فيه راحة قلبه ... فيأنس إنسان بصحبة إنسان وما راحتي إلِّا حديث محمَّد ... وأصحابه والتَّابعين بإحسان

وأنبأني أيضا؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] أيا نفس بالمأثور عن خير مرسل ... وأصحابه والتابعين تمسَّكِّي عساك إذا بالغت في نشر دينه ... بما طاب من نشر له أن يمسَّك وخافي غداً يوم الحساب جهنَّماً ... إذا نفحت نيرانها أن تمسَّك وأنبأني عنه أيضاً: [من الطويل] ولمياء تحيي من تحيِّي بريقها ... كأن مزاج الرَّاح بالمسك في فيها /247 أ/ وما ذقت فاهاً غير أنِّي رويته ... عن الثِّقة المسواك وهو موافيها [436] علي بن محمد بن يحيى بن طلحة بن حمزة، أبو الحسن المنحل الواسطي أحد عدول بلده. قدم بغداد واستوطنها، وشهد عند القاضي أبي المناقب محمود بن أحمد الزنجاني، فقبل شهادته، ورتب مشرفاً على سبيل المخزن المعمور، وحمل الكسوة والصدقات إلى الحرمين الشريفين. ومن شعره يمده المستنصر بالله- رضي الله عنه-؛ وسألته عن ولادته، فذكر أنه ولد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بقرية عبد الله من الأعمال الواسطية، وعنده دعاوى في نفسه، ويظن أنه يأتي بأشياء لم يأت بها غيره من شعراء أهل وقته، ويتعاطى النظم والنثر، وليس عنده مما يزعم شيء. فمن شعره يمدح المستنصر بالله، عند تحرك العساكر المنصورة لقتال التتار الملاعين- خذلهم الله تعالى: [من الطويل] على مجدكم ممَّا يخاف سرادق ... بجانبه صرف الرَّدى والبوائق فما للفضاء الجم ِّنهج نؤمُّه ... إليكم ولو عم البريَّة طارق

/247 ب/ حميتم ذمار الملك بأساً ورهبة ... فساوى القرى في أمنهنَّ البلالق وثقَّفتم زيغ الخطوب بسالة ... فنكَّب عن سبل الضَّلالة مارق صنائعكم ترضي الإله وإن غدا ... بها وفركم من سخطه وهو تائق يعود بهنَّ الحرُّ عمداً وكم غدا ... رقيق به من رقه وهو عاتق إذا ما جزى الحسنى بعشر فعشرها ... يوفِّي به ريب الزمان الخلائق فكونوا على أمن من البؤس وادع ... ولو ملئت مدن به ورسائق أبى الله إلَّا حفظ من هو حافظ ... له حيث لا يلميه عيش مفانق إمام إذا ما أسكت العجز عن مدى ... مآثره المدَّاح فالذكر ناطق يبيت مواليه على الأمن وادعاً ... إذا راعت الناس الخطوب الطَّوارق مناقبه بين البرية نشرها ... يشابه مفتوق الشَّذا ويطابق أبا جعفر كم في يمينك جعفر ... لصادقكم فيها لعاد صواعق ومنها: أحلَّكم المجد الممنَّع رتبة ... تواضع عنها النَّيِّران الشَّوارق وكم قد تسامى نحوها ذو تطاول ... فعاقته عن نيل الأماني العوائق فما الناس إلَّا خاضع لجلالكم ... على رغم ... أو حاسد أو منافق /248 أ/ بقيتم إلى أن يحدث الله في الورى ... شبيها لكم ما ذر في الأفق شارق فأنتم طريق للمكارم مهيع ... وأنتم إذا عد الأنام الطَّرائق وأنشدني أبو الحسن علي بن محمد النحلي لنفسه، ما كتبه إلى صديق له على سبيل المداعبة والانبساط، وسلك فيها مسلك الهزل والمجون ببغداد: [من الطويل] إذا رنَّحت ريح الصَّبابة ذا وجد ... لذكر زمان سالف بربي نجد وبات كما بات السَّليم بهزَّة ... تراع إلى ذات الدَّمالج والعقد يؤرقه ذكرى زمان تصرَّ مت ... قصار لياليه على العلم الفرد فما شأنه شأني إذا ذكر الحمى ... ولا وجده مذ شطت الدِّار بي وجدي وكيف ولي قلب يروح ويغتدي ... من الكمد المضني المذيب على مرد

إذا سمته السُّلوان أصبحت مسرعاً ... ويسعى إلى اسم المودَّة في قدِّ ولي مقلة لم تجفها سنة الكرى ... ولا عرفت مذ بنتم ألم السهد تناءت بي الأيام عنكم تطولا ... فيا منَّة ألفت بينكم عندي فلم يصبني شوق ولم يصبني جوى ... ولم تنأ أفرأ حي ولم يقترب وجدي /248 ب، ولا أضحت الذكرى لأيام عالج ... تصاعد أنفاسي مسعَّرة الوقد جزى الله أيام الفراق بمثلها ... متى سئمت تشتيت شملي على هند ألا لا رعى الرَّحمن مَّنا محافظاً ... يراعي ذماماً للخليل على البعد ولا كان منا ذو هوى ومودَّة ... يقيمان إن شطَّ المزار على العهد كذلك سلي الورد سلي التقاطه ... ويحمي حماه النحل عن مجتني الشهد وها أنا أقضي مدَّة العمر مذ نأت ... نوال بشكر الله في ذلك والحمد [437] علي بن منصور بن علي بن عبيد الله، أبو الحسن الخطيبي اللغوي، المعروف بابن سبلتوه البغدادي أخبرني أن عبيد الله جده الأقصى- الذي امتدحه أبو إسحاق الغزي- وهو أبو إسماعيل عبيد الله بن علي بن عبيد الله الخشبي القاضي. وأبو الحسن قرأ اللغة والأدب على الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الرحيم بن العصار اللغوي البغدادي؛ وأخذ علم النحو والعربية عن أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري النحوي وغيرهما. وكان/ 249 أ/ أعرف أهل زمانه باللغة، وأيام العرب واشعارها، وافر الحظ؛ كذلك سألته عن مولده؛ فقال: ولدت في سنة سبع وأربعين وخمسمائة. وكان مع سعة حفظه وفضله، ضجوراً منوعاً يأبي التصدي للأقراء، ويكره

التعليم فلم يستفد أحد منه بطائل. ترددت إليه غير مرة، واقتضيته شيئاً من شعره، فكان يعدني ويمطلني ويتعلل بأسباب وأحوال، فحين كثر ترددي إليه، سئمت من مطله، ثم مرض في أثناء تلك الأيام؛ ومات ليلة الإثنين سابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة ببغداد، ودفن بجانبها الشرقي بمقبرة الوردية- رحمه الله تعالى. أنشدني أبو الحسن علي بن المفرج بن المبارك بن المعوج الواسطي؛ قال: أنشدني أبو الحسن اللغوي لنفسه أبياتاً كلفه عملها الوزير جلال الدين أبو المظفر عبد الله بن يونس لتكتب على أيوان في دار الخليفة الناصر لدين الله- رضي الله عنه: [من البسيط] دار تظلُّ لها الآمال عاكفة ... ويستجير بها من جرمه الجاني تشب نيران بانيها إذا خمدت ... نار القرى لمضيف أو لضيفان /249 ب/ فلو تراءت لخير الموقدين رأي ... إنسان عينيه فيها غير إنسان وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من المنسرح] مولاي يا من ذهاب راحته ... هامية للعفاة بالذَّهب قد اعوزتنا حمراء صافية ... تنمى إذا ما انتمت إلى العنب فأبعث بها واغتنم ثنائي يكن ... بين عطا ياك أقرب النَّسب وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: [من السريع] يا ملكاً أصبح أعداؤه ... بالغيظ هلكي منه بالغيظ بقيت ما استحسن لفظ وما ... خالف لفظ البيض للبيظ قد جاءت الغلَّة في وقتها ... كالماء للعطشان في القيظ وكلما أبطأ إطلاقها ... عني تميزت من الغيظ وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضا قوله: [من الخفيف]

لي حبيب كالظبي غر ولكن ... يعذابي في الحب ما أغراه وإذا كرر الذُّنوب فيكفيه ... اعتذاراً عما جنى أن أراه وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في غلام اسمه القطب: [من مجزوء الكامل] /250 أ/ إن كان يوسف حسنه ... شغف النِّساء وما أسا فالقطب قد شغف الرجا ... ل بحسنه وسبى النِّسا وأنشدني؛ قال: أنشدني قوله: [من مجزوء الرمل] يا مليح القدِّ يا من ... وجهه ما البدر مثله أعطني منك وصدِّق ... واغتنم أجري قبله وقال أيضا: [من مخلع البسيط] لو لم أخف من نفار قوم ... ينافسوني على نقير لكان رأيي أن لا تراني ... في يومك البارد المطير ولو تمكنت من أموري ... خفيت عن خاطر الخطير ولم أوجه به فوجهي ... في الأرض من بيته السَّتير ولا تأوَّل على وابعث ... على ركنيه الأمير فقط ما اعتاد حر وجهي ... يعود من بابه حريري وأنشدني أبو الحسن علي بن الحسن بن علي البخاري الفقيه الحنفي؛ قال: أنشدني علي بن منصور اللغوي/ 250 ب/ لنفسه مبدأ قصيدة أولها: [من الطويل] فؤادي معنِّى بالعيون الفواتر ... وصبوة باد مغرم بالحواضر سميران ذادا عن جفون متيَّم ... كرى منذ باتا عنده شرَّ سامر وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] لمن غزال بأعلى رامة سنحا ... فعاود القلب سكر منه كان صحا مقسَّم بين أضداد فطرَّته .. جنح وغرَّته في الجنح ضوء ضحى

[438] عليَّ بن الشّهاب الضرير الواسطيَّ القانونيَّ. كان يشعر ويعاشر الأصدقاء، مطبوعاً في الجد والهزل والخلاعة أنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي زيد التبريزي؛ قال: أنشدني علي بن الشهاب الضرير لنفسه: [من الكامل] قمر تظلم خصره من ردفه ... وبليَّتي من ردفه أو خصره ما البدر والشَّمسي المنيرة عنده ... إلَّا كمثل صبابة في بحره وكذاك ليس الغصن يشبه قدَّه ... أني وما للغصن هزَّة سكره /251 أ/ أألام إن قبَّلت ورداً طالعاً ... في خدِّه أو رشف بارد ثغره ويلاه لم أدهى بلحظ فاتر هاروت يعجز عن مواقع سحره فالصُّبح يبدو من ضياء جبينه ... واللَّيل يكمن تحت فاحم شعره إن خانني فأنا الوفيٌّ بعهده .. أو كان يهجرني صبرت لهجره من لي به راض ولم يك ساخطا ... من لي به أو من يقوم بعذره [439] علي بن عمر بن عبد العزيز بن هبة الله بن الحسن بن أحمد بن حمدون، أبو الحسن السنجاري، المعروف بابن الخطيب وهو أخو إسماعيل بن عمر الذي تقدم شعره، وعلى الأكثر كانت الخطابة بسنجار فيهم؛ وكان فقيها حنفياً فاضلاً، ذا معرفة بالأصول والخلاف. أنشدني الخطيب أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن الحسين الإربلي المعروف بابن الكريدي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن عمر لنفسه؛ وأن سالته أن يصنعه وهو قول القائل: [من الوافر]

طول العهد منسي ... ... ... ... ... .... /251 ب/ تقول وقد وقفنا لا دكار ... لماضي عيشنا من غير لبس اتنسانا ومثلك غير ناس ... ومذ فارقتني فارقت أنسي فقلت لها أطلت العهد حتَّى ... نسيت وإن طول العهد منسي وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] أحببت ذاتي فوق الوصف مذ نفر الدُّناة منها وعابوها بما وصفوا ولو أحبوا صفاتي كنت أبغضها .... لأن خير السجايا ضد ما ألفوا [440] علي بن محمد بن أبي منصور بن أبي الغنائم، ويعرف بصاحب الخاتم بن أبي غالب واسمه محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسن بن عيسى ويعرف بالرومي- بن محمد الأزرق بن عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب – عليهم السلام- قال الدبيثي: كان شاعراً مكثراً، وله المدائح الكثيرة في أهل البيت- عليهم السلام- وغيرهم؛ وشعره كثير مدون، قد سمع منه جماعة وكتبوا عنه وكان ينتجع بالشعر بلغني أنه توفي/ 252 أ، بالحلة المزيدية، في سنة ثمان وستمائة ونحوها- والله أعلم 0 هذا آخر ما ذكره الدبيثي في تاريخه، ولم يورد له شيئاً من شعره. قلت: كان شاعراً مبرزاً يصنع شعراً معجزاً ذا اقتدار شديد، وباع في معرفة اللغة

مديد، وفضل غزير، وشعر كثر، التزم في كلامه لزوماً غريباً، وسلك فيه أسلوباً عجيباً، أعجز به المتقدمين وبذ فيه المتأخرين؛ له القصائد المبدعات المخترعات المطبوعات المصنوعات التي لقبها بالبواهر. صنع كل قصيدة على حرف من حروف المعجم، وذلك أنه ابتدأ فيها بحرف الألف، والتزم أن يضمن في كل لفظة منها حرف الألف ثم حرف الباء ثم التاء ... هكذا متوالياص على اتساق الحروف وانتظامها إلى حرف الياء. ومن شعره يمدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- صلوات الله عليه وسلامه: [من الطويل] إذا أنت واليت الإمام المبرعا ... عليا أمير المؤمنين السَّميدعا سكنت فراديس الجنان مخلَّدا .. وحزت محلاً سامياً مترفِّعا إمام هو النَّهج القويم إلى الهدى ... أخو سؤدد لم يحوه سعي من سعى /252 ب/ فطوبي لمن والي وصي محمَّد ... إمام هدى حاز الفضائل اجمعا إمام تقي للرشاد محالف ... تسربل جلبات الهدى وتلفعا روى النَّاس أنَّ الطُّهر أحمد قال في ... حديث وكم قال النَّبي وأسمعا سيفترق الإسلام سبعين فرقة ... نعم وثلاثا هكذا قال مسمعا وكل سيصلى النار بالله في غد ... سوى فرقة تحوي النعيم الموسَّعا فإن شئت تدري أيُّما فرقة نجت ... فأنصف ولا تنكر مقال مشفعا وقعت وسل أهل الحديث تجدهم ... جميعاً رووا أن النَّبي المشرِّعا يقول مراراً: أهل بيتي شبيههم ... شفينة نوح من بها حلَّ موضعا نجا وكذا من حاد عنها فقد غوى ... وذاق الهلاك أنظر تر القول مقنعا وقال أيضا: [من المقتضب] كم تسائل الدِّمنا ... باكياً تذوب ضني تندب الطُّلول ومن ... حلَّهن والسَّكنا دع سؤالهنَّ فما ... في سؤالهن غير عنا فالبكى ليس يردُّ الحبيب إن ظعنا

ويك ذاك عصر هوى ... فات فاترك الحزنا /253 أ/ تلك عيشة سلفت ... كل لذةَّ لفنا فاله عن تذكرها ... واسألن ذلك الزَّمنا كم بنيت مدَّرعاً ... بالغرام مرتهنا ها ترى المشيب بدا .. صحبه وزاد سنى فاتق الإله ولذ ... بالولاء للأمنا غتوة النبي ومن ... يربحهم جننا صفوة نفوز بهم ... إذ هم الهداة لنا وأنشدني له أيضا في مدح علي- عليه السلام- أبو الحسين يحيى بن محمود بن عيسى بن محمد بن جعفر الخلعي البغدادين بإربل سنة ثلاث وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني ابن صاحب الخاتم لنفسه مبدأ قصيدة أولها: [من البسيط] بانوا ففارق جفني لذَّة الوسن ... وبتُّ مدَّرعاً بالهمِّ والحزن أخفي الغرام فتبديه الدُّموع إذا ... جرت على الخدِّ كالمثعنجر الهتن /253 ب/ بانوا فما خلت أن الدَّهر مذ برحوا ... عني يفارقني ممَّن يفارقني فليتهم إذا نأوا ردُّوا الفؤاد عسى ينبي بحالهم حقُا ويعلمني أهم على العهد أم خانوه عن كثب ... وهل سلوا فنسوا شوقاً يؤرقني أما أنا فرسيس الشُّوق يرمضني ... والوهم والوجد والبلبال يمرضني ولي دموع يخدُّ الخدَّ ساكبها ... كأنَّ واكفها مغدودق المزن يا قب دع ذكرك الأحباب إذا بعدوا ... بانوا وخانوا ومن للعهد لم يخن وخلِّ ذكر الصِّبا وأسل الهوى فإلى ... متى تعاني رسيس الشَّوق والحزن ووال آل رسول الله تنج بهم ... فهم أولو الذكر والآيات والسُّنن آتاهم الله علماً باهراً وتقى ... وإن سلكت فسائل عن أبي الحسن وأسمع حديثا روينا من مناقبه ... فيه اعتبار لرب الفكرة الفطن يروي عن أبن طحال عن مشايخه ... فاسأل بما قد روى إن كنت تتهمني قالوا: أتى رجلان الباقر بن علي ... قالا له: أنت أهل العلم واللّسن

ألست قلت بأن الصِّنو حيدرةٌ ... لم يرض أفعالهم سراً بلا علن [441] عليُّ بن يحيى الحسن/ 254 أ/ بن الحسين بن عليِّ بن محمَّد- وهو البطريق بن نصر بن حمدون بن ثابت بن مالك بن ليث بن عامر بن غنم بن فهر بن دلجة بن بشرً بن معاوية بن بدر بن ثعلبةً بن حبال بن نصر بن سواء بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو الحسن بن أبي زكريا، الحلِّيُّ الأصل، الواسطي المنشأ. كان والده من فقهاء الشيعة وعلمائهم، عارفاً بمذاهبهم، وسيرد ذكره في حرف الياء من هذا الكتاب؛ وابنه هذا كان يترفع بنفسه من أن يمدح أحداً مجتدياً، ويذهب مذهب الكتاب، ويترامى إلى النثر أكثر من النظم؛ ويدّعي علم الرياضي، ومعرفة النجوم، وكان من الشيعة المغالين في المذهب. أنشدني الحسن بن علي الإربلي؛ قال: أبو الحسن لنفسه من قصيدة: [من البسيط] أفديه من بدر تمٍّ للورى فتنا ... أصبحت أعبد منه في الورى وثنا وكلَّما ازددت جهلاً في محبَّته ... يزيده الله في عدوانه فطنا

وكلَّما سرَّه حزني وأعجبه ... سررت فأعجب لمسرور إذا حزنا / 254 ب/ وإن أساء صنيعاً بتُّ مبتهجاً ... بمالك حسن لا يصنع الحسنا فإن سمعتم بمقتول بكى فرحاً ... بحبٍّ قاتله حزناً فذاك أنا يا صاحبيَّ وما الشَّكوى بنافعة ... لمن إذا قلبه في الحبِّ مرتهنا تسمَّعا سرَّ أشجاني ولا عجبٌ ... في الحبِّ إن صار سرُّ المبتلى علنا كتمت ما بي حتَّى كاد يتلفني ... كتمانه ويبيد الرُّوح والبدنا عسى يرقُّ كما راقت سوالفه ... حبٌّ جفا قسوة أيَّام لنت ضنى فو الَّذي فلق الإصباح مقتدراً ... من نور غرَّته حتَّى أضاء لنا واشتقَّ للَّيل من مسكيِّ طرَّته ... لونّا وصيَّره سبحانه سكنا وصيِّر الشَّمس تمثالاً لطلعته ... حتَّى يرى حسنه طرفٌ نأى ودنا ما عشت لا أنثني عنه للائمة ... واللَّوم عندي لناء عن هواه ثنى حتَّى يقولوا محبٌّ نال بغيته ... أو عاشقٌ صادقٌ في لحده دفنا وأنشدني الأمير أبو الحسن علي بن علي بن شماس؛ قال: أنشدني أبو الحسن بن البطريق لنفسه يمدح الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف/ 255 أ/- صاحب حلب- أول قصيدة: [من البسيط] الشَّام داري والأشجان بغداد ... في سرِّ وجدي في الأحيان إعلان وكلُّ يوم يوافي مؤذنٌ بنوّى ... كأنًّما هذه الأيَّام غربان يا صاحبيَّ قفا ثمَّ اسمعا خبراً ... من مستهام له عند الحمى شان يهزُّه الشَّوق والتذكار يطربه ... كأنَّه من مدام الوجد نشوان كانت له من جلابيب الصِّبا عددٌ ... ومن قلوب الحسان البيض أعوان إذا دعا اللَّهو نادته على عجل ... لبَّيك لبَّيك أترابٌ وأقران! نار القرى عنده بشرٌ ومن كرِّم ... حديثه وبنو الآداب ضيفان لا يسرج الهمُّ في أرجاء منزله ... كأنَّ منزله في الحسن بستان مكمَّل الوصف كالفردوس من دهر ... بكلِّ شيء شهيٍّ وهو رضوان راقت خلائقه للَّائذين به ... كأنَّه من سلاف وهو إنسان لباسه ثوب زهوٍ ليس يخلعه ... ومن لباس الخنا واللؤم عريان

يهوى الهوى والتَّصابي دينه وله ... إلى الحسَّان على الحالين إحسان كأنَّما عجنت بالمسك طينته ... فما يعنُّ له ما عاش سلوان يظنُّ من حسن ظنٍّ في تورُّده ... أنَّ الضَّلال جفاً والكفر هجران / 255 ب/ حتَّى رمى الدَّهر شملاً كان يألفه ... بالبين والبين للعشَّاق نيران فبات يجرع من كأس النَّوى غصصاً ... كأنًّما لذعها في القلب خرصان والدهر يخصمه من كلِّ ناحية ... وكلُّ إخوانه جاف وخوَّان جرح الزَّمان له في كلِّ جارحةً ... كأنَّه لسيوف الضَّيم أجفان وشرُّ ما فعل الدَّهر الخؤون به ... خموله وغياث الدِّين سلطان [442] عليُّ بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد زين الدين، أبو الحسن الكاتب الموصليُّ الشيبانيُّ. كتب الإنشاء بالموصل لأتابك نور الدين أبي الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي- (رضي الله عنه) - وبعده لولده الملك القاهر عزّ الدين مسعود- رحمه الله تعالى-. قرأ العربية والأدب على الشيخ أبي الحرم مكي بن ريان الماكسي، وسمع الحديث على الخطيب أبي الفضل عبد الله بن أحمد الطوسي. وكان حافظاً لكتاب الله تعالى، ولم يكن في وقته مثله في البلاغة والكتابة وسرعة الترسل/ 256 أ/ وحسن الخط. وكان عاقلاً رزيناً وجيهاً مقبولاً، وكان ينشئ الكتاب من خاطره بديهة، من غير أن يخلد فيه إلى التروّي والانفراد، غير محتفل بكلامه، ويكره أن يذاع عنه شيء من إنشائه لقلة اهتمامه به. كانت ولادته بعيد الستين والخمسمائة، ومات يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة

بقيت من رمضان بالموصل سنة ثلاث وعشرين وستمائة. ومن شعره في أتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود، وكان على ناحية كفر زمار من أعمال الموصل، سنة وفاة سنجر شاه غازي بن مودود- صاحب الجزيرة- وهي سنة خمس وستمائة، وكان السفير في إيصالها الملك الرحيم بدر الدين أبو الفضائل- أنفذ الله أمره- وهو مشدود إليه في الفترة، وقد اتفق في تلك السنة برد شديد، وهي منقولة من خط يده: [من المتقارب] أيا ملك الأرض يا ذا النَّوال ... ومن صوب راحته صائب ومن ظلُّه للورى شاملٌ ... ومن عزمه في الوغى ثاقب ومن جوده أبداً سائرٌ ... ومن جدهُّ للعلا غالب / 256 ب/ ومن بابه كعبةٌ للعفاة ... يطوف بأركانها الرَّاغب ومن هو في كلِّ أوقاته ... وهوبٌ إذا منع الواهب ومن لا يرى في جميع الأنام ... من فضله أبداً خائب ومن هو رماح للمكرمات ... ويهتزُّ إن أمَّه طالب ومن يكشف الضُّرَّ من مشتكيه ... إذا حزب المشتكي حازب جوادٌ إذا ما الأكف انقبض ... واخلف نواء النَّدى السَّاكب وبحرٌ على كرَّة الواردين ... لهم ليس ينقصه شارب أمولاي أشكو أشكة إليك الزَّمان ... فقد مسَّني برده النَّاصب رماني من قرِّه قارسٌ ... ومن ريح بلَّته حاصب وجاء بثلج غدا مفرق الثَّرى ... وهو من لونه شائب أظلُّ نهاري ذا رعدة ... كمن مسَّه نافضٌ صالب فحسِّي بجامده جامدٌ ... وجسمي لذائبه ذائب ودجله يجري هواها الشَّريف ... إلىَّ فلوني له شاحب وشمس النَّهار لنسج الضريب ... لم يبد من وجهها حاجب ولم أك ذا سفر في الشِّتاء ... ولكن أتى أمرك الواجب / 257 أ/ ولمَّا عجزت احتمالاً لما ... أعانيه وانقطع الغارب لجأت إلى من يجيب النِّداء ... إذا ما استغاث به الصَّاحب

فجد لي يا من عطاياه لا ... يقوم بأيسرها حاسب يفرُّ ويقبل ... الزَّمهرير ... فإنِّي إلى مثله راغب وإلاَّ أحلني على من له ... عليَّ يدٌ شكرها واجب . فتاك ونعم الفتى ... الكريم لشكر الورى كاسب به الدَّولة اكتسبت رونقاً ... وعاد به نورها الغائب وعمَّ بإحسانه فالقلوب ... له نحو طاعته جاذب لقد شمت منه الحسام الَّذي ... شباه لهام العدا ضارب وقدَّمت منه فتّى كاملاً ... سجاياه ليس لها عائب حجاه يبذُّ عقول الكهول ... ويسبقها فمه الثَّاقب وكنت على الرَّأي فيما دخلت ... فيا حبَّذا رأيك الصَّائب حباني بدهماء تسمو الجياد ... إذا ما امتطى ظهرها الرَّاكب وأخجلني فرط إحسانه ... فشكري له أبداً راتب ولكنَّه في فعال الجميل ... على نهج مالكه ذاهب / 257 ب/ فإن جدتما لي سريعاً بها ... وإلاَّ فقد هلك الكاتب فبينكما لا يخيب الرَّجاء ... ولا يحرم الأمل الرَّاغب فلازلتماه ما أهلَّ الهلال ... وما فاه في مجمع خاطب وأنشدني أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الموصلي؛ قال: أنشدني عمي لنفسه هذه الأبيات، قالها ارتجالاً في داره التي بناها متجددةً، وأمر أن تكتب فيها: [من البسيط] يا دار قابلك الإقبال متَّصلاً ... بالسَّعد واليمن والتَّأييد والظفر وواجهتك وجوه العزِّ مسفرةً ... في نعمة وسرور مونق الزَّهر ولا عدا الخير مغناك الأنيس ولا ... زالت ربوعك في أمن من الغير ودام ريعك معموراً بساكنه ... في ظلِّ عيش رغيد ناعم نضر ما غرَّدت في ذرى الأغصان ساجعةٌ ... وما استمرَّ طلوع الشِّمس والقمر ومن كلامه المنثور، فأنني رأيت منه رسالتين، ولم يدون له شيء لقلّة اهتمامه، فالتقطت شيئاً يسيراً.

/ 258 أ/ حدثني المولى الأمير الكبير العالم ركن الدين أبو شجاع أحمد بن قرطاباً- أدام الله علوه- قال: لمّا كنت بالموصل مقيماً؛ كتبت إلى الأجل شمس الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد عبد الكريم الموصلي الكاتب، وكان بيننا صحبة متأكدة، وهو يومئذ يتولى الكتابة الإنشائية في أيام الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه- رحمة الله تعالى- ألتمس منه ما تيسر من ترسله. وكان- رحمه الله- لا يثبت شيئاً من كلامه ويدونه، لاحتقاره عنده، وقلّة مبالاته به؛ فكتب إلى رقعة يعتذر فيها بقلّة اكتراثه بهذا الشأن، من ذلك قوله من فصل: ((أدام الله على الأولياء فيض نعمه، وأمدّهم بسيب جوده وكرمه، ومتعهم بالإنعام من يده وقلمه، ووفقهم لما يصرف فيه من خدمه)). / 258 ب/ ومنها: ((وليس كلام المملوك مما يدّون ويسطر، ولا مما يعدّ ويذكر، لارتجاله من غير رؤيّة، لسرعة المهام السلطانية، فصار ذلك عادةً معروفة، وسنّة مألوفة، فمتى أبطأ ولو بقدر فواقٍ، أسرع إليه اللوم والإزهاق، وإذا وجد المولى الدرّ فلا حاجة إلى الصدف. وكلام الفاضل- رحمه الله- يشهد بفضله كل من عرف، وبه ختم هذا العلم فلا يرى له خلف)). قال: ثم سيّر إلى مجلدة من رسائل القاضي- رحمه الله-. وله من كتاب، كتبه إلى بدر الدين لؤلؤ، وهو يومئذ يحاصر قلعة الشوش؛ وكان قد ترك الخدمة البدرية، وانقطع في منزله، يستأذن فيه إلى الحج، ويعرض فيها بنوع من النعت وهو ومنه: ((وهو ذاك المملوك الصادق أن ذكر أوسى، والمخلص في في الولاء إن أحسن إليه أو أسا، وحاشا مولانا من الإساءة وطبعه الإحسان، ولكن عادة المماليك في الخطأ والنسيان، طمعاً في الحلم الذي ليس له فيه ثان، وهكذا الناس مرزوق ومحروم)). / 259 أ/ وله جواب رقعة وردت إليه من بعض أصدقائه.

((وقف على هذه المشرفة الكريمة، بعد أن قبلها ألفاً لا عشراً، ونثر عليها ثناءً لا تبرأ، وقابل ما ضمنته من الإنعام بالدعاء، وما حوته من الإيعار بالاحتذاء، وأما ما ذكره في معنى الكتابة، فأي كتابة ترضيه، وأي عبارة تزف إلى ناديه، وهل البلاغة إلَّا معنى من معانيه)). [443] عليُّ بن أيبك بن عبد الله، أبو الحسن التركيُّ الأسديُّ. كان والده يعرف بالجاولي الكبير، وكان مولى أسد الدين أبي الحارث شيركوه بن شاذي- صاحب حمص-. وأبو الحسن كان مولده مصر وبها كان منشأة؛ وكان أثيراً مقدماً في خدمة الملك العادل سيف الدين بن أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي- رضي الله عنه- وبعده خدم لولده الملك الكامل ناصر الدين بن أبي المعالي محمد. ثم فارق خدمته، وخدم مع الملك المنصور أبي المعالي محمد بن عمر بن شاهنشاه- صاحب حماة- ثم سافر في النجدة / 259 ب/ إلى دمياط، فاجتمع بالملك المعظّم شرف الدين عيسى بن العادل، فاستماله بعد امتحانه ومنادمته له؛ فوعده الرحلة إليه، فلما عاد كل منهما إلى دمشق، خرج من حماة مهاجراً إلى الملك المعظّم مستخفياً من الملك المنصور بعد أن قدّم حريمه أمامه، وخرج في جملة مماليكه وحاشيته. وبلغ الملك المنصور خروجه فسَّير وراءه جيشاً عظيماً في مقدمته البراطسة، وراموا ردّه فما استطاعوا، وأعادهم إلى حماة منكسرين. وقدم دمشق واتصل بمليكها الملك المعظم، ونال عنده المنزلة الرفيعة، والمقام الأسنى، ولم يزل في خدمته إلى أن توفي سنة تسع عشرة وستمائة. وكان ذا شجاعة وفروسية، مقدامً شهماً فصيحاً شاعراً جواد البنان، جريء الجنان، مليح الخطّ، جيد المنظوم، حسن المنثور، عارفاً بدقائق الأمور، حسن المحاضرة، لذيذ المحاورة. أنشدني الحسن بن محمد بن علي بن الحسين الحسيني العبيدلي؛ قال: أنشدني الأمير أبو الحسن لنفسه: [من الكامل]

أملكت رقَّي أم عليك ضماني ... دع شأن من سلب الرُّقاد وشاني أو ما علمت بأنَّني لعواذلي ... في حبَّه إذ عنَّفوني شاني / 260 أ/ أنا في بحار دلاله وملاله ... ظهرت عليَّ من الغرام شواني ولقد رجوت بأن يبرَّد وصله ... ناراً بقلبي من جوى فشواني رشا تلفَّت عن وصالي معرضاً ... تيهاً وعاد على تلافي جاني شيئان فيه تجمَّعا وتباينا ... جسدٌ كماء ضمَّ معدن جان قسماً بماء فتور مقلته الَّتي ... سلبت لذيذ الغمض منذ جفاني ويعين عقرب صدغه وعذاره ... إذ خطَّ لا ما فوق أحمر قان وبخال خدٍّ خدَّ قلبي حسنه ... وبثاء ثغرٍ أشنب كجمان ويجيد جيد وجدانه هو جيده ... لا جيد عفر جواري الغزلان لم أحذف السُّلوان كنه خواطري ... ولئن ختتت لقيت جور زماني وأنشدني؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه: [من الطويل] خليليَّ ما شان الوشاة وشاني ... وقد أقرحت سحب المدامع شاني ألم ترياني من ضنيً وصبابة ... إذا رمتما مرآي لم ترياني خذا بدمي ريماً بسهمي لواحظ ... رنت عن قسيٍّ الحاجبين رماني له قامة كالرمح في يد نابلٌ ... لها طرفه الوسنان حدُّ سنان علا نار خدَّيه دخان عذاره ... ولست ترى ناراً بغير دخَّان / 260 ب/ لقد فتكت في النَّاس شامة خده ... بكلِّ شامي وكلِّ يماني جفا إذ جفا جفنيَّ نومي وقلبي الهدوُّ وصبري كالسُّلوِّ عصاني ومعتدل جار على الجور كلَّما ... تثنَّى ورمت الصَّبر عنه ثناني ومنها قوله: فللَّه وصلٌ لذَّ طيباً كأنَّه ... خيالٌ سرى أو خاطرات أماني وليلة وصل بات مظلمها ضحى ... بقرب حبيب بالوصال حباني ضممت وقد عانقته الغصن يانعاً ... وقبَّلت ورد الآس ورد جنان وبتنا على رغم الحسود يضمُّنا ... عفافٌ وشوقٌ ليس يفترقان أقبِّل منه الثَّغر أبيض ناصعاً ... وأجري على خدَّيَّ أحمر قاني

ولم يك إلَّا خيفةٌ من فراقه ... فإنَّ اللَّيالي جمَّة الحدثان وقال وقد حضر مجلس الملك المعظم شرف الدين عيسى بن صاحب دمشق؛ وغنّى المغني: أصل تلافي من تلافيكم وأشار الملك المعظم إلى أبي الحسن أن يعمل/ 261 أ/ على وزنه ورويّه؛ فقال ارتجالاً: [من السريع] أصل بلائي من تنائيكم ... وكلُّ وجدي من تجافيكم فعلِّموني كيف أسلو الهوى ... أم كيف أدري إذا أداريكم ضاع فؤادي بين أظعانكم ... لمَّا حدا للعيس حاديكم وعدت لا أعرف طعم الكرى ... للنَّاس أدعى وأراعكيم يا سادتي عودوا على مدنف ... في طول ذا اللَّيل يناديكم هجرتموه بعد وصل فكان العرس منكم والعزا فيكم ولم يكن هجركم هكذا ... إلَّا بأقوال أدانيكم فالآن قد عدت بكم منشداً ... أصل تلافي في تلافيكم وأينما كنتم فلي عندكم ... قلبٌ طريحٌ بين أيديكم فعذبوه وأنعموه فقد ... أصبح يهواكم ويأويكم [444] عليُّ بن محمدَّ بن محمود بن .......... ، أبو الحسن الكوفيُّ المخزوميُّ. ويعرف بالكوفة بابن حبانة، المقيم برأس عين صاحب الديوان؛ بها خدم الملك/ 261 ب/ الأشرف موسى بن الملك العادل أبي بكر. وهو شاعر ذو أخلاق دمثة، وغريزة في النظم منبعثة، لذيذ المحاضرة، طيب المعاشرة؛ وقدم ماردين رسولاً، فأخذه وحبسه، فبقى بالحبس مدّة، وتوفي معتقلاً في أواخر تسع وثلاثين وستمائة.

ومن شعره وقد أضافه أبو الحسن علي بن عدلان الموصلي النحوي، وأوقد بين يديه شمعة فداعبه علي بن محمد بن محمود، فأطفأها علي بن عدلان، ثم أشعلها علي بن محمد من غير حضوره؛ فلما رآها ابن عدلان قال على طريق الانبساط لعليّ بن محمد ولأبي بكر بن أبي النجم الجزري الشاعر: ما تستاهلان أن يوقد عليكما إلا مشعل فارتجل علي بن محمد، وأنشد بديهة: [من البسيط] داعبت وهنا فتى عدلان معتمداً ... إيقاد شمعته لمّا دجا الغسق فاصفرَّ ثمَّ انثنى بالغيظ مشتعلاً ... وأقبل الدَّمع من عينيه يستبق نحلته شمعة أخرى فأقسم لو ... لم أبلِّغها كدت بالأنفاس احترق وله وقد وصل إلى الملك الرحيم بدر الدين عضد الإسلام أبي الفضائل/ 262 أ/ غرس أمير المؤمنين- خلد الله ملكه- خلعةٌ صفراء من السلطان الملك الأشرف وذكر إنها كانت قبل ذلك على السلطان الملك الكامل ناصر الدين أبي المعالي محمد، وذلك عقيب فتح دمياط، واتفق بالقرب من ذلك وفاة الملك الصالح أبي الفتح محمود ابن محمد- صاحب آمد- فقد بديهة: [من الطويل] أطاعك ما تحت المجرَّة صاغراً ... ودانت لك الدُّنيا وهانت صعابها ووافتك أثواب الجهاد غبارها ... شفاءٌ وذخرٌ في المعاد ثوابها حياً أشرفياً كاملياً وفت به ... مودَّات صدق لا يخاف انقضابها كست أوجه الحسَّاد صفرة لونها ... وأبعدهم بالسُّحق عنك اقترابها لوى فتح دمياط الأعادي فبعضها ... قضى نحبه والبعض ذلَّت رقابها وله من أبيات يهجو بها ابن صباح الشاعر: [من البسيط] والأخرق ابن صباح إن تعرَّض لي ... فإنَّما قاتلاه العي والحمق مثل الفراشة تلقيها جهالتها ... إلى السِّراج لتطفيه فتحترق وأنشدني أبو محمد عبد الرازق/ 262 ب/ ابن رزق الله الرسعنيّ المحدث؛ قال: أنشدني أبو الحسن الكوفي لنفسه، في إنسان كان له يقطينة مزوّقة فسرقت منه، وكان يلقب بالرضيّ: [من الخفيف] صفعت قَّرعة الرَّضيِّ فأضحى ... ذا غرامٍ لفقدها وحنين

ومشقٌّ فقد الشَّقيق فقوموا ... لنعزِّي اليقطين باليقطين وأنشدني؛ قال: أنشدني في إنسان يعرف بابن كروَّس، كان يخدم مع أمير يقال له سنجر، فبعثه ليقبض دخله من الغلات، فأنفق ذلك على مغنية تعرف بسنبلة: [من مجزوء الرجز] إنَّ فتى كروَّس ... حبَّ الفتاةً بلبله ويدَّعي الفهم ومّا ... لديه فهمٌ بل بله باع غلال سنجر ... جميعها بسنبله وأنشدني غازي بن محمود الإربلي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن محمد الكوفي/ 263 أ/ لنفسه من أبيات: [من البسيط] رقَّ النَّسيم ووجه الصُّبح مستتر ... فسَّقِّني والدُّجى قد كاد ينحسر والجوُّ ارقَّط والأفلاك مسفرةٌ ... والبدر في الأسر للإشراق ينتظر كأنَّه ديدبان الجيش والشُّهب الفرسان منجدلٌ هذا ومنعفر أو روضةٌ غضَّة الأزهار قابلها ... زهر الرُّبى فكلاها أنجمٌ زهر فاترع قنانيك والكاسات وأمل وخذ ... عمراً فإنِّي أخشى ينفد العمر أما ترى الدَّوح قد غنَّت بلابله ... كأنَّما كلُّ غضنٍ فوقه وتر ومنها يقول: فسقِّني من يدي شاد معتَّقة ... تكاد من ريقه في الكأس تنعصر مقرطقٌ يبتدي بدراً على غصن ... وينثني سمهرياً فوقه قمر إذا انثننى فقناه القدِّ مشرعةٌ ... وإذ دنا فحسام اللَّحظ مشتهر يسعى إلىَّ بكاسات إذا لثمت ... وثغره هان ألَّا يلثم الحجر وأنشدني؛ قال: أنشدني نفسه: [من الكامل] كم لي بمنعرج اللِّوى من موقفٍ ... أذري المدامع فيه كالمتأسِّف وأهزُّ أعطاف الغرام تثنِّياً ... فكأنَّني ثملٌ بخمرة قرقف / 263 ب/ ويهزني طربٌ إلى غيد القنا ... من كلِّ عسال القوام مهفهف حدثني القاضي أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة بحلب- أيده الله- قال

أبو الحسن علي بن محمد بن محمود البغدادي الشاعر؛ نزيل رأس عين، شاعر مجيد فاضل حسن المذاكرة. أخبرني أنه قدم حلب مراراً، واجتمعت به بسنجار في سنة أربع وعشرين وستمائة، وكان في أوتل مرّة قريباً من الملك الأشرف، وكان ينفذه في رسائل، ولما اجتمعت به كانت أحواله قد تناقضت عنده؛ فمما أنشدني لنفسه، وذكر أنه اقترح عليه أن يعمل في وصف الحماحم بالموصل، فسألهم في أي وزن يريدزن. وكان في وليمة؛ فقالوا: في الوزن الذي يغني به المغني؛ فقال: فغنى المغني أبياتاً منه: باكر صبوحك يا نديمي ... ...... ...... ...... ومهفهف في وجهه ... جيشان من زنجٍ وورم فقال: [من مجزوء الكامل] باكر صبوحك يا نديمي ... ورم الحياة بكفِّ ريم في مجلس خضل النَّبا ... ت يرقُّ من ماء النَّعيم / 264 أ/ حلب الكروم غذاء ذاك ... النَّبت لا حلب الغيوم وحماحمٌ كأسنَّة ... في كلِّ معتدل قويم طعنت قلوب وشاتنا ... فتخضَّبت بدِّم الهموم أو أنجمٌ بزغت لتحرق ... كلَّ شيطان رجيم أو مثل أعراف الدّيوك ... لدى مبارزة الخضوم أو كالشَّقيق تحرَّشت ... بفروعه أيدي النَّسيم أو ثاكلٌ صبغت بناناً ... من دم الخدَّ اللَّطيم وسقاتنا كأهلَّه ... حملت شموساً في نجوم من كلِّ ذي دلِّ رخيم ... غير ذي قلب رحيم طفلٌ يجور على النَّدامى ... جور محتنك عليم فراهم صرعى الكؤوس ... بكفِّ لقمان الحكيم فيه نضلُّ ونهتدي ... بالفرع والوجه الوسيم

والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم قال: وأنشدني لنفسه في المروحة: [من الطويل] / 264 ب/ وذات جناحٍ خافق وهي تنتمي ... إلى حسبٍ زاكي الفروع أصيل تطير فلا تنأى وتطلّب قربها ... لبرد غليل أو لبرء عليل لها يقظةٌ عند المقيل وهبَّةٌ ... ورقدتها في بكرةٍ وأصيل قال: وأنشدني لنفسه في القلم: [من البسيط] وذابل العطف مهزول يرى أبداً ... ميتاً ولكنَّه يحيى إذا ذبحا شرباه ماءٌ قراحٌ سلسلٍ ودمٌ ... طوراً وينتج في الوقت الَّذي نكحا قال: وأنشدني لنفسه يصف قلماً من قصيدة: [من الطويل] وفي الكفِّ ظام شربه من سجالها ... ومن عجب ظام غزير المشارب نحيفٌ ولكن طالما دقَّ في الوغى ... صدور العوالي في صدور الكتائب علته القنا في غابها وتعصَّبت ... وطالت وتاهت وازدهت بالعصائب فجاملها حتَّى رماها بحاطم ... فقصَّدها حتَّى رماها بحاطب فآونةً يسقي العفاة بعارضٍ ... وآونةً يرمي الطُّغاة بحاصب [445] عليُّ بن يوسف بن أحمد/ 265 أ/ بن محمّد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن جعفرٍ، أبو الفضائل الواسطي، المعروف بابن الآمدي. كان يتولى قضاء واسط وأعمالها ونواحيها في عهد الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رضي الله عنه-. وكان فقيهاً شافعياً عارفاً بالعربية، وفنون الشعر، وأحكام القضاء، وكان نعم

الرجل ديناً عقلاً وعلماً وفضلاً؛ وتوفي في شهر ربيع الأول سنة ثمان وستمائة. ساق أبو عبد الله الدبيثي ذكره في مذيله؛ وقال من بيت معروف بواسط بالصلاح والرواية للحديث والعدالة، قدم بغداد وأقام بها مدة متفقهاً على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه- على الشيخ أبي طالب بن [المبارك بن المبارك صاحب] ابن الخل، ثم بعده على أبي القاسم يعيش بن صدقة الفراتي، أعاد له درسه بالمدرسة الثقتية بباب الأزج. وكان حسن الكلام في المناظرة، سمع الحديث بواسط من أبي الحسن علي بن المبارك بن الحسن بن الخلال، وببغداد من شيخه أبي طالب بن الخل وأبي القاسم الفراتي. وتولّى القضاء بواسط في أواخر صف/ 265 ب/ سنة أربع وستمائة، وصار إليها في ربيع الأول من السنة المذكورة، وأضيف إليه إنهاء الأشراف بالأعمال الواسيطة؛ وكان له شعر ومعرفة بالحساب، ولم يزل على ولايته إلى أن توفي ليلة الاثنين ثالث شهر ربيع الأول سنة ثمان وستمائة؛ ودفن من ذلك اليوم عند أبيه وأهله ظاهر البلد؛ وكان مولده في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وخمسين وخمسمائة. هذا آخر كلام أبي عبد الله الدبيثي. ومن الشعر ينسب إليه، وهو مشتهر يغني به القوالون والمغنون، وسار العالم هذه القصيدة الغزلة الهائية: [من الكامل] آهاله ذكر الحمى فتأوَّها ... ودعا به داعي الهوى فتولَّها هاجت بلابله البلابل فانثنت ... أشجانه تنهي عن الحلم النُّهى فبكى أسى وشكى جوى وتنبَّه الوجد القديم ولم يزل متنبِّهاً قالوا: وهي جلداً ولو علق الهوى ... بيلملمٍ يوماً تأوَّه أو وهى

يا عتبُ لا عتبٌ عليك فسامحي ... وصلي فقد بلغ السَّقام المنتهى عذل العذول على هواك فما اعورى ... ونهاه فيك اللَّائمون وما انتهى قالوا اشتهاك وقد رآك مليحةً ... عجباً وأيُّ مليحة لا تشتهى / 266 أ/ علَّمت بأنَّ الجزع ميل غصونه ... لما خطرت عليه غي حلل البها ومنحت غنج اللَّحظ غزلان النَّقا ... فبدا أحسن ما ترى عين المها لولا دلالك لم أبت متقسِّم الأفكار مسلوب الرُّقاد مدلَّها أنا أعشق العشَّاق فيك فليس لي ... شبهٌ ولا لك في الملاحة مشبهاً لا تكرهوه على السُّلو فطائعاً ... حمل الغرام فكيف يسلو مكرهاً وحدثني أبو الفرج محمد بن بدر بن الحسن بن السمين البصري؛ قال: حضر عند القاضي أبي الفضائل بن الآمدي، امرأةً وزوجها يحتكمان؛ فطلبت المرأة الطلاق، فخيّره على طلاقها بما اقتضاه الحكم الشرعي؛ فامتنع الرجل من الطلاق وأبى، فأمر القاضي بحبسه، فذهبوا به ليجسوه، فحين وصل بعض طريق الحبس، سأل الرجل العود إلى القاضي، فعاد إليه، وحضر بين يديه؛ فقال له القاضي: ما بك؟ فقال: يا قاضي المسلمين كيف يحسن بك أن تأمر بحبسي وتكرهني [على] الطلاق؟ ألست القائل؟ : [من الكامل] / 266 ب/ لا تكرهوه على السُّلوِّ فطائعاً ... حمل الغرام فكيف يسلو مكرهاً فقال له القاضي: نعم أنا قلت ذلك؛ فأمر له بعشرين ديناراً من ساعته، وأصلح بينه وبين زوجته، وصرفهما وهما راضيان. ومن شعره يلغز: [من الطويل] كلفت بظبي غرَّه حين أغراه ... سوادٌ تبدَّا في بياض محيَّاه غزالٌ كبدر التَّم ليلة تمِّه ... رمى مقتلي عمداً ولم يخط مرماه هلالٌ على غصن يميس وينثني ... كما اهتَّز بانٌ حين يهتزُّ عطفاه ومن أين للغصن الرَّطيب قوامه ... ومن أين للبدر المنير ثناياه يبيح دمي عمداً وأكره أنَّني ... أبوح به بل استلدُّ بذكراه فأوضح ما أخفيت غير مصرَّحٍ ... يبين لأهل الفضل لا شكَّ معناه

فربَّع اسمه مال ....... ولجذره ... ومثلاه نصف الجذر فاثبته وأقراه وثانيه ربع الاسم مع نصف ثمنه ... مضافٌ إلى ما نحن من قبل قلناه تجده رباعياً يساوي لجذره ... وثالثه حرفٌ يماثل مبداه ورابعه وهو الأخير لاسمه ... إذا انزاح منه خمسة فهو ثمناه [446] عليُّ بن أبي غالب/ 267 أ/ بن أحمد بن عمرو بن المفرج بن عطاء الله الربعيُّ، أبو الحسين السَّلَّاميُّ الموصليُّ، المعروفٌ بابن شيخ السَّلَّاميّة. هي قرية تحت الموصل بأربعة فراسخ بجانبها الشرقي؛ وسلف أبي الحسن كانوا رؤساءها ومشايخها؛ وهم بيت مشهور بالرئاسة. وسافر أبو الحسن إلى بخاري وسمرقند والشام والعراق وديار مصر؛ وكان جليلاً رئيساً متمولاً ذا يسار ونعمة واسعة، فيه أريحية ومروءة، وله نظم ونثر. ورأيت من إنشائه مقامة هجا بها قاضي إربل وتنتَّزه فيها تنتيراً قبيحاً؛ وكانت وفاته بالسلامية سنة تسع عشرة وستمائة. أنشدني معتوق بن المفرّج بن عمرو السلامي؛ قال: أنشدني ابن عمِّي لنفسه: [من الطويل] سرى طيفها خلسا وقد غوَّر النَّسر ... قد غابت الجوزاء وابتسم الفجر فحيَّا محبّاً بات من لوعه الهوى ... يقلقله ذكرٌ ويقلقه فكر وأنَّى اهتدى واللَّيل ملق جرانه ... وقد حال فيما بيننا المهمه القفر يزوِّر لي أنَّ الحبيب بزورني ... وهيهات إنَّ الوصل من طيفها هجر أتسمح لي بالوصل والرَّمل دونها ... ألا إنَّ هذا العرف من وصلها نكر / 367 ب/ تصدُّ وتجفو والدِّيار قريبةٌ ... وتدنو دوني البحر واللَّجج الخضر مهفهفةٌ كالغضن هبَّت به الصَّبا ... سحيراً وكالسَّكر إن مال به الخمر

يجول وشاحاها وما جال حجلها ... وتشكو إلينا النُّطق ما ضمَّت الأزر لها الدُّرُّ ثغرٌ وهو عقدٌ لنحرها ... فواعجبًا من ثغرها قلِّد النَّحر إذا سربت في السِّرب والسِّرب كالدُّمى ... فهنَّ نجومٌ وهي ما بينهم بدر تجرِّعني السُّمَّ الزُّعاف تذلُّلاً ... وتعجب من صبري وقد نفد الصَّبر تعلَّقتها بكر الصَّبابة والصِّبا ... وقد شاب رأسي والغرام بها بكر فيا عاذلي في الوجد لو كنت شاهداً ... عذرت فتّى في الحبِّ ليس له عذر ولو عاينت عيناك تمثال دمية ... سجدت وإن كان السُّجود لها الكفر فدعني ووجدي والغرام وإنَّما ... تعاتب جلموداً وهل يسمع الصَّخر خلقت قذى عين الحسود لحبِّها ... وإنِّي لفي حلق العدوِّ شجاً مرُّ ومنها: وكم مهمة في جنح ليل قطعته ... إليها ولم يكتب عليَّ به وزر بناجية كالنَّجم عند انقضاضه ... إذا وخدت فالميل في خطوها فتر ومثلي لا يعبث بسوء إذا خلا ... ولا تطبيه الكاعب الرُّود يا نصر / 268 أ/ أنا ابن السُّراة الغرِّ من فرع خندف ... بجدِّي أبي العباس يفتخر الفخر هو الطَّاعم المطعان في حومه الوغى ... إذا اغبرُّت الآفاق واحتبس القطر بنا يعرف المعروف والبأس والنَّدى ... ويعزى إلينا الجود والحمد والشُّكر إذا ناب دهرٌ فادع يوسف إنَّه ... إذا ناب دهرٌ خاف من بأسه الدَّهر وإن جاد أروى غلَّة الفقر سيبه ... وإن صال فهو اللَّيث والغيث والبحر يعمُّ الآقاصي والآداني نواله ... ويسري إلى الآفاق نائله الغمر فتّى ذكره في الشَّرق والغرب سائرٌ ... كما سارت الشَّمس المنيرة والبدر وأقلامه تغني عن البيض والقنا ... ويكفي لقاء الجيش من خطِّه سطر ونهَّاب أعمار الأعادي محمَّدٌ ... ووهَّاب ما أبقاه من تالد عمرو وهازم أزمات الزَّمان بجوده ... إذا صرَّت الخضراء وامتنع الدَّرُّ وإن أمَّه ذو حاجة وهو مدقعٌ ... نأى فقرة بالجود وارتحل العسر فمن شاء فليفخر بعزَّ ورفعه ... فنحن الَّذي ذلَّت لنا الأنجم الزُّهر أيطمع في إدراك شأوي مقصِّرٌ ... جهولٌ له في جهله والخنا ذكر

له عن سبيل المكرمات زواجرٌ ... من اللُّؤم لا حمدٌ لديها ولا شكر وهيهات لم يبلغ مداى مقصِّرٌ ... إذا قال شعراً ...... في شعره الشعر / 268 ب/ ومازال شعري في البلاد مسافراً ... يروح به ركبٌ ويغدو به سفر وينشده الرَّؤوان شرقاً ومغرباً ... وينشده بدوٌ ويشدو به حضر أغوص على درِّ البيان فأجتني ... وأنظمة شعراً كما نظم الدُّرُّ فكيف يناصي النَّجم يا نصر جاهلٌ ... تساوى لديه القطر والتِّبر والصُّفر سأجلو على الرَّاوين كلَّ قصيدة ... هي السِّحر لا بل إنَّ ألفاظها السِّحر إذا أنشدت أضحى حسودي صاغراً ... لديها وألحاظٌ العدا دونها خزر ونقلت من خطه قوله وهو مما قاله ............ ، وحرره بالموصل عند عوده إليها في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة: [من الطويل] إذا هبَّ من أرض الحجاز نسيم ... أبلَّ من الدَّاء العضال سقيم وأطلق مأسوراً يبيت من الجوى ... يقلقله شوقٌ الدُّ خصيم وبرَّد ناراً في الحشا مستكنَّة ... لها بين قلبي والشَّغاف جحيم أحنُّ إلى أرض الحجاز ودونها ... مهامه دهسٌ أفقرت وحزوم ومنها: فهيهات نجدٌ أين نجدٌ وأهلها ... وهيهات يشفى بالرُّقاة سليم [447] / 269 أ/ عليُّ بن الحسين بن عليُّ بن القاسم بن المظفر بن عليٍّ الشهزوريُّ، أبو الحسن بن أبي عليٍّ الموصليُّ. قاضي الموصل. من بيت الرئاسة والعلم؛ كان فصيحاً بارعاً ديناً خيراً سليم الجانب، مشهور [اً] بالديانة، وسلامة الجانب، كثير الخير والصلاح. سمع عمّه أبا بكر محمد بن القاسم الشهرزوري قاضي الخافقين، والقاضي تاج الإسلام أبا عبد الله الحسن بن نصر بن خميس الجهني الموصلي، والوزير أبا المظفر

يحيى بن محمد بن هبيرة وغيرهم. وكانت وفاته في رابع المحرم في سنة إحدى وستمائة؛ وصلىّ عليه بظاهر باب الميدان، ودفن بتربتهم من صحراء المعافى بن عمران- رضي الله عنه-. نقلت من خط يده وشعره يمدح أتابك نور الدين أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي- رضي الله عنه- ويرثى والده أتابك عز الدين مسعوداً- رضي الله عنه-[من الكامل] جار الزَّمان قلَّ منه ناصري ... فمن المجير من الزَّمان الجائر أبداً أغصُّ من الزَّمان بجوره ... أفما لأوَّل جوره من آخر / 269 ب/ هيهات لا برد الغليل وقد ثوى ... من كان من عددي وخير ذخائري ملكٌ قضى فارتجًّت الدُّنيا له ... فكأنَّما ركبت جناحي طائر أضحى وحيداً في التُّراب كأنَّه ... ما سار بين مواكب وعساكر إن كان عزُّ الدِّين غاب فما خبت ... أنوار ذا القمر المنير الزَّاهر أو كان ذاك السَّيف فلَّ فما نبا ... الحدَّان من هذا الحسام الباتر أو كان ذاك البحر غاض فما رقا ... ما فاض من هذا الغمام الماطر مولاي نور الدِّين عشت مسلِّماً ... في ظلِّ مملكة وعزِّ قاهر ملكٌ تشرَّفت القضاة بذكره ... وثناه بين محافل ومنابر لم يخل يوماً منبرٌ من خاطب ... يثني عليه ومحفلٌ من ذاكر فالنَّاس كلُّهم بطيب ثنائه ... وبشكره من ناظم أو ناثر فهو الَّذي شمل الأنام بعدله ... من بين باد منهم أو حاضر ما للكسير إذا استغاث بجوده ... بين البريَّة غيره من جابر فاسمع مقالة شهرزوريِّ غداً ... يربي على العلما بفضل باهر أفديك نور الدِّين ليس بخاطر ... ما عشت ذكر سواكم من خاطري واسعد بمقدمك المعظَّم سعده ... ....... الممالك كابراً عن كابر / 270 أ/ وافعل كما فعل المقدَّس روحه ... في حقِّ داع حامد أو شاكر وانعم بتحقيق الوعود وكن لنا ... عوناً على نوب الزَّمان الغادر وانظر لنجلي عبدك الدَّاعي الَّذي ... يدعو إذا رقدت عيون السَّاهر

يثنى على أوصاف مجدك مطنباً ... ما بين دانٍ واردٍ أو صادر لا تتركنِّي في بلادك ضائعاً ... وانظر إلىَّ بباطن أو ظاهر فتأخُّري لتألُّمي وتظلُّمني ... ولضيق ذات يدي وقلَّة ناصري قد كان والدك السَّعيد معظِّماً ... قدري ومعترفاً بفضلي السَّائر فاسمح وجد وانعم فصبري نافدٌ ... والله قد أوصى بحقِّ الصَّابر واسلم ودم في نعمة وسلامة ... وجلالةٍ سامي الأوامر فوق كلِّ أوامر [448] عليُّ بن محمَّد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن يوسف بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن سهم- من ولد عمرو بن العاص- القرشيُّ ثم السهميُّ، أبو الحسن بن أبي عبد الله، شهر بابن البيّانيّ الغرناطيّ الأندلسيّ. شاعر من الفضلاء. أنشدني أبو الفتح محمد بن بدر التبريزي- رحمه الله تعالى- قال: / 270 ب/ أنشدني أو الحسن بن البيّاني لنفسه بإربل، قدمها في العشر الأولى من شعبان سنة ثلاثين وستمائة؛ مجتازاً إلى دار السلام؛ يمدح مولانا وسيدنا الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور- رضي الله عنه-: [من الكامل] حرم الخلافة قصد كلِّ ميمِّم ... ومحل موثوق العقيدة مسلم شرفت قواعده فبان سماكنا ... في جوِّ قبَّة سمكه كالدِّرهم وكأنَّما العافي الملمُّ ببابه ... يخطو إليه على جبين المرزم دمنٌ سمت شرفاً مساكن أفقهاً ... من آل أحمد سرِّ صفوة آدم أسنى الخلائف والخلائق محتداً ... وأجلهم ذكراً لدى نطق الفم مستنصرٌ بالله في أفعاله ... ماضي العزيمة في المهمِّ المبرم دار السلام لقاصديها قبلةٌ ... كالبيت من ...... يحجُّ ويخدم شهدت ببهجتها به أمُّ القرى ... أو حلَّها فرهت بأشرف مبسم والبيت يشهد بالفخار ... ثمَّ المقام مع الحطيم وزمزم

وكذا المشاعر لم يزل يتلو بها ... آي المآثر كلُّ أشعت محرم فيكم بني العبَّاس عصمة ديننا ... في عصرنا دار الزَّمان الأقدم / 271 أ/ أنتم خلائف ربِّنا في أرضه ... طرّاً ومن يأبى فليس بمسلم وبفضلكم نطق الكتاب لأنَّكم ... آل النَّبي وفخركم لم يكلم وإذا امروٌ جارت به سبل الهوى ... عن قصدكم يدعى بأجهل مجرم فإذا استتيب فتاب كان مؤمَّناً ... وإذا أبى فمثابه سفك الدمًّ إمام أهل الأرض بلِّغت المنى ... فمغرِّبٌ في طوعكم كالمشئم وبلاد أندلسٍ أديلت دولةً ... لكم ببيعة مخلصٍ لم تكتم شبَّ الوليد بها سروراً واكتست ... شرخ الشَّباب الشِّيب للمتوسِّم فثغورها افترَّت لطاعة أهلها ... لله ثمَّ لكم بصدق مسلِّم تبدو ...... خوارج قد اثقلت ... منهم ظهوراً بالنِّفاق المؤلم واستبشروا بكمال نعمة دينهم ... ونعيم دنياهم وفيض الأنعم ومليكهم سبعٌ بن هود مالكٌ ... منهم أزمَّة طاعة لم ..... ملكٌ بكم ملكت يداه مناقلاً ... بعدت عن الفتح الشِّداد الحوَّم فأزارها أسداً وكان شعاركم ... خيلاً لها تحت العجاج الأقتم وسما إليها بالسَّوابق شزَّباً ... تردي بكلِّ مدجَّج مستلئم وأذاقها صدق الطِّعان فأذعنت ... بالطَّوع دون مهنَّد ومقوَّم / 271 ب/ يطوي البلاد بجحفل خلق الملا عن نحره الطَّامي العباب الخضرم خفقت بنود سعودكم فيه على ... أعدائكم فاستسلموا للمغنم ولقد غزا أرض الفرنج بعصة ... فطرت على دين النَّبيِّ الأقوم فإمامهم مستنصرٌ ومليكهم ... متوكلٌ يا نصرهم لا تعدم وإذا هم أمُّوا العدا صدموهم ... بالمشرفيِّ وكلِّ أسمر لهذم وعليهم سرد الدِّلاص كأنَّه ... سيلٌ تلاطم في غدير مفعم وطئت سنابك خيلهم هاماتهم ... والسَّيف يرسم أسطراً لم تفهم واستعجلت قصد الوشيج عليهم ... حرقاً بها من قبل نار جهنَّم وجرت مذانب من نجيع نحورهم ... فتحجَّلت شهب السَّوابق بالدَّم

ملأوا الفلاة مجدَّلين تنوشهم ... عصب الوحوش وكلُّ نسر قشعم فمياهها قد عافها متطهِّراً ... وترابها ما حلَّ للمتيمِّم وقد استقام الدِّين في أقطارها ... شرقاً وغرباً والعدوُّ بمرغم فالحمد لله المفيض عليهم ... بإمام أهل الحقِّ أسبغ أنعم فشبابهم في غبطة ونساؤهم ... في حوطة وشيوخهم لم تهرم نزلوا المنى لمَّا انجلت عن أرضهم ... ظلم الجهالة من زنيم مجرم / 272 أ/ واستوضحوا نور الهدى وتيمّوا ... بالدولة الغرَّاء في ...... عمَّ البسيطة عدله فيكاد أن ... تلقى الذِّئاب مع الظِّباء بمجثم لا زال سحب نوالهم تهمي على ... أهل الولاء بكلِّ نوء مثجم وسيوفه تمسي رقاب عداته ... أجفانها يوم الوطيس الملحم ورماحه في صدر كلِّ معاند ... أمضى وأنفذ من قضاء مبرم يا ابن الأئمَّة من قريش أنتم ... خير البرايا والحمى لمتمِّم قطب الدِّيانة والأمانة فيكم ... إرثٌ لكم من أكرمٍ عن أكرم صلَّى على تلك العناصر ربَّكم ... وكساكم ثوب الفخار الأعظم وأدامكم للمسلمين موطِّدي ... أديانهم بمثقَّف وبمخذم وحباكم العمر الطَّويل تمتُّعاً ... وأمدَّكم نصراً بكلِّ مسوَّم والدِّين والإسلام لمَّا استمسكا ... منكم بعرورة عصمة لم تفصم فعلى مواقفكم أتمُّ تحيَّةٍ ... ما دام بيت الله قبلة مسلم [449] عليُّ بن محمد بن حامدٍ، أبو الحسن البغداديُّ. سافر عن مدينة السلام، ونزل آمد في أيام / 272 ب/ الملك الصالح أبي الفتح محمود بن محمد مليكها؛ فلولّاه بها القضاء إلى أن مات بها وهو قاضٍ ولم يبلغ الأربعين؛ وكان قد أخذ من كلّ علم طرفاً حسناً. أنشدني له أبو الفضل عمر بن علي بن هبيرة، حين خرج عن وطنه، وفارق أهله وبنتاً له صغيرة، وجلس على دجلة، وتذكر من فارقه، فأنشد لنفسه: [من السريع]

لو صبَّ ما ألقى على صخرةٍ ... لذابت الصَّخرة من وجدها أو ألقيت نيران وجدي على ... دجلة لم يقدر على وردها أو ذاقت النَّار غرامي بكم ... لم تتوار النَّار في وقدها لو لم ترجِّ الرُّوح روح اللِّقا ... لكان روح الرُّوح في فقدها [450] عليُّ بن محمدّ بن يوسف بن قليج بن تكين خان بن محمود خان ابن إيل خان، أبو الحسن الموصليُّ المولد والمنشأ. من ولد الأتراك الملقب بالمؤيد الجاندار. كان جندياً بالموصل، ومستحفظ قلعتها في عهد الملك نور الدين أبي الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن زنكي وبعده/ 273 أ/ لولده الملك القاهر عزّ الدين أبي الفتح مسعود. وكان رجلاً عاقلاً من أهل الفضل والمعرفة بأخبار الناس وأيامهم، حسن الاقتصاص لها، وجمع كتاباً سمّاه ((مساهر السامر ومُّسامر الساهر)) يحتوي على أشعار وحكايات. وكان مولده يوم الاثنين ثاني عشر شعبان سنة ست وأربعين وخمسمائة بالموصل، وتوفي بها عشية السبت تاسع عشر شوال سنة ست عشرة وستمائة، ودفن ظاهر البلد، بمقبرة الباب الكاري بالشرف الأعلى المطل على دجلة. أنشدني أخوه أبو عبد الله محمد بن محمد؛ قال: أنشدني أخي لنفسه: [من مجزوء الكامل] يا أيُّها الغادي على ... عيرانةٍ أجدٍ أمون أبلغ بهاء الدِّين شوق متيَّم قلق حزين وأخبره أنَّ فراقه ... عندي أشدُّ من المنون

وأنشدني؛ قال: أنشدني أخي لنفسه؛ وهي ذات وزنين وقافيتين: [من الكامل] أمجاور البيت العتيق وتاركي رهن الصَّبابه ... ما إخالك منصفاً / 273 ب/ إمنن عليَّ بأوبة تحي الكئيب من الكآبة ... فالعدوُّ قد اشتفى [451] عليُّ بن محمد بن سديرٍ، أبو الحسن المدائنيُّ الطبيب. كان له يد في علم الطب والمعالجة خيراً، وكان دمثاً مداعباً مطبوعاً، يتشيع مفرطاً، ولي حسبة المدائن سنة تسعين وخمسمائة. توفي بالمدائن فجأة في العشر الآخر من شهر رمضان سنة ست وستمائة. ومن شعره؛ قوله: [من الطويل] أيا منقذي من معشر زاد لؤمهم ... فأعيا دوائي واستكان له طبِّي إذا اعتلَّ منهم واحدٌ فهو صحَّتي ... وإذا ظلَّ حيّاً كدت اقضي به نحبي أداويهم إلاَّّ من اللُّؤم إنَّه ... ليعيي علاج الحاذق الفطن الطَّب وقال أبو الحسن القطيعي، أنشدني علي بن سدير لنفسه ببغداد سنة تسعين: [من الرمل] هاجه السِّرب الَّذي عنَّ لنا ... بين جرعاء اللِّوى والمنحنى ورمته العين من آرامه ... أسهماً متَّخذاً أعيناً / 274 أ/ يا ديار الحيِّ من أين لنا ... مثل أيَّامك من أين لنا أتمنَّى والأماني ظلَّةٌ ... أن أرى ذاك الكثيب الأيمنا ولقد أهوى إلى نجدٍ وإن ... لم تكن نجدٌ لأهلي وطناً

[452] عليُّ بن روح بن أحمد بن الحسن بن عبد الكريم، أبو الحسن بن أبي طالبٍ. هكذا قرأت نسبه بخطه، النهرواني المعروف بابن الغباري. كان مولده سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بالنهروان، ورد مدينة السلام، وسمع بها الحديث، وأخذ الفقه عن أبي النجيب السهروردي؛ وقرأ الأدب على أبي الحسن علي بن عبد الرحيم بن العصَّار اللغوي، وروى الخطب النبهانية عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الرقي الغنوي، وسمع المقامات الحريرية على أبي الفضل منوجهر محمد بن تركانشاه البغدادي. وتولّى القضاء بها، في عهد الإمام أمير المؤمنين الناصر لدين الله- رضي الله عنه- وعزل عن القضاء، وتوفي يوم الأربعاء منتصف رمضان سنة خمس عشرة وستمائة؛ وكان فقيهاً/ 274 ب/ شافعي المذهب؛ فاضلاً ديناً صدوقاً ثقة. له شعر، وكان يتكئ عند كبره على عصا، ومن شعره: [من مجزوء الرجز] إنِّي إذا هلَّ رجب ... في تعب وفي نصب أمشي على ثلاثة ... أصحُّ ما فيها الخشب من عادة بغداد إذا هلَّ رجب، يخرج الفقهاء والعلماء والصوفية وغيرهم من ذوي العلم، ويبيتون في الرصافة عند قبور الخلفاء- رضي الله عنهم- ويقرأون القرآن ويعقد مجلس الوعظ هنالك، وكذلك أيضاً في النصف من شعبان؛ فهذا معنى قوله: ((إذا هلَّ رجب)). وقال أيضاً: [من الطويل]

وقد كنت أشكوك الحوادث برهةٌ ... واستمرض الأيَّام وهي صحاح إلى أن تغشَّتني وقيت حوادثٌ ... تحقِّق أنَّ السَّالفات منائح [453] عليُّ بن مسلم بن كاملٍ/ 275 أ/ أبو الحسن الموصليُّ، العدل. كان قد قرأ شيئاً من العلم، وقال شعراً كثيراً، أدركت آخر أيامه، وهو شيخ مسنّ بالموصل، يكتب بها الشروط بالأجر، ولم آخذ عنه شيئاً. رأيت من شعره قصيدة؛ أنشدنيها بعض المعارف، يمدح بها القاضي محيى الدين أبا محمد حامد بن محمد بن عبد الله الشهرزوري: [من الكامل] عج بالقلوص على المحلِّ الماحل ... وسل الطُّلول عن الخليط الرَّاحل واستوقف الأطلال ربة وقفة ... جادت على الصَّبِّ الكئيب بنائل واسكب دموعك في عراص أقفرت ... وعفت معالمها كجسمي النَّاحل واستبدلت من كل َّ ريمٍ آنسٍ ... حال باخر نافرٍ بعاطل ماذا يؤمِّل مجتد من مانع ... رفدّاً ويرجو طالبٌ من باخل يا عاذلي لو كان عندك بعض ما ... يلقاه قلبي كنت عاذل عاذلي كفَّ الملام فما أصيخ للائم ... ما ذاق طعم هوّى غبيٌّ جاهل من منصفٌ لي من ظلوم حاكم ... أو آخذٌ لي من مليٍّ ماطل غرث في بحر الغرام بمهجتي ... أبغي رضاه فما حصلت بطائل أنا بين أعطاف تميس وأعين ... ترنو قتير بواتر وذوابل وأهيم من وجديٌ عليه فمن رأى ... يا قوم مقتولاً يهيم بقاتل / 275 ب/ يرمي القلوب بأسهم من لحظة ... وكأنّ مقلته كنانة نابل قد بلبلت البابنا الحاظه ... فكأنَّ سحر جفونه من بابل وكأنَّ قسوَّة قلبه من يذبلٍ ... وكأنَّ حسن قوامه من ذابل سقمي من الطَّرف السَّقيم وادمعي ... سالت على ذاك العذار السَّائل أخفقت حين نصبت أشراكي له ... فاعتاق قلبي حين فات حبائلي

فعلمت أنَّ الدَّهر يبغي نصره ... فيما أرادوا وأنَّ دهري خاذلني فطفقت أسأل الورى عن ماجد ... جمِّ العطار رحب الفناء حلاحل أشكو إليه جور دهر باسلٍ ... أنحى عليَّ بكلكل وبكاهل فوجدت محيي الدِّين أسخاهم يداً ... تندى وأدفعهم لخطَّب نازل سمحٌ إذا خانوا، حكيمٌ إن هفوا، ... قوَّال محكمةٍ، زعيم محافل فذكرت حين رأيت شمس عطائه ... في ليل منعهم مقال القائل أفلت نجوم المكرمات ونجمه ... للطالبين تراه ليس بافل ومنها يقول في آخرها: الله اسأل أن يديم بقاءه ... فتدوم لي نعمي إذا أبقاه لي تمَّ الجزء الخامس ويتلوه في السادس إن شاء الله تعالى من اسمه علي

/1 ب/ بسم الله الرَّحمن الرَّحيم [تتمة حرف العين] [تتمة ذكر من اسمه علي] [454] عليُّ بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى بن أحمد بن محمد بن إسحق بن محمدٍ بن ربيعةً بن الحارث بن قريش بن أبي أوفى بن أبي عمرو بن الحكيم بن الجبير بن عادية بن حيّان بن معاوية بن تيم [بن] شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليِّ بن بكر بن وائلٍ، أبو الحسن القفطيُّ. القاضي الأكرم بن القاضي الأشرف أبي علي نزيل حلب، الكاتب الوزير أحد

الكتاب المشهورين، والفضلاء المذكورين، جمّ الفضل، كثير النبل، عظيم القدر، واسع الصدر، يعرف كل فنّ من فنون العلم كالنحو واللغة والفقه والحديث وعلم القرآن والمنطق والأصول والرياضة والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل. فما فاتحه أحد في فنّ من هذه الفنون على الإطلاق إلَّا وقام به أحسن قيام. ثم إنّه عاليّ الهمة في تحصيل الكتب النفيسة وإقتنائها، مبالغٌ في أثمانها، راغب في تصحيح أصولها، ولم ير في زماننا أحد /2 أ/ من الوزراء، حصل مثل الكتب التي حصّلها وحازها. ولي الوزارة أوائل سنة أربع عشرة وستمائة، وبقي إلى أن كانت سنة ثمان وعشرين وستمائة، خرج الأمر عن طغريل الخادم شهاب الدين، واستقلّ -السلطان الملك العزيز- بالملك. وكان قد وعد ابن خطيب القلعة بالوزارة في أيام الصِّبا، فلما ولي الأمر أراد أن يقوم بوعده، فولّاه وأحسن إليه إحسانًا زائدًا. وبقي مدة خمس سنين، فبدت منه أمور قبيحة وأصله من قرية ..... من أعمال ...... وكان معلمًا لأولاد الأمير شمس الدين لؤلؤ، فلما ظهر للملك ما ظهر عزله وحبسه؛ وعاد الحق إلى أهله، واستحضر الوزير الصاحب الكبير الإمام العالم جمال الدين أبا الحسن علي المذكور، وخلع عليه، وفوّض إليه الأمور، فظهر منه للناس ما كان معروفًا به من الإحسان والعدل ومحاققة النواب، واستخلاص الأموال من وجوهها من غير عسر ولا ظلم. صنَّف كتبًا كثيرة منها: "كتاب الضاد والظاء" وهو ما اشتبه في اللفظ، واختلف في الخط. وكتاب "الدرّ الثمين /2 ب/ في أخبار المتيَّمين" وكتاب "من ألوت الأيام عليه فرفعته ثم التوت عليه فوضعته"، وكتاب "أخبار المصنِّفين وما صنَّفوه" وكتاب "أخبار النحويين" سمّاه: "إنباه الرواة في أنباه النحاة" وكتاب "تاريخ مصر من ابتدائها إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب -رضي الله عنه-" في ستّ مجلدات. وكتاب "تاريخ المغرب ومن تولّاها من بني تومرت"، وكتاب "تاريخ اليمن منذ اختطّت إلى الآن" وكتاب "المحلَّى في استيعاب وجوه كلا"، وكتاب "الإصلاح لما وقع من الخلل في كتاب الصحاح لأبي نصر الجوهري"، وكتاب "الكلام على الموطَّأ"، لم

يتمّه، وكتاب "من تاريخ أبي القاسم محمود بن سبكتكين الملقب يمين الدولة وبينه إلى حين الانفصال عنهم". وكتاب "تاريخ السلجوقية - منذ ابتداء أمرهم إلى نهايته"، وكتاب "الإيناس في أخبار آل مرداس"، وكتاب "الردُّ على النصارى وذكر /3 أ/ مجامعهم"، وكتاب "مشيخة أبي اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي البغدادي"، وكتاب "نزهة الخاطر ونزهة الناظر في أحاسن ما نقل من ظهور الكتب"، وكتاب "إسعاف الصديق لما في حائيا من التحقيق". وكانت داره مألف أهل الفضل وأرباب العلم. وكان مولده في أحد الربيعين سنة ثماني وستين وخمسمائة، بمدينة قفط من الصعيد الأعلى وبها قبر قبط بن بيصر بن سام بن نوح. وكان منشؤه بالقاهرة المعزِّيَّة؛ خرج إلى مدينة حلب وصاحبها الملك غازي غياث الدين يوسف بن شاذي -رحمه الله تعالى-. ومن شعره قرأته عليه -أيده الله تعالى- بكرة يوم الاثنين الثامن والعشرين من رمضان بحلب على باب قلعتها المحروسة سنة أربع وثلاثين وستمائة: ] من السريع [ ضدَّان عندي قصَّرا همَّتي ... وجهٌ حييٌّ ولسانٌ وقاح إن رمت أمرًا خانني ذو الحيا ... ومقولي يطمعني في النَّجاح فأنثنى في حيرةٍ منهما ... لمخلبٍ ماضٍ وما من جناح /3 ب/ شبه جبانٍ فرَّ من معركٍ ... خوفًا وفي يمناه عضب الكفاح وقال أيضًا: ] من السريع [ شيخٍ لنا يعزى إلى منذرٍ ... مستقبح الأخلاق والعين (من عجب البحر فحدِّث به ... بفرد عينٍ ولسانين) مضمّن لفخر الدين ابن الدهان.

ووجدت للوزير الصاحب القاضي الأكرم جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي -أدام] الله [ظلاله- قوله يمدح الملك المعظم عيسى بن العادل -صاحب دمشق-: ] من الكامل [ أخبت برودتها الغداة نفوسا ... لعسًا مراشفها تزيل البوسا هيفاء ما ماست لدى إنزالها ... إلَّا أرتك أهلَّةً وشموسا يغنيك عن بدر التَّمام جبينها ... ورضابها يحكي بفيك كؤوسا إن لاحظت جرحت بفاتر لحظها ... قلبًا وإن نطقت فجرحٌ يوسى ما عاين العشَّاق نار خدودها ... إلَّا وأضحوا بالخضوع مجوسا ففدى البريَّة نفسها بنفوسهم ... ومراد هندٍ أن تضيع نفوسا /4 أ/ لمَّا تحقَّقت إنصرام وصالها ... ورأيت حظِّي عندها منحوسا أجفلت إجفال الظَّليم مسافرًا ... أهوى الرَّحيل وأكره التَّعريسا حتَّى أنخت بباب سلطان الورى ... حقًّا وزرت جنابه المحروسا السَّيِّد الملك الهمام ومن غدا ... ربع الوفود ببذله مأنوسا أحيا لنا ما مات من آمالنا ... وكأنَّ عيسى في البسيطة عيسى عرِّج على محيي الموات وخلِّني ... من طبِّ بقراطٍ وجالينوسا نشر العطاء لقاصديه وغيره ... تجد العطاء ببابه مرموسا ليثٌ إذا زأرت أسود عرينه ... خلت الملوك أرانبًا ونموسا كم وقفةٍ لك في الصَّريخ وقفتها ... فملكت فيها سائسًا ومسوسا وقذفتهم بسهام جيشك جاهدًا ... قذف الكواكب في الدُّجى الميسا ظلَّ البنود ..... ضلالهم ... وصليل سيفك أخرس النَّاقوسا تلقى الحروب وصبح وجهك مسفرٌ ... إسفار مستجلٍ لديه عروسا أنتم ملوك الأرض نجل مليكها ... أعطيتم التَّبجيل والتَّقديسا فليهن سيف الدِّين وما وليه ... من ملك وولاه بنيه الشُّوسا بالشَّام عيسى مالكٌ ومحمَّدٌ ... بديار مصر وفي خلاطٍ موسى

/4 ب/ ملكٌ غدت في حضرموت يمينه ... ويساره سارت إلى تفليسا جمعت لكم أرض البطالسة الألى ... وبلاد كنعانٍ إلى بلقيسا هذا هو الملك الأثيل فمن له ... نفسٌ يعرض للنَّفيس نفيسا يا مالك الدُّنيا ويا نجل الَّذي ... فات العقول ..... التَّقييسا وثنًا فجلَّ عن المديح ولم يجد ... مثلًا يقاس به إذا هو قيسا ورقى إلى العلياء منفردًا بها ... فأحلَّ إكبار الملوك رسيسا أأكون عبدكم ورقَّ ولائكم ... وأرى بكفِّ الحادثات فريسا أسر ابن شكرٍ أسرتي وأباد من ... خضرائهم متمكِّنًا مغروسا ففررت لمَّا خفت جائر حكمه ... وخشيت منه عقله المعلوسا وبقيت في أسر الخطوب مهيِّمًا ... آوي الخراب وأسكن النَّاووسا وعدمت في الأرض الَّتي استوطنتها ... المأكول والمشروب والملبوسا حتَّى خفيت عن البصير نحافةً ... ولقد رئيت مجسَّدًا محسوسا فأقل عثاري يا ابن من منح الورى ... من عفوه التَّفريج والتَّنفيا وأذن لعبدك في الرُّوجوع فإنَّه ... بجناب غيرك يعدم التَّأنيسا واجعله وقفا للدُّعاء وإن تشأ ... مدحًا جلى التَّطبيق والتَّحبيسا /5 أ/ حتى تراه على المنابر منشدًا ... وترى الحداة به تحثُّ العيسا واسلم تر الدُّنيا بكفِّك أمرها ... وتر الزَّمان براحتيك حبيسا ومن شعره ما قاله في الشيخ العالم الأديب تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي: ] من المتقارب [ إذا عمرو دهري أسدى إليَّ ... مكاره أفعاله المولمه ندبت إلى ضربه زيده ... إمام الأنام فتى المكرمه أتانا وأفكارنا سذَّجٌ ... فأضحت بعلمٍ له معلمه وقرَّب عهد نبيِّ الهدى ... بعالي أسانيده المحكمه وأفصح عن غامضات العلوم ... وأين البيان من الحمحمه وقوَّى أدلَّة قول النُّحاة ... وكان أخو النَّحو ذا مفحمة ترى في معانيه فصل الخطاب ... ومن غيره تسمع الهمهمه

بألفاظه توضح المشكلات ... إذا الغير فرَّ إلى الهينمه فلا حقَّ إلَّا الَّذي قد روى ... ولا علم إلَّا الَّذي أحكمه بمعلومه شدَّ ..... الكلام ... كما شدَّت الكفُّ بالبرجمه علمت حقائق كلِّ العلوم ... وغيرك من شأنه الخضرمة /5 ب/ لك الخير إنِّي أسير الزَّمان ... يعاهد حالي بالدَّمدمه وإن لم تجر جار في حكمه ... وجرَّعني من حماه حمه فعطفًا عليَّ مليك الزَّمان ... هزبر العرين أخا الملحمه أبا الفتح عيسى خليل النَّدى ... معظَّم ذا العصر ما أعظمه أبا اليمن جدلي بأهل اليمين ... ولا تتركَّني في المشأمه وتوصي فديتك عنِّي الخبير ... ومن يعتري لفظه غمغمه وأنت الخبير بكل الأمور ... لك العلم بين البرايا سمه مغش آمنًا من صروف الخطوب ... معافى الشَّمائل من مهرمه وقال يمدح الملك الظاهر غياث الدين من قصيدة مطلعها: ] من السريع [ لا مدح إلَّا لمليك الزَّمان ... من المنى في بابه والأمان غياث دين الله في أرضه ... إن أخلف البرق وضنَّ العنان فالضُّرُّ مصروع بساحاتها ... واليسر سامٍ في ظهور الرِّعان وراحتاه راحة للورى ... على كريم الخلق مخلوقتان فكفُّه اليمنى لبسط الغنى ... وكفُّه اليسرى لقبض العنان /6 أ/ تعرب في الهيجاء أسيافه ... عن حركاتٍ مثل لفظ اللِّسان ومنها، يقول في ولديه: بدران بل شمسان ما يكسفان ... روحان للملك وريحانتان لؤلؤتا بحرٍ وإن شئت قل ... يا قوتتا نحرٍ وعقدا لبان

فرعان في دوحة عزٍّ سمت ... غيثان بل بحران بل رحمتان سيملكان الأرض حتَّى يرى ... لي منهما حرَّان والرَّقَّتان فاسلم على الدَّهر شديد القوى ... ذا مرَّةٍ ما شدَّ كفٌ بنان واستوطن الشَّهباء في عزَّةٍ ... واحسس بغمدان وقعبي لبان وقال من قصيدة: ] من الطويل [ إذا وجفت منك الخيول لغارةٍ ... فلا مانعٌ إلَّا الَّذي منع العهد نزلت بأنطاكيَّةٍ غير حافلٍ ... تعلّة جندٍ إذ جميع الورى جند فكم أهيفٍ حازته هيف رماحكم ... وكم ناهدٍ أودى به فرسٌ نهد لئن حلَّ فيها ثعلب الغدر لاونٌ ... فسحقًا له قد جاءه الأسد الورد وكان قد اغترَّ اللعين بلينكم ... وأعظم نارٍ حيث لا لهبٌ تبدو جنى النَّحل مغترًا وفي النَّحل آيةٌ ... فطورًا له سمُّ وطورًا له شهد /6 ب/ تمدُّك أجناد الملوك تقرُّبًا ... وجند السَّخين العين جزرٌ ولا مدُّ تهنَّ بها بكرًا خطبت ملاكها ... فأعطت يد المخطوب وانتظم العقد فجيشك مهرٌ والبنود حمولة ... وأسهمكم نثرٌ وسمر القنا نقد وكان قد شرع في كتاب سمّاه: "كشف المهم في غوامض الأمّ في شرح مذهب الشافعي"؛ ولم يتم إلى الآن، يكون ستين مجلدًا. وكتاب "ما تحرر الآن من أخبار آل قليج أرسلان"، وكتاب "بلاغة الخطباء في بلاغة السفهاء"، وكتاب "أخبار اليزيدين وأشعارهم"، وكتاب "تمحيص اليزيدين بذكر المحمدين"، وكتاب "التحرير لما ورد في لبس الحرير"، وكتاب "التعبير لأخبار محمد بن جرير"، و"تتمة كتاب البلاذري" كبير يكون عشرين مجلدًا، "تاريخ مصر على حروف المعجم، وذكر من دخلها"، فمن له ذكر كبير. وكتاب "الطيب في أخبار أبي الطيب".

] 455 [ /7 أ/ عليُّ بن حمزة بن عليِّ بن يوسف، أبو الحسن بن أبي المعالي الغرَّافيُّ. من أهل الغرَّاف. ورد بغداد، وتفقه بالمدرسة النظامية على مذهب الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وولي قضاء بلده سنة اثنتين وعشرين وستمائة في أيام الإمام الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد أمير المؤمنين -رضوان الله عليه-، وله شعر حسن. شاهدته عدّة مرات، ولم آخذ شيئًا من أشعاره. وكان رجلًا جافي الجثة بدينًا عبل الجسم، ويلقبه جماعة من الفقهاء بالثور. وهو القائل من قصيدة طويلة، مدح بها باتكين بن عبد الله الناصري. وكان يومئذ أمير البصرة: ] من البسيط [ وأنت خير فتًى ترجى فواضله ... بذكره تحسن الأيَّام والسِّير سهل الخليقة لا تخشى بوادره ... وللمكارم والافضال يبتدر موفَّق الرَّأي محمودٌ نقيبته ... في النَّاس يحسن منه الخبر والخبر هذا وسعيك مشكورٌ وجدُّك منـ ... ـصورٌ ونشرك ما بين الورى عطر /7 ب/ ومن فضائلك اللَّاتي سموت بها ... محمود أن نطقت في فضلك البقر ] 456 [ عليُّ بن أحمد بن إبراهيم بن عليٍّ، أبو الحسن الواسطيُّ الشريف العباسيُّ، المعروف بابن العطار. من أبناء النقباء الأشراف بواسط. سكن بغداد وتعلق بخدمة الديوان العزيز في أيام الإمام الناصر لدين الله -رضي

الله عنه- وله فيه مديح كثير، إمتدح بعده الإمام الظاهر بأمر الله أبا نصر محمدًا -رضيّ الله عنه- والإمام المستنصر بالله -رحمه الله-. قصدت منزله بمدينة السلام سنة اثنتين وعشرين وستمائة، لأكتب عنه شيئًا من شعره فصادفته وقد شرب دواء، فاعتذر إلي من هذا السبب. وأنشدني أبياتًا يسيرة من قيله، ولم يكن في الوقت سعة لأعلقها عنه، فبعد ذلك ما عدت اجتمعت به إلّا راكبًا؛ وخبرتُ أنه توفي في بغداد سنة ثلاثين وستمائة. أنشدني في عبد الكريم بن الزكي بن شبانة المعلم الحظيري، وقال: أنشدني أبو الحسن علي بن أحمد بن العطار لنفسه: -] من الطويل [ /8 أ/ ألمَّت فحيَّا قبل زورتها النَّشر ... ثقيلة ردفٍ لم يطق حمله الخصر وهزَّت قوامًا كالقضيب إذا انثنت ... يميل ومن خمر الشَّباب بها سكر وعطَّر مسراها الثَّرى فكأنَّما ... يتيه لنا من كلِّ ناحيةٍ عطر إذا رمت وصلًا ما نعتني نهودها ... ألا بأبي ما ضمَّه ذلك الصَّدر تروم عن الواشين استتارًا وما الَّذي ... يروم عن الواشين وجهًا هو البدر تجمَّع في فيها سُلافٌ ولؤلؤٌ ... فمن ثغرها درٌّ ومن ريقها خمر ومن شعرها ليلٌ ومن وجهها ضُحًى ... ومن قدِّها غصنٌ ومن لحظها سحر وقال أيضًا في غرض له: ] من الطويل [ وفتَّانة العينين معسولةٍ اللَّما ... يبيح لنا وصلًا ومعنى إسمها ضدُّ يطيب التُّقى إلَّا ليالي وصلها ... ويحسن إلَّا في محبَّتها الزُّهد لها ريقةٌ كالرَّاح طاب مذاقها ... وثغرٌ كما في سلكه نظم العقد وقدٌّ كخوط البان ميَّله الصِّبا ... يميل على أردافها فاحمٌ جعد إذا سفرت أهدت إلى اللَّحظ نرجسًا ... وخدًا إذا قبَّلته خجل الورد حكى خصرها جسمي نخولًا فلو بغت ... نهوضًا لكاد الخصر بالرِّدف ينقدُّ تغازلني، والنَّجم كالنَّجم بهجةً ... ودرُّ المعاني الغرِّ من لفظه يبدو /8 ب/ يصافح راح الرُّوح لطفًا وينجلي ... محيًّا برؤيا وجهه المقل الرُّمد لئن عاد ربع العيش بالقرب آهلًا ... وكان لأيَّامي الَّتي سلفت ردُّ

غفرت إساءات الزَّمان وأدهست ... أيادي التَّداني سوء ما فعل البعد وإن كنتم عنِّي لغيري جعلتم ... بديلًا فمالي عنكم أبدًا بدُّ ] 457 [ عليُّ بن محمَّدٍ، أبو الحسن الخيّاط الحلبيُّ. من أهل حلب. عامي له ذوق صحيح في استنباط المعاني اللطيفة. له أبيات أجاد نظمها وأحسن سبكها؛ أنشدنيها محمد بن يوسف الشاعر التلعفري، قال: أنشدني أبو الحسن الخيّاط لنفسه: ] من المنسرح [ حسنك يا من به إحتيال ... مالي على مثله احتيال قسمة أفعاله لحيني ... ثلاثة ما لها مثال وعدك مستقبلٌ وصبري ... ماضٍ وشوقي إليك حال ] 458 [ عليُّ بن أبي الفضل /9 أ/ بن يوسف بن محفوظٍ الحلبيُّ، أبو الحسن. من شعراء حلب الخاملين. ذكروا له شعرًا كثيرًا نحو اثني عشر ألف بيت، ولم يمدح أحدًا لرفده. وكان عفيف الفرج، طاهر اللسان، حسن السيرة، وقيل: إنه غسل هجوه عند موته، وعاش سبعين سنة، ولم تعرف له صبوة. وكان يحضر مجالس الأنس. وحدّثت عنه أنه قال: لا رزقني الله شفاعة محمد -صلى الله عليه- إن كنت حضرت مجلسًا فيه شيء مما يفسد ديني وعقلي، أو رآني الله على معصية. وكانت وفاته في سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ودفن بالجبيل، شمالي قلعة

حلب -رحمه الله-. ومن شعره ما أنشدني أبو الفداء إسماعيل بن نصر بن محمد بن عبد الواحد الحموي المعروف بابن المعلم، قال أنشدني أبو الحسن علي بن أبي الفضل لنفسه: ] من مجزوء الرمل [ زارني يخطر في ... حندس الظَّلماء بدر أهيف القامة يختال بعطفيه سكر بابليُّ اللَّحظ منه ... بلبل العشَّاق سحر لو تراني وتراه ... قام لي عندك عذر /9 ب/ خدُّه ماءٌ ولكن ... يتلظَّى فيه جمر جمع الأضداد فيه ... من له نهيٌ وأمر وقال أيضًا: ] من الكامل [ قد طاب فيك تهتُّكي وجنوني ... وسمحت فيك بعبرتي وجفوني وكففت إلَّا في جفاك مدامعي ... وسترت إلَّا في هواك شجوني ولبست فيك السُّقم حتَّى لم يكن ... يهدي إليَّ الطيَّف غير أنيني فهواك أوَّل ما عرفت من الهوى ... وبه لبست ملابس المحزون هبني بقيَّة مهجةٍ أفنيتها ... أسفًا يقطِّعها عليك حنيني ولقد صبرت على جفاك وإنَّما ... فاضت على صبري بحار شؤوني قل للعواذل: كم عليَّ تألَّبوا ... وعلى غرامي فيكم عذلوني ويح الخطوب المولعات بنا لقد ... صيَّرن يوم البين يوم منون وتركن أيَّام الشبيبة والصِّبا ... في ناظريَّ كما اللَّيالي الجون وسلبنني طيب الكرى حتَّى لو ارتجع الخليط لما سرى بحصوني لهفي وهل يدني التلهُّف منهم ... بالغيب بين صفائحٍ وحزون متباينين ...... سكنوا ... فلا يلقون غير سكون /10 أ/ وعلى وجوهٍ كنَّ مثل أهلَّةٍ ... وعلى قدودٍ كنَّ مثل غصون

وكأنَّهم وكأنَّما أجداثهم ... في البيد صرعى درّه الزَّرجون لو زحزحت عنهم رأيت مهالكًا ... تبدي لقلبك لوعة المحزون تلك الجسوم كأنَّهنَّ كنائرٌ ... رثَّت وكنَّ كلؤلؤٍ مكنون رحلوا عن الأوطان فهي لفقدهم ... كوجوه أقوامٍ بغير عيون وقال أيضًا: ] من مجزوء الرمل [ أيُّ بدرٍ أخذته ... حادثات الدَّهر منِّي كنت لا أصبر عنه ... وهو لا يصبر عنِّي كان ظنِّي فيه يبقى ... خيَّب المقدور ظنِّي أيُّها العاذل فيه ... بالَّذي عافاك عنِّي أو فقل لي غير لاهٍ: ... كيف أسلوه ومرني إن أرم عنه بديلًا ... يا لها صفقة غبن إن جفاني نور عيني ... أيُّ شيءٍ عنه يغني ربَّ ليلٍ أرَّقتني ... بنت طوقٍ ذات غصن أنت ما شوقك شوقي ... لا ولا حزنك حزني لك إلفٌ عنك ما با ... ن وإلفي بان عنِّي ] 459 [ عليُّ بن نصر بن هارون، أبو الحسن الحليُّ الأديب. سمع الحديث على أبي المظفر بن التُّريكي الخطيب العباسي، وأخذ علم الأدب عن أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري. وكان يصلي بطاشتكين؛ أمير الحاج

الصلوات الخمس. وكان إمامًا فاضلًا قارئًا. وتوفي ليلة الإثنين الحادية عشرة من شوال سنة خمس عشرة وستمائة، وحمل من الغد إلى الكوفة، فدفن بها، وجمع من كلام شيخه أبي البركات الأنباري الذي ينطق في مجالسه كتابًا لطيفًا سمّاه: "سلك الدر". وجدت له هذين البيتين معزوين إليه وهما: ] من البسيط [ يا عاذلي في غرامي بعد فرقتهم ... كفَّ العتاب وخلِّ اللَّوم والعذلا أما ترى الشَّمع يجري فيض أدمعه ... بعد القطيعة لمَّا فارق العسلا ] 460 [ عليُّ بن محمَّد بن عبد الصمد /11 أ/ بن عبد الأحد بن عبد الغالب الهمدانيُّ، أبو الحسن السخاويُّ. الشيخ الفاضل الأديب النحويُّ المغربيُّ.

مولده ببلدة سخا من ديار مصر في حدود سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. وقرأ في بلده على أبي إسحق إبراهيم بن جبارة السخاوي، وسمع بالإسكندرية على أبي طاهر إسماعيل بن مكي بن عوف الزهري، وعلى الحافظ] أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي [. وكان مالكي المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، وقرأ القرآن العزيز على أبي القاسم بن قرة بن أبي القاسم الرعيني الشاطبي للسبعة. وقدم دمشق ولزم أبا اليمن زيد بن الحسن الكندي؛ فقرأ عليه القرآن للسبعة، وسمع منه كتاب سيبويه والإيضاح واللُّمع وغيرها من الكتب. وسمع عليه ديوان المتنبي وشرحه. وغير ذلك من الكتب الأدبيات، وقرأ عليه أكثر مسموعاته عن مشايخه. وحجَّ سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وعاد إلى دمشق، فتصدّر فيها للإقراء بالجامع -عمره الله تعالى- وأقبل الناس إليه، وقرأوا عليه القرآن والحديث وعلم العربية، وغير ذلك. وصنَّف كتبًا منها: "كتاب فتح الوصيد في شرح القصيد"، /11 ب/ وهي قصيدة أبي القاسم الشاطبي في القراءات السبعة. وكتاب "الوسيلة إلى كشف العقيلة" شرح القصيدة التي نظمها الشاطبيُّ أيضًا في رسم مصحف عثمان -رضي الله عنه- وهي مائتان وثمانية وتسعون بيتًا على قافية الراء، سمّاها الشاطبيّ: "عقيلة أتراب القصائد". وكتاب "المفضَّل في شرح المفصَّل" شرح به الزمخشري، ونظم أشعارًا كثيرة أودعها مدح النبي -صلى الله عليه- وله كتاب سمّاه: "جمال القراء وكمال الإقراء" يتضمن علوم القرآن العزيز من التجويد والناسخ والمنسوخ والإعجاز وتجزئة القرآن وعدة آياته وكل ما يتعلق به. وكتاب "تنوير الدياجي في تفسير الأحاجي" يتضمن شرح أحاجي الزمخشري، ومعارضة كل واحدة بمثلها نظمًا مسائل نحوية. وكتاب "تحفة الناسك في معرفة المناسك".

وسمع أبا القاسم هبة الله بن مسعود البوصيري، وأبا الثناء حماد بن الفضل الحرّاني بالديار المصرية. وله كتاب "سفر /12 أ/ السعادة وسفير الإرادة" وكتاب "ذات الحلل ومهاة الكلل" فيما اتفق لفظه واختلف معناه، وهو قصيدة نظمها في ذلك. أجازني جميع ما رواه ووصفه، وما أنشأه وألفه. وأنشدني لنفسه: -] من البسيط [ قد كنت منكم على بالٍ فأين مضى ... عنِّي ترفُّقكم بي يا موالينا حاشاكم وجميل الصَّفح عادتكم ... أن تنقضوا بالجفا عاداتكم فينا وحين دخلت دمشق المحروسة قافلًا من مدينة السلام في شهر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة. سألت عن الشيخ أبي الحسن هذا، فقيل لي، إنه حيّ يرزق يفيد الناس، ويغشى مجلسه المستفيدون وأهل الفضل والأدب، وأوقاته مستغرقة بالمشتغلين والطلبة، ويزدحمون عليه، ولم يتفرغ البتة إلّا في داره، فقصدت منزله وهو بسفح جبل قاسيون ومعي قصيدة من عمله في النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقطوعة أخرى من إنشائه، فدخلت إليه في مسجده بعد عشاء المغرب، وهو قائم يصلي، فلما فرغ من الصلاة نهضت فسلمت عليه وقبلت يده، فوجدته شيخًا كبير السن قد نيّف على الثمانين مطيلسًا قصيرًا /12 ب/ على زيّ أهل تلك البلاد المصرية، فلم يكن في الوقت سعة للاجتماع به، فألفيته في الطريق راكب حمار، قاصد المسجد الجامع، فسلمت عليه ودعوت الله فردّ عليَّ وبين يديه تلميذان له يقرآن عليه شيئًا من القرآن الكريم، فحين أنهى ذلك التلميذ قراءته أشار عليّ بالقراءة، وابتدأت فقرأت تلك القصيدة المقطوعة في جادة الطريق. ووجدته ذا فهم ثاقب، وذهن حاضر، وحسٍ جيد وقت القراءة عليه، لم يسأم ولا يأخذه ضجر في ذلك، والقصيدة التي له في مدح المصطفى سمّاها: "ذات السعا" وهي: ] من الكامل [ قف يالمدينة زائرًا ومسلِّمًا ... واشكر صنيع الدَّمع فيها إن همى فهي المنازل لم تزل تشتاقها ... أبدًا وكنت بها المعنَّى المغرما

ألصق بتربتها الفؤاد فكم شفت ... داءً دفينًا قد أذاب المسقما عجبًا لصبٍّ عاينتها عينه ... فوعى الجواب أو استطاع تعلُّما هذا هو الحرم الشَّريف فقف به ... واقر السَّلام على الرَّسُّول متمِّما وقل: السَّلام عليك يا من أنقذ الضُّـ ... ـلال من ظلم الجهالة والعمى يا سيِّد الهادين يا خير الورى ... حسبًا وأوسعهم ندًى وتكرُّما /13 أ/ يا خاتم الرُّسل الكرام ومن له ... الآيات تحكي في السَّماء الأنجما وله انشقاق البدر والجذع الَّذي ... أبدا حنينًا والجماد تكلَّما والماء ينبع في الإناء ومن دعا ... زمرًا إلى النَّزر اليسير فأطعما ودعا بأشجار الفلاة فأقبلت ... وغدا على الحجر الأصمِّ فسلَّما وعلا على متن البراق مشرَّفًا ... وسرى إلى أعلى السَّماء معظَّما يا صاحب الوجه البهيِّ كأنَّما القمر المنير إليه في النُّور انتمى يا صاحب الخلق الرَّضيِّ فما يرى ... إلَّا رحيمًا مغضيًا أو منعما يا صاحب القدِّ الرَّشيق فإن مشى ... بين الطِّوال علا على من قد سما يا مطلع الإيمان نورًا مشرقًا ... يمحو من الكفران ليلًا مظلما صلَّى عليك الله ما انهلَّ الحيا ... فكسا الرِّياض مفوَّفا ومنمنما وعليك من ربِّي السَّلام مضاعفًا ... ما ردَّدت ورق الحمام ترنُّما وأتت إليك اليعملات مشوقةً ... تطوي المهامه والقفار على الظَّما وعلى أبي بكرٍ خلفتك الَّذي ... للحقِّ قام مثقِّفا ومقوِّما وغدا بأعباء الخلافة ناهضًا ... لا عاجزًا فيها ولا متلوِّما وعلى سبيل الله أنفق ماله ... حتَّى تجلَّل بالعباءة معدما /13 ب/ سمَّاه بالصِّدِّيق صدق يقينه ... سبق الرِّجال إلى النَّجاة فأسلما وغدا بذيل المصطفى متمسِّكًا ... وعلى أوامره يشدُّ مصمِّما وأنيسه في الغار حيث يقول: لا ... تحزن فإنَّ الله أمنع من حمى وضجيعه في قبره ورفيقه ... يوم القيامة في الجنان منعَّما وعلى أمير المؤمنين منكِّس الأصنام حين غدا عليها مسلما عمر الَّذي للدين كان مؤيَّدًا ... ولمن يعانده مذلًا مرغما

في الحقِّ فظٌّ ليِّنٌ متعاظمٌ ... يجفو الشَّريف له ويدنو الأيِّما سلس القياد لما يرى فيه رضا الرَّ ... حمان صعبٌ حين يخشى المأثما فتح الفتوح وشاد للدِّين العلا ... وغدا به ربع الضَّلال مهدَّما وعلى ابن عفَّان الَّذي استحيت لأجل وقاره منه ملائكة السَّما القانت العقب الصَّبور أحاطت البلوى فأذعن للقضاء مسلِّما عثمان ذي النُّورين صهر المصطفى ... زوج إبنتيه غدا بذلك مكرما الجامع القرآن والحبر الَّذي ... في كفِّه نطق الجماد فأفهما جعل النَّبيُّ المصطفى يده له ... عن كفِّه بدلًا إلى أن يقدما وعلى أبي الحسن الإمام المرتضى ... ذي الفخر والنَّسب الكريم المنتمى /14 أ/ زوج البتول أخي الرَّسول فتى الوغى ... ما مرَّ قطُّ ولا تأخَّر محجما وبخمَّ قال المصطفى: من كنت مولاه، فمولاه عليٌّ معلما يا ربِّ وال وليه ونصيره ... أبدًا وعاد عدوَّه أنَّى ارتمى من كان في الأحكام أقضاهم وبالـ ... ـعلم المصون عن البريَّة أعلما وبنوه والصَّحب الكرام جميعهم ... والتَّابعون لمن خلا وتقدَّما وعلى ابنة الصِّدِّيق عائشة الَّتي ... في شأنها نزل الكتاب معظِّما وجميع أصحاب النَّبيِّ وآله ... صلَّى عليهم ربُّنا وتسرحمَّا يا سيِّد الأبرار جئتك أشتكي ... ألمًا ألمَّ وحادثًا قد أظلما رانت على قلبي الذُّنوب فلم يع الذِّكرى وقد بلغ الزُّبى سيلٌ طما وبذا الجناب أعوذ يا خير الورى ... إذ زرته من أن أزور جهنَّما ولقد وقفت بساحة المولى الَّذي ... وسع الأنام يدًا وجاد فعمَّما يا سيِّدي والوفد منقلبٌ غدًا ... بم يرجع المسكين منقلبًا بما إنِّي أتيتك زائرًا متنصِّلًا ... مستغفرًا من زلَّتي متندِّما يا ذا الجلال ارحم بحقِّ المصطفى الـ ... ـعبد الفقير المستجير المجرما وامنن عليه بتوبةٍ تمحو بها ... ما كان منه وما جناه وقدَّما /14 ب/ واغفر لمنشدها عليٍّ ذنبه ... واغفر لمنشيها عليٍّ وارحما فبمدح أحمد يرجوان شفاعةً ... ذا منشدًا فرحًا وذاك منظِّما

واغفر لمستمعٍ دعا لهما فما ... أجدى دعاء المسلمين وأكرما وقرأت عليه -أيده الله- بطريق سفح جبل قاسيون، ظاهر دمشق -حرسها الله- بكرة يوم الإثنين السادس عشر من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، ما قاله وقد طلبت منه الإجازة لأمير المؤمنين المستنصر بالله: -] من الطويل [ سلامٌ على مغنى الخلافة والهدى ... وحيث أقام الدِّين والفضل والعلم على سادة الإسلام شرقًا ومغربًا ... قضاءً من الله الَّذي حكمه الحكم قضى لبني العبَّاس أن يعلو الورى ... فطاعته فرضٌ على خلقه حتم بني عمِّ خير العالمين ومن به ... مناقبهم تعلو وجدُّهم يسمو دعا فسقى الله الورى وأجابه ... ليعلم ما أعطاه من عنده فهم ولا يرزق الإيمان من لا يحبُّه ... كذا جاءنا والمصطفى قوله جزم وقال: قد آذاني من آذاه، إنمَّا ... أبو المرء في القربى يماثله العمُّ /15 أ/ وأعطي في النَّسل الشَّريف خلافة البُّنوَّة إن قرمٌ مضى حازها قرم فهم كنجوم الأفق إن مال غاربٌ ... لمدَّته أكليلها طلع النَّجم أنار بها السَّفاح كلَّ دجنَّةٍ ... وقام بها المنصور فابيضَّت الدُّهم فمهديُّها فالهادي ثمَّ الرَّشيد فالأمين فمأمونٌ له العفو والحلم ومعتصمٌ مع واثقٍ متوكِّل ... ومنتصرٌ والمستعين الذُّرى الشَّهم ومعتزُّهم والمهتدي ثمَّ بعده ... لمعتضدٍ تسطُّو ومعتمد تسمو وبالمكتفي يتلوه مقتدرٌ كما ... إلى القاهر الرَّاضي كذا العدُّ ينضمُّ كذلك مستكفٍ أتى بعد متَّقٍ ... وبعد مطيعٍ طائعٍ للعدا الرُّغم وقادرها مع ثمَّ مقتدرٍ ومستظهرٍ يتلوه مسترشدٌ شهم وراشدهم والمقتفي ثم أنجدت ... لمستنجدٍ والمستضيء وقد تمُّوا بناصرهم والظَّاهر العفِّ وابنه ... فعمَّ البرايا عدله وانتفى الظُّلم إمام الورى المستنصر الأيِّد الَّذي ... بنصرة دين الله يعنى ويهتمُّ فمن أيده نارٌ تجيش لدى الورى ... وأيديه جنَّاتٌ يجيء بها السَّلم ومنه لأدواء العفاة دواؤها ... ومنه لمرَّاد العتاة الرَّدى السُّمُّ وكم فضَّ من ختمٍ عن المال باذلًا ... وكم في الدَّياجي حين يتلو له ختم

/15 ب/ أجزت له دامت قواعد مجده ... مشيَّدةً لا نقض يخشى ولا هدم جميع الَّذي ألَّفته ونقلته ... وما قلته ممَّا تضمَّنه نظم وللسَّيِّدين الماجدين تعاليا ... ولا زال في كسب العلا لهما الغنم لهم ذاك إن شاؤه والرَّأي رأيهم ... ولي شرفٌ فيه إذا ما هم همُّوا وقرأت عليه -أيده] الله [- يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة بدمشق المحروسة بمسجدها الجامع، عند رأس يحيى بن زكريا -عليه السلام- لنفسه: ] من الوافر [ عجبت لقائلٍ هل أنت ممَّن ... يحبُّ بني الرَّسول الغرِّأم لا فقلت: أبتغي الإسلام دينًا ... وتبغض سادة الإسلام جهلا وتجعل جدَّهم ذخرًا شفيعًا ... وتبغض أهله وتجور كلَّا عقدت على محبَّتهم ضميري ... فما أحدٌ يطيق لذاك حلَّا أحبُّ محمَّدًا حسنًا عليًّا ... أباه محمَّدًا قد حاز نبلا وأحببت الرِّضا أعني عليًّا ... وموسى قبله الحبَّ الأجلَّا وجعفرًا المقدَّم ثمَّ حبِّي ... أباه محمَّدًا ما ليس يبلى ووالده عليًا والحسين الشَّهيد بكربلا والحق أعلى /16 أ/ كما أحببت والدهم عليًّا ... أجلَّ العالمين نهًى وفضلا وحبُّ السَّيِّد الحسن اعتقادي ... فبعدًا لامريءٍ عنهم تولَّى وأنشدنا لنفسه يمدح شيخه أبا اليمن زيد بن الحسن الكندي -رحمه الله تعالى-: ] من الخفيف [ أيُّها الدَّائب المعنَّى المعاني ... مضض الكدِّ في معالي المعاني لذ بباب الكنديِّ زيدٍ أبي اليمن إمام الأنام فرد الزَّمان فعقول الورى إلى الفهم عنه ... ذات فقرٍ للفضل والعرفان هو بحرٌ فيه نفيس لآلٍ ... وسواه كالآل عند العيان غير بدعٍ أن قرَّ في البحر درٌّ ... وهو تاجٌ والدُّرُّ للتِّيجان صورةٌ صوِّرت من السُّؤدد المحض وطيب الأنفاس والإحسان محكمٌ سيبويه منفردٌ فيه باسناده وبالإتقان وكذا شرح سيبويه وما حلَّ بأقطارها له فيه ثاني

وكتاب الإيضاح قد فاق فيه بجليِّ الإيضاح والتِّبيان وكذا كامل المبرِّد مع مقتضب .... الفصول الحسان /16 ب/ وأصول السَّرَّاج واللُّمع الفرد وشرحاه حبَّذا الشَّرحان والَّذي حرَّر ابن برهان في النَّحو وما قال قبله الرُّمَّاني والتَّفاسير والقراءات والتَّجويد فيها ومشكل القرآن وحديث النَّبيَّ والقول فيه ... قوله في غريبه والبيان والتَّواريخ والقوافي من الشِّعر وعلم العروض والأوزان وله في القريض ما لم تجده ... لمجيد القريض في ديوان بين جزلٍ غدا حبيب حبيبٍ ... وحسانٍ كانت هوى حسَّان يقظٌ واسع المجال رحيب الباع فيما نبا عن الأذهان يرشد الغافل الذَّّكيَّ من السَّهو بقلبٍ ذي فطنةٍ يقظان وجنانٍ له وقد ناهز التِّسعين حولًا معانة العنفوان ويدٍ ترقم الطُّروس كما فصِّل عقيان ناظمٍ بالجمان فانظر الخطَّ واسمع اللَّفظ تنعم ... منه في روضتي يدٍ ولسان وفرَّ الله بعد طول بقاءٍ ... في نعيمٍ نعيمه في الجنان وأخبرنا الشيخ علم الدين في التاريخ "المذكور، قال: أخبرنا الشاطبي، قال: كان /17 أ/ ابن السمال كثيرًا ما ينشد: ] من المنسرح [ إذا خلا في القبور ذو خطرٍ ... فزره يومًا وانظر إلى خطره أبرزه الموت من مساكنه ... ومن مقاصيره ومن حجره قال الشيخ الشاطبي؛ فحملني إستحسانهما على الزيادة فيهما، فقلت: ] من المنسرح [ إلى ديار البلى فحلَّ بها ... يا ليت شعري ما كان من خبره لم يغن عنه مالٌ ولا ولدٌ ... ولا حميمٌ يعدُّ من نفره ولم يجد في ظلام قعرته ... نورًا سوى ما أنار في عمره من لم يكن بالقبور متَّعظًا ... أخفق في ورده وفي صدره

قال الشيخ: وسئلت الزيادة فيها، فأنشأت هذه الأبيات: ] من المنسرح [ مرَّ بها ناسيًا لوحشتها ... وهو إليها يجدُّ في سفره ولم يرعه فظيع منظرها ... كأنَّه قد أصيب في بصره عجبت من شامتٍ بمخترمٍ ... وأنَّه ذاهبٌ على أثره ومن كبيرٍ دنت منيته ... ولا يخاف الرِّدى على كبره /17 ب/ الحمد لله ما قضاه جرى ... ولا يفرُّ العباد من قدره ومن شعره ما كتبه إلى الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن محمد بن أيوب -رحمه الله-: ] من الكامل [ يا من تقابل وجهه شمس الضُّحى ... فيفوقها في النُّور والإشراق مالي كخابط ظلمةٍ متحيِّرٍ ... لا يهتدي أفقًا من الآفاق يا من يجلِّي الهمَّ عن قصَّاده ... في كلِّ ضائقةٍ وضيق خناق أنت المرجَّى في الورى لملمَّةٍ ... تعرو وعارفةٍ وحلِّ وثاق فكذا غدت أبوابهم مهجورةً ... وكأنَّ بابك مجمع الأسواق تلقاهم متكفلًا بمناهم ... ومؤمِّنًا بهم من الإخفاق ثقةً بسلطانٍ له هممٌ غدت ... مشعوفةً بمكارم الأخلاق العالم الملك المعظَّم طابق اللَّقب الحقيقة فيه أيّ طباق عيسى كعيسى ذاك ينشر أعظمًا ... بليت وهذا ناشر الأرزاق وكبعث ذاك الميت من أكفانه ... إحياء هذا ميِّت الإملاق لا تعجبنَّ لما أقول فإنَّما ... في ذا وذاك الفعل للخلَّاق وكأنَّه في الرَّوع موسى والعصا ... كعصاه إذ لقفت قنا الفسَّاق /18 أ/ تهتز مثل الأيم تنفث نابها ... سمًّا وما لسليمها من راقي نل بالسَّعادة ما تريد تمامه ... لك خاضعٌ متطامن الإطراق وأنشدنا أيضًا لنفسه، موانع الصرف: ] من الطويل [

سأذكر ما لم يصرفوه ممثِّلًا ... بأمثلةٍ كي تفهموه وتهتدوا فقل: زينبٌ إسحاق عثمان طلحةٌ ... ومع عمرٍ، قل: حضرموت وأحمد فذي سبعةٌ مصروفةٌ إن تنكَّرت ... وإن لم تنكَّر قطُّ فالصَّرف يفقد وأحمر مع حمراء مثنى مساجدٌ ... وسكران عنها الصَّرف ينأى ويبعد على كلِّ حالٍ وهي في العدِّ خمسةٌ ... فخذها بحدٍّ والإله المسدِّد وأنشدني لنفسه، في حصر أقسام التنوين: ] من الهزج [ لتعويضٍ وإطلاقٍ ... وتنكيرٍ وتمكين وغالٍ مع مقابلةٍ ... وجدنا كلَّ تنوين ] 461 [ عليُّ بن يحيى بن محمَّد بن الحسن بن يوسف بن عبيد الله، أبو الحسن الشلمانيُّ. ينسب إلى شلمى وهي قرية من بلد فنك من أعمال الحزيرة العمرية /18 ب/ كان من أهل القرآن والفقه، له شعر، وتوفي بالجزيرة سنة خمسين وستمائة. أنشد في ولده محمد، قال: أنشدني لنفسه: ] من الوافر [ هي الدُّنيا ومرتعها وخيم ... وما أحدٌ بها منها سليم إذا وهبت تعود فتقتضيه ... كما يعتاد ذا الدَّين الغريم وإنِّي راحلٌ عنها وفانٍ ... وأنت كأنَّك الباقي المقيم فلا تحزن ولا تفرح بشيءٍ ... فلا بؤسٌ يدوم ولا نعيم وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني والدي ما كتبه إلى معبد النجمي الشاعر، وكان منقطعًا إلى بيت الكدكي، وله فيهم مدائح كثيرة، وهي ثابتة في ديوان شعره: ] من الطويل [ ولو لم يكن للكدَّكييِّن ميزةٌ ... على النَّاس طرًّا والعلا بهم أحرى

لما شيَّد النَّجميُّ بنيان مجدهم ... فأصبح فوق النَّسر مشتملًا عطرا فأجابه معبد، أن أثبتها في ديوان شعره: ] من البسيط [ سوى عليِّ بن يحيى ليس في البلد ... على الودائع بالمأمون من أحد فتًى ترى عنده الأموال مودعةً ... بغير كيلٍ ولا وزنٍ ولا عدد ] 462 [ /19 أ/ عليُّ بن أبي بكر بن عليٍّ، أبو الحسن، الهرويُّ أبًا وأصلًا، الموصليُّ مولدًا ومنشأ. وكان والده من أهل هرات خراطًا، ويعرف بابن الخراط السائح، الَّذي كان يكتب على الحيطان. حدَّث بما ذكره عن نفسه في كتابه. وكان يكتب خطّه في المساجد في كل موضع. كان رجلًا قد سلك القفار، وطاف الديار، وركب البحار، ورأى الآثار، وسافر البلاد، وعاشر العبَّاد الأشراف؛ وأخلق جديد العمر في التجوال والتطواف، وزار الأولياء الصالحين، وسمع الحديث على المشايخ والعلماء، وشاهد العجائب، وعاين الأبنية والعمارات، ونظر الأصنام والآثار والطلسمات. وأدرك ما لم يدركه أحد من السائحين والزهاد، ولا يصل إليه أكثر المسافرين والعباد، وجال الأرض بقدمه، وأثبت ما ذكره بقلبه وقلمه. وصنّف في ذلك كتبًا يتعذر وجودها منها: كتاب "منازل الأرض ذات الطول والعرض". /19 ب/ وكتاب "العجائب والآثار"، وكتاب "الإشارات في معرفة الزيارات".

وسمع الحديث الكثير، ورأيت له خطبًا من إنشائه، وكلامًا منثورًا وشعرًا. إستوطن حلب وأقام بها إلى أن توفي فيها في شهر رمضان سنة إحدى عشرة وستمائة في العشر الوسطى. وكانت ولادته سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وقبره ظاهر المدينة قبليها على الجادة الآخذ إلى دمشق بئرًا نسبت إلى إبراهيم الخليل -عليه السلام-. وكان صوفيًا له معرفة بالسيمياء والتخييلات. وكانت له بحلب وجاهة ومنزلة عند صاحبها الملك الظاهر غياث الدين. أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم بن أبي الحسن الحنفي -أيده الله تعالى- قال أنشدني علي بن أبي بكر الهروي لنفسه، وهو ما ضمنه كتاب الإشارات الَّذي تقدّم آنفًا: ] من الكامل [ طفت البلاد مشارقًا ومغاربًا ... ولكم صحبت لسائحٍ وحبيس ورأيت كلَّ غريبةٍ وعجيبةٍ ... ولقيت هولًا في رخاي وبوسي أصبحت من تحت الثَّرى في وحدةٍ ... أرجو إلهي أن يكون أنيسي /20 أ/ وأنشدني القاضي الإمام أبو القاسم -أيده الله تعالى- بمنزلة المحروس بحلب، في سنة أربع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني الشيخ أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي لنفسه، يرثي الشيخ أبا البركات بن قرناص: ] من الخفيف [ دع ملامي فإنَّه لا يفيد ... لا تلمني فإنَّ قلبي عميد كفَّ عنِّي فالصَّبر منِّي ضعيفٌ ... ومصابي صعب وخطبي شديد هذه نكبةٌ لها أضحت الأرض بما فوق منكبيها تميد مات شيخ الإسلام شرقًا وغربًا ... وإمام الهدى الوليُّ الفريد سيِّد الأولياء والزَّاهد العابد والفاضل الإمام الوحيد هبة الله مذ فقدناك مات الخير والزُّهد والنَّدى والجود هبة الله لا صفا لي عيشٌ ... كيف يصفو وقد علاك الصَّعيد فالقبور الَّتي حللت بها بيضٌ وهذي القصور بعدك سود أتلذُّ الحياة نفسي وشيخي ... هبة الله في الثَّرى ملحود

صاحب الزُّهد والتِّلاوة والورد الَّذي للورى عليه ورود /20 ب/ ندبتك الآيات يا هبة الله وتبكيك المرسلات وهود ندبتك الدِّيار والمسجد المعمور يبكيك والكتاب المجيد فعليك السَّلام منَّا إلى يوم التَّنادي إنَّ المزاز بعيد وأنشدني، قال: قال أبو الحسن قبل موته بأيام، هذه الأبيات وكتبها على حائط تربته: ] من مجزوء الرمل [ قل لمن يغترُّ بالدُّنيا وقد طال عناه هذه تربة من شيَّد هذا وبناه طالما أتعبه الحرص وقد هدَّ قواه طلب الرَّاحة في الدُّنيا فما نال مناه وأنشدني، قال: نقلت من خطه -وأجاز لي الرواية عنه- طلب بعض أمراء الشام قميصًا يتبرّك به من ثيابه، فأنفذ له قميصًا ومعه هذه الأبيات: ] من السريع [ /21 أ/ قميص عبدٍ مذنبٍ غافل ... زمانه في صفقةٍ خاسره فابك على من ضلَّ في غفلةٍ ... قد خسر الدُّنيا مع الآخره وأنشدني، قال: نقلت من خطة لنفسه هذه الأبيات قالها وأشتد به ألم ظهره، وعجز عن القيام بغير عصا، واظنني سمعتها منه -والله أعلم-: ] من الخفيف [ لو تراني كسعفةٍ يوم ريحٍ ... عاصفٍ إذ مشيت بالعكَّاز خائفًا زاحفًا أسير على الأرض هوينى في رعدةٍ واهتزاز شبه قوس النَّداف يزعجها الضَّرب فيهوي بها كريش الباز ] 463 [ عليُّ بن عبد الله بن عمر بن تيمٍ، أبو القاسم الموصليُّ. كان ذا طبع سهل في محاولة ما يرومه من المنظوم والمنثور، صالح البديهة في إنشائها، جيد الفكر. وكان من المتفردين في زمانه بصناعة الكتاب والإنشاد، وبمذهب الكتاب إلَّا أنه كان /21 ب/ تحت الحظّ الناقص، خامل الذكر، لم يشهر نفسه بذلك.

أنشدني أبو النجاة سالم بن عمر بن سالم الخطيب الموصلي، قال: أنشدني أبو القاسم لنفسه في الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب -رضي الله عنه- وقد أصابت الكرة فمه: ] من الخفيف [ قبَّلت ثغرك الممنَّع عن كلِّ فتاةٍ من الكواعب خود كرةٌ ..... إلى زهرة الشَّمس بنانٌ من النٌّهى والسَّعد حسدتها الأفلاك حيث ترقَّت ... رتبةً أبهرت عيون الأسد وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: ] من الخفيف [ يا غزالًا يشكو سقامًا بعينيه فؤادٌ يصفيه ودًّا صحيحا مرضت واعتدت به فعداها ... فشكت واشتكت بها التَّبريحا ما رأينا من قبل لحظك سيفًا ... مرهفًا حدُّه يكون جريحا وأنشدني أيضًا، قال: سألت أبا القاسم أن يجيز هذا البيت: ] من الخفيف [ رجلٌ علَّق الطَّلاق بشهرٍ ... قبل ما بعد قبله رمضان فأجازه في الحال من غير توقفٍ: ] من الخفيف [ /22 أ/ أيُّها العالم الَّذي فاق فضلًا ... فهو في كلِّ مذهبٍ برهان أفتني في الَّذي أقول فما مثلك من عزَّه جوابٌ مصان رجلٌ علَّق الطَّلاق بشهرٍ ... قبل ما بعد قبله رمضان ] 464 [ عليُّ بن إبراهيم بن مبادرٍ، أبو الحسن الأسديُّ. هو من السندية، قرية بسواد العراق من قرايا نهر عيسى. كان شيخها ومقدمها ورئيسها، ذا ثروة وافرة، ونعمة غزيرة، ومروءة مشهورة، ونفس واسعة. يقصده كل من يرد ذلك المكان. وكان كريمًا سخيًا شائع الذكر، نبيه القدر، مشهورًا بالقرى مقصودًا في قريته. وكان له عبيد، وإماء برسم ما يصنع للضيوف من الخبز والطعام ومواضع معدّة لذلك.

وحكى عنه بعض الفضلاء، قال: - لمَّا كنا ببغداد، قصدت ابن مبادر في يوم عيد الأضحى، فحضر خوانه خمسة وعشرون شاعرًا، أنشدوه المدح بعد أن رفع الطعام، فأجازهم كلّهم؛ ففيهم من أجازه بالجبّة والعمامة، ومن أجازه بالذهب، قال: وبلغني /22 ب/ أنّه نزلت به سرية من العرب ليلة، فعلق على خيولهم ألفًا وأربعمائة عليقة، وأضافهم تلك الليلة. وكان مع ذلك فيه ميز وفضل وأدب وذكاء، ويقول الشعر الحسن، فرضي الله عنه ورضي عني كل من كان فيه مروءة وسخاء. أنشدني عبد العليم بن عبد الله بن عبد الرحمن الأنباري، قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه ما كتبه من السندية إلى والدي، وهو مقيم بالبصرة: ] من الطويل [ خلعت على أرض البصيرة رونقًا ... وجمَّلتها لمَّا اتَّخذت بها مغنى وأصبحت الدَّار الَّتي قد هجرتها ... كعينٍ بلا نومٍ ولفظٍ بلا معنى وغادرت في سنديَّة البيت وحشةً ... فلو أنَّها تنبي لقالت كما قلنا وقال فيه أيضًا: [من الكامل] يا خير من ركب المنابر واعظًا ... وأجلَّها عند الصَّلاة إذا دعا شرفت بك الأعواد ثمَّ تباشرت ... لمَّا علت قدماك منها موضعا حسدوك أقوامٌ ملأت قلوبهم ... غيظًا كما حسدوا البطين الأنزعا ما كان مثل أبي ترابٍ فيهم ... بالرُّغم أناف الأعادي جدَّعا /23 أ/ ما دمت ملتزمًا بحبل ولائه ... فإليك نسعى طائعين وخضَّعا ما أبتغي بالمدح فيك إجازةً ... إلَّا الدُّعاء وحسب من طلب الدُّعا [465] عليُّ بن أحمد بن عليِّ بن محمّد، أبو الحسن بن أبي العباس، المعروف بابن دوَّاس القنا العنبريُّ الواسطيُّ.

من بيت أدب وشعر، مشهور الذكر. وأبو الحسن كان شاعرًا أديبًا له يد في علم التنجيم، وكتبة التقاوم، وكان نائب صاحب التركات. أنشدني أبو محمد الحسن بن علي بن أبي البركات الضرير الواسطي، قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه من قصيدة، وهي من مشهور شعره: [من مجزوء الكامل] يا زاجر الحمر النِّياق ... عرَّج بزوراء العراق واقر السَّلام على الَّذي ... من بعده طال اشتياقي ومنها: أبدًا شهودي أربعٌ ... متنزِّهون عن النِّفاق ذلِّي وفيض مدامعي ... ونحول جسمي واحتراقي /23 ب/ ومنها قوله: والشَّمس عند طلوعها ... تحمر من فرح التَّلاقي وكذاك عند غروبها ... تصفَّر من ألم الفراق [466] عليُّ بن أبي منصور بن أبي عبد الله، أبو الحسن الموصليُّ الضرير الفريضيُّ. كان شاعرًا ذكيًا، ثاقب الحسِّ، دقيق الفطنة، إذا أورد الشعر يقيّد أسماع الحاضرين بصوته. وكان في أول عمره يضرب بالعود. وكان في حلقه بحَّة مستعذبة. وأخبرني الشيخ أبو عبد الله أحمد بن الحسين النحوي، قال: خبرت عن أبي الحسن أنه كان يأخذ الشعرة من لحيته، ويقطعها بالطول أربع قطع ويعقدها لزكره. وكان آخذًا من علوم شتى بأطراف، وسمعته يتكلم في النجوم وفي الطب، ورأيته يأخذ النبض، وعاشر الشيخ صدر الدين بن قيداس الفرضي الحاسب زمانًا طويلًا. وكان من أخصائه، /24 أ/ فلما توفى، ولّاه زعامة الأضراء، فلم يصف له

الأمر لأنّه كان ذا إقتار، وممن أفسد عليه صهره، محمد بن أحمد الضرير الواسطي. وتوفى في الحمام فجأة وذلك أنّه اغتسل، فخرج ولبس ثيابه، وأسند ظهره إلى الحائط، فحرّك فإذا به وقد توفي، وذلك ما بين سنة ست وسبع وستمائة بالموصل -رحمه الله تعالى-. أنشدني أبو عبد الله النحوي الأديب، قال: أنشدني أبو الحسن علي بن أبي منصور لنفسه، يمدح عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي بن آق سنقر، من قصيدة أوّلها: [من الطويل] لعيني سليمى مهجتي وخضوعها ... وإن كان لا ينفكّ عنها ولوعها ولست أفدِّيها بغير حشاشةٍ ... إليها وإن شطَّ المزار رجوعها يقول خليلي: خلِّ عنها وفي الحشا ... من الشَّوق نارٌ لا يكلُّ وقوعها وكيف أسلِّي القلب عنها ولم يزل ... يخالف أمري في الهوى ويطيعها ومنها: وقلت لعيني اسكبا الدَّمع إنَّها ... منازل أحبابي وهذي ربوعها /24 ب/ ومخلصها في المديح: سحائب لا تنفكُّ أو تذر الثَّرى رويًّا وحتَّى كلُّ شيءٍ نقيعها كجود عماد الدِّين زنكيِّ ذي النَّدى ... إذا ألسن الشَّهباء أقوت مروعها وله قصيدة طويلة يمدح بها أتابك أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي، صاحب الموصل -رحمه الله- أولها: [من الطويل] خليليَّ عوجا بي على بانة الحمى ... عسى عائدٌ من عيشنا ما تصرَّما ومرَّا على الوادي فبي لظبائه ... جوىً كلَّما شطَّ النَّوى بي تضرَّما فيا حبَّذا بان الحمى وعراره ... وسكَّان واديه وغزلانه الدُّمى فلا بان إلَّا بانه قطُّ ما سرت ... له نفحةٌ إلَّا أثارت متيَّما كأنَّ السَّليم المستقلَّ بريِّه ... غداة سرى عن طيب سعدى تنسَّما سرى ناشرًا من طيفها ما انطوى به ... رداها فأبدى منه سرًّا مكتَّما

يميس إذا ما سافه ذو صبابةٍ ... شفاه فلا يلقى لوجد تألُّما وحيث استقلَّت بين سرب نسائها ... وهزَّت قوامًا كالقضيب مقوَّما /25 أ/ تريك شبيه البدر تحت مرجَّلٍ ... أثيثٍ يريك اللَّيل أسود أفحما فما الدُّرُّ أعطاه الصَّفاء ملاحةً ... تزان بها في كلِّ جيدٍ منظَّما بأحسن منها حين أبدت تنسُّمًا ... بذي أشرٍ كالدُّرِّ لمَّا تبسَّما ومنها: أيا سائقًا يطوي التَّنائف مغرقًا ... وطورًا يحث الرَّكب في البيد متيَّما يحاول وردًا يستفاد بريِّه ... إذا ما اشتكى الظَّمآن ضن نيله الظَّما توخَّ بها الحدَّاء نحو مليكها المطاع تجد بحرًا من الجود مفعما مليكٌ إذا ما بخَّل المال أهله ... عن البذل ألفى البذل للمال مغنما رأى العدل والإحسان في النَّاس خير ما ... تحلَّى به ربُّ العلا وتوسَّما فأحياهما بعد الدُّثور فأصبحا ... وقد جمعا فيه الثَّناء المقسَّما وألفى عفاف المرء خير اعتقاده ... فعفَّ ولم يركب مدى الدَّهر مأثما وحيث تأمَّلت الملوك ومجده ... وجدت له فضلًا عليهم معظَّما يقدِّمهم أصلًا وفرغًا وهكذا ... تفيد الأصول الزَّاكيات التَّقدُّما فطورًا تراه .... أنَّى تبسَّما ... وطورًا تراه اللَّيث أنَّى تجهَّما يجول على الشُّجعان في حومة الوغى ... فيسقيهم كأسًا من الموت علقما /25 ب/ وإلّا فسل عنه الصَّوارم والقنا ... ليخبر عنه والجواد المطهَّما هو الفارس المذكور لا هو في الوغى ... إذا ما انقضى للحرب عضبًا ولهذما وقد ألقت الحرب العوان جرانها ... وألبست الأبطال بالدَّم عندما [467] عليُّ بن عبد المحسن، أبو الحسن الواعظ اليمنيُّ الزَّبيديُّ. أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الإسكندري، قال: أنشدني

أبو الحسن لنفسه: ليالي المنحنى عودي ... فإنِّي قد ذوى عودي كما أمرضتني عودي ... فمن جوفي فقد عودي سقى الله الحمى مزنًا ... وإن أورثتني حزنا فكم قدمًا به فزنا ... بعيشٍ غير منكود /26 أ/ أجيران الغضا رقُّوا ... فإنِّي لكم رقُّ وفي أيديكم رقُّ ... شهودي فيه مشهودي أردتم كنه تجريبي ... وسفن الحبِّ تجري بي فحوزوا الآن أجري بي ... ولو منكم بموعود [468] عليُّ بن قليج بن عبد الله، أبو الحسن الطاهريُّ الحلبيُّ. وأبو الحسن أمير فاضل ذو نباهة وذكاء، وله شعر ومنه قوله يرثي ولده: [من الطويل] فقدت فتًى لو عشت ما عشت لم تزل ... شمائله في خاطري وعياني أيطمح منِّي أن أعيش وأنَّني ... أنام فلا أبكيه طول زماني

تجمَّل سكان القبور بطلعةٍ ... عهدت إليها ينسب القمران أجسُّ فؤادي للَّهيب مسكِّنًا ... فلم استطع من شدَّة الخفقان فلو أنَّ خصمي فيك خصمٌ مجسَّدٌ ... لمكَّنت منه صارمي وسناني ولكنَّه الدَّهر الَّذي رام تبَّعًا ... ويتبعه من بعده الهرمان فوا حسرتا مذ فارقتني شمائلٌ ... تولى عليها طارق الحدثان فلي حسرةٌ ما تنقضي وندامةٌ ... عضضت عليها راحتي وبناني وأصبحت لا تدري بمن جاء زائرًا ... عداك إلى كم رقدة ... [469] عليُّ بن محمود بن محمد /26 ب/ بن أحمد، أبو الحسن بن أبي الشكر البغداديُّ، المعروف والده بالسرخسيِّ. كان والده أحد الكتاب بالديوان العزيز -مجده الله تعالى- بمدينة السلام. وكان ولده هذا أبو الحسن فاضلًا له معرفة بالأدب. قرأ على أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي النحوي، نزل مدينة حلب وتصدر بها في أوائل سنة ثلاثين وستمائة. وقد شرح شعر أبي الطيب المتنبي فغسله قبل موته. أنشدني القاضي الصدر الكبير بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد ين يحيى بن محمد بن الخشاب الحلبي -أدام الله رفعته- بمنزله المعمور في سنة أربع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو الحسن عليّ بن السرخسي لنفسه بحلب، يرثي شيخه أبا اليمن زيد بن الحسن لنفسه: -[من الطويل] لقد كان في زيدٍ أبي اليمن منحةٌ ... من الله زانت فضله في حياته وكان مثال النَّحو يضرب باسمه ... فلا عجبًا إن مات بعد مماته وأنشدني أحمد بن محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن خلّكان الإربلي، قال:

أنشدني ابن السرخسي لنفسه، /27 أ/ في إنسان يعرف بابن عمرون، وقد تصدّر لاقراء العربية والنحو بحلب، وصار له حلقة بمسجدها الجامع: [من مخلَّع البسيط] قالوا: ابن عمرون قد تصدَّى ... للنحو والرُّتبة الثَّمينه وصار مع أنَّه حمارٌ ... يدرِّس النَّحو في المدينه فقلت: هذا الزَّمان بحرٌ ... في مثله تغرق السَّفينه ونقلت من خطّه قوله ما كتبه إلى كمال الدين أبي القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الفقيه الحنفي المدرس -أيده الله تعالى-: [من المنسرح] يا كمال الدِّين الَّذي جليت ... به المعالي في أفخر الشِّيم فقت الورى بعد كلِّ مفتخرٍ ... حويته باللِّسان والقلم أنت لعمري عندي كقول الَّذي ... برِّز في قوله على الأمم قام بأمري لمَّا قعدت به ... ونمت عن حاجتي ولم ينم [470] عليُّ بن تركانشاه /27 ب/ بن شاه مرزوان، أبو الحسن الرازيُّ. كان فقيهًا شافعي المذهب، نزل الموصل وسكن العزّية؛ وتولّى إعادة درس الشيخ أبي حامد محمد بن يونس بن منعة بن مالك الموصلي الفقيه الشافعي المدرّس. ومن شعر أبي الحسن، يرثي الشيخ أبا حامد المذكور، وكانت وفاته في سلخ جمادى الآخرة سنة ثماني وستمائه -رحمه الله تعالى- بالموصل: [من الخفيف] إن رقا لي وقد فقدتك دمع ... أو صفا لي إلى المفنِّد سمع أو خلا من لواعج الحزن قلبي ... أو حلا محفلٌ لديَّ وجمع أو تراءى من جانب الغور غور اللَّهو برقٌ فشاقني منه لمع فأنا الخائن الَّذي ضيَّع العهد وألوى به من الغدر طبع

يا مقيم الصَّغى إذا ذاع في القول وأزرى بسنَّة الدِّين بدع وزعيم الجدال والأفوه المنطيق من غيِّه إلى السِّلم يدعو وفريدًا في عصره ووحيدًا ... شفع الشَّافعي فالوتر شفع وفقيدًا بكى له العالم العلويُّ شجوًا وماد دينٌ وشرع جهلت بعدك العلوم وأضحى ... طالب العلم ما له منه نفع /28 أ/ واستقلَّت أقوال مذهبك الحقِّ وعادت وجوهه هي شفع وتمادى بالدَّرس والفقه والبحث شتاتٌ ما بعده الدَّهر جمع فإلى من يصير طالب فتيا ... ضاق منها بالعالم الحبر ذرع وفقيهٌ طرا عليه من الإشكال ما لا في وسعه عنه دفع ونحارير منطقٍ أرتج القول عليهم وليس للقول رجع وبرغمي افتئات غيرك بالدَّرس وإنَّ يده لنعلك شسع وإذا ما خلا العرين من اللَّيث فلا غرو أن يدانيه ضبع بأبي روحكَّ الَّتي لم تزل قطُّ ولا رابها من الموت نزع وتصانيفك الَّتي شيَّد المذهب منها أصلٌ صحيحٌ وفرع ومقاماتك العليَّة والخطب جليل والأمر خفضٌ ورفع فكأنَّ النَّهار ساعة واروه عليه من دامس اللَّيل قطع [471] عليُّ بن موسى، أبو الحسن الضرير الباجسريُّ. كان رجلًا ضريرًا فيه فضل وأدب، وينظم الجيّد من الأشعار. حدثني الصاحب /28 ب/ شرف الدين أبو البركات المستوفى بإربل -رضي الله عنه- قال: أخبرني أبو العباس أحمد بن محمد القريحي، قال: كان بيني وبين أبي الحسن الباجسري صداقة، فورد على بعض الجهات التي كان لي بها مغل، فقال: تساهمني فيما حصل لك، فساهمته في ذلك وبقي البصل والهرطمان، قلت: خذ

حصتك منها، فقال: أنفذهما أنت إلي، فلم أنفذهما فكتب إلي وأنشدنيه: [من الكامل] يا قارحيُّ وعدتنا ... وخضاب وعدك ما نصل بكرازكٍ مملوةٍ من هرطمانك والبصل وقضيت أنَّ الوعد تنجزه إذا اليوم انفصل وإلى أخيك وداره ... من ذاك شيءٌ ما وصل وعلى نجازك والمطال ودادنا لك قد حصل لا زلت تصدق للصديق ودام شكرك واتَّصل وتفيَّ ما بقي الزَّمان وما شكا وبكى طلل قال القريحي: وقال لي: إنما خرجت منها عن التزام الصاد، /29 أ/ لأنَّه لم يبق شيء سوى ما ذكرته، هذا معنى لفظه. قال الصاحب أبو البركات: ولو استقرأ إنسان ذلك بوجد شيئًا غير ما ذكره. [472] عليُّ بن يحيى بن أحمد بن يوسف بن عبد العزيز بن علّون بن بسّامٍ، أبو الحسن المعروف بابن السَّدار الكاتب. وكانت ولادته في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة.

أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي بحلب، قال: أنشدني ابو الحسن علي بن يحيى بن السَّدار لنفسه بدمشق في إنسان كان حريصًا على تحصيل الأملاك، ومعاملة الناس: [من الكامل] هب قد جمعت جميع أملاك الورى ... وأخذتها بالزُّور والبهتان فظلمت فيها واعتديت تجبُّرًا ... أفما خشيت عقوبة الرَّحمان كان كاتبًا بين يدي القاضي الفاضل وكان صاحب طبع في الإنشاء، وبلاغة في صناعتي النظم والنثر، يحوي /29 ب/ أدبًا وفضلًا، وهو من بيت مشهور. [473] عليُّ بن الحسين بن كرم بن عثمان بن محمد الحسن بن عليٍّ، أبو الحسن الحلِّي المعروف بابن الطباخ. أنشد له الصاحب أبو البركات هذه الأبيات في تاريخ إربل من تأليفه: [من الطويل] ألا فاسلموا راقين أسنمة العلا ... على غايةٍ من دونها المتطاول يقرُّ بعيني أن تنالوا مراتبًا ... لكم عندها ظلُّ الخلافة شامل وإمَّا اطَّرحتم من يودُّ ملالةً ... فقد خست منكم عهودٌ أوائل [474] عليُّ بن عليِّ بن أمسينا الواسطيُّ، أبو الحسن بن الميامن. من أبناء المتصرفين والرؤساء وذوي الولايات بواسط. رأيته بإربل في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، يتولّى إشراف العرض بها في الأيام المستنصرية؛ وهو شاب جميل مليح الصورة، خفيف العارضين.

وحدثني ابن /30 أ/ الدبندار الشاعر، قال: ضمَّني وإيّاه بعض المجالس، فأنشدت: [من مجزوء الكامل] أقسمت يا بن الدَّبندار بأنَّ شعرك خير شعر شعرًا لنفسي، فأنشد مخاطبًا لي، لنفسه: -[من الكامل] من جنب فضلك من أبو ... تمَّام من كان المعرِّي؟ [475] عليُّ بن محمود بن أبي الحسين بن نبهان بن سند بن بشر، أبو الحسن بن أبي الثناء اليشكريُّ، البغداديُّ والدًا وأصلًا، المصريُّ مولدًا، الدمشقيُّ منشأ. شاعر ابن شاعر. أنشدني علي بن محمود لنفسه بحلب في أعرج: [من السريع] يا بأبي من وجهه جنَّةٌ ... صدرت عنها وأنا المخلص لم يثنني العذَّال في حبِّه ... أغلوا عليه اللَّوم أم أرخصوا قالوا: اعتراه عرجٌ شانه ... وذاك من وجدي لا ينقص وافى إلى وصلي مستوفزًا ... كأنَّه من عرجٍ يرقص /30 ب/ وقال أيضًا: [من الطويل] ولمَّا أتاني العاذلون عدمتهم ... فما منهم إلَّا للحمي قارض وقد بهتوا لمَّا رأوني شاحبًا ... وقالوا: به عينٌ، فقلت: وعارض

وله من جملة قصيدة: [من الكامل] إنِّي أغار من النَّسيم إذا سرى ... بأريج عرفك خيفةً من ناشق وأودُّ لو سهِّدت لا من علَّةٍ ... حذرًا عليك من الخيال الطَّارق وقال في التشبيه: [من البسيط] وقد تبدَّى هلال الأفق مزدهيًا ... تحفُّه في السَّماء الأنجم الزُّهر كزورقٍ من لجينٍ وقره سبجٌ ... يمرُّ في لجَّةٍ حصباؤها درر وقال من قصيدة: [من الطويل] رعى الله من لم يرع عهدًا رعيته ... وعقد ودادٍ مبرمٍ غير منحلِّ فنازعني الشُّوق اللَّجوج إليهم ... فأخدع قلبي بالمواعيد والمطل وحمَّلني العذَّال منَّة ذكرهم ... وحسبك أنِّي حاملٌ منَّة العذل وأنشدني لنفسه في ضارب كرة: [من البسيط] يا حبَّذا وبروحي ضاربٌ كرةً ... كالغصن يعطفه الإدلال والمرح /31 أ/ شكرًا لها إذ أرتني من محاسنها ... أجل ما كنت أرجوه وأقترح تدنو إليه ويقصيها لعاشقة ... وليُّه مثلها يدنو وينتزح وأنشد لنفسه من قصيدة في الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب: [من الطويل] سلي البارق العلويَّ يا أمَّ مالكٍ ... أأمسك دمع العين بعدك أم همى ولا تنكري فيض الدُّموع صبابةً ... فإن لم تجودي بالرِّضا هطلت دما ملكت عنان القلب فانقاد طائعًا ... كئيب الهوى أنَّى حللت وأينما فلا يختشي إلا ملالك والقلى ... وما يرتجي إلَّا المليك المعظَّما ومنها: فما أجدل وافى على رأس مرقبٍ ... أغبَّ فلم يطعم من الصَّيد مطعما رأى في فضاءٍ بالعراء طريدةً ... فبادرها يفري الإهاب تجشُّما

بأسرع منه للصَّريخ إجابةً ... إذا أصبح النُّور الشَّماليُّ مقتما وأنشدني لنفسه في سنقر الحكيم وقد رمى بالسهام، فأصاب حلقة الغرض خمس مرَّات متوالية: [من الطويل] /31 ب/ وعوجاء من بانٍ إذا هي أرسلت ... إلى الجمع فردًا من بنيها تفرُّقا أصبت بها خمسًا تؤامًا تواليًا ... بحلقة قدٍّ دقَّ عن أن يحقَّقا ووصَّلتها لو شئت إعجاز صنعةٍ ... فلم تدرك الأبصار منهنَّ أفوقا فحسبك منها معجزًا لسعادةٍ ... برغم العدا دامت ودام لك البقا وأيُّ مرامٍ لم ترح فيه أوَّلًا ... وتاج فخارٍ لم تكن فيه مفرقا ولمَّا دعوت الشِّعر باسمك أقبلت ... قوافيه في مضمار مدحك سبَّقا فحبَّرت منه في علاك مدائحًا ... تجرُّ جريرًا خلفها والفرزدقا [476] عليُّ بن عمر بن حسن بن رسن، أبو الحسن الشيبانيُّ العبدليُّ. من أهل باجسري، قرية كبيرة من أشهر قرى بغداد. حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي -رضي الله عنه- بإربل، قال: ورد العبدلي إربل قديمًا، وكان شابًا أسمر، أقام بالشام مدةّ، وذكر أنّه قرأ على أبي اليمن الكندي شيئًا من أشعار العرب، وأنّه سمع الحديث، وأنَّ عنده نحوًا وغيره، وليس كما ذكر في إحكام شيء من النحو /32 أ/ ولا غيره، وإن شمّ منها بعضها. أنشدني لنفسه في شهر جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وستمائة -شعره في غاية السقوط جدًا-: [من الطويل] أشاقك من شاطي ديالى حدائقه ... فأذريت برقا الدمع وانهلَّ ناعقه تئطُّ إلأى نصرٍ به الذَّبُّ كلَّما ... تغطغط جونٌ أو تداعت فوارقه قال الصاحب شرف الدين أبو البركات -رضي الله عنه- وهي تسعة عشر بيتًا على

هذا الأسلوب، لا فائدة في إيرادها جمعًا، لأنها رديئة الألفاظ، وقال أبو البركات -رضي الله عنه- سألته عن موضع "برقا" فقال: النصب بحذف من! . قال: هي العين. [477] عليُّ بن محمود بن عيسى بن خليل بن عليٍّ، أبو الحسن التنوخيُّ الحمصيُّ، المعروف بابن الحكم. رأيت ديوان أشعاره بحلب، وهو مجلد كبير الحجم، مرتب على حروف الهجاء، يشتمل على فنون من القريض. /32 ب/ وافتتحه بخطبة مسجعة من إنشائه، يخاطب بها بعض أصدقائه، وقد سأله أن يتحفه بشيء من نظمه، فأجابه إلى ذلك بعد أن سأله الإقالة، يقول منها: "وكنت آليت أن لا أقصد ملكًا ولا سوقةً، ولا أنشد شجاعًا ولا فروقةً، حتى سلبني الدهر ثوب الوفر، وألبسني رداء الفقر، وبدّلني اليسر بالعسر، والجبر بالكسر. فالجأتني كثرة العيال، وقلة التموال، إلى أن أريق ماء المحيا، وأنشر لبرقع صونه طيّا. فكان أوّل من تمسكت بولائه، وآخر من طوَّقت بحلي قريضي جيد عليائه؛ السلطان الملك الأمجد مجد الدنيا والدين بهرام شاه بن الملك المظفر أبي الفتح فرخشاه بن شهنشاه بن أيوب عضد أمير المؤمنين، فأنقذني من قبضة الطوى، وانتشاني من براثن أسد التوى. وأعاد عود العيش لدى ناضرًا، بعدما روى، وطرف السعد إلي ناظرًا بعدما أروى. فلأمدَّنَّه بصالح الدعاء، ولأشنِّفنَّ أذن عليائه عقود الثناء. ولأسألنَّ الله أن /33 أ/ يوزعني شكر أياديه، وان يحرس دولته بكبت أعاديه. وما برحت إبان الشباب والعيش اللباب، مستهترًا بمعاشرة الأدباء، مغرًى بمكاثرة البعداء منهم والقرباء، فلم أسمع بأديب إلَّا قصدته، ولا أريب إلَّا استنقذت منه ما أفدته حتى استخلصت لنفسي صحبًا كالنجوم، قد أحكموا صناعتي المنثور والمنظوم، فكنّا نتبارى في البيان مباراة البنان للبنان، ونتمارى في الأوزان، مماراة ذوي الإحسان بالإحسان، فما استنَّ لنا صعب لفظ إلَّا ذللناه فركبناه، ولا اعترض بكر معنًى إلَّا ألنَّاه وركبناه، فلم نغادر جدًّا

من القول، ولا هزلًا ولا رقيقًا منه، ولا جزلًا ولا نكرًا ولا طرفًا ولا ظرفًا ولا سخفًا إلَّا وأعملنا فيه بزل الأفكار، واستخرجنا أبكار، قرائح أزرت على الأبكار. كلّ ذلك رغبة بالمنظوم والمنثور، لا طلبة للفسوق والفجور، فليعذر من وقف على سخفه، واستجلى قمر مجونه من سجفه، موفقًا إن شاء الله". وبلغني أنّه كان معلم الصبيان مدّة، ثم صار بعد ذلك بمعرة النعمان في ديوان الزكاة /33 ب/ مشرفًا، وتنقل في البلاد الشامية، طلبًا للارتزاق والاسترفاد. وكان شيعيًا مائلًا إلى مذهب الإماميّة، كثير الشعر، وديوان أشعاره كبير جدًّا يشتمل على مدائح ومراثٍ وغزل ومجون وأوصاف وأغراض مختلفة النعوت. ومن شعره في غلام اسمه عبد الكريم: [من السريع] مولاي يا عبد الكريم استمع ... من عبدك الأصغر شكواه حتَّى متى تقتلني عامدًا ... بالهجر لا وأخذك الله كن مثل من أعتق عبدًا له ... ما أقبح البخل وأزراه فقال لي وازورَّتيهًا وذو الحسن على ذي الحزن تيَّاه: عبد الكريم اسمي ولمَّا يكن ... ذا العبد من طينة مولاه وشادن تسحر ألفاظه ... بنا كما تسحر عيناه أضحى نعيمي وشقائي فما ... أبعده منِّي وأدناه أموت إن أعرض عنِّي كما ... أحيا إذا لاح محيَّاه وقال أيضًا في صباه، مجيبًا لصديق له عن أبيات /34 أ/ جاءته في صدر كتاب: [من الكامل] وافى كتاب أبي عليّ يقول الأدباء عين الشعر والشعراء ففضضته فرأيت طرسًا معربًا ... عن سؤددٍ وبلاغةٍ وعلاء متضمِّنًا من نظمه دررًا حكت ... حسنًا عقود الغادة الحسناء أمهذَّب الدِّين الَّذي أخلاقه ... كالسَّلسبيل مشوبةٌ بالماء قسمًا لقد شرَّفتني وبنيت لي ... مجدًا قواعده على الجوزاء وكسوت عرضي من ثنائي حلَّةً ... أزرت بما صنعت يدا صنعاء

ولأنت أحرى بالثَّناء من الورى ... طرًّا لأنَّك زين كلِّ ثناء وقال في غلام يعوم في نهر، محلول الشعر، وقد سئل ذلك: [من المنسرح] أرسب في لجَّة الغرام كما ... يرسب ماء الأجسام في الماء وابأبي من به كلفت ومن ... أضحى دوائي من كلِّ أدوائي حسين ذو الحسن والجمال ومن ... حشا بنار الغرام أحشائي أرسل مسك الأصداغ منه على الكافور حتَّى كفرت آرائي فخلت أنَّ الصَّباح أقبل فوق الأرض يسعى في ثوب ظلماء /34 ب/ وقال أيضًا: [من الخفيف] أيُّ عيشٍ غضٍّ وأيُّ نعيم ... لم أرح منه آخذًا بنصيب قد تمتَّعت بالملاذ فما أبقيت من مأكلٍ ومن مشروب ولبست العصب المطيَّر ما اطَّيَّرت من فاقةًٍ بيومٍ عصيب وأراني أعفُّ خلقًا ولو ألصقت صبرًا إلى التُّراب تريبي وقال أيضًا: واجتاز بغلام جميل الوجه، حسن الصورة، مليح الشمائل، متعلم صنعة الأساكفة عند أستاذ يعرف بابن العقاب، والغلام اسمه بلال: [من الوافر] ألا لله اسكافٌ مررنا ... به بين العقيبة والقباب غدا مع كونه ظبيًا غريرًا ... غريب الشَّكل مقتبل الشَّباب أليف أبن العقاب ومن رأى قبله أبن الظَّبي إلف أبن العقاب وليس سوى الحشاشة من مراعٍ ... له وسوى المدامع من شراب فيعطو حين يعطو ريم رملٍ ... ويسطو حين يسطو ليث غاب /35 أ/ بلال من رضاب يشفى ليشفى ... ظماي إلى ثناياه العذاب بدا نعلًا له دكناء حتَّى ... حسبت البدر أشرق من سحاب وجال بإبرةٍ فرأيت منه ... ومنها البدر يعبث في شهاب وصال بذابل الأشفاه حتَّى ... لقد أشفيت منه على العذاب

= وليس أهاب ..... ظلَّ يفري ... بشفرته وينصح بل أحابي وقال في صباه من سنة تسعين وخمسمائة: [من المجتث] يا عتب دع عنك عتبي ... حسب الصَّبابة حسبي أنَّى وقد سار عنِّي ... فضلٌ بقلبي ولبِّي نأى فتذكاره والدُّموع أكلي وشربي فبين جفني ونومي ... ليهنه أيُّ حرب فليت لمَّا قضى بينه قضى الله نحبي ريح الصَّبا بلِّغيه ... عنِّي سلام محبِّ أذكى وأطيب نشرًا ... من روضةٍ غبَّ سحب يا قبلتي وإليها ... أدعو وفيها ألبِّي /35 ب/ يا بدر تمٍّ تبدَّى ... من فرع أملد رطب أسهرت عيني وأقلقتني وأتعبت قلبي ترى بأيَّة جرمٍ ... ترى بأيَّة ذنب وقال أيضًا: [من السريع] رأيت في المكتب أعجوبةً ... من يرها في مكتب يعجب ظبي نقًا يرتع فيه وهل ... رأيت ظبيًا قطُّ في مكتب أقبل إذ عاينني ضاحكًا ... أكرم به من مقبل واجب وزر فن الصُّدغ فعوَّذته ... بخالق المشرق والمغرب وقلت: من يضمن لي أنَّني ... أنجو وهذا البدر في العقرب وقال أيضًا، وقد اجتمع عند جماعة من أهل الأدب، وعندهم مغن يسمى "البليبل" فلما غنّى تفرقوا، فقالوا: ما هذا بلبل، هذا غراب! : [من الوافر] تجمَّع شملنا يومًا بقومٍ ... لهم في كلِّ مكرمةٍ نصاب ففرَّقنا البليبل إذ تغنَّى ... فقلت: أبلبل ذا أم غراب؟ /36 أ/ وقال محبُّه عذبٌ تغنَّى ... فقلنا: دون ذا العذب العذاب وقال أيضًا في غلام حمل شمعة: [من المتقارب]

أتانا وفي يده شمعةٌ ... كقلبي في حبِّه تلهب فخيِّل لي أنَّ بدر الدُّجى ... تألَّق في يده كوكب وقال أيضًا في غلام اسمه عفان: [من البسيط] إسم الَّذي هام قلبي في محبَّته ... لثالث الخلفاء الرَّاشدين أبُّ وانَّه اسمٌ لشيخٍ في القراءة لا ... يخلُّ حرفًا وآمن حين ينقلب وقال في غلام يسقي جلابا: [من السريع] يا ساقي الجلَّاب يا شادنًا ... بلحظه للأسد خلَّابا عنِّي بجلَّابك لا نشتهي ... منك سوى الرِّيقة جلَّابا وقال أيضًا في ولد إسمه حسين يرثيه، وتوفي بحلب: [من الكامل] إن مات في حلبٍ حسين غريبا ... وأذا [ب] أكبادًا لنا وقلوبا /36 ب/ فلقد قضى في كربلاء سميُّه ... قتلًا سليبًا من ذويه غريبا لولا التَّأسِّي عنه بالمقتول والمسموم لاستعرت حشاي لهيبا وقال هذه الأبيات، وكتبها على ظهر كتاب نهج البلاغة، وكان قد نسخه: [من مخلّع البسيط] كتبت هذا الكتاب لمَّا ... غرقت في لجَّة الذُّنوب أرجو من الله كشف ضرِّي ... وستر ما بي من العيوب فمن له في الورى نصيبٌ ... فحبُّ أهل الورى نصيبي وقال في غلام اسمه ياقوت: [من الخفيف] قل لياقوت أنت قد رحت للعين جلاءً وللحشاشة قوتنا يا معير القضيب عطفًا ولينًا ... ومغير الرَّبيب طرفًا وليتا قد وليت القلوب مذ صاغك الرَّحمان بدعًا فاعدل بما ولِّيتا وقوله أيضًا: [من المنسرح] يا لائم الصَّبِّ لا تلمه فما ... نفع أخي الشَّوق في ملامته أنت به شامتٌ ولا يستميل المغرم الصَّبَّ قول شامته وبي هلالٌ من ليل طرَّته ... لاح لحيني في غصن قامته

/37 أ/ نرجس ألحاظه وتفَّاح خدَّيه بلائي ومسك شامته وقال أيضًا: [من الوافر] رأى كلفي وقد ظعنوا بليلى ... خلِّيٌّ لا يبيت كما أبيت فقال: يفوت عمرك بالتَّمنِّي ... فقلت له: ومن لي لو يفوت أمن جنٍّ دهيت، فقلت: كلَّا ... ولكن من ذوي إنسٍ دهيت إذا أنا لم أمت أسفًا ووجدًا ... بليلى العامريَّة من يموت! وله أيضًا: [من البسيط] إن غيِّرت بعد الحيِّ حالات ... فسوف تصرف عنَّا الهمَّ حانات وشمس راح لها من راح بدر دجًى ... شرقٌ ومغربها منَّا الحشاشات تبدو فواقعها في كأس قاطبها ... كأنجم القطب يجلوها الزُّجاجات أو مثل ما نثر الدُّرَّ الثَّمين على ... أرضٍ من الذَّهب المسبوك قينات لها إذا شجَّها السَّاقي وميض سنًى ... يعشي العيون له في الكأس لمحات وللنَّدامى إليها إذ تشعشعها السُّقاة تحت الدَّياجي أريحيَّات فافضض بفضِّك طين الدَّنِّ جيش أسًى ... له على القلب كرَّاتٌ وفرات لا يغرق الهّمَّ إلا صرف دسكرةٍ ... ما إن لميقاتها في العدم ميقات /37 ب/ ما زال يكلأ صرف الدَّهر جوهرها ... ويمتري ذامها طورًا وتقتات حتَّى غدت وهي لا الأوهام تدركها ... منَّا وّلّا الخطرات الألمعيَّات ترى بنان النَّدامى من تلألئها ... كأنَّهنَّ بفرصادٍ خضيبات وجدي بكأس طلًا وجدي بحبِّ طلًا ... يذيب أكبادنا منه ..... مبلبل الصُّدغ كم قد بلبلت كمدًا ... ألحاظه السَّاحرات البابليَّات كم أمرضت من صحيحٍ يوم كاظمةٍ ... تلك الجفون المريضات الصحيحات لله عيشٌ بنعمانٍ نعمت به ... دهرًا وللدَّهر عنَّا فيه غفلات أيَّام ظلُّ الهوى دانٍ ومربعه ... غانٍ وروضاته صح أريضات فمن تذكَّر بان الجزع جزع كما ... لديَّ لذكر .......... إيَّاك نجدًا وآرامًا تروم بها ... نيل المنى فأمانيها منيَّات تسلُّ فينا سيوف الهند أعينها ... كما تهز رماح الخطِّ قامات

سقى الحمى مرجحنَّات السَّحاب وإن ... أبت فسحب الدُّموع المرجحنَّات وجيرةٍ أتمنَّاهم فما حفظت ... مع الأمانات هاتيك الأمانات ما مثل ساعات أيَّام الغوير مضت ... ولا كأوقاتها في الطِّيب أوقات وقال أيضًا: /38 أ/ في مغن متقن: [من الكامل] لله شادٍ لو بنغمته دعا الموتى أجابته من الأجداث أو لو تسمَّعه الشُّيوخ لأصبحوا ... وهم من السَّرَّاء كالأحداث وكأنَّه بدرٌ تكنَّف أنجمًا ... إذ بان بين مخانقٍ ورعاث غنَّى فأنسانا الغريض فكان في ... عقد العقول تخال كالنَّفاث فطربت حتَّى خلت أنِّي في الورى ... كسرى وأنَّ المشرقين تراثي وقوله أيضًا: [من السريع] لله ما أصبر قلبي على ... نوائب الدَّهر وأحداثه وأصعب الأشياء ما نلت من ... شيوخه النَّوكى وأحداثه وقوله في غلام جاء يبتغي سراجًا: [من الوافر] أتانا يبتغي منَّا سراجًا ... مراجًا أشرقت منه الدَّياجي فقلت وقد تزايد منه عجبي ... وتمَّ به سروري وابتهاجي فديتك يا غريب الحسن قل لي: ... أيحتاج السِّراج إلى سراج وقال أيضًا في مثله: [من الخفيف] قال لي من أحبُّ ليلًا: ألا قم ... فأتنا بالسِّراج فاللَّيل داجي /38 ب/ قلت: بيت حظي تلألأ أنوارك لا حاجة له وسراج وقال أيضًا: [من الوافر] إذا مسك الذَّوائب حلَّ يومًا ... على كافور جسمٍ علَّ راحا توهَّمناه ليل الهجر غطَّى ... صباح الوصل حتَّى لا صباحا وقال أيضًا: [من الطويل]

وكنت إذا هبَّت نسيم بلادكم ... وغنَّى على الأيك الحمام وناحا ركبت إليكم مركب الشَّوق إذ غدت ... دموعي بحارًا والزَّفير رياحا وقوله: [من السريع] مجلسنا اللَّيلة خالٍ من الأضداد حالٍ بالوجوه الصِّباح فاطلق بميدان الهوى والصِّبا ... عنان طرف اللَّهو حتَّى الصَّباح لا تحفلن فيما يقول العدا ... فما على ذي صبوةٍ من جناح وقوله في غلام أسود راكب على فرس أشهب: [من الوافر] وطرفٍ أشهب يختال تيهًا ... بريمٍ أسودٍ حلو المزاح فقلت لصاحبيَّ: ألا أخبراني ... متى ركب الظَّلام مطا الصَّباح /117 أ/ وقوله: [من الخفيف] هتفت بالصَّبوح قبل الصَّباح بنواحي العبّار ذات نواح فاسقنيها حمراء بكرًا تعيد اللَّيل صبحًا من كفِّ بكرٍ رداح وقال لأبي الحسن علي بن يوسف العطار -رحمه الله- وكان صديقه: [من الطويل] أبا الحسن بن الأكرمين ومن غدا ... هواه بأثناء الجوانح راسخا ومن خصَّ طبعًا بالبلاغة فانبرى ... بجامع ديوان التِّلاوة ناسخا كذا أبدًا لا زال جاهك شاملًا ... وظلُّك ممدودًا ومجدك شامخا فإنِّي متى أنزل ببابك أعتصم ... واحتلَّ طودًا باسق الفرع باذخا واقتضى عليه الملك الأمجد أن ينظم في الروض والسواقي، فقال بديها: [من الرجز] أنظر إلى تلك السَّواقي إذ غدت ... تجري خلال روض ناديها النَّدي كأنَّها صوارمٌ من فضَّةٍ ... قد جرِّدت من قرب الزَّبرجد وجنَّةٌ قد فرشت أرجاؤها ... بسندسٍ مقضَّبٍ معمَّد

قد رقمت كفُّ النَّسيم بردها ... بعندمٍ وفضَّةٍ وعسجد /117 ب/ كأنَّما قد سرقت خلائقًا ... من بعض أخلاق المليك الأمجد وله في مغن: [من الطويل] ألا بأبي شادٍ إذا جسَّ عوده ... وغنَّى تناسينا الغريض ومعبدا وتحسب في فيه هزارًا مغرِّدًا ... إذا رجَّع التَّغريد فينا وردَّدا وقال: [من الكامل] دع ذا النَّميمة لا تصاحبه وكن ... من كيده متخوِّفًا متعوِّذا فمتى تسالمه تسالم عقربًا ... ومتى تحاربه تحارب قنفذا وله أيضًا: [من الكامل] يا حمص جادك من دموعي وابلٌ ... إن لم يجدك من السَّحاب رذاذ فلأنت مغنًى للخلاعة والهوى ... رحبٌ وللصبِّ المشوق ملاذ وقوله: [من الكامل] لله من ينسيك لؤلؤ لفظه ... وجمان مبسمه قلائد نحره قمرٌ خشيت عليه نقصًا إن بدا ... تمًّا فلمَّا تمَّ كان بخصره وقال أيضًا: [من المجتث] يا من تذلُّ به للورى نفوسٌ عزاز /118 أ/ ومن تحرَّزت منه ... لو ينفع الإحتراز أجزا القطيعة بالوصل فالحياة مجاز مسك العذار لكافور وجنتيك طراز وقوله: [من الخفيف] لي حبيبٌ به غنيت عن الرَّوض نضيرًا وعن تناول كاس لحظه نرجسي وخدَّاه وردي ... ولماه راحي وصدغاه آسي وله في غلامٍ إسمه حيش: [من السريع] من مبلغٌ حيشًا بأنَّي امرؤٌ ... لم يصف لي في حبِّه عيش

وما لقومي إن أمت حسرةٌ ... فقاتلي دون الورى حيش وقال في حجر الرجل: [من البسيط] لمَّا عجزت ومثلي اليوم يعجز عن ... تقبيل راحة مغلي الحمد مرخصه أرسلت إذ لم تكن لي حيلةٌ حجرًا ... ينوب عنِّي في تقبيل أخمصه وقال: [من البسيط] أصار قلبي لسهمي لحظه غرضًا ... حتَّى كأنَّ له في قتلتي غرضا قاسٍ إذا قعدت جنّ الغرام به ... عن قتل من رام منه ليته نهضا /118 ب/ يظلُّ يسخط من قول المحبِّ له ... منك الصُّدود ومنِّي بالصُّدود رضا وقوله في صباه: [من الكامل] قال الطَّبيب غداة منِّي قطِّعت ... للعائدين علائقٌ ونياط كيف العليل وما عراه وما به ... قالوا له: الإعلال والأخلاط فأشار نحوي بالفصاد وقال: من ... شرط الجوى المبضاع والمشراط واستأنف التَّسال عن يد الجوى ... فأجبته: الأصداغ والأقراط فثنى أعنَّته وولَّى قائلًا: ... لا يستطيع شفاءه بقراط وقال أيضًا: [من الوافر] إذا اقتسم الخلائق كلَّ حظٍّ ... جعلت الحزن لي قسمًا وحظَّا ولو وعظوا بمن أهواه حتَّى القيامة لست أسمع فيه وعظًا حبيبٌ مقلتاه تنام عمَّن ... يبيت .... في الحبِّ يقظى حكى بدر الدُّجى وجهًا وغصن النَّقاقدّا وريم الرَّمل لحظا وناضر ورده بشرًا ونشرًا ... ولؤلؤ عقده ثغرًا ولفظا وله أيضًا، وقد سأله غلام جميل أن /119 أ/ ينظم له بيتين يكتبهما على بيضة مصوغة حمراء: [من الكامل] لمَّا حكت بنقائها لك مبسمًا ... يا ذا المراشف واللُّمى الممنوع قبَّلتها وبكيت إذ قبَّلتها ... من لوعةٍ فخضبتها بدموعي وقال: [من الخفيف]

بأبي ثمَّ بي وبالمال من أصبح شغلي دون الورى وفراغي من إذا رمت قطف تفَّاح خدَّيه حمته عقارب الأصداغ وقال: [من الكامل] يا صاحبيَّ استعطفاه وقبِّلا ... يده وأخمصه ..... عطافه وتلطَّفا وسلاه علَّ من الجوى تنتاش أنفسنا يدا ألطافه قولا: محبُّك مذ تملَّكه الهوى ... صافاك محفوظ الوداد فصافه أوردته بجواك مورد حتفه ... فتلافه بالوصل قبل تلافه وله في غلام إسمه مصبح: [من الكامل] أزرى بك اسمك يا مصبِّح مثل ما ... أزرى بذات الحسن ثوبًا أخلقا لو وافق إسمك حسن وجهك لم تجد ... في الخلق إلَّا مغرمًا بك مقلقا وقال /119 ب/ وقد رأى غلامًا جميلًا لابسًا ثوبًا أحمر، فقال بديهًا: [من الرمل] لبس المحبوب ثوبًا أحمرًا ... فأرانا قمرًا في شفق قلت: ماذا؟ ، قال لي وافترَّ عن ... مبسمٍ مثل اللآلي النَّسق: نفضت صبغة خدِّي فوقه ... قلت لا بل أدمع الصَّبِّ الشَّقِّي وقوله: [من المجتث] عجبت من فرط عجبك ... ومن قساوة قلبك ومن جميل اعتقادي ... بالصَّفح عن عظم ذنبك عاقبت ظلمًا وما خفت من عقوبة دمِّك كم قد عتبت وكم قد ... أعتبت خيفة عتبك وقال في غلام جميل فوّق إليه سهمًا: [من الكامل] يا من بأسهمه يحاول قتلتي ... مهلًا فمثلك من لمثلي يمهل اقتل بسهم اللَّحظ منَّا من ترد ... فسهام لحظك من سهامك أقتل وقال في غلام رمد: [من الكامل] /120 أ/ لمَّا سللت سيوف لحظك في الورى ... عمدًا لقتلة كلِّ صبٍّ مغرم

وجحدت فعلتها الَّتي فعلت بنا ... ظلمًا ومن يعط اقتدارًا يظلم ظهر احمرارًا في جفونك شاهدًا ... من بعد ما قتلت وأوَّلها دمي وله في غلام جميل إعتمّ بعمامة: [من المتقارب] أتاني بعمَّته من أحبُّ ... فأضحى رشادي لديه ضلاله وخيِّل لي أنَّ بدر السُّعود ... قد ألبسته يد الحسن هاله وقال أيضًا في غلام جميل سلّ عليه خنجرًا بطريق المجانة: [من الكامل] قد قلت لمَّا سلَّ فينا خنجرًا ... ومدامعي في وجنتي سجوم لا تشهرنَّ على المتيَّم خنجرًا ... فكفاه خنجر لحظك المسموم أبني تنوخٍ إن قتلت فقاتلي ... بصدوده دون الورى أبراهيم وقوله أيضًا: [من الخفيف] عاذليَّ انظرا إلى وجنتيه ... واعذراني في الحبِّ أو فاعذلاني وجنّات ... باللُّطف والرِّقَّة بين الأمواه والنِّيران /120 ب/ وقال: [من الخفيف] ركن صبري ... واهي ... يا قليل الأنداد والأشباه يا نفورًا قد ألَّف الحسن في خدَّيه بين النِّيران والأمواه صل محبًّا لم يثنه لحي لاح ... عن هوان الهوى ولا نهي ناحي مغرمًا ما لها بغيرك يا ذا الحسن يومًا وأنت عنه لاهي كنت حرًّا قبل الهوى غير أنِّي اليوم عبد لعبد عبد الله وقال أيضًا: [من السريع] يا أيُّها النَّاس اتَّقوا ربَّكم ... واخشوا لظًى نزَّاعةً للشَّوى واجتنبوا الفحشاء فهي الَّتي ... تحلُّكم في البعث دار التَّوى لا تقربوا المردان دون النِّسا ... فإنَّها فاحشةٌ تجتوى واغتنموا موعظتي فيكم ... فهي لأدواء المعاصي دوا وقال: [من المجتث] لا عيش للمرء إلَّا ... بشرب كأس الحميَّا

فاشرب وحيي بها صاحبًا بها لك حيَّا صفراء كالتِّبر لونًا ... أو كاليلنجوج ريَّا /121 أ/ تنبيك ريقة سعدى ... طعمًا ونكهة ريَّا من كفِّ أغيد حلو الأعطاف حالي المحيَّا بدرٌ .... بالشمس ..... بالثريَّا أقسمت لا حلت عنها ... وعنه ما دمت حيَّا واعذر أخاك فقلَّما ... تجدي الملامة شيَّا فقد أرى الغيَّ رشدًا ... بالرَّاح والرُّشد غيَّا [478] عليُّ بن سنان أبو الحسن الحلبيُّ، المنعوت باللطيف السَّراج. كان رجلًا عاميًا لم يعرف الأدب، ويحبّ معاشرة أهل العلم والفضل، وربّما جاد خاطره بشيء من الشعر لا بأس به؛ وقع إليّ كتاب من تصنيفه سمّاه: "سلوة الإنسان عن محبّة الأخوان" وضمّنه قطعًا من شعره. وتوفى في حدود ست وستمائة. سمع أستاذ حمّاد البزاعي، ومحمد بن الدرزار الحريري، وابا فراس محمد بن أبي الفرج النحوي الحلبي، وسعيد بن عبد الله الحريري وغيرهم. ومن شعره: [من الكامل] سفهًا لدهر ليس يصفو أمره ... إلَّا وكدَّر صفو ذاك المنهل /121 ب/ ولأهله فلقد بلوت عجائبًا ... من غدر كلِّ مماذقٍ متمحِّل بينا تراهم في الرَّخاء معاشرًا ... جليت مودَّتهم لعين المجتلي حتَّى يعود ودادهم [ذمًّا] إذا ... ما عاينوا بؤسًا أناخ بكلكل وله: [من البسيط] بؤساك يا دهر والنَّعماء واحدةٌ ... والنَّفع والضُّرُّ عندي فيك سيَّان عادت صروف اللَّيالي كلَّ ذي ثقةٍ ... فما تخالل إلَّا كلَّ خوَّان

كم قد تأمَّلت أقوامًا فخلتهم ... سادات قومٍ وما هم غير سيدان بالله أقسم لم تظفر يداي ولا ... إنسان عيني في الدُّنيا بإنسان وله: [من الوافر] نعم لا نكر للمعروف عندي ... تساوى النَّاس كلُّهم لديَّا تباغض لي حبيبهم عنادًا ... وساء فعال محسنهم إليَّا إذا ما قلت هذا المرتضى لي ... ثناه الحظُّ مسخوطًا عليَّا وإن حاولت من ولدي انتصافًا ... مضى [و] الجور يتبع والديَّا فما ذنبي لديهم ليت شعري ... وما أحتال فيهم يا أخيَّا إلى الله الشِّكاية من زمانٍ ... أرى لا شيء فيه صار شيَّا وله من أبيات: [من الوافر] /122 أ/ أعاين ما أعاين من أناسٍ ... بلوتهم امتحانًا واختبارا إذا ما اخترت من أبناء دهري ... أخا أنسٍ لعنت الإختيارا يلازمني ويصحبني كأنِّي ... أصاحبه اختيارًا لا اضطرارا أفخر الدِّين كم تغضي حياءً ... على من ما أرى فيه وقارا وله: [من الطويل] وقد رابني وجه الصَّديق وقوله ... فلا وجهه طلقٌ ولا قوله صدق يئست به من كلِّ خيرٍ رجوته ... لعلمي أنَّ الودَّ من مثله مذق وله: [من الطويل] وزهَّدني في كلِّ خلٍّ صحبته ... تجاريب تدعوني إلى الزُّهد في النَّاس وله: [من مجزوء الرجز] ما أكثر الأخوان للإنسان في الفوائد نعم وما أقلَّهم للمرء في الشَّدائد كم صاحبٍ شرقت منه بالزُّلال البارد

كان قريبًا فغدا ... من جملة الأباعد وكم أخٍ لي قد رمى ... قلبي بسهمٍ صارد /122 ب/ أقصدني لمَّا نوى ... لي عن ...... قاصد واحربا من معشرٍ ... عليَّ بالمراصد يبدون قولًا صالحًا ... وراء فعلٍ فاسد فيالها مكيدةً ... من أعظم المكائد وكتب إلى بعض أصدقائه. وكان له سماع مطرب وغيره مفرطة: [من المنسرح] إن شئت فاستر على سماعك أو ... إن شئت يومًا فعطِّل السترا فإنَّ عندي من العفافة ما ... تحمده منظرًا ومختبرا أمكِّن أذني من السَّماع ولا ... أمكَّن ألحاظ عيني المنظرا [479] عليُّ بن عبد الجبار بن محمدٍ بن عليِّ بن عبد الرحمن، أبو الحسن القيروانيُّ، الكاتب المعروف بابن الزَّيات. ولد بسوسة -مدينة بالغرب منها يسير القاصد إلى السُّوس الأقصى- ونشأ بتونس، وتأدب بها؛ ثم خرج عنها إلى الديار المصرية وبلاد الشام، ثم ألقى ..... /123 أ/ بالموصل، ونزل المدرسة البدرية المطلّة على دجلة، واستقرّ بها مقامه إلى أن توفي بها آخر نهار يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ودفن يوم الأربعاء داخل المدينة بمقبرة الجامع العتيق قبليَّه -تغمده الله برحمته-. وكان رجلًا قصيرًا أسمر اللون خالطه المشيب عفيفًا مصونًا؛ له عناية بإنشاء الرسائل، وقرض الشعر. ويحفظ من الأشعار جملة وافرة، ومن أقاويل الأندلسيين؛ وله فصول من إنشائه ومكاتبات مليحة، ونظم حسن وبلاغة. وسمع كثيرًا من الحديث

النبوي. وكان في أخلاقه زعارة، حادّ المزاج، يتعصب لأهل الغرب تعصبًا مفرطًا، صحبته بالموصل مدّة، وكتبت عنه شيئًا من شعره وشعر غيره. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض الوزراء -واسمه يوسف- ويصف قلمه ويهنئه بعيد النحر في أثناء رسالة: [من الكامل] أبطرفه أم ثغره أم ريقه ... شبَّ الهوى في القلب نار حريقه أم ليله الغاشي صباح جبينه ... أم خدِّه أورى شعاع رحيقه /123 ب/ نشوان أولع ردفه بقوامه ... ولع الفؤاد إذا بدا بخفوقه يا ناظرًا بعقوقه هب ناظري ... سنة الكرى لمَّا سخا بعقيقه إنسان عيني قد قضى من دمعها ... في بحره وارحمتا لغريقه ومنها يصف القلم: وبمهجتي الألمى الَّذي في كفِّه ... لا اثم معتدل القوام رشيقه إذ غيثنا من سحبه ومقيلنا ... في ظلِّه وحياتنا من ريقه ومنها في وصفه أيضًا: علمٌ لدى كلِّ المكارم في يدٍ ... تعلو فيعلو القصد عند خفوقه بل صيِّبٌ يهمي المنايا والمنى ... بأسًا وجودًا في خلال بروقه يا مالكًا أولى فأظهر صنعه ... فرجًا على ضنك الزَّمان وضيقه هنِّيت بالعيد المبارك بالغًا ... أملًا رجوت الله في تحقيقه ما بين نحر عدًا وعرفٍ ..... ... من ترك الشكور عرف خلوقه أبدًا لشتَّى المكرمات مجمِّعًا ... ما تعجز الأيَّام عن تفريقه ما زاد من صدق الثَّناء ليوسفٍ ... في الحمد بل أثنى على صدِّيقه وأنشدني أيضًا لنفسه /124 أ/ يمدح نجم الدين أبا الفتح يوسف بن الحسين بن المجاور الدمشقي بمصر -وزير الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بن أيوب

صاحب الديار المصرية-: [من الكامل] منعت رقيب الحيِّ أن يترقَّبا ... وبدت وحشو نقابها لن يحجبا طلعت فقلنا: الشَّمس لاحت مشرقًا ... وثنت فقلنا: البدر أمَّ المغربا ماست فكان الغصن طيَّ وشاحها ... ورنت فخلناها تحاكي الرَّبربا سحبت على حين الوفا أذيالها ... جرَّ الرِّياح ذيولهنَّ على الرُّبى ونظرت من خلل البرود مفضضًّا ... لبنانها قد صيَّرته مذهبا ورأت بياض الفجر لاح فأعرضت ... فرقًا وطلق .... مقطِّبا أفرقت أن نمَّ الصَّباح بمفرقي ... وزجرت للتفريق كافور الصِّبا لا تعتبي شيئًا ألمَّ بلمَّتي ... إنَّ المشيب غبار معترك الصَّبا أصحبت وصل الهمِّ ثمَّ صدقتني ... فرددته همًّا به إذ أصحبا عذبات فرعك يا سعاد لعاشقٍ ... لو لحن أنوار لخال الغيهبا /124 ب/ كم قد بذلت عذابه في هجره ... ومنعته عذبًا برودًا أشنبا ولَّت وقد ضحَّت فضول أزارها ... تيهًا يزيد المغرمين تعجُّبا عطفت على باب الوزير ...... ... غادرن قلبي بالسَّقام مقلَّبا تشكو بنو الأيَّام لابن مجاورٍ ... كيما يؤِّنب منهم من أذنبا أعني أبا الفتح الَّذي دانت له ... رتب الوزارة ... فاغربا العالم الفطن الجواد المرتضى ... أكرم به من سيِّدٍ ما أخطبا لله يوسف في صفات سميَّة ... لمَّا أرانا منه خلفًا مذهبا صدَّقت يا خدن العزيز محاسنًا ... تبدو مخايلها لعينك خلَّبا ودعيت نجم الدِّين لمَّا كنته ... وطلعت في أفق المعالي كوكبا فأذعت دين الجود عند خموله ... ونسخت شرع البخل لمَّا أرهبا بضئيل أقلامٍ جعلت مداده ... حدًّا يقلِّم في الخطوب المقضبا وجررته كيما يقال مثقَّفًا ... وهززته كيما يقال مشطَّبا ومن نثره من كتاب كتبه جوابًا عن كتاب وصل من أخيه من المغرب. وكان بلغه

أنَّ صاحب أفريقية أحضره /125 أ/ مجلسه فكتب إليه جواب كتابه، فكان منه: "وكلما إطمأنت النفس بعافيته، ..... إلى الإقامة ناداها النزوع إليه: {يا أيَّتها النَّفس المطمئنَّة ارجعي}، وكلما أفاضت الذكرى العبرة، قال كتابه الكريم لسحاب الجنوب: {يا سماء أقلعي}، وكلّما عاودت الملاحظة بحظه السعيد ... الخاطر السمع يا أذني شوقي ..... وردت أخباره الكريمة على ألسن الواردين، ألطف من نسيم الأسحار، وأسفرت وجوه وجاهته فلا كرامة للنهار المنهار، فهيّجت ذكرى، وأوجبت حمدًا وشكرًا. وقال بها الشوق للقلب: {إنَّك لن تستطيع معي صبرًا}، وجددت شكر النعمة المتحدّث بها على ما وهب الله مولاي .... من العلوم التي كل وجوهها حسنة، وأهلَّه بها لحضور المجالس التي هي صدور لا حرجة ولا خشنة، وخصّه بالفوز منها بمعاني الفضل التي كلها عيون لا يأخذها نوم ولا سنة؛ لا برح مجدها دافعًا في صدور المواكب، وعرفها مخجلًا ما هتن السواكب، وتراب مواكبها طارفًا طرف النوائب، /125 ب/ والحديث عن جودها مع كثرته معدود من العجائب". وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] شفق الحياء بوجنتيه طلوعه ... ظبيٌ بجفني في الهجير ربيعه قد حلَّ الحياء منه مواده ولشوقه ... لا تستقلُّ مع الزَّمان دموعه فبحسنه ينهى ويأمر مهجتي ... فالعين تبصر والفؤاد يطيعه يكرى معافى القلب من برحائه ... خلوًا وقلب جريحه ملسوعه درس الخلاف فما يقول مسلمٌ ... منِّي وقولي كلُّه ممنوعه أفساد وضعٍ في سؤال محبِّه ... أم أصله قد خالفته فروعه

تقرير فتوى الحبِّ منه معارضٌ ... وبنقضه نظر الهوى مقطوعه أرهقت بين دليله ودلاله ... لمَّا ترجَّح في الدَّليل شروعه الاقصاص .... في رأيه ... يا ليت شعري ما يكون صنيعه وأنشدني أيضًا قوله: [من البسيط] وأغيد من .... الشَّام ذي دعج .... يوسف من أذى صواحبه أذاب قلبي ..... ... ومال للتّرب جسمي من ترائبه ما شام عن مهجتي .... ... إلَّا رمانا بنبلٍ قوس حاجبه [480] /126 أ/ عليُّ بن المقرب بن منصور بن المقرب بن الحسن بن عزيز بن ضبّار بن عبد الله ابن عليِّ بن محمد بن إبراهيم بن محمدٍ، أبو عبد الله الربعيُّ البحرانيُّ العيونيَّ. هكذا أملي عليّ نسبه من حفظه -وهو من موضع بالبحرين يقال له العيون-. أخبرني أنّه ولد به في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. وتوفي به أواخر المحرم

سنة ثلاثين وستمائة. وكان شاعرًا مجودًا منتجعًا كثير المدح، قليل الهجاء، جيد القول متينه، قوي اللفظ رصينه. وهو أحد الشعراء الموصوفين المشاهير في عصرنا، المعروفين، أقرّ له بالحذق آية العراق من ذوي الأدب والعلم، ومذهبه في الشعر مذهب الشعراء المتقدمين في جزالة الألفاظ، وإبداع المعاني. رحل إلى الملوك وامتدحهم فأحسن، ومدح الخلفاء الراشدين -صلوات الله عليهم-؛ الناصر لدين الله، والظاهر، والمستنصر بالله -رحمه الله-. شاهدته بمدينة السلام سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وأنشدني الكثير من قوله؛ ومعظم شعره يحفظه ويورده، ولم يتوقف في إيراده، ولا يجد /126 ب/ بذلك سامة ولا ضجرًا. ومن شعره يقول من قصيدة يمدح بها مولانا الملك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين تاج الملوك والسلاطين ملك أمراء الشرق والغرب؛ أبا الفضائل غرس أمير المؤمنين -كبت الله أعاديه وقصم ضدّه ومناويه-: [من البسيط] حطُّوا الرِّحال فقد أودت بها الرَّحل ... ما كلِّفت سيرها خيلٌ ولا إبل هذا هو الملك بدر الدِّين خير فتًى ... به تعلَّق للراجي الغنى أمل هذا الَّذي لو يباري فيض راحته ... فيض البحار لما أضحى بها بلل هذا الَّذي بالنَّدى والبأس يعرفه ... وبالتُّقى كلُّ من يحفى وينتعل وهي قصيدة طويلة، ولم أجد منها سوى ما ذكرته فان عثرت بباقيها الحقته في مكانه -إن شاء الله تعالى-. وأنشدني لنفسه في التاريخ المقدم ذكره: [من البسيط] إلى م أورد عتبًا غير مستمع ... وأنفق العمر بين اليأس والطَّمع

وكم أحيل على الأيَّام مغتربًا ... ما يحدث البدع النَّوكى من البدع آليت أنفكُّ من حلٍّ ومرتحلٍ ... وأن تقول لي الآمال: خذ ودع /127 أ/ لا صاحبتني نفسٌ لا تبلِّغني ... مراتب العزِّ لو في ناظر السَّبع سيصحب الدَّهر منِّي ماجدٌ نجدٌ ... لو داس عرنين أنف الموت لم يرع أأقبل النَّقص والآباء منجبةٌ ... والبيت في المجد ذو مرأى ومستمع لأركبنَّ من الأهوال أعظمها ... هولًا وما يحفظ الرَّحمان لم يضع ولا أكون كمن يسعى وغايته ... ومنتهى سعيه للريِّ والشِّبع أيذهب العمر لا يخشى معاندتي ... خصمي وجاري بقربي غير منتفع وبين جنبيَّ عزمٌ يقتضي هممًا ... لو ضمَّها صدر هذا الدَّهر لم يسع فلا رعى الله أرضًا لا أكون بها ... سمًا لمستوكفٍ غيثًا لمنتجع كم عاين الدَّهر منِّي صبر مكتهلٍ ... إذ ليس يوجد صبر العود في الجزع وكم سقاني من كأسٍ على ظمأ ... أمرَّ في الطَّعم من صابٍ ومن سلع وما رمتني بكرٌ من نوائبه ... إلَّا قتلت وصبري هامد الجزع سلاه خلا عني هل صحبتهم ... يومًا من الدَّهر إلَّا والوفاء معي ألقى مسئيهم بالبشر مبتسمًا ... حتَّى كأن لم يخن عهدًا ولم يضع وسلهم هل وفى لي من ثقاتهم ... حرُّ ولم يشري في نقصي ولم يبع ثكلتهم ثكل عينٍ ما تبطَّنها ... من القذى أو لثكل العضو للوجع /127 ب/ لقد تفكَّرت في شأني وشأنهم ... فبان لي أنَّ ذنبي عندهم ورعي فاه من زفراتٍ كلَّما صعدت ... في الصَّدر كادت تورِّي النَّار من ضلعي يسوقها أسفٌ قد ثار من ندمٍ ... يربي على ندم المغبون من كسع وليس ذاك على مالٍ نعمت به ... حينًا وأفناه صرف الأزلم الجذع ولا على زلَّةٍ أخشى عواقبها ... والنَّاس حزبان ذو أمنٍ وذو فزع لكن على دررٍ تزهو جواهرها ... في عقد كلِّ نظامٍ غير منقطع

توَّجتها معشرًا لا أبتغي عوضًا ... فيها وإنِّي في قومي لذو قنع وكنت أولى بها منهم وكم مننٍ ... ضاعت وما فائتٌ يمضي بمرتجع وغرَّني منهم لفظٌ خدعت به ... والنَّاس ما بين مخدوعٍ ومختدع فلو يكون إلى الأصداف نسبتها ... لكان ... يلهي عن الهلع لكنَّها الجوهر الطَّبعيُّ قد أمنت ... من التَّشظِّي مدى الأيَّام والطَّبع ليبعدنِّي عنهم شكُّ ناجيةٍ ... وجناء عقلٍ من التَّوقيع والرقع أو ذات قلعٍ من العيناء ما عرفت ... في زجرها ... يومًا ولا هدع ولا رعت عند حمل الثِّقل من ضجرٍ ... ولا إلى هبعٍ جنَّت ولا ربع تجري مع الرِّيح إن هونًا وإن مرحًا ... فنعم مطلعه من هول مطَّلع /128 أ/ فتلك أو هذه أجلو الهموم بها ... إذا تطاول ليل العاجز الضَّرع يأبى لي المجد أن أرضى بغير رضًا ... ورأي ماضٍ وعزمٍ غير مفترع ما أقبح الذُّل بالحرِّ الكريم وما ... أسوا وأقبح منه ... مالي أجمجم في صدري بلابله ... ومنكب الأرض ذو منأى ومتَّسع وكلُّ أرضٍ إذا يمَّمتها وطني ... وكلُّ قومٍ إذا صاحبتهم شيعي ولي من الفضل أسناه وأشرفه ... وهمَّةٌ جاوزت بي كلَّ مرتفع المجد أعتق والآداب بارعة ... وذروة الحمد مصطافي ومرتبعي لي النَّباهة طبعٌ قد عرفت به ... وكلِّ معنًى من الألفاظ مخترع فيأسكم من رجوعي بعد منصرفي ... نطاف دجلة تغنيني عن الجرع سيعرف الخاسر المغبون صفقته ... منَّا ومن ضيَّع البازي بالوضع لا خير في منزلٍ يشقى الكرام به ... ويلحق السَّيِّد المتبوع بالتَّبع كم ... قومي لا بل كم أمرتهم ... بحسم داء العدا فيه فلم أطع فلم أجد بعد يأسي غير مرتحلي ... عنهم لهمٍّ أسلِّيه ومتدع فإن يريعوا أرع والعقل مكتئب ... والرَّبع خيرٌ ومن للعمي با .... وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]

/128 ب/ وقائلةٍ والعيس تجدح للنوى ... ودمع الجوى في الخدِّ قد جال جائله عليك بصبرٍ واحتسابٍ فإنَّما ... يفوت الثَّنا من راح والصَّبر خاذله ولا ترم بالأهوال نفسًا عزيزةً ... فذا الدَّهر قد أودى وقامت زلازله فكم كربةٍ في غربةٍ ومنيَّةٍ ... بأمنيَّةٍ والرِّزق ذو العرش كافله فقلت لها والعين شكرى بزفرةٍ ... أردِّدها والصَّدر جمٌ بلا بله أبالموت مثلي ترهبين وبالنَّوى ... وعاجله عندي سواءٌ وآجله فللموت أحلى من حياةٍ ببلدةٍ ... يرى الحرُّ فيها ... من لا يشاكله [481] عليُّ بن يوسف بن محمد بن عبد الله بن شيبان بن الحسن بن عامر بن عبيد الله، وهو من بني كنّاز بن خليد بن عبد الله بن نمير بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، أبو الحسن النميريُّ الماردينيُّ، المعروف بابن الصفار. أخبرني أنه ولد بماردين سنة خمس وسبعين وخمسمائة ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم، ونظر في علم العربية، وكتب الإنشاء للملك المنصور /39 أ/ ناصر الدين أرتق بن ألبي بن أيلغازي بن ألبي بن أرتق -صاحب ديار بكر- ثم عزل عن الكتابة، وتولّى الإشراف بديوان دنيسر ثماني عشرة سنة. وهو شاعر في فنه بارع، نجمه في سماء الشعر طالع، له المعاني الغريبة،

والألفاظ العجيبة، يذهب في شعره مذهب أهل الصناعة، ويترامى إلى نوع البديع كثيرًا، قل ما خلا له بيت شعر من ذلك. صار إلى مدية إربل في أواخر شهر ذي الحجة سنة سبع وعشرين ستمائة مرتزقًا، فصادفته بها، بمجلس الصاحب الوزير أبي البركات المستوفي -رحمه الله- فأنشدني لنفسه فيه، يمدحه من أبيات: [من الكامل] وعصابةٍ قصروا عليك ثناءهم ... حتَّى فلوا بمديحك الفلوات قالوا: أمامك محسنٌ أبوابه ... مأوى النَّدى ومظنَّة الحسنات فانزل بإربل تلقه بفنائها ... شرفًا منيعًا عالي الدَّرجات وإذا السَّرار رمى بدورك في الغنى ... بالمحق فاسر إلى أبي البركات تجد امرأ ما غيَّرت أخلاقه ... غير الزَّمان وشدَّة الأزمات فأتيت نحوك لائذ الأوطان ... ..... ولا يثني الهوى عزماتي /39 ب/ وأنشدني لنفسه يمدح الملك المنصور -صاحب ماردين- من قصيدة: [من البسيط] ما ضرَّ طيفك أن لو زار إلماما ... وأين منِّي كرًى أقضيه أحلاما لا مضجعي قرَّ من بعد البعاد ولا ... طرفي الَّذي كنت أشكو نومه ناما ما بتُّ إلَّا وهاج السُّقم عندي أوجاعًا وزاد عليَّ البين آلاما وساحر الطَّرف ما لي فيه من سحرٍ ... كالرِّيم نال من العشَّاق ما راما أجبته وهو لا يدري فدام لنا ... طيب الحياة وصفو العيش ما داما كنَّا نبيت نشاوى من مدام هوى ... عذراء لم تفترع كأسًا ولا جاما ونجتني الورد حتَّى لان مسمعه ... للنَّاس فازددت من واشيه نمَّاما قم ننتهز فرص الدُّنيا ولذَّتها ... حينًا ونرغم صرف الدَّهر إرغاما أما ترى الرَّوض نسَّاجًا ملاءته ... على الثَّرى وغمام المزن رقَّاما إذا تناثر سلك الطَّل كان له ... في مثله من أصول الدَّوح نظَّاما خمرًا ألمَّت بخمري البنفسج في ... آسيِّه يدسارٍ هبَّ نسَّاما ففتَّقته جيوبًا حين صار له ... وصف اللَّطائم لمَّا انشقَّ أكماما وأصبح النَّرجس البرِّيُّ يعجب من ... نيلوفرٍ شقَّ بحر الماء عوَّاما

/40 أ/ كأنَّما غلط الأيَّام خوَّله ... نعمى أو الملك المنصور إنعاما وأنشدني أيضًا من شعره: [من البسيط] ألمَّ بي طيفكم وهنًا فحيَّاني ... وظنَّ أنَّ الكرى من بعض سلواني ولم أنم غير أنِّي نمت من كلفي ... بكم فلمَّا ألمَّ الطَّيف أحياني بنتم فجاب ثموديُّ الحداة بكم ... من قلبي الصَّخر بالوادي فأبكاني لكن عجبت وراء الرَّكب كيف نجا ... من عارضٍ ممطرٍ فيها لأجفاني إذا عدمت إصطباري عنك أول يومٍ غبت فيه فكيف الحال في الثَّاني واحرَّ قلباه من نارٍ تشبُّ به ... وآه من طرفي الجاني بل الجاني وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] تعلَّقته أمِّيَّ حسن فماله ... أتى بكتاب ضمنه سورة النَّمل ومالي أنا المجنون فيه وشعره ... إذا مرَّ بالكُّثبان خطَّ على الرَّمل وأنشدني قوله: [من السريع] أمن هلالٍ أنت يا وجهه البادي بهذا المنظر المقمر وجهٌ من الرُّوم ولكن له ... في الخدِّ خالٌ من بني العنبر بعني بأعلى ثمنٍ نظرةً ... أحيا بها يا طلعة المشتري /40 ب/ وأنشدني له من قصيدة: [من البسيط] كأنَّما مقلتي لمَّا بكيت دمًا ... جراحةٌ فيَّ منها الجسم مجهود أسوتها بابتسام الثَّغر فامتلأت ... ملحًا ممِّضًّا به للوجد تجديد كحلت بالحسن أجفاني فما اغتمضت ... ومرَّد الحسن في الأجفان تسهيد يا جائرًا قبله لم ألف من غصنٍ ... مهفهفٍ لبُّه المنحوت جلمود شكواي من جفنك الصَّاحي الذَّبول وإن ... تنكر فناظرك السَّكران عربيد ومنها قوله:

ولائمٍ في هواكم ربَّما شهد البلوى وكم لي يومٌ فيه مشهود لسائل الدَّمع نهرٌ منه مطَّردٌ ... من أجله النَّوم عن جفنيَّ مطرود وأنشدني لنفسه من قصيدة يصف فيها الخمر: [من الكامل] حمراء لا تدري من العنب الَّذي ... عرفت به عصرت أم العنَّاب شجَّت فسال لها دمٌّ خضبت به ... الأيدي فنابت عن ذبيح أناب حتَّى إذا بزل الكؤوس خليطها ... طربت له زبداتها بقباب وأنشدني لنفسه من قصيدة: [من البسيط] /41 أ/ حتَّى إذا اخضرَّ من ماء الشَّباب عذاره ... كما احمرَّ خدَّاه من الخجل خافت زمرُّد خطِّيه ذؤابته ... فاستخبأت خلفه فهي ...... وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الكامل] ردَّت يداه إلى ذؤابته ... صدغيه لمَّا أمكن الرَّدُّ فإذا أساوره ثلاثتها ... فردٌ وكلُّ ثلاثةٍ فرد وأنشدني لنفسه في قصر النهار، وهو بديع لم يسمع بمثله: [من المتقارب] ويومٍ حواشيه ملمومةٌ ... علينا تحاذر أن تفرجا قنصت غزالته والتفتُّ أريد اختها فاحتمت بالدُّجى وأنشدني له من قصيدة: [من الكامل] وإذا مررت على السُّويقة حيث طلَّ دمي وحيث أصيب منِّي المقتل فخذ الأمان من الحسان فسهمهنَّ منصلٌ ووشيجهنَّ مؤلَّل وإذا رأيت هناك أسمر مشرعًا ... سله متى ابتدع السِّنان الأكحل ومنها: كالبدر إلّا أنَّه بقوامه ... وبناظريه وحاجبيه مكمَّل

/41 ب/ والغصن إلَّا أنَّه نضَّارةٌ ... من أجلها ذبل الرِّماح الذَّبل ومنها في المديح: لا تخش من عين الكمال فما انتهت ... بك آيةٌ إلَّا ونفسك أفضل وإذا بلغت ولا تزال زيادةً ... لك في العلا فمتى تتمُّ وتكمل وأنشدني من قصيدة: [من الكامل] نازعتها خصر .... كميته ... حالٍ بسمطي ثغرها مقلود وهممت فاستعصى وفيه رقَّةٌ ... عتق ومنه النَّار وهو برود وأنشدني أيضًا من أخرى: [من الكامل] قلبٌ يذوب جوًى فيقطر ذوبه ... من مقلتي العبرى نجيعًا محرقا وخيال جسمٍ فيه نفس بعوضةٍ ... كادت تطير به إليك تشوُّقا ومنها: وعجبت لمَّا اناد غصن قوامه ... فرأيت أعدل ما رأيت وأرشقا كيف انثنى تحت النَّسيم وما انثنى ... عن عزمه في شملنا فتفرَّقا وأنشدني لنفسه: [من الكامل] وغريرةٍ سكرى اللَّواحظ كلَّما ... فترت تنشِّط لوعتي أجفانها /42 أ/ وإذا دنت فأصاب قلبي طرفها ... غضَّت فأخطأ مهجتي سلوانها وأنشدني لنفسه، يصف الفهد: [من الطويل] ومتَّصفٍ بالفتك عند اكتسابه ... على ظفره أثر الدَّماء ونابه كأنَّ مهاة الفلك لمَّا انتهى به ... مداه إلى سرب المها وانتهى به رمته بشهب الجوِّ خوف انتقامه ... فأطفأها في عسجدٍ من إهابه وأنشدني لنفسه مبدأ قصيدة: [من المنسرح] أما وجفنيك إنَّه قسم ... ما دار لي بالسُّلوِّ عنك فم

ولا طواني البعاد إلَّا على ... نار أسًى في الفؤاد تضطرم سرُّ المحبِّين لا يكاد إذا ... امتحنته الصُّدود ينكتم يجفونه والضَّنى ينمُّ به ... والحبُّ ممّا يذيعه السَّقم فهل لمن ظلَّ في هواك إلى ... وصلك نهجٌ يبين أو لقم أم هل لنا عودةٌ بشعب الثَّنيَّات وشعب السعادة ملتئم وعقد شملي الشَّتيت ..... شتيت الثَّغر فوق العقيق منتظم ما أنا بالبدع في الغرام ولا ... أوَّل خلقٍ أضلَّه صنم وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] /42 ب/ إذّا هبَّ النَّسيم بطيب نشرٍ ... طربت وقلت: إيهٍ يا رسول سوى أنِّي أغار لأنَّ فيه ... شذاك وأنَّه مثلي عليل وأنشدني أيضًا من شعره: [من البسيط] يا أيَّها الرَّشأ المكحول ناظره ... عيني ..... من نارٍ بأحشائي فرط انغماسك في التَّيَّار حقَّق أنَّ الشَّمس تغرب في عينٍ من الماء وأنشدني أيضًا قوله: [من الطويل] يد ابن خميسٍ في الحرام طويلةٌ ... فلا سلمت طولًا ولا وصلت قصرا يدٌ مثل حرف الشَّرط خفَّت فلم تجز ... على جملةٍ إلَّا اقتضت جملةً أخرى [482] /42 ب/ عليُّ بن يوسف بن محمَّد بن يوسف بن أحمد بن الحسن، أبو الحسن بن أبي الحجّاج الموصليُّ، المعروف بابن العطّار. أصله من مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو من أولاد محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.

سألته عن ولادته، فقال: ولدت في أوائل المحرم سنة خمسٍ وثمانين وخمسمائة بالموصل -أطال الله له البقاء- سمع شيئًا /43 أ/ من الحديث على القاضي أبي إسحق إبراهيم بن نصر بن عسكر قاضي السلامية، وأبي عبد الله الحسين بن عمر بن باز الموصلي، وأبي إسحق إبراهيم بن المظفر البرني الواعظ. ولّاه المولى الملك الرحيم بدر الدين أبو الفضائل -ثبت الله دولته- على الزكاة ... وحفظ بيت المال، لما رآه من عقلاء الرجال، عفيفًا عن الأموال. وهو من رؤساء الموصل المعتبرين، وكبرائها المشهورين، عديم المثل، غزير العقل، من ذوي الأحوال، مشهور بمحاسن الفعال. أحسن الناس خلقًا، وأكرمهم حلقًا، محبوب إلى أهل مصره، أحمع الناس على مدحه وشكره، يجمع كيسًا ولطفًا وبشاشة وظرفًا، ذو معروف وسخاء، وطلاوة وحياء، وديانة ظاهرة، ومروءة وافرة، لم يتعرض بسوء لأحد في حال ولايته. وذلك لكمال عقله ونزاهته، يحبّ أهل الخير والصلاح، وذوي الفضل. وله شعر حسن النمط، خالٍ من السقط، كثير العيون، مصقول المتون. أنشدني لنفسه، يمدح المولى المالك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين ملك أمراء الشرق /43 ب/ والغرب، شرف الملوك تاج السلاطين، بهلوان جهان مرزبان العراق طغرلتكين بلكا أتابك أبا الفضائل غرس أمير المؤمنين -أدام الله دولته وبلغه أمنيته-: [من الخفيف] كم أناوى في حبِّكم وأعادى ... وضلالي فيكم أراه رشادا سادتي كارهًا تخلَّفت عنكم ... لا لأنِّي أخلفتكم ميعادا ما صفا لي من بعد بعدكم العيـ ... ـش فمن لي يردُّ ما لن يعادا برَّح الشَّوق بي إليكم وصبري ... قلَّ عنكم لكن غرامي زادا أترى العاشقون قبلي لاقوا ... في الهوى ما لقيت إلَّا كبادا أم تفرَّدت دونهم بزفيرٍ ... دبَّ في أضلعي وشبَّ اتِّقادا

يا حبيبًا جفا فأورث قلبي ... نار وجدٍ وجفن عيني سهادا أنت منِّي حللت في أسود القلب ومن مقلتي عدلت السَّوادا ما بحظِّي إلى الحضيض أراه ... منك يهوي لتشمت الحسَّادا ما .... من يصفيك ودًّا وحبًّا ... ويفدِّيك أن يثاب بعادا لا تكن جائرًا عليه من الدَّهر الَّذي لم ينل كريمًا مرادا يضع الفاضلين ظلمًا ولؤمًا ... دائمًا ثمَّ يرفع الأوغادا /44 أ/ رمت من صرفه السَّلامة لمَّا ... لم أجد مغنمًا فزاد عنادا فطلبت الفرار منه إلى ظلِّ مليكٍ فاق الملوك وسادا فوجدت البرَّ الرَّؤوف الرَّحيم العالم العامل الحليم الجوادا ملجأ القاصدين كهف المساكين ومن عفوه النُّفوس أفادا والَّذي الموت والحياة لديه ... فهو أحيا سلمًا وحربًا أبادا جلَّ عن أن ... مالا يداه ... ملكٌ كلَّما تلفَّظ جادا لا يرى بذله الدَّنانير جودًا ... إذ سواه يميحها القصَّادا فإذا جادت الملوك بتبرٍ ... شرفت نفسه وأعطى بلادا ناده يا أبا الفضائل عند الكرب والهمِّ تلف خير منادى يغني الفقر يكشف الضُّرَّ يحمي الجار بالسَّيف يهلك الأندادا جوده وابلٌ أصاب جميع الخلق والعدل منه عمَّ العبادا يا مليكًا يسرُّ كلَّ ودودٍ ... فعله حين يرغم الأضدادا أنت روحٌ حللت في كلِّ ذا العالم إذ أصبحوا لك الأجسادا قد كفاني إنشاد مدحك فخرًا ... لي يا من أسَّ الممالك شادا وخطيبٌ أثنى عليك كفاه ... شرفًا ذاك إذ رقى الأعوادا /44 ب/ بك مولاي حين هنَّوك بالعيد أهنِّي الزَّمان والأعيادا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف] لا أرى البرَّ في البريَّة إلَّا ... من لهم برَّ بالعطا والصِّلات لا الَّذي الذي صام في الهجير وأمسى ... قائمًا ليله مقيم الصَّلاة وأنشدني لنفسه أيضًا من قصيدة أولها: [من الخفيف]

يا خليليَّ بالفلا خلِّياها ... تقطع البيد في الدُّجى بخطاها شمِّراها فإنَّها قد براها ... بالفيافي الجوى وجذب براها واستقلَّا على ظهور مطيٍّ ... قد حناها حنينها ووجاها لاتني في مسيرها وهي أهدى ... في الظَّلام البهيم ممَّن حداها غنِّياها بذكر من صرع العشق وأودى الهوى ولا تزجراها فلها حرمةٌ على كلِّ صبٍّ ... روَّحته بي راحةٌ بعناها [483] عليُّ بن المعافى بن إسماعيل بن الحسين بن الحسن بن أبي الفتح بن أبي السنان، أبو الحسن بن أبي محمدٍ الموصليُّ. أخبرني أنّه ولد ليلة الخميس الرابع والعشرين /45 أ/ من شوال سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة. حفظ القرآن العزيز، وسمع الحديث على جدِّه لأمّه أبي محمد عبد الله بن الحسن. وتفقه على مذهب الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وأتقنه فهمًا. وصار بالمدرسة القاهرية معيد درس القاضي أبي الفضل عبد الكريم بن محمد بن مهاجر الموصلي. وتولّى تدريس بعض المدارس بالموصل. وهو مفتي البلد في وقته، وإليه يرجع في الفتاوي، وبقوله يأخذ الناس؛ وهو فقيه عالم مناظر فاضل له معرفة بالتفسير. أنشدني لنفسه يرثي والده: [من الرمل] خلِّ ذكراك لمن للعهد وافى ... واذكر الحبر المسمَّى بالمعافى واندب العلم وأهليه به ... وكذا الزُّهد ومن لله صافى بشرٌ يجمع من هيبته ... كلَّ شيطانٍ ولو ألقى مسافا لم يزل يشكر مولاه على ... كلِّ حالٍ منه حتَّى الموت وافى

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الكامل] يا ليلةً سمح الزَّمان بها فأعقبني ندامه ما أحسن الدُّنيا إذا ... كانت أواخرها سلامه /45 ب/ وأنشدني أيضًا قوله: [من المتقارب] حسدت البنفسج إذ حلَّ في ... أنامل كفِّ إمام الورى وقرَّب منه خياشيمه ... وأوما إليه بعين الرِّضا [484] عليُّ بن محمّد بن صدقة بن سبتي بن هارون بن سليط بن رافعٍ، أبو الحسن بن أبي الحسن الخفاجيُّ البغداديُّ. كان والده من شعراء الديوان الناصري، وولده هذا أبو الحسن شاعر متأدب، حافظ للقرآن العزيز، فصيح المنطق، عذب الإنشاد والقراءة، حسن الصوت، ففيه حنفي، عارف بالخلاف. تولّى الإعادة بالمدرسة المستنصرية لدروس أقضى القضاة عبد الرحمن ابن إسماعيل بن عبد الرحمن اللامغاني، مدح الناصر والظاهر والمستنصر بالله أمير المؤمنين -صلوات الله عليهم-. أنشدني لنفسه ببغداد من قصيدة طويلة، يمدح بها الظاهر بأمر الله أبا نصر محمد -رضوان الله عليه- حين تقلّد الخلافة، وبايعة الناس: [من الطويل] /46 أ/ جزعت فهل يوم النَّوى أنت جازع ... وفاضت .... الدُّموع الهوامع أحاول أن أستمسك الدَّمع بعدما ... عفا الجزع من وادي النَّقا فالأجارع مرابع إلف الحيِّ لا زال يغتدي ... عليهنَّ من نوء السِّماك مرابع أراجعةٌ تلك اللَّيالي حميدةً ... عليَّ وهل ماضٍ من العيش راجع ومن ذا الَّذي يسترجع اليوم أمسه ... فقد منعت من ردِّ أمس موانع ومن كفتًى أمسى غريبًا ببلدةٍ ... تعاوده أحزانه وتفاجع وحيدًا تحامته الأقارب جفوةً ... وضاقت عليه في البلاد المطالع إذا هجعت عين الخليَّ ترادفت ... عليه الهموم فهو يقظان هاجع يراقب نجم الصُّبح واللَّيل جانحٌ ... ويرقب نجم اللَّيل والصُّبح طالع

وما ذاك من عشقٍ ولا من صبابةٍ ... بلى راعني من فقد أهلي رائع ومنها: مضى في طلاب العزِّ شرخ شبيبتي ... ولا عذر للعلياء والشَّيب وازع فكم من حريصٍ مقترٍ وهو ناصبٌ ... ومن عاجزٍ نال الغنى وهو وادع وقد يحمل الضَّيم الفتى وهو قادرٌ ... على كسب مالٍ وهو بالدُّون قانع أيعجب من نظم القريض معاندٌ ... ويعلم حقًّا أنَّني فيه ضائع /46 ب/ ويسعد بالأشعار منتحلٌ لها ... ويشقى بها من قالها وهو بارع ومن مديحها: إمامٌ هو الحقُّ الَّذي يهتدى به ... وطائعه في الأمر لله طائع إمامٌ حكى العبَّاس من كلِّ وجهةٍ ... وفي وجهه نور النُّبوَّة ساطع به انصرفت عنَّا صروف زماننا ... وجانبنا أحداثه والوقائع أمنَّا به الدَّهر الخؤون فلم تعد ... تفاجعنا فيه الخطوب الفواجع تحلَّت به دار السَّلام وفتَّحت ... مدارسها وربطها والجوامع وردَّت لأرباب الوقوف وقوفهم ... فألبس عريانٌ وأشبع جائع ولولا أمير المؤمنين لهدِّمت ... مساجد ذكرٍ للهدى وجوامع ظهرت إلينا والعيون نواظرٌ ... إليك وقد أومت إليك الأصابع ذكرنا برؤياك النَّبيَّ فأصبحت ... مسائلنا مبرورةً والذَّرائع وأنشدني لنفسه من أخرى: [من الكامل] أمعنِّفي ذاك الغزال الأحورا ... قد ساء فعلًا حين أحسن منظرا أشكو إليه فيشتكي رقباؤه ... ظلمًا ليهجر عاشقًا لن يهجرا يا راقدًا ليل التَّفرق لا تنم ... وغرام قلبك مؤذنٌ أن تسهرا /47 أ/ فانهض لصفو العيش في زمن الصِّبا ... قبل المشيب وقبل أن تتكدَّرا واشرب على ورد الغصون مقبِّلًا ... بإزائه ورد الخدود الأحمرا من كفِّ مخضوب البنان تظنُّه ... أنثى وقد شقَّ القلوب مذكَّرا فتروَّ من هذا الزَّمان فإنَّه ... زمنٌ غدا بالعدل أزهى أزهرا

بعلا أمير المؤمنين محمَّدٍ ... قامت حدود الله وانتصف الورى وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الخفيف] يا خليليَّ بالوفاء دعاني ... لأجيب الغرام حين دعاني رحلوا بكرةً فأصبحت أبكيهم بعينٍ كثيرة الهملان واستقلُّوا بظعنهم فاستقلَّ القلب في إثرهم مع الأظعان وغزالٍ ثنى القلوب تثنِّيه إليه وما له من ثاني قد ألفت الهوان فيه ولولا ... فرط حبِّيه ما هويت هواني لاح في ربرب فمهَّد عذري ... كلُّ من كان في هواه لحاني فعسى الله أن يتيح بوصلٍ ... ولعلَّ الإلفين يجتمعان [485] /47 ب/ عليُّ بن سالم بن اسماعيل بن المبارك بن غدير بن المجلّى، أبو الحسن الكاتب النحويُّ الفاضل الأديب الموصليُّ. أخبرني أنه ولد في شهر ربيع الأول سنة تسعين وخمسمائة. أصله من تليعفر، من محلّة من محالها تسمى "بني عوف". ثم قال: وسمعت فيهم يرفعون في نسبتهم إلى الآباء المشهورين، فرأيتهم يرجعون إلى ربيعة الفرس، وهو المنشئ يومنا هذا بالديوان السلطاني. قرأ أولًا الكتاب العزيز حتى حفظه حفظًا جيدًا، ودرس صدورًا متوفرًا من فقه الإمام الشافعي -رضي الله عنه- ولازم الشيخ أبا حفص عمر بن أحمد النحوي،

واختلف عليه مدّة متطاولة، يقرأ عليه نحوًا ولغة وأشعارًا عربية وغير ذلك من الفنون الأدبية، وتمهَّر على أبناء زمانه، وناظر وبحث مع العلماء، واستجاد كلامه الفضلاء. وكان يكتب الإنشاء لبعض الأمراء بالموصل، ثم ترقت به الحال إلى أن جذبه بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله إلى ديوان المكاتبات. وكان رأس الكتّاب به، وتنبّه له الجدّ الراقد؛ فلما كملت آدابه ... نجم فضله وشهابه، جذبه المولى الملك /48 أ/ الرحيم إلى خدمته، وأفاض عليه من جلابيب نعمته، وألقى شعاع سعادته عليه، وصار أقرب العالم إليه، وأوفرهم حظًّا لديه، وجعله منشيء دولته القاهرة، وجليس حضرته الزاهرة. وأنفذ رسولًا إلى عدّة جهات، وصار ذا نعمة واسعة، وثروة وافرة. أنشدني لنفسه يمدح المولى المالك الملك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، شرف الملوك والسلاطين أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين -خلد الله دولته-: [من الطويل] لك الله فأمر وانه فيما تريده ... فصرف اللَّيالي عن جنابك مصروف محلُّك مصرٌ أنت فينا خصيبه ... ودجلةٌ نيلٌ والحمى دونه الرِّيف لقد لمحت ... بالنَّدى ... كأنَّك بالإحسان في النَّاس مشعوف فكلُّ ملوك الأرض عندك سوقةٌ ... وكلُّ شريفٍ عند فضلك مشروف ولي كلَّ يومٍ منك نعمى جديدةٌ ... ولي كلَّ عامٍ من نوالك تشريف وأنشدني أيضًا من قيله: [من الطويل] أرى كلَّ مشتاقٍ إذا أدرك المنى ... وشاهد من يهواه قلَّ به الوجد فسلَّمت من بعدٍ عليك صبابةً ... وفرط الجوى بادٍ وما ضرَّنا البعد /48 ب/ وإنِّي لأستحيي العلا أن تقول لي: ... أمالك من ربِّ العلا والنَّدى عهد وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] ما إن ذكرتك والذِّكرى مولِّهةٌ ... أستغفر الله إلَّا قلت واأسفا وما تمثَّلت في قلبي وفي بصري ... إلَّا هفا ذاك من شوقٍ وذا وكفا

لله أيَّامنا والدَّار جامعةٌ ... حسبي التذكُّر من وجدٍ به وكفى وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] إذا نحن خلَّفنا الجبال وراءنا ... وأفضى بنا السَّير الحثيث إلى الفضا فلا تحبسا عزم الجياد عن السُّرى ... فإنِّي إلى الحدباء أمضى من .... إذا ذكرت تهفو بقلبي صبابةٌ ... إليها فما نجدٌ وما ساكنٌ الغضا وما هي إلَّا حجَّةٌ كتبت لنا ... مضى حكمها فينا وشكرك ما مضى وزال الرَّجا لمَّا رأيتك سالمًا ... وكلُّ الَّذي يرضيك منَّا هو الرِّضا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] يا من تشرَّفت الدُّنيا بدولته ... وحدَّثت عن نداه العجم والعرب هب لي من العيش ما أرجو اللِّقاء به ... فليس يحلو بقلبي غير ما تهب أفدى الأحبَّة يوم البين إذ حسبوا ... أيَّام بعدي فجاءت ضعف ما حسبوا /49 أ/ لا تحسبوا أنَّني أهوى الحياة إذا ... ما غبت عنَّا ولا في العيش لي أرب وإن تجمَّلت حتَّى قيل ..... ... ففي ضميري نار الشَّوق تلتهب أرجو النَّجاح لآمال وطلعتها ... كالشَّمس في الغيم تبدو ثمَّ تحتجب عسى الَّذي قدَّر الأسباب يعقبها ... أسباب قربٍ لديكم ليس تنقضب حسبي رضاكم فلا أبغي به بدلًا ... وما أبالي بأهل الأرض إن غضبوا [486] عليُّ بن إسماعيل بن يحيى بن أحمد بن مكابر بن الحسين، أبو الحسن بن أبي محمدٍ العنزيُّ النيليُّ. شاعر ابن شاعر، وقد تقدَّم شعر والده. أخبرني أنّه ولد بالنيل يوم الأربعاء بين صلاتي الظهر والعصر، وهو اليوم الخامس عشر من ربيع الآخر سنة ثماني وثمانين وخمسمائة. سافر إلى بلاد الشام سنة سبع وستمائة، وأقام بها سنتين. ثم رجع سنة إحدى

وعشرين وستمائة إلى وطنه، وعادت سفرته إلى الشام تترى، فسار إليها غير مرّة، واتصل بخدمة أبي الكرم محمد بن علي بن مهاجر، فرفع من قدره ما كان خاملًا، ونفق جوهره /49 ب/ بأعراض برّه وفضله، وله فيه مدحاتٌ كثيرة، وهو صاحب لسانٍ ومعرفة، وفضلٍ حسن. أنشدني قوله في أبي الكرم محمد بن علي بن مهاجر الموصلي من قصيدة أوّلها: [من الكامل] أسقيمة الأجفان عن سقمي سلي ... فعسى يعاود قلبك الإيناس لي وتجمَّلي في أمر صبٍّ مدنفٍ ... لا خير إلّا في الحبيب المجمل ما بال طيفك كلَّما لا ينته ... أبدى إليَّ قساوة المتدلِّل ذلِّي لذلك يا أميمة ظاهرٌ ... فمتى يرقُّ مدلَّلٌ لمذلَّل يا ضرَّة القمرين رفقًا بالَّذي ... يهواك والبين المبرِّح قد بلي لم يكفه بعد الدِّيار وفرقةٌ ... تركته حلف تقلقلٍ وتململ حتَّى اغتدى ما بين أقوامٍ إذا ... أبدى سلام تودُّدٍ لم يقبل حيران من ألم الصُّدود فسمعه ... لسوى نداء صبابةٍ لم يعقل ومن مديحها يقول: لله سرٌّ فيك لاهوتيُّه ... كالشَّمس لا تخفى على المتأمِّل علمٌ كمندفع الأتيِّ ومقولٌ ... ينسي فصاحته بلاغة جرول فاسلم نكن بك مدركين ماربًا ... لسوى عفاتك وفرها لم يحفل [487] /50 أ/ عليُّ بن الحسن بن عليِّ بن سليمان بن محمّد بن عثمان، أبو الحسن، الموصليُّ المولد والمنشأ، الأوانيُّ أبًا وأصلًا. كان قد لقي جماعة بالموصل من أهل العلم والأدب، ويحفظ شيئًا من الأشعار والحكايات، ونظم شعرًا مدح به الناس.

صحبته مدّة بالموصل إلى أن مات بها -رحمه الله تعالى- ليلة الجمعة لخمس مضين من جمادى الأولى سنة إثنتين وعشرين وستمائة. أنشدني لنفسه طويلة يمدح بها السلطان الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي، حين أخذ الفرنج دمياط -خذلهم الله تعالى-: [من البسيط] سل عنه وقعة دمياط الَّتي بهرت ... وصف العباد فيا لله للعجب! والشِّرك قد ملأ الأقطار ليس لهم ... همٌّ سوى محو هذا الدِّين من أرب كانوا كشيعة فرعون الَّذين طغوا ... بالسِّحر واتَّبعوا ما خطَّ في الكتب باتوا يقولون نحن الغالبون وما ... دروا بأنَّ لهم موسى على الطَّلب /50 ب/ ألقيت فيهم عصا نصرٍ فما برحت ... بهم تلقَّف ما كادوا من الكذب فاستصرخوا بك من خوف البوار وقد ... دعت حماتهم بالويل والحرب لولاك شطَّت عرى الإسلام وانقطعت ... سبل الهدى وارجحنَّ الكفر باللَّعب نصرت دين نبيٍّ لو تعاصره ... لقيل: إنَّك يا مولى الأنام نبي وأنشدني لنفسه يضمن بيت الباخرزي: [من البسيط] يا فالق الصُّبح من لألاء غرَّته ... ........................ يا صاحبي اسعداني في هوى رشأٍ ... لمَّا عنيت به أهدى إليَّ عنا ريمٍ من الرُّوم لولا نبت عارضه المسكيِّ ما عارض المشتاق فيه ضنى برى له الله لحظًا حين ... ... إليه ينفث سحرًا يورث الفتنا ولا جنيت بلحظ العين من كلفٍ ... وردًا بوجنته إلَّا عليَّ جنى كم قلت لمَّا انثنى كالبدر مبتدرًا ... أمري وعزم سلوِّي عن هواه ثنى يا فالق الصُّبح من لألاء غرته ... وجاعل اللَّيل من أصداغه سكنا أنت العليم بحالي في محبَّته ... ما كان ذاك لفحشاءٍ ولا لخنا وأنشدني لنفسه يمدح الملك الأشرف: [من المتقارب] إذا قيل من في رقاب العباد ... ... اطراق أطواقها /51 أ/ ومن يقنص الصَّيد في مأزقٍ ... إذا أبدت الحرب عن ساقها

ومن ينحر الكوم أنَّى تخبُّ ليالي الشِّتاء بطرَّاقها وإن فخرت عصبةٌ بالسَّماح ... إليك نمَّت بأعراقها أشارت إليك عيون الورى ... كأنَّك نورٌ لأحداقها وأضحى صنيعك في العالمين ... كشمس الضُّحى عند إشراقها إلى الملك الأشرف المرتجى ... تخبُّ الرِّكاب بسوَّاقها كأنَّ ابن أيُّوب بين العباد ... إليه مقاليد أرزاقها [488] عليُّ بن الحسن بن موهوب بن موسى بن محمّدٍ، أبو الهيجاء بن أبي عليٍّ الإربليُّ النحويُّ. أخبرني أنّه ولد بقلعة إربل في صفر سنة خمس وثمانين وخمسمائة. وحفظ القرآن المجيد وعمره اثنتا عشرة سنة على أبي الثناء محمود بن الحسن بن الأرملة النحوي. وأخذ علم النحو عن أبي محمد القاسم بن أحمد بن الموفق المريّ الأمويّ النحوي، وأبي الحسن يحيى بن معطي بن عبد النور الروادي، وأبي بكر المالقيّ، وأبي البقاء يعيش بن عليّ /51 ب/ بن يعيش الحلبيّ، وأبي عبد الله محمد بن أبي الوفاء بن القبيصي، وأبي حفص عمر بن أحمد بن أبي بكر العسفى الموصلي النحوي، ومحمود بن الحسن بن الأرملة النحوي. وقرأ على الصاحب أبي البركات كتبًا أدبية؛ الخطب النباتية، والمقامات الحريرية، وشرح أبيات المفصل من تصنيفه، وشرح الدريدية لأبي البركات النحوي الأنباري، وغيرهم من الفضلاء النحاة. وهو جيد المعرفة في علم الإعراب ومسائله. أنشدني لنفسه يمدح الوزير الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي -رحمه الله-: [من مجزوء الكامل] وقوامك اللَّدن الرَّشيق ... ورضابك العذب الرَّحيق وفتور عينيك المراض وخدِّك الورد الشَّقيقي

وكثيب ردفك يا قضيب البان والخصر الدَّقيق قسمًا لقد مزج الهوى ... بدمي فأجري في عروقي وتوقَّدت نيرانه ... وشكا الفؤاد من الحريق إن تنكروا سقمي وفيض مدامع الدَّنف المشوق فتبيَّنوا حالي يقينًا من زفيري أو شهيقي /52 أ/ أو فاسألوا عمَّا ألاقي من جنابكم الطَّروق ومنها يقول: يا حادي الأظعان عرِّج بي على وادي العقيق أبكي زمانًا كان لي ... فيه بدمع كالعقيق لهفي على زمنٍ مضى ... في روضه الأرج الأنيق وثغور غزلان الصَّريم بها صبوحي مع غبوقي كالمسك شيب بعنبرٍ ... وردٍ وسلسالٍ رحيق ومن مديحها: مالي مجيرٌ من صروف الدَّهر والزَّمن العقيق إلَّا المبارك ماجدٌ صدرٌ وذو نسبٍ عريق الواهب المفضال طبعًا للعدوِّ وللصَّديق يعطي فتحسبه أبًا ... أو كالأخ البرِّ الشَّقيق ما أمَّة راجٍ فخاب فدته نفسي من شفيق وأنشدني أيضًا لنفسه فيه يمدحه: [من الكامل] هل آخذٌ بيدي فقد بلغ الزُّبى ... سيل الهوى وتنهَّد المكروب /52 ب/ هيهات إلَّا إن زجرت مطيَّتي ... نحو المبارك صارخًا فيجيب هو ملجأٌ للخائفين وربعه ... حرم الغنيِّ وبأسه المرهوب إن رمت رفدًا فاقصد الشَّرف الَّذي ... في ماله للطالبين نصيب يعطيك معتذرًا إليك كأنَّما ... هو طالبٌ أو رفدك المطلوب مستبشرًا بعفاته متهلِّلًا ... كالبدر طلعته وليس يغيب

لا زال ربعك يا ابن أحمد عامرًا ... ما أنَّ مشتاقٌ وحنَّ غريب وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الوافر] تألَّق برق كاظمةٍ فحنَّا ... وهبَّ نسيمها فبكى وأنَّا غريبٌ بين أضلعه لهيبٌ ... مشوقٌ لم يزل صبًّا معنَّى تذكَّر بالحمى عيشًا تقضَّى ... فأجرى دمعه أسفًا وحزنا وعاد الوجد أوَّله جديدًا ... وهاج غرامه الماضي فجنَّا ترجَّى أن يعود له زمانٌ ... بجرعاء الحمى ووصال لبنى ولمَّا لم ينله ذاب شوقًا ... ترنَّم قابلًا وجدًا وعنَّا تمنَّى أن يرى منكم خيالًا ... فنال ولم ينل ما قد تمنَّى وأنشدني لنفسه وقد طلب /53 أ/ منه بعض أصدقائه شيئًا من شعره، فكتب إليه بهذه الأبيات اعتذارًا: [من الخفيف] يا فريد الزَّمّان يا أوحد العصر وخير الأنام جمعًا أقلني واحظ منِّي بالشكر ما دمت حيًّا ... وأرح خاطري ولا تلزمنِّي فالرَّديُّ السَّخيف لم أرضه شعرًا وغير الرَّديِّ قد عزَّمنِّي فارض منِّي بما تيسَّر في الوقت فقلبي مشرَّدٌ واعف عنِّي وأنشدني لنفسه، وقد ورد عليه كتاب من بعض أصدقائه: [من الطويل] ولمَّا تراءى لي كتابك مقبلًا ... عليَّ تراءت عزَّةٍ لكثيِّر وخيِّل لي أنا بأكناف إربلٍ ... وقوفٌ وصفو العيش لم يتكدَّر وأنشدني أيضًا لنفسه: [من السريع] من رام في نيل العلا رتبةً ... يسمو على الدَّهر بها من منال يصرِّم السَّاعات من عمره ... في خدمة المولى الوزير الجلال

[489] عليُّ بن عبد الله بن الحسن /53 ب/ بن الحسين بن أبي الفتح بن الحسن بن أبي السّنان، أبو البركات بن أبي محمدٍ. وقد مرَّ ذكر والده في موضعه وشعره. وابنه هذا أبو البركات سمع الحديث كثيرًا بالموصل وبغداد ودمشق وغيرها. وينظم الشعر، وله يد قوية في كتب النسب والحكميات والشروط؛ وعنده دعاوٍ في نفسه كثيرة، ويتعاطى صنعة المنثور دون المنظوم، ويتبجح به، ويعد الشعر ليس بشيء. ويزعم أنَّ له تصنيفًا قد حوى فيه جميع فنون العلوم. وسمع الحديث وطلبه وقرأه على جماعة من المشايخ، وألّف أربعين حديثًا. وكان إذا طلبت شيئًا من شعره أجابني، يقول: الشعر أدنى مراتب السنى، وأسنى مراتب الدنى لمن وفى. أخبرني أنه ولد سنة ثمانين وخمسمائة بالموصل. وتوفي ربيع الأول ثامن عشر سنة سبع وثلاثين وستمائة فجأة، بعد أن صلّى صلاة الصبح. وأنشدني لنفسه، وقد توجه إلى دار السلام وفتَّاه الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين، وشرفه بخلعة. ثم انه تزهد بعد ذلك، وصار جليس بيته، فعوتب على انفراده /54 أ/ عن الناس، فقال: [من السريع]

قد علم الشَّارد والوارد ... والمستقيم الحال والمايد أنِّي امرؤٌ نلت من النَّاصر الإمام حظًّا جدُّه صاعد ما نال من هارون معشاره ... في عصره يحيى ولا خالد أصبحت والعادل في ملكه ... مرتعنا في برِّه واحد أراد بالعادل سيف الدين أبا بكر محمد بن أيوب بن شاذي -رضي الله عنه- وكان قد ... من الناصر لدين الله فتوه وشرَّفه. شرِّف تشريفي ولكنَّه ... لم تأته الطَّرحة والكاغد كلَّا ولا لمَّا تفتَّى بدا ... لعينه كفٌ ولا ساعد وكنت منه إذ جرى ما جرى ... كقاب قوسين ولي شاهد وقد تركت الكلَّ عن قدرةٍ ... والبعض لا يتركه واحد علمًا بأنَّ الله باقٍ وما ... سواه فانٍ زائلٌ نافد فكلُّ من أصبح لي لائمًا ... فذاك عندي المبغض الحاسد وقال في فخر الدين /54 ب/ أحمد بن محمد، وزير بغداد وقد بلغه على لسان قاضي القضاة ابن مقبل أنه ذكره في خدمة والده الوزير، وحرّضه على قضاء مهمه وإيصال رسمه إليه: [من البسيط] ذخر الوزارة فخر الدِّين يا ملكًا ... سحاب راحته قد أخجل السُّحبا يا منعمًا .... الأنواء نائله ... وظلَّ عن قاصديه الفخر محتجبا يا من بدا لثمار الحمد مجتنيًا ... ومن غدا لصفات الذَّم مجتنبا لو كلُّ جارحةٍ منِّي لها لغةٌ ... تثني عليك لما أدَّيت ما وجبا وكنت أعجز عن إدراك الكبيرة ... مع أننَّي سيِّد المنشين والخطبا وكيف يحصي خطيبٌ مصقعٌ لسنٌ ... بناء من لم يزل بالجود مكتسبا مولاي يا كعبة الجود الحلال ومن ... له سماء عطاءٍ تمطر الذَّهبا أنهى إليَّ عماد الدِّين غرسكم ... قاضي القضاة حديثًا هزَّني طربًا معناه أنَّك حرَّضت الوزير على ... إنجاز وعدٍ له أمسيت مرتقبا وقلت في ... كلّ صالحةٍ ... بها افتخاري إذا أصبحت منتسبا

لا أستزيدك بعد اليوم عارفةً ... حسبي ببعض الَّذي أوليتني حسبا وأنشدني لنفسه من قصيدة، /55 أ/ يمدحه أيضًا: [من الكامل] مولاي فخر الدِّين يا مولًى علا ... هام العلا بماثرٍ ومفاخر يا من تهزُّ الأريحيَّة عطفه ... ما بين ناظم مدحه والنَّاثر لا تسمعن شعري فتحسب أنَّني ... أرضى لنفسي أن أعدَّ بشاعر عندي علومٌ لو كشفت قناعها ... نشر الرَّبيع رياضه بستائر ما الشِّعر لولا أنَّه مدحوا به المستنصر بن الظَّاهر بن النَّاصر مولًى بشائر نشره وضَّاحةٌ ... عند النَّوال كبارقٍ في ماطر وأنشدني لنفسه، وقد سمع كلام أرسطاطاليس الحكيم، حين سئل عن الصديق، فقال: حيوان يوصف ولا يوجد، فنظم المعنى: [من الكامل] ومحاولٍ منِّي صديقًا صادقًا ... في كلِّ نائبةٍ يجير ويسعد قلت: اتَّئد فصفات ما قد رمته ... موجودةٌ لكنَّه لا يوجد وأنشدني له في أبي الفضل أحمد بن الوزير القمي أيضًا: [من الخفيف] مالك الرِّقِّ والرِّقاب أبا الفضل مغيث العفاة إن قصدوه /55 ب/ يا ملاذ القريب إن جار خطبٌ ... ومعاذ الغريب إن قصدوه عجبًا كيف لا تراعي حقوق الفضل في بلدةٍ وأنت أبوه [490] عليُّ بن نصر بن منصور بن نصر بن منصور بن الحسين، أبو الحسن بن أبي الفتح بن العطّار، الحرانيُّ الأصل. هكذا ذكر لي وزعم: أنَّ جدّه ظهير الدين منصور بن نصر بن العطار، الذي كان يتولّى صدريّة المخزن في أيام المستضيء بأمر الله، وأخباره في أيام ولايته مشهورة

بمدينة السلام؛ ولمّا جرى عليه ما جرى إنتقل ولده نصر الله إلى دمشق، وتأهل فأولد أبا الحسن هذا بدمشق. وكانت ولادته يوم الرابع والعشرين من ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. وسمع الحديث بها كثيرًا من داود بن ملاعب، وأبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وغيرهما. وعانى فن التصرّف والصناعة الحسابيّة، فبلغ في ذلك الغاية، وسافر إلى محروسة آمد، فتولّى النظر في ديوانها للملك المسعود مودود بن محمود بن أرتق بن سكمان. /56 أ/ أنشدني لنفسه بحلب، يمدح الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه بن محمد -صاحب حمص- في كسرته الثانية للخوارزميّة: [من الرمل] قد صفا الجوُّ وقد رقَّ النَّسيم ... وتبَّدى للرُّبى وجه وسيم وكسا هامي الحيا عاري الثَّرى ... حللًا خضرًا لها الزَّهر رقوم وبها ثغر الأقاحي باسمٌ ... جذلًا لمَّا انبرت تبكي الغيوم وعيون النَّرجس الغضِّ إذا ... ما رنت يغضي لها الطَّرف السَّقيم وخدود الورد قد أخجلها ... عندما قبَّلها الطَّلُّ السَّجوم وغناء الطَّير في أفنانها ... وارتقاص الغصن إن هبَّ النَّسيم فانتبه منتهبًا ما قد صفا ... لك من عيشٍ فما صفوٌ يدوم واجتليها خمرةً ما خامرت ... سرَّ صاحٍ فسرت فيه الهموم من يدي ظبيٍ ظبا ألحاظه ... أيُّ قلبٍ ما لها فيه كلوم هو من جنَّة عدنٍ فاعجبوا ... كيف حلَّ القلب والقلب جحيم بدر تمٍّ قد جلا شمس ضحًى ... من بنات الكرم يهواها الكريم قهوةً راقت ورقَّت وصفت ... فهي كالرُّوح بها تحيا الجسوم /56 ب/ يا لها لمَّا علاها حببٌ ... من عروسٍ تاجها درٌّ نظيم فإذا طاف بها تبدو لنا ... في الدُّجى شمسٌ وبدرٌ ونجوم يدرأ الهمَّ إذا دار بها ... إنَّ خطب الهمِّ في الجسم جسيم يا خليلي خلِّ قلبي والأسى ... إنَّ دائي في الهوى داءٌ قديم وتباريح الجوى لي مألفٌ ... طالما أسهرني طرفٌ نؤوم

كلُّ أحوال الهوى موهيةٌ ... جلدٌ يرحل أو وجدٌ يقيم فأجرني من تعدِّي جائرٍ ... ظلت أهواه وقد يهوى الظَّلوم كم هزبرٍ قتلت مقلته ... عجبًا يفتك بالآساد ريم عدِّ عنِّي كأسك الملآ ففي ... قربه راحٌ وروحٌ ونعيم ريقه خمري وفوه قدحي ... وهو لي ساقٍ وشادٍ ونديم ما لقلبي في سواه أربٌ ... إنَّ في مثل هواه اللَّوم لوم مثل ما لام الورى أبراهيم في ... بذل معروفٍ به يثرى العديم ناصر الإسلام والدِّين الَّذي ... كلُّ قلبٍ بمعاليه يهيم ملكٌ عمَّ البرايا عدله ... وبدا للدّين نهجٌ مستقيم نصر الله به الإسلام ما ... طلعت شمسٌ وما هبَّ نسيم /57 أ/ وأرانا بأعاديه الَّذي ... أمَّلوا فيه وما نحن نروم [491] عليُّ بن إبراهيم بن عليِّ بن أبي بكرٍ، أبو الحسن الموصليُّ. شاب شدا طرفًا من الأدب على أبي العباس أحمد بن الحسين بن الخبّاز النحوي، وكتب بيده كتبًا أدبية، وتميّز وقال شعرًا. أنشدني لنفسه، وكتب لي بخطه، بمدينة الموصل: [من البسيط] وشادنٍ صدَّ عن وصلي بلا سببٍ ... ولم يدع هجره صبرًا ولا جلدا تجمَّعت فيه أوصاف الجمال فقد ... أضحى فريدًا كما حزني به انفردا أماج حقفًا ثنى غصنًا بدا قمرًا ... وفاح مسكًا رنا ظبيًا سطا أسدا حاز الجمال كما حاز الكمال جمال الدِّين خير الورى من أمَّه سعدا قسُّ الفصاحة قيس الرَّأي ... عليَّ وأحنف الحلم عمرو البأس معن ندى يا أيُّها الصَّاحب الصَّدر الوزير ومن ... عدُّ المناقب منه يغني العددا كن لي شفيعًا إلى موسى لأنَّك يا ... خير البريَّة خضر الجود دم أبدا يا من إليه انتهى قصد العلا وسما ... على البريَّة بالإحسان مذ ولدا /57 ب/ أنظر إليَّ بعينٍ ما نظرت بها ... شخصًا فبات يعاني بعدها كمدا

وخذ بضبعي بكفٍّ ما قبضت بها ... إلَّا اليراع لكي ألقى بها الرَّشدا فالدَّهر أنت فمن أسعدته سعدا ... حقًّا وأيُّ أمريءٍ أضهدته اضطهدا فاسلم ودم [يا] شفيعي عند مرتحلي ... إليك حتَّى ألاقي عيشةً رغدا وقال: [من الطويل] تقول وقد ألقيت في يدها يدي ... وقد أشهدت ربَّ السَّماء على قولي حبيبي قد بان الَّذي كان خافيًا ... فلا صرم الرَّحمان حبلك من حبلي وقال: [من الطويل] إذا ما زمان السُّوء مال بركنه ... علينا عدلناه بإحسانٍ إسحاق كريم المحيَّا لا يضنُّ بماله ... وإن ترج منه البرَّ جاد بإطلاق وكتب هذه الأبيات إلى شيخه شمس الدين أبي العباس أحمد بن الحسين بن الخبّاز، وقد سخط عليه، وهي: [من مجزوء الرمل] أنت ملَّاك قلبي ... إغفروا بالله ذنبي إغفروا ذنبي [و] إلَّا ... متُّ في الحال لكربي /58 أ/ إن تجافيتم وحلتم ... فكذا حظُّ المحبِّ كم تطيلون عذابي ... بصدودٍ وبعتب وأنا لا بدَّ لي منك وإن ساءك قربي وقال: [من البسيط] لله طيب زمانٍ قد فقدناه ... بدير قسرى كأنَّا ماعرفناه والكأس دائرةٌ من كفِّ ذي هيفٍ ... مملوءةٌ بفنون السِّحر عيناه يخصُّنِّي بمدامٍ شبه ريقته ... طعمًا ويشبهها في اللَّون خدَّاه وقال: [من البسيط] إنِّي إلى وصل من أهواه مشتاق ... ونار وجدي لها وقدٌ وإحراق بدرٌ له في فؤاد الصَّبِّ منزلةٌ ... ومن سنى وجهه نورٌ وإشراق وقال: [من الطويل] ولم أنسها إذ أقبلت حين ودَّعت ... تعضُّ على المشتاق من حنقٍ يدا

بكت فتلاقى ثغرها ودموعها ... فلا .... منظمًا ومبدَّدا [492] عليُّ بن عبد السلام /58 ب/ بن يوسف بن موهوب بن القاسم، أبو الحسن الحسنيُّ. هو من الحسنيّة قرية كبيرة مشهورة فوق الموصل من أعمالها، بها ولد ونشأ، وتفقه بمدينة السلام والموصل على مذهب الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وقرأ علم الأصولين والفرائض والحساب، ونظر في المسائل الخلافية، وقرأ شيئًا من علم الحكمة. وله شعر لم يكن على قدر معرفته وفضله. سافر إلى بلاد الشام ونزل دمشق فأقام بها قليلًا -وتوفي بها وذلك قبل الثلاثين وستمائة. أنشدني لنفسه: [من البسيط] سرِّي بعشقك يا مولاي مشتغل ... فلا عراقٌ يسلِّيني ولا رمل رفقًا [فـ] في بعض هذا الهجر يا سكني ... قتلٌ إذا كفَّ عنه الفعل ينفعل قد كنت منعكفًا بالعلم ملتهيًا ... فمذ هجرت فلا علمٌ ولا عمل ما كنت أحسب هذا الهجر متَّصلًا ... واضيعة العمر خاب السَّعي والأمل إعطف على دنفٍ بالحزن منفردٍ ... ضاقت به الأرض حتَّى السَّهل والجبل غريب دار نحيل الجسم ذو سقمٍ ... نائي المزار غزير الدَّمع منهمل يا عاذلي في هوى من لا أفوه به ... مهلًا رويدًا فقد ضاقت بي الحيل /59 أ/ بدرٌ أداقت دمي عمدًا لواحظه ... وقد تضمَّن قتلي الأعين النُّجل

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] يا شاتمي وإليه منتهى أملي ... وطاردي وله روحي وجثماني بلغت فيك نهايات الهوى وصفت ... لك الضَّمائر في سرِّي وإعلاني فما يزيدك عندي أن تواصلني ... ولا يحطُّك تعذيبي وهجراني وقد وهبت لكم عرضي بأجمعه ... فما أبالي بإعزازي واهواني [493] عليُّ بن عدلان بن حمّاد بن عليٍّ، أبو الحسن النحويُّ الموصليُّ. أخذ علم النحو والعربية عن جماعة من أدباء الموصل؛ ثم رحل إلى مدينة السلام، فصحب الشيخ أبا البقاء عبد الله بن الحسين النحو العكبري، ولازمه واشتغل عليه مدّة إلى حين وفاته، وتميّز في هذا الفن على أبناء جنسه. وهو فاضل حسن الكلام في المسائل النحوية، جيد المناظرة محقق له أشعار لا توازي معرفته، ويحفظ جملة من ملح أشعار أهل زمانه ونوادرهم. أخبرني أنَّه ولد /59 ب/ بالموصل في الخامس والعشرين من جمادى الأول سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. أنشدني كثيرًا من شعره ومما أنشدني لنفسه من قصيدة يعتذر فيها إلى مجد الدين الحارث البهسني، عاتبه فيها، وعن قصور لفظها، وأول غزلها: [من الطويل] لسان زفيري بالصَّبابة معرب ... فماذا الَّذي يخفي الفؤاد المعذَّب

ويقول في مديحها: فتًى نهتدي عند الظَّلام بذكره ... كأنَّ اسمه في ظلمة اللَّيل كوكب فإن يك في حرَّان قصَّر خاطري ... قديمًا فقد ينبو الحسام المجرَّب ومنها: فخذ هذه العذراء عذرًا وطالما ... تنصَّل من قبح الجريرة مذنب عقيلة فكر عمرها بعض ليلةٍ ... إلى ربِّها يعزى البيان وينسب فقد هاجها من حسن جاهك سالفٌ ... قريبٌ من العافي إلى العبد أقرب وليس لنظمي فيه فضلٌ وإنَّما ... صفاتك مجد الدِّين تملي وأكتب [494] عليُّ بن عثمان بن المجلّي /60 أ/ بن عليٍّ، أبو الحسن الجزريُّ الواعظ، الشاعر المعروف بابن دنينة. من أهل الجزيرة العمريّة. أخبرني أنه ولد بها يوم الأثنين ثاني عشر المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. وختم الكتاب العزيز بها على أبي الحسن علي بن محمد بن الكزّاية. أنفد عمره في السفر والتغرّب، وقطع البلاد جالس العلماء، وخالط الفضلاء ورأى الكبراء، واسترفد الملوك والأمراء. قرأ الوعظ على أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، وتفقه على الشيخ أبي طالب بن الخل على مذهب الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وسمع الحديث على أبي الفتح محمد بن أحمد المندائي، فقال شعرًا كثيرًا. شاهدته بمدينة إربل في شهر ربيع الأول سنة وعشرين وستمائة، فرأيته ذا محاضرة ومفاكهة؛ من أخف الناس روحًا، وأطيبهم مزاحًا. ثم رحل إلى البلاد

الشامية، وخبرت أنَّه توفي ما بين القارة والنّبك من أرض دمشق سنة تسع وعشرين وستمائة. أنشدني لنفسه: [من الكامل] صوِّر لنفسك ما تراه غدًا ... بثراه جسمك عند مقبره /60 ب/ فالشَّيء يعلو لا بمنظره ... عند التَّفقُّد لا بمخبره والمرء معتبرٌ بأصغره ... عند الحقائق لا بأكبره ما ينفع الرَّاقي بلا قلبٍ ... ... يعظ الأنام علوُّ منبره وأنشدني أيضًا من شعره: [من البسيط] جدَّ التَّرحُّل عن أرض الجزيرة لي ... يومًا وخلَّف قلبي والمنى فيها يبغي هوى أرض ميَّا فارقين وقد ... أيقنت أنَّ هوى قلبي منافيها [495] عليُّ بن يونس بن سالم بن عليٍّ، أبو الحسن، المجلد الموصليُّ. كانت ولادته -فيما أخبرني من لفظه- على مضي ثلاث ساعات من الليلة المسفرة عن صباح يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. كان والده يعرف بالصدر المجلد. وكان منجمًا يشار إليه في معرفة التنجيم؛ وأبو الحسن هذا ولده حفظ القرآن الكريم، ونظم الشعر، وله طبعٌ في عمله. وهو شاب كيِّس، خفيف الروح، طيب المزاج، حسن الخلق، تام المروءة، حسن /61 أ/ العشرة؛ له مؤلفات لطيفة منها: "كتاب الجوهرة الفذَّة من جوامع اللَّذة". أنشدني لنفسه يمدح المولى المالك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين تاج الملوك والسلاطين بهلوان جهان سيد الأمراء شرقًا وغربًا أبا الفاصل غرس أمير المؤمنين -ضاعف الله مجده وقرن التوفيق حله وعقده- ويصف داره

المعمورة التي أنشأها واستجدها، المطلة على دجلة -عمرها الله بطول بقائه بمحمد وآله-: [من البسيط] العزُّ والنَّصر والتَّأييد والظَّفر ... والدَّهر والملك والأملاك والقدر والسَّعد والجدُّ والإقبال والفلك الأعلى ومن تحته والشَّمس والقمر خدَّام بابل بدر الدِّين يا ملكًا ... أبت معاليه أن يأتي بها البشر مسارعين إلى أمرٍ تفوه به ... طوعًا وكرهًا على إبرامه جبروا أبا الفضائل بدر الدِّين لا برحت ... رايات جيشك في الآفاق تنتصر فقت الملوك فما في الأرض من ملكٍ ... إلَّا وأنت لديه السَّمع والبصر كم سيرةٍ لك بات الدَّهر مبتسمًا ... منها وكم نسخت من أجلها السِّير سست الرَّعيَّة بالعدل الَّذي قصرت ... عنه عزائم كسرى وادَّعى عمر /61 ب/ يا أيُّها الملك الممنوع جانبه ... إلا لمسترفدٍ أو من به ضرر أنت الَّذي ملأ الأقطار نائله ... وبأسه فهو في الحالين ينتظر وجدت بالمال حتَّى لم تدع أحدًا ... بالشَّرق والغرب إلَّا عنده أثر وصلت حتَّى تركت الأسد طاويةً ... كأنَّ ليس لها نابٌ ولا ظفر وقد غدا حيوان البرِّ مصطحبًا ... السَّخل والذِّئب والغزلان والنَّمر وقد أرحت رسول الله من فكرٍ ... كانت على ولده في الصَّدر تعتكر

يا ابن الَّذين عنت صيد الملوك لهم ... وبات جارهم للدهر ينتهر من كلِّ مقتدرٍ بالعزِّ مشتملٍ ... بالسَّيف منتقمٍ بالرَّأي ينتصر كما اشتهوا خلقوا! ، بيضٌ وجوههم ... حمرٌ سيوفهم، أفعالهم غرر بنو العلاء هم في كلِّ مكرمةٍ ... لا يستفزُّهم خمرٌ ولا خمر لا يغضبون ولا يغتالهم ندمٌ ... على العطاء وإن نال امرؤٌ غفروا مثل العبيد لدى أضيافهم كرمًا ... ويسجد الملك الجبَّار إن ذكروا هم غيوث الورى والقحط مستعرٌ ... وهم ليوث الوغى والسُّمر تشتجر لا يعرفون مفرًّا منذ خلقهم ... كما معارفهم في غيرهم نكر علوتهم ملك الدُّنيا ولا عجبٌ ... إنَّ العروق عليها ينبت الشَّجر /62 أ/ كما علت دارك الدُّنيا بأجمعها ... فما لنا غيرها حجٌ ومعتمر دارٌ لها جنَّة الفردوس حاسدةٌ ... ودمع مكَّة في الخدين منهمر والقدس قد بات متبول الفؤاد بها ... وغيَّرت شخصه الأحزان والفكر وبات قلب دمشقٍ وهو منصدعٌ ... وكاد جامعها بالغيظ ينفطر كلٌّ لها حاسد إذ أنت ساكنها ... وما على عاشقٍ للبدر معتبر ودمية القصر لم تجمع محاسنها ... ما قد حوته الدُّمى فيها ولا الصُّور دارٌ تقاصر دارًا عن عمارتها ... ولو رآها بنو مروانٍ ما عمروا ترابها المسك والكافور جندلها ... والمندل الرَّطب أبوابًا لها ادَّخروا عزَّ البلاط بها من بعد ذلَّته ... وبات فيها على الياقوت يفتخر كأنَّها قبَّةٌ من فضَّةٍ خلقت ... وقد جرى التِّبر فيها وهو معتذر فريدةٌ ما لها مثلٌ كصاحبها ... فكلَّ قصرٍ وقيلٍ خدُّه صعر كعرش بلقيس إلَّا أنَّها جبلٌ ... وحسن يوسف إلَّا أنَّها حجر فيها الرَّبيع مقيمٌ لا يفارقها ... وكلَّ يومٍ لديها الجود ينهمر وكلُّ ما تشتهي نفس اللَّبيب بها ... وما على مجتني أزهارها حذر

فالورد والبلخ والخيريُّ مشرقةٌ ... والبان والطَّلح واللَّبلاب والسَّمر /62 ب/ والشاهفسرم والكافور والبرم الرُّوميُّ والورد والحوذان والشقر والنَّرجس الغضُّ والنَّمام قد بهتا ... إلى البنفسج والنِّسرين منبهر والقبج والصَّعو والدرَّاج راتعةٌ ... والرزخ والوزُّ والطَّاوس والنُّفر والكمُّ والتَّم والعنّار طائرةٌ ... والبان والصَّقر والشَّاهين والنَّسر واللَّيث والببر والسِّرحان ضاربةٌ ... والرُّبد والعين والآرام والعفر والرَّوض والعشب والأنهار جاريةٌ ... والسُّفن والدَّوح والأطيار والغدر والجنك والدَّفُّ والعيدان ضاربةٌ ... وليس يسمع لا دفٌّ ولا وتر وكم قيانٍ بها مثل الشُّموس وكم ... حوراء من بعض أوصافٍ لها الحور وكم نديمٍ بها والكأس في يده ... كأنَّها جمرةٌ في الكفِّ تستعر وكم بها من رماةٍ لم يطش لهم ... سهمٌ ومن قانصٍ لم تحوه الحفر من كلِّ ما خلق الله العظيم بها ... في البرِّ والبحر إلّا أنَّها صور وبركةٍ طفحت عين الحياة بها ... لمَّا استقرَّ لديها أنَّك الخضر كأنَّها مقلةٌ للحبِّ ناظرةٌ ... يجري بها الماء مطويٌ ومنتشر دارٌ كباعك ما في طولها قصرٌ ... وعرضها ما به ريعٌ ولا زور قد حلَّت الأبرج العليا بساحتها ... وما بها من زجاحٍ أنجمٌ زهر /63 أ/ كأنَّما اسمك فيها درَّةٌ نصبت ... في مفرق التَّاج أو روضٌ به زهر فانهض وسر واملك الدنيَّا فأنت بها ... أولى وما كلُّ عود ريحه عطر في جحفلٍ لجبٍ ضاق الفضاء به ... فما لآخره عنده الألى خبر لو ظلَّ ألفٌ من البلق الجياد به ... وأنشدت ظلّ ................ لو حاربوا الجنَّ ما بالوا بكثرتهم ... ولو رمتهم صروف الدَّهر ما انزجروا من كلِّ أغلب ما في عينه أحدٌ ... كأنَّه الموت لا يبقي ولا يذر يرى المنون فيهوي نحوها طمعًا ... في سلبها والمنايا سلبها خطر يهوون للموت إلَّا فوق فرشهم ... كأنَّ فرشهم عارٌ به اتَّزروا

تراهم والمنايا حولهم صبر ... طول الرِّماح وفي أعمارهم قصر إن زوحموا ازدحموا أو قوتلوا قتلوا ... أو طوعنوا طعنوا أو كوثروا كثروا أو باهلوا بهلوا أو اجتدوا بذلوا ... أو شورفوا أشرفوا أو فوخروا فخروا مولى البريَّة من عجمٍ ومن عربٍ ... بذاك يشهد فينا البدو والحضر يؤمُّهم ملكٌ ما مثله ملكٌ ... أبو الفضائل بدر الدِّين يبتدر هو الزَّمان فلا نفعٌ ولا ضررٌ ... إلَّا إذا شاء فهو النَّفع والضَّرر مفرِّج الكربة الكبرى بعزمته ... فالدَّهر من جنده والنَّصر والظَّفر /63 ب/ من احتمى باسمه لم يلفه ضررٌ ... طول الحياة ولم يلمم به حذر القاتل الجدب والأنواء ممسكةٌ ... محيي الورى بعدما بالفقر قد دثروا المشتري الحمد بالأموال لا مكسٌ ... فيه ولا في نفاد المال يفتكر لا زال في عزِّ ملكٍ لا نفاد له ... وصفو عيش نعيمٍ ما به كدر وأنشدني لنفسه ما كتبه من الموصل إلى إربل يتشوق صديقًا له: [من الطويل] سلامٌ كنشر المسك تفتقه الصَّبا ... على ساكن الغرَّاء في الجانب الغربي على جيرةٍ جار الزَّمان ببعدهم ... فلم أحظ إلَّا بالرَّسائل والكتب أناسٍ أعاروا الدَّهر بهجة نوره ... وقاموا مقام العتب في البلد الجدب سموا بعليٍّ ذي المفاخر والعلا ... جوادٌ إذا الأنواء ضنَّت بها السُّحب بديع المعالي والمعاني والوفا ... له عرف ذكرٍ فاق للمندل الرَّطب شمائله أحلى من الأمن كلَّما ... تذكَّرتها لم أخش من فادح الخطب أبا حسنٍ إنِّي إليك لشائقٌ ... وفي الشَّوق ما يلقي المحبَّ إلى الكرب سعادة لفظي دون حظِّي بوردها ... عليك وملقى ذلك الخلق العذب سأقضي وما أقضي لذاذة منظرٍ ... إلى بلدٍ أسكنته هيأة القطب /64 أ/ وأنشدني لنفسه وقد عاين مشهد سرَّ من رأى -على ساكنيها أفضل السلام-: [من السريع] مولاي يا صاحب الزَّمان ومن ... عليه بعد الإله متَّكلي كن [لي] شفيعًا إلى النَّبيِّ عسى ... يوم معادي في الحشر يشفع لي

وأنشدني قوله: [من مجزوؤ الوجز] يا بدر تمٍّ مشرقٍ ... من فوق غصنٍ ناضر أذبت روحي بالجفا ... فقد جرت من ناظري رفقًا بصبٍّ مدنفٍ ... في الحبِّ غير صادر وبات من دموعه ... في لجِّ بحرٍ زاخر أما لهذا الهجر يا كلَّ المنى من آخر كم من دمٍ سفكته ... في النَّاس بالمحاجر ولم تخف في قتلهم ... بطش قويٍّ قاهر من أجل ذا سمَّوك ما بينهم بالقاهر [496] عليُّ بن أبي القاسم بن عليِّ /64 ب/ بن أبي القاسم بن عليِّ بن ياسين بن غنيمة بن ياسين بن عليِّ بن ضو، أبو الحسن المحرزيُّ الإربليُّ، المعروف بدخينة. كانت ولادته باربل سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. وتوفي بها في تاسع عشر رمضان سنة إحدى وعشرين وستمائة. وكان ينتمي إلى علم الأدب والعربية، وقرأ منه أنموذجًا صالحًا، ونقله نقلًا صحيحًا. وكان يعترض على النحاة في أقوالهم، ويغلطهم في المسائل النحوية، ويخطئهم فيها، ولا يثبت لأحد منهم شيئًا ولا يرى أحدًا منهم فوقه في هذا العلم. وكان يقول شعرًًا غثًا، ونظمًا باردًا، مضطرب الأوزان غير مستقيم؛ ومع ذلك كان يدعي أنه أعرف الناس بالعروض والقوافي، وفنون الأدب. رأيته غير مرة في الموصل، وأنشدني جميلة من نظمه، غير أني لم أضبطه عنه، لكني حفظت له بيتين قالهما على معنى هذين البيتين ووزنهما: [من الكامل] إحذر مصاحبة السَّفيه فإنَّها ... تعدي كما يعدي الصَّحيح الأجرب ما ينفع الجرباء قرب صحيحةٍ ... منها ولكنَّ الصحيحة تجرب

فنسج على هذا المنوال: [من الكامل] /65 أ/ إحذر مصاحبة السَّفيه لأنَّها ... تردي كما يردي العقور الأكلب ما ينفع السُّفهاء قرب ذوي الحجى ... بل منهم العقلاء شرًّا تكسب [497] عليُّ بن محمد بن حمّاد بن أحمد بن عبد الله بن الحسين، أبو الحسن السعديُّ الموصليُّ، المعروف بالجارود السقاء. كان شيخًا طويلًا أسمر لطيفًا مقبولًا، صاحب نوادر ومضحكات، فكه المحاضرة يورد الحكايات الرائقة، ويحفظ جملة من الأشعار الفائقة، ينشدها في مجالس الأنس. وكان الناس يستحلون ألفاظه، ويميلون إليه. ومات بالموصل يوم الإثنين لسبع بقين من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ودفن غربها بمقبرة المعافى بن عمران -رحمه الله-. وكان يكتب بالماء من فم القربة خطًا واضحًا ويشكل ما يكتبه وينقطه ما يعجز غيره أن يضارعه بخط العلم. أنشدني لنفسه يمدح المولى المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين شرف الملوك والسلاطين محيي العدل /65 ب/ في العالمين أبا الفضائل غرس أمير المؤمنين -أعز الله أنصاره وأعلى مناره-: [من الطويل] ربوعٌ لهندٍ دارساتٌ رسومها ... سقتها عهادٌ لا تغبُّ غيومها ربوعٌ لغزلان الصَّريم ملاعبٌ ... بأرجائها أقفرن مذ بان ريمها وقفت بها أبكي وفي القلب لوعةٌ ... على طيب أيَّامٍ تقضَّى نعيمها وما رحلوا إلَّا وبين جوانحي ... لرحلتهم نارٌ مقيمٌ جحيمها أحنَّ إلى أرض الحمى وبرودها ... إذا فتَّح النَّور الأريج نسيمها بها ظلَّ قلبي ثاويًا ولطالما ... أعاد أديمي مستجدًّا أديمها شكاية محزونٍ أهلَّ دموعه ... عقارب صدغٍ لا ينام سليمها كما أنَّ بدر الدِّين ليس بنائمٍ ... إذا ما خوطب الدَّهر نام عظيمها فتًى بلغ العلياء مجدًا وسؤددًا ... منها لن ينلها بعده من يرومها هو الكعبة الغرَّاء في الجود والنَّدى ... وراحته للإسلام حطيمها

تلام على فرط السَّماح وعاذرٌ ... يدٌ خلقت للبذل كيف تلومها علا مجده فوق السَّماء وكم له ... ماثر لا تحصى وتحصى نجومها تضوع بأفواه الرُّواة صفاته ... فيشدو بها الحادي ويطرب كومها وأنشدني لنفسه /66 أ/ يهنيء إنسانًا أبلّ من مرضٍ: [من الخفيف] لست يوم النَّوى عليه جليدا ... فانقصا من ملامتي أو فزيدا في حبيبٍ من الفؤاد قريبٍ ... وعن المقلتين أضحى بعيدا قد حكاه القضيب قدًّا ولينًا ... وحكاه الغزال طرفًا وجيدا كلَّ يومٍ يزداد قلبي أشواقًا ويزداد جفوةً وصدودا كان لي مسعدًا وخلًّا ودودًا ... فبحظِّي قد صار خلًّا ودودا زعموا أنَّني سلوت وهل أسلو قوامًا مهفهفًا أملودا يا غزير النَّدى إليك تحثُّ العيس إرقالها تجوب البيدا فترانا من النُّعاس على الأكوار بالسَّير ركَّعًا وسجودا وإذا ما ونت تقصِّر الخطو وعادت تمشي الهوينى الوئيدا ذكرت ربعك الخصيب فترتاح وتختار ظلَّك الممدودا وتمدَّ الأعناق تسرع والإعناق ينضى لحومها والجلودا ولعمري هباتك الغرُّ ما زالت بإفضالهم تعمُّ الوفودا وجديرٌ بك الثَّناء وإن كنت لحسن الثَّناء تبغي المزيدا /66 ب/ فتراني إن قلت في غيرك الشِّعر بليدًا وفي علاك لبيدا نذر النَّاس يوم برئك صومًا ... غير أنِّي رأيت ذلك عيدا فلهذا أكلت فيه طعامًا ... ولبست الغداة فيه جديدا [498] عليُّ بن إبراهيم بن كامل بن أحمد، أبو الحسن الأمشاطيُّ. كان أبوه يعرف بابن التركي، أصله من قرية من عمل الموصل يقال لها الدولعية. وأبو الحسن قرأ طرفًا من فقه الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وربّما سمحت قريحته بشعر.

أنشدني لنفسه ما كتبه إلى معتمد الدين: [من المجتث] يا من عليه اعتمادي ... في كلِّ حادثٍ خطب وفي عقيب صلاتي ... أدعو له الله ربِّي بأن يعيش ويبقى ... ما حجَّ ركبٌ يلبي فأنت معمتد الدِّين جابرٌ كلَّ قلب فالعبد يهواك صدقًا ... وظاهر الحال ينبي /67 أ/ فانظر إليه عساه ... يرتاح من حرِّ كرب فللزمان اجتياحٌ ... مغرًى بفقرٍ وسلب فادفع سطاه بجاهٍ ... عن عبدكم لا بعضب لا زلت ممَّن يرجَّى ... لخادمٍ ومحبِّ [499] عليُّ بن أبي المكارم بن مسعود بن حمزة المقرئ أبو الحسن الأنصاريُّ، البغداديُّ المولد، الموصليُّ الدار. مقرّه بمدينة الموصل. وصحب الشيخ أبا الحرم مكي بن ريّان النحوي، وقرأ عليه القرآن الكريم بوجوه القراءات، وأخذ عنه أدبًا ونحوًا. وهو نعم الرجل دينًا وفضلًا؛ سألته عن ولادته، فقال: ولدت في عاشر رمضان سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ببغداد. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى الخطيب عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الله الموصلي الطوسي: [من الطويل] سلامٌ من الله العظيم ورحمةٌ ... على خير من أهدي إليه سلامي أبي الفضل مجد الدِّين واحد عصره ... إمامٍ به يأتمُّ كلُّ إمام /67 ب/ به يهتدي ذو الغيِّ بعد ضلاله ... ويحظى بأعلى رتبةٍ ومقام وإنِّي لا أسطيع حصر صفاته ... إذا كان حصر القطر غير مرام أمولاي إنَّ النَّاس منَّ عليهم ... بسقيا وأشكو من صدًى وأوام وإن كان عجزي مقعدي ومثبِّطي ... فإنَّ اشتياقي قائدي بزمام

وإنَّ فؤادي يستلذُّ بذكركم ... وأنتم مناي سادتي ..... وذكركم شربي الَّذي أرتوي به ... وزادي الَّذي أردي العدا وأحامي سلامٌ إليكم كلَّما حنَّ عاشقٌ ... وما جنَّ ليلٌ غاسقٌ بظلام وما لاح نجمٌ يهتدى بضيائه ... وما ناح محزونٌ بنوح حمام وكتب إليه أبو اسحاق إبراهيم بن عبد الكريم الحنفي -رحمه الله- بهذه الأبيات: [من مجزوء الرمل] قل لتاج الدِّين وهو المرء بالمعروف يعرف يا صفيًّا خلته أصفى من الرَّاح وألطف حاجةٌ ليس لها إلَّاك مخدومٌ يكلَّف مصحفٌ بدَّله النَّاسخ ما شاء وصحَّف /68 أ/ فتغمَّده بإصلاحٍ فبالإصلاح يوصف واتَّخذها منَّةٍ ما حذف الدَّهر مضعَّف فأجابه أبو الحسن وأنشدنيه: -[من مجزوء الرمل] إنَّ شمس الدِّين شمسٌ ... لا تراها الشَّمس تكسف ضوؤها في الظُّهر واللَّيل سواءٌ ليس يسدف ................. ... الموجود حتَّى قيل أسرف وأريج المسك لولا عرفه ما كان يعرف هو في الجملة من حسنٍ وإحسانٍ يؤلَّف نسمٌ راقت ورقَّت ... فهي في ذلك قرقف جعل المملوك بالحاج الَّذي عزَّ وشرَّف [500] عليُّ بن محمّد بن بدر بن أبي بكر بن أبي الحسن بن أبي الهيجاء بن سعيد بن سهيل بن حميد بن قحطبة، أبو الحسن الحميديُّ الكرديُّ، المصري المولد والمنشأ. من أبناء الأمراء، له ديوان شعر ومعظمه ساقط النظم ضعيف /68 ب/ وربّما مرَّ

له أبيات قريبة. أنشدني لنفسه، وهو أصلح ما وجدت له: [من مجزوء الرمل] يا شفائي وسقامي ... شفَّني منك الصُّدود إرحم الصَّبَّ الَّذي أشواقه فيك تزيد معشر العذَّال رفقًا ... فالهوى صعب شديد قسمًا إنِّي رهينٌ ... للهوى فيمن أريد [501] عليُّ بن سلمان بن أبي الفرج، أبو الحسن البغداديُّ، المعروف بابن مريم. وهي أمُّه غلب عليه اسمها فنسب إليها. شيخ أحمر اللون، أبيض اللحية، فزع العينين. لقيته بمدينة إربل، يتعاطى بدقيق الكلام على مذهب الصوفية وإشاراتهم في معنى الحقيقة والمعرفة من جنس ألفاظ الحلاج والشطح، ويناظر في ذلك. ويزعم أنه اشتغل بعلم ولا يعرف الخط، وهذه الألفاظ تصدر عن خاطره ما تفهم ولا فائدة فيها ولا محصول غير أنَّ له قريحة في ارتجالها وقدرة في استنباطها /69 أ/ جعلها هجيراه ودربته. أخبرني أنه ولد سنة سبع وخمسين وخمسمائة. أنشدني لنفسه ما مدح به الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين -رضي الله عنه-: [من مجزوء الرمل] إبن زين الدِّين مولًى ... عجزت عنه صفاتي هو حرفٌ ........ ... كان قبل الكائنات ................ ... أو بدا من حيث آتي هو أبو الآباء فينا ... هو أمُّ الأمَّهات وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] خير النُّفوس العارفات بذاتها ... ذات الذَّوات بذات ذات ذواتها

طابت فطاب الأصل منها أشرفت ... عرفت مكان هويِّ ما هيَّاتها . وكانت كلَّ ..... شاهدت ... وتجوهرت فتجاوزت عاداتها كانت وما زالت ولكن أظهرت ... محجوبةً كي لا ترى علَّاتها لولا حجاب النَّفس عنها أدركت ... منَّابها أقصى جميع صفاتها وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الرمل] ونجومٍ في سماءٍ طلَّعٍ ... كسفت من ضوء نور القمر /69 ب/ فإذا شمسٌ نهارٍ طلعت ... هي أوفى منهم في النَّظر فإذا صرت أنا إيَّاهم ... صار من ذاتي كذاتي خبري وأنشدني أيضًا قوله: [من الوافر] أقول لجارتي واللَّيل ولَّى ... وقد لاح الصَّباح من الخمار دعيني كي أسير إلى بلادٍ ... بها أهلي ومن أهواه جاري وكيف تلذُّ لي في الأرض دارٌ ... وقد عاينت بالملكوت داري [502] عليُّ بن أبي الفرج بن محمود بن الحسن الجراحيُّ، أبو الحسن. شاب من أهل واسط، سمع الحديث كثيرًا بواسط والبصرة وبغداد وإربل. ويعرف طرفًا جيدًا من علم النحو وصدرًا صالحًا في الحساب. أخبرني أنّه ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة. شاهدته بالموصل سنة إحدى وثلاثين وستمائة؛ وهو حسن اللعب بالشطرنج ذو طبقة، ويلعب به غائبًا فلا يكاد يفوته من نقله شيء لقوة إدمانه فيه. أنشدني لنفسه في صاحب الديوان -وهو علي بن إبراهيم الأنباري-: [من الطويل]

/70 أ/ أمولاي تاج الدِّين لا زلت بانيًا ... فخارًا له فوق الفخر صعود إلى حين ....... ... ....... إنَّ ذاك بعيد فقد ............ ... خمولٌ وإخمال اللَّبيب شديد أماثل هاء الوقف والهمزة اختها ... وذاك سواءٌ فقدها ووجود فصيّرني بالنداء تكرُّمًا ... ففضلك يا ابن الأكرمين مديد .................... ... فهو طريد [503] عليُّ بن أحمد بن عثمان بن أبي الجيش بن الحسن بن عثمان بن أبي الجيش البوازيجيُّ، أبو الحسن. كان مولده -فيما أخبرني من لفظه- سنة أربع وستمائة. له طبع في النظم، وقريحة جيدة يمدح ويهجو، وله خط حسن ينسخ بالأجر، وقد كتب بيده عدّة مجلدات أدبية وغيرها. نزل بغداد وتديَّرها، ورأيته بها سنة تسع وثلاثين وستمائة. أنشدني لنفسه وكان الموجب لقول ذلك أنَّ أقوامًا أخذوا في سبِّه وبالغوا في ثلبه، فكتبه إليهم ذامًا مفتخرًا عليهم: [من البسيط] /70 ب/ سلي القبائل عنِّي يا ابنة الحكم ... تنبيك عن نعمي أيضًا وعن نقمي فلي أحاديث في الأيَّام سائرةٌ ... معروفة العرب بين العرب والعجم أغضُّ من نظري عن كلِّ فاحشةٍ ... وأتَّقي كلم المحذور في كلمي ولا أطيع هوى نفسي فتأمرني ... على الفعال الَّذي لم ترضه شيمي تحدَّث النَّاس عنِّي في محافلها ... كالشَّمع يظهر منه النُّور في الظُّلم وما سكنت إلى ذلٍّ ومسكنةٍ ... وليس .... إلى غير العلا هممي وإنَّما شغلي بالمجد أرفعه ... أذبُّ عنه بحدِّ السَّيف والقلم أنا الَّذي ترهب الأيَّام صولته ... وتتَّقي بأسه الآساد في الأجم تخشى الكتائب غاراتي وتحذرني ... بنو الملوك بذكري في حصونهم ملئت فضلًا وافضالًا فعاندني ... قومٌ خلون من الإحسان والكرم

لا يستطيعون إرماقي محاذرةً ... كأنَّني الشَّمس تبدو في عيونهم أظهرت بينهم علمًا فما فهموا ... فقد عذرتهم في سوء فهمهم إذا تفكَّر في فضلي أجلُّهم ... كنت المبرِّر منهم يوم سبقهم ينبِّهون على فضلي بجهلهم ... وقد تمكَّن فضلي من نفوسهم وقد يشيعون قبح القول بينهم ... عنِّي فيظهر فضلي عند نقصهم /71 ب/ لأنَّني أطيب الأثمار بينهم ... فقد رجمت لأثماري بزورهم قومٌ يشحُّون في الدُّنيا بمالهم ... ويسمحون على العافي بعرضهم شبه الغثاء بلا علمٍ ولا أدبٍ ... ولا وفاءٍ ولا حلمٍ ولا كرم هم الحقيرون لا يرجى نوالهم ... ولا وجودًا إذا فتَّشت في عدم إذا امرؤٌ .... من أقاربهم ... أعطيته جانبًا منِّي لبعضهم . من ديارهم ... طيفًا منعت جفوني لذَّة الحلم مثل الصُّقور إذا يرمون شرِّهم ... وفي المكارم مثل البوم والرَّخم أيمنعوني حقًّا لا أبالهم ... ويأخذون ببهتٍ فوق حقِّهم وليس عندي لهم قدرٌ فأعتبهم ... من يزرع الشرَّ لم يحصد سوى النَّدم كفاني إنَّني من بينهم رجلٌ ... كالصِّل لا أحدٌ عنهم يسدُّ فمي يحاولون صلاحي بعد مفسدة ... مثل السَّقام تداوى منه بالسَّقم والله ما ارتعت منهم خيفةً أبدًا ... ولا فزعت إليهم خوف جورهم ما أحسن الدَّهر عندي بالبعاد يدًا ... إلَّا تذكَّرت منهم سوء فعلهم وأنشدني لنفسه: [من الطويل] إذا احتجبت عنِّي الَّتي بجمالها ... بليت رأيت الموت دون حجابها /71 ب/ تعجَّبت منِّي وهي في القلب كلَّما ... عبرت ثنى طرفي إلى نحو بابها وأنشدني لنفسه يمدح بعض الوزراء: [من البسيط] قل للوزير أدام الله نعمته ... قولًا تنال به الأقصى من الطَّلب نجل الكرام الَّذي قد حاز مرتبةً ... ما حازها أحدٌ من سائر الرُّتب أفاده العزُّ آباءٌ ذوو شرفٍ ... حوت لسبق الحالي غاية القصب كيوان منزله الأدنى وخادمه ... بهرام وهي مضاهي السَّبعة الشُّهب

إذا تبدَّى لمجدٍ أو لمكرمةٍ ... أزرى على الفاخرين المال والنَّسب وإن تسامى علوًّا فوق مرتبةٍ ... سما على المشرفين المجد والحسب أمضى من المرهف الهنديِّ عزمته ... وكفُّه بالنَّدى أندى من السُّحب إذا تضايقت الأيَّام كان له ... رأيٌ يفرِّق بين الدَّهر والنُّوب وإن أضرَّ بنا عسرٌ ففي يده ... جودٌ يؤلِّف بين الحظِّ والأرب لأنت في المجد رأسٌ والورى ذنبٌ ... شتَّان في الدَّهر بين الرَّأس والذَّنب وأنشدني لنفسه من مديح قصيدة: [من الكامل] حبرٌ لنا من جاهه ونواله ... بحران بينهما الأنام تعوم /72 أ/ عمَّت مواهبه البلاد وأهلها ... بالجود حتَّى يوجد المعدوم تتظلَّم الأموال من إنعامه ... وبعدله يستنصف المظلوم لم يدر في الإحسان ما سنة الكرى ... حيٌّ يطيِّب ذكره قيُّوم وأنشدني لنفسه يمدح: [من الكامل] ما أنت إلَّا واحدٌ في ذاته ... والكلُّ من عرضٍ وأنت الجوهر ضاهى بك الله الخلائق كلَّها ... مهما ملكت فإنَّ قدرك أكبر وأنشدني لنفسه من غزل القصيدة: [من الكامل] بأبي الَّذي إن غبت عنه يزورني ... لطفًا وعهدي بالحبيب يزار رشأ يحار الوهم عند صفاته ... ماء الحياة بخدِّه والنَّار حصر الكمال جماله في أربعٍ ... من نعتها تتخيَّر الأفكار الخدُّ وردٌ والعذار بنفسجٌ ... والشَّعر ليل والجبين نهار [504] عليُّ بن عثمان بن عليِّ بن سليمان بن عليِّ، أبو الحسن السليمانيُّ الإربليُّ.

شاب من أهل إربل، صرف فكرته إلى قول الشعر، فقال منه وأكثر في المديح والتغزيل /72 ب/ أنشدني لنفسه يمدح الصاحب أبا البركات المستوفي -رحمه الله تعالى-: [من الخفيف] بعد عصر الصِّبا ورسم التَّصابي ... أترجَّى وصلًا من الأحباب؟ ! يا لقومي كيف السَّبيل وقد حلَّ برأسي البازيُّ بعد الغراب أنكرت إذ رأت بياض عذاري ... ثمَّ صدَّت من بعد طول اقتراب دأبي الغانيات لولا النجنِّي ... ما تداني شيبي وولَّى شبابي ضحك الشَّيب فاستهل له الدَّمـ ... ـع ألا ربَّ ضاحكٍ لارتياب وتولَّت عنِّي المها بعد أن واصلن دهرًا وأنكرتني صحابي إن حمل الهوى على قرب من تهوى وبعد المزار شرُّ المصاب من لعينيَّ أن تمتَّع في روض معاني ذاك الحمى والجناب ولقلبي أن يستفيق غرامًا ... بوصالٍ من الحسان الكعاب طال شوقي هل من سبيلٍ إلى القرب فتطفى بذاك نار اكتئابي كان ظنِّي أنَّ الصُّدود دلالٌ ... فتبيَّنته صدود اجتناب أسفي لو يردُّ عيشٌ تقضَّى ... بالحمى بين صحَّةٍ واصطحاب حكم البين بالذَّهاب فل يحكم يومًا لشملنا بالإياب /73 أ/ خلَّفوني رهن البلى أسأل الأطلال عنهم فلا تردُّ جوابي وسروا بالفؤاد منِّي فلا مسعد إلَّا توجعُّي وانتحابي

عن جفوني حكى السَّحاب فلا أسأل سقي الرَّباب دار الرَّباب مدمعٌ لو سفحته لا الأرض ... كجود المبارك الوهَّاب ماجدٌ يجعل السَّماحة والفضل صقال الإحسان والأنساب مستهلُّ لقاصديه فلا يجلس للنَّاس .... حجاب حاكمٌ عادلٌ حليمٌ فلا ينطق مهما يرى بغير الصَّواب قسم العمر منه يوم ندًى جمٍّ ينادي له ويوم عقاب يرتجي عفوه المسيء وتخشى الـ ... ـفتك من بأسه أسود الغاب آزر الملك بالوزير وعزَّت ... بعد ذلٍّ مكانة الآداب شرف الدِّين يا أعزَّ حمى جارٍ وأعلى مجدٍ وأقصد باب إنَّ دهري أعادني بالملمَّات جريحًا ما بين ظفرٍ وناب وأراني النَّعيم بؤسًا .... الصوت منِّي ظلمًا بسوط عذاب وإليك التجأت إنَّك للِّاجي حمًى مانعٌ من الأوصاب لأياديك سيب جودٍ على النَّاس وفضلٌ أطواقه في الرِّقاب /73 ب/ أيّ شكر لغير مجدك لم يدنس بذمٍ بين الأنام وعاب من يرم فيكم المديح يجد أسباب وصفٍ تقوم بالأسباب فابق ما دامت اللَّيالي وما انهلَّ من المعصرات صوب سحاب وأنشدني لنفسه من غزل قصيدة: [من الطويل] لو سنان ذاك الطَّرف فرط سهاده ... وللوجد ما أبقى الهوى من فؤاده محبٌّ بأكناف الشَّام يشوقه ... مهبُّ الصَّبا من أرضكم .... تمنَّى وقد عزَّ الوصال خيالكم ... فكيف ولمَّا تأذنوا برقاده أأحبابنا كيف اللِّقاء وبيننا ... عراض الفلا من هضبه ووهاده ومازال يخشى بعدكم في اقترابه ... فكيف يرجِّي قربكم في بعاده لكم منزلٌ في القلب ليس بدارسٍ ... فسرُّ هواكم كامنٌ في سواده لئن قصَّرت عنكم طوال رسائلي ... فإنَّ اشتياقي نحوكم في ازدياده لعمري لقد قلَّ الصَّديق فلا ترى ... من النَّاس من يوليك صفو وداده وقلَّت مروءات الرِّجال فكلُّ من ... بلوت رأيت الغدر نصَّ اعتقاده

وأنشدني لنفسه من أخرى: [من الكامل] /74 أ/ ألياليًا سلفت لنا بزرود ... عودي ليورق من إيابك عودي واسترجعي ذاك الوصال فإنَّه ... أشهى إلى قلبي من التَّوحيد لله ساعات الوداع فإنَّها ... تركت لظًى بحشاي ذات وقود يا صيحةً بشتات شملٍ جامعٍ ... حلَّت وثائق دمعي المعقود إنِّي لأعلم أنَّهم لمَّا سروا ... علموا بضعف تصبُّري المنجود وتعمَّد الحادي حثيثك في السُّرى ... ليذيب حبَّة قلبي المعمود . إلى الأطلال ليس بنافعٍ ... وبكاي للنَّائين غير مفيد وإذا المحبُّ ثناه عن أحبابه ... بعد المزار فذاك غير بعيد يا ليت ما بين الأحبَّة من نوًى ... ما بين جفن الصَّبِّ والتَّسهيد أوليتهم علموا بأنَّ مدامعي ... حتَّى .... على خلاف لبيد ومنها يقول: ألنار قلبٍ غير ماء مدامعٍ ... أو غير نجمٍ ثاقبٍ لمريد رعيًا لأيَّام الوصال فإنَّني ... أنفقت فيها طارفي وتليدي إذ صرف دهرين صرف عين ... ولم يمدد إليَّ بباعه الممدود ومنها: /74 ب/ ومدامةٍ كدم الذَّبيح جلوتها ... في الكأس بارزةً بنغمة عود هي جوهر الأشياء إلَّا أنَّها ... أمُّ الكبائر وابنة العنقود يسقيكها رشأ كأنَّ قوامه ... في اللِّين خوط البانة الأملود ظبيٌ لواحظه السِّهام قسيُّها ... موتورةٌ أبدًا لصيد الصِّيد إن لاح أزرى بالبدور وإن شدا ... صمتت حمائمنا عن التَّغريد آليت لا أنفكَّ أرعى عهده ... كلَّا ولا أصغي إلى التَّفنيد أو ينثني عن جوده ونواله ... كفُّ الأمير محمَّد المحمود

وأنشدني لنفسه في سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من الكامل] علِّل بإدلاج الرَّكائب والسُّرى ... دنفًا براه من التَّشوُّق ما برى ذكر الشَّام وشام بارق جوشنٍ ... وقبابه فحمى عن الجفن الكرى إيهٍ حديثك عن قويق فماؤه ... أشهى إلى قلبي وأعذب كوثرا هلَّا إلى باناته من عودةٍ ... متفيِّئًا بظلالها متستِّرا وعن المشاهد كم شهدت بجوِّها ... شمسًا محجَّبةً وبدرًا نيِّرا حلب المنى الأقصى وليلاتي بها ... حكمت عليَّ ببعدها أن أسهرا /75 أ/ من لي بأن ألقي بحاضرها العصا ... وأريج عيسًا شفَّها جذب البرى فارقت مسقط هامتي متخيِّرًا ... وأتيتها فسألتها متدبِّرا وحييت من نعمائها بفواضلٍ ... كالبحر نيلًا والسَّحاب إذا سرى مالي وللأيَّام تغري بالنَّوى ... وتخصُّني بالبعد من دون الورى فأظلُّ طورًا معرقًا أو منجدًا ... وأبيت طورًا مشئمًا أو مغورًا هل أنت يا برق العراق مبلِّغٌ ... من بالشَّام سلام منبتِّ العرى وإذا امرؤٌ قطع المفاوز خائفًا ... خطبًا عراه إلى العراق فقد عرى بدلِّت عن أسد الشَّرى وأكارمٍ ... تهمى لكنهم أبناء ضوطرا ولقد رفعت عروشهم بمذمةٍ ... فهم هم أين العقائر والقرى وأتيتها بالخيل أعدو نحوها ... الجمزى وها أنا قد رجعت القهقرى يا راكبًا يطوي الفلاة محاولًا ... أرض الشَّام وبالغًا تلك القرى إن أنت شارفت المرتب سالمًا ... ورأيت ذاك المعقل السَّامي الذُّرى فاسجد لربِّك خاضعًا لجلاله ... ولعزِّه ومقبِّلًا عنِّي الثَّرى وودت حرَّ أديم وجهي لو ثوى ... في ذلك الحرِّ الأديم معفِّرا ومتى بلغت حمى الوزير وبابه ... أممًا فكلُّ الصَّيد في جوف الفرا /75 ب/ لم يلقه الأقوام إلَّا قائمًا ... متهجِّدًا أو صائمًا متهجِّرًا ساس البلاد وهذَّبت أخلاقه ... خلق الرَّعيَّة فاسترقَّ الأكثرا

وتحمَّل الأعباء ... فاغتدى ... عن ساق سعيٍ في العلاء مشمِّرا قاضٍ قضى بالعدل في أيَّامه ... فبدا لنا ليل المظالم مقمرا الله أولاه يدًا من فضله ... وأنا له في العلم حظًا أوفرا وأمدَّه من جوده بمعونةٍ ... وأذلَّ عزَّة حاسديه وأصغرا يقظٌ ..................... ... ........... السَّحاب إذا جرى فإذا وجدت وجدت أحسن مخبرًا ... وإذا رأيت رأيت أحسن ما يرى وإذا وردت وردت بحرًا سائغًا ... وإذا هززت هززت غصنًا مثمرا أضحى على الشَّهباء ثاقب رأيه ... أحمى من الشُّهب الشِّداد وأشهرا عصم العواصم بالعزائم والنُّهى ... فكفى مكافحه الحسام الأبترا وأزال جيش الشِّرك منه بسطوةٍ ... جاشت فولَّى الشِّرك منها مدبرا يا أوحد الوزراء في أفعاله ... وأعمَّهم فضلًا وأسمى مفخرا إن لم تكن يا ابن الأكارم جعفرًا ... ... فقد أجرى بنانك جعفرا فليغضض الحسَّاد طرفًا عن يدٍ ... بيضاء تعرف بالعوارف أو ترى /76 أ/ ولتبق بالفعل الجميل فإنَّما ... كبت المعاند بالماثر والثَّرى وتقبَّل البكر البطينة إنَّها ... نذرت لك المدح الجميل محرَّرا عمري لقد ذهب الكرام فلا أرى ... إلَّا حديثك في المكارم مؤثرا فاسلم على مرِّ اللَّيالي ما سرى ... برقٌ وما مرَّ النَّسيم معًنبرًا وأنشدني لنفسه، وهو مما قاله بحلب المحروسة: [من الطويل] أجر مدنفًا أنت العليم بحاله ... ورقَّ لمن لم يبق غير خياله وإن لم تجد فاعطف عليه بموعدٍ ... يعلِّل قلبًا هائمًا بمحاله ظمئت وهل رشف الثَّنايا يعلُّني ... وهل ظمأي إلَّا لبرد زلاله وأنحلني حمل الغرام وممرضٌ ... بجفوته من لا أمرُّ بباله وأعجب شيءٍ أنَّه بخياله ... يضنُّ وأنِّي طامعٌ في وصاله من التُّرك ترك الوصل أكبر همِّه ... وجفوة خلٍّ من جميل خلاله

إذا ماس حار الغصن منه وإن بدا ... أضرَّ بضوء البدر عند كماله أهيم به وجدًا على القرب والنَّوى ... على صحَّةٍ من ودِّه واعتلاله وأهجر هجر الحائمات لأنَّني ... رأيت ورود الموت دون بلاله /76 ب/ محا سحرٍ ذاك الطَّرف آية سلوتي ... وأسلبني عزِّي بذلِّ سؤاله أعانقه حبًّا وأخشاه هيبةً ... لما بي من إجلاله وجماله له في الرِّضا فتكٌ بصارم لحظه ... أعيذ حبيبًا سلمه كقتاله خذوا بدمي يال الهوى وتطلَّبوا ... دمًا سفكته راشقات نباله وأنكرتم أنَّ الشَّقيق بخدِّه ... أما هذه في الخدِّ نقطة خاله سقى الغيث منهَّلَّ العزالي ربى الحمى ... بحوذان العذيب وصاله ولا زال مخضلَّ الجوانب ممرعًا ... تمرُّ بنشر المسك ريح شماله فكم غزلٍ أوردته في غزاله ... وكم رملٍ أنشدت بين رماله أحبَّتنا ولَّى زمانِّي وحبُّكم ... مقيم يزول العمر دون زواله هل الدَّهر يثني عوده من جميعكم ... على ذنفٍ واهي التَّجلُّد واله يكتِّم شكوى الحبِّ إذ ليس راحمٌ ... ويجحده صونًا له بمقاله وقالوا: سلا إذ كفَّ شاني وإنَّما ... أكفكف دمع العين خوف انهماله وأنشدني لنفسه يرثي الأمير ناصر الدين أبا المكارم محمد بن قرطايا بن عبد الله الإربلي، وتوفى بحلب وذلك /77 أ/ في سنة أربع وثلاثين وستمائة -رضي الله عنه-: [من الطويل] عتابي على ريب الزَّمان يطول ... وما الصَّبر عندي مذ فقدت جميل وإنِّي لمحزونٌ عليك فقلَّما ... يبلُّ بفرط الحزن فيك غليل أمحتجبًا بالتُّرب رهن يد البلى ... بديماس لحدٍ ما إليه سبيل أجبني فقد ضاق الفضاء وغالني ... لفقدك من أيدي الحوادث غول أتأذن لي بالشَّام أم يستقلُّ بي ... إلى وطني صفر اليدين رحيل رجوتك أيَّام الحياة فكان لي ... إلى كلِّ فضلٍ من نداك وصول

وقلت: حديث النَّفس ترجى حياته ... ولم أدر أنَّ الحال فيك تحول أيا سالبي سربال صبري وملبسي ... حدادًا عليه طرزهنَّ خمول ويا جبلًا قد كنت معتصمًا به ... أكفُّ به كفَّ الرَّدَّى وأصول دعوتك للأيَّام دغوة خائفٍ ... مكائد دهرٍ كلُّهنَّ غلول فأعياك عن ردِّ الجواب فهل فتًى ... يصحُّ لبث الحزن حيث أقول وحسبك دمعي فهو نصرة خاذلٍ ... له مسرحٌ في وجنتي ومسيل إذا ما دعوت الصَّبر .... ... من الصَّدِّ كثر الصَّبر عنه قليل فيا ليته يحيا طريحًا وليتني ... أقول لوفد العائدين عليل /77 ب/ وتسمع تعليل الأساة وقولهم ... إلى البرء يفضي أمره ويؤول نعى قومه بالشَّرق ناعٍ فجاءهً ... فكادت له شمُّ الجبال تزول نعى ناصر الدِّين الأمير محمَّدًا ... فطارت قلوبٌ فجعةً وعقول فتًى كان غوثًا للطَّريد وظلُّه ... على آمليه والعفاة ظليل خفيفٌ على قلب الصَّديق ووطؤه ... شديدٌ على نحر العدوِّ ثقيل يسرُّك في صدر المواكب كثرةً ... ويرضيك قولًا منه وهو رسيل عدمت صهيل الصَّافنات ولا أرى ... جيادك تجري بينها وتجول سقى قبرك الغرَّ الغوادي وجاده ... سحابٌ إذا ضنَّ السَّحاب هطول وآنس مغناك الجديد برحمةٍ ... لها حجبٌ من نورها وحجول أقمت بأرضٍ لا خليلٌ مساعدٌ ... ولا صاحبٌ في النَّائبات خليل ولا صارمٌ عضبٌ يذود به الرَّدى ... ولا نائلٌ تسخو به وتنيل وكنت أخا الحرب العوان وللظُّبا ... على هامة اللَّيث الكميِّ صليل فكيف وهى البأس الشَّديد وجاءنا ... عزيز القياد منك وهو ذليل أخانتك سمر الذَّابلات أم اغتدى ... حسامك يوم الرُّوع وهو كليل فبعدك ما وجه المسرَّات أبيضٌ ... لدي ولا طرف الزَّمان كحيل /78 أ/ وما كنت إلَّا البدر تمَّ طلوعه ... فعاوده بعد الطُّلوع أفول فلو كان يفدى ميِّتٌ كنت تفتدي ... ولكنَّه ما لا يقيه بديل ولو كنت تحمى بالصَّوارم والقنا ... حماك أخٌ في النَّائبات حمول

وطارد عنك الموت قسرًا وإنَّه ... لعثرة أبناء الكرام مقيل حمى وحوى الأقوام بعدك غيره ... وأنَّى لهم بالحجِّ منه كفيل إلى ظلِّه ملنا ونحن عصابةٌ ... لنا مسرحٌ من جوده ومقيل شهابٌ براه الله للخطب ثاقبٌ ... ومصباح سارٍ في الظَّلام دليل وخير الورى من لاذ قومٌ بظلِّه ... ومن ليس للعافين عنه عدول وقال، وكتب بها جوابًا إلى اصحب له بنصيبين، وهو يومئذ بحلب في سنة إحدى وثلاثين وستمائة: [من الطويل] أتاني كتابٌ منك هيَّج لوعتي ... فكدت بدمعي يا أخا الودِّ أشرق أتى مخبرًا عن صفو ودٍ كأنَّه ... وحقِّك عمَّا في ضميري ينطق وهيهات أن تحوي اشتياقي رسائلٌ ... وتحمل أشجاني جيادٌ وأينق عليك سلام الله من ذي حفيظةٍ ... له مدمعٌ صافٍ ووردٌ مرنَّق /78 ب/ متى خطرت من جانب الشَّرق نفحةٌ ... تكاد لها روحي من الشَّوق تزهق ويذكرني ربع التَّصابي وأنسه ... نسيم الصَّبا والبارق المتألِّق فللَّه صبٌّ في نصيبين قلبه ... غدا موثقًا والجسم بالشَّام مطلق يهيِّج وجدي من قويقٍ ولوعتي ... لذكراك ماء الزَّاهر المترقرق وأشتاق روضاتٍ هناك أريضةً ... شهيَّة مرأى العين بالطِّيب تعبق عليها كسقط الطَّلِّ منثور لؤلؤٍ ... وفيها لصفو الظِّلِّ حسنٌ ورونق وما هي إلَّا كالبلاد وإن غدت ... بك من شوقٍ تخبُّ وتعنق فسقَّى رباها لامع الودق هاطلٌ ... من الغيث وسميُّ السَّحائب مغدق يقولون بعد الخلب يخلق ودُّهم ... وحاشا ودادي أو ودادك يخلق وعدت فلا نشر النَّسيم معنبرٌ ... كعهدي ولا غصن الأراكة مورق عسى الله يدني الدَّار بعد تباعدٍ ... فيضحى جميعًا شملنا المتفرِّق وقال أيضًا: [من الطويل] وقائلةٍ باد الكرام فلا ترى ... من النَّاس من تطوى إليه السَّباسب فقلت: اقصري واسترشدي سبل الهدى ... لديك إذا ضاقت عليك المواهب فإنَّ احمد المحمود في البأس والنَّدى ... لأكرم من تحدى إليه النَّجائب

/79 أ/ فتى في جماع المال والملك زاهدٌ ... وفي جمع أزكى الحمد والشُّكر راغب ينيل جزيلًا ثمَّ يغدو كأنَّه ... لفرط احتقال المال في البذل طالب فكلُّ عدوٍّ حيث تلقاه خاضعٌ ... وكلُّ بليغٍ حيث يلقاه خاطب إذا ما سطا في حومة الحرب والوغى ... تدنَّى له سمر القنا والقواضب عليمٌ بأعقاب الأمور مؤيَّدٌ ... تخبِّره عمَّا يكون التَّجارب إذا ما سرى في مبهم الخطب رأيه ... تجلَّت له عمَّا لديه الغياهب متى جال في حرب رأيت غريضه ... إذا قام منه جانبٌ مال جانب أمولاي ركن الدِّين شكرًا فإنَّها ... منائح يعطاها الفتى ومواهب سما قرطايا بالفخار ومن تكن ... .... لا تعتريه المعايب أتاك أناسٌ جاهدون من الطِّوى ... عصائب يقفو إثرهنَّ عصائب فعاجوا فأثنوا بالَّذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب فعش سالمًا ما ماس في فنِّ دوحةٍ ... قضيبٌ أمالته الصَّبا والجنائب وفي .... التَّعريض بالأمر غنيةٌ ... إذ الجود عمَّا يقتضي الوعد نائب وقال أيضًا: [من الطويل] جوًى في الحشا تطوى عليه الأضالع ... أكتِّمه صونًا له وهو شائع /79 ب/ دعوني وفيض الدَّمع أشف بوبله ... غليلي فقد بان الحبيب المضاجع نبا السَّمع عن داعٍ دعا بقطيعة ... أقضَّت لها بعد الفراق المضاجع سرت بسروري والهجوع ركابهم ... فلا القلب مسرورٌ ولا الطَّرف هاجع هم تركوني للهموم دريئةً ... أنازع من همِّي بهم ما أنَّازع مقيمًا بزوراء العراق وبيننا ... مدًى لمسير الأعوجيَّات واسع أحنُّ لخفَّاقٍ النَّسيم إذا سرى ... ويطربني برقٌ من الشَّام لامع وأذكر أيَّامًا بعلويِّ جوشنٍ ... تولَّت وهل تذكارها لي نافع وعيشًا صفيق الظِّلِّ أخضر ناضرًا ... إذ الشَّمل دانٍ والحبيب مطاوع مواسم لذَّاتٍ على الفيض لم تدم ... متى ذكرت فاضت عليها المدامع سلامٌ على تلك الدِّيار فإنَّ لي ... حنينًا إلى سكَّانها يتتابع تحدِّثني الأحلام بالقرب منهم ... فيا طيب ما توحي إليَّ المسامع

أصدِّق ظنِّي عنده وهو كاذبٌ ... وأوصل واهي حبله وهو قاطع ولولا جوًى بين الجوانح لم أكن ... أصدِّق ما قال الخيال المخادع وما تلفي في الحبِّ إلا مطامعي ... وأقتل أدواء الرِّجال المطامع إلى م نديمي للفراق ندامتي ... وكأسي تباريها الدُّموع الهوامع /80 أ/ أعلوةُ لو أجدى المرقِّش جذُّه ... لإصبعه جذَّت عليك الأصابع فلا تحسبي ودِّي يزول مقيمه ... ولو زال رضوى واستحال متالع فلولا أيادٍ .... عميمةٍ ... لزرت ولو أنَّ الرِّماح شوارع أيادٍ من المستنصر بن محمَّدٍ ... يلاحظها طرف المنى وهو خاشع سحائب جودٍ عمَّت الأرض فاستوت ... أباطح من شؤبوبها وأجارع له منهجٌ في الحّقِّ يدعو إلى الهدى ... وينسخ ما نصَّت عليه الشَّرائع تقبِّل تيجان الملوك ترابه ... وأعناقها صعرٌ لديه خواضع إمامٌ عليه للعبادة شيمةٌ ... وفي وجهه نور النُّبوَّة ساطع حليمٌ يريك العفو فضل اقتداره ... على كلِّ جانٍ أسلمته الضَّرائع بعيد مغار الكيد يمزج صبره ... لأعدائه بالسُّمِّ والسُّمُّ ناقع وأبيض وضَّاح الجبين كأنَّما ... محيَّاه بدرٌ في الدُّجنَّة طالع كريم السَّجايا فيه للَّه مخلصًا ... حياءٌ وحلمٌ راجحٌ وتواضع فريد له في الجود وجدٌ محالفٌ ... وبدعٌ له في المكرمات بدائع نبيلٌ فلا يبقي نوالًا كأنَّما ... خزائنه في راحتيه ودائع مناقب تبدو في سناءٍ ورتبةٍ ... وعزٍّ كما تبدو النُّجوم الطَّوالع /8 ب/ له الأمر بعد الأمر للَّه وحده ... فما مؤمنٌ إلَّا مطيعٌ وسامع يذبُّ عن الإسلام حبًّا ورغبةً ... ويمنع عنه مخلصًا ويدافع بكلِّ شديد البأس مستحصد القوى ... إذا تمَّ لم يردعه في الأمر رادع يخوض غمار الحزن والموت أحمرٌ ... يلاحظه والنَّقع أصفر فاقع

ويردي الكمَّي القرم منه بطعنةٍ ... لها نفذٌ في متنه وهو دارع جيوشٌ تجيش الأرض من خوف بأسها ... ويدنو إليها المطلب المتتابع له الرَّاية السَّوداء لونًا وفعلها ... إذا ما التقى الجمعان أبيض ناصع ذوائبها تحكي فؤاد عدوِّه ... بلا جزعٍ في خفقها وهو جازع تطير على الأعداء حتَّى كأنَّها ... عقابٌ على شيءٍ من الطَّير واقع معوَّدةٌ بالنَّصر تسري رياحها ... علينا رخاءً وهي فيهم زعازع تحوم عليها الطَّير في كلِّ مأزقٍ ... على ثقةٍ ممَّا قرتها الوقائع يثقِّفها في الرَّوع أغلب باسلٌ ... لدى الحرب مشبوح الذِّراعين رائع جوادٌ إذا ما أتلف الدَّهر مخلفٌّ ... وخرقٌ إذا ما خرَّق الدَّهر راقع إليك حثثنا اليعملات على الوجى ... وفي الرَّكب أشتاتٌ ظليعٌ وظالع دعونا بها عرض الفلاة وعندنا ... وسائل نبغي ردَّها وذرائع /81 أ/ نؤمُّ أمير المؤمنين ومن به ... يقدُّ من الخطب الجسيم الأخادع سأملأ أقطار البلاد مدائحًا ... إذا كان لي من رأيه اليوم شافع وما الشِّعر يغني أوَّل منه آخرًا ... ولكنَّه مثل المياه منابع بقيت أمير المؤمنين مخلَّدًا ... لهذا الورى ما كبَّر اللَّه راكع بقاؤك للدنيا وللدين عزَّةٌ ... وفخرٌ وفضلٌ بيِّنٌ وصنائع وقال أيضًا: [من الطويل] منالك من طيف الخيال الَّذي يسري ... يدلُّ على الوجد الَّذي حيث لا أدري أتى الجانب الغربيَّ وهو بمانعٍ ... من الجانب الشَّرقيِّ يسري إلى القصر فأنَّى اهتدى واللَّيل ما شقَّ جيبه ... ولا كشفت عن وجهه سدف الخمر ألم نحي [يومًا] في أمانٍ من الكرى ... فلمَّا تيقَّظنا له فرَّ عن ذعر يذكرِّنا إخلاف وعدٍ ممنَّعٍ ... يبيت على وصلٍ ويضحي على هجر غزالٌ له من أخته نور وجهها ... إذا ما بدت في صبغ أثوابها الحمر

أبثُّ إليه ما أجن وكلَّما ... بكيت عقيقًا ظلَّ يبسم عن درِّ يموت به صبري فتبكيه لوعتي ... كما بكت الخنساء حزنًا على صخر قريبٌ ترائيه بعيدٌ مناله ... نراه كما ترنو العيون إلى البدر /81 ب/ إذا ما اهتدى قلبي بنور جبينه ... سبيل رشادٍ ظلَّ في ظلم الشَّعر فعذت به عن سلوتي عند عاذلٍ ... أقام به إذ قام معتذرًا عذري غدا خاله موسى كليمًا بناظري ... وما بطلت عيناه من عمل السِّحر ومن عجبٍ والنَّار في صحن خدِّه ... يذوب بها قلبي ودمعي الَّذي يجري تغير على العشَّاق زرقاء ثغره ... كما فعلت زرق الأسنَّة في ثغر يعربد من سكر الشَّباب وجهله ... ومحتملٌ جهل الشَّباب على السُّكر ظفرت به في النَّحر يذبح سلوتي ... فقبَّلته ألفًا على ذلك النَّحر ولا عدل في شرع الهوى أيحدُّني ... وينجو بلا حدٍّ ومن ريقه خمري؟ ! شرحت له إيضاح وجدي مفصَّلًا ... فما ضرَّه لو كان في لمعٍ يقري فحاجبه نون الوقاية وما وقت ... على شرطها فعل الجفون من الكسر أضيف إلى ليل المحبِّين شعره ... فطال ولولا ذاك ما خصَّ بالجرِّ لهيب فؤادي من لهيب خدوده ... وسقمي الَّذي أشكوه من سقم الخصر دعيت قتيل البيض والسُّمر في الهوى ... وإن كنت أردي القرم بالبيض والسُّمر لقد خاب من يدعو طليق دموعه ... لنصرة قلبٍ مات في ضرر الأسر /82 أ/ أبادية الأعراب كيف خفرتم ... ذمامي وأقدمتم على الذَّمِّ والغدر فضلتم قصيًّا في الخداع لمغرمٍ ... غدا كأبي غبشان في ..... كتمت هواكم عن خليلي وصاحبي ... فنمَّ به سقمي وعيل به صبري وأعجزني حصر الَّذي بي من الأسى ... كما أعجزت نعمى الخليفة عن حصر وقال أيضًا: [من الكامل] أكثرت من ذكر العذيب وحاجر ... وملاعبٍ خرسٍ ورسمٍ داثر خذ في صفات مهفهفٍ علِّقته ... متلاشيًا مثل القضيب النَّاضر

جذلان ما فترت صبابة مغرمٍ ... أمسى يغازله بطرفٍ فاتر يرنو فينتهب القلوب وحسنه ... نهب العيون كذاك دأب الثَّائر أحنو عليه بوجد قلبٍ ناسكٍ ... وأحار فيه بلحظ طرفٍ فاجر متلوِّنٌ حذر الرَّقيب يصدُّ عن ... قربي وباطنه خلاف الظَّاهر يا ناعس الأجفان هب لي رقدةً ... إن كنت تسمح إنَّ طيفك زائري ذهبت بموعدك السُّنون فجد .... ... ومضت عقابيل الشَّباب قبادر ولقد أطعت هواك غير مراقبٍ ... وعصيت نصح العذل غير محاذر فإلى متى أنا في غيابات الهوى ... سكران بين عواذلٍ وعواذر /82 ب/ ولئن عثرت وقد ألَّم بلَّمتي ... صبح المشيب فلالعًا للعاثر ولربَّ باكيةٍ وقد ودَّعتها ... شرقًا بوابل دمعي المتحادر طفقت تلوم على الزَّماع وتشتكي ... غدرات أيَّام الزَّمان الغادر فأجبتها بحشاشةٍ مقروحةٍ ... والعيس تهوي كالعقاب الكاسر كفِّي فقد كفلت مناك مكارم المستنصر بن الظَّاهر بن النَّاصر وقال أيضًا: [من الطويل] ألمَّت بنا ليلى وقد هوَّم الرَّكب ... وأبدت لنا العتبى وفي طيِّها عتب وحيَّت فأحيت ثمَّ سارت وخلَّفت ... رسيس هوًى في الصَّدر ليس له طبُّ أتطرقنا وهنًا ومن رقبائها ... سنى وجهها الوضَّاح والمندل الرَّطب تميل لفرط العجب أو مرح الصِّبا ... كما مال من مرِّ الصَّبا الغصن الرَّطب /83 أ/ كليلة حدِّ الطَّرف يفعل جفنها ... بألبابنا ما يفعل الصَّارم العضب بديعة وصفٍ كمَّل اللَّه حسنها ... فليس لها في الخلق مثلٌ ولا ترب ففي نور وجه الشَّمس منها مشابهٌ ... وفي رائق الصَّهباء من ريقها ضرب شكوت فما رقَّت ورقَّت لشكوتي ... كواعب أترابٌ لها .... عرب خلا قلبها من كلِّ وجدٍ ولوعةٍ ... ولم يخل من لوعات وجدٍ بها قلب تجود بوعدٍ حين ينأى مزارها ... وتخلفه عهدًا إذا التأم الشَّعب

تناءى إذا تدنو وتدنو إذا نأت ... ففي قربها بعدٌ وفي بعدها قرب لقد سائني ما سرَّها من صدودها ... وقد جدَّني في حبِّها ذلك اللَّعب على م وحتَّى م التَّدلُّل والعجب ... ألم يكفها أنِّي بها والهٌ صبُّ كليني لهم فيك يا ليل ناصبٍ ... ونار اشتياقٍ بين جنبيَّ لا تخبو تعلَّمت رصد النَّجم لولا تخونني ... قصار جفونٍ لا يجفُّ لها غرب أحنُّ وأصبو كلَّ يومٍ وليلةٍ ... غرامًا إلى من لا تحنُّ ولا تصبو /83 ب/ عدمت دلال الغانيات فإنَّه ... شجى كلِّ نفسٍ يستخفُّ بها الحبُّ تسمَّين بالحسنى وهنَّ ظوالمٌ ... وحالفن ما تحوي البراقع والنُّقب فما أجملت جملٌ غداة فراقنا ... ولا أسعدت سعدى ولا أعتبت عتب وعيسٍ كأمثال الحنايا ضوامرٍ ... لها النَّصُّ والإرقال في سيرها دأب مراسيل لا جذب البُّرى يستزيدها ... ولا يزدهيها ذو فج لا ولا هضب تقل بني الحاجات من كلِّ نازحٍ ... قصيٍّ له من شحبها دائمًا شرب إذا وردوا من بعد خمسٍ وأوردوا ... مغيض عباب الماء منهم إذا عبُّوا سريت بهم واللَّيل مرخٍ رواقه ... وسرت ووجه الشَّمس ليس لها حجب بمذهلة يخشى الظَّليم طروقها ... ودوِّيَّةٍ قفرٍ يحار لها الضَّبُّ سكارى نعاسٍ أصبحوا بادِّلاجهم ... يميلون أحيانًا كأنَّهم شرب فلمَّا بدا نخل العراق وصفَّقت ... جداوله وافترَّ عن زهره العشب نشرت لهم من نور عيني مؤنةً ... وقلت: لي البشرى بنيل المنى هبُّوا تدارككم جود الخليفة إنَّه ... هو النَّائل الفضفاض والمنهل العذب /84 أ/ وأنشدني لنفسه يتشوق إلى وطنه بسروندكار، وصنع ذلك بديهة: [من المديد] حنَّ محزونٌ إلى وطنه ... فبكى المفقود من زمنه وتغنَّى منشدًا غزلًا ... فحكاه الطَّير في فننه

راكبًا كور الهوى وله ... طلبٌ يحدو إلى سكنه شام من سروندكار سنى ... بارقٍ أغراه من دمنه وبذاك الحيِّ لي رشأ ... خان ظلمًا عهد مؤتمنه /84 ب/ نكِّبوا عن سحر مقلته ... ...... من فتنه ما على العذّال من رجلٍ ... سرُّه أفضى إلى علنه لم يدع وقر النَّوى فغدا ... لاستماع العذل في أذنه قارن التَّبريح مهجته ... حيث جدَّ البين في قرنه سافحًا بالسَّفح أدمعه ... لأهيل الحزن كم حزنه هل فكاكٌ يرتجى أممًا ... لأسير القلب مرتهنه قد روت أجفانه خبرًا ... سلسلته العين عن شجنه بعض ما يلقاه من كمدٍ ... ذاد جفن العين عن وسنه وأنشدني، وكان قد أشرف على حارم في صحبة مخدومه الأمير ناصر الدين محمد بن قرطايا -رحمه الله تعالى- فسأله أن يرثي السلطان الملك العزيز -صاحب حلب- ويذم حارمًا، وكان مرض بها الملك العزيز، فحمل إلى حلب، فتوفي بها وذلك في سنة أربع وثلاثين وستمائة: [من الخفيف] كلُّ باقٍ إلى الفناء يعاد ... والمنايا فقيدها لا يعاد أحرم اللَّه حارمًا هاطل المزن ولا أخضرَّ عودها الميَّاد أعدمتنا الملك العزيز ومن كانت ملوك الدُّنيَّا به تقتاد ملكٌ كان فيه للطالب الرَّاجي عطاءٌ وللخصوم عناد ما لدهرٍ قضى علينا بتفريق مليكٍ بقاؤه مرتاد قد كرهنا حياة قومٍ فعاشوا ... وأرادوا بقاء قومٍ فبادوا فجعةٌ عمَّت البد ورزءٌ ... لم تفاجأ بمثله الآباد ومصابٌ في الدِّين أبكى بني الدَّهر وخرَّت لوقعه الأطواد لو رأينا شخص الحمام برته ... مرهفاتٌ بيضٌ وجردٌ جياد أو ملكنا عنه الفداء لجانٍ ... كلُّ نفسٍ إلى المنون تقاد تستزيد العدا الخطوب وما بعد مصاب العزيز ما يستزاد

تشتكي فقده العواصم بل تندب مثواه هضبها والوهاد وعراض الجواسق البيض قد أضحت عليها بعد العزيز السَّواد وأنشدني لنفسه: [من الرجز] لولا هوًى بقلبه تعرَّضا ... ما شاقه برقٌ بنجدٍ أو مضا /85 ب/ لمَّا أضاء موهنًا هام به ... فؤاده شوقًا إلى ذات الإضا وانقاد من بعد الجموح وارعوى ... إلى الهوى وكان صعبًا ريِّضا رماه ريمٌ من بني التُّرك له ... شمائلٌ يخجل بانات الغضا بدر دجًى عرَّضني إعراضه ... إلى البلى أكرم به معرِّضا يقيمه عند القعود ردفه ... وربَّما أقعده إن نهضا دانٍ بعيدٌ هاجرٌ مواصلٌ ... بحبِّه أسهرني وغمَّضا حرَّضني على هواه حسنه ... حتَّى إذا استحكم صرت حرضا يا ماطلًا دين فتًى غريمه ... غرامه هل للديون مقتضى أسهرت جفن مغرمٍ بحقِّه ... لما يلاقي في هواك لو قضى كأنَّما بات لما يلقى على ... شوك القتاد أو على جمر الغضا ضعيف عهد لم أزل أحفظه ... بصحَّة تعقب قلبي مرضا ملكت فاسجح كم إلى كم تعتدي ... عليَّ ظلمًا مقبلًا أو معرضا فتارةً ترفعني منبسطًا ... وتارةً تخفضني منقبضا حملت في حبِّك ما لو أنَّه ... كان على وجه النَّهار ما أضا ترفُّقًا يا شمس بالصَّبِّ فقد ... ألقى إليك أمره وفوَّضَّا /86 أ/ أبغض عذَّالي في هواه من ... عاين من قبلي محبًّا مبغضا وأنشدني لنفسه وقد ألزمه العلاء بن سامح، وكان يتولّى الإشراف بديوان إربل بولاية المارستان، فكتب إلى الوزير الولي يستقيل من ذلك: [من مجزوء الكامل] يا أيُّها المولى الوزير وذا الرِّعاية والعنايه إنَّ العلاء أضلَّني ... في القول عن طرق الهدايه

لأنوب مارستانكم ... وأقوم فيه بالكفايه إنِّي لمحتاجٌ إليه متى أجبت إلى الولايه وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المنسرح] يحسدني عاذلي عليك وما ... يحصل منِّي إلَّا على التَّعب فعاذلي ضلَّ في هواك كمن ... يقرأ (تبَّت على أبي لهب) وأنشدني قوله: [من الكامل] ما في الأنام فتًى يرّجَّى للندى ... كلَّا ولا في آل بومن ينفع وأرى الفضائل في الأنام مثالها ... مشطٌ يقلِّبه خصيٌ أصلع /86 ب 1/ وأنشدني من شعره: [من الطويل] عليك سلام الله ما هبَّت الصَّبا ... وما ناح قمريٌّ وماذرَّ شارق لئن قطعت سبل الزِّيارة بيننا ... فإنِّي بحبلٍ من ودتدك واثق وأنشدني لنفسه من قصيدة مطولة فيها القصيدة: [من الطويل] إليك أمير المؤمنين بعثتها ... عروسًا تهادى في صوانٍ وفي خدر سليلة أعراب بنجدٍ بيوتها ... وما برحت من قصر عيسى إلى النَّهر جعلت لها درَّ المديح قلائدًا ... على ثقةٍ أنِّي أقلَّد بالدُّرِّ لدى ناهبٍ عجم الطُّغاة نفوسهم ... وأموالهم نهب الفصيح من الشِّعر مدائح تبلي الدَّهر وهي مديدةٌ ... وتطوى اللَّيالي وهي باقية النَّشر أضرُّ على عين الحسود من القذى ... وأسرع في جوبٍ التَّنائف من فكر أليلة قدرٍ قمت أنشد مدحه ... لديه وما أدراك ما ليلة القدر أؤمِّل نعمى ثيِّبًا أستزيدها ... على حسن ما أهديت من ناهدٍ بكر أقلُّ الَّذي يولي أجلُّ مطالبي ... وبعض ندى كفَّيه أعظم من قدري فلا زال منصور اللِّواء مشفَّعًا ... من اللَّه فيما راك بالشَّفع والوتر

[505] /87 أ/ عليُّ بن عثمان بن عبد الأعلى بن صدقة بن عبد الواحد، أبو الحسن البغداديّ رجل خيّر وعنده فضل وسكون، صحيح الفكرة، جيد القريحة. كانت ولادته في يوم الإثنين سادس صفر سنة تسع وتسعين وخمسمائة. سمع أبا الفرج بن الجوزي، وعمر بن طبرزد، وابن سكينة عبد الوهاب، وعبد العزيز بن الأخضر وجماعة سواهم. وحفظ القرآن الكريم. فمن شعره ما أنشدني -في أواخر شوال بمدينة السلام سنة تسع وثلاثين وستمائة- يمدح المستنصر بالله -رضوان الله عليه-: [من البسيط] بانوا فبان عن المضنى تجلُّده ... وعزَّ ناصره فيهم ومسعده أسروا بنومي إذ سارت ركابهم ... فاللَّيل مذ فارقوني لست أرقده لو حمَّلوه لرضوى يوم بينهم ... بعض الَّذي حمَّلوني ذاب جلمده باللَّه يا عاذلي فيمن أحبُّ أما ... يكفيك منه لإتلافي تغمُّده أقصر عن اللَّوم فالمغرى المحبُّ إذا ... أردت إصلاحه باللَّوم تفسده ما كان يخطر لي أنَّ الزَّمان كذا ... يقصي حبيبي عن عيني ويبعده /87 ب/ لا تحسبنِّى إن شطَّ المزار بنا ... أحول في الحبِّ عما كنت تعهده إن لم تصلني فعدني بالوصال عسى ... يحيي المعنَّى البعيد الدَّار موعده كما أعاد هشيم الدَّهر حين ذوى ... بادي الغضارة حتَّى ماس أعيده خليفةٌ خلق الرَّحمان راحته ... للبذل واللَّه يبقيه ويعضده نهاره في اعتماد العرف [ينفقه] ... واللَّيل يفنيه أورادًا تهجُّده آراؤه في طلاب العدل ثاقبةٌ ... كأنَّما مقصد الفاروق مقصده فلو رآه وما يأتيه من كرمٍ ... لكان يحمده -واللَّه- أحمده إذا رأى المجتدي في الحال بادره ... قبل التَّعرُّض للسُّال يرفده كأنَّه مقسمٌ أن لا يرى أحدًا ... إلَّا ويشركه فيما حوت يده

يمضي إلى طالب الجدوى نداه كما ... يمضي إذا صال في حرب مهنَّده يعطي فيهني العطايا بشر .... ... بلا مطالٍ ولا منَّ ينكِّده يعصى فيغضي عن العاصي تكرُّمه ... سجيَّة سنَّها الماضي محمَّده تقرُّ عن مدحه بالعجز ألسننا ... إذا أتت بقريضٍ فيه تنشده وما عسى أن يقول الشِّعر في نفرٍ ... تأويل مجدهم التَّنزيل يورده لكنَّ شكر أياديه لنا شرفٌ ... فكلَّما عمَّنا بالبرِّ نحمده /88 أ/ طوبى لعينٍ ولو في دهرها نظرت ... يومًا إليك وعبدٍ أنت سيِّده فاسلم أبا جعفرٍ للملك ما هتفت ... ورقاء أرَّقها سجعٌ تردِّده ممتَّعًا بدوام العزِّ مدَّرعًا ... ثوب البقاء لمعروفٍ تجدِّده مع زرعك الخير في أقصى البلاد كذا ... نبت الضَّلال بسيف النَّصر تحصده وأنشدني لنفسه في شوال سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من الخفيف] يا خليليَّ قد أتى نشر تشرين وولَّى بحرِّه أيلول واستغاث الزَّمان حيَّ على الشُّرب وحنَّت إلى الكؤوس الشَّمول فاشرباها كرخيَّةً حين تبدو ... تتوارى من الرِّجال العقول واسقياني فإنَّ عصر التَّصّابي ... عن قليلٍ كمرِّ طيفٍ يزول واعلما أنَّ كلَّ لذَّة عيشٍ ... وسرورٍ إلى فناءٍ يؤول وخذا قبل فرقة الرُّوح حظًّا ... بسبيل الممات يبس السَّبيل ولئن كانت اللَّيالي قصارًا ... فوقها فهي تحتها ستطول فاصرفا الهمَّ بالمدامة فالرَّاح إلى كلِّ ما يسرُّ رسول وبها إن خبرت سرُّ ما قلت إلى قرة العيون الوصول /88 ب/ وبها تذهب الهموم من الصَّدر ويشفى إذا حساها العليل قهوةٌ ينظم المزاج عليها ... تاج درٍّ كأنَّه إكليل أحدثت في زجاجة الكأس نورًا ... فسناها لها إلينا دليل فتراها بين السُّقاة وذيل اللَّيل مرخًى كأنَّها قنديل هي شمسٌ والكأسٌ برجٌ وساقي القوم قطبٌ لها وفينا الأفول يتثنَّى بها إليك غلامٌ ... كقضيبٍ لدن القوام يميل

فاتر اللَّحظ أغيدٌ بابليٌّ ... حسن الوجه ريقه معسول يمزج الكأس من رضاب ثناياه بعذبٍ ثناياه كأنَّه السَّلسبيل بعذارٍ يقيم على محبِّيه فيغضي إذا رآه العذول رشأ يجرح القلوب بطرفٍ ... بين جفنيه صارمٌ مسلول كم قطعنا ما بين هذا وهاتيك ليالٍ فيما هو المأمول فاغتنم عمرك القصير ودع ما قال غيري سدًى وخذ ما أقول وقال في التاريخ، وقد رأى من قوم ما يقتضي ذلك: [من الخفيف] جملة الأمر إبن آدم شيءٌ ... هو شرٌّ في جلده مكتوب يدَّعي العقل والعدالة جهلًا ... وهو بالطِّبع جائرٌ .... /89 أ/ وقال: [من الخفيف] جهلوا ما علمت فاستجهلوني ... ظلموني إذًا وما أنصفوني أنكروني وقد عرفت خفيَّ الأمر من حالهم وما عرفوني [506] عليُّ بن أبي بكر -واسمه عتيق- بن محمّد بن عليِّ بن خلف بن أيوب، أبو الحسن الأنصاريُّ. من أهل بلنسية. كانت ولادته في العشر الأول من المحرم سنة تسعين وخمسمائة، الفقيه الفاضل المقريء. قرأ القرآن بالسبع، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وسمع الحديث النبوي كثيرًا بالأندلس وغيرها من البلاد. وهو رجل يفوق أبناء وقته؛ دينًا، وفضلًا، وخيرًا، وعلمًا، مقلٌّ من قول الشعر. سكن حلب وتديَّرها. رأيته في المدرسة المنسوبة إلى بني عصرون، وله بها جامكيّة يتناولها. وهو متصدر لإقراء القرآن العظيم بالجامع أيضًا.

أنشدني لنفسه: [من الكامل] ثق بالإله وكن به مستنصرًا ... يرعاك ربُّك في الفعال ويرشد /89 ب/ واقنع بما أعطاك ربُّك راضيًا ... إنَّ القناعة كنزها لا ينفد إنَّ الوثوق بذي المعالي رفعةٌ ... يحظى بها العبد الرَّشيد الأسعد ودع المطامع جانبًا فلربَّما ... ذلَّت رقاب أعزَّةٍ فاستعبدوا ومكارم الأخلاق لا تدعنَّها ... فإذا فعلت فأنت أنت الأمجد إيَّاك والكِّذب المثير عداوةً ... إنَّ الكذوب من الإله مبعَّد والصِّدق أوَّل ما سلكت طريقه ... فهو الصِّراط المستقيم الأقصد والغيبة إحذرها ولا تك آكلًا ... من جيفةٍ إنَّ المكارة تبعد إنَّ النَّميمة خصلةٌ مذمومةٌ ... يسعى بها النَّذل اللَّئيم الأوغد لا تحسدن أحدًا على ما عنده ... فالعاقل المغبوط من لا يحسد وإذا غضبت فكن لغيظك كاظمًا ... فالغيظ نار جميرةٌ تتوقَّد واحلم فإنَّ الحلم خير مطيَّةٍ ... من كان راكبها يجلُّ ويحمد إنَّ التَّواضع للمكلَّف رفعةٌ ... وكذا التَّكبُّر ذلَّةٌ تتزيَّد فذر الرِّباء فإنَّه شركٌ ودع ... ظلم العباد فإنَّه يتعوَّد واجعل طعامك من حلالٍ خالصٍ ... فمطاعم الشُّبهات سمٌّ أسود دع ما يريبك إن أردت سلامةً ... وخذ الَّذي لا ريب فيه تسدِّد /90 أ/ واشغل بذكر اللَّه وقتك واردًا ... نهر الحياة به فنعم المورد واحفظ جميع وصيَّتي واعمل بها ... إيَّاك تتركها وعنها ترقد واضرع إلى اللَّه العظيم .... وقريحة فهو الكريم الأوحد فعساه يغفر ذنبنا وينيلنا ... دار السَّعادة حين يأتي الموعد وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] يا جامع الدُّنيا وأنت تحبُّها ... مهلًا عليك لبعل عرسك تجمع يزداد حرصك عند شيبك آملًا ... طول الحياة فليت شعري تشبع ممَّا لغيرك نفعه وحسابه ... ردٌّ عليك فهل لرشدك ترجع

[507] عليُّ بن رستم بن أبي القاسم بن أحمد بن وادّ بن يحيى الكيشيُّ. من جزيرة كيش مولدًا ومنشأ. نزل مدينة السلام وأقام بها وتأهل. وله يد في علم الأدب وفن الحكمة؛ فاضل له فهم ودراية ومعرفة باللغة، ومعاني الشعر. رأيته ببغداد غير مرّة. وأنشدني لنفسه، وكنب إلى بخطه هذه المقطوعة: [من المنسرح] /90 ب/ عذَّب طرفي البكاء والسَّهر ... فما لليلي صبحٌ ولا سهر ينزل دمعي ويرتقي نفسي ... فيلتقي مصعدٌ ومنحدر في حبِّ ساجي اللِّحاظ يرشقني ... بأسهمٍ ما لقوسها وتلا مؤنَّث الدَّلِّ والشَّمائل في ... جفون عينيه صارمٌ ذكر أغيد في كأس فيه صافيةٌ ... كعيشةٍ ما يشوبها كدر أمسيت حيران في هواه كما ... قد حار في غنج طرفه الحور قضيت نحبي شوقًا إليه ولم ... يقض لطرفي من وجهه وطر أهدر ظلمًا دمي وكلُّ دمٍ ... أراقه سيف لحظه هدر يعذب في حبِّه العذاب كما ... يلذُّ فيه البكاء والسَّهر واحرَّ قلبي شوقًا إلى قمرٍ ... في فيه درٌّ وباردٌ خصر وما رأينا درًّا تضمَّنه ... من قبل ريَّاه خاتمٌ عطر وردت ماء الحياة من فمه ... هنِّيت طول الحياة يا خضر سبحان من أنبت البنفسج في ... صفحة خدٍّ كالجمر يستعر لم أر من قبل وجهه قمرًا ... يقلُّه غصن بانةٍ نضر /91 أ/ طلق المحيَّا من ورد وجنته ... يكاد ماء الدَّلال ينعصر في صحن خدَّيه روضةٌ أنفٌ ... يغرس فيها الشَّقائق الخفر

أكفُّ طرفي عن تبر وجنته ... مخافةً أن يذيبها النَّظر أقول للبدر حين قابله: ... أيُّكما للتَّشابه القمر جنت على وجنتيه عن خطأٍ ... لمَّا جنت ورد خدِّه الطُّرر فأوجست خيفةً وبلبلها الرَّوع فجاءت إليه تعتذر وقبَّلت أرض أخمصيه وما ... قبَّل أرضًا من قبلها شعر [508] عليُّ بن إسماعيل بن المجنِّ بن يوسف بن غازي بن محمودٍ، أبو الحسن الدمشقيُّ. قدم الموصل في حداثته، وهو مقيم بها، ويعرف بعليَّان النيّف؛ وسمي بذلك لأنّه كثير الإغراء بنتف لحيته والوالع بها. وحرفته التي يعتمد عليها الاستجداء بشعره للناس. وهو شيعي مغالٍ في الولاء. توفي بالموصل أوائل سنة أربع وثلاثين وستمائة. أنشدني لنفسه من قصيدة طويلة، يمدح بها القاضي محيي الدين /91 ب/ أبا حامد محمد بن محمد بن عبد الله الشهرزوري: [من الكامل] يا للرجال أما مجيرٌ منصف ... قد ملَّ صحبتي الغزال الأهيف قمر الملاحة لو رآه يوسفٌ ... لصبا إليه من الملاحة يوسف رشأ لعاشقه بروضة خدِّه ... وردٌ بألحاظ النَّواظر يقطف فكأنَّ ريقته وبرد رضابه ... شهدٌ يمازجه شرابٌ قرقف وكأنَّ غرَّته وفاحم شعره ... صبحٌ تكنَّفه ظلامٌ مسدف يا عاذلي أصبحت غير مكلَّفٍ ... بالعذل والصَّبُّ العميد مكلَّف حدِّثه ما بي من جوًى وصبابةٍ ... فعساه يسمع بالوصال ويسعف أو قل له لو كنت شاهد مصرعي ... ما كنت تنكر بيننا ما تعرف ومنها: لهفي على عصر الشَّباب وطيبه ... وببعض حقِّي إنَّني أتلهَّف أيَّام غصني ناضرٌ وشمائلي ... تصبي الحكيم وبدر تمِّي مشرف وبوجنتي ماءً ونارٌ غاله ... ليلٌ العذار فشمس صحوى تكسف

نزلت به الأكراد وهي مغيرةٌ ... ما ضرَّهم لو أجهلوا وتوقَّفوا للَّه درُّ يديَّ في شعر الصِّبا ... طورًا تسلُّ لها وطورًا تنتف /103 أ/ كم قد حصدت شكارتي بأناملي ... والسَّعي يحلف بينه ويخرّف وعشبت بالمنقاش شوكًا لم تزل ... تسقيه دالية الدُّموع و .... بينا ترى خدِّي أريضًا ممرعًا ... حتَّى تراه وهو قاعٌ صفصف قد حطَّ شعري قدر شعري في الورى ... هذا جزاء مؤاجرٍ يتعجرف وإذا اشتهيت نفقت بين معاشرٍ ... الشَّيخ عندهم غريرٌ أهيف وإذا الكتابة لاح في عنوانها ... حرفٌ ففي طيِّ الصَّحيفة أحرف فنفرت حتَّى عيل صبري واشتفى ... منِّي الحسود وريح حظِّي تعصف لم تكفني جور العذار ... ..... البياض .... البياض: اسم رجل بوابًا لدار القاضي محيي الدين. لو صبَّح الملك العظيم بوجهه ... لأراه في العمران يومًا يهتف هذا البياض فما السُّخام ثكلته ... هذا لئيمٌ بالخساسة يوصف قدٌّ مغصن التِّبر يرعش كبرةً ... ويهزُّه طرب التّيوس فيرجف كم ردَّني عن قصد مولاي الذي ... بمديحه بين الورى أتشرَّف الحاكم العدل الجواد ومن له ... رأيٌ يدين له الحسام المرهف /103 ب/ بأبي نوال محمَّد بن محمَّدٍ ... أندى من الغيث الهتون وأوكف قسٌّ وسحبانٌ إذا استنطقته ... حال الجدال وباسلٌ متغطرف وأنشدني فيه أيضًا لنفسه ويطلب منه حلوى: [من الخفيف] علِّلاني من الرُّضاب برشف ... فهو يدني نار الغرام ويطفي واقطفا لي ورد الخدود وإن كان على قربه عزيز القطف قد خلعت العذار في حبَّ ظبيٍّ ... خنثٍ عطفه أحمِّ الطَّرف بابليِّ اللِّحاظ فوَّق للقتل سهامًا من الجفون الوطف زرديِّ العذار يبسم عن برق ثنايا مفلَّجات الرَّصف يوسفيِّ الجمال مختصر الخصر غرير الصِّبا ثقيل الرَّدف رام منِّي حلاوةً ليلة النِّصف وعندي مرارةٌ منه تكفي

أتراه درى بأنَّك محيي الدِّين عوني على الخطوب وكهفي [509] /129 أ/ عليُّ بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عليِّ بن جعفر بن عبد الملك بن القاسم بن عليِّ بن محمد بن حمّودٍ بن ميمون بن أحمد بن عمر بن عبيد الله بن أدريس بن أدريس بن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب، أبو الحسن بن أبي عبد اللَّه الحسنيُّ الحلبيُّ المعروف، بابن المنياويِّ الزجّاج. كانت ولادته بحلب في سنة تسع وستمائة من أبناء شرفائها المعروفين، وأماثلها .... ؛ ومن بيت مشهور بالثروة والجاه. وأبو الحسن هذا شاب جميل /129 ب/ نبيه، يميل إلى علم الأدب، ويقول الشعر جيدًا فيه سماحة نفس، ومروءة وكياسة، لطيف الخلاق، حسن المعاشرة، كثير التودد والبشر، كريم الصحبة؛ أشهر بيت بحلب رياسة وجاهًا وحشمة وإيثارًا وكرمًا ومروءة. أنشدني لنفسه لغزًا في النشابة، وذلك بناشزة من أعمال الموصل الغربية يوم الخميس رابع عشر المحرم سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من مجزور الرجز] ما طائرٌ بريشٍ ... لكن بلا جناح ما إن يطير حتَّى ... يعلن بالصِّياح وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] تهنَّ بشهرٍ أنت ليلة قدره ... محلُّك فيه زاد في رفع قدره وعش وابق مع آتي الزَّمان ومرِّه ... كذا أبدًا ما شاب حلوًا بمرِّه وأنشدني أيضًا من شعره: [من المجتث]

لا زلت تبقى وترقى ... على ممرِّ الزَّمان حتَّى تجاوز كيوان في علوِّ المكان وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] /130 أ/ ومدامٍ رقَّت فجلَّت عن المزج وقامت بكلِّ معنًى لطيف مذ غدت جوهرًا بسيطًا وعاد الماء من لطفها كجسمٍ كثيف وأنشدني أيضًا لنفسه: [من السريع] قد سمح الدَّهر على بخله ... بالجمع فانهض أيُّها السَّيِّد فنحن نحكي جسدًا واحدًا ... وأنت روحٌ وبها نسعد وأنشدني لنفسه: [من المديد] قد بدا والقوس حاجبه ... وله من صدغه وتر راميًا بالهدب راش له ... سهم لحظٍ نصله الحور كلُّ مقتولٍ به دمه ... في الهوى حتمًا به هدر وأنشدني من شعره: [من مخلَّع البسيط] أشبه بدر السَّماء بدري ... والغيم لمَّا علاه سجفا مراقبًا للرقيب يبدو ... حتَّى إذا خافه تخفَّى وأنشدني لنفسه لغزًا فيمن اسمه شبل: [من مجزوء الخفيف] ما إسم ظبيٍ ............ تصحفيه النَّاس أسعدوا عكس تصحيفه لنا ... أبدًا ليس يوجد /130 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف] شام برق الشَّام وهنًا فحنَّا ... وأذاعت جفونه ما أجنَّا نازح الدَّار والدُّموع مقيم الشَّوق والحزن يا له من معنَّى أنحلاه فلو على جفن .... ... وضعوه لمَّا أضرَّ الجفنا يا أهيل الشَّام أخبركم أنَّ اشتياقي يزيد منذ افترقنا عجبي كيف لي اشتياقٌ إليكم ... وفؤادي لكم على النَّأي مغنى كلُّ ما في الأنام لفظٌ وأنتم ... عند سمعي لذلك اللَّفظ معنى

إن تبدَّلت بالدُّنوِّ بعادًا ... في هواكم وبالسُّرور الحزنا ويطيب الرُّقاد فيكم سهادًا ... وبسهل البقاع فيكم حزنا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] سفك الدِّماء بطرفه لمَّا طرف ... من طرف عاشقه وولَّى وانحرف غصن النَّقا .... من مرح الصِّبا ... بدرٌ على أعلاه باللَّيل التحف نار الغرام بمهجتي من غدره ... وسقام جسمي من سقامٍ في الهيف إن أنكر الجفن السَّقيم فعاله ... فالخدُّ منه بالَّذي عرف اعترف يا ليلةً بالوصل بات مساعدي ... ذهبت لذاذتها وأعقبني الأسف /131 أ/ فكأنَّها سنة الكرى في ناظري ... قمرًا وطيبًا أو بريقٌ قد خطف بتنا يساقيني المدامة والَّذي ... في فيه من صهبائها أوفى خلف وكأنَّما حبب المدام بكأسه ... درُّ بفيه إذا العقيق له صدف وكأنَّما ألف العذار ونونه ... من فوق مبسمه اللَّذيذ المرتشف نملٌ سعى لورود شهد رضابه ... حتَّى أحسَّ لهيب وجنته وقف يا ليته قطع القطيعة ثمَّ لي ... وصل الوصال وعطفه نحوي عطف وأنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الرجز] أنظر فقد أحدث بدر التَّمِّ في النِّيل عجب ألقى به إكسيره ... فصار ذوبًا من ذهب وأنشدني أيضًا لنفسه لغزًا في من اسمه أحمد: [من الرمل] إسم من أهدى إلى جسمي السَّقاما ... من جفونٍ منعت جفني المناما أحرفٌ أربعةٌ كالربع ... من أحرف الدَّاء الَّذي بي قد أقاما ضدّ عكس البعض إن صحَّفته ... ألف العارض لا قابل لاما وأنشدني لنفسه فيه أيضًا: [من السريع] /131 ب/ إنَّ الَّذي أهواه نصف اسمه ... مصحَّفٌ إسمٌ بلامين

فنصفه دمعي في كثرةٍ ... وعكسه يحكيه في اللَّون وأنشدني لنفسه .... في المنام: [من مخلّع البسيط] هذا قلًى منك أم لجرمٍ ... منِّي حتَّى صددت عنِّي وكنت لي صاحبًا معينًا ... فلم على الهجر لم تعنِّي [510] عليُّ بن الحسين بن عليِّ بن سعيد بن حامد بن عثمان بن عليِّ بن جار الخير، أبو الحسن بن أبي عبد الله السنجاريُّ، المعروف بابن دبابا. وقد مرَّ شعر والده في موضعه. وأبو الحسن هذا فقيه حنفي المذهب، مناظر عارف بالمسائل الخلافية. نشأ بمدينة السلام، وبها تفقه وتميز، وقد قرأ أدبًا وشعرًا، وأخذ عنهم شيئًا من أشعارهم. رايته ببغداد وحلب؛ وهو شيخ أسمر اللون ربعة من الرجال. أخبرني أنه ولد سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة ببغداد. أنشدني لنفسه بمحروسة حلب سنة سبع وثلاثين وستمائة، مديحًا في الملك /132 أ/ المجاهد أبي الحارث شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذى -صاحب حمص-: [من الطويل] ركبت على ظهر اشتياقي إلى امرئٍ ... جميل المحيَّا حافظٍ للمواثيق وما الحسن مختصٌّ بسنَّة وجهه ... ولكنَّه في .... والحدائق عجبت لقلبي إذ أطاق تصبَّرًا ... وما خاض في لقياه بيض البوارق ومن كان يبغي في هواه توسُّطًا ... فما أنا إلَّا عاشقٌ كلُّ عاشق وما زلت مذ باعدته ونأيته ... أعوِّذه بالله من كلِّ غاسق

متى شئت أن تلقى الجمال موقَّرًا ... تأمَّله ما لبن الظُّبا والسَّناجق يغيثك ملهوفًا ويغنيك سائلًا ... ويحمي إذا ما عزَّ أهل الحقائق وأنشدني لنفسه فيه يمدحه: [من السريع] يا مالكًا جزل العطايا مهيب ... قام على شاني علاك النَّحيب لو حاكمتك الوحش فيما ترى ... كان لها حكمٌ صحيحٌ عجيب قالت رجوت الأمن من مالكٍ ... جمِّ الوفا ليس له من ضريب نعم وأمَّلت نداه فكم ... صرت قرى القاصي المدى والقريب [511] عليُّ بن عبد العزيز /132 ب/ بن أبي محمّد بن نعمان بن بلالٍ، أبو الحسن الخلعيُّ، الخفاجيُّ النسب. كان والده من قرية تدعى قرية أيوب من قرى الحلة المزيدية. أخبرني أنَّه ولد بالموصل في جمادى الآخرة سنة إثنتين وثمانين وخمسمائة. شيخ ربعة من الرجال، أحول العين أسمر. يتعيش في الخلع بسوق الأربعاء بالموصل؛ يتشيع متمسك بمذهب الإمامية، وهو معروف بذلك؛ له طبع [في] قول الشعر. إذا أنشد لم يلحن ويتجنب اللحن في أثناء كلامه؛ له أشعار في أهل البيت -صلوات الله عليهم- ينشدها في المشاهد والترب المختصة بأولاد الحسين -عليهم السلام-.

أنشدني منها -من لفظه وحفظه- بالموصل في أوائل سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من الخفيف] أيُّها العاذل الَّذي كلَّما لنت له زاد وحشةً ونفورا حمِّل القلب ما استطعت من الوجد تجدني عليه جلدًا صبورا وكما أنت لا تصلني وذرني موثقًا في حبال شوقي أسيرا وامنع الطَّيف أن يزور كأنَّ كلام الخيال إفكًا وزورا /133 أ/ أنا قد لذَّلي الصُّدود وقد صرت على حمله جريئًا جسورا ما رأيت الوصال يجدي على العشَّاق إلّا صبابةً وزفيرا قد هداني حمل الغرام سبيلي ... ورآني له حميدًا شكورا فوقاني ذلَّ الخضوع ولقَّاني من الهجر نضرةً وسرورا كم تمزَّقت في هواك وكم بتُّ جليسًا للفرقدين سميرا مستضيئًا بالشَّوق في ظلمات الهجر حتَّى قطعتها مستنيرا وبسمعي عن طارق العذل وقرٌ ... للهوى يجعل السَّفيه وقورا وعلى ناظري غشاوة صدقٍ ... في طريقي بها سبقت البصيرا صدرت من موارد الحبِّ ألطافٌ تزوِّي الصَّدى وتشفي الصُّدورا فاسألوني عن .... ومنها ... تجدوني بها عليمًا خبيرا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] أنا عارفٌ بصفات حبِّك جاهل ... متحيِّرٌ لم أدر ما أنا قائل إن قلت بدرٌ فالبدور نواقصٌ ... عند الكمال ووصف حسنك كامل أو قلت في آيات وجهك من أياة الشَّمس نورٌ فهي نورٌ زائل أو قلت غصنٌ قال: قدُّك أيُّها المغرور هل للغصن خدٌّ سائل /133 ب/ أو قلت: لحظك ظبيٍ قال لي: أنَّى وقد دانت لسحري بابل أو قلت: ريقك خمرةٌ قال: اتَّئد ... ما تفعل الصَّهباء ما أنا فاعل أو قست بالدُّرِّ المنضَّد ثغرك الوضَّاح، قال الثَّغر: ما هو غافل!

أو قلت ردفك ..... ... ... على خصر ناحل ما في معاني الحسن وصفك كاملٌ ... إلَّا وأنت له محلٌ قابل فالبان والكثبان والغزلان والقمران فيك مخايل حاشا صفاتك أن تشبَّه مثلما ... حاشاي ممَّا يبتغيه العاذل ولئن وصلت ببعض حسنك كلَّ أشواقي فإنِّي بالحقيقة واصل [512] عليُّ بن يوسف بن منصور بن محمدٍ، أبو الحسن الجبليُّ. من جبلة وهي بلدة بساحل الشام، وهي التي بناها جبلة بن الأيهم الغسّاني. فنسبت إليه. وذكر لي أنه من أولاد جبلة بن الأيهم، وكذلك أهل البلدة بعضهم ينتمي إليه. وهو فقيه النَّفس؛ سألته عن ولادته فذكر تقديرًا سنة ستمائة. أنشدني لنفسه: [من الكامل] /134 أ/ أخفي الغرام وفي الفؤاد نصول ... من حبِّ بدرٍ ما إليه وصول رشأ يغار الغصن منه إذا بدا ... يختال هزَّته صبًا وقبول يصبى قلوب العاشقين بمقلةٍ ... بعد الوصال بها وليس ينيل فكأنَّه البدر المنير تحبُّه الألحاظ لكن ما إليه سبيل يا صاحبيَّ ترفَّقا بمتيَّمٍ ... فالحبُّ أضناه جوًى ونحول كتم الهوى فوشت عليه مدامعٌ ... تهمي على وجناته وتسيل لا يعرف النَّوم الهنيَّ وصحبه ... بالجزع من وادي الأراك حلول ما شام برقًا من رسوم ديارهم ... ................. فيميل فغدا يقول من الصَّبابة والأسى والقلب من حرِّ الفراق عليل: دع عنك تذكار الأحبَّة وابتهج ... بمديح من هو في العلاء أصيل أعني ضياء الدِّين ذا الجود الَّذي ... عمَّ الأنام نواله المأمول

ملكٌ تقاد له الملوك أذلَّةً ... فيعزُّها من ..... التَّقبيل بطلٌ إذا هزَّ القناة بكفِّه ... فعدوُّه من خوفه مجدول تلقاه مبتسمًا إذا حان الرَّدى ... والقوم صرعى والدِّيار طلول فيؤول والصِّيد الملوك كواسدٌ ... أسرى وفي أعناقهنَّ كبول /134 ب/ يا آل قيمر أنتم سبل الهدى لمن اهتدى ولمن يضلُّ دليل بكم تعاضدت الملوك وأصبحت ... تزهو على قرنائها وتصول قد جاءك العيد المبارك رافلًا ... في حلَّةٍ ما إن لها تمثيل يسعى إليك من الإله مبشِّرًا ... فابشر فسعيك عنده مقبول كن بالَّذي أعطاك رُّبك واثقًا ... فشموس سعدك ما لهنَّ أفول يا ماجدًا حاز العلاء .... ... بين البريَّة كالعطاء جزيل أرجو بأن أرقى بجدِّك ذروةً ... تسمو على كلِّ الورى وتطول عش وابق في سعدٍ على رغم العدا ... ما أشرقت شمسٌ وحان أصيل وأنشدني لنفسه حين سمع قول القائل: [من الكامل] لو كنت تعلم كلَّ ما علم الورى ... طرّا لكنت صديق كلِّ العالم لكن جهلت فصرت تحسب كلَّ من ... يهوى خلاف هواك ليس بعالم فأنشدني في المعنى: [من الكامل] لو كنت مع حذق المهارة عالمًا ... وحويت كلَّ فنون أهل العالم وجهلت قدر بعوضةٍ من فضلها ... عكس الَّذي تهواه ليس بعالم وأنشدني لنفسه في المثل /135 أ/ الذي يضربه الناس بينهم ويتداولونه: "إن القلوب تتجازى" [من الكامل] ناجيته متلهِّفًا من حبِّه ... فأجابني من لطفه وأجازا يا من شكا ألم الهوى من جنبنا ... مهلًا فإنَّ قلوبنا تتجازى فبكيت من حزني ومن فرحي به ... حتَّى رقمت على الخدود طرازا

[513] عليّ بن أبي الوفاء بن أبي المعالي بن أبي طاهر بن المؤمل بن غدير الكناني. أصل آبائه من معرَّة النعمان. وكانت ولادته في سنة سبع وثمانين وخمسمائة بمدينة حلب. شاب أشقر أحمر اللون تام الخلق كيس، له طبع مجيب في السعر، وخاطر مطيع في إنشائه. وعنده ذكاء وفطنة، وحرفته عمل الحديد. ويأتي في شعره بمعان حسنة من غير معرفة بالأدب. أنشدني لنفسه بمحروسة حلب يوم الاثنين رابع ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة يمدح الملك الأشرف بن المالك العادل -رحمهما الله تعالى-: [من البسيط] /135 ب/ فدت ملوك البرايا ربَّ مملكةٍ ... لله في ملكه المحروس آيات الأشرف الملك الميمون طائره ... ملكٌ له عقدت بالنَّصر رايات قل للملوك الألى أبدوا عداوته ... أغرَّكم من له بالصَّفح عادات توبوا إلى الله توبوا يا فراعنةٌ ... ممَّا جنيتم عسى تمحى الخطيَّات سحقًا لهم وعصا موسى مهنَّده ... إذا تلقَّفهم والقوم حيَّات وكفُّه البحر لكن لا انشقاق له ... وأنتم الطُّور والنَّصر المناجاة يا من لجود يديه في خزائنه ... في ملء وقتٍ على الأموال غارات يا طود حلمٍ لمن أمسى يلوذ به ... وبحر جودٍ لنا فيه الكفايات متى ينبِّه حظِّي غبَّ رقدته ... من نحو مجدك أنفاسٌ نفيسات وأنثني منشدًا من نشرها ثملًا ... جذلان قد رنَّحت عطفي المسرَّات قد كان حاجة نفسٍ ذا المقام وقد ... قامت فما بقيت في النَّفس حاجات وأنشدني لنفسه، وكتبها إلى شهاب الدين بن علم الدين عزيز، وقد طار له الحمام سابقًا: [من الطويل] أيا ابن عزيزٍ دام عزُّك والبقا ... فما فوق ما جاوزت من رتبةٍ مرقى

حكاك ... الجوِّ سبقًا إلى العلا ... فجاءك يحكي في تسرُّعه البرقا /136 أ/ يباري الرِّياح العاصفات إذا انبرى ... ............................ فيغنيك ما يغنيك عن كلِّ مدحةٍ ... أخو النَّسب الوضاح قد شرَّف الورقا وما كنت مسبوقًا إلى نيل مطلبٍ ... فننكر أن تحوي مناسيبك السَّبقا فأنت من الشُّهب الثَّواقب قدرها ... عظيمٌ ولم ترض السَّماء لها الأفقا نهنِّيك بالأعياد لا بل لها الهنا ... إذا أقبلت تجلو لنا وجهك الطَّلقا وقال أيضًا: [من الكامل] من لي بأسمر في تخازر طرفه ... نفثات هاروتٍ وفتك قواضب بشمائلٍ مثل الشَّمول شهيَّةٍ ... بالجدِّ منه أو بهزل مداعب عن نبله وقسيِّه مستغنيًا ... بسهام مقلته وقوس الحاجب وبسمهريِّ قوامه عن ذابلٍ ... أضحى يسدِّده لقلبي الواقب غلط الَّذي بالبجر قايس وجهه ... والبدر ليس لوجهه بمقارب رشأ رشيق القدِّ معسول اللَّمى ... ما فيه من عيبٍ يرى للعائب وكأنَّ غرَّته وطرَّته سنى ... صبحٍ تبلَّج تحت جنح غياهب وكأنَّ ريقته مروَّق قرقفٍ ... ... فوق شهدٍ ذائب ولنغمة الأوتار قام يديرها ... راحًا تروَّح بالسُّرور العازب /136 ب/ فدعوته يا ساقي الكأس الَّذي ... في فيه مثل مدامةٍ للشَّارب هلَّا سمحت بها ونحن بجلِّقٍ ... هيهات ما ذاك الزَّمان بايب حيَّا الحيا تلك الدِّيار فطالما ... قضَّيت أوطاري بها وماربي ولو استطعت سقيتهنَّ سحائبًا ... بيدي غياث الدِّين بعد سحائب المنعم الملك الَّذي معروفه المعروف منه ميسَّر للطالب سمح نداه كلَّ وقتٍ حاضرٌ ... بين الأنام لحاضرٍ ولغائب يا أيَّها الملك العزيز المرتجى ... والمتَّقى لمواهبٍ ونوائب كم كربةٍ عنَّا كشفت غطاءها ... وكتائبٍ صبَّحتها بكتائب

وعجاجةٍ أطلعت من بيض الظُّبا ... في ليلها المسود زهر كواكب وفوارسٍ ترد الوغى فكأنَّها ... أسد الشَّرى تختال فوق شوارب من كلِّ صافيةٍ تفوت البرق إن ... أرخى العنان لها بنانٌ الرَّاكب للمسلمين محمَّدٌ كسميّه ... أضحى يسوسهم برأيٍ صائب فبحلمه وبعدله وببذله ... ردَّ النَّدى والجود ردَّ الغائب فالله يحيه حياةً رغدةً ... بدوام ملكٍ في علوِّ مراتب وقال: [من الطويل] /137 أ/ برى الله شمس الدِّين في الخلق إنَّه ... فتًى جمعت فيه المحامد مذ نشا هو الله ذو الفضل العظيم زكا به ... وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشا وقال: [من الكامل] هانت عليك تنوخ يا من لم يزل ... ذرب اللِّسان يهيضه الهذيان هلَّا عففت وقد هجوت محمَّدًا ... عن غصن دوحة مجدها فينان أو أنَّ في حلبٍ وتطرد باسمه ... بين الأنام قبحت من شيطان [514] عليُّ بن يوسف بن العباس بن أبي بكر بن إبراهيم، أبو الحسن البوهرزيُّ الإربليُّ. كانت ولادته بمدينة إربل في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. وكان أحد آبائه من بوهرز -قرية من قرايا بغداد-. وأبو الحسن شيخ قصير أسمر اللون له أشعار دالة على طبع سليم، وفكر في إنشائها صحيح. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى المولى الصاحب شرف الدين أبي البركات -أسعده الله تعالى-: [من البسيط] وحقِّ فضلك يا مولاي ما انتقضت ... يومًا عهودك في خفضٍ ولا عالي /137 ب/ ولا تغيَّرت عن ذاك الولاء لكم ... ولا خلا منكم قلبي ولا بالي

وكيف أنسى أياديك الَّتي سلفت ... إن كان ذاك فلا أبلغت آمالي [515] عليّ بن يعيش بن علي بن يعيش. [من الكامل] /138 أ/ م يلحاني عليك مفنِّدي ... والعاذلون على المحبَّة حسَّدي يا بدر تمٍّ صرت في حبِّي له ... مثلًا تروح به الرُّواة وتغتدي كم بالصُّدود تريد قتل متيَّمٍ ... ما خفت فيه عقوبة المتعمَّد فلقد سللت من اللِّحاظ صوارمًا ... لمَّا خطرت من القوام بأملد أتركت إلَّا عبرةً مسفوحةً ... وحشًا أقلقلها بأنَّة مكمد إن كنت تقصد قتلتي فأميتني ... فلقد رضيت وها يدي أن لا تدي ولربَّ معسول المراشف قدُّه الـ ... ـفتَّان يهزأ بالغصون .... فالثَّغر منه كالجمان وريقه السَّلسال يغني عن سلافة صرخد قمرٌ من الأتراك جلَّ تصبُّري ... عنه .................... قاسٍ وفي عطفيه لين موافقٍ ... صاحٍ وفي جفنيه بطش معربد ولقد رنا ليخيفني بلحاظه ... فعجبت من قطع الحسام المغمد فكأنَّ وجنته حديقة جنَّةٍ ... وكأنَّ عارضه اخضرار زبرجد أسلو هواه ولا وصدق مودَّتي ... وولائي في الملك العزيز محمَّد ملكٌ يلوح على البريَّة وجهه ... بشرٌ يبشِّرني بنجح المقصد مستعذبٌ نغم العفاة كأنَّها ... في سمعه نغم الغريض ومعبد /137 ب/ يا ابن الألى سنُّوا المكارم والنَّدى ... وتفرَّدوا دون الورى بالسُّؤدد لله أنت إذا الوغى فهقت دمًا ... والطَّرف يعشى بالقتام الأربد والبيض يغشى الدَّار عين ظبائها ... والخيل تعثر بالقنا المتقصد .هناك عن الغياث فإنَّه ... ردَّى الكماة بأسمرٍ ومهنَّد

الكاشف الكربات في يوم الوغى ... والخائض الغمرات غير معرِّد عقَّاد ألويةٍ يكون لباسها ... هام العدا محلولةً لم تعقد علم الهدى بحر النَّدى غيث الثَّرى ... ليث الثَّرى .... الورى بدر النَّدي فعقابه للمعتدي وضياؤه ... للمهتدي ونواله للمجتدي أغياث دين الله يا من جوده ... أضحى يبخِّل كلَّ بحرٍ منزبد أيجوز أن أظما ونؤك ماطرٌ ... للمعتفين وديم جودك موردي ومتى نظرت إليَّ أيسر نظرةٍ ... نلت المنى وبلغت غاية مقصدي خذها عروسًا لا ترى كفؤًا لها ... من خاطبٍ أحدًا سواك و ... رقَّت حواشيها وأوجز لفظها ... فترفَّعت عن ظلمةٍ وتعقُّد ركبت قريب اللَّفظ حتَّى أدركت ... لفصاحةٍ نيل المرام الأبعد وتنزَّهت أبياتها عن عائبٍ ... لسماعها نيرانه لم تخمد ووحقَّ أنعمك الجسام فإنَّها ... قسمٌ لغيرك مدحتي لم تقصد وتهنَّ شهر الصَّوم إنَّك ماجدٌ ... قضَّيته في عفَّةٍ وتهجُّد والعبد من شوقٍ أتاك مهنِّيًا ... بخلودٍ ملكٍ في الزَّمان مؤَّبد فبقيت مرفوع اللَّواء مؤيَّدًا ... بالنَّصر في ملكٍ وعيشٍ أرغد [516] /180 ب/ عليُّ بن محمود بن عليِّ بن علوان بن خليفة بن علوان البزاغيُّ الأنصاريُّ، أبو الحسن. شيخ كبير السن، رأيته بمحروسة حلب بمجلس القاضي الصدر بهاء الدين أبي محمد بن الخشاب -أيده الله تعالى- في سنة ثمان وثلاثين من فلّاحي قريته؛ عامي جاهل بالعلم والأدب إذا /181 أ/ أنشد لحن في إنشاده وتلعثم. وله طبع في صحة الأوزان، وذوق في عمل الشعر، ولم يقرأ فط شيئًا من العربية بل عنده طرف من علم

العرب ووقائعها. وهو شاعر كثير الشعر، سهل عليه عمله، متدفق الطبع، وديوان أشعاره يدخل في عدّة مجلدات؛ غير أنَّ شعره من المرذول الساقط، ليس من المختار النادر. يظهر فيه العجرفة والركاكة واللحن الفاحش. وكان ينظمه بسبب أملاكه التي ببزاغا خوفًا من أن يغصبوه بالخراج، واشفاقًا من ذلك، وقد يمدح الملك الظاهر والملك العزيز لئلا يغلب عليه السلطنة ويصانع عنه. أنشدني بمجلس القضاء بهاء الدين أبي محمد الحسن بن إبراهيم -أدام الله أيامه- يوم الخميس السادس عشر من ربيع الأول من ستة ثمان وثلاثين وستمائة، وذلك بمحروسة حلب، يمدح بها الملك العزيز: [من البسيط] يا حسن القدِّ والتَّثنِّي ... ويا مليكًا بكلِّ حسن ويا هلالًا بدا منيرًا ... يختال في ثوبه المسني بأيِّ ذنبٍ فدتك روحي ... أعرضت دون الأنام عنِّي؟ يا شادنًا قد كساه ربِّي ... من حلل الحسن كلَّ فنِّ /181 ب/ ويا صغيرًا رجعت فيه ... مفتتنًا عند كبر سنِّي لا تكثر الصَّدَّ والتَّجافي ... عليَّ والهجر والتَّجنِّي فقل لمن لا مني عليه ... دونك عذري ولا تلمني ولا تسلني عن التَّسلِّي ... عنه وعن غيره فسلني! ومنها: صوَّره الحبُّ في يقيني ... وخيَّب الدَّهر فيه ظنِّي تشيَّع القلب في هواه ... وكان طول الزَّمان سنِّي يا عاذلي في هواه دعه ... يبلغ ما عنده ودعني فالدَّهر في دولة ابن غازي ... قد يسَّر الأمن والتَّمنِّي الملك الواسع العطايا ... على البرايا بغير منِّ

بدَّل إعسارهم بيسرٍ ... والخوف من دهرهم بأمن حتَّى غدوا في نعيم عيشٍ ... من قلق البؤس مطمئنِّ بعارضٍ مطلق العزالي ... على مطا الأرض مرجحنِّ محمَّدٌ حمده اعتقادٌ ... لكلِّ حرٍّ وكلِّ قنِّ يهدم كنز النُّضار بذلًا ... وللعلا والفخار يبني /182 أ/ تمتاح إنعام راحتيه ... بغير كيلٍ وغير وزن في البأس والعطايا ... عن بأس عمرٍو وجود معن أجرا على الرَّوع من أتيٍّ ... في يوم ضربٍ ويوم طعن وفيه مع بطشه وقارٌ ... يستعمل الحلم والتَّأني وأنشدني لنفسه: [من المنسرح] قالوا: وسمت امرًا بقافيةٍ ... فيها مديحٌ له وتوبيخ قد سبك الهجو في صياغتها ... والمدح فوق الهجاء منسوخ قلت: عقدت الرَّجاء من سفهي ... فيه وعقد السَّفيه مفسوخ والشِّعر مثل القرآن في نفسي ... أكثره ناسخٌ ومنسٌوخ وله: [من الطويل] لقد أنكر الشَّيطان عظم تجلُّدي ... ومٌصطبري عن شتم عرض المجلد رمى خمسة الأجزاء في جنب بيته ... ولم يرها إلَّا بعزم المفنِّد وما أنا من يصغي إلى عذل مائنٍ ... أروح إليه كلَّ يومٍ وأغتدي تمادى لقيطٌ في التَّواني ولم يزل ... يحضُّ أعاديه على هلك معبد وها أنا قد أمهلته بعد رقعتي ... إليه بقايا فسحة اليوم والغد /182 ب/ فإن وصلته نفحةٌ من سفاهتي ... فما أنا فيها ظالم الرَّأي معتدي وله: [من السريع] سألت من أعشقه قبلةً ... فقال واستولى عليه الخجل:

والله ما قصدك في قبلةٍ ... وإنَّما قصدك غير القبل وقال: [من السريع] كأنَّما زهر أقاح الرُّبى ... وقد بدا متَّسقًا كالشَّنب حبُّ جمانٍ نظمت نثره ... خودٌ على واسطةٍ من ذهب وقال: [من الطويل] وزنجيَّةٍ أصبو إليها كما صبا ... إلى حبِّ عفرا عروة بن حزام تشير بألحاظٍ مراضٍ فواترٍ ... وتبسم عن ثغرٍ كعقد نظام وأعجب منها أنَّها أعجميَّةٌ ... وتفهم ما أوحي بغير كلام إذا ما تعانقنا جهارًا حسبتها ... سلالة نورٍ فوق جنح ظلام وله: [من الخفيف] كان يبدو لناظري أنَّ زين الدِّين من كثرة البغاوة خنثى وأرى شخصه يلوح لعيني ... ذكرًا وهو في الحقيقة أنثى /129 أ/ غرس الماء في رياض بني ميمون قرعًا وفي الأسافل قثَّا وقال: [من البسيط] هذا الكتاب الَّذي سطَّرته بيدي ... عن الصَّبابة والأشواق والكمد إلى الأمير الَّذي روحي معلَّقةٌ ... بقربه في اقتراب الدَّار والبعد وإن يكن شخصه المجنون في بلدٍ ... وشخص مملوكه المشتاق في بلد فالودُّ يجمع أهوانا كما جمعت ... بنو خريمة دوًدانًا إلى أسد [517] /103 ب/ عليُّ بن مكي بن أبي المعالي بن عليٍّ، أبو الحسن الشهر كرديُّ. وشهر كرد قريةٌ بين دقوقا وكرخين. /104 أ/ كان شاعرًا مسترفدًا، قارئًا للقرآن ضريرًا، يقصد الناس بشعره، ويرحل في البلاد، وعنده عشرة.

أنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير أبا البركات المستوفي -رحمة الله-: [من البسيط] مولاي يا شرف الدِّين الَّذي شرفت ... به الدَّواوين قاصيها ودانيها ومن سرى في بحار العلم منتخبًا ... من قعرها الدُّرَّ واستنقى لآليها يا باني المجد يا قسَّ بن ساعدةٍ ... يا من إذا ماتت الآداب يحييها أنت الذي بك أضحى الدَّهر مبتسمًا ... وسيرة الجود عن كفَّيك نرويها وأنت أوليتني يا سيِّدي نعمًا ... ومن أيادٍ جسامٍ لست أحصيها إنَّ العدوَّ الَّذي اشتدَّت عزيمته ... على عنادك قد هدَّت مبانيها وصار في ظلمة الأرماس مطَّرحًا ... تدعوه من محن البلوى دواعيها لا زلت .... في ذرى العلياء في نعمٍ ... ما سار ركبٌ وحثَّ النُّوق حاديها وأنشدني أيضًا لنفسه ما كتبه إليه: [من الخفيف] شرف الدِّين يا أجلَّ الأنام ... وفتى الجود والأيادي الجسام ومن اختصَّ بالمكارم والفضل قديمًا وبالخلال الكرام قد أتى الصَّوم قادمًا يتهادى ... في جزيل الثَّواب والإكرام /104 ب/ شهر برٍّ ورحمةٍ وصلاةٍ ... وصلاتٍ تنحى من الآثام بجرانه سيلقاك فيه ... كلُّ سولٍ وبغيةٍ ومرام فاسع في حاجتي يكن لك فيه ... أجر من بات مخلصًا في الصِّيام أو كمن حجَّ طائعًا يبتغي اللـ ... ـه بسعيٍ وعمرةٍ واستلام فإلى م القعود من غير نفعٍ ... فلقد طال في التَّقاضي مقامي وإلى كم أغشاهم في صباحٍ ... ومساءٍ بخدمةٍ وسلام ليس عذرٌ للقوم من بعد ما قد ... بلغ المكث بينهم ألف عام وأرى جابي الجريدة رخوًا ... في التَّقاضي موافق الأقوام ذاك خطٌّ عرفته من زمانٍ ... لا برمحٍ يأتي ولا بحسام فلئن كان قد تحصَّل شيءٌ ... فهو عندي من جملة الإنعام وسؤالي ..... عن قريبٍ ... لمسيري في هذه الأيَّام وابق للقاصدين عمرًا طويلًا ... ما ترى البرق من خلال الغمام

وأنشدني لنفسه فيه أيضًا يمدحه: [من الخفيف] بك أضحت أوقاتنا في أمان ... حيث كنت المنى وأقصى الأماني /105 أ/ وإليك المطيُّ مدَّت خطاها ... سابقاتٍ فواضل الأرسان وأضاءت بوجهك الأرض فاستغنت به عن ذكًا وعن زبرقان وغمرت البلاد بالعدل حتَّى بلغ العدل سائر البلدان واطمأنَّ المخوف وانهزم الجائر عنها برفع ضاد الضَّمان وغدا النَّافر الجموح ذليلًا ... في قيود الرَّدى وأسر الهوان وحططت الأوزار فاشتدَّ أزر الملك لا بالظُّبا ولا باللَّسان بل بارائك العليَّة تنقاد صعاب الأعناق بالإذعان رحمةٌ أنت أرسلت بعد ضرٍّ ... للبرايا بعيدها والدَّاني شرف الدِّين يا ابن قومٍ أقاموا ... سدَّة المجد من قديم الزَّمان وبنوا فوقها مراتب عزٍّ ... وضعوا أسَّها على كيوان فسموا صاعدين في المجد لمَّا ... سبقوا الجائرين في الإحسان أنت قسٌ في الفضل والرَّأي قيسٌ ... والنَّدى حاتمٌ كريم البنان أجميلٌ لمن أروح بخطِّ ... تاجه ذكرك العظيم الشَّان ويردّ الكتاب من غير ما خوفٍ على النُّوَّاب في حرماني فخميس الخسيس وابن محلَّا ... وابن نصَّار لجَّ في حركاني /105 ب/ أنقصوني من الجراية والتَّعويض ظلمًا عن سائر الأعيان فالقهم في الحبوس يلقوا عذابًا ... كيف لم يعطفوا على العميان وتهنَّ الصِّيام شهرًا فقد حان بتوقيع خلعة الرِّضوان وابق في الدَّهر ما أتى رمضانٌ ... كلَّ عامٍ بالعفو والغفران فرحًا لا تزال أنت وتاج الدِّين في غبطةٍ مع الأزمان ما سرى البرق من خلال سحابٍ ... وشدا طائرٌ على غصنٍ بان وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]

سل جفوني واللَّيل غاشٍ بهيم ... هل لنأي الرُّقاد عنها قدوم أم على حالها تظلُّ تراعي ... كيف تنصاع للمغيب النُّجوم وسل الجسم كيف بات وفيه ... بعد بعد الحبيب وجدٌ جسيم ويح قلبٍ ترحَّل الصَّبر عنه ... وفؤادٍ به الغرام مقيم فمتى هبَّ للوصال نسيمٌ ... فشفى ذلك الغرام النَّسيم لائمي خفِّف الملامة واقصر ... ليس يقوى بما تقول الملوم كيف أصغى إلى ملامك والشَّوق بقلبي له عذابٌ أليم صادني شادنٌ أغنُّ غريرٌ ... ناعسٌ مائسٌ رشيقٌ رخيم /106 أ/ ساحر الطَّرف لو رأى غمد موسى لم يخيَّل للنَّاس سحرٌ عظيم قد حوى وجهه حدائق زهرٍ ... سقياها الرَّحيق والتَّسنيم وأنشدني لنفسه يمدح الوزير أبا إسحق إبراهيم بن علي بن أبي حرب الموصلي المعروف بابن الموالي. وكان يومئذ يتقلد الوزارة بإربل للملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن تكتكين -رضي الله عنه- وبعرض بذكر جماعة كان له عليهم رسوم في رأس كل عام فعوقوها وأخروها عنه: [من الرجز] يا حاديًا نياقه سحيرا ... يجهدها تشوُّقًا وسيرا لايستريح أو يرى الغويرا ... لقيت خيرًا ووقيت ضيرا *** إذا أتيت إربلًا صباحا ... وبان بشرٌ مقبلٌ ولاحا فاعلم بأنَّ النُّجح والصَّلاحا ... قد قارناك فاترك الرَّواحا *** واعدل إلى الرَّبع الأنيس الآهل ... بالجود والمعروف بالفضائل /106 ب/ والمنهل العذب لكلِّ ناهل ... وملجأٍ لخائفٍ وسائل *** ربعٌ به بحر النَّوال والرَّدى ... ما يأتلي يسفح برًا أبدا

يغمر إنعامًا ويروي من صدى ... سجيَّةٌ ببردها قد ارتدى *** الصَّاحب الحبر الوزير الرَّاسخ ... في العلم والطود الأشمُّ الشَّامخ ومن له مجدٌ أثيلٌ باذخ ... دعامه على السِّماك .... *** ذو الطَّول والإحسان والأيادي ... والرَّأي والفطنة والسَّداد ومن به أصبح هذا النَّادي ... أمنًا لكلِّ رائحٍ وغادي *** وقد نفى عنه الأذى والبوسا ... بعدله وصرَّف النُّحوسا فالرَّبع قد أضحى به مأنوسا ... والنَّاس فيه كزمان موسى *** وهو الَّذي يصدر عنه سير ... تغار إذ تقرأ منها السُّور سرى بها السَّفر مجِّدًا يخبر ... منوِّها يا حبَّذاك الخبر *** رقت به إلى المعالي قدم ... ثابتةٌ تقصر عنها الهمم ما يستوي المعوجُّ والمقوَّم ... كلَّا ولا الضَّوء معًا والظُّلم *** من معشرٍ حازوا علًا ومجدا ... وسؤددًا ونائلًا ورفدا جلَّت بأن تحصر أو تعدَّا ... قد ورث الأبناء فيها الجدَّا *** /107 أ/ لا برح السَّعد مع النَّجاح ... عبد له في الغدوَّ والرَّواح ما غرَّدت صاحبة الجناح ... في الدَّوح بالتَّعداد والنَّواح *** وإنَّ للماجد تاج الدِّين ... كفًّا كمثل العارض الهتون تجود بالنَّفيس والثَّمين ... على الفقير المدقع المسكين ***

ربِّ العطايا والسَّجايا والمنن ... والمرتجى لدفع لزبات الزَّمن ومن سما بالفضل سرًّا وعلن ... متَّبعًا أوضح نهجًا وسنن *** سليل قومٍ ذكرهم يضوع ... بين الورى ومجدهم رفيع مؤثَّلٌ وعزُّهم منيع ... وربعهم مرتبعٌ مريع *** تجمَّعت فيه خلال غرُّ ... عقلٌ وفضلٌ وندًى وبرُّ خلائقٌ أربعة تمرُّ ... حميدةً يرغب فيها الحرُّ *** لا زال يرقى رتب المعالي ... محفوفةً باليمن والإقبال في نعمةٍ ممتدَّة الظِّلال ... بغير تحويل ولا انتقال *** والفتية الأماجد الكرام ... تسامقوا في المجد واستقاموا ومن بهم أصبحت الأيَّام ... حاليةً واتَّسق النِّظام *** فمنهم الظَّهير والكمال ... ثمَّ المعين النَّدس المفضال /107 ب/ والمجد يتلوه فنعم الآل ... إليهم تقوَّض الرِّحال *** أولوا النُّهى والمنن الجسام ... والجود والمواهب العظام ومن لهم مجدٌ مشيدٌ سامي ... مقرُّه راسٍ على بهرام *** طابوا أصولًا وزكوا فروعا ... وسلكوا سبل العلا جميعا فأوضحوها مذهبًا مشروعا ... أصبح كلٌ لهم تبيعا ***

لا برح التَّوفيقٌ والإرشاد ... والعزُّ والتَّأييد والإسعاد يغشاهم طوعًا كما أرادوا ... دائمةً ليس لها نفاد *** واشرح له قصَّة عبدٍ أصبحا ... عن داره وأهله منتزحا عساه بعد خسره أن يربحا ... ويغتدي إلى العيال فرحا *** فجاء في حسابه شطور ... وساءت الظُّنون والتَّقدير وهكذا ما برح الضَّرير ... عزيز شكرٍ حظُّه يسير *** كان له رسمٌ على الجماعه ... أولي الولايات والاستطاعه قدرٌ يمشِّي الحال بالقناعه ... وأنفس القوم له مطواعه *** فحين وافى لابتغاء رسمه ... مبادرًا في صحَّةٍ من عزمه مغرِّرًا بروحه وجسمه ... خوف الفوات حذرًا من حسمه *** /108 أ/ فصادف القوم وقد تغيَّروا ... كأنَّما تجمَّعوا واشتوروا وأسهبوا بمطلهم وأضجروا ... وهو على ذلك حينًا يصبر *** فأوَّل القوم الإمام القاضي ... ومن جميع الخلق عنه راضي لم يكثر العبد له التَّقاضي ... خوفًا من الإملال والإعراض *** ثمَّ ابنه العماد والمدرِّس ... الفخر والمحتسب المحتبس ثمَّ أخوه الخازن الملتمس ... منِّي مدحًا حيث ضاق النَّفس *** وكم سعى العبد إلى النَّقيب ... بعد الزَّعيم مكثر التَّرغيب عند الضُّحى والظُّهر والمغيب ... وما رأى شيئًا سوى التَّعذيب

ويونس الحمَّال ثمَّ القطب ... ما فيهما من خصلةٍ تحبُّ ومحرز .... العجب ... ثمَّ أبو هنديِّ سلم حرب *** وابن البهرزيِّ ونجل مسكي ... كلاهما قد سلكا في السِّلك ونائب الإصطبل ليس يحكي ... لسانه غير حديث الإفك *** ثمَّ الكمال وهو في بيت الزَّرد ... وابن السُّليماني مدلٌ معتمد على اليتامى ولقد ضاع العدد ... ولو توانوا سنةً كان نفد *** ثمَّ الجمالان مع التَّتمَّه ... يحيى وشعبان ووالي الظُّلمه /108 ب/ والمحيي والشَّحَّام وابن نعمه ... وابن سليمٍ ليس فيه رحمه *** وابن عبيدٍ وبنو الشَّريف ... قد أسرفوا في المطل والتَّسويف وضامن القطن بلا معروف ... لا يستحي من كثرة .... *** والصَّارم السَّاكن بيت النَّار ... ذو يسرةٍ وصاحب اقتدار ........... على الآثار ... ليس لهم وجهٌ إلى اعتذار *** وصحبةٍ عدُّهم لا يحسن ... منهم مسيءٌ وكريمٌ محسن والوقت في التَّطويل ليس يمكن ... ونفسه إلى الدِّيار تذعن *** والقصد أن تسلَّم الجريده ... إلى فتًى خصاله حميده يبذل في خلاصها مجهوده ... ولا تكن عاريةً مردوده *** فالعبد لا يصبر عن أصحابه ... أكثر من هذا ولا يرضى به فاردده جذلان إلى أحبابه ... تكسب عظيم الأجر من ثوابه

متَّعك الله بهذا العشر ... وكلِّ عشر مقبل في الدَّهر ولا برحت صاعدًا في الفخر ... تضحي العدا ضحاك يوم النَّحر وكلُّ من حلَّ بذاك المنزل ... لا برحوا في نعم الم .... بالسَّادة الأطهار من آل علي ... وجدِّهم أحمد خير الرُّسل *** /109 أ/ ما لا برقٌ من خلال السِّجف ... كصارم يخطف ماضي الغرب وطاف بالست وذاك الشِّعب ... مهلِّلٌ مكبِّر ملبِّي [518] عليُّ بن يحيى بن محمود بن الحسن بن عواد بن محرز بن مرحٍ، أبو الحسن الخزرجيُّ البغداديُّ أخبرني أنّه ولد بكرخ بغداد يوم الأربعاء الخامس والعشرين من المحرم سنة ستمائة. وهو شاب سليم الفهم من الأذكياء؛ قرأ طرفًا من علم الأصول وأحكمه، واستظهر القرآن العزيز، وتفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة –رضي الله عنه- وقال شعرًا في مديح وهجو. أنشدني لنفسه يمدح بعض الرؤساء من قصيدة: [من الكامل] بانت عن الاطلال أمُّ الهيثم ... ونأت بنا فكأنَّها لم تلمم فقطعت أجواز المغاوز قاصدًا ... خير الورى من منجد أو متهم نسل النَّجائب من ذؤابة هاشم ... كنز العفاة وعصمة المستعصم ومنها يقول: /109 ب/ وعليك من نسج الحديد سوابغٌ ... لا خيفةٌ من صارمٍ أو لهذم لكن رأيت الخزم افخر جنَّة ... وأخو التَّهوُّر ليس بالمتحزِّم درعٌ لك اتُّخذت بغير مؤخَّر .. ما لاذنا سجها بغير المقدم ومنها:

واعلم رعاك الله مولى نعمة ... ابدًا بأنَّ أباك أفضل منعم ما كلُّ من نظم القريض بشاعرٍ ... ما كلُّ فاقد إلفه بمتيَّم تالله ما سلك المكارم تباعًا ... أحد ولا أخذ العلا بمعلِّم وأنشدني أيضًا قوله: [من الطويل] لمن طللٌ بال تداعت جوانبه ... وقفت به أشكو النَّوى وأخاطبه فكم حلَّ فيه صارمٌ .... ... قضى قبل أن تقضى هناك مآربه ومنها: فتاةٌ ما أبرزت في دجنَّة ... أضاء الدُّجى حتَّى توارت كواكبه لها ناظر يصبي الحليم بلحظه ... وتصمي قلوب العاشقين صوائبه تعلقتها طفلاً ولم أدر ما الهوى ... وسيَّان عندي صابه وأطايبه ومنها في المديح: /110 أ/ له كلَّ يوم في العطاء غرائبٌ ... تصدِّق ممَّن يرتجيه رغائبه فتشبيهه بالبحر ظلمًا رأيته ... ومن جود كفَّيه تقلُّ سحائبه أجدَّ رداء الملك بعد عفائه ... وقامت به أعضاده ومناكبه وأنشدني لنفسه يمدح: [من الكامل] ياخير من عقل الرَّجاء ببابه ... وبه انيخ ركائب الآمال ماذا أقول لمن يسائل مغرقًا ... ماذا أفدت من الفتى المفضال أيليق عنك بأن أقول منعتني ... او انَّني ألقاهم بمحال وأنشدني لنفسه: [من البسيط] كلتا يديك منادى مفردٌ خلقا ... لو كانتا نون جمع كنت مرفوعا فليتها أصبحت نونا لتثنية ... لأنَّ مازال عنها الصَّرف ممنوعا وأنشدني قول: [من الطويل] أسرُّ وتبدي ما تكنُّ الجوانح ... دموعٌ تخذُّ الخذَّ وهي سوافح

وما قعدت بي همَّتي عن فضيلة ... ولي ساعدٌ حتَّى النجوم تصافح ولم أطغ إن والى الزَّمان عطاءه ... لديَّ وإن ولَّى فما أنا كادح ولا واقيًا مالي بعرضي سفاهةً ... ولؤمًا ولا طرفي إلى الرِّزق طامح /110 ب/ ومنها يقول: قومي عصبة لا نزيلهم ... يضام وهم يوم الفخار رواجح إذا الخيل كرت في الوغى لا تروعهم ... طوال القنا أو مرهفات صفائح يجيرون إن جا الزَّمان من الرَّدى ... ولو أنَّ وجه العام يبالجدب كالح إذا نزل الضِّيفان فيهم تساهموا ... عليهم وثابًا ... الصَّوائح وأنشدني لنفسه: [من الطويل] خلعت رداء الحلم والفضل والنُّهى ... ولا سلكت رجلي سبيل رشاد ولا سلَّ في يوم الكريهة صارمي ... ولم يجر بي يوم الفخار جوادي ولا حملت كفِّي يرراعا ولا جرى ... بنظم ولا نثر سواد مدادي وعوَّضت ثوب الجهل عن ذاك ملبسًا ... وطال على فوت .... سهادي لئن كان حقًا ترك من قد وشوا بنا ... إليك وهم راجون منك بعادي ولكن رأوا قربي لديك فساءهم ... فكلٌ عليه حاسدٌ ومعادي رأوا منك في حقِّي جفاء فأكرموا ... ولو شئت ما فاهوا بغير مرادي [519] عليُّ بن إبراهيم بن عمر بن محمد /111 أ/ بن عليِّ بن جامعٍ، أبو الحسن الإربلي، المعروف بابن المحتسب. كان والده يتولّى الحسبة باربل وكذلك جدّه وأخوه وجماعة من أسلافه. أخبرني أنه ولد منتصف شعبان سنة أثنتين وتسعين وخمسمائة. أنشدني لنفسه: [من الخفيف] لا تكلني إلى سواك فإنِّي ... مدنفٌ لم أجد لدائي صلاحا ولقد غلِّقت بوجهي أبوابٌ عظامٌ فكن لها مفتاحا واغثني أجد بذاك كما قيل قديمًا خيرًا لأمري نجاحا

إن أردتم حواجًا عند قومٍ ... فتنقَّوا لها الوجوه الصِّباحا وأنشدني لنفسه: [من الوافر] إذا كتبي أتتكم فهي تحكي ... ضنى جسدي وما تحوي ضلوعي فإن كان المداد به احمرارٌ ... فلا تعجب فذلك من دموعي وأنشدني لنفسه ما كتبه لبعض الرؤساء: [من البسيط] وأنشدني لنفسه ما كتبه لبعض الرؤساء: [من البسيط] إسعد بها ليلة جاءتك مقبلة ... تلقاك بالنجح ياسؤلي ويا أملي فانعم بها واعتنم فيها الدُّعاء تجد ... في عقبة فسحةً في الرزق والأجل وكن لعبدك فيما قد أصيب به ... يا مالكي فعليك اليوم متكلي /111 ب/ وأنشدني أيضًا قوله: [من الطويل] يقبِّل كفًا لم تزل في ضميره ... يقبِّلها سرًا بغير تكلُّف ويعدوكم جهرًا وأنتم شهوده ... حقيقًا فلم يحتج لقول معرِّف وأنشدني من شعره: [من البسيط] لم أنسه إذ بدا والكأس في يده ... يشير نحوي بكفِّ ناعم ترف بقهوة يخجل البدر المنير إذا ... بدا وشمس الضحى في قبَّة الشَّرف [520] عليُّ بن محمد بن عليِّ بن عبد الله بن سعد بن عبد الله، أبو الحسن النعماني الشيباني. كانت ولادته بالنيل من البلاد العراقية في سنة إثنتين وتسعين وخمسمائة. وتولى القضاء بها مدة-والده وأعمامه كانوا قضاتها- ورب كاتبًا بديوان النقابة بمدينة السلام في أيام المستنصر بالله أمير المؤمنين –خلد الله ملكه-. شاهدته ببغداد بجانبها الغربي، في سنة تسع وثلاثين وستمائة في جمادي الأولى؛ وهو يشعر شعرًا رقيقًا، وعنده فضل ومعرفة بالفقه /112 أ/ والحساب

والفرائض انشدني لنفسه من قصيدة طويلة يمدح بها المستنصر بالله: [من البسيط] نشدتك الله حادي الأينق الرُّسم ... من منهم في سراه غير متَّهم ثق منجداً في ربى نجد إذا شجنٌ ... يوقفه في ظلال الضَّال والسَّلم فلي بسفح الحمى نفسٌ لها نفسٌ ... من الجحيم وطرفٌ سافح الدِّيم شوقًا إلى سكن من ساكنيه له ... حشو الحشا نار وجد ... الضَّرم أمسى فؤادي رهنًا في حبائله ... حبًا له ففؤادي غير منصرم كم جدت بالروح في حبِّي له ولها ... به وضنَّ بروح الطَّيف في الظلم وكم طويت ضلوعي في محبَّته ... على الغرام ونار الشَّوق والألم وكم لوى باللوى ديني بلا سبب ... وعقَّني في عقيق الجزع من أضم يا يوسف الحسن صل يعقوب حسنك قد ... أودى به البحر حتَّى ذاب من سقم أما تخاف إله العرش في رجل ... أمسى بدمع على الخدَّين منسجم المستعان على ضرِّي ومسكنتي ... بالعدل من مالك الأعناق والأمم المالك العادل المستنصر بن أبي ... نصر أبو جعفر المنصور ذو النِّعم /112 ب/ مولى لنا كلَّ يوم من منائحه ... جودٌ بجدواه أحياها يد الرِّمم فالنَّاس صورة إنسان ممثلةٌ ... ومالك القصر روح النَّاس كلِّهم براه من نوره الباري وكوَّنه ... من طينة حرَّة ليطت على الكرم ينمى إلى دوحة قدسيَّة بسقت ... في حضرة القدس من فرعٍ إلى قدم من معشر شرِّف البيت العتيق بهم ... مع المشاعر والبطحاء والحرم علو على الخلق طرأ فالأنام لهم ... رقٌ وجبريل والأملا [ك] والخدم قومٌ أتت هل أتى في النَّصِّ مخبرةً ... عن فضل بيتهم عن نون والقلم فهل يسربلهم مدحٌ لباس علا ... بعد الكتاب وقد وافى بمدحهم وأنشدني لنفسه في التاريخ المذكور ببغداد بجانبها الغربي: [من المسرح] طاف بكأس السُّلاف في الغسق ... حمراء صرفا في أبيض يقق فخلته والمدام بدر دجىَّ ... يحمل شم النَّهار في الشَّقق معقرب الصُّدع فوق حاجبه ... يرشق قلبي بأسهم الحدق

ينفث هاروت من لواحظه ... في كلِّ قلب بالعشق محترق فليس ينجو من قسيِّ مقلته ... صبٌ ولو عوَّدوه .... /113 أ/ يميس عطفاه في غلائله ... كما يميس القضيب بالورق من فوق ردف عبل مؤزَّره ... مسربل بالجمال منتطق أصبحت فيه من سكر قامته ... بالدَّل سكران .... يفق أصبحت فيه من سكر قامته ... بالدَّل سكران .... يفق يا حبَّذا شربةٌ على ظمأ ... من درِّ ثغر في فيه متَّسق أبيت فيها ما بين مصطبح ... لماه وبين مغتبق في روضة حقَّها الرَّبيع لنا ... بكلّش ورديِّ منظر أنق والماء فيها ما بين منسرحٍ ... بين مياديننا ومندفق والغيم في حلَّة مفضّّضة ... قد شدَّ أزرارها على الأفق تحدو النُّعامي به ويزجرها الرَّعد فتبكي بمدمع شرق فيبسم الرَّوض من بكاه إذا البرق علاه بسيفه الذَّلق كؤوسها كالنُّجوم يبعثها ... صوت المثاني بأفصح النُّطق . فيها لكلِّ مختطف ... لسمع شدو الأوتار مسترق بين ندامى جروا إلى غاية الظرف فجاءوا معًا على نسق غرِّ صباح الوجوه همُّهم ... بثُّ النَّدى والنَّدى على الطُّرق قد أمنوا ريب دهرهم فغدوا ... .... على حنق /113 ب/ ببأس مولى أضحت بسطوته الآفاق محميَّة من الفرق خليفة الله مالك الأمَّة المنصور معطي النُّضار والورق أغنى الورى جوده ونائله ... بمستهلِّ هامي النَّدى غدق وعمَّ طوفان نوح راحته ... فهم يخافون سورة الغرق أبلج صلت الجبين ينشقُّ عن نور محيَّاه عرَّة الفلق قد جمعت غاية الكمال له ... حسن المعاني في الخلق والخلق فهو ومن قال فيه خالقه ... في ذكره: إنَّه على خلق عصنان من دوحة مباركة ... تحكي بأنوارها دجى الغسق

[521] عليُّ بن هبة الله بن محمّد بن منصور بن عبد الرحمن الخباز الموصليُّ رجل صعلوك مملق يرتزق بشعره، كثير اللحن، يقيم أوزان الشعر من غير معرقة بالأدب، وربّما قال أبياتًا صالحة. أنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المستوفي –رحمه الله-: [من الرجز] /114 أ/ خلِّ ملامي في الهوى يا سعد ... ففي فؤادي زفرةٌ ووجدٌ وفي حشاي والضُّلوع لوعةٌ ... لها إذا جنَّ الظَّلام وقد فلا لعلويّ النَّسيم إذ سرى ... اهفو ولا قلت مرادي نجد ولا غقيق الجزع بعد عالج ... ماربى ولا الكثيب الفرد ولا لغزلان النَّقا وحاجر ... أصبو ولا قلت: صلي ياهند ولا المطايا الشَّدنيَّات إذا ... أنحلها الإرقال والوخد لكنَّما أشجان قلبي هاجها ... أيَّام أنس للصِّبا وعهد بمنزل للقاطنين لم ينزل ... يحسب فيه للتَّصابي برد من كلِّ غيداء كشمس أشرقت ... هالتها برقعها والعقد قد يئس المشتاق من وصالها ... عدما وأنَّى للغواني ردُّ ومن مديحها قوله: وأين في الأرض وزيرٌ عادلٌ ... تخاف من بأس سطاه الأسد غير فريد القصر محيي العدل كهف القاصدين ليس عنهٌ بدُّ أعني الوزير الماجد الحبر الذي ... له على هام السماك مجد بحرٌ خضمُّ ماله جزر بلى ... لجوده طول الزَّمان مدُّ /114 ب/ وبدر تمِّ ظهرت أنواره ... على الورى فلاح ذاك السَّعد حامي حمى الدَّولة قد أنشأها ... حتَّى أستتب حلُّها والعقد معيد عود الملك غصًّا يانعًا ... من بعدما منه ذوى الأشدُّ

تطيعه يوم الوغى خاضعةً ... بنو الملوك والعتاق الجرد مقسِّم الآجال في الهيجاء بالعزم القويِّ حين ينبو الحدُّ قد أصبح العالم في أيَّامه ... وضمَّهم من الهناء مهد إلى وزير الوقت قصد شاعر ... لا خاب للرَّاجين منه قصد لا زالت الأقدار طوع أمره العالي إليه حكمها يردُّ [522] عليُّ بن عثمان بن فروح بن فرحاد بن ينكبخت بن شيرمد، أبو الحسن الموصليُّ من أبناء الجند. لهج بقول الشعر فصار له فيه طبع مؤات، وخاطر حسن. وله أشياء تستجاد في المديح والهجو والغزل وغير ذلك. أنشدني لنفسه يمدح المولى المالك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الاسلام. /115 أ/ والمسلمين، محيي العدل في العالمين، كهف الضعفاء والمساكين، نصير أمين المؤمنين من قصيدة أولها: [من الطويل] اسرب مها ام أعين العين تلمح ... أم الظَّبيات المرجحنَّات سنّح تملَّك قلبي يوم منعرج اللِّوى ... وبرَّح بي شوقٌ هناك مبرِّح ومنها في المديح: وفي جود بدر الدِّين إصلاح حال من ... بصرف اللَّيالي حاله ليس يصلح أشدُّ ملوك الأرض بأسًا وسطوة ... وأعظمهم حلمًا وأعفى وأصفح وأصفاهم وردًا وأحماهم حمى ... وأمرعهم روضًا وليس يصوِّح وأضفاهم ظلاً وأنداهم يدًا ... وأعلاهم مجدًا وأوفى وأرجح رحيب الفنا صعب السُّطا واسع العطا ... أريح الثَّنا من جوده يترنَّح أغرُّ يضيئ التَّاج من نور وجهه ... ويكسوه نورًا نوره المتوضِّح إذا شهد الهيجاء يومًا وقد خبت ... وصال فمن أسيافه النَّار تقدح

يسعِّرها بالمشرفيَّة والقنا ... بكلِّ كميٍّ ثابت ليس يبرح ترى الهام فيها طائرات كأنَّها ... جنادب من وقع الهجير تطرَّح /115 ب/ ولم تر إلاَّ عائمًا في دمائه ... وآخر من وقع السِّهام يرنِّح ألا أيَّها الملك الرَّحيم ومن غدت ... بجود يديه الألسن الخرس تفصح ولو سئلت صمُّ الشَّواهق لانبرت ... تحدِّث عن جدوى يديه وتشرح تهنّ بنيروز أتاك مبشِّرًا ... بجد مع الأيام يمسي ويصبح وعش ألف عام كلَّ يوم مهنَّأ ... بسعد به فيما تحاول تنجح وخذ بعنان الدَّهر كيف أردته ... ذلولاً ولكن عند غيرك يجمح [523] عليُّ بن محمّد بن عليِّ بن شفاعة الموصليُّ من أبناء المواصلة. كان أبوه عطارًا بشهر سوك. وهو شاب قصير أسمر اللون، رديّ العينين، خفيف العارضين في رأسه حماقة يبغض نفسه إلى الناس، ويستثقلون منظره لكونه يتعاطى التِّيه والحمق. وكنت ربّما جمعني وإياه مجلس صديق أو سوق الكتب فيورد من شعره شيئًا، ومما علق بذهني من شعره، وسمعته منه قوله في رجل وافى الموصل من مدينة إربل بشفاعة من أميرها أبي المكارم باتكلين بن عبد الله المستنصري /116 أ/. يعرف طرفًا جيدًا من النحو، ويلعب الشطرنج حسنًا. ليعطي الجامكية الموقوفة بالمدرسة النورية على من شغل فيها النحو، وعلم الأدب، فتسلمه وأجرى عليه شهورًا، فقال: [من البسيط] يا منصب النَّحو قد أصبحت مضطهدًا ... من بعد ما كنت مثل اللَّيث في الخيس اليوم نالك بالشِّطرنح لاعبه ... فما بقي غير لعَّاب الحواليس لما انشدت الصاحب أبا البركات المستوفى هذين البيتين، استجادهما، وقال: لو قال غدا ينالك لعاب الحواليس، كان أجود في التطبيق.

[524] عليُّ بن عبد الوهاب بن عبد الله بن العجميِّ. كانت ولادته يوم الاثنين عاشر صفر سنة تسع وتسعين وخمسمائة. انشدني لنفسه يوم الأربعاء الثالث والعشرين من المحرّم سنة ثمان وثلاثين وستمائة بحلب المحروسة يمدح المولى /116 ب/ الأجل السعيد قطب الدين أبا عبد الله محمد بن المولى السيد الإمام نظام الدين أبي منصور عبد الصمد بن أبي جعفر محمد بن الرحيم –أدام الله تأييده-: [من الطويل] ألا قل لقطب الدِّين يا أكرم الورى ... ويا واحد الدُّنيا ويا سيِّد الخلق أهل لك أن تبتاع بالجود والنَّدى ... صبيًا صغيرًا حين أفصح بالنُّطق يكون لكم عبدًا على كلِّ حالة ... ولكنَّ عبدًا ليس يرغب في العتق وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الطويل] رميت بنبل الجور عن ساعد الدَّهر ... فأضحيت ملقى ما لكسري من جبر صريع خطوب لا أرى لي مساعدًا ... على ما أعاني من عناها سوى الصَّبر وتعليل نفسي بالأماني وإنَّ من ... يعلِّل نفسًا بالأماني لفي خسر زمانٌ يرى فيه اللَّئيم مراده ... ويصبح فيه الحرُّ في غاية الضُّرِّ ولولا اصطباري للردى وتجلُّدي ... لفاضت دموع العين منِّي على النَّحر وهبني غيَّرت الدُّموع تجلدًا ... أأطفيء نارًا في الجوانح والصَّدر وكم قائل لما رآني ناشدًا ... نصيرًا وحظِّي قد تقاعد عن نصري أعد بهاء الدِّين تأمل ماجدًا ... يلاقيك بالإحسان والبِّر والبشر /179 أ/ فقلت سليمان المؤمَّل بعده ... وحسبي عون الدِّين عونًا على الدهَّهر هو السَّيِّد المفضال والنَّدس الذي ... تفرد بالعالياء والنَّائل الغمر وأسبل ماء الجود حتَّى تزاورت ... عيون بني اللاواء عن وابل القطر

حميٌّ إذا خيف الرَّدى بات جاره ... على عظم الأعداء منتفي الذُّعر تناح مطايا معتفه بماجد ... رفيع عماد البيت مرتفع الذكر لهم منه رفدٌ وجهه ونواله ... فلم ير إلا باذلا دائم البشر وأنشدني لنفسه: [من الوافر] إذا لبسوا اعمائمهم وقاموا ... على أبوابهم مثل الدَّراري تقدِّر أنّضهم ناس كرامٌ ... وهم من كلِّ مكرمة عواري وأنشدني لنفسه في الأمير جمال الدولة إقبال؛ وهو يومئذ نائب الدولة الصلاحية الناصرية بجلب المحروسة، وأنشأ ذلك ارتجالاً: [من الكامل] شرفًا لدولتنا وفخرًا إذ غدت ... تتوسَّم الإقبال من إقبالها تاهت بأنوار السَّنا جلالة ... وزهت فكان جمالها بجمالها وأنشدني لنفسه: [من الكامل] /179 ب/ لا تنكروا إقبال دولة يوسف ... فبرأي إقبال بدا إقبالها وبعزمه ذل الملوك لعزِّها ... وبوصفه شرفت وزاد جمالها وأنشدني لنفسه من أبيات: [من الطويل] إذا حطَّ كفُّ الحظِّ عنهم اكفَّه ... وكان لعادي العاديات ذياد يميل إليه كل قلب كأنَّما ... له من سويداء القلوب مداد وأنشدني قوله: [من الكامل] وحلفت لي أن لا تخون ودِّي ... وغدرت بي فغدوت بالإثم فاسودَّ ذاك الوجه بعد بياضه ... وغدا البصاق مواضع اللثم وأنشدني من شعره: [من الوافر] اطالبه فيكتب لي رقاعًا ... تدل على الحماقة والرَّقاعة فيتعبني بها من غير نفعٍ ... فليت أراحني وزوى رقاعه وأنشدني أيضًا له: [من السريع] ثلاثةٌ ليس لهم رابعٌ ... سادوا ومازالوا مناخيسا محمدَّد العصفور في .... ... وابن القبيصي والذَِيا موسى

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] /180 أ/ وقالوا: أنت شرُّ النَّاس طرًا ... أتهجونا وقد قدم الإخاء فقلت لهم ... فأرشدوني ... إلى شيء يكون له الثَّناء .وكلُّكم غثاءٌ ... وكلُّ فعالكم عندي هجاء وأنشدني لنفسه: [من الوافر] رشيق القدِّ أهيفه ... دقيق الخصر مخطفه كغصن البان مرُّ ... الرِّيح يثنيه ويعطفه له في خدِّه وردٌ ... بلحظ العين أقطفه ونرجس مقلة مازال يضعفني مضعَّفه بديع الحسن يخجل عنده ... في الحسن يوسفه أشبِّهه على علمٍ ... بأنِّي لست أنصفه يزوِّني تجافيه ... ويطمعني تألفه فما أدري تجافيه ... بلائي أم تالفه وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الخفيف] عاتبوه لصدِّه ... ومطالي بوعده فاستحى من عتابهم ... ودنا بعد بعده /180 ب/ ليتهم لم يظفروا ... بالحيا ورد خدِّه أنا في الحبِّ عبده ... وهو أولى بعبده وأنشدني لنفسه: [من الطويل] قديم الهوى عندي لكم وحديثه ... ولو أطنب اللاَّحي وزاد حديثه وجلباب صدري رثَّ فيكم جديده ... وثوب غرامي في جدَّ فيكم رثيثه ومالي معينٌ في هواكم عن الأسى ... ومن ذا يعين الصَّبَّ أم من يغيثه فلا تعذلاني في المحبَّة واعذرا ... فسيب جفوني لا تجف غيوثه فلو تريان الصَّبّّ في عرصة الحمى ... وقد زاد في إثر الحمول لهيثه يناشد حادي العيث لبثًا بعيسهم ... وقد أعور الحادي عليه لبوثه عهود الهوى أضحت عليه أكيدة ... وذلك عهدٌ لا يحلُّ نكوثه

ذكر من اسمه عمر

/139 أ/ ... ذكر من اسمه عمر [525] عمر بن المظفر بن سعيد بن مكي بن يوسف، أبو الفتح القرشيُّ المعروف باللغوي. من أهل الإسكندرية. كانت ولادته بها إما في سنة ثلاث أو أربع وستين وخمسمائة، وموطنه بمصر. شاعر مجيد محكم الكلام، متفنن النظم جزل الشعر، يفوق شعراء وقته بجودة المعاني وفصاحة الألفاظ، طويل النفس في ابتداع القريض ذويد باسطة في صناعته، كثير المديح. له ذكر مشهور، وصيت متتابع بالديار المصرية. وذكر لي الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمود أنَّه كان شيخًا كيسًا لطيفًا مليح المحاضرة /139 ب/ كثير الحفظ لأيام الناس وحكاياتهم ووقائعهم، له معرفة تامة بالأدب واللغة. انشدني الشيخ الحافظ محبّ الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن البغدادي، قال: أنشدني القاضي الأجل أبو الفتح عمر بن المظفر بن سعيد القرشي لنفسه: [من الطويل] متى يهتدي ساري السُّلوِّ لسرِّه ... وقد أشكلت سبل الغرام بصدره وشاب وما شاب الهوى بملامه ... ولا شبَّ عمرو الوجد عن طوق صبره ولا غيَّر الدَّهر الخؤون وفاءه ... ولا خدشت في وجهه يدغدره ورشَّد قاضي الحبِّ في الوجد قلبه ... على أنَّه ما انفك من تحت حجره

أسكان قلب كالغصا لم نأيتم ... مع القرب من عين تفيض لحرِّه وعدتم ووصل الطَّيف إن نام طرفه ... وأغريتموه والمنام بهجره أعاذل لا والله ما أنت منصفٌ ... بلومك من لم تدر مؤلم ضرِّه محالٌ بأن يهوى اختيارًا متيمٌ ... ووزرٌ بأن يثنيه لاح .... وبالصَّبِّ رفض العذل أحرى لأنَّه ... يزيد إذا حلو الغرام بمرِّه وما اللَّوم إلاَّ كالهواء إذا خبا ... لهيب الهوى أذكاه .... وعيني رمت قلبي وأجرسي دموعها ... مقاصصة حمرًا حرارًا كجمره /140 أ/ أأحبابنا رفقًا بقلب لديكم ... أسير هوى لم يستطع حمل أسره إلى م تجنَّيتم عليه وصبره ... على قدم البلوى وحادث دهره تظافرتم والدَّهر والعدل والهوى ... على دمه من غير هاد لهدره ألم تعلموا يا ظالميه وحسبه ... عناية مولانا الوزير بأمره وأنَّ نظام الملك قلّد جيده ... صنائع لم يطمح لها طرف فكره أما جوده منسيه أول مرَّة ... أما هو بعد الله محسن نشره ومن هو بعد الموت محييه لم يكن ... ليهمله ما عاش باقي عمره وهل غير عبد الله يرجى ويتَّقى ... لما شاء من نفع القضاء وضرِّه قديرٌ عظيمٌ يرهب الدَّهر بأسه ... وأراف خلق الله مع عظم قدره تورَّع عن دنيا خوى كلُّ خيرها ... ليوم وقاه الله محذور شرِّه ولمَّا أحبَّ الله دينًا أحبَّه ... وانطق أفواه المولك بسكره وزيرٌ أنام الملك جذلان جدّه المؤرِّق طرف الجد في شدِّ أزره بعزم يقرُّ العاصفات رواكدًا ... وحزم يردُّ السَّيل عن مستقرِّه أقام منار الشَّرع شرقًا ومغربًا ... بأخباره الحسنى وإحسان خبره هو العين يوم العدل من عمر ومن ... يناويه واو الوهم في حكم عمره /140 ب/ له العمل المبرر يرضي كبيره الإله ويحظى الخلق طرّاً بجهره فبالعدل والإحسان لم يبق شاكيًا ... لظم ولا من .... لفقره به اخضرَّ عود الجود وامتدَّ ظلُّه ... وأهدى إلى الآمال يانع ثمره ينادي ندى ناديه في جمع وفده ... إلى ابن عليَّ دونكم جمَّ وفره

هو البر والبحر المحيط بفضله ... المبين على برِّ الوجود وبحره وأنشدني أيضًا، قال: انشدني لنفسه، وذكر أنه كان ببات الصاحب فدخل فخر الدين عثمان والجمال علي بن أبي منصور على الصاحب، وبقي هو على الباب فعمل بيتين ارتجالاً وسيّر بهما إلى الصاحب؛ فأذن له في الدخول وهما: [من البسيط] مولاي لازلت مأمولاً ومقتدرًا ... ترجى وتخشى ليوم النَّفع والضَّرر هذا عليُّ وعثمانٌ قد اجتمعا ... فكيف تعتل يا مولاي عن عمر وانشدني، قال: أنشدني لنفسه من قصيدة: [من الطويل] لقد شبَّ عمرو الصَّبر عن طوق ما ألقى ... وأنفد منِّي الجهد أضعاف ما أبقى وقد عظمت دعوى الخطوب بباطل ... عليَّ ولم أعلم لها قبلي حقَّا *141 أ/ ومنها: ولم تحمد الأيَّام حظِّي بغبَّله ... خلا أنَّها لا تجمع الحظَّ والحذقا وما استقبححت منِّي اللَّيالي سجيةً ... سوى قول قوم إنَّه يحسن النُّطقا وحسن لغات الطَّير يقضي بحبِّها ... فيا ليتهم يجرون لي مثلها رزقا يد الدَّهر في ضرِّي ضياعٌ وإنَّها ... لخرقاء في نفعي إذا رقَّعِّت خرقا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من السريع] لا تغبط المخلص في دولة ... خصَّ من السُّلطان بالقرب واذكر أبا مسلم فيما مضى ... بالشَّرث والشِّيعيَّ بالغرب وقال: [من الطويل] إلى م ثوائي في خمول المنى كذا ... وأغصُّ لشربي رنق عيشي على قذى وأمد قومًا قد حرمت عطاءهم ... وهم يبتغون المنع بالمنِّ والأذى [526] عمر بن مودود بن أبي الغزِّ بن أبي الفرج بن أبي عليٍّ الدقوقيُّ التغلبي، أبو حفص. من أهل دقوقا – بليدة من البلاد العراقية.

له شعر، أنشدني الصاحب /282/ شرف الدين أبو البركات المستوفي باربل، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد الأزري، قال أنشدنا عمر بن مودود التغلبي لنفسه: [من الطويل] نمتي الكماة الغرُّ من آل تغلب ... إلى الذِّروة العلياء والخير والفضل حماةٌ إذا نودوا ليوم كريهة ... أجابوا سراعًا غير ميل ولا عزل وإن ركبوا يوم الوغى الخيل واعتزوا ... رأيت قدور الحرب أبردها يغلي هم الضَّاربون الهام في حومة الوغى ... ببيض خفاف الضَّرب محكمة الصَّقل وهم طاعنوا قلب الكماة بذبل ... طوال لدى الهيجاء خطِّية عسل وهم قاتلوا الأملاك هدرًا .... ... وعمرو بن هند ذا الأيادي والبذل فلست إلى قوم سواهم بمعتز ... ولا طالبًا أهلاً سواهم وهم أهلي بنو تغلب العلياء خير بني أب ... سوى هاشم خير الأنام أولي الفضل وبعدهم شيبان ثم جفينةٌ ... وقيسٌ وتيم اللاَّت ثمَّ بنو ذهل وإبنا زمان بن صعب بن يشكر بن بكر أولو العلياء ثمَّ بنو عجل /142 أ/ أولئك حيَّا وائل وبهم علت ... نزارٌ وعزَّت في حراز عن الذُّل [527] عمر بن محمد بن عبد الله، أبو حفصٍ الباجسريُّ الخطيب. من أهل باجسرا قرية كبيرة مشهورة من قرايا بغداد. كان يعلم الصبيان ويؤدّبهم بها، وله طبع في إنشاء الشعر وعمله. أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمود بن محمد بن يوسف الربعي الدوري، قال: انشدني الخطيب عمر بن محمد الباجسري لنفسه من أبيات، يمدح بها بني النجيح: [من البسيط] السادة الغرُّ من آل النَّجيح وقد ... لالا على الروُّض من أحسابهم نور لقد مضى لي بهم والله يعلمه ... يومٌ على سائر الأيَّام مذكور

ومنها في الصيد يصف الغزالة: إن حاولت نظر أنَّى لها نظرٌ ... ووجهها بجناح الصَّقر مستور أو .... فبكفَّيه قد الجمها ... فصوتها حين تبغي المدَّ مقصور وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه فيهم أيضًا وقد مات لهم ولد /142 ب/ من قصيدة اولها: [من البسيط] الشَّجو دائك لا أدري أم الطَّرب ... أين الدُّموع الَّتي تجري فتنسكب أما لطوقك لا ينجاب أسوده ... كما محا أسودي الدَّمع والنُّوب ومن آخرها: أحلام عاد وحكَّامٌ إذا جلسوا ... مسدَّدين وفرسانٌ إذا ركبوا أهل السَّماحة إن أعطو وإن وعدوا ... قوم الفصاحة إن قلُّوا وإن ... وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه من قصيدة أولها يمدح بني النجيح أيضًا: [من المتقارب] ذكرت صباحًا بليل أهل ... مشيبٌ بدا وشبابٌ أفل ومنها: هنيئًا مريئًا لآل النَّجيح ... مقامٌ تسامى إليه الأول فللضيف ما عزَّ من نائب ... وللمجتدي عندهم ما سأل ولو حاول الموت جارٌ لهم ... لكادوا يردُّون عنه الأجل [528] عمر بن إبراهيم بن عليِّ /143 أ/ بن أبي بكر بن رخامٍ، أبو حفص الكاتب الخوجستانيّ الأصل، الدنيسريُّ المولد. أخذ طرفًا من الأدب على الشيخ أبي العباس أحمد بن مسعود بن محمد القرطبي

الخزرجي. وكان شاعرًا لطيفًا ذكيًا مطبوعًا كاتبًا خطاطًا، لذيد المحادثة، طيب المفاكهة. استكبه نظام الدين البقش بن عبد الله القطبي، المتولي بماردين، وأقام بسنجار مدّة يعلم أبناء رؤسائها بيت يعقوب الخط. وله فيهم مدحٌ حسنة، وديوان شعره موجود وأكثره استفرغه في الغزل والنسيب والمدح والهجاء والسخف، وغير ذلك. وكان حسن الصوت في إنشاد الشعر، صاحب مداعبة ونوادر وجد وهزل. وكانت وفاته في المحرم سنة ستٍّ وستمائة. أنشدني أبو الحسن علي بن يوسف بن محمد المارديني بإربل في شهر صفر سنة ثمان وعشرين وستمائة، قال: أنشدني عمر بن إبراهيم بن رخام لنفسه: [من الطويل] اأحبابنا بالشعب من جوِّ مارد ... ترى يسمح الدّضهر الخؤون بلقياكم عدمنا وجوه النَّاس يوم وداعكم ... وما النَّاس إلاَّ أنتم لا عدمناكم /143 ب/ وسافرت أبغي الفضل من عند غيركم ... وما عرف النَّاس الفضيلة لولاكم كانّضكم كنتم شباب زماننا ... فقد شابت الأيَّام منذ فقدناكم وانشد، قال: أنشدني أبو حفص لنفسه: [من الطويل] تراني أرى أعلام قلعة مارد ... إذا ما علا من فوق مرقبها نار وتبدو نسيمات الشُّعيب كأنَّما ... يفتقِّها من جانب الغور عطَّار وأنهلمن ماء النَّبيع ويشتفي ... صدى مهجة فيها من الحرن الدار أحنُّ إلى النَّار ... تشوُّقًا ... إذا بردت من آخر اللَّيل أسحار وإنِّي غريبٌ ما له نحو أرضه ... ولو ملك الدُّنيا حنينٌ وتذكار إذا كان أقصى غاية المرء حفرةٌ ... فسيان إن شطَّت وإن دنت الدَّار وإن كانت الأرزاق قسمة قاسمٍ ... فلا قلَّ مقلالٌ ولا زاد مكثار وإن كانت الآجال حكمة حاكم ... فلا مات مقدامٌ ولا عاش خوَّار

[529] عمر بن محمد بن عليِّ بن أبي نصر بن محمد بن يحيى بن أبي بكرٍ، أبو حفصٍ الموصليُّ، المعروف بابن الشحنة. الاديب الشاعر من أهل الموصل ومن شعرائها /144 أ/ المقدمين وفضلائها المتميزين قرأ القرآن العظيم بوجوه القراءت على الشيخ أبي بكر يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي المقريء، واشتغل بالأدب والعربية على أبي الحسن علي بن عبد الرحيم المعروف بابن العصار اللغوي البغدادي. وحصل من كل علم طرفًا صالحًا كعلم النّحو واللغة ومعاني الشعر والأنساب والتواريخ. وكان شاعرًا مجودًا كثير السرقة، سليط اللسان، كثير الهجاء لأرباب الدول والرؤساء، لم يسلم أحد من صدور ذلك الزمان من هجائه. كان يتجرأ عليهم. وكان معاقرًا للشراب مشغوفًا به. وكان يتزيا بزي الأجناد في عنفاون أمره، ورحل إلى حضرة الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي – رضي الله عنه – قاصدًا وامتدحه بالقصيدة القافية التي استحسنها الأدباء، واستجادها الفضلاء؛ فأحسن صلته عليها. ثم عاود الموصل فمكث بها مدّة، فأبلغ نور الدين أتابك أرسلان شاه بن مسعود أنَّه تعرض لهجوه فشهره وصفعه، ثم اعتقله في السجن إلى أن مات /144 ب/ خامس عشر شوال سنة ثمان وستمائة، بقلعة من قلاعها تسمى الجديدة، وقيل أنه توفيسنة ستٍّ وستمائة. وألف في السجن كتابًا يدخل في مدلدة سمّاه: "نفثة المصدور وأنّه المأسور" وهو مجموع حسن ضمنه أشياء من الأخبار المليحة والأشعار الفصيحة؛ رأيته بخطه، عمله لسرقجاء المجاهدي. وكان مجاوره في السجن ومن جملة خطبته يقول: "فلم أفق من خمار حمرتها إلاَّ وقد بلّت بكل قريب بعيدًا، وبكل وصل صدودا، فالصغر يفتر والأحشاء تحترق".

وأشعاره تفرقت بأسرها ولم يوجد منها إلاَّ اليسير، وهذه القصيدة القافيَّة أنشدنيها أبو الطليق معتوق بن أبي بكر بن سعد الخزاعي الموصلي الشاعر، قال: أنشدني الأديب أبو حفص عمر بن علي بن الشحنة لنفسه يمدح صلاح الدين يوسف بن أيوب –رضي الله عنه-: [من الطويل] سلام مشوق قد براه التَّشوُّق ... على الحيِّ من وادي الغضا إذ تفرَّقوا يرنِّحه وفد النَّسيم إذا سرت ... كتائبه والبارق المتألِّق /145 أ/ أجيراننا كيف التَّداني وركبكم ... غدا مشئمًا حقًا وركبي معرق أبثكم أنِّي إذا قيل قد دنا ... وشيك النَّوى .................... وإنِّي إذا نهنهت وجدس أذاعه ... كمين أسى بين الحيازم محرق فقلبٌ بإثر الظَّاعنين مولَّه ... أسيرٌ ودمعٌ في المنازل مطلق ولولا ولوع الطَّرف منكم بنظرة ... لما كنت أدري حبُّكم كيف يعلق يحرِّض شوقي إن تغنَّت بذي الغضا ... مفجَّعةٌ ورقاء واللَّيل أورق لها معصمٌ من دمعها متخصِّبٌ ... وجيدٌ بجلباب الحداد مطوَّق بكت شجوها والصُّبح .... ... ولا شاب من فرط الدُّجنة مفرق ويقتادني نحو التَّصابي ملاعبٌ ... هويت بها إذا أبرق الحزن أبرق حواها رسمها وهو صامتٌ ... وجدَّد عهدي عهدها وهو مخلق فما الوجد إلا زفرةٌ بعد زفرة ... يكررها أو عبرةٌ تترقرق وما الشِّعر إلاَّ مدح قوم هم الألى ... بهم يفتح الذكر الجميل ويغلق معاشر ليس المد عنهم بعازب ... ولا ذكرهم إن أخلق الدَّهر يخلق إذا وعدوا أوفوا وإمَّا تواعدوا ... غزتهم أناةٌ حلمها يتدفق فوجه المعالي مسفرٌ بعلاهم ... سرورًا وغصن الجود فينان معذق /145 ب/ وشمل الثَّنا والحمد فيهم مجمعٌ ... وإحسانهم في العالمين مفرَّق وآملهم بين الأنام مؤمِّلٌ ... ومادحهم فيما يقول مصدِّق أقول لسار يقطع البيد كلَّما ... طوى سملقا في سيسره جاء سملق ينازع عن تعريسه الصبح عصبةٌ ... آمال طلاهنَّ النُّعاس المرنِّق رويدك مغنى للنَّدى فيه مسمعٌ ... ودونك ... للعدا فيه مشرق

بحيث صفيَّات الوعود عتيدةٌ ... هناك وأبكار المواعيد فرَّق وناد صلاح الدِّين والملك الذي ... به يمنح الله العباد ويرزق وعنِّ بذكراه المطايا فإنَّها ... إذا سمعت ذكراه تخدي وتعنق أيا ملكًا لولا نداه وفضله ... لما علمت أفواهنا كيف تنطق دعاني نداك المستفيض ودلَّني ... عليك شعاعٌ بين عينيك مشرق وقاد زمامي نحو ربعك نفحةٌ ... من الجود ظلَّت بين عطفيك تعبق وقالت لي الآمال إن كنت نازلاً ... بأبناء أيُّوب فأنت الموفَّق يجود ندى للمعتفين إذا ... .................. إذا نطقوا أغصى الأنام مهابة ... لديهم فلم ينبس هنالك منطق فأقعدني عن فرض حجِّك خيفةٌ ... إذا حطرت كادت لها النَّفس تزهق /146 أ/ ولو كنت أسطيع القرار لما ثنى ... زمام زماعي عنك بينٌ مفرِّق وإنِّي امرؤٌ أحببتكم لمكارم ... سمعت بها والأذن كالعين تعشق سميَّ ابن يعقوب ألم تر أنني ... أهابك أن ادعو بإسم وأشفق فلولا أتِّقاء الله ناديت معلنًا ... حنانيك لي يا من يميت ويخلق لقد أشعرت منك النُّفوس مهابة ... تكاد لها صمُّ الجبال تشقَّق إذا يمَّمت أرضًا كأبك أوشكت ... لؤطأتها تلك المواطن تصعق فما بين كفَّيك المنَّية والمنى ... كذاك السَّحاب الغمر يروي ويغرق بزغت ونجم الجود في النَّاس خافقٌ ... ..... المطالب مخفق وربع المعالي والمآثر مقفرٌ ... وباب الأيادي والسَّماحة مغلق فأصبحت لاوجه الأماني آسفٌ ... لديك ولا صدر المكارم ضيِّق تروح المنى صفر إليك فتغتدي ... لها عارضٌ من سيبك الجمِّ متأق وعندك يضحى كاسد الحمد نافقًا ... عزيزًا وأغصان المدائح تورق تؤلِّف شمل المكرمات فيفتدي ... غراب النَّدى في شمل مالك ينعق تكلَّفت آجال البرايا ورزفهم ... فبأسك يحميهم ونعماك تورق فلم يغن إلاَّ من نداك يجوده ... ولم يحي إلاَّ من له منك موثق /146 ب/ إذا ما لسان الحمد حلَّ نطاقه ... فأنت بما يتلوه أحرى وأخلق

عدلت فلم تترك عن الحقِّ عادلاً ... وجدت فلم يوجد على الأرضمملق وأسهرت طرفًا في رضا الله لم يكن ... يؤرِّقه في اللَّهو طيفٌ مؤرِّق وقوَّمت زيغ الدَّهر والدَّهر أصعرٌ ... وحسَّنت منه خلقة وهو أخرق ولو رنِّقت عينام عن مورد الهدى ... طروقًا لأمسى وهو طرقٌ مرنَّق كتيبتك الَّهباء باليمن سيرها ... ورايتك الَّفراء بالنَّصر تخفق إذا سارتا سار القضاء مبادرًا ... يؤمُّهما من كل أوب ويحدق وربَّ مقام قد رفعت لأهله ... سماء لها بالموت وبل وريِّيق تكشَّف عن طود بحللمك راسخ ... وأسفر عن بدر بوجهك يشرق لدى موطن يضحى الأكس كأنَّه ... بأرجائه من شدَّة الرَّوع أروق إذا بستم فيه الَّوارم كلَّحت ... لها أوجهٌ كانت من البشر تشرق فإن أظلمت آفاقه ضحكت به ... لهنَّ ثغورٌ فانثنى وهو أبلق وإن برقت فيه الأسَّنة أصبحت ... عيون الرَّدى والحتف منهنَّ تبرق تحوك حوامي الجرد فيه وشائعًا ... من النَّقع ... تارة وتسرق تخال بها شمس الظهيرة مقلة ... بها حول في طرفها حين ترمق /147 أ/ تجشَّمته والموت فيه مدلَّةٌ ... وقاب المنايا خيفة فيه تخفق ولم ترع للنَّفس الكريمة ذمَّةٌ ... كأنَّك منها طالب الثَّأر محنق بفيلق عزم لا يفل عديده ... يؤازره من نصر ذي العشر فيلق وكل كميٍّ يستحرُّ به الوغى ... يشيَّعه قلبٌ إلى الموت شيِّق يهون عليه الخطب والخطب مفظعٌ ... ويوري زناد والحرب والحرب مغدق بكلِّ صقيل ثغره متبسمٌ ... وكلِّ قطوب بشره مترقرق وفي تلِّ حطِّين حططت على العدا ... من الذُّل ... آيس يفرق رميت بألحاظ الجياد جيادهم ... فضاف بهم رحب الفضاء .... وعاطيتهم كأسًا من الموت مرَّة ... "إذا ذاقها من ذاقها يتمطَّق" وغادرتهم صرغى أسالت طلاهمٌ ... حدود المواضي لا الرَّحيق المعتَّق مآدب تضحى الضَّاريات تؤمُّهم ... كتائب منها دالفٌ ومحلِّق

فألوى بمن أفنيت عنقاء مغربٌ ... وخامر من أبقيت مسٌ وأولق وأبت وثغر الدِّين جذلان ضاحكٌ ... أنيقٌ وطرف الشرك خزيان مطرق وطوَّقت أعناق البريَّة منَّة ... ينافسهم فيها الحمام المطوَّق فذا الجود والبأس اللَّذان انتحاهما ... سجيس اللَّيالي حاتمٌ والمحرٍِّق /147 ب/ فلولا القرى في الدَّار مبِّين لا ستوى ... جريرٌ على علاَّته والفرزدق وفي يوم بغراس غرست صنائعًا ... يحيِّيك منها نورها وهو مونق ومن معقل البرزين أبرزت عنوة ... غطاريف شوسًا لم .... الرتقٌ وقدَّست أرض القدس من كل مارق ... ... في دوحة الشِّرك معرق ولاءمت بالبيت العتيق انصداعه ... وما كاد لولا صدق عزمك يعتق ويوم بعثت البأس منك لكوكب ... خبا كوكبٌ من عزِّة متألِّق وحدَّثت الآمال أهليه أنَّه ... سيعصمهم منه ملاذٌ مرفَّق وما علموا أنَّ سوف تشعره الرَّدى ... ولو أنَّه بالشِّعريين معلَّق وإن ترم سورًا سورةٌ منك تردها ... ولم يحمها سورٌ مشيدٌ وخندق فدونكها إنَّ القضاء مساعفٌ ... وعزمك ماض والإله موفِّق يصلِّي على أفعالك الله دائمًا ... ويثنى عليهنَّ الكتاب المصدِّق امولي البرايا ها مساعيك غضَّةٌ ... وها مدحي فيها تروق وتونق وها أنت مفقود القرين وها أنا ... لعضب لساني فيك حدٌّ مذلَّق وما اعتمت فيك الحمد إلاَّ رأيتني ... بفكري في روض العلا أتأنَّق يجوب موامي النُّطق طول ترنُّمي ... وأفتق أبكار المعاني وأرتق /148 أ/ ولمَّا التقى شعري وجودك ألفَّا ... لنفسي رجاءً شعبة متفرِّق وأصبحت لا صوتي لديك مخفَّضٌ ... ذليلٌ ولا سمعي بناديك أفوق فما شاء فليبخل ومن شاء فليجد ... كفاني كفاني سيبك المتدفِّق فكم من حسود ودَّ أنَّ مطالبي ... تكدَّ من جدواك ثمَّ ترنَّق أتيتك لمَّا غالني الدَّهر واعتدى ... أديمي بظفر النَّائبات يمزَّق

وألقيت آمالي بأبلج خلته ... بفعل النَّدى لم يلف فيه تخلُّق يصور إليه الحمد والحمد آبقٌ ... ويبعد عنه الذَّام والذَّام مونق فعال إلى حبِّ القلوب محبَّبٌ ... ووجهٌ إلى لحظ العيون معشَّق ولمَّا غدا نحو المكارم سابقًا ... غدوت إلى شأو المحامد أسبق يرجَّى الحيا من بشره وهو ضاحكٌ ... ويخشى الرَّدى من بأسه حين يطرق ارحت غليه عاز الحمد فاغتدى ... يغرِّب في الآفاق ثمَّ يشرِّق ومازلت مذ عامان أقرع غربه ... مخافة واش وهو في الغمد يقلق أعدني إلى أهلي بنعمى يقلُّها ... كميتٌ يزيل اللِّبد عنه ويزلق أأنتم من أبناء الوجيه ولاحق ... أصمّ الحوامي شأوه ليس يلحق وأدهم يفري اللَّيل منه بغرة ... كأنَّ سناها كوكبٌ يتألَّق /148 ب/ سليم الشَّظا عبل الشَّوى لا مثَّبط ... أرحُّ ولا واهي الظَّنابيب أطرق شديد المطا نهد القصرى مقلِّصٌ ... سرابيله غاري النَّواهق أعتق دفووقٌ أجشُّ الصَّوت أمَّا إهابه ... فرحبٌ وأمَّا خلقه فموثِّق إذا رمقته مقلة العين مقبلاً ... فظبيٌ وأمَّا استدبرته فنقنق يكون لدعوى الغداة مبيِّناً ... وشاهد عدل لي بنعماك يصدق بقيت لإبقاء المكارم إنَّه ... على الدَّهر نورٌ ما بقيت ورونق وأنشدني أبو الفضل مودد بن مسعود الإربلي، قال: أنشدني عمر بن الشحنة لنفسه يستدعي صديقًا له وأنشأ ذلك إرتجالاً: [من البسيط] سبتٌ ودجنٌ وكانونٌ وميلاد ... وماجنٌ لرياض اللَّهو ميعاد وقهوةٌ كميحَّا من كلفت به ... أو كاعتقاد خليع فيه إلحاد راقت فرقَّت فخلنا أنَّها شفقٌ ... .... من نواحي الكأس وقَّاد صاغ الحباب بأعلى رأسها عجلاً ... تاجًا لآلؤه مثنى وإفراد ومجلس ظلَّ محفوفًا بأربعة ... تخالفت فهي للأرواح أضداد

فالغيث منسجمٌ والبرق مبتسمٌ ... والورق نائحةٌ والعصن ميَّاد /149 أ/ فوافنا ودع التَّحويف تحظ لها ... .... همّه نسكٌ وإرشاد وأيقظ اللَّهو والأيَّام راقدةٌ ... ففي الشَّبيبة إسعافٌ وإسعاد ولا يصاحبك من هذا الورى أحدٌ ... إلا خليعٌ وخمَّارٌ وقوَّاد عصابةٌ رغبت فيما يعجِّله ... لها السرور وفيما قيل زهَّاد وأنشدني أبو الحسن علي بن محمد التلعفري، قال أنشدني أبو حفص بن الشحنة لنفسه في يوسف بن بركة بن عراج الشيباني التلعفري الشاعر. وكان يلقب بالنجم: [من الوافر] مبني شيبان إن ذكرت فعالٌ ... لكم في كلِّ مخزية علاء وجوهٌ من سمات اللؤم ملآى ... مذمَّمةٌ وأفئدةٌ هواء إذا سفكت على كرم دماءٌ ... يسيل لهم على اللُّؤم الدِّماء وعهدي بالنُّجوم لها ضياءٌ ... وليس لنجمكم هذا ضياء وأنشد [ني] أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن حمدان العروضي الموصلي، قال: أنشدني أبو حفص لنفسه يصف الشقائق: [من البسيط] /149 ب/ هذه الشَّقائق قد أبدت محاسنها ... إلى العيون عيون كلُّها دعج إذا توقَّد ما بين الرِّياض ضحى ... يخاله من رآه أنَّه سرج كأنَّه فوق ساق من زمرُّدة ... مداهنٌ من عقيق حشوها سبج وأنشدني، قال: أنشدني فيها لنفسه: [من البسيط] ضربٌ أنيقٌ يروِّي العين منظره ... أتاك في خير وقت خير منعوت كأنَّما الطَّل في أوراقه سحرًا ... لآليء نثرت في صحن ياقوت وأنشدني، عبد الكريم بن الزكي بن شبانة المعلم الحظيري، قال: أنشدني عمر لنفسه: [من الطويل] يحرِّض أشواقي إلى من اودُّه ... سنى بارق بالرَّقمتين يلوح وهاتفةٌ بالبان تملي من الجوى ... صحائف لم يعلم لهنَّ نزوح تغنَّت فأبكتني جوًا ولقلَّما ... بكى من غناء الأعجميِّ فصيح

فقلت وفي الأحشاء من لاعج الهوى ... صبابة وجد تغتدي وتروح كلا شجنينا واحدٌ غير أنَّني ... أكتِّم ما ألقاه وهي تبوح وصيَّرني ههذا الهوى وفنونه ... أعلِّم ذات الطَّوق كيف تنوح ونقلت من خطة قصيدة طويلة /150 أ/ مدح بها أتابك نور الدين أبا الحارث ارسلان شاه بن مسعود بن مودود –رضي الله عنه- أولها قوله: [من الكامل] طربًا أقول إذا الحمام ترنَّما ... عيشٌ لنا بالأبرقين تصرَّما قصرت مسافته فكان لزائرٍ ... وافاك في سنة الرُّقاد مسلِّما أشكو تباعده بعين كلَّما ... نهنهت فيض دموعها فاضت دما فاعص اللَّوائم في هواك فإنَّما ... رشد الميتَّم أن .... اللُّوَّما واشرب على زهر الرَّبيع سلافة ... كالشَّمس يبدي المزج منها انجما أفما ترى نوَّاره فكأنَّه ... نشوان أصبح باكيًا متبسِّما رقد النَّسيم بجانبيه فنبَّهت ... أنفساه منه عيونًا نوَّما وسرى بنمنم وشيه فحسبته ... وافى بأخبار الأحبَّة نعَّما صقلت حواشي روضه فكأنَّه ... من حسنه قد همَّ أن يتكلمَّما تشدو فيخبر مغرمٌ عن مغرمٍ ... منها ويفصح معرب عن أعجما بدع أبدع في السماح .... كالغيث أنجد في البلاد وأتهما /150 ب/ أضحت أغضَّ من الصِّبا والذَّمن ... شكوى المحبًّ إلى حبيب أنعما بهج الزَّمان بها فخلنا أنَّه ... من نور نور الدِّين ألبس أنعما ملكٌ له المجد القديم وكلَّما ... قدمت مباني المجد أصبح .... متواضعٌ وأقلُّ ما يعتدُّه ... منه التَّواضع أن يكون معظَّما إن ضاق دهرٌ كان مسرح همِّه ... رحابًا وإن عبس الزَّمان تبسَّما فإذا ارتقى في قلَّة من سؤدد ... هتفت به أخرى لكي يتقدمَّا صدقت مخايله اللَّواتي لم أزل ... قدمًا لبارق أفقها متوسِّما وعلمت أنَّ البرق عند وميضه ... يهدي تألقه الغمام المثجما

كهل الأناة فتى .... إذا انتحى للخطب كان ... والقشعما هزَّته معضلةٌ فلاقت صلَّباً ... حطمٌا يردُّ وشيجها متحطِّما سفرت خلائقه فكنَّ مشارقًأ ... وسمت فجاوزت السُّهما والمرزما وإذا ترفَّع في المناسب عدَّ من ... شرف الأبوَّة ما يباهى الأنجما يتجشم الجلَّى ومن يبغ الَّذي ... يبغى يهون عليه أن يتجشَّما راض الصِّعاب الجامحات فأصبحت ... وأعاد مناد الزَّمان مقوَّما قد ألفت فيه القلوب فما ترى ... منهنَّ إلاَّ مثنياً ومعظمِّما /151 أ/ تتلو وقائعه الصَّوارم والقنا ... غبَّ الوغى معلولة ومحطما أحيت صنائعه أباه وذو العلا ... من ظلَّ يحيى بالصنيع الأعظما فلو أنَّ زنكيًا رآه لقال من ... طرب شبيهك من يقال له ابن ما لله منجيةٌ غذته فإنَّها ... كانت أبرَّ المنجبات وأكرما في كلِّ أرض قد أقام لنصره ... عرسًا ومن رزء الأعادي مأتمًا تلك النَّواحي من نصيبين اغتدت ... عبري وأنُّ البشر ثكلى أيمِّما والجو أكلف والجناب لحربه ... محلٌ وضوء صبحاها قد أظلما وأرى القباب المستهلَّ أصبحت ... ولها تعضُّ بنانها والمعصما وافيتها فرأت بناطر زغبها ... نارًا مضرّضمة وبحرًا خضرما ما رزء عموريَّة بأشدَّ من ... رزء أصابت من يديك وأعظما جمحت بفضل لجامها وتذلَّلت ... لمَّا رأتك لطرف بأسك ملجما يا وقعة حبطت عداك فقلقلت ... من كان منهم منجدًا أو متهما أطلعت فيهم من عقابك أنجمًا ... تأبى بغير نفوسهم أن تنجما وصحبتهم بكتائب كتبت لهم ... بأنامل الخرصان سطرًا معجما جيشٌ لمنفسح الفضاء ترى له ... في كلِّ أرض منهجًا أو معلما /151 ب/ ضوضاؤه زجل الحديد وقبله .. ز دعوى فوارسه هلمَّ وأينما خلنا الجبال تسير عند مسيره ... أنِّى استقلَّ بها وأنَّى يمَّما

نظروه شزرًا فانثنت أبصارهم ... من خوفه فكأنَّما حشيت عمى ولقيت جمَّاعًا صدمت خميسهم ... بخميس جمع كنت فيه مقدَّما خضت المياه إليهم بفوارس .... تركته بالركض نقَّعًا أسحما كانت منمنمة الرِّياض فغصنها ... روضًا بنوَّار الدِّما متبسِّما رتعت بها بهم العدوِّ فصادفت ... مستوبلاً من رعيها متوخِّما وأتيتها مبيضَّة فسكوتها ... بردًا بمودِّ القتام مسهَّما قدت الجياد على الجياد شوازبًا ... سرعًأ ..................... من كلِّ أشوس لا ..... ... إلاَّ صقيلاً أو سنانًا لهدفا يتقاتلون على المنون كأنَّما ... ................... مغنما ما كان إلا لحظةً حتَّى ثووا ... في ذلك الضَّحضاح صرعى حوَّما ................... وهاربٌ ... فرقٌ ومرتثٌ ينوء مكلَّما وطعنت ثغره كيدهم بعزيمة ... كانت ........ إليهم سلَّما يا يوم تلِّ أبي خشير والرَّدى ... حرَّان يفغر بالمنون له فما /151 أ/ يومًا هدمت به الرؤوس عن الطُّلى ... وبنيت مجدًا كان أمس مهدَّما كنت المسعِّر ناره والمصطلي ... بضرامه والمخمد المتضرِّ ما خرست شقاشق أهله لما غدا الخطَّي في أقطاره متكلِّما يا أيَّها الملك الَّذي أيَّامه ... أضحى بها نقص الزَّمان متمَّما فتحٌ ونصر وافيا لك فاغتدى ... ثغر العلا يفترُّ عنه وعنهما كانا كمثل البطشة الكبرى التي ... عن ذكرها القرآن جاء مترجما با جامع الآمال وهي شواردٌ ... ينشدن مغنى للندى ومخيَّما جنيًا إليك نجوب كلَّ تنوفة ... قفر وتجتاب الظَّلام الأقتما تزجي ركائب همَّة لو أنَّها ... عيسٌ ..... الجديل وشدقما ترجو أيادي من إغارتك التي ... كانت على الأعداء سيلاً أبهما جدلي بأجرد إن تعرض خلته ... سيدًا تمطَّر في الدُّجى فتقحَّما

إمّا بأدهم [ك] الدُّجى ذي غرَّة ... كالنَّجم يشرق أو بأشقر أرقما ينمى إلى آل الوجيه ولاحق ... متلاحق الأقراب ليس بأهضما مثل الظليم إذا تهادى مدبرًا ... والظَّبي إن لاقيته مستقدما ..... الأذنين تحسب أنَّه ... بهما يحاول أن يرى أو يعلما /152 ب/ هزج الصَّهيل كأنَّما ترجيعه ... ترجيع نشوان غدا مترنِّما عاري النَّواهق مشرف حجباته ... سامي التَّليل إذا استلف محمحما نهض الحصى فتخاله في إثره ... بردًا هوى أو وابلاً قد أرزما وقال أيضًا: [من الكامل] ومهفهف ثمل القوام كأنَّه ... غصنٌ تميِّله الصَّبا فيميل قد أسقمتنب صحَّةٌ في طرفه ... وأمرَّ عيشي ريقه المعسول أعتاده بالعتب عند مغيبه ... فإذا بدا لم أدركيف أقول نادمته واللَّيل قد حلَّت عرى ... ظلمائه ورواقه مسدول في روضة نوَّارها متبسِّمٌ ... عجبًا ودمع غمامها مطلول نثر النَّدى فيها لآليء عقده ... فغدا لها من نثره إكليل يهتز من ولع النَّسيم كأنّما ... دارت عليه بالشِّمال شمول وله من قصيدة: [من المديد] كم بذاك الشِّعب من دنف ... وسليم ماله راقي وصريع من مدام هوى ... عصرت من وجنة السَّاقي قمر لولا محاسنه ... قامت الدُّنيا على ساق /153 أ/ كلَّما حاولت سلوته ... ردَّني شوقي وإشفاقي [530] عمر بن عليِّ بن عبد العزيز بن المفرض، أبو حفص الحمويُّ شخص إلى الديار المصرية واستوطنها إلى أن مات بها، ومن شعره: [من الخفيف]

أخبرتنا عن دنِّها المختوم ... خبر الكهف مسندًا والرَّقيم زوجة الماء أم لهو عروس ... وأبوها العنقود بنت الكروم وقرأنا ما أعلمت فتعوَّد ... إن طغى الهمُّ بالسَّميع العليم خاطبتني أن ادن منِّي فلمَّا ... أن تبدَّت آنست نار الكليم قلت هذا الخليل في نار نمرود سليمٌ من العذاب الأليم فإلى بائع المدامة هل لي ... من صديق أو من شفيع حميم فاسقنيها جهرًا ودعني من قول عتُّل من بعد ذاك زينم أنا لمَّا نذرت سفك دم الزِّقِّ رجاً للأجر والتَّعظيم قال خمَّارها وقد جاء بالبشرى وعتقي من كفِّ رقِّ الهموم قد صدقت الرُّؤيا فإنَّا فديناك بزقٍّ فابشر بذبح عظيم /153 ب/ إنَّ دين اللَّذات منِّي على خمسٍ فخذها عن مذهب مستقيم زمن الورد والشَّباب وتبرٌ ... والحبيب الوافي وبنت الكروم هو من أهل الديار المصرية، أصله من الشام الشيخ النبيل المتفنن في جميع العلوم الدينية والأدبية. وكان من الشعراء المتوسعين في الكلام، المتقدرين على إنشائه في عصرنا، مطيلاً في قصائده وربما بلغت قصيدته ثمانمائة بيت؛ وذلك لقوته في النظم، وغزارة مادته، واتساع باعه، وسرعة خاطره في نحت القوافي. وكان عالمًا بصناعة الشعر ومعانيه، ولم يمدح لأحد إلاَّ كان يقوله نظريًا لنفسه، ولم يقبل من أحد جزاء لشرف نفسه وعزتها. وكان مع ذلك رجلاً من عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين؛ زاهدًا عما في أيدي الناس، سالكًا طريقة السلف الصالح، ويذهب مذهب /154 أ/ التصرف. يقنع بما رزقه [الله] تعالى: وكانت وفاته يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة بالقاهرة المعزيَّة.

[531] عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله –ويلقب عمُّويه- بن سعد بن الحسن بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن القاسم [بن محمد] بن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-، الشيخ أبو عبد الله، وقيل ابو حفص، الصوفيُّ السُّهرورديّ الواعظ. كانت ولادته سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرود، وقدم بغداد شابًا بعد وفاة أبي وأبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، وعمُّه أبو النجيب عبد القاهر بن عبد الله السُّهروردي؛ وعنه أخذ التصوف والوعظ، وكان شيخ العراق في وقته، عالمًا متقدمًا ذا لسان بكلام القوم ناطق، وقدم في الطريقة ثابت. سافر في صباه /154 ب/ الكثر على قدم التجريد؛ ثم عاد إلى بغداد فصار غمام عصره، وأوحد زمانه، وممن يشار إليه في علم الحقيقة والطريقة موصوفًا بالعقل والدين، وكثرة العبادة والاجتهاد. وقريء عليه الحديث. وتولى ببغداد عدّة ربط للصوفيّة، وأنفذ للديوان العزيز رسولاً إلى عدَّة جهات. وله تصانيف، منها: كتاب "عوارف المعارف" فيما يتعلق بالتصوف وآدابه وأحوال المتصوفة، وكتاب، "بغية البيان في تفسير القرآن" وكتاب "رشف النصائح الإيمانية وكشف الفضائح اليونانيّة" صنَّفه ردًا على أصحاب البدع والحكماء والمنجمين، وتهجين أقوالهم. ولي منه إجازة.

وخبرت أنَّه توفي في المحرم سنة إثنتين وثلاثين وستمائة ببغداد بجانبها الشرقي في رباط المأمونية –رضي الله عنه-. أنشدني أبو الكرم محمود بن يسف بن صاعد بن عبد الواحد الخوارزمي، وأبو علي عبد الله بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن أحمد الطوسي، قالا: أنشدنا سلطان المشايخ/ 155 أ/ السُّهرودي لنفسه: [من مخلّع البسيط] تصرَّمت وحشة اللَّيالي ... وأقبلت دولة الوصال وصار بالوصل لي حسودًا ... من كان من هجركم رثي لي ونظرةٌ منكم بروحي ... إن رمتم لم يكن بغالي وحقكم بعد إذ حصلتم ... بكلِّ ما فات لا أبالي وقال أيضًا: [من المتقارب] أيا صاحبي قد سئمت السُّرى ... فمن لي بعين تذوق الكرى أرى نارهم والهوى سائقي ... وقد هيَّج الشّضوق من أسهرا وقد دار في القلب كأس الهوى ... فذو الوجد لاشكَّ أن يسهر وقد دار في القلب كأس الهوى ... فذو الوجد لاشكَّ أن يسهرا ولوعي بسكَّان دار العقيق ... رخيصٌ بروحي أن يشترى فلا عرفت مهجتي سلوة ... ولازلت في الحبِّ مستهترا فيا قلب مالك لا ترعوي ... ولا ترتضي طيفهم إن سرى فوهم عينك وصل الحبيب ... وطيف يزورك كل القرى تمتَّع ففي الحبِّ مستمتعٌ ... فإلمامه جلَّ أن يذكرا برامة ريمٌ يثير الجوى ... ويصطاد بالقهر أسد الشَّرى

[532] /155 ب/ عمر بن الحسن بن عليِّ بن محّمد بن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملاَّل بن أحمد بن بدر بن دخية بن خليفة بن فروة الكلبيُّ، صاحب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هكذا نسب نفسه. ويقول أيضًا: سبط أبي البسّام موسى بن عبد الله بن الحسين بن جعفر بن عليِّ بن محمد بن عليِّ بن محمد بن عليَّ بن الحسين بن عليٍّ بن أبي طالب –رضي الله عنه-. يكنى أبا الخطّاب بن أبي عليٍّ، ويعرف بذي النسبين. كذلك يكتب بخطّ يده في الكتب. وهو فقيه شافعي المذهب، محدّث حافظ إمام فاضل عارف بالقراءات واللغة، وتفسير القرآن الكريم، فصيح في إيراده. رحل في طلب الحديث إلى الشام والعراق وخراسان وغيرهما من البلاد، وصنّف كتابًا سماه: "مرج البحرين" فيما يتعلق بالحديث للملك الكامل ناصر الدين

أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب. قدم بعد عوده من البلاد الخراسانية مدينة إربل، واتصل بسلطانها الملك المعظم مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري. /156 ا/ ابن علي بكتكين –رضي الله عنه- قبالغ في إكرامه وانعم عليه إنعامًا عظيمًا. وصنف له كتابًا سماه: "كتاب التنوير في مولد السراج المنير" يتضمن ذكر ولاده النبي –صلى الله عليه وسلم- وشدّة شعفه بذلك، وإصغائه إليه. وذلك أنَّ الملك المعظم مظفر الدين –قدّس الله روحه- إنفرد بشيء ما سبقه أحدٌ إليه من الملوك الماضين، والخلفاء المتقدمين واختصّ به دونهم تبركًا بولادته –عليه السلام- فأنه كان يأمر بنصب القباب من الخشب متصَّلة منتظمة من الخانقاه التي تحت القلعة المحروسة إلى الخانقاه التي تقرب من دار السلطنة بالمدينة، منذ مستهل شهر صفر، وتزيَّن في العشرين منه بالات الثياب، وأنواع السلاح، والأقمشة الفاخرة، وتعلق فيها التعاليق، ويغني فيها المغنون وأرباب الطرب، ويقصدها الناس للتفرج من أقطار البلدان، فلم يزل كذلك ثاني عشر بيع الأول؛ وهو مولده –صلى الله عليه وسلم- ثم ترفع القباب ويخلع على الوعاظ. /156 ب/ والعلماء والقراء، ويخرج الصدقات على الفقراء والغرباء الواردين البلد من الصوفية وغيرهم من بلاد شتى، وينفق على ذلك أموالاً جمّة، ولم يسمع في قديم الزمان وحديثه من الملوك السالفة، والسلاطين الغابرة، من انتدب لهذا الأمر، وبالغ فيه سوى هذا السلطان الملك المعظم؛ فرضي الله عنه وأرضاه، وبلغه في آخرته ما يتمناه، وأجزل ثوابه، وأحسن منقلبه ومآبه بمحمد وآله أجمعين، الأبرار الطاهرين. وهذا كتاب التنوير كنت احد من سمعه على الملك المعظم مظفر الديم –نوَّر اللخ ضريحه- في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وستمائة برباط الصوفية المعروف برباط المناظرة، قريبًا من القلعة المنصورة، بحقَّ روايته عن مصنفة الإمام أبي الخطاب. وفي مقدمته هذه الأبيات يمدح بها الملك المعظم –رضي الله عنه-: [من الكامل] ملكٌ يلوح عليه من شمس الضُّحى ... سيما ومن بدر التَّمام مخايل لا يقتني عزَّ الثَّنا ذخراً ولا ... يفني لديه المال إلاَّ النَّائل

أنظر لإربل صاح قد لبست به ... ظلاًّ كما وشت الرِّياض خمائل لو تستطيع لصافحته يمينها ... لمَّا أتاها منه مزنٌ هامل /157 أ/ فأفاض منها العدل ... سلسلاً ... تروى المنى فيه وهنَّ هواطل بشرى لها فلقد تخلَّد ملكها ... ملك حلاه مكارمٌ وفواضل ومواهبٌ وسلاهبٌ ورغائبٌ ... ومقانبٌ وكتائبٌ وجحافل يا ويح أرض الرُّوم سوف يزورها ... من نجل زين الدِّين هولٌ هامل وتظلُّ دار الِّرك .... ... فيه وشاحٌ للكتائب حائل ويطيف فيها للأسار وللحصار دمالجٌ وأساورٌ وخلاخل لازال كالَّمس المنيرة في الضَّحى ... وعداه في الهيجاء ظلٌ زائل وله من التصانيف كتاب "الإمدادات" وهو في مجلدين سماه "بمرج البحرين في فوائد المشرقين والمغربين" وكتاب "العلم المشهور في فوائد الأيام والشهور" في فوائد الأيام والشهور"، وكتاب "النبراس في ذكر خلفاء بني العباس"، وكتاب "جمع العلوم الكليات في قوله الأعمال بالنيات"، وكتاب "الارتقا إلى أفضل الرقى"، وكتاب "الابتهاج في أحاديث المعراج"، وكتاب "من ألقم الحجر/157 ب/ إذ كذّب وفجر"، وكتاب "نثر الدرر في فضل من تمسّك بسُّنة سيد البشر"، وكتاب "آداب ما وجب في بيان وضع عمّا في رجب"، وكتاب "المستوفي في شرف المصطفى"، وكتاب "المطرب في أشعار أهل المغرب"، وكتاب "الآيات البينات فيما خصّ الله تعالى به أعضاء نبيه من المعجزات"، وكتاب "وهم الجمر في تحريم الخمر". ثم سكن باخرة مصرة والقاهرة المعزية، وبنى له الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب دار حديث، ولم يزل يسمع الحديث فيها، ويفيد الناس بالعلوم والجاه والمال، ويكرم الواردين عليه من البلدان شرقًا وغربًا وعجمًا وعربًا، إلى ان توفي ليلة الأربعاء آخر الليلة الرابعة عشرة [ة] من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. وكانت له جنازة عظيمة، ومناد ينادي أمام نعشه: هذا الَّذي كان يذبُّ الكذب عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

كذلك أخبرني الشيخ عبد الله بن أحمد بن يوسف الغرماي اللخمي، وقال: /158 أ/ كانت ولادته في سنة أربع وأربعين وخمسمائة بأغمات من أعمال مراكش، ونشأ بسبتة، وولي القضاء ببرّ الأندلس بمدينة دانية. ثم رحّل عنها إلى المشرق. حدثني القاضي الإمام بها الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب –أسعده الله تعالى-، قال: جمع أبا اليمن الكندي، وأبا الخطاب بن دخية مجلس. وكان بينهما عداوة فتهاترا فيه، فقال له ابن دحية: أنت ممن يزنُّ بالهنات! ، فقال له أبو اليمن مجاوبًا: اخسأ أنت نسبت إلى كلب فنبحتّ، فعل إبن دحية كتابًا [سماه]: "بالمهدي إلى ضلال الكندي". وحدثني القاضي أبو القاسم –أيده الله تعالى- قال: ابن دحية كان يسمّى نفسه "بذي النسبين بين دحية والحسن". ذكر أنه من بني دحية الكلبي من أهل المغرب من مدينة سبته، وذكر أنه ولي قضاءها. وهو شيخ فاضل، له معرفة باللغة والنحو، حافظ للحديث ومعانيه ورجاله، فقيه متقن. كان يقول: -أحفظ صحيح مسلم جميعه وقرأته من حفظي بالمغرب على بعض الشيوخ. خرج /158 ب/ من المغرب، وحجّ ودخل إلى بلاد العجم، وسمع بها صحيح مسلم من أصحاب الفراوي. ثم عاد إلى بغداد ورحل إلى الشام، وقدم علينا حلب، وسمعنا عليه موطأ مالك بن أنس رواية يحيى بن يحيى وغيره. ثم تردّد بعد ذلك مرارًا إلى لب آخرها، بعد أن تقدّم بالديار المصرية وسيّر رسولاً مرّ بها مجتازًا، وحصل له حظوة عظيمة، وتقدم .... بمصر عند الملك الكامل. قال: وأخبرني أبو الروح الحميري الأندلس، قال: هذا ابن دية ليس بصحيح

النسب وأصله يهودي. وكان يلقب الكوّة. وكان في صغره يرمى بما لا يجوز، وأبوه حسن كان يلقب بالزعبطور، والزعبطور هو المشوَّه الخلق، الالعظيم الخلقة بلغة الاندلس المقطع .... ابن علي، ويلقب بالقنوط لفراغه وقلة عقله يريد القصبة الفارغة، ابن يوسف ولقبه الجميل تصغير الجمل بلغة العامة. قال ابن دحية، عقب كتاب صنفه للملك الكامل صاحب الديار المصرية، ختم آخره، واسم الكتاب " من ألقم الحجر، إذ كذب وفجر، وأسقط عدالة من الصحابة ماله أهجر". ثم قال بعد كلام طويل: وهذه مسئلة بديعة /159 أ/ النظام مستوفية شروط التمام والكمال، قد أشرقت شمس الفصاحة في أرجائها، وفاقت أفق البلاغة بما تضمنته من الذبِّ عن الصحابة على اكفائها؛ فهي روضة تتنزه مقل الخواطر في أنحائها. [من الطويل] .يحكي عيونًا ووردها ... خدودًا جرت أجفان عشَّاقها دما وإن هبَّ معتل النَّسيم تأرجَّجت ... وفاح بمسك نشرها وتنسَّما وذلك بفضل الله وطوله وسعادة من استنبطت من أجله أعمُّ الورى جودًا وأرفعهم ذرى ... وأرجحهم عقلاً وأمنعهم حمى وأعظمهم ملكًا وأنداهم يدًا ... وأجدرهم عفوًا إذا ما تحكَّما وأتقى أنقى سيرةً وسريرةً ... وأجمل بل أبهى وأعلى معظمَّا وصنّف كتابًا سمّاه: "العلم المشهور في فوائد فضل الأيام والشهور". وذكر في آخر هذا الكلام المنثور المسجوع، وهي مناجاة: "عندما رمت إلى الحج رحال الركاب برسول الله المبعوث إلى الأسود والأحمر، والمخصوص بطهارة /159 ب/ نهر الكوثر، قريبك بلعبدك ذو النسبين أسرع به إلى بيتك المعظم، وإلى قبرك المكرم الشوق، ويقعده وجود الشاخة وعدم الطوق، وإذا رحل المستطيع، وبادر المتمثل المطيع، ذرفت دموعه انسكابا، وود لو قد عمل إلى الكعبة المعظمة، والتربة المكرّمة أقلامًا او ركابًا؛ ولمّا ظعن الركب واستقلّوا، ورحلوا بعد ما حلّوا. تشبثت بهم تشبث الغريق بما يجد، وودعتهم وأنا منهل المدامع مصدوع الكبد، فكم ليلة بتّ بذينك الحرمين، قرير العين، فطاولت .... وأنا أنشد في ذلك بين المأزمين: [من البسيط]

لمَّا رأيت مناديهم ألمَّ بنا ... شددت مئزر إحرامي ولَّبيت وقلت للنَّفس جدِّي الآن واجتهدي ... وساعديني فهذا ما تمنَّيت لو جئتكم قاصدًا أسعى على بصري ... لم أقض حقّاً وأيَّ الحقِّ أدّّيت ولما مسّني الآن الكبرة والشاخة، وأناخ الزمان عليَّ أيَّ إناخة، خاطبت قدمي لو سبقت قلمي، واشتدادي يتمنى لو يعدم ملاذي، ونفسي تحرص على أن تعاجل طرسي، لكن الكبرة أبت فكان /160 أ/ قصاراي عين دمعت، وكفٌ كنفت. وقد ألفت هذا الكتاب محتسبًا للأجر، ومستبقيًا به للسلطان الملك الكامل أجمل الذكر، فأودعته من العلوم ما ينتفع به صاحب كل شان من حديث، وفقه، ولغة، ونحو، وأصول، وتاريخ، وشعر، وحساب، وبيان. وقصدنا تأليف كتاب في معنى .... بمعان حتى ينشط قارؤه بخروجه من لون إلى ألوان، وينوب له عن كلِّ حديثة وبستان، ففيه تذكرةً لأهل الإيمان، وفقه لأهل اللب والرجحان، مما يعز وجود نظمه في تأليف واحد، وتوجد فنونه مجموعة في تصنيف واحد؛ وإنما ذلك بعون الله الكريم وطوله وسعادة من ألف من أجله. وأمعنت في الشرح والتفسير، ولم أرض باللمح اليسير. ثم انشد بعد خبر أسنده إلى الإمام الشافعي –رضي الله عنه- هذه الأبيات يمدح بها الملك الكامل الَّذي صنَّف الكتاب لأجله: [من الكامل] هذا كتاب ليس تبصر مثله ... بمثقَّف من أجله ومقيَّد الفَّته لك من فؤاد أنت في فؤاد أنت في ... أثناء أضلعه تروح وتغتدي تختال بين مفصَّل وموصَّل ... ومطرَّز منظَّم ومنضَّد /160 ب/ ولكلِّ جزء حكمةٌ أو منجدٌ ... او بدعةٌ لمرمِّل ومقصِّد قتريك كلَّ بديعة في نوعها ... لم تخترع وغريبة لم تعهد ما شئت من شعر أرقَّ من الصَّبا ... وخطابه أزهى من الزَّهر النّدي عزّش الملوك أبي المظفَّر ذس النَّدى ... وسميِّ خير العالمين محمَّد أوليس من قومٍ غدوا بفخارهم ... بيض المغاني في الزَّمان الأسود

يروي سواه فخاره عن مرسل ... أبدًا ويروي عن صحيح مسند ويكاد يعلم فطنةً وتيقظًا ... في نومه من حادثٍ ما في غد يحيى علومًا إذا يميت جهالةً ... ويعيد برًا في الأنام ويبتدي ملكٌ لعافيه يملّكه النَّدى ... وله ملوك الأرض دون الأعبد سحَّاح منهل كلِّ منهلِّ الحيا ... ضافي رداء الأمن صافي المورد بحرٌ إذا اشتدَّ الاوام لآيبٍ ... بدرٌ إذا امتدَّ الظَّلام لمهتدي تجلى دياجير الخطوب بعرًّة ... من وجهه كالكوكب المتوقِّد ذو أخمص عقدت مواقع عزِّه ... بمعاقد القمرين هام الفرقد ياخير من عزَّت به فئة الهدى ... عدلاً وذل له الزَّمان المعتدي /161 أ/ قدَّست ذاتك بالكمال وصنتها ... عن قدح معترض وذمِّ مفنِّد وسمت إلى أفق العلا بك همَّةٌ ... أزرت بكلِّ معظَّم وممجَّد ورعيت أحوال الرَّعية موحدًا ... بصلاحهم إعدام روح المفسد ورفعت منك منار كل فضيلة ... برداء نورك في الممادج ترتدي وغدا بك الإشراك بعد غياثه ... في قبضة الإسلام معلول اليد وسعيد للعلياء في تخليدها ... لمَّا رأيت الشَّخص غير مخلَّد أنا طوع كفِّكَّ نيَّتي لك نيَّتي ... فيما تحبُّ ومقصدي لك مقصدي ولما فرغ من كتاب "النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس" إنتهى به إلى ذكر الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء لأمر الله، أنشد لنفسه: [من الكاملي] ترتاح أنديَّة النَّدى والباس ... من ذكر مولانا أبي العبَّاس نجل الخلائف وابن عمَّ محمدَّدٍ ... خير البريَّة من جميع النَّاس وأنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي، قال: قرأت على أبي الخطاب

/161 ب/ من شعره يمدح الملك المعظم مظفر الدين – قدّس الله روخه-: [من مجزء الرجز] لولا الوشاة وهم ... أعداؤنا ما وهموا وفاض دمعي وهمي ... بالدَّمع لمَّا فهموا فخاطري مضطربٌ ... وناظري مضطرم يكتب دمعي كلَّما ... له الفؤاد يكتم هل يتساوى السَّاهرون في الهوى والنُّوم ومنها: يا معرضًا عن مقبل ... في الحبِّ لا يتهم سلوُّه منفصلٌ ... وصبره منفصم إن كنت لا تنصف في ... حكم الهوى من تظلم فالله يقضي بيننا ... والملك المعظَّم مظفَّر الِّدين الَّذي ... يمناه بحرٌ مفعم ملكٌ عميمٌ طوله ... وفيه طول عمم يشقى المواري بسطاه والموالي ينعم /162 أ/ وجوده وجوده ... ما منهما لي عدم ترى قوفي الشِّعر في المدح له تختصم لو لم يصفه واصفٌ ... دلَّت عليه الشِّيم وقال عنه السيف ما ... يعجز عنه القلم وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] ألا ترى كلَّ من عادات في قلت ... عليه من سيمياء الذُّل ألان قد ضمَّه الجذع ضمَّ المستهام به ... فمنه قبره والجوُّ اكفان وأنشدني، قال: أنشدني قوله: [من الطويل]

بفتحك جاء السَّعد من كلِّ جانب ... وأقبل إقبال الذَّلول براكب عليمٌ بتدبير الامور موفَّقٌ ... يرى بـ .... الفكر ما في العواقب ومنها يقول: ويلبس للهيجا ثياب أساود ... من الرُّقش حاطتها عيون الجنادب وأنشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن يوسف الغرباي، قال: أنشدني الإمام أبو الخطاب لنفسه. /162 ب/ وكتبها إلى الملك الكامل ناصر الدين أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب: [من الوافر] فديتك هل علمت بمن رجاكا ... وأمَّك في ذراك وفي ذراكا وأنشد بعد بين واشتياق ... أتأذن لأبن دحي أن يراكا وكتب إلى الملك في صدر كتاب صنعه له: [من الطويل] قوالله ما أدري وإنِّي لشاعرٌ ... إلى أيِّ معنى في مديحك أقصد وجدت النُّهى والبأس والقضل والنًّدى ... إذا ذكر الأملاك نحوك تسجد وإن قيل: من للعلم والحلم والعلا ... ومن لقراع الخيل، قيل: محمَّد وعدلك في الدُّنيا يبسط لأهلها ... على أهلها منه رواقٌ ممدَّد وأنشد أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي بحلب، قال: أنشدني الإمام أبو الخطاب بن دحية لنفسه: [من الرمل] إيُّها السُّلطان فاسمع قول من ... قوله في كلِّ خطو يتبع أمة الزَّهراء بنت المصطفى ... والَّذي في النَّاس حقّاً يشفع /163 أ/ وأبوه مشبهٌ جبريل في ... صورة منه عليه يخلع مازجت جسم المعالي روحها ... حبَّذا الجسم وروحٌ تجمع حسبه مدحك فخرًا دائمًا ... أذن الخلق له تستمع أنت سلطان الورى قاطبة ... بك يسمو النَّاهض المضطلع

كلُّهم من شكر كفَّيك غدوا ... في رياض من صفات ترتع فإذا .... النَّاس حلا عن ملوك صنعوا ما صنعوا فليزخرف كلُّ شيء حدَّثوا ... أنت أنت الدَّهر لا ما أسمعوا فابق واسم في سعود مالها ... من أفول في نجوم تطلع دائمًا ما تعالت قينة ... فرع أيك وسط روض تشجع . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فقال هذه الكلمة: /163 ب/ "من عبد الله المأمون أمير المؤمنين، سلالة أهل البيت الطاهرين، أهل مهبط الوحي، ومصعد الأمر والنهي، ومدار أفلاك العلا، ومزار أملاك السما، وموطن التنزيل، وموطيء الروح الأمين جبريل، ومقرّ الخلافة والإمامة، وموضع الكرامة، ولنا تحج ملوك الأرض، وذلك أوجب عليهم وجوب الفرض. فأن شرفنا بالسبق وفات، وهيهات دانٍ يدرك شأونا هيهات. كلّ ذلك ببركة ابن عمنا، الذَّي يالبركة عمنا، الإسماعيلي النسب، الإبراهيمي المنتسب، المنيف الطرفين، الشريف السلفين، الملتقي بالرسالة، للأداء والدلالة، المبعوث إلى الأحمر والأسود، سيد ولد آدم وما ولد، الَّذي أيد بكتاب أنزل من الملكوت الأعلى عليه، وأوصل يدي الروح الأمين إليه. أعجز الأنس والجن حين تحداهم برهانه، وأعجب الجن لما سمعوا بيانه، فيه تبيان كل شيء وتفصيله، وبرهان كل شيء ودليله، قد فصلته آياته بتقديس وتوحيد، ووعيد، وحكم وأحكام، ونقض وإبرام، وقصص وأخبار، /164 أ/ وسير وأسرار، والحض على العمل الَّذي هو سبب دخول الجنّة، والتحذير من العمل الَّذي هو سبب دخول النار؛ فهو بحر لا تفنى

عجائبه، ولا تنفد غرائبه. والذي بشرت به الأنبياء، وهتفت بمبعثه الكهّان، وقام على صدقة البرهان، وردً الله ببركته عن مكة الفيل، وأرسل على الملك الَّذي جاء وعلى أصحابه طيرًا أبابيل، والذي خمدت ليلة مولده نار فارس ولم تخمد قبل ذاك بألف عام، وكانت تعبدها المجوس كعبادة الكفار الأوثان والأصنام. ورأت أمًه حين ولدته نورًا أضاء قصور بصرى من أرض الشام، وانسق أيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرافة، وهو القصر الأبيض الباهر بحسنه أبصار المبصرين، ونزلت الملائكة من الأفق المبين، ورجمت بالشهب جميع الشياطين، وغاضت بحيرة ساوة، وذهب ماؤها المعين، وفاض وادي السماوة، آية حصل بها لمن حام الشك اليقين، والذي يظلله ظلّ الغمام، ويخاطب البهم بفصيح الكلام. وسلّم عليه بالنلوة الأحجار، وتسجد له الأشجار، ويدعو الشجر فيأتي إليه ثم يأمره بالرجوع /164 ب/ فيرجع سامعًا مطيعًا بقدرة من أعانه عليه، ويسبِّح الطعام عند أكله له، وذلك أنه خصّه الله بها وفضله. والذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليلاً، وجرر على المجرّة في درج المعراج ذيلاً، على دابة يقال لها "البراق"، لا يستطاع ركوبها ولا يطاق؛ إلاَّ لمن سخرها له الإله الخلاق، حتى انتهى إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة، حيث تعنو وجوه الملائكة الطائعة، ويغشاهم سنى الأنوار الساطعة. فسار –صلى الله عليه وسلم- مسيرة سبعة آلاف سنة، صاعدًا ونازلاً في بعض ليلة بجسده وروحه من غير نوم ولا سنة، واستوى بمستوى تسمع فيه صرير الأقلام على الألواح، وعاد إلى مضجعة عندما كاد جبين الشرق يوشح بنور الصباح.

وأصبح يحدّث أخبار الملوك في أم القرى، سنده عن حفظ ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى. والذي انشق له القمر المنير، ونبع من بين يديه مراراً عدّة الماء النمير، وزكابيمن يمينه الطعام اليسير، فأكل منه الجم الغفير. وقد جعل الله في /165 أ/ كل عضو منه آية، وذلك دليل على مكانه عند ربه وأنَّ له به عناية، والذي حذره الذراع المسموم عن أكله، ثم لم يعد عليه بعدما أكل منه لقمة لعصمة الله في ذلك كلّه. والذي حنَّ الجذع اليابس إليه وسمع له صوت كأصوات العشار، وهذه آية نظرت بعين الصحة وطارت بجناح الانتشار، ورجف به وبخلفائه الجبل فراضه برجله، وقال: أسكن فسكن وامتثل، وبث له شكوى الجمل. والذي قرن الله –تعالى- اسمه باسمه. وأعلن به الدنيا في كل مكان، وأجرى ذكره بأنواع المحامد على كل لسان؛ والذي كان ينصر ويؤيد في الحروب، بريح الصَّبا وهي ذات الهبوب، فهزمت ليلة الأحزاب جميع أعدائه. وكانوا قد حاصروه في عدّة ألوف، فاقتلعت الخيام، وأكفات القدور وزحزحت جميع الصفوف. ز ونصر بالرعب مسيرة شهرين بين يديه، ونزلت السكينة من الله عليه؛ وانكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر فاعطاه عرجونًا أو عودًا فصار بيده سيفًا يومئذ يفري الجماجم، ويبري /165 ب/ الأعضاء والبراجم. وكذلك انقطع سيف عبد الله بن جحش يوم أحد فأعطاه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عرجون نخلة، فصار في يده سيفًا، يقال إنّ قائمة منه، ولم يزل يتناول حتى بيع من بغًا التركي بمائتي دينار. وهذه معجزة قد بقيت بعد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهي واضحة المنار.

والذي خصّه الله بالحوض والشفاعة، وأخبر بما كان وما يكون إلى قيام الساعة. وهذا الحوض هو نهر الكوثر المفعم الملآن، الَّّذي ساحته من بصرى إلى عمان أو من صنعاء إلى عمَّان، وماءه أشدّ بياضًا من الثلج، وأحلى من العسل في المذاق، وأباريقه على عدد نجوم السماء ذوات الإشراق. والذي زوى الله له الأرض فأراه مشارقها ومغاربها، وأعطاه كنوزها ومطالبها وأخبر –جلّ وعلا- أنَّ ملك أمته سيبلغ ما زوى لهم منا، ولقي ربه جلّت قدرته وهو معرض إعراض الزاهدين عنها، وقبص –صلى الله عليه وسلم- بعد أن خيّره الله في الدنيا؛ فاختار لقاء ربه، لرغبته فيما بين يديه وحبِّه. فجمع الله له بين ملك الدارين الدنيا والآخرة، واسبغ عليه جزيل النعمتين الباطنة والظاهرة. وكسر بدعوته /166 أ/ شوكة الأكاسرة، وجبر الدين وقصم ظهور الجبارة، فغشت دعوته في المشارق والمغارب كما وعد وشاعت، وأخبر عن الله –عز وجل- أنَّه يستخلف في أرضه من يؤمن به. فكان ذلك كذلك. وهذه معجزة راعت، فاستخلف الله أصحابه وأهل بيته من بعده، فسمعت الأمة لهم وأطاعت. فكانوا خلفاء الخلق، وفتحت الغرب والشرق؛ يقاتلون عبدة الأوثان والنيران عزلاً. وطارت قلوب الملوك رعبًا منهم، وطاشت وخفقت أفئدتهم خوفًا من ذكر محمد –صلى الله عليه وسلم- وجاشت وتمنّت أنّها إلى زمنه ما عاشت. فبهذا النبي أفاخر من يفخر، وأكابر من تقدّم وتأخر؛ صلى الله عليه عدد الرمل ومدد النمل، وعلى أهل بيته الكريم، الجدراء بالتقديم والتعظيم: إلى دهمى عظيم الهند، وركن .... السند، شرح الله صدره للإسلام، وجعله ممن دعى إلى دار السلام، واتبع سبيل المؤمنين، وقال: {وجهت وجهي للّذي فطر السموات والأرض

حنيفًا وما أنا من المشركين}. /166 ب/ أما بعد: فأنّه وصل كتابك حاكيًا عرائس خصائصك علينا، وجالبًا نفائس خصائلك إلينا، ففضضنا عن الجواهر منه ختامًا، وأمطنا عن الأزاهر منه كمامًا، واستجلينا من معاينه ما لو كانت خدودًا لكانت مضرَّجة، أو ثغورًا لكانت مفلَّجة، واستدللنا بفحوى خطابه على ما تضمره لنا من مودَّة لا كذب فيها، ومحبَّة نيطت بعرى الصدق أواخيها؛ فأمَّا ما صدرته في كتابك من تعظيم ملكك، ونفيس ذخائرك، وطيب رائحة قصرك وفخرك وفخر آبائك. فإنَّك فخرت بأعراض الجواهر الفانية القليلة البقاء، وزخارف الدنيا التي لا يحصل الواثق منها على غير النصب والشقاء. ومالكها وإن عظم دوامه سحابة صيف، ومالكها وان طال مقامه فعجالة ضيف؛ فإنَّا لا نفاخرك بأمثاله مما ملكناه من سهل الأرض وجبالها، واحتوت عليه خزائننا مما أخذناه بسيوفنا من ذخائر الملوك وأموالها. وإنَّما الفخر بتقوى الله وطاعته، والإيمان بهذا النبي الأمي، خاتم الأنبياء، وأفضل من مشى تحت /167 أ/ السماء، والتزم شريعته والعدل في الرعية، والحكم بالسوية؛ بين القوي والضعيف، والشريف والمشروف. وذلك التزام شيعة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والعمل بمقتضاها، وأن يتقي كتابًا عند الله {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}، فكيف كفيت عن البصيرة إذ سطع نور البرهان، جنحت على ما أوتيت من فطنة ذكية، وفطرة زكية إلى عبادة الأوثان، واتخذت الندّ المصنوع لصانع الموضوعات ندّاً، ولم تر لك منه تقليدّا لمن سلف من الآباء بدّا، وأنا أدعوك دعاء المشفق الناصح، إلى سلوك السنن الواضح، وخلع الأنداد، ومفارقة ديانة الأنداد،

والتوجه لمن وجه وجهه إليه إبراهيم الخليل، وقام على وجوده ووجوب وجدانيته الدليل، فزين الدنيا بزينة الكواكب، وأظهر في الأرض أنواع العجائب. والإقرار بنبوة من ظهرت على .... ذكرنا آنفًا من الآيات الخارقة للعاداتت؛ فإنّه لا يسمع به أحد ولا يؤمن به إلاَّ كان من أصحاب النار، وحقَّت عليه كلمة العذاب في دار البوار. /167 ب/ فأسلم تسلم أيها الملك، ويكون لك مالنا وعليك ما علينا. فإنَّ إسلامك إن منَّ الله عليك به من أسنى التحف الواصلة إلينا. وأما ما أتحفتنا من هدية، واطرفتنا به من طرفة سنية؛ فما آتانا الله خير مما آتاكم، بل أنتم بهديتكم تفرحون، إلاَّ أنا اتبعنا لنبينا –صلى الله عليه وسلم- في قبوله للهدية، لما جبله الله عليه من الخلق الكريم، وطمعًا في أن يهديك الله بلطفه الصراط المستقيم. قابلناها بالقبول، وثنينا عنان النظر إليها، واقتدينا بان عمّنا –صلى الله عليه وسلم- في الإنابة عليها. وبعثنا إليك كتابًا .... يسمى: "بستان الألباب" يفتر عن جواهر الحكم وزواهر الآداب، ومطالعتك له تطلعك على أنَّ اسمه لمسماه موافق، ونعته لمعناه مطابق، .... بما تيسر تناوله علينا، من الخزائن الحاضرة لدينا؛ معتذرين لديك من النقص، ومقابلة مجلسك بالنزر اليسير، لكن الملوك لو تهادت على قدر أقدارها، وعظم أخطارها لضاقت من ذلك أحوالها، .... وفنيت أموالها. وإنّما الهدية وإن /168 أ/ قلت دليل الاحتفال بالمهدي إليه والإقبال. والسلما على من اتبع الهدى، وقال: {إنَّي من

المسلمين}، و {لحمد لله ربّ! ِ العالمين}، والعاقب للمتقين وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه أجمعين، والسلام عليه وعليهم إلى يوم الدين". [533] عمر بن أحمد بن أبي بكر بن مهران، الإمام أبو حفص الضرير النحويُّ العيسفنيُّ. شيخنا. كان مولده بقرية من سواد العراق تسمى موهرر، وقدم صغيرًا إلى عين سفنة قرية من نواحي الموصل، فسكنها مدَّة فنسب إليها. ثم ورد مدينة الموصل، وحفظ كتاب الله –تعالى- وطلب العلم، وجدّ في الاشتغال، ولازم الشيخ أبا الحرم مكي بن ريان بن شبة الماكسيني النحوي. وبرغ فيما قرأ عليه حتى صار أنحى أهل زمانه، وأعلمهم بالنحو والعروض والقوافي والتصريف واللغة ومعاني الشعر وسائر فنون الأدب؛ فلمّا توفي شيخه أبو الحرم قام مقامه، وجلس مكانه وأقرأ الناس النّحو والآداب. /168 ب/ وتصدّر وأفاد خلقًا كثيرًا، وانثال عليه جماعة كثيرة ممن هو في طبقته من أصحاب الشيخ أبي الحرم، وأخذوا عنه حتى أقرَّ له كلَّ عالم، واعترف بفضله كل أديب. وكان مفرط الذكاء، وسريع الحفظ، قوي النفس وقت القراءة عليه، لم يقبل من أحد جزاءً وولا ثوابًا. وكان له يد في علوم أخر؛ كعلم الحساب، والفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه-. ومع ذلك لم يكن في عمل الشعر كبير يد. وكان يرفع نفسه عن نظمه؛ وربّما وقع له معنى فيقول فيه أبياتًا يسيرة لم يظهر عليها طلاوة. وكانت وفاته يوم عيد الفطر بالموصل سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن ظاهر

البلد غربيَّة بمقبرة المعافى بن عمران –رضي الله عنهما-. أنشدني أبو يعقوب إسحق بن مروان بن سمكان الموصلي النحوي العروضي، قال: أنشدني شيخي الإمام أبو حفص الضرير لنفسه، وقد سأله بعض الرؤساء، أن يصنع أبياتًا يضمنها هذا البيت: تشاغلتم عنَّا بصحبة غيرنا ... واظهرتم الهجران ما خكذا كنَّا فأنشأ أبو حفص هذه الأبيات، أولها: [من الطويل] /169 أ/ إلى م أقاسي لاعج الشَّوق والحزنا ... ويضني هواكم والجفا جسدي المضنى أأحبابنا إن حلتم عن عهودنا ... قلإنَّا على تلك المواثيق ما حلنا رعى الله أيَّامًا تقضَّت بقربكم ... فما كان أحلاها لديَّ وما أهنا أحنُّ إليها بالأصائل والضُّحى ... وما ينفع الصَّبَّ الكئيب إذا حنَّا يككاد لما يلقى من الوجد والأسى ... يحنُّ اشتياقًا في الظًّلام إذا جنَّا إذا لم يكن لي عندكم مثل مالكم ... بقلبي فلا أجدى الحنين ولا أغنى فقد كان يغشى النوم عيني بقربكم ... فمذ غبتم ما صافح الغمض لي جفنا وأحسنت ظنِّي فيكم لاعدمتكم ... فما بالكم اخلفتم ذلك الظَّنَّا فإن كان أغناكم سوانا فإنَّنا .. على كلِّ ال لم نجد عنكم مغنى [534] عمر بن عبد الله بن المفرّج بن درع بن الحسن بن الخضر بن حامٍد، أبو عبد الله بن أبي القاسم التكريتيُّ. الفقيه المدرس الشافعيُّ الأديب الشاعر. /169 ب/ حفظ الختمة الشريفة وأتقنها، واشتغل على أخيه بفنون من العلم الأدبيّة، وبضروب من علوم الفقه والقرآن والشعر. وسافر إلى الموصل في سنة ستِّ وستين وخمسمائة فلقي بها جماعة من المشايخ والعلماء؛ كالشيخ أبي الفصل يونس بن محمد بن منعة المدرس الإربلي، والشيخ أبي المظفر منصور بن يحيى البشكري، ووالده يحيى والشيخ عمر النساج، والشيخ عمر بن محمد بن الخضر

الملاّ، وأبي بكر القرطبي وغيرهم من المشايخ. ثم عاد إلى تكريت، وأقام بها واشتغل وسمع بها ما على جماعة من المشايخ من أهلها، وممن قدمها. ولما توفي ابن عمّه أبو النجيب عبد الرحمن [بن] أحمد بن المفرّج ببلدة ماردين أنفذ إلى تكريت وطلبه، فتوجه إليه في سنة سبع وستين. وأقام عنده بالمدرسة وفوّض إليه أمرها، والنظر في أحوالها، ورتبة إمامًا يصلي بها وقرّر في كل شهر دينارين. واشتغل هناك بما كان يذكره أبو النجيب من الدروس في الأصول والخلاف والمذهب، وتكلّم مع الفقهاء وباحث ولقي بها جماعة من الفضلاء، وأنفذه صاحب ماردين /170 أ/ في رسالة إلى بلد خلاط ... في سنة سبعين وخمسمائة؛ فرأى بها جماعة من أهل الفضل. ثم عاد في هذه السنة إلى ماردين، ولم يزل مقيمًا مع أبي النجيب، إلى أن كثر شوق الشيخ أحمد والد أبي النجيب هذا، فترك أبو النجيب ما كان إليه، وتوجَّه هو وأبو عبد الله في جمادى الآخر في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، ووصلا إليها في يوم الجمعة من شهر رجب من السنة المذكورة. ثم تولى أبو النجيب القضاء بمحروسة تكريت، فاستناب أبا عبد الله في الفصل بين المترافعين إليه في التاريخ، ولم يزل معه مساعدًا له ونائبًا؛ إلى أن توفي أبو النجيب يوم الإثنين رابع المحرم من سنة ست وسبعين وخمسمائة، فعتولّى القضاء بعده ابن عمّه القاضي تاج الدين أبو زكريا، فاستناب أخاه أبا عبد الله في فصل الحكومات، وفوّض إليه بعد ذلك أمر الخطابة بجامع تكريت فخطب بها يوم الجمعة الخامس والعشرين من شوال من سنة ست وسبعين وخمسمائة، بعد عجز الخطيب أبي القاسم علي بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الحارث بن أبي تمام التكريتي، وفرض له على ذلك الإيجاب والإطلاق. وله تواقيع من جماعة من الأمراء بتكريت /170 ب/ بذلك. وسافر إلى بيت الله الحرام حاجًا يوم العشرين من شوال سنة إدى وثمانين وخمسمائة، وصحبة جماعة من أهل تكريت، وعاد هو الجماعة معه في صفر سنة اثنتين وثمانين إلى تكريت، وأقام بها.

ثم تزوج المباركة خديجة ابنة الشيخ نعمان بن أبي منصور بن عثمان، شيخ تكريت، وأولد منها خمسة اولاد؛ فمات له ولد اسمه عبد الله في دمشق. كان سافر إليها في تجارة، ودفن بها فجزع عليه أبو عبد الله. وكان في كل وقت يذكر لأخيه تاج الدين عزمه على ترك القضاء والتلبس به، ويطلب منه أن يعفيه عن ذلك، وكان يذكر له ما في الصبر على ذلك من ثواب الإنصاف والعدل، عن ذلك، وانقطع إلى المسجد الطلحي مشتغلاً بنفسه، منقطعًا عن مخالطة الناس؛ يصرف زمانه في طاعة الله –تعالى- وتصنيف العلوم، وغير ذلك. وانحدر إلى مدينة السلام في أوقات إقامة أخيه تاج الدين بها مرارًا، ولقي بها جماعة من المشايخ والعلماء، وحج .... وولديه في شوال من سنة اثنتي عشرة وستمائة، /171 أ/ وعاد إلى تكريت وأقام بمسجد من مساجدها يعرف بالطلحي، ولازم الإمامة به، واشتغل عليه جماعة من أهل تكريت، وعملوا بفتواه وأخذوا بقوله. وأقرأ القرىن وختم جماعة. وحدّث وسمع عليه من أهل تكريت ومن المجتازين بها. وله مصنفات ومنظومات في أنواع من العلوم، وأجوبة عن مسائل وردت عليه. وعمّر في المسجد الطلحي عمارات كثيرة، وبنى في باطنه في الصحن الأول منه رواقات محيطة به، وأظهر الخير في المسجد المذكور، ورتَّب أحواله ترتيبًا جميلاً. وانعكف جماعة من أهل الرأس الأسفل على الصلوات الخمس، وفي ليالي المواسم وإذا قدم متميّز أو واعظ حضر عنده، وجلس بالمسجد .... معه وأحسن إليه بما يقدر عليه؛ ومازال يقيم شعار الدين في هذا المسجد. وهذا ذكر مصنفاته، منها: كتاب "ديوان الخطب" وهو مشتمل على خطب الجمع والأعياد والاستقاء والكسوف، وعلى فصول وأدعية وغير ذلك. وكتاب "نظم لباب الفقه" تأليف الإمام أبي القاسم أحمد بن محمد المحاملي –رحمة الله تعالى- سأله الشيخ أبو الحسن علي بن الدروي المقريء نظمخ فنظمه في سنة ثمانين وخمسمائة في نحو من اثني عشر ألف [بيت].

171 ب/ ونظم أيضًا كتاب "الناسخ والمنسوخ" تأليف هبة الله بن سلامة المفسّر، ونظم أيضًا العقيدة المعروفة بالقدسية. كان مولده بتكريت ليلة الخميس نصف الليل سابع عشر شوال سنة أربعين وخمسمائة. وتوفي بها في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وكان من الفقهاء الشافعية؛ فاضلاً شاعرًا مقتدرًا على النظم يدرس الفقه وبفتي. وكان إمام زمانه، حسن النظر في العلم؛ ذا بديهة حاضرة في الشعر. نظم عدد أي القرآن، وذكر اختلاف القارئين فيها، ونظم أيضًا كتاب "اختلاف القراء في إذبات إلا .... وحذفها"، ونظم أيضًا معجزات النبي –صلى الله عليه [وسلم]- ونظم أيضًا "لمحة النحاة ومنحة الرواة" في العوامل، وذكر أيضًا كتاب "مخارج الحروف" على ترتيب الخليل بن أحمد، ونظم أيضًا كتاب "ذكر منازل القمر وغيره"، ونظم أيضًا كتاب "معرفة الضرب في الصحاح والكسور"، ونظم أيضًا كتاب "ذكر صفات السادة الفتيان ومدح الناصر لدين الله". /172 أ/ وصنَّف كتاب "مناسك الحج" ونظم أيضًا كتاب "طبقات الفقهاء" للشيخ أبي اسحاق الشيرازي، وصنَّف كتاب تاريخ مولده ومتجددات أحواله، وجمع أيضًا كتابًا فيه فنون من منظوماته ورسائله ومكاتباته، ويشتمل على عشرة أبواب. وقد ذكرت في هذا الكتاب بعض منظوماته وإن كانت مدوّنة في كتب مفردة لئلا يخلو هذا الكتاب من ذكر شيء منها، وليعلم بذلك ما عنده من وفور الفضل والعلم وقوة التمكن في النظم والنثر واقتداره في صناعته. ومن شعره ما كتبه إلى اخيه تاج الدين في جواب مكتوبه إليه: [من البسيط] يا حبَّذا نفحات الطِّيب من قلم ... أسدت يدًا قلَّ عنها ما يجازيها قد كان بشَّرني طيف الخيال بها ... فظلت من فرح في النوم أبكيها حتى بدت في سطور زلزلت جسدي ... بالشوق لمَّا تراءت في معانيها فقلت والعين من شوق ومن ترح ... تسحُّ بالدَّمع سحّا من مآقيها ترى يعود لنا شملٌ نسرُّبه ... فتأخذ العين حظًا من أمانيها

وكتب إلى أخيه أيضًا: [من الخفيف] /172 ب/ كلُّ يوم يمرُّ يدني سروري ... لدونوِّ اللِّقاء بالأحباب وإذا ما تزايد الشوق أرسلت ... زفير الُّلوع طيَّ الكتاب يا رسولي إلى المؤمَّل تاج ... الدِّين ذي الفضل والأيادي العذاب قل له معلنًا ثنائي وشكري ... واذكاري لفضله السَّكَّاب طال يوم الغراق واشتدَّ شوقي ... فمتى ينقضي بيوم الإياب وله في مكاتبة إلى بعض أصحابه بالنظامية: [من الوافر] ألا أبلغ مجير الدِّين عنِّي ... بأنِّي لا أحول عن الوداد وكيف أحول أم هل كيف أسلو ... وقد سلبت محبته فؤادي أتذكر ليلة قصرت علينا ... بفكر موضح سبل الرَّشاد تواصل بالمسائل تبتليني ... وأعطيك الجواب على السَّداد وبعد فلو ذهبت لشرح شوقي ... لآفني كاغدي وفنى مدادي فدم واسلم وقم واغنم ولا تسأم ... ففي العقبى تنل كلَّ المراد وله في معنى الحديث المروي عن النبي –صلى الله عليه- في صنعة أخلاق اهل الجنة، وأخلاق أهل النار: [من البسيط] /173 أ/ أهل الجنان لهم حالٌ تخصُّهم ... في القول والفعل والأخلاق والأدب وجهٌ جميلٌ وخلقٌ واسعٌ حسنٌ ... ولطف نطق يسرُّ النَّاس محتلب ورحمة القلب لافظ ولا مقتٌ ... ولا عبوسٌ وهذا غاية الحسب وللشَّقيِّ خلال مثل عدًّتها ... في ضدِّها فاستمع قولاً بلا كذب ففي القساوة والعصيان يتبعها ... سوء ظن وبخل النَّفس بالنَّشب وعابس الوجه لا ينفكُّ ذو صخب ... خاب الشَّقي وباع الجدِّ باللَّعب كذا روينا عن المختار سيِّدنا ... أعني النَّبيَّ نبيَّ العجم والعرب وقال في المواعظ: [من الكامل] وإذا اللَّبيب غدا يفتِّش نفسه ... نطقت شواهدها بصدق الحال إنَّ النفوس ودائعٌ ورهائنٌ ... في مدَّة الدُّنيا لوشك زوال

فالعاقل النِّحرير من وافى بها ... مقرونة بصوالح الأعمال والعافل المغرور من يلقي بها ... في قعر مظلمة الدُّجى مضلال تعس أمرٌ يسعى ويجمع جاهدًا ... مالا سيتركه لدى التِّرحال وإذا الفتى لم يدَّخر لمعاده ... زادًا فسوف يؤول شرَّ مال فاعمل لنفسك أيُّها المعنى بها ... عملاً تفوز به من الأهوال 8173 ب/ ودع التَّعلل بالمنى فلقلَّما ... تجدي عليك عواقب الآمال وقال أيضًا: [من المجتث] يا من خلا بالمعاصي ... خف يوم شيب النَّواصي خف يوم تأتي البرايا ... بذلَّة وانقماص خف يوم تبدو الخطايا ... ويوم أخذ القصاص غدًا عليك ينادى ... هذا جزا كلَّ عاصي هذا جزا عبد سوء ... مجاهر بالمعاصي اما تخاف أذى من ... يراك بين الخصاص فتب إليه وبادر ... تفز بعزِّ الخاص ولا تبهرج عليه ... ما التِّبر مثل الخلاص وأنشدني أبو محمد عبد السلام بن الحسن، قال: أنشدني عمر لنفسه: [من مجزوء الرمل] كلُّ حي عن قليل ... فإلى الموت يصير ليس يبقى ذو افتخار ... يسار وفقير سوف يسقون كؤوساً ... شربها شربٌ عسير /174 أ/ وسيلقاهم غداً يومٌ ... عبوسٌ قمطرير وقال أيضًا: [من الطويل] لعمرك ما الدُّنيا لخابر حالها ... بصافية فاسأل بذاك خبيرا

تريك سرور ثمَّ تعقب ترحة ... كأنَّك فيها ما عهدت سرورا وقال: وأنشدني أبو محمد عبد السلام بن يحيى، قال: أنشدني عمي لنفسه أبو عبد الله عمر: [من مجزوء الكامل] كن ميِّتا بين الورى ... وانظر لعينك واعتبر كم من مؤمِّل عيشة ... بينا يؤمِّلها قبر يرجو البقاء وكيف ... يطمح فيه مخلوقٌ قدر ماذي بدار إقامة ... فأبغ التزوُّد وابتدر إنَّ البطالة راحةٌ ... لكنَّ عقباها صبر وقال أيضًا وأنشد فيه أبو محمد: [من مجزوء الكامل] أكتب بكفِّك ما يسرُّك ... أن تراه في القيامه /174 ب/ واحذر مقارفة القبيخ ... فذاك يورثك الملامه واخش البيات فإنَّما ... هلك امرؤٌ ظنَّ السَّلامه واذكر مقامك حيث لا ... يغني التَّأسف والنَّدامه وقوله أيضًا: [من البسيط] علم م تحزن في الدُّنيا وتحترقٌ ... ونحن فيها إلى الآجال نستبق يا غافلاً وسهام الموت ترمقه ... لا تأمنن ختلها ما سرَّك الرَّمق وقال أيضًا: [من مخلع البسيط] يا أيُّها النَّاس هل أدلكم ... على فعال يفوز من فعله دعو فضول الكلام كم بطل ... لسانه بالفضول قد قتله واقتعوا باليسير واعتبروا ... كم جمامع للكثير ما أكله وزيِّنوا بالتُّقى نفوسكم ... فذو النُّهى زان بالتُّقى عمله وأنشد أيضًا القاضي أبو محمد عبد السلام التكريتي ببغداد في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني عمي أبو عبد الله عمر لنفسه: [من الوافر] /175 أ/ أيا أبن الأربعين تروم لهوا ... وأنَّى اللَّهو بعد الأربعينا أيا إبن الميِّتين أبًا وجدًا ... ستلحق في غد بالمِّيتينا

تؤمِّل أن تعيش قرير عين ... وكم قد أبكت الدُّنيا عيونا تظنُّ العيش فيها أن سيصفو ... وك قد اخلفت فيها الظنونا تزوّد من سنيك بخير زاد ... ولا تغترَّ .... السِّنينا ومن شعره يرثي ولده عبد الله، ومات بفلسطين وأنفذه ليكتب على قبره، انشدنيه عنه أبو القاسم ابن أخته بتكريت في شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة: [من الطويل] ألا إنَّ عبد الله ثاويًا ... بأرض فلسطين إلى موقف الحشر سيأتي إلى تكريت نعي مصابه ... ويأتي أيضًا سابق الدِّين من مصر فتى كان مثل البدر حشو ثيابه ... إذا ما انثنى أو كان أزهى من البدر وقد كانت الآساد تخشى لقاءه ... فقد طمعت في خدِّه دودة القبر سلامي عليك .... ما ذرَّ شارقٌ ... وما ثوَّب الدَّاعي إلى نسك الفجر وقال أيضًا: [من المتقارب] /175 ب/ أرى الطَّير يحنو على فرخه ... إذا كان في عشِّه لم يطر فإن طار ينقره حبَّة ... ليلقط إذ كان لا يدَّخر تنبَّه لذا السرِّرِّ يا صاحبي ... وكن فطنًا يقظًا واعتبر بنيَّ فدونك كسب العلوم ... صغيرًا فما الشَّيخ بالمدَّكر إذا لم يكن حصل الذكر في زمان الصِّبا وهو لم يعتبر فما شرف المرء في نفسه ... بابائه حينما يفتخر ولكن بما فاض من فضله ... على من إلى فضله يفتقر ومن ذلك ما رأى في منامه، كأنَّ رقعة ألقيت إليه، وفيها خط ولده المتوفى، وفيها أبيات لم يحفظ منها سوى بيتين: [من الطويل] فما لي من أشكو إليه صبابتي ... ولي عند موتي أنَّةٌ وحنين وما كنت أدري أين تقضى منيَّتي ... ولا أنَّ هذا الامر كيف يكون

فأجاب عنها بهذه الأبيات: [من الطويل] /176 أ/ أيا مهجتي يا قرَّة العين إنَّني ... عليك على طول الزَّمان حزين يعزُّ على عينيَّ أن غبت عنهما .. وكلُّ عزيز يابني يهون وما في نعيم العيش بعدك لذَّةٌ ... وأيُّ التذاذ لي وأنت دفين سلامٌ على صفو الحياة وطيبها ... وا دمع عيني بالبكاء رهين وقال أيضًا يرثيه: [من الوافر] أقول وليلتي تزداد طولاً ... كأنَّ الصُّبح لجَّ به اللَّجاج إلى الرَّحمن أشكو ما بقلبي ... عسى همِّي يبدِّله انفراج نديمي زفرتي ودموع عيني ... شرابي والنَّجيع لها سراج وبي سقمٌ وأفكارٌ وحزنٌ ... أمورٌ ليس يبرئها علاج ألفت الحزن بعدك في المغاني ... فلا فرحٌ يزور ولا ابتهاج وكنت لنا سراجًا في اللَّيالي ... فمذ أوديت أظلمت الفجاج تبدَّل كلُّ حسن لدينا ... وحتَّى الربع بدله العجاج تكدَّر صفو عيش كان عذبًا ... وحل محلَّه مقرٌّ أجاج أمرُّ وقد سفا الافي عليه ... فيغلبني بكاءٌ وانزعاج وكان به سراج الوصل يكفي ... فقد أمسى وقد طفئ السِّراج /176 ب/ فلا وثراك لا ينفك دمعي ... يجود وليس يمنعه رتاج [535] عمر بن عبد النور بن ماخوخ بن يوسف بن ليان بن باديس بن صولي بن بلول الهواري، أبو حفصٍ اللَّزنيُّ البجائي الصَّنهاجي. كان فقيهًا شافعيًا، مناظرًا أصوليًا، كاتبًا شاعرًا؛ له يد باسطة في علم الأدب

والعربية انشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي زيد التبريزي، قال: أنشدني عمر بن عبد النور لنفسه: [من الكامل] ومعقرب الُّدغين خلت عذاره ... نؤيًا أثافي رسمه الخيلان فوقفت أبكيه بعيني عروة ... حزنًا عليه كأنَّني غيلان وأنشدني، قال: أنشدني من شعره في غلام اسمه إبراهيم: [من الطويل] كستني ولم أشعر جفونك سقمها ... ومن قبل لم أعرف وصالاً ولا صدَّا وأبقيتني في نار شوقٍ كأنَّني ... سميُّك لكن لا سلامًا ولا بدرًا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] /177 أ/ عصَّ المصلَّى لا لزهد إنَّما ... صنم الصَّبابة عظمت أبناؤها أين استقلَّ استقبلته أوجه ... فالظذَبي شمسٌ والورى حرباؤها عبتم على التَّتر السُّجود إذا بدت ... شمس الضُّحى وسبتكم نظراؤها وقال أيضًا: [من الكامل] هبني صبوت كما ترون بزعمكم ... وظفرت فيه بلثم خدٍّ أزهر إني اعتزلت فلا تلوموا غنَّه ... أضحى يقَّابلني بخدٍّ أشعر وقال في غلامين تحاّبا أحدهما يعرف بابن صقر، والآخر بابن فهد: [من الطويل] أليس عجيبًا جارحان تصايدا ... وذلك شيءٌ لا يكاد يرام يقال ابن صقر بأبن فهد متيمٌ ... فكيف على أنَّ الفهود تنام وقال في الشيخ العلامة كمال الدين أبي المعالي موسى بن يونس الفقيه المدرس، وهو يلقى الدرس بحضرة المتطيلسين ارتجالاً

بالموصل: [من الطويل] /177 ب/ كمال كمال الدِّين للعلم والعلا ... فهيهات ساعٍ في مساعيك يطمع إذا اجتمع النُّظار في كلِّ موطن ... فغاية كلِّ أن تقول ويسمع فلا تحسبوهم عن عناد تطيلسوا ... ولكن حياءً واحترافًا تقنَّعوا وقال فيه أيضًا: [من الوافر] تجرُّ الموصل الأذيال فخرًا ... على كلِّ المنازل والرُّسوم فجلة والكمال هما شفاءٌ ... لهيم أو لذي نهمٍ سقيم فذا بحرٌ تدفَّق وهو عذبٌ ... وذا بحرٌ ولكن من علوم وقال: [من الطويل] أأإغراك زورٌ من مجدٍّ ومازح ... فتقبل قول الكاذب المتواقح هواك حشا الأحشا وأظهر غيرةً .. فقل في إناء لا بما فيه راشح وعيشك ما أبديت حبًا وإنَّما ... تجيش ببحر الشّوق فيك قرائحي فيلحظني الحسَّاد فيك كأنَّها ... بغاثٌ أتت تخشى انقضاض الجوارح ويفحص عن ودِّي وإنِّي لكاتمٌ ... ولكنَّ طرفي في الصَّبابة فاضحى فقلبي خفَّاقٌ وجسمي ناحلٌ ... وغيني تمري بالدمُّوع السَّوافح ولولاك لاستعصيت كبرًا وإنَّما ... يذل الفتى إضمار شوق الجوانح /178 أ/ وكنت أبَّي النَّفس صعبًا مقادتي ... فراض جماح القلب صيد الجوارح وقد صان إحساني شعار قناعة ... وقد ضنت إلا عنك وجه مدائحي وكنت لعمري أملأ القلب رعبةً ... وأسحب ذيلي فوق قمَّة رامح فما زال بي حبَّيك يوقد جمرةٌ ... على الوجد من نيران وجد لواقح فأغرق طورًا في بحور مدامعي ... فها انا أطفوا بين أنفاس كاسح

فإن كنت تهوى ان أموت فحبَّذا ... وإن كنت تهوى أن أيش فصالح [536] عمر بن الخضر بن اللّمش بن الدرزمش، أبو حفص الدُّنيسريُّ التركيُّ. كان يعتني بالطبّ وسماع الحديث، ويتفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- وله شعر حسن في الغزل. أنشدني أبو القاسم التبريزي، قال: أنشدني عمربن الخضر لنفسه: [من الكامل] بلغ الغرام به إلى غاياته وتحكَّمت أحكامه في ذاته صبُّ أصابته الصّبابة في الصَّبا ... قهر أفلم يعطف على صبواته كلفًا بمن هو في الملاحة واحدٌ ... متفرِّدٌ والحسن بعض صفاته /178 ب/ فالبدر مفتقرٌ إلى أنواره ... والغصن مضطرٌ إلى حركاته والسِّحر من ألحاظه والدُّرُّ من ... ألفاظه والورد من وجناته يهوى المحبُّ العذل فيه لاسمه ... ويرى اسمه في العذل من لذَّاته من رام يعرفه فأوَّل لفظه ... معكوسة التَّصحيف من أبياته وأنشدني أبو الحسين احمد بن الحسن المارديني. قال: أنشدني عمر بن الحضر بن اللمش لنفسه: [من البسيط] أفدي الَّذين لهم في مهجتي دار ... فهم بها الدَّهر سكَّانٌ وحضَّار مذ فارقوا لم أزل مضنى الفؤاد بهم ... ومنطقي بهم نثرٌ وأشعار بي منهم قلقٌ والقلب محترقٌ ... والدمع مستبقٌ في الخدذِ مدرار

والجسم في سقم يحكي شبا قلمٍ ... والرُّوح في نقم من حيث ما ساروا فالعين تطلبهم والقلب يرقبهم ... والبين يحجبهم والدَّهر غدَّار ساروا على عجل والقلب في وجل ... وفي سويدائهم من مائه نار لم أنس أنسي بهم أيَّام وصلهم ... وهم على الهجر أعوانٌ وأنصار ونحن في صفو عبش لا يكدِّره ... من الرَّقيب مقالاتٌ وأكدار حتى رماني النَّوى منهم بما عجزت ... عنه القوى ورثى لي الأهل الجار /92 أ/ وأنشدني، قال أنشدني لنفسه: [من الوافر] تولَّت بهجة الدُّنيا بقوم ... لسوء الحظِّ جاء بهم قران إذا مارمت علمًا نلت جهدًا ... لديهم حيث يعتبر العيان وإن حاولت منهم صدق قومٍ ... فكلُّهم إذا حاولت خانوا كلامهم كلامُ في فؤادي ... فليتهم من الاقطار بانوا ولد هذا عمر سنة سبعين وخمسمائة، وتوفي سنة عشرين وستمائة بماردين. وكان إليه عمالة وقف الجامع بماردين. وكان طبيبًا فيلسوفا منجمًا، وروى الحديث ورحل في طلب الحديث، وسمع شيئًا كثيرًا. وصنف لدنيسر كتابًا سمّاه: "حلية السريين في خواص الدنيسريين". وصنف كتابًا آخر سماه: "رموز الكنوز في علم النشأة" وسماه علم الحق. وصنّف كتابًا في الحديث سمّاه: "الثمانيات" روى كثيرًا من كتب القراءات. وكان شافعي المذهب. [537] /92 ب/ عمر بن محمَّد بن عمر بن محمد بن أبي نصرٍ، أبو حفصٍ الفرغانيُّ. هو من مدينة يقال لها "أندكان" من بلاد فرغانة.

كان شيخًا فقيهًا حنفيًا صوفيًا، يعرف الأصول والخلاف، ويفهم النّحو والعربية. رحل إلى مدينة السلام فولاه أمير المؤمنين المستنصر بالله تدريس المدرسة الجديدة التي أنشأها على دجلة، وجعلها على الأربعة المذاهب. يدرّس فيها فقه الإمام أبي حنيفة –رضي الله عنه- وذلك في رجب سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ولم يزل يدرّس بها إلى أن مات يوم السبت سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن بجانب الشرقي في مقابر أبي حنيفة؛ وهو أول من درس فيها الفقه على المذهب الحنفي. وروى شيئًا من الحديث على الحافظ أبي بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم الحازمي الحافظ، وغيره. وكان يقول شعرًا متوسطًا ينظمه في أغراض يتفق وقعها، أو أسباب مختلفة، وأحوبة كتب /93 أ/ كانت ترد عليه من أصدقائه وأخوانه الذي يكاتبونه؛ ولم يكن من المسترفدين بالشعر، ولا صنعه لأجل جائزة أبدًا. وكان يتجول في الأقطار، ويخترق البلدان ويكثر الإقامة في المدن. أذهب جدَّة عمره في السفر. وكان كل مدينة ينزل بها يقبل عليه أماثلها وصدورها وأعيانها ويقربونه ويستفيدون منه ويكرمونه؛ فلذلك لا نجد في شعره إلاَّ مكاتبة كتاب ورد عليه من صديق أو .... به في سماع كان يحضر مع هؤلاء، فيقول على ذلك ... ز أما ما يقارن تلك الأجناس ويناسبها. وله ديوان يدخل في جلد استفرغه في المعاني التي سبق ذكرها آنفًا. وكان متفننًا في كل فضل، فقيهًا حنفيّا نحويًا فاصلاً أصوليًا. أنشدني أبو الثناء محمود بن فضل الله بن أحمد بن أسعد الهمذاني الصوفي، قال: أنشدوني أبو حفص عمر بن محمد الفرغاني لنفسه: [من الرجز] يا صاحبي إلى م أتت صاحي ... من سكر هوى وسكر راح لا تحل من الصَّبوح يومًا ... من خمر مراشف الصِّباح /93 ب/ العشق طريقه التَّرقي ... والسُّكر حقيقة الفلاح

لا تعتقدنَّ فسادًا ... هذا هو غاية الصَّلاح وأنشدني جعفر بن محمد الخسرسابوري، قال: أنشدني عمر بن محمد الفرغاني لنفسه: [من الرمل] (أترى يقنيه عن قسوته ... خذُّه الذَّائب من رقَّته) ويروِّى غلَّة من عاشق ... بالزُّلال العذب من ريقته ويداوي علَّة من وامق ... من أساراه وفي ربقَّته (قمرٌ لا فخر للبدر سوى ... أنَّه صيغ على صورته) يا لطيفًا حيَّرت ألطافه ... قلبي المجبور في غربته أعط من أهواه ما أهوى له ... من دوام العمر في دولته وأنل من أشتكى قسوته ... رق تثنيه عن قسوته وأنشدني القاضي الإمام ابو القاسم عمر بن أبي الحسن الحلبي –أيده الله تعالى- قال: أنشدني أبو حفص الفرغاني لنفسه يتشوق بعض الأخوان: [من الكامل] الله يعلم أنَّني مشتاق ... شوقًا تضيق له بي الآفاق /94 أ/ لو رمت أشرح بعضه بصحائفي ... لاستنفد الأقلام والأوراق أرجو وأحيا بالرَّجاء تلافيًا ... ما تنطفي إلا به الأشواق لازلتم للمكرمات شموسها ... حتَّى يدوم بكم لها الإشراق وعليكم مني تحايا عاشق ... ما يقتدي إلاَّ به العشَّاق وله وقد دخل عليه محمد بن الرفاعي، فصبّحه، وكان مساءًا غلطًا، فقال ارتجالاً: [من الطويل] أتاني مساءً نور عيني ونزهتي ... ففرَّج عنِّي كربتي وأزاحا فصبحته عند المساء لأنّه ... بطلعته ردَّ المساء صباحا وقال أيضًا: [من الكامل]

عاد الحبيب كما بدا متعطفًا ... وأنار نور جماله ظلم الجفا وأعاد روح وصاله روحي إلى ... جسم أضرَّ به الفراق وأتلفا جارت عليَّ الحادثات لجوره .. في ظلمهنَّ وأنصفت إذ أنصفا فله المحامد ما ترنَّم طائرٌ ... وشكا الجفاء متيَّم ألف الوفا وقال أيضًا بديهة في صديق له على سبيل البسط والتأنيس وقد دخل /94 ب/ عليه، ويلقب بالنجم. وكانوا في بستان صفي الدين بن الموفق: [من الطويل] رجمنا أكاذيب الظُّنون بصادق ... من العلم صاف لم يشب صفوه الرَّجم وصرنا هداة مهتدين إلى الهدى ... وكنَّا حيارى بعدما طلع النَّجم وأصفى صفيُّ الدِّين منَّا قرائحًا ... ...... على ورَّادها النَّثر والنَّظم وأضفى علينا أنعما جلَّ قدرها ... عظامًا تولَّى شكرها اللَّحم والعظم وقال أيضًا فيه: [من السريع] فضللت هذي العلم بعد الهدى ... مذ غاب عن ناظري النَّجم وهكذا الساري بظلِّ الهدى ... إن غاب عن ناظره النَّجم وقال يرثي الزعيم المغنّي: [من الكامل] مات الزَّعيم ومات بعد مماته ... وجدٌ وجدت حياته بحياته شاد لطيف النَّعت في سكناته ... حاد خفيف الرُّوح في حركاته ذو نغمة تحيي النفوس كأنَّما ... أنفاس عيسى أودعت نغماته اللُّطف كلُّ اللُّطف بعض نعوته ... والظَّرف كلُّ الظَّرف بعض صفاته بلغ النِّهاية في الغناء وكان أعظم آية لله من آياته /95 أ/ مذ أخلق الأيَّام جدَّته غدا ... يذري عليها باكيًا عبراته مازال يبكي حسرةً لشبابه ... حتَّى أتاه الموت من حسراته كم عاش أخوف خائف من موته ... من مات آمن آمن لوفاته فسقى الإله ثراه سفيا رحمةٍ ... وأحلَّه الفردوس من جنَّاته وقال من صدر مكاتبة: [من الكامل] يا معرقين تحمَّلوا حييتم ... عنِّي تحيَّة مشئمٍ مشتاق

ألف السُّهاد جفونه إلف الكرى ... جفن الميتَّم أعين العشَّاق وقال وقد خرج يومًا إلى ضواحي الجزيرة العمرية، فمّر بواد يعرف بسقلان، وهو واد ذو أبنية وأشجار وانهار، فتذكر من كان فيه من القدماء، وأنشد بديهًا: [من الهزج] سبى قلبي سقلاَّن ... فما لي عنه سلوان مكانٌ فيه أهنى العيش لو ساعف إمكان وواد فيه أشجارٌ ... وأنهارٌ وغدران /95 ب/ وأزهارٌ وأنوارٌ ... وأطيارٌ وألحان ومنثر ونسرينٌ ... وحوذانٌ وريحان ومسلاةٌ عن الأوطان لو شاقتك أوطان وملهاةٌ عن الأشجان إن الهتك أشجان وأصحابٌ واحبابٌ ... وإخوانٌ وخلاَّن ولكن أين أقوامٌ ... به من قبلنا كانوا تذَّكرناهم فيه ... عماراتٌ وبنيان فكم ضاعت لهم فيهنَّ أوقاتٌ وأزمان وآمال وأموالٌ ... وأعمال وأعيان فأحياهم وحيَّاهم ... ملثُّ القطر هتَّان وعمَّهم من الرَّحمان غفرانٌ ورضوان وقال فيه أيضًا: [من الهزج] سقى وادي سقلاَّن ... حيًا يهمي كأجفاني على ناء عن العين ومن قلبي الشَّجا داني على من هجره باق ... ولكن وصله فاني /96 أ/ أتاني طيفه وهنا ... فأحياني وحيَّاني وقال في الغزل: [من السريع] يا مخلفَّا بالوصل ميعادي ... ومنجزًا بالهجر إبعادي

أسقيت بالمبعد يا مسعدي ... بالقرب إن آثرت إسعادي خوفي من الحسَّاد أن يشمتوا ... لا تشمتن بالله حسَّادي أصبحت من مرضاك أرضى بأن ... تصبح يومًا بعض عوَّادي فديت من أصبح في أسره ... وليس لي من أسره فادي ودِّي أن أحظى بتقريبه ... وودُّه طردي وأبعادي وحضر في سماع، فأنشد المغني: [من السريع] نديمتي جاريتي ساقيه ... ونزهتي ساقيةٌ جاريه فسئل إجازته، فقال مرتجلاً: [من السريع] في روضة أبهج أقطارها ... أزهارها الزَّاهرة الزَّاهيه وجنَّةٌ زيَّن أشجارها ... ثمارها السانعة الدَّانيه شائدة أركان عيشي بها ... ألحان أطيار بها شاديه راضيةٌ شاركةلإ ربَّها ... ساكنها في عيشة راضيه /96 ب/ ماضيةٌ أحكام أخوائها ... بالسَّعي في أيَّامها الماضيه قاضيةٌ أن ليس يقضى على ... من حلَّ فيها أبدًا قاضية وأنشده الأمير شمس الدين تابكين –حين ودّعه بالبصرة- البيتين الأخرين، فقال مجيزًا لهما: [من الوافر] بنفسي من .... سيأتي .... في ملكه .... عناني وبشرني بشاشته ضحّى ... وبلَّغني بلاغته الأماني فريدٌ في الفصاحة والبيان ... وحيد ماله في النَّاس ثاني يبدِّد جوده بدر العطايا ... وينظم لفظه درَّ المعاني توحده بأنواع المعاني ... عنان ....................... وبدَّل بالسرور مقيم غمَّي ... وخوفي من زماني بالأماني فشكر عطائه ......... ... ونشر ثنائه قد صار شاني وكنت أعظِّم الأخبار عنه ... فصغَّر ما سمعت به عياني ... عنه وقلبي ... أسسير هواه في معناه عاني

وودَّعني وأودعني غرامًا ... يقصِّر عن حكايته لساني وأنشدني وقد أزف التنائي ... وحار بغربها شمس التَّداني /97 أ/ أودعكم وأودعكم جناني ... وأنثر ادمعي نثر الجمان وإتَّي لا أطيق لكم فراقًا ... ولكن هكذا حكم الزَّمان وقال، وكتب بها إلى الملك العظيم مظفر الدين –صاحب إربل- مصدر شفاعة لبعض الاخوان: [من الخفيف] يسأل الله خاضعًا في سؤاله ... مخلصًا في دعائه وأبتهاله رافعًا كفَّ ذلَّة وخضوع ... وإنكسار إلى جناب جلاله أن يلقِّي مظفَّر الدِّين في الدِّين ودنياه منتهى ىماله المليك الَّذي الملوك جميعًا ... من مماليكه وبعض عياله ويوقِّيه ما يخاف ويخشى .. من أذاه في حاله وماله ويجازيه عن جميع مساعيه لمرضاته جزيل نواله وبرقِّيه من منازل زلفاه ذراها مع النَّبي وآله وقال وهو صدر كتاب، كتبه شفاعة في حق بعض أصدقائه: -[من الرمل] /97 ب/ ...... أيَّامًا مضت ... ولا حكام المنى فيما مضى ولياليها التَّي .... ... من تكاليف الحياة الغرضا في اجتماع لسماع نشره ... ينشر الموتى ويشفي المرضا ما وجدنا مذ فقدنا .... ... عن لذيذ العيش فيه عوضًا وسقى دارًا سقانًا أهلها ... من مراضي الله كاسات الرَّضا وأرانا بعد يوم أسود ... بالنَّوى للقرب يومًا أبيضا وحسامًا للمنى أغمده البين بالوصل المهنَّا المنتضى وقال في العيد: [من السريع] قد ذهب الغمُّ وجاء السُّرور ... وأقبل الكأس علينا يدور كأسًا كست .... ... من بعد ثوب الغم ثوب الشُّرور إذا جلوها في ظلام الدَّجى ... كانت لهم فيه ضياء ونور

ينشرهم موتى شذا نشرها ... كأنَّ يوم النَّشر يوم النُّشور ودَّعنا الصَّوم وداع الرِّضا .. وعاد بالأفراح عيد الفطور فانتهزوا فرصة إمكانكم ... وبادروا فيها انقلاب الأمور واعتنموا غرَّة دنياكم ... فإنَّما الدُّنيا متاع الغرور /98 أ/ وقال يتشوق بعض أخوانه: [من الكامل] طال الفراق وطالت الأشواق ... وامتدَّ نحو لقائك الأعناق يا نور أحداق الورى لا فارقت ... أنوارها بفراقك الأحداق يا شمس آفاق العلا لا أظلمت ... يومًا بغيبة شمسها الآفاق لازلت مشرق شمس رأي مشرق ... الشَّمس من إشراقه إشراق ونفيت بالبأس المخوف وبالنَّدى ... في كفِّك الآجال والأرزاق ما سرَّ من بعد الفراق تواصلٌ ... أو ساء من بعد الوصال فراق وقال في الربيع وارتياحه بأزهاره: [من الكامل] قدم الرَّبيع قدوم من تهواه ... حيَّاه محيي قطره حيَّاه وجلا على أسرارنا أنواره ... إذا أشرقت أنوار من تهواه وافترَّ مبسم كلِّ نور ضاحكًا ... فرحًا بعابس من به وبكاء وأعاد ميت التُّرب حيَّاً ناطقًا ... سبحان منطقه ومن أحياه وكتب صدر كتاب إلى أهله، وهم بالعراق: [من الكامل] /98 ب/ أحبابنا لا تحسبونا بعدكم ... .......................... فلقد حللتم بالسَّرائر منزلاً ... ما حل فيه ولن يحلَّ سواكم أبكم من الشَّوق المبِّرح ما بكم ... حاشاكم ممَّا بنا حاشاكم وترى يجود ماننا بوصالكم ... فتروننا بعيونكم ونراكم لابدَّ أن نرعى رياضًا أمرعت ... بعد التَّنائي في حريمٍ حماكم وقال وقد غنى المغنى أبياتًا في المعنى، فسئل إجازتها: -[من الرمل] أيُّ سرِّ لي ما اظهره ... شادنٌ سفك دمي أضمره وسبى قلبي ولم أدر به ... طرفه السَّاحر ما أسحره

طلَّ خداه دمي واعترفا ... ما يخاف الله من أنكره مستحلٌ دم من يعشقه ... مؤمنًا بالله ما أكفره كل سكران يرجَّى صحوه ... غير صبَّ حبُّه أسكره كيف أنساك حبيبًا قدره ... جلَّ أن أنساه أو أذكره قال في غرض له: [من الكامل] هل عائدٌ زمن الوصال الماضي ... حتَّى أنال بعوده أغراضي؟ /99 أ/ وتقرُّ عيني بالاحبَّة نظرةً ... فرحي بها يشفي به أمراضي ويعيد سعدى مقبلاً إقبالهم ... من بعد طول الهجر والإعراض ويعود قلبٌ شاحطٌ ببعادهم ... ووداعهم بالقرب منهم راضي لابدَّ أن يقضي وإن طال المدى ... بتواصل بعد التَّفرق قاضي وأرى ركوبي مع مريع جنابهم ... يرعون هونًا ممرعات رياض وقال وقد ورد عليه كتاب من أصدقائه من إربل إلى الجزيرة العمرية: \ [من البسيط] وافى كتاب أخ واف تذكُّره ... باقٍ على العهد مأمونٌ تغيره صافي الوداد على طول البعاد بلا ... غش ... أو غلِّ يكدِّره مصدَّقٌ فعله المشكور فاعله ... قولاً يقول لذي سمع ويخبره وافى فقرت به عيني وسرَّبه ... قلبي وأصبحت أطويه وأنشره وقال غزلاً على ما اقترح عليه بعض الأخوان: [من الرمل] لي حبيبٌ قد سلا في حبِّه ... قلبي المغرى به كل حبيب لم يغب غنِّي مذ شاهدته ... ذكره في مشهد أو في مغيب /99 ب/ خدَّ خدِّي بدم فجَّره ... عشق خدِّ بدم الصَّب خضيب يتبدَّى صاحكًا يضحكني ... ثمَّ يخفي شق جيوبي وشقائي وعنائي وبلائي ... وبكائي [وعويلي] ونجيبي وعذابي ومصابي واضطرابي ... واكتئابي وانتحابي ولهيبي ولهت روحي بروحي ولهًا ... فيه فضوحي ولهيبي ولهي بي

وبه يزداد دائي ولدائي ... هو إن شاء شفائي وطبيبي صيَّر الصَّبَّ مصابًا من رماه بسهم [من] معانيه مصيب يا غريبًا لي إليه دائمًا ... شوق ناء نازح الدَّار غريب جعلتنا نسبًا غربتنا ... فغريبٌ لغريب كنسيب وعجيبًا شأنه أوفعني ... حسنه المعجب في شأن عجيب وقريبًا من بعيد عنه نأي ناله كل بعيد وقريب وجلاء لعيون رمدت ... مذ جفاها وشفاء لقلوب بدَّل العشق شبابي بمشيب ... شبابي لمشيب لا تراخذني بذنب قد مضى ... أنت يا مولاي غفَّار الذنوب [538] عمر بن بدر بن سعيد /100 أ/ بن محمّد بن بنكير، أبو حفصٍ الكرديُّ الحنفيُّ الموصليُّ. قال القاضي الإمام أبو القاسم: قدم علينا حلب، وسافر إلى البيت المقدَّس، فولاّه الملك المعظم عيسى بن الملك العادل رواية الحديث بمدرسته التي أنشأها بالبيت المقدّس، وولاه مملوكه عز الدين إيبك مدرسته التي أنشأها لأصحاب أبي حنيفة. وبقي مدرسًا بها؛ واجتمعت به فيها بالبيت المقدس في سنة [621].

ثم رحل إلى البيت المقدّس، حين خرج الفرنج إلى دمياط، قبل أن يخرب بمدّة، وسار إلى الموصل وأقام إلى سنة إحدى وعشرين وستمائة. ثم قدم علينا حلب في هذه السنة؛ وسمعنا عليه أجزاءً من أمالي ابن مللّة الحافظ. سألته عن مولده، فقال، في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وخمسمائة بالموصل. سمع ببغداد أبا الفرج بن كليب، وابن الصابوني وابن الجوزيّ. ثم سكن دمشق، وتوفي بها في سنة اثنتين وعشرين وستمائة ليلة السبت في التاسع والعشرين من رمضان. أخبرني بذلك أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي. هذا كلام أبي القاسم. ورأيت له كتابًا في الحديث جارى فيه. /100 ب/ أبا عبد الله الحميدي في كتابه: "الجمع بين الصحيحين"، وله كتاب سمّاه: "العلم في أطراف البخاري ومسلم" وكتاب "العقيدة الصحيحة في الموضوعات الصريحة". أنشدني أبو الفضل العباس بن بزوان الموصلي، قال: أنشدني أبو حفص لنفس، وقد طلب منه الإجازة: [من الوافر] أجزت لمدركي عصري ليرووا .. سماعي والمناول والمحازه وتصنيفي وما أرويه طرًا على الشَّرط المراعى في الإجازه وهذا خطَّه عمر بن بدر ... وحمدل ثمَّ صلَّى حيث جازه [539] عمر بن محمّد بن الحسين، أبو حفصٍ الواسطي فقيه عالم بالمذهب من حملة القرآن الكريم، راوية للحديث. أنشدني أبو الفضائل جعفر بن محمد الواسطي، قال: أنشدني أبو حفص لنفسه من أبيات: [من البسيط] ناديت لمَّا رأيت الحيَّ من سكني ... عفا وجدَّ به سيرٌ فأخلاه:

يا معهد الحبِّ هل عهدٌ فتهبرنا ... عن الحبيب متى زمَّت مطاياه [540] /101 أ/ عمر بن أبي الفتح التكريتي. من أهل حماة، أبو حفص. كان رجلاً قصيرًا من الرجال يلبس الشرنوش والقباء، ويتزيا بزي الجند، وخدم بحلب جنديًا في دولة الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب بن غازي –رحمه الله تعالى- وأنفذ رسولاً إلى مدينة السلام في سنة خمس وثمانين وخمسمائة، فأكرم إكرامًا وافرًا. وأرادوه إلى الديوان العزيز ليخدم كاتبًا في ديوان الإنشاء، فاستعفى من ذلك وأصبح بسبب .... لا مراع لها ينظر فيها، ويتولى مصالحها، فأعفي عنه. وتوفي سنة إحدى عشرة وستمائة عن سنّ عالية. وكان شاعرًا مجيدًا كثير الشعر، كاتبًا فصيحًا كامل الفضائل بارعًا في فنه، نبيها أريبا. يعدّ من الكتاب المترسلين، صاحب بلاغة في الإنشاء نظمًا ونثرًا، مشتهر الأمر في وقته. أنشدني غازي بن مورود الطفسي الحموي، قال: أنشدني عمر بن أبي الفتح لنفسه حين ورد مدينة السلام/101 ب/ رسولاً إلى الإمام الناصر لدين الله –رضي الله عنه-: [من الطويل] شكوت إلى نفسي صروف زمانها ... فقالت: حروب الدَّهر تأبى إلى الصُّلح إذا كنت رأسًا في الزَّمان فلا تلم ... جباه اللَّيالي إذ جبهنك بالنطح ومذ نصر الله العظيم بنصره ... فذلك نصرٌ جاء لابن أبي الفتح [541] عمر بن عليِّ بن سيارٍ، أبو حفصٍ السنجاريُّ. شاعر من أهل سنجار، رائق الألفاظ، له في الغزل أشياء مستجادة.

أنشدني ابو الحرم مكي بن علي بن مكي الضرير الكوفي، قال: أنشدني أبو حفص عمر بن علي بن سيار لنفسه: [من الكامل] وأعنَّ أسمر قدُّه كالأسمر ... سلبت لواحظه جميل تصبُّري يبدو قضيبًا مثمرًا مشمس الضُّحى ... ناهيك من غصن بشمسٍ مثمر يجني وآتيه اعتذرا في الهوى ... ومتى أرد غفرانه لم يغفر منع الوصال فلا خيالٌ زائرٌ ... تحت الدُّجى إلاَّ بحلظٍ أزور [542] عمر بن أحمد بن هبة الله /102 أ/ بن محمّد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة –صاحب أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه- واسم أبي جرادة عامر بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عقيل –أبي القبيلة- بن كعب بن صعصةً بن معاويةً بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو القاسم بن أبي الحسن القاضي المعروف باين العديم، العقيليُّ الحلبيّ.

صدر صدور الآية، وشمس علماء الأمة، حاز الفضائل بأسرها والمعاني بفخرها والمعالي بعزها، وعقبلة العلوم بحرزها. ذو الباع الأطول في علوم الشريعة، فارع حصونا ومعاقلها المنيعة وله البيت الأصيل والمجد الأثيل، والقدر الجليل. نشأ في العلم، وترعرع في الفضل، وشبَّ في الزهد، وتكمّل في الورع. الفقيه الحنفي المدرس الكاتب المتفرد بعلم الكتابة والخط؛ وبيت أبي جراده كله أدباء فضلاء شعراء /102 ب/ رؤساء فقهاء نبهاء محدّثون مقدّمون عبّاد زهاد قضاة، يتوارثون الفضل كابرًا عن كابرٍ، وتاليّا عن غابر. وكل هؤلاء معظمهم من آبائه. ولي القضاء بحلب وأعمالها، وهم على مذهب أبي حنيفة –رضي الله عنه-. وأبو القاسم فأوصافه في الفضل كثيرة، وسماته بحسن الأثر أثيرة، فان الله كمل خلقه، وحسن خلقه، ووفر فضله، وكثر عقله، وجعل همته في العلوم ومعالي الأمور. وقد درس الفقه فأحسنه، وعني بفن الأدب فأتقنه، ونظم القريض فجوّده، وأنشأ النثر فسدده، وقرأ حديث الرسول وعرف علله ورجاله وتأويله وفروعه وأصوله، والجرح والتعديل والعلم بالخلاف والجدل وغير ذلك من المعلوم. ثم أنَّ له خطًا فاق به أبناء زمانه، وبلغ الغاية القصوى في جودته واتقانه؛ وينضاف إلى ذلك العفاق ... والوقاؤ، وحسن السمت والجلال. المشهور عند الخواص والجمهور، وقد صنّف عدّة كتب منها: كتاب التاريخ /203 أ/ الذي صنعه لحلب، حذا فيه حذو تاريخ الخطيب أبي بكر بن ثابت، وكتاب "زبد الحلب في ذكر ولا حلب" واقتصر فيه على الملوك الذين ملكوها، وكتاب "في الجهاد" وكتاب "الكلم المستفادة في أخبار بني أبي جرادة" ضمنه أخبار أهله ومناقبهم، وما يستحسن من أشعارهم وفضائلهم؛ وغير ذلك من الكتب.

وفوّض إليه تدريس المدرسة النورية المدعوة بمدرسة الحلاوس مضافًا إلى مدرسة شاذبخت النوري. وصار له منزلة رفيعة من الدولة الناصرية الصلاحية –ثبتّها [الله] وأيدها. وأنفذ رسولاً إلى بلاد الروم عدّة مرات، وكذلك الديار المصرية اعتمادًا على وفور عقله ورزانته. وكان مولده في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وكتب مصحفًا بخطه، ومجموعًا .... من خطّ ابن البواب وأهداهما إلى السلطان الملك الأشرف موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب؛ وكتب معهما رقعة بذهب فيها هذه الأبيات وزمَّكها على غاية الحسن، وأرسل الجميع إليه. /203 ب/ وأنشدنيه بمدينة حلب، بمنزلة العمور ليلة الجمعة الثامنة عشرة من ربيع الآخر أربع ثلاثين وستمائة –أبقاه الله تعالى-: [من البسيط] كلُّ الهدايا وإن جلَّت مواقعها ... تباينت في نفيس القدر والغنم وشابهت خطر المهدي وموضعه ... وقصَّرت عن ندى ذي البرِّ والنِّعم وإنَّ أنفس ما يهدى وأحمده ... عقبى ... القدر والهمم هدَّيةٌ صدرت عن كاتب حسن ... إلى أجلِّ ملوك الأرض كلهم الأشرف الملك المأمول نائله ... وخير من أسبغ النُّعمي على الأمم كلام رب البرايا مصحف شهدت ... كلُّ الهدايا له بالفضل والعظم تظلُّ ترتع منه العين في زهر ... وفي رياض هدى لم تشق بالدِّيم قد جاء يحكيك يا من لا شبيه له ... يا أشرف النَّاس من عرب ومن عجم فيه صفاتك من عدل ومن خلق زاك ... وبذلك النَّدى والجود والكرم فاجعله خير جليس وأبق ما صدحت ... حمامةٌ ودعت أخرى على علم وقال أيضًا، وأنشدنيه: [من الطويل]

وأهيف معسول المراشف خلته ... وفي وجنتيه للمدامة عاصر /204 أ/ يسيل إلى فيه اللَّذيذ مذاقه ... رحيقًا وقد مرَّت عليه الأعاصر فيسكر منه عند ذاك قوامه .. فيهتزُّ تيها والعيون نواظر كأن أمير النَّوم يهوى جفونه ... إذا هم رفعًا خالفته المحاجر خلوت به من بعد ما نام أهله ... وقد غارت الجوزاء واللَّيل ساتر فوسَّدته كفِّي وبات معانقي ... إلى أن بدا ضوءٌ من الصُّبح سافر فقام يجرُّ البرد منه على تقى ... وقمت ولم تحلل لإثم مازر كذلك أحلى الحبِّ ما كان مزجه ... عفاقًا ووصلاً لم تشتنه الجرائر وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الطويل] وساحرة الاجفان معسولة اللُّمى ... مراشفها تهدي الشِّفاء من الظَّما حنت لي قوسي حاجبيها وفوَّقت ... إلى كبدي من مقله العين أسهما فواعجبًا من ريقها وهو طاهرٌ ... حلالٌ وقد أضحى عليَّ محرَّما فإن كان خمرًا أين للخمر لونه ... ولذَّته مع أنني لم أذقهما لها منزلٌ في ربع قلبي محلُّه ... مصونٌ به مذ أوطنته لها حمى جرى حبُّها مرى حياتي فخالطت ... محبَّتها روحي ولحمي والدِّما تقول إلى كم ترتضي العيش هكذا ... وقتنع أن تضح صحيحًا مسلمَّاً /204 ب/ فسر في بلاد الله واطَّلب الغنى ... تفز منجدًا إن شئت أو شئت متهما فقلت لها: إنَّ الَّذي خلق الورى ... تكفل لي بالرِّزق منه وأنعما وما ضرَّني أن كنت ربَّ فضائل ... وعلم عزيز النَّفس حرًا مكرَّما إذا عدمت كفَّاي مالاً وثروةً ... وقد صنت نقسي أن أحلَّ وأحرما (ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لاخدما) مضمن للقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الأرجاني، ومنها قوله يفتخر بابائه: سألزم نفسي الصَّفح عن كل من جنى ... عليَّ وأغفو هفَّة وتحلُّما

وأجعل مالي دون عرضي وقاية ... ولو لم يغادر ذاك عندي درهما وأسلك آثار الألى اكتسبوا العلا ... وحازوا خلال المجد ممَّن تقدمَّما أولئك قومي المنعمون أولو النَّهى ... بنو عامر فاسأل بهم كي تعلَّما إذا ما دعوا عند النَّوائب إن دجت ... أناروا بكشف الخطب ما كان أظلما وإن جلسوا في مجلس الحكم خلتهم ... بدور ظلامٍ والخلائق أنجما وإن هم ترقَّوا منبرًا لخطابة ... فأفصح من يومًا بوعظ تكلَّما وإن أخذوا أقلامهم لكتابة ... فأحسن من وشَّى الطروس ونمنما /205 أ/ بأقوالهم قد أوضح الدِّين واغتدى ... بأحكامهم علم الشَّريعة محكما دعاؤهم يجلو الشَّدائد إن عرت ... وينزل قطر الماء من أفق السَّما وقائله يا أبن العديم إلى متى ... تجود بما تحوي ستصبح معدما فقلت لها: ‘نِّي إليك فإنَّني ... رأيت خيار النَّاس من كان منعمًا أبي اللؤم لي أصلٌ كريم وأسرةٌ ... عقيليةٌ سنُّوا النّضدى والتكرُّما وقال أيضًا: -[من البسيط] قل للوزير أدام الله دولته ... ولا تخطَّت بسوء نحوه قدم يا أيها الصَّاحب الميمون طائرة ... ومن أياديه لا تحصى ولا النَّعم بقيت للدولة الغرَّاء تحرسها ... بحسن رأيك يا من فضله ديم ملكت رقَّ الرَّعايا بالجميل فقد ... أضحوا عبيدك إن عزُّوا وإن عظموا والله لو أنفقت كفَّاك ما ملكت ... لما مللتهم بالبر ..... لكن ..... انلار غادرهم ... بطول عمرك إذ يدعون ربَّهم يدعونه بأبتها لا يغادره ... إلاَّ التَّضرُّع والأغخبات ليلهم أبردت منها قلوبًا طالما احترقت بظلمه وانبعاث الشرِّ نحوهم أرسلت نحو قفاه أسهمًا خضعت ... بالقول منك لها الأذقان والقمم /205 ب/ تكاد تفعل في أرجاء هامته ... من المذلة ما لا يفعل الأدم أحرقت بالخائن الزنديق فانشرحت ... لك الصدور فلا غلٌ ولا سقم تثنى عليك بما اوليته حلبٌ ... ويثربٌ وكذا البَّطحاء والحرم كذاك يثنى رسول الله والملأ الأعلى عليك به والدِّين والكرم

وأنشدني أيضًا لنفسه ما كتبه إلى الصدر الكبير شهاب الدين أبي جعفر يحيى بن خالد بن القيسراني الكاتب: [من الخفيف] ياكتابي عنَّي تحمَّل سلاما ... يخجل الورد عرفه والخزامى صنائعٌ نشره أجزت بدارين به أم مزجت فيه مداما ثمَّ زر ساحة الوزير شهاب الدِّين والثم أبوابه إعظاما ولج النزل الكريم وقابله وقبِّل يديه والأقداما فهو مولى بالعلم قد زانه الله فأضحى للمتِّقين إماما المعيُّ تراه إن أعمل الفكرة تلقى الأغراض منها سهاما وإذا جرَّد اليراع لخطب ... سلَّ منه على الأعادي حساما /206 أ/ وله دانت البلاغة وانقادت وألقت إلى يديه الزِّماما وإذا ما حللت في بطن كفٍّ ... فيه تولي الورى الآيادي الجساما ومتى فضَّ منك ختمك واستجلى محيَّاك حين أبدى اللِّثاما حيِّه عن متيَّم ذي اشتياق ... في هواه قد خاالف اللُّوَّاما قل له: عبدك المحبُّ أبو القاسم يشكو لبعدك الآلاما لوغدا شارحًا جميع الَّذي يلقى لأفنى المداد والأقلاما مذ ترحَّلت نحو حارم أضحى ... نومه وحشة عليه حراما كان مستأنسًا بقربك منه ... يتمنَّى النَّعيم والإنعاما فغدا إذ رحلت حلف اكتئاب ... دائم الفكر مدنفا مستهاما فاحبه منك منعمًا بكتاب ... تعل منه قدرًا وتشف أواما وأبق في نعمة وابقى لك الله تعالى محمَّدًا والنِّظاما وقل أيضًا: -[من الطويل] أجنُّ إذا برق العوير تألقا ... وأصبو إليه حسرةً وتشوُّقا وأذكر أيَّامي بمنعرج اللِّوى ... سقاها الحيا سحًا من المزن مغدقا /206 ب/ ومحجوبة ما شئت قل متغزلاً ... بها تلف أوفى النَّاس قولاً وأصدقا إذا قلت: إنَّ الشمس تشبه وجهها ... ترى وجهها أبهى وأحسن مشرقا

وإن قلت: غصن البان يحي قوامها ... تجد خدَّها يزي على بانة النَّقا وإن قست ... ريقها بمدامة ... مدحت إذا قست الرَّحيق المعتَّقا يود نسيم المسك لو أنه حكى ... ترائب منها إذ تضوغ ومفرقا لها مبسمٌ عذبٌ وعينٌ كحيلةٌ ... وخدٌ أسيلٌ فلًّ عزمي وفرقا وجيدٌ يغير الظَّبي أبيض لونه ... وشعرٌ يعير اللَّيل عن شاء قرطقا أتت تتهادى بين بيض نواعم ... يخمرن أطراف البنان من التُّقى فحيَّيتها ثمَّ اشتكيت صبابتي ... إليها فقالت: هكذا من تعشَّقا فقلت: ارحمي من ذاب وجدًا وبادري ... قتيل جوى غادرته في الهوى لقى فقالت تجنَّب أن تزور فإنَّ لي ... أبًا غائرًا مازال يخشى ويتقَّى ولا تلجن يومًا عليَّ فإنني ... أخاف إذا ما زرتني ان تمزَّقا فعدت إلى الشَّكوى وأبديت ذلَّة ... وأسبلت دمعًا جاريًا مترقرقا فرقَّت لما بي ثمَ قالت لصحبها ... أرى ذا الفتى في أسر حبِّي موثقًا وأبرزت الوجه المنير وأصبحت ... على العاشق المسكين أحنى وأشفقا /207 أ/ وظت تجاذبني الحديث وإنني ... لأمنحها مني الوداد المروقا وله قد رأى في عارضه شعرة بيضاء، وعمره يومئذ أحد [ى] وثلاثون سنة، وأنشدنيه: [من الطويل] أليس بياض الافق في اللَّّيل مؤذناً ... بآخر عمر اللَّيل إذ هو أسفرا كذاك سواد النَّبت يقرب بيسه ... إذا ما بدا وسط الرِّياض منوِّرا وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل] إحذر من إبن العمِّ فهو مصحَّف ... ومن القريب فإنَّما هو أحرف فالقاف من قبر غدا لك صافرًا ... والزَّاء منه ردى لنفسك يخطف والياء ياس دائمٌ من خيره ... والباء بعضٌ منه لا يتكلَّف اقبل نصيحتي الَّتي أهديتها ... إنِّي بأبناء العمومة أعرف

[543] عمر بن عليِّ بن المبارك بن يوسف بن عليٍّ، أبو حفصٍ الموصليُّ، المعروف بابن النحَّال. هكذا ذكر لي نسبه لما سألته عنه. كان شيخصا طويلاً عانى نوع الأدب والخط والكتابة والتجويد لها، فتميّز في ذلك كلّه /207 ب/ ولازم الشيخ أبا الحرم النحوي، وأخذ عنه صدرًا حيِّداً من علم العربية والنحو. ثم تردد إلى أولاد الأمراء بالموصل يعلمهم خطًا وأدبًا. وكان قبل ذلك مقلاً فأثرى وصار له رزق صالح وحرمة عندهم وقبول. لقيته عدّة مرات ولم ينشدني شيئاً من شعره. ثم عثرت له بعد ذلك بقصيدة، فأنشدنيها وهي بخط يده نظمها في القاضي حجّة الدين أبي منصور المظفر بن عبد القاهر الشهرزوري، توفي يوم الأثنين رابع عشر المحرم من سنة إحدى وثلاثين وستمائة بالموصل: [من الطويل] نه عجَّزت من دونها النَّظم والنّثرا ... وأوضاح فضلٍ فاقت الانجم الزُّهرا تسامت فلا نثرٌ تزداد به علا ... وتاهت فلا نظمٌ تزان به ذكرا فلو جاءها بالنَّثرة النَّثر لم يجز ... مناقبها أو حفَّها الشِّعر بالشِّعرى وهبني ملأت الأفق بالمدح أنجما ... فهل يتغشَّى نورها الشَّمس والبدرا بدا كمحيَّا الصُّبح من نوره سنى ... وأبدى سحيق المسك من نشره عطرا على أنَّ طيب الذَّكر أجدر بالفتى ... وأعلى له قدرًا وأبقى له ذكرا فإنَّ لأنفاس الخزامى تأرُّجًا ... إذا ما نسيم الرِّيح ضوَّعها نشرا /208 أ/ هجرت مديحًا في سواك تقيَّة ... وصونًا فلا إفكا أقول ولا هجرا فإنَّك قاضي النَّاس حجَّة ديننا ... غياثٌ لمن وافى .... معترَّا تخولِّله نعمى وتسعفه يدًا ... وتلحفه ظلاً وتكنفه برَّا صلاتٌ تراها كالصَّلاة فريضة ... إذا عنّ منها الشَّفع أعقبها الوترا

لقد حزت فضلاً لم يحزه من الرى ... سواك ملّكت السِّيادة والفخرا ونلت محلاً في الآنام ورتبة ... تجاوزت الجوزاء بالفخر وال .... قدم حجَّة الدِّين الإمام على الورى ... تنيل النَّدى جوداً وتصلي العدا الجمرا ولازلت للعافين مأوى وملجأ ... نزيل بك البأساء والضُّر والفقرا [544] عمر بن إسحاق بن هبة الله بن صدّيق بن محمود بن صالحٍ، المعروف بابن قاضي خلاط. وقد تقدّم شعر أبيه وأخيه وكانت ولادته بخلاط في ليلة السادس من شعبان في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. وانتقل مع أبيه وأخيه إلى مدينة إربل، ثم سافر عنها بعد موت أبيه في سنة سبع عشرة وستمائة إلى بلاد الشام؛ ثم نزل دمشق خدم أميرًا /208 ب/ بها، يعرف بكريم الدين إبراهيم. ثم خدم بعده الملك الصالح عماد الدين أبا الفداء إسماعيل بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي صاحب دمشق. لقيته بحلب المحروسة بخانقاة القصر يوم السبت العشرين من جمادى من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وستمائة، وقد رودها رسولاً من قبل الملك الصالح مخدومة. وهو شاب جميل حسن المنظر فاخر الملبوس، متزيٍ الاكراد؛ شعره

يضرب إلى كتفيه، جندي كيّس ذو طبع مؤات فيما يرومه من إنشاء العلم ولم يكن عنده شيء من العلم سوى نظم الشعر لا غير. فاستشدته فأنشدني هذه المقطوعات ما خلا هذه القصيدة البائية. أنشدني عمر بن إسحاق لنفسه: [من الطويل] ولَّما دنا ممَّن أؤمِّل قربه ... بعادٌ أذاب القلب بين الجوانح وسارت نواجي العيس عن أرض بارق ... وكلُّ نضير الخدِّ للبدر فاضح وعاينت وخد الرَّاقصات عشيِّة ... ومر حدوج القوم بين الصَّحاصح وألفيت أبناء الهوى شارفوا أسَّى ... مناياهم ما بين باك ونائح تيقنت أنِّي لا محالة واردٌ ... حياض المنايا إثر بين الطَّلائح /209 أ/ ربحت دنوَّ الدَّار دهرًا قبضته ... وكنت غداة البين أحسن رابح وأنشدني من شعره: [من السريع] يا ليلة الحاجر هل عودةٌ ... ترى لووصل النَّازح الهاجر وهل يعيد الوصل قولي: ترى ... هل عودةٌ يا ليلة الحاجر أحبابنا بانوا فلم يكتحل ... بالغمض من بعدهم ناظري كان التمني فيهم أوَّلى ... فصار يأسي منهم آخري واربا من عاذل عادل ... في الحكم عن إيضافه جائر يأمرني بالصَّبر عنهم ومن ... أين لقلبي جلد الصَّابر أيا شقائي في الهوى إنَّني ... أعيش إلاَّ تعب الخاطر فيا مريقاً دم عشَّاقه ... بصارم من طرفه السَّاحر بالأسود الفاتر حتَّى متى ... تفعل فعل الأبيض الباتر أنشدني لنفسه: [من المجتث] سبت فؤاد المعنَّى ... لواحظٌ منك وسنى يمرضننا حيث ترنو ... وهنَّ أمرض منَّا

ما أكثر النَّاس حسنًا ... أقلُّهم أنت حسنا /209 ب/ ردَّ الرُّقاد لعلَّ .. الخيال يطرق وهنا إلى متى ذا التَّجافي ... جد بالتَّلاقي وصلنا وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل] سحرته ألحاظ الحسان كما ترى ... وغذته البان الهوى فتحيَّرا وغدا يصوب لذكر نَّجد دمعة ... فلأجل ذلك ما جرى إلاَّّ جرى يا طرف دع شكوى السُّهاد جهالة ... أنت الَّذي في بحره غرق الكرى وأنا الَّذي أصبحت أنزح ماءه ... أبغي الغريق به وها أنا لا أرى تشكو وأنت .... أسباب الهوى ... حتى .... بها العذاب الأكبرا ماكنت من خلدي لرائعة النَّوى ... قبل الحمام .... ومصوَّرا فدنا بها زمن أساء ولم يكن ... من قبلها بنوى الأحبَّة أنذرا وأبادني ببعاد أهيف خدُّه ... كالورد أزهر فوق غصن أزهرا فسرى الفؤاد وما أقام وحبُّه ... بين الجوانح قد أقام وما سرى وقال أيضًا وأنشدنيه: -[من الكامل] ومهفهف رطب المعاطف ناعم ... عذب المراشف طيِّب الأنفاس جمع المحاسن وجهه فكأنَّما ... هو روضةٌ راقت على ..... /210 أ/ فالنَّرجس الطَّرف المضاعف ... لوعتي واقاعها ثغر جنى ... والخدُّ يبدو محدقًا بعذاره ... كالورد حفَّ به جنيُّ الآس سبحان من أنشاه من إحسانه ... حسنًا فأصبح فتنة للناس [545] عمر بن عبد الله، أبو حفص، الأنصاريُّ الواسطيُّ الفقيه. نزل بغداد وتفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- وصار معيدًا له؛ وله شعر رقيق. أنشدني زين الدين أبو الفضل صدقة بن أبي إليه الشيرازي، قال: أنشدني عمر الأنصاري لنفسه: [من الطويل]

أواخر أشواقي إليك أوائل ... وسائل دمعي لي إليك رسائل وأيسر ما .... منك ..... قاتل ... من الوجد والدَّاء الذي لا يزايل وأسدُّ عن التَّعدال سمعي وإن دعا ... غرامٌ فمغري بالإجابة مائل وفي مذهب العشَّاق أنَّ أبن صبوة ... سلى كان فيما أدَّعى وهو جاهل وما أنا ممَّن يردع العذل قلبه ... على كل حال فلتكفَّ العواذل رضيت بقتل في هواك وراق لي ... وأحلى الهوى للصبِّ ما هو قاتل /210 ب/ لعمري لولا أن أؤمِّل أنَّه ... إذا مرَّ عام جاء بالوصل قابل لغارقت النَّفس الحياة وأصبحت ... تنوح عليها النَّائحات الثّ واكل ولولا سقام الجفن لم يلف مسقمٌ ... ولولا نحول الخصر لم يلف ناحل قطعت حبال الوصل لا عن جزيرة ... وما النَّاس إلاَّ قاطعٌ ومواصل فهلاَّ بعثت الطيف في سنة الكرى ... لعلي أرى بعض الذس أنا أمل فإنَّ الكرى في طرف كلِّ مسهَّد ... لكلِّ خيال من حبيب حبائل وهل عاذلٌ إذا حلّ عاقلاً ... ولم تقتنصه باللِّحاظ العقائل بواد بواد كالشُّموس بأعين ... إذا ما رنت لم تحم منها المعاقل رشقن بنبل السِّحر منَّا مقاتلاً ... فما جاوزت تلك النبال المقاتل فمن كان يروي السِّحر عن أرض بابل ... فعن هذه الألحاظ ترويه بابل [546] عمر بن أبي بكر بن يحيى، أبو حفص البغداديُّ حفظ كتاب الله –تعالى- ببغداد، وسمع الحديث على جماعة من شيوخها منهم؛ أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن سكينة، وأبو الرِّضا بن العودي وغيرهما؛ وله /211 أ/ إجازة من أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي وغيره من أصحاب الحديث. خرج من بغداد لضائقة لحقته متوجهًا إلى محروسة إربل، فنزل بدار حديثها المظفرية؛ وسمع حديثًا كثيرًا على شيخنا أبي الخير بن أبي المعمر التبريزي المحدّث وتولى بها الإمامة، يصلّي بجماعتها الصلوات الخمس. رأيته بها وهو شيخ كثير

الدرس للقرآن يته دائمًا آناء الليل وأطراف النهار. اخبرني أنه [ولد] سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. وبلغني أنَّه قتل بإربل حين دخلها التتار الملاعين –خذلهم الله تعالى- في شوال سنة أربع وثلاثين وخمسمائة –رحمة الله تعالى- وله مقطعات من الشعر. أنشدني لنفسه؛ وكان قد مرض حتى أشرف على الهلاك، فمنَّ الله عليه وأنقذه من مرضه الَّذي ألم به: [من الرمل] ذكره أنسي وأنسي ذكره ... ليتني لم يخل من ذكر لساني عجبًا لي كيف أنسى شكره ... ومن الأمراض ربِّي قد شفاني يا إلاهي كن لعبد مذنبٍ ... دائمًا يدعوك في كلِّ مكان إنَّ ربي قال في تنزيلة ... انا من عبدي قريبٌ إن دعاني /211 ب/ ربِّ فاغفر لي ذنوبي كلَّها ... واعف عنِّي ثمَّ أصلح لي لساني وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى علاء الدين أبي علي بن عمر بن صالح الإربلي، وهو يومئذ يتولّى الاشراف بالديوان المظفري –يشكو إليه من عمال دار الحديث، تشفعًا في استخلاص جامكيته منهم وقد عوقت عليه ومطلوه بها: -[من الخفيف] أيَّها السَّيِّد العلاء أغثتي ... وانتصر لي من هذه العمَّال كم يعنُّون بالتَّردُّد والمطل ... ولا ينظرون في سوء حالي جهلوني فليتهم عرفوني ... إنَّني كنت في زماني الخالي بمدار وحنطة بغال ... وبجاه وحشمة ودلال فرماني قضاء ربِّي إليكم ... يعدما ان عدمت جاهي ومالي ليتني كنت قد قرب وما جئت إلى إربل رقيق الحال إن تكن مسعدي عليهم فوالله يمينًا بكلَّهم ما أبالي

[547] عمر بن عبد الكريم /212 أ/ بن عمر بن الرحيم بن إسماعيل بن أحمد بن محمد بن أحمد بن دوت داذ، البغداديُّ المولد والمنشأ، النيسابوريُّ الأصل، أبو المحاسن بن أبي سعدٍ. من أبناء المشايخ المعروفين بالتصوّف وحسن الطريقة. أخبرني أنه ولد في شهر ربيع الأول سنة تسعين وخمسمائة. وتوفي آخر نهار يوم الجمعة تاسع جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وصلِّى عليه برباط .... الشيخ أبي سعيد النيسابوري، ودفن يوم السبت بالجانب الغربي ببغداد في مقبرة باب البصرة تجاه جامع المنصور. وكنت ممن شهد الصلاة عليه –تغمده الله برحمته ورشوانه عنه وكرمه-. وكان شابًا عفيفًا جميلاً، وموصوفًا بالعقل، حسن الأدب، ولم يعرف له منذ نشأ صبوة، تأكدت بيني وبينه صحبة ببغداد، وكنت كثير التردد إلى والده. مما أنشدني لنفسه من قصيدة يناقض بها قصيدة أبي الفتوح بن البخاري التي تقدّمت، فقال أبو المحاسن: [من البسيط] جنى ورد خدود العاتب الجانبي ... إلى احتمال التجني من الجاني /212 ب/ أحوى خوى الحسن في خلق وفي خلقٍ ... فاق الخلائق حتَّى ماله ثاني طلق المحيَّا لو استسقى الحيا لسقى ... ولو تعذَّر نابت عنه أجفاني ما عاين الإنس إنسانًا كصورته ... لمَّا يصوِّره إنسان إنساني في فيه راحي وروحي في يديه وفي ... تقبيل وجنته روحي وريحاني أغنت عن الغانيات الغر غرَّته ... وشهد فيه عن الصَّهباء أغناني والخمر ما خامرت عقلي ولا غفلت ... عن المواقيت تسبيحي وقراني أهوى العفاف كما أهوى شمائله. وللنُّهي عن تناهي الآمر ينهاني واعتضت من راهبات الدَّير يا سكني ... بسَّاكني الدُّور من حور وولدان أحبب بهنَّ شموسًا لا شمامسة ... قد توِّجوا بأكاليل وتيجان

ونحظر الدُّف والمحصور ننكرة ... ولا نصيخ لنايات وعيدان والزَّفن مضطربٌ للقوم من طرب ... وليس ينكر عرف الحبِّ عرفاني وفي المعنى لأرباب الهلوى أربٌ ... لم يبلغوه بشمعون وشمعان فالقسُّ لو كان قساً في فصاحته ... لما انتصرت على غيٍّ بنصراني مالي وللجاثليق الشَّيخ متَّزراً ... بالصُّوف يزري على ديني وإيماني فأبن البحيريِّ لما إن طغى وبغى ... قال: اعذروني فالرَّبان ربَّاني /213 أ/ ساء اعتقادًا فناجته عقيدته ... هذا هو العيش إلاَّ أنَّه فاني هذا إلى مالك مالت جوارحه ... ونحن ملنا إلى روض ورضوان أرجو من الله أن يغفو برحمته ... ولم يكلني إلى ضعفي ونقصاني فلست أنكر جرمي وهو يعرفه ... ولا أصرُّ على إصري وعدواني ولا أقول وعمري بل عامره: (عرِّج بدير حنينًا أيها الجاني) [548] عمر بن يوسف بن أبي بكرٍ، أبو حفصٍ القفصيُّ، المعروف بابن التبسىِّ. وتبس مدينةٌ من مدن أفريقية. حدثني القاضي أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة بحلب –أيده الله تعالى- قال: كان شيخًا حسنا دمت الأخلاق، طيب المحاضرة، اقام عندنا بحلب سنين عدّة. وكان يختلف إليها بعد ذلك. وروى لنا شيئًا من شعر عبد المنعم الجلياني عنه، وأنشدنا مقطعات من الشعر له ولغيره. وكان له معرفة بالحكمة والهندسة. وأخبرني أنّه ولد في العشر الأول من ذي الحجة سنة تسع وأربعين وخمسمائة،

قال: وجدته كذلك بخط/ 213 ب/ والدي، قال: وتوجه إلى ذبلاد الروم بعد العشرين والستمائة، فبلغني بعد ذلك أنه توفي بها. وأنشدني لنفسه: [من الطويل] وقائله مالي أراك مغيَّرا ... أمن فرط وجد صار لونك أصفرا فقلت كليني ياهنيدة واعلمي ... فلو أنَّ ما بي بالجلامد أثَّرا فقالت: رعاك الله هل أنت مخبرٌ ... بما هو أو ما كان قدماً وما جرى لعلَّ برأي يحدث الله راحة ... فإن الَّذي أبلى يفرِّج ما ترى فقلت لها: صرف الزَّمان وجوره ... احال على الأحوال حالي فغيَّرا وشئت أحبابي وأذهب ثروتي ... فصرت فقيرًا بغد ما كنت موسرا تناءت دياري واضمحلَّت أحبَّتي ... فهذا الَّذي أهدى لجسمي التَّغيرا فدمعي سفوحٌ والجوى حلَّ في الحشا ... وقلبي قتيل الحالتين مغفَّرا ولا حاكمٌ يقضي فيحكم بيننا ... ولا مسعد تلفي لنصري ميسَّرا فمن مانعي من ظلم دهري وجوره ... ولم ألق إلاَّ من إذا قال: قصَّرا وقد حار وهمي من عظيم بليَّتي ... فما خيلتي فيما سمعت وما ترى [549] عمر بن أسعد بن عمّار /214 أ/ بن سعد بن عمار بن عليِّ بن أبي العلاء بن أبي الفرج بن هذيل الأمير أبو حفص ابن أبي المعالي الموصليُّ. من أبناء الأمراء وبيت الجاه والولاية والخدمة للملوك والسلاطين. كانت ولادته فيما أخبرني به من لفظه ظهر يوم الأحد سادس جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وخمسمائة. سمع في حال صغره الحديث، وكتب خطًا رائقًا؛ وله معرفة حسنة بالتواريخ والسير وأيام الناس وأخبارهم، صاحب نظم حسن، ونثر لاباس به؛ وهو نعم الرجل دينًا وتواضعًا وفضلاً. أنشدني لنفسه: [من الوافر] إذا علقت من الديوان كفي ... بأسباب العبودة والولاء فلست أخاف أحداث اللَّيالي ... إذا أصبحت منه بالفناء

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من السريع] هنِّيت بالخلغة يا من له ... مجدٌ ووجه يخجل الشَّمسا قد فقت أضرابك في كل ما ... تأتيه في المصبح والممسى وأنشدني أيضًا قوله: [من البسيط] يامن له مقلو تسبى العقول بها ... رفقًا بقلب حشاه الوجد أحزانا /214 ب/ إن كانقصدك قتلي بالُّدود فقد ... أضرمت في كبدي بالهجر نيرانًا وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] فأنت الَّذي عظَّمت للدِّين أمره ... وشيَّدته مبنى ونوَّهته قدرا سموت علوَّا وارتفاعًا وبسطةً ... ونلت المنى في كلِّ حادثة قطرا حسام أمير المؤمنين الَّذي انتضى ... لجذِّ رقاب الصِّيد يبترها بترا وأنشدني لنفسه: [من السريع] صبِّحت بالإقبال والنَّصر ... يا مالك الإحسان والأمر وعشت ما ناحت على أيكة ... قمريَّةٌ في غرَّة الفجر وأنشدني أيضًا قوله: [من الوافر] مثلت بخدمة الملك الهمام ... أبي الأشبال واللَّيث المحامي فأرعدت الفراص منه خوفًا ... وآذن منه ظهري بانفصام ألام على مهابة ليث بيد ... عداه [] بالعضب الحسام مليكٌ يكسب الضرغام بأسًا ... وإقدامًا على الجيش اللُّهام مليكٌ شأنه قمع الأعادي ... وبذل ندّى كمنهل الغمام وانشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] /125 أ/ ألا يا أيُّها المولى الهمام ... ويا ملكًا أياديه حسام شأوت ملوك أهل الأرض طرّاً ... وفتَّ العالمين فما ترام إذا ضنَّ السَّحاب وأنت فينا ... سقانا جود كفِّك والسَّلام إذا رضي الكرام عليَّ منهم ... فما آسى إذا سخط اللِّثام

ومن كلامه المنثور ما كتبه إلى بعض الولاة في معنى أملاك له أخذت منه: "شابت ذوائب الأمل في الوعود الكريمة، واتسع خرق الفاقة، وتضاءل الصبر واشتدّت فيه الحاجة، والإلحاح في السؤال، يؤدي إلى الملال، والإمهال، يؤذن بالإهمال". [550] عمر بن عليِّ بن محمّد بن الوزير أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، أبو الفضل بن أبي الحسن الشيبانيُّ وقد تقدم نسب مستقصىّ عند ذكر ابن عمه أحمد بن ظفر. أخبرني أنّه ولد تقديرًا سنة ثمان وثمانين وخمسمائة بدمشق، وهو من بيت الوزارة والرئاسة كان في خدمة /215 ب/ الملك المسعود مودود بن محمود بن محمد –صاحب آمد- وكاتب أسراره؛ فلما اخذ الملك الأشرف موسى آمد وملكها خرج الأمير أبو الفضل متوجهًا إلى مدينة إربل سنة ثلاثين وستمائة ليخدم سلطانها الملك المعظم كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه. وأنشدني لنفسه: [من الطويل] سلامٌ على من ليس لي منهم بدُّ ... وإن هجروا عن غير جرم وإن صدُّوا سلامٌ كأنفاس الرِّياض تأرجت ... سحيرًا وفي أرجائها البان والزَّند أيا ساكني الزَّوار هل بعد بعدنا ... تدان ففي الأحشاء من بينكم وقد تناسيتموني واضمحلَّت مودَّتي ... لديكم وقلتم غاله البين والبعد وما عندكم أنِّي إذا هبَّت الصَّبا ... عراقِّية من أرضكم هزَّني الوجد وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] من مبلغ الواشين لا نالوا المنى ... عنِّى إليه صادق الأعذار والله ما رقدت جفوني بعدها ... إلاَّ لرقبة طيفها الزَّوار ولما خزنت الدَّمع يوم وداعها ... إلاَّ لحفظ ودائع الأسرار

وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى الصاحب /216 أ/ شرف الدين أبي البركات المستوفي: [من البسيط] أنَّي أعدُّ انقطاعي عن مقرِّكم ... كيما أحقِّقه من أعظم الحرب فإن تجاوزتم عنِّي فحلمكم ... عن كلِّ صاحب جرم غير محجوب ولي رسائل حمد أستغين بها ... مستوهب المسك منها نفحة الطِّيب زهت بكم إربل الغرَّاء وافتخرت ... لمَّا عدت سلب الغرِّ المناحيب كذا المبارك أنذَى حلَّ في بلد ... كساه بالفخر فضفاض الجلاليب وافي الصيِّام فلا زالت ميامنه ... تنيله كلَّ مأمول ومطلوب وانشدني لنفسه: [من الطويل] ومن عجب أنِّي أرى ذا حشاشة ... بوجه لئيم من دجى البخل كالح يؤمل أن يثنى عليه بصالح ... وهيهات أن يثنى عليه بصالح وأنشدني أيضًا قوله: [من الخفيف] لا يغرَّنكم تضاعف بشري ... عند لقياكم وفرط ابتسامي إنَّ للسيف حين يشهر للضرب بروقا فيهنَّ ومض الحمام وانشدني قوله في إنسان أتلف له بغلة ثمينة، ثم أتبعها بضياع محفورة ثم هجره /216 ب/ عقيب ذلك، وتجنّى عليه حتى أنه كاد أن لا يكلمه: [من السريع] إنِّي وإيَّاه حديثٌ غدا ... أعجوبة بين الورى مثله كنت أضافيه وأعتده ... ذخراً على الأيَّام ما مثله ما باله يجتاز بي معرضًا ... عنِّي ويثني عامدًا نعله كأنني ضيَّعت محفورة ... منه وأتلفت له بغله وأنشدني لنفسه، وكان مقيمًا بخلاط، والخوارزمي يحاصرها في النوبة الأولى؛ وكتبها إلى الأمير أسد الدين أبي العباس أحمد بن عبد الله بن عيسى المهراني الكردي وهو أسير في يده. وكانت بينهما صحبة ومحبّة تتجاوز حدّ الوصف: -[من الكامل] أأبثَّك الأشواق أم أشكو الَّذي ... أنا فيه من حذر ومن وسواس هيهات لا إحداهما أنا قادرٌ ... أنِّى أعبَّر عنه في قرطاس

ولقد سمعت من الكلام عجائبا ... زادت على عدِّي وحدِّ قياسي وتعرَّض الأعداء بي لمَّا رأوا ... بيني وبينك ضجَّة الحرَّاس /217 أ/ أولست تعلم أنَّني الخلُّ الَّذي ... يتلو محاسنكم مع الأنفاس وإذا اعترى أمرٌ وفاجأ فادح ... يومًا يجود بروحه ويواسي ولئن أتاح الله عودك سالمًا .. وأجاب فيك الدَّهر بعد شماس فجميع ما لاقيت مغتفرٌ له ... إلاَّ فراقك يا أبا العبَّاس وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الطويل] إذا أنت حقَّقت المكارم في أمرئ ... وأيقنت أنَّ المجد تحت ردائه فزره ولا تخشى الملال فإنَّه ... يرى لك حقًا في لزوم فنائه [551] عمر بن محمود بن أبي عليِّ بن عليِّ بن أبي عليِّ بن محمود بن الربيع، أبو حفص الإربليُّ يعرف عند أهل بلده بابن الموازينيِّ. شاب أزرق العينين أشقر، ذو خاطر مؤات في الشعر المتزن، وفطنة حسنة في إنشائه؛ استظهر القرآن الكريم، وأخذ من العربية ما يعصمه من اللحن. ومال إلى حفظ الأشعار. وهو سريع الحفظ، ينشد البيتين والثلاثة مرة واحدة فيحفظها في الوقت ولم ينسها. /217 ب/ وكان مولده سنة ثلاث وستمائة بإربل، وبها توفي في المحرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. أنشدني من شعره، يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المستوفي –رحمة الله تعالى-: [من الخفيف] هل إلى سالف الوصال وصول ... أم بقرب الحبيب يشفى الغليل بعدت شقَّة الوصال على المشتاق فالجسم منه مضني عليل حرَّم الغمض جفنه فقصير اللَّيل في جنب ما يلاقي طويل

في هوى أهيف القوام له من ... جفن عينيه صارمٌ مسلول إن تبدَّى فيدرتم منيرٌ ... أو تثنَّى فغصن بان يميل هدَّ ظهري ثقلاً وأوهى اصطباري ... منه ردفٌ واف وخضر نحيل كحل الجفن بالسُّهاد وصدَّ النَّوم عن مقلتي طرفٌ كيل يا عذولي في حبِّ من شرح أشواقي إليه إذا يعدُّ يطول لا تلمني فمسمع الصَّب عن ثقل استماع الملام واه كليل ياخليلي وقلَّ في الحبِّ أن بوجد للعاشق المعنَّى خليل كان ظنِّي أنِّي مدى الدَّهر لا أسلو وعن عهد حبِّه لا أحول علَّمتني أفعاله كيف أسلوه وماذا –إذا سئلت- أقول /218 أ/ فتسلَّيت واسترحت من التَّعذيب في الحبِّ واستراح العذول حسب جسمي يطيق حمل أيادي ... شرف الدِّين فهو عبءٌ ثقيل أنا من نائل المبارك ذي الإنعام في روضة النَّعيم أجول لي من صوب راحتيه إذا أجدب ربعي سحاب جود هطول ذو محيّا طلق وربع رحيب ... فيه للقاصد المجدِّ مقبل يظهر البشر حين يأتي يروم النَّيل من جود احتيه النزيل فهو في المكرمات فردٌ في دفع الأعادي عن نازليه قبيل عمَّ إحسانه الأنام فأضحى ... وكثير الثناء فيه قليل أسرع المعتفون يبغون جدواه وتأميلهم لديه دليل غير بدعٍ يا إبن موهوب في ربع ... معاليك نزِّل التَّننزيل يا وزيراً أشباهه وعطاياه قليل هذا وهذا جزيل لحمي ربعه حقيقٌ بأن تطوى إليه صحاصحٌ وسهول خزَّنا عند مدحه طربٌ حتى كأنَّ المديح فيه شمول فلإنشاده نميل كأنَّ الغصن هبَّت له صباً وقبول فليعش ما أحبَّ في خفض عيش ... فأمانيُّنا إليه تؤول /218 ب/ وأنشدني لنفسه أيضًا يمدحه: [من الخفيف] قم فقد آذن الدُّجى بالرَّواح ... ودعا بالفلاح داعي الفلاح

وتولَّت عساكر اللَّيل واستولت على هزمها جيوش الصّّباح واحبنا من رضاب فيك بخمر ... ما علينا في شربها من جناح فوق ورد من وجنتيك وآسٍ ... من عذاريك نزهة الأرواح واسقنيها أولاً فصهباء كرمٍ ... خندريسًا تدعو إلى الأقداح قرعتها يد المزاج وكانت ... لم تدلَّس من قبل ذاك براح برزت في الدُّجى فعاد نهارًا ... فغنينا بها عن المصباح يا نديمي قم نشرب الرَّاح صرفًا ... فكذا شربها بطيب افتضاح في رياض يهدي إليك أريج المسك منها منثورها والأقاحي يتغنَّى الحمام فيها بألحان تسري الهموم عجم فصاح لا تراني إلاَّ إليها مدى الدَّهر عدوى الًَّذي .... أين قلب الخليِّ مما كرهته أسهم الأعين المراض الصحاح فاغتنم لذة الزَّمان وحاذر ... أن ترى يا أخا الخلاعة صاحي لا تخف فاقة وقد بتَّ ترجو ... شرف الدِّين ذا النَّدى والسَّماح /219 أ/ أريحيا ما في يديه مباحٌ ... وحمى العرض منه غير مباح حجبته عن أن ينال بسوء القول سمر القنا وبيض الصِّفاح يا أجلَّ الأنام قدرًا وأذكى النَّاس نشرًا ومن لديه نجاحي حمد السَّائرون نحوك يرجونك سير الظَّلام عند الصَّباح بات كفُّ الإعطاء منك لما خطَّته في الجود كف غيرك ماحي فإلى وجهك البهي اشتياقي ... وإلى جود راحتيك التياحي لك ذل الورى فليس لمن بتَّ تروم انقياده من جماح واستقادت لك المنون .......... ... ...................... فأبق فالعاملون ما لم تكن فيهم جميعًا أولو أياد شحاح وأنشدني لنفسه يصف فصّ النرد: [من المنسرح] وذي جهات ستَّ له جسدٌ ... الجسم أمره وجبا تجور في حكمه فتبذل في الطَّوع لديه اللُّجين والذَهبا كأنَّه الدَّهر في تصرُّفه ... متى حبانا استرَّ ما وهبا

وأنشدني قوله فيه أيضًا: [من الطويل] وعاجي جسم نقَّط المسك جسمه ... كصبح عليه للدُّجَّنة آثار /219 ب/ مسدَّس شكل فيه ضرُّ وراحةٌ ... تصرِّفه فينا .. أقدار فلا تتعدَّى ما يقول وإن جنى ... علينا وعقبى ما نسرُّ به النَّار وأنشدني أيضًا لنفسه فيه: [من مجزوء الكامل] جيشان من زنج وروم ذا على هذا يصول يتجاولان ولا يطل دمٌ غيرهما القتيل وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض أصدقائه: [من البسيط] أبلغ محمَّد عنِّي إن مررت به ... قضيَّة تقلق الأحشاء مشتهره أشكو إليك رعاك الله حادثة ... يشبُّ منها لظى في النَّفس مستعره ما بال عثمان ينهى عامدًا عمرًا ... أن يستظلَّ وتحنو فوقه الشَّجره يسطو عليه وينهاه ويزجره ... كأنَّه لم يكن من جملة العشره وقال أيضًا وأنشدنيه لنفسه: [من الكامل] لم يفضل القدماء فيما ألَّفوا .. إلاَّ مؤلَّف درَّة التَّفصار ما شئت من معنى بديع رائق ... فيها ومن مستحسن الأشعار فكأنني لمَّا أطالغ .... ... منها ومن مستحسن الأشعار فكأنَّني لما أطالع .... ... منها أشاهد سائر الأمصار /220 أ/ ولئن تقدَّمه أناس قبله ... وتفطَّنوا في ذلك المضمار فله الفضيلة حيث جاء بمائه ... لم يشعروا من صحَّة الآثار لولا اللَّجين وما يساوي لم يبن ... للنَّاظرين فضيلة الدِّينار [552] عمر بن إبراهيم بن مسعود بن محمد بن إبراهيم، أبو حفصٍ الإربليُّ، ينعت بالخال. وهو من بيت الشيخ الذس كانوا رؤساء إربل ومشايخها، وإليهم الرئاسة بإربل.

وأبو حفص هذا؛ كانت ولادته تقديرًا في سنة .... وتسعين وخمسمائة. يخدم جنديًا للأمراء، وله طبع في قرض الشعر، يقيم وزن البيت بذوق حسن ويقع ... فيجيد رصفها إلاَّ أنه لم يعرف شيئًا من العربية، وإذا أنشد يلحن في إنشاده وربما اتى في شعره بلحن لكونه ما اشتغل بالأدب. وله أشعار تستطاب؛ لأنَّه يضمنها شرح حاله فتأتي مطبوعة خفيفة من غير تكلف. وهو الآن في خدمة الأمير ركن الدين أبي شجاع بن قرطايا الإربلي. /220 ب/ أنشدني لنفسه، وكان في خدمة ركن الدين بن قرطايا ويشكو إليه من غلاء السعر وتعذر النفقة: [من الخفيف] إنَّ برقا بدا من الأبرقين ... هاج وجدي شوقًا وأسهر عيني ودعاني إلى الشَّام وعيش ... مرَّ رغداً بالدّضوح والجبلين وفتاة بشفح عرشين إن لاحت تراها أبهى من القمرين جعلتني بقصر عيسى مشوقًا .. طول ليلي أراقب الفرقدين قد كواني حرُّ العراق ومالي ... جلدٌ ثابتٌ على حرَّين أين عيشٌ لنا رقيق الحواشي ... بمغاني قويق والدَّارين حبَّذا بالشَّام أبٌ وتموز وبرد النَّسيم في تشرين يا مليكي اسمع شكاية عبد ... من بني الشَّيخ معلم الطَّرفين ماله ملتجًا سوى بابك المحروس في المشرقين والمغربين نهبته الخيل العتاق وأفنت ... ما حواه من كل جنس وعين كل يوم لهم وللبيت يا مولاي قوتٌ يزيد عن دانقين ويزيد العلام منِّي إذا سامح نقدًا في الشَّهر دينارين /221 أ/ وكر الدار مع كرا الخان والصَّابون أفنى مالي و .... هات قل لي من أين لي كل ذاك المال أصادفت مطلبًا من لحين ولئن دام ذا عليَّ تراني ... راجلاً قد قطعت رأس العين أنت ذخري في النَّائبات وعوني ... في الملمَّات واعتمادي وزيني

جعل الله نجم سورك محفوفًا بعزَّ يسير في الخافقين وأنشدني لنفسه، وقد نزل بقرية تعرف بأم عبيدة من أعمال واسط، وهي التي فيها بيت الرفاعي مشايخ هذه القرية يخاطب شيخها الزاهد أحمد الرفاعي: [من الكامل] يا شيخ أحمد إنَّني متمسكٌ ... بكم وأنتم في البريَّة سادتي ما جئت من أقصى الشَّام إليكم .. إلاَّ لاحظي في غد بالجنَّة وأطوف من حول الضَّريح تطوُّعًا ... وأعفر أطراف الرَّواق بوجنتي تالله لولا صبيةٌ خلفتهم ... بالشَّام بيكون الغداة لغيبتي /221 ب/ جاورت أمَّ عبيدة وسكنتها ... فلعلَّ فيها أن تكون منيَّتي ما كنت أخشى من زفير جهنَّم ... وبنو الرِّفاعي في القيامة عدَّتي وأنشدني لنفسه، وقد نزل بالهرث –من أعمال واسط- وكان في خدمة الأمير ركن الدين أبي شجاع –حفظه الله- كتب إليه يشكو من البراغيث: -[الكامل] أشكو إليك من البراغيث الَّتي ... بالهرث قد أكلت جميع جوارحي فكأنَّهم فقراء أمِّ عبيدة ... يتراقصون على الفراش بطائحي وأم عبيدة مجاورة الهرث وبها بيت الرفاعي المشايخ، وبها الفقراء ومذهبهم الرقص إلى عالي. وأنشدني أيضًا لنفسه، وقد فارق الأمير ركن الدين من حلب ونزل دمشق لسبب جرى بينه وبين عمّه داود بن مسعود: -[من المنسرح] يا أيُّها الملك الَّذي يده ... تعرف بالسَّمهريِّ والجود /222 أ/ غلامك الخال لم يدع حلبًا ... إلاَّ لخوف من خيث داود داود ما بين .... نكٌ ... يرمى خصامًا وبين عنقود لا تهجبوا إن أذاع سركم ... نقل حديث وإبن مسعود

وأنشدني نفسه، وكان يخدم باربل لمالكها مظفر الدين، فعوق نواب الديوان حامكيته. فكتب إلى المستوفي أبي البركات يلتمس منه إستخلاصها: [من الكامل] مولاي يا شرف الأنام ومن له ... كفٌ تنوب عن السحاب إذا ونى أنت الَّذي ما رام جودك آملٌ ... إلاَّ انثنى عجلاً وقد نال المنى مالي أرى الأجناد من ديوانكم ... أخذوا جميع رقاعهم إلاَّ أنا وأنشدني لنفسه: -[من الخفيف] كفَّ عنِّي فما عليك ضماني ... خلِّ شأن الدُّموع تجري وشاني فلقد شاقني إلى الشَّام برقٌ ... أين أرض الشَّام من جابان مستهامٌ في هرث جابان يشتاق إلى النَّيربين فالميدان وقصور بنهر باناس والولدان فيها تخالها كالجنان /222 ب/ كلُّ حلو الدَّلال معتدل القامة يسبى بطرفه الفتَّان وغناء الأطيار يعنيك فيها عن سماع النَّايات والعيدان حبذا، حبَّذا! ليال تقضَّت ... بينهم والشَّباب في العنفوان حيث عقد اللَّذات منهم نظيمٌ ... شمل عيشتي في تداني وحبَّا الزَّمان طلقٌ وأيَّام التذَلاقي من النَّوى في أمان وورود الوصال عذبٌ وأغصان المسرَّات دانيات المجاني غدر الدَّهر فافترقنا وهل ينكر غدرٌ من حادثات الزَّمان وكان في خدمة أمراء إربل، فكتب إليه: [من الوافر] أيا مولاي ركن الدِّين من لي ... سواك ومن بغيرك أستجير أتعلم أنَّني في سوء حال ... وقد أضحى يماطلني الأمير وتمسي الصَّافنات مضمَّرات ... فلا تبنٌ لهنَّ ولا شعير لقد ضاقت على الأرض حتَّى ... كأنِّي في بلادكم أسير وأنشدني لنفسه من أبيات: -[من البسيط] والله ما غرَّدت في الأيك طائرةٌ ... ولا رأيت غريبًا فارق الوطنا إلاَّ وقلت من الأشواق يا سكني ... ترى تعود ليال قد مضين لنا

[553] /223 أ/ عمر بن المظفر بن عبد الله بن المبارك بن عثمان المخزمي المعروف بالسيهبان. وهو لقب لبعض أجداده. [هو من قرية برطلَّة إحدى قرايا الموصل. كانت حرفته الحياكة، ثم صار له طبع فعمل منه قطعًا كثيرة، وعانى فن الطرب فصار مغنيًا يحضر السماعات ..... ؛ وربما أنشأ شعرًا ..... ]: [من الكامل] شم بارقًا علوي نجد يخفق ... يخبو وطورًا بالغصا يتألَّق أسرى وقد أغفى الرَّباب على الحمى ... والنَّجم في أفق السَّماء معلَّق يحدو سحابات ...... ... منه العهاد مواردًا والأبرق أمسى يروق لشائميه وميضه ... ويريق أدمعه الغمام ويهرق شرقت بوابله الأجارع غصة ... لمّا سقاها درُّة المترقرق فغدت به أطلال رامة تشرق ... والزَّهر يرقص والجفار يصفِّق والرَّوض يبسم والنَّسيم معنبرٌ ... فكأنَّ مسكًا في رباها يسحق أوساقيًا فضَّت خوابي حنتمٌ يده ودار بها عليّ معتق فثملت حتَّى ظلت من طرب إلى ... بان الحمى وغريبه أتشوَّق وأنشدني لنفسه: [من الطويل] ألمَّ خيالٌ من أميمة طارق ... وقد بيَّنت منه المنى والحقائق أتى زائرًا وهنا على بعد داره ... وما صدَّه طول السرُّرى والعوائق /223 ب/ عجبت له كيف اهتدى وأمامه ... سجوف ظلام مانع وسرداق سرى بغيابات الكرى متكتِّمًا ... وقد هجع الواشون واللَّيل غاسق

فنمَّت به جرس الحليِّ عياده ... وطيب رداء فاعترته النَّواشق فأهلاً به طيفٌ سرى بعد هجعةٍ .. كما لاح في طيِّ السَّحابة بارق وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] تعرَّض وهنا والرِّكاب هجود ... خيالٌ به عهد المزار بعيد سرى من زرود بعد يأس ودونه ... من الأرض بيد للمطيِّ تبيد تخطَّى إلىَّ النَّائبات فليته ... يعيد لبانات الهوى ويعود وليت الدُّجى يمتدُّ طولاً كهجره ... ولم يبد للصبح المنير عمود فلم يبق في المشتاق غير حشاشة ... لنار هوًى بين الضُّلوع وقود وخافت أنفاس يصعِّدها الأسى ... عليها عظامٌ نحَّلٌ وجلود جرى دمعها دمعًا وغاض كلامها ... فليس على هذا السَّقام مزيد وأجحد أنِّي بالصَّبابة مولعٌ ... وهل نافعٌ للعاشقين جحود وأنشدني لنفسه: [من الطويل] أهاج الهوى العذريَّ برقٌ تبسَّما .. بدا كغرار السَّيف وهنا على الحمى سرى خافقًا واللَّيل مرخ ستوره ... على ما حوته الخافقان مخيِّما /224 أ/ بذكرني لمياء لم أنس عهدها ... على ما خلا من وصلها وتصَّرما وما شعفي بالبرق لو لم أظنُّه ... وقد راقني ثغرٌ لسعدى توهُّما أرقت له لكن أرقت مدامعًا ... تجرَّعتها ماء فأجريتها دما وبتُّ أودُّ الطيف لو بات زائرًا ... ومن لي بمسراه إذا الرَّكب هوَّما ومن لي بجرعاء العقيق وجيرة ... تجرَّعت لمَّا قوَّضوا العيش علقما عدمت وقد بانوا الكرى وتجلُّدي ... ولا خير في عيش لمن كان معدما

[554] عمر بن إسماعيل بن مسعود بن سعد بن سعيد بن أبي الكتائب بن أبي العشائر الفارقيُّ، الكاتب، الفقيه، الشافعي، المدرِّس. شاب اجتمعت به بدمشق بقلعتها المحروسة يوم الاثنين ثاني عشر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة. أخبرني أنه ولد في تاسع شعبان سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وأنه حفظ القرآن الكريم في ستة أشهر وعمره ست سنين، وقرأ مذهبًا وخلافًا وأصولاً على عدة من المشايخ منهم: أبو حفص عمر بن محمد الفرغاني، وأبي الحسن علي بن علي الآمدي. وتميَّز فيما قرأ عليهم. /224 ب/ وشدا طرفًا من الأدب على أبي عبد الله محمد بن حيدر النحوي الموصلي. وخدم جماعة من بني أيوب ملوك الشام. وكان مبدأ خدمته لتاج الملوك أبي المكارم إسحاق بن الملك العادل؛ ثم لأخيه الملك الأمجد تقي الدين عباس، وبعده لأخيه شهاب الدين غازي؛ ثم للملك الأشرف شاه أرمن، [وصحبه إلى مدينة دمشق

في سنة ست وعشرين وستمائة، ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك الأشرف]، فاتصل بأخيه الملك الصالح أبي الفداء أسماعيل واستكتبه في ديوان إنشائه، وجعله مدرسًا في المدرسة الفلكية مضافًا إلى الكتابة. وهو أحد الكتاب المنشئين بدولته. وأنشدني جملة من أشعاره، إلاَّ أنَّه إذا أنشد شيئًا منها يستغرق بالثناء عليها ويصفها ويعجب بها غاية الإعجاب، ويتعاطى أكثر مما عنده ويفرط في ذلك. أنشدني لنفسه بدمشق المروسة بقلعتها يوم الإثنين الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة يقولها للأمير شمس الدين أبي الفضل لؤلؤ بن عبد الله، المقيمة بمدينة حلب: [من الطويل] حكيت سحاب البحتري معرِّجًا ... على حلب فارتاحت الرُّح والنَّفس فشاهدت بحر للنَّدى فيه لؤلؤٌ ... وعاينت أفقًا للهدى وبه ......... //225 أ/ وأنشدني لنفسه أيضًا من قصيدة: [من البسيط] خودٌ تجمَّع فيها كلُّ مفترق ... من المعاني الَّتي تستغرق الكلما عطت غزالاً سطت ليثًأ خطت غصنًا ... ماجت كثيبًا رنت نبلاً بدت صنما رأيت شعري في الشِّعري بمدته ... لأنَّ مدحته علوى إذا نظام أضاء شمسًا بدا بدرًا علا فلكًا ... نما هلالاً سما نجمًا همى ديما وأنشدني لنفسه: [من الطويل] ومخطفة تسبي العقول وتخطف العيون كأنَّ السَّحر من جفنها يوحى خطت وسط ظبيًا وليثًا وأسفرت ... صباحًا وفاحت عنبرًا وبدت .... وأنشدني أيضًا لنفسه وهما بيتان لا ثالث لهما: [من الكامل]

من غرس نعمته وناظم مدحه ... بين الورى وسميِّه ووليِّه يشكو ظماه إلى السَّحاب لعلَّه ... يرويه من وسميه ووليَّه وأنشدني أيضًا في الملك الصالح عماد الدين إسماعيل: [من المديد] إنَّ إسماعيل بحر ندى ... غمامٌ هاطل وكفا /225 ب/ صالح في اسم وفي صفة ... وعمادٌ للورى وكفى! وانشدني أيضًا لنفسه في رجل اسمه عثمان، وقد رمدت عيناه، ثم شفيت وله ولد يدعى نور الدين وعمل ذلك إرتجالاً: [من الكامل] قرَّت غيون النَّاظرين لأنَّها ... نظرت إلى عثمان ذي النُّورين نورٌ بعين لم تزل تستحقر الدُّنيا ونورٌ قرةٌ للعين

ذكر من اسمه عيسى

ذكر من اسمه عيسى [555] عيسى بت سليمان بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد الرُّعينيُّ الرُّنديُّ، أبو محمدٍ، وقيل أبو موسى، الأندلسيُّ. من أهل مالقه. كان من .... الحديث، وسمع منه كثيرًا، وكتب بخطه. ولقي رجال أهل العلم والفضل، وأخذ عنهم وسار واجتهد وحصل بعد أن طاف قطعة من البلاد. ثم استقر مقامه بدمشق ثم كرَّ راجعًا إلى مدينته فلما وصلها بقي بها مدة يسيرة، ومات في سنة /226 أ/ ثلاثين وستمائة. وكانت ودلاته في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، بقرية من قرى الأندلس يقال له "بلمالة" من كورة بشقير. توغل في ديار مصر وأقام مدة ببلاد الشام، وطوف قطعة من البلاد الجزرية ثم عاد إلى وطنه فمات به. وكان حافظًا للقرآن العظيم؛ شاعرًا فاضلاً. وعمل كتابًا سماه "الحنين إلى الأوطان الغالب على النفس هواه والهوى سلطان" ونظم معشرات. أنشدني الشيخ تاج الدين أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر القرطبي، ثم الدمشقي بها سنة أربعين وستمائة في المحرم، قال: أنشدنا الشيخ تاج الدين أبو محمد عيسى بن سليمان العريني لنفسه، وذكر بعض ما أتى به المصطفى

-صلى الله عليه- من الآيات: [من الطويل] لك الحمد يا الله والشُّكر دائبًا ... كثيرًا على كلِّ الَّذي أنت فاعل وسبحانك اللَّهم أنت هديتني ... لنظم به تزهو لعمري المحافل مننت بنظم في الحبيب محمَّد ... فمن بترحالي فقلبي راحل وهبني أصحابًا كرامًا أعفَّةً ... لهم قدمٌ في الجدّش والعزم طائل /226 ب/ تشدَّ بهم أزري فإنِّي مدنفٌ ... حليف اشتياق للرسول وناحل ألا ليت شعري هل أزور محمَّدًا ... أم اعتال موتٌ دون ذلك حائل لعمري لئن طال المقام ولم أزر ... بلادًا بها بدر الهداية كامل لأيقنت أنَّي بالذنوب مقيَّد ... وأني عن الإرشاد والخير غافل توسلت للرحمن لا ربَّ غيره ... بخير الورى طرأ وأنِّي سائل بمن نبع الماء القراح بكفِّه ... بمن أورقت فيه الغصون الذَّوابل بمن وجهه يزهو على البدر في الدُّجى ... بمن جمعت حقًا لديه الفضائل بمن كلَّمته الشَّاة وهي سميطةٌ ... وذلَّت له أسد الشَّرى والمقاول بمن حنَّ جذغ النَّخل شوقًا لصوته ... وأخصب النَّاس إذ هو ماحل بمن كلَّم الضَّبَّ البهيم حقيقة ... بمن كلَّمته الجامدات الجنادل بمن أخبر الكهَّان دهرًا ببعثه ... بمن بشَّرت حقًأ بذاك الأوائل بمن ارتجي في الحشر منه شفاعة ... نعم والرِّجال الصَّالون الأفاضل بمن خصَّه الرَّحمن بالنَّصر في الوغى ... وذلَّت له ياصاحبيَّ الجحافل فذاك الذي أسرى به الله ليله ... إلى المسجد الأقصى فما إن يساجل وذاك الذي قد كلَّم الله ربَّه ... إذ أسرى به حقًا وما هو باطل /227 أ/ وذات الذي جاء بالنور والهدى ... وذاك الذي تزجى لديه الرَّواحل وذاك رسول الله يا صاح أحمدٌ ... وذاك الَّذي تطوي إليه المراحل وذاك الذي من أجله الشَّمس أشرقت ... ولاح هلال الدِّين أو هو آفل توسلت يا ربِّي إليك بفضله ... فأنت الَّذي ترجى لديك الوسائل فما أبلغ .... من عشر فضله ... فإنَّ لساني بالمآثم عاطل لتغفر زلاَّتي وترحم ذلَّتي ... فإنِّي أنا العبد الضَّعيف المواصل

وبلِّغني يا الله قبر محمَّد ... ولا تحزني ربِّي إذا سأل سائل وهب والديَّ منك أعظم رحمةً ... تعمهما دأبَا لمجدك شامل وللمسلمين اغفر فأنت مؤمَّل ... وفضلك معلومٌ وجودك سائل وصلِّ على خير البريَّة أحمد ... وأصحابه طرأ فدمعي هامل ودارًا وشوقًا للرَّسول وصحبه ... وحبُّهم في مضمر القلب حاصل عليهم سلامي ما ترنَّم طائرٌ .. وما قطعت أفق السّماء المنازل وأنشدني أيضًا، قال: انشدنا لنفسه وقد سأله بعض مشايخه بدمشق شيئًا مما يتعلق بأصحاب الحديث: [من البسيط] /227 ب/ قل للذين بعلم الرَّأي قد ولعوا ... وأهملوا السُّنة الغرَّاء واخترعوا مسائلاً جمَّة ما مثلها وردت ... في الشَّرع لكنهم في وصفها ابتدعوا وصوبوا رأيهم حتَّى لقد زعموا ... أن ليس علمٌ سوى هذا الَّذي وضعوا العلم ويحكم ما فيه حدَّثنا ... خير الأنام رسول الله فاستمعوا والقائلون به والنَّاقلون له ... هم الرِّجال وأنتم خلفه تبع ياشانيًا لهم مهلاً عليك فكم ... تبغي ببغض أهيل الفضل يالكع الله فضلهم حقًأ وأهَّلهم ... لنقل قيل رسول الله فقاتَّبعوا آثاره فغدوا والله يكلؤهم ... مستمسكين لواء العلم قد رفعوا كافاهم شرفًا والله أنَّهم ... في سلك إسناد خير الخلق قد جمعوا من ذا يضاهيهم أم من يساجلهم ... أم من يفاخرهم يومًا وقد رتعوا في روضة من رياض العلم مؤنقة .. أزهارها وجناها العلم والورع .أهل الخديث العلم أنَّهم ... تمسَّكوا بعرى ما ليس ينقطع حتَّى تبوءهم دار الخلود على ... خير الانام الذي طاحت به البدع صلى الله عليه إله الخلق ما طلعت ... شمس النَّهار ولاح البرق يلتمع وأنشدني تاج الدين أبو الحسن /228 أ/ محمد بن أحمد بن علي القرطبي، قال: أنشدنا أبو محمد الرعيني، قال: انشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أبي بكر لنفسه بدمشق: [من الكامل] من لم تنله غربةٌ من الرِّدى ... فهو القناة وتلك حد سنان

وحروفها من كلِّ بؤسٍ ركبت ... لتعمَّ من يغشاه بالأشجان فالغين من غمٍّ وغبن دائمٍ ... والرَّاء من رزء على الأوطان والبناء من برحٍ وبينٍ أوبلى ... والهاء من همٍّ وهلك داني وأنشدني تاج الدين أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر بن إسماعيل القرطبي الدمشقي بها، قال: أنشدني أبو محمد عيسى بن سليمان بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد الرعيني، في الجزء الأول من تأليفه الذي سماه "كتاب الحنين إلى الأحباب والأوطان الغالب على النفس هواه والهوى سلطان" فمن ذلك ما أنشأه في وصفه، وهو عشرون بابًا: [من البسيط] /228 ب/ هذا كتاب قصيِّ الدَّار ممتحن ... بفرقة الأهل والأخدان والوطن صبِّ مشوق براه البين فاضطرمت ... أحشاؤه فغدا والهمّ في شطن كذاك كلُّ غريب الدَّار منتزحٍ ... ما عن له حيث ما قد حلَّ من سكن يشكو البعاد وما قد ظلَّ يرمقه ... من سوء فعل النَوى في السِّرِّ والعلن طال الثَّواء بأرض الشَّام وأسفي ... ماذا منيت به من غدرة الزَّمن فالله يجبر ثكلي ثمَّ يجمعني ... قبل الممات بمن أهوى بلا محن برحمة منه ما أرجو سواه كذا ... سبحانه جلَّ ذو الإحسان والمنن وأنشدني، قال: انشدني لنفسه في الباب الأول؛ وهو باب في ذم الغربة والاغتراب وبيان كون الغريب أذل من التراب: [من الوافر] أبت لي همَّتي وأبى انتخابي ... سوى حفظ المودَّة والإخاء ألا إنِّي بشتَّل مستهامٌ ... أدين لساكنيها بالوفاء شتَّل: اسم ضيعة من ضياع مالقة بها أهله وولده. /229 أ/ أهيم بمن بشتَّل قد أقاموا ... ونابهم بلا مين شقائي إذا الأقدار لم تسمح بقرب ... سأقني في ودادهم ذمائي

أنوح لغربتي ولفقد أهلي ... فدهري لا أملُّ من البكاء أبيت خليف وجد واشتياقٍ ... وليلي قد فزعت إلى الدُّعاء أنادي في بلاد الشَّرق .... ... إله العالمين أرتح شفائي أذا العرش المجيد إليك أشكو ... نزوح أبَّتي والهمُّ دائي ألا إنِّي غريب الدَّار صبُّ ... إلى كم ذا التَّغرُّب والتَّنائي ألا إنَّ الغريب مدى اللَّيالي ... أذل من التَّراب بلا .... إلى الله العظيم شكوت حالي ... عساه بفضله يدني لقائي وأنشدني، قال: انشدني لنفسه: [من الطويل] خليليَّ إنِّي قد نصحتكما جهدي ... وإن كان نصحي لا يفيد ولا يبدي ولكنَّ نصح الخلق في الشَّرع قد أبى ... فذاك حداني أن أبثَّ الذي عندي فدونكما كم ذا التَّغرب في الورى ... وحتَّى متى لا تنزعان إلى الرُّشد ألا غنَّ سبل الرُّشد للمرء أوبهُ ... لأوطانه اللاَّتي بها كان في المهد فلا تسمعا ممَّن يبهرج قوله .... وإن زعموا أنَّ الفوائد في البعد /229 ب/ .... أنَّ البعد ... لفظه ... ذوو الدِّين والدُّنيا ذوو الحلِّ والعقد فكلُّ غريب الدذار لا بدَّ أن يرى ... ذليلاً حقيرًا لا يعيد ولا يبدي ولو كان ذا مال عريض وثروةٍ ... فلابدَّ أن يلقى كثيرًا من الجهد وما إن يزال الدّضهر حلف صبابةٍ ... ولو مالك الدُّّنيا إلى آخر الهند فمن كان ذا عقلٍ غزير وهمَّةٍ ... فلا يلتفت يومًا إلى العلم الفرد ولا يحفلن بالظَّاعنين إلى الحمى ... ولا يصبون للسَّاكنين ربى نجد ولكنَّ طرف العزم يركب متنه ... نؤومٌ به الأوطان بالنَّصِّ والوخد ويتحف أهليه برؤية وجهه ... فما منهم إلاَّ مشوقٌ ومستجدي إلى الله يشكون الغرام وفقده ... فيا بؤس ما يلقون من شدَّة الوجد فلله من يرعى قلوب أهيله ... ويكسب في ذاك الثَّناء مع الحمد

[556] عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البردكيُّ، خطيب الجامع بمراكش، أبو موسى الجزليَّ. منسوب إلى قبيلة من البربر مشهورة تسمى "جزولة" أصلها بين الكاف والقاف فعربها الكتاب، وكتبوها بالجيم. /230 أ/ من أهل مراكش. الشيخ الأديب النحوي الفقيه الخطيب. رحل إلى مصر وأدرك أبا محمد عبد الله بن بري النحوي، وقرأ عليه أصول أبي بكر بن السراج، وقرأ على أبي منصور ظافر بن الحسين المالكي المصري كتابًا في أصول الدين، فنال عندهم حظوة، وتقبلوه وحسن موقعه عندهم، وقاسى مدة إقامته بمصر ضرًا من الفقر والفاقة، ولم يدخل في مدرسة. وكان يخرج إلى الضياع فيحصل ما يقوم بنفقته، وهو غاية من القلة وضيق المعيشة، ثم رجع إلى المغرب فقيرًا مدقعًا فوصل إلى المرية وغيرها من البلاد. وصاحب ابني عبد المؤمن المستولين على تلك البلاد، فنال عندهم حظوة، وتقبوله وحسن وموقعه عندهم، فتمشت احواله معهم، واكتسب رزقًا متوافرًا من صحبتهم.

وكان قد ندبه الأمير أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن عبد المؤمن لكشف أحوال القضاة الولاة على البلاد، ثقة بعدالته وأمانته، فتوفي في تلك السفرة في دولة الأمير محمد بن يعقوب قبل السنة العاشرة والستمائة، والله أعلم بصحة ذلك. وكان نحويًا /230 ب/ حاذقًا بصيرًا بعلم العربية، إمام زمانه في معرفتها وإتقانها؛ وهو صاحب المقدمة الجزولية المشهورة في علم الأعراب التي سارت وانتشرت في الآفاق، واستجادها أهل هذا الشأن، واستحسنوها غاية الإستحسان، وشهدوا لمصنفها بالتبريز والسبق على أبناء جنسه استخاروها على مصنفات القدامى من النحاة، وكتبت بها النسخ لكونها فريدة في معناها. وكانت وفاته في حدود سنة خمس وستمائة بهسكورة من بلد مراكش. أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله الفقيه المدرس الحنفي بمحروسة حلب، بمنزله المعمور في سنة أربع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو الحسن يحيى بن معطي بن عبد النور المغربي النحوي، قال: أنشدني أبو موسى لنفسه، يذكر فضل شيخ من العلماء، وكان رجلاً صالحًا يعرف بأبي العباس الفقيه: [من السريع] أقول قولاً ماله منكر ... إلإَّ امرؤٌ أحمق مستكبر: إنَّ أبا العبَّاس ممَّن به ... يستنزل الرِّزق ويستمطر /231 أ/ بقيَّةٌ من سلف صالحٍ ... كان كما كانوا فما يكدر كنت لعمري إن جري ذكره ... أظنُّه من بعض من يذكر فاليوم لا أرتاب في فضله ... صدَّق عندي الخبر المخبر جالست منه الشَّمش في قدرةٍ ... وأبحرًا في العلم لا تعبر هم بنو الدُّنيا بما ناله ... في العلم والتَّقوى فلم يقدروا أبصر ما لم يبصروا بعدما ... شاركهم في كلِّ ما أبصروا

[557] عيسى بن المعلَّى بن مسلمة، أبو إبراهيم الرافقيُّ. الشيخ الأديب الفاضل النحويُّ. كان له مكتب قد فتحه يعلم فيه الصبيان الخط، ويؤدبهم بالعربية والأدب، وله عدّة تصانيف منها "تبيين الغموض في علم العروض"، وكتاب "المنتخب من لغة العرب"، وكتاب "الجامع في شرح الكافي في معرفة القوافي"، وكتاب "تحفة المجالس وغبطة النديم والمؤانس" ألّفه للملك الظاهر صاحب حلب عمله على ألسنة الشعراء المتقدمين. /231 ب/ ومن ذكر من الفتيان والقيان المجيدين، وكتاب "الإقناع في الرسائل" وصنّف في النّحو كتابًا لطيفًا سماه "المعونة" وشرحه بكتاب آخر سماه "القرينة في شرح كتاب المعونة". وكانت وفات ليلة الجمعة ثالث ربيع الآخر من سنة خمس وستمائة، وصار ديوان شعره في مجلدتين كبيرتين، مشروحًا افتتحه بخطبة من إنشائه، ورتبة أبوابًا يشتمل على ستة أبوب "باب في المديح والاتفحارات"، "باب في الزهديات والمسائل الفقهية والأحاجي النحوية"، "باب في ... الصلات"، "باب في الاعتذارات والشكر على ابتداء الحسنات"، "باب التشوقات وما يكتب في المراسلات"، "باب المودات في الآداب والمعاني المختلفات"، "باب في الاحاجي وما فيه من اللغز والأحاجي". ولم يكن شعره رقيقًا مطبوعًا بل مرذولاً ظاهر التعجرف، بادي الركاكة لكثرة ما يستعمل فيه من الألفاظ الحوشية تبنى عليه الرثاثة. وكان خبيرًا باللغة العربية، عالمًا بأخبار العرب وأمثالها ووقائعها، ذا فضائل جمّة /232 أ/ وداب كثيرة وعلم واسع.

ومن شعره ما كتبه إلى صديق له، يعتذر إليه من انقطاعه عن عيادته: [من المتقارب] أعيذك من ألم حادث ... يكون لجسمك يومًا مهيضًا ولازلت عمرك في صحَّة ... تنال الثَّناء الطَّويل العريضا وليس انقطاعي عن أن أراك إلاَّ كمن لا يودُّ الفروضا بلى إنَّ قومًا ما رأوا قبلنا ... بأن لا يعود مريضٌ مريضا وقال في غلام أزرق: [من المتقارب] لقد لامني في هوى اغيد ... أناسٌ لمعناه ما حقَّقوا وقالوا: بمقلته زرقةٌ ... فذَّمُّوه عندي ولم يصدقوا وهل يبلغ المشرفيُّ مرادًا وما متنه أزرق ومن ثقة الماء إن قيل فيه أزرق في لونه مشرق ولون السَّماء إذا كان في العيون فمن حقِّها تعشق فلست أبالي بلوم الأنام ... ولو أرعدوا فيه أو أبرقوا وقال في غلام ضرير: [من البسيط] قالوا: عشقت ضريرًا قلت: ويحكم ... لا تعذلوني على عشق الأضرَّاء /232 ب/ لو كان ببصر لم آمن ملالته ... قربي ودان يرى رأيًا سوى رائي ماذا انتفاعي بعينية وفي فمه ... ووجنتيه دواءٌ لي من الدَّاء وقال: [من المجتث] قل للأحبَّة ها قد ... جئنا فهل تقبلونا يا هاجرينا إلى كم ... يكون ما تعدونا يا واجدين علينا ... ما آن أن ترحمونا جئنا نحاول قربًا ... منكم فلا تبعدونا وقد وقفنا على بابكم فلا تطردونا ما ترحممون كئبًا ... بحكبّكم مفتونا وقوله أيضًا: [من الطويل]

ألا ربَّ طمرين أرضاه ربُّه ... وحلاَّه في جنَّاته بجواهر فألبسه في الخلد من كلِّ حلَّه ... تراها عليه زينة للنَّواظر وكم من زريِّ الحال أصبح ظاهرًا ... يحلَّى بها من عسجد بأساور وكم من غنيٍّ في قرار جهنَّم ... بوجه عبوس أسود اللَّون باسر أقام بها يلقى هوانًا وذلَّةً ... وأخلده فيها ذنوب الكبائر /233 أ/ وقال: [من مجزوء الرجز] صاح غرابٌ بينهم .. فبتُّ أبكي أسفا ولست أشكو من أحبَّائي سوى طول الجفا ما ضرَّ من غذَّبنا ... بهجره لو عطفا من لي بعيش كدَّرته الحادثات لو صفا ما بالكم لا تقبلون من أتى معترفا هلاَّ رحمتم من على ... أبوابكم قد وقفا أما ترون جسمه ... لهجركم قد دنفا صافوه إذ عادكما ... تهوون من أهل الصَّفا وقوله: [من الخفيف] يا أخي هكذا تكون العباده ... لا تراد الدُّنيا بها والزياده لا ترد غير وجهه بالعبادات ولا غيرها بعدلك عاده لا ترم طالب السِّيادة في الدُّنيا ورم في الجنان تلك السِّياده صلِّ فوق التُّراب لا تحسبَّن الزُّهد بسط الصِّقاع والسجاده ودع الكبر والرِّئاسة والمال ليشقى بجمعه من أراده /233 ب/ زوِّد النَّفس بالبقيًّة فالرَّاحل يبغي لنفسه .... لا ترد غير وجه ربِّك بالأعمال حتَّى تنال منه الإراده فاللَّبيب الأريب من يترك الدُّنيا ويبغي لما أحبَّ معاده ما السَّعيد الَّذي تراه كثير المال بل في التُّقى تكون السَّعاده وقوله: [من المجتث]

لا تكثرنَّ كلامًا ... فالصَّمت فيه السَّلامه كم من كلامٍ كثيرٍ .. ز جنى عليك ندامه وقال يصف التقويم: [من الوافر] أرى التَّقويم ذا علم جليل ... يروق لكلِّ ذي فهم جليل إذا طلَّعت فيه وكنت حبرًا. بمعرفة الطُّلوع من الأفول علمت بسيرة الأفلاك منه ... مواقيت الإقامة والرَّحيل وتدبير الأمور محقَّقات ... بعاقبة القبيح من الجميل وأقرب مايفاد المرء منه ... على الأيَّام معرفة الفصول وأعياد اليهود مع النَّصارى ... وقد يعزبن عن عقل الجهول /234 أ/ كثير النَّفع تحسبه قليلاً ... فيا حسن الكثير من القليل وقال يصف حمامًا: [من الخفيف] قد رأينا من لطف صنع الباري ... منزلاً في نهاية الغختصار فيه مثل السَّعير من سورة النَّار تلظَّى من جاحم نوَّار وجحيمًا جنيت منه نعيمًا في غدوِّ ... بابتكار أرضه مرمرٌ نزلُّ به الأقدام محفوفة بماء جاري مرلاً طاب ظلُّه بسماء ... رفعت فهي نزهة الأبصار تنظر اللَّيل والكواكب منه ... طالعات من جوِّه بالنَّهار وحشتي أن أزار منه وماكدت أراه يخلو من الزُّوَّار ما سمعنا من قبله بنعيم ... في جحيٍم وجنَّةٍ في نار [558] عيسى بن محمّد بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، الملك المعظم، أبو الفضائل بن الملك العادل أبي بكرٍ

صاحب دمشق. كان أشدَّ اخوته بأسًا، وأقواهم جأشًا، له السياسة والشجاعة والشهامة /234 ب/ والصرامة، ذا همّة وحزم شديد. وحدّثته نفسه بتملك البلاد فعاث في بعضها، وسلط عليها العرب فقطعوا الطرق وأخافوا السبيل، وذهبت بسببه الأموال والأنفس، فتقلدها في عنقه، ولقي الله تعالى بها، وامتدت يده في الظلم والمصادرات، وظلم جماعة ووصل جوره وظلمه إلى خلق كثير، فأخذه الله –تعالى- في أغفل حاله حيث لم يشعر. وصار رهنًا بعمله. وتعصّب على مذهب الشافعي –رضي الله عنه- وعلى الائمة على مذهبه للنحفية، وقرب الأطراف، وأبعد الأماثل، ودرس من فقه الإمام أبي حنيفة –رضي الله عنه- وناظر الفقهاء وتكلّم معهم في المسائل الخلافية. وكان يقرّب العلماء وأهل الأدب ويباحثهم، ويقبل عليهم ويكرمهم. ونظ شعرًا كثيرًا، ودوّن شعره ومعظمه في الإفتخار ووصف نفسه بالفروسية والإقدام والحروب والوغى. وتوفي بدمشق يوم الجمعة سلخ ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة. وكانت ولادته سنة ست وسبعين وخمسمائة. أنشدني منقد بن سالم /235 أ/ بن رافع الدمشقي الشاعر، قال: أنشدني الملك

المعظم لنفسه: [من الكامل] ومورَّد الوجنات أغيد خاله ... بالحسن من ماء الملاحة عمَّه كحل الجفون وكرَّ في لحظاتها ... غنجاً فقلت: سقى الحسام وسمَّه وأنشدني أبو الطليق معتوق بن أبي بكر بن سعد الشاعر الخزاعي، قال أنشدني الملك المعظم لنفسه: [من الطويل] نزلنا ضميرًا والجياد ضوامرٌ ... وقد حان من شمس النَّهار غروبها ففاضت دموع العين شوقًا إليكم ... وليس عجيبًا أن تفيض غروبها وقال أيضًا: [من المنسرح] ناولني في الدُّجى كوجنته ... ظبيٌ سباني بحسن طرَّته لو بشرٌ يسجد الأنام له ... يومًا سجدنا لحسن صورته سكري ثلاثًا من خمر راحته ... وخمر فيه وخمر مقلته وقال أيضًا: [من الكامل] الجسم مذ هجر الحبيب سقيم ... والجفن من فيض الدُّموع كليم يا من جفا بعد الوصال فقلت من ... يهواه من ألم الفراق سليم /235 ب/. /236 أ/ بي منك ما بو أنَّ عشر عشيرة ... بالخلق لم يحيوا وأنت عليم كيف السَّبيل إلى رضاب سلسل ... مسكٍ كأنَّ مزاجه تسنسم [559] عيسى بن محمّد القمراويُّ مشارف رأس العين.

أنشدني القاضي أبو القاسم الحنفي، قال: أنشدني عيسى بن محمد لنفسه: [من الطويل] إذا كان في وسط الحشا مستقركم ... والعين منكم حظُّها ونصيبها فما ثمَّ هجرانٌ ولا ثمَّ جفوةٌ ... فدامت لنا هذي اللَّيالي وطيبها [560] عيسى بن محفوظ بن الطيِّب، أبو الفضل الأصفهانيُّ الطَّرقي من ناحية أصفهان – النحوُّي الأديب. أخذ النّحو عن المفيد القاشاني، والرفيع اللبناني. وكان أستاذًا في الآداب بصيرًا بها، وله تصانيف ومن تصانيف ومن تصانيفه كتاب "شرح اليميني العتبي". وكان مع تفرّده بعلم الأدب والعربية، ناقص العقل ذا غفلة وبله يعتريه في وقت. /236 ب/ وتوفي بأصبهان عاشر المحرم سنة خمس عشرة وستمائة، عن ثلاث وستين سنة. انشدني أبو القاسم محمد بن ثابت بن غانم بن عبديل الأصفهاني، قال: أنشدني عيسى بن محفوظ الطرقي لنفسه: [من الكامل] في كلِّ جارحة هواك يبين ... كلِّي بكلِّك ..... رهين أعددت حبَّك للبقاء فغيره ... شخص تماسك ماؤه والطِّين الجسم يبلى والحياة وديعةٌ ... والرُّوح تذهب والفؤاد يبين قالوا: تماسك بالذَكاء فإنَّه ... كلٌّ بمذخور الحياة ضنين ومفلّج الأسنان في حلفاته ... وعدٌ إذا رمت الوفاء يمين لم يتَّسم إلا وأنشد دونه ... نظري إلى لمعلٌ الوميض حنين

هذا هو .... الّذي يبقى معي ... إن عطِّلت دارٌ وخفَّ قطين وأنشدني، قال: أنشدني الطرقي لنفسه: [من البسيط] هب انَّ سرِّي بفيض الدَّمع ما انتثرا ... وهاتف البان ما أملى له الخبرا والبرق ما شبَّ نار الوجد في خلدي ... والرَّوض ما أطربتني ريحه سحرا ماذا أقول وقد زمِّت جمالهم ... تكاد زفرة صدري تفلق الحجرا ووجدت له قول من قصيدة: [من الطويل] /237 أ/ ترنُّم ورق أيكها متشابك ... ورنَّة باكي المزن والبرق ضاحك وأنفاس صبح دون نفثة ناسٍم ... إليهنَّ يهفو صبري المتماسك [561] عيسى بن محمد بن موسى بن محمد بن عبد الله بن إبراهي بن خليل الحميريُّ الاندلسيُّ التاكرنّيُّ أبو الروح. وتاكرنا من أعماله قرطبة. قدم إربل في شوال سنة سبع وعشرين وستمائة للاستجداء، ولم أكن ذلك الوقت مقيمًا بها. كتب عنه جماعة من أهلها. وكان يروي شيئًا من أشعار الأندلسيين، وله عناية بحفظها وأنساب قائليها. ثم سافر عنها إلى مدينة آمد فلم يمكث بها إلاَّ مدّة قريبة. وكانت وفاته بارزن من ديار بكر في سنة تسع وعشرين وستمائة عائدًا من آمد، كذلك أخبرني البدر أبو الوفاء الحسن بن علي بن الموصلي الكاتب بحلب المحروسة.

/237 ب/ وله أشعار انشدني منها الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي، قال: أنشدني أبو الفرج عيسى ابن محمد لنفسه: [من الطويل] سلامٌ لساعات التَّلاقي في الهوى ... محلاًّ وأيَّام الشَّباب من العمر أخصُّ به معنى الكمال وشخصه ... ويبَّاق غايات الفضائل والفخر أبا البركات الألمعيَّ الَّذي غدا ... له شرفٌ يربي على الشَّمس والبدر وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] ياربَّ أضحية سوداء حالكة ... لم ترع في البيد إلاَّ الشَّمس والقمرا تخال باطنها في اللَّون ظاهرها ... فهي العداة لزنجيٍّ إذا كفرا وانشدني، قال: أنشدني قوله: [من الكامل] يا قلب مالك لا تفيق من الهوى ... أوما يقرُّ بك الزَّمان قرار الكلِّ ذي وجه جميلحنَّةٌ ... ولكلِّ عهد سالف تذكار وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] إن اودع الطِّرس ما وشَّاه خاطره ... أبدى لعينيك أزهارًا وأسحارا وإن تهدَّد فيه أو يعد كرمًا ... بثَّ البريَّة آجالاً وأعمارا [562] عيسى بن أقبوري بن علي /238 أ/ بن علي بن بكتكين بن محمدٍ، الأمير أبو سعيدٍ. وهو إبن أخي الملك المعظم مظفر الديم كوكبوري بن علي –رضي الله عنه- له شعر ضعيف. أنشدني أبو علي محمد بن علي بن سلار الإربلي الكردي الهذباني، قال:

أنشدني الأمير عيسى بن أقبوري لنفسه: [من مجزوء الكامل] دنيا أراك وزهوكي ... سجنًا لمن فيه فضيله سحقًا لزهو جمالك الفاني وحلَّتك الرَّذيله إذ لا تدومي لا تكوني في التَّحكُّم مستطيله يكى الورى من حلمك الموت الَّذي ما فيه حيله وانشد أبو نصر أحمد بن إسماعيل بن أحمد الإربلي، قال: أنشدني الأمير عيسى لنفسه: [من البسيط] ياذا الَّذي قال قولاً صادقًا ووفى .. ز وأفخر النَّاس قدرًا حيثما وقفا إن كان للصَّبر حدٌّ في نهايته ... حد النِّهاية في الصَّبر الجميل كفى لا زال بابك للرَّاجين ملتجأ ... فضلُّ عزمك للمعنى به كنفا ما لاح صبحٌ وأضحت في ..... ... شمسٌ وأمسى ظلام اللَّيل منعكفا [563] /238 ب/ عيسى بن الفضل بن بشر بن عيسى بن مواهب، أبو الفتح، المعروف بابن البحريِّ النصرانيُّ الموصليُّ. كانت ولادته بالموصل في ذي القعدة من سنة إحدى وثلاثين وخمسامائة. وتوفي بمدينة إربل ليلة الثلاثاء التي صباحها اليوم التاسع من المحرم من سنة اثنتين وعشرين وستمائة. انتقل إلى مدينة إربل، وخدم الأمير قرطايا بن عبد الله المظفري، فحين قبض عليه الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي –رضي الله عنه- حبس في جملة أصحابه وحاشيته. ثم أخرج فتولى الإشراف بالديوان ثم عزل عن ذلك، وصار عارض الجيش وتمكن من الدولة تمكنًا لم يتمكنه أحد من أبناء زمانه. وكان خبيثًا رديء الباطن فيه شراسة خلق مع تهوّر وإقدام على الأمور. وكان يحفظ جمل من أشعار المتأخرين؛ معتنيًا بفن النثر. وله شعر كثير ولم يكن عنده شيء من الأدب؛ فلذلك جل شعره يوجد فيه لحن فاحش.

أنشدني الصاحب الوزير /239 أ/ شرف الدين أبو البركات المستوفي باربل، قال: أنشدني أبو الفتح بن البحري لنفسه: [من البسيط] إن غبت عنك فلي روحٌ بربعكم ... موقوفةٌ بين إخلاص وأشواق وإن دهتني من الأيَّام نائبة ... فليس عيركم ياسادتي واقي وإن جفوتم فمالي عنكم عوضٌ ... وإن نسيتم فظنِّي فيكم باقي وأنشدني أيضًا، قال: كتب إلي عيسى بن البحري من الحبس، وأنشدنيه بعد ذلك: [من البسيط] يا سادةًَ أشرقت لطفًا خلائقهم ... أنتم وجودٌ وكلٌّ غيركم عدم ما نال من عبدكم سجنٌ أضرَّ به ... ما نال منه أليم الشُّوق نحوكم وأنشدني، قال: كتب إلي أيضًا لنفسه: [من الطويل] وعدتكم وعدًا وما كنت مضمرًا ... وفاء به إذ لم أكن قلت عن جدّ وكم مرَّة وعد الكذوب وعدتكم ... فمن بعدها لا تزلموني بالوعد وقال الصاحب أبو البركات فأجبته: [من الطويل] وقيت الرَّدى ما ردَّها فيك خبرةٌ ... فيحمل هزل الوعد منك على الجدذِ كذلك مازالت وعودك كلُّها ... على سائر العلاَّت كابية الزَّند /239 ب/ متى فهمت مضطرًا بوعد مسوَّف .. .فعجلت عقد الحلف من أوَّل العهد وأنشدني الحسن بن علي بن شماس، قال: أنشدني عيسى بن البحري لنفسه: [من المتقارب] على الهمِّ انفقت شرخ الشَّباب ... وفي النَّائبات رماني الزَّمان وفي كلِّ يوم حماي يباح ... ومالي يصاب ونفسي تهان فياربِّ قد طال وقع الأذى ... أما لي من صرف دهري أمان [564] عيسى بن سلامة بن سليم –بفتح السين- بن عبد الوراث بن عليِّ بن سليمان بن عبد الرحمن، أبو موسى الحضرميُّ الحميريُّ. كانت ولادته بصقلية سنة سبعين وخمسمائة، ونشأ بالإسكندرية، وحفظ القرآن

العزيز. وكنا فقيهًا أصوليًا محدثًا قارئًا؛ لقيته باربل في شهر رمضان سنة خمس وعشرين وستمائة. وانشدني لنفسه، وذكر أنه أول شعر قاله في صباه: [من الوافر] إلى كم ذا اخلمول وأي عيش ... يطيب لمن يصاحبه الخمول /240 أ/ بليت بمعشر سفهوا حلومًا ... وإن سفهوا فعالمهم جهول معاشرهم يذمِّم ما ارتضاه ... معاشرهم فكثرهم قليل فحظِّي إذ اماسهم مهيضٌ ... وعيشي إذ أماشهم محيل وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] وإذا أبتلاك بفاقة زمنٌ فلا ... ترفع بها إلاَّ إلى سلطان فندى الملوك ورفدهم لمؤمل ... أسنى وأشرف من ندى الأخوان أخوان دهرك ربما منوا وما ... ترضى الملوك سجيَّه المنَّان [565] عيسى بن سنجر بن بهرام جبرائيل بن خمارتكين بن طاشتكين، أبو الإربليُّ المعروف بالحاجريِّ. وعرف بذلك لأنه يكثر "حاجر" في شعره، قلّما يخلو له قصيدة إلاَّ ويعرّض

بذكره فيها. وهو شاب من أبناء الاتراك باربل وقدماء أجنادهم. وكان جنديًا ثم صار بعد ذلك صوفيًا. وهو ذو مفاكهة ومحاضرة، جيد القريحة في الشعر. وله أشياء حسنة /240 ب/ في الغزل والهجاء، ومعان يجيد استنباطها بلا رأس مال في النحو، ولا قرأ منه شيئًا إلاَّ تأتيه طبعًا. لقيته باربل سنة خمس وعشرين وستمائة؛ وتأكدت بيننا صحبة. وخبرت أنه قتل يوم الخميس ثالث شوال باربل سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. انشدني لنفسه: [من الطويل] بدا فأرانا الظّبي والغصن والبدرا ... فتبًا لقلب لا يبيت به مغرى نبيُّ جمال كلُّ ما فيه معجزٌ ... من الحسن لكن وجهه الآية الكبرى أقام بلال الخال من فوق خدِّه ... يراقب من لالاء غرَّته الفجرا سرى طيفه ليلاً إليَّ مجدِّداً ... عهود الهوى يا حبَّذا ليلة الإسرا ترفَّع عن حدِّ الملاحة رتبة ... فأجملت فعلاً ................ أعاذل هل أبصرت من قبل خدِّه ... وسالفه نارًا حوت جنَّة خضرا من الترك لم يترك لقلبي تجلُّدا ... فتورٌ بعينيه المراض ولا صبرا أعلط أخواني إذا ذكروا له ... حديثًا كأني لا أحبُّ له ذكرا وأصغي إذا جاءوا بغير حديثه ... بسمعي ولكِّي أذوب به فكرا سقاني بعينه المدام وكأسه ... فلم أدر أيُّ الرَّاح أعقبني سكرا /241 أ/ أرى العدل معروفًا بكسرى فكم ترى ... ظلمت بأجفان شهدت بها كسرا كأنَّا تعادينا السَّقام لحاجةٍ فأمرضني جسمًا وانحلته خضرا وأنشدني لنفسه: [من البسيط] ياواحد الحسن إرحم واحد الكمد ... حاشاك من حرق يصلى بها كبدي في كل جارحة منِّي لسان هوى ... يشكو إليك رسيس الوجد والكمد واطول سقمي وفي فيك الشِّفاء ويا ... ظلمي وأنت أمير الحسن في البلد إن كان تعذيب قلبي فيك أو تلفي ... ممَّا يسؤُّك ياكلَّ المنى فزد

أنت الذي ما بدت للعين صورته ... إلاَّ وعوَّدته بالواحد الصَّمد كم من أسير غرام فكاك له .. لمقلتيك ومقتول بلا قود روحي الفداء لظبي من بني أسد ... وأعجب الأمر ظبيٌ من بني أسد كيف السَّلامة لي ممن محاسنه ... جاءت لقتلي بأنواع من العدد الطرَّرف بالنَّبل والقدُّ المرنَّح بالخطِّي والسَّالف المصقول بالزَّرد وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] صنم عليه لللملاحة رونق ... ريَّان من ماء الشَّباب مقرطق كالرُّمح فتَّاك الطَّعينة قدُّه ... لكنَّ ناظره السِّنان الأزرق /241 ب/ نادمته والعيش برد نعيمه ... ضاف وشمل الحادثات مفرَّق في ليلة سمح الزَّمان بطيبها ... ليلاً ونشر القرب منها يعبق ما خلت قبل تمتُّعي بنغيمها ... أن أعتراضات الأماني تصدق لله أي لبانة قضَّيتها لو ... لم ينغصها الصَّباح المشرق بأبي وأمي من إذا عاينته ... لم أدر من دهش بماذا أنطق مالأبن مقلة صاد مقلته ولا ... نونٌ كنوني حاجبيه معرق لام العذار محقَّقٌ في خدِّه ... لكنَّ واو الصُّدع منه معلَّق بين السُّيوف المرهفات وطرفه ... عهدٌ على سفك الدِّماء وموثق وأنشدني لنفسه من مبدأ قصيدة: [من الطويل] لوى جيده كالظَّبي عنَّ لسربه ... وأقسم تيهًا لا يرقُّ لصبِّه حبيبٌ له عند العناب تعذُر البريِّ ولي ذل المقرَّ بذنبه إذا راءني أودى بقلبي فرحةً ... فأذهل عن فوزي بلذَّة قربه أعانقه والطَّرف يفتك في دمي .. فديت حبيبًا سلمه مثل حربه وكيف أرى لي في هواه تخلُّصاً ... وآخر وجدي فيه أول حبِّه /242 أ/ وبي سقمٌ من جفن عينيه بعضه ... عياءٌ لبقراط وعجزٌ لطبه ألا يا أمير الحسن هل أنت كاشفٌ ... ظلامة شاك نهب طرفك سلبه هواك الذي لم يبق منه بقيَّةٌ ... يعرِّفه كيف الخلاص لقلبه

كأن دموغي من لماك مجاجةٌ ... فما راق لي مذ ذقته غير شربه ومعتدل أغناه عن مل رمحه القوام وغنج الطَّرف عن سلِّ عضبه أودُّ لخدِّي أن يكون ترابه ... إذا مرَّ يثني عطفه بين تربه ولما اعتقنا للوداع بحاجر ... وقد أزمع الحادي المسير بركبه تمنَّيت لو أجدى التَّمنِّي وقفةً ... أشاهد قلبي كيف يقضي بنحبه ونشر يضوع المسك من نفحاته ... يخبِّر عن بان الغوير وكثبه شكوت إليه ما أجن فرق لي ... فيا برد مسراه وطيب مهبه ألا إنَّ بالجرعاء لو تعلم الصَّبا ... لأكرم من هام الفؤاد بحبِّه سلامٌ على الوادي الَّذي تسكنونه ... وإن كنت لا أحظى بساكن شعبه كأنَّ وميض البرق من هضباته ... تعمَّد قلبي فاستطار بلبه وأنشدني أيضًا قوله: [من الكامل] أنا والأحبَّ منجدٌ مغوِّرٌ ... فعلام لا أحنو ولا أتذكر /242 ب/ لبكاي هذا اليوم صنت مدامعي ... وكذا العزيز لكلِّ خطب يذخر يا ساكني وادي العقيق فدتكم ... عين مدامعها عقيق أحمر بنتم فما استعذبت بعد حديثكم ... لفظًا ولم يحسن لعيني منظر ليت اللَّيالي بالحمى رجعت لنا ... ولها من ... ما تخبر وصبًا تأرَّج نشرها من حاجرٍ ... أنفاسها كالمسك بل هي أعطر وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] بنفسي وروحي ذلك العارض الَّذي ... فدا عنبرًا فوق السَّوالف سائلاً دري خدُّه أنِّي أجنُّ من الأسى ... فأظهر لي قبل الجنون السَّلاسلا وانشدني قوله أيضًا: [من الكامل] ومهفهف من شعره وجبينه ... يغدو الورى في ظلمة وضياء لا تنكروا الخال الَّذي في خدِّه ... كلُّ الشَّقيق بنقطةٍ سوداء

وأنشدني أيضًا من شعره: [من الخفيف] قلت لمَّا تصفَّرت وجنتاه ... مرضًا تحت خضرة العارضين ذهب الخدِّ واسمه إربليٌّ .. فلهذا بدا بسلسلتين وأنشدني أيضًا قوله: [من الخفيف] /243 أ/ قلت لمَّا بدا وأعرض غنِِّي: ... هكذا من هواك يلقى الهوانا قال: أن العزيز بل ذاك كي لا ... يفهم الكاشحون منَّا هوانا وأنشدني لنفسه: [من الرمل] كيف حرَّمت على الطَّرف الوسن ... ما كذا من فرض العشق وسن يا غزالاً حلفت مقلته ... أنَّها تشهر أسياف الفتن قل لخدَّيك متى كان الحيا ... بجحيم النَّار ربعًا ووطن كلفاً كلَّفتنيه مظهرًا ... من صبابات غرامي كلَّ فن مذ هويناك علمنا أنَّ في ... مركز الإسلام عبَّاد الوثن وأنشدني أيضًا قوله: [من السريع] بمهجتي الظَّبي الَّذي حسنه ... تحار في معناه بلقيس لا تحسبوا أنَّ عيون المها ... أحسن من عينيه بل فيسوا وأنشدني من شعره أيضًا: [من الكامل] وافى شبيه الغصن يخطر مائلاً ... ثمل القوام فديته من خاطر لا شيء أبلغ من هواه من الرَّدى ... يا نفس دونك فاعسفيه وخاطري وأنشدني لنفسه /243 ب/ في إنسان يعرف بزبالة بن مقدار النميري. وكان قصيرًا من الرجال: [من الكامل] لبس ابن مقدار الزّيالة فروةً ... حسناء تنعت بالجمال وتوصف فعذ 1 رته إذ ظلَّ .... بها ... جعس المخنَّث بالحرير ملفَّف وقال فيه أيضًا: [من الخفيف] قال ثوب الشُّجاع وهو جميلٌ ... تعشق العين نظرةً منه عشقًا

صرت في فروة النُّميريِّ سجفًا ... كيف لا أستلذُّ قرضًا وخرقا لو أراد الزَّمان تعظيم قدري ... لم يعدني على الزّبالة ملقى وله فيه، وقد شتمه شخص اسمه بلدق. وكان فراشًا: [من مخلّع البسيط] بلدق بالقذف مستطيلٌ ... على النُّميريِّ لا محاله وليس في ذا عليه عيبٌ ... فرَّاش دار رأى زباله وقال؛ وأنشدنيه أيضًا: [من الطويل] أيا مولاي قد فصَّلت لي العام فروة ... لألقي بها في ظلِّ خدمتك القرَّا وقد عراني فيها لتنجز سبعة ... هويَّته تعمى يديك بها أخرى /244 أ/ عشاءٌ وخيَّاطٌ وفروٌ وقندرٌ ... وسمُّورةٌ سودا وجودك والفرا وكتب إلى الأمير شمس الدين أبي الفضائل باتكين المستنصري، وكان يومئذ متوليًا مدينة إربل قبل قتله، وكان قد أحسن بأنه ييقتل: [من الكامل] أشكوك يا ملك البسيطة حالة ... لم تبق رعبًا فيَّ عضوًا ساكنا إن تستبح إبلي لقيطة معشرٍ ... ممَّن أؤمِّل غير حاشاك مازنا ياللعجائب كيف يصبح خائفًا ... من بات في حرم الخلافة قاطنا

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف [566] عبَّاس بن زوان بن طرخان بن بزوان بن أحمد بن محمد بن المعمر، أبو الفضل الشيبانيُّ، إربليُّ الوالد، موصليُّ المولد. عني بطلب الحديث وسماعه، وسمع بمدينة السلام من أصحاب أبي القاسم المسرقندي وغيرهم من هذه الطبقة، وأدرك الأسانيد العالية. وهو حسن القراءة /244 ب/ للحديث طيّب الصَّوت، ضيّق الحال، فقير لا يملك شيئّا من الدنيا. رويت عنه قطعة من أناشيده، وربما يقع له غرض من الأعراض فينظم في ذلك أبياتًا، وألف كتابًا "إسلام الصحابة الأعلام ومن له ولد منهم في الإسلام" في نحو مجلدين؛ وهو كتاب حسن في فنه. وكانت ولادته في المحرم سنة تسعين وخمسمائة. أنشدني لنفسه من قصيدة أولها: [من الكامل] هل أنت بعد الظَّاعنين صبور ... هيهات صبرك والفؤاد عقير عهدي بدمعك وهو قبل فراقهم ... خوفًا من البين المشتِّ غزير فالأن حقَّ لك البكاء وإنَّني ... لك لو بكيت دمًا إذن لعذير إنَّ المحبَّ إذا نأى محبوبه ... اوصدَّ عنه بالحمام جدير لله درُّ الحبِّ لولاه لما ... قنص الأسود بلحظه يعفور ولما غدا قلبي أسير ملولة ... إلاَّ من الهجران ليس تحور يامغرمًا بلِّغ تحيَّة مشئمٍ ... اهل الحريم فديت حيث تسير واسأل مهاة بالصَّريم كناسها ... أبدًا هناك على القلوب تغير ما حال قلبي ما الذي فعلت به ... واشفع إليها فيه فهو أسير

/245 أ/ واستجد لي منها الرُّقاد وقل لها ... من بعد لثم الأرض فهي نفور يامن كست شمس الضُّحى من نورها ... فلذاك لم يغلب عليها نور وأعارت الهنديَّ فتك لحاظها ... فلذاك تحكم في الطُّلى وتجور لا تسمعي قول الوشاة فإنَّه ... حسدٌ عليك لمن يحبُّك زور ما رمت أن تهبي لعيني الكرى ... إلا عسى طيف الخيال يزور وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] ذر الدُّنيا ولا تغترَّ فيها ... بصحبة صاحب ووداد خلٍّ وكن فردًا تعش فيها حميدًا ... ولا تركن إلى ولد وأهل ففي الأولاد متعبةٌ، ونقصٌ ... وعزُّ الاهل مقرون بذل [567] عرفة بن بركة بن إبراهيم بن عرقة الموصليُّ. شاب من أهل الموصل، صرف فكره إلى نظم الشعر فقال فيه قصائد ومقطعات. أنشدني لنفسه: [من المقتضب] قد شفى بزروته .. مسكري بريقته زار والرَّقيب على ... عفلة برقدته /245 ب/ هاديًا لنا قمرًا ... دون ليل طرَّته حبَّذا الملمُّ ويا ... مرحبًا بطلعته والمدام يمزجها ... من رحيق ريقته والعبير يعبق من ... طيِّبات تكهته في الجبال قد حبك المسك وسط طينته خلت شخصه ملكًا ... إذ بدا بجنَّته لو رآه حاسده ... ما أبى لسجدته دون حبِّه عجبٌ ... حرت دون قصَّته كلَّما خلوت به ... زدت في محبَّته

قال لي يعاهدني ... موثقًا بعهدته إنَّني أسير هوى ... قادني بقبضته راعبًا وها انا في الحب طوع دعوته لا أحول عن قسم ... لا وحقِّ كلمته وأنشدني من شعره: [من المتقارب] /246 أ/ إلى كم تعذِّب قلبي الكئيبا ... وتضرم حشو حشاي اللَّهيبا وتسرف في الهجر ما هكذا ... فعال الَّذي يستميل القلوبا فكم من فعال قباح ترى ... يفارق فيها الحبيب الحبيبا فوجدي قريبًا سيلقى السلوَّ ... كذاك وحسنك يمضي قريبا [568] عربشاه بن أبي الحسن الاربليُّ. الإمام العلامة الفقيه الشافعي، المتفنن في كل علم وفضل. وهو أوجد عصره لا يجاريه أحد في علمه ومعرفته. أنشدني الحكيم أبو سفيان بن عبد الخالق الأنادي الفخري، قالأ: انشدني الإمام عربشاه لنفسه: [من الطويل] أإيماض برق بالعقيق أنارا ... أم الحيُّ أذكى في المنازل نارا اما الكاعب الحسناء حلَّت بذي النَّقا ... فحلَّت عن الوجه المنير خمارا أم الحرب شبَّت بين كلبٍ وعامر ... بيداء سلُّوا في الغبار غرارا /246 ب/. /247 أ/.

حرف الغين

/247 ب/ ... حرف الغين ذكر من اسمه غازي [569] غازي بن محمود بن أبي بكر بن المرزبان بن نعمة، أبو المظفر، الأرمويُّ الأصل، الإربليُّ المولد والمنشأ. رجل من أهل إربل ذو مداعبة وكياسة، مطبوع خفيف الروح، وله أشعار محشوة مجونًا وهزلاً. انشدني لنفسه بإربل سنة خمس وعشرين وستمائة، وذكر لي أن مولده سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وخبرت أنه توفي بحلب سابع عشري رمضان سنة اثنتين وثلاثين وستمائة: [من الطويل] ألمَّ به طيفٌ ماى زار يغنه ... سحيرًا وقد خاط الكرى فتق جفنه محب متى هبَّت له من دياركم ... نسيمٌ أذاع الحبُّ مكنون حزنه تأهب عنكم للرحيل ودمعه ... على خدِّه ساحة صحنه رمته صروف الدَّهر سهمًا أصابه ... ولم يغنه تلقاؤه بمجنِّه أجيراننا بالأجرع الفرد صبُّكم ... صبور على خوف الزَّمان وأمنه /248 أ/ يؤمِّل عودًا أن يراكم بعينه ... على باب سلعٍ أو يعيكم بأذنه وأنشدني لنفسه. وكان يلقب الرضي: [من السريع] قالوا: رضيُّ الدِّين، قلت: اسكتوا ... لا تذكروا الألقاب ما بيننا ذا لقبٌ ما كان إلاَّ على ... نحس وإلاّ فانظروني أنا وأنشدني أيضَا لنفسه في إنسان، يلقب أيضًا الرضي. وكان يتلوى الأشراف على الرباط: [من الخفيف] أيُّها الكاتب الَّذي اتَّخذوه مشرفًا للرباط من تسع رهط إنَّ دينًا أنا وأنت رضيَّاه لدينلٌ طول المدى في سخط

وأنشد أيضًا فيه قد صار كتابًًا بدكان الصنع بإربل: [من مجزوء الكامل] ما متُّ منك بحسرة ... حتَّى رأيتك راكبًا متحكِّمًا متأمِّرًا ... تدعى الرَّضى الكاتبا وعلى يمينك كاتبًا ... وعلى شمالك حاجبا والنَّاس حولك يهرعون مسائلاً ومجاوبًا /248 ب/ لمذَا نلويت الرِّباط وجدت مالاً سائبا فسلكت فيه مذاهبًا ... وقضيت منه مآربا فمتى أراك مذلَّلاً ... ومكبَّلاً ومحاسبا والدذَهر عن قوس الأذى ... يرميك سهمًا صائبا ومنها: يا دولة في ظلِّها ... تضحى الأسود ثعالبا مازلت بي حتَّى رأيت من الزَّمان عجائبا [570] غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، السلطان الملك الظاهر، أبو الحارث بن السلطان الملك الناصر أبي المظفر –صاحب حلب-. كانت ولادته بآخر [يوم] في رمضان سنة ثماني وستين وخمسمائة وتوفي بحلب يوم الإثنين تاسع جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن بقلعتها، وبقي

بها إلى العشر الوسطى من شعبان سنة عشرين وستمائة. وكان موته /249 أ/ بأمراض اجتمعت عليه وسنطاريا، وحمى باطنة وماثرة، وحمى نوبة، وعسر بول. ثم نقل إلى المدرسة التي أنشأها مولاه طغرل ابو سعيد الطاهري –رحمه الله تعالى- تحت القلعة المنصورة. ودخل حلب حين أعطاه إياه أبوه الملك الناصر يوم السبت التاسع عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وطلع إلى قلعتها في وقته، وكان الوالي حينئذ من قبل عمه الملك العادل أبي بكر صارم الدين برغش. وكان سامي الهمة في الأمور السلطانية، وتدبير الملك والدولة والسياسة في الرعية يأخذ نفسه بالعدل والإنصاف، محسنًا إلى العلماء والفضلاء، كثير البر والمعروف إلى الشعراء، ذكيًا متيقظًا، منصفًا شديد الحزم بعيدًا عن الظلم، يحب أهل العلم، ويكثر مجالستهم. حدثنى القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحنفي الحلبي العقيلي –أيده الله تعالى- بداره في ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وستمائة، قال: قرأت بخط الملك الظاهر غازي بن يوسف ابن أيوم بيتين كتبهما للنقيب أبي غانم الحلبي: [من البسيط] /249 ب/ هذا النَّقيب الذي أضحت مناقبه ... بين البرَّية مثل الأنجم الزُّهر لازال يرفل في أيَّام دولتنا ... في حلَّة الجو محروسًا من الغير وتحتهما بخط الوزير موفق الدين خالد بن القيسراني: هذا خط مولانا السلطان الملك الظاهر، ولفظه في مملوك دولته النقيب أبي غانم. [571] غازي بن مودود بن الخضر بن سودكين، أبو المظفر الحويُّ، المعروف بابن الطفسيِّ. منسوب إلى طفس مدينة من أعمال حوران شرقيها من مدن الشام. من أبناء الجند، ورد إربل وتعلق بخدمة سلطانها الملك المعظم مظفر الدين

كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه- وولاه حينئذ بشتدر وأعمالها، فبقي بها مدة فلم تطب له، فكتب إلى الصاحب أبي البركات المبارك بن أحمد المستوفي –رحمه الله- وكان يومئذ يتولى الإستيفاء بالديوان المظفري يذم مقامه ببشتدر، ويشكو إليه مما لقيه من /250 أ/ من الفار والعقارب والبراغيث والعقارق، وأنشدنيها سنة خمس وعشرين وستمائة بمنزله بمحروسة إربل: [من مجزوء الكامل] بالسَّيِّد الشّ} ف استجيـ .... ير من المقام بشتدر الصَّاحب المولى الوزيـ ... ـر في الأمور إذا نظر الماجد المولى الَّذي ... إنعامه عم ذَ البشر من جوده يغنيك عن ... فاهل البداوة والحضر وندى يديه يحار من ... ايجادها صوب المطر لم اخش من ريب المنون ولا مفرَّ من القدر أأخاف من كيد العدوِّ ... وأنت كنزي المدَّجر فالعبد يشرح قصة ... حقًا تؤرَّخ في السِّير الفأر يصوي دائبًا ... من جوعه لا من بطر وعقاربٌ صغرٌ يطا ... ير سماها مثل الشَّرر وبراغثُ يعبثن بي ... فكأنذَها وخز الإبر وعقارقٌ ينعبن من ... وقت العشاء إلى السَّحر /250 ب/ هذا لا تختٌ لدي فأين منهنَّ المفر؟ حتَّى أقبِّل راحة ... تقبيلها يجلو البصر وأعود فالأطفال ينتظرون عودي في الأثر /252 أ/.

حرف الفاء

/251 ب/ ... حرف الفاء ذكر من اسمه الفتح [572] الفتح بن تميمٍ الهاشميُّ الحمويُّ أنشدني هذه القصيدة المولى القاضي الصدر السعيد بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد -أيده الله تعالى- عن نظامها الفتح بن تميم الهاشمي الحموي: [من البسيط] يا ربع أهلك بعد البين ما فعلوا ... وأيَّ منزلة بعد الحمى نزلوا ساروا بقلبي أسيرًا في رحالهم ... لمَّا استقلَّت بهنَّ الأينق الذُّل لا يبعد الله أحبابي الَّذين هم ... غيثي الملثُّ وروضي المخصب الخضر وساحر الطَّرف يقضي العاشقون به ... نحبًا ويحيا عليه اللُّوم والعذل في خلقه ترفٌ في خلقه صلفٌ ... في عطفه هيفٌ في ردفه ثقل إذا بدا ظلت من فرط الغرام جوى ... كأنَّني من صدامٍ شاربٌ ثمل سقى دمشق وأيامًا بها سلفت ... إن لم تصبها دموعي مسبلٌ هطل /252 أ/ حيث الرِّياض بها النُّوَّار مبتسمٌ ... والغيث باك بدمع ماله مقل وللسَّواجع رجيعٌ يهيج جوى ... وللجداول في أقطارها جدل كأنَّ جود بها الدِّين باكرها ... حتَّى تروَّض منها السَّهل والجبل ندبٌ له الجدُّ والمجد الأثيل إذا ... تفاخر النَّاس ثمَّ العلم والعمل مازال يخطب منَّا المدح نائله ... حتَّى تنافس فيه المدح والغزل أعيت على كلِّ مدَّاح فضأئله ... من أن يحيط بها التَّفصيل والجمل بالجدِّ متَّشحٌ والجود منتطقٌ ... والفضل متَّرزٌ والعدل مشتمل تثنى البلاد أهلوها عليه كما ... تثنى الرِّياض سقاها العارض الهطل كم قائل زر فتى الخشَّاب إنَّ له ... مواهبًا صحَّ فيها الظَّن والأمل جودٌ يبخِّل جود املعصرات ندى ... يظلُّ متَّصلا والغيث منفصل

وعزمةٌ لا يرى في جدِّها لعبٌ ... طول الزَّمان ولا في حدِّها ملل تريك أراؤه ليل الخطوب ضحى ... فما بآرائه زيغٌ ولا ميل مناقبٌ أضحت الأيَّام مشرقةً ... بهنَّ حاليةً أجيادها العطل أبا محمَّد سدت النَّاس قاطبةً ... فضلاً به في البرايا يضرب المثل أجريت في كل قطر بحر مكرمة ... عذبًا تضيق به الأقطار والسُّبل /252 ب/ أسرعت في صنعك الخيرات مبتدئًا ... ومن عوائدك الإسراع والعجل وقد أقمت صفي الأيَّام فاعتدلت ... من بعد ما ظلنَّ قومٌ ليس تعتدل إيَّاك يعني ابن أوس في مقالته ... إذ قال حقًا وبعض القوى منتحل (يدي لمن شاء رهنٌ لم يذق جرعًا ... من راحتيك درى ما الصَّاب والعسل) أنت المؤمَّل دون النَّاس كلِّهم ... على عطاياك بعد الله نتَّكل [573] الفتح بن عبد الله بن محمد بن عليٍِّ بن هبة الله بن عبد السلام بن عبد الله بن يحيى، أبو الفرج بن أبي منصورٍ البغداديُّ. كانت ولادته ببغداد يوم عاشوراء سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. وتوفي بها في المحرّم سنة أربع وعشرين وستمائة، وصلي عليه بجامع القصر، ودفن من الغد في مقابر قريش.

وكان من أبناء المحّدثين الكتاب، وكتب الحديث ورواه هو وأبوه وجّده وأبو جدّه. سمع الحديث على مشايخ بغداد: كأبي عبد الله الطرائفي، وأبي غالب بن الداية، وجدّه أبي الفتح محمد بن /253 أ/ علي بن هبة الله، والقاضي علي بن الحسين الزينبي؛ وهو آخر من حدّث عنه فيها بعلم، وأبي الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي، وأبي القاسم هبة الله بن الحسين بن علي الحاسب، وأبي الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد المديني، وسعيد بن أحمد بن الحسن بن البناء، وأبي الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري وغيرهم. وكان يتولّى النظر بطريق خراسان في زمن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رضي الله عنه- وكان يرجع إلى فطنة وأدب وسلامة قريحة في قرض الشعر، ويحفظ القرآن، ويحكي الحكايات في مواضعها وعمِّر حتى تفرّد بشيوخ يروي عنهم؛ كتب عنه أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي. وكان مشتهرًا بالميل إلى التشيّع على مذهب الإمامية، وكفّ بصره في آخر عمره؛ وفي ذلك يقول، وكتبه إلى الإمام الناصر لدين الله –رضي الله عنه-: [من الكامل] مولاي عبدك قد أضرَّ وقد غدا ... في قعر منزله طريحًا كالحجر لا يستطيع السَّعي فيما فاته ... لمصابه بالعين مع وهن الكبر والعبد عبدك شاكرٌ لمصابه ... إذا كان من دون البصيرة بالبصر فامنن أمير المؤمنين ببرِّه ... واجبره يا خير الورى فقد انكسر /253 ب/ فالنَّاس كلُّهم لبرِّك عيلةٌ ... ولمثل هذا اليوم برك يدَّخر فالموت اهون من تقلُّد منّة ... لسوى أياديك الشَّريفة ذي الغرر لا زال أمرك في البريَّة نافذًا ... أبدًا وفي الأرضين ياخير البشر وقال في عماه أيضًا: [من الطويل]

سئمت حياتي بعد فقدي لناظري ... وصرت أرى الأشياء بالَّلمس والسَّمع أسيرٌ لمن يقتادني غير حاجتي ... له الحكم في ضرِّس وإن شاء في نفعي ولم يبق وهن الشَّيب منِّي بقيّة ... لدفع أذى عنِّي إذا مسَّ أو منع أقوم إذا رمت القيام لحاجتي ... على أربع تلوى من الضَّعف كالشَّمع أقضِّي نهاري والَّليالي ترقُّباً ... لداعي الفنا مصغ إلى قوله سمعي نديمي أحزاني على ما اقترفته ... من الذَّنب في جهلي وسرِّي من دمعي فياربِّ جد لي منك لطفًا برحمةٍ ... أفوز بها يا مالك الضُّر والنَّفع وقال أيضًا: [من المنسرح] يا من شكاني فلم أنم جزعًا .. ز أدعو له بالشِّفاء مقتبلا يا ليت ما تشتكيه من ألم ... يكون بي أو إليَّ منتقلا وأنشدني الشريف أبو نصر: /254 أ/ محمد بن أبي طاهر الهاشمي، قال: أنشدني أبو الفرج لنفسه: [من البسيط] أقول للنَّفس إذا همَّت بمسألة ... لغير خالقها في العسر والعد كفِّي فلو متَّ صبرًا لم أكن سمحًا ... بماء وجهي لمخلوق من الأمم لكنَّني أسأل المعني لهم كرمًا ... عنِّي بأن يغنيني عنهم غنى كرم وقال أيضًا: [من الكامل] ولقد وددت بأن أراك فأجتلى ... أنوار وجهك فهو بدرٌ مشرقٌ لكن أوقات اللِّقاء غزيزةٌ ... الله يحرمها العباد ويرزق وقال أيضًا: [من البسيط] مالي رجاءٌ سوى نعماك من أحد ... في سائر النَّاس في الدُّنيا ولا أمل فانعم بتحقيقه نقدًا بلا عدِّة ... فالوقت سيف وما في الحالم حتمل وانهض إلى النذَضر فالأعداء لا سلموا ... بصارم الخوف من لقياك قد قتلوا وقال أيضًا: [من الطويل] إذا أنا لا أحظى بقرب محمَّد ... فموتي عندي والحياة سواء فتى هو ذخري في الحياة وعندما ... أموت فلي آباؤه شفعاء

/254 ب/ قال أبو الحسن القطيعي، أنشدني أبو الفرج الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد السلام لنفسه، وكتب بها إلى المستضيء بأمر الله. يستقيل من خدمته بالتركات: [من البسيط] يا ابن الخلائف من آل النَّبي ومن ... يفوق علمًا ونسكًا سائر النَّاس يا مستضيئًا بأمر الله مقتديًا ... يا خير مستخلف من آل عبَّاس يا من إذا رمت أمرًا عزَ مطلبه فاجابه منعمًا من غير إحباس وإن دجى زمني في مقلتي أملي ... سعيت من جوده فيه بمقياس أشكو إليك معاشي إنه كدرٌ ... ما بين ناعٍ وحفَّار لأرماس مذ صرت فيه جغاني النَّاس كلُّهم ... وأنكرتني تصاريفي وأجانسي إذا مررت بقوم ساءهم نظري ... كأنَّني أعورٌ والبوم جلاَّسي يذمُّني منهم من لم ألمَّ به ... يقول بالظَّن: هذا قلبه قاسي تأتي إليَّ صباحًا كلُّ ناحيةٍ ... يضيق من كربها صدري وأنفاسي فآه من حالتي، ضرٍّ بليت بها ... سواد بختي وشيب الشَّعر في راسي وبحر جودك ينجيني وينقذني ... من بحر همٍّ وأفكار ووسواس /255 أ/ بقيت مالك اهل الأرض قاطبة ... تفني الإادي شديد البطش والباس في دولة وهب الله الخلود لها ... كأنَّ أيامها أوقات أعراس وكتب إليه أيضًا في المعنى: [من الوافر] إمام العصر يا خير البرايا ... تهنَّ بمقدم العام الجديد تهنَّ به فقد وافى ببشرى ... لملكك بالتَّأبد والخلود وإن كان الهناء به حقيقًا ... إذا ماكنت ذا عمر مديد رماه الحظُّ في التَّركات رغمًا ... بلا رزق ولا عيش رغيد يصبِّح كلَّ يوم بالرَّزايا ... ويلعن لعن عادً أو ثمود بقيت على الإمامة والرَّعايا ... بقاء النَّجم في فلك السُّعود

[574] الفتح بن موسى بن حمّاد بن عليِّ بن إبراهيم بن اسماعيل، أو بنصرٍ الأمويُّ الأندلسيُّ. من أهل الجزيرة الخضراء أصلاً. ومولده بقصر كتامة بين فاس وسلا في الثالث عشر من شوال سنة أربع وثمانين وخمسمائة، كذلك أخبرني من لفظه. فقيه شافعي المذهب، أصولي عالم له معرفة /255 ب/ بالنحو والعروض، ونظر في علم الحكمة والمنطق. قرأ المقدمة الجزولية على مصنفها قراءة إتقان وفهم، ونظم كتاب "المفصل" لأبي القاسم الزمخشري أرجوزة، وعمل كتاب "الإشارات" لأبي علي بن سينا شعراً، ونظم كتابًا في العروض لطيفًا. ورحل إلى مدينة السلام سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وسمع بها الحديث على أبي الفضل الداهري وغيره. نزل برأس عين، وتولى بها تدريس المدرسة النظامية على الفرق الأربع، ثم فوض إليه امر ديوانها. شاهدته بإربل في شوال سنة خمس وعشرين وستمائة في محبة فلك الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن هبة الله بن علي المسيري المصري. وكان حينئذ قد وردها رسولاً. أنشدني لنفسه يمدح إربل ويصفها: [من الكامل] يا إربلٌ ما أنت إلاَّ جنَّة ... خصَّت بأكرم جيرة وقرار لو لم تكوني جنَّة الدُّنيا لما .. ز كان الصِّراط إليك بيت النَّار سلطانها الملك المعظَّم قدره ... في قلب كلِّ معظَّم جبَّار يكفيه عند الله وهي عظيمةٌ ... تعظيم مولد أحمد المختار /256 أ/ فليحمدَّ إذا التَّقى بمحمَّد ... آثار ما أولاه من آثار

وهذه الخطبة من إنشائها، وتلاها بالقصيدة الدالية يمدح بها القاضي زين الدين عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي الحلبي، قاضي حلب –رحمه الله- وذلك حين أنفذ رسولاً إلى الديار المصرية إلى السلطان الملك الكامل –رحمه الله-: "الحمد لله الذي كشفت عن الأمة ظلمه الغمة، وأفاض عليهم ما استفاض من سوابع النعمة وسوائغ النعمة، ومد عليهم من جلال العصمة وكمال النعمة وظلال الرحمة رواقًا فيأهم من أماني ظلاً ظليلاً و {خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} وقضى لخلقه أجلين؛ اجلاً اختراميًا مسمى عنده، وأجلاً مستفادًا بتقديره مؤجلاً فأمات وأحيا بالأجلين: الإخترامي، والمستفاد دولاً وخولاً {سنة الله الَّتي قد خلت من قبل ولن تجد لسنَّة الله تبديلاً}. اخترم النفس النفيسة الملكية الملكة العزيزة –قدس الله روحها- /256/ب ونور ضريحهل –لأجلها المحتوم، والحق جزءها الحقيقي، الموجود بالجزء المجازي، لا بل بحر المعدوم. وكأن تصورات المحن، وتصديقات الأحن، تلبس المجهول بالمعلوم وتتخاذل العزائم الإنسانية {وكان الشَّيطان للإنسان خذولاًَ} فصعدت العزائم الصاحبية القاضوية الدينية الأسدية والأسدِّية عن أنوار الهداية، وسطعت آيات آياتها ببوارق سوابق الحمامة والدعاية، وأشارت العناية الصريحة بما هو اهله من الاختصاص باصطفاء العناية، فبعث رسولاً كريمًأ كفيلاً بسعادته، ان يبلغ ما شاء املاً وسؤلاً. فنهض –أيده الله- بأعباء الرسالة نهوضًا واجبًا، وأثبت أسباب الملك الصلاحي بسبب موانعه عنه فكان بحكمية المتقابلين موجبًا وسالبًا. وأسفر صباح سفارته عن صلاح بشارته/ ونجاح رسالته آيبًا وذاهبًا، فقال: {إنّي عبد الله أتاني الكتاب وجعني نبيًا * وجعلني مباركًا أين ما كنت} وبعثني رسولا. فامن من سبقت له الحسنى من رأى رايات صدقة الباهرة، وصنفت موارد وسعود

الرعايا بتسخير الله له ملوكًا، قبلت إشارته وامتثلت /257 أ/ أوامره، وأسبغ الله على الكافة بحسن تدبيره، وحسنى تقديره، نعمه الباطنة والظاهرة، وهدى به سواء السبيل {فربُّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً} فألف الله به الكلمة على أحسن نظام وأثبت أساس، واستقر به أمراء من الرعية، .... عنهم لباس البأس، وتكفل تأييد الملك وتأبيده في خير أمة أخرت للناس، ولسان حال الملوك يقول: وكفى به قائلاً، وبكافله كفيلاً". وهذه القصيدة: [من البسيط] ما شئت يا دهر فاصنع غير مقتصد ... وعدِّ عن قصد مقصودي ولا تعد واستجلب العذر عن عذر وفيت به ... وخذ أمانك عن خوفٍ يدًا بيد فقد حللت حمى لو يستجير به ... حمى كليب لاضحى في حمى الأسدي الصَّاحب الصَّدر زين الدِّين من بلغت ... به علاً أمدًا أربى على أمد قاضي القضاة الَّذي أضحت مناقبه ... مؤسَّساتٍ من التَّقوى على عمد يهدي عقول الورى من علم علمٌ ... اناف فوق شناخيب النُّهى الجدد تضيء أنواره من نار فكرته ... فتنجلي الحكم القدسيَّة المدد وتستقلُّ أياديه وإن كثرت ... فكم أياد له عند الورى ويد /257 ب/ صدرٌ أقام قناة الملك عن أودٍ ... في صدرها فانثنت عن ذلك الأود نائي المحلِّ تراه من تواضعه ... للخلق في صبب من ذلك الصُّعد سدَّ الثُّغور وقد سدَّت مسالكها ... عن العقول برأي صائب سدد ومهَّد الملك حتَّى أصبحت حلبٌ ... في درِّ ضرع المنى للوقذ في الصَّفد مضى لمصر فأمضى من عزائمه ... بيضًا تقدُّ قلوب الأسد في الزَّرد بدت لهم معجزاتٌ من مناقبه ... فأرسلوه لها في طالع السعد فقام بالحقِّ لا يلوي مناصحة ... فيما تنال به الأخرى على أحد فآمنت بهداه أمَّةٌ سبقت ... لها من الله حسنى الفوز والرَّشد فاستوسق الملك وانجابت بهمَّته ... دجى الخطوب ودام الملك للأبد

وعاش من كان يخشى الموت في حلبٍ ... ومات أعداؤه من شدَّة الكمد وكان أكبر عيد يوم مقدمه ... مهنَّأ بالمنى في النَّفس والولد تباشر النَّاسفي لقياه واحتشدوا ... له بأجمل ما يلقى من الحشد قل للمحدِّث عن أخباره سؤدده ... حدِّث حديثًا صحيحًا عالي السَّند وانثر على صفحات الدذَهر من مدحي ... فيه بديع نظام اللؤلؤ البدد وقابل العالم العوي أجمعه ... منه بكلِّي فضل فيه متَّحد /258 أ/ وعفِّر الوجه في ناديه إنَّ به ... مسكيَّ ترب به يشفى من الرَّمد وراجع الفكر وارجع عن مهابته ... حسير طرفك والحظ لحظ متَّئد تلحظ جلال جناب تقشعرُّ له ... جلود كلِّ عظيم الجأش والجلد وهمَّةً ضاقت الدُّنيا بما رحبت ... عن حملها وسطا الصَّمامة الفرد وقاضيًا أحكمت أحكامه حكمًا ... جلَت فحلَّ ت ظلام الظُّلم والفند مؤيِّدًا حكم دين الله مجتهدًا ... فيه بما يرتضيه كلُّ مجتهد ياذا الَّذي صيغ من طيب ومن زبدٍ ... وغيره صيغ من طين ومن زبد تبارك الله ما اولاك من رجلٍ ... بفضل ما حزت من سمتٍ ومن رشد كم اجتهدنا على عيبٍ نعيذ به ... كمال مجدك من عين فلم نجد لفظ الفضيلة لم توضع حقيقته ... إلاَّ عليك فمن ينقله لم يفد وحلَّة المحد مذ ألبستها يفعاً ... ساودت علاك فلم تنقص ولم تزد أعيذ يا وحد الدُّنيا وصاحبها ... فضلاً خصصت به بالواحد الصَّمد ونلت في قرَّتي عين الفضائل ما ... تختار من أملٍ يبقى مدى المدد ففي الكمال كمالٌ جلَّ مبدعه ... وفي البهاء بهاء غير منتقد فلله حركة أوجبت سكون ما انزعج من الخواطر، وبركة ردت /258 ب/ سحائب الفتن وهي قواطر مواطر، وهمّة أسدية قامت مقام القَّنا والقنابل، والبواتك البواتر حين كادت ترجف الأرض والجبال {وكانت الجبال كثيبًا مهيلاً} فغلب

بحمد الله على ما أراده من إصلاح الدولة الصلاحية. وكان من حزب الله عالبًا، واحكم ما حكم به من مصالح النصائح شاهدًا وغائبًا، وقضى للغائب وعليه كان قضاءً نافذًا واجبًا. والقاضي إذا قضى للغائب وعليه كان قضاؤه جائزًا مقبولاً". وأنشدني لنفسه مهنيًا الملك الأشرف بفتح دمياط من قصيدة أوِّلها: [من البسيط] الله أكبر هذي أكبر الرُّتب ... شاهت لها أوجه الاوثان والصُّلب وحصحص الحقُّ وانجابت غياهبه ... واجتثَّ دابر أهل الشِّرك والرِّيب وصدَّقت عزمات السِّيف ما كتبت ... أيدي الغيوب من الأنباء في الكتب كادت تنوب بني الإسلام نائبةٌ ... من الفرنج فكادتهم يد النُّوب من بعد ما شام أهل الشَّام قاطبةً ... منهم بمصر بروق الأين والوصب وغادروا ثغر دمياط وبرزخه ... تبكي عليه جفون الدِّين والحسب /259 أ/ طمَّت عليهم سجالٌ منك زاخرةٌ ... فلجَّجت بهم في لجَّة العطب غضبت لله يا موسى وما علموا ... بأن رضوانه في ذلك الغضب وأجَّجت يدك البضاء بينهم ... نارًا فكانوا لها من جملة الحطب هم الفراش فمهما ألهبت لهبًا ... أنوارها سقطوا في ذلك اللَّهب يا للعجائب! عيسى وهو عندهم ... ربٌ دعاهم إلى التَّقوى فلم يجب ولم يزل وهو روح القدس ينذرهم ... آيات موسى وما فيها من العجب فجاء عيسى رسولاً من محمَّده ... إلى أبي الفتح موسى البطش والرَّهب علمًا بأنَّ اليد البيضاء ما برحت ... تبدي لموسى بمصر آية العجب فجاء موسى لدمياط على قدر ... والنَّصر يقدمه في حجفل لجب وحال ما بين دمياط وبينهم ... بكلِّ مرتقب للهول مرتكب بكل قلبٍ كأنَّ السُّمر أضلعه ... لم يهف قلبٌ له يومًا ولم يجب قجاء فرعون عكَّا خائفًا وجلاً ... يبغي إمامًا ينجِّيهم من الرُّعب مستيقنين بأنَّ الله خاذلهم ... وأنَّ مرجعهم للسَّيف والهرب وأين يهرب من موسى وفي يده الدُّنيا جميعًا وحبل الله في الطَّلب فسلَّموها وما جادوا بهعا كرما ... لكنَّهم فدوا المسلوب بالسَّلب

[575] /259 ب/ الفتح بن عليّ بن محمّد بن الفتح بن أحمد بن هبة الله بن عليَّ أبو إبراهيم بن أبي الحسن البنداري، الكاتب الاصفهاني المنشيء، نزيل دمشق. اخبرني أنَّه ولد بأصبهان في منتصف شعبان سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة. من أبناء الرؤساء الأصفهانيين وأشراف أماثلها وأرباب النعم والجلالة. وأبو ابراهيم هذا صدر نبيل، ذو قدر جليل، من أصحاب الهيئات والمروءات في أموره واعتراف بأقدار الناس مع سكون وعقل، ووفور أدب وفضل، وتواضع مبين، ودين مبين، وصلاح وسداد. سمع الحديث الكثير في بلده، وقرأ فقهًا وأدبًا، وله اليد الطولي في الكتابة الإنشائية بالفارسية والعربية. فارق وطنه وقدم دمشق في المحرم سنة سبع عشرة وستمائة في أيام الملك المعظم شرف الدين أبي الفتح عيسى بن أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق. وصنّف عدّة تصانيف، واختصر منها كتاب "نجوم الهدى وأعلام التُّقى" في أسماء العلماء الشافعية، مجلد. /260 أ/ وكتاب "سنا البرق" اختصره من كتاب العماد الكاتب المسمى "البرق الشامي"، واختصر كتاب "خريدة القصر" وسمّاه "وشاح الخريدة وطراز الجريدة" واختصر كتاب "نصرة الفترة" سماه "نخبة النصرة" في وزراء الملوك السلجوقية، وكتاب "منتهى الآمال من كتاب الاكمال" لابن ماكولا مختصر منه. وكتاب "التذكرة الأشرفية والصناعة الطبية"، وديونا نظمه ونثره بالفارسية والعربية، وعرّب كتاب "شاه نامه" ونقله إلى العربي وأهداه إلى الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب –رحمه الله- واختصر كتاب "الأنساب لأبي سعد السمعاني، ولقبه

"بكتاب اللباب في الأنساب"، وكتاب نقله في ترجمة أخبار ملوك العجم خمس مجلدات عمله للملط المعظم عيسى بن أبي بكر. لقيته بدمشق في سنة أربعين وستمائة، فرأيت منه رئيسًا كافيًا، وحبرًا كاملاً –فأكرمني وأفضل عليّ وأحسن إليّ، فبلّغه الله تعالى امنيته، وهو أحد الكتاب المترسلين بدولة الملك الصالح أبي الفداء إسماعيل /260 ب/ بن أبي بكر بن أيوب. وأنشدني لنفسه في أواخر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، وقد نزل تبوك: -[من البسيط] لمَّا نزلنا تبوك انتابني طربٌ ... حتَّى لقد خلت بي مسّاً من اللَّمم فظلت ألصق خدِّي بالثَّرى كمدًا ... وأمتري منشدًا من دمعي السَّجم لم لا أدوس برأسي ترب منزلة ... قد ادسها خير خلق الله بالقدم يا أرض طيبة لازالت مرفرفة ... عليك أجنحة الانواء بالدِّيم لله تربك أنَّى ضمَّ في جدث ... بحر الفضائل والإفضال والكرم جعلت هالة بدر يستضيء به ... أهل البسيطة من عرب ومن عجم لو استطاعت بلاد الأرض أجمعها ... سعين نحوك للإجلال عن أمم وأنشدني لنفسه، وقد أراد أن يزور النبي –صلى الله عليه وسلم- من الشام فلم يقدّ {له ذلك في تلك السنة: إشتقت طيبة أعوامًا فإذ قربت ... منذِي مسالكها أقصاني القدر وكنت كالحائم الحيران حين دنت ... منه موارده اودى به الصَّدر قد كدت أدرك صفو العيش مغتبطًا ... لكن أبى ذاك دهرٌ كلُّه كدر /261 أ/ وقال فيه –صلى الله عليه وسلم- وأنشدنيه: [من الطويل] نبيَّ الهدى لولا علائق شقوة ... علقن بذيلي ما تركت مزاركًا نعم عفوك الفضفاض ضاف إزاره ... فأسبل على التَّقضير مني إزاركا وأنشدنيه حين تشرف بزيارة إبراهيم الخليل –صلوات الله عليه- سنة سبع عشرة وستمائة: [من الطويل] أيا رافعًا للحقِّ شمَّ قواعدٍ ... بها شاد من أركان بنيانه الدّين

نشرت على الآفاق نورًا من الهدى ... وأدم في طيِّ الثَّرى بعد مكنون وأظهرت للأبصار بدر .... الورى ... فلا حمأ فيما تروق ولا طين نعم طينك النُّور المبين وإنَّه ... بماء من الوادي المقدَّس معجون اتاك خليل الله تذرف عينه ... خليلٌ كصادٍ ورده الكاف والنون تشفَّع إلى الرَّحمان يطلق رحمةً ... فها هو في حبس الجرائم مسجون عليك سلام الله ما ذرَّ شارقٌ ... ولاح هلالٌ مثل ما اعوجَّ عرجون نعم وعلى أولادك الغرِّ بعده ... صلاةٌ لها صوت الملائك تأمين وأنشدني لنفسه في القاضي بهاء الدين أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بعد منصرفه من مصر: [من الطويل] /261 ب/ لقد سرَّ سرُّ الشَّافعيِّ وأشرقت ... أسرَّته بشر الوجه ابن رافع قناواه من دون الصَّفائح معلنًا ... نداء وعاه القلب قبل المسامع لك الخير من ضيف أتاني مسلًَّماً ... ومن زائدٍ نائي المنازل شاسع بعلمك ذكري ف المحافل شائعٌ ... لشعيك قد أنشرت بين المجامع أنرت منار الحقِّ بعدي في الورى ... ببرهان فضلٍ ساطعٍ النور صادع وصيَّرت ما بين المذاهب مذهبي ... كشرع رسول الله بين الشَّرائع فلازلَّت ذا قدر يعزُّ مناله ... ولازلت ذا فضل على الخلق واسع وهذا خطابٌ ذا قدر يعزُّ مناله ... ولازلت ذا فضلٍ على الخلق واسع وهذا خطابٌ عنه أفصح حاله ... لكلِّ أخي فهمٍ من الحقِّ سامع ويكفيك ما بين الأنام دعاؤه ... وذلك عند الله أعلى الشَّوافع وأنشدني لنفسه لمّا نزل السلطان الملك الأشرف بعين الفارسية متوجهًا إلى البلاد الشرقية: [من الوافر] ولمَّا إن رحلنا من دمشقٍ ... وخيَّمنا بعين الفارسيَّه تقدَّم من مهابتنا سريعًا ... إلى أعدائنا ألفا سريَّة /262 أ/ وأنشدني أيضًا وكتبه إلى الملك: [من الوافر] أيا ملكًا رحيب الباع سمحًا ... حططت ببابه العالي رحالي

لقد قرَّت غداة رأتك عيني ... وفازت من لقائك باكتحال رعاك الله من مدرار فضل ... بوصف علاه جيد الفضل حالي أؤمِّل منك أن تسعى لرزق ... على نعماك في الدُّنيا محال وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] إذا شئت أن تسمى وتصبح مالكًا ... رقاب قلوب الخلق في الأرض قاطبة فأوسعهم لطفًا وبشرًا ولا تكن ... عبوس المحيَّا كالح الوجه قاطبه وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] أيا ملكًا ملوك الأرض طرّاً ... لهم بنواله في الأرض أسوه إذا قسننا بحار الأرض كلاًّ ... إلى جدواك كانت مثل حسوه عزمت على الرَّحيل إلى دمشق ... وأرجو من نداك الغمر كسوه وقد هجمت جيوش البرد تترى وغادرت الرِّجال الغلب نسوه بميمنة وميسرة وقلبٍ ... علينا لم يزل يزداد قسوه وإن لم تكسني شيئًَا فأيقن ... بأنِّي لست الحق أرض .... /262 ب/ وأنشدني أيضًا من شعره: [من الكامل] لا تحملنَّ أمانةً فلربما ... لعبت بحاملها يد الإتلاف قد أودع الصدف السَّحائب قطرةةً ... وبها تشقُّ خواطر الأصداف وأنشدني أيضًا قوله: [من الوافر] إذا ما النَّائبات غزتك يومًا ... وهمَّت بالحوادث أن تدوسك فعذ بالله متًّكلاً عليه ... ولا تنزع من التَّقوى لبوسك ولا تقصد من الأمراء إلاَّ ... عماد الدِّين داد بن موسك هو المولى الذي إن ناب خطبٌ ... يفرِّج عنك بالإفصال بؤسك وأنشدني أيضًا من شعره في غرض: [من الكامل] وحنتني الأيَّام لمّا أثقلت ... ظهري على جلدي بفادح همٍّها فالظهر قوسٌ والصا وترٌ لها ... وكلامي المستدُّ ضائب سهمها وأنشدني لنفسه: [من الطويل]

كريم المحيّا أبلج الوجه ماجدٌ ... زكت منه أرضُ في السعادة أعراق طلاقته تجري سحائب أنعمٍ ... بها قسمت بين الخلائق أرزاق وأنشدني له: [من الكامل] /263 أ/ ذو الفضل لا يعدوه نقص حظوظه ... وأولوا التناقص حظهم متناسق مثل اليمين تراه عينك عاطلاً ... وعلى الشِّمال يرى الطِّراز الرَّائق وأنشدني لنفسه: [من البسيط] يا من نأى فدموعي فيه مطلقةٌ ... والقلب في أسر أشجانٍ وأشواق أبقيت منِّي على طول المدى رنقًا ... لكن فراقك ما أبقى على الباقي فالآن لم يبق لي عينٌ ولا أثرٌ ... سوى رجاء التَّلاقي من إخفاق وقال أيضًا: [من الكامل] تبّاً لدهر ظلمه كظلامه ... ما إن يزال يجور في أحكامه متلوِّنٌ كالغول يلبس دائمًا ... فينا لياليه على أيَّامه يستنزل العصم العواقل مثلما ... يستخرج الضَّرغام من آجامه فيذل هذا لللكلاب نواحًا ... ويشكُّ ذاك بنبله وسهامه بينا العقاب تراه عينك في السَّما ... إذ حطَّه بنباله من رامه وأنشدني لنفسه: [من الطويل] وأمٍّي لمشتاقٌ إليك وذاكرٌ ... مدى الدَّهر عهدًا كان للشَّمل يجمع تمثِّلك الذكرى لعيني ساهرًا ... وطيفك يأتيني إذا العين تهجع /263 ب/ وأنشدني لنفسه في القوس ملغزًا: [من الوافر] ألا يا عالمًا لم تلق عينٌ ... ولن تلقى مدى الدُّنيا قرينه حللت المشكلات بنور ذهنٍ ... أشغَّته كدنيا مستبينه فما محنَّية الأضلاع تطوى ... جوانحها على حسك الضَّغينه إذا صحَّفتها فهي اسم جمعٍ ... لواحدة بها دعيت مدينة وأنشدني من قوله: [من الطويل] ذكرتكم فاهتزَّ عطفي كأنَّما ... أديرت بذكراكم عليَّ شمول

وعاود عودي رونقٌ ونضارةٌ ... وقد مسَّه بعد الفراق ذبول فياليت شعري هل أرى لي عودةٌ ... إليكم وهل لي بالعقيق نزول وأنشدني لنفسه من قصيدة أوّلها: [من السريع] قد زمِّت العيس صابرًا ... إنِّي إذاً في حسن عهدي ضنين هيهات أين الصَّبر من عاشق ... ما إن له غير الأسى من قرين يبيت موقوذ الحشا ساهرًا ... بليلة في الطُّول تحكي سنين يدٌ على القلب وأخرى على ... الرَّأس حليفٌ للجوى والحنين /264 أ/ يذري دموعًا لو جرى فيضها ... ظلَّ الورى ما بين ماء وطين لله بيضاء هضيم الحشا ... أصبح قلبي بهواها رهين ذات نطاق خصرها تحته ... يشبه شكّاً قد حواه يقين تدير عيني رشأ أغيد ... يصمي بسهم اللَّحظ أسد العرين يرقُّ لي صمُّ الصفاً رحمةً ... وقلبها ذو قسوةٍ ما يلين

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف [576] الفاخر بن عليِّ بن رافع بن فضائل بن عليِّ بن حمزة بن أحمد بن حمزة بن عليِّ بن أحمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالبٍ- عليهم السلام- أبو المجد العلويُّ الموسويُّ. كانت ولادته سحرة اليوم الثامن عشر من رمضان سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ببغداد في الكرخ بين السورين، وبقي إلى سنة عشرين وستمائة. سكن الحلة السيفية. وكان يرد بغداد، وينشد في الهناءات مدائح الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد/ 264 ب/- رضي الله عنه- وكان شاعرًا له ذكر ونباهة بالشعر. أنشدني الشريف الجليل فخر الدين أبو الوفاء عبيد الله بن علي بن زيد بن محمد بن عبيد الله الحسيني الموصلي بها- رضي الله عنه- قال: أنشدني الشريف أبو المجد الفاخر لنفسه: [من مخلّع البسيط] إذا رأيت امزًا وضيعًا ... قد رفع الدَّهر من مكانه فكن سميعًا له مطيعًا ... معظِّمًا من صغير شانه وامش مع الدَّهر كيف أرخى ... بمشيه الدَّهر في عنانه فقد سمعنا بأنَّ كسرى ... قال قديما لترجمانه إذا زمان السِّباع ولَّى ... فارقص لدى القرد في زمانه وقال من قصيدة، قالها في الناصر لدين الله- رضي الله عنه-: [من الطويل] /265 أ/ بكفِّك للتَّدبير أرقش دونه ... صدور المواضي البيض والأسل السُّمر يشتِّت شمل المال بالبذل والعطا ... وبجمع أشتات البلاغة في سطر

إذا ما انتضى الصَّمصام بهمة معركٍ ... نبت شفرتاه وهو في طرسه يجري وله في مبدأ قصيدة يرثى بها بعض الدارجين: [من البسيط] صفة الحياة وإن طال المدى كدر ... وحادث الموت لا يبقى ولا يذر ولا يزال لسان الدَّهر ينذرنا ... لو أثَّرت عندنا الآيات والنُّذر ووجدت من شعره قصيدة بخط يده، يمدح بها النقيب مجد الدين أبا جعفر أحمد بن زيد بن محمد بن عبد الله الحسيني الموصلي: [من الكامل] لا غرو ان وصل الملول القاطع ... ودنا بمن بعد المزار الشَّاسع كم فرقة جلب السُّرور وراءها ... من بعد وشك البين شملٌ جامع ولربما يأتي الزَّمان بما مضى ... وتعود راجعةً بذاك رواجع ولقد مررت على الدِّيار فنازعت ... إليها .... بالحنين نوازع /265 ب/ واغرورقت عيناي لمَّا استعجمت ... فيها مصايف أفقرت ومرابع لولا تذُّكر ساكنيها لم تفض ... من مقلتيَّ على الدِّيار مدامع يا عاذلي كيف الملامم وليس لي ... سمعٌ لعذلك في الأحبَّة سامع عزَّ اللَّقاء فما المحبُّ بطارقٍ ... منهم يزور ولا بقرب طامع . بزورتها عليك متيم ... تحنو على الزَّفرات منه أضالع قالوا: أتقنع بالخيال؟ فقلت من ... فرط الغرام: نعم به أنا قانع ما كان أشفى للغليل خيالها ... لو كان للمشتاق طرفٌ هاجع ولقد لقيت من الزَّمان وصرفه ... مالو بأيسره يصاب متالع فما ........ سيل النَّقا ... مرّت عليه من الرِّياح زعازع من مخبري أنا والخطوب إلى متى ... تفنى حروبٌ بيننا ووقائع يا للرِّجال ألا كريمٌ ماجدٌ ... يقتاده مستصحب فيطاوع عليَّ لان سقط الرَّجاء وعزَّ من ... يدعى إلى أكرومةٍ فيسارع

فإلى ابن زيدٍ أحمد بن محمّد ... تحدى بنات .. وهي خواضع من لا بكم لأن نلوذ بظلِّه ... من حادثات الدَّهر خطبٌ صارع وإذا علقت بذمَّةٍ من جوده ... فلك الأمان بأن يروعك رائع /266 أ/ من سيِّد عتق النِّقابة قدره ... بالشَّمس متَّصل وفيه تواضع عذب المواهب لا تكدَّر أنعمٌ ... بالمنَّ منه ولا تذُّم صنائع ومحسَّدٍ يرمى بأعراض العدا ... حسدًا له والله عنه يدافع أجرى برفعته الإله قضاءه ... فجرى السُّعود له بها والطَّالع وعناية الله الَّتي .... ... في العالمين بها مذاعٌ شائع فما يذلُّ على سريرة ربِّه ... فيه وعرنين المعاند جادع إن سالمت أقلامه وقع الرِّضا ... أو حاربت فالموت منه جازع تنبو السُّيوف لها وهنَّ قواطعٌ ... وتقصَّف المرَّان وهي شوارع فكأنَّما فيها الرَّدَّى متعلِّقٌ ... وكأنَّما فيها النَّدى متدافع سبحان من أعطاك مجدًا لم يكن ... لك فيه مجد الدِّين قطُّ منازع مجدًا تركت به الحسود وليله ... ليل السّليم عراه سمٌّ ناقع حتَّى يقول وبين أثناء الحشا ... منه التياعٌ في الجوانح لاذع: يا من إليه حياتنا ومماتنا ... وله التَّفضُّل والعطاء الواسع من يمنع المرزوق إن أعطيته ... ومن الَّذي يعطي وأنت المانع /266 ب/ فلم يكف مجد الدِّين أسباب الرَّدى ... إلَّا اليقين وبره المتتابع يا ابن الأئمَّة كيف يجحد فظلكم ... بين البريَّة وهو نور ساطع أنتم نجوم سماء كلِّ فضيلةٍ ... زهر السَّماء تغيب وهي طوالع فلقد زرعت معي الجميل ورُّبَّما ... حمد النَّما عند الحصاد الزَّارع وحفظت حرًّا لا افتقادك عنده ... منُّ عليه ولا جميلك ضائع فتهنَّ بالعيد المبارك إنه ... يومٌ جليلٌ مثل عرضك ناصع

وإذا الجمال عدته أسباب الرَّدى ... فالعيد عند كلَّ يوم راجع فالله يوليه السَّلامة إنه ... كفٌ ومنتجعٌ وحصنٌ مانع فاسعد بطلعته ونور جبينه ... فالسَّعد والإقبال منه طالع فهو الشَّفيع إليك في إنجاز ما ... أبغى فلا عدم القبول الشَّافع [577] فتيان بن عليِّ بن فتيان بن ثمالٍ، أبو محمدٍ الأسديُّ الشاغوريُّ الدمشقيُ النحويُّ. أصله من بانياس، الأديب الشاعر. أخذ العلم بالعربية والنحو عن أبي نزار الحسن بن صافي البغدادي الملقب/ 267 أ/ بملك النّحاة- وبعده على أبي اليمن زيد بن الحسن الكنديّ البغداديّ. وكان من الشعراء وذوي الآداب، عارفًا بعلم اللغة والإعراب، ليبيًا عاقلًا، أديبًا كاملًا، ذا سمتٍ حسن وديانة. وكان يعلّم الصبيان بدمشق فترك التعليم، وتصدّى لإقراء النّحو والآداب والعربية، واستفاد منه خلق كثير، واشتهر شعره وشاع في الأقطار، واستملحه أولو العلم واستجادوه لحسن ديباجته، وملاحة ألفاظه، وبلاغة معانيه. أخبرني أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغداديّ بها، قال: سألت فتيان بن علي الأسدي عن ولادته، فقال: ولدت في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ببانياس. وتوفي بدمشق يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم من سنة خمس عشرة وستمائة- رحمه الله تعالى-. أنشدني الخطيب عبد الرحمن بن منصور بن جامع الدمشقيّ أبو محمد، قال: أنشدني فتيان لنفسه: [من الخفيف]

إسقني من معتَّقات الكروم ... بنت كرمٍ تفني جيوش همومي إسقني عانسًا ألذَّ من الشَّهد وكالمسك عرفها من شميم /267 ب/ إسقني القهوة الَّتي أنزل الله فيها الآيات بالتَّحريم عتَّقها خوَّا لآدم لمَّا ... هبط الأرض في الزَّمان القديم إسقنيها صرفًا على نغم الأوتار من مطلقٍ ومن مزموم إسقنيها حتَّى تراني لا أفرق بين المعوج والمستقيم صيدنانيةً كسا وجهها المزج حبابًا كاللؤلؤ المنظوم من يدي شادنٍ أغنَّ غضيض الطَّرف أحوى يرنو بطرفٍ سقيم وفتاة ٍكالبدر أبهى من الشَّمس سبتني بكشحها المهضوم بنت سبعٍ وأربعٍ وثلاثٍ ... تخجل البدر من بنات الرُّوم وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه بجامع دمشق سنة ثلاث عشرة وستمائة: [من الطويل] سلامٌ عليكم أنسى عهودكم ... فحاشاكم أن تنقضوا في الهوى عهدي حنيني إلى أكناف جلِّقَّ زائدٌ ... كما حنَّت الأعراق قدمًا إلى نجد ومن بعدكم ما الحال عندي بصالحٍ ... ألا أخبروني كيف حالكم بعدي وقال ابتداء قصيدة: /268 أ/ وأنشدنيه الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن البغدادي- أدام الله سعادته-: [من الرجز] نوح الحمام الورق في أوراقها ... دلَّ أخا الشَّوق على أشواقها فأظهر الدَّمع وأخفى زفرةً ... خاف على البانات من إحراقها فاعجب لها شاكيةً باكيةً ... لم تسلك الدُّموع في آماقها لو بكت الورق ببعض دمعه ... امتحت الأطواق من أعناقها

ما أفرقت مهجته من الجوى ... لكنَّه أشفى على فراقها ومنها قوله: سقى دمشق الله غيثًا محسبًا ... من مستهلَّ ديمة دفَّاقها مدينةٌ ليس يضاهى حسنها ... في سائر الدُّنيا ولا آفاقها تود زوراء العراق أنَّها ... منها ولا تعزى إلى عراقها أهدت لنا يد الرَّبيع حلةً ... بديعة التَّفويف من خلَّاقها بنفسجٌ مثل الخدود أدميت بالقرص والتَّجميش من عشَّاقها ونرجسٌ أحداقه رانيةٌ ... عن مقل الغيد وعن أحداقها /268 ب/ قد رتع الرَّبيع في ربوعها ... وسيقت المنى إلى أسواقها لا نسأم العيون والأنوف من ... رؤيتها يومًا ولا انتشاقها بعدل فخر الدِّين قرَّ أهلها ... عينا وزاد الله في أرزاقها زوَّجها الأمن وناهيك به ... بعلًا فطيب العيش من صداقها وأنشدني الفصيح أبو بكر الجزري الشاعر، قال: أنشدني فتيان بن علي لنفسه: [من مخلّع البسيط] الملك الأمجد الَّذي شهدت ... له ملوك الأنام بالفضل أصبح في السَّامريِّ معتقدًا ... ما أعتقد السَّامريُّ في العجل والسَّامريُّون كالبرامك في النُّبل فأين الرَّشيد للقتل وقال يمدح أبا حامد محمد الكاتب الأصفهاني، ويصف كتابه الذي ألّفه وسماه «خريدة القصر وجريدة العصر» وأنشد فيه الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود ابن الحسن- أيده الله تعالى-: [من البسيط] /269 أ/ نعشت قومًا وكانوا قبل قد دثروا ... لولا علاك فطاب الورد والصَّدر

أحييت شعرهم من بعد ميتته ... قدمًا فقد شعروا قدمًا وما شعروا أقسمت ما روضةٌ مخضرةٌ أنفٌ ... باتت تسحَّ على أقطارها القطر ذبابها هزجٌ نوَّارها أرجٌ ... نباتها بهجٌ مستحسنٌ عطر كأنَّ فارات مسك وسطها فريت ... فنشرها بأماني النَّفس منتشر شقَّ النَّسيم على رفقٍ شقائقها ... فضرِّجت بدمٍ لكنَّه هدر قضب الزَّبر جد منها حمِّلت صدف الياقوت فيها فتيت المسك لا درر أحداق نرجسها ترنو فأدمعها ... فيها ترقرق أحيانًا وتنحدر وللأقاحي ثغور الغيد باسمةٌ ... شيكت بإسحلةٍ أنيابها الأشر تريك حسن سماءٍ وهي مصيحةٌ ... والأنجم الزُّهر فيها ذلك الزَّهر تبدو بها طررٌ من تحتها غررٌ ... يا حبَّذا طرر الأزهار والغرر يومًا بأحسن من خطَّ العماد إذا أقلامه نشرت عن حبرها الحبر ولا العقود بأجياد العقائل كالدُّمى فمنتظمٌ منها ومنتشر على ترائب كافورٍ يزيِّنها ... حقاق عاجٍ عليها عاجت الفكر تلك الَّلآلي تروق النَّاظرين فما ... يسومها سأمًا من حسنها النَّظر /269 ب/ يومًا بأحسن من نظم العماد ولا ... من نثره فيه ذو العصر يفتخر أضحت صعاب المعاني عنده ذللًا ... تحوي دقائقها من لفظه الدُّور كأنَّما لفظه السِّحر الحلال أو الماء الزُّلال النُّقاخ الطيِّب الخصر شيبت به قهوةٌ حمراء صافيةٌ ... عصارها غيِّرت من دونه العصر ولا السَّحائب بالأنداء صائبةٌ ... فجودها غدق الشُّؤبوب منهمر

حتَّى إذا انقشعت من بعدما همعت ... أثنى عليها نبات الأرض والشَّجر يومًا بأغزر من كفِّ العماد ندّى ... وكلُّ أنملة من كفِّه نهر فللغمائم تقطيبٌ إذا انبجست ... وبشره دونه عند النَّدى القمر ما إبن العميد ولا عبد الحميد ولا ... الصَّابي بأحسن ذكرًا منه إن ذكروا ولو يناظره في الفقه أسعد لم ... يسعد وأحصره عن نطقه الحصر هذا ومحتده ما إن يساجله ... خلقٌ إذا الصِّيد في نادي العلا افتخروا أصخ محمَّد إنَّي جدُّ معتذر ... إنَّ المقصِّر فيما قال يعتذر يا ابن الكرام الألى سارت مكارمهم ... حتَّى تعجَّب منها البدو والحضر راووق حلمك فيما أنت تسمعه ... يبدي الجميل وفيه الغثُّ يستتر وقال أيضًا: [من المتقارب] /270 أ/ أهيم غرامًا بآرام رامه ... وكم من قلوب بها مستهامه وأصبوا إلى أثلاث الحمى ... إذا ما تغنَّت سحيرا حمامه ولولا غريبٌ بنجد لما ... أطعت النَّوى وعصيت الملامه حذار حذار فأجفانهنَّ ظبًا ما لمكلومها من سلامه وكم غادة إن نضت برقعًا ... حكت لك شمسًا بدت من غمامه وإن بسمت لاح من ثغرها ... لعاشقها ضوء برق قشامه إذا ما تثنَّت شكا خصرها ... إلى ردفها جوره والظُّلامه وقال أيضًا: [من المنسرح] إقدح زناد السرور بالقدح ... والمح به ما تشاء من ملح صهباء قل للذي تجنَّبها ... صه باء بالإثم تارك القدح وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب الشيباني الصفار الدمشقي

بها في أوائل المحرم سنة أربعين وستمائة، قال: انشدني أبو محمد فتيان بن علي لنفسه: [من البسيط] إنشر حديثًا قديمًا كنت تطويه ... وأبد ذكر حبيب أنت تخفيه /270 ب/ ولا تعرِّض وصرِّح لا بتوريةٍ ... ولا تعرِّض وصحِّح لا بتمويه إنَّ الحبيب الَّذي هام الفؤاد به ... هامٍ له دمع عيني إذ أسميه فللأقاح وللتُّقاح مبسمه ... وخدُّه وامتياحي الخمر من فيه من منصفي من بديع الحسن معتدل القوام أحوى كحيل الطَّرف شاجيه ظبيٌ من التُّرك لم تترك محاسنه ... شيئًا من الحسن إلَّا وهي تحويه واهًا له كلَّما ارتجَّت أسافله ... وآه منه إذا اهتزَّت أعاليه يا للرجال لظبي صائدٍ أسدًا ... قاسي الفؤاد على صبٍّ يقاسيه يجني علي فأستحلي جناياته ... وما أمرَّ وما أحلى تجنِّيه شبَّهته وقوام الغصن يخطفه ... ومن لواحظه وردٌ يحاكيه من صدغه صولجانٌ خده كرةٌ ... والخال حبَّة قلبي لا أخلِّيه بسهم ناظره [عن قوس حاجبه ... يرمي فؤادي على عمدٍ فيصميه] [ولست أنظره] إلَّا مخالسةً ... أكاد من لطفه باللَّحظ أدميه وما تأمَّلت وجدي في محاسنه ... إلَّا تأمَّلت وجدي من مساويه

متى تحرَّجت من شرب المدام شدا ... فدسَّ في أذني خمرًا تغنِّيه يا من يلوم أعد ذكر الحبيب فما ... ينسيه شيءٌ بل الأيَّام تنسيه واذكر دمشق فإنَّ الله فضَّلها ... على البلاد بما لا يمترى فيه /271 أ/ زهت بجامعها والنَّسر ممتطيًا قوادم النَّسر تتلوها خوافيه فقد أنافت على الجوزاء قبَّته ... تبدي الهلال الَّذي لا شيء يخفيه شكَّت بسفُّودها جوز الهلال وقد ... نحت به نحو قلب الحوت توشيه وباب جيرون قد فارت بساحته ... فوَّارةٌ هي ظئر الجدي ترويه يا حبَّذا جنَّة باب البريد بها ... والحسن قد حشيت منه حواشيه فالمرج فالنَّهر فالقصر المنيف على القصور ... فالشرف الأعلى مثانيه فالجسر جسر ابن شوَّاش فنيربها ... تحلو معانيه ما تخلو مغانيه كأنَّ في رأس علِّيين ربوتها ... يجري بها كوثرٌ سبحان مجريه كأنَّ مشمشها في دوحه ثمر الجنان يجنيه منها كفُّ جانيه كأنَّما كلُّ غصنٍ منه ذو كرمٍ ... لم تخل في النَّاس أيدٍ من أياديه بها الهزازات تشدو في منابر بانات فنحن بما تأتيه في التِّيه كأنَّ ناي زنامٍ في مناقرها ... وعود إسحاق يتلوه مثانيه

كأنَّ في كلِّ عودٍ عود غانية ... بصدرها منه مولودٌ تناغيه تلك المرابع لا حزوى وكاظمة ... ولا العقيق بواديه، بواديه أقلُّ شعب تراه في دمشق يوافي شعب بوَّان وافي الفخر والتيه /271 ب/ كم يوم سبت بديع في دمشق أتى ... بالحسن من يوسف الصدِّيق يجليه إذا تأمَّلتها من كلِّ ناحيةٍ ... دعتك للعجب البادي دواعيه بها الجواسق أمثال الكواكب ... نحر البساتين تعلوها صواريه وأنشدني الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن يوسف التميمي البقفي بها في سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني الشهاب فتيان لنفسه: في حبِّك صرت كالخلال ... والصبر فليس من خلالي واصل من حاز كل حزنٍ ... يا حائز جملة الجمال العاذل عادلي عذيري ... والقلب عن السَّلوِّ سالي عذِّب بسوى الصُّدود قلبي ... يا منيته فما أبالي شر بوشك يا صبيُّ منه ... تنكيس عمائم الرِّجال هذا الحالي بكلِّ حسنٍ ... ما أعجب في هواه حالي غصنٌ في الحقف تحت بدرٍ ... فيرنو عن مقلتي غزال يرمي عن قوس حاجبيه ... من لحظ الطَّرف بالنِّبال /272 أ/ لأمتِّع في هواه قلبي ... ما عشت بلذَّة الوصال إن كنت على الرُّقاد أبكي ... إلَّا شوقًا إلى الخيال وأنشدني بهاء الدين أبو العلاء رافع بن شجاع بن رافع بن محمد الدمشقي

السلمي بظاهر مدينة الموصل في شهر صفر سنة تسع وثلاثين وستمائة: : [من المتدارك] أنا بالغزلان وبالغزل ... عن عذل العاذل في شغل ما تفعل بيض الهند بنا ... ما تفعله سود المقل بأبي وسنان أغنُّ كحيل الطَّرف غنيُّ عن كحل رشًا أحور عينيه لنا ... جادت بالخمر وبالعسل من كان الخمر جنى فمه ... لم لا يمشي مشي الثَّمل يمشي فيكاد يقدُّ الخضر ليثنيه ثقل الكفل وتغار عقود الدرِّ إذا ... ما أفترَّ عن الثَّغر الرَّتل أتقاضاه فيماطلني ... ظلمًا بدنوِّي وهو ملي أغمد في الحرب السَّيف فمن ... لحظاتك يشهر سيف علي /272 ب سأؤذِّن في حبِّيبك جهارًا حيَّ على خير العمل يا ظالم حين عليَّ ولي ... لم لا أصبحت عليَّ ولي يا بدر دجى مطلعه ... لسويدا القلب فلم يغل آهًا من هجرك والإعراض ومن طول صدودك والملل أنشدني الرئيس الأجل سديد الدولة أبو سعيد بن أبي الحسن بن أبي سعيد السامري الدمشقي، بمنزله بحلب يوم الثلاثاء سلخ جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني الشهاب فتيان لنفسه بدمشق سنة تسع وستمائة، وأنشدنيها أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب الشيباني الدمشقي بها في أوائل المحرم سنة

أربعين وستمائة، قال: أنشدني فتيان لنفسه: [من الخفيف] أظبًا جرِّدت لنا من جفون ... أم ظباءٌ رنون أم حور عين أم وجوهٌ واجهننا أم شموسٌ ... في غضونٍ بين اعتدال ولين كلُّ فتَّانةٍ تقلِّب هاروت وماروت بين سحر الجفون /273 أ/ من بنات التُّرك الرَّواجح أكفالًا ولكَّنهن خمص البطون هتفت بي صبابتي بصبايا ... مصيباتٍ بالدَّل أهل الدين يا نديمي أما ترى خطباء الورد ترقى منابرًا من غصون وهم قائلون حيَّهلا بالرَّاح من معربون أم حلبون قهوة تطرد الهموم عن القلب وتأتي بفرحة المحزون وكأنَّ الحباب ثغر حبيبٍ ... ذي ابتسامٍ عن لؤلؤٍ مكنون صاغه الخالق الَّذي إن يرد شيئًا يكن منه بين كافٍ ونون هات بكرًا تمخَّضت بجنين ... السُّكر لله درُّه من جنين إنَّ عمر الورد الأنيق قصيرٌ ... فاغنموا قبل الحين طيب الحين بين عودٍ وبين نايٍ وجنكٍ ... وطبيب القانون بالقانون من مجيري من جور أحور أحوى ... عند باب القناة من جيرون لو تراني وشعره بيساري ... والحميَّا ممزوجةٌ بيميني لرأيت الشُّجاع والشَّمس والدِّرياق والرِّيم صيد ليث العرين

وهو كالجار بيت بيت ولكن ... بان عنِّي كالرَّمل من يبرين ولقد هاجت النَّواقس بالدَّير جناني فقمت كالمجنون /273 ب/ والشَّحارير كالرَّهابين يتلون الزَّبور البديعة التَّلحين وصفير الصُّفريِّ يشدو بشدوٍ ... معربٍ عن صبابةٍ وحنين والهزارات والبلابل والورق على الدَّوح باديات الشُّجون وإذا العندليب صاح ظننَّاه تلا المحكمات من ياسين وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] الترك إن لبسوا يومًا ترائكهم ... على الدُّروع وألقوا بالشَّرابين ألفيت أسدًا على الأعداء واثبةً ... إذا انحنوا في قرابيس الأكاريش تقلى ملائكةً قد أرسلت شهبًا ... على العفاريت من أفق التَّراكيش بدور تمٍّ تمطَّى في الأهلَّة ترمى بالكواكب لا العيدان بالرِّيش شاموا جداول لمَّا استلأموا غدرًا ... فأوقدوا بمياه نار شاريش عادوا أجادل دجنٍ صيدها أسدٌّ مردَّفين بها فوق الكبابيش أبصار أعدائهم تعشى بنورهم ... أنَّى ترى الشَّمس أبصار الخفافيش متى دنوا ومتى افترُّوا جنوا وحبوا ... بالسِّحر من بابلٍ والُّدِّر من كيش

وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه بالتاريخ المقدم: [من الوافر] /274 أ/ بكم قلبي عليلٌ ما يبلُّ ... به منكم غليلٌ ما يبلُّ فطر في كاتبٌ والطِّرس خدِّي ... وأشواقي تملُّ وما تملُّ وأحبابي استقلُّوا ما ألاقي ... من البرحاء فيهم فاستقلُّوا هم في القلب حلُّوا حين ساروا ... وهم عقدوا الهوى والصًّبر حلُّوا ومن أجفانهنَّ السُّود يوم التَّفرُّق للسُّيوف البيض سلُّوا فأيُّ حشًا هناك نجا سليمًا ... وأيَّ دمٍ هنالك ما أطلُّوا رأوا قتلي ببينهم حلالًا ... ولا والله قتلي ما يحلُّ كفى حزنًا بأنَّ الوجد نامٍ ... بقلبي والتَّجلُّد مضمحلُّ وفي حبِّيهم قدمي استقامت ... وآلت لا تزول ولا تزُّل ولمَّا أن رأوا منَّا نفوسًا ... تظلُّ من المآقي تستهلُّ سقوا من نرجس الألحاظ وردًا ... ففي ورد الخدود الدَّمع طلُّ لقد كنت العزيز وفي هواهم ... ذللت وكلُّ من يهوى يذلُّ ألا يا حبَّذا أعلام نجد ... ووادي الخيف والبان المطلُّ منازل لا ألمَّ بهنَّ محلٌ ... فهنَّ لمن كلفت به محلُّ ومملوكٍ له في الترك آلٌ ... يروع وجنده لم يرع إلُّ يدلُّ ومن يكن في الحسن فردًا بلا شبهٍ له لم لا يدلُّ هلال السَّرج يطلع منه شمسًا ... علينا فرعه المسودُّ ظلُّ وتصمي قوس حاجبه بنبلٍ اللَّواحظ عاشقيه ولا يولُّوا إذا خطف القناة فذاك رمحٌ ... برمحٍ في الكريهة مشمعلُّ وإن هزَّ الحسام يكن حسامًا ... تفلُّ به الجيوش ولا يفلُّ ومن ضيق اللِّثام يرى هلالًا ... به لله إذ يبدو نهلُّ ذؤابته بها ذابت قلوبٌ ... وفوق السَّرج منها صال صلُّ

فما أغناه عندي عن سلاحٍ ... ففي حمل السَّلاح عليه كلُّ يخوض من المفاضة في غدير ... تسلسل منه لي بالٌ مدلُّ ولكنَّ الهزبر يرى شتيمًا .. أزلَّ ولا أميلح لا أزلُّ هو الصَّنم الَّذي لولا تقائي ... إلهي لم أزل فيه أضلُّ وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يمدح المهّذب الحكيم يوسف بن أبي سعيد الإسرائيلي السامري- وزير صاحب بعلبك- الملك الأمجد بهرام شاه بن فرخشاه بن شهنشاه: [من السريع] /275 أ/ يا عاذلي كن في الهوى عاذري ... وعدِّ عن شقشقة الهادر هيهات أن يستمع العذل في ... ليلاه مجنون بني عامر ما اللَّيل لي من سهري مؤمنٌ ... يا صدق من سمَّاه بالكافر أحسن ما يسمع من سامرٍ ... في الدَّهر مدحي يوسف السَّامري مهذَّب الدِّين الَّذي وجهه ... أبلج مثل القمر الزَّاهر لا يقبل الرَّشوة يومًا على المشهور من إحسانه الغامر ولا كمن ينصر من خاذلٍ ... ولا كمن يخذل من ناصر إحسانه بادٍ بنا حاضرٌ ... يعرف في البادي وفي الحاضر إن جاءه شاكٍ مضى شاكرًا ... فكم له في الخلق من شاكر في حفظه ما جاء عن شارعٍ ... وفيلسوفٍ وامرئٍ شاعر فسخَّر الله بنيل المنى ... له مسير الفلك الدَّائر وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه في يوم بارد: [من البسيط] قد أجمد الخمر كانونٌ بكلِّ قدح ... وأخمد الجمر في الكانون حين قدح يا جنَّة الزَّبداني أنت مسفرةٌ ... عن حسن وجهٍ إذا وجه الزَّمان كلح

/275 ب/ فالثَّلج قطنٌ السُّحب تحلجه ... والجوُّ ندَّافه والقوس قوس قزح متى نجلُّ فيك ظرف الطَّرف من مرحٍ ... قضَّيته لمحًا نأتي بحسن ملح [578] فرامرز بن محمود بن محمد بن أبي المعالي بن بايدار بن إسماعيل بن الديلميُّ، أبو سعد بن أبي الثناء، الأصبهانيُّ الأصل. كانت ولادته بالموصل سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة، وتوفي بها يوم الثلاثاء لخمس بقين من جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة. ودفن قبليَّها ظاهر البلد بمقبرة عنار. وكان من أكبر بيت بالموصل؛ وجدُّه أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي الأصفهاني، كان سفيرًا لبني أتابك. ينفذ رسولًا إلى بلاد العجم. وفرامرز قرأ طرفًا من الفقه والأدب وأغري بالشعر. وكان له فيه عارضة وجودة طبع، وقال منه جملة وافرة. رأيته بالموصل مرارًا ولم أعلق عنه شيئًا من قبله. وكان شابًا أسمر اللون ربعة، شديدًا قويًا في نفسه، يشيل الأحجار الثقال ويعالج /276 أ/ بها. وكان معاشرًا كيسًا حسن الصحبة، يخالط أهل الخلاعة والمتطربين في الحانات. وانقطع إلى الملك الأشرف مظفر الدين أبي الفتح موسى بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب ورزق منه خطوة. أنشدني الأمير مظفر بن محمود بن محمد، قال: أنشدني أخي فرامرز لنفسه: [من البسيط] منَّا السَّلام عليكم والتَّحيات ... يا من دموعي لمسراهم غزيرات بنتم فبان اصطباري بعد بينكم ... واعتادني بعدما الأفراح ترحات كلُّ الحواسد قد نالوا الَّذي طلبوا ... إذ هم لهجركم للصب شمَّات ملكتم فاعدلوا فينا فقد وردت ... في أجر ذي العدل أخبارٌ وآيات

واهدوا لنا الوصل أو بالطَّيف يطرقنا ... فللخيال إلى العشَّاق سلطات ويلاه لا خبرٌ بالوصل يطربني ... وكم لصدِّكم عندي صبابات هزمتم جيش صبري مذ بدت لكم ... بل للتباعد أعلامٌ ورايات كم صحت واشؤم حظِّي هل يعود لنا ... ذاك الزَّمان ........ هذا زماني انقضى في الهجر وا حربا ... ترى ترى لليالي الوصل أوقات ونقلت من خطه قوله من قصيدة: [من الكامل] /276 ب/ زمن الشَّباب مطيَّة اللَّذات ... ونظيره زمن الرَّبيع الآتي ظهرت عوارض نيته كعوارضٍ ... مخضرَّة في حمرة الوجنات وتزخرفت فيه الرِّياض بحلَّةٍ ... من نسج راحات الحيا الهطلات بكت السَّماء فأضحكت نوَّارهًا ... عن ثغر أشنب طيِّب النَّكهات وترنَّمت أطيارها وترنَّحت ... أغصانها طربًا على النَّغمات فعليك في العصرين بنت معاصرٍ يحنو .... بها على الحانات واستجلها راحاتها المرحات تستهدى إلى الأرواح بالرَّاحات بيضاء ساطعة الشُّعاع وليس من ... عجب ظهور النُّور في الجنَّات يسعى بها رشًا أغنُّ مذكَّر الأوصاف وهو مؤنَّث الحركات كالماء رقَّة جسمه، والغصن في ....... ، والظَّبي في اللَّفتات والبدر يحمل أنجمًا أفلاكها الطَّاسات والأبراج في الكاسات فإذا رنا في كلِّ طاسٍ خلته ... قمرًا مطالعه من الهالات ما كنت أعلم أنَّ آساد الشَّرى ... لولاه خائفةٌ من الظَّبيات لو شاء أسكر قبل مزج مدامه ... بكلامه وبنرجس اللَّحظات وبماء غرٍّ كالَّلآلي جمِّعت ... في صحفة الياقوت مفترقات /277 أ/ فتهنها ما دام غصنك يانعًا ... نضرًا وعنك الدَّهر ... والغفلات والجوُّ أزرق والسَّحاب مكوفرٌ ... والنَّبت أغيد والزَّمان مواتي

[579] فضلان بن أبي الفرج بن فضلان، أبو الطيّب الذميُّ الواسطيُّ الضرير. كان شاعرًا فطنًا يجيد نظم الشعر في القصائد والمقطعات. وكان مع ضرره ذكيًا لطيف الحس حسن الخاطر يلعب بالشطرنج بقلبه فلا يكاد يغلبه أحد. خرج عن العراق إلى بلاد الشام وانقطع خبره هناك. أنشدني الصاحب الوزير شرف الدين أبو البركات المستوفي- أدام الله سعادته- قال: أنشدني أبو الطيب لنفسه يمدح عليًا- عليه السلام- ويذكر إذمامه لليهود: [من الرجز] إن عادلي من الشَّباب ما فرط ... عاد بكم عيشي وهو مغتبط لله أيام الصِّبا لآلئًا ... لولا امتناع نثرها أن يلتقط وسائرين ما علت قبابهم ... يوم النَّوى إلَّا وجدِّي قد هبط /277 ب/ أيَّان ... البين مع ... كلِّ عقال لمطاياهم نشط تحمَّلوا من حوملٍ وجاذبوا ... سقط اللِّوى والقرص غربًا ما سقط حتَّى إذا ميط برى مطيِّهم ... وحلَّل الرَّكب عرى الرَّحل وحط ومدَّ داجيه الهزيع وغطا ... شبابه من فرق الصَّبح الشَّمط قمت قصير الخطوات خائفًا ... أن ينظر الحبُّ مشيبي قد وخط أقول: هب لي قبلةً أحيي بها ... ما شطَّت الدَّار، فقال: ذا شطط ومنها في مديحه- صلوات الله عليه وسلم: - وقائلٍ تمدحه ولست من ... ملَّته ما ذاك منَّي بفرط هذا حبانا عربيَّ ذمَّةٍ ... من بعد فتك الرُّوم فينا والنَّبط

وكيف لا ننظم ما عشنا كذا الـ ... ـعقود من درِّ ثناه والسَّمط؟ وكتب إلى بوّاب معاملة قوسان يستمحيهم ويتقاضهم برسم له عليهم من التمر فأنفذوه له تمرًا عتيقًا مسوسًا، فلما حضر بين يديه ولمسه وجده نوى لا يصلح لشيء، قد أكله السوس، فقال: [من الخفيف] /278 أ/ لم يربني فعل المجيزين شعري ... بتمورٍ كثيرة التَّسويس بل تعجَّبت كيف خلَّص نظمي ... للقوافي هذا النَّوى من ... وقال أيضًا: [من البسيط] أصبحت أرجو أناسًا لا رجاء بهم ... باللُّؤم والشُّحِّ من قبل الوجود غذوا أجاز كذبًا على كذبي بمدحهم ... كأنَّما من مديحي الوعد متَّخذ فلا تصفو قطبًا شعري مجردة ... وفوق هام العطايا منهم ... أقول زورًا فأجزى زور فعلهم ... فيرجعون وما أعطوا ولا أخذوا [580] فخار بن معد بن فخار بن أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين الملقب شيتي بن إبراهيم المجاب بن محمد الصالح بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب- صلوات الله عليهم أجمعين- أبو عبد الحميد العلويُّ الموسويُّ الحليُّ. من أهل الحلة المزيدية. قرأ الأدب على عميد الرؤساء أبي منصور هبة الله بن أيوب اللغوي. وتخرج

عليه. وكان شاعرًا جليلًا فاضلًا من سادات/ 278 ب/ أهله نباهة وأدبًا. ومن شعره يرثي شيخه أبا منصور الذي تقدّم ذكره. وكانت وفاته سنة عشر وستمائة: [من الكامل] أودى ابن أيُّوب وغادر جذوةً ... في الصَّدر منِّي ماتني تتلهَّب قد قلت للنَّاعي غداة نعاه لي ... ماذا نعيت لنا بفيك الإثلب فلأبكينَّ على امرئ [و] كأنَّه ... مات المبرِّد والخليل وثعلب

ذكر من اسمه الفضل

ذكر من اسمه الفضل [581] الفضل بن أحمد بن أسعد بن أحمد بن عبد الرزاق بن بكران، أبو المفاخر بن أبي الفضل المزدقانيُّ. وقد تقدّم شعر والده الوزير. وأبو المفاخر دمشقي المولد والمنشأ. لقيته باربل في أوائل المحرم سنة ستٍّ وعشرين وستمائة، مستجديًا مليكها المعظم مظفر الدين أبا سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضي الله عنه- ومؤملًا جدواه؛ فبّره وأنعم عليه كعادته على المسترفدين الذين يردون حضرته من كل قطب. وذكر لي أنَّه/ 279 أ/ حفظ كتاب الله العظيم، وسمع الحديث على أبي محمد القاسم بن علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي. ثم أنشدني لنفسه يمدح الملك المعظم مظفر الدين وكان قد بنى بظاهر دمشق جامعًا: [من الخفيف] ضاعف الله أجر خير الأنام ... ملكٍ سرَّ ملَّة الإسلام من بنى جامعًا به جمع الله لأهل التَّوحيد كلَّ مرام ساميًا مثل ذكره فاق كلَّ الخلق في فضله رفيها سامي مبهجًا شامخًا شريفًا منيفًا ... فيه قد تم فضل أرض الشَّام وبه سيِّدٌ حوى العمل المبرور والعلم فهو خير إمام هو شيخ الإسلام دنيًا وعلمًا ... وسواه يعدُّ في الأنعام ظفروا من مظفَّر الدِّين بالآمال أهل العلوم والأحكام ملكٌ صاغه الإله من الإحسان والمكرمات والإكرام زيِّن الدِّين من فعال ابن زين الدِّين بالمأثرات والإنعام

سار أهل الوجود شرفًا وغربًا ... بالمعالي وبالعطايا الجسام زاده الله رفعةً وعلوًّا ... ما تغنَّت في الأيك ورق الحمام [582] الفضل بن عبد المطلب/ 279 ب/ بن الفضل بن عبد المطلب بن الحسين بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو المعالي بن أبي هاشمٍ الصالحيُّ العباسيُّ. من أهل حلب. الشريف الحسيب النبيل النسيب، مقدم أصحاب أبي حنيفة- رضي الله عنه- وكبيرهم في وقته ورئيسهم وخطيرهم. كانت ولادته في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بحلب. وتوفي بها يوم الجمعة تاسع عشر ذي القعدة سنة ثلاثة وثلاثين وستمائة، ودفن في مقام إبراهيم الخليل- صلوات الله عليه- قبلي المدينة. اشتغل في عنفوان شبابه بفقه أبي حنيفة على والده وعلى غيره. وسمع منه الحديث النبوي، وقرأ أصول الدين والمذهب والخلاف. وكان كاملًا في العلوم الدينية؛ وله يد باسطة في علم العربية والأدب مع قرض الشعر وضاعة الإنشاء، والاستظهار لكتاب الله تعالى وتفسيره. وبرع في كل فضل ودرّس مكان والده بالمدرسة التي أنشأها الملك العادل نور الدين/ 280 أ/ أبو القاسم محمود بن زنكي بن أقسنقر- رحمه الله تعالى- المعروفة بالحلاويين، وهي غربي المسجد الجامع. وكان فصيحًا في إلقاء الدرس على الفقهاء، ولم يزل يدرّس بها الفقه إلى أن درج- رحمة الله تعالى- وكان رجلًا من الرجال موصوفًا بالفضل والنوال، كثير الخير والمعروف، جوادًا حليمًا أريحيا ذا مرؤة ظاهرة، وأخلاق حميدة. أكرم الناس في زمانه نفسًا، وأوسعهم صدرًا، وأعلاهم همّة، وأجملهم حشمة، يشار إليه في الوجاهة

والرياسة، ويقصده الناس لجوده وسخائه، فلا يبخل عليهم بجاهه ولا ماله. ولما مات بيعت تركته فلم تف بما كان عليه من الدَّين؛ لأنه ما كان يردّ سائلًا ولا يخيِّب آملًا. وكان مع ذلك قريبًا من الملك الظاهر أثير الدين يرسله في الرسائل إلى السلاطين والملوك في ذلك الوقت، فيؤدي الرسالة كما يرضي مخدومه، ويستوفي العبارة أحسن استيفاء. وكان ذكيًا شهمًا في نفسه لم يجب أحدًا يفضل عليه بل يجازيه أضعاف ذلك. يداخل الأمراء المقدمين ويزاحمهم في الرفعة ويشاركهم. وكان متجملًا في ملبوسه وزيِّه وهيأته، يصنع الملابس الفلاخرة، ويتأنق فيها/ 280 ب/ غاية التأنق، فالله تعالى يرحمه ويبرد مضجعه ويجازيه بالخير على مروءته ومن كان فيه مروءة. أنشدني الشيخ العدل زين الدين أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن عبد الواحد النصيبي بحلب، قال: أنشدني أبو المعالي بن أبي هاشم لنفسه: [من السريع] من لي ألقاه من أغيدٍ ... يصَّيَّد الأسد بالحاظ ريم دَّبت عذراه فقلت: انظروا ... صورة بدرٍ فوق غصنٍ قويم ينتهب الشَّعر سنى وجهه ... فالصبح في فيضة ليلٍ بهيم مار مت قطف الورد من خدِّه ... في غسق اللَّيلي بقلبٍ سليم إلَّا ثنى عقرب أصداغه ... فبتُّ من وجدي بغير السَّليم وأنشدني نجم الدين، قال: أنشدني تاج الدين أبو المعالي الفضل بن الافتخار لنفسه: [من السريع] قد قلت للعائل إذ لامني ... وأوجه الأعذار لي لائحه هيهات أن أفلت من قانصٍ ... يصيد بالجارح والجارحه

[583] الفضل بن الحسن بن هبة الله/ 281 أ/ بن محمد بن عمر، الحلبيُّ مولدًا ومنشًا، الموصليُّ والدًا وأصلًا، المعروف بابن دهن الحصا. وقد تقدم شعر والده أبو عبد الله بن أبي عليٍّ في موضعه. كان طبيبًا فاضلًا ذا نعمة واسعة، وجاه بسيط، وتقدّم عند السلطان الملك العزيز أبي المظفر محمد بن غازي بن يوسف. وصار طبيبه وحظي لديه. واكتسب مالًا جزيلًا. وكان شابًا حسنًا متواضعًا جميل الخطاب. توفي يوم الأربعاء الثالث عشر من المحرم سنة ستٍّ وثلاثين وستمائة. وكانت ولادته على ما أخبرني- من لفظة- في سنة أربع وتسعين وخمسمائة. وكان يلمُّ بقول الشعر وينظم منه أبياتًا: أنشدني لنفسه في الرّقة، وكتبه لي بخط يده: [من الطويل] تأمل طرفي طيفه حيت زارني ... فأصبح من أهوى وفي خدِّه دم فقلت له: ماذا بخدِّك؟ فانثنى ... يجاوبني مستعتبًا أنت تعلم! ! أتاك خيالي زائرًا فنظرته ... فها وجنتي من لحظ طرفك تحجم [584] الفضل بن يحيى بن عبد الله/ 281 ب/ بن جعفر بن زيد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، الشريف أبو القاسم بن أبي جعفرٍ العلويُّ الحسينيُّ الإسحاقيُّ. ولد بحلب ونشأ بالموصل، وسمع بحلب عمه أبا غانم مصعب بن عبد الله،

وبالموصل النقيب أبا الفتح محمد بن محمد بن عبيد الله العلوي الحسيني. روى أناشيد عن المذكورين. وروى عن الطاهر أبي طالب عبد الله- نقيب الطالبيين- والشيخ أبي محمد الحسن بن عبيدة النحوي، ومحيي الدين أبي حامد محمد بن محمد الشهرزوري. وكان مولده بحلب في شهر رمضان سنة ثماني وأربعين وخمسمائة، فقدم بغداد وسكنها، وتولّى بها حجابة الباب في الأيام الناصرية، وعزل في سنة ثماني وستمائة، ثم لم يزل معزولًا ملازمًا بيته إلى أن توفي يوم الأحد سادس عشر ذي الحجة من سنة خمس وعشرين وستمائة. واجتمعت به مرارًا بالكوخ وكتبت عنه أناشيد رواها لي عن نفر من المذكورين. وكان شيخًا حسنًا عنده بشر وسكون. وسألته. هل قلت شيئًا من الشعر؟ ، قال: ما قلت شيئًا، وأنكر ذلك. ثم بعد/ 282 أ/ عشر سنين، اجتمعت بالقاضي كمال الدين، فأنشدني له هذين البيتين بروايته عن ولده عنه؛ ولمّا وردت بغداد في سنة تسع وثلاثين وستمائة، واجتمعت بولده أبي علي المظفر فاستنشدته البيتين، فأنشدنيهما عن والده. أنشدني أبو علي المظفر [بن الفضل] بن يحيى الحسيني، قال: أنشدني والدي لنفسه ولم أسمع له غير هذين البيتين: [من الخفيف] لا تغرَّنَّك الحياة فما أنت من الموت بابنيَّ سليم واحترس ما استطعت من كلِّ ... يعود وهو حميم [585] الفضل بن سالم بن مرشد بن سالم بن عبد الجبار بن محمّد بن المهذب بن علي بن المهذب بن محمد بن همام بن عامر بن عامر بن محارب بن نعيم بن عديِّ بن عمرو بن عدي بن الساطع- وهو النعمان- بن عبد غطفان بن عمرو بن سريج بن جذيمة بن تيم اللات- وهو مجمع تنوخ- بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة- وقضاعة لقبً واسمه عمرو- بن مالك بن

مرّة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ/ 282 ب/ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو البركات التنوخيُّ الكاتب. من أهل معرّة وأكبر ببيتٍ بها في الآداب وغير ذلك من فنون العلوم. كان كاتبًا حسن الإنشاء أقام بحلب مدَّة يخدم سلطانها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب- رحمه الله تعالى- ثم تجهز إلى حماة وخدم صاحبها وحظى عنده. لقيه القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة العقيلي، وروى عنه بيتين من الشعر. وحدّثني القاضي الإمام أبو القاسم السابق ذكره- أدام الله تأييده- قال: توجه أبو البركات الكاتب رسولًا قاصدًا دمشق إلى الملك الأشرف شاه ارمن أبي الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب- رحمه الله تعالى- عن صاحب حماة، فكتب إليه ابن عمّه أبو الفتح إسماعيل بن محمد بن المهذب بيتًا رآه في النوم وهو: - فعندي شوقٌ ليس يحمل بعضه ... ويعجز عنه كاتبٌ ورسول فأجابه أبو البركات بهذه الأبيات: [من الطويل] /2831 أ/ غرامي له شرحٌ إليك يطول ... وودِّي صحيحٌ ليس عنك يحول إذا رمت صبرًا تعتريه صبابةٌ ... فتذهبه عنفًا له وتزيل رعى الله أيَّامًا تقضَّت بقربكم ... ألا هل إليها رجعةٌ ووصول وأذكر تاج الدِّين في كلِّ مشهدٍ ... وأنشد بيتًا قاله فأقول: فعندي شوقٌ ليس يحمل بعضه ... ويعجز عنه كاتبٌ ورسول وكتب تحته: مملوكه الكاتب والرسول وهو عاجز. وهل لي إلى لقياه من أرض جلِّقٍ ... سبيلٌ فقد سدَّت على سبيل

[586] فاضل بن راجي الله المصريُّ. من فضلاء ديار مصر وشعرائها. ومن شعره قوله: [من الوافر] وفي الشّطرنج تقدمةٌ لشاهٍ ... على ما فيه من فرسٍ وفيل كذاك الدَّهر يرفع كل نّذلٍ ... ويخفض صاحب المجد الأثيل [587] فضل الله بن المبارك بن عبد الباقي بن المبارك، أبو الرضا بن أبي الخير الواسطيُّ. /283 ب/ من قرية من قرى واسط يقال لها قرية عبد الله. من بيت فضل وعلم، وأخذ شيئًا من فقه وأدب؛ وله شعر حسن. وكان ذكيًا فطنًا. أنشدني أبو محمد الحسن بن علي الضرير الواسطي، قال: أنشدني فضل الله لنفسه من قطعة: [من الرجز] بحقِّ هاتيك العهود بيننا ... والخلوات والمودَّات الأول وحرمة الصُّحبة والإلف الَّذي ... ما كان في اثنين سوانا يعتدل وسرِّك المودع منِّي مهجتي ... لو أنَّ روحي نقلت لم ينتقل ومجنتي محادثاتٍ بيننا ... ألّذَّ من رشف العقار والقبل وخلَّس من فرطات لذَّة ... أغمض عنَّا الدَّهر فيها وغفل وعيشنا الرَّغد الَّذي مورده ... طاب لدينا النَّهل منه والعلل كيف تناسيت مؤدَّات الصِّبا ... وحلت عن عهودها ولم أحل والمقل المستحسنات منكم ... مآبالها تخازرت تلك المقل

[588] الفصيح بن عليِّ بن عبد السلام بن عطا بن إبراهيم بن محمدٍّ العجليُّ. من أهل سورة من أعمال الحلة/ 284 أ/ المزيدية. لقيه أبو الحسن القطيعي ببغداد، واستنشده من شعره، وقال: سألته عن مولده، فقال: ولدت في سنة خمس وخمسين وخمسمائة؛ وأنشده لنفسه: [من البسيط] هذي الدِّيار وهذا الضَّال والسَّلم ... وحيث كانت قباب الحيِّ والخيم يا صاحبيَّ قفابي في منازلهم ... نبك الدِّيار الَّتي كنَّابها وهم وأيُّ عذر لقلبٍ لا يحركه ... طيف الأسى، ولد مع ليس ينسجم ليت الأحبَّة إذ جدّ الفراق بهم ... بما المحبَّون فيه بعدهم علموا بانوا فكم دمعةٍ في إثر مبسهم ... تجري وكم لوعةٍ في الصَّدر تضطرم يلوم صرف النَّوى فيما بنا صنعت ... واللَّوم أولى به الوخَّادة الرُّسم لم تخل لولا المطايا وهي آهلةٌ ... دارٌ ولا شتَّ شملٌ وهو ملتئم [589] فارس بن سنان بن أبي عليٍّ الذهبيُّ الحلبيُّ. شاعر من الشعراء الحلبيين، من طبقة سعيد بن عبد الله الحريري في الشعر ومعاصره. وكان شابًا جنديًا في خدمة الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب- صاحب حلب-. وله عدّة قصائد مدح بها/ 284 ب/ الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب صاحب حلب- رحمه الله تعالى-. وحدّثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة بحلب- أسعده الله بطاعته- قال: كان فارسًا شابًا، وتوفي في سنة سبع وستمائة بميافارقين عائدًا منها،

وقد توجه قاصدًا إليها. أدركته وسمعته ينشد السلطان الملك الظاهر- رحمه الله- قصائد من شعره. وهو القائل في الكمال عمر بن أبي صالح بن العجمي لمّا غضب عليه السلطان الملك الظاهر في مجلسة بمحضر من أكابر حلب، وسيّره إلى السجن، بسبب سواء أدبه في قضية تتعلق بمجلس الحكم، طعن فيها على الصاحب قاضي القضاة بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم الموصلي الأسدي- رحمه الله تعالى-: [من السريع] قالوا: غدًا في حلبٍ شهرةٌ ... عميرة الطَّاغي بها الملحد فالنَّتف في لحيته مبرقٌ ... والصَّفع في قمَّته مرعد وما سمعنا قطُّ من قبلها ... عميرةٌ تصفع بل تجلد قال القاضي الإمام أبو القاسم/ 285 أ/- أيده الله تعالى- وأنشدينها على غير هذا الوجه: [من المتقارب] وقالوا: عميرة قد أحضروه ... لكي يصفعوه ألا فاشهدوا . في محفلٍ شخصه ... بحر وفي الطَّوق منه يد وكفٌّ إلى رأسه مبرقٌ ... ونعلٌ إلى قبه مرعد فقلت: على أيِّما حالة ... لقد غيَّر الدَّهر ما يعهد وما كنت أعرف من قبلها ... عميرة يصفع بل يجلد وقال أيضًا: [من الكامل] أخفي الهوى وله عليَّ شواهد ... وأوفِّر العبرات وهي شوارد وأروم منه تخلُّصًا فيقودني ... قود الحبيب من الصَّبابة قائد ومتى يفكُّ إسارعانٍ ماله ... عونٌ سوى زفراته ومساعد أم هل متى يشفى غليل متيَّم ... عزَّت عليه من الشِّفاء موارد أو ليس غبنًا أن أهيم بموردٍ ... عود الآراكة منه دوني وارد وبمهجتي رشًا نصبت حبائلي ... لأصيده فارتد وهو الصَّائد ظبيٌ تقرُّ بقتلتي وجناته ... وجفونه لفتورهنَّ جواحد /285 ب/ إن ماج ردفًا قلت: حقفٌ مائجٌ ... أو ماد عطفًا قلت: غصنٌ مائد

وأغنَّ تخجل سافرًا أو عاطنًا ... منه الغزالة والغزال الجائد لحظات عينيه أسودٌ إن رنا ... وإذا لوى أصداغه فأساود ما حلَّ عقد عزائمي لو لم يكن ... في مقلتيه لسحر بابل عاقد أبكى جفوني وهو منِّي ضاحكٌ ... وأطار نومي وهو عنِّي راقد وأضاع قلبي في الهوى فنشّدته ... ولقد أرى بيديه ما أنا ناشد صنمٌ به انحلَّت عزائم ذي التُّقى ... ولكم قد انعقدت عليه عقائد يبدو فيشهد من رآه بأنَّه ... في الخلق معبودٌ وأنِّي عابد سكران خمرة ريقه فكم اغتدى ... وهو المفيق له عليَّ عرابد فعلت شمائله فعال شموله ... إنَّ الشَّمائل والشَّمول لواحد ولربَّ وانٍ بات ينهض عزمتي ... واللَّيل حيث النَّجم طافٍ راكد ويقول دونك والسُّرى فلطالما ... نجحت مطالب بالسُّرى ومقاصد فلئن نهضت فإنَّ حظَّك ناهضٌ ... ولئن قعدت فإنَّ حظَّك قاعد فجب البلاد عساك تلقى ماجدًا ... تضحى وأنت به لقصدك واجد ويكفُّ عنك أكفَّ دهرك كفٌّ يطول بها عليه وساعد /286 أ/ فأجبت كيف أبين عن أرضٍ لها ... منِّي طريف هوى وشوقٌ تالد أرض غياث الدين فيها جنتي ... وأبو محمَّد الجواد الماجد الشَّامخ الرُّتبات وفر عطائه ... دانٍ ونيل علائه متباعد ذو الجود لو يحكي ندى يده الحيا ... لم تبد فيه بوارقٌ ورواعد وأخو الخلائق سهلةً لعفاته ... ولمن يعاديه سطاه شدائد والمكرمات على الظَّلام كواكبٌ ... منها وفي جيد الزَّمان قلائد والمجد أنسى النَّاس ما أنساهم ... من أوَّليهم جدُّه والوالد أعلى ذراه وساد لمَّا شاده ... فلنعم سائدة ونعم الشَّائد سامٍ إلى الشَّرف الأثيل يجوده ... والجود للشَّرف الأثيل مصائد وبمنطقٍ لو شاء حاز بلفظه ... منه معاني القول وهي بدائد ينسي الأمانيَّ النُّفوس فتنني ... منها إليه أزمَّةٌ ومقاود فيخاله العجلان ما هو طالبٌ ... ويخاله الظَّمآن ما هو وارد

لفظٌ إلى كلِّ القلوب محبَّبٌ ... فكأنَّما هو للقلوب عقائد حكمٌ تغادر كلَّ واجد حكمة ... ما دون مبلغها كم هو فاقد /286 ب/ ومشمِّر أغفى السُّعادة وطرفةً ... ساهٍ إلى طلب المعالي شاهد يقظ يبين النَّوم من يقظاته ... [عن ما يكون] غداه أو هو كابد وهو الَّذي ظهرت أدلَّة فضله ... فأقرَّ معترفًا بهنَّ الجاحد في رتبة كذكاء إلَّا أنَّه ... فيما لديه من الذَّكاء عطارد عذرًا بهاء الدِّين يا من فضله ... أبدًا ينير وكلُّ فضلٍ خامد أثني عليك وليس يبلغ بعض ما ... أوليت ما أنا من ثنائك قاصد واصفح إذا لم يحو وصفك خاطرٌ ... لهمومه خاب وفكرٌ جامد واغفر إذا كلَّت لديك قرائحي ... إنَّ السُّيوف تكلُّ وهي حدائد وتهنَّ بالعيد الَّذي أيَّامه ... أبدًا عليك بما تشاء عوائد

حرف القاف

/ 287 أ/ ... حرف القاف ذكر من اسمه القاسم [590] القاسم بن القاسم بن عمر بن منصورٍ، أبو محمدٍ الواسطيُّ. كان مولده بواسط العراق سنة خمسين وخمسمائة في ذي الحجة، ومات بحلب في يوم الخميس رابع ربيع الأوّل سنة ستٍّ وعشرين وستمائة بظاهرها، ودفن قبليها في بستان كان له بمقام إبراهيم- عليه السلام-. كان أديبًا نحويًا لغويًا فاضلًا أريبًا، مصنفًا له تصانيف في الأدب حسان، ومعرفة بهذا الشأن. قرأ النحو بواسط وبغداد على أبي الخير مصدق بن شبيب بن الحسين الواسطي، ودرس اللغة على الرئيس عميد الرؤساء أبي منصور بن أيوب الحلي، وقرأ القرآن الكريم على أبي بكر الباقلاني بواسط، ثم على الشيخ علي بن هيّاب الجماجمي. وسمع كثيرًا من كتب اللغة والنحو والحديث على جماعة يطول شرحهم منهم: أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختار المندائي، /287 ب/ وأبو الحسن علي بن

أحمد بن الحسين بن المبارك بن نغوبا، وسمع عليه المقامات عن أبي محمد الحريري. وانتقل أبو محمد من بغداد إلى حلب سنة تسع وثمانين وخمسمائة، فأقام بها يقرئ العلوم ويفيد أهلها: نحوًا، ولغة، وضروب علوم الأدب. وصنّف بها تصانيف عدّة منها: كتاب "شرح اللُّمع" لأبي الفتح بن جني، وكتاب "شرح التصريف الملوكي" لابن جني، وكتاب "فعلت وأفعلت" بمعنى على حروف المعجم، وكتاب في اللغة لم يتمه، وكتاب «شرح المقامات» على حروف المعجم ترتيب كتاب العزيزي، وكتاب «شرح المقامات» آخر على ترتيب آخر، وكتاب «الخطب»، وكتاب رسالة أخذ فيها على الراشد أبي محمد عبد الرحمن بن النابلسي الشاعر في قصيدة نظمها في الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رضي الله عنه- وأشعار في فنون مختلفة. ذكره الصاحب الوزير أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم في تاريخ النحويين /288 أ/ من تصنيفه، وظلم فضله وبخسه حقَّه؛ ثم قال: أولًا كان من أهل واسط. وكان كيّالًا بها، ولقي أدباء أهلها وأخذ عنهم طرفًا قريبًا من النحو، وقال شعرًا هو أجود من شعر النحاة، وقصد به الناس وارتزق منه أكثر أوقاته، وانتقل إلى حلب وأقام بمدرسة الحلاويين، يرتزق على طلب فقه أبي حنيفة. ثم قرّر له على إقراء العربية رزقٌ في جامعها فأقرأ جماعة ما فيهم من جاد ولا ساد. وكان نحوه عجيبًا في نزارته، واعجابه به يسقط منه فيما يحترز منه الأطفال المبتدئون. ثم أورد له خبرًا قضية جرت له أعرضت عنها. وكان كثير الإعجاب بنفسه، يرى أنّه لم يوف حقّه فلا يزال شاكيًا متأوّهًا متعنتًا على القضاء والقدر. وكان مع هذا مذموم الطريقة والاستهتار بشرب الخمر، واتخاذ علوج ليسوا بحسان الخلق. يتحشر في محاشر ردية من محلل الفسوق، ويخالط جماعة على ذلك- نعوذ بالله من النظر إليهم-. وفي آخر أمره سافر إلى الجهة الشمالية يروم تصدراُ وارتزاقًا من بيت قليج أرسلان، /288 ب/ فلم يقدر له على ذلك، وعاد إلى حلب متلافيًا العيشة، الذي كان قديمًا فلم تحصل له فسألني النظر في حاله مع عتب كان يبلغني عنه فصرفته في باب

الخان السلطاني يرتزق برزق، فلم يزل قانعًا به إلى أن توفي، ولقد كان له شيء كما قيل وهبه لغلامين له- نعوذ بالله من النظر إليهما-. وصنَّف شرحًا لديوان المتنبي، غاية أمره أنَّه اختاره من شرح الواحدي وأضاف إليه من مصنف ابن وكيع في سرقات المتنبي. أنشدني أبو عبد الله محمد بن فضلون الفقيه العقري، قال: انشدني أبو محمد لنفسه: [من الخفيف] لا ترد من خيار دهرك خيرًا ... فبعيدٌ من السَّراب الشَّراب رونقٌ كالحباب يعلو على الكأس ولكن فوق الحباب الحباب عذبت في اللِّقاء ألسنة القوم ولكن تحت العذاب العذاب وأنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي- رضي الله عنه- قال: أنشدني أبو محمد القاسم بن القاسم الواسطي باربل سنة ثمان وتسعين /289 أ/ وخمسمائة يتشوّق وسطّا: [من الطويل] ولمَّا تداعى بالفراق عشيَّةً ... غراب النَّوى من واسطٍ ودعاني ولم يقض من توديعكم لي حسرةٌ ... وإن كنت مالي بالفراق يدان تمنيَّت خفَّاق النَّسيم لعلَّة ... يعلِّل قلبًا دائم الخفقان فلا عيش لي أو تجمع الَّدار بيننا ... ويسمح لي بالقرب منك زماني سلام كنشر الرَّوض رقَّ نسيمه ... على أربعٍ تزهو بكم ومغاني وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب] فدتك العلا إنَّ وعد الكريم دينٌ وطالبه كالغريم وحاجة مثلي من المكرمات ... وما للمكارم غير الكريم

وقوله: [من الطويل] ومالي إلى العلياء ذنبٌ عملته ... ولا أنا عن كسب المحامد باعد ولكنَّني لمَّا نهضت إلى العلا ... بأسبابها لم يجد في الجدِّ قاعد وأنشدني القاضي الإمام الصدر السعيد كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة بحلب- حرس الله مدته- قال: أنشدني الشيخ العالم أبو محمد القاسم بن القاسم الواسطي /289 ب/ في شهر شعبان سنة سبع وستمائة لنفسه بحلب يمدح السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذي- رحمه الله-: [من الطويل] وقفنا على حكم الهوى نعلن الشَّكوى ... بألفاظ دمعٍ تفضح السِّرَّ والنَّجوى وكانت لنا دعوى من الصَّبر قبلها ... ولكن دموع العين أبطلت الدَّعوى وقد كنت قبل البين جلدًا تهزني ... تباريح شوقٍ سرها في الحشا يطوى وأحمل ثقل الوجد والرَّبع آهلٌ ... ولكن إذا ما الرَّبع أقوى فلا أقوى ولي وقفةٌ بين الحمول تقسَّمت ... فؤادي أقسام النَّوى بينهم تنوى ذويت بها واهتزَّ غصني وربما ... يعود اهتزاز الغصن من بعدها يذوى وما ساعة التَّوديع إلَّا بغيضةٌ ... ولكنَّها تهوى لتقبيل من يهوى وفي الحلَّة الحمراء ظبيٌ كناسه ... فؤادي فلا يبرين يرعى ولا حزوى تخيره روضًا أريضًا وموردًا ... نميرًا فما تغشاه ريَّا ولا أروى له فتكاتٌ بالحجى بابليَّةٌ ... أحاديثها عن جفنه فى الورى تروى نوافث في الألباب سحرًا ونشوةً ... إذا خطرت في خاطر أنشأت بلوى /290 أ/ فلا تنكروا خمرًا حوته لحاظه ... من الأشنب المعسول والمبسم الأحوى وما ضعف جسمي من ضعاف جفونه ... ولكنَّها تقوى فتسطو أنا الأقوى ولم أر خمرًا قبلها في كؤوسها ... تخامر ألباب الرِّجال فتستهوى كأنَّ غياث الدِّين غازي بن يوسفٍ ... أسرَّ إليها من خلائقه نجوى

دع الشَّمس واستطلع شموس صفاته ... تجد عند تمييز النُّهى أنَّها أضوا فمستحسن الأعطاف يغني عن الغنى ... ومستعذب الألفاظ يسلي عن السَّلوى أخو الرُّشد يستغوى لمجدٍ وسؤود ... ويا رشد من بالمجد والسُّؤدد استغوى لقد ساد حتَّى لم يجد طالبًا علًّا ... وجاد إلى أن لم يدع طالبًا جدوى وبرَّز في فقه المعالي بعلمه ... فمن عنده في مشكلات العلا الفتوى رمى مقتل الآمال بالمال فانتدى ... نداه وقد أصمى الرَّمايا وما أشوى ندّى فاق في الآفاق حتَّى لوانَّه ... سحابٌ أرانا الحرث في موضع الإروا وما ضرَّنا ان تبخل السُّحب دونه ... ومن سحب كفَّيه لنا أكرم المثوى شكونا فأعدانا على الدَّهر نصره ... وعدنا فلا دعوى علينا ولا عدوى بجأشٍ تضيق الأرض عن جيش عزمه ... إذا ماد لا يرضى لأركانه رضوى يخفُّ إلى داعي الطَّعان كأنَّه ... عقابٌ رأت صيدًا وأفلتها المهوى /290 ب/ فيستخرج الأرواح عامل رمحه ... ويلوي ديون الثأر للباسل الألوى ويبسط من فوق البسيطة قبضةً ... نفوس عدًا كانت بأنفاسها تروى ويسقي القنا قاني النَّجيع كأنَّما ... يرى العار أن يروى السِّنان ولا تروى وما صدرت من ريِّها عن صدورهم ... ثعالبها إلَّا عوى الذِّئب واستعوى فللمجد ما أبنى وللمال ما أفنى ... وللحمد ما أقنى وللشكر ما أحوى مناقب مستقصى على المجد ما انثنى ... عن السَّعي حتَّى جاوز الغاية القصوى لها أثرٌ في المأثرات كأنَّها ... مواسم في وجه الزَّمان بها تكوى فلولا معانٍ فيه للمد أوضحت ... معاني القوافي ما عرفنا لها فحوى ولولا المغاني الغانيات بمدحه ... عفا منزل التَّقوى وربع الهدى أقوى فلا برحت أيَّامنا بدوامه ... مهيمنةً للملك والدِّين والتَّقوى

ومن موشحاته: أيُّ عنبريَّه .. في غلائل الغلس من زبر جديه .. تنبه النَّفس جادها الغمام ... فانتشى لها الزَّهر [وابتدا الكمام ... أعينًا بها سهر] وشدا الحمام ... حين صفَّق النَّهر وارتدت عشيَّه .. كملابس العروس حللًا سندسيَّه .. ما دنت من الدَّنس /291 أ/ فاملأ الكؤوسا ... فضةً من الذَّهب واجلها عروسا ... توِّجت من الشُّهب تطلع الشُّموسا ... في سنّى من اللَّهب فلها مزيَّه .. في الدُّجى على القبس بحلّى شهيَّه .. كمحاسن اللعس مخبرٌ سناها ... عن تطاير الشّرر فازمن جناها ... من قلائد الدُّرر فإذا تناهى ... في الخلائق الغرر قلت ظاهريَّه ... أظهرت لملتمس من علًا أبيَّه ... ما تغال بالخلس أخرى: في زهرةٍ وطيب ... بستاني ... من أوجه الملاح

أجلو على القضيب ... ريحاني ... والورد والأقاح ما روضة الرَّبيع ... في حلَّة الكمال تزهو على ربيعٍ ... مرَّت به الشَّمال في الحسن كالبديع ... بالحسن والجمال ناهيك من حبيب ... نشوان ... بالدَّلِّ وهو صاح /291 ب/ إن قلت وآلهيبي ... حيَّاتي ... من ريقهٍ براح كم بت والكؤوس ... تجلى من الدِّنان كأنَّها عروس ... زفَّت من الجنان تبدو لنا الشُّموس ... منها على البنان لم أخش من رقيب ... ينهاني ... الهوى إلى الصَّباح مع شادنٍ ربيب ... فتَّان ... زندي له وشاح خيل الصَّبا بركضي ... تجري مع الغواه في سنَّتي وفرضي ... لا أبتغي سواه وحجَّتي لعرضي ... ما تنقل الرُّواه عن عالمٍ لبيب ... أفتاني ... إنَّ الهوى مباح والرَّشف من شنيب ... ريَّان ... ما فيه من جناح أخرى: سلت لنا الغزلان ... صوارم الأجفان ... من العيون واهتَّزت الأغصان ... وارتجَّت الكثبان ... تحت الغصون فكيف للصبِّ ... وأيمّا قلب ... يرجو الخلاص

/292 أ/ من أعين السِّرب ... وأسهم الحبِّ ... ولا مناص وحاكم الحبِّ ... عن شرعه ينبي ... أن لا قصاص نصر الهوى خذلان ... ليناصر الشجعان ... فتستكين للنَّاظر الوسنان ... والويل للإنسان ... من الجفون هاروتها نفثا ... في عقد الصَّبر ... ما يأتلي وزاده خبثا ... ما فيه من خبر ... بالمقتل يرثي ولا يرثى ... بالتِّيه والكبر ... ويبتلي ما أقتل الإنسان ... قتاله فتَّان ... للعاشقين كأنَّما العينان ... حبائل الشَّيطان ... إلى المنون فالأحور الأحور .. بطرفه السَّاجي ... إذا رنا يستضعف الأقوى .. في ليله الدَّاجي ... على الضَّنى يا ويح من يهوى ... في يأسه راجى ... وبالمنى يسول عن السُّلوان ... ويهجر الهجران ... عسى يهون صاحي الجوى سكران ... تبدي له الأشجان ... حرَّ الأنين أسرفت في الغدر ... يا منية النَّفس ... والمنتهى /292 ب/ وطلعة البدر ... ونزهة الإنس ... والملتهى وبيضة الخدر ... وروضة الأنس ... والمشتهى وقيل لي بستان ... أزهاره ألوان ... للنَّاظرين النَّرجس الرَّيَّان ... والورد والرَّيحان ... والياسمين

حديقة فيها ... من خدِّك التَّفاح ... ما يقطف والنار يطفيها ... من الرُّضاب الراح ... والقرقف وكيف يخفيها ... ومسكها فيَّاح ... إذ يرشف والدُّرُّ والمرجان ... من حبب الأسنان ... عقد ثمين على قضيب البان ... بصدره ... رمَّان .. في كلِّ حين *** يكفيك من وجدي ... وفرط وسواسي ... ما تعلم وهان ما عندي ... من حرِّ أنفاسي ... لو أسلم والفتك ما يجدي ... في قلبك القاسي ... والمسلم يخشى من الرَّحمن ... وسطوة السُّلطان ... في الظَّالمين /293 أ/ المطعم المطعان ... والمنجد المعوان ... عليّ المعين أخرى: - ما تفعل السِّهام ... ما تفعل الحدق ... تصمي القلوب رشقا ... والجلد ما انخرق *** لي شادن ربيب ... في جفنه وطف أردافه كثيب ... والخصر مختطف وعطفه الرَّطيب ... إن مال وانعطف راقت لنا المدام ... من كأسه النفق ... وخلت منه شرقا ... في كفِّه شفق *** في وجهه المفدَّى ... آس وجلَّنار وزان منه خدَّا ... ماء به ونار صبح إذا تبدَّى ... يعلو له منار بدر له تمام ... في فرعه غسق ... نظما به فنسقى ... من ثغره النَّسق

*** قد أمرض المعنَّى ... الحاظه المراض وفي السَّواد معنى ... يزهن به البياض والقدُّ إن تثنَّى ... أو كان في الرِّاض /293 ب/ غنَّى به الحمام ... واكتن في الورق ... يا حسن ذاك خلقا ... سبحان من خلق *** يا من به يلوذ ... حاذر من الرَّدى فسهمه نفوذ ... ما يقبل الفدا ينضو لمن يعوذ ... سيفًا مجرَّدا في خدِّه الحسام ... للفتك ممتشق ... يزداد منه عشقا ... للقتل إن رمق *** وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز] أيُّ عيون هنَّه ... أمضى من الأسنَّه ترشقنا بأسهم ... لا تتَّقى بجنَّه فتستبيح مهجًا ... في الحجب مستكنَّه ضعائف قد جعلت ... قتل النُّفوس سنَّه ليت الغواني لعبت ... أيدي الهوى بهنَّه فغيَّرت ورد الخدود بها رهنَّه فكم جنت من زفرة ... موصولة بأنَّه جنة حسن رتعتً ... الحاظنًا فيهنَّه /294 أ/ فأورثتً قلوبنا ... نار لظى مكتنَّه فمن رأى نار جحيم نشأت عن جنَّه وقال أيضًا: [من الوافر] أقول لمعشر حمدوا الفا ... وذابت من حقودهم الصُّدور تعبِّس في وجوههم المعالي ... إذا ابتسمت لغيرهم الثُّغور وموتي في الحياة بغير دفن ... جسومهم لأنفسهم قبور

يغطُّون الصَّباح بكلِّ كفٍّ ... لها دون العلا باع قصير ويبدون الطَّلاقة من وجوه ... كما برقت لرائيها الصُّخور سعى للمجد سعي النَّمل يعلو ... على الدُّولاب وهو به يدور فكان صعودهم فيه نزولا ... كما لنشاطهم فيه فتور طلابكم العلا زور بعيد ... لأنَّ الأكرم القاضي وزير وقال أيضًا، وأنشدنيه عنه أبو عبد الله الحافظ: [من الكامل] ديباج وجهك بالعذار مطرَّز ... برزت محاسنه وأنت مبرِّز وبدت على غصن الصبا لك روضة ... والغصن ينبت في الرِّض ويغرز /294 ب/ وجنت على وجنات خدِّك حمرة ... خجل الشَّقيق بها وحار القرمز لو كنت مدَّعيًا نبوَّة يوسف ... لقضى القياس بأنَّ حسنك معجز [أو كان عطفك مثل عطفك ليِّنًا ... ما كان منك تمنُّع وتعزُّز] وله في إبن النابلسي الشاعر، ويلقب مدلويه: [من مجزوء الكامل] لا تعجبنَّ لمدلويـ ... ـــه بدا من الخلق البغيض وتكسَّرت أسنانه ... بالعضِّ في جعس القريض وتقطَّعت أنفاسه ... عرضًا بتقطيع العروض وله فيه أيضًا يهجوه: [من مجزوء الكامل] يا من تأمَّل مدلويه وشكَّ فيما يسقمه

أنظر إلى بخر بفيه وما أظنك تفهمه لا تحسبن بأنَّه ... نفس يغيِّره فمه لكنَّما أنفاسه ... نتنت بشعر ينظمه وأنشدني الصاحب مؤيد الدين أبو نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن القفطي –أدام الله سعادته- /295 أ/ قال: أنشدني القاسم بن القاسم الواسطي لنفسه: [من مجزوء الرمل] حقُّ دود القزِّ يبني ... فوقه ثمَّ يموت بعدما سدَّى وقد ثار يسدِّي العنكبوت وقال من قصيدة: [من الخفيف] زهر الحسن غير زهر الرِّياض ... منه للغصن حمرة في بياض قد حمة ورده ونرجسه الغضَّ سيوف من الجفون مواضي فإذا ما اجتنيت باللَّحظ فاحذر ... ما جنت حصَّة العيون المراض فلها في القلوب فتكة باغ ... رويت عنه فتكة البرَّاض وإذا ما رمت سهامًا من الهدب رمين السِّهام بالأغراض واغتنم بهجة الزَّمان وقابل ... شمس أيَّامه الطِّوال العراض بشموس الكؤوس تحت نجوم ... في طلوع من أفقها وانقضاض واجل من جوهر الدِّنان عروسًا ... لطفت عن جواهر الأعراض كلَّما أبرزت أرتك لها وجه انبساط يعطيك وجه انقباض فعلى الأفق للغمام ملاء ... طرَّزتها البروق بالإيماض

/295 ب/ وكأنَّ الرُّعود أرزام نوق ... فصلت دونها بنات المخاض أو صهيل الجياد للملك الظَّاهر تسري بالجحفل النَّهاض وقال أيضًا؛ وأنشدنيها المولى القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بمحروسة حلب –أيده الله تعالى-: [من الطويل] فوا أسفا مات الكرام وعطِّلت ... شرائع سنَّت للعلا والمكارم ولم يبق من رسم النَّدى وطلوله ... سوى ذكر من عهده المتقادم سأندبه ما عشت جهدي وإن أمت ... أقمت بأشعاري صفوف المآتم وله قصيدة يمدح بها: [من البسيط] جد الصِّبا في أباطيل الهوى لعب ... وراحة اللَّهو في حكم النُّهى تعب وأقرب النَّاس من مجد يؤثِّله ... من أبعدته مرامي العزم والطَّلب ةقارها كظلام اللَّيل حاملة ... أهلَّة طلعت من بينها الشُّهب منقضَّة من سماء النَّقع في أفق ... شيطانه بغمام الدِّرع محتجب وأسودَّ وجه الضُّحى ممَّا أثار به ... وأشرق الأبيضان الوجه والنَّسب /296 أ/ في موقف يسلب الأرواح سالبها ... حيث المواضي قواض والقنا سلب لا يرهب المرء ما لم تبد سطوته ... لولا السِّنان استوى الخطِّي والقضب إنَّ النُّهوض إلى العلياء مكرمة ... لها التذاذان: مشهود ومرتقب والملك صنفان: محصول وملتمس ... والمجد نوعان: موروث ومكتسب والنَّاس ضدَّان: مرزوق ومحترم ... تحت الخمول ومغصوب ومغتصب والطَّاهر النَّفس لا ترضيه مرتبة ... في الأرض إلاَّ إذا انحطَّت له الرُّتب والفضل كسب فمن يقعد له نسب ... ينهض به الأفضلان: العلم والحسب لله درُّ المساعي ما استدرُّ بها ... خلف السِّيادة إلاَّ أمكن الحلب وحبذا همَّة في العزم ما انتدبت ... لمبهم الخطب إلاَّ زلَّت الحجب وموطنا يستفاد العزُّ منه كما ... أفادت العزَّ من سلطانها حلب

ومنها يقول: مؤيد الرَّأي والرَّايات قد ألفت ... ذوائب القوم من راياته العذب إن نازلوه وقد حق النِّزال فمن ... أنصاره الخاذلان: الجبن والرُّعب أو كاتبوه فخيل من كتائبه ... تجيب لا المخبران: الرُّسل والكتب مغاور يذهب الأعمار ذابله ... في غارة الحرب والأموال تنتهب /296 ب/ في جحفل قابلوا شمس النَّهار على ... مثل البحار بمثل الموج تضطرب حتَّى كأنَّ شعاع الشَّمس بينهم ... فوق الدُّروع على غدرانها لهب ما أنكر الهام من أسيافه ظبة ... وإنمَّا أنكرت أسيافه القرب ما يدفع الخطب إلاَّ كل مندفع ... في مدحه الأفصحان: الشِّعر والخطب ومن إذا ما انتمى في يوم مفتخر ... أطاعه العاصيان العجم والعرب وله من قصيدة أولها يمدح بها كمال الدين بن العديم: [من الطويل] أفي البان إن بان الخليط مخبِّر ... عسى ما انطوى من عهد لمياء ينشر عسى حركات في اعتدال سكونها ... أحاديث يرويها النَّسيم المعطَّر يودُّ ظلام اللَّيل وهو ممسَّك ... لذاذتها والصُّبح وهو مزعفر أحاديث لو أنَّ النُّجوم تمنَّعت ... بأسرارها لم تدر كيف تسيَّر يموت بها داء الهوى وهو قاتل ... ويحيا بها ميت الجوى وهو مقبر فيا لنسيم صحّتي في اعتلاله ... وصحوي إذا ما مرَّ بي وهو مسكر كأنَّ به مشمولة بابلَّية .. صفت وهي من غصن الشَّمائل تعصر إذا نشأت مالت بكِّفك نشوة .... كما مال مهزوز من البام يمطر وقال يمدح الوزير /297 أ/ القاضي الأكرم أبا الحسن علي بن يوسف القفطي، ويلتمس منه أن يرتبه في خدمة: [من المنسرح]

يا سيِّدي قد رميت من زمني ... بحادث ضاق عنه محتملي وأنت في رتبه إذا نظرت ... إلىَّ صًار الزَّمان من قلبي والنَّظم والنَّثر قد أجدتهما ... فيك فلا تترك الإجادة لي فداك قوم إذا وقفت بهم ... رأيتني واقفًا على ظلل تشغل أموالهم مساعيهم ... فهم عن المكرمات في شغل تحمي حماها أعراضهم فإذا ... ماتت حماها سور من البخل معاول الذَّم فيه عاملة ... إعمالهم في مغاير الحيل نعلك تاج إذا رفعتهم ... لرأس حاف منهم ومنتعل فاسمع حديثي فلي مغازلة ... تبثُّ شكواي موضع الغزل قد كنت في راحة مكمَّلة ... أحيي المعال بميِّت الأمل أرفل في عزَّة القناعة في ... ذيل على النَّائبات منسدل فعندما طالت البطالة لي ... وصار لي حاجة إلى العمل فقال ناس نبِّه لها عمراً ... فقلت: حسبي رأي الوزير علي /297 ب/ قد بتُّ من وعده على ثقة ... أمنت في حليها من العطل فالأكرم ابن الكرام لو سبقت ... وعوده بالشَّباب لم يحل يفرُّ من وعده المطال كما ... تفرُّ آراؤه من الزَّلل أخلاقه حلوة المذاق فلو ... شبَّهتها ما ارتضيت بالعسل بمنطق لو سرت فصاحته ... في اللُّكن لا ستعصمت من الخطل تمجُّ أقلامه إذا كتبت ... ماء المنى من أسنًّة الأسل وإن سطت في ملمّة نسيت ... صفين منها ووقعة الجمل تنظم درّاً على الطُّوس كما ... ينظم درّ الحلي في الحلل مبيِّن علمه لسائله ... مسائلاً أشكلت على الأول

لكل علم في بابه علم ... يهدي إلى قلبه من القبل أيُّ جمال ما فيه أجمله ... على وجوه التَّفصيل والجمل جلَّ الذَّي أظهرت بدائعه ... منه معاني الرِّجال في رجل [591] القاسم بن الحسين بن أحمد /268 أ/ الخوارزميُّ النحويُّ الملقَّب صدر الأفاضل. كان بارعًا في علم العربية والآداب، مشاراً إليه في معرفة النحو والإعراب، ذا قريحة حاذقة، ونحيزة صادقة. أخذ النحو عن أبي الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزيّ، وعليه يعتمد في علمه. وكان مشغوفًا بكتب الإمام أبي القاسم الزمخشري، كثير الميل إليها، والتحفظ منها. وله تصانيف كثيرة منها "التجميز في شرح المفصل" في نحو ثلاثة أجلاد، وكتاب "السبيكة" في شرحه أيضًا وسط، وشرحه أيضًا شرحًا صغيراً، وكتاب "شرح سقط الزند"، وكتاب "شرح الأنموذج" لأبي القاسم الزمخشري، وكتاب "التوضيح في شرح المقامات" وكتاب "بهجة الشرع في شرح ألفاظ الفقه" وكتاب "شرح المفرد والمؤلّف"، وكتاب "حلوة الرياحين في المحاضرات"، وكتاب "عجائب النحو"، وكتاب "السّر والإعراب" /298 ب/ وكتاب "شرح الأنبية"، وكتاب "الزوايا والخبايا في النحو"، وكتاب "بدائع الملح"، وكتاب "شرح اليمين" للعقبي. وإلى غير ذلك من المصنفات، وشعر كثير ليس بالرائق المستحين، يظهر فيه التعجرف والركالة. وكانت ولادته في الليلة التاسعة من شعبان سنة خمسين وخمسمائة، وقتل ثاني عشر ربيع الأول سنه سبع عشرة وستمائة. قلته التتر بخوارزم –رحمه الله تعالى-. أنشدني المؤيد بن محمد .... الخوارزميُّ، قال: أنشدنا أبو محمد لنفسه في

الشيخ فخر الدين أبي الفضل الرازي –رحمه الله-: [من مجزوء الرمل] قد نسنا قد نسينا ... حكمة الشَّيخ ابن سينا بإمام الرَّي صرنا ... مذ زمان مؤيسينا إنَّنا بعنا حصاةً ... واشترنياً طور سينا وقال أيضاً: [من الكامل] يا زمرة الشُّعراء دعوة ناصح ... لا تأملوا عند الكرام سماحا إنَّ الكرام بأسرهم قد أغلقواً ... باب السَّماح وضيَّعوا المفتاحا /299 أ/ وله قد سأله قاضي القضاة بخوارزم، أن ينظم له أبياتًا يكتبها على جدران دار له بناها: [من البسيط] من كان يفخر بالبنيان والشُّرف ... فليس فخر بغير المجد والشَّرف ما قيمة الدَّار لولا فضل ساكنها ... وأيُّ وزن بدون الدُّر للصدف إن كان يعجبني خشب مسنَّدة ... فلست أكرم نجل من بني خلف قد صح لي باتِّفاق النَّاس كلِّهم ... رواية العدل والإنصاف عن سلفي إنِّي لمن معشر كانت معايشهم ... بالقصد أمَّا عطاياهم فبالسَّرف قوم متى طلعت ليلاً مآثرهم ... رأيت بدر الدُّجى في زيِّ منخسف بدولة الملك الميمون طائره ... أنَّى توجَّهت فالإقبال مكتنفي وقال أيضًا: [من الطويل] أيا سائلي عن كنه علياه إنَّه ... لأعطي ما لم يعطه الثَّقلان فمن يره في منزل فكأنَّما ... رأى كلَّ إنسان وكلّ مكان وله في شيخ الإسلام الرشتاني، ورشتان من قرى مرغينان: [من الطويل] /299 ب/ فديت إمامًا صيغ من عزَّة النَّفس ... أنامله والسُّحب نوعان من جنس

أشدُّ ارتياحًا نحو طلعة معتف ... من المفلس الحاوي المدين إلى الفلس وأفقه في تدريسه من محمَّد ... وأجود من كعب وأخطب من قسَّ مناقب لو أنَّ الحرابىَّ مرة ... بصرن بها استنكفنً عن خدمة الشَّمس ويغدو على طرف من الشقر كلَّما ... رأته إماء الحيِّ وافته للقبس على سابح من خلفه الوهم طالع ... وأهون شيء عنده درك الأمس فتًى سار منه خلفه وهو فاغم ... ولا فغمة المسك الخرائد للعرس له الصَّفو من ودِّي وإخوته الألى ... غدوا من سهام الرِّبع للدين حكالتُّرس لفتيان صدق ما اقتنوا طول عمرهم ... سوى البحث والإفتاء والوعظ والدَّرس لأربعة شادوا العلا بعد شيخهم ... فقد بني الإسلام منهم على خمس بنور إلهيٍّ عليهم وزهدهم ... وعلمهم أضحوا ملائكة الإنس فعاشوا لترشيح الهدى ويراعهم ... بصائبة الأحكام يقطر في الطِّرس قال أيضًا: [من الطويل] أيجمل منِّي نحو ذيَّالك الرَّشا ... سلامًا لصدغيه وحالي مشوَّشا وإنِّ لوجدي أستضيء لدى الحمى ... بشعلة أنفاسي إذا اللَّيل أغطشا /300 أ/ ويرحمني العذَّال حتَّى يقول لي ... أموقد ناربين جنبيك أم حشا وهل يرد الجرعاء منِّي تحيَّة ... على طرفيهاً رونق العهد قد مشى وإنِّي قد كتَّمت سرِّي وإنَّما ... برغمي صوب المدمعين به فشا كما أنَّ صدر الشَّرق أخفى سخاءه ... ولكنَّه بشر الجبين به وشى متى جحدت نعماه أنهض جوده ... شهوداً من الإحسان لا تقبل الرِّشا وإن هزَّة الإطراء ثم تبجسَّت ... أياديه لم تشكر له فقد انتشا أيلحقه الوهم القطوف إذا سعى ... لإدراك غايات العلا متكمِّشا لك المنهل المكسيُّ مازال نقعه ... يعلَّل صلاَّ في يمينك أرقشا فيلفظ في منسابه ولعابه ... حتوفًا وأرزاقًا على حسب ما تشا

وقال أيضًا: [من الطويل] سرى ناشداً أنسي قضيبًا من الآس ... فناولني الصَّهباء والشَّهد في كاس وأرشدني وهنًا لتقبيل خاله ... وميض ثناياه وشعلة أنفاسي ولو لم يكن يلقى على حرِّ خدِّه ... من الطُّرَّة السَّوداء ظلمة أنفاسي إذاً لأضاء اللَّيل حتَّى انجلت لنا ... هواجس تخفيهنَّ أفئدة النَّاس وقال أيضًا: [من البسيط] /300 ب/ سناجبينك مهما لاح في الظُّلم ... بتنا نطالع منه فسحة الكرم إن يزرع النَّاس في أخلاقهم كرمًا ... فالبدر من جودك الطنان بالدِّيم تبدو على أشقر خضر حوافره ... بحراً تلاطم أمواجًا على ضرم تشمُّ عندك صيد العجم لخلخةً ... من الرُّغا بآناف من القمم كادت لحبِّك تأتي وهي ساعية ... على الرُّؤوس بدون الرَّأس والقدم من ظنَّ غير نظام الملك ذا كرم ... نادى به لؤمة "استسمنت ذا ورم" أفديك ذا منظر بالبشر ملتحف ... عن صبحي اليمن والإقبال مبتسم يد الجلال وشت في لوح بهجته ... "النَّاس من خولي والدَّهر من خدمي" فلو أناف على هام السُّها وطني ... لما لوت نحوه أجيادها هممي على النِّداء وقفت أيَّامه وعلى ... نشر المحامد منه السن الأمم ما جئت أخدمه إلاَّ وقد سحقت ... يدا تلطُّفه عطراً من الشِّيم رفَّ النِّدا نحوه عطراً مخدَّرة ... لولاه زفَّت إلى كفء من العدم يريه شعري نجوم اللَّيل طالعة ... والنَّيرين معًا في مشرق الحلم لا زال مثل هلال العيد حضرته ... في الحسن واليمن والإقبال والنِّعم وعاش للملك يحميه وينصره ... فالملك من دونه لحم على وضم /301 أ/ ودام كاليم للعافين ملتطمًا ... بنانه وهو مرشوف بكلِّ فم

[592] القاسم بن هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد، أبو المعالي بن أبي الحسين المدائنيُّ، القاضي الكاتب. درس فقه الإمام الشافعي –رضي الله عنه- ببغداد والموصل، نظر في علوم الحكمة، وأتقن منها طرفًا جيداً، ولقي المشايخ واجتهد في طلب العلم، وتميّز وناظر حتى فاق أبناء زمانه، وقرأ الأصول وتكلم في المسائل الخلافية. وله شعر حسن. وتقلّد القضاء بالمدائن في أيام أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد- رضي الله عنه- ثم قدم بغداد من المدائن، فولاَّه الإمام المستنصر بالله –رحمه الله- كتابة الإنشاء بالديوان العزيز –مجدّه الله تعالى. وكنت أتمنى لقياه إلى أن وردت مدينة السلام في سنة تسع وثلاثين وستمائة، فلقيته بها بجامع القصر الشريف سلخ جمادى الأولى يوم الجمعة في العام المذكور، فوجدته من أطيب الناس مفاكهة، وأحسنهم محاضرة، وأكثرهم /301 ب/ بشراً، وأجملهم خطابًا؛ يجمع أدبًا ولطفًا ونبلا وفضلاً وكيسًا. وذكر أنَّه ولد في جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة؛ وصنّف كتابًا سمّاه "الحاكم في اصطلاح العراقيين

والخراسانيين في معرفة الجدل والمناظرة". أنشدني أبو المعالي من شعره، ونقلته من خط يده: [من البسيط] اسعد بدير سعيد أيُّها السَّاقي ... وامزج وخذ وأعطني من غير اشفاق من خندريس كأنِّي حين أشربها ... ملسوع همٍّ تحسَّى كأس درياق نار ولكنَّها للماء عاشقة ... تزداد من وصله ضوءاً بإشراق شجَّت فألبست السَّاقي بصبغتها ... ثوبًا وألبسنيه ذلك السَّاقي تجري الكؤوس ولا تجري محاثة ... مع الَّذي زاد في همِّي وأشواقي لم أقض في عمري الماضي هوى حلب ... يا ليت شعري فهل أقضيه في الباقي وذي قوام تثنَّى في غلائله ... مثل القضيب تثنَّى بين أوراق نظمت من غزلي في حسن صورته ... عقداً تقوم به الدُّنيا على ساق يا عقرب الصُّدغ في الخدِّ الأسيل أما ... لمن لسبت شفاء منك أوراقي ونقلت من خطّه قوله: : 302 أ/ يمدح تاج الدين محمد بن الحسين الأرموي بحلب وأنشدنيه: [من الكامل] لو كان ينفع عاشقًا تذكاره ... لخبت من القلب المعنَّى ناره زمن الحمى لا جاد غير حماك لي ... دمع ولا بلَّ الثَّرى مدراره أين الشُّموس المشرقات لدى الضُّحى ... حسنًا وهن من الدُّجى أقماره النَّاسيات نفوسهنَّ وإنَّما ... أودى بهنَّ من الشَّباب خماره لا غرو أن حنَّ الغريب صبابة ... وتزايدت لفراقه أوطاره متقسَّم الأحشاء لا أوطانه ... هذي البلاد ولا الدِّيار دياره ومهفهف كالغصن تعطفه الصَّبا ... وسنان أسكر طرفه خمَّاره يا مسعدي علامة في حبِّه ... جهلاً وفي إسعاده إقصاره لو لم أجد عذراً صحيحًا في الهوى ... لو في بعذري في هواه عذاره

وجه لو احظنا مجوس زمانه ... سجدت له لمَّا أضاءت ناره وقوام غصن ما تعرَّض عاشق ... إلاَّ رأى أنَّ الصُّدود شعاره عرفت لواحظك المريضة مقتلي ... وقتيل لحظك ليس يطلب ثاره فكأنَّ تاج الدِّين أودع عندها ... حمل الغيوب فإنَّها أسراره /302 ب/ يا ابن الحسين لقد بنيت لفارس ... مجداً ينيف على النُّجوم نجاره ونقلت من خطه أيضًا، وهو ما قاله بالموصل بدير ميخائيل، وأنشدنيه في التاريخ المذكور: [من البسيط] كلُّ الورى فيك حسَّادي وعذَّالي ... يا فاقد المثل ما العشَّاق أمثالي بكاي وقف عليكم بعد فرقتكم ... لا للوقوف على ربع وأطلال رضا العواذل سخطي في هواك وفي ... وفاقهم خلف أغراضي وآمالي يا ساكني دير ميخائيل لي قمر ... لكنَّه بشر في شكل تمثال قريب دار بعيد في مطالبه ... غريب حسن وألحان وأقوال سكرت من صوته لمَّا أشار به ... ما لست أسكر من صهباء جريال ما رمت إمساك نفسي عند رؤيته ... إلاَّ تغيرت من حال إلى حال يا ليلتي بفناء الدَّير لست كم ... يقول: يا ليلتي بالشِّيخ والضَّال قد صرت أنشد بيتًا صار لي مثلاً ... لولا وصالك لم يخطر على بالي: (لو اشتريت بعمري ساعة سلفت ... من عيشتي معكم ما كان بالغالي) وقال أيضًا وأنشدنيه: [من البسيط] /303 أ/ أردد لثامك حتَّى يستر اللَّعس ... وقف ليبعد عن أعطافك الميس إنِّي أغار على حسن حبيت به ... إصابة العين إنَّ العين تختلس يا غاضب الخشف أوصافًا مكملةً ... لم يبق للخشف إلاَّ السُّوق والخنس وفاضح البدر إنَّ البدر مقتبس ... من الَّتي هي من خدَّيك تقتبس

معدَّل الخلق لا طول ولا قصر ... مكمَّل الخلق لا هين ولا شرس يصحُّني حبُّه طوراً ويمرضني ... فكم أبل من البلوى وأنتكس حموه عن كلِّ ما يشفى الغليل به ... حتَّى على طيفه من شكله حرس قد كنت أبصر صبحًا في محبَّته ... فعاد وهو بعيني كلُّه غلس مالي وللحب يلهي القلب عن مدح ... أوصافها فصح أضدادها خرس كيف الذُّهول وتاج الدِّين هير فتى ... خير المديح لخير النَّاس يلتمس حبر تفيض له نفس بهمَّتها ... لم يبق للشُّر لا روح ولا نفس نور تلقَّته نفس منك طاهرة ... لولاه لم يبد فينا ذلك القبس شاركت في الرُّوح عيسى ما استبَّد بها ... كلاكما في البرايا روحه قدس حكمت في العالم العلويِّ عن نظر ... صاف من الشَّك ما في فكره دنس فلو رأى منك جالينوس معجزةً ... ما قال في الكلِّ إنَّ الأمر ملتبس /303 ب/ وكاد يؤمن من بقراط الحكيم بما ... يلقى إليه ولا يرتاب برقلس وحومة مزجت شكًّا جوانبها ... فما درى الحبر فيها كيف ينغمس أعيى الخواطر فيها حادث جلل ... واستعبد النُّطق في أرجائها الخرس حتَّى إذا جاء تاج الدِّين فرَّجها ... تغضي البيادق مهما عدًّت الفرس وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الخفيف] مرحبًا بالخيال إذا زار وهنا ... وشفى لوعة المحبِّ المعنَّى وقضى حاجةً فسرَّ وسرَّى ... همم القلب عن لبانات لبنى كلَّما قلت: قد تسلَّيت عنه ... عادني طيفه وعنَّ فعنَّى شادن لو بدا يفاخر بدراً ... أخجل البدر بالملاحة حسنا وإذا ما انثنى رأيت كثيبًا ... تحت بند القبا يحمل غصنا ترك الرُّمح والحسام وأبدى ... سيف لحظ وهزَّ بالقدِّ لدنا ليلة الدَّير حيث تسمع لحنًا ... حسن النَّظم ما يقارب لحنا سعدت ليلة رأيت بها الشَّمـ ... ـــــــس وجنح الظَّلام ينجاب عنَّا

بين صرعسى محاجر وعيون ... بات يحييهم إذا ما تغنَّى أيَّها الشَّمس من يقل فيك معنّى ... لم يصب فيك أنت كلُّك معنى /304 أ/ قد تمنَّت جوارح النَّاس طرّاً ... أنَّها صيِّرت لأجلك أذنا وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل] لحظات طرفك أم شفار مهنَّد ... هزمت جيوش تصبُّري وتجلُّدي ما رنَّقت عيناك من سنة الكرى ... إلاَّ لشقوى عاشق لم يرقد عجبًا لطرفي لا يزال يعوم في ... ماء الملاحة وهو كالعطش الصَّدي ولنور وجهك وهو قد هتك الدُّجى ... بضيائه إذ ضلَّ فيه المهتدي يا قاسم العشَّاق من متقلقل ... سكن الفناء وساكن مستسعد ته كيف شئت فحسن وجهك قد غدا ... متودِّداً فينا بغير تودُّد أهوى النَّحافة والشُّحوب لأنَّني ... أجد النَّحافة من صفات محمَّد كالغصن في حقف إذا جرت الصَّبا ............. تأطُّر وتأوُّد وكأنَّ خطَّ عذاره في خدهِّ ... سبج أذيب على صفيحةً عسجد وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل] اللَّوم فيك لجاجه من عاشق ... وافى يخادعني بلفظ العاذل ما كنت مجهولاً لديه فلم أقل: ... أمط اللِّثام عن العذار السَّائل وقال، وأنشدنيه: [من البسيط] /304 ب/ بيت من الشِّعر في تشبيه وجنته ... لمَّا أحاط بها سطر من الشَّعر كالظِّل في النُّور أو كالشَّمس عارضها .... خطٌّ من الغيم أو كالمحو في القمر وقال أيضًا وأنشدنيه: [من البشيط] قالوا: على خدَّه خال، فقلت لهم: ... تخفى الحقائق في عقل المجانين تكوين مقلته صاد وحاجبه ... نون المنال وهذا نقطة النُّون

وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل] يا هجري لمَّا رأى شغفي به ... ما كان حقُّ متيّّم أن يهجرا إنَّ الَّذي خلق الغرام هو الَّذي ... خلق السُّلو فلا يغرُّك ما ترى وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل] لو يعلمون كما علمت لما لحوا .... في حبِّه ولأقصروا إقصارا هلاَّ أحدِّثكم بسرّ لطيفة ... دقَّت إلى أن فاتت الأبصارا حادت صقال خدوده أصداغه ... فتمثَّلت للنَّاظرن عذارا [593] القاسم بن محمد بن سعيد بن النداء، أبو محمد الجزريُّ من بيت كبير بالجزيرة/ 305 أ/ العمرّية. قلَّدة الأمير معز الدين محمود بن سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر –صابحها- وزارته، ففارقه وقصد حضرة الملك الأشرف شاه أرمن مظفر الدين موسى بن أبي بكر، وانضمّ إليه، وحظي عنده. وكان قد قرأ فقها وأدبًا، وحفظ شيئًا من الأشعار وله يد في الكتابة والإنشاء وعمل الشعر. أنشدني أبو الفضائل جعفر بن محمد بن أحمد الخسرسابوري، قال: أنشدني القاسم بن محمد لنفسه: [من الكامل] إقدح زناد اللَّهو بالقدَّاح ... وأضف إليه لطائف الأرواح هذا الرَّبيع ووجه من أحببته ... فاشرب على الرَّيحان صفو الرَّاح

[594] القاسم بن أحمد بن زيد بن محمّد بن محمّد زيد بن أحمد بن محمّد بن محمد بن عبد الله بن عليِّ بن عبد الله بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، أبو الحسين بن أبي جعفر العلويُّ الحسينيُّ الموصليُّ. أخبرني أنّه ولد في صفر سنة تسعين وخمسمائة بالموصل. وهو من أبناء النقباء /305 ب/ الأشراف، حفظ القرآن المجيد، وقال شعراً صالحًا أنشدني لنفسه يمدح مولانا وسيدنا الإمام المفترض الطاعة على كافة الأنام خليفة الله في العالمين المستنصر بالله أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور- صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين-: [من البسيط] حطُّوا الرِّجال فهذا منتهى الطَّلب ... وها هنا معدن التَّمجيد والحسب أرض غدت كعبة القصَّاد ما قصدت ... إلاَّ وأعقبت الإفضال عن كثب سمت بخير إمام ليس لي وزر ... سواه كلاً ولا في غيره أربي ومن يكن بإمام العصر معتصمًا ... لم يخش حادثة الأيَّام والنُّوب آليت لم تثنني عن قصده ... ولم أغب برقم المدح في الكتب ما أمَّه من مخفِّ المال ذو ضرع ... إلاَّ وأوقر بالإعزاز والنَّشب ولا هززنا له عزمًا لمعضلة ... إلاَّ ونفَّس عنَّا أعظم الكرب ولا رجونا به ما عزَّ مطلبه ... إلاَّ بلغنا الَّذي نرجو ولم نخب وإن تغرَّب عن أهل وعن وطن ... باغي معاليه أمسى غير مغترب أشهى إليه من الأصوات قاطبة ... صوت الوفود إذا أمُّوه للطلب صبٌّ إلى المكرمات الغرِّ وهي له ... ترب وصبٌّ إلى ترب من العجب

/306 أ/ قرَّت به العين فالدُّنيا به حسنت ... والدِّين فهو متين الرُّكن والطُّنب من دوحة المصطفى المختار منبته ... أكرم بذلك من أصل ومن شعب لن تُّقبل الصَّلوات الخمس إن عريت ... من ذكره وهو فيها أوكد السَّبب فلتشمخ الأرض ولتفخر بأخمصه ... على السَّماء وما فيها من الشُّهب وخصَّه الله إجلالاً بمرتبه ... دانت له عظماء العجم والعرب فقام فينا بما جاء الرَّسول به ... كأنَّ عنَّا نبيُّ الله لم يغب في محكم الذكر قد جاءت مناقبه ... ما جهد مادحه بالشِّعر الخطب وإنَّه قد تردَّى كلَّ مكرمة ... لم يستطعها ذوو الإفضال والأدب لا عاصم اليوم من بأس الإمام فماً ... تغني المعاقل واللاَّجي إلى العرب وهكذا للَّذي يعصي أوامره ... ما إن يؤول بغير الويل والحرب فلو أراد النُّجوم الزُّهر أدركها ... ولم نطق هربًا منه من الرَذهب ولو رأته ملوك الأرض لاستبقت ... إلى السُّجود له من شدَّة الرُّعب يا من علا قدره فوق السِّماك ومن ... حاز الفخار ويا ابن السَّادة النُّجب لم أرض غيرك ملاجوّ أؤمله ... ولم أجد غير ما أوليت أليق لي رفعت قدري بعطف منك يا أمل الرَّاجي وقد كان قبل اليوم في صبب /306 ب/ فما ولائي مصروفًا ومنحرفًا ... إلى سواك ولا قلبي بمنقلب أما الغنى فهو في دار السَّلام وفي ... ظلِّ الإمام العظيم الشُّأن ذي الحسب أصبت في حسن ظنِّي في عواطفه ... لكنَّني مثله في الخلق لم أصب يا مفلق البيد بالإدلاج مجتهداً ... لكي يفوز بغرٍّ غير محتجب يمِّم أبا جعفر المنصور تلق فتًى ... ملء الصُّدور كريم الأصل والنَّسب معظَّمًا منح التَّبجيل والشَّرف الجمُّ النَّبيل وأعطى أرفع الرُّتب وهو الرَّؤوف يقضي العمرتين تقىً ... وبين عدل وبرٍّمنه منسكب المقتني الحمد والموفي بنائله ... على البحار ومن أربى على السحب ووسَّع الرِّزق إحسان يكرِّره ... فالضِّيق عنَّي ناء غير مقترب أعطى وواصل حتَّى قلَّ ذو أمل ... وزاد فوق الَّذي في نفس محتسب من الثنَّاء ومنه نائل علقت ... يداي منه بحبل غير منقضب

فالشُّكر منِّي لما أولاه من نعم ... شكر يخلِّد أو يفني يد الحقب ما جحفل لجب ضاق الفضاء به ... كثُّ الجوانب في أمن من العطب يسري فيظفر بالأشياء يقصر عن ... إدراكها كلُّ ذيّ عزِّ وذي شغب أغنى بعزمته عن كلِّ ذي شطب ... ماضي المضارب والخطِّيِّ واليلب يومًا بأمنع منه للنَّزيل إذا ... قلَّ المحامي وخاف الذُّل كلُّ أبي فاسلم لنا في سرور لا يعادله ... الدَّهر في أيامك القشب مخولاً مدحً من لم ينو عنك ونى ... وسوف يحمد ما يلقاه من نصب وقال أيضًا يمدحه –صلوات الله عليه- حين سلطن المولى الملك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين، مرزبان العراق شهريار الشام أبا الفضائل المستنصري، غرس أمير المؤمنين –خلد الله دولته-: [من الطويل] خذوا عن رواة العشق حالي وما ألقى ... فعندهم علم بمن يدَّعي العشقا وقصَّا على من همت فيه قضيَّتي ... عساه يرى عطفًا على دنف ملقى بعيدة عهد بالرُّقاد جفونه ... فلو شاء طيفًا ما أطاق لها طبقا كراحة مولانا الإمام ومن غدت ... خزَّائنه تتلو تسأله رفقا هو المرتجى في سورة الدَّهر والَّذي ... مناقبه المدَّاح علَّمت النُّطقا وما جهد ما يأتي المجيد بوصفه ... وقد جاءت الآيات وصفًا له حقَّا /307 ب/ فلو أنَّه شاء افتخار أبلوغ ما ... حوى الشُّهب والأفلاك أدركه خرقا فقل إن تقل ما يستحيل لغيره ... من المكرمات الغرِّ لن تعدم الصِّدقا إذا ما احتبى يومًا لكسب محامد ... كفى النَّاس برّاً طبَّق الغرب والشَّرقا وإن هو لم يحبس سحائب كفِّه ... رأيت الورى من فيض أنعمها غرقى غدا ذخر بدر الدَّين ذي الرُّتبة الَّتي ... تسنَّم أعلى رتبة أنجما ترقى فتى جلَّ عن وصف ومدح جميلة ... وسدَّ على من يرتجى غيره طرقا نؤلمِّله طوراً لكشف ملمَّة ... تنوب وطوراً نستدرُّ به الرِّزقا وإن يك أمضى العزم يوم كريهة ... رأيت الموالي الصَّيد تنظره زرقا فترهب في الحرب العوان رعوده ... إذا هزَّ فجراً أو إذا ركب البرقا سعيد إذا ما دَّبر الملك رأيه ... لطيف إذا ساهلته طيِّب الملقى

مليك الورى فافخر بحلَّتك الَّتي ... بها أنهج الله النَّواحي والأفقا فإنَّك فتَّ سبقا إلى العلا ... وأكرم بمن فات الورى للعلا سبقا فأنت يمين للإمام إذا سطا ... لك الله من مستنصريٍّ علا الخلقا فأولادكم ملكًا تأسَّس ركنه ... وأوضح في ثغر المعادي لكن فتقا فدم ما حدا حاد إليك وما شدت ... على فنن قمريَّة ودعت ورقا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . /308 أ/ فقدت عزائي واصطباري لفقده ... فآهًا لمسلوب العزاء فقيده فلو أنَّني كنت استطعت فديته ... بروحي ومالي والورى وجدوده وقال: [من الوافر] وذي قلب حديد ليس يقوى ... على هجرانه القلب الجليد وقام بكًأسه فظللت ساه ... ولا أدرى لأنهم ورودي اللخمر الَّتي في الكأس أو ماً ... بفيه أو لخمر في الخدود وله في الشيب: [من المتقارب] وطارق شيب أتى تالداً ... فجار على الأسود التَّالد فنغَّض عيشي تلافيهما ... إلى أن رثى رحمةً حاسدي ولمَّا شكوت الَّذي حلًّ بي ... من الشَّاكيين إلى عائدي فلام وعنَّفني ثم قال ... وفي قوله الحقُّ للنَّاقد أتشكو وأنت الَّذي قد جمعـ ..... ــــــــت ضرائر في منزل واحد وقال: [من مجزوء الكامل] لا تعجبنَّ لساقط ... إن نازل منزلة رفيعة أعلى الكواكب منزلاً ... زحل ورتبته وضيعه /308 ب/ وقال: [من الطويل]

صبرت ومن يرزق حميد اصطباره ... على حادثات الدَّهر فهو سعيد تصبَّر فإنَّ الصَّبر يعقب راحة ... وليس الَّذي ترجوه منه بعيد وله في الشيب: [من الخفيف] لم يشب مفرقي لطول زمان العمر لكن لصرف دهر عنيد شيَّبتي الخظوب فاعجب لأن صار بياضًا إثر الخطوب السُّود وقوله: [من الطويل] بكيت .. اببضاضًا رأيته ... بفودي ومن أهوى سوادا بخدِّه ومن عجب والدَّهر يبدي عجائبًا ... من الشَّيء أبكيه وأبكى لضدَّه وله يصف نهراً: [من الطويل] ونهر كظهر السَّيف إن ولعت به ... يد الرِّيح أضحى ذلك العضب مبردا وإن قابلته الشَّمس عند غروبها .... أرتك لجين الماء ألبس عسجدا وروض إذا ما صوَّحت زهراته ... كساها انسكاب المزن وشيًا مجدَّدا ويودع درُّ الغيث في عنبر الثَّرى ... فيظهره فصل الرَّبيع زبر جدا وقوله في العذار: [من الطويل] /309 أ/ وقبَّلت خداً للحيب مورَّداً ... بنفسي أفدي منه خدّاً موردّا فمن حرِّ أنفاسي علا فوق خدِّه ... دخان فخالوه عذاراً مزرَّدا وله يمدح الكرم: [من الطويل] وقى حاتم الطَّائيَّ جود يمينه ... دخول حجيم كان أوجبها الكفر فقل للَّذي يلحى على الجود أهله ... ألم يك في هذا لفاعله عذر وله فيمن اسمه إبراهيم: [من السريع] خوفته سكناه قلبي لما .... أودعته من حراف كار فقال إبراهيم إسمي وهل ... يحفل إبراهيم بالنَّار وقوله: [من الخفيف] قل لمن قد أصاب حبَّة قلبي ... إذ رماه بسهم لحظ مريض

قد أخذت الفؤاد منِّي صحيحًا ... ثمَّ صيَّرته كبيت العروض وقال: [من الخفيف] عاتبتني على بياض دموعي ... بعتاب أصمَّ منه سمعي قلت لا تعتبي فليس سلوّاً ... ذاك منِّي ولا تغيَّر طبعي ما تنقَّلت عن هواك ولكن ... طول عمر البكاء سيَّب دمعي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . [من الخفيف] /309 ب/ [لا] نهي من وقي الما [ل] بالعرض عن الجود والفه غير راضي واحرس العرض ما استطعت بجود .... إنَّما الجود حارس الأعراض وله في الخمر: [من الخفيف] قلت لمَّا بدت كشعلة نار ... من دنان سود كليل بهيم خلَّفت في العيون ناراً وفي الأحشاء نوراً فيالها من نعيم فهي برد على القلوب وفي النَّفس كنار الخليل إبراهيم وله: [من الرمل] وبدا ينكر دمعي إذ جرى ... كسقيط اللُّؤلؤ المهتتن قلت لا تنكر هذا إنَّه ... بعض ما أودعنه في أذني أتمنَّى مذ نأيتم قربكم ... وتمنِّي قربكم تيَّمني وله في المقص: [من الوافر] ومعتنقين من حسد التَّلاقي بيننا كل ما اتَّصلا إليه ولا يسعين إلاَّ في افتراق ... وقطع للَّذي قدرا عليه وله: [من الرمل] إن يرد كفَّا يباريك بها ... في النَّدى لم ير كفًا ذا هبة

/310 أ/ وأنشدني لنفسه وزعم أنه صنعها لبديهة، وقد اقترح عليه هذا المعنى: [من السريع] وأسمر الحاظه كالسِّهام ... تصمي فؤاد الحائر المستهام إذا تبدَّى قال كلُّ الورى ... سبحان من صوَّر هذا الغلام يظلم إن قيل سنى وجهه ... كالصُّبح والطُّرَّة مثل الظَّلام وإن تثنى غصنه خجل الأغصان حقًّا لين ذاك القوام منعَّم الرِّدف لقد أردف الجسم سقامًا وفؤادي غرام وأنشدني لنفسه يمدح مولانا الملك الرحيم بدر الدين عضد الإسلام غرس أمير المؤمنين –أدام الله أيامه-: [من الطويل] ارفَّق بصبٍّ ما يقُّر عن الهجر ... أسير هوى ما أن له عنك من صبر كئيب أصابته الصَّببابة والجوى ... يقلِّبه فرط الغرام على جمر يبيت على فرش الضَّنى مذ هجرته ... ويذري مصون الدَّمع فيك وما يدري بلوت عظيمات الأمور فلم أجد ... أمرَّ وأدهى في الفؤاد من الهجر ثنى الدَّنف المغرى به عن سلوِّه ... تثنِّيه عن غصن حوى أحسن الزَّهر /310 ب/ به نرجس غضٌّ وفيه بنفسج ... وورد جني والأقاحي من الثَّغر جفا فدموعي ما تفيض كأنَّها ... مواهب بدر الدِّين ي النًّائل الغمر هو المرتجى في سورة الدَّهر والَّذي ... مناقبه جلَّت عن العدِّ والحصر هو الواهب المطلوب والماجد الَّذي ... علا قدره فوق السِّماكين والنَّسر وما هو إلاَّ كالزَّمان تطيعه ... وتتبعه الأقدار في النَّهي والأمر هزبر إذا لا قى الكماة لدى الوغى ... تسلَّت مواضي البيض منه مع السُّمر إذا ما احتبى في كلِّ ناد لسؤدد ... فكن موقنًا من فيض كفَّيه باليسر تجود بما تحوي يداه وإنَّه ... ليتبعه باللُّطف منه وبالبشر فلولاه ما قضيَّيت ليلي ساهراً ... تسامرني الجوزاء للنَّظم والنَّثر وما الأبحر السَّبع الغزار إذا طمت ... بأغزر فيضًا من أنامله العشر وأنشدني لنفسه: [من الوافر] ألا ليت المعاطف في عواطف ... وليت قوامه الألفى آلف

ويا ليت الحبيب درى نحولي ... فيرحم مدنقًا وجداً يحالف يطيعني الغرام وعنه صبري ... عصيٌّ لم يزل أبداً يخالف [595] القاسم بن محمد بن سراج /311 أ/ بن أبي عبد الله بن سعد بن منصور الحلبيُّ من إنشاء حلب وأبنائها، وسروات أهلهما وكبرائه قدراً وحزمة وجاهًا ونعمة. وكان في بدء أمره، واقتبال شبابه يعاني التجارة والسفر إلى الديار المصرية، ثم إلى البلاد الرُّومية، ولا يتعدّى في سفره أكثر من ذلك. وكان من مهامه في الأسفار والتنقل قد حصل انموذجًا جيداً من الأدب، وكتب خطًا حسنًا. ورأى جماعة من الشعراء والفضلاء، واستظهر من أقوالهم وروى عنهم، وخالطهم في تلك المدّة، وإتباع كثيراً من الكتب الأدبيات والشعريات، ولهج بمطالعتها، وشغف بتحصيلها والاقتباس من فوائدها حتى صار على خاطره صدر صالح من بدائع الأشعار، ورائق الملح والحكايات. ونظم الفائق من الشعر وضمنه المعاني النادرة. ثم ترك السفر له بأخرة حانوتًا في سوق البنّ يتَّجر فيه، وهو على سيرة جميلة في بيعه وشرئاه وأخذه وعطائه مع الناس ذو كلام مقبول، وقول مسموع، واحترام وافر. وجمعني وإياه مجلس الوزير مؤيد الدين أبي نصر إبراهيم بن يوسف الفقطي بمحروسة حلب عدة مرار، وتأكدَّت /311 ب/ بيننا معرفة وكيدة، فوجدته من أكمل الرجال نباهة قدر، وسعة نفس وصدر، وغزارة مروءة وسماحة بنان. وطيب عشرة، وحسن صحبة. يتعصب لمن يرد عليه تعصبًا زائداً، وينفعه بجاهه وماله، ويجتهد في قضاء حوائجه، ويتوصل إلى أغراضه بكّ طريق. وهو نعم الرجل عقلاً وسكونا وخيراً وصلاحًا فالله تعالى أن يبلغه أمانيه ويرزقه سعادة الدنيا والآخرة بمحمد وآله أجمعين، أنه جواد كريم. أخبرني أنه ولد في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وخمسمائة، ومما أنشدني

لنفسه، حرس الله اقباله وأدم عزّه وجلاله بمحروسة [حلب] في سنة سبع وثلاثين وستمائة، في غلام اسمه بدران: [من البسيط] داعي الهوى بالهوى يا صاح ناداني ... ومطرب الحيِّ بالمحبوب غنَّاني وساقي الشَّوق عاطاني على ظمأ ... كأسًا فأسكرني من قبل أسقاني تبًا له ساقيًا في السُّكر طاوعني ... بالوصل منه وعند الصَّحو عاطاني كم شفَّني وشفاني في هواه وكم ... أماتني حبُّه طوراً وأحياني ما يعذب القرب إلاَّ بالبعاد ولا ... يلتذُّ بالوصل إلاَّ بعد هجران /312 أ/ وربَّ خلو من الخلاَّن قلت له ... إذ جاء يعذلني جهلاً ويلحاني في القلب شيطان ذكر لا يفارقني إلاّ بعوذة وصل من سليمان ليس إبن داود ما أعني به لكم ... وإنَّما هو سليمان بن زيدان وأنشدني لنفسه أسعده الله تعالى: [من الطويل] أيا زائراً يختال من غير ما وعد ... حبيب كبدر في قضيب من الرَّند فعانقت من أعطافه خوط بانة .... وقبلت من وجناته يانع الورد وأنشدت بيتًا قاله متعزِّل ... وعلمي أن لا عنده منه ما عندي: "خليليَّ هل أبصر تما وسمعتما ... بأكرم من مولًى يمشِّي إلى عبد" وله: [من الوافر] دليل قام في نحس الوزير ... حقيقًا إنَّه بعض الحمير يسوم إلى الخيانة كلَّ عدل ... عزيز الدِّين من بيت كبير ويعتقد الأمانة عند لصٍّ ... وقوَّاد وعشَّار حقيًر لذلك قيل منجذب إليه ... حنين الكلب للكلب العقور [596] أبو القاسم بن أبي حامد /312 ب/ بن عليٍّ البعقوبيُّ الخريميُّ. هو من بعقوبا قرية كبيرة بنواحي بغداد على عشرة فراسخ منهما. ورد بغداد وسكنها إلى أن مات بها سنة إحدى وستمائة. وكان شاعراً، فاضلاً،

حسن الشعر رقيقه، جيّد الألفاظ والمعاني. أنشدني أبو القاسم بن أبي الفرج بن أبي منصور البعقوبي المغربي، قال: أنشدني أبو القاسم بن أبي حامد الخريمي لنفسه: [من الطويل] إذا ما خلا طفُّ الجنينة منكم ... فلا أخضرَّ واديها ولا فاح طيبهما ولا جادها قطر السمَّاء ولا اكتسى ... من الورق الصَّافي العميم سكيبهما ولا حركت ريح الصَّبا شجراتها ... ولا ناح في أغصانها عندليبها وكنَّا نراها أطيب الأرض منزلا ... فبان بعيني مذ نأيتم عيوبها وصحَّ لنا قول الَّذي قال قبلنا: ... (هوى كلِّ نفس حيث حلَّ حبيبها) [597] أبو القاسم بن محمد بن فتيان الموصليُّ. كان بعد الستمائة كما أخبرت، يقول في غلام محموم: [من البسيط] قالوا: به حرُّ حمَّى أعقبت ألمًا ... فبات منها سليم القلب مكتئبا /313 أ/ فقلت: نفسي الفدا ممَّا يحاذره ... لأنَّني كنت فيما ناله سببا قبَّلت فاه وأنفاسي بها شرر ... تزداد من زفرات في الحشا لهبا ثمَّ اعتنقنا فأعداه على عجل ... حرُّ الجوى من ضلوعي فاشتكى الوصبا حاشاك يا محرضي ممَّا تحاذره ... فقم بنا اليوم نقضي في الهوى أربا [598] أبو القاسم بن أبي جعفر بن عطية، الوزير الكاتب. حدثني شيخ الشيوخ بن حمويه، قال: أبو القاسم هذا كان كاتبًا للشيخ أبي محمد عبد الواحد بن عمر. وكان أحد أشياخ الموحدين. وأركان دولتهم. رأيته بمراكش وهو يتولى أكثر أموره، وإليه الترسل والإنشاء في كتاب رقاعه ودرجه، وولاية نفقات دخله وخرجه، وهو المستولي على أمره والمستودع لسرِّه، وله كتابة حسنة، ورسائل وجيزة وأشعار يسيرة. وكان من ذوي المروءات والهيئات، ومن المسارعين إلى إغاثة الملهوف، وقضاء الحاجات.

وكان والده أبو جعفر وزير آل عبد المؤمن نهض بأعباء الدولة في مباديها، وأحكم قواعدها ومبانيها، وله الكتب البليغة /313 ب/ في الجمع والتأليف والاجتماع للدولة المستقبلية، والإدحاض للدولة الماضية، والمبالغات في الترغيب والترهيب، والاقتدار التام في حسن التدبير وعلى التبعيد والتقريب. وأما ولده هذا فهو متوسط في فنه موافق طبقة سنه، بيني وبينه بمراكش مجاورة ومزاورة ومحاورة؛ ثم قال: وأنشدني يومًا لنفسه وقد جرت مقارضة في إختيار العزلة والخمول وإيثار الانزواء، فقال: [من المتقارب] تنازعني النَّفس أعلى الأمور ... وليس من العجز لا أنشط ولكن بمقدار قرب المكان ... يكون سلامة من يسقط تم الجزء الخامس من قلائد الجمان والحمد لله أوّلاً وآخراً ويتلوه في الجزء الذي يليه ذكر مفاريد الأسماء في حرف القاف إن شاء الله تعالى

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

بسم الله الرحمن الرحيم /ب 1/ [تتمة حرف القاف] ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف [599] قيصر بن عثمان بن يوسف الشاعر، أبو يوسف الواسطيّ المعروف بابن السوداء. وهي أمه لا يعرف إلا بها. وخبرت أنه كان شاعرًا دمثًا فصيحًا، جهوريّ الصوت، بدينّا عبل الجسم، أسود اللون شديده، مشربًا بصفرة؛ حسن المعرفة باللغة وأشعار العرب وأيامها، وتعلق بطرف قوي من الأدب؛ وكان يرجع إلي أريحية، ولطافة عشرة. وكان يفد إلي مدينة السلام يمدح أمراءها، وأعيان سادتها؛ وتوفي بواسط سنة إحدى عشرة وستمائة كما بلغني. أنشدني أبو الفضائل جعفر بن أحمد الخسر سابوري الواسطي؛ قال: أنشدني قيصر بن السوداء لنفسه من جملة أبيات، يرثي بها العميد محمود بن أحمد بن أمسينا، وكان ناظرّا بواسط: [من الطويل] أيا آمن الدنيا تهيّأ لغدرها ... ذر الأمن واعمل فالأمان غرور إذا أفرحت غمّت وإن هي أقبلت ... تلقّاك من ريب الزمان نذير وأنشدني له وهو من شعره المشهور، ويغنّى به في البلدان: [من الطويل]

متي نسمت ريح الصّبا سحرًا صبا ... مشوق بتذكار الآحبّة عذّبا حمته الظّبى دهرًا فلّما تحمّلت ... لحاظ الظّبا ذلّت لهيبته الظّبى فأضحى رهينًا قلبه وفؤلده ... أسير هوى في حبّ ساكنة الخبا أعاذلتي لا تكثري العذل وأقللي ... فقلبي متى كلّفته سلوةّ أبى وكيف أصطبار القلب عمّن يحبّه ... ويسلو وينسى حاش لله زينبا ومنها: سقى الله بالزوراء مغنّي لفاطم ... من الغيث هطّال يجود علي الرّبى أما ولييلات العقيق وما حوت ... لنا بالحمى والنازلين على قبا .... النهر المعلّى وجنّة المعلى وما اسلفت في زمن الصّبا لئن قرّب الله النوى وتدانت ال ... دّيار وأضحى الربع بالحبّ معشبا ] وله [: ] من البسط [ قف وأبك وادي الحمى من دمعك السرب ... وخل عنك زمان اللهو والطّرب يا عام إن سرّ سكّان القباب لقد ... تحجّبوا بالقنا الخطيّة السلب من كلّ بكر خلوب قدّها رشق ... بيضاء يخجل نور الشمس عن كثب أشاقني ذكرها الزّوراء آه علي ال ... زّوراء لم اقض من لذّتها أربي أفنيت كنز اصطبار كنتّ أدخره ... وشبت طفلا ولولا الشوق لم أشب أما ونهر المعلّى والذين سرت ... بهم حداة النوى يومًا ولم تؤب لولا أياد لعزّ الدين تنقذني ... من النوائب لم أسلم من النوب قليج بن هرون بن مودود بن عليّ بن عبد الملك بن شعيب التكريتي. كان أبوه صاحب تكريت وأميرها، وولده هذا أقام بالموصل برهة من الزمان.

مختلفا إلي الإمام أبي حفص عمر بن أحمد النحوي العسفني الضرير؛ يقرأ عليه أدبًا ونحوًا ولغة. وكان ينشدني كثيرًا من أشعاره؛ وشخص إلي الديار المصرية، ولم أقيد عنه شيئّا منه. ونفق سوق شعره بمصر، وتداوله الناس، وسار بينهم، وغنى به المغنون. أنشدني لنفسه يصف البهار: ] من الطويل [ بهار ًا حكى كأسًا من التّبر مائلًا ... جوانبه في وسط راحة كاعب أقامت أصابيعًا بنقش كأنّه ... زبرجد حول الكأس من كلّجانب وأنشدت له قصيدة خمرية: ] من المتقارب [ تجلّت فأمست لها الكأس طورا ... ولاحت فانست نارا ونورا فلو حاول الطّرف إدراكها ... لعاد بها خاسئًا أو حسيرًا هنيئًا لشرّابها عاينوا ... لجينا وتبرا ودرًّا نشيرا أتتهم صحاف لجين حوت ... نضار مذابّا وفاحت عبيرا وحلّو أساور من عسجد ... غداة سقاهم شرابّا طهورا إذا زرت حانتهم في الدّجى ... وعاينت منها صباحا منيرا فثمّ لعمري إذا ما رأيت ... } رأيت نعيمًا وملكًا كبيرا { إذا رشقتك سهام الهموم ... ولم تر عونًا عليها نصيرا فلذ واعتصم بحمى كأسها ... تجده علي كلّ همّ قديرا تمّسك بها وتمسّك به ... فإنك تلقي المنى والحبورا غزالة كأس تصيد الأسود ... توافيك أنسا وتبدي نفورا إذا أطلقت من قيود الدّنان ... غدا كلّ عقل لديها أسيرا نصبنا شباك لئاليها ... فصاح الحبابّ: النفير النّفيرا

حباب إذا ما طفا بالمزاج ... رأيت المماتّ له والنّشورا يصوغ لها المزج درّ ... شباكا فيمنعها أن تطيرا تصيد البدور شموس الكؤوس ... دجى فتصيد الشموس البدورا تفوق النسيم وتبري السليم ... وتشفي السقيم وتجلي الصدورا شموس الكؤوس عروس النفوس ... تسوس النفوس تحل ّالعسيرا فطف حول كعبتها إنها ... تميت الهموم وتحيي السّرورا وقل للذي لام في شربها: ... رويدك قد جئت ظلما وزورا فإن كان ذنبي عظيماّ بها ... ففي عفو رّبي أراه حقيرا شفيعي النبيّ وآل النبي ... ليوم غدا شرّه مستطيرا قيس بن عمرو بن كامل بن هبة بن عليّ بن عمرو بن الحسن بن كامل الأنصاري العربيلي الدمشقيّ. وعربيل قرية شرقي دمشق علي بابها. يكنى أبا سعيد مولده سنة تسع وتسعين وخمسمائة. أنشدني لنفسه يوم الأحد سابع عشر ذي القعدة بحلب سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ ما كتبه إلي الملك المغيث فتح الدين أبي حفص عمر بن عبد الملك الفائز إبراهيم بن أبي بكر بن أيوب: ] من الطويل [ إليك أفتح الدين منك شكايتي ... وما ضرّني أن قد شكوت إلي حر أيجمل بالجود الذي أحسب الورى ... فسارت به الرّكبان في البرّ والبحر بأن يغتدي حظي إليك مؤخّرًا .. فتهضم من حقي وتخفض من قّدري ولي مقول أمضى من السيف صادق ... جرئ له التحكيم في النظم والنّثر لك الخير مهما كان منك فإنّه ... علي الرأس محمول علي العسر واليسر

وأنشدني لنفسه يصف قينة، من قصيدة: ] من الطويل [ ولست أبالي بعد ليلتنا التي ... تقضّت أجلّ الخطب من بعد أم دقّا وقد أقبلت تشدو على مثل منسر ال ... عقاب بصوت كالنسيم إذا رقّا إذا أوحت الأطيار تلحين معبد ... إليه حكى للشّرب ضيعته حقّا أضلّ الورى ترجيعه لخواره ... كأنّ إهاب العجل أضحى لها رقّا وأنشدني لنفسه في المعظم صاحب دمشق: ] من الطويل [ غدا الأعور الدّجال يعقوب سالما ... وأردى خلاف النصّ صاحبه عيسى وما زال ينمي ما له ثمّ جاهه ... بسحر إلي أن مزّقته عصا موسى وقال أيضا: ] من السريع [ دعاني المقلّ إلي الجهل ... فرمت فتح العقل بالقفل فلم أصن وجهي عن باخل ... كأنما صفحته نعلي تبّت يدا قيس وسحقًا له ... حيث ترجّي النّقع من نذل يا ويحه هلاّ ثني عزمه ... ما عمّه من نائل الفضل هو الجواد بن الأعزّ الذي ... يشفع حسن القول بالفعل بذّ الورى جودًا وبأسًا كما ... قد بذّ أهل العلم بالعقل فكم يد أسدى إلي قاصد ... من غير ما منّ ولا مطل لا زال يحيي دوح إنعامه ... نفوس قتلي الدهر بالبذل

حرف الكاف

/أ 5/ حرف الكاف [ذكر من اسمه كامل] [602] كامل الحلويّ من أهل الحلة السيفية. خبّرت أنه كان حيًا يرزق بعد العشرين والستمائة؛ صار إلي من قبله هذه الأبيات الغزلية فأثبتّها: [من البسيط] حسب المعنى بما في القلب يخفيه ... من حرّ نار الجوى والدمع بيديه فالوجد يقلقه والنار تحرقه ... والبعد يمرضه والشوق يضنيه رماه ريم أغنّ أخور غنج ... مقرطق ذو دلال تاه بالتّيه الليل طرّته والصبح غرّته ... والغصن قامته سبحان باريه سهامه جفنه والقوس حاجبه ... واللحظ مرهفه والأنف خطّيه والورد وجنته حسنا لعاشقه ... سبحان رازقه سبحان منشيه يا عاذل الصّبّ رفقا بالمحبّ فما ... في القلب من ألم التّبريح يكفيه لو ذقت طعم الهوى ما كنت تعدلني ... ولمت من زاد ظلما في تجنّيه فطول ليلي لا أنفكّ من ألم ... في القلب يورث من آه ومن إيه [603] كامل بن أبي عديّ بن طاهر بن أبي المجد بن أبي الفضل بن إسماعيل العطار الحموىّ الضرير، أبو التّمام المعروف بابن العريض الكلاعيّ الحميريّ. من أهل حماة من بلاد الشام. كان شاعرًا مكثرًا مداحًا، طلق اللسان؛ ينتجع بشعره الملوك والأمراء. شاهدته بحلب المحروسة في جامعها، يوم الجمعة سابع عشر صفر سنة خمس وثلاثين

وستمائة؛ شيخًا نقي الشيبة ربعة من الرجال، وسألته عن مولده؛ فقال ولدت بحماة في سنة أربع وستين وخمسمائة. وامتدح الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي_ رضي الله عنه_ ومن بعده الملوك الأيوبية. وزعم أنه ينتسب إلي ذي الكلاع أسميفع بن ناحور الحميري_ صاحب اليمن_؛ ثم رحل إلي حماة. أنشدني لنفسه في التاريخ المقدم ذكره، وبلغني وفاته في شهر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة: ] من المتقارب [ تذّكر نجدًا وكثبانها ... وإن كان لم ينس أوطانها وطيب ليال تقضّت بها ... إذا ما الصّبا رنّحت بانها تبدّلت الوحش بعد الأنيس ... وبعد الدّمي الغيد غزلانها فسحّت سحاب دم مقلة ... جفت لذّة الغمض أجفانها وكانت بها كل ميّاسة ال ... قوام تجرجر أردانها قتول مطول متى واعدت ... وصالا تواليه ليّانها يزين محاسنها حليها ... إذا حلي غانية زانها فما بالها هجرت وصلها ... وقد واصلت فيّ هجرانها فإن يك خيّرها كاشح ... بسلوة مثلي فقد كانها أألزم نفسي لها سلوة ... وهل تغلب النّفس شيطانها وأنشدني كامل لنفسه يمدح رجلًا يكنى ابا سالم، وجعل كنيته أول الأبيات: ] من الكامل [ أتظنني لقديم عهدك ناسي .. لا واعتدال قوامك الميّاس بي منك داء جلّ عن تحديده ... وصف وقصّر عنه كل قياس والله لو عاينتني لرثيت لي ... من عظم وجد في هواك أقاسي سقمي لسقم جفونك المرضي التي ... ملئت بسحر قاتل ونعاس

ألقاك كي أسلو فأبلس من هوى ... وصبابة بك أيمّا إبلاس لولاك لم أذق الغرام ولم أكن ... لكؤوس صدّك في المحبّة حاسي مالي أكابد منك لوعات الهوى ... وأذوب من ولهي ومن وسواسي جرحت لحاظي من لحاظك أسهم ... ما إن لها غير التّواصل آسي يا قاتلي بصدوده عمدًا ألم ... تكن الشّكاية منك قلبًا قاسي وأنشدتي أيضا من شعره في التأريخ: [من الكامل] أأذوب فيك صبابة وأسى ... وسواي يرشف ذلّك اللّعسا يا من يعير الظّبي لفتته ... ويعير غصن البانة الميسا رفقًا بصبّ ذائب كمدًا ... لم يبقي فيه جوى الهوى نفسا ألبسته بالصّدّ ثوب ضنى ... ما كان مثلك قبله لبسا وغرست غصن هوى بمهجته ... فنما وأثمر عندما غرسا علّل عساك تبلّ غلّته ... بلعلّ إن علّلته وعسى لا تتلونّ أخيرا آي سبًا ... دون الوصال له ولا عبسا والله لو ساعدته لسرى ... لم يخش حجّابًا ولا حرسا جد بالرّقاد لمدنف خلست ... عيناك عنه الغمض فاختلسا وغدا خيالك نصب ناظره ... لم ينأ عنه صبحه ومسا من لي بمن أدنو فيبعدني ... عنه وإن لاينته عنسا وأنشدني لنفسه في التأريخ: [من المتقارب] وظبي من الإنس وافي النّفور ... ألنت عريكته بالمزاح وملّيته بحديث المحال ... إليّ فأمكن بعد الجماح وواصل بعد وصال الصّدود ... وقال اقترح قلت أنت اقتراحي فبتّ وريحانتي صدغه ... وخدّاه وردي والرّيق راحي أجاذبه قبلًا دائبًا ... إلي أن سمعت منادي الصّباح

فقام وقد نلت منه الذي ... أؤمّله غير فعل السّفاح وما كان ذلك من عفّة ... ولكنّني كنت ندّ السلاح وأنشدني لنفسه في غلام أصفر: [من المنسرح] لا تحسبو أنّ لون صفرته ... لمّا تبدّي لأجل علّته وإنما خوف نار من قتلت ... مقلته ظاهر بوجنته وقال يمدح الملك المنصور: [من الرمل] علّها بعد الجفا والسخط ترضى ... من لها صيّرت صحن الخدّ أرضا غادة لولا هواها لم اكن ... بعد عزّي راغما بالذّل أرضى إن يكن قد هجرت من بعد ما ... وصلت واستبدلت بالحبّ بغضا قد سلبت القلب مني فاتركي ... بعض ما ابقيته يتبع بعضا أيرجّى أن يداوى مرض ... من جفون حشوهنّ السّحر مرضى هب يعيد لي أيامًا مضت ... وليال طيبها عنّي تقضّى كان قرضا صفو عيشي بكم ... وأري الأيّام لا تمهل قرضا قل لمن يفلي الفيافي دائبًا ... للمهارى القود بالإساد أنضا زر حمى أرض حماة مادحًا ... ملكًا حثّ على الفضل وحضّا وانزلن مغناة تحظى بالغنى ... وارفضن قصد ملوك الأرض رفضا فهناك البأس تلقى والنّدى ... والعلا محروزةً والمجد محضا ملك مدح سواه سنّة ... وعلينا مدحه أصبح فرضا خير من يمّمته في أزمة ... إن نبا دهرًا أو خصمك كضّا طاهر العنصر منهلّ النّدى ... لم يعوّد كفّه المبسوط قبضا صائن بالبذل عرضا وافرًا ... لا لمن يبذل دون العرض وفرا فلكم أرضى البرايا ظاهرًا ... مثل ما لله في الخلوة أرضى أيّها المنصور يا من كفّه ... لم تزل راحضة الأعدام رحضا وغدا الساحل يعنو صاغرًا ... لك لمّا جئته بالخيل ركضا

لم يروموا الصّلح إلا بعدما ... شاهدو نقدك حدّ السيف نضّأ ملئت بالصّلح منهم أعين ... وقلوب رعتها أمنا وغمضا وحميت الشام لمّا شمتها ... عزمات من سيوف الهند أمضى وقال وألغز في هذه الأبيات أبا سالم: ] من الطويل [ أمثلي من يصغي إلى زجر زاجرا ... ويسمع هجرًا في حبيب مهاجر وأهيف معسول الشمائل أغيد ... أغنّ غرير فاتن الطّرف غادر سلا كلّ صبّ عن هواه ولم يكن ... ليخطر لي عنه السّلوّ بخاطر أهيم بذكراه جوى وصبابة ... إذا ما تناسى إلفه كلّ ذاكر لحى الله من يسليه عمّن يحبه ... مقالة لاح أو ملامة زاجر منى الصّبّ زورا من خيال يزوره ... إذا كان من يهواه ليس بزائر /أ 9/

حرف اللام

/ب 9/ حرف اللام ذكر من اسمه اللؤلؤ [604] لؤلؤ بن عبد الله، أبو الفضل الأفضليّ النّوريّ. مولي الملك الأفضل نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن أيوب بن شاذي، ويلقب بدر الدولة. كان رجلًا سخيًا ظاهر المروءة، واسع النفس، ولم يكن أحدّ في زمانه أحسن خطّا منه، ولا أملح كتابة وتراسلًا؛ وفيه أدب وفضائل، وله شعر حسن. وتوفي بسيمساط سنة ثمان عشرة وستمائة ودفن بها على شاطي الفرات. أنشدني أبو الفضل عمر بن علي بن محمد بن يحيي بن هبيرة الشيباني؛ قال: أنشدني الأمير بدر الدولة لؤلؤ بن عبد الله الأفضلي لنفسه: ] من الخفيف [ حسن من أسهر الجفون وناما ... وكسى مهجتي الضّنى والسّقاما حسن بدر إذا تبدّا جبينا ... وقضيب إذا تثنّى قواما وصله يبعث الشّفاء إلى القل ... وهجرانه يبعث الآلاما كلّما أطنب العوازل فيه ... زاذ إطنابهم غرامي غراما وأنشدني أبو عبد] الله [محمد بن غرّة البيري المري_ بحلب المحروسة_ قال: أنشدني بدر الدولة لنفسه، هذه الأبيات وأمر أن يكتب فيها: ] من مجزوء الرجز [ دار ببستان على ... شطّ فرات سلسل كأنّها من حسنها ... عروس خدر تنجلي

أو جنّة قد زخرفت ... أكرم بها من منزل عمرتها من نعمة المو ... لى المليك الأفضل السيد السلطان نور ال .. دّين ذي الجود علي لؤلؤ بن عبد الله، أبو سعيد الروميّ الصيّاد. كان أصله فرنجيًا، وكانت حرفته صيد السمك، وشكله شكل المغاربة، وكان مولى لابن منقذ الإسكندراني التاجر وعتيقه. اشتغل بطرف من علم العربية، وأخذ منه قدرًا يسيرًا لتصحيح طبعه في النظم؛ وكانت له اليد الطولي في صنعة الموشحات، وإنشاء الشعر، وصنع مقامات؛ وربما امتدح بشعره وارتزق، وله طبع يعينه على الإنشاء لا غير وندب إلي أن يكون من قواد البحر فامتنع. أنشدني أبو المظفر منصور بن سلمبن منصور الإسكندري، بمدينة السلام في سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني لؤلؤ بن عبد الله لنفسه وهي أبيات خالية من النقط: ] من المجتث [ إطلع طلوع هلالك ... واصعد سماء كمالك ولح كما لاح سعد ... على العلاء لحالك وحلّ وسط محلّ ... مداه مهل طوالك كلّ المكارم سعد ... لواله الصّدر هالك دعاه مطلك دهرًا ... وما دعا لمطالك وهل وصالك إلاّ ... أهل لأهل وصالك كما صدودك مر ... محرّم بحلالك

حرف الميم

/أ 11/ حرف الميم ذكر من اسمه المبارك [606] المبارك بن محمد بن هبة الله بن الضحاك، أبو النصر البغداديّ. من بيت معروف بالكتابة؛ وتولي الأعمال الديوانية، وكان من أعيان أهل بيته دينًا وفضلًا، ومعرفةً وأدبًا، شهد عند قاضي القضاة محمد بن جعفر البغدادي في شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة. ورتّب ناظرًا بديوان .... ، ثم رتّب أستاذ الدار العزيزة في شهر ربيع الأول سنة ست وستمائة؛ ولم يزل علي ذلك إلي أن توفي ليلة الجمعة خامس عشر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة_ رحمه الله_ وصلّي عليه بجامع القصر، وحضر جماعة أرباب الدولة، وغيرهم، فصلّوا عليه؛ وحمل إلي مشهد موسي بن جعفر_ عليهما السلام_ فدفن في تربة له هناك. أنشدت له بمدينة السلام، هذه الأبيات، حكي لي أنه كتبها علي بعض سطوح الحمام المعد للمهام، ونقل الأخبار: ] من الكامل [ يا حجرة بنيت بأيمن طائر ... شيدت مبانيها بأحسن منظر حفّت بأطيار كأنّ حفيفها ... ريح الشّمال تضمّخت بالعنبر وضعت لأصناف سوابق لم تكن ... لا لأبن داود ولا الإسكندر الله شادك نزهة المستبصر ... ببقاء مولى خلقه المستنصر مولى زكت أعراقه وجدوده ... في الأطيبين وفي المحلّ الأطهر فغمامه من رحمة وعراصه ... من جنّة ويمينه من كوثر وأنشدت له في المعني: ] من مجزوء الكامل [ برج سما بحمامه ... ] شرفًا [علي الأبراج طرًا

وحمامه سبق الرّيا ... ح وفاتها برًا وبحرا المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر سعيد بن أبي السعادات؛ أبو بكر بن أبي طالب الواسطيّ النحويّ الضرير الدهان. قرأ القرآن الكريم بواسط، علي مشايخها، ودرس الأدب بها أيضًا علي أبي سعيد نصر بن محمد بن مسلم المؤدب وغيره. قدم بغداد مع أبيه في حداثته، وأدرك الشيخ أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب النحوي البغدادي، فأخذ عنه، ولازم أبا البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري، وقرأ عليه كثيرًا، وتلمذ له؛ فهو أشهر شيوخه، وسمع منه تصانيفه، وسمع الحديث من طاهر بن محمد المقداسي. وتولي تدريس علم النحو والأدب بالمدرسة النظامية سنين، فتخرج عليه خلق كثير، وكان قليل الحظ من التلامذة؛ يتخرجون عليه ولا ينتسبون إليه. وكان شيخًا كيسًا يحفظ الحكايات الظريفة، والنوادر اللطيفة، مليح المعاشرة، مطبوع المحاضرة، وكان يحسن] التكلم [بكل لغة؛ من الفارسية، والتركية، والحبشية، والرومية، والأرمنية، والزنجية؛ فكان إذا قرأ عليه عجمي واستغلق عليه المعني بالعربية فهّمه إياه بالعجمية علي لسانه.

وكان حسن التعليم، جيد التفهيم، قوي النفس، طويل الروح، كثير الأحتمال، شاعرًا. وكانت ولادته بواسط سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وتوفي ببغداد ليلة الأحد سادس عشر شعبان سنة اثنتي عشرة وستمائة_ رحمه الله تعالى_. أنشدني أبو محمد أحمد بن جفر بن الحسن البغدادي الكتبي؛ قال: أنشدني أبو بكر الواسطي لنفسه: ] من البسيط [ ما مرّ يوم ولا شهر ولا عيد ... فاخضرّ فيه لنا من وصلكم عود عودوا تعد بكم الأيام مشرقة ... وإن أبيتم فللأسقام لي عودوا كم ذا التّجنّي وكم هذا الصّدود صلوا ... من حظّه منكم هم وتسهيد لا تسألو كيف حال بعد بعدكم ... فالحال شاهده والسقم مشهود لولا التّعلّل بالآمال متّ أسى ... يفنى الزمان ولا تفى المواعيد ولو شكوت الذي ألقى بحبكم ... إلي الجلاميد رقّت لي الجلاميد يا هذه ما أنام الليل من شغفي ... كأنما حاجبي بالجفن معقود قلّ اصطباري وزاد الوجد بي فأنا ... بك الشقيّ وغيري منك مسعود تلذ في حبك الأسقام لي وأرى ال ... تعذيب عذبًا به والقلب محمود كأنّك المجد في بذل الندى وأنا ... في فرط حبّك فخر الدين مسعود مولى إذا السّحب ضنّت بالحيا فله ... في الخلق بحر عظيم الرّيّ مورود وأنشدني أبو السعد عبد الكريم بن عمر بن عبد الرحيم النيسابوري، قال: أنشدني أبو بكر لنفسه: ] من الرمل [ زارني والليل داج بسحر ... ويلطف اللّفظ للقلب سحر رام يستخفي من الواشي به ... فاتى ليلًا وهل يخفى القمر جسمه ماء ولكن قلبه ... عند شكواي إليه من حجر

وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: ] من الكامل [ والله لو قطّعتني إربا ... وأعدت ثمّ أعدت فعلك بي وسئلت عنك لقلت أرأف بي ... من كل أم برّة وأب وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: ] من الخفيف [ عذّب القلب ثمّ روّح جسمي ... موهما أنّه يريد صلاحي لو أراد الصّلاح روّح روحي ... فبقاء الأجساد بالأرواح وأنشدني يعقوب بن نصر بن يعقوب البغدادي؛ قال: أنشدني أبو بكر لنفسه: ] من الخفيف [ أرفع الصوت إن مررت بدار ... انت فيها وما إليك سبيل فأحيّي من ليس عنده بأهل ... أن يحيّا لتسمعي ما أقول وأنشدني أبو السعادات أحمد بن محمد النحويّ الواسطي؛ قال: أنشدني أبو بكر لنفسه؛ ولهذين البيتين قصة: ] من الطويل [ لمن تنظم الأشعار فالناس كلّهم ... سواسية إلا أمرأ أنا جاهله ولو علموا أنّ اللهي تفتح اللها ... دروا أنّ ذا الفتح بن خاقان قائله وقال أيضا من مطلع قصيدة: ] من الكامل [ يامن أقام قيامتي بقوامه .. وأطال تعذيبي بطول مطاله أمط اللّئام من العذار يقم به ... عند العذول عليك عذر الواله وأرفق بباك في هواك معذّب ... بجفاك ما خطر السّلوّ بباله طبع الحبيب علي الملال وليته ... يوما يميل إلي ملال ملاله

لو كنت تسمع ما أقول وقوله .. لعجبت من ذلّي له ودلاله شدّ الرّحال فخلذ عقد تصبّري ... لما سرت أجماله بجماله وقال أيضا: ] من الكامل [ خلّ الخليقة والوزير ولذ بمن ... أمر الخليفة والوزير إليه وإذا أردت صلاح شأنك فاعتمد ... في كلّ أمر ترتجيه عليه وسأله بعض حظايا الوزير عضد الدين ابن رئيس الرؤساء؛ أن يعمل أبياتًا يكتبها علي قميص أصفر، فعمل ونقشها علي القميص، فرآه الوزير، فنال منه بذلك السبب خيرًا كثيرًا، وهذه الأبيات: ] من البسيط [ أنظر إلى لابسي أنظر إليّ وكن ... من مثل ما حلّ بي منه على خطر هذا اصفراري يراه الناظرون وما ... في القلب من حبّه يخفي عن البصر أمرت في خلعه بالليل لي كمدًا ... لدي انتظاري وصال منه في البحر أقول عجبًا إذا مارام يلبسني ... ما كنت أطمع أن أعلو علي القمر وله يقتضي وعدًا، وأنشدنيه الشيخ أبو عبد الله: ] من الخفيف [ لست أستقبح أقتضاءك بالوع ... د وإن كنت سيّد الكرماء فإله السماء قد ضمن الرّز ... ق عليه ونقتضي بالدعاء وقال أيضا، وأنشدنيه عنه الشيخ أبو عبد الله: ] من الكامل [ والله ما حبّ النّبيّ وآله ... من كان يوما للصّحابة مبغضا أقسمت لو ملك يناقص واحدًا ... منه لكان الله عنه معرضا وقال في عماه، وأنشدنيه عنه أبو عبد الله: ] من السريع [ قد سرّني دهري وما ساءني ... بفقد عينيّ بلي أنعما أذهله سمعي لأخبارهم ... يجعل قلبي بالأسي مفعما لو كنت ذا عين وأبصرتهم ... لكان أشهي ما إليه العمى

وقال أيضًا وأنشدنيه عنه أيضًا: ] من المنسرح [ تمثّلو مادرًا وما سمعوا ال ... بتّ في زماننا شبها فالآن لو قيس كان من ذهب ... وكان من يستنجده شبها وقال يذم الخمر: ] من السريع [ لا خير في الخمر فمن شأنها ... إفقادا العقل ونقد الحنون أو أن تري الأقبح مستحسنا ... وتظهر السّرّ الخفيّ المصون وقال أيضا، وأنشدنيه الشيخ أبو عبد الله: ] من الطويل [ ولو وقعت في لجّة البحر فطرة ... من المزن يوما ثمّ شاء لمازها ولو ملك الدنيا فأضحي ملوكها ... عبيدًا له في الشرق والغرب مازها وقال أيضا: ] من الكامل [ لا تعزل الفرس التي عثرت ... بك أميس قبل سماعك العذرا قالت مقالًا لو علمت به ... لم تولها هجرًا ولا هجرا لما رأى الأملاك أنّ على ... سرجي فتي أوفي الورى قدرا رفعت يدي حتى تقبّلها ... شعفًا به فوهت يدي الأخرى وقال أيضا، وأنشدني الشيخ أبو عبد الله عنه: ] من الطويل [ أطلت ملامحي في اجتنابي لمعشر ... طعام لئام جودهم غير مرتجي ترى بابهم_ لا بارك الله فيهم_ ... على طالب المعروف إن جاء مرتجا حموا ما لهم، والدّين والعرض منهم ... مباح فما يخشون من هجر من هجا إذا رع الأجواد في الجود منهجًا ... لهم شرعوا في البخل تسعين منهجا

[608] المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، أبو السعادان ابن أبي الكرم لكاتب الجزريّ، المعروف بابن الاثير. كانت ولادته بالجزيرة العمرية، في إحدى الجماديين ستة أربع وأربعين وخمسمائة؛ ونشأ بها، وقدم الموصل سنة خمسة وستين وخمسمائة. وتفقه على مذهب الأمام الشافعي_رضي الله عنه_ وقرأ علم العربية والنحو على

أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان النحوي البغدادي، وسمع الحديث بأخرة. وتولي الخزانة لسيف الدين غازي بن مودود بن زنكي، ثم ولاء ديوان الجزيرة وأعمالها، ثم عاد إلي الموصل، فناب في الديوان عن الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن الوزير جمال الدين أبي جعفر محمد بن علي بن أبي منصور الاصفهاني؛ ثم اتصل بمجاهد الدين قايماز أيضًا، فنال عنده درجة رفيعة، فلما قبض علي مجاهد الدين، اتصل بخدمة أتابك عز الدين مسعود بن مودود إلي أن توفي؛ فتعلق بخدمة ولده أتابك نور الدين أبي الحارث أرسلان شاه. وصار واحد دولته حقيقة، بحيث إنّ السلطان نور الدين كان يقصد منزله في مهام نفسه، ولا يرد ولا يصدر إلًا عن رأيه ويشاوره في الأمور وكتب له الإنشاء. وكان أقعد في آخر أيامه، وعجز عن الحركة، واشتدّ به المرض، فكان النهوض يصعب عليه؛ فلم يزل كذلك إلي أن توفي ضاحي نهار يوم الخميس سلخ ذي الحجة سنة ست وستمائة بالموصل، ودفن بداره التي وقفها علي الصرفية، وجعلا رباطًا داخل المدينة. وكان له اليد الباسطة في الترسل وكتابة الإنشاء، وكان حاسبًا كاتبًا ذكيًا فاضلًا عالمًا في عدّة علوم، مشاركًا فيها؛ كالفقه، والأصولين، والحديث والقرآن، والعربية واللغة، وصحة الحديث وسقمه، ومشايخه؛ وصنف في كل ذلك تصانيف مفيدة نافعة، هي مشهورة بالموصل، مرغوب فيها. وكان ذا عقل تام، ورأي سديد، وخبرة بأمر الدول، ينتاب الناس منزله لسماع مصنفاته، والاستضاءة برأيه، والاستعانة بجهده، ومن مصنفاته: كتاب "النهاية في شرح غريب الحديث"، أجاد تصنيفه، وكتاب "جامع الأصول في أحاديث

الرسول صل اله عليه وسلم_" وهو كتاب حسن الترتيب، وكتاب "الأنصاف في الكشف والكشاف"، وهو تفسير القرآن الكريم؛ جمعه من كتاب "الكشف والبيان" لأبي إسحاق الثعلبي، وكتاب "الكشاف" لأبي القاسم الزمخشري. وكتاب "الشافي"، وهو شرح مسند الإمام الشافعي- رضي اله عنه_ وكتاب "البديع في علم الأعراب"، وهو شرح الأصول لأبي محمد بن الدهان_ وكتاب "الفروق في الأبنية"، وكتاب "المرصع في الاذواء والذوات والآباء والآمهات" وكتاب "الأدعية"، وكتاب "المختار في مناقب الأخيار"، وكتاب "منال الطالب في شرح الغرائب"_ وهي الأحاديث المطولات وجمع رسائل الوزير جلال الدين أبي الحسن كتابًا وسماه: "الجواهر واللآل من إنشاء المولى الجلال"، ورسائل مدونة في مجلدتين، عني بجمعها أبو محمد إسماعيل بن علي الكاتب الحظيري وترجمها ب: "الدر المنشور" التي كتبها إلي الأطراف، وأشعار. أنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي؛ قال: قرأت على أبي السعادات من ديوان رسائله هذه الأبيات، كتبها إلي بعض الأكابر، جواب رقعة كتبها إليه نظمًا ونثرًا؛ فأجابه على القافية وذكر أنه عمل ذلك بديهًا: ] من الطويل [ أتاني على قرب المزار صحيفة ... تضوّع من أثنائها المندل الرّطب حوت من بديع النّطق درًّا وحكمة ... ببعضها يستنزل الجامع الصّعب أرقّ من السّلسال لفظا كأنما ... جرت في نواحيها برقراقها السحب وأعلق بالأذهان معنّي كأنما ... تكوّن من مكنون جوهرها القلب فأرسلت في تلك الرياض نواظرًا ... ببهجتها إنسائها مغرم صبّ وردّدت مع تلك المعاني خواطرًا ... إلي غير أبكار المعارف ما تصبوا أتت بالأيادي الغرّ برًّا فقلّدت ... بها مننًا من دون إحسانها الشّهب ووافت بها من غير وعد تفضّلا ... كذاك الجناب الخصب والمورد العذب ألا أيّها الصدر الذي اتّفقت على ... فضائله في عصر العجم والعرب سبقت إلى الإحسان فعل ذوي العلا ... وآتاك من أنواعه الفرض والنّدب

وقصّرت عن إدراك شأوك عاجزًا ... متي يلحق الواني وقد أعنق الرّكب فأبديت فضلًا ليس يدرك كهنه ... غروب لساني عن تضاعيفه ينبو وغاية وسعي وهو أوسع غاية ... ثنا ضاق عن إمداده الأفق الرّحب ثناء كنشر الرّوض مرّت به الصّبًا ... سحيرًا وقد جادته عرّاصة سكب وأخبرني الأمام أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري إجازة؛ قال: أنشدني أخي لنفسه، ما كتبه إلي صديق في صدر كتاب: ] من الطويل [ وإني لمهد عن عن حنين مبرح ... إليك على الأقصي من الدار والأدنى سلاما كنشر الروض باكره الحيا ... وهبت عليه نسمة السحر الأعلى فجاء بمسكي الهوى متحلّيا ... ببعض سجايا ذلك المجلس الأسمى وقال أيضا: ] من الطويل [ عليك سلام فاح من نشر طيبه ... نسيم تولّى بثّه الرّند والبان وجاز على أطلال ميّ عشّية ... وجاد عليه مغدق الوبل هتّان فحمّلته شوقًا حوته ضمائري ... تميد له أعلام رضوي ولبنان وقال في أتابك نور الدين وقد كبت البغلة به: ] من السريع [ إن زلّت البغلة من تحته ... فإنّ في زلّتها عذرا حمّلها من حلمه شاهقًا ... ومن ندى راحته بحرا وقال أيضا: ] من السريع [ ما نظرت مقلتي إلي أحد ... إلا وكنت الذي تحاذيها ولا اكتست بالرّقاد آونة ... إلا وكنت الذي يناجيها وقال أيضا: ] من المتقارب [ وما نظرت مقلتي مذ ظعنت ... إلا وشاهدك الناظر ولا هجعت قطّ إلاّ رأتك ... كأنك في جفنها حاضر

ومن شعر أبي السعادات: ] من الطويل [ ولمّا أتاني والديار بعيدة .. كتاب بأنفاس الوداد تضوعا أرقّ من السّلسال لطفا كأنّما ... تألّف من روح الصّبا وتجمّعا شفى غلّة الصادي وسكّن لوعة ... تكاد لها الأكباد أن تتصدّعا تنافس فيه ناظر وأنامل ... وأخفين عمّا فيه لبّا ومسمعا فقبّلته ألفا وألفا كرامة ... ولم أرض إجلالًا له الرأس موضعا ونلت من الأيام ما كنت راجيًا ... وقلت لدهري كيف ما شئت فاصنعا المبارك بن أحمد بن المبارك بن موهوب بن غنيمة ين غالب، أبو البركات بن أبي الفتح المستوفي الإربلي اللخميّ. الوزير الصاحب، الكافي العالم، الأديب الحافظ الكاتب النحوي اللغوي،

الشاعر المصنّف، واصف در المنظوم وزبرجده، وصائغ لجين المنثور وعسجده، ذو القريحة المتوقد لهبها، والفكرة الخالص من الغش ذهبها، تسمو علي مناط النجوم همته، وتلوي شبا المرهفات عزمته، المستضاء بنور رأيه في دياجي الخطوب، المنبيء بألمعيته عما في فنون الغيوب، الخالص في ولاء العترة النبوية، المذعن بمحبة السادة العلوية، شمس أربل وبدرها، وعالمها البارع وصدرها، وفخر أماثلها، وجمال أفاضلها، من لم تر الدنيا له نظيرًا، ولا سمعت بمثله جليلًا ولا خطيرًا، بقية الأكارم الأجواد، وأحد الأعيان الأمجاد، الأريحي المفاضل، ولي الإنعام والإفضال، ذو الفضل الكامل، والجود الشامل، والمحاسن الوافرة، والمفاخر المتكاثرة، والعقل الرصين، والدين المتين، المهذب الأخلاق، الطيب الأعراق، الرفيع الشأن، الموصوف بكل لسان، طراز مصره، المشار إليه في عصره، أكرمهم طباعًا، وأطولهم في المكرمات باعًا، ربعه مقصد الوافدين، وحنابه كعبة القاصدين، فهو من إسداء المعروف وسعة الإنفاق، ما سارت به الأمثال في أقطار الآفاق؛ فلو أنّ الكرم تاج لكان درّته، أو كان المجد محيا لكان غرّته، فقد ألبسه الله من المكارم جلبابًا ضافيًا، وأحيا به ربع الفضل بعد أن كان طامسًا عافيًا؛ فإنه منذ أكمل العشر من السنين، أستظهر القرآن المبين، وأغري بنظم القريض، حتي صار له فيه الباع العريض. ثم سمع الكثير من الأحاديث النبوية، وقرأ العلوم الأدبية، وجالس العلماء، وحاضر الفهماء، وأفضل عليهم، وأحسن إليهم، وأحرز علوم الآداب وأفانينها، وأحكم أصول الفضائل وأتقن قوانينها، وصار وصار أوحد زمانه، مبرزًا علي نظرائه وأقرانه. ثم إنه أعلم هذا الزمان، بعلمي المعاني والبيان، ومعرفة الأشعار النادرة، والأمثال السائرة، والرسائل والتبحر في فنون الفضائل، والاطلاع علي التواريخ، وسير المتقدمين، وعلم التصرف ومما يتعلق بفنّ المساحة والاشغال الديوانية، ما فاق به كل بليغ في بيانه، وعالم في فنّه وإتقانه، ولما ملك العسكر المستنصري، مدينة غربل عنوة، واستقرّ بها وذلك بعد وفاة مالكها مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين؛ وتولي إمارتها الأمير أبو المكارم باتكينبن عبد الله المستنصري، ندب الصاحب أبا البركات إلي خدمته وعرض عليه الوزارة وأن يكون نائبه في الأشغال الديوانية، وحكّمه في الأمر والنهي، وألقي إليه مقاليد الأمور

واعتمد عليه وقرّر له جاريًا سنيًا، يصل إليه في رأس كل شهر؛ فاستعفي من ذلك وامتنع امتناعًا شديدًا، واحتج بانه شيخ كبير عاجز عن العمل، فأعفاه عن الولاية، فكان يستدعيه إلي مجلسه، ويسأله عن أشياء من العلم، ويحاضره ويجالسه، ويقبل عليه، ويكرمه، ويجد به أنسًا، ولم يزل في منزله ملازمًا مطالعة الكتب والنسخ والتأليف؛ إلي أن هجوم التتار الملاعين علي إربل، وقصدوها، وتغلبوا عليها، واستكملوا الربض، وقتلوا كلّ من وجدوه به من المقيمين، فالتجأ إلي قلعتها وذلك في شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة. فاجتهدوا في انتزاع القلعة. وأخذها فلم يستطيعوا، فقاتلوهم أشدّ قتال، وانتصروا عليهم. ثم إنهم لما رأوا أنهم لم يقدروا علي أهلها، ولّوا مدبرين عنها، بعد أن قتلوا أهلها قتلًا وسبيًا، وساقوا الأموال والأقمشة، وخرّبوا أسواقها، وأحرقوا دورها؛ فحين تحقق من بالقلعة أنه قد غادر التتار الملاعين_ خذلهم الله تعالى_ انتهزوا الفرصة وتأهبوا إلى أن توجهوا إلى الموصل؛ فأرتحل أبو البركات في جملة من كان متوجها. فسمع به بعض أمراء الموصل يقال له لؤلؤ بن عبد الله البدري؛ فانتدب إليه جمالًا وأبغالًا، تحمل متاعه الذي كان تخلف معه، فدخل الموصل؛ فاستقبله الأمير المذكور بالإكرام الوافر، والتبجيل والحرمة التامة، وأنزله في دار هيئت له برسمه، ونزل بها ورتبّ له جاريًا، ومال إليه بكليته، ولم يكن يصبر عنه. وقصد رؤساء الموصل زيارته واستبشروا بقدومه، وكل كان يتمني لقاءه كل ذلك؛ فحين استقرّ بها مقامه، وشكر الله تعالى علي ما أنعم عليه بالخلاص، وأنقذه من الهلاك وأيدي الكفرة المشركين الملاعين، وصرف عنه المحذور، وطابت نفسه، جاءه أمر مقدور لم يكن في حسابه؛ بدل فرحه ترحًا، وسروره حزنًا، قبض الأمير لؤلؤ بن عبد الله البدري. فعند ذلك تضاعفت آلامه، وكثر تأسفه، واستولي عليه الهم، واشتد فكره، وعيل صبره، على مفارقته، وصار في أنكد عيش وأمره فلم يبرح ذا هموم زائدة، وغموم متوافرة؛ إلي أن ناداه الحي القيوم، وفاجأه الأجل المحتوم، وأصابته عين الكمال، واخترمته ريب المنون، ولم ينفعه يومئذ لا مال ولا بنون.

فيا لله! أي نجم للفضائل هوى، وغصن للمكارم ذوى، فلقد انهدم ركن السماحة وقل شبا الفصاحة، وميّلت اليراع أسفًا عليه قدودها، ولطمت الدوى كآبة عليه خدودها، وبكت عيون الآداب وشقت جيوبها، فسقي الله صفيحه منهمر الشابيب، وألبسه من رضوانه أفخر الجلابيب، وأحسن منقلبه ومثواه، ونقع جدثه وروّاه، وحشر مع أحبابه الميامين الغرر؛ فلقد مضي محمود الخلائق، مشكور الطرائق، جميل العواقب، جمّ المناقب، قد أخذ حزنه من كلّ قلب بسهم، وأيتم فقده كل ذي أدب وفهم، وعاد روض الفضل ذاويًا، ورسم الجود دارسًا خاويًا. فلقد مضي لي معه أوقات مذهبات، كانت للأتراح مذهبات؛ أدرنا فيها كؤوس المذاكرة، وفتقنا نوافج المحاورة، وجاذبنا أهداب المناقشة، وجلنا في ميادينها خيل المحادثة، وتذاكرنا غررًا من أصناف الفوائد، ما لو كنّ حليًا كانت في نحور الحسان الخرائد، فواأسفي علي ذلك الزمن النضر، الذي كان بقربه فرصة العمر، والعيش الأنيق، والوقت الرفيق! فكأنه كان خطّ ماشق، أو استراق نظرة من عاشق. وقد صنّف_ رحمه الله_ تصانيف جليلة، يتعذر وجود مثلها لم يسبق إليها منها: كتاب تاريخ إربل، سماه "نباهة البلد الكامل ومن ورد عليه من الأماثل". يتضمن أسماء من وقع إليه ممن ورد إربل، وولاتها من الملوك والأمراء والزهاد والعلماء والشعراء والكتاب. "الأمثال والأضداد في سرقات الشعراء"؛ يتضمن صدره ضروب السرقات المحمودة والمذمومة وأسماءها، وهو مبوب أبوابًا في فنون الشعر، وكتاب في "صناعة البديع"، وكتاب نبّه فيه علي مواضع من كتاب "الأنيس والجليس"؛ وهو ما أغفله المعافي بن زكريا الدريري النهرواني فيه، وكتاب "حاجة الكاتب والشاعر"، فيه ضرورة الشعر وشيء من علم العروض والقوافي، وكتاب "الممتنع المؤنس" ذكر فيه من صدر دولة بني العباس من مشهوري الشعراء إلي زمانه،

ابتدأ منهم بشار بن جرّا، إلي أستاذه أبس عبيد الله البحراني، وكتاب "إثبات المحصل من نسبة أبيات المفصل"؛ يذكر قائل الأبيات المستشهد بها، وبيان معانيها، وتفسير غريبها، ثم تكلم علي نحوها، وشرح قصصها وأمثالها، ونبّه علي أسماء قائليها وأنسابهم، وأورد فيه جملًا من كلام النحويين، فجاء الكتاب كأجود شئ صنف، وكتاب "سر الصنعة" وهو مجلد لطيف، صنفه للوزير ولي الدين أبي الثناء محمود بن فارس الحرّاني، وزير الملك المعظم مظفر الدين بإربل، ضمّنه ذكر من أسدي صنيعة، أو فعل مكرمة من الأجواد والأسخياء، وكتاب " موجات الصّبوة، وعزائم السلوة" يتضمن نبذًا من أمور العشق وأسبابه وأصنافه، وأشعارًا في الصبابة، وما يجري مجراها؛ وهو مرتّب علي ترتيب كتاب "الزهرة" لأبي بكر محمد بن داود بن خلف الأصفهاني، وكتاب: "تاريخ معرفة الدول"، وكتاب: "شرح شعر أبي الطيب المتنبي"، وكتاب: "شرح شعر أبي تمام الطائي"، وكتاب: "الخليل" وهو ما استدركه علي كتاب أبي محمد الحسن بن أحمد بن محمد الغندجاني الأعرابي المعروف بالأسود، وكتاب: "جامع الأوراق" تتضمن أشعارًا وحكايات وأخبارًا وأمثالًا وفوائد. وكتاب: "قناعة الناظر وكفاية المحاضر" فيه من ملمح الأشعار ومختارها وهو مرتب أبوابًا. وكتاب: "مشارق الأنوار ومطالع العذار" إلي غير ذلك من المؤلفات، والرسائل والأشعار. وهو مع ذلك من أحضر الناس يقينًا، وأوفرهم حلمًا ودينًا، محافظ علي عمل الخير والصلاح، مواظب علي الصلوات، وطاعة الله، كثير الصوم، دائم الذكر لله

حسن الظن به، مفوض أمره إليه، شائع الصدقات والإيثار، يحب أهل العلم، ويكثر مجالستهم، ويتواضع لهم ويأبى الرئاسة، يصنع ذلك تقربًا لوجه الله تعالى. وردت محروسة إربل في أوائل المحرم سنة خمس وعشرين وستمائة، فقصدت منزله المعمور لأشاهده، فابتهجت برؤيته، وأنست بمحاورته، فألفيته ظاهر البشر والكياسة، صادق الظن والفراسة؛ شريف النفس كريمها، واسع المروءة عظيمها، متحليًا بالأخلاق الزكية، مرتديًا بالخلال المرضية، يرغب في ادخار المجد وابتنائه، واكتساب الحمد واقتنائه، يشوب جده في الخلوات بهزل ألذ من الغناء، وأسرع في العروق من جري الصّهباء. ثم شاهدت من أفضاله وفضله، وسعة صدره، وغزارة عقله وإحسانه إلى الأنام، ما حبب إلي السكنى بها والمقام، فعند ذلك استوطنت كنفه الرحب، ووردت منهل برّه العذب، فصحبته ستة أعوام في أرغد عيش وأهنأه، وأطيب زمان وأسناه، وأوفى سرور وأكمله، وأتم نعيم وأجمله. وكم أخذنا في الأناشيد، وتجاذبنا طرفها، وتذاكرنا فنون الملح، وبدائع أصنافها. وكان جده الرئيس أبو البركات المبارك بن موهوب_ قدس الله روحه وبرد صفيحه_ من الموصل من أبناء رؤسائها، ومن ذرية النعمان بن المنذر بن ماء السماء_ ملوك الحيرة_ وأنتقل إلى إربل هو وأولاده في أيام الأمير أبي الهيجاء الحسين بن الحسن بن موسى بن جلوية الكردي الهذباني_ صاحبها_ فتولى له الاستيفاء في ديوانه، وهم أهل بيت معروف بالجلالة والرئاسة والأصالة لا رجل واحد منهم، هو وأبوه وجده وجد أبيه وعمّه وإخوانه؛ كل يعرف بالمستوفي. والصاحب أبو البركات واسطة عقد البيت، به كملت سيادتهم، وإليه انتهت رياستهم، وزين عترته، وعز أسرته، خدم السلطان الملك المعظم مظفر الدين أبا سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين_ رضي الله عنه_ في ديواني الوقوف والاستيفاء؛ كتب له الإنشاء أربعين سنه، لم يتناول على ذلك اجرًا ولا جراية، كما استمرت عادة المتصرفين في الولايات؛ على انه يسلم ويرجو السلامه منه والخلاص، فلم يتهيأ له ذلك.

ثم إنه عتقله في السجن وقيّده بقيد ثقيل، وأخذ منه سبعة آلاف دينار مصادرة؛ استدان بعضها، والباقي أستاصله من مغل أملاكه البساتين و ...... المعروفة، التي كانت بمدينة إربل، وإلاّ فما أحرز درهمًا ولا دينارًا، ولم يلتمس من أحد رشوة، شرف نفس ونزاهة. ولما قبض الملك المعظم وزيره أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن الوالي الموصلي، ورأى نصيحة الصاحب بن أبي البركات_ أيده الله تعالى_ له وكفايته بالأمور السلطانية، ونهوضه بأدوات المملكة، فوّض إليه أمر وزارته، واستقل في منصب الوزارة، وهو كاره لذلك غير مجيب إلى ما دعي إليه، وذلك في المحرم سنة تسع وعشرين وستمائة، فاستبشر الناس يمن طلعته، وقضيت حوائجهم وأشغالهم، وحسنت أحوالهم في الديوان. ولما توفي الملك المعظم_ رضي الله عنه_ وجاءت الدولة المستنصرية، ثبتها الله وأيدها، وتولى الأمير باتكين بن عبد الله، ندبه لوزارته على ما ذكرناه، ولم يزل ناصحًا للمسلمين، مشفقًا على الفقراء والمساكين، ناظرًا في أمور الرعية والأجناد، عادلًا في سيرته ؤتوفي_ رحمه الله_. وسأجلو عليك طرفًا من عرائس أبكاره، لتجني غرائس أفكاره، من منظومة البديع، ما يزري حسنًا على زهر الربيع، ويزري بجواهر العقود ولآلئها، ويفوق النجوم في إشراقها وتلألؤها، حاكه طبعه الشريف، وصقله ذهنه اللطيف، فجاء مدّبجًا، محبّرًا، مفوّقًا، منوّرًا. فمن ذلك ما أنشدني لنفسه_ رحمة الله تعالى_ يمدح الملك المعظم مظفر الدين_ رضي الله عنه_ لما وصت إريل، وذلك سنة ست وثمانين وخمسمائة: ] من الطويل [ رأى دار ليلى بين أكثبة الحمى ... فعاجله داعي الهوى أن يسلّما وظنّ به الواشون صبرًا عن الهوى ... وكان الذي ظنّوه غيبا مرجّما تباريح شوق لا تزال تعوده ... فتذكره ذاك الهوى المتقدّما

/ب 24/يعيّرني الواشي بليلي ولو رأي ... بعينيّ ليلي بات ولهان مغرما أأترك ليلي وهي أحسن منظرًا ... وأملح أعطافًا وأعذب مبسما لك الله من قلب يهيم صبابة ... وعين إذا كفكفتها قطرت دما وطارق شوق يعتريني ولوعة ... غدا الناس منها عاذرين ولوّما وليلة وافاني خيالك زائرًا ... يخوض الدّجى حتي أتاني مسلّما فما زلت حتي الفجر أوسده يدًا ... وأعطفه قدًّا وألثمه فما يوهّمنيك الشوق حتي كأنني ... أراك فما ألقاك إلّا توهّما ضلال العذال عليك فإنّهم ... يريدون أن أسلو هواك المكتّما ويلتمسون الصبر مني بعدما ... تمكّن من قلبي الهوي وتحكّما ومن مديحها: سريع مضاء العزم والرّأي مجمع ... علي الأمر يأتيه وإن كان معظما جرئ يعيد اليوم أبيض أسودًا ... إذا ما أعاد النّقع أغبر أفقما وإن أمكنته من عقابك قدرة ... عفا عنك لا ضعفًا ولكن تكرما نهوض بأعباء المحامد كلّها ... قضي مغرمًا منها تحمًل مغرما تجنّب عواديه إذا كان ساخطًا ... وراقب أياديه إذا كان منعما مخايل منها يوجد البأس والنّدي ... إذا ما غدا غضبان أو مبتسّما ومنها: ليهن الرعايا أن وليست عليهم ... نهوضًا بأثقال الملمّات قيّما طلعت عليهم أبلج الوجه مشرقًا ... تضيء إذا ما حادث الدّهر أظلما ولو لم يخافوا وقع بأسك فيهم ... لخفت علي أهوائهم أن تقسّما لك الله من ماضي العزيمه ماجد ... يري الجود كسبًا والسماحه مغنما ثبتّ لجيش الكفر تدمي نحورهم ... ببيض ظباها تقطر الموت والدّما رددت منار الدين أبيض واضحًا ... وقد كان لولا أنت أغبر مظلما شددت قوي الإسلام لمّا تواهنت ... وشيّدت من ركنيه لمّا تهدّما تداركته بالبأس تراب صدعه ... وتحميه لمّا صار نهبًا مقسّما فإن تكن أرضيّت النبيّ محمدًا ... بفعلك ما أسخطت عيسي بن مريما

جزيت علي الإسلام خيرًا فإنّه ... متي بتّ تحميه فلن ينهضّما وأنشدني لنفسه, يمدح أهل البيت_ عليهم السلام _]: من الخفيف [ ما علي الرّكب لو أناخوا المطايا ... قبل أن يزمعوا بليل مضيّا وإذا ما تحمّلوا بعض شوقي ... ثوّروها اللبين تهوي هوبا أيها السائق المجدّ أنخها ... أينقا ضمّرًا تخال قسّيا هذه وقفة الوادع فبالل ... هـ ترفّق وأسعد أخاك الشّقيّا إنّ في تلكم الخدور غزالًا ... خنثًا عزّني عزي هواه أبيا أشتهي وصلبه وأرضي تجنّي ... هـ فأهواه طيّعًا وعصيا خانني موثقي وكان وفيًّا ... وجفاني وكان برًّا حفيّا أيها الغائب الذي حلّ في قل ... بي على نأيه "مكانا قصيّا" إن يكن دار في ضميري سلو ... عنك أو بتّ من هواك خليّا فاتّخذت الإسلام هزاءًا وعادي ... يت إمامّا علىي الغري رضيا صاحب المعجزات حيّا وميتًا ... وأخا الدين تاليًا وبديا ذا القضايا لو رمت عدّ معاني ... ها لأمسي عنها لساني عييّا ربّ عمياء فاجأته قولّا ... ها لسانًا غضبًا وسمعًا كفيّا ودعاها مستنبطًا سرّها الغا ... مض مستخرجًا عماها الخفيّا كيف يجفون حبّ من أنزل الل ... هـ كتابًا بفضله عربيّا كان برًا علي الوليد شفيقًا ... وهزبرًا على العدّو جريّا بدّلوا الدّين بعد موتك أقوا ... م أضاعوه فأبتدا جاهليّا وتداعوا إليه من كل أوب ... يتحامون حكمه المرضيّا

إن ذاك العهد الذي أكدوه ... صار نسيًا بينهم منسيا ووصايا الله التي أبلغوها ... نبذوها وراءهم ظهريا إنّ أعداءكم كثيرون لا أع ... لم من منهم أشد عتيّا غير أني أظن أنّ أبن هند ... هو أولى بالنار منهم صليّا شرع الغدر أولًا وأتى أم ... رًا فظيعًا وجاء شيئًا فريّا وعد الله أن يذوق خبالًا ... إنه كان وعده مأتيّا وسيصليه في غد حرّ نار ... ويذر الظالمين فيها جثيّا وأنشدني لنفسه أيضًا: ] من الكامل [ في كلّ يوم فرقة ووداع ... وبكلّ أرض حنّة ونزاع ما هذه يا قلب أولّ صبوة ... ألقتك في أهوالها الأطماع صار الفراق وجوره لك عادة ... فمتي دفعت إليه لا ترتاع روحي فداء مشيّعين دعاهم ... داعي الفراق فأسرعوا وأطاعوا آنستهم فاستوحشوا وألفتهم ... فتجنبوا وحفظتهم فأضاعوا وبعثت أنفاسي على آثارهم ... فتصدّعت من حرّها الأضلاع وأنشدني أيضًا من شعره: ] من الطويل [ هل الحب إلاّ أن يقال كئيب ... أو الشوق إلا زفرة ونحيب وإني ليشجوني الحمام إذا شدا ... فأطرب والصّبّ المشوق طروب وأكتم ما بي منكم فيذيعه ... جوى بفؤادي باطن وشحوب

ومنها: ] من الطويل [ وإني ليدعوني السّلوّ فأنثني ... أبيّا ويدعوني الهوى فأجيب ويحزنني أني خليّ من الهوى ... عليك وعار من هواك سليب وأرتاب اشفاقًا عليك ولم يكن ... مظنّة ريب والشفيق مريب بنفسي حبيب لا يملّ قطيعتي ... علي أنّه ما كان فهو حبيب أتت نوب الأيام بيني وبينه ... وحالت عواد دونه وخطوب وإني لأرجوه علي بعد داره ... وإنّ بعيدا نلته لقريب وأنشدني أيضا لنفسه: ] من الطويل [ متي يغشي طيف المالكيّة مضجعي ... يجدني مغني بالحنين المرجّع شهيًّا لي قلبي مثتابعة الهوى ... متي يدعني داعي الصّبابة أسمع إذا الليل غشّاني ثياب ظلامه ... بدا لك ما تواريه أضلعي حنين ووجد يخذلان تجلّدي ... وشوق وبثّ ينصران توجّعي طربت لخفّاق النسيم كأنني ... سقيت به كأس السّلاف المشعشع سري يملأ الآفاق طيبّا كأنّما ... يحمّل زاكي نشرك المتضوع ثناؤك أشهي من ندى الرّوض غدوةً ... وأعذب من وصل الحبيب الممنّع وكم لك عندي من أيادحميدة ... يقلّ لها قدري ويصغر موضعي إذا ما دعاني نحوك الشوق والهوى ... أجبت بجاري دمعي المتسرّع وما ذاك إلاّ بعض ما تستحقّه ... وكيف يجاري جود كفّيك أدمعي ووالله لو فاضت لبعدك مهجتي ... علي حبّها ما كان ذلك مقنعي أراد مجاريك أتّباعك فأنثني ... إلي زفرة حرّي وقلب مرّوع وخّلفته لا يهتدي فكأنّما ... سددت عليه الأرض من كل مطلع كرمتم بني عبد الكريم ونلتم ... جميل ثناء الذكر في كلّ مجمع إذا غيركم دبّ الضّراء إلي العلا ... فإنّكم منها بمرأى ومسمع وأنشدني قوله: ] من الطويل [ أصخ تستمع منّي غرائب شرّدا ... تكنّفها من حيث تملي المسامع

تزين قوافيها الحسان متونها ... كما زانت البرد الموشي الوشائع قواف إذا سدّدتها نحو مطلب ... فلا الرّمح طعّان ولا السيف قاطع قصرت علي نعماك وجه مطالبي ... كأني قد سدّت عليّ المطالع ولست وإن أغفلت برّي بقائل ... ومضطربي في هذه الأرض واسع ولو كنت في علياء من رأس شاهق ... يضمّك منهث شامخ الطّود فارع أنيطت بك الآمال من كلّ راغب ... ورفّت الي جدوي يديك المطامع وأنشدني لنفسه: ] من السريع [ لمّا أناخوا للنّوى عيسهم ... وقوّضوا عن ساحة الربع أرسلت أنفاسي فما أقلعت ... حتي توالت سحب الدّمع وأنشدني من شعره: ] من الطويل [ وذي ثروة يبغي المحامد والعلا ... وليس بأهل للعلا والمحامد أعنفه عمدا ليحفظ ماله ... وأبذل من مالي طريفي وتالدي وما ذاك إشفاقا عليه وإنّما ... مخافة أن بحوي العلا غير ماجد وأنشدني قوله: ] من الكامل [ يا جيرة نقضوا عهودهم ... خنتم فما أدري بمن أثق أنتم هواي وفيكم تلفي ... كالماء فيه الرّيّ والشّرق إن نمّ بي واش وعرّض بي ... أنّي سلوتكم فلا تثقوا وهبوا الوشاه وغرّهم جلدي ... قالو سلا عنهم فهل صدقوا؟ وأنشدني أيضًا لنفسه: ] من الطويل [ تذكرنيك الريح مرّت عليلة ... علي الرّوض مطلولًا وقد وضح الفجر وما بعدت دار ولا شطّ منزل ... إذا نحن ادنتنا الأماني والذكر وأنشدني قوله أيضًا: ] من الطويل [ رأيتك مبذول المحاسن للورى ... ومرخص غاليها علي من يسومها

وما هي إلاّ مطمعات سوامها ... إذا لم تذد عن ترحها من يسيمها تبعت اليك الشوق حينا فلم تزل ... بلوعته حتي تفرّى أديمها عليك سلام من محبّ عهوده ... مقيم علي مرّ الليالي سليمها وأنشدني لنفسه: ] من الكامل [ يا ليلة حتي الصباح سهرتها ... قابلت فيها بدرها بأخيه سمح الزمان بها فكانت ليلة ... عدب العتاب بها لمجتذبيه أحييتها وأمتها عن حاسد ... ما همّه إلّا الحديث يشيه ومعانقي حلو الشمائل أهيف ... جمعت ملاحة كل شيء فيه يختال معتادلًا فإن ولع الصّبا ... بقوامه متعرّضا يثنيه نشوان تهجم بي عليه صبابتي ... ويردّني ورعي فأستحييه علقت يدي بعذاره وبخدّه ... هذا أقبّله وذا أجنيه لو لم تخالط زفرتي أنفاسه ... كادت تنمّ بنا الي واشيه حسد الصباح الليل لمّا ضمّنا ... غيظا ففرّق بيننا داعيه وأنشدني لنفسه: ] من مجزوء كامل [ يا من تجنّى ظالمًا ... وقسا عليّ فما يلين ما كنت أحسب أنّ مث ... لك في ملاحته يكون إنّي أغار عليك أن ... تجني محاسنك العيون وأنشدني له: ] من الطويل [ ألا ربّ ليل قد أغرت صباحه ... بغرّة ظبي مهجتي في إساره رأي البدرّ مزدادًا بهالته سني ... فقابلها بمثله بعذاره وأنشدني قوله: ] من المنسرح [ يا ظالما كلّما خضعت له ... أقام تيها على تعتّبه لا عجب من قبيح صنعك بي ... ذلك حظّي الذي عرفت به

/أ 29/وأنشدني لنفسه: ] من الطويل [ صلوني مادمتم مقيمين واكتفوا ... بوشك النوى أن تسلموني إلي الهجر كأني أرى ما كنت فيه من الهوى ... إذا بنتم لم يبقي فيه سوى الذّكر وأنشدني له: ] من الطويل [ فديتم قلا تبلي غرامي فينقضي ... ولا يتناهي عنك قلبي فيقصر أأنكر يوما من تجنّيك واحدًا ... وقد مرّ بي من حسن عطفك أشهر وأنشدني من شعره: ] من السريع [ يا قمري لو أحسن الله بي ... أعدت لي ليلة إشراقك إنّك لمّا لم تخف طالبًا ... بما جناه سيف أحداقك أقبلت من تيهك في ملبس ... صبغته من دم عشّاقك وأنشدني لنفسه: ] من مجزوء الوافر [ صحوت من الجنون به ... وملت إلى تجنّبه وأعطيت السّلوّ يدًا ... ودنت بحسن مذهب تخلص بعد شقوته ... فؤادي من معذبه وأيسر ما لقيت من ال ... صّبابة ما سمعت به ومن صحب الزمان ير ... ال ... العجائب قي تقلّبه وأنشدني قوله: ] من الكامل [ ليت الأحبّة حين همّوا بالنّوى ... جعلوا لرابعة التّفرق موعدًا قتزوّد المشتاق منهم نظرة ... ويحق للمشتاق أن يتزوّدا ذمّوا غدا ولو أنّهم علموا بما ... تجني فجاءات النوى حمدوا غدا بانوا فما هبّ النسيم لبينهم ... أرجًا ولا سجع الحمام مغردًا وتغشّت الدنيا الظلام فما بدا ... للناظرين الفجر ألاّ أسودا سأدود قلبي أن يثارب لذّة ... وأردّ جنبي أن يلائم مرقدا

وأغض طرفي أن أرى أحدًا به ... حتي أراكم ملء ناظره غدا وأنشدني أيضًا له: ] من البسيط [ يا ظالمًا خانني لمّا وفبت له ... سلوت عنك وقلبي بعد مرتاح إنّ الذي قادك طوعا إليه هوى ... محاه بعدك إمساه وإصباح رآك فارتاح وكان مشتاقًا إليك وكان ... سلا والشوق يعرض للسّالي فيرتاح هل عائد وأحاديث المني خدع ... لذّات لهو قضيناها وأفراح أيام نرتع في روض الصّبا مرحًا ... تجلي علينا أباريق وأقداح يسعي بها خنث الأعطاف مقتبل ... حلو الكلام خفبف الروح مزّاح كم ليلة بتّ أسقي فضل خمرته ... بثغره وهو للظّلماء فضّاح وقمت والسكر يطويني وينشرني ... وإنّما أسكرتني الكأس لا الرّاح وأنشدني لنفسه: ] من الطويل [ وكيف احتيالي في اللقاء ودونه ال ... قواضب تنضى والأسنّة تشرع وغيران مهما أومض البرق ظنّه ... تكسر جفن بالمواعيد يطمع عجبت لهم يخفون بالليل سيرهم ... وفي كلّ أفق منهم الشمس تطلع ويستكتمون الريح نشر نسيمهم ... ومن طيبهم أنفاسها تتضوّع وأنشدني له أيضًا من قصيدة أولها: ] من الطويل [ وفي لي دمعي يوم بانوا بوعده ... فأجريته حتي غرقت بمدّه ولو لم يخالطه دم غال لونه ... لما مال قصد ساقس العيس ورده أأحبابنا هل ذلك العهد راجع ... بمقتبل غضّ الصّبا مستجدّه زمان قضيناه انتهابًا وكلنا ... يجرّ إلى اللذات فاضل برده أحبّ نسيم الرّوض أنتم حلوله ... إذا فاوحت رايّاكم نشر رنده وألصق أحشائي بحر ترابه ... وإن تلفت روحي غراما ببرده وإنّ علي الماء الذي تردونه ... غزالًا كجلد الماء رقّة جلده

يغار ضياء البدر من حسن وجهه ... ويخجل عطف الحسن من لين قدّه ألمّ بنا وهنا بوهن خياله ... وقد ضلّ ساري الليل عن وجه قصده عجبت له كيف اهتدى وتشابهت ... رباوة أعلى كلّ واد بوهده فقلت له أهلًا وسهلًا بزائر ... سرى يخبط الظلماء منجز وعده وبتّ أقضّي الليل والناس نوّم ... بشكوي تجنّيه وتعديد صدّه إلى أن بدا ضوء الصباح كأنّه ... تبلّج مولانا لطالب رفضه تضيء لراجيه طلاقة وجهه ... إضاءة بدر التمّ ليلة سعده وينبيك عن معروفه حسن بشره ... دليل مضاء السيف حسن فرنده ومن غزلها أيضًا يقول: ولم أنسه لما وقفنا وأحدقت ... عيون أعادينا بنا يوم بعده وإيماضه نحوي بتمريض ناظر ... تبينت من جفنيه صحّة ودّه وأهون شيء ما جنته يد النوى ... إذا ضمن الميثاق لي حفظ عهده وإن كنت لا أدري أرقّة خصره ... أشدّ إنبتاتًا أم وثيقة عقده وأنشدني أيضًا من أخري له: ] من البسيط [ أزوركم فتكاد الأرض تقبض بي ... ضيقا وأرجع من فوري فتّتسع خدعتموني بما أبديتموه من ال ... حسنى وأكبر أسباب الهوى الخدع حتي إذا علقت كفّي بكم ثقة ... أسلمتموني فلا صبر ولا جزع يغرّني جلدي الواهي فأتبعه ... غبًا وينصح لي شوقي فأمتنع ليت الهوى كان لا قطعًا ولا صلة ... قلم يكن فيه يأس ولا طمع وأنشدني أيضًا قوله، وأبدع في المعني: ] من الكامل [ لا تفتتنك سمرة خدّاعة ... ما الحسن إلّا للبياض وجنسه فالرمح يقتل بعضه من غيره ... والسيف يقتل كلّه من نفسه

وأنشدني لنفسه: ] من الخفيف [ كلّ يوم لنا من الدّهر خطب ... يتخطّى الورى ويخطو إلينا ليت نعمى أيّامنا مثل بؤساها ... فيوم لنا ويوم علينا وأنشدني لنفسه: ] من المتقارب [ أراكم فأعرض عنكم ولي ... من الشوق ما بعضه قاتل وما ذاك صبر ولا سلوة ... ولكنّني عاشق عاقل وقوله في العذار وأنشدنيه: ] من الكامل [ كتب العذار علي صحيفة خدّه ... سطرًا كفاه الحسن عن تحسنه بالله يا ألف العذار أقم كذا ... أبدًا ودع للصدغ عطفة نونه وأنشدني له يخاطب الملك المعظم مظفر الدين أبا سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين_ رضي الله عنه_ حين وثب عليه إنسان ليلًا، وأراد قتله وضربه ضربة السكين: ] من الكامل [ يا أيّها الملك الذي سطواته ... من فعلها يتعجّب المريخ آيات جودك محكم تنزيلها ... لا ناسخ فيها ولا منسوخ أشكو أليك وما بليت بمثلها ... شنعاء ذكر حديثها تاريخ هي ليلة فيها ولدت وشاهدي ... فيما ادّعيت القمط والتمريخ وله أيضًا: ] من الكامل [ يا أيها المولى الذي معروفه ... يغني عن السّحب الثّقال رذاذه تجري ينابيع النّدى من كفّه ... دفعًا إذا ما العام غاض إخاده لك صدق رأي كلّما أعملته ... خرق الدّروع السابغات نفاده أيدت بالعزّ المنيع فلم يلذ ... بك محرم إلاّ حماه ملاذه وإذا قذفت معاندًا في ورطة ... أعيا وعزّ على الورى إنقاذه

ورمت به الأقدار في لهواتها ... حتي يكون إلي ذراك معاذه وله: ] من السريع [ يارب كم أوليتني نعمة ... وسيلتي فيها أفتقاري إليك أقعدني عن شكر إحسانها ... أني لا أحصي ثناء عليك وله: ] من الكامل [ يارب أنت الله حلمك صافح ... عن كل جان عذره متعذّر إني وإن كبرت ذنوبي مطمعي ... في حسن عفوك إنّ عفوك أكبر وأنشدني أيضّا لنفسه، يخاطب الأمير شمس الدين أبا الفضائل باتكين بن عبد الله_ وهو يومئذ أمير_: ] من الوافر [ له كفّان كالبحرين ماء ... كذاك كلّ واحدة مزاج فيمني للمني عذب فرات ... ويسري للرّدى ملح أجاج سماح أبي الفضائل لا يجارى ... ويأس أبي الفضائل لا يهاج فيوم نداه للأرض أهتزاز ... ويوم رداه للأرض أرتجاج وقال من المكاره حلف جهل ... تمام خلفه عقل خداج له يوم النّدى وجه جديد ... وفي يوم الوغى قلب زجاج وأنشدني لنفسه_ رحمه الله_: ] من الكامل [ أصبحت مدّعيًا مذاهب مادر ... دينًا ومدّعيًا مناقب حاتم وزعمت أنّك رافضي خالص ... وأراك لا تهوي خروج القائم وله_ رحمه الله_ يرثي إربل: ] من الكامل [ حيّا الحيا وطنا بإربل دارسّا ... أخنت عليه حوادث الأيام أقوت مرابعه وأوحش أنسه ... وخلت مراتعه من اللآرام عني الشتات بأهله فتفرّقوا ... أيدي سبا في غير دار مقام

إن يمس قد لعبت به أيدي البلي ... عافي المعاهد دارس الأعلام فبما قضيت به لبانات الصّبا ... مع فتية شمّ الأنوف كرام تلهو بكل أغنّ مقتبل الصّبا ... يفتر عن عذب اللّما بسام فتن الورى خطّ العذار بخدّه ... ألفا فكيف لو استدار بلام نتناهب الّلذّات في أفنائه ... متنزهين به عن الآثام إن آيات مهجور الحمى فيما غدا ... مأوي العفاة وموثل الأيتام حكم الضلال عليه في دين الهدى .. وأحاط فيه الكفر بالإسلام ولربّ لائمة تظنّ ملامها ... نصحًا وتغري في حديث ملام بكرت تسلّيني فقلت لها أعذري ... فضح السّلو تفجّعي وغرامي ويقول كلّ الأرض دار والورى ... أهل فقلت لها ارجعي بسلام (ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى ... والعيش بعد أولئك الأقوام) وقال أيضًا: ] من البسيط [ شوقي إليك على ما كنت تعهده ... في كلّ يوم له شأن يجدّده إن أومض البرق أذكاه تألقه ... أو أنثني البان أبداه تأوّده يا مستحلّ دمي حاشاك من قلق ... يلقاه فيك معنّى القلب مكمده وكلته بغرام لو رميت به ... وضوى وهى صلده أو لان جلمده ينشو الهوى أبدًا من نظرة عرضت ... وتعمل النفس أفكارًا تولّده فمطمئن له أو جازع حذر ... والشيء صعب على من لا يعوّده وله: ] من البسيط [ يا مشتكي حزني لو لم أذب كمدًا ... ولوعة لم أقل يا مشتكي حزني إنّ الهوى والضّنى مازال برحهما ... حتي تمكّن من قلبي ومن بدني وله: ] من الكامل [ روحي فداء أغنّ مقتبل الصّبا ... عبث السّقام بطرفه وبخصره

قمرًا أعار الرّوض منه محاسنًا ... زادت عليه نضارة في زهره فلبانه الميال عطفة قدّه ... ولنوره المختال رقّة ثغره وله: ] من الطويل [ صلوني ما دمتم مقيمين وأكتفوا ... بوشك النوى أن تسلمو إلي الهجر كأني أرى ما نحن فيه من الهوى ... إذا بنتم لم يبق فيه سوى الذكر وله: ] من الكامل [ ومهفهف تثني معاطفه الصّبا ... ماء النعيم يجول في خدّيه كيف السلامة من لواحظ شادن ... هاروت يملي السّحر من عينيه ولي محاسنه الأنام فأصبحت ... تجبي مودّات القلوب إليه وله: ] من الطويل [ ألا إنّ أشواقي إليكم تهزني ... كما أهتزّ تحت الباذخ الغصن الغضّ إذا أعتادني ذكري لكم وتفجّعي ... لبعدكم كادت تميد بي الأرض وله وقد اقتضى القول معني ذلك: ] من المنسرح [ لا تتعرّض بنا فإنّ لنا ... لواحظًا زان سحرها المرض إذا أصابت بنظرة أحدًا ... فما له عن حياته عوض كم من جريح بسهم مقلتها ... جراحه ما تزال تنتقض وقال: ] من السريع [ أحبابنا ما زال داعي النوى ... يهيج للأنفس أشواقها فارقتكم كرهًا ونار الأسى ... تبعث للأكياد إحراقها فما رأت عيني فيما رأت ... بعدكم من حسن راقها وله: ] من الكامل [ ومورّد الوجنات يرعي ناظري ... في خدّه تفّاحة لا تلثم عاتبته أشكو إليه صبابتي ... ولعلّه أدرى بذلك وأرحم

فألنت منه قاسيًا لا ينثني ... وعطفت ظالمًا] منه [ وله: ] من السريع [ يا من إذا ما قال لي مت أسى ... فأبلته بالسمع والطاعه قد ذهبت من هجرنا ساعة ... لا صبر لي أكثر من ساعه وله: ] من الكامل [ وبمسقط العلمين غصن أراكه ... مللت الجمال لخمسه ولعشره قاسي الفؤاد متى تجنّى ظالمًا ... فعذراه أبدًا يقوم بعذره واهي المودّة والوقاء كأنّما ... عقدت وثيقة عهده من خصره ولقد خبطت الليل يهديني به ... من وجهه أبهى سنى من بدره وأتيته والحيّ قد خاط الكرى ... أجفانهم فسلبته من خدره وأجزته أقصى البيوت محاصرًا يعفو بفاضل بره من إثره يا من أعاف له الكرى ويلذّه ... وأعد يوم الحشر ليلة هجره خذ في التّجنّي والصّدود فإنّ لي ... قلبًا وثقت علي البلاء بصبره لو أنّني أطلقت من زفراته ... لشهدت أنّ جهنّمًا من حره وله: ] من الكامل [ في الوجنة السمراء معني مشتهًى ... بخلاف ما في الوجنة البيضاء إنّ الشّفاه إذا تنازعت المدى ... في الحسن كان السّبق للّمياء وله: ] من الخفبف [ كنت أشكو من الليالي إليكم ... فتعلّمتم جفاء الليالي كيف شاء العدا وشئتم فكونوا ... لا عدمناكم على كلّ حال وقال: ] من مجزوء الكامل [ إنّي متى أحسن إلي ... أحد محافظة عليه كانت إساءته إليّ بقدر إحساني إليه وقال: ] من السريع [ يا جور هذا الدّهر من حاكم ... لا يعرف الإنصاف في الحكم

أما أكتفي بالظلم حتي غدا ... يلزمنا الشكر على الظّلم وله: ] من الوافر [ رماني الدّهر بالنّكبات حتي ... يئست لما أكابد من نجاتي فمازلتم بلطفكم إلى أن ... خلستم من يدي أجلي حياتي وله_ لغز: ] من السريع [ أن رمت أن تعرفه فأسمه ... تصحيف معكوس رقيبين وقال: ] من المتقارب [ وأهيف كالبدر لمّا أستتم ... خمسًا وخمسًا إلى أربع أتاني على غفلة زائرًا ... وبات سميري في مضجعي فياليل بالله لا ترتحل ... ويا فجر بالله لا تطلع وله: ] من الكامل [ بأبي أغن حوى الملاحة كلّها ... في كل جزء منه معنى يفتن لو قابل البدر التّمام بوجهه ... لم نذر أي النيرين الأحسن وله: ] من الطويل [ إذا بعدت عنّي به غربة النوى ... وعزّ تلاقيه وشطّ مزاره عطفت على قلبي فناجيت شخصه ... وهل غائب من أنت يا قلب داره وقال: ] من البسيط [ بالله ثق في زوال البؤس وأرض به ... فطالما ضاق أمر ثمّ ينفرج هي الحوادث تجري في أعنّتها ... إلى مداها وفي أعقابها الفرج وله: ] من البسيط [ ألقى الخطوب إذا أشتدّت عريكتها ... بتّيه زاه كثير التيه مختال ما ينقم الدّهر منّي غير معرفتي ... بأنّه قط لا يبقي على حال وقال: ] من الطويل [ إذا ما أراك الدّهر تقديم ناقص ... فلا تتوقّع غير تأخير فاضل

كذلك مازال الزمان واهله ... خمول نبيه أ, نباهة خامل وله: ] من الطويل [ أنست بأحداث الزمان فلم أكن ... لتوحشني ما فاجأتني النوائب وقارعني من حسن ظني بؤسها ... فما لان لي في كفّه قطّ جانب ولم أنتفع منها بشيء أفته ... سوى قولهم قد أحكمتني التّجارب وله: ] من الكامل [ يارب كم أوليتني من نعمة ... فعجزت أن أحصي عليك ثناءا قد هذبتني الحادثات فنجّني ... منها ولا تشمت بي الأعداءا وله: ] من المنسرح [ أن طال ليلي فقد نعمت به ... ولست أشكو منه سوى القصر كأنّه من نضول صبغته ... قد خيط فيه العشاء بالسحر وقال: ] من البسيط [ شوقي إليك على ما كنت تعهده ... في كلّ يوم له شأن يجدّده إن أومض البرق أذكاه تألقه ... أو أنثني البان أبداه تأوّده يا مستحلّ دمي حاشاك من قلق ... يلقاه فيك معنّى القلب مكمده وكلته بغرام لو رميت به ... وضوى وهى صلده أو لان جلمده ينشو الهوى أبدًا من نظرة عرضت ... وتعمل النفس أفكارًا تولّده فمطمئن له أو جازع حذر ... والشيء صعب على من لا يعوّده وله: ] من الكامل [ شوق يجاذبني إليك عناني ... دهر عناني منه ما عنّاني وصبابة ملكت بلوعتها الحشا ... خفيت سرائرها عن الكتمان مشبوبة من دون جذوة نارها ... ما شئت من حرق ومن أشجان إني ليكربني النسيم إذا سرى ... متعرضًا بمعاطف الأغصان

ويهيج شوقي ما يحمّل نشره ... من عرف هذا اليح والظّيّان وأقدر علي دمل الهوى لا توده ... فلربّ مطعون بغير سنان ومصارع العشّاق لو أبصرتها ... لعلمت كيف مقاتل الفرسان ومهفهف ولع الصّبا بقوامه ... ولع الصّبا سحرًا بغصن البان خضت الدّجى أجناب دون لقائه ... غضب الرقيب ونفرة الغزلان ومسندين إلى الصّواهل ألصقوا ... بقلوب أهواء أكفّ طعان يتقيّلون إذا الهجير علاهم ... بظلا ماركزوا من المرّان وإذا الصريخ دعاهم لملّمة ... لبته عنهم ألسن الخرصان عانقته فلثمت معسول اللّمى ... حلو المقبّل فاتر الأجفان وكأنّما قلبي وقد فارقته ... أخذت عليه كواسر العقبان خذ] لي [أمانًا من لحاظك وأكفني ... ما أشتكي من لاعج الأحزان يا كاسر النّجلاء دوني ناظرًا ... أبدًا إليّ بمقلة الغضبان متسخّطا فقري الذي أعتدّه ... مما أصول به على الأقران لا ترض لي طلب الغني مترددًا ... ما بين ذل الهوى وذل الهوان وله: ] من الكامل [ يا واحد الدنيا الذي تاهت به ... إذ زينت أيّامها آثاره جود حبي بيراعها ووراءه ... بأس حمى أقطارها أنصاره يعطي فيعطي وافدوه كما جرى ... بحر سقت ما حوله أنهاره إن أخرس النيران أرباب القرى ... دعت الضيوف لما قراه ناره نهضت به همّاته فنمى إلى ... أفق العلاء عظيمة أخطاره إن قايسوه بالملوك وأخطأوا ... وفّت على أقدارهم أقداره فإذا هم تبعوه في نيل العلا ... وجدوا مداه لا يشق غباره زانت عطاياه طلاقة وجهه ... كالرّوض زان نباته نوّاره كم آمل حكمت له آماله ... في ماله فغدا بما يختاره يا أيّها الملك الرحيم أنلتني ... ما جلّ عن قدري له مقداره حلو الطلاقة للنّوال يمينه ... مر الحفيظة للنّكال يساره

ملأت صنائعك الزمان فأهله ... تثني بما يثني عليك نهاره طابت بعدلك فيه عيشة أهله ... وصفت لهم بنعيمه أكداره ] وتناهبوا اللذات فيه لطيبه ... فكأنّما آصاله أسحاره [ وكأنّما نظر الربيع أوانه ... فتبسّمت عن حسنه أزهاره طوبى لمادحه وإن لم يوفه ... ما يستحقّ فقد زهت أشعاره يبلي عذاري مدحه النّامي به ... أبدًا ولا يبلي به أعذاره وافاك شهر الصوم يروي ما رأى ... من صالح لك في غد أخباره فاسعد به أبدًا فقد ضمن العلا ... لك بدره وهلاله وسراره أشبهته شرفًا فأقبل ليله ... يحكي أبتسامك للنّدى أنواره هيهات ذلك فات بشرك للنّدى ... أنواره فقد أستبن خساره يثني عليك صيامه فإذا انثني ... أثني عليك بمثله أفطاره وقال: ] من الكامل [ لا تتعبوه وتتبعوا أتعابه ... ودعوه يبليه الهوى بعذابه دنف يودّ بأن يموت صبابة ... ويكون ذلك في رضا أحبابه بعدت محلّته وشطّ مزاره ... ونأت به الأيام عن أترابه فإذا وصلتم سالمين إلي الحمى ... فقفوا أمام الحيّ دون قبابه قولوا: السلام عليكم من ممرض ... لو عدتموه حظيتم بثوابه فإذا سئلتم عنه قولوا قد قضى ... ذاك الذي خلّفتموه لما به أغفلتموه فلا جواب رسوله ... أدّيتموه ولا جواب كتابه حاشاكم والجود من أخلاقكم ... أن تبخلوا عنه بردّ جوابه وأنا الفداء لشادن ملّكته ... قلبي فنازعني مكان حجابه حلو التّثني والقوام كأنّما يختال غصن البان في أثوابه خاض الدجى يجتاب دون زيارتي ... سمر القنا مركوزة في غابه أفنيت للي كلّه بعناقه ... وبلثم عارضه ورشف رضابه

ورقيبنا غيظا يعضّ بنانه ... حتي سلبنا الليل صبغ خضابه غلط الذي قاس الربيع وزهره .. قدما إلي عدن ووشي ثيابه لو أدرك الملك الرحيم لما رأي ... تشبيهه أبدًا بغير جنابه مغني تحلّ به السماحة والندى ... تتزاحم الطّلاّب في أبوابه الجود من ألاّفه والبأس من أحلافه والبشر من حجّابه ملك تدين له الملوك مهابة ... وتودّ لو حظيت بلثم ترابه نجد إذا أقتحم الوغى ذو نجدة ... بطعانه أقتحم الوغى بضرابه وقال: ] من الخفيف [ أيها الماجد الذي غادرتني ... غرّ أفضاله ملاء حياضي بتوالي نعمي تزاحم أخرى ... كزحام السّهام في الأغراض أنت من جوهر المكارم مخلو ... ق وباقي الأنام من أعراض وصلتني أبياتك الزّهر تختا ... ل عذاري في ثوبها الفضفاض مثل زهر الرياض في الحسن بل از ... رت علي حسنها بزهر الرّياض لو رأى نسج وشيها أبن عياض ... حار في نسج وشيها أبن عياض عجبا من سطورها كيف لم تخضرّ من جود كفّك الفيّاض أقبلت فالتفتّ فيها إلى أحل ... لي سواد رأيته في بياض فهي من دقّة المعاني تخال ... سحر أجفانك الصحاح المراض لو أرادت بي الليالي جميلًا ... أو رأت من ينيلني أغراضي لاستردّت هذي الليالي البواقي ... وأعادت تلك الليالي المواضي ذكرتني الأيام قربك والده ... ر غلام وكلّنا عنه راض ولو أني عوّضت بالدّهر عن لق ... ياك يوما ما كنت بالمعتاض وقال أيضًا: ] من الطويل [ غدا الملك السلطان أمنًا لخائف ... وغوثًا لملهوف وغيثًا لآمل كنوه أبا كلّ الفضائل حاميًا ... لها وهو رب كلّ] تلك [الفضائل أراد أناس أن يجاروه في العلا ... وقد فات سعيًا كل حاف وناعل رأى السعي في لفظ المعالي مبينًا ... فلم يخله سعيا إلى كلّ نائل

على أنّه ما زال كلّ زمانه ... تفوت مساعيه مساعي الأوائل تفيض على العافي أنامله حيًا ... كما سّح منهلّ السّحاب الهوامل ولا عجب لله أن يتبع الحيا ... فيخرجه من بين تلك الأنامل فلا زالت الدنيا بنا في وجوده ... وتزهى به تيهًا شراف المحافل إذا ورد الرّاجون نحو نواله ... رأوه نمير العدّ عذب المناهل دعوه أبًا برًا لجمع فضائل ... ولو انصفوا قيل ربّ الفضائل وقال أيضًا: ] من السريع [ يا أيها المولى الذي عمّني ... فيض نداه الوافر الوافي ومن إذا حلاني منهل ... أوردني متهله الصافي أو هجرت بي خطّة صعبة ... لم يضحني عن ظلّه الضافي مازال مذ أعلقت كفي به ... مغرى بإكرامي وإسعافي أشكو إلى علمك حالي التي ... ما مثلها عن مثله خافي ذاك الذي أقرضتمونيه قد ... أعدته من غير إخلاف فما عدا ممّا بدا بعدها ... من موجب يمنع إنصافي ولست أخشى أبدًا نبوة ... زانك فيها الكامل الكافي فأبق مطاع الأمر مقبوله ... ما أختلف المثبت والنَّافي

ذكر من اسمه محاسن

ذكر من اسمه محاسن [610] محاسن بن سرون، أبو عبد الله الموصلي. توفي قبل العشرين والستمائة، كان يشعر ويمدح الأكابر والرؤساء، ولم ينشر شعره ولا اشتهر. أنشدني محمد بن علي بن الحسن النيلي الشاعر؛ قال: أنشدني ابن سرون لنفسه: [من المتقارب] خليلي في النوح لا تعذلا ... فقد عاندتني صروف الزمان أأصبر عن ساكني رامةٍ ... وهم خير قاصٍ لقلبي وداني جفوني غداة سروا بالركاب ... فنومي من بعدهم قد جفاني ولم أنس ليلى وقد أقبلت ... تشير لتوديعنا بالبنان وسمطا مدامعها في الخدود ... منضدة مثل سمط الجمان تقول رويدًا وما قولها ... ليحوج سمعي إلى ترجمان حبيبي رويدك لا تبكنا ... وكن من إله السما في أمان (فهذا السهاد بذاك الرقاد ... وهذا البعاد بذاك التداني) وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره أيضًا: [من الكامل] يا حاملًا سيفًا ليقتلني به ... دع ما حملت فسيف لحظك أقتل لك أن تصد وأن تجوز وتعتدي ... ماذا يضرك في الهوى لو تجمل (حتى م أنتظر الوصال وما له ... سبب وهل تلد التي لا تحبل)

[611] محاسن بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم الحلبي، المعروف بابن الشواء من الشعراء الحلبيين الفضلاء، ومن أهل الأدب والمعرفة بالعروض والقوافي؛ شيعي المذهب، فيه فضل وأدب. لقيته بحلب رابع عشر جمادي الأولى، وهو شيخ حسن اللقاء كيس؛ سألته عن مولده؛ فقال: عمري إلى الآن اثنتان وسبعون سنة؛ فيكون تقدير ولادته سنة اثنتين وستين وخمسمائة. أنشدني لنفسه بمدينة حلب، بمسجدها الجامع في التاريخ المقدم ذكره، ما تضمنت هذه الأوراق من المقطعات. وكانت وفاته يوم الجمعة تاسع عشر المحرم، ودفن بمقبرة باب أنطاكية، غربي المدينة ظاهرها، وذلك في سنة خمس وثلاثين وستمائة- رحمه الله تعالى-.

أنشدني أبو المحاسن ابن الشواء لنفسه: [من الكامل] لاح الصباح فغنت الأطيار ... وتمايلت طربًا لها الأشجار والبان مطلول الفروع كأنما ... في كل غصن منه موسيقار وتنفست ريح الصبا فصبت لها ... روح الغدير فصفق التيار والأرض قد راض الربيع شماسها ... وأزال فرط ذرارها آذار وتلفعت أطرافها بمطارف .. خضر تنمنم وشيها الأزهار والنهر أحوى الشاطئين كأنه ... خد أحاط بصفحتيه عذار قم يا نديم فقد بكى راووقنا ... ولنا بفرط قطوبه استبشار وتملها من قبل شيبك نعمة ... فمع الشبيبة تحسن الأوزار وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف] إسقني الراح كل يوم خميس ... بين مرد شماس وقسوس من شمولٍ بكأسها جمع الشمـ ... ـــــــــــل وتنسيك كل هم وبوس لو أطاقت نطقاً عزت صاحب الديـ ... ـــــــــــــر أبًا عن أب إلى إدريس عتقت في دهانها حقبًا ثم ... تلاشت إلا بقايا نفوس صفت في إنائها فهي لا تد ... رك حسنًا كسائر المحسوس يا خلي العذار سلني عن اللهـ ... ـــــــــــــــو وهاك استمع بلا تدليس شرح علم في القصف لو كان فقهًا ... لتصدرت فيه للتدريس قد رويناه عن مشائخ ذا الفـ ... ــــــــــــــن بإسنادهم إلى إبليس وأسقنيها على غنا جاثليق الـ ... ـــــــــــــدير من راحة ابنة القسيس قمرتني عقلي وقد رمقتني ... عن جفون دعج اللواحظ شوس حكمت في مثلما حكمت في الـ ... ــــــعقل بالجور سورة الخندريس في ندامى من النصارى إذا لا ... ح سناها خروا لها كالمجوس علقوا فوق دنها الصلب تعويـ ... ـــــــــــذً وقد ألبسوه لبس القسوس فتراهم ليلًا يضجون بالتسـ ... ـــــــــــبيح من حوله وبالتقديس حبسوه للخوف للخوف أن تقع العيـ ... ــــــــــــــــن عليه في رأس دير الحبيس

فهو يصغي فيه لهيمنة الرهـ ... ــــــــــــبان ليلًا وضجة الناقوس كلما مات راهب عرفوا منـ ... ـــــــــه ورشوا عليه في الناووس لو رأى نارها وقد ضحكت ما ... بيننا عن حباباها في الكؤوس ال كلًا منا عيشية لاحت ... ختنًا قام لاجتلاء عروس إنني لم أبل وقد ملئت بالـ ... ـــــــــــــــراح كأسي إذا تفرغ كيسي بديع الجمال أكسبني لمـ ... ـــــــــــــــا جفا وحشة كان أنيسي ليت دهرًا أناه عن ناظري ... يدنيه مني حتى يبيت جليسي وأراه معاقي وعلينا ... شبه من مركب التجنيس وقال أيضًا: [من الطويل] أدرها علينا أيها البدر أنجمًا ... تبيت على أيدي السقاة سواري تحل أباريقها تخال بوارقها ... بلوح فتكسو الليل ثوب نهار قد بسطت كف الثريا كأنها ... بياض مشيب في سواد عذار وقد نفحت ريح الصبا فحمة الدجى ... فأذكت من الإصباح جذوة نار وقال من قصيدةٍ أولها: [من المنسرح] لو عاد طيف الحبيب أو زارا ... ما نال من عاشقيه أوزارا علقته طاوي الحشا رشًا ... يبيت من واصليه نفارا بناظر أودع الجمال به ... هاروت يسبي العقول سحارًا ووجنة قد أتت بمعجزها ... فمازج الماء فوقها النارا لو عاين الغصن قده لذوى ... أو لو رأى البدر وجهه حارا فارقني كارهًا وخلفني ... أندب حزنًا لأجله الدارا لي بعده مهجة متيمة ... رقت فكادت تذوب تذكارًا وقال أيضًا: [من الوافر] لقد قلدت سيف الدين سيفًا ... قضى ألا هوادة للهوادي أعدكما غياث الدين سيلًا ... وسيفًا للعطاء وللجهاد فأنت لوصل أرزاق البرايا ... وذاك لقطع أعناق الأعادي

وقال غزلًا: [من البسيط] لو أن ما فيك من عجب ومن تيه ... بالمزن شحت وما سحت غواديه أو أقتنى فتك عطفيك القنا انتظمت ... من النجوم عواليها عواليه يا أيها الرشا الغاوي بل الأسد الـ ... ـــــعادي بل القمر البادي لرائيه فات الظنون فقد دقت محاسنه ... عن أن تحد بتكييف وتشبيه رفقًا بصب جفاك المرء ممرضه ... ووصلك الحلو بعد الله شافيه يا صاحبي سلاه عدل سيرته ... فينا فظلم الوري مزر بأهليه واستطلقا منه لي وصلًا ولو شبحا ... في رقدتي خطرات الوهم تهديه ولا تلوما فعين اللوم عذلكما ... فيه فحسب المعنى ما يعانيه ما بال أحمد يجفوني وأحمد ما ... في كامل الحسن ترك الحيف والتيه علقته أسمرًا كالرمح عامله ... وخرصه طرفه الساجي وهاديه صعب التلاقي تلاقي جل بغيته ... فالقرب يسخطه والبعد يرضيه فالبدر في نوره والتم يشبهه .. والرمح في لونه واللين يحكيه غصن إذا ما ثناه العجب تحسبه ... سكران عاطاه كأس الراح ساقيه يرنو وفعل الحميا في لواحظه ... واللون في خده والطعم في فيه تبارك الله ما أشهى تجنبه ... إلى القلوب وما أحلى تجنيه وقال أيضًا يتغزل: [من الخفيف] وغزال من عجبه نشر العتـ ... ـــــــــــــب سرورًا في طيهن سرور لو جنى غص ورد وجنته باللـ ... ــــــــــــحظ غيري لغص منه الغيور أرهقته الحمى فأصبح منها ... لونه وهو للنضار نظير لو تأملنا نحيفين مهجو ... رين لم تدر أينا المهجور وقال مثله: [من الكامل] ومهفهف عني الزمان بخده ... فكساه ثوبي ليله ونهاره لا مهدت عذري ملاحة وجهه ... عن غض عندي منه غض عذاره وقال أيضًا: [من الهزج]

على خديك للشعر ... شعار بهما يزري وتعذيرهما أوضـ ... ـــــــــــح في هجرهما عذري وغيري لهما أضحى ... كثير الحمد والشكر أحب البدر في الظلـ ... ــــــــمة لا الظلمة في البدر وقال أيضًا: [من الخفيف] وغرير يحكي الغزال بعينيـ ... ـــــــــــه وخداه بالغزالة تزري قابلته مرآته فأرتنا .. عين شمسٍ إنسانها وجه بدر وقال في المعنى: [من مجزوء الرمل] قلت إذ لاح بمرآ ... تك لي مرآك سافر تلك إغاءة صب ... زار فيها طيف هاجر وقال أيضًا: [من الكامل] ناديت والندماء تقصر خطوهم ... نشواتهم وتهزهم أخواطا يا أيها الشادي تغن فقدوني ... في السير دور كؤوسنا وتباطا هي كالمطي تكل من طول السري ... فيزيدها نغم الحداة نشاطها وقال أيضًا: [من الطويل] أرى حسناتي عند قومي مساوئًا ... كأن لم أشد أركان مجدهم وصفا ولم أك أسطاهم ذا حادث عرا ... وأعفاهم عن جرم جانيهم لطفًا وأشمخهم في كل مخمصة يدًا ... وأشمخهم عن كل منقصة أنفًا عذرتهم لما تعذر برهم ... وقلت فقير الأهل أهل لأن يجفى فإن سبني منهم جهول فإنني ... سأثني عليه ما ثنى عطفه عطفا ولو نبذوني كالحصاة مهانة ... لكنت بهم منهم بأنفسهم أحفى ولو نلت وفرًا وافرًا لجعلته ... على وفق ما يرضيهم أبدًا وقفا وقال أيضًا: [من الخفيف]

لو تأملت أيها الخل من نيات هذا الورى بغير اختبار لرأيت البياض من أحسن الألـ ... ـــــــــــــوان إلا في لمةٍ وعذار وقوله أيضًا: [من الوافر] ألا يا ابن العبيد الأدعياء ... ويا ابن العاهرات من الإماء لك است قد غدت في الماء ذلًا ... وأنف راح كبرًا في السماء تركتك لا أعاتبك احتقارًا ... لأن العتب بن الأصفياء لئن أطرقت اعمل فيك فكري ... لأنتهكن عرضك بالهجاء وقال أيضًا: [من المجتث] لله قوم تساقوا ... من العظات عقارًا شعث يبيتون صرعى ... خوف المعاد سكارى قد أحدث الخوف فيهم ... نحافة واصفرارًا لو اطلعت عليهم ... وليت منهم فرارًا وقوله: [من الكامل] قالوا: حبيبك قد تضوع نشره ... حتى غدا منه الفضاء معطرًا فأجبتهم والخال يعلو خده: ... أو ما ترون النار تحرق عنبرًا وأنشدنا الشيخ محاسن بن إسماعيل الشواء الحلبي لنفسه، بمحروسة حل، بجامعها في سنة أربع وثلاثين وستمائة، يمدح الملك العزيز محمد بن غازي- رحمه الله تعالى-: [من الخفيف] لمن النار بعد وهنٍ تشب ... دون سلع تلح طورًا وتخبو ذات برقٍ تبدو وليس له إلا جفوني إذا تألق سحب لسنهاها والريح وسنى بجسم الليل بعد الفناء روح تدب سبيت لمة الدجى حين شبت ... فاعتدى طارق وضل محب وأشارت لما أنارت بما يفـ ... ــــــــهمه كل وامقٍ فيه لب

طارحتني الأسى فخيل لي أن سناها مثلي يعلوه صب ما تعدت لما تبدت وقد قـ ... ــــــــــدت قميص الدجى ظباها القضب بل أفادت طرف بيانًا بأطرا ... ف بنان لها على البعد قرب فكأن الظلام صدر مشوق ... واضطراب اضطرابها فيه قلب أتحفتني إذ أتحفتني بها ليـ ... ــــــــــلة أنس تثير وجدي فأخبو لسجايا الملك العزيز انثنت تغتـ ... ـــــــــضي حياء نجومها وهي شهب ملك رصف وصف غر معاليـ ... ـــــــــــه اعتقادي ومدحه لي دأب ثابت الجأش إن تكاثف نقع ... ثاقب الرأي إن تنكر خطب قضبه البيض رعف وقناه السمر صم وخيله الكمت قب إن أتى سائل فبر ولطف ... أو عتا صائل فطعن ضرب فهو للمكرمات خدن وللجو ... دحليف وللشجاعة ترب وهو من أسرة نداهم تليد ... وطريف والمجدا إرث وكسب أيها الدهر ما لصرفك عندي ... بعد ما سرني بمرآه ذنب ق سما يا غياثه بك دين ... بذباب الحسام عنه تذب ذل قهرًا فحكم توحيده الشر ... ك فدان الباغي وهان الصعب أي قطر من أرضه ما لفرسا ... نك فيه قتل وأسر ونهب أيها المالك العزيز عياث الـ ... دين والماجد الجواد الندب لو عدا من عداك في الحلم باغ ... مستفيدًا بفعل مالا يحب لثناه قهر لإرسال أبطالـ ... ــــــــــــــــك رسل وللكتائب كتب ولأمسى ومن عقارب خرصا ... ن عواليك في عواليه كسب فأجلها شرقًا وغربًا فقد أصبـ ... ــــــــح يخشى سطاك شرق وغرب فالعوالي ظمأى دجن من الخيل ... إلى خوة القتام الشهب مرحات تخال في الخال والوشـ ... ــــــــــــــي رياضًا لها الذوابل قضب تتهادى تيهًا بكل كمي ... خدنه الرمح والحسام العضب طالما حطم الرماح بصدرٍ ... ليس في قلبه من الموت رعب كلما شام فتكة بالأعادي ... رمحه هزه لذلك عجب

وانثنوا للرماح في أجمات ... زأرت تحتها ضراغم غلب أحدثوا في عداك خفضًا وجزمًا ... ولهم في علاك رفعٌ ونصب ولئن كنت يا محمد للحمـ ... د نبيًا فأنت للمجد رب ولئن حان ذاويًا روض حالي ... فلساني ببث حمداك رطب فتمتع بالعيد وانحر أعاديـ ... ــــــــك بماضي عزيمة ليس تنبو وأبق في عزةٍ لك الدهر سلم ... والليالي لمن يعاديك حرب ما أمال النعاس أجفان مغف ... فالتقاه في كراه بالهذب هذب وقال أيضًا: [من البسيط] وقائل كيف أنت اليوم؟ قلت له: ... أعوم في بحر هم ماله شاطي ما بين عشقٍ وإفلاس هما اجتلبا ... دمعي كما اجتلبا ضري وإسخاطي وقال أيضًا: [من الطويل] أقول لساقينا وقد مال سكره ... لجفنيه حتى حار بينهما الحور وللخمر جمر شبه الماء فانبرى ... يطير عليه منء فواقعه شرر رويدك لا تلثم مراشف كأسها ... فما ينبغي للشمس أن تدرك القمر وقوله أيضًا يتغزل: [من الخفيف] ته دلالًا فإن ظلمه عدل ... كل صعب سوى فراقك سهل وتأمل حالي تجده عجيبًا ... غيث دمعي له بجسمي محل يا هلالًا له دلال وعجب ... في هواه ولي خضوع وذل في قضيبٍ يكاد قامته تعـ ... ــــــــــــقد من فرط لينه وتحل وأنشدني لنفسه في غلامٍ جميل الصورة أرسل احد صدغيه ولوى صدغة الآخر: [من السريع] أرسل صدغا ولوى قاتلي ... صدغًا فأعيى بهما واصفه

فخلت ذا في خده حية ... تسعى وهذا عقربًا واقفه ذا ألف ليست لوصلٍ وذا ... واو ولكن ليست العاطفة وأنشدني أيضًا يصف الغلمان الصباح الوجوه، الذين بقلعة حلب، عند إيقاد النيران ليلة الميلاد حين يرمون بالنشاب، ويجعلون في رؤوسها النار: [من الخفيف] رب مرد شبهتهم ليلة الميـ .. ـــــــــــــلاد لما ارتموا وأذكوا سعيرًا ببدورٍ عن الأهلة ترمي ... بنجومٍ تمدها الشمس نورًا وقال أيضًا: [من البسيط] يا من حداني على قتلي تمنعه ... وضرني بتماد ليس ينفعه انظر إلى ولهي لطفًا بعين رضا ... فالحر مثلك أدنى القول يخدعه ما بان راوي حديث السحر حي بدا ... عن ناظريك إلى هاروت يرفعه رفقًا بمضنى سهام اللحظ ترشقه ... إذا رآك وأفعى الصدع تلسعه لو زاره طيفك المزور عن ملل ... في النوم لم يدر ضعفًا أين موضعه؟ لم يخل في الحب من خل يعنفه بالعنف فيك ومن لاحٍ يقرعه يخفي هواك من الواشي وقد نطقت ... عن وجده بلسان الحال أدمعه ما أبعد الصبر والسلوان من دنف ... يروم قربك والأيام تمنعه يزوره منك طيف ما تقدمه ... وعد ويرحل عنه لا يودعه وقال أيضًا: لو كنت شاهده والحزن يرعفه ... من ناظريه وحمل الحب يضعفه والعيس قد ثورت والحي مرتحل ... وقد طغى الوجد حتى كاد يتلفه واليأس يطويه والآمال تنشره ... لها لطرفك يوم البين موقفه يا غاثبون ارحما من ذل حين رأى ... فرط الخضوع لكم مما يشرفه صب أقرت بسر الحب أدمعه ... طوعًا وأثبت دعواها تلهفه نديمه همه والنوح مطربه ... والحزن والدمع ساقيه وقرقفه

يهوى الكرى جفنه الباكي ولو سنة ... عساه منكم بوصل الطيف يسعفه إلى مها الأبرق الغادي تشوقه ... لا بل إلى برقه البادي تشوقه نائي الهجوع نحيل الجسم شاحبه ... هامي الدموع مروع القلب مدنفه بدمعه تعبث الذكرى ومهجته الـ .. ــــــحرى فتطربها شوقًا وتذرفه ولا كتاب بذكراكم يعلله ... ولا عذول بلقياكم يسوفه يا برق حتى عذاري حي كاظمة ... عن مغرم عز لولاهم تأسفه قلبي بأجرعها المأهول سانحة ... تغار باناته منها وأحقفه فلست أدري أغيل مال مشبله ... طرافها أم كناس عن محشفه ويلاه من ظالم لما غدا كلفني ... طبعًا به بان في وعدي تكلفه عبل مقرطقه شخت ممنطقه ... غال مقبله عال مشنفه حلو القوام شتيت الثغر أشنبه ... مورد الخد ساجي الطرف أوطفه أنهى الجمال سجاياه وأبرزه ... للغصن يذويه أو للبدر يكسفه ظبي حكاه اسمه خلقًا وخالفه ... فعلًا وشابهه خلقًا يصحفه بسيف جفنيه يحمي ورد وجنته ... فليس نجسر بالأحداق نقطفه يغزو النفوس يحيس من محاسنه ... والقد ذابله واللحظ مرهفه ما قابل الشهب إلا جاز أنورها ... أو بان للبان إلا غار أهيفه يرنو بفاترة لو لاك أكحلها ... للنرجس الغص أغصى منه مضعفه قال الوشاة وقد ماجت روادفه ... فكاد من حملها ينقد مخطفه ما للملاحة فيه قلت أبدعها ... وما من الحسن فيه قلت أظرفه قسا ولنت فهل خل يعوج على ... صب يسليه أو فظ يلطفه تبارك الله كم يجني علي وكم ... أعنو ويظلمني بغيًا وأنصفه وكم يعاهدني عهدًا وينقضه ... عمدًا ويوعدني وعدًا ويخلفه ناديت والكبر بنهاه ويأمره ... والعجب يقدمه والتيه يردفه فتكت بأطرفه الشاكي بقلب فتى ... يعنو لناظرك النبال أكشفه يا ساقي الراح إن آنست منه رضا ... يومًا وفارقه سكرًا تعجرفه فاشرح له إن خلا من كاشحٍ وصغا ... ضري وقد زاد عما كنت تعرفه

يعقوب ..... يسمو طرف همته ... شوقًا إلى مصر حسن أنه يوسفه وأعتبه وأشكو إليه ما أكابده ... منه عسى رقة الشكوى تعطفه وقال أيضًا: [من البسيط] الفتها حلوة الأعطاف كالألف ... صدوفة ثغرها كالدر في الصدف تريك وجنتها في الخد إن سفرت ... نارًا من الحسن في ماءٍ من الترف أنفاسها عنبرٌ وردٌ لمنتشقٍ ... وريقها قرقف صرفٌ لمرتشف وتحت حلتها غصن لمعتنق ... وفوق وجنتها وردٌ لمقتطف يغدو المعانق من أنفاسها عطرًا ... كأنما أنفه في روضة أنف يا من تغير رماح الخط قامتها ... باللون واللين والتقويم والهيف ما آن أن يتلاقى بالوصال فتى ... يرجو الشفا وقد أشفى على التلف ما كان أسعدني لو أن لطفك بي ... بقدر ما فيك من غدرٍ ومن جنف وقال أيضًا: [من السريع] يا للورى قد كان بي رمق ... فاغتاله يوم النوى الحدق فالقلب خوف البين مضطرب ... أحشاؤه مقروحة خفق ليت المطايا لا سرت بهم ... عني وسدت دونها الطرق ساروا فما سروا ببعدهم ... قلبي ولا عفّوا ولا رفقوا أودعتهم إذ دعوا جلدًا ... أفناه من تفريقهم فرق وقال أيضًا: [من الطويل] أقول وقد قلبت في الناس ناظري ... فلم أر إلا خائنًا ومنافقًا أيا ليت أني مت طفلً وليتني ... وقد طال عمري لا عرفت الخلائقا ولم أنفرد يا صاحبي مجنبًا ... عن الناس أو أني مواف موافقا ولكن وجدت الناس لما اختبرتهم ... محبًا محاب أو شفيقًا مشافقا خليلي من لي أن أصادف صادقًا ... عن الغدر مثلي أو أصادق صادقًا وقال في غلمان دخلوا الحمام: [من الكامل] شدوا المآزر فوق كثبان النقا ... خفرًا فحلوا عقد نسكي والتقى

وتجردوا فرأيت بان معاطف ... نشروا ذوائبهم عليه فأروقا وبدوا فأطلع كل وجهٍ منهم ... بدرًا وأضحى كل قطرٍ مشرقا من كل أهيف حل عقده بنده ... وغدا بلحظ عيوننا متمنطقا خالسته نظرًا لأقطف وردةً ... من روض وجنته فأغضى مطرقًا فكأن في الحمام سرب جاذر ... نظر القنيص فطل منه مضفقًا وقال أيضًا: [من الوافر] لقد أكثرت مدح بني فلان ... وكنت بأن أذمهم خليقًا أطلت رشاء مدحهم لأني ... وجدت قليب جودهم عميقًا وقال أيضًا: [من الخفيف] وفتاة من هجرها بات قلبي ... قلقًا مثل قرطها والنطاق غادةً سنجرية الأصل والفصـ ... ــــــــــل غزالية الطلى والماقي ذات قد كالغصن في اللين يعلو ... هـ محيًا كالبدر في الإشراق جال في صحفتيه ماء شباب ... راق حسنًا فشب نار اشتياقي رمقتنا شزرًا فلم تبق في الأجـ ... ــــساد إلا أواخر الأرماق قلت هل زورة قصدت وقالت: ... مه فضرب الأعناق دون عناقي وأرتبني تكبرًا ما عليه ... لمحة من مكارم الأخلاق وتثنت عجبًا فقلت لها ما ... اسمك يا بابلية الأرياق قالت: اسمي قسا فناديت: بل قلـ ... ــــبك يا محنتي على العشاق وقال أيضًا: [من الطويل] ألا سقيانيها فقد نفح المسك ... ولا تحبساها بعد ما صدح الجنك وطوفا بها حبيةً حبيةً ... مشعشعة كالتبر أخلصه السبك إذا كف ساق أو مات نحو شربها ... لم يشكو أنها حمرة تذكو يطوف بها ساق إذا لا حاسرًا ... لنا قلت قولًا لم يشب صدقه إفك أرى الليل لا ريب على البدر لا مرًا ... على الغصن لا خلفٌ على الخفف لا شك. ولا تبخلا أفديكما أن تناديا ... إذا هزني سكري بها: لمن الملك

وقال أيضًا: [من مخلع البسيط] وليلة بتها وحبي ... أشكو إليه الهوى ويشكو تقبح بالعاشق المعني ... في مثلها عفةٌ ونسك أشرب من فيه كأس خمرٍ ... ختامها من لماه مسك وقال في غلامٍ أسود شيع جنازة: [من الخفيف] وغلام رأيته وهو يبكي ... خلف ميت فبت أسباب نسكي وعجبي من دموعه وهي ماء ... كيف راحت لنار وجدي تذكي أسود اللون كالدجى فإذا أفتر أراك الصباح من غير شك شق للحزن ثوبه مثل ما يفـ ... تق في شمألٍ قسيمة مسك وقال في مغن يرقص: [من السريع] أشرق من طلعته المنزل ... لما بدا واضطرب المحفل علقت منه شادنا شاديًا ... كأنما نكهته مندل يكاد فوق الأرض أن لا ترى ... من سرعة الرقص له أرجل لو لم تكن هزة أطرافه ... موزونة قلت به أفكل فلو تراه إذا شده وانثنى ... لقلت: غصن فوقه بلبل وقال أيضًا: [من الخفيف] حرت من حسنه وماذا أقول ... وكثير الصفات فيه قليل جوهر جل أن تكيفه الأفـ ... ـــــهام أو تهتدي إليه العقول صح للناس انه أحسن العالـ ... ـــــم وجهًا وقام فيه الدليل وقال أيضًا: [من الخفيف] أيها الغافل المصر على الأو ... زار مهلًا فقد تداني الرحيل خل ظلم الورى فإنك يوم الـ ... ــــــحشر عن كل هفوةٍ مسئول وتعفف واقنع برزقٍ يسيرٍ ... ودع الحرص فالحريص جهول

فقليل من الحلال كثير ... وكثير من الحرام قليل لا تؤمل من الأنام صديقًا ... فهو شيء وجوده مستحيل وقال أيضًا: زدت حزنًا وفقت حسنًا فأضحى ... ما لحزني ولا لحيسنك مثل وخلعت العذار فيك فأضحى ... بعذاريك لي عن اللوم شغل يا ملولًا أصارني الحب لا أطـ ... ـــــــمع في وصله ولا عنه أسلو لا شفى الله بعد بينك قلبي ... بك إن كان ساعة منك يخلو يا لقومي من حب جاف ملوب ... فيه لي يعذب العذاب ويحلو فضلالي رشد، وذلي عز، ... وسقامي بر، وهجري وصل

ذكر من اسمه محمد

ذكر من اسمه محمد [612] محمد بن محمد بن أبي حنيفة محمد، أبو عبد الله بن أبي القاسم البغدادي المعروف بابن الفرضي المؤدب أجرى ذكره الصاحب أبو البركات المستوفي في تاريخه- رضي الله عنه- وقال: ورد أبو عبد الله إربل في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة؛ ومدح والدي أبا الفتح أحمد بن المبارك المستوفي- رحمه الله تعالى- بقصيدة، وقف والدي عليها، فوجدها قد جمعت إلى حسن الإصابة، جودة الكتابة؛ فنقله إليه لتأديبي عليه، فأقام مدةً طويلةً بها إلى أن ورد إربل الملكان؛ الملك المغيث فتح الدين عمر، والملك القاهر بهاء الدين الخضر ابنا السلطان الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب- رضي الله عنه- بكرة الاثنين ثاني عشر جمادي الأولى سنة خمس وتسعين وخمسمائة، فاتصل بهما، وتأدبا عليه. وسافر في حبتهما إلى الديار المصرية؛ مكنوفاً بحسن الإكرام، محفوفاً بضروب الإنعام، له من الملك المغيث عطاء لا يغب نواله، وسخاء واعتناء يتوالى عليه أفضاله، ومكانة كثر معها توقيره، ومنزلة جرت على اختباره فيها أموره؛ إلى ان ركب معه البحر، فهبت ريح سوداء منتنة، مرض منها جماعة وماتوا، منهم الملك القاهر بهاء الدين الخضر بن الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب، وأبو عبد الله محمد بن محمد المذكور، فدفن بالقاهرة، وذلك ف سنة اثنتين وستمائة، أخبرني بصحته ولده محمد وغيره- رحمه الله-. وكان لطيف المحاضرة، ظريف المعاشرة، له خلائق كالشهد عذوبة، وشمائل كالماء رطوبة، شاب المجون بالتنسك، ولم يسلك في الخلاعة طرق التهتك، وكان

دينًا مستورًا، معروفًا بين الأكابر مذكورًا: [من الطويل] إذا جد عند الجد أرضاك جده ... وذو باطلٍ إن شب ألهاك باطله قطع مدةً من شيبته في مصاحبة الشطار، وأنفق جملةً من عمره في معاشرة الفتاك والدعار، وحبس في سجن بغدد على ما أخبرنا به. وكان صادقًا مدة سبع عشرة سنة، مقيمًا في منزل ضنك موحشة أقطاره، ومحبس نزل مظلم ليه ونهاره، لا يرى السماء إلا مريعة من جميع نواحيه، ولا يزيد إلا وحشة كثرة ساكنيه، ينسخ المصاحف؛ فكتب على ما اخبرني نيفا وستين مصحفًا لطيفًا في جملة ما كان يورقه. حدثني- رحمه الله تعالى- أنه كتب في الحبس مصحفًا لطيفًا أقام على كتابته مدةً، وضمن ألا يكتب فيه حرفًا مغلقًا ولا مطموسًا، ووفى بذلك، وأهداه إلى الوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، يتوصل به إلى إخراجه؛ فقال: يجب على من كتب هذا الكتاب الكريم على هذا القدر، قطع يده، هلا كتبه مقدار حمل تعظيمًا له؟ أو كما قال. فلما أطلق من اعتقاله، وخلص من ضيق وثاقه وعقاله، وصل إلى الموصل، ثم فصل عنها على إربل؛ فكان من حاله ما تقدم ذكره، وسأعقب هذا الفصل بجملةٍ من شعره، التي هي محصوله من عمره؛ مما يستدل به على سلامة قريحته، ويعتبر به سماحة فكرته وكان يعمل على طبعه في النظم، فيقع له الحسن المنقح، والعامي المطرح؛ وكان مولعًا باستعمال الألفاظ العامية؛ فمن ذلك ما أنشدنيه لنفسه؛ أنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي؛ قال: أنشدني أستاذي ومؤدبي أبو عبد الله لنفسه: [من مجزوء الخفيف] من لصب متيم ... قد حناه حنينه

أنحلته أشواقه ... واستهلت جفونه كلما ناحت الحما ... ثم زادت شجونه وإذا الليل جنه ... واعتراه جنونه ظل يبكي بأدمع ... هاطلاتٍ شؤونه وأنشدني؛ قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه من أبيات: [من الرمل] إنما كان ولوعي طمعًا ... والردى لا شك عقبي الطمع واحتقرت العشق حتى قادني ... بزمامي فأراني مصرعي إن من أسكنهم في كبدي ... وانطوت صونًا عليهم أضلعي عرفوا موضعهم من مهجتي ... فأضاعوا بالتجافي في موضعي أنا أفدي قمرًا ودعته ... وهو بالتقبيل منه ممنعي ملني بعد الوفا من كان لي ... وبحكمي خاتمًا في إصبعي لو رعى حفظ ودادي لم يضع ... ما رأى في خلوتي من ورعي حين ضمتنا ليالٍ بربى ... إربلٍ لا باللوى والأجرع وأنشدني؛ قال: أنشدني مؤدبي لنفسه [من الرمل] كلما هيجني ذكركم ... صحت من وجدي بكم واحزني وإذا ما رمت عنكم سلوة ... بكرت أشواقكم تلعب بي ذهب العمر بعيشٍ كدر ... نكد لم أقض فيه أربي فإلى من أشتكي ما نابني ... حين غابوا وإلى من مهربي وزفيري بالأسى في صعد ... ودموعي بالبكا في صبب ما هناني مذ تولت عيسهم ... واستقلوا مطمعي أو مشربي فإذا قلت تقضت شقوتي ... خانني صبري وزادت كربي وأنشدني؛ قال: حدثني أبو عبد الله، أنه رآها في المنام فانتبه وقد حفظها: [من الوافر]

بال محمد أرجو نجاتي ... غدًا من شر أهوال القيامة ومن ربي أرجي العفو عما ... أتيت إلى البرية من ظلامه فإن غفر الإله عظيم ذنبي ... فأجدر أن أهنى بالسلامة وإن لم يعف عن ظلمي لنفسي ... عضضت يدي من طوال الندامة وأنشدني؛ قال: أنشدني لنسه: [من المنسرح] بوجنة كالشقيق تنحسر الـ ... ــــــأعين عن حسن وردهما الأحمر حاذر أن تجتنى فحصنها ... في سالفيه بعارضٍ أخضر وأنشدني، قال: أنشدني من جملة أبيات مديحًا: [من البسيط] وقل له عبدك الداعي المنيب ومن ... يأوي إليك إذا ما نابت النوب فأنت من معشرٍ إن سولموا صفحوا ... أو حوربوا حربوا أو سوئلوا وهبوا يحمون أعراضهم بالمرهفات ولا ... يحمون ما لأيادي الحمد ينتهب فالبر أنفس مدخورٍ لمدخر ... في يوم لا نسب يغني ولا سبب وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الرمل] أيها الحادي بهم قف وقفة ... فعسى تحيي بها من عشقا قو ولو طرفة عينٍ ربما ... ردت النظرة فيها رمقًا ومنها في المديح: أسد يقدمه الرعب متى ... ما غزا جيشًا تولى فرقا لو رأى عمرو بن معدي كرب ... بأسه خر لديه صعقا كلما أسهبت في المدح له ... قال من يسمع قولي: صدقا [613] محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، أبو الفضل الطبرستاني البكري الرازي المعروف بابن خطيب الري.

كان جده الحسين خطيب الري، وجده الحسن ولد بمكة، وكان تاجرًا مثريًا، سكن الكعبة الحرام أربعين سنة؛ وكان من ولد أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-. ورحل أبو الفضل من الري في بدء أمره إلى أذربيجان، وكان بها رجل يقال له: مجد الدين الجيلي، عالمًا بالحلم، فقرأ عليه شيئًا من العلوم الأولية؛ ثم فتح الله عله فتحًا كبيرًا، فأخذ من الكتب، وفرغ من عنده. ثم رحل إلى خوارزم، ثم إلى ما وراء النهر، ثم رجع إلى خوارزم إلى البلاد الخراسانية ومنها إلى الباميان، وهي بلدة في الغور، وكان صاحبها بهاء الدين

سام بن محمد بن الحسين بن سام؛ فأقام عنده سنين كثيرة، وكسب من جهته أمولًا غزيرة. وهو الإمام الفقيه المتكلم، الأصولي الحكيم العلامة المتفنن في كل نوع يأخذ فيه، المنقطع القرين في سمو رتبته، وقيامه بالعلوم؛ وكان ينتحل الفقه على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه- ويتكلم على رأي أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وبرع في علمي الأصول والخلاف والمنطق والطب وسائر أجزاء الحكمة. وصنف كتبًا جمة، اشتهرت في الدنيا في ذلك كله نذكر ما تيسر منها؛ كتاب تفسير القرآن الكبير؛ سماه "مفاتيح الغيب" سوى تفسير الفاتحة، أفرد لها تصنيفًا اثنا عشر مجلدًا بخطه الدقيق. وكتاب "التفسير الصغير"، وكتاب "نهاية العقول في علم الأصول"، وكتاب "المحصول في علم الأصول"، وكتاب "المحصل في الأصول"، أيضًا، وكتاب "الملخص في الحكمة"، وكتاب "شرح الحكمة"، وكتاب "الحكمة المشرقية"، وكتاب "لباب الإشارات"، وكتاب "المطالب العالية في الحكمة"، وكتاب "شرح الإشارات"، وكتاب "الأربعين في أصول الدين"، وكتاب "المعالم في الأصولين"، وكتاب "شرح كليات القانون"، وكتاب "الطب الكبير"، وكتاب "مناقب الإمام الشافعي"- رضي الله عنه- وكتاب تفسير "شرح أسماء الله الحسنى"، وكتاب "أسرار التنزيل [وأنوار التأويل" مجلد لم يتم]، و"تفسير القرآن"، وكتاب "السر المكتوم"، وكتاب "الطرفة في الجدل"، وكتاب "شرح سقط الزند"، وكتاب "منتخب دنكلوشا"، وكتاب "مباحث الوجود والعدم"، وكتاب "مباحث الجدل"، وكتاب "جواب الغيلاني"، وكتاب "الجامع الكبير الملكي في الطب"، وكتاب "النبض"، وكتاب "شرح القانون" مجلد لم يتم، وكتاب "التشريح من الرأس إلى الحلق" لم يتم، وكتاب "الأشربة"، وكتاب "الآيات البينات"، وكتاب "منتخب المحول في أصول الفقه"، وكتاب "تفسير

الفاتحة مجلد"، وكتاب "تفسير سورة البقرة" مجلد على الوجه العقلي لا النقلي، وكتاب "شرح الوجيز للغزالي" لم يتم، حصل منه العبادات والنكاح في ثلاث مجلدات بخطه. وكتاب "الطريقة العلائية في الخلاف" أربع مجلدات، وكتاب "لوامع البينات في شرح أسماء الله والصفات" مجلد، وكتاب "في إبطال القياس" لم يتم، وكتاب "شرح نهج البلاغة" لم يتم، وكتاب "فضائل الصحابة الراشدين"، وكتاب "القضاء والقدر"، وكاب "رسالة الحدو" مجلد، وكتاب "تعجيز الفلاسفة بالفارسية" وكتاب "البراهين الربانية" بالفارسية، وكتاب "اللطائف الغياثية"، وكتاب "شفاء العي من الخلاف"، وكتاب "الخلق والبعث"، وكتاب "الخمس في أصول الدين" بالفارسية، وكتاب "عمدة النظار ونبذة الأفكار"، وكتاب "الأخلاق"، وكتاب "الرسالة الصاحبية"، وكتاب "الرسالة المجدية"، وكتاب "عصمة الأنبياء"، وكتاب "في الرمل"، وكتاب "شرح مصادرات أقليدس"، وكتاب "في الهندسة"، وكتاب "رسالة نفثة المصدور"، وكتاب "رسالة في ذم الدنيا"، وكتاب "الاختيارات العلائية في الاختبارات السماوية"، وكتاب "أحكام الأحكام"، وكتاب "الرياض المونقة في الملل والنحل"، وكتاب "رسالة في النفس"، ورسائل في كل فن من علم الرياضي، والمنطق والحكمة وغير ذلك. وكان من جلالة القدر، وعظم الذكر، وفخامة الهيبة بحيث لا يراجع في كلامه، ولا ينبس أحد بين يديه لإعظامه، ما هو مشهور متعارف، وكان مع تفرده بهذه العلوم واستيلائه عليها، له اليد الطولى في الأدب والعربية والتصريف، وسار ذكره في شرق الأرض وغربها، وقصده الناس من كل صوبٍ وناحية، وانتشرت تلامذته في الأقطار، وتخرج عليه عالم كثير لا يحصى. وكان يحضر مجلسه ثلاثمائة متفقه لا يعلو صوت أحدٍ منهم على صوته، إعظامًا له واحترامًا، وكان مهيبًا في أصحابه، شديد الوقار ذا حشمةٍ وافرة، وقدرٍ كبيرٍ عند السلاطين. وكان السلطان خوارزم شاه علاء الدين أبو شجاع محمد بن تكش بن أيل أرسلان بن تتش بن محمد نوشتكين، مع عظم سلطانه وسعة ملكه يقصد زيارته،

ويتواضع لديه ويجله ويبالغ في كرامته. وكانت ولادته سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وتوفي بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة- نور الله ضريحه وبرد صفيحه- فلقد كان آية من آيات الدنيا، ومحاسن الزمان. أنشدني أبو المعالي عبد الجبار بن محسن بن مزني بن عبد الجبار الجيلي الهمامي؛ قال: قرئ على شيخنا أبي الفضل محمد بن عر الرازي لنفسه، وأنا أسمع: [من الطويل] نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشةٍ من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال وكم قد رأينا من رجال ودولة ... فبادوا جميعًا مسرعين وزالوا وكم من جبالٍ قد علت شرفاتها ... رجالٌ فزالوا والجبال جبال وقال أيضًا: وهي القصيدة التي لقبها بالهادية: [من الكامل] يا طالب التوحيد والإيمان ... أبشر بكل كرامةٍ وأمان واعلم بأن أجل أبواب الهدى ... تقرير دين الله بالبرهان وأعز خلق الله ناصر دينه ... بالعقل والأخبار والقرآن فإلهنا بعلو عز جلاله ... متقدس عن .... الإيمان فردٌ قديمٌ دائمٌ لصفاته ... من غير وهم تعاقب الأزمان حارت عقول الخلق في سبحاته ... وعلا على الأفهام والأذهان خضعت له الأرواح والأشباح في ... تسبيحها وتخر للأذقان العرش في عرصات عز جلاله ... متبلد كالواله الحيران والجسم في درجات نور كماله ... مستحقر مثل الخيال الفاني

لو كان عرشيًا لكان مركبًا ... ولكان كالإنسان في الجثمان لو جاء قيوم السماء بذاته ... يوم القيامة كان في الحدثان لو كان ينزل من أعالي عرشه ... لإفاضة الإحسان والغفران لتبدلت أوصافه في ذاته ... ولكان ذلك غاية النقصان من كان هذا دينه فكأنه ... قد فاق أهل الشرك في الخذلان أو كان هذا منتهى توحيده ... فعليه محض لعائن الرحمن ومحمد خير البرية جاءنا ... بشريعةٍ تهدي إلى الرضوان فمن المحال محبه في دينه ... بالسخف والتشبيه والبهتان لولا التغير والتناهي لم يكن ... بالنجم ما يرميه بالحدثان يا من توحد في وجوب وجوده ... وعلا على الأشياء لا بمكان يا حي يا قيوم يا محيي الورى ... يا دائم المعروف والإحسان يا منتهى أملي وغاية رغبتي ... وعليك معتمدي بكل أوان أدعوك دعوة خاشعٍ متخوف ... متلهف من كثرة العصيان لا تشغلني عن جلالك لحظة ... بشواغل الأفلاك والأركان لا تحجبني عن جلالك لمحة ... في لاحق الأحياز والأحيان أنت الذي خلق الخلائق كلها ... بدلالة الحدثان في الأعيان أنت الذي خلق الخلائق كلها ... بشهادة الإحكام والإتقان أنت المريد لخيرنا ولشرنا ... في طوري الوجدان والفقدان أنت المغيث لنا وكاشف ضرنا ... ومجيز جاهلنا من النيران وأنا الضعيف المستجير بفضلكم ... عند البلى في ملبس الأكفان قد هد أوصالي وأضعف قوتي ... طول الزمان وكثرة الأحزان وسئمت ما قد كنت أطلب قربه ... ومللت طول مكائد الأقران ما تم ستون الحياة وليتني ... عانيته في موقف البطلان إني أرى الدنيا مقام متاعب ... ومصائب موصولة الدوران وأرى سعادة أهلها كالماء في الـ ... ــــــــسيلان أو كالثلج في الذوبان ورأيت أرباب الضلال تعاونوا ... في الإثم والتلبيس والعدوان

وعهدت جمهور الخلائق آثروا ... نقض العهود ونكثة الإيمان فطفقت أطلب سلوة لي حلوة ... مع كثرة الإمعان في الأعوان فعجزت عن وجدانها حتى بدا ... أن لا سبيل إذًا إلى الوجدان أتحفت سلطان الورى بقصيدة ... تربي على الياقوت والمرجان سلطان أرض الله ناصر شرعه ... فيها وأهل الزيغ والطغيان لا زال ظل جلاله متمددًا ... أبدًا مع التمكين والإمكان وكلامنا في الدين أصبح واضحًا ... يبيض مثل الشمس في اللمعان يا رب إني كيف أقدر قدركم ... مع أنني من عنصر الإنسان لكنني ألزمت عقلي مدحكم ... في كل ما يسمو إليه لساني إن كان حقًا كان من توفيقكم ... أو كان مختلًا فمن شيطاني وله في الثناء على الله- سبحانه وتعالى-: [من الطويل] تتمة أبواب السعادات للخلق ... بذكر جلال الواحد الأحد الحق مدبر كل الممكنات بأسرها ... ومبدعها بالعدل والقصد والصدق تعالى عن الأذهان سلطان عزه ... وجلت معاليه عن التحت والفوق أجل جلال الله عن شبه خلقه ... وأنصر هذا في الغرب والشرق إله عظيم العدل والفضل والعلا ... هو المرشد المغوي هو المسعد المشقي رجاء جميع الخلق في جود وجوده ... ورهبتهم من قهره لا من الخرق فمن كان في عرفانه كان في الهدى ... ومن كان في عصيانه كان في المحق ومن ظن أن العدل يدرك كنهه ... فقد صار عرفًا في الضلالة والحمق ولما رأينا كل جسمٍ مركبًا ... علمناه محتاجًا إلى الموجد المبقي فمبدئ كل الممكنات منزه ... عن الشكل والمقدار والجمع والفرق ولما وجدنا جسمنا متركبًا ... من العظم والغضروف والجلد والعرق وشحما لمرآنا وعظمًا لسمعنا ... ولحمًا سحيقًا للبنان وللنطق قضى العقل منه انه متولد ... بتدبير خلاقٍ يدبر بالرفق ومما يقوي كونه متعاليًا ... عن الطبع والإيجاب والغلق والفلق تفاوت أوصاف الذوات بأسرها ... من الوضع والمقدار والخلق والخلق

ومما يقوي كونه موجب ... تفاوت حال الحلق في الرتق والفتق ومما يجلي حلمه واقتداره ... تخالف وصف البحر في السكر والبثق ومما يزيل الريب عن صدق ديننا ... عجائب حال الحمل في منتهى الطلق براهين دين الله جم كثيرة ... .... وفي الجري والبعد والسحق ومن دان للدين الحنيفي عقله ... يصير مدى مسراه في ليله طلق ومن عجب الأقدار دولة جاهل ... ومكث لبيب في الكدورة والرنق وكم قد رأينا جاهلًا ملك الورى ... وكم قد رأينا كاملًا ضيق الرزق يجد فلا يجدي ويسعى فلا يرى ... ويبعث يوم الحشر بالأعين الزرق وكم أحمق قد ساد بالحمق عالمًا ... وكم من بلاءٍ جر بالعقل والحذق عجائب آيات تعاظم وصفها ... على الحكماء اللسن والألسن الذلق ولاح بأن الكل من حكم حاكمٍ ... سرى حكمه في الطول والعرض والعمق إلهي لساني في ثنائك قائم ... وموقف نفسي موقف الذل والرق ولكن ذلًا عند بابك عزة ... وشبهة ذاك الرق خيرٌ من العتق حرارة حب خالطت حبة الحشا ... أبى الحب فيه أن يلين لمسترقي وقال أيضًا: [من البسيط] حكم جرى قبل خلق الخلق في الأزل ... فليس ينقض بالتدبير والحيل وإنما هي أرزاق مقدرة ... تدنو وتبعد لا بالجد والكسل وله يذكر ما كان في خلقه من الشراسة والحدة: [من البسيط] أشكو إلى الله من خلق يعنيني ... ويمحق النور من عقلي ومن ديني حرارة في مزاج الروح محكمة ... تبدو فتنمو فتغويني وترديني وقال أيضًا: [من البسيط] أرى معالم هذا العالم الفاني ... ممزوجة بمخافاتٍ وأحزان أحواله مثل أحوالٍ مفرغةٍ ... وشره في البرايا دائم داني وقوله أيضًا: [من السريع] أيا صفيًا حبه واجب ... على ذوي الفضل وأصحابه

وعلمه قد بان برهانه ... في مجلس الخامل والنابه قد جاءك المذنب مستغفرًا ... عن سيء القول وأسبابه فارجع إلى لطفك فيما مضى ... حتى يتم اللطف في بابه وله أيضًا: [من الطويل] إليك إله الحق وجهي ووجهتي ... وأنت الذي أدعوك في السر والجهر وأنت غياثي عند كل ملمةٍ ... وأنت معاذي في حياتي وفي قبري [614] محمد بن إبراهيم بن أحمد بن طاهر بن محمد بن طاهر بن أحمد بن أبي الفوارس، أبو عبد الله الخبري الفارسي. ولد بخبر- وهي مدينة بفارس- ونشأ بها؛ ثم شخص إلى الديار المصرية، ولم يزل ساكنًا لها إلى أن مات يوم الخميس آخر النهار السابع عشر من ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ودفن بزاويته المبنية بمعبد ذي النون المصري الزاهد- رضي الله عنه- وكان عمره مائة وأربع عشرة سنة. وكان من علماء زمانه، وأبرعهم في علم الحقيقة، والطريقة، والتوحيد، والشريعة، أوحد وقته في التصوف، والزهادة، والاجتهاد؛ علمًا وحالًا وطريقةً بحيث لم ير مثله في علو حاله، وصحة الحكم بالفراسة، وقوة الهيبة وشدتها، وصنف

تصانيف كثيرةً في معاني الصوفية، وأحوالهم السنية. وكان فقيهًا شافعي المذهب؛ أصوليًا متكلمًا، عالمًا بأخبار القوم، من أولياء الله الصالحين، وعباده العارفين، صاحب فضائل مسطورة، ومناقب مشهورة، وكرامات ظاهرة، وأحوال باهرة، أسند الحديث وراءه عن أبي طاهر احمد بن محمد بن أحمد السلفي، وأبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي وغيرهما. من تصانيفه: كتاب: نسك الأبرار وسر الإسكار"، جمع فيه بين علمي الحقيقة والطريقة وعلم الشريعة في الرقائق. وكتاب "دلالة المستبهج إلى معالم المعارف"، ورسالة المستبهج إلى عوالم العوارف- تتضمن أحوال الصوفية- وكتاب "مطية النقل وعطية العقل" في علم الأصول. وكتاب "الإعانة على دفع الإغانة" في الفرق من الفقراء والصوفية والمتصوفة. وكتاب "جمحة المنها من لمحة المها"- يذكر فيه كيفية العباد من أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإلى غير ذلك من المصنفات. أنشدني أبو الثناء محمود بن علي بن إبراهيم الخوارزمي؛ قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفارسي لنفسه: [من الوافر] إذا القمري فوق الأيك غنى ... أعان على الهوى صبًا معنى يذكره زمانًا بالتصابي ... إذا ما لحن الحان حنا ألا من ذا يعلل قلب صب ... يجن جوى إذا ما الليل جنا وإن أبصرت مغنى الحي قف بي ... على مغنى لقلبي فيه مغنى لئن أسقى الهوى العشاق كأسًا ... فإني قد سقاني منه دنا ومن سكري نسيت اسمي ونعتي ... ولكن بالهوى أسمى وأكنى قبح باسم الحبيب ونح بشجو ... على صب بوصلٍ ما تهنا وقل لي هل يعود زمان وصلٍ ... بتلك الدار إذ كانوا وكنا وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الرمل] سقني طاب الصبوح ... ما ترى النجم يلوح سقني كاسات راحٍ ... هي للأرواح روح

عن لي باسم حبيبي ... فلعلي أستريح نحن قوم في سبيل الـ ... ـــــــحب نغدو ونروح نحن قوم نكتم الأسـ ... ـــــــــــــرار والدمع يبوح [615] محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن إبراهيم، أبو جعفر الرازي الفقيه الحنفي المدرس إمام أصحاب أبي حنيفة في وقته. نزل الموصل وتولى بها التدريس، ولم يزل بها مقيمًا، إلى أن توفي في شهر رجب سنة خمس عشرة وستمائة، ودفن ظاهر البلد بمقبرة المعافى بن عمران- رضي الله عنهما-. وكان أوحد عصره في العلوم، حسن القيام بها، والافتتان فيها، وكان في الفقه والخلاف والأصول والكلام ذا تقدم، وله حظ في الترسل والكتابة، وقرض الشعر- عربيه وفارسيه- والنحو واللغة وغير ذلك في علومٍ أخر؛ كالطب والمنطق والفلسفة، والموسيقى، والهيأة، والهندسة، والنجوم، ثم ينضاف إلى ذلك علم الفرائض والحساب والتفسير والقراءات. له من التصانيف؛ كتاب في الفرائض حسن، وكتاب في مذهب الإمام أبي حنيفة- رضي الله عنه- وكتاب "النوري في تهذيب مختصر القدر"- عمله لأتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود- رضي الله عنه- وكتاب على نحو التذكرة لابن حمدون. أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الكريم الحنفي- رحمه الله تعالى- قال: أنشدنا شيخنا الإمام أبو جعفر محمد بن إبراهيم الحنفي لنفسي، من قصيدة مدح به أتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود: [من المنسرح] عز اصطباري وضاقت الحيل ... أني يداوى الملال والملل

لا جفون سيوفها المقل ... وراشق باللحاط ينتضل ما أسهرت مقلتي على ظمأ ... بها إلى الغمض أعين نجل كلا ولا شفني المخلخل والـ ... ـــــمعصم فعمًا والفاحم الرجل لكن دهرًا معاندًا حنقًا ... لوى حقوقي لأمه الهبل ألزم حظي حطيطة وسمت ... بعزي الشامخات والقلل أدى معان الآلاء محتفلًا ... لا ناقةٌ فيه لي ولا جمل لي همةٌ دونها مدى زحلٌ ... ففيم هزلًا يسف بي الأمل ومنها في المدح: يا دهر قسرًا فناصري الملك الـ ... ـــــشهم الغيور الحلاحل البطل وأنشدني الإمام الفاضل قوام الدين أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم الحنفي؛ قال: أنشدني والدي الإمام أبو جعفر لنفسه، ووصى أن تكتب على قره: [من الطويل] عجب لمن قد جاء يحدى بماله ... ولم يدخر ذخرًا جميلًا لهالها جزعت لمن واريت عنك ولو بدا ... لعينك ما واريت عنها لهالها [616] محمد بن أحمد بن جبير بن محمد بن جبيرٍ، أبو الحسين الكناني البلنسي الوزير الكاتب.

وزر لصاحب الأندلس الأمير أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن. وكان شاعرًا مجيدًا، عالمًا بليغًا، ذا أدبٍ كثير، وفضلٍ شهير، له قصائد مسمطة، ورسائل مدونة، وشعر فصيح، وترسل مليح، وموشحات بارعة، وكتابة رائعة. رحل إلى الإسكندرية وسكنها، إلى أن توفي بها يوم الخميس سلخ شعبان سنة خمس عشرة وستمائة. وأنشدني الفقيه أبو موسى عيسى بن سلامة الإسكندري المقري باربل سنة خمس وعشرين وستمائة؛ قال: أنشدني الوزير أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير لنفسه في الحجاج: [من الرمل] يا وفود الله فزتم بالمنى ... فهنيئًا لكم أهل منى قد عرفنا عرفات معكم ... فلهذا برح الشوق بنا نحن بالمغرب نجري ذكركم ... فغروب الدمع تجري هينًا أنتم الأحباب نشكو بعدكم ... هل شكوتم بعدنا من بعدنا علنا نلقى خيالًا منكم ... بلذيذ الشوق وهنا علنا لاح برق موهنًا من أرضكم ... فلعمري ما هنا العيش هنا صدع الليل وميضًا وهنا ... فأبينا أن نذوق الوسنا كم جنى الشوق علينا من أسى ... عاد في مرضاتكم حلو الجنى

ولكم بالخيف من قلب شج ... لم يزل خوف النوى يسلو الضنى ما ارتضى صالحه الصدر له ... سكنًا منذ به قد سكنا فنناديه على شخط النوى ... من لنا يومًا بقلبٍ ملنا سر بنا يا حادي العيس عسى ... أن تلاقي بوم جمع سربنا ما عنى داعي النوى لما دعا ... غير صب شفه برح العنا شم لنا البرق إذا هب وقل ... جمع الله بجمع شملنا وأنشدني الشيخ الإمام الفاضل أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي الدمشقي القرطبي بدمشق؛ أنشدني الوزير الأجل أبو الحسين بن جبير لنفسه: [من الوافر] أراك من الحياة على اغترار ... ومالك بالإنابة من بدار وتطمع في البقاء وكيف تبقى؟ ... وما الدنيا لساكنها بدار وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الوافر] ينيل المرء تبصرة وذكرى ... إذا ما ابيض فواده وشابا وما يرجى لتوبته قبول ... إذا مزج الرياء بها وشابا وأنشدني أبو الوليد إسماعيل بن عبد الله بن إسماعيل البياسي، بمحروسة حلب في سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير بالإسكندرية، بمسجده بحارة رزبة لنفسه: [من الكامل] يا زائرًا لم يقض أن ألقاه ... دهر يعوق عن الذي أهواه ضن الزمان وقد سمحت فلم يكن ... من زرته للحين في مغناه يا ويحه لعظيم أنس وفاته ... إن لم يذب كمدًا فما أقساه لما وجدءت فناء داري عاطرًا ... أيقنت انك قد وطئت ثراه وطلبت للتقبيل فيه موضعًا ... فإذا الحيا المنهل قد عفاه لم يبق من أثرٍ لوطئك في الثرى ... فجعلت ألثم حيث تم شذاه حتى الغمام يعوق عما أبتغي ... ياما أكابده وما ألقاه وأنشدني الشيخ تاج الدين أبو الحسن محمد بن علي بن أبي بكر القرطبي

الدمشقي، بها سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني الوزير الأجل العالم أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير لنفسه بدمشق سنة خمس وثمانين وخمسمائة: [من المتقارب] صحبت الزمان وقابلته ... بصبرٍ جميلٍ إذا الخطب نابا وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من المجتث] أقصر عن الغي كم ذا ... تدعى لرشدٍ وتابى لا يسلم العبد إلا ... إن استقام وتابا وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من مجزوء الخفيف] قل إذا جئت مجلسًا ... وسمعت المزاح مه؟ واجتنب كل موردٍ ... فيه تلقى المزاحمة وأنشدني؛ قال أنشدني له: [من المتقارب] خلعت العذار بشيب العذار ... فما يقبل اليوم منك اعتذار وقالوا المشيب وقار الفتى ... وهذا المشيب فأين الوقار؟ جلا صحبه عنك ليل الشباب ... فشمسك مؤذنة باصفرار أراك صحبت حياة الغرور ... وتسحب جهلًا ذيول اغترار ألست ترى كدرًا صفوها ... ونجمك قد مال يبتغي انكدار وكيف تنام على غرة ... وسيف المنية ماضي الغرار فلو كنت تحذر صرف الردى ... إذًا لنفى النوم عنك الحذار عبرت مراحل عمر الأشد ... ولست أرى لك فيها اعتبار وجرت بها عن طريق الهدى ... ضلالًا وتغدو غدًا أن تجار أتاك الرحيل فشمر له ... فإما إلى جنةٍ أو لنار! وكيف تقر بدنياك عينًا ... ولم تدر أين يكون القرار؟ وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضًا من شعره: [من الوافر] بني الإسلام جدوا في الجهاد ... بسمر الخط والبيض الحداد وبيعوها فربكم اشتراها ... نفوسًا تربحوها في المعاد

عدوكم بعقركم مقيم ... ليستولي على تلك البلاد وبيت القدس يفرق كل يوم ... حذارًا أن يعود إلى الأعادي ودين الله يلحظه اعتناءٌ ... بجفن قد تكحل بالسهاد فسلوا المشرفية واستقلوا ... بها فوق المسومة الجياد فليس يفوز بالحسنى سوى من ... تدرع بالجلادة للجلاد ومن نثره ما كتبه إلى الشام متشوقًا شيخ الشيوخ بن حمويه جواب كتاب صدر منه إليه: "صدرت المخاطبة العزيزة الفلانية، حرس الله سناءه وسناه، ويسر له كل أملٍ وسناه، وعرفه بعد طول العمر حسن خواتم منساه، بما يصدر عن مثله، ويصيق بفضله، والفضل لا ينكر على أهله، وعلم الله أني إليه .... بالأشواق، وكيف لا ومن اق طيب شيمة الكريمة بم يشبع من ذواق، وحصل من محبته ويبقيه، ومن كل مكروهٍ يقيه، وإلى كل معلوة يرقيه. وكتب إليه أيضًا شافعًا في رجلٍ من فقراء أهل بلده، أن ينزل في موضع يرتزق منه، وقد كان يكرر القول فيه، كان ق تقدم وعده الكريم: "لشيخ الصالح فلان أن ينزل مع الصوفية- نفع الله ببركتهم- أو يرتب له إمامة مسجد في هذا الشهر الشريف، فإذا كان قد تيسر ذلك فهو يسأل إنجازه، وإن تعسر ذلك لسوء حظه، فليس له سوى بابه المقصود، ولا يرد عند ظمئه سوى بحر كرمه المورود، فقد أسمع لسان الحال عنه- أدام الله سؤدده-[من الطويل] إلينا اقصدوا يا معشر الركب إننا ... نرى العار أن نمنى بغير وفود فإن كان قد تيسر ذلك فهو يسأل إنجازه، وهذه ليال عظم الله بركاتها عليه، وساق أجر الداعين فيها إليه، لا يحتمل الصبر على إفراط الضرورة البشرية، واللوازم الجثمانية سيما مع العيال، وفرط الإقلال، وما كتبها إلا وقد تحققت أنه انتهى إلى حالة لا يستطيع معها صبرًا، وتمسك بذيل المراحم الشيخية، وقد طفق لسانه /ب 66/

يقرأ: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرًا} ". قال الشيخ: وكتب إليه أيضًا من الإسكندرية متشوقًا، أو شافعًا، ومقصودي ذكر فضله، ونشر ذكره، لا وصف ما وصفني، ثناء على حسن ظنه، لا على حقيقة الحال؛ صدرها بهذه الأبيات وهي له: [من الطويل] سلام كأزهار الربيع نضارة ... وحسنا على شيخ الشيوخ الذي صفا ولو لم يعقني العذر عن قصد ربعه ... سعيد كما يسعى الملبي إلى الصفا ولكن عداني عنه دهر مكدر ... ومن ذا الذي واتاه في دهره الصفا أصدرت هذه اللمعة والشوق إلى خدمته مستعر اللهب، وأدعيتي في ضمن ذلك متتابعة الأوراد والنوب، ولست أرى الإغراق، في إيضاح ولائي الذي راق، لتحققي إحاطة المعرفة الكريمة بعقائد أولى الوفاق، والله سبحانه، يوفقني لشكر ما منحته من جميل ولائه ووداده الذي خلصا لي بغير استحقاق. وهذه التحية تصل على يد فلان، وهو أعز أهلي وأخلائي، ولاؤه للشيخ السيد فلان كولائي، وما فتئ منذ حظي باجتلاء محاسنه الباهرة، واختبار أخلاقه الطاهرة، من قلادة صحف الثناء المحبر، والإطناب فيما برز فيه على مادح كتب وعبر. وقد قصد الخدمة، ويا ليتني كنت معه! ، وأحفظني الأيام بما أخطت مرآه ومسمعه؛ على أني وإن كنت .... ، فلست من درك الأمل قانطًا: [من الطويل] (فقد يجمع الله الشتيتين بعد ما ... يظنان كل الظن ألا تلاقيا) وقد قصد ذلك الربع المعمور، والرباط الذي هو قبلة لمجد المشهور، وكفلت له عني السيادة بأن يتلقى بالترحيب والتأهيل، ويمد بالمساعدة المفضية به إلى درك التأميل".

[617] محمد بن أحمد بن سليمان، أبو عبد الله الزهري الأندلسي، من أهل إشبيلية. قال أبو عبد الله الدبيثي في مذيله: "قدم الزهري صادرًا عن مكة في سنة تسعين وخمسمائة، وأقام بها مدة وسمع من شيوخ ذلك الوقت؛ كأبي القاسم ذاكر بن كامل الخفاف، وأبي محمد عبد الخالق بن عبد الوهاب ابن الصابوني، وأبي الرضا أحمد بن طاهر، وأبي الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب، وجماعة من أصحاب أي علي ابن المهدي، وأبي الغنائم ابن المهتدي، وأبي طالب بن يوسف، وأبي القاسم بن الحصين ومن بعدهم، وسمع معنا. وكان فيه فضل، وله معرفة بالأدب، ويقول الشعر. وسافر عن بغداد، وأقام بأصبهان مدة، وسمع من أصحاب أبي علي الحسن بن أحمد الحداد، ومن بعده. ثم انتقل إلى الكرج واستوطنها، فهي اليوم قبر له؛ وقد حدث عنه، وسمع منه أهل البلد، ومن ورد إليه". وكان رجلًا فاضلًا، وسمع وكتب بخطه الكثير، وحصل في بلاد الجبل، واستوطن بروجرد، وتأهل بها، وصنف تصانيف في الأدب منها: كتاب "شرح الإيضاح لأبي علي الفارسي"، وكتاب "شرح اليميني لأبي النصر العتبي"، وكتاب

في البلاغة، وغير ذلك. وأقام هناك إلى أن دخل التتر- لعنهم الله تعالى- البلاد، فقتلوه في جملة من قتلوا وذلك في شهر رجب سنة سبع عشرة وستمائة. أنشدني أبو عبد الله محمد بن سعيد الواسطي قال: كتبت إلى أبي عبد الله الزهري، حين قدم بغداد بهذه الأبيات: [من الطويل] إذا عد أهل الفضل والعلم والخبر ... فحي هلا بالحافظ العالم الزهري فتى جمع الآداب والنسك والتقى ... وفاق بني الأيام في النظم والنثر وأتقن علم النقل عنء كل حافظ ... وأسن ما يرويه عن ثقة حبر لقد شرفت بغداد إذ حل أرضها ... وتاهت به فخرًا على الأنجم الزهر وزاد به فخرًا فتل ظل خدنه ... ولاذ به يومًا وإن قل في الدهر قال: فكتب إلي عن هذه الأبيات جوابًا على وزنها وقافيتها: [من الطويل] أيا فاضلاً فوق السماكين قدره ... إذا عد أهل الفضل والعلم والخبر أتتني من أبكار فكرك خرد ... متى ضل سار في الدجى فبها يسري نظمت بها الدر النيثر فأصبحت ... لها قيمة أعلى وأغلى من الدر فأنت إمامٌ للجميع مبرز ... تفوق جميع الناس في النظم والنثر تقدس إذ شرفته عبد نعمة ... بحي هلا بالحافظ العالم الزهري لأنك ميمون الطليعة ماجدٌ ... وحبرٌ نبيلٌ عالمٌ أيما حبر لقد شرفت كل البقاع بقربكم ... وسدتم بني الأيام في البدو والحضر

[618] محمد بن بختيار بن عبد الله البغدادي، أبو عبد الله. نزل البصرة، فتولى بها سنة خمس وستمائة، وكان يصنع الشعر المقارب على البديهة، إلا أنه لم يشهر به. أنشدني أبو القاسم أحمد بن علي بن بختيار البغدادي من لفظه؛ قال: أنشدت عمي أبا عبد الله محمد بن بختيار، من نظمي وهو: [من الكامل] قسمًا بمن سكن الفؤاد وإنه ... قسمٌ له لو تعلمون عظيم فأجازه ارتجالًا وأنشدنيه: [من الكامل] إني به صبٌ كثيبٌ مدنفٌ ... قلق الفؤاد مولهٌ مهموم لا أستطيع مع التنائي سلوة ... حتى الممات وإنني لسليم فتعطفوا بالوصل بعد تهاجرٍ ... فالصبر ينفذ والرجاء مقيم ولقد سلبت صبابتي وتتيمي ... حتى تجود به وأنت رحيم يا مالكين بحبهم أرواحنا ... ظامٍ على تياركن يحوم أنشدنيها أبو القاسم أحمد: يا مالكين بحبهم زمر الحشا ... ............................................. وليس لما أنشدني معنى؛ ثم قال: هكذا أرويه.

[619] محمد بن أحمد بن الحسن بن غنيمة، الواعظ الواسطي وهو ابن أخت الشريف العالم أبي طالبٍ عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي العباسي. سمع الحديث بواسط وبغداد والموصل وحران ورأس عين وحلب ودمشق وبيت المقدس. روى عن أبي الفرج بن الجوزي. وله رسائل معجبة، وخطب منتخبة، وأشعار جيدة، وهو واعظ فقيه شافعي المذهب، محدث له معرفة بأصول الفقه والوعظ، وعلم التفسير، على قدم الصلاح والانقطاع والزهد في المناصب الدنياوية. وندب إلى قضاء واسط في أيام الإمام الناصر لدين الله مرارًا، فما أجاب إلى ذلك؛ وكانت وفاته سنة سبع وثلاثين وستمائة. أنشدني جعفر بن محمد بن أحمد الخسرسابوري؛ قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسن لنفسه، في صدر كتاب كتبه إلى الرشيد أبي حفص عمر بن محمد الفرغاني: [من مجزوء الكامل] حرف النداء وبعده ... لفظًا يدل على التمني أتلو إذا ما عن لي ... ذكراك يا من غاب عني وحدثني أيضًا؛ قال: كتب إلينا الرشيد الفرغاني كتابًا من بغداد بعد مدة طويلة، وكان قد حج وأقام بالشام سنتين، ويذكر فيه أهلي وأقاربي، ويعتذر فيه عن طول غيبته عنهم؛ فرأى أبو عبد الله الكتاب قبل وصوله إلينا، ففضه ووقف عليه، وكان قد رأى في

المنام بشرى تدل على مقدمه، فقدم كتابه من الغد؛ فقال في ذلك: [من الكامل] لما نظرت كتابه متلألئًا ... نورًا يضيء له الظلام ويسفر أقبلت نحو الأرض أسجد شاكرًا ... لله جل جلاله وأعفر وغفرت للأيام كل جريمةٍ ... وبمثل ذا الوصل الجرائم تغفر حاشا رشيد الدين مما ظنه الـ ... ـــــــجهال حين مضى، ومما قدروا ظنوا به ألا يعود وظنهم ... إثمٌ عليهم في الصحائف يسطر يا ليتهم إذ قصرت عن فعله ... أفهامهم تركوا الملام وأعذروا فاشكر أبا الفرج الإله على الذي ... أوتيته فبمثله لا يظفر سعدي فتاتك حين أمسى بعلها ... عمر وأدرك ما يؤمل جعفر يا رب حقق ما أريت محمدًا ... فبمقدم ابن محمد يستبشر حقق بنا ما قدرت أوقاته ... من وصله فالموت أمر يحذر واسلم رشيد الدين واعذر من غدا ... شعفًا بمقدمك المبارك يشعر وكتب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسين الواسطي لنفسي إلى الرشيد عمر بن محمد الفرغاني: [من البسيط] هذا كتابي ولو أني استطعت إذن ... كنت الكتاب لما ألقاه من قلقي لا تحسبوني على ما تعهدون فما ... أبقى فراقكم مني سوى رمقي ولو مضى الكل مني لم يكن عجبًا ... وإنما عجبي في البعض كيف بقي ووجدت له فضلًا، كتبه إلى بعض الفضلاء الكبراء لا تخلو كلمة منه من سين: [من السريع] سامق وسس واسم وسر سالمًا ... واستأسر الأسد وسد واسعد واستفرس من الفرسان مستظهرًا ... بالسمهري الأسمر المسعد وساجل السحب وتسكابها ... فسيبك السحاح بالعسجد وسام واستعل سنام السطى ... مستخدمًا للسعد والسؤدد

[620] محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الجبار، أبو الغنائم الخسرسابوري الواسطي. وخسرسابور من عمل واسط. كان ذا ميز وأدب، حافظًا جملةً من أشعار العرب، مغتنيًا بالكتابة والشعر. كان مولده بخسرسابور سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بها في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة. أنشدني ابن أخيه جعفر بن محمد بن أحمد الخسرسابوري قال: أنشدني عمي أبو الغنائم لنفسه: [من البسيط] إرحل عن اللهو والأوطان والطرب ... واحلل بربع العلا لا مربع اللعب واشرب كؤوس المعالي واصطبح ثملًا ... بالبيض والسمر لا من قهوة العنب واجعل ملاقيك صوت الصافنات إذا ... ما الشمس غابت وشمس الحرب لم تغب وأنشدني؛ قال: أنشدني عمي لنفسه، وهو مما قاله في صباه ببغداد يتشوق أهبه من جملة أبيات: [من الطويل] أيا شجراتٌ بالمصلى قديمة ... سلام عليكن الغداة سلام ويابان كثبان الحنينة هل لنا ... بظبك من بعد البعاد مقام خليلي عوجا بالجزيرة ساعة ... فلي بثنيات الشطيب غرام

[621] محمد بن إسماعيل بن حمدان، الشيخ الأديب، أبو بكرٍ الحيزاني مولدًا. أقام بالجزيرة العمرية، واستوطنها، وكان جمهوريًا من أهل السنة، حافظًا للقرآن الكريم، فقيهًا شافعيًا، يعرف الأدب جيدًا. امتدح الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب على الموصل، وكانت جائزته ثلاثمائة دينار، وتشريفًا وفرسًا، وولاه حسبة بيت المقدس، ثم تقلد القضاء بنابلس، وعاد إلى الجزيرة، وصار محتسبًا، وبقي إلى بعيد الستمائة. أنشدني أبو الحسن علي بن عثمان بن دينة الواعظ الجزري، قال: أنشدني أبو بكر محمد بن حمدان لنفسه، يمدح الملك الناصر صلاح الدين- رضي الله عنه-: [من البسيط] لما رأتني مجدًا أزمع السفرا ... وأنها بعد عينٍ لا ترى أثرا قامت تودعني في الليل سافرة ... فقد السفر أن الصبح قد سفرا ثنيت أثناء كمي دون صفحتها ... وقلت ناموا فبرق في الظلام سرى سأبتغي الغاية القصوى فإن سلمت ... روحي رجعت وإلا فسمعي خبرا بيني وبين الغنى ما بين راحلتي .. وأرض مصر ولكن ربما قصرا لبيس الغنى لي في أرضٍ ولا بلد ... لكنه في يدي ملك إذا ذكرا خرت ملوك بلاد الله ساجدة ... اثني عشر كوكبًا والشمس والقمر كان أبو بكر بن إسماعيل بن احمد بن حمدان الجزري، له محبوب فجرى بينه وبينه كلام فتغاضبا، فبقي مدة سبع سنين هاجرًا له، لم يكلمه، فرآه ذات يومٍ راكبًا فلم يحس به أبو بكر إلا وقد نزل يقبل يديه ورأسه، وقال: إلى كم هذا الجفاء

والهجران؟ أما آن لك أن تغفر هذه الزلة والخطيئة؟ وأخذ في الاعتذار والتنصل من ذنوبه، فصالحه أبو بكر، وأقبل عليه، وتعاتبا ساعة؛ والغلام قد صار شابًا ذا لحية، فحين انفصل وذهب أبو بكر إلى منزله، عمل فيه هذه الأبيات. على أن فيه أبياتًا كثيرة مختارة، يستحسنها أهل الفضل، ويستجيدها أولو الأدب؛ وديوان شعره يحتوي على أربع مجلدات؛ منها مجلد استفرغه في مدح أهل البيت- صلوات الله عليهم- ومجلد أفرده في صاحب الجزيرة معز الدين سنجرشاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آنقنسر، ومجلدان في ضروبٍ من الشعر مختلفة الأوصاف؛ وهذه الأبيات: [من الطويل] تمرد لما كان في الحسن أمردًا ... فلما تبدى الشعر في وجهه هدا [أتاني بوجه الإعتذار من الجفا ... وقد خشن الخد العذار وكدرا] وأظهر وصلًا بعد ما كان جافيًا ... ولان وأرضى بعد ما جار واعتدى وسود منه الشعر ما كان أبيضًا ... وبيض مني الدهر ما كان أسودا وقال: سلام، قلت: لا مرحبًا بمن ... أتاني لما قلت: روحي لك الفدا ولم يرض بي عبدًا وأصبح يرتضي ... على الرغم منه عبد عبدي سيدًا وأبعدته لما دنا في الهوى كما ... تدانيت منه قبل ذاك فأبعدا وأشفيت منه الحاسدين كما جفا ... وأشمت بي الواشين في الحب والعدا وقلت له: تالله إنك ميت ... وإن اللحى للمرد رائدة الردى فصبح الجبين الصلت قد ضل مظلمًا ... وسيف سنى جفنيك قد عاد مغمدًا وهذا شقيق الخد قد حال لونه ... وعاد يبيسًا بعد ما طله الندى وريقك أضحى آسن الطعم مالحًا ... وقد كان قبل اليوم عذبًا مبردًا ونكهتك المسكينة النشر أذفرت ... وأنتن رياها الذكي وأفسدا وساقاك لا تبقى من الشعر آنفًا ... ولو خضت مع بلقيس صرحًا ممردًا فقطب من قولي وأطرق مفكرًا ... وصعد أنفاس الأسى وتنهدا

وأقبل من بعد انكسارٍ وذلةٍ ... يريني منه شدةً وتجلدًا وقال: لقد بالغت في وصف خلقتي ... وحسني كما [قد] كنت كالبدر إذ بدا وشبهتني بالريم والظبي والرشا ... وسميتني أحوى غريرًا وأغيدا أنا البدر لكن المحاق أضلني ... فصرت هلالًا والأهلة تفتدى أتذكر إذ عانقتني ولثمتني ... وقبلت صحن الخد حتى توردا وأرشفتك الريق المعسل واللمى ... وألثمتك الثغر النقي المنضدا فأوف بعهدي وارع لي حق ما مضى ... فمثلك من يرعى لمثلي التوددا فهذا أخي إن مت فهو خليفتي ... يقوم مقامي ثم ولى وأنشدا: (إذا سيدٌ منا مضى لسبيله ... أقمنا بأطرف الآسنة سيدًا) فلا يحسن الله العزاء لثاكل ... بكى أسفًا حزنًا عليك وعددا لأنك ميت لا يعزى فقيده ... ولا يرحم الله العظيم له صدى [622] محمد بن عمر العماري الميورقي. [من مجزوء الرجز] هل للقا من موعد ... يا غيد المقلد أما تراني من هوا ... ك في المقيم المقعد وأنت عيني .......... ... في حسنك المجدد تلعب بي لعب الصبا ... بقدك المأود مهما .............. .... ...... فقل إلى غد فلا أنا بمقصر ... وأنت لست مسعدي لحظك لي مثاقفٌ ... عن خدك المزرد وقد جمعت نفرة الـ ... ــــــظبي وبطش الأسد وليس منك [من] حمى ... إلا حمى المؤيد فقال لي كن آمنًا ... وأبشر بنيل المقصد إن المؤيد الذي اسـ ... ـــــتنجدت خير منجد

أشهر أهل الأرض في ... مكارم وسؤدد أقدمهم في شرف الـ ... ــــــأصل وطيب المحتد أطولهم يدا ندى ... أولهم في مشهد أعزهم جارًا واو ... فاهم بحسن موعد أما سمعت فضله ... يروى بكل بلد وأنه ينطق عن ... بحر علومٍ مزبد أما سمعت مدحه ... في فم كل منشد هو الكبير قدره ... في صورة المقتصد كم من يدله على ... هذا الورى كم من يد دامت له النعمة والـ ... ــــسعد دوام الأبد [623] محمد بن جعفر بن الحسن، أبو الخطاب الربعي المنقوشي. نسب نفسه إلى ربيعة الفرس؛ وكان من قريةٍ تسمى المنقوشية من قرى النيل. كان شابًا خفيفي العارضين، له طبع مؤات في الشعر، وفيه لطافة، صالح الأدب والنظم؛ خرج عن وطنه، وألحق بأمراء الشام، وأقام هناك معدودًا من شعرائهم؛ ومات بالرقة سنة اثنتين وعشرين وستمائة. أنشدني الوزير الصاحب أبو البركات المتسوفي؛ قال: أنشدني أبو الخطاب الربعي لنفسه حين قدم إربل سنة أربع وستمائة: [من المنسرح] مالي على الهجر والنوى جلد ... إن قرب الظاعنون أو بعدوا وفندتني العذال من سفه ... وذو الهوى لا يفيده الفند لا أفقر الجزع من أميمة والـ ... ـــــــسفح ولا ضارجٌ ولا السند يا صاحبي انظرا بمنعرج الـ ... ـــــــــــوادي إذا ما تألق الجرد

هل تونسان الظباء سانح ... قد شابهتها الكواعب الخرد تهيج أطلاؤها الغرام إلى ... أجياد بيضٍ يزينها الجيد تذكرني كل شادن خرق ... وردية الخد ثغرها البرد بانت مع الجيرة الذين سروا ... وبي لبين الأحبة الكمد كيف اصطباري والغور منزلها ... لا كثبٌ دارها ولا صدد وأنشدني عبد الرحمن الصيقل الشاعر، قال: أنشدني أبو الخطاب لنفسه من قصيدة: [من الطويل] متى لاح الورد آس عذاره ... فجنته حفت بأهوال ناره غربرٌ جرى ماء النعيم بخده ... فزاد اتقاد النار في جلناره عجبت له بدرًا كواكب راحه ... جلتها على الجلاس شمس عقاره دراري تبدي الدر وسط نظيمه ... بجيد عروس نقطت بنثاره إذا طلعت غابت فكم حبب لها ... صغارٌ لآلي عقدها من كباره متوجة تاجًا ترصع حبه ... بياقوتها القاني وذوب احمراره تناولها من أكلف اللون فاحم ... صباحًا إلى أن تستقن نفاره فجاءت كرقراق السراب رقيقه ... سلاف شراب دار قبل اعتصاره وطاف بها تحكيه خدًا ورقة ... فعربد لحظٌ ما صحا من خماره لها شف في وجنتيه مخلق ... يديم صبوح شربها غير كاره يغني لنا صوتنا يلذ استماعه ... على دجلةٍ فالجابري فكاره وقال يمدح الأمير الحاجب أمين الدين أبا الدر ياقوت بن عبد الله النوري الموصلي الكاتب- رضي الله عنه-: [من البسيط] يا ربع علوة بالجرعاء حيينا ... ومن خطوب البلى والدرس وقيتا ولا عدتك عوادي المزن صيبة ... بل صوب منهمر الأرجاء سقيتا أين استقلت حمول الظاعنين بهم ... لما تقلبت البدن السباريتا سروا عجالًا يؤمون الكثيب ضحى ... وخلفوني يوم البين مبهوتًأ أسح في دمن الأطلال منسربًا ... كالدر وشحة الكتان ياقوتا تبًا لأحداث أيامٍ مفرقةٍ ... ظلمًا أرتني جمع الشمل تشتيتًا

تلتفت مقلتي والعيس دالجة ... إلى العراق وقد جاوزت تكريتا وكيف صبر بعيد الداري مغترب ... عن أهله فارق الشم المصاليتا سرى فسري عنه الهم أجمعه ... أيان أم أمين الدين ياقوتا العالم العلم السامي الذي سمعت ... له البرية صوت الفضل والصيتا قال اليقين وقد ثورت راحلتي ... مهلًا ستبلغ منه كل ما شيتا يا من تعصب للآداب كن سندي ... فالجاه في الموصل الفيحاء أعطيتا أيقظت للعلم طرفًا لم يزل أبدًا ... مزملًا في ظلام الليل مسبوتا حتى غدوت بأفواه القبائل مو ... صوفًا وبالمجد والعلياء منعوتا بقيت ملجأ ذي حاجٍ ودمت على الآ ... عداء رمحًا ردينيًا وإصليتا وأنشدني أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد الأزدي؛ قال: أنشدني الربعي لنفسه، يرثي أبا الحسن علي بن نبيه الشاعر: [من الخفيف] شعراء الزمان إن المعاني ... والمعاني تبكي على ابن نبيه مات حسن القريض والحزم والفـ ... ـــــضل وحسن البديع والتشبيه كان عند الإنشاد آية موسى ... فالقوافي من بعده في التيه وأنشدني لنفسه وهو مقيم بآمد: [من الطويل] يقولون ها قطرٌبلٌ جنب دجلة ... عدمتك ألفاظًا بغير معاني أكرر طرفي ما أرى القفص دونها ... ولا النحل بادٍ من قرى البردان وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الحكيم سعيد، وكان قد اتصل بابن الملك العزيز، وتوفي بالقرية بالخبور، وكان المغسل له سعيد أيضًا: [من المجتث] يا ابن العزيز عزيزٌ ... علي أن تتوفى سقتك كف سعيد ... كأس المنية صرفا لو ذاقها منه عيسى ... لذاق في الحال حتفًا مغسلٌ وطبيبٌ ... هذا حكيمٌ مكفي

وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في رجلٍ من أهل دنيسر، يهجوه واسمه مقبل: [من الطويل] عجبت لمن سمى اللئيم ابن مقبل ... وما هو إلا مدبرٌ وابن مدبر ولو لم يكن من عترة اللؤم والخنا ... كفته المخازي أنه من دنيسر وقال يهجو: صاحب سنجار، ويمدح الملك الأشرف مظفر الدين: [من البسيط] قالوا: ابن زنكي سنجار له كرم ... قلت السدى والندى في آل أيوب هو الطفيلي لا ترجى مواهبه ... وأكله دائمًا من بيت يعقوب [624] محمد بن حيدرة بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب- صلوات الله عليهم وسلامه- أبو علي بن أبي المناقب الكوفي العلوي الحسيني الواعظ. وجده أبو البركات، عمر بن إبراهيم النحوي الكوفي، مشهور بعلم الأدب

والنحو. أبو علي كان واعظًا مليحًا معاشرًا، يتكلم على الناس، ويطوف البلاد على سبيل النجعة، ويرتفق بالوعظ، وعلى خاطره من التفسير والأشعار والنوادر والحكايات أشياء حسنة. أنشدني محمد بن سعيد الواسطي؛ قال: أنشدني أبو علي لنفسه: [من الطويل] أمرٌ سؤال الركب عندك أم عذب ... أمامك فاسأله: متى ترك الركب على أن وجدي والأسى غير نازح ... قصرن الليالي أو تطاولت الحقب نشدت الحيا لا يحدث الدمع إنه ... يغادر قلبي مثلما تفعل السحب ففي الدمع إطفاءٌ لنار صبابتي ... وزفرة شوق في الضلوع لها لهب فدع ذا ولكن رب ركب تحملوا ... وسيرهم ما إن يفارقه الخب [625] محمد بن حيدرة بن محمد بن نصر بن جامع بن المظفر بن الأمير ناصر الدولة أبي محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن غطيف بن مجرية بن جارية بن مالك بن عبيد بن عدي بن أسامة بن مالك بن

بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الحمداني البغدادي، أبو فراسٍ. من أهل الكرخ. هكذا وجدت نسبه، مقيدًا بخط بعض الفضلاء، وإن لم يكن محققًا، وفيه خلل؛ وكان يذكر أنه من ولد أبي فراس الحارث بن سعيد الشاعر المشهور ابن عم سيف الدولة. انتقل إلى نصيبين وأكثر المقام بها، فلذلك ينسب إليها، وتوفي سنة اثنتين وستمائة. وكان شاعرًا مبسوط اللسان هجاءً له في الهجاء أشياء يجيد في معانيها أنشدني أبو عبد الله محمد بن سليمان الموصلي المجلد؛ قال: أنشدني أبو فراس لنفسه، يهجو أهل سنجار: [من السريع] متى أرى سنجار قد زلزلت ... ومال أعلاها على الأسفل وتصبح النسوان من أهلها ... حواسر في سكك الموصل قد ملت الأنوفس من دولةٍ ... تساس بالأرذل فالأرذل وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه من أبيات يخاطب بها الأمير مجد الدين إسماعيل بن يرنقش السنجاري: [من السريع] إيها معين الدين أوضحتم ... بالحق منكم منهج العدل أقمتم الحد بحد المدى ... فما لكم في الخلق من مئل وطبتم يا شيعة المصطفى ... وغيركم يعزى إلى الجهل روعتم الجبار لما غدا ... من فوقكم في ربقة الذل

بحق إسماعيل كفوا عن الـ ... ـــــــأمة إسماعيل بالقتل فهو يرى رأي أبيه لكم ... يضمر حذو النعل بالنعل قطعتم الأصل فما بالكم ... لا تلحقون الفرع بالأصل والحية الرقطاء من حيةٍ ... والصل أيضًا ولد الصل فقال أيضًا: [من الكامل] من مبلغ نجل الأعز رسالة ... عذراء لي في طيها أشواق مزحت ركائبه فدمعي بعده ... دمعٌ بقلبي مغرمٌ خفاق يا قاتل الله الليالي كما لها ... في كل يومٍ رحلةٌ وفراق ضنت بفرقتك القرون على النوى ... وسخت بحمة مائها الآماق لا يبعدنك الله كم لك من يد ... بيضاء تروي فضلها الآفاق وخلائقٌ غررٌ يضوع نسيمها ... مسكًا إذا تزهى بها الأحداق يابن الوصي المرتضى يا خير من ... أصفى ودادك فالهوى أرزاق أرسل إذا هب النسيم تحية ... فله ........ في الصباح رقاق كسدت لبعدك سوق فضل ما لها ... لولاك في هذا الزمان نفاق وتطأطأ العلم المنيف وبعده ... غطى عليه من الخسوف محاق وتفسح الأعداء في أقوالهم ... فلهم مراءٌ ظاهر وشقاق فعلام تأخير الكتاب وبيننا ... يومٌ وأنت إلى العلا سباق وهذا محمد، ولد بالكرخ ونشأ بها، وقرأ بالأدب، وخالط العلماء، ثم سافر عن بغداد، وأقام مدة بلاد الجزيرة والشام، وعاد إلى بغداد بعد التسعين والخمسمائة، ونزل بمحلة الطغرية من الجانب الشرقي؛ ورتب مشرفًا على مناشر الديوان الشريف؛ فارتفع قدره، وعلت منزلته، وكان من أكرم الناس خلقًا ونفسًا وعطاءً، يستوي الذهب والتراب عنده. وكان له غرام بالأدب والتواريخ، وكتب منها كثيرًا، وكان يديم الإطلاع في

تاريخ الصابي، وينقل منه فوائد. ثم ارتحل عن بغداد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة إلي نصيبين، وكان له بها إمرأة وولد، فقام هناك إلي أن توفي سنة اثنين وستمائة. أنشدني أبو عبد الله محمد بن المحلَّي بن محمد النصيبي، والشريف أبو عبد الله الحسين بن محمد الحسيني العلوي، قالا: أنشدنا أبو فراس لنفسه غير مرَّة بنصيبين: ] من الخفيف [ لو بقدر الأشواق يهدى السلام ... نفذ العمر والغرام فاقتنعوا باليسير مني فحسبي ... زفرات حري ودمع سجام لا تظنوا أنَّي وإن بعد العهـ ... ـد وطالت ما بيننا الأيام أتنساكم وكيف وقد شا ... ب اصطباري في الوجد فيكم غلام خبرتني الأحلام عنكم بصدق ... آه لو كان تصدق الأحلام كلما عز ذكركم في سواد القـ ... ـلب جاشت في جسمي الأسقام أتمنَّاكم وأين من المو ... صل دار السلام عز المرام آه يا نفحة الصبا للتَّصابي ... وغرام يا حبذاك الغرام وليال بدار لهوي سقاها ... فيض دمعي إن حار عنها الغمام علِّلوني بذكرها وابعثوا لي ... طيف سعدي إن أمكن الإلمام ما الحمام الهتوف في البان يوم الـ ... بين للواجدين إلاَّ حمام ما الدَّيار الدَّيار واصلة المسـ ... ـعي ولا هذه الخيام الخيام وكتب إلي الشريف تاج العلا الأشرف بن الأغر الرملي، القصيدة القافية المذكورة، أنشدني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن محمد بن علي الحسيني الموصلي – أدام سعادته – قال: أنشدني أبو فراس محمد حيدرة الحمداني لنفسه: ] من الطويل [ إذا شجر الهرماس أضحي منوَّرًا ... فدع دلجان العيس والوخد والسرى

فإنَّ بعمر الزَّعفران مدامه ... إذا سكبت أنست أوانًا وعكبرا وحث الندامى للصَّبوح وشربها ... فقد نَّبه الناقوس من سنة الكرى وطاف بكاسات الحميَّا مقرطق ... يميل بعطفيه النسيم إذا سرى فيا صاحبي والكأس في كف ِّ أغيد ... رخيم الدَّلال فاتر الطَّرف أحورا دع المنحنى والخال والرَّند والحمى ... وشيخ نقا نجد ومن قد تغوَّرا وغن حديث المازنيِّ وضارح ... وخلِّ عتاق العيس تنفح بالبرى وقل لبني سعد علي صيف راحة ... ردوا الجفر مكدود المعين مكدَّرا فلي بقلال العمر صبوة مغرم ... يحنُّ إذا ناح الحمام فأسحرا ورهبان دير فيهم أريحيَّة ... إذا الضيف حيَّاهم تنادوا إلي القرى أقمنا ثلاثًا نشرب الراح عندهم ... وقد حظروا أن ينكروا البيع والشَّرا فما عبسوا وجهًا طليقًا تضجرًا ... ولا اعتذروا أنَّ المدام تعذَّرا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه، يهجو شخصًا إسمه غازي بن علي النصيبي، وقد صار كاتبًا، ويلقب الجبل، وكان قد أظهر تكبرًا علي أبي فراس، وكان له أستاذ اسمه حمرين: ] من الكامل [ ومن العجائب صار غازي كاتبًا ... يلقاك وهو مقلَّص العرنين تيهًا ولا عبد الحميد ودهره ... ما زال يكتب صالحًا بالسَّين سلَّم على الجبل الأشمَّ وقل له ... كم بات حمرين على حمرين وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: في الحسين بن قيداس، حين كسرت يده: ] من المنسرح [ حاز ابن قيدس مع تهوُّره ... شحًا ولو ما يبقى وكسر يد

وصار بين الكتَّاب مسخرة ... يعدُّ فيهم زيادة الكبد فلا تلمه علي تهوُّره ... شيخ رفيع الأصل من بلد وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: ] من الوافر [ أقول وقد بدا شخص الربيب ... يستِّر بين شبَّان وشيب علي عينيه ترجمة المخازي ... وفي عطفيه مجتمع العيوب دعوك أبا المعالي ليت شعري ... ومالك في المعالي من نصيب متى تخني عليك يد الليالي ... ويأتي الله بالفرج القريب وأنشدني، قال: أيضًا لنفسه: ] من الرجز [ قل للريب غلط المقدار ... ألا فمن أنت ومن عمَّار لمَّا تقدَّمت بغير آله ... تأخرت عن سمتها الأخيار في آستك داء عزَّه دواؤه ... شاهده في وجهك الصُّفار أنت علي هذا الزمان وصمة ... ما ينقضي حديثها وعار تعافك الأنفس من مهانة ... فيك فما ترمقك الأبصار قد سيَّرت فيك فيك الرواة سيرًا ... وحدثت بلؤمك السُّمار وقمَّصتك المخزيات لبسًة ... وأثقلت كاهلك الأوزار جمعت أموالًا ونمت وادعًا ... والخمر في عقبها الخمَّار ينتبه الرَّاقد من رقدته ... وينتحيك الأسد الزَّئّار وتقتضي أمُّ الرَّقيم دينها ... منك ولا ينجو بك الحذَّار لا فارق الشُّؤم حذاك وجرب ... بضدِّ ما تختاره الأقدار ومن شعره ما كتبه إلي صديق في صدر كتاب: ] من الطويل [ آحبابنا إن كنتم قد سمحتم ... ببعدي فإنِّي بالبعاد شحيح تغيرتم عما عهدت من الوفا ... وودِّي علي مر الزِّمان صحيح آحبابنا إن كنتم قد سمحتم ... ببعدي فإنِّي بالبعاد شحيح تغيرتم عما عهدت من الوفا ... وودِّي علي مر الزِّمان صحيح

[626 [ محمد بن سليمان بن قتلمش بن تركانشاه البغداديّ, أبو منصور. أصله من سمرقند، من اولاد الأمراء بمدينة السلام. كان تام المعرفة بالأدب واللغة، وعلم العربية، وأخذ طرفًا من العلوم الرياضية، كان يفهم الحساب والهندسة والطب، وكان مفتونًا بالشراب، مصرًَّا عليه، خليعًا شاعرًا حسن الشعر. وكانت ولادته في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وتوفي يوم الاثنين سادس عشر ربيع الآخر سنة عشرين وستمائة، ودفن من الغد بمقبرة الشونيزي. أنشد أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي الواسطي، قال: أنشدني أبو منصور محمد بن سليمان لنفسه: ] من البسيط [ لي في هواك وإن عذبتني آرب ... يبقى السُّلوُّ ولو قطِّعت آرابا ولست أبغي ثواب الصبر عنك ولو ... ألبستني من سقام الجسم أثوابا وشقوتي بك لا أرضى النعيم بها ... وساعة فيك تسوي النار أحقابا وقال عند موته: ] من الوافر [ إلهي يا كريم العفو غفرًا ... لما أسلفته زمن الشباب

فقد سودت الآثام وجهي ... ذليلًا خاضعًا لك في التراب فبيضه بحسن العفو عني ... وسامحني وخف في حسابي فقد أمسيت مسكينًا فقيرًا ... إلي ملكٍ غني عن عذابي وقال أيضًا: ] من السريع [ يا قوم ما بي مرض واحد ... لكنَّ بي عدة أمراض ولست أدري بعد ذا كلّه ... أساخط مولاي أم راضي وقوله أيضًا: ] من السريع [ لا والذي سخر قلبي لها عبدًا كما سخَّن لي قلبها ما فرجي في حبِّها غير أن ... تبيح لي عن هجرها قلبها وقال أيضًا: ] من الخفيف [ وهلال أسَّه البين دهرًا ... زارني بعد أن تكامل بدرا وحباني من وجنتيه بورد ... وسقاني من ريقه العذب خمرا واعتنقنا شفعًا فلو عاينتنًا ... مقلتا احولٍ رأي الشَّفع وترا وله أيضًا: ] من الكامل [ ومهفهف غض الشباب أنيقه ... كالبدر غصني القوام وريقه نازعته مشمولة فأرادها .. من مقلتيه ووجتيه وريقه وله من قصيدة عمرية: ] من الهزج [ وقم نفترص اللذَّة فالوقت بنا يسري وبادر رقدة الدَّهر ... فإن الدَّهر ذو كرِّ ببكر عصرت عذرا ... ء في باكورة العص عقار صانها العصَّا ... ر والنَّسران في الوكر فشابت وهي لا تعر ... ف غير الدَّنِّ من خدر

فلما حطبت لم تر ... ض غير العقل من مهر إذا ما حنيت ليلًا ... أرتك الليل كالفجر فلا تسع بها سرًَّا ... فسرُّ القصف كالجهر فما الغبن سوي الصَّحو ... ولا الغنم سوي السُّكر وعين الحسر ان يحسـ ... ـب يوم الصَّحو من عمري ] 627 [ محمد بن سعيد بن علي بن جعفر، أبو الفرج الآموصي هو من آموصية، قرية تحت واسط بأربعة فراسخ من أعمالها. كان رجلًا صالحًا من العدول، من أهل بيت علم وخطابة وقضاء بتلك البلاد، وكان حافظًا لكتاب الله تعالي، تاليًا له من المتدينين، وتوفي في صفر بآموصية سنة ثلاث عشرة وستمائة. أنشدني جعفر بن محمد الخسرسابوري، بمدينة إربل في شهر رمضان سنة خمس وعشرين وستمائة، قال: أنشدني أبو الفرج محمد بن سعيد لنفسه: ] من الطويل [ نعم هيَّجت وجدي القديم على الرَّمل ... ديار خلت بالأثل عن ساكني الأثل وقفت بها أبكي وقد بان أهلها ... ودمعي على خدِّيَّ ينهل كالوبل فلو حمل الصَّخر الأصم عشَّية الـ ... ـوداع وقد زمَّت مطاياها حملي لذاب كما ذابت من النار شمعة ... وبدل من عزِّ الصلابة بالذل خليلي عوجا نسأل الدار عنهم ... لعل رسوم الدار تنبي عن الأهل هل ارتبعوا من بعد رامة مربعًا ... وهل بعد ظلِّ الأثل مالوا إلي الظّلِّ لقد كان قلبي قبل طارقة النوى ... وخليًا من البلوى سليمًا من الخبل فعاوده الوجد القديم ونبهت ... دواثر أشجان به من هوى جمل

مطوَّقة بالبان ناحت ولم تذق ... بعادًا ولا باتت مروَّعة مثلي إذا ما بكت ورقاء والإلف عندها ... مقيم فما حال المروَّع بالثكل ألا فامنحوني سلوة أو فقصِّروا الـ ... ـملام فما جدُّ المحبَّة كالهزل علقت الهوى طفلًا وشبت ولم أشب ... وكم قد أشاب الحبُّ من عاشق مثلي ] 628 [ محمد بن سليمان بن صدقة، أبو عبد الله الغنويُّ الدمشقيُّ. سمع الحديث كثيرًا، وتأدَّب، وقرأ شيئًا من الفقه، وترامى إلي طريق الإرادة والمعرفة بالتصوّف. أنشدني أبو الفضل العباس بن رزوان الموصلي، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن سليمان لنفسه: ] من الخفيف [ منعوه عن الزيارة لمَّا ... علموا أنَّني به مستهام فسرى طيفه وقد رقد السَّا ... مر وهنا تزفه الأحلام فنعمنا بوصله لا عدمنا ... هـ وكان السَّفير فيه المنام ] 629 [ محمد بن صدقة بن سبتي بن هارون بن سليط بن رافع، أبو عبد الله الخفاجي البغدادي. كان في دولة أمير المؤمنين الناصر الدين الله أبي العباس أحمد، وأحد شعراء حضرته، وله فيه قصائد كثيرة، وأدرك أوائل أيام الإمام الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد – رضوان الله عليهما -. ومات يوم الاثنين منتصف شوال سنة اثنين وعشرين وستمائة ببغداد، ودفن غربها بمقبرة الشونيزي.

وكان يحفظ حماسة أبي تمام، وكتاب أدب الكاتب لابن قتيبة، وله اعتناء بمطالعة كتاب الأغاني، وعلي ذهنه منه جملة، وكان جيد الشعر، كثير القول، صاحب بديهة. أنشدني من شعره ولده أبو الحسن علي بن محمد، قال: أنشدني والدي لنفسه من قصيدة: ] من الطويل [ دوى غصن أيَّام الشباب وعودها ... وما أنجزت ممَّن ألفت وعودها وقد أوحشت بعد الأنيس ديارها ... ورثَّ علي مرِّ الليالي جديدها وعهدي بها قبل الفراق أنيقة ... يطل الحيا أظلالها ونجودها بروحي التي تجفو ويألف طيفها ... وينأي ويدنو وعدها ووعيدها تصدت لهجري بالصُّدود وهوَّنت ... وما الموت إلاَّ هجرها وصدودها وقد أضرمت نار الأسى بين أضلعي ... فيا ليت من يلحي عليها وقودها معرضة للحبِّ بعض جهاتها ... فما تنتهي عند الصِّفات حدودها فللورد خداها وللغصن قدُّها ... وللسحر عيناها وللظَّبي جيدها وإن أصبحت في الحسن وهي وحيدة ... فها أنا في وصف الحسان وحيدها وإن عصت الأغزال غيري فلم يزل ... يطاوع فكري تومها وفريدها أعلق بالمعني زمام بديهتي ... ومدح أمير المؤمنين يقودها إمام إذا لم تعرف النفس حقَّه ... فكفرانها عند الإله جحودها حكي حيدرًا في جهده وجهاده ... فدانت شوس الملوك وصيدها وعزمته يجري القضاء بحكمها ... فمن ذي الفقار حدها وحديدها وإن حاربته عصبة في مدينة ... ففي خيبر قد حاربته يهودها ولو راض أرض الطّفِّ بالسيف عدله ... لما زاد في ظلم الحسين يزيدها ولو أدركت ذا الهدي ناقة صالح ... لما عقرتها بالضلال ثمودها أطلَّت علي الأعداء منه سحابة ... يصعد أتراس المتون صعيدها بوارقها لمع الظُّبي ودم العدا ... حياها وخفَّاق النسيم رعودها

يشيِّعها من ولد يافث غلمة ... يشيب أذقان الكماة وليدها فقد سجدت أسيافها ولحاظها ... وقد ثقفت أرماحها وقدودها أقم وأنتقم قسرًا قيامة عصبة ... تطاول عن حفظ الذِّمام قعودها فإن حاربت قيدت إليك أذلَّةّ ... تجاذبها أغلالها وقيودها وإلا أذقها الموت صرفًا ففي الوغى ... بطون النُّسور والأسود لحودها فذلك خزي في الحياة وقد غد ... ستنضج في نار الجحيم جلودها وأنشدني، قال: أنشدني أبي لنفسه، يرثي الملك المعظم أبا الحسن علي بن الناصر لدين الله – رضوان الله عليهما-: ] من البسيط [ مضى كيوسف والدنيا زليخته ... كم راودته ولم يعطف على زلل فمضى ... بقميص قدَّ من دبر ... عليه كلُّ قميص قدَّ من قبل وأنشدني، قال: أنشدني والدي قولة في الناصر لدين الله: ] من الطويل [ حكيت عليًَّا فطنة وشجاعًة ... وما منكما إلا إمام مكرَّم فإن كنت قد أشبهته في فعاله ... فشنشنة أحيا بها المجد أخزم وإن كنت قد نلت الخلافة مثله ... أخيرًا ففي التفضيل أنت المقدَّم وأنشدني، قال: أنشدني والدي لنفسه، فيه أيضًا: ] من الطويل [ وأصبحت موسى فيهم إذ تفرعنوا ... وصدقنا مال العفاة وكذبوا فألق العصا حتي تلقَّف من عصى ... فكلهم بالطَّبع أفعى وعقرب وأنشدني، قال: أنشدني والدي من شعره: ] من الطويل [ خليلي هذي دار علوة أقفرت ... وقد غالها بعد الأنيس دثور تعفت على مر الليالي رسومها ... كما يتعفى في الكتاب سطور إذا نسجت كفُّ الصبا في عراصها ... من الرَّمل ثوبًا مزّقته دبور وقال من قصيدة أخري، يمدح بها الناصر لدين الله – رضي الله عنه ] من الطويل [

جذذت أصول الملحدين فأصبحوا ... كأنهم زرع وسيفك حاصد فما خسروا إلا وجأشك رابح ... ولا نقصوا إلا وجيشك زائد ] 630 [ محمد بن عبد الله بن علي بن أبي غالب بن القاسم بن حرب بن أبي الفخار بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الحسن بن محمد بن جعفر بن الحسن بن علي بن أبي علي عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن ألي طالب، أبو عبد الله الموصلي الحسيني المعروف بابن الشجري. هكذا نقلت هذا النسب مضبوطّا من خط محمد بن علي بن محمد العباسي. وأبو عبد الله كان يحفظ القرآن العزيز، وشيئًا من شعر أبي الطيب المتنبي، وكتاب الحماسة وكان شاعرًا ذكيًا، أخبرني والده أنّ ابنه توفي شابًا في العشر الآخرة من ذي الحجة سنة خمس عشرة وستمائة بالموصل، ودفن بمقبرة الجامع العتيق قبلية. أنشدني والده أيضًا، قال: أنشدني ابني محمد لنفسه، يمدح المولي المالك الملك الرحيم بدر الدين والدنيا عضد الإسلام والمسلمين، ملك الأمراء شرقًا وغربًا أبا الفضائل، نصير أمير امؤمنين– خلد الله دولته_: ] من المجتث [ جفت عقيب الوفاء ... وآذنت بتناء خريدة طال ليلي ... بها وعز دوائي سمراء تحكي أعتدالًا ... للصّعدة السّمراء وريقها العذب يحكي ... سلافة الصّبهاء صدّت عشية صدّت ... عنء مقتلي إغفاء وبات جفني قريحًا ... مغرورقًا بالبكاء وأيّ صب كئيب ... يبقي مع البرحاء لله ساعة زارت ... في ليلة ليلاء

وقد تغشّت عن القر ... ب أعين الرّقباء قصيرة بسروري ... طويلة بعنائي قد كان يعثر منها ... ظلامها بالضياء كأنّما عرفها عر ... ف سيد الأمراء أبي الفضائل رب الـ ... ـأفضال الآلاء جم المكارم بدر الدّيـ ... ـن الجزيل العطاء سما به الدّست حتى ... سامى نجوم السماء فقد تطاول قدرًا ... على علا الجوزاء فاق الملوم بعلم ... وحكمة وذكاء يهوى ارتجاع المثاني ... مثاني القرّاء ما أمّ يم عطاه ... من عاد خاوي السقاء ولا أحتمى لحماه ... من خاف للأواء مولاي يا خير ذخر ... لشدّة ورخاء ومن يأدنى نداه ... بلغت أقصى منائي قوّمت بالأمن والعد ... ل حدبة الحدباء حتى تألّف ما بيـ ... ـن ذئبها والشّاه ] 631 [ محمد بن عبيد الله بن علّان بن زاهر بن عمر بن أحمد بن علّان بن زين الخزاعي، أبو جعفر بن أبي الفضل الواسطيّ، المعروف والده بالرواية. وجدت نسيه بخط أبيه هكذا، ولقب بالرواية لأنه ذا حفظ تام لأشار العرب والمحدثين سافر إلي بلاد الشام، وأقام بها مدّة طويلة، وامتدح سلاطينها وملوكها، وغيرهم

من الأمراء والرؤساء. ثمّ قدم الموصل مريضًا، فمكث بها أيامًا يسيرة، ومات في الليلة التي صبيحتها يوم الأحد، سلخ ذي الحجة سنة أربع وعشرين وستمائة. أنشدني إسماعيل بن الموفق بن نصر الحديثي الموصلي، قال: أنشدني محمد بن عبيد الله الراوية لنفسه، يمدح الملك الأشرف موسى، والملك المعظم عيسى ابني الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب بن شاذي: ] من الكامل [ ضحك الزمان لنا وكان عبوسًا ... لما ألتقي موسى الكليم بعيسى بحران بينهما المعالي برزخ ... مرج أجتماعهما فعاد أنيسا فلكان في الدنيا يديران النّدى ... ويصرّفان نعيمها والبوسا أحييت يا عيسى المعظّم انفسًا ... لو لم تزر زارت ثرى وشموسا سبقت عصى موسى إليك فجبتها ... طوعًا ولم تلك جامحًا وشموسا فإلي جدا موسى تحب جيادنا ... وإلى ندى عيسى نزمّ العيسا وله وقد اقترح عليه أن ينظم قصيدة يلتزم في كل كلمة منها السين المهملة: كان يومئذٍ بمدينة نابلس، ويمدح فيها الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب: ساروا سحيرًا فسهادي خلس ... فسلهم سرًّا عسى يعرّسوا وأستوطنوا بالسمرات مسكنًا ... فالمستهام بالأسى موسوس تسنموا الوعساء عسفًا وسرورا ... وابلسوني فسروري مبلس فسايرتني سورة مسقمة ... واختلستني والآسى مختلس سمر بسمر وسيوف حرست ... والسّمر بالسّمر السراع تحرس أوانس لباسهنّ سندس ... وأستبرق ليس اللباس سندس بسمن فاستضاء سدف سحرة ... ومسن فالسرور سباه الميس ومنها: فاسد الآساد سمح ندس ... سموه عيسى خيسه نابلس سميدع سن بحسن سيرة ... سيرة إحسان سناها قبس

عيسى كعيسى قدست أسماؤه ... فباسمه سما وسامى القدس تقتبس الشمس سنى سموه ... وسيفه لباسه يقتبس فالساحل الدّارس درس سيفه ... منحسم ورسمه مندرس أسود بسيبه وسليه ... وسيفه نفوسها تفترس ] 632 [ محمد بن محمد بن الحسن، أبو الفضل المدعو بالأمين الأصفهاني. كان أديبًا فاضلًا كاملًا في صناعة النحو والعربية، إمامًا في الآداب والفضائل. أنشدني الشيخ أبو الرضا عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن صديق التبريزي الفقيه الشافعي، قال: أنشدني الأمير الفضل محمد بن محمد الأديب النحوي الأصفهاني لنفسه: ] من الطويل [ جرحت شفاهي بالثنايا وكلها ... أقاح وجرح الأقحوان سليم ووجهك في عينيّ قد ذرّ ملحه ... فطاب ذرور الملح وهو أليم ] 633 [ محمد بن علي بن نصر بن عبد الله بن البل، أبو المظفر الدوري الواعظ منسوب إلي الدور بناحية دجيل من عمل بغداد، بها ولد ونشأ. ودخل بغداد في صباه، وأقام بها، إلي أن توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان سنة إحدى عشر وستمائة، وكان مولده سنة ست أو سبع عشرة وخمسمائة.

وسمع الحديث على أبي الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي، وأبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ البغدادي وغيرهما، وتفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل – رضي الله عنه -. وكان حسن الكلام في الوعظ والتفسير، مليح الإنشاء للشعر، يعمل شعرًا مطبوعًا في المحاسن على طريقة أبي الفتح البستي، وكان صالحًا متعبدًا، ثقة سليم الصدر. أنشدني أحمد بن جعفر بن الحسن الكتبي البغدادي، قال: أنشدني أبو المظفر الدوري لنفسه، يمدح الإمام الناصر لدين الله أبا العباس أحمد – رضي الله عنه -.: ] من البسيط [ سرداق العزّ منصوب علي الفلك ... لأحمد الناصر المولى الفتى الملك ذي العفو عن قدرة والحلم عن سفه ... لله من ملك في صورة الملك وأنشدني، قال: أنشدني الدوري الواعظ لنفسه، فيه أيضًا: ] من الطويل [ لناصر دين الله نور نبوة ... هدى الناس من لألائه وأقتباسه حوى فعل ميكائيل في وقت جوده ... وصولة عزرائيل في وقت باسه وقال فيه أيضًا: ] من مجزوء الكامل [ إنّ البرايا يا إمام العصر أمست من سوامك والدهر رطب من ندا ... ك ومستهل من غمامك ما إن يذمّ زمانه ... من بات منه في ذمامك إن المنايا والمنى ... ما بين عفوك وانتقامك والفقر يحدث من عبو ... سك والغني عند ابتسامك وقال أيضًا: ] من الخفيف [ علم في دجى الرّجا وشهاب ... كلّنا في ضيائه واقتباسه متلف للأموال في وقت جود ... وجواد للعفو في وقت باسه

وأنشدني أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي، قال: أنشدني محمد بن علي بن نصر الدوري من شعره: ] من الوافر [ يتوب علي يدي قوم عصاه ... وأخافتهم من الباري ذنوب وقلبي مظلم من طول ما قد ... جنى فأنا علي يد من أتوب؟ كأنّي شمعة ما بين قومٍ ... تضئ لهم ويحرقها اللهيب كأنّي مخيط يكسو أناسًا ... وجسمي من ملابسه سليب وقال يعقوب بن علي بن يوسف الحكاك الموصلي، سمعت الشيخ أبا عبد الله محمد بن علي الدوري البغدادي، بها يقول من: ] من الخفيف [ ذهب العمر بالمنى فاستعدّوا ... فالسعيد الذي هو المستعدّ وانهبوا فرصة الحياة اختلاسًا ... فممر الأنفاس فيكم يعدّ والحياة الدنيا حليلة غدر ... ما لها قط عند بعل عهد وحياة المرء المفرط ضيف ... زائر مثل ما يزورك الورد يا معاري الأعمار أنتم نيام ... والعواري عما قليل تردّ لا تبيعوا ما ليس منكم له بـ ... ـد بشئ فإن لكم منه بدّ يا رفيع البنيان ما لك بيت ... يستحق العمران إلا اللحد يا تجار الآجال لا ترخصوها ... إن أثمانها هنالك خلد إنما هذه الحياة قطاف ... فاغتنمها فإن عمرك ورد لو رأيت الودود والدود لا تسو ... حشت من نتنه وولى الودّ أو رآه الأهلون وهو صريع ... قد علاه سيل الصديد لصدوا أو لو أن الكلام أمكنة قا ... ل: أيا أحباباه أين العهد أين ذاك الزمان والعيش صاف ... ولأيامنا علي القلب برد أين تلك الأيام إذ نحن جمعًا ... في برود المنى نروح ونغدو وهذا آخرها، وتسمي الصهيبية، لأن بعض أصحابي وهو ثقة اللسان، رأى في

منامه صهيبًا– رحمه الله– فاستنشده بيتًا لبعضهم، فقال: ما أريد من شعر الدوري، فقال: أنا أحفظ فأنشده: يا معاري الأعمار إلي قوله: ياتجار الآجال ..... فسميتها الصهيبية، نفع الله بها قائلها والمسلمين أجمعين. ] 634 [ محمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم بن يوسف بن حرب، أبو عبد الله الحلبي الخطيب البغدادي. كان يتولى الخطابة بقلعة حلب المحروسة، بعد وفاة والده. وكان رجلًا خيرًا فاضلًا، عارفًا بعلم العربية، حسن الشعر، حدث بحلب عن أبي الفرج الثقفي وغيره، وسمع أبا الرجاء بن حرب، وابن أبي الحواري. وكان يقرأ علم العربية بحلب، ذكر ذلك كلّه لي القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي الحسن الحنفي- أدام الله سعادته – وقال: وكتب لي من شعره جزءًا بخطه وقرأته عليه. وكانت ولادته ست وستين وخمسمائة، وتوفي ليلة الاثنين التاسع من صفر سنة ثلاث وعشرين وستمائة بقلعة حلب، ودفن يوم الاثنين، وصلّي عليه بمقابر مقام الخليل- عليه السلام- خارج باب العراق- رحمه الله تعالى-. أنشدني الشريف أبو نصر بن أبي طاهر البغدادي الهاشمي، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد الخطيب لنفسه حين مات افتخار الدين عبد المطلب بن الفصل الهاشمي، وجلس مكانه أبو المعالي الفضل ولده، وأنفذها إليه: ] من الطويل [

تولّى افتخار الدين عنّا فغمّنا ... فلمّا تولى تاجه أقلع الغمّ لئن كلم الدهر القلوب بفقده ... فبالتاج زال البؤس واندمل الكلم نجوم المعالي آل هاشم كلّما ... تصوب نجم للأفول بدا نجم توخّاهم قاضي القضاة بهّمة ... بها أبدًا ماوال ينكشف الهمّ وقال في غرض له: ] من البسيط [ ليس الهجاء- أبين اللعن- من شيمي ... ولا السفاهة من قولي ولا القذع لأنني إن هجوت النذل أرفعه ... وإن هجوت كريم الناس أتّضع وقال يمدح الكمال بن أبي جرادة الكاتب الحلبي: ] من الطويل [ إذا جال فكري في الكمال وجدته ... سماء معال والمناقب زهره وإن نظرت عيناي منسوب خطه ... توهمته روضا تدبج زهره وحدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي الحسن بحلب- أسعده الله تعالي- بمنزلة المعمور في شهر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وستمائة، قال: كنت يومًا عند شيخنا أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي- رحمه الله- لسماع الحديث، وقد جاءه الشريف أبو هاشم أحمد بن محمد الصالحي الحلبي ومعه رقعة فيها بيتان من شعره، وأنشدهما شيخنا أبا هاشم المذكور، وأنا اسمع والبيتان: ] من الكامل [ من ود أن عدوه أعمي فلي ... ود بأن له عيونًا أربعا ليرى كما لي باثنتين ونقصه ... بالأخريين فلا يزال مروّعا فسألت شيخنا أبا هاشم عنهما، فقال: هما للشريف أبي هاشم، وأنا اقترحت عليه هذا المعني، فإنه معنى أحفظة في شعر الفارسية. ثم اجتمعت بعد ذلك بالخطيب أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحلبي، فأخبرني أن شيخنا أبا هاشم عبد المطلب بن الفضل اقترح عليه هذا المعني، فنظمه وأنشدنيه لنفسه: ] من المسرح [ يا من تمنى العمى لحاسده ... ليت حسودى بأعين أربع تنتظر ثنتاهما إلي نعم الـ ... ـرحمن عندي ومجدي الأرفع

وتنظر الأخريان خسته ... والنوك منه وحاله الأشنع فما أرى لذة الحياة سوى ... كبت عدو وحاسد يقمع وقال أيضًا: [من السريع] عنّفي في حبه معشري ... ولا مني فيه أودائي وكيف أسلوه وهل غيره ... يذهب بالهمّ وبالدّاء وأنشدني أبو القاسم عمر أحمد أبي جرادة الحنفي, أنشدني الخطيب لنفسه أبياتًا كتبها, وهو بالبيرة يتشوق حلب وأهله: [من الطويل] يقر لعيني أن أروح بجوشن ... وماء قويق تحته متسرّبا لقد طفت في الآفاق شرقًا ومغربًا ... وقلبت طرفًي بيتها متقّلبا فلم أر كالشهباء فى الأرض منزلًا ... ولا كقويق في المشارب مشربا جعلت شعار الوجدبي بعد بعدكّم ... شعارًا ومجرّى مذهب الدمع مذهبا لعلّ زمانًا قد قضى بفراقنا ... يريني قريبًا شملنا متقّرربا وقال أيضًا: [من الطويل] متى يظفر المشتاق منكم بنظرة ... تقرّ بها عين ويحيا بها قلب؟ أطلتم عذابي بالقطيعة والقلى ... وإن عذابي في محّبتكم عذاب إذا كان حظّي هجركّم في بعادكم ... وفي قربكم فالبعد سيّان والقرب وقال أيضًا: [من السريع] أذكرتني عهدك بعد النوى ... والبين قد أرخى عنان الهوى يا حاجرًا على حاجر ... ولاويًا يندب سقّط اللّوى لو كنت في دعوى الهوى صادقّاّ ... قطعت بالسير وريد النّوى وكنت كالشااهين في جوه ... إذا رأى ربّ هواه هوى الحب ما قنّت صم الحشا ... كلّ طبيب جائد بالدّوا

وقال أيضًا: [من البسيط] ما رمت أمرآ ولا حاولت مطّلبًا ... إلا جعلتك فيه الأصل والسببا أنت الي كلّ يوم ذر شارقه ... أبني به المجد أو أرقى به الرّتبا ولا تزال مساعيك الطّوائل بي ... معنّية أو أجوز السّبعةّ الشهبا وقال أيضًا: [من السريع] إغتنمو فرصة الزمان إذا ... جاءت بخير باق على الأبد وبادر وافعلها ليومكم ... ولا تروموا تّأخيرها لغد فليس تدرون ما يكون غدًا ... وليس تبقى الدنيا على أحد وقالأيضًا: [من الخفيف] أخذ الوجد ما أشتهى من فؤادي ... مذ غدا القلب في يديك أخيذا وسألت الهلالّ لم لحت للنا ... س فأوما إليك: إ أخي ذا وقال أيضًا: [من الرجز] كتبت درّآ وسفرت بدرًا ... وطبت فرعًا وكرمت نجرا فعلاك حلب قد فضلت ... بغداد في علائها ومصرا أنت العديم النّظر أو أبنه ... وأبن أبنه جلاله وقدرا وأنشدني في القاضي أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة- أسعده الله تعالى-قال: أنشدني الخطيب أبو عبد لله لنفسه: [من الرمل] يا نسيم الريح هل أنت مطيق ... حمل ما أرسله القلب المشوق كلّ يوم أنا في آثارهم ... ماء دمعي ودم الصبر مريق آه كم أحمل في حبهم ... من خطوب الوجد ما ليس أطيق كلّ يوم لسنان الوجد في ... لبتّي لمع وفي قلبي بريق فالطفوا عدلآ وفضلاّ أنا مثلكم بالعدّل والفضل خليق وأرفقوا رفق كريم راحم ... فالتعدّي بكم ليس يليق

بي سكرّ من غرام وهوى ... فمتى من ذا ومن هذا أفيق قسمًا ما راق شيء بعدكم ... لي وظني أنّه ليس يروق فسلًام أنفاس الصّبا ... يتمراّها غروب وشروق [635] محمد بن عثمان بن إسماعيل بن خليل, أبو بكر, السلماسيّ الأصل, المصري المولد. شاعر متأدّب, صاحب شعر حسن, ونثر رائق. أنشدني الأمير عمر بن أبي المعالي الموصلي, قال: أنشدني أبو بكر محمد بن عثمان لنفسه, ما كتبه إلى بعض أصدقائه, جوابًا عن رقعة تتضمن عتبًا على الآنقطاع: [من البسيط] وحقّ ما في قدود السمر من هيف ... يصبي وما في خدود الغيد من آس وبدر تمّ سعى بالشمس في يده ... على كواكب وسط الرّوض خلاّس لدن المقلّد قد لانت معاطفه ... من الدّلال ولكن قلبه قاسي يقول يا برد ما تملي على كبدي ... أن بت أشكو إليه حرّ أنفاسي إني إليك لمشتاقّ ويعجبني ... سعّي إليك على العينين والرأس فلا تظنّ أنقطاعي عنك من ملل ... فلست يوماّ لحقّ الناس بالناسي وأنشدني أيضا, قال: أنشدني محمد بن عثمان من قصيدة أولها: [من الكمالي ما حدّثتك نسمة بالأجرع ... همّا لقيت من البدور الطّلّع هب أنها ما حدثتك لريبة ... أفما سقّامي شاهد وتوجعي فكذا بنا نحو الأثيل لعلّه ... يشفي الجوى شكوى الذي صنعوا معي أنزلتهم بين الضّلوع بمنزل ... لا يهتدي السلوان منه لموضع قأضاع ودّي خائن عهد الهوى ... ودّي الفداء لخائن ومضّيع

يا باخلًا غالطت فيه وسمته ... ردّ السلام ولو بطرف الإصبع وسألته عطّفا على فلم أجد ... قلبًا يروق لذلتي وتخضعي صلّ عاشقيك ولا تخف من بينه ... أولا فصن هذا الجمال ببرقع وأبيك ما رضّعت در تغزّلي ... إلاّ لدرّ في الثغور مرصّع طمعت به عيني فبدّد جفنها ... ياقوت دمعي في الرسوم الأربع فلأبكينّ ويا جفون تقرّحي ... ولأندبنّ ويا حشاي تقطّعي وأنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب التبريزي, قال: أنشدني أبو بكر لنفسه: [من البسيط] وما يطرفك من سحر ومن دعج ... ما في السلو لمن يهواك من فرج فما لوصلك لا تبدو بشائره ... وقد بذلنا له الغالي من المهج وما لقلبك لم يعطف على دنف ... صبا إليك فلم تعطف ولم تعج يا هذه ما الهوى إلاّ الذي فعلت ... فينا لواحظ ذاك الأعيد الغنج قد كنت في سعة من قبل بينكم ... وها أنا اليوم في ضيق وفي حرج ما تنطفي غلّتي يا من كلف به إلاّ برشف حميّا ذلك الفلح ونقلب من خطّه, قوله من قصيدة أولها: [من الكمال] أخذّت عليك يد الصبآبة موثقًا ... أنّ لا تهيم بغير ساكنة النّقا فلذاك لا يصبوإلى وطن نأى ... عنه ولا يبكي الحمى والأبرقا زمنها في الميح: تبدي أنامله على أوراقه ... خطًّا يشاهد من سناه رونقا كالدّرّ أو كالزّهر أو ... كالزهر أو كالعبقري منمّقا وحديث ما يمليه من ألفاظه ... كالسّحر أو كالبابلي معتّقّا وقال أيضًا: [من البسيط] يا ليلة قد تقضيت في هوى رشا ... أشهى إلى العين من نوم بها السهر من قّبلها ما رأيت البدر معتقي ... ولا سمعت بليل كلّه سحر وله في معاتبة: [من الطويل]

مكّاتبة لولا عذوبة لفظها ... وحسن معانيها التي ملأت صدري توهمتها البحر الأجاج لعظم ما ... رأيت بها من نظّم در إلى در وقال أيضًا: [من الطويل] ولست بمعطي الودّ من لا يودّني ... ولا صارف يومًا إليه عناني ولو ذهبت نفسي عليه صبابة ... وجنّ منّ الأشواق فيه جناني وله: [من الطويل] دعائي من ذكر العذيب وبارق ... فقد شاب من ذكر العذيب مفارقي أروح بقلب للهموم مواصل ... وأغدو بجفن للفراق مفارق أحن إلى برق من الطّور لامع ... وأصبو إلى طيف من الشام طارق وكم قلت لمّا همّ قلبي بسلوة ... أتعثر يا قلبي بصبر منافق وتطمّع أن تبقى على البعد عنهم ... وذلك في شرع الهوى غير لائق ومستعذب الألفاظ قاس فؤاده ... حماه التّجنّي أن يلين لعاشق حوى وجهه روضًا فأصبحت في الهوى ... أهيم بأحداق له وحدائق سقى الله ساعات أخذنا اجتماعنا ... بها من يد الأيام أخذة سارق وحيّا ديارًا إن نزرها نجد بها ... طبيبًا لأسقام وطيبًا لناشق وقال أيضًا: [من الطويل] خذوا بزمامي نحو أيام رامة ... وقولا لعيش بالشام يعود فما العين من بعد الفراق قريرة ... ولا العيش من بعد الفريق حميد لحا الله هذا الدّهر يدني الذين لا ... أريد وينأى بالذين أريد لئن قدمت يا عز أيام هجركم ... فإن وداداّ تعلمين جديد وقال أيضًا: [من الخفيف] قالّ لي صاحبي غداة رآني ... ولعت بي من الزكان خطوب وسقتني صروفه الهمّ صرفًا ... بمزاج تذوب منه القلوب فالأسى حاضرّ وأهلي بعيد ... ومحلى قفر وربعي جديب راحتي راحتي تقصر عنها ... فمذاق الحياة ليس يطيب

كيف نشكو من الزمان أهتضامًا ... والجواد منك قريب [636] محمد بن عليّ بن مسعود بن عليّ بن مسعود بن هبة الله بن خليد, أبو الفرج أبي الحسن البغداديّ. كانت ولادته في رمضان سنة خمس وستين وخمسمائة ببغداد, وخبرت أنه توفى بها في سنة سبع وعشرين وستمائة, من بيت مشتهر بها, من أهل الفضل والتصرف في الأعمال والرئاسة. ومن شعره ماكتبه إلى أبي محمد الحسن بن مسعود, وهو حينئذ يتولى صدرية المعمور في أيام الناصر لدين الله, وأبو الفرج يومئذ مقيم بالحلة المزيدية, مشرف على أعمالها, يهنئه بعيد الفطر المبارك, ويتعذر إليه عن تّأخير مكاتبه عنه: [من الخفيف] أسعد الله خدمة المخزن المعـ ... مور صدر الورى بعيد الفطور إن تكن خدمتى تجلّ فحسبيّ ... ذاك ذنب في نأيه التنكير هو جرم مصحّف فاغتفره ... إن اولى من كان حقًا عذيري وأنشدني ولده أبو طالب عبد, قال: أنشدني والي لنفسه ما كتبه إلى بعض الرؤساء, وقد زاد الماء في ولايته: [من البسيط] فضلت بالجد مج الدين من سقت أيامه وأتتنا عنه أنباء لا تذنب الماء إن فاضت جداوله ... فسيبك الغمر منه ذلك الماء [637] محمد بن عليّ أبي أبو القاسم الشاطبي كان حافظًا القران, عارفًا بتفسيره ومعانيه وأحكامه, وقرأ العربية, وتميّز

في علمها, وسمع الحديث, وحفظ متونه, وأخذ الفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس- رضى الله عنه- عن جماعة ببلده, واستظهر جملة من أشعار العرب, وقال الشعر, وأنشأ الرسائل والفصول, وكتب الإنشاء لأمراء شاطبة. أنشدني أبو القاسم محمد بن محمد بن إبراهيم الشاطبي, سنة ست وعشرين وستمائة, قال: كتب إلى أبو القاسم محمد بن علي لنفسه: [من الرمل] أيهما الخلّ الذي ليس له في أعتدادي وأعتقادي من قرين أنا ممحوضّ إخائي بالذي ... لم نزل تعلمه علم اليقين إقتضى إدلاله توجية ما ... تجتلاه بالمعاذير فمين وإذا ما الود أضحى خالصًا ... أسقط الكلفة بين المخلصين فعسى أن تلحظوه بالذي ... يبسط الأعذار للمقصرين عشتم في خفض عيش لاتني ... تعتفيه لحظات الآملين ونجوم السعد في آفاقكم ... طالعات بالرفء والبنين والسلام المستعاد يتنحي ... شخصك الفاضل حينًا بعد حين وقال أبو القاسم فأجبه: [من الرمل] أيها الخلّ الذي أصفيته ... محض ودي فبحبيه أدين فضلكم أتحفني بقطعة ... تثبت الطّائي في المقصرين وأهتمام يغتدي المجد له ... واضح الغرة مصقول الجبين ولقذفي ودنا الممحوض ما ... يرفع الكلفة بين الممحضين غير أن الودّ أيضًا يقتضي ... عدم التأنيب بين المخلصين دمتم ممّا أبتنيتم من علاص ... أبدً في غرفات آمنين وعليكم من سلامي مثلما ... أريج الورد به والياسمين

[638] محمد بن عليّ بن محمد, أبو الفضائل الوسطيّ, المعروف بابن الكعبرّي. كان من أهل الأدب والفضل, مؤدبًا جيد المعرفة, صالح الشعر. أخبرني أبو عبد الله محمد بن سعيد الوسطي غجازة إن لم يكن سماعًا, قال: أنشدني أبو الفضائل محمد بن الكعبرّي لنفسه بواسط, يلغز: [من الخفيف] خذ بضبعي بمن التأدّب فالله رماني في سوقه بالكساد ما أرى الفضل مظهر الذوي الفضـ ... ـل ولا النقص خاملًا للجماد همتي مذ نشأت نيطت بحب الـ ... ـمجد لاحب زينب وسعاد غير حال إذا تبينها ذو الـ ... ـلّب كانت شماتة الحساد كنت بعد آسم من علقت ولكن بنعماك قد تنسّي مرادي ثلث ثانيه تسعة, وكذا الرّا ... بع, عشر الثاني بغير آزدياد وإذا رمت ثلثه فهو الثاني ... أيضًا فكن له ذا أنتقاد وأخير الحروف عشر لا ولا ... ها زهذا اختصارها باجتهاد وإذا ما عكست ثانيه والأو ... لّ أخلق به شراب الأعادي والبسن الثّناء مني على مجسدك نشر الباقي بغير نفاد لا تكلني عليه إن صار عين الـ ... فعل فاءً ياعدّتي وأعتمادي

فقلد شمت بارق البشر من بشـ ... رك والرّي بعد طول الجواد وآصطناع الآحرار أجدر بالحر إلى تربه حبيس الأيادي قال أبو عبد الله الدبيثي مجيبًا له وموضحصا للاسم الذي ألغزه: [من الخفيف] أيها الملغز المجيد أصخ لي ... عشت ما شئت مدركا للمراد قد تبينت ما لغزت فخذه ... فهو (مسعود) فزت بالإسعاد وأبق في نعمة تدوم ومجد ... صاعد مالكًا رقاب الآعادي [639] محمد بن عبد السلام بن محمد بن عبد العزيز بن هبة الله السنجاري, يكنى أبا البركات, المعروف بابن الخطيب. وإليهم كانت الخطابة بسنجار. كانت فقيهًا مدرسًا عارفًا بالأصول, مبرزصا في علم الخلاف, مشتهرًا بالتحقيق في الجدل والإنصاف. قدم مدينة إربل من بلاد العجم, ودرس الفقه بالمدرسة العقلية عدة سنين, واتصل بسلطانها الملك المعظم مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضى الله عنه- وصار أحد المثرين في دولته, وأنفذه إلى عدة جهات رسولًا, منها إلى مدينة السلام وبلاد الشام وغيرها من البلدان. وكان ذا رأى صائب, وفهم في تدبير المماللك ثاقب, ثم انصرف /ب 99/عن

إربل متوجهًا سنة ثلاث عشرة وستمائة, إلى بلاد الروم, وسكن قونيا وقيسارية, ثم تولى القضاء بملطية فبقي بها أشهرصا, لم يقبل منأحد رشي مدة ولايته. أنشدني أبو الثناء محمود بن الحكيم الإربلي, قال: أنشدني أبو البركات لنفسه: [من الوفير] لقد أغنتك يا مولاي راحّ ... غدتّ في فيك طيبة المذآق عن الخمر الحرام المرّ لكن ... مرادّك من تناولها شقاقي وأنشدني, قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] يا رب إن عواذلي قدّ بالغوا ... في العدل حتى خفت أني أقبل فأذقهم طعم المحبّة وأبلهم ... بالعاذلين لينتهوا أن يعذلوا وأنشدني, قال: أنشدني من شعره: [من البسيط] لمّا أغرت على ريحان عارضه ... وكدت أفنيه بين العضّ والقبل صاغ الحياء عقودآ دهارها عرقّ ... لورد وجنته من شدةّ الخجل وأنشدني, قال أنشدني: [من الكامل] حتى تخلف أن تزور وتخلف ... وإلى تمعن في الصّدود وتسرف هبني أخافك أن أبثك حالتي ... أفلست تعلم ما أجنّ وتعرف [640] محمد بن نصر مكارم بن الحسين بن محمد بن غالب بن عنين الأنصاريّ, الشاعر الأديب, أبو المحاسن الدمشقي.

كان مولده في الاثنين تاسع شعبان سنة تسع وأربعين وخمسمائة. بقرية من القريا دمشق, تدعى زرع, وكان أصله من الكوفة. وتوفي بدمشق عيشة يوم الاثنين العشرين من ربيع الأول سنة ثلاثين وستمائة. كان من الشعراء الشاميين وظروفهم, صاحب رويّة محبرّة, ويديهة محررّة, سخيف اللسان, قبيح الهجاء أغري بهجاء الناس, وتمزق أعراضهم, وهو ممن غلب هجاؤه على مدحه, قّل أن سلم أحد من الرؤساء والملوك وأرباب العلم والمناصب من لسانه, حتى لا يوجد من حفظ له إلا هجوُا جال في أقطار الأرض. وسافر ما بين الشام وديار مصر والعراق وبلاد خراسان وما وراء النهر وغزنة, ومن بلاد الهند واليمن, ومدح أكثر بذلك مالُا جليلُا, وثروة واسعة. ثم عاود دمشق, فلقد سلطانها الملك المعظم شرف الدين عيسى بن أبى بكر بن أيوب- رحمة الله تعالى- وزارته, فبقي فيها إلى أن توفي الملك المعظم. حدثني الصاحب أبو البركات- رضي الله عنه- وساقية في تاريخه, وقال: صاحب الأبيات النادرة, والأحاجي السائر, والذكاء الخارق, والحسّ الصادق, والفطرة السليمة, والفكرة القومية, متى مدح رفع, ومتى هجا وضع, يتناقل الرواة بديعه في الهجاء, وإن وسم بها أعراض الصدور والكبراء, فبلغ من القلوب ما تبلغه المدام, وتخرق في الأغراض ما لاتخرقه السهام. وله مع ذلك يد طويلة, وقريحة

بإدراك ما يحاوله من رصيده كفيلة, إلاّ أنه شهر بالهجاء فهو أكثر ما يروى عنه. قدم علينا في شهر ربيع الأول من سنة ثلات وستمائة, وكنت أسمع بأشعاره, وأتشوق إلى أخبارة, ولا أطمع نفسي في لقائه, ولا أمنّيها إلاّ سماع أنبائه, إلى أن خطر الدهر خطر أنه, وأرخى القدر فجاذبه عنانه, فوردإربل قاصدُا بلاد العجم للتجارة, وله ثروة وافرة, وجدة لا تقللها المكاثرة, وهو إلى الآن مشهور عند الملوك ذكره, نابهّ عند الأكابر في قدره. ولقد بلغنني عنه, أن بدمشق له منزل- من الملك العادل سيف الدين- مكينة, ومحلّة عند وزيره جليلة, صار بهما مميزُا على أشكاله وأكفائه, مقدمُا على أمثاله ونظرائه, وسأورد من أشعاره التى أنشدنيها, ما يشهد بوجودة ألفاظها, وصحة معانيها. وحدثني القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب بحلب- أيده الله تعالى-, قال: حدثني أبو المحاسن محمد بن نصر بن عنين الدمشقي في صفر سنة خمس وعشرين وستمائة عند عودي من الحجاز, قال: كنت بخوارزم بين يدي الإمام العلاّمة فخر الدين الرازي- رضي الله عنه-, وكان الزمان شتاء, والثلج واقع, وإذا بعض الجوارح قد طرد حمامة, فألجأها الخوف إلى أن دخلت المدرسة التي نحن فيها, ثم وصلت إلى الإمام فخر الدين بطريق الاتفاق, فقبضها بيده, ومضى الجارح لسبيله, فعلمت بديهّا هذه الأبيات: [من الكمال] يا أبن الكرام المطمعين إذا شتوا ... في كُل مسغبة وثلج ختاشتف العاصمين إذا النفوس تطأيرت ... بين الصوارم والوشيج الرّاعف من أنبأ الورقاء أن محلكم ... حرمّ وأنك ملجاّ للخائف وفدت عليك وقد تدانى حتفها ... فحبوتها ببقائها المستأنف جاءت سليمان الزمان بشكوها ... والموت يلمع في جناحي خاطف

قرم لواه القوت حتى ظله ... بازًا به تجري بقلب راجف فأجرتها وحميتها ورددتها ... موفورة تحظى بعيش وارف ولوأنها تحمى بمال لأنثّنت ... من راحتيك بتالد وبطارف ولشنفت بفرائد من لفظه ... ولشرفت بملابس ومطارف مولاي عين الله تكلأ مجدك الـ ... عالي لقد جاوزت حد الواصف وقد رتّب ابن عنين شعره في أول ديوانه, وما أتى به من المدائح في الملوك على قدر ما ابتدأ به, ثم بمن يليهم من الوزراء وغيرهم, ثم بما اتفق من المرائى ثم ما نظم من الأهاجي, التي التي كان قصد بها الدعابة والإحماض, لا الغيبة وثلب الأعراض, ثم ما نظمه من الوقائع التي اتفقت له والأغراض, ثم بما سنح له من الألغاز المعجزة والأجوبة عنها, ثم ختم الديوان بما ورد في شعره من الأبيات النحوية, وسال المتأمل له والواقف عليه التجاوز عما أوعيه فيه من الزلاّت, وضمّه من الهفوات. وروى لي من شعره عنه, القاضيان الجليلان, بها الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب, وأبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرداة بحلب- أيدهما الله تعالى-. أنشدني أبو الفضل العباس بن عثمان نبهان الإربلي التاجر, قال: أنشدني أبو اغلمحاسن بن عنين لنفسه: [من الطويل] عسى البارق الشامي تهمي سحابه ... فتخضل أثباج الحمى ورحابه وتسري الصبا من جانبيه عليلة ... كما فتقت عن حضرمّي عبابه خليليّ ما لي بالجزيرة لا أرى ... لمية طيفا يزدهيني عتابه ويأمن سار أن يبيت مغبة ... ببيداء دون الماطرون ركابه إذا جبل الريان لاحت قبابه ... لعين وبانت من منير هضابه ولاحت جبال الثلج زهرا كأنها ... مفارق شيب قد تلاشى شبابه ولاحت قصور الغوطتين كأنها ... مراكب في بحر يعب عبابه

وهبت لنا ريح اتتنا من الحمى ... تخبر عمّا ضمنته قبابه لثمت الثّرى مستشفيًا لغليله ... وهيهات عما ضمنته فبابه أنشدني نجيب الدين بن الصفار, قال: أنشدني ابن عنين لنفسه, يمدح السلطان الملك العادل سيف الدين أبا بكر محمد بن أيوب بن شاذي- رضي الله عنه-: [من الكامل] ماذا على طيف الأحبّة لو سرى ... وعليهم لو سامحوني بالكرى جنحوا إلي قول الوشاة فأعرضوا ... والله يعلم أن ذلك مفترى يا معرضًا عني بغير جناية ... إلا لما رقش الحسود وزوروا هبني أسأت كما تقوّل وأفترىّ ... وأتيت في حبيبك ذنبًا منكرا ما بعد بعدك والصدود عقوبة ... يا قاتلي قد آن لي أن تغفرا لا تجمعن علي عتبك والنوى ... حسب المحب عقوبة أن يهجرا عتب الصدود أخف من عتب النوى ... لو كان لي في الحب أن أتخيرا لو عاقبوني في الهوى بسوى النوى ... لرجوتهم وطمعت أن أنصبرا فسقى دمشق ووادييها والحمى ... متواصل الإعاد منفصم العرى حتى ترى وجه الرياض بجوها ... أحوى وفود الدوح أزهر نيرا وأعاد أيامًا قطعت حميدة ... ما بين حرة عالقين وعشترا أرض إذا مرت بها ريح الصبا ... حملت عن الأعطان مسكاّ أفرا تلك المنازل لا أعقة عالج ... ورمال كاظمة ولا وادي القرى فارقتها لا عن رضا وهجرتها ... لا عن قلى ورحلّت لا متخيرا أسعى لرزق في البلاد مفّرق ... ومن البلية أن يكون مقتّرًا ولقد قطعت الأرض طورًا سلكاّ ... نجدًا وآنة أجد مغوّر وأصون وجه مدائحي متقنعًا ... وأكفّ ذيل مطامعي متستّرا كم ليلة كالبحر جببت ظلامها ... عن واضح الصبح المنير فأسفرا

في فتية مثل النجوم تسنموا ... في البيد أمثال الأهلة ضمّرا ياتوا على شعب الرمال جوانحا ... والنوم يفتك في الغوارب والذرى قالوا وقد خاطّ النّعاس جفونهم: ... أين المناخ فقّلت خد وا في السرى لا تسأموا الإدلاج حتّى تدركوا ... بيض الأيادي والجناب الأخضرا في ظلّ ميمون النّقيبة طاهر الأ ... عراق منصور اللّواء مظفّرا العادل الملك الذي أسماوه ... في كلّ ناحية تشرف منبرا وبكل أرض جنة من عدله الـ ... ضافي أسأل نداه فيها كوثرا عدل يبيتّ الذئب فيه على الطوى ... غرثان وهو يرى الغزالّ الأعفّرا ما في أبي بكر لمعتقد الهدى ... شك يريب بأنّه خير الورى سيف صقال المجد أخلص متنه ... وأبان طيب الأصل منه الجوهرا ما مدحه بالمستعار له ولا ... أيات سؤدده حديث يفترى بين الملوك الغابرين وبينه ... في الفضل ما بين الثريّا والثّرى لا تسمعن حديث ملك غيره ... يروى فكل الصيد في جوف الفرا نسخت خلائقه الكريمة ما أتى ... في الكتب عن كسرى الملوك وقيصرا ملك إذا خفت حلوم ذوي النهى ... في الروع زاد رصانة وتوقّيرا ثيت الجنان تراع من وثابه ... وثباته يوم الوغى أسد الشرى يقظ يكاد يقول عما في غد .. ببديهة أغنته أن يتفكرا حلم تخفّ له الجبال وراءه ... رأى وعزمّ يحقر الإسكندرا يعفو عن الذئب العظيم تكرّامًا ... ويصد عن قول الخنى متكبرا أينال حاسده علاه بسعيه ... هيهات لو ركب البراق لقصرا وله الملوك بكل أرض منهم ... ملك يقود إلى الأعادي عسكرا من كل وضاح الجبين تخاله ... بدرًا فإن شهد الوغى فغضنفرا يعيشو إلي نار الوغى شغفصا بها ويجل أن يعيشو إلى نار القرى متقدم حتى إذا النقع أنجلى ... بالبيض عن سبي الحريم تأخرا

قوم زكوا أصًا وطابوا محتدًا ... وتدفقوا جودًا وراعوا منظرا وتعافّ خليلهم الورود بمنهل ... ما لم يكن بدم الوقائع أسجرا كم حادث خفت حلوم دوى النهى ... خوفًا وجأشك فيه أربط من حرا أنت الذّي أفتخر الآنام بجوده ... ووجوده وكفاه مجدك فخرا الله خصك بالممالك وأجتبى ... لمّا رآك لها الصّلاح الأكبرا أشكو إليك نوى تمادى عمّرها ... حتى حسبت اليوم منها أشهرا لا عيشتي تصفو ولا رسم الهوى ... يعفو ولا جفني يصافحه الكرى أضحى عن الآحوى المريع محلا ... وأبيت عن ورد النمير منفرّا ومن العجائب أن تقيل ظلكم ... كلّ الورى ونبذت وحدي بالعرا ولقد سئمت من القريض ونظمه ... ما حاجتي ببضاعة لا تشترى كسدت فلما قمت ممتدحابها ... ملك الممالك كنت أربح متجرا لازلت ممتدود البقاء حتى ترى ... عيسى في الوغى مستنصرا وأنشدني أيضًا من لفظه وحفظه, قال: أنشدني ابن عنين لنفسه يمدح الملك المعظم شرف الدين بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب بن شاذي, صاحب دمشق-رضي الله عنه-: [من الطويل] أشاقك من عليا دمشق قصورها ... وولدان أرض النيربين وحورها ومنبجس في ظلّ أحوى كأنه ... ثياب عروس صاك فيها عبيرها منازل أنيس ما آنحتّ ولا أنمحت ... بمر السوارى والغوادى سطورها تزيد على الايام نورًا وبهجة .. وتذوي الليالي وهي غض حبيرها كأن عليها عبقري مطارف ... من الوشي يسديها الحيا وينيرها إذا الريح مرت في رياها كريهة ... حبها أريح النشر فيها مرورها سقى الله دوح الغوطتين ولا أرتوت ... من الموصل الحدباء إلا قبورها فيا صاحبي نجواي بالله خيّرا ... رهين صبايات عسيٍر يسيرها

/105 أ/أمن مرح مادت قدود غصونها ... ببهجتنا أم أطربتها طيورها خليلي إن أفنى مدامعي ... فهل لكما من عبرة أستعيرها لقد أنسيت نفسي المسرّات بعدكم ,,, فإن عاد عيد الوصل عاد سرورها آلا إن لي تحت الجوانح غلةّ ... إذا جادها دمع تلظّى سعيرها وقاسمتماني أن تعينا على الهوى ... إذا نزوات البين سارت سؤورها ففيم تماديكم وقد جد جدها ... كما ترياه وأستمر مريرها وأصعب مايلقى المحب من الجوى ... تداني النوى من خلّة لا يزورها فيا ليت شعري الآن ذكر ما مضى ... أوائل أيم النّوى أم أخيرها متى أنا في ركب يؤم بنا الحمى ... خفاف ثقاّل بلأماني ظهورها حروف بافعالها لهن نواصب ... إذا آنست خفضًا فرفع مسيرها تظنّ دون لبنان واللّيل عاكف ... صديع صباح في سراها يجبيرها وقد خلّلقت رعن المدّخن خلفها ... ونكّتب عنها في يمين ثبيرها فيفرح محزونّ ويكبت حاسد ... وتبرد أكباد ذكي سعّيرها وقد ماتت الأموال عندي إنما ... إلي شرف الدين المليك نشورها مليك تخلّلى الملك منه بعزمة ... بها طال عن رمح السّماك قصيرها يلاقي بني المال طلقا فبشره ... بما أملته من نجاح بشيرها فما عـ[ـمـ]ـة مشكورة لا تثيبها ... ولا سيرة محمودة لا يسيرها همام تظل الشمس من عزماته ... مححّبة نقع المذاكي سورها مهيب فلو لاقى الكواكب عابسّا ... تساقطت الجوزا وخرّت عبورها ولو آنست منه الآهلة غضبةّ ... نهاه سطاه أن تنم بدورها تشرّف أيدي السحب إن قال قائل ... لأدنى نوال منه هذا نظيرها حلفت بما ضمّت أباطح مكّة ... منى والبدن والشهب تدمى نحورها لقد فاز بالملك المعظّم أنه ... إلى عدّاله المشهور ردت أمورها وقال يمدح الملك العزيز ظهير الدين بن الملك العادل سيف الدين أبي

بكر محمد بن أيوب بن شاذي: [من الطويل] حنين إلى الأوطان ليس يزول ... وقلب عن الأشواق ليس يحول أبيت وأسراب الدمع كأنها ... قفول تهادى إثرهن قفول أراقبها في الأفق من كلّ مطلٍع ... كأني برعي السائرات كفيل فيا لك من ليل نأى عنه صحبه ... فليس له فجر إليه يؤول أما لعقود النجم فيه تصرم ... أما لخطاب الفجر فيه نصول كأن السّريّا غرّرة وهو أدهم ... له من وميض الشعريين حجول (ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة) ... وظلك يا مقرى علي ضليل وهل أرني من بعد ما شطّت النوى ... ولي في ذرى روض هناك مقيل دمشق فبي سوق إليها مبرح ... وإن لج واش أو ألح عذول بلاد بها الحصباء در وتربها ... عبير وأنفاس الشمال شمول تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصح نسيم الرّروض وهو عليل فيا حبّذا الرّوض الذي دون عزّتا ... سحيرًا إذا هبت عليه قبول ويا حبّذا الوادي إذا ما تدفقت جداول باناس إليه تسيل وفي كبدي من قاسيون حرارة ... تزول رواسيه وليس تزول إذا لاح برق من سنير تدافعت ... لسحب جفوني في الخدود سيول فلله أيامي وغض الصبابها ... وريق وإذ وجه الزمان صقيل هي الغرض الأقص وإن لم تكن بها ... صديق ولم يصف الوداد خليل وكم قائل في الأرض للحر مذهب إذا جار دهر واستحال ملول وما نافعي أن المياه سوايح ... عذاب ولم ينقع بهن غليل فقدت الّصبا والاهل والدار والهوى ... فلله صبري إنه لجميل

ووالله ما فارقتها عن ملالة ... سواي عن العهد القديّم يميل ولكن أببيت أن تقبل الضيم همتي ... ونفس لها فوق السماك حلول كأن الفتى يلقنى المنايا مكرما ... ويكره طول العمر وهو دليل يعاف الورود الحائمات عن الآذى ... وللقيظ في أكبادهنّ صليلّ كذلك ألقى أبن الأشجّ بنفسه ... ولم يرض عمّرًا في الإسار يطول سألثم إن وافيتها ذلك الثرى ... وهيهات حالّلت دون ذاك ذحول أيغتربي دهري على ما يسومني ... ولي من ندى الملك العزيز مقيل على أنني والحمد لله لم أزل ... أطول على أحداثه وأصول وكيف أخاف الدّهر أو أحرم الغنى ... وأري ظهير الدّين في جميل من القوم أما أحنف فمسفّه ... لديهم وأمّا حاتم فبخيل فتى الجواد أما جاره فممنع ... عزيز وأما ضدّه فذليل واما عطايا كفه فسوابغ ... عذاب وأما ظله فظليل وله وقد إليه بعض مماليك أصدقائه, وقد غضب عليه سيده, فكتب معه شفاعة: [من الطويل] ومن عجب الأّيام أنّ شفاعتيّ ... ترجّى لمن في وجهه ألف شافع يروم شفيعاّ من سواه جهالة ... وهل شافع مثل الشفيع المضاجع أنشدني أبو عبد الله بن سعد الدبيثي, قال: أنشدني ابن عنين لنفسه, ببغداد مبدأ قصيدة: [من الطويل] أهاجك شوق أم سنى بارق نجدي ... يضيء سناه ما يجنّ من الوجد تعرض وهنا والنجوم كأنّها ... مصابيح رهبان تشب على بعد حننت إليه بعد ما نام صحبتى ... حنين العشار الحاديات إلى الورد تذكرني عيشًا تقضى على الحمى ... وأيامنا عن أيمن العلم الفرد وإذا أم عمرو كالغزالة ترتعي ... بوادي الخزامي روض ذاك الثّرى الجعد

ومنها: وما زالت الآيام تمهي شفارها ... وتسحب حتّى آستأصلت كلّ ما عندي فأقبلت أجتاب البلاد كأنني ... قذى حال دون الغمض في الأعين الرّمد فلم يبق حزن ما توقلّت متنه ... ولم يبق سهل ما جررت به بردي وأنشدني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن جراادة بحلب- أيده الله تعالى-, قال: أنشدني أبو المحاسن محمد بن عنين لنفسه بدمشق: [من الكامل] يا عاتباّ جعل القطيعة مذهبا ... ظلماّ ولم أر عن هواه مذهبا وأضاع عهد ذا لم أضعه ناقضا ... ذمم الوفاء وحال عن صبّ صبا غادرت داعية البعاد محبّتي ... فبأيّ حالاتي أرى متطرّبا ظبي من الأتراك يثني قده ... ريح الصّبا وبعيده لين الصّبا ما باله في عارضيه مسكه ... ولقد عهدت المسك في سرور الظّبا غضبان لا يرثي فما قابلته ... مبتسما إلا أستحال مقطبًا الله يعلم ما طلبت له الرّضا ... إلا تجنى عامدًا وتجنّبا فيزيده فرط التذلل عزّة ... أبدًا وفرّط الاشتياق تعتبا عجبًا له اتخذّ الوشاة وقولهم ... صدّقًا وعاين ما لقيت مكذبا ورأى جيوش البحر وهي هزيمةّ ... فأغار في خيل الصدود وأجلبا يا بدر عمّك بالمحاسن خالك ... الدّجي فخصك بالمحاسن واجتبى سبحان من أذكى بخدّك للورى ... لهباّ يزيد به القلوبّ تلهبا أو ما أكتفى من عارضيك بأرقم ... حتى لوى من فضل صدغك عقربا وقال يلغز في صبي, أسمه ياسين, أنشدنيها الشيخ الحافظ أبو عبد الله: [من السريع]

وشادن أبصرته قائمًا ... يلعب بالتابوك في موسم كأنه البدر وقد كللت ... من عرق خداه بالأنجم وكلما أبعدها ركضه ... عادت على أقدامه ترتمي قلّت له: ما أسمك قل لي فقد ... أرفت من غير جراح دمي فمرّ في لعبته لاهيا ... وقال: حرفان من المعجم وقال وهو في المخيم, مع الملك المعظم شرف الدين, وأنشدنيها عنه القاضي الأمام الأجل أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بحلب- أيده الله تعالى-: [من الكامل] أنا وأبن شيت في الخيام زيادة ... وأبن النّفيس وذا الملق الصوفي لا بأسنا يخشى ولا أضيافنا ... تقرى ولا نرجى لدفع مخوف أما الملّق كما علمت فزهده ... وقف على زبديّة ورغيف وفتى بجيلة إن قرا ما خطه ... ألفيت فيه غرائب التّصحيف ومهوّس باليمياء يقطع الآ ... يام بالتعليل والتسويف يبغي من الأبوال تبرًا خالصًا ... عقل لعمر أبيك جدّ سخيف وأنا وشعري كم يعنفي الورى ... فيه ولا أصغي إلى التعنيف وقال أيضًا: [من الطويل] حبيب نأى وهو القريب المصاقب ... وبعدى نوى لم تنص فيه الكائب وإن بعيدًا لا يرجّى أقترأبه ... بعيد تنائى والرّدى متقارب ألين لصعب القلب قاس فؤاده ... وأعتبه لو يرعوي من أعاتب من التّرك مّياس القواّم منعّم له الدّر ثغر والزمر [د] شارب يفوّق سهما من كحيل مضيّق ... له الهدب ريشّ والقسي حواجب أسأل عذارًا في أسيل كأنه عبير على كافور خديه ذائب سرت عقرّبا صدغيه في صحن خد ... فهن لقلبي سالبات لواسب

عجبت لجفنيه وقثد لحس قهما ... فصحت وجسمي من أذهن ذائب من خصره كيف أستقلّ وقد عدت تجاذبه أردافه والمناكب ضنيت به حتى رثت [لي] عواذلي ... ورق لما ألقى العدو المناصب فهل لي من داء الصبآبة مخلص ... لعمري لقد ضاقت علي المذهب وما كنت ممّن يستكن لحادث ... ولكن سلطان لهوى لا يغالب وقال أيضّا, وأنشدنيها عنه القاضى الإمام الصدر بهاء الدين أبو محمد الحسن ابن إبراهيم بن سعد بحلب- أدام الله أوقاته-: [من الكمال] أنا وأبن شيث في الخيام زيادة ... فلا يرتجى منّا لخلق فائده من كلّ من قصرت يداه عن النّدى ... يوم الجدا وتطول عند المائده فكأننا واو بعمرو ألحقت ... أو إصبع بين الأصابع زائده وقال في ابن شيث: وقد أمره الملك المعظم أن لا يهجوه فاعتذر: [من الخفيف] كذبًا كلّ ما اعيت وزورآ ... أنا وحدي زيادة في الخيام وضيوفي الذين يمسون غرثى ... ويداي الطوال عند الطّعام ولزوم البساط أكبر همي ... وعلاج الأبوال أقصى مرامي وقال فيه أيضًا: [من الخفيف] زعموا أنني هجوت أبن شيث ... كيف أهجوه وهو في العلم آيه إنّما قلت إنّه حسن الظـ ... ـن حليمّ كأنّه أبن نفايه ومرّ يومًا بجامع دمشق, فرأى واعظًا يلحف في سؤال الناس, فسأل عنه فذكر أنّه يعشق صبيًا من بني عساكر, اسمه نصر الله, وله نسيب منهم اسمه عباس, قيل إنه معًا, فقال: [من البسيط]

ياواعظ الناس ماينفك عن طلب ... معذبًا بين إنعاظ وإفلاس ما كان أغناك عن إلحاف ميآلة ... لو كان في إست نصر داء عّباس وقال أيضًا يهجو: [من الكامل] في دولة الملك المعظّم خمسة ... لا يؤمنون على قشور المحلب وصهر المكرّم وأبنه ... والحام المصّري وأبن التّنبي وقال في المحتسب البكري, وأنشدنيها أبو الفتح نصر الله بن أبن العز بن أبي طالب الشيباني الصفار الدمشقي, بها في المحرم سنة أربعين وستمائة: [من الوافر] عسى الرحمن ينقذنا سريعّا ... برحمته من الزاغ الخبيث أشدّ من السليلين أنبساطًا ... وألزم للسماط من أبن شيث وألآم من فتى الكندي لؤما ... وصنعته وأكذب في الحديث وقال لما دفن القاضي أبو الفرج يونيس بن فيروز بن بدران, قاضي دمشق المصري في داره: [من السريع] وما أقصر المصري في رأيه ... إذا جعل التربة في داره فخلص الأحياء من شره ... وخلص الأموات من ناره وقال أيضا يهجو: [من الخفيف] طلع الدّين مستغيثًا إلى الرحـ ... ـمان إن العباد قد ظلموني يتسمون بي وحقك ما أعـ ... ـرف منهم شخصًا ولا يعرفوني كلّ يوم يعزى إلي وضيع الـ ... ـقدر فظّ الكّلام كالزنكلوني لقبوا أبن المصري ناجي ... ولو كان شراكّا للنعل ما أنصفوني وأبن شيث ويونس والمسيحي جمالي فالقوم قد رفضوني وقال أيضًا: [من الكامل] لولا الحياء وخيفتي من خالقي ... لضربت في الآفاق بالناقوس

وجمعت أهل الأرض كيما يعجبوا ... لتالف الغزّلان بالجاموس وقال في مدّرسين كانا بدمشق أحدهما يلقب الجاموس, والآخر البغل: [من الكامل] البغل والجاموس في جدليهما ... قد أصبحا عجبا لكلّ مناظر برزا عشية يومنا ليجادلا ... هذا بقرنيه وذا بالحافر ما أتقنا غير الصياح كأنما ... لقنا جدال المرتضى ابن عساكر لفظ طويل تحت معنى قاصر ... كالعقل في عبد اللطيف النّاظر إثنان ما لهما وحقك ثالث ... إلاّ رقاعة مدلويه الشاعر وقال يهجوا بن دحية الأندلس المحدث: [من السريع] دحية لم يعقب فكم تعتزي إليه بالبهتان والإفك ما صحّ عند الناس شئ سوى أنك من كلّب بلا شكّ وله يلغز في العقرب: [من الطويل] وما حيوان يتقي الناس بطشه ... على أنه واهي القوى واهن البطش إذا ضعفوا نصف اسمه كان طائرآ ... وإن ضعفوا باقيه كان من الوحش وقال يهجو: [من الوافر] كأن قفا الوزير عروض شعر ... يقطع بالبسيط وبالمديد فذالك لا يزال النعل فيه ... كمنزل أحمد بن أبي الحديد وقال أيضًا: [من الطويل] لئن وافي مصر فرعون وحده ... من الشام وآستولى وأظهرنا موسا فقد جلبت مصر إلى الشام واحدًا يرى الف فرعون وليس لنا موسى وقال يهجو صدرجهان محمد بن أحمد بن عبد العزير بن مازة

البخاري, وأنشدنيها عنه الشيخ الحافظ أبو عبد الله: [من الكامل] مال أبنمازة دونه لعفاته ... خرط القتادة أو مناط الفرقد مال لزوم الجمع يمنع صرفه ... في راحه مثل المنادى المفرد وقال يهجو القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني: [من المتقارب] إذا كلبه ولدت سبعة ... فلا تعجبن أيها السائل فعدّة أخلافها سّتة ... وفاضل وأولادها الفاضل وقال فيه أيضًا: [من الطويل] سألت النجيب الفاضليّ وقد بدا ... عليه شحوب بعد شدة أزه أكنت مريضًا قال: كلاّ, وإنما ... تخيرني عبد الرّحيم لسره فقلت له: حق على الله خفض ما ... ترفّع تيها وأدّعى فوق قّدره وهب أن ما تومي إليه مصدّق ... وأنك قد أقر تناقص أمره فما وهدة ما بين ثدييك, قال لي ... مقعّر صدري من محدّب ظهره وقال وقد عمل في أبواب جامع دمشق سلاسل: [من السريع] لمّا رأى الجامع أمواله ... مأكوله ما بين نوّابه جنّ فمن خوف عليه غدا ... مسلسلًا في كلّ أبوابه وكيف لا تعتاده جنّة ... وقد رأى خسة أربابه القرد في شباكه حالم ... والكلب في قلبة محرابه وقال من جملة أبيات: [من المسرح] سلطاننا أعرج وكاتبه ... منعمشذ والوزير منحدب وصاحب الأمر خلقه شرسّ ... وعارض الجيش دواؤه عجب

يبيّت من حكّمة تؤرقه ... في دبره طوّل ليله يثب وحاكم المسلمين ليس له ... في غير غر مول جرجس أرب وله وقد اجتاز هو وصبي يقبله, بصبي يقال له- أحسن الناس وجهًا- فقال له: نبه عمر, أراد بذلك قول بشار بن: [من المتقارب] (إذا أيقظتك صروف الزمان ... فنبه لها عمرآ ثمّ نم) فقال أرتجالآ: [من البسيط] وحاجة بت أشكوها إلى ثقة ... وقد ترقرق ماء العين ينحدر فقال لي مشفقا نبه لها عمّراّ ... فقلت: واخيبتا إن لم ينم عمر وكتب إليه اخوه كتابًا يصف له دمشق, ويشوقّه إلى وطنه, وأبو المحاسن يومئذ ببلاد خراسان, فكتب إلى أخيه بهذه الأبيات, وأنشدنيها عنه القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن سعيد الحلبي- أسعده الله-: [من الكامل] يا سيّدي وأخي لقد أذكرتني ... عهد الصّبا ووعظتّني فنصحت لي أذكرتني وادي دمشق وظله الضافي البرود السلسل ووصفت لي زمن الربيع وقد بدا ... عجب الزمان إلي شباب مقبل وتجاوب الأطيار فيه [فمطرب] ... يلهي الشجيّ وناتج يشجيّ الخلي يغني النّديم عن القيان غناؤها ... فالعندليب بها رسيل البلبل فكأنما أخدت عن أبن مقلد ... قول المسرح في الثقيل الأوّل ومدامة من صيدنايا نشرها ... من عنبر ورداؤها من صندل مسكيّة النفحات يعرف أصلها ... عن بابل ويجل عن قطربل وتقول: اهل دمشق أكرم معشر ... وأجلهم ودمشق أطيب منزل وصدقت إن دمشق جنّة هذه الـ ... ـدنيا ولكن الحجيم الذالي

لا الدائص الحلبيّ ينفذ حكمه ... فيها عليّ ولا العواني الموصلي هيهات أن أتي دمشق وظلها ... يعزى إلى غير الملك الأفضل ومن العجائب أن يقوم بها أبو ... بكر وقد جعل الوصية في علي مهلًا أبا حسن فتلك سحابة ... صيفيّة عمّا قليل تنجلي وكتب أيضًا إلى أخيه في صدر كتاب: [من الطويل] وما حائمات تمّ في الصيف ظمؤها ... فجاءت وللرمضاء علي المراجل فلمّا رأين الماء عذبًا وأقبلت ... عليه رأين الموت دون المناهل بأعظم من وجدي عليك ووحشتي ... إليك وإن لم أحظ منك بطائل وقال وكتب إلى الملك المعظم يستعفيه من تقليده الوزارة, وأنشدنيها عنه القاضي بهاء الدين أبو محمد: [من الطويل] أقلبي عثاري واتّخذها وسيلة ... يكون برحماها لك الله جازيا كفى حزنًا أن لست ترضى ولا أرى ... فتى راضيًا عنّي ولا الله راضيا ولست أرجي بعد سبعين حجّة ... نجاةّ وقد لاقيت كلّ الدّواها أخوض الآفاعي طول عمري خائفًا ... وكم يتوفّى من يخوض الآفاعيا وقال يهجو القاضي أبا الفرج يونس بن فيروز بن بدران قاضي دمشق المصري: [من المتقارب] قضى يونس نحبه بعدما ... قضى في الآنام بغير الصّواب وأحرز أولاده ماله ... وموت الحمير حياة الكلاب

[641] محمد بن سعد بن نصر بن سعيد علّي, أبو نصر بن أبي الحسن الدجاجي البغدادي المعروف بابن الحيواني. كانت ولادته في شهر رجب سنة أربع وعشرين وخمسمائة, وتوفي ببغداد يوم الأربعاء خامس عشر ربيع الأول سنة إحدى وستمائة, ودفن بجانبها الغربي بباب حرب. وكان واعظصا فقيهًا حنبليات, شاعرًا محدثصا له خطب وفصول في الوعظ, وأشعار مدح بها الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رضي الله عنه-. سمع الحديث على أبي جعفر محمد بن علي السمناني, وأبي منصور عبد الرحمن بن محمد بن زريق القزاز البغدادي, وأبي بكر قاضي المارستان, وأبي الوقت عبد الأول عيس بن شعيب السجزي. وكان شيخًا, فيه صلاح وفضل حسن, ومن شعره يمدح الإمام الناصر لدين الله, ويذهب فيه أبي الفتح البستي في المجانس المتشابه القوافي. وأنشدني منه شيخنا أبو عبد الله محمد بن سعيد الوسطي, قال: أنشدنا أبو نصر الدجاجي لنفسه: [من السريع] تقول عيسي حين أدميتها ... بالسير رفقا بي يا هاشمي إن شئت أن تلقى المنى والغنى ... عج بإمام من بني هاشم

/114 ب/فقلت إذ لاح سنى برقه ... يا نوق هذا نوره هاشمي وقال فيه أيضًا: [من الطويل] إمام أعاد العدل من فقده ... وأحيا رميم المكرمات برفده وعم البايا بالعطايا تكرّمًا ... وأشرق في أفق العلا نجم سّعده به لبسّ الإسلام أحسن زينة ... ولان من الأيمان ذابل رنده فلاّ زال في ثوب الخلافة رّافلاّ ... تجر على الآيام أذيال برده ودارت على الإقبال أفلاك مجده ... ولا زالت الأملاك من بعض جنده مدى الدّهر ما ناح الحمام وأسدل الظّلام وما سحّ الغمام برعده وأنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي بإربل, قال: أخبرني أبو نصر محمد بن سعد الله لنفسه إجازة, يمح الوزير جلال الدين أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن أبي منصور الأصبهاني: [من البسيط] أثر إلى جنبات المنحنى إبلي ... واحلل يعزمك عنها محكم العقل وخلّها تسحب الأرسان من مرح ... دون الثّنّية بين ألبان والآثل فإن ريح الصّبا من نحو كاظمة ... قد هاج منها غراما جد مشتعل حنّت إلى مربع الالآف فالتهبت أحشاؤها وأعتراها مقلق الخبل إلى مرابع صدق طالما حمدت ... ما بينهنّ غدايا العلّ والنّهل فهجن لي لوعة من مثل وقدتها ... يرفض من عبراتي كلّ منهمل فبات بي مثل ما باتت تكابده ... من حبّه تبعث الشكوى لهنّ ولي يا عاذليّ فرط الصّبابه لو ... عرفتماها لما أكثرتما عذلي طالت علّي الليالي بعد ما قصرت ... وأي ليل مشوق القلب لم يطل ما أومض البرق من نجد ولا نسمت ... ريح ولم أغد مثل الشارق الثمل تميد بي جنبات الأرض من طرب ... شوقًا إلى معهد الغزلان والغزل ليت النوى أسعفتني بالبقاء لمن ... لولآ تنائيه لم أجزع ولم أبل فقد تساعف دار بعد ما بعدت ... والدّهر يسمح بعد الضّنّ والبخل كما اني بجلال الدّين معتذرًا ... به ومستغفراّ من سالف الزّلل وافى به فصفحنا عن جرائمه بما جد من خلال المّجد مجتبل

فكلّ من رام يومًا أن يساجله ... من البريّة في قول وفي عمل نادته ألسنة التوبيخ مفصحة ... (ليس التكحل في العينين كالكحل) أضحى الزمان به من بعد ظلمته ... ذا منظر في عيون العالمين جلي مازال يسعى لأنمى كل مرتبة ... سواه قد رامها قدمًا فلم ينل مناقب لجلال الدّين مفتخر ... بها وأكمل عز غير منتقل فالملك مستبشر يزهو بطلعته ... قد ضم منه إلى ذي نجدة بطل يراعه ظلّ يغني وهو من قصب ... عن القواضب والعسالة الذبل فما ركام من المزن الغزار له ... زماجر وضرام دائم الشغل إذا تبجّس روّى كلّ بلقعة ... وأصبحت ذات روض ناضر خضل يومًا بأغزر عند الممحلات ندى ... من الوزير نظام الدّولتين عّلي ولا هزبر أبو شبلين مدّرع ... بلبدة مرتاع ولا وجل يحمي العرينة من أمثاله أنفًا ... ولا يرّاع لما يعرو من الوهل أمضى علّى الهول منه يوم ملحمة ... تلهي القلوب عن الأفراح والجذل مكارم لجلال الدّين لست ترى ... لهن عن مجده المحروس من حول نجل الوزير جمال الدّين أكرم من ... مشى على الأرض من حاف ومنتعل عليه من صلوات الله أفضلها ... ما هبت الرّح في سهل وفي جبل غيه أبا حسن عن المفاجر قد ... ظفرت منها بأقصى السؤال والأمل يا سيّد الوزراء الأكرمين ويا ... نجل السراة الكرام السادة النبل إسعد بها رتبة للمستحق لها ... ودولة ذات عرف في الورى شمل وثق بصدق ولائي ما جرى قلم ... وما تأخر مقدور من الأجل بقيت يا شرف الغسلام مرتفعًا بهمّة في العلا تعلو على زحل ويا قوام المعالى عش ورش أبدًا ... ودم بقدر عظيم الطول لم يطل وصل وصل واسم وأسلم في بلهنية ... ما سبح الله في الإبكار والاصل وما ترنمّمت الأطيار في ورق ... فهيجت مغرماّ بلأعين النجل

وقال أيضًا, وأنشدنيه عنه الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود: نفس الفتى إن صلحت أحوالها ... كان إلى نيل التقى أحوى لها وغن تراها سدّدت أقوالها ... كان على حمل العلا أقوى لها فلو تبدّت حال من لها لها ... في قبره عند البلى لها لها وقال أيضًا [من الكمال] إنّ الولاية لا تدوم لواحد ... إن كنت تنكرها فأين الأول؟ وقال أبو غالب نصر بن تركي بن خزعل بن تركي بن الحسن الحنظلي التميمي البصري المسلي التاجر, أنشدني أبو نصر محمد بن سعد الله بن الدجاجي لنفسه: [من البسيط] يا غائب القلب في نقص وفي لعب ... وذاهب العمر في حرص وفي تعب لا يغررنك المنى جهلاّ بطول منى ... ويلزمنك العنا بالزور والكذب صاحب فصاحة دنيانا بموعظة ... تغني أخا اللبّ فيها عن أخ وأب لا تغرر بنسي الغافلين وخذّ ... رداّ ينجيك من هول ومن عطب الناس في حسد والعيش من نكد ... والشّمل في بدد والترب في ترب إسمع مقالتها واقرع جنايتها ... وأقطع مفازتها بالنوح والحرب أحب أنب أقبل أدن أصغ أفق ... احذر تحفظ تيقظ إخش ذل تب وبالإسناد وأمر أن يكتب على قبره: [من الخفيف] أيها الزئرون بعد وفاتي ... جدثًا ضمّني وقبرًا عميقا

/117 أ/ سترون الذي رأيت من الأمـ ... ـر عيانًا وتسلكون الطريقا [642] محمد بن أبن الفوارس بن أبي الهواء, أبو عبد الله الحلّي. من أهل الحلة المزيدية. أخذ طرفًا من النحو عن أبي البقاء عبد الله بن الحسين الضرير النحوي العكبري, وكان بالموصل معلمًا , له طبع في الشعر. أنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي, قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه: [من مجزوء الكامل] يا غارسًا غصن الحيا ... ة بجود راحته السخيه ومعوّدا كسبت الثنا ... ء بحسن أخلاق زكيه قد صرت مأكولا لابـ ... ـناء الجهالة والدنيه فانهض إلىّ حميّة ... فالحر تنهضه الحميّه [643] محمد بن اصطفان بن عبد الله, أبو عبد الله. كانت ولادته في عين ناب قلعة حصينة من أعمال حلب- يوم الجمعة ثالث صفر سنة أربع وسبعين وخمسمائة, وتوفي عيشة يوم الثلاثاء بين الظهر والعصر تاسع عشر المحرم سنة ثلاث وعشرين وستمائة بإربل, ودفن بداره. وكان يتولى أستاذ الدارية بإربل, لسلطانها الملك المعظم مظفر الدين- رضي الله عنه-, أجمع أهل زمانه, أنه لم يكن له نظير في ذكائه وفهمه وتفرده بما خصه الله تعالى, من إحكامه أكثر صناعات العالم على اختلاف أنواعها, وتبريز فيها. ساق ذكره الصاحب الوزير أبو البركات في تاريخ إربل, وقرظه في جملة من استوطن بها, وقال: أبو عبد الله بن أصطفان, أمير كريم الأخلاق سليمها, سليم

الطباع كريمها, صادق المودة صافيها, وافرالصداقة وافر الصداقة وافيها, له سماحة يد لا تبقى ما في اليوم إلى غد, حسن الظن بالله, شديد التمسك بأوامره ونواهيه, له رسائل وشاها طبعه ونمقها, وهذّبها فكره ولفقها, وأشعار رزقت من اللطافة نصيبًا وافرً اومنحت من السلامة حظا كاملًا. كان والده من موالي بني حسان المنبجي, فأعتقه بعض من له ذلك شرعًا, ثم أنشدني من شعره ما سمعه من لفظه: [من مجزوء الكامل] برشيق قدّك وأعنداله ... وفتور طرفك واعتلاله وبنون عارض خدّك الـ ... ـتبست علىّ بعطف داله عني الجمال بخطها ... زمنا فنقطها بخاله ألاّ رثيت لعاشق ... رق العدو لسوء حاله وأنشدني, قال: أنشدني لنفسه, يوازن قول القائل: [من مجزوء الكامل] لمّا رأيتك مقبلًا ... والبدر يعجب من تمامك أيقنت أني هالك ... إن لم أقل أنا في ذمامك واتمهما ابو عبد الله بقوله: [من مجزوء الكامل] والغصن يستجلي التعطيف والتثني من قوامك والدّر منتسق النظام ... جلاه لي برق أبتسامك ورأيت ذلّي حين تخطر في ... دلالك واحشامك تسطو علي وتارة ... أجد السلامة في سلامتك أيقنت أني هالك ... إن لم أقل أنا في ذمامك وأنشدني, قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] يا غائبًا قد ساثني بمغيبه ... أشكو إليك جناية التفريق قد كان دمعي قبل بينك لؤلؤًا ... فالآنّ قد بدّلته بعقيق وأنشدني أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن الإربلي, قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه: [من مجزوء الكامل]

وألية بهوى إذا ... قدم الزمان به تجدّد وتبلبل الأصداغ فو ... ق مزروفن الخد المورد وفتور الحاظ خلقـ ... ـن بلية الدّنف المسهد ومراشف كالخمر تبـ ... عن نقادر منضد ورشيق قدّ كالقضيـ ... ـب يكاد أن يلوى ويعقد ولذيذ ملتف العنا ... ق وضمة الصّدر المنهد ورفيق شكوّى في العتا ... ب تخاله اللّحن المردد إني وإن ظن الغبي بأن شملي قد تبدّد ومسّاعدي في الحب قد ... مالا على وقد تفنّد ورميت من أيدي النّوى ... بمحلًا عني مشّرد فلقد عكست ظنونه ورددت وجه الظن اسود وتجاوبت خرس اللقاء ... وغرّدت طربًا وعرّد وحنيت عاصية السرو ... ر فأصبحت من غير مقود وأتى الزمان بما أريـ ... ـد وأطلق الهم المقّيد وأعاد أحمد ثانيًا ... من بينه والعود أحمد [644] محمد بن فارس بن المصري, أبقو عبد الله الأنصاري الكاتب. كان يكتب في خزانة السلاح بدمشق للملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد ابن أيوب- رضي الله عنه- وكتب له الإنشاء مدة يسرة بالديار المصرية. وكان فقيهًا مالكي المذهب, عالمًا مبرزًا في كلّ فن, وله رسائل فصاح, وأشعار

ملامح, وتصانيف. وتوفي سنة ست عشرة وستمائة. أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الله إبراهيم العمري المحلي المصري, قال: أنشدني محمد بن فارس بن حمزه لنفسه: [من الكامل] لولا تحّديه باية سحره ... ما كنت ممتثلًا شريعة أمره رشا أصدقه وكاذب وعده ... يبدي لعاشه أدلة كفره ظهرت نبوة حسنه في فترة ... من جفنه وضلاله من شعره فأطاعه حتّى العذول وما عصى ... في الحب من قام العذار بعذره ولقد دعا ظمئي عذيب رضابه ... أفلاهداه ببارق من ثغره وأنشدني أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المنعم بن عمر المحلي لنفسة, يمدح الصاحب عبد الله بن علي بن عبد الخالق الحري الدميري, تمام الأبيات المتقدمة له: [من الكامل] قمر أعار الطذرف منزل نؤيه ... لمّا نأى والقلب موئل ذكره راقبته والفراغ غارب ليله ... ورقبته والوجه طالع فجره وزجرت شيطاني به وردعته ... لمّا رميت بثاقب من هجره غصن أقل من المحيّا روضة ... تلهيك عن نور الربيع وزهره حيّا الحياء عضيرها ونضريها ... من مزن سلسال الجمال بدره يفتن جانيها ويفتن فهو في ... حلو يذاق من القطاف بمرّه لدن القوام آماله خمر الصّبا فغدت معاطفه عرابد سكره قعدت روافه وقام قوامه ... فخشيت أن ينفد مخطف خصره واعن كفّ الغدر عطفي وصله ... فمتى يشل الوصل كفّي غدره حلّ اللّوى ولوى مواثيق الغضا ... ورمى الضلوع بلافح من جمره وعلى الحمى نهب الحشاشة عنوة ... وبأمره أسر الفؤاد بأسره

ولّى وما لى هواه لأنّه ... ما زال عندي من ودائع سرِّه من لي برجعته فيغدو منشرًا ... ميت السّرور بقربه من قبره ويعود عود الوصل نضرًا بعدما ... أضحى حطامًا قد أحيط بثمره ويروض روض اللهو من نور المنى ... بيد النّسيم الرّطب جامح نشره وأرى شمول الشَّمل كاسيةً كؤو ... س العيش أمنًا من حوادث دهره وأجول حيث أجيل طرفي في ربى ... أنيسي بوضّاح النجاح أغرِّه وأشيم من وجه الزّمان طلاقهّ ... تفتر عن بشرى الوزير بنشره الصّاحب بن علّي العالي على ... فلك العلاء بمجده وبفخره مولى الموالي سّيد الوزراء في ... طرفي أعاصير الزّمان وعصره وزر الملوك وأزرها وبه أحتمت ... في الملك منقدر الزمان ومكره سبق الأماجد آخرًا بمناقب ... قد ترجمته أولًا في قدره وأحتلّ من دست الوزارة منصبّا ... أعلاه بعدله وبذكره متهلّل القسمات تقسيم أنّه ... بدر تجلّى من أزرَّة أزره قد زان مخبره بأحسن صورة ... وأعان صورته بأحسن خبره ذو همّة رقته من طور العلًا ... في رأسه ورست به في صدره وعزيمة أجرته حيث تأخّرت ... جرد القضاء عن اللّحاق بإثره متنوع الطّمعين بين عفاته ... في نفعه وعفاته في ضرّه متآلف الحالين باطن سرّه ... في الوعد والإبعاد ظاهر جهره يهفو ارتياحًا وهو طود سكونه ... ويلين عفوًا وهو قسور قشره ويسيل جودًا وهو جاحم بأسه ... ويروق شرفًا وهو صارم زجره ندب إذا آنهلَّت يدا إحسانه ... شاهدت عشرة أبحر من عشره تروى أحاديث النّدى عن عرفه ... كفِّه عن طبعه عن نجره ما خاب قطُّ ولن يخيب مؤمِّل ... ركن المهالك في مطالب برّه أغني وأقنى آمليه فما ترى ... في الخلق من يشكو فواقر فقره كرم به أعدى الزّمان وعدّه ... مع أنّه من سيله من قطره نعت من الجود المؤكد عطفه ... من راحتيه لزيده ولعمره

بحر جواهر فضله مشهورة ... من مدِّه منظومة في جزره حصرت معانيه اللُّغات وكرَّرت ... من وصفه مالا يحاط بحصره وله التصانيف الَّتي أبدت لنا ... في كلِّ فنّ جوهرًا من بحره بكرت بمبتكر الجنان وفضله ... عقد البيان من اللِّسان بدرِّه ورسائل هي للفتوح وسائل ... شعرًا شواهدها دلائل نصره ما استلأمت بكتائب من كتبه .. إلّا ثنت ريح العدوِّ بخسره اوراقه منها فواضل بيضه ... وحروفه فيها عواسل سمره يا سيِّدًا لولا المسير لبابه ... ما أشأمت مذ قطّ عصبة مضره أحسنت بي وشكرت جهدي فاستدم ... شكر الندى بزيادة في وفره وابسط يدًا كانت لموسى آيةً ... وأقم جدار العيش منّك بخضره واهنأ بشهرك بل تهنَّ بمثله ... ألفًا ودم ألفًا لوافد كرِّه لا زال ليلك منه يوم صيامه ... شرفًا ويومك منه ليلة قدره وقال مكاتبًا لشخصٍ يلقّب البرهان: [من مجزوء الكامل] وافى كتابك روضةً ... تطوى أزاهرها وتنشر بل جنّةً رقَّت ورا ... قت مسمعًا حسنًا ومنظر بل إنَّه ناديت لمَّا أعجزت الله أكبر ماذا أقول وكلُّ معنّى ... فيه بالبرهان جوهر وقال متغزلًا: [من الكامل] لله أيُّ مهفهف هزَّ الصَّبا ... غصن الصِّبا من قدِّه أملودا أبدى الأقاح مّن الثُّغور مباسمًا ... والجلَّنار ومن الشَّقيق خدودا والنرجس الغضُّ النَّضير نواظرًا ... منه ورمَّان الصّدور نهودا وكأنَّ كرمة فرعه أرخت له ... من كلِّ صدغٍ للحيا عنقودا وكأنَّما ألفاظه أضحت على ... جيد المسامع جوهرًا منضودا رشأ رجوت وصاله فأحاله ... بنفاره دون الرَّجاء صدودا لو جاد لي بالقرب منه ساعةّ ... لأعاد حظِّي كاسمه مسعودا

وقال بديهًا: [من مخلَّع البسيط] بدا بوجه علاه فرع ... كالبدر من فوقه غمامه في خدِّه للنِّدى تراه ... لوث دمٍ يوجب القسامه وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] بعظيم قدرك واقتدارك ... وصميم مجدك وافتخارك وبحقِّ نعمتك الَّتي ... غمت كثيرًا من بحارك وبما تؤمِّل في الأما ... جد من فروعك بل ثمارك وبحرمة الخدم القديـ ... ــــــمة حيث كادت في جوارك أنظر إلى العبد الضَّعيـ ... ــــــــف بعين خيرك واختيارك وامنن عليه بما يعو ... د لذي الغنى فيه مشارك لا زال جودك مرشدًا ... ابدًا إلى نهي المدارك وقال أيضًا مهينيًا بالصوم من قصيدة: [من الطويل] صل الشَّهر بالصَّوم المجدَّد والفطر ... وعدِّده اعوامًا إلى منتهى العمر وكن واحدًا في اهله مثل ما غدت ... وحيدة الف مثله ليلة القدر وشنَّفه بالدِّين الَّذي أنت تاجه ... وشرِّفه بالذكرّ الذي منك في الخير وأودعه ما أودعته من محاسنٍ ... تبسَّم منها جوهر الحمد عن ثغر لك الله من مولى تهنَّى بكونه شهير الـ ... ـــــــمعالي كلَّ يوم من الشَّهر وزير حبا دست الوزارة قوَّةً ... فقام بأزرٍ لا يميل إلى وزر وناء بعبء الملك فعلًا ونيَّةً ... وباهى بحسن القول في النَّهي والأمر وساس أمور النَّاس حتَّى تواقفوا ... على شكر ما أولى آل بني شكر فتى فات أهل الفضل سبقًا فمن سعى ... ليدركه مرَّت مساعيه في خسر عليم بأقسام العلوم وانَّها ... بلا حصر قد قيِّدت منه في حصر دري بغايات اللُّغات محدَّث ... بما هو مبديه من النّظم والنَّثر له قلم يستخرج القول جوهرًا ... وينظمه في الطِّرس من لجَّة الفكر وراحة جودٍ تنشئ المزن دائمًا ... وليس لها إلَّا المواهب من قطر

إذا أمَّه رأجٍ رأى البرَّ رابحًا ... وبشَّره قبل النَّدى بارق البشر عليه يمين لا ونى بيمينه ... ويسراه عن لاتٍ تسرُّ وعن يسر [645] محمد بن أبي الحسن بن يمن بن عليِّ بن أحمد بن محمد بن عثمان بن عبد الحميد الأنصاريّ. هكذا أملى عليّ هذا النسب والده، وذكر لي أنَّ أصلهم من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وأنَّهم من أولاد سهل بن حنيف الأنصاري. يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن الأردخل، والأردخل هو البناء عند أهل الموصل. خرج عن الموصل سنة ثلاث عشرة وستمائة، وقدم ميافارقين، واتصل بخدمة الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الملك العادل سيف الدين ابي بكر صاحبها، وصار أحد ندمائه، وملازمي حضرته وشعرائه؛ ولم يزل مغتبطًا في جملته، معدودًا عنده من خاصته، إلى أن توفي في تاسع شوال سنة ثماني وعشرين وستمائة بميافارقين، وكان عمره يومئذ إحدى وخمسين سنة. وهو شاعر حاذق ذو نظر في الكلام، خارق متقن لألفاظه ومعانيه، لا يماثله أحد في قوله ولا يدانيه؛ أشعر أبناء زمانه على الإطلاق، وأحسنهم طريقة في الشعر بالاتفاق. وكان جسورًا على الهجاء، مقدامًا ذا عصبية لأصدقائه ومعارفه، وكان من قوة القلب والإقدام على المهاترات والمخاصمات ما لا مزيد عن ذلك، وربما عجز عنه غيره من أشد الناس.

أنشدني الشيخ أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن أحمد الأديب النحوي الموصلي؛ قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن الأردخل لنفسه، يمدح الإمام أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبا العباس أحمد –رضوان الله عليه-: [من الطويل] شكوت هوى من زخرفت لي وعوده ... إلى البان حتَّى دقَّ عظمي وعوده غزال كثرت الرَّمل من غزلي به ... مزرَّد خدّ في فؤادي زروده يقوم بحبِّي للقضيب قوامه ... ومبعث وجدي للغزالة جيده لثمت محيَّاه فجار لثامه ... وعاودته ضمًا فغارت نهوده وكم وقفة فضَّ البكاء له دمي ... بها فتساوت أدمعي وعقوده سقى ثمَّ حيًا عهده واكف الحيا ... فأجدر ما يسقي العهاد عهوده ليالي كادت من مصافحة الصَّبا ... تبلَّل بالطَّلِّ البرود بروده ومنها: وهاجرة من هجره حرُّ نارها ... لدى الشَّوق قود اليعملات وقوده صحبت بها حدَّي حسامٍ [كأنّه] ... إذا قلت ينضى من لساني حديده أتيت ولي آراء عزم تقوم بي ... على قدمي خطّ طويل قعوده وكيف ينام اللَّيل صاحب همَّة ... يريد من الأيَّام ما لا تريده ولا الدهر لا يستطيع إعدام معدمٍ ... وجود أمير المؤمنين وجوده مليك إذا ظلَّت تعوّذ بأسمه ... قوابل حيِّ نال عيسى وليده وإن سار في جيش العدا ذكر بأسه ... غدت صيد عقبان المنيَّة صيده تناهى فلا عين الكمال تروعه ... بنقص ولا مدح البليغ يزيده لئن كان موسى فخر هارون معجزًا ... فهارونه عزُّ الفخار ورشده لقد وسع الأقطار كرسيُّ ملكه ... محيطًا ولكن حفظها لا يؤوده وسارت له فوق الورى بيت رحمةٍ ... يقوم على كلِّ الأنام عموده وليس بقاض بعض حقِّ مديحه ... سوى شاعر أمُّ الكتاب قصيده فيا ربعه المحجوج إنَّ رجاءنا ... لصائم دهرٍ يوم قصدك عيده وأنشدني أبو عبد الله محمد بن العباس الموصليُّ؛ قال: أنشدني محمد بن

الأردخل لنفسه، يمدح مولانا المالك الملك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، شرف الملوك والسلاطين، نصير أمير المؤمنين_أعلي الله شأنه وأوضع برهانه_: [من المنسرح] لله نفس بكم أسوّفها ... تقضي وما ينقضي تأسُّفها وذات عرفت منكم تجلّدت للَّاحي فأنكرتها وأعرفها وقفت فيها وآي أرسمها ... ممحوّة بالمحول أحرفها مكفكفًا عبرتي وودِّي أن ... أبكي عليها ولا أكفكفها ماذا علي الرّكب من إراقتها ... هل هي إلّا بلوي أخفِّفها وكيف أمسوا لا بل أصبحّ وبيّ ... ألمي مريض الجفون أوطفها لم أدر حتَّى تقسَّمتني ظبا ... عينيه أنَّ الفتور يزهقها عهدي به والحمام فاعله ... في الشَّب فعل الشَّراب هيفها في دوحة منذ بان تنجزها ... الوعد جفوني والمزن تخلفها فضّي جسمٍ تكسوه أكؤسنا ... أثواب تبر من حيث يرشفها فالرّاح شمس ووجهه قمر ... يكسب من نورها ويكسفها وقد أجوب الفلا بخرف تق ... ود اللحظ وخدا ولا يكيّفها كأنّها من غواة عبقر وال ... جوّ بشهب الهجيرة يقذفها تكاد من خفّة بها تطأ الـ ... ــعين مرارًا وليس تطرفها فسهلة تارة ومحزنة ... وليس إلّا إليك يصرفها لا زلت بدرًا للدين ما استبق الـ ... ــــبيت بأولى الركاب موجفها من غمّة بالعطاء وتحيي ومن ... غمّاء بالمشرفيّ تكشفها حكمت حتى للشاة في الأسد ... واستدرجت حتّى ارعوي تغطرفها وقمت في أنفس الطّغاة مقا ... م الموت لا تستفيق تتلفها في كل يوم يلفي حماك إلي ... حيّاتهم حياةً تلقّفها فلا سيوف ولا تثلّمها ... ولا رماح ولا تقصّفها

تشكو أليك الدنيا وقد شرقت ... بالظلم أقطارها فتنصفها بكل بيضاء مرّها يرضخ ... الصّخر ومر الصّبا يهفهفها ما وقفت للقضاء في ملأ ... إلا ومشي الجبال موقفها معاقل رضتها فراحت تلقَّي ... الأمن من أوجه تخوّفها حتّى غدت والغنيّ افقرها ... تواضعًا والقويّ أضعفها إن يدع جود فأنت خاتمها ... أو يدع حلم فأنت أحنفها أفكرت في المال والمعالي ... فأقبلت بتفريقه تولّفها أدعوك يا خير شأنه ... الإفصاح عما يثير مصحفها إذ ليس لي في القريض من ... فطرة تأتيه من حيث لا أكلّفها لكنّني ذو بضاعة منه ... مزجاة بري عيرها تعفّفها أأطلب الكيل من سواك ... وكل الأرض مصر وأنت يوسفها ميتة نفس تقضي إلي شرفٍ ... خير مني النفس ما يشرفها وأنشدني سليمان بن مليان الصائغ الإربلي؛ يمدح السلطان الملك الأشرف شاه آرمن موسي بن أبي بكر بن أيوب بن شاذي، وقد مر نسرا ببندقة: [من الكامل] لو زارني فأضم ما ضم القبا ... منه وألثم أقحوانًا أشنبا قمر يريك من الأسنّة أنجمًا ... سيارةً ومن العجاجة غيهبا ميال مركبه فهل راح الّصبا ... تعتاده فيميل أم ريح الصّبا فأعجب له يقني الصوارم والقنا ... وقوامه ولحاظه أمضي شبا ويصدّها عند الصّيال مخالبًا ... ومتي رأى الرّائي لظبي مخلبا لبس الحديد علي الخرير وجال في ... زي الفتاة موشّحا ومنقّبا لا يستفيق إذا تلمّح أسكرت ... ألحاظه وإذا تكلّم أطربا بين الفوارس فوق أجرد ضامرٍ ... ضمر الهلاك ودهره مرعي الظّبا فكأنّه من تحت فاضل درعه ... ريح ترفّع عن سحاب هيدبًا أرقي لبرقي وعده ووعيده ... لو كان شرّهما علي الخلّبا وتألمّي لمعنبر من صدغه ... لما تمكّن من حشاي تعقربا أكذا يسيل الدّمع كلّ مسلسلٍ ... أضحي إلي حبّ القلوب محبّبا

لا بل إمارات تغر أخا الهوى ... ففيفي لغدّار .... مذنبا يا قاتل الله الخليّ فلم يزل ... فيه رقيبًا أو عذولًا مطنبا أضحي يعيّر بالخمول مشمخرًا ... لم يبق في عصب المطالب مضربًا وأنا الّذي جدلت رحب فجاجة ... مستدركًا نار الحديد وأرحبا من حيث لا يجد الهوي إلا امرؤ ... لم يتّخذ [عن] شاه أرمن مذهبا لله أنت ممدّح ألف النهي ... إلف الرضاع فما أبرّ وأنجبا وجه كلمع البرق بل أسني حيًا ... ويد كصوب المزن بل أندى حبا أغنيت عن قصد الوري من لم يرد ... إلا وكان الخالع المتعصّبا وركبت كلّ محجّة بكر الندي ... تأبى لفرط شماسها أن تركبا كالنّسر لما خرّ وهو مقارب ... في فلك الخيبة كوكبا ولقد وطئت خلاط وطأة خالط ... بالطّعن أعظم سوقها والأكعبا في كلّ عاديّ الصّدام لو التقي ... حبلًا لمرّ به أخف من الهبا ترك الغبار لكلّ نقع بجائد ... بالصبح ليلًا والمعذّر أشيبا أدعوك دعوة ذي طوى لم يرع مذ ... هدرت شقاشقه مكانًا معشبا هذا وكم سامي الذّرى خلّفته ... نضوًا يحمل الشوق نحوك متعبا عهدي به وكأنما ليلاته ... يطلين بالقطران منه أجربا واليوم لم يلق الشتاء لرأسه ... رأسًا يشيبه فشّيب منكبا وأنشدني محمد بن علي النيليّ؛ قال: أنشدتي محمد بن الأردخل لنفسه: [من الكامل] ألق اليراع فدون من يهوي الفتي ... وادي المنّية بين نفسك والمني لا تطمعنّ القلب منك بعالج ... ورد الحميم ولا ورود المنحنى ودع التعرّض بالدّيار فربما ... كان الفنا المحتوم من دون الفنا عن يسرة الحدباء مل يا صاحبي ... بالعيس واجتنب المحلّ الأيمنا فهناك من لولاه ما كان الهوى ... للناس بل لولاي ما هلق الضني ظبي تخاف الأسد من سطواته ... قمر يعير البدر في التّمِّ السَّني لو هدد الله الغصاة بهجره ... قبل ارتكاب الفخش ما عرف الخنى

مر التّماطل والعواذل والجفا ... حلو الشّمائل والمراشف والجني وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] قومي أنظري من امير الخسن في البلد ... الظّبي والبدر فوق الغصن والأسد ولا تفوهي بثأري إن قتلت فما ... يا هذه لقتيل الحبّ من قود هذا الذي عند بعثي من دعا جدثي ... به يردّ الإله الروح في جسدي يا أعدل الناس قدًا وهو أحورهم ... ها قد أتيتك مظلومًا فخذ بيدي وأنشدني الشيخ الأديب أبو عبد الله بن الخبّاز النحوي؛ قال: حدثني محمد بن الأردخل أنه جلس في مجمع ينشد قصيدة في أبي اليمن نجاح الشرابي الناصري أولها: [من المتقارب] أرقت لبرق بتيماء لاحا ... كأنّ علي الجوّ منه صفاخا فمرّ عليه مودود بن صباح الشاعر، فاستوقفه وقد فرغ من القصيدة؛ فقال له: ما تريد؟ فقال: نسمع تمامها؛ فارتجل هذه الأبيات، وأنشد [من المتقارب] وقافية كبغيّ ألمّ ... بها مدّع فبغاها سفاحا وما زال يكذب حتّى دعوه ... مسيلمةً ودعوها سجاحا وذلك مودود أعني العتل نجل الزّنيمة أعني صباحا فلما سمع الأبيات سبه وانصرف. وأنشدتي أيضًا؛ قال: أنشدني ابن الأردخل لنفسه، وكان واقفًا بباب أسد الدين ..... ، فلم يجد إليه طريقًا، فأقبل بعض أصحابه بشمعة فأخذها، ونقش عليها قوله: [من الكامل] قبلت شفاعة شمعة تفنى فما ... ظنّ الأمير بشمعة لا تنطفي صقلت معانيها البلاغة فارتوت ... منها كصقل القين .... المشرفي وأنشدني أيضًا؛ قال: أنشدني له من مبدأ قصيدة: [من الكامل] سل وجهه البدريّ عن كماله ... في مقلتي العبرى وقلبي الواله أو فأثن عنّي قوس حاحبه فلي ... كبد أمام النزع من نبّاله ألمي رشيق القد أرجو الريّ من ... معسوله وأخاف من عسّاله

أعريت شجوًا اربعه فالبان في ... سكراته والورق في أغلاله وحملت مثل الردف منه غيرة ... لما رأيت الهصر خلف هزاله لله قلبي كيف خانرة الهوي ... أذلاله جلد على إذلاله قد شفني طلب الشفاء وملبسي ... ثوب البلي من لا أمرّ بباله ومن العجب أنني بصدودع ... أشقي وغيري ناعم بوصاله قم فأستعر لي من خليّ رقدة ... فهي الوسيلة نحو طيف خياله لم أنس سكري حين أمسي ساقيًا ... وجفونه تغنيه عن جرياله ومقالتي والكأس منه منوطة ... بيمين ظبي مهجتي بشماله يا مرسل التفتير رائد لحظه ... ودليل قطع السّيف لمع دباله عطفًا علي عانٍ دعوت همومه ... فأقمتها وقعدت عن آماله قلق الضاجع لو لقيت أقل ما ... يلقي لما استحسنت سيّئ حاله وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه، يهجو ابن صباح الشاعر: [من الكلمل] لو لم يجنّ علي خلالك كلّها ... ليل الغبأ لم تدع بابن صباح إذهب فقد وضعتك من خيث اشتهت ... ما منك ما يرحي لغير نطاح وأنشدني أحمد بن عبد الرحمن القزويني؛ قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن أبي الخسن لنفسه: [من الطويل] سألت مناجاة الوزير ورؤية المحلّ الذي من ساكنيه المقادير فلمّا أميط الشر عن نور وجهه ... صعقت كموسي دكّ من تحته الطّور وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضًا من شعره: [من مجزوء الخفيف] لك في الدّمع راحة ... فانتهز فرصة البكا وأدر [ها] إنَّ المشو ... ق لو مات وجدًا لاشتكا وأنشدني؛ قال أنشدني لنفسه: [من الطويل] أقول وقد قالوا: نراك مقطبًا ... إذا ما أدعي دين الهوى غير أهله يحق لدود القّز يقتل نفسه ... إذا جاء بيت العنكبوت بنثله وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضا قوله: [من البسيط]

خلقت للشر لا للخير تفعله ... طبعًا وتسلك فيه كلّ منهاج كأنّك الحجر الصمّاء أرسلها ... بعض المجانيق في دكان زجّاج وأنشدني؛ قال: أنشدني محمد له من قصيدة: [من الكامل] قوم إذا سلّوا الصّوارم في الوغي ... كانت قمام البيض من أغمادها رمقوا قباب النازلين بأعمد ... ممّا تقصّف في صدور جيادها [646] محمد بن أبي بكر بن عمر بن منصور، أبو عبد الله الأمويّ الباملّيُّ. وباملّي قرية من قري ميّافارقين. كان شابًا فاضلًا بارعًا، قرأ القرآن، وسمع الحديث من جماعة من المتأخرين، وتأدّب علي رافع بن رفاعة النحوي الخصّاوي. أنبأني عبد الرحمن بن عمر بن شحاتة الحرّاني؛ قال: أنشدتي محمد بن أبي بكر بن عمر لنفسع، بشاقرد من نواحي إربل، يضّمن: [من البسيط] (الصبر لا شكّ محمود عواقبه) .... ... ...... ... ....... فقال أبو عبد الله: [من البسيط] لما استقلّوا علي الأكوار وارتحلوا ... عن العذيب ونحو المنحني قفلوا وخلّفوني علي الأطلال أندبها ... والدّمع من مقلتي يا صاح منهمر تزايدت زفراتي بعد بعدهم ... وعزّ صبري وقد ضاقت بي الحيل طفقت أنشد في آثارهم أسفًا ... بيتًا من الشّعر أغراني به الأمل: (الصبر لا شكّ محمود عواقبه ... لكنّني خائف أن يسبق الأجل)

[647] محمد بن عليّ بن محمد، أبو عبد الله النعمانيّ، المعروف بابن الأستاذ. والنعمانيّة من نواحي بغداد. شيخ بلده في الأدب والشعر، يقرأ عليه ىمدح الإمام أمير المؤمنين المستضيء بالله، والناصر لدين الله، ومن بعدهما من الخلفاء –صلوات الله عليهم-؛ له شعر مليح عذب الألفاظ، وموشحات مستحسنة. أنشدني أبو زكريا يحي بن المظفر الواعظ الصابوني الواسطي؛ قال: أنشدني أبو عبد الله بن الأستاذ لنفسه: [من الرجز] بين قباب المنحنى فالحاجر ... تسبي العقول مقل الجاذر وفي الحمى مرابع تخبر عن ... دعص مهيل وقضيب ناضر أقول لما إن برزن للسرى ... وهتكّت سجائف السّتائر يا للقنا من هز أعطاف النّقا ... يا للظّبا من ظبيات عامر ثم يراق دم أبناء الهوى ... ويصبح الوافي أسير الغادر يا حادي الأظعان لا ذقت الوجى ... ولا عرتك روعة من ذاعر خذ يمنة الجرعاء من كاظمة ... واستهدها نصيحةً من خابر فإن ربات الخدور بالحمى ... فاتكه بكل ليثٍ خادر [648] محمد بن حميرٍ قرّيّ. هو من نهر قرّة من أعمال البصرة

أنشدني أحمد بن داود المذاري؛ قال: أنشدني محمد بن حمير لنفسه: [من الرمل] أيّ صبر بعد أن بان القطين ... وسلوّ لأخي القلب الحزين طال ليلي ساهرًا منفردًا ... أرقب النّجم ومالي من معين أتبع الزفرة أخرى بعدها ... وكذا أتلو حنينًا بأنين لم يدع لي البين إلّا أدمعًا ... وعظامًا من نحول ما تبين وضلوعًا مذ نأى أهل الحمى ... طويت منهم على الدّاء الدّفين [649] محمد بن علوان بن مهاجر بن عليّ بن مهاجرٍ، أبو المظفر بن أبي المشرّف، الفقيه الشافعيّ المدرس. كانت ولادته، فيما أخبرني القاضي ولده أبو الفضل عبد الكريم، سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وتوفي ثالث المحرم سنة خمس عشرة وستمائة –رحمه الله تعالى-. سمع الحديث علي أبي أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي الصوفي البغدادي، وأبي الفرج يحي بن محمود بن أسعد الثقفي الأصفهاني وغيرهما، ويفقه على الإمام الزاهد أبي أحمد عبد الله بن الحسن بن المثنى المعروف بابن الحداد؛ ثم على أبي البركات عبد الله بن الخضر بن محمد بن الحسن بن الشيرجي، وأبي الحجاج يوسف بن محمد مقلد التنوخي الدمشقي. وكان رئيس أصحاب الشافعي في وقته، إمامًا في الفقه والخلاف، وله كتب مصنفة في الخلاف والفقه.

وكان دينًا صالحًا خيرًّا، كثير الذكر لله تعالى، حجّ وجاور بمكّة، وكان ناقص الحظّ في علم العربية والأدب، قد فطره الله على ..... ذلك، وله أشعار ساقطة غير مستقيمة الأوزان، لا يوجد فيها معنى البتة. أنشدني القاضي ولده المذكور، قال: أنشدني والدي لنفسه يصف القلم: [من الوافر] ثلاثة أحرف نطمت فدلّت ... على معنى به نظم المعاني وقد نظمت على عكس فدلّت ... على معنى يعين على الزمان وله أشعار كثيرة على هذا النمط، خالية من المعاني، وربما هذا الذي ذكرته وأوردته هو أصلح شعره. [650] محمد بن عبد القادر بن ناصر بن الخضر بن عليّ، أبو المظفر الأنصاريّ الدّمشقيّ. تفقه وتأدّب، وقال شعرًا حسنًا، وصحب الملك الناصر صلاح الدين داود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب بإربل، قبل خروجه منها، وسار معه إلى دمشق في حياة أبيه الملك المعظم عيسى. أنشدني أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر الإربلي؛ قال: أنشدني أبو المظفر محمد بن عبد القادر نفسه، في غلام اسمه عسكر: [من السريع] وأسمر يخجل من لحظه ... وقده الأبيض والأسمرا قال: ألقني إن كنت لي عاشقًا ... وكيف يلقى واحد عسكرا وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من السريع] أيام هجرانكم أشهر ... والوجد من أن يختفي أشهر عودوا وعودوا مستهامًا به ... منذ هجرتم مرض مخطر

يغار أن يشكو إلى غيركم ... بلا بلًا أنتم به أخبر ومن بنى الأتراك بي فاتر الا ... لحاظ عن هجري لا يفتر قام يجر الرمح مع قده ... فما درى أيّهما الأسمر ريقته الكوثر ألحاظه ... تنحر شانيه وهو الأبتر [651] محمد بن منصور بن جميل بن شدّاد بن محفوظ بن حمضيّ، أبو عبد الله بن أبي العزّ الهيتي الكاتب. هكذا نسبه لي بعض بني عمّه بمدينة السلام. وكان مولده بقرية تعرف بجبا من نواحي هيت، سنة سبعة وستين وخمسمائة، وقدم بغداد صبيًا، وقرأ القرآن، وسمع الحديث على جماعة، وتأدّب على أبي الخير مصدّق بن شبيب بن الحسين النحوي الواسطي. وفهم الفرائض والحساب ونظم شعرًا كثيرًا، وامتدح الإمام الناصر لدين الله –رضي الله عنه- بعدة قصائد، وكان يوردها في المواسم والهنات، وخدم في أشغال الديوان الناصري، ونظر في ديوان التركات الحشرية، وتولى كتابة المخزن المعمور. ثم يتلو القرآن العزيز، ويدرس العلم، ويحافظ على الصلوات؛ إلى أن توفى يوم السبت النصف من شعبان سنة ست عشرة وستمائة ببغداد، ودفن بجانبها الغربي بمقابر قريش –رحمه الله تعالى-. وكان ذكيًا متصرفًا في الكلام شاعرًا مترسلًا، مقتدرًا حسن البلاغة في الإنشاء، ذا كتابة مرضية، وأشعار متقنة، وكان يبتدئ بإنشاء الرسالة من آخرها إلى أولها، وذلك بقوة قريحته، واقتداره على الترسّل.

أنشدني الشريف أبو علي المظفر بن الفضل الحسيني الموصلي الشاعر؛ قال: أنشدني أبو عبد الله بن جميل لنفسه، من قصيدة يمدح بها الناصر لدين الله –رضوان الله عليه: [من الكامل] يا ابن الصفا والمروتين ومن له ... معنى الرشيد وصورة المسترشد لك من أبيك المستضيء مراحم ... وعزائم من جدك المستنجد وأنشدني أيضًا؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] إن الكتائب في يوم النزال لها ... في السلم من كتب الشهم الأبي أب فأسمر الخط موصول له نسب ... بأسمر الخط إذ يحويهما الغضب قد شاب رأسأهمأ عزمًا فلونهما ... بالخطر طورًا وبالحناء يختضب وحدثني أيضًا من لفظه وحفظه، أبياتًا يتشوقه فيها، وكان بتكريت، ثم كتب إليه عقيب مكاتبته أخي هذه الأبيات من جملة صدر كتاب: [من البسيط] بني جميل لقد جملتم زمنًا ... موسومة بكم فينا مواسمه أحرزتم المجد موروثًا ومكتسبًا ... فالمجد معلم فينا معالمع هشنا إليه وقد طار العدو فلم ... تلحق بأقدامكم منه قوادمه قال: فكتب إلينا الجواب في موضع واحد: [من البسيط] هبت عليّ نسيم من قريضكما ... كأنها الند في لطف وفي أرج للخالدين منها حين أنشدها ... من الحياء محيا غير مبتهج كأنما صغتماها من صفاتكما ... أو من صفاتكما في الرحب والحرج أو من خلائق من تغنى خلائقه ... وناظماها له سر من الحجج وهذه شاهد عدل بأنكما ... فوق الرضيين في درج وفي درج وأنشدني العدل أبو البركات علي بن عبد الله الموصلي؛ قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن جميل لنفسه يصف سيفًا وصنعهما بديهة: [من البسيط] وصارم فيه ما لو [قد] ألم به ... نوح على فلكه لم يأمن الغرقا

وبين أمواجه نار مسعرة ... لو كان فيها خليل الله لاحترقا وقال في صفة السيف والقلم: [من الطويل] يراع إذا أبكيته ضحك العلا ... وعضب إذا أضحكته بكت العدا فشيمة ذا إن يعتدي فط رأسه ... وشيمة هذا قطف رأس إذا اعتدى ومن لطيف قوله يصف الخمر [من الكامل] قم فأجلها يا فرحة الندماء ... عذراء ترقص في يدي عذراء كرمية الآباء إلا أنها ... كرمية الأصهار والأبناء عقد الشعاع لها لواء فوقها ... فسرت علينا وهي تحت لواء ومنها قوله: وأشرب فقد وهب الزمان لأهله ... صوتًا وصيتًا من غنى وغناء وحدثني الشيخ فصيح الدين قال: كتبت بهذه الأبيات إلى مجد الدين محمد بن جميل –صاحب المخزن المعمور- في أيام الناصر لدين الله، وذلك في سنة ست وستمائة: [من البسيط] يا من وجوههم في لحظ أعيننا ... أحلى وأشهى لنا من لذة الغمض أمر تمونا بأنا لا نزوركم ... وقد سمعنا وأغضينا على مضض وقد عرانا لبعض عنكم مرض ... براكم برءنا من ذلك المرض وأنتم بكم من غيرنا عوض ... وما لنا عنكم والله من عوض فكتب إلى جوابها نظمًا ونثرًا: ((تأملت لمعته الناطقة، ولمعته الصادقة، فرأيت معناها مخالفًا لمسماها، إذ المكاتبة تؤذن بعتق الأرقاء من الأنصار، وهذه مؤذنة بتعجيل استرقاق الأحرار، فأما الشوق، فقد شب عمرو عن الطوق: [من البسيط] وكيف يسكن ذو شوق يسامره ... إلى بديل عن الأحباب أو عوض ولا يجوز لمن فازت أنامله ... بالجوهر الفرض أن يصبو إلى عرض

/134 ب/فالله يمتع بمودته، ويفسح في مدته)). وقال أيضًا: [من الكامل] إن حال دونك أسمر وسمير ... فدما الظبى لدمى الظباء مهور يا هند في أجفان لحظك فترة ... الجفن هندي يكون فتور أبليتني بقنا الأشم وطوله ... وقنا المشيم أتم وهو قصير أسد يغار على محاسن ظبيه ... فيها نفار وهو فيه نفور بيضاء مذهبة الشباب يزينها ... وجه تحار إذا رأيته الحور ويهز عطفيها الصبا ويد الصبا ... فيميلها المدود والمقصور تفتر ضاحكة وأندب باكيًا ... فلها بحزي غبطة وسرور دران إلا أن داك منضد ... عذب وهذا مالح منثور وقال أيضا يمدح: [من الكامل] يا خير من مدت إليه يد ... وسعت إلى أبوابه قدم يا من على أبوابه أبدا ... عصب من الآمال تزدحم يا من إذا ذكرت مواهبه ... فالكون لفظ والأنام فم أيجوز أن أظمأ وبحرك لي ... ورد وبعض صفاتك الكرم فتولني بالبر أنت فما ... في الناس لا كعب ولا هرم والأرض لا يشفى لها ظمأ ... إلا إذا ما جادت الديم وقال أيضًا: [من البسيط] أفعال هجرك يا أسماء لازمة ... وضرها متعد غير منصرف هجرت فاعتل جسمي بعد صحته ... من غير واو ولا باء ولا ألف

[652] محمد بن إسماعيل بن علي، أبو عبد الله الحصفكيّ. وهو من حصن كيفا لامولدًا ومنشأ. وكان من أصحاب أبي الحرم مكي بن ريان النحوي، وعليه اشتغل بالأدب والنحو بالموصل. وكان فقيهًا حنفيًا شاعرًا، سكن ماردين، وتولى إعادة الدروس بالمدرسة الفخرية، ظاهر المدينة. أنشدني الأمير أبو حفص عمر بن أسعد الموصلي؛ قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن إسماعيل في شهر ذي الحجة سنة خمس وعشرين وستمائة لنفسه، قال: نظمها بالموصل أيام الصبا: [من البسيط] أهاج شوقك رسم دارس خالي ... من زينب وسعاد مقفر خالي وقفت أسأله يومًا وليس به ... إلا الأثافي وهل يفقهن تسالي وكيف تفقه دار ما بها أحد ... إلا مرابع آرام وآجال تبدلت ولبئس الفعل ما فعلت ... من الأنيس بأسراب من الرال أين الذين عهدنا قبل من مضر ... من كل ناعمة الأطراف مكسال كأن ظلم ثناياها لراشفها ... ماء الغمامة ممزوجًا بجريال وحولها من قنا أعامامها أجم ... من كل أسمر خطي وعسال ومرهف ذي شبا كالملح رونقه ... ولاحق مشرف الأقطار صهال وفتية من كماة العرب حامية ... عن الحقيقة بسامين أبطال لا يرهبون من الموت الذعاف ولا ... يصدهم عن مراد خوف آجال

وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف] إن عندي من الملام لشغلا ... فذر اللوم صاحبي والعذلا كيف يصغي إلى الملام محب ... سلبوه يوم الرحيل العقلا خلفوه في الدار يندب ربعا ... ليس فيه بعد الأحبة أهلا ذو قذال قد شج من ألم الضر ... ب وقد قلدوه مع ذاك حبلا شاحب اللون في الديار مقيم ... أشعث بعد بينهم لن يفلا وأثاف كأنهن حمام ... طليت من مواقع النار كحلا أين سكانك الذين عهدنا ... قبل بادتهم زمانا تولى كل خمصانة أرق من الخمـ ... ر بريق من المدامة أحلى ذات فرع تريك منه دجى الليـ ... ل وطرف تريش منه النبلا حولها من بني العشيرة صيد ... خادرات لا يرهبون القتلا لو يروم الكمي يرفع طرفا ... نحوها أتحفوه في الحال نصلا وأنشدني أيضًا؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] صحا قلبه مما يجن من الوجد ... وباع التصابي والغواية بالرشد وأعرض عن ذكر العقيق وأهله ... ولم يشجه أطلال هند ولا دعد ولا شام برقا لاح في الأفق لامعًا ... ولو أن مسراه من العلم الفرد ولم يتصدى للجنوب مسائلًا ... أهل حملت نشر الخزامى أم الرند ولم يسأل الركبان هل أعشب الحمى ... وهل مطرت تلك الخمائل من بعد ألست ترى وخط المشيب بفوده ... كفاه به من واعظ زاجر مهدي أيجمل بالحر اللبيب وعقله ... سلوك سبيل الغي والباطل المردي وقد جاءه من غير شك وريبة ... رسول التقاضي بالمسير إلى اللّحد [653] محمد بن عليّ بن أحمد، أبو الفضل البلخيّ. كان من أهل الأدب والفضل له شعر. أنشدني الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين البلخي الحسيني؛ قال:

أنشدني محمد بن علي من شعره: [من الكامل] ميدان وصلك فيه كيف أسير؟ ... والجسم في حبس الفراق أسير فعقاب عقلي في عقاب هوائكم ... مقصوص أجنحة فكيف يطير وجواد فكري في خيال خيالكم ... ألقى النعال فما يكاد يسير [654] محمد بن عمّار القصريّ الحديثيّ. هو من موضع يعرف بالقصير من نواحي الحديثة، يقارب هيت. لم يكن يشعر من شأنه، إلا أنه كان ينظمه طبعًا، فتأتي معانيه صحيحة؛ أنشدني أبو فراس بن عبيد الله بن أبي فراس الهيتي؛ قال: أنشدني محمد بن عمار لنفسه: [من البسيط] يا ضيعة السعي لا أهل حصلت بهم ... ولا بحبل وداد منك أمتسك فكنت كالصائد البحري فرط في ... طماعة الصيد لا نوم ولا سمك [655] محمد بن محمد بن عبد المنعم بن مسكينٍ، أبو الفضل المصريّ. كان أبوه من الشهود المعدلين بمصر، وكذلك جده وأسلافه من بيت الفصاحة والجلالة؛ وهو من أهل المعرفة والشعر، ومات في صفر سنة ثلاث وعشرين ةستمائة. أنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي يزيد التبريزي؛ قال: أنشدني محمد بن محمد بن مسكين لنفسه، يمدح الناصر لدين الله –رضوان الله عليه-: [من البسيط] برد عليك الجوى من ريقك الشنب ... ففي رضابك معنى ليس في العنب فليس يشفي سقامًا حل في بدني ... إلا برود بذاك الظلم والشنب يا مانعي وصله والسقم ينحلني ... وما نحى هجره ظلمًا بلا سبب وما بأجفانك المرضى الصحاخ وما ... يجن منك جناني حين يخطر بي

/137 ب/إرحم خضوع فتى قامت قيامته ... عليك يا فضة فاقت على الذهب وأنت يا قلب فاصبر في عناك به ... فالدهر يأتي بأمر غير محتسب يا سائق العيس يحدوها على مضض ... من شدة الأين والإرقال والخبب إن جئت أرض بلاد الشام حيي بها ... كثبان جوشن والسفحين من حلب وقف بنهر قويق وابك روضته ... عني فماء جفوني غير منسكب وأبلغ سلامي إلى قومي الذين نسوا ... ودي وخانوا عهودي وافدهم بابي وقل لهم بادروا دار السلام إلى ... ظل الإمام تحوزوا غاية الطلب تلقوا حياض رياض البر مترعة ... جودا فراجي نداه جد لم يخب الناصر الأعظم الهادي الخليفة وهاب الألوف وحامي الجحفل اللجب عمت صنائعه الدنيا وساكنها ... فنفسه لسوى الإحسان لم تطلب قد طبق الأرض إحسانًا فنائله ال ... غمر الهني سرى في العجم والعرب ليث إذا ما سطا دهر على بشر ... غيث إذا ضنت الأنواء بالسحب وطول أقلامه أغنى وعزمته ... عن الطوال الردينيات والقضب فلو رآها ابن أوس لم يقل خجلًا ... (السيف أصدق أنباء من الكتب) جلت معاليه أن تحصى وتحصر في ... نظم من الشعر أو نثر من الخطب جبريل خادمه والله حارسه ... من موبقات صروف الدهر والنوب وحبه طاعة نلقى الإله بها ... نرجو النجاة بها من ربقة العطب خليفة الله يا ظل الإله ومن ... كل الخلائق في إنعامه الخصب ومن بأيامه الأيام طيبة ... قد دل من خوفه الضرغام للشبب لا زال ملكك يا من لا شبيه له ... في المجد والفضل والإحسان والحسب لا برحت طوال الدهر ممتطيًا ... مملكًا صهوات السبعة الشهب ونقلت من خطه، شعره ما كتبه في صدر مكاتبة إلى الصاحب صفي الدين بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الخالق بن شكر المصري –وزير السلطان الملك العادل-

سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب –رضي الله عنه-: [من البسيط] يا عمدة الملك بل با عمدة الدول ... يا كعبة الفضل بل يا قبلة الأمل قد أصبح الدهر يسعى سعي معتذر ... إليك يعثر في ثوب من الخجل وبات من كان ذا ود لقربك في ... أمن ومن كان ذا حقد على وجل والسعد ينشد من أضحى يحاوله ... لدي سواك بأسياف من الحيل لا أبتغي بدلًا عما ظفرت به ... ولا أفارق باب الصاحب بن عليّ [656] محمّد بن محمّد بن هبة الله بن إبراهيم بن شماس، أبو عبد الله الإربليّ، المعروف بالمرنديّ. كان كاتبًا جميلًا، عنده ذكاء وفطنة، صاحب طبع في الحساب؛ أخذه عن القاضي أبي محمد جعفر بن محمد الكفر عزي، صرفه حب البطالة عن الأشغال؛ سافر إلى الديار المصرية سنة اثنتي عشرة وستمائة، واستخدم بها جنديًا. أنشدني أبو الثناء محمود بن محمد الإربلي؛ قال: أنشدني المرندي لنفسه: [من البسيط] إن الذي كنت أرجوه لمعضلتي ... وأدعي أنه ذخر الملمات فتشت عنه فما رد الذي حضرت ... من أسهل الأمر كيف المشكل الآتي؟ [657] محمّد بن محمّد بن أبي حرب بن عبد الصمد بن النرسيّ، أبو الحسن بن أبي الفرج الكاتب. من أهل بغداد.

كان ناظرًا على عقار الخليفة الخاص؛ وكان قد سمع الحديث الكثير بإفادة أبي أحمد البصري؛ من أبي أحمد محمد بن أحمد بن عبد الكريم بن المادح، وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، ومن جماعة ..... وكان شيخًا فاضلًا دينًا، يقول الشعر، ويحفظ الحكايات والنوادر، إلا أنه كان سييء الطريقة، مذموم الأفعال في ولايته. ولد في يوم الإثنين ثاني عشر في أحد الربيعين، سنة أربعة وأربعين وخمسمائة، وتوفي ليلة الثلاثاء التاسع عشر من جمادي الآخر سنة ست وعشرين وستمائة ببغداد، ودفن بالوردية؛ ومن شعره: [من البسيط] ليت العواذل للعشاق ما خلقوا ... كم عذبوا بأليم اللوم مشتاقًا أشجاه نوح حمامات فصاغ لها ... من أسود العين يوم البين أطواقا وبات يرعى أحمر النجم يحسبه ... في الليل سقط زناد مس حراقا والأزرق اللون كالكبريت ذي شعب ... أطرقن عند اقتباس منه إطراقًا وله في امرأته يرثيها: [من الكامل] لما تعذر أن أكون لها الفدى ... فتعيش [بعدي] أو نموت جميعا اتبعتها حلل السواد فما بقي ... فسواد عيني قد أذيب دموعا وأنشدني أبو العو مفضل بن علي بن عبد الواحد المصري؛ قال: أنشدني أبو الحسن ابن النرسي لنفسه، في الشيخ شهاب الدين أبي عبد الله عمر بن محمد السهروردي حين عاد من الحج: [من الكامل] جددت في تلك المواقف وقفة ... سرت بها بالمأزمين قلوب وتباشر الركن المقبل والصفا ... فرحًا كما يلقى المحب حبيب فجزى الخليفة خير ما جزي امرؤ ... غصن الحياة بما يجود رطيب منحتك همتك الشريفة قوة ... حملتك في سن القنى لا النيب ليجاب منك بمكة رفع الدعا ... فيما يفوح بها الثنا ويطيب

حادت مطاياك الغرائب في الثرى ... عجبًا وما الإنعام منه غريب فاشكر له شكر المبالغ في الدعا ... والله في الإخلاص منك يجيب ولقد أردت القرب منك فعاقني ... دون المرام موانع وخطوب قسم الأحاظي من مصابي بالشقا ... منها فمالي في النعيم نصيب وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] إن كان ميثاق عهدي بالصريم وهي ... وحان من دونه يا مي أعذار فهل حداة مطاياهم تخبرني ... أأنجدوا أم ترى من بعدنا غاروا واحر قلباه مني يوم بينهم ... وإذا خلت لا خلت من أنسها الدار فلا تثني قضيب البان بعدهم ... ولا تمتع من قرب الحمى جار ولا صبا قلب ذي وجد بغانيه ... ولا تحرك في المزموم أوتار حتى أبثهم الشكوى فتكنفنا ... دار بنجد عذّال وسمّار [658] محمد بن محمود بن الحسن بن عليً بن محمد بن المنتجب بن أبان، أبو عيد الله الطائيً الإربليً المعروف بابن غميضا. كان أحد شعراء الأندلس، ممن اشتهر بها، ذا طبع عمل الشعر، وقريحة حسنة في نظمه. توفي بإربل يوم الأحد سادس عشر من رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة. أنشدني أبو عبد الله محمد بن مكي بن عبد الملك الإربلي الصيرفي؛ قال: أنشدني عبد الله محمد بن غميضا لنفسه: [من الخفيف] يا نديمي صرّفا بالشراب ... هم قلبي ولوعتي واكتئابي وانهضا بي والصبح في غسق اللي ... ل ووجه الضياء تحت النقاب واقصدا بي باب السرور لعلي ... استرد السرور مع اترابي

واسقياني خمرًا تفعل في الكأس ... فعال القنديل في المحراب بين ورد حكى السوالف في الحسـ ... ـن احمرارًا أو صبغة العناب فإذا سكرت وأبصر تماني ... لا أطيق الحراك في أثوابي وسداني في وسط دن كبير ... وارفعاني على رؤوس صحابي ثم لا تقربا بشيء أمامي ... غير شعري إلى المعاني العذاب إنه لا يصح شعر لراو ... دون تقديم لفظة المستطاب مثلما لا تصلح طاعات عبد ... في صلاة بغير أم الكتاب فإذا ما وصلتما عمكابًا ... ذ فحطا ببعض تلك الهضاب ثم قولا من ذا يصلي على الشيـ ... ـخ صريع الكؤوس والأكواب فإذا ما أتاكما كل شيخ ... يتولون سكره كالمصاب قبلاتي وقلباني إلى الشر ... ق لكي تسخرا بأهل العذاب جاعلين المسيح في قدم الدهر ... سبيلًا للواحد الوهاب وهو سبحانه يجل عن الوصـ ... ـف بذكر الأولاد والأصحاب فإذا ما لهجتما في صلاة ... ليس بعلو فويق عند الباب فادفناني بين الرياحين والور ... د لدى من أحب من السرداب أنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي؛ قال: أنشدني ابن غميضا لنفسه في غلام بخده خال: [من البسيط] يا من يتيه دلالًا في غلائله ... ويحمل الغصن لينا في تمايله أخذت حبة قلبي فاتخذت بها ... خالًا بخد أسيل في مخايله كأن وجهك صمصام بصفحته ... أدنى ضدأ ليت كفي من صياقله وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني ابن غميضا لنفسه في صبي يرمي بالنشاب: [من الكامل] ومهفهف كالغصن قد مرامه ... والشمس عند طلوعها في حسنه يرمي بقطعي لحظه وسهامه ... فكأن قلب جفيره في جفنه

وأنشدني؛ قال: أنشدني في صبي يدعى ((سلك)) تركي: [من البسيط] يا طاعن الطعنة السلكي بقامته ... والاسم مستخرج من ذاك يا سلك من أجلك الترك تحلو لي شمائلهم ... وقد فليت البوادي أية سلكوا دمي الذي حرسته كل غائرة ... شعواء عندك بالألحاظ ينسفك وأنشدني أيضا؛ قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب] غرير إذا رمت تسويفه ... أديرت على سقا ريقه إذا رمت قبلًا دنا خده ... وإن رمت رشفًا سقا ريقه وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في معناه: [من المتقارب] غرير إذا رمت تسويفه ... أحيدت على أباريقه فإن رمت قبلًا أبى خده ... وإن رمت رشفًا أبى ريقه ومن شعره ما كتبه إلى أولاد جلال الدين الوزير بن شماس، حين حبس والدهم –رحمه الله تعالى- متأسيًا لهم عند نكبتهم: [من الخفيف] يا بني المكرمات يا معدن السؤدد ... والمجد يا بني شماس لكم الله من أناس تعالوا ... بفخار على جميع الناس وأقروا على الريا أساسًا ... ثابتًا في الفخار خير أساس لا ترعكم نوائب الدهر بالسطـ ... ـوة فيكم فإنما الدهر قاسي وتأسوا بآل أحمد عقلا ... وقياسًا مشابهًا للقياس لكم السبق والمعاد إلى السبـ ... ق وأنتم منابت الأغراس ستعودون ظاهرين بأمر ... نافذ خالصين من كل باس وتظنون ما بكم من منام ... وترون اضطرابكم في نعاس وتنادي هذا هو الغرض الأقـ ... ـصى هنيئًا في جملة الجلاس وتكيدون كل من كاد بالطعـ ... ـن وترسون كالجبال الرواسي لا تخافوا أذى من الدهر فالدهـ ... ـر مضر والله نعم النطاسي

وقال فيهم أيضًا: [من المنسرح] يا سادة أرهف الزمان على ... رتبتهم سيفه وقد ندما لا تيأسوا في الضيق من فرج ... لا تشتكوا من زمانكم ألمًا فليس بين المكروب والفرج الـ ... ـعاجل إلا كبارق بسما صبرًا على حكم حادث حكمت ... أسبابه في ديار من حكما فأل طه لم يعد قسمهم ... عنهم ولم يبرحوا لنا قسما لكم به أسوة وقدركم ... عال وإن كان دهركم دهما سيرجع الدهر مبرمًا سببًا ... ويضرب النصر ضاربًا خيما ويكتب الله من سلامتكم ... حظًا ويجري بذلك القلما وقال أيضًا: [من البسيط] هب النسيم فأجري نشر أهله ... فعاود القلب من رياه بلبال سقيًا لأيامنا بالدار حين خلت ... من السواري رحيب الجيب هطال ما كان أسبغ ما كنا على ثقة ... من الزمان وغض الوصل ميال ما أم سقب أظلته بمقفرة ... زيزاء يرقص في معزائها الآل لها حنين إذا ما بالعراء أدركت ... سقبها ثم إدبار وإقبال يومًا بأوجع من قلبي إذا خطرت ... خواطر الذكر فيه والأطيفال وقال أيضا: [من البسيط] لأهملنك عن نفسي وإن تلفت ... شوقًا إليك وعن قلبي لو تلفا حتى تعود من الهجران معتذرًا ... أو تنثني بالذي أنكرت معترفًا وقوله أيضًا: [من البسيط] إذا تغير من ترجى إقامته ... عن الجميل فكيف الظّن باللحّز إذا الرياض تحامتها السوام فهل ... يرجى لها الخصب من ديمومة جرز

إن دام هذا أين الفراق يوجد بيـ ... ـن والتبن والتبر ثم الدّر والحرز وقال أيضًا: [من الطويل] إذا كان المرء في ذات نفسه ... فليس له في العالمّين قبول ومن كان لؤم الطّبع في ذات أصله ... وبالفسق يسمو دهره ويطول فلا تعذلوني في ولعي يعرضه ... فما ذاك من يحنو عليه عذول ولي خاطر بالمدح والذم نافذ ... بأفكاره في الخافقين يجول [659] محمّد بن نصر بن عقيل, أبو عبد الله بن أبي المظفر القرظي الإربلي. من بيت مشهور بفقه وعلم. كان فقيهً شافعي المذهب, قرأ الأصولين والخلاف, وتميز في ذلك , وهو بيت عريق في العلم والدين, ودرّس الفقه بإربل في المدرسة العقلية نيابه عن والده. ثم خرج عن إربل ونزل آمد, ودرس بها الفقه مشتملًا, وكان يحضر درسه جماعة من الفقهاء المعتبرين, برهة من الزمان, ثم سافر عنها إلى عّدة بلاد, وشخص إلى مصر ممتدحًا بجائزة. ثم عاد وهو على حاله يقصد الملوك بالشعر, وتردد إلى الموصل, وشغل نفسه بقول الشعر من صباه, واستقرّ قراره بدمشق, فجذبه الملك الأشر ف إلى منادمته, فترك ماكن عليه من الاشغال بالفقه والتدريس, وملابس الفتيا, وبزيّ الجند, ولميمكنه الخروج عن ذلك الزيّ لتعليقه بخدمة السلطان, وصار من جملة

ندمائه وجلساته. وكان ظريفًا معاشرًا متأدبًا, له اعتناء بصنعة الدّوبيب, فاق بها كثيرا من الناس, وأشتهر عنه الكثير, وغنّى به القالون, وتوفي على تلك الحال- سامحه الله تعالى- بعد مرض سنتين. وسمعت أنّهلما طعن في السّن, رجع الله تعالى, وقضى صلاته أربع عشرة سنة, وكانت وفاته يوم الثلاثاء أو الأربعاء الثامن من محرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بدمشق, ودفن بمقابر الصوفيه غربي المدينة- رحمه الله تعالى-. أنشدني أبو الثناء محمود بن محمد بن الأنجب الإربلي, قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه, وكتبها إلى من بغداد سنة تسع وتسعين وخمسماة, وأنشدها لأبس الدر الرومي فاستحسنها, وكان بجامع القصر, وقال: لولا أنّني بالجامع لرقصت منها عجبًا: [من الوافر] وقّاتله رأت كلفي ووجدي ... بإربل قد يرى جسديّ وأبلى فريعي عند من أهوىّ هواه ... أحب إلى من نهر المعلّى وأطيب لي من الدّنيا جميعًا .... وأعذب من نهر المعلّلى وأنزه رقعة من نهر عيسى .... وأشرف بقعةّ عندي وأغلى بها رشا عليه الحسن وقف ... يفوق النّيرين إذا تجلّى بجفنيه جفون ماضيات ... بها يسطو إذا ما رام قتلا غريب الحسن لو فكرت فيه ... لما نظرت له عيناك مثلا كساني سقم ناظره وولى ... قّريرآ لا يراقب فيه إلاّ وشرّدنى فها أنا ذا غريب ... وألبسني بعهد العز ذلاّ أردد ناظري في كلّ وقت ... فلا خدناّ أراه لي وخلاّ فقل يا خير من ناداه صب ... قتيلك كم بنار الشّوق يصلى

وكم قلب وكم فؤاد ... سلبت تجنيًا وعقلت عقلا أقول للاّئمين فيه تأيد ... وحسبك كف قد أكثرت عدلا سقاني حبه فثملت منه ... فلا أصحو إذن حاشا وكلًا أرى العبء العظيم أخف من أن ... يقولوا عن هواه قد تسلّى فإن اك لا يفارقني هواه ... فشيء قد ربيت عليه طفلا وقال أيضًا, الأمير العالم العادل ركن الدين أبو شجاع أحمد بن قرطايا- أدام الله أيامه-, قال: أنشدني محمد بن نصر بن عقيل لنفسه: [من المديد] لا سقي من بعدك الطّلل ... ولام المنزل الهبل بنت عن عين فلا أكتحلت ... بكرى أو ينجح الأمل كلّ ربع لا تحل به ... لا سقاه الصّيب الهطل ومغان لا أراك بها ... إقطعوا حبلى ولا تصلوا كلّ شئ منكم حسن ... سائغ عندي ومحتمل لا تقيسونى أخا كلف ... فبوجدي يضرب المثل رق لي يا من أؤمله ... وعليه الدّهر أتكل كف ساطي اللّحظ عن دنف ... آفتاه الغنج والكحل لا أبالي بالمنون إذا ... سالمتني تلكم المقل وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] شوقي إليك يجل عن ... إدراكه كلّ الأنام فلفكرتي ولحيرتي ... فيه أقتصرت على الّلام وله في اجتماع الملك الأشرف موسى, والملك الحافظ أرسلان شاه أبناء الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب, وأنشدنيها الأمير العادل ركن الدين- ثبت الله دولته- عن قائلها: [من الطويل] وكم قائل لي هل رأيت عجيبةّ ... تعظيمها في حالة القرب والبعد فقلت نعم ها قد حللت بمرشد ... يريك سبيل الحّق والسّبب المهدي

أصخ تستبن عيسى وموسى وصنوه ... أرسلان أباب العلا وأولي المجد فلا زالت الدّنيا إلى الحشر ملكهم ... وأمرهم بالحل فيها وبالعقد بمطلع سعد قد جمعن ومارؤي ... ثلاثة أقمار ببرج من السّعد كان أبو عبد الله محمد بن عقل, له على بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل رسم, وكان يركب في المواكب معه, ويذكره برسمه, فطال عليه تردده, فقال في ذلك: [من الطويل] تسائلني عن شرح حالي وقصّتي ... وما قد ألاقي من نوى ونوائب خذي شرح حالى بيّنا وأكتفي به ... ففي شرح حالي عبرة للنوادب لكلّ من القصّاد ررفد موفّر ... وما حظّنا إلاّ غبار المواكب فوصلت الأبيات إلى الأمير بدر الدين, فوصله بما كان يصله به. [660] محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد بن أبي الفتح, أبو عبد الله المرزباتيّ. ينسب جده إلى المرزبانية, التي من العلث, وهي غير المرزبانية التي ينهر عيسى, كذلك ذكر لي ولده عبد الحميد, وزعم أنّهم من أولاد عمرو بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي, قال: كان مولده في شعبان سنة خمس وثلاثين وخمسمائة, فاستوفى ثمانين سنة وشهرًا واحدًا وخمسة عشر يومًا. وهو المعروف بسبط هداب, كان من أهل التصرف والحساب والكتابة, عارفًا بالحبر والمقابلة والمساحات, وتولى في عهد الناصر لدين الله- رضي الله عنه- أعملًا. وينتمي إلى مذهب الإمامية, وله أشعار معظمها في التجنيس, ومات سلخ شهر رمضان سنة ستّ وعشرين وستمائة, وقيل يوم عيد الفطر.

أنشدني الياس بن توما بن عيسى البوزايجي, قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه, ما كتب إلى بعض الشرفاء العلويين: [من البسيط] إن رمت إبقًا وإنكارًا لحقكم ... فليس لي والدّ حرّ ولا خال وكيف أنكر إنعامًا تملكني ... وميسم البّر في وجهي له خال ما قال هذا بنو هدّاب قاطبةّ ... قلبي ولا حسبوا هذا ولا خالوا وأنشدني, قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] ماذا يريد الهوى مني وقد ذهبت ... شيبتي ومشيت الرّأس قد وخطا فليمض عنّي فإني إن ولعت به ... لقيت ربي بوزر موبق وخطا عصيته والصّبا غض الأديم فتى ... أطيعه وزماني قّد عدّا وسطا لا أقبل النصح منه حين ينصحني ... ولو توعّدني مستقمًا وسطا وأنشدني, قال: أنشدني لنفسه, وهي مسألة في الجبر والمقابلة: [من الرجز] مدينة حاضرها معسكر ... وسورها مدرهم مدنّر وبين كلّ فارسين منهم ... قدر ذراعين كما قد ذكروا فافتتحوها عنوة واقتسموا ... أرضًاحواها سورها المدّبر فكان سهم فارس مخاصمًا ... سبعا وسبعين ذراعا مكسر فكم يكون سورها وقطرها وكم يكون يا حبيبي العسكر فإن أتيت بالجواب شافيا ... أصبحت في الحساب ممّن يشكر وأنسدني, قال: أنشدني أيضًا لنفسه من أبيات قالها في الظاهر بأمر الله- رضي الله عنه-: [من الكامل] بكرت تؤنبني وتشده خاطري ... وتلومني لتعسفي ومفاقري وتقول كم هذا التغرب والنوّى ... مااآن أن تلقى عصاّ لمسافر فأجبتها لا تجزعني وتوكّلي ... فالرّزق يأتي من مليك قادر قد عنّ لي أحوز به الغنى ... بتمسكي بأوّاصر أبن النّاصر وأنشدني, قال: أنشدني أيضصا لنفسه: [من الطويل]

وأقسم بالأبرار من آل أحمد ... آلّيه حر طيب الأصل واللّبن لأني إلى رؤياك في كلّ لحظه ... أحسن حنين الغئبين إلى الوطن أنشدني, قال: أنشدني أيضًا قوله: [من الطويل] وأقسم بلأبرار من آل أحمد ... آلّيه حر طيب الفرع والأصل لأني إلى رؤياك في كلّ لحظة ... أحن حنين النّازحين إلى الأهل [661] محمد بن حياة بن يحيى بن صدقة, أبو عبد الله الخابوري الشيباني المجدلي. المعروف بالحيص بيص, لقب نفسه بذلك, لسلوكه طريقة الحيص بيص الشاعر أبي الفوارس. صحب أبا الحرم مكي بن ريان الماكسي, وقرأ عليه النحو والأشعار, وفن الأدب, وكان شاعرًا يتعاطى الصناعة في نظمه, ويمتّ بعلم العروض والقوافي, ومات بنصيبين في العشر الوسطى من شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة. أنشدني أبو عبد الله محمد بن حيدر بن الدبندار الوسطي الشاعر قال: أنشدني ابو عبد الله محمد بن حياة لنفسه, يمدح فلك الدين بن الميري: [من الكامل] هبني كتمت صبابتي وهيامي ... اني ودمعي فوق خدي هامي حلّت عقود الدّمع لوعة مغرم ... واشبّها في الخد وقد ضرام كم عبرة مشفوعه أرسلتها ... مشفوعة أفرادها بتؤام لا تسألو صّواب السّحاب فأدمعي ... كلفت لكم منها بفيض غمام

إيه عن الاطان ما شعفي بها ... إلا لعظم تحر في وهامي يا نازحين لعبرتي ... والنازلين منازلي وخيامي إني أبثكم جوى حملته ... اوهى أقوى جلدي وفتّ عظامي وملاعب قضيت أيام الصًبا ... فيها وروض اللهو غض نامي فعلى مرابع دجلة الحدباء فالـ ... ـجسرين فضل تحيتي وسلامي أيام أسحب في الغوية في طرفي ... طربًا وألبس مطرف الاثام أختال في برد الشباب وأجتلى ... ثغر الحباب من أنتهاب مدام حمراء كالقبس المنير بها أهتدى ... من ظلّ في كفر عن الإسلام وأغن منها في يديه أساور ... ولجيده بالدرّ عقد نظام إني سأدّرع الدّياجي والفلا ... وأخوض كلّ مهامه ومواميّ وأصدّ عن ورد يشأب بذلّة ... وأعود عنه بغير نقع أوام والود بالفلك الوزير ومن له ... يومان: يوم ندّى ويوم حمّام الوهب البدر النّضار وعاقر ... الكوم العشار بذابل وحسام معطي الجزيل مغرسين سواله ... كرما ولا يصغي للآم ملام حاط المملك عزمه فأحلّلها ... ما بين كيوان إلى بهرام ما إن يهاب الخطب عند حلوله ... رأس يناط بيذبل وشمام ذو مفخر لو لبست شمس الضّحى ... منه السّنى لم تشمل بظلام حلّ الحضيرا فهي كعبة حجّنا ... وبها طواف السّعي والإحرام وكمكّمة أضحيت ولولا وردها ... عذاب لقلنا زمزم بمقام يا أيها المجرجو من دهر غدا ... ونوازل توهي الجليد جسام ما ديمة وطفاء يحدوها الصّبا ... مشفوعة بالهطل والإرزام فوراء سارية همت بمرابع ... فيح محلّ الغيد والآرام جادت بنوء المرزمين فغادرت ... غدر الحمائل بالنصاف طوامي سحبت عليها السحب أذيال الحيا ... فقتحن بالآكام كلّ كمام

/148 ب/ضاعت بمسكي النسيم معطرًا ... وتأرجت بشذا ونشر خزام سقيًا لدّهر جادلي بلقائه ... حتى شرقت وقادني بزمامي أنى يحلّ فكلّ ربع مخبا ... ومتى يصول فكلّ قرن دامي لا زالت الأيام تجري بالذي ... تختاره في سائر الأيام وأنشدني عبد الرحمن بن عبد الله الصقيل الشاعر الموصلي, قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه في غلام نحوي: [من الكامل] ومهفهف خفضت عوامل حسنه ... حظي ورحمته جفاه وصده يا حضرة المعتل بل يا حظّي الـ ... ـمنقوص أنى جاز عندك مده [662] محمّد بن عبد العزيز بن القاسم محمد بن عمر بن سليمان بن الحسن بن إدريس بن يحيى العلي بن عليّ العالي بن حمّود بن ميمون بن أحمد بن عمر بن عبيد الله بن عمر بن أدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علىّ بن أبي طالب, أبو جعفر الأدريس الحسني المصري. وجده المعتلي, هو الخارج بالغرب, والمستولي على بلاد الأندلس. وأبو جعفر: نسابة الأشراف بالديار المصرية, وصنف في علوم القرآ ن والأحاديث النوبة, واللغه العربية والتوريخ, وفنون الآدب والعلوم, مصنفات

جليلة. وله منثور ومنظوم, ومزدوج وجز ومخمس, وخطب ورسائل وشعر كثير. وهو منآية العلماء في عصره, كبير الشأن, عالم أظفر بشئ من شعره إلى ما اذكره. انشدني أبو حامد بشر بن حامد التبريزي الفقيه الشافعي, قال: أنشدني الشريف أبو جعفر الحسني لنفسه: [من البسيط] كلّ العلوم سوى علم الكتاب وما ... يروى عن المصطفى وسواس إبليس وللنصوص سيوف قط ما ضربت ... إلاّ وطارت بها روس المقاييس ومالك ... فيما ذكرت ما ... أدري لهذا خلافا لأبن إدريس وأنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي بحلت, قال: أنشدني الشرف أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الأدريسي يصف كتاب [دلايل] الأحكام الذي صنعه القاضى بهاء الدين بن شداد: [من الكامل] بدلائل الأحكام ذي الإحكام ... علمت معالم شرعة الإسلام وتبين السنن الذي وضحت به ... سنن الهدى منشورة الأعلام وتألقيت أنواره للمهتدي ... وتدفقت أنواؤه للظامي تصنيف من بهر الأئمّة علمه ... وأختص بالإجلال والاكرام قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف ... فخر العراق جميعه والشام [663] محمّد بن مسلم, أبو عبد الله الأسدي المعروف بالفارقي. الفقيه الأديب المقرئ. أخبرني أنه ولد بماردين, ونشأ بمياّفارقين برهية من الزمان, وذلك عرف بها.

قال أبو المجد ابن باطيش في كتاب طبقات الفقهاء الشافعية: انحدر إلى العراق, وقرأ القرآن العزيز بواسط, وتفقه ببغداد بمدرسة الخلفة الناصر لله, بالجانب الغربي على الفخر النوجاني. وقرا ايضًا بها الأدب, وصعد إلى الموصل, وصحب بها الشيخ أبا حامد محمد بن يونس بن منعة بن مالك الموصلي الفقيه المدرس الشافعي, والشييخ أبا الحرم مكّي بن ريان بن شبة الماكسي النحوي, وتميز في الفقه والأدب, وانتهت إليه المعرفة بالقرآن العزيز, وحسن آدابه, وتفرد بجودة التلاوة, وحسن الأداء. وأشتهر بالموصل, وتصدر للإقراء وانتشر صيته, وكان يقرئ القرآن والأدب وغيرهما من علوم الشريعة. وكان حسن السيرة, ظاهر النسك, لم يزل على ذلك إلى سنة سبع وعشرين فحجّ إلى بيت الله تعالى, وقضى الحج ورضي من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم في عوده, ولم يزل مريضًا إلى أن توفي بالنجف ليلة الإثنين ثاني عشر المحرم سنة ثماني وعشرين وستمائة, ودفن بمشهد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه-ز وعمل أبياتًا ضمنّها كتابًا كتبه إلى الأمير أبي الفضل شمس الدين لؤلؤ بن عبد الله- نائب الأتابك شهاب الدين أبي سعيد طغريل بن عبد الله بن الطاهري- بحلب في مدح الاتابك- وكان محساناً إليه, يبره ويتفقده مع بعد الدار, ويعتدّ ببركته, ويرغب في دعائه وهي: [من الكامل] يا طالبا بحرآ يجود على الورى ... عذبًا فراتًا نيله مبذول عرج على حلب ويّمم منزلا ... فيه شهاب الدين ذاك السول ما زال مذ عقدت يداه إزاره ... يسمو إلى دوح العلا ويطول حتى تنزّ منزلًا لورامه ... فلك الزّمان لفاته المأمول لله در يديه ما أنداهما ... سيف الأله على العدا مسلول الله أسأل أن يديم بقاءه ... مترقّيًا وحسوده المقتول

قال أبو أحمد المجد: نقلت هذه الأبيات من خطه, وهي كما ترى. وأنشدني أبو عبد الله بن الخضر الموصلي المقرئ, قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه: [من الرمل] قل لسكّان الحمى أين مضوا ... فعليهم من محبيهم سلام فارقوا فاتّقدت بين الحشا ... نار وجد تتلظى وغرام آه من صرف زمان غادر ... جار في الحكم رزاياه تؤم [664] محمّد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب, الملك المنصور ابو المعالي بن الملك المظفر أبي المناقب- صاحب حماة-. ولي حماة في سنة سبع وثمانين, وتسلّم وما كان لأبيه بالشام , وهو شيخ المعرّة وحماة وسلمية, له تصانيف, منها تاريخه الكبير الموسوم "بمضمار الحقائق في علوم الخلائق", واختصر كتاب"الشامل" لابن الصباغ في الفقه, وله كتاب في أسماء شعراء عصره. وكان أوفى الملوك في وقته, سياسة, وذكاء, وفضلًا قد قرأ الأداب, وتميز فيها, ودرس المنطق, ومن مصنفاته كتاب " در الآداب في التأريح" أيضًا , وكتاب"شغف وطرب" في حق العاشق والمعشوق, وكتاب"طبقات الشعراء", وأشعار كثيرة مدونة.

حدثني القاضي أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة, قال: أخبرني من رآه أنه كان قليل العلم, وأنّ التصنيف بعيد منه, وكذلك قول الشعر, وكان يدعيه. وقيل إنه استخدم جماعة يصنفون له التصانيف, وكان يأخذ نفسه بعلوم الأوئل والحكمة, وكان كردبازوه مولى أبيه قد استولى على منبهج, وحجر على ذرية والده الصغار, فافتتحها الملك المنصور في جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين وخمسمائة, واستنقذها منه وأخرجه عنها. أنشدني أبو بكر محمد بن نصر الله الدمشقي الشاعر, قال: أنشدني الملك المنصور لنفسه: [من الكامل] قسما بمجدك إنه لعظيم ... ما العيش إلا القرقف المختوم وسماع مطربة بلحن مطرب ... يصيبو إليه البابلي الريم وأنشدني أيضًا بمحروسة حلب يوم الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة خميس وثلاثين وستمائة, قال انشدني الملك المنصور أبو المعالي لنفسه: [من البسيط] حيّا المنازل من قلبي صورانا ... حيًا بنا كرّرها سحًا وتهتانا فهي الدّيار التى تحوى مرابعها ... من الكواعب أقمارًا أغصانا كواعب بفنون من محاسينها ... تهز أعطافها بالدّل افنانا فهل قدود دماها أم مثقفة ... تضحى لأسيافها الأجفان أجفانا وما تريك بنودآ من ذوائبها ... حتى تربيك من الآلحاظ خرصانا من كلّ سمراء في سمراء قامتها ... لدى تعطفها ما بخجل البانا وللشباب جنى ورد بوجنتها ... ماء الحياء به كم شب نيرانا وفوق غصن الّنقا من دعص قامتها ... إذ قام تحسب بدر التم هيفانا تهز رمحا له من طرفها طرف فلا عدمناه فتاكًا وفتانا خود غدا ردفها الريان ذا شبع ... لمّا غدا خصرها الظّان غرثانا

تسقيك من فمها راحًا معتّقَة ... ومن سوالفها تجنيك ريحانا ويوم أضحكها من لؤلؤ نسق ... بكيّ طرف بدمع فاض مرجانا فارقتها ومناي لو يلائمني ... بعد السّهاد رقاد فيه ملقانا فطيفها لو إلينا نائية ... أهدى تحيّتها وهنا لأحيانا وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني الملك المنصور لنفسه في النسيب والغزل من قصيدة أولها: ] من البسيط [ سح الدّموع فإنّ الحيّ قد بانوا ... وأقفر الصّبر لمّا أقفر البان وأسعدني بوجد بعد بينهم ... فالشّأن لما نأوا عنّي له شأن وخبّرا أهل ذاك الحيّ من إضم ... بأنني ساهر العينين حيران وأنّني من غرامي واله ذنَف ... وفي فؤادي على الأحباب أشجان لا درّ درّ اللّيالي بعد فرقتهم ... ولا سقى الغيث ربعًا عنه قد بانوا إن كان خان حبيب كنت آلفه ... فما أنا في الهوى للعهد خوّان سأذكر العهد من نجران بعدهم ... وأين ممّن ثوى بالشّام نجران إقر السّلام علي من كان لي سكنًا ... أيام كنا وهم بالغور جيران ففرقت بيننا الأيّام عن كثِب ... وحال من دوننا قفر وكثبان وأذكر العهد من سلمى بذى سلم ... والعيش صاف ودار القوم نعمان فإن نأوا عن سواد العين مذ طعنوَا ... فإنهم في سويدا القلب سكّان أحبابنا إنّني ولهان بعدكم ... وحامل الحب طول الدّهر ولهان وإنّني منذ غبتم ليس لي جلد ... يا ناز حين على الأيّام عتبان إن كان قد نسيوا وصلي ببعدهم ... فما أنا للذيذ الوصل نسيان يا ظبية البان هل وصل نسر به ... لتنجلي بلذيذ الوصل أحزان تعطفوا وارحموا صبًا بكم كلفًا ... فدمعة إذ حرى بالشوق غدران لا تبعثوا في نسيم الريح نشركم ... فإنّني من نسيم الريح غيران عودوا بعود زمان كان منشرحًا ... فها أنا بكؤوس الهمّ نشوان

لا تشمتوا حاسدًا يختار فرقتنا ... فإن إحسانكم للصبّ إحسان طعنتم ففؤادي في طعائنكم ... معذّب مذ سرت في البيد أظعان كيف السلوّ ولي صبر يغالبني ... وفي الهوادج أقمار وأغصان سقاكم الغيث من قبليّ كاظمة ... سحّا وروّى ثراهم أينما كانوا وأنشدني أيضًا، قال: أنشد الملك المنصور لنفسه في المعنى المذكور: ] من البسيط [ سار الحبيب فدمع العين مدرار ... لا استقلّت بهم للبين أكوار وخلفوني على الأحزان منهمكا ... عندي من الوجد آيات وأخبار وفي الظّعائن من قحطان لي قمر ... كأنّما لحظة للفتك بتار يا ظبية البان مالي عنك مصطبر ... وفي حشاي وجفني الماء والنار كيف السّلوّ عن الأحباب مذ ظعنوا ... وفي فؤادي صبابات وتذكار يا راحلين وفي الأحشاء قد نزلوا ... وغائبين وهم في القلب حضّار وأفدي غزال نقًا تصمي لواحظة ... وفي وجهه لي جنات وأنهار وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه الغزل: ] من الطويل [ عليك لقلبي لوعة وغليل ... وأحوال وجدي فيك ليس تحول وبين ضلوعي منك داء كآبة ... أقام بأحشائي فليس يزول وما نال تبريحي كثّير عزّة ... ولا ذاق وجدي عروة وجميل وطلت على مجنون ليلى صبابَة ... بها تقصر الأيّام وهي تطول ويا حبّذا قرب الديار الّتي بها ... ظلال وصال الغانيات ظليل ديّار تصح الرّوح في عرصاتها ... إذا هبّ فيها الرّوح وهو عليل وتمنحنا فيها الغرام عقائل ... فتسلب منّا بالغرام عقول وبيض الظبا تستلّها من جفونها ... ظباء على أسد العرين تصول فأعطافها إما تهزّ ذوابل ... والحاظها أنّى تسلّ نصول وفيها مهاة صاغها الله من مهًا ... بأعطافها ماء النّعيم يجول لها كفل سال وخصر متيّم ... فذا منعم راب وذاك نحيل ترنح منها بالدلال شمائل ... لألبابنا منها تدار شمول

ومن ظلمها المعسول وهو ممنّع ... بماض من الألحاظ وهو كليل تحوم القلوب الصاديات من الأسى ... على سلسبيِل ما إليه سبيل وفوق محيّاها ترفّ خميلة ... بنور جمال ما لديه جميل وهيفاء أمّا خدها فمورّد ... أسيل وأما طرفها فكحيل أجود لها بالنّفس وهي بخيلة ... علي بوصل ما إليه وصول فتاة لديها من سني الشّعر بارق ... له وابل من مقتليّ هطول يحبّ فؤادي طرفها وهو قاتل ... .... بحب السّيف وهو صقيل فلا زال معناها بطيب تحيّتي ... تمرّ عليه شمال وقبول وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في الغزل: ] من الخفيف [ أيّ دمع يوم الفراق أجابا ... أيّ قلب يوم التفرّق ذابا أيّ حزِن أصابنا يوم بانوا ... أي صبر يوم التباعد غابا شاب قلب المحبّ في الحب لما ... أن رأي مفرقي من الحب شابا هل إلي الوصل من سليمي سبيل ... وسليمى بوصلها تتغابى صاب قلبي من الحبيب سهام ... تركت عيشتي من الهجر صابا كلّ وصل سوى وصال محلك ... وأرى لذة الوصال عذابا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في الغزل أيضًا: ] من الطويل [ لعينيك في قلبي الكئيب ندوب ... وما لسقامي في هواك طبيب وحيّا الحيا هيفاء أما قوامها ... فغصن وأمّا ردفها فكثيب أحن إليها كلما هبت الصّبا ... وما آن من شمس النهار غروب وحيا محلًا أنت فيه مقيمة ... سحائب أجفان عليه تصوب وأنت الّتي لولاك ما جئت زائرًا ... ولا خلبتني زينب وخلوب وعندي من الأشواق ما لو شرحتها ... لقصر عنها مالك وحبيب وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في الغزل من كلمة أولها: ] من الطويل [ خليليّ عوجا نحو سلمى فسلّما ... فقد تركتني في هواها متيّما قفا علّماها ساعة كي ترق لي ... فما علّم الإنسان إلاّ ليعلما

وقولا لها إرثي لصب فإنه ... غدا بكم دون البرية مغرما وحنّي عليه وارحميه فإنه ... حقيق بأن يحنى عليه ويرحما ولا تقتليه بالقطيعة والجفا ... فإن دم الإنسان أضحى محرّما وها هي قد أضحت تصيب مقاتلي ... وقد فوقت نحوي من اللحظ أسهما إذا حدثت فالدر تبديه ناثرًا ... وإن بسمت فالدر تبدي منظّما وقائلة هذا الجنون إلى متى ... فقلت إلى إن يرجع الضوء مظلما وقلت لها لا تكثري اللّوم للفتى ... فمن لام صلًا في الهوى كان ألاما فقالت/ دع الأهواء إن كنت عاقلًا ... وشمر إلى العلياء كفًا ومعصما فقلت لها: أنّي إلى المجد سابق ... وأعجز في العلياء قيسًا وجرهما ولا بدّ ما أسلوا عن البيض والدّمى ... وأكلف بالبيضات والبيض الدّما فأنفق في العلياء مالي وإنّما ... تعيمي أن أغدوا على النّاس منعما فما أنا ممّن يجعل الجود مغرمًا ... ولا أنا ممّن يجعل البخل مغنما سأشغل نفسي بالمكارم والعلا ... واجعل لهوي مشرفيًا ولهذما ولا بدّ أسطو بجيش عرمرم ... أفل به في الكفر جيشًا عرمرما فأعمل رمحي أو أرأه مقصدًا ... وأعمل سيفي أو أراه مثلّما لأظهر حقًّا أو لأخفي باطلًا ... وأنصر دينًا قد أتانا من السّما وأنصر دين الهاشمي محمّد ... علي كل دين في الورى متحكّما وأنشر ما أضحى من النصر طاويًا ... وافتح ما أمسى من الأرض مبهما وأبني للإسلام بيتًا مشيّدًا ... كما شاده الكفار أضحي مهدّما وأسهر أجفانًا من الشرك دائمًا ... بضرب غدا للمؤمنين مسوًاما لئن كان عصري في العصور مؤخّرًا ... فإني أغدوا في المعالي مقدّما أنا الفارس المعروف أعزى وأتنمي ... إلى آل أيّوب وهم خير منتمى هم القوم ما من مالك أو معظّم ... على الناس إلّا قد غدوا منه أعظما مظفّرهم في الجود والبأس والنّدى ... وأقدمهم يوم الوغى متقدّما وما زال في يوم الجلاد مجالدًا ... بسيف غدا للمشركين مكلّما فمهلًا بني الإفرنج إنّي معيدها ... عليكم كحطّين الأولى وكأنّما

فمن كان بالبيض القواضب ضاربًا ... فلابدّ أن يرقى من العزّ سلّما وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في الغزل من قصيدة أوّلها: ] من الطويل [ سقى الله أيام الصّبا ما يسرّها ... وشرخ شبابي عند غيرك شافع وحيّا ليال قد تقضّت بقربكم ... وروّى ثري تلك الربوع المدامع وإني لمشتاق إلي حسن وجهها ... ويمنعني عنها أسود موانع عسى الدهر أن يقضي بطيف خيالها ... ومن لي بأيّام مضين رواجع وعمري بها حتّي الممات مذلّة ... قياليت شعري ما الّذي أنا صانع وهاتفة بالبان وتشجي بنوحها ... فما هجعت شوقًا ولا أنا هاجع فلله ما هاج الهوى من هديلها ... ولله ما تحنو عليه الأضالع فسرّي بمن أحببته لا أذيعه ... فلا يطمعن في ذاك ما عشت طامع وقلت وقد أبديت وجدًا وحسرًة ... وقد غيّبت عني بدور طوالع: سلوا مضجعي عنّي وعنها فإننا .. رضينا بما تخبرن عنّا المضاجع وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في الرجز: ] من الرجز [ يا من يساميني ويذكر أسمي ... فإنّي من قوم كراِم شمّ بحار علم وجبال حلم ... فمن كلّ ذي بأس شجاع شهم يذب عن هام العلا ويحمي ... فيسعى إلى الغنم بها بالغرم في رتبة فوق السّها والنجم ... فبلغتها قبل بلوغ حلمي أنبيك عن معرفتي وفهمي ... فإنّ علوم ذا الورى من علمي وحزمهم قلامة من حزمي ... قولي لسان قوله كالسّهم ينفذ بالصخر الصّلاب بالصّمّ ... فولي يد مثل السّحاب تهمي على العفاة بالنوال تهمي ... فينتعش العافي بها وينمي يسبح من عظائها في يمّ ... فولي حسان مشرع في الجسم يكلم قبل ضربه ويدمي ... فطوبى لمن حاول يومًا سلمي رب حسود لي ولا أسمّي ... فيهرب من سهمي حين أرمي أغفل عنه عفلة الأصمّ ... ولا يمر قلبه بوهمي لو حلّ من خوفي محل العصم ... فإذا سمت في شاهق أشمّ

أدركه بهمّتي وعزمي ... فأظلمه ولا يطيق ظلمي ومن محلّي في العلا وعظمي ... إنّي من نسل ملوك شمّ أيوب جدّي يا سديد الفهم ... فويوسف خير الرايا عمّي من مثلنا في عربها والعجم ... فبجدّنا نعلو فويق النّجم ] 665 [ محمّد بن أبي بكر بن عليّ بن شابي، أبو عبد الله الموصليّ الفقية الشافعيّ المدرس المفتي في العلوم الشرعية المعروف بابن الخباز. كان والده خبازًا من العامّة، واصله من بلاد العجم. ونشأ أبو عبد الله محبًا للعلم، راغبًا في تحصيله، ودروس الفقه على الشيخ المظفر محمد بن علوان بن مهاجر الموصلى، وعلق عن المسائل الخلافية، وبرع في ذلك وتمهّر، وتولّي إعادة درسه، وجدّ واشتغل حتي فاق أبناء عصره، مذهبًا وخلافًا، وأصولًا، ونظرًا. وهاجر إلي مدينة حلب واستوطنها، إلي أن مات بها، واتصل بقاضي قضاتها أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بن شداد الموصلي الأسدي، فأكرم مورده، وأقبل عليه إقبالًا لم يقبله على أحد من أبناء زمانه. وكان يحضر درسه، ويناظر في مجلسه، فيحسن ويجيد، حتي يعجب الحاضرون من حسن عبارته، وجودة بيانه، ورحل صحبته إلي الديار المصرية حين سار إليها رسولًا، وفوض إليه تدريس المدرية التي أنشأها الأمير أبو الحسن علي بن سليمان بن جندر، تحت القلعة المحروسة، وكان يلقي بها علي فقهائها في كل يوم

ثماني دروس من علوم متعددة، ما لم يذكره أحد الفقهاء المجودين، مع كمال فصاحته. وكان من وجوه الفقهاء الشافعية في وقته، ورؤوسهم في أيامه، وإليه انتهت جلالة الفقه الشافعي في معرفة أصولة وفروعه وأحكامه، وأقرّ بفضله والموافق والمخالف، وكانت فتاويه تنبئ عن غزارة علمه، وفرط ذكائه. وكانت وفاته يوم الثلاثاء سابع ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ودفن بمقبرة الجبيل، شمالي القلعة- رحمه الله- وكانت ولادته بالموصل في سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وكتب إليه الضياء بن المغربي، وكان مريضًا يعاتبه: ] من السريع [ لو غاب من أصحابنا واحد ... من ملّة العلم افتقدناه كذا عهدنا النّاس من قبلنا ... والناس أمثال وأشباه فقد تألّمنا ولم تسألوا ... عن حالنا حسبكم الله فأجاب أبو عبد الله بن الخباز: ] من السريع [ يا من إذا غاب محياه ... غاب سروري يشهد الله خادمك الدّاعي لم ينقطع ... عنك لإهمال وحاشاه وقاك ربّي ووقانا الّذي ... نحذره فيك ونخشاه أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله النصيبي بحلب، أنشدني أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي بن شابي الموصلي لنفسه، بطرق مصر، في منزلة يقال لها الجديدة، في صحبة بهاء الدين أبي المحاسن بن شداد، فاختار بهاء الدين علي الجماعة أن يعمل كل منهم في مرج المنزلة شيئًا، وقد نزلوها ضحى، فقال أبو عبد الله بن الخباز: ] من الكامل [ لله حسن مقيلنا في روضة ... تحكي خلائق يوسف بن تميم بسطت بساط زمرّد وطرازه ... نهر من الكافور والتّسنيم فكأنّنا في جنّة قد عجّلت ... من فضله في نعمة ونعيم

[666] محمَّد بن إبراهيم بن أبي عبد الله بن هنديٍّ، أبو عبد الله المازنيُّ البكريُّ. كان جدُّه قاضيًا بحمص، وأصله من طرابلس، فلما تملّكها الفرنج- خذلهم الله تعالى- انتقلوا إلى حمص، فسكنوها وتولوا بها القضاء إلى الآن. وأبو عبد الله/ 159 ب/ هو في خدمة الملك الناصر، ناصر الدين بن جنديّ، وهو من أهل الفضل والشعر. أنشدني الأمير أبو حفص عمر بن أسعد الموصلي؛ قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه سنة تسع وعشرين وستمائة بالديار المصرية؛ قال: قلت في الملك الأشرف لما أبلَّ من مرضه، وكان بالرّقة: [من المتقارب] سألت الفرات وقد أظهرت ... بشاشة وجه وكان عبوسا ابيني بقدرة مجريك لي ... فقالت: تعافى أبو الفتح موسى وحدثني الأمير أبو جعفر؛ قال: حدثني أبو عبد الله؛ قال: كنت قاعدًا في مجلس الأمير زين الدين يعقوب بن الحمصي بالقاهرة في دار مظفر، وقد قدمها رسولًا من الملك المجاهد أسد الدين شركوه بن محمد بن شركوه بن شاذي- صاحب حمص- إلى خدمة الملك محمد، فناولني قدحًا، فقبلت يده؛ وقلت: /159 أ/ وكم من يد قبلتها ... ... ... .... ............ ثم فطنت إلى ما قلت؛ فسكتُّ ولم أتمّ البيت، فسألني أن أتمّه لأنه كان يحفظه، وألح عليّ إلحاحًا شديدًا، فلم أجد بدًا أن قلت بديهًا: [من الطويل] وكم من يد قبَّلتها دام بطشها ... بأعدائها والدَّهر يسعدها معا سعى قاصدًا يبغي نداها إجابةً ... فنادى الندى يهنيك يا ساعيًا سعى قال: فأعجب زين الدين يعقوب ارتجالي، وأعطاني خلعة نفسية، ودراهم ناصرية.

وأمّا البيت المشهور الذي همَّ بإنشاده، ثم سكت عنه، فقول الشاعر: [من الطويل] وكم من يد قبَّلتها عن ضرورة ... وكان بودي قطعها لو أمكَّن ولكن صروف الدَّهر تأتي سريعةً ... أداري أموري بالَّتي هي أحسن وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الملك الأشرف موسى: [من الطويل] نعمت صباحًا بالصبوح وبالسعد ... هنيئًا مريئًا عشت في عيشةٍ رغد ولا تتوانى في انتهازك فرصةً ... فجارك في أمن ومجدك في جدِّ /159 ب/ أعيذك من عين الكمال بهل أتى ... وبالنحل والأعراف والنَّمل والرَّعد ركبت على متن الفرات سفينةً ... تسير ببحر الجود في طالع السَّعد [667] محمَّد بن الحسين، أبو عبد الله السلمانيُّ. كان فاضلًا في علم الحساب والفرائض والجبر والمقابلة، وقرأ شيئًا من علم العربية، وله أشعار ركيكة الألفاظ جدًا. أنشدني منها أبو الجود محمود بن مسعود بن إسماعيل السلماني؛ قال: انشدني محمد بن الحسين السلماسي لنفسه، ما كتبه إلى القاضي تاج الدين محمد السامانيّ: [من الوافر] لسوق العشق راج لها رواج ... توالى في فؤادي واختلاج طلبت لنيلها فيها فجاجًا ... حرمت منالها التبس الفجاج طراوتها كتل الماء لطفًا ... ولكن قبلها حجرٌ وساج طمرة حسنها الميدان أغدت ... نصيبي منه قد كان العجاج ومنها: أتاج الدِّين حصِّل منه تاجًا ... وإلَّا فات لو لم تغن تاج /160 أ/ لنا بك في الشَّريعة ابتهاج ... وعن سنن الأباطيل انزعاج

متى ما قدّمانا إعتمامٌ ... عرانا من روائك ابتهاج عدمنا التَّاج لكن قد وجدنا ... كأنَّ الدَّهر تختٌ أنت تاج كأنَّ النَّاس لعلٌ في زجاج ... فأنت اللَّعل والنَّاس الزُّجاج ومرضى درهنا إحتاجوا علاجًا ... بهمَّتك انتشى لهم العلاج رعاك الله شمعًا لا سراجًا ... فعند الشَّمع ينطمس السِّراج [668] محمَّد بن سعد بن عبد الله بن سعدٍ [بن أحمد] السعديُّ الأنصاريُّ، أبو عبد الله. من أهل دمشق؛ شاهدته بها في شهر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، وسألته عن ولادته؛ فقال: يكون تقريبًا في سنة سبع وسبعين وخمسمائة بدمشق. وهو رجل يخضب بالسواد، يخدم كاتب إنشاء في ديوان الملك الصالح أبي الفداء إسماعيل بن أبي بكر- صاحب دمشق-. وأنشدني قطعة من أشعاره، وهو من الفضلاء الأخيار في عصرنا، ولم يزل من صغره، مقبلًا على الاشتغال بالعلم والأدب؛ تفقه على مذهب/ 160 ب/ الإمام

أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- على الموفق أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي؛ واتصل بالملك الصالح أبي الفداء إسماعيل بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب، وكتب له الإنشاء. وهو كاتب حسن، شاعر جيد المنظوم، طاهر اللسان، نظم شعرًا كثيرًا، وكان في بدو أمره معلم صبيان، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة طويلة. أنشدني محمد بن سعد لنفسه من قصيدة: [من الطويل] أجارتنا إنِّي عليك غيور ... وإنِّي على نيل الوصال قدير ولكنَّني أرعى ذمامًا وحرمةً ... واصبر كرهًا والمحبُّ صبور وأنشدني أيضًا بظاهر مدينة دمشق، بالسهم الأعلى على شاطئ نهر في يوم الأربعاء الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة لنفسه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر مناقبه ومعجزاته عليه الصلاة والسلام: [من الطويل] تذكَّر مشتاقٌ وأنَّى له الذِّكرى ... ولم يستطع للجد صرفًا ولا أمرا / 161 أ/ أخو لوعةٍ ما فارق الشَّوق قلبه ... ولا واصل السُّلوان يومًا ولا الصَّبرا كبيت غدا للهمِّ والحزن آلفًا ... وما أنكر الأحزان من عرف الدَّهرا إذا نهنه الطَّرف القريح عن البكا ... جرى مستهلًا لا بكيًا ولا نزرا وإن رام كتمان الصَّبابة عبَّرت ... عن الوجد والأشواق أجفانه العبرى كأنَّ عليه الدَّمع ضربة لازب ... إذا شام برقًا أو رأى منزلًا قفرا تخال به ممَّا جنى الوجد جنَّةً ... وتحسب من مبدا الغرام به سكرا يروم بلوغ الوصل من أهل رامة ... ولم ينو أهل النيربين له هجرا ويهوى مقرًا بالعقيق وداره ... على طيِّها بالسَّهم بالقرب من مقرا محلٌّ إذا أقسمت أن ليس مثله ... على الأرض حسنًا كنت في القسم البرَّا إذا ذكرت جنات عدن وطيبها ... وكن به حلًا حسبت له الذِّكرى تنافس فيه الحسن مرأى ومنظرًا ... ولم تبلغ الأخبار عن طيبه الخبرا لسكَّانه ما في الجنان سوى البقا ... فطوبى لمن أفنى مطيعًا به العمرا منى الدِّين والدُّنيأ ميسَّرةٌ به ... فباليسر يحظى معتفيهم وباليسرى

تعجَّلُّ في الدُّنيا بسكناه جنَّةً ... وينقل في الأخرى إلى الجنَّة الأخرى تتمنَّى النَّوى عن ذاك لا عن ملالةٍ ... ولكن نوى ما يوجب الأجر والفخرا / 161 ب/ زيارة قبرٍ كلُّ قلب وناظرٍ ... يودُّ اشتياقًا أن يكون له قبرا به عصمةٌ للعالمين ورحمةٌ ... تعمُّهم من ساء منهم ومن سرَّا به المصطفى خير الأنام محمَّدٌ ... وأكبرهم فخرًا وأشرفهم قدرا أسيِّد أهل الأرض طرّاً وصادقًا ... أقول وخير الخلق كلِّهم طرّا هدانا بك الرَّحمن بعد ضلالةٍ ... وكفرٍ على الدِّين القويم أبى كفرا وقد طبَّق الأرض الضَّلال فلم يدع ... من الجهل من أقطارها خاليًا قطرا وقد هجر التَّوحيد واغتيل أهله ... وأصبح قول الحقِّ عند الورى هجرا ومال عمود الدِّين إذ ثلَّ عرشه ... وصال عدوُّ الله في الأرض واستضرى وبثَّ بها أشراك شرك وباطلٍ ... وجبت وطاغوت تصيد النُّهى قهرا وذلَّل للغرِّ الأغر سفاهةً ... وما هجر الأدنى يعوق ولا نسرا فقمت بأمر الله بالحق صادعًا ... ولمَّا تهب فيه الوعيد ولا الزَّجرا وعاديت أهل الأرض طوعًا لأمره ... وأنت الوحيد الفرد مستبطنًا فقرًا ولمَّا طما بحرٌ من الغيِّ زاخرٌ ... ومدَّ له مدًا أتيت له جزرا وحين جا ليل الضَّلالة حالكًا ... طلعت به بدرًا وكنت له الفجرا وجاهدت في الرَّحمن حقَّ جهاده ... إلى أن أتاك الفتح يتَّبع النَّصرا لك المعجزات البينات التي غدت ... محققةً كالشَّمس طالعةً ظهرا / 162 أ/ فمنها كلام الله جاءك منزلًا ... به جبرئيلٌ ضلَّ من ظنَّه سحرا ومن قال مخلوقٌ ومن قال مفترىً ... ومن قال لم يكتب برقٍّ ولم يقرا ولو كان ما قالوه ما كان منزلًا ... ولا جاء عنه النهي أن يصحب السَّفرا ولمَّا يقَّل هذا إليه إشارةً ... ولا منعوا من مسه عادمًا طهرا ولمَّا تحدَّاهم بإتيان مثله ... واسمع من في أذنه جعل الوقرا

{إذا قرئ القرآن فاستمعوا له} ... غدت من أمانيهم الفهم صفرا لك المرتقى الأعلى الذي عنه هيبةً ... تأخر جبريلٌ وحسبك ذا فخرا دليلًا من البيت الحرام بمكَّة ... إلى المسجد الأقصى بك الله قد أسرى ركبت على ظهر البراق محلِّقًا ... إلى سدرة للمنتهى فاقت السِّدرا رأيت كما أخبرت رَّبك ما له ... شبيهٌ ومن آياته الآية الكبرى وحيَّاك منه بالسَّلام ولم ينل ... سواك نبيٌّ هذه اللَّيلة الغرَّا ومن ثمَّ تخفيف الصَّلاة على الورى ... وخمسين كانت تلزم العبد والحرَّا فمازلت في تخفيفها متردِّدًا ... إليه فأبقى الفرض من ذلك العشرا وذلك عن رأي الكليم وإنَّها ... لساقطةٌ فعلًا ومحسوبةٌ أجرا وأنت شفيع الخلق في يوم عرضهم ... وقد ألبسوا رعبًا وقد أبلسوا ذعرا / 162 ب/ أنلتهم أمنًا وقلت: أنا لها ... وكل فتىً منهم طلبت [له] العذرا فتعطى لواء الحمد آدم تحته ... ومن دونه يرجون من فضلك البرَّا وتدنو أمام العرش لله ساجدًا ... لتشرح للراجي شفاعتك الصَّدرا فيوليك فخرًا يجمع السُّؤل والرِّضا ... ويؤتيك حمدًا يجمع الحمد والشُّكرا يقول لك ارفع رأسك اليوم راضيًا ... فأنت لها أهلٌ وأنت بها أحرى لك الكوثر المورود والحوض من يرد ... زلالهما لم يعرف الخمس والعشرا وقل يستمع واشفع تشفَّع وسل تنل ... فيومك هذا مشبه ليلة الإسرا وشقَّ لك البدر المنير كرامةً ... وقد قال قوم لن يشقَّ لك البدرا وأيوان كسرى انشق ليلة بشَّرت ... بك الأرض مولودًا فأعظم به بشرى وفيها خبت نار المجوس ولم تكن ... خبت ألف عام قبل سرّا ولا جهرا وأيضًا بها غارت بحيرة ساوة ... وقد كان رائيها يساوي بها البحرا وفي ملك رؤيا المؤبذان وقد غدا ... سطيحٌ بتعبير لها عالمًا حبرا ولمَّا لمست الأرض ألقيت ساجدًا ... وبانت قصورٌ عمَّها النٌّور من بصرى

ويوم بحيرا إذ أتاك مسلِّمًا ... ومستخبرًا عمَّا أحاط به خبرا رأى منك آيات النُّبوة قد أتت ... بها رسل الآفاق يتلونها تترى /163 أ/ فأثبتها في الحال مرأى ومسمعًا ... وطاب بها نفسًا وعينًا بها قرَّا فأشرب إيمانًا وما زاغ قلبه ... وآمن إيقانًا ولم يسترد فكرا رآك وظلٌّ للغمامة سابغٌ ... عليك وباقي الركب عن ظلِّها حسرى وقد خرَّت الأشجار في البرِّ سجَّدًا ... لرؤياك لمَّا شرَّفت ذلك البرَّا وعاين أيضًا للنبوَّة خاتمًا ... به ختمت فازداد في أمره إمرا وردَّ أناسًا قد أتوك لغيلة ... وأوسعهم نصحًا وحذَّرهم غدرا وتوبة نسطور ببصرى وقد اتى ... يؤمَّهم فيما يباع وما يشرى رأى منك ما قد سطروه بكتبهم ... من الحق والآيات ما أعوزت سطرا فأقسم بالله العظيم تيقَّنًا ... لأنت الَّذي جاءت بمبعثه البشرى وأنت رسول الله تبعث رحمةً ... إلى أمَّه تدعى محجَّلة غرَّا ونعتك بالأمِّي في الكتب عندنا ... وأنَّك عنَّا بالهدى تضع الإصرا وتأمرنا بالعرف والعدل والتُّقى ... وتأبى لنا الفحشاء والبغي والنُّكرا لنا طيِّبات الأكل شرعًا تحلُّها ... كما هو في التَّوراة من قلبه يقرا كذلك في الإنجيل يتلوه دائبًا ... كما هو في التَّوراة من قبله يقرا وصحبك لمَّا أعوز الماء واختشوا ... بأنَّهم لم يدركوا الوقت والعصرا / 163 ب/ جعلت لهم من كفِّك البحر منهلًا ... فصلَّوا وكلُّ القوم قد أسغ الطهرا وألفًا وبضع الألف ريًا سقتهم ... بنانك من نور جعلن به غمرا وكم ماء عين قد مزجت محبَّةً ... وكانت بكيئًا ثمَّ عادت بها نهرا ولمَّا استقلَّ الحارث الماء حقَّقت ... له يدك البيضا بها آيه الكثرا وروَّيت من ماء المزادة أنفسًا ... عطاشًا وأكبادًا نقعت به حرَّى ولم ينفذوا من مائها ورد قطرة ... وقد أوسقوا منه الكواهل والظهرا ومن تمرات كلت للجيش زاده ... وأبدلته من بعد إعساره اليسرا وأشبعت من أقراص خبز لحائرٍ ... ومن سخلة ألفًا وما نقصوا القدرا وأوفيت عنه ثقل دين بصبرةٍ ... من التَّمر فازدادت بتنقيصها وفرا

وسبعين من أقراص خبزٍ أتى بها ... أبو طلحة أشبعتهم مرَّةً أخرى منحت أباهر من التمر مزودًا ... فما زال ممتارًا مميرًا به دهرا وجهَّزت جيش الشَّام منه فقد غدوا ... وما منهم إلَّا ومنه احتوى وفرا وخمسين وسقًا منه قد جاد منعمًا ... بها في سبيل الله نغتنم الأجرا ثلاثة أعواد منحت ثلاثةً ... فعادت سيوفًا في أكفِّهم تترى فمنهنَّ في بدر قضيب ابن أسلم ... وعودٌ به أيضًا عكاشة منه قد سرَّا / 164 أ/ وفي أحد أيضًا ابن جحش عبيسةً ... غدا مرهفًا من حدِّة يحلق الشَّعرا وعين ابن نعمان وعين رفاعة ... رددتهما من بعد أن بانتا ندرا وكم هاتف أضحى بفضلك صادحًا ... تؤلِّفه نثرًا وتنظمه شعرا وأقبلت الأشجار لمَّا دعوتها ... يشقُّ لها السُّوق السُّهولة والوعرا ولمَّا دعوت العذق من رأس نخلة ... أتاك فقلت ارجع فما خالف الأمرا وحنَّ إليك الجذع شوقًا وسلَّمتً ... عليك جهازًا ظبيةٌ لم ترم نفرا كما الحجر القاسي ابتداك مسلِّمًا ... عليك ومشتاقًا كأنَّ به حجر بكفِّك بحر الجود قد سبَّح الحصا ... وقبَّل رجليك البعير لها شكرا وخلَّصت يوم الغار طرف ابن مالك ... فغرَّ لذاك المشركين وما أغرى وخافت عليك العنكبوت من العدًا ... فأرخت بباب الغار مكرًا بهم سترا ووافقها في الذَّب عنك حمائمٌ ... أتين سريعًا فابتنين به وكرا فما أتى الكفَّار طور خديعة ... فحيَّا الحيا تلك الخديعة والمكرا ويوم حنين إذ أتوك بجمعهم ... يجرُّون من أبطالهم عسكرًا مجرا وراموا بلوغ الثأر منك رميتهم ... بكفِّ تراب فانثنى جرهم كرَّا وعجفاء لا نقيٌ بها قد مسحتها ... فدرَّت ولم يعرف لها ربُّها درَّا / 164 ب/ لك الضَّبُّ أمسى بالرِّسالة شاهدًا ... كما الذِّئب أضحى باليمين به برَّا كما شهد الكفَّار حقًا وشاهدوا ... ملائكةً للنصر إذ حضروا بدرا ولمَّا أتى للبرد والحرِّ شاكيًا ... إليك عليٌّ وقِّي البرد والحرَّا

وما كتمت عنك الذِّراع الَّذي بها ... من السُّم إذ خافت عليك له الضُّرَّا وبالرُّعب أيضًا قد نصرت على العدا ... مسيرة أيَّامٍ يعدُّونها شهرا وأعطيت أصحابًا كرامًا أعزاةً ... والاتخال النُّطق في ذكرهم عطرا فمنهم رفيق الغار والصِّدق والوفا ... أبو بكر الثَّاني أشدُّهم أزرا وصاحبك الفاروق ذو العدل والتُّقى ... وعثمان ذو النُّورين أكرم به صهرا وقاتل أبطال الوغى عالم الورى ... أخوك عليٌّ زوج بضعتك الزَّهرا وريحانتاك أبناه سبطاك سيِّدا ... شباب جنان الخلد أهواهما ذخرا وحمزة والعبَّاس جدُّ إمامنا ... أبي جعفر المنصور لا عدم النَّصرا أولئك خير الصَّحب حقًا وكلَّهم ... أولو الخير والمعروف لم يعرفوا نكرا هم الصَّادقون القانتون أولو النُّهى ... أولوا الصَّبر في البأساء والبأس والضَّرَّا هم الصَّائمون الحافظون فروجهم ... هم الذَّاكرون الله لم يفتروا ذكرا هم الأنجم الزُّهر الَّتي يهتدى بها ... إلى أيُّهم يمَّمت أرشدك المسرى / 165 أ/ غدا قولهم حقًا وفعلهم هدىً ... وحبُّهم قربى وبغضهم كفرا فضائل لو أنَّ الورى كلِّفوا لها ... بيانًا وحصرًا ما أطاقوا لها حصرا إذا نثرت خلت الَّلآلي وإن غدت ... منظَّمةً يومًا تحقَّقتها درَّا فما قدر قدري أن أرى ناظمًا لها ... وقد جاءت الآيات في وصفها نثرا ولا قدر شعري أن يكون سحابها ... ولو كان من ألفاظه الشَّمس والشِّعرى ولكنَّني شرَّفته بمديحهم ... وأبقيت لي في الصَّالحات به الذِّكرا عليك صلاة الله ثمَّ عليهم ... سلامٌ يعير المسك من طيبه النَّشرا سلامٌ كنشر الرَّوض حمَّله الصَّبا ... لتبلغ عنه شكره السحب والقطرا سلامٌ كلطف الله جاء لخائف ... فقير بأمر يعدم الخوف والفقرا فيا خير مأمولٍ ويا خير شافعٍ ... ويا ملجأ العاصي المقرِّ الَّذي غرَّا سل الله يعطيني إليك زيارةً ... أشدُّ بها أزرًا وأرمي بها وزرا وكن شافعي فيها قريبًا فإنَّني ... بحبِّك أرجو أن أفوز بها حشرا لأنَّك قلت المرء مع من أحبَّه ... وإنِّي امرؤٌ صبٌّ بحبِّكم مغرى إلهي أحاطت بي الذُّنوب وليس لي ... من البِّرِّ مأ أرجو به العفو والغفرا

سوى حسن ظنِّي فيك ثمَّ شهادتي ... بأنَّك وترٌ فاز من عبد الوترا / 165 ب/ وأنِّي محبٌّ للنبيِّ وآله ... وأصحابه فاجعله يا ربِّ لي ذخرا وقال أيضًا، يتشوق وطنه وإخوانه بجبل قاسيون: [من الطويل] إذا ما بدت من قاسيون قبابه ... وبانت لعينيك الغداة لصابه ولاحت قصور السهم بيضًا كأنَّها ... قلوعٌ ببحر قد تعبَّى عبابه رأيت جنان الخلد لولا نفادها ... ونلت لذيذ العيش لولا ذهابه وأيقنت أنَّ الدَّهر همَّ بغيرها ... وفيها على ما كان منه شبابه خليليَّ ما في العين فضلٌ لمنظرٍ ... إذا لاح سرب السهم لي أو سرا به ولا في قوى سمعي استماع ملامه ... إذا ناح لي قمريٌّه أو غرابه فواعجبًا حتَّى م يعتب عاذلٌ ... وما شبَّ نار الوجد إلاَّ عتابه يكلِّفني ما لا أطيق استماعه ... ويطلب منِّي ما يعزُّ طلابه ولا نار إلَّا ما ضلوا علي زنادها ... ولا ماء إلاَّ ماء جفني سحابه يصبِّرني عن قاسيون وأهله ... لقد جلَّ عندي لو فعلت مصابه وبالسَّفح منه منزلٌ لو يحلُّه ... تحقَّق أن المسك طيبًا ترابه وإخوان صدق لو يحاور بعضهم ... لما شكَّ أنَّ السِّحر حلَّى خطابه / 166 أ/ سقى الله أيامًا ما تقضَّت لنا به ... هي العيش لا بل صفوه ولبابه ليالي لا أخشى الوشاة ولا أرى ... من الناس إلا من يسر اقترابه وبرد الصِّبا ضاف عليَّ لباسه ... وورد الهوى صاف لديَّ شرابه وشيطان حبِّي ماردٌ في مراده ... نصيب عذولي نصبه وعذابه وإذا أنا معط للعفاف نصيبه ... كمالًا ولم يكمل لعمري نصابه فللَّه ما أبقى النَّوى من متيَّم ... تنافس فيه وجده واغترابه يكاد جوى يقضي من العذل نحبه ... ويخفى عن العدَّال لولا انتخابه يفيض اشتياقًا نحو ثورا اصطباره ... ويزداد من ذكرى يزيد اكتئابه إذا شام برق الشَّام أسبل جفنه ... بدمعٍ كفيلٍ بالسُّيول انسكابه

ويذكره بالنيربين منازلًا ... إليها إضافات الهوى وانتسابه منازل سعد من رآها وعنده ... من الخلد شكٌ زال عنه ارتيابه وأيقن أن القرب منها تقربٌ ... إلى ربِّه والبعد عنها عقابه وأقسمت لو أعطيت من دهري المنى ... ووافق رأي رشده وصوابه تمنَّيت أنَّ السَّهم سهمي من الرُّبى ... وأنَّ ثوائي فيه عمري ثوابه وقال أيضًا: [من الطويل] / 166 ب/ وحرمه ما بيني وبينك في الهوى ... أليَّة صبٍّ في المحبَّة صادق لقد بلغت مِّني المحبَّة غايةً ... تخلَّف عنِّي دونها كلُّ سابق فلو أنَّ أهل الأرض طرًا عواذلي ... وما تحتوي الدَّانيات علائقي لقطَّعتها طوع الهوى وعصيتهم ... ولم أتعلَّل فعل كلِّ مماذق فمن يتهمني بالسُّلو فإنَّما ... يجيل محالًا في صدور الحقائق هل الوجد إلاَّ ن يهيج صبابتي ... تذَّكر طيف من جنابك طارق وإن أراد الماء الزُّلال مهيَّمًا ... فيمنعني من شربه لمع بارق وإنَّ محبًا صدَّت النَّار وجهه ... أو البحر عن أحبابه غير عاشق [669] محمَّد بن إبراهيم بن الخضر، أبو النصر بن البرهان المنجم أصله من طبريَّة؛ وولد بحلب وله شعر حسن. حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحنفي- أيده الله تعالى- قال: اجتمعت بأبي نصر الحلبي بحرّان، فأنشدني لنفسه: [من الكامل] من لي بأهيف قال حين عتبته ... في قطع كلِّ قضيب بان رائقٍ / 167 أ/ يحكي معاطفه الرِّشاق إذا انثنى ... ريَّان بين جداولٍ وحدائق

سرقت غصون البان لين معاطفي ... فقطعتها والقطع حدُّ السَّارق وأنشدني؛ قال: أنشدني أبو نصر لنفسه: [من الكامل] ومهفهفٍ ريحان نبت عذاره ... في ورد خدَّيه الجنيِّ الأحمر أصلى بنار الخدِّ عنبر خاله ... فبدا العذار دخان ذاك العنبر وأنشدني؛ قال: أنشدني محمد بن إبراهيم قوله: [من السريع] يا حلبًا حيِّت من مصر ... وجاد مغناك حيا القطر أصبحت في جلِّق حيران من ... وجدي إلى مربعك النَّضر والعين من شوقٍ إلى العين والـ ... ـفيض غدت نابعةً تجري ما بردى عندي ولا دجلةٌ ... ولا مجاري النِّيل في مصر أحسن مرأى من قويق إذا ... أقبل في المدِّ وفي الجزر يا لهفتا منه على جرحه ... تبلُّ منِّي غلَّة الصَّدر كم قبل من يومٍ ومن ليلةٍ ... مرَّ لنا من غرر الدَّهر ما بين رطياس وحيلان والـ ... ـميدان والجوسق والجسر وروض ذاك الجوهريِّ الَّذي ... أرواحه أذكى من العطر / 167 ب/ وزهره الأحمر [في الحسن] ... كالياقوت والأصفر كالتبر والنَّور في أجياد أغصانه ... منتظمٌ أبهى من الدُّرِّ منأزل الآراك خلف الحيا ... على رباها دائم الدَّرِّ تالله لازلت لها ذاكرًا ... ما عشت في سرِّي وفي جهري وكيف ينساها فتىً صيغ من ... طينتها الطَّيِّبة النَّشر فكلُّ يومٍ مرَّ في غيرها ... فغير محسوب من العمر إن حن لي قلبٌ إليها فلا ... غرو حنين الطَّير للوكر يا ليت شعري هل أراها وهل ... يسمح بالقرب لها دهري وقال في غلامه اسمه هلال: [من السريع]

هذا هلالٌ كهلال الدُّجى ... من شعره قد لاح في غيهب إنعطف الصدغ على خدِّه ... فانظر إلى المرِّيخ في العقرب وقوله: [من الكامل] ومهفهفٍ خيلانه ... كفتيت ندٍّ في لهيب وكأنَّ نمل عذاره ... يسعى بحبَّات القلوب وقوله: [من الكامل] / 168 أ/ ومهفهفٍ هزَّ الصِّبا أعطافه ... هزَّ الصَّبا الغصن الرَّطيب بزهره ساق [أدارت] جلنار كأسه ... في سوسنٍ غضٍ أقاحة ثغره وقوله: [من مجزوء الرجز] أفدي كحيل النَّاظر ... مثل القضيب النَّاضر مرسل صدغٍ جاء في ... فترة طرف ساحر إذا سرى يتبعه ... إنسان كلٍّ ناظر وقوله في صبيّ نحوي: [من مجزوء الرجز] يا حسن نحويِّ بدا ... واللَّيل مرخي السِّتر فلاح من غرَّته ... لألاء نور البدر قد زارني لم يخش من ... زيد ولا من عمرو فبات تحت الهمز ... مفعولًا به في صدري ولم يزل يرفعني ... بالفعل فوق الظهر آخر يفتح من ... دخول حرف الجرِّ لأنَّه لم ينصرف ... حتى طلوع الفجر وقوله: [من الخفيف] / 168 ب/ لا تلمني على هوى العذري ... فعذار الحبيب قام بعذري نمل مسك العذار دبَّ على الوردات تنهد أقحوان الثَّغر

وقال أيضًا: [من السريع] أفدي الَّذي يفعل بي في الهوى ... وهو حبيبي فعل أعدائي قد جمع الأضداد في طلعة ... تزهى بإشراقٍ ولألاء من وجهه والشَّعر [والعين] والخدِّ ... أرانا فتنة الرَّائي شمس الضحى واللَّيل والبراء والسُّقم ونار الحسن في الماء وقال أيضًا: [من البسيط] بمهجتي فارسٌ في لامه ألفٌ ... في عينه يقتل الرَّائي بإيماء إنَّ هزَّ قامته واستلَّ مقلته ... فالموت ما بين هيفاءٍ ونجلاء كأنَّه قمرٌ من حسن صورته ... يعشي العيون بإشراقٍ ولألاء أما ترى صدغه قافًا ومبسمه ... ميمًا وشاربه تعريقة الرَّاء في التُّراب خدِّي وفي قلبي الهوى وعلى ... خدَّيه تضرم نار الحسن في الماء وقوله: [من الطويل] أدار بهار الرَّاح في السَّوسن الرَّطب ... وحيَّا فأحيا الرُّوح ريحانه الشَّرب / 169 أ/ بنرجس عينيه واس عذاره ... وصدغيه كم يصبي القلوب وكم يصبى يطوف بكأسٍ لونها لو خدِّه ... وأفعالها أفعال عينيه في اللُّبِّ ألم يكفه سلب العقول بلحظه ... إلى أن أعانت لحظه الكأس في السَّلب من التُّرك سهل الخدِّ صعبٌ مرامه ... وهل آفتي إلَّا من السَّهل والصَّحب بدا مرسل الأصداغ للناس فتنةً ... بفترة طرف عن نبوَّته تنبي ظلت به في الحبِّ بعد هدايةٍ ... ولا غروكم قد ظلَّ قلبي في الحبِّ طلى منبت الياقوت صفحة خدِّه ... ومورد فيه معدن اللُّؤلؤ الرِّطب غنِّي جمال لا يواسي بوصله ... فقيرٌ إلى تقبيل مبسمه العذب لئن كان أفنى كنز صبري بصدِّه ... فيا ليت أبقى لي ولو حبَّة القلب تقلِّبه أيدي الصَّبابة والأسى ... إذا صدَّ من يهواه جنبًا إلى جنب

هوىً أضرب النِّيران بين ضلوعه ... وعاود فيض الدَّمع سلبًا على سلب وأنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله النصيبي بحلب؛ قال: أنشدني أبو نصر محمد بن إبراهيم/ 169 ب/ بن الخضر الحلبي لنفسه من أبيان: [من الكامل] سيقًا لوادي النِّيربين بجلِّقٍ ... لله ما أبهى رباه وأحسنا! فاضت مياه عيونه وتسللت ... في ظلِّ بانات تروق الأعينا وكأنَّما نزلت ثراه كتيبةٌ ... ألقت سوابغها وركَّزت القنا وأنشدني أيضًا؛ قال: أنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل] ومهفهفٍ ماء الحيا ... ة رضابه العذب الخصر أو ما ترى ظلمات صد ... غيه وشاربه الخضر وقال أيضًا يتغزل: [من الوافر] وأهيف مثل غصن البان قدًا ... يجول على معاطفه الوشاح على خدَّيه فوق الورد آسٌ ... وحول الورد في فيه الأقاح حبيبٌ راح يبسم عن حباب ... له من ريقه المعسول راح أتاني زائرًا والليل داجٍ ... فأشرق من محيَّاه الصَّباح فرضت جماحه بكميت راحٍ ... إلى أن فارق المهر الجماح فبتُّ ولي بلثمي عارضيه ... ورشفي راح ريقته ارتياح ولي من ليل طرَّته اغتباقٌ ... ولي من صبح طرَّته اصطباح / 170 أ/ وقال: [من الطويل] فيا شادنًا قد أنبت الورد خدُّه ... ومن حبب الصَّهباء يدعى الأقاحيا إذا غربت شمس المدام بثغره ... ترى شفقًا منها بخدَّيه باديا فكم ليلة من كأسه ورضابه ... مزجت سلاف الرَّاح بالرَّاح صافيا وانفذ حكمي في مراشف ثغره ... كأنِّي لذاك الثَّغر أمسيت واليا

إذا ما جلت يمناي كأس مدامةٍ ... عليه تلوَّى صدغه في شمالينا تجاسرت لمَّا ذقت درياق ريقه ... على خشن الشَّعر المبلل حاويا وأنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي بحلب؛ أنشدني أبو نصر محمد بن إبراهيم لنفسه: [من البسيط] بشرى لجلِّق بل بشرى لأهليها ... ففي نعيمٍ مقيمٍ من ثوى فيها جنَّات عدن بها قد أزلفت ودنت ... قطوفها من مجانيها تجانيها ترى بها السَّبعة الأنهار جاريةً ... جرى الشَّعانين في بطحاء واديها فللخدود حياءٌ من شقائقها ... وللثغور ابتسامٌ عن أقاحيها إذا تثنَّت بها البانات مائسةً ... حكت قدود الغواني في تثنِّيها /170 ب/ يصفِّق الماء والأغصان راقصةٌ ... على غناء القماري في أعاليها حيث التفتَّ فأنهار مسلسلةٌ ... تنساب في ظلِّ أشجار تواريها وكم بدور على الأغصان طالعة ... هزَّ الصِّبا لا الصَّبا أعطافها تيها أرضٌ بها الحور والولدان حائرةٌ ... فيهنَّ أفكارنا وصفًا وتشبيها من كلِّ أحور كاد البدر يشبهه ... وكلِّ حوراء كاد الظَّبي يحكيها تبدي ثعابين أصداغٍ مبلبلةٍ ... على سوالفها طوبى لحاويها فما ترى غير ملدوغ الحشا دنف ... شفاؤه رشفه الدِّرياق من فيها واحسرتاه على ما فات من عمري ... إذ لم أقضِّ زماني كلَّه فيها وقال أيضًا: [من البسيط] امزج كؤوسك بالسَّلسال من فيكا ... وعاطني الرَّاح تسقيني وأسقيكا قم فاجل يا قمري شمس المدام فيا ... طوبى لمن بات يجلوها ويجلوكا يا شادنًا صار ستري في محبَّته ... بين البريَّة بعد الصَّون مهتوكا ما قلت: إنَّك تحكي الظَّبي ملتفتًا ... بالجيد واللَّحظ لكن قلت: يحكيكا أغار بدر الدُّجى حسنًا سناك كما ... أغار غصن النَّقا لينًا تثنيَّكا قد فاز من بات يا ريحان عارضه ... باللَّثم بين كؤوس الرَّاح يجنيكا

/ 171 أ/ لم أخش من حنش الشَّعر المبلبل لمَّا ... بتُّ حاويه في صدري وحاويكا وكيف يخشى من الثُّعبان يلدغه ... من بات يرتشف الدِّرياق من فيكا كن كيف شئت فإنِّي لا أحبُّ ولا ... أهوى سواك وعمري لست أسلوكا وقال في الأوّل من الطويل، والقافية من المواتر: [من الطويل] وأحور أحوى فاتن الطَّرف والطِّرف ... حييِّ المحيَّا ليِّن العطف والعطف تجلَّى فخلت البدر أشرق في الدُّجى ... وماس فقلت الغصن مال على الحقف هو البدر لولا قربه من محبِّه ... هو الغصن لولا نفره الشَّادن الخشف يحلُّ إذا ما حلَّ عقرب صدغه ... منازله في القلب منِّي وفي الطَّرف ترى أبدا الأبصار في صبح وجهه ... تسر وتسري في دجى شعره الوحف أتى زائرًا فينصف شعبان خفيةً ... وهيهات يخفى البدر في ليلة النِّصف فقابلت منه الخدًّ والقدَّ واللُّما ... إلى الفجر بالتَّقبيل والضَّمِّ والرَّشف لئن كان ولاَّني الدُّجى رشف ثغره ... فقد قدم الإصباح لا كان بالصَّرف وقال في الثاني من الطويل، والقافية من المتدارك: [من الطويل] / 171 ب/ وريم أعار الغصن لين قوامه ... كما قد أعار الظَّبي حسن أحوراره سقاني طلًا فيه على ورد خدِّه ... ونرجس عينيه وآس عذاره وقال في الثالث من الطويل أيضًا، والقافية من المتدارك: [من الطويل] أرقت بعضب اللَّحظ من طرفك الدِّما ... ورقت بعذب اللَّحظ من طرفك الدُّمى أيا قمر الأرض الَّذي نور وجهه ... على القمر التَّمِّ السَّماويِّ قد سما ويا حادي الحسن الَّذي من عذاره ... وخدَّيه أبدى جنَّةً وجهنَّما لويت لنا تيهًا من الصُّدغ عقربًا ... وأرسلت من شعر الذُّؤابة أرقما سلمت أما ترقى السليم ليسلما ... فبي ألم يشفى إذا وجدت باللُّما وبي مرضٌ أعيا فليس طبيبه ... سواك ولو كان ....................

وقال في الثاني من الطويل، والقافية من المواتر: [من الطويل] أنا المرء لا يخفى عليَّ صواب ... ولا خانني عند السُّؤال جواب ولا زانني في محفل غير مقولي ... إذا زان غيري ثروةٌ وثياب / 172 أ/ فما أنا إلَّا السَّيف راق فرنده ... وراغ غيري حليةٌ وقراب وإنِّي كماء المزن غير مكنَّد ... وما في للثَّاني الحسود معاب ولي بيت مجد بالصوارم عامرٌ ... ولي بيت مال بالنَّوال خراب وكم خضت بحرًا من دجى اللَّيل طافيًا ... عليه من الزُّهر النُّجوم حباب ومالي إلَّا السَّيف والرُّمح صاحبٌ ... إذا خانني عند الخطوب صحاب وكم من عظيم قد وقفت ببابه ... ومن دونه للُّؤم منه حجاب فما جادني من راحتيه سحابةٌ ... ولا أخضر لي في ساحتيه جناب فللدهر عندي لو أفاق شكايةٌ ... وللحظ عندي لو أصاخ عتاب وقال في الثاني من السريع، والقافية من المتدارك: [من السريع] يا معشر العشَّاق ما فيكم ... من نال ما قد نلت من دهره عانقت من أهوى وقبلته ... في خدِّه ألفًا وفي ثغره قد فاز بالدُّنيا ولذَّاتها ... من بات من يهواه في صدره وقال في المجتث، والقافية من المتواتر: [من المجتث] / 172 ب/ مولاي رفقًا بصبٍّ ... في الحبِّ لاقى صغارا قد كان يهوى العذارى ... فصار يهوى العذارا وقال أيضًا في الأول من الهزج من الكامل، والقافية من المتدارك من المتواتر: [من الهزج] أما والمبسم العذب ... كعقد اللُّؤلؤ الرَّطب ولحظ فاترٍ يسبي ... ولفظ فاتنٍ يصبي أميرًا مطلق الدَّمع ... كبيرًا طائر القلب وقال في الثاني من الرجز، والقافية من المتواتر في مغنٍّ حسن الصورة: [من الرجز]

يا شاديًا بلفظه غنَّاني ... وشادنًا بلحظه عنَّاني هل أنت قمريٌ شدا أم قمرٌ ... بدا على قضيب [غصن] البان وقال في الخامس من الرمل، والقافية من المتواتر: [من الرمل] يا نديميَّ اسقياني ... من لما ساقي الشَّراب فاتكٌ وهو ظبيّ ... فتك آساد الشَّرى بي / 173 أ/ إنَّ قلبي في العذاب ... من ثناياه العذاب كم غدا يمزج كاسي ... في الرِّضا بي بالرُّضاب وقال في الأول من البسيط، والقافية من المتراكب: [من البسيط] وأمردٍ كان لي في وصله أربٌ ... فصار لمَّا التحى في هجره أربى بالأمس وجنته كانت أبا لهبٍ ... والآن قد أصبحت حمَّالة الحطب وقال أيضًا: [من البسيط] وشادن ذي عذارٍ كنت أعشقه ... فصار يحلق لمَّا أن طغى الشَّعر فاليوم قد زاد موسى طور عارضه ... وكان بالأمس في أرجائه الخضر وقال أيضًا: [من البسيط] لي في عذار الَّذي أهواه أعذار ... وفي هواه أحاديثٌ وأسمار أمير حسنٍ على العشَّاق حاجبه ... بالوصل والصَّدِّ نهَّاءٌ وأمَّار كأنَّ صدغيه لمَّا أن حنا علمٌ ... ولحظه لهذمٌ والقدُّ خطَّار ممنَّع ثغره ثغر وعارضه ... سور حماه من الألحاظ أسوار في خدِّه وثناياه كمنتزهي ... ورد وورد وأنوارٌ وأنوار / 173 ب/ جذلان يسخر بي لفظًا ويسحرني ... لحظًا وبي منه سخَّار وسحَّار لئن تهتَّك ستري في محبَّته ... فكم تهتَّك للعشَّاق أستار في التُّرب خدِّي وفي قلبي وفي بصري ... وفي حشاي الهوا والماء والنَّار لا عار لا عار في حبِّ الملاح فما ... في حبِّهم عند أرباب النُّهى عار وقال: [من البسيط] ويلاه من فاتر الألحاظ فتَّان ... وسنانه وسنان الرُّمح سيَّان

ظبيٌ من التُّرك في شربوشه قمرٌ ... وفي غلالته غصنٌ من البان يجني ثمار الرِّضا من جاء معتذرًا ... عن الإساءة من جان ومن جان ديباج ورد الحيا في وجنتيه بدا ... مطرَّزًا من عذاريه بريحان فالقلب من صدغه مسلوب وعقربه ... ومن ذؤابته ملدوغ ثعبان يا مخجل الرَّشأ الوسنان ملتفتًا ... جيدًا بجيدٍ وأجفانًا بأجفان أنى إلى ريقك العذب البرود لذّة ... قلبٌ به ظمأٌ حرَّان حيران مولاي ما حلَّ في قلبي سواك ولا ... أحاله عنك لا ثان ولا ثاني أبيت منك بأحشاء مولَّهةٍ ... ظمأى وطرفٍ بفيض الدَّمع ريَّان حاشاك تسمع من قول الوشاة وما ... قد زخرفوا فيَّ من زور وبهتان / 174 أ/ إنِّي لما كان مِّني سالفًا سفهًا ... لقارعٌ طول دهري سنَّ ندمان ما أقبح الهجر من بعد الوصال وما ... أحلى وأحسن وصلًا بعد هجران وقال أيضًا [من السريع] هذا النَّقا والزِّند والبان ... يا هاتف الأيك متى بانوا دعني أفيض الدَّمع من شانه ... لي في البكاء مثله شان يا منزل اللَّهو ومغنى الهوى ... سقاك هامي المزن هتَّان أين شبابٌ فيك قضَّيته ... وأين عيشٌ مرَّ فينان؟ أصبحت يا دار كأن لم يكن ... لي فيك أوطارٌ وأوطان إذا أنت للغيد الظِّبا وجرةٌ ... وللأسود الغلب خفَّان يا وحشة الدَّار بعيني إذا ... فارقها أهلٌ وسكَّان يا دهرنا الماضي هل عودةٌ ... ترجع أحبابي كما كانوا وفاتر الألحاظ قلبي إلى ... رضابه البارد ظمآن في فيه لي وردٌ وراحٌ وفي ... خدَّيه لي وردٌ وريحان الأقحوان الغضُّ ثغرٌ له ... والنَّرجس الذَّابل أجفان أغيد قاس ساخطٌ لا ترى ... لي رحمة منه ورضوان / 174 ب/ أحور أحوى ساحرٌ ساخرٌ ... هجيره هجرٌ وهجران يجني وأغضي خوف إعراضه ... عنِّي وأرضى وهو غضبان

بيض الظُّبى من سود أجفانه ... تشهر والأجفان أجفان كم قلت لمَّا مرَّ يختال بي ... تيهًا كما يختال نشوان يا غصن حسنٍ مونقًا مورقًا ... كلُّ زمان منك نيسان من ثغرك النَّور ومن صدغك الآس ومن أعطافك البان في خدِّك التُّفَّاح عضّا لمن ... يجني وفي صدرك رمَّان الغصن في البستان عهدي به ... وأنت غصنٌ فيه بستان مولاي كم هذا الجفا والقلى ... أما لذنبي منك غفران لا تستمع قول وشاةٍ سعوا ... فقولهم زورٌ وبهتان هب أنَّني كنت مسيئًا أما ... عندك يا ذا الحسن إحسان وقال أيضًا [من الوافر] وريميِّ اللِّحاظ رأى غرابًا ... فأوتر قوسه ورمى بسهم فخلت البدر أرسل عن هلالٍ ... إلى اللَّيل البهيم شهاب رجم وقال أيضًا: [من المديد] / 175 أ/ حظُّ طرفي الدَّمع والسَّهر ... وفؤادي الهمُّ والفكر [في هوى] ريمٍ رميت به ... ما لقلبي عنه مصطبر من بني الأتراك حاجبه ... قوسه والأسهم الحور قمرٌ في الأرض تحسده ... في السَّماء الشمس والقمر كعبةٌ للحسن وجنته ... وبها من خالها الحجر إن سخا دهري بقبلته ... كلُّ ذنبٍ منه مغتفر وقال أيضًا: [من المنسرح] يا ملبس جسمي السَّقاما ... يا سالب مقلتي المناما ما أسعد في هواك صبّا ... من ريقك ينقع الأواما في الصُّبح يقبِّل الثَّنايا ... في اللَّيل يعانق القواما

ما أعشق في الملاح إلَّا ... من أسهر مقلتي ناما ما حسن وجنتيه وردًا ... ما أطيب ريقه مداما ما أرشق قدَّه قناةً ... ما أفتك لحظه حساما لا يرحم عاشقًا كئيبًا ... لا يحفظ في الهوى ذماما إن سرَّاك بالوصال يومًا ... قد ساءك بالصدود عاما / 175 ب/ من لامك في هواه جهلًا ... بالحبِّ فقل له سلاما وقال أيضًا: [من الكامل] سقيًا لوادي النَّيربين بجلِّقٍ ... لله ما أبهى رباه وأحسنا فاضت مياه عيونه وتسلسلت ... في ظلِّ بانات تروق الإعينا فكأنَّما نزلت ثراه كتيبةٌ ... ألقت سوابغها وركَّزت القنا وقال أيضًا: [من الكامل] عجبًا لمن يخشى العقا ... ب ولا يكفُّ عن المعاصي ولمن غدا يرجو الثَّوا ... ب وليس يعجل للخلاص فاحتل لنفسك في نجاتك ... يوم يؤخذ بالنَّواصي [670] محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الملك بن عليِّ بن محمَّد بن عليِّ بن العباس بن محاسن بن عليٍّ، أبو حامد بن أبي جعفرٍ الهاشميُّ الحلبيُّ. سمع بحلب الخطيب أبا طاهر هاشم بن أحمد بن عبد الواحد الأسدي، وابن المهنا؛ ومات بحلب في إحدى الجماديين من سنة ثماني عشرة وستمائة. / 176 أ/ أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم بن أبي الحسن العقيلي- أسبغ الله ظلاله- قال: أنشدني الشريف أبو حامد لنفسه؛ وكتبها إلى الوزير بن أبي يعلى: [من الخفيف]

حال دون اللِّقاء وحلٌ وبرد ... وسحابٌ يروح طورًا ويغدو وظلامٌ كأنَّه وجه نصرٍ وسجاياه حين يطلب رفد فاعذر العبد إن تأخَّر أو ... قصَّر يا من إحسانه لا يحد وابق في نعمةٍ تدوم على الدَّهـ ... ـر إلى أن يرى لمجدك ندُّ فكتب إليه ابن أبي يعلى: [من الخفيف] أيُّها السَّيِّد الشَّريف الفرد ... قد تغشَّى القلوب بعدك وجد إن يكن حاجز اللِّقاء البرد ... فوصال الأرواح ما لا يصدُّ غير أنَّ الحواس تطلب حظّاً ... من سجايا خلالها لا تحدُّ فابق للفضل قدوةً وإمامًا ... ما تعالى لأهل بيتك مجد وأنشدني القاضي الإمام السعيد الأجل بهاء الدين أبو محمد الحسن- أدام الله ظلاله- قال: أنشدني الشريف أبو حامد محمد بن عبد الله/ 176 ب/ بن محمد الهاشمي الحلبي لنفسه؛ يتشوق ريحا وجبل بني عليم، وكان كثير الاهتمام بها، والتردد عليه، وهو موضع بغربي محروسة حلب سنة ثلاث عشرة وستمائة في جمادى الأولى: [من المنسرح] قد زدت شوقًا وزدت تبريحا ... إلى ظلال الكروم من ريحا فهل ترى يسمح الزَّمان بأن ... أزور تلك الأماكن الفيحا وهل تراني يومًا بأرض .... .... بين الأشجار مطروحا قد أصبح القلب من تذكُّرها ... مكتئبًا والفؤاد مجروحا واهًا لدهرٍ عاشرت فيه بها ... عصابةً سادةً مساميحا أيَّام كان الزَّمان يترك لي ... بابًا إلى ما أريد مفتوحا دهرٌ قضيناه بالسُّرور فقد ... مرَّ وأبقى لنا تباريحا يكاد طيب النَّسيم فيها إذا ... ما هبَّ يهدي للميِّت الرُّوحا يا راكبًا يقطع الفلاة على ... حروفٍ أمونٍ تسابق الرِّيحا بلِّغ سلامي إلى معرَّة ما ... رين سقاها الغمام مسفوحا واطلب إذا جئت منطقًا و .... ... زان فؤادًا هناك مجروحا

/ 177 أ/ محمَّد بن القاسم بن هبة الله بن القاسم بن عليِّ بن محمَّد بن الحريريِّ، أبو عبد الله بن أبي محمدٍ الطبيب الحكيم. من أهل دنيسر، كان والده ممن يشار إليه في زمانه في علم الطب والمداواة، وله الإصابة في الإنذار في غالب أوقاته. وابنه هذا قرأ على المهذب أبي الحسن علي بن أحمد بن هبل البغدادي الخلاطيِّ بالموصل، شيئًا من كتابه ((المختار))؛ ورحل إلى بغداد، فظهر له بها القبول عند الناس وعالج بها خلقًا كثيرًا بالأدوية، وبعمل اليد؛ ثم رحل منها إلى بلاد العجم. قال صاحب كتاب ((حيلة السريين من خوّاص الدنيسريين)): أنفذ كتابه إلينا من نيسابور، بأنه يقرأ على الإمام فخر الدين أبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الرَّازي المعروف بابن الخطيب. وله خطّ مليح، كتب على الأمير أمين الدين أبي الدُّرِّ ياقوت الموصلي زمن اشتغاله بالطب على ابن هبل، وتقدّم بعلمه عند الملوك والسلاطين، ورغبوا في استخدامه لاسيما في دولة الملك الأشرف؛ فإنه حظي لديه، وصنّف له كتابًا/ 177 ب/ سمّاه ((الروضة)) على وضع ((كليلة ودمنة))، وكتاب ((البلغة)). ومع ذلك له مشاركة قويّة في الفنون الأدبية، وقرض الشعر، وله خاطر سريع في

ارتجاله، ويد طولى في صناعته. أنشدني الشيخ الحافظ صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد البكري بدمشق، بمنزله المحروس في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو عبد الله محمد ابن السيزري لنفسه بسنجار في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة؛ وأنشدها السلطان الملك الأشرف شاه أرمن- رحمه الله تعالى- ونظم ذلك بديهة: [من الكامل] يا أيُّهأ الملك الَّذي بعلومه ... أصبحت بين يديه كالمتعلِّم أبدعت فيما قلت حتَّى لم يقل ... أحدٌ بأنَّ الفضل للمتقدِّم وقال أيضًا: [من الكامل] أهدي لمولانا دعاءً صالحًا ... يدعو به في الصُّبح بعد صلاته وسوى الدُّعاء فلست أملك غير ما ... أحويه من صدقاته وصلاته [672] محمَّد بن عليِّ بن زيد بن محمَّد/ 178 أ/ بن محمَّد بن زيد بن أحمد بن محمَّد بن محمَّد بن عبيد الله، أبو البركات بن أبي الحسن العلويُّ الحسينيُّ الموصليُّ. من أبناء النقباء الأشراف بالموصل. وكانت ولادته في شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة؛ وتوفي في إحدى الجماديين سنة إحدى عشرة وستمائة بالموصل، ودفن قبليها في تربة لهم بمشهد الرأس. أنشدني أبو الحسين القاسم بن أحمد بن زيد العلوي الحسيني؛ قال: أنشدني ابن عمِّي أبو البركات لنفسه؛ وكان أبو البركات يسمِّيه أتابك نور الدين أبو الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر- صاحب الموصل- المنائري. وذلك أنه كان يسأله عمّا يحصل في يده من ذهب، فيقول أبو البركات: صارت منارة، ثم يسأله مرّة أخرى، فيقول: صارت منارتان، صارت ثلاث منائر، يكنّى بذلك عن

المائة الدينار، وكان يداعبه بهذا القول، وينبسط معه، وكان نديمه وجليسه: [من الكامل] مولاي لم يخطر فديتك ... غير ذكرك لي بخاطر إن كنت يا خير الأنا ... م نسيتني فالعبد ذاكر أوليتني منك النَّدى ... والحرُّ للإحسان شاكر / 178 ب/ لا تستمع قول الأحينف ... فهو معتل معتلُّ الضَّمائر الصِّدق شيءٌ عنده ... في الدَّهر من طرف النَّوادر يقفو بذاك خلال وا ... لده أبي الفتح المخامر إن كنت تسمع قوله ... فاقر السَّلام على المنائر [673] محمَّد بن إسماعيل بن محمود، أبو عبد الله الدمشقيُّ الأصل، المصريُّ المنشأ، المعروف بالصفيِّ الأسود الكاتب. حدَّثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد الحنفي- أيده الله تعالى- من لطفه، قال: كان أبو عبد الله الأسود كاتبًا مجيدًا، حسن الإنشاء، مليح الخط، جيد النظم، كثير التواضع، طيب المفاكهة، خيرًا فاضلًا. اشتغل في صدر عمر بالفقه، وحصل منه طرفًا صالحًا، وكذلك علم العربية؛ ثم برع في الإنشاء، وكتب للملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب- رحمه الله تعالى- ثم اتصل بخدمة ولده الملك الأشرف موسى، وصار كاتب أسراره، ورأس كتّاب الإنشاء، وحظي عنده/ 179 أ/ وتقوَّى عليه.

قدم حلب في صدر عمره، وأقام بها مدّة، وكتب بها لسلطانها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب- رحمه الله تعالى- ثم انفصل عنها وخدم للملك العادل سيف الدين أبي بكر، وعاد إليها مع الملك الأشرف. واجتمعت به بها، ثم اجتمعت به برأس عين الخابور، وكتب منها بها شيئًا من نظمه، وقرأت عليه بحرَّان جزءاً يرويه عن والده، من جمع الأقليشي رواية والده عنه. وسألته عن مولده، فقال: ولدت في ذي القعدة سنة ستين وخمسمائة، وتوفي بالرّقة في تاسع عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ودفن بها بباب مشهد أمير المؤمنين علي- عليه السلام- وبني له تربة على قبره. ثم قال: ومما أنشدني لنفسه في الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل عند مقدمه من الحج، ويذكر فيها توديعه عند سفره إليه: [من الكامل] ما بال قلبك للنوى لا يخفق ... أتراك كنت بحبِّهم تتلمَّق إن أتهم الأحباب لست بمتهمٍ ... معهم ولست بمعرقٍ إن أعرقوا ما أقطعوك سوى القطيعة عندما ... جمعوا همومك في الحشا وتفرَّقوا / 179 ب/ ولئن كتمت هواهم وسترته ... فبكلِّ جارحة لسانٌ ينطق ولقد جننت بهم فقيَّدك الهوى ... وعن السُّلوِّ عليك بابٌ مغلق فلذاك دمعك في الخدود مسلسلٌ ... وأسير قلبك بالصَّبابة موثق جدَّ الحداة بهم ولو علموا بما ... لاقيته لتعطَّفوا وترفَّقوا حطموا بقصدهم الحطيم مخلَّفًا ... وبدمعةٍ تلك المشاهد خلَّقوا وأظنُّ قلبك من جمارهم الَّتي ... كانوا بها عند المحصَّب حلقوا لو كنت شاهدنا عشيَّة ودَّعوا ... وقلوبنا بيد المطيِّ تشقَّق وعيوننا عين تجود بعبرةٍ ... ممزوجةٍ بدمٍ وأخرى تخفق لحسدت من أنف التَّعبُّد للهوى ... وعلمت أنَّ الحر من لا يعشق

خلق اللَّيالي ما علمت فإن أتت ... بخلافه فتطبُّعٌ وتخلُّق ولأشكرنَّ صروفها إن أنعمت ... وتضمَّنتنا بعد بين جلِّق هي جنَّة الدنُّنيا فماءٌ سلسلٌ ... ونسيم أسحارٍ وغصنٌ مورق وشباب حسنٍ لا يشيب ومنظرٌ ... بهجٌ عليه من النضارة رونق ولكفِّ أنواء الرَّبيع تمهُّرٌ ... في نسج حلَّة حسنها وتأنُّق ولرُّبما من معجزات سميِّه ... إحياء ميت أو نوالٍ يخلق / 180 أ/ ملكٌ رقى في المجد أرفع ذروةٍ ... من تحتها الشَّمس المنيرة تشرق وتجاوز الأفلاك يطلب غايةً ... ما فوقها المؤمِّل متسلَّق الفاعل الفعلات عن أمثالها ... عمر الزَّمان ومن حواه ضيِّق لم ترض همَّته تجوُّز واصفٍ ... فسمت إلى ما لم ينله الأسبق ورمى العلوم بفيصلٍ من فهمه ... يعنو لفتكته السِّنان الأزرق فأحاط منها بالدَّقيق عن النُّهى ... فهمًا وبالمعنى لمن يتحذَّق سبَّاق غايات لكلِّ فضليةٍ ... عنق الزَّمان بحليها متطوِّق أسدٌ يهاب الأسد شدَّة بأسه ... أبدًا وتحذر من سطاه وتفرق كم للملوك ببابه من سجدةٍ ... شكرًا لأنعمه الَّتي لا تخلق تلقاه خاشعة العيون تكاد من ... عظم المهابة والجلالة تصعق لذخائر الآمال فيه تجمُّعٌ ... وذخائر الأموال منه تفرَّق في حربه صار القنا متدقِّقٌ ... في سلمه صوب الحيا متدفِّق لله منه مجاهدٌ متهجِّدٌ ... متوزِّع متواضعٌ متصدِّق ساع إلى البلد الحرام مؤدِّيًا ... فرضًا تخبُّ به إليه الأنيق يجرين في بحر السَّراب سفائنًا ... طورًا تطوف به وطورًا تغرق / 180 ب/ خطَّت على وجه التُّراب نسوعها ... مدحًا له وبكلِّ أرض مخرق متجرِّدٌ في حلَّيتي إحرامه ... كالبدر لاحقه سحابٌ مغدق إنِّي لأعجب كيف حرَّم طيبه ... إحرامه وثناه مسك يعبق ولكنه محجوجة من كعبه ... رمز العفاة بها تطوف وتحدق ما زارها إلَّا وعند حطيمها ... ومقامها شوقٌ إليه تعلُّق

ولو استطاعت أو درت لمسيره ... كانت زيارتها إلهي تسبق مولاء خذها حرَّةً عربيَّةً ... يعشي النَّواظر نورها المتألِّق جرَّت جريرًا والفرزدق خلفها ... وعلت على أرق ومثلي يأرق ما سقتها إلَّا لسوق فضائل ... في مثلها درر المعاني تنفق فاخلد وسيفك فالقٌ هام العدا ... أبدًا وصيتك في المسامع فيلق لا الدَّهر يقعد عن مرادك في الورى ... يومًا ولا لأسير حبِّك مطلق وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في السلطان الملك الأشرف- أعّز الله نصره- يعارض بها قصيدة ابن النبيه التي أوَّلها: [من الرجز] (يا طيف يا أكرم ضيف قد طرق) ... ......................... / 181 أ/ ما طبعوا سيوفهم من الحدق ... إلَّا لأنَّها أحدُّ وأدق فواتر بواترٌ ما رمقت ... قطُّ فأبقت للمحبِّين رمق كم أودعت يوم الغرام لوعةً ... لهيبها لو لمس الماء احترق ترى هم رقُّوا لما لقيته ... بعدهم من الفراق والفرق يكذِّبون ما ادَّعيت من هوىً ... وشاهد الحال لدعواي صدق أنفقت عمري في انتظار وصلهم ... فضاع ما أنفقته ما اتَّفق وابأبي من جمعت وجنته ... ماءً ونارًا وصباحًا وغسق كأنَّما في قسمات وجهه ... بين مسائين ابتسامات فلق ريمٌ له قلوبنا مراتعٌ ... غصنٌ له ملابس الحسن ورق ذو هيف كيف أطاق خصره ... حمل الَّذي رصِّع فيه من حدق أسهرني ونام ملء جفنه ... موسَّدًا من الفؤاد ما خفق

قد فتحت لي فيه أبواب عنًا ... لأيِّها شاء الغرام بي طرق ألَّف ما بين اللَّهيب والحشا ... فليته بين الجفون ما فرق صاحب ديوان الغرام خاله ... له على النَّاس بقايا وعلق مذ سلِّمت خزائن الحسن له ... فكَّ جميع ما عليها من غلق / 180 ب/ وحازها فلم يجد أحسن من ... صفات مولانا فخان وسرق مظفَّر الدِّين المليك الأشرف الكريم حقًا وسواه مختلق اللاَّبس المجد جديدًا والورى ... عليهم منه الفتيق والخلق مسني العطايا والزَّمان باخلٌ ... مردي الأعا والمنيَّات حزق حمَّ السَّحاب خجلًا من جوده ... فرعده الرِّعدة والغيث العرق جرى به الفضل إلى نهاية ... سابق فيها العالمين فسبق كالغيث في أيِّ مكان حلَّه ... يرجى ويخشى منه ريٌّ وغرق ساحرةٌ ألفاظه وإنَّما ... معجزه إبطال سحرٍ غير حق لو صافح الصَّخر الأصمَّ كفُّه ... لانبجس الصَّخر بماءٍ ودفق يكاد أن يدرك من ذكائه ... ما في الضَّمير واللِّسان ما نطق لو أنَّ أملاك السَّماء كلِّفوا ... إحصاء ما تبذل كفَّاه لشق أيَّ أسير لم يفكَّ جوده ... من أسره وأيَّ حرٍّ ما رزق من درَّةٍ مكنونةٍ صوَّره ... خالقه والنَّاس بعد من علق فليهنه العيد وألفٌ مثله ... في نعمٍ واردةٍ على نسق يا مدحتي خذي أمانًا كل من ... (يا لطيف يا أكرم ضيف قد طرق) / 182 أ/ واعتذري إلى مجيدٍ شاعرٍ ... رهن القوافي في يديه قد غلق وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الرمل] أقداحٌ في جفونٍ أم قدح ... أسكر السَّاقي بها لمَّا جرح

بأبي من وجه لي روضةٌ ... أنبت الحسن بها كلَّ الملح نصبت عيناه قلبي شركًا ... صادتا طرفي به لمَّا لمح سلَّم الحسن إليه فانتقى ... منه ما اختار فؤادي واقترح زارني واللَّيل ..... فلو ... لم يلح برق الثَّنايا ما افتضح أيُّ بدرٍ لاح من أفق قبًا ... وغزالٍ غير وحشينٍّ سنح سمت منه قلبةً في فمه ... كان في النَّوم بها الطَّيف سمح وتعمَّدت يمينًا برَّةً ... أنَّ أسرار هواه لم تبح فأدار اللَّحظ عنِّي معرضًا ... قاتل الله فؤادي ما ألح! كلَّما استعطفته أنشدني: ... (صلح النَّاس وهذا ما صلح) قال: وأنشدني لنفسه صدر كتاب: [من الطويل] وأحسن ما في جود كفِّك أنَّه ... أتاني ولم أشعر بأنَّك فاعله / 182 ب/ فقلت له من أين جئت؟ فقال لي: ... أتيتك ممن يخجل السُّحب نائله من المبتدي بالمكرمات عبيده ... ولم يسع عافيه ولم يشق سائله وقال؛ وكتب إليه تاج الدين بن الكعكي صاحب ديوان الجيش يطلب منه ورقًا: [من الرجز] يا من نداه قد فهق ... فوجوده مثل الوهق أمنن عليَّ بالورق ... فكما مننت بالورق أفنت بالفضل أحق فأجابه مرتجلًا: [من الرجز] يا من إلى الفضل سبق ... بشكرك الدَّهر نطق من درًّة خلقت والنَّاس جميعًا من علق أنت بما وصفته ... من سائر النَّاس أحق قد سيَّر الخادم ما ... أمكنه من الورق

ولو أطاق كسر [هـ] الـ ... ـرَّاء ولكن ما اتفق وقال: وكتب إليه النجيب التاجي: [من الوافر] / 183 أ/ أيا مولى يشرِّف كلَّ وقت ... بإنعامٍ يقرُّ له الكرام أتتني منك ألفاظٌ فصاحٌ ... يتابعهنَّ أشعارٌ جسام تجرُّ جرير ما يحويه فضلًا ... ومثل بديع فضلك لا يرام فأجابه: [من الوافر] فديتك لا عدمتك من خليل ... تباكرني أياديه الجسام يوافيني قريضك كلَّ يومٍ ... وما ألفاته إلاَّ السِّهام قريضٌ ملء أبحره لهيبٌ ... قوافيه الصَّواعق والسَّلام وأنشدني القاضي أبو القاسم، قال: أنشدني أبو عبد الله الأسود لنفسه: فديته ليس عليه جناح ... وإن تعدَّى طور كلِّ الملاح دمي له حلٌّ وعرضي لمن ... يلوم أو يعذل فيه مباح أطلعت في شرع الهوى حكمه ... كطاعة السُّحب لأمر الرِّياح مفقَّه الألحاظ لكنَّها ... لم تقر إلاَّ في كتاب الصِّحاح سكران من خمر الصِّبا لم يفق ... وكيف يصحو وجنى فيه راح أودعت أسرار هواه الصَّبا ... فاهتزَّ منها الرُّوض طيبًا وفاح / 183 ب/ هل طال ليلي فيه أم تاه في ... ضلال صدغيه ضياء الصَّباح يا روضةً أجفانها نرجسٌ ... وخدُّها وردٌ وفوها أقاح أوصلت الحسن إلى غايةٍ ... زادت على التَّأميل والاقتراح وقال: وأنشدني لنفسه هذه الأبيات، كتبها إلى ابن عنين الشاعر جوابا عن أبيات سيّرها إليه مع هديّة: [من المجتث] أبيات مولاي عندي ... بديعةٌ لا تحدُّ وكلُّ شعرٍ سواها ... فساقطٌ لا يعدُّ وقد صوت إليها ... فبي غرامٌ ووجد

ورحت أنظم منها ... عقدًا لآليه حمد لمن له حرُّ مدحني ... على الحقيقة عبد أهدى إليَّ وخيرٌ ... من الهديَّة ودُّ مؤكَّدٌ كلَّ يمٍ ... منه إلى الحشر عقد قال: وأنشدني/ 184 أ/ له في كتاب تعزية: [من الوافر] ولو كان البكاء يردُّ ميتًا ... إلى دار الحية من القبور لأجرينا ليرجع من فقدنا ... دموعًا كالبحور على النُّحور قال: وأنشدني لنفسه: [من الوافر] ولو ردَّت إلى ميتٍ حياةً ... دموعٌ تستهلُّ من الجفون صددنا الموت عن من يشتهيه ... بإجراء العيون من العيون وقال: وأنشدني أيضًا قوله: [من الكامل] عنّا بعذلك والزَّمان مواتي ... والخدُّ نقلى والعيون سقاتي والرَّوض قد حمل النَّسيم تحيَّةً ... عن زهرةٍ مسكيَّة النَّفحات ركعت أباريق المدام وصاح حيَّ على الصَّبوح مؤذَّن الصَّلوات وتجاوبت أوتارنا بلغاتها ... فالتفَّت النَّغمات بالنَّغمات فاستجل بكرًا توجِّت بحبابها ... لمَّا عقدت لها على ابن فرات كالشَّمس إلّا أنَّ مشرقها يدي ... ...... ومغربها فمي ولهاتي من نور عيسى حلَّ في ناسوتها ... أو نار موسى صاحب التَّوراة / 184 ب/ شرع السُّجود لها اتِّحاد ثلاثة ... منها ومن ماء ومن كاسات وتجاوزت لطف الهواء فلم تزد ... في الكأس عمَّا لاح في المرآة موجودةٌ معدومةٌ فكأنَّها ... جرى على أدوارها ..... من كف معتدلٍ القوام مهفهفٍ ... خنث الشّمائل شاطر الحركات

فطنٍ يكاد من الذَّكاء يرى الَّذي ... في أنفس النُّدماء من حاجات يهوى فتكتب في الثَّرى أصداغه ... لك نسخةً من جامع اللَّذات في خدِّه وعذاره ورضابه ... كم للهوى واللَّهو من آيات كالماء إلَّا أنَّه متماسك ... وطيء المحبّ به على الجمرات يسقيك من فيه ومن ألحاظه ... سكرين ممزوجين في الوجنات هذي تميت وهذه تحيي فيا لله من موتي به وحياتي [674] محمَّد بن المظفر بن محمَّد بن الحسين بن إسماعيل بن المبارك، أبو عبد الله الموصليُّ المعروف بابن جعرة؛ من أولاد قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريِّ كان والده عدلًا بالخزانة لبني أتابك رأيت أبا عبد الله شابًا طويلًا/ 185 أ/ أشقر مقرون الحاجبين، صوفيًا، وكان ذا تديُّن وصلاح، خيِّرًا تقيًا، وكان مواظبًا على الصلوات الخمس، مداوم الصوم، طلق النفس، لم يقبل من أحدٍ شيئًا، يورّق ويقتات من كسب يده، لم يدخر شيئًا من عرض الدنيا. صار إلى بغداد، وأقام بها مدّة، وتوفي بها بالجانب الغربي، بمارستانها العضدي في ليلة الجمعة الخامسة عشر من شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. وكان يسمّى نفسه عبد الله تواضعًا، وتارة يكتب اسمه المبارك، والاسم الذي سمّاه به والده فهو محمد. أنشدني أبو الحسن علي بن المظفر بن محمد الموصلي، قال: أنشدني أخي أبو عبد الله محمد لنفسه، يمدح شرف الدين أبا البركات المستوفي بإربل: [من مجزوء الرجز] قيل سلا المكلَّف ... وأنكر المعترف

وعاد عن لجاجه ... القلب الحزون المدنف وما دروا أنَّ الهوى ... تعظم فيه الكلف وأنَّ أستار الغرا ... م بالدُّموع تكشف جهَّالة لاموا على ... شمس ضحى لا تكسف / 185 ب/ لمَّا خلت قلوبهم ... من الغرام عنَّفوا وقلَّ ما يوجد في ... شرع الهوى من ينصف يا قمر أوصافه ... كاملةٌ لا توصف في الخدِّ منك وردٌ ... باللَّحظات تقطف ومن سناك طرف من يدنو إليك يطرف أرطب من غصن الأراك ... ك قدُّك المهفهف والرِّيق في فيك ترى ... أم السُّلاف القرقف وثغرك الدُّرُّ على ... صافي العقيق يرصف فحبَّذا كأسٌ به ... من الرَّحيق ترشف يتعب فيك الكاشح الـ ... ـمرتاب والمعنِّف وقائل لي والركا ... ب في الفلاة تعسف أين تريد بالمطيِّ في السُّهوب تجف فقلت حيث يعتلي ... الفخر ويسمو الشَّرف ربع المبارك الَّذي ... على النُّجوم يشرف طود حمى رأسٍ إذا ... خفَّ لخطب أحيف / 186 أ/ لولا التُّقى لقلت في ... علاه جاء المصحف يجود بالطَّبع إذا ... ما فضح التَّكلُّف فكم لنا من جوده ... روضة جودٍ أنف يكره أن تبدو له ... عارفةٌ ويأنف ثبتٌ وقورٌ والجبال ... ل الشَّامخات ترجف لا يخلف الوعد وأنـ ـواء السَّحاب تخلف يأتي بنصِّ الشَّرع والأحكام فيها جنف

مقتبل السَّعد على ... رغم العدا ما تنف فهو وبيت الله من ... روح الوصال ألطف يا أوحد العصر الَّذي ... أوصافه تختلف لين النسيم غبَّه ... نزوة نار تخلف حجَّك مفروضٌ وبالـ ... ـــبيت الحرام أحلف خذها إليك حرَّةً ... لباسها مفوَّف تلطف من ألطافكم ... طباعها وتطرف تظلُّ عن غيركم ... من الأنام تعزف / 186 ب/ كأنَّها أخلاقك الـ ... ـحسنى بها تشرِّف [675] محمَّد بن محمود بن محمَّد بن مقدار بن فارسٍ الحرَّانُّي، أبو عبد الله بن أبي الثناء. كان والده وزير الملك المعظم المظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين بإربل، واستصحبه من حرّان. وأبو عبد الله قدم إربل في خدمة مظفر الدين، ولي المظالم مدَّة طويلة بإربل. حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي بإربل-[رحمه] الله- قال: كان أبو عبد الله عنده قحة، وله هيبة يخافه الناس لهما، وصحبته مدّة، وأخذ عني جملة من النحو، إلّا أنه لم يكن له في ذلك طبع، فلم يحصل منه على شيء ولم أعلم زمن ولايته مع ترددي إليه، أنه يحسن عمل شيء من الشعر؛ فلما عزل وقبض هو ووالده وأقاربه وحاشيته وإخوته كان يكتب في رقاعه أشعارًا غريبة من مثله. وتوفي بإربل ليلة الجمعة ثالث وعشرين شهر ربيع الآخر من سنة اثنتي عشرة وستمائة، ودفن في يومها ظاهر البلد، بالقرب من باب المدينة/ 187 أ/ المعروف بباب عشائر.

وكان لما خرج من الحبس فقيرًا على أشدّ ما يكون من الفقر، واتسعت الحال؛ فكان يجتدي بشعره الأمراء، وأصحاب الولايات والمناصب. وكتب إليّ لنفسه هذه الأبيات: [من الوافر] بأيمن طالع وأجلِّ سعد ... قدمت فحلَّت الأفراح عندي أجرني من لظى سجنٍ وضرٍّ ... يقطِّع بعضه أعلاق كبدي فقد أصبحت حلف ضنًى وسقمٍ ... أكابد لوعتي في اللَّيل وحدي أديم الأرض من تحتي فراشي ... وساعدي الوسادة تحت خدِّي وأنت ذخيرتي يا خير مولًى ... عليه معوَّلي وإليه قصدي فعاملني بعفوك لا بفعلي ... وهب لي زلَّتي بقديم ودِّي وأنقذني بحقِّ إمام صدق ... أباد الكفر في بدر وأحد شرابكم الرحَّيق وسلسبيلٌ ... وشربي الدَّمع ممزوجًا بدردي وقد وافى الشِّتاء وليس عندي ... لردِّ البرد شيءٌ غير جلدي فلا تعدل إلى مطلٍ ووعدٍ ... فأعذب ما يكون البرُّ نقدي وأنشدني الصاحب أبو البركات/ 187 ب/ المبارك بن أحمد المستوفي الإربلي، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن الحراني هذه الأبيات، وكتبها لي بخطه، وطلب مني أن أصلح منها ما فيها من خلل فأصلحته، وعملها في الأمير الكبير شهاب الدين أبي الوفاء قرطايا بن عبد الله المعظمي المظفري، يستعطفه لوالده- رحمهما الله تعالى-: [من الكامل] يا صاح قد صاح الهزار وغرَّدا ... وشدا بألحان فأخرس معبدا والزَّهر مبتسم الثُّغور فأبيضٌ ... يققٌ وأصفر ظلَّ يحكي العسجدا مع أخضر يحكي الزَّبرجد ناصعٍ ... في جنب أحمر قد زها وتورَّدا قد زانه بسواد آخر حالكٍ ... يحكي عذار مقرطقٍ لمَّا بدا هذا وقد وشي الجميع بأزرقٍ ... شبه الأسنَّة لا ترى فيها صدا في روضة فيحاء باكرها الحيا ... طورًا شاميًا وطورًا منجدا ومدامة صفراءٍ تحسب كأسها ... ذهبًا وسمط الدُّر فيه منضَّدا

حضرت مناجاة الكليم وشاهدت ... زمن المسيح وعتِّقت في صرخدا ورأت بني مروان في سلطانهم ... وروت بما فعلوا حديثًا مسندا وهي الَّتي كان الوليد يصونها ... فإذا بدت خرُّوا لديها سجَّدا / 188 أ/ وبمدحها نال ابن هاني رتبةً ... علياء نازعها الأمين محمدا فهناك تستلب العقول جاذرٌ ... مرضى العيون بكلِّ أجيد أغيدا يصر على آساد الرِّجال بأعينٍ ... كظبى شهاب الدِّين في هام العدا القائد الجرد العتاق ومن له ... شهد الأكارم بالسَّماحة والندى ما نازل القرن المناجز في الوغى ... إلَّا وأضحى في يديه مصفَّدا يلقاك مبتسمًا متى وافيته ... بتواضع بعلا [هـ] يعلو الفرقدا أيحلُّ يا مولاي قتلي عامدًا ... بمقال واشٍ قد تجنَّى واعتدى حاشا طباعك أن يشوب صفاءها ... كدرٌ أرى عيشي له متنكِّدا وقال لي: أريد أن تتم عليها شيئًا آخر؛ فعملت وذلك في سنة إحدى وستمائة: [من الكامل] وأجلُّ مثلك وهو يعلم حالتي ... أن لا يمدَّ إلى مراعاتي يدا ما لي رأيتك ملت عنِّي جانبًا ... أغفلتني معه إلى هذا المدى ولقد عهدتك لا تزال تبرُّني ... بندى يديك فما عدا ممَّا بدا عد لي إلى الحسنى الَّتي عوَّدتني ... إنَّ الكريم يهمُّه ما عوَّدا ودع الوضاة وما أتوه فإنَّه ... إفكٌ وخلِّ لحاسدٍ أن يحسدا / 188 ب/ أنا ذلك العبد الَّذي أنقذته ... ممَّا يخاف وقد أطلَّ على الرَّدى كم منَّة لك عنده مشكورةٍ ... أمسى بزاكي طولها متقلِّدا لو همَّ لا عمدًا ليجحد فضلها ... لأبى عليه مكانها أن يجحدا

[676] محمَّد بن عيسى بن عليِّ بن مطر بن محمَّد بن هياجٍ، أبو عبد الله الموصليُّ. حدثني الصاحب أبو البركات المبارك بن أحمد الإربلي؛ قال: ورد أبو عبد الله الموصلي إربل تاجرًا، في سنة إحدى عشرة وستمائة، وذكر إنَّ هياجًا جدّه الأعلى كان من جملة نواب شرف الدولة قرواش وزيرًا. عنده معرفة بشيء من النحو واللغة، وذكر أنَّه قرأ شيئًا من الطبّ على أبي الحسن علي بن أحمد بن هبل الحكيم. وأنشدني لنفسه: [من الطويل] إذا قيل هل في ثغر دمياط من يؤمل أو جار الرئاسة والكرم أجابك جواب البلاد بأنَّ من ... فواضله عمَّت على العرب والعجم [677] محمَّد بن أبي الحسن بن مازل/ 189 أ/ بن حمادٍ، أبو عبد الله، الإربليُّ المولد والمنشأ. جدُّه منازل أصله من أسعرد. قرأ شيئًا من علم العربية على أبي عبد الله محمد بن أبي الوفاء النحوي المعروف بابن القبيصي، واشتغل بالفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة- رضي الله عنه-. من بيت العدالة والتجارة بإربل إلاَّ أنه قد قلّ ما بأيديهم فتضعضوا. خرج أبو عبد الله من إربل ممتدحًا مكتسّبًا؛ وتوفي بالموصل في سادس عشر جمادى الأولى سنة ست عشرة وستمائة. أنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي، قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه: [من مخلّع البسيط] ظبيٌ من الحسن في شعار ... قد عزَّ في حبِّه اصطباري

قد زانه الله بالعذار ... خلعت في حبِّه عذاري قد جمع الحسن بين ماء في ... وجنتيه وبين نار والخال في خدِّه ينادي ... حذار من ناره حذار وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] يا ليلةً قضَّيتها مع شادن ... كالغصن عند تمايلٍ وتلفُّت / 189 ب/ ما زلت أسقيه وأشرب كأسه ... مملوءةً برضابه قد شجَّت لمَّا انثنى سكران يخفض صوته ... ويداي منه تحلُّ عقد التِّكة نبَّهته سحرًا وقلت له اصطبح ... فلقد ظفرت بمنيتي يا منيتي وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: [من البسيط] وأهيف في رداء الحسن والخفر ... يزري على النَّيَّربين الشَّمس والقمر بدا فأبدى لنا من نور غرَّته ... بدرًا أحاط به ليلٌ من الشَّعر له من الصَّخر قلبٌ حلَّ في جسد ... تكاد تشربه عيناي بالنَّظر لم أنسه زارني عمدًا بلا عدةً ... وعمر ليلتنا في غاية القصر تجري علينا كؤوسًا خلتها شهبًا ... تردي فوارس خيل الهَّمِّ والفكر [678] محمَّد بن المفضل بن الحسن بن مرهوبٍ، أبو عبد الله الحمويُّ، المعروف بابن الإمام. من أهل حماة. حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد الحنفي العقيلي- أيده الله تعالى- قال: محمد بن الـ[ـم]ـفضل الحموي رجل فاضل فقيه/ 190 أ/ بارع، حسن النظم والنثر، قادر على ذلك. أقام عندنا بحلب سنين، ثم خرج إلى بلده حماة، وانتقل إلى حمص، فأقام بها، في خدمة الملك المجاهد زعيمها، يسيَّره رسولًا عنه إلى جهات مثل حلب ودمشق

وغيرها؛ وكان حسن الأخلاق، ظريفًا، طيب المفاكهة. أنشدني لنفسه: [من البسيط] يا أيُّها المتنائي عن أحبَّته ... بعد اقتراب متى يدون بك الوطن أهل تعشَّقت دارًا غير دارهم ... وجيزةً وهم دون الورى السَّكن بمن تعوَّضت عنهم حين لا بدلٌ ... وهم على الحالتين الرُّوح والبدن خف وقفة العتب منهم حيث يخرس عن ... ردِّ الجواب الفصيح المدره اللَّسن يا جيرةً كان في الأحشاء منزلهم ... والقلب مسكنهم والعين والأذن يا راحة القلب أنتم منتهى أملي ... فإن عطفتم فلا حزنٌ ولا حزن أنتم مرادي من الدُّنيا ولذَّتها ... وأنتم لجفوني في الكرى الوسن لا أوحش الله منكم حيثما اتَّجهت ... ركابكم إن أقام الركب أو ظعنوا وأنشدني أيضًا؛ قال أنشدني أبو عبد الله محمد بن المفضل الحموي لنفسه: [من البسيط] / 190 ب/ ولي إليك اشتياقٌ زاد لاعجه ... وجدًا ونارًا على الأحشاء يضطرم وأرتجي القرب من رؤياك يا أملي ... عسى يعود زمانٌ كلُّه نعم وكلَّما مرَّ وقت قلت مجتهدًا ... لا أوحش الله منكم من يحبُّكم [679] محمَّد بن يوسف بن عليِّ بن عبيد الله الشَّيبانيُّ. من أهل البوازيج. كان أبوه رجلًا قصابًا. وكان أبو عبد الله؛ من صغره يميل إلى الأدب ويعاني الكتابة، ويتولّع بذينك الفنّين. ثم هاجر من وطنه، ودخل ديار بكر، واستقرّ مقامه بآمد، واتصل بخدمة الوزير ضياء الدين أبي القاسم أحمد بن شيخ السلاميّة، وصار يكتب بين يديه؛ فلمّا هاجر الوزير إلى الموصل، استكتبه الملك الصالح أبو الفتح محمود بن محمد بن داود بن

سلمان- صاحبها- في ديوان الإنشاء؛ ثم كتب بعده لولده الملك المسعود أبي المظفر مودود. وكانت ولادته في حدود سنة سبعين وخسمائة، وعلقت من شعره بخط يده؛ قوله: [من الخفيف] / 191 أ/ كم يريني اعتدالك الإعداءا ... وانثناء القوام منك انثناءا يا أخا السَّمهريَّ لونًا ولينًا ... وسنًى عند هزِّه وسناءا أيَّ سحرٍ موَّهت في المقلة الخو ... صاء حتَّى أرسلتها نجلاءا ما غزت في كتيبة الحسن حتَّى ... عقدت من ذؤابتيك لواءا أنزلت وحيها على مرسلي صد ... غيك في كلِّ فترة أجزاءا وأتت حجَّة التَّأوُّل فيه ... بدليلٍ فأصبحت أهواءا بأبي نضرة النَّعيم بخدَّيـ ... ـك الَّتي لا تبيح إلَّا الشَّقاءا يا لها جمرةً طغت فوق ما ... أمنت في التجرح الإنطفاءا إنَّ عينًا جادت عليَّ وكانت ... في ليالي الصُّدود تبكي دماءا لا تلمها إن أهدت الدُّر البيـ ... ـضا وكانت ياقوتةً حمراءا صعَّدتها نار الصَّبابة لمَّا ... طلبت من وصالك الكيمياءا يا غزال الأتراك راحوا أسودًا ... في سروجٍ وفي مروجٍ ظباءا كيف أرسلت فوق كافورة الصُّبـ ... ـح من المسك ليلةً ليلاءا وأمرت .... السُّود أن تطـ ... ـبع بيضًا سقَّيتهن الضِّياءا ما اعتقدت الحلول يا بدر في مثـ ... ـلك حقّا حتَّى حللت القباءا / 191 ب/ لا تعدلي .... في الخضـ ... ـراء إذ كنت بانةً غنَّاءا واختصر لي منك السِّناد إلى ... الهجر فقد أصبح الهوى إيطاءا حبَّذا الدَّوح في رياضك أعوا ... دًا وقينات ورقه خطباءا والرُّبى لا تريك في حلل السُّنـ ... ـدس إلاَّ ديباجةً رقشاءا يوم تثني لحاظك الخمر سكرى ... فترينا المدامتين سواءا

وجلا شمسها الهلال فقلنا ... في الثُّريَّا حلَّ الصَّباح مساءا ومنها في المدح: الحليم الأوَّاه والقانت الأوَّاب يهمي حيًا ويغضي حياءا نبوي تنجاب عن نوره الحجـ ... ـب فتخفي شمس الضُّحى الآلاءا أمناء الوحي الهداة المياميـ ... ـن الشُّخوص الَّتي خلقن ضياءا هاشميُّ الأعطاَّف إن صال أوصا ... ب أراك الأنوار والأنواءا طود حلم رسا فألقى عليه ... الله من جدِّه النَّبيِّ رداءا فانتهز فرصة السُّكوت فقد أنـ ... ـطق ياسين فيه والشُّعراءا واحترز أن يضوع فكرك في معنـ ... ـى المثاني تملي عليك الثَّناءا يمتطي كاهل التأني فإن ... سدَّد سهمًا للنصر سدَّ الفضاءا / 192 أ/ أرسلت فكرتي إليه المعاني ... كلَّ معنى يجاوز الجوزاءا كلَّما استرفعت حجابًا من القد ... رة نادى بها الجلال وراءا حلَّ فيه السِّرُّ الإلهيُّ فانظر ... تره في جبينه سيمياءا من يكن علمه مثل علمي ... لا يرى أن يقلِّد العلماءا وله: [من المديد] حبَّذا الطَّيف الَّذي سنحا ... فرآني مثله شبحا رام أن يخفى فنمَّ به ... رائد الطِّيب الَّذي نفحا زورةٌ كانت لمرسله ... مرهم القلب الَّذي جرحا يا أصيحابي مغالطةً ... نزح الدَّمع الَّذي نزحا إعذروني إن بكيت دمًا ... الكرى في ناظري ذبحا واقفًا بالربع أندبه ... ما على العذَّال صدحا آه واشوقا إلى ملحٍ ... منه أمست في الهوى لمحا وبنان البدر حامله ... في ثريَّا الكأس شمس ضحى وليال بات من كرمٍ ... سيِّدي في الخصر متشَّحا كلَّما عنَّت مناطقه ... زادني في كفِّه قدحا / 192 ب/ شمت برقًا من مقبَّله ... فأراني خدُّه قزحا

أسكرتني بابليَّته ... يوم حيَّاني بها وصحا سلَّمت راحي لريقته ... حجَّة التفضيل واصطلحا وثنايا الليل ما ابتسمت ... وخليج الطَّبع ما طفحا حار فيه النَّجم حين رأى ... أدهم الظَّلماء قد جمحا وله في صفة نهر: [من الكامل] ومبر ينحو الصَّدى باكرته ... والجوُّ روضٌ والهلال نديم سلساله متدفِّقٌ من كوثر ... في جنَّةٍ ورحيقه مختوم صقلته وانية النَّسيم فماؤه ... الفضيُّ في ذهب العقار نسيم ينساب أرقمه فتحسب متنه ... نصلًا يريك البرق وهو هزم نازعت قمريَّ التَّرنُّم كأسها ... وكأنَّه بخلوقها ملطوم وجدي به حيٌّ وسلواني به ... ميتٌ ولكن ناظري قيُّوم حيَّته راقصةً فقبَّل ثغرهأ ... فكأنَّما لثم الغزالة ريم وكأنَّ دهم اللَّيل أول سابق ... منها على حوض الصَّباح يحوم صرفًا كما حكم المزاج فإن يكن ... نارًا تشُّبُّ فإنَّها تنسيم / 193 أ/ ومنها في صفة الراووق: ومهينم ألفاظه لغزيَّةٌ ... يشدو فلا رملٌ ولا مزموم من قاسم بالمعدن التِّبريِّ تظـ ... .ـهره الزُّجاجة إنَّه لحكيم يبكي وما هو باليتيم فلا ترى ... إلَّا ابتسام الدُّرِّ وهو يتيم وله من أبيات: [من الكامل] يوم الفريق سقيت كأس فراق ... فاسق الطُّول سحائب الآماق أنفقت بعدهم التَّجلُّد فأبكهم ... بمدامع تزكو على الإنفاق وأغنَّ وكل بي سقام جفونه ... فضنيت وهو مطالبي بالباقي لمَّا سرقت بناظري من خدِّه ... وردًا حمته صوارم الأحداق قطع الكرى عن ناظريَّ تعمَّدًا ... والقطع حدُّ جناية السُّرَّاق ناديته وهو النَّديم ومطربي ... ومنازعي الصَّهباء وهو السَّارقي

يا بدر لولا أنَّ صدغك مرسلٌ ... ما آمنت بك أمَّة العشَّاق لك آيةٌ من ليلةٍ تدعو إلى ... توحيد وجهك ساعة الإشراق أو ما .... وهي كأنَّها ... دمع الأسى وحشاشة المشتاق ولها من الدُّرِّ الثَّمين قلادةٌ ... صانته بين ترائب وتراقي / 193 ب/ إنِّي إذا ساقي الحميَّا شاقني ... شمَّرت في شربي [الطِّلا] عن ساق سيما إذا اعتلَّ النَّسيم وغنَّت الـ ... ـورقاء خلف ستائر الأوراق لحنًا ترى الإعراب فيه ظاهرًا ... ترويه نصّا عن أبي إسحاق وله: [من المتقارب] ألا عاطنيها فثوب الأصيل ... رقَّ فضمِّح بالزَّعفران إلى أن تجرِّد كفُّ الصَّباح ... على حبشيٍّ الدُّجى هندواني وحتَّى تراه قتيلًا به ... ومن دمه ضرِّج الخافقان وله: [من مجزوء الرمل] ناظر الظَّماء ادعج ... وجبين الصُّبح أبلج أترى صدغك يا تر ... كيُّ بالسَّالف عرَّج كيف أبقى ظلَّه المسـ ... ـكيَّ في الورد البنفسج ورد خدٍّ كلَّما شو ... فه بالعين تضرَّج يا له روضًا متى ما ... صوَّح الرَّوض تارَّج فيه من فيه غديرٌ ... للحميَّا يتموجَّ هكذا من طلب الدُّر من المعدن لجَّج / 194 أ/ ربَّ ليلٍ طرفه الأد ... هم بالظَّلماء مسرج رعته بالكأس ..... ... ..... حتَّى تتبلَّج يا نديمي فاختيِّ الـ ... ـجوّ والرَّوض المدَّبج

فاسقنيها جذوةً ... أبهى من الشَّمس وأبهج وله: [من الكامل] إنِّي إذا قعد الملوك عن العلا ... وطلابها ألفيت مجدي قائما وأبيت يقظان العزائم ساهرًا ... أسعى لها إن بات غيري نائما وأعدُّ بذلي للألوف مغانمًا ... إن عدَّها يومًا سواي مغارما أهب المضمَّرة العتاق صوافنًا ... وأبثُّها يوم الطِّراد صلادما في أيِّ يوم لم أجرِّد صارمًا ... منِّي وأغمد في المفارق صارما كالنار والماء اجتماعًا عالم أزل ... في الحالتين محاربًا ومسالما أتشام غير بروق جودي لا ومن ... أنشا أنامل راحتيَّ غمائما ويلوذ ملهوفٌ بغير صنائعي ... لا والَّذي أنسى بذكري حاتما وله في الملك الأشرف موسى بن الملك العادل: [من السريع] / 194 ب/ علمت أن الجيرة المتهمين ... أمسوا لجفني بالكرى متهمين لا والهوى إنَّ يميني به ... راية صدق رفعتها اليمين ما زال إنساني من دمعه ... يعوم في بحر ويطفو سفين ولؤلؤيُّ الثَّغر صهباؤه ... نشوتها تعزى إلى أندرين وما انتسب اللَّيل إلى رفعه ... حتَّى أعار الصُّبح صبح اليقين وأظهرت آية برهانه ... في سبّه المسك طريق اليقين لولا هدىً آمنني نوره ... لحقت تيهًا في الضَّلال المبين نبيُّ حسنٍ آمنت بالَّذي ... يوحى إليه أمم العاشقين تقول أسباب غرامي به ... كفى بنا يا مدَّعي حاسبين سامرته أسمر لو لم أكن ... بأزرق الكحلاء منه طعين يدير منها جلَّناريَّةً ... يطفو عليها حبب الياسمين ما انتشرت لليل راياته ... واتَّقدت في الكأس إلَّا طوين ولا غزاني الهمُّ إلاَّ ولي ... من نصرها يوم فراري كمين عجوز خدرٍ ما اجتلاها فتى ... إلَّا فتاةً وهي في الغابرين إن أظهر البدر لها كوكبًا ... كانت له الشَّمس من السَّاجدين

/ 195 أ/ كيف التسلِّي إن نهاني النُّهى ... عنها وقد أمست من الآمرين في طاعة العشق لها لم يزل ... قلبي عليها مثل ثوبي رهين لا والَّذي رايات إحسانه ... مستورة العدل على العالمين ملكٌ له آية ملك أتت ... بحجَّة الرَّدِّ على المبطلين برهانها من غير سوء يدٌ ... يخرجها بيضاء للناظرين تقتبس الأعين من نورها ... هدىً لمن جاء من المطلين آيته الكبرى إذا ما طغى ... فرعون دهر يوسفيُّ السِّنين تنبجس الأنواء في كفِّه ... تبرًا على أسباطه المجتدين إن شاقه الهنديُّ يوم الوغى ... كان إلى الرّوح من المسلمين فمن تلا من وحيه آيةً ... رأى المنايا فيه حقَّ اليقين معجزةٌ لو بلغتها العصا ... ما كان موساها من الآمنين من شكَّ في السَّاعة واختار أن ... يظهرها وهو من الموقنين فلينتظر رحمته وليخف ... عقابه فهو القويُّ الأمين شدَّة بأسٍ رحمةٌ بينهما ... مع لذَّة العفو لين يا واهب الدُّنيا على ظنَّة ... بأنَّه فيها الجواد الضَّنين / 195 ب/ لو أنَّ أهل العجل أصحبتهم ... سناك ما زالوا من المهتدين ولو رأى سحرك ملقي العصا ... ما كان للبحر من الضَّاربين نوديت من جانب طور العلا ... إنَّك يا موسى من الظَّاهرين وله: [من الكامل] إن رمت أن تسلو فسل موسى إذا ... وهب الجزيل سجيَّة الإقلال أو كنت تطمع في الخيال فقل له ... يخلي ذراه من بني الآمال أو شئت أن أحنو فقل ليمينه ... تحنو مواهبها على الأموال ملكٌ إذا حاولت قبله كفِّه ... قابلت منها قبلة الإقبال فحديثها في الجود يروى مسندًا ... عن كوثريِّ بنانه السًّلسال

فلسيبه ولسيفه ما ينثني ... أو يقتني من أنعمٍ ومعالي وله في الصفي بن شكر، وزير الملك العادل: [من الكامل] لو هبَّ مسكيُّ النَّسيم عليلا ... لشفى على بعد المزار عليلا فاستنش من نفحاته خبر الحمى ... إن كان يلقى السَّائل المسؤلا علَّ الكحيل الطَّرف يرسل هجعةً ... فيروز طرفًا بالسُّهاد كحيلا / 196 أ/ الملبسي من خصره ونحوله ... ثوبي نحول لم يكن منحولا قمرٌ أرتِّل ذكره فيزيدني ... شعفًا بتذكاري له ترتيلا ألقى عليه الكاشحون برودهم ... قولًا عليَّ من السُّلوِّ ثقيلا أفتيك مقلته متى يجد الشِّفا ... من كان يومًا بالعيون قتيلا وسليم صدغيه سبيلك لا ترى ... يومًا إلى برء الغلام سبيلا يا سمهريَّ القدِّهل من نهلة ... من فيك تأبى أن تبلَّ غليلا هجر الرُّقاد عداة هجرك مقلتي ... هجرًا على مرِّ الزَّمان طويلا إرقد فإنَّ لناظري في دمعه ... سحّا إذا جنَّ الظَّلام طويلا ويلاه من عضبٍ بجفنك جفنه ... أبدًا تراه مغمدًا مسلولا فكأنَّه عزم الوزير استلَّه ... فرآه مشحوذ الغرار صقيلا الصَّاحب الصَّدر الَّذي أضحت له ... في المجد تيجان الملوك ذويلا ملكٌ إذا ماهزَّ عطفًا للندى ... فكأنَّه اغتبق العداة شمولا ألقى عليه الله سمت نبيِّه ... وتعبّد ما لم يكن معقولا فالوحي منه يحوك وشك ثنائه ... لولا القريض لجاءه تنزيلا والدِّين لولا أن صاد صفيِّه ... شرعًا وبدَّل وصفه تبديلا / 196 ب/ وعلاه لمَّا أحكمت آياتها ... بالنَّصِّ حقًا فصِّلت تفصيلا يا سيِّد الوزراء دعوة مخلصٍ ... يتلو ثناءك بكرةً وأصيلا يا من تكفَّل خاطري بمديحه ... حتَّى يكون بما أتاه كفيلا إن كان عن فحوى صفاتك قاصرًا ... فالطّول منك يزيده تطويلا

يا كاشف الغمَّاء إن هي أظلمت ... واستبهمت طرقاتها تأويلا إنَّ الحبى لا تستتبُّ لعاقد ... ما دام يومًا بالحباء نحيلا فاقدح زناد العزم فيَّ بهمَّةً ... تذر القضاء بحدِّها مغلولا فأثيل مجدك لم يزل يبني لمن ... والاك مجدًا لا يزال أثيلا وقفت صفاتك في طريق مدائحي ... فبهتُّ لا وصفًا ولا تمثيلا وعجزت عن إدراكها فانظر أخا ... فضل أقام على القصور دليلا وله من أبيات: [من البسيط] ما دمت أوضح إعجامي بإفصاحي ... طورًا وأشرح إشكالي بإيضاحي لا أشرقت في يد السَّاقي المدير لها ... في حندس اللَّيل إلَّا شهب أقداحي نيران أرواحها بالماء مظلمةٌ ... من الزُّجاجات في أشباه أشباح درُّ الفواقع مسباحي وغرَّتها ... إن أسبلت طرَّة الظَّلماء مصباحي / 197 أ/ فداو دائي بها فهي الدَّواء له ... وأقبل بها توبتي إن رمت إصلاحي واطرد شياطين أحزاني إذا تليت ... بشربها في الدُّجى آيات أفراحي وقل لمن لام فيها لست تاركها ... وكيف أدفع فضل الرَّاح بالرَّاح وما وجدت لحظِّ الهمِّ إن سطرت ... حروفه مثلها في القلب من ماحي يا صاح إن صاح داعيها فلبِّ وقل ... قد ضلَّ من ظلَّ من كاساتها صاحي أطع هواها ودع عصيان ما أمرت ... لعاذل في هوى الصَّهباء ملحاح واقدح زناد مسرَّات القلوب بها ... في نور أقداحها أو نور قدَّاح وله من أبيات، طلبها منه الملك الصالح محمود بن محمد بن أرتق، لمعنى ذلك في نفسه، سقطت من الأصل: [من المتقارب] . الجود له إذ رأيت ... ثمَّ نعيمًا وملكًا كبيرا سقاني من كفِّه الكوثريِّ ... لا لغو فيه شرابًا طهورا فآمنني أن أرى في الزَّمان ... يومًا عبوسًا ولا قمطريرا فرد ظلَّه مستجيرًا تجده ... لا شمس فيه ولا زمهريرا نظرت إليه فأهدى إليَّ ... من بشره نضرةً بل سرورا وزيرٌ معاليه منصوصةٌ ... عليه ولكن أياديه شورى

/ 197 ب/ متى جزم الشَّرط من أمره ... أصاب الصَّواب فأمضى الأمورا يمين الخلافة طلت النُّجوم ... على شأوها فادَّعين القصورا نبوَّة فكرك آياتها ... سطورٌ من الغيث تشفي صدورا بعثت بها فمنحت الشَّكور ... على شكره ومنعت الكفورا فأخبار مبتدات الوغى ... بنصرة رأيك تأتي أخيرا تبارك منزل تأييده ... عليك في الدَّست أرسى ثبيرا ومن سدادك سدُّ الثُّغور ... فأمسى سوارًا عليها وسورا إلى ابن عليّ المهيب الوقور ... فليت الفلاة وهادًا وقورا فلا وخدت بي إليك الرِّكاب ... إذا لم أكن لك عبدًا شكورا ومن منثوره في دعاء الشاعر: ((لا زال وجه البيان منقولًا من تسويده، إلى تبييضه، وخاطره يذبّ عن الممالك بأسياف قريضه، ويخلع على الحمائم أطواقًا من أعاريضه)). وله: ((لا زالت بوارق بشره تبسط الآمال، وفي مرآة خلائقه/ 198 أ/ تتراءى وجوه الإقبال)). ومن كتاب كتبه: ((أعزّ الله سلطان المقام العالي، ولا زالت درج المعالي، مواطئ صعوده، ومواطن سعوده، وجعل خوفه بأسه، ومن عفوه هذا مصدّقًا لوعيده، وهذا محققًا لوعوده، وأمدّ جند كتائبه بكتائب جنوده، ولا برحت حباة الأيام متحدة، محال سجودها مجالس سجوده. هذا البشرى تنقل أحاديث النصر مسلسلة، وتشافه بحملها مفصّلة، مسندة عن صفائح القضب، لا صحائف الكتب؛ فإنَّ السيوف أصدق منها

إنباءً، والرياح أقصد منها إيحاءً، مسفرة عن صباح بالنصر كفيل، ويوم عرض في الفخار طويل)). ومنها: ((إنَّ العدو ينهض من مجثمه في يوم كذا في جيش غصّت به لهوات الأرض، كأنَّ عرضه يوم العرض، تتموج غمرات أهواله، وتتأجّج جمرات أبطاله، قد امتطت عقبان الخيول منهم أجادل، وسلّت على غدران الدروع من السيوف جداول)). / 198 ب/ وله: ((ولا زالت مبارّه تفوت الميادين، وداره بعبق الشَّذا دارين، وعلى ناره هدًى للسارين)). وله: ((صرت لكلّ غربة خدنًا، ولكلّ تربة ابنًا، حتى إذا عانيت عيناي جبال رملها، رميتها من همومي بمثلها، تارة أقذف في لهواتها، وافتلي نواصي فلواتها، إن أظلم ليل كنت له زميلًا، أو ضلَّ نجم كنت له دليلًا، فلا مجلس إلِّا سرج تطرب نغمات صهيله، ولا منادم إلَّا من يعرب عن ..... )). [680] محمَّد بن عبد الملك بن عبد الله، أبو عبد الله الوظائفيُّ الحاجب. كان أحد حجاب الديوان العزيز- مجّده الله تعالى- ويتولى حمل ما ينعم به على الرسل الواردين إلى أبواب الديوان العزيز، من ملوك الأطراف. وكان عنده أدب، ويقول الشعر جيدًا، وتوفي في شهر ذي الحجّة/ 199 أ/ سنة تسع وعشرين وستمائة، في إحدى القرايا المقاربة لبغداد، وكان قافلًا من سفر. أنشدني الأجل العالم تاج الدين أبو الحسن علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله

البغدادي، بمدينة السلام- أدام الله سعادته- في أوائل جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني محمد بن عبد الملك الوظائفي لنفسه هذه الأبيات، يعرض فيها بذكر الوزير أبي الحسن محمد بن محمد بن عبد الكريم القمي، وولده حين قبض عليهما الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين، ويذكر سوء صنيعهما، ويحرض فيها على قتلهما بألفاظ رماة البندق، المصطلح عليها، وتوصل في عرضها، لكونه كان موتورًا منه، وحكى أنه عرضها وهي: [من الكامل] لقد انتحى المستنصر المنصور ... يوم المكين كما انتحى المنصور ملك الخراسانيُّ ذاك بعينه ... وكذا خراسانينا المأسور يشير إلى أبي مسلم الخراساني- صاحب الدولة- وقد جعل قم من خراسان. لا تبقه يا خير من وطئ الثَّرى ... فالرَّأيُّ أن لا يهمل الموتور / 199 ب/ وأقصم عرى عنق القصير فدونه ... في المكر والكيد الوكيد قصير القصير الأول القميّ؛ لأنه كان قصيرًا؛ والثاني قصير الذي احتال في أخذ ملك الزَّباء. مولاي في وجه الغداة صرعت مصـ ... ـطبحًا وطير المخِّ فيه وكور أخليت منه الجوَّ في ندب وكم ... حاملت عليه ولم تنله نسور خيَّشته لكن مفيقًا فاتَّبع ... ما سنَّه في البندق الجمهور والرأي تذكية المفيق فإنِّه ... ما زال يسكن روعه فيطير فالكيُّ مخلفه لديه واضعٌ ... في خدِّه عضدٌ له وظهير لا تأمنن عليهما في مجلسٍ ... ضنكٍ فعندهما له تدبير كم هارب من قلَّة في قلعةٍ ... ولكم نجا بقيوده مطمور فاقتلهما بالسَّيف أحوط فارسٍ ... لهما وهذا أول وأخير ضلَّ المكين بكلِّ ما صنعت به ... آراؤه في دسته المغرور

وتر الخلائف بالخلاف ولم يكن ... قد ردَّ مرسوم الملوك وزير فعزمت فيه عزمةً نبويَّةً ... كادت لسطوتها السَّماء تمور حرست ثغور المسلمين بعزله ... وتبسَّمت للعالمين ثغور / 200 أ/ بأسٍا شديدًا لو يمرُّ بيذبل ... وثبير زلزل يذبل وثبير وسحاب أنعمك الجسام إذا همى ... لم يبق في الأرض الوقور فقير فاسلم أمير المؤمنين تكفُّ عنَّا الجور من أربابه وتجير [681] محمَّد بن الحسين بن محمَّد بن الحسين بن عليِّ بن محمَّد بن عبد الصمد، أبو المؤيد بن أبي إسماعيل الطغرائيُّ، الأصبهانيُّ الأصل، الموصليُّ المولد، الدؤليُّ. هو من أولاد أبي الأسود الدؤلي، في رواية أبي حامد محمد بن محمّد الكاتب الأصبهاني. كانت ولادته في سنة تسع وأربعين وخمسمائة؛ روى عن الأمير أبي المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ الكناني، وأبي عبد الله محمد بن يوسف البحراني شيئًا من أشعارهما. وهو الكاتب الوزير العالم النحرير، حكيم عصره، وفيلسوف دهره، من بيت وزارة وجلالة، [لم] يرثهما عن كلالة، درس العلوم الحكمية، واسترقّ رقابها، وتبحر في ضروب الفضائل وكشف نقابها، فذلّل له حرونها، وتسهَّلت/ 200 ب/ لديه حزونها، فأضحت منشورة أعلامها، مطرزة أكمامها، ولم يذر منهجًا من البلاغة إلّا سلكه، ولا حرّاً من بديع الكلام إلّا ملكه، حتى صار الإمام الكامل، يشار إليه في وقته بالأنامل.

حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي- رحمه الله- من لفظه بإربل سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، في تاريخ إربل من تأليفه، وساق ذكر أبي المؤيد، فقال: ((الوزير الإمام سيد الأفاضل، وصدر الأماثل، وواحد الأكابر، ومن يضرب بفضله المثل السائر، ذو الفكرة المتوقد شعاعها، والبديهة المرضية رويتها وسماعها، المفتن في علوم الأوائل والأواخر، الضارب في فنون الفضائل بالسهم القامر. ولي والده أبو إسماعيل الوزارة بإربل مدّة، ثم عزل عنها، وكان أبو المؤيد هذا في رفاهية من النعمة ناعمة، وبلهنيةٍ من العيش دائمة، لا تنزل الأحزان ساحته، ولا يعقب التعب راحته، حتى عزل والده، فسلبه الدهر دعته، وارتجع منه العيش الهنيّ وديعته، فتنكرت منه ومن والده معالمها، واستوى في الرقة/ 201 أ/ لهما شامتهما وراحمهما، ورحلا إلى الموصل، فأقاما بها على أنكد عيش وأمِّره، وأكره منقلب وأضرِّه. وكان مجاهد الدين أبو منصور قايماز بن عبد الله الزيني- رحمه الله تعالى- يصل والده في كل شهر، بما يقوته، ولا يفضل منه ما يصل أبا المؤيد، فرثَّت بّزته، وساءت حالته؛ فرأيته في الموصل يرد إلى شيخنا أبي الحرم مكي بن ريان المكي النحوي- رحمه الله- يأخذ عنه شيئاً من النحو، وهو خامل الذكر، مقسم الفكر، مخالطًا أكثر أمانيه؛ بقوله: [من الوافر] ((ألا موتٌ يباع فأشتريه)) وكان بينه وبني أبي عبد الله محمد بن يوسف البحراني الإربلي صداقة وكيدة، مملوءة من المودة عبابها، فسألته أن يكتب له، إلى خاله أبي غالب عبد الواحد بن مسعود ابن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحسين وكان بواسط يتصرف في الأعمال الإمامية أبياتًا يشكو فيها والده، ويذم زمانه، فقال على لسانه: [من الطويل]

أشكُّ بأنَّ الحال رقَّت وليس لي ... إليك سوى المعروف من يتوسَّل! / 201 ب/ وأنَّ أبي والحادثات تعاونا ... عليَّ ولا يصفو مع الضَّيم منهل وما نزغ الشَّيطان بيني وبينه ... بشيءٍ سوى أنِّي إمرؤٌ ليس يجهل إذا ما رأيت المرء ليس بنافعٍ ... لديه جميلٌ فالقطيعة أجمل ولمَّا دعاني البين وانشقَّت العصا ... أتيتك لمَّا لم يكن [عنك] معدل ثم أنفذها في كتاب إلى خاله، فأظنّه- إن شاء الله- أمره أن يصل إليه، فمضى وأقام عنده مدَّة، فنكب خاله؛ ورحلا إلى السلطان الملك الناصر يوسف بن أيوب ابن شاذي- رحمها لله- فأنزل خاله أحسن منزل، وولاه النظر في أموال خزانته، وأقاما إلى أن توفي السلطان- رحمه الله- واتصلا بولده الملك الظاهر غياث الدين غازي- رحمه الله- فخدمه خاله مدّة. ثمّ عرض له مرض منعه عن الخدمة، فتوصل أبو المؤيد إلى خدمته فخدمه، فما زال يهمي عليه سحائب نواله، وتسري إليه سرى الخيال طوارق أفضاله، حتى صار ذا جدةٍ وافرة، وسعادة فاخرة؛ وألقى إليه مقاليد أموره، واكتفى به في غيبته وحضوره. فلقد حدثني من أثق به؛ أنه وصله من/ 202 أ/ غير الحسابة بمال جزيل، ونوال جليل، يقارب العشرة الآلاف الدينار، فلم يزل ينمى غرسه، وتشرق شمسه، حتى صار أحدوثة الرُّكبان في الحجة على تقلّب الأعيان. أخذ علم الأوائل عن شرف الدين المظفر الطوسي، وكان عنده منه معرفة كتاب أوقليدس، والعمل بالبركار التام؛ وأشياء كثيرة تليق بمثله من الصدور. وله رسائل عذبة، وألفاظ رطبة، ومعانٍ أرق من النسيم، وفصول أحسن من نضرة النعيم؛ وأنا ذاكر منها ما ذكرته من خطّه، ووقفت عليه من غيره، ما تروق الأسماع أسجاعه، وتشوق الطباع أوضاعه. وكتب إلى أبي عبد الله محمد بن يوسف البحراني: [من الوافر] وأبرح ما يكون الشَّوق يومًا ... إذا دنت الدِّيار من الدِّيار لو أن أشواقي إلى المجلس الفلاني؛ أسماه الله وأيده، وكبت أعداءه وحسَّده،

وزنت لرجحت على ثبير وشمام، ورجحان سيدي بمروءته على الأنام، وقد كنت واصلت تقصيري في إصدار الخدمات إلى أعالي مجلسه تزجية مني للآمل، والوعد أن سيكون ذلك منّي ضمن أمور في نفسي، حال بيني وبين بلوغها الأقدار التي لم تزل/ 202 ب/ تحول دون الأغراض وتفرض، وتعدو على الآمال وتمرض؛ وبالجملة ففحوى أحوالي علمه محيط بها قياسًا واستقراء، وإن لم يحط بتفصيلها أخبارًا. حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي الحسن الحنفي- أدام الله سعادته- قال: ((كان الوزير أبو المؤيد فاضلًا عالمًا، واسطة خير عند مخدومه، محبًا لأهل العلم، فصيح العبارة، حسن الإنشاء، قد أخذ من العلوم بحظٍ وافر؛ وكان قيّمًا يعلم الهندسة. وكانت وفاته يوم الخميس الخامس والعشرين من صفر سنة سبع وستمائة بحلب، ودفن في داره، ولم يزل مدفونًا بها، إلى أن بيعت على ورثته، ونقل منها إلى مشهد بمقام إبراهيم الخليل- عليه السلام-. ثم قال: وأنشدني إسماعيل بن محمد بن الحسين قال: أنشدني أبي لنفسه، ولم أعرف له نظمًا غير هذين البيتين: [من البسيط] إنَّ العذارين ما إن زادني بهما ... إلّا فؤادٌ تذوب النَّار من حرقه ما شان حمرة خدَّيه اخضرارهما ... أغضُّ شيء يكون الورد في ورقه [682] محمَّد بن المنذر بن عبد الرحمن/ 203 أ/ بن أبي عقيلٍ، أبو عبد الله اليابريُّ. كان والده من بلاد المغرب. وولد أبو عبد الله ببغداد، وأمّه بغدادية، وتفقه بها على يوسف بن محمد

الدمشقي، وسافر الكثير، وسمع بدمشق الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن الدمشقي، وقرأ عليه معظم تاريخ دمشق، وأبا المظفر مظفر بن أسعد بن الحكيم. ثم اتصل بخدمة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب- رضي الله عنه- وولي له أعمالًا، ثم من بعده بخدمة ابنه الملك العزيز عماد الدين عثمان- صاحب الديار المصرية- ثم انتقل بعد موته إلى حلب، وسكنها، واستخدمه الملك الظاهر غياث الدين غازي على قناة حلب، وأجرى له رزقًا حسنًا. حدثني القاضي أبو القاسم- أيده الله تعالى- قال: كان أبو عبد الله يمتنع عن إسماع شيء من الحديث النبوي؛ فإنَّني فاوضته في ذلك مرارًا؛ فقال: أنا لا أستجيز رواية الحديث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها)) الحديث .. وأرى المحدثين، يأخذون عن من لا يفهم شيئاً، وتقع منهم أوهام إلى أشياء من هذا القبيل؛ وباحثته في ذلك مرارًا، وهو مصرّ على ما سوّلت/ 203 ب/ له نفسه. وسألته عن مولده، فقال لي: تقديرًا إلى هذا التاريخ ثمانون سنة؛ فإنني أدركت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة؛ وكان سؤالي له في سنة إحدى وعشرين وستمائة؛ قال: وولدت ببغداد. وتوفي بحلب في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وستمائة، ودفن خارج باب النصر، في مقبرة مشهد الدعاء. وأنشدني القاضي أبو القاسم- أيده الله تعالى- قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن المنذر، إملاءً من لفظه لنفسه، في الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب- رضي الله عنه-: [من الطويل] بدت فرأيت البدر في حلَّة الصَّبا ... وماست فخلت الغصن ميَّله الصَّبا وهزَّت قوامًا كالرُّدينيِّ وانثنت ... مغادرةً قلبي المعنَّى وقد صبا وراشت نبالًا من جفونٍ وجرَّدت ... حسام لحاظٍ فلَّ صبري وما نبا فساومتها وصلًا فقالت مجيبةً ... أخلت وصال الغانيات مسيَّبا إذا ما طلبت الوصل منهنَّ لم تجد ... إلى ذهبٍ يومًا إلى ذاك مذهبا وإن تك ذا مالٍ فأنت الَّذي إذًا ... نعيد بعيد الشَّيء منك مقرَّبا

فقلت لها إنِّي امرؤٌ ربع ماله ... غدا مقفرًا من ساكنيه مخرَّبا / 204 أ/ فقالت تزوَّد حسن ظنِّك واصطحب ... رجاءك واجعل صدق قصدك مركبا إلى ملك لو لامست كفُّه الثَّرى ... لعاد الثَّرى باللَّمس في الحال مخصبا إلى من له أضحت لنا مصر جنَّةً ... ومسكنها من جنَّة الخلد أطيبا وأنشدني، قال: أنشني أيضًا لنفسه من أبيات فيه: [من الكامل] يا عاذلي دع عنك عذل الواله ... فالعذل منك يزيد في بلباله لو كنت شاهدت الَّذي هو مغرمٌ ... من أجله ما كنت من عذَّاله رشا يحاكي الغصن في حركاته ... ويفوق نور البدر عند كماله لم أنسه أشكو إليه تحصفًا ... ويدي لفرط الوجد في أذياله ناديته يا من بسهم لحاظه ... قلبي أصاب ولم يجد بوصاله وأذاقني كأس التَّفرق عامدًا ... وجنى عليَّ بمنع طيف خياله رفقًا بمن أمرضته ببعاده ... واعطف على من لم تغب عن باله واسأل عن الباكي عليك بأدمعٍ ... تحكي ندى من عمَّ فيض نواله وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه من أبيات: [من الكامل] / 204 ب/ ثمر المعالي لا ينال وإن دنا ... إلّا بأطراف الصَّوارم والقنا وإلى رفيع المجد يومًا ما ارتقى ... في راحة إلَّا الَّذي اقتحم العنا وعلى المراد من الرِّيادة ما احتوى ... إلا الَّذي أعطى صوارمه المنى فانهض نهوض أخي اعتزامٍ صادقٍ ... ما قام يدعو الأمر إلَّا أذعنا كصلاح دين الله والملك الَّذي ... يرجى ويخشى إن تباعد أو دنا فيه لأيَّام الزَّمان محاسنٌ ... إذ جاء يدعى في الملوك المحسنا كم من يد أسدى وكم من منَّة ... غطَّى بها فعل المسيء فأحسنا كم وقفةً شهدت له وثباته ... وثباته فيها بمشهور الغنا سل عنه ألسنة الرِّماح فإنَّهأ ... تنبيك عمَّا أودعته الألسنا واستمل تملي المرهفات حديثه الـ ... ـمروي عن يوم الكفاح الأحسنا ما بات إلاَّ مستجيشًا عزمه ... فتراه في سفرٍ إذا ما استوطنا

وأنشدني، قال: أنشدني محمد بن المنذر لنفسه: [من السريع] بالجدِّ تعطى الجد لا بالمزاح ... وما أفاد الحمد إلَّا السَّماح والطَّير لا تحصل يوم الثنا ... على المنى إلَّا بخفق الجناح / 502 أ/ وما حوى الرَّاحة إلَّا الَّذي ... سعى إلى كشف الغنا ثم راح فدع تصابيك وخلِّ الصِّبا ... ولا ترح يومًا إلى شرب راح واسع إلى نيل العلا مثل ما ... سعى إلى الملك المهيب الصَّلاح وأنشدني، قال: كتب أبو عبد الله لنفسه: [من السريع يا قلمي نب في الثَّناء المقيم ... على كمال الدِّين ابن العديم وقل له عنِّي إذا جئته ... في منصب الدَّرس الجليل العظيم يا من عدمنا المثل في فضله ... يا وارث المجد الأثيل القديم قد قيل لي إنَّك قد بعتني ... بالغبن والغبن فداء السَّليم قدَّمت غيري ثمَّ أخَّرتني ... في هذه الدَّار الَّتي لليتيم وأنت بالفرض فأدرى وبالأصلح والمفسد طلٌّ حكيم يسرّ بالدَّهر من عالم ... ولا يرى دينار .... العليم فارجع إلى ما أنت أهلٌ له ... من سؤد كلُّ لديه خديم والأجر والأجرة حصَّلهما ... بعد الثَّنا الباقي عليك المقيم من ناظمٍ درَّ اليتيم الَّذي ... يطرب من يسمعه والنَّظيم / 205 ب/ فكتب إليه القاضي أبو القاسم جوابها: [من السريع] يا أيُّها الصَّدر الفقيه العليم ... ومن له الإحسان والفضل خيم أرسلت نحوي أسطرًا نظَّمت ... جواهر اللَّفظ بمعنًى قويم تعير ماء المزن من لطفها ... وتكسب الرِّقَّة مجرى النَّسيم تضمَّنت عتبي ولا ذنب لي ... يا أيُّها المولى الصَّديق الحميم

أقسم بالله وآياته ... ونعمة المولى المليك الرَّحيم ما بعت مولاي ولكنَّني أشـ ... ـتريته وهو العزيز الكريم وأنَّ بيع الدرِّ في سمطه ... ومشتري البهرج حمقٌ عظيم والعذر قد أبديته قبل أن ... يأتيني [منك] العتاب الأليم فاعذر سديد الدِّين أو لا فجد ... بالصَّفح عن ذنبي فأنت الحليم إنِّي على حبِّك يا سيِّدي ... وصدق ودِّي لك ما إن أريم وقال: [من الخفيف] قال عبد الله يعزى إلى المنذر ... يرجو الخلاص يوم العرض بالَّذي يغفر الذُّنوب سوى ... الشِّرك إله السَّما معًا والأرض / 206 أ/ قل لمن قال: إنَّني رافضيٌّ ... لست تبرا في العرض من دين عرضي إذا أثني على الَّذي رفض البا ... طل في كلِّ سنَّة مع فرض وبحبِّ النَّبيِّ والآل والأصـ ... ـحاب في البسط دائمًا والقبض والَّذي لا يرى المودَّة في القر ... بى عليه فرضًا رهين الرَّفض ونصوص الآيات جاءت بلا ريـ ... ـب على الآل بالثَّناء المحض وبذاك الأخبار جاءت بإسنا ... د صحيح البنا عديم النَّقض وإذا لم على النَّبيِّ مع الآل ... تصلِّي وقت التَّشهُّد تقضي وإله العبد يعلم ما في الـ ... ـقلب خاف من فرط حبٍّ وبغض ومسيء الظُّنون بالخلق لا ينـ ... ـفكُّ يومًا عن إثمه في البعض وإذا أنت لم تكن حسن الظَّنِّ فأعرض عن سوء ظنِّك وامض إذا لم يقر شخصٌ بشيءٍ ... فبماذا عليه في الصَّمت تقضي وعن الخوض قد نهينا قديمًا ... في الَّذي مرَّ قبلنا غير مرضي من نزاع بين الصَّحابة والآ ... ل خاف إليه يفضي والخطا والصَّواب لا بدَّ أن يحـ ... ـدث بين الخصمين في كلِّ مفضي مع علم بأنَّ هذا وهذا ... عادما عصمة بها الشَّرع يقضي / 206 ب/ وغبيٌّ من قال من غير علمٍ ... كطبيب لم يدر جسَّ النَّبض مثل كم يزعم الجهول وقال ... الفرس لم اعتد الحامي العض

واعتقادي هذا وعقدي وقلبي ... لم يقابل إبرامه بالنَّقض والبراهين كالسَّماء إذا جاء ... تك أغنتك عن دليل الأرض فافخروا الآن يا ذوي العلم بالعلـ ... ـم على من لم يدر معنى الرَّفض وهو التَّرك في الحقيقة للشَّيء إذا ما قابلته بالدَّحض واشكروا الله رَّبكم واسألوه ... أن يديم النُّعمى لأهل الأرض ببقاء الملك العزيز عماد الدِّين بن الغازي الشَّهيد المفضي برضى رَّبه الكريم إلى فر ... دوس دار البقاء جزاء القرض وبقا كافل الملوك مع الملـ ... ـك فلا زال قائمًا بالمرضي ذي الأيأدي الملك الرَّحيم شهاب الدَّين غوث الورى زمان البرض لا خلت رتبة الممالك منه ... أمره نافذٌ بختمٍ وفضِّ وعلا جدُّه وخصُّ برفعٍ ... وثوى ضدُّه وخصَّ بخفض كلَّما لاح نور زهر السَّماو ... ت وما فاح نور زهر الأرض [683] محمَّد بن النفيس بن مسعود/ 207 أ/ بن أبي سعد بن عليٍّ، أبو سعد المعروف بابن صعوة الفقيه السَّلاميُّ. قال أبو الحسن القطيعي: شاب حسن الشارة والخلق، من أهل القرآن والفقه، كان يسمع معنا الحديث، وروى اليسير. وتوفي في ذي القعدة سنة أربع وستمائة، ودفن بمقبرة الزرادين بالجانب الشرقي من بغداد.

قال: وأنشدني لنفسه: [من المديد] رقَّ يا من قلبه حجر ... لجفون حشوها سهر ولجسم ما لناظره ... منه إلَّا الإسم والأثر فغرامي لو تحمَّله ... صخر رضوى كاد ينفطر إنَّ لومي في هواك لمن ... شرِّ ما يجري به القدر يا بديعًا جلَّ عن شبه ... ما يداني حسنك القمر صل ووجه الدَّهر مقتبلٌ ... فزمان الوصل مختصر كما رأينا وجنةً فتنت ... فمحا آثارها الشعر [684] محمَّد بن معمر بن عبد الواحد/ 207 ب/ بن رجاء بن عبد الواحد بن محمَّد بن الفاخر بن أحمد بن محمَّد بن القاسم بن الفاخر بن محمَّد بن النعمان بن إسماعيل بن اللقيط بن إسماعيل بن عبد الرحمن ابن كثير بن ربيعة بن سمرةً بن حبيب بن عبد شمس بن عبد منافٍ. قال أبو الحسن القطيعي: هو بخطّ اللفتواني، وافق لهذا إلى الفاخر الثاني، ثم بعده محمد بن النعمان بن المنذر بن إسماعيل بن اللقيط بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن كثير؛ ثم وافق إلى آخره، وهو بخط محمد بن عبد الواحد بن الحافظ الدقاق، عم معمر من قبل الأم: معمر بن عبد الواحد بن جابر بن عبد الرحمن بن محمد بن الفاخر بن محمد بن بشر بن المنذر بن النعمان بن إسماعيل بن سعيد بن

إسماعيل بن عبد الرحمن بن سمرة، قال لي محمد بن معمر. وهذا هو الأصح في ظني، أبو عبد الله الأصفهاني الفقيه الشافعي. قال أبو الحسن القطيعي: أنشدني محمد بن معمر بن عبد الواحد لنفسه: [من الكامل] شوقي إلى من بالعراق براني ... يا صاحبي نجران ما تريان فجوًى حكى وخز القنا من شانه ... وهوًى حكى نيل المنى من شاني والبرق والورقاء من أعوانه ... والدَّمع والإرنان من أعواني / 208 أ/ فإذا شجا برقٌ أعان مدامعي ... وإذا شدا ورقٌ شفى إرناني لو لم يكن إلَّا معرسَّ ساعة ... في ظلِّ رايات بها لشفاني بيض الذُّرى سود الذَّوائب ظلُّها ... مأوى الهدى وتبوُّء الإيمان تهفو الرِّياح على الرِّماح بها فهل ... تعلو ومن مطلوبها القمران إذ لا يرى في ذي البسيطة كلِّها ... إلَّا مطيعٌ للخليفة عاني والنَّيِّران وإن نأى أوجاهما ... أيضًا له عبدان مؤتمران وقال: وأنشدني لنفسه: [من الوافر] تبدَّت مثل ما بزغت براح ... وآذنت الكواكب بالبراح فقلت فضحت حين وضحت ليلًا ... وطال لسان واشٍ في رواح فقالت بعدما جادت ومادت ... وأبدت عن ثغورٍ كالأقاحي: وهل تستنجح الحاجات إلَّا ... بوجهٍ في مساعيه وقاح كانت ولادة أبي عبد الله محمد بن معمر، ليلة الإثنين خامس عشري جمادى الآخرة سنة عشرين وخمسمائة، وتوفي في ربيع الآخر سنة ثلاث وستمائة بأصفهان. [685] محمَّد بن زهرٍ الإسعرديُّ. / 208 ب/ وهو ابن أخت أبي محمد الأسعرديّ، الذي مرّ شعره.

وأنشدت لمحمد هذا، يمدح الملك المسعود مودود بن محمد بن محمد بن قرا أرسلان ابن أرتق- صاحب آمد- حين شرع في عمارة خندق آمد وسورها: [من الكامل] يا أيُّها الملك الَّذي سعدت به الدُّنيا وأشرق غربها والمشرق الدِّين من علياك ركن مفاخر ... يسمو على أفق السَّماء ويسمق ما آمد [و] السُّور إلاَّ مقلتةٌ ... أضحت بناظرها ابن أرتق ترمق ماذا تحاول في عمارة خندقٍ ... يحمي وبأسك سورها والخندق لو رام أهل الأرض منها نظرةً ... لتعذَّرت والباب رحبٌ مطلق لك في قلوب العالمين مهابةٌ ... أضحى فؤاد الدَّهر منها يخفق وستملكنَّ من البلاد أدانيًا ... وأقاصيا وضياء سعدك مشرق مولاي شاعرك الشَّكور بحاله ... نقصٌ وجودك زائدٌ متدفِّق أمنن بإشفاقٍ عليه مثل ما ... كان الشَّهيد عليه قدمًا يشفق [686] محمَّد بن عليِّ بن عليٍّ القامغار، أبو طالبٍ اللغويُّ العراقيُّ، المعروف بابن الخيميِّ. / 209 أ/ قيل إنَّ اسمه عقيل، وقيل عبد الله، وقيل محمد. كان مولده بالعراق في آخر شوال سنة تسع وأربعين وخسمائة، بالقرية بدار

الخلافة؛ هكذا قرأت نسبه ومولده بخطّ يده. نزل الديار المصرية وسكنها، وهو إمام في علم اللغة والعربية، ومعرفة القرآن والحديث؛ رواية شاعر، مصنِّف، له رسائل وأشعار ومصنَّفات، ومن تصنيفه: كتاب ((الأمثال في علم القرآن)) وكتاب ((حرف في علم القرآن)) وكتاب ((قد في علم النحو)) وكتاب ((نزهة الملك في اللغة والصيد)) وكتاب ((الملخص الديواني في علم الديوان)) وكتاب ((لزوم الخمس)) استغفرك وكتاب ((المطاول على ديوان أبي العلاء المعريّ)) وكتاب ((إسطرلاب الشعر)) وكتاب ((شرح التحيات في اللغة)) و ((رسالة أهل الإخلاص والمودة إلى الناكثين من أهل الغدر والرّدة)) وكتاب ((شجرة الإيمان في علم القرآن)) وهو من أغرب ما صنف، وكتاب ((الأربعين الأحاديث الأساميات)) وكتاب/ 209 ب/ ((مجموع ترجمة جهينة الأخبار وجنينة الأزهار)) وكتاب ((مقصورة الوزير)) وإلى غير ذلك من التواليف، أجازني سائر مصنفاته، وجميع أشعاره ورواياته، وما يندرج تحت ذلك. ومن شعره، يقول: [من الطويل] أقمت بمصر جلَّ عمري فلم أجد ... بها أحدًا يجدي ولا عالمًا يهدي أزاحم منهم ألف ألفٍ بمنكبي ... وأمسي كأنِّي بتُّ في فقرةٍ وحدي وقال أيضًا: [من الكامل] يا جاعلًا سلع القريض بضائعًا ... صفها وفي خسرانها لا تمتري فالشِّعر بائعة بحيث رأيتني ... والمشتري أبدًا مكان المشتري فارفضه إنَّك لا تجيء بجيِّد الـ ... ـطَّائيِّ منه ولا رديء البحتري وأخبرني الشيخ صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد البكري بدمشق المحروسة، بمنزله في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ قال: قال أبو طالب محمد بن علي بن الخيمي: رأيت في المنام، وكأن شخصًا ينشدني، وق منعني شخص من الصلاة على ميت مات، ومنع من الصلاة عليه: [من مخلع البسيط]

/ 210 أ/ صلِّ على المسلمين جميعًا ... واغتنم الأجر قبل فوته من ذا الذي ليس فيه ... شيءٌ يقوله الناس عند موته! وقال أيضًا: [من الطويل] وقالوا: التحى من كنت تهوى فخلَّه ... فقلت لهم والنَّار حشو حشائي وقد كان رأيي أن أكون وراءه ... فعدت ورائي أن يعود ورائي وأنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة النصيبي بحلب، قال: أنشدني أبو طالب محمد بن علي لنفسه: [من الطويل] أأصنام هذا الجيل طرّاً أكلُّكم ... يعوق أما فيكم يغوث ولا ودُّ لقد طال تردادي إليكم فلم أجد ... سوى رَّ شان في الغنى شأنه الرَّدُّ ودعوى كرامٍ يستحيل قبولها ... وتقبل إذ حدُّ الحسام لها حدُّ وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أبو طالب، قال: لمّا دخلت دمشق كان من جملة من صحبه ابن ..... الوزير، فسألني عمّا وصلت إليه من البلاد، ومن خالطت من الناس، ومن وجدته/ 210 ب/ من أهل الكرم، فسهرت ليلتي، وكتبت إليه بكرة تلك الليلة بهذه الأبيات: [من الخفيف] كم أطلت الإتهام والإنجادا ... وطلبت الإسعاف والإسعادا وتقلَّبت فيَّ البلاد فما أحـ ... ـمدت ناسمًا ولا شكرت بلادا وبلغت المراد من رحلٍ قـ ... ـضَّين عمري وما بلغت مرادا وإذا لم يساعف المرء جدٌّ ... فمن الجهل عدُّ الأجدادا مشعرٌ يفترون فرية عادٍ ... وثمود وهم يسبُّون عادا ما أعدُّوا للبعث زادًا فإن فهـ ... ـ بذكر المعاد عدت معادا إن أقلَّ الفتى جفوه وإن أكـ ... ـثر أمسوا طرًا له حسَّادا كلَّما زدت فضل علمٍ لأحظى ... بنفاقٍ في النَّاس زدت كسادا فكأنَّي إذا دعوت رئيسًا ... لوذعيًا منهم دعوت جمادا

كم رأى ناظري محرَّم مال ... ردَّه برد عذره لي جمادى نعتوا لي الزُّهاد خبًا فلمَّا ... جدت بالفلس لم أجد زهَّادا وادَّعوا أنَّ معشرًا من ذوي الصَّو ... ف مشوا فوق دجلة عبَّادا وإذا ذلك الطّفو من الخفَّة لا من إخلاصهم اخنفادا / 211 أ/ ولعمري ما زيَّف الدِّرهم الجا ... ئز إلَّا تجويدك الإنتقادا كم تبينَّت من صديق عدوّاً ... كاشحًا مضمرًا لي الأحقادا وأرتني الأيَّام من كلِّ من كا ... ن عتادًا للحادثات عنادا وسعت بي جماعةٌ طمعت من ... حلو فضلي ما فتَّت الأكبادا كم رأى ناظري لئيمًا ولكن ... ما رأى في سوى كتابٍ جوادا [687] محمَّد بن الحسن بن عليٍّ، أبو عبد الله الكوفيُّ المصريُّ، المعروف بأعجوبة الفلك. كان شاعرًا خبيث اللسان، كثير الهجاء، مسترفدًا بأشعاره. ومن شعره ما أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم بن أبي الحسن العقيليّ- أدام الله أيامه- قال: أنشدني أعجوبة الفلك لنفسه، يهجو راجح بن إسماعيل الحلي الشاعر: [من الخفيف] يا بعيد الصَّواب فيما يعانيه ... سخيفًا مبخَّرًا وهو يفسو هبَّ أنت النَّؤوم يا بادي الرَّأ ... ي رويدًا فأين منك الحسُّ؟ خاب ظنِّي ولا عجبت وقد قلَّ قديمًا لديك عقل وحسُّ / 211 ب/ ولقد سمتك الخسيس فلمَّا ... تسخ لؤمًا فأنت منه الأخسُّ كيف تقني شكر الرَّجال وقد ضا ... ع الرَّئيسان منك قلبٌ ونفس ونقلت من خطه، قوله يمدح القاضي الأجل الفاضل العالم بهاء الدين أبا محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب بحلب: [من الطويل] ألا يا بهاء الدَّين حزت نباهةً ... فليس لمثلي عن جنابك معدل تفضَّلت حتَّى لم تذر متفضِّلًا ... يطول فطل يا خير من يتطوَّل

فأوليتني منك الجميل تفضُّلًا ... حنانيك يا من دأبه يتفضَّل وسدت بني الدُّنيا فخارًا وسؤددًا ... نبيلًا فهل إلَّا عليك المعوَّل! فأنت امرؤٌ لولاك ما خلق النَّدى ... وأنت لهذا الملك تاجٌ ومنصل ولي منك رسمٌ قد تضاعف شكره ... عليك وبرٌّ من صلاتك مقبل (فإن تولني منك الجميل فأهله) ... لعمري وأوفى من يقول ويفعل وفي حلب لي منذ عامين مفلسًا ... مقلًا وحسي ما أجنُّ وأحمل على أنَّني في الصَّبر أيُّوب دائمًا ... وبفضله والصَّبر بالحرِّ أجمل / 212 أ/ فدم سالمًا يا با محمَّد راقيًا ... بنصرٍ تعمُّ المجتدين وتشمل وقرأت أيضًا من خط يده، قوله يمدح: [من مجزوء الكامل] يا أيُّها المولى الزَّكيُّ ومن غدا للخلق عمده أنت امرؤ أوصافه ... شادت غداة الفخر جدَّه يا سيِّدًا عوَّدت نطـ ... ـقي بين أهل الأرض حمده وأريد من شكري له ... بين الورى وأشيد مجده فأقول أين حللت قو ... لًا لا أخاف الدَّهر ردَّه هذا الزَّكي محمَّدٌ ... هو لي من الَّلأواء عدَّه أعددته سيفًا لصرف ... الدَّهر أرهف منه حدَّه سيفًا إذا صقل الزَّما ... ن متونه أبدا فرنده يا سيِّدًا إن كنت لا ... أثني عليه منعت رفده وأذاقني الرَّحمن من ... جدواه بعد القرب بعده عجِّل وسمِّ سيِّدي ... فوصوله ثمر المودَّه وتهنَّ بالعيد السَّعيـ ... ـد بنعمةٍ تترى مجدَّه / 212 ب/ وأنشدني القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن

سعيد بن الخشاب- أدام الله أيامه- قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي المضري لنفسه، من قصية يمدح الملك الظاهر غياث الدين- رحمه الله-: [من الكامل] يا للحميَّة خدَّني الخدُّ ... أشقائقٌ يعلوه أم رد وبنفسجٌ بالسَّالف المصقول أم ... تفويف رقم لاح أن ندُّ صدُّوا غرير صريم وجرتكم ... عن صدِّه أفما اشتفى الصَّدُّ وسلوه هل لعسٌ بفيه بدا ... أم سلسبيل الرَّاح أم شهد رشا طمعت بقرب زورته ... وأرى المسافة منه تمتدُّ طبعت لواحظه ظبى حدقٍ ... سودٍ فلا يمنٌ ولا هند وغدا الرُّقاد محجَّبًا ... بالحاجب المقرون عمَّن قدَّه القدُّ يا سعد إسعادًا ومن ... كلفٍ وكآبة ناديت يا سعد بأبيك إن وافيت رامة أو ... لاحت لك العلمان والزَّند / 213 أ/ ورأيت محمرَّ الرَّمال فقف ... فهناك تقنص بالظبا الأسد وسل المويلك بهجتي كمدي ... أنَّى ألمَّ عساه يرتدُّ قل عن لسان جو أقلَّ جوًى ... بيسيره ثهلان ينهدُّ حتَّى م تعرض عن أخي وله ... أودى به الهيمان والوجد ما قبله قبلٌ بحبِّك لًا ... كلِّا ولا من بعده بعد أضحت ضلالته بكم رشدًا ... يا حبَّذا ذيالك الرشُّد مولاي يا من ليس لي بدلٌ ... عنه ولا عوضُّ ولا بدُّ كن كيف شئت عليَّ محتكمًا ... يا ذا الملاحة إنَّني عبد ملَّكت رقِّي مثل ما ملك الـ ... ـملك المليك الظَّاهر الجعد [688] محمَّد بن فضائل بن عبد السَّاتر، أبو عبد الله، المقدسيُّ الأصل، المعروف بابن المعيد: كان جدُّه من أهل بيت المقدس.

ولد أبو عبد الله بمنية ابن الخصيب، من صعيد مصر. وكان حيًا في نيف وستمائة، ومات بعد ذلك بقليل ولم يبلغ الأربعين. وكان أديبًا فاضلًا له نظم ونثر. / 213 ب/ مدح الملك الظاهر غياث الدين صاحب حلب بقصائد عدّة. أخبرني أبو الربيع سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الريحان المكي، كتابة فيما أذن لي الرواية عنه، قال: أنشدني محمد بن فضائل لنفسه، وذكر أنه ضمنه ورقة إلى الملك الظاهر بحلب: [من البسيط] فما تعرَّض بي يأسٌ أساء به ... إلَّا وعجَّل ما يأسو به أملي ولا توغَّلت في شكري فضائله ... إلَّا أقرَّ بعجزي عنه لي أجلي وقال: وأنشدنا أيضًا لنفسه، ما كتبه أيضًا إليه: [من السريع] يا من به يأمن كلُّ الورى ... إن عنَّ خطبٌ أو عنى حادث ما بال حظِّي منكم قد غدا ... حظَّ وفيٍّ حبُّه ناكث [689] محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن خميس، المغربيُّ الأصل، الموصليُّ المولد، أبو عبد الله الوكيل. حدثني القاضي أبو القاسم- أدام الله عزّه- قال: كان أبو عبد الله هذا؛ شيخًا حسنًا ظريفًا، مطبوع النظم. قرأ/ 214 أ/ الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة- رضي الله عنه- على علاء الدين الكاساني، وسمع منه شيئًا من إملائه بحلب. وسمع بالموصل الخطيب أبا الفضل عبد الله بن أحمد بن الطوسي، وأبا الهنا سعيد بن عبد الله بن الشهرزوري، وحدث بحلب وسمعنا منه بها. وسألته عن مولده، فقال: ليلة الأحد تاسع المحرم من سنة اثنتين وأربعين

وخمسمائة. وتوفي يوم الجمعة السابع من جمادى الأولى من سنة اثنتين وعشرين وستمائة بحلب، ودفن بقابر باب الجنان. قال: وسمعت الصاحب قاضي القضاة أبا المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الموصلي يثني عليه كثيرًا، ويقول: كان عين المجلس ووجهه، وله في صحبتنا هذه المدَّة، لم نطَّلع منه إلّا على الصحة والخير. وأنشدني القاضي أبو القاسم- أيده الله تعالى- قال: أنشدني أبو عبد الله الوكيل من شعره، وذكر أنَّه كان له محبوبة تدعى عائشة، وبلغه أنها تعرضت لأسود: [من السريع] عشت زمانًا عيشتي عيشتي ... ما طرق البين لنا بينا قالت: تسلايت احتقارًا بنا ... قلت تسلَّيت تسلَّينا / 214 ب/ لا تنكري سلوتنا هذه ... رمت تلافًا فتلافينا ألجأك الدَّهر إلى أسودٍ ... يصرف عن عشاقك العينا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه، وذكر أنَّه أنشدها قاضي القضاة أبا المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، عند فراغ قراءة الملك الناصر صلاح الدين- رضي الله عنه- عليه جميعه: [من الكامل] يا سيَّد الحكّام سيرة يوسف ... نظَّمتها كالعقد زين بدرِّه وجمعت يا قاضي الممالك فضل من ... أرضى الإله بسرَّه وبجهره ملكٌ قضى الله العزيز له بأن ... خضع الملوك لنهيه ولأمره فسما بني سام وحام على بني ... حامٍ عقاب عقابه في نصره قهر الألى قهر الألى وأعادهم ... حيَّ المعاد بأسرهم في أسره أفديه لا نظمٌ يقوم بمدحه ... أبدًا ولا نثر يقوم بشكره لو حاز في الشَّرع السُّجود لملحد ... سجد الملوك من البلاد لقبره نشر الثُّغور فطيب نشر حديثه ... يبقى إلى يوم الحساب ونشره / 215 أ/ فتهنَّ يا قاضي الممالك أجر ما ... أوتيت من عمل تفوز بأجره إن أصبح العلماء شهر صيامنا ... شرفًا فقد أصبحت ليلة قدره

[690] محمَّد بن يوسف بن الخضر بن عبد الله بن أبي محمَّد عبد الرحيم بن القاسم بن عبد الله، المعروف بابن الأبيض، الفقيه الحنفيُّ الحلبيُّ. هكذا أملى علي نسبه ولده شرف الدين، بمدينة حلب المحروسة، وكان يكنى أبا القاسم أيضًا. تفقه على والده، ثم على علاء الدين الكاساني، وبرهان الدين مسعود الحنفي؛ وقرأ علم الحساب والفرائض على الشيخ أبي محمد طاهر بن جعل، وسمع بحلب أبا علي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي الحنفي، ووالده المذكور، وأبا الفرج يحيى بن محمود الثقفي وغيرهم. وأخبرني القاضي أبو القاسم- أيده الله تعالى- قال: كان أبو عبد الله- رحمه الله- دمث الأخلاق، حسن المعاشرة، كريم الطباع، غزير العلم، كثير الورع، مليح النظم والنثر. ولد بحلب في رابع صفر من سنة ستين وخمسمائة، ونشأ بها، حتى انتقل أبوه إلى دمشق، وولي القضاء بها، / 215 ب/ فسار إلى والده، إلى دمشق. وقدّمه القاضي محيي الدين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن يحيى الفرسي، ومال إليه حتى نفق على السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي- رحمه الله- فقلده قضاء العسكر، وسيّره إلى الملوك والرسائل. وقلّده عدّة مدارس بدمشق، منها مسجد خاتون- ظاهر مدينة دمشق- ومدرسة باب البريد، ومدرسة خاتون أيضًا. ولم يزل كذلك إلى أن حدثت بينه وبين وزيره الصفي محمد بن عبد بن علي بن

شكر وحشة، خاف منها على نفسه. وكان الملك العادل قد سيّره رسولًا إلى حلب المحروسة وإلى الديار الشرقية؛ وكان قد اتصل إلى والدي- رحمه الله- فلما ورد حلب، عرض عليه السلطان الملك الظاهر المقام بحلب، وضمن له أشياء، فأجابه إلى ذلك. وسار إلى الديار الشرقية لأداء الرسالة، وعاد إلى حلب، فأقام بها، وسير جواب الرسالة إلى الملك العادل. وولّاه الملك الظاهر مدرسة شاذبخت- رحمه الله-. وحكى لي أنه؛ لما سيّره الملك العادل في هذه الرسالة، تلطف في طلب ... ، بألطف حيلة، وذلك أنه؛ قال: قد علم مولانا أنَّني قد تأهلت بحلب/ 216 أ/ وأنا أستخدم الإذن الكريم عند أهلي، عند قضاء شغل السلطان، فأذن له في ذلك، ظنًا منه أنه يقيم مدة ثم يعود. ولم يزل بعد ذلك مقيمًا بحلب، إلى أن ولّى الملك الظاهر؛ افتخار الدين أبا هاشم عبد المطلب بن الفضل العباسي الهاشمي- رحمه الله- رئاسة أصحاب أبي حنيفة، فاستوحش لذلك، وترك منصبه، وسار إلى حماة. فأنزله الملك المنصور أبو المعالي محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بها، وأكرمه وولاه المدرسة النورية بها. ثم إنَّ الملك الظاهر- رحمه الله- طلب عوده من والدي- رحمه الله- فسار- وكنت صحبته إلى حماة- وأعاده إلى حلب المحروسة، إلى منصبه. قرأت عليه الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة- رضي الله عنه- وشيئًا من الحديث. وسمعت منه أشياء من المذاكرة، وأجاز لي رواية مسموعاته ومروياته. وكانت وفاته- رحمه الله- ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان، من سنة أربع عشرة وستمائة فجأة. كان قد استدعى فقهاء المدرسة، في تلك الليلة على عادته في شهر رمضان للإفطار على مائدته، وأكلوا وخرجوا عنه. ثم صلّى العشاء الآخرة والتراويح، وسجد وحضرته الوفاة/ 216 ب/ فلم يتكلم بشيء؛ إلى أن مات، واستدعيت إليه، وهو في الحياة، فلم يزل إلَّا يسيرًا حتى مات، ودفن صبيحة تلك الليلة، بتربتنا بمقام إبراهيم- عليه السلام- إلى جانب والديَّ- رحمهما الله-. قال القاضي- أيده الله تعالى- ومما أنشدني القاضي أبو عب الله لنفسه: [من الطويل]

أشدُّ المحبِّين اشتياقًا ووحشةً ... لمحببوه صبٌّ يبيت على وعد يخاف اجتنابًا واضعًا عن تعمُّد ... وأصعب ما كان التَّجنُّب عن عمد وقد كان يرجو قبل ذلك وصلة ... ويحب أنَّ الهجر ما كان عن قصد فإن صدَّ بعد الوعد ظنَّ بأنَّه ... جفاه على علمٍ فمات من الوجد وأنشدني؛ قال: أنشدني محمد بن يوسف لنفسه: [من مخلّع البسيط] لا تهجعن تحظ بالأماني ... هجر الكرى حلية الجدود واسع إلى الفضل غير وانٍ ... تقطع إذًا دابر الحسود وأنشدني، قال: أنشدني محمد بن أبي محمد، قوله أبياتًا كتبها إلى الوزير صفي الدين عبد الله بن شكر معتذرًا ومتنصلًا: [من الطويل] لعبدك من ضعف لمنقبع متى ... دعا أجبت وكان العفو عنه جوابا / 217 أ/ ويؤمنني حلمٌ وجود وقدرةٌ ... لمالك رقِّي إن خشيت عقابا ولست وإن أذنبت أوَّل من جنى ... على نفسه ثمَّ استقال ونابا وأنشدني، قال: أنشدني المذكور لنفسه، ما كتبه إلى الصفي محمد بن إسماعيل الكاتب المصري، سأله حسن المناب عنه، عند ابن شكر الوزير: [من الخفيف] كن شفيعي عند الوزير فإنِّي ... واثقٌ إن شفعت لي بالقبول أنت أهلٌ لكلِّ قولٍ جميلٍ ... وهو أهلٌ بكلِّ فعلٍ جميل وأنشدني، قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه، ما كتبه إلى المبارز يوسف بن خطلخ- رحمه الله- وكان قد تكلم في حقّه عند الملك الظاهر بكلام حسن من غير أن يطلب منه ذلك: [من مجزوء الكامل] أهنا العوارف ما أتى ... عفوًا بلا طلبٍ مهنَّا والوجه موفور الحيا ... ء وقد تعجَّل ما تمنَّى ما غاض منه ماؤه ... بل زاد إشراقًا وحسنا لم يبغ فيه ولا تقلِّد للشفيع يدًا ومنَّا / 217 ب/ كيد المبارز أخجلت ... بسماحها بحرًا ومزنا مطرت ولم يفتح لها ... للوعد بالإيماض جفنا

بل سحَّ وابلها ولم ... نستقها سحّا وهتنا [691] محمَّد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن بن هبة الله، أبو عبد الله بن أبي الفضل البغداديُّ المعروف بابن النجار. وكان النجار والده. كانت ولادة أبي عبد الله في ليلة الأحد الثالث والعشرين من ذي القعدة، من سنة ثماني وسبعين وخمسمائة ببغداد.

أخذ شيئًا من علم العربية، عن جماعةٍ من النحاة البغداديين؛ كأبي بكر المبارك بن المبارك الواسطي النحوي، وأبي الحسن علي بن المبارك بن بابويه النحوي، وأبي البقاء عبد الله بن الحسين النحوي العكبري، وأبي الخير مصدّق بن شبيب بن الحسين الواسطي. ثم اشتغل بالحديث وكتابته، وسمع ببغداد في سنة ثماني وثمانين وخمسمائة، وهو أول سماعه، ثم طلبه بنفسه في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، فقرأه على أبي الفرج عبد المنعم ب/ 218 أ/ عبد الوهاب بن صدقة بن كليب الحرّاني، وأبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي بن سكينة البغدادي، وأبي طاهر المبارك بن المبارك بن هبة الله بن المعطوش العطار، وأبي القاسم ذاكر بن كمل بن غرائب الخفاف، وعلى جماعة سواهم. رحل إلى الحجاز، وأقام بمكّة سنة سبع وستمائة، وسمع بها وبالمدينة على جماعة، ثم دخل الشام من مكة في سنة ثماني وستمائة، فقرأ بدمشق على أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأبي القاسم الحرستاني وجماعة غيرهم. وقدم حلب فسمع بها أبا هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي، وأبا محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي وغيرهما. ثم سمع في طريقه بحران وبلاد الجزيرة والموصل وتكريت، ودخل بغداد، وخرج منها إلى بلاد الجبل، فسمع بهمذان من أصحاب أبي المحاسن نصر بن المظفر البرمكي، ودخل أصفهان، فسمع من أصحاب أبي بكر محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني، وإسماعيل بن الفضل بن أحمد بن الأخشيد السراج، وغانم بن خالد التاجر، وزاهر بن طاهر الشحامي. ثم رحل على خراسان، فسمع بنيسابور المؤيد/ 218 ب/ ب محمد بن علي الطوسي، وأبا بكر القاسم بن عبد الله بن عمر بن أحمد الصفار، وزينب بنت عبد الرحمن بن أحمد الشعري وغيرهم، وبهراة: أبا روح عبد المعمر بن محمد بن أبي الفضل البزاز الصوفي، وبمرو: أبا المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني وغيرهم؛ ثم عاد راجعًا إلى بغداد، فسمع ببسطام ودامغان والريّ وساوة وهمذان وأسد

آباذ، وغير ذلك من البلاد. ثم أقام ببغداد سنة، ثم عاد ودخل أصفهان، فسمع في طريقه بنهاوند والكرج، وأقام بأصبهان إلى استولى الكفار على البلاد، وهو بها يكتب ويسمع إلى أن يسر الله الخروج سالمًا منها، مع كتبه وما جمعه وألفه إلى بغداد، فدخلها في سنة عشرين وستمائة، وأقام بها ثلاثة أشهر. ثم رحل عنها إلى البلاد الشامية، فحدّث بها. ثم توجه نحو الديار المصرية، فكتب بها عن الشيوخ، وعلق الفوائد، وأكرمه سلطانها الملك الكامل، وأطلق له شيئًا، وسأله المقام، فلم يجب إلى ذلك. ثم عاد من الديار المصرية، قاصدًا مدينة السلام، فدخلها وهو مقيم بها، يسمع الحديث، ويفيد الناس وألّف على ((تاريخ الخطيب)) مذيّلًا في عدَّة/ 219 أ/ مجلدات، ولي منه إجازة بجميع مؤلفاته ومسموعاته ومروياته. [من مصنفاته: كتاب ((التاريخ المجدد لمدينة السلام، وأخبار علمائها الأعلام، ومن وردها من فضلاء الأنام))؛ وهو ذيل على تاريخ أبي بكر الخطيب في مائتين واثنين وثلاثين جزءاً، وكتاب ((التاريخ الكبير)) في ذكر الأعلام من سائر البلاد، المذيل على تاريخ أبي عبد الله محمد بن إسحق بن مندة الأصفهاني، الذي به على تاريخ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الإمام- رضوان الله عنهما-. وكتاب ((المحكم في ترتيب المفحم))، يشتمل على مشايخه الذين كتب عنهم الحديث، وعلى من كتب من رفقائه الفضلاء ومن الشعراء والأدباء، يدخل في عشرة أجلاد، ولم يبيض. وكتاب ((الكمال في تكملة الإكمال، في معرفة المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والألقاب والأنساب في أسماء النساء والرجال))؛ ذيل به على كتاب الأمير أبي نصر بن ماكولا، يشتمل على خمسة أجلاد، وكتاب ((الرائق في معرفة السابق واللاحق))؛ ذيله على كتاب أبي بكر الخطيب، وكتاب ((كشف النقاب عن المنمق في الأنساب)) - خطًا ولفظًا- في معرفة الصحابة، وكتاب ((المنمق والمغترب))؛ ذيل به على كتاب أبي موسى محمد بن عمران بن أبي عيسى الأصفهاني، وكتاب ((المنتخب في معرفة النسب))، وكتاب ((مناقب الإمام الشافعي)) - رضي الله عنه- وكتاب ((الألقاب))، وكتاب ((الذيل على خريدة القصر وجريدة العصر)) لأبي عبد الله محمد بن

محمد بن حامد الأصبهاني الكاتب، وكتاب ((التاريخ على السنين)) في أخبار الملوك والحوادث والوفيات، ابتدأ فيه من سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وهو أول تأريخ ... ]. أنشدني الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار لنفسه؛ وذكر لي أنَّ بعض الأصدقاء رآه بأصبهان مكتئبًا، يوم عيد، وسأله عن السبب الموجب لذلك، فقال ارتجالًا: [من البسيط] وقائلٍ قال يوم العيد لي ورأى ... تململي ودموع العين تنهمر: مالي أراك كئيبًا باكيًا قلقًا ... كأنَّ قلبك فيه النَّار تستعر فقلت: إني بعيد الدَّار عن وطني ... ومملق الكفَّ والأحباب قد هجروا وأخبرني الحافظ أبو عبد الله بن النجار، بمدينة السلام، يوم السبت العشرين من ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: اجتزت بدورق مدينة من نواحي خوزستان، فحضر عندنا غلام تركي، مليح الصورة، فسألناه عن واقعة وقعت له، وأطال الكلام. ثم ذهب فرمدت في الحال، ومرضت عيني، /219 ب/ وكان معنا فقيه كرماني، فقال: هذا خلاف القياس وكان ينبغي بنظرك إليه، أن لو كانت عينك رمدةً، أن تبرأ، فأنشدته مرتجلًا: [من المنسرح] وقائلٍ قال: قد نظرت إلى ... وجه مليح فاعتادك الرَّمد فقلت: إنَّ الشَّمس المنيرة قد ... يعشو لها النَّاظر الَّذي يقد وقال الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود البغدادي، في غلام اسمه أوحد، وهي أوائل الأبيات: [من المنسرح] إن الغزال الَّذي يتيَّمني ... منه بقدٍّ كالغصن معتدل ووجنةٍ وردها الجنيُّ جنى ... قتلي لمَّا أومأت للقبل حشاي مجروحةٌ بأسهم عيـ ... ـنيه وما فيهما من الكحل

دواء دائي ريقٌ يجود به ... من فيه أحلى ذوقًا من العسل إنَّ اسمه ملغزًا أوائل أبيا ... تي بلا خفيةٍ ولا خلل [692] محمَّد بن مسعود بن محمَّد المالينيُّ الهرويُّ. ومالين من رستاق هرات، أبو يعلى. كان أديبًا/ 220 أ/ فاضلًا عارفًا بالنحو واللغة، ويقول شعرًا جيدًا بالفارسية والعربية، ويذهب إلى مذهب الكرَّاميَّة. أخبرني أبو عبد الله الدبيثي، إجازة منه إلي إن لم يكن سماعًا، قال: قدم أبو يعلى بغداد حاجًا، في سنة ثمان وستمائة، وكتب عنه بها من شعره، فحجّ وعاد إلى بلده، وسألت عنه، فقيل: لم يكن محمود الطريقة، وأنَّه كان متسامحًا في الأمور الدينية. ومن شعره العربي قوله ما أنشدني الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود البغدادي، قال: أنشدني أبو يعلى محمد بن مسعود لنفسه بمنزلة في سنة إحدى عشرة وستمائة: [من الطويل] أصون المحيَّا لا أرقرق ماءه ... إذا ابتذلت عند الطَّماعة أوجه أأنزل بالأدنى ومن تحت أخمصي ... من الفلك الأعلى تطامن أوجه [693] محمَّد بن الفضل بن بختيار بن أبي نصرٍ الواعظ، أبو عبد الله بن أبي المكارم.

من أهل باعقوبا. سكن دقوقا؛ وعقد مجلس الوعظ، وصار له قبول عند أهلها. / 220 ب/ روى بها عن أبي الوقت، وذكر أنه سمع منه ببغداد، ومن جماعة مجاهيل، روى عنهم. وكانت ولادته في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة في ربيع الأول، وتوفي بدقوقا، ثاني عشر جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة، ودفن بها. وكان يتولّى الخطابة ببعقوبا في الجمع، ويعظ. أخبرني أبو عبد الله الدبيثي في تاريخه، قال: قدم أبو عبد الله بغداد، وأقام بها مدّة، وسمع بها، فيما يقول من أبي الوقت وعب القادر الجيلي وغيرهما، وببعقوبا من أبي إسحاق إبراهيم بن بدر بن أبي طالب النباري- ونبارى المنسوب إليها من قرى إبراز الروز- ومن أبي طاهر المؤمل بن نصر بن المؤمل وغيرهم. وسكن بأخرةٍ دقوقًا، ولقيته بها، وكتبت عنه شيئًا يسيرًا، وكان قد حدث بأحاديث من سنن أبي عبد الرحمن النسائي؛ ذكر أنها ثلاثيات للنسائي، وكانت وهما وقع في نسخه له، ذكر أنَّه سمعها من إبراهيم بن بدر المذكور، فعرف الخطأ في ذلك، فترك روايتها. سألته عن مولده، فقال: في شهر ربيع الأول، سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وكتب لي بخطه، وأنشدني لنفسه من كتاب، كتبه إلى صديق له: [من الطويل] / 221 أ/ وأخلصه قلبي الولاء حقيقةً ... كإخلاصه في الحبِّ سفن النَّجا حقَّا موالٍ مواليهم ينال المنى بهم ... فلا زال طول الدَّهر في حبِّهم يرقى

[694] محمَّد بن حازمٍ السَّمَّان، أبو عبد الله الحلبيُّ. من أهل حلب. وكان قد ولاّه بعض أمراء حلب، كتابة شيخلية الحاضر السُّليماني، لكونه مدحه أولًا بقصيدة. وكانت وفاته في سنة سبع عشرة وستمائة. كان شاعرًا يمدح الأكابر والرؤساء، وله يد في حلِّ الألغاز، وعنده فضل وتميز. ومن شعره يقول: [من الطويل] أعاذل مهلًا إنَّ سلوانهم عار ... ومن لي بأن أسلو وقد شطَّت الدَّار أعد ذكر نعمان الأراك فإنَّه ... ليعتادني منه على البعد تذكار وقصَّ أحاديث العذيب فإنَّني ... رحلت ولي فيهم حديثٌ وأسمار سلا بانة الوادي متى خطرت به ... ففي إثرها للمندل الرَّطب آثار تأرَّج ريَّاها بذي البان والنَّقا ... ففي كلِّ ميَّالٍ هنالك عطَّار وأنشدني أبو محمد القاسم بن محمد بن سراج/ 221 ب/ الحلبي، قال: أنشدني محمد بن حازم لنفسه: [من المتقارب] أما آن أن تتلافى تلافي ... وأن تتجافى سبيل التَّجافي وأن تتجنَّب ذا الاجتناب ... وتعرف عهد المحبِّ الموافي

ألا يا غزالًا غزا مهجتي ... وأضعفني بالجفون الضِّعاف عيونٌ تفيض عيونًا عليك ... فطر في لجَّة الدِّمع طافي وشاهد شاهد سقمي فعاد .. صفا قلبه يشبه الماء صافي وقد زار تحت إزار الدُّجى ... وخالف عذَّاله في خلافي فقبَّلت قبلة ورد الخدود ... وصيَّرت شافي لماه ارتشافي وما عاقني من لذيذ الوصال ... سوى الخوف من هول يوم المخاف فنفس النَّفيس تعاف الفساد ... ورسم الخنا قد عفا في عفافي [695] محمَّد بن أبي الخير بن أبي الفضل بن الفضل بن أبي الفضل بن سطيحٍ، أبو عبد الله الحموي الحكيم الطائفيُّ. من خواص أصحاب الملك المنصور أبي المعالي محمد بن/ 222 أ/ عمر بن شهنشاه- صاحب حماة-؛ ولديه فضل، وعلم، وأدب، ودراية، ومعرفة، وفصاحة، وله شعر جيد مستحسن. لقيت ولده أبا الفضل أحمد الحكيم الفاضل بحلب المحروسة، وذكر لي أنَّ والده توفي في ربيع الأوّل سنة سبع وثلاثين وستمائة. ومن شعره يمدح الملك المنصور- صاحب حماة-: [من الطويل] أما والهوى يوم استقلَّت حمولها ... وأضحت خلاءً من حبيبٍ طلولها لقد غادرت بين الضُّلوع صبابةً ... ولوعة حزن ليس يشفى عليلها وسارت فقلب المستهام محرَّقٌ ... بنار الأسى والعين تجري سيولها لعمري لقد جدَّ البلاء وأعلن الـ ... ـمشوق بشجوٍ يوم جدَّ رحيلها وضنَّت بتقبيل البنان وإنني ... لينفعني ممَّا تنيل قليلها سقى دار ليلى حيث حلَّت وخيَّمت ... من المزن منهلُّ الرَّباب هطولها لك الله هل بعد الصُّدود تعطُّفٌ ... وهل بعد هذا النَّأي يقضي وصولها هي القمر الوضَّاح والشِّمس للضحى ... تنير ولكن لا يخاف أفولها لها مقلتا ريمٍ وخدٌّ مورّدٌ ... أسيلٌ ألا خير الخدود أسيلها

وخصرٌ دقيقٌ عاد يشكو نحوله ... وأحسن ممشوق الحصور نحولها / 222 ب/ تمايل من سكر الصِّبا فكأنَّما ... تدار علينا بالكؤوس شمولها ومنها في المديح: نشير إلى ملكٍ رفيع عماده ... وحيث يرى جمُّ العطايا جزيلها له حملاتٌ في الوغى مستبينةٌ ... وصولات طعنٍ لا تزال نصولها تقصِّر عن إدراك شأو علائه ... ملوك زماني شيبها وكهولها هو الملك المنصور والماجد الَّذي ... له كلَّ يومٍ عارفاتٌ ينيلها علا بك شاذي وابنه وقبيله ... ذرى شرفٍ ما كان قدمًا يطولها ما برسول الله حقًا تشرَّفت ... قريشٌ ولولاه لطال خمولها [696] محمَّد بن بدران بن مليل، أبو البدر الكرمونيُّ. من قرية شرقي تكريت، من أعمالها تدعى كرمي. [كان] رجلًا ذا عقل ودين، وأمانة ومعرفة، يفوق بصفاته على أضرابه وأشكاله، ويتميّز بها من أصحابه وأمثاله؛ ولذلك كثر خلاّنه وأصدقاؤه، وركن إلى صدقه وحذقه ولاته وأمراؤه، ينزل نفسه في نصرة/ 223 أ/ صحابه، ويكرم قاصده، ويقوم بواجبه، وعنده من الشجاعة والنجابة والأخلاق العذبة المستطابة، ما يرغِّب اللبيب في معاشرته، ويحبِّب البعيد والقريب في مصاحبته وأخوته. ما زال الأمراء بقلعة تكريت، يأتمنونه في أشغالهم، ويطلعونه على ما يحتاجون إليه فيه من بواطن أحوالهم. وكان معين الدين ارنقش الخاص؛ حين تولى إمارة تكريت من جانب الديوان العزيز- مجّده الله تعالى- لما صار أمرها إليه، اعتمد عليه في بعض مهام الدين العزيز، وأنقذه إلى بلد ماردين، وكذلك من بعده من الأمراء بتكريت. وكانت له عناية تامة، ولجماعة أخوته من الأمير فلك الدين آقسنقر الناصري، حين ولي تكريت، ودقوقًا،

وبين النهرين. وهو مع اشتغاله بخدمة السلطان، محافظ على أداء الصلوات، متجنّب للحرام والشبهات، خدم متجنِّدًا بقلعة تكريت من زمن معين الدين ارنقش لحاجته إلى طلب الرزق. وحضر عند القاضي تاج الدين ابن زكريا، بتكريت كثيرًا، وسمع ما يذكره، وما يقرأ عليه من العلوم، وقرأ عليه جميع كتاب ((العقود اللمع)) لابن جني. / 223 ب/ وكان له ميل إلى فن الأدب والنظم، وعنده معرفة حسنة في منازل الشمس والقمر ومسيرهما، ومعرفة الأنواء، وقد صحبته عدّة مرار في تردداته إلى مدينة السلام. وسألته حين كثرت معه صحبته، وصحت له إرادته، أن يلبسه خرقة التصوف، ليتسم بسمة التلاميذ والأصحاب، ويتمسك منه بأجمل الوسائل، وأحسن الأسباب، فالبسه الخرقة. وكان ينتمي في لباس الفتوة إلى الشيخ شهاب الدين يوسف القصاب، وهو من جملة رفقائه وأصحابه، وله معرفة بجماعة من صدور مدينة السلام، حسن التوصل إليهم، فيما يحتاج إليهم فيه من أشغالي وأشغال رفقائه وجماعته. ولما أقام القاضي تاج الدين أبو زكريا بالمدرسة النظامية، مدرسًا لها، كتب إليه الرئيس أبو البدر، كتاب استيحاش، وضمنه أبياتًا من نظمه وهي: [من السريع] يا سادتي من ذا الَّذي قد رمى ... بالعين أصمانا بسهم لخطوب كنتم مصابيحًا بها نهتدي ... في الدِّين والدُّنيا ونور القلوب واليوم مذ فارقتمونا نرى ... قد بان في تلك القلوب الغيوب / 224 أ/ أنتم رضيتم غيرنا خبرةً ... نحن لمن يرضى بكم في الشُّعوب شوقي إلى الزَّوراء ما ينحصي ... ولو تعاناه حساب الضُّروب إذا تذَّكرت زمانًا مضى ... قلت لعلَّ الدَّهر يومًا يؤوب وحقَّكم ما مرَّ بي طيفكم ... في اللَّيل أو هبَّت رياح الجنوب إلَّا وفاضت مقلتي أدمعًا ... شوقًا إليكم وفؤادي يذوب يا سادتي بالله لا تقطعوا ... أخباركم عنِّي فعندي كروب

[697] محمَّد بن موسى المتانيُّ. ينسب إلى متانة قرية من أعمال حوران. رجل شديد سمرة اللون، قيل إنَّ أصله من بلاد المغرب، من أنزق خلق الله، وأشرسهم أخلاقًا، يلزم نفسه العزلة عن الناس والرياضة والمجاهدة على ما كان عليه. ويدّعي علومًا كثيرة، ويحضر مجلس الفقهاء، ويبحث معهم، ويسفه عليهم في فلك المناظرة والجدل؛ ولم يخرج عن الأخلاق الغريبة، لضيق عطنه، وكثرة شرّه. وكان يغضب على من يخاطبه ويسمعه كلامًا غليظًا لرداءة طباعه وقحته. / 224 ب/ واجتمعت به كثيرًا بالمدرسة المنسوبة إلى بني عصرون بحلب، وكان نازلًا بها. أنشدني القاضي عماد الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عصرون التميمي؛ قال: أنشدني محمد بن موسى المتاني لنفسه: [من الخفيف] تلفت مهجتي فوامهجتاه ... من غزالٍ سبى الفؤاد هواه رشأ أهيفٌ أغنُّ كحيلٌ ... تحتوي سحر بابلٍ مقلتاه فاق بالحسن حسن كلِّ مليحٍ ... فشهدنا أن لا مليح سواه هل تراه يجود لي بوصال ... بعد طول الصُّدود فيه تراه أيها القاتلي بطول الأماني ... وعدك الصَّبَّ بالوصال شي هو اتَّق الله كم تعذِّب قلبي ... يا هواه وسؤله ومناه أحيي بالوصل مستهامًا كئيبًا ... مغرمًا منك داؤه ودواه أيها النَّاس من معينٌ لصبٍّ ... طال بالنَّجم وجده وعناه وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني محمد المتاني لنفسه [من البسيط] أهل الصَّبابة هل صبٌّ من البشر ... لاقى من الوجد ما لاقيت من عمر / 225 أ/ يرنو فينضو لنا من لحظه صقل ... ماض مضاربه أمضى من القدر

[698] محمَّد بن الحسين بن أسعد بن عبد الرحمن بن الحسن بن طاهر بن محمَّد بن محمَّد بن الحسن بن عليِّ بن يزيد الكرابيسيُّ النيسابوريُّ، أبو المعالي بن أبي عبد الله بن العجميِّ. من أهل حلب، ومن أكبر بيت بها، وأقدمه في الحشمة الظاهرة، والثروة الوافرة. كانت ولادته في شهر ذي القعدة سنة أربع وستين وخمسمائة، وتوفي بدمشق عائدًا من الحجّ، وكان موته يوم الإثنين في فندق ابن المقدم على باب الفراديس، وكان ذلك اليوم الحادي والعشرين من صفر سنة خمس وعشرين وستمائة، وحمل تابوته إلى محروسة حلب، فدفن بها، وكان وصوله يوم الأربعاء مستهل ربيع الأول، ودفن بالجبل صبيحة ذلك اليوم. وكان فقيهًا شافعي المذهب، له معرفة بالخلاف والأصولين، مدرسًا درس بالمدرسة السلطانية الظاهرية، خارج مدينة حلب قبليها. وكان قد سافر إلى البلاد الخراسانية، وتجّول فيها، واشتغل هنالك مدّة، ثم عاد إلى مدينة حلب، درس الفقه على أبي الحسين عبد الملك/ 225 ب/ بن نصر الله بن جهبل الحلبي، وقرأ بالموصل على أبي حامد محمد بن يونس بن محمد بن منعة ابن مالك الموصلي الفقيه الشافعي المدرس. أنشدني أبو عبد الله الحسين، قال: أنشدني والدي لنفسه؛ وأنشدنيها أيضًا الشيخ الأجل الأمين محيي الدين أبو صالح عبد الكريم بن عثمان بن عبد الرحيم بن العجمي- أيده الله تعالى- قال: أنشدني أبو المعالي محمد بن الحسين بن العجمي

لنفسه: [من الطويل] ألا هل بنعمان الأراك مقيل ... لذي لوعةٍ منه ويسمع قيل؟ وهل لليالينا برامة عودةٌ ... وطرف الأعادي والوشاة كليل؟ وهل يرد الصَّادي رضاب رضاكم ... فشفى عليلٌ أو يبلَّ غليل؟ أحبَّه قلبي قد ضنيت من الظَّما ... فهل لي إلى ماء العذيب سبيل؟ أرى منهلًا عذبًا غزيرًا ووروده ... ألا عنه لي حتى الممات سبيل أيحسن في شرع الهوى أنَّ ظلَّكم ... ظليلٌ وأنِّي مدنفٌ وقتيل ولا عجبٌ أنِّي أموت صبابةً ... وقد مات قلبي عروةٌ وجميل وله: [من الطويل] تغيَّرت الأيَّام واسودَّ بيضها ... وساد سواد النَّاس فيها قرودها / 226 أ/ وفي الموت فوزٌ للكريم وراحةٌ ... إذا ملكت أحرار قومٍ عبيدها ومما ينسب إليه أيضًا، وأنشدنيه عنه أبو البركات محمد بن عثمان بن المنبجي: [من الطويل] لئن قرَّب الله التداني وقوِّضت ... خيام النَّوى واعتضت عن بعدكم قربا غفرت لصرف الدَّهر كلَّ جريمةٍ ... وإن كنت ممَّن لا أبيح له سبَّا وأنشدني ولده أبو عبد الله الحسين، قال: أنشدني والدي لنفسه [من البسيط] يا نازلي البلد الأقصى ومنزلهم ... وسط الضَّمير وهم في القلب سكَّان أفنيت صبري وأبقيت الغرام فلا ... صبرٌ ولا عنك لي يا عين سلوان نفيت عزمي عن أهلي وعن وطني ... يا من إذا ماس فيه يخجل البان هل تذكرون محيّا قد فنى أسفًا ... أفناه في حبِّكم همٌّ وأشجان لا يطعم الغمض مذ شطَّت دياركم .. وليس يؤنسه أهلٌ وخلَّان أشكو إلى الله عمرًا قد مضى عبثًا ... لا الدَّار دارٌ ولا الجيران جيران

ضدّان قد لازماني في محبَّتكم ... في العين ماءٌ وفي الأحشاء نيران / 226 ب/ من لي بكتمان ما الأحشاء تضمره ... وفيض دمعي على الخدِّين عنوان قد كان دمعي لآلي قبل بينكم ... والآن مذ غبتم فالدَّمع مرجان قد كنت ذا طربٍ في قربكم فغدا ... لبعدكم [في الحشا] همٌّ وأحزان ونقلت من خطه شعره: [من السريع] وإن كنت لا أطمع في وصلكم ... ولا أنال الفوز في الآخره وقد مضى عمري ضياعًا بكم ... فيا لها من ضفقةٍ خاسره [699] محمَّد بن إبراهيم بن خشنام بن أحمد، أبو حامدٍ الحلبيُّ. كان له عناية بالحديث وسماعه، ورحلة في طلبه، وسمع الكثير منه، وله مع ذلك يد في معرفة الطبّ، وعلم الأدب، وكان فاضلًا. صار إلى من تأليفه، مجموع حسن في معناه، صنعه باسم بعض الكبراء في ذلك الوقت، محتوٍ على فنون من محاسن الأشعار، ولطائفها، وقد رتَّبه أبوابًا وفصولًا، وأورد فيه نبذًا من شعره. وحدثني أخوه نجم الدين أبو الحسن بن إبراهيم بن خشنام الفقيه الحلبي، بحلب المحروسة، قال: توفي أخي أبو حامد/ 227 أ/ بعد الستمائة؛ لأنه كان الأكبر، وكنت صغير السن يومئذ. ومن شعره يقول في كتاب ورد عليه من بعض أصدقائه: [من الكامل] ورد الكتاب فمرحبًا بوروده ... من عند خير مكاتبٍ ومراسل فلثمته من بعد قولي ناشطًا ... يا مرحبًا بقدومه من واصل وخضعت للرحمن جلَّ جلاله ... أن يجمعن ما بيننا بالعاجل وقال في مثله: [من المتقارب] أتاني الكتاب وفصل الخطاب ... لبرد الشَّباب وعهد الصَّبا من البحر فصلًا من القطران ... تراه إلى نشر علمٍ صبا

فبرَّد عنِّي غليل البعاد ... كما الصَّبُّ هبَّت عليه الصَّبا وقبَّلته العشر من بعد أن ... تأمَّلته قائلًا مرحبا وقوله يمدح: [من الكامل] صدرٌ يداه مقبل الإقبال ... وعلى نداه معوَّل الآمال إن كان لا يأتي السَّحاب بنقله ... فبكفِّه يأتي سحاب المال وقوله: [من المتقارب] إذا نشر الصُّبح أعلامه ... ...... يد البين أكمامه / 227 ب/ فقم يا غلام وهات المدام ... وناد الصِّبوح ومن رامه ولا تهملن زقَّ بنت الكروم ... إلى ابن الكرام وإكرامه فما عاقلٌ من يعقُّ العقار ... ومن يصغ سمعًا لمن لامه وقال أيضًا: [من الطويل] سلامٌ كأنفاس الشَّمال تبسَّمت ... على نفس مهموم يودُّ نسيمها نسيمٌ ينسِّي طيب ريَّاه ربربًا ... ترَّبى بجنَّات النَّعيم نعيمها [700] محمَّد بن أحمد بن رافعٍ، أبو المحامد الهلاليُّ. ينسب إلى جبل بني هلال من أعمال صرخد، من الشعراء الدمشقيين. أخبرني القاضي السيد بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب- أيده الله تعالى- بحلب، قال: كان أبو المحامد رجلًا أسمر، وافي اللحية، عبل الجسم، وأوّل ما وخطه الشيب يسلك سلوك الأعراب في إنشاده الشعر، جهوري الصوت. يفد إلى حلب، ويمدح سلطانها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف- رحمه الله- فيجيزه على شعره، ويكرمه، وينصرف عنه شاكرًا لأياديه، وسمعنا منه كثيرًا من شعره.

ذكره أبو الحسن بن محمد بن أحمد بن عمر القطيعي/ 228 أ/ في تاريخه المذيل على تاريخ السمعاني أبي سعيد، وقال: قدم أبو المحامد هذا بغداد، أيام قاضي القضاة ابن الشهرزوري، ثم قدمها سنة إحدى وستمائة. وأنشدني لنفسه: [من الطويل] عفا الربع من سلمى فأقوت منازله ... وعيفت لبعد الحيِّ عنه مناهله وناحت به ورق الحمام كأنَّها ... تحاول من سكَّانه ما تحاوله خليلي إنَّ الحبَّ داءٌ دواؤه ... فراق حبيب أو حبيبٌ تواصله إذ الوجد لا ينفكُّ في مذهب الهوى ... كسبًا إذا لم يخرج الحقَّ باطله وليل بثٍّ بتُّ فيها كأنَّما ... بجفني من شوك القتاد عوامله أراصد منها كلَّ نجمٍ كأنَّما ... حرامٌ عليه أن يرى الغرب مائله وكم رمت إسعاف الرُّقاد وقد دنت ... أواخر ليلي أرَّقني أوائله لعلَّ خيال العامريَّة موهنًا ... يغازلني في جنحه وأغازله وهيهات أن يحنو على ذي صبابةً ... حليف هوًى قد ملَّ منه عواذله له أنَّه الشَّاكي إذا ما ترنَّمت ... على الدَّوح من وادي الأراك بلابله وأنشدنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن سعد بن الخشاب؛ قال: أنشدنا أبو المحامد الهلالي لنفسه، / 228 ب/ هذه القصيدة الدالية، يمدح السلطان الملك الظاهر- رحمه الله تعالى-: [من الكامل] بالمشرفيَّة والقنا الميَّاد ... ملكت معاقل يعرب وإياد وبحثِّ والدك الصَّوافن ضمَّرًا ... تختال تحت قساور الأمجاد دانت ملوك المشرقين وزعزعت ... بالمغربين شوامخ الأطواد فعلام يا خير الملوك أبًا ومن ... خلقت صوارمه بلا أغماد لم تورد البيض القواضب والقنا ... مهج العداة فإنَّهنَّ صوادي وتقيدها بدم الكماة كأنَّما ... خضبت عواملها يد العرصاد فانظر غياث الدِّين يا خير الورى ... وأجلَّها من حاضر أو باد يا ابن الَّذي ملك الطُّغاة وأصبحوا ... رهن الحقوف لديه والأضداد

واغتر لدين المسلمين فقد سمت ... ظلمًا ثعالبه على الآساد وانهض إلى الدُّنيا بكلِّ غضنفر ... ندب لكلِّ وقيعةٍ معتاد ثبتٍ يودُّ لدى الطِّعان بأنَّه ... لعلاك من دون البريَّة فادي وافتح حصون الخافقين فإنها ... وافتك طائعةً على ميعاد لا تخش من كيد الملوك فإنَّهم ... نعمٌ وأنت لها بسيفك حادي / 229 أ/ تالله لا بلغو مداك ولا شأوا ... علياك يا ابن السَّادة الأجواد أنَّى وأنت لهم إذا اشتجر القنا ... ليث الشَّرى وإلى المكارم هادي غرست رماحك في الجوارح منهم ... رعبًا تبقِّيه على الأولاد إن يحسدوك على المكارم والعلا ... والمجد لا يخلو من الحسَّاد كم بين من نسخ الكرام وأصبحت ... أمواله وقفًا على الوفَّاد نال المدى يوم السِّباق ومجده ... إرثٌ عن الآباء والأجداد ومدمَّم بخلت يداه فلا يرى ... طرف الفخار إليه بالمنقاد كم رام ذو خطر ليدرك بعض ما ... أوتيت من شرف وبذل أيادي فرآك كالنَّجم الَّذي لا ترتقي ... يومًا إليه طبائع الأجساد أنت الَّذي عمَّت سحائب جوده ... سحّا على الأغوار والأنجاد وغدا لنشر مديحه بين الورى ... وثنائه في كلِّ قطر شادي أغياث دين الله يا من لم يزل ... عزِّي إذا طلب الزمان عنادي يا خير من جرًّ الجيوش وخير من ... تليت مناقبه على الأعواد إنِّي ولجت فناء جودك راجيًا ... مننا تبلِّغني لديك مرادي فاجمع رعاك الله شملي عاجلًا ... يا ابن الكرام الغرِّ بالأولاد / 229 ب/ فلقد وعدتهم بأنَّك منجحٌ ... قصدي وأنَّك عدَّتي وعمادي واسلم فخير النَّاس أنت وللندى ... أهلٌ وأنت بكلِّ خير بادي وتهنَّ شهر الهاشميِّ محمدٍ ... وبشهر أمَّته وبالأعياد

[701] محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن عليٍّ اليحصبيُّ، أبو عبد الله القرمونيُّ الأندلسي. كان طويلًا من الرجال، خفيف الروح، مداعبًا معاشرًا. نزل دمشق وخالط صدورها، واتصل بأماثلها. وكان طول دهره، لم يزل مكشوف الرأس، ما وضع على رأسه عمامة ولا قلنسوة. ويعتني بالتصوف، وطريقة التوكل، ويميل إلى السياحة والفقر، ولبس الصوف. وكان له شعر حسن، وفيه أدب وفضل. حدثني أبو الفضل عمر بن علي بن محمد بن هبيرة، قال: رأيت بدمشق، ومدح والدي بهذه الأبيات: [من مجزوء الكامل] يا طالبًا معنى الزَّمن ... إلق الوزير أبا الحسن تلق المكارم والنُّهى ... والخلق والخلق الحسن / 230 أ/ ما مثل نجل هبيرةٍ ... لا بالشَّام ولا اليمن فإذا ظفرت بحبله ... ظفرت يمينك بالمنن وركنت منه إلى يدي ... طود ترفَّع عن قنن يا أيها الشَّمس الَّذي ... حاز الفرائض والسُّنن يا فجر بغداد الَّذي ... أضحت لمجدكم سكن إن لم تكن أنت الَّذي ... ترجى لمكرمةٍ فمن؟ ومنها: لا زلت من ريب الحوا ... دث لابسًا أوفى الجنن [702] محمَّد بن صالحٍ المعلم، أبو عبد الله الواسطيَّ. شاعر، له دراية بالأدب؛ نزل البصرة، وهو بها مقيم، يمدح وجوه أهلها، ولم يكن له حرفة سوى التكسب بالشعر، والاستجداء به. وهو من سواد واسط.

أنشدني أبو عبد الله محمد بن شعيب الواسطي، قال: أنشدني محمد بن صالح الواسطي لنفسه: [من البسيط] / 230 ب/ هل نازح الدَّار بعد البعد يقترب ... فيستريح فؤادٌ كله كرب أما اللَّيالي الَّتي جاد الزَّمان بها ... تعود من بعد ما فاتت فترتقب أيَّام قد كنت يا لمياء راضيةً ... فلم أبل رضي الواشون أم غضبوا ما بال أثواب وصلي بعد جدَّتها ... قد أخلفت وجلابيب الصِّبا قشب إذا نهضت إلى مجد أوثِّله ... تقاعدت بي عن إدرأكه النوَّب يستضحك الفضل منِّي حين يخطبني الـ ... ـعلا ويدركها عريٌ فينتحب ومنها: يا من أغات على قلبي لواحظه ... ببيضهنَّ ألا فليهنك السَّلب صل مدنفًا قلبه شوقًا إليك على ... مثل اللَّظى يتلظَّى حين ينقلب ما راق بعدكم شيءٌ له أبدًا ... ولا دعاه إلى مستحسنٍ طرب وأنشدني، قال: أنشدني أيضًا لنفسه، من ابتداء قصيدة: [من البسيط] أفنى وليس بفان ما أكابده ... ولا عج الشَّوق ماينفك عائده وأكتم الوجد والتَّبريح يظهره ... وكيف [يكتم] داعي الحبِّ واحده يا من صحبتهم دهرًا فما نظرت ... عيناي منهم أخا صدقٍ أوادده / 231 أ/ من كان طالب خلٍّ يستعين به ... على الزَّمان فقد أكدت مقاصده [703] محمَّد بن أحمد بن عليِّ بن محمَّدٍ، أبو أحمد الواسطيُّ الضرير، نزيل الموصل. كان قارئًا مجودًا، ماهرًا في القراءات، فقيهًا جدلًا مناظرًا، حسن القراءة للقرآن وتجويده. وكان قد تفرّد بشيء ما انفرد به غيره؛ وذلك أنَّه كان يقرأ السورة من آخرها إلى أولها؛ آية بعد آية. ويأخذ من سورتين من أول واحدة، وآخر أخرى، فيقرأ من أول كل سورة آية، ومن آخر سورة أخرى آية؛ فيختم هذه إلى آخرها، ويختم تلك إلى أولها؛ ثم يأخذ من سور متعددة، من أول واحدة، ووسط أخرى، وآخر أخرى، ثم

يختم السور كلّها. قراءة مرضية من غير توقف. لقيته بالموصل، وطلبت منه شيئًا من شعره، فوعدني ذلك؛ ثم توفي ليلة الاثنين بعد عشاء الآخرة، حادي عشر رجب سنة اثنتين وعشرين وستمائة. أنشدني ولده أحمد؛ قال: أنشدني والدي لنفسه من قصدية أوَّلها: [من الرمل] / 231 ب/ حظر الوجد عن العين كراها ... فأتت ساهرةً إلَّا قذاها وأبى البين فأصمى سهمه ... كبدًا لم يخطها يوم رماها [704] محمَّد بن المؤمل بن فضلٍ البحرانيُّ، أبو عبد الله. كان فقيهًا على مذهبه الإمامية، فاشتغل بالحلة المزيدية، ثم ورد الموصل، وأقام بها، إلى أن مات سنة خمس وعشرين وستمائة. أنشدني الرئيس أبو العباس أحمد الموصلي- أيده الله تعالى- قال: حججنا سنة إثنين وعشرين وستمائة، ومضينا إلى البيت المقدس، وزيارة الخليل- عليه السلام- وكان أبو عبد الله في صحبتنا، فأنشدنا لنفسه: [من الطويل] حججنا وزرنا المصطفى ثمَّ إنَّا ... عطفنا المطايا يا حسراتٍ ضوامرا نؤمُّ كريمًا كان في الله بذله ... وأنزل فيه: قانتًا لي وشاكرا فكن يا خليل الله ذخرًا وعدَّةً ... لنفس أتى بالمال والنَّفس زائرًا وحاجته العظمى إذا جاء في غدٍ ... تكون له عونًا معينًا وناصرًا / 232 أ/ وحاشا لجدِّ الهاشميِّ محمدٍ ... يؤمِّله راجٍ ولم يك ظافرا [705] محمَّد بن يوسف بن خمر تاش بن سعيدٍ، أبو عبد الله القطبيُّ". وكان يعرف بأمير علم، وخدم جنديًا لبني أتابك أوّلهم؛ عزّ الدين مسعود بن مودود بن زنكي، ثم ولده من بعده نور الدين أرسلان شاه، ثم ولده الملك الظاهر عزّ الدين مسعود- رضي الله عنهم-.

وكان موصلي المولد والمنشأ، وتوفي بالموصل في السابع والعشرين من رجب سنة خمس عشرة وستمائة. أنشدني ولده المبارك، قال: أنشدني والدي لنفسه، يمدح المولى المالك الرحيم، بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين، ملك أمراء الشرق والغرب، أبا الفضائل غرس أمير المؤمنين- ثبت الله دولته، وأدام الله عليه نعمته- يهنئه بالشهر: [من الطويل] أمولاي بدر الدِّين ذا النَّائل الغمر ... أهنِّيك يا خير البريَّة بالشَّهر وإنَّك أهلٌ للهناء وصاحبٌ ... له غزَّة كالشَّمس والقمر البدر وكفٌ إذا مدَّت ببذل مواهبٍ ... تقاصر عنها نائل البحر والقطر /232 ب/ أنا السَّائل المملوك يرجوك للَّذي ... تشرِّفه في حاله الطَّيِّ والنَّشر فما أنا عبد عق مولا لا ولا ... عصى أمره في حالة العسر واليسر وأنشدني، قال: أنشدني والدي فيه أيضًا: [من الكامل] ما قام يستجلي المدام بكفَّه ... إلَّا حسبت البدر يحمل كوكبا صنمٌ تفرَّد بالملاحة وحده ... وسواه إن ذكرت ملاحته هبا كالملك بدر الدِّين أفرد بالنُّهى ... فغدا إلى كلِّ القلوب محبَّبا ملك ظلت بعزِّه مستعصمًا ... فأغاثني والسَّيل قد بلغ الزُّبى يا مالك الحدباء بشرى إنَّه ... الإقبال حولك كيف شئت تقلَّبا [706] محمَّد بن سعد الله النهرديريُّ. نهر الدير من أعمال البصرة. أنشدني أحمد بن عبد الله بن داود المذاري، قال: أنشدني محمد بن سعد الله لنفسه: [من الكامل] ردي عليَّ تحيةً حيِّت ... ثمَّ افعلي من بعدها ما شيت

ودعي الحليَّ وحمله يا هذه ... فعن الحليِّ وحمله أغنيت / 233 أ/ والله ما أزداد منك على الَّذي ... قد نالني خلِّيت أو خلِّيت تيهي على الخفرات تيهًا فافخري ... فخرًا فما أعطين ما أعطيت الرِّبح راح لمن شراك ورحت في ... أشراكه أرخصت أو أغليت [707] محمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن الحسين بن سندٍ، أبو عبد الله بن أبي الرضا الموصليُّ. كان والده من الأماثل بالموصل، وذوي الثروة والجاه، وورث لولده هذا مالًا كثيرًا، فأتلفه جميعه في الخمر والفساد والقمار. وكان مبتذِّلًا في مواطن اللهو والإنعكاف عليه، حتى افتقر، ونفد ما معه، وساءت حاله، واجتدى الناس بالشعر، ومات على أقبح حال بالموصل، بطاقات سور المدينة. أنشدني الشريف منصور بن عبد الخالق الموصلي، قال: أنشدني أبو عبد الله بن سند لنفسه، يمدح الوزير أبا المظفر عبد الباقي بن محمد بن أبي يعلى بحلب، من قصيدة أوّلها: [من الطويل] نسيم الصَّبا إن سرت في السَّحر الأعلى ... قفي ساعةً في ساحة الشَّرف الأعلى / 233 ب/ رعى الله بالميدان والكجك ليلة ... تقضت وكانت من أقاصي المنى أحلى وحيَّا فنا الحدباء عنِّي فإنَّ لي ... بها جيرةً ما اخترت غيرهم أهلا وكم قد تثنَّى في ثنا الثِّني أهيفٌ ... بصرف شمولٍ كأسها نظم الشَّملا يميس قضيب البان تحت قبائه ... وشمس الضُّحى من نور طلعته خجلى يميت إذا رام القطيعة والجفا ... ويحيي لموتاه إذا منح الوصلا

[708] محمَّد بن أبي عليِّ بن سالمٍ، أبو بكرٍ الحلبيُّ. وجدت له قصيدة بخط يده، يمدح بها بعض الرؤساء، أنشدنيها عنه أبو القاسم التبريزي، أولها: [من البسيط] مرَّت على سرحة الوادي فلم تقف ... وخلَّفتني حليف الدَّمع والأسف لمياء ما في جفون الظبي من دعجٍ ... فيها وما في قوام الغصن من هيف يغار بدر الدُّجى منها إذ سفرت ... عن واضحٍ من محيَّاها بلا كلف تكامل الحسن من فرعٍ إلى قدمٍ ... فيها وجلَّت معانيها عن الصَّلف من منصفي من جفاها والهوى له ... حكمٌ معانيه عانٍ غير منتصف / 234 أ/ ما كنت من قوم طالوتٍ فتأخذني ... وما عرفت سواها أخذ معترف من لي بساخرة الألفاظ ساحرة الأ ... لحاظ تسلب قلبي سلب ملتقف ذات المخلخل لو مرَّت نسيم صبًا ... به لأدمته من لينس ومن ترف [709] محمَّد بن أبي الوفاء بن أحمد بن أبي طاهر، أبو عبد الله النحويُّ العدويُّ الموصليُّ، المعروف بابن القبيصيٍّ. أصله من قرية من أعمال الموصل، تدعى القبيصة، شرقيها. قرأ القرآن العزيز ببغداد بالقراءات، على القاضي أبي الفتح نصر بن علي الكيّال الواسطي؛ ثم قرأه أيضًا على جماعة من المشايخ، وأخذ علم النحو عن شيخه أبي الحرم مكي بن ريّان الماكسي، وحصل له معرفة جيدة بهذا العلم. وتفقه على أبي القاسم يحيى بن علي بن فضلان البغدادي ببغداد، وسمع الحديث من أبي سعد بن حميه الصوفي، وتخرّج عليه جماعة في علم العربيّة والأدب بإربل والموصل، واستفادوا منه.

وخرج إلى بلاد الروم فسكنها مدّة، ثم رحل عنها إلى الشام. أصله من/ 234 ب/ أصفهان، وإنَّما نزل بعض أجداده القبيصة وتديَّرها، فنسب إليها. وكانت ولادته في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، هاجر إلى حلب بأخرةٍ. وأقام بها مدّة، وتصدّر لإفادة علم النحو والعربية والأدب، إلا أن مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن من قبيلها بجوار مقام إبراهيم- عليه السلام-. وصنّف ثلاث مقدمات؛ مقدمة في النحو، ومقدمة في التصريف، ومقدمة في الحساب. كان شخصًا قصيرًا، ضعيف العينين، وكان يقول شعرًا صالحًا؛ رأيته عدّة مرات ولم آخذ عنه شيئًا. أنشدني أبو بكر بن محمد بن أمريكا الزنجانيّ، قال: أنشدني ابن القبيصيّ لنفسه، في غلام قصّاب: [من الوافر] وأهيف قدُّه قدُّ العوالي ... ولكن خدُّه خدُّ العوالي بمديته ومقلته تصدَّى ... لسفك دم المواشي والرِّجال تراه قاطمًا ماظلَّ يفري ... به الأودأج خلوًا لا يبالي فلو ردَّت وقد نهلت رضابًا ... كشهد شيب بالماء الزُّلال إلى أعناقها من غير ذبح ... لكلِّ قام يسعى غير آل وأنشدني، قال: أنشدني أيضًا من شعره: [من الوافر] / 235 أ/ وريمٍ قد سقيت الرَّاح حتَّى ... أمال برأسه فرط العقار فأقسم أنَّه لابدَّ من أن ... يريني الشَّيب في وسط النَّهار فلمَّا أن تبسَّم قلت هذي ... نجومٌ في النَّهار بلا تماري لقد برَّت يمينك يا حبيبي ... بما أبديت من تلك الدَّاري وأنشدني أبو الفتح محمد بن بدل التبريزي- رحمه الله- قال: أنشدني ابن القبيصي لنفسه: [من البسيط] ما لذَّة الدَّهر إلَّا الرَّاح نشربها ... أو الفم العذب مضروبًا به الضَّرب

تشابها لطف خلقٍ لا شبيه له ... وطيب خلق فتمَّ الحسن والطَّرب والورد والكأس ذا خدٌّ وذاك فمٌ ... والخمر والحبب الأرياق والشَّنب والخدُّ والفم ذا وردٌ وذا قدحٌ ... والرِّيق والثَّغر ذا خمرٌ وذا حبب وليلة جمعة شملي وشملهما ... وبات يرتع في ميداني الأرب حتَّى إذا ما تشمَّت في شمائلنا ... كأس الشَّمول تمشَّى بيننا الأدب وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه: [من الخفيف] خذ على الدَّهر إن قدرت يمينًا ... أن يديم الصَّبا وأن لا يمينا /235/ ما تراه قد راق روضًا وقد رقَّ نسيمًا وقد تأرَّج حينا زمنٌ طيب وعيشٌ رقيقٌ ... وصال ما خلته أن يكونا فكأنَّ السَّماء تنشر في الرَّو ... ض من القطر لؤلؤًا مكنونا وكأنَّ البهار حامل أطبا ... ق نضار على سواعدنا مينا وكأنَّ الأقأح أزرار تبرٍ كلِّلت لؤلؤاً يروق العيونا فاغتنم لذَّة الزَّمان فليس الدَّهر كيف اعتبرته مأمونا ونقلت من خطه، ما قاله لنفسه: [من المتقارب] أطلعت الغواية فيما مضى ... فعاص الغواية فيما بقي وكن في التُّقى أبدًا راغبًا ... فما إن يفوز سوى المتقي وخالط أولي الخير تسعد بهم ... فليس السعيد كمن قد شقي وله دوبيت مردف: بالله ترفَّقوا بصبٍّ عاني ... فالصَّب غريب قد ذاب فؤاده من الهجران ... والهجر مذيب تنهلُّ دموعه من الأجفان ... والدَّمع مريب / 236 أ/ قد جلَّ غرامه عن الكتمان ... فالصَّبر عجيب وقال أيضًا: [من المتقارب] على ذلك الخيف ظبيٌ ملول ... لعينيه في كلِّ حيٍّ قتيل تحار إذا عاينته العيون ... وتصبو إذا عقلته العقول

ويتلف جسمي بهجرانه ... وإتلاف روحي فيه قليل تصبَّرت حتى فداني العدوُّ ... على جوره ورثى لي العذول أميل إليه وإن ملَّني ... كذلك كلُّ محبٍّ يميل تملَّك رقِّي فماذا يريد ... وقد حرت فيه فماذا أقول لساني كليلٌ إذا ما وصفت ... وطرفي إذا ما رآه كليل ونفسٌ تمكّن منها الهوى ... وجسم تمكن منه النحول فلم يبقى من تيك إلَّا المنى ... ولم يبق من ذاك إلَّا الاليل وقال من أبيات: [من الكامل] دعني أمتِّع [منك] نفسي بالهوى ... ما بعد هذا الحسن حسنٌ يعشق أرَّقتني لمّا هجرت وشقتني ... وكذاك هجرك شائقٌ ومؤرِّق وتركتني حلف الصَّبابة مقلةٌ ... عبرى عليك ومهجةٌ تتحرَّق / 236 ب/ ولقد فرقت من التَّفرق قبل أن ... يلفى ومن مثل التَّفرُّق يفرق وشفقت من نظري عليك وربما ... كان الغنى ما كنت منه أشفق قمرٌ له في كلِّ قلب مغربٌ ... من ناظريه وكلِّ عين مشرق غرقت عقول الناس فيه دائمًا ... في مثل صورته تضلُّ وتغرق وتجاوزت وصف اللَّبيب صفاته ... فلديه كلُّ أخي اجتهاد مطرق أهوى الهوى وأذب عنه لأنَّه ... أبدًا إلى طرق العلا يتطرَّق ويروق لي عذل العذول لأنَّه ... أغرى ليقظان الصَّبابة أشوق ويزيد رغبتي الملام كأنَّما ... لفظ الملام على الترغُّب يطلق [710] محمَّد بن قيصر بن بلك، أبو عبد الله البغداديُّ. كان شاعرًا فاضلًا، ذكيًا، ماجنًا، منتقدًا للشعر؛ سمع ذات يوم فقيهًا قد صنع قصيدة في الملك القاهر عزّ الدين، وهو ينشدها، فمرّ فيها على قوله: [من البسيط]

يا أيُّها الملك السَّامي ومن شهدت ... له الخلائق حتَّى الطَّير والسَّمك فقال للفقيه: ما كنت أعرف/ 237 أ/ أنَّ الملك القاهرة صيَّاد إلَّا الساعة. قدم من بغداد إلى الموصل، فأقام متفقًا بالمدرسة العمادية، وكان مدرسها يومئذ للشافعية؛ أبو المظفر محمد بن علوان بن مهاجر الموصلي. فمكث عنده، وكان يختلف إلى أبي حفص عمر بن أحمد النحوي الضرير، فيسمع عليه شيئًا من شعر أبي الطيب المتنبي، فبغته أبو المظفر، فقطع جرايته من المدرسة، فأطنب في هجائه، وهجا بنيه، وشتر بهم أبلغ التشتير، وتركهم ضحكة بين الناس؛ فبلغ من مكروه ودهائه، أنَّه لم يسمع هجاءهم إلَّا لمن كان مفرطًا في بغضهم، ومخالفًا لهم في مذهبهم. فإنَّه أسمعه الجلال أبا جعفر محمد بن إبراهيم الحنفي الرازي، ونقيب العلويين. وبحثت عن سبب قطع خبزه، فلم أعرف في ذلك شيئًا، ثم أخبرت أنَّ السبب في ذلك، أنه كان يشيع ما يعرض للشيخ أبي المظفر بن مهاجر من اللحن. والشيخ- رحمه الله- كان قد فطره الله على اللحن، وترك علم الإعراب، وله في ذلك أخبار عجيبة ولبنية. أخبرني الإمام أبو عبد الله أحمد بن الحسين النحوي، قال: أخبرني شيخي أبو حفص النحوي، قال: لما: 237 ب/ قدم الشيخ أبو المظفر من مكة، مضيت لأهنئه بالقدوم؛ فحدثني ابنه أحمد الذي كان معه، أنه رأى مغربيًا بمكّة، مجاورًا يحفظ سيبويه هكذا لفظ به، ابن الشيخ، ولم أر أحدًا من العامة يقول إلّا سيبويه. فالعجب من عالم تقصر فطرته عن عامي. وجمع هجاءهم في جزء، ووسمه ((برياضة الخاطر في هجاء ابن مهاجر))، وفيه هجاء مقذع، وكلام قبيح، وقول فاحش بذيء لا يليق سطره في هذا الكتاب، ولو وجدت له غير ذلك لأثبته.

أنشدني أبو عبد الله النحوي، قال: أنشدني محمد بن قيصر لنفسه: [من الكامل] درست رسوم الفقه أيَّ دروس ... مذ أهَّلوك لمنصب التَّدريس وبكى عليه الشَّافعيُّ وكيف لا ... يبكي وقد أفضى إلى إبليس تبًا لدهر صرت فيه مدرِّسًا ... من بعد رعي الثَّور والجاموس قد نلت مالًا كنت تأمل عشره ... فحويته بالنَّصب والتَّدليس عجبًا تعاف الضَّأن شبعًا أكلت ... وتبيت طاويةً أسود الخيس إن كانت الأرزاق تقسم هكذا ... أبدًا ............ وقال أيضًا/ 238 أ/ يعتذر عن ترك هجاء علوان وولده: [من السريع] ولائم يوجعني عتبا ... ولم أكن مقترفًا ذنبا يقول لم لم تهج علوان أو ... توسعه ثلبًا ولا سبَّا فقلت ما أقعد عن هجوه ... عتبًا ولا خوفًا ولا حبّا لكنَّه كلبٌ وهل شاعرٌ ... سمعته قطُّ هجا كلبا وقال أيضًا، يخاطب رجلًا من قصيدةٍ امتدحه بها شكرًا على يد أسداها إليه: [من الخفيف] صنت وجهي عن بذله لوجوه ... ليس تندى لؤما ويندى الصخر بأكفٍّ في البحر لو غمسوها ... كدَّرت صفوه وغاض البحر ورثوا اللُّؤم عن جدودٍ لئامٍ ... لا سقى تربةً ثووها القطر وقال من قصيدة، امتدح بها الجلال الحنفي: [من الخفيف] كيف ألحى ظلمًا بلومٍ أليم ... بعد أن أصبح الغرام غريمي صنت دين النَّبيِّ عن ناس سوء ... حرَّفوه جهلًا بقول أثيم / 238 ب/ لبسوا الفقه جاهلين بفرقً ... بين منع الدَّليل والتَّسليم ويح نفسي أنا رضيت وغضَّ الرَّوض لي مملقٌ برعي الهشيم وورود السَّراب والبحر مورو ... دٌ ونبع المحمود والمذموم

ليس ديني صبرًا على الذُّل كلَّا ... لا أريد الدُّنيا بعيشٍ ذميم غير أنَّ القضاء في كلِّ حالٍ ... عجبٌ غير مدركٍ مفهوم [711] محمَّد بن محمَّد بن أحمد، أبو الفضل المرنديُّ النحويُّ الأديب. كان شيخًا مقدمًا في علم النحو والعربية، وصدرًا في معرفة اللغة والأشعار، كثير الحفظ، واسع المعرفة. وكان ينظر شعرًا باردًا، في ألفاظه تعسف. أنشدني الخطيب الفقيه أبو بكر بن جبريل بن عبد الجليل الأزهري، قال: أنشدني محمد بن محمد المرندي لنفسه، ما كتبه إلى القاضي محيي الدين، قاضي مرند، يشكو إليه حاله: كيف للحوت بغير الماء ... قلقا يشوى على الرَّمضاء كيف للصبِّ ولكن له ... طمَّه الثَّلج على الأنداء / 239 أ/ كيف للداء الذي له ... وللمراق رمين الدَّاء كيف للطفل فطام لبنًا ... وفراق الشَّمس للجرباء كيف محمودٌ لدى غلَّته ... كيف مخمورٌ بلا صهباء كيف ظمانٌ ولا ماء له ... وهو في دغدغة استسقاء كيف مجنونٌ وليلاه نأت ... ونوى الوامق والعذراء كيف للظبي ويناه طلا ... كابر الآساد في البيداء كيف للروضة هجران صبًا ... وهي قد تبدل بالنَّكباء كيف للنملة سهلًا جرها ... حبلًا في خطَّةٍ عسراء في سحيق في سفا مخلولق ... في محاكي قلَّة شمَّاء صرت مأخوذًا بقاف عنوةً ... فاعترتني رنَّة الفأفاء وهي قصيدة طويلة، ويكفي هذا القدر منها.

[712] محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قدامة، أبو عمرٍو المقدسيُّ. وهو أخو الشيخ الموفق أبي محمد عبد الله بن أحمد. وأبو عمرو كان من الشيوخ الصالحين الأولياء العاملين، إمام وقته/ 239 ب/ في الزهد والورع. وكان يقطع ليله تسبيحًا وتهجُّدًا، ولم يزل في علمه وعمله حظيًا مجتهدًا. عمّر إلى أن جاوز التسعين عامًا. وكانت أنفاسه تحية من الله وسلامًا. أنشدني أبو الفضل عمر بن علي بن هبرة، قال: أنشدني أبو عمرو لنفسه: [من الطويل] ألم يك منهاةً عن اللَّهو أنَّني ... بدا لي شيبٌ الرَّأس والضَّعف والألم. ألَّم بي الخطب الَّذي لو بكيته ... زماني حتَّى ينفد الدَّمع لم ألم [713] محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن أبي الفضل السُّلميُّ، أبو عبد الله المرسي النحويُّ المقرئ المتكلم الأديب الفقيه المالكي الأصوليُّ.

صنّف التصانيف، وخرّج التخاريج. رحل إلى بلاد خراسان، ووصل إلى مرو الشاهجان، ولقي مشايخ العلم، ورجال الأدب، وجال في بلاد الشام والعراق، وجاور بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وأقام بها على الدراسة والتعليم. وهو أحد الأدباء المعدومين، من جملة الأئمة الأعيان، سلك طريق النسك والاجتهاد، وآثر العزلة عن الناس والإنفراد، /240 أ/ جامع لأشتات العلوم، حائز، ضارب فيها بسهم فائز، يتكلم فيها بعقل صائب، وذهن ثاقب. ثم إنّه يقوم بعلم تفسير القرآن، وعلوم الصوفية، أحسن قيام، تكلّم على كتاب المفضل لأبي القاسم الزمخشري، وأخذ عليه عدة مواضع، وعمل كتابًا في تفسير القرآن المجيد، لم يصنف أحد من العلماء المتقدمين مثله، أورد فيه أشياء والتزمها؛ ولم يذكر غيره ممن كان له عناية بهذا الشأن. وكان مولده سنة سبعين وخمسمائة. شاهدته شيخًا بدار الحديث، بمدينة حلب، يوم الأحد الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وستمائة.

وأنشدني لنفسه هذه المقطعات: [من الكامل] قالوا محمَّد قد كبرت وقد أتى ... داعي الحمام وما اهتممت بزاد قلت الكريم من القبيح لضيفه ... عند القدوم مجيؤه بالزَّاد وقال وقد تماروا عنده في الصفات: [من الكامل] من كان يرغب في النَّجاة فما له ... غير اتِّباع المصطفى فيما أتى ذاك السَّبيل المستقيم وغيره ... سبل الغواية والضَّلالة والرَّدى فاتبع كتاب الله والسُّنن الَّتي ... صحِّت فذاك إذا اتَّبعت هو الهدى / 240 ب/ ودع السُّؤال بكم وكيف فإنَّه ... من باب بحر ذوي البصيرة والعمى الدِّين ما قال الرَّسول وصحبه ... والتَّابعون ومن مناهجهم قفا وقال ملغزًا في شخص اسم يحيى: [من الطويل] أبثُّك ما بالقلب من لوعة الحبِّ ... وما قد جنت تلك اللَّحاظ على لبِّي أعارتني السُّقم الَّذي بجفونها ... ولكن غدا سقي على سقمها يربي على أنَّني في بثِّك الحبَّ مثل من ... يبوح بما في الصَّدر منه إلى القلب أما وهواك المذهبي إنَّ مهجتي ... مقسَّمةٌ بين الصَّبابة والكرب وإنِّي ما ذقت الكرى مذ نسيتني ... وما حال من يصبو إذا صدًّ من يصبي كتمت الَّذي بي من هواك عن الورى ... على أنَّ دمعي ذو ولوع بأن ينبي ولكن سأبديه إليك لأنَّني ... أرى ذلك الإبداء من سنَّة الحبِّ صبا بفؤادي نحوك اثنان سؤددٌ ... وحسنٌ فعذرٌ واحدٌ منهما يصبي فديتك من قاضٍ عليَّ لو أنَّه ... يعدِّي اسمه لي ما قضيت أسى النَّحب

ودونكها بكرًا لها من حبابها ... رداءٌ أتت فيه مروَّعة السِّرب فمدَّ لها كفّا فمنك حياؤها ... ولا تبدينها فهي من ذاك في رعب وقال: [من الطويل] / 241 أ/ تقبَّل أبا بكر كتابًا وهبته ... كقلبي لا أبغي إليَّ إيابه وطبت به نفسًا فخذه بمثل ما ... غدا آخذًا يحيى النبيُّ كتابه وقال أيضًا: [من الطويل] فؤادٌ كما شاء الحبيب الَّذي يهوى ... يسعِّر فيه النَّار وهو له مثوى وجسمٌ براه الحبُّ إلَّا أقلَّه ... ويحمل ما ينهدُّ من حمله رضوى بليت بداني الدَّار ناء بهجره ... ولي صبر أيُّوب على هذه البلوى على أن صبري كلَّما زاد قوَّة ... تلقَّته من هجرانه هجرةٌ أقوى إلى الله أشكو لا إليه لأنَّني ... شكوت له حالي فلم تنفع الشَّكوى طبيبٌ إذا استشفيته قال لي: اصطبر ... أسى الحبِّ داءٌ لست تلفي له أسوا وماؤٌ ولكن كدت يهلكني الصَّدى ... فيا ماء هل لي من سبيل لأن أروى وقالوا الهوى شهدٌ وصابٌ فذقته ... فألفيته مرًا ولم ألفه حلوا ولو أنَّ ما لاقيت منه أبثُّه ... لكان حديثي فيه أعجب ما يروى فرفقًا بصبٍّ كلَّما قيس حبُّه ... بحبِّ سواه كان كلُّ هوًى دعوى يرى حبَّكم فرضًا تأكد حكمه ... ولكنَّ فرضًا ليس يحتمل السَّهوا [714] محمَّد بن يحيى بن أبي دلف/ 241 ب/ بن خشرم- بضم الخاء المعجمية من فوقها، وتسكين المهملة وبعدها ياء مهملة- أبو عبد الله البغدادي الواعظ المعروف بالشاعر. واعظ حسن، له قبول عند طائفة من الناس، شاهدته عدّة مرَّات في سنة اثنتين

وثلاث وعشرين وستمائة، بمدينة السلام، في أيام الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد- رضي الله عنه- يعظ الناس بباب البدرية، ولم يقدَّر لي الاجتماع به، لأعلق عنه من شعره. ثم بعد ذلك انحدرت إلى بغداد في سنة تسع وثلاثين وستمائة، ولقيته بها؛ فاستنشدته فأنشدني أواخر ربيع الآخر من السنة السابق ذكرها، يمدح الإمام الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين- صوات الله عليه-: [من السريع] خليفة الله أبو نصر ... مؤيّدٌ بالعزِّ والنَّصر من صفوة الله بني هاشم ... الطَّيِّبين الأصل والذِّكر أصبح وجه الدَّهر مستبشرًا ... بوجهك المستحسن البشر وظلَّت الشمسة شمس الضُّحى ... فيه وأبدت طلعة البدر ومنها قوله: وهو عليه بردة المصطفى ... وتاجه نور أبي بكر / 242 أ/ ورحت من طيب مناجاته ... أهزُّ عطفيَّ من الشُّكر وظلت في ظلِّ بساتينه ... أخطر في روضاته الخضر كأنَّني أخطر في جنَّة ... أنهارها من تحتها تجري لكلِّ شيء ثمرٌ يجتنى ... منه وهذا ثمر الصَّبر هذا كتابه دائما ... ندعو له في جامع القصر فانبسط السُّنِّيُّ في عصره ... وغيره في القبض والعصر إنَّ أمير المؤمنين اشترى ... حسن ثناء الخلق بالتِّبر ففاز بالرِّبح وحاز العلا ... من ذا الَّذي يبتاع بالسِّعر وأرخص البرَّ بإنعامه الـ ... ـهامي وهذا غاية البرِّ لم أر أبهى قطُّ من وجهه ... كأنَّه يوسف في مصر أنتم بني العباس ساداتنا ... نطيعكم في السِّرِّ والجهر طاعتكم بالنصِّ مفروضةُّ وأنتم حقًا أولو الأمر

عش ألف عامٍ يا إمام الهدى ... ما أنت إلَّا غرَّة الدَّهر وانشر لواء الحمد في ذروة الـ ... ـعلياء بين الحمد والشكر ما روَّحت ريح الصَّبا نسمةً ... وروَّحتها نسمة الفجر / 242 ب/ تبت من الشِّعر ولكنَّني ... في حبِّه عدت إلى الشِّعر وأنشدني أيضًا من شعره، من أبيات أولَّها: [من الطويل] بلي ببلاء الصَّبِّ من عذل الصَّبا ... فما لامه إلَّا وما عرف الحبَّا ولم يبقى حبُّ العامريَّة لي ذمًا ... يرام ولا سمعًا يلام ولا لبَّا أغالط عذَّالي فأذكر عزَّةً ... ولبنى وأعني في ضميري الكنى عتبا كلانا نصون الحبَّ خوف وشاته ... فأنظمه شكوى وتنثره عتبا وأنشدني أيضًا لنفسه، من أبيات، يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم: [من الوافر] أنارٌ أم سنى برق أنارا ... فأذكى في قلوب الركب نارا تسامى يمنة العلمين وهنًا ... ضريمًا ما ورى حتَّى توارى يفوت تتابع اللَّحظات سبقًا ... ويأخذ من بيوت الزَّنج نارا عشيَّة كلُّ من في الرَّكب حيرى ... فلو مرَّ الهدى بهم لحارا فبينا نحن في سجف الدَّياجي ... على الأحداج نرتقب النَّهارا كوجهك يا رسول الله لمَّا ... سفرت على زمانك فاستنارا بك افتخرت قريشٌ في البرايا ... أفضحت تملأ الدنيا افتخارا / 243 أ/ ولولا سعد جدِّك لم يعدُّوا ... معدَّا في الجدود ولا نزارا سبقت إلى العلا وسمعت أقصى ... نهايتها فشأوك لا يجاري معال أصبح الفصحاء فيها ... ووصف صفاتك العليا حيارى فمدحك لا تحيط به البرايا ... ولو جعلوا مدادهم البحارا

[715] محمَّد بن يوسف بن أبي بكر بن بقاء، أبو عبد الرحمن الموصليُّ. كان شابًا ذكيًا من حفاظ القرآن، ومن أهل الفقه؛ وأخذ طرفًا من علم الحساب والفرائض، وله شعر حسن، رأيته ولم أكتب عنه من شعره شيئًا، لتوانٍ لحقني. أنشدني أبو الفضل العباس بن ثروان بن طرخان الموصلي، قال: أنشدني أبو عبد الرحمن محمد بن يوسف لنفسه، يمدح الصاحب الوزير أبو البركات المبارك بن أحمد المستوفي- رحمه الله تعالى-: [من البسيط] بي من لحاظك جرحٌ أنت مرهمه ... وفي الحشا منك وجدٌ أنت تعلمه أخفيت حبَّك جهدي أن أبوح به ... فأعرب الدَّمع ما قد أعجمه / 243 ب/ ومن جوارحه تبدي مفاضحه ... إذا طرا الحبُّ قل لي كيف أكتمه لا غرو أن مات من يهوى الملاح جوًى ... أو دام في حبِّ فتان يتيِّه ما أعذب الحبَّ ما أحلى مغبَّته ... لو أنَّ أيدي النَّوى منهًا تسلِّيمه ترى يبلُّ غليلٌ من صدى دنف ... أم هل يبلُّ عليلُّ عزَّ مرهمه لجدَّه الوجد في أحشائه قدمٌ ... وإنَّ أقتل داء الحبِّ أقدمه جفاه كل حبيب كان يألفه ... وملَّه كلّ خلٍّ كان يرحمه فعاد ليس له بين الورى أملٌ ... في الجود إلَّا ابن موهوب مقدِّمه [716] محمَّد بن حيدر بن مسعود بن محمَّدٍ، أبو عبد الله الأصفهانيُّ الأصل، الموصليُّ المنشأ والمولد. قدم أبوه مع الملك السلجقي الموصل، من أصفهان. ونشأ محمد ولده وأحبّ الأدب، فصحب الشيخ أبا الحرم مكي بن ريّان النحوي الماكسي مدّة، وقرأ عليه النحو واللغة والأدب والأشعار، حتى تميّز من بين تلاميذه

وكان ذا فضل ومعرفة، وكان نزقًا شرسًا، سريع الغضب، في طبعه/ 244 أ/ جفاء، بسفّه على من يخاطبه، خرج عن الموصل إلى ديار بكر، واتصل بجماعة من ملوكها. ثم انقطع آخرًا بالملك المسعود ركن الدين مودود بن محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن داود بن سليمان بن أرتق بامد سلطانها. ولم يزل في خدمته، يفيد الناس علم النحو والأدب إلى أن مات بجباني في أوائل شهر الله رجب سنة ست وعشرين وستمائة. ومن شعره، يمدح الأمير فخر الدين أبا إسحاق إبراهيم بن سعد بن عمار المهلبي- رحمه الله تعالى- وذلك في سنة تسع وثمانين وخمسمائة، من قصيدة: [من الكامل] ما راغ عنك على عظيم بلائه ... قلبٌ أحلَّك منه في سودائه قسمًا بمن أمَّت زيارة بيته ... أممٌ تحاول من جزيل عطائه وبمهجتي غفرت جرائم من به ... يدعو الإله تبهُّلًا بفنائه يفديك من لحن الزَّمان وصرفه ... بك مغرمٌ يفنى ومن برحائه ومن مديحها يقول: لك يا أبا إسحاق رقِّي فاحتكم ... أنت الَّذي أنا منه في آلائه فخرت بفخر الدِّين آراءٌ له ... إذ هنَّ فيه ولسن في نظرائه / 244 ب/ لو أنَّ من منح السناء بعقله ... والمجد كان على ذرى علوائه صومٌ يبشِّرك الصِّيام بمثله ... ألفًا وفطرٌ ناطقٌ بإزائه [717] محمَّد بن خلف بن راجح بن بلال بن عيسى، أبو عبد الله المقدسي الأصل، الدمشقي المولد والدار.

كان رجلًا صالحًا متدينًا، سمع بدمشق أبا المكارم عبد الواحد بن محمد بن المسلم. كان من فقهاء الحنابلة؛ محدّثًا عالمًا مناظرًا، حسن العلم والكلام، عارفًا بالتفسير. تفقه بمدينة السلام، وسمع الحديث من شهدة بنت الأبري، وابن تغوبا [وأبي محمد بن الخشاب، وأبي الحسين عبد الحقّ بن عبد الخالق بن يوسف] وغيرهم. وعاد إلى دمشق؛ حدّث بمسند مسدد بن مسرهد، عن أبي الحسن علي بن المبارك بن تغوبا، ووعظ الناس. وتوفي في أواخر صفر سنة ثماني عشرة وستمائة. وكانت ولادته في سنة خمسين وخمسمائة. رأيت له هذه الأبيات، رواها عنه إنشادًا من لفظه أحمد بن الحمزة أبو الحسين السلمي العدل: [من الكامل] قربت وحانت أوبة التَّرحال ... عن هذه الدُّنيا بلا إشكال / 245 أ/ الأرض قد منعت كلاها والسَّما ... ضنَّت وذلك رائد الأهوال ظهر الفساد ببرِّها وببحرها ... وتنكَّرت أحوالها في الحال لم يبق في الدُّنيا جميلٌ ظاهرٌ ... إلَّا أقاصيص الزَّمان الخالي هل في الورى متيقِّظ متحفِّظٌ ... يدع التَّواني عنه في الأعمال [718] محمَّد بن المظفر بن عمر بن الحسين بن المظفر، أبو طاهرٍ- من أهل قزوين- الفقيه الشافعي الواعظ. نزيل منبج، المدعو بالناصح.

كانت ولادة أبيه بقزوين، سنة ثلاثين وستين وخمسمائة. قدم منبج، واستقر بها مقامه، وأولد بها. وكان فقيهًا عالمًا أصوليًا شاعرًا، يعرف الخلاف والحديث والمذهب والتفسير والنحو واللغة والأدب. وتوفي بمنبج في شهر شوال سنة إحدى عشرة وستمائة. وكان يعظ الناس على أسلوب وعظ العجم؛ بملاحة إشارة، ولطافة عبارة. وكان فصيحًا في إنشاده، وصحب جماعة في أسفاره من المشايخ المشهورين المعتبرين. وكان أكثر اعتماده في الاشتغال والصحبة على قطب الدين بن أبي المعال/ 245 ب/ مسعود بن محمد النيسابوري الفقيه الشافعي- رضي الله عنهما- وكان يذكر الدليل من يديه، والأئمة يحضرونه- وهو صغير السن- وأنجب على يديه. وكان يتعجب من فرط ذكائه، ويؤيد دليله. ومن شعره ما أنشدنيه ولده المذكور: [من الرجز] اذكره ومض البروق الأبرقا ... فأمطر الأجفان سحّا غرقا هاج له الوجد دعاء ورقه ... على غصون بانه تشوُّقا اله أنشده يمين منشد ... وقل له قل لي متى يوم الِّقا ولائمٍ لام على تجلُّدي ... ما درى أنِّي أداري الحرقا يقول لي دمعك جفَّ أورقا ... فلا رقا دمعك جفَّ أورقا أإن صبرت جلدًا أو سلوه ... فما رعيت للغرام موثقا يا لك من قاسي الفؤاد أكذا ... جزيت بعد البين جيران النَّقا ماذا أقول إن جرى ذكركم ... في أرضهم مات لكم طول البقا

[719] محمَّد بن لؤيِّ بن محمَّد بن عبد الله، أبو منصور بن أبي محمَّدٍ القرشيُّ. من الشعراء/ 246 أ/ البغداديين المتسمِّين بخدمة الديوان العزيز الخليفتيّ- مجّده الله تعالى- وله المدائح الكثيرة في الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رحمه الله تعالى- ومدح الظاهر بأمر الله، وكذلك المستنصر بالله. وقد ذكرت والده في كتاب ((تحفة الوزراء المذيل على معجم الشعراء))، وكان أبو منصور ينشد في الهنآت وغيرها. كتب عنه شيخنا أبو عبد الله محمد بن سعد بن الدبيثي، وأبو عبد الله محمد بن محمود ابن الحسن بن النجار البغدادي الحافظان؛ إلَّا أنَّ شعره نازل لا حلاوة عليه. وكانت ولادته- فيما ذكر أبو عبد الله الدبيثي- في شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وأخبرني أبو عبد الله بن النجار البغدادي بها، قال: مولد أبي منصور في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وتوفي إما في سنة خمس أو ستٍّ وثلاثين وستمائة. أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادي، قال: أنشدني أبو منصور لنفسه من أبيات: [من الخفيف] تاه بالحسن شادنٌ عربيُّ ... صار في القلب منه داءٌ دويُّ بدر تمٍّ يسعى بغنج لحاظٍ ... ساحراتٍ وسحرها بابليُّ / 246 ب/ يخجل البدر خاطرًا حين يبدو ... وجهه المشرق البهيُّ المضيُّ بعذارٍ كالنَّمل دبَّ على العا ... ج ولكن له دبيبٌ خفيُّ

رشاٌ جسمه أرقُّ من الما ... ء وأندى قلبه جلمديُّ أنا من عظم هجره مستجيرٌ ... بجوادٍ له النَّبيُّ سميُّ [720] محمَّد بن عبد الجليل بن أبي المجد بن أبي الفوارس التاجر الدمشقيُّ، أبو عبد الله. ولد ببغداد، ونشأ بها، وقرأ القرآن، وتفقه بالمدرسة النظامية، وكتب بخطه الكتب الكبار في الفقه. وسمع الحديث من جماعة. ثم اشتغل بالكسب والتجارة، وسافر إلى الشام عدّة نوب. قال محبّ الدين: سمع معنا الحديث؛ وهو أحد رفقائنا وأترابنا ربينا معه في المكتب، وفي قراءة الأدب، وسماع الحديث، ولم تر عيناي صاحبًا أسلم جانبًا منه في سفري وحضري، ولا أتم مروءة، ولا أصدق إخاءً، ولا أحفظ منه العهود، وحقوق الصحبة. علقت عنه شيئًا من الشعر له، ولغيره/ 247 أ/ في المذاكرة، وسألته عن مولده، فقال: في يوم الأربعاء مستهل ربيع الآخر سنة ثمانين وخمسمائة ببغداد. قال: وأنشدني لنفسه: [من البسيط] قلبي إليكم من السَّاعات مشتاق ... ودمع عيني على خدَّيَّ مهراق والجسم من بعدكم حلف الضَّنى أبدًا ... إذا ابتدا يتثنَّى وهو حرَّاق صلوا لديغ صدودٍ في محبَّتكم ... قصدُّكم موته والوصل ترياق يا عاذلي خلِّ عذلي في محبَّتهم ... فالعذل يغري بمن قد ضلَّ يشتاق لولا تذكُّرهم لم أبق بعدهم ... ولا سعت قدمٌ بي لا ولا ساق لم أملك الصَّبر إذ ساقوا مطيَّهم ... فليتهم ملَّكوني الصَّبر إذ ساقوا [721] محمَّد بن عبد الحميد بن عبد الله بن أسامة بن أحمد بن عليِّ بن محمَّد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن أحمد بن

عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالبٍ، العلويُّ. كانت ولادته في ثامن عشر من رجب، سنة تسع وخمسين وخمسمائة، بمشهد علي بن أبي طالب- صلوات الله عليه- / 247 ب/ بالنجف. كان أديبًا فاضلًا، له معرفة بالنسب؛ ويقول الشعر الحسن، ومنه قوله، وأنشدنيه تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبد الله البغدادي، بمدينة السلام، رابع شوال، يوم الاثنين سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني الشريف أبو طالب لنفسه: [من الطويل] وصادحة باتت ترجِّع شجوها ... وتظهر ما ظمَّت عليه ضلوعي تنوح إذا ما اللَّيل أرخى سدوله ... فتذكر أشجاني بكم وولوعي فيا ليت شعري والأمانيُّ ضلَّةٌ ... هل الله يقضي بيننا برجوع فنبلغ أوطارًا ونقضي مآربًا ... ويلتذَّ طرفي من كرًى بهجوع وما ذاك من فعل الإله وصنعه ... غريبٌ ولا من حوله ببديع [722] محمَّد بن إسماعيل بن عبد الجبار بن يوسف بن عبد الجبار بن شبل بن عليِّ الصويتيُّ- من صويت فخذ من اليمن- أبو الحسين ابن أبي طاهر بن أبي محمَّدٍ المقدسيُّ. من أهل الديار المصرية.

وكان والده كاتبًا في ديوان العرض هناك. وأبو الحسين فاضل أديب له أنسه بالتواريخ، وأخبار الأدباء. وكانت ولادته في ليلة الأربعاء تاسع صفر سنة أربع وسبعين وخمسمائة. قدم بغداد طالبًا للحديث، وسمع من شيوخها/ 248 أ/ وحصّل وجمع واستفاد، وانحدر إلى واسط، وسمع من أبي الفتح المندائي، ومن غيره. وعاد إلى بلاده. أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي بها، في سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو الحسين محمد بن إسماعيل لنفسه: [من المتقارب] فلا تعجبا لاختلاف الأنام ... وما قد نرى من صروف الزَّمن بهذا قضى الله في خلقه ... فقومٌ سرورٌ قومٌ حزن [723] محمَّد بن الحسن بن محمَّد بن عليِّ بن إبراهيم، المعروف بابن الكريم، أبو عبد الله البغداديُّ. الكاتب الشيخ الأديب. كان فيه أدب وفضل، وله كتابة وشعر. أنشدني وجيه الدين الإسكندري، أنشدني ابن الكريم النفسه: [من الخفيف] إن يغب عن فنائك الرَّحب شخصٌ ... فدعائي إليه سارٍ وشكري وثنائي على معاليك مازا ... ل مقيمًا في كلِّ سرٍّ وجهر وانقطاعي عن الحضور لأمرٍ ... سوف أنهيه فهو يوضح عذري

/ 248 ب/ وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من السريع] ما صاحبٌ يسعى على رأسه ... للنفع بين النَّاس والضُّر معكوسه منقصةٌ في الورى ... لا ترتضى للماجد الحرَّ حوى علوم الخلق من عابر ... وغابر في سالف الدَّهر وهو إذا استودع سرًا فلا ... يحفظ ما استودع من سرَّ وطالما أجرى دماء وكم ... فرَّج بعد العسر باليسر وقد تراه صامتًا ناطقًا ... ممتهنًا مرتفع القدر فاعجب لناهٍ آمرٍ لم يزل ... ممتثل النَّهي مع الأمر وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف] قلت لمَّا سئلت عن كنه حالي ... من هوى نجمه فكيف يكون؟ أنا ممَّن أصابه حادث الدَّهـ ... ـر فأمسى لريبه يستكين أتمنَّى خلًا أمينًا على الدَّهـ ... ـر أراه وأين خلُّ أمين! وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] إنَّ البلاغة إن أردت بيانها ... فضلٌ لمعنًى زانه الإيجاز كالوعد أحسن ما يكون لآملٍ ... من ذي النَّوال أتمَّه الإنجاز / 249 أ/ وقال يصف زهر الخشخاش، وأنشدنيه: [من البسيط] أمأ ترى زهر الخشخاش حين بدا ... تقلُّه في الرِّياض الخضر قضبان كأنَّه لعيون النَّاظرين يرى ... مشاعلًا أضرمت فيهنَّ نيران وله أيضًا فيه، وأنشدنيه عنه: [من الوافر] سقى صوب الحيا روضًا نزلنا ... به مذلاح للإصباح فجر وقد أبدى به الخشخاش وردًا ... يحيِّر ناظرًا فيه وفكر كأنَّ بدائع الأزهار فيه ... مطارد عسكر بيضٌ وحمر وله: [من المتقارب] قنعت بميسور قسم الإله ... وقد كان من باليسر اقتنع وأصبح راض بخاء الخمول ... ونون النَّباهة عنه رفع

وأنشرت نفسي بقاف القنوع ... وألزمتها طيَّ طاء الطَّمع وإن وفق الله كنت امرءاً ... يرى لازمًا رأي راء الورع وقوله: [من السريع] وصاحب لي بالنُّهى لم أزل ... أعرفه والفضل موسوما يقول يومًا حين ناديته ... ما أحسن المنثور منظوما / 249 ب/ مثل عقود الدر تفصيلها ... تراه بالياقوت مفهوما أهداه لي عصر الرَّبيع الَّذي ... إحسانه مازال معلوما فاسعد به لازلت في نعمةٍ ... ولا أراك الدَّهر مهموما وله: [من الطويل] إذا ما بدا من صاحب لك زلَّةٌ ... وأخفيتها ثمَّ ابتدرت عقابه فإنَّك قد عاقبته ظالمًا له ... ولورمت انصافًا نشرت عتابه وله: [من مجزوء الكامل] متحلِّفٌ إن جئته ... لم تلقه للهمِّ فارج وتراه يستمع المدا ... ئح ثمَّ لا يقضي الحوائج وله: [من المنسرح] أمسيت في جلِّق أسير أسى ... رهين همٍّ محالف الكمد لا مسعدًا أرتجيه يسعدني ... على زمان يفت في عضدي يا بلدة السُّوء ويك لست أرى ... فيك معينًا يعين ذا رشد لأرحلن عن فنان لا ندمًا ... أقرع سنِّي ولا أعضُّ يدي وكون مثلي يسير عن بلدٍ ... عارٌ على أهل ذلك البلد / 250 أ/ وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف] أيُّها الماجد الَّذي لست عن حفـ ... ـظ ودادي ما غبت عنه أحول وثنائي عليه كالرَّوض غضٌّ ... لا يدانيه ما حييت المحول

لي عذرٌ عن التَّأخُّر لمَّا ... أصبحت بيننا الوحول تحول وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] أرى بجلَّق أقوامًا مودَّتهم ... إذا تبينتها منحلَّة السَّبب إن أولموا لم يلمُّوا بالصَّديق وإن ... دعوه لم تك إلَّا دعوة النَّشب ونشدني عنه أيضًا: [من البسيط] حتَّى م ترضى بضنك العيش مغتربًا ... ناء عن الأهل والجيران والسَّكن وأنت من سعة البيداء في رحلٍ ... تمسي وتصبح فيها ضيِّق العطن لا تستقرُّ بدار غير نازحة ... تجد سيرًا كثير الحضر في المدن فاثن العنان وسر بالعزم مرتحلًا ... من بعد طول النأي واربع على الوطن وإن حللت بدار العزِّ مغتربًا ... فالضُّرُّ والذُّلُّ بالتَّغريب في قرن وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من السريع] تغيَّر النَّاس وأحوالهم ... فما ترى منهم فعالًا جميل / 250 ب/ لا صادقًا ألقى ولا ألقى ... لما ناب نبيها نبيل قد عدم المشفق في عصرنا ... حتَّى فقدنا وعزَّ المنيل فعدت بالوحدة مستأنسًا ... وحسبي الله ونعم الوكيل وأنشدني وجيه الدين، قال: أنشدني ابن الركيم لنفسه: [من الطويل] إذا فرصةٌ لاحت فخذها ولا تكن ... بمعتذرٍ عن أخذها بسبيل ولا ترجها إن أمكنتك إلى غدٍ ... فمن لغدٍ من حادثٍ بكفيل وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الرمل] لم أزل أعفو ويهفو صاحبي ... وإذا أبصرت عيبًا أتعامى ولكم راءيت غمرًا جاهلًا ... وإذا خاطبني قلت سلاما وأنشدني، قال: أنشدني من شعره: [من المتقارب] إذا ما نظرت إلى جاهلٍ ... سفيه يفوه بغير الصَّواب وقد جاء مستهترًا عابثًا ... يخاطب جهلًا بسوء الخطاب فلا تحفلنَّ به واطَّرحه ... مهانًا ولا تلقه بالجواب

فما إن لعمري يضرُّ السَّماء ... إذا ما فهمت نباح الكلاب / 251 أ/ وأنشدني أيضًا وجيه الدين أبو المظفر الأسكندري، في المحرم سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن إبراهيم المعروف بابن الكريم البغدادي، بدمشق لنفسه: [من المنسرح] أهدى إليَّ النِّظام مبتديًا ... مكفَّنًا يبتغي له سترا من فوق عرش مزخرف بهرت ... ألوانه ثمَّ حيرت فكرا يخبر في الطَّعم عن خلائقه ... وعرفه قد غدا له نشرا دفنته في الفؤاد من حزنٍ ... وظلَّ صدري إذًا له قبرا فهو حقيقٌ منه بكلِّ ثنًا .. أهديه نظمًا وتارةً نثرا ما زال يهدي برًا إليَّ وما ... زلت بجهدي أهدي له شكرا فلا عداني إفضاله كرمًا ... ولا عدته مدائحي تترى وأنشدني، قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الكامل] قل للَّذي خضب المشيـ ... ـب مغالطًا حكم القدر هلَّا ادَّعيت تصابيًا ... وغدوت تخفي ما ظهر / 251 ب/ وسترت شيبك بالخضا ... ب فكيف تصنع بالكبر؟ وأنشدني، قال: أنشدني من شعره: [من مجزوء الكامل] صارحت إخوان الوداد ... فعل اللَّبيب أخي السَّداد لمَّا تكَّر منهم ... صفو الأخوة والوداد وأطلعتهم وجفوتهم ... كالعضو يقطع للفساد وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب] قبول المديح بغير اعتذارٍ ... يدلُّ على سوء رأيٍ قبيح ولكنَّ هذا جزاء امرئٍ ... أتى كاذبًا لكم في المديح وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من السريع] وباخلٍ جادلنا غالطًا ... بالنَّزر من فاضل إنعامه في عامه الماضي ولكنَّه ... استقضاه في الحاضر من عامه

وأنشدني، قال: أنشدني من شعره: [من الخفيف] أنكرتني لمَّا علا الشَّيب فودي ... وضننت حتَّى بطيف المنام ليس شيبي من طول عمري ولكن ... شيَّبتني وقائع الأيَّام / 252 أ/ وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] ولقد مررت على الدِّيار مسائلًا ... عن جيزةٍ كانوا بها مستخبرا فأجابني الرَّسم المحيل بها حدا ... حادي المنون بهم وقد سكنوا الثَّرى هذي قبورهم وتلك قصورهم ... فانظر وقف بفنائها مستعبرا والله ما نعمت حياتي بعدهم ... كلَّا ولا التذَّت جفوني بالكرى وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] هل بعد ما شاب العذار يرى ... في اللَّهو لي إن عدت من عذر؟ ما كان ذا حدَّ المشيب، بلى: ... هذا غبار وقائع الدَّهر! غادرتني غرضًا لأسهمها ... ورميتني من حيث لا أدري وخفضن أحوالي الخطوب بما ... قد حطَّت الأقدار من قدري فغدوت في الأحداث معتصمًا ... لمَّا نزلن بأجمل الصَّبر أجرى مع الأيَّام كيف جرت ... لا فوز عند الصَّبر بالأجر لا أشكينَّ لوقع نائبةٍ ... والصَّبر أحسن بالفتى الحرِّ [724] محمَّد بن أحمد بن أبي عيسى/ 252 ب/ أبو عبد الله المايرقيُّ. الناسخ الأديب، نزل دمشق. أنشدني أبو المظفر منصور بن سليم بن منصور الإسكندري، قال: أنشدني أبو عبد الله الناسخ لنفسه بدمشق: [من البسيط] قالوا: تحبُّ ترى بغداد قلت لهم ... إنِّي بحبِّ ثرى بغداد مشغوف وكيف لا وبها البدر المنير بدا ... من في الأنام عليه الحسن موقوف

[725] محمَّد بن محمَّد بن الحسين ابن الخراسانيِّ الوراق، أبو عبد الله. من أهل بغداد، ومن أولاد المحدثين. قال محب الدين: سمع الكثير من شيوخنا، وكتب بخطه، وقرأ بنفسه، وكان يكتب خطًا حسنًا، ويورّق للناس. كتب الكثير من الكتب الكبار والصغار والكراريس، والإجزاء؛ وكتب لي كثيرًا، وسمعت معه وبقراءته. وكان شابًا فاضلًا صالحًا ورعًا زاهدًا تقيًا متعففًا، لازمًا لمنزله، لا يخرج منه إلَّا في يوم الجمعة لأجل الصلاة، ويأكل من كدّ يده. وما رأيت أحدًا أبلغ احتياطًا منه في أداء الأمانة، وصحة المعاملة، والخروج/ 253 أ/ من مظالم العباد، لحقته أمراض متعبة، وطالب به إلى أن مات شابًا، قبل أوان الرواية، يوم الأربعاء الخامس من رجب سنة ستٍّ وستمائة، ودفن من الغد بباب حرب- رحمه الله تعالى-. حدّث بالسير عن ابن زريق؛ وحدّث الحديث قديمًا من أبي الحسين بن يوسف، وأبي السعادات القزاز. ثم قال: قرأت بخط محمد بن الحسين بن الخراساني: ولد الولد أبو عبد الله في تاسع عشر من صفر سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وقرأت بخط ابن الخراساني محمد بن محمد في كتابه، قال: رأيت كأني أنشد هذه الأبيات في المنام لنفسي: [من الخفيف] غرَّدت في الأراك أيكة سلع ... فوق غصنٍ سقيته ماء دمعي

فاعتراني إلى الحبيب اشتياقٌ ... وتذكَّرت موقفي بالربع يا عذولي دع عنك لومي فإنِّي ... عن ملام العذول قد صمَّ سمعي كتبه محمد بن محمد بن الحسين الخراساني. قال: وقرأت بخط محمد بن محمد بن الخراساني، قلت: [من السريع] / 253 ب/ جدُّو إلى طاعة مولاكم ... فإنَّما دنياكم ذاهبه فقد حظي بالفوز من ربِّه ... من كان برًا للورى ذاهبه [726] محمَّد بن معمر بن عبد الواحد بن الفاخر، أبو عبد الله القرشيُّ. من أهل أصبهان. كان شيخًا حسنًا فاضلًا عالمًا ثقة نبيلًا؛ سمّعه والده الكثير من أبي الفضل جعفر بن عبد الواحد بن الثقفي، وأبي نصر أحمد بن عمر الغازي وغيرهما من المشايخ المعتبرين. وكانت ولادته ليلة الإثنين الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة عشرين وخمسمائة. وتوفي في ربيع الآخر سنة ثلاث وستمائة. قال ابن القطيعي؛ أنشدني أبو عبد الله محمد بن معمر لنفسه: [من الوافر] تبدَّت مثل ما بزغت براح ... وآذنت الكواكب بالرَّواح

فقلت فضحت حين وضحت ليلًا ... وطال لسان واشٍ فيَّ لاحي فقالت بعدما جادت ونادت ... وأبت عن ثغورٍ كالأقاحي: وهل تستنجح الحاجات إلَّا ... بوجه في مساعيه وقاح [727] محمَّد بن النفيس بن مسعود بن محمَّد بن عليِّ الدقاق، أبو سعدٍ المعروف بابن صعوة البغداديُّ. كان شابًا حسنًا، وفقيهًا فاضلًا، حافظًا لكتاب الله، كيّسًا متوددًا، ظريفًا لطيفًا؛ قرأ الفقه على أبي الفتح بن المنى، وتكلم في مسائل الخلاف، وحصل طرفا صالحا من العلم. وسمع الحديث من أبي علي أحمد بن علي الرحبي، وأبي عبد الله بن منصور بن هبة الله الموصلي، وأبي الحسن عليّ بن عساكر البطائحي. وحدّث باليسير، لأنه توفي شابًا، قبل أوان الرواية. قال محبّ الدين: علقت عنه شيئًا من الأناشيد في المذاكرة، وكان صديقنا- رحمه الله تعالى- وسألتها عن ولادته، فقال: في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. ومات ليلة الجمعة ثاني عشر شوال سنة أربع وستمائة ببغداد، وصلينا عليه، من الغد بجامع القصر؛ وحمل على رؤوس الناس إلى الزرادين، فدفن بها. قال القطيعي: أنشدني ابن صعوة لنفسه: [من المديد]

رقَّ يا من قلبه حجر ... لجفون حشوها سهر / 254 ب/ ولجسمٍ ما لناظره ... منه إلَّا الرَّسم والأثر فغرامي لو يحمَّله ... صخر رضوى كاد ينفطر إن لومي في هواك لمن ... شرِّ ما يجري به القدر يا بديعًا جلَّ عن شبه ... ما يداني حسنك القمر صل ووجه الدَّهر مقتبلٌ ... فزمان الوصل مختصر كم رأينا وجنةً قتلت ... فما آثارها الشَّعر [728] محمَّد بن أبي الفرج بن معالي بن بركة، الفقيه الشافعيُّ [المقريء، أبو المعالي الموصليُّ. قال أبو الحسن القطيعي: رفيقنا من أهل القرآن والفقه والأدب، قم بغداد في المحرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة]. قال القطييعي: أنشدني لنفسه، يمدح بعض الصدور: [من الوافر] وقد أوتيت أخلاقًا ... تحيِّر ضارب المثل فأنت الكامل المتفرد الخالي من الخلل

لقد أصبحت للوفَّا ... دمن حافٍ ومنتعل مسيح مروةٍ تحيي ... لدينا ميِّت الأمل [729] محمَّد بن أحمد بن هبة الله/ 255 أ/ ابن تغلب، أبو عبد الله النحويُّ، الفرزانيُّ. من قرية تدعى فرزينيا، من قرى نهر ملك. كان مقربًا عارفًا فاضلًا، وقيِّمًا بعلم العربية والقراءات. قرأ على الإمام أبي محمد بن الخشاب، وغيره، وسمع من أبي منصور مسعود بن عبد الواحد بن الحصين. وكانت ولادته في سنة ثلاثين وخمسين، وتوفي يوم الثلاثاء السابع والعشرين من صفر سنة ثلاث وستمائة ببغداد، ودفن في باب حرب، بمقابر الشهداء. فمن شعره قوله: [من المجتث] يا هاجري ادلالا ... هجرتني أم ملالا أم كاشحٌ أم عذول ... أراك قتلي حلالا يا غصن بانٍ رطيبٍ ... فاق الغصون اعتدالا ارفق بمهجة صبٍّ ... أضحى يحاكي الخلالا تظنُّه عنك سال ... حاشاك هيهات لا، لا وكيف يسلوك صبٌّ ... يذوب فيك اشتعالا

ولو أطاق سلوًا ... أبى هواه انتقالا إيهًا على طيب عيشٍ ... ألذَّ ما كان زالا / 255 ب/ أنالنا الدَّهر وصلًا ... ثمَّ استردَّ النوالا [730] محمَّد بن عليِّ بن الحسن بن محمَّد بن رضى، أبو حامد بن أبي المكارم الموصليُّ العمرانيُّ. كان أحد أجداده من العمرانيّة، قرية من نواحي الموصل شرقيها. وقد تقدم شعر أخيه. ورد أبو حامد مدينة إربل، في عهد سلطانها الملك المعظم مظفر الدين- رضي الله عنه- وأقام بها متوليًا نظارة ديوانها، ثم حبس بعد ذلك، وآلت به الأحوال إلى أن ضمن جهبذة الديوان؛ فأقلع عن ظلم فاحش، وسيرة غير حميدة، فلم تطل أيامه بها، حتى أتت عليه منيته، وذلك يوم الاثنين أواخر صفر سنة إثنتين وعشرين وستمائة. وكان حسن الحظ والشعر، له كتاب سمّاه: ((بهجة الناظر في الخيال الزائر)) ذكر فيه مدائح الملك القاهر عزّ الدين مسعود. ومن شعره، وكان سائرً مع بعض الأكابر، وذكر له، أن عمل بيتين يتضمن شرح من يكتب بليقة حمراء في كاغد أصفر، فعمل أبو حامد فيمن يكتب بالأسود في الكاغد الأبيض: [من الطويل] / 256 أ/ كتبت بخطِّي فوق خطِّ معذِّبي ... سطورًا تحاكي أضلعي وسقامي وأوردت فيها بعض ما بي من الجوى ... وأودعتها وجدي وفرط غرامي ومن شعره أيضًا، ما كتبه إلى بعض الرؤساء: [من الطويل] سلامٌ كأنفاس الخزامى وقدهما ... عليه سحيرًا دائمًا سبل القطر

تهبُّ به ريح الشَّمال معطَّرًا ... وتهديه من صبٍّ نحيل أخي فكر أدام له الله الكريم بفضله ... سعادات جدٍّ لا تزال مدى الدِّهر ألا أيُّها المولى الَّذي جاد باللُّهى ... وإحسانه عمَّ البريَّة بالوفر ومن سابقت آلاؤه وتتابعت ... إليَّ أياديه ونعماه كالقطر أبثُّك أشواقي وفرط صبابتي ... تقلِّب أحشائي على مسعر الجمر فلو كانت الأرض الفسيحة صفحةً ... لسطري عليها والمداد من البحر وأوغلت إفصاحًا وأطنبت شارحًا ... وأسهبت بالإفراط لم آت بالعشر فيا ليت أنِّي كنت بين سطوره ... لأحظى برؤيا وجهه المشرق البدر ولولا عوادٍ أشغلتني عن السُّرى ... لجئت إليه ساعيًا عوض السَّطر وقال غزلًا: [من الرجز] / 256 ب/ وغادة شبَّهتها في حسنها ... بالقمر الزَّاهر في جنح الدُّجى قلت لها: يا منية القلب إلى ... أورثت الجسم سقامًا وضنى صلي محبّا ذائبًا فؤاده ... أذابه الهجر وأفناه الجوى قالت أجبت القول فيما تبتغي ... إن كان ما قد قلت حقًا يا فتى! وله من صدر كتاب: [من الطويل] كتابي عن شوق إليك وغبطة ... ........ لا يزال يزيد ولي بعد بعدي عن لقائك زفرةٌ ... لها بين أحناء الضُّلوع وقود وقال أيضًا: [من البسيط] يا ربَّ قد أخذ البلوى مآخذها ... منِّي ولم يبق لي صبرٌ ولا جلد فليس لي ملجأ إلَّا إليك ولا ... ركن ألوذ به إلَّاك يا صمد وله أيضًا: [من الوافر] عساها عن صباح النُّجح تجلى ... وترفع من دجى الغمرات سدلا وتعقب بعد شدَّتها لباثًا ... وتنشط من عقال الهمِّ حبلا فقد طاولت ناصية اللَّيالي ... أريد تجلُّد وأريد مطلا / 257 أ/ إلى أن أنفدت صبري وأفنت ... سهام خطوبها حطمًا وفلَّا

أرح قلبي بذكراهم فإنِّي ... أحنُّ على الجوانح منه طلَّا فلي طرفٌ بحرِّ الدَّمع يدمى ... ولي كبدٌ بنار الشَّوق تصلى وله وقد سأله بعض أصدقائه، أن يضع أبياتًا يلغز فيها اسمًا، فصنع هذه الأبيات، وألغز فيها اسم ((كلبهار)): [من البسيط] يا من تحلَّ لديه كلُّ مشكلةٍ ... ومن وجدنا إليه الفضل منسوبا ما اسمٌ إذا ما عكست الثُّلث مختبرًا ... منه يصير من الأصباغ محسوبا وإن عكست بالَّذي يبقى يكن رجلًا ... يبغي رضا الله قلا، أن يرى طوبى فأوضح الاسم لازالت منائح ذي ... الإفضال تأتيك مهديًا وموهوبا وقال يلغز باسم سلطان: [من البسيط] يا من علا رتبًا في الفضل ساميةً ... ومن وجدناه أكفى النَّاس في الأدب ما اسم ما ذكرت خمسًا بدايته ... يطل أمرًا لخرط النصل ذي الشطب وإن ذكرت الَّذي يبقى يظلُّ كمن ... رمَّ البناء بترب أحسن التُّرب / 257 ب/ وإن عكست المبقَّى منه صار كما ... تعلَّق الأمر في هذا بذا السَّبب وإن جمعتهما صارا بلا ريب ... قيلًا عظيمًا كريم الأصل والنَّسب فحقِّق الاسم واغنم فيه محمدةً ... تبقى على قدم الأزمان والحقب [731] محمَّد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الواحد، أبو عبد الله الآرسيُّ السبيُّ بحلب. [عمران الغرناطي، قال: أنشدنا محمد: ] [من البسيط] قف بالدِّيار وحيِّي الأربع الدُّرسا ... ونادها فعساها أن تجيب عسى! وإن أجنَّك ليلٌ من توحُّشها ... فاشعل من الشَّوق في ظلمائها قبسا إذا تنشَّق أنفاس الصَّبا سحرًا ... يكاد تسري إليهم نفسه نفسا

وإن يكن في قفار ظنَّها لججًا ... وإن تنفَّس عادت كلُّها يبسا مضى الزّمان الَّذي قد كنت أعهده ... وكان بالأمس معمورًا فقد درسا يا هل درى الغادون عن دنفٍ ... يبيت وليل الدَّياجي يرقب الغلسا ظبيٌ غريرٌ ولكن لحظ مقلته ... يسطو على الصَّبِّ سطو اللَّيث مفترسا كلَّمته فتشكَّى الكلم من كلمي ... وكدت أجرحه باللَّحظ مختلسا وابتزَّ قلبي قسرًا قلت مظلمة ... يا حاكم الحبِّ هذا القلب لم حبسا / 258 أ/ غرست باللَّحم دمعًا فوق وجنته ... حقًا لطرفي أن يجني الَّذي غرسا وإن أبى فالأقاحي منه لي عوض ... من عوِّض الثَّغر من خدِّ فما بخسا فبات طوع يدي والشَّمل يجمعنا ... في بردةٍ للتُّقى لا تعرف الدَّنسا تلك اللَّيالي الَّتي اعتدُّ من عمري ... وبالأحبَّة كانت كلُّها عرسا لم يحل للعين شيءٌ بعد بعدهم ... والقلب مذ أنس التَّرحال ما أنسا يا جنَّة فارقتها النَّفس مكرهةً ... لولا التأسِّي بدار الخلد متُّ أسى [732] محمَّد [بن] نصر بن أبي البيان، أبو عبد الله الأديب الدمشقيُّ. كان يفهم صدرًا صالحًا من علم العربية، وينظم شعرًا حسنًا، وسمع الحديث ورواه عن أبي القاسم الحافظ، وحمل عنه، وسمع سعادة الأعمى، وروى عنه من شعره. أنشدني أبو المظفر منصور بن سليم بن منصور الإسكندري، الفقيه الشافعي، قال: أنشدني الأديب أبو عبد الله بن أبي البيان لنفسه: [من البسيط] لا تنكرن ضعف خطِّي وارتعاد يدي ... فإنَّه خطُّ من قد جار سبعينا / 258 ب/ صرَّفتها بيد التَّسويف مرتجيًا ... عفو الإله وأسلافي المطيعينا قومٌ مضوا منذ كانوا قطُّ ما برحوا ... إلى العفاف وفعل الخير ساعينا لم يحملو لمليك منةً أبدًا ... ولم يكن قصدهم جاهًا وتعيينا نبا بناصية حتَّى لقد وجدوا ... أصحابه في الورى غرًا ميامينا

طريقهم بالتُّقى والدِّين واضحةٌ ... بالذكر لله لا بالرَّقص لاهينا فالرَّقص نقصٌ عظيمٌ لا يقول به ... قومٌ مصيبون بل قومٌ مصابونا هذا مقالي وكلُّ الخلق يعرفه ... فلا تكونوا لقول الحقِّ قالينا فنسأل الله حقًا أن يثبِّتنا ... عليه حتَّى نرى في الخلد ثاوينا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف] قلت إذ لفَّع الزَّمان رداء الشَّيب بالثَّلج فهو ضاف قشيب أنا ما نلت بغيتي في زماني ... حيث غصن الزَّمان غضٌّ رطيب أفأرجو نيل الأمانيِّ فيه ... كيف ترجى وقد علاه المشيب قد تلاقى مشيبة ومشيبي ... فانتشا بينهن أمرٌ عجيب من قريبٍ أراه وهو بعيدٌ ... وبعيدٍ أراه وهو قريب وزمان إذا تأمَّلت أهليه ... فإنَّ الوفاء فيهم غريب / 259 أ/ ومن شعره يمدح القاضي الخويّ: [من المتقارب] لقد أسعف الله أهل الشَّام ... وأنقذهم من أذى يونس وعادت دمشق بقاضي القضاة ... تزيد على شرف المقدس وصار الخويّ لمَّا به ... تسمَّى أعزَّ من الأطلس فيا حاكمًا قد ملكت القلوب ... بلطف ينطِّق للأخرس ومالت إليك نفوس الأنام ... كأنَّك مغنيطس الأنفس وأيَّك الله سبحانه ... بفصل الخطاب لدى المجلس فعشت مدى الدَّهر في أنعمٍ ... وأعداؤك الآن في أبؤس وكتب إلى بعض القضاة معتذرًا: [من البسيط] قاضي القضاة عماد الدِّين سيِّدنا ... سمت مناقبه بالعلم والعمل فالعدل منبسطٌ والظُّلم منقبضٌ ... والعلم في عزَّة والجهل في خذل وليس تأخذه في الله لائمةٌ ... وخالص الدِّين لا يخشى من الزَّلل لا تحسبنَّ انقطاعي عنك من سببٍ ... يصدُّني أو لأمر الحمَّق السَّفل ومنها:

أعوذ بالله إلَّا أننَّي زمنٌ ... عشر الثَّمانين قد ضاقت به حيلي وقد بلغت إلى عمر يؤخِّرني ... عن كلِّ خيرٍ ويدنيني إلى الأجل / 259 ب/ فاعذر لعبدك في التقصير وارع له ... حقًا تقدَّم يا ابن السَّادة الأول لا زال مجد عماد الدِّين مرتقبًا ... إلى الكواكب والشِّعرى ولم يزل وله: [من الطويل] وقائلة لا ترض بالشِّعر خطَّةً ... فإنِّي أرى أهليه من أرذل البشر فقلت أنا الياقوت بين حجارة ... وقد يشمل الياقوت تسمية الحجر وله يمدح ابن مرزوق: [من الكامل] سبحان من رزق ابن مرزوق النُّهى ... وحباه منه بوافر الأقسام لمَّا رأيناه رأينا سيِّدنا ... بمناقبٍ أعيت ذوي الأفهام متكبِّرًا عن أن يرى متكبِّرًا ... متواضعًا وله المحل السَّامي يحنو على الضُّعفاء منه تلطُّفًا ... ويبرُّهم بالبرِّ والإنعام فهو المجمَّل بالمناقب كلِّها ... وهو المجمِّل ملَّة الإسلام لا زال ماضي الأمر في مصرٍ وفي ... حلبٍ وبغدادٍ وكلِّ الشَّام وقال من قصيدة، يمدح بها الفلك بن المسيري: [من البسيط] باليمن والنُّجح دار أنجم الفلك ... تنمى سعادتها للصاحب الفلك / 260 أ/ مولى مدائحه كالمسك مسلكها ... في النَّثر والنَّظم منه خير منسلك لا زال يرفل في أثواب عافيةٍ ... وصانه الله عن بؤسٍ وعن درك وأنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله النصيبي بحلب، قال: أنشدني محمد بن نصر بن عبد الرحمن لنفسه: [من الكامل] ولقد ضعفت فلم أزرك وإنَّ لي ... قلبًا إليك صميمه يرتاح ودعاؤنا لك صالحٌ ندعو به ... فيؤمِّن الإمساء والإصباح يا أيُّها القاضي الَّذي سرَّ الورى ... بقدومه وتوالت الأفراح لمَّا قفلت من الحجاز تباشروا ... أهل الشَّام به فلاح فلاح

فاعذر لخادمك المقصِّر إنَّه ... يفنٌ ضعيفٌ ما عليه جناح وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] عشر الثَّمانين قد أوهى قواي وقد ... تضاعف الضَّعف في عشر الثَّمانينا فاسأل الله لطفًا منه يلطف بي ... باقي الحياة فقل بالله آمينا [733] محمَّد بن المبارك بن عليٍّ/ 560 ب/ حمى الله حوزته-. وكان ذا فضل وأدب، حافظًا للقرآن الكريم، شاعرًا؛ نظم أرجوزةً في النحو. وقع إليّ قصيدة من قيله في البيت المقدّس، حين خرّبه الملك المعظم شرف الدين عيسى بن أبي بكر- صاحب دمشق-. وفي تلك السنة أخذ الفرنج- خذلهم الله تعالى- دمياط، وهي سنة ست عشرة وستمائة؛ فأنشأ أبو عبد الله هذه القصيدة: [من الوافر] مصاب القدس قد سلب الرُّقادا ... وقد لبس الخطيب به حدادا وقاضيه قضى نحبًا وإن لم ... يمت لخراب ما أعلى وشادا ونادى المسجد الأقصى أيرضى ... بهذا الفعل من فرض الجهاد ومنبره الشَّريف يئنُّ خوفًا ... وممَّا حلَّ بالمحراب مادا ولا ترقى لصخرته دموعٌ ... فكم قد أقرحت أسفًا فؤادا كذا محراب داود علته ... الكآبة دمعه يحكي العهادا ولازم باب رحمته عذابٌ ... وسطَّح الطُّور أدمعه وجادا / 261 أ/ وأصبحت المدارس معولات ... تريق محابر الفتيا المدادا وما عن عين سلوان سلوٌ ... لساكنه ولو ملك البلادا وبيت خليله وجلٌ لما قد ... أصاب سواه يرتعد ارتعادا

وعند قمامة اليوم التَّهاني ... تتيه ككاعب جاءت تهادى إذا سمعت بدمياط وما قد ... أشيع تقول بلِّغت المرادا ولكنَّ الكنائس ضاحكاتٍ ... تعالى الله يفعل ما أرادا ألا يا زائريه أبكوا ونوحوا ... على الإسلام وافترشوا الرَّمادا فلو بكت العيون دمًا عليه ... تقاضى رزؤه الباكي ازديادا فمكَّة ثاكلٌ عبرى فلمَّا ... ألمَّ بأختها لبست سوادا فترك الحجِّ أبكى كلَّ عين ... وعن طيب الكرى اعتاضت سهادا رضا الملك المعظَّم ذا عظيمٌ ... ولو ملك البسيطة ما أفادا ولكن ربنا ربٌّ غفورٌ ... لطيف الصُّنع يمتحن العبادا فخوَّلنا وبوَّأنا بلادًا ... أرانا جاحدي نعماه عادا أبعد خراب بيت القدس خطبٌ ... أشدُّ ولو توسدنا القتادا على الدُّنيا وما فيها عفاءٌ ... ولو نلنا بها السَّبع الشِّدادا / 261 ب/ وأنشدني القاضي شهاب الدين أبو المحامد إسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن القوصي بدمشق، في المحرم سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن المبارك الضرير خطيب القدس، وقد أنشدته هذين البيتين: وما طلب المعيشة بالتَّمنِّي ... ولكن ألق دلوك في الدِّلاء تجيء بملئها طورًا وطورًا ... تجيء بحمأةٍ وقليل ماء فقال مجاوبًا لي ما انحصرت القسمة، بل بقي قسمان آخران، وأنشدني لنفسه بديهة: [من الوافر] وكم من مرسلٍ دلوا تردى ... وطورًا عاد منقطع الرشاء فأجمل في طلاب الرِّزق واعلم ... يقينا أنَّ رزقك في السَّماء فلا حرصٌ يقيك ولا توانٍ ... يغيث فثق بسابقة القضاء

[734] محمَّد بن محمَّد بن عبد الكريم بن يحيى بن عليِّ بن يحيى، أبو عبد الله ابن الأكّاف الموصليُّ المعروف/ 262 أ/ أبو عبد الله الموصليّ المقرئ. كان ممن قرأ على الشيخ أبي بكر يحيى بن تمام بن سعدون القرطبي الأزدي، القرآن والقراءات، وتلمذ به، وجود عليه. وكان شيخًا شيعيًا متواليًا، له أشعار في المدح وغيره. وكان يعرف بابن نصيف. قرأ عليه القرآن، خلق كثير من أهل الموصل، وتوفي في سنة اثنتي عشرة وستمائة. أدركت آخر زمانه، وهو شيخ كبير. ونقلت من خطه، قوله يمدح أتابك نور الدين أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود- رضي الله عنه-: [من الكامل] لعداك فرط صبابتي وغرامي ... وعداك وجدي في الهوى وهيامي يا من غدا متفرِّدًا بجماله ... صل من غدا متفرِّدًا بسقام رشا جموح الحسن طوع يمينه ... يقتاده عنفًا بغير زمام يرمي وترمي مقلتاه بأسهمٍ ... فسهامه موصولةٌ بسهام كيف التَّخلص من لواحظه الَّتي ... جعلت مراميه وهنَّ مرامي قسمًا بسحر كامن في جفنه ... ولذاك عندي أوفر الأقسام لأصاحبنَّ الدَّهر غير مسالمٍ ... وأصول مقتدرًا على الأعوام أأرأع يا دهري ونور الدَّين لي ... مولًى وعونٌ إن سطوت وحامي / 262 ب/ ملكٌ يرى في سرجه ملكٌ له ... سيما الهدى وسكينة الإكرام متقلِّد من عزمه ذا رونقٍ ... يرضيك في نقضٍ وفي إبرام

ليثٌ العرين إذا تثنَّى في وغًى ... وإذا انثنى لندًى فبحرٌ طامي تلقى أرسلانًا إذا اشتجر القنا ... وتأخَّر المتقدِّمون يحامي يا آل زنكي أنتم الصِّيد الألى ... بكم حمى اللَّاجي وريُّ الظَّامي ليقر عينًا يا فثٌ بكم فقد ... أربى على سام بفخر سامي مولاي عوة من أتى مستمطرًا ... يرجو الرَّذاذ فجدته بركام حكَّمته في دهره فتقهقرت ... وتقاعست عنه خطى الأيَّام حسدتني الدُّنيا عليك وباعدت ... خدمي ولم يبعد نداك الهامي فاعطف على العبد الَّذي أبدأته ... بسجال قربك فهو ذاو ظامي واسلم منيع الجار مبذول النَّدى ... خصب الجناب مؤيَّد الأعلام ونقلت من خطّه شعره، ما كتبه إلى بهاء الدين الربيب: [من السريع] قل لبهاء الدِّين عنِّي شفاه ... يسألك الله غدًا من سماه شيمتك العدل وفيك التُّقى ... وكلَّ أعمالك ترضي الإله / 263 أ/ فاسئل عن حالي وعن قصَّتي ... وذبَّ عنِّي من أذًى قد أراه غلمان إبن العجمي كلُّهم ... قد حلَّلوا قتلي وقالوا: الغزاه وكيف ألقى القتل في بلدة ... ملك أبي الحارث رسلان شاه ممهِّد الأرض بأطرافها ... وليس في الأرض مليك سواه مجَّدك الأبطا يوم الوغى ... سائل ملوك الأرض عن ملتقاه ما جاءه من خاف من ظالمٍ ... إلَّا أزال الظُّلم لمَّا أتأه وإنَّني أخوف من أرنب ... يرى كلاب الصَّيد تعدو وراه وذاك خوفي لم يكن منهم ... ما يعجز الرَّامي عمَّن رماه وإنَّما خوفي من بطشكم ... أجتنب الشَّر وأخشى أذاه إنههم مولاي عن فتنتي ... وردَّهم عنِّي وإلَّا فاه قد مضَّني فرط سؤالي لهم ... وليس يزدادون إلَّا عماه لو أنَّني قد جئت من خيبر ... كنت أداريهم بوزن البراه وإبن غازي هو أسُّ البلا ... يؤلِّب القوم ويهوى هواه يزوِّر الكتب كما يشتهي ... مجاهد الدِّين لهذا اتَّقاه

وقد تأذَّى النَّاس من شرِّه ... فازجره عن مسك القلم والدَّواه / 263 ب/ ولا خلوت الدهر من دعوةٍ ... من نالها في الخلق يعطى مناه واسلم ودم وأبق لدى نعمةٍ ... ما سارت الركبان أرض الفلاه [735] محمَّد بن محمَّد بن محَّمد بن محمَّد بن الحسين، أبو البركات ابن أبي جعفرٍ النحويُّ البغداديُّ المولد والمنشأ. وأصله من شهرستانة، وهي بلدة عند نسا من بلاد خراسان، مما يلي خوارزم، يقال لها: رباط شهرستانة؛ بناها عبد الله بن طاهر في خلافة المأمون. كانت وفاة أبي البركات يوم الأحد سابع عشر ربيع الآخر سنة ثماني عشرة وستمائة ببغداد، ودفن بجانبها الشرقي بمقبرة الوردية. وكان مولده في شهر رمضان سنة تسع وأربعين وخمسمائة. أخذ النحو عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب النحوي، وبعده على أبي الحسن علي بن المبارك المعروف بابن الزاهدة، ولازمه حتى حصل معرفة هذا العلم، وتميّز فيه على غيره، وسمع الحديث من جماعة، وله شعر حسن. أنشدني أبو عبد الله/ 264 أ/ محمد بن سعيد الواسطي، قال: أنشدني أبو البركات لنفسه: [من الكامل] لمَّا جفا من كنت آمل وصله ... ظلمًا وجدَّ فديته من ظالم أخفيت زرقة ملبسي من حاسدي ... ولبستها من خشيةٍ في الخاتم وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني محمد بن محمد لنفسه: [من الطويل] خليليَّ عوجا عرَّضا لي بذكر من ... بها ينقضي عمري وأدفن في رمسي ونوحا بشجو واندبا لي فرقتي ... ليال تقضَّين فهل راجعٌ أمسي غداة افترقنا غاب عقلي فما أرى ... لي اليوم من عقل صحيح ولا حسِّ ألا إنَّ نور الشَّمس من نور وجهها ... فما لي أراها تستظلُّ من الشَّمس

ومن شعره ما كتبه إلى بعض الصدور، وقد أهدى إليه كتابًا ألّفه لأجله: [من الكامل] جمَّعت من غرر البلاغة لمعةً ... أهديتها للكامل بن الكامل أهديت للبحر الفرات لآلئًا ... والدُّرَّ في تيَّاره والسَّاحل ولذاك صيحانيُّ تربة يثرب ... يهدى إلى نخل العراق الحامل ومتى تأمَّلت النَّهار لديهم ... أبصرت كلَّ غريبة في الحاصل / 264 ب/ وقبول ذلك جبر قلب مؤمِّل ... لقبوله وكياسةٌ في القابل لا زال كهفًا للعفاة وملجأ ... للقاصدين وعدَّةً للآمل ومن شعره أيضًا، وقد صنف كتابًا في الظاء والضاد، وأهداه إلى زعيم الدين يحيى بن جعفر، وكتب عليه: [من الكامل] الفرق بين الضَّاد قل والظَّاء ... أهدي إلى ذي الطَّول والنَّعماء يحيى بن جعفر الزَّعيم أخي التُّقى ... والمجد ربَّ جلاله وبهاء فكأنَّني أهديت ما هو حفظه ... لكنَّني ذاكرت في إهدائي جهد المقلِّ فهل رأيت أخا حجًى ... للبحر يهدي قطرةٌ من ماء أم هل رأيت أخا سداد متحفًا ... للبدر حال كماله ............... لكن أخو الفضل العزي محقِّقٌ ... لذوي الفضائل صورة الأشياء [736] محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن عليٍّ، أبو عبد الله الحربويُّ. هو من حربا، من قرايا العراق. من أهل بغداد، وكان مرتبًا بالمدرسة النظامية، وكان أديبًا فاضلًا، يقول الشعر الحسن. دخل بغداد، وأقام بها إلى أن مات يوم السبت الثامن والعشرين من ربيع الأول

سنة ست عشرة وستمائة. وكان يؤدّب بها الأمراء والأتراك/ 265 أ/ وينوب عن النظَّار بطريق خراسان، وكان رجلًا سليم الجانب. وهو القائل، وقد جاءه كتاب من صديق له: [من الكامل] وافى كتابك فابتهجت مسرَّةً ... بقدومه وتضاعفت أشواقي وكأنَّني كنت السَّليم لبعدكم ... عنِّي وكان هو الطَّيب الرَّاقي وافى إليَّ وفيه منك هديَّةٌ ... فيه الوفا ومكارم الأخلاق ما زلت أرعى العين بين سطوره ... في زهر روضٍ جداول وسواقي فكأنَّني لمَّا فضضت ختامه ... لك فيه بين زيارةٍ وتلاقي وأنشدني محبّ الدين، قال: أنشدني الحربوي، في استرضاء قومين، كان يتردد إليهما، قاله لكل واحدٍ منهما: [من الوافر] لهم ولكم عليَّ حقوق وبرٍّ ... ومعرفةٌ تعزُّ ولا تهون ولكنِّي إذا أنصفت كانوا ... وكنتم بينكم فرقٌ مبين هم العين اليسار بكلِّ حالٍ ... لديَّ وأنتم العين اليمين قال: فلم يرض أحدهما إلَّا بانقطاعه عن الآخرين، فاعتذر إليهما بأن قال: [من الوافر] / 265 ب/ ولي عينان من كرمٍ وجودٍ ... عليَّ تكاملا بصرًا ونورا وقد أمست جفونهما مراضًا ... ولم أر نافعًا لهما الذَّرورا دوا إحداهما في داء أخرى ... ومثلي في القضَّية لن يجورا يهون عليَّ أن أدعى بأعمى ... ولا أدعى بواحدةٍ بصيرا فرضي كل واحد منهما. وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في غلام مثاقفٍ: [من المنسرح] قد سلَّ سيف الثِّقاف منتضيًا ... من بعده مرهفًا من النَّظر مثاقفٌ من سيوف مقلته ... قد أصبحت مهجتي على خطر

ما همَّ في شدَّ عقد مئزره ... إلَّا وقد حلَّ عقد مصطبري يكاد في حفي من يثاقفه ... بالسَّيف يحصي مغارر الشَّعر كأنَّما وجهه لمبصره ... في وجهه غيمةٌ على قمر [737] محمَّد بن مطرٍ البغداديُّ. كان عاملًا بتكريت، من قبل أمير المؤمنين الناصر لدين الله- رضي الله عنه-. وكان فيه فضل ومعرفة، شاعرًا متصرفًا؛ ومن شعره/ 266 أ/ ما كتبه إلى شهاب الدين أبي عبد الله عمر بن القاسم التكريتي الفقيه الشافعي: [من الخفيف] ما يقول الإمام وفَّقه الله لسبل الهدى وفعل الصَّواب في فتًى مات عن فتاةٍ رداح ... ذي قوام بريقه كالسَّراب ولها حقُّها من المهرعينٌ ... وكتابٌ بنسخه في الكتاب بشهود لا ينكرون مقالًا ... مع مرِّ السِّنين والأحقاب وله والدٌ وما كا ... ن له قبل موته والذَّهاب من حدادٍ ولا متاعٍ نراه ... تحت حرزٍ له ولا بوَّاب هل يجوز التماسها من أبيه ... حقَّها خالصًا بغير عقاب ثمَّ ما خلَّف الفتى من نتيج ... بين حيٍّ بلاحق الأنساب أفتنا أيُّها الإمام سريعًا ... واكتسب أعظم الجزا والثَّواب فأجاب أبو عبد الله ارتجالًا على وزن الشعر ورويّة: [من الخفيف] قل لمن ألغز الخطاب الَّذي فا ... ق وقد فاق فوق كلِّ خطاب سائلًا عن فتًى كريم وقد ما ... ت بلا علَّة من الأسباب / 266 ب/ عن فتاة إذا أتاها مريدٌ ... أخذ المهر منه من لا يحابي وله والدٌ كريمٌ من الكرم ... له اشتقَّ اسمه في الصِّحاب ثمَّ أم توطا لتبرز منها ... مزنة تجتلى بغير نقاب مهرها أربعون ممن أتاها ... أو ثمانون في القياس الصَّواب فاجتنبها وصن جنابك عنها ... فهي للقتل خدعةٌ كالسَّراب

هاك ما حاك فيه فكري سريعًا ... وبديهًا سطَّرته في الجواب أيُّها السَّيِّد المؤمَّل شمس الدِّين ما هكذا حسبت حسابي [738] محمَّد بن الخضر بن محمَّد بن الخضر بن عليِّ بن عبد الله بن تيمية، أبو عبد الله ابن أبي القاسم الحزّاني الواعظ الحنبليُّ، الخطيب الكفر جديانيُّ. خطيب حرّان ومحدّثها وعالمها على المذهب الأحمدي، وكفر جدايا قرية من قرى حرَّان. وكان واعظًا مفسِّرًا حافظًا عالمًا. حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي- أيده الله تعالى- قال: أخبرني إبراهيم الصريفين، أنه سئل عن نسبه إلى يتيمَّة، /267 أ/ فقال: هي جدتي، وكانت من أهل العلم، واعظة البلد- يعني حرّان- فعرفنا بها. وتفقه أبو عبد الله بمدينة السلام على أبي الفتح نصر بن فتيان النهرواني المعروف بابن المنى، وسمع بها أبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي، وأبا الحسن سعد

الله بن نصر الدجاجي، وأبا الفضل أحمد بن صالح بن شافع، وأبا بكر عبد الله بن حمد بن النقور، وأبا القاسم يحيى بن ثابت بن بندار وغيرهم- رحمه الله تعالى-. كانت له معرفة حسنة بالتفسير والوعظ والأحاديث. وكان من صلحاء الناس ذا قبول عندهم؛ من تصنيفه، كتاب سمّاه: ((تحفة الخطباء من البريّة في الخطب المبنرية)). وكان مولده في شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وكانت وفاته بحران فيما بلغني يوم الخميس وقت العصر عاشر صفر سنة اثنتين وعشرين وستمائة- رضي الله عنه-. ومن شعره قوله: [من الطويل] إذا جنَّ ليلي جنَّ قلبي بذكركم ... فيغلبني وجدٌ بكم وبكاء وتعتاض عيني عن لذيذ رقادها ... بحرِّ دموعٍ وقعهنَّ شفهاء وتضعف عن حمل التَّجلُّد قوَّتي ... إذا مضَّني داءٌ وعزَّ دواء / 267 ب/ ويظهر لي صدق الَّذي قال قبلنا ... وهل لقوي لا أستجد بقاء أنشدني الشيخ الحافظ محبّ الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي بها، في سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن الخضر بن محمد بن تيميّة لنفسه ببغداد: [من الطويل] أرى قوَّتي في كلِّ يومٍ وليلةٍ ... تؤول إلى نقصٍ وتفضي إلى ضعف وما ذاك من كرِّ اللَّيالي ومرِّها ... ولكن صروف الدَّهر صرفًا على صرف

فراقٌ وهجرٌ واخترام منيةٍ ... وكيد حسودٍ للعداوة لا يخفي وذاك دخيلٌ للفؤاد مقلقل الـ ... ـضُّلوع يجلُّ الخطب فيه عن الوصف وعشرة أبناء الزَّمان ومكرهم ... وواحدةٌ منها لهذا الهوى يكفي بليت بها منذ ارتقيت ذرى العلا ... كما البدر في النُّقصان من ليلة النِّصف وما برحت تترى إلى أن بليت من ... تضاعفها ضعفًا يزيد على ضعف وأصبحت شبهًا بالهلال صبيحة الـ ... ـثلاثين أخفاه المحاق عن الطَّرف وأنشدني أبو عبد الله محمد بن أياس بن عبد الله الحرَّاني بحلب، قال: أنشدني أبو عبد الله بن تيمية لنفسه: [من المتقارب] / 268 أ/ إذا دهمتك عظام الأمور ... فشاور لها العقلاء الألبَّا ولا تستبدَّ بها دونهم ... فتلقى خسارًا عظيمًا وتبَّا فقد أمر الله خير الأنام ... وأزكى البريَّة عقلًا ولبَّا بأن يستشير أصيحابه ... فشاورهم مستجيبًا ولبَّى وقوله أيضًا: [من البسيط] قدمت من سفر الدُّنيا على ملكٍ ... يعدُّ للوافدين البرَّ والنِّعما يقري الضيوف بإحسان وتكرمةً ... قرى الكريم ويوليه المنى كرما وما قدمت عليه مسلفًا عملًا ... أرجو به من عطاء فضله قسما لكن بفقري وإفلاسي ومسكنتي ... وسيئاتي الَّتي تستوجب النِّقما أرجو تجاوزه عمَّا أتيت به ... من القبيح وإن جاز المدى عظما وحسن ظنِّي به ركني ومعتصمي ... حسبي بظنِّي به في ذاك معتصمًا وقال أيضًا: [من المتقارب] دنت رحلتي وتدانى المسير ... وزادي من النُّسك نزرٌ حقير وقلبي على جمرات الأسى ... من الخوف من خالقي مستطير وكم زلَّةٍ قد تقحَّمتها ... فدمعي لها وعليها غزير

/ 268 ب/ مضى عمري وانقضت مدَّتي ... ولم يبق من ذاك إلا اليسير كأنِّي بكم حاملين السَّرير ... لشخصي وناهيك ذاك السَّرير يقلُّونه شرجعًا مثقلًا ... علومًا لجنبيه فيها صرير إلى منزل ليس في ربعه ... أنيسٌ يساكنه أو نصير سوى عملٍ صالحٍ بالتُّقى ... فنعم الأنيس ونعم الخفير وقال لما فرغ من تحرير تفسير القرآن الذي ألّفه: [من الرمل] أيُّها النَّاظر بعدي في كتابي ... مستفيدًا منه مرغوب الطِّلاب قاطفًا منه ثمارًا سقيت ... باجتهادي ماء شيبي وشبابي اهد لي منك دعاءً صالحًا ... واصلاٍ تحت أطباق التُّراب [739] محمَّد بن يوسف بن الدّخوار، أبو عبد الله السكاكينيُّ. من أهل حلب، كان أصله فارسيًا. وكان شاعرًا ينتجع بشعره ويرتزق به، وكان فقيرًا مملقًا، شديد الفاقة، ذا عائلة، وعنده دينٌ وخير. وكان مع خيره/ 269 أ/ ودينه بذيء اللسان، هجاءً شرِّيرًا، يتقى شره. وتوفي في سنة أربع وخمسين وستمائة. أنشدني من نظمه أبو الوليد عبد الملك بن يوسف بن عبد الملك بن رستم ابن علي الديلمي الحلبي بها، في سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني ابن الدخوار لنفسه، يمدح السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب- صاحب قلعة حلب، رحمه الله تعالى-: [من البسيط] يا آمل البان ما بالبان مذ بانوا ... أهل الحمى لك أوطار وأوطان ولا مغاني الغواني بعد بعدهم ... يغني مغازلها منهنَّ غزلان ففيم يصبيك ربعٌ لا أنيس به ... للصبِّ إلَّا صباباتٌ وأشجان نعم هي الدَّار من نعمان لو جمعت ... نعمٌ نعمت بها يومًا ونعمان وأين منك لياليها الَّتي سلفت ... وللصِّبا من قلوب العير أعوان من كلِّ خودٍ رداحٍ في لواحظها ... أسياف فتكٍ لها الأجفان أجفان

تبدو فتغدو لديها الشَّمس كاسفةً ... وينثني خجلًا من قدِّها البان إنسيَّةٌ ما لعين بعد رؤيتها ... خوف الفراق بسحِّ الدَّمع إنسان أقول للبين إذ بأنت ظعائنه ... وللحداة وقد سنُّوا النَّوى شان / 269 ب/ رفقًا عليَّ فلي إن رمتم تلفي ... ببينها من غياث الدِّين سلطان من مالك ما لصرف الدَّهر خيفته ... إلَّا على حائن عاداه عدوان بحرٌ إذا هطلت جودًا أنامله ... فالبحر منحسرٌ والغيث خجلان وإن غزا ظلَّت الأرضون راجفةً ... واستشعر الثَّقلان الإنس والجان مؤيَّد الرَّأى والرَّايات منتصرٌ ... للنصر في نصله إن سلَّ برهان في درعه ليث حرب كلُّ منزلة ... أضحى بها مستقرًا فهي حفان للدِّين منه وللدُّنيا إذا انتصرًا ... يوما وغى وحجًى أمنٌ وإيمان يا ابن الذي لم تكن تلفى خزائنه ... لها إذا قدم العافون خزان وابن الهمام الَّذي أغماد صارمه ... لدى القرى والوغى بدنٌ وأبدن إليك أشكو زمانًا لا يقوم بما ... حمِّلت من ثقله رضوى وثهلان حظٌّ غدا كحضيض الأرض منتقلًا ... وهمَّه همُّها للعلو كيوان فمن زماني بإسعادي ترى رجلًا ... لجامح الفضل إذ ناداه إذعان فما ألم بمن وافاك منتصرًا ... كلٌّ ولا مسَّ من يرجوك حرمان واستجلها بنت فكرٍ لا يدنسها ... تبذل فهي يا مأمون بوران / 270 أ/ لها بكلِّ لسانً صان روايةٌ ... نعم وفي كلّ قلب دان ديوان لفارسيٍّ به يبدو إذا فخرت ... قيسٌ وإن لم تلده العرب عدنان وأنشدني أبو الفتح بن بيان بن علي الحلبي بها، في شوال سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الدخوار لنفسه: [من الطويل] أتطمع أجفاني بطيب رقاد ... وقد سلَّمتهن النَّوى بقتاد وآمل دهري على البين مسعدًا ... وقد عزَّ ما بيني وبين سعاد فلا مخبرٌ إلَّا صبا كلَّما بدت ... نوافحها شبًّ الأسى بفؤادي

ولمع بريقٍ مستطير كأنَّه ... لبعد المدى في اللَّيل قدح زناد فيا ريح هل تلقينها بتحيَّة ... ويا برق هل تعتادها بودادي ويا طيفها هل لي إليك وسيلة ... فتدنو بك الأيَّام بعد بعاد وأنشدني أيضًا أبو الفتح، قال: كان ابن الدخوار، قد مدح القاضي زين الدين- قاضي حلب- فلم يجزه، وكان قد تردد إليه مرارًا فلم يعطه شيئًا، فقال فيه: وأنشدنيه: [من البسيط] / 270 ب/ رددتني عنك يا هذا بلا صلة ... وقد علمت بإعساري وإعدامي وعاد برقك عندي خلَّبا ونبًا ... قصدي فيا لسراب غرَّ بالظَّامي يا مشبه البحر أظما ما يكون به ... السَّاري إذا لجَّ في تياره الطَّامي تبًا لشعري أما تجدي جوائزه ... سوى التَّفكير في نقضي وإبرامي وهكذا السَّهم ما أنهاه حامله ... للنزع إلَّا وأدمى إصبع الرَّامي فإن سمت بك زين الدِّين مرتبةٌ ... فليس تهوى من الدُّنيا سوى السَّامي إذ لا غناك ولا فقري فإن عظما ... بين الأنام سوى أضغاث أحلام وله وقد استهدى بعض الأشراف مركبّا، وضمن البيت الثالث: [من الكامل] أضحت دواتي بالبياض مناطةً ... يا ابن المشاعر والمحصَّب من منى وامتاز خطَّي بالسَّواد لشقوتي ... فظللت أنشد في التَّضادد معلنا: يا قلبه القاسي ورقًّة خدِّه ... هلَّ نقلت إلى هنا ممَّا هنا وقال أيضًا: [من السريع] في فم من أهوى وفي خدَّه ... ستَّة أنواع وأجناس شذًا وشوٌ وطلًا عزَّرت ... بالورد والنَّرجس والآس [740] / 271 أ/ محمَّد بن نصر الله بن محمَّد بن محمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد، أبو عبد الله بن أبي الفتح الشيبانيُّ الموصليُّ.

وقد تقدّم شعر عمَّه أبي السعادات المبارك بن محمد. كانت ولادته بالموصل في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وتوفي صبيحة يوم الإثنني ثاني جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وستمائة. كان يتعاطى فن الترسل والشعر، ويدّعي الفصاحة في النثر؛ ذا حمق ورقاعة، كثير العجب بنفسه، متكبر على أبناء جنسه. وخبرت عنه، أنه كان يطعن في القرآن، ويتسامح في حقِّ العلماء الأعيان، ويضع منهم، ويعرض بحمقه عنهم؛ وله تواليف منها كتاب سمّاه: ((غرّة الصباح في أوصاف الإصطباح)) ذكر ما قيل في الصبوح وأيام الربيع، وما وصفت به الخمر من طيب أنفاسها، واختلاف ألوانها وأجناسها، وما يلتئم بذلك من لطافة ندمانها، ومحاسن قيانها، ونعت الساقي، وما يوصف به من الحسن والجمال، والظرف والكمال، وأورد فيه مقطعات من أقاويل الشعراء، ورتبها على حروف/ 271 ب/ المعجم، ثم أتبع كل حرف من الحروف بشيء من شعره. وكتاب ((الأنوار في نعت الفواكه والثمار)) ذكر ما قيل في الرياحين والفواكه والأزهار، وما قالت الشعراء من محاسن أقوالهم. وكتاب: ((روضة النديم)) مجموع أشعار مرتّب أبوابًا. شاهدته عدّة مرّات بمجلس والده وعمّه أبي الحسن علي بن محمد، ولم أكن من قبل أعلم أنَّ له شعرًا، فلما وقع الاجتماع به، سألته أن ينشدني شيئًا من شعره، فأجاب إلى ذلك، ووعدني أن يكتب لي منه جزءًا، فلم تطل به الأيام حتى انتقل إلى جوار ربّه- رحمه الله تعالى-. ومن شعره، ما نقلته من خط يده يصف الخمر، من قطعة وأوردها في كتابه ((غرّة الصباح)): [من الكامل] باكر بها قبل الصَّباح نديمي ... بنت الكروم وأمُّ كلِّ كريم صفراء في حلل الكؤوس مزاجها ... من قبل كون الشَّمس من تسنيم

كانت وليس من الكواكب كوكبٌ ... مقصورةً في جنَّة ونعيم حتَّى إذا فضَّ الختام تكوَّنت ... شمسٌ وزيِّنت السَّما بنجوم وتنفَّست فتنفَّست أرواحنا ... وتحرَّكت شوقًا لكلِّ قديم / 272 أ/ جاء النَّسيم بها إليَّ ولم تزل ... نفسي مرنَّحةً لكلِّ نسيم وسعى بها ريمًا أغنَّ ومن رأى ... شمسًا مطالعها بكفِّ الرِّيم يشدو على كأس المدام كأنَّه ... صوت المخيَّب فيه والمزموم ووددته لو كان يمزج كأسه ... من ريقه برحيقه المختوم ونقلت أيضًا من خطّه قوله: [من الخفيف] إسقياني فالصبح مرخي اللِّثام ... بنت كرم شجَّت بماء غمام خنريسا تدني السرور وقد أصـ ... ـبح عن شربها بعيد المرام شبه نار الخليل في بردها وهـ ... ـني كنار الكليم في الأضرام وفتاة مذكراتٌ لها الأفعال ... لكن مؤنثات الأسامي زعموا أنَّها حلالٌ فدعني .. من حلال في شربها أو حرام واقتصد في الملام إنِّي خليعٌ ... مستمرٌ على سماع الملام وأدرها حتَّى تراني لا أفـ ... ـرق بين الأعراف والأنعام ليِّن العطف بعد طول جماحي ... أخرس اللَّفظ بعد حسن كلامي وقال أيضًا: [من السريع] قد أسفر الصُّبح لنا عن نقاب ... وزفَّت الكأس ورقَّ الشَّراب / 272 ب/ فقم بنا نشرب من قهوة ... تلمع بالشُّرب كلمع السَّراب من قبل أن تلفظ شمس الضُّحى .. من أعين النَّرجس درَّ السَّحاب أما ترى الكأس وإيماضها ... كالسَّيف والكأس لها كالقراب فهزَّها في كأسها هزَّةً ... تجن بها أثمار شرخ الشَّباب وقال يمدح: [من مجزوء الرمل]

يا مليكا زانه جو ... دٌ وحلمٌ وحياء والَّذي يكفي لمن نـ ... ـائل جدواه الثَّناء والَّذي يومان دا ... ءٌ للبرايا ودواء إصطبح دام لك الإقـ ... ـبال واجتدَّ البقاء في نعيم لا يدانيـ ... ـه زوالٌ وانقضاء دمها يسقي سرورًا ... إن سقى الأشجار ماء وافن أيامك لهوًا ... قبل أن يأتي الفناء قهوةً تذكر إسما ... عيل حيَّاه الفداء إنَّما العيش استماعٌ ... وانخلاعٌ وانتشاء وقال خمرية: [من الخفيف] / 273 أ/ يا نديمي قد أقبل الصُّبح في الشَّرق ... وولَّت حنادس الظَّلماء فالق ثوب الوقار عنِّي ودعني ... من ملام يزيد في إغرائي واسقنيها حتَّى تراني لا أفـ ... ـرق بين الخضراء والغبراء من مدامٍ أيدي المزاج عليها ... سمط درٍّ كأنجم الجوزاء فهي شمسٌ لكن بغير مغيب ... ولهيبٌ لكن بغير انطفاء وهي نوحيَّة الغراس فلو تنـ ... ـطق قصَّت سوالف الأنباء أطربت كأسها فلو لم تدرها ... كفُّ ساق دارت على النُّماء عجبًا ما رأيت والكأس تجلى ... وهي شيءٌ من أعجب الأشياء مجمع النَّار والزُّجاج مع الما ... ء ودٌّ يدور فوق الماء يا له منظرًا وعيشًا لو أن الله لم يبل جمعنا بالفناء وقال أيضًا: [من مخلّع البسيط] للروض عند الصَّباح طيب ... نمَّت إلينا به الجنوب واستمتع الطَّرف من كراه ... فملَّت المضجع الجنوب والطير فوق الغصون تدعو ... طاب لكم وقتكم فطيبوا والكأس في كفِّ ذي قوامٍ ... يخجل من لينه القضيب / 273 ب/ لولا لباسٌ يقيه طرفي ... لكاد من لحظه يذوب

ما سعد الوالدان فيه ... إلِّا لتشقى به القلوب راحٌ إذا الرَّاح أبرزتها ... صبا إلى شربها اللَّبيب لها إذا الماء جال فيها ... في قعر كاساتها وثوب إذا سرت في عروق شخص ... هانت على قلبه الخطوب وقائلٍ: تب، فقلت: كلَّا ... هيهات عن شربها أتوب إذا استقام الأنام طرّا ... قل لي لمن تغفر الذُّنوب وله أيضًا من أبيات فيها: [من الخفيف] فكأنَّ الصَّهباء في الحسن السَّا ... في لها والحباب فوق المدام شمس ظهرٍ في كفِّ بدرٍ عليه ... سمط درٍّ تحكي نجوم الظَّلام وقال فيها أيضًا: [من الرمل] باكر الشَّرب الكرام ... فاسقني طاب المدام من كميت خسرويٍّ ... قبل أن يدنو الحمام قهوةً عتَّقها في ... دنَّها سامٌ وحام شجَّها أحور قد أد ... نف عينيه السَّقام / 274 أ/ فاسقنيها بقنان ... بعدها طاسٌ وجام وأدرها مترعاتً ... زانها ميمٌ ولام فالرُّبى قبَّلها الزهـ ... ـر وحيَّاها الغمام وجيوش الصُّبح قد أقـ ... ـبلن إذ ولَّى الظَّلام خمسةٌ في ستَّةٍ والـ ... ـقوم عن ذاك نيام فإذا ما زدت كأسًا ... فعلى الدُّنيا السَّلام وقال فيها أيضًا: [من مجزوء الرجز] طاب الصَّبوح فاشرب ... هذا أوان الطَّرب ودع ديار لعلعٍ ... وخلِّ ذكر الربرب من قهوةٍ صافية ... تفوق ماء السحب صفراء مثل الياسميـ ... ـن أو كصافي الذَّهب

تريك في الظَّلماء إن ... شجَّت شواظ اللَّهب ترقص من فوق أعا ... ليها لآلي الحبب كراكبٍ مستعجلٍ ... قلوصه في خبب فالغيم في تصعُّد ... والغيث في تصبُّب / 274 ب/ والعيش واللَّذَّة في ... احتساء بنت العنب يديرها مقرطقٌ ... نشوان تركي النَّسب ولا تؤخِّر عاجلًا ... لآجل مغيَّب وثق بربِّ غافرٍ ... لكلِّ عبدٍ مذنب وقال فيها أيضًا: [من الكامل] قم يا ندييم للمدام فاتها ... عجلان فالأيَّام في غفلاتها واشرب على طيب الرِّياض وسقنِّي ... صفراء كالأقمار في هالاتها كرخنَّةً لا تعتزي مع جهلها ... بسنيِّها إلَّا إلى خاناتها أو ما ترى الأوتار حيث ترجَّعت ... فأجابت الأطيار في نغماتها فابق البلابل في احتساء سلافة ... لا تنزل الأحزان في ساحاتها والبس لأيَّام الصَّبوح غلائلًا ... شيعيَّةً في كلِّ ما أوقاتها واخلع عذارك في الصَّبوح تنل من الأ ... فراح في الدُّنيا منى لذَّاتها قال أيضًا يعنيها: [من الكامل] ذكر المدامة في الصَّبوح فعرَّجا ... ورأى الصِّباح وقد بدا متبلِّجا وتصعَّدت أنفاسه طربًا وقد ... صاح الهزار على الغصون وهزَّجا / 275 أ/ وتلاعبت أشجانه لمَّا رأى ... زهر الرِّياض المستنير مدَّبجا وتنفَّست أنفاس علويِّ الصَّبا ... فغدا به ربع الصِّبا متأرِّجا فغدا إلى الخّار يصحب فتيةً ... شمَّ الأنوف مصوَّرًا ومتوَّجا عافت نفوسهم الدَّنيَّة فالدُّجى ... من نور أوجههم تراه مسرجا وقال فيها أيضًا: [من مجزوء الرمل] يا لبيني باكري الرَّا ... ح بمحكوك الزُّجاج

واصبحي الشَّرب فقد أيـ ... ـقضهم صوت الدَّجاج وأديريها كميت اللَّون شجَّت بالمزاج قهوةً لم تبصر النَّا ... ر ولا ضوء السِّراج فإذا ما دارت الكا ... سات من قبل الأجاج فأمري المطرب أن يقـ ... ـطع إرسال الحجاج ويغني بانخفاض الـ ... ـصَّوت من غير انزعاج لا تضق ذرعًا نعم ... كل ضيقٍ لانفراج وقال أيضًا: [من الرمل] يا نديمي قم بنا مصطحبًا ... غرَّد الطَّير فهات القدحا / 275 ب/ واسقنيها بنت كرمٍ لم يدع ... من قواها الدَّهر إلَّا شبحا تطرد الهمَّ إذا ما عبَّها ... شاربوها وتفيد الفرحا وتعوِّض عن مثاني معبدٍ ... بمثاني عندليبٍ صدحا وقال في مثله: [من مجزوء الرمل] غرَّد الطَّير الفصاح ... فاسقني لاح الصَّباح وأدرها قهوةً يعـ ... ـذب فيها الافتضاح خدرها الدَّن مدى الأز ... مان والقار الوشاح جسمها من ألطف الأ ... شياء والطَّبع السَّماح إنما اللَّذة في الدُّنيا سماعٌ واصطباح وقال في المعنى: [من مجزوء الخفيف] إسقني يا ابن معبد ... من شراب مورَّد قهوةً تذكر المسيـ ... ـح بشيرًا بأحمد من يدي شادن حييَّ الطَّرف بضِّ المجرَّد فجيوش الظَّلام مثـ ... ـل طريد مشرد والعصافير ضللن ... بين مغنٍ ومنشد / 276 أ/ واصطخاب الأوتار بيـ ... ـن مثنى ومفرد

ويد اللَّهو والتَّهتُّك جرَّت بمقودي فاعص فيها قول العدا ... وملام المنفنِّد واصطحبها وغنِّني ... فلقد طاب مشهدي عين قري عين أسعدي ... طلع البدر فاسجدي وقال أيضًا: [من مجزوء الرمل] إسقني قد أسفر الصُّبـ ... ـح سلاف الخندريس ودع الربع وتذكا ... ر سعادٍ ولميس بين مزمارٍ وعودٍ ... ونديمٍ وجليس قهوةً عتَّقها في ... هيت بهرام المجوسي فأدرها في قنان ... وبواطٍ وكؤوس فهي في الدَّنِّ عروسٌ ... خدَّررها لعروس وإذا أودعت الأقـ ... ـداح أزرت بالشُّموس تم الجزء السادس من قلائد الجمان / 276 ب/ وتمَّ بتمامه الجزء الثالث من الأصل ويتلوه إن شاء الله الجزء السابع، بقية من اسمه محمد والحمد لله أولًا وآخرًا وصلى الله على محمد النبي الأميّ وآله وصحبه وسلَّم

/1 ب/بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله [تتمة حرف الميم] [تتمة ذكر من اسمه محمد] [741] محمَّد بن حيدر بن محمَّد بن زيد بن محمَّد بن محمَّد بن زيد بن أحمد بن محمَّد بن محمَّد بن عبد الله، أبو طاهر بن أبي الفتوح الحسينيُّ العلويُّ الموصليُّ. وقد سبق نسبه بتمامه، عند ذكر والده. تولى نقابة العلويين بالموصل ثلاث نوب في الدولة الأتابكية؛ ثم في الأيام البدرية. كانت ولادته سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وأخبرني الأمير مبارز الدِّين أبو المفاخر بدران بن فتوح بن سلطان ..... بحلب؛ قال: توفي النقيب أبو طاهر محمد بن حيدر الحسيني بالموصل، يوم الأحد سلخ جمادى الأولى، ودفن يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة على والده بتربة كان والده أنشأها قبلي المدينة في سنة إحدى وأربعين وستمائة - رحمه الله تعالى-. أنشدني لنفسه، يمدح بدر الدِّين لؤلؤ بن عبد الله - صاحب الموصل-: [من الطويل] رعى الله أكناف الحمى وسقاها ... من المزن ماروى صدي رباها ولا برحت [أ] يدي الصبا بربوعها ... تحوك بهي الروض طول مداها /2 أ/ مراتع غزلان من الإنس قد حوت ... محاسن تصبي من تراه يراها

مواقف فيها للمحب مواقف ... بها هجر الأجفان طيب كراها دعاني بها داعي الصبا فأجبنه ... إجابة من لم يعتلق بسواها وقمت مقامًا لم يقمه متمم ... على بعد من يهوى وطول نواها وكم لمت قلبي لومًة بعد لومة ... على ترك أسباب الهوى فأباها وكيف يرى ترك التي هي شغله ... ومن هي داء النفس ثم دواها فحينئذ قال الوشاة وأكثروا ... مقالتهم حتى استمس قلاها وما أنًا ممَّن يدخل العذل قلبه ... ولا أنا من يصغي لقول عداها وما أنا ممَّن ينقض الهجر عهده ... ولا أنا من أضحى يملُّ هواها طبعت على حفظ الوداد وحب من ... اياديه أعلاني سني علاها مليك به طالت حياتي واعشبت ... ربوعي بعد المحل حين سقاها بسحب من الإكرام والبذل والحيا ... افاض علينا جودها ونداها دعاني ولائي فاستجبت مسارعًا ... إلى خير داع للقلوب دعاها لك الله من ملك تعالت صفاته ... وجلت معاليه وزاد سناها /2 ب/ لقد عَّز من والاه حقًا وذلَّ من ... يناوي علاه غبطًة وسفاها سمت بك بدر الدِّين همة مالك ... بنى رتب العلياء ثمَّ رقاها إليك انتهت آمالنا ورجاؤنًا ... وكفك أولاها الغنى وكفاها وكفك راعى حوزة الدِّين وانبرى ... لها عزمك الماضي فعز حماها فيا من به قد أسفر الصبح وانجلت ... غيابة دنيانا وزاد ضياها أهني بك النيروز يا خير مالك ... به لذت الدنيا ولذَّ جناها فدم وابق ما دام الضياء واقبل الـ ... ـمساء وأولتنا السماء حياها وأنشدني أيضًا يمدحه – ثبت الله دولته -: [من الطويل] تحيَّة مهجور إلى خير هاجر ... تهيجه الذكرى إلى غير ذاكر على أنه لو شق قلبي وجدته ... به ماثلًا أو في ضميري وخاطري وكيف أرى السلوان عمَّن أعزَّني ... بإنعامه الفياض عزَّة قادر له من ثنائي ما استطبت سماعه ... ومن مدحي ما حبرته خواطري ومن دعواتي المستجابة في الدجى ... وما باطني بالله إلا كظاهري

دعاني هواه فاستجبت مسارعًا ... لأنِّي أراه من أجلِّ ذخائري /3 أ/ لك الله من ملك به سمت العلا ... وعم نداه كل باد وحاضر علوت علو النجم مجدًا وسؤددًا ... بما أنت قد أوليته من مفاخر ودانت لك الدنيا وأصحب صعبها ... ونلت الذي تهوى بأسعد طائر ولولاك بدر الدِّين ما التذوارد ... بورد ولا ساغت مصادر صادر فلا زلت محمي الجناب من الردى ... تبيد العدا بالمرهفات البواتر وكذَّب ظن الحاسدين بعكس ما ... أسروه من داء دخيل مخامر وقام منار الدِّين واستوسق الهدى ... بصحة ملك ما له من مناظر لقد عزَّ من والاك عزًا مؤَّبدًا ... وذلَّ الَّذي ناواك ذلَّ الأصاغر بنفسي أقيه كلَّ أمرٍ يخافه ... ومن عزَّ من قومي وجلَّ عشائري وأنشدني أيضًا فيه يمدحه – أعز الله أنصاره -: [من الخفيف] من لصبٍّ أضحى أسير الأماني ... موثقًا في حبائل الهجران كلَّما رام أن يبوء بعبء الـ ... ـحب يومًا زلَّت به القدمان كيف يرجو الوصال من خصمه المحـ ... ــبوب أم من له بيوم التداني كان لي في الهوى زمان مضى يذ ... مم والآن قد حمدت زماني /3 ب/ يا خليليَّ أسعداني على الحـ ... ـبِّ وكفَّا الملام لا تعذلاني وذراني وما أحب ومن أهو ... ى وشان الغرام يومًا وشاني إنَّ لي في الَّذي أروم حديثًا ... فاق طيبًا على استماع الأغاني غير أني لا أستلذ بحال ... أصبح السر فيه كالإعلان والذ الهوى وأطيب ما فيه ... جحود يفضي إلى كتمان يا أساة الغرام دائي الَّذي أسـ ... ـقم جسمي علاجه أعياني أين منِّي السلوهيهات يا صا ... ح ودمعي يلج في الهملان وفؤادي يكاد من شدَّة الشو ... ق حصاه يذوب بالخفقان يا ليالي الحمى فهلاَّ تعوديـ ... ــن ويومي به أما لك ثاني

لنعيد السرور بدءًا كما كا ... ن ونرمي الفراق بالحدثان ويوالي ذكر الصِّبا ومغانيـ ... ــه فيا حبَّذا بها من مغاني كلَّما رمت أنثني عن هوى النفـ ... ــس شاني قسرًا إليه عناني لا أرى أنَّني أشق عصا اللَّذَّ ... ة يومًا بالمنع والعصيان مثل ما أوجب التُّقى طاعة الما ... لك بدر الدِّين العظيم الشان ملك أصبحت محاسنه تتـ ... ــلى وتروى حقًا بكلِّ لسان /4 أ/ همه في اقتناء ما يكسب الأجـ ... ـــر وجبر الكسر أو فكِّ عاني جوده كالسحاب قد طبق الأر ... ض وعم القاصي وخص الدَّاني طالما أعجز الملوك من الملـ ... ــــك وأعيى بناؤه كلَّ باني ملك قد سما علوًا وعزًّا ... وعلا قدره على كيوان من تراه يحصي مكارمه الغـ ... ـــــرَّ وما فيه من بديع المعاني فهو خصب الأنام إن أجدب العا ... م وأمن من حادثات الزمان مذ علا ما يزال متصل الإمـ ... ـــداد في كلِّ ساعة واقترن ببقاء الملك الَّذي خصَّه اللـ ... ــــه وإبلاغه جميع الأماني وقال يهنئه – أدام الله أيامه -: [من الطويل] أهنِّي بك الشهر الَّذي جاء مقبلًا ... هنًاء له الأسماع تزهى وتطرب وأثني على الملك الَّذي أنت ربه ... ثنائي الَّذي قد يستطاب ويعذب أيا مالكًا أعيى الأنام ببذله ... فلم يبق راجٍ في الورى يتعتب ويا من رضاه بات أمنًا لآمن ... ومن سخطه ما فيه منجى ومهرب /4 ب/ إليك انتهت آمالنا ورجاؤنا ... فأنت لنا كنز الحياة ومطلب فلا زلت منصور اللِّواء مؤيَّد الـ ... ــعلاء ومن سامي معاليك يطلب وقال يمدحه – أعز الله نصره – من أبيات: [من الخفيف] إنَّني مذعن بعجزي عن شكـ ... ـــــر أياد أوليت من إحسان كيف أحصي قطر السماء وماذا ... ك بحاز في قدرة الإنسان يا مليك الأنام يا أعظم الخل ... ـــــق محلًا يعلو على كيوان أنا راجٍ بأن تعيش مدى الدهـ .... ـــر وتحيا في غبطةٍ وتهاني

ومنها قوله: إن سلطاننا الَّذي خصَّه اللـ ... ـــــه بفضلٍ يقوم بالبرهان وبآي بصدقها انزل اللّـ ... ــــــه قديمًا في محكم القرآن كفَّ عنِّي ندى يديك فقد خفت .... ــــت لإفراطه من الطغيان وبأنِّي أقول ما قال من يعـ ... بد عيسى في السِّرِّ والإعلان يا ملاذ المخوف يا كعبة الآ ... مال يا غاية المنى والأماني سر براياتك الَّتي حفَّها اللّـ .. ــــه بنصرٍ يعنو له الثَّقلان /5/أوقال يمدحه، ويهنئه بشهر رجب: [من البسيط] يا مالكًا جلَّ قدرًا واعتلى شرفًا ... ففات بالمجد سبقًا سائر الأمم وخصَّه الله بالفضل الَّذي اعترفت ... به ملوك جميع العرب والعجم أنت الّذي جادني من فيض راحته ... سحبٌ بها عدت في أمر من العدم لك الهناك بشهرٍ جاء يشفعه ... بشراكم بدوام العزِّ والنِّعم وقال يمدحه، ويهنئه بعيد الفطر: [من المتقارب] أيا مالكًا في العلا أوحد ... ومن جوده للورى مقصد ألا لعن الله راجي سواك ... وطرف بصيرته أرمد ولو جاز في شرع خير الورى ... بأنِّي سوى الله من يعبد لكنت أميل بذكري لكم ... وعند مديحي لكم أسجد أيا من سحائب نعمائه ... يروِّي الورى بحره المزبد أهنِّي بكم فضل عيد الفطور ... فإنَّ فضائله ترشد ولازال سلطانكم دائمًا ... مدى الدَّهر والدَّهر لا ينفد /5/ب وأنشدني لنفسه، يصف سيفًا أهدي [إلى] الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين، أبي جعفر المنصور –رحمه الله-: [من الخفيف] أنا إن فلَّت القواضب في الهيـ ... ــجاء يومًا فإنني لا أفلُّ بين حدَّيّ من لظى إن تأمَّلـ ... ـــــت ونوحٌ في فلكه مستقلُّ وفخاري بأنَّني عدت في كـ ... ــــفِّ إمامٍ له الثُّريَّا محلُّ

ملكٌ ذلَّت البرايا لديه ... وبحقٍّ لبأسه من يذلُّ هو روح الزَّمان مستنصرٌ با ... لله من عقد ملكه لا يحلُّ وقال من أبيات: [من الكامل] ما أنت أول مولع بغرامه ... كلاَّ ولا علق الهوى بزمامه فاصبر على مضض التَّلوُّو آملًا ... ممَّن تحبُّ فإن يفي بذمامه واقنع بليت وربما ولعلَّما ... سمح الذي يقوى بقرب لمامه إيَّاك أن تصغى لقول مفنِّد ... واش ولا تك سامعًا لملامه إنِّي عهدت أخا الهوى لا ينثني ... عمَّا يروم ولو مني بحمامه كيف الوصول إلى شحيحٍ ما يرى ... نيل المحبِّ تعلُّلًا بكلامه /6 أ/ ومما كتبه إلى الملك الرحيم بدر الدِّين –ضاعف الله اقتداره، وأعلى مساره-: [من المنسرح] يا مالكًا اصبحت أنأمله ... تفتح باب الرَّجاء للراجي وظلُّه ملجأ المخوف ومنـ ... ـــــجاةٌ لمن ظنَّ أنَّه ناجي ما بال حظِّي عادت محاسنه الـ ... ـــبيض كليلٍ سواده داجي وأنشدني قوله فيه: [من مجزوء الكامل] إفتح دواتك بالسُّعو ... د ووقِّع الدُّنيا عطايا كم في يراعك للنُّفو ... س من التَّمنِّي والمنايا ولكم أشاد من البنا ... ء بما أباد من السَّرايا وإذا دحا ثمَّ انتحى ... أبدى لك النّكت الخفايا وقال فيه: [من الوافر] صباحًا بالمسَّرة والتَّهاني ... لملك ماله في الدَّهر ثاني مليك سحب كفَّيه توالت ... فروَّت للأباعد والأداني فلا زالت له الأيَّام طوعًا ... تدين له على مرِّ الزَّمان ولا برحت له الأفلاك تجري ... بإقبال يخلَّد غير فاني

/6 ب/ وقال فيه أيضًا: [من مجزوء الكامل] يا من به وبعدله ... وببذله كمل الزَّمان ومن الذي لولا إيا ... لته لما ظهر الأمان يا مالكًا ملكت أيا ... ديه المكرَّمة الحسان رقَّ الأنام بأنعمٍ ... عن شكرها قصر اللَّسان وقال فيه أيضًا: [من مجزوء الكامل] يا من طوالع جوده ... هزمت جيوش الفقر طردا يا ذا الذي اضحى ونا ... ئله إلى العافين نقدًا يا ذا الفضائل قد سبقـ ... ـــت ملوكها عنقًا وشدَّا في حلبة المجد الأثيـ ... ــــــل وفيهم قربًا وبعدًا فليهنك الشهر الذي ... أولاكم ظفرًا وسعدًا لازال ملكك دائمًا ... وحسود مجدك ليس يهدا وقال فيه أيضًا: [من المنسرح] يا مالكًا أخجلت سحابة جد ... واه سحاب السَّماء إذا هطلا فذاك يروي ظمآنه ظمًا ... وهذه بالمطار حيَّ هلا /7 أ/ يا واحدًا في العلاء منفردًا ... ومن غدا بالفخار مشتملًا كم نعمة قد أنعمت طائلة ... عليَّ حتَّى جعلتني خجلًا وكم لباسٍ ألبستني فعلًا ... قدري فأصبحت في العلا مثلًا لازلت في نعمةٍ مخلدةٍ ... دائمةٍ تورث العدا نهلا وله جواب كتاب: [من الطويل] وقفت على مكتوبه فوجدته ... كنور رياضٍ باكرته سواجمه له أرجٌ أذكى من المسك نشره ... لعرض أمين الدِّين صينت معالمه وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]

لولا معالجة الصدو ... دلما حلا أبدًا وصال ممَّن غدت أجفانه ... من هدبها ريش النِّبال ومن الَّذي لولاه ما ... عرف التَّقاطع والملال يا من به داء الغرا ... م فإنَّه الدَّاء العضال وقال أيضًا، ابتداء كتاب إلى بعض الأكابر: [من الطويل] /7/ب سلامٌ على من عطَّر الأفق نشره ... وفاق جميع العاملين علاه ومن بات محسود الفضائل واللُّهى ... ومن ظلَّ مذموم الفعال سواه ومن بتُّ أرجو قربه ودنوَّه ... ومن بتُّ أخشى بعده ونواه فللَّه ما تحوي الأضالع من جوى ... دخيل وشوق لا يصاب دواه! إلى الصَّدر شمس الدِّين ذي الفضل والنُّهى ... ومن عمَّ جدواه وفاض نداه وقال أيضًا: [من البسيط] لولا لواعج أشواق تجاذبني ... يومًا غليكم لما أصبحت مكتئبًا ولا غدوت مريضًا لا شفاء له ... حتَّى جعلت دموعي للشِّفا سببًا وقال أيضًا: [من الخفيف] لسن ممَّن يعدّ ما تذهب الأيَّـ ... ــــام من عمره بلا لقياكم لا ولا يلتهي عن الحزن والبلـ ... ــــــوى ونار الجوى بلا ذكراكم فبحقِّ الوداد والسَّبب الأ ... وَّل عودوا عن الجفا حاشاكم وقال أيضًا: [من الكامل] ما كنت في عيشٍ أسرُّ به ... إلا عليَّ أصبح السَّببا من بات بالعلياء مُتَّصفًا ... وغدا إلى الإحسان مُنتسبا /8 أ/ وقال أيضًا: [من البسيط] يا أوحد الدِّين إِّني جدُّ منتظرٍ ... لما وعدت وراج منك إنجازًا ففز بما أنت توليه فخير فتَّى ... يولي الجميل فأضحى بالعلا فازا

[742] محمَّد بن الحسن بن عبد القاهر بن الحسن بن القاسم بن المظفر بن عليٍّ، أبو السعادات بن أبي عليٍّ القاضي الشَّهرزوري الموصلُّي. كان والده يتقلد القضاء بالموصل، وكاذلك كان عمّه وجدّه وأسلافه؛ وهم أهل بيت عريق في القضاء، أشهر من أن ينبَّه عليه، والقضاء يتردّد فيهم على قديم الزمان وحديثه. وأبو السعادات أخبرني؛ أنَّه ولد في ليلة النصف من شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة. حفظ القرآن، وسمع جملة من الحديث، وقرأ فقه الإمام الشافعيّ –رضي الله عنه- على الشيخ العلامة أبي المعالي موسى بن يونس بن منعة بن مالك الفقيه المدرس. وأخذ عنه علم الأصول والخلاف، وغير ذلك من العلوم الشرعية. ثم تصدَّر للتدريس، فدرس بالمدرسة الكماليّة /8 ب/ بالموصل. وهو فقيه مدرّس، عالم مناظر، قيّم بعلم الأدب والنحو، شاعر مجيد، له اعتناء بكلام الصوفية من الحكماء، ومعرفة بوصف الخيل ونعوتها، واختلاف أجناسها. أنشدني لنفسه، يمدح المولى المالك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، نصير أمير المؤمنين –خلّد الله دولته-: [من الطويل] هو القدُّ يسبي المستهام رشيقه ... ويصبيه منه عطفة ويروقه ويهوى اعتناق السَّمهريَّ لأجله ... ويطربه بان الحمى ويشوقه ويقلق وجدًا كلَّما عنَّ عارضٌ ... تذكِّره ثغر الحبيب بروقه وتغريه إن هبت من الغور نفحةٌ ... كأن بها حادي الغرام يسوقه ولم ير زهر الرَّوض إلا وهاجه ... وأبدى جواه ورده وشقيقه

كذا كلُّ عذريِّ الصَّبابة شأنه ... وجزب الهوى من قلبه وفريقه وربَّ خليِّ القلب أضحى معنِّفي ... ويزعم أنِّي خلُّه وشقيقه يجرِّ عني كأس السُّلوِّ وإنَّه ... ليعلم أنِّي لست ممَّن يذوقه ولو كان لي في سلوة الحبِّ مذهبٌ ... سلوت ولكن سدَّ عنِّي طرقه أبى الله إلاّ أن أبيت متيمًا ... أخا زفرة يتلو الزَّفير شهيقه /9 أ/ أقضِّي الدُّجى في سوء حظِّي تفكُّرًا ... وقلبي قد استولى عليه خفوقه يهدِّدني بالهجر من لا أصدُّه ... ويظلمني في الحلم من لا أطيقه وكيف احيالي والزَّمان معاندي ... وقد كسدت فيه لذي الفضل سوقه إذا رمت أمرًا كان عكسي مرامه ... وإن سمته برِّي بدالي عقوقه ولم يبق لي كهفٌ الوذ بظلِّه ... جديرٌ بحمد للثَّناء خليقه سوى ملك مازلت أدعى بعبده ... على أنَّني من جور دهري عتيقه وإن كنت بالإحسان منه مقيَّدًا ... فإنِّي من صرف الخطوب طليقة مليك إذا ما سابق العيس باسمه ... حداها دنا من كلِّ نأيٍّ سحيقه لأنَّ لها علمًا بذلك إنَّما ... تصادفن من بحر السَّماء عميقه وفي جودة فضل على البحر إنه ... إذا فاض لم يخش الهلاك غريقه متى حئته مسترفدا لنواله ... حبا كبه من غير مطل يعوقه ومازال تفريق الصِّلات صبوحه ... وتأليف شمل المكرمات غبوقه فمن لآمه في البذل فهو عدوُّه ... ومن لم يلمه فيه فهو صديقه وهذا من الأوصاف أعدل شاهد ... يدلُّ على أنَّ السَّماح عشيقه /9 ب/ عنا خيفةً من بأسه كلُّ ماردٍ ... وذل له صعب الحران نزوقه وعاد لها ما بعد ما كان مرهفًا ... لدى عزمه ماضي الغرار ذليقه أخو فتكات في العدا ليس تتَّقى ... بردٍّ ومقدور القضاء رفيقه وقورٌ إذا طاشت حلوم ذوي النُّهى ... رعاه رصينٌ من حجاه وثيقه يرنِّحه مرُّ الثَّناء بسمعه ... كما رنَّحت حاسي السُّلاف رحيقه ويعجبه في الرَّوع أن حسامه ... يكون دماء المارقين خلوقه ويلتذُّ إن عدَّت فضائل مجده ... وإن كان لا تحصى بعد حقوقه

ودعوه ببدر الدِّين لمَّا تمكَّنت ... يد الإفك بسطًا وادلهم غسوقه وطال عماد الشِّرك واشتدَّ أزره ... وعزَّ حماه واشرأب بسوقه وزحزح عن دين الهدى كل غمَّة ... بهمَّته العليا وفرَّج ضيقه وعاد دجى الإيمان أبلج واضحًا ... كذي البدر لا يبقى الظَّلام شروقه أمولاي سمعًّا من عبيد لسانه ... بشرك لا ينفك رهنًا صدوقه أعيذك أن ترضى لغرس غرسته ... بنعماك أن يظما وتذوى عروقه وحاشاك من إهماله وهو مخلصٌ ... يديم انتسابًا في الولاء عريقه /10/ يبثُّ فنونًا من صفاتك شعره ... ويسأل حرًّا من نداك رقيقه وقد وفدت مولاي بنت قريحتي ... بمدحٍ كنشر المسك فاح سحيقه يهنِّيك بالنَّيروز يا خير مالك ... هناءً حكى وشي الرِّياض أنيقه سلمت مطاع الأمر ما هبَّت الصَّبا ... وما ماس مخضر الأراك وريقه وأنشدني أيضًا لنفسه يمدحه – أدام الله أيامه، وبلغه مرامه-: [من البسيط] أشاقك البرق نجديًّا تألُّقه ... وراقك الحزن لمَّا لاح أبرقه وراع لبَّك ظبي الحيِّ ملتفتًا ... يخاف من أعين الواشين ترمقه أوفى على شرف يختال في صلفٍ ... كالبدر في سدف لم يخف شرقه وهز من قدِّه لدنًا ومقلته ... غصبًا ومن طرفه سهمًا يفوِّقه وكان من سوء حظِّ المستهام به ... لمَّا تعرَّض فرط الوجد يقلقه وقوس حاجبه بالوتر موترةٌ ... فما تزال بنبل اللَّحظ ترشقه حتَّى إذا استحكمت أسباب محنته ... وشفه بيد البلوى تعلُّقه وغرَّ ناظره بالسِّحر ناظرهٌ ... وصار منكره علمًا يحقِّقه ألقاه مضنى على فرش السِّقام فما ... أبقى النُّحول له حقًّا يؤرِّقه /10 ب/ يا سعد اصغ لقول من أخي ثة ... يوليك نصحًا فخير القول أصدقه إيَّاك ريم الحمى إن جزت واديه ... فكم به من أسير ليس يطلقه ومدنف ما دنا منه مخاطبه ... إلاَّ وكاد من الأنفاس يحرقه واحفظ فؤادك واحذر فهو ذو حيلٍ ... خفيَّة المكر يدري كيف يسرقه وصف لديه غرامي واشك ما لقيت ... نفسي إليه عسى الشَّكى ترقِّقه

واذكر له يوم بان السَّفح كم سفحت ... عيني من الدَّمع في خدِّي ترقرقه وقد حدا بالنَّوى الحادي على مضض ... منِّي وزمَّت لوشك البين أينقه وقل إذا لان في استعطافه وبدًا ... عند المقال له سمعٌ يصدِّقه متى توفِّي ديون الوصل طالبها ... من بعد ما شاب بالهجران مفرقه وقد تقضَّت حياتي بالمنى سفهًا ... وضاع عمري الَّذي قد كنت أنفقه وما تدرَّعت ثوب الصَّبر في زمني ... إلا وكفُّ عواديه تمزُّقه وأنشدني لنفسه أيضًا: [من البسيط] لا تقلقن إذا نالتك نائبةٌ ... واصبر لمكروه ما أبدى لك القدر فللَّيالي صروفٌ في تقلبها ... عجائبٌ ليس يأتي مثلها بشر وما صفت هذه الدُّنيا لصاحبها ... إلاّ واعقب منها صفوها الكدر فلا تكن جزعًا مما أصبت به ... فربَّ عسر أتى من بعده يسر /11 أ/ وربَّما أخفق السَّاعي بقدرته ... فيما يروم ووافى العاجز الظَّفر أنشدني القاضي أبو السعادات محمد بن الحسن الشهرزوري لنفسه، يمدح بدر الدِّين لؤلؤ صاحب الموصل: [من البسيط] هو المحبُّ حليف الهمِّ والفكر ... وما دهى قلبه شيءٌ سوى النَّظر كم كان يحذر حتَّى حلَّ في شرك الـ ... ـــبلوى ولم تغن عنه شدَّة الحذر وصار ذا ذلَّة من بعد عزَّته ... دهرًا وبدِّل صفو العيش بالكدر بالله يا هاجر المشتاق صل دنفًا ... قد باع طيب كرى الأجفان بالسَّهر واستبق مقلته كيما يراك بها ... فلذة العين فيها غاية الوطر وكل يوم جلت رؤياك ناظره ... فيه فذلك محسوبٌ من العمر ولا تطع قول اش ظل يحسده ... عليك في حبِّه يا ضرَّة القمر سلمت مما أقاسي من جوى وأسى ... تبيت بينهما روحي على خطر إلى متى أنا ظمآنٌ إليك وما ... أروى بقربك في وردي وفي صدري ألم يحط لك علمٌ أن لي وزرًا ... به أمنت صروف الدَّهر والغير حلف النَّدى الملك بدر الدِّين من وسمت ... أيَّامه في جبين الدَّهر كالغرر /11 ب/ قالوا: هو البحر إن عدَّ الكرام وهم ... نهرٌ وكيف يقاس البحر بالنَّهر

عجبت منهم ومن تشبيه نائله ... بالبحر والفرق باد غير مستتر ذا راكب الأمل الرَّاجي نداه على ... أمن وذاك عظيم الخوف والعرر ثمَّ الغريب لديهم ذكر حاتمهم .. منهم بجود على العافين مشتهر هلاَّ رأوا جوداك الهامي وقد بدرت ... كفَّاك مولاي بدر الدِّين بالبدر وشبَّهوك بليثٍ عند سطوته ... وذاك منهم دليل العيِّ والحصر لأنَّ أيسر عبدٍ من عبيدك لو ... رآه ليث الشرى ولَّى من الخور وقاس رأيك أقوامٌ بقيسهم ... هيهات ليس رماح الخطِّ كالإبر متى ادلهم ظلام الخطب في سبب ... وحلَّه منك رأىٌ وهو لم ينر واستعظموا أحنفًا في الحلم واعتقدوا ... أن ليس مثلٌ له يأتي من البشر وأنت احلم منه والَّذي نزلت ... في حقِّه معجز الآيات والسُّور مولاي يا ملكًا عمَّت مواهبه ... طوائف النَّاس من بدو ومن حضر منحتني بجواد لو أسابقه ... بالريح لم تتعلَّق منه بالأثر رحب اللَّبان أسيلُ الخدِّ منهرت الـ ... ـــــشِّدقين حلو المحيَّا غير منبهر ضافي السَّبيب كمين اللَّون محكمةٌ ... أرساغه في وظيف محكمٍ عجز /12 أ/ من فوق خضر كأمثال الزَّبرجد في ... ألوانها وهي في الأجسام كالحجر فحدتنا كزهر الرُّوض فوَّقه ... كفَّ الحيا فبدا كالأنجم الزُّهر من كلِّ معنىً لطيف رائق حسن ... في نثر منتظمٍ أو نظم منتثر عروس فكر إلى علياك أحملها ... من فوقه من بديع القول بالدُّرر لازال عزُّك محروسًا بأربعةٍ ... بالسَّعد والنصر والإقبال والظَّفر وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الرجز] تاه على العاشق باحتشامه ... واعتقد الصُّدود من إنعامه وكلَّما طالعه بقصَّة ... يذكر ما يلقاه من غرامه وقَّع أعلاها له علامةً ... دلَّت من الهجر على دوامه

يا قاتل الله الهوى كم دنف ... به معنى القلب مستهامه عوَّضه عن عزِّه بذلَّة ... وبالهوان المحض عن إكرامه من مبلغي إلى الحمى تحيةًّ ... عنِّي وأشواقي إلى خيامه معرضٌ بذكر ظبي جفنه ... أعارني النحول من سقامه إن جرَّد السَّيف فمن مقلته ... أو سدَّد الرُّمح فمن قوامه لم أنسه وافى بغير موعد ... ليلًا وواشي القوم من نوَّامه /12 ب/ فبتُّ طول ليلتي مرتشفًا ... لريقه أشرب من مدامه فقام والنُّعاس في أجفانه ... أذياله تعلق في أقدامه لو فهم العاذل ما فهمته ... من حسنه أقصر عن ملامه لاسيَّما إذا بدا مبتسمًا ... فإنَّ هتك السِّتر في ابتسامه وأنشدني لنفسه، يصف مجمرة الطيب: [من الطويل] ومودعة كتمان سرٍّ وشت به ... وأدته ما بين النَّدامى مفصَّلًا توهَّمتها عند الحفاظ جميلةً ... فألفيتها عند الإذاعة أجملا تنمُّ بما فيها إذا كان ساكنًا ... فؤادًا لها نارٌ وتكتم إن خلا تزيل بريَّاها الهموم كأنَّها ... سلوُّ محبٍّ لم يكن في الهوى سلا وأنشدني لنفسه، وذكر أنه صنع ذلك بديهةً: [من الكامل] كلَّمته فتكلَّلت وجناته ... عرقًا ولم ينطق لفرط حيائه فظننت أن الورد ذاك وفوقه ... بعد الغمام بقيةٌ من مائه وقال أيضًا، يمدح الملك الرحيم بدر الدِّين /13 أ/ أبا الفضائل صاحب الموصل –خلد الله سلطانه- ويهنئه فيها بشهر رجب وبالنيروز لاتفاقهما في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، موازنًا لقصيدة أبي عبادة البحتري –رحمه الله-: [من الوافر] (أكنت معنِّفي يوم الرَّحيل ... وقد لجَّت دموعي في الهمول) رويدك ربَّه الطَّرف الكحيل ... فكم غادرت من دنفٍ نحيل

وحسبك ما ألاقي من غرامٍ ... ووجدٍ لازمٍ وجوىً دخيل ويكفي أنَّني لولا أنيني ... خفيت عن العواذل من نحولي هبي عيني الرُّقاد ولا تشحِّي .. بطيف منك يشفي من غليلي فإن لم تفعلي فعدي جميلًا ... ولا تستكثري نيل القليل وممَّا صحَّ قولًا وهو حقٌّ: ... جمال الوجه أليق بالجميل فمنِّي وانظري حالي تريها ... كحال ابن الملوح أو جميل وأيسرها إذا فتَّشت عنها ... وإن عظمت مداراة الملول بحقِّك يا نسيم الرِّيح عرِّج ... على تلك المعالم والطُّلول وسلِّم إن مررت بآل سلمى ... وحييِّ عقائل الحيِّ النُّزول /13 ب/ وبلِّغ ظبية الوعساء شوقي ... إذا سنحت ظباء بني عقيل وما كلفتك الإبلاغ إلا ... لأنِّي خفت من عذر الرَّسول وسلها عن فؤاد ضلَّ منِّي ... غداة البين في أثر الحمول فما لي منه علمٌ منذ ولَّى ... سوى عهدي به يوم الرَّحيل وعرِّفها حنيني وارتياحي ... إليها في الغدو وفي الأصيل وأنِّي لست أسلو عن هواها ... ولا أصغي إلى لوم العذول وكيف ولم يزل عمري ولوعي ... بذات الخال والخدِّ الأسيل وتعجبني الشِّفاه اللُّعس ذهنًا ... كأنَّ بها جني الزَّنجبيل ويعذب لي نقيُّ الثَّغر يحكي ... بريقته حباب السَّلسبيل واهوى القدَّ ميَّاس التَّثنِّي ... رشيق الملتوى حسن المميل ومن أغراه حبًا بعض هذا ... فليس إلى التَّسلِّي من سبيل وليس بمنكر إن قيل عنِّي ... صبا عشقًا ولا بالمستحيل فكم لعب الهوى قبلي قديمًا ... بألباب الرِّجال ذوي العقول ولم أر مخلصًا لي منه إلاَّ ... إذا ما عذت بالملك الجليل /14 أ/ حليف الجود بدر الدِّين ملكٌ ... تعالى عن شبيه أو عديل

وعزَّ عن المفاخر والمناوي ... وجلَّ عن المباري والرَّسيل وقصَّر عنه طوق الشُّكر لمَّا ... سميت أوصافه عن كلِّ قيل كريمٌ كلُّ من يدعى كريمًا ... فنسبته إليه كالبخيل إذا جادت يداه لنا غنينا ... بجودهما عن الغيث الهطول وإن سحَّت وشحَّ فما نبالي ... بجذب العالم فينا والمحول رزينٌ لو يوازنه ثبيرٌ ... غدا وهو الخفيف عن الثقيل حليم عن عظيم الذنب يعفو ... ويصفح وهو ذو حدٍّ وبيل وحزمٍ حارت الحكماء فيه ... وعزم دونه حدُّ الصَّقيل ورأىٍ لم يفارقه صوابٌ ... وقلبٍ لم يقلَّب بالذُّحول شجاعٌ ما تقاعد عن لقاء ... ومقدامٌ على الأمر المهور وطلقٌ والزمان به قطوبٌ ... وماضٍ ليس يتعب بالكلول ومبتسمٌ وغرب السَّيف يبكي ... نجيعًا من مقارفة الفلول ولم تسمع به الأبطال إلا ... ونادت بالثُّبور وبالعويل /14 ب/ وودَّع بعضهم بعضًا وقالوا ... نجاةٌ ما إليها من وصول يقينًا منهم أن ليس يبقى ... عليهم غير نائحة ثكول وأن سطاه مثل السَّيل سارت ... صواعقه الرَّواسي بالسُّهول وأضحى كلُّ جبَّارٍ عزيزٍ ... لها في الحلم كالعبد الذَّليل تأمَّل منه فردًا تلق جيشًا ... وإنسانًا تعاين ليث غيل وإن جاورته جاوت بحرًا ... تقلُّ به مجاورة السُّيول إذا ركبت به سفن الأماني ... تجارت فيه أمنًا بالقبول تحبُّ عقابه العقبان علمًا ... بأن لم تخل حينًّا من قتيل فتعشى الجوَّ أسرابًا تحاكي ... رعيلًا يقتفي أثر الرَّعيل وتتبعه سباع الوحش تبغي ... قراها عنده كالمستنيل فما ينفك من كرمٍ وبأسٍ ... على حالي مقامٍ أو رحيل

وإن دعيت نزال سعى ولبَّى ... وبادر مسرعًا سعي العجول ويطرب إن جرى للبيض وقعٌ ... على البيض استماعًا للصليل وتصيبه الوغى شعفًا إذا ما ... تجاوبت المذاكي بالصَّهيل ومادت في سماء النَّقع شهبٌ ... تلوح من الأسنَّة والنُّصول /15 أ/ وليس تحرِّك الأيَّام منه ... سوى يومي نزال أو نزيل وركب نحوه حثُّوا ركابًا ... تراوح بالرَّسيم وبالذَّميل إذا غنَّوا به مالوا اشتياقًا ... كأنَّهم سقوا صرف الشَّمول أتوه والرَّجاء لهم شفيعٌ ... فابوا منه بالنَّيل الجزيل تحدِّث عنه نعمته عليهم ... وذاك على النَّدى أقوى دليل له نسبٌ إلى الحسنى عريقٌ ... إذا ما عدَّ ذو النَّسب الأصيل ونفسٌ عزُّها منها إذا ما انتـ ... ــــمى عزٌّ إلى شرف القبيل وليس الفخر بالآباء فخرًا ... فتتكل الفروع على الأصول ولكن من حوى غرر المعالي ... وكملها تمامًا بالخمول وبالغ في شتات المال جمعًا ... لشمل الحمد والمجد الأثيل كما حاز المكارم بدر تمٍّ ... تنزه عن محاق أو أفول مليكٌ لا يضاهيه مليكٌ ... عديم المثل مفقود العديل ألا يا أيُّها السُّلطان حقًّا ... ومن مازال للإحسان يولى هذا الشَّهر واسعد ... بنوروز بما تبغي كفيل وسمعًا ............. محبٍّ ... رماه الدَّهر منه بالخمول /15 ب/ وأخَّر حقَّه عنه وأخفى ... فضائله وقدَّم ذا الفضول وحاشا عصر مثلك أن يساوى ... غزير العلم فيه بالجهول أقلي عثرتي مولاي يا من ... سواه لم أجد لي من مقيل فربعك لم يزل حجِّي إليه ... ولم يبرح حماك به مقيلي وعمر شبيبتي فيكم تقضى ... وقد أصبحت أحسب بالكهول

وما لي غير بابك من ملاذٍ ... وسابغ ظلِّ أنعمك الظَّليل فهبني نظرةً اقتراحي ... وخوِّلني رضاك فذاك سولي وعش كهفًا لملهوف وأبشر ... فداك النَّاس بالعمر الطَّويل ودم متملكًا ما لاح برقٌ ... وما ناح الحمام على الهديل [743] محمَّد بن نصر لله بن محمَّد بن القاسم بن نصر الله بن محمَّد بن أبي القاسم بن عبد الله الأنصاريُّ المعروف بابن النابلسيِّ، أبو بكر بن أبي الفتح الدمشقيُّ كان مولده بدمشق سنة أربع وثمانين وخمسمائة. وهو شاعر ذو قدرة على نظم الشعر، كثير القول، /16 أ/ صاحب بديهة وارتجال. قصد ملوك الشام بشعره، من بني أيوب وغيرهم من الوزراء والأماثل، وربما أنشأ القصيدة من غير فكرة، ولم يضع لها سوداء، ولا يراجع نظره فيها، لتنقيح ألفاظها ومعانيها، وذلك لقوة قريحته. شاهدته بمدينة الموصل وإربل عدّة مرات؛ فأنشدني لنفسه، يمدح المولى المالك الملك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، سند الملّة، ملك أمر الشرق والغرب .... أتابك طغر لتكين بلكا أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين – ضاعف الله قدرته، وأدام تمكينه ونصرته-: [من الطويل] مكارم بدر الدِّين يشرقن في العلا ... كما أشرقت في اللَّيل زهر الكواكب وقد حاز من دون الملوك مناقبًا ... أنافت على عد النُّجوم الثَّواقب وإنَّ ابن عبد الله أشرف مالك ... من الصيد مشهور العلا والمناقب فراجيه من دون البرية ظافرٌ ... بما يرتجيه من جزيل المواهب يرى أقبح الأشياء أوبة آمل ... كسته يد المأمول حلَّة خائب يؤمِّل نعماه العفاة ويرتجي ... إليه البرايا من جميع المذاهب /16 ب/ غدا كعبةً للقاصدين فلا ونت ... تخبُّ إليها تامكات الغوارب تراه إذا ما جئته طالب النَّدى ... جميل المحيَّا باسمًا غير قاطب

فملَّكه الله البلاد بأسرها ... مشارقها موصولةٌ بالمغارب فما غيره في الصِّيد من يستحقُّها ... وليس سواه يرتجي في النوائب فلا زال منصور اللِّواء مؤيّدًا ... وشاني علاه عرضةٌ للمصائب وأنشدني أيضًا لنفسه فيه –خلد الله ملكه-: [من الكامل] مازلت امتدح الأنام فأنثني ... عنهم بصفقة خاسر مغبون حتى امتدحت أبا الفضائل ذا الندى ... فظفرت منه بلؤلؤ مكنون أغنى افتقاري جوده لمَّا غدا ... بنداه لي في الدهر خير معين فلأثنين عليه خيرًا في الورى ... ما عشت مدة اشهري وسنيني ولأمنحن علاه شكرًا دائمًا ... إني بذاك عليه غير ضنين ولا سألنَّ الله أن سيمدُّه ... طول المدى بالعزِّ والتَّمكين والله أكرم أن يردَّ دعاء من ... يدعو بصالحةٍ لبدر الدِّين وأنشدني لنفسه فيه أيضًا – أعز الله نصره-: [من الكامل] /17 أ/ الصِّيد من شبه وبدر الدِّين في ... حال التَّناسب عسجد ونضار وإذا الَّلآلئ واليرامع قِّومت ... لابدَّ أن تتباين الأسعار وأنشدني فيه أيضًا لنفسه – أوضح الله برهانه-: [من الكامل] بأبي الفضائل عذت في زمني فها ... أنا قد آمنت لديه كلَّ مخوف فكأن بدر الدِّين أهلٌ في العلا ... لإغاثة المكروب والملهوف يا أفخر الدُّر الثَّمين ومن به ... أضحى افتخار قلائد وشنوف هل يفخر الإكليل وهو مجوهرٌ ... يومًا بمثل اللُّؤلؤ المرصوف وأنشدني لنفسه فيه أيضًا – أدام الله سلطانه- من جملة أبيات: [من الطويل] مدائح بدر الدِّين فرضٌ على الورى ... فمن لم يفه بالمدح فيه فملحد فهذا نبيُّ المكرمات وقبله ... أتانا نبيُّ البيِّنات محمَّد "صلى الله عليه وسلم".

وأنشدني لنفسه فيه أيضًا، وعمل ذلك بديهًا، يوم الميلاد: [من الكامل] /17 ب/ لأبي الفضائل لا عدته سعادةٌ ... في كلِّ يوم فرحةٌ وسرور ملكٌ على أيام دولة ملكه ... لا دكن ساطعة عليها نور وأنشدني لنفسه فيه أيضًا- ثبّت الله دولته-: [من البسيط] أبو الفضائل بدر الدِّين أشرف من ... سعى على الأرض من حافٍ ومنتعل يممته آملًا منه عوارفه ... فنلت منه ندىً أربى على أملي فمن لشكري فيه أن يقوم بما ... أولى وإن كنت بالشُّكر الجميل ملي فيا له من مليك ساد سائر أمـ ... ــــلاك البريَّة في قول وفي عمل فالله يحرسه من كلِّ حادثةٍ ... ما غردت في الضُّحى ورقاء في الأصل وأنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير شرف الدِّين أبا البركات المبارك بن أحمد المستوفي –رحمه الله تعالى-: [من البسيط] أنكرت ما بي ولكن دمعي اعترفا ... إذ خان صبري وطرفي بالدُّموع وفى فرحت إذا ظهرت سرِّي الدُّموع أخا ... تهتُّك في الهوى مستهترًا كلفا إني لاستعذب التَّعذيب من قمرٍ ... لم يعره النَّقص في حسن ولا انكسفا /18 أ/ ريمٌ رنا فرمى عن قوس حاجبه ... سهمًا فصادف أحشائي لها هدفا فيا له يوسفي الحسن حاز من الـ ... ــــجمال أنواعه واستكمل الطرُّفا لدن المعاطف مثل الغصن قامته ... لكن على عاشقيه قلَّما انعطفا عذب الرُّضاب شهيُّ الرِّيق يحسبه ... الصَّهباء والشَّهد طعما من له رشفا قويم قدٍّ إذا ما ماس من هيفٍ ... يعلَّم اللُّدن الخطِّيَّة الهيفا أنكرته ما ألاقي من محبته ... فقال: أنكرت من بالحال قد عرفا ستقرع السنَّ إذا انكرت حبَّك لي ... على الَّذي أنت راج في الهوى أسفا وسوف تصبح إذا رمت الشَّفاء من الـ ... ـــــغرام بي بعد ذا الإنكار حلف شفا فقلت أترك حبًا أنت تملكني ... به وأمدح خير العالم الشَّرفا

أعني أبا البركات الأريحيَّ ومن ... بجوده الغمر كلٌّ راح مغترفا خير الورى الماجد المأمول والنَّدس الَّـ ... ذي حوى العزَّ في الأيَّام و .... ممجَّدًا من أناس في العلا لزموا ... لغامر الجود في بذل النَّدى السَّرفا إذا نزلت بهم يومًا لحادثة ... عرتك ألفيت منهم سادةً رؤفا قومٌ مناقبهم مثل النُّجوم وقد ... حباهم الله منه الفخر والأنفا إذا جرى ذكرهم في محفل فغم الـ ... ـــعبير أدخلت فيه روضةً أنفا /18 ب/ تبارك الله ما أجراهم سبقاً ... إلى المعالي إذا ما غيرهم وقفا هم أنجمٌ وابن موهوب سهيلهم الَّـ ... ـذي لناظر شانيهم قد اختطفا كريم قومٍ إذا عدَّ الكرام غدا ... أممهم إثره كلٌّ تلا وقفا فيه يجمع ما في النَّاس مفترقٌ ... فأيُّ وصفٍ جميلٍ ما به وصفا وأنشدني قوله يهجو أمراء إربل: [من الكامل] أمراء إربل كلُّهم نسقٌ ... ما فيه من عنده كرم قصرت به عمَّا يطول إلى ... كسب الثَّناء بمثله الهمم وتكاد لو قطعت أناملهم ... من شحِّها أن لا يشحَّ دم وأنشدني لنفسه في الأمير عز الدين محمد بن بدر الحميدي الكردي: [من البسيط] من مبلغٌ لابن بدر غير مكترث ... عنِّي مقالة مشهور من الدُّول أنفقت من عمري في غير فائدةٍ ... يوماً ببابكم واخيبة الأمل وأنشدني قوله: [من البسيط] إنَّ ابن آدم إن أضحى وليس له ... قوتٌ وأمسى ضعيف البطش والجلد للموت خيرٌ له إذ عيشه نكدٌ ... من الحياة ولو دامت مع الأبد /19 أ/ وأنشدني من شعره لنفسه: [من الخفيف] يا مليكاً له نواله ينشر العا ... مي وقد كان قبل عظماً رفاتاً

شرف الدِّين بحر نعماك أضحى ... لجميع الورَّاد عذباً فراتاً أنا ميتٌ وأنت عيسى ومن معـ ... ـــجز عيسى أن يحيي الأمواتا وأنشدني لنفسه ملغزاً، في فص النرد: [من البسيط] وأسمر الجسم غرَّار يهام به ... مسدَّس الشَّكل فيه النَّفع والضَّرر أفعاله قدريَّاتٌ فصاحبه ... لم ينجه منه في تصريفه القدر وأنشدني لنفسه أيضاً: [من البسيط] وقائل قم إلى رزق تحصِّله ... فقلت دعني فإنَّ الرِّزق مقسوم ما كان لي سوف يأتيني فما لي والـ ... ـــحرض الَّذي هو عند النَّاس مذموم [744] محمَّد بن يحيى بن الفضل بن يحيى بن عبد الله بن القاسم بن المظفر بن عليٍّ، أبو حامد بن أبي طاهرٍ الشهرزوريُّ الموصليُّ. أخبرني أنه؛ ولد ثامن عشر شهر رمضان /19 ب/ سنة تسعين وخمسمائة. من أبناء القضاة المشهورين. وكان والده قاضي الجزيرة العمرية. وهم أهل بيت أشهر من أن ينبه على محله في الجلالة والمكانة في العلم والجاه، وانتشر ذكرهم في الأقطار. وأبو حامد تفقّه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- بالموصل وبغداد، ونظم شعراً كثيراً، فأجاد وأحسن. مدح الرؤساء والأمراء والملوك، وهو شاب جميل له رواء ومنظر، يتزيا بزيّ الجند؛ فيه لطافة، لقيته بمدينة السلام، متوجهاً [إلى] بيت الله الحرام- حرسه الله تعالى- سنة اثنتين وعشرين وستمائة. أنشدني لنفسه، ما كتبه إلى المولى الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، نصير أمير المؤمنين –أدام الله سلطانه-: [من الوافر].

ألا يا مالكاً عمر البرايا ... بسيب نواله الجمِّ الغفير أتيتك مستجيراً بعد ضرٍّ ... فهل لك في إجارة مستجير عددتك للنوائب خير ذخرٍ ... وها أنا في يديها كالأسير فلا تشمت بي الأعداء إنِّي ... على أعداك كاللَّيث الهصور /20 أ/ وسوف أصدِّق الدَّعوى بيومٍ ... عبوس في الكريهة قمطرير وليس يطول للإنسان ذيلٌ ... إذا ما خاف من أجلٍ قصير وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الوافر] وليلة أقبلت كالبذر نشوى ... يميِّل عطفها مرُّ الرِّياح تعاطيني كؤوس الثَّغر لمَّا ... حماها الثَّغر بالبيض الصِّفاح فأرشف من مراشفها الحُميَّا ... والثم من ملثَّمها الأقاحي وجيش اللَّيل مهزومٌ وأيدي ... كواكبه تطرِّق للصباح يقوم الدِّيك كالنشوان فيها ... ليوقظنا بتصفيق الجناح ينادي للصباح إذا غفلنا ... عن الأقداح: حيَّ على الفلاح فنبتكر السُّلاف بكفِّ بكرٍ ... مهفهفةٍ معاطفها رداح على وردٍ من الوجنات غضٍّ ... وريحان به تعي وراحي ونشر من كمال الدِّين هبَّت ... به كالمسك أنفاس الرِّياح أبي الكرم الَّذي لولا نداه ... لما ظفر العفاة بمستباح محمَّد الرَّسول إلى البرايا ... بآيات المكارم والسَّماح [745] محمَّد بن عبد اللطيف /20 ب/ بن أبي الفتح بن أبي نصرٍ، أبو عبد الله التبريزيُّ ويكتب في نسبته النثري؛ لتعاطيه نوع المنثور، دون المنظوم. أخبرني، أنه ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة، بتبريز. وشدا طرفاً من العلم في

صباه، واعتنى بصناعة النثر، وتعاطي الكلام المسجوع والقرائن، وكان يتبع الكلمة بما وازنها ويلحقها بأختها، تشبهاً بطريقة وطواط الكاتب، فيما ينشئه، غير أنَّه يبين فيه تكلّف وركاكة، للزومه الأسلوب الذي يتوخّاه. وله شعر بارد، وكان ذا هوسٍ شديد في الطِّلَّسمات والنجوم، ونزل الموصل، وسكنها مدة طويلة، وانضاف إلى خدمة المولى المالك، الملك الرحيم بدر الدين أبي الفضائل –ضاعف الله جلاله- وصار أحد ندمائه، وأجرى عليه رزقاً. ثم سافر إلى بلاد الشام، وعاود الموصل، فمكث بها أشهراً، وتوفي في ربيع الأول سنة ثماني وعشرين وستمائة. أنشدني لنفسه، يمدح المولى المالك، الملك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، نصير أمير المؤمنين- أعز الله أنصاره-: [من الطويل] نسيم الصَّبا عج بالخيام رسولا ... تجد عندها برد الحياة رسولا /21 أ/ وحيِّ مليك الأرض تحظ بقربه ... تنل غرراً من جوده وحجولا تأنَّ إذا بادرت نحو جنابه ... وعرِّج برفق لا يراك عجولا فإنَّك إن لم تعتضد بجلاله ... أفادك شوب الحادثات ذبولا وجانب ملك الأرض عند لقائه ... فأخلاقه للمكرمات هيولى تر العدل والإحسان والعزَّ والعلا ... جائبه في سيره وخيولا مليكٌ إذا ما جئت تطلب رفده ... أفاض من النُّعمى عليك سيولا من النَّفر البيض الَّذين برأيهم ... يجرُّون فوق الكائنات ذويلا هو البدر والعلياء تحوي منازلاً ... وجثته فيها تحلُّ حلولا أرى الدهر لمَّا أن ارانا بعاده ... أحلَّ بنا ريب الزَّمان غلولا فصرنا فروعاً لا بقاء لذاتنا ... لقضبان بان قد فقدن أصولا الا بح بأشواقي وكرِّر مدائحي ... وبلِّغ دعائي دائماً ونصولا فلو سامح الدَّهر الخؤون بنظرة ... وصلت إلى ذاك الجناب وصولا وهنَّيت مولى العالمين مبشَّراً ... بفتحٍ جديدٍ أو لكنت أصولا وأنشدني أيضاً لنفسه: [من السريع]

مالك لا تبكي بدمعٍ هتون ... قد كسر الموت متون المنون /21 ب/ إذ قال جبريلٌ وهم صامتون ... إنَّك ميتٌ وهم ميِّتون [746] محمدبن يوسف بن مسعود بن بركة بن سالم بن عبد الله بن جساس بن قيس بن مسعود بن محمد بن خالد بن محمد بن خالد بن يزيد بن خريد بن زائدة بن مطر بن شريك بن عمرو بن قيس بن شراحيل بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان، أبو عبد الله بن أبي المحاسن الشيبانيُّ التَّلعفريُّ الموصليُّ. أخبرني، أنه ولد في خامس عشري جمادى الآخرة، سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بالموصل. وكان أبوه شاعراً من أهل تلعفر. ومحمد هذا، شاب أسمر لطيف الخلقة مكتنز، بذيء اللسان، بهيّ الشعر، مدّاح هجاء. له هجاء شنيع، لم يسلم منه أحد، وله في كل صنف من المنظوم: كالموشح، والدوبيت، والمواليا، والرجز، والمزدوج، وكان وكان؛ وغير ذلك، إلاَّ أنَّه غير مرضي الطريقة؛ بتبذله وانهماكه في الشرب، والتظاهر بالخلاعة، والتهتك والفسق والقمار والسرقة، وأشياء مما تقارب هذه الأشياء المنكرة التي لا تليق بذوي

الفضل والأدب فهي التي /22 أ/ أهبطته وأسقطته في أعين الناس. أنشدني لنفسه يمدح المولى المالك العالم العادل المؤيد الملك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين أتابك طغرل تكين أبا الفضل غرس أمير المؤمنين- خلد الله دولته- وأنشه إياها بظاهر الموصل، في الجوسق المعمور ببستانه، وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة: [من الخفيف] لا تلمه على الهوى فافتضاحه ... صونه فيه والفساد صلاحه كلكم معشر العواذل في نهـ ... ـــج على العاشقين ضاق انفساحه خنتم المستهام ظلماً وجرتم ... وزعمتم بأنَّكم نصّاحه عذبت طيبة مطارحة العشـ ... ـــق فصعبٌ على المحبِّ اطِّراحه وقليلٌ إلى مواسمه بالـ ... ـــعين منه غدوُّه ورواحه يا خليي سر بي متى ما تبدَّت ... لمعٌ منه هان لي إيضاحه سل نسيم الصَّبا إذا ريض في مسـ ... ــــكيِّ روض الحمى الأريض جماحه ألريَّا هذا الذي فيه من ريَّـ ... ــــا أم الزَّهر فتَّحته رياحه جاده طيَّبٌ من المزن يحكي ... صوبه دمع مقلتي وانسفاحه ورعى الله عهد ذات جمالٍ ... جال في كشحها الهضيم وشاحه /22 ب/ غادةٌ خال خدِّها أين لثمي ... منه في خدِّها وأين امِّساحه شعرها والظَّلام منه كسى جسـ ... ـــمي سقاماً أم وجهها وصباحه ربَّة المبسم الذي راحة الأر ... واح في أن تريحها منه راحه هبك بالوصل تبخلين وشرط الـ ... ـــحبِّ أن تهجر السَّماح ملاحه أجناحٌ على الخيال إذا ما ... زار وهناً واللَّيل وحفٌ جناحه أرسليه فوانعطافك لاريـ .... ـــــع برعبٍ ومقلتاك سلاحه واسأليه يجبك كيف رقادي ... فلقد طال عن جفوني انتزاحه حسب قلبي بأنَّه بالأسى قد ... أعجزت فيك كلَّ آس جراحه وفؤادي بأنه جدَّ فيه الـ ... ــــوجد لمَّا جناه منه مزاحه لك منِّي الهوى الذي راق حسناً ... ولبدر الدِّين الرَّحيم امتداحه ملكٌ فاتكٌ جوادٌ لمن زا ... غ ومن زار بأسه وسماحه

بالمعالي ارتداؤه فله اللّـ ... ــــه نصيرٌ وبالفخار اتِّشاحه ضمنت كفُّه الأماني وقالت ... للبرايا: العافي عليَّ نجاحه أيُّ باب للرزق أغلقه الدَّهـ ... ر وما كان عنده مفتاحه كلَّما قلَّ ماله بالعطايا ... زاد من صدره الرَّحيب انشراحه /23 أ/ ولعمري أبو الفضائل ما يذخر ... مالاً صان العلا مستباحه غيث جذب يسدي الأيادي نداه ... ليث حرب يردي الأعادي كفاحه ما دجا ليل عثير النَّقيع إلاّ ... وأضاءت سيوفه ورماحه نشر الجود عنه نشر ثناء ... أرج الأرض بالشَّذا نقَّاحه فاللَّيالي والإنس والجنُّ والطَّيـ ... ر مع الوحش كلُّهم مدَّاحه لم يدبر تدبيره الملك لا منـ .... ـــصوره قبله ولا سفَّاحه مستهامٌ بالبرِّ ما ألفت غيـ .... ــــر شتات الكنوز بالبذل راحه فإذا لامه على الرِّفد لاح ... زاد في بذله اللُّهى إلحاحه مكرماتٌ قلب المآثر والمجـ .... ــــد بها اليوم جمةٌ أفراحه ملك الأرض دعوةً من وليٍّ ... لاح لمَّا إليك مال فلاحه فو رأى الجوهريُّ أشعاره فيـ ... ـــك لكانت قد أودعتها صحاحه علَّمتني صفاتك الشِّعر حتَّى ... عذبت راحه وراق قراحه فرفضت العلا ولا كنت يوم الـ ... ــــفضل ممَّن يبينه فصَّاحه إن حبست الثَّناء عنك إلى حـ ... ـــين أرى جسمي الرَّدى يجتاحه جدت لي بالنَّوال عفواً وإحسا ... نك كم عمَّ آملاً سحَّاحه /23 ب/ دمت للملك ما تغنَّت من الطَّيـ ... ـــتر على الدَّوح عجمه وفصاحه في سرورٍ قد قارنت غراراً تشـ ... ـــرق منه طول المدى أوضاحه وأنشدني لنفسه أيضاً، يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المستوفي بإربل –رحمه الله تعالى-: [من الكامل] لو كان طيفك زائري يا هاجري ... ما أسبلت صوب الدُّموع محاجري لكن غرامي طال فيك وإنَّه ... لمَّا رأيتك رب طرفٍ قاصر يا مالكاً رقَّ القلوب وباسطاً ... فيها ظلامة حاجبٍ أو ناظر

عجبي لقدِّك كيف أصبح عادلاً ... من تحت طرفك وهو أفتك جائر من للمقيَّد في هواك ووجده ... مترادفٌ من هجرك المتواتر لو لم تته عجباً بحسن كامل ... ما بتُّ فيك حليف حزن نافر أنت المعزُّ لمن تشاء وها أنا الـ ... ـــمشغوف منك بحاكمٍ وبآمر أرسلت صدغك آيةً ثعبانه ... في فترة الجفن الأغنِّ السَّاحر صوِّرت لي صنماً فزاد ضلالتي ... لمَّا عكفت عليه لهو السَّامري لو لم أرح وأنا المطيع للوعةٍ ... أضرمتها لأخذت أخذ القادر /24 أ/ ورضاب ثغرك وهي أيُّ أليةً ... ميني بها وأعوذ منه ضائري إن الذي عاهدته وعهدته ... منِّي لذو صدقٍ وسقمٍ ظاهر أتهمت إذا اتهمت قلبي بالقلى ... فهدمت منه أخاً الغرام العامري أيجوز عندك نهر سائل مدمعي ... جار على رسم الخدود الدَّاثر حتَّى م تصبح في وصالي زاهداً ... وأبيت في وله لعيني فاجر أصبو إلى ريق بثغرك باردٍ ... وأخاف من لحظً بطرفك فاتر ومن البليَّة لوم ذي لؤم لحاً ... ..... وعذار خدِّك عاذري ماذا عليه وقد رآني راضياً ... بالعذر منك ومنه شيب غدائري يا ساكباً منِّي السَّواد وهادماً ... ركني أتئذ إن ابن أحمد ناصري شرف الورى والدِّين والباني العلا ... المطرى بجود كالسحاب الماطر صدرٌ يحدِّث مورداً سير العلا ... والمجد عنه واردٌ عن صادر غيث النَّدىِّ لكلِّ عاتق غارمٍ ... هو معتقٌ بندى يديه الغامر يا باغي العلم المصون وخائفاً ... باغي العدا من كلِّ ضار ضائر يمِّم أبا البركات تظفر عنده ... بالفضل بل بمضاء جدًّ قاهر لولاه كان الدَّهر أفرغ فارغٍ ... لكن غدا بثناه أفغر فاغر /24 ب/ ومن الفريضة شكر اهجر هاجر ... لخناً وبالإحسان أجهر جاهر ما روضةٌ ضحكت ثغور أقاحها ... أصلاً بدمع بكا السَّحاب الباكر وشَّى الرَّبيع لها مفوَّف حلّة ... قد رصِّعت من حليه بجواهر وغدت تلامح زهرها شمس الضُّحى ... من خلف سجف الغيم بين ستائر

حتَّى إذا ما اليوم رقَّ رداؤه ... وأنهار جرف نهاره المتقاصر باتت خدود شقيقها محميَّةً ... من عين نرجسها بطرفٍ ساهر وجرى النَّسيم بها تجرُّ عليله ... ذيلاً ويخطو فيه خطو العاثر متحمِّلاً في برده من عرفها ... أرجاً ينمُّ على شذاها العاطر كثنا ابن أحمد ذي المكارم والعلا ... نشراً وقف نسمع حديث النَّاشر عن ذي جبين بالبشاشة سافرٍ ... طلق الضِّياء لكلِّ ذنبٍ غافر متبرِّع متورِّع فاعجب له ... من ذاكر من لم يسله وشاكر حاز الصِّفات فما يشقُّ غباره ... من فاق من آت ولامن غابر يسمو به في كلِّ يوم تشاجرٍ ... قلمٌ يطول على القنا المتشاجر يسطو إذا ما ثار نقع مسائلٍ ... قد أشكلت بشباه سطوه ثائر قلمٌ لجوهر كلِّ مجدٍ حارزٍ ... فالدَّهر منه مدير لحظ خازر /25 أ/ يجريه حكم أغنَّ سام داره ... عمرت على فلك السَّماء الدَّائر سار إلى سرِّ الفخار وآسر ... ما ندَّ من مثل العلاء السَّائر قل للمثير عجاج عجز خلفه ... ويروم معجزة بغير مآثر أينال ما قد نال أصلع حاسرٌ ... عن ساعديه وأنت اطلع حاسر شرف المعالي اسمع ثناءً لم يكن ... لولاك يجري خاطراً في خاطري قد كنت صنت قصائدي في خدرها ... فأبانها مدح الهزبر الخادر إليك أشكو جور دهرٍ زائغٍ ... بأذاه عن غير فكم هو زائري فعساك تنجد ربَّ صبرٍ عابرٍ ... ممَّا يكابده ودمع غائر اجبر بصنعك سؤر ما أبقاه من ... عمري زمانٌ كالعقاب الكاسر واسعد بها يا ذا النَّدى رائيَّةً ... آنست منها كلَّ معنى نافر أتقنت محكمها بحذقٍ صناعة ... من ذي ضميرٍ كالجواد الضَّامر إن قال في هذي البريَّة شاعرٌ ... أختاً لها فحشرت محشر كافر زارت على بعد المزار وخلفها ... من فرط شوقي أيُّ حاد زاجر فانظر لنظرتها بناظر مرتضٍ ... راضٍ لها نظر الصَّفوح العاذر لازلت تبلغ ما ترنَّم طائرٌ ... ما شئت من أملٍ بأيمن طائر

/25 ب/ وأنشدني أيضاً لنفسه، غزل ابتداء قصيدة: [من الكامل] حتى م أرفل في هواك وتغفل ... وإلى م أهزل من جفاك وتهزل يا مضرماً بصدوده في مهجتي ... حرقاً يكاد لهنَّ يذبل يذبل القلب دل عليك أنَّك في الدُّجى ... قمر السَّماء له لأنَّك منزل هب أن خدَّك قد أصيب بعارضٍ ... ما نال صدغك راح وهو مسلسل قسماً بحاجبك الذي لم ينعقد ... إلا أرانا السَّبي وهو محلَّل وبماء ثغرك من سلافة ريقه ... عذبت فقيل هو الرَّحيق السَّلسل لولا مقبَّلك المنظَّم عقده ... ما بات من يهواك وهو مقبَّل حزني وحسنك إن لغا من لا مني ... ونحوت هجري مجملٌ ومفصل لو كنت في شرع المحبَّة عادلاً ... يا ظالمي ما كنت عنِّي تعدل ألحى عليك ولو درى بصبابتي ... لأراحني من لومه من يعذل أوما العجيب أنَّ دمعي معربٌ ... عن سرِّ ما أخفيه وهو المهمل أضحى ويا لك من بلاء هاتكاً ... سرَّ الهوى وعليه أصبح يسبل يا آمري بسلوِّه ليغرَّني ... إنَّ السُّلوَّ كما نقول لأجمل /26 أ/ لكن يعزُّ خلاص قلب متيَّمٍ ... تركته أيدي الهجر وهو مبلبل هيهات كلاَّ لا نجاة لمن غدا ... من جسمه في كلِّ عضوٍ مقتل وأنشدني لنفسه في الملك الأشرف مظفر الدين، وكان معه في الخيمة، بحباب التركمان بين حماة وحلب، عند رجوعه من جهاده، وقد لسعته عقرب في كفه، فأنشأ ارتجالاً: [من السريع] يا ملك الأرض وكهف الورى ... ومن إلى ساحته المهرب ما لسعت كفَّك عن هفوة ... أقسم منها هذه العقرب لكن رأته وهو سمٌّ على ... مالك لا يرقى ولا يذهب فأقبلت تشتاق من بعضه ... باللسع شيئاً علَّها .....

وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الكامل] سل عن دمي ليلى إذا هي أقبلت ... بين النِّساء وخدُّها كالعندم ومتى أبت إلا الجحود وانكرت ... فانظر على وجناتها أثر الدَّم يا للرجال وإنَّها لعجيبةٌ ... ما مثلها أبداً إليه مقسَّم /26 ب/ أخشى قناة قوامها ومقاتلي ... غرضٌ لما في لحظها من أسهم وأهاب عقرب صدغها ويدي على ... وما أرسلت من شعرها من أرقم ما ذاك من سفه ولكن لا هو ى ... ما لم يذر ربَّ البصيرة كالعمى ومعنَّفي جهلاً على عشقي له ... اذكى بمرِّ العذل نار تألُّمي ناديته قسها إلى شمس الضُّحى ... حسناً فإن هي لم ترد نوراً لم وأنشدني لنفسه أيضاً، يهجو ابن عنين الشاعر: [من الطويل] أرى أبن عنين لا كلا الله نفسه ... أخاف الورى طرًّا بمرِّ هجائه ولم يهملوه خشيةً منه إنَّما ... رواه مهينًا ذمُّه كثنائه وأنشدني أيضاً لنفسه من أبيات: [من الطويل] تتيه على عشَّاقها كلَّما رأت ... حديث صفات الحسن عن وجهها يروى فتاةٌ لها في مذهب الحبِّ حاكمٌ ... بقتل الورى أعطى لواحظها فتوى يرنِّحها سكر الشَّباب فتنثني ... بقدٍّ إذا ماست تكاد بأن تلوى ولو لم يكن في ثغرها نبت كرمةٍ ... لما أصبحت أعطاف قامتها نشوى وأنشدني لنفسه، يمدح أهل البيت /27 أ/ صلوات الله عليهم وسلامه-: [من الخفيف] خلِّني من حديث زيد وعمرو ... واسع بي يا نديم نحو العمر واسقني قهوةً إذا ما تبدَّت ... في الدُّجى خلتها عمود الفجر بنت كرمٍ ما لي إذا بتُّ منها ... صاحياً فرد ليلة من عذر فأدر لي في جامد الفضَّة البيـ ... ـــضاء من كأسها مذاب التِّبر

ثمَّ قل للَّذي يلوم عليها ... خلِّني أيُّخا العذول وزري أإذا كنت ذا ضلال وإثمٍ ... تغتدي أنت نائماً في قبري قسماً لا ثنيت عنها إلى المو ... ت عناني فدع ملامي وزجري أنا راضٍ أن ألتقي الله فرداً ... والحميَّا ما بين سحري ونحري فأدرها في كأسها واسقنيها ... ليلة القدر أو ليالي العشر من يدي فاتر اللَّواحظ معسو ... ل الثَّنايا أحوى دقيق الخصر تحسب الكأس وهي في يده تشـ .... ــــرق شمسًا تلوح في كفِّ بدر لا حياةٌ لغير من لم يبت يحـ ... ـــيي الدَّياجي ما بين عود وزمر في رياضٍ خضر يطوف بها البيـ ... ـــض مع السُّمر بالكؤوس الحمر بين دوحٍ تميل منه غصوناً ... مورقاتٍ ريح الصَّبا حين تسري /27 ب/ كلَّما حركت أنامل شادٍ ... وتراً جاوبته ألحان قمري [747] محمَّد بن العباس بن أبي الفضل بن أبي القاسم بن أبي محمَّدٍ، أبو عبد الله الموصليُّ الحكم. تولّى في الدولة البدرية الحكومة في الملاعب والحرف والصنائع، كصنعة المنافقة، والصرَّاع. وذوو الشطارة والسعادة، وأصحاب المعالجة، يرجعون إلى كلامه، ويقتدون بقوله، وإليه الحكم في ذلك. ويكتب خطاً حسناً، ويقول الشعر الرائق. أنشدني لنفسه، يمدح المولى المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين، وعضد الإسلام والمسلمين، تاج الملوك، شرف السلاطين أتابك طغرل تكين أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين –خلد الله دولته- وكبت أعداءه وحسدته-: [من الكامل] ألاَّ سألت الربع والأطلالا ... فعسى المعالم أن يجبن سؤالا هي وقفةٌ إمَّا لإدراك المنى ... أو أن تضاعف عندك البلبالا

أمّا الخليط نأى بقلبك عاجلاً ... وحنين قلبك زاده إعجالاً جعلوا السُّها نصب المطيِّ وحجَّبوا ... في كلِّ سجفٍ للحدوج هلالا /28 أ/ فأذل دموعاً صنتها فلطالما ... أذرفت قلبك مدمعاً هطالا وأجنح لترجيع الحمام فطالما ... بكت الهديل فأبكت الأطلالا ما هذه في الربع أول وقفة ... المشتاق تهمل دمعه إهمالا فاعص العواذل ما استطعت فقلَّما ... يدعى ملولاً من عصى العذَّالا ومتى أضرَّبك الهوى فاجنح إلى ... ملك تصادف عنده الإحلالا ملكٍ لو ادَّعت السَّماء تطاولاً ... بمكارمٍ لسما السَّماء وطالا أسدٍ وما الأسد الهزبر وإنَّنا ... لنجلُّه عن مثله إجلالا وأنشدني لنفسه أيضاً، مبدأ قصيدة: [من الرجز] أشاقك البرق بتيماء ومض ... أم استباك السِّرب صبحًا إذ عرض لا تبعثنَّ الطَّرف إثر غادر ... فربَّ رامٍ سهمه أخطا الغرض ما من وفى بعهده ووعده ... دهراً لمن خان الحفاظ ونقض وافه الوعد المطال فاستعر ... صبراً وإن عزَّ عليك فافترض يا بأبي الناشد قلباً بالحمى ... ضلَّ ولمَّا يبغ عنه [من] عوض كلَّفه حمل الهوى من كلف ... النَّاشط من عقاله حين نهض /28 ب/ بانوا فأي كبدٍ لم تستعر ... ناراً وأيٌّ دمع عينٍ لم يفض وأنشدني أيضاً لنفسه من أخرى: [من البسيط] نعم نعمت صباحاً أيُّها الطَّلل ... لأهلك الأهل إن حلُّو وإن رحلوا سجيَّةٌ من كريم لا يغيِّره ... نأى الأحبَّة إن جاروا وإن عدلوا ما لاح برقٌ ولا ناحت مطوَّقةٌ ... إلاَّ صدفت فلا ميلٌ ولا ملل أعلِّل النَّفس والعذَّال تكثر من ... لومي وأني يفيد اللَّوم والعذل واكتم الوجد وهو الدَّمع يفضحه ... كأن دمعي رقيبٌ حين ينهمل يا صاحبيَّ أناةً بالمطيِّ ولو ... لوث الأزار فبي عن وخدها شغل هل شيَّع الركب من دعواه صادقةٌ ... في الحبِّ أم كلُّهم للوجد منتحل كلٌّ يلوم النَّوى يوم الفراق وما ... يجني التَّباعد إلاَّ الخيل والإبل

كم ليلة بتُّها والنَّجم يلحظني ... شزراً وجفني بالتَّسهيد مكتحل حتَّى إذا رقد الواشي وأمكن من ... ليلى المزار و .... بيننا السُّبل زارت على وجل خوف الرَّقيب وما ... أحلى الزِّيارة حيث الزَّائر الوجل بيضاء تسفر عن بدر وتبسم عن ... درٍّ يجيب ليلاً شعرها الوجل في وجهها خفرٌ في طرفها حورٌ ... في قدِّها خفَّةٌ في ردفها ثقل /29 أ/ لها من الظَّبي جيدٌ والمها حدقٌ ... والخيزرانة قدٌّ والنَّقا كفل تمشي ودل الصِّبا يثني معاطفها ... كأنها شاربٌ من ريقها ثمل وتحمل الرِّيح ريَّاها إذا انبعثت ... من خدرها فيضوع الحيُّ والكلل وأنشدني لنفسه من قصيدة أخرى: [من الطويل] هلا ليس ما دون الثَّنَّية منزل ... وصبراً فهل غير الثَّويَّة منهل أناق لئن قصَّرت عن غاية المدى ... فعزمي أهدى ما امتطيت وأهمل حرامٌ عليَّ النَّوم يا ميُّ بعدها ... إذا لم أنل من هذه ما أؤمِّل وبي فرط وجد حلَّ بين جوانحي ... وصدري فلا ينأى ولا ينتقَّل متى شمت من أطلال برقة بارقاً ... دعاني هوى خلَّفته ثم أول ومن ولهي بالربع لم أر منزلاً ... بتيماء إلاّ قلت حيِّيت منزل فلولا الهوى العذريُّ لم أدر ما الهوى ... ولولا الحمى النَّجديُّ ما عجت أسأل خليلي هلاَّ تعذران أخاكما ... على دائه فالعذر بالحرِّ أجمل أجدَّ كما أنِّي جليدٌ على الهوى ... وما كلُّ من يستحمل الضَّيم يحمل منعت جفوني من أن تطعم الكرى ... كأنَّ سهاداً بالجفون موكل وقلت ارتقب طيف الخيال وإنَّني ... لفرط غرامي بالمنى اتعلَّل /29 ب/ وأنشدني لنفسه: [من المنسرح] صدَّ فليس الصُّدودمن شانه ... ولجَّ في هجره وعدوانه ريمٌ رماني عن قوس حاجبه ... سهماً مراشاً بهذب أجفانه عذَّب قلبي على العذيب فمن ... ينصف قلبي من جور جيرانه

ولو لوى باللَّوى ثنيت على ... تلك الثَّنايا صدور ركبانه يا بأبي قدَّه الَّذي يفضح الـ ... ـــغصن إذا ماس فوق كثبانه أنست منه النِّفار إذ كلُّ إنـ ..... ـــــسان له رائدٌ بإنسانه يا سعد من يسعد المحبَّ وقد ... أشقاه محبوبه بهجرانه فانظر عياناً واضع استماعاً فما ... قام دليلٌ إلاَّ ببرهانه لو عدل القلب في الحكومة ما ... شكوت قاضيه ظلم أعوانه وأنشدني لنفسه: [من الطويل] تناءت فلم يضمن لها القلب سلوةً ... ولمَّا يزدها البعد إلاَّ تدانيا وإنِّي وإيَّاها على القرب والنَّوى ... صبوران إن موتاً وإمَّا تلاقيا [748] محمَّد بن سليمان بن كمشتكين /30 أ/ بن إسفنديار المجلّد، أبو عبد الله الموصليُّ كانت صنعته في ابتداء أمره تجليد الكتب والدفاتر، ثم تركها وصار يكتب القصص، ويقول الشعر، ويمدح به الرؤساء والأكابر؛ وله بديهة في النظم، وخط حسن. ولقي جماعة من الشعراء، وأخذ عنهم من أشعارهم. وهو شيخ ممتَّع بإحدى عينيه، أبيض اللون، تعلوه صفرة. وتوفي بسنجار في سنة ستٍّ وثلاثين وستمائة، وقد نيّف على التسعين. أنشدني لنفسه، في المولى المالك، الملك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، قطب المعالي، ناصر الحق أتابك طغر لتكين بلكا، نصير أمير المؤمنين –أيد الله سلطانه- حين عمل القنطرة والشباك بالباب العمادي. وكان يجلس به يحكم بين الناس في قضاياهم: [من الكامل] لو أنَّ كسرى في زمانك لم يكن ... أذكى بسلسلة إلى الإيوان شبَّاكنا في كلِّ عامودٍ له ... يا سيٍّد الأملاك سلسلتان وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الخفيف]

من مجيري من طرفه النِّبال ... ومعيني على صروف اللَّيالي بدر تمٍّ حوى جميع المعاني ... غصن بان يهتزُّ كالعسَّال /30 ب/ حلَّل الهجر واستحلَّ دم ... الصَّبِّ وهذا في الشَّرع غير حلال أتمنَّى وصاله كلَّ عامٍ ... وأرجِّي خياله في الخيال ولقد كان قبل هذا التجنِّي ... مستهاماً بزورتي ووصالي في زمان يفوق كلَّ زمانٍ ... وليال كأنهنَّ اللآلي وجبينٍ كالبدر يحمل شمساً ... من عقارٍ من غيره ما حلالي وإذا أعوز المدام علينا ... علَّني من رضابه السَّلسال وأنشدني لنفسه: [من مخلع البسيط] دبَّ على خدِّه عذارٌ ... كأنَّه اللَّيل غير سار فلم يزل واقفاً حيياً ... يطلب إذناً من النَّهار وأنشدني من شعره: [من مخلع البسيط] كان وما في العذار نبتٌ ... مواصلاً دائم الوداد فمذ بدا الشَّعر في المحيَّا إز ... داد في التِّيه والتَّمادي فليت خدَّيه ما أريعت ... ولا اكتست حلّة السَّواد وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الكامل] إن كان نزعكم الجواب تقاطعاً ... فأنا الودود مكاتبٌ ومواصل /31 أ/ أو كنتم لم تسألوا عن حالنا ... فأنا المحبُّ مخاطبٌ ومسائل وأنشدني لنفسه في إنسان يعرف بالقوام بن حمدان: [من الخفيف] يا قواماً للفسق لا للدين ... ومحلاًّ للشكِّ لا لليقين وأميناً قد كان يا ليت شعري ... أخؤونٌ يدعى بعدل أمين فلك العذر في فعالك هذا ... ليس يرجى الوفاء من يقطين أيُّ فضلٍ يعزى إليك وقد ... أصبحت ياءً ما بين تاءٍ وسين

وحدثني، قال: بات محمد بن يوسف بن عراج الشاعر عندي ليلةً، فسرق مني كساء، وكان أبو محمد شاعراً أيضاً، فقلت فيه: [من المجتث] لنجل عرّاج نجلٌ ... من كلٍّ خير تعرَّى لصٌّ كمثل أبيه ... والإبن بالإرث أحرى فالأب يسرق شعراً ... والنجل يسرق تبرا قال: فبلغت الأبيات إلى أبيه، فأنفذ الكساء. [749] محمَّد بن الحسين بن محمَّد بن الحسن بن الحسين، الإربليُّ المولد والمنشأ. وأصل آبائه من أهل همذان ويعرفون ببني بسريان، من يت دين وتصوف وأبو عبد الله هذا؛ شاب فاضل، عنده أدب وسكون، حافظ للقرآن الكريم، يشدو شيئاً من فقه الإمام الشافعي –رضي الله عنه- ويكتب خطاً رائقاً، ويقول الشعر الحسن في الزهديات. انتقل هو وأهله إلى دنيسر حدثاً، ودرس الفقه بها على الشيخ الإمام أبي محمد حمد بن حميد بن محمود الدُّنيسري، الخطيب المدرس، فلمّا جاء الخوارزمية، وقصدوا البلاد، سافر إلى حلب في سنة ستٍّ وثلاثين وستمائة، فنزل في بعض مدارسها، يرتزق من جامكيها. أنشدني لنفسه: [من البسيط] يومٌ يمرُّ ويومٌ بعده يأتي ... ينغِّصان حياتي ثمَّ لذَّاتي والنَّفس في دعة ممَّا يراد بها ... مشغولةٌ بأمانيٍّ وفرحات فبينما الموت إذا حطَّت ركائبه ... نحوي بغير احتشام أو تحيَّات وقال حتَّى متى ترجو البقاء بها ... أما علمت بأيامي وساعاتي

فاستنقذ الرُّوح ثمَّ اسكنني ... في قعر لحدٍ بدارٍ عند أموات /32 أ/ سلاهم الأهل والأحباب كلُّهم ... كأنَّ ما عرَّفوهم بعض أوقات [750] محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن محمَّد بن الجارود، أبو عبد الله المارانيُّ القاضي الكفر عزّيُّ ولد بكفر عزّة، قرية من قرايا إربل، ونشأ بها، وقرأ فقه الإمام الشافعي –رضي الله عنه- على الشيخ الإمام أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة بن مالك الإربلي. وتقلّد القضاء بإربل في أيام الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه- بعد القاضي أبي محمد جعفر بن محمد بن محمود الكفرعزي. وكان نائبه. ولم يزل متولياً، إلى أن توفي ليلة السبت ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وستمائة، فجأة –رضي الله عنه- وقد جاوز الثمانين بقليل. وكان من ظرفاء الحكام، ومحاسن الأنام، متحلياً بالنزاهة، معتلياً في ذروة النباهة؛ شيخاً لطيفاً كيساً، فكهاً رزيناً متواضعاً، بهي المنظر، دمث الأخلاق، فيه أدب وحسن عشرة، وطيب محاضرة وتودد. أنشدني لنفسه، وأوائل هذه الأبيات /32 ب/ إذا جمعت تكون بيت شعرٍ، وهو: [من المجتث] إنَّ الصَّلاح مجيري ... من نكبة الحدثان وهي جواب أبيات كبتبها إليه الصّلاح أحمد بن عبد السيد بن شعبان الإربلي، وهما بالديار المصرية، فقال القاضي: [من المجتث] إنِّي أحبُّ فتاةً ... كأنَّها غصن بان نمَّت بوجدي عليها ... سحائب الأجفان

أهوى فريدة حسنٍ ... هيفاء شتَّى المعاني لمياء لو شفتاها ... قبَّلتها شفتاني صدَّت فبان اصطباري ... بالبين والهجران لا تلحني يا عذولي ... فالبين قد اضناني حسبي الَّذي أنا لاقٍ ... من الوجوه الحسان من البدور اللَّواتي ... بهنَّ صبري فإني جزعت منهن َّ جداً ... ولأن صعب جناني يهوين قتلي وأهوى ... بهنَّ فرط هواني رعى الإله زماناً ... قضَّيت فيه الأماني /23 أ/ يا من يسائل عنِّي ... حالي عجيب البيان من لي بخلٍّ أمينٍ ... خليله في أمان نبيل قدرٍ نبيه ... صدرٍ عظيم الشَّان نبني المدائح فيه ... وجوده خير باني كتبت سرًّا وجهراً ... عنه فهلاَّ كناني به أدافع ضرِّي ... وشرَّ أهل زماني هذا ولي من نداه ... وفهمه بحران أهواه طبعاً ولكن ... لو أنَّه يهواني لكنت في خفض عيش ... ولذَّة وأمان حتَّى يقول عذولي ... ويلاه واحرماني ديوان مدحي فيه ... مذهَّب العنوان ثمَّ الثَّناء عليه ... كنغمة العيدان الموت والبعد عنه ... يا صاحبي سيَّان نعم وفيه خصال ... خفيفة الأوزان إن الصلاح مجيري ... من نكبة الحدثان /33 ب/ وأنشدني لنفسه من قصيدة، يمدح بها بعض الرؤساء: [من الرجز] لا تلح من حنَّ إلى أحبابه ... وشفَّه الشَّوق إلى أترابه

وخلِّه يبكي إذا جنَّ الدُّجى ... وارث له وكفَّ عن عتابه ولا تحمِّله على أحزانه ... حزناً فقد كفاه بعض ما به أنَّي يلام مستهامٌ مدنفٌ ... حلف أسى غرامه يغر به انحله البين ولم يبن له ... مساعدٌ على جوى إكتئابه وأنشدني أيضاً قوله: [من مخلّع البسيط] إن كنت خلِّي فخلِّ دمعي ... يجري كحرِّ الفراق سكبا ولا تلم مغرماً كئيباً ... منِّي ببين الحبيب صبَّا إذا دعاه الغرام سرًا ... أجابه معلناً ولبَّى وأنشدني له في الشيب والوعظ: [من المتقارب] مشيبٌ أتى وشبابٌ رحل ... أحلَّ العناء به حيث حل وعمري تقضَّي بلا طاعةٍ ... فويحك يا نفس ماذا الزَّلل؟ وذنبك جمٌّ ألا فارجعي ... وعودي فقد حان وقت الأجل /34 أ/ وديني الإله ولا تقصري ... ولا يخدعنَّك طول الأمل فما لك غير التُّقى مسعدٌ ... ولا صاحبٌ غير حسن العمل وأنشدني لنفسه من أبيات ابتداؤها: [من البسيط] لا تكثر العي في عذلي وفي فندي ... وقل عني فما أصغي إلى أحد هلاَّ نهضت إلى عذلي وما قدحت ... نار الصبابة بالأشواق في كبدي أيَّام اغدو سليم القلب في دعةٍ ... من الغرام وحلمي في الهوى بيدي وشادن قدُّه كالغصن معتدل ... من فوق متَّزر كالحقف منعقد أحوى مريض بحاري اللحظ مقلته ... تعلم النَّافثات السِّحر في العقد يزورُّ عنِّي إذا ما جئت أعتبه ... وليس يعلم ما عندي من الكمد قد كنت قبل النَّوى والبين ذا جلد ... فمذ نأى خانني بعد النَّوى جلدي

[751] محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكرٍ، أبو عبد الله بن أبي محمدٍ الإربلي الكفر عزيُّ

وقد سبق ذكر والده في موضعه. أخبرني والده؛ أن ولادة محمد كانت سهرة يوم الاثنين ثاني صفر سنة إثنتين وستمائة. وهو من فتيان /35 ب/ إربل، وأحد من إعتني بقول الشعر، تأدب على أبي عبد الله أحمد بن الحسين بن الخباز النحوي بالموصل. وأخذ طرفاً من فقه الإمام أبي حنيفة –رضي الله عنه-. وهو شاعر، طويل اللسان، ذو إحكام في قوله وإتقان، يجيد معانيه في الهجاء، ويتصرف فيهنّ كيف شاء، سمح الخاطر منقاده، ذكي الطبع وقاده. أنشدني لنفسه في الوزير الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي –رحمه الله-: [من الكامل] لا نال قلبي منكم ما أمَّلا ... إن كان يوماً من محبَّتكم سلا وحرمت ما أرجوه من لقياكم ... إن حلَّ في قلبي سواكم أو حلا أحبابنا عودوا إلى عهد الصِّبا ... وعدو بوصلكم المحبَّ المبتلى وإذا بخلتم بالوصال فحمِّلوا ... ريَّاكم ريح الصَّبا والشَّمالا حمَّلتم المشتاق أثقال الهوى ... لمَّا تبدَّى ركبكم متحمِّلا وسفحتم دم أدمعي لمَّا غدا ... سفح الغوير لكم برغمي منزلا من ذا يعيد ليالياً انفقتها ... سرفاً وعهد صبًّا مضى وتبدَّلا علِّقتكم طفلاً فشيَّب لمَّتي ... طول التَّجنِّي والتَّجنُّب والقلى /36 أ/ رقُّوا لرقِّ حليف وجد ما عصى ... أمر الغرام ولا أطاع العذَّلا واغنَّ معتدل القوام مهفهف ... منعته نخوة حسنه أن يعدلا فتن الورى بجمالٍ وجهٍ ما بدا ... إلاَّ وكبَّرا من رآه وهلَّلا وأغار غزلان الصَّريم تلفُّتاً ... وأعار أغصان الأراك تفتُّلا

لمَّا بدا عاينت سنَّة وجهه ... كالبدر في أفق الملابس يجتلى ورأيت أنَّ الرُّشد في دين الهوى ... لمَّا رأيت الصُّدع منه مرسلا أضحى ضنيناً بالسَّلام وطالما ... أمسى يعاطيني الرَّحيق السَّلسلا في روضة حاك الرَّبيع لربعها ... حبراً وحاكى النَّشر منها المندلا فكأنَّما جود ابن موهوب غدا ... دون السَّحاب بريَّها متكفِّلا مولى إذا ما جئته تلقً امرءاً ... يلقاك بارق بشره متهلِّلا يقظان ما ينفكُّ يسدي نعمةً ... ويكفُّ حادثة ويوضح مشكلا مغرىً بحبِّ المكرمات فما يرى ... إلاَّ بأبكارً العلا متغزِّلا ما أمَّه يبغي نداه مؤمِّل ... إلاَّ أعادته يداه مؤمَّلا يجلو بطلعته الظَّلام إذا دجا ... ويفوق نائله السَّحاب المسبلا في كفِّه القلم الَّذي قد غادرت ... حدَّاه حدَّ الحادثات مفلَّلا /36 ب/ وإذا امتطى القرطاس وهو بكفِّه ... راع الصَّوارم والرِّماح الذبلا يحيى به العافي وقد ضنَّ الحيا ... ويردُّ في يوم الهياج الجحفلا يا أيُّها المولى الوزير ومن غدت ... بنداه أخلاف الأماني حفَّلا بك أصحب ... الحرون وأحسن الدَّ ... هر المسيء بنا وأصبح مجملا ولديك أضحى مخصباً أملي وكم ... أمسي وأصبح عند غيرك ممحلا قد سرت فينا سيرةً عمريَّةً ... كادت لها الآيات أن تتنزَّلا وعممت مبتدئاً بنعماك الورى ... فملكت أحرار الكلام تفضُّلا حتى لقد ظنُّوا السُّؤال محرَّمًا ... فيهم ومالك للعفاة محلَّلا فاستجل من غرري غريزة خاطرٍ ... عذراء يرجو ربها أن تقبلا ويرى الثَّناء وكلَّ مدحٍ فاخرٍ ... من دون أوصاف الوزير وإن علا وأنشدني فيه أيضاً، يمدحه حيث تقلّد الوزارة للملك المعظم مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه-: [من الكامل]

أمَّا الزَّمان فقد وفى بوعوده ... وذوى من العدوان مورق عوده /37 أ/ وتردَّت الدُّنيا ملاءة بهجةً ... والدَّهر قد نجمت نجوم سعوده بعلا أبي البركات أصبح خالياً ... من منصب العلياء عاطل جيده شرفت بطلعته الوزارة مثلما ... شرفت بنو أيَّامه بوجوده أمسى حفيًّا بالرِّعيَّة فاغتدى ... متتَّبَّعًا فيها رضا معبوده خلق التَّواضع للوزير خليقةٌ ... قسمًا وأضحى الدَّهر بعض عبيده لقن الشَّجاعة والسَّماح يراعه ... عن سيل واديه وبأس أسوده وغدا مصيب الرَّأي في تحريفه ... ومبيَّض الآمال في تسويده يا أيُّها المولى الوزير ومن له ... مجدٌ يغيض الدَّهر جفن حسوده ما قال فيك وإن تناهى مادحٌ ... إلاَّ وفضلك من أدل شهوده هنِّئت بالعام الجديد ودمت ما ... دام الزَّمان مبشّراً لخلوده وسلمت محروس الجناب من الرَّدى ... ما طرَّب القمريُّ في تغريده وأنشدني لنفسه فيه أيضاً، ويلتمس منه فروة: [من مجزوء الكامل] يا ماجداً لبَّى ندا ... هـ المعتفي قبل النِّدا ومن استرقَّ بجوده ... ونواله حرَّ الثَّنا /37 ب/ الله أدعو أن يزيـ ... ــــدك رفعةً فوق السَّما لازلت محروس الجنا ... ب ممتَّعًا طول البقا البرد قد وافى يجرِّ ... ر ذيل تيه واعتدى وجيوشه قد أقبلت ... فاستوعبت كلَّ الفضا والصَّبر منذ راى بقا ... ء البرد آذن بالفنا فانعم عليَّ بفروةٍ ... تعدى على برد الشِّتا واسلم ودم في نعمةٍ ... عمر الزَّمان بلا انقضا وأنشدني أيضاً لنفسه، ما كتبه إليه، يطلب منه تحقيقه: [من السريع] يا شرف الدِّين الجواد الَّذي ... يمناه بالمعروف معروفه ومن له نفسٌ على كلِّ أنـ ... ـــــواع التُّقى والبرِّ موقوفه عبدك لا شيء على رأسه ... هامته في الحكم مكشوفه

وهو على كثرة تثقيله ... يرجو من الإنعام تخفيفه فاسمح بها واسمع ثناءً له ... أجاد فيه الفكر تأليفه واسلم ولازالت صروف الرَّدى ... عنك مدى الأيَّام مصروفه /38 أ/ وأنشدني له فيه من أبيات، حين وثب عليه ذلك الشخص وجرحه، وقتل شخصاً آخر، وكان اسم المقتول غزالاً: [من البسيط] لئن فدى الله إسماعيل من كرمٍ ... بالذّبح واستعظمته الإنس والجان لقد فداك بإنسانٍ ولا عجبٌ ... أن يفتدى بجميع الخلق إنسان وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الطويل] أحنُّ إلى بان العذيب واثله ... واشتاق ريَّاه وكثبان رمله واصبوا إلى آصاله وهجيره ... وكذر لياليه وبارد ظلِّه أأحبابنا عودوا وعودوا متيَّماً ... بحبُّكم لا يستفيق لعذله أضرَّ به إعراضكم عن وداده ... وعجَّل صرف الدَّهر تشتيت شمله وقد كان ذاعرٍّ منيعٍ فباعه ... رجاء رضاكم في هواكم بذلِّه صبورٌ على جور الهوى وعذابه ... وقورٌ على حلم الزَّمان وجهله ويحمل فيكم لا عدمتم فؤاده ... غراماً يهدُّ الرَّاسيات بثقله ولولاكم لم يسفح الحزن دمعه ... على السَّفح من حزن الغوير وسهله وكيف احتيالي في اللِّقاء وبيضكم ... وسمرٌ كم كلٌّ يذاد بمثله /38 ب/ حرامٌ على عيني أن تردا الكرى ... إذا لم أفز ممَّن أحبُّ بوصله وأغيد ممشوق القوام رشيقه ... مليح التَّثنِّي وافر الرِّدف عبله أحلَّ دمي من غير جرمٍ سوى الهوى ... وقد كان قبل اليوم غير محلِّه إذا جئت أشكو ما بقلبي يرقُّ لي ... ويخلط لي جدَّ الحديث بهزله ويطمعني حتَّى أقول ملكته ... ويؤنسني من طوله طول مطله وإن عقد الزُّنَّار حلَّ تصبُّري ... ويعقد عن جفني الكرى عن حلِّه

وأنشدني لنفسه: [من الطويل] فؤادٌ على مرِّ اللَّيالي يعذَّب ... وقلبٌ على نار الأسى يتقلَّب وأنت لحيني معرضٌ متجنِّبٌ ... بنفسي وأهلي المعرض المتجنِّب مر الوجد يفعل ما يشاء بمهجتي ... فإنَّ عذابي في تجنِّيك يعذب ولا تخش من قلبي سلوَّا عن الهدى ... وأنت على ما كان منك محبَّب إذا كان طرفي موردي منهل الرَّدى ... فمن اشتكى أم من ألوم وأعتب صددت فصفو العيش فيك مكدَّرٌ ... وبنت فضوء الصَّبح بعدك غيهب وإن عاد يوماً وجه ودِّك مقبلاً ... تبسَّم لي وجه الزَّمان المقطَّب سقيت الحيا الغوريَّ يا أربع الهوى ... وجادك من دمع المحبِّين صيِّب /39 أ/ وحيَّتك أنفاس النَّسيم عليلةً ... تميل بها الأغصان نشوى وتطرب وناحت بأعلى دوحتيك حمائمٌ ... تهيِّج أشواق المحبِّ فيندب ولا برحت فيك الرِّياض أنيقةً ... فإنَّك ملهى للحبيب وملعب عهدتك دهراً للبدور مطالعاً ... وصرف الرَّدى عن ساحتيك منكِّب فمذ رحلوا أضحى بك الدَّهر ناصباً ... خيام عفاء بالرِّياح تطنَّب رعى الله ليلات بمنعرج اللَّوى ... تقضَّت وظلُّ العيش إذ ذاك مذهب ليالي ترعى العهد لمياء في الهوى ... وتصبو إلى وصلي سليمى وزينب تقضَّت على رغمي قصاراً حميدةً ... فبعداً لنفسٍ بعدها ليس تذهب وأنشدني لنفسه: [من الطويل] وظبي غرير غرَّني لين لفظه ... وإجماله المشفوع لي بجماله فهمت به مستعذباً مبدأ الهوى ... وأنساك الشَّيطان ذكرً ماله وما خلت أنَّ الحين في سيف لحظه ... وخطِّ عذاريه ونقطة خاله فلمَّا رآني واثقاً بحيائه ... وأنَّ فؤادي موثقٌ بحباله تجاهل عنِّي معرضاً فكأنَّني ... من الدَّهر يوماً ما خطرت بباله وخلفني لا آبساً من جفائه ... ولا طامعاً في زور زور خياله

/39 ب/ أروح بقلبٍ خافق من صدوده ... واغدو بظنٍّ مخفقٍ من وصاله فيا حالياً بالحسن رفقاً بعاطلٍ ... من الصَّبر عان في يد الشَّوق واله ويا غصناً هاجت عليه بلابلي ... وجار على ضعفي بحسن اعتداله تعطَّف على قلبٍ يقلِّبه الأسى ... وصل دنفاً أنت العليم بحاله وأنشدني أيضاً من قيله: [من الطويل] أأحبابنا إنِّي على ما عهدتم ... وإن لم تزالوا هاجرين مقيم وعندي فنونٌ من أسى وصبابة ... وبي من هواكم مقعدٌ ومقيم وقلبي الَّذي حدِّثتم عنه إنَّه ... سليمٌ من الوجد القديم سليم ودادي وجسمي من وفائي وغدركم ... بعهدي صحيحٌ في الهوى وسقيم أحنُّ إليكم كلَّما ذرَّ شارقٌ ... وأصبو إذا هبَّت صباً ونسيم وأحيا بذكراكم إذا ما ذكرتكم ... ولو أنَّ عظمي في التُّراب رميم فلا غرو وإن انكرت ما بي أو صبا ... فؤادي وأضحى بالهموم يهيم فقد يجهل الإنسان من ألم الهوى ... ويصبو إلى الأحباب وهو حليم وأنشدني لنفسه يهجو: [من السريع] لا تعجبوا من جاهلٍ أحمقٍ ... بدِّل دائماً عزُّه /40 أ/ إن كان قد صدَّره عجزه ... دهراً فقد أخره عجزه وأنشدني لنفسه يهجو: [من المتقارب] وبلدة سوءٍ لها حاكمٌ ... طويل العناء لتقصيره إذا أخطأ الشَّرع في حكمه ... تداركه بمعاذيره يزيد ثراءً على نقصه ... كما زاد الاسم بتصغيره وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] قد دفعنا إلى زمان لئيمٌ ... لم ننل منه غير غلِّ الصُّدور ومنينا من الورى بأناسٍ ... جعلتهم أعجازهم في الصُّدور

وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض أصدقائه، يلتمس منه كتاب البديع، وهو الذي صنّفه أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم الجزري: [من السريع] مولاي عزَّ الدِّين يا من له ... مالٌ مذال وجنابٌ منيع ومن أياديه وأخلاقه ... يخجل منها جعفرٌ والرَّبيع قاسم ما تملكه كفُّه ... وللندى بين البرايا مشيع عبدك مولاي به حاجةٌ ... دعت إلى نسخ كتاب البديع /40/ فجد به عاريةً واغتنم ... ثناء عبد شاكر للصنيع واسلم ولازلت مدى الدَّهر في ... ظلٍّ ظليَّل ومحلٍّ رفيع وقال أيضاً: [من الكامل] لو أن طيفهم يزور لماماً ... لشفى أخا لممٍ وبلَّ أواما ولو أنَّهم رقُّوا لرقِّ سليمهم ... بعثوا إليه مع النَّسيم سلاما قومٌ لجارهم الأمان من الرَّدى ... إلاَّ إذا كان الغريم غراما من كلِّ قدٍّ أهيف وكحيلة ... هزُّوا وسلُّوا ذابلاً وحسما ساروا بدوراً في بروج هوادج ... وكسى وجوههم الكسوف تماما شاموا البروق من الحجاز لوامعاً ... فغدوا لذلك هاجرين الشَّاما بلغوا من الحرم المعظَّم منزلاً ... ومن المقام مخيَّماً ومقاما لا كان قلبي إن عصى في حبِّهم ... أمر الصَّبابة أو أطاع ملاما وقال أيضاً: [من الطويل] ترى من لصبٍّ بان عنه سكونه ... هواك وإن لم يحظ بالقرب دينه مسهَّد جفن نام عنه سميره ... ونمَّت عليه بالشؤون شؤونه له جسد هو ميت خافٍ ... على نظر العوَّاد لولا أنينه /41 أ/ وداء الهوى باديه أيسره الضَّنى ... واقتله للمستهام دفينه غدا عنده عذباً أليم عذابه ... وعزاً له إذ كان يرضيك هونه وألفاك مطلوبًا لك القتل فاستوى ... لديه مناه في الهوى ومنونه وبي منك طرفٌ بابليٌّ فتوره ... يزيد فؤادي صبوةً وفتونه

محاسن هذا الكون أنت مغيضها ... ومورد بحر الحبِّ قلبي معينه فشمس الضُّحى من نور وجهك نورها ... وبان اللِّوى من لين عطفك لينه فما شاهدٌ إلاَّ بحسنك شاهدٌ ... ولا غائبٌ إلاَّ إليك حنينه وقال أيضاً: [من الخفيف] هل إلى ثغرك المنيع طريق ... أم لطيف الخيال منك طروق يا ابنة العامريِّ عهدي على النا ... ي جديدٌ وعقد ودِّي وثيق وفؤادي فداك عان أسيرٌ ... مستهامٌ ومع عيني طليق لك حسنٌ بالحبِّ يغري ولي و ... دٌّ عن الصَّبر والسُّلو يعوق هل ترى وقفةً بنهر المعلَّى ... يلتقي شائقٌ بها ومشوق فأبثَّ الوجد الَّذي هو للُّـ ... ـــــبِّ رحيقٌ وفي الضُّلوع حريق وأرى شاهداً بعين عياني ... من ثناياك ما حكته البروق /41 ب/ وبي الأهيف الَّذي لحظه والـ ... ــــقدُّ ذا راشقٌ وهذا رشيق راح في حسنه غريباً وإن كا ... ن شقيقاً لوجنتيه الشقيق ثغره لؤلؤٌ وسافح دمعي ... في ثرى السَّفح لؤلؤٌ وعقيق كلُّ معنى من الجمال بديعٌ ... من معاني جماله مسروق فيه يهفو لبُّ الحكيم ويجفو ... في هوى مثله الصَّديق الصَّدوق وقال أيضاً: [من الطويل] أرقت لبرق من دياركم عنَّا ... ألمَّ فكم أضنى فؤاداً وكم عنَّى بدا حاكياً تلك الثُّغور ابتسامه ... وعاد نحيلاً حاكياً جسمي المضنى وسلَّ كسيف الهند من غمد أفقه ... اختلاساً لقتل الغمض في مقتلي وهنا فلو لم يحل من دونه دم عبرتي ... جعلت له جفني غراماً به جفنا أأحبابنا قضَّيت فيكم شبيبتي ... ولم تشفعوا يوماً بحسنكم حسنا وما نلت من مأمول وصلكم منى ... ولا ذقت من روعات هجركم أمنا أسرتم وقيدتم فؤادي بحبِّكم ... فها هو لا يرجو فداءً ولا منَّا

سلو داركم بالحزن كم من مدامعٍ ... ومن مهج سالت لبينكم حزنا وهل أبرق الحنَّان صوَّح نبته ... بلوعة قلبٍ غير قلبي إذ حنَّا /42 أ/ وقال أيضاً: [من الطويل] عني فيكم المشتاق فرط عنائه ... فرقُّوا لما يلقاه من برحائه ومنُّوا بإهداء النَّسيم من الحمى ... وإن كان يذكي الوجد برد هوائه عريب الحمى إنَّ الأسود بربعكم ... لقتلي ظبا ألحاظ عين ظبائه أيطلق من أسر الصَّبابة مغرم ٌ ... بعادكم والشَّوق من غرمائه سقيكم ما احمرَّ إلاَّ بما سقى ... به جفنه ترب الحمى من دمائه لئن صوَّحت روضاته من زفيره ... لقد روَّضت ساحاته من بكائه أأحبابنا ما حال عهد مشوقكم ... ولا حلَّ كفُّ الغدر عقد وفائه وعبد هواكم من نواكم على شفا ... بلى فتلاوا عبدكم لشفائه وقال أيضاً: [من مجزوء الرجز] هم المنى والغرض ... إن أقبلوا وأعرضوا وهم حلولٌ في الحشا ... إن خيموا أو قوَّضوا نهوا عن الحبِّ ولـ .... ـــكن نهيهم يحرِّض ليس لقلبي عنهم ... وإن أساؤوا عوض إن أعرضوا فللبلى ... بمهجتي تعرُّض /42 ب/ يسودُّ من سخطهم ... وجه النَّهار الأبيض وينجلي جنح الدُّجى ... إن واصلوني ورضوا صحَّة وجدي بهم ... في القلب منهم مرض أصار قتلي سنَّةً ... هواهم المفترض وقال أيضاً: [من الكامل] أبدت لك الأيَّام أحسن منظرٍ ... في ثوب روضٍ بالنَّبات مشهَّر

فالق الرَّبيع بطلق وجهك باسماً ... واسحب إلى اللَّذات ذيل مشتمِّر واستجل من جلب الكروم كريمةً ... فيها تليق خلاعة المتوقِّر في ليل صحو بالمدامة مشمشٍ ... ونهار غيمٍ بالأزاهر مقمر فالرَّوض بين مدَّبجٍ ومضرَّجٍ ... والزَّهر بين مدرهمٍ ومدنَّر والماء بين مصفَّق ومسدَّل ... والتُّراب بين ممسك ومعنبر وكأنَّ قدَّ السَّر وقدُّ مهفهف ... نشوان من راح الصِّبا يتبختر وكأنَّما النَّار نج في أوراقه ... جمرات نار في رداء أخضر وترى الحمامة فوق مزهر غصنها ... تشدو مطرِّبةً كقينةً مزهر والعندليب على الغصون مردِّد الـ ... ـــنَّغمات يخطب فوق أشرف منبر /43 أ/ يا أيُّها الملك الَّذي أيَّامه ... صفو الزَّمان وغرَّةٌ في الأعصر . من كفَّيك إذا مطرتها ... سحب النَّدى والجود عدة أنهر ملئِّت قصر النَّيرب الموفي بإتـ ... ـــقان البناء على البناء الجعفري لو كان في أيَّام كسرى قصَّرت ... عنه أمانيه وهمَّة قيصر هو جنَّة الدُّنيا .... كوثر ... وتراه كالمسك السَّحيق الأذفر فرياضه من سندسٍ وحياضه ... من قرقفٍ ونسيمه من عنبر وبه من الولدان حولك كلُّ فتَّـ .... ــــــان اللَّواحظ كالغزال الأحور من آل يافث ربِّ خصر ناحلٍ ... ومؤزَّرٍ فعمٍ وطرفٍ أخزر يسطو على ليث العرين بأبيضٍ ... من جفنه ومن القوام بأسمر لازلت يا ملك الورى في نعمةٍ ... تبقى بشاشتها بغير تغير وقال أيضاً: [من الكامل] يا ظبي كم تردى الأسود وأنت في ... حرم الملاحة مستقرٌ آمن لولا سهامفتور طرفك لم أخل ... أنَّ الجفون الفاترات كنائن هب أنَّ طرفي بان عنه رقاده ... يا نوره إذا أنت عنه بائن فعلام لا ينفكُّ قلبي خافقاً ... شوقاً إليك وأنت فيه ساكن؟

/43 ب/ وقال أيضاً: [من الرجز] كم بين سهل المنحنى وحزنه ... من مطلق الدَّمع أسير حزنه يصوِّح النَّبت بنار وجده ... وتعشب الأرض بماء جفنه ومن فؤاد خافقٍ مروَّع ... بساكن الوجد ومطمئنِّه وبي غريرٌ نهب ألباب الورى ... غير بعيد من بديع حسنه يغني فتور طرفه واللِّين من ... قوامه عن ضربه وطعنه فلحظه إذا رنا كعضبه ... وقدُّه إذا انثنى كلدنه يا باخلاً بوصله إن لم تجد ... على المشوق بالمنى فمنِّه يحسن سوء الظنِّ منك عنده ... حبًا وإن خيَّبت حسن ظنِّه لي دم دمعٍ ناب في سقيا الحمى ... وأهله عن هاطلات مزنه وقال أيضاً: [من الكامل] غشُّ المفنِّد كامنٌ في نصحه ... فأطل وقوفك بالغوير وسفحه واخلع عذارك في محلٍّ ريُّه ... بزذاذ دمع العاشقين وسحِّه وإذا سرى سحراً طيلح نسيمه ... مالت به سكراً ذوائب طلحه /44 أ/ ما صادقٌ في الحبِّ من هو عالمٌ ... فيه بحسن صنيعه أو قبحه جهل الهوى قومٌ فراموا وصفه ... خلِّ الهوى وجنابه عن شرحه وبي الَّذي يغنيه فاتر طرفه ... عن سيفه وقوامه عن رمحه ظبيٌّ يؤنِّس بالغرام نفاره ... ويجدُّ في نهب القلوب بمزحه استعذب التَّعذيب في كلفي به ... والحبُّ لذَّة طعمه في برحه يا شاهراً من جفنه عضباً غدا ... ماء المنيِّة بادياً في صفحه ومعربداً في صحوه ومباعداً ... في قربه ومحارباً في صلحه نم لا جناح عليك في سهري وما ... ألقاه في اللَّيل الطَّويل وجنحه وسعى إليك بي العذول وإنني ... لأخيب إن ظفر العذول بنجحه

طرفي وقلبي ذا يسيل دماً وذا ... دون الورى أنت العليم بقرحه وهما بحبَّك شاهدان وإنَّما ... تعديل كلِّ منهما في جرحه والقلب منزلك القديم فإن تجد ... فيه سواك من الأنام فنحِّه [752] محمَّد بن محمَّد بن الحسن بن الفضل بن المطلب، أبو القاسم البغداديُّ هكذا أملى /44 ب/ عليَّ نسبه لمّا سألته عنه، ويعرف بالنقّاش. ورد هذا الشاعر الموصل من أرض الشام، سنة ثلاثين وستمائة، وسكنها ولقيته بها في التاريخ المذكور. وهل رجل طويل أشعر. وأنشدني شعراً كبيرً في مدائح بني أيوب ملوك الشام، وادّعى أنه من إنشائه وعمله. ولم يزل يتوصل إلى الأمراء والرؤساء، ويتقرب إليهم ويمدحهم بالشعر، لينفق سوق شعره حتى أوصلوه إلى حضرة المولى المالك، الملك الرحيم، بدر الدين- خلد الله ملكه- وزع أنَّه قد نظم في معاليه عدّة قصائد، أفردها في مجلدة، فلما سمع بها المولى المالك الملك الرحيم، خلع عليه خلعة سنية، وأثابه على مدحه له ستين ديناراً. ثم رحل إلى مدينة السلام قاصداً مولانا وسيدنا الإمام أمير المؤمنين المستنصر بالله –أدام الله أيامه-. ثم إنَّني خبرت بعد رحيله إلى بغداد، أنَّه كان من أهل واسط، وأنَّ أباه كان جمالاً يكري الجمال، وأنَّه ظفر بأشعار نجم الدين يعقوب بن صابر المنجنيقي فأغار عليها، وانتحلها لنفسه، يقصد بها الناس ممتدحاً، فقيل له: إنَّك تسرق أشعار الناس /45 أ/ وتدّعيها. ثم امتحن في عمل قصيدة ومعنى، فبقي أياماً لم يجبه خاطره إلى المقترح عليه. وكان يقول شعراً بارداً، ومما أشدني لنفسه، وزعم أنَّه له، هذه القصيدة التي أنا ذاكرها، يمدح بها الملك المعظم أبا الحسن عليّ بن الإمام الناصر لدين الله- رضي الله عنهما-: [من الوافر]

غوادي المزن بالرَّاح امطرينا ... وبالصِّرف الحميَّا باكرينا وروِّينا من الصَّهباء إنَّا ... إلى شرب المدامة قد ظمينا وقد أخذت ليالي الصَّوم منَّا ... مآخذها فرحنا مجد بينا وكاد يميتنا بعذاب قرًّ ... تطيب به لظّى للمصطلينا فبتنا نستلذُّ النَّار فيه ... على جمر المجامر راقدينا يكاد القرُّ يعقرنا ظهوراً ... ولذع الجمر يعقرنا بطونا ولولا أنَّ خالقنا رحيمٌ ... لكان البرد مثوى المجرمينا فحيِّي الشَّاربين بكأس راحٍ ... تطيب به نفوس الشَّماربينا فقد طابت لشاربها الحميَّا ... وهلَّ هلال عيد الصَّائمينا وآذنت اللَّيالي من شباطٍ ... بتقويضٍ وراء الظَّاعنينا وبان الصِّنُّ والصِّنبر منه ... بسبعٍ يقتفين الأربعينا /45 ب/ وألبست الجمار الأرض وشياً ... من المنثور منثوراً فتونا وقد حميت محدَّبةً صعيداً ... وقد بردت مقعَّرةً معينا وجادتها السَّواري والغوادي ... فطبَّقت الأباطح والحزونا فقهقه راعدٌ وبكى غمامٌ ... فخلنا الجوَّ مسروراً حزينا وغنَّى بلبلٌ وشدا هزازٌ ... فماس الدُّوح من طرب غصونا وخلنا الأرض في الدِّيباج تجلى ... عروساً من بنات المترفينا مدعدعةً مرابيها سيولاً ... مفجَّرة رواسيها عيونا يعاف صعيدها إلاَّ اخضراراً ... ويأبى الغصن إلاَّ أن يلينا شاى منثورها الأزهار سبقاً ... فحاز هناك سبق السَّابقينا يقول تأهَّبوا للورد بعدي ... فقد وافاكم والياسمينا وثغر الزَّهر يبسم عن أقاحٍ ... يهيج به غليل العاشقينا ووجه الأرض وضَّاحٌ طليقٌ ... لوجه فتى أمير المؤمنينا فللملك المعظَّم نور وجهٍ ... تقرُّ به عيون النَّاظرينا

إذا ما لاح عن قربٍ وبعدٍ ... تخرُّ له الملائك ساجدينا تُعفِّر دونه خدًّا وتدمى ... على ترب المباسم لا ثمينا /46 أ/ وأحرى أن تحفَّ به ركاباً ... وأن تغدو عليه عاكفينا وأن تدعو لدولته وتعنو ... كما ندعو ونعنو مخلصينا له المعروف معروفٌ لديهم ... وهم فيه الكرام الكاتبونا ولولا الله مجزيهم حساباً ... تعالى الله خير الحاسبينا يريك سماح راحته وجدوى ... يديه كلَّ ذي كرمٍ ضنينا تخال الغيث منهمراً شمالاً ... له والبحر منسكباً يمينا قتولاً عند سطوته سفوكاً ... حليماً عند قدرته رصينا رؤوفاً بالعباد لهم رحيماً ... حفيظاً في رعايتهم أمينا سميعاً حين ندعوه مجيباً .. مثيباً حين نسأله معينا يرى ظلم اللُّهى بالجود عدلاً ... وقتل الفقر بالنَّعماء دينا يجود على العفاة بلا سؤالٍ ... صيانة أوجهٍ للسائلينا ويعصم من خطوب الدَّهر جاراً ... ويرغم فيه أنف الحاسدينا يطير إلى المريخ بغير درع ... وأسد الغاب تدَّرع العرينا ونطرد باسمه الشَّيطان عنَّا ... غداة به نروح مسبِّحينا وأقسم لو درى إبليس من في ... تراب آدمٍ منه دفينا /46 ب/ أطاع الله فيه وكان يوماً ... إمام السَّاجدين الرَّاكعينا ولم يقل اللَّعين خلقت ناراً ... لآدم عزَّةً وخلقت طينا به فخر الأئمَّة من قريشٍ ... إذا افتخرت رجال بالبنينا أليس سليل من ملك البرايا ... وسادهم وأم المسلمينا أبو العبَّاس مولى النَّاس طراً ... له رقُّ الخلائق أجمعينا أتمَّ الله نعمته عليه ... وعاش معمراً في الخالدينا

[753] محمَّد بن عثمان بن محمَّدٍ، أبو عبد الله النقجوانيُّ الملحن نزيل الموصل. حاذق في صنعة الغناء والألحان. كان متصلاً بخدمة بني أتابك أمراء الموصل منهم: عز الدين مسعود، ثم ولده نور الدين أرسلان شاه، ثم ولد الملك الظاهر عز الدين مسعود، ثم انقطع إلى حضرة المولى المالك الملك الرحيم بدر الدين أبي الفضائل – أعزّ الله أنصاره- وتقدّم لديه وقرّبه، وأنعم عليه إنعاماً وافراً، يعلِّم جواريه المجتمعة بمجلسه. سألت أبا عبد الله عن ولادته، فقال: ولدت /47 أ/ خامس عشري المحرم سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وله نظم غثّ، مضطرب الوزن. أنشدني لنفسه، يمدح أتابك نور الدين أرسلاه شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي –رضي الله عنه-: [من الرمل] يا مليكاً قد علا سلطانه ... شاع في كلِّ الورى إحسانه مالك الشَّرق وسلطان الورى ... قد تعالى كلَّ يومٍ شانه نور دين الله شمساً للعلا ... ما ونى في خلقه ديَّانه محكمٌ في رأيه ذو حجَّةٍ ... متقنٌ قد زاده إتقانه قد دعا الخلق إلى دين الهدى ... دعوةً طرَّزها إيمانه نور دعواه بيانٌ واضحٌ ... مستنيرٌ ظاهرٌ برهانه وهو في إيمانه مستيقنٌ ... زاد في إيمانه إيقانه أصبح الإيمان عرياناً فمذ ... إتَّقى الله اكتسى عريانه نيله في الدَّهر رايات العلا ... ممكنٌ وافقه إمكانه فهو طودٌ شامخٌ في ملكه ... وهو دوحٌ قد علت أغصانه مذ تولَّى الملك في إقليمه ... لم تزل معمورةً بلدانه

[754] محمَّد بن جعفر بن محمَّد بن محمود /47 ب/ بن هبه الله أبو عبد الله بن القاضي أبي محمَّدٍ الكفر عزي الإربليّ وقد تقدم شعر والده في مكانه. أخبرني أنه ولد بإربل في شوال سنة أربع وثمانين وخمسمائة. تولّى كتابة الإنشاء في دولة الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين –رضي الله عنه- في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وستمائة. أنشدني لنفسه: [من البسيط] يا من إذا جاد أغنى الخلق قاطبةً ... ومن إذا رام حفظ المال لم يطق أمطر عليَّ سحاباً من نداك وجد ... إنَّني أخشى من الغرق وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الطويل] فهل أحدٌ في الخلق غيرك يرتجى ... وهل أحدٌ إلاَّك في النَّاس يقصد فإن كان فارشدنا إليه فلم نجد ... سواك أمراً يثنى عليه ويحمد وأنشدني قوله: [من الوافر] له رأيٌ يفلُّ شبا الأعادي ... وعزمٌ مثل ما انتضى الحسام له قلمٌ بأرزاق البرايا ... كفيلٌ واثقون به الأنام وأنشدني أيضاً في الملك العزيز: يعقوب بن الملك العادل، /48 أ/ وكان مختصاً بخدمته، وقد آب من سفر: [من الطويل] أضاءت بك الأيَّام بعد ظليلها ... وعاد سرور الخلق بعد ذهابه فأنت هلال الأرض يا خير مالكٍ ... وبحر ندى طامٍ بفيض عبابه أجرني مجير الدِّين من حبِّ شادنٍ ... رماني بهجران وعظم مصابه وكم لوعةٍ جرِّعتها بصدوده ... وجرَّعني مرَّ الجفاء وصابه أيا عاذلي لا تعذل الصَّبَّ في الهوى ... كفاه مصاباً في الهوى بعض ما به

فلا دافعٌ عنِّي جفاه وجوره ... سوى ملك مردي العدا باعتصابه مليكٍ إذا رام الملوك تعزُّزاً ... تقبَّل ذلاً نعله بثوابه ومازلت أرخي ناقتي وأحثُّها ... وأجهدها حتَّى وقفت ببابه فبلَّغني كلَّ الأماني وزادني ... اقتراباً وإنِّي راغبٌ في اقترابه فقد قال في شعرٍ أبو الطَّيِّب الَّذي ... يفوق بنظمٍ في الورى وانتسابه يسير إلى إقطاعه بحسامه ... على طرفه من داره في ثيابه فلازال في عزٍّ ونصرٍ ورفعةٍ ... وجدٍّ وتأييد ومجدٍ سما به وأيَّده للنطق في كلِّ حالةٍ ... وبلَّغه ما يرتجي في شهابه وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى الملك الأشرف: [من الطويل] /48 ب/ أيا عاذلي إنَّ الملامة تعرف ... وإنَّ استماع العذل في الحبِّ متلف ويا سائراً إن كنت طالب حاجةٍ ... أنخها إلى كم ذا تسير وتعزف؟ فقال: إلى ملك الأنام وموئل ... العفاة هداك الله إن كنت تعرف ألا فاستمع يا أيُّها الملك قصَّتي ... ففي شرحها السَّمع الشَّريف يشنَّف فقال: إلى الضِّرغام في حومة الوغي ... أبو الفتح موسى مالك الخلق الأشرف وبي من هوى ظبي لواعج لوعةٍ ... به الجسم يبلى والمدامع تذرف فوالله ما أدري أأكشفه له ... فيسخط أم أخفيه عنه فأتلف ولكنني أخفيه عنه فإننَّي ... وإن تلفت روحي من السُّخط أخوف بخصر حكى جسمي نحولاً ودقَّةً ... وقدَّ كغصن البان بل هو أهيف ومن وجهه شمس النَّهار مضيئةٌ ... ومن ريقه المعسول صهباء قرقف فواحزني لو جاد يوماً بقبلةٍ ... ووأسفي لو كان يغني التأسُّف فقلبي لذكر البين يخفق دائماً ... وقد طالما يدنو الوصال فيرجف أقضِّي نهاري مع لياليَّ بالمنى ... لعلِّي يرى ذلِّي يجود ويسعف وكم يعتدي ظلماً بقتلي تعمداً ... ومالي من يرثي لحالي وينصف سوى ملك من آل أيوب صيغمٍ ... يجود ويحنو ثمَّ يسطو ويعطف [إليك مليك الخلق أجهدت ناقتي ... ....... الموالي والنَّدى والتلطُّف وجئتك أشكو جور دهري الَّذي اعتدى ... عليَّ وأنَّ الدَّهر بالحرِّ يجحف

فإنَّك أوفى الخلق خلقاً وخلقةً ... وأنت أنوشروان بالعدل تخلف وفي الحرب ضرغامٌ وفي الجود حاتمٌ ... وفي الفضل سحبانٌ وفي الحلم أحنف وفي الملك سلمانٌ وفي العلم مالكٌ ... وفي الرَّأي هارونٌ وفي الحسن يوسف] /49 أ/ وأنشدني أيضاً لنفسه بحلب، يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من جمادى الأولى، سنة خمس وثلاثين وستمائة، يهنئ بخلعة: [من الخفيف] هذه خلعة الرِّضا والقبول ... وهي عنوان قصدنا المأمول منذ جاءتك دل حظُّك بالإقـ ... ـــبال يا غاية المنى والسُّول فتمتَّع بها هنيًا مليًّا ... ما تعاطى النُّدمان شرب الشَّمول وأنشدني لنفسه في المعنى: [من مجزوء الكامل] يا خلعةً إذ أرسلت ... شرفت على إرسالها مذ أقبلت ولبستها ... دلَّت على إقبالها وأنشدني لنفسه في صاحب له قد مرض، ثم أبّل من مرضه، وضمنها أبيات المتنبي: [من البسيط] الجود عوفي لمَّا أن شفيت من الآ ... لام والمجد والعلياء والكرم وعمَّ منك جميع الأولياء فدى ... والفضل والحلم والإحسان والنِّعم فلا مرضت ولا زارتك حادثةٌ ... (وزال عنك إلى أعدائك الألم) /49 ب/ ما دمت في صحَّةٍ فالخلق في دعةٍ ... إذا سلمت فكلَّ النَّاس قد سلموا وأنشدني لنفسه في صاحب له، وقد تأملت رجله: [من المنسرح] قالوا اشتكت رجله فقلت لهم ... حاشاه أن تشتكي له رجل لأنَّها لم تزل لمكرمةٍ ... تسعى رهام العلا لها نعل

[755] محمَّد بن أحمد بن سعيد بن المبارك بن ثابت بن عليٍّ الأزريُّ، أبو عبد الله بن أبي العباس. تقدم شعر والده المعروف بابن الدنيّة. وهو من قرية تدعى أزر من قرى قوسان الأعلى من الأعمال العراقية، ويعرف بالموصلي بالباعشيقي؛ لأنه أقام بقرية من قرايا الموصل تسمى باعشيقا، برهة من الزمان فنسب إليها. وهو شيخ مربوع مائل إلى السمرة، قدم الموصل، ولازم الإمام النقيب كمال الدين أبا الفتوح حيدر بن محمد بن زيد بن عبد الله الحسيني الموصلي –رحمه الله- وصار من أخصّ تلاميذه عنده ونفاه الملك الرحيم بدر الدين –صاحب الموصل- حين بلغه أنه يعمل الكيمياء، /50 أ/ فخرج إلى إربل، ونزل بدار حديثها، وتردد إلى جماعة من أكابرها العراقيين، فنفقت سوقه. وهو شاعر عارف متشيّع حافظ للقرآن العزيز، وقد طالع أخبار الناس وأيامهم، ومن أهل المعرفة والأدب. أنشدني لنفسه، في شهر جمادى الأولى، بمدينة إربل سنة ثماني وعشرين وستمائة، يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المبارك بن أحمد المستوفي –رحمه الله-: [من المنسرح] أما الأسى اليوم فهو لي داب ... إستحسن العاذلون أم عابوا فلا تقولوا سلا فمثلي لا ... يسلو ولافي هواه يرتاب ولا تظنُّوا فارقتكم مللاً ... كلُّ ملولٍ في الحبِّ كذّاب تشهد لي عندكم ضمائركم ... بأنكم للفؤاد أحباب وأنَّنا حضر الجواهر والأعـ .... ـــــراض منَّا لا شكَّ غيَّاب يا جيرتي حيث لا جوار وأصـ .... ـــــحابي وأنَّا للصبِّ أصحاب رحلت عن ربعكم وللدمع في الـ .... خدِّ نزولٌ بادٍ وتسكاب

حتَّى لقد خلت أنَّ آذار أعداني وإن كان في .... آب وذاك من بعد ما فرت ..... ... أظافرٌ عندكم وأنياب /50 ب/ وكنت أرجو إصلاح حالي إلى ... أن حال بالبعد ما بيننا الزَّاب فرائق الماء في فمي كدرٌ ... مرٌّ وحلو عيشتي صاب لو لم ينهنه عنِّي الأسى شرف الـ ... دِّين لكانت أحشاي تنجاب هو الخصمُّ الَّذي عجائبه ... لكلِّ عجب منهنَّ إعجاب تنوَّعت للورى مكارمه ... تنوُّعاً لا يناله عاب لقاصديه منه سدىً وندىً ... جمٌ وجاهٌ ضافٍ وآداب ما أسبلت دونهم له حجبٌ ... ولا ازدراهم لديه حجَّاب كلُّ ثناءٍ على سواه يرى ... نفياً ولكن عليه إيجاب تأتيه من كلِّ وجهه مدحٌ ... كأنَّه للمدح محراب مباركٌ كاسمه مباركةٌ ... أفعاله والأفعال أنساب تزداد منه ألقابه شرفاً ... إن شرَّف العالمين ألقاب له يراعٌ يروع شانئه ... مظفَّرٌ للعداة غلاب إذا جرى فالأرزاق جاريةٌ ... تستنُّ من خلفه وتنساب وإن احسَّت وقوفه وقفت ... كأنَّما في الطَّريق اعتاب من معشرٍ إن دجا الزَّمن أضاء ... ت منهم أوجهٌ واحساب /51 أ/ علقت منهم بذيل ذي كرمٍ ... له المعالي والمجد أتراب يستصغر النَّائل الجزيل لمن ... يغشاه فالذَّود عنده ناب قد فرَّقت ماله مواهبه ... إنَّ ابن موهوبنا لوهَّاب مولاي عطفاً بالجاه منك على ... من ماله غير بابكم باب قد كان ألغى نظم القريض لأسـ .... ــباب أتت بعدهن أسباب فإن وجدتم لحناً لديه ففي ... سماعكم للملحون إعراب والعجز بالاختصار ألزمه ... لديكم والتطويل إسهاب

وأنشدني أيضاً لنفسه في إنسان، اسمه يوسف يُعرّض له بطلب ثوب: [من الطويل] يقول لي الحسَّاد من حسد بهم ... وأكبادهم غيظاً عليَّ تفور وصلت إلى المولى الأمير بمدحةٍ ... من الشِّعر حقًا أم كلامك زور فأين أمارات الوصول وجوده ... على كلِّ عافٍ في البلاد غزير فقلت لهم: تالله ما أنا آسياً ... وإنِّي على ما تلفظون صبور عسى يوسفٌ يلقى إليَّ قميصه ... فيرتدَّ أعمى الحظِّ وهو حسير وأنشدني لنفسه في صديق، /51 ب/ وقد بلغه أنَّه مريض: [من البسيط] قالوا: تمرَّض من تهوى فقلت لهم: ... أنا المريض وأمَّا ذاك حاشاه! لو أمكنتني الليالي من عيادته ... وكيف أطمع فيما الدَّهر يأباه خلعت منِّي على عطفيه عافيتي ... حباً وألبست جسمي ثوب شكواه وأنشدني لنفسه، يرثي الشيخ الإمام أبا حفص عمر بن أحمد النحوي –رضي الله عنه-: [من الطويل] ألا ما لنادي الفضل أصبح باكياً ... وروض النُّهى في أرضه آض ذاويا وعهدي به من قبل يبسم نيِّراً ... فأوشك ما أمسى يعبِّس داجيا وما ذاك إلاَّ أنَّ بدر سمائه ... عراه خسوفٌ لن يرى بعد باديا أمن بعد مجد الدِّين تحمد لامرئٍ ... مساعٍ وإن أضحى إلى المجد ساعيا مبيِّن أعلام العلومٍ ومظهرٍ ... دقائق سبلٍ كنَّ قبل خوافيا ألا قاتل الله الخطوب بفعلها ... لقد هذبت طوداً من المجد عالياً وبحر علومٍ غيضته وطالما ... رأينا به ذكر البلاغة طافيا حسبنا الرَّدى لم يق كأس مصابه ... سوانا وما ذقنا أذاق المعاليا /52 أ/ عقرنا عليه كلَّ لبٍّ وخاطرٍ ... إذا نحن لم نعقر عليه النَّواجيا وأبنا بحزِّ الشَّعر لا الشِّعر والحجى ... عليه وحذَّقنا الذكا لا المذاكيا وقائلةٍ ما بال دمعك جامداً ... وكان لك الخلَّ الصَّدوق المصافيا فقلت لها نار التَّلهُّف نشَّفت ... بإيقادها منِّي الدُّموع الجواريا

كذلك شمس الإفك عند غروبها ... يرى كلُّ نجمٍ في السَّماوات هاويا أرى معشراً من بعد موتك جادلوا ... ليرقوا من العلياء ما كنت راقيا لعلمهم أن قد نأيت مفارقاً ... ولو كنت فيهم ما رأيت مباريا لئن نال أهل النَّقص منصبك الَّذي ... غدا اليوم قفراً من جمالك خاليا فغير عجيبٍ للثعالب وطؤها ... حمى أسد حاميه أصبح نائيا وأن تسكن البوم القصور مشيدةً ... إذا لم تجد في ذروة الفخر بازيا [756] محمَّد بن حيدر بن مسعود بن دلف بن عليِّ بن أبي الحسن بن أبي البقاء بن الدُّنبدار، أبو عبد الله الواسطيُّ. أخبرني أنه ولد سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة، بالمضمار، وهي محلة بواسط. وقل ما تخلو له قصيدة /52 ب/ من ذكرها، ويصغرها للتحبيب. وزعم أنَّ له نسباً متصلاً إلى ميثم التمار، غلام علي بن أبي طالب –صلوات الله عليه وسلامه-. شاب أسمر، خفيف العارضين، قضيف البدن. وهو شاعر مكثر مجيد مقتدر، متفنن في أقواله، لم أر أحداً من الذين ينتمون إلى هذه الصناعة، ويعزون إلى هذا الشأن؛ أقدر منه على إنشاء القوافي، وارتجال الأشعار. وآخر عهدي به، بمحروسة إربل في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. وأفاها مادحاً أميرها، والمستولي عليها يومئذ أبا الفضائل باتكين المستنصري، فألزم نفسه، في كل يوم إنشاء قصيدة على نظام حروف الهجاء، ما بين الخمسين والثلاثين، يمدح المستنصر بالله أبا جعفر –خلد الله دولته- إلاَّ أن شعره؛ ظاهر الكثافة، عارٍ من السهولة واللطافة، ذو قدرة على نحت القريض وارتجاله، مع معرفته بضروب آلاته، بالغ في

ذلك أقصى غاياته، طوّف قطعة من بلاد العجم، وحظي بقوله من ملوكها بأوفر القسم. ثم هاجر إلى البلاد الشامية، ومنها إلى الديار المصرية، مستمطراً سحاب جود ملوكها وأمرائها، ومنتجعاً /53 أ/ بقوله ندى صدورها. لقيته في شوال سنة خمس وعشرين وستمائة، بمحروسة إربل. وافاها صحبة فلك الدين بن المسيري، وهو متوجه معه نحو مدينة السلام، ثم لقيته مرة أخرى بإربل سنة ثلاث وثلاثين؛ فأنشدني لنفسه يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي –رحمه الله-: [من الكامل] لا ترجني للَّهو واللَّذَّات ... واستبقني وقفاً على الحسرات الحبُّ أحكم في قلوب بني الهوى ... بتقلُّب الحركات والسَّكنات حكم التَّفرُّق أن أبيت مسهَّدًا ... قرح الجفون مرقرق العبرات يا شيم برق الشَّرق هجت لمهجتي ... أسفاً ورعت جموعنا بشتات أحدثت لي ظمأ الفؤاد وريًّه ... من ماء دجلة أو من الدَّرجات زدني بومضك جنَّةً أدنى بها ... أمد الدُّمى وزيارة الدَّمنات فلكم لنا في واسطٍ من مألفٍ ... أمست معارف آيه نكرات يا مجمع اللَّذَّات هل لزماننا ... من رجعة يا مجمع اللَّذَّات أيَّام يدعوني الهوى فيقودني ... طوعاً إليه تعرُّض الظَّبيات من كلِّ من لعب الصِّبا بقوامها ... لعب الصَّبا بمهفهف البانات /53 ب/ لولا مواثقها الَّتي أوثقتني ... لم اغترب متقسِّم العزمات ولما رأيت الفوز قطع مفاوزٍ ... وارتحت بالرَّوحات والغداوات إنَّ الَّتي نظرت إليك أظنُّها ... رمت الفؤاد بأسهم النظرات كحلت جفونك بالسُّهاد مراض أجـ ... ـــفان لها بالسِّحر مكتحلات ريميَّة اللَّفتات في تركيَّة اللَّـ ... ـــــحظات من عربيَّة النُّطقات حجبت حواجبها كراك فنقَّطت ... عيناك ما عرَّقن من نوبات لم أنس يوم وداعها وتأمُّلي ... مقلاً بماء جفونها شرقات والبين يظهر ما تجنُّ صدورنا ... من فيض أنفسنا على الوجنات لا تنكروا تصفير لونٍ مقطِّرٍ ... عبراته بتصعُّد الزَّفرات

إنَّ الهوى يقضي الهوان لأهله ... وتغيُّر الألوان والحالات يا دهركم من غصَّة جرَّعتني ... بفتى جزعت لبينه وفتاة أوهت سطاك تجلُّدي وفللن غر ... ب مهنَّدي وحنت قويم قناتي وتركنني رهن الصُّروف تنوشني ... أحداثها لولا أبو البركات الكافل الكافي بصيِّب راحة ... مخلوقة للبرِّ والصَّدقات كادت أنامله وقد جادت على الأ ... حياء تحيي غابر الأموات /54 أ/ وصلت صلات يمينه وأتى بها ... موصولةٌ بالصَّوم والصَّلوات وقفت قوافينا مناقبه وقد ... وقف الثَّراء على ذوي الفاقات لم تخب نار قرى تشبُّ ولا لها ... قلبٌ له يومٌ عن الإحنات من ناطقين عن العلاء بسرِّه ... فمصدَّرٌ ماضٍ وآخرات قومٌ إذا مطرت سحاب أكفِّهم ... رفَّت من الآمال كلُّ رفات يتسابقون إلى النَّدى فنديُّهم ... أبداً يحجُّ إليه ذو الحاجات إن انكروا فعلى العداة وإنَّهم ... لا يعرفون المطل يوم عدات وإذا الزَّمان ترادفت أزمانه ... كفَّت أكفُّهم أذى الأزمات حمدوا مساعي للمبارك لم تزل ... محمودةً مرفوعة الدَّرجات وهب ابن موهبٍ لنا من حلمه ... ستراً لما يبدو من العوردات إنَّ الكلام وإن أصاب مواقعاً ... من سامعيه لمشبه العثرات وإذا أتيت به المبارك فاستعن ... بالصفح واجمع ما تشاء وهات يا من كسى دست الوزارة رونقاً ... غربت به الدُّنيا من التَّبعات كنت المليَّ بحقِّها فوليتها ... وبلغت منها غاية الغايات ما هبت أمراً هيب يوم حكومةٍ ... كلاَّ ولا هبناك يوم هبات /54 ب/ ولقد عنيت بها وغيرك ما اعتنى ... بسوى الكؤوس ورنَّة القينات إن صغت تبر المدح فيك فإنَّني ... رصَّعته بالدُّرِّ من لفظاتي حكمٌ حكمن على القلوب ولم يمن ... في نظمهنَّ مصدِّق اللَّهجات ستر البديع عن الجهول جمالها ... ستر البراقع أوجه الفتيات جاءتك سوداء السُّطور وإنَّها ... بيضاء مثل الدُّرِّ في الظُّلمات

نشرت صحائفها ففاح بذكركم ... عرفٌ لها متأرِّج النَّفحات أنهضتني لمَّا قعدت وطالما ... انطقتني بالحمد بعد صمات وفتحت باباً ما تبوأها أمرؤٌ ... إلاَّ رآها معدن الخيرات يأوي إليها السَّاغبون فتنثني ... محفوفةً بأطايب الشَّهوات فرَّقت فيها ما تجمَّع من لهى ... وجمعت شمل المجد بعد شتات فاليوم أغفر سيِّئات زماننا ... وأعدُّ مدح علاك من حسناتي وأنشدني لنفسه، يمدح فلك الدين المسيري: [من البسيط] على ملاعب ألاَّ في وخلاَّني ... تحيَّةٌ من فؤاد المدنف العاني أرضاً با رضت قلباً لست أملكه ... جهدي وحيَّيت من بالوصل أحياني /55 أ/ أبيت فيها بلا واشٍ أحاذره ... أجرُّ في اللُّهو أذيالي وأرداني طوراً إلى فتيات الخدر ملتفتي ... وتارةً حفظ ندماني بإدماني تجلو عليَّ كؤوس الرَّح آنسةٌ ... هيفاء لم تهف من قلبي بإنسان الشَّمس من وجهها تبدو ومن يدها ... تهدى إلى غير .... ولا واني أمسى بسنجار أحبابي ولي وطنٌ ... بواسطٍ ولباناتٌ بحرَّان يا قصر حيَّاك من دمعي أوائله ... فإنَّ آخر دمعي أحمرٌ قاني ولا دنت منك أنفاسي فإنَّ بها ... من السَّموم أماراتٌ لنيران أأستلذُّ حياةً بعدما عدمت ... عيناي منك دمى أدمين أجفاني ويا فتاة ... أسترجعي زمناً ... ولَّى بميَّالة العطفين مذعان بيضاء في اللَّيلة الظَّلماء تحسبها ... بدر التَّمام على غصن من البان تخال جامد درٍّ من مقبَّلها ... يذوب في عسلٍ لم يجنه جاني دعوتها فأجابتني بتلبيةٍ ... جواب وافٍ بعهدي غير خوَّان ولي رسولٌ إليها غير متَّهمٍ ... يتلو عليها صباباتي وأشجاني فأقبلت ينثني خمر الشباب بها ... فاعجب لصاحبه في زيِّ سكرانٍ أقول للَّيل لو يصغي إلىَّ وقد ... زارت وكلُّ رقيبٍ نحونا راني

/55 ب/ يا أيُّها الليل طل إن رمت عازمةً ... وأحسن لما يلتقي الحسنى بإحسان إنَّ الَّتي صرمت حبلي وأحسبها ... تخشى العدا واصلتني بعد هجران الحزن والحسن مقسومان لي ولها ... رزقاً ولابن المسيري رفعة الشَّان الواهب المال يبتاع الثَّناء به ... وصاحب المنهل الطَّامي لظمان ومن بجمِّ أياديه وأنعمه ... آنست مجمع أوطاري وأوطاني بنى له رتبةً في المجد شاهقةً ... شمَّاء لم يلفها من قبله باني ما قطَّ قطُّ يراعاً ثمَّ خطَّ به ... إلاَّ جرت منه للإحسان عينان ولا امتطى واحدا ً يوماً ثلاثته ... إلاَّ وأسقت له ... وأسقاني حبرٌ أحبِّر فيه كلَّ قافيةٍ ... في راحتيه لمن يرجوه بحران إذا نظرت إليه يوم نائلةٍ ... رأيت مناخ برٍّ غير منَّان يعطي ويعلم أنَّ الحمد مكتسبٌ ... باقٍ وأنَّ هواه متجرٌ فاني يجزي على الخير خيراً وهو معترفٌ ... به ويغفر جرم المذنب الجاني يا من أياديه عندي غير واحدةٍ ... ومن أناديه في سرِّي وإعلاني ومن إذا راعني دهري لحادثةٍ ... أحدثت من برِّه لي خير أعوان /56 أ/ إن تنأ دارك عن داري فإنَّ لناً ... قلبين عند مزار عندها داني ولو تمكَّنت من شوقٍ يؤرِّقني ... إليك أودعت طيَّ الطِّرس جثماني مالي أبيت من الآمال في شغلٍ ... عنها وقرب مكاني منك إمكاني ولي قصائد لو ألقى النَّبيَّ بها ... لكنت أجدر أن أدعى بحسَّان وعدتني منك مركوباً وإنَّ لنا ... يوم الرَّحيل لتوديعاً بإرنان فامنن بأدهم مثل اللَّيل ينظرني ... في سرجه زمني في عين خزيان أو أشهبٍ في ظلام النَّقع تحسبه ... صبحاً يفرِّقه من خيل خاقان أو أشقر من دم الأعداء صبغته ... يدافع الخطب عنِّي منه ركنان بغدان حنَّت إلى لقياك ثانيةً ... فسر وصل بعد صرمٍ حبل بغدان إبسط بها يد منٍّ منك قابضةً ... ثناء من ماله في فنِّه ثاني

وألق الخليفة طلق الوجه مبتسماً ... حتَّى يضيق بأفق الشَّرق بدران واسدد برأيك أمراً لا سداد له ... وافتح بنطقك فيه باب برهان سيرفع الوزر عن بغداد مقدمنا ... إذا استقلَّ على دستٍ وزيران وأنشدني أيضاً فيه يمدحه: [من الطويل] أتعلم ذات الخدر أيُّ مودع ... أشارت إليه بالبنان المقمَّع /56 ب/ وفيٌّ وكلٌّ بالمواثيق غادرٌ ... وحافظ أسرار الحبيب المضيِّع وهل أنكرت أنِّي على بعد دارها ... أخو كبد حرَّى وقلبٍ موزع بسنجار أحبابٌ له وبواسطٍ ... صبابته لا بالعذيب ولعلع يهيج له تذكار هاتين جنَّةً ... ويطر به سجع الحمام المرجَّع أبيت اجتناب العذل إن بتُّ ليلةً ... ولم يمل من تذكار نطقك مسمعي ولا مسَّ عيني نومها إن تمتَّعت ... بغيرك يا ذات الحجاب الممنَّع حننت إلى قصر الفتاة ودونه ... مفاوز قفر موحش دون بقلع إذا ظمئ الرُّواد فيها تعلَّلو ... بها من تعالي آلهاً المترفِّع أحبُّ بها طلق الأسرَّة إن أقل ... يجبني وإن أشك الهوى يتوجَّع وأين الَّذي إن قلت قال وإن أرع ... يروَّع وإن ابثتته مؤلماً يعي غدا نفسي تلك الرسوم فإنَّه ... سمومٌ وسقتها سحائب ادمعي منازل لا أمسي بعيش مكدَّر ... مهينٍ ولا أضحي بسربٍ مروَّع تغازلني الغزلان فيها وإنَّها ... لخير ظباءٍ ظلن في خير مرتع ولمَّا براني جورٌ كلِّ مقنَّعٍ ... تقنَّعت عن كلٍّ بدر مقنَّع تلفَّتُّ للتوديع خوف وشاتناً ... تلفُّتها نحوي بقلبٍ مصدَّع /57 أ/ فلم أر إلاَّ أدمعاً مثل أدمعي ... وقلباً لقلبي من أسى وتفجُّع يشيِّعني منها بنانٌ مخصَّبٌ ... فقل في قتيل من ... المشيِّع تناسيت أهلي إن تناسيت ليلةً ... رأيت بها شمس الضُّحى ملء مضجعي ومنها:

سأركب ظهر الهول في متنٍ صافنٍ ... من الخيل سبّاقٍ إلى القصد مسرع أخوض به طوراً فجاجاً وتارةً ... أسير به في واضح النَّهج مهيع وانصب نفسي للهجير ولا أرى ... ...... لقومي ومربع عسى كامنٌ كابن المسيريِّ يجتني ... ثناي ويدني من أحبَّاي مرجعي ومنها: وليلٍ قطعنا فيه كلَّ تتوفةٍ ... بكلِّ طويل الباع أشوس أروع رأينا النُّجوم الزُّهر فيه كأنها ... حبابٌ على كأس المدام المدعدع أديرت عليه فيه من سأم السُّرى ... كؤوساً حسوناها بإرخاء انسع فلو كنت فينا خلت أنَّ رحالنا ... محاريب قومٍ ساجدين وركع سئمنا به التَّعريس حتَّى انجلى لنا ... سنى صبحه من وجهك المتشعشع وأنشدني لنفسه، وقد استدعاه /57 ب/ صديق له، إلى مجلس شراب ولم يمكنه الحضور فيه: [من البسيط] إن قصَّرت قدمي والقلب في شغل ... عنكم فلا حملت من فوقها قدمي وإن جرى قلمي والقلب في شغلٍ ... عنكم فلا قبضت كفِّي على قلمي تصدُّني عنك أحوال لهيبتها ... قلبي لها أذنٌ إن حدَّثت بفمي فدونكم والحميَّا إنَّها مزجت ... ولست حاضرها من حبِّكم بدمي ما قصَّر الكأس عنِّي دونكم كسلٌ ... إلاَّ وطال على ندمانكم ندمي وأنشدني لنفسه في صديق مرض ولم يتمكن من عيادته لسبب ما: [من الوافر] سمعت بأنَّ عبد الله يشكو ... فضقت وقد سمعت بذاك ذرعا وبتُّ وقد منعت سواك منِّي ... لما خبِّرته بصراً وسمعا وعزَّ عليَّ عزَّ الدِّين ألاَّ ... أطيق أردُّ عنك الضُّر نفعا ألست أخا اليد البيضاء عندي ... أقرُّ بها ولا اسطيع دفعا ومن عمَّت شمائله وطابت ... لنا فزكا بها أصلاً وفرعا وأقسم بالكؤوس مدعدعاتٍ ... يحسِّيني بها وتراً وشفعا /58 أ/ وبالنِّعم الَّتي قلَّدتنيها ... ولست أرى لها ما عشت منعا

لقد صدع المخبِّر لي فؤاداً ... جعلتك خير ثاو فيه صدعا ولو مكِّنت من قلقٍ عراني ... على رأسي لكنت إليك أسعى وأنشدني قوله في صديق له، اسمه أبو بكر، كان كثير المكاتبة إليه ثم قطعها عنه: [من الطويل] منحت أبا بكرٍ إخائي ومدحةً ... لأوصافها مثل الجمان المبدَّد وقد .... أبناء الزَّمان مودَّتي ... وقلت لآمالي على مثله اعقدي فمن سنَّ قطع الكتب بيني وبينه ... أخان أبو بكر عهود محمَّد وأنشدني لنفسه في فلك الدين بن المسيري، وقد نقم على أستاذ دارٍ له رباه صغيراً، فكان تركيًا اسمه "أقش": [من الكامل] يا أيُّها الفلك المدِّبر ملـ .... ـــك الشَّام وهو لدسته صدر غلمانك التُّرك النُّجوم إذا ... حضروا واقشٌ بينهم بدر /58 ب/ ولقد مضى ليل السِّرار وما ... للبدر بعد سراره ستر أعززت جانيه وليس له ... نابٌ به يفري ولا ظفر وكفلته طفلاً فشبَّ كما ... تهوى إليه النَّهيُّ والأمر كذب الوشاة به وما كذبوا ... إلاَّ ليصدق عندك الهجر حاشاك لا تحنوا وقد ... موَّلته وبنانه صفر وأنشدني لنفسه، وقد عمل لفلك الدين بن المسيري، سماع بدمشق في دار حسنة البناء، وحضر جماعة من الشعراء، فامتدحوه ووصفوا الدار بحسن بنائها: [من المنسرح] لله يا دار من بناك فقد ... سلكت نهجاً من قبل ما سلكا أما كفاك الذي منحت به ... حتى أطلت سقوفك الفلكا وأنشدني لنفسه، وقد نادم في بستان جماعة، منهم رجل يلقب العفيف، وقد استحضر قينة يقال لها كوكب: [من السريع]

وجنَّة بتُّ بها اجتني ... لذاذة المأكل والمشرب /59 أ/ عاف عفيف الدين فيها التُّقى ... بكوكبٍ واغترَّ بالملعب فقلت في اللَّيلة يا قومنا ... قد رجم الشَّيطان بالكوكب قال: فقيل لي: أطلت الفكرة في المعنى، حتى أجدته. فارتجلت: قالوا: عفيفٌ، فقلنا: ... من التُّقى والأمانة دانت لديه المخازي ... لمَّا ابته الدِّيانه مذبات فينا رجمنا ... بكوكبٍ شيطانه وأنشدني أيضاً لنفسه في العفيف، وقد سأل غلاماً اسمه أبو بكر، يريد به الفاحشة: [من الطويل] سمعت لأهل السُّنَّة اليوم مأتماً ... وخطباً جليلاً حاق بالعبد والحرِّ يقولون: ما ارتدَّ العفيف وبدِّلت ... عقيدته إلا بنسك أبي بكر وأنشدني لنفسه في ابن دنينير الشاعر، وكان كثير الأذية للناس: [من السريع] يا قوم ما لابن دنينير قد ... شنَّ عليكم غارة الفتك أتى مكانٌ لامرئٍ لم يزل ... أبوه بين الصَّرف والصَّكِّ /59 ب/ وأنشدني لنفسه فيه أيضاً: [من السريع] يا ابن دنينيرٍ اطلت الأذى ... للنَّاس في سرٍّ وإجهار واسم أبيك الشَّيخ مستحقرٌ ... فكيف لو كنت ابن دينار وأنشدني قوله في مغنية اسمها قمر: [من الكامل] لله ليلتنا وقد كسفت ... قمر السَّماء بوجهها قمر

وترنَّمت فينا فمن طرب ... كادت نجوم الأفق تنتشر في فتية مثل الكواكب إن ... جادوا فجود أكفِّهم بدر فيهم لنور الدِّين مرتبةٌ ... تنحطُّ منها الأنجم الزُّهر ذاك الأمير ابن الأمير ومن ... ببقائه الأيَّام تفتخر وأنشدني لنفسه في غلام مشبب جميل الصورة: [من البسيط] واسمر تخجل السَّمراء قامته ... من طيب أنفاسه الأرواح تستلب أمسى يشبِّب والشَّادي يرجِّع الـ ... ـــحاناً فلم يك إلا زيره الطَّرب لو انصفوه لصاغوا الزِّير من ذهبٍ ... وقد يقلُّ لهذا الأسمر الذَّهب وأنشدني قوله في مغنٍ يعرف بشمس الدين بلبل: [من المتقارب] /60 أ/ أرى الشَّمس قد بزغت في الدُّجى ... تبيِّض من ليله الأليل ولم أر شمساً لسمارها ... تحدِّث من نغم البلبل وأشدني لنفسه في أخوين مطربين، يعرف أحدهما بالشمس، والآخر بالقمر بمجلس الملك الناصر- صاحب حماة- وقد سئل ذلك، فقال ارتجالاً: [من الكامل] وعصابة مثل الكواكب قد ... جمعوا لدينا الشَّمس والقمرا فترى القلوب لذا منازله ... ويروح هذا السَّمع والبصرا وأنشدني لنفسه في غلام، خلع عليه الملك الناصر جبة حمراء، وكان يحبه: [من الكامل] ومترَّك الألحاظ هزَّ قوامه ... تيه الصِّبا كالغصن هزَّته الصَّبا عقر القلوب وقد تقمَّص أحمراً ... فحسبته بدمائهنَّ تجلببا وأنشدني أيضاً لنفسه في مشبب يعرف بابن سلطان: [من السريع] إنَّ ابن سلطان وأنفاسه ... يحيى بها من هو مقبور /60 ب/ كأنَّه والزِّير في كفِّه ... ينفخ إسرافيل والصُّور وأنشدني أيضاً من شعره، في مطرب حسن الصوت والوجه: [من المنسرح] يا مطرباً لحنه ونغمته ... تحلُّ عقد العقول والمهج إيَّاك والفتك في القلوب فما ... أفتاك في سلبها بلا حرج.

أمسيت فينا فناب وجهك في اللَّيل مناب الشُّموع والسُّرج وأنشدني له فيه أيضاً: [من المتقارب] لنا مطربٌ من سنى وجهه ... يبيَّض وجه الدُّجى المظلم تكاد إذا ما شدا ترقص السَّـ .... ـــــماء وتنتثر الأنجم يهيم الحليم بألحانه ... ويفهم من لم يكن يفهم وأنشدني لنفسه فيه أيضاً: [من الكامل] ومطرب عذبت لنا ألفاظه ... تهتزُّ من ألحانه الجدران ودَّت عيون النَّاظرين جماله ... من نطقها لو أنَّها آذان وأنشدني لنفسه، وقد حضر مجلساً في جوسق بدمشق /61 أ/ مع أميرين، يلقب أحدهما بدر الدين، والآخر بهاء الدين، وهنالك غلام حسن الصورة، يقال له: سعدون، فسأله الأمير: أن يشبّه محاسنه بشيء من أزهار الجوسق، فقال ارتجالاً: [من السريع] وجوسقٍ مرَّت لنا نزهةٌ ... فيه بأنواع الرَّياحين لم أر شيئاً فيه إلاَّ وبي ... مثاله من وجه سعدون من وجنةٍ كالورد محمرةٍ ... وحاجبٍ كالآس مقرون وسايره الأميران المقدم ذكرهما في البستان حتى وقفوا على ماء يترقرق على الحصى، فقال بديهة: [من السريع] وربَّ ماءٍ .... وهو من .... فوق الحصى مندفقٌ يجري لو أنه مال لشبهته ... يد البها أو راحة البدر وسأله راجح الحلي الشاعر: أشربت الخمر قبل اليوم؟ فأنكر، وأنشد بديهة: [من البسيط] /61 ب/ يا راجح القول في سرٍّ وفي علن ... وواحد النَّاس من أنثى ومن ذكر هذي المدامة من أخلاقك اعتصرت ... حتَّى تصابي إليها أوقر البشر وأنشدني لنفسه، وقد اجتاز برأسٍ عين سنة عشرين وستمائة، وجرى بينه وبين قاضيها كلام، ونهض من عنده مغضباً، فلقيه فيما بعد القاضي راكباً على بغلة،

فاستوقفه، وأنشده ارتجالاً: [من البسيط] عاتبت بغلة قاضينا وقلت لها ... إلى متى أنت من مولاك في دأب قالت: فقد جاء في القرآن ملتزمٌ ... بالوالدين ومالي أن أعقَّ أبي فشكاه القاضي، إلى شاعر هناك، يقال له برهان الدين عثمان بن عطية، فلما عتبه، أنشده ارتجالاً لنفسه: [من الطويل] أعثمان إن كان القريض فضيلةً ... يقربها في كلِّ مجتمعٍ تروى فممَّ بمرأى إدَّعيت اجتنابه ... ومالك فيه حجَّةٌ تثبت الدعوى وإن كان نظم الشعر غير فضيلةٍ ... فإنِّي وإياك اتفقنا فلم أزوي /62 أ/ وأنشدني لنفسه أيضاً، وقد حضر مع راجح الحلي الشاعر، مجلس شراب، فمد له قدحاً يشربه، فقبله، وأنشده ارتجالاً: [من الوافر] كأن الرَّاح في كفَّيك تبرٌ ... يجود بها بلا من علينا فلا شكرٌ يغرُّ يديك منَّا ... كما إحسانها يترى إلينا وأنشدني أيضاً لنفسه، يمدح الإمام المستنصر بالله أبا جعفر المنصور أمير المؤمنين، خليفة الله في العالمين –رحمه الله- ويحرضه على أعدائه، وأخذ بلادهم: [من السريع] في صهوات الشُّزَّب الضُّمَّر ... مطَّلب النَّصر لمستبصر وفي الرُّدينيات نيل المنى ... ومنشأ العزَّة والمفخر لا تغترر بالخدع من صاحبٍ ... من يغر بالعلياء لا يغرر إن معطاه كؤوس السُّرى ... تسرُّ قلب الخاطر المخطر وخوض هول الأرض لا يرتضى ... إلاَّ لجرَّار القنا مجتري الدَّهر وآراؤه ... محمودة المورد والمصدر /62 ب/ لله كم من مهمهٍ جئته ... بهمَّةٍ تهزأ بالأنسر تؤنسني الوحدة في منزلٍ ... والرفق ما في البلد المقفر وجنح ليلٍ جنحت رفقتي ... فيه إلى الأزهار والمزهر بتنا على اللَّذات أسرارنا ... مسروروٌ بالخمر والميسر

تقدِّح الأقداح من لهونا ... شرار حقد الكبد الموغر وضجَّة الأوتار ما بيننا ... وأنزه الصَّاحي من المسكر ليل حميدٌ ما زجرنا به ... مهرَّيةً في المهمه الأغبر ولا اصطحبنا منه في غارةٍ ... غازين بالأبيض والأسمر مارسني الدَّهر ومارسته ... والحرُّمين يحمد في المخبر أقصى قصاراي به عزمةٌ ... حكيت الملك على قيصر ما أنا ممَّن همُّه بلغةٌ ... يبلغ منها إرب المقتر إذا نبا بي موردٌ عافه .. خلقي ولو كان من الكوثر لا أحمد النَّهضة إلاَّ إلى ... خليفة الله أبي جعفر الآمر الأمَّة بالعرف والـ ... ـــمعروف والنَّاهي عن المنكر والصائم القائم والعالم الـ .... ـــحاكم في الغيَّب والحضَّر /63 أ/ وعاقد الرَّايات سوداً يقرِّ ... بن العدا من موتها الأحمر في جحفلٍ جبريل من جنده ... يموز بالنَّصر ولا يمتري لوامع البيض وبيض الظُّبا ... فيه كبرق العارض الممطر كأنَّ فتح الطير من فوقه ... مخلوقةٌ من ذلك العسكر كأن غرثي الوحش سرَّت به ... سرب قطاً بالماء مستبشر كأن فيه الخيل جوَّالةً ... ضراغمٌ ثرن فلم تثأر تهتزُّ فيه كلُّ خطيَّة ... سمراء هزَّ الغصن الأخضر شنَّ به المنصور نصراً لمن ... يعدُّ دعواه ولم يغدر لا غرو أن ...... بطش من ... أعراقه تغلق بالمئزر مبتهج الوجه إذا أمَّه ... ذو أملٍ مرتفع العنصر زرناه بالزَّوراء فاستبشرت ... آمالنا بالنَّائل الأوفر وأصبح المعروف من تيهه ... يعلو على المشئم والممصر فيا أمير المؤمنين الَّذي ... جبينه كالقمر المسفر

************ ورأييه في فضل ........ ... يزهر مثل الكوكب النيِّر /63 ب/ عز لبلاد الله من حاكم ... بالجور فيها لحكم مستنكر وأجبر بعدل منك كيس امرئ ... لولاك لم يؤس ولم يجبر يا ملكاً أنمل راحاته ... سحائبٌ أنشئن من أبحر رع كل باغ ما بي إذا ... صال فمثل الأسد القسور ليثٌ على السرج له غرَّةٌ ... كالبدر في دائرة المغفرة فالأرض إرثٌ لك من دوننا ... يا ابن الصَّفا والرُّكن والمشعر من لي بأن أنظر راياتكم ... مرفوعة تنشر في شيزر في فيلق تجري كرجل الدَّبى ... معتصماً بالعدد الأكثر تحتل من أرض حماة الحمى ... حلول حام غير مستنكر ويلتقي حمص بملمومةٍ ... تدمِّر الأعداء عي تدمر ضراغمٌ تطلب من جلِّق ... عرين ثاوٍ غير مستنفر وترجم القصرين من بعدها ... عزائمٌ طالت فلم تقصر تجتذب النيل إلى دجلة ... كما مضى في سالف الأعصر لوارث البردة من أحمد ... ...... للسيف والمنبر /64 أ/ ومنقذ الأمَّة من غيِّهم ... ومنصف الأعمى من المبصر هناك ينجو الشَّرق من مشرقٍ ... ويبرأ الغرب من البربر [757] محمد بن سعيد بن يحيى بن عليِّ بن الحجّاج بن محمد بن الحجاج، أبو عبد الله بن ابي المعالي الدبيثيُّ الواسطيُّ.

وجده الأعلى كان من دبيثا؛ قرية الحجّاج من طريق الجبل، بينها وبين واسط عشرة فراسخ. شيخ صالح فاضل، عدل ثقة من مشاهير أصحاب الحديث وعلمائهم وأعيانهم وحفاظهم، قد جمع عدّة كتب منه: تأريخاً ذيّل به على تاريخ السمعاني المذيل على تاريخ الخطيب؛ وقرئ عليه، وكتب به عدة نسخ. وكانت ولادة أبي عبد الله يوم الاثنين سادس عشري رجب سنة ثماني وخمسين وخمسمائة، بواسط. وتوفي ببغداد يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة. وسمع الحديث الكثير على مشايخ واسط، وبغداد، والحجاز، وطلبه بنفسه، وسمع بواسط أبا طالب محمد ابن علي الكتاني، وأبا العباس هبة الله بن نصر الله بن مخلّد /64 ب/ وجماعة آخرين. وبالحجاز من عبد المنعم بن عبد الله الفراوي، وببغداد من أبي السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزاز وغيرهم؛ وألّف التاريخ. وهو شيخ ثقة حافظ ذو معرفة، وضبط وعلم بالتواريخ والوقائع، واسع الرؤية، له أشعار متضمنة الزهد، والوعظ، وما يتصل بهذه الأنواع. أنشدني لنفسه: [من الطويل] سبيلك يا نفسي إذا رمت مخلصا ... وراحة سرَّ أن تقلّي من الطمع وأن تقنعي بالقصد في كل حاجة ... ولا تيأسي في الحادثات إذا تقع وإن مس دهرٌ بالمساءة فاصبري ... وزيدي خضوعاً للإله فقد نفع

ولا تظهري الشَّكوى لخلق فلن تري ... لأمر قضاه الله من دافعٍ دفع فما العسر باقٍ مثلما اليسر لم يدم ... ولا المرء يبقى فاتركي الحرص والخدع وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الطويل] سيذري دماً بعد الدُّموع كآبةً ... على خوضه في اللَّهو من كان لاهيا ويندم من قد كان يسعى لنفسه ... بأهوائها إذ بان في النار هاويا ويعلم عقبى حاله كلُّ خالعٍ ... عذار الحيا يوم الحساب الملاقيا فقل لمجدٍّ في الحرام مسارعٍ ... ترفَّق قليلاً سوف ترحل .... /65 أ/ وأنشدني من شعره أيضاً: [من الطويل] يغر الفتى طول السَّلامة لاهياً ... وينسى هجوم الموت مع ظلمة القبر وأهوال ما يلقى ويوم حسابه ... إذا برز الجبَّار للفصل والأمر وصيحة أهل النار في النار والبكا ... إذا عاينوا أهل المفازة والغفر فيا ربِّ وفِّفنا لخير طريقةٍ ... ومنِّ بما يرضيك يا عالم السِّرِّ وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الكامل] إني نظرت مفكراً في مبدأي ... وتنقُّلي في الخلق والأحوال حتى عقلت وصرت أعلم أنه ... لابد لي من منتهى ومال وكأن ما قد كان لم يك صائراً ... فيما مضى متحقِّقاً لزوال أيقنت أنِّي لا محالة ذاهبٌ ... متحلِّل التَّركيب غير محال ومن شعره، يمدح المستنصر بالله: [من الطويل] إمام هدى أحيا به الله خلقه ... وأغناهم بالبرِّ منه وبالفضل وأعطاهم فوق الذي كان ظنَّهم ... من الطول والإحسان والأمن والعدل به ازدانت الدنيا وزاد جمالها ... وظلَّ بنوها من أياديه في ظل فلا زال في ملك عقيم ونعمةٍ ... تدوم وفي عمر مديد وفي بذل /65 ب/ وبلَّغنا فيه الذي نرتجي له ... من النَّصر والتمكين رب له يعلي وله: [من الطويل] خليليَّ إن جار الزَّمان أو اعتدى ... فلوذا بحسن الصَّبر فيه وسالما

فمن سالم الأيَّام نال مرامه ... وكان من المكروه .... وسالما وقال: [من الطويل] عليك بحسن الصَّبر في كل حالةٍ ... وإن كان طعم الصَّبر في حمله صبرا فلن يعدم الإنسان نيل مرامه ... إذا قطع الأيام مستعملاً صبرا وعدِّ عن الأطماع وأقنع بدونها ... فكم أهلكت حرصاً وكم قتلت صبراً وقال: [من الطويل] خبرت بني الأيام طرّاً فلم أجد صديقاً صدوقاً مسعداً في النَّوائب وأصفيتهم منِّي الوداد فقابلوا ... صفاء ودادي بالقذى والشَّوائب وما اخترت منهم صاحباً وارتضيته ... فاحمدته في فعله والعواقب وقال: [من البسيط] يا من يكاثر بالإ خوان معتقداً ... أن المودَّة من أسباب قوَّته لا تغترر ببني الأيام معتمداً ... على مودَّة من تغري بصحبته /66 أ/ وكن على حذر ممن تعاشره ... فالدَّهر أنكد أن تصفو لعشرته كم من خليلين طال الودُّ بينهما ... عادا عدوَّين كلُّ حلف جفوته [758] محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن عليِّ بن عبد السلام، أبو نصرٍ البصريُّ. لقيته بمدينة السلام سنة أربع وعشرين وستمائة؛ وهو كهل طويل. وذكر لي أنه قرأ القرآن العزيز بالروايات العشر والسبع والشواذ. وهو تاجر يسافر [إلى] البلاد، وينتقل في طلب المعاش والتجارة، وله شعر قصره على فن التغزل والنسيب؛ ولم يمدح أحداً ولا هجاه إلاَّ بقول الشعر تأدباً،

الألحان. وهو أنشدني لنفسه: [من الكامل] حتَّى م أعذل في الهوى وأعنَّف ... تالله إنَّ عواذلي قد أسرفوا قالوا: اصطبر واسل الحبيب تكلُّفاً ... وأبى الهوى أن يقتضيه تكلُّف أنَّى وكيف لي السُّلوُّ وها أنا ... في الحب مسلوب الحشاشة مدنف أخفى الغرام تستراً من كاشح ... فتذيعه عنِّي جفونٌ وكف /66 ب/ يا للرجال سبى فؤادى شادنٌ ... غنج اللَّحاظ رخيم دل أهيف خنث الشَّمائل عذبةٌ أخلاقه ... من خدِّه ورد الشَّقائق يقطف ملك القلوب بحسن لطف خلاله ... فكأنَّه ربُّ الملاحة يوسف جاوزت في حبيبه كل نهايةً ... فصبابتي أنهى حديث يوصف أشكوا غليه لعلَّه أن يرعوي ... لسكايتي وأودُّلوا يتعطَّف وبليَّتي ونحول جسمي أنَّه ... في وصل مثلي زاهدٌ متعفِّف وحياته قسماً وحسبي أنني ... بحياتي في الحب براً أحلف لا خنته جهدي ولا عن حكمه ... أبداً ولو ذقت الرَّدى اتخلَّف وأنشدني لنفسه في الغزل: [من مجزوء الرمل] غفل الواشي فزارا ... لابس الليل إزارا بدر تمَّ لو رآه الـ ... ـبدر إجلالاً توارى في الدُّجى يسري فخلت الليل إذا وافى نهارا فاتر الطَّرف كساه السِّـ ... ـحر غنجاً وأحورارا قلت: أهلاً ب حبيبٍ ... لا أرى عنه اصطبارا /67 أ/ مالكي تفديك روحي ... ذبت شوقاً وانتظارا فسقاني من رضاب ... خلته صرفاً عقارا عطل الكاسات لمَّا ... خمر عينيه أدارا

وانتقلنا اللَّثم حتى خالنا الصَّاحي سكارى يا لها فرصة عمرٍ ... ليتها عادت مراراً ليلةٌ ضاهيت فيها ... ليلة القدر افتخارا [759] محمد بن أحمد بن أبي بكرٍ، أبو حامدٍ الجرباذقانيُّ. وجرباذقان بليدة بين أصفهان وهمذان. ففيه شافعي، جيد المعرفة في المذهب، فاضل في علم الأصول والخلاف، وله شعر يقصر عن معرفته وعلمه. وسألته عن ولادته، فقال: ولدت سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. أنشدني لنفسه من قصيدة أولها: [من البسيط] أحبابنا بالحمى بالله ما الخبر ... هل يعتريكم سلامٌ فائحٌ عطر أم أنتم ذهَّلٌ عن فحصكم أثري ... وما لودَّ إلينا بالرِّضا نظر ما هكذا الودُّ للخلاَّان منعقدٌ ... بالله صحبي أروني كيف أصطبر /67 ب/ ومنها: ثغر المودّة للأحباب مبتسمٌ ... لكنَّ عيني بكاها مسَّه الأثر على فؤادي فنون الجور من زمنٍ ... بأن دمي في عهده هدر ومنها: ابيت في ترحةٍ والقلب منصدعٌ ... والدَّهر هيهات لا يبقى ولا يذر ومن مديحها: غوث البريَّة دستور الممالك من ... ذا عنده للندى عظمٌ ولا خطر عين المعالي حليف العزِّ مصطنع ... سيَّان عند نداه العين والمدر

[760] محمد بن عبد الواحد بن محمد بن الحسين، أبو عبد الله الموصلي. تفقه على مذهب الإمام الشافعي، وقرأ طرفاً من علم النحو والعربية على جماعة من أدباء الموصل. وكان شاباً خفيف العارضين، نحيفاً، أبيض اللون، تعلوه صفرة. وكان ترامى إلى العلوم الرياضية، ويدّعي معرفتها. وكان فيه ذكاء حسن، وكان بيني وبينه عشرة وصحبة. وكان في خلواته بارعاً ... /68 أ/ جاد خاطره بشيء من النظم، في غرض يقع لا بأس به. كانت ولادته ليلة عرفة سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وتوفي آخر النهار يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة سنة ثماني عشرة وستمائة بالموصل. أنشدني لنفسه، ما خلا البيت الأول وهو للأمير أبي العباس عبد الله بن المعتز: من معيني على السَّهر ... وعلى الهممِّ والفكر فنظم أبو عبد الله على الوزن والقافية: [من مجزوء الخفيف] من غزالٍ قد اشتهر ... حسنه واسمه عمر قد براني في ضرر ... من هواه على خطر فكم الحسن قد سطر ... حاجبيه وما اقتصر ليس في خدِّه شعر ... نوره يقمر القمر ليته زار في السَّحر ... والكرى يفهم الخبر [761] محمد بن عليِّ بن عبد الله بن سليمان بن عليِّ بن عبد الحميد بن أبي العافية، أبو عبد الله البلنسيُّ العمريُّ. من أولاد عمر بن الخطَّاب – رضي الله عنه -.

رأيته شاباً طويلاً، أشقر /68 ب/ أزرق العينين، بمدينة إربل، في أوائل رجب سنة ثماني وعشرين وستمائة. وهو من أهل القرآن والمعرفة بالنحو والأدب. وذكر أنه قرأ العربية على أبي الحجاج يوسف بن محمد الأندي. وعلى ذهنه قطعة صالحة من أشعار الندلسيين. وله تصانيف في الأدب، عدّد لي أسماءها منها: كتاب "النكت الغريبة في شرح الجزولية"، وكتاب "الشافعي في علم العروض والقوافي"، وكتاب "الروض الممطور في أوصاف الخمور"، وما يتعلق بها في الشذوذ". وله شعر مليح، وقول عذب. وسألته عن مولده، فقال: ولدت سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. أنشدني لنفسه: [من الكامل] ومهفهف سفك الدِّماء بلحظه ... جارت على كلفي به فتكاته رقَّت محاسن وجهه فكأنَّما ... ماء الحياء غذيت به وجناته رشاً إذا أهدى السَّلام بمقلة ... ولَّى وقد عبثت بنا لحظاته نمَّ العذار على مورِّد خدِّه ... ولوت بعقرب صدغه نوناته نشوان لكن من خمار خفونه ... من أين للقلب العميد نجاته! /69 أ/ أنت الكمال وغصن قدِّك ناعمٌ ... لا تبخلنَّ فقد زهت ثمراته الحسن مالٌ والزَّكاة فريضةٌ ... لا يزك مالٌ لم تؤدَّ زكاته وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الكامل] يا سيداً ساد الورى قسماً بمن ... خلق الهوى إنِّي إليك متيِّم جرحت ظبا ألحاظ جفنك مهجتي ... فعساك تأسوا ما جرحت وترحم وأنشدني لنفسه أيضاً، وكان قد أهدى إليه بعض العلماء شربة ماء: [من البسيط] يا خير من كتبت يمناه بالقلم ... وخير من قد غدا يمشي على قدم تغضي العيون حياءً من مهابته ... بحر العلوم وبحر الجود والكرم أهديت لي شربة ماء إن شربت بها ... ماء سوى حبِّك المفروض في الأمم

شرَّفتني بالَّتي تحيا النُّفوس بها ... يسقيك من كل عذب بارد شبم بالورد قد طيبت لكن نوافجها ... طيَّبتها منك بالأخلاق والشِّيم لا زلت في نعمةٍ تترى مجدَّدةٍ ... عليك ما لاح بدرٌ في دجى الظُّلم [762] محمَّد بن عليِّ بن أحمد /69 ب/ بن عبد الله بن عليِّ بن أبي طالب بن أبي الفرج بن مخلد بن كرمٍ، أبو عبد الله الخزرجي الأنباري. كانت ولادته بمدينة السلام، سابع عشري رجب سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، بجانبها الغربيّ، في جوار محمد بن بشار بالقرية. وهو رجل صالح عفيف، نشأ في طاعة الله تعالى وحفظ القرآن المجيد، وسمع الحديث الكثير على جماعة من مشايخ بغداد الثقات؛ كأبي الفرج بن الجوزي، وأبي القاسم يحيى بن أسعد بن بوش البغدادي، ومكيّ الغراد، وعبد الرحمن بن عيسى البغدادي، وأبي علي عمر بن علي بن عمر الحربي الواعظ وغيرهم، مما ينيِّف على خمسين شيخاً. اجتمعت بأبي بعد الله بمدينة إربل، وهو مقيم بها، فانتظمت بيني وبينه مودة. أنشدني لنفسه أشعاراً في أغراضه، فمن ذلك قوله: [من المديد] يا خليَّ البال عن كمدي ... بأبي السُّبطين خذ بيدي أنا في داء أعالجه ... لا أرى الشكوى إلى أحد مغرمٌ قد قلَّ ناصره ... مستهامٌ ناحل الجسد ربَّ ليلٍ بتُّ ساهره ... عن غرامٍ حلَّ في كبدي /70 أ/ وأنشدني أيضاً: [من المنسرح] يدَّبر الله ما يشاء وفي ... تدبيره للعباد إحسان يقيم أرزاق خلقه وله ... في كل وقتٍ من أمره شان

[763] محمد بن عمر بن محمد بن علي بن محمد بن المبارك بن محمد المهتدي بالله بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد بن المهديِّ بن المنصور بن محمد بن عليِّ بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو عبد الله بن أبي حفصٍ العباسيُّ. هكذا نسب لي نفسه. شيخ رأيته بمدينة إربل في جمادى الأولى، سنة سبع وعشرين وستمائة. وذكر لي، أنَّه كان بالموصل معلّم صبيّة لكتب العامة، ثم ترك صنعة التعليم، وعاد إلى وطنه بغداد، فصار بها يؤدّب أولاد أمرائها بالخط. أنشدني لنفسه، يمدح القاضي شهاب الدين أبا المناقب محمود بن أحمد بن بختيار الزنجاني: [من البسيط] علوُّ مجدك أجرى السَّعد في الأفق ... فأبشر بيمن وإقبال على نسق واسعد به يا شهاب الدين وابق لنا ... يا أبيض الوجه والإحسان والخلق لأنت مولى إذا عدَّت مناقبه ... فبلَّجتك ضياء الصُّبح في الفلق سامي المناقب محسود المراتب محـ ... ـمود العواقب محمولٌ على الحدق /70 ب/ إن قال أو صال أو سالت عوارفه ... لدى المرا والوغى والنائل الغدق كالغيث .... كالعضب مندلق ... واللَّيث منطلق والغيث مندفق أغنت عوارفه فقرى وعاش بها ... أهلي ومات بها ضدِّي من الفرق فما اصطبحت بكأس من عوارفه ... إلاَّ وقد بثَّ في جلباب مندفق كم نلت ما رمت من إنعام راحته ... فنال أقصى المنى في ملكه وبقي في ظل مالكنا رقاً وموسعنا ... رزقاً ومنذنا .... من العلق النَّاصر الملك الدَّاعي إلى الرَّشد النَّاهي عن الفند الهادي إلى الطرق خليفة الله ظل الله ناصر ديـ ... ـن الله أحمد كهف الواهن الفرق لا زال عصمة ملهوفٍ وكعبة معـ ... ـروف يحجُّ إليها كل مرتزق

[764] محمد بن عليِّ بن شمَّاس بن هبة الله، أبو عبد الله بن أبي الحسن الإربيليُّ. وقد تقدم شعر والده، وشعر أخيه. أخبرني أنه؛ ولد في شهر ذي الحجّة سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وهو الأكبر من أولاد الوزير أبي الحسن علي بن شماس. وهو حسن المذاكرة بأيام الناس وأخبارهم، وقال أشعاراً غير أنَّها ذهبت، ولم يظهر لي منها شيء. ومن شعره، يهجو علي بن /71 أ/ النفيس. كان من أولاد نصارى رومايا، قرية من بلد قلعة ألقى من أعمال الموصل. وكان قديماً من الجزيرة العمرية. وكان هذا المهجو بإربل قد استولى على مملكة سلطانها الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين – رضي الله عنه – وحكم فيها، واستفحل أمره، وظلم الناس ظلماً فاحشاً حتى غلب على السلطان مظفر الدين، وانقاد له في جميع ما يأمره وينهاه، وحصل أموالاً جمّة، ومات على أقبح موتة، وأراح الله المسلمين من ظلمه. فأنشدني أو عبد الله فيه لنفسه: [من الخفيف] قد كرهت الولاء لمّا تسمَّى ... بعليٍّ هذا الوضيع الرَّذيل إنَّ يوماً يكون فيه رفيعاً ... عند هذا الورى ليوم ثقيل إنَّ ملكاً يكون فيه مشيراً ... مثله في الأنام ملكٌ علي ما احتيال ............... .......................... وأنشدني لنفسه: [من الوافر] بكت عيني حذار البين حتَّى ... جرت بعد الدُّموع لها الدِّماء وعوِّدت التئام الشَّمل جهدي ... وليس لصحبةٍ أبداً بقاء

[765] /71 ب/ محمَّد بن عليِّ بن يحيى بن محمد بن الحسن بن يوسف بن عبيد الله، ابو عبد الله بن أبي الحسن الشلمانيُّ. كان ولده من قرية من قرايا فنك، تدعى شلما، من عمل الجزيرة العمرية. وقد سبق شعره أبيه في موضعه. وأبو عبد الله ذو طبع في الشعر، إلا أن شعره ضعيف؛ لكونه لم يشتغل بالعربية. نزل إربل، وتولّى بها عملاً، ثم حبس، وطالت مدته في الحبس. أنشدني لنفسه، ما كتبه إلى الوزير الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفى من الحبس، يشكو حاله، وما يلاقي من الضائقة والفاقة: [من الخفيف] شرف الدين لا برحت بإحسا ... نك تحيي من كان ميتاً كسيرا أنت بحرٌ والبحر يمنح ما يأ ... تيه درّاً ولؤلؤاً منثورا إن أكن في الحديد أصبحت فرداً ... عاري الجسم جائعاً مكسورا فلي الله ثمَّ أنت ومن كنـ ... ـت له مسعداً فعزَّ ظهيرا قيَّدتني أطواق إحسانك لمَّا ... ضنَّ من كنت أرتجيه نصيرا وملكت القياد منِّي فأصبحـ ... ـت بجدواك منعماً محصورا قست ما كان من زماني فلم أحـ ... ـظ ..... منكم هباً منثوراً [766] /72 أ/ محمَّد بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن ثابت بن مزاحم بن عياش بن وديعة، أبو عبد الله الموصليُّ. تقدّم شعر أبيه، وكان من النيل.

وكانت ولادة محمد بالموصل، في منتصف ذي القعدة يوم الاثنين ضاحي نهار سنة ثمانين وخمسمائة. شاب ضعيف العينين، وقد وخطه الشيب، مربوع. سمّى نفسه شاعر أهل البيت. يلحن في إنشاده. وحكى أنه وقف على منجم طرقي، فأراد أن يعبث به، فقال: نجّم لي، وذكر غير اسمه، واسم أمّه. فقال له المنجم: قل الصحيح. فقال: فقلت له، اسمي الحقيقي. فقال: أنت تكون تجمع ألواح الصبيان، وتصر معلماً. قال: فكنت بعد ذلك بمدّةٍ طويلة كما قال. وكان يؤدّب الصبيان بالموصل. وهو شاعر غزير الشعر، طبعه مجيب في النظم، مدح أهل البيت – صلوات الله عليهم – بقصائد شتى، اشتهرت عنه، وترك التأديب، ثم اشتغل بالتنجيم، وعرف منه طرفاً جيداً وكتب التقاويم الحسنة. أنشدني لنفسه من قصيدة، يمدح بها مولانا وسيدنا الإمام المفترض الطاعة على كافة الأنام المستنصر بالله أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور – رحمه الله تعالى -. /72 ب/ يقول فيها: [من السريع] وربَّ عنس صرت في ظهرها ... جائلة في مهمه الأنهر لا تشتكي فرط وجى لا ولا ... ترعى من الحوذان والعرعر جاريه كالطَّير في جوِّها ... لغامها من طحلب أخضر تؤمُّ بي نحو إمام النَّدى ... خليفة الله أبي جعفر الظَّاهر الأنساب من هاشمٍ ... رب الجبين الواضح الأزهر

هو الإمام النَّبويُّ الذي ... عنصره من أشرف العنصر وإلى أمور الدين عن جدِّه ... العبَّاس بل عن أحمد المنذر حامي حمى البطحاء والرُّكن والـ ... ـحطيم والكعبة والمشعر واللاَّبس البردة والحامل الـ ... ـقضيب والرَّاقي على المنبر ذو التاج والمغفر لا .... ... ..... بربِّ التاج والمغفر من في فناه مهبط الوحي والتَّبجيل والتَّفضيل والمفخر من نور رب العرش أنواره ... كذاك لا تخفى على المبصر مالك أعناق ملوك الورى ... منشي زمام الرِّمم الدُّثَّر ذو الجحفل الجرَّار والعسكر الساري من الأملاك في عسكر /73 أ/ تخفق في الآفاق راياته ... باسم منصور ومستنصر إذا جرت في معرك خليه ... بغير هام الشُّوس لم تعثر توسم في الأرض المحاريب فالثغور باللَّثم لها تمتري يظل من فوق الثَّرى دونها ... يسجد وجه الملك الأصفر سيوفه مذ لم تزل والقنا ... بالدَّم غن يدع بها يقطر وبيضه حمرٌ وأرماحه ... سمرٌ بغير الهام لم تثمر حاز على عشر بحار وفي كل الورى سبع من الأبحر وحيث جادت كفُّنه بالحيا ... فالعارض الهتَّان لم يذكر يغني بعيد الدار بالوابل الـ ... ـمدرار من مثر ومن مقتر يعلم ما في السرِّ وحياً من اللـ ... ـه وقد يخبر بالمضمر أضحت به بغداد كالخلد للسَّاكن والدِّجلة كالكوثر فنشرها أذكى من المسك للنَّاشق والكافور والعنبر خليفة الله الذي حبُّه ... في اليوم ينجيني وفي المحشر من لا يواليك غداً في لظى ... يكبُّه الله على المنخر فقت على كيوان في رتبة الـ ... ـفخر وجاوزت مدى المشتري /73 ب/ وأصبح المرِّيخ في هوَّةٍ ... منك على الأعداء كالقسور فارق وطل واسعد وسد وابتهل ... وعش ودم واسم وجد وافخر

وأنشدني لنفسه، وقد أهدى إلى الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفى، تقويماً، وكتب على ظهره: [من الطويل] ولما رأيت الشعر ليس ببالغ ... علاك وأهل الأرض أنت رئيسها منحتك بالأفلاك تجري سعودها ... إليك وتجري في الأعادي نحوسها وأنشدني لنفسه فيه أيضاً، وقد لسعته عقرب في قدمه: [من السريع] يا شرف الدين الذي لم يزل ... يجوده يوجد أهل العدم قد فاقت العقرب فخراً كما ... قد فاق من قبل منك القدم وأنشدني لنفسه، مبدأ قصيدة: [من مجزوء الكامل] يا مائساً تحت الغلائل ... أمن الشَّمول هي الشَّمائل أزرت لحاظك بالسيو ... ف ولين قدِّك بالذَّوابل إن شئت قتلي في هوا ... ك فحبذا ما أنت فاعل /74 أ/ شفَّيت بي منك الحوا ... سد واللَّوائم والعواذل يا أيُّها الرِّيم الذي مرعاه قلبي لا الخمائل لا حبذا واش غدا ... عنِّي إليك الزُّور ناقل كم ذا أميل إليك من ... وجد وعنِّي أنت مائل لا تحملن سيفاً فلحـ ... ـظك ناب عمَّا أنت حامل لك من خفونك والحشا ... طول المدى رامٍ ونابل حازت لحاظك ما وعى ... الملكان من سحرٍ ببابل ويح النَّسيم لو أنَّه ... أدَّى إليك لي الرسائل لبعثت في طيَّاته ... منِّي إلى الحبِّ الرَّسائل وأنشدني لنفسه: [من المتقارب] مدحتك لا طعاماً في نداك ... وفي جود مثلك من يطمع ولكن بشحِّك لمَّا سمعت ... أردت أحقِّق ما أسمع وأنشدني أيضاً لنفسه، في غلام لابس أحمر: [من الكامل] ومهفهف كالغصن قامته ... بخصره ما بي من السَّقم

/74 ب/ لم أنسه لمّا بدا قمراً ... يختال في ثوب من العنم وحواسدي حولي وقد بهتوا ... من حسنه في ذلك الصَّنم فأجبتهم والدَّمع يكسب من ... جفنيَّ في خدَّيَّ كالدِّيم لم يكف أن دمي بوجنته ... حتَّى تسربل كلُّه بدمي [767] محمد بن المبارك بن يحيى بن عبد الله بن القاسم بن المظفر، أبو سعد بن أبي الفتح الشهر زوريُّ الموصليُّ. من أبناء القضاة الشهرزوريين. أخبرني أنه ولد بالموصل، في سلخ جمادى الآخرة سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة. تفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه – وحفظ فصولاً في الوعظ، وقال أشعاراً مختارة، ووعظ الناس بالمسجد الجامع برهةً من الزمان. وكان يحصر مجلسه عالم كثرٌ من الرؤساء، والفقهاء، وأكابر البلد. وكان حسن الصوت في إنشاد الشعر، ذا قبول تام عند الناس؛ فبقي مدة يسعد المنبر، ويتكلم على الناس، ويعظهم، ويظهر التدين والنسك على سيرة مرضية، وطريقة حميدة؛ فعند ذلك جذبه المولى الملك الرحيم إلى خدمته، واختاره لمنادمته، وأنعم [عليه]، /75 أ/ وقربه إليه، وصار أحد ندمائه، ومخصوصاً من بين جلسائه، وتزيّا بزي الأجناد. أنشدني لنفسه، يمدح المولى المالك الملك الرحيم بدر الدين، عضد الإسلام والمسلمين، تاج الملوك شرف السلاطين، غياث الملهوفين، ملك أمراء الشرق والغرب بهلوان جهان خسروا إيران اج أرسلان إينانج قتلغ بك أتابك صغرك تكين بلكا، أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين – ثبت الله أركان دولته – وأسبغ عليه ظل نعمته، ويهنئه بالنيروز: [من البسيط]. لمَّا تبدَّى الكثيب الفرد والعلم ... أهدى السَّلام فماد البان والسلم وظلَّ يلثم خدَّ الأرض معترفا ... بسكر ما أسلفت أيَّامها القدم أيَّام لهو تقضَّت وهي حافلةٌ ... بالوصل لا سامٌ فيها ولا ندم

ونحن في صفو عيش ما به رمقٌ ... الدَّار دانيةٌ والشمل ملتئم لله كم من لبانات قضيت بها ... أيَّام لم يهتضمني الشيب والهرم فاليوم لا عثرتي فيها تقال ولا ... يرعى لديَّ بها إلٌ ولا ذمم لا درَّ درُّ الغواني كم حشا تركوا ... مقتروحةً حشوها من جورهم ألم يوفون بالعهد ما دام الشَّباب لنا ... غضّاً وما مسَّنا الإملاق والعدم /75 ب/ صحوت يا صاح من سكر الشَّباب وقد ... أضاء صبح مشيب ليس ينكتم وعدت أدأب في نيل الفخار ولي ... عزمٌ يقصِّر عنه الصارم الخدم أرى المعالي مراماً ليس يدركه ... إلا فتى بذيول العزم يلتزم باتت تعنفني في الحرص لائمتي ... تقول ما الحرص يجدي إذ جرى القلم فقلت أرجوا زماني أن يبلِّغني ... مراتباً ليس تسموا نحوها الهمم وكيف لا أترجَّى الخير في زمن ... أبو الفضائل في العادل الحكم ملكٌ سما في سماء المجد مرتدياً ... ثوباً له العدل سلكٌ واحلجا علم وفي مدائح بدر الدين مالكنا ... تحير اللَّوذعيُّ المصقع الفهم إن قيل ليثٌ، فليث الغاب في وجلٍ ... أو قيل غيثٌ فليست تمرع الدِّيم يا أيُّها الملك المرجوُّ نائلة ... ومن تخاف سطاه العرب والعجم فضحت حاتم طيَّ بالنَّدى فغدا ... إليك ينتسب الإحسان والكرم لله أنت فكم شيَّدت من رتب ... ومن جنان نعيم دونها إرم أما وحقِّ أياديك التي ملكت ... رقَّ الأنام وحسبي ذلك القسم! إني على قدم الإخلاص قد علقت ... كفِّي بعروة أمن ليس تنفصم جعلتها لي ملاذاً أستجير به ... من الحوادث أنَّى زلَّت القدم /76 أ/ لا زال ربعك أمن المستجير به ... تؤمُّه من أقاصي أرضها الأمم تسعى إلى بابك الميمون كل ضحى ... تطوف سبعاً بركنيه وتستلم يكبرون إذا لاحت بشائره ... كأنه بينهم في الحرمة الحرم تهنَّ واسعد بذا النَّيروز حين أتى ... مبشراً بسعود ليس تنصرم ودم على رغم من يشناك في نعمٍ ... العدا في إثرها نعم وأنشدني أيضاً لنفسه: [من مجزوء الرمل]

يا رعى الله أناساً ... ما رعوا عقد ذمامي فرَّقوا بالهجر ما ... بين جفوني والمنام وكسوا جسمي سقاماً ... فوق ما بي من سقامٍ ومنها: يا فتاة الحيِّ حيَّا ... أرضكم صوت الغمام كم قتيل لك أمسى بين أطناب الخيام راعها الشيب وقد لا ... ح بفودي كالثَّغام فأجابت عبراتي ... وهي تهمني بانسجام لم .... غير ... هجرانك عاماً بعد عام /76 ب/ ومنها: باكر الرَّاح سحيراً ... قبل تغريد الحمام واله بالكأس وذرما ... قيل فيها من أثام فعروس الكرم لا تجـ ... ـلى على غير الكرام سكنت في الدَّنِّ حتَّى ... سئمت طول المقام ثمَّ جاءت تورد الأنـ ... ـباء عن سامٍ وحام وأنشدني لنفسه، يمدح بعض الأمراء، ويعتذر إليه من أمرٍ جرى له: [من السريع] دم نافذ الأحكام والأمر ... في دولة مشدودة الأزر ورتبه بالسعد مقرونه ... تسمو على العيُّوق والنسر ونحن في ظل حماك الذي ... نلقى به غائلة الدهر نرتع من قربك في روضة ... أزهارها أبهى من الزَّهر يطربنا ذكرك فوق الَّذي ... يبلغ منَّا طرب الخمر ينشر من وصفك بين الورى ... حسن ثناء طيِّب النَّشر /77 أ/ إنَّ أياديك التي طوَّقت ... أجيادنا جلَّت عن الحصر ما سمع الناس ولا أبصروا ... مثلك في بدوٍ ولا حضر

تقني وتفني للندى والعدا ... فأنت للنفع وللضر أضحى عماد الدين كنز لنا ... نرجوه في عسر وفي يسر يقضي له الخطِّيُّ يوم الوغى ... على العدا بالجدِّ والنَّصر إن عبس الفتيان يوم الرَّدى ... رأيته مبتسم الثغر يا واهب الجرد العتاق استمع ... شكواي لمَّا خانني صبري لله ما بتُّ رهيناً به ... من شدَّة الشَّوق إلى الصَّقر أضحت مواعيدك عندي بلا ... شكٍّ يماريها ولا عذر فأجمع به شملي على حالة ... ترضيك بالحمد وبالشكر وكنت الهو برشيق غداً ... يسطو على العنقاء والنَّسر رجوته كيما أسلي به ... طول هموم أحرجت صدري فما دنا لي الدَّهر في قربه ... فأبتزه منِّي بالقهر غادرني باليأس لمَّا غدا ... عند بهاء الدِّين في الأسر وليس يسلي الهمَّ من بعده ... شيءٌ سوى إحسانك الغمر /77 ب/ لم يك تأخيري لغير الذي ... أبديه يا مولاي من عذري وذاك أنَّ الكأس لمَّا رمى ... منِّي بالصَّدِّ وبالهجر جنى على رجليَّ لمَّا جنت ... عليه بالدَّوس وبالكسر لا زلت في عزٍّ منيع الحمى ... ما غرَّد الصَّادح في الفجر [768] محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن يحيى بن الحسين بن أحمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. الشريف أبو الغنائم بن أبي الفتح الحائري، المعروف بابن الجعفرية. من مشهد الحسين بن علي – صلوات الله عليهما وسلامه -. وهو شاعر مطيل، كثير الأشعار، متبجح لسنٌ، هدار ذو مديح وهجاء، وصاف

لنفسه. يفد إلى بغداد يجتدي وجوه الحضرة بها، ويمدحهم. لقته بمدينة السلام، سنة أربع وعشرين وستمائة؛ وهو شيخ كبير السن، طويل أسمر، ذو جسم عبل. وخبرت أنه ولد سنة أربع أو ثلاث وسبعين وخمسمائة؛ وذكر أن والده كان فيهاً /78 أ/ على مذهب الإمامية، وكان جده نقيباً علاّمة وقته في الأدب، وعلم العربية والفقه. أنشدني لنفسه يفتخر: [من الطويل] مرامي قريضي لا تطيش نبالها ... وأسياف فهمي مرهفات نصالها ولي خاطرٌ كالعضب أخطر من ظباً ... مهنَّدة بتر حديد صقالها تطأطئ دوني رأس كل معاندٍ ... وعيل بعزمي من عداه احتيالها ومنها: وإنِّي لأبكار القوافي لمالكٌ ... ,مذهب غيري نقصها وانتحالها سأدعى فريد العصر فضلاً وحكمةً ... أقلِّد خصمي عثرةً لا يقالها فلوذوا بسلمى تسلموا من خواطري ... وإلا دهاكم بالهجاء عضالها سلوا شعراء الملك عنِّي فإنَّني ... إذا أنسيت يوم الفجار تخالها أنا ابن علي والبتول وحبذا ... فخارٌ إذا الأعياض قام سجالها أبي خير خلق الله بعد محمَّد ... لقد حلَّ من أنساب قومي جلالها فإن تنسبوني تخبروا لي أرومةً ... كثيراً معانيها قلالاً مالها بسبق أبي قامت شريعة دينكم ... فباد لدينا حرمها وحلالها /78 ب/ وما زال طلاَّع الثنايا وموقع الـ ... ـمنايا باحران شديد ضلالها لنا يوم خمٍّ والعهود عليكم ... بحب أبينا لا تجدُّ حبالها ونحن ورب البيت أكرم أسرةٍ ... تسود علاً نسوانها ورجالها وأنشدني لنفسه: [من الكامل] ما عن أجرع رملةٍ وعقيق ... إلا ولؤلؤ مقلتيَّ عقيق

أوهزَّ خفَّاق النسيم أراكةً ... إلا عرا منِّي الغرام خفوق إنِّي وإن عنف الوشاة وراش لي ... بالصَّدِّ سهم سلوِّه المعشوق لمتيَّمٌ بهوى الأحبَّة وآلهٌ ... إلى العقيق وساكنيه مشرق يا أهل رامة إن جفا عرصاتكم ... ودق الغمام وصوبه المدفوق فأنا الوفيُّ فلا لديَّ عهودكم ... رممٌ ولا ودِّي لكم ممذوق كم في بيوتكم جداية ربرب يصبي الحليم جمالها الموموق في عطفها هيفٌ وفي الحاظها ... سحرٌ بألباب الرجال علوق الثَّغر عن خصر الرُّضاب منضدٌ ... فالدُّرُّ ثغرٌ والسُّلافة ريق [769] محمد بن محمد بن إبراهيم /79 أ/ بن الحسين بن سراقة، أبو القاسم بن أبي عبد الله الأنصاري الشاطبيُّ. كانت ولادته فيما أخبرني – من لفظه – بشاطبة، في شهر الله رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. وهو شاب طويل، أبيض اللون، تعلوه صفرة، خفيف العارضين، نحيف البدن. ذكر لي أنه من أبناء القضاة الفقهاء، حفظ القرآن الكريم، وتفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس – رضي الله عنه – رحل إلى مدينة السلام في طلب الحديث، فلقي بها جماعة من مشايخها العلماء؛ كأبي حفص عمر بن كرم بن الحسن

الدينوري، وأبي علي الحسن بن المبارك بن محمد الزبيدي، وأبي الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران الداهري، وغيرهم من هذه الطبقة. قدم إربل، ونزل بدار حديثها، وقرأ على شيخنا أبي الخير بدل بن أبي المعمر بن إسماعيل التبريزي، كتباً كثيرة من الأحاديث والتفسير. شاهدته بها في ربيع الأول سنة ستٍّ وعشرين وستمائة؛ فوجدته رجلاً فاضلاً، متنسكاً عاقلاً، مسالماً ذا دين وعفاف وبشر، ووقار على منهاج المتقدمين من العلماء، مواظباً على الاشتغال بالعلم وتلاوة وقراءة القرآن /79 ب/ ثم إنَّه جيّد المعرفة بمعاني الشعر، صالح الفكر في حل التراجم، له شعر حسن. أنشدني لنفسه: [من الطويل] إلى كم أمنِّي النَّفس ما لا تناله ... فيذهب عمري والأماني لا تقضى؟ وقد مرَّ لي خمسٌ وعشرون حجَّةً ... ولم أرض فيها عيشتي فمتى أرضى؟ وأعلم أنِّي والثَّلاثون مدَّتي ... حر بمغاني اللَّهو أوسعها رفضا فماذا عسى في هذه الخمس أرتجي ... ووجدي إلى أوب من العشر قد أفضى؟ فيا ربِّ عجِّل لي حياةً لذيذةً ... وإلاَّ فبادر بي إلى العمل الأرضي

وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى بعض ملوك المغرب: [من الطويل] لقاؤك عيدٌ بالنَّجاح بشير ... وتقبيل يمنى راحتيك حبور بهاؤك في لحظ المواسم موسمٌ ... ونشرك في ريَّا العبير عبير وما عادنا من عيدنا غير وافد ... يحول عليه الحول ثم يزور له أملٌ في لثم لقياك مدركٌ ... وطرفٌ بها يرنو إليك قرير سرى نحوكم مذ عام أول جاهداً ... يجوب عراص البيد وهي شهور فبشراه وفي النفس ملء فؤادها ... سروراً وإن أعيت وطال ميسر /80 أ/ وناجيت نفسي والهوى يبعث الهوى ... وطال بي التسويف وهو غرور أأترك موسى ليس بيني وبينه ... سوى ليلة إنِّي إذن لصبور! فملت بودِّي وأنحياشي وهمَّتي ... إليك وفيها عن سواك نفور وأيقنت أني إن أخذت بحبلكم ... على ريب دهري من الثَّناء أجير هما منثنى الأعناق نحو علائه ... كمالٌ بأهواء النُّفوس جدير ومنها: ينوب عن الدُّر النَّفيس كلامه ... وما ناب عن جدوى يديه بحور إذا صفرت أيدي السَّحاب فكفُّه ... سحابٌ بآفاق السَّماح درور [770] محمد بن يوسف بن أبي سعد بن يونس بن فيروز، أبو عبد الله التلعفريُّ الفرّاء. أخبرني أنه ولد بتلعفر، بمحلة بني سعد، في المحرم سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وتوفي بالموصل في العشر الآخرة من شعبان سنة اثنتين وعشرين وستمائة. ودفن خارج البلد غربيه، بمقبرة المعافى بن عمران الزاهد، تجاه باب الميدان – رحمه الله تعالى-.

كان مقامه بالموصل، يتردد إلى فضلائها، ويختلف إلى أدبائها لطلب الإفادات. /80 ب/ وكان يحفظ مقطعات من الشعر، ويذاكر بها ويشعر، وله طبع يساعده في المنظوم، ومدح جماعة من أهل الموصل. وكان يخلط في شعره ألفاظاً عاميّة، ويستعملها كثيراً في أثناء كلامه؛ فتأتي لائقة في مواضعها، وربّما تكلّف لنفسه يداعب رجلاً يعرف بالحكيم الفقاعي، يبيع الفقاء. وكان يتدين، وإذا سمع موعظةً بكى وتواجد، ويظهر خوفاً وخشية من الله – عز وجل – رحمه الله تعالى: [من المنسرح] لم يبك هذا الحكيم مستمعاً ... إلا أقمنا له معاذيرا لأنَّه من كرام معشره ... حاز التُّقى والسَّداد والخيرا ما فيه من خصلة يعاب بها ... وعرضة لن يزال مستورا قالوا: نراه يبكي إذا عرضت ... موعظةٌ ما تظنُّه زورا فقلت: هذا البكاء متفقٌ ... عليه قد قدَّروه تقديرا يبكي فلوس الفقَّاع منتحباً ... إذ لم تكن كلُّها دنانيرا وأنشدني أيضاً لنفسه، في رجل يلقب بزنباط، وكان من أخل الخير /80 أ/ والديانة. وكان يكثر الصياح في الصلاة تواجداً. وكان من أبغض الناس صياحاً، وربما كان في الصلاة، فيقرأ الإمام آيةً من القرآن، فيزعق زعقات متوالية، فيشوش على الناس صلاتهم لكثرة صياحه، ومقت صوته. وكان الحكيم الفقاعي – رحمهما الله تعالى – يحتذي بحذوه في التواجد: [من المنسرح] كم صاح زنباط في الصلاة وكم ... خر صريعاً ما بين صفَّين واليوم قد أصبح الحكيم لنا ... يحطُّه في السَّماع رخَّين وأنشدني أيضاً لنفسه في زنباط – رحمه الله تعالى -: [من البسيط] وقفت يوماً أصلِّي والصَّلاة بها ... يمحِّص الله ذنب المجرم الخاطي ثم انثنيت إلى الصف الأخير على ... أن ليس ذلك من عزمي وأشراطي فقيل أول صفٍّ لم تركت وقد ... علمت فيه ثواباً غير منحاط فقلت زنباط فيه وهو مستمعٌ ... وإنني أتخشى صوت زنباط وأنشدني قوله من أبيات، يرثي بها طير حمام، ويستعير لها ألفاظاً، /81 ب/ من

ألفاظ المطيرين، واصطلاحاتهم، مبدأها: [من الخفيف] عين سحِّي بدمع جفن هتون ... واسعدي عبد بالبكا والحنين واندبي طيره الذي قطُّ لا يعـ ... ـرف إلا بالسَّابق المجنون كان أوفى الحمام في العلم الا ... ول سبقاً بفوتها كل حين كان لون خفَّق المناصف ما ... احتاج إلى حمل وغدا مكين كان سهل التسريح ما خطر الترحيل يوماً له كدس الظنون وأنشدني أيضاً لنفسه، في إنسان يعمل الخل، يعرف بالمؤذن، فقال له رجل: ما بال خلك يا مؤذن ما له طعم؟ فسئل محمد بن يوسف الفراء أن ينظم في ذلك شيئاً، فصنع هذه الأبيات: [من الكامل] نصح المؤذِّن من له عزم ... وثواب كل نصيحة غنم في حال ذوق الخل قال له: ... ما بال خلك ما له طعم؟ لا توهمنَّ الناس إنَّك قد ... أصلحته ما ينفع الوهم الخل أدمٌ أي فائدة ... فيه إذا لم يصلح الأدم؟ /82 أ/ وشروه منك بغير تجربةً ... خطأٌ ولم يحدث بذا رسم يا عاذلي في شرح قصّته ... خفض عليك فحربه سلم قل للمؤذِّن لا يغرُّك أن ... حمدوك قومٌ حمدهم ذمُّ يكفيك فعلك بالزبيب فقد ... أحسدت ما قد أصلح الكرم درياقنا عنب الكروم وما ... دبرت منه كأنَّه سمُّ لا تعزلنَّ نقيع أوَّله ... فعليك إن أعزلته إثم فاقبل نصيحتنا تبترَّ وإن ... خالفت مالك في السما نجم وأنشدني لنفسه من قصيدة، يقول فيها من أبيات: [من الخفيف] وعلى جيرة نعمت زماناً ... بهم من خليلة وخليل كل بيضاء لدنه القدِّ تحكي ... الغصن في لينه وفي التعديل ذات ثغرٍ كالأقحوان كأنَّ الـ ... ـخمر فيه قد شيب بالزنجبيل.

يخجل الغصن قدها كلَّما ما ... ست دلالاً عن فوق ردف ثقيل حجلها صامتٌ ونطق نطاق الـ ... ـخصر منها ما بين قال وقيل ما بدت في الظلام إلا وقلنا ... طلعة البدر ما لها من أفول /82 ب/ بي غرامٌ وحرُّ شوق إلى ... رشف لمى من رضابها المعسول فيه إن أعوز الدَّواء شفاءٌ ... من سقام المضنى الكئيب العليل واصلت وهي جارة الجنب حتى ... ما نبا الربع آذنت بالرحيل وأبى طيفها يزور لأنِّي ... لم أذق لذَّة الكرى في مقيل يا آخلاَّي هل على كثرة اللَّوَّام من عثرة الهوى من مقيل غدرت فاعتمدت بالصَّادق الوعـ ... د زعيم الجيوش إسماعيل الأمير المهذَّب الأصيد الذَّر ... ب الذَّكي النَّدب الكريم النبيل جئته أشتكي من العلم لمَّا ... شاع في الناس ذكره بالجميل. وأنشدني لنفسه يهنئ بعض الرؤساء بولده: [من الوافر] سعدت بطلعة الولد السعيد ... وعشت الدهر في عيش رغيد تأمَّل أن تعيش بلا نظيرٍ ... يفوق كما يفوق على الوجود ومنها: فأنتم أكمل الرؤساء منكم ... يحقَّق سبق وعد من وعيد إذا ما الخطب أضحى مدلهمّاً ... يضيء بحسن رأيكم السَّديد /83 أ/ وقد عرف الملوك بأن فيكم ... نصائح ما عليها من مزيد عتبت على الرئيس حسن لمَّا ... تباعدت وهو أقرب من وريد عتبت عليه لمَّا صدَّ عنِّي ... وما عوِّدت منه بالصُّدود ومن شيم المحبِّ إذا تمادى ... به المحبوب تذكار العهود تهنَّ بطلعة الولد المفدَّى ... سعدت به وبالشَّهر الجديد وقال أيضاً: [من الخفيف] شغل الحزم بالعنوة عنَّا ... كل ريم إذا مشى يتثنَّى بدر تم بنوره يخجل البد ... ر ويخجل الشمس حسنا

سحر عينيه علَّمت بابل السحـ ... ـر وقد أشبه الغزال الأغنَّا من فنون الجمال فيه ويزدا ... د من الحسن كلَّما ماس فنَّا عوَّدونها الوصال منهم فأضحوا ... بعد إقبالهم يولُّون عنَّا أوقع الحزم بيننا بعد قرب ... نار حرب ضرامها ليس يفنى ويك ما جرم من أباحك في ... المراد نقيتم ولم تخض منَّا وشيوخ الفتيان قالوا جميعاً ... لا يعنّى من ليس يقنص دفنا ويك هلاَّ استأذنت في ذاك طرخا ... ن والأشيخ الفتوة يمنا /83 ب/ جعل الخزم ذا الفتوَّة صيداً .. ليس يخفي مقاصد الخزم عنا وادَّعى أنها صيانة عرضٍ ... ينطوي في بلوغه ما تمنَّى خيروه وليس يخفى عليه ... حال علق إذا عليه تجنّي كلَّما شدَّ امرداً بسراويـ ... ـل نهارا نجلُّه نحن وهنا قد تعجبَّبت حيث مالوا إليه ... وهو منَّا أشدُّ فسقاً وأزنى قل لمن رامه رفيقاً لعمري ... عن قليل محبة المرد تفنى فقصارى ما نلت يا صاحب منهم ... فهو نصف اسم كل شيء مثنَّى إنما أنت فاعلٌ والمفاعيل ... كثيرٌ والخزم حرف لمعنى [771] محمد بن يوسف بن مكارم بن منصور بن عبد الله بن منصور بن علويٍّ، أبو عبد الله الشيباني الموصلي المؤدب. شاب أسمر قصير، نزل في عارضيه الشيب. كان يؤدّب الصبيان في المكتب بالموصل، ثم ارتبطه الأمير أمين الدين أبو المكارم لؤلؤ بن عبد الله البدري، لتأديب ولده الأصغر. وهو شاعر فطن مجيد، ذو فكرة نادرة، وبديهة في الشعر حاذرة. كان النظم طلوع يديه، والقوافي /84 أ/ مسلمة أزمتها إليه، يتصرف في القريض، كيف ما أراد من غير فكرٍ ولا استعداد. مدح جماعة من رؤساء مدينته وأمرائها. أنشدني لنفسه، يمدح المولى المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد

الإسلام والمسلمين، محي العدل في العالمين، جلال الملوك والسلاطين بهلوان جهان طغر لبك مكا أتابك أبا الفضل غرس أمير المؤمنين – خلّد الله دولته – ويذكر القنطرة والشباك، بالباب العمادي. وكان في الحكومات بين الناس: [من الوافر] ألا يا أيها الملك الرَّحيم ... بعدلك ذا الصراط المستقيم بثثت العدل فالعنقاء تلفى ... ولا يلفى لمخلوق ظلوم وجدت فلا نرى إلا غنياً .. ز فمنذ وجدت قد عدم العديم بنورك .... دين الله ضاءت ... دياجي الظُّلم والليل البهيم سليل الجود أنت فليس يأتي ... بمثلك بعدها الدَّهر العقيم فدمت أبا الفضائل لا رأينا ... يتيماً في الفصائل يا يتيم طويت حديث طيٍّ في العطايا ... وقال كريمهم هذا كريم كسرت نصيحةً في العدل كسرى ... كما سفَّهت أحنف يا حليم /84 ب/ تهاب الأسد بأسك خادراتٍ ... في الأرحام يقدمها الوجوم وتخشاك الهوام بكلِّ أرض ... فلو أكلت لما ضرَّ السموم ولو ملكٌ توهَّمك احتوته ... همومٌ جمَّةٌ وعراه لوم سلوفك لا تفارقها الغواشي ... وبأسك في الوغى عنها يقوم فلو جرَّدت عضباً يوم حرب ... إذن عمَّ الورى موتٌ عميم ودهرٌ كلُّه يومان بؤسٌ ... لمن عادى وللراجي نعيم وكل الناس في يوميك إمَّا ... سليمٌ بالمنيَّة أو سليم وأنشدني لنفسه يمدح: [من الرجز] بين أراك المنحنى وضاله ... مهفهفٌ كالغصن في اعتداله بدر دجى إذا بدا مقرطقاً ... يخجل بدر التمِّ من جماله تخال كثبان النقا إذا انتشى ... معتدلاً ترتج في سرباله حاز جميع الحسن فهو كاملٌ ... أعيذه بالله من كماله يتشاقه قلبي وطرفي فإذا ... رأيته أطرقت من صلاله ميل الصدغين .... لم يفق ... في حبه قلبي من بلباله /85 أ/ لا يعرف العطف على عشَّاقه ... بل الجفا والصدُّ من خصاله

يغضب طوراً ويصدُّ تارةً ... ظلماً فكم يعمه في ضلاله رضيت يا قوم بأنِّي عاشقٌ ... له بما يرضاه من فعاله يا ليت شعري هل تعود ليلةٌ ... قضيتها بالسفح في وصاله إذ بتُّ أدني الورد من خدوده ... غضا وأسقى الورد من سلساله وكنت لا أرضى الوصال عفَّةً ... واليوم أشتاق إلى خياله لم أنس إذ زار بغير موعد ... والنسر قد أطلق من عقاله فلم نزل في غبطة حتى انقضى ... الليل ولاح الصباح في خلاله كوجه تاج الدين والمولى الذي عم جميع الخلق من نواله وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الرجز] ما سنحت ببابل نعاجه ... إلا أبان .................... ولا تذكرت ظباء عالجٍ ... إلا وأبدى كمدي اعتلاجه من كل معسول الرُّضاب أشنب ... الذُّ في مخِّ الطلى مجاجه أهيف ممشوق القوام مائل الـ ... ـعطف يزين ردفه ارتجاجه مرنانه حاجبه ونبله ... لحاظه ومهجتي اماجه /85 ب/ يلجُّ في هجري فإن عاتبته ... زاد على تعتبي لجاجة بدرٌ له قلوبنا منازلٌ ... وحبرات عبقر أبراجه أعزَّه الحسن كدين أحمدٍ ... أعزَّه المولى الحسين تاجه وأنشدني أيضاً من شعره، فلا غلام اسمه حسن، وقد قال له: هل عشقت أحسن مني؟ فأنشده بديهة: [من الخفيف] بأبي شادنٌ أغنُّ غضيض الـ ... ـطرف لدن القوام حلو التثنِّي عربيُّ الألفاظ من آل خا .... قان سما حسنه على كل حسن بابليُّ الألحاظ معجز هارو ... ت بسحر الجفون في كل فنِّ يتجنَّى عليَّ من غير جرمٍ ... فهو عذب الجنى ومرُّ التجنَّي ليست أنساه قائلاً: بحياتي ... هل تعشقت قطُّ أحسن مني

قلت: دع ما مضى فلست أرى مثـ ... ـلك حسناً يا غاية المتمنِّي [772] محمَّد بن فضلون بن أبي بكر الحسين بن محمد بن وهب بن صالح بن يوسف بن عمر بن عبد الله /86 أ/ بن عاصم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الله العقريُّ. من أبناء الأكراد، والعقر قلعة حصينة مشهورة، يقال لها: عقر الحميديَّة جيل من الأكراد، ببلد الموصل. شاب طويل أحول، مائل إلى الشقرة، ضئيل البدن نحيفه. أخبرني أنه ولد بها في جمادى الأولى سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة. وبلغني أنه كان مريضاً بالموصل، فتوجه نحو أهله إلى العقر، فأدركته منيته بموضع يعرف برأس النا عور؛ فدفن هنالك، وقبره به على تلعة من الأرض؛ وذلك في أواخر ذي الحجة سنة أربع وعشرين وستمائة – تغمده الله برحمته ورضوانه إنه جواد كريم-. وكان من الفضلاء في كل علم، فقيهاً شافعياً، مناظراً، أديباً، نحوياً، شاعراً، متفنناً، لقي علماء الأدب والفقه، وأخذ عنهم، وسمع عليهم الحديث، وصنّف كتباً منها: كتاب "الرموز الشرقية على الكنوز الخفية" في علم الأصول. وكتاب في الفرائض، وغير ذلك. أنشدني لنفسه: [من الكامل] بي من فراقك وحشةٌ وصبابةٌ ... ابين لجنبي أن يلائم مضجعاً وغضضت من بصري ففيه تورعٌ ... عن رؤية الدُّنيا إلى أن يرجعا /86 ب/ ولقد ذممت الصَّبر قبل دفاعه ... والشوق قد قرع الفؤاد فأوجعا

وحمدت بعدك إذ أعاتب أدمعي ... فمر المعين فقد نزفت الأدمعا وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الكامل] وصل الكتاب فكان عند وروده ... روحاً تردد في حشاشة هالك فطفقت أنشد في الجوانح كلها ... لا يعدم المملوك جود الممالك وأنشدني من شعره: [من الوافر] أبثُّك أن من شيم اللَّيالي الـ ... ـعنيفة أن تجور على اللهيف كمثل الخلط أقوى ما تراه ... يصب أذاه العضو الضعيف وأنشدني قوله: [من الطويل] تمكن الحب من قلبي يعذبني ... ولا محالة أن الحب تعذيب فهل كمثلي محبٌّ لا يفيق هوى ... أم هل كمحبوبي الفتَّان محبوب هويت من لو رآه العاذلون أمـ ... ـضَّني فيهم عذلٌ وتأنيب /87 أ/ كأنَّما قدُّوه والتِّيه يعطفه ... رمحٌ قد اضطربت منه الأنابيب وفي لواحظه سفيان لو شهرا ... على .... لأضحى وهو مغلوب وأنشدني قوله: [من الطويل] وفيت بوعدي والموانع جمَّةٌ ... واختلفت منك الوعد من غير مانع وما ذاك إلا أن عندك نفرةً ... وعندي هوىً كالنَّار بين الأضالع فكن كيف ما تهوى جفاءً ورقَّةً ... فإنك عندي في أعزِّ المواضع متى تجن ذنباً يقتضي عنك سلوةً ... ففي وجهك المحبوب أكرم شافع وأنشدني أيضاً لنفسه: [من المتقارب] قرأت كتابك فازداد بي ... إليك اشتياقي وهاج التياعي عسى من رمانا ببعد الديار ... يمنُّ علينا بقرب اجتماع

وأنشدني من شعره: [من الطويل] ولو أنني حمَّلت كتبي بعض ما ... يلاقيه قلبي من فراقك والصَّدِّ لما وصلت إلا وفي صفحاتها ... ندوبٌ من الهمِّ المبرِّح والوجد وأنشدني لنفسه، ما كتب به إلى صديق له في صدر رقعة، يشفع فيها لبعض الشعراء: [من الكامل] /87 ب/ كرمت طباعك كالخلائق روضةً ... والكف غيثٌ دائمٌ الهطلان وتناقل المدَّاح وصفك بينهم ... لا زلت ممدوحاً بكل لسان وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض الرؤساء عتاباً: [من الطويل] أليس عجيباً أنني لك شاكرٌ ... محبٌ وأمسي موغر الصدر باكيا وكانت ظنوني في علاك جميلةً ... فغادرتها والله يعلم ما هيا أتعمر جسراً باطِّراحك جانبي ... وتهدم بي قصراً من الذكر عاليا وترقد عنِّي ملء جفنيك ملغياً ... حقوقي وقد نبَّهت فيك القوافيا وجدت لساني عن كلام يسؤكم ... كليلاً وإن كان الحسام اليمانيا وجاء أذاكم مرةً بعد مرةٍ ... فصادف مني صابراً متغاضيا فلا تحوجوني اقتفي غير مذهبي ... وأنوي لكم غير الذي كنت ناويا وما ضرَّكم أن تستديموا مودَّتي ... عليكم وأن تشروا بمال ثنائيا وأنشدني أيضاً لنفسه في المعنى: [من الطويل] إذا زدت شكراً زدتموني أذيَّةً ... فبت ولي قلبٌ يقلَّب في العتب وما زلَّتي فيما أرى غير حبكم ... فهل عندكم أن تغفروا زلَّة الحب /88 أ/. /88 ب/ وأنشدني لنفسه يصف الثلج: [من الطويل] عدمت رواء الثلج أن بياضه ... سوادٌ إذا النيران لم تتضرم كأني وقد أرعدت عند وقوعه ... فؤاد جبانٍ خاف من وقع لهذم

هو المشتري المذموم في كل شتوةٍ ... ولكنه في الصيف غير مذمم [773] محمد بن عمر بن عليِّ بن سعد الله بن يوسف بن إسماعيل، أبو حامدٍ المعروف بابن الحديثي. شيخ ربعة، نقي الشيبة، ضعيف العينين جداً. أخبرني أنه ولد بحديثة الموصل – وهي بليدة على دجلة، بالجانب الشرقي قرب الزاب الأعلى – وقيل إنها كانت .... ولاية الموصل، منتصف شوال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. ونشأ بإربل، وحفظ القرآن الكريم، وتوجه إلى الموصل، فقرأ تجويداً على الشيخ أبي الحرم مكي بن ريّان النحوي، ثم عاود إربل، وختم عليه القرآن خلق كثير. وكان يتولى بإربل لسطانها الملك المعظم مظفر الدين –رضي الله عنه – الوقوف والحشرية وارتفاع الخاص، والنظر في /89 أ/ أملاكه، ولم يكن له شعر طائل. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى الأثير أبي محمد الحسن الموصلي العمراني، وهو يومئذ يتولى الإشراف بديوان إربل: [من الكامل] قل للأثير بن الأثير ومن له ... بين الورى الإجلال والإعظام بعلاك يا ابن عليٍّ الشرف الذي ... يعلو ويقصر دونه بهرام إن ضاع حقِّي عند غيرك لم يضع ... للمسلمين بحوزتيك ذمام .. بك يا محمد التقى ... والفضل والقرآن والإسلام [774] محمد بن ثروان بن سلطان بن حسّان المعروف بهياسٍ، يكنّى أبا عليٍّ. رجل عبل اليدين، متكهل أسمر اللون، ضعيف البصر. وكان يخضب لحيته، ثم

ترك الخضاب، ولم يستعمله؛ كان أبوه من أهل هيت. وأبو علي ولد بالموصل سنة ثماني وسبعين وخمسائة. وكانت صنعته في ابتداء أمره الحياكة، ثم مال إلى الشعر، وأحبّه من صغره، وصحب أدباء وقته من أهل الموصل، وامتدح بها جماعة. نزل إربل، وأقام بها برهة /89 ب/ من الزمان يتكسّب بشعره الوزراء والأمراء؛ ولما رأى من لؤم أهل هذا الزمان، ورفضهم الفضائل والآداب، وتقاعسهم عن المكرمات، وكساد سوق القريض، غسل ديوان شعرهن واعتنى بحفظ الحكايات والملح والمحاضرات، وأخبار الناس والتواريخ، وحين مات مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين – رضي الله عنه – وجاءت الدولة المستنصرية، فارق إربل، ورحل إلى بلاد الشام؛ فنزل محروسة حلب في أيام الملك العزيز غياث الدين، فامتدحه، فأجازه وجعله أحد شعراء دولته، وقرر له جراية وجامكية، تصل إليه في رأس كل شهر. ولما توفي الملك العزيز، وتولى السلطان الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف – خلد الله ملكه – لم يغير عليه شيئاً، ومدحه وأنعم عليه: أنشدني لنفسه، يمدح الملك المنصور عماد الدين زنكي بن أرسلان شاه: [من الطويل] لقد هاج لي رند الحجاز بنشره ... جوىً خلت حرَّ النار من دون حره واذكرني عهداً بنعمان سالفاً ... على أنني ما زلت مغرىً بذكره خذوا من حديثي ما لكم فيه عبرةٌ ... لمعتاد أوجاع الهوى مستمره /90 أ/ ولا تطلبوا من مغرم القلب سلوةً ... فميقات ما تبغونه يوم حشره كفى قلبي المحزون كثرة وجده ... غداة استقلوا عند قلَّة صبره ألفت الغضا مما أبثُّ له الجوى ... كألفة ودٍّ بين قلبي وجمره وطال على الليل حتى ظننته ... سميري من الأحزان من فقد فجره وأهيف معسول الشمائل طرفه ... يفيض على هاروت تيّار سحره يحار ضياء الصبح من صبح وجهه ... ويغرق جنح الليل في ليل شعره

رضيت بما يرضاه في السُّخط والرِّضا ... واعترضت عن زيد الملام وعمره أيا قاتل المشتاق من غير زلَّة ... لك الله ما أغناك عن حمل وزره لئن خمت عهدي أن غدرت بذمَّتي ... وكل أخي حسن يدل بعذره وساعدك الدهر الخؤون معانداً ... وكل أخي فضل شكا صرف دهره فلي ولصرف الدهر والدهر وقفةٌ ... لدى الملك المنصور علماً بنصره فتى تعجز الأسماع عن حدِّ مدحه ... وتعيى ذوو الأفهام عن بثِّ شكره يميت ويحيي سيفه وبنانه ... كأن الرجا والبؤس يأتي بأمره إذا ما لجا عافٍ إلى يسر كفه ... بمتربةٍ أنساه أيام عسره أنشدني لنفسه يمدح: [من المديد] /90 ب/ يا نديمي هزَّني الفرح ... ودعاني للهوى المرح فاسقني خمراً إذا مزجت ... خلت منها النار تنقدح سترت في الدَّنِّ فاحتجبت ... وهي في الكاسات تفتضح مذ أتى المنثور منتظماً ... نبذت ما بيننا السُّبح وغذا القنديل منكسفا ... وتلالا خلفه القدح ومن مديحها، يقول: يا مليكاً عن تفضُّله ... تقصر الأوصاف والمدح والذي بالعدل مغتبقٌ ... وهو بالإحسان مصطبح ذهب .... وقد ... جاءت اللذَّات والملح بك نلقى العيد تهنئةً ... أنت عيد الناس والفرح وأنشدني لنفسه، يمدح السلطان الملك الناص صلاح الدين أبا المظفر يوسف بن محمد – صاحب حلب المحروسة أدام الله أيامه – ويهنئه بعيد النحر: من لي بإيناس نومي النافر ... وبالحبيب المفارق الهاجر /91 أ/ وبالوصال الذي نعمت به ... نهباً كظلٍّ أتى به طائر يا غادراً غادر المحب لقىً ... وراقداً عن أسيره الساهر

لا تسل الناس ما منيت به ... وسل بحالي خيالك الزائر قدك قد حير الرماح وقد .... أعجز هاروت طرفك الساحر كم يجحد الحق عند سفك دمي .... وفوق خديك شاهد حاضر افعل بقلبي الذي تشاء فما ... زال جليدا على الأذى صابر ظبي من الترك تاركي مثلًا ... معتدل عند حكمه جائر اسمر من صده غلا سمرًا ... حديث وجدي والحزن لي سامر يعذر من جن في محبته ... وماله في سلوه عاذر يا روضة بالحمى [ ... ] ... بين صريم النقا إلى حاجز لا تحزني إن وعدتك غادية ... فسوف يكفيك جفني الماطر أو نائل المالك الذي نصر الإ ... سلام حقا فسمي الناصر صلاح دين الإله والمورد العذب ... لبادي العفاة والحاضر يسمو بجودٍ وسؤددٍ وندى ... كفٍّ وأصل مؤثل طاهر أبلج ماضي الجنان يعتمد الإ ... حسان والعدل واهبٌ غافر /91 ب/ أصبح يحكي المسيح نائله ... وأصبح الناس كلُّهم عازر يا ظاهر الفضل في الملوك لقد ... أحييت ذكر العزيز والظاهر يا ضاحك الوجه والخلال إذا ... جاء زماني بوجهه الباسر أصبحت للملك جبهةً وغدا ... الأملاك عند القياس كالحافر جوذك كالبحر عند زخرته ... ليس له عائمٌ ولا جازر سيفك قد مهَّد البلاد وقد ... طهرها من معاند غافر ما خالف القول عند مدحك بيـ ... ـن الناس لا صادقٌ ولا فاجر عنترةٌ في اللقاء دونك والـ ... ـطائي عمَّا ترومه قاصر يا بحر يا ليث يا مقدم ... في الملك وإن كان عصره آخر ويا جوازاً أضحى بحليته ... كل جواز مقصِّراً عاثر تهنَّ بالعيد شاكراً أنعم الله إله لخلقه فاطر وصلِّ وانحر كما أمرت فلا ... زلت على الخالق ناهياً آمر

فأنت عيد الأنام والفرحة الـ ... ـكبرى فدم سالماً إلى حاشر لا زلت تلقى مناك في السلم والـ ... حرب سليماً مؤيداً ظافر وأنشدني لنفسه، في غلام له شامتان في شفته، إذا أطبقهما انظمتا، فتصيران كأنهما واحدة، وإذا تبسم انقسمتا: [من المنسرح] يا صنماً بات للورى صنما ... وجائراً بالمحبِّ إذ حكما ومن له مقلةٌ صوارمها ... تقل عمداً وما تريق دما وورد خد يزيده وعك التـ ... ـقبيل حسني نضارة ونما وليل خال على مقبَّله ... كأنَّما ثغره به ختما يشبعه صمته ويقسمه ... برق ثناياه كلَّما ابتسما وأنشدني أيضاً لنفسه، ما كتبه إلى كمال الدين بن مهاجر الموصلي: [من الطويل] ألا يا كمال الدين نفعك حاضر ... وغيرك يأتي نفعه بعد ضره تجود بأموال سعيت لكسبها ... وغيرك يعطي من مكاسب غيره وأنشدني أيضاً لنفسه في قصيدة: [من الخفيف] ألا يا كمال الدين نفعك حاضر ... وغيرك يأتي نفعه بعد ضره تجود بأموال سعيت لكسبها ... وغيرك يعطي من مكاسب غيره وأنشدني أيضاً لنفسه من قصيدة: [من الخفيف] خوِّلوا جفنه القريح رقاده ... فعسى طيفكم يزور وساده واقنعوا منه بالذي فعل الهجـ ... ـر فقد أمرض الصدور فؤاده /92 ب/ كأن حظي الشقاء منكم على الو ... د وغيري بكم ينال السعاده فارحموا عاشقاً بكم ذا اعتقادٍ ... أفسد الحب دينه واعتقاده قد لقيتم مرادكم منه بالهجر ... متى بالوصال يلقى مراده وأنشدني أيضاً لنفسه: [من البسيط] أبيت في لجج التذكار منك وبي ... حالان مختلفان: اليأس والأمل لا يهتديني طيفٌ مذ هجرت ولا يزورني المبينان الكتب والرسل أسائل الدار من وجد عليك فلم ... يجبني المقفران الربع والطلل قد كنت في دعة قبل الغرام وقد ... ضاقت بي الأقصيان السهل والجبل تصادمٌ كلما سلَّت لواحظه ... لم يعمل القاتلان البيض والأسل

وإن بدا ريقه في كأس ساربه ... لم يحمد الأطيبان الخمر والعسل مهفهفٌ من بني الأتراك معتدلٌ ... لديه يختصمان الخصر والكفل أخفى هواه ويخفى لوعتي حرقٌ ... يهيجه المزعجان اللَّوم والعذل عندي له عقدودٍ لا انفصام له ... وعنده الأقبحان الغدر والملل وأنشدني من شعره: [من الطويل] ألم يكفكم ذلِّي بفقد حبيبي ... وشاهد أسقامي وفرط شحوبي /93 أ/ إلى أن أطلتم في الملام فليتكم ... عذلتم .... القلب غير كئيب أجيراننا ما كنت في حفظ عهدكم ... خؤوناً ولا في ذكركم غريب نزحتم دموعي إذ نزحتم فلم أفز ... لدعوة ضرِّي بعدكم بمجيب فهلاَّ تركتم بعد صبري ذخيرةً ... لساعة بين أو لعين رقيب فواعجباً يشتاق قلبي لحاظكم ... وما برؤه من جرحها بقريب ليعجب أرباب الهوى كيف يدَّني ... فؤاد مصاب من سهام مصيب أقول وقد مالت بقلبي صبابةٌ ... تؤجِّج وجدي أو تزيد لهيب سقى الله أرض الغائبين غمامةً ... وردَّ إلى الأوطان كل غريب [775] محمد بن فاخر بن شجير بن أبي الهيج، أبو عبد الله البغدادي. شاب أشقر، أبيض اللون، مشرب بحمرة، من شباب مدينة السلام؛ فيه دماثة وطلاقة، ويترامى إلى قرض الأشعار، والتحفظ منها، ويتشبه بشعراء مصره، ويسلك نهجهم في سهولة الألفاظ، وخفّة أرواح المعاني، وتارة يسلك مذهب العرب في أقوالهم وجزالتهم. سألته عن ولادته، فقال: ولدت في ... سنة اثنتني وتسعين وخمسمائة، واستئنشدته من شعره، فأنشدني /93 ب/ لنفسه مبدأ قصيدة: [من الطويل]

خليليَّ عوجا بالمطيِّ على الحمى ... لنقضي لبانات لنا ونسلِّما وميلا إلى الشِّعب التِّهاميِّ سحرةً ... فالبشعب قد أصبحت صباً متيَّما وما كنت أدري أن شعب تهامة ... يصير ثراه لي مزاراً ومثلما فلا تعذلاني في هواي جهالةً ... فلو بكما بعض الذي بي عذرتما رجوتكما أن تسعداني على الهوى ... فخاب الذي قد كنت أرجوه منكما وإن كنتما أغريتما بملامتي ... ذراني ووجدي واذهبا حيث شئتما فإني رأيت الصبر عني ظاعناً ... ووجدي بليلي في جانبي مخيِّما فتاةٌ قضيب البان يحسد قدَّها ... ودعص النقا من دونها قد تظلَّما لها مبسمٌ عذبٌ تخال رضابه ... مجاجة نحل أو رحيقاً مختَّما وبي ظمأٌ يذكي المياه ضرامه ... ويطفي برشف الظلم من ذلك اللُّما ولولا وشاة الحي لا درَّ درُّهم ... نزلت وسرَّحت المطيَّ المخرَّما وإني لأجفوا لادار لا عن ملالة ... ولكنني أخشى الرَّقيب المذمَّما إلى م قعودي لست أنهض للعلا ... تعلَّل آمالي بليت وعلَّما وحتى م لا أسعى لها سعي ماجد ... بعزم يفلُّ المشرفيَّ المصمَّما /94 أ/ عصبت على الآمال إلا ارتياحةً ... تنازعني للمجد قلباً مقسما ولا حملتني الخيل إن لم أردَّها ... سواهم قد أودى بنا وبها الظَّما ولا رفعت ناري لتجلب طارقاً ... ولا حملت كفِّي الوشيج المقوَّما ولا أخذت عنِّي الرُّواة قصائداً ... ولا شمت في يوم الكريهة مخذما إذا أنا لم أبلغ من المجد غايةً ... يقصر عن إدراكها كل من سما وأنشدني أيضاً لنفسه: [من مجوء الكامل] ارح المطيَّ من الرسيم ... وذر التعلُّل بالرُّسوم وانزل بحانات المطيرة ... خاطباً بنت الكروم واستجل بكراً شتِّتت ... يوماً بها شمل الهموم صفراء في كاساتها ... حمراء في كفِّ النَّديم يملي عليك هديرها ... ما كان في الزَّمن القديم نصبت شباك مواقعٍ ... صادت بها عقل الحليم

من كفِّ معتدل القوام ... بوجهه ماء النَّعيم مثل الصباح جبينه ... والفرع كالليل البهيم برعت ماحسنه فليـ ... ـس تحدُّ بالشِّعر النَّظم /94 ب/ والرَّوض يكسره النَّدى ... ويفيقه مر النسيم والزَّهر يضحك شامتاً ... لبكاء أجفان الغيوم [776] محمد بن قرطايا بن عبد الله، أبو العباس بن أبي الوفاء الإربليُّ. كانت ولادته في شهر رمضان، سنة ستٍّ وستمائة. وقد تقدم شعر أخيه. وهو أمير ذو منظر ورواء وجمال رائع وبهاء. ولم يزل يتولع بصناعة القريض، ويصرف همّته إلى إنشائه، حتى صدر عن خاطره ما استحسن معناه، واستجلى مغزاه. لقيته بإربل، وكان يومئذ في خدمة سلطانها مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين – رحمه الله تعالى– فلما مات مظفر الدين، سافر أبو العباس إلى حلب، وخدم مليكها الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي – رحمه الله تعالى – وتقدم لديه، ونادمه وأنعم عليه إنعاماً وافراً، فحينئذ توفي الملك، أقرّ على ما هو عليه. اجتمعت به بحلب بمنزلة بالحاضر السليماني في سنة أربع وثلاثين وستمائة، وترددت إليه ثلاث مرات، فآخر مرة كنت عنده جالساً؛ وذلك يوم الاثنين في رجب سابع عشر. فتشكى من كسل اعترضه، وثقل في جسمه، فأشاروا عليه بالفصد، ففصد من ساعته، ونهضت من عنده، ودعوت به بالسلامة، فأعقب ذلك الفصد /95 أ/

مرض انصبّ علين، من إسهال وحمى، وعولج ولم يزل يعالجه الأطباء، وأحواله تتناقص، إلى أن توفي يوم الأحد الثالث والعشرين من التاريخ، في الشهر المذكور. ودفن يوم الاثنين قبلي البلد بالمقابر المعروفة بالمقام – رحمه الله تعالى-. لقد كان شاباً كيّساً ساكناً، ومما أنشدني لنفسه: [من الطويل] أما واشتياقي عند خطرة ذكركم ... وذا قسمٌ لو تعلمون عظيم لأنتم وإن عذبتموني بهجركم ... على كل حال جنَّةٌ ونعيم سلمتم من الوجد الذي بي عليكم ... ومن مهجة فيها أسىً وكلوم ولا ذقتم ما ذقت منكم فلي بكم ... رسيس غرامٍ مقعدٌ ومقيم وأنشدني لنفسه: [من الطويل] أقدُّك هذا أم هو الغصن الرَّطب ... وطرفك هذا أم هو الصَّارم العضب أيا بدر تم فيك للعين نزهةٌ ... وللقلب تعذيبٌ ولكنَّه عذب خف الله في قتل الكئيب وعده ... بالوصال عسى نارٌ بمهجته تخبو ولا تجهلن ما بي وإن تك جاهلاً ... سقاني به الجوزاء والأنجم الشُّهب وأنشدني أيضاً من شعره: [من المنسرح] /95 ب/ بورد خدَّيك إنه قسم ... صلني فقد شفَّ جسمي السَّقم يا صنما ضلَّ فيه عابده ... كم من دم قد أرقت يا صنم منحتني بالخيال مختلساً ... يا ليت عمري بأسره حلم لله من غادر محاسنه ... شتى من العاشقين تنتقم يقول قومٌ كأنَّه غصنٌ ... من أين للغصن ريقه الشَّبم أفديه نشوان فوق وجنته ... نورٌ ونارٌ في القلب تضطرم يا لائمي فيه خلِّ ويحك عن ... عذلي فلومي في حبِّه ألم

وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الرجز] قد أزف البين وآن السُّرى ... تباً لجفني إن دنا الكرى وكيف يأتي النوم جفن امرئ ... لولا حنينٌ في الحشا لن يرى يا حاوي الظَّعن رويداً فقد ... روَّيت من دمعي يبيس الثرى كأنَّما العيس أنيخت على ... جفني فلمَّا أن أثيرت جرى رفقاً بصبَّ هجركم قاصمٌ ... من صبره الواهي عقود العرى فما يخون العهد فيكم ولا يغادر الحبَّ لخطبٍ عرا ومنها يقول: لله قومٌ قد أراقوا دمي ... بكل طرف فاتر أحورا! أودعتني سقماً وحمَّلتني ... في الحبِّ ما يعجز عنه حرا آهاً لعيشٍ كان لي بالغضا ... غضاً وعودي بالحمى مثمرا وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الكامل] يا أيها الشَّاكي السلاح وطرفه ... عن سهمه وحسامه يغنيه الضَّبُّ أولى أن يكون مدرَّعاً ... لسهام مقلتك التي ترميه [777] محمد بن غازي بن علي بن محمد بن أبي سعدٍ، أبو بكرٍ الموصليُّ المعروف بالفقاعيِّ. أخبرني أنه ولد بالموصل سنة تسع وخمسين وخمسمائة، في محلة شاطئ النهر، وتوفي بدمشق في رجب سنة تسع وعشرين وستمائة. رأيته شيخاً كبيراً، أسمر أبيض اللحية، فقيهاً، يتعلّق بخدمة الملكة خاتون بنت أيوب بن شاذي، بإربل. وكان شربدارها.

أنشدني لنفسه، يمدح الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شاذي؛ من جملة أبيات أولها: [من الكامل] /96 ب/ يا صاحبي بين الأراك ولعلع ... أرح المطيَّ به وذرها ترتعي إن المسافة والدِّيار بعيدةٌ ... أين الأراك من اللوى والأجرع؟ وإذا اكتفيت من رعيها ورأيتها ... قد اتفقت من وردها في المشرع أقصد بها نحو الغدير لأنني ... يوم الفراق ملأته من ادمعي كم قد سفحت مدامعي في أربع ... عبثت بها أيدي الرياح الأربع ومن العجائب أنني أسقي الحيا ... من مدمعي ولظى الجحيم بأضلعي وحمامة سجعت على بان الحمى ... سحراً فقلت لها كذلك فاسمعي حزني لحزنك في الهوى يا هذه ... لو كان يجدي في الرُّسوم تخضُّعي والله ما هجعت جفوني بعدهم ... فكأنَّما شوك القتاد بمضجعي ما ذاك إلا أن يوم وداعنا ... قالت أميمة لي بقلبٍ موجع لا تنس صحبتنا بعيد فراقنا ... فاجبتها: لا والبطين الأنزع ويقول في مديحها: / يا أيها الملك المغيث أنا الذي ... أثنى ولست عن الثَّناء بمقلع ووعدتني بالخير يا خير الورى ... وطعمت فيه فلا تخيِّب مطمعي وأنشدني أنها قوله من أخرى: [من البسيط] /97 أ/ قفا قليلاً بربع الدار من أضم ... كيما أبث إلى ذات اللُّما ألمي قد رقَّ لي حاسدي ممَّا بليت به ... وعاذلي قد رثى لمَّا رأى سقمي كيف الخلاص من البلوى وقد تلفت ... روحي وقد صار خصمي في الهوى حكمي يا نازلين بأرض الخيف عبدكم ... من بعد بعدكم عيناه لم تنم يهيم شوقاً ووجداً كلما صدحت ... بالجا ..... ورقاءٌ على علم ما هبَّت الرِّيح يوماً من دياركم ... إلا ذكرت ليالينا بذي سلم أين العهود التي بيني وبينكم ... أيام حبل التَّداني غير منصرم أطمعتموني إلى أني هويتكم ... فما حصلت على شيءٍ سوى ندمي

وأنشدني لنفسه، يهجو بعض القضاة: [مجزوء الكامل] قاض يقول لضيفه ... الخبر في بيتي وديعه والماء أصبح عندنا ... مالا تجوِّزه الشَّريعه فاحتل لنفسك في قرىً ... فالأرض مخصبةٌ وسيعه [778] محمد بن شعيف بن عبيد بن المجلّى بن عبد الله التميميُّ البصريُّ، أبو عبد الله. شاب/97 ب/ قصير، أسمر اللون، تعلو لونه صفرة. ورد من إربل إلى مدينة الموصل، في أواخر ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وستمائة؛ وأقام بها أشهراً. وكان مدة مقامه يستنسخ بها كتاب: "المثل السائر"، ويتردد إلى مصنِّفه أبي الفتح نصر الله بن محمد بن عبد الكريم الكاتب الجزري. يقرأه عليه، فحين فرغ من نسخه وقراءته، سافر إلى إربل في شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. وكان شاباً ذكياً، شاعراً خبيرا ًبالشعر، بصيراً بمعانيه، حافظاً للقرآن العظيم، شدا طرفاً صالحاً من الأدب واللغة. وكان عاقلاً ديناً، ذا سكون وصلاح، وحسن صحبة. سألته عن ولادته، فقال: ولدت في جمادى الآخرة بالبصرة سنة اثنتين وستمائة. أنشدني لنفسه، يمدح بهاء الدين أرغش .... ، وأنشده إياها بالبصرة: [من المنسرح] دارت على دار ميَّة الدِّيم ... تسحُّ طوراً بها وتنسجم وكلما ناح غيمها وبكى ... بدت ثغور الرِّياض تبتسم دارٌ أديرت على كؤوس الـ ... ـلَّهو دهراً والشَّمل ملتئم /98 أ/ من كل فتَّانة إذا برزت ... توهَّم القوم أنَّها صنم يا منية القلب في تودُّدها ... وطرفها في الوفاء متهم

ينجاب ستر الدُّجى إذا سفرت ... عن وجهها والظَّلام مرتكم لا يدرك الواصفون بهجتها ... وصفاً ووصَّاف حسنها الأمم مضى الزمان الذي نعمت به ... كما يرى فيه المنام محتلم كأنما الدَّهر كان يحسدني ... عليه إذ ذاك فهو ينتقم أصار حظِّي إلى الحضيض فما ... ينفعني إن تسامت الهمم . الفتى كاملاً ويسعد من ... ليس له في فضيلة قلم وددت لو كانت الحظوظ على ... أقدار فضل الأنام تنقسم تالله لولا رجاء خيرٍ فتى ... أضحت ترجِّيه العرب والعجم ملكٌ أضاءت لنا بدولته الدُّ ... نيا وقد أحدقت بها الظُّلم ما كنت ذا مطمعٍ بأ، يصبح الدَّ ... هر وبيني وبينه ذمم فلست أخشى من حادث وبها الدِّ ... ين لي ملجاً ومعتصم ما لامرئٍ أصبحت تعانده الأ ... يَّام إلا ج نابه حرم ومنها: /98 ب/ يا من غدوا بأعلى الزمان به ... لمَّا غزتنا أحداثه الحطم أحييت بيت القريض فابتدرت ... قالته حيث أنت تزدحم علمت أن الأموال يذهبها الدَّ ... هر ويبقى عليه ما نظموا تكرم للمدح ما مدحت إذا ... ما راح قومٌ له وقد لؤموا من لم ير المدح عنده شرفاً ... فذاك عندي وجوده عدم ألم ير الشعر في الذين مضوا ... ينشر من فضلهم وهم رمم ما كان لولا القريض في سالف الدهر زهيرٌ يعني به هرم كان متى ما رآه جاد له ... حتى أبى الجود وهو يغتنم وأين من أرغش النَّدى هرمٌ ... وهل تساوى الملوك والخدم يمنح فوق الذي نؤمِّله ... وينهب المال وهو مبتسم كأن أخلاقه لسائله ... ماءٌ أذالته مزنةٌ شبم قد ألف البذل منذ قام به ... فنفسه لا يمسُّها سأم ومنها:

يا واحد المجد والعلاء ومن ... يعزى إليه السَّماح والكرم /99 أ/ إليك يهدى قلائداً نظمت ... لجيد علياك شاعرٌ فهم مؤيَّدٌ بالصَّواب منطقه ... فكل قول يقوله حكم يرجو بها عندك الغناء فقد ... أودى به مذ أصابه العدم وأمرك اليوم بالنَّوال له ... كالبرء وافى من غاله السقم لازلت ذا عزَّة يذلُّ لها ... كل عزيز بأنفه شمم مقتدراً ما بقي الزمان على ... الأعداء تعفو عنهم وتنتقم وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى الشرف عبد الصمد بن محمد بن المجلّى النصيبي: [من البسيط] لله ما شرفت الدِّين [الذين] شرفت ... أفعاله فهو حال بالثَّنا كاسي ما إن رأيت على إفراط تجربتي ... للناس أكرم طبعاً منه في الناس فأجابه عبد الصمد بن محمد، عنها في الحال بديهة: [من البسيط] سوى مكارم شمس الدِّين من ظهرت ... أنواره فهي فينا ضوء مقباس ومن غدا نظمه من لطف صنعته ... أشهى إلى الرُّوح من مشمولة الكاس وأنشدني لنفسه في طلوع /99 ب/ القمر على دجلة: [من المنسرح] كأنما دجلةٌ لناظرها ... إذ رفع الليل ثوبه الأسود ثوب لجينٍ معرَّكٌ رقم الـ ... ـبدر طرازاً له من العسجد وأنشدني لنفسه، يهجو الصدر علي بن أبي الفرج الواسطي: [من المتقارب] أعن عزمةٍ ما الدِّيار الدِّيار ... ولا الأهل أهلٌ ولا الجار جار وسقها تتابع أرسالها ... كما ريع بالقفر وحشٌ مثار فقد أدرك البين ثاراته ... ولم يدرك العام للشِّعر ثار وإن تقلقلها قد يفيد سروراً إذا لم يسرَّ القرار أرتك صروف النَّوى بالشِّام ... نوائب لم يغن منها حذار فإن سهادك فيها كثيرٌ ... وإن رقادك فيها غرار وما إن حصلت على طائلٍ ... مقيم التَّثبُّط والاصطبار

فلا صاحب صاحبٌ حافظٌ للعهود ... ولا من يقال لديه العثار وكلب تعرَّض لي نابحاً ... وإنَّ دواء الكلاب الحجار طغى أن صبرت على شرِّه ... وصبري هوانٌ به واحتقار /100 أ/ ولو كان ذا شهرة في الورى ... لعاجله من يديَّ البوار هممت به ثم الفيته ... حقيراً ففاء إليَّ الوقار متى ما يجازي الشَّريف الوضيع ... في الأمر حاكى النِّجار النِّجار على أنني من أناس هم ... لدى السِّلم ماءٌ وفي الحرب نار فيا ابن اللئيمة ما قدر ما ... يغالب عصف الرِّياح الغبار فهل أنت إلا الصُّدير الذي له العار في واسط الشَّنار خدمت المغنِّين حتى كبرت ... وكان شعارك بئس الشعار وها أنت ذو أبنة لا يزال ... يكون بها حيث كنت الفجار وهل كنت في جمع قوم ولا ... يكون الجراب عليهم يدار فصار نصيبك مما يدقُّ ... فذلك من غير خمر خمار عجبت لع مري لتفضيل قومٍ ... مقامك فيهم على القوم عار قمرت بإفكك البهائم ... وداؤك منذ نشأت القمار فظنوا بينهم صالحاً ... وأنت حليف المخازي قدار ونلت بجهلك في بلدة تساوى الرَّصاص بها والنَّضار إلى أن دعيت بنحويِّهاً ... وأولى بذا الاسم منك الحمار /100 ب/ وقال فيه أيضاً يهجوه: [من البسيط] حوى الَّلآمة ثوبٌ أنت لابسه ... وباء بالعار مخلوقٌ تجالسه صدير أنت الذي لو قيس من شبه ... لما تعدَّى حماراً من يقايسه سمع القفا لا يردُّ السَّائلين وإن ... يركب على الأير يوماً فهو فارسه يذل جبناً فإن ... من درِّه ذل عنه من يمارسه ما إن يلام على فحشاء يفعلها ... بطيب فرعٍ إذا طابت مغارسه

وقال فيه أيضاً، وهو يرقص: [من الرجز] انظر إلى فعل الصُّدير الذي ... بفعله دل على نقصه لمَّا تثنَّى بيننا راقصاً ... ذكرت فعل الدُّب في رقصه فلا نرى أعظم من حمقه ... ولا نرى أحقر من شخصه وقال فيه يهجوه: [من الكامل] ما لي غفلت عن الصُّدير فلم يزر ... نعلي قفا الكلب اللئيم خلائقه حسب الخمول يكفُّني عن صفعه ... وهوانه فسرت إليَّ بوائقه ما إن تسلِّمه حقارة قدره ... منِّي وما للكلب إلى خانقه إني أمرؤٌ يخشى إذا ما زمجرت ... سحب الحقائد رعده وبوارقه /101 أ/ وقال فيه أيضاً: [من الكامل] من يبلغ الملك المعظم بعد إبـ ... ـلاغ إليه تحيَّةً وسلاما من عبده وربيب نعمته الذي ... ملأ العراق بمدحه والشَّاما إن الصُّدير إذا سألت وجدته ... يلغي الجميل ولكفر الإنعاما ففعاله ينبي بأن جدوده ... وأبوه كانوا في الفعال لئاما قد أطلق الجهل المضلُّ لسانه ... في الإفك حتى ما يفيق ... أبداً يرى من نحو إربل ذاكراً ... أشياء تحدث للفتى أوهاما [779] محمَّد بن عبد الرحيم بن عليِّ بن أبي منصور بن جعفر بن أحمد بن علي بن الحسين بن الحسن الهيتي الأنصاري. شاب قصير، أحمر اللون. زعم أنه ولد قيس بن سعد بن عبادة. وكانت ولادته بهيت في الثاني والعشرين من شعبان سنة ستمائة، ونشأ بالشام، وأصله من ديار مصر، يشعر ويقصد الناس بشعره. أنشدني لنفسه من قصيدة: [من الخفيف] لهو قلبي أين الصَّديق الصَّدوق ... ليوالي أو الشقيق الشفيق

خانني فيهما الزمان فخالفـ ... ـت انفرادي لمَّا دها التَّفريق /101 ب/ فذر اللوم يا عذولي على الوحـ ... ـدة قد دلَّني لها التَّوفيق كل خل نراه لمع سراب ... يتراءى للعين منه بروق إن يكن يرتجيك فهو مصاف ... أو تكن ترتجيه فهو مذوق خبث الدهر فاجتنبه وأهليـ ... ـه فما عندهم لخيرٍ طريق ومن مديحها يقول: .. من أبي السَّعادات سعداً ... لم يشبه مدى الزَّمان حريق ماجدٌ إن عراك خطبٌ يكن عو ... نك في كشفه وأنت ...... وجوادٌ يجري براحته بحـ ... ـر نوالٍ فيه الأنام غريق [780] محمد بن ياقوت بن أبي نصر بقن المقلّد بن الحارث، أبو محمدٍ. زعم أنهم يرجعون في النسب إلى عبد القيس. وكان والده من المحرزة، أخذ أبوه وعمه وعمته نهباً، ووردوا الحلة المزيدية، بسقي الفرات، فأخذهم أبو الفضائل محمد بن خشرم ورباهم، فسمى والده ياقوتاً، وسمى عمّه لؤلؤاً، وسمّى عمته خيزراناً. وكان مولد محمد هذا بالعامرين من أرض العراق، بعد السبعين وخمسمائة، ونشأ بإربل، واعتنى بسماع حديث /102 أ/ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع كثيراً منه على المشايخ، الذين قدموا إربل. أنشدني لنفسه: [من المتقارب] وقالوا: مرارة هذا الغراب ... خضابٌ وهيهات رجع الشَّباب يعود إذا رجع القارظان ... وما لهما أبداً من إياب وأعجب ممن يحبُّ الحياة ... ومن دونها كلُّ صعبٍ وصاب وفي عصرنا لا أرى من يلذ ... بطيب الطعام وبرد الشراب

[781] محمد بن مكارم بن ابي العلاء بن علي بن أبي العلاء بن محمدٍ أبو عبد الله. زعم أن جده أبا العلاء من قرية بدجيل، تدعى: "الداودية"، وانتقل إلى نواحي إربل، وسكن قرية فيها، تعرف باللهثيَّة، فولد محمد بها، ونشأ وترامى إلى نظم القريض، وقصد نهج الشعراء، فيما يتوخونه، ومدح .... ناحيته والمقدمين بها، ولم يكن يمتاح أحداً لرفده. وهو يتحرى من اللحن، ويعرف مواقع الخطأ في كلامه، ويقيم أوزان شعره. أنشدني لنفسه، يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي رحمه الله: [من المنسرح] /102 ب/ رفقاً فهذي الرُّسوم والطَّلل ... تخبر أن الأحباب قد رحلوا وقف معي بالدِّيار تندبها ... لعلَّ بالنَّوح تذهب العلل أما ترى الدَّار وهي خاليةٌ ... وقد نأت عن عراصها الحلل والبين قد شتَّ شمل ساكنها ... وللردى في ربوعها عمل فالصبر مذ حيث فارقوا رحلت ... جيوشه ثم خيَّب الأمل فبعدهم لا سقى العقيق حياً ... ولا جرى فيه وابلٌ هطل بانوا فمن بعد بينهم هجرت ... طيب الكرى إذ باعدوا المقل تالله لو بعض ما حملت من الـ ... ـوجد برضوى تضعضع الجبل من قيس ليلى، من بشر هند، ومن ... عروة، من بدر، نعم ما فعلوا أنا الذي في الغرام هان علـ ... ـيَّ الموت إن قاطعوا وإن وصلوا ويقول في مديحها: وغير جود المولى اللَّبيب فلا ... يحسن فيه المديح والغزل الفاضل المنعم السَّموح ومن ... عطاء معنٍ في جوده وشل

والاريحيِّ الذي مكارمه ... يفرق منهنَّ السَّهل والجبل والكامل الماجد الخلائق ... والإحسان ما شاب جوده بخل /103 أ/ عمَّت عطاياه كل ناحيةٍ ... وسار في جوده له المثل إمام هذا الأنام في أدب ... أوفرهم نائلاً إذا بذلوا مولاي يا أوحد الزَّمان ندىً ... ويا جواداً باهت به الدُّول يا شرف الدين منتهى أملي ... دم في سرورٍ ما سارت الإبل وأنشدني لنفسه يتغزل: [من الرجز] يا قمراً أراق دمعي ودمي ... ظلماً بسلسال الرُّضاب الشَّبم ويا غزالاً ناظراه سلِّطا ... على تلاف المغرم المتيَّم لحظم أمضى في القلوب فتكه ... تالله من حدِّ الحسام المخذم يا من بمعسول اللما من ريقه ... أسكرني وزاد في تألُّمي لولاك ما عرفت ما طعم الهوى ... يا قاتلي ومتلفي ومسقمي أفديك من بدر دجا تكاملت ... أنواره من لجب ليل مظلم على قوامٍ كالقضيب أهيفٍ ... ريَّان من ماءٍ الصِّبا منعَّم وأنشدني أيضاً لنفسه: [من المنسرح] مفهفٌ كالقضيب معتدلٌ ... في وجهه لمحةٌ من الحور كأنَّما الخال فوق وجينته ... نقطة مسكٍ من فوق كافور /103 ب/ لما أنشدني أبو عبد الله هذين البيتين، قلت له: أخذت البيت الثاني من قطعة لشاعر، يعرف بابن الستري، من شعراء واسط، ويلقب بالخفّ، ثم أنشدته الأبيات، وهي: الجور منسوبٌ إلى الحور ... عذاره أفنى معاذيري الجور من حكم فتى جائرٍ ... منتسب الجدِّ إلى جور ذي طرَّةٍ طيِّر عقلي بهاً ... وشارب أخضر مطرور كأنما الخال على خدِّه ... نقطة مسكٍ فوق كافور فلما سمع هذه الأبيات، أقسم بالله أنَّه لما يسمعها أبداً، فعجبت من اتفاق

خاطريهما على المعنى. [782] محمد بن منصور بن دبيس بن أحمد بن درعٍ، أبو عبد الله بن أبي المنى المعروف بابن الحداد. شاب خفيف اللحية لم تستتم، يعلو لونه صفرة. أخبرني أنه ولد سنة ثلاثة وستمائة، صحب أبا إسحاق إبراهيم بن المظفر بن البرني الواعظ /104 أ/ وسمع عليه الأحاديث، وأخذ عنه شيئاً من الفصول الوعظيّة. وهو شاب ينسخ ويعظ ويشعرن. أنشدني لنفسه، يمدح مولانا المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، شهريار الشام، بهلوان جهان ألب قتلغ طغرلتكين بلكا أتابك أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين – ثبت الله دولته بمحمد وآله أجمعين-: [من البسيط] بدرٌ متى قابلته الشَّمس تنكسف ... وغصن بان له من قدِّه هيف ريمٌ رمى لحظه عن قوس حاجبه ... سهماً يصيب الحشا قلبي له هدف فالورد من خدِّه باللَّحظ يقتطف ... والخمر من ريقه المعسول نرتشف مولاي كل جمال الناس متصفٌ ... إلا جمالك ممَّا ليس يتصف كأن وجهك يا من لا شبيه له ... في الحسن صبحٌ تبدَّى فوقه سدف ما بال جيدك عنِّي اليوم منعطفاً ... الخصر منك بمرِّ الرِّيح ينعطف تهوى الصُّدود وأهوى الوصل يا أملي ... فنحن مؤتلفٌ فيه ومختلف يا حاضراً في الحشا مذ غبت عن بصري ... وجدي مقيمٌ وصبري عنك منصرف أخفي هواك وفرط الوجد يظهره ... وأنكر الحب والآماق تعترف لجَّ العواذل في عذلي ولو وجدوا ... لبعض وجدي عليه في الهوى تلفوا /104 ب/ لاموا وقد علموا تركي ملامتهم ... كأنهم جهلوا بالعدل ما عرفوا

يا من كلفت به طفلاً فشيبني ... منه الصدود ومنِّي الوجد والكلف يا ممرضي بالجفا أنت الطبيب فعد ... وداوني بوصالي إنني دنف أفنيت فيك حياةً ما بلغت بها ... منك المنى وزماناً ما له خلف يا منية القلب كم أدنوا وتبعدني ... حتى متى تنثني عنِّي وتنحرف أسرفت في الهجر إفراطاً كراحة بد ... ر الدين من شأنها في بذلها السَّرف ملكٌ سجيته بذل النَّدى أبداً ... فكل جود تعدَّى جوده كلف عمَّ الورى جوده الظَّامي فما أحدٌ ... إلا بجود ندى كفَّيه معترف فكل دان له من رفده طرفٌ ... وكل قاصٍ له من جوده تحف بحرٌ خضمٌّ جميع الناس وارده ... فكلُّهم صادرٌ عنه ومغترف إن قايسوه بعمرو في شجاعته ... أو حاتم في الندى ضلُّوا بما وصفوا كأن كف المنايا طوعه فلذا ... عدَّت لأرواح من عاداه تختطف يا من له ذلَّت الأبطال صاغرةً ... والأقوياء لديه هيبةً ضعفوا يا مالكاً طاعة الرحمن طاعته ... فينا نقر به طوعاً ونعترف لله سرٌ لطيفٌ فيك أودعه ... ما فيه شكُّ ولا ريبٌ ولا خلف /105 أ/ يا من تعمُّ على الدنيا مواهبه ... ومن مناقبه تملى بها الصُّحف يا درَّة غرَّة الأيَّام فاخرةٌ ... بها فكل الورى من دونها صدف جلت صفاتك عن حصر الأنام فعن ... إدراك بعض معاني كنهها صدفوا لا زلت ترقى بجدٍ في صعود علاً ... ما دامت النيرات السبع تختلف وأنشدني أيضاً لنفسه: [من مجزوء الخفيف] يا وصولي ومصرمي ... ومصحِّي ومسقمي هل تريحنَّ من جفا ... ك كصبٍّ متيِّم مزج الحب في هوا ... ك بلحمي وأعظمي لا أطيع العذول فيـ ... ـك وأصغي للوَّمي فتكت مقلتاك بالـ ... ـقلب فتك ابن ملجم لست من بعد فتكها ... في الهوى بالمسلِّم ومنها:

هل مهيني بهجره ... وهو بالوصل مكرمي بان صبري بينه ... وهو بالصَّبر ملزمي /105 ب/ أنت بالهجر قاتلٌ ... لامرئٍ غير مجرم أي قاضٍ قضى وأفـ ... ـتاك في قتل مسلم أو نبيٍّ مشرِّعٍ ... حل في شرعه دمي أيسر الوجد في هوا ... ك من الوجد معدمي يا قليل البكا على كثير التبسم وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الطويل] جنى وتجنَّى في الهوى من ألفته ... وأعرض عني ليته ما عرفته جفا فجفا جفني لذيذ رقاده ... حبيبٌ فقدت الصبر لمَّا فقدته وأفرد في هجرانه وملاله ... بلا سبب منِّي وجرم فعلته وأسلمني للنَّائبات وللأسى ... وقاطعني في الحب لمَّا وصلته فلمَّا رأى وجدي به وصبابتي ... وصحَّة صدق الودِّ فيما زعمته أتى زائراً من غير سابق موعدٍ ... فأهلاً به من زائر ل عدمته فباعد عن قلبي الهموم بقربه ... وبلغني بالوصل ما كنت رمته وأنشدني أيضاً لنفسه من أبيات: [من الخفيف] /106 أ/ هاج ما عنده من الأشواق ... لسنى لاح من .... العراق مرَّ وهناً ولم يلمَّ بصب ... مستهام متيَّم مشتاق مدنف فارق الأحبَّة كرهاً ... فهو من بعد بعدهم في سياق كلَّما فرَّ وجده عاودته ... برحٌ من لواعج الأشواق قد بكاني العذول مما أقاسي ... ورثى لي الحسود مما ألاقي كمدي فيكم قديمٌ وودِّي ... لكم دائمٌ على العهد باقي وأنشدني لنفسه، يعتذر عن الوداع: [من الطويل] تؤنبني لما تركت وداعها ... وتنكر ما أبديته من تتجلُّدي تقول بدمع العين توديع ذي هوىً ... على زعمه حلف الصَّبابة مكمد

فقلت لها: إني جزعت فلم أطق ... وداعاً له تمتدُّ عند النَّوى يدي ولم أدر من جدٍ وفرد صبابةٍ .. .أفي يومنا هذا التَّفرُّق أم غد وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الوافر] رمتني حين صدَّت بالدواهي ... فتاة أمرضتني والدواهي فتاةٌ تخجل الأغصان قدّاً ... تقل بطلعة .... لها نغمٌ ينوب عن المثاني ... ويغني السَّمع عن صوت الملاهي /106 ب/ فلو نادت به ميتاً رميماً ... اجاب كما يجيب ندا الإله تخال الشَّمس إذا سفرت لميل ... علينا طالعاً في نون كاهي تقوِّق أسهماً تصمي الحشاياً ... فليس لرميها أبداً تناهي قتيلٌ لا يقاد بها قتيلٌ ... فبالقتلى وكثرتهم تباهي لهوت بها حياتي وهي عنِّي ... بفرط الهجر والإعراب لاهي تعاهدني فلم تف لي بعدٍ ... أنا الوافي لها بالعهد لاهي أقابل عزَّها منِّي بذل ... كما ذلِّي تقابله بجاه إذا ما استحسنت عيناي مرأى ... رأيت خيالها فيه تجاهي فركن الودِّ من قلبي مشيدٌ ... لها أبداً وركن الصبر واهي تصد وتدَّعي السلوان منِّي ... فكيف ولي عن السلوان ناهي وكم لجَّ العواذل في هواها ... ولاموا بالزَّواجر والنواهي وكيف الصبر عنها والتَّسلي ... وقد ملكت قيادي والمنى هي ألا هي ليس لي عنها اصطبارٌ ... إليك المشتكى منها إلهي وأنشدني لنفسه مبدأ قصيدة: [من الكامل] لو أن طيفك كان من عوَّاده ... ما كان قد أودى الهوى بفؤاده /107 أ/ أنت الطبيب فداو من أمرضته ... واعطف عساه ينال بعض مراده يا أيها الرَّشا الذي أصفيته ... ودِّي ولم يسمح ببعض وداده أنت الذي شهرت لواحظ طرفه ... غضباً حداد البيض دون حداده وجعلتني حلف اشتياق ينقضي ... عمري ولا يأتي على إنقاده من منصفي من ظالمٍ وجوارحي ... أنصاره والقلب من أجناده

يذكي غراماً كل نار أججت ... بين الضلوع فتلك قدح زناده طيب الحياة بقربه ووصاله ... والموت من هجرانه وبعاده غصنٌ وما للغصن مثل قوامه ... يزري على مياده وأنشدني أيضاً قوله، من جملة أبيات أولها: [من البسيط] ته كيف شئت فما لي عنك مصطبر ... فصفو عيشي مذ فارقتني كدر عنيت بالهجر عن وصلي فذبت أسى ... صلني فإني إلى لقياك مفتقر أنت الذي تخجل الأغصان قامته ... وإن تبدَّى لبدر التَّم يستتر سلبتني النَّوم فاردده عليَّ عسى ... يسري الخيال على كسري فينجبر [783] محمد بن يحيىُّ بن معَّنَّصر /107 ب/ بن أبي مضر بن يكساس بن علي بن أبي عليٍّ، أبو عبد الله المغربي القسنطينيُّ. هو من قسنطينة الهوى، من بلاد المغرب. شاهدته شاباً أسمر اللون، لطيف الخلقة، بمدينة إربل، في صفر سنة ثمان وعشرين وستمائة، متفقهاً وفيه ديانة وصلاح. أنشدني لنفسه: [من الكامل] إن جزت بالعرصات من يبرين ... فاشرح غراماً كاد أن يبريني لأهيل ذاك الحي وابثث عندهم ... وجدي وبعض صبابتي وأنيني وقل الميتيَّم عن هواكم ما سلا ... دنفٌ وبالعبرات غير ضنين يحني جوانحه على جمر الغضا ... ويئن أنه عاشقٍ محزون مذحل بالحدباء قد علق الضَّنى ... بفؤاده وأسيغ كأس منون

وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الكامل] لو كنت تعلم ما يجنُّ فؤادي ... لأخذت في وصلي وترك عنادي لكنَّ قلبك من ألمَّ به الهوى ... فجهلت ما يلقاه قلبي الصَّادي [784] محمد بن محمد بن يوسف /108 أ/ بن قليج بن تكين خان بن محمود خان، أبو عبد الله الموصليُّ، المعروف بابن آيدغدي. وقد تقدم شعر أخيه: كانت ولادته، فيما أخبرني – من لفظه – يوم الثلاثاء سابع عشر ذي القعدة سنة تسع وخمسين وخمسمائة. وتوفي بالموصل يوم ....... سنة ثلاثين وستمائة. وكان جندياً مدة، ثم ترك الجنديّة، ولبس الفوط، ولزم الأثر، وسلك طريق التصوف، وتنقل في الأمصار، ومال إلى مصاحبة أصحاب الأحوال والدين. وكان شيخاً، أشقر نقي الشيبة، عرضها ملء بدنه، مربوعاً. أنشدني لنفسه: [من مجزوء الوافر] سقى الوسميُّ إذ وكفا ... زمان سبيبة وكفى مضى ومضى لذيذ العمـ ... ـر فيه وخلَّف الأسفا فكم باكرت فيه الحا ... ن رقَّ سلافها وصفا مدامٌ تستبيح حمى الـ ... ـهموم وتسعد الدنفا أطال الواصفان لها ... فكانت فوق ما وصفا

[785] محمد بن يونس بن أبي البركات /108 ب/ بن إبراهيم بن أبي القاسم، أبو عبد الله الموصلي. عنده طرف صالح من علم العربية، ويحفظ صدراً جيداً من الشعر الحسن، ويشعر. أقام بإربل مدة، يمدح أهلها ويرتزقهم، فسئموه لكثرة إلحاحه وسؤاله إياهم. وكان شاباً أسمر اللون، مقرون الحاجبين، رقيق الحال، مجازفاً صعلوكاً، وسخ الثياب، زري الهيأة، لا دين له، كثير الهذيان؛ وأكثر ما كان يحصل له من نفقة يخرجه على الصبيان. لقبه أهل إربل خمارويه، فبسط لسانه فيهم، وتناول بالتقطع أعراضهم؛ فبغضوه بغضاً شديداً، وكانت سيرته معهم سيرة غير جميلة. أنشدني لنفسه، يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي – أيده الله – ويذكر إنعامه عليه، بكسوة: [من الطويل] ألا أيهذا الصَّاحب المنعم الذي ... تجمَّع فيه الفضل وهو مفرَّق لقد نلت من عزِّ المعالي مكانةً ... تسامت فأدنى شلوها ليس يلحق وأحييت ميت الجود بعد مماته ... وكسنه لحدٌ من الحزن ضيق فها هو باق ما بقيت وإنه ... لحيٌّ على مرِّ الأهلَّة يرزق علاً .... لقد غدا ... كأن لم يكن منٌّ [من] الدهر يخلق /109 أ/ وعطَّرت نشراً كل طيب يحدُّه ... ويحصره غربٌ فسيحٌ ومشرق فما الظن بالرَّوض الأنيق مباكراً ... بقطر غ مامات وبالمسك يسحق وحل حلولاً في عروقك كلِّها ... دمٌ وندىً فيه الرَّجاء مصدِّق وإجماع من ضمَّ الوجود ومن حوى ... بأن الندى من ذلك الدم أسبق متى أمَّه القوم العفاة فعيشه ... على أرض آمال لهم تتدفَّق أمولاي .... أوليتني من مضيعة ... بأطواقها جيدي المبين مطوَّق ومن بعضها هذا الذي أنا لابسٌ ... أينكر ضوء الصُّ بح والصُّبح مشرق! الا إنه ثوبٌ .... وجوده ... عليَّ بما شرَّفتني منك ينطق تطرِّز طرزاً من علاك جميلةً ... لمنظرها الأوفى بهاءٌ ورونق

ولم يرني إلاَّك مذ كنت عارياً ... وثوبي على مرِّ الدُّهور ممزَّق فما وفِّقوا أن يفعلوا ما فعلته ... لأنك من دون الجميع موفَّق قدم لابساً ثوب البقاء مطرَّزاً ... بطرزتنا ما تعفى مطوَّق وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل] قسماً بصبح جبينه ... وبليل طرَّة شعره وبطرفه السَّاجي الكحيـ ... ـل وما حوى من سحره /109 ب/ وبخدِّه الضَّرج الأسيـ ... ـل وسالفيه ونحره وبريقه العذب الشهـ ... ـيِّ وعقد لؤلؤ ثغره وبلين غصن قوامه الـ ... ـغضِّ الرَّشيق وخصره إني قتيلٌ في هوا ... هـ بسيف مؤلم هجره ما ضرَّه لو رقَّ لي ... أو فكَّني من أسره حاز القلوب هوىً كما ... حاز الجمال بأسره وأنشدني أيضاً قوله: [من المديد] مالكي يا غوث مشبهه ... عزَّ عن كونٍ فلم يكن غنجٌ في طيِّ ناظره ... سرُّ سحر شيب بالفتن جل عن علم يحيط به ... لغبيٍّ كان أو فطن أبداً ما زال ناظره ... ذاك وسناناً بلا وسن فتنت بالحسن صورته ... كل مخلوقٍ مدى الزَّمن حسنه أعدى ولا عجبٌ ... كل ظبيٍ غيره حسن كل عقَّارٍ له وثنٌ ... وهو في دين الهوى وثني [786] محمد بن مكيِّ بن عبد الملك /110 أ/ بن أبي حرب بن حمدان أبو عبد الله الإربليُّ. شاب أسمر، قصير، نزل الشيب بعارضيه. أخبرني أنه ولد في أوائل سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.

اعتني بسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحل في طلبه إلى بغداد سنة ثلاث عشرة وستمائة. وسمع رجال الحديث بها، وكتب عنهم. ولقي في رحلته أصحاب أبي الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموتي، وأصحاب أبي بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن الزّاغوني، وأصحاب أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري – قاضي البيمارستان – وأصحاب أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد السلال الوراق، وغيرهم من هذه الطبقة بمدينة السلام. وهو يسلك طريق التصوف، ويخالط المتصوفة والفقراء، ولم يكن أحد من أبناء جنسه يشابه حسن خطه. وله أشعار في مديح، وغزل، وهجاء، وغير ذلك. أنشدني لنفسه في قصيدة أولها: [من الخفيف] غير مجد إن عنَّف العذَّال ... أقصروا في ملامهم أو أطالوا أنا لا أسمع الملام ولا يو ... جد عندي في حبِّ حبِّي ملاك ومحالٌ أن يسمع الهجر في الهجـ ... ـر محبٌّ فلا عليه الوصال /110 ب/ يا عذولي نكب هديت فعندي ... قد تساوى فيه الهدى والضلال غير أني التذُّ ذكراه شوقاً ... فلقلبي لذكره بلبال مذ جفاني جفا الرُّفاد جفوني ... فاللَّيالي القصار فيه طوال لم تدر قط سلوةٌ في ضميري ... وليت ذاك ينال وقلاني دمعي كوجنته الحمـ ... ـراء قان سحابه هطال بأبي ثم بي وأهلي وصحبي ... أهيفٌ لحظ طرفه بتَّال ذو قوامٍ لدن وجفن سقيم ... ذا اعتدال به وهذا اعتلال مخطف الخصر أهيفٌ حصر الريـ ... ـق سلال بذا وذا سلسال ومن مديحها قوله: فهو مالٌ لمن يروم نداه ... وهو للذخر والطريد مال وهو رب العرض المصون ولكن ... عرض المال من يديه يذال وأنشدني لنفسه من أخرى: [من الكامل] أغرى ملامك مستهاماً مغرماً ... لما ذكرت حديث سكَّان الحمى

وقدحت من زند الملام ..... ناراً تزيد مدى الزمان تضرُّما ومنها قوله: /111 أ/ يا شاكي اللحظات دونك أعزلاً ... من صبره لمَّا جفوت متيَّما يجد الحياة بغير قربك مغرماً ... والقتل منك لدى التوصل مغنما قطَّعت بالهجران حبَّة قلبه ... فعسى يصير لي التَّداني مرهما وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى النقيب محيى الدين أبي طاهر حيدر الحسيني الموصلي – أدام الله إقباله -: [من السريع] مولاي محيي الدين يا ماجداً ... فاق جميع الخلق إحسانا ومن إذا ما فاه من طقه ... يعجز بالتِّبيان سحبانا أخلاقك الغرُّ التي قد صفت ... عن كدر الشُّبهة إيمانا لم قبلت مذق كذوب سعى ... زوراً وتحريفاً وبهاتانا مولاي إن الدَّهر قد حطَّ من قدري فساداً لي وعدوانا مال لجاجاكي يذل الألى ........................... وقال قولاً أنت من أهله ... وأسأل الرَّحمن غرفانا وهو بضدِّ العقل يغري الذي ... يبدي إلى الحلم وقد مانا فهذه حال أمرئ خانه ... زمانه سراً وإعلانا /111 ب/ أفرده بالرغم عن صحبه ... وعن ذويه الزُّهر طغيانا والآن وفَّيت [إلى] صاحب ... بصرف صرف الدَّهر إذ خانا وقد تخيَّلت نجاحي به ... إذ أنت أولى عنه من صانا فاسلم ودم في غبطة لا تني ... ما غرَّد القمريُّ ألحانا وقال أيضاً: [من الكامل] أرج النَّسيم سرى بعرف البان ... فأثار وجدي نشره وسجاني أهدى السرور شذاه لمَّا أن سرى ... وانى الخطى سحراً لقلبي العاني وروى حديث الرَّوض يسند ربَّه ... متواتراً عن مرسل الهتَّان وافى معنبره الذَّكيُّ مقدِّماً ... جيش الربيع مبشراً بأمان

وترنَّمت عجم الطُّيور فأفصحت ... بغرائب الألحان في الأغصان والظل ينثر درَّه في دوحها ... فبكل فرعٍ منه عقد جمان فحدائق الأزهار من نوَّارها ... قد أحدقت بغرائب الألوان من أخضر خضل وأصفر فاقعٍ ... في أبيض يقق وأحمر قاني والنَّرجس الغضُّ المضعَّف ناظرٌ ... نحو البنفسج لطيره الولهان والجدول الموَّار يرعد خيفةً ... مذ سلَّ فيه البرق عضب يماني /112 أ/ خفَّت حواشيه بوشي جواهر الـ ... ـمنثور في قطع [من] الريحان وله: [من الكامل] هل للمتيَّم والمطيُّ تساق ... من راحم أم للقاء وفاق؟ ظعن الفريق فما البقاء بنافعٍ ... من بعدهم ..... براه فراق سفحت نجيعاً من جفوني إذ سروا ... في سفح رامة دمعها الآماق لما استقل بها الحداة تنصُّها ... أودى بها الوخدان والإعناق عرض الوجيف لحومها بمدى السُّرى ... فدماؤها بيد الذَّميل تراق فكأنَّما الأرسان من جذب البرى ... مخبوءةٌ في مثلها الأعناق فغدت تميل من الكلال نحافةً ... إذ حمِّلت ما لا يكاد يطاق وبأيمن العلم المطلِّ على الحمى ... رشأله حبُّ القلوب نطاق كالبدر إلا أنه في تمِّه ... لا يعتريه لدى الكمال محاق بهر الدجى فرعاً وأزرى بالضحى ... من نور بهجة وجهه إشراق حاز القلوب له الجمال فما لها ... من أسره طول المدى إطلاق وله: [من الطويل] أراق دمي بين الرُّبى والمعالم ... تذَّكر أيَّام مضت كالمواسم /112 ب/ تقضَّت حميدات بصحبة معشر ... شذا ذكرهم بين الورى كاللَّطائم أسكان نجدٍ إن مضناكم غداً ... بكم مفرداً ما إن له من مساهم

توحَّد فيكم حبَّه عن مشارك ................. ومزاحم إذا هبَّ من تلقائكم نشر نسمةً ... جرت عبراتي كالغيوث السواجم ويخفق قلبي إن سرى البرق خافقاً ... وما ذاك إلا أنه كالمياسم هبوا الصَّبَّ رشداً من صباح لقاكم ... فقد ظلَّ في ليل من البعد عاتم وقد أخذت منه التَّنائف حقَّها ... بوخذ المهارى والمطيِّ الرَّواسم فعهد الصِّبا ولَّى وعهد وصالكم ... كأنَّما كانا كأحلام نائم وأنَّهما كانا ألذ من المنى ... وأحلى من التهويم في جفن نائم وله: [من مجزوء الكامل] عرف النَّسيم عساك تسرح ... خبري بلطف حين تسرح وتبلِّغ الأشواق في ... ضمن السلام لهم وتنضح فل ذاك مضناكم غدا ... بالوجد والبرحاء مطرح وإليكم إنسانه ... ما زال باللَّحظات يطمح يأبى خلائق حاله ... فإلى م بالهجران تسمح /113 أ/ منحته الصَّد المذيـ ... ـب ومن سواه الوصل تمنح ويجدَّ فيك غرامه ... وبه طوال الدَّهر تمزح يا عاذلاً فيه قبحـ ... ـت ووجه عذلك منه أقبح اللَّوم ينجح في فتى ... بحر الغرام عليه يطفح ولئن تجنَّى أو جنى ... فالقلب عنه ليس يبرح ما زلت أكتم جمرة الـ ... ـبرحاء في صدري وتلفح حتى تبدى فيه العذا ... ر على صفا الخدِّ الملوَّح فأذعت تبريحي وقد ... برح الخفاء به وبرَّح طرفي غداة ترحُّلي ... لا زال بالعبرات يسفح

[787] محمد بن الحسين بن أبي بكر بن الحسين بن أحمد، أبو الحسين الشروبيُّ النتاج الموصليُّ. المعروف بشاعر الصحابة؛ لأنه استفرغ معظم أشعاره في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت ولادته في سنة تسع وسبعين وخمسمائة. وهو شاعر أميّ لم يعرف الخط /113 ب/ ولا القراءة، وله شعر كثير في الصحابة وأهل البيت – صلوات الله عليهم وسلامه – يقوله بصحة طبعه، وسلامة غريزته، وأنشأ مقامةً سمّاها: "روضة المناظل ورياضة الخاطر"، أودعها نكتاً لطفية، وملحاً طريقة. أنشدني لنفسه، يمدح صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين -: [من الكامل] يا دمنتين لرزينب ورباب ... أسقيتما صاباً فؤادي الصَّابي كم لي أبثُّ الوجد في ظليكما ... فعساكم أن تأذنا بجوابي أنكرتما حالي وقد عاينتما ... منِّي المشيب مبرقعاً بخضاب هيهات بالتعليل تبرأ علَّتي ... ويعود لي زمن الصِّبا بتصابي نزلا بقلبي المفجعان كلاهما ... فقد الشباب وفرقة الأحباب يا صاحبي إن لم تكن عونا على ... حكم الهوى ما أنت من أصحابي ذرني وما ضمَّت عليه جوانحي ... وترائبي إن كنت من أترابي كم ذا تجرِّعني الملام أما كفى ... ما احمرَّ من ماء الجفون شرابي طالت ليالي الهجر بعد فراقهم ... فكأنَّما أضحين كالأحقاب وترى الخيال وقال عند رحيلهم ... قولاً أنست به الغداة عتابي /114 أ/ أسقيك من ماء الجفون لعلَّة ... تبديه من فرحٍ ليوم غياب من كل فاتنة بطرف فاترٍ ... قتلت بسيف اللحظ في الأعراب قطعوا القفار فأقفرت من بعدهم ... من الدِّيار وقطِّعت أنيابي

وتيمَّموا شيح العذيب وما دروا ... أن العذيب موَّكلٌ بعذابي وفلى الفلاة بكل حرف جسرةٍ ... تطوى لها البيداء طيَّ كتاب يبغون خير الناس بعد محمد ... مولى دخرت ولاءه لحسابي مولىً إذا الجهَّال عافوا فضلةً ... نطقت بسؤدده ذوو الألباب لزم النبي بكفِّه بين الملا ... وأقامه للناس في المحراب سمَّاه صدِّيقاً وأعمل رأيه .. ز يوم التقى الجمعان بالأحزاب خلقا جميعاً من ترابٍ واحد ... وتلحَّفا موتا بفرد تراب هذا الفرات العذب ..... من الظما ... ....... لمع سراب واخطب غداً دار النَّعيم مخلَّداً ... فيها بحب سلالة الخطَّاب مولى تجلب بالتُّقى دون الورى ... فجعلت عقد ولائه جلبابي وله الفضيلة بالحجاب لنسوة الـ ... ـمختار حتى .......... إن كان دأب الملحدين هجاؤه ... فلقد جعلت له المدائح دابي /114 ب/ ولأصحبن الرَّكب حسن تيحَّة ... تنجو بها عند الصِّراط ركابي لقباب عثمان الشهيد لأنه ... نورٌ تبرقع عنهم بقباب قصدوه بالسهم المميت جهالةً ... وتأوَّلوا عنه بغير صواب جادت أنامله بما ضنّوا به ... حتى دعي بالماجد الوهَّاب ولقد ذخرت مدائحاً في حيدر ... تنفى الظُّنون بها عن المرتاب بابٌ لدار العلم يا طوبى لمن ... علقت يداه بحبِّ ذاك الباب أعطاه ربُّ العرض منه فضيلةً ... قصرت لكتبتها يد الكتَّاب خطبٌ يخاف الموت من سطواته ... في يوم معتركٍ ويوم خطاب وله اتصالا نسبه وولادةٍ ... بأعزِّ منتقلٍ من الأصلاب نسبٌ بمولده العريق وولده ... نسبٌ يفوق به على الأنساب وبحبهم يرجوا الأديب تخلصاً ... في عصره من سيء كذاب طالت به أيدي الضَّلال كما بها ... قصرت يد الأزلام والأنصاب وأنشدني لنفسه، يمدح الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفى – أيده الله: [من الكامل]

ربعٌ كسته يد الغمام ربيعا ... ودعا فلبَّاه النَّسيم مطيعا /115 أ/ وسرت إليه من الجنوب جنائبٌ ... نشَّرن رايات الرِّياض جميعا وتنفَّست سحراً رباه فعلَّمت ... نشر الربيع وغيره التَّضويعا وهمت عليه من الجار سحائبٌ ... من كل جوهرة تسحُّ دموعا ورأى البنفسج ضوء برق خاله ... عضباً بأذيال السَّحاب لموعا خاف .... بالحسام فصاع من ... قضب الزَّبرجد للقاء دروعا ومنها في المديح: ولقد طفقت مسائلاً من بعد ما ... جرِّعت سمَّ الحادثات نقيعا عن زاخر عذب الورود وشامخٍ ... أضحى عن اللاَّاجي إليه منيعا أو كعبة للقاصدين فلم أجد ... إلا ابن موهوب لتلك جموعا ودعاه أهل الرشد لمَّا عاينوا ... شرفاً به .... مريعا من يشتري طيب الثناء بماله ... وسواه ظل بضدِّ ذاك مبيعا لله كم ميتٍ ثوى من فاقةٍ ... دهر فأحياه نداه سريعا وكتب إليه أيضاً: [من المنسرح] يا شرف الدين إنني رجلٌ ... ما دار في خاطري ولا حسي أنك يا عدَّتي ويا أملي ... تجعلني كالمقيم في الحبس /115 ب/ أظلُّ أشكو إليك من نفر ... كل مريدٍ في صورة الإنس إن عيالي أتوا على أثري ... وأصبحوا في طريقهم عرسي على دينٌ وليس لي ذهبٌ ... كلاّ ولا قدرتي على فلس فكان هذا جزاء مدحكم ... أصبح بالذل مثلما أمسى أو كيف ..... فيمن فضائله ... أشرف شيء يحلُّ في طرس حرام بختي فلو ضربت به ... بحراً شكا قعره من اليبس وكتب إليه أيضاً: [من الطويل] أيا شرف الدِّين المحبب عزّ النَّدى ... فإن النَّدى من جود كفَّيك يستجدي

وأتيتك أشكو صرف دهرٍ وعيلةً ... وصالهم عندي أمرُّ من الصَّدِّ كأنَّهم .... في منىً ... عراةٌ بلا إحرام فضلاً عن الوفد وقد مسَّهم بردٌ شديدٌ وليس لي ... يضمُّهم إلا حصيرٌ من البردي وقال يمدح عماد الدين أبا القاسم عبد الرحمن بن محمود بن بلدجي الفقيه الحنفي المدرس /116 أ/ الموصلي: [من الكامل] لو شام بارق رامةٍ حادي السرى ... ما مال بالعيس الشام وعوَّرا أو لو تفهَّمت السَّحاب وصوبها ... بندى عماد الدِّين ما مطر الثَّرى يغني عن المزن البالد بنيله ... وعن الصَّباح بوجهه أن يسفرا وتكلَّف الشُّعراء فاضل جوده ... شكراً يجل عن الثنا أن يحصرا متعوِّدُ بذل اللُّهى لعفاته ... قبل السؤال معوِّدي لبس الفرا فعليه دفع القرِّ عنِّي في الشِّتا ... وعليَّ بثُّ صنيعه بين الورى وأنشدني في إنسان، يلقب غرس الدين، أصابه سهم: [من الخفيف] لا تظنُّوا .... بمولاي غرص الـ ... ـدِّين إذ لم يردَّ سهماً تعدَّى إنما السهم قاصدٌ وهو قد عا ... هد قدماً أن لا يخيِّب قصدا [788] محمد بن سعيد بن هاشم بن عبد الواحد بن أحمد بن هاشمٍ؛ أبو المعالي بن أبي البركات الأسدي، المعروف بابن الخطيب. من أبناء الخطباء، وبيت الخطابة /116 ب/ بحلب المحروسة. كانت ولادته فيما أخبرني من لفظه سنة سبع وتسعين وخمسمائة. وهو شاب ذو رواء ومنظر لطيف الشكل، جميل الخلقة، يعاني الكتابة الإنشائية ويتزيّا بزيّ الجند. رأيته متعلقاً بخدمة الأمير نصرة الدين أبي منصور مروان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بحلب، كاتب إنشاء؛ وربما نظم شيئاً من الشعر

على سبيل الولع. أنشدني بنفسه، وكتب لي بخط يده، في النقيب أبي الفتوح المرتضى الحسيني، حين ردّت النقابة إليه، وكان قبل ذلك معزولاً: [من الرجز] يا سيِّداً في المجد يقتدى به ... ويستفاد العلم من آدابه ومن هو الظَّاهر في إحسانه ... إليَّ والطَّاهر في أحسابه هنأك الله بها نقابةً ... تقضي على الحاسد با كتئابه سيادةٌ عادت إلى معدنها ... وسؤددٌ صار إلى أربابه تبسَّم الدَّهر لها طلاقةً ... ومال بالعجب على إعجابه والدَّهر قد أنشد مسروراً بها ... قول امرئ أحسن في خطابه: قد رجع الحق إلى نصابه ... وأنت من دون الورى أولى به [789] محمد بن عليِّ بن حامد بن إبراهيم بن الحسن بن عليٍّ، أبو بكرٍ المعروف بابن الماشطة الإربليُّ. كانت ولادته بإربل، سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، كذلك أخبرني من لفظه. له شعر صالح في الغزل، والمعاتبة، والمدح، والهجاء، ومعظمه في الألغاز والأحاجي. وكان يتولى بإربل في عهد الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين – رضي الله عنه – أعمالاً شتى. أنشدني لنفسه: [من الطويل] لحا الله حماماً أرتني صروفها ... بعيني فيها ضدَّ ما أتمنَّاه أرتني من لا قدرةٌ لي بأن أرى .... ما بين الأنام محيّاه وأنشدني لنفسه في حكيم يلقب "الشمس ختن الرحبى" وكان طبيباً حاذقاً في صنعته. وكان قد كثر الموت بدمشق: [من الخفيف] قيل لي زاد في فناء جلِّق المو ... ت فعيشٌ بربعها لا يطيب قلت هذا لغظ أيوجد ميتٌ ... في فناها والشمس فيها طبيب

/117 ب/ وأنشدني لنفسه، يهجو طبيباً ذميّاً اسمه معافى كان بدمشق: [من الكامل] من شاء ينظر في الورى ضد اسمه ... فينظرنَّ إلى معافى يكتفي طبٌّ إذا عاد المريض تزايدت ... أمراضه وإذا تجنَّبه شفي [790] محمد بن منير بن البطريق بن منير بن عسكر بن أحمد بن يحيى بن الحسن، أبو بكر بن أبي النجم العجليُّ. زعم أنه من بني عجل بن لجيم، وكتب نسبه بخط يده. وجدت فيه خللاً، يجب إصلاحه، فلذلك لم أربع فيه شيئاً أكثر من ذلك من أجداده. وكانت ولادته ومنشؤه بالجزيرة العمرية، وخرج عنها حدثاً، وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقدم الموصل، وجعل نفسه سائقاً لصبيان المكتب. وتولّع بالأدب، وقول الشعر، وتردد إلى الشيخ أبي الحرم؛ فقرأ عليه أدباً وشعراً. ثم اشتغل بالتأديب، وصار معلّماً، ورزقه الله قريحة في القريض؛ فقال منه كثيراً، ثم ترك التعليم، واستأجر دكاناً في الصفارين، فبقي فيها مدة، ثم عاد وفتح حانوتاً /118 أ/ في قيسارية البّز، وصار بزازاً، ومع ذلك لم يترك صنعة الشعر طلباً لحطام الدنيا، وشدّه حرصه عليه، والاستجداء به، والاستماحة والارتزاق؛ فحصل رزقاً صالحاً. وكان يجمع بين التجارة والاستجداء بالشعر للملوك والأمراء والصدور والوزراء، ونفقت سوقه، ومشت أحواله.

وهو شاعر يضرب في الأرض ببنات أفكاره، ويركب آماله إلى إدراك أوطاره، أشعر من ذلك في وقته، ذو قدرة على إنشاء الكلام ونحته؛ حسن الشعر صنعة، تنقاد له القوافي الشرّد وتطيعه. وكان كثيراً ما يصف أشعاره إذا أنشدها، ويطرب لها إذا أوردها، متفنن في أنواع القريض وضروبه، لم يجر أحد معه من الشعراء في أسلوبه، يفوقهم في قوله لفظاً ومعنىً، ويبر عليهم فصاحة وحسناً. وكان رجلاً قد طبعت طبيعته على الأخذ، وجبلت طينته على الشحذ، من أشرس الناس خلقاً، وأدناهم نفساً، سيء العشرة، ضيق العطن، كثير اللجاج، وكانت طباعه فيها جفاءٌ، وأخلاقه فيها شراسة. ثم تاب عن قول الشعر، والاستجداء به، وحجّ إلى بيت الله الحرام، سنة ثلاثين وستمائة /118 ب/ قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ونظم قصيدة في النبي عليه السلام، وتوقف عالم عظيم لسماعها. ثم قال بعد أن فرغ من إنشادها على قبره صلى الله عليه وسلم وذلك في أوائل المحرم من سنة إحدى وثلاثين: يا رسول الله! لكل ضيف قرى، ولكل مادح ثواب، ولكل قاصد حرمة. وقد قصدتك، ومدحتك ووصفتك؛ فأسألك أن يكون قراي شفاعتك على الله الجنة والمغفرة وبعدها لم يسترفد بالشعر. ثم قدم الموصل فمكث بها قليلاً، وخرج منها في تجارة متوجهاً إلى بلاد الشام، فطلع عليه التتر الملاعين، فاستأصلوا ما كان يملكه، ثم رجع إلى سنجار، فأنعم عليه كمال الدين بن مهاجر بفروة، كانت على جسمه، ورحل إلى حلب، فنزل في بعض مدارسها مرتزقاً جامكية تصل إليه، وأدّب جماعة من أولاد أمرائها. ثم عنّ له السفر إلى دمشق، فسكنها، وكتب بها الشروط، ومات بها في أواخر جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وست مائة في المدرسة العادلية. ولو حلفت بالله تعالى، إنني سمعت ديوانه من لفظه، إلاَّ القليل منه لم أكن حانثاً في يميني، لكثرة ما كان /119 أ/ ينشدني فكان قد استعرت منه ديوان شعره، فعلقت منه ما يصلح إثباته في الكتاب من المقطعات. وأنشدته ثم طلبه بعد ذلك، فأعطيته إياه، فلما طلبته ما طلني به، وسافر إلى دمشق، ولم يعده إليّ، فبقي عندي الشيء اليسير من شعره، فأثبته ورحل إلى دمشق، فما عدت رأيته بعد ذلك. وكان إذا أنشد

شعره يتعجب، ويكثر التعجب، لكثرة ما كنت أستنشده من أشعاره ويبالغ في وصف شعره غاية المبالغة، ويمدح. وكانت ولادته تخميناً سنة خمس أو ست وسبعين وخمسمائة، فاستوفى إحدى وستين سنة. فمن شعره: [من الوافر] بزاهر آس خدِّك بالشَّقيق ... ودائر كأس ثغرك بالرَّحيق عميد هوى قضيت عليه عمداً ... يهزُّ قضيب بانتك بالرَّشيق نأيت مع الغريق فبان شوقاً ... يغرِّق نفسه إثر الغريق ورجَّح بالأغاني في المغاني ... وبكَّى بالعقيق كالعقيق وطاف على الرُّقاد عساه يحظى ... بزور زيارة الطَّيف الطَّروق فصلت عليك بظهر سرجي ... ولست لشرط ذلك بالمطيق لأن جليل ما بي منك يبدو ... بمرأى ذلك الفرق الدقيق /119 ب/ وأنشدني لنفسه، يهجو ابن صباح الشاعر: [من المنسرح] يا ابن صباح وتلك عنزٌ ... تدور حول القمدِّ دورا كان قياساً لو جئت جديّاً ... بل كنت بغلاً فجئت ثورا وقال أيضاً فيه يهجوه: [من مخلّع البسيط] قالوا: رأينا فتى صباحٍ ... يمشي وفي رأسه قرون! فقلت: كفُّوا، فتلك عنزٌ ... ونصلها هكذا يكون وقال في فخر الدين عثمان – مقدم الدولة السلطانية بمصر -: [من الطويل] أعثمان مت قتلاً بسيف محمدٍ ... وتحقيق هذا أنه ابن أبي بكر مدحناك لا نرجو نداك وإنما ... حجىً لامرئ يرجو ندىً من صفا صخر ولكن تصدَّقنا عليك بشكرنا ... لأن بك الفقر المكبَّ إلى الشكر

وكنَّا سمعنا المال تعطى زكاته ... بمصرٍ فأعطينا الزكاة على الشِّعر وأنشدني لنفسه، يمدح المولى المالك الرحيم، بدر الدنيا والدين، وعضد الإسلام /120 أ/ والمسلمين، تاج الملوك شرف السلاطين، قامع الكفرة والمتمردين، أبا الفضائل غرس أمير المؤمنين – أسعد الله جدّه، وقصم عدوه وضدّه، بمحمد وآله الطاهرين -: [من الطويل] قليلٌ على إثر الحبيب المودِّع ... إذا كان من قاني دمي سيل أدمعي رأى جزعي يوم الفراق فلامني ... خليلي ومن يعرض له البين يجزع وليس بصبٍّ من نأى عنه حبُّه ... إذا فرَّ وآوى اللبيب لمضجع وإني للمفجوع بالبين بغتةً ... وإن لم أزل أحيا بقلب مفجَّع ولي في حمول الظّعن ريمٌ إذا نأى ... أقام هواه من فؤادي بمرتع يذاد الكرى عن مقلتي بعد بعده ... فيرجع قلبي للحنين المرجَّع ويلويه فرط الوجد في كل ما لوى ... فأجرع سيل الدَّمع في كل أجرع ولائمةٍ تلحى وتعلم أنني ... أمينٌ النُّهى لا يدخل العذل مسمعي ترغِّبني في الاغتراب لعلَّها ... تمتَّع من كسبي بوفر مجمَّع فقلت لها واستعجلتها أمينة ... تخبِّر عن قلبٍ من الدهر موجع /120 ب/ إليك فما عقلي لمثلك لعبةٌ ... وغير [ي] بدمع العين والشَّجو فاخدعي أرى بائعاً من ماء وجهي وشارباً ... رضاك بوصف السائل المتضرِّع قنعت فنلت العزَّ من غير مانعٍ ... ومن يطلب العزَّ الممنَّع يقنع وإني حلبت أشطر الدهر يافعاً ... وأصبحت شرَّاباً عليه بأنقع ولست بسال النَّوال سوى فتىً ... يفوت سؤال جوده وتضرُّعي سأصنع خير الشِّعر في كل ساعةٍ ... لوصف صنيف منه غير مصنَّع لبدرٍ يرى في كل وقت مكمّلاً ... إذ البدر بدر بعد عشرٍ وأربع فتى سفرت بين اسمه غرَّة العلا ... وأفعاله الحسنى بتاجٍ مرصَّع طويل نجاد السيف للخطب والندى ... محل قرى منه بباعٍ موسَّع فتى شاع ذكراً في السَّماحة والوغى ... بجود يدٍ تهمي وقلبٍ مشيَّع إذا أورد الأمر المهرول لم يفت ... بديهة عزمٍ منه لم تنبع

يقضِّي أقاضي ليلة غير هاجعٍ ... لينظر في أحوال قاصين هجَّع عليمٌ بخافي السِّر حتى تخاله ... تطلعه جهراً ولم يتطلَّع حليمٌ إذا ما الطِّيش زعزع يذبلاً ... أطاف بطود منه لم يتزعزع تقاصر أعناق الكرام إذا بدا ... لهم عن مهيب أريحيٍّ سميدع /121 أ/ يراعون فكر في الندى ساعة الندى ... لندب بديهيِّ السَّماحة أروع لقد منيت منه الخطوب بباسلٍ ... شجاعٍ متى يبرز له الخطب يصرع يخوض الوغى فرداً بوجه كأنه ... سنى قمر في رأس ليث مقنَّع يحاذر يلقى الذَّمِّ إلا مدرَّعاً ... وقد يرد الهيجاء غير مدرَّع بصير بصيد القرن غير مخادعٍ ... خبيرٍ بوضع السَّيف في كل أخدع مليك قلى أحوال أملاك عصره ... فردَّ لنا أيام كسرى وتبَّع ملوكٌ تفدَّى كفُّهم بأكفِّهم ... وما هامهم منها فداءٌ لإصبع حوى قصبات السَّبق في الفصل دونهم ... ...... على أعقاب حسرى وظلَّع ملوكٌ رأوا الدينار رباً فأجمعوا على سجَّد منهم لديه وركَّع أضاعوا حدود الله فاعتصموا الورى ... وولُّوا عليهم كل ..... مجدَّع حووا صدقات الناس قسراً وزاحموا ... عليها وصدُّوا دونها كل مدقع وكفَّوا عن الميراث كل يتيمة ... وعمُّوا بظلم منهم كل مرضع لك الله! يا معطي الرَّغائب دونهم ... ومن دونه المظلوم غير مدفَّع فعش أبداً واستخدم القهر مالكاً ... متى تدعه يسمع مجيباً ويسرع ولا زالت الأعياد ترهى أهلةً ... بنور هلال بين عينيك مطلع /121 ب/ تملَّ العلا واستجل منها غريبةً ... تغور بصافي الورد في كل مشرع لها نسبٌ مني عريق نجاره ... إذا الشِّعر أخزى نسبةً كل مدَّعي وإني كثير العجب من كل ناقص ... يزاحم أهل الفضل في كل مجمع يرى بارزاً فيهم بشعر مبرقعٍ ... ووجه بالاستحياء غير مبرقع يسابق حظِّي جهله فيفوته ... فليس يرى بعدي بجاء ولا معي إذا كنت في فضلي عليه مقدَّماً ... فما حزني إن أخَّر الحظُّ موضعي وما كان مثلي في جنابك مائلاً ... به الشعراء في المكان المرفَّع

وغير جهول منبر الحمد أنني ... أجلُّ خطيبٍ في معالكي مصقع وحاشى نداك الفائض الغمر أن يرى ... وفي قسمه مثلي بحظٍ مضيَّع وقال أيضاً، يمدحه – خلّد الله سلطانه -: [من الطويل] نفديك بالآباء يا من صفاته ... تشابه معنىً لاسمه وتشاكل وننظمها في الشعر علماً بأنَّها ... عقودٌ لأعناق ........ ومراسل إليك تشكَّى أن تصير أواخراً ... حساني وهنَّ السَّابقات الأوائل فضائل يحبوها أبوها بصدِّه ... ويصرفها عن حقِّها وهو عادل /122 أ/ وليس بعدل موحشاتٌ نوافرٌ ... تؤخَّر عنها آنساتٌ أواهل عواطل يكسوها حلّياً بسمعه ... وأثنى ومنه حالياتي عواطل وهنَّ الجواري المنشآت وإن يكن ... لأعلامها بحرٌ فإنَّك ساحل وقال أيضاً، على طرز ابن الحجاج في الخلاعة والسُّخف: [من المجتث] قد جاءنا رمضان ... وقد مضى شعبان وقد علت نار قلبي ... وما ببيتي دخان وقد مضى لمغيبي ... عن عيبتي إحسان بان الكرى عن جفوني ... لمّا عن العين إحسان كأنه من عيالي ... إذ كان لي حيث كانوا عقلي بأمِّ عيالي ... مدلَّةُ ولهان وهي التي قتلتني ... بالشَّوق لا الولدان أيرى طوال الليالي ... كناظرٍ يقظان يراقب الشخص منه ... كأنَّه ديدبان /122 ب/ لا يرتضي بسواها ... فدهره غضبان كأنَّما عنده من ... عهودها أيمان

أروى قدوداً تثَّنى ... كأنَّها أغصان فتلك جنَّة عدن ... وهنَّ حورٌ حسان إذا حواهنَّ يوماً ... لنرزهة بستان تبسمت عن ثغور ... كأنَّها الأقحوان ينفرن منِّي وعنديّ ... من الصِّبا عنفوان يرين شخصي لفقري ... كأنه شيطان فإن أشارت إليهـ ... ـنَّ من يميني بنان صدفن عنها كأنَّ الإ ... عدام فيها سنان يا رب .... سؤلها ... ..... الخلافة شان مازحتها فأجابت: ... تنحَّ يا صفعان مانيك مثلي إذا ما ... مجنت بي مجَّان فليس ينفق عندي ... من رأسك الهذيان فقلت ... عندي من فطنتي .... /123 أ/ ومن مصاغ القريض الرَّ ... قيق لي ديوان فقالت: أقصد بلالاً ... بالشِّعر يا غيلان وأم أكرة رأسي ... من رجلها الصَّولجان فقمت أقصد ربعاً ... فيه المنى والأمان فصانني من أذاها ... فعرض مثلي يصان [791] محمد بن محمود بن المبارك بن جبريل، المؤدّب الإبربليُّ. أنشدني لنفسه، ما كتبه إلى بعض أصدقائه، يشفع له، أن يوصل قصيدةً، نظمها في الصاحب شرف الدين أبي البركات، إليه: [من المنسرح] يا أيها السيد الكمال ومن ... جود أياديه يخجل المطرا ومن يظل اليراع مفتخراً ... به على غيره إذا سطرا إني أرجيك أن توصِّل لي ... قصيدةً قد نظمتها دررا

في شرف الدَّين والعلاء ومن ... نواله للعفاة قد غمرا واسلم ودم لا برحت في نعمٍ ... ما جنَّ جنح الظَّلام واعتكرا [792] محمَّد بن عمر بن محمَّد بن عليِّ / 123 ب/ بن موهوب بن إسماعيل، المعروف بابن زبيدة أبو بكرٍ الجزريُّ القيسي الواعظ الفقيه الشافعيُّ المدرّس. عالم فاضل، متفنن مناظر أصولي. أخبرني؛ أنه ولد في ربيع الأوّل سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، بالجزيرة العمرية، وانتقل إلى الموصل، وهو بها مقيم. أنشدني لنفسه: [من مخلَّع البسيط] يحسدني كلُّ من رآني ... اركب في موكب الأمير وليس يدري بأنَّ بغلي ... يبيت شهرًا بلا شعير [793] محمَّد بن أحمد بن عبد الصّمد بن بدران بن حامد بن حمدان بن عليٍّ الغيداويُّ السّلميُّ البوازيجيُّ، أبو أحمد. شيخ أسمر اللون، ربعة من الرجال، من أهل البوازيج. لقيته بمدينة إربل، يوم الاثنين العشرين من شعبان من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، بدار حديثها المظفرية؛ ذكر أنه حفظ كتاب الله تعالى وأقام بنظامية بغداد اثني عشر عامًا، يتفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه = /124 أ/ ويقول أشعارًا سخيفة، وربّما وقع له فيها أبيات لا بأس بها.

وأخبرني، أنه ولد بالبوازيج ثالث عشر رجب سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. أنشدني لنفسه: [من الطويل] وزهَّدني في صحبة النَّاس خائن ... قليل الحياجم الخنا والمعائب يعرِّض عرضي للِّئام سفاهًة ... ويوقعني من جهله في المعاطب ويؤيسني من كلِّ حرٍّ طلبته ... ويطمعني في نيل أحمق كاذب دعوني أروض النفَّس في ذمِّ معشر ... هم اللُّؤم محض مذ غدو بالمثالب فما علقت كفِّي بخلٍّ يسرُّني ... مباديه إلاَّ ساءني في العواقب وأنشدني أيضًا قوله: [من البسيط] مولاي لا تتعبن قلبي بهجرك لي ... فالهجر يظهر ما يخفى على النَّاس والصدُّ مرُّ وشكواى أمرُّ إلى ... من لا يرقُّ لذلٍّ قلبه القاسي وأنشدني لنفسه، صدر كتاب: [من الكامل] وافى كتابك فابتهجت له ... وشكرت ما أوليت من نعم وطفقت الثم عند رؤيته ... شوقًا إليك مواقع القلم وأنشدني لنفسه، يهجو جماعة /124 ب/ ببغداد، إذ شرعوا في أذاه، وذكر أنَّهم كانوا يتعاشرون، وصدر منهم أشياء لا تليق في حقّه، منهم: ابن الأبله الشاعر، وابن ورد كاتب السلّة، وابن البيّع، والزهري المحدّث: [من السريع] قل لفتى البيّع ما هكذا ... أوصاك لمَّا درج الوالد أن تعشق المرد ولا ينتهي ... عن الخنا شيطانك المارد إن دمت يا ثكل أبيه كذا ... سيذهب الطَّارف والتَّالد ولابن ورد خبر مطرف ... يعلمه الغائب والشَّارد فيه من الوصلة ما إنَّه ... يطيعه الشَّارد والوارد ونحوه كيف تأمَّلته ... ونجوه بين الورى واحد والحجَّة المغرور كنز البغا ... فقد دهانا شعره البارد

ثلاثة رابعهم كلبهم ... قد لعن السَّائق والقائد [794] محمَّد بن الحسن بن جامع بن عليِّ بن أبي كامل /125 أ/ بن أبي طالبٍ، أبو عبد الله الإربلي. وقد سبق شعر عمّه أبي الفضل الياس بن جامع – في الجزء الأول من الكتاب -. وأبو عبد الله رجل حافظ للقرآن العزيز، ضعيف العينين، نزل في عارضيه البياض. رأيته بمدينة إربل سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وسألته عن ولادته، فلم يتحققها، غير أنه قال: لي الآن خمسون سنة. وكان سؤالي له في التاريخ الذي مرِّ ذكره. أنشدني لنفسه، ما كتبه إلى الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي – رحمه الله تعالى-: [من الطويل] شكوت الَّذي لاقيت من نوب الدَّهر ... وما نالني بعد الثَّراء من الفقر إلى بعض إخواني الَّذين أودُّهم ... كشفت له حالي وأظهرته سرِّي فجاوبني جذلان من غير غمَّة ... لك الخير بارد .... الصَّدر إلى شرف الدِّين الوزير فإنَّه ... قدير على إصراف عسرك باليسر أبي البركات الأريحي الَّذي سما ... بمعروفه قدرًا على الأنجم الزُّهر هو الصَّاحب المغرى بتفريق ماله ... على الطَّارق الملهوف في السر والجهر جواد إذا ضنَّ الغمام بقطره ... فجود ندى كفَّيه يغني عن القطر وزير فريد بالعفاف وبالتقى ... وبالحلم والعلم الغزير وبالبر /125 ب/ له همَّة فوق الثُّريَّا يحلُّها ... وآراؤه أمضى من البيض والسُّمر

[795] محمَّد بن بدر بن الحسين بن مقبل بن السمين، أبو الفرج بن أبي النجم الليليُّ البصريُّ. من أبناء المتصرّفين، ومن بيت رئاسة. ذكر لي، أنه ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، بقرية تدعى قرية فاطمة، وهي في مستغرق أجم ومياه، فوق قرية تسمى الشُّرطة من أعمال واسط. ونشأ بالعقر، قرية بنواحي البصرة. شاهدته بإربل رجلاً قد وخطه الشيب، طويلاً، أزرق العينين، عبل البدن، في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، يتولى التصرف في نواحي الخاص. وسألته على من اشتغل؟ زعم أنه لم يشتغل بشيء من العلوم، وإذا أنشد قلَّ أن يلحن في إنشاده؛ ومما أنشدني لنفسه ما كتبه إلى مخدومه وهو إذ ذاك زعيم البصرة: [من البسيط] لم يبق شأنك في عيني لذي خطر ... شأنًا ولا رفعًة تسمو لمرتفع من أين للنَّجم نور البدر حين بدًا ... وللوحوش جميعًا هيبة السَّبع /126 أ/ فكلُّ من يدَّعي العلياء غيرك في ... لبس ومن يتبنَّى المجد فهو دعي فاسلم على رغم من يشناك في دعة ... من الحوادث يا ذا الحلم والورع وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى بعض الصدور، وقد انقطع عنه، فبلغه عنه عتب: [من البسيط] إن غبت عنك فإنِّي بالدُّعا لهج ... وبالثناء على علياك معكوف وإن حضرت فما أزداد تبصرًة ... لأنَّ قلبي إلى تلقاك مصروف ألفت حبَّك إذ أوليتني نعمًا ... كثرًا ومن ولي الإحسان مألوف وأنشدني لنفسه إلى بعض أصدقائه: [من البسيط] لئن كفرت أياديك الجسام وما ... أوليتنيه من الإحسان والنِّعم

فلا جرى لي في طرس العلا قلم ... ولا سعت لي إلى كسب الثَّنا قدمي وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف] يا مليح الصُّدود يا حسن الإعـ ... ـراض والهجر يا جميل التَّثنِّي كم أعاني الغرام فيك وكم أحـ ... ـمل عبء الهوى بضعف ووهن أترى السُّقم ما اشتفى من نحو لي ... والجفاء الممض ما نال منِّي وأنشدني له، وكتب بها إلى بعض الأمراء جوابًا: [من الطويل] /126 ب/ ومن أين لي عمر يقوم بمدح ما ... تعهَّدتني فيه من الطَّول والبرِّ ولو كان عمري عمر نوحٍ لضاق بي ... وقصَّر عن شكري صنائعك الغرِّ فحسبي من نعماك ما قد منحتني ... وحسبك منِّي ما يضوع وما يسري وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى بعض أقاربه جوابًا عن شيء كاتبه به، وعاتبه عليه: [من الكامل] شرخ الشَّباب مضى وريعان الصِّبا ... ولَّى وما ظفرت يداي بطائل والغانيات صددن حيث رأينني ... غرض الحوادث والزَّمان المائل والأقربون تفرَّقت آراؤهم ... عنِّي وصدَّ معاشري ومواصلي فعلام أجزع للخطوب وصرفها ... ولأيِّما حالٍ تهيج بلابلي وأنشدني أيضًا لنفسه، ما كتبه إلى بعض أودائه، وقد سأله أمرًا في ضمن توليةٍ تقدّمت له في حقّه إلى بعض الصدور: [من الطويل] صرفت هواي عنك حيث قذفتني ... إلى لجَّة التَّيار والأسد الورد وقابلت مدحي والثناء بضدِّه ... وجازيت ودِّي بالجفاء وبالصَّدِّ وألفيت عنِّي غير ما أنا فاعل ... ولم ترع لي حقَّ الولاء ولا الودِّ /127 أ/ وما كنت لولا فرط حبِّيك عاجزًا ... عن القول والعذر المبيِّن والرَّدِّ وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض أصدقائه: [من المديد] يا جلاء العين إن مرهت ... ودواء القلب إن مرضا

ما الِّذي أثنى هواك ومن ... لو كيد العهد قد نقضا أدلال منك يا سكني ... أم جفاء فيك قد عرضا أم صدود قد ثناك وما ... خلت حبل الودِّ منقرضا لم ألم دهري على مضض ... كلَّه ما زال لي مضضا كم سقاني من حوادثه ... غصصًا مأهولًة جرضا فابق في شهر الصِّيام ودم ... واقضه .... ومفترضا بسعود دائم وعلاء ... ومجد بالمنى نهضا ثمَّ عش لي ما بدا فلق ... بحواشي الجوِّ معترضا [796] محمَّد بن عبد الله بن عمر بن سعد بن العجليِّ الموصليّ. سألته عن ولادته، فقال: ولدت سنة ثماني وستمائة في ذي القعدة بالموصل. أنشدنا /127 ب/ لنفسه: [من الكامل] وافى يهزّ قوامه سكر الصِّبا ... كالغصن إذ مرَّت به سحرًا الصِّبا فالنَّمل عارض لقلبي فاطر ... والنور مبسمه وحاجبه سبا وأنشدنا أيضًا لنفسه: [من الكامل] أفديه من قمر فتنت بحسنه ... ولقد أبى أن يعرف الإحسانا فجننت حتَّى صادني في حبِّه ... ممَّا لقيت من الهوى سرطانا وأنشدنا أيضًا له: [من الرجز] أمير حسن رمحه قوامه ... وطرفه يغني عن البواتر وخدُّه وصدغه وطرفه ... عن عاملٍ ومشرفٍ وناظر

[797] محمَّد بن هاشم بن أحمد بن عبد الواحد بن هاشمٍ، أبو عبد الرحمن بن أبي طاهر الأسديُّ الحلبيُّ الخطيب. من بيت خطابة وعلم. وكان والده [انتهت] إليه خطابة المسجد الجامع بحلب. وتولّى أبو عبد الرحمن مكانه في الخطابة، والصلوات الخمس. شاهدت الخطيب هذا بمدينة حلب، بمسجدها الجامع ثامن جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وستمائة. وسألته عن مولده، فقال: ولدت في رجب سنة ستين وخمسمائة. وتوفي بحلب عصر يوم الاثنين السادس من ربيع الأول /128 ب/ [ودفن] في يوم الثلاثاء بمقبرة الجبيل، شمال البلد – رحمه الله تعالى، وتغمده برحمته ورضوانه – في سنة إحدى وأربعين وستمائة. وهو من عدولها المتميزين؛ شيخ حسن فاضل، دمث الأخلاق، حافظ للقرآن الكريم. ذكر لي أنه سمع جملة من الحديث النبوي. روى عن والده وغيره، واستجزته فأجازني جميع مروياته، وله أشعار، أنشدني منها من الملك الظاهر غياث الدين

غازي بن يوسف، صاحب حلب – رحمه الله تعالى-: [من البسيط] حيَّت سليمى فاحيت مغرمًا دنفا ... ثمَّ استقلَّت فأفنت قلبه أسفا وغادرته غريمًا للغرام بها ... وعوَّصته صدودًا زائدًا وجفا ها قد وهى صبره يا ظاعنين وقد ... أمسى لنا بكم بالسُّقم ملتحفا وانهلَّ من وابل الأجفان زاخره ... شوقًا إليكم خبايا دمعه نزفا أحبابنا بان صبري يوم بينكم ... لهفًا على طيب عيش لي بكم سلفا لله أيَّامنا والشَّمل مشتمل ... وحادث الدَّهر عنَّا صرفه صرفا يا آمري الصَّبر إنِّي بعد بعدهم ... والله استعذب التعذيب والتَّلفا ويا مكلِّفي السُّلوان حسبك بي ... يكفيك ما حلَّ بي من فقدهم وكفى /129 أ/ وحقِّ سالف عيش مرَّ لي بهم ... ما لذَّ عيش ولا ورد الحياة صفا يا قاتل الله يوم البين كم كبد ... ذابت وكم مدمع فيه دمًا ذرفا دعني بوجدي على فقد الفريق وإن ... أعيى وبرَّح بي التبريح واعتسفا يا صاح يا صاح من وجدي ومن حرقي ... وكنه حال على التحقيق ما عرفا هذي منازل من أهوى فدع عذلي ... لا عذر إن لم أمت في رسمها شعفا داء لقلب المعنَّى الصَّبِّ ليس له ... سوى مديح غياث الدِّين قطُّ ... يعطي رغائب آمال إليه سرت ... غرائب الجود حتَّى يوهم السرفا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الهزج] بنفسي معرض عنَّا ... وكم من عاشق غنَّى ولم يعطف على صبٍّ ... صبا شوقًا ولا عنَّا أأحبابي لئن غبتم ... فقلببي لكم مغنى فلا أبصرت أحلى منـ ... ـكم لفظًا ولا معنى فكم يبكي معنَّا كم ... إذا ما ليله جنَّا ويبدي فرط وجد من ... رآه قال: قد جنَّا يناديكم بناديكم ... وإن واش وشى كنَّى /129 ب/ ترى يجتمع الشَّمل ... بمن يهوى كما كنَّا وأنشدني أيضَا لنفسه في غلام اسمه لؤلؤ: [من الرمل]

يا لقومي من غريرٍ ... جعل الإعراض ثغره بدر تمٍّ فوق غصنٍ ... إسمه يشبه ثغره

[798] محمَّد بن محمَّد بن عبد الله بن علوان بن أبي بكرٍ، المعروف والده بالأستاذ، أبو المكارم الأسديُّ الحلبيُّ. هو ابن عم القاضي زين الدين أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي، قاضي حلب. أبو المكارم فقيه شافعي المذهب، مترسل مدرس، يدرس الفقه بالمدرسة الأسدية، ثم أضيف إليه النظر في التركات الحشرية. وهو رجل فاضل عالم بالعربية والأدب، شاعر مجيد، حسن الشعر، مليح الكلام في نظمه ونثره، جليل القدر. لقيته بحلب يوم السبت خامس رجب سنة أربع وثلاثين وستمائة، وأخبرني أنَّه ولد يوم السبت خامس عشر من ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وأنشدني لنفسه يمدح القاضي أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن الحلبي، /131 أ/ ويهنِّيه بولاية القضاء مدينة حلب. وكتب بالولاية منشور، ولاّه ذلك الملك ... غياث الدين محمد بن غازي – رحمه الله تعالى – واتفق يوم ذلك .... ثلج كثير، وأعقبه غيث متدفق، فقال: [من الكامل] يا حاكم الدّنيا وواحد عصره ... دم للزمان فأنت مالك أمره أيَّام مجدك كلُّها أعياده ... وكذا لياليه ليالي قدره لحظات عدلك لا يقوم بشكرها ... نظم الشَّكور ونظمه في عمره ألبست أكرم ملبسٍ لكنَّه ... بك عاد يرفل في ملابس فخره

ثوب حكى الفلك المسخَّر لونه ... وحكت ضياءك فيه طلعة بدره وأتاك تقليد القضاء .... بعقود .... لا هيًا عن درِّه وركبت مركوبًا تودُّ الرِّيح لو ... كانت تنوب بمرِّها عن مرِّه وطلبت للتدريس في مغنًى شكا ... ظلمًا عرته فكنت غرَّة فجره اليوم عاد أبو المحاسن حاكم الـ ... ـحكام غير مروَّع في قبره وغدت عيون الحكم وهي قريرة ... والدَّست وهو مسلَّم من ذعره أكرم يذا اليوم الَّذي قد عمَّنا ... برًّا فحقَّ لنا القيام بشكره /131 ب/ كنَّا نذرنا صومه لكنَّه ... عيد فليس يصام فيه بنذره زين البريَّه يا أجلَّ محكَّم ... أضحى العلاء بأسره في يسره يا من إذا ما المشكلات استكلفت ... أبدت كواكبها دياجي حبره طلت البريَّة بالنساء والسَّنى ... فلك الفخار بحدِّه وبقصره يا ثالث العمرين والقمرين في ... إنصافه بين الأنام وقدره ... موافق ومخالف ... وموحِّد ومبالغ في كفره وأفادك الإجماع ما قلِّدته ... يا معلمًا بالسِّرِّ .... جهره وسخا الغياث على الورى بك حاكمًا ... فسخا الغمام على الأنام بقطره وكسا النِّثار الجوَّ عريان الثَّرى ... حلل البياض وكان فاقد طمره فتساوق الغيثان في شأويهما ... وأطاب بشرى الخافقين بنشره وأجاد ذكر مناقب القاضي الَّذي ... قد صغِّر الخبر العظيم بخبره أبقى الإله لنا العزيز محمَّدًا ... ملك الزَّمان ونور ناظر دهره فلقد كسا الإنصاف ثوبًا معلمًا ... يبقى على حدث الزَّمان بذكره /132 أ/ وسعى لنظم الملك سعي جدوده ... وأبيه والملك العزيز بمصره ورعى رعيَّته ولم ينزلهم ... هملاً بما بذل أمرؤ من تبره أرضى الخلائق والإله بحكم من ... يرضي الإله بنهيه وبأمره وحبا القضاء بمن غدا أولى به ... فحباه رب العالمين بنصره

وأعاد ملك الأرض طوع يمينه ... والحادثات قصيرًة عن قصره وجزاه خير جزائه فلقد سمت ... نعماه عن نظم الثَّناء ونثره /132/ب. /133 أ/. [799] محمَّد بن إياس بن عبد الله، أبو عبد الله الحرَّانيُّ. كان والده مولى هبة الله بن .... . كان شابًا كيسًا، دمثًا حسن المعاشرة، يميل إلى الفضل والأدب، ويعاني حفظ الأشعار الرائقة، ورّبما نظم منه شيئًا. وكان حافظًا للقرآن العزيز، كثير التلاوة له، خير الطباع، ذا تودد إلى الناس، وله ثروة من الدنيا. كان سافر البلاد تاجرًا، سافر قطعة من بلاد العجم. إلى بلاد العراق إلى الديار المصرية؛ فهجم الخوارزمية على حرّان، فأخذوا الموجود من ماله، فقلّ ما بيده، ونزل حلب فصار يضارب للناس، وساءت حاله؛ ثم مرض في أثناء ذلك ونقل إلى البيمارستان، فأقام به مدّيدة. وتوفي به في يوم الجمعة رابع عشر صفر، ودفن ظاهر المدينة، بتربة بني العجمي شمالي البلد في سنة اثنتين وأربعين وستمائة. أنشدني لنفسه: [من البسيط] يا ساكني مصر في قلبي لبعدكم ... نار اشتياق بفيض الدَّمع تتَّقد ما إن ذكرت ليالينا الَّتي سلفت ... إلاَّ تبادر دمع العين يطرد ولست أشكو فقد السَّقام بكم ... لأنَّه كان لمَّا كان لي جسد /134 أ/ أخذه من قول أبي الطيب المتنبي:

(وشكيَّتي فقد السَّقام لأنَّه ... قد كان لمَّا كان لي أعضاء) [800] محمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن مالكٍ، أبو عبد الله الطائيُّ. من أهل جيّان، مدينة من مدن المغرب. استوطن محروسة حلب؛ شاب فاضل، حافظ للقرآن الكريم، يشدو طرفًا من علم العربية. أنشدني لنفسه ملغزًا باسم وهو سلمان: [من البسيط] بغير ذكر اسم من أهوى بلفظ سل ... فيطمع الضَّبُّ في المأمول مرتقبا

ويعقب اليأس باقي اللَّفظ منه كما ... يقول .... حدثت النفس أي كذبا وأنشدني لنفسه ملغزًا في الشكر: [من الكامل] ما اسم بإجماع البريَّة واجب ... وإذا يخف مصحَّفا فحرام وإذا تثقِّله لدى تصحيفه ... فهو الحلال الحلو كيف يرام وأنشدني أيضًا له يلغز بالمال: [من الخفيف] إسم هذا الَّذي ألفت هواه ... فعل قلبي يسمى إذا هو فعل /134 ب/ كلُّه في آخر أحرفه باد ... وإذا ما عكسته حين تتلو وإذا صار أوَّلاً منه ثان ... فهو معنى ما آمل عنه يسلو وإذا أوال تأخَّر منه ... فهو وصف لكلِّ من عنه ضلُّوا وأنشدني أيضًا لنفسه في امرأة اسمها عين، يلغز بها: [من الطويل] عجبت للفظ في اكتمال حروفه ... يبين معنًى ثلثه عنه يعرب وفي الثُّلث الثَّاني دلالات أربع ... وفي الثُّلث الباقي دليلان فاعجبوا وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى نجم الدين أبي الفضل الياس بن الياس الإربلي، الفقيه الشافعي: [من المجتث] وفتية صدقت فيـ ... ـهم الأماني ظنونا وناولتهم يداها ... من الأيادي فنونا وحاولوا أن ينالوا ... وجه التَّهاني المصونا لكن لإدراك هذا ... بالنَّجم هم يهتدونا ففض ختم رضاهم ... لكي يقرُّوا عيونا

[801] محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن عليِّ بن يحيى /135 أ/ بن طاهر بن محمَّد بن عبد الرحيم بن محمَّد بن إسماعيل بن نباتة، أبو الفتح بن أبي الحسن القرشيُّ العبسي. وجدّه الخطيب عبد الرحيم بن محمد، هو المشهور بالخطابة، وبيت العلم والفضل بميافارقين. وأبو الفضل رجل نبيه القدر من ذوي الهيات الكبراء الأماثل، حفظ القرآن الكريم، ونظر في شيء من الأدب، وله نظم ونثر، لم يقصر في إنشائهما. تقدّم في دولة الملك الأشرف شاه أرمن أبي الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب بخلاط، سنة تسع وستمائة، وميّزه على نظرائه حتى كاد يجري مجرى الوزراء عنده، وسار معه إلى حرّان، ومنها إلى دمشق، وبقي في خدمته إلى أن مات الملك الأشرف. نزل مدينة حلب في سنة خمس وثلاثين وستمائة قاصدًا ديار بكر، فلقيته بها في شهر صفر سنة ستٍّ وثلاثين، فألفيته شيخًا حسنًا كيسًا، نقي الشيبة. وذكر لي أنَّه ولد في ربيع الأول بماردين سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. أنشدني لنفسه، ما كتبه في ضمن شكايته إلى ولده أبي عبد الله معاذ: [من الطويل] وما روضة فاحت مجامر نورها ... سحيرًا وقد بات السَّحاب يجوده /272/ تبسَّم في أقطارها الزَّهر بعد أن ... بكتها بروق ساعدتها رعودها بأحسن عندي من كتاب سطوره ... يضاهي عقود الغانيات نضيدها إذا ما قرأناه يود جليسنا ... لما قد حوت ألفاظه لو نعيدها معاذ لقد أقررت عيني بشمه ... .... السَّبق طرًّا حميدها

وصدقت لي فيك المخيلة فاغتدت ... وقد سال واديها وأورق عودها وأنشدني لنفسه إليه أيضًا: [من الطويل] أتاني كتاب منك لمَّا فضضته ... تضوَّعت الآفاق من نشره عرفا وأقرأني عنك السَّلام كأنَّما ... حباني به نعمى وخوَّلني عرفا كأنَّ به قسًا يقصُّ بلاغًة ... غدت لبديع القول بين الورى صحفا فما الأمن بعد الخوف أعقبه الغنى ... لذي فاقة مذ كان كان لها حلفا وإطلاق مأسور وأوبة غائب ... ويرشفا الموصوب من بعد ما أشفى واسعاف دهر بالسعادة لامرئ ... بلاه بصرفٍ لا يطيق له صرفا بأحسن عندي .... من وقوعه ... ......................... فأنهلني من درِّ معناه قرقفًا ... وشنَّفني من درِّ ألفاظه سنفا فألصقته بالقلب أنعى سقاه ... وأرشف بالتَّقبيل أسطره رشفا /136 أ/ فأطفأ نارًا كنت أحسب أنَّها ... بغير التَّلاقي ليس تخبو ولا تطفا وأنشدني أيضًا لنفسه، في الملك الأشرف: [من الكامل] موسى الكريم حكى الكليم بخلَّة ... هي للمحامد والـ .... يؤلّف فعصا الكليم غدت تلقَّف سحرهم ... وندى الكريم لفقرنا يتلقف وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المنسرح] الملك الأشرف الَّذي بهرت ... صفاته النَّيِّرين إشراقا سما سماء العلا لمحتده ... وراق خلقًا وراق أخلاقا أخطأ من قاس جوده بحيًا ... هيهات قد بذَّه وقد فاقا ذاك تسحُّ المياه مزنته ... وكتب هذا تسحُّ أرزاقا وأنشدني ما كتبه إلى ولده المذكور: [من الطويل] كتابك وافاني ودمعي مطلق ... وقلبي أسير في يدي البين موثق ولي زفرات ما تني في أتقادها ... تكاد لنيران البسيطة تحرق

فأطلق من أسري وأخمد لوعتي ... وعاد به صفوًا شرابي المرنَّق فأفديه من طرسٍ كأنَّ سطوره ... جمان ومعناه سلاف معتَّق /136 ب/ سما فوق ألفاظ البريَّة لفظه ... فمن أفقه شمس البلاغة تشرق كتاب به رعت الكتابة واغتدى ... به فرقي من فرقة الحب يفرق فأقسم بالقوم الألى بولائهم ... غدًا لذوي السَّبق المخفِّين أسبق لذكرك أحلى من جنى النَّحل في فمي ... ونشرك من عرف اللَّطيمة أعبق [802] محمَّد بن عيِّاش بن صباوة بن أبي بكر بن عبد العزيز بن رضوان بن عياش بن رضوان بن منصور بن دويد بن صالح بن زيد بن عمرو بن الزبّار بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب، أبو الفضل بن أبي البقاء النحوي الأديب العرَّمانيُّ. وعرَّمان قرية كبيرة من أشهر قرى صرخد من عمل حوران من نواحي دمشق. كان والده يتولّى قضاء الثغور الشامية؛ وولده هذا درس علم النحو والعربية على الشيخ أبي البقاء يعيش بن علي بن يعيش النحوي، وأتقن معرفة هذا الشأن، وتمهَّر فيه على أبناء زمانه، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه-. وأخذ منه جملة وافرة، إلاَّ أنَّه غلب عليه علم الأدب والإعتناء به. لقيته بحلب المحروسة، وهو ساكن /137 أ/ بالمدرسة النوريّة المنسوبة إلى بني عصرون. وتأكدت بيننا صحبة؛ وهو شاب فاضل كيّس، بارع في فنّه، حسن الذكاء، جميل المناظرة، واسع الحفظ لأشعار المحدثين، وغيرها من أشعار العرب، كثير الدعابة والهزل، مائل إلى المزاح بكليته، فيه سماحة، وله نفس؛ وهو مع ذلك يجيد قول الشعر، ويحكم معانيه.

وأنشدني منه كثيرًا له، ومما أنشدني لنفسه، يمدح موسى بن محمد بن موسى القمراوي: [من البسيط] أصبحت علاَّمة الدُّنيا بأجمعها ... تشدُّ نحوك من أقطارها النُّجب بان على كبد الجوزاء منزلًة ... تحفُّها من خلال حولها الشُّهب ما نال ما نلت من فضل ومن شرف ... سراة قوم وإن جدٌّوا وإن طلبوا وأنشدني لنفسه: [من الطويل] ولما اكتسى بالشَّعر توريد خدِّه ... وما خاله ألاَّ يزول إلى حال وقفت عليه ثمَّ قلت مسلِّمًا: ... (ألا أنعم صباحًا أيُّها الطلل البالي) وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الكامل] وجه صفا ماء الجما ... ل به وشبَّت فيه ناره /137 ب/ وكأنَّ خطَّ أبن العديـ ... ـم على حواشيه عذاره وأنشدني لنفسه أيضًا: [من مجزوء الكامل] قد زخرفت في وجهه ... للنَّاس جنَّات النَّعيم وكأنَّ خطَّ عذاره الـ ... ـمنسوب خطُّ ابن العديم وأنشدني أيضًا من قوله [أتمَّ به] البيت الأول: [من الطويل] وسمراء رود حجَّبوها بأسمر ... يماثلها في اللَّون واللِّين والقدٍّ جفت فجفا جفني الكرى بجفائها ... كأنَّهما كانا لهجري على وعد

وأنشدني أيضًا له: [من الطويل] خميس كمثل البحر عبَّ عبابه ... أوائله ليست لهنَّ أواخر له تحت أطباق الأراضي زلازل ... ومن فوق أفلاك النُّجوم زماجر وأنشدني أيضًا له: [من مجزوء الرجز] يا مالكي أمسيت من ... وجدي به متيَّما سقام جفنيك الَّذي ... أغرى بجسمي السَّقما ونار حدَّيك بها ... وقعت في جهنَّما من منصفي من شادن ... مهفهف عذب اللَّما [حكَّمته في مهجتي ... فجار لما حكِّما كأنَّ عقد لؤلؤ ... في ثغره قد نظما قد رقم الحسن له ... في عارضيه أرقما نمَّ بسرِّ حسنه ... حين بدا منمنما وسلَّ من جفونه ... من اللِّحاظ مخذما وفوق الهدب بقو ... سي حاجبيه أسهما وهزَّ لدنًا ذابلاً ... من قدَّه مقوَّما فاعترضت من دونه ... يمنعه أن يلثما تحميه ممَّن رامه ... وحقَّ للثغر الحمى] /138 أ/ وأنشدني لنفسه يصف الشمس: [من البسيط] والشَّمس مصفرَّة في الغرب قد نشرت ... شعاعها في تفاريق من السُّحب كأنَّما السُّحب أعلام مورَّدة ... والشَّمس من تحتها ترس من الذَّهب وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الرجز]

وشادن شاد هو الشَّـ ... ـمس ضحًى بل أحسن قد جمعت في خلقه ... لناظريه الفتن يودُّ جسمي أنَّه ... حين يغنِّي أذن في مجلس فيه لنا ... أحسن ما يستحسن ما تشتهيه الأنفس ... وما تلذُّ الأعين وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] يا صاحٍ دع عذل العوا ... ذل في معتَّقة الرَّحيق صرفًا تلهّب في الكؤو ... س كأنَّها لهب الحريق ممَّا تخيَّرها المسيـ ... ـح ذخيرًة للجاثليق وكأنَّها ذوب من الـ ... ـياقوت لا ذوب العقيق يسعى عليك بها غزا ... ل كالغزالة في الشروق /138 ب/ رشا رشيق قوامه ... أحلى من الغصن الرَّشيق جلَّت بدائع حسنه ... عن وصف ذي الذِّهن الدَّقيق لك كلَّما نادمته ... سكران من خمر وريق أو ما ترى وشي الرُّبى ... أربى على الوشي الأنيق كم فيه من زهر يرو ... ق الطَّرف في غصن وريق لما تخلَّله النسيـ ... ـم ومسَّه مسَّ الشَّفيق لثمت ثغور للأقا ... ح به خدودًا للشقيق وكأنَّ نرجسه مدا ... هن من لجين للخلوق وكأنَّ زهر بهاره الـ ... تعقيان أو خدُّ المشوق والجوُّ في سلك مطـ ... ـرَّزة بمذهبة البروق فاشرب وصل منها صبو ... حك وكلَّ يوم بالغبوق وتسلَّ عن كلِّ الأنا ... م فليس فيهم من صديق

وله أيضًا: [من الخفيف] إدَّعى مفتي الأنام رئيس الـ ... ـشَّام زين الإسلام قاضي القضاة أنَّ ذا الصاحب الوزير ابن حرب ... ذا المعالي والأنعم السَّابقات /139 أ/ ناشر العدل في الرَّعية طاوي الـ ... ـظُّلم عنها موفَّق العزمات ثابت القلب واثب في لظى الحر ... ب مخوف الثَّبات والوثبات خاضب الأبيض المهنَّد والأسـ ... ـمر في الرَّوع من نجيع الكماة والشُّهود العدول عدل وفضل ... ونوال كالأبحر الزَّاخرات وعجيب أن أدَّعي ما أرى النَّا ... س أقرُّوا به وبالبيٍّنات وقال أيضًا: [من السريع] أنشد عزُّ الدِّين أشعاره ... فما شككنا أنَّها درُّ وما عجبنا أنَّها مخرج ... للدِّر منه وهو البحر وأنَّ أوصاف الوزير الَّذي ... يفرق من صولته الدَّهر قد أكسبت أشعارّه بهجًة ... يخجل منها الشمس والبدر وقال أيضًا: [من الوافر] وما لي لا أحيِّي دار ليلى ... وأحبس في معالمها ركابي واعتنق التراب لعلَّ قلبي ... يسكِّن حرَّه برد التراب وقد سلفت لنا فيها بليلى ... ليال مثل ريعان الشَّباب [803] محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن أحمد /139 ب/ العربيُّ، أبو عبد الله، الشيخ العارف الحاتمي الطائيُّ من ذرية عبد الله بن حاتم الطائيِّ.

كانت ولادته بمدينة مرسية، في أيام الأمير أبي عبد الله محمد بن سعد بن مردنيس، سنة ستين وخمسمائة. وكانت وفاته يوم الثاني والعشرين من ربيع الآخر

بدمشق، ودفن بجبل قاسيون بتربة القاضي ركن الدين، وذلك في سنة ثمان وثلاثين وستمائة. سمع الحديث على أبي عبد الله محمد بن عبيد الله الحجري، وأبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون، وأبي الحسين يحيي بن الضائع السَّبتي، ومحمد بن قاسم بن عبد الكريم ... ، وجماعة سواهم. وكان أهله أجنادًا في خدمة المستولين على البلاد، وبقي مدّة جنديًا، ثم رجع عن الجندّية في سنة ثمانين وخمسمائة. وحدثني من لفظه، قال: كان سبب انتقالي عن الجندية، وبنذي لها وسلوكي هذه الطريقة، وميلي إليها، أنني خرجت صحبة مخدومي الأمير أبي بكر يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ بقرطبة، قاصدين المسجد الجامع، فنظرته في ركوع وسجود وخشوع، كثير الابتهال إلى الله – عز وجل – فخطر لي خاطر، أن قلت في نفسي: إذا كان هذا ملك البلاد خاضعًا /140 أ/ متذللاً، يضع هذا بين يدي الله تعالى – عز وجل – فما الدنيا بشيء، ففارقته من ذلك اليوم، وما عدت رأيته أبدًا؛ ثم لزمت هذه الطريقة. وهو رجل له قدم في الرياضة والمجاهدة، وكلام على لسان أهل التصُّوف، موصوف بالتقدّم والمكانة عند جماعة من أهل هذا الشأن، وله أصحاب مريدون وتلامذة، وصنّف تصانيف كثرة، وتواليف جمًّة، سكن بلاد الروم؛ ملطية، وقونية، وطاف البلاد، ودخل بغداد، ثم سكن بأخرةٍ دمشق. وله كلام حسن في الحقيقة يأتيه من غير اشتغال بالعلم. وقد رزقه الله تعالى خاطرًا متوقدًا، فانثال عليه هذا الكلام إنثيالاً، ووفق في إستنباطه توفيقًا عجيبًا، ما حير العقول عند سماعه، وسلب القلوب في إيراده. شاهدته بمحروسة حلب، في يوم الأربعاء سادس ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وستمائة؛ شيخًا يخضّب، وقرأت عليه جميع ما تضمنته هذه الأوراق وأنشدنيها؛ فمن شعره على طريق العارفين: [من الطويل] ألا يا حمامات الأراكة والبان ... ترفّقن لا تندبن بالنَّوح أشجاني

/140 ب/ ترفَّقن لا تندبن بالنَّوح والبكا ... خفيَّ صباباتي ومؤلم أحزاني ومن عجب الأشياء ظبي مبرقع ... يشير بعنُّاب ويومي بأجفان ومرعاه ما بين الترائب وفي الحشا ... فيا عجبًا من روضة وسط نيران لقد صار قلبي قابلاً كلَّ صورة ... فمرعى لغزلان ودير لرهبان وبيتًا لأصنام وكعبة طائف ... وألواح توراة ومصحف قرآن أدين بدين الحبِّ أنَّى توجَّهت ... ركائبه فالحب ديني وإيماني وأنشدني لنفسه: [من البسيط] قالت: عجبت لصبٍّ من محاسنه ... يختال ما بين أزهار ببستان فقلت: لا تعجبي ممَّا ترين فقد ... أبصرت نفسك في مرآة إنسان ومن نظمه في المقامات من الفتوحات المكية في التوبة، وأنشدنيه: الإعتراف متاب كلِّ محقِّق ... وبه إله الحقِّ يشرح صدره رضي الإله عن المخالف مثلمًا ... رضي الإله عن الموافق أمره ماذا .... ينال مناله ... لاسيَّما إن كنت تعرف سره من عين منتبه ينال مخالف ... ما ناله من كنت تجهل قدره /141 أ/ وقال أيضًا، وأنشدنيه: [من الطويل] هبوط مكان لا هبوط مكانة ... لتلقى به حورًا وملكًا مخلَّدا كما قال من أغواه صدقًا لكونه ... رآه كلامًا من إله مسدَّدا

وقال في الخلوة، فأنشدنيه: [من الطويل] خلوت بمن أهوى فلم يك غيرنا ... ولو كان غيري لم يصحَّ وجودها إذا أحكمت نفس شرط انفرادها ... فإن نفوس الخلق طرًّا عبيدها ولو لم تكن في نفسها غير نفسها ... لجادت بها جودًا على من يجيدها وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن العربي، قال: كنت أطوف بالبيت، فطار قلبي، وهزَّني حال أعرفه، فخرجت من البلاط من أجل الناس، وطفت على الرمل، وذلك بالليل، فحضرتني أبيات، فأنشدتها، أسمع بها نفسي ومن يليني، ولو كان هناك أحد، وهي: [من مشطور المديد] ليت شعري هل دروا ... أيَّ قلب ملكوا؟ /141 ب/ وفؤادي لو درى ... أيَّ شعب سلكوا أتراهم سلموا ... أم تراهم هلكوا؟ حار أرباب الهوى ... في الهوى وارتبكوا! فلم أشعر إلاّ بضربة بين كتفيّ بكفٍّ ألين من الخز، فالتفت فإذا بجارية من بنات الروم، لم أر أحسن وجهًا، ولا أعذب منطقًا، ولا أرق حاشية، ولا ألطف معنًى، ولا أدق إشارة، ولا أظرف محاورة منها، قد فاقت زمانها ظرفًا وأدبًا، وجمالاً ومعرفة، فقالت: يا سيدي! كيف قلت؟ فقلت: ليت شعري هل دروا ... أيّ قلبٍ ملكوا؟ فقالت: عجبًا منك، وأنت عارف زمانك، تقول مثل هذا! . ليس كل مملوك معروف، وهل يصح الملك إلاّ بعد المعرفة، وتمنّي الشعور يؤذن بعدمها، والطريق لسان صدق، فكيف يتجوز مثلك؟ قل يا سيدي، فماذا قلت بعده؟ فقلت: وفؤادي لو درى ... أيّ شعبٍ سلكوا فقالت: يا سيّدي! الشعب الذي بين الشعاب والفؤاد، وهو المانع / 142 أ/ له من المعرفة به، فكيف يتمنّى مثلك ما لا يمكن الوصول إليه؟ والطريق لسان صدق،

فكيف يتجوز مثلك يا سيدي؟ فماذا قلت بعده؟ فقلت: أتراهم سلموا ... أم تراهم هلكوا؟ قالت: أما هم فسلموا، ولكن عنك يبقى أن تسأل نفسك، هل سلمت أم هلكت يا سيدي؟ فما قلت بعده؟ فقلت: حار أرباب الهوى ... في الهوى وارتبكوا فصاحب، وقالت: واعجبًا كيف تبقى للمشغوف فضلة، يحار بها والهوى شأنه التعميم، يحذر الحواس، ويذهب العقول، ويدهش الخواطر، ويذهب بصاحبه في الذاهبين، فأين الحيرة هنا، أو من هنا باق فيجاور الطريق لسان صدق، والتجوز من مثلك غير لائق، قلت: يا ابنة الخالة ما اسمك؟ قالت: قرّة العين، فقلت: لي، ثم سلّمت وانصرفت؛ ثم إنّي عرفتها بعد ذلك، وعاشرتها، فرأيت لها من لطائف المعارف، ما لا يصفه واصف. وحدثني بمدينة حلب في يوم الأربعاء سادس ربيع الأول سنة خمس وثلاثين /142 ب/ قال: كنت مجاورًا بمكّة سنة تسع وتسعين وخمسمائة، فرأيت في منامي رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا على الدكمة التي تلي باب أجياد الأقرب إلى باب الحزورة، ووجهه مستقبل الركن اليماني، ورجل يقرأ عليه كتاب البخاري، وهو محمد بن خالد الصدفي التلمساني، وأنا قاعد بين يديه صلى الله عليه وسلم قد ضربت بذقني على ركبته صلى الله عليه وسلم أتطلع في وجهه، فقلت له: يا رسول الله! المطلقة ثلاثًا في مجلس واحد، هل يرجع طلاقها إلى واحدة، أو هي ثلاث كما قال؟ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي ثلاث كما قال، لا تحلّ حتى تنكح زوجًا غيره، فقلت له: يا رسول الله إنَّ بعض العلماء يردّها إلى واحدة، فقال لي صلى الله عليه وسلم: هؤلئك حكموا بما وصل إليهم، وأصابوا. قلت له: يا رسول الله: ما أريد في هذه المسألة إلا ما تدين الله تعالى أنت به، ما لو وقع منك، فعلت به. فقال لي: هي ثلاث كما قال لا تحلّ له، حتى تنكح زوجًا غيره، يرددها ثلاثًا، ثم بسط يديه، ودعا بهذه الكلمات: اللهم أسمعنا خيرًا، وأطلعنا خيرًا /143 أ/ ورزقنا الله العافية، وأدامها لنا، وجمع الله قلوبنا على التقوى، ووفّقنا لما يحبّه ويرضاه، .... ، واستيقظت. وحدثني أيضًا أبو عبد الله بن العربي، قال: رأيته صلى الله عليه وسلم في هذا التاريخ، فقلت له:

يا رسول الله، الله تعالى يقول: } والمطلقات يتربَّصبن بأنفسهنَّ ثلاثة قروء {والقرء عند العرب من الأضداد، يطلقونه على الحيض وعلى الطهر، وأنت أعرف بما أنزل عليك، فما أراد الله بالقرء هنا؟ فقال لي صلى الله عليه وسلم: إذا فرغ قرؤها فأفرغوا عليها الماء وكلوا مما رزقكم الله قلت: يا رسول الله، فإذًا هو الحيض، فتبسم وقال لي: إذا فرغ قرؤها فأفرغوا عليها الماء، وكلوا مما رزقكم الله فعاودت عليه، فإذًا هو الحيض يا رسول الله؟ فأعاد علي وهو يبتسم: إذا فرغ قرؤها فأفرغوا عليها وكلوا مما رزقكم الله، واستيقظت. أنشدني أبو عبد الله محمد بن العربي لنفسه: [من الطويل] خليليَّ عوجا بالكثيب وعرِّجا ... على لعلع واطلب مياه يلملم /143 ب/ فإنَّ بها من قد علمت ومن لهم ... صيامي وحجِّي واعتماري وموسمي محصَّبهم قلبي لرمي جمارهم ... ومنحرهم نفسي ومشربهم دمي فيا حادي الأجمال إن جئت حاجرًا ... فقف بالمطايا ساعًة ثمَّ سلِّم وناد القباب الحمر من جانب الحمى ... تحيَّة مشتاق إليكم متيَّم فإن سلَّموا فاهد السَّلام مع الصَّبا ... وإن سكتوا فارحل بها وتقدّم إلى نهر عيسى حيث حلّت ركابهم ... وحيث الخيام البيض من جانب الفم وكاد بدعد والرَّباب [وزينب] ... وهند وسلمى ثمَّ لبنى وزمزم وسلهنَّ هل بالحلبة الغادة الَّتي ... تريك سنى البيضاء عند التَّبسُّم وأنشدني أبو عبد الله لنفسه: [من الطويل] سلام على سلمى ومن حلَّ بالحمى ... وحقَّ لمثلي رقَّة أن يسلِّما وماذا عليها أن تردَّ تحيَّة ... علينا ولكن لا احتكام على الدّمى

سروا وظلام اللَّيل أرخى سدوله ... فقلت لها صبًا غريبًا متيَّيما أحاطب به الأشواق شوقًا وأرصدت ... له راشقات النَّبل أيًّان يمَّما فأبدت ثناياها وأومض بارق ... ولم أدر من شقَّ الحنادس منهما وقالت أما يكفيه أنِّي بقلبه ... يشاهدني في كلِّ وقتٍ أما أما /144 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] وزاحمني عند استلامي أوانس ... أتين إلى التطواف معتجرات حسرن عني أنوار الشُّموس وقلن لي: ... تورَّع فموت النَّفس في اللَّحظات فكم قد قتلنا بالمحصب من منى .... نفوسًا أبيّات لدى الجمرات وفي سرحة الوادي وأعلام رامة ... وجمع وعند النفر من عرفات ألم تر أن الحسن يسلب من له ... عفاف فيدعى سالب الحسنات فموعدنا بعد الطواف بزمزم ... لدى القبة الوسطى لدى الصَّخرات هنالك من قد شفَّه الوجد يشتفي ... بما شاءه من نسوة عطرات إذا خفن أسدلن الشُّعور فهنَّ من ... غدائرها في ألحف الظُّلمات وأخبرني إبن العربي، قال: أنشدني بعض الفقراء، بيتًا مفردًا، لا يعرف أخًا، وهو: [من الكامل] كلُّ الَّذي يرجو نوالك أمطروا ... ما كان برقك خلَّبًا إلاَّ معي فأعجبني مغزاه، وقفوت معناه، فعملت أبياتًا، جعلته واحدًا منها: [من الكامل] قف بالطُّلول الدَّارسات بلعلع ... واندب أحبَّتنا بذاك البلقع /144 ب/ قف بالدِّيار ونادها متعجبًا ... منها بحسن تلطّف بتفجُّع عهدي بمثلي عند بانك قاطفًا ... ثمر القدود وود روض أينع كلُّ الَّذي يرجو نوالك أمطروا ... ما كان برقك خلَّبًا إلاَّ معي قالت: نعم! قد كان ذاك المتلقى ... في ظلِّ أفناني بأخصب موضع

إذ كان برقي من بروق مباسم ... واليوم برقي لمع هذا اليرمع فاعتب زمانًا مالنا من حيلًة ... في دفعه ما ذنب منزل لعلع فعذرتها لمَّا سمعت جوابها ... تشكو كما أشكو بقلب موجع وسألتها لمَّا رأيت ربوعها ... مسرى الرِّياح الذَّاريات الأربعاء هل أخبرتك رياحهم بمقيلهم؟ ... قالت: نعم، قالوا: بذات الأجرع حيث الخيام البيض تشرق للَّذي ... تحويه من تلك الشُّموس الطُّلَّع وأنشدني لنفسه أيضًا: [من مجزوء الرجز] بين النَّقا ولعلع ... ظباء ذات الأجرع ترعى بها في خمر ... خمائلاً وترتعي ما طلعت أهلَّةً ... بأفق ذاك المطلع إلاَّ وددت أنَّها ... من حذر لم تطلع /145 أ/ ولا بدت لامعًة ... من برق ذاك اليرمع إلاَّ اشتهيت أنَّها ... لما بنا لم تلمع يا دمعتي وانسكبي ... يا مقلتي لا تقلعي وأنت يا حادي أتَّئد ... فالنَّار بين أضلعي قد فنيت ممَّا جرى ... خوف الفراق أدمعي فارحل إلى وادي اللِّوى ... مربعهم ومصرعي إنَّ به أحبَّتي ... عند مياه الأجرع ونادهم: من لفتًى ... ذي لوعة مودِّع رمت به أشجانه ... بهماء رسم بلقع يا قمرًا تحت دجى ... خذ منه شيئًا ودع

وزوِّديه نظرًة ... من خلف ذاك البرقع أو علِّليه بالمنى ... عساه يحيى ويعي ما هو إلاَّ ميِّت ... بين النَّقا ولعلع فمت يأسًا وأسى ... كما أنا في موضعي ما صدقت ريح الصَّبا ... حين أتت بالخدع /145 ب/ قد تكذب الرِّيح إذا تسمع ما لم تسمع وأنشدني أيضًا: [من الوافر] أطارح كلَّ هاتفة بأيك ... على فنن بأفنان الشُّجون فتبكي إلفها من غير دمع ... ودمع الحزن يهمل من جفوني أقول لها وقد سمحت جفوني ... بأدمعها تخبِّر عن شؤوني: أعيذك بالَّذي أهواه علم ... وهل قالوا: بأفياء الغصون وقال، وأنشدنيه: [من الكامل] عند الكثيب من جبال زرود ... صيد وأسد من لحاظ الغيد صرعى وهم أبناء ملحمة الوغى ... أين الأسود من العيون السُّود قتلت بهم لحظاتهنَّ وحبَّذا ... تلك الملاحظ من بنات الصِّيد وقال وأنشدنيه: [من الطويل] ثلاث بدور لم يزنَّ بريبة ... خرجن إلى التَّنعيم معتجرات حسرن عن أمثال الشُّموس إضاءًة ... وليس بالإهلال معتمرات وأقبلن يمشين الرُّويدا كمثل ما ... تمشي القطا في الحف الحبرات وقال، وأنشدنيه: [من البسيط]

/146 أ/ نفسي الفداء لبيض خرَّد عرب ... لعبن بي عند لثم الرُّكن والحجر ما تستدُّل إذا ما تهت خلفهم ... إلاَّ بريحهم من طيِّب الأثر ولا دجى بي ليل ما به قمر ... إلاَّ ذكرتهم فصرت في القمر وإنَّما حين أمشي في ركابهم ... فاللَّيل عندي مثل الشَّمس في البكر غالزت من غزلي منهنَّ واحدًة ... حسناء ليس لها أخت من البشر إن أسفرت عن محيَّاها أرتك سنًى ... مثل الغزالة إشراقًا بلا غر الشَّمس غرَّتها واللَّيل طرَّتها ... شمس وليل معًا من أعجب الصُّور فنحن في اللَّيل في ضوء النَّهار به ... ونحن في الظُّهر في ليل من الشَّعر وقال وأنشدنيه: [من البسيط] بين الحشا والعيون النُّجل حرب هوى ... والقلب من أجل ذاك الحرب في حرب لمياء لعساء معسول مقبَّلها ... شهادة النَّحل ما تلقي من الضَّرب ريَّا المخلخل ديجور على قمر ... في خدِّها شفق غصن على كثب حسناء حالية ليست بغانية ... تفترُّ عن برد ظلم وعن شنب تصدُّ جدًّا وتلهو بالهوى لعبًا ... والموت ما بين ذاك الجدِّ واللَّعب ما عسعس اللَّيل إلاَّ جاء يعقبه ... تنفُّس الصُّبح معلومٌ من الحقب /146 ب/ ولا تمرُّ على روض رياح صبًا ... يحوي على كاعبات خرَّد كعب إلاَّ أمالت ونمَّت في تنسمها ... بما حملن من الأزهار والقضب سألت ريح الصَّبا عنهم لتخبرني ... قالت: وما لك في الأخبار من أرب في الأبرقين وفي برك الغماد وفي ... برك الغميم نزلت الحيَّ عن كثب لا تستقلُّ بهم أرض فقلت لها ... أين المفر وخيل الشَّوق في الطَّلب هيهات ليس لهم معنًى سوى خلدي ... فحيث كنت يكون البدر فارتقب أليس مطلعها وهمي ومغربها ... قلبي فقد زال شؤم البان والغرب ما للغراب نعيق في منازلنا ... وما له في نظام الشَّمل من ندب

وقال، وأنشدنيه: [من السريع] حمامة البان بذات الغضا ... ضاق لما حمَّلتنيه الفضا من ذا الذي يحمل شجو الهوى ... من ذا الَّذي يجرع مرَّ القضا أقول من وجد ومن لوعة: ... يا ليت من أمرضني مرَّضا مرَّ بباب الدَّار مستهزئًا ... مستخفيًا معتجزًا معرضا ما ضرني تعجيره إنَّما ... أضرّ بي من كونه أعرضا وقال وأنشدنيه: [من الرجز] /147 أ/ يا حادي العيس بسلع عرِّج ... وقف على البانة بالمدرَّج ونادهم مستعطفًا مستلطفا ... يا سادتي هل عندكم من فرج برامة بين النَّقار وحاجر ... جارية مقصورة في هودج يا حسنها من طفلة غرَّتها ... تضيء للطارق مثل السرج لؤلؤة مكنونة في صدف ... من شعر مثل سواد السَّبج كأنَّها شمس ضحًى في محمل ... قاطعة أقصى معالي الدَّرج إن حسرت برقعها أو سفرت ... أزرت بأنوار الصَّباح الأبلج ناديتها بين الحمى ورامة ... من لفتى حلًّ بسلع يرتجي من لفتًى متيَّه في مهمه ... مولًّه مدلَّه العقل شجي من لفتى دمعته مغرقة ... أسكره خمر بذاك الفلج من لفتًى زفرته محرقة ... تيَّمه جمال ذاك البلج قد لعبت أيدي الهوى بقلبه ... فما عليه في الَّذي من حرج وقال وأنشدنيه: [من الطويل]

ألا يا نسيم الرِّيح بلِّغ مها نجد ... بأنِّي على ما يعلمون من العهد /147 ب/ وقل لفتاة الحيِّ موعدنا الحمى ... غديَّة يوم السَّبت عند ربي نجد على الرَّبوة الحمراء من جانب الضُّوى ... وعن أيمن الأفلاج والعلم الفرد فإن كان حقًّا ما تقول وعندها ... إلىَّ من الشَّوق المبرِّح ما عندي إليها ففي حرِّ الظهَّيرة نلتقي ... بخيمتها سرًّا على أصدق الوعد فتلقي ونلقي ما نلاقي من الهوى ... ومن شدَّة البلوى ومن ألم الوجد أأضغاث أحلام أبشرى منامة ... أنطق زمان كان في نطقه سعدي لعلَّ الَّذي ساق الأماني يسوقها ... عيانًا فيهدى روضها لي جنى الورد وقال وأنشدنيه: [من الطويل] ألا هل إلى الزُّهر الحسان سبيل ... وهل لي على آثارهنَّ دليل وهل لي بخيمات اللِّوى من معرَّس ... وهل لي إلى ظلِّ الأثيل مقيل فقال لسان الحال يخبر أنّها ... تقول تمنَّ ما إليه سبيل ودادي صحيح فيك يا غاية المنى ... وقلبي من ذاك الصَّحيح عليل تعاليت من بدر على القلب طالع ... وليس له بعد الطُّلوع أفول فديتك يا من عزَّ حسنًا ونخوًة ... فليس له بين الحسان عديل فروضك مطلول ووردك يانع ... وحسنك معشوق عليه قبول /148 أ/ وزهرك بسَّام وغصنك ناعم ... تميل له الأرواح حيث يميل وظرفك فتَّان وطرفك صارم ... به فارس البلوى عليَّ يصول وقال وأنشدنيه: [من المتقارب] لظبية ظبى صارم ... تجرِّد من طرفها السَّاحر وفي عرفات عرفت الَّذي ... تريد فكم أك بالصَّابر وليلة جمع جمعنا بها ... كما جاء في المثل السَّائر يمين الفتاة يمين فلا ... تكن تطمئنُّ إلى غادر

منى بمنى نلتها ليتها ... تدوم إلى الزَّمن الآخر تولَّعت في لعلعٍ بالَّتي ... تريك سنى القمر الزَّاهر رمت رامًة وصبت بالصَّبا ... وحجَّرت الحجر بالحاجر وشامت بريقًا على بارقٍ ... بأسرع من خطرة الخاطر وغاضت مياه الغضا من غضى ... بأضلعه من هوى ساحر وبانت ببان النَّقا فانتقت ... لآلي مكنونه الفاخر وآضت بذات الأضا القهقري ... حذارًا من الأسد الخادر بذي سلم أسلمت مهجتي ... إلى لحظها الفاتك الفاتر /148 ب/ حمت بالحمى ولوت باللِّوى ... كعطفة جارحها الكاسر وفي عالج عالجت أمرها ... لتفلت من مخلب الطَّائر خورنقها خارق للسَّما ... فيسمو اعتلاًء على النَّاظر [804] محمَّد بن عليِّ بن [محمد بن] يوسف بن قليج بن تكين خان بن محمود خان بن إيل خان، أبو عبد الله بن أبي الحسن الموصليُّ. من مولّدي الترك، وقد قدّمت شعر والده وعمّه في مكانهما، كان في زمن أبيه ذا نعمة وافرة، وجاه بسيط، متعلقًا بخدمة الملك العادل نور الدين أبي الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي، المستولي على الموصل. وكان أميرًا جليلاً، مذكورًا في زمانه، يخالط أهل الأدب والحديث، ويغشاه جماعة من الفضلاء. أخبرني، أنه ولد بالموصل، يوم الخميس سادس عشر رجب سنة خمس وسبعين وخمسمائة، فلما توفي والده؛ تناقصت أحواله، وضعف أمره، وترك ما كان عليه،

وصار فقيرًا، يلبس الصوف، وينتقل في البلاد ويخترقها. شاهدته /149 أ/ بمدينة حلب؛ وهو شيخ، والفقر مؤثّر عليه، والحاجة قد مسَّته، والدَّهر قد أناخ عليه بكلكله، وله عيال، وهو على أشدّ ما يكون من الفقر والفاقة؛ وربما استجدى بأشعاره، وارتزق بها كبراء حلب، ويقنع منهم بالنزر الطفيف. ورأيته من المدعين في معرفة الحديث وسماعه، ويقول المقطعات من الشعر، تلجئه إلى ذلك الحاجة والضرورة. أنشدني لنفسه، وقد عمل أربعين حديثًا، وأهداها إلى بعض الملوك من بني أيوب: [من الطويل] وإنِّي في حملي كتابًا وضعته ... وأودعته النَّثر المفصَّل والشِّعرا إلى ملك في العلم واحد عصره ... كمهد إلى شمس النَّهار سنى الشِّعرى وأنشدني لنفسه، وقد اقترح عليه في هذا الرويّ والقافية، فعمل ذلك ارتجالاً: [من الكامل] أفديهم من نازحين وحبُّهم ... دان على مرِّ الزَّمان مخيِّم إن لاح برق هاج لي تذكارهم ... فكأن نارًا في فؤادي أضرموا أو هبَّت النسمات من واديهم ... وجَّهت وجهي نحوهم فأسلِّم /149 ب/ يا مرسلين على البعاد تحيَّةً ... أحيوا بها ميت الجوى حييتم من لي بليلات قصار باللِّوى ... ولَّت وسماري الأعزَّة أنتم قسمًا بعقد عهودكم وودادكم ... ولقد محضت الصِّدق فيما أقسم ما راق طرفي غيركم ومسامعي ... إلاَّ حديثكم إذا ما قلتم ومن العجائب أنَّني أشتاقكم ... ومن العيان إلى الضَّمير نقلتم وعلى دياركم تحيَّة ذاكر ... عصر الصِّبا الماضي بها وعليكم وأنشدني لنفسه يمدح: [من الطويل] ولمَّا أتى من نحو أرضكم الرَّكب ... ولم يأتني منكم سلام ولا كتب ولا مبلغ في الوفد عنكم رسالًة ... يداوي بذكراها تباريحه الصَّبُّ

بكيت وما يجدي البكاء مع النَّوى ... إلى أن جرى في الشَّرق من عبرتي غرب وأنشدني لنفسه يمدح: [من الكامل] ملك يجلُّ عن المديح كما علا ... قدماه نسرًا في الفخار وفرقدا عمَّ البسيطة خيره ونواله ... للمعتفين وبأسه قهر العدا لم يبق في الدُّنيا نداه معدمًا ... يبغي النَّوال ولا سطاه ملحدا والله ثمَّ إليه اشهد صادقًا ... وكفى على قول امرئ أن يشهدا /150 أ/ ما أبصرت في الحرب عين مثله ... بل لا ولا رتب الممالك سيِّدا تفديه أرواح الملوك وحسبها ... شرفًا بذلك أن تكون له فدا هذا الَّذي بالزُّهر من أيَّامه ... أضحى الزَّمان متوَّجًا ومقلّدًا إنزل بناديه وناد فلم يخب ... والله من نادى المليك محمَّدا أنا ضامن إن زرته لك منحًة ... ترضي الوليَّ بها وتردي الحسَّدا وأنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل] بكيت كما يبكي الغريب صبابًة ... على وطن أقوى وغابت شموسه وناجيت نفسي بالعتاب فلم تصخ ... وقد سئمت ربعًا تولَّى أنيسه وأنشدني لنفسه: [من الطويل] وفي مصر للآداب سوق تجارة ... لدى أهلها الغرِّ الكرام كرام إذا استعرضوا نظم الكلام ونثره ... يهون عليهم للعقود نظام وأنشدني لنفسه، يمدح شرف الدين أبا البركات المستوفي – رضي الله عنه – بإربل: [من الخفيف] قال لي قائل وقد رمت أهجو ... إربلاً لازلت هجَّاًء سخيفا كيف تهجو مصرًا حوى شرف الديـ ... ـ ـــن الوزير البرَّ التَّقيَّ العفيفا /150 ب/ قلت أهجو غير الصَّديق عنادًا ... قال: ما أرتضيك تهجو الكنيفا وأنشدني أيضًا لنفسه في غلام أعمى: [من الوافر] يقول عواذلي أعشقت أعمى؟ ... وأغريت اللَّوائم والعواذل فقلت: عشقت منه كل معنًى ... يخبِّر إذ وعاه كلُّ عاقل

رأى جفنيه قد فتن البرايا ... بسحرهما وأعيت سحر بابل فأرسل مرسل الصُّدغين منه ... فأبطل سحرها والسِّحر باطل وأنشدني لنفسه، وكان محبوسًا بقلعة إربل: [من الطويل] كأنِّي في سجني وضيق فنائه ... وقد تركوني فيه مرتهنًا وحدي دفين جفاه أهله وحميمه ... وغادره الحفَّار في ظلمة اللَّحد وأنشدني لنفسه في حمام: [من السريع] ضدَّان في حمَّامكم هذه ... سكَّانها بينهما قد شقوا كأنَها قلبي في حرِّه ... وماءها قلب الَّذي أعشق وأنشدني أيضًا لنفسه في أوائل شهر ربيع الأوّل، بمحروسة حلب سنة خمس وثلاثين وستمائة: [من الكامل] /151 أ/ عد عن ملام المستهام وزجره ... فمتى يفيق من الغرام وسكره أو ما ترى الحدق المراض وسحرها ... جاءت تقيم لديك واضح عذره إن شئت لم أولاً ...... بقلبه ... أودى الفريق مع الفراق وصبره وإذا بدا برق فليس وميضه ... إلاَّ زناد قادح في صدره أو هبَّ من نجد نسيم بارد .... أذكى بذاك البرد خامد جمره صاح يميل من الدَّلال كأنَّه ... ثمل برقَّة ريقه وبخمره وعلى العقيق ممنَّع يوم النَّوى ... فضحت مدامعه قلائد نحره لو لم يكن من ريقه ثملاً لما ... بالصَّدِّ عربد ظالمًا وبهجره كم أطلق الدَّمع المصون وقد غدا ... قلب المحبِّ مقيَّدًا في أسره أفديك من مذك سعيرًا بالحشا ... عند الوداع ببارد من ثغره آهًا لساعات التواصل بالنَّقا ... ولطيب أيام الشَّباب وعصره أيَّام أسحب في مراتع رامة ... ذلَّ المذلِّ بنهيه وبأمره كم متُّ من شوقي على روض الحمى ... فيعود ينشرني النسيم بنشره يا سعد حدِّث عن منى أو ركبه ... فالنَّوم نفرَّه بصارخ نفره وإذا وصلت الشِّعب ناد بأهله ... ..... راسخ صخره

من ذا يحرِّم وصل مضطرِّ الهوى ... ..... محرم هجره /151 ب/ الذي يجازي كل حافظ عهده ... أم شيمة الحبِّ الجزاء لعذره يا صاح قبل الحبِّ حلوًا كنت لم ... أحفل بمن غمرته لجَّة بحره ما زلت أولع بالهوى متعرِّضًا ... حتَّى بليت بحلوه وبمرِّه وأنشدني أيضًا من شعره قوله: [من الطويل] أما مخبر اين استقلُّوا ويمَّموا ... وفي أيِّ دار بعد نعمان خيَّموا وكم حلَّلوا قتلي على الخيف وانثنوا ... عن العهد والوصل المحلَّل حرَّموا وقد ذبحوا في عيني النَّوم بعدهم ... فمن ذاك في أجفانها يسفح الدَّم أيا جيرة الوادي إلى م أعاتب الطُّـ ... ـلول وصمُّ الصَّخر لا يتكلَّم نقضتم على الرَّمل العهود ومن بنا ... على الرَّمل أمسى كيف لا يتهدَّم وأرضيتم الواشي وأسخطت عذَّلي ... وخالفت ........ وحقِّ ليالينا القصار بوصلكم ... وعهد حفظناه لكم وأضعتم إذا بارق من أرضكم لاح خلته ... لهيب سعير بين جنبي يضرم وإن نسمة هبَّت من الشِّعب سحرًة ... توحَّمت طوعًا نحوها فأسلَّم ويطربني عذل العذول ومن نأى ... محبًا لذكرى حبِّه يتألَّم وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] /152 أ/ لا أوحش الله من كتب إذا وردت ... كأنَّما نشرت من طيها الفرجا أكرم بها ومبهديها وحاملها ... فقرَّة العين لي فيها وألف رجا وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى القاضي الإمام بهاء الدين أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب – أيده الله تعالى-: [من المنسرح] يا سيِّدًا لم تزل مراكبه ... راكبًة فوق منكب الشِّعرى علوت قدرًا على المدائح بل ... ..... بوصفك الشِّعرا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط] لو كنت شاهدت يوم البين موقفنا ... أبصرت منِّي ما أبدى لك العجبا روحي مضت وبقي الجثمان بعدهم ... لقًى يقلِّبه بين الثِّياب هبا

وكلَّما صعدت ..... الضلوع ... ............ صغته ذهبا وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى أخيه، بعد تهاجر كان بينهما: [من الكامل] قدِّمت قبلك وافتديت بمهجتي ... يا ذا الَّذي من غير جرم يعتب أولست تعلم أنَّ عتبك ظالمًا ... ممَّا جناه النَّحل عندي أعذب /152 ب/ وأنشدني لنفسه، يلغز باسم: [من السريع] لو صحَّ لي من منيتي زورة ... تسخن منها عين واشيه كنت أسمه من بعد عكس إذا ... صار أخير الإسم ثانيه هذا اسم من أهواه لكنَّني ... خوفا عليه لا أسمِّيه وأنشدني لنفسه: [من البسيط] كأنَّما الرَّاح في الإبريق كامنة ... وقد بدا نورها للكأس فانصدعا وأنشـ ....... [من المجتث] إن سرَّ بالعيد قوم ... فما سررت بعيدي وكيف يفرح عان ... مهدَّد بوعيد يودُّ أن ينظر الأهـ ... ــل نظرًة من بعيد وليس يعطي مناه ... من كان غير سعيد وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] إذا نسمة هبَّت لنا من دياركم ... بكيت وإن برق من الغور أو مضا ومنَّيت نفسي رجعًة لوصالكم ... وهيهات أن يدني من العيش ما مضى /153 أ/ وكان دمًا دمعي ولكنَّ عبرتي ... يصعِّدها حزني فينهلُّ أبيضا

[805] محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن عبد الله بن سجمان البكري – من بكر بن وائل – الشريشي الأندلسي. كان مولده تقديرًا في سنة ستمائة؛ سمع الحديث الكثير بالأندلس، وديار مصر، والحجاز، والشام، وبغداد. واستظهر القرآن الكريم، وقرأ علم الأدب والعربية على جماعة. ترَّبى بالأندلس، وقرأ فقه الإمام مالك – رضي الله عنه-. أنشدني لنفسه، يلتمس من إنسان كتاب "التلقين" على مذهب الإمام مالك بن أنس – رضي الله عنه – فمنعه، وكان قبل ذلك قد أعاره إياه، ثم كتب له رقعة يعتذر إليه في المنع: [من البسيط] ما إن وجدت أطال الله عمرك لي ... وللمكارم توليها وتنشرها من منعكم منِّي التَّلقين موجدًة ... عليك في النَّفس أطويها وأسطرها قد طال ما كان عندي وانتفعت به ... وكم لكم من أياد لست أحصرها وفي الضَّمير لكم ودُّ ومنزلة ... منع الحوائج ممَّا لا يغيِّرها /153 ب/ إذ الصداقة صحَّت من أخي ثقة ... على صفاء فما شيء يكدِّرها وأنشدني أيضًا لنفسه من قصيدة: [من الطويل] لقد سار فينا سيرًة عمريَّةً ... وأذهب عنَّا الجور فالعد قائم

إذا ما انتضى للخطب يقظان عزمه ... غدت عزمات الدَّهر وهي نوائم ففي الحرب للأعداء بالقهر قاصم ... وفي السِّلم للأموال بالرِّفق قاسم لكلِّ بيوت الله بالعلم عامر ... وكلِّ بيوت الشِّرك والجهل هادم وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] هلاَّ عليك كما كلفت جميلا ... إن تولي الصَّبَّ المشوق جميلا يا واصلي بالهجر إنَّك قاتلي ... هلاَّ بوصلك أن يكون وصولا أيحلُّ قتل الصَّبِّ في شرع الهوى ... لا والَّذي قد أنزل التَّنزيلا حزني من الجفن العليل فإنَّه ... قد صيَّر الجسم الصَّحيح عليلا يا مالكًا رقَّ الأنام بحسنه ... ما بال طرفك للعبيد قتولا أو ما ترقُّ لمدنف ومتيَّم ... أضحى بحبِّك هائمًا مخبولا أضناه طول الشَّوق حتَّى إنَّه ... ما إن يبين لمبصريه نحولا ألف السُّهاد مع الضَّنى فجفونه ... ما إن تذوق من المنام قليلا /154 أ/ يرعى النجوم إلى الصَّباح وينثني ... حتَّى المساء بذكركم مشغولا فوحقِّ حسنك والصَّبابة إنَّني ... ما خفت موتي بالهوى مقتولا لكن أخاف عليك إن أتلفتني ... إذ كان شخصك في الفؤاد نزيلا هذا دمي لك يا ظلوم أبحته ... أو ما تخاف لدى الحساب جليلا أقسمت أنَّك في جمالك واحد ... ما إن أرى لك في الملاح مثيلا [806] محمَّد بن عبد القاهر بن هبة الله بن عبد القاهر بن عبد الواحد بن يوسف ابن النصيبيِّ، العدل الأمين، أبو عبد الله بن أبي المعالي. أخبرني أنه ولد ليلة الجمعة الثالث والعشرين من شوال سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

سمع الحديث النبوي كثيرًا؛ بحلب، ودمشق، ومصر، وبغداد. وهو من بيت مذكور بحلب معروف، وهو عدل من عدولها وقبره بها، وتولى عدّة أعمال منها؛ خزن مال الأيتام والنظر فيه، وغير ذلك، وأفادني كثيرًا من رواياته. رأيته شيخًا حسنًا صحيح الرواية، جيّد المعرفة، أنشدني لنفسه يوم الجمعة ثالث جمادى الآخرة /154 ب/ بحلب المحروسة، بجامعها سنة خمس وثلاثين وستمائة، قال: أنشدنا قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بن شداد – رضي الله عنه – قال: أنشدني القاضي الفاضل لبعضهم على صعد: [من مجزوء الرمل] قلت للزلمة جودي ... لا تمرِّي بلهاتي وبخفي خلِّ حلقي ... فهو دهليز حياتي وأنشدني لنفسه: [من الطويل] نظرت إلى الدُّنيا الغرور بعَّزة ... وغفلة مشغول بها يتجاهل وكيف أرى دارًا لذيذ نعيمها ... وأطمع أن أحظى به غير زائل وضيعت دارًا للخلود معدَّةً ... بلذَّات دار أكملت للرذائل ولمَّا رأيت الأقدمين تقدَّموا ... ولم يحصوا إلاَّ على غير طائل رجعت إلى النَّفس اللَّجوج ألومها ... وقلت لقد ضيَّعت حقًّا بباطل وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الرمل] كم عدٍّو لي من ظهري وكم ... من حميم لم تلده لي أمِّي وكذا الخال وبال قاله ... قبل هذا كلُّ ذي فهم وعلم فاحذر الأخوة والإبن وكن ... من بني الأعمام في همٍّ وغم /155 أ/ وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] إنَّ حمَّامنا الحمام لمن را ... م نعيمًا من غير ضرٍّ وبؤس هي مثل الموت المنغِّص للَّذا ... ت بين بردٍ ويبس

[807] محمَّد بن يحيي بن محمَّد بن هبة الله بن أبي جرادة أبو المفاخر بن أبي الفتح العقيليُّ. من أهل حلب وأبناء أجلتها وقضاتها وأكابرها، فضلاً وعلمًا. سمع الكثير من الحديث النبوي، وتفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة – رضي الله عنه – وأتقن صدرًا جيدًا منه، وناظر وتكلم مع الفقهاء، وقرأ أنموذجًا صالحًا من علم العربية، على الشيخ الفاضل موفق الدين أبي البقاء يعيش بن علي بن يعيش النحوي، وأتقنه معرفة. وهو شاب كيس دمث الأخلاق، جميل الخطاب، حلو المحاضرة، وربما جادت قريحته بشيء من الشعر على سبيل الرياضة فيجيد فيما يأتي به. أنشدني لنفسه، كتبها إلى يونس بن المرتضى الشاعر: [من الطويل] /155 ب/ ولابد أن يعلو بك الفضل رتبًة ... يجلُّ عن التَّحديد في الطُّول والعرض وأتلو على رغم الزَّمان وكيده ... } كذلك مكَّنَّنا ليوسف في الأرض { وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] وردت خباها والرَّقيب مهوِّم ... فهبَّت سريعًا قبَّح الله نعله تعرَّف حالي فانصرفت ... ... ولي مصدر .... أضمر الفعل قبله وأنشدني أيضًا من شعره: [من البسيط] قالت: طرقت بيوت الحيِّ في غسق ... ثمَّ اهتديت إلينا، قلت: بالقمر تبسَّمت فأضاء الخدر فاستترت ... عن النَّواظر في سحب من الشَّعر وأنشدني أيضًا قوله: [من الكامل] سرَّحت طرفي في رياض محاسنٍ ... عرف النَّسيم بنشرها متأرج

فالقدُّ غصن، واللَّواحظ نرجس ... والخدُّ ورد، والعذار بنفسج [808] محمَّد بن محمَّد بن حنين بن عمر بن أبي سعيد العربيُّ، البصريُّ المولد، الواسطي المنشأ، النحويُّ. أخبرني أنَّه ولد في سنة إثنتين وستمائة. شاب ألحى، ربع القامة، ذو فنون من العلم والأدب، حفظ القرآن المجيد، /156 أ/ وتفقه على مذهب الشافعي، وأخذ علم النحو عن أبي الفتح محمد بن أبي الفتح الواسطي، وأبي الحسن علي بن عدلان بن علي النحوي الموصلي، بمدينة السلام، وغيرها وعلى خاطره من النكت الأدبية، وعنده كيس ولطافة، ودماثة أخلاق. ولمّا انحدرت صحبة الأمير الكبير العادل ركن الدين، إلى بلد البطائح، واستقر بها المقام، أبلغ أنَّ بواسط رجلاً فاضلاً، وأنَّه قد انحدر إلى قرية تدعى: "بأم عبيدة"؛ فأرسل في استدعائه، فأقبل إليه، فرآه كاملاً في كل فضل، فندبه على تأديب ولده الأمير شهاب الدين أبي الفضل عيسى – بلّغه الله تعالى فيه ما يتمناه – وقررّ له جامكية، ورتب له جاريًا يكفيه ويفضل عنه، في رأس كل شهر، وأصعد صحبته إلى مدينة السلام، وقربه وأدناه، وأنعم عليه. أنشدني لنفسه، ليلة الجمعة الثانية عشر [ة] من شعبان، ببلد البطائح من الأعمال الواسطية، سنة تسع وثلاثين وستمائة، من قصيدة منها: [من الخفيف] دمت ما دامت الفواعل أسما ... ًء صراحًا واشتدَّ جرس الطَّاء وتمكَّنت ما تمكَّنت الألـ ... ـفاظ حال الإعراب لا في البناء . ما ارتفع الفا ... عل أو ضمَّ خالد في النِّداء /156 ب/ ثمَّ لازلت في دسوتك منصو ... بًا كزيد في حالة الإغراء

وأميلت رقاب شانيك بالفعـ ... ـل خلا من حروف الاستعلاء لأمدَّن في مديحك صوتي ... مثل مدِّ الكوفيِّ في هؤلاء وأنشدني أيضًا لنفسه من قصيدة: [من الكامل] ما ضر من بر ... عليها هتن ... لو أنها جادت لصبٍّ ..... علقت شرار الحبِّ في أحشائها ... وتضرَّمت مثل اضطرام جهنَّم وافلته المأسور وازفراته ... ما في الرِّفاق مساعد لمتيَّم وأنشدني أيضًا لنفسه، يخاطب بها بعض من كان يتردد إليه، ويستفيد عليه بشيء من الأدب: [من الطويل] أبا القاسم اذكر عهدنا واستعن بنا ... تجدنا ولا تحلل عهود المواثق وكن عالمًا أنَّ اللَّذاذة تنقضي ... ورَّبك بالمرصاد من كلِّ ناطق [809] محمَّد بن عمر بن الحسين بن محمَّد بن منصور البغدادي الفارقي. من أهل ميَّا فارقين ولادًة /157 أ/ ومنشأ. أخبرني أنه ولد سنة إحدى وستمائة. وهو شاب له طبع موات في نظم الشعر، وقريحة جيدة في استنباط المعاني. أنشدني لنفسه في سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وذلك حين افتتح المسلمون قلعة بالروم، وليلة فتحها احترقت بأجمعها، فتطيّر رب الدولة من ذلك، فقال: "والقلعة هي زينجا ببلد دايت": [من البسيط] لا تحسب القلعة الميمون طائرها ... خربتها يا أبا الهيجاء من عار لكنَّها أشركت بالله مذ .... ... فطهَّر الله ذاك الشِّرك بالنَّار وله: [من الطويل] فواعجبًا إنِّي ظللت بصدغه ... على قرَّة من جفنه وهو مرسل وأعجب من ذا أنَّ بي منه عارضًا ... أصبت به والصدغ منه مسلسل

وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] بين المثقَّفة الطِّوا ... ل السُّمر والبيض القصار رشا أطعت صابتي ... فيه وعاصيت اصطباري وسنان يجلو طرفه ... كأس الصَّبابة والعقار لا غرو أن لبس العذا ... ربأن خلعت له عذاري /157 ب/ لله ليلة زارني ... واللَّيل مسدول الأزار فحبا يدي بعقاره ... وأعضته عنها وقاري ولثمته فوردت في ... ماء النَّعيم لهيب نار ولربَّ ليل كالغدا ... ف هلاله تحت السِّرار أطلعت شمس رجاي فيـ ... ـــه فعاد لي مثل النَّهار ومن مديحها: فشعاره النُّعمي علـ ... ـيَّ وشكره أبدًا شعاري يهني بيمنى راحتيـ ... ـه حيث باليسرى يساري ولتصنع الأيَّام ما ... شاءت فإنَّ به انتصاري إنِّي أخاف الحادثات ... وجورها ونداه جاري وله: [من الطويل] وأسمر منه القدُّ أسمر ذابل ... فؤادي عليه ناصر لي وخاذلي إذا ما أتى أثنت عليه عواذلي ... أيا حسن من تثني عليه العواذل من السُّمر أودى بالنُّفوس قوامه ... سجيَّة نفس كلِّ أسمر قاتل له رامح من قدِّه غير راحم ... وغير شفيق في المحاجر بابلي /158 أ/ رماني فما أخطت فؤادي سهامه ... وهب أخطأت قلبي فكلِّي مقاتل وزار وقد مالت به نشوة الصبا ... وعنق الثُّريَّا في المجرَّة مائل فقبَّلت ما أبداه لي برق ثغره ... وعانقت ما أخفته عنِّي الغلائل بنفسي وما لي تلك ليلة وصله ... لقد كان فيها للصباح شمائل نعمت به فليصنع الدَّهر بعدها ... مشيئته بي ولتغلني الغوائل

وقال يمدح رشيد الدين عمر بن القصّار الفارقي – أسعده الله-: [من البسيط] إن كان عنِّي رشيد الدِّين مستترًا ... ما جود كفَّيه عنِّي الدَّهر مستور فهو الرَّشيد به أمسيت معتصمًا ... من الخطوب ورأيي فيه منصور وقال وكتبها إلى صديق: [من البسيط] يقبِّل الأرض عبد من عبيدك لو ... يسطيع شوقًا إلى تلك العلا طارا لكن كما تعلم الأيَّام مقعدة ... فقد أقامت له الأيَّام أمدارا وقال أيضًا: [من الكامل] ما نام لي حتَّى بدا ... في خدِّه ليل العذار واليوم سهل في الدُّجى ... من حيث يعسر في النَّهار /158 ب/ وقال أيضًا: [من مجزوء الرمل] زار واللَّيل بهيم ... أبلج الوجه رخيم من بني الرُّوم رشيق ... فاتر المقلة ريم وعلى كفَّيه شمس ... طلعت فيها النُّجوم من بنات الكرم بكر ... كفؤها الندب الكريم وقال أيضًا: [من الطويل] سلام كأيَّام الشَّبيبة والصِّبا ... عليك ومثل الرُّوض هبَّت به الصَّبا سلام امرئ إن جاز في ليل فكره ... أرته به آراؤه فيك كوكبا تغرَّب عنكم غير أنَّ فؤاده ... لديكم فيا لله ما إن تغرَّبا تذكرَّ لو أجدى عليه ادكاره ... زمانًا بكم كان الرَّبيع واطيبا سأركب في إدراكه اللَّيل أدهمًا ... وأجنب في تلقائه الصُّبح أشهبا عساي وعلِّي ما اجتليت ... ... من العيش أجنيه بقربك مذهبا وله: [من مجزوء الكامل] جمعت مسرَّات الزَّما ... ن لنا كما جمع الكمال

تاريخه يأتي إليـ ... ــته يسرُّ في الصِّدق الرِّجال /159 أ/ ..... أخَّرنه فكأنَّه ... في وجنة الأيَّام خال [810] محمَّد بن عبد الوهاب بن محمَّد بن ظاهر بن حمزة، أبو بكر بن أبي محمَّد القرشيُّ، المعروف بابن البراذعيِّ. نجم الكتّاب، من أهل دمشق، وأبناء أماثلها في الفضل والكتابة. رأيته بحلب، في سنة إحدى وأربعين وستمائة، أخبرني أنه ولد بدمشق في سنة ستٍّ وسبعين وخمسمائة؛ شيخ أزرق العينين، نقي الشيبة، قد أصابه داء الفالج، فتلجلج لسانه، وثقل. يتعاطى مذهب الحريري – صاحب المقامات – في أقواله، يكتب خطًا حسنًا، وينشئ نظمًا ونثرًا، لم يكن على ذلك طلاوة، ويظهر عليه تكلّف. لازم الشيخ أبا اليمن زيد بن الحسن الكندي، مدة طويلة، وقرأ عليه شيئًا من الأدب، وصحب أبا المحاسن محمد بن نصر بن عنين الشاعر، وروى عنه معظم أشعاره. أنشدني لنفسه بحلب المحروسة يوم الخميس السادس من شهر شوال سنة إحدى وأربعين وستمائة يقتضي وعدًا: [من الكامل] سرَّ الحسود بما جرى وبما بدا ... من وعد مولانا الوزير بنفعه /159 ب/ قد نال هذا بالسَّماع فهل أرى ... في عينه ما قد جرى ف سمعه وأنشدني أيضًا، وقد رأى في منامه، وهو ينشد بيتًا، فعمل أبياتًا، والبيت المذكور آخر الآبيات: [من البسيط] لم ينتفع عالم يومًا بحكمته ... إن لم يقدِّم عليها حسن نيَّته ويترك العرض الفاني ويرفضه ... ويطلب الجوهر الباقي بأوبته وما انتفاع أخي الدّنيا بزخرفها ... إذا ثوى في الثَّرى يومًا بوحدته إنِّي امرؤ لست أبغى في الزَّمان سوى ... عفو الإله وأن يجري .....

وقد لهجت بقول لا أغيِّره ... عمري ولا حلت دهري عن مودَّته إنَّ الذي منَّ في الدُّنيا بنعمته ... إنِّي لأرجوه في الأخرى لرحمته وأنشدني أيضًا لنفسه يقتضي وعدًا: [من الطويل] ألا أيُّها المولى الَّذي عم رفده ... وكلُّ وزير في البريَّة عبده أيجمل أنِّي تحت ظلِّك ضائع ... وأنت الَّذي في الدَّهر قد قلَّ مجده وقد مسَّني ضرُّ ودين وفاقة ... ويزداد هذا ما تأخَّر وعده وأنشدني لنفسه، يمدح الشيخ العلاّمة /160 أ/ علم الدين السخاوي: [من الكامل] يا خابط الظّلماء ي بيدائه ... أو ما سلمت من السرى وعنائه عرِّج على الشَّام الشَّريف ولذ به ... تلتذُّ منه بظلِّه وبمائه لا تنزلنَّ إلى الغوير ولا تزر ... جيرانه فالجور في أرجائه وارجع إلى الرَّأي السَّديد وعدِّ عن ... ذكر الهوى ونعيمه وشقائه وانزل على الجبل المنيف بجلِّق ... فالصًّالحون بسفحه وفنائه واقبل إلى العلم الكبير المجتبى ... تلق المنى واليمن عند لقائه العالم الصَّدر الإمام المرتضى ... مهدى الهدى من نوره وبهائه ما زال أوحد دهره علمًا وقد ... رضي الزَّمان به على أبنائه هذا السَّخاوي الَّذي ما مثله ... بين الورى في علمه وسخائه يتلى كتاب الله حول يمينه ... وشماله وأمامه وورائه متواضعًا لله جلَّ علاؤه ... متورِّعًا خوفًا على عليائه شاد المعالي بالتَّواضع فارتقت ... وتنَّزهت فاعجب بحسن بنائه وهو الَّذي غمر الوجود جميعه ... من فضل أنعمه وفيض عطائه ولطالما نفع الأنام بعلمه ... وصواب منطقه وصائب رأيه /160 ب/ دامت لنا أيَّامه وبقاؤه ... والله ينفعنًا بطول بقائه وأنشدني لنفسه، في غلام يرقص: [من الطويل] وظبيٍ حكى نور الغزالة وجهه ... وقد شدَّ بندًا عندما قام يرقص

من الرِّيم لكن فيه حسن التفاته ... وفي الرِّيم لفتات من يقنص فهذا بما فيه من الحسن قانص ... وتلك بما فيها من الحسن تقنص وقد صاد قلبًا عزَّ منه خلاصه ... ومن ذا الَّذي من أسره اليوم يخلص وأنشدني لنفسه، في غلام معه خدّام يحفظونه: [من الكامل] نفسي الفداء لمن أقام قيامتي ... بقوامه ونحافة في خصره حرسوه بالخدَّام خيفة عاشق ... قد حار من حرِّ الهوى في أمره كم خادم من حسنه في وجهه ... يغنى به عن خادم في عمره ريحان سالفه وعنبر خاله ... يتعايران وجوهر في ثغره وأنشدني لنفسه في المعكوس: [من مجزوء الرجز] أسمر راجٍ نكبًة ... تبكن جار رمسا أسرَّنا لقاؤه ... وهو أقلُّ إن رسا /161 أ/ وأنشد لنفسه، حرف سقط، وحرف مهمل: [من الوافر] بربك قلت: أنا يا جميلاً ... فإنَّك تستلذُّ وتستميح وقل يا جابري هذا بلاء ... فلا تهجر فإنَّك تستريح وأنشدني لنفسه، يلغز وعملها على لسان شخص يلتمس من السلطان قباء وعده به: [من السريع] يا مالكًا فاق جميع الورى ... وعمَّ في العالم تشريفه ابق متى ألبس متى ألبس ... معكوسها كل بأعدائك تصحيفه وأنشدني لنفسه، وهي أبيات خالية من الإعجام: [من الكامل] إسمع كلام مسلِّم ومسالم ... وموادع ومودّد ومواصل وله وداد لامرًا ولا ادعا ... ما ود صرام لود الواصل حمد الإله محمِّدًا ولآله ... آل المروة والسماح الكامل أهل الإمامة والعدالة والعلا ... وهم المراد لعالم ولعامل وهم عماد مؤمِّل ومعوِّل ... ومداه كلُّ مردِّد ومطاول /161 ب/ هم عمدة الإسلام ما دام الولا ... وسلاح كلِّ محاور ومحاول

وهم مهاد للكرام وعدّة ... ولصادر ولوارد ولآمل ما للرواة سواهم وهم كما ... ماء السَّماء لكلِّ عامٍ ما حل لا أحمد الهمَّ الملمَّ وما لهم ... ..... أو الملح الهاطل لا حرَّم الله الورود ولا هم ..... وهو الدَّواء لكلِّ صدر آهل [811] محمَّد بن عليِّ بن أبي الحسن عليِّ بن أبي القاسم هبة الله بن أبي العساكر سعد بن محمَّد بن الحسن بن أحمد بن عليِّ بن الفضل بن بشرويه، أبو عبد الله بن أبي القاسم الهماميُّ. هكذا أملى عليّ نسبه لما سألته عنه، وذكر لي أن أصله يرجع إلى قوم من الفرس. كان مولده في سلخ جمادى الآخرة سنة ستٍّ وتسعين وخمسمائة، بالهمّامية قرية كبيرة تحت واسط، من أعمالها وأشهر قراياها، نسبت إلى رجل، كان ينعت بهمام الدين من بني أسد، وكانت من جملة أقطاعه. وكان أجداد ابن بشرويه .... ومقدميها، ولهم بها .... يتوارثونها بها /162 أ/ وهي بأيديهم إلى يومنا هذا. وهو رجل أسمر، خالطه الشيب قليلاً، يتولّى التّصرف في الأعمال الديوانية، من قبل الديوان الخليفيّ المستنصري. يعاني صناعتي النظم والنثر، وهو ذو طبع سليم في إنشائهما، ويكتب خطًّا حسنًا، ولم يكن ممن يبغي أجرًا على المدح، فإنَّ نفسه ترفعه أن يمدح أحدًا مستميحًا، يفد على مدينة السلام في كل وقت، ويمدح أرباب الحضرة الشريفة بها، وربما امتدح أمير المؤمنين المستنصر بالله – خلّد الله ملكه – ثم يعود إلى قريته. ولما توجَّه انحدر في جمادى الآخرة من سنة تسع وثلاثين وستمائة، صحبة الأمير الكبير العادل ركن الدين أبي شجاع أحمد بن قرطايا – أسبغ الله ظلاله – إلى أملاكه التي أقطعه إياها أمير المؤمنين من أعمال واسط، لاستيفاء أنفاعها، وقبض

المغل الذي يحصل له من الخراج، اجتزنا بالهمامية، وكان ابن بشروية غائبًا عنها، لأشغال عرضت له من قبل الديوان العزيز، ولم يتفق للأمير الاجتماع به؛ فلما قدم ابن بشرويه من غيبته، أشعر بمقدم الأمير، فشق ذلك عليه، كيف لم يحظ بخدمته! ، فعند ذلك صنع رسالة وأعقبها أبياتاً، وأنفذها/ 162 ب/ إلى مخيمه المحروس مديحاً، يعتذر فيها من تأخره عن خدمته المولوية؛ وبعد ذلك انحدر إلى خدمته قاصداً زيارته، وقاضيًا حقه، وذلك في أوائل شعبان من السنة المذكورة، فاجتمعت به بالمخيم المحروس، وأنشدنا صدرًا متوفرًا من أشعاره، وعلقت عنه القصيدة التي امتدح بها الأمير- حرس الله مدته، وبلغه أمنيته- فأنعم عليه بجائزة سنية كعادته على الذين يردون عليه من أهل العلم والفضل. أنشدنا إبن بشرويه، يمدح الأمير الكبير العالم العادل الفاضل ركن الدين أبا شجاع أحمد بن قرطايا- أدام الله إقباله وحرس جلاله بمحمد وآله أجمعين: - [من الرجز] أهلاً عديد الرَّمل من جلاجل ... ومن زرود وأكام عاقل والمرو من سلمى ومن متالع ... ومن شمًام وهضاب حائل بأحمد من قادم أمست به ... بشائري شافيةً بلابلي ومرحبًا من بعد ما سهل به ... من ملك ندب ند حلاحل مهذَّب الأخلاق ذي فضائل ... مصونة الأطراف بالفواضل أغرَّ كالشَّمس سنى جبينه ... يجلود جى الحوادث النَّوازل /163 أ/ ما انفكَّ حصنًا مانعًا لخائف ... ونجعًة لسائل وآمًل وافى كساري المزن أضحى ناشرًا ... كل ما حل تحفُّه صيد وغًى من يافث ... كأنجم حفَّت ببدر كامل فاهتزَّت الأرض به مسرًّةً ... سرورهًا بالسُّحب الهواطل وأنبتت من كلِّ زوجٍ ناضرٍ ... أضحت به بهيجة الخمائل وفاح طيبًا كالخزامى تربها ... جاءت .... صبا الآصائل وراح للبشر ينادي أهلها ... أهلاً بهذا الآريحيِّ الفاضل أهلًا به من مستفيد خالد ... من خالص الجهد ببذل زائل

أهلاً به من غيث خصب قاتل ... للجدب واللأواء أيِّ قاتل أهلاً به من ليث حرب خيسه ... من الرِّماح الشُّرَّع الذَّوابل صيوده أسد الشَّرى يوم يرى ... فيه الضُّحى ليلًا من القساطل يخاله الجحفل من إقدامه ... على زؤام الموت في حجافل فلست أدري للَّذي قد حازه ... من كرم الأخلاق والشَّمائل ومن .................. ... تهفو وبأس في الهياج صائل أطرقه بالبحر أم بيذبل ... .... أم بليث غاب باسل /163 ب/ أعزز علىَّ غيبتي عن بلد ... مرَّ به رهواً على منازلي تلك لعمري حسرةٌ رحت لهًا ... أخا حشًا من الهموم آهل ضاهت سروري بتداني خطَّتي ... من ظلِّ علياه الظَّليل الشَّامل إسمع أبا شجاع خير مدحة ... لها أريجٌ المسك في محافل هديًة من خادم بحمده ... لمجده السَّامي الذَّرى مواصل سمع لعلياك بها ذًي ضنَّة ... بمثلها على سواك باخل ما جيًد من أضحت له قلادةٌ ... من حلية المجد بجيد عاطل تهزُّ أعطاف الرُّواة نشوة ... كأنَّها شيبت بخمور بابل يا أحمد المحمود يا خير فتًى ... يرجى ليومي شدَّة ونائل أنا الَّذي أصبح منه جارياً ... هواك مجرى الدَّم في المفاصل فلو يحول بذبلٌ لم ألف عن ... ودِّك يا رٌكن العلا بحائل لا تنقمن منِّي تعدَّاك الرَّدَّى ... سوء ثنائي عنك أو رسائلي فذاك عن غير قلًي لكنَّه ... عن شغل لي في الخطوب شاغل قد جشَّمتني حمل ما أحقره ... يوهي قوي رضوى فكيف كاهلي وغادرتني راضيًا أحداثها ... بالضَّيم عن رغم من الأرذال /164 أ/ثم/ أرتني كيف يسطو سفًا ... بغاث ذا الدَّهر على الآجادل وكنت قسَّ الحلم أدعى قبلها ... فصرت أدعى حصراً بباقل وآض سهل الشِّعر عند نظمه ... أصعب من عضِّي على الجنادل ولو جرى المقدار لي بنيل ما ... عن نيله أصبح ظلمًا خاذلي

لم تلقني يوماً لناديك ولا ... لوجهك الميمون بالمزايل الوذ في القلب وكم مواصلٌ ... يكتبه للودِّ شرُّ فاصل وكم فتًى مقاطع يكتبه ... وهو بصفو الودِّ خير واصل وما لأشواقي إليك غايةٌ ... لكنَّها بحرٌ بغير ساحل ولو أروم وصفها كنت كمن ... حاول عد الشُّهب والجراول ولو تمكَّنت لقد الفيتني ... مكان ما خطَّت إذا أناملي وزرت سعيًا ربعك الرَّحب وما ... للزائر الرَّاكب فضل الرًّاجل وأنشدني لنفسه يوم الأربعاء، ثالث شعبان سنة تسع وثلاثين وستمائة، ما كتبه إلى علاء الدين هاشم بن علي بن الأمير السيد العلوي، وكان قد أسدى إلى والده /164 ب/ حسنى حين كان ناظراً بواسط: [من الطويل] على بابك الميمون من كنت موئلاً ... لوالده ممَّن يخاف ويحذر أتاك بما أوليته من صنيعة ... وعارفة يثني عليك ويشكر لأن الثَّناء يا ابن بنت محمد ... أجلُّ جزاء المنعمين وأكبر فهل من سبيل لي إليك فإنَّني ... إلى نظرة من نور وجهك مقتر وتقبيل يمناك التي من بنانها ... عيون ينابيع النًّدى تتفجر فأنت الجواد أبن الجواد الَّذي به ... تغاث الورى في الممحلات وتعصر أرى أكرم الأشياء عندك ساعة ... بأنَّك فيها مستجيزٌ ومعسر ويصبح هذا في جوارك آمنًا ... ويصدر من مغناك ذا وهو موسر ولله بيتٌ قاله ذو فصاحة ... به أنت يا ابن الهاشميين أجدر: "كريمٌ له عينان عينٌ عن الخنًا ... تغضُّ وأخرى في العواقب تنظر" وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى مجد الدين يوسف بن الوقي. كان وزيراً بخوزستان. (من الكامل] يا أيها الملك المنيع حجابه ... إلا عن العافين والسُّؤال /165 أ/ يا كاشف الكربات وهي قوادحٌ ... ومفرِّج الغمَّاء والأهوال

يا من نؤمِّله لإدراك المنى ... وبلوغ أقصى غاية الآمال أإليك من نهج لعبد مخلص ... بولائه جم الثَّناء موالي غرضٌ إلي تقبيل راحتك الَّتي ... هي للعفاة أبٌ وأمُّ عيال والإبتهاج بنور طلعتك الَّتي ... نسقى الغمام بها لدى الإمحال جاب الحزون إليك علمًا أنَّه ... سينال عندك راحة الإسهال ولكم غدا إخلاصه مستشهداً ... لما إليه شكا وجا الإرقال أحوامل الأثقال أنك في غد ... بفناء أحمل منك بالأثقال فاسلم لنا يا يوسف أبن محمد ... وزراً نلوذ به من الأوجال فلأنت أكرم من بوافر سيبه ... لفحت لنا الآمال بعد حيال وأنشدني لنفسه، يرثي علي بن أحمد بن هزدي. وكان صديقاً له: [من الطويل] سقى جدثًا وارى علىَّ بن أحمد ... هزيم حيًا أحوى الرَّباب دفوق ملثٌ إذا يومًا أربَّ لماحل ... غدا وهو بالرَّوض الأنيق أنيق فتًى حاز منه التُّرب ترب فواضل ... بأيسرها كان الفضاء يضيق /165 ب/ مضى فمضى المعروف والبأس واغتدى ... فشيب رداء الحلم وهو سحيق فما ساءني من بعده فقد صاحب ... ولا سرَّني في الأصدقاء صديق ولم أر شيئًا مذ تضمَّنه الثَّرى ... يلذُّ لعيني شخصه ويروق فيا كبدي أنت الأسيرة للأسى ... عليه ودمعي الدَّهر أنت طليق وأنشدني لنفسه في بعض أغراضه: [من الطويل] هجرتك يا دار الأحبَّة راغمًا ... وودُّك ما حالت لديَّ به الحال ولولا وشاة الحيِّ يا دار لم يكن ... يحلُّ ركابي فيك ما عشت ترحال وأنشدني لنفسه، ما كتبه إلى الصاحب فخر الدين أبي سعيد المبارك بن يحيى- صاحب ديوان الزمام، وكان قد أنفذ له شيئاً من المال، فم يمكن رده عليه- بقصيدة منها هذه الأبيات: [من الطويل] أمولاي فخر الدِّين دعوة ناظم ... مدائحه عقداً لسؤددك النَّهد لك الخير رفقًا بعض سيبك إنَّه ... جسيمٌ فكيف الجمُّ من طولك العدِّ

لقد جدت لي منه بما رحت مالكًا ... به رقَّ شكري في دنوٍّ وفي بعد /166 أ/ فوالله ما أحرزته عن ضرورة ... إليك ولا عن فاقه لي إلى الرِّفد ولست بنكس آنست عين دهره ... له قطُّ في خوض المطامع من وردِّ ولا شاعر يهدي مديحًا فيجتني ... له ثمراً عند الكرام سوى الودِّ ولكنَّني أجللت برَّك ليتني ... أكدِّر ما أصفيت له منه بالرَّد وحاولت أن تضحي بحسن قبوله ... لديك لي الآمال محكمة العقد فأحرزته إحراز حر ثناؤه ... عليك جزاء الله خيراً ثنا عبد ولو أنَّه من عند غيرك جاءني ... وكان عديد الرَّمل والمرو من لحد لما وأبيك الخير همت بأخذه ... يميني ولو همت لفارقها زندي زكنت أرى ذياك لؤم سجيَّة ... تأنَّقها منِّي أخو خلق وغد وأيسر من حملي لغيرك منَّهً ... وإن سهلت حملي لثهلان أو أحد وأحسن ما قد قيل في مثل هذا الصـ ... صنيعة من نثر يروق ومن نضد ثلاثة أبيات بخفض نحورها ... عفت أربع الحلاَّت للأربع الملد (وما كنت ذا فقر إلى صلب ماله ... وما كان حفصٌ بالفقير إلى حمدي) (ولكن رأى شكري قلادة سؤدد ... فصاغ لها سلكًا بهَّيًا من الرِّفد) (فما فاتني ما عنده من حبائًه ... ولا فاته من فاته من فاخر الشِّعر ما عندي) /166 ب/ الثلاثة الأبيات الأخيرة لأبي تمام. وأنشدني لنفسه، وكان قد تصاحب هو ورجل علوي في بلاد خوزستان، فرأى منه ما يكره. وكان من جانب مجد الدين ابن البوقي- رحمة الله- ثم انفصل مجد الدين، وتولى بعده ظهير الدين الحسن بن عبد الله، فانفصل هو والعلوي عن العمل الذي كانا به، وطلب دستورًا ليعود إلى أهله، فلم يمكنه ظهير الدين، وكثر مقامه عنده، ثم أشار إليه أن يخدمه في موضع يعرف بمعاملة القروج، وكان عاملها قاضي الحويزة، وهو جعفر بن الحسن العلوي، فأبى أن يخدم بالعمل المذكور كرهًا له؛ لأنه

استقله فلم يقبل ظهير الدين عذره، وألزمه الخدمة؛ فكتب إليه هذه الأبيات، وعرضها عليه سعد الدين الحسن بن محمد الحاجب، وهي: [من البسيط] /167 أ/ أعوذ بالله ربِّ النَّاس كلِّهم ... وبالفتى حسن ذي المنظر الحسن بأن يراني إنسان له بصرٌ ... مصاحبًا علويًا آخر الزَّمن فقد لقيت من الكوفي معضلًة ... لو لابست ....... حتَّى لقد كدت لو لم تقض فرقتنا .... وشكًا أحبُّ أبن هند مظهر الفتن فلا تعدني ظهير الدِّين ثانيًة ... إلى مكابدة الأهوال والمحن فليس يلسع من جحر حوى رقمًا ... طورين إلا أمرؤٌ خال من الفطن وإن يكن ضاق عن مثلي جنابك أو ... أنِّي لما منك أرجو لست بالقمن فما أذمُّ سوى حظِّي لديك ومن ... بغير حظٍّ يرد نيل المرام يني وله: [من البسيط] تجمَّعت خمسةٌ من ... مكرمة ... في أحمد بن قراطايا هي الشِّيم وجهٌ مليحٌ وأخلاقٌ مهذبةٌ ... ومنطق ذربٌ ..... ] محمد بن محمد بن محمد محمد بن عمرك بن أبي سعيد عبد الله بن الحسن بن القاسم بن علقمة بن النضر بن معاذ بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه البكري التيمي القرشي الدمشقي، أبو الفضل بن عبد الله.

أخو الشيخ الحافظ صدر الدين أبي علي الحسن بن محمد البكري. وأبو الفضل هذا، رأيته شيخًا بدمش / 167 ب/ وأخبرني أنه ولد سنة تسعين وخمسمائة، وكان يتصرف في الأعمال والولايات وتحت يده أوقاف الصدقات. يشدو شيئًا من فقه الإمام الشافعي- رضي الله عنه- ويقول الشعر طبعًا، ويزنه ويذوقه ويفهم مواضع الخطأ منه، وقد نظمه في الأغراض التي يقصدها، وذكر لي أنه لم يشتغل قط بشيء من العربية، ولا قرأ منها لفظة، وينظم نظمًا متزنًا صحيحًا، وربما جاء في شعره لحن قريب، لكونه لم يتعلم شيئًا من الأدب. أنشدني لنفسه، يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في أواخر سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من الكامل] لي في مديحي للرسول غرام ... فعلى الرَّسول تحيةٌ وسلام المصطفى المختار من دون الورى الـ ... ـــمدَّثر المطَّهر الصَّوام الهاشميُّ الأبطحيُّ ومن به ... تتفاخر الأيَّام والأعوام كالبدر وضَّاح الحبين مهذَّب الأ ... خلاق حاز المجد وهو غلام حسبي بمدحيه افتخارًا أنَّه ... في الحشر ممَّا أتَّقيه ذمام فمديحه يشفي السَّقام وذكره ... ينفي الأوام وحبُّه معصام كم غصت في بحر المعاني مخرجًا ... درر المدائح زانهنَّ نظام /168 أ/ في خاتم الرُّسل الكرام ومن به ... للأنبياء المرسلين ختام سبحان من أسرى به في ليلة ... فانجاب عنها غيهب وظلام وعلا على ظهر البراق وجاوز السَّـ ــبع الطباق فعمَّه الإنعام خفَّت به الأملاك تعظيمًا له ... فهم لحضرة قدسه خدَّام ودناً فكا كقاب قوسين كما ... قد جاءت الآيات والأحكام ورأى فما كذب الفؤاد لما رأى ... من رِّبه فتبارك العلَّام يا خيرة الله الذي بك قد سما ... التوحيد والإيمان والإسلام

بلغت يا خير الأنام رسالة ... تهدى بها الأعراب والأعجام لولا رسالتك التي بلَّغتها ... ضلَّت قريش ودينها الأصنام أرسلت فينا شاهدًا ومبشِّرًا ... يا قدوة للمتًّقين إمام يا من إذا ما قطَّبت عداؤه ... في الرَّوع صال وثغره بسام يا من بحضرته الغزالة سلَّمت ... ولبدر طلعته أظلَّ غمام وإليه حنَّ الجذع من شوق كما ... حنًّ البعير ... أقدام وله الأيادي البيض والمنن التي ... تحيا بها الفقراء والأيتام تالله إني في مديحك صادقٌ ... ولئن أطلت المدح لست الأم /168 ب/ لو قلت مهما قلت إني عاجز ... عن كنه حصر صفاته تمتام ماذا يقول المادحون بمدحه ... ولرِّبه في مدحه أحكام أثنى عليه الله- جلِّ جلاله ... مدحًا يقصِّر دونها الأفهام يكفيه معجزة الكتاب ولم تكن ... بيمينه قد خطَّت الأقلام أوليس أقسم رُّبه بحياته ... قسمٌا به تتحمَّل الأقسام وتزعزع الإيوان في ميلاده ... وخمود نار الفرس وهي ضرام وتضاعف الزَّاد القليل لصحبه ... من بعد ما قد مسَّهم إعدام من إصبعيك الماء فاض ينابعًا ... سحًا فروَّى الجيش وهو لهام يا من تعاظم في النُّفوس مهابًة ... والرُّعب يقدمه فليس يرام ورمى بكف من تراب أعين الـ .... ـــكفَّار فاغشوشت بذاك وهاموا نكصوا على أعقابهم إذا قوبلوا ... فكأنَّما إقدامهم إحجام ناجاك ربُّك صلِّ وأسعد واقترب ... فلشانئيك الذٌّل والإرغام أعطاك ربُّك كوثرًا لكرامة ... لك عنده فليهنك الإكرام ولك الشفاعة إذ غدوت مشفَّعاً ... دون الورى والنقض والإبرام يا سيِّد السَّادات يا خير الورى ... والماجد الطَّعان والمطعام /196 أ/ لولا المسير إلى زيارتك الَّتي ... خفت بها الأرواح والأجسام

ما طاب ذكر الجزع أو ذات النقا ... أبداً ولا ضربت بهنَّ خيام كم بثَّ بالحرم الشَّريف مجاور الـ ... ــقبر المنيف فما ألمَّ سنام مرَّت لييلاتٌ وأيامٌ به ... نعم اللَّيالي كنَّ والأيَّام يا كنز كلِّ مؤمِّل ذي فاقة ... قد مسَّه الإقلال والإعدام نسخت شريعتك الشرائع فاغتدى ... لكلامها في المشركين كلام [813] محمد بن عبد السلام بن المطهر بن عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن المطهر ابن أبي عصرون، أبو عبد الله بن أبي العباس التميمي. كانت ولادته بحلب، في أوائل المحرم سنة عشر وستمائة. من أبناء القضاة المعتبرين، والعلماء المدرسين، ومن بيت علم مشهور، وفضل مذكور. وهو شاب جميل، حصل من الفقه صدراً صالحا< يرجع إلى ورع وتقى، وخير وسداد، وحسن طريقة، واستقامة سيرة، ويحفظ جملة من الأشعار النادرة، ويقول شعراً لطيفًا /169 ب/ أنشدني لنفسه يتغزل: [من الوافر] وظبى تسترقُّ له ... قلوب النَّاس الحاظه كأنَّ العقد مبسمه ... ونثر الدُّر ألفاظه وأنشدني أيضاً لنفسه: [من الخفيف] حلبٌ جنَّة النَّعيم فزرها ... تلق فيها ما تشتهية النُّفوس من هلال يرنو بعيني غزال ... وقضيب على كثيب يميس ورياض كأنَّها بنظيم الـ ... ــنَّور من حسن نبتها طاووس

[814] محمد بن عبد المنعم بن نصر الله، أبو عبد الله، [المعروف بابن شقير الدمشقي التنوخي]. أنشدني لنفسه: [من الطويل] أشاقك برقٌ بالحمى يتألَّق ... له بالنَّقا عهدٌ عليك وموثق؟ أم البان هزَّته الصَّبا فتأرَّجت ... سحيرًا فمن أنفاسها المسك يعبق أم اقتنصت أرام رامة قلبك الـ ... ـــمشوق فأضخى وهو لهفان يخفق بعيشك حدِّثني عن البان والحمى ... فإنِّي إلى أهل الحمى أتشوَّق أما وليالينا بمنعرج اللِّوى ... وغصن الصِّبا واللَّهو ريَّان مورق /170 أ/ لقد أغري الجفن المسًّهد بالبكا ... فكا أسًى في لجَّة الدَّمع يغرق إذا أنا لم أبك العقيق بمثله ... فما أنا صبٌّ لا ولا أنا شيِّق ومنها: علي عيون المزن تبكي تأسُّفًا ... ومن حزني ناح الحمام المطوَّق عدمت الكرى والطَّيف طيف خيالكم ... فلا النَّوم يغشاني ولا الطَّيف يطرق وقد وعد الصَّبر الجميل تجلُّدًا ... ومن لي بأنَّ الصَّبر في الوعد يصدق عقرت لضيف الطَّيف إنسان مقتلي ... فدمعي دمٌ في سفح خدِّي يهرق وأنفقت كنز الدمع في سوق بينكم ... وفي مثله كنز المدامع ينفق وبي ربُّ حسن بات قلبي كليمه ... إذا ما تجلَّى كدت بالشَّوق أصعق وإن هو ناجاني على طور حسنه ... تراني من الإجلال أغضي وأطرق

ضللت بليل من ذوائب شعره ... كما ضلَّ سار في الدُّجنَّة معنق فانست نارًا أضرمت بين أضلعي ... لها قبسٌ يهدي لمن ضلًّ يشرق خدمت بديوان المحبَّة ناظرًا ... ولي في الهوى جار من العين مطلق وجسمي ضناه عاجلٌ وهو مشرفٌ ... على تلف أضحى لحيني يحقِّق وقد حاسب التَّبريح جسمي فلم تكن ... بواقيه إلَّا أضلعٌ تتحرَّق /170 ب/ ولو إنكسار الصًّبر في جهة الهوى ... لما كان قلبي بالحبيب يعلَّق رفعت له مع حاجب الغمض قصَّتي ... بأنِّي عان في هواه وموثق فوقَّع لي سلطان خطِّ عذاره: ... أسير الأسى من حبِّنا ليس يطلق وإن يك بالهجرة انقضت مدًّة الجفا ... فباقي الهوى بالرَّوح منه يغلَّق لي الله من غصن وريق ومبسم ... وريق به جفني قريحٌ مؤرَّق بهاء محيَّاه وأملود قدِّه ... من البدر أبهى أو من الغصن أرشق يصول على عشاَّقه بجماله ... دلالًا ولا يحنو ولا يترفًّق وقد تمَّ ما فوق النِّصاب ملاحًة ... فهلَّا على مسكينه يتصدَّق ومنها: فللَّه ليلاتٌ تقضَّت حميدًة ... بجلِّق الفيحاء والعيش مونق وأيَّامنا بالنَّيربين ونورها ... منيرٌ وأحداق الزُّهور تحدِّق ينمُّ بها النَّمام من حسد لها ... ومن طرب حيث الشَّقيق يشقَّق ومنها: لقد أصبحت ذات العماد بملكها الـ ... ــعماد يمينًا مثلها ليس يخلق ومنها: /171 أ/ وما أسدٌ خفَّان باسلٌ ... شديد السُّطا عبل الذِّراعين أشدق طواه الطَّوى حتى استمرَّ مريره ... وسيف المنايا بين عينيه يبرق بواد تحاماه الأسود مخافةً ... إذا مرَّ في أرجائه الموت يفرق

بأعظم منه سطوةً ومهابةً ... وأثبت جأشًا والكتائب تقلق أمدَّ عليها صافيًا من ظلاله ... فأضحت به من نهجة تتألَّق رأينا بها الولدان والحور رتَّعًا ... فقلنا يقينًا: جنَّة الخلًد جلِّق تزوَّج منها بالسُّرور نفوسنا ... على أنَّنا منها الهموم نطلِّق فكم راقنا مستنزهٌ في ظلالها ... وكم شاقنا قصرٌ مشيدٌ وجوسق فلم أنس أنسي في ميادينها الَّتي ... لها نضرةٌ تحيي النُّفوس ورونق يخيط بخيط المزن ثوب ربيعها الـ ... ـــنسيم وأكمام النَّبات تفتَّق تراكض في أرجائها اللَّهو والصِّبا ... فجالت بها خيلٌ إلى الأنس سبَّق فكم من غزال سانح في رياضها ... حكى أخته في حسنها حين يبرق وكم لاح بدرٌ فوق غصن أراكة ... رشيق قوام بالعيون ممنطق وكم كوثر يجري إلى جنب كوثر ... وكم أعين نضَّاخة تترقرق لقد صبَّت الغدران عند مديرهًا ... فسلسل فيهًا ماؤها وهو مطلق /171 ب/ جنان نعيم ليس يشقى نزيلها ... يحلى بها جيد المنى ويطوَّق كلاها كمال الدِّين منه بعينه ... فمن جوده أمواهها تتدفَّق فلا غرو إن رقَّت وراقت لأنَّها ... بأخلاقه الحسنى غدت تتخلَّق ومنها: يكاد ذكاء عند إعمال فكره ... متى شاء عمَّا في المغيَّب ينطق له قلمٌ فيه المنَّية والمنى ... يجاور بحراً ماله ليس يورق وأعجب منه أنَّني جار ظلِّه الـ ... ـــرَّحيب لراجيه ورزقي ضيِّق ومنها: أبثُّك حالي حال عمَّا عهدته ... وشكوى لها صمُّ الصَّفا يترقَّق فقد مسَّني فقرٌ وحاشا أمرءاً غدا ... لجودك جاراً أن يرى وهو مملق فعطفًا وإشفاقًا على ذي فضيلة ... ألست على أهل الفضائل تشفق أعيذك أن أنسى بظلِّك ظاميًا ... وغيث ندى كفَّيك بالجود مغدق وهذا قريضي يخجل الدُّر نظمه ... إلى حسنه الجوزاء ترنو وترمق فخذ مدحة فاقت على كلِّ مدحة ... غدت وعليها من ضيائك رونق

فدونك معنٌ في السَّماح وحاتمٌ ... ومن دون شعري جرولٌ والفرزدق /172 أ/ صورة ما كتب الشيخ علم الدين السخاوي، يمدح هذه القصيدة: [من الطويل] وقفت على هذا الفريض الَّذي له ... ضياءٌ وأنوارٌ وحسنٌ ورونق تضمَّن أوصافًا بها كلُّ سامع ... إذا ما تلاها شاهدٌ ومصدِّق وأبرز أنواعا من الدُّر بحرها ... أن لا يجيد النظم من در مغرق ولا عجبٌ ممَّا جرى من جواهر ... ففي التَّاج أنوار الفرائد تشرق له قصبات السَّبق في كلِّ وجهة ... فمن ذا يجاري سابقًا ليس يلحق يقول علي بن محمد السخاوي: "إنني تدبرت هذا النظم البديع، والبحر الوسيع، فرأيته مالكًا لعنان البلاغة والإحسان وافيًا بصناعة الشعر في الإجادة والإتقان، مع عذوبة ألفاظه، وسهولة مسالكه ... والرقة لمن يهجن المعاني بأغلاطه، فكم فيه من درة حسنها مع جسمها، وضعها في موضعها، ومن مطربة تثني على منشدها ومسمعها، وما هي إلا ساعدة من نظم فيه، نسأله الله حفظه فيما /172 ب/ يأتيه". وكتب علي بن محمد السخاوي؛ متشرفًا بهذه الفوائد، ومبتهجًا برؤية هذه الفرائد، إن شاء الله تعالى، وذلك في ثالث عشر شهر الله الأصم سنة تسع وثلاثين وستمائة. وله في قاضي القضاة رفيع الدين حامد بن العزيز بن عبد الواحد بن [عبد] الحميد: [من الطويل] أمثلي في أرض الشَّام يضيع ... ولي فيك مدحٌ كالعبير يضوع وحسن معان راق للنَّاس حسنها ... ولفظٌ هو السِّحر الحلال بديع لمن أتصدَّى غير مجدك مادحًا ... وأنت فمغرًى بالسَّماح ولوع ومن ذا الَّذي أدعو سواك من الورى ... وأنت مجيبٌ للدعاء سميع أما وأحاديث السَّماح الَّتي غدت ... غرائبها عن راحتيك تشيع لأنت الَّذي ما زلت تولي عوارفًا ... بها عمرت للمكر مات ربوع وصلت بكفٍ ظلّ ... إلى النَّدى ... وصلت للضَّلال يريع

ترى منك يا خير العطايا محرَّماً ... لأنَّ بها كلَّ الشُّهور ربيع ومنها: طويل وعيد بل قصير مواعد ... مديد نوال للعطاء سريع /173 أ/ (تواضع كالنَّجم استبان لناظر ... على صفحات الماء وهو رفيع) (ومن دونه يسمو إلى الجوِّ صاعداً ... سموَّ دخان النَّار وهو منيع) البيتان مضمنان لابن التلميذ وكتب إليه بهذه الأبيات أيضاً: [من الخفيف] أيُّها الحاكم الذي عمر النَّا ... س جميعاً بفضله الفيَّاض أفتنا في قضيَّة أنت فيها الـ ... ـــخصم لي في العلا وأنت القاضي بعت للفضل منك خالد حمدي ... وافترقنا عن غبطة وتراضي لم تدحى نصب لتمييز حال ... حلَّ من بعد رفعة في انخفاض وغلامًا نداك خال ووعدي ... منك ... وأمرك ماضي إن تقل عاف ذاك ترًك التقاضي ... لست يا ابن الكرام بالقول راضي وإذا الجود كان عوني على المر ... ء تقاضيته بترك التَّقاضي وله إليه: [من الطويل] بديع مديحي فيك شرقًا ومغربًا ... سرى كندى كفَّيك في البرَّ والبحر ومعروفاك المعروف موجب أنًّنا ... لك الله ندعو بالزِّيادة في العمر فإنا رأينا من أياديك فوق ما ... سمعناه عن معن السَّماح وعن عمرو /173 ب/ نسخت بما أوليته ذكر حاتم ... فأصبح في سوق الثنا كاسد الذَّكر أعيذك ان أمسي بظلكِّ خاملًا ... وحالي بعد اليسر حالت إلى العسر ولم يبق منِّي الدًّهر إلا صبابةً ... وإلَّا كما أبقى نداك من الفقر

فهل تشتري منَّي بما هو ذاهبٌ ... ثناءً ومدحًا فيك يبقى على الدَّهر فيقبح بي أن أرتجى من سواكم ... نوالاً وأن يعزى إلى غيركم شكري وله: [من الطويل] لسان غرامي في هواك المهذَّب ... وتنبيه وجدي ماله عنك مذهب وجلَّاب أشواقي إليك صبابتي ... ونافع صبري ليس لي عنه مذهب أمالك رقِّي ما لأحمد سلوتي ... على زهده في مثل حسنك يرغب أبى خدُّه أن لا يرى وهو شافعي ... وقال إلى النُّعمى أعزًّى وأنسب وناظرني في صيغة الحبِّ والهوى ... وكم مرَّة نازعت فيها وأغلب أسائله يا مقتفي نص هجره ... فيسهب من ذكر القياس ويطنب ويوضح وجه الصَّدِّ منه بفرقة ... فيعطفني إعراضه والتَّحنُّب حبِّي له وصبابتي هما نتجاً ... أن ليس لي عنه مهرب وحاوي فضول الشَّوق ليس بحاذق ... وإلَّا فمنها كيف لا يتطيَّب /174 أ/ أعلِّل قلبي في هواه بعلَّما ... وليت وقلبي في هواه المعذَّب ألم يك مبنيًا على الكسر جفنه ... فما بال أمسي وهو بالسِّحر معرب وقائلة لمًّا رأتني لمًّا رأتني خاملًا ... وروض ربيع الحظَّ مَّني مجدب تنبَّه تفز من فضلك الجمَّ بالغني ... فأنت لإدراك الغني تتطلبَّ وإن قلت كنز الجود عزّ فباطلٌ ... وكنز رفيع الدَّين للنَّاس .... [815] محمد بن أبي الحسن بن هبة الله بن عمر بن أبي بكر، الشيخ أبو عبد الله الراكبدار الواسطي والدًا وأصلًا، البغًدادي داراً ومنشأ. كانت ولادته ببغداد في المحرم سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. كذا ذكر لي لما سألته عنه.

حافظ للقرآن العظيم، عني بسماع الحديث، فأكثر منه، وصاحب أهل الدين، وخالط الصالحين. ثم تعلم صنعة الركبدارية، فصار طبقة منها، مشهوراً بها، واتصل بالإمام الظاهر – رضى الله عنه- وهو ولي عهد، وخدم معه ركبدار؛ ولما أفضت الخلافة إليه، قربه وأدناه، وحظي عنده حيث رآه ماهراً في صنعته، مشكوراً في طريقته /174 ب/ ولما انقضت مدة إمامته، ونقله الله تعالى إلى مستقر رحمته، وما أعد له من فضله وكرامته، ومن على العالم بقيام من شملهم بعدله ورأفته، وعمرهم بعميم عطاياه ووافر صدقته؛ وهو الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين، أقرَّ محمداً هذا على ما كان عليه، وأجراه على ما أهل له، وفوّض إليه، وعمّه بالأنعام، وعمره بالعطاء الوافر الأقسام. وهو رجل آدم، شديد سمرة اللون، شيخ نقي الشيبة، كبير النفس، عالي الهمة، قد أخذ بأطراف الفضائل على اختلافها؛ قرانًا، وحديثًا، وفقهًا، وأدبًا، وشعرًا، وجودًا، وسماحة، وإيثاراً. وشعره رائق سهل الألفاظ، وهو القائل يمدح المستنصر بالله- رحمة الله- وأنشدنيه بمدينة السلام، بجانبها الشرقي يوم الأربعاء ثاني عشر رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من الوافر] أدرها باليمين أو الشَّمال ... فلو كانت حلالًا ما حلا لي ولا تطفي توقُّدها بماء ... ففي ياقوتها نور الَّلالي وصرَّف صرفها بغناء شادً ... مليح الوجه معشوق الدَّلال ....... .... يزيد هوًى ويطمع في الوصال ولا تخش الهموم على سرور ... ولا تجزع لحادثة اللَّيالي /175 أ/ إذا المستنصر المنصور دامتً ... له النعماء لم تضرع لحال وصلنا صولة الأسد الضَّواري ... على ريب الزَّمان ولم نبال وباهينا ملوك الأرض جوداً ... وعدلاً جلًّ عدلك عن مثال وقلنا ذا إمامُ أو نبنيٌّ ... كفاه ذا العلا عين الكمال يبخل بالعطاء السحب كفّاً ... أفاض على الورى سحب الَّنوال

يعفو عن عظيم الذَّنب حلمًا ... ويفصح ... الموالي أيا مولى الأنام فدتك نفسي ... وزادك ذو الجلال من الجلال ولازالت جيوش النصر تسري ... أمامك في حلول وارتحال ولا برحت صلاتك كفالات ... بارزاق العباد بلا زوال وأنت الغيث إن جدب عزلها ... وأنت اللَّيث في يوم النَّزال فعش ما شئت أن تبقى سعيداً ... تعم بفضل عدلك والنَّوال وتفني المارقين بحدَّ عزمٍ ... وتغني المعتفين عن السؤال [816] محمد بن محمد بن عبد الخالق بن المبارك بن عيسى بن الحسين، أبو عبد الله بن أبي الفضل / 175 ب/ المعروف بابن الأبريَّ البغداديُّ الحنفيُّ مذهباً. فقيه فاضل، صحيح الذهن، جيد الإيراد، حاضر الخاطر، حسن الكلام في المناظرة، تولى القضاء بواسطة، وسار سيرة حسنة مرضية، واعتمد أموراً موافقةً للشريعة المحمديّة، وهو أحد المعيدين بالمدرسة المستنصرية على الطائفة الحنفية. سألته عن مولده فذكر أنّه ولد في خامس ذي الحجة سنة خمس وثمانين وخمسمائة. له فضل، وأدب، وحسن خلق، ودماثة. أنشدني لنفسه يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من رمضان بالمدرسة المستنصرية، سنة تسع وثلاثين وستمائة، من قصيدة يمدح الخدمة الشريفة المقدسة النبوية الإمامية المستنصرية، ويذكر فيها الدراهم المنعم بها على العالم حفظًا لأديانهم، وصيانة لأموالهم، وتنزيهًا لهم عن الشبهات، بترك تلك المحظورات: [من الكامل] أبدت لنا قمراً من السَّجف ... وتكلَّمت بإشارة الطَّرف وتستَّرت بمحاسن كشفت ... عنها فكان السَّتر في الكشف ومنها:

يا من عرفنا في عوارفهم ... علميةً معلومة الوصف /176 أ/ لكم التَّمكُّن في سموَّكم ... ولنا عليكم عادة العطف أعلامكم مرفوعةٌ أبداً ... وعدوُّكم ينجرُّ بالحرف أبداً وتفَّرق كلَّ ما جمعوا ... وتصغَّر الآلاف في الألف وقال أيضًا: [من الطويل] تعرَّض للأعراض عن عاشق صبَّ ... وجار بحكم الحسن عن سنن الحبَّ فصارت ضروب الَّصَّد تخظى بوصله .. إذا ملَّ ضربَّا منه مال إلى ضرب أذكرته عهد الهوى وحقوقه ... وما كنت ألقى فيه بالعذل من صحبي وأنَّي لمَّا كنت قانص سربه ... تعلَّقت منه قانصًا قانص السَّرب وإن فاق أيَّام الصَّبأ في وصاله ... على نفسه منه وأصباه ما يصبي فعاد بعطف ثم قال معاتبًا ... فقلت له: لا تفسد العطف بالحبَّ ودعني من عتب يكدَّر مسربي ... علىَّ فحسبي بالرَّضا عاتبًا حسبي [817] محمد بن علي بن غازي القاضي، أبو عبد الله الحموي الفقيه الحنفيُّ. شاب ذو فضائل جمّة، كثير المحفوظ. وكان من جملة محفوظة صحيح مسلم بأسانيده ومتونه، /176 ب/ وكتاب المفصل للزمخشري، مع مواظبة على تلاوة القرآن المجيد؛ وهو أحد المعيدين بالمدرسة الشريفة المستنصرية، وتولى قضاء واسط، ثم عزل عنها. وله في المستنصر بالله يمدحه: [من البسيط] دار السَّلام لها من يمن طلعته ... سلامةٌ عطبت من دونها الغير ذو سيرة كسرت كسرى وذا يزن ... وعن مدى طولها في قصير قصر ويلٌ لأعدائه من بأسه أبداً ... لا ملجاٌ منه ينجيهم ولا وزر عليه أنار وحي الله شاهدها إلا ... جماع والنَّصُّ والمعقول والأثر يستعظم النَّاس أخباراً لهيبته ... وعند رؤيته يستصغر الخبر

سطا وأعطى فشمل الشُّكر منتظمٌ ... له وشمل العدا والمال منتثر ماذا عسى يستطيع الشَّعر يمدحه ... وفي مدائحه الآيات والسُّور يا ثالث العمرين الرَّاشدين ومن ... على أياديه يثني البدو والحضر أنت الحقيقة للإسلام حقّ هدًى ... وما سواك مجارٌ ليس يعتبر جنَّت إليك أقاليم البلاد وقد ... أطاعك القادران: السَّعد والقدر فروَّ من علق الأعداء لاعجها ... فأنت هادي الورى للفتح منتظر لازلت مستنصراً بالله منتصراً ... للدين يا خير من للدين ينتصر /177 أ/ وقوله وقد أوردها بالمدرسة المستنصرية عقيب مرض عرض له: [من الكامل] من كان مفتتحًا بحمد إمامه ... فلقد أجاد وجاد عقد نظامه ومن اقتدى بهدى الفتى المستنصر الـ ـــمنصور فليبشر بنجح مرامه فالصَّدق في أقواله والحقُّ في ... أفعاله والرَّزق من أقلامه والبأس جدوُّ البأس من عزماته ... والنَّاس كلُّ النَّاس من أقوامه والفضل من أحاسبه والفضل من ... أنسابه والرُّشد من إلهامه والصَّيد والآساد من أجناده ... وأفاضل الأملاك من خدَّامه ما ملك ذي يزن ومن ذا قيصرٌ ... ما عدل كسرى العدل في أحكامه من قيس آراء وقسُّ فصاحة ... من حاتم الإنعام في إنعامه حرُّ الملوك رقيق حدَّ حدَّ رقيقهً ... وبروق سطوته بريق حسامه يا سيد الخلفاء دعوة شاكر ... شاك إليكم من أليم سقامه لولا تداويه بيمن ولائكمّْ ... ما طال عنه حمام يوم حمامه وافى من الوطن البعيد مهاجراً ... فسما ووفَّى اللَّيل في إكرامه من فضلكم حاز الفوائد والعلا ... وبفضلكم يرجو بلوغ مرامه /177 ب/ ومنها: إن كان عاصيه يشوق فؤاده ... فمطيع دجله آخذٌ بزمامه لازال يخفض بالسَّيوف عداته ... ويديم رفع الَّدين في أعلامه

وقال أيضًا يمدحه: [من الكامل] كم مهمة قفر ومرت فدفد ... جبناه بالنُّوق الكرام الوخَّد مع رفقةً هجروا لإدراك العلًا ... شامًا بمعرق سيرهم والمنجد وتيمموا داًر السَّلام وسلَّموا ... وتباشروا بهدى أبن عمِّ محمَّد المقتدي بالمصطفى خير الورى ... في الهدى نعم المقتدى والمقتدي إنَّ الإمام الظَّاهر بن النَّاصر بـ ... ـــن المستضيء الماجد المستنجد التَّائبين العابدين الحامديـ ... ــــن السَّائحين الرَّاكعين السُّجًّد من دوحة نبويَّة قرشَّة ... أكرم به فرعًا لأكرم محتد لمَّا غدوا إنسان إنسًان العلًا ... لبسوا سواد عيون كلَّ موحَّد فهم الغصون المثمرات لمجتد ... وهم البحور الزَّاخرات لمجتدي ومنها: يلقى الحروب بلا حقي سابق ... لمع البروق وأعوجًّ أجرد /178 أ/ فتراه ليثًا في الوقائع بلاسلًا ... بل طود حلم فوق بحر مزبد حكمت مواضيه على أعدائه ... بهلاكهم ودمارهم وكأن قد ومنها: يا سيَّد الخلفاء دعوة شاكر ... داع موال مخلص متودَّد هجر العشيرة والعشير مهاجرًا ... لأداء فرض في الجنًان مخلَّد وافيت من وطني حماة بتحفة ... ومفصَّل من مدحكم ومنضَّد ووسيلتي إحسانكم وولاؤكم ... وبضاعتي حفظ الصَّحيح المسند إن كان يمنعني الشَّباب مطالبي ... ياليته يبقى وإن صفرت يدي

[818] محمد بن يحيى بن أبي دلف بن خشرمٍ، أبو عبد الله الواعظ البغدادي.

صحب الفقراء، وخالط الصالحين، وتشاغل بالوعظ، وفتح عليه قبة؛ فكان يجلس في كل جمعة بجامع ابن المطلب، وتحضره الخلق الكثير، وحصل له قبول تام، واستمر بذلك، وصار معروفًا به، ووحظى عند الإمام الظاهر بأمر الله- رضي الله عنه- وأمره بالجلوس ببابب بدر وأنعم عليه بشيء وافر، وتحمل ظاهر ورتَّبه شيخًا بالرباط المجاور لعين ومعين بمشرعة الكرخ، ومقدمًا على من مرّ به. ولمّا مرض المرضة التي توفي فيها- رضي الله عنه- وصَّى أن يغسله، فأحضر وشرف بمباشرة غسله؛ ثم أقرَّ في الأيام المستنصرية على الجلوس في باب بدر، وأجري عليه من البرّ المتقبل في رجب قدر وافر، يصل إليه في كل رجب. وهو رجل خيَّر جيد الكلام، حسن العبارة، عذب الإيراد، حاضر الاستشهاد. /179 ب/ وهو القائل في الإمام المستنصر بالله، يمدحه- رحمه الله: - [من الوافر] سبى عقلي سنى البرق التَّهامي ... وأجب عند عذَّالي التهامي أضاء على فضاء الجزع وهنًا ... فخرَّق جيب جلباب الظَّلام وأسهرني وأسعر نار شوقي ... وأجرى دمع عيني بابتسام أيا حادي الرَّفاق دع المطايا ... تسير إلى العراق بلا زمام فحادي الشَّوق قلبك قد حداها ... وهدَّاها إلى دار السَّلام إلى حرم الخلافة زاد عّزًا ... فللَّاجي به كلًّ المقام منادي جوده في كلَّ ناد ... ينادي أمَّموا ظلَّ الإمام بنو العبَّاس في الدُّنيا شموسٌ ... مطالعها من البيت الحرام بجدَّهم نغاث كما سقينا ... بجدَّهم شابيب الغمام وللمستنصر المنصور مجدٌ ... عريقٌ ثابت الآساس سامي تلفَّع بردة المختار فخرًا ... وأيَّد بالقضيب وبالحسام ويسبق رأيه الرَّايات عزمًا ... ويقتل روعه قبل السَّهام

فللدُّنيا وللدَّين ابتهاجٌ ... بدولته المنوطة بالدَّوام وجودك يا إمام العصر عزٌ ... وجودك كالخضمَّ العذب طامي /180 أ/ أمين الله قد فرضت علينا ... مديحك منَّه النَّعم الجسام وما أنا شاعرٌ يقفو القوافي ... ولكنَّي بحَّبك يا إمامي أصاب صواب وصفك صفو فكري ... فكانت روميةً من غير رامي [819] محمد بن هبة الله بن حيدر البغداديُّ، أبو عبد الله، يعرف بابن المليحة. أحد شعراء الديوان العزيز المستنصري- مجّده الله تعالى-، شاعر جيد حسن المقاصد، متصرف، خدم عن خدم سواداً وحضرة؛ وهو وكيل أحد السادة الأمراء، أولا الظاهر بأمر الله- رضي الله عنه-. وهو القائل في مدح الخدمة المستنصرية، زادها الله عزاً وشرفاً، وأوردها بالقرب الشريفة، بالرصافة في موسم رجب: [من الكامل] ما زاره الطَّيف الملهمُّ مسلَّمًا ... إلاَّ وودَّعه كراه وسلَّما ولطالما هجر الكرى لكنَّه ... جعل الرُّقاد إلى الزَّيارة سلَّما صبٌ براه الشَّوق حتَّى لم يدع ... في جسمه لحمًا يبين ولا دمًا لو تستطيع دموعه كانت له ... من طول ما يبكي المنازل لوَّما /180 ب/ يصبو إلى الوطن القديم برامة ... متأسَّفًا ويشوقه ذكر الحمى لم يبق فيه معلمًا إلاَّ وقدً ... وشَّاه ثوبًا بالمدامع معلما حتَّى غدا قد عاودته يد النَّوى ... عينًا مسهَّدةً وقلبًا مغرما كم عاذل ظنَّ الملام يفيده ... عتباً فأقسم لا يفيق متَّيمًا أتراه رام به سلوَّاً بعدما ... أخذ الهوى بعنانة فاستسلما كلاَّ وزمزم والحطيم ومن سعى ... بالبيت مستلمًا ولبَّى محرما وندى أمير المؤمنين فإنَّه ... قسمٌ يراه فريضةً من أقسما خير الخلائف من سلالة هاشمٍ ... ينتابه خلف الغيوم السُّجما

مستنصر بالله نور جبينه نور جبينه ... يجلو ظلام الخطب أتَّى أظلما! كم فكَّ مأسورًا وآمن خائفًا ... وأجاب مضطرّاً وأغنى معدما وأجار من جور اللَّيالي عدله ... من آداه صرف الزَّمان وحطَّما يدنو حباه للعفاة ولم يزل ... يعفو عن الجاني المقرَّ تكرُّما جودٌ يقلُّ له السَّحاب يزينه ... حلمٌ يصغَّر يذبلاً ويلملما ويومي يوم ندًى فلو أنَّ الحيا ... يحكيه عمَّ العالمين إذا هما يدنو حباه للعفاة ولم يزل ... يعفو عن الجاني المقرَّ تكرَّما جودٌ يقلُّ السَّحاب يزينه ... حلمٌ يصغَّر يذبلًا ويلملما ويومي يوم ندًى فلو أنَّ الحيا ... يحكيه عمَّ العالمين إذا هما من معشر ورثوا المشاعر والصَّفا ... والرُّكن والبيت الحرام وزمزما /181 أ/ وعليهم نزل الكتاب ومنهم ... عرف الصَّواب وكان قدمًا مبهما وبهم يرجَّي في المعاد شفاعًة ... من جاء من زلاَّته متندَّما والحوض حوضهم الَّذي استسقى به ... من خاف يوم الحشر من حرَّ الظَّما فلهم على الدَّارين حكمٌ نافذٌ ... أمضى الإله نفوذه فاستحكما حتى لقد أحيا الخليفة ذكرهم ... جودًا وعدلًا في البريَّة قد نما أيَّامه الغرُّ الحسان مواسمٌ ... فلذاك ما خصَّ التَّهاني موسما والدَّهر يكشر فعله فلو أنَّه ... يسطيع نطقًا همَّ أن يتكلَّما فاسلم أمير المؤمنين معمرًا ... أبداً كما تهوى البقاء مسلَّما وتنهَّ بالشَّهر الأصمَّ مؤيَّدًا ... فالله نسأل أن تعيش وتسلما المواسم والشهور ممتَّعًا ... ملكًا على هام النُّجوم مخيَّما لازلت منصور الجيوش مظفَّرًا ... يجري بما تهوى القضاء المبرما وقال أيضًا يمدحه، ويهنّيه بشهر رمضان: [من الكامل] ما لامني فيك العذول مفنَّداً ... إلاَّ وأتهم في هواك وأنجدا وأثار بين جوانحي بملامه ... ناراً يبيت لهيبها متوقَّدا /181 ب/ يا مفردًا في حسنه وجماله ... أصبحت من ولهي بحبَّك مفردا ته كيف شئت ونم هنيئًا إنني ... أمسيت ذا وجد عليك مسَّدا ته كيف شئت ونم هنيئًا إنَّني ... أمسيت ذا وجد عليك مسهَّدا لي فيك قلبٌ لا يزال متيَّمًا ... أبدًا ونومٌ لا يزال مشرَّدا حتَّى م توليني جفاك فكلَّما ... أبديت لي هجراً بذلت توددا وإلى م أظلما في هواك وقد غدت ... من فرط شوقي أدمعي لك موردا

ما بال قلبك كلَّما رقَّت له ... في حسنها خدَّاك أضحى جلمدا وعلى م لحظك قاتلٌ بفتوره ... في جفنه والسَّيف ينبو مغمدا وجفون عيني ما تحدَّر دمعها ... إلاَّ تلقَّاه الأسى مستصعدا فاضت شابيب السَّحّاب كأنَّما ... مدَّ الخليفة من نداه لها مدى خير الخلائف من سلالة هاشم ... وأجلُّهم قدرًا وأعلى محتدا مستنصرٌ بالله منصورٌ به ... عذب الرَّضا حلو الجنى داني النَّدى أعطى فبخَّل جوده صوب الحيا ... وسطا فأردى بأسه صرف الرَّدى وأجار من جور اللَّيالي عدله ... فالشَّاة لا تخشى الهزبر الملبدا خيفت مهابته وآمن جوده ... من خاف من جور الزَّمان إذا اعتدى ما شام بارق بشره باغي ندًى ... إلاَّ تهلَّل للندى نور الهدى /182 أ/ وبدت له سييما النَّبيِّ محمد ... فكأنَّما ألقى النَّبيَّ محمَّدا هذا الخليفة في البريَّة رحمةٌ ... تركت فسوَّت بالقريب الأبعدا فالله يحرسه ويحرس ملكه ... أبدًا على مرَّ الزَّمان مخلَّدا حتَّى تمتَّع بالبقاء فدهرنا ... ندعو الإله بأن يعيش مؤَّبدا والله يسعده بشهر الصَّوم فالدُّ ... نيا وأهليها به قد أسعدا وإذا حى أجر الصَّيام مضاعفًا ... باليمن فالإكمال فيه عبَّدا أبدًا على مرَّ اللَّيالي لابسًا ... ثوب البقاء مدى الدُّهور مجدَّدا [820] محمد بن فاخر بن شجير البغداديُّ، أبو عبد الله شاب فاضل، نشأ مشتغلًا بالنحو، حصل منه طرفًا جيدًا، ويقول شعرًا حسنًا. ومن شعره في مدح المستنصر بالله- صلوات الله [عليه]- ويعرض بذكر زلزلة عرضت ببغداد، عند زيارة الركاب الشريف بعض الأماكن المحترمة، فقال وأنشدنيه في أواخر

شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة، بمدينة السلام، بجانبها الشرقي: [من الكامل] /182 ب/ حتَّى م في سفه وفي إغفاء ... والورد يدعونا إلى الصَّهباء والجوُّ من عبق النَّسيًم ممسَّكٌ ... والأفق منه معنبر الأرجاء أفما ترى الأغصان مسن نضارًة ... في حلَّة من سندس خضراء من صنعة القطن الَّذي لم ينتسب ... تفويف صنتها إلى صنعاء فاشرب على زهر الرَّبيع سلافةً ... لطفت عن الإدراك والإيماء راقت ورقَّ نسيمها فللطفها ... تسري مسير الرُّوح في الأعضاء بكرًا على فرع المزاج مسنُّةً ... عجبًا لها من ثيَّب عذراء لم يغنها درع الحباب وقد غدت ... مقتولًة عمدًا بسيًف الماء ما العيش إلَّا شربها في روضة ... قد كلَّلت بلالئ الأنداء مذكورة الأنهار نام ظلُّهًا ... أزهارها تحكي نجوم سماء نشوانًة أغصانها قبًل الصَّبا ... أهدت لها كأسًا من الصَّهباء أو أنَّها غارت فمالت نشوًة ... لمدائحي في سيَّد الخلفاء مولًى يذل له الزَّمان المعتدي ... ذلَّ العبيد لعزَّة الأمراء أغنى العباد عن الجهاد بنائل ... ومواهب غمرتهم وعطاء ولقد أقول وما نطقت بباطًل ... والحقُّ متَّضحٌ بغير خفاء /183 أ/ ما زلزت بغداد بل من عدلًه ... طربت فقد رقصت من السرَّاء إذا كان ما زعموا فغير ملومة ... شوقًا إلى ذي العزَّة القعساء هذا الجمال فكيف بالمهج التي ... أحييتها بالأمن والنَّعماء فاسلم على الإسلام وابق مخلَّداً ... ماكراَّ إصباحٌ وراء مساء [821] محمد بن إبراهيم بن أميّة بن عليَّ بن خلف، أبو عبد الله العبدريُّ من أهل ميورقة من بلاد الأندلس

شاب أشقر قصير، من حفّاظ القرآن العزيز، زعم أنَّه درس صدراً من علم العربية وأتقنه. نزل حلب واستوطنها يسترزق من الوراقة والنسخ؛ وذكر أنَّه ولد سنة عشر وستمائة، ويقول الشعر. أنشدني لنفسه بحلب، وكتبه لي بخطه في سنة أربعين وستمائة: [من الكامل] عج بالكثيب المستهام وسر به ... متيمَّمًا نحو العقيق وسربه وانشد فؤادًا ضلَّ فيه وقل لهم ... ليس المتيَّم آمنًا في سربه واسفح بسفح الأبرقين وتربه ... سحب الدُّموع على تشتُّت تربه 183 ب/ فلعلَّه يقضي لبانة نفسه ... من قبل أن يقضي بلوعه حبَّه يا مدنفًا عبث السَّقام بجسمه ... ومتيَّا لعب الغرام بلبَّه وطوى السُّرور لبينهم يوم النَّوى ... طيَّ الأديب اللَّوذعيَّ لكتبه خفَّض فديتك زفرةً أبديتها ... وتلاف جفنك من إساله غربه كي لا يقال من الصبابة قد صبا ... وتضرَّمت حرق الجوى في خلبه ومهفهف ملك القلوب بحسنه ... وسبى العقول بغنجه وبعجبه لدن المعاطف كالقضيب إذا انثنى ... حلو المراشف والمقبل عذبه سلس المقال من اللَّطافة سهلة ... عسر الوصال من القطيعة صعبه يقري المعنَّى من سلوةً وتجهُّمًا ... ويظلُّ يعمل فكره في خلبه أخدى السَّقام لجسمه ولطرفه ... فرط السُّهاد وصدَّه عن قربه يا لائم الصَّبَّ الشَّجي بحبَّه ... أقصر بليت بدائه من عتبه شتَّان بينكما تبيت منعَّمًا ... ويبيت ملتهب الحشا من كربه وقال أيضًا: [من الطويل] سلامٌ يباري المسك والمندل الرَّطبا ... ونشر نسيم الرَّوض عن ... هبَّا عليكم يبثُّ الشَّوق منَّي إليكم ... ويمنحكم محض المودَّة والقربا /184 أ/ تحية نائي الدَّار فالأهل ما قضى ... له وطراً لكن قضى نحبه نحبا

يحنُّ إذا هبَّ النَّسيم صبابًة ... إليكم وسلَّ البرق من ومضه عضبا ويستنجد الصبر الجميل إذا جرى ... حديثكم يومًا فهاج له كربا لعمري ما تأخيري كتبي عن قلى ... ولا ملل منَّي فأستوجب العتبا ولكن ريب الدَّهر يا صاح مولعٌ ... بتشتيت شمل المرء تبَّا له تبّا تطوَّحه أيدي النوى عن ... .... فترمي به شرقًا وطوراً به غربا لحا الله من لا يقبل العذر من أخ ... ويوسعه عفواً وإن قارف الذَّنبا عليكم سلام الله ما جنَّ غاسقٌ ... وما جنَّ شوقاً عاشقٌ أو رعى الشهُّبا وما شرَّقت شمس النَّهار وأشرقت ... وما صدَّ أحوى الطَّرف عن مدنف عجبا وله أيضًا: [من الطويل] أثمَّ محيًّا نجتلي وجه أغيد ... وأحلى حديث لا يملُّ عتابه وأحسن زهر يجتنى ورد خدَّه ... وأعذب ورد يستلدُّ رضابه وله أيضًا: [من الطويل] خليلي لوما في الهوى الصَّب أو دعا ... فليس وإن عنَّفتما عنه مقلعا وهل يرعوي في الحبَّ حرَّان قد غدا ... من الوجد لا يصغى إلى العذل مسمعا /184 ب/ وهل يستطيع الواله الصَّبُّ سلوةً ... وقدبان من يهواه عنه وودَّعا وأودع ما بين الجوانح جذوةً ... فضرَّمها داعي التَّفرق إذا دعا وقلقل أحشاء المتيَّم لوعةً ... فأصبح مذعوراً الفؤاد مفجَّعا يهيم ... العذيب إذا سرى ... نسيمٌ عليك منهم فتضوَّعا تمازجه أنفاسهم فكانَّما ... تحمَّل مسكًا أذفرًا فيه مودعا [822] محمد بن سالم بن مطر بن حمد بن سالم بن مطر بن مسلم بن أبو عبد الله القبيضي الموصلي. من أهل القبيصة، وهي قريٌة من قرايا الموصل شرقيَّها

نزل حلب، وسكن بعض مدارسها، متفقهًا وجاد خاطره بالشعر، وقال منه كثيرًا وسلك فيه مذهبًا حسناً في صناعته. أنشدني منه جملة وافرة، ومما أنشدني قوله بحلب سنة أربعين وستمائة: [من الكامل] لو كان في جفنٌ يلمُّ به الكرى ... لرجوت أن ألقى الخيال إذا سرى لكن قضى من لا أعرَّض خيفة الـ ... ــــــــــــواشي بذكر جماله أن اسهرا رضاٌ يصول من الجفون بأبيض ... ويهزُّ من لدن المعاطف أسمرا /185 أ/ نزلت باية حسنة سور الجوًى ... تتلى بألفاظ الغرام على الورى لي فيه جفنٌ ما تألق بارقٌ ... للبين من مغناه إلَّا أمطرا أضحى لمنصور الجمال يدٌ على ... سفَّاحة فلذلك يغدق جعفرا لولا ...... ... يا عاذلي منَّي الطُّلول كما ترى ولما أباح لي الولوع من الأسى ... في مذهب الوجد النَّصيب الأوفرا وسفحت في سفح اللَّوى دمعًا متى ... حرقاً جرى ذكر العقيق له جرى وإذا شككت فخذ حديث كابتي ... من عبرتي فحديثها لا يفترى أغريب ذاك الحيَّ برح صبابتي ... بكم أنزَّه سرَّه أن ينشرا أيضام قلب الصَّبَّ وهو نزيلكم ... ويصد عنه وشمية العرب القرى أحبابنا حاشى حفاظ مودَّتي ... لكم بطول البعد أن يتغيَّرا أحسنت ظنَّي في الهوى بجمالكم ... فسواء جرتم أو عدلتم لا أرى وإلى سواكم لا شكوت صبابتي ... في الدَّهر طوَّل عاذلي أو قصَّرا وأنشدني أيضًا لنفسه، من قصيدة يمدح بها الملك الصالح أحمد بن الملك الظاهر /185 ب/ غياث الدين غازي بن يوسف: [من الرجز] لو صقت بوعده وعوده ... لما وفى بهجره وعيده بدر دجًى فتَّر عن مؤشَّر ... شفاء داء صبَّه بروده

للغصن من أعطافه شمائلٌ ... وللغزال طرفه وجيده يشرق صبح الحسن من جبينه ... إذا بدا ويجتلي عموده له بديع مهجتي خميلةٌ ... وفي فؤادي لوعتي زروده لولا فتور لحظة ما خضعت ... يومًا لآرام النَّقا أسوده برَّح بي في حبه رقيبه ... وصدَّ عن جفني الكرى عتيده أضحى لطرفيَّ بروق هجره ... سحائب يحسنها رعوده وكيف يرجى قربه وللنوى ... حوادثٌ عن قربه تذوده عليَّ من عروض بحر حبَّه ... دائرةٌ أسبابها صدوره فوافر الصَّبر الَّذي أدخرته ... لهجرة قطعه مديده يا كعبة الحسن الَّذي للحظه ... مهنَّدٌ شاهده شهيده وحَّدك القلب فدار لوعًة ... بغير معناك ولا سجوده وقلب صبَّ كلَّما نازعه ... العاذل في سلوَّه يزيده /186 أ/ كالملك الصالح ما عذلته ... على النَّدى إلَّا وزاد جوده ملكٌ سجاياه على مكانة ... إذا ادَّعى فضيلةً شهوده يحمي حمى مجلسه طارفًه ... ويتَّقي عنه الرَّدى تليده فالنَّصر حيث تبتلى جيوشه ... والعزُّ حيث تجتلى بنوده إكسيره للكيمياء ذكره ... والجود من راحته تصعيده وأنشدني لنفسه، يمدح المولى الصاحب الوزير العالم مؤيد الدين أبا نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الشيباني- أدم الله توفيقه وتسديده-: [من الخفيف] أيُّها الصَّاحب الَّذي فضله البا ... هر بين الأنام لا يستطاع والَّذي لم يزل بذكر مساعيـ ... ــــــــــه جلالًا تشنف الأسماع لتباطيك المنيع نوال ... ليس فيه عن العفاة امتناع جمع المجد بشره بالعطايا ... فعلى سعد نشره الإجماع أروعٌ ينثر ... بنظم الجزم ... إذ لدنه القويم اليراع

ولكم ..... .... القراع الرقاع /186 ب/ فمساعيه ليس فيها إذا نو ... زع في المكرمات قومٌ نزاع ولعمري لولا نداك لما قا ... مَّ لشرع السَّماح يومًا شراع أيُّها الصَّاحب الوزير ومن يصـ ... ـــرف بالعدل كلَّ خطب يطاع والَّذي لم يزل به لجناب الـ ... ـــملك عزٌ مذ ساسه وارتفاع بي إلى لثم ثغر ظلَّك شوق ... أبدًا تستفزُّ الأطماع حرمٌ حجُّة على أربي فز ... ضٌ وسعيي إليه فيه انتفاع ومديحي إن ضغت عقد ثنائي ... لسوى جيده الأثيل الضَّياع وأنشدني لنفسه فيه أيضاً يمدحه: [من مجزوء الكامل] يا غائباً وخياله .. في القلب منَّى حاضر ومهفهفًا أنسي به ... وهو الغزال النَّافر أشكو إليك هوًى به ... ربع التَّجلد داثر وجوى أقام بمهجتي ... وله فؤادي طائر وأما وخد ورده ... يحميه طرفٌ ساحر وبنظم ثغر درُّه ... لعقيق دمعي ناثر إنَّ الغرام كما عهد ... ت وفوق ما أنا ذاكر /187 أ/ وعلي عامل قدَّك الـ ... ــلَّدن المثقَّف ناظر يا هاجري رفقًا بمن ... هو في حماك مهاجر لجمال وجهك في النَّوى ... سلطان حسن قاهر ما للصبابة أوَّل ... اليوم هجرك آخر ونهى العذول وكيف والـ ... ـــــــــوجد المبرَّح آمر يا راقداً لي ناظرٌ ... ساه لبعدك ساهر صبٌ جواه وصبره ... واف عليك وغادر يا من شمائله على ... قتًل المحبَّ تظافر ليلي مديدٌ مذ هجر ... ت وفرط شوقي وافر أنا لا أخاف إذا ... ألمُّ بحادث وأحاذر

ومؤيَّد الدَّين الوزيـ ... ـــــــــــر لكسر قلبي جابر مولًى سحاب نواله ... هامي الماثر هامر من بشره في كلَّ وجـ ... ــــــه للمقاصد ظاهر وبه أطارحً في السَّما ... ح ذوي العلا وأناظر ولمجده في كلَّ نا ... حية حديثٌ سائر /187 ب/ وأنشدني لنفسه، في رجل شيعي المذهب، غال في التشيع، من أهل الحلة المزيدية، ورد حلف، وأقبلوا عليه الشيعة، وتعصبوا له، فظهر يومًا منه في حق الصحابة كلام قبيح، فأخذه صاحب الأمر يومئذ، فشهره وأركبه حمارًا، وصفعه وطيف به في المدينة، فقال في ذلك أبو عبد الله محمد بن سالم: [من السريع] قل لذوي الرَّفض وأشياعهم ... يا ذا العلا قول فتًى مثلي لا تظهروا في حلب فتنةً ... ويحكم عودوا عن الجهل وميِّزوا الأمر بطرف النهى ... ففرع ذا الأمر بلا أصل وإن أبوا من بعد ذا نصحهم ... قد سمعوا ما حلَّ بالحلِّي وأنشدني لنفسه أيضًا من غزل قصيدة أولها: [من الرمل] خذ أحاديث الهوى العذري عنَّي ... فلوجدي فيه يروى كلُّ فنِّ وإذا كرَّر أنَّات الأسى ... بلسان الدَّمع جفني لا تلمني /188 أ/ إن ثناك العذل عن برح الجوى ... يا فؤادي سلوًة ما أن منِّي أيُّها اللاَّئمي نصحًا في الهوى ... أنا لا أقبل نصح اللَّوم دعني وإذا كنت معيني رحمًة ... فعلى الأطلال بالدَّمع أعنِّي بي جوًى يا حبَّذا فيه الضَّنى ... والهوى أعذبه ما كان يضني أوما هاتيك أعلام النَّقا ... فإذا لم أبكها ما عذر جفني يا غزال الجزع من سفح اللَّوى ... هات حدَّثنا عن الظبي الأغنِّ واحكه لحظًا وإن فاتك من قدِّه معتدلًا ذاك التَّثني أيُّها الشَّاكي تجنِّي إلفه ... في الهوى أهون ما عندي التَّجنِّي كلَّما زاد جمالًا قاتلي ... قلت: يا باعث فرط الشُّوق زدني! وعلى البان حمامٌ كلَّما ... بات يدعو إلفه، جدَّد حزني

يدعي ما أدَّعي واعجبًا ... منه إذ أبكي غرامًا ويغنَّي! وأنشدني أيضًا لنفسه، في صبىّ يعرف بالماء ورد؛ فحضر عند صديق، وأنفذ خلفه، وقال: قم إلى الماء ورد فهو يستدعيك؛ فعمل أبو عبد الله بديهة مع الرسول هذه الأبيات: [من المديد] /188 أ/ أيُّها المولى الشِّهاب ومن ... ذكره بين الورى ساري والَّذي لولا مكارمه ما ... حلت في الدَّهر أشعاري أخرج الماورد عنك فما ... تصطلي يا ذا العلا ناري واغتنم شكري علاك ففي ... ترك شكري غاية العار لا يرى الماورد في بلدٍ ... قطُّ إلاَّ عند عطَّار وأنشدني أيضًا لنفسه، في غلام خيّاط، كان يعشقه شخص، وكان أبو عبد الله يطبّب العاشق: [من مجزوء الرمل] أيُّها الغائب عنِّي ... وهو في دارة قلبي والَّذي لا أتمنَّى ... غير أن يحييه رِّبي لك مني خير خلِّ ... راح في بعد وقرب واقفًا في كل حالٍ ... كيف ما تدعًو يلبِّي والًّذي أنصح مولاي به ... من دون صحبي إنَّ عندي لك ما ... يغنيك عن أكل وشرب غصن بان بدرتمًّ ... طالعٌ من تحت شرب /189 أ/ أنت ذو جسم عليل ... وفؤاد فيه صبِّ وأنا يا غايتي القصـ ... ــــــــــوى كمًا تعرف طبِّي وسوى ذا أنَّ من تهـ ... ـــــــــــواه عندي وبجنبي وأنشدني من شعره، يمدح القاضي كمال الدين أبا بكر أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي، قاضي حلب: [من مخلّع البسيط] مولاي قاضي القضاة يا من ... خدمته أشرف المعالي ومن نداه بكلِّ حالٍ ... وجاهه دائمًا معًا لي

أنظر فداك الأنام طرّاً ... من جور دهري في أمر حالي عساه يمسي ياذا المعالي ... بعقد [هذا] السَّماح حالي يا ما جداً لم يدر يمينًا ... بمدحة غيره ببالي أرف بنعماك ثوب صبر ... منَّي على النَّائبات بالي [وفز بحمد كالمسك عرفًا ... من عبدك الشَّاكر المولى] وهكذا لم تزل لعلمي ... تقصد ساداتها الموالي يا من نداه في كلِّ يوم ... يشير نحوي على التَّوالي لو شئت ألوى الزَّمان عنِّي ... بكفِّ نعماك لا لتوى لي /189 ب/ أصبح من عدلك البرايا ... دام لك العزُّ في ظلال وليس يخشى من راح يهدى ... بأحمد وقفة الضَّلال حسبي أنَّي أتيت أرجو كمال حظِّي من الكمال وراجيًا أن يموت غيظًا حاسد فضلي أسًى كمالي وأنعم على بهذه الأبيات، قالها حين سمع إنني قد أنزلته في كتابي هذا، وأثنيت عليه، فسيرها إلىّ: [من الخفيف] يافلاًن الدِّين الَّذي ساد إذا شا د لأهل القريض رٌكن المعالي والَّذي شاع ذكره العذب إذ صا غ لهم ما غدا به الفضل حالي أيُّ نحر خلا لغادة بحر من معان قلَّدته كاللآلي بمساع قد أعجزت كل ساعً ... ومعال من دونها كلُّ عالي غبَّرتً حين حبِّرت حلل الًا ... داب في أوجه العصور الخوالي يا أجلَّ الأنام طرّاً محلًا ... وأجلَّ الأنام في الإجلال كان ثغر القريض لولاك تنغور ... المباني وبال بانيه بالي ولعمري ما الروض راضته أيدي الـ ... ــــــــمزن جودًا بالوابل الهطًّال /190 أ/ بين دوح عليه للورق نوحٌ ... وظلال مشفوعة بظلال ونسيم الصَّبا يهزُّ قدود الـ ... ـــــــــبان تيه الصَّبا بكفًّ الدَّلال

يرقص الدَّوح كلَّما صقَّق الـ ... ــــــــــــماء بها في الغدوِّ والآصال كطروس رقَّمتها بسطور الـ ... ــــــــحمد في وجنة العلا للجمال من كتاب جمعت فيه من الآ ... داب روح الألباب لبَّ المقال نصبته نعًماك كعبة ذكر ... للمًعالي على ممرِّ اللَّيالي فعليه صلاة كلِّ صلاة ... وإليه توجه الآمال وله تسجد التَّصانيف من مذ ... هب أهل القريض في كل حال سيَّما كلَّما تلا النَّاس آيا ... ت معانيه في مجال جدال ولعمري .... للأرواع الأبـ ... ـــــــرع يومًا إليه شدُّ الرِّحال وقريبٌ كماله في معانيـ ... ــــــه إذا كان نشو ذكر الكمال [823] محمد بن عبد الكافي بن الياس بن محمود بن عبد الملك، أبو عبد الله البغداديُّ. قال الوزير الصاحب أبو البركات المستوفي- رحمة الله تعالى-: كان أبوه خازن دار الكتب ببغداد، وعزل عنها. ورد إربل في صفر سنة ثمان وعشرين وستمائة؛ /190 ب/ شاب ربعة يعظ. سألته عن مولده، فقال: ولدت في يوم الخميس ثامن صفر سنة ثلاث وستمائة. ثم قال أنشدني لنفسه يتغزل: [من الخفيف] صاد قلبي وزاد في بلواه ... وجفاني مهفهفٌ أهواه خنث الدَّل أهيف القدِّميَّا ... سٌ بديع الجمال عذبٌ لماه ساحر الطَّرف لا يرق لصبًّ ... فتنته بحسنها عيناه ومريض يحبُّه كلُّ آسيه ... وفي آس عارضيه شفاه قدُّ الذَّبل الرَّشيق وعينا ... هـ سهامٌ تصمي الَّذي يهواه يتثنَّى، فينثني عزم سلوا ... ني ويأبى إلاّله ورضاه

عقد سحر الجفون حلَّ اصطباري ... عن سلوِّى فلم أحل عن هواه خان عهدي فواصلت عبراتي ... آه من هجره وطول جفاه فدوائي لثم المراشف منه ... وشفائي فيما حوت شفتاه [824] محمد بن عبد اللطيف بن أبي الفتح بن أبي نصر، أبو عبد الله التبريزيُّ. ويكتب في نسبته: "النثري ذو البيانين" لتعاطيه نوع المنثور دون المنظوم. أخبرني أنه ولد بتبريز /191 أ/ سنة أربع وسبعين وخمسمائة. وشدا طرفًا من العلم في صباه، واعتنى بصناعة النثر، وتعاطي الكلام المسجوع والقرائن. وكان يتبع الكلمة بما وازنها ويلحقها بأختها، تشبهًا بطريقة وطواط الكاتب، فيما كان ينشئه؛ غير أنه يبين فيما يعمله تكلُّفٌ وركاكة؛ للزومه الأسلوب الذي يتوخاه، وله شعر بارد، وكان ذا هوس شديد في الطلسمات والنجوم. نزل الموصل وسكنها مدة طويلة، وانضاف إلى خدمة بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله، وأجرى عليه رزقًا، وصار أحد ندمائه وجلسائه؛ ثم فارق خدمته وسافر إلى بلاد الشام، ونزل حلب، وأقام بها مديدة، وعاد إلى الموصل، فمكث بها شهوراً، وتوفي في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة. وكان رجلاً مفَّوهًا بالكلام، ذا فصاحة في لسانه، هدّاراً لسنًا، حسن المنطق، عذب الإيراد، يتشدق في إنشاده. وكان مليح الشكل، نظيف البَّزة، جميل الهيأة. من شعره ما أنشدني لنفسه بالموصل، يمدح بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله- صاحب الموصل-: [من الطويل] نسيم الصَّباعج بالخيام رسولاً ... تجد عندها برد الحياة وسولا

/191 ب/ وحيَّي مليك الأرض تحظ بقربه ... تنل غرراً من جوده وحجولاً تأنَّ إذا بادرت نحو جنابه ... وعرَّج برفق لا يراك عجولاً وإنَّك إن لم تعتضد بجلاله ... أفادك شوب الحادثات ذبولاً وجانب ملوك الأرض عند لقائه ... فأخلاقه للمكرمات هيولى تر العدل والإحسان والعزَّ والعلا ... جنائبه في سيره وخيولًا مليكٌ إذا ما جئت تطلب رفده ... أفاض من النُّعمى عليك سيولا من النَّفر البيض الَّذين برأيهم ... يجرُّون فوق الكائنات ذيولًا هو البدر والعلياء تحوي منازلًا ... وحشمته فيها تحلُّ حلولًا أرى الدَّهر لمَّا أن أرانا بعاده ... أحلَّ بناريب الزَّمان غلولًا فصرنا فروعًا لأبقاء لذاتنا ... كقضبان بان قد فقدن أصولًا ألا بح بأشواقي وكرر مدائحي ... وبلِّلغ دعائي دائمًا وفضولًا فلو سامح الدًّهر [الخؤون] بنظرة ... وصلت إلى ذاك الجناب وصولًا وهنَّئت مولى العالمين مبشَّراً ... بفتح جديد أو لكنت أصولًا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من السريع] مالك لا تبكي بدمع هتون ... قد كسَّر الموت متون المتون /192 أ/ إذ قال جبريل وهم صامتون ... إنَّك ميِّتٌ وهم ميِّتون وأنشدني كثيراً من اشعاره، وعلقت منها جملة، إلاّ أنني استبردتها، وهذه نبذ من نثره الذي كان يستعمله، ما كتبه إلى شهاب الدين طغكين بحلب. "عبد ولائه، عند بلائه، وهجير لاوائه، يستجير بلوائه، وينتمي إلى كره الغامر، ويحتمي بحرمه العامر، شاطراً سننه، ذاكرًا سننه. ويشتهي أن ينتهي بالصعود إلى السعود، بالارتقاء إلى اللقاء، وبالحركة إلى البركة، ويفوه بما ألفوه من الثناء في الأثناء، على علا خلاله وجلاله- صانه الله كما زانه الإله-، معرّضًا عن التثقيل، متعرّضًا بما قيل: [من الطويل] خذوني رخيصًا باحتياجي إليكم ... ويرخص عند الإحتياج مبيع وما أنا إلا المسك ضاع فعندكم ... يضوع وعند الأرذلين يضيع

لا زال لهزال الآمال بالمال مسمّنًا، وفي النزال للرجال عن الآجال مؤمنًا، والسلام". وله إلى المهذب نائب المستوفي بالرّوم: /192 ب/ "الخادم القادم، ينادم الولاء، ويصادم البلاء، بقدومه على علا مخدومه، مع أنه جمع أنه، لائذٌ بحرمه، عائذٌ بكرمه، متكفلٌ لولائه، متطفلٌ على عليائه، ناشرٌ سناه، ناثٌر ثناه، ذاكرٌ نجده، شاكرٌ مجده، حافظٌ على الدعاء، لاقطٌ للإدعاء، جائٌل في الأرجاء، قائٌل بالرجاء: [من المتقارب] إذا أمَّني حادثٌ كارثٌ ... فليس ملاذي سوى بابه وذاك لأنَّ المعالي إذا ... أتيحت حللن بألبابه لا زال لهزال الآمال، كعبة الأعمال، على الإجمال، بمحمد وآله خير الآل". وله يرثي بعض الجهات: "أما ترى إلى هذه الرزيَّة المكدرة، وما جرى لهذه الرضيَّة المخدَّرة، رجعت القهقرى، وأضجعت في الثرى، ..... واحجبت بالتُّراب عن الأتراب" وله في فصل طويل يقول منه: "يا ثمال الفصحاء، ويا جمال النصحاء، حيّاكم الله، وبيّاكم الإله! . قد تقرر في الأذهان، وتحررّ بالبرهان؛ أن الطول والعلا، والحول والاستيلاء، للعلي ... الأزلي، يفيد ويبيد ويعيد، ويفعل /193 أ/ الله ما يشاء ويحكم ما يريد". يقول منه: "الملك المعظم، والأتابك الأعظم، الملك القاهر، والفلك الزاهر؛ عز الدين، وكنز الخدين، الليث الحامي، والغيث الهامي، والنور اللامع، والسور الجامع، كورة الفطنة، وباكورة السلطنة، سليل السيادة، وأكليل السعادة، نور سيما جبين اللآلي، مهَّد الله قواعد دولته، وتعهد الإله

سواعد صولته، ما نثر مقول، وبعثر معقول، وعسعس الديجور، وتنفس المهجور". وله كثيرٌ من هذا الجنس. [825] محمد بن عبد المحسن بن محمد بن عبد الله القرشيُّ، أبو عبد الله. من أهل مصر. كانت ولادته بها، في سنة ثلاث وستمائة تقريبًا. قرأ القرآن العزيز على جماعة من المشايخ بالقدس، وجوّد القرارات بدمشق، ويلزم نفسه بالرياضة والمجاهدة، ويسلك مسلك أولى المعارف، وذوي الأحوال، ويسافر على قدم التجريد، ويؤثر العزلة عن الناس، /193 ب/ والإنفراد بنفسه والخلوة، لا يختار مخالطتهم ومعاشرتهم، وفي معظم أوقاته يرى منقبضًا منهم، متجنبًا عن لقائهم، يبقى الخمسة والستة الأيام، لا يتناول فيها طعامًا ولا شرابًا البتة؛ وهو قائم بذات نفسه، ويروِّضها بالجوع، ومنع الشهوات، وخشونة الملبس. ولم يزل تلك الأيام في صلاة وفي تسبيح، وذكر لله تعالى، فاكتسب بهذه الرياضة؛ ضيق العطن، وإساءة الخلق، وجفاءٌ الطبع، وفراغ الرأس. ويخطر له خاطر في الشعر؛ فينظم منه عدّة مقطعات، ثم يتراءى له في تلك الحال، فيأخذه فيمزقه ويغسله، ولم يظهر منه شيئًا أصلًا؛ لكوهنة تعتريه، وسوداء تغلب عليه. شاهدته بحلب في محرم سنة خمس وخمسمائة، وسألته أن يملي علىّ شيئًا من أشعاره، فامتنع ساعًة، وأملى على منها، وكتبته عنه، فمن ذلك ما أنشدني لنفسه: [من الكامل] نحوي سرت كلُّ المسرَّة فاعملوا ... من واصل المحبوب فهو منعَّم عندي أقام الحبُّ أجمع كلُّه ... فله بصدري منزلٌ ومخيَّم ومناولاتٌ عندهن مظاهرٌ ... فيها مقاماتٌ تجلُّ وتكرم /194 أ/ أصبحت ما بين الأنام منكَّرًا ... متخفَّيًا متجلببًا لا أفهم

واصلتهم فقطعتهم وعرفتهم ... فحجبتهم عنِّي ومثلي يكتم مال الزُّهد والتَّسبيح فقرٌ خالصٌ ... كلاَّ ولا عريٌ كأنَّك محرم ما الفقر قول لا ولا هو صورةٌ ... بل ذاك أعلى أن يحدَّ وأعظم سرٌّ أرقُّ من النَّسيم لطاقةً ... حرفٌ على كلَّ البريَّة يعجم كم عابد متقشِّف ومسهَّدٍ ... وهم الأجانب ما إليه تقدَّموا وأنشدني لنفسه في ذم الهوى: [من الطويل] أرى الحبَّ لا يحلو مذاقاً ولا يجدي ... وغير العنا للواله الصَّبِّ لا يبدي ألا لا راعى الله الهوى ولكم هوًى ... بصبٍّ صحيح الودِّ متَّصل العهد وناصر دين الحدبِّ بالمدح إنَّه ... ليهذي ولا يهدي إلى سبل الرُّشد أمن بات مفتونًا وأصبح والهًا ... وعاش حزينًا في الرَّخاء عن الجهد فيا مادحًا عيش المجِّبين إنًّما ... تغرُّ وإلِّا ذقة تظفر بما يردي فليت الهوى لم تجر في فيه سنَّةٌ ... فلم أجن غير الضُّر والصِّ والكدِّ أبيت على جمر الغضا متقلقلًا ... وأصبح من نار الصَّبابه في وقد فمن نوحي الورقاء أبدت ناحيًة ... ومن زفراتي أودع النَّار في الزَّند /194 ب/ ولكنَّ ذا معنى وذلك صورةٌ ... فمن أجل ذا يخفي وشاهده عندي حنينٌ أنينٌ حرقةٌ زفرةٌ جوًى ... غرامٌ شجونٌ زاد عن غاية الحدِّ فأخبار وصل الحبِّ لا أعلم لي بها ... وإقراء صحف الهجر بالشَّدِّ والمدِّ ولا ذنب للمحبوب في ذاك كلِّه ... بل الحكم للأقدار تجري علي عمد تذلُّ عزيزاً تأنف الذُّل نفسه ... وتترك حرَّ القوم يخضع كالعبد ألا فرجٌ يرجى، ألا سلوةٌ ترى ... إلى كم كذا مالي وللهجر والصَّدًّ ومما قاله أيضًا: [من الخفيف] عفِّر الخدَّ بالتُّراب ذليلًا ... إن ترد للوصال حقّاً وصولا واله باللَّهو عن ملاهي أناس ... نبذوا العهد واستحبُّوا البديلا وتجاف الجفا لخلِّ التَّخلِّي ... عن سوى ساحة الغرام مقيلا واشرب الكأس من يدي من يعاطيـ ... ـــــــك سلافًا – تنزهان تحولا مَّ خذها صرفًا بغير مزاجٍ ... واقبل النُّضح قد وجدت الدَّليلا

واغتبقها ثمَّ اصطبحها وباكر ... قبل داعي الفلاح ارحًا شمولا ثمًّ جل في فنون حبِّك فردًا ... لا تصافي مفنِّدًا أو عذولا واقر عمَّا تراه ممَّا سيفني ... وتأمل تر الورى مستحيلا /195 أ/ هوِّن الهون واطَّرح طمح النَّفـ ... ـــــــــس إلى عزِّها لتدعى خليلا لا تخف أن ذللت في الحبِّ واصبر ... إنَّما العزُّ أن تراك ذليلا وتهتَّك بحبِّ كم أنت مغرى ... بهواه عساه يشفى الغليلا دع دواعي السُّلو إن طال هجرٌ ... لست بالصَّبِّ إن أردت بديلا مت معنًّى وعش فقيرًا حقيرًا ... من سوى عثرة الهوى مستقيلا وقال أيضًا: [من الرمل] قلت النَّفس: أنا عاشقةٌ ... قلت: من؟ قالت: لمن أسقمني قلت: فالمسقم من يعشقه؟ ... ليس بالمحبوب من المني قالت: السُّم رضائي لذَّلي ... ارتضيه حبَّذا من سكن قلت: تختاري البلى طالعًة؟ ... ليس ذا من فعل أهل الفطن فأجابت: يا معنَّى إنَّني ... أنا أدرى بالَّذي تيَّمني لا أطيق الصَّبر دعني والهوى ... يشتفي منِّي ويضني بدني كم إلى كم نتمَّنى راحة ... من عناء الحبِّ والعمر فني مستحيلٌ أن ترى في راحة ... مستريح البال من ذا الشَّجن واسل عن سلوة قلب مغرمٌ ... صادق في حبِّه مؤتمن /195 ب/ أنا لا أسلوه مذ نادمني ... وسقاني ما به أسكرني خلِّني من ذكر أخبار الألى ... واتل آيات الهوى في أذني وإذا ما شئت أن تطربني ... ردِّد اللَّحن بيجان مني فهو جاني وجناني والمنى ... جان يا رست من يارمني

[826] محمد بن عبد الملك بن عيسى بن درباس، أبو حامد المارنيُّ. كان والده يتولّى القضاء بالديار المصرية، وقاضي قضاتها، يكني أبا القاسم. وكانت ولادته بالمروح من إربل. وابنه هذا أبو حامد مصري المولد والمنشأ؛ فقيه عالم أديب شاعر. وكان شابًا ضريرًا، مليح الشعر، حسن الغزل، ومنه قوله: [من الطويل] أقدُّك أم غصنٌ من البان يختال ... وردفك أم دعصٌ من الرَّمل ينهال وثغرك أم درٌ تنظَّم سلكه ... يجول عليه من رضابك سلسال وليل دجًى أم فاحم الشَّعر مسبلٌ ... ووجهك أم بدرٌ له الدَّهر إكمال وطابع مسك في توقُّد وجنة ... يلوح لعيني منك في الخدِّ أم خال شغلت بتعذيًب القلوب صبابًة ... فأشغلها من فرط حبِّك أشغال /196 أ/ تدلُّك أنفاسي على أنَّ في الحشا ... لنار غرامي والصَّبابة إشعال فلا تحسبوا أنَّ العذار بخدِّه ... ولكنَّه من حاكم الحسن اشتغال يعنِّفني من ليس يجدي ملامه ... ويعذلني في مؤلم الوجد عذَّال لقد كثَّروا لي في الملام وطوَّلوا ... وقالوا ولكن لست أقبل ما قالوا وكيف استماع العذل في قمر الدُّجى ... ومن يترضي منه ....... فلا يطمع العذّال إذا مرضى الهوى ... ببرء، فما يرجًى من الحبِّ إبلال [827] محمد بن عبد المنعم بن محمد، أبو عبد الله الخيميُّ.

من أهل مصر. أنشدني الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي المدرس- أسعده الله تعالى- قال: أنشدني أبو عبد الله بن عبد المنعم الخيمي لنفسه. [من الكامل] من مبلغٌ عنِّي كريم تحيَّتي ... قومي بجرعاء العذيب وجيرتي الذَّاهبين ولا اعتراض عليهم ... بحشاشتي والمذهبين بقيَّتي قومٌ طوال الدَّهر أشهدهم معي ... وهم بأعلى حاجر واحيرتي أصبو لغزِّ جمالهم وإلى لذيـ ... ـــــــــذ وصالهم يا بعد مرمى صبوتي وأصدُّ عنهم حيث كان مرادهم ... بعدي وكلِّي نظرة المتلفِّت /196 ب/ قالوا دلالًا حين قلت من الجفا: ... قدمتُّ: مت فحييت إذ قالوا: مت من لي بهم والدَّار غير بعيدة ... من دارهم والشًّمل غير مشتَّت أمطالبي بالصَّبر والسُّلوان ماً ... ت لك البقا صبري الجميل وسلوتي إنِّي مليٌّ بالغرام وليس لي ... بالصَّبر عن أحبابنا من ذمَّة إعلم بأنِّي في محبتَّهم فتُى ... ما حال عن عهد الغرام وما فتي وبأنَّ وجدي ذلك الوجد الَّذي ... تدرونه وصبابتي تلك الَّتي

ما خانهم كلفي القديم ولا وفى ... صبري ولم تتعدَّهم أمنيَّتي إن شئت تعرف صنعة الحبِّ الَّتي ... صحَّت به حالي وحالت صحًّتي فانظر لأحمد أدمعي ولأصفر ... من وجنتي ولأبيض في لمَّتي واعلم علوم الوجد من حالي وخًذ ... خبر الغرام وأهله من سيرتي فيقلُّ إن نسبوا إلىَّ كثِّير [اً] ... وتذُّل عَّزة أن تقاس بعزَّتي [828] محمد بن عبد الوهّاب بن أحمد بن عربيٍّ، أبو عبد الله الأديب النحويُّ. من أهل دمشق. كان عارفًا بالعربية ولآداب، شاعرًا له أشعار مستجادة في الحكم والمواعظ وغيرها من هذه الفنون. أنشدني أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد /197 أ/ البرزالي الأشبيلي بحلب – رحمة الله تعالى- من لفظه، قال: أنشدني الأديب أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب لنفسه: [من الكامل] اخفض جناحك للزمان إذا سطا ... واقعد له في البؤس عند قيامه وإذا سقاك الدَّهر كاسًا مرَّةٌ ... فاصبر على الضَّراَّء من أحكامه بينا يكون المرء فيه محيَّرًا ... يشكو الَّذي يلقاه من آلامه إذ جاءه فرج الإله معجَّلًا ... فأراه ما يرجوه من أيَّامه وأنشدني، قال: أنشدني محمد بن عبد الوهاب الدمشقي قوله: [من البسيط] لا تندمنَّ على أمر أردت به ... نجاح مسعاك إنَّ الأمر مقدور ولا تلومنَّ في تأخيًره بشرًا ... فالأمر لله والإنسان مأمور وأنشدني، قال: أنشدني أبو عبد الله من شعره: [من البسيط] على أبن آدم أن يسعى لراحته ... وما عليه بأن يجري به القدر كم من فتًى لم ينم ما نال مطلبه ... نائمٍ نال ما يرجو وينتظر

وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل] /197 ب/ علىَّ بأن أعسى لكي أدرك العلا ... وما علىَّ إذا لم ينجح الطلَّب كم من فتًى نائمٍ تقضى مآربه ... وساهرٍ بات لا يقضى له أرب [829] محمد بن علىٍّ أبو عبد الله النحويُّ المزدغيُّ الفاسيُّ ينسب إلى مزدغة، وهي قبيلةٌ من البربر كان أديبًا نحويًا فاضلًا، عارفًا بالأدب والعربية. قرأ على أبي ذر مصعب بن محمد الجيّاني، وأخذ علم الأصول عن ابي عبد الله بن الكتّاني الفاسي، وقرأ علم النحو على أبي القاسم بن زانيف، وتميّز في العلوم، وتصدّر لإفادتها، وكانت له يد طولى في علم التفسير والقرارات ولآداب وغير ذلك. وله شعر حسن، ومنه ما أنشدني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبه الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي- أيده الله تعالى- قال: أنشدين عبيد الله بن يوسف المراكشي بسيواش، قال: أنشدني أبو عبد الله بن علي المزدغي لنفسه، في أخوين؛ أحدهما جميل الصورة، والآخر أحدب طويل الساقين، كانا يحضران معنا الحلقة عنده: [من الكامل] في أبني عليٍّ أن نظرت عائبٌ ... أخوان ظبيٌّ أحورٌ وحوار فمن الجمال بوجه ذاك محاسنٌ ... ومن الجمال بظهر ذا آثار [830] /198 أ/ محمد بن عليِّ بن عبد الله بن عمر، أبو عبد الله الأنصاريُّ. من أهل الإسكندرية ذكره الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي- رحمة الله تعالى- في تاريخه،

وقال: شاب أسمر، قدم إربل في شوال سنة إحدى وعشرين وستمائة؛ وذكر لي أنَّه سمع الحديث بأخرة وأنشدني لنفسه في المعمّى: [من المقتضب] تيَّم القلب شادنٌ ... محنتي فيه زائده قلت: صلني، فقال لي: ... ضدُّ عكس أبن زائده قال: وأنشدني أيضًا لنفسه: ما كتبه إلى: [من الوافر] عسأ عيسى عليَّ ومال عنِّي ... وما طلني بترك وهو يسني ومالي بعد هذا اليوم مكثٌ ... بإربل والسَّلام عليك منِّي [831] محمد بن عليِّ بن أحمد بن محمد أبو عبد التميميُّ الشَّقَّانيُّ. من أهل حلب. حدثني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي- رحمة الله تعالى- وقال: إمام عالم مشهور، يغشى الأكابر، ويميل إلى القول بعلوم الأوائل، أغري بالكيمياء، /198 ب/ وأنفق عليه جميع ما حصل له، ولم يصل منه إلى طائل، عنده فضل وأدب وشعر. اجتمع بعلماء الموصل، وطلب أن يناظر من بها من أهل النحو، فاجتمعوا في حضرة الأتابك أبي الحارث أرسلان شاه بن مسعود صاحبها- رحمة الله- فلم يكن عنده ما يثبت دعواه. رأيته ولم آخذ عنه لكونه منسوبًا إلى قلّة الدين ... هذا آخر كلامه. وأخبرني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله الفقيه الحنفي المدرس بحلب- أيده الله تعالى- قال: القاضي أبو عبد الله الشاقاني كان فاضلًا عارفًا بالفقه واللغة والنحو، وغير ذلك من العلوم، وسمع الحديث. وكانت ولادته بحلب

سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وتوفي بسيواش في صفر سنة إحدى وعشرين وستمائة وكان وحيهًا عند السلطان ملك الروم، وولي قضاء أقشهر، ثم قضاء سيواش. ثم أنشدني، قال: أنبأني أبو عمرو عثمان بن الشاقاني، قال: أنشدني خالي أبو عبد الله الشاقاني لنفسه: [من الخفيف] لا تلن للخطوب واطلب فمن لا ... ن توالى عليه قرع الخطوب /199 أ/ إنَّ ضرب الحديد ما كان إلَّا ... حيث أبدى لينًا بحرِّ اللَّهيب وقال أبو البركات المستوفي: نقلت من خطّ أبي عبد الله، وأجازني روايته أبياتًا، مدح بها الفقير إلى الله أبا سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين- رحمة الله تعالى-: [من البسيط] يقول صحبي وجاء الزَّهرير لهم ... في ليلة من جمادي حلَّة الحضر قد كان يبلغنا عن سيرة الملك الـ ... ـــــــــــمعظَّم الشًّرف الأعلى من السِّير فما وعينا حديثًا من مكارمه ... بالسَّمع إلَّا وعاينَّاه بالبصر قال: وهي أبيات أكثر من ذلك. ثم قال: ومن شعره، ما كتبه إلى أبي الحسين موسى بن الحسين بن موسى الكاتب الإربلي، يستشفع به إلى الفقير إلى الله تعالى، مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين- رحمة الله تعالى-: [من الخفيف] /199 ب/ أنت موسى الكليم رب اليد البيـ ... ــــــضاء في الإصطناع للنَّاس جمعا فإذا ما حصلت في طور سينا ... فاتَّخذ لي عنه المناجاة صنعا فالفتى إن أراد نفع صديق ... فهو يدري في شأنه كيف يسعى قال: ثم أعقبها بكلام منثور، تركته خوف الإطالة. [832] محمد بن عليِّ بن أبي بكرٍ، أبو عبد الله الجمَّال القارئ البغداديُّ المعروف بالنطوعيِّ. أخبرني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي الإربلي بها- رضي الله عنه-

قال: ورد إربل في شوال سنة عشرين وستمائة، استظهر كتاب الله الكريم، وكان يقرأه صحيحًا قراءة مرضية، ثم تخبط عليه كما ذكر. وأخبر أنَّ جدّه كان جمّالًا في طريق مكّة وعرفوا به، وكان لحانًا. ثم أنشدني من شعره هذه القصيدة: [من مجزوء الكامل] أفللصبابة والشُّجون ... نوح الحمام على الغصون أم للصباح وللصِّبا ... طربًا يغرِّد بالفنون والدِّيك يهتف للصبوح ... مصفِّقًا بعد السُّكون /200 أ/ ويقول: حيَّ على السُّرو ... ربغرَّة الصُّبح المبين ومنها يقول: فأغن أخاك على المدا ... مة والخلاعة والمجون وتناول الأقداح منـ ... ـــــــه بالشِّمال وباليمين واشرب على ضوء الصَّبا ... ح المستنير المستبين حمراء كالمصباح يمـ ... ــــــــحو نورها ظلم الدُّجون تسبي العقول بشربها ... والسُّكر أشبه بالجنون أوما ترى الرًّاووق يبـ ... ـــــكيها بمدمعه الهتون سهران كالصَّبِّ الكئيـ ... ـــــــــب بعيد ما بين الجفون قد الجأته إلى الصَّليـ ... ـــــــب فدينه أبدًا كديني ومنها قوله: ظبيٌ أرأق دمي بسهـ ... ــــــــم لواحظ كاللَّيل جون عذر العواذل فيه حتَّى ... لو سلوًت لعنَّفوني بتنا يعاطيني المدا ... م فأشتكيه ويشتكيني /200 ب/ فكأنَّه برضابه ... مزجت بكأس من معين وتبسمت عن ثغره ... حببًا وعن درٍّ ثمين وحكته خدّاً كالشَّقيـ ... ـــــــــــق الغضِّ في ترف ولين قل للمدام الصِّرف: ديـ ... ـــــــــــــني للخلاعه واستكيني

ما السُّكر إلاَّ للثغو ... رو للخدود وللعيون [833] محمد بن عليِّ بن بختيار الأمير، أبو الفضل الشربدار الموصليُّ. كان قريبًا من أتابك نور الدين أبي الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود، صاحب الموصل، ولّا الدزداريّة بقلعتها. وكان رجلًا كافيًا جلدًا ماهرًا متيقظًا صارمًا على الفسّاق والمفسدين، يظفر بالمفسد فيبطش به في الحال، ولا يبقيه. وكان ذا شهامة ونظر في الولاية وبعضٌ مان كان يرضى سيرته، وينسبه إلى الظلم الفاحش، وما في ذيً الحجة سنة خمس وستمائة بالموصل، ودفن بها تجاه باب الميدان غربي المدينة ظاهرها. صار إلىَّ/ أ/ من شعره، يمدح الأتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود، ويهنيّه بالنيروز وذلك في سنة خمس وتسعين وخمسمائة: [من الخفيف] قصر اللَّ حين طال النَّهار ... وأتانا بجيشه آذار وبكت مقلة السَّحاب عليه ... فتغنَّت عجبًا بها الأطيار وكأنَّ الزَّمان مدَّ على الرَّو ... ضة ثوبًا طرازه الأنهار نسَّجته الأنواء فاتَّضحت فيـ ... ـــــــه معان أطمارها الأمطار فهو مثل العروس بالزَّهر للدهـ ... ـــــــر عليه تفتضُّها الأبصار لا زورديَّة الثِّياب وشي فـ ... ــــــيها إصفرارٌ مدنَّر واحمرار كلَّما هينم النَّسيم عليها ... نمَّ بالطِّيب شيحها والعرا وكأنِّي بالجوِّ إذ هلَّ بالطَّـ ... ــــــــــلِّ إليها يقول: هذا نثار وكأنَّ الحوذان قال لعود الرَّ ... ند في كلِّ نفحة عطًّار فتتباكى الأنواء فيها وما تضـ ... ــــــــــــحك إلاَّ لأنَّها أبكار وكأنَّ القمريَّ قطَّب إذ طرَّ ... ب شوقًا على الغصون الهزار /201 ب/ ياليالي الوصال جادك ... من صيِّب جدواك واكفٌ مدرار هل لما فات عودةٌ خبِّرينا ... أم رداء الشَّباب ثوبٌ معار

وحبيب مضرَّج الخدِّ ساجي الـ ... ـــــــطَّرف جارت منه عليه العقار ريقة خمرةٌ، وصدغاه ريحا ... نٌ وورد الخدود ماءٌ ونار قام يسعى فعلَّم الغصن حسنًا ... بمحل وكيف تجنى الثِّمار علَّمته اجفانه سحر هارو ... ت وإنِّي عليه منها أغار قيل لي: كيف نمت بعد تجافيـ ... ــــــــــــه ونوم العشَّاق في الحبِّ عار قلت: لا والوفاء لكن تناعسـ ... ـــــــــــت لطيف إذ عزَّ منه المزار [834] محمد بن عليِّ بن أبي شجاع، أبو عبد الله الجامديُّ ينسب إلى الجامدة من أعمال واسط. كان شيخها. أنشدني أبو الحسن علي بن أبي منصور بن علي بن جرير الرُّصافي الواسطي بالموصل، قال: أنشدني أبو عبد الله الله الجامدي لنفسه: [من المتدارك] دمنٌ من رامة فالقلب ... فجديلة فلخه فالكثب فالنعف فكاظمة فالجزع ... فوادي الفتّة فالهضب /202 أ/ يعتضن بريم البيد ... عن ريم كنَّس في الطنب غيد هيف خمص نزف ... بيض ترف عرب ترب دعًج الأحداق سود الآماًق ... بيضً الأعناًق حمرً الأهب إن مسن فصحن غصون البان ... أو ملن ضحكن عن الشَّنب فكأنَّ مباسمهنَّ نظمن ... قلائدهنَّ من الشُّهب وكأنَّ مراشفهنَّ مدامٌ ... شيب وأمزج بالضَّرب

[835] محمد بن عليِّ بن أبي الفتوح بن عمر، أبو الفتح الحكيم القرشيُّ. من أهل دمشق أخبرني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي- رضي الله عنه- في تاريخه من لفظه- قال: أثنى عليه المواصلة فيما كتبوا إلىّ، وقالوا: إنَّه من السادة الأكابر الفضلاء الرؤساء العلماء، مشهور بالفضائل والفنون، قريب عند السلاطين والملوك، محترم لديهم، مسموع الكلمة. ورد الموصل، فمدح بها الملك القاهر عّز الدين مسعود بن أرسلان شاه- رحمة الله- فأحسن جائزته وشرّفه، ثم قال: هذا لفظ ما كتب إليّ من الموصل على يديه، ولم /202 ب/ يقدّر لي الاجتماع به، إلّا أنّي رأيته مجتازاً، فعرفته بما سبق عندي من صفته وهو شاب حسن الصورة والشمائل. ورد إربل في العشر والوسطى من شهر رمضان من سنة ثمان وستمائة، ولم يقيَّض له المثول بخدمة الملك المعظَّم أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين- رحمة الله تعالى- وسافر في رابع عشريه، إلى بلد العقر إلى الملك المنصور زنكي بن أرسلان شاه أتابك –صاحب الموصل- ولم يقع إلي من شعره سوى أبيات، سأله عملها إنسان موصلي فكتبها إلىّ بخطّه على لسان الموصلي- وهو خطّ حسن- وهي: [من الطويل] أيا شرف الدَّين الَّذي شرفت به الـ ... ــــــــمناقب فانقادت إليه المدائح ومن ظهرت أعراقه فتأرَّجت ... لقصَّاده أخلاقه والمنائح شربت كؤوسًا من هواك لذيذة ... فقلبي سكرانٌ بحبِّك طافح فأصبحت لا أثني ثنائي إلى إمرئ ... سواك يقينًا إنَّ زندي قادح وأقسم لو حاولت أكتم بعض ما ... تجود به نمَّت علىَّ الجوانح وإنِّي غاد عن جنابك شاكرٌ .. أياديك يا خير الأنام ورائح

/203 أ/ أبثُّ الَّذي أوليتني من فواصل ... لأنعمها لسان حمدي مادح فإن تحيي الرَّسم بالرَّسم تجن من ... عصون الثَّنا ما ثمَّرته القرائح [836] محمد بن عليِّ بن يوسف بن خمارتكين، أبو عبد الله الحلبي، المعروف بابن المحتسب. لأنه تولّى بحلب الحسبة مدَّة. ذكر لي، أنَّه ولد سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. وخمارتكين جدُّه، كان حاجب الملك أبي المظفر رضوان بن تتش بن ألب أرسلان- سلطان حلب- ومن أخصّ حجابه؛ وأبو عبد الله يتولّى التصرف. وقد تولّى عمل غير عملٍ سلطاني، ويقول الشعر طبعًا. أنشدني لنفسه مبدأ قصيد: [من الكامل] ما ضرَّه لو زارنًي متكتِّمًا ... في حندس اللَّيل البهيم على ظما رشا تحاكي السَّمهرية قدَّه ... ولحاظ عينيه تباري الأسهما بدرٌ يعير الليل طرَّه شعره ... ويغير ضوء جبينه بدر السَّما في خدِّه ورضابه خمرٌ لها ... إن نقَّصت فعل المدامة تمَّما حلفت لواحظة بأن لا تنثني ... عن قتلتي أفدي بروحي المقسما أضني وظنَّ بأنَّني أسلو وقد ... أضحى السُّلوُّ على المحبِّ محرَّما وجنى علىَّ فجنَّ وجدي من جنى ... شفتيه أو ألم إلى ذاك اللَّما /203 ب/ وأنشدني لنفسه، حين قدم المولى الصاحب الوزير الصدر الكبير العالم السعيد مؤيد الدين أبو نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الشيباني- أدام الله علاه- من ميا فارقين: [من البسيط] عاد المؤيَّد بالتأييد والظَّفر ... وجاءه النَّصر يسعى سعي منتصر

وأقبلت دوحة الإقبال يانعة ... تومي إليه بأكمام من الثَّمر وأصبحت روضة العلياء مذ هطل الـ ... ـــــــحياء من وجهه تختال بالَّزهر وأمست الدُّولة الغرَّاء في حلب ... بقربه تزدهي في ثوبها النَّضر من بعد ما عريت دهرًا محاسنهًا ... وشابها بعده نوعٌ من الضَّرر طال اغتراب بنيها في ديارهم ... وأصبحوا بعد يسر منه في عسر ظلُّوا بع زمنًا في ظلِّ أنعمه ... وجود راحته المغني عن المطر ممتِّعين بما قد خوِّلوا فهم ... في خلد جنَّته العليا على سرر مقابلي رجل يزهي على زحل ... في رتبة الشَّمس مستول على القمر له عزيمة رأي ليس يسبقهًا ... ريب الزًّمان فما يخشي من القدر /204 أ/ حبر يخبِّر عمَّا في غد فغدا مستقبل الفعل ماض غير منتظر لولا مخافةً ربِّ العرش، قلت له: يا عالم السِّر منِّي قلَّ مصطبري أبسط بفضلك آمالًا قد انقبضت فأمرك اليوم مقدورٌ على القدر ولا تلكني إلى ما في غد فغدٌ يأتي بما ليس نهواه من الغير لا تستقلَّ قليل الخير تفعله ففاعل الخير مشكورٌ مدى العصر نبني الزَّمان ويبقى حسن سمعته ويذهب النَّاس والدُّنيا على الأثر وأنشدني أيضًا لنفسه إملاًء: [من البسيط] يا جانحًا عن طريق المكرمات أفق من سكرة العب واحذر زلَّة القدم بينا ترى المرء في عزِّ الولاية منـ ــــقادًا إليه أمور العرب والعجم حتَّى يوافيه ذلُّ العزل يصلحه حينًا لإخوانه بالفقر والعدم فالعزُّ يصلح أخلاق اللَّئيم كما تبدي الولاية حتفًا من أخي الكرم [837] محمد بن عليِّ بن محمد بن محمود بن عبد الرحيم، أبو عبد الله ابن أبي الحسن التميميُّ. من إنشاء حلب وأبناء رؤسائها، والنبهاء بها، وبيت الأدب والفضل. وأبو عبد الله تأدّب وقرأ من علم العربية ما يحتاج إليه، وساعدته قريحته في قول

الشعر، وأنجب فيه، /204 ب/ وأحسن وأجاد، وفاق أقرانه نظمًا، وبذّهم في أنواع القريض وأجناسه تمكنًا ما شهد له أرباب هذا الشأن بالتقدّم فيه والاقتدار على ما يتوخّاه من المقاصد التي يرومها، والمحاسن التي يأتي بها. شاهدته بحلب شابًا ذكيًا متيقظًا عاقلًا، أريبًا عفيفًا، نزهًا سريًا، جميلًا عارفًا بأقدار الناس، يتدين بمذهب الشيعة، من أحسن الناس عشرة، وأوفاهم توددًا ومروؤةً، وأسمحهم نفسًا. يخدم متصرفًا في الأعمال السلطانية. وسألته عن ولادته، فقال: ولدت في عاشر المحرم سنة إحدى عشرة وستمائة. أنشدني لنفسه، وقد جاءه من العفيف أبي طالب بن صقر أبيات: [من الخفيف] أنت في العلم فوق كلِّ عليهم ... يا ابن صقر من أبن عبد الرَّحيم قد شأوت الفحول في حلبة الفضل ... وأنسيت ذكر كلِّ قديم لك شعرٌ قد سار في سائر الا ... فاق ما الشَّام ما بلاد الرَّوم لا تقس دعبلًا إليك ولا الطا ... ئيًّ والبحتريَّ وابن الرُّومي أين منكً الرِّجال ما لهم مثـ ... ـــــلك نظمٌ كالجوهر المنظوم /205 أ/ لو تقدَّمت في الزَّمان لقال الـ ... ــــــــقوم هذا أحقُّ بالتًّقديم وأقرُّوا لدى جدالك بالعجز ... وفرُّوا منه إلى التَّسليم أيُّها الفاضل الأديب عفيفة ... الدِّين والماجد الكريم الخيم سفرت لي شمس النَّباهة في أر ... جاء ليل من الخمول بهيم حين نوًّهت في قريضك باسمي ... وعلا منصبي وقدري وخيمي أنت شرَّفتني بنظم قريض ... بت منه في مقعد ومقيم خيفة الرَّدِّ والتَّردُّد فيه ... مفعمًا مقلتي من التَّهويم يا أبا طالب تطلَّبت ما لم ... يك في خاطري ولا معلومي لا تسمني ردًّ الجواب فما خا ... طر فيه سوى الخطير العظيم درَّ درُّ الصَّدر النَّبيل شهاب الدِّ ... ين عمرو الإقدام غمر العلوم إن تجرَّا على جوابك في الشِّعـ ... ـــــر لقد قام في مقام عظيم أنا لولا خوفي وعيدك ما فهـ ... ـــــــــت بحرف على رويًّ الميم لا تخف أن يعيب شعرك خلقٌ ... لن يعيب الصًّحيح غير السَّقيم

والزنامي أليًة برَّةً ما أعـ ... ـــــتلَّ إلاَّ على العتلِّ الزَّنيم قسمٌ كلُّ من تجراَّ عليه ... كان عند الأنام غير أثيم /250 ب/ لا وحبِّي علاك خالصة من ... غير لغو فيها ولا تأثيم لم يعب في الأنام شعرك من يفـ ... ـــــــرق بين المجهول والمعلوم ضاع طيبًا فخلته جاء يروي ... خبر البان عن لسان النَّسيم شيَّد السًّيِّد الشًّريف جمال الدِّ ... ين ذكرًا يسير في الإقليم بات يرويه عنك ثمَّ يودِّيه ... كما قلته بطبع سليم بالجنان الثَّبت القويِّ على إي ... يراده عنك واللِّسان القويم قال لي إذ سألت: خبرك يغني ... عن مديحي له وعن تفخيمي ليس بالرَّحبة الصَّغيرة من يس ... قط منه على خبير عليم غير ذا السَّيِّد المقيم على حبِّ ... ك لا زال في نعيم مقيم يا مفيدي من الإخاء بما غاد ... رعيشي إلىَّ غير ذميم أنت أبرزت وجه عرضي باطرا ... ئك يا ذي احتشام صافي الأديم أنت اغليت سعر شعري بما أم ... ليته في كتابك المرقوم فأخي اليوم حاسدي بعد ما كان ... عدوِّي على الخمول رحيمي وكستني علاك غرَّ صفات ... غادرتني من دارم في الصَّميم ولهذا أجرُّ ذيلًا من الفخر ... على كلِّ منتم لتميم /206 أ/ أنا أولى بأن أقبلِّل كفَّي ... ــــــــك على فضلك العميم الجسيم أنا حبِّي لكم صلاةٌ وسعيي ... لا يتمُّ الصلاة بالتَّسليم لست بدراً وإنَّما أنت في أهـ ... ـــــليك كالبد بين زهر النُّجوم سادة كلُّهم تقيٌّ نفيُّ الـ ... ـــــــعرض ضافي النِّجار زاكي الأروم يشتري باقي الثَّناء ويشري ... فإني المال فعل كلِّ كريم سيَّما الكامل الفضائل نجم الدين ... ربِّ العلا الأثير الزَّعيم ذي الجفان المكلَّلات من الشِّيـ ... ـــــــــزى طعامًا إلى محلِّ الشَّكيم والفتى المشتري المحامد ذي ... المحيَّا الطَّلق البهيِّ الوسيم من حباني من نصب باب مزاعا ... بنصيب المشيمس المعدوم

وتراني غدًا إلى طلَّه البارد ... أولى من حرِّ نار السَّموم إنَّ لي في جنينة الحلبة الفيـ ... ـــــحاء ورداً من قرية أبن العديم ونصوبًا تخال أثمارها حسـ ... ــــــنًا وطيبًا تسقى بماء النَّعيم سوف أدعوك يا عفيف إليها ... بعد آيَّار وانقشاع الغيوم لست أرضى قسم الحياة إذا لم ... أرخلِّي على حياتي قسيمي وكذا لا أرى السُّرور بها حتَّ ... ـــــــــــى أراه على السُّرور نديمي /206 ب/ دمت سامي العلا كريمًا وعوفيـ ... ـــــــت وورِّثت عمر كلِّ لئيم ما أشتكت أينها الرَّسوم في البيـ ... ـــــــد ومدَّت أعناقها للرسيم وأنشدني لنفسه، ما كتبه إليه أيضًاً [من الخفيف] دمت تصفي مودَّة الأولياء ... وجزاك الإله خير جزاء يا عفيف الدِّين الَّذي بشَّر لا ... باء منه بأنجب الأبناء يا ابن صقر يا من نداه إذا ما أنـ ... ــــــهلًّ أزرى بصيِّب الأنواء يا فتًى سًاد بيت مجدبه أحـ ... ــــــــرز مجد الأجداد والآباء ليس خلف الميعاد شيمة مثلي ... هو عندي من أقبح الأشياء غير أنِّي عزنت من قتل نيسا ... ن على جوسق رفيع البناء قلت: أبنيه بالجنينة من أجـ ... ــــــلك في الصَّيف زائرًا والشِّتاء فتصدَّى من الورى لعنادي ... وتناسي مودَّتي وإخائي صاحبٌ لم يزل عليه من النًّا ... س اعتمادي في شدَّتي ورخائي فتراني أخاف في أمر داري ... وأداري من لا يخاف هجائي عالمًا أنَّني وإن نكث العهد ... ولم يرع لي حقوق الولاء أتلقَّى قبيحه بجميل الـ ... ـــــــصَّفح عنه وغدره بالوفاء /207 أ/ لا كمن بات يشتكيه فتى الحـ ... ـــــــجَّاج قبلي لسيِّد الأمراء وانقضي الورد والجنينة لا تؤ ... ذن أيَّام وعدها بانقضاء هبك أنِّي عمَّرت جوسقها الجا ... مع شمل الألاَّف والقرناء

كيف نمضي إلى الجنينة والقلـ ... ــــــب عليه للهمِّ مثل الغشاء وأرى الهمَّ لا يفرِّجه غيـ ــــــــر اجتماع بسيِّد الشُّعراء بأبي طالب الَّذي طلب المجـ ـــــد بعين لم تدن من إغفاء وذويه المكرَّمين أولي السُّؤ دد والفضل والتُّقى والعلاء فتفضل بهم إلى قبَّة السَّـ ... ـــــيَّد ذي المكرمات والآلاء فهي مشتاقةٌ تقاسمني الشو ... ق إليكم ورَّبها بالسًّواء ثمَّ يغني عن ورد أيَّار ما يعـ ... ـــــــبق فيها من مائه والكباء وتقينا حرَّ السَّماء ببرد الـ ... ــــــــماء في ظلِّها وبرد الهواء وترانا من حسن أخلاقه نر ... تع منها في روضة غنَّاء فلها الله قبَّةً ولبانيـ ... ـــــــها ففيها مجامع الأهواء شادها السَّيِّد الشَّريف الَّذي جا ... زت معاليه رتبة الجوزاء ماجدٌ أنشر الفضائل فاستو ... جب شكر الأموات والأحياء /207 ب/ عجلٌ بالنَّدى لمن أمَّ ناديـ ... ــــــــــه مجيبٌ إليه قبل النِّداء كلفٌ بالعلا يحلُّ عرى المشـ ... ــــــكل منه بفطنة وذكاء حبُّه مذهبي وديني ومازا ... ل اعتمادي عليه وهو رجائي مثلما مذهب الكرام بني صقـ ... ــــــر غرامٌ بالمجد والعلياء معشرٌ طفلهم فتى العزم والهـ ... ـــــمَّة كهل التَّدبير والآراء قدرهم في الورى كقدر عفيف الدِّ ... ين فيهم ذي الجود والنَّعماء يا أبا طالب أقرت لأشعا ... رك بالعجز ألسن البلغاء أنت ربُّ القريض يرفل منه ... أبدًا في ملابس الإثراء وأنا المملق الفقير وهيها ... ت تساوي المثرين بالفقراء أفحمتني أوصاف قدرك لمَّا ... جزت حدَّ المديح والإطراء فتماديت في الجواب وبادر ... ت مجيبًا لكم برفع دعائي وسألت الإعفاء منه فما أجـ ... ــــــــــدى سؤالي ولا أجيب ندائي لم تزل تعمر الإساءة بالعفـ ... ـــــو فالاَّ سمحت بالإعفاء فاكسها حلَّة الفصاحة إن جاء ... تك منِّي في لبسة الفأفاء

أو أجزها درَّ البلاغة إن مدَّ ... ت أكفَّ السُّؤال لاستجداء /208 أ/ وأبق ما غرَّد الحمام ومانا ... ح على غصن أيكة خضراء وكتب إليه أيضًا: [من الرمل] يا عفيف الدِّين يا من بشره ... يهتدي السَّاري به واللَّيل مسدف يا فتى ما فتئت آراؤه ... في دجى الَّلأواء للغمَّاء تكشف يا خليلاً لم يزل من لطفه ... أبدًا يحنو على الحلِّ ويعطف قل لنجم الدِّين: يا نجم أتئد ... لا تكن في العتب والتًّأنيب مسرف قد جرى الشَّرط على ما قلته ... والتَّصاريف عن المقصود تصرف من ترى يكره أن يسعى إلى ... خدمة السَّيِّد أم من عنه يصدف هاشميٌّ لم يزل من أود ... للأخ المعوجِّ في الودِّ مثقِّف مصلح الفاسد لكن بالنَّدى ... والردًّى للمال والأعداء متلف أنا أهواه فما أصغى إلى ... قول واش في هواه ومعنِّف لجمال الدِّين بيتٌ قد سما ... شرفًا فهو على الأفلاك مشرف وله منتزةٌ من حسنه ... يبهت الطَّرف إليه ليس يطرف قبَّة السَّيِّد لو أبصرها ... لتواري خجلًا طاروف منطف حبَّذا عيشٌ قطعناه بها ... والحمام الورق بالأفنان تهتف /208 ب/ ولدينا كلُّ ما نختاره ... ورياخ اللَّهو باللَّذات تعصف وقطوف الفضل تستجلي ومن ... روح أشعارك نجنيها ونقطف والفتى الماجد نجمالدِّين في ... كلِّ معنى ينتحيه متلطَّف أبدًا يورد ما نختاره ... وسوى المختار يلغيه ويحذف ومعين الدَّين ذو الفضل الذي ... بالندى يسعد راجيه ويسعف كاتبٌ أفلامه كافلةٌ ... أنَّ ربَّ السَّعد يدنيه ويزلف تشبه الكتب الَّتي ينشئها ... وشي أعلام برود أبن المزخرف أو كما بكَّر وسمى الحيا ... لبرود الرًّوض بالنًّور مفوِّف ولشمس الدِّين يحيى راحةٌ ... ثرَّةٌ نوه نداها غير مخلف أبدًا يجمع في تفريقه الـ ... ـــــمال شمل المجد جودًا ويؤلِّف

يا بني صقر شرفتم أنفسًا ... فهي عن كلِّ دنيِّ القدر تعزف قسمًا إنِّي بكم ذو كلف ... لست في ودِّي لكم بالمتكلِّف وإذا ما غبت عنكم لم تكن ... جفوةٌ لكنَّني عنكم مخفِّف ولقد جئتكم معتذرًا ... واعتقادي أن نجم الدِّين منصف لم أخل وهو صفِّيي أنَّه ... يتوخَّى الظلم في أمري ويعسف /209 أ/ وعفيف الدِّين أولاكم بأن ... يتحامى القصد في عتبي ويسرف قال في مدح فراخي إنِّها ... تشبه الوزَّ إذا ما كان مخلف وإلى السَّيِّد تهدى وهو بالـ ... ـــــــفضل منها لعفيف الدِّين متحف إن يكن عتبكم لي ديدنًا ... فبما أجنيه من جرم وأسلف يا أبا طالب صفحًا عن أخ ... ماله عن حبًّكم ما عاش مصرف وستأتيك فراخي عاجلًا ... منجز الوعد بها غير مسوِّف ثمَّ إنِّي أسأل الله الذي ... هو بالقدرة فينا متصرِّف أن نرى يا مالكي جهة ... أنت فيها العدل والمملوك مشرف [838] محمد بن عليِّ بن المسلّم بن محمد بن الحسين بن مراجل أبو عبد الله الكندي. من أهل حماة ومن بيت مشهور بها. شيخ أشقر أزرق العينين، يتصرّف في الأعمال. أخبرني أنه ولد ضحوة نهار يوم الأحد ثالث شوال سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. لم يكن عنده يقّوم به لسانه من علم النحو، ويلحن إذا أنشد، وله طبع يطاوعه في قول الشعر. أنشدني بحلب لنفسه في أوائل محرم سنة خمسين وستمائة، ما/209 ب/ كتبه إلى السُّلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف- خلّد الله ملكه-: [من الوافر] أيا ملكًا ترنِّحه القوافي ... ويطربه من الشِّعر النسيب

أمانع أن أراك لسوء حظِّي ... وأبعد إنَّ ذا شيءٌ عجيب ولكنِّي سأنشد بيت شعر ... تحنُّ إلى معانيه القلوب: (إذا كان المحبُّ قليل حظً ... فما حسناته إلاًّ ذنوب) وأنشدني أيضًا لنفسه فيه- أعزّ الله نصره-: [من الطويل] أيا ابن العزيز النَّاصر الملك الَّذي ... إذا جار دهرٌ فهو بالجود بنصف على بابك الميمون حلَّت رحالنا ... وقد مسَّنا ضرٌّوها أنت يوسف وأنشدني لنفسه يهنّئ بالصيام: [من الخفيف] لا أهنِّيك بالصِّيام لأنِّي ... قد تركت الهنا ليوم العيد إنَّما التَّهنئات بالأكل والشُّر ... ب وصوت المثنى وضرب العود لا بصوم قد قرَّح الكبد حتَّى ... تراك العود فيه مثل العود وأنشدني لنفسه يرثي ولده عبد المحسن- رحمة الله تعالى-: [من الكامل] /210 أ/ عن عظم أحزاني بكم لا أنثني ... أبدًا ومالي بعدكم عيش هني أمَّلت أن سأنال كلًّ مأربي ... بكم فخيَّبني الزَّمان وصدَّني ولسوف أندبكم وأعلن بالبكا ... حتى أصير جوار عبد المحسن وأنشدني قوله فيه أيضًا: [من الكامل] يا بدر قد عظمت عليك رزيَّتي ... وتوقَّدت نيرانها في أضلعي ما كنت أرجو أن أكون مشيِّعا ... لك للمقابر بل تكون مشيَّعي ولئن جرى دمعي دمًا فيحقُّ لي ... أنا صاحب البلوى وغيري المدًّعي وأنشدني لفنسه في السُّلطان الملك الناصر صلاح الدين، وقد رمى طيرًا، يسمّى الكيَّ: [من الوافر] كويت قلوب من عاداك كيّاً ... بصرع الكيِّ لمَّا إن تهيَّا فلا زالت سعودك سابقات ... ونجمك في العلا أبدًا مضيَّا ملكت النَّاصر السُّلطان عدلًا ... طويت به بساط الأرض طيَّا وسهم لم يفوَّق يوم حزب ... فأخطأ لا ومولانا عليَّا كأنَّ مجرَّة الأفلاك قوسٌ ... بكِّفك أو بنادقه الثريَّا

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف] /2010 ب/ وتقنطر به فديناك يا بغـ ... ـــــــل إلى السَّهل من أعالي الحزون وإذا ما نجا ولا سلَّم اللـ ... ـــــــــــه فإيَّاه يا كلاب الجون وأنشدني لنفسه في السيف والقلم: [من البسيط] إنَّ المقادير لا ترتدُّ حكمتها ... وقد تساوت في أحكامها الأمم إذا رأيت سيوف الهند قاطعًة ... ما ذاك إلَّا قد خطَّة القلم [839] محمد بن عمر بن حافظ بن خليفة، يكنّى أبا عبد الله السَّعديُّ، الفقيه الحنفيُّ المدرس المعروف بابن العقّادة. من أهل حماة. نزل والده حلب واستوطنها، إلى أن توفي بها. وكان فقيهًا حنفيًا، تولّى بها تدريس المدرسة التي بظاهر المدينة، ولمّا مات قاتم ولده هذا مقامه في التدريس، وفوّض إليه ما كان إلى والده. وكان أبو عبد الله؛ شابًا أشقر، ربعة من الرجال، ذكيًا فاضلًا، عنده بشر وسكون، جيّد المعرفة بعلم النحو والعربية والأدب وقول الشعر الحسن. ويكتب خطًا في غاية الجودة، وكان فقيهلااً، مجوّداً مناظرًا، اجتمعت به غير مرة، وحضرت معه بحلب، واقتضيته شيئًا من شعره؛ /211 أ/ فكان يعدني ويجيبني إلى ذلك، ولم يتفق إنشاد شيء من أشعاره، ثمّ مرض في أثناء ذلك، وتوفي يوم المجمعة سابع عشر جمادي الأولى سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ودفن قريبًا من مشهد الخضر، بمقام إبراهيم الخليل- عليه السلام- قبلي المدينة ظاهرها- رحمة الله تعالى-. وأخبرني أنَّه ولد في سنة اثنتين وستمائة، وبعد موته صار إلىَّ كراسة من شعره، تتضمن غزلًا ومدحًا، وغير ذلك وهي بخطه.

ومما نقلته من خطّ يده، قوله في الغزل: [من الطويل] ومعتدل كالغصن قد غادر الورى ... على خطر من قدِّه حين يخطر إذا مارنت منه اللَّواحظ وانثنى ... حمى حسنة عنَّا حسامٌ وأسمر وإن صال يبغي نصرةً فغضنفرٌ ... كما أنَّه إن نصَّ جيدًا فجؤذر وإن حلَّ في أرض ومرَّت بها الصَّبا ... تنفَّس فيها عن بر الأرض عنبر وإن فاه بعض العاشقين بذكره ... تضوَّع مسكٌ بالَّذي فاه أذفر ومن بك هذا طيب ذكراه غائبًا ... فكيف يكون ذكره حين يحضر من الُّرك مسكىُّ السَّوالف ليِّن الـ ... ـــــــــمعاطف معسول المراشف أحور تطيب برؤياه النُّفوس وإنَّما ... بأنفاس ريَّاه الجيوب تعطَّر /211 ب/ وليلة وافى والدُّجى مثل شعره ... وطلعته فيها كم الصُّبح تزهر فقلت: وفيت الآن وعدم في الهوى ... فقال: ومثلي في الهوى كيف يعذر إليك قطعت البيد من رمل حاجر ... أخوض الدُّجى إذ بالقنا الخيل تعثر فبتُّ ولي من ورد خدَّيه موردٌ ... ومن صدره أفديه بالنَّفس مصدر ولي من سجاياه الشَّهَّية جنَّةٌ ... لها من ثناياه البهَّية كوثر وقلت له [لا] زلت مستعذب الجنا ... ولا برحت أسد الشَّرى منك تحذر ويفديك منِّي في هواك تصبُّري .. وإن كان ما لي في هواك تصبُّر وقال أيضًا: [من الطويل] وطلق المحيَّا لا يرام وإنَّما ... هو الشَّمس لكن دارة البدر داره قريبٌ مدًى مرضاه سهلٌ خداعه ... بعيد ... مرآة صعبٌ مزاره نفورٌ ولم تظفر حبائل حبِّه ... بحبَّة قلب الصَّب لولا نفاره تعلقته ما طعم محبِّه فيضحى ... وتقريب المحبِّ شعاره وقلت: إذا خطَّ سلوته ... فزاد هيامي حين خطًّ عذاره وقال أيضًا: [من الطويل] تعلَّقته ما اشتاقه رمل عالج ... غرامًا وما ضمَّنته سلعٌ وحاجر /212 أ/ حرمت الرِّضا إن كنت منذ ألفته ... تأملته أوراءه لي ناظر

إذا زارني أطرقت منه مهابًة ... وأمَّا إذا ما أزورَّ عنِّي فظاهر وقال أيضًا: [من الوافر] وأحر ساحر اللَّحظات أحوى ... شهىِّ المجتنى طلق المحيَّا ألمَّ بنا فأغنى حين عنَّى ... وأحيانا جميعًا حين حيَّا وجاد براحه واللَّيل داج ... فقلت براح قد طلعت عليَّا وشجَّ الرَّاح من فيه بريق ... فشجَّ لنا الحميَّا بالحميَّا وطاف بها على الأحياء يبغي ... نهاب نفوسهم حيّا فحيَّا فأحيا كفُّه من كان ميتًا ... بها وأمات من قد كان حيَّا فأسكرنا وأذكرنا حديثًا ... قديمًا في ربي نجد تهيَّا فبتُّ لنشر نشر حديث علوى ... على التَّذكار يطوي القلب طيَّا أغفِّر في الثَّرى خدِّي لعفرا ... وأروى الأرض من دمعي لريَّا وأستجدي الرَّباب مرور يوم ... على دار الرَّباب ودار ميَّا فشملي صار ثقل بنات نعيشٍ ... بهنَّ وكان شملي كالثريَّا وقال أيضًا: [من البسيط] /212 ب/ في أيِّ شرع وقد كلِّفت ذكراك ... حبًا نسيت محبًا ليس ينساك لو لم تكوني سواد العين منه لما ... أصار منه سويدا القلب مأواك من بالتقالي وعن عطف على كلف ... مغرًى بحبِّك أغراك وأعراك صوني معنَّاك عن معناك بارزًةٌ ... فقد أذبت معنَّاك بمعناك لا تصدعي القلب تبدي منه سرَّ هوًى ... أودعتنيه فما في القلب إلَّاك منعتنا طيب رؤياك على أمم ... منَّا ولا تمنعينا طيب ريَّاك أنت المغيرة ريم الرَّمل مقتلة ... عيناك عيناه أو عيناه عيناك بالقلب أدركت منك الحسن مكتتمًا ... وإنَّما الطَّرف أدراك بإدراكي لولا الهوى ما هوى قلبي لديك جوًى ... أزاله عنِّي يومًا ذكر مهواك أفتيت بالفتك في قلبي وفي جسدي ... أفديك من فيهما بالفتك أفتاك

وجرت في قلب صبٍّ أنت جاريةٌ ... أجارك الله من بالجور جاراك نبِّئت هجرك عن أمن العداة وما ... ظننت هجرك إلَّا خوف أعداك ألست ظبي كناس من بني أسد ... فكيف رحت وأسد الغاب تخشاك يثني تثنِّيك عن غصن الأراك كما ... عن لامع البرق تثنينا ثناياك إنَّ الَّذي خلق الإنسان من علق ... من أطيب الطيب في الأحشاء أنشاك /213 أ/ ألم تري لنسيم الرِّيح رائحةً ... تضوع مسكًا إذا ما صافحت فاك ماذا عليك وفيك الحسن أجمعه ... لو كان حسنك مقرونًا بحسناك سقى العهاد بأكناف الأبيرق من ... بأن الحمى معهدًا فيه عهدناك ردِّي حديثك عن حزوى علىّ فما ... أحلى حديثك عن حزوى واحلاك فلست أنسى برمل الرَّملتين وقد ... بتُّ الملمَّ بما تقبيل ألماك إذ كلُّ عين إلينا غير ناظرة ... وكلُّ عين علينا طرفها باكي وربما ليلة بالجزع بتُّ بها ... وأنت ترعين في قلبي وأرعاك والحيُّ أساده تبدو ثعالبها ... بكلِّ أبيض ماضي الحدِّ فتَّاك أهدى الأمان إلى من ذرى إضم ... إلىَّ في هضبات الخيف أهداك نعم وجبّى الجبا وادي مني فبه ... نلت المنى إذ تمشَّى القلب يلقاك أهلاً بطيفك خاض اللَّيل محتقراً ... هول الفيافي ليقرينا تحاياك حيا فأحيا فحيَّاه الإله وأحـ ... ــــــــــــياه خيالًا وحيَّاك وأحياك ألمَّ واللَّيل في قيد الصَّباح فما ... ألمَّ بالصَّبَّ حتَّى أمَّ مغناك لو امتطيت إلينا شوق أنفسنا ... إليك أسراك شوقًا نحو أسراك قد ملَّ جفني طيب النَّوم فيك جفًا ... فهل ألمَّ بطيب النَّوم جفناك /213 ب/ هل للَّيالي المواضي أن تعود لنا ... يومًا فتجمعنا دارٌ وإيَّاك عليك منِّي سلام الله ما برحت ... براح تخفي حياءٌ من محيَّاك ونقلت من خطِّة قوله، ما كتبه على ظهر كتاب الهداية في فقه أبي حنيفة- رضي

الله عنه –وكان قبيل موته بأيام يسيرة، فسبحان الحي الذي لا يموت -: [من البسيط] يا ناظرًا فيه يجني من حدائقه ... ثمار ما أنا فيه غارسٌ ساقي أفني قريبًا وتبقى في الورى حقبًا ... فأذكر بها ذلك الفاني بذا الباقي وقال أيضًا: [من الطويل] منحناكم منَّا الوداد كرامًة ... لكم ومنعنا غيركم ودَّنا ضنَّا دعيناكم حفظًا وملنا إليكم ... رضًا فاعدلوا فينا ولا تعدلوا عنَّا وإن نقل الواشون عنَّا إساءًة ... فقد نقلوا ضدًّ الَّذي علموا منَّا وقوله: [من الطويل] نسيم الصَّبا إن زرت برقة ثهمد ... فبلِّغ سلامي منزل السَّيف أحمد /214 أ/ وإن لم يجب من جانبيه سوى الصَّدى ... فروِّبما الدَّمع مربعه الصَّدي وقفت به أشكو إليه وإنَّني ... لأشكو صباباتي إلى غير مسعد بقلب جريح حلف وجد مجدَّد ... وطرف قريح إلف جفن مسهًّد فهذا إن استجديته سلوةً أبي ... وهذا إن استنجدته الدَّمع ينجد وقد ساعدتني فيه سعدانهٌ متى ... أعدُّ لييلات الوصال تعدَّد وشتان ما بين القرينين شادنٌ ... وشاد من الورق الحمام مغرِّد فيا غضَّ عيش غاض ماء حياته ... سقاك الحيا من كلَّ وطفاء مرعد وعودي لنا يا ليلة الجزع عودةً ... وإن لم تعودي فاجملي القول أو عدي وفي الحيِّ خال من جوى القلب راقدٌ ... ومن يخل يومًا من جوى الحبِّ يرقد فصيحٌ يرى قسَّ الفصاحة الكنًا ... جوادٌ يرينا حاتم الجود مجتدي بهيُّ المحيَّا لو تراءى ليوسف ... لما قطعت في يوسف الحسن من يد همامٌ إذا ما همَّ أن يحضر الوغًي ... أراك الحسام مغمدًا غير مغمد إذا ما رمى عن رأيه سدَّد العدا ... ومن يرم عن رأيًّ سديد يسدَّد وإن كرَّ بالرُّمح الرُّدينيِّ طاعنًا تر الأسد الضَّاري يكرُّ باسد

ومن حذري أكني بحيِّ كنانة ... وإن كنت أعزوه إلى الشُّم من عدي /214 ب/ أطعت فإن أتهمت أتهم صبابًة ... إليك وإن تنجد فديتك أنجد يفنِّدني عنك العذول وربما ... يزيد الهوَّى قول العذول المفنِّد ومرتحل يدنيه خرصٌ متثقَّفٌ ... ويصحبه حدُّ الحسام المهَّند يريك من الدُّرِّ النَّظيم وضدَّه ... بمبسمه النَّدِّى ومنطقه النَّدي سرى لا يرى في الله لومة لائم ... على نضره دين النَّبيِّ محمد وجرَّد في الله الحسام الَّذي به ... يريق دم الأعداء غير مجرد حسامًا له إن سلَّ هامت إلى العدا ... مضاربه أو صلَّ للهام تسجد فشيَّب من أفوادهم كلَّ أسود ... وسوَّد منهم وجه كلِّ مسوَّد وطرَّف منهم كلَّ طرف منرجس ... وخدَّد منهم كلَّ خدًّ مورَّد فأظهر دين الله كلُّ موحِّد ... ومكَّن بطن اللَّحد من كلِّ ملحد تيمَّمته سرّاً على قصد أنَّني ... أودِّعه جهرًا فما خاب مقصدي وزوَّدني شوقًا إليه وإنَّما ... تزوَّد منِّي عبرتي وتجلُّدي وأوهمت يمناه وقبَّلت صدغه ... وعدت وغدران الصًّبابة موردي وسار إذا استهدى به خباطٌ رأي ... هداه ومن يستهد بالبدر يهتد تولَّى تولَّى الله حفظ جنابه ... وسلَّمه أنَّي يروح ويغتدي /215 أ/ وقال أيضًا: [من الطويل] وأهيف يحكي الرُّمح إن ماس قدُّه ... بدا حسبنا جيبه إذ بدا شرقاً أغنَّ كحيل الطَّرف ذي نفرة فلم ... يخلَّ لريم الرَّمل خلقًا ولا خلقا جعلت له يومًا يميني وسادًة ... وما كنت أرجو أن أذوق له نطقا فضاجعني كالغصن بل غصن النَّقا ... وأرشفني كالخمر بل خمرة حقّا فعانقت من جثمانه الرُّكن عندما ... تعلَّقت من صدغيه بالعروة الوثقى وقبَّلت منه الخدًّ والثَّغر باسمًا ... فقابل طرفي منهما الورد والبرقا فلولا ذكت أنفاسنا وتصاعدت ... لأبصرتنا إذ ذاك في عرقٍ غرقي

وقال أيضًا: [من الوافر] وخطِّي القدِّ خوطيِّ التَّثِّني ... رحيقي الرِّيق درِّيِّ الثَّنايا له من لحظة السَّاجي سهامٌ ... ولكن من حواجبه حنايا فإن لحظ القلوب يروم رميًا ... تثبَّت أن تكون له رمايا وفي أجفانه سيفٌ جرازٌ ... تمنَّاه هوادينا هدايا إذا ما راضه للسبي يومًا ... رضينا أن نكون له سبايا أيا من حاز حسن النَّاس جمعًا ... وجاز الحدَّ في كرم السَّجايا /215 ب/ رعاياك القلوب وأن جارٌ ... لها فأجر جوارك والرَّعايا ولا تصدع فؤادي تبد منه ... سرائرك المصونات الخفايا وحسنك قد وليت به علينا ... قضاء الحبِّ فاعدل في القضايا أمانًا منك يا سؤلي أمانًا ... فقد جرَّعتني غصص المنايا فلا بعدت يداك عن الأيادي ... ولا قربت خطاك من الخطايا وقال أيضًا: [من البسيط] من منصفي أو مجيري من صدودفتًي ... عذب التذلُّل في العشاق قد فتكا مهفهف من بني الأتراك معتدل ... سبى النُّفوس فما أبقى ولا تركًا ظبيٌ ولكنه يحميه إن صبًت ... منه العيون لا ساد الورى شركًا يذود عن شفتيه من لواحظه ... مهندٌ من فنون السِّحر قد سبكا ملكته ثغر قلبي إذ غدا ملكًا ... لكنَّه جار فيه عندما ملكًا وشمس راح بدت في كفِّ بدر ... ... من الزُّجاجة قد صاغوا لها فلكا لها نجوم حباب قد طفت دررًا ... فأطفأت بذكاها بهجًة لذكًا صفت فلمَّا السَّاقي أنامله ... قبضٌا على كاسها كانت له حبكا قم يا نديمي إلى الكاسات معتنمًا ... عيشًا ودع عنكز من صلَّى ومن نسكا /216 أ/ فإنَّ من قال: إنَّ الله ذو بخل ... أن يغفر الذَّنب إحسانًا فقد أفكا أما ترى طائر الأغصان من شجنٍ ... مرنِّحًا عذبات البان حين حكى

فانظر فقد أسبل الرَّاووق أدمعه ... لمَّا رأى دم دنَّ الخمر قد سفكا خمرٌ يدور بها بدرٌ علا غصنا ... من الأراك نضيرًا ليِّنًا حركا معقرب الصُّدغ لو لاحت معاطفه ... ليوسف الحسن يومًا ظنَّه ملكا وقال أيضًا: [من البسيط] رسمٌ لعزَّة قد أقوت مغانيه ... راحت سحاب الغودي وهي تسقيه ولو رضيت بما تذري الجفون له ... لقلت: ليت جفوني من غواديه وقفت ناديه أدعوه وأسأله ... عن ساكنيه وأسقيه وأسقيه ساويته في البلى، لا في الهوى فغدا ... بحاله وهو يبكيني وأبكيه أحلَّ ناديك حيٌّ من بني مطر ... أم حلًّ فيك الحيا يومًا عزاليه صمتًا كأن ما غدت واديه غاديةٌ ... ولا أنثنت في مغانيه غوانيه أليَّةً بلييلات لنا سلفت ... وغضِّ عيش تولَّى في نواحيه إذ منزل الحيِّ طلق الثَّغر باسمه ... ومورد اللَّهو عذب الماء صافيه فهو الزَّمان الَّذي لو كان غانيًة ... لنا عقود جمان في تراقيه /216 ب/ يا موقدي جمر قلبي يوم فرقتهم ... ماذا على طفيكم لو طاف يطفيه أنتم تسليتم عنِّي ببعضكم ... محبُّكم عن هواكم من يسلِّيه أحبابنا لو علمتم ما نكابده ... من الغرام بكم أو ما نقاسيه أرفدتمونا فديناكم بمألكة ... تبري المريض وإن كانت لتبريه رحلتم عن جريح القلب موجعًه ... ونمتم عن قريح الجفن داميه فالوجد يرفعه شوقًا ويخفضه ... والشَّوق ينشره وجدًا ويطويه ودَّعتمونا فأودعنا ركابكم ... منَّا قلوبًا بنار الشَّوق تهديه عدلتم عن فؤادي إذ غدا لكم ... دارًا فهلَّا عدلتم سادتي فيه أقسمت لو كنت أدري قبل بينكم ... ما بعده لصحبت لرَّكب هاديه وقوله من جملة أبيات: [من المتقارب] هي الدَّار من حاجر دار أسما ... فبلَّ المنازل رسمًا فرسما

وسلِّم على بان وادي العذيب ... فثمَّ أعيلام أطلال سلمى وقل لأصيحابنا ينثرون ... من لؤلؤ الدَّمع ما كان نظما على دار نعم بوداي الأراك ... فإنَّ لنعم على القوم نعمى وقفت لأسمع نوح الحمام ... ولكن بأذًن عن العذل صمَّا /217 أ/ أهيم إذا ذكر أسم الحبيب ... كأنِّي أرى الإسم عين المسمَّى وأهيف كالبدر عند التَّمام ... من الشَّمس أعلى مكانًا وأسمى رشًا ودَّه حجله فاستسرَّ ... وعاداه منه النِّطاق فنَّما وقال أيضًا: [من البسيط] وأهيف القدِّ عذب اللَّفظ ساخره ... أغنَّ ساحر لحظ العين ساجيه معقرب الصدع ريميًّ تلفته ... مخصَّر الخصر خوطي تثًّنيه يسبيك بالجيد منه وهو عاطله ... حسنًا فكيف إذا ما كان حاليه رنا وأغضى فقلت: المسك من دمه ... وجفنه الغمد لا ريبٌ ينافيه يا أضلعي لا تجنِّيه محافظًة ... فإنَّه بك قد أودى تجِّنيه وقال أيضًا: [من البسيط] قلبي بصدِّك عنِّي كم تعذبه ... تيهًا ووجهك عنِّي كم تحجِّبه يا بدرتمًّ يفوق الشَّمس مطلعه ... عذاره وقلوب النَّاس مغربه ويا غزال كناس من مهابته ... لا تستطيع أسود الغاب تصحبه قد راح قلبي له مرعًى فلا عجبٌ ... أن راح ماء حياتي وهو مشربه من قال في الحبِّ إنَّ البدر يشبهه ... فأنَّ في الحبِّ أوصافًا تكذبه /217 ب/ يعزى إلى العرب العرباء منطقه ... واللَّحظ منه إلى الأتراك منسبه من أين للبدر عيناه وطرَّته ... وعارضاه وخدَّاه وأشنبه أما وجفنيه شمس الأفق لو منحت ... باية النُّطق أضحت وهي تعتبه أفدي الَّذي طيفه ما زراني كرمًا ... إلَّا انثنى ولوى عينيَّ يركبه يروم تقليب قلبي في محبَّته ... أفديه من أين لي قلبٌ يقلِّبه؟ أملي تجنِّيه ظلمًا زادني ألمًا ... وإنما أصل آلامي تجنُّبه فيا حبيبًا حباني بالهوى وهو ... عنِّي ليخبر أن الغدر مذهبه

ويا رشًا راش سهم الصَّدِّ مقتصدًا ... لصبَّ حتَّى عليه ضاق مذهبه ويا غزالًا غزاني حين غازلني ... بمرهف من غريب السِّحر مضربه من لي أراك وعين البحر راقدةٌ ... والوصًل يقظان خلو القلب طيِّبه حتَّى أبوح بسر كنت أكتمه ... خوفًا وأعرب شوقًا كنت أغربه وله من جملة أبيات: [من المتدارك] لصدودك همت إليك صدى ... ولهجرك واصلت السُّهدا وغرامٌ فيك أكابده ... قد أتلف قلبي والكبدا فإلى م تعاندني عبثًا ... وبلحظك جرحي قد عندا /218 أ/ وتقلِّب قلبًا منصدعًا ... بهواجر هجرك متَّقدا علِّقت غزالًا من أسد ... يصطاد بمقلته الأسدا قد حلَّ ذؤابته فأضً ... ــــــــل وأبرز طلعته فهدى وإذا ما افترَّ تحار العيـ ... ــــــــن أثغرًا تنظر أم بردا يا أحمد دونك سفك دمي ... لا إثم عليك ولا قودا قسمًا بسميِّك لا أسكنـ ... ـــــــــت سواك فديتك لي خلدا إن متُّ بحبِّك يا مولا ... ي وعيشك كنت من السُّعدا وحديث سميِّك صلى اللـ ... ـــــــــــه عليه بذلك قد شهدا من مات محّبًا بالكتما ... ن عفيفًا كان من الشُّهدا يا قلب عليك جميًل الصَّبـ ... ــــــــــر وإن يك صبرك قد نفدا فلصرف زمانك منصرفٌ ... ولمدة هذا الهجر مدى وارقد لعدوِّك مضطجعًا ... إن كان عدوُّك ما رقدا وقال أيضًا: [من البسيط] إذا ذكرتك فاضت أدمعي وذكت ... نيران وجدي وزادت فيك أشجاني وبتُّ ملقًي على فرش الضَّنى فلقد ... قد نافرت فيك طيب النَّوم أجفاني /218 ب/ عان بذا السُّقم أرعى في مدى سهري ... من أنجم الأفق نجمًا ليس يرعاني من مبلغ التاركي في حبِّة مثلًا ... ينسى به ذكر ما قيسٌ وغيلان أنَّي دنا أو تناءى رقةً وجفًا ... مغرًى بحبِّيه في سرِّى وإعلاني

[840] محمد بن عمر، أبو عبد الله الغماريُّ. من أهل ميورقة من البلاد الأندلسية رأيت من شعره ما مدح به المولى الصاحب الوزير الكبير العالم مؤيد الدين أبا نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الشيبانّي بحلب- أدام الله تمكينه-: [من مجزوء الرجز] هل للِّقاء من موعد ... بأغيد المقلَّد أما تراني من هوا ... ك في المقيم المقعد وأنت عنِّي ملته ... في حسنك المجدَّد تلعب بي لعب الصِّبًا ... بقدك المؤوَّد مهما تشكَّيت لك الـ ... ـــــــوجد تقل إلى غد فلا أنا بمقصر ... وأنت لست مسعدي لحظك لي مثاقفٌ ... عن خدِّك المزرَّد /219 أ/ وقد جمعت نفرة الـ ... ــــظَّبي وبطش الأسد وليس لي منك حمًى ... إلَّا حمى المؤيَّد فقال لي: كن آمنًا ... وابشر بنيل المقصد إن المؤيَّد الَّذي استنجدت خير منجد أشهر أهل الأرض في ... مكارم وسؤدد أقدمهم في شرف الأ ... صل وطيًب المحتد أطولهم يدا ندًى ... أقولهم في مشهد أعزُّهم جارًا وأو ... فاهم بحسن الموعد أما رأيت فضله ... يروى بكلِّ بلد وأنَّه ينطق عن ... بحر علوم مزبد أما سمعت مدحه ... في فم كلِّ منشد هو الكبير قدره .. في صورة المقتصد!

كم من يدله على ... هذا الورى كم من يد؟ دامت له النِّعمة والـ ... ـــسَّعد دوام الأبد [841] محمد بن عيسى بن نظام الملك، الأمير. من أهل بغداد. يقول في الوزير أبي الثناء محمود بن محمد بن مقدار الحرّاني من قصيدة أولها: [من الوافر] فؤادي فيك زمُّوالا النِّياقا ... وشوقي دعدع الحادي وساقا وصبري عنك يا تامور قلبي ... قضى وتجلُّدي بلغ السِّياقا جلاك لي الفراق فصرت شوقًا ... إلى رؤياك أشتاق الفراقا ومنها يقول: فسائلي الفراق عن اغتماضي ... وقلبي فانشدي عنه الرِّفاقا تخبِّرك الرَّكائب أيَّ دمع ... أرقت بها وأيَّ دم أراقا وأنَّ الرَّبع منك دعا دموعي ... فلبَّته بوادرها اشتياقا [842] محمد بن عياش بن صباوة بن أبي بكر بن عبد العزيز بن رضوان بن عياش بن رضوان بن منصور بن دويد بن صالح بن زيد بن عمرو بن الزبار بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن /220 أ/ تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة أبو الفضل بن أبي البقاء النحويُّ الأديب العرمانُّي.

وعرَّمان قريةٌ كبيرةٌ من اشهر قرى صرخد من عمل حوران من الولاية المشهورة بدمشق. دخل حلب وسكنها مدةً من الزمان، وسافر إلى بغداد، ثم رجع عنها إلى إربل، وأقام بها أيامًا قلائل، ثم رحل عنها ونزل الموصل، وتوجه إلى حلب، واستقر بها مقامه، واستوطنها وسكن المدرسة النورية المنسوبة إلى بني عصرون. وكان يختلف إلى أبي القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد [الله] بن الجبراني النحوي المقرئ، يقرأ عليه وعلى الشيخ الموفق أبي البقاء يعيش بن علي بن يعيش النحوي الحلبي؛ علم العربية والأدب، وأتقن معرفة هذا الشأن، وتمهر فيه على أبناء زمانه، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه- إلا أنه غلب عليه علم الأدب والإعتناء به. وكان واسع الحفظ لأشعار المحدثين وغيرها من أشعار العرب. وكان ذكيًا متوقدًا، جاري اللسان، ولم يدع جنسًا من أجناس الشعر، وفنًا من فنونه إلاّ واستظهر /220 ب/ منه جملًة وافرًة. وكان يسر ديوان أبي تمام والحماسة، وشعر أبي الطيب المتنبي، ويجيد قول الشعر، وهو منه على طبعة متوسطة. وكان قادرًا على إنشائه، يقوله لهوى قلبه، ولا يرتزق به كعادة الشعراء اللذين يستميحون بأشعارهم، ويقصدون بها، وكان يعزّ نفسه عن الإسترفاد، وكان نظمه عليه سهلًا، وكان ضنينًا به لا يرى إثباته إلَّا يطرحه ويلغبه. وكان يصنع الأشعار ويعزيها إلى الكبراء من أهل حلب، وأولى الثروة الذين كان يغشاهم ليتبجح عندهم بذلك وتنفق سوقه، وربما عثر لشاعر بأبيات فيسلخها، ويغير ألفاظها، ويبدّلها ثم ينتحلها. وكان شابًا قصيرًا، لطيف الخلقة، منزعج العينين، شعره يضرب إلى منكبيه.

يتزيّا بزي المغاربة، وإذا نطق بالقاف جعلها كافًا. وكان خفيف الرأس، ناقص العقل، مبدّد الأحوال، سوداوي المزاج، تعتريه السوداء، ذا هوج وسرعة غضب، وربما أفضى به ذلك إلى ضرب من ضروب الجنون. وكان يسرف في المزاج والمداعبة. /221 أ/ إنسان سوء، قلَّ أن سلم أحدٌ من شرِّه ولسانه، وقد جعل هجيراه الوقيعة في أعراض الناس وتلقيبهم، ولم يترك أحدًا من الأماثل بحلب إلَّا وأظهر له لقبًا ونبزه به. يفعل ذلك على سبيل الإنبساط والمجانة، وكنت في بعض الأوقات ألومه على ذلك وأعنفه، فكان يقول لي: أنا أحبُّ اللعب والهزل. وكان مع ذلك شديد الميل إلى المرد الصباح الوجوه، مغرًى بمعاشرتهم والاختلاط بهم. وكان يذهب مذهب الباشطاريًة، ويتعاطى الرُّجلة والشجاعة وركوب الخيل والمسابقة بها، وما نازعه أحدٌ في شيء ما إلاّ وشهر عليه سكينًا، وتوعّده بالفتك. وكان قد رفض جنب الله تعالى، ولم يخل في زمانه من هوًى يعلق بقلبه، ويستحوذ على ذهنه ولبّه، ويضمنه شرح أحواله، ويذكر ذلك في أقواله، ويصف ما يلقاه من تباريح الهوى، ويجده من شدّة الجوى، والشكوى والغرام، والصبابة والهيام، والجفاء والبعاد، والشوق والسُّهاد. ولم يزل بالغلمان الملاح مشعوفًا، مستهترًا بهنَّ معروفًا؛ ذوي القدود الرشاق، والخصور الدقاق/ 221 ب/ والطور المصفَّفة، والوجنات المترَّفة، وميله إلى هوى نفسه، هو الذي أودى به إلى رمسه؛ لا جرم عاد عليه وباله، ومات أشنع موته، وخسر الدنيا والآخر. وكان يظهر التدين، وفعل الخير، وباطنه بخلاف ذلك، وما ظهر لي منه، شهد الله تعالى ألاّ استقامة الأحوال، وسلوك السَّمت الحسن، حتّى خبِّرت أنَّه هوى صبيًا أمرد بالمدرسة العصرونَّية، وأحبهّ حبًا مفرطًا، والصبيُّ يكرمه، وينفق عليه، ويعاشره أجمل عشرة تكون بين الأصدقاء، ولم يعلم الصبيُّ ما في نفسه إلى ليلة من ليالي شهر رمضان، وهي الرابعة عشر [ة] منه بعد صلاة عشاء الآخرة، وثب على الصبيّ خلسًة فضربه بسكين كانت معه معدَّةً فجرحه ثلاث جراجات، فنزل شخص آخر من المدرسة المقيمين بها، فضربه ضربتين ثم انهزم وصعد إلى بيته الذي يسكن به في علوّ المدرسة،

وقفل عليه الباب، فسمع شخصًا من المدرسة، يقول: قتل العرَّماني إثنين، فخاف على نفسه الصلب، فذبح نفسه! وبقي على صلاة الصبح، فجاء غلمان الوالي، فكسروا /222 أ/ الباب، وألقوه من دركاة المدرسة، فبقى إلى ضاحي نهار يوم الإثنين، ثم دفنوه بمقبرة الجبيل وذلك في سنة خمس وأربعين وستمائة – سامحه الله تعالى- وعمره يومئذ في حدود الربعين أو نيّف عليها بيسير. وما أنشدني لنفسه، وكتبه لي بخطّه: [من الكامل] يا صاح دع عذل العوا ... ذل في معتَّقة الرَّحيق صرفًا تلهًّب في الكؤو ... س كأنها لهب الحريق ممَّا تخيَّرها المسيـ ... ـــــــــــــح ذخيرةً للجاثليق وكأنَّها ذوبٌ من الـ ... ـــــــــــياقوت لا ذوب العقيق يسعى عليك بها غزا ... لٌ كالغزالة في الشروق رشاٌ رشيق قوامه ... أحلى من الغصن الرَّشيق جلَّت بدائع حسنة ... عن وصف ذي الذِّهن الدَّقيق لك كلَّما نادمته ... سكران من خمر وريق أوما ترى وشي الرُّبى ... أربي على الوشي الأنيق كم فيه من زهر يرو ... ق الطَّرف في غصن وريق /222 ب/ لمَّا تخلَّله النَّسيـ ... ــــــــــــم ومسَّه مسَّ الشَّفيق لثمت ثغورٌ للأقاح ... به خدودًا للشقيق وتأرَّجت نفحاته ... كتأرُّج المسك السًّحيق وكأنَّ نرجسه مدا ... هن من لجين للخلوق وكأنَّ زهر بهاره ... العقيان أو خدُّ المشوق والجوُّ في حلل مطرًّ ... زة بمذهبه البروق فاشرب وصل منها صبو ... حك كلَّ يوم بالغبوق وتسلَّ عن كلِّ الأنام ... فليس فيهم من صديق

وأنشدني لنفسه في الزهد، والرجوع إلى الله –عز وجل-: [من المجتث] ياربِّ يا من إليه ... كلُّ الأمور تصير يا من على كلِّ شيء ... هو القوىُّ القدير إرحم بعفوك واغفرً ... ذنبي فأنت الغفور فليس لي من عذاب ... إن لم تجرني مجير وأنشدني لنفسه، يستدعى صديقًا له: [من مجزء الكامل] /223 أ/ قم يا كمال الدِّين نغـ ... ــــــــــــنم طيب ذا اليوم المطير بمدامة قد عتِّقت ... من عهد كسرى أردشير يهدي إليك نسيمها ... أرج الخزامي والعبير رقَّت فما في كأسها ... منها سوى إشراق نور كادت تطير فعاقها ... شبكٌ من الدُّرِّ النَّثير يسقيكها ذو قرطق ... أبهى من القمر المنير فإذا سقاك ثلاثة ... صرت الأمير على الأمير ونشرت كلَّ فضيلة ... طويت من الفضل الغزير فتعال فاشربها تسًـ ... ـــــــــــرٌّ فليس شيءٌ كالسُّرور وأنشدني لنفسه يمدح: [من مجزوء الرجز] يا ملكًا إنعامه ... عمَّ جميع البشر وبأسه في الرَّوع أمـ ... ـــــــــــضى من مضاء القدر هبَّ إلى الرَّاح فقد ... هبًّ نسيم السَّحر وغنَّت الطَّير فأغـ ... ـــــــــــنت عن سماع الوتر /223 ب/ والجوُّ يجلى في رد ... اء فاختيٍّ عطر كأنَّه معترضًا ... دخان عود نضر وطلُّه مثل اللآ ... لي في عيون الزَّهر والأرض من رياضها ... في حلل من حبر فقم إلى مدامة ... صافية من كدر

كأنَّها ياقوتةٌ ... قد رصِّعت بالدُّرر يسعى بها قضيب با ... ن مثمرٌ بالقمر حيَّر غزلان النَّقا ... بجيده والحور يسقيكها ومثلها ... من ريق فيه الخصر ولا تزل في نعمة ... ممتَّعًا بالعمر وأنشدني لنفسه: [من المديد] وبديع الحسن ليس له ... غير قتلي في الهوى إرب فعلت أحاظه بي ما تفعل الهنديَّة القضب وشفائي لو يجود به ... ما حواه ثغره الشَّنب ريقه صهباء صافيةٌ ... وثناياه لها حبب /224 أ/ عجبي من نار وجنته ... في مياه الحسن تلتهب إن بدا في الشَّمس من خجل ... بستور الحجب تحتجب كملت في الحسن صورته ... فإليه الحسن ينتسب كلُّ راحاتي به تعبٌ ... ويح من راحاته التَّعب وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] أأحبابنا والله ما العيش بعدكم ... لذيذٌ ولا الصَّبر الجميل جميل ولا راق طرفي في الورى حسن منظر ... ولا تأق قلبي صاحبٌ وخليل ولولا نسيمات القبول تزورني ... لها أرجٌ من نشركم وقبول لما عشت من شوق إليكم مبرِّج ... بقلبي طول الدَّهر ليس يزول زعمتم بأن البعد شهرٌ وقد مضى ... فما للنوى تلوى بكم وتطول وأنشدني أيضًا لنفسه الشمس: [من البسيط] والشَّمس مصفرَّةٌ في الغرب قد نشرت ... شعاعها في تفاريق من السُّحب كأنَّما السُّحب أعلامٌ مورَّدٌ ... والشَّمس من تحتها ترسٌ من الذَّهب

وأنشدني من شعره أيضًا: [من مجزوء الكامل] /224 ب/ وجهٌ صفا ماء الجما ... ل به وشبَّت فيه ناره وكأنَّ خطَّ أبن العديـ ... ـــــــــم على حواشيه عذراه وأنشدني لنفسه في المعنى أيضًا: [من مجزوء الكامل] قد زخرفت في وجهه ... للنَّاس جنَّات النَّعيم وكأنَّ خطَّ عذاره الـ ... ــــــــمنسوب خطُّ ابن العديم وأنشدني لنفسه، وقد سمع هذا البيت: [من الطويل] وسمراء رود حجَّبوها بأسمر ... يماثلها في اللَّون واللَّين والقدِّ فقال تمامًا له: [من الطويل] جفت فجفا جفني الكرى بجفائها ... كأنَّهما كانا لهجري على وعد وأنشدني أيضًا قوله، يصف الجيش: [من الطويل] خميسٌ كمثل البحر عبَّ عبابه ... أوائله ليست لهنَّ أواخر له تحت أطباق الأراضي زلازلٌ ... ومن فوق أفلاك النُّجوم زماجر وأنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الرجز] يا مالكًا أمسيت من ... وجدي به متيَّما سقام جفنيك الَّذي ... أغرى بجسمي السَّقما /225 أونار خدَّيك بها ... وقعت في جهنَّما من منصفي من شادن ... مهفهف عذب اللَّما حكَّمته في مهجتي ... فجار لمَّا حكم حكًّما كأن عقدي لؤلؤٍ ... في ثغره قد نظِّما

قدر رقم الحسن له ... في عارضيه أرقما نمَّ بسرِّ حسنه ... لمَّا بدا منمنما وسلَّ من جفونه ... من اللِّحاظ مخذما وفوَّق الهدب بقو ... سي حاجبيه أسهما وهزَّ لدنًا ذابلًا ... من قدَّه مقوَّما فاعترضت من دونه ... يمنعه أن يلثما تحميه ممَّن رامه ... وقَّ للثغر الحمى وأنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الرجز] وشادن شاد هو الشـ ... ـــــــــمس ضحى بل أحسن قد جمعت في خلقه ... لناظريه الفتن يودُّ جسمي انَّه ... حين يغنَّي أذن /225 ب/ في مجلس فيه لنا ... أحسن ما يستحسن ما تشتهيه الأنفس ... وما تلذُّ الأعين وأنشدني له في غلام التحى: [من الطويل] ولمَّا اكتسى بالشَّعر توريد خدِّه ... وما حالةٌ إلاَّ تؤول إلى حال وقفت عليه ثمَّ قلت مسلِّمًا: ... (ألا أنعم صباحًا أيُّها الطَّلل البالي) وأنشدني لنفسه: [من الطويل] يعادي فلان الدِّين قومٌ لو أنَّهم ... لأخمصه تربٌ لكان لهم فخر ولكنَّهم لم يذكروا فتعمَّدوا ... عداوته حتى يكون لهم ذكر وأنشدني أيضًا قوله: [من الوافر] ومالي لا أحيِّي دار ليلى ... وأحبس في معالمها ركابي واعتنق التراب لعلَّ قلبي ... يسكَّن حرَّة برد التَّراب وقد سلفت لنا فيها بليلى ... ليالٍ مثل ريعان الشَّباب

وأنشدني لنفسه: [من السريع] أنشد عزُّ الدِّين أشعاره ... فما شككنا أنَّهادرُّ وما عجبنا أنَّه مخرجٌ ... لدُّرِّ منه وهو البحر /226 أ/ وأنَّ أوصاف الوزير الَّذي ... يفرق من صولته الدَّهر قد أكسبت أشعاره بهجةً ... يخجل منها الشَّمس والبدر وأنشدني لنفسه في الفقيه الإمام نجم الدين موسى بن محمد القمراوي يمدحه: [من البسيط] أصبحت علاَّمة الدُّنيا بأجمعها .... تشدُّ نحوك من أقطارها النجب بأن على كبد الجواز منزلة ... تحفُّها من خلال حولها الشُّهب ما نال ما نلت من فضل ومن شرف ... سراة قوم وإن جدُّوا وإن طلبوا وأنشدني لنفسه يمدح الوزير عبد المحسن بن محمد بن الواحد بن حرب الحلبي، وزير الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي بن يوسف: [من الخفيف] إدَّعى مفتي الأنام رئيس الـ .... ــــــــشَّام زين الإسلام قاضي القضاة أنَّ ذا الصَّاحب الوزير بن حرب ... ذا المعالي والأنعم السَّابقات نشار العدل في الرَّعيَّة طاوي الـ ... ــــــــظلم عنها موفَّق العزمات خاضب الأبيض المهنَّد والأسمر ... في الرَّوع من نجيع الكماة /226 ب/ والشُّهود العدول عدلٌ وفضلٌ ... ونزالٌ والأبحر الزَّاخرات وعجيبٌ أن أدَّعي ما أرى النَّا ... س أقرُّوا به وبالينات وأنشدني لنفسه وقد رأى شيئاً من شعر الصاحب الوزير الكبير العالم مؤيد الدين أبي نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الشيباني- أسعده الله تعالى-: [من الطويل] وقفت على شعر الوزير ابن يوسف ... فقلت شمالٌ صافحته شمول

تداف من السِّحر الحلال كأنَّها ... نجوم سما ما لهنَّ أفول فللَّه أبياتٌ اتتنا بديهة ... وذاك على الفضل العزير دليل بخطَّ كنوَّار الحدائق جاده ... من المزن وكاف السَّحاب هطول سطور كوشي الرَّوض حسنًا أجادها ... بنانٌ بأرزاق العباد كفيل لك الله مولى شدَّ أزري وساعدي ... وقام بنصري والرَّمان خذول وقابلني إقباله عندما انثنى ... وأعرض عنِّي صاحبٌ وخليل فلست أبالي بالخطوب وظلُّه ... علىَّ على مرِّ الزًّمان ظليل فما خاب في الدُّنيا أمرؤٌ هو قصده ... ولا شملته ذلَّةٌ وخمول /227 أ/ فدام لإسداء المكارم ما شدا ... حمامٌ وهبَّت شمال وشمول ونقلت من خطهّ، قوله بعد موته – رحمة الله تعالى- ما كتبه إلى الأمير الكبير العالم السعيد صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن موسى بن يوسف بن أيوب- أدام الله سعادته- من حلب إلى الرُّها، يتشوقه ويستوحش له: [من الطويل] تجنَّي فقلبي من تجنَّيه يخفق ... حبيبٌ غريب الحسن ألمى ممنطق تبسَّم عن عذب الثَّنايا كأنَّها ... جمانٌ شذاها من شذا المسك أعبق ووسنانه أمضى شبًا من سنانه ... وقامته من قامة الرُّمح أرشق زها ورد خدَّيه باس عذاره ... فظلَّ به قلب الشَّقيق يشقَّق عسى هجعهٌ يا طرف علًّ خياله ... يزور إذا نام الرَّقيب ويطرق وكيف يزور الطَّيف لو ساعد الكرى ... من دونه بحرٌ من الدَّمع معرق ترى يرعوي عن هجره ويعود لي ... زمانٌ مضى لي منه بالوصل مونق ليالي لا ألوي على عذل عاذل ... بسمعي وغصن العيش ريَّان مورق /227 ب/ وكأس الهوى صرفًا تدار وبيننًا ... حديثٌ كوشي [الروض] حسنًا منمَّق فلا عذر لي إن لم يروَّض بأدمعي ... من الحزن حزنٌ بالعقيق وأبرق وحتَّى متى أبلى أسى ببعاده ... أمالي مجيزٌ مجيزٌ في هواه ومشفق بلى إنَّ لي في ظلَّ يوسف ملجأ ... يشرِّد عنِّي الخطب والخطب محنق فتًى فات كلَّ العالمين إلى العلا ... بعزم يباري البرق سعيًا فيسبق فمن حاتمٌ في جوده وأبن مامة ... ومن عامرٌ في بأسه والمحرق

وقد علم الآقوام أنَّك منهم ... بفعل النَّدى والبأس أولى وأليق وأضرب بالبيض الصَّوارم في الوغى ... وأطعن بالسُّمر اللَّدان وأحذق وكم معرك للموت جأشك رابطٌ ... به وبه هام الكماة تفلَّق تشقُّ به بحرًا من الدَّم مزبدًا ... بجيش به آذيُّه المتدفِّق على سابح نهد يريك نشاكه ... كأنهَّ به منه على الأين أولق فكيف أراك الدَّهر منك مساءة ... ومازال منك الدَّهر يخشى ويفرق لقد ساءني ما كان منه فأقبلت ... به عبرتي من لوعة تترقرق ويسألني عن حالتي من لقيته ... فأذهل عن ردِّ الجواب وأطرق ومادت به شمُّ الحبال مخافًة ... وكادت به روح المكارم تزهق /228 أ/ ولكنًّه ولَّى وأعقب صحَّة ... مجدَّدة ليست مدى الدًّهر تخلق كما يكسف الشَّمس ساعة ... وعاد إليها نورها يتألَّق فشكر لمن عافاك من كلِّ مؤلم ... ومن كلِّ مكروه يسوء ويقلق وأبلغت عتبًا عنك أضرم ذكره ... حشاي بنار تستنير فتحرق وما كان تركي الكتب إلاًّ لأنَّه ... تعذَّر عندي من إليك يشرَّق وإلاَّ فمن يشتاق مثلي على النَّوى ... إليك ومن يحنو عليك ويشفق ويبقى على مرِّ الجديدين دائمًا ... جديدًا له عهدٌ وثيقٌ وموثق وجدت على قرب الدِّيار وبعدها ... كما جاد هطَّال من المزن مغدق بقيت بقاء النَّيرات مخلَّدًا ... وأنوارها من نور وجهك تشرق فللفضل والإفضال والبأس والنَّدى ... وللدين والدُّنيا ببقياك رونق وأنشدني أيضًا من شعره: [من الخفيف] يا غنّيًا عنِّي وما لي غنى عنـ ... ــــــــه إلى كم يكون هذا الجفاء قد رثى [لي] الحسَّاد من سوء حالي ... وبكى رحمة لي الأعداء وقال أشعارًا كثيرة تفرقت وذهبت، كان ينفذها إلى معارفه واصدقائه.

[843] /228 ب/ محمد بن عابد بن محمد، أبو المكارم الكرمانُّي الصوفيُّ الزرنديُّ أخبرني الصاحب الوزير أبا البركات المستوفي- رضي الله عنه- إجازة، قال: ورد إربل غير مرّة. ثم وردها في جمادي الآخرة سنة ست عشرة وستمائة، واجتمعت به في رجب. وكان الشيخ أبو نصر عمر بن محمد السُّهروردي، كتب له بخطّه إلى الفقير إلى الله تعالى أبي سعيد كوكبوري بن علي [بن] بكتكين يثني عليه بما حكايته. "شهاب الدين الكرماني متفنن في العلوم، ويعرف المذهب والخلاف والحديث والتفسير والنحو واللغة. ومع ذلك هو ذو دين، وله النظم والنثر والترسل، ويصلح للتدريس والقضاء، وأن يبعث رسولًا. غير أنَّ بعض الناس تقبله بعض الطباع، وتأباه بعض الطباع فإن قبله الطبع بشيء من ذلك بقدر أن يقيم، وإلاّ فلينعم عليه بعوده إلى بلاده". فأحببت الإجتماع به لهذه الأوصاف المنسوبة إليه، فوجدت ثناءه عليه، أكثر مما نسبه إليه. وناولني ورقة يمدح بها أبا سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين، وقرأتها تهنئة بشهر رجب المذكور. وأولها: "حسبي الله كافيًا ومعينا" [من الكامل] /229 أ/ رجبٌ أتى في حرمة وجمال ... متبخترًا في مشية المختال باب المليك مظفَّر الدِّين الَّذي ... سبق الملوك بجوده الهطَّال المحسن المطعام والمقدام من ... أضحى بسؤدده عديم مثال وصلاته وصلاته وصلاته ... مع حسن أخلاق ويمن فعال كالرَّمل او قطر السَّماء وعدِّها ... إيهون عدُّ قطاره ورمال يختار شأو المكرمات ووصفه ... قد فات كلَّ مجوِّد قوَّال ليبشِّر السُّلطان بعد قدومه ... ببقائه ألفًا من الأحوال

في رفعه وجلاله ومكانة ... ونفاذ أمر نافذ الأحوال يا أيُّها السلُّطان والملك الَّذي ... فاق الخلائق في خلال جلال أعجزت أرباب المكارم والعلا ... بفضائل جلَّت عن الأمثال وجمعت شمال الدِّين بعد تشتُّت ... ونفيت عنه شعب كلِّ ضلال وصرفت عن حرماته قصد العدا ... بكتائب الأجناد والأبطال ورفعت أمر الشَّرع أرفع منزل ... ودفعت أهل الطَّبع بالأبطال ونصبت أعلام الهدى بسياسة ... وظبات أسياف وطعن عوالي قال: وهي أبيات كثيرة، وعقبها بكلام منثور ... الحاجة في إيراد ذلك. [844] /229 ب/ محمد بن غزة بن أبي الفتح بن سالم بن غرة بن مرة أبو عبد الله المري ثم العمريُّ الكلابيُّ. من أهل حرّان أخبرني أنه ولد بها في شهر شعبان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. شيخ أشقر، عبل الجثة، قرأ طرفًا من مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- على الضياء عثمان الزرزاريّ. رأيته بحلب، وهو ينوب محتسبها محي الدين أبا صالح عد الكريم بن عثمان بن عبد الرحيم بن العجمي، عنه في الحسبة. ومن يرى شكله وهيأته يحسبه معلم صبيان المكتب لرقاعته وحماقة في رأسه، ويتعاطى الفضائل، ويدّعي قول الشعر، وليس عنده من الذي يدّعيه شيء، بل يغلب على طباعه الحماقة والعاميّة. وزعم أنَّ له شعراً كثيرًا. ومما أنشدني لنفسه بحلب في شعبان سنة أربع وثلاثين وستمائة: [من الكامل] لو سار طيب خيالكم أو زارا ... لحملت من ثقل الهوى أوزارا لكنَّه كان الطَّليق من الجوى ... فجفا ولو يسري لفكَّ أسارى

ولقد أقول لبارق من بارق ... بوميضه لمَّاورى وتوارى /230 أ/ يا أيُّها البرق الَّذي بخفوقه ... أهدى إلى قلبي الخفوق وسارا أبكيت طرفي حين تبسم في الدُّجى ... فلذاك أجريت الدُّموع غزارا بالله قل هل عند من خلَّفته ... علمٌ بما جرَّ الفراق وجارا أم هل ترى أنسوا لصحبه ذاكر ... يتمثَّل الأوطان والأوطارا يا حار روِّح بالمطيِّ من السُّرى ... نفسًا فإنَّ دليلها قد حارا وأرفق بأبناء الغرام فإنَّهم ... من خمر كاسات الفراق سكارى قد طلَّقوا لذًّاتهم فنهارهم ... فكرٌ وأمَّا ليلهم فسهارى من كلِّ مطبوع على دين اللهوى ... وكفاهم هذا المقام فخاراً أنضاء شوق تستقلُّ بحملهم ... أنضاء سوق كالقسىِّ تبارى للنوح تحسبهم حمائم أيكة ... صارت لهم أكوارها أوكارا وكأن أحداج المطيِّ وهم بها ... أبرأج حسن أطلعت أقمارا وأنشدني أيضًا لنفسه إملاءً: [من الطويل] إذا مغرمٌ صبٌّ خلا من معينة ... فنجدته دمعٌ جرى من معينه ولم يك معتاضًا عن الحبِّ شأنه ... إذا عزَّ لقياه بفيض شؤونه! /230 ب/ ولا تعذل المشتاق فيمن يحبُّه ... فعذلك يغريه بفرط جنونه وما ينفع الذَّال جذب شماله ... وقد أكد الميثاق أخذ يمينه أقام على دعواه عند عذوله ... براهين تنفي شكَّة بيقينه محاسن من يهوى فعاد عذيره ... خلّها بها عن وهمه وظنونه يموت ويحيا كلَّما شام بارقًا ... تألَّق من سهل الحمى وحزونه يذَّكره وصلًا مضى كحقوقه ... وظلمة هجر بعده كسكونه فلا تلما صبًا مشوقًا إلى الحمى ... ينوح على أوطاره لشجونه فإنَّ به ورق الحمائم في الضُّحى ... تنوح على كثبانه وغصونه وأنشدني أيضًا قوله إملاًء من لفظه: [من الوافر] ترفَّق في ملامك يا ملوم ... فما إعراضه حالٌ تدوم يريك قساوةَّ ويلين سرّاً ... كذا الأغصان من ميل تقوم

أبثُّ إليه شكواي ويبدي الـ ... ــــــــتَّجاهل وهو بالشَّكوى عليم بديعٌ في الجمال إليه يصبو ... ببهجة حسنه الرَّجل الحليم عدتني صحَّتي لصحيح طرف ... وأعداني به الجفن السَّقيم /231 أ/ وخدَّد مهجتي خدٌّ أسيلٌّ ... فبالأحشاء من كلفي كلوم أنست بنار خدَّيه كأنَّي ... لفرط صبابتي موسى الكليم أزال مدامعي من بعد صون ... فناثرها له ثغرٌ نظيم وأهوى قدَّه الخطَّار عجبًا ... إذا ما مال لا القدُّ القويم شكوت عقاربًا لدغت فؤادي ... ومادَّبت بوجنته تقيم عجبت ولا سليمٌ من هواه ... يذوق كرى ولكنَّي السَّليم وأنشدني لنفسه أيضًا: [من البسيط] ما رمت عن عاذلي وجدًا أكتِّمه ... اإلاَّ بوادر دمع العين تعلمه أنَّى يفيق من البلوى به دنفٌ ... وصحَّة الحبِّ والأشواق تسقمه بدرٌ له من ضياء الحسن أنوره ... ومن حنادس ليل الشَّعر مظلمة عجبت كيف سبى قلبي تمايله ... وأقتل الرَّمح في الهيجا مقوَّمه فلو ترى حين أشكو وهو يبسم من ... دمعي على صحن خدِّي كيف أسجمه فما السَّحاب سوى جفنيَّ هاطلةً ... ولا البروق به إلاَّ تبسمه يا باخلاً ظنَّ أنَّ الطَّيف يطرقني ... فصدَّه في السُّرى عنِّي توهمه /231 ب/ ما ضرَّ أنَّ خيالاً منك ترسه ... وكان يحظى به في النَّوم مغرمه وأنشدني أيضًا لنفسه، مما قاله في الغزل، مبدأ قصيدة: [من الطويل] سلاسل برق لاح والرَّكب متهم ... تقيَّد في رؤياه صبٌّ متَّيم ويخفق منه قلبه لخفوقه ... ويبكى لذكرى حبِّه وهو يبسم ومن عجب نارٌ على البعد أوقدت ... بأحشائه نار الأسى تتضرَّم أراقبها حتَّى الصَّباح لعلَّه يرى نسمة من نحوها تتنسَّم ويرجع إمَّا منه تهدي تحية ... إليهم وإمَّا بالتحًّية منهم

خليليَّ كفَّا ليس عذلي ينافع ... وهيهات يصغى في الملامة مغرم ولا تعذلا ما كان أشهى لسمعه ... أحاديث تروى في المحبَّة عنهم فها رجبٌ سمعي وصبري لبينهم ... غدا صفرًا والنُّوم عنِّي محرَّم فيا مالكي في القلب منك نويرةٌ ... وفي جفن عيني من هواكم متمِّم وأنشدني لنفسه أيضًا عزلًا: [من الطويل] أفي الفتك أمضى لحظة أم مهنَّد ... حسامٌ غدا في العاشقين يجرَّد /232 أ/ وغصن النَّقا فوق الكثيب إخاله ... وشمس الضُّحى أم وجهه يتوقَّد أحاط عليه مقفلٌ من عذاره ... عجبت له، أنَّى له وهو أغيد؟ وأعجب منه قاتلي وهو آمنٌ ... على نفسه والخدُّ منه مزرَّد حكى مدمعي في الخِّد رقَّة خدِّه ... ولكنَّه من لونه يتورَّد وثغرًا له في فيه أضحى منضَّدًا ... فمن أجله دمعي عليه مبدَّد رنا فسقى من لحظة الخمر صحبه ... فأعجب به صاح علىَّ يعربد نظلُّ سكارى لا نفيق من الهوى ... إذا ما انقضى سكرٌ لنا يتجدَّد تخيلته في خاطري فرأيته ... فمن عظم إجلالي له ظلت أسجد فكم حاسد أو عاذل عاد عاذرًا ... إذا ما رأى الحسن الَّذي فيه أحسد يروم صلاحي بالملا وما درى ... إلى العذل عنه في الحبَّة يفسد وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] ذكر الحبيب لدى الكئيب شجون ... وكذا الملام لدى الغرام جنون مثل النَّسيم يزيد نيران الغضا ... لهبًا ويظهر ما بهنًّ دفين ظبيٌ رأى قلتي بلحظ عيونه ... أثَّرن في قلبي فهنَّ عيون /232 ب/ لو لم تكن قضبًا تريق دماءنا ... ما قيل أغطية اللَّحاظ جفون لا تحسبن خالًا يلوح بخدِّه ... لكنَّ إثمي للأنام يبين

إسودَّ فيه دمي ليبقى شاهدًا ... منه عليه في الحساب يكون يحكي القضيب إذا عتبت بميله ... حينًا ويعطفه على اللِّين أهوى لما يرضى وإن حتفي به ... ما عزَّ عندي ما عليه يهون أشكوه أم أشكو إليه وكيف لي ... لو أنَّه عند العتاب يلين إنِّي وإيَّاه قتيلٌ في الهوى ... ومبرَّاٌ في فعله وضمين وأنشدني لنفسه أيضًا، وكان قد رحل من حلب إلى البيرة: [من الطويل] أأحبابنا غبتم فأدناكم الهوى ... بقلبي فأنتم نازحون دواني يمثِّلكم قلبي فأنظركم به ... كأن لم تزل أشخاصكم بعياني ركبتم لحيني مركب الصَّدِّ جامحًا ... وشوقي إليكم آخذٌ بعناني وعوَّضتم عن قربكم ببعادكم ... فجودوا فما لي بالفراق يدان جنيت على روحي البعاد برحلتي ... كذا كلُّ جان للقطعية جاني /2332 أ/ يقلُّ اصطباري كلَّما زاد موهنًا ... وميض بريق بالشِّام شجاني على حلب مسراه في ظلمة الدُّجى ... كلمع ثغور أو فرند يماني خليليَّ من ذكر الحمى وطويلعٌ ... دعاني فذكر الاسفريس دعاني الأسفريس: محلّة بحلب. به منزلٌ فيه من الرِّيم آنسٌ ... نفورٌ إذا ما رمته لتداني حكى مدمعي ما ضمَّه من قلائد ... منظَّمة من لؤلؤ وجمان ولكنَّه لمَّا تلوَّن في الهوى ... تلوَّن مني فهو أحمر قاني عجبت له سكني فؤادي وما اعتنى ... بإسكانه من شدَّة الخفقان وأنشدني أيضًا من شعره في إنسان كبير الأنف: [من السريع] لو أن فرعون على أنفه ... لم يبن عالي الصَّرح هامان وحلَّ كسرى في ذرى حزبه ... وقد حوى الإيوان إيوان وجلَّ من أبدع في أنفه ... إذ هو على الصَّنعة برهان

[845] محمد بن غسَّان بن غافل بن نجاد بن غسّان بن غافل بن نجاد بن ثامر بن رفاعة بن نجاد بن محمد بن كامل بن محمد بن نجاد، أبو عبد الله الأنصاريُّ. من أهل دمشق. حكى محمد بن جامع الدمشقي، قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن غسّان الدمشقي الأنصاري، قال: رأيت في المنام كأنّي في بستان كنّا نملكه في المزّة، وفيه جوزةٌ كبيرة. وكان والدي وأعمامي كثيراً ما يتغدون تحتها، فقلت: لا إله إلاّ الله هذا موضع أبي وأعمامي! ، فسمعت قائلاً ينشدني من أصل الجوزة، أسمع صوته ولا أرى شخصه، وهو يقول: [من الطويل] أيا منزل الأحباب هل فيك مخبر ... يخبِّرني أم هل نرى فيك منجدا عفوت فأعمى رسمك الموت والبلى ... وأقفرت حتَّى لا أرى فيك مسعدا أحبَّه قلبي فرَّق الدَّهر بيننا ... فلا تشمتوا بالبين أشرار حسًّدا بعدتم فذاب الجسم بعد بعادكم ... وأخليتم الأوطان أشمتم العدا فعودوا يعود الوصل بعد قطيعة ... فهيهات راح اليوم فاصبر إلى غدا فأنكرت آخر البيت، فسمعته يقول: هذا إقواءٌ.

[846] /234 أ/ محمد بن فضل الله بن أبي بكر، أبو عبد الله الخطيب النيسابوريُّ. كان يتولّى الخطابة الريّ. وجدت له بخطّه نظمًا ونثرًا عربيًا وفارسيًا. ومما نقلت من شعره العربي، قوله وليس هو مختار شعره، ويغلب على أقواله العجمة والعجرفة. وهو القائل: [من الرمل] هبَّ ريح الشَّوق من برح النَّوى ... حين لاح البرق في وسط اللِّوى لوعة الأشواق دعني أشتكي ... أوقدت في أضلعي نار الجوى صرت من كأس الرَّدى في سكرة ... وغرامي دار بي دور النَّوى أنأ في الحزن صدَّت سلوتي ... عزم الأيام ضرِّي نوى حبَّذا آثار أنفاس الصَّبا ... آه من حالات لوعات الهوى وقال أيضًا: سقيًا لعهودنا الخوالي ... إذا عهد معهد الوصال العين على مني رواه ... تبكي وتذرف كاللآلي القلب بحبِّه يباهي ... إلًّا بهواه لا يبالي لمَّا برقت وميض طيف ... أيقنت مخايل الخيال /234 ب/ أدي قمرًا إذا تجلَّى ... كالبدر أضاء في اللَّيالي أمسيت وهجره سلوِّى ... أصبحت ووصله سؤالي وقال أيضًا: [من الخفيف] طلع الصُّبح هات يا صاح ... رغم أنف العذول والَّلاحي قهوًة كالزُّلال صافية ... هي والله روح أرواح

هيَّ في الجام أنجمٌ طلعت ... شعشعت نورها كمصباح لا تقف في إبتغاء مطلوبي ... واسع في حاجتي بإنجاح سدَّ باب الهموم فافتتحن ... بمفاتيح دور أقداح إغتنم في الصَّباح كأس طلًا ... فمضى الصُّبح أيُّها الصَّاحي أنا في الصُّبح عند ندماني ... راحتي في الصَّبوح والرَّاح وقال يهجو قاضيًا: [من السريع] قاض لنا في الفعل ممقوتًا ... في البغي والعدوان جالوتا بالجهل والنُّقصان معروفًا ... قد صار بالخذلان منعوتا في طلب الأير له همَّةٌ ... من شوقه لا زال مبهوتا [يبخل بالمال ولا يوتى ... لكنَّه في خلقه يوتى] [847] /235 أ/ محمد بن أبي الفتح بن أبي بكر أبي الفتح بن الحسين، أبو عبد الله، الأشترُّ الأصل، المصريُّ المولد والمنشأ. ذكر أنَّه من أولاد مالك بن الأشتر. أنشدني أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الأشبيلي بحلب، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح الأشتري لنفسه: [من الكامل] لو صحَّ في شرع الغرام وفاك ... لرشفت من شعفي لماك وفاك فعلام تعتمدين قتل متَّيم ... أترى نهاك عن الوصال نهاك ماذا يضرُّك لو مننت بنظرة ... ماذا يضرك لو جفيت جفاك حلَّلت قتل الصَّبِّ وهو محرَّم ... فبلحظك الفتَّال من أفتاك لولاك ما ملك الغرام حشاشتي ... وأذاب جسمي عامداً لولاك أهوى الأراك وما الأراك بمنزلي ... لكن لعلَّ على الأراك أراك

واغضُّ عن ظبيات كاظمة الحمى ... طرفي وقلبي لا يحبُّ سواك فبغزِّ عزِّك يا سعاد بذلًّتي ... بنحول جسمي بالَّذي عافاك بعظيم ما في القلب منك بحقِّ من ... بالحسن قد حلاَّك إذا حلاَّك لا تتركيني عبرًة لأولي الهوى ... وترفَّقي يا هذه بفتاك /235 ب/ وتعطَّفي من قبل قول مراقب ... لله يحسن في فلان عزاك إن كان سفك دمي بغير جناية ... وتلاف روحي في الهوى برضاك فاستغنمي فرص الزَّمان وذاك أنًّـ ... ـــــــــا يا سعاد وما ملكت فداك وبكلِّ ما شئت إفعلي بي إنَّني ... بخطاك يا لميا غفرت خطاك وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أبو عبد الله قوله: [من البسيط] خف الصَّديق وكن منه على حذر ... ولا تقل جاءني هذا على نسق فالمرء يشرق بالماء الزُّلال إذا ... طورًا وطورًا به ينجو من الشَّرق وأنشدني، قال أنشدني لنفسه في صديق: [من الكامل] لا تعجبنَّ إذا دهتك مصيبةٌ ... من صاحب عكفت عليه ذئابه واحذر مصافاة الصَّديق فرَّبما ... عانت على غرق الغريق ثيابه وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل] قال الحبيب لصاحبي: صف داءه ... أبه جنونٌ؟ قال: لا، بل مغرم بك بات يحلم ليله فأجابه ... أوما كفاه ينام حتَّى يحلم لو كان في الدَّعوى محبّاً صادقاً ... ما كان يفني العاشقون ويسلم وأنشدني، قال: أنشدني قوله: [من المتقارب] /236 أ/ يقولون لي: جلِّقٌ جنَّةٌ ... مزخرفةٌ للورى مفتنه فقلت وما إن بها محسنٌ ... يرى للغريب ولا محسنة إذا قطع الماء منها غدت ... كأربابها جيفةً منتنه

[848] محمد بن أبي الفخر بن أحمد، أبو حامد الكرمانيُّ الصوفيُّ الشيخ الزاهد. ذكره الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي- رضي الله عنه- في تاريخه، وقال: ورد إربل غير مرَّة. وكان أوّل ما وردها معه جماعة من العجم، ونزل بالقبَّة الشمالية من المسجد الجامع يسرة الداخل من الباب الشمالي، وزاره الناس وعليه جبَّة صوف، واجتمع بالفقير إلى الله تعالى ابي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين- رحمة الله تعالى- في مجلس سماع، وأراد الحج في تلك السنة، فزوّده ومن معه، واكترى لهم الظهر إلى مكة، سائرين وقافلين بجملة من مال ثم صار في آخر قدماته خاصًا بأسراره ينفذه رسولًا إلى الأطراف، وصار له خول ودواب كثيرة. وكان شيخ رباط الجنينة مشارك عمّاله في النظر معهم على حاصله، فحوسب فبقي عليه مال أطلقه له الفقير إلى الله تعالى أبو سعيد كوكبوري بن /236 ب/ علي، وخرج من إربل فهو في ديار بكر وما والاها شيخ مشايخ ربطها. كان يحب أن يكون في ألقابه علم الهدى. أخبرني أنَّه ولد ببردسير سنة إحدى وستين وخمسمائة، يروي عن الشيخ أبي الغنائم غنيمة بن المفضل السجاسي، وهو صاحب خرفة في التصوّف. وسجاس قرية من قرى سهرورد بين زنجان وهمذان. هذا آخر كلامه. وقدم بغداد وأقام بها إلى أن توفي ثالث شعبان سنة خمسين وثلاثين وستمائة ودفن بجانبها الغربي بالشونيزى، جوار قطب الدين الأبهري- رحمهما الله تعالى- صار إلى قطعةٌ من شعره إلاّ أنَّ فيها لحنًا، وقد أثبتُّها هاهنا تبركاً بذكره،

صنعها على نهج ذوي الأحوال والمعارف، أنشدنيها شيخ الشيوخ عماد الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن أبي عصرون التميمي- أيده الله تعالى- بحلب قال: أنشدني الشيخ الصالح العابد أبو حامد محمد بن أبي الفخر الكرماني لنفسه: [من مخلع البسيط] في الشِّدَّة والرَّخا جميعًا ... أرجوك ولم يخب رجائي /237 أ/ يا سمع جئت مستجيرًا ... أدعوك لتستجيب دعائي أفنيت لحبّكم وجودي ... كي يحصل في الفنا بقائي ما كان ولا يكون حاشا ... إلاَّ لرضاكم رضائي ياربَّ محمد أجرني ... من مخرقتي ومن ريائي إن يحسن أويسي صنعًا ... حالي معكم على السَّواء ما حلت ولا أحول يومًا ... عن باب مناك يا منائي [849] محمد بن القاسم بن هبة الله بن القاسم بن لعي بن محمد بن الحريريِّ، أو عبد الله بن أبي الحريريِّ أبو عبد الله بن أبي محمد الطبيب الحكيم. من أهل دنيسر. كان والده ممّن يشار إليه في زمانه في علم الطب والمداواة، وله الإصابة في الإنذار في غالب أوقاته. وابنه هذا قرأ على الشيخ المهذّب أبي الحسن علي بن أحمد بن هبل البغدادي الخلاطي بالموصل شيئًا من كتابه "المختار". ورحل إلى بغداد، فظهر له بها القبول عند الناس، وعالج بها خلقًا كثيرًا بالأدوية، وبعمل اليد. ثم رحل منها إلى بلاد العجم.

قال صاحب كتاب "حلية السريين من خواص الدنيسريين": /237 ب/ أنفذ كتابه إلينا من نيسابور، بأنَّه يقرأ على الإمام فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي المعروف بابن الخطيب. وله خطٌّ مليح. كتب على [خطٌ] الأمير أمين الدين أبي الدُّر ياقوت بن عبد الله الموصلي زمن اشتغاله بالطب على إبن هبل، وتقدّم بعلمه عند الملوك والسلاطين، ورغبوا في استخدامه، لاسيما في دولة الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب، فإنَّه حظي لديه، وصنّف له كتابًا سمّاه: "الروضة" على وضع "كليلة ودمنة" وكتاب "البلغة". ومع ذلك له مشاركة قويّةٌ في الفنون الأدبية، وقرض الشعر. وله خاطرٌ سريع في إرتجاله، ويدٌ طولى في صناعته، هذا آخر كلامه. أنشدني الشيخ الحافظ صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد البكري بدمشق في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن القاسم بن الحريري لنفسه بسنجار في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة، وأنشدها الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب –رحة الله تعالى- ونظم ذلك بديهةً: [من الكامل] /238 أ/ يا أيُّها الملك الَّذي بعلومه أصبحت بين يديه كالمتعلِّم أبدعت فيما قلت حتَّى لم يقل أبداً بأنَّ الفضل للمتقدِّم وأنشدني أيضًا في التاريخ المذكور، قال: أنشدني أبو عبد الله لنفسه يمدح الملك الأشرف- رحمة الله تعالى-: [من الكامل]

أهدي لمولانا دعاء صالحًا يدعو به في الصُّبح بعد صلاته وسوى الدُّعاء فلست أملك غير ما ... أحويه من صدقاته وصلاته [850] محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سعيد، أبو عبد الله الأمديُّ. قال الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي- رضي الله عنه- في تاريخ إربل: ويعرف بالرشيد الدمشقي، وسألته عن مولده؟ فقال: بامد، فقلت له: في أي سنة؟ فقال: ما هو معيَّن، إنما أنا في حدود عشر الثمانين. وحدثني أنَّه قرأ الخلاف والفقه، وسافر إلى خراسان وغيرها، وسمع في صغره شيئًا من الحديث، ولم يكن من مطلوبه، إنَّما سمعه في جماعة سمعوه. وذكر أنَّه لقي أبا بكر يحيى بن سعدون القرطبي وغيره. لزم /238 ب/ طريقة أهل التصوّف، وقال بمذهبهم، وهو- كما ذكر – ورد إربل غير مرّة. وأنشدني من شعره في سادس شهر ربيع الآخر سنة سبع عشرة وستمائة؛ برباط الجنينة المعمور. وكان فقيهًا حنفيًا إمامًا مقدمًا في مذهبهم، أنثى على علمه بعض الحنفيّة ثناءً كثيراً. وكان نحويًا عالمًا بالنحو. ثم قال: أنشدني لنفسه، وذكر إنه عملها في بلاد العجم، وقد عاجله الشيب: [من الكامل] ما شبت من كبر ولكن شيَّبت ... رأسي شدائد للمتون قواطع لو أنَّ بعض مصائبي يمني بها ... ويذوق شدَّتها غلامٌ يافع لنضالها برد الشًّبيبة واغتدى ... للشيب في فوديه نجمٌ طالع والنَّاس في اللأواء حين تعدُّهم ... رجلان: ذو صبر، وآخر جازع فاصبر على مضض الحوادث إنَّها ... ميزان عدل خافضٌ أو رافع ولتعلمن أن البلاء لأهله ... كالسَّبك للإبريز مؤٍذ نافع

[851] محمد بن محمد بن أحمد، أبو عبد الله البرزيُّ. من أهل وسط. ذكره الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي –رضي الله عنه- في تاريخه، وقال: ورد إربل في العشر الأولى من شعبان /239 أ/ سنة أربع عشرة وستمائة. وكان يسأل الناس معرضًا لا يعف عن أحد ملك أو سوقه، رفيعٍ أو وضيعٍ أنشدني أبو عبد الله البرزي لنفسه: [من البسيط] لو لم تهج بالجوى المذكي بلابله ... ما لجَّ باللَّم والتعنيف عاذله صبٌّ إذا قال: هذا الشَّوق قد ذهبت ... عنِّي أواخره عادت أوائله يا مصلتًا من قراب اللَّحظ سيف هوًى ... مهنَّداً لا يريد السِّلم حامله هذا اللًّي أولعت عيناك في دمه ... ظلمًا لآيَّة حال أنت قاتله واهيف كقضيب البان ما انعطفت ... أعطاف سمر القنا لولا شمائله يكاد يوهيه ممَّا فيه من ترف ... مرُّ النَّسيم وتدميه غلائله كالماء لو باشرته كفُّ مغتبق ... لسال ما قبضت منه أنامله قالت لنا عينه سحري بلبتكم ... فأين هاروتكم أم أين بابله يا من أمانيُّ عيني إن تراه ومن ... مالي سوى قربه وصلاً أحاوله ما ذاق طعم حياة من تفارقه ... ولا يذوق حمامًا من تواصله ولا يلذُّ الكرى في ليله ملكٌ ... بات أبن أرتق محمودٌ يصاوله وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط] /239 ب/ ثنى عنان هواه بعدما جمحا ... وراجع الحلم عن جهل الصِّبا فصحا فما تتيَّمه سحر الجفون ولا ... يروقه الخدُّ محمرّاً إذا وضحا وقلَّما تسكب الأطلال عبرته ... ولا الغريق أجدَّ البين منتزحاً ما كان أوَّل مغرور بصبوته ... ثابت إليه أنأةٌ بعد ما مرحاً ولا بأوَّل من أصغى إلى عذل ... أذنًا وطاوع من في الحبِّ قد نصحا

سجيةٌ عقدت بالمجد همَّته ... تهوى العلا وتعاف اللَّهو والقدحا صمِّم إذا رمت من أمر مزاولة ... وقدِّم الحزم تردده وإن جمحا وعش وأنت عزيزٌ أو فهمت كرمًا ... إن كنت حرّا ولا تقنع بما سنحا فالمرء لا ترهب الأيَّام سطوته ... ما لم يكن لزناد العزِّ مقتدحا سأرحل العنس عن أرض أقيم بها ... بين اللِّئام قليل الحظِّ مطَّرحا وأعسف البيد ترمي بي جوانبها ... بحرًا من الكيل نعطو أكلها طفحا لا يهتدي النَّجم فيه لين مسلكه ... ولا يلين لساريه إذا التمحا وربما بات فيه البدر حلف سرًى ... فغاله بعد مسراه وما برحا تركت للفقر يطوي كلَّ مأربة ... وللمطيِّ تباري المشية السُّجحا ما لي أعلِّل نفسي بالمنى سفهًا ... وأحلب الحظَّ حلبًا مجحدًا وتحا /240 أ/ وفي القوافي وفي عرض الفلاسعةٌ ... تعدي على الهمِّ إمَّا جلَّ أو فدحا وأنشدني، قال: أنشدني أيضًا قوله: [من المنسرح] خذها عروسًا إليك تجلى ... ما نتجت مثلها الخواطر من لقط غر إلا فمن ذا ... يقابل اللَّيث بالجاذر وقال يهجو الهذّب أحمد الواسطي المنبوز بمدلويه: [من الخفيف] أحمد الواسطيُّ أكذب خلق اللـ ... ـــــــه في نطقه إذا ما فاها لعن الله نطفةً صيغ منها ... فهو في قبحه الشَّنيع تناهي إن رأى خلَّة تسرُّ لخل ... صدًّ عنها أو زلةً أفشاها [852] محمد بن محمد بن محمد بن أبي حنيفة، أبو القاسم بن أبي عبد الله بن الفرضيِّ. كا إربلي المولد والمنشأ، بغدادي الوالد والأصل. أستشهد بدمياط في

سنة ست عشر وستمائة. قال الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي: لم يكن يعرف ما يقوّم به لسانه، ثم قال: أنشدني أبو القاسم محمد بن محمد بن محمد بن أبي حنيفة البغدادي لنفسه: [من الكامل] /240 ب/ أشتاقكم فإذا ذكرت لقاءكم ... أجرت دموعي لوعةٌ وتفرُّق خوفًا على أنِّي إذا لاقتيكم ... يبقى القليل وبعده نتفرَّق وأنشدني، قال: أنشدني أبو القاسم بن الفرضي لنفسه: [من الخفيف] زاد شوقي إذ قلَّ فيه احتيالي ... قمرٌ ذو ملاحه ودلال بقوام كأنَّه غصن بأن ... غرسوه على كثيب عالي وبوجه كأنَّه بدر تًم ... ولحاظ ترمي الحشًا بنبال [853] محمد بن محمد بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب السلطان الملك الكامل، أبو المعالي بن السُّلطان الملك العادل أبي بكر. كانت ولادته في ربيع الأول سنة ستًّ وسبعين وخمسمائة. وتوفي يوم الخميس منتصف نهاره، الثاني والعشرين من شهر رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة بدمشق، ودفن بها –رضي الله عنه-. خطب له بولاية العهد في زمان أبيه. وكان أتم ملوك زمانه عقلاً وأحزمهم رأيًا وفعلًا. وكان كامل الأوصاف كنعته، وأبا المعالي محمدا في وقته. ملك الديار المصرية /241 أ/ بكمالها، ودمشق وأعمالها، ومملكة اليمن

ما خلا صنعاء وديار بكر بأسرها. ومن الجزيرة حرّان والرُّها والرّقة ورأس عين ونصيبين وسنجار والخابور. وخطب له من باب الموصل إلى حضر موت، وضربت له الكسة بها، فكادت أعواد المنابر أن تنطق طرقًا نطق الأعواد، واستنار الدينار والدرهم برسمه إستنارة الكوكب الوقاد. وكان محافظاً على إقامة منار الشريعة المطهرة، وأمر بإجراء أحكامها على أدلتها المعتبرة المقرّرة. أحيا نسة النبي صلى الله عليه وسلم وأنشأ بالقاهرة المعزّية دارًا للحديث النبوي، وولّي رواية الحديث بها، وإقرائه الإمام العلامة ابن دحية، وأمر أن يتحفظ الحديث بها كحفظ دروس الفقه بكرةً وعشيًا. وعين للطلبة بحفظ ملخّص القابسيّ، وأظهر في ذلك رغبة، وأقرَّه حتى كان أكثر مجالسه تنقضي بالبحث فيه، وأمر بحذف أسانيد صحيح مسلم. وكان كثير المطالعة له. فذكر لي أنَّ ولده الملك العادل سيف الدين أبا بكر/ 241 ب/ قال: كنت كثيرًا ما أرى السلطان والدي- قدس الله روحه- إذا انفصل من مجلس أمره ونهيه، وطلب الراحة لنفسه، يديم المطالعة في كتاب، فإذا أراد النوم استلقى واستدام مطالعته فإذا نام ترك الكتاب على صدره فطالبتني نفسي بالإطلاع على ذلك الكتاب لمّا رأيت من محافظته على تأمله، فاتفق إن نام في قائلة يوم من الأيام على هذه الصورة وأمرني بالمقام عنده، فلما انتبه وقام من ذلك المكان تباطأت بعده إلى أن غاب عني، فعمدت إلى الكتاب إذا هو صحيح مسلم محذوف الأسانيد. وحين ملك مكّة- شرفها الله تعالى- وأذعن له مالك المدينة النبوية- على ساكنها أفصل الصلاة والسلام- بالطاعة وأنتظم في جملة أشياعه، آثر أن يتشرّف بذكر الحرمين الشريفين مع ذكره على المنابر، وقرّر أن يقال ملك الحرمين، فأبى ذلك، فقيل: مالك الحرمين، فقال: لا أوثر أن يقرن ذكري بذكر الحرمين الشريفين مع تعظيم، فقيل خادم الحرمين الشريفين فسرَّه ذلك وابتهج به، وقال: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد على خدمتهما. وأجرى في أيامه على فقهاء المدارس، وربط المتطوّعة جراية من /242 أ/ طعام طول شهر رمضان المعظّم، وأفرد لذلك مطبخًا يسيِّر منه إلى كل موضع

كفايته. وألى بلاءٌ حسنًا في الجهاد، واسترجع ثغر دمياط المحروس، وصبر على بلاء ما اتفق صبر أيوب، ونال من عاقبة نصره على العدوّ- خذله الله تعالى- ما نال من الفرح بيوسف يعقوب، ولم يمت أحد في خدمته من الأجناد وغيرهم إلاَّ وأجرى بعض رزقه على مخلفيه من الأولاد؛ ذكورًا أو إناثًا، فجزاه الله عن إحياء سنة نبيّه صلى الله عليه وسلم الجزاء الأوفى، وأحلّه على إقامة منار الشريعة المحمديّة من دار مقامه المحلّ الأشراف الاسنى – بمحمد وآله وصحبه أجمعين-. حكى أبو الزّ مظفر بن إبراهيم المصري العيلاني الشاعر الضرير. قال: دخلت على السلطان ناصر الدين أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب، فقال لي: أجز هذا النصف: [من المنسرح] قد بلغ الشُّوق منتهاه فقلت: وما درى العاشقون ما هو فقال الملك الكامل: وإنَّما غرَّهم دخولي فقلت: /242 ب/ فيه فهاموا بهم وتاهو فقال: ولي حبيبٌ رأى هواني فسكتّ ثم قلت: وما تغيَّرت عن هواه فقال: رياضة النَّفس في احتمالي فقلت: وروضة الحسن في حلاه فقال: أسمر لدن القوام إلمى فقلت: يعشقه كلُّ من رآه فقال: ريقته كلُّها مدامٌ فقلت: ختامها المسك من لماه فقال: ليلته كلُّها رقادٌ فقلت: وليلتي كلُّها انتباه فقال: وما يرى أن يهين عبدًا

فسكتُّ ساعةً، ثم قمت قائمًا، وقلت: بالملك الكامل احتماه قال: فألقى إليَّ الزين الدمياطي، وأمره بكتبها ليلًا، يكتب مدحه. قال مظفر فكملت الأبيات وقلت: /243 أ/ العالم العامل الَّذي في ... كلِّ حلاه ترى أباه فمن سطاه ومن نداه ... ليثٌ وغيثٌ يرجى نداه ليثٌ وغوثٌ وبدر تمًّ ... ومنصبٌ جلَّ مرتقاه وما ينسب إليه من الشعر، وهو مشهور بين الناس متداول قوله: [من البسيط] إذا تحقَّقتم ما عند صاحبكم ... من الغرام فذاك القدر يكفيه سكنتم في فؤادي وهو منزلكم ... وصاحب البيت أدرى بالَّذي فيه [854] محمد بن محمد بن محمد الفرغانيُّ. قال الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي- رضي الله عنه- في تاريخه: ورد إربل في صفر سنة عشرين وستمائة؛ شاب طويل، حنفي المذهب. وسألته عن لقبه فذكره لي، وسألته عن كنيته فلم يعرفها، وسألته عن ما بعد محمد الأخير، فقال: ما أعرف إلاَّ ذلك أو كلامًا هاذ معناه. حدثني أنَّه ولد بأرش من فرغانًة، ونشأ بكاشغر. قال: وأنشدني لنفسه يمدح عميد الملك أسعر بن نصر وزير شيراز: [من الكامل] يا خير من بلغ المدى فيما سلك ... ورقاب أحرار الورى بذلًا ملك /243 ب/ خرَّت لك الثَّقلان طوعًا سجَّدًا ... مهما أظلَّهما ويخدمه الملك مارست فيك السَّير ممتطي الوجا .. بحشاشة قد جاورت صبًّا هلك إن كنت تقتلني أصبت ماربي ... أولا فأبت آيسًا والحكم لك

فز بالعلا وحز المنى قطب المعا ... لي ما استدار رحا الفلك وأخبرني أيضاً إجازةً، قال: أنشدني محمد بن محمد بن محمد الفرغاني من شعره، والتزم اللام: [من الطويل] يد الفكر منِّي في امتداحك سلَّت ... حسامًا فلو سلَّت لغيرك: شلَّت فأنَّك من فاق القروم بماله ... سجايا على العزَّ المخلَّد دلَّت وأنت الَّذي الأحساب قد شرفت به ... ودين الهدى يزهي ودنيا تحلَّت وطاولت الأرض السَّماء تفاخرًا ... بدولتك الغرَّاء منذ أظلَّت هي الدَّولة الغرَّاء عند صيالها ... تردُّ ليوث الحادثات استقلَّت تم الجزء السابع من قلائد الجمان. ويتلوه في الجزء الثامن بقية من اسمه محمد. محمد بن إبراهيم بن هذيل وصلى الله على محمد وآله وسلم.

ذكر من اسمه نصر

بسم الله الرحمن الرحيم ربِّ سهّل ووفق [تتمة حرف النون] [ذكر من اسمه نصر] نصر بن يوسف بن نصر بن عبد الرَّزاق بن عبد الوهًّاب بن الخضر بن عبد الوهاب بن الخضر بن عجلان بن عبد الله بن ربيعة بن المقدم بن لبيد بن النابغة وهو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدةً بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعةً بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو السعد البالسيُّ, المعروف بابن قاضي بالس: ويعرف بالجعبريِّ، لأنَّه سكن قلعة جعبر- وهي قلعة حصينة على طرف الفرات من البلاد الجزيرية من أبناء القضاة, وبيت كبير ببالس مشهور. وكان يلبس العمامة اقتداءً بسلفه، ثم تجنّد وتزيَّا بزي الأجناد في الملبوس، وخوطب بالإمرة بعد أن كان يدعى بالقاضي، ولبس القباء وصار واليا بدمشق من قبل الملك العادل سيف الدين /2 أ/ أبي بكر محمد بن أيوب، وبعده لولده الملك المعظم أبي الفتح عيسى- رحمهم الله

تعالى- ولم يزل على ولايته إلى أن توفي بدمشق بقلعتها في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وكان قد توفي له ولدان قبله فحملوا جميعهم إلى بالس فدفنوا بها. وكان شاعراً مطيلاً جيد الشعر فيه ذكاء وفهم، ولديه أدب وفضل. أنشدني الشيخ الأجل نجم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن سراج البزاز الحلبي بها، قال: أنشدني أبو سعد بقلعة دمشق في سنة أربع عشرة وستمائة لنفسه: [من الخفيف] طال ما بيننا النَّوى والتَّجافي ... والَّذي بي من الجوى غير خافي فنهاري أعلِّل النفس بالوصـ ... ـل وليلي بالقرب والإئتلاف طمعَّا كاذبا وتسويف نفسٍ ... ولو .... قبل التَّلافي ما كذا كانت العود استقرَّت ... ببقاء قليلة الإنصاف طول دهري أصفي الوداد وارعى ... عهد من عاهدت بأن لا تصافي /2 ب/ تخلف الوعد لا الوعيد لوافٍ ... لا تراه مع غدرها غير وافي أضرمت في حشاي نار اشتياقٍ ... كن لها منه يا إلهي كافي أتراه الزَّمان فيها بصاف ... أم ترى لي من الصَّبابة شافي أنت أمرضت بالصدود محُّبا ... فصليه تسري إليه العوافي إن أكن إقترفت ذنبًا فقد جئـ ... ـت مقرُّا إليك بالاقتراف فاغفري الذَّنب باعترافي فلا تثـ ... ـريب بعد الإقرار والإعتراف وقال أيضًا: [من البسيط] أمسي وأصبح مرتاحًا بلا أمل ... من وصل خود كعوب أيَّ مرتاح لا أسمع اللَّوم من لاح يعنِّفني ... على هواها وماذا يزعم اللاحي أسلو فتاةً إذا جنح الظَّلام دجا ... وأسفرت خلت فيه ضوء مصباح للورد وجنتها للدر مبسمها ... للمسك ريقتها للشهد للراح تريد بالعدل إرشادي لتصلحه ... دع عنك يا صاح إرشادي وإصلاحي فمنتهى الرُّشد غيِّي فيَّ مجتهدا ... فلا أرى كل لاح غير نبَّاح سقى منازلها مثعنجر غدق ... بصيِّب من غوادي السُّحب سحَّاح

/3 أ/ ما كان أطيب أيامًا لنا سلفت ... ... بقربها حال إمسائي وإصباحي والدَّار مشرقة من نور غرَّتها ... ... ومن جبين كضوء الصُّبح وضَّاح أشكو إليها صباباتي فتطمعني ... ... بالوصل منها بلفظ يسكر الصَّاحي من لحظها نرجسي من خمر ريقتها ... ... راحي ومن [حمرة] الخدَّين تفَّاحي إن عدت يا دهر أدنيت الدِّيار بها ... فقد تكفَّلت اسعادي وإنجاحي فسوف أمدح نعماك التي شملت ... مدحًا يقصِّر عنه كلُّ مدَّاح وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز] أحبابنا بجلِّق ... آن لنا أن نلتقي ما أنتم بلعلع ... ولستم بالأبرق ما هجركم وداركم ... دانية بليِّق قد راعني شيب بدا ... لهجركم في مفرقي يصدقني وعيدكم ... ووعدكم لم يصدق حتى الخيال هاجري ... تأجَّجي يا حرقي تقطَّعي يا كبدي ... يا أعيني ترفقي /3 ب/ وللرُّقاد فاهجري ... وبالدُّموع فاغرقي على فتاة حيِّهم ... لمياء ذات القرطق حسنًا يحكي قدُّها ... قدَّ القضيب المورق يرقُّ لي من أرقي ... وللإله يتَّقي فما بقي فيَّ كما ... ترون غير الرَّمق فليتها لا خلقت ... وليتني لم أخلق وقال أيضًا: [من مخلّع البسيط] تناست الوَّد والعهودا ... وأبدت الهجر والصُّدودا فدمع عيني من التَّجافي ... يا خود قد خدَّد الخدودا مثعنجر ودقه هتون ... من مقلة عاقت الرُّقودا لو لم يكن من دمٍ أتته ... خوامًش تبتغي الورودا أمرضني البين والتَّنائي ... عساك يا قرب أن تعودا

ففي فؤادي لهيب نار ... ... للبين لا تعرف الخمودا كم ذا التجني على محب ... أنضر كل الآنام عودا /4 أ/ أعرب كل الورى لسانا ... أكرم كل الورى جدودا جعدة أكرم به أبوه ... أدرك بالسؤدد السعودا والجد قيس فتى المعالي ... رام إلى ربه الصعودا قوم إذا قاتلوا رجالا ... خطوا لأعدائهم لحودا أو ركبوا خيلهم تراهم ... فوارسًا تفرس الأسودا أعناق من سامهم قتالاً ... تضحي لأسيافهم غمودا وأنت من معشر لدينا ... تظل أعناقهم سجودا تحوي لأحسابنا عقوداً ... لله كم قد حوت عقودا لا كان يوم به بلينا ... بحب من تنكث العهودا تنجز إن أوعدت محبا ... لكنها تخلف الوعودا فلا دنو ولا سلو ... إلا هوًى أضمر الخلودا وقال أيضًا: [من الخفيف] أتراها ترق للعشاق ... رحمة من لواعج الأشواق وترى ودها على ما عهدنا ... قبل أن يحدث التفرق باقي /4 ب/ كل يوم أرى بقلبي أشوا ... قا إلى قربها ووشك التلاقي لم أجدها بالأمس فيه فحسبي ... ... ضرة البدر في الهوى ما ألاقي قد حرمنا منك الوصال فجودي ... بخيال من طيفك الطراق إن وهبت الكرى وأقلعت العيـ ... ـن بعوني عن دمعها المهراق فلعل الخيال ينظر سقمي ... فيكون الشفيع لي بالتلاقي وقال أيضًا: [من البسيط] ما بال كتبك لا تأتي لعادتها ... تسر قلبًا إليك الدهر مشتاقا أعاقها غضب أم صدها ملك ... أم قد فقدت فدتك النفس أوراقا ما راق بعدك لي عيش ولا نعمت ... حياة عبدك لا لاقيت ما لاقى

وقال أيضًا: [من الطويل] أتذكرني ليلى كما أنا ذاكر ... لها كل وقت أم تناست وداديا لئن نسيت عهدي فإني لذاكر ... عهوداً لها ترعى وأرعى لياليا فما أنا يا ليلى قطوعًا لقاطعٍ ... ملول ولا مستقصر الود جافيا فيا حبها زدني جوًى واعتبر به ... على غفلةٍ يا حب ليلى فؤاديا /5 أ/ فإن نر فيه سلوة أو تناسيًا ... فقل يا ملولا لا بلغت الأمانيا أأسلو هوى ليلى وليلى حبيبة ... إليَّ لقد خابت ظنون الأعاديا وقال أيضًا: [من المنسرح] دانية الدَّار والمزار بها ... نأي فما الإنتفاع بالقرب والوصل لا يرتجى أصوره ... لبعده في خواطر القلب فالوجد ينمي وما أكابده ... من لاعج الشوق والأسى حسبي غدارة تخلف الوعود ولا ... عطفًا يرجى لها على الصب نأت فزدنا أسى لفرقتها ... إذ كان وشك النوى على عتب ولم يكن لي على تعسفها ... ذنب ولو كان تبت من ذنبي بس فرط شوق إلى مقبلها ... ورشف سلسال ريقها العذب وضم ذاك القوام معتنقًا ... كأنَّه غصن بانة رطب صبا إليها الفؤاد في طرب ... من الصبا وهو دائما يصبي وما قضينا من حبها أربًا ... فليتني قاضيا بها نحبي فما حياة المحب مع غضب ... محمودةً عنده من الحبِّ /5 ب/ وقال أيضًا: [من الخفيف] أترجَّى دنو دارك سعدى ... والتنائي يزيد دارك بعدا وصروف الأيام تحدث بينًا ... كل يوم لشقوتي مستجدَّا ما ثناني عن الوداد صدود ... ولا ولا خنت بالتنائي عهدا فارحمي لوعتي وفرط غرامي ... وارثي لي من جوانح ليس تدا لك مني بدوما إن أرى منـ ... ـك [أ] يا ضرَّة الغزالة بدَّا

شبهوها بالبدر والغصن جهلأ ... هي أسنى وجهاً وأحسن قدَّا علَّ دهري يعيد ما استقرض البيـ ... ـن فشرط القروض أن تستردَّا ويعود الزمان يجمع شملي ... وأرى في جوانب الحي سعدى وتريني من قدِّها خوط بانٍ ... ومن الخدِّ جلَّناراً ووردا وأرى من لحاظها أعين الرِّيـ ... ـم ولكنَّها تصيد الأسدا ولعمري لقد رشفت زمانًا ... من جنى ريقها سلافًا وشهدا وقال أيضًا: [من الطويل] لئن أصبحت عنِّي سليمي غنيَّةً ... ... فإنِّي إليها ما حييت فقير /6 أ/ وإن قطعت حبلي وصلت حبالها ... وكنت صبوراً والمحب صبور عسى يعقب الله اصطباري راحةً ... فقد قيل عقبى الصابرين حبور وقال أيضًا, وقد رحل إلى حمص رسولاً إلى الملك المجاهد أسد الدين أبي الحارث شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي صاحبها في العشر الأول من جمادى سنة ثلاث وعشرين وستمائة, يتشوق إلى أخوته وأهل بالس: [من البسيط] تنمي إليكم صباباتي إذا قربت ... خيامكم ودنت من داركم داري فلا بعدتم ولا شطَّ المزار بكم ... ولا خلت منكم أبكار أفكاري أنتم نجوم سما قلبي وشمس ضحًى ... فيه وفي ظلمة الأحشاء أقماري ثم عاد مرّة ثانية في العشر/6 ب/ الأخيرة من الشهر المذكور، فكتب إليهم أيضًا بهذه الأبيات: [من الوافر] ترى يقضى لنا من بعد بعد ... بأحبابي لقاء واجتماع وتجمعنا الدِّيار كما عهدناً ... وأسرار لدينا لا تذاع ونصبح لا يروِّعنا لبينٍ ... عن الأحباب ما عشنا وداع وقال أيضًا وقد وصله كتاب ولد أخيه وختنه القاضي شهاب الدين من بالس يطلب منه أن يعمل له على وزن هذا البيت الذي من الثلاثة الأبيات التي أنفذها إليهم من حمص: أنتم نجوم سما قلبي وشمس ضحًى ... فيه وفي ظلم الأحشاء أقماري فعمل هذه الأبيات: [من البسيط]

/7 أ/ سقى بلادكم مثعنجر غدق ... ينهل من ديمة وطفاء معطار طال اشتياقي لكوني لم أزر لكم ... داراً ولا أنتم في الدَّهر زوَّاري شوق تجاوز حدَّ الوصف أيسره ... وزاد مقداره عن كلِّ مقدار مضى زماني وما أدركت مألكتي ... من اللِّقاء ولا قضَّيت أوطاري أحبُّكم يا بني عجلان لا برحت ... دياركم آهلاتٍ حبَّ مختار ما شوقكم مثل أشواقي ولا بكم ... وجدكو جدي وتذكار كتذكاري فلا خلوتم مدى الأيَّام ما طلعت ... عليكم الشمس من يسرٍ وإيسار وحيِّي يا ربِّ عبد الله إنَّ له ... جوداً يعمُّ مقيم الحي ِّ والسَّاري وحيِّي والده القاضي وزيد فتًى ... يقري الضُّيوف ويرعى حرمة الجار وفي الوغي تحذر الأقران صولته ... يسعى إليه بقلب الضَّيغم الضَّاري قوام صوَّام مصداق حليف تقًى ... مذ كان من عمره لم يسخط الباري فالشَّيخ منكم ومن شبَّانكم أبداً ... يسود في مهده عارٍ من العار وقال أيضًا من أبيات: [من الرجز] /7 ب/ كلُّ الورى قد فتنوا بحبِّه ... فلا يرى إلاَّ فتى مفتونه فضِّل بالحسن فقل ... إنَّك مع فرط الجمال دونه فيه فنون للأنام جمَّة ... تسبي العقول منهم فنونه أبيت طول اللَّيل لا أنامه ... وبالكرى قد ملئت جفونه أسهر فيه وينام وادعًا ... غالت فؤادي ما جنت عيونه وقال أيضًا: [من المنسرح] كم من حنين إليك مجلوبٍ ... وأنت دون الأنام محبوبي إن كان وجهي وليس ذا ... عن وجهك اليوسفيِّ محجوب فأنت ذخري إن تزل بي قدم ... وخان دهر فأنت مطلوبي فابسط لي العذر عشت في رغد ... من غير عتب وغير تثريب

لست إلى غير سؤددٍ أبداً ... وغير ما تبتغي بمنسوب عماد دين الإله عش رغداً ... ما سقي الرَّوض بالشَّابيب وأسلم ودم للزمان ما قرئت ... طاها وياسين في المحاريبٍ وقال أيضًا: [من مجزوء الرمل] /8 أ/ زارني من غير وعد ... زائر جدَّد وجدي يخجل الغصن إذا ما ... بأعطاف وقدِّ بأبي أفديه واف ... لم يخن مذ كان عهدي ريقه الخمرة طعماً ... في فمي من غير دردي وإذا ما رمت نقلاً ... قال لي: دونك خدِّي وإن اخترت عناقًا ... للردينيِّ فقدِّي وسوى هذا فكلاَّ ... ليس للعشَّاق عندي يا عذولي خلِّ عذلي ... فهو فيه غير مجدي إن غيِّي في هواه ... منتهى غاية رشدي عدِّ إن حاولت سلوا ... نًا فذا عين التَّعدِّي وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] خلع العذار أخو الوساوس ... فيمن لثوب الحسن لابس ظبيُّ يصيد بطرفه ... غلب الضَّراغم والقناعس رشا كغصن أراكة ... ريان لا ينفك مائس /8 ب/ في اللَّيل يخرج في العروً ... س وحين يصبح في الفوارس ما لاح في غسق الدُّجى ... إلا َّ وأشرقت الحنادس طلق المحيَّا باسم ... لكن على العشَّاق عابس في القلب من سطواته ... وصدوده جذوات قابس كم زارني متخفِّيًا ... في خلوة واللَّيل دامس عانقت غصن قوامه ... ورقدت بالإلمام آنس وغطست في بحر العنا ... ق فلتني لا كنت غاطس ورشفت من خمر الرُّضا ... ب سلافةً والجفن ناعس

إن كان قد شطَّ المزا ... ر فلست من عود بايس وتعود تجمع بيننا ... تلك المنازل والمجالس مرغومة بالوصل من ... حسادنا فيها المعاطس إرغام نور الدِّين من ... يشنا سجاياه النَّفائس رسلان شاه غضنفر ... غلب الأسود له فرائس حاز المكارم فاغتديـ ... ـن على معاليه حبائس /17/ ليث إذا حمي الوطيـ ... ـس وبدر تمِّ في المجالس متهلِّلاً للمعتفيـ ... ـن فلا تراه الدَّهر عابس فلجوده ولبأسه ... تتقاعس الصِّيد الأشاوس عش آمنا فلك الإلـ ... ـه ونم قرير العين حارس أمسيت للأ شواق والأ ... تواق من كلف أمارس فأحبُّ قلعة جعبر ... لمليكها وأحبُّ بالس لأخيوةٍ سكنوا بها ... فهم بوحشتها أوانس لا زال يمرع مرجها ... مغدودق السحب الرواجس وقال أيضًا: [من السريع] زاد جمالاً حين دار العذار ... فليخلع العشَّاق فيه العذار وزدت وجداً وغرامًا به ... وأقلع السُّلوان والإصطبار مهفهف القامة ميَّاسها ... عليه مع فرط انخلاع وقار ينتسب الورد إلى خدِّه ... لونا كما ينتسب الجلَّنار فقدت صبري مذ نأت داره ... فهل ترى من جلد يستعار /9 ب/ قولوا له: يرحم ذا لوعة ... كم حيد عنه وكم ازورار ريقته القر قف لكنَّهاً ... لا يشتكي شاربها من خمار وقال أيضًا: [من الخفيف] حجبوها وما الحجاب بمجدي ... برقاقٍ بيضٍ مواضي الحدِّ وبسمر القنا وكلَِ كميِّ ... عنده سطوة الهزبر الورد لا يفيد الحجاب إذ أنت في قلـ ... ـبي ولا والفؤاد مليك نجد

أترى عندك إليَّ غرام ... ... سالب للكرى كمالك عندي وحنين مبرِّح واشتياق ... لا ولا وجدك يقارب وجدي بل لعمري لقد ثناك التَّنائي ... عن ودادي وقد تناسيت عهدي كم تمالوا على الملامة لوَّا ... م تصدَّوا للَّوم بئس التَّصدِّي ينسبوني جهلاً إلى الغيِّ في الحـ ... ـ ـبّش وغيِّي في حبِّ مثلك رشدي وقال أيضًا ابتداء قصيدة: [من الخفيف] ما بكم من صبابتي واكتئابي ... فاقصروا من ملامتي مثل ما بي /10 أ/ واتركوا اللَّوم عذَّلي فهو لا يجلـ ... ـب نفعًا لكم وخلُّوا عتابي أنا مغرًى بحبِّ ميَّاسة الأعـ ... ـطاف تختال في ثياب التَّصابي تخجل البدر إن تراءت بليلٍ ... بابتسام عن الثَّنايا العذاب إن تكن عاملت ذنوبي وودَّي ... ووصالي بالصَّدِّ والإجتناب وأنا الساَّمع المطيع وهل يعـ ... ـصي محبُّ أوامر الأحباب ليس فيها عتب سوى أنَّها الدَّهـ ... ـر عن العين من وراء حجاب وقال أيضًا: [من الخفيف] إن يصدُّوك بي عن الإجتماع ... فودادي لديك غير مضاع وغرامي ذاك الغرام وشوقي ... ونزاعي كما عهدت نزاعي لست أنساك بالبعاد وهيها ... ت سلوِّي وماله من دواعي ليس عندي إلاَّ الأسى ودموع ... سحها مقلع عن الإقلاع وسقام عسى يرقَّ له الدَّهـ ... ـر ووجد تجنُّه أضلاعي وعساه يجود لي منك بالوصـ ... ـل وأحظى به وبالإرتجاع وتعود الدِّيار تجمع شملي ... بك يا منيتي وبالأطماع /10 ب/ وأراني معانقًا للتلاقي ... منك قدَّ القضيب لا للوداع راشفَا من رضاب فيك سلافًا ... سلسبيلاً يشفي من الأوجاع هذه الحلُّ ليس ما تطبخ النَّا ... ر وقدمًا أحلَّها الأوزاعي أنت بدر الدجى ووجهك فينا ... هو شمس النَّهار ذات الشُّعاع عشت لا ترتقي إليك المنايا ... وبخطب من الرَّدي لا تراعي

وقال أيضًا: [من الخفيف] من مجيري من الغرام الَّذي بي ... والَّتي بي قد صيَّيرته نصيبي ظبية الأنس لا الكوانس ترعى ... في ذمام الغرام حبَّ القلوب ثغرها للأقاح بل للآلي ... يتلالا وريقها للضريب فهي بدر الظَّلام عند التَّجلِّي ... وهي شمس النَّار عند الغروب إن تثنَّت يهزُّ من لين قدَّ ... غصن بأن مرَّكبًا في كثيب لست أخلو إذا تراءت لعيني ... يا لقومي من كاشح أو رقيب يعتريني الحنين نحوك إن هبَّـ ... ـت رياح من شمال لا جنوب يا ليالي الوصال أوبي فقدآ ... ن ليالي وصالنا أن تؤوبي /11 أ/ وتعود الدِّيار تجمع شملي ... عن قريبٍ بالحاجب المحجوب وقال أيضًا: [من الطويل] لعلَّلك جفن العين للنَّون تسرق ... عسى طيفها في آخر اللَّيل يطرق وأشكو إليه ما أجنُّ من الجوى ... وفرط صباباتٍ خباها التَّفرُّق مهفهفة الأعطاف أفنى تجلُّدي ... وفلَّ شبا صبري إليك التَّشوُّق وأصعب ما ألقاه في الحبِّ أنَّني ... أخاف انتهاك السِّر فيه وأفرق إذا رمت كتمان الغرام سعت به ... على الرُّغم منَّي عبرة تترقرق ونمَّ به سقمي وفرط صبابتي ... فلا ينفع الكتمان والحال تنطق فإن قلت لا والله لست بعاشق ... وقد جزت سبعينًا من العمر أعشق يقل من لسان الحال يكذب قائل ... وربِّ الصَّفا والمروتين وأصدق وقوله: [من السريع] منيت بالوصل وعفت الفراق ... فكمِّلي إحسانك بالعناق وسامحي الصَّبِّب ولا تبخلي ... فعنده فرط جوًى واشتياق بقبلة تحيا بها روحه ... وإنَّها من حرق في السَّياق /11 ب/ أو رشف ريق راق ترويقه ... يضوع كالمندل عذب المذاق ماذا على قومك لورقَّ لي ... قلبك يا لمياء مما ألاق

هل سمت إلاَّ قبلةً سنَّها ... مشايخ العشَّاق عند التَّلاق إن يغضبوا منها وإن يعتبوا ... فالقوم حقًا ما لهم من خلاق وقال: [من الطويل] أتتنا خيول بالبشارة تسبق ... وأنت إلى شأو المعالي أسبق وكان بنا نحو البشير تشوُّق ... رقيق الحواشي حين طال التَّفرُّق وقوله من أول أبيات: [من الخفيف] عاود القلب وجده والخفوق ... حين لا حت من الغوير البروق وتراءت للعين أعلام سلع ... وبدا حاجر ولاح العقيق وبرأس الجرعاء بانَّ فريق ... وتوارى بالأبرقين فريق أذكرته الأحباب فارتاح شوقًا ... وحنينا منه الفؤاد المشوق وكذا كلُّ مغرم القلب يشتا ... ق ومن لا يشوقه المعشوق /12 أ/ غادة للقضيب منها التثنِّي ... ولظبي الفلاة جيد وموق ريقها للمحبِّ في آخر اللَّيـ ... ـيل مدام وثغرها الرَّاووق أنا سكران حبِّها ليت أنِّي ... دائم السُّكر في الهوى لا أفيق لا يرجِّي العذول منِّي سلوُّاً ... ما إلى القلب للسلوِّ طريق وقال: [من الوافر] سلاها لم تجنَّبت الوصالا ... وآثرت القطيعة والملالا وأظهرت التَّجنب لا لجرم ... أهجرانا أرادت أم دلالا فيا شبه القضيب إذا تثنَّت ... تحاكيه قوامًا واعتدالا حكيت لنا الغزالة حين تبدو ... وأشبهت الغزالة والغزالا هواك هدًى وكلُّ هدًى سواه ... فلا أعتدُّه إلاَّ ضلالا لقد حلَّلت إبعادي وهجري ... وحرِّمت التدَّاني والوصالا فكنت كمن أحلَّ دمًا حرامًا ... وحرَّم من جهالته الحلالا وقال أيضًا وقد وصله كتاب من /12 ب/ أخيه جمال الدين أبي الحسين في المحرم سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وفيه أبيات شعر فكتب إليه أبو سعد هذه الأبيات

في الوزن والروي وهي: [من الوافر] لثمت كتابك المحبوب عشراً ... وبات معانقًا سحري ونحري فبلَّ غليل وجد واشتياق ... قليلهما يقلُّ لديه صبري إذا ما مرَّ يوم لا أراكم ... فليس أعدُّه من بعض عمري فكيف إذا انقضى شهر وشهر ... بفرقتكم وشهر بعد شهر وقد ملا الأسى والشوق قلبي ... كما أن الصبابة حشو صدري فما عذري إلى إخلاص ودِّي ... وفرط محبَّتي يا ليت شعري هي الأقدار لا تجري بحكمي ... يجود ويجمع شملي علَّ دهري فتورق بالدُّنو غصون وصلي ... ويسفر بالتَّلاقي وجه بشري /13 أ/ وعد من بالشَّباب يعود حتما ... إذا اشتملت علينا الدَّار مثري فعن كثب تبلغني اللَّيالي ... مرادي تستديم دوام شكري واستغني أخيَّ إذا التقينا ... عشيَّية جمع شملكم بنصر أخي ودِّ محبِّ غير جاف ... وفيِّ ير ملتحفِّ بغدر ولا والله ما جنحت بصدِّ ... له نفس ولا سمحت بهجر عليكم أخوتي منِّي سلام ... ... سلامًا لا يزول بمستمرِّ وله أشعار كثيرة في الأزجال والدوبيت وقوله في الدوبيت: [من الدوبيت] كم يأمر بالكتمان في زيِّ نصوح ... والحبُّ دليله على الوجه يلوح بسي بسِّي أريد يا صاح أبوح ... قد ضَّربي الكتمان في شره يوح وقال أيضًا في المعنى: [من الدوبيت] /13 ب/ كانت بكم تلذُّ لي أوقاتي ... في الجلوة تارة وفي الخلوات يا مشبهة الهلال يا مولاتي ... لولا حذري لكنت من حاجاتي [856] نصر بن أبي النجاة, أبو الفتح الأخميميُّ من أهل الديار المصرية.

كان فقيهًا على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه- عالمًا فاضلاً شاعراً جيداً مطبوعًا في الشعر, يمدح ويسترفد الكبراء والأعيان بقوله، نحويًا أديبا يحفظ كثيراً من الكتب الأدبية من جملتها كتاب "المفصل" لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري, وكتاب "المقامات" لأبي محمد القاسم بن علي الحريري، وغير ذلك من الكتب والأشعار مع أخذه بأوفر نصيب من الأدب وعلم العربية. أقام بدمشق زمانًا طويلاً ثم خرج منها ونزل الموصل فسكنها ثم عاد إلى دمش فاستوطن الإقامة بها في المدرسة الأمينيّة وسكنها برهة من الزمان. ثم انتقل إلى بيت المقدس- حمى الله حوزته- ولم يزل بها مقيمًا إلى /14/ أن توفي- رحمه الله تعالى-. أنشدني من شعره الشيخ أبو محمد عبد العزيز بن عمر بن مقبل بن الفقاعي الموصلي بها في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة بمنزله- رحمه الله تعالى- قال: أنشدني أبو الفتح نصر بن أبي النجاة الأخميميّ لنفسه في ربيع الآخر سنة أربع عشرة وستمائة بالموصل يمدح معين الدين أبا علي الحسن ابن شيخ الشيوخ بمصر: [من الرمل] هاجع المقلة هب جفني الوسن ... ... فغرامي سرُّه فيك علن وسوى حبِّك في قلبي ما ... حلَّ والله ولا فيه سكن أنت يا صارف وقتي شغلاً ... عوض لي عن خليل وسكن لان قولي لك عتبًا مثلما ... لنت أعطافًا ولمسًا وبدن وجزاني بعد ليت وعسى ... منك يا مسقم جسمي لم ولن أحلال لك تجفو مغرمًا ... ... بهواه وجواه مرتهن وبداريك ولا تسأم من ... جور صدَّ وإثارات الفتن سيف أجفانك ما أقتله ... أترى أستلَّ شباه ذو يزن /14 ب/ عقد أيمانك كم تنقضه ... وتلاشيه بضعف ووهن وعذول فيك أزريت به ... فانثني مغضب قلب ممتهن قالوا: تفوه وتغترُّ به ... وهو يغري بك في الحبِّ المحن قلت أهواه وأهواه ولا ... يلج الجنَّة إلاَّ ممتحن

العذاب العذب التذَبه ... ... ولو أني مودع طيَّ كفن وامتداحي وولائي مخلصًا ... لمعين الدِّين ذي المجد حسن الجواد الباسط الكفَّ الذي ... بالأيأدي فرض البذل وسن واستوى فوق علاه جالسًا ... فروى الرِّفعة فيه عن وعن فهو من أصبح يعلو شرفًا ... وأبوه وأخوه من ومن والذي أوضح للسالك في ... سبل الخير طريقًا وسنن لا يساويه مساو مثلما ... لا تساوى دار عدن بعدن الحياء المحض والعفّضة والـ ... ـعلم والحلم وتقليد المنن والسخاء الهامر الهامي النَّدى ... الَّذى ينبت غبراء الدَّمن طاب أصلاً وزكا فرعًا وهل ... حسن يوصف إلاَّ بحسن /15 أ/ كأبيه طاهر الجيب فما ... ينطوي فيه على خبث درن وجهه انور من شمس الضحى ... لا يرى فيه عبوس بغضن لو رآه يوح يبدو ساطعًا ... ... نوره خر سجوداً للذقن أو أتى في زمن صحبته ... ... توجب الذم كما ذم الزمن يا معين الدين يا أشرف من ... قرَّ في مهد علاه واستكن ما الرُّبي ضاحكة أزهارها ... حاكيًا ملبسها عصب اليمن مطربات بالغنا أطيارها ... باعثات كلَّ صوت من فنن كلما مر بسمعي سامع ... هاج للقلب حنينًا وشجن مثل أوصافك نبلاً ونهَّى ... وبهاءً وذكاءً وفطنً فالتزم سعدك يرجى ثابتًا ... والق أعداءك منه بجنن وأبق ما حنَّ غريب وثنى ... طرفه الشوق إلى نحو وطن وقال أيضًا في الفلك أبي القاسم عبد الرحمن بن هبه الله بن المسيري /15 ب/ المصري حين خلع عليه ببغداد الخليفة أمير المؤمنين المستنصر بالله أبو جعفر المنصور بن محمد بن أحمد- رضي الله عنه- وجاء إلى دمشق ولازم التخرق بدروبها.

والخلعة عليه والإعلام خلفه: [من المنسرح] جاء رسول من عند محتسب الـ ... ـبلدة في خفية إلى الفلك وقال: هذا الذي أتيت به ... يلزمني منه غاية الدَّرك تمشي بأعلامك المشومة في السُّـ ... ـوق ولا غازيان في السِّك ما عازك اليوم غير دبدبة ... وتغتدي ضحكة من الضَّحك يضرب من حولك الصِّغار بها ... وضحكهم نصفه على الملك وأنت تدري بأنَّني رجل ... آخذ أمري بالدِّين والنسك ولا أغش السُّلطان في عمل ... وذاك من شرِّ ما روي وحكي فالجحش والقنبريس قد حضر ... ودرَّتي في يدي وأنت ذكي [857] أبو نصر بن اللعُّبيَّة الهمامُّي والهمّامية قرية من قرى واسط. أنشدني الأمير شرف الدين أبو حفص عمر بن أسعد بن عمّار الموصلي بها، قال: أنشدني إبراهيم بن يوسف الحرُّاني، قال: أنشدني أبو نصر اللُّعبيَّة الهمّامي لنفسه: [من الطويل] كتبت ومالي من خليل أودُّه ... سوى صاحب يختار مصر مقامه ترنِّحني رياَّه إن هبَّت الصَّبا ... ويذكرني لمع البروق أبتسامه وأنشدني، قال: أنشدني إبراهيم، قال: أنشدني أبو نصر الهمّامي لنفسه: [من البسيط] يا من يكلِّفني ما ليس في سعتي ... ومخلفي لشقائي فيه ما وعدا تخاف منك الرَّدى نفسي فواعجبا ... أنت المخوف ففيما تحمل العددا لحاظ عينيك تصميني بأسهمها ... فما لخدَّيك دوني تلبس الزَّردا/16 ب/

ذكر من اسمه نصر الله

ذكر من اسمه نصر الله [858] نصر الله بن أسعد بن نصر الله بن عامر بن ابي البركات بن المجلِّي، أبو الفتح البلديُّ. تفقه على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه- بالموصل، وتأدّب ثم صار إلى الصاحب كمال الدين أبي الكرم محمد بن علي بن مهاجر الموصلي يكتب له الإنشاء، وصحبه إلى أن مات. شاهدته بحلب مرةً واحدة، وهو شاب أسمر، قد نزل بعارضيه الشيب. وسألته عن ولادته، فقال: ولدت ببلد فيسنة خمس وتسعين وخمسمائة. وأنشدني لنفسه من قصيدة يمدح بها الملك الناصر داود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب: [من الطويل] إليك قطعنا البيد يا ابن المعظَّم ... على كلِّ حرف كالحنية مرزم وخضنا بلاداً طال بالماء عهدها ... ولما تطاها غير عاد وجرهم عليها فتيُّ كالقسيِّ من السرُّي ... نشاوى من الإدلاج ميل المعمَّم إلى الملك داود بن عيسى الَّذي غدت ... محبته فرضَّا على كل ِّ مسلمد/17 ب/ وهي قصيدة طويلة، ولم ينشدني منها غير ما أوردته، لأنه لم يكن في الوقت سعة لأعلق عنه شيئًا سواها. وقال يرثي المعين أبا القاسم علي بن الصاحب كمال الدين محمد بن علي بن مهاجر وقد استشهد على أيدي التتار الملاعين- خذلهم الله تعالى- بسنجار: لعَّل عصيَّ الدَّمع يومًا يساعد ... ليرتاح محزون ويسعد واجد.

وهب أنَّ عاصيه اجاب مساعداً ... أما النَّوم عن أجفان عيني شارد وهب أنَّ عيني عاود الغمض جفنها ... أما الدَّمع منها في النُّحور قلائد ترجَّ ولكنَّ الفتى ليس مدركا ... بحكم يرجِّيه الذي هو فاقد أبا قاسم إنِّي عليك مولَّه ... طوال اللَّيالي ساهر الجفن ساهد أبيت على جِّمر تضمَّنه الحشا ... وليس له إلا زفيري واقد /18 أ/ ولم لا وقد كنت المعين على الرَّدى ... وكلُّ بهذا القول مثلي شاهد سموت إلى العلياء حتَّى بلتها ... بعزمٍ له الآراء زند وساعد ولم ترض في الدُّنيا مقامًا فحزتها ... غلى جنَّة فيها مقامك خالد ولم ترض أبناء الزَّمان خوادمًا ... وخدًّامك الحور الحسان النَّواهد ويوم قتال الترك حاميت دوننا ... وجاهدت لمَّا لم يكن من يجاهد وذدت عن الإسلام بالبيض والظُّبا ... فللَّه حام من ظباك وذائد وأمسيت محمود السجايا ممدَّحًا ... ... تشابه مولود كريم ووالد فما أنا بالناسيك في لبقرب والنَّوى ... وغن كان يسلي من سواي التَّباعد فكفَّ ملامي لائمي عن مفجَّع ... ترقُّ له ممَّا يلاقي الحواسد ولا تطلب السُّلوان منه وخلِّه ... يكابد من أشجانه ما يكابد ومنها: سقى جدثا أضحى بسنجار كعبة ... سحائب تحدوها غليه الرَّواعد وروَّاك من كفِّ الوزير غمائم ... إذا ضنَّت الأنواء هن موارد وهي أكثر من هذا. [859] /18 ب/ نصر الله بن علي بن نصر الله بن عليِّ بن عبد القاهر بن المجلى، أبو الفتح بن أبي الحسن الموصليُّ، المعروف بابن السمين. كان فقبهًا حنفيًا حافظًا للقرآن الكريم، درس فقه الإمام أبي حنيفه- رضي الله.

عنه- بالمدرسة البرسقية بالموصل، جوار باب المشرعة على دجلة. سألته عن ولادته، فقال: ولدت في ثامن رمضان سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وذكر أنه ممن يجتمع نسبه بنسب الأمير شرف الدولة أبي المكارم مسلم بن قريش العقيلي. وكان رجلا شديد صفرة اللون مائلاً إلى السمرة. اجتمعت به غير مرّة وسألته إنشاد شيء من شعره فأنشدني كثيراً منه، إلاّ أنًّه لم يكن في ذلك الوقت فسحة مجاًل لأعلقه عنه، ثم توجهت إلى البلاد الشاميّة، وخبرت أنًّه توفي- رحمه الله تعالى- ومما أنشدني لنفسه وظفرت به في بعض التعليقات قوله: [من الطويل] /19 أ/ سلام وإن لم يشف حرَّ أوامي ... تحيَّة مشتاق ورجع سلام سلام كما مرَّ النَّسيم بنشركم ... يضوع بوجدي ناهض وغرامي على عيشة ولَّت بكم فكأنَّها ... بعيني وإن طالت حديث منام ألا قاتل الله الفراق فكم رمى ... صحيح فؤاد بعدكم بسقام وأغطش ليل الوصل بعد أبيضاضه ... وأيَّامنا محفوفة بظلام [860] نصر الله بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن أبي الفرج بن الحسن بن عليِّ، أبو البركات الأنصاريُّ، المعروف بابن الحنبليِّ. من أهل دمشق وأشهر بيت بها. الشيخ الفقيه الأديب. فقيه محسوب مع الفقهاء، وشاعر معدود من جملة الشعراء، جيد المقاصد، حسن المصادر والموارد. سافر إلى بلاد اليمن واتصل بخدمة الملك العزيز أبي الفوارس طغتكين بن أيوب بن شاذي- سلطان اليمن- واختص به، واكتسب منه مالاً طائلاً ورزقاَ واسعًا، ثم عاد إلى دمشق، وتوفي بها قبل سنة عشر وستمائة. ومن شعره فيه يمدحه سنة/19 ب/ ثمان وثمانين وخمسمائة: [من الوافر] سقى بردى وواديها سحاب ... ملثُّ القطر هطَّال رباب

وروَّى النَّيربين فبيت لهيا ... بغيثٍ لا يغبُّ له انسكاب إلى الشَّرف المنيف فما حوته ... جواسق كلُّ ما فيها عجاب معاهد لذَّتي ومقر ومقرُّ أنسي ... وإخوان بهم طابت وطابوا ومنها: يكاد القلب من فرط اشتياقٍ ... يطير لها كما طارت عقاب فكم من ليلة نادمت فيها ... رشًا في مثله عذب العذاب له من خصره فينا انعطاف ... ومن أردافه عنَّا انجذاب أرى ما أعوزتنا الرَّاح يوما ... فريقته لنا عنها مناب خلوت به ولا أرب سوى ما ... يطارحه من الوجد العتاب ومنها: وكعبة لذَّة تجلو عجوز الـ ... ـكروم لنا بها خود كعاب بليل عاد كالبازيِّ لونًا ... بها وبراحها وهو الغراب /20 أ/ تغازلني عيون العين فيه ... ويرفع بالحواجب لي الحجاب قصرت على الغنا ما طال منه ... إلى أن شاب وانتقل الخضاب غنينا بالغناء عن الغواني ... ولم نلمم بما تحوي الثِّياب وأسفر صبحنا يحكي محيَّا الـ ـ ... ـعزيز الملك أطلعه الإياب هو الملك الجواد بما حواه ... إذا ما ضنَّ بالغيث السَّحاب جميل الذِّكر ذو رأي سديد ... يهون به إذا فعل الصَّواب يدلُّ عليه في الجلَّى سناه ... وهل للبدر في الظُّلم احتجاب واروع لا يخاف هجوم خطبٍ ... عليه لا يعيب ولا يعاب إذا ما عدَّدوا الأملاك طرّاً ... غدا ترب السُّها وهم التراب تخرُّ الصِّيد من رهب لديه .. وتعنو حين يرتفع الحجاب ماثر لو أردت لها حسابًا ... تقاصر عن إحاطتها الحساب فداؤك كل ذي عرضٍ مهيب ... لراجيه وعرض لا يهاب وهي قصيدة طويلة وهذا القدر منها كاف.

[861] نصر الله بن محمد بن بابا، أبو الفتح بن أبي بكرٍ الأسعرديُّ من أهل ديار بكر. كان شاعراً متسعًا في القوافي، قوي النفس، طويل الباع في نظم القريض صاحب قدرة على إنشائه، سمّى نفسه "مادح الرحمن" لأنه استفرغ جميع شعره في الله- عّز وجل- والثناء عليه والتوحيد له سبحانه وتعالى. ولم يتعرض لمدح أحد من العالم البتة، وديوان أشعاره كبير الحجم. أقام بالبلاد الشامية زمانًا طويلاً، وكتب الناس كثيراً من شعره، ورووه عنه، وسمع الحيص بيص الشاعر، ونزل دمشق وكتب عنه من شعره العماد أبو حامد محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصفهاني، وأثبت ذكره في كتابه "ذيل الخريدة وسيل الجريدة" وأورد له أبياتًا في التوحيد والزهد والاعتبار، وغير ذلك. أنشدني الشيخ الخطيب أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر بن إسماعيل القرطبي ثم الدمشقي بها- رحمه الله تعالى- من /22 أ/ لفظه- وذكر لي أنَّ جميع ديوان شعره، سمعته عليه، قال: أنشدني أب الفتح- مادح الرحمن- لنفسه، من قصيدة أولها في التوحيد- عّز جل-: [من الكامل] عُّز توحَّد قبل كلِّ موحَّد ... وعلا بمجدٍ بعد كلِّ ممجَّد ودوام مولًى لا يدوم بقاؤه ... لمَّا يلد أحداً ولمَّا يولد ملك محامده بعيد نيلها ... وعطاؤه سهل قريب المورد تفني الصِّفات ولا تحيط بوصفه ... أيحيط ما يفنى بما لم ينفد ويكلُّ فهم العقل عن إدراكه ... ويعود عنه بحيرة وتلدُّد رب كريم ما يخيب سائلاً ... ... فاضرع إليه بذلَّةٍ وتعبُّد واطلب عظيمًا من عظيم جلاله ... وارغب إليه وزده حمداً تزدد

وانظر إلى أكوانه من فوقنا ... وقيامهنَّ وما دعمن بأعمد ونرانها بكواكب كمواكبٍ ... يهدي بها الرَّحمان لبَّ المهتدي إنَّ الصَّنائع بدؤها من صانعٍ ... إذ كلُّ تشييد فعال مشيِّد وبوسعها يومي إلى فهم الورى ... أنَّ التَّوسُّع من وفيِّ الموعد /22 ب/ وبقهر صانعها تذلُّ ولطفه ... ببديع إتقانٍ بها وتأيُّد وطلوعها ستًا مقابل ستَّة ... ... وسعافها عن لؤلؤٍ وزبر جد وبشمسها وهلالها في عرضها ... ما بين منحدرٍ بها أو مصعد وبريِّسيها المشتري وعطاردٍ ... وكبيرها زحلٍ عقيد الأسعد وبحمرة المرِّيخ في أكنافها ... ... وبياض زهرتها البهيِّ الموقد وبشعرييها جنبتي جوزائها ... وبجديها وسهيلها والفرقيد وبما تجمع في الثُّريَّا عبرة ... من شبه عنقود وحقَّه عسجد وبأنجمٍ في فيحها كمارقٍ ... تردي بشهب النَّار كلَّ ممرَّد وبفجرها الموفي على أكنافها ... كالوجه يطلع من بجادٍ أسود حكم تدل على حكيمٍ قادر ... وقنادل تطفى بيوم الموعد تزري ببطليموس في أحكامه ... ... ومقاله بالظَّنَّ لا عن مسند إن قال عقل أوَّل وجدت به ... نفس وأفلاك بغير تقصُّد كلُّ بدا من غيره بضرورةٍ ... فالعقل يدفع ذلك الظَّن الرَّدي إذ كل عقل فاعل عن قوَّةٍ ... ... عقلاً ونفساً بالدَّوام السَّرمد /21 أ/ لو صحَّ ذلك لم تكن أفلاكها ... معلومةً كلاَّ ولم تتعدًّد أو قال من غرب تسير نجومها ... فالحسن يقطع حدس ذاك الملحد أو ما تراها طلَّعًا من شرقها ... ... وتغيب في حمأ وثأط حرمد أو قال مجتمع الكواكب محدث ... ريحًا تعفِّي أثًر كلِّ موطَّد فقد اجتمعن وما أثرن تغيُّراً ... كلاَّ وحرَّكن طاقة غرقد

هيهات بل بإرادة من قادر ... ما في الوجود وفعل ملك موجد فيما أتانا عن نبيِّ صادقً ... وكتاب وحيٍ بالبيان مؤيَّد وهي قصيدة طويلة، وفيما ذكرنا منها فيه كفاية وغنى. وقال في مناجاته ودعائه لله- جل جلاله وتقدست أسماؤه: [من مجزوء الكامل] مولاي رِّبي خالقي ... ملكي مجيري يا معيني يا من لطائف برِّه ... تشفي الفؤاد من الشُّجون /21 ب/ لولاك تعطف بي قلو ... ب الخلق ب لم يقبلوني فارحم وجد لي بالرِّضا ... والنَّصر في دنيا ودين فلأنت أهل للعطاء ... ولست بالملك الضَّنين إنِّي أرى حسناك لي ... ... يا ربِّ في كلِّ الفنون وأرى يقيني في علاك ... ... جميع ما أخشى يقيني وقال أيضًا، وقد أشار عليه إنسان بمدح بعض الملوك الوزراء، ورغبه فيما لديهم فأنشد: [من الكامل] يا مالكي أعجزت شكري بالَّذي ... أوليتني في عود أمري والبدي وتفيدني إن شئت رزقًا واسعًا ... تغني يدي عن أن تمدَّ إلى يد أنت الَّذي وفَّقتني ومنحتني ... وجعلتني بثناء مجدك أرتدي وفتحت لي من وصف عزمك مشربا ... في ورده فكري يروح ويغتدي إن حار فهمي فهو معذور ومن ... ... يحوي القديم بهالك متجدِّد /23 أ/ صمد إذا طرت الهموم بخاطري ... داويتها بمديحه المتمجِّد ولعلَّ رحمته وما آيستها ... تردي الرَّوائع عن فؤادي المكمد ويصون ماء الوجه عن إهراقه ... ... ويعيد لي فينان عيش أرغد فيداه أوسع منحةً من غيرها ... وجداه أنفع نجعةً للمجتدي قال: امتدح غير الإله مناصح ... فرشدت حين عصيت قول المرشد أأروم غيرك يا إلهي مادحًا ... للخلق فضَّ فمي إذاً بالجلمد فلكم لطفت بضعف عبدك منَّة ... أجهدتها شكري ولمَّا تجهد

ثمَّ الصَّلاة على الرَّسول إلى الورى ... ... طرّاً وخير العالمين محمَّد "صلى الله عليه وسلم". وقال وقد خذله بعض أصدقائه، ففرَّ إلى الله تعالى: [من الخفيف] يا إلهي عبيدك البائس الأضعـ .... ـف يبغي إليك منك فرارا غير أنِّي تخذت وجهك يا مو ... لاي لي من حوادث الدَّهر جارا [ومقر بذنبه ليس بالجا ... حد ما قدَّمت يداه اختيارا] /23 ب/ لم أجد لي من الأنام مجيراً ... فاستخرت المهيمن القَّهارا فأنا اليوم جار من ليس في الأرض ... بجارٍ أعزَّ منه جوارا يا إلهي وأنت أكرم من سا ... ... قت إلينا القرائح الأشعارا إن أكن مذنبًا هجومًا فما زلـ ... ... ـت لمن تاب راحمًا غفَّارا أو أكن قد ظلمت نفسي فقدمًا ... كنت مولاي ماحيًا ستَّارا فاعف عنِّي فأنت أرحم لي منِّـ ... ـي يا ربِّ منَّةً وانتصارا كيف ما تصرف الحوادث عنِّي ... وإلهي يصرِّف الأقدارا مالك المالكين مولًى إذا ما ... فكَّر القلب في تعاليه حارا وصلاة الإله تترى على أحـ ... ـمد ما طارد الظَّلام النَّهارا وقال أيضًا على وزن قصيدة عدي بن زيد التي أولها: أيُّها الشَّامت المعيِّر بالدَّهر .......................... فعارضها بقوله: [من الخفيف] /24 أ/ دع خداعًا يغريك فيه الغرور ... وتفكَّر فيما إليه تصير فمتاع الدَّنيا قليل وخير الـ ... ... ـفوز خير هو المحلُّ النَّضير أي عيشٍ يلذُّ للمرء والآ ... خر قبر ومنكر ونكير وقيام من بعده وحساب ... وصراط وجنَّة وسعير

إنَّ قومًا قد هدِّدوا بجحيم ... وبيوم أهواله تستطير لجدير أن يهجروا الغمض واللَّذَّ ... ة والأمن فالحياة غرور أجميل لعاقل أن يلاقي اللَّـ ... ـه يوم الجزاء وهو فقير أفينسي ما قد جناه وقد أحـ ... ـصي عليه النَّقير والقطمير أفيرضى بأن يعيش بعيشٍ الأ ... تن مغزاه منكح وشعير أو ما شاهد الَّذي أمسك الما ... ء وأوقاته مضت تبذير بينما هم يقبِّلون ثغور الـ ... ـبيض أفضت إلى التَّراب الثُّغور مال عن مالك جذيمة كرها ... لاختيار وهو الشجير السَّمير وكذا الفرقدان سوف يروَّعن ... ببينٍ إذ السَّماء تمور هكذا الدَّهر لا يديم نعيمًا ... إنَّما العاقل العمول الصَّبور /24 ب/ أين كسرى وتبَّع وبنو الأصفر ... أين النُّعمان أين السَّدير أين عملاق والألى من بني عا ... د وأين الزَّبَّاء أين قصير أين فرعون أين هامان ذو الصَّر ... ح وأين الأنهار أين السُّتور كم رحى للمنون دارت على دا ... راوكم قيصر رمته القصور ثمَّ ثنَّت بال جفنة فالجفـ ... ـنة من بعدهم خلاء بور وكذا مأرب خلاء من الأز ... د خراب يسفي عليه المور ثمَّ عاد من بعدهم وثمود ... لا اقشعرَّت بعد الهلاك الدُّور وملوك من بعدهم عمروا الأرض ... فأين العمَّار والمعمور طحطح الموت عزَّهم فثووا في ... قعر غبراء والجدود عثور لم تدافع جنودهم نكبة الـ ... ـدَّهر ولا جزؤها العشير العشير سرح الدُّود في العرانين منهم ... مذ حوتهم صفائح وقبور هذه [شيمة] الزمَّان فما يبـ ... ـقى عليه مؤمَّر ووزير ليس يبقى سوى إلاه عظيمٍ ... ما تخطى إلى حماه الدُّهور ملك ثابت الأواحي إذّا ما ... ... زلَّ بالمالك العظيم السَّرير /25 أ/ كان قبل الأكوان مولى رحيماً ... وهو بعد الآباد حي قدير لا شريك له تعالى ولا ضد ... ... نديد ولا شبيه نظير

محسن بالمسيء إن تاب قهَّا ... ... ر لذي الكبرياء ياء فهو الكبير أحد يستلذ ذكراه ذو اللُّـ ... ـبِّ وتبيض من ثناه السطور ملك كلَّما تعمدت مدحيه ... احتسابا يحار فيه الضَّمير لا تداني الأوهام تكييف عليا ... هـ فكيف التَّمثيل والتَّصوير آخذ باليدين من عثرة الدَّهـ ... ـر يداه المبسوطتان تمير صمد أرتجيه يفرج كربي ... ففؤادي ممَّا يلاقي كسير ماجد تدهش الخواطر فيه ... وتظلُّ الأفكار حيرى تدر يعلم الوهم إن تحرَّك في الفهـ ... ـم وما تنطوي عليه الصُّدور يتقيه الوجود جمعًا ومن فيـ ... ـه ويعيى عن وصفه التَّفكير لا كمن تسلب الحوادث علياه ... فيبقى وهو المهان الحقير واحد ماجد جواد كريم ... محسن منعم سميع بصير أول آخر معيد مبيد ... قادر قاهر مجيب مجير /25 ب/ قابض باسط رؤوف عطوف ... ... عالم حاكم عفو غفور يعجز العقل عن دراك تعاليـ ... ـه كما ضاع في علاه الخبير علمه مدرك لما ذرَّ في البـ ... ـرِّ وما غمَّضت عليه البحور عزَّ ذ الطَّول عن حياز مقالٍ ... فلجول الأفكار فيه قصور وانثنت حيرةً وتاهت فما تحـ ... ـصي ثناء وبان فيها الفتور من هو الذِّهن عند نعت عظيم ... خوف بأسائه الجبال تسير فالزمن مدحه وإن مسَّك الذ ... لُّ فما دام شدَّة وحبور قل ولا بأس إن تأخَّر وعد ... فمتاع الدُّنيا حقير يسير فله نفحة يفك لها العا ... ني حنوّا ويطلق المأسور فكأنِّي بجائزاتك قد جئـ ... ـن من الله والسُّرور بشير واتَّئد ويك والثم الأرض ذلاً ... أفتدري بمن بمدح تشير ذلك الله ذو المعارج والطَّو ... ل الَّذي لم تضع لديه الأجور وصلاة الإله تترى على أحـ ... ـمد ما بشر الصَّباح المنير "صلى الله عليه وسلم".

وقال أيضًا: [من الطويل] /26 أ/ إذا أنا لم أخلص لرِّبي قصائدي ... ... فمن يخلص قلبي له أبداً قصدا أرى الغيَّ تعظيمي سواه ولا أرى ... ... لغير ثنائي فيه نجحًا ولا رشدا فصيَّرت تعظيمي وذلِّي بوجهه ... وحمدي ومدحي عند مولاي لي عهدا أرجِّيه في الدُّنيا معيني وناصري ... وفي الحشر أرجو أن يبوِّئني الخلدا جعلت غرامي في مديح جلاله ... فلم أنعت لبينى ولا سعدى وظلَّ فمي لمَّا تلوت ثناءه ... يضوع ولا دانيت مسكًا ولا ندَّا وحار به فهمي فأرعد خاطري ... فكلَّ ولا يحصي لأوصافه عدَّا وأذعن عجزاً عن دراك نعوته ... وليس عليه غير أن يبلغ الجهدا وكيف يجوز الوصف مجد معظَّم ... ... ولا حدَّ من آلاوه جازت الحَّدا وكان ولا كون تبارك مجده ... قديما كريمًا ماجداً صمداً فردا ولمَّا انتهى من وصف مدحيه خاطري ... وطرَّب في أوصافه وضع الخَّدا رأى أنَّه لمَّا ارتضاه لمدحه ... حوى الطَّائر الميمون والطاَّئر السَّعدا تعفَّر شكراً إذ حماه إلهه ... فلم يلبس المخلوق مدحًا ولا مجدا علام أما يكفى موارد جوده ... لمن يبتغي الإرفاد يجعلها وردا [بلى وصلاة الله ما ذرَّ شارق ... على أحمد المختار أتعبها وخدا "صلى الله عليه وسلم"]. [862] /26 ب/ نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشَّيباني، أبو الفتح بن أبي الكرم الوزير الكاتب المنشئ المعروف بابن الأثير.

هو وأخواه أبو السعادات المبارك، وأبو الحسن علي أبناء محمد الأثير، كلُّ منهم كان فاضلاً إمامًا في العلم كثير الجاه والحرمة. وكان أصلهم من باعيناثا من أعمال الجزيرة العمريّة. وأبو الفتح استظهر القرآن العزيز، وشدا طرفًا من الأدب وعلم العربية وسمع الحديث النبوي على أخيه أبي السعادات. وأخذ معرفة الحساب على الإمام أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن وهبان الأنصاري الجزري، وجالس الشيخ أبا الحرم مكيّ بن ريّان النحوي المقرئ الماكسي بالموصل، وقرأ عليه شيئًا. وحفظ من أشعار الجاهلية والعربية وأشعار المحدثين والأحاديث النبوية والأمثال والِّسير صدراً وافراً. وعانى فن الترسُّل وصرف همته إليه طول عمره فبرَّز فيه تبريز المفلقين حتى أعجز المتقدمين وسلك فيه طريقة لم يسلكها أحد قبله. وكان رب البلاغة وناظم شذورها، العارف بنوعيّ منظومها ومنثورها. قد ألقى إليه البيان فاضل زمامه، وبلغ في الكتابة أقصى مرامه، وملك أعنَّتها.

وحازها، وعرق حقيقتها ومجازها. به ختم ديوان الإنشاء وإليه انتهت صناعة الترسل، فهو شيخ الكتّاب ورئيسهم، وإمام البلغاء ونفيسهم، وبقية الزمان في وقته، ونقّاد الشعر ومعرفة جيّده من رديئه، وصحيحه من سقيمه. اشتهرت بين الناس فضائله وسارت في الآفاق رسائله، وصنّف مصنفات جميلةَ مفيدةً جيدةً في علمي المعاني والبيان، وأنشأ رسائل أودعها أبكار معانٍ مخترعة أفرد لهن منها كتابًا، وسيأتي ذكر مصنفاته في موضعها من الكتاب- إن شاء الله تعالى-. وفارق الجزيرة مسقط رأسه في رجب سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وقدم/28 ب/ الموصل. وأقام بها في خدمة الأمير مجاهد الدين أبي منصور قايماز بن عبد الله الزيني- رضي الله عنه- وربما كان يكتب له الإنشاء. ثم سافر إلى الشام في ربيع الأوّل سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فوصله القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن علي البيساني بخدمة السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب- رحمه الله تعالى- في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين- وأقام عنده إلى شوال من السنة. ثم طلبه ولده الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي فخيّره الملك الناصر بين المقام في خدمته وبين المضي إلى ولده، وقال له: إذا اتصلت بولدي فالذي قررناه لك باقٍ عليك. فاتصل بالملك الأفضل في شوال من السنة المذكورة، فتولَّى وزارته وكتابته، وعلّق به جميع أموره، فلما توفي الملك الناصر استقلّ بوزارة ممالكه جميعها، فجمع بين تدبيري السيف والقلم. وكانت إليه الوزارة وكتابة الإنشاء /27 أ/ فلم يزل معه على تصرفات أموره، إلى أن انتزع الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب دمشق من الأفضل، فأخرج الملك العادل أبا الفتح منهما في صندوق مقفل عليه خوفًا من العامّة لئلا يهلكوه [لما] في نفوسهم من ظلمه وحماقته وما عاملهم به من قبيح الفعال، لأنه كان- لما تولّى عليهم- غير محمود الطريقة، ولا مرضي السيرة. وأقام بسميساط فاستأذن الملك الأفضل في الانصراف إلى وطنه فأذن له فانفصل عنه في ذي القعدة سنة سبع وستمائة.

ثم سافر إلى حلب فلم يلتفت إليه صاحبها، فامتد إلى سنجار فمكث بها مدةً، ثم جاء إلى الموصل وإلى إربل وأقام بها قليلاً، وعاد منها إلى سنجار فاستقرّ قراره بها برهةً من الزمان. ثم استدعاه بدر الدين أبو الفضائل لؤلؤ بن عبد الله- صاحب الموصل- سنة ثماني عشرة وستمائة ليكتب له الإنشاء في ديوانه، فقدمها ونزل بالرباط المنسوب إليهم الذي أحدثه/27 ب/ أخوه أبو السعادات، ورتّب له جاريًا ورزقًا. وصار رأس الكتاب ومنشئ الدولة. وأنفذه عدّة مرات رسولاً إلى الديوان العزيز، فكان يكرم ويبجّل وينظر بعين الاحترام. وكان مدَّة مقامه بالموصل مشتغلاً بالتصنيف، وجماعة من الناس يختلفون إليه ويقتبسون من فوائده، إلاَّ أنَّه كان كثير الحماقة متناقض الأحوال، متهوراً في أموره، سفيه اللسان جبّاهًا لمن يخاطبه ولو كان ملكًا أو سلطانًا، ممقوتًا إلى الناس، شرس الأخلاق، سريع الغضب، متكبراً في نفسه، ذا عجبٍ عظيم، وصلف زائد يتجاوز فيهما الحدّ، قليل المبالاة بالخلق لا يرى في العالم إلاَّ نفسه، فيبخس الناس حقوقهم، ويحطُّهم من أقدارهم، ويرمقهم بعين الإهمال. ومما يستدلُّ على رقاعته وتهوره أن َّ القاضي الفاضل هو الذي رفعه وقدّمه في الدولة الناصرية الصلاحية. وكان يبلغ عصره فضلاً وفهمًا وترسلاً، وأوحد زمانه جاهًا وعلمًا ودينًا، وبه يضرب المثل /29 أ/ في الكتابة وصنعة الإنشاء، يحطُّه عن منزلته وينقصه من مرتبته فكان إذا أجرى ذكره في بعض مصنفاته، يقول: حدثني عبد الرحيم بن علي البيساني، وقال عبد الرحيم لم يزد شيئًا. فانظر إلى هذا الجهل والحمق من هذا الرجل فما كان يستحق منه أن يوفيه حقّه من العلم والحرمة أن يكنّيه فضلاً عن أن يذكره بلقبه، وأيضًا من حيث أنه كان السبب في تقديمه وإيصاله. وكان على ما أعطي من الإقتدار في الترسل والبراعة لم يكن صاحب بديهة وارتجال في الإنشاء والكتابة. وكان بطيء القريحة، جامد الخاطر، بل إنّه كان جيد الرويّة، صحيح الفكرة. وإذا رام إنشاء كتاب يتهيأ له، ويشرع في عمله، ثمَّ يغلق حينئذ عليه باب داره،

ولم يمكّن أحداً من الوصول إليه، ويتخلّى بنفسه، ويديم الفكر ويكتب ثم يخرق ما يكتبه ويعاود النظر فيه زمانًا طويلاً، فإذا تمَّ له الغرض من المعنى المطلوب اعتبره /29 ب/ أيضًا، وأنفذه فيكون ارتفاع الكتاب في مدَّة يوم وليلة أو أكثر، فيأتي كأحسن شيء يوضع ويضع. شاهدته مراراً لا أحصيها كثرةً، وحضرت مجلسه أيام كان أخوه أبو الحسن حيًا. وكان شيخًا طويلاً، بهي المنظر، حسن الهيأة واللباس، نقي الشيبة، نظيف الثياب، عليه أبهة ذوي الرئاسة والجلالة. وكنت أعاين من زعارة أخلاقه ونزاقته، وضيق عطنه ما يبغض به نفسه إلى كل من يسمع به، فكيف من يراه ويحادثه! وربما كنت أساله عن معنى بيت شعر أو تاريخ وفاة بعض الفضلاء فيجيبني من غير انزعاج ولا غضب بأحسن جواب. وكان في بعض الأوقات يستدعي مني الكلام، ويسألني عن الأمر الذي سمت نفسي إلى عمله وألزمتها به، فأذكر له ذلك فيستحسنه ويقول لي: ما قصرت، فأدعو له. استجزته فأجزني جميع مصنفاته ورواياته وما يدخل تحت الإجازة، وكتب ذلك لي بخط يده في صدر /30 أ/ إجازتي. وسألته عن ولادته، فقال: ولدت يوم الخميس العشرين من شعبان سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بالجزيرة العمريّة وخبرت أنَّه انحدر إلى مدينة السلام في رسالة عن صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله، فتوفي بها يوم الإثنين سلخ ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة. ودفن بالجانب الغربي بمشهد الإمام موسى بن جعفر- عليه السلام- رحمه الله تعالى. ومن تصانيفه كتاب "الوشي المرقوم في حلّ المنظوم"، وكتاب "الرسالة المخترعة في المعاني المبتدعة" وكتاب "التوصُّل إلى علم الترسُّل" وكتاب "المثل السائر فيما يحتاج إليه الكاتب والشاعر"، وكتاب "الاستدراك" وهو مما استدركه على الشيخ أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان النحوي في رسالته التي ترجمها: ب" الرسالة السعدية في المآخذ الكنديّة من المعاني الطائية"، /30 ب/ وكتاب ديوان رسائله في نحو عشر مجلدات، وغير ذلك من المصنَّفات.

وكان قصير النفس في عمل الشعر لا طائل له في نظمه يعمل منه البيت والبيتين أو الثلاثة/ لم تكن بتلك القوة، ولا من رائق الشعر وجيّده. ومما اشتهر من شعره، قوله وقد فارق الموصل متوجهًا إلى الشام، وانفصل عن خدمة الأمير مجاهد الدين قايماز بن عبد الله الزيني، وذلك في سنة سبع وثمانين وخمسمائة في ربيعها الأوّل عند حصار الجزيرة أتابك مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، وأنفذها فقرئت على الأمير مجاهد الدين- رحمه الله تعالى- قالها في اقتضاء الحال: [من المنسرح]. يا راكبًا يقطع الفلاة ولا ... يلفته عن مراده سأم عج بمحلِّ الندى ومن عمَّت الآ ... فاق من جود كفِّه ديم إن ذكرت في الدّثجى مناقبه الـ ... ـغر أنارت من وصفها الظلم مجاهد الدِّين من به أنحسرت ... عن البرايا الآفات والنِّقم /31 أ/ وقل له أين خدمتي لك يا مولاي ... أين الحقوق والذِّمم أين الَّذي شاع عنك من ... حفظك الودَّ [و] العهود والعصم أين المواعيد بالعطاء وبا ... لإحسان أين السماح والكرم تلك أحاديث الليل ذابت مع الشَّـ ... ـمس وذاك الميثاق منفصم نسيت ما كان في الرِّباط من الأ ... يمان أم غال عهدها القدم شاطرتني الملك بالوعود وإذ ... أنت ولا صاحب ولا حشم فحيث عادت دنياك عدت عن الـ ... ـوعد وما هكذا جرى القسم ومما ضمنه كتابه الملقَّب بالمثل السائر، قوله: [من مجزوء الرجز] ثلاثة تنفي التَّرح ... كأس وكوب وقدح ما ذبح الزِّق بها ... إلاَّ وللهمِّ ذبح وهذا أنموذج من رسائله ما كتبه إلى الأصدقاء جوابًا وابتداءّ من مصر والشام /31 ب/ وغيرهما من البلاد بعد سفره من الموصل، فمن ذلك كتاب كتبه عن بعض.

أصدقائه جوابًا عن كتابه وهو: "وصل كتاب فلانٍ، جعل الله أقلامه للبيان طليعة، وللبنان وشيعة، وللإحسان شريعة. ولا زالت تروض نبيض حكمها صفحة القرطاس، وتدير بها على الخواطر ما تديره الحميّا في الكأس، وتخرج منها شرابًا مختلفًا ألونه فيه شفاء للناس، فتأنق لي حتى حسبته روضةً فمددت يدي لاقتطاف زهرها، وارتشاف ثمرها، وأعطيت النفس ما شاءت من حظ سمعها وبصرها. ثم إنّي عدت على نفسي منبهًا، ورجعت في التشبيه الذي كنت مشبِّهًا، وقلت: أين حوك الدِّيم من حوك القلم؟ وأين زهر الروض الذي يمضي أوانه وتحول ألوانه، من زهر اللفظ الذي تبقي أفوافه، ويترفع عن منال /32 أ/ الأيدي قطافه: [من الكامل] تنسى الرِّياض وما يروِّض فكره ... أبداً على مرّ اللَّيالي يذكر ولمًّا وقفت عليه، أهدى إلي أرج طيبٍ، وجلا عليَّ وجه حبيب، وزارني على أنس مزاره في حسنٍ غريب، فقلت: أهلاً بمن عمر مجلسي من زور هنائه، وألبسني ثوبًا من سناه وسنائه. ثم حيّيته تحية التعظيم، وصافحته مصافحة التسليم، وجلست منه مجلس التعلم، وأجلسته مجلس التعليم: [من البسيط] لا يستقى من جفير الكتب رونقه ... [كلاَّ ولم تستقي من بحره الكتب ومما جدته منه أنَّه ألقى بين جوارحيّ جسداً، وخصًّ منها عينًا وقلبًا ويداً، فلليد منه على العين بفضّ ختمه، وللعين منه على القلب بنقل مسطوره إلى فهمه. ولقد أقدم مرسله عليَّ بمقدمه، واراني وجهه الكريم في مرآة قلمه، وفي نجوى الكتب على بعد الدار، تمثيل لروية الأبصار،

فليشف بها/32 ب/ غلَّتي، وليستدم بها خلَّتي، وليعلم أنَّ في انقطاعها واتصالها فراقًا من غير فراق، ولقاءّ من غير تلاق: [من الطويل] وكم من فراقٍ واجتماع على النَّوى ... يرجِّيهما هجر الكتاب ووصله وانا أرجو دوام الاجتماع بكتابه، إلى أن يقدر الله الاجتماع بإيابه- إن شاء الله تعالى-". ومن ذلك كتاب كتبه عن نفسه إلى بعض أصدقائه جوابًا عن كتابه/ "تألّق برق من جانب المجلس السامي/ حاطه الله بروحه وأمينه، وحباه بسعادتي دنياه ودينه، وأتاه بما يقترحه من المطلب قبل حينه، وجعل خليقة المكارم من خلقه وطينتها من طينه. فرفعت طرفي إلى لوامع أنواره، وبسطت يدي إلى مواقع أقطاره، وقلت: هذا بشير الرحمة، ورائد النعمة، وهو برق ترجى عقائقه، ولا تخشى صواعقه. ومن صفاته انه يضيء على صفحات /33 أ/ الأفهام، ويتوضَّح من ألسنة الأقلام، ويبشِّر بقوت الأرواح قوت الأجسام. وذلك هو الكتاب الكريم الذي يأتي بخصب الآمال كما أتى أخوه بخصب الأمحال. غير أنَّ هذا يشام بعيون القلوب، ويجود ما حلّت من عقدة مزنه يد الجنوب. ولما تأمّلته أخذت بسنة الخبر، في الصلاة عند نزل المطر. وليست الصلاة إلاَّ الدعاء لمن أرسله، وبسط سحابه واسبه. ثم تناولته فكنت أول من حمل غمامًا بيده، وآواه إلى مورده وعلى ربّه منه، فإنّه لا يزال له شائماً، وإليه حائمًا. فلينعم المجلس بتصريف مخايله، وليسق به الخواطر فإنها من خمائله ورأيه اسمى- إن شاء الله تعالى-". ومن كتاب كتبه عن نفسه إلى بعض أصدقائه جوابًا عن كتابه:

/33 ب/ "تضوعَّعتْ نفحهٌ من تلقاء المجلس السامي؛ رعى الله عهده وسقاه, وصان ودّه ووفاه , ويسّر لي إلقاء العصا بلقاه. فعطرت الطريق التي سايرتها , والريح التي جاورتها, وأتت فأفرشتها خدّي , وضممتُ عليه ودّي , وجعلتها ردعٌا لجنبي , وَلَطْيمَة ً لدرني , وسخاًبا لعقدي. وعملت أنها ليست بنفحة طيب , ولَكنها كتاب حبَيب , فإنَ مناشق الأرواح غير مناشق الأجسام , ولا يستوي عَرْفُ الطِّيبِ وَعَرْف الأقلام. ثم مددت يدي إلى الكتاب , وبعد أنْ صافحت يد موصله كما صافحت عبقة مندَله , وقلتُ. أهلاَ بمن أدنى من الحبيب مزاراً , وأهدى لعيني قرّةً ولقلبي قرارا , ولو أنصفت لقلت. أهلاً بمن سرى في الأسرار , وجرى من الأبصار مجرى الأنوار , وجمع لي برويته بين الأوطان والأوطار. ومع هذا القول فإني لم اُؤد حقّ الترحيب بمن أسعف بالطِّلاب , وطلع على الآمال المًمحلة طلوع السحاب. وإذا كان هذا الحامل الكتاب , فما ظنُّك بالكتاب؟ ! ولمَّا وقفت عليه , أحدث لي نشوة /34 أ/ طرب , ونشوة أرب. فغنَّتني هذه بترجيع مثانيها وأعنتني هذه بمعسول أمانيها؛ وعند أخذت في خلع العذار , وسكرت من غير معاقرة. وإنَّ من البيان لخمراً يسكر من غير تحَريم , وليست بذات لغو ولا تأثيم؛ فهي من سُلاف الألباب , لا سلاف الأعناب , ومن بنات الخواطر , لا بنات الدساكر. ولا يجلبها من معدنها , ويرخصها على غلاء ثمنها إلاَّ البيان الفلاني الذي يستخرجها ويخرجًها , ويصرفها ويمزجها. وإنّي لأجدُ لخمرة ألفاظه طعاماً زائداً على الطعم , وليس ذلك لطيب العصر ولا عتق الكرم: [من الكامل]

شَيٌ به يَسبي العَقَولَ سوى الذي ... يُدعى الجَمَال وَلَستُ أدري مَا هُو؟ وقد أعدت الجواب ولم أستعر له نظماً ملفَّقًا , ولا جلبت إليه حُسنًا منمقًا. بل أخرجته على رسله , وغنيت بصقال حُسنه عن صقله , فجاء كما تراه غير ممشوط ولا مخطوط؛ فهو يرفل في أثواب بذلته , وقد حوى الجمال بجملته. والحسن ما وَشَّته يدُ التصوير , ولا ما حشته يد التزوير. وقد منح الله لساني من ذلك ما حسده عليه /34 ب/ الروض الموشّح , والسِّمط المرصّع والقمر وهو ابن عشر وأربع. فَخُذ ما أدّته إليك حقيقة النظر , ودع ما نقلته أحاديث الخبر , ووازن بين حسن البداوة والحضر واعلم أنَّ هذا السيل من غير ذلك المطر؛ فما كُلّ من قال بماش ٍ في أثري , ولا رام عن وتري , ولا آخذ في وصدري , فإن النبوة غير الكعانة , ولا يستوي الحق والباطل في المكانة: من البسيط وَلَيْسَ كُلُّ ذَوَات المخْلَبِ السَّبُعُ ولا أستثني من هذا القول أحداً سوى المجلس , فإنه في الفضل شقيقي , كما أنه في الودِّ صديقي؛ فنحن رضيعا بيان , وإن لم نكن رضيعي لبان , وتوأما وداد , وإم لم نكن توأمي ميلاد فكلانا يقتدح من زناد صاحبه , ويأخذ من مذاهبه وحسبي فضلاً أن أحذو على مثاله ولو وقرت قلمي وقاره, وأسلبت على كلمي أستاره , لأكبرت أن ألقاه بهذا القول , وعلمت أنه أوتي علي بسطةّ في الطول لكني أردت أن أستعير من فضله ما أتجمل به في محضري , وأموّه به يوم مفخري؛ والا ّفالسماء نائية على المتطاول , وأين الثريا من/35 أ/ يد المتناول. فلصفح عماقلتُهً, وليسمح بما ترشحت له وما نلته, ورأيه أسم إن شاء الله تعالى ".

ومن كتاب كتبه عن نفسه إلى بعض الأصدقاء ابتداءً: ... من الكامل وَأقَمتَ في قَلبي وَشَخصُكَ سَاَئر ... لا تَبعُدَن من ظاعنٍ وَمُقٍيمِ أصدتُ هذا الكتاب إلى مجلس فلان الدين , أعلاه الله وأسماه , وصان من عيِر الليالي والأيام حماه , وأبعد في اكتساب العلياء مرماه , ولا جعله في الَعمل لآخرته ممن يستوي يوماه؛ عن قلب مأنوس بلقائه , وطرف مستوحش لفراقه. فهذا مروّع بإظلامه , وذاك ممتّع بإشراقه غير أن لقاء القلوب لقاء غيب تمثله خواطَر الأفكار , وتتناجى به من وراء الأستار وذلك أخو الطيف الملم في المنام , والذي يموّه بلقاء الأرواح على لقاء الأجسام. وما تمثله بنقع حرّ الأشواق /35 ب/ الظماء , ولكنَّه تعلّهَ المتيمِّم بالصعيد عن عدم الماء , ولئن أقمت بعده في دار زطن , وفي أهل وسكن؛ فليس الانس بكثرة الناس , بل ببهجة الإيناس , وإذا لم تكن سكّان القلوب سكان الديار , فلا فرق بينهما وإن كانت آهلة وبين القفار: من الطويل وما حاجِر إلاَّ بلَيلَي وَاهلهَا ... إذا لَم تَكُن لَيلَى فَلاَ كَانَ حَاجِرُ فمن جفَّت على النوى شُؤُنُهُ, والتقت على البين جفونه , فإنَّ عهده ذميم , وودّه سقسم. وأرى المنزل وهي جماد أرعى منه ذماما , وأخلق بالمحافظة ليالي وأياما. ألا ترى أنهَّا لا ترضى في غرامها إلآ سقامها ولا تقنع في وفائها إلآ بعفة .... ؛ فتباً لشوقي إن رقت عنه قساوة الأحجار وزادت بإثرها على ما عنده من الآثار. وإني لأخجل من هذا القول , وقد وجدتُ على مصطبراً , ولم يذهب إلى الفراق سمعاً ولا بصراً , ولكن يقوم عُذري في ذلك بأمل اللقاء , الذي يمدّ غرس الحياة بالأسقاء , ولا يمسك ذماء النفس كالأماني ومواهبها , والآمال ومطالبها. وأنا أرجم /36 أ/ أ، يتاح لأيّام الاجتماع يوم معادها , وتردّ أروحها إلى أجسادها , لأخاصم أيام الفراق إلى رّبها , وآخذ منها

بذنبها، وأجزي سيئات الأشواق، بأعمالها وأعطيها كتابها بشمالها: [من الطويل] وما أنا من أن يجمع الله بيننا ... كأحسن ما كنَّا عليه بايس وقد علم أنَّه ليس للشوق زاد في ايام البعاد، إلاّ ما تهديه إليه اليد عن الفؤاد، وذلك هو الكتب التي في نجواها لقاء لمن شطَّت محلَّته، وفي قطرات أقلامها ريُّ لمن اضطرمت غلَّته، فليجمع شملي بشملنا إلى أن يقدّر الله جمع الشمل بأهلها، وليعلم أنها هدية تحل محل مرسلها، وتطوق الأعناق بمنّة موصلها. والله لا يخلي من خبره إلاّ بنظره، ولا من كتبه إلاّ بقربه، إن شاء الله تعالى ... والسلام". ومن ذلك كتاب كتبه إلى بعض الإخوان جوابًا: /36 ب/ "وصل كتاب حضرة سيدنا، لا زالت أقلامه متنقلة من منبت أجم، إلى منبت حكم، ومن استسقاء قطر، إلى استسقاء بحر، ومن مجاورة ليث غاب، إلى مجاورة ليث خطاب. فأطرب إذا غرّب، وأزهر إذا أسفر، فعلمت أنَّ من البلاغة ألحانًا، ومن الكلام ورداً وريحانا. ولقد غدوت من حسنه البديع في فصل ربيع، فكلما شاقتني سطوره قلت روض سنح، وكلما غنتني الفاظه قلت حمام صدح، وكلما سقتني معانيه قلت غدير طفح. فما أدري ما أصف، ولا عندما أقف، غير أنّي وجدته قد حوى أسرار البيان جزالة ولطفًا، وعرّف منها ما لم يألف البلغاء له عرفًا وأنسى ما تقدّم من أساليبها فعصف بها عصفًا، {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا}. وما أقول إلاّ أنه الآية الموسويّة التي أتت تقلب الأعيان، وتنقل العصا إلى صورة الثعبان، فلمثله تسجد سحرة الكلام، وتؤمن باية.

قلمه التي تلقفت آيات الأقلام. وها أنا قد/37 أ/ سجدت له، وإن لم أكن ساحراً بقلمي، لكنّي زدت به غرامًا، فسجدت له إعظامًا، وقد يسجد لحكمة البيان كما يسجد لحكم القرآن، ومما أعتده لنفسي فخاراً، واتخذه لفضلي مناراً، أنُّي إذا فاتتني مضاهاة مكانها فلم يفتني العلم بمزيّة إحسانها، والعلم بالفضيلة فضيلة، ومن لم ينل زهر الخميلة كفاه نظر الخميلة. وقد أصدرت كتابي هذا جوابًا عن إصدار كتابه، لا جوابًا عن فصل خطابه، فإنَّ موازنة المداد بالمداد أيسر من موازنة الفؤاد بالفؤاد. وليس من أعمل يداً كمن أعمل فكراً، ومعادن القلوب كمعادن الأرض، تخرج تبراً وصفراً. فليرض مني بما عندي، ولا يكلفني فوق وجدي، فما كلّ هاتفة ورقاء، ولا كل ناظرة زرقاء: [من البسيط] وإنَّما يبلغ الإنسان غايته ... ما كلُّ ماشية بالرَّحل شملال ومن ألقى سلاحه فقد استسلم، ونصف العلم قول لا أعلم. إن شاء سيدنا أن يجعل لساني خطيبًا، وخاطري قليبًا، فليتحفني /37 ب/ بفضله كأسه، ولمّدني بشيء من أفواف قلمه وقرطاسه .. والسم إن شاء الله تعالى". كتاب كتبه إلى الملك المحسن يمين الدين أبي العباس أحمد بن يوسف بن أيوب يهنئه بالحج، وأرسله إليه عند عوده إلى دمشق. وهذا الكتاب جواب عن كتاب ورد منه: "ورد الكتاب الكريم عن مجلس مولا [نا] الملك المحسن، قرنه الله بأصحاب اليمين، ورفعه إلى المقام الأمين، وجعله ممن صدق يقينه، وثقلت موازينه. وعلت يده وكلمته ودينه. ولا زال مستمسكًا في إخلاص عمله بالسبب الأقوى، آخذاً بأدب الذين آمنوا وتناجوا بالبرّ والتقوى. فتأرَّجت أنفاس نجد من عنوانه، وجاءت بخزاماه حوذانه وحرَّكت/38 أ/ إلى تلك الأرض كلَّ عزم فاتر، وأذكرت

بالأذان الذى يأتونه رجالاً وعلى كلّ ضامر، فتناوله المملوك بعد أن بدأ بالتطهير، واتخذ يوميه عيداً فأعلن فيه بالتكبير. ثم فضَه فوجد آثار مرسله؛ فهذه يستمدّ منها بركة المطاف والأركان، وهذه يستمدَ منها بركة المطاف والأركان، وهذه يستمدّ منها سجىة الفضل والإحسان. وكلاهما مأمول من مثل مولانا الذى أفاض ألطاف عباداتة كما أفاد ألطاف إفاداته. ولقد فخر هذا العام بحجَّه على ما قبله، وازدان بفضله حتى حسدت الأعوام فضله، فلو كان ذا نطق لنشر أفواف كلمه، وخطب بالثناء على مولانا ومقدمه، وعَّرف أهل الموقف أنهَّم غفر لهم ببركات قدمه. وما يقول المملوك أنَّه أدرك بالحج فضلة لم يدركها سوى أنَّه سلك طريقاً لم يسلكها، ولكنه أدّى فرضاً وزاد بنوافل بِّره فأوجب فرضاً فكلَّ أيامه أيام حجَّ فى طهارة يده ولسانه وقلبه، وتعظيم حرمات الله التى /38 ب/ هى خير له عند ربّه ومذ سار مولانا عن دمشق اضحت عاريه اللباس خالية من الناس، واجده من الوحشه بقدر ما وجده الحرم من الإيناس. واما الآن فقد راجعتها بشاشتها، وردت إليها حشاشتها. فلها الهناء بالمولى الذى تتنزل من بلدها منزلة الروح من جسدها , ويحلّ من قطافها محل الرءووس من أبدانها: [من الخفيف] إنَّما النَّاس حيث أنت وما الَّنا ... س بناس فى موضع منك خالى وأما المملوك فأنَّ المولى جمع عليه فراقين , وأثار له اشتياقين؛ فأحدهما بعده عما يتوقعه من خبره، وما جعل الله له من قلبين فيحمل من الفراق والأشواق لوعة خطبين. ولما ورد عليه الكتاب الكريم أعاد عهد أنسه، وأمسك بقية نفسه , ومحا بحسنى يومه إساءه أمسه؛ فما يدرى أصحيفه مسطورة أم رحمة منشورة، لكنه تحقق منها معنى

النشأة وارتجاعها، بما أعادته من الحياة الذاهبة بانقطاعها. /39 أ / والمملوك يسال أن يتعهده المولى بأمثالها، ويتعتدُّ بها من عطاياه وأفضالها، فإنها فى هبات قلمه، أرغ منه فى هبات نعمه، وللآراء العالية مزيد العلو إن شاء الله تعالى وله كتاب كتبه إلى الملك الأفضل أبى الحسن على بن يوسف بن أيوب – رضى الله عنه – يتضمن التهيئة بمولود: أصدر هذه الخدمة إلى الجناب الشريف وقد جاءت البشرى بفرع نما من نجره، ولؤلؤة خرجت من بحره، فعبقت الأسماع بهذا الخبر الريج، واهتزت له الآمال وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، واستدلَّ الناس بطيب الأصيل على طيب الثمر، وتفرسٌّوا فيه ما تفرسوا فى الهلال من القمر، ولو نطق يوم مولده بلسان، أو كان ذا روح وجثمان؛ لا فتخر على الأيام الأولى /39 ب/ ولآخرة، وبرز فى أثواب زينته الفاخرة: [من الخفيف] وإذا ما الأيَّام اصبحن خرساً ... كظمًا فى الفخار قام خطيبا ولئن سبقته أيام جعلت عيداً للصيام، ونحر النعام، فهذا اليوم عيد لنحر العدا، وإبقاء سنُّه البأس والنًّدى والله يجرى مولانا على عادة فضله، وينمى فرعه الكريم حتى يستظَّل بظلَّه، ويمضى الأمور بعقده وحله، ولولا إشفاق المملوك من التلفظ بكلمه تنتقل على لسانه، لدعا له بخلافه ملك مولانا ووراثه سلطانه. لكنه يدعو لمولانا وله بالخلود، وان لا يملك العدوّ ولا يرث سوى ميراث الحسود – إن شاء الله تعالى فصل من هذا الكتاب فى هذا المعنى: المملوك يهنئ مولانا بالجوهرة التى خرجت من معدنه، والبارقة التى تلألأت من خلال مزنه؛ ولقد تشوقت تيجان الملك /40 أ/

زمنها واقترابه، وظمئت رياض الآمال صوب سحابها وانسكتبه". فصل في كتاب في هذا المعنى: "كتبت هذه الخدمة وقد جاءته البشرى بطلعة هلال سفرت، ومخيله سحاب ظهرت، ويرجو أن يصير هذا الهلال بدرا كاملا، وهذا السحاب غماما هاطلا، وقد اهتزّ السيف والقلم جذلا بمولده، وتفاخر في السبق إلى منال يده، وبشّرت منه المكارم بكائها، والعيون والقلوب بمالئها". وله أيضا فصل في كتاب في هذا المعنى: " المملوك يهنئ مولانا بالشبل الخارج من عرينه، واعضب المنتضى في يمينه، وقد اهتز ت أسرة الملك لارتقابه"، ومدت الجياد عيونها إلى وقت ركابه، ورجع له جيش العدو قبل أوان غزوه واقترابه". /40 ب/ وهذه رسالة أنشأها حين توفي الإمام الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين أبو نمصر محمد بن أحمد، وبويع ولده المستنصر بالله أبو جعفر المنصور بالخلافة- رضوان الله عليهما (! ) -: " ما الليل والنهار لا يعتذران وقد عظم حادثهما، وما للشمس والقمر لا يخسفان وقد فقد ثالهما: [من الطويل] فيا وحشة الدنيا وكانت أنيسة ... ووحدة من فيها لمصرع واحد وذلك الواحد هو سيدنا ومولانا الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين، الذي كانت ولايته رحمه للعالم، واختير من أرومة النبي الذي هو سيد بني آدم. فذمته موصولة بذمته، وهو شقيقه في اسمه وخليفته في أمته، ولقد وقف على السنن فأتى بالحسن، وحمدت صحبة الأيام في زمنه فلم يشك أحد من /41 أ/ الزمن.

ومما عظم الرزء به أنّه أتى عقيب رزء فجعه بفجعه، وكان يستهول أحدهما وهو وتر فبدل الوتر فيه بشفعه. فيا ويح الإسلام فجعأولا بناصره، وفجع الآن بظاهره، وقر بالوقت بينهما حتى كاد يعثر أوله بآخره فلم تفق النفوس من برحائها إلا وافت ما طوى مضضها على مضض، ووقع ذلك منها موضع نكسة عطفت على مرض، ونكأ القرح بالقرح أوجع، وذهاب فرع العلياء بعد أصله ذهاب بالعلياء أجمع. وكلا هذين الحادثين، رمى الناس بسهم عائر (1)، ليس عليه من صابر، وما كان الله ليسوء دينه بمصاب خليفتين، ولا يجلو ظلمته بصباح سافر. وقد جاء بسيدنا ومولانا المستنصر بالله أمير المؤمنين، فأرضى به كل قلب سخط ولم يرض، وقيل هذا بدل الكلّ من الكلّ لا بدل البعض من البعض. وكان الناس على خطر من انتقاض أمرهم فأتيح لهم إبرامذلك النقض، ونسى ما تقدّم من البرح ودمل /41 ب/ وما أعضل من القرح، وإن كثر الأسف على ليلتين مضتا برامة فقد أسلت عنهما ليلة السفح، والعبد قائم بهذا المقام، وقلبه متقسم للعزاء شطرا [و] للهناء شطرا. فإذا نطق بهذا أسبل دمعا وإذا نطق بهذا أبدى ثغرا، وهو نائب عن مرسله في أخذ البيعة التي يد الله فوقها، والسابق إلى يومها أفضل من المتأخر إلى غدها، وهي التي تجلّت بإثبات حسنتها أقلام السّفرة، وجعلها الله معدودة في بيعة العقبة وبيعة الشجرة. ولها يصح قول القائل: [من البسيط] وبيعة من قلوب غير شاردة ... ما كان في عودها ضعف ولا خور لولا أنها لعتيق لم يمت حسرا ... سعد ولا قال: كانت فلتة عمر وكذلك فإنّ العبد ينهي طاعة مرسلة، التي جعل يومه فيها كأمسه،

وزادها في مباني اللإسلام مبنىّ بها على ستة لا على خمسة. وقد اتخذها معقلا يكنّ في ذراه، وفي الآخرة عتادا صالحا يسرّه ان يراه" (1). /42 أ/ رسالة أخرى من إنشائه حين توفي الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد بن الحسن، وبويع بالخلافة للإمام الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين أبي نصرمحمد – رضي الله عنهما – وذلك في سنة اثنتين وعشرين وستمائة: " العبد يقدم عذره قبل قوله، فإن هذا المقام مقام مهابة لا تجد الخواطر فيها سبحا، وإذا بلغ البليغ جهده كان قصاراه أن يسأل صفحا: [من كتاب الكامل] إن كان لا يرضيك إلا محسن ... فالمحسنون إذن لديك قليل عبد الديون العزيز النبوي لؤلؤ يعزي نفسه والمسلمين كافة، بفقد من الإسلام له فاقد، ومن يشك الموجدة بمصابه /42 ب/ إلا إلى واجد سيدنا ومولانا الناصر لدين الله أمير المؤمنين، الذي التقت الأرض منه على محيي ثراها وممسك عراها، وباري سنة العدل والإحسان بها كما أن الله براها، فأي سحاب نضب عنها فيض مواهبه، وأي جبل خفت جنوبها لزوال مناكبه، لكن تلافى الله ذلك بقيام ولي عهده من بعده، والذي انتضاه على طول ترقّب من غمده سيدنا ومولانا الظاهر بامر الله أمير المؤمنين، فعطفت هذه النعمى على تلك البوسى، وآست من كلمها الذي لولاها لما كان يوسى: [من الطويل] وفي الحي بالميت الّذي الثّرى ... فلا انت مغبون ولا الدهر غابن وما من أحد إلا وقد استبدل عزاءه بهنائه، ورأى عمود الإسلام قائما بعد هدم بنائه، وعلم أنّ الدهر أذنب ثم اعتذر وقال: هذة

الشمس طالعة إن غيّب القمر، واشتبه لديه رتق هذا الفتق برتق فتق أبي بكر بعمر. وقد حضر العبد نائبا عن مرسله في إعطاء صفقته بيمينه، وثمرة قلبه آخذا بقوله تعالى: {إن /43 أ/ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} (1) ولو حضر هذه البيعة سعد لرأى مطلعها سعدا، ولم يجد من الدخول فيها بدا، ولما غمّ في قطيقته غمّا، ونأى هعن دار قومه بعدا. فهي أخت بيعة الرضوان، وأم الشرائط المشروطة في عقود الإيمان، والمركب الذي النجاة بين صهوته وعنانه، ومظنّة النجاة بين صهوة وعنان، وللسابق في هذا المقام فضيلة سبقه، كما أن للصادق مزية صدقه، وكلاهما مجموع لمرسل العبد في الفوز، بقصب المضمار والانفراد بخالص الإضمار، والذي إعلانه كإسراره، وقليلا ما يستوي حالتا الإعلان والإسرار، ولإن غاب عنه الحضور بنفسه فهو في عداد من حضر، والتعويل إنما هو على صدق النية الذي أثرها هو الأثر. قال النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته: ((إنّ وراءكم قوما بالمدينةما سيرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم)) (2). فليعوّل الديوان العزيز من سعيه على القوي الأمين، وغنائه على المعقل الحصين، وليضنّ به وإنما يضن بالضنين ... والسلام)). [863] /43 ب/ نصر الله بن المظفر بن أبي طالب بن حمزة بن عليّ بن الحسين أبو الفتح بن أبي العز بن الصفار الشيباني المعروف بابن شقيشقة (3).

من أهل دمشق. كانت له عناية بسماع الحديث النبوي, وسمع من الكثير بنفسه, ولقي مشايخه ورجاله الذين كانوا يفدون إلى دمشق من الغرباء وأهلها. واستفاد منهم, واستكثر من الشيوخ حتى بلغت مشيخته ألف شيخ, وحصل من الفوائد شيئا عظيما. ولم يدخل دمشق طالب حديث أوشاعر أو أديب إلاّ ويجتهد في قضاء حوائجه, ويتعصّب له تعصبا تاما, ويثني على فضله عند الناس. وهو مشكور الطريقة ببلده, فجزاه الله عن مروءته الخير ولمن كان فيه مروءة. وعنده فقه وأدب مقل من قول الشعر. أنشدني لنفسه بدمشق سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من الطويل] خف الله في صبّ سلبت رقاده ... وابتلت بالبين المشتّ فؤاده /44 أ/ ووافيته ملقى على فرش الضّنى .. اسير غرام لا يفك قياده يرى الفرض فرضا منك يا أحسن الورى ... وأنت ترى فرضا عليك بعاده أنشدني لنفسه في غلام جميل الصورة حلاوي: [من السريع] قل للحلاويّ على الّذي ... تحار ألباب الورى فيه إنّ الّذي نأخذ من كفّه ... هو الّذي نجنيه من فيه [864] نصر الله بن نصر الله, بن نصر الله, أبو الفتوح الهيتيّ (1).

من الشعراء العراقيين. دخل بلاد الشام وامتدح ملوكها, وذوي اليسار منهم, واسترفدهم بأشعاره وكبر وأسنّ, ولم يترك قول الشعر, وانقطع باخرة إللا صاحب حماة الملك المنصور أبي المعالي محمد بن عمر بن شهنشاه بن أيوب, وبها توفي [في الخامس عشر من شوال سنة سبع وثلاثين وستمائة]. (1) وكان عنده تهوس وخفة تدل على ذلك ما أخبرني من أثق به, أنه كان إذا امتدح رجلا بقصيدة يعنون على رأسها المملوك نصر الله بن نصر الله الهيتيّ, ثم يخالف /44 ب/ الاسم ويكتب على قصيدة أخرى المملوك أبو الفتوح بن أبي الفتوح بن أبي الفتوح, ومرة المملوك نصر الله بن أبي الفتوح بن نصر الله, وتارة أب الفتوح بن نصر الله بن أبي الفتوح الهيتي. وكان يتعاطى الفصاحة في مقولاته وإنشائه, صاحب منظوم ومنثور. يذهب في إنشائهما مذهب أبي الفتح البلطي. وكان يصنع أبياتا من الشعر جميعها معحمة. وقصيدة خالية من الإعجام, وغير ذلك من هذه الفنون ما تركه أولى من تدوينه. وكانت ولادته بهيت في عاشر محرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة. أنشدني الشيخ الأجل العدل السعيد بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن يحيى بن الخشاب بحلب من لفظه-رضي الله عنه- قال: أنشدني أبو الفتوح نصر الله بن نصر الله, بن نصر الله, أبو الفتوح الهيتيّ لنفسه بحلب يمدح الملك الظاهر غياث الدين أبا المظفر غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذي-رحمه الله تعالى-: [من الخفيف] /45 أ/ ضحك البرق إذ بكى الإبريق .... ثمّ جاد السّحاب والرّاووق وتغنّت ورق الحمائم حتّى ... اطرب البان بينها التصفيق كلّ ورقاء في الأصائل يخفيـ ... ـها عن ناظريها غصن وريق

يا خليليّ نادماني فقد طا ... ب مدامي وزانه التّرويق واضربا لي صوتا على العود والنّا ... ي طروبا يلذ لي ويروق سالكا مذهب القديم فإنّي .... من مبادئ ألحانه مخلوق واسقياني صرفا فإنّ مزاجي ... لاختلاف المزاج ليس يطيق ما شفائي من الهيام ولا بر ... د غليلي إلاّ السّلاف رحيق وإذا ما مرضت ليس يداوي ... فرط دائي إلاّ الشّراب العتيق ما مرادي إلا ّ المدام ولا أحـ ... سد إلاّ ذا سكرة لا يفيق فهي شمس منيرة ومن الآ ... يات شمس يضمّها إبريق لي منها مدى الزّمان صبوح .. كملت لذّتي به وغبوق ولها في فم النّديم غروب ... ومن الكأس والبزال شروق فاسقنيها من كفّ أغيد يحكي ... ذابل الرّمح قدّه الممشوق /45 ب/ بابليّ اللّحاظ من جفنه الفا ... تر عضب ماضي الشّباة رقيق في رياض كأنّها حلل الدّيـ ... ـباج قد حاكها الحيا والبروق ما ترى الأرض كالنّمارق تزهلى ... بنقوش كأنّها تزويق وعليها أثواب نور كساها ... في متون الرّياض زهر أنيق ورباها قد طرّزت برقوم ... نسجها من يد الغيوم صفيق قد تنافى في الشبه لونا وريحا .. فهو نور زاه ومسك فتيق يشبه الياسمين لون محبّ ... ناحل الجسم راعه التّفريق وترى النّرجس المضاعف يحكي .. . حدقا لا يضرّها التحديق وكأنّ الشقيق رايات غازي ... أو دما من سيوفه مدفوق ملك بابه بكفّ رجاء الـ ... ـخلق علما بجوده مطروق يطلبون الأرزاق بالقصد كالحـ ... ـجّاج إذ باب غيره مرتوق جعلوا حارما لهم ذات عرق ... وبساتين عمّ عندي العقيق فتوالى غيث الغياث عليهم ... بنضار في البروق بريق همه أن يفرق المال في الآ ... فاق والجمع ذلك التفريق فهو الرازق الذي غمر الخلـ ... ـق فكل من كفه مرزوق

وهو السّابق الذّي أحرز الّبـ ... ـق فمن رام شأوه مسبوق وهو ملك دون الخلائق جمعا .. . بالمعلي والمكرمات خليق وهو بين الملوك بالعدل والفضـ ... ـل وإيصال جوده مرموق وهو في الحلم والشّجاعة والإنـ ... ـصاف وللجود للملوك سبوق وله مسلكا إلى كلّ برّ .. . وإلى فعل كلّ خير طريق مستقيم المسعى على منهج العد .. ل جواد وبالرّعايا رفيق يحذر الله في الرّعية سرا ... وسواه سكران لا يسفيق محسن مجمل رؤوف له قل، ... ـب إذا أغلظ المسيء رقيق واسع الصّدر ضيّق العذر عفّ الذّ ... يل رحب الذّراع برّ شفيق ملك في ذرى الفخار له أصـ ... ـل طهور في المكرمات عريق خير أصل لخير ملكت زكت منـ ... ـه فروع نضيرة وعروق سؤدد تالد ومجد طريف .. دونه في علوّه العيّوق (1) طال فوق العلا كقلعته الشّهـ ... ـباء دامت تحلو له وتروق /46 ب/ هي بين القلاع مثل غياث الـ .. ـدّين بين الملوك وهو يفوق وهي كالجسم ووهو روح وبالأر ... واح تبقى الجسوم لولا الزّهوق أوحشتها أعطافه مذ نأى عنـ ... ـها فكلّ منها مشوق إن خلت منه لا خلت فهي تشتاق ... إليه كأنّه معشوق لو تطيق المسيرة سارت من الّو ... ق إليه لكنّها لا تطيق فكأنّ الإله دحاها ... قال: هذي بغيره لا تليق مدحها يعجز الخواطر فالحا ... ذق يعنو ويذعن المنطيق فهو مثل ابتكار مدح غيات الدّ ... ين صدقا فذكره تصديق معجزات المديح قد جمعت فيـ ... ـه وآيات فعله صدّيق كلّ وصف فيمن سواه مجاز ... واستعارات وصفه تحقيق ورث الملك عن أبيه تليدا ... وسيحوي البلاد وهو حقيق

ويبثٌّ الجيوش فى البرِّ والبحـ ... ... ـر فمنها فى كل ِّ ارض فريق بأسود على العقارب تضحى ... وفسيح الفضاء عنهًا يضيق ترد الحرب ثم َّ تصدر عنها ... ولها من دم العادى خلوق /147 أ/ ثم َّتعلو بيض المعاقل بالبيـ ... ـض ولآ مانع ولا منجنيق ويحوز المماليك الملك الظَّا ... هر قهراً وتستفاد الحقوق وترى الملك بعدها يوسفَّياً ... ليس يعصيه فى الورى مخلوق يا مليك الآفاق أحييت أهل الـ ... ـفضل حتَّى حثَّت إليك النُّوق وشريت القريض غالاً فقامت ... لذوى النَّظم فى ظلالك سوق فاستمع منهم غرائب شعر ... قد كساها التَّجنيس والتَّطبيق وتهنَّ الإقبال فى العيد فالنَّصـ ... ـر يهيِّنيك فيه والتَّوفيق وابتهج بالتَّشريق فالنَّدب من يفـ ... ـعل فيه ما يقضى التَّشريق واجعل النَّحر فيه نحر أعاديـ ... ـك وكلٌّ إذا عفوت عتيق فقلوب الأعداء ترجف خوفًا ... ولها من سطا يديك خفوق وأنشدنى الشيخ العدل الأمين أبو عبدالله محمد بن عبدالقاهرة بن هبة الله بن النصيبى بحلب – رحمه الله تعالى – قال: أنشدونى /47 ب /أبو الفتوح نصر الله بن نصر الله الهيتى لنفسه مبدأقصيدة: [من الطويل] حديث غرامى مستفيض ... ... ودمعى ووجدى مطلق ومقيَّد وحبِّى قديم والتجَّميل محدث ... وثوب نحولى بالجمال مجدد ولى خبر يرويه شأنى مسلسلاً ... وفيه مع المعنى الجلىِّ تعبٌّد فلو أنَّ موضوع الأسى بحشاشتى ... مع البعد محمول لما كنت اجهد ولو أنَّ سعيداً بالمنازل طالع ... لكان إذا ما قابل الرَّبع يسعد ألمَّ خيالاً واللَّوائم غفَّل ... فوافى خيالاّ والعواذل هجَّد سميرى من السمراء طيف كأنَّه ... مع الصورة الحسناء معنى مجرَّد فأهلاً وسهلاً بالحبيب فقربه ... به غلَّة الصَّبَّ المتيَّم تبرد وقد كنت جلداً قبل طارقة النَّوى ... وها أنا من بعد النَّوى أتجلَّد فصبرى جميل واشتياقى كثِّير ... وقلبك ياخنساء صخر وجلمد

وجاري دموعي في المآقي موظّف ... وراتب وجدي في البواقي مخلّد /48 أ/وتصفير جسمي منه تقطير أدمعي ... لذلك انفاسي جوى تتصعّد بنفسي شمس لو رأيى النّاس حسنها ... تحققّت أن الجمع يسبيه مفرد لها وجنة كالورد حمراء من دمي ... وخّد كما شاء الجمال مورّد وفي الخّد خال مشرف تحت ناظر ... على عامل لولا الّتقى كان يعبد لها القّد غصن ماس في دعص رملة ... أقلّ هلالا بالخطى يتأوّد وللشّافعي الرّدف منها مثقّل ... وللحفنّي الطرف منها محدّد فلو جبرت من كسر قلبي بوصلها ... مقابلة بالعود والعود أحمد لقبّلت ثغرا كاللآلئ منظّما ... به الرّيق شهد والأراكة تشهد فما الخاسر المغبون إلّا من اشترى ... به غيره وهو الجمان المنضّد وما القاعد المفتون إلا أخو الهوى ... وما القائم المهديّ إلّا محمّد وأنشدي أيضا من لفظه، قال: أنشدني نصر الله بن أبي الفتوح بن نصر الله الهيتي لنفسه: [من الوافر] /48 ب/ عصاني طائع الطّرف العصيّ ... فصرت فداء نرجسه الجنيّ لأمتحنّ صبري عن شتيت ... يظمّيني بلا ريق شذيّ فلا يسقي ويشفي حين يجفو ... ولا يصفو لأّي هوى غزيّ سيذكر خلّة لأخ ودود ... مصون سرّه شكل زكيّ فكم يقضي ويظلم وهو لاه ... ويعقل عن مطيع هوى وفيّ وأنشدني أيضا، قال: أنشدني نصر الله الهيتي قوله في الغزل: [من الطّويل] غزال له خال شذاه أظنّه ... جني شقيق يقتضيه ضياء خلوت به صبحا وزاد تعرضا ... وكلّ غزال عزّ فهو رخاء جثا ضاحكا يسقى سلافا فقال لي: ... أخصّك حثا فالسّلاف شفاء وأشهر شمسا من مدام وضوؤها ... يلازمها إن صار منه سماء يظلمني والكامل الملك عاطف ... ولا غيّ فيما قاله العلماء وأنشدني قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل]

/49 أ/ما بين رامّة فالعذيب فحاجر ... أسد تقنّصها أكفّ جاذر ومن العجائب أنّ آساد الشرى ... تعنو لسرب في الفلاة نوافر لا تخدعنّك بالوعود فطالما أخلفن إخلاف الملول الغادر إنّ الظباء وإن تقادم عهدها ... وأتت بحسن بواطن وظواهر لتمجّ أريّا من نيوب أساود ... وتسلّ تبرأ من جفون محاجر (1) [865] نصر الله بن هبة الله بن عبد الباقي بن هبة الله بن الحسين يحيى بن عليّ، أبو الفتح بن أبي العز الكاتب الرسائليّ المعروف بابن بصاقة وبزاقة وبساقة كلّ يقال، الغفاريّ الكنانيّ (2). ولد بقوص (3) تقريبا في سنة ثمانين وخمسمائة (4)، ونشأ بمصر واستظهر القرآن العزيز، واشتغل بالأدب على جماعة من الأدباء بمصر والشام، وقرأ على الشيخ العالم أبي اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، وخدم في دولة الملك المعظم شرف الدين عيسى بن أبي بكر بن ايوب – صاحب دمشق وبعده لولده الملك الناصر داود كاتب الإنشاء /49 ب/وتقدّم عندهما، وارتفع شأنه، وعلت منزلته. ورأيت من يثني على فضله وصناعته في الكتابة وقوانينها، ويقول: هو أكتب اهل زمانه بلا مدافع، واعرفهم بالقواعد والإنشائية وأجودهم ترسّلا، وأحسنهم عبارة،

وأطولهم باعا، بظاهر مدينة حلب المحروسة، بمقام الخليل إبراهيم – صلوات الله عليه- يوم الخميس الثالث عشر من ذي الحجة سنة سبع وأربعين وستمائة، وعلقت عنه قطعا من شعره، ولم يكن في الوقت سعة لأكتب من ترسله وأثبته في هذا المجموع. ورأيته شيخا لطيفا كيسا فيه دماثة وبشاشة، ثم سافر إلى دمشق، ولم يزل مقيما بها إلى أن توفى يوم الجمعة ثامن جمادى الآخرة سنة خمسين وستمائة- رحمه الله تعالى-. ومما أنشدني لنفسه إملاء من لفظه: [من الطويل] وحقّكم لم يلهني بعد بعدكم ... ظهور مذاك أو صدور مجالس /50 أ/ ولا راقني في الناس إحسان محسن ... ولا أنست روحي بودّ مؤانس رماني زماني الفظّ عن قوس عذره ... بسهم فراق مطلقا غير حالس وعوضّت عن يومي المنير بقربكم ... باليل من البعد المبرح دامس فأضحى عدوّي عند ذلك راحمي ... وكأن صديقي يوم ذلك منافسي سأصبر حتى يحدث الله لطفه ... على خير ما كنا عليه بآيس وأنشدني أيضا لنفسه ما كتبه إلي بعض الملوك: (1) [من الخفيف] لو شرحت اّلذي وجدت من الوجد ... عليكم أمللتكم ومللت فلهذا خفّفت عنكم وأقصر ... ت ولو شئت أن اطيل أطلت غير أن العبيد تحمل عن قل ... ب الموالي وهكذا قد فعلت وأنشدني لنفسه أيضا، وفيه لزوم السين: [من الكامل] يا من غدا من كلّ عار عاريا ... ومن المروة والفتوّة كاسيا /50 ب/ ورأيته في العلم بحرا زاخرا ... ووجدته في الحلم طودا راسيا عجبي لمثلك كيف ينسى ذاكرا ... وأعجب لمثلي كيف يذكر ناسيا

بعد المدى ورزقت قلبا لينا ... يشكو [الضنى] ورزقت قلبا قاسيا هبني أسأت كما ظننت فكن لجر ... ح إساءتي بجميل صفحك آسيا فقد افتقدت من المعارف كلّهم ... فعساك تصبح للفقير مواسيا وأنشدني أيضا لنفسه يتغزل: [من المنسرح] مالك في الخلق عاشق مثلي ... فكيف تختار في الهوى قتلي إن انكرت مقلتاك سفك دمي ... فلي بخديك شاهدا عدل لكنني غير طالب قودا ... منك ولا راغبا إلى عقل (1) ولا ليوم الحساب أدخره ... بل أنت منه في أوسع الحل يا فرغ القلب عد على دنف ... فؤاده في هواك في شغل وعدتني أن تزورني فعسى ... تقصر عمّا أطلت من مطل مرارة الهجر ذقتها فمتى ... تذيقني من حلاوة الوصل /51 أ/ يا عاذلي في هواه دع عذلي ... فلست أصغي فيه إلى العدل أمرت بالصبر عن تذكّره ... من لي بأن أستطيعه من لي لكن هواه غطى على بصري ... ومسمعي والفؤاد في خبل وأنشدني لنفسه لغزا في الإبرة: [من الطويل] وعارية لا تشتكي البرد في الشتا ... على أنها منهوكة الجسم بالبرد ترائبها مصقولة غير أنها ... من العور لا الحور الحسان من الخلد إذا زال عنها سمها زال نفعها ... وحال ذوات السم في ذاك بالضد تصدّت لجمع الشّمل بعد شتاته ... ولا حظيت فيه بأجر ولا حدّ إذا كسيت ثوبا كسته لغيرها ... بلا منّة منها عليه ولا كدّ أنزه طرفي في سنّي ملابس ... تجود بها من غير وعد ولا قصد تفضّل فقد اوضحت بعض امورها ... بتكملة الإيضاح يا معدن الرفد وأنشدني أيضا لنفسه لغزا في المشط: [من الطويل]

/51 ب/وأصفر ذي وجهين بالنار ما اكتوى ... ولا وسمت خدّاه أولي الأمر ولا أشك في الصيرفي فحكّه ... ولا حار بين الصّفر منه أو الصّفر يلوح له نشر ولكنه يرى ... ولا ينتشي بالضّد من عادة النّشر يعض بأسنان وليس له فم ... ويثغر أحيانا وليس بذي ثغر يخلص بين الأهل مهما تشاجروا ... فيقضي لعقد العسر بالحلّ واليسر بعدّة أميال بعد ميسره ... وإن كان ملقى لا يسير ولا يسري رأي الزّهد رأيا فاغتدى متخللا ... على جسمه العاري بمسح من الشّعر فبح باسمه إني عنيت بكتمه ... ولا تخفه يا مبدع النّظم والنّثر وأنشدني أيضا لنفسه في الساعات المدّبرة بالماء: [من الطويل] ومخبرة بالعلم وهي جهولة ... بما أخبرت من علمه ليس تعلم إذا رويت باحت بمكنون سرها ... وإن ظمئت فالسّر منها يكتم تضجّ وتشكو الرجم في كل ساعة ... ولكنها مرجومة ليس ترحم /52 أ/ وتبدي أنينا مشعر بتأّلم وليس بها ضرّ ولا تتألم ويفهم عنها ما تقول وإنها ... لعجماء لا توحي ولا تتكلم وكتب غلى الشيخ العلامة سيف الدين أبي الحسن علي بن علي الآمدي، يشفع إليه في عماد الدين السلماسي، في أن يقرئه شيئا من كتبه وهو "رموز الكنوز". وكان قد تحدث معه في ذلك مشافهة: [من البسيط] يا سيدا جّمل الله الزمان به ... واهله من جميع العجم والعرب العبد يذكر مولاه بما سبقت ... وعوده لعماد الدّين عن كثب ومثل مولى من جاءت مواهبه ... عن غير وعد وجدواه بلا طلب فأص فمن بحرك الفياض مورده ... وأغنه من كنوز العلم لا الذّهب واجعل له نسبا يدلي إليك به ... فلحمة العلم تعلو لحمة النّسب /52 ب/ولا تكله إلى كتب تنبّئه ... ف (السيف أصدق أنباء من الكتب) (1)

وأنشدني لنفسه لغزا في القلم: [من الطويل] وما ناقص بالنّقص صار مذكّرا ... وكان له التأنيث وهو متمم عجبت له يزداد فضلا بنقصه ... فيصبح عمّا في الضمير يترجم ويفهم ما يوحى إليه مسارعا فيعرب عنه وهو أطرش أبكم ويسعى إذا استسعيته وهو مطرق ... لغير حياء لابس وهو محرم شعار بني العباس أضحى شعاره ... وليس له ... خراسان مسلم صموت إذا امسى سليما لسانه ... نطوق إذا أجررته متكلّلم والكن مهما حطّ عنه لثامه ... ولكن فصيح عندما يتلثّم ترى باقلا منه إذا كان حاسرا ... وتنظر قسّا منه وهو معمم وإن عبته بالجّهل فألمّ بأنّه ... مع الجهل ... بشرب الماء أعلم (1) تحلّيت في إظهاره وهو مضمر ... وحمت على إيضاحه وهو مبهم فلم أبده بالذّكر إلا مصحّفا ... لعلمي وإن لم أبد أنك تفهم /53 أ/ وكتب إليه بعض أصدقائه من الشام. وكان أبو الفتح قد سافر إلى البلاد العراقية، وأقام ببغداد وانقطعت أخباره بها يتشوقه ويحثّه على المجيء إلى البلاد الشامية بهذه الأبيات: [من الطويل] وذي عزمات لا تكلّ سيوفه ... وإن صار لا يخشى الردى في المنازل وإن لاح برق من بريق سيوفه ... فمن بعده رعد كثير الزلازل وقال وقد طالت عليه سنونه ... وما عاش إلا بالعوالي العوامل {إذا جاء نصر الله والفتح} عاجلا ... وعاينتنا بين القنا والقنابل (2) فإنّي أثير الحرب من كل جانب ... وأظهر فعلي في العدا والعوازل فأجابه أبو الفتح بهذه البيات على الوزن والقافية: [من الطويل] /53 ب/ أتاني كتاب منك يا ذا الفضائل ... فليس له في حوزها من مماثل فشبهته لفظا وخطا تسمّحا بسمط اللآلئ أو بروض الخمائل

وقبّلته بل كدت أمحو سطوره ... لفرط اشتياقي بالدموع الهوامل وقفت على المعنى الذي قد رمزته ... وقوف المعنّى في الرّسوم المواثل وأقسم يا مولاي لو كنت قادرا ... على بعضنا بالكتب أو بالرسائل وله في كتاب إلى الملك المعظم شرف الدين عيسى بن ابي بكر بن أيوب –صاحب دمشق – وقد غاب عن القدس: [من السريع] يا ملكا ما زال إنعامه ... في الناس معقولا ومحسوسا غبت عن القدس فأوحشته ... وإن غدا باسمك مأنوسا وكيف لا توحش ارجاءه ... وأنت روح القدس يا عيسى ومن كلامه المنثور قوله: /54 أ/ "قتيل الجفون الفواتر، في سبيل حبه، كقتيل السيوف البواتر في سبيل ربه، إلا هذا يغسل بدموعه، وهذا يزمّل بنجيعه، وهذا في حال حياته ميت يرمق، وهذا في حال مماته حي يرزق". [866] نصر الله بن يوسف بن أبي الفتح الكنانيّ، أبو الفتح. من اهل الديار المصرية. وقع إلى إربل من بلاد الشام متصرفا على عهد مليكها العبد الفقير إلى الله تعالى أبي سعيد كوكبوري بن علي بكتكين- رحمه الله تعالى- واستوطنها إلى أن مات بها في ذي الحجة سنة سبع عشرة وستمائة. وكان يكتب خطا حسنا، وينظم شعرا مطبوعا. انشدني الوزير الصاحب شر فالدين أبو البركات المبارك بن أحمد المبارك بن موهوب المستوفي الإربلي بها – رضي الله عنه – في سنة خمس وعشرين وستمائة، قال: أنشدني أبو الفتح نصر الله بن يوسف بن أبي الفتح الكناني المصري لنفسه: [من الكامل] /54 ب/ ما هذه البدع التي قد أحدثت ... خصّت بها دون الورى الكتّاب

قامت قيامتهم ولم يك وقتها .... وأتالهم قبل الحساب عذاب ما كان ذا إلا توهّم ما سعى ... بالنّصح وهو بنصحه كذّاب "ما فاتهم في كلّ ما وعدوا به ... في الحشر إلا راحم وهّاب" هذا البيت لأبي الفتح بن التعاويذي البغدادي مضمّن (1) وأنشدني أيضا، قال: أنشدني نصر الله بن يوسف لنفسه: [من الكامل] كم ذا أعلّل تجي أمل ... وقّف الرجاء ببابه الرّحب وحدثني الأمير الكبير العالم ركن الدين أبو شجاع أحمد بم قرطايا بن عبد الله الإربلي – أسعده الله – من لفظه وحفظه بإربل، قال: كان /55 أ/ لأبي الفتح نصر الله بن يوسف بن أبي الفتح الكناني صديق يهودي، فضمن من إنسان غريما ببدنه، فهرب ذلك المكفول إلى بعض البلاد، فطولب اليهودي به وبإحضاره، فعمل اليهودي محضرا، إن الغريم قد سكن في بلد رجل خارجي ولا يمكنه الوصول إليه، ولا يقدر على إحضاره، وطلب من ابي الفتح ومن جماعة أخر أن يضعوا خطوطهم بذلك، فوضعوا. فبلغ الديوان العزيز قصتهم فاعتقل أبو الفتح بهذا السبب. وكان بين [فخر الدين أبي الفضل أحمد خواندزه] (2) – ولد الوزير مؤيد الدين أبي الحسن محمد بن محمد بن عبد الكريم القميّ – وبين أبي الفتح معرفة، فكتب إليه بهذه /55 ب/ الأبيات، وأنشدنيها الأمير ركن الدين عن قائلها ابي الفتح: [من الطويل] أمولاي فخر الدين حلمك واسع ... وعدلك مبسوط وما زلت تنصف ابن لي يابن الكرمين قضيتي ... فقد أشكلت والآمر عندك يعرف ابيت وقد وكّلت بي والذي جنى ... ينام قرير العين لا يتكلّف وما بيننا إلا يسي مودّة ... إذا ازدحمت بين المودّات تضعف فقد ذكذرتني ليلتي بين شاعر ... شكا فيه من يشكو الصديق ويعطف "وما ضرني إلا الذين عرفتهم ... جزى الله خير أكلّ من لست اعرف" هذا البيت مضمّن.

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف [867] ناصح بن سعد بن ظفر، ابو الشرف الكاتب المنشئ الأديب الكاواني. وكاوان قرية من قرى جرباذقان (1). كان يكتب الإنشاء لطغرل السلجقي - صاحب عراق العجم وبلاد أذربيجان وغيرها- وكان الغاية في علم الآداب وفنونها، حائزا فضيلتي المنظوم والمنثور بالعربية والفارسية، علامة زمانه، وواحد وقته في الفضائل، بلاغة وتقدما وتبريزا وفهما، وديوان أشعاره ورسائله موجودان صارا إلي، وعلقت منهما ما هو غرض كتابي هذا من النظم والنثر. أنشدني القاضي شمي الدين أبو حامد محمد بن احمد بن ابي بكر الفقيه الشافعي الجربذقاني بالموصل بالمدرسة البدرية المطّلة على دجلة من لفظه وحفظه، قال: انشدني أبو الشرف ناصع بن سعد بن /56 ب/ظفر الكاتب المنشئ الأديب الكاواني لنفسه: [من الكامل] قل للعذيب إذا رأيت الضّالا ... يهنز من مر النسيم شمالا رواك من ماء الغمام سلافه ... وسقاك نوء المرزمين سجالا ومنها في المديح ووصف المعسكر: جن على جنّ إذا ارتهج الوغى ... نحو العدو يبارز الأبطالا شوس إذا ركبوا ليوم كريهة ... تركوا ديار عدوهم اطلالا وأنشدني أيضا، أنشدني أبو الشرف الكاواني قوله من قصيدة مبدأها: [من الوافر]

جيوش الحب تعزوني سرابا ... وتجعل مهجتي بعض السبايا وغابت يوم بانوا شمس عيشي ... وقدما كان طلعتها منايا رمتنا من لواحظها بسهم ... فصار ظهورنا مثل الحنايا سرى بحمولها ركب هواهم ... يمانيّ فراقهم هوايا ألا يا حادي الأظغان مهلا ... بهن هنيهة وقف المطايا /57 أ/ لعلي أشتفي منها بلحظ ... يسوغ ما شرقت به شجايا فتلك ضعائن رحلت ولكن ... هوى قلبي حملن على الحوايا تفرّقنا وقلبي في انصداع ... لدى الجرعاء ما بين الشظايا أشارت للوداع بكسر جفن ... له وقع المناصل في حشايا وهزّت للتثني رمح قدّ ... قلوب العاشقين له درايا ومدّت والرقيب على تناء ... يدا عضّت بأطراف الثنايا دهشت تحيرا ودعوت سرّا ... ألا يا ربّنا احفظها الايا وأنشدني أيضا، قال: أنشدني أبو االشرف لنفسه: [من مجزوء الرجز] هب النسيم الصّبا ... يفتق نور الرّبى يا صاحبي أشربا ... كأسا تعيد الصّبا بعد دواعي الهرم *** غرّد فوق الأراك ... حمامة الأيك هاك من يد ساق سقاك ... راحا تريك السماك تحت مواكي القدم *** نمنم نوء السحاب ... فوق متون الهضاب /57 ب/ وشيا كلون الثياب ... وكان صحن التّراب تذكرة من إرم ***

الغيم مما سرى ... يمنح وجه الثرى سيلا حكى إن جرى ... كفّ إمام الورى فصدر صدور العجم *** مهذّب الدين من ... قلّد اهل الزّمن بالجود طوق المنن ... هنّئت يا ابن الحسن إنّك مولى الأمم *** قد شاع في العالم ... أن أبا القاسم أربى على حاتم ... بالكرم الدّائم لا زال طود الكرم *** وقال وهو ما نقلته من ديوان شعره: [من الطويل] أيا فرختي عشّي ونوري كريمتي ... ويا مقلتي عيني ويا فلذتي كبدي لقد زدتما يوم الفراق كآبتي ... واجريتما دمعي على سحنتي خدّي (1) وأرثتما في القلب نار صبابة ... يضيق بها صدري ويعلوا بها وجدي "فياليت شعري هل أبيتّن ليلة" ... وبينكما بيتي ومغناكما عندي وهل ينظرّني الدّهر حتى أراكما ... وأصبح من بعد الدّيار على بعد /58 أ/ وقال ايضا: [من البسيط] يا ربّة الخدر إن تنسون صباحكم ... فنحن والله ر ننساكم أبدا ولو رأيتم غداة الجزع إذا رقّلت ... بنا المطيّى إلى ناديكم بددا حيث التقينا إلى بطحائكم عرضا ... ولم نجد ثمّ من أحبابنا أحدا فيالها عبرات أذرفت صببا ... ويالها زفرات أرسلت صعدا

وقال أيضا: [من البسيط] يا جيرتي بالعذيب العذب موردهم ... لا أوحش الله منكم آخر الأبد إذا تنسّمت من أرواحكم أحدا ... فقد سفكت دمي في هجركم بيدي لا جدّد الله في الأيام يوم غد ... إن لم أسرّ بلقياكم غداة غد وقوله: [من الطويل] أقول لورقائين في جنح ليلة ... تنو حان فوق البان تصطحبان خذ بنصيب العيش ما دمتما معا ... ولا تأمنا من أعين الحدثان فغنّ مسرات القلوب على الفتى ... قواض وساعات السرور فواني وقال أيضا: [من الطويل] /58 ب/ نسيم الصّبا إن جئت ارض أحبتي ... بسقط اللّوى حشيت طرق المهالك بحيث قلوب العاشقين تزاحمت ... فضاق على الغادين نهج المسالك فقل لفتاة التّيم إنّ فتاكم ... يقول: وحقّ الودّ يا ابنة مالك على شاطئ الوادي بمنعرج اللّوى ... تركت فؤادي فاطلبيه هنالك وقال أيضا: [من بسيط] من ذا الذي بك مشغوف من الناس ... نجا ورأسك من عينيك بالرّاس ومن تجرع كأسا في هواك فلم ... يغتصّ بعد التذاذ الكأس بالكاس ومن شفته أحاديث المنى عللا ... لم ينصرف من كلا خدّيك بالياس جالت لحاظك يون البين في جلدي ... يد الصّبا طال في ذكراك وسواسي أهدي النّعامى وكان البين يوحشني ... ريّاك لي فأعادت بعض إيناسي أغيض من زفرات كلما نسمت ... حذار أن يتأذّى حر أنفاسي وقال أيضا: [من الكامل] كثرت همومي في الهوى وتمادت ... ورضيت كفّي في الفراق وسادتي /59 أ/ واشتد بي برح السّقام فما عليه لو أتى متجشّما لعيادتي أعطيته لين المقاد ولم أكن ... أعطي [له] لولاه لين مقادتي

هجروا لم اجرع كؤوس فراقهم ... لو كان يسعف في الزمان إرادتي يا سادتي كم تهجرون متيّما ... قاد الغرام بنفسه فانقادت وقال أيضا: [من الرمل] إنّ أحبابي يوم افترقوا ... بالحمى لم يعرفوا وجه الصّواب أصبح العمر قصيرا بهم ... ضيّعوه بين عتب وعتاب وقال أيضا: [من الكامل] وبمنهجي من جاءني متعتّبا ... يشكو النّوى مغرورق الأجفان والدّمع في خديه ينظم عقده ... كالطل فوق شقائق النعمان وله أيضا: [من البسيط] إني لمهد على أيدي الصّبا سحرا ... من التحايا كأنفاس الرّياحين وكامن طول ليلي في مراصدها ... لعلها بنسيم منك تشفيني /59 ب/ وقال في مهذب الدين أبي القاسم بن الحسن وقد ىب من غيبته [من السريع] أهلا بهذا القمر القادم ... ومرحبا بالمطر السّاجم قرت عيون الناس من مقدم الص ... در الكبير العادل العالم مولى الموالي السيد المرتجي ... مهذّب الدين أبي القاسم من يده عند احتباس الندى ... تختلف صوب المطر الدّائم وبأسه عند احتدام الوغى ... يهشم أنف الأسد الهاشم ووجهه عند ارتكام الدجى ... يكفي ارتطام الكوكب الناجم ووجوده ظلّ بلا منّنة يسعى إلى القاعدة والقائم وعدله بين الورى حارس ... وكّل باليقظان والنّائم لو لم يلاحظني إقباله ... كنت صريع الزّمن العارم أكرم قدري حين صادفته ... تكرمة المخدوم للخادم وهزّ عطف الفضل لما رأى ... لفظي يجري درر الناظم

/60 أ/ جرباذقان اليوم مذ حلّها ... أبلج مثل الذّكر الصّارم طار عقاب العدل في جوّه ... يفقأ عين الحدأ الظالم يا سيدا في بحر إحسانه ... ماء يروّي كبد الهائم يقذف للوافد درا ولا ... يخشى عليه خطر العائم ليس اعتصامي بك إلا [لما] ... أعلم ما غيرك من عاصم صاحبك الإقبال ما صيحة ... تسمع للصادح والباغم وقال في غلام معذر: [من الكامل] كتب الجمال على صحيفة خدّه ... خطا فلقّبه الوشاة عذرا خط يروق المقلتين كأنّه ... خطّ أبن مقلتة يونق الأبصارا وقوله في وصف الخمر: [من المتقارب] إذا ما مزجت بماء الغمام ... مداما مفرّقة للهموم /60 ب/ فسقها إليّ فليست حراما ... على بن الكرام بنات الكروم وقال أيضا: [من المنسرح] قد طال سقمي وملّ عوّادي ... واكثر القول في حسّادي فقائل قد خبت بوائره ... وقائل لهف زينة النادي وكلّهم عارف بمرتبتي ... بينهم في رؤوس أشهاد لا بأس أقضي حقوقهم كملا ... إن كان في الأرض باقيا زادي وقوله أيضا: [من الوافر] سقى أطلاا عزّة باكرات ... من النواء تضحك ثم تبكي فثمّ رواجح الأكفال رود ... خلعت لأجلهنّ ثياب نسكي إذا نشرت ذوائبهن غابت ... إياه الشمس تحت ختام مسك (1) وقال وقد جاءه كتاب: [من الوافر [

نشرت كتابكم فوجدت نشرا ... يجدد ريحه للروح نشرا ولمّا أن فضفضت له ختاما ... تضوّع يملأ الآفاق عطرا /61 أ/ وحاك بنان شمس الدين فيه ... رياضا أطلعت زهرا وزهرا وأدرك ضمنها لفظا ومعنى ... لآلئ فصلت نظما ونثرا فأولينا بها بشرى وبشرا ... ووفّينا لها حمدا وشكرا وقال في غلام معذر: [من السريع] قالوا: بدا في خدّه خضرة ... قلت ضياء النجم في غاسق الآن اختص به إذ غدا ... يقصر عنه نظر الفاسق وقال: [من الطويل] وقالوا: هجرت الشّعر قلت لأنّني ... إذا قلت مدحا كنت في القول كاذبا ويقبّح بي بعد المشيب تذكّري ... ذوائب أسراب المها والترائبا وليس بذي هجر ينال لسانه ... من الناس أو يحصى لعرض معائبا فأولى بحالي أن يقال: شويعر ... هذي ما هذي دهر فاصبح تائبا وقال: [من الطويل] أأقبل ضيما بعدما طاب في الورى ... بزهرة آدابي رياض المشاهد /61 ب/ إذا لا رأت عيني وجوه ماربي ... ولا سمعت أذني غناء المحامد وقال: [من الكامل] لا تحسبوا هجر المساكن غربة ... ولا محنة أن يشتكي الرجل الفقرا فإن افتقاد المرء أقرن عصره ... هي الغربة العظمى هي المحنة الكبرى وقوله يمدح: [من المنسرح] يا حاتم العصر في سماحته ... لو كنت تدري مواضع النعم إنك فيما تنيل في نعيم ... لأحول الجود أعور الكرم وقال: [من وافر]

أحبّ الأبطحيّ وصاحبيه ... وحافده ويعجبني عليّ ولكني بحب الآل مغري ... كما يغري بمولاه الوليّ فإن يك ناصبيّ رافضيا ... فإنيّ الناصبيّ الرافضيّ وقال: [من الوافر] يمنني أحرمت شلّت يميني ... فقد ... ترجمة اليميني (2) قمين أن ألام على عذاري ... زففت بها غير القمين /62 أ/ فوا أسفي على زهر اللآلئ ... ووا أسفي على الدرّ الثّمين وقال: [من البسيط] قل للكرام وقيتم صرف دهركم ... فالدّهر يمثل في الدنيا بأمثلها وكان يجعل عاليها كسافلها ... فصار يجعل اعلاها كأسفلها وقال: [من الرمل] ربّ ورقاء على الأيك تغنّي ... سحرت غنّتها قلبا معنّى طارحتني بعد هدء شجونها ... كحزين وهي لا تضمر حزنا ما بكاها كبكائي إننّي ... خضل الجفن ولا تخضل جفنا كلما حنّت على أيكتها ... حنّة جاوبها أورق حنّا لا عفا الرحمان عنها ما جنت ... إنها هاجت فؤادا مطمئنا إن للعاشق قلبا مستهاما ... كلّما أقلقه الوجد أزنّا وقال: [من البسيط] استودع الله ذاك العارض الهطلا ... واكتفى كل مكروه به نزلا فقد بلوت به الدنيا بأجمعهم ... وأوفاهم ذمة ازكاهم عملا ما زاره زائر إلاّ وأوسعه ... جودا ولم يبق من آماله أملا لما نزلت ذراه الرّحب اكرمني ... فزاده الله إكراما بما فعلا

وهذه نبذ من كلامه المنثور، نقلتها من ديوان رسائله، فمن ذلك ما كتبه إلى قاضي القضاة ركن الدين صاعد: [من الوافر] جنابك للورى أعلى جناب ... وبابك للمؤمل خير باب اتيت ذراك يا مولاي عمدا ... لأّنني ليس غيرك في حسابي وإني وإن كبا زند الّليالي ... عليّ فإنّ زندك غير كابي وإن جناب أرضي إن نبا بي ... فإنّ جناب عزك غير نابي وما فعلت صروف الدهر مهما ... تخف إليك إخفاف الرّكاب خادم مولانا – أدام الله ظله – بالباب متشرفا، بلثم التراب، ومقيما مراسيم الثناء، ولوازم الدعاء، منهيا /63 أ/ إلى الرأي العالي – أعلاه الله – أنه طالما كانت تناجيه نفسه بالاستسعاد بخدمة هذه السدّة العلية، والانحصار في خادمي هذه الحضرة الزكيّة، لكنه كلما أقامه الأمل، أقعده الكسل، وإذا حرّكته الدواعي الشّائقة، قيدته الأسباب العائقة، فحرمه عن البحر الطامي، والغيث الهامي، ما كان يعتكف عليه من ثمد ركيّ، ويمتريه من ضرع بكى، ويحترثه من زرع زكي، حتى أزعجه عند تراكم الفتن المائرة، ونغصه عليه المحن الثائرة التي صيّرت الضياع نهزّة الضّياع، والأملاك نهبة الهلاك، والأموال عرضة الزوال. وصار الكلام في الرؤوس، ووقع الخطب في النفوس، ترك ما ملك سدّى، ونفض عما جمع يدا، ونجا بحشاشة نفسه وولده، واحتضن أفلاذ كبده، موائلا إلى الباب الرفيع، الذي هو كعبة الزوّار، ووجهة الحرار، يتبوأ ظلال نعمه، ويرتدي أذيال كرمه. قدر /63 ب/ ما تفثأ قدور الأقدار، وريثما يؤول القول إلى الفرار، فإنّ منّ المولى – حرس الله ظله_ عليه بسؤاله، واسعفه بمأموله. كانت يداّ واقعة في نصابها، ومنه مفرغة في مصابها، مشكورة إلى آخر العمر، موفورة الحمد مدى الدهر، والرأي أعلى وأجل".

ومما كتبه إلى بعض الصدور: "نحن – أطال الله بقاء فلان – في زمن الحرّ في أهله غريب، في قومه قريب. لاسيما غربتان هما كربتان، غربة الفضل والبعد عن الوطن والأهل، والمجلس العالي – أدام الله علاه - وإن كان من آدابه بين ندامى وجلّاس، ومن خدّامه بين مراع ومواس، ولكن إذا هدرت حمامة فضله لم يطارحها هديل، وإذا غرّدت صنّاجة طبعه لم يعاونها رسيل، فإن اراد أن يضمّ إلى خفيف أوزانه ثقيلا، وإلى علا شأنه عقيلا، /64 أ/ لزمته مساء صباح، وخدمته كما تخدم الأجسام الأرواح، ولي في ذلك الشرف الأعلى، والسعادة العظمى، وللرأي مزيد العلو والرفعة: [من المنسرح] لا جعل الله لي منك بديلا ... إنك من كل فائت بدل ولا عراني بمهجة ظلّ بها ... يراعي ويجبر الخلل لا يوحش الجوّ فقد كوكبه ... ما دامت الشّمس فيه تشتعل وكتب جواب رقعة وصلت إليه عند بعض الكبراء: "وصلت اللّمعة الفلانيّة، كالروض رقّح واشية، فرقّ حواشيه، والحزن صبّ غواديه، مغترفا من اليم الخضّم نطفه، ومخترقا من سحوق الفضل لطفه، فتدرع الخادم بها حبر الفخر، وتدرّع بيمنها إلى ما يتمنّاه، على الدهر غير واقف في جوابها موقف المباراة، ولا ذاهبا /64 ب/ بنفسه في حلبة المباهاة. بيد انه علق تميمة على نحرها، حين ضاق ذرعه عن مهرها، وهو أبدا رهين برّها، رافل في حلل فخرها، والرأي العالي في إرخاء السّترةالسّاترة، على هذه التحفة الظاهرة، على الداعي لأيامه، المنخرط في سلك خدامه أعلى". وقال فيه هذا الدوبيت: قد أخصب من فضلك وادي الشّرف .... وازداد هواك في فؤاد الشرف

نادى بلسانه منادي الشّرف ... يا ربّ أطل عمر عماد الشّرف ومما كتبه إلى مهذّب الدين أبي القاسم: " خادم مولانا مولانا حرس الله ظلاله، وأدام إقباله – يقبّل تراب الخدمة، ويقيم صالح الدعوة، ويحمد الله – تعالى- على ما سنّي له من جميل الهمم، ووالى إليه من جزيل النعيم، ويتضرع /65 أ/ إليه في إمهاء طول العمر، إلى أن يمنّ عليه بالمثول بين يدي الصدر، مقبّلا أنامله التي هي مفاتيح الأرزاق، ومتأمّلا شمائله التي هي مفاتيح الكرم على الإطلاق، ومطفئا بلقياه نارا تتلهب بين الضلوع، ووجدا تنسكب به سوافح الدموع، فقد طالما يقيمه الشوق ويقعده، ويزعجه الأمل ويكمده، وهو عما يريد ممنوع، وبما يتمناه مفجوع، وإنه على ما به من ارتياح باب الأمنية، في الاستسعاد بتلك الطلعة البهية. يواظب على عقد كلل الدعاء حول مخيم ناديه، ويداوم على نسج حلل الثناء مقطوعة على قدر معاليه، فاحسن الخدمة موقعا ما تشيه الأقلام، وتعيه الأيام، وتداوله الألسنة، وتتناقله الأزمنة، فيكون حياة بعد الحياة، ووقتا بحسب إنقضاء الأوقات، ويعرف إلى النّاس أنّ سوق الأدب بعد رائجة، ولجة الكرم وعلو الهمم هائجة مائجة. ما دام مولانا – أعز الله أنصاره – في مسند الإقبال، ومنصب الجلال، عامرا ربع /65 ب/ الآداب، وآخذا بضبع الكتابة والكتّاب، يؤتى من كل صوب، ويقصد من كل أوب، لتوضع منه الممادح موضعها، وتقع عنه المحامد موقعها فيجلب إلى حضرته العلية بضاعات النظم فيغالي في استيامها، ويجعل إليه بلاغات النثر فيهزّ عطفيه لاغتنامها، ضاحكا في وجه الوافد ثناياه، ومتهللا بطلوع الزائر محياه: [من الكامل] كذب بن فاعلة يقول بجهله ... مات الكرام وانت حي ترزق

وإلى الله تعالى الرغبة في إطالة بقاء الكرام بإطاله بقائه، وإدالة أهل الفضل بدوام دولته وعلائه، وما جاء بالماء سحاب، وعاد إلى السماء شهاب، إنه ولي الإجابة، ولما عرف الخادم أنّ الهمّة العلية ترتاح لمطالعة الآداب وتعتلق من فنون العلم بأقوى الأسباب، عض إبهامه أسفا على ما كان عنده من أعلاق الكتب. أتى الدّهر على طارفها وتليدها، وغارت الأيام على ما كان من عتيدها. /66 أ/ حتى لم يبق إلا الرتج القليل، الذي لو خدم تلك الحضرة العالية، بجميع اعدادها كان كالنملة حملت إلى سليمان رجل (1) جرادها، لكنه رأي الضّنّة بالموجود أشدّ الضّنن، وسخاء الرجل بما ملك من أسدّ السّنن، فخدم الحضرة أعلاها الله بهذه المجلدات، وهي كذا وكذا، فالعالي العالي في إسبال ذيل العفو على ما يتجاسر به الخادم، ويرتكبه من الاسترسال إلى ما يليق بالخدم إلّا إلى ذوي الكرم، قرين العلو والرفعة".وكتب إلى بعض الأفاضل جوابا عن كتاب ورد عليه منه: "سلام الله – تعالى – وهو خير ما يتعلق على هوادج الرياح، ويفتق بنسيمه نوافج الأرواح، ويحي به محيا الأحباب، ويضمن هداياه طي الكتاب، على فلان ولا زالت مجامر أنفاسه تفغم المنافس، وترغم المنافس. وجواهر ألفاظه /66 ب/ تعمر المجالس، وتغمر المجالس، ورياض الأدب بأزاهير نطقه مونقة، وحياض الكرم بنمير خلقه متدفّقة، ما طرّ شارب فرع، ودرّ حالب ضرع ن ورقرق بالماء سحاب، واشرق في السماء شهاب، وفرّق بالصياح غراب، ورق للصباح جلباب بمحمد وعترته.

وبعد: فقد وصل كتابه الذي كان برجا يطلع نيّري النظم والنثر، ودرجا يجمع جوهري الخطب والشعر، كلا علّقيه ثمين، وكلتا يديه يمين، وكلاهما بالثناء قمين، إن اغترست فرند وعرار، وإن اقتبست فمرخ وعفار، سعدان كلاهما في المراعي سعدان ووردان، هما للصادي صداوان وعينان تجريان كدجلة والفرات، وقينتان يغنيانبما يحيي الأموات، ويجمع بين العظام والرفات. لم أر قطّ مثله فظّا جلّه فوائد، بل كله فرائد. حروفه ظروف الظّرف، وسطوره جلاء الطّرف وصلي (1) العرف كالعقل كله / 67 أ/ نور والعلم لا يحله زور فتاة لها صباحه، ومشكاة فيها نور مصباحه. يرتكض فيها بحر نشيط في بحر بسيط، ونثر يعترض منه نور عريض في روض أريض، فياله من سفر سافر، من بحر الأدب وبرّه، واسفر عن شمس الكرم وبدره، وصرصر فيها باز يبيض في العيّوقن ويفرّخ ببيض الأنوق، بل حاكه بحر من البحار، وحبر من الأحبار، وصدر من المصطفين الأخيار، يغترف من بحر أسخى من حاتم، ابائي (2) من حنيف الحناتف، وينطق بلسان أجرى من السيل تحت الليل، وامضى من الترك فوق الخيل، وأحلى من الخمرة بزلال، وأصلى من الخمر في الاشتعال: [من الكامل] وحديثها كارعد يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا فيصيخ مستمعا لدرّته ... ويقول من طرب هيا ربّا وكان موقعه مني موقع عود الولد النّدب، بعد الغيبة، والجود إلى البلد الجدب عقيب الخيبة، وحل محل النّور في الأحداق، /67 ب/ والشهدفي الأشداق، والنوم في الآماق، والوصل إثر الفراق.

بيد أنّي لما هززت بخطابه في قرن جوابه، كدت أتخذ الليل جملا، والباطل دغلا، وأستر تحت الظلام، والوذ إلى الانهزام، وقلت: يا فلان هذا أجل من الحرش، وأين الوبل من الرّش؟ لا تتعرّض لارتجاله فلست من رجاله، تبين رويدا ما أمامه من هند هو ساط بأسوا، سابق بأشواط، وأنت عاط بغير أنواط، فالله في الاحتياط. [من البسيط] فأبن اللّبون إذا ما لزّفي قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس ثم تجلّدت بعدما تبلّدت وصرت: [من الوافر] أقول لها وقد طارت شعاعا ... من الأبطال ويحك لن تراعي ما جمح حرونها، ولان قيادها بعد ما بان عنادها، وقالت: الآن وقد غشاني الضنّى، فقلت: [من المنسرح] قد كنت قبل البكاء عابسة لكن الفحل يحمي /68 أ/ شوله معقولا، والمرء يحمل سيفه وإن لم يكن مصقولا، إذ ليس كلّ بحر مّواج، ولا كلّ غيم ثجّاج، ولا كل طرف هملاج، ولا كل خطيب سراج. إن لم تجد لي صافية ممزوجة، وإن لم تسلكي فمخلوجة، ليس عليك إلا مالك، والسخي بمالك هذا هذا. ثم يا مولاي! كيف انت وحالك؟ وفي أي ربع مجالك. سمعت أنك تنظر في أمر القضاء، فهل بيعين الرضاء، وتزكّى فهل تجد من يزكى من غير أن تلكا، وأنت في أشغر بلد، وقوم ما زكا منهم احد.

أما انا فعندي الجلوس في بيت المجوس، بل القعود في حش اليهود، بل لبوس أثواب المحن بالجلوس على أبواب الشجن، أهون من الإغضاء على فضائح القضاء، والهجوع على الجوع، أو القناعة بالقنوع، أو الزراعة بالدموع خير من ضروب الرّشا وإن هي ثروب، وكثبا فالدّرّة في في نحر الأمة ضائعة، والحرة لا تأكل بثدييها وإن هي جائعة، لاسيما حيث درهم الوقاحة أروج من دينار الفصاحة، وهراش الوكلاء أرجح وأنجح من قماش / 68 ب/ الفضلاء والكلاب جياع، والضّياع إلى ضياع، وسحاب الحق خلّب، وغلب الباطل غلّب، وتدمي الأنداء بأنامل الحلب، والمحب يشقى بكل حوّل قلّب، وسوق العالم إلى الكساد، وأساس الأمر على الفساد، وأملاك المسلمين على المزاد، وأموال اليتامى نهب، وحقوق الأيامى سلب، والحمير تمعر، والجحيم تستعر: [من خفيف] في قضاة من الصواب قضاة ... وعدول عن الصلاح عدول فوقاك الله شر ذلك اليوم، وضرّ ذلك القوم، وجعل لك مخرجا من حيث لا تحتسب، وأعاذنا وإياك من القرار مع الأشرار، وضم الأزرار على الأوزار، وكشف الإزار عن العوار، وجعلنا من الأتقياء الأبرار بمحمد النبي وآله الأخيار". ورسائله كثيرة، والذي اورنا منها كفاية وغنى. [868] ناهض بن إدريس الوادشّي. ينسب إلى واداش من اعمال غرناطة. كان شاعر قطره، أشعر من ذكر عصره، يقول في السيد أبي يحيى: [من الطويل] ألا حبذا القصر الذي ارتفعت به ... على الماء من تحت الحجارة أقواس هو المصنع الأعلى الّذي أنف الثرى ... ورفّعه عن لثمه المجد والباس

فأركب متن النهر عزا ورفعة ... وفي موضع الأقدام لا يوجد الرّاس فلا زال معمور الجناب وبابه ... يغضّ وحافي أفقه الدّعر أعراس [869] نبأ ابن أبي غانم بن حسين بن عبد السيد، أبو المعالي، المعروف بأبي الزعفراني اليهودي. من اهل حلب، ومن اربابها المتصرّفينفي الأعمال السلطانيّة. وقد خدم متصرفا في ديوان حلب سنين متعددة. وكان أعرف أه لملته بالتصرّف وعلم القوانين الديوانية، ورسوم القواعد الحسابية، والاطلاع على غوامضها. وكانت وفاته في يوم الإثنين خامس رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة. وكان مولده في سنة تسع وسبعين /69 ب/ وخمسمائة. وكان حسن الخط، شاعر متوسط القول، ينظم أشعارا كثيرةفي فنون متعددة. وكانت به لكنة في لسانه، وإذا أراد أن يعبر عن ما في ضميره عجز ولم يستطع إداء ما فيه، وله أرجوزة طبّية سماها "تذكرة اللبيب وتبصرة الطبيب"، وعمل أرجوزة نحويّة لقبها "سنن الإعراب في سنن الأعراب". وامتدح الملك الظاهر غياث الدين غاري بن يوسف بن أيوب – رحمه الله تعالى -. أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد المولى الحلبي بها الكاتب المنشئ من لفظه، قال أنشدني أبو المعالي نبأ بن ابي غانم بن حسين بن عبد السيد بن الزعفراني لنفسه: [من الخفيف] رق قلب العدو ممّا أقاسي ... ورثى لي وأنت قلبك قاسي يا بديع الصّفات غير بديع ... هل تجازي مودّتي أو تواسي ما على من تملّك الناس رقّا ... لو رعى في الهوى قلوب النّاس رشا لو رآه يوسف أضحى ... لهجا بالغرام والوسواس /70 أ/ لا تقس حسنه إلى يوسف الحس ... ن يمينا ما بينهم من قياس حبذا حبذا زمان تقضّى ... في هوى نجل قيصر البانياسي بلحاظ كأنها أسد غاب ... خدرت في جفون ظبي كناس

وجبين كالصّبح تحت دجى الشّعر ... وخّد كالورد بين الآس ورضاب كأنه نطف الرّا ... ح وثغر حكى حباب الكاس ناحل الخصر قد حكى بنحولي ... في هواه فليت لي منه أسي هو ناري وجنّتي ونعيمي ... وشقائي وصحّتي وانتكاسي لو تهيّأ بأن يبيت نديمي ... فزت في خلوتي به واختلاسي وقال أيضا يستدعي صديقا له: [من البسيط] أما ترى اليوم بادي الظل والدّمق ... ومطرف الدّجن قد غشّى سنى الأفق فقم بنا نجتليها في زجاجتها ... صفراء كالشمس أو حمراء كالشفق فنحن في مجلس زاره عبهره ... ساه وساقيه مثل الشّادن الخرق محمر نارجه يحكي الخدود وفي ... تحديق نرجسه معنى من الحدق /70 ب/ وقهوة عتّقت حتى أضّر بها ... مر السنين فما أبقى سوى رمق يذكي لها الماء نشرا بالمزاج كما ... يذكى لظى النار نشر المندل العبق فخلت كفي خضيبا حين لامسها ... وخلتها نار عيسى ليلة الصّدق وقال في المعنى: [من الوافر] بعيشك قم إلى حثّ الكؤوس ... فإن العيش شرب الخندريس ولا تطع اللواحي في مدام ... تدوم بها مسرات النفوس وقوله في يوم ثلج يحث على الشرب: [من مجزوء الكامل] قم واقترع بكر الطّلا ... واستجل كاسات العقار فاليوم يوم أبيض ... يدعو إلى خلع العذار ومباسم الإطراب فيـ ... هـ لطشّه ذات افترار (1) والثّلج قد غطّى الرّوبى ... والجو مبيض الأزار وتخاله متساقطا ... كالنور أرسع في انتشار فذر الوقار فتركه ... في شربها عين الوقار

/71 أ/ لا عيش إلا في اجتما ... ع الشمل بالكأس المدار وقال يستدعي صديقا في زمن الربيع إلى روضة: [من الكامل] يا صاح قم واستجل بكر امة ... نهدي إليك غرائب الأفراح واجمع بها شمل السرور فيومنا ... يوم به قد طاب شرب الرّاح والروضّ قد رقّم الربيع بساطه ... بوشائع من سوسن وأقاح ومديرها قمر منير قدّ زهت ... وجناته بالآس والتفاح وكأنّ طيب مذاقها من ريقه ... وحبابها من ثغره الوضّاح وقال في مثله: [من الوافر] بعيشك قم لنستجلي العقار ... ففي ذا اليوم حق بأن تدارا وصل عجلا فيومك يوم ثلج ... به وجه البسيطة قد توارى كأنّ سقوطه نوّار دوح ... تثير يد الرياح له نثارا وقال في المعنى: [من الوافر] لمثل اليوم تدّخر العقار ... فدونك شرب كاسات تدار /142/وبادر بالمسرّة غير وان ... فما أوقاتها إلا قصار وقال أيضا: [من الوافر] أدر يا صاحبي كأس المدام ... فشرب الرّاح من شيم الكرام ولا تحبس كؤوسك عن مشوق ... إلى لقياك صبّ مستهام فقم واستجلها في يوم ثلج ... حباك بدرّه در الغمام وقال يصف الخرف: [من الوافر] وزائرة لها أرج ذكيّ ... تزورك برهة في كل عام تبشر بالربيع وقّد تراها ... تهادي عند كاسات المدام ولها وبر على جسم ضئيل ... بلا لحم يحس ولا عظام ويوق أيضا مما عمله بأسعرد: [من الطويل]

بعيشك صف لي غير وإن فيومنا ... كبهجته يدعو إلى اللهو والقصف /72 أ/ ومجلسنا زاه أنيق وخمرنا ... عتيق كلون التبر في غاية اللطف وندماننا أخوان صدق كأنهم ... نجوم سماء قد جبلن على الظرف وقد حرك الشادي المثاني وقد شدا ... فمن طرب يحيي النفوس ومن عزف وطاف بشمس الراح ساق مترك ... كبدر الدجى حسنا يحل عن الوصف فإن زرتنا تم السرور وإن تغب ... يعد صفو هذا العيش رنقا بلا خلف ومما عمله في صدر كتاب: [من البسيط] يا أبعد الله أيام البعاد لقد ... جرعت منها كؤوس العلقم الصبر يحارب الشوق قلبي ثم ينجده ... جيش الأسى وكمين الهم والفكر يا شوق حسبك ما أبقيت لي جلدًا ... ويا حنين لقد افنضيت مصطبري وقال عتبا في صدر كتاب: [من الطويل] أخلاي غبنا عنكم فنسيتم ... مودتنا ما هكذا سنة الود وأشبهتم أهل السفينة في الوفا ... فمنذ افترقنا ما أقمتم على عهد وكم رمت مذق الود غيظا عليكم ... فلم أر عن صدق المودة من بد /72 ب/ أما وصفاء الود لا حلت عنكم ... ولا خنتكم ما عشت في القرب والبعد وقال أيضا يستهدي نبيذًا: [من مجزوء الكامل] ذهب الشباب فلست أطـ ... ـمع في مراجعة الشباب والشيخ لا يلهيه عن ... عصر الشباب سوى الشباب والراح أنفع للمشا ... يخ في الشتاء من الجباب تغنى بضوء الكأس إن ... مزجت بليل عن شهاب وتريك تبرًا في لجيـ ... ـن تحت در من حباب فعسرك تحييني بها ... فتميت هي واكتئابي وقال أيضًا: [من المجتث] ما للهموم دواء ... سوى كؤوس المدام كم قد نفت من هموم ... وكم شفت من سقام

إن حرّموها فشرب الدّ ... ماء غير حرام وله يستهدي نبيذا: [من الكامل] /73 أ/ خلت الدنّان من المدامفلا تسل ... عن حال عبدك بعد عدم الرّاح كانت بها أفراحه موصولة ... واليوم موقوف على الأتراح كانت مجالس أنسه مأهولة ... فاستوحشت وخلت من الأفراح كانت تضيئ بها الكؤوس فأصبحت ... مثل المحابر ظلمة الأقداح قد مسّه ظمأ فهل من نافع ... بالرّاح غلّة حائم ملتاح ومما عمله في المعنى: [من الكامل] لو كان أصحب بعد طول شماس ... أملي حظيت بعشرة الأكياس عزّ المدام أكرم صاحب ... يهدي السّرور إلى قلوب النّاس يقضي بجمع الشّمل بعد شتاته ... ويكاد يعطف كلّ قلب قاسي لله ما أحلى مجالس لهونا ... فيه بحسن تآلف الجلاّس غن الرضيع ينال عند فطامه ألما ... ولاسيما رضيع الكاس وله في المعنى: [من البسيط] /73 ب/ هلا صرفت بصرف الرّاح يا صاح ... هموم صبّ إليها جدّ مرتاح قد أعوزته وهل عيش لمكتئب ... يعتاض بالدمع عن مشمولة الراّح دنانه خاويات كالصدّور نأت ... عنها القلب فما تعبأ بملتاح لو تاب عنها دم أجريت من شغف ... دمي ودارت به للشرب اقداحي ومما عمله في صدر كتاب: [من الطويل] تمنيت أن اجلو برؤياك ناظري ... وأن يشتفى قلبي من البعد بالقرب فما بلغت نفسي المنى فتعللت ... شوقي بإنفاذ الرّسائل والكتب وإني إذا حالت يد البعد بيننا ... سأهدي تحياتي إليك مع الرّكب تحن إلى لقياك نفسي صبابة ... كما حنّ ظمآن إلى البارد العذب وقال أيضا: [من الحفيف] ما تعشّقته لإفراط حسن ... لا ولا أنه أتم الملاح

إنما للقلوب في الحب أسرار ... خفايا خفيّة الإيضاح كم قبيح عند المحب مليح ... ومليح في عينيه كالقباح / 74 أ/ وقال أيضا: [من الطويل] خليلي ما بالي أرى كل غيهب ... تجلّى وحظّي ما تجلت غياهبه فلا صبغة المسود يرجى نصوله ... ولا ليله الدّاجي تضيء كواكبه توالت على قلب هموم كأنها ... فيما تنقضي أهواله وعجائبه وقال في غلام جميل بوجهه كلف: [من الكامل] قالوا: كلفت بحب من في وجهه ... كلف فقلت: كذلك البدر لو لم يحز كل الملاحة ما بدا ... للحسن في وجناته أثر وعذلت قبل اليوم فيه فقد بدا ... آس العذار أقيم لي العذر وله معاتبة: [من الكامل] مالي أميل إلى حفاظ مضّيع ... سفها وأرغب في محبّبة قالي صعب المراس وكلّما لاطفته ... يزداد فرط تبرّم وملال وعلا عليّ فهان عندي تركه ... والتّرك يرخص كل شيء غالي /74 ب/ وقال على وزنين وقافيتين: لم أنسه مذ زارني ... متخّلسا من غير وعد ... معجبا بدلاله جذلان سهّله الرّضا ... فأتى على غرضي وقصدي ... بعد طول ملاله في ليلة نامت بها الر ... قباء لاستيقاظ وجدي ... خاضعا لجلاله قبّلت منه مقّبلا ... يفتر عن برد وشهد ... ميث في جرياله ورتعت في وجناته ... ما بين ريحان وورد ... بل خلوت بخاله وجنيت رمان النهو ... د مهنّأ من غضّ وقدّ ... عزّ نيل مثاله وحللت عقد نطاقه ... بيدي في هزل وجدّ ... مع تلطّف حاله لله منها ليلة ... طلعت بها أقمار سعدي ... مذ سخا بوصاله

لو سامني في مثلها ... بذل الحياة لهان عندي ... في بديع جماله او بيع منها ساعة ... لشريتها بالعمر وحدي ... فائزا بكماله سمح الزمان بوصله ... من بعد إعراض وصدّ ... وامتناع خياله وسخا بما عجزت قوى ... شكري له وفؤاد أحمدي ... في جميل ضلاله /75 أ/ وقال متغزلا: [من الكامل] يا من حياة المستهام وموته ... بيديه في حالي رضاه وسخطه ما بال قلبك لا يني متقلّلبا ... يصبو إلى خفض المحب وحطّه أسهرتني ثم رقدت ثم شغلتني ... وخلوت من كمد الغرام وفرطه أمن المروءة أن في لك في الهوى ... وتخون في عهد الوفاء وشرطه لو فتّشوا قلبي رأوك به وقد ... كتب الغرام أهواك فيه بخطّه أفديك من رشأ تعزز إذ غدا ... يعزى إلى موسى الكليم وسبطه ومهفهف كتب العذار بخدّه ... سطرا يروقك شكله مع نقطه لا غرو إن حاز الجمال فيوسف ... من قومه وأبوه والد رهطه لم أنس إذ صلّى لدى محرابه ... متطيلسا قد طاح جانب مرطه ودعا ببسط ذراعه فكأنما ... قبض القلوب بأسرها في بسطه وقال أيضا: [من الوافر] إذا ما كان هجرك لي جحيما ... وصدك جنّة فعلام تجفو فصلني منعما ليزول همي ... فعيشي بعد بعدك ليس يصفو /75 ب/ وقال في المعنى: [من المتقارب] إذا كان وصلك لي جنة ... فهجرك لا شك نار الجحيم فصلني ولا تبخلن بالوصال ... على مغرم بك نضو سقيم ودع عنك ذا السخط وأبغ الرضا ... فإنّ الرّضا من خلال الكريم وقوله في اللقاء: [من الطويل] لعيني متى فازت برؤياك قرّة ... وقلبي سرور مفرط وحبور فيا حبذا ذاك اللقاء فإنني ... عليه لربّي حامد وشكور

وقال أيضا: [من الخفيف] بعد الخلّ والرّقيب قريب ... وجفا السّقم حين صدّ الحبيب وجفاني الكرى وواصلني الشوق ... فخالي بين الأنام عجيب بأبي شادن غرير نصير ... في هواه يستعذب التّعذيب أهيف مترف ظريف لطيف ... أبدا نحوه تميل القلوب بدر تمّ ينير فوق قضيب ... ناضر تحته يموج الكئيب قاطن في الفؤاد لم ينأ عنه ... وهوفي حسنه البديع غريب /76 أ/ غاب في سفرة الصدود ولكن ... هو في القلب حاضر ما يغيب أنبوني على هواه فقد لذّّ ... لسمعي مع ذكره التّأنيب طاب فيه عتبي وكل حديث ... مرّ ذكر الحبيب فيه يطيب وقال: [من المجتث] بدّلت بالهجر رفعي ... خفضا فقد ضاق ذرعي وصرت تعرض عنّي ... بعد اتحاد وجمع قضيت بالغدر ظلما ... بغير عدل وشرع صددتني عن دلال ... وعن ملال ومنع وملت نحو أناس ... طباعهم غير طبعي وأنت أكرم عندي ... من ناظري وسمعي إن زرتني تمّ أنسي ... وبان نجحي ونجعي ففي يديك بأمر الإ ... له له ضرّي ونفعي وقال: [من الوافر] سقاني الرّاح في جنح الظلام ... كحيل الطرف معتدل القوام /76 ب/ وحياتي محياه بورد ... من الخدّين من غير احتشام وقبّل راحتي فلثمت فاه ... فراجعني بضمّ والتزام فيالك ليلة أمسى أنيسي ... بها ومنادمي بدر التمام فمن يده ومقلته وفيه ... مدام في مدام في مدام

وقال: [من الوافر] أتاني زائرا بعد ازورار ... رخيم الدلّ أهيف ذو احورار وقد نامت عيون مراقبيه ... وجنح الليل منسدل الإزار وأقبل ثم قابلني بوجه ... كسا الظّلماء أردية النهاري يرنّح عطفه الميّاس سكر الصـ ... با فتخاله سكر العقار فقمت لأجله وسجدت شكرا ... لخالقه على قرب المزار وبتّبه قرير العين أجلو ... محاسنه العذاب بلا حذار سقاني راح ريقته وحيّا ... بورد الخدّ مع آس العذار فيالك ليلة في الدّهر جاءت ... على قّدر اقتراحي واختياري /77 أ/ وقال: [من الطويل] أخلّاي طاب العيش لما حضرتم ... وراق فاضحي نير السّعد مبدرا وهبّ نسيم عاطر من دياركم ... فجدد لي عهد التّداني وأذكر وما طاب هذا الطّيب إلّا لّإنّه ... سرى نشركم في ضمنه فتعطّرا فلله منكم ما أصحّ وفاكم ... وأعظمكم في النّاس قدرا وأكبر سقى الله أياما مضت باجتماعنا ... بلا كدر صوبا من المزن ممطرا وقال: [من الخفيف] أرج الجو بالنسيم المهدي ... نفحات العبير من نشر هند مر في حيّها النسيم سحيرا ... فحبته بنشر مسك وند فاعترتني لطيبه هزّة السكـ ... ـر على أنني نزيف الوجد وأهاج النسيم للقلب شوقا ... وهياما ولوعة ذات وقد يا خليلي عرّضا بحديثي ... عندها علّة يفيد ويجدي وأذكر أني لها فإن سألت عنـ ... ـي فقولا قتيل هجر وصدّ واسعداني على هواي فإنّي ... في جهاد مع الغرام وجهد /77 ب/ فقفا لي حيال جوشن ما بيـ ... ـن قباب الأحباب من كلّ بدّ

وأنشدا لي قلبي الذي ضاع منّي ... فعساهم أن يسمحوا لي برد وإذا عجتما على ساكن الخيـ ... ـف سلاه بمن تبدّل بعدي حبذا سفح جوشن فهو أزهى ... من تلاع الحمى وأعلام نجد وقويق فماؤه العذب من ريـ ... ـق ماء العذيب اعذب ورد يا رعى الله عصر عصر لهو تقضّى ... لم تروّع فيه الأماني ببعد وقال: [من الخفيف] لك في القلب منزل ومحل ... أبدا منك أهل ليس يخلو يا منى النفس إن منيت بهجر ... فمناي وبغيتي منك وصل أمن العدل أن تملّ محبا ... لك في كل حالة لا يمل حاش لله أن تحرّم وصلي وهو مرّ في مذهب الحبّ حلّ أو تبيحن قتلي بتجافي ... ك وقل البريّ في الشّرع بسل لا تكلني إلى السلو فهذا ... مستحيل بأنني لك اسلو /78 أ/ أنت لاه عني بغيري مشغو ... ل ومالي سواك في النّاس شغل وقال: [من الكامل] يا ويل من أضحت منازلهم ... أجداثهم قد بادهم فقر تركوا أحبّتهم وأهلهم ... قبروا وافاهم الدّهر واستبدلوا بالترب منزلتة ... بعد القصور فعزز الأمر كم حاز من ضاقّت لهمّته ... سعة الفضاء بضيقه القبر والهف نفسي بعد فقدهم .... عز العزاء وأعوز الصبر وقال في ذم الزمانوأهله: [من البسيط] لمّا تنوّع دهري في معاندتي ... ورام عكس الذي اختاره القدر حجبت نفسي عن بدو وعن حضر ... كي لا يرى نقص حالي في الورى بشر

أبدى العدا لي عيوبا لست أعرفها ... وربّما عيب مع إشراقه القمر "إذا محاسني الّاتي أدلّ بها ... صارت ذنوبا فقل كيف أعتذر" هذا البيت مضمّن. /78 ب/ وقال في مثله: [من الخفيف] قاتل الله ذا الزّمان فما يس ... مح يوما بما يسّر فؤادي كلما رمت من زماني إسعا ... دا قضّى لي من دونه بالعناد يا لقومي! كيف احتيالي وقد صا ... ر زماني من جملة الأضداد ينفق الجاهلون فيه مع الجهـ ... ل ويمنى ذوو النّهى بالكساد ليت شعري ترى أبلّغ فيه ... غرضي أو أنال بعض مرادي وله في مطرب: [من الوافر] ومعسول الشمائل والتّثنّي ... رخيم الدلّ معتدل القوام إذا غنّى ترنّح سامعوه ... له طربا كشراب المدام وماجوا بالسرور فدبّ فيهم ... دبيب البرء في إثر السّقام وقد سحر العقول فلست أدري ... بسحر اللّحظ أم سحر الكلام وقال في الغزل: [من الوافر] بنفسي من بني التراك ظبي ... يغير بحسنه بدر التمام /79 أ/ أغنّ مهفهف أحوى غدير ... رشيق القدّ ممشوق القوام كحيل المقلتينيكاد يفري ... بصارم لحظه حدّ الحسام كأنّ جبينه قمر منير ... وحالك شعره جنح الظلام إذا دبّ الحياء بوجنتيه ... عجبت لكون ماء في ضرام ويبسم ثغره عن أقحوان ... تبدى في رضاب من مدام ثقيل الرّدف ذو خصر نحيل ... كساني سقمه حلل السقام وقال: [من الطويل] ولما بدا سطر العذار بخده ... وحاولت أن اسلوه زدت تتيما وكنت به صب الفؤاد فزادني ... هوى لبسه ثوب الملاحة معلما

وقد رقمت أيدي النّضارة والصّبا ... بديباجتي خدّيه وشيا منمنما وقال في الاستعطاف: [من الطويل] أتحسب قلبي عن ملال تصبّرا ... أبى الله لي في الحب أن أتغيرا فوالله لا أسلوك عمري ولو جرى ... عليّ من الهجر المبرّح ما جرى /79 ب/ دع الصبّ يقضي نحبه فيك حسرة ... إذا كنت تبغي أن يموت محسّرا يمينا لقد اضرمت في القلب بالجفا ... جحيما وقد اجريت للدمع أبحرا ثنى ودّك الواشي فأصبحت هاجرا ... وما كان ظني أن تصدّ وتهجرا أيجمل بالوجه الجميل إساءة ... وذي الحسن أن يولي قبيحا ويغدرا بعيششك شم رعي الوفاء فإنّني ... رأيت الوفا بالحرّ أحرى وأجدرا تجافيت حتّى صّرت اغضي على الجفا ... وارضى بما ترضى من الهجر مجبرا وقال في الاستدعاء إلى مجلس الشراب: [من البسيط] قم للصبوح فحبل اللهو قد وصلا ... واليوم ظلّ بجمع الشّمل محتفلا أما ترى الغيم قد ورات مطارفه ... وجه الفضاء ودمع الغيث قد هطلا ما إن بكى الغيث إلا قهقهت طربا ... له الأباريق حتّى أنشأت جذلا فبادر الرّاح لا تبغي بها بدلا ... ولا تطع من لحا فيها ومن عذلا فصل صبوحك عمدا بالغبوق بلا ... مطل وصلنا سريعا واحذر الكسلا وله في تغير الصديق: [من الطويل] /80 أ/ وقال في نهر قويق: [من الكامل] ما بال نهركم قويق كأنه ... عبرات عين جفنها مقروح يظما فتغشاه المدود فيرتوي ... منها ويبقى وحلها وتروح وقال في لبس الفرو: [من المتقارب] إذا ما أتى القرّ قرّت به ... عيون الزجاة للبس الفرا

ومن كان فيه بلا فروة ... فرى جلده البرد مع من فرى ومما [عمله] وسيره إلى من يعز عليه مكانه: [من الطويل] ترى مقلتي تحظى بأيسر نظرة ... إليك بما تجلو القذّى عن جفونها /80 ب/ وهل يشفى من لاعج الشوق والأسى ... فؤادي بقرب الدّار بعد شطونها تحنّ إليك النّفس طبعا وكلما ... أنست التداني زاد فرط حنينها وأصعب ما تلقى العطاش من الظمأ ... إذا منعت والماء نصب عيونها وقال في لقاء الأحباب: [من الكامل] يا حبذا يوم اللقاء فإنه ... يوم تكاملت المسّرة فيه عانقت من أهواه عند لقائه ... فيه وفزت بقبلة في فيه وقال في غلام مليح الصورة اسمه خليل: [من مجزوء الكامل] ما شفرة السيف الصّقيل ... أمضى من الطّرف الكحيل كلّا ولا للرمح حس ... ن ترنّح القدّ النّبيل ومهفهف عبل الرّوا ... دف محقر الخصر النحيل حلو المراشف والمعا ... طف والمقبّل والقبول مستغرب من أسرة الأ ... تراك معتز القبيل /81 أ/ هاروت في لحظاته ... بالسّحر يلعب بالعقول سفكت دمي فمسيله ... في صفحة الخدّ الأسيل كم من أسير في هوا ... هـ لمقلتيه وكم قتيل حاز الجمال فليت يش ... فعه بإيلاء الجميل أوليته بالوصل جاد ... لمغرم بادي النّحول عليّ أعل رضابه ... فبرشفه برء العليل أشكوه شكوى خصره ال ... مضني من الردف الثقيل يا عاذلي فيه أتتب ... اسرفت في قال وقيل كم قد أطعت الحبّ في ... هـ وكم عصيت به عذولي ما يوسف في حسنه ... تالله احسن من خليل

وإن كنت أسلو حبه ... لا نلت يوما منه سلولي وقال في استعطاف: [من الكامل] يا مولعا بالصدّ عنا ... كم ذا تجور على المعنّى /81 ب/ هلا رفقت بمستها ... م في الهوى حيران مضنى حمّلته ما لا يطي ... ق من الجفا فبكى وأنّا ووعدته وصلا فملت ... إلى الملال فما تهنّنى أمن المروءة أن يفي ... وتخونه من غير معنى يسخو بمهجته ويب ... خل بالسّلام عليه ضنّا وا رحمتاه لمغرم ... قد مات بالهجران غبنا وله في السيب: [من البسيط] لهفي على زمن من ولّت نضارته ... فلست أرجو له بعد الصّبا خلفا كانت بدور سروري فيه مشرقة ... إذ ليل فودي داج يشبه السّدفا ومذ تجلى نهار الشيب عوّضني ... من المسّرة همّا والمنى أسفا وقال فيه أيضا: [من الخفيف] راعني الشّيب حيث حلّ بفود ... ي فلا مرحبا به حيث حلّا ليته لم يكن وياليته استب ... دل عن كل شعرة منه نصلا وله فيمن اهدى إلى محبوبه سفرجلا: [من مجزوء الخفيف] /82 أ/ كيف يهدي إلى الحبي ... ب محبّ سفرجلا أترى مذ رأى اسمه ... مزعجا ما تفالا سفر أول اسمه ... ثم باقي اسمه جلا وقال: [من خفيف] أذكر الموت حيث تمكنك الخل ... وة واحذر عذاب حر الجحيم وتحامى الخطا وكل الخطايا ... ليس تخفى على السميع العليم ما يفي للفتى نعيم حقير ... بشفاء بعد الممات عظيم إنما هذه الحياة غرور ... فارغب الآن في النّعيم المقيم

أي خير ولذّة تكسب الإث ... م وتفضي إلى العذاب الأليم وقال في الزهد ما كتبه على مقبرة لبعض أصدقائه: [من البسيط] دنياك فانية فاعمل لآخرة ... تبقى فيومك هذا منذر بغد فلا بقاء لما يفنى مركبه ... ولا فناء لما يبقى على أحد /82 ب/ كم قصّر الجل المحتوم من أمل ... يسيره لم ينل في أطول المدد وقال في الزهد والاستغفار: [من الوافر] إلهي قدّ تكاثرت الذنوب ... وقلّ لشقوتي العمل المثيب وقد اسرفت في خطأي وجرمي ... وأنت عليّ مطّلع رقيب فويلي من لقاك ومن فوقي ... لديك وليس غيرك لي حبيب وواحزني الطّويل فلا مفر ... لنا مما قضيت ولا هروب أذقني برد عفوك قبل أصلي ... بحر ّ لظى ويحرقني اللهيب إلهي نجّني وقني عذاب ال ... جحيم وتب على عبد يتوب إلهي قد دعوتك فاعف عني ... بلطفك يا سميع ويا مجيب إلهي فيك قد أحسنت ظنّي ... وحسن الظّن عندك لا يخيب إلهي عفوك المرجو فارحم ... مسيئا فاته الرّأي المصيب إلهي حوض منّك مستفيض ... عليه كل ظمآن يلوب إلهي إن أسأت فلي اعتصام ... بتوحيد إليك به أنيب /83 أ/ إلهي إن تباعدني الخطايا فحسبي عفوك الدّاني القريب لإلهي قّلّ في الدنيا نصيبي فهل من حسن صنعك لي نصيب إلهي ضاق بي أمري ولكن ... رجائي منك غفران رحيب إلهي قد تزايد داء قلبي ... وليس سوى رضاك له طبيب إلهي حاق بي حزني وبثّي ... وحقّ الرّعب بل وجب الوجيب إلهي عظم عفوك بالبرايا ... رؤوف إن تعظمت الذّنوب إلهي قد خجلت من المعاصي ... يمرّ يزيد لي ذنب وحوب إلهي ليس بعزب عنك امر ... ولا يخفي عليك ولا يغيب

فويلي من شقاوة ذي ضلال ... غويّ ليس يردعه المشيب فويلي يوم تنقطع الأواخي ... من الدّنيا وتتصل الكروب وويلي يوم يؤخذ بالنواصي ... بما جنت النواظر والقلوب ولا يجدي سوى عمل المزكّي ... إذا حضر المطالب والطليب وقال: [من البسيط] /83 ب/ للصّبر عنك اجترعت الصّاب والصّبرا ... وللرضا بك رضيت الهم والفكرا أمائل العطف عطفا لا ترم مللا ... فمذ هجرت لذيذ النوم قد هجرا أنازح الدّار والأحشاء مسكنه ... وداره القلب أنّى غاب أو حضرا ويا منى النفس هل تحنو على دنف ... بالغدر غادرته بين الورا سمرا ناشدتك الله عد جفني الهجوع عسى ... يعودني إن حرمت الوصل طيف كرى أما وحبّك قّلبي ما ابتغى بدلا ... عنكم ولا رام طرفي غيركم نظرا مذ غبت ما راق لي مرأى ومستمع ... وكيف ذاك وكنت السّمع والبصر استودع الله قلبا بعد بعدكم ... ولّى ضياعا فلم اسمع له خبرا جرى بي الشوق في ميدان حبّكم طلق العنان وطرف الصّبر قد عثرا واستعبرت عبراتي للفراق دما ... غدا بحر زفيري قطره شررا يا هاجري عد غلى وصلي فهجرك لي ... ما دار في خاطري يوما ولا خطرا ها قد قدرت على هجري فصل كرما ... غن الكريم الّذي يعفوا إذا قدرا وقال: [من الكامل] لو كان يسمح بالتواصل أو يفي ... ما كان في عهده الوصال بمختلف /84 أ/ مذق الوداد وخان عهد محبة ... وجفا وجاهر بالصدود المتلف واهاله قد غادر متحيف ... جان على الخلّ الوفيّ المنصف أبدا يميل إلى الملال فكلما ... لاطفته يجفو ولم يتلطّف أشكو قساوته إليه لعلّه ... يجفو فلم يحنن ولم يتعطّف وأبثه ولهي فيعرض لاهيا ... عن فرط بليالي وطول تاسفي لله ما أقساه قلبا في الهوى ... أفما يرقّ لواله متلهّف حكم الغرام على المحبّ بجوره ... فأطاع سلطان الغرام المجحف

وابتزّه سلوانه فلو ابتغى ... إسعافه بتصبّر لم يسعف جهلا تقول عواذلي دع حبه ... وتسلّ عنه لعلّ نارك تنطفي أنّى ورؤيته ألذّ إليّ من ... نيل المنى والأمن بعد تحوّف رشا من الأسباط قد فاق الورى ... حسنا تداول إرثة من يوسف كدمي الكنائس بل كظبي كناسة ... يرنو كطرف كالحسّام المرهف ظامي النطاق يكاد يرجع لي الصبا ... ضمّني لذّياك القوام الأهيف يا صاح داو بذكره داء الهوى ... فهو الشّفاء لمستهام مدنف /84 ب/ وانفع بريقته الغليل فرشفها ... أشهى إليّ من السلاف القرقف إنيّ ليطربني الملام بذكره ... فليكثرن لومي عليه معنّفي ومما كتبه إلى الملك العزيز غياث الدين أبي المظفر محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب – رحمه الله تعالى -: [من الكامل] بالله ياريح الشّمال تحملي ... قصصي إلى الملك العزيز المجمل وصفي له ما قد لقيت من العدا ... وسليه كشف قضيتي وترسّلي واها لمن اخنى عليه زمانه ... وكساه بعد العز ثوب تذّلّل وسقاه نكث المعتدين وسعيهم ... كأسا مذاقتها كطعم الحنظل يا مالك الشّهباء يا من جوده ذخر الفتى العافي وكنز المرمل يا طود حلم راسخا هضباته ... تسموعلى هام السّماك العزل يا دوحة النّعم التي الّتي كلّ الورى ... يتفيّأون بظلّها المستكمل يا أبن الّذي أسدى إليّ صنائعا ... جلّت فلم تحصر ولم تتقلّل يا أبن الّذي ما زالت تحت ظلاله ... في نعمة جلبابها لم يسمل لهفي على زمن مضى في ظله ... لو دام لم امقت ولم أستبدل فلأبكينّ على زمان سعادة ... كانت به فمضت ولم تستقبل لهفي عليه فلو يدوم صفاؤه ... ما كنت عن نيل المراد بمعزل أتى أضاموأنت ذخري في الدنّى ... أو أن أهان وفي حماك تقيلي

أضحى وظّلك سابغ ويمسن ... ظمأ وجودك كالغيوث الهطّل أيجوز أن آتى إليك مجمّلا ... واعود عنك بحالة لم تجمل وتروح غلماني وأرجع خائبا ... منكم وكان على نداك معولي وأبيع موجودي وأرحل عنكم ... صفر اليدين مشتّتا عن منزلي فلقد حرمت لديك ما أمّلته ... دون الأنام وأنت خير مؤمّل إن كان حظي ناقصا منكم كما ... شاء العدا وبغوا فكيف تحيّلي أو كنت عندكم مضاعا مهملا ... نسيا فعند سواكم لم أهمل /85 ب/ فعساك تسمح لي برد أخيذتي ... كرما برغم الناكث المتقوّل أنا راحل فإذا سئلت عن الّذي ... لاقيت في حلب وما قد تمّ لي ماذا أقول لهم أيجمل بي سوى ... حسن الثناء إذا حضرت بمحفل فلأثنينّ على الذّي توليه من فعل الجميل سئلت او لم أسئل [870] نبهان بن محمود بن عثمان بن نبهان بن بهّاج بن الحسين بن عليّ، ابو اليقظان الإربلي. أخبرني أنّه ولد سحرة يوم الإثنين عاشر محرّم سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وأصله من الدّور (1)، من أبناء التجار المياسير بإربل، وأكبر بيت بها في الثروة وكثرة المال والعقار. وهو رجل حسن الدعابة طيب الخلق ذو كياسة ودماثة، ونظم أشعارا كثيرة، له في عملها بديهة حاضرة، ولما تغلّب التتار على إربل في سنة أربع وثلاثين وستمائة، سافر غلى مدينة السلام، وخدم لبعض أمرائها متصرفا، وهو بها مقيم. ورأيته بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة، وتركته حيا. أنشدني لنفسه بإربل/86 أ/ في سنة خمس وعشرين وستمائة، يمدح مالكها الفقير إلى الله تعالى ابا سعيد كوكبوري بن عليّ بن بكتكين – رحمه الله تعالى – ويهنيه

بعافية من مرض ألمّ به: [من البسيط] يا مالكا فاق اهل الأرض قاطبة ... وساد كل ملوك العجم والعرب ومن له الملك إرثا عن أب فأب ... ومن له المجد حقا غير مكتسب حاشاك من عارض يطرا عليك ومن ... بؤس ينالك في الأزمان والحقب ويا مليكا وكلّ النّاس ترهبه ... وليث غاب إذا ما جدّ في الطّلب لك الهناء بأن عوفيت يا ملكا ... وللعدا منك ضرب الهام بالقضب تفديك كل ملوك الأرض قاطبة ... وآل نبهان بالأرواح والنّشب على الخصوص أنا افديك مجتهدا ... بمهجتي وبمالي دونهم وأبي خذها مقالة صدق لا يمازحها ... دعوى مكدّرة بالمين والكذب عش على رغم من يشناك في دعة ... مبلّغا كل ما ترجوه من أرب يسعى بأمرك صرف الدهر ممتثلا ... لما تروم بلا خوف ولا رهب /86 ب/ ونقلت من خطه شعره، ما كتبه إلى الأمير الكبير العالم الأصفهسلار ركن الدين أبي شجاع أحمد بن قرطايا بن عبد الله الإربلي – أسعده الله تعالى- (1): [من الوافر] أركن الدّين يا مولاي يا من ... غدا في الفضل والإحسان آية رحلت فكنت ادعو كل يوم ... لمجدك بالحراسة والكلاية اصلها الكلاءة وهو خطأ. وأبت فزادني فرحا بأّني ... رأيتك بالإحاطة والرعاية ومن حسن الثناء بكلّ مغنى ... أقمت لمجدك المحروس راية وبي شوق إليك وفرط وجد ... تجاوز وصفه حدّ النهاية وما أنا من يغيّره احتشام ... ولا أنا من تبطره الولاية ولا كنت الوضيع فرفّعتني ... ولآيات أتتني بالعناية فأنت رأيتني وسمعت أيضا ... بحالي في البداية والنهاية

/87 أ/ ولو أعطيت ملك الأرض طرا ... اراني في الزراعة والتناية وما أنا طامع في أرمغان ... ومن يهدي إلى سبل الهداية ولكن أنت من ملل وهجر ... مدى الأيام تعمل ل يحماية وما نعى التألم عن وصولي ... وبي مرض تعدى كل غاية إلى من اشتكى دهري وماذا ... ترى يجدي التألم والشكاية فلا برحت سعودك في ابتداء ... وأنت من الحوادث في وقاية [871] نجم بن يوسف بن احمد بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن أبي الفرج بن علّي [بن] الحسن، أبو العلاء بن الحنبلي. من أهل دمشق ومن بيت مشهور بها. شاهدته بإربل شابا جميلا وسيما، يتعلق بخدمة الملكة ربيعة خاتون بنت أيوب بن شاذي، ويتصرف لها في أملاكها المختصة بها بإربل. وله شعر يسير فيه ضعف، وربما أخذ لشاعر نصف بيت من الشعر، فيبني عليه أبياتا قريبة. ومما أنشدني لنفسه ما كتبه إلى بعض الوجوه الرؤساء واملاه على من لفظه وحفظه: [من الطويل] /87 ب/ امولاي عز الدين يا من بجوده ... بنى المجد من دون البرايا وشيّدا وفاق على أهل الزمان بعلمه ... فأصبح في جمع الفضائل أوحدا إليك اشتياقي لا يزال مبّرحا ... عظيما على مرّ الزّمان مجددا فهل تجمع الأيام شملي وشملكم ... على رغم آناف الحواسد والعدا فتجمع منه ما تفرق أولا ... وأصبح من بعد التداني مبددا عليك سلامي من شدا فوق أيكة ... حمام وما لاح الصباح وما بدا ومن شعره أيضا ما كتبه إلى عمّ أبيه الناصح بن أبي الفرج عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الواعظ بن الحنبلي: [من البسيط] هب النسيم فأهدى نشركم سحرا ... للصب حقا وسيف الصبح ما شهرا

سري على الروض رقراقا فتاه به ... وأصبح الروض من أنفاسه عطرا أهاج للصب أشواقا مبرحة ... فبان للخلق ما أخفى وما سترا إن تنكروا فرط وجدي في محبتكم ... فاسئلوا طيفكم عني إذا حضرا /88 أ/ يا ناصح الدين يا بحر العلوم ومن ... ربى له قبل أن يبديه قد غفرا لولا نداك وأنوار خصصت بها ... ما كان مذهبنا في الأفق قد ظهرا أحييت بيتا في كل ما وطن ... بالجود والعلم ما عاداك قد كفرا لولاك ما جلّق تاهت على بلد ... ومبصر لشعاع الشمس ما نكرا [872] ندى بن عبد الغني بن علي المصري (1) أنشدني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي بحلب _ أيده الله تعالى – قال: أنشدني بن أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر

الحلبي الفقيه الحنفي، قال: أنشدني ندى بن عبد الغني بن علي بمصر لنفسه: [من الطويل] على أي وجه أبتغي شكر فاضل ... جميع نهايات المكارم حائز إذا ما شكرت الفضل منه يقول لي ... فضائل لم أشعر بها أنت عاجز [873] نعمة بن يوسف بن بركات أبو الفضل الأنصاري الدمشقي، المعروف بالباقعة. أنشدني /88 ب/ الشيخ أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي الآدمي بحلب، قال: أنشدني الباقعة لنفسه: [من الكامل] ومريضة الجفان تفعل في الحشا ... ما لي سيفعل مثله السحر حسنت خلائقها وخلقتها ... فعنا لبهجة وجهها البدر عثر الصباح بصدغ ليلتها ... وأتى على شفق لها الفجر [874] نما بن الخوجستاني. من اهل دنيسر كان فيه أدب، ويقول شعرا صالحا. وكان معلم الصبيان بماردين. أنشدني من شعره الأمير شرف الدين أبو حفص عمر بن اسعد بن عمار الموصلي بها، وكتبه لي بخط يده – أيده الله تعالى -: [من مجزوء الكامل] يا عبرتي فيضي ويا ... نفسي من العبرات فيظي (1) اضحى الزمان معاندي ... وغدا تصرفه مغيظي لو قيل من هذل الذي ... أعربت عن قلب حفيظ من ليس بالنكس الدن ... ي وليس بالفظ الغليظ

من خطه فو قالخطو ... ط وحظه تحت الحظوظ [875] نوح بن أبي الفضل الدمشقي. كان والده رجلا يهوديا متصرفا في خدمة ميمون القصري، فانعم الله عليه بالإسلام – وكانت ولادة نوح سنة سبع وثمانين وخمسمائة بدمشق، ونشأ وتأدب وخدم في الأعمال الديوانية بحلب، متصرفا للأمراء. وكان من أسمح الناس أخلاقا، واطيبهم معاشرة، والطفهم حاشية، وأقدرهم على قول الشعر، وأسرعهم في نظمه بديهة، وكان يقول الشعر طبعا، ولم يكن خبيرا بصناعته ومعانيه ومعرفته، ولمحت في أشعاره لحنا واضطرابا، ولم يزل مقيما بحلب إلى أن توفى بها في سنة خمس وثلاثين وستمائة، ودفن بمقابر الخليل إبراهيم – صلوات الله عليه – في تربةمعروفة بناصر الدين أبي بكر بن ميمون القصري – رحمه الله تعالى-. أنشدني أبو الفوارس جهبل بم محمد بن طاهر بن نصر الله بن جهبل القريظي الكلابي الحلبي بها في رمضان سنة تسع وأربعين وستمائة، قال /89 ب/ أنشدني نوح بن أبي الفضل الدمشقي لنفسه، في غلام كان يهواه – يعتريه الصرع-: [من الطويل] بنفسي من أضحى من الجن خائفا ... وقد كان من ريب الحوادث في أمن ألم يكف ما في حبه من مشارك ... من الأنس حتى ازددت قوما من الجن وما ذاك إلا سلطان حسنه ... دعاهم فلبوا خائفين من السجن جننت به عمدا وأعديتهم بما ... جننت فأصبحنا شريكين في فنّ وقال من قصيدة طويلة اولها: [من الكامل] قدم الربيع ففاح طيبا نشره ... لما تأرج في رياض عطره ووشت على انهاره ريح الصبا ... سحرا فهمتك بعد ستر ستره غنت بلابله لرقص غصونه ... طربا وصفق بالتدفّق نهره فاشرب على زهر الربيع فإنه ... زمن يقوم به لكلّ غدره

لا حاجة لى في الربّيع وقد بدى ... في وجنة الرّشا المفدّى زهره فالورد من وجناته وعذاره ... آس ونور الأقحوانة ثغره /90 أ/ والكأس ثغر قد ادار مدامةّ ... فينا ولكن من رضاب خمره في مجلس جناته قد زخرفت ... ولدانه فيها وفيها حوره وملحّن لو كان عاصر معيدا ... في دهره ما شاع فينا ذكره مازال يضرب عوده فيئنّ من ... ألم فيندبه بسحر زمره يا أيها الرّشا الذى في شعره ... ليل ولكن من جبين بدره نقّص كؤوسك قد سكرت صبابةّ ... يكفى محبّك من غرام سكره واعطف على صبّ بحبّك لم يزل ... طوع الغرام وقّد عصاه صبره وقال من أخرى: [من الطويل] لحاظك انكى في فؤادى من النّبل ... وما انت من قتلى بهجرك في حلّ وإنى وإن واش إليك بزوره ... امالك عنّى لا اميل إلى عدل وقد لذّ لى الهجران منك لأنّنى ... اراك به ترضى فدعنى من الوصل وكن راحما لى من وقوفى بذلّه ... عليك عسى ان تكتفى وقّفة الذّل فاقسم انّى لو رأيتك عاقدا ... لبند قباء عاد صبرى في حلّ ومعتقل رمح القوام سنانه ... لحاظ لها النّجلاء بالأعين النجل /90 ب/ عدمت بوجدى فيه كل مماثل ... كذلك بدر الدّين عار من المثل وقال من قصيدة أخرى مبدأها: [من الطويل] اهل بعد إقرار المدامع جاحد ... وهل ينفع الإنكار والسّقم شاهد وبى رشا إن رمتوصلايصدّنى ... وإن رمت قربا منه فهو مباعد يعاندنى طول المدى وأحبّه ... وأعجب شيئ أن يحبّ معاند تصّيد قلبى باللّحاظ وفى الهوى الا ... سود لألحاظ الظّباء مصايد نفور ولكن ذاك في الظّبى عادة ... ومستأنس لكن عن الصّب شارد وما زلت في حرب مع الدّهر تارة ... تطاردنى آفاته وأطارد ولم الق فيه غير خل ممالق ... غبىّ وإمّا ناصح هو حاسد فتّى إن منعت الّرفد عنه يسبّنى اعتـ .. ـسافّا وإن واسيته فهو جاحد

صبرت على حمل الشّدائد مكرها ... ومثلى من هانت عليه الشّدائد وقال أيضا من قصيدة أخرى: [من الخفيف] /91 أ/ اسكرتنا شمائل لا شمول .. طاف فينا بها الغزال الكحيل رشا سلّ من لحاظ سيوفنا ... انا دون الورى بها مقتول منكر قتلتى وفى صحن خدّيه ... شهيد بها دمى المطلول شرعه لا يقاد في الحب صب ... وله من جمال وجه دليل إن بدا طالعا فبدر تبدّى ... او تثّنى فغصن بان يميل رشا خصره ضعيف ولكن ... حمله ردفه الكثيب المهيل خنت فيه من بعد عهد عذولى ... ومن الحزم ان يخان العذول لا يملّ الغرام قلبى لأنّى ... كاره ان يقال: قلب ملول يا زمانى إن كان قصدك منّى ... في عناد فإنّ قلبى حمول كلّما رمت في المعالى نهوضا ... ردّنى حاسد وضدّ جهول قد قتلت الزّمان خبرا إلى ان ... صحّ عندى عاداته التّبديل فيعزّ الذّليل بعد انكسار ... ويريك العزيز وهو ذليل ولفد سقت في الفيافى قلّوصا ... سيرها في الفلاة سير ذميل اقطع البيدّ بالمسير لعلمى ... انّ قطع الفلا بسعد وصول /91 ب/ ما ترى العود إن جفا فيه طيب ... في مقام اذاله التبذيل وقال أيضا من قصيدة أولها: [من البسيط] إيه حديثك عن سكّان نعمان ... فمن حديثك قد هيّجت اشجانى كرر علىّ احاديثا تذكّرنى ... امام من لم يزل في القرب ينانى نجل النّصارى إلى التّوحيد يرشدنى ... لأنّه ماله في الحسن من ثانى فاعجب لمن دينه التوحيد كيف غدا ... يضلّ لولا هداه حبّ نصرانى دقيق خصر فليس الطّرف يدركه ... من رقّه قد حكى دينىوإيمانى لم انسه إذ اتانى لابسا حلل السّ ... ـواد حامل إنجيل وصلبان يتلو زبورا فلو داوود يسمعها ... ملحّنا، قال: هذا بعض الحانى غدا يقرّب قربانا، فقلت له: ... ما كنت بائع تقريب بقربان

وقّام يسعى بكأس الخمر في يده .. على النّدامى فحيّاهم وحيّانى فقلت: دعنىفإنى قد سكرت هوى ... حاشاك يجمع لى ما بين سكران والله إن لم تكن لى راحما وتدع ... عنك التّمادى في صدّى وهجرانى /92 أ/لأشكونّ الّذى القاه من كمد ... إلى امير له اخلاق سلطان وقال يمدح الأمير بدر الدين أيدمر بن عبد الله الوالى: [من الكامل] في مثل حبّك تهتك الأستار ... وبمثل صدّك تظهر الأسرار كم جهد قلب ساتر اسر الهوى ... ابدا وفى سقمى له إضمار يا عاذلى قلّ الملام فإنّ لى ... في عشقه بعذاره اعذار ظبى يرى أنّ الصّدود مثابه ... والوصل يعقبه به اوزار نجل النّصارى ليس لى في حبه ... ابدا عليه في الورىنصار قد حلّ صبرى في هواه صبابهّ .. مذ شدّ في وسط له زنّار ابدا أوحّد حبّه واراه في ... تثليث اضدادى به فأغار لا أرتضى في حبه بمشارك ... والشرك في دين الصّبابة عار ضبى نفور لا يميل لعاشق ... والظّبى عادته قلى ونفار مالى مجير من عقوبة صدّه ... إلا الأمير وفى حماه اجار مولاى بدر الدّين من دانت له ... من خوفه الأعداء والكفّار /92 ب/ ندب به للدهر اعظم رونق ... وعلى الزّمان جلاله ووقّار للشعر فيك طلاوة وملاحة ... وبمثل وصفك تحسن الأشعار يا أيها البحر الّذى في كفّه ... غيث على آمالنا مدرار لمّا قدمت اللاّذقيّه اشرقت ... بضياء وجهك في الدّجى انوار نسخ الظّلام ضياء وجهك في الدّجى ... طول الزّمان مع النّهار نهار اثّرت في وجه الزّمان محاسنا ... وبمثل فعلك تحسن الآثار اخبار جودك دائم بين الورى ... ابدا بها تستصغر الأخبار والغيث انت فمذ حللت تدافقت ... بالآّذقيّة دائما امطار فتهنّ صوما انت فيه عيدنا ... لمّا قدمت فحلّل الإفطار

ومنها يمدح الملك العزيز محمد بن غازى بن يوسف: [من الكامل] حصلت علىّ من العزيز محمّد ... نعم فسحب نوالهنّ غزار والله لولا انتّ لم يك سيدىّ ... للعبد عند مليكنا تذكار فكسوتنى خلع الفخار تكرّما ... عند الملوك وحبّذاك فخار لازالت الأفلاك طوعك دائما ... تجرى بما تختاره الآقدار

حرف الهاء

/93 أ/حرف الهاء ذكر من اسمه هاشم [876] هاشم بن حبيب، أبو الوليد، الأديب الفقيه النحوىّ الخطيب المقرئ الزاهد البيغىّ. ينسب إلى بيغوىوهى قلعة حصينة من أعمال غرناطة. كان أبو الوليد يتولى خطابتها. وكان رجلا من خيار عباد الله الصالحين، وأوليائه الأبرار العاملين، قارئا للقرآن الكريم، كثير التلاوة له، زاهدا متعبدا متفننا في كل فضل فيها بالعلوم الدينية والأدبية، لا يقعد عن شيئ منها، بل يقوم بها أحسن قيام. وكان قد تصدّر لقراءتها وإفادتها، والناس يغشونه ويأتون إليه، ويقرأون عليه، ويستفيدون منه، ويأخذون عنه، فتخّرج به خلق كثير. وكان له- مع ذلك- النصيب الوافر، والحظ الوافى في قرض الشعر، وقال منه قصائد مطوّلات، ومقاطيع مستحسنات ومات مقتولا. /93 ب/استشهد على أيدى الفرنج في سنة اثنتين وعشرين وستمائه- رضى الله عنه أنشدنى الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن على الأسدىلبيغىلمقرئ بحلب المحروسة، في سنة ثمان وأربعين وستمائة، قال: أنشدنى الشيخ الأستاذ الزاهد أبو الوليد هاشم بن حبيب البيغىّ لنفسه من قصيدة أولها: [من الكامل] بان الخليط وزوّدوك غراما ... فأبت جفونك ان تذوق مناما وحشوا فؤادك لوعة لا تنقضى ... ونأوا بصبرك ظاعنين ظلاما ومنها:

ناديت دارهم أدار ألم تزل ... ألقى بها الغزلان والاراما يا معهد اللذات يا ملقى المنى ... كنت الشّفاء فقد رجعت سقاما يبكي حمام الأيك طول حنينه ... ولربّ مشتاق يهيج حماما وله أشعار كثيرة , إلا أنني لم يقع إليّ شيء منها غير [ما] أثبته. [877] هاشم بن عبد السلام بن يوسف بن عمرو بن مندو , أبو الفضل الإربليّ. أخبرني أنه ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. وكان يكتب الطغرة لمليكها الفقير إلى الله تعالى أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتين – رحمه الله – ونال عنده تمكنا ووجاهة. وكان قبل اتصاله به مملقا جدا فحين اتصل به أثرى وكثرت أمواله, وأقبلت عليه الدنيا, وصار ذا ثروة وافرة, ونعمة واسعة, ولم ينله في حال خدمته سوء, ولا وصله مكروه, على أن أبا سعيد كوكبوري بن علي كان كثير المصادرات لأرباب الولايات, ومتصرّفي الدواوين. وذلك لقوة جد هاشم وسعادته. وكان رجلا عاميا جاهلا بكل شيء, كثير الغلط في كتبه التي كان يكتبها, قلّ أن كتب كتابا إلا ويظهر فيه لحن وغلط. وكنت أجتمع به بإربل كثيرا, وسافر إلى بغداد حين دخلها التتار- خذلهم الله تعالى - /94 ب/في سنة أربع وثلاثين وستمائة, ثم لقيته في بغداد في سنة تسع وثلاثين وستمائة, وهو يتصرف لبعض أمرائها. وكان يزعم أنه يعمل الشعر. أنشدني لنفسه بإربل ما كتبه إلى الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن شماس الإربليّ – رحمه الله – (1): [من البسيط] شوقا وإن دنت الأحباب والدار ... وأضلع حشوها همّ وأفكار

وأدمع مستهلات عليك ولّ ... إلى لقائك آمال وأوطار ما حيلتي يا عذولي لا تلحّ فقد ... تهتكت فيه أعراض وأستار م منها: ما للعيون إذا أظهرت أحد ... غير الوزير جلال الدين ستّار مولى إذا امحلت أرض وحلّ بها ... ربت كأنّ ندى كفيه أمطار وأنشدني أيضا لنفسه ما كتبه إلى الأمير الكبير ركن الدين أبي شجاع/95 أ/ أحمد بن قرطايا الإربليّ-أسعده الله تعالى- (1): [من الكامل] مولاي ركن الدين إن مطيّتي ... وقفت ببابك تبتغي المقصودا فكشفت من خمر القريحة أبتغي ... مدحا فحلت عقده وبنودا مازلت أطلب في الرجال محمدا ... أو أحمدا نمضي إليه القودا حتى رأيت كليهما في واحد ... لمّا رأيتك أحمدا محمودا وكتب إليه أبو المجد أسعد بن إبراهيم الإربليّ النشابي الكاتب (2) يعاتبه: [من الطويل] وكيف احتيالي فيك إذا لم يكن إلى ... ودادك إلا بالخداع طريق ولست بخدّاع ولا جرى على ... لساني قول كان فيه خلوق وفيك خلال لا تليق صفاتها ... وإنّك بالعتب الممض خليق توهّم ما تنويه والخبث والرّيا ... بصدك أب يصفو لديك صديق فلا أنت ممن يتقي من مخافة ... ولا محسن تزكو لديه حقوق /95 ب / ولا لك فعل في المكارم يرتجي ... ولا لك وجه بالوفاء طليق ولا لك علم يستفاد ولا ندى ... فهذا الذي تبديه كيف يليق وما زلت أوليك الوداد واغتدى ... وقلبي على ما أنت فيه شفيق وهذا عتابي والعتاب طرائق ... ومعنى عتابي إن فهمت دقيق وأنفذها إليه في رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة, فكتب هاشم بن عبد السلام

جوابها على رويها ووزنها بهذه الأبيات: [من الطويل] رويدك ما ساد الكرام أولو النّهى ... بهجو ولا سبّ الرّجال يليق ولا أنا ممّن يجهل النّاس حالتي ... ولا أنا ممّن لا يقال صديق تعرّضت بي فاعدد لعرضك سترة ... من الصّمت واحذر أن تلوح بروق وقدّرت أنّي جاهل بك تغتدي ... وعرضك من لدغ الهجاء طليق وأوهمت أنّ النّاس غرّ وجاهل ... بما أنت فيه ما عليك طريق /96 أ/ ولم تدري أنّي حيّة لك كلما ... تعرّض واش أو يقول صديق متى اعتلقت كفي بودّك ساعة ... من الدّهر أولى منك قطّ وثوق متى علمت منك المصافاة لا مرئ ... يودّك إلا غدرة وعقوق وكم غرّ من صافاك لمع سرابه ... وكم من سراب غرّ منه بريق إذا استوت الأقدام فالحكم باطل ... ولا شكّ أنّ الحقّ منك زهوق [878] هاشم بن محمد بن هاشم بن أحمد بن عبد الواحد بن هاشم, أبو طاهر بن أبي عبد الرحمن الأسديّ. من أهل حلب وبيت الخطابة والعلم والرواية وأبناء الخطباء أبوه وجده وأعمامه. كلّ كان خطيبا يخطب على منبر حلب. وأبو طاهر هذا شاب جميل كيس أحمر اللون طويل من الرجال حافظ للقرآن العزيز, له عناية بقول الشعر, يعمل منه المقطعات. وفيه فضل حسن وأدب جيد إلا أنّه مبخوس الحظ من أبناء زمانه, ولم يزل شاكيا منه ومن صروفه عليه. أخبرني أنّه كان مولده بحلب في العشرين من ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين /96 ب/خمسمائة. ومما أنشدني لنفسه: [من السريع] يا سادة ملّكتهم مهجتي ... هل لي إلى وصلكم من وصول وهل لأيّامي التي مذ حلت ... بكم خلت من عودة بالملول أحبابنا لا وزمان مضى ... بوصلكم لا كنت ممّن يحول

بنتم وخلّفتم معنّاكم ... يندب مغناكم ويبكي الطّلول نعم ومغناكم ومأواكم ... قلب معنّى كم بكم لايزول واحربا جاروا ولا ذنب لي ... وعذّبوا قلبي المعنّى الحمول وما دروا أنّهم مذ نأوا ... عن ناظري في وسط قلبي نزول ومنها: يا من أعار الغصن قدّا إذا ... ماس به أذهل كلّ العقول كم حرّم الوصل ... كما ترجم ال ... حسن على خدّيك أن لا وصول وأنشدني أيضا لنفسه يتغزل: [من الخفيف] يا بديع الجمال يا من إذا [ما] ... ماس أزرى بالذّابل الخطّار /97 أ/ ورد خدّيك قد كساني سقما ... إذ تبدّى من تحت آس العذار فيك معنى من الغزال ولولا ... ذال ما كنت مولعا بالنّفار وأنشدني أيضا لنفسه يمدح السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين ركن الإسلام والمسلمين أبا المظفر يوسف بن محمد بن غازي- أدام اله دولته-: [من الكامل] قسما بسحر فواتر الأجفان ... وبغصن بان قوامك الفتّان إنّي كئيب لا أفيق من الجوى ... متململ من خيفة الهجران من لي بظبي قد أصاب مقاتلي ... يسبى بسحر لحاظه الثّقلان هجرانه إن دام متّ بحسرتي ... ووصاله إن أعاد لي أحياني ملك القلوب بلحظه وبلفظه ... فلذاك قلبي في يديه عاني ومنها: /97 ب/ أحبابنا رحلوا وواصل بعدهم ... وجدي كما جفت الكرى أجفاني فرضوا على سهاد عيني بعدهم ... فرضوا بذاك ولم يبن خسراني لله ريم رمت منه زورة ... فأبى وأرّق ناظري وقلاني مذ عاينت عيناي وردة خدّه ال ... قاني ففي بحر الهوى ألقاني إن صدني عجلا وردّ وسائلي ... خجلا ومن هجرانه أرداني

فلأظفرنّ بكلّ ما أمّلته ... بمدائحي للناصر السّلطان وأنشدني فيه أيضا لنفسه يمدحه: [من البسيط] ألام ألام القلب خانه القدر ... وقد غدا بصلاح الدين ينتصر وما لآمال هذا الصّبّ خائبة ... وقلبه دون كلّ النّاس منكسر وجود جودك قد عمّ الأنام بلا ... سؤال [سؤل] وبالآمال قد ظفروا (1) وقد تكرّر مطلوبي وإنّ لي النّ ... فس الأبيّة حتى بنفد العمر فما لحظي كخطّي ناقص أكذا ... كلّ المحبّين ما يقضى لهم وطر حاشاك ترجع آمالي مخيّبة ... وسعر شعري قد سارت به السير /98 أ/ أو أن يروح حسودي وهو مبتسم ... جذلان من كون كسري ليس ينجبر وأنت أندى الورى كفّا وأعظمهم ... قدرا وبالعرف والمعروف مشتهر وأنشدني أيضا نفسه من أبيات طويلة يرثي بها والدته –رحمها الله تعالى -: [من الطويل] نعم هذه يا صاح أطلال عزة ... وآثار من غرّت وصدّت وعزّت وملعب آرام بسحر لحاظها ... رنت ورمت قلب المعنّى فأصمت أأحبابنا زاد اشتياقي ووحشتي .. إليكم وأنتم في فؤادي ومهجتي فمقدار شوقي لا يحدّ إليكم ... ولا حسرتي تفنى ولا فيض عبرتي وقفت على وادي الغضا أسأل الرضا ... فلم تشف روحي بل على الهلك أشفت وأما وليال كدّر البين صفوها ... وأطنب في تفريقنا والتشتّت وحملني ما لا أطيق وما كفى ... احتمالي له حتّى بفقد أحبّتي وأنشدني له أيضا من قصيدة أولها: [من الكامل] /98 ب/ سهم اللّحاظ رمى الفؤاد فأغرضا ... واختار رائشه البعاد فأعرضا قمر على غصن تكامل وصفه ... فات الصّفات فكم فؤاد أمرضا أحبابنا هل عندكم هذا رضا ... أحشاء صبّ حشوها جمر الغضا

شوقا إليكم لو تحمل بعضه ... رضوى لأهوى صلده وتقوّضا بنتم فكم في عبرتي من عبرة ... لمتيّم يقضي ونحبا ما قضى ونسيتم لمدّله من بعدكم ... وله براه جوى تذكّر ما مضى صبّ يرى [أنّ] الوداد على النّوى ... فرضا فكيف يسرّكم أن يرفضا وحياتكم إنّي أرى هجرانكم ... عين الرّضا إذا كان عندكم رضا لا كان حادي العيس كدّر صافيا .. وأمرّ حلو العيش ساعة قوّضا وأنشدني لنفسه: [من السريع] يهني اشتياقا كلّ عن وصفه ... كلّ لسان ناطق بالصّواب مثن على فضلك يا خير من ... قد ولي الحكم وفصل الخطاب وأشعاره كثيرة, وفيما كتبنا منها فيه مقنع وغنى [879] هاشم بن يحيى بن سالم بن يوسف بن كامل بن نصّار, أبو المفاخر بن أبي الفضل التنوخي. من أهل حلب, وممّن يقول الشعر بها ويمدح. وكان من الشيعة المغالين في المذهب. أخبرني أنه ولد تقديرا في سنة اثنين وسبعين وخسمائة بحلب, وتوفي بها ليلة يوم الثلاثاء الثاني عشر من جمادى الأولى سنة اثنين وأربعين وستمائة, ودفن بمشهد الدكة غربي المدينة. وكانت له نعمة حسنة, وحال جيدة, ورزق صالح. وكن مع ذلك يسترفد وينتجع بأشعاره, ولم يكن شعره بذاك إلا [أنّ] معظمه نازل ركيك, خال من المعاني والعيون, وهو يشتمل على مدائح وغيرها, ويدخل في مجلدين. لقيته في حلب يوم الإثنين الخامس جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وستمائة. واستنشدته فأنشدني لنفسه يمدح الأمير بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله صاحب الموصل: [من الكامل]

/99 ب/المجد أعلى ما بناه الباني ... والشكر أحلى ما جناه الجاني والعلم فخر والسّماحة رفعة ... والفضل بين يد وبين لسان والجود والإحسان خلّة ماجد ... يعتادها في السّرّ والإعلان وكذا الندى والباس لا يحويهما ... إلاّ الهمام الشّامخ التّيجان والغارة الشّعواء لا يقوى بها ... في الحرب إلاّ فارس الفرسان ونداوة الكفين ليس ينالها ... إلاّ امرؤ رجم الدّنى بهوان الذّكر باق والمديح مدى المدى ... والمال شيء فان (1) والنّشر بين الخافقين علامة ... تسمو بصاحبها على كيوان وترى الجميع خصال بدر الدّين وال ... دّنيا خدّين الجود والإحسان ربّ الفضائل مالك الرّق الّذي ... دهري إليه بلطفه الجاني حامي حمى الإسلام رافع قدره ... ومبيد عداه بحدّ سنان ملك المحامد كلّها فصفاته ال ... حسنى وحاز شجاعة الشجعان لو أنّ رفعة قدره تسمو به ... لسما على الجوزاء والسّرطان والكفّ بحر والمدائح ساحل ... وبنانها من جملة الخلجان /100 أ/ معزى بنجح الطالبين وفلّ جيش ... المارقين وفك أسر العاني وبنجدة المستصرخين وبغية ال ... عافي وعين إعانة الولهان ومحاق إملاق ويسرة معسر ... وجزيل إطعام ومدّ خوان أسد فرافصة إذا عاينته ... في يوم معركة ويوم طعان تلقاه كاللّيث الهصور إذا تصا ... دمت الجحافل والتقى الجمعان آراؤه حفظ البلاد ورأيه ... عين السّداد ودهره يومان يحنو على قصّاده وعفاته ... نفسي الفداء لقلب ملك حاني في الأرض سبع أبحر ويمينه ... في كلّ أنملة لها بحران صدقاته أقصى البلاد مذاعة ... وهو البعيد برّه متداني يا ربّ بالبيت العتيق وبالنب ... يّ المصطفى ومكّلم الثّعبان

وبحرمة الحرمين والمدفون في ... السّرداب والأستار والأركان وبحقّ ما بيّنت في الألواح والتّ ... وراة والإنجيل والقرآن وبحقّ طاها والحديد هل أتى ... والطّور والأعراف والفرقان أدم البقاء لمالك الرّقّ الّذي ... ملكت أياديه الحسان عناني /100 ب/ الملك بدر الدّين خبر مؤمّل ... للمعتفين وفكّ أسر العاني فالله يبقيه ويحرس ملكه ... ويقيه شرّ طوارق الحدثان لازال في عزّ مقيم دائم ... أبدا عزيز الملك والسّلطان وأنشدني لنفسه يصف الشمعة: [من الطويل] ومقدودة مثل القضيب جليدة ... بقدّ رشيق كالرّديني مقدود ولهذم نور كاد يطعن في الدجى ... بحدّ سنان من سنى النّار أملود تبيت تضاهي من شهودي ثمانيا ... بمجلس شرب غصّ باللهو مشهود نحولي وضرّي واصفراري ووحدتي ... وذلّي ودمعي واحتراقي وتسهيدي وأنشدني لنفسه يصفها أيضا: [من الطويل] تشابهني فيما أعاني ضئيلة ... تكرّ على جيش الدّجى بصديع تبيت تحاكي من شهودي ثمانيا ... وتصنع فيما تلتقي كصنيعي نحولي وصبري واصفراري ووحدتي ... وضرّي وحرقي والفنا ودموعي /101 أ/ وأنشدني لنفسه من قصيدة أولها: [من البسيط] لولا فرقك ما طلّ الغرام دمي ... ولا هما من عيوني صيّب الدّيم ولا حكت زفراتي في تصعّدها ... جمر الغضا حين يبدو زائد الضّرم واها لطيف خيال زار ذا كمدا ... فعاش من بعد ما أشفى على العدم وعاد يوسعه هجرا ويبعده ... وكيف يطرق صبا فيك لم ينم يا درّة الخدر ها روحي لديك وجثـ ... ـماني وقلبي ففيما شئت فاحتكمي أنامل وخدود قد نهبن دمي ... فمرّ شطرين بين الورد والعنم ومنها في المديح: مجرّد المال جودا من خزائنه ... وممد البيض في اللّبّات واللّمم

مبدّد ما جناه الباس من نعم ... وجامع ما حواه النّاس من كرم وأنشدني أيضا لنفسه يمدح: [من الرجز] دع المعنّى واله عن عنائه ... فحسبه معذّبا بدائه /101 ب/ وخلّ عن عذل محبّ هائم ... لا تسعد البين على بلائه أصبح من فرط جواه والأسى ... يعدّ كأس الموت من شقائه رقّ له شامته وربما ... لان له الجلمد من بكائه بكى زمانا مرّ من دموعه ... وعاد يبكي اليوم من دمائه باح بما كان يجنّ من جوى ... وأظهر المكتوم من خفائه لحبّ طبي أغيد جبينه ... يكسف نور الشمس في ضيائه كأنه بين الأنام كوكب ... يسحب ذيل اللّيل من ورائه فهل رأيتم بشرا من قبله ... يطلع بدر التمّ من قبائه ومنها في المديح: سلّم إلى الله لتضحى سالما ... فلا مفرّ اليوم من قضائه ثمّ إلى عليّ الملك الّذي ... قد أصبح العالم في نعمائه ذي الجود سيف الدّين والدّنيا ومن ... لا يهتدي النجم إلى اهتدائه ومنها يقول: ورتبة على الورى سامية ... قد فاقت العيّوق في سمائه /102 أ/ زرّ على الأرضين جيبيه وقد ... جللها الفاضل من ردائه ومنها قوله: من ذا الّذي يدرك عدّ فضله ... وبعض ما سطر من آلائه أو جمع ما يعرف من بأسه ... والدهر قد يعجز عن إحصائه دعوه لهيجاء فهو كفؤها ... ولستم والله من أكفائه جلّ عن المدح فكلّ مادح ... إخاله يطنب في هجائه جمّع شمل الجود من شتيته ... وضمّ ما فرّق من أجزائه وأنشدني لنفسه: [من الطويل]

وليلة جئنا حانة الحيّ عصبة ... كراما تضاهى في الكرام الكواكبا وبتنا نرى أيدي السّقاة مشارقا ... لشمس مدام والشّفاه مغاربا ويعلو خدود الشّرب بعد غروبها ... من الشفق المحمرّ مبد عجائبا فأوجههم تحكي بدورا وقد بدت ... لنا بازغات والأكفّ سحائبا وأغيد ممشوق القوام مهفهف .. يجرّد من جفنيه سحرا قواضبا يميل على الندمان سكرا وينثني ... يغازلنا حتى قضينا المآربا وقمنا ركبنا بعد مركوبنا المنى ... إلى ما يقرّ العين جردا سلاهبا وأنشدني لنفسه من قصيدة أولها: [من الطويل] ألمّت بنا واللّيل مرخى الذّوائب ... هلالية كالبدر بين الكواكب ومنها في المديح: فتى مهرت كفّاه في الجود والنّدى ... وكلّ لبيب ماهر في التّجارب يبيت أناس في الخمول وهمّه ... لتبديد مال أو لجمع مقانب له ثوب فخر يملأ الأرض ظلّه ... ثبوت ثبوت الرّاسيات الرّواسب يجر على ظهر المجرّة ذيله ... فتعنو له أمّ النّجوم الثّواقب يحدّث عن أخباره بنوادر ... ويخبر عن آلائه بعجائب يقصّر عن إدراكها كلّ حاذق ... ويعجز عن إحصائها كلّ كاتب وأنشدني لنفسه يصف النّار: [من المنسرح] /103 أ/ كأنّما نارنا قد برزت ... تخال في حلّة من النّور سلافة كالحريق صافية .. مشرقة من وعاء بلّور أو قصبات من النّضار وقد ... ذرّ عليها سحيق كافور وأنشدني له فيها أيضا: [من مخلّع بسيط] ملت من البدر نحو خدر ... أضرمت ملء المكان نارا فارتفعت السن عليها ... ترفع من وقدها شرارا وعدت في حالتي سريعا ... لمستها ما وجدت نارا

وأنشدني لنفسه في يوم شديد البرد: [من السريع] ويوم قرّ ريحه عاصف ... جار على ضعفي وإعساري تودّ عين الشّمس من برده ... في الأفق أن تسخن بالنّار وأنشدني لنفسه في جمع مشاهد الأئمة-صلوات الله عليهم وسلامه-: [من الطويل] /103 ب/ مشاهد طوس والغريّ وكربلا ... وطيبة والزورا إلى سرّ من رأى غذا حلّ منها زائر أيّ تربة ... تناديه من أقطارها سرّ من رأى وأنشدني لنفسه: [من الوافر] إذا كشف الغطاء عن الّسرير ... ونودي بي هلمّ إلى السّرير ولاحت من مرقّعتي سطور ... بهنّ نحافة الدّنف الضّرير وساقتني على مهل رجال ... وكان من قعر مظلمّة مصيري فغفو ثمّ عفوا ثمّ عفوا ... وإحسانا إلى يوم المصير

ذكر من اسمه هبة الله

ذكر من اسمه هبة الله [880] هبة الله بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الكندي, المعروف بابن مراجل. من أهل حماة وأشهر بيت في الأصالة, يكنّى أبا القاسم. كان يتصرّف لملوك زمانه في الولايات الرفيعة, ويحترم لبيته ومنصبه. وكان والده وزيرا للأمير فخر الدّين الزعفراني, وخدم للملك المظفر تقي الدين عمر بن شهناه بن أيوب -صاحب حماة-. وأبو القاسم -ولده هذا- كان واسع المروءة, كبير النفس. توفي بحماة سابع عشر من رجب سنة سبع عشرة وستمائة عن اثنتين وخمسين سنة. وكان ربّما جاد طبعه بأبيات من الشعر حسنة. وأنشدني ولده الرئيس الأجل نجم الدين أبو المعالي محمد بحلب المحروسة في سنة سبع وأربعين وستمائة, قال: أنشدني والدي أبو القاسم لنفسه مبدأ قصيدة: [من الطويل] /104 ب/ جسم كما حكم الغرام نحيل ... ومتيّم بعد الفراق عليل ومدامع تجري سحائبها دما ... فلها بوجنات الخدود مسيل وأضالع فيها لهيب دائم ... بين الحنايا والحشايا مشغول الله يجمع بيننا وتضمّنا ... دار الحبيب فنلتقي ونقول [881] هبة الله بن أبي البشر بن أبي المواهب بن شراقيّ, أبو البركات المصري. كان في دولة الملك الأشرف مظفر الدين شاه أرمن موسى بن أبي بكر بن أيوب كاتبا, وله شعر قريب الأمر.

أنشدني أبو الفضل عباس بن زوان بن طرخان. الموصلي بإربل, قال: أنشدني أبو البركات بن شراقي المصري لنفسه يمدح الملك الأشرف من قصيدة: [من الطويل] أما أنت يا موسى سليمان حكمة ... ولكنّ لم تفجأ بغيبة هدهد بساطك فيه الأنس للأنس دائم ... وما الجنّ إلّا حدّ عضب مجرّد لك الرّيح تجري في مرادك بالمنى ... كذا الطّير بالبشرى تروح وتغتدي وخاتمك الأعلى أمان لخائف ... وما فعل بلقيس لديك بموصد /105 أ/ فكملك من عرش إلى عرش أسّه ... وكم لك من صريح بهيج ممرّد وكم لك من جند نصير وكم ندى ... وكم منّة في الله تسدى وكم يد فسدوأنم وانعم واعل واسلم وصل وصل ... ومر وأنه واسعف واعف واقبل ومهّد وقم واغز أعداء الكتاب بهمّة ... وقل للكتاب اخضع إذا جدت واسجد وحطّمهم ... ولا تبغ عودهم ... بمسكنهم وانزل بعكّ وشرّد فدمياط قد أضحت ميسّرة كما ... بتيسيره من كلّ فتح مؤيّد وأنشدني الصاحب الوزير شرف الدين أبو البركات المبارك بن أحمد بن المبارك بن موهوب المستوفي الإربلي بها-رضي الله عنه- قال: أنشدني أبو البركات بن شراقي المصري لنفسه: [من الطويل] على مثل هذا اليوم كانت مطالبي ... تطالبني حتى بلغت مآربي فلله ما قدّمت من خير سفرة ... وللشّكر ما أسدت إليّ ركائبي /105 ب/ وللأشرف السّلطان منّي قصائد ... وقصد إلى أبوابه غير خائب همام إذا الأعداء رامت نواله ... ففي كلّ ناد منهم ألف نادب إذا شاء أن يعلو إلى العرش رفعة ... تدانت له الأفلاك قبل الكواكب [882] هب الله بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن رزين, القاضي السعيد, أبو القاسم بن أبي الفضل المصري.

كان جدّه يلقّب سناء الملك, وكان فيما ذكر عنه رجلا من أهل ديار مصر, وكان له ثروة ومال واسع, ومن مجوه أهلها وكبرائهم, وأرباب النعمة. ومات وخلّف ولده جعفرا, وكان له مضاربات وقروض وتجارات اكتسب بها أموالا جمّة, ولم يكن له شيء من العلم ما يشتهر به. ونشأ له ابنه أبو القاسم هبة الله هذا فتردد بمصر إلى الأديب القاضي أبي المحاسن البهنسي النحوي, فقرأ عليه أدبا ونحوا, وعاشر في مجلسه رجلا مغربيا. وكان يتعانى عمل الموشح المغربي والأزجال, فوقفه على أسرارها, وباحثه/106 أ/ فيها, وكثّر حتى انقدح له في عملها ما زاد على المغاربة حسنا واتقانا, وعانى بعد ذلك فنّ البلاغة والكتابة, ولم يكن خطّه بالجيد فجعل في جملة كتاب الإنشاء بديوان ملوك مصر, وأجري عليه لذلك رزق كان يتناوله, حضر الديون أو لم يحضر, وحبه أهل الدولة لدماثة كانت فيه, وحسن عشرة وتودّد, فسار له ذكر جميل. وصنف كتبا منها كتاب "حصائد الشوارد" (1) , وكتاب "مراسلات" (2) , وكتاب "الموشحات" سماه "دار الطراز" (3) , و"ديوان شعره".

أخبرني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي العقيليّ بحلب –أيده الله تعالى- قال: أخبرني أبو محمد عبد العظيم بن أبي الأصبع العدواني الشاعر المصري, قال: أخبرني جلال الدين المكرّم أبو الحسن موسى بن الحسن بن سناء الملك بالقاهرة, قال /106 ب/ دخلت على القاضي السعيد أبي القاسم هبة الله بن سناء الملك في مرضه الذي مات فيه, فلما رآني بكى وأشار إليّ فجلست وأخذت في تسليته, وقلت له فيما قلته: لقد رأيت الدنيا ونلت من ملاذّها ما لم ينله غيرك من أهل بيتك حتى أنك اتخذت لنفسك فراشا من العنبر, وأنت اليوم فعلى قدم خير. وكان قد تاب قبل موته بسنة, وحسنت حاله, فأشار إلى الدواة, مقال لي: كتب, وأملى على (1): [من المسرع] أحسنت الدّنيا الّتي استرجعت ... منّي تلك الحالة الفاخره ما شغلت بالي بتقبيحها ... إذ فرّغت قلبي للآخره قال: فقلت له: أذكر الله, فقال: أنا في ذكره, قال: فما خرجت من عنده إلى الباب حتى مات. قال ابن أبي الإصبع: وكنت سألت أبا الحسن المكرّم عن قوله: اتخذت لنفسك فراشا من العنبر, فقال: كان قد اتخذ له فراشا شربا ببطانة وظهارة, وأذاب العنبر مع المسك والعود /107 أ/ على النار, وطلى البطانة والظّهارة به, ثم اتخذ العنبر تماثيل وحعلها عليها شبيها بالنقش, وكان ينام فيه. وكانت يوم وفاته الأربعاء الرابع من رمضان سنة ثمان وستمائة. وكان مولده –فيما بلغني- في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. أنشدني أبو منصور المظفّر بن يوسف بن أبي منصور العصافيري الموصليّ بها , قال: أنشدني القاضي السعيد ابن سناء الملك لنفسه بمصر من موشحاته (2): يا من بكيت على الدّمن ... من أجلها أسفا وحزنا

ورأيت أحداث الزمن ... قد اشتفت منها ومنّا لا تسأل البستان عن ... رمّنه وسل المعنّى قد صار في نهديك ... ما كان في خدّيك من قبل ذلك جلّنارا *** أخشى عليك من العذول ... كما أمنت من العواذل /107 ب/ وكأنّ قلبي أن يميـ ... ـل قوام قدّك في الغلائل فلئن صحوت من الشمو ... ل فما صحت منك الشّمائل فالموج في ردفيك ... والميل في عطفيك إخال أنّهما سكارى *** أنت الحبيبة لا سواك ... كما هواك هو الحبيب لا أبتغي إلاّ رضاك ... ولو تقلّبت القلوب وإذا دعا داعي هواك ... ولو يجب فأنا أجيب يا عاشقها لبّيك ... ويا حمام الأيك لبّى الغرام معي مرارا *** قد حل بي ما لا يطاق .. . من الغرام ولا يحدّ وكلاهما عذب المذاق ... كأنّه سمّ وشهد يخشى عليّ من العناق ... لها فتضحك ثمّ تشدو إليك عنّي إليك ... خلّني من يديك فبسكر بسكر طرارا *** /108 أ/ وأنشدني أبو المحاسن يوسف ين عبد العزيز بن إبراهيم المصري

المعروف بابن المرصص الشاعر بحلب, قال: أنشدني أبو القاسم هبة الله بن سناء الملك لنفسه في غلام جميل حضر حومة الشلاق فأصابه فأصابه فكسرت أسنانه (2): [من الخفيف] نثر الدّهر عقد ثغر حبيبي ... فدموعي عليه تحكي انتثاره كلّ سنّ كالأقحوانة كانت ... فغدت بالدماء كالجلّنارا كان في حومة الشّلاق وما كا ... ن بعيدا في جملة النّظّارة فأتته الأحجار شوقا وزارتـ ... ـه فلا مرحبا بتلك الزيارة ما كفتنا تلك الملاحة منه ... وأرانا ملاحة وشطارة كيف ينسى الفؤاد حبّ حبيب ... حسدتني عليه حتّى الحجارة /108 ب/ وقال في صديق له كيّس: [من السريع] لي صاحب أفديه من صاحب ... حلو التأنّي حسن الإحتيال لو شاء من رقّة ألفاظه ... أصلح ما بين الهدى والضّلال يكفيك منه أنّه ربّما ... قاد إلى المهجور طيف الخيال ومن بديع قوله في وصفة الخمر: [من الطويل] عروسكم يا أيهاّ الشّرب طالق ... وإن فتنت من حسنها كلّ مجتلي دفعت لها مالي وعقلي معجّلا ... فقالت: وجنّات النعيم مؤجّلا وقال في المجون: [من السريع] يا ربّ علق قال لي: مرّة ... يا هاجري ظلما ولم أهجر! معتزليّا صرت قلت: اتئد ... واعتب على مبعرك الأشعري وقال: [من الطويل]

/109 أ/ أذمّ شبابا لم أذق فيه لذّة ... ولا نلت منه لا حراما ولا حلاّ وأحمد منه أنّني لست باكيا ... عليه كما يبكي سواي إذا ولّى وقال في غلام مليح ينظر في النهر: [من مجزوء الكامل] يا ناظر بالنّهر وهـ ... ـو بشطّه يتنزه النّهر كم أزرق ... وخيال وجهك طرزه وقال: [من المنسرح] إن لبس البدر عقد أنجمه ... فعقد ذا البدر درّ مبسمه أو كان مسك الغزال سرّته ... فمسك هذا الغزال في فمه وقال في ابن مروان وابن المليحي: [من السريع] إنّ أمين الحكم في مصرنا ... يخون حتّى في مياه الرّجال وكلّما أودعه الدّنى في ... مبعره أفرغه في الغزال والصّدر قد هام ضلالا به ... ما يصبر النّاس على ذا الضّلال /109 ب/ وقال في الحكيم ابن قوقا, وقد بلغه انّه تاب عن شراب الخمر: [من الطويل] سمعت حديثا ليتني لا سمعته ... فعندي منه مقعد ومقيم بأنّ الحكيم الآن قد هجر الطّلا ... وقد تاب منها والحكيم حكيم وما كنت أخشى أن يتوب لظرفه ... كما لست أخشى أنّه سيصوم أتهجر شمس الرّاح وهي منيرة ... وتترك وجه البدر وهو وسيم وكم من يد عند الحكيم لكأسه ... غدت ولها حقّ عليه عظيم أنامت له من لا ينام وربّما .. . أقامت له ما لا يكاد يقوم وذلك إنعام قضى بنعيمه ... ومن جحد الإنعام فهو أثيم فإن قال: إنّي قد سئمن بشربها ... فقد يعشقون الجسم وهو سقيم

وإن قال: إنّي قد سلمت فإنّه ... كما قيل يوما للدّيغ سليم على الكرب من بعد الحكيم كآبة ... وللجام من بعد الحكيم وجوم ومن بعده زوج الخلاعة طالق ... ومن بعدها أمّ السّرور عقيم /110 أ/ وطمّنني إبليس حين عتبته ... بأن قال: هذا الأمر ليس يدوم فإن تسألوني بالحكيم فإنّني ... خبير بأدواء الحكيم عليم إذا خبى وجه المصيف فإنّني ... بتحليل ناموس الحكيم زعيم على إنّه إن قال: قد تاب مخلصا ... وخاف عقاب الله وهو أليم فتوبته بسوء ظنّ بربّه ... تعالى وإلاّ فالكريم كريم وقال يمدح الملك الناصر صلاح الدّين أبا المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي –رضي الله عنه- ويهنّيه بالبرء من مرضه: [من الكامل] نظر الحبيب إلىّ من طرف خفي ... فأتى الشفاء لمدنف من مدنف ودنا يسكّن نار قلبي خدّه ... أسمعتم نار بنار تنطفي وأرادت العبرات عادة جريها ... أو جرى عادتها فقلت لها قفي كفّي فقد جاء الحبيب بما كفى ... وصلا وعاشقه المروّع قد كفّي /110 ب/ ومليّة بالحسن يسخر وجهها ... بالبدر يهزأ ريقها بالقرقف لا أرتضي بالشمس تشبيها بها ... والبدر لا بل أكتفي بالمكتفي الحسن تبرزه بغير تصنّع ... والملح يبرزها بغير تكلّف تتلو ملاحتها محاسن وجهها ... فتريك معجز آية في الزّخرف وتقول من هذا وقد سفكت دمي ... ظلما وتسأل عن فؤادي وهي في لا شيء اعجب من تلهّب خدّها ... بالماء إلاّ حسنها وتعفّفي أنا أنتوي عنها لئلاّ أرتوي ... أتظنّ أنّي أشتهي أن أشتفي لا سار عشقي لا أقام تصبّري ... لا قلّ مع نيل الوصال تلهّفي وكذاك قل للبدر يا بدر الدّجى ... لا وجه إن تبدو بوجه أكلفي وكذاك قل للشّمس يا شمس الضّحى ... جاء الأمان إليك من أن تكسفي

واشفع بسائر برئه ثمّ انظروا ... بحمد الصّليب به وبشر المصحف حاشاك من صرف الزّمان فإنّه ... بك للأعادي ماله من مصرف وقال وهو بالشّام يتشوّق إلى الدّيار المصرية (1): [من البسيط] /111 أ/ يا منية القلب لولا أن يقال سلا ... قلت: ما كنت أعصي القلب لولاك رميت من مصر قلبا بالشّام فما ... أسراك سهما إلى أحشاء أسراك أسرفت في الصدّ إذ أسرفت فيك هوى ... فالعذل والعدل ينهاني وينهاك نأيت يقظي وقد ألقاك هاجعة ... وفي الحقيقة أنّي لست ألقاك كم صاد طيفك طرفي بعد هجعته ... فالجفن فخي والأهداب أشراكي ردّي ودائع لثم جئت أطلبها ... ما كان أوفاك إذ أودعتها فاك نشوان لم أدري من لهوي ومن طربي ... أمن محيّاك سكري أم حميّاك وإذ جمالك قد أودى جميلك بي ... وبالتّعطّف قد أعلاك عطفاك وإذ مغانيك بالأنوار زاهية .... حتّى لقد خلت في مغناك معناك رحلت عنكم وقد أولعت بعدكم ... فما بذكرك أو قلبا بذكراك وما أظنّ ونار القلب مسكتكم ... بأنّني فيه قد أكرمت مثواك فما مررت بربع كان ربعكم ... إلاّ ظننت صداه أنّه شاكي وقال أيضا, وكان قد جلس في بستان له /111 ب/ واستوحش من بعض أصدقائه (2): [من الطويل] جلست ببستان الجليس وداره ... فهيّج لي مما تناسيته ذكرا وسقّيت جم الكأس ساعة ذكره ... فلم يستطع من ليل همي من مسرى فيا ساقي الكأس الّتي قد شربتها .... رويدك إنّ القلب في أمّة أخرى ويا أفق لو كان الحبيب مضاجعي ... لما سألتك العين أن تطلع البدرا ولو وصلت سود اليالي بشعره ... لما خشيت من غير غرّته فجرا

تذكّرت وردا للمليح محجّبا ... يمدّ عليه ظلّ أهدابه سترا فصرت أجازي القلب من أجل ذكره ... فيقتلني ذكرا أو أقتله صبرا أقبّل ذلك الطّلّ أحسبه اللّمى ... وألثم ذلك الزّهر أحسبه الثّغرا وكم لائم لي في الّذي قد فعلته ... وكم قائل دعه لعلّ له عذرا لأجلك يا من أوحش العين شخصه ... أنست بسهد يمنع العين أن تكرى وقاسيت منك الغدر والهجر والقلى ... وأنفقت فيك الشعر والعمر والدّهرا وأفلس طرفي حين أنفق دمعه ... فأجرى فمي درّا يسمّونه شعرا وفارت عزّا بالشّام لألتقي ... بمصر الّذي من حسنه فضّلوا مصرا /112 أ/ لئن طبت في متنزّه لم تكن به ... فلا زلت ألقى عندك الصّدّ والهجرا ولو كنت في بصري وحسبك لم أقل ... أيا بصري لا تنظرنّ إلى بصرى وقال أيضا: [من الطويل] تركت حبيب القلب لا عن ملالة ... ولكن لذنب أوجب الأخذ للترك أراد شريكا في المودة بيننا ... وإيمان قلبي قد نهاني عن الشّرك وإنّي منه في عقابيل طربة ... وتبقى ويمضي المسك رائحة المسك وقال أيضا: [من الطويل] وغانية من بعد عشرين حجّة ... أقول لها قولا لديه ثواب عليك زكاة فاجعليها وصالنا ... فإنّك في العشرين وهو نصاب وقال في معشوقه مفضّل لما حبس وضرب (2): [من الطويل] فديت الّذي لم يضربوه لريبة ... ولكن ليبدو الورد في سائر الغصن ولم يودعوه السجن إلاّ مخافة ... من العين أن تعدو على ذلك الحسن /112 ب/ وقالو: وكما شاركت في الحسن يوسفا ... فشاركه أيضا في الدخول إلى السجن وقال في الإمام عماد الدّين أبي حامد بن محمد بن حامد الكاتب الأصفهاني لما صنف الكتاب "خريد القصر وجريدة العصر"يهجوح: [من السريع]

خريدة أفّيه من نتنها ... كأنها من ريح أنفاسه فنصفها الأول في ذقنه ... ونصفها الآخر في راسه وبلغ هذان البيتان عماد الدين الكاتب, فجعل يردّدهما ويستحسنهما ويقول: والله لقد أحسن وإن أساء إلى في الهجاء. وقال أيضا: [من الطويل] تكمّل فضلي بعد عشرين حجّة ... فكيف زقد جاوزتها بثلاث /113 أ/ وأفنيت عمري في مدائح معشر ... كموتى ولو أنصفت كنّ مراثي وقال أيضا: [من مخلّع بسيط] قولوا لمن قال: إنّ هجوي ... يفوق مدحي بلا امتراء صدقت يا مانعا ثوابي ... من ويا قاطعا رجائي كآبة الكذب في مديحي ... ورونق الصّدق في هجائي وقال أيضا: [من الوافر] رأيت العشقين ولست منهم ... وآخرهم شقاء لا سعاده فعشّاق العلوق إلى بغاء ... وعشّاق القحاب إلى قياده وله يذمّ الشمس: [من السريع] لا كانت الشّمس فكم أصدأت ... صفحة خدّ كالحسام الصّقيل وكم وكم صدّت بوادي الكرى ... طيف خيال جاءني من خليل وأعدمتني من نجوم الدّجى ... ومنه روضا بين ظلّ ظليل تكذب في الوعد وبرهانه ... أنّ سراب الفقر منها سليل وتحسب التهر حساما فتر ... تاع وتحكي فيه القلب الدّليل /113 ب/ إنّ صدئ الطّرف فما صقله ... إلاّ التّملّي بالحميّا جميل

وهي إذا أبصرها مبصر ... حديد طرف راح عنها كليل يا غلّة المهموم يا جلدة الـ ... ـمحموم يا زفرة صبّ نحيل يا قرحة المشرق عند الضّحى ... وسلحة المغرب عند الأصيل أنت عجوز لم تبرّجت لي ... وقد بدا منك لعاب يسيل وأنت بالشيطان قربانة ... فكيف تهدينا سواء السّبيل وقال أيضا: [من الوافر] أما والله لولا خوف سخطك ... لهان على محبك أمر رهطك ملكت الخافقين فتهت عجبا ... وليس هما سوى قلبي وقرطك وهذه فصول من كلامه المنثور ومنه: "كتبت وأنا أحمد الله الذي أحمده لأني أحمده, وأشهد لأنّي أشهده, وأعترف له بالعبودية لأني بالربوبية أعرفه وأصفه, ولا أحيط بشيء منه حين أصفه. أنعم عليّ متفضّلا /114 أ/ وتفضل علي منعما, وأنقذني من ردى, وبصّرني من عمى, ووفّقني وخلقني لينفعني ونفعني لمّا خلقني, وأوردني إلى الدّنيا على بر تقدّمي, ولطف سبقني. ووطأ لي أكناف النّعم, وثنى لي أعطاف الهمم, وعلمني ما لم أكن أعلم, وكفاني قبل القول أن أفحم , وبعد القول أن أندم, وفضّلني على كثير, وجعل عنايته بي ظاهرة التأثير: [من البسيط] وقال أيضا في ذكر دولة ورثها: دولة ورّثها الجدّ السّعيد, وخولها الدر القهر, ومنحها الصر النصر, فركعت لها الأمم, وسجدت لها الدّول, وزالت بها الغمم, وانزاحت بها العلل, وقام بها مائل الملّة, وضحك بها مقبل القبلة,

وخطب بفضلها الأخرس, فطن لها الأبله, ووضحت بها لمن تهين البراهين, ولمن تديل الأدلة/114 ب/ وتمسكت ولكن بالدين, واعتصمت ولكن بالله, سلطانها له من الله سلطان, وأعوانها لها من النّصر اعوان, وسيرته الفاضلة قد سارت بها الركبان, ولكن على العقبان. فالإسلام من طلقائه , والإيمان من عتقائه, والكفر يجاهره ولكن باتقائه, والشّرك به واقع في شرك انخفاضه وبعد ارتقائه, وعساكر تجعل الصّباح مساء يوم العرض, وسيوفه تجرّ في الأجسام البسط والأرواح القبض, ورماحه تكاد لطولها تمسك السماء أن تقع على الأرض: [من الطويل] فلو رام برجا في السّماء لما عصى ... عليه وقرنا في السّحاب لما نجا فصل في دعاء: "خلّد الله ملكه, وأبد فتكه, وأعزّ جنده, وأذلّ ندّه, وزيّن دولته بالسعود, ومملكته بالصعود, وجعل ضده المكتوب, مجده المسعود, ونصب مقامه قبلة تقابلاها ملائكة السماء بالسلام, وملوك الأرض بالسجود ولازال محمّر الظّبي, مخضّر /115 أ/ الرّبى, جالسا والأنام في خدمته قيام, ساهر العزائم وملوك الأرض عنها نيام, منصفا بعدله الكرام من الأيام اللّئام, سابقا بسيفه كلام الأعداء فإن حربه أولها كلام, وإن الحرب أولها كلا: [من الخفيف] كلّما قيل قد تناهى أرانا ... كرما ما اهتدت إليه الكرام فصل في دعاء الوزير: "مولاي ورئيسي, وزير تسعى الملوك ببابه, وتستضيء بشهابه, وتستقي بسحابه, وتدفع خطوبها, وتستمد النصر لكتائبها من كتابه. ونستهدي الإصابة لسامها من صوابه, وتجني فضله صنوانا

وغير صنوان, ومتشابها وغير متشابه. قد قدر بعلو القدر وتصدر, لأنه الصدر, ووطيء على وجه الشمس ومفرق البدر, وملك ناصية المجد, وبلغ قاصية الفخر. ومضى له الحكم ولكن على العصر, ونفذ له الأمر ولكن على/115 ب/ الدهر, وخشعت له قلوب الأنام في السّر والجهر: [من البسيط] فصل آخر في مثله: " أدام الله أيامه ومد ظلها بامتداد ظله, وحلل عقدها بيمين عقده وحلّه, وجمع له الفضائل كلها بظهوره على الفضل كله, ولا زال عزّه لا يزول, وحال سعده لا تحول, وأيام دولته لا تقصر, وأيام أعدائه لا تطول. وأقلام يده العالية للأولياء تصل وعلى الأعداء تصول: [من الطويل] ولا زال ينبي النّاس فضل كلامه ... بأنّ كلام العالمين فضول فصل في تقريض رئيس: "خلق من صلصال الصولة, وحمأ الحميّة, ونفخت فيه روح الأريحيّة, وغذّته الأنفاس الرّوحانية, وربته الألطاف /116 أ/ الربّانية, فجاء منه بشر إلاّ أنّه قمر, وجسد إلاّ أنّه أسد, وإنسان إلاّ أنّه سلطان, وملك إلاّ أنّه ملك: [من الطويل] وجاء يسدّ الناظرين ملاحة ... وجاء يسود الحاسدين معاليا فصل في تقريض منعم: "ثقّلت على كرمه, وأتعبت على متردّدات نعمه, وأنضيت في السير إلى هاطلات ديمة, وشرهت عليه والشره قبيح, وىثرت من النجح ولكنه المتعب, فكأنه اليأس المريح, وأوفدت عليه مطالبي حتى استحيت, وحملت مننه على عنقي حتى أعييت, وماء الوجه جديد, وماء الحياء بعيد. [من الخفيف]

أخلقت وجهي المطالب منه ... كيف لي عنده بوجه جديد فصل في أيام سالفة: /116 ب/ "سقى الله دارا قضيت فيها اللّبانة, واجتليت فيها البدر زاهرا, واجتنيت منها العيش ناضرا, وبليت بها جلباب الشّباب, وأفنيت فيها رضاب الأحباب. وكانت أول أرض مسّ جلدي ترابها, وجدعي سرابها, ولما أطلت على أطلالها, وآنست طلوع هلالها: [من الطويل] (ذكرت بها وصلا كأن لم أفز به ... وعيشا كأنّي كنت أقطعه وثبا) (1) فصل في شكوى فراق: "وما يندب الخادم إلاّ نفسه, ولا يبكي إلاّ أمسه, لأنه قد فارق من مشاهدة سيدنا وبركة قربه, وقرب بركته, وتلقّى وفود الفوائد في وجهته من جهته ما جعله مغضوض الناظر, معضوض البنان, مجموع هموم القلب, منثور دموع الأجفان, طالبا من السلوّ ما لا يجده, وهيهات أن يسلو عن الماء الظمآن: [من الطويل] فذا الجسم قسم بين سقم وعبرة ... وذا القلب نهب بين فكر وأشجان /117 أ/ فصل في دعاء: "أدام الله ظلّ المولى ممدود الرواق بين الآفاق, وأطلع بدور شعوره متضاعفة الإشراق آمنة من لحاق المحاق, وبسط أنامله التي هي مفتاح الأرزاق ومغالق الإملاق, وخلّد أيامه التي هي أحسن الأيام من محاسن الأخلاق وألطف من معاتبة العشاق, ولا برحت ذات ظل صفيق, وحواش رقاق."

فصل في استنجاد: " الله الله أن ترقد عني والموت منتبه, أو تغفل أمري والأمر مشتبه, أو تنساني وقد ذكرتني الخطوب, أو تسيّبني وقد أوثقتني الذنوب, فقد والله حلّ الخطب الحبا, وسل الحتف الظبا, وبلغ السيل الزّبى, وأنا الرجل الذي ضعف احتماله, وقصّر احتياله, ولاحت مقاتله, وعلم قاتله, وقلّ ناصره, وكثر خاذله, وفات مداراة التلاقي فساده, وأعييت دلالات الخبير مجاهله." /117 ب/ فصل في وصف مجلس وحال: ولما غاب العاذل, وجاد الباخل, وأنس الظبي النافر, وسفر البدر السافر, خلعت العذار وعذرت الإنخلاع, وواصلت الوصل, وقاطعت الإنقطاع, وهززت الغصن المثمر, ولثمت الوجه المقمر, وأطعت عناق العناق, وبلغت رسائل الأشواق, وأقدمت على المواضع التي كنت عنها أحجم, وأوردت في الموارد التي كنت عليها أحوم وأحمحم: [من البسيط] وهل يباعد عذب الماء ذو غصص ... أو ينثني عن لذيذ الزّاد منهم فصل في مقال نفس سامية: "وإنّ لي يا مولاي نفسا تواقة, وهمة ذواقة. لا تقف على حد, ولا تقفو إلاّ على جد, ولا تصير من الدهر على حالة واحدة, ولا تضمر من الهم إلاّ جمرة واقدة, ولا تألو جذبا لعناني, /118 أ/ وعتبا على زماني, واضعا لأمالي الآماني, فأنا طول الدهر أثور ولا اركد, وأسهر ولا أرقد. وأطلب ولكن أين المطلب, وأغالب الدهر على أنه الأغلب. وأتعلق من الأمل بذمام نجم مغرب, وأشتاق إلى نيل الأرب وأين من الأمل عنقاء مغرب: [من الطويل] فيا ليت شعري ما الذي فيه راحتي ... وما آخر الأمر الذي أنا طالبه

فصل فيه تنبيه لمتكبّر: "يا من ازدراني لما رآني, وحقرني لما نظرني, وهرب عني لما قرب مني, لا تغرك أطماري, وانظر إلى آثاري, ولا أثوابي وعليك بآدابي, ولا أسمالي وتفقد أعمالي, فما بالبزّة تنال العزّة, ولا بجدّة السربال يقبل الإقبال, ولا ببقاء الطيلسان ينطق الإنسان , وينطله اللسان: [من الكامل] قد يدرك الشّرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع فصل في استعطاف: /118 ب/ "وأنا أستعيذ بالله من ذنب يوجب عتبك, ويملح عذبك, ويصرف قلبك, ويجعلك ثاني عطفك, ويؤلف تغيرك على إلفك: [من السريع] لست على هجرك جلد القوى ... ولا على عتبك شاكي السّلاح فصل في شوق: "ما ألأم ظفر الهموم, فإنها كثيرة تتساعد على قلب واحد, وما أتعب معاتب الأيام, فإنها تضرب من معاتبته في حديد بارد, وما أعجب بمن مني بقسوة الأقارب إذا رام الحنو من الأباعد. في لله كم تظلمت إلى مولاي من أغراض كتابه وصدوده, كم شكوت له طول ترقبي لوصوله وتطلعي لوفوده. وبالله لقد نسخ سوء الظن بانقطاع أخباره آية الأشواق, ولقد شغلني الوله عن إنفاق ذخائر الإملاق, ولقد عدل عندي ساعة فراق كتابه يوم الفراق". فصل في ذمّ: /119 أ/ "قوبل جميلي بكل قبيح, وسكوتي بكل صريح, {قل كلّ يعمل على شاكلته فربّكم أعلم بمن هو أهدى

سبيلا} ولوتحاكمنا إلى المروءة لا فتضح منا من هو أخجل حجة, وأخزى دليلا, فظفر الضعفاء بالأقوياء مفهوم, فتك الجبناء بالشجعان معلوم, والوفاء في هذه الأيام معدوم, وصاحبه في سلك الليالي منظوم, وذلك المهين فقد سرت منه عقارب لو شئت لأسريت إليه قبالتها سريات, وطن أنه كوى في السر كية ولو شئت لكويته في الجهر كيّات, ولكن علمت الظفر به هزيمة, والإطراح له غنيمة, والغريزة العزيزة, والشيمة الكريمة تبعث على حفظ الصداقة القديمة: [من الكامل] وإذا باغى باغ عليك بجهله .. . فأقبله بالمعروف لا بالمنكر فصل في وصف محبوبة: /119 ب/ " كيف أسلوها وهي لخلبي خلابة, ولغلبي غلابة, وبينها وبين نفسي قرابة, ولم تدع زاوية في قلبي حتى ملأتها صبابة, وما أدلت إلا بالحسن, وما أحست إلاّ بالدلال, ولا كسفت إلا وجوه النساء, ولا كشفت إلا أحوال الرجال, ما الخصر فمجدول, وأما الطّرف فبالكحل مكحول, وأما القد فما قصر وما طول, واما الجد فكالورد إلا أنه لا يحول: [من البسيط] هي الشّفاء لدائي لو ظفرت بها ... وليس منها شفاء الدّء مبذول فصل في اعتذار عن هدنة: " قامت بيننا حروب, وقامت فيها خطوب الخطوب, وبقيت الدست قائمة فلا غالب ولا مغلوب, ونهك القتال إلى أن ضعف الطالب والمطلوب, فالتجأنا جميعا إلى المهادنة وفي النفوس ما فيها, وحسنّا بادي الوجوه وقبح الحقد خافيها, وأينعت حسائك أنبتتها الصدور, وانعمرت حزازات لا تهدمها الدهور/120 أ/

فالظواهر سليمة, والبواطن سقيمة, والسيوف مغمدة, ولكنها في الأكباد مسلولة, وأيدي الضغائن مبسوطة, وأن كانت أيدي الفتك مغلولة: [من الطويل] وفينا إن كنّا اصطلحنا تباغض ... كما طرّ أوبار الجراب على البرّ فصل في دعاء: "أدام الله دولته وأدامها ومدّ مدته وأطالها, وصرف إليه الآمال وأمالها, وأمتعه بشكر النعم التي أنالها, ولا زال يستخدم الأفلاك, ويستعبد الأملاك, ويعفر بعرصات جباه الجبابرة, ويفضل بسيرته الفاضلة سير الملوك الغابرة. ويقتطف زهر النصر الأبيض من ورق الحديد الأخضر, ويسل على الأعداء نصل نصر لا يزال رائع المخبر رائق المنظر, وسهل الله للملوك لقاه الذي يجمع بين فمه وتراب موطئه, ويتخلص من بحر الهموم إلى جنابه الذي هو كشاطئه, ويحكم آماله في أمواله, ويهاجر من الهجير إلى ظل إقبال: [من الطويل] فمن لم ينل منه الغنى فه عاجز ... ومن لم يعش في ظلّه فهو خائن فصل في ذكر أحباب رحلوا: "فأما جيراني فيا ما جاروا لما ساروا, ويا ما عملوا لما احتملوا, ويا ما أمرضوا لما قوّضوا, ويا ما فعلوا لما رحلوا. شتتوا والله شمل الدموع, ونثروا نظم الظلوع, وأنزلوا على القلوب كيّات الإكتئاب, وقطروا القلوب إلى أذناب الركاب. وكان الأنس بهم مصقول الترائب, والعيش بهم مخضر الجوانب, والجذل بهم أحمر الوجنة, والربع بهم أزهر الدّمنة, والسرور بهم باسم المباسم, والأيام بهم كلها مواسم. وكان الدهر قد غمض عينه عنهم مدة, وعقد بينهم وبينه مودة, ثم نكث وغدر عليهم القدر, وختم صفوفهم بالكدر, وفرقتهم أيدي سبا, وأذهلهم عن التذكير لعهود

الحمى, والتلفت إلى أيام الصبا, فالدار بعدهم داثرة, وكم دارت عليهم دائرة وبائدة , وكم حلّت بها بائدة, وقد بكى /121 أ/ عليها السهى والفرقد, وخجل منها الغراب الأسود, ومشى عليها الدهر وهو مقيد: [من السريع] بانوا فبانت أسفا بعدهم ... وإنّما النّاس نفوس الدّيار [883] هبة الله بن حاتم بن عبد الجليل بن عبد الجبار بن جعفر بن علي بن سليمان بن سيد بن أبي قحافة, أبو القاسم الأنصاري. من أهل الديار المصرية. كانت ولادته سنة خممس وستين وخمسمائة. سمع الحديث على البوصيري وابن أحمد الأرتاحي, وحدّث عنهما. وكان كاتبا في بعض دواوين مصر, وفيه فضل وأدب وينظم شعرا لا بأس به. أنشدني أبو محمد عبد الواحد بن عبد الله بن أبي جرادة الحلبي بها, قال: أنشدني أبو القاسم لنفسه بمصر: [من البسيط] يا سيدا إن يغب غابت مسرّته ... وإن لمحناه عاد البشر والفرح وكلّ حالاتنا في بعده نصب ... وكلّ أوقاتنا في قربه ملح إذا بقيت فثغر الجود مبتسم ... لطالبيه وصدر المجد منشرح

[884] هبة بن حامد بن أحمد بن أيوب بن علي بن أيوب, أبو منصور النحوي اللغوي, الملقّب بعميد الرؤساء. من أهل الحلة المزيدية, بها ولد ونشأ. وكان أهله كتابا متصرفين يتعرضون لخدمة السلطان, وأصلهم من النعمانية, وبقي في الحلة منذ ولد إلى بضع عشرة سنة. وتعلم الخط عند أستاذ كان بالحلة, يقال له خزيمة بن محمد الأسدي, وتأدب عليه إالى سنة تسع وأربعين وخمسمائة, ومضي إلى مدينة السلام يطلب العلم والأدب, وله من العمر عشرون سنة فأقام بها قريبا من عشر سنين زائدا فناقصا يعاني الفقر والفاقة ويجد ويدأب في الإشتغال. وتخصص بأبي الحسن علي بن عبد الرحيم بن العصار الرقي اللغوي تخصصا عظيما, وقرأ عليه كتبا كثيرة في اللغة وفنون الأدب, وروى عنه جميع ما يرويه. ولقي الإمام أبا محمد عبد الله بن أحمد ابن الخشاب النحوي, وأبا العز محمد بن محمد بن الخرساني, وأبا محمد إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الجواليقي/122 أ/ وابن خضير الصيرفي وغيرهم من شيوخ العلم والأدب, وروى عنهم وبرع في علم اللغة, وصار يعدل بشيخه أبي الحسن علي بن العصّار ويفضل عليه وشاع ذكره في الآفاق. وكان خطّه مليحا ونسخ لنفسه نحوا من مائة مجلد في اللغة وعاد إلى الحلة فأقام بها إلى أن مات يوم عيد الفطر سنة عشر وستمائة. وكان أديبا بارعا نحويا ولغويا شاعرا شيخ وقته, ومتصدر بلده, وعنه أخذ أهل تلك البلاد الأدب وعلم اللغة. وكان قد تزوج بالحلة بامرأة صالحة خيرة من قوم أمائل يعرفون ببيت الدربي, فبورك له فيها ورزق منها عدة بنين وبنات ماتوا جميعهم في

حياته, وبقيت منهم بنت واحدة ماتت بعده. وكان قد وفد على أبي عبد الله بن شعبان متوسلا بالخؤولة, لأن أمه كانت من بني شعبان فواصله بما مبلغه مائة دينار, فقبلها لمكانته عند الناس, وأثرى من بعد فقر, وعاش عنيا موسرا, وبقي نيفا وثمانين سنة. وكان شعره شعر الأدباء لينا سهلا ومنه قوله يرثي زوجته/122 ب/ المقدّم ذكرها من أبيات: [من البسيط] لم تذهبي فأقول الذاهب امرأة ... وإنّما ذهب المعروف والكرم بي مثل ما بك إلاّ أنّ ذلك بلى ... مغيّر وجهك الحالي وذا سقم ومن شعره أيضا ما كتبه إلى أبي الفتح محمد ابن أحمد بن حيا الكاتب الحلّي: [من البسيط] يا أيها الماجد الموفي على شرف ... من العلاء تطاطا دونه الرّتب ضمنت لي وضمين الشيء غارمه ... قضاء ديني وديني ثابت يجب وأنت ذو الفضل لا منّ ينكّده .. والقول لا يعتريه الزّور والكذب ما فات طالب عرف منك مطلبه ... إلاّ واعيا عليه ذلك الطّلب وكيف يبخل بالنّزر القليل فتى ... كثيره بأكفّ النّاس ينتهب فاعجب لهذا وأكثر من تدبره .... إن كنت لو تدر قبل اليوم ما العجب وله أشعار غير ما ذكرته, إلاّ أنّه لم يصل إليّ منها شيء عند توريقي هذا الكتاب. [885] هبة الله بن أبي الحسن بن أبي الخير بن بطرس بن بلوطس بن بيمك, أبو البركان الصرانيّ. من أهل الديار المصرية. كان يخدم الملك الأشرف مظفّر الدين شاه أرمن أبا الفتح موسى بن أبي بكر بن

أيوب في دولته متصرفا, فعرض عليه الإسلام, فأبى فاعتقله فخرج من السجن وقصد إربل فولّاه سلطانها الفقير إلى الله أبو سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين –رحمه الله تعالى- الإشراف بديوان الارتفاع الخاص. وكان له تقدم في وضع الحسابات الديوانية والأحكام الخراجية, ويقول الشعر الحسن المطبوع على سبيل الإنبساط والمداعبات, ولو يزل مقيما بإربل إلى أن توفي عصر يوم الإثنين ثامن عشر ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وستمائة. وقد ذكره الوزير الصاحب العالم أبو البركات المستوفي –رضي الله عنه- في تأريخه الذي ألفه لإربل, وقال: سألت أبا البركات بن بيمك عن مولده, فقال: ولدت في دمنهور الوحش (1) سنة ثلاث وستين وخمسمائة. ور إربل /123 ب/ بعد أن اعتقل مدة طويلة. وكان يلي بعض أعمال الملك الأشرف ... بن أبي بكر بن أيوب, فنقم عليه, وأخذ ماله, فورد إربل والتحق بالملك المعظم أبي سعيد كوكبوري بن علي لما كان في بلاد العجم سنة إحدى عشرة وستمائة, ووصل إلى إربل فتوصل إلى أن صار له إشراف الديوان بالقلعة, يكتب حسنا. وزعم بعض المصريين, ا، ّ بيمك امرأة نسبوا إليها. وأنشدني, قال: أنشدني أبو البركات بن بيمك لنفسه: [من الوافر] دعيني والسّرى ومجال عيسي ... لعلّي مدرك ما في النّفوس فلم يك بالغا أمرا نفيسا ... فتى ما لم يغرّر بالنّفيس وخلّ لكلّ ذي عزم ضعيف ... معاقرة المواطن والجلوس وأنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن وهرام بن بكران البوازيحي الإربليّ بها –رحمه الله تعالى- قال: أنشدني /124 أ/ أبو البركات هبة الله بن أبي الحسن بن بيمك النصراني لنفسه, وقد ورد عليه كتاب من بعض أصدقائه: [من الوافر] وقفت على الكتاب فهمت شوقا ... كأنّي قد شربت من السّلافه

وبتّ سمير شخصك منه مولى ... بقلبي أنت مع بعد المسافه فرحت يهزّ أعطافي سرور ... كأنّي قد ملكت به الخلافه وقاك الله من غير اللّيالي ... ومن ثوب الحوادث كلّ آفه فكلّ حديث أهل الودّ عندي ... سواك إذا سمعت به خرافه وأنشدني أيضا من لفظه, قال: أنشدني أبو البركات هبة الله بن أبي الحسن بن أبي الخير بن بطرس المصري لنفسه بإربل: [من الكامل] /124 ب/ لو كان يدرك بالتّركّض سائر ... ما فاته في يومه أو أمسه يحوي هلال التّمّ وصلا لو يزل ... أبدا يحاوله بدارة شمسه لكنّه لما توغّل في السّرى ... لقي الكسوف من الرّدى في نفسه والسّعي إذا لم تعط فيه سعادة ... متحرّك أبدا يعود بنحسه [886] هبة الله بن أبي سعيد بن أبي الكرم بن أبي سعيد بن أبي الخير بن أبي اليمن, أبو البركات النصراني, المعروف بابن ستّوتة. من أهل مصر. كان ذا نظم ونثر وخطّ مليح حسن, ومعرفة جيدة بالحساب, ولديه فضل وأدب يتصرف في الأعمال الديوانية, وأقام بحلب مدة, واتصل بخدمة الأمير مبارز الدين يوسف بن ختلخ الحلبي. ثم انتقل عنه وخدم لعض الولاة في مفر طاب, ومات في عاشر رمضان سنة خمس وعشرين وستمائة. أنشدني الأجل نظام الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم ابن المولى الكاتب المنشيء بديوان حلب بها –أسعده الله تعالى- لفظا, قال: /125 أ/ أنشدني أبو البركات بن ابي سعيد بن ابي الكرم المصري لنفسه ما كتبه إلى الوزير أبي الحسن علي بن يوسف القفطي يستعفي من عمل التصرف: [من الخفيف] أنا أشكو إلى معاليك حالي ... ووقوعي ما بين شيب وشين ليس لي قدرة على أن ألاقي ... روعات الحساب في الدّرين

ذاك فيه عيب يخاف هذا ... فيه جور فالويل من هذين [887] هبة الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمود بن الشيرازي, يكنّى أبا الفضل. من أهل مدينة السلام. شيخ لقيته بها بمجلس الشيخ الحافظ أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادي –رحمه الله تعالى- وذكر لنا أّنه دخل البلاد الخرسانية , وتجوّلها. وكان تاجرا. ولد بالنيل وسألناه عن ولادته, فقال: إنّ له من العمر سبعين سنة. وكان سؤالنا له والاجتماع به يوم الخميس ثاني رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة, فيدل انّ مولده في سنة سبعين وخمسمائة. يعاني قول /125 ب/ الشعر, وله في نظمه طبع صالح, وقريحة ما بها بأس يتشيّع. أنشدنا من قوله –وكان قد سجن- ما كتبه إلى أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبي العباس أحمد –رضوان الله عليه- يتألم من السجن ويشكو إليه حاله, وما يلقى من المحبوسين ومن المقام بينهم: [من الوافر] خليلي إنّني أوليك نصحا ... وصايا للكهول وللشباب إذا ما شئت أن تدعى رشيدا ... وترمق بالسّداد وبالصًواب تجنّب ما استطعت وكنت حيّا ... لواوات ثلاث في كتاب فواو وصيّة لا خير فيها ... فتلقى في السّجون وفي السّباب

وواو وكاله وّكلت فيها ... بسوء الظّن من كلّ الصّحاب وإن رمت الثّواب وحسن فعل ... فما فيها لعمرك من ثواب تصّبر واعتبر إن كنت طبّا ... بما قدّ حلّ بى ولسوء ما بى نصحت فمأ رايت النّصح يجدى ... ومن قّد خان ممنوع الجواب أرى حبسى وبالا ليس فيه ... سوى إثم تضاعف في الرّقاب /126 أ/أيا مولاى دعوة مستغيث ... إلى ربّ السّماء من العذاب ومن سجن تجمّع فيه حولى ... أناس في التهارش كالكللاب فإن عاشرتهم دنّستعرضى ... وإن جانبتهم بزّوا ثيابى ونحن بجمعنا في قعر لحد ... موات فاتنا طم التّراب إذا اشتدّ الهجير بهـ علينا ... يسيل صديدنا سيل السّحاب وإن جرت النّسيم تجرّ فيها ... روائح في المعاطس كالحراب وقد تغدو النّفوس بها سكارى ... يميل بها ولا سكر الشّراب تعجّل ما تأجّل من عذاب ... فكيف وما أى يوم الحساب؟ فبتّ معاتبا دهرا رمتنى ... نوائبه وما يجدى عتابى أقول له ودمع العين يجرى ... كما وهت العقود من الكعاب اتقصدنى وقّد الجأت ظهرى ... ولذت بظلّ ممنوع الجناب عنيت النّاصر المنصور عضدى ... خليفة احمد كأبى تراب إماما يملأ المحراب زهدا ... وفى يوم الكريهة ليث غاب فأوجس خيفةّ دهرى وطابت ... مذاقّته وكان كطعم صاب /126 ب/ وقالوا وقد لجأت إلى جناب ... تلين لبأسه كل الصعاب فيا خير البريّة لا أحاشى ... ويا خير الآنام ولا أحابى بمن أدنى النبىّ بقاب قوس ... واظهر دينه بعد احتجاب وطهّرمن كل رجسّ ... وانت من السلالة واللّباب اغثنى إنّنى بك مستجير ... لتنقذنى من الظّلم العجاب فلو أنى استطعت شرحت ما بى ... وما عند الرّعيّة من شغاب بقيت على الرّعيّة في سرور ... ودمت لها على مرّ الحقاب

وما ناحت مطوّقة بأيك ... وما حجّ الحجيج على الرّكاب وأنشدنى أيضا ما كتبه إلى الوزير مؤيد الدين أبى الحسن محمد بن عبد الكريم بن برز القمى- وكان يومئذ يتقلد الوزارة للإمام أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبى العباس /127 أ/ رضوان الله عليه-ويتظلم إليه من القاضي شهاب الدين أبى المناقب محمود بن أحمد بن بختيار الحاكم بمدينة السلام- وكان ينبز بابن عروس لقصر كان في رقبته: [من الخفيف] يا وزير الإمام في الحلّ والعقـ ... ـد لقد ضاع في اختيارك حسّى مسخ النّاس في زمانك فأرا ... فتولّى عليهم إبن عرس جدّه قنفذ وعرس ابوه ... ليت شعرى فبزره اىّ جنس قال قوم لمّاـ رأوه بدست ... نافذ الخكم في القضاء والدّرس وخراج البلاد يجبى إليه ... بعد ما كان لا يرى نقش فلس مثل هذا ون حاكم بغداد ... وعار يكون هذا ببرس /127 ب/ انقذوا الشّرع من يديه فقد أصـ ... ـبح من سوء فعله في رمس فرح القائلون بالأب والإبـ ... ـن وموسى ومن يرى للشمس فرحوا إذا رأوه للشّرع قد ... مات فهم من عزائنا قفى عرس يا إمام الهدى ويا حجّة اللـ ... ـه ومن حبه مخالط نفسى ما أرى ناصحا لك اليوم في النّا ... س فينهى إليك من غير لبس انّ هذا ابن عرس قد فرس الما ... ل ولا فرسة الأسود الشّرس قد حوى جلده ثلاثين الفا ... فخذوها منه بأهون لمس واجعلوا يومه الّذى هو فيه ... مثل ما كان مدبرا بالأمس وإذا رمتم زيادة مال ... فاجعلوا جلّ صحبه في الحبس من وكيل ومحضر وغلام ... قلعوا النّاس مثل قلع الضّرس من لمال الآيتام يحنّو عليه ... اذهبوه ما بين اكل ولبس

[888] هبة الله بن علىّ بن عيشى بن المقلّدين بى علوىّ، أبو المعالى بن أبى القاسم النيلى. كانت ولادته بالنيل ثالث عشر صفر من ستة أربع وستين وخمسمائة، وعاش /128 أ/ إلى قريب سنة عشرين وستمائة. كان عاما فاضل يترامى إلى علوم الحكمة وأصنافها، وله معرفة باختلاف المذاهب والأديان وأقاويل الحكماء وارباب المقالات. وأنشأ رسالة نظما ونثرا سماها"القاصمة القاصلة والفاصمة الفاصلة"، وصنع رسالة أخرى وسماها بـ"المذهبة الكاسفة’ لمذاهب الفلاسفة"، عملها ردا على فلاسفة يونان وأصحاب المنطق وإبطال أقوالهم، وكشف ما ستروه من العقول، وقال أشعارا في المواعظ والزهد والاعتبار وما يجرى مجرى هذه الفنون. أنشدنى الصاحب الوزير شرف الدين أبو البركات المستوفى الإربلى بها-رضى الله عنه-قال: أنشدنى أبو المعالى النيلى لنفسه: [من السريع] يارّب هذى القدرة القاهره ... والحكمة البالغة الباهره يارّب ذا اللّيل الّذى قد سجا ... ورّب هذى الأنجم الزّاهره يا منشئ الخلق كما شاءه ... ويا معيد الّرميم النّاخره /128 ب/اسألك الأمن غداه اللّقا ... إذ تجمع العالم بالسّاهره والعفو عنّى وجميل الرّضا ... في هذه الدّنيا وفى الآخره وأنشدنى، قال: أنشدنى هبه’ الله بن على النيلى لنفسه في الإنقطاع إلى الله عّز وجل: [من الوافر] إلهى ليس لى جلد فاقوى ... على نار الجحيم ولا أطيق وإلا تعف عنّى او تجرنى .. فإنى بحار ردى غريق وقوله في الاعتبار والتسليم لله تعالى: [من الرمل] ليس بالدّائم بؤس وترح ... لا ولا يبقى نعيم وفرح

كم راينا من ظلام شامل ... عقّ عقباه ضياء فوضح وضياءا ظاهرا مشتهرا .. جاءه جنح ظلام فجنح هي دنيا لا نبالى هاجيا ... ذمّها او مادحا يوم مدح فثقوا بالله فالحكم له ... وله ما عاب منها وصلح /129 أ/ وكلوا الأمر إليه تسلموا ... فمن استسلم حقّا يسترح أيّها المدئب حرصا نفسه؟ ؟ يجمع المال بتقدير وشح كم وكم هذا التّغنى غلطا ... والتّمنى لأمور لا تصح فاقتصد واسع برفق واتئد ... واستع قول صدوق قد نصح فلك البلغة فاسألها وإن ... شئت فاسأله سؤال المقترح وله الشّكر فمن شاء اذا ... منع الفضل ومن شاء منح وقال أيضا في التجلد والإصطبار، وكان قد مرض: [من الكامل] الم المّ وعارض عرضّت به ... أسباب حظّ في الحضيض مقيم يا ويحها أنّى رأتنى سالما ... ومتى استقمت وكنت غير سقيم فليجهد الدّهر المعاند جهده ... ابدا ولو بلغت الحلقوم وهذ الذى وقع إلىّ من أشعاره. [889] /129 ب/ هبة الله بن محمد بن شكر، أبو البركات المصرىّ، المعروف بابن العصّار. شاعر عصرنا ومجيده، مالك عنان القريض كيف ما شاء يقوده، رائق الشعر مصقوله، يبدع فيما ينشئه ويقوله، أحكم الناس لوشى الكلام رقما، وأتقنهم لجواهر الألفاظ والمعانى نظما. سمعت الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المستوفى- رضى الله عنه- يثنى عليه ويصف فضله ويقرّظه، ثم أنشدنى له، : قال: أنشدنى أبو البركات لنفسه يصف عوّادا: [من المتقارب] في وقته وآيته ... إن شدا ... أو ضرب

يميت الهموم ويحيى النّفوس .. ويبقي السّرور وينفي الكرب تقول أعاجم أوتاره ... أقاويل تخرس فصح العرب فتحريكها سكنات الأسى ... وتسكينها حركات الطّرب وأنشدني أيضا, قال: أنشدني أبو البركات ابن العصار قوله: [من الرجز] /120 أ/ فلا ترى في النّاس إلاّ شاكرا ... لجوده شكر الرّياض للمطر ألسنهم صلّت لآي جوده ... في قبل الأفواه يتلوها سور وأنشدني أيضا قال: أنشدني أبو البركات بن شكر, وكتبها إلي: [من الوافر] أنا اتفقت كنانا فالمعالي ... قد اختلفت وأنت أجلّ قدرا فإنّ محمدا من لم يكنّى ... بكنيته جميع النّاس طرّا قال: فكتبت إليه جوابها على الوزن والروي: [من الوافر] إن اختلفت كما قلت المعالي ... فإنّك ربها المشهور قدرا إذا النّعمى حباك بها ابن شكر ... فكيف تطيق أن توليه شكرا وأنشدني أيضا أبو الفتح محمد بن بدل بن أبي المعمر بن إسماعيل التبريزي بإربل لنفسه , ما كتبه إلى بعض الرؤساء. وكان قد أمّ وأبلّ من الحمّى وأحسن في قوله: [من البسيط] شفاك للنّاس أحيا ميّت الأمل ... من بعد ما باتت العليا على وجل قالت: معاذيرها الحمّى فقد قصدت ... فخرا بجسمك حاشاه من العلل هبني عكاشة في ذنب أتيت به ... وخاتم الجود هذا خاتم الرّسل رامت فخارا كما رام النّجاة وقد .. تنال قاصية الأغراض بالحيل وأنشدني أيضا, قال: أنشدني أبو البركات بن شكر, له في غلام مليح الصورة ذي ذؤابة طويلة راكب فرس أشقر: [من المتقارب] /131 أ/ وأسمر في جفنه أبيض ... لروضة وجنته حارس ينبّه منّا عيون الهوى ... لعشقته طرفه النّاعس

غدا راكبا لون خدّ له ... بنيرانه تهتدي القابس يجرّ ذؤابته خلفه ... كما جرّ ذابله الفارس وأنشدني أيضا أبو المجد أسعد بن إبراهيم الكاتب النشّابيّ الإربلي بها, قال: أنشدني أبو البركات بن شكر المصري لنفسه في غلام جميل كان واقفا في خدمة الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب-رحمه الله تعالى- فجازت الشمس عليه فاستتر منها, فأنشد بن العصار المصري مرتجلا: [من البسيط] /131 ب/ وغصب بان قلوب النّاس قاطبة ... منه على خطر إن ماس أو خطرا بدا فأبدأ أعلاه لنا قمرا ... فيه من الحسن ما للعقل قد قمرا هو الغزال ولكن قد عجبت له ... من الغزالة مذ زارته إذ نفرا وظلّ محتجبا عنها ومستترا ... منها ونوراهما للنّاس قد ظهرا فقلت: حسبك لا يخشى اجتماعكما ... فالشّمس لا ينبغي لها أن تدرك: القمرا [890] هبة الله بن محمد المجدي. الذي يغلب على الظن أنّ هذا الشاعر من أهل الديار المصرية. صار إلي من شعره هذه القصيدة يمدح بها بعض الرؤساء: [من البسيط] هبوا المعن! ى بليلى من يعانيه ... تلطّفا بلطيف من معانيه ولا تلوموه في وجد يكابده ... ففي تحلّيه من يهوى تحلّيه دعوه يروي حديثا عن شمائلها ... فكلّ ذي ظمأ يرويه يرويه كم من مشوق ينادي في ركائبها ... بخاطر ضلّ في تشديه شاديه بما بجفنيك من أمن ومن وجل ... سريّ الصًبابة عن قلبي يسرّيه بأسهم سلبت بعض الأنام قوى ... غضّي عن البعض هذا الطّرف غضّيه /132 أ/ وكلّ قفر فؤاد موحش سدف ... متى تحلّيه يا ليلى تحلّيه وما لمن شفّه داء الغرام سوى ... وصل يعافيه أو هجر يعفّيه

وأهيف خاطرت بالصّبّ خطرته ... تثنى الغصون عليه في تثنيّه سقت غوادي حياه غصن قامته ... خمرا فما فيه من سكر فمن فيه وقام يجلو حميّا ثغره فغدا ... كأنما كأسه بالنّور كاسيه أعار للّيل سربال النّهار كما ... أعاره اللّيل فرعا من دياجيه جلّ الذي في قلوب الخلق صوّره ... أفديه من مفرد في الحسن أفديه فليس خاطبه يوما يخاطبه ... فيما يروم ولا حاويه حاويه سرى إلى كلّ قلب سحر بابله ... يصيد باللّحظ مهما رام راجيه وكلّما مات سكرا عن لواحظه ... يعتاده ويحيّيه فيحيّيه يا غارس الورد فوق الخدّ يتحفه ... مهلا فجانيه بالتّسهيد جانيه أفتاك حسنك يا فتّاك في دمه ... فمن لحسنك بالإحسان يفتيه يا منزلا قصر الأيّام من زمني .. . عهدا بطول نواحي في نواحيه وأنت يا سعد إيه عن محاورتي ... في الصّبر عنه وفي وجدي به إيه /132 ب/ كيف السّبيل إلى الصّّبر الجميل به ... والوجد في مهجتي يا ويك يأويه هذا فؤادي وهذا الوجد ساكنه ... يا ميّ ساليه بي إن كنت ساليه [891] هبة الله بن محمد بن هبة الله بن منصور بن أبي سعد بن الحسن بن منصور, أبو الكرم القصّاب, الشيرازي الأصل, الموصلي الولد والمنشأ. المعروف بابن الدانش مندو, ومعنى هذه اللفظة وتفسيرها إمام القوم وخطيبهم. شاب وقد خطه الشيب, ضعيف العينين. شاهدته بحلب في أواخر رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة, وأخبرني أنه ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالموصل, وذكر لي أنه حفظ الكتاب العزيز , وقرأ طرفا من العربية على الأديب أبي العباس أحمد بن الحسين بن أحمد بن الخباز النحوي الموصلي. وجاش خاطره بالقريض ونظم منه أشياء حسانا في فنون متعددة وأغراض يستطرفها ذوو الآداب تصدر عن طبع حسن وقريحة مطاوعة.

أنشدنى لنفسه ما قاله: /133 أ/ على لسان المسجد الجامع العتيق بالموصل: [من الطويل] شكا جامع الحدبا العتيق لرّبه ... وقّال إلهى من بثأرى آخذ ومن لى مجير من يدى شرّ معشر ... بليت بهم دهرى ومن لى من ناقذ أناس هم شبه الشّياطين حيث ما ... استقلّوا وإنّى بك منهم عائذا إذا حلّ هذا فهو بالدّهن عابث ... وإن حلّ هذا كان للحصر جابذ وكلّ يقول الملك ما فيه اجرة ... خراب وما بى من أولى الأمر لائذ وما فيهم إلاّ لحقّك جاحد ... وما منهم إلاّ لأمرك نابذ وفى زمن الملك الرّحيم وعدله ... ايجمل ان اعرى وتكسى الجهابذ الملك الرحيم هو بدر الدين أبو الفضائل لؤلؤ بن عبد الله - صاحب الموصل – كان يلقّب بذلك. فلا زال ذا امر مطاع وحكمه ... مدى الدّهر في اهل البسيطة نافذ وأنشدنى ما قاله في بنى مهاجر الموصليين: [من السريع] /133 ب/وقائل ممتحن عن بنى ... مهاجر صاخ لسه سمعى أموالهم لم يمنعوا صرفها ... فقلت: فيها علّة الجمع والوزن والوصف وايد لهم ... ما بنيت إلا على الرّفع قالوا: بماذا جرّها؟ قلت: بالنّـ ... ـصب وهذا سبب المنع وأنشدنى لنفسه في الحمّى للحبيب وهو معنى غريب: [من الخفيف] قاسمتنى الحمّى عنادا على حـ ... ـبى له فهى دائما تغشاه قلت: كفى المزار عنه فقالت: ... أنا اهواه مثل ما تهواه قلت: قد فزت بالعناق من الحـ ... ـب فبالله قبّلى منه فاه وأنشدنى لنفسه ما قاله على لسان سكرّجه النّرد: [من المنسرح] حللت بين البروج في فلك ... حوى نجوما كالسّبعة الشّهب

لكن نجومى لها الفخار كما ... تحكم بالغيب وهى لم تغب وأنشدنى له في بنى مهاجر: [من الطويل] /134 أ/ يقولون لى إن تهج بيت مهاجر ... فإنّهم للهجو دون الورى اهل كمالهم نقص وشمسهم دجى ... وعزّهم ذّل وتاجهم نعل وأنشدنى لنفسه في المحتسب أبى على الحسن بن الحسن بن نصر الله بن علوان بن مهاجر: [من السريع] من كان يستوجب فيما مضى ... بفعله الذّمّ مدى الدّهر فمذ تولّيت اقّرّ الورى ... كلّ له بالحمد والشّكر وأنشدنى لنفسه في امرأة علوية – يقال لها بنت الطورانى وكانت فاركا: [من البسيط] قالوا: فلانة لم تثبت بمنزلها ... يوما وتنسب من اشراف عدنان فقلت: لو أنّها منسوبة ثبتت ... حقا ولكنّها من نسل طوران وأنشدنى لنفسه ما قاله في حماته: [من الوافر] /134 ب/ واعظم من ملمات توالت ... علىّ صروفها بيدا العداة رجائى من الحماة بياض وجه ... وهل وجه يبيض بالحماه وأنشدنى أيضا له فيها: [من الخفيف] لى حماة ما قلت في الصّبح هذا الصـ ... ـبح إلا تقول هذا المساء وإذا الليل جنّ، قلت: ظلام اللّـ ... ـيل قالت: اليس هذا ضياء؟ ركبت منهج الخلاف فلا نصـ ... ـحا تعى فهى صخرة صمّاء وهى سعلاة فدفد وهى في الملـ ... ـمس تالله حّيه رقطاء هي صل سليمه ماله را ... ق وداء قد مل منه الإساء تغتدى الفضّة اللجين لديها ... وّهى بعدا ابيضاضها سوداء وأنشدنى لنفسه يهجو: [من الطويل]

مددت قفاه ثمّ إنّي قصرته ... فقال: بماذا عن خطاك تعبّر فقلت له: قد جاء عند أولى الحجى ... بأنّ القفا طورا يمدّ ويقصر وأنشدني أيضا له في محبوسين, ثم أخرجا من الحبس: [من الوافر] /135 أ/ لئن حجبتكما الأيام عنّي ... فليس بضائر ذلك الحجاب لأنّ الشّمس تكسو الأرض نورا ... ويحجبها عن العين السّحاب وقد يفري الحسام الصّلت هام الـ ... ـعدا قهرا ويخفيه القراب ومهما الليث يفرق من سطاه الـ .. ـورى لم يثنه خيس وغاب وإنّ السّجن للأقيال عزّ ... كما تعتزّ بالخدر الكعاب فشكرا حيث كان بكم قريبا ... على رغم العدا ذاك الإياب وأنشدني أيضا لنفسه في رجل, صنف كتابا في المسألة والجواب شعرا يلقب الموفق محمد: [من الكامل] قالوا: الموفّق ذو الفنون محمّد ... في عصره وسما على كلّ الورى بمسائل تكسو البليد بلاغة ... وتروق خبرا للبليغ ومخبرا نظما كسلك الدّرّ إلاّ أنّه ... من سمطه في العين أبهى منظرا لا يعتري الراوي له ملل ولا لا ... لأيام تخلقه إذا ما كرّرا /135 ب/ دقّت معاني لفظه فغدا جليـ ... ـد الوهم في إدراكه متحيّرا فله على نجم الثريا رتبة ... لو رامها بدر السّماء لقصّرا فلقد تجاوز من مضى متقدّما ... علما وأتعب من أتى متأخرا وأنشدني أيضا لنفسه في حسين بن عمر بن العصار, حين مات وكان كبير الأنف: [من المنسرح] قالوا: حسين العصّار مات وما ... رأى له في حياته فرجا قلت: وأيّ اللّحود وارته وال ... ـلّحد أراه لأنفه حرجا قالوا: شققنا لحدا لجثته .. ثمّ عقدنا لأنفه أزجا

وأنشدني أيضا لنفسه يهجو قوما: [من مجزوء الكامل] إن قلتم أن لا معا ... د لكم فقولكم عناد يا عصبة دون الورى ... ضلّوا ولو ردّوا لعادوا يالله إنّكم غدا ... بالحوض إن تردوا تذادوا /136 أ/ إن تنكروا قولي فإ ... نّ النّار يخفيها الزّناد أو تزعمون بجهلكم ... والغيّ قد عدم الرّشاد ويقول كلّ أنّني ... قسّ وتنكّره إياد لولاكم تالله لله ما ... عرف الفسوق ولا الفساد ما فيكم ما ليس يو ... جد في الأنام ولا يكاد إلاّ أنّ مرامكم ... مقل وفيشهم رقاد وحدثني ,قال: رأيت مفردين من الشعر, فأحبت أن أضيف إليهما أبياتا على نمطهما, وخبرت أنهما ليزيد بن معاوية فقلت: [من الخفيف] ربّ بكر عذراء في مهرجان ... ذات دلّ خلعت فيها عذاري باكرتنا بكأسنا والدّجى تب ... ـكي عليه كواكب الأسحار في رياض تزهى بنور أقاح ... وشقيق ونرجس وبهار /136 ب/ ونديم حليف دنّ وقار ... ربّ مجد مجد ربيب وقار قال: أخبرت عن رجال لديهم ... خبرة بالحديث والآثار إنّ خير البقاع أرشدك اللـ ... ـه من الغيّ حانة الخمّار ولصوت الأذان أنغم صوت ... منه في الأذن نغمة الأوتار قم فماذا عليك عار إذا كنـ ... ـت تكسو بالرّاح كأسا عاري قلت أيّها لمن أحلّ الذي حـ ... ـرّم بئس المثوى ودار البوار فانثنى معرضا وقال أناس ... من صحاب النّبي وسط النّهار (شربوها بجرّة وشووا رأ ... س بعير في منزل الأنصاري)

(واستخّفوا بها فحرمه اللـ ... ـه عليهم عقوبة الاحتقار) هذان البيتان اللذان ضمّنهما شعرة (1): شربوها .. واستخفوا .. ولعمرى لو اكرم القوم مثوا ... هارجونا بالراّح عقبى الدّار فاسقنيها فدتك نفسى اذا كا ... ن مابى غداالى غفّار وله قصائد مطولة جيدة المقاطع والمخالص والابتداءات، امتدح بها الأكابر. [298] /731 أ/ هبة الله بن أبى المجد الكاتب، أبو القاسم المصرى. صاحب ديوان الانشاء وكان ذا فضل وعلم وبراعة وفصاحة وأدب وشعر، وله رسائل مستجادة وكطتابة مرضية. وكان من خواص الملك المنصور ناصر الدين أبى المعالى محمد بن عمرو بن شنهنشاه-صاحب حماة_وذزى الحظوة عنده. وكان مع ذلك شاعرا مقصدا كتّابّى الشعر، وهو القائل في الملك المنصور_صاحب حماة_: [من مجزوء الرجز] فاقت بحسن المنظر ... على ضياء القمر وقامه كأنّها ... قامة غصن نضر وورد خدّ يجتنى ... يانعه بالّنظر طافت بكأس قرقّف ... مثل لماها العطر فأسكرت لحاظها ... من قبل شرب المسكر يسعى بها فى روضة ... أزهارها كالزهر فمن بهار أصفر ... ... ومن شقيق أحمر

/137 ب/كأنّها جواهر ... على بساط أخضر نمّت بسر نشرها ... ريح كنشر العنبر أو كثنا المنصور ذي الـ ... ـجود الكريم العنصر ملك براه الله إقـ ... ـداما لكل عسكر ومن ندى كفيه إيـ ... ـسار لكل معسر مفرّق الطّغيان عن ... صليبه المكسر ومن حمى الدّين الذى ... بأمره لم يذعر من بعد ما كان الورى ... قد روّعوا بالحذر طبّقها عدلا وأمنا ... كالسّحاب الممطر وعرف العرف به ... وزال كلّ منكر فقدره قد ارتقى ... فوق السّها والمشترى ووارث الملك بحـ ... ـقّ ثابت لم ينكر يا مشترى الحد الثّمين ... انت خير مشترى انت الّذى سيرته ... محت جميع السّير /138 أ/ يزرى ندّى وسطوة ... بحاتم وعنتر يا ناصرا للدّين والـ ... ـدّنيا وغيث المقتر يا نعمه الله على ... فقيرنا والموسر احييت من حسن الثّنا .. والمدح كلّ مقبر بعزمه مثل القضا ... ء الحاكم المقتدر فجندك الآملاك ريـ ... ـحانّية المعسكر ومنها: يا ملكا بعزمه ... فاق على الإسكندر إهن بملك دائم ... فى ظلّ عيش خضرـ لآزلت يا مولى الورى ... مؤيّدا بالظفر فى نعمة دائمة ... ودولة لم تقهر

[893] هبة الله بن يوسف بن خمر تاش، أبو الفتوح البغدادىّ كان مولعا بكتب الحكمة والإطلاع على أقاويل الأوائل. وكان فيه أدب، وينظم شعرا. وكانت ولادته في يوم الجمعة/138 ب/ سابع رمضان سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وتوفى سادس عشر جمادى الآخرة سنة ستّ وستمائة. ومن الشعر الذى يعزى إليه ما قاله في نعل النبى صل الله عليه وسلم: [من الوافر] بودّى ترب ذام النّعل انّى ... جعلت سحيقّه في وسط جفنى وأدخر منه طيبا عند مّوتى ... يذرّ علىّ فى كفى وقطى أعفّر فوق موطئ اخمصيه ... بخدّى فعل شيعى وسنى رجاء أن يكون غدا شفيعى ... وحسبى ذاك منه حسن ظنّى

ذكر من اسمه هلال

ذكر من اسمه هلال [894] هلال بن حبيب بن هلال بن جابر بن علىّ بن هبة الله بن سابور بن نعمان بن هردس بن حوشب، أبو البدر النصرانّى. من أهل هيت، زعم أنه من أولاد الأخطل الشاعر رأيته متطببا بمدينة السلام، يغشى كبراءها وأعيانها، ويقول الأشعار، وله طبع في نظمها. أنشدنى لنفسه ببغداد في سنة اثنتين وعشرين وستمائة_من لفظه وحفظه إملاء_من قصيدة أولها: [من الكامل] اسعأد هل لك في الهوى أن تسعدى ... صبا اصبت القلب منه بموعد لا تحرمى الإحسان يا حسناء من ... يهوى هواك فتحرّمى وتودّدى وذرى المتّيم أن يفوز بنظترة ... يحيى بها فالحسن غير مخلّد وإذا قدرت على الجميل فبادرى ... لا تتركى فعل الجميل إلى غد فالدّهر لا يبقى على أحواله ... طورا يضّل بنا وطورا يهتدى كم قد اباد من الألى وذوى العلا ... من كلّ جبّار عنيد اصيد /139 ب/أين الملوك ذوو الممالك والألى ... شادوا الثغور بجندل وبقرمد جمعوا ولم ينفعهم ما جمّعوا ... من جوهر او فضّة او عجد لم يبق بعدهم سوى حسن الثّنا ... والخير ذخر صالح لم ينفد

ومنها: واذا الفتى شهدت له آراؤه ... ظنّ المنّية للرجال بمرصد فليقتفى أثر الكرام وسعيهم ... وليتقى شرّ اللئام الحسّد [895] هلال بن أبى الفضل بن هلال بن بختيار بن الحسن بن محمد بن عبد القادر بن كرم أبو النجم الحلاوىّ الجبّلىّ. وجبّل_بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة_من تحت قرية من قرى مدينة السلام. شيخ قصير؛ رأيته بحلب المحروسة يوم الخميس سادس عشر جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وستمائة، ظاهر الشيب، غير أنّه يستره بالخضاب بادى الحرف، قد أثّر الفقر عليه والاملاق .. يرتزق الناس بشعره، ويقنع منهم بالشيئ النزر الطفيف. أخبرنى/140 أ/أنه ولد بجبّل سادس عشر رجب سنة ثمان وستين وخمسمائة. ونشأ ببغداد، وذكر لى أنّه يرجع في نسبه إلى سعد بن معاذ الأنصارى_رضى الله عنه_وأنّ له نسبا متصلا إليه. قدم بلاد الشام، وتوطن حلب يمدح أكابرها والمقدّمين بها من ذوى النعم، ولم يزل بها إلى أن توفى بعلّه الإسهال يوم الثلاثاء ثامن رجب آخر النهار، ودفن يوم الأربعاء ظاهر البلد بمقبرة باب الجنان، وذلك في سنة ستّ وثلاثين وستمائة_رحمه الله تعالى_. ومما أنشدنى لنفسه وقد أمره الملك الظاهر غياث الدين غازى بن يوسف بن أيوب _رحمه الله تعالى_ أن يعمل على وزن هذا البيت وهو: قفى نتشاكى لوعه البين يا علوى .....................

فأنشأ أبو النجم هذه الأبيات: [من الطويل] سقى العارض الوسمُّى دون ربى حزوى ... وحيّا نشاصُّى الحيا معهداً أقوى ديار عهدناها متى لم يروها ال ... ... حيا فدموع العاشقين لها أروى وقفت بها أشكو الغرام وما الًّذى ... ... على وامق يجدى إلى طلل شكوى /140 ب/رعى الله ذيَّاك الَّزمان وعيشنا ... مع الخفَّرات البيض نقطعه لهوا وظيبه أنس لا تصاد ولحظها ... بقنص الأسود الشٌّوس بالغنج ما أغوى تميس بقدِّ يٌّجل الغصن لينه ... ... ووجه كضوء الشَّمس يشرق بل أضوى يرنحها سكر الصِّبا فتخالها ... إذا ماّ تثنًّت فى غلائلها نشوى ألا إن قتل العاشقين محرَّم ... فمن فى دمى أعطى لواحظها فتوى خذوا بدمى الحاظها فبخدِّها ... ... إذا انكرت لى شاهد يثبت الدعوى وقد قدحمًّلتنى فى الهوى بصدودها ... من الوجود ما لم يستطيع حمله رضوى ولمَّا دعينا للوداع وبيننا ... مناجاة سٌّر والهوى يعلن النجوى أشارت بكف من دمى فيه شاهدُّ ... على معصم من لينه كاد ان يلوى فللًّه ما أحلى الهوى وأمره ... وفى الحبِّ ما اشقى وأنعم من يهوى ألا إن الحبِّ فينا دواؤه ... عزيز وإن هانت معالجه الأدوا واغيد ممشوق القوام مهفهف ... أغن غضيض الطرف طاوى الحشا أحوى من الترك لما لاتدانى صفاته ... سعادُّ ولا تسمو إلى حسنه أروى أحقٌّ على قلبى متى أدع باسمه ... واكرم عندى من سليمى ومن علوى /141 أ/جفا فجفا أجفان عينى رقادها ... على علمه أنِّى على البين لا اقوى وأنِّى وأن جار الزمان وراعنى ... بأحداث خطب فى فؤادى لها مثوى لمستظهر بالظاهر الملك الًّذى ... حديث الندى والجود عن كفِّه يروى وأنشدنى أيضاً لنفسه يمدح الملك الأشرف شاه أرمن مظفر الدين أبا الفتح موسى بن أبى بكر بن أيوب – رحمه الله تعالى – وكان اولاً فى خدمته: [من الكامل] ردوا الرقاد الى الجفون وعودوا ... ولمن برته يد الصبابة عودوا

فلقد أذاب البين جسم محبكم ... ... فكأنَّه ممَّا يكابد عود لم ليهه عن ذكركم وهواكم ... ... ناى ولا شغل الصًّبابه عود وكأنُّ عرفت رياح أرضكم له ... مسك إذا هب النَّسيم وعود ألف الضَّنى فحياته فى حبٍّكم ... ... مرَّ الزًّمان مطامع ووعود أترى يعود الدَّهر أو يخضرُّلى ... ... بوصالكم بعد التَّفريق عود /141 ب/ أو يرجع العيش الَّذى سلفت لنا ... أوقاته بالوصل وهى سعود فترفَّقوا بمتيم أضناه مذ ... ... ... فارقتموه الهٌّم والتسهيد اصفاكم محض الوداد فحظه ... من حبكٌّم ابداً جفاً وصدود فسقى الزمان وصالكم مثعنجر ... غدق له فى الخافقين مدود كسماح كفٍّ الأشرف المللك الَّذى ... دانت لدولته الملوك الصِّيد شاه ارمن السٌّلطان سيف الله فى ... قمع الطغاه فظلٌّه الممدود بالسعد سر الله فيه فسعيه ... ... ... فى نصر دين محمَّد محمود يسرى بجيش خليه لنعالها ... ... بخدود الفلا تخديد كافتخ غاديه وفى صهواتها ... أسد وكل أغلب صنديد ألفو مكافحه الكماه كأنَّما ... ... لهم القلوب على الحديد حديد فبطون عقبان الفلا ووحوشها ... بسيوفهم للدارعين لحود جيش كأمواج البحار حديده ... وبه تضيق على عداه البيد لجب بوجه الشَّمس منه وسمعها ... كلف ووقر عثير وبنود فالبيض تومض والصهيل كأنَّما ... تحت العجاج بوارق ورعود /142 أ/ يسرى بها من آل شاذى ماللك ... غدت الملوك لديه وهى عبيد الأشراف إبن العادل الملك الذى ... ... لى من فضائله غنى موجود

بشر بواعثه تنقّح خاطرى ... ... وندى يجود قريحتى فتجيد ذلت حماة الشِّرك من سطواته ... وبه يعٌّز الدٍّين والتًّوحيد فكأنًّما الأفلاك طوع مراده ... ... وله ملائكة السماء جنود فالعزُّ حيث سيوفه مشهورة ... والنصر حيث لواؤه معقود وله على مرًّ الزمان مناقب ... تسمو بأن يحصى لهنًّ عديد فبفتح وان ويوم باشَّزاوفى ... بقعاء منيح مشهود إذ عَّز الرٌّومىٌّ قال قرينه ... فى الذٌّل هذا ما لدىَّ عتيد وبزاب إربل إذا غدت من بأسه ... تتثعلب الأقيال وهى اسود وله على دمياط آيات لها ... أضحت ملوك الشِّرك وهى السجود لما علا فرعون كيدهم سطا ... موسى بعزم للطغاة يكيد لبسوا الحديد فذاب من سطواته ... فانصبَّ فى الأقدام فهو قيود ملك يرى قصَّاده منه الغنى ... ويعزٌّ ما دحه به ويسود /142 ب/ كم قاصد يغشاه وهو مؤمل ... فيعود وهو مؤمل مقصود ويؤمٌّه ذو فاقه وخصاصه ... فيؤوب وهو على الغنى محسود يانوق دونك والجريرة والغنى ... لا تسامى حيث المزار بعيد فلدى إبن سيف الدين يلتمس الغنى ... والفضل جم عنده والجود وعلىًّ عهد لا يروعك بعدها ... ... ابداً ذميل فى السرى ووخيد إنى وقد أدنيتنا من مالك ... ... لنزيله فى كل يوم عيد فكأنَّ هذا الدَّهر شخص لبسه ... من وشى أنعمه الجسامً برود وبجيده من درِّ حسن صفاته ... حلى يزين قلائد وعقود مولاى يا ملك الملوك وشمسها ... يا من بما تحوى يداه تجود أنا عبد نعمتك التى أكنفتها ... ... يأوى إليها خائف وطريد قد كان غصنى يانعاً من قربها ... حتى بعدت وجف منِّى العود بضع وعشر سنين ساءت حالتى ... فيهنَّ إذا انا عن حمال بعيد

وإذا سلمت فإنَّنى متحقَّق ... ... أن الَّذى قد فاتنى سيعود وقال أيضاً /143 أ/ يهنى الأمير بدر الدين أيدمر الوالى بالحجّ: [من الرجز] قدوم جدٍّ بالسٌّعود نيٍّر ... ... سما به الملك وسرِّ البشر قدوم إقبال به كلٌّ الورى ... مغتبط مبتهج مستبشر قدوم من لطائر اليمن له ... قوادم بالنًّصر فيه تنتشر صبحه عيد فيه جاءت عجبا ... وافى بها فى منتهاه صفر سرَّ قلوب الَّخلق بدر الدَّين إذ ... بدراً كبدر طالع أيدمر سيِّد جمع الأمراء فى الورى ... وإن نهوا فى ملكهم أو امروا دعا به الله فلَّبى طائعاً ... ... يبذل ما عنه الملوك تقصر بكلًّ عود شد قمى وجدي ... لى يجوب البرَّ وهو افقر وكِّل طرف سابح يرى إذا ... دجا قتام النَّقع وهو أشقر يقل آساد شرى من بيضها ... وسمرها أنيابها والظفر من كلِّ ليث من وغى كأنَّه ... فى البأس ليث واللقاء نمر شموس إذا ما البيض فى أكفِّهم ... صلَّت على هام والكماة كبَّروا /143 ب/ يطربهم رنين أسيافهم ... لآ الناى فى نغمته والوتر بعزم بدر الدِّين تسطو فى العدا ... والنقع داج والعجاج أكدر هذا وكًم إحسانه بَّث من ال ... ... معروف عرفا لا يكاد يحصر من رىِّ ظمان وشبع جائع ... وكسوة لكلِّ عار يذكر وردف ذى عىَّ ورفد عايز ... يداه عن إنفاقه تقصِّر وبعد قطع البيد والعيس بها ... من الوجيف والوجى تضجَّر احَّل غمر البرَّ إذا احرم فى ... ديار قوم قد عفاها الضرر فى عرفات عرفت معرفه ... عجم الورى وعربه والحضر أجيب إذا لبَّى وسرَّ الجبل ال ... الميمون فى وقفته والمشعر رمى الجمار فى منى وبالمنى ... أيده المهيمن المقتدر سعى وطاف ثمَّ ماء زمزم ... أفاض وهو الطَّاهر المطهَّر سرَّت به الكعبه ثمَّ الحرم الأ ... مين ثمَّ حجرة والحجر

والعروة الوثيقى به استمسك وال ... عمرة فهو الناسك المتعمر وزار قبر المصطفى وإنًّه ... ... أجلُّ دخر فى المعاد يذخر /144 أ / وعاد ينغى حلبًا والنًّصر فى ... لوائه ونشره مسطر حجًّ وعاد فى غزاة إذا رأى الأ ... عراب قد تجمًّعوا وكثًّروا لنهب وفد الله جاءوا فحمى الإ ... سلام هذا الأروع الغضنفر وكم سقى الطغاة فى هديه ... ... من كان منون والمزاج عثير أبرز بالأبرق والقاع من ال ... كماة أسداً لبسها السنوَّر وأرغم العرب وشتًّ شملهم ... وعاد وهو بالعدا مظَّفر والملك الظًّاهر مازال به ... ... على العدا فى اللزبات يظهر والآن ملك الملك العزيز بالأ ... مير فى جلاله لا ينكر فدام فى الإقبال والتأييد ما ... ترنم الورق وماس الشًّجر وقال يمدحه: [من الكامل] نفس تصاعد من الفؤاد عانى ... لما تغنًّى الورق فى الأغصان فأثار وجدى والغرام وزادنى ... ولها وأشجانا على أشجان فأرقت عند تذًكرى دهراً مضى ... فلذيذ نومى قد جفا اجفانى ياسادةً حكم الزًّمان ببعدهم ... ... جوراً علىًّ وعنهم اقصانى /144 ب / أنًّى لقلبى من جوى تذكاركم ... فرج وشوقى آخذ بعنانى إن غبتم عن ناظرى فخيالكم ... ... من لب قلبى فى اعزًّ مكان لا تقتلوا بالصدٍّ صبًا عنكم ... لم يدر كيف طرائق الهجران فسقى زمان وصالكم من وابل ... مثعنجر غدق الحيا هتًّان كسماح بدر الدِّين ايدمر الَّذى ... عن طّوله يتقاصر الثًّقلان الوًّاهب الرفد الجزيل فجوده ... جم لقاص فى الأنام ودانى ملك بنى بالجود مجداً شامخاً ... تعلو قواعده على كيوان بحر تجاوره الفرات وإنما ... فى الجود والمعروف يختلفان

هذى تجود بمائها واكفُّ ذا ... منهلَّه بالتٍّبر والعقيان ألف السًّماحه والنَّدى فالمال وال ... ماء المباح بكفِّه سَّيان غيث إذا عام البريَّه مجدب ... ليث ونار الحرب فى الهيجان ومنكٍّس الأبطال فى يوم الوغى ... بحسامه من كلِّ ظهر حصان القائد الأسد الضَّراغم خيسها ... بيض الظَّبا وذوابل المرَّان من كلِّ اهرت فى الكريهه لم يزل ... دامى المهَّند من دم الأقران /145 أ /فبعزم بدر الدِّين تفتك فى العدا ... قسراً ويعمل حدُّ كلِّ سنان يا أوحداً فى فضله خذ مدحة ... كالٌّدر ينظم فى صدور حسان جاءتك تشفع فى أبيها إنًّه .... فى أمره كالواله الحيران من بعد السنين وافى قاصداً ... يبغى نداك الغمر من حران واقام شهراً كاملاً منتظراً ... لقدومك الميمون يوم تهانى وجلا على يوم الهنا قصيدة ... موسومةً كالدرِّ والمرجان واتى بثانية وثالثة بها ... ... جمع الَّذى اوليت من إحسان وجميع صنعك فى الطَّريق ومكَّة ... فى الشِّعر مرصوف كنظم جمان فارسم وعيش واسلم لمدح جاء فىً ... متوسِّط الأيام فى شعبان وقال أيضًا يمدحه: [من البسيط] حيَّا فأحيا خيال منك فى السَّحر ... والطَّرف فى سنة من من سهوة السَّهر فضنَّ حتَّى بتسليمٍ وعاد كما ... يعود فاقد موجود على الأثر فيا لها زورةً سرَّ الكئيب بها ... لكنَّ أطولها كاللَّمًح بالبصير سرى فسَّرى كلمع البرق واضطرمت ... نارى فليت الخيال الزور لم يزر /145 ب/ أثار وجدى واشواقى واذكرنى ... عيشًا تصرَّم بين الضَّال والسَّمر إنِّى اكاد إذا جنَّ الدُّجى اسفًا ... اقضى من الوجد لولا نسمة السَّحر وغادة من ظباء الإنس ظلت بها ... مولَّه القلب بين الهمِّ والفكر كأنَّ غرَّتها من تحت طرَّتها ... ... شمس بدت فى دجى ليل من الشَّعر فالورد من خدِّها والمسك تنشقه ... بالشَّهد ممتزج من ريقًها الخصر تركَّية الأصل خاقانَّية شهرت ... فى حتف ناظرها سيفًا من النًّظر

من لى وإن كانت الأحداق ناهبةً .... بردِّ قلب سبته اعين الخزر هل مسعد ياولاة الحبِّ لى فلقد ... تزايد الوِّجد لمَّا عزَّ مصطبرى جفا الكرى إذ جفت جفنى وانحلنى ... بعادها وتقضَّى بالمنى عمرى واضيعة العمر فيما قد بليت به ... ... يمضى الزَّمان ولا اقضى به وطرى فجاد عصر الصِّبا مثعنجر غدق ... كجود راحه بدر الدِّين ايدمر اسمى البريَّة مجداً سِّيدا الأمر اذى الطًّـ ... ـول فى العجم والأعراب والحضر ملك بأنعمه الغرِّ الجسام على ... حوادث الدَّهر والإملاق منتصر أجاب لمَّا دعاه الله مبتدراً ... .... ببذل نفس ومخزون ومدَّخر /146 أ/ وسار والنِّيب فى البيداء معنقة ... تفلى الفلاة وتطوى شقَّة السَّفر كم حجَّة كتبت فى كلِّ مرحلة ... له بصنع جزيل الأجر معتبر من رىِّ ذىً ظمأ مع شبع ذى سغبً ... مع وصل منقطع مع جبر منكسر حتى قضى مًا عليه الله أوجبًه ... ... فرضًا وما سنّ فينا سيِّد البشر وزار من بعد تكميل المناسك فبـ ... ـر المصطفى آمناً من سورة الخطر واتبع الحجَّ فضلاً فى هديَّة ... ... بالغزارة لما راى الأعراب فى كثر جاءوا يريدون وفد الله كسبهم ... فردَّهم عدة الآسلام فى خسر فى القاع والأبرق التامت جموعهم ... من كلِّ ذى طمعٍ مستلئم اشر فأبرز الأسد بدر الدِّين ضارية ... ... بعزم اروع لا يعزى إلى خًور وغادر القوم صرعى فى الفلاة على ... الرَّمضاء ما بين مطعون ومنعفر هذا الغضنفر بدر الدِّين سيف بنى ... أّيُّوب والخلفاء الغرِّ مًن مضر الطَّاعن الأليف يوم الحرب من فرق ... والواهب الأليف يوم السِّلم من بدر لا تختصر فى الأمانى يًا مؤمِّلًه ... ... فإنَّه فى العطايا غير مختصر يلقاك بالمال طلق الوجه معتذراً ... افديه من جائد بالمال معتذر /146 ب/ القائد الخيل كالعقبان صائلةً ... فى كلِّ نقعٍ بنارً الحرب مستعر شبه السَّلاهب تسرى بالكماة إلى ... ... حتف العدا فهى بين الشًّمس والقمر تقلٌّ شوساً لها البيض القواضب والـ ... ـخٍّطىٌّ عند اللِّقا كالنَّاب والظٌّفر من كلِّ اغلب مقدام تشبِّهه ... ... فى البأس باللَّيث والإقدًام بالنَّمر

تسرى وهمَّة بدر الدِّين يقدمها ... فى كلِّ حرب علا فى النَّقع من كدر حامى الشَّريعة والإسلام ناصرها ... بالأسمر اللَّدين والصَّمصامة الذَّكر كهف العفاة ملاذ القاصدين هو الـ ... ـبحر الخضمُّ وباقى الخلق كالغدر فدام فى العزِّ والإقبال ما طلعت ... شمس النَّهار وغنَّى الورق فى الشَّجر وقال أيضاً يمدحه: [من المنسرح] بين هضاب العذيب والكثيب ... ضاع فؤادى ياصاح عن كثب إختلسته لواحظ البدويَّـ ... ـات فآهاً من اعين العرب عيون عين تغتال أسد شًرى ... قسراً وهذا اعجب العجب أى جمال تحًت البراقع فى ... قباب ذاك الخليط والنٌّقب واه على قلب عاشقٍ بين ... الجدِّ يوم العذيب واللَّعيب /147 أ/ فى أسر أحوى أغنَّ غادرنى ... حلف الضَّنى بالصُّدود والوصب ترشق من جفنه لواحظه .... بأسهمٍ ريشها من الهدب يبسم عن لؤلؤٍ كأنِّ به .... قد مزج الشٍّهد فيه بابنه العنب قل للديغ الهوى شفاؤك فى ... ذاك الرٌّضاب المعسول والشَّنب ويا سليم الفؤاد ترياقك الـ ... ـفاروق فى رشف ذلك الشَّنب جفا الكرى إذ جفا جفونى ... فالمهجه بين السَّعير واللَّهب فجاد عهد اجتماعنا غدق .... ما بين مثعنجرٍ ومنسكب كجود ركن الأمير ذى الطَّول بد ... ر الدِّين محى عصابة الأدب الواهب الرِّفد للعفاة إذا ... سواه لم ينتجع ولم يهب ايدمر النَّدب سٍّيد الأمرا ... ء المشترى حمد كلِّ مكتسب ملك بنى بالسَّماح مجد علاً ... يسمو بروج الكواكب الشٌّهب بحر يداه على الملمِّ به ... ما تأتى من نداه كالسُّحب إن ضنَّ بالصُّفر غيره فله ... جود يد باللًّجين والذًّهب مبيد أعداء دولة الملك الـ ... ـعزيز قًسراً مكشٍّف الكرب /147 ب/ كم قد سقى كلَّ فارس بطل ... كأس الرَّدى بالقواطع القضب القائد الصَّافنات تقدمها ... ... الآساد فى كلَّ جحفلٍ لجب

كلُّ هزبر من فوق سلهبة ... لم يبغ غير الأرواح من سلب قد شمَّروا للَّقا وقد لبسوا الـ ... ـقلوب فوق الدٌّروع واليلب ضراغم خيسها بهَّمة بد ... ... ر الّدين قضب مع القنا السُّلب معزُّ دين الإسلام ناصره ... ... مذلٌّ دين الطُّغيان والصُّلب لم ينج يوم النِّزال جمع بنى الأ ... صفر من بأسه سوى الهرب به ثغور التَّوحيد فى طرب ... مدى اللِّيالى والشِّرك فى حرب ياربَّ فضل عن الملمٍّ بًه ... سماح كفَّيه غير محتجب خذ بنت فكرً لها بمدحك فى ... مواقف الشِّعر أشرف الرٌّتب جاءت تهنِّى بك المواسم والأ ... عوام جمعًا فى منتهى رجب وشهر شعبان مقبل ولك الـ ... ـهنا له فى السِّنين والحقب فجد برسمى فلى أصيبية ... ... بأرض حرَّان شوقهم أربى أروم رؤياهم فعش وابق ما ... غرَّد ورق فى مورق الغرب /148 أ/ وقال يرثى ولده مظفّر الدين محموداً: [من الكامل] امد البقاء لدى البريَّة فانى ... ... والموت محتوم على الإنسان والمرء ينظر ما تقدِّم نفسه ... من صالح الأعمال فى الميزان فعليك بالفعل الجميل فإنَّه ... ذخر يبدِّل خوفنا بأمان واعلم بأنَّ الخير افضل صاحب ... ينجى مصاحبه من النيران واخو السَّعادة من اتى فى بعثه ... متردِّداً بمحاسن الإحسان واصنع من المعروف ذخراً فى غد ... تلقاه عند الواحد المَّنان فيد المنون تمدٌّها فينا إلى ... التَّفريق بين الأهل والإخوان ولرَّب خطب جاءنا بملمَّة ... ... ابكت عيون ذوى النُّهى الأعيان وافت بفقد مظفَّر الدِّين الَّذىً ... اضحى سليب طوارق الحدثان تبكى المواكب والجيوش لفقده ... إذ كان كوكب دولة السٌّلطان تبكى الجياد الصافنات مصابه ... والسَّابرىٌّ ومتن كلِّ حصان وافجعةً فجع الأنام باروع ... غرفت برائد فضله الثًّقلان /148 ب/ بكت الممالك والحصون ومن بها ... حزنا عليه وسائر البلدان

والسَّمهرَّية كلُّ اسمر ذابل ... ... ومهَّند صافى الحديد يمانى لمصاب محمود الأمير مظفًّر الـ ... ... ـدين العزاء ودائم اللأحزان ركن وثًيق هدَّمته يد القضا ... فقضى فاه لهادم الأركان يبكيه كل تجُّمعٍ بمسرَّة ... فى كلِّ قصر شامخ البنيان اسفًا على تنعيصه وشبابهً ... اسفاً اذاب حشاًشتى وشجانى فعلى صباه بكل قلب حسرة ... ................. على ثهلان فالله عن طيب الحياة يثيبه ... ... عوضاً جنان الخلد مع رضوان وعن انقطاع معاشر الأتراب فى الـ ... ـفردوس بين الحور والولدان وسقت غوادى المزن ترب ضريحه ... من كلِّ وابل واكف هتَّان وكفى المهيمن سيِّد الأمراء بد ... ر الدِّين سورة كلِّ خطبً تانى ولولده الأنجاب اطواد العلا ... ... أسد الشَّرى فى كلِّ يوًم طعان وادام عزَّ الملك أيدمر الَّذى ... ... لفخاره شرف على كيوان فلدولة الملك العزيز بعزمه ... ... ... نصر على الأعداء والطُّغيان /149 أ/ دانت له الأيَّام [ما] ونت الصَّبا ... ... وتغنَّت الأطيار فى الأغصان وقال يمدح الرئيس صفى الدين إسماعيل بن أبى القاسم الحلبى: [من الكامل] وافتك فى غسق الظَّلام شمول ... ... صهباء ماء مزاجها مشمول صفراء صافية كأنَّ شعاعها ... فى الكاس فى جنح الدُّجى قنديل فاستجلها بين الحسان فإنَّها ... ... تهدى المسرَّة والهموم تزيل من كفِّ اهيف كالقضيب يميده ... من لينه سكر الصِّبا فيميل ريَّان من ماء الَّشباب كأنَّه ... ... فى اللًّين غصن البانة المطلول ظبى على قنص الأسود يعينه ... طرف بصنعة بابل مكحول يحكى الغزال تلفَّتا فكأنَّه ... ... رشا غضيض المقلتين كحيل وغريرة غارت بعقلى إذ حدا ... حاد بظعنهم وجدَّ رحيل وسنى وقدً نفت الكرى عن ناظرى ... ... فالَّنوم إذ كثر السٌّهاد قليل فتَّانة نصبت حبائل طرفها ... ... ... فالقلب فى اشراكها محبول /149 ب/ياللرجال وكًيف من اسر الهوى ... يفتكٌّ ذا كلف اخ وخليل

إن تطلبوا قودى فكلٌّ متيم ... ... دنف بسيف لحاظها مقتول فدمى إذا ما انكرت اجفانها ... ... قتلى على الخدِّ الأسيل يسيل صدت فقلت: دعى الصُّدود فاعرضت ... ... ومدامعى تنهلٌّ وهى تقول: وصل الحسان على المقِّل محرَّم ... والمال فى كلتى يديك قليل فاجبت بالخير ابشرى ولك الغنى ... إذ لى إلى البحر الخصمِّ وصول فهو الذَّخيرة سيِّد الرؤساء ذو الـ ... ... ـجدوى صفىٌّ الدِّين إسماعيل الباذل الرِّفد الجزيل فمجده ... سامٍ على الفلك الأثير اثيل ذو البأس والحلم الأمير الأروع الـ ... ـمقدام إذ خيل الجلاد تجول حلب تدين لها بشدَّة باسه الآ ... فاق جمعًا عرضها والطٌّول يردى اعاديها بكلِّ مقدم ... يسطو على اسد الشَّرى ويصول لمقدّمى حلب الكرام بفتكهم ... بأس لغلب الدَّراعين يهول اسد العرين هم نواجذها إذا اقتـ ... ـحموا العجاج قواضب ونصول حلب تسود على البلاد بأهلها ... جمعًا وكل بارع بهلول /150 أ/ ورئيسها يسمو صفىُّ الدين إسـ ... ـماعيل اهل زمانه ويطول فلدولة الملك العزيز على العدا ... هو سيف نصر مصلت مسلول هذا ابن قاسم صارم بيدى غيا ... ... ث الدِّين ماضى المضربين صقيل من معشر لهم الرئاسة لم تزل ... ... وهم شباب فتية وكهول فخروا كفًخر الملك فى حلب بإسـ ... ـماعيل نجل القوم فهو جميل بدر يسير بعصبة حلبَّية ... ... ... كنجوم سعد ما لهنَّ افول ايامه زهر لها أضَّحى صفًـ ... ـى الدِّين وهو التَّاج والإكليل فليهن قاصده بانًّ سماحه ... غمر وامَّا ظله فظليل كم قاصد يغشاه وهو مؤمِّل ... فيعود وهو مموَّل مأمول ولكم يلمَّ به مسود سائل ... ... فيؤوب وهو الَّسِّيد المسؤول غيث يعيد الجدب خصباً ممرعاً ... ... يغنى العفاة الوافدين هطول فى الخافقين مديحه يدعو إلى ... ... إرفاده ولصوته ترتيل هنَّاه قوم بالرِّئاسة بل به ... ... تهنى ويهنى الملك وهو جليل

كفءُ باسباب الولاية كلِّها ... ... قيل بما قال الاكرام قؤول /150 ب/ دامت له الأيَّام ما سرت الصَّبا ... ... وبدا لورق فى الغصون هديل قال من قصيدة يمدح بها الملك الصالح ناصر الدين أبا الفتح محمود بن محمد بن داود داود بن سلمان بن أرتًق الأرتقى – صاحب آمد -: [من الكامل] يا عاذلى رفقاً بصبٍّ صبره ... فى الحبِّ ينقص والغرام يزيد فتنته من تلك الخدود كواعب ... ... تسبى بالحاظ الرَّبارب غيد تحكى الشُّموس وجوههنَّ يقلٌّها ... بين المضارب كالغصون قدود وانشد هنالك قلب كل متَّيم ... صبٍّ سبته براقع وعقود واحذر بذاك المنحنى وقبابهً ... ... ففرائس الغزلان فيه اسود فهناك تأسر كلًّ مرسل طرفه ... ... بين الخيام نواظر وخدود واغنَّ معتدل القوام يميله ... ... ... من لينه سكر الصِّبا فيمي ينضو سيوفًا من فتور لواحظ ... ... فلها قلوب العاشقين غمود /151 أ/ إن انكرت اجفانه قتلى فلىً ... فى وجنتيه بما ادَّعيت شهود ودواء من لسبت عقارب صدغه ... ... شهد بفيه لؤلؤ منضود فله من الغصن الرَّطيب قوامه ... ... ومن الغزال عيونه والجيد رشا يحار لحسنه ذو فكرة ... ... ارب ويخضع فى هواه جليد يبرى سليم هواه من آلامهً ... ... ... برد ثوى فى ثغره وبرود تسبى لواحظه العقول كأنًّما ... هاروت فى اجناده معدود ملكت ملاحته القلوب فكلٌّ إنـ ... ـسان بقيد جماله مصفود فكأنَّ فى جفنيه كفَّة حابل ... وبهاً قلوب العاشقين يصيد او صارمًا عضبًا نضاه الصَّالح اًلـ ... ـملك الجواد اخو النًّدى محمود الواهب الرَّفد الجزيل ومن به ... ... ... يضحى شقى الفقر وهو سعيد يانوق دونك آمداً لا تسأمى ... ... طول المسير إذ المزار بعيد وتيقًّنى من ناصر الدٍّين الغنى ... فالفضل جمَّ عنده والجود

وعلىَّ عهد لا يروعك بعدها ... ... ابدا ذميل فى السٌّرى ووئيد ملك يرى قصَّاده منه الغنى ... ويعزٌّ مادحه به ويسود /151 ب/ كم قاصد يغشاه وهو مؤمَّل ... فيعود وهو مؤمَّل مقصود ويؤمٌّه ذو فاقة وخصاصة ... ... فيؤوب وهو على الغنى محسود ما العيش إلَّا آمًد والأسيل الً ... ـفَّياح لارمل الحمى وزرود والرِّفد إلَّا مابه ابن محَّمد ... محمود رب المكرمات يجود ملك مجانبه وطالب فضله ... هذا الشَّقىُّ به وذا مسعود يخشى ذوو التِّيجان شدّة بأسه ... ويخاف سطوته الملوك الصِّيد فكأنَّما الأفلاك طوع مراده ... وله ملائكة السَّماء جنود فالعزٌّ حيث سيوفه مشهورة ... والنصر حيث لواؤه معقود شهم يذُّل لديه كلٌّ غضنفر ... ويخاف سطوته الأسود السٌّود شهدت عداه بفضله والفضل ماً ... بين الأنام به يقرٌّ حسود القائد الخيل العتاق حماتها ... غلب إذا ثار القتام اسود كلٌّ إذا اقتحم العجاج وصال فى ... يوم الكريهة اغلب صنديد الفوا مكافحة الكماة كأنَّما ... ... لهم القلوب على الحديد حديد فبطون عقبان الفلا ووحوشها ... ... بسيوفهم للدراعين لحود /152 أ/ جيش كأمواج البحار حديده ... وبه تضيق على عداه البيد لجب بوجه الشَّمس منه وسمعها ... ... كلف ووقر عثير وبنود فالبيض تومض والصَّهيل كأنَّما ... تحت العجاج بوارق ورعود يسرى بها من آل ارتق ماجد ... غدت الملوك لديه وهى عبيد ملك يذلٌّ لعظم شدَّة بأسه ... لو عايناه تَّبع وثمود فاق ابن داود الملوك جلالة ... فله الفخار وفضله المشهود لاغرو إن فضل الملوك وقدسما ... من قبل آباء له وجدود من ذا يروم فخاره وله العلا ... دون البريَّة طارف وتليد ذلَّت جيوش المشترٍكين لباسه ... ... قسراً وعزَّ الدِّين والتَّوحيد يخشى ملوك الأرض شدَّة بأسه ... ... فهم لديه ركع وسجود

عمَّ البلاد بعدله فالشَّاء فى ... ايَّامه فى مورد والسِّيد (1) بحر يسحٌّ على العفاة سحابه ... ويلذٌّ للورَّاد مًنه ورود فالعزٌّ يطلب كلَّ راجٍ والغنى ... فكلاهما فى ربعه موجود يخشى ويرجى فى الأناء فجوده ... ... غمر وأمَّا بطشه فشديد /152 ب/ فحياة راجيه وموت عدوِّه ... منه وعود نجَّز ووعيد يا مالكاً فاق الملوك فضائلاً ... غراً فما يحصى لهنَّ عديد يا اوحداً فى العلم يفحم لفظه ... قسّاً فسبحان لديه بليد (2) يا افصح الفصحاء حتَّى جرول ... يضحى لديه مبلَّداً ولبيد العبد معتذر من التقصير يا ... ملكاً علاه على السَّماك مشيد وجدير ان فى بحر حلمك والنّدى ... والعلم يغرف شاعر وقصيد فاستجلها بكراً اتتك يزينها ... من مدح مجدك حلية وبرود واجبر بجودك كسر ناظمها فما ... بين الأنام سواك لى مقصود واسلم ودم ما لاح صبح او بداً ... ... للورق فوق اراكة تغريد وقال أيضاً يمدحه وهى موشحة مخَّمسة: يا صاح اصبح حبل الوصل مبتوتا ... فى حبِّ ريمٍ يردُّ البدر مبهوتا اقول إذ مرَّبى كالظَّبى ملفوقا ... ردَّ الفؤاد ليحيى الَّصبٌّ حِّيتا واعدل ففى مهج العشًّاق ولٍّيتا /153 أ/ وارحم ففى الحبَّ قد اضحيت مقتدرا ... صبَّا غدًا فيك بعد الصَّون مشتهرا متَّيمًا بك اضحى صفوه كدرا ... يا اسمراً صرت فى حَّبى له سمرا حوشيت ممَّا يعانى الصَّبٌّ حوشيتا يا بدرتمٍّ له زرًّ القبا فلك ... سحر بجفنك يسبى الناس ام شرك

كم فيك اضحى مصون وهو منهتك ... افتنة انت للعشًّاق ام هلك ام فى الجنان مع الولدان انشيتا *** اما لصِّبك من غىِّ الهوى رشد ... ... ولا لصدِّك ياكلَّ المنى امد فكم لقتل البرايا انت معتمد ... ... فنلت بالصَّدِّ صبا ما له قود لو شيت احييته بالوصول لو شيتا *** هواك اقصاه ادنى عن اقاربه ... ... وما سواك إلى البلوى بجاذبه بل انت فى الحبِّ يا اقصى ماًربه ... ... حلوت فى قلبه لما حللت به وبالملاحة دون النَّاس حلِّيتا *** النَّفس اضحت إلى رؤياك تائقةً ... والعين امست بماء الجفن غارقة إن كنت تصغى إلى شكواى آونة ... فارحم على البين والتَّبريح قلب فتًى /153 ب/ فَّتته بالجفا والصَّدَّ تفتيتا *** يشتاق رؤياك لا زور به وريا ... كأنَّه النَّبت ظمآن وانت حيا اضحى مريضا وادواء الغرام عيا ... مغرىً بحَّبك يرجو الوصل منك فيا مولاى لم بالجفا والصدِّ اغريتا *** اصفاك فى الحبِّ إخلاص الوداد ولن ... يريد غيرك من هذا الأنام سكن قالوا: شعفت به حقًا، فقلت: إذن ... لم يلهه عنك مخلوق فأنت بمن عن المحبٍّ فدتك النَّفس الهيتا *** فإنَّه فى الهوى صب وما شفيا ... قد ذاب حتى عن العوَّاد قد خفيا مارام غيرك محبوبًا وقد جفيا ... ولا تناساك يومَّا فى الزَّمان فيا لله كيف عهود الصَّبِّ انسيتا

فراودت قلبى عنك الصَّبر فاعتذرا ... واللَّائمان قد اشتطَّا وقد زجرا اقول واللَّوم والتَّانيب قد كثرا ... ... يا عاذلىًّ رويداً فالمحبُّ يرى عذل العواذل إسرافا وتعنيتا *** وشادن اغيد ذى واضحٍ بهجٍ ... جفا وقلبى به فى مسلك حرج /154 أ/ أًقول إذًمرَّ بى فى مندل ارج ... ... من لى بوصل غزال احوًرغنج يعلَّم السَّحر من جفنيه هاروتا *** مهفهف القدِّ سهل الخد ذو ترف ... ... اضحيت والقلب فى حبِّيه ذو كلف إذا غدا بين مَّيال ومنعطف ... اخشى على خصره ينبتُّ من هيفً ليناً وفى حِّبه اضحيت مبتوتا *** لَّما اصيب فؤادى من يعذّبه ... ... بأسهمٍ نقشت من قوس حاجبه واصبح القلب فى اشراك سالبه ... اصغيت ذاكره سمعى وتهت به عجبًا واضحى لقلبى ذكره قوتا *** رنا فأصمى فؤادى سهم مقله ... فها دمى شاهد من فوق وجنته ظبى إذا ما تبدَّا نور طلعته ... ... يريك من خدِّه ورداً وقامته غصنا ومن ثغره دراً وسنُّوتا *** بدر وزرٌّ قباه برج هالته ... ... ظبى من الترك لولا حسن خلقته تستقرض الشَّمس نوعًا من ملاحته ... ظبى من الٌّترك لولا حسن غرَّته لم يعرف الناس ناسوتا ولا هوتا /154/ مهذب الخلق والأعراف والشيم ... كم غال بين القباب البيض والخيم

أسد يعظِّمها الرَّائى عن القيم ... كأنَّ فى جفنه سيفًا غدا. . . الصَّالح الملك يوم الرَّوع مصلوتا *** ملك يفوق ملوك الأرض قاطبة ... كم اخجلت كفٌّه بالجود غادية من فضله اضحت الأحوال خالية ... الواهب البدرات الغرِّ ضاحيةً جوداً يضِّمنها درا وياقوتا *** لا ترض بالدُّون فى الدٌّنيا الدَّنية بل ... عن الاكارم لى امَّا لمثلى سل أوليك نصحًا فسر من قبل قولك هل ... ... والمم بامد يا راجى الغناء تنل الرِّفد الجزيل وما أمَّلت موقوتا *** جدَّ المسير فمن رام المغانم جد ... ... واحطط. . . فالعيش فيه رغد واطلب فمن طلب العليا وجد وجد ... واقصد بها ناصر الدِّين الجواد فقد يحوى الغنى من غدا يطوى السَّبارينا *** هذا ابن داود راجى فضله غنما ... ... فاق الملوك جميعًا والورى كرما اوفاهم واعزٌّ العالمين حمى ... حاز العلا فسواه فى البريَّة ما /155 أ/ غدا بكلِّ لسان الفضل منعوتا *** جيوشه حيث تسرى فى مواكبها ... تكسو الممالك رعبا فى مراتبها فاقصد إلى آخذ الدَّنيا وواهبها ... ملك مواهبه تغشى الورى وبها قد سَّير المدح فى الدٌّنيًا لها صيتا *** هذا هو البحر حدِّث عن عجائبه ... ... ... قد عمَّ كلَّ البرايا من مواهبه يرى الثَّنا فى الورى او فى مكاسبه ... قد جمَّع الفضل فى الدٌّنيا وشادبه مجداً وشتَّت جمع المال تشتيتا

إلى حمى الصَّالح السُّلطان جدَّ ومل ... وبالقريض علاه والمدائح صل وإن سئلت فقل فى مدحه واطل ... القائد الخيل تًحمل فى الـ. . . نزال اسداً لدى الهيجا اماريتا *** فالنَّصر منهم على اعدائه ولهم ... يروع آخرهم فى الرَّوع اوَّلهم فمن رآهم لدى الهيجا تهوَّلهم ... يخال فوق السَّعالى من تأمالهم إذا هم اقتحوا نقعًا عفاريتا *** يا طالب الرِّفد اقصد فى مسيرك ذا ... دياربكر لتنجو من شقاً واذى /155 ب/ وفى امورك سهم الخطب إن نفذا ... بالصالح الملك السُّلطان لذا فإذا وافيت مغناه بالأموال اغنيتا *** حللت مغنًى به كم وافد غنما ... ... وكم شقىِّ به بعد الشَّقا نعما معظَّم القدر بين النَّاس محترما ... وبتَّ جار اعزِّ العالمين حمى منعَّم البال والإحسان او ليتا *** لذا بابن داوود إذ صرف الزَّمان نزل ... وإن عرا الخطب فيما تبتغيه وجل وناده فى الذى ترجو لديه تنل ... ... يا قاتل المحل بالجدوى كما قتل النَّبى داوود يوم الرَّوع جالوتا *** بك السَّعادة قد بانت علائمها ... ... ودولة المجد قد قامت دعائمها لمدحة مدحك السَّامى تمائمها ... فاستجل بكراً يجيد الشِّعر ناظمها وحيِّها بندى كفَّيك حِّييتا قصيدةً يا اجلَّ الخلق شاغرةً ... ... غدت بمدحك فى الآفاق سائرة

كالدُّر وافت إلى نعماك ناضرةً ... بقيت مادامت الأفلاك دائرةً فى رفعة ومن الأسواء وقِّيتا *** [896] هلال بن محفوظ بن هلال، أبو النجم الرسعنىٌّ، المعروف بابن السَّراج (1) كان فقيهاً حنبلى الذهب قارئاً للقرآن العزيز من أهل الزهد والورع والدين والخير، تفقه ببغداد على المذهب الأحمدى، وسمع من الكاتبة شهدة بنت أبى نصر أحمد بن الفرج الإبرى، وعاد إلى بلده، وحدَّث عنها. سمع منه هناك جماعة من الطلبة والمجتازين، وتوفى فى شعبان سنة عشر وستمائة، ولم يكن قول الشعر من شأنه. أنشدنى الشيخ أبو محمد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبى بكر بن خلف المحدث الرسعنى الفقيه الحنبلى بالموصل فى سنة إحدى وثلاثين وستمائة – من لفظه وحفظه- قال: أنشدنى أبو النجم هلال بن محفوظ الرَّسعنى لنفسه، وقد ندبه الأمير عماد الدين أبو العباس أحمد بن على بن أحمد بن المشطور الكردى المهرانى، أن يجعل نظره فى وقف بناه برأس عين، فامتنع وأبى وطلب /156 ب/ منه الاستعفاء والإقالة، وكتب هذه الأبيات إليه، وأنشدنيها، وهى من قيله: [من الوافر] اقلنى ايَّها القمر المنير ... ... فلست كما يظن بى الأمير تعاظمت الأمانة فى اداها ... اتحسب انَّه امر يسير سماوات وارض مع جبال ... واحد قد ابى وابى ثبير إذا عجزت جبال الآرض عنها ... فكيف يطيقها رجل كبير

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف [897] هارون بن الحسين بن كرجى بن هارون ذكره الصاحب الوزير شرف الدين أبو البركات المستوفى- رضى الله عنه فى تأريخه، وقال: إربلى المولد والمنشأ، خدين لا يطمع الغدر فى وفاته، وقرين لا يحل الدهر عقد إخائه، ومصاحب استوى فى الصحبة مغيبه ومشهده، ومخالط اعتدل فى الخلطة مصدره ومورده، فهو مأمونة مكائده وغوائله، محمودة أواخره وأوائله، عذبت أخلاقه رقَّة صفاء، وملئ وجهه بشراً وحياءً، له أدب نفس كالزهر النضير، ووثيقة رأى محكمة التدبير، إشفاق على معاشره وصديقه، تجاوز إشفاق الأخ على شقيقه، ونصيحة للمستشير بارائه، يستشف المغيب من ورائه. وكان شيخنا أبو المظَّفر المبارك بن طاهر الخزاعى البغدادى - رحمه الله تعالى يسمَّيه شيخ /157 ب/ الجماعة، لما عنده من العقل والحزم، وجودة التصرٌّف، وكثيراً كان يصفه وفيه يقول: [من البسيط] شيخ الجماعة مخدوم ومشكور ... ... وربعه ببنى الحاجات معمور وقال فيه أيضاً: [من البسيط] شيخ الجماعة بدر الدِّين هارون ... بالخير والبرِّ ولإحسان معجون ذو الفهم يعرفه والغمر يجهله ... كالدر والدٌّرَّ فى الأصداف مكنون ثم قال: وعنده دين لا يهديه إلى غير الصدق سبيله، ويقين لا يميل به عن سواء الحق دليله، حنفىٌّ المذهب، مائل [إلى] التشيع غير مغال فيه، مواظب على الصلوات الخمس، وصيام كل خميس. كناه شيخنا أبو المظفر ابن طاهر الخزاعى بأبى الرأى.

وكان من أولاد الأمراء الأجناد، وذوى العدَّة والعتاد. وكان أبوه –رحمه الله – وأدركته، من المشهورين بإربل فى زمن الحاجب أبى منصور سرفتكين ابن عبدالله – متوليها – يقوم إذا غاب عنها، ولا يتخلف عنه إذا عاد إليها. أولد خمسة من البنين لم يكن /158 أ/ فيهم أبرع منه ولداً ولا أكثر سؤددا. وكان ربما قرض البيتين الأبيات من الشعر، سلامة طبع جبل عليها، وصحة خاطر هداه الظرف إليها، وأنا ذاكر جميع ما وقفنى عليه من ذلك عن آخره. وكانت وفاته بعد عشاء الآخرة من الليلة المسفرة عن الأحد الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وستمائة بإربل، فأسكنه الله فسيح جنانه، وأورده موارد غفرانه، فى نعيم غير منقطع أمده، وثواب لا يحصى عدده. وكان مولده بإربل فى شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة، وسمع الحديث على أبى المعالى نصر الله بن سلامة الهيتى، وأبى المعالى صاعد بن على بن عمر الواسطى الواعظ، وأبى المظفر المبارك بن طاهر بن المبارك الخزاعى البغدادى وغيرهم. ومن شعره ما انشدنى الصاحب الوزير أبو البركات المستوفى الإربلى بها – رحمة الله عليه – فى خمس وعشرين وستمائة، قال: أنشدنى أبو الرأى هارون بن الحسين لنفسه: [من البسيط] /158 ب/ ى موقد النَّار فى قلبى وفى كبدى ... هلاَّ رحمت قتيل الهمِّ والكمد هلاَّ عطفت على صبٍّ اسير هوًى ... مغرى بحبِّك فى قرب وفى بعد يفنى الزَّمان ولا تفنى صبابته ... مخيراً فيك بين الَّشًوق والسٌّهد كن كيف ما شئت لا صبر ولا جلد ... لم يبق هجرك لا صبرى ولا جلدى وانشدنى أيضاً، قال: أنشدنى هارون بن الحسين لنفسه: [من الطويل] ينام خلىٌّ القلب من ليس عنده ... ... من الشوق ما تطوى عليه اضالعى لقد لامنى الواشون فيمن احٌّبه ... ولكنَّ دون العذل سدَّت مسامعى كتمت الهوى خوف الوشاة ولومهم ... فنمت عليه جاريات مدامعى

وأنشدنى، قال: ... أنشدنى أبو الرأى قوله فى صفر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة: [من الكامل] يا لائمى فى حِّبه ومعَّنفى ... مهلاً فما ذقت الَّذى قد ذقته والله لو علق الفؤاد من الورى ... بهوى حبيب غيره مزَّقته /159 أ/ قال العواذل خلِّه فأجبتهم ... لو كنت اصبر عن هواه تركته وأنشدنى، قال أنشدنى أبو الرأى لنفسه: [من السريع] يا غافلاً عِّنى بلذاته ... إشرب وطب دام لك العمر وارحم فتًى لا يرتقى دمعه ... قد خانه وصلك والدَّهر وأنشدنى، قال أنشدنى من شعره: [من الكامل] يا تائهاً بالحسن صلنى ... فقد اشتفى الهجران مِّنى إرجع إلى طيب الرَّضا ... فإلى متى هذا التَّجنَّى يا لائمى فى حبِّه ... ومعارضى فى كلِّ فنِّ دعنى اموت بحِّبه ... يا لائمى بالله دعنى لو كان عندك بعض ما ... اخفيه من ألم وحزن لعذرتنى فيما لقيت مـ ... ـن الغرام ولمً تلمنى وأنشدنى، قال: أنشدنى لنفسه: [من الكامل] /159 ب/ هنِّيت بالخلِّ الجديد ... يا ناقصاً ابداً عهودى حتَّى م ارغب فى الوصا ... ل وانت ترغب فى الصٌّدود والله لولا ان يقا ... ل اعير سلوان الجديد لأتاك منى مايليـ ... ـن لوقعه صلب الحديد يا ايٌّها القمر الَّذى ... تنمى برؤيته سعودى إرجع إلى حسن الرِّضا ... فقد اشتفى منِّى حسودى واقبل وصايا الله فى ... حسن الرِّعاية للعبيد

[898] هذاب بن محمد بن الحسن بن عبد الكريم بن هذّاب ... ، أبو المفاخر الأسعردىٌّ الكاتب، المعروف بابن العالمة. كان ذا أدب وكتابة وفضل وشعر. أنشدنى الشيخ الحافظ أبو على الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك البكرى – من لفظه – بحلب بخانكاه القصر فى ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدنى أبو المفاخر هذاب بن محمد بن الحسن الكاتب الأسعردى لنفسه: [من السريع] /160 ا/ جوهر العالم مكنونة ... يبرزها من بحره الغائص والطَّير لا يحظى بغرِّيدها ... ... فى النَّاس إلَّا الرجل القانص وأنشدنى، قال: أنشدنى أبو المفاخر انفسه يصف الشبَّابة: [من المتقارب] وساجعة من بنات النَّبات ... ... لها نغم لست تعلم ماهى مصوِّتة تستفزٌّ العقول ... ... ولكنَّ اوكارها فى الشِّفاه [899] هرير بن المعمَّر بن سنان بن غفيلة بن شبانة، أحد بنى قديمة بن نباتة بن عامر بن ربيعة بن عقيلٍ العقيلى. أخبرنى الصاحب الوزير شرف الدين أبو البركات المستوفى بإربل – من لفظه رحمه الله تعالى – قال: كان بين هرير وبين عيسى بن المفدّى صفاء ومودّة لا يشوبه ريب من مفاوضة بالمال والأنفس. ثم ضرب الدَّهر ضربانه، فاحتربو الأمور بينهم ومنافسات. وكانوا على زمان صفائهم وودادهم، يقول هرير الأشعار فى عيسى بن المفذَدى، وقتل يوم ثاج، قتله/160 ب/ عيسى بن المفدَّى. وكان حسبه دارعاً فاعترضه وهو يطرد الخيل، فنظمه برمح على الفريضة، فبرز من الفريضة الأخرى، فلمّا على انَّه قد قتله أسف عليه أسفاً شديداً، وبلغ ذلك أخا هرير مرغما ً فأقسم لا يأخذ عن كلّ طرف

منه إلَّا قتيلاً. ثم التقوا بعد ذلك بالجيش وكان قتل هرير سنةّ ستٍّ او سبع وستمائة. وكان من قبيلة قد بلغو من العز والمنعة ما لم تبلغه قبيلة من قبائل العرب حتى بلغوا أربعمائة فارس تركب الخيل. ثم أنشد من شعر هرير هذا: [من الطويل] اقول وقد حَّنت بجودة ناقتى ... ولم يدر ورد الماء. . . ما حنينها تحنٌّ على عيسى وقد شطَّت النوى ... بعيسى وبيات البوادى تبينها فيا ليت عيسى ينظر اليوم او يرى ... دموع امرئ بالماء جاد معينها مضى زمن عينى تعين على البكا ... وذا العام عادت تبتغى من يعينها وأنشدنى أيضاً من شعره يقول: [من الطويل] /161 أ/ عزيز علينا من عقيل ظعائن ... ... غدون من الدَّهنا بغير بعول جررن ذيولاً للقطيعة عندنا ... على الغدر لا عادت لجرِّ ذيول [900] همام بن راجى الله بن سرايا بن أبى الفتوح ناصر المصرىَ. كانت ولادته فى أواخر سنة تسع وخمسين وخمسمائة

كان شاعراً فاضلاً، امتاح الملك الكامل ناصر الدين أبا المعالى محمد بن أبى بكر بن أيوب – صاحب الديار المصرية. أنشدنى الشيخ الأمين العدل أبو عبد الله محمد بن عبدالقاهر بن هبة الله بن النصيبى بحلب – رحمه الله تعالى – قال: أنشدنى همام بن راجى الله لنفسه: [من الطويل] ارى الدَّهر فى كلَّ الأمور معاندى ... ... وما فيه لى عيب ولآ لى له ذنب إذا طمحت نفسى لشئ انا له ... ... فإنَّ الذَّلول السَّهل لى مرتقًى صعب إلى كم اقاسى ضيق عيشى ومكسبى ... كأنَّ زمانى قدغدا وهو لى حرب وقد قلَّ فى الدنيا صديق مساعد ... إذا قلَّ مطلوبى وإن اعضل الخطب ومن عجب الدَّنيا بأنِّى خامل ... وقد ضاق عن علمى بها الشَّرق والغرب /161 ب /ومن نكد الأيَّام انِّى إمامها ... ويحكم فى رزقى وفى مهجتى كلب وامنع من حقِّى ويوقف راتبى ... ولى مسجد جاريه فى وقفه نهب وقد حار قس فى بلوغ بلاغتى ... ... وفى وصف تصنيفى وتابعه وهب ولو كنت ارضى الشِّعر عندى صناعة ً ... لما كان مذكوراً زهيرولا كعب ومالى مركوب ولا لى مؤمة ... ... ولا لى ملبوس غليظ ولا شرب ولكنَّما القى إذا ما شكوته ... إلى الكامل السٌّلطان لم يبق لى عتب وأنشدنى أيضاً، قال: أنشدنى همام لنفسة: [من الطويل] وكيف يلذ العيش فى مصر ساعة ... ولا حظَّ لى فيها ولست معظَّما واعيظ ما لاقيت فيها بأنَّنى ... ... ارى كلَّ ذى نقص علىَّ تقدَّما وأنشدنى أيضاً، قال: أنشدنى لنفسه: [من الطويل] دع الفضل لا تعبأ به فى زماننا ... فإنَّ كمال الفضل للمرء عائب يقدَّم فيه الطَّرد غير ملائم ... ... ويطرد فيه مشبه ومناسب وأنشدنى، قال أنشدنى من شعره: [من الوافر] قلونى إذ نشأت بهم وحيداً ... ... وما لى فى البريَّة من يوازى فدع قول المخرِّق واطَّرحه ... فليس بلا حقى ابن خطيب رازى

اذئب للسِّباع يكون قرناً ... وعصفور يطير مع البوازى وأنشدنى، قال: أنشدنى لنفسه: [من البسيط] قالوا: نراك قليل الحظِّ فى بلد ... وانت بالفضل معناه وناظره [901] الهيثم بن جعفر، أبو المتوكل الأشبيلى. الأديب الفاضل الشاعر من المجيدين فى علم الأدب ونظم الشعر بقطره، يفوق أهل زمانه، فضلاً وفهماً وفصاحةً ورجاحة. ومن شعره ما قاله على لسان غيره: [من البسيط] بأرض رنَّة اوطانى واوطارى ... ولى هوى فيهم عار من العار سمىٌّ يحيى ولكن فى لواحظه ... عصا الكليم فماذا صنع سحَّار وقوله وهو أوَّل شعر قاله فى المكتب: [من الخفيف] /162 ب/هل تبدَّى فى النَّاس وجد كوجدى ... بهلال الملاح يحيى بن رشد لاح عذرى للٌّاهى لله ما بى ... من غزال يشيبٌّ وجداً بوجد بذرتمَّ بدا، فقلت: تعالى ... جلَّ رب اهداك يا بدر سعد أراد بقوله " اللاهى " من اللهو.

حرف الواو

/163 أ/ ... حرف الواو [902] وثَّاب بن أبى الثريّا بن عبد الرحمن الأزدُّى المالكىٌّ. من أهل ديار مصر. كانت ولادته فى سنة خمسٍ وستين وخممسمائة بالقاهرة المعزّية. أنشدنى أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبىّ بحلب - رحمه الله تعالى - قال: أنشدنى وثاب بن أبى الثريا بن عبد الرحمن الأزدى لنفسه: [من الخفيف] يا ديار الأحباب من ارض نجد ... إسألى ساكنيك لم زاد وجدى الريح وجدتها من حبيبى ... ام لقرب الدِّيار من بعد بعد [903] وزير الجبلى. رأيت من شعره هذه القصيدة يمدح بها بدر الدين أيدمر الوالى الحلبى، ويهنئه بأخذ اللاذقية: [من الكامل] زهت البلاد واشرقت انوارها ... وترنَّمت بسرورها اطيارها والأرض مشرقة بنبع نباتها ... قد فتِّحت برياضها ازهارها /163 ب/ وكًذا الرعايا اصبحت فى نعمة ... من حيث قدر خصت لها اسعارها لما قدمت وكًان سعدك قادماً ... يامالك الدُّنيا ويا جبَّارها يا مالك التٌّرك الًّذى سجدت له ... كلٌّ الملوك كبارها وصغارها ولعظم هيبتك الجبال تزعزعت ... والكفر منك تهدَّمت اعمارها كم بالمزيقب من جوار خرد ... هلكت غداة قصدتهم نصَّارها وهى قصيدة أطول من هذه، ومن حقها أن تطرح ولا يثبت منها لرداءة ألفاظها وسخافتها.

[904] وسوان بن منصور بن وسوان بن ملكيشوا بن قحطان، أبو يعقوب الكردى الهذبانىٌّ، المعروف بالمثقف (1). من أهل إربل. كان جندياً فى خدمة الأمير زين الدين أبى منصور يوسف بن على بن بكتكين – صاحب إربل – ثم فارق خدمته وتوجَّه إلى البلاد الشامية، ولحق الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذى – رحمه الله تعالى - / 164 أ / فخدم مع أخيه الملك العادل أبى بكر. ثم خدم الملك الأوحد نجم الدين أبا الفتح أيوب، وسار معه إلى خلاط، وتوفى الملك الأوحد سنة تسعوستمائة، وبقى بعده. وخبرت انه قتل بتنينير (2) قتله مماليكه فى سنة ثلاث عشرة وستمائة وأخذوا وقتلوا. وكان فارساً شجاعاً مقداماً شاعراً أكثر أشعارهفى الجروب والشجاعة والإقدام. وقد ذكره العماد أبو حامد محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصفهانىّ فى كتابه ذيل الخريدة، وقال: لقيت أبا يعقوب بمصر سنة ستٍّ وسبعين وخمسمائة، وهو شاب جندىّ. . . خاطره هندىُّ. هذا آخر كلامه. أنشدنى الأمير أبو العباس أحمد بن الخضر بن سلاَّر الكردى الهذبانى الإربلى بها – من لفظه وحفظه – قال: أنشدنى أبو يعقوب وسوان بن منصور بن وسوان بن ملكيشوا بن قحطان الكردى الهذبانى الإربلى لنفسه: [من الوافر] /164 ب / سلى عنِّى الصَّوار والرَّماحا ... وخيلاً تسبق الهوج الرِّحايا

واسداً خيسها سمر العوالى ... إذا ما الأسد حاولت الكفاحا فإنِّى ثابت عقلاً ولباً ... إذا ما صائح فى الحرب صاحا واورد مهجتى لجج المنايا ... إذا ماجت ولم اخف الجراحا وكًم ليلٍ سهرت وبتٌّ فيه ... اراعى النَّجم ارتقب الصَّباحا وكم فى فدفدٍ فرسى ونضوى ... بقائلة الهجير عدا وراحا لعينك فى العجاجة ما الاقى ... واثبت فى الكريهة لا براحا فلو عاينتنى عاينت كبشاً ... ولم تطق الكباش له نطاحا يدقٌّ السمهرَّية فى صدور ... ولا يثنى لها قدماً وراحا فديتك انت لا خود رداح ... ... سبت بجمالك الخود الرَّداحا فديتك لا تظِّنى انَّ قلبى ... تسلَّى عنك يوماً واستراحا ولا يصبو لغيرك حين هَّبت ... صبا نجد ونشر الرَّند فاحا إذا ما الشمسمن شرق تبدَّت ... كوجهكً لى وبدر الَّتمِّ لاحا وقال أيضاً: [من البسيط] / 165 أ/ لولا الوشاة ولولا كثرة الرقبا ... لزرتكم كلَّما هبَّت نسيم صبا وكنت اقضى بكم من قبل مؤلمة ... تلمٌّ بى بعد بعدى عنكم ارًبا ما كنت اعهد منكم ذا الجفاء وقدً ... جفو تمونى ولم اعرف لذا سببا وقال من قصيدة طويلة فى تاج الملوك أبى سعيد بورى بن أيوب بن شاذى [من البسيط] بدر من الُّترك بدر التَّم يعشقه ... وكلَّما تمَّ حسناً فهو ما حقه من قوسه يوم حرب قوس حاجبه ... وهدب اجفانه المرضى يغالقه يصيد كلَّ هزبًر وهو رامقه ... بعينه وهو ما بالعين رامقه الورد من خدِّه والدُّرٌّ من فمه ... ... والخمر من ريقه المعسول رائقه عذاره تمَّ عذرى فيه حين بدا ... بنفسجاً تحته تزهى شقائقه قوامه كقوام الرٌّمح معتدل ... يقوم معتدلاً شيخ يعانقه انا المعنَّى به فى الودِّ صادقه ... واين مثلى من فى الودِّ صادقه العزٌّ عندى من يوم اواصله ... ... والذٌّلُّ عندى من يوم افارقه /165 ب/ يلقى عدوُّ ابن ايٌّوب وحاسده ... من بأسه مثل ما يلقاًه عاشقه

وله ما قاله على لسان سكين: [من مخلع البسيط] يا حاملى انت فى امان ... من نكد الدَّهر والأعادى إلَّا من الحبِّ فهو امضى ... منِّى إذا حلِّ فى الفؤاد ومما قاله على لسان مروحة: [من المتقارب] نسيمى دواء لكرب الفتى ... وداء الهوى ماله من دواء له فى التروٌّح بى راحة ... وكًيف يداوى الهوى بالهواء وقال من قصيدة: [من الطويل] وامسى بياض العزِّ بالذٌّل اسوداً ... واصبح ضوء الصٌّبح كاللَّيل مظلما قال العماد أبو حامد محمد بن محمد الكاتب الأصبهانى، قد حافظ فى هذا البيت على خمس مطابقات. فأىٌّ قلوب تأمن الخوف بعده ... ... واىُّ عيون بعده تأمن العمى وقال أيضاً: [من المتقارب] /166 أ/ إذا المرء ضاق به ذرعه ... وسدَّت لديه وجوه الطلب وعزَّ المساعد فى دهره ... ... فلا ذو إخاء ولا ذو نسب واصبح من فرج آيساً ... ولم يبق غير حلول العطب اتاه القًضاء بلطف الإله ففرَّج من حيث لا يحتسب وقال أيضاً: [من المديد] كن بلطف الله ذا ثقة ... وارض بالجارى من القسم واصطبر للأمر تكراهه ... ... فلعلَّ البرء فى السَّقم وله فى الصبر: [من المجتث] إصبر إذا اشتد امر ... فالصَّبر لا شكَّ مر ودار دهرك مادا ... مت اللَّيالى تمرٌّ فربما ساء ليل ... فى صبحه ما يسرُّ

وقوله فيه أيضاً: [من الوافر] تلقَّ الحادثات بحسن صبر ... ... ولا تجرع لحادثة الخطوب فكم لله من لطف خفىٍّ ... ... ... يجئ بعاجل الفرج القريب /166 ب/ وقال أيضاً: [من الخفيف] قال فى الثَّعلب الحكيم مقالاً ... صدَّقته العقول والألباب انا اعدى من الكلاب ولكن ... ... خير مالى ان لا ترانى الكلاب وقال أيضاً: [من المتقارب] دعوه يخرِّق اثوابه ... ويبكى ويندب احبابه وقد ضرب الشَّوق فى قلبه ... خياماً وقد مدَّ اطنابه واقبل يطلب وصل الحبيب ... فصدَّ واغلق ابوابه وقوله فى الزهد: [من الوافر] إلهى إن تؤاخذنى بعدل ... وإن تغفر إساتى ففضل فإن أك للرضا يارب اهلاً ... وإلَّا انت للإحسان اهل وقال فى مثله: [من الوافر] إلهى اثقلت ظهرى ذنوبى ... وها انا قد ملأت بها كتابى وما عذرى إليك سوى اتكالى ... عليك وانت حسبى فى حسابى وقال أيضاً: [من الرمل] /167 أ/ إلهى ليس لى فى الحشر ذخر ... افوز به سوى الظَّنَّ الجميل عجزت عن المراكب إذ اردتالـ ... ـعبور فجئت فى سفن السًّبيل وقال أيضاً: [من الرمل] كيف آنست البريق المومضا ... اتراه عنَّ من تخو الغضا (1) لاح كالهندىِّ طوراً مغمداً ... بيد القين وطوراًمنتضى يا اثيلات اللَّوى كم عبرة ... ... مرَّ فى واديك حتَّى روِّضا

خبرى هل طيب ايَّامك لى ... ... عائد ام فائت ما قد مضى وغزٍال صاد قلبى بالحمى ... وحمى عن مقلتى الغمضا امرضت اجفانه إذا مرضت ... بابى الجفن المريض الممرضا كلَّما سدَّد سهماً لحظه ... نصب الحبٌّ فؤادى غرضا ما عليه فى الهوى لو انَّه ... قبل ان يرسل سهماً إنتضى من مجيرى من تجِّنيه وقد ... جار فى حكم الهوى لَّما قضى وقال فى الشمعه: [من السريع] وشمعة تبكى على نفسها ... بادمع من نفسها تجرى /167 ب/ تنفع بالنُّور ولكنها ... فى نفعها للخلق فى ضرِّ كدودة للقزِّ تبنى ولا ... تبقى وتنضرُّ ولا تدرى وقوله فى البرد: [من الطويل] وعذراء من غرِّ السحائب اقبلت ... معارضةًّ ثمَّ استهلًّت عزاليها فألقت على الأرضين فذاً وتوامًا ... من الدٌّر باديها سواء وتاليها كغيرانة حطَّت خماراً وقطَّعت ... لفرط تجَّنيها سموط لآليها وقال أيضاً: [من الوافر] إذا ما اشتدَّ مكروه بعبد ... فثمَّ يكون إدراك النَّجاح كذاك اللَّيل اظلم ما تراه ... إذا ما حان إقبال الصَّباح وقوله فى الزهد: [من البسيط] مالى سكنت إلى الدٌّنيا وزينتها ... وقد علمت يقيناً انَّها تغص وعودها كذب وجدُّها لعب ... وروحها نضب وعذبها نغص كيف التَّخلُّص من اشراك زينتها ... والحرص يزداد بى والعمر ينتقص وقال أيضاً / 168 أ / يمدح الملك المنصور ناصر الدين أبا المعالى محمد بن عمر بن شهنشاه بن أيوب صاحب حماة: [من البسيط] كم يستر الصَّبٌّ ماذا الدمع يظهره ... وذى الصَّبابة تطويه وتنشره والحبٌّ اطيبه ما باح صاحبه ... ... بما يكِّتم والمحبوب يهجره

وفى البكاء شفاء النَّفس من قلق ... إذا شفى النَّفس من دمع يحدِّره يا للبدور من البدر الذى نظرت ... نواظر السِّحر صًّبًا باتً يسحره متيَّماً ظل يمشى فى ضلالته ... ... بعد الهدى فى هوى من ليس يعذره يشكو إلى قمر الظلًّماء من قمرٍ ... فؤاده لم يزل باللَّحظ يقمره سقيم خصرٍ حوى جسمى السَّقام به ... وقد حوى القلب ما يحويه مئزره وبيَّض العين من عينيه اسودها ... وصفًّر الخدَّ من خدَّيه احمره فوجهه مثل صبح بتُّ ارقبه ... وشعره مثل ليل بتُّ اسهره اهوى رضاه ويهوى السٌّخط لى وانا ... فى القرب والبعد ينسانى واذكره وكًيف يخذل يوماً جيش مصطبرى ... بالصَّدِّ والملك المنصور ينصره /168 ب/ وناصر الدَّين والدُّنيا فتى عمر ... محَّمد لصروف الدَّهر اذخره الواهب الملك ملكاً غير مكترثٍ ... ... والغالب الملك القهَّار يقهره وكًاسر عسكر الإفرنج يوم وغى ... وجابر عسكر الإسلام عسكره اهل الشِّام إذا ما غاض نهركم ... فكفٌّه ابداً تزداد انهره وهو الَّذى أى ارضٍ حلَّها فبها ... ايَّامه الغرٌّ اعياد وأشهره عشنا به بعد موت كان نازلنا ... ... واليوم مكسورنا بالجود يجبره وصار بعد كساد الشِّعر منه لنا ... سوق وصار على الغالى تخُّيره من كان قيس ومن قس ومن هرم ... من حاتم الجود من الرُّوع عنتره دع ذكر من ما رايناهم باعيننا ... هم سماع وهذا اليوم ننظره وكلٌّ علم جليل فهو يعلمه ... وكلٌّ خبرٍ دقيق فهو يخبره وكلٌّ من جدًّ فى امر يعانده ... بجدِّه وهو عالىً الجدِّ يعقره كم جامع جامع فيه الخطيب له ... وكًم سما باسمه المشهور منبره اضحت حماة به مثل السَّماء سمت ... وسورها لا ارى قصراً مسوِّره والشَّمس من وجهه للشَّمس تخجلها ... والبدر من وجهه للبدر يبهره /169 أ/ بحر محيط لمن ناواه مهلكه ... من الأنام ومن صافاه جوهره ماضى العزيمة لا عزم يقلقله ... صافى السَّريرة لا غش يكدِّره

إذا بدا مقبلاً فى الدِّرع تحسبه ... صبحاً بدا يهزم الظَّلماء مسفره يخوض موج بحار الموت جحفله ... وجحفل الموت لاتنخاض ابحره ويورد الخيل ما تهوى ويصدرها ... وتورد الخيل ما تهوى وتصدره والخير يوجده والشَّر يعدمه ... ... والجور يدحضه والعدل ينشره /169 ب / (2).

حرف الياء

/170 أ / ... حرف الياء ذكر من اسمه ياقوت [905] ياقوت بن عبد الله، أبو عبد الله، الرومىٌّ الأصل، البغدادىُّ المنشأ، الحموىُّ المولد (1) اخبر عن نفسه بما ذكر فى كتابه " معجم الأدباء" ما هذا معناه ولفظه: انًّه حمل إلى مدينة السلام طفلاً عمره خمس سنين أو ستّ، وملكه رجل تاجر من حماة، يعرف بعسكر بن أبى نصر بن إبراهيم الحموى. ونشأ فى حجره وعلَّمه الكتابة واتخذه مأخذ الولد، إلَّا انَّه كان قليل الرغبة فى العلم اميًا لا يعرف الخطَّ ولا شيئاً من العلوم. وكانت همته فى طلب المعاش والدنيا، فعلَّمه الخطَّ وظهر منه شفقة عليه، وحبَّب العلم إليه منذ كان فى المكتب، فما يعلم انَّه منذ كان عمره سبع سنين إلى أن توفى ما خلت يده من كتاب يستفيد منه أو يطالعه، أو يكتب منه شيئاً أو ينسخه. ثم سافر فى بضائع مولاه براً وبحراً إلى كيش أربع مرات، وإلى / 170 ب / مصر عدَّة مرار، وإلى دمشق نوباً لا تحصى، إذ كان فى حكم مولاه وبعده. وغاضب مولاه

فى سنة ست وتسعين وخمسمائة وأعتقه. فكانت حرفته النسخ، فكتب بيده فى مدَّة سبع سنين ثلاثمائة مجلد. ثم عاود صلح مولاه، وسافر إلى أن [توفى] مولاه فى سنة ستٌّ وستمائة. وانفرد بنفسه وسافر إلى بلاد خراسان، ثم رجع إلى ديار مصر والشام، ولقى مشايخها وعلماءها، وشاهد أدباءها وفضلاءها، وجالس صدورها وكبراءها، وأخذ عنهم الآداب الكثيرة، واستفاد منهم الفوائد الغزيرة. ثم نزل حلب وسكنها إلى أن توفى بها فى العشرين من شهر رمضان سنة ستُّ وعشرين وستمائة. وكان مولده – فيما ذكره – سنة أربع أو خمس وسبعين وخمسمائة لا زيادة على ذلك. وألَّف كتباً منها، كتاب " معجم البلدان " أجاد تأليفه، وكتاب " معجم أئمة الأدب " لم يقّصر فى جمعه، وكتاب " معجم الشعراء "، وكتاب " ضرورات الشعر"، وكتاب / 171 أ/ "مختصر تاريخ بغداد " لأبى بكر الخطيب البغدادى، وكتاب " منتخب كتاب الأغانى "، وكتاب فى " النسب "، وكتاب " الأبنية "، وكتاب " مختصر معجم البلدان " على غير ذلك الترتيب الذى رتبه، وإلى غير ذلك من التأليفات. وكان ضنيناً بما يجمعه لا يحب إطلاع أحد على ما يؤلف، شديد الحرص عليه، لا يفيد لمخلوق فائدة البتَّة. وكان ربما سئل عن شىًء وهو به عارف لم يجب عنه شحاً وجفاء طبعٍ هكذا كانت شيمته مع الناس. وخلَّف كتباً وأوصى أن توقف ببغداد بدرب دينار بمسجد الشريف الزيدى. شاهدته بالموصل، وهو كهل أشقر أحمر اللون، أزرق العينين. وكانت بينه وبين أخى صداقة وأنس تام، واقتضيته شيئاً من شعره، فأجاب إلى ذلك وجعل يماطلنى ويعدنى هكذا مدة من الزمان. ثم سافر إلى بلاد الشام، فما عدت رأيته بعد ذلك. أنشدنى الصاحب الوزير / 171 ب/ شرف الدين أبو البركات المستوفى الإربلى بها- رحمه الله تعالى – فى سنة خمس وعشرين وستمائة، قال: أنشدنى أبو عبد الله ياقوت لنفسه فى غلام يرمى بالنشاب: [من الطويل]

وظبىٍ له خصر كصبرى نحافةً ... ... ... وردف كوجدى فى محبتّه عظما إذا ما رمى العشَّاق عن قوس حاجب ... بألف رمى القرطاس عن قوسه سمها يحنُّ إليه القوس فى حال نزعه ... وينزًّع من هول الفراق إذا يرمى وأنشدنى، قال: أنشدنى ياقوت لنفسه: [من المتفارب] وظبى من الترك ذى نخوة ... على الصَّب يعجز عنها الأسد إذا رمت منه وصالاً ابى ... وصال بحيشٍ قوىِّ العدد بسيف اللِّحاظ ورمح القوام ... ولمع الخدود ولبس الَّزرد وأنشدنى، قال: أشدنى لنفسه، وكتب به إلى بعض الأكابر وقد دخل إليه مرَّة، وأراد الإستئذان عليه ثانياً: [من السريع] / 172 أ/ العين منِّى لم تزل فى أذًى ... من نظرى للهمل الماشيه واجمع النَّاس على انَّها ... إذا راتكم رات العافيه بالنَّظرة الأوى انجلى داؤها ... فلتجلها نظرتك الثَّانيه وأنشدونى، قال: أنشدونى لنفسه ما كتبه إلى صديق له: [من البسيط] الله بينى وبين البين كم رشقت ... صروفه بسهام البين إحسانى إن جاء بالقرب يوماً من أحبتنا ... من غير قصد فقصد منه اقصانى وأنشدنى الشيخ الحافظ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادى بها – رحمه الله تعالى – فى سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال أنشدنى أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله فى غلام تركى على عينه وقاية سوداء قد رمدت: [من الكامل] /172 ب/ ومولَّد للترك تحسب وجهه ... بدراً يضئ سناه بالإشراق ارخى على عينيه فضل وقاية ... ليردَّ فتنتها عن العشَّاق تالله لو أنَّ السَّوابغ دونهًا ... نفذت فهل بوقاية من واق وأنشدنى أيضاً، قال: أنشدنى ياقوت لنفسه: [من الطويل]

بنفسى ظبى مرَّبى فى القلاقل ... فخلَّفنى حلف البلا والبلابل تناهبه الرَّاؤون من حسن وجهه ... فما ناظر إلَّا به بالبلابل رشًا من بنى الأتراك إمَّا نسبته ... ... كنسبة عينيه إلى سحر بابل تزايد وجدى من تناقص وده ... وفرط غرامى من غريم مماطل يوسِّع عذرى فيه ضيق بجفنه ... ويوهى قوى صبرى بحسن الشَّمائل يضحِّى الورى بالبدن فى عيد نحرهم ... واضحى يضحِّى بالكمى الحلاحل ونقلب من خطه قوله ما كتبه إلى بعض أصدقائه: [من السريع] عبيدك الدَّاعى اتى قاصداً ... إلى قضاء الفرض والنَّفل /173 أ/ من خدمة يخدمه كلٌّ من ... يمشى بحزن الأرض او سهل ورام تقبيل يديك الَّتى ... بها عرفنا صورة العدل وينثنى بعد الثَّنا والدٌّعا ... مستحقباً من فضلك الجزل فى موطن التوحيد مكنونه ... طوراً وطوراً موضع الكحل فحال من دونكم اسود ... فى لونه والقول والفعل فها انا مذ ذاك حيرة ... مدلَّه التًّمييز والعقل غيظاً يميت القلب تذكارهً ... من فعل هذا الأسود النَّذل لم يحجبوا وفد العطايا فلم ... يحجب من يرغب فى الفضل فظلت فيه مفكراً واجماً ... حتى انجلى عنِّى عمى الجهل لمًّا بدا لى أنَّ اوصافه ... مأخوذة من صفة القفل وقال لى القلب: إذا كنت من ... اهل الحجى والفهم والنٌّبل فلا ترع لابدَّ للمجتنى ... شهد العلا من إبر النَّحل وقوله وهو مقيم بمرو من بلاد خراسان: [من الكامل] /173 ب/ اضحى يضِّيق فسحة الأمل ... ما مرَّ من عمرى بلا نفع ما عنَّ لى غرض فاقصده ... إلَّا انتحاه الدَّهر بالمنع يدنى لى الآمال يهزا بى ... حتَّى أمدَّ لأخذها ضبعى ولَّت تقول: اما عقلت اما ... تالله اشعب الطَّبع يا قلب ضاق العمر عن امل ... واتاك شيب الرَّأس بالرَّدع

فارج الإله وتب عليه عسى ... يعطيك فى الأخرى بلا منع وقال فيمن تورّع بوعد، ثم لم يف به: [من البسيط] يا سِّيداً بذَّ من يمشىً على قدم ... حلماً وعلماً وآباء وأجدادا ماذا دعاك إلى وعد تصِّيرهً ... بالخلف والمطل والتَّسويف إبعادا لا تعجلنَّ بقول ثمَّ تخلفه ... فيثمر المطل بعد الودِّ احقادا فالوعد بذر ولطَّف القول منبته ... وليس يجدى إذا لم تلق حصَّادا وقال فى الغزال: [من البسيط] /174 ا/يا طلعة البدر إلَّا أنه بشر ... لو لم يكن بشراً ما راق معناه البدر قد شانه فى وجهه كلف ... وجلَّ حبِّى عن عيب وحاشاه قالوا: اما قلبه قد قدَّ من حجرٍ ... فقلت: ذاك به قد تًمَّ معناه لولاه ما بتُّ طول اللَّيل مرتقباً ... ارعى النٌّجوم سقيم القلب لولاه وقوله مما كتبه إلى صديق: [من الطويل] نكرت الورى حتَّى نكرت ابا نصر ... واىٌّ اخٍ ما غيَّرته يد الدَّهر لئن غيَّرته الحادثات فطالما ... بقيت وإيَّاه لكالماء والخمر وإن قصرت ايَّام صفو ودادنا ... فما فى ليالى حادث الدَّهر من قصر فلا تأتين هجر الصَّديق تعُّمداً ... ففى صرف هذا الدَّهر ما شئت من هجر وكتب إليه أيضاً: [من الطويل] تباعدتم لا ابعد الله داركم ... واوحشتم لا اوحش الله منكم لئن كنتم عن ارض مصر رحلتم ... فإنكم فى مهجتى قد نزلتم هنيئاً على رغمى لدار حللتم ... وبؤساً لربع عن مغانيه بنتم /174 ب/ فلو قيل لى ماذا تمنَّى من الدٌّنى ... لكان مناى انتم لا عدمتم وقال أيضاً: [من الخفيف] زارنى البدر بعد طول مطال ... وصدود اطاله وتجِّنى

ونفى بالنفار نومى عناداً ... وارانى بعزِّه الذٌّل منِّى فترشَّفت من ثناياه خمراً ... لم ينل طيبها غرور التّمنِّى لم يزل دابه الصٌّدود إلى ان ... علَّم الجفن ان يهاجر جفنى وكتب إلى صديق له بهراة: [من الوافر] امولاى جمال الدِّين يا من ... له خلق على الصَّهباء يزرى اارضى ان تكون فدتك نفسى ... مليكى فى علانيتى وسرِّى ولا ترضى بمثلى فى إيابى ... على الأملاك عبداً طوع امرى ولست بلائم لك مع فعال ... لأنَّك جرت لما جار دهرى وقوله فى التغزل: [من الطويل] /175 أ/ يضاعف نارى فيه بارد ظلمه ... ويضعف ما القاه بارد ظلمه ايا ملك الحسن الذى انقادت الورى ... إليه فما يأبى امرؤ فصل حكمه يسالم سلماً دائباً رب حربه ... ويؤذن حرباً منه طالب سلمه محٌّبك قدماً كان يلقاك محسناً ... فوقَّع له يجرى على حسن رسمه وقوله وقد بلغ خمساً وأربعين سنة: [من الطويل] يقول اناس لم تصابيت بعد ما ... بدا فى نواحى عارضيك مشيب فقلت: يداوى كل داء بضدَّه ... وهذا التَّصابى للمشيب طيب [906] ياقوت بن عبد الله أبو الدٌّرِّ الرومىُّ الزِّىٌّ عتيق الملك الظاهر عزِّ الدين أبى الفتح مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود ابن زنكى – رحمه الله تعالى – سلطان الموصل ومليكها. قدم الموصل طفلاً ونشأ بها، ومال إلى الاشتعال بالعلم حتى لقبه الناس بالعالم، لأنَّه تعلق من العلم بسبب قوى. وكان صهر الأمير أمين الدين ياقوت / 175 ب / ابن

عبد الله الكاتب الخطَّاط الموصلىّ – صاحب الخط الحسن – على إبنته – رضى الله عنه – وأبو الدر كان شاباً أشقر أبيض اللون، مشرباً بحمرة، جميلاً ذا منظر ورواء، ثابت العقل، وافر الفضل، فيه فهم وفظاعة، وحياء ورزانة. اجتمع فيه العلم والدين، وحسن السيرة واليقين، والعفاف والنزاهة، والمروءة والنباهة، ولم يعرف له منذ نشأ صبوة، وكتب الخط الرائق الذى فاق به على أقرانه، لأنه كتب على حميد، وجود عليه، وتخَّرج به، واقتبس منه أدباً وعلماً، وله فكر خارق فى حل التراجم، وحسن عبارة فى الإنشاء. وهو من الكتاب الأفراد فى الكتابة، وله أشعار ورسائل. سألته عن مولده، فقال: يكون تقديراً فى سنة تسعين وخمسمائة. وتوفى يوم الجمعة سلخ ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة بالموصل. ودفن غربى المدينة بمقبرة الباب العمادى، فوق عين الكبريت بتربة كان حموه أنشأها لنفسه – رحمه / 176 أ / الله تعالى. ومن شعره ما حدثنى بالموصل، ومن خطِّه نقلت، يقول ياقوت بن عبد الله الأتابكى: الذى حدا الخادم على عمل هذه الأبيات، وإن لم يكن من أرباب الصناعات، أنَّ الصدر الكبير الفاضل القاضى عزّ الدين القيلوى – حرس الله مجده – لمَّا وصل إلى الموصل - خلد الله ملك مالكها – نشر من فضائل المجلس العالى العالمى الفاضلى كمال الدين، كمل الله شعادته، وبلغّه فى الدارين مناره وإرادته، ما يعجز، البليغ عن فهمه فضلاً عن أن يورده، لكن فضائل المجلس كانت تملى على لسانه وتسعده، فطرب الخادم من استنشاق رياها، واشتاق إلى رؤية حاويها عند اجتلاء محياها، فسمح عند ذلك الخاطر مع تبلده، بأبيات تخبر المجلس بمحَّبة الخادم له وتعبده. ثم أنشدنى الأبيات وأنفذها إليه وهى: [من البسيط] حيا نداك كمال الدَّين احيانا ... ونشر فضلك عن محياك حَّيانا /176 ب/ وحسن اخلاقك اللَّاتى خصصت بها ... اهدت على البعدلى روحاً وريحانا حويت يا عمر المحمود سيرته ... خلقاً وخلقاً وإفضالاً وإحسانا

إن كان نجل هلال فى صناعته ... ونجل مقلة عينا الدَّهر قد كانا فانت مولاى إنسًان الزَّمان وقد ... غدوت فى الخط للعينين إنسانا قد بثَّ فضلك عزٌّ الدِّين مقتصداً ... ونثَّ شكرك إسراراً وإعلانا فضاع نشرك فى الحدباء وانتشرت ... آيات فضلك ارسالاً ووحدانا اثنى عليك وآمالى معلَّقة ... بحسن عفوك ترجو منك غفرانا وإن تطفَّلت فى صدق الوداد ولم ... يقض التَّلاقى لنا عفواً ولا حانا فما الآم على شئ اتيت به ... (فالإذن تعشق قبل العين احيانا) يا افضل النَّاس فى علًم وفى ادب ... وارجح الخلق عند الله ميزانا قد شرَّف الله ارضاً انتً ساكنها ... وشرَّف الناس إذ سوَّاك إنسانا فأجابه الصاحب الإمام كمال الدين أبو القاسم عمر بن احمد بن هبة الله بن أبى جرادة الفقيه الحنفى – حرس الله / 177 أ / معاليه – عن الأبيات على الروى والوزن، وأنشدنيها بحلب بمنزله المعمور فى سنة خمس وثلاثين وستمائة: [من البسيط] يا من ابحت حمى قلبى مودَّته ... ... ومن جعلت له احشاى اوطانا ارسلت نحوى ابياتاً طربت بها ... والفضل للمبتدى بالفضل إحسانا فرحت اختال عجباً من محاسنها ... كشارب ظلَّ بالصهباء نشوانا رقَّت وراقت فجاءت وهى لابسة ... من البلاغة والتَّرصيع الوانا حكت بمنثورها والنظم إذ جمعا ... باحرف حسنت روضا وبستانا جرَّت على جرول اثواب زينتها ... إذ اصبحت وهى تكسو الحسن حسَّانا اضحت تغيِّر وجه العنبرى فما ... بنو اللَّقيطة من ذهل بن شيبانا يمسى لها ابن هلال حين ينظرها ... يحكى اباه بما عاناه نقصانا كذاك ايضاً له عبد الحميد غدا ... عبداً يجر من التَّقصير اردانا اتت وعبدك مغمور بعلَّته ... فغادرته صحيحاً خير ما كان

/177 ب/ وكيف لا تدفع الأسقام عن جسدى ... وهى الصَّبا حملت روحا وريحانا فما على طيفها لو عاد يطرقنا ... فربما زار احياناً فأحيانا فاسلم فأنت امين الدِّين احسن من ... وشَّى الطروس بمنظومٍ ومن زانا ولا تخطَّت إليك الحادثات ولا ... حلَّت بربعك يا اعلى الورى شانا وأنشدنى لنفسه، وكتبه لى بخطه، ما مدح به بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله صاحب الموصل – من قصيدة أولها: [من الكامل] حكم الزَّمان بكلِّ ما تختار ... وجرت بما امَّلته الأقدار وازدانت الدُّنيا بملكك واغتدى ... فى وصف مجدك تنظيم الأشعار وغدت ربوع السعد آهلة الربى ... مخضرةً قد حفها النوار ومنها يقول: ايام عزك كلهن اصائل ... من حسنهن وليلها اسحار انت الأنام جميعهم وزمانك الأ ... يًّام والدٌّنيا لمجدك دار /178 أ/ فتَّ الملوك وغيرهم بمناقب ... شهدت بها الآيات والأخبار احييت آل المصطفى بمكارم ... سارت بها الرُّكبان والسٌّفَّار ونعشتهم بندى يديك فأصبحوا ... تهمى عليهم ديمة مدرار كلتا يديك لنا سحاب هاطل ... يمناك يمن واليسار يسار فاسلم لهذا الملك تنظم شمله ... ما غرَّدت فى ايكها الأطيار فى دولة حفَّ النًّعيم رواقها ... الله جارك والنَّبى المختار وأنشدنى لنفسه حين وصل إربل يمدح الوزير الصاحب الكبير العالم المنعم شرف الدين أبا البركات المبارك بن أحمد بن المبارك بن موهوب المستوفى – رضى الله عنه – من غير معرفة تقدَّمت: [من الطويل] ايا ذاكراً ظلماً مساوئ إربل ... كأنَّ رويداً قد نطقت بها جهلا فلو لم يكن فى إربل من فضيلة ... سوى شرف الدِّين الذى جمع الفضلا /178 ب/ لتاهب على كًلِّ البلاد لأَّنها ... بسكناه فيها حازت المجد والٌّنبلا فتًى شغلته المكرمات فلن ترى ... لهمَّته فى غير مكرمة شغلا

من النَّفر البيض الَّذين وجوههم ... بها يهتدى السَّارون فى قصده السٌّبلا إلى الملك النٌّعمان تنمى فروعه ... فاكرم به فرعاً واكرم به اصلا إذا قال بذَّ القائلين ولم يدع ... لذى إربة فى القول جداً ولا هزلا ابا البركًات الخير دعوة مخلصٍ ... يودٌّك عن بعد وما عاين الشَّكلا مدحتك لا ارجو الجوائز والرٌّشى ... ولكن رايت المدح فى اهله اولى وأنشدنى لنفسه فى غلام مؤذَّن: [من الخفيف] بابى شادن يؤذِّن للأجـ ... ـر وتسبى لحاظه كلَّ موجر كلما جدَّل اللَّحاظ قتيلاً ... قال: تيهًا بقتله الله اكبر وأنشدنى أيضاً قوله ما كتبه إلى بعض الكبراء: [من البسيط] كلٌّ الحوائج بعد الله مرجعها ... إليك يا من لديه النَّفع والضَّرر /179 أ/ احييت آمالنا من بعد ما قنطت ... كالرَّوض احياه لمَّا ان ذوى المطر وأنشدنى أيضاً لنفسه: [من الطويل] سلام كنشر الرَّوض باكره الصَّبا ... فضوَّع من ريَّاه ما كان كامنا على الجانب المحروس لازال عالياً ... واصبح من ريب الحوادث آمنا (1) / 179 ب / (2).

ذكر من اسمه يحيى

[907] ... ذكر من اسمه يحيى يحيى بن أحمد بن موسى، أبو زكريا الضرير المقرئ، الموصلىٌّ الدار والسكنى. وكان من قرية من قرى العراق تدعى برفطا. هاجر إلى الموصل واستقرَّ مقامه بها إلى حين وفاته فى شهر رمضان سنة ثمانى عشرة وستمائة. ورأيته بها شيخاً طويلاً أسهر اللون ساكناً بالمدرسة العتيقة. وكان شاعراً قارئاً للقرآن العزيز فاضلاً. وحدَّثنى الصاحب الوزير أبو البركات المستوفى الإربلى بها - رضى الله عنه - قال: اخبرت عنه انَّه كان يضرب بالعود، وينادم الأكابر، ويشرب الخمر. ورد إربل غير مرَّة، ولم أستنشده من أشعاره إلى أن ورد فى سلخ ذى الحجة سنة عشر وستمائة، فأنشدنى لنفسه من قصيدة يمدح بها أتابك نور الدين أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود - صاحب الموصل -: [من البسيط] /180 ب/ دين الصَّوارم والعسَّالة الذبل ... عز تدين له الأعناق فى القلل إركب على صافنات العزم متَّخذاً ... مواطناً فى ذرى العلياء للنق ومنها فى المديح: كل الملوك اكتست من فخركم حللاً ... كما اكتسى آدم من سيِّد الرُّسل اتى اخيراً وحاز السَّبق قاطبةً ... كذلك القيل نور الدِّين فى المثل وقال من قصيدة أولها: [من الكامل] منح القضيب رشاقة وتأودُّا ... رشا بوجنته الضَّلالة والهدى آلت محاسنه إليَّة قادر ... لتتيِّمن مفوَّها ومبلَّدا رحلت إليه من الصدور قلوبنا ... فكأنَّها بدن تحث بها الحدا لمَّا رات انوار كنه جلاله ... خرَّت إليه مع الجوارح سجَّدا

وقال يمدح أتابك نور الدين أرسلان شاه صاحب الوصل: [من الطويل] اتعلم ما يلقاه فى كلِّ معلم ... محب يروِّى ساحة الربع بالدَّم يثير له التَّذكار نار صبابة ... تزيد على حرِّ الجحيم المضرَّم /181 أ/ سرى طائر عن سانح عن يمينه ... يبشَّره بعد الفراق بمقدم الا يا ابنة الرومىِّ هل لك موعد ... فبعض الأمانى راحة للمتَّيم إذا كان فيك الغدر طبعاً تكلَّفى ... وصالاً وإن لم تعلمى فتعلَّمى فباتت ولى إخلاص نيَّة مؤمن ... وبانت ولى فيها عقيدة مسلم فلا همَّتى فيها تهم بريبة ... ولا ناظرى فيها يبوء بماثم واحلم عنها عفَّة بعد قدرة ... كحلمك نور الدِّين عن كلِّ مجرم مليك تخاف الأرض سطوة باسه ... ويفتك باللَّيث الهصور الغشمشم اجار فما فوق البسيطة خائف ... واغنى فما فى الأرض خلق بمعدم راينا عياناً منه بعد سماعنا الأ ... حاديث ما لم توضح العين للفم جرئ كموسى صامت مثل صالح ... تقى كيحيى ناطق كابن مريم ايا معطى الخيرات فى كلّ لزبة ... ... ... ومخمد انفاس الجواد المطهَّم وصلت فما الغيث الرَّوى بممطر ... وصلت فما اللَّيث الكمىٌّ بمقدم خلقت لعزم واقتدار وهَّمة ... وعقل وذى رأى وًبأس مصمَّم فانسيتنا قساًوعمراً وحاجباً ... وكعباً وقيس الرأى وابن مكدَّم /181 ب/ايا خير من يرجى لكشف ملمة ... واكرم مسؤول وافضل منعم تهنَّ بعيد الفطر ما ناح طائر ... على فنن يشدو بطيب التَّرنم ولازلت فى عزٍّ مقيم ونعمة ... مدى الدَّهر ما لاحت طوالع انجم فدونكها عذراء كالمسكً نشرها ... ثنى دونها الطلَّاب سوم المقوَّم وعش فى نعيم دائم وسعادة ... محدَّدة اركانها لم تهدم وقال أيضاً يمدحه: [من الكامل] احيا الصَّبابة باخل بوصاله ... وامات صبر الصَّبِّ يوم زياله

قمر يجود على الورى بصدوده ... طبعاً ويبخل عامداً بوصاله يهتزٌّ من مرح الشَّبيبة عطفه ... فالبان يخجل منه من تمياله ما سلَّ سيف لحاظه فى جحفل ... إلَّا اغتنى عن سيفه ونباله لبس العيون من الملاحة حلَّةً ... ما خاطها إلَّا بديع جماله لو كان يعدى خلقه من خلقه ... لمحت محاسنه قبيح فعاله قمر بدا من تحت ليلٍ مظلمٍ ... ... من فوق غصن فى كثيب وماله اهوى استماع البحر خيفة هجره ... واراه حلواً إذ خطرت بباله /182 أ/ ويزيدنى كلفًا به إعراضه ... وصدوده بوصاله ومطاله يا فتنة العشَّاق رفقا بامرئ ... لم يبق منه سوى خيال خياله هى صبوة عذريٍّة لا يرتجى ... لسليمها الإبلال من بلباله ولقد قتلت الدَّهر خبراً والورى ... ... وبلغت مجداً جلَّ عن اشكاله حتَّى حللت بربع ملك ماجد ... اسمى نجوم المجد دون مناله فى ربع نور الدِّين والملك الَّذى ... فاق الملوك ببأسه ونواله ملك نرى صيد الملوك ببابه ... حزباً لما ترجوه من إفضاله التارًك الابطال فى يوم الوغى ... ... صرعى إذا اشتبك الوغى بمحاله حبر يحير الحبر حسن جداله ... بحر ينيل النَّيل قبل سؤاله [ما امَّه ذو عسرة إلَّا انثنى ... عنه ينول من كرائم ماله] (1) كرم يبخِّل حاتماً وشجاعة ... تلهى ابا الأشبال عن اشباله وتريه اعقاب الأمور بصيرة ... ... شهد الورى بجلالها وجلاله مولاى نور الدِّين يا من ربعه ... حرم يفوز مخيِّم بظلاله حزت الصِّفات من الشَّجاعة والنَّدى ... والعدل حتَّى فقت عند كماله امن الغنىُّ بك انتقاص غنائه ... واجرت ذا الأقدار من إقلاله /182 ب/ وغدا الرَّعايا فى حماك بغبطة ... لا يرهبون الدَّهر مع اهواله يا ايُّها الملك الَّذى فاق الورى ... والدَّهر طوع يمينه وشماله

وفتي تنقَّل في العلا حتِّي غدت ... وحش الفلا والطير بعض عياله وغذا الوري أضيافه فيمرهم ... في سلمه أولاك يوم نزاله أنت الذي أغنيتني وحميتني ... من صرف دهر كنت من اقتاله فلشكرنك عبدك القنُّ الِّذي ... إفضال طولكً مخبر عن حاله فتهنَّ بالعيد الَّذي وافاك يا ... خير الوري بالسَّعد من إقباله واسلم ودم في نعمة وسعادة ... ما ناح قمري بأعلى ضاله [908] يحي بن أحمد، بن يوسف بن أحمد، أبو زكريا الواعظ الحسني. من أهل غرناطة. ذكر الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي في تاريخه - رحمة الله تعالى - وقال: ورد إربل وعقد بها مجالس الوعظ. وكان له من العامة قبول عظيم. وكان يجيء الناس أكثر مجالسة ويتكفَّفهم. وصلة الفقير إلى رحمة الله تعالى أبو سعيد كوكبوري /183 أ/ بن علي [بن] بكتكين بصلة، وأراد السفر فأمر العامة أن يطلبوا من السلطان أن يقيم عندهم فأجابهم إلى ذلك في خامس جمادى الآخرة من سنة تسع عشرة وستمائة. ثم قال: أنشدني لنفسه من قصيدة طويلة التزم في أثناثها الإتيان بكلمات منثورة ذكرها لي، تبين إنها كتبت بلون غير المداد، يقول فيها: [من البسيط] يا دوحة البان من شرقيِّ كاظمة ... سقاك من عبوات السحب هتَّان لساكنيك علينا خدمة ولناً ... عليهم بالوفا عهد وأيمان كم أعذل القلب في تذكاره لهم ... دنوا فلمًّا دنا وملي بهم بانوا

هم علَّموني الهوي ما كنت أعرفه ... حتَّي إذا ولجوا باب الهوي خانوا هم الَّذين بسخر اللَّحظ قد سفكوا ... دم الهمام وشرع الحب إذ عان فإن وضعت يدي بالصدر اكتم ما ... بالقلب غادره صبر وكتمان [909] يحيى بن إبراهيم بن محمد، أبو تراب بن أبي إسحاق البراز البغدادي. من أهل الكرخ. ذكره الشيخ /183 ب/ أبو عبد الله محمد بن سعيد الدبيثي، وقال: سكن اللَّوزيّة من محال الجانب الشرقي، وتفقه على مذهب الشافعي - رضي الله عنه - على أبي الحس بن الخلّ، وسمع منه ومن أبي الفرج عبد الخالق بن أحمد بن يوسف، وأبي الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، وأبي بكر محمد بن عبيد الزاغوني، وأبي الوقت السجزي وغيرهم، وروى عنهم. وسافر إلى الشام، وأقام بدمشق مدَّة، وحدّث بها وعاد إلى بغداد وأقام بها إلى أن توفي يوم الأربعاء ثالث عشر شعبان سنة أربع عشرة وستمائة. كتبنا عنه بعد عوده من الشام. وكان سماعة صحيحاً، ويفهم ما يقرأ عليه. قال وسألته عن مولد، فقال: في السادس والعشرين من شعبان سنة ستٍّ وعشرين وخمسمائة؛ هذا آخر كلامه. أنشدني أبو الفتح محمد بن بدل بن أبي المعمر التبريزي بإربل، رحمة الله

تعالي -في سنة خمس وعشرين وستمائة، قال: أنشدني أبو تراب لنفسه: [من الوافر]. /184 أ/ أحنُّ إليك من فرط اشتياقي ... لكي القاك من قبل التلافي عدوُّك هالك يهوي سريعاً ... إلي النَّيران لم ينفعه راقي ومن يهواك يكف ولا يبالي ... ومن يشناك يهلك وهو باقي إذا جئنا عطا شي يوم نشرٍ ... لتسقينا فأنت هناك ساقي [910] يحيي بن إسحاق، الأمير، أبو زكريا الميورقيُّ. صاحب ميورقة وودَّان. كان مشهوراً بالبأس والشجاعة بطلاً من الأبطال، مقداماً في الحروب جواداً سخياً أدبياً بليغاً شاعراً فضيحاً. لم يقع إلى من شعره غير بيت مفرد من قصيدة وهو: [من الخفيف] [911] يحيى بن أسعد بن يحي بن موسى، أبو المفضل - المذكور أبوه فى أوّل الكتاب في حرف الهمزة – السنجاري الأصل، الفارقيُّ المولد، الدنيسرىُّ الدار. ذكره أبو حفص عمر بن الخضر بن اللَّمش التركي فى كتابه "حلية السريين من

خواص الدنيسريين". وقال: من أهل القرآن، قرأه بالقرآت على أبي سعد سعد الله بن غنائم النحوي الحموي بها، وقرأ على شيخنا أبي الحسن النيلي بدنيسر جملةً من كتب القراءات، وله عناية بالتجويد، وحسن الأداء في القراءة. وهو سامي الهمة في التشاغل بعلومٍ منها: الفقه والنحو والطلب وغيرها. وله في النظم والنثر والترتيب والإنشاء تصرُّف. ثم قال: أنشدني لنفسه إملاءً بدنيسر موعظةً: [من الكامل] واخجلتي يوم الحساب وقوله ... ما كنت تصنع والزمان موسَّع أو لم نعمِّرك الطَّويل ونستر السِّـ ... ـــتر الجميل ألم يكن لك مرجع /185 أ/ لو لم تكن لك في القرون من الألى ... عبر أما في ذكرهم ما يقنع أو لم تكن [لك] اعين فترى بها ... أو لم يكن لك للمواعظ مسمع ماذا أقول ولي ذنوب نكَّست ... رأسي حياء فهو لا يترفَّع واحسرتا لو كان يغني حسرة ... واويلتا لو أنَّ ويلاً ينفع ضَّيعت أيَّامي لغير إفادة ... ترجى فقلبي بالهموم مروَّع وجوانحي من حرِّ شوقي في لظىً ... وجد به تحني عليه الأضلع ما لي سوي الظَّنِّ الجميل وسيلة ... فهو الجواد وجوده لا يمنع قال: وأنشدني لنفسه متغزلاً: [من الكامل] يخفي الهوي ودموعه تبديه ... صبٌّ صبابه وجده تصبيه وتميته أشواقه فإذا بدا ... من نحو رامه بارق يحييه وإذا النَّسيم سري إليه بنشركم ... نشر الَّذي من حبكّم يطويه فتردّه زفراته من خرِّها ... عنه وباعث شوقه يدنيه يغريه عاذله وأين سلُّوه ... منه وطوع غرامه ناهيه

/185 ب/ فهو السَّليم بوجده فلذا إذا ... هبَّ النَّسيم كأنَّه راقيه رقَّ العدول لحاله من سقمه ... وبكي وحسبك عاذل يبكيه آس إذا هبَّ النَّسيم من الحمي ... هيهات عزَّ من الأسي آسيه ومهفهف عبث الصَّبا بقوامه ... ما فيه من عيب لمستجليه سكرت لواحظه بخمر السَّحر من ... فتراتها ودلاله ساقيه سلًّت سيوف التَّيه من إعراضه ... لحظاته فمحبُّة في التَّيه يا بدر إن طال المطال فعد علي ... بعد البعاد تحيَّة تحييه أين المفر ولا مفر لعاشق ... حكمت عليه يد السَّقام وفيه قال: وأنشدني لنفسه إملاء: [من الخفيف] أيُّ شيء أحلي من الحبِّ جهراً ... لذَّة العشق أن تهتَّك ستراً رحم الله من وش بي فإنِّي ... استلذُّ الهوي وإن كان مرَّاً ليت شعري ماذا تقول وشاتي ... أنا مغري بحبِّهم أنا مغري وإذا ما الحبيب كان علي الحـ ... ـــبِّ معيناً لم تخش زيداً وعمراً /186 أ/ وحياة الهوي وحقِّ زمان الـ ... ــوصل والجاريات يسراً وعسراً لو اطقت المزيد في الحبِّ لازدد ... ت ولكنني تحمَّلت وقراً يا مني النَّفس يا نهاية آما ... لي بمن قد كسا جفونك سحراً بالَّذي صان ذا الجمال عن الرَّيـ ... ـــــبه بالطَّائفين شعثاً وغبراً لا تدع مهجتي تذوب من الشو ... ق غراماً فأنت بالحال أدري ففؤادي من التهاجر مفؤو ... دو عيناي بعد بعدك سهري لست من يستطيع صبراً علي البـ ... ــــين من ذا يطيق للبين صبراً قال: وأنشدني أيضاً لنفسه: [من مجزوء الطويل] الذُّ الهوي ما ذلَّ فيه عزيزه ... واقتله للعاشقين غريزه وافتكه طرف كحيل إذا رنا ... تبلبل الباب البرايا رموزه

قال: وأنشدني لنفسه إرتجالاً: [من مجزوء الوافر] فديتك كفَّ عن ظلمي ... ففي الأيَّام معتبر جني طرفي علي قلبي ... فكان جزاءه السَّهر [912] 8/ 186 ب/ يحيي بن إسماعيل بن موسى بن إبراهيم بن منصور بن العاص، أبو زكريا الموصلي. المذكور والده في الجزء الأول من الكتاب. أخبرني أنه ولد في الليلة المسفرة عن صباح يوم الجمعة سلخ جمادى الآخرة سنة ستمائة بالموصل؛ وهو شاب ذو نوادر ومضحاكات ومفكاهةٍ ومداعباتٍ وأزجالٍ وموشحات، وأشعار في الزكالش هزليات. غلب عله نوع المداعبة والهزل فشهر به، واستمر ني نهجه وله معرفة بأحوال الساسانيَّة، وكلام أهل التلاَّريَّة، ومقالات المنجمين والطرقيّة. وعنده قحة في مخاطباته وقلة حياء ومصادفة وجرأة في الكلام الرديء الفاحش؛ إلاَّ إن فيه ذكاءً وله طبع في الشعر. ومما أنشدني لنفسه يمدح بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله - صاحب الموصل - ويذكر الخلعة التى جاءته من أمير المؤمنين الإمام المستنصر بالله أبي جعفر المنصور بن محمد، /187 أ/ والسيف والسِّنجق، وأن يخطب له على المنبر ويضرب الدينار باسمة ومؤازرته ومعاضدته له: [من البسيط] الحمد لله نال السُّول طالبه ... وقام في المنبر البدريِّ خاطبه وأشرقت غرَّة الدُّنيا وابتهج الـ ... ـــــملك المؤَّبد واهتزَّت مناكبه وشرِّف السِّنجق الميمون حين غذا ... تلوي علي ملك الدُّنيا عصائبه

أبي الفضائل سلطان الرَّعَّية بد ... ر الدِّين ذي الشرف العالي مناقبه سمعاً دعوت أمير المؤمنين إلي ... حق تجلَّت لرائيه كواكبه واخترت أروع صفَّي الله جوهره ... يسمو به الدَّهر حقاً فهو صاحبه البسته حلُّةً جاءت من الملأ الأ ... علي تهادي فزفتها سحائبه وصارماً أبداً تغنو الرِّقاب له ... كأنما القدر الجاري مضاربه قلَّدت أمر عباد الله خيرهم ... فأصبح الملك قد عزت مطالبه فالآن قرَّت عيون العالمين بما ... أوتو اوأمَّ سبيل الحق راكبه يا معشر النَّاي أوفوا بالنذور فذا الـ ... ــــوفت الَّذي خطه في اللوح كاتبه هذا الّذي ظهرت بالله آيته ... هذا الَّذي تفتح الدُّنيا كتائبه /187 ب/ ملك له علم الإقبال منتشر ... والسعد رافعه والله ناصبه ينبئك عن أصله أفعاله وكذا الا ... فعال تهدي إلي من ظل ناسبه بيض مناقبه صفر مواهبه ... خضر مواطئه حمر قواضبه هذا الَّذي يختم الملك العقيم فما ... من بعده ملك إلاَّ عواقبه هذي البداية فانظر كيف تخطبه الـ ... ـــبلاد طرَّاً وأطواراً تجاذبه فلا فتي الفلك الدَّوَّار يخدمه ... ما ذرَّ شارقه وانحطَّ غاربه وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] ومتي شئت أن تنال من النمو ... صل حظّاً فقل بغير مخافة إنَّني شاعر أتيت من الشا ... م وقصدي مقرُّ دار الخلافة وأظهر النَّصب ترتفع وتجرُّ الـ ... ــــمال من جمعهم بحرف الإضافة وأنشدني مشوَّه الخلق ضعيف العينين: [من السريع] /188 ب/ قالوا: نري الكوذين دون الوري ... فرداً بلاصيت ولا صوت فقلت: كفوا ليته لم يزل ... بشخصه عندي إلي الفوت أقل ما في وجهه أنَّه ... يفزع منه .....

وأنشدني أيضاً فيه يهجوه: [من البسيط] تتقلَّب الدَّهر تقليباً عجبت له ... حتَّي لقد صار في الآته عبر وكان عهدي بالكوذين من خشب ... نقي وجه يدقُّ الثَّوب ينقصر وقد إذا يوسف الكوذين هامته ... تدقُّ الوجه منه أسود حجر وأنشدني لنفسه يخاطب بدر الدين لؤلؤ ين قرب الشيطان الشاعر الإربلي؛ ويحي هذا كان ينعت بالنجم: [من البسيط] قل للمليك الَّذي مازال معتصماً ... يجب بالرُّحب والإكرام داعيه حاشاً مقرَّك والأملاك تحرسه ... أن تبعد النَّجم والشَّيطان تدنيه /188 ب/ وأنشدني لنفسه في حسين بن عمر بن العصار الشيرجي. وكان كبير الأنف جداً: [من الكامل] قل للحسين الشَّيرجيِّ عدمته ... قاضي الفسوق وحجَّة المتمرِّد شبَّهت أنفك كر دكوه بعينها ... والفرق بينهما جليُّ المقصد إنَّ الملاحد أصبحوا في قلعةٍ ... ورأيت أنفك قلعة في ملحد وأنشدني لنفسه يخاطب بدر الدين لؤلؤ: [من الطويل] أمولاي بدر الدِّين نعماك لم تكل ... إلي رحلة وسط الشِّتاء ولا الصَّيف ملكت وملء الأرض جدب وروعة ... فاطعمت من جوع وآمنت من خوف وأنشدني قوله: [من مجزوء الرجز] /189 أ/ يا من يخاف العسر أو ... يخشي من المكاره اقصد ابا الفتح ودر ... تفز بباب داره فالأمن في يمينه ... واليسر في يساره

وأنشدني لنفسه: [من البسيط] وصائم جاءني والكأس مترعة ... وسط النهار تحاكي جذوة النَّار فقال لمَّا رآها في فمي: غربت: ... الله أكبر هذا وقت إفطاري وأنشدني لنفسه يهجو: [من الطويل] وقالوا: يري مسعود شخصك منكراً ... فأوضح لنا ما قاله ببيان فقلت: صحيح ذاك مازال ظهره ... إلي فيا لله كيف يراني [913] يحي بن أبي بكر بن مكي، أبو زكريا الكاتب التميميُّ من أهل بجَّانة من بلاد المغرب. كان يكتب لبعض بني عبد المؤمن المستولين يومئذ على البلاد المغربية. وكان من الأفاضل في زمانه أدباً وكتابةً وقولاً للشعر، وحفظة للأشعار؛ ذا حظٍّ جزيل من علم اللغة والعربية. حدثني /189 ب/ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن يوسف الفرَّياني بحلب، قال: اتفق أن اجتمع جماعة من غلمان صاحب المغرب وخواصه يرمون بالنُّشاب فبينما هم في ذلك إذ أقبل الأمير حينئذ، ثم قصد القرطاس فأزاله من مكانة، ووضع يده عوضه، وقال للرماة: أيّكم أصاب يدي دفعت إليه ألف دينار فأشار إليه بعض الحاضرين، وقال: أعيذك أيها الأمير من السوء، هذا لا يمكن وإنما نجعل موضع يد الأمير الهدف ويرمى فأزال يده من ذلك فابتدر أحد الغلمان ورمى فأصاب الهدف الذي وضع، فدفع إليه الأمير ألف دينار، فقال أبو زكريا بديهاً في ذلك الوقت وكان حاضراً ذلك كلّه، وأنشدناه: [من البسيط] يا خامس الخلفاء الرَّاشدين عسى ... شكواك تقبض في الأيدي وتفترض علمتها البسط للجدوى لسائلها ... حتى من السَّهم يصمي ليس ينقبض لم يقصد السَّهم إلاَّ كي يعرفنا ... هذا الإمام الذي في كفِّه الغرض

/190 أ/ وأنشدني، قال: أنشدني أبو زكريا أيضاً من شعره: [من الطويل]. بكيت فما أغنى البكاء ولا أجدي ... فكيف وقد أهدي لي البين ما اهدي وما فرقة الأحباب إلاَّ زريَّة ... تبيد الفتى سقماً وتقتله رجدا هم أورثوا قلبي الصَّبابة والجوى ... وهم أورثوا عيني المدامع والسُّهداً أيا هند لا كان الفراق ويومه ... فقد طال ما شقَّ القلوب وما هدَّا نسير وما ندري لفرقتنا مدًى ... سوى أنَّ هذا البين ما بيننا جدَّا أيا هند إنِّي غير راض بسلوة ... ولا نافض ودّا ولا ناقضٍ عهداً ولو كان لي بدٌّ عن البعًد والنَّوى ... أقمت ولكن لم أجد عنهما بدّا أيا هند لو أبصرت شوقي ولوعتي ... لجدَّدت لي حبّاً واسقعت لي ودَّا أعندك أنِّي في بحور من الأسى ... غريق ولم أبلغ لغايتها حدَّا فهاتيك حالي والدِّيار قريبة ... إذا ما أزددت عن داركم بعداَ [914] يحيي بن الحسن بن الحسين بن عليِّ بن محمد – ويلَّقب البطريق – ابن نصر بن حمدون بن ثابت بن /190 ب/ مالك بن ليت بن عامر بن غنم بن فهر بن دلجة بن بشر بن معاوية بن بدر بن ثعلبةً بن حبال بن نصر بن سواة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دوادن بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو الحسين، وأبو زكريا الأسدُّي.

كانت ولادته ومنشأه بالحلّة المزيديّة. كان عالماً فقيهاً قدوةً في مذهب الشيعة إماماً من أئمتهم، سمع الحديث الكثير، وسافر [إلي] البُلدان، وسمع عليه أهلها عدَّة كتب من تصنيفه وتصنيف غيره؛ ثم عاد إلى الحلة المزيدية فكانت وفاته بها في سنة إحدى وستمائة. وقد ذكره الشريف أبو عبد الحميد فخار بن معد بن أحمد بن محمد الحلي الموسوي في مشايخه، وقال: لقي أبو زكريا يس بن الحسن بن الحسين بن علي بن البطريق الأسدي الحلي الفقيه العماد الطبري تلميذ أبي علي بن الطوسي، وقرأ عليه ولقي غيره. وعلة سنُّه حتى بلغ ثمانين سنةً، وصنَّف كتباً حسنةً، ومضى /1914 أ/ إلى واسط، وأقام عشرين سنة، ثم عاد إلى الحلة فمكث بها قليلاً، ثم فارقها وقدم إلى الموصل، ثم إلى حلب واستوطنها مدّةً ثم رحل عنها. وكان حسن المذهب، طيب المعاشرة، هذا آخر كلامه. صار إليّ من تصنيفه كتاب كبير لقبه بـ "العمدة من صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار علي بن أبي طالب وصيّ المختار وعلى الأئمة من ذريته الأطهار"، وصنف كتاباً آخر وسمة بـ"مستدرك المختار في مناقب المختار" استخرجه من المسانيد الصحاح المؤلَّفة. تكلم على الأحاديث ومعاني الآيات، وفصَّله فضولاً، وأضاف إلى ذلك مقطعاتٍ حساناً من شعره في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه وسلامة. وكان شاعراً أديباً؛ وهو والد أبي الحسن علي بن يحي بن الحسن بن البطريق الذي مرَّ شعره متقدّماً في مكانه. ومن شعره ما أنشد ني الشريف النقيب الأجل العالم السيد الأطهر /191 ب/ جمال آل رسول اللص صلي الله عليه وسلم فخر الدين أبو الوفا عبيد الله بن علي بن زيد بن محمد بن عبيد الله الحسيني الموصليُّ بها - رضي الله عنه - قال: قرئ على يحيى بن الحسن الأسدي

لنفسه، وأنة أسمع في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهة: - [من الطويل] إذا حرفوا نصّا عليك نحبَّراً ... فهل حرَّفوا ما في الكتاب المنزَّل وأني سأبدي فيك ما نبذا العدا ... بظهر من الوحي العزيز المرتَّل ومن مسند الآثار عن سيد الورى ... نبي الهدى المنعوت بالمتزمِّل أبا حسن إنَّي إليك ممسَّك ... وبعد إله العرش أنت معوَّلي وأنشدني أيضاً، قال: أخبرنا لنفسه قراءة عليه يمدحه - صلوات الله عليه: - [من الكامل] وإذا المدائح زينَّت فخر امرئ ... كان المديح بفخرك الممدوحا وإذا المناقب زينَّت بمدائح ... جعلت مناقبك المديح مديحاً /192 أ/ أنت الَّذي ردَّ الإله بقوله ... شاطي الفرات على البريَّة يوحى أنت الَّذي مذ لم نزل في فضلة ... برسالة الرُّوح المؤيِّد يوحى وأنشدني عنه قوله يمدحه - كرم الله وجهة – [من الوافر] إمام للمعاند والوليَّ ... ومولى للموافق والقليِّ له فرض الولاء بيوم خم ... بوحي الله في النص الجليِّ فحسبك من مفاخرة قديماً ... غدا نوراً على العرش العليِّ وحسبك من مناقبه حديثاً ... وصيُّ للنبيِّ الأبطحيِّ وأنشدني عنه أيضاً فيه عليه السلام: [من البسيط] جاهدت فيك بقولي واللِّسان له ... فضل على السيف والعسَّالة الذبل لولا اللِّسان لما سلَّ الحسام ولا الـ ... ــــــتقت جموع الوغى في معرك حفل فالقول تخدمه الأسياف إن سعدت ... أربابها وبهم شوق إلى العمل به عرفنا مقادير السَّعيد من الشَّـ .... ــــــقيِّ لا بالظباة البيض والأسل /192 ب/ وأنشدني عنه فيه - كرم الله وجهة: -[من الكامل]

تثني مقاصده الرَّدى عن قصده ... ومقاصد الرَّحمان غاية قصده أبداً رضا الجبَّار في سطواته ... وكذا رضا المختار في إفرنده نهضت به رتب الكمال بسؤدد ... أعيا على من رام فيه بجهده وأنشدني عنه أيضاً - صلوات الله عليه وسلامة -: [من الطويل] مناقب في دين عليها طلاوة ... ومنها لجيد المكرمات تمائم قلائد في بيت الدِّيانة والهدى ... ومنها لفخر المكرمات مكارم [915] يحي بن الحس بن أحمد بن مراون بن عليَّ بن سلامة بن مروان، أبو زكريا الطنزي – بالنون والزاي - من طنزة، بلدة فوق الجزيرة العمرية من ديار بكر. وقد أوردت من شعر جدّ أبية مروان بن علي في كتابي المتقدّم الملقب بـ "تحفة الكبراء المذيل محلى معجم الشعراء". وكانت /193 أ/ ولادة أبي زكريا - هذا - في سنة ثلاث وسبعين وخمسائة بطنزة. ونشأ بها وانحدر إلى الموصل، وتفقه بها على الشيخ أبي المظفر محمد بن علوان بن مهاجر الموصلي الفقيه الشافعيّ مدَّة بالمدرسة الأتابكية العتيقة. وحفظ كتاب التنبيه للامام أبي إسحاق الشيرازي على ظهر قلبه. وقرأ شيئاً من مسائل الخلاف والفرائض على الإمام أبي المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصلي، ولازمة مدَّة، وتميزَّ فيما قرأ عليه. وانحدر إلى بغداد وأقام بالمدرسة النظاميَّة يسمع درس الشيخ أبي علي يحيي بن الربيع بن سليمان بن حرَّاز ألعدوي الواسطي مدّرس النظامية. ثم انتقل بعد مديدة إلى دار الذهب وسمع بها الدرس من أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن فضلان، وكان المدرس بها يومئذ. واستدلَّ بين يديه ولازم الاشتغال وتمهَّر في المسائل الخلافية وعلم المذهب والفرائض.

ثم أصعد من بغداد في سنة خمس وستمائة، /193 ب/ وأقام بالموصل مديدةً يسرة، ثم توجَّه إلى بلده فولي القضاء والتدريس بها. فكان يقضي ويدّرس ويفتي وبقي على ذلك مدَّة. ثم صرف عن القضاء بسبب تغير وزير كان بديار بكر؛ ثم أعيد عن قريب. وكان قد فقهت نفسه، ورقَّ طبعه، ينظم الشعر الرقيق. وكان اجتماعي بالقاضي أبي زكريا بحلب في شهر ربع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة بالمدرسة النوريّة المعروفة بالنفَّرية. وأنشدني لنفسه: [من الكامل] من لي بطيفك أن يكون مسامري ... يا غائباً لم يخل منه خاطري لهفي على ذاك الزَّمان وطيبة ... أيَّام كنت مصاحبي ومعاشري تالله لو يرجى له من عودة ... أو يفتدى لفديته بالنَّاظر هل أنت يا أملي على طول المدى ... أنسيتني أم هل فديتك ذاكري أقسمت بالبيت العتيق ومن دعا ... بفنائه من محرم ومجاور إن عاد شملي جامعاً بأحبَّتي ... من بعد طول قطيعة وتهاجر /194 أ/ قضيت عمري للأحبَّة شاكراً ... وغفرت زلاَّت الزَّمان الغادر أنشدني أيضا لنفسه إملاءً: [من الكامل]. إن كان صدُّك عن قلًى وملال ... أو كان عن تيه وفرط دلال فلقد علمت بأنَّني راض بما ... ترضاه لي يا منتهى أمالي قسماً بوجهك إنَّه لي كعبة ... حجِّي لها متتابع متوالي لولاك لم أخضع لواش كاشحٍ ... كلاَّ ولا أغضبت فيك رجالي لكن حبَّك قد تملَّك مهجتي ... كرهاً فلا الوي إلى عذَّالي يا قامة الغصن الرَّطيب وفرحة الصّ ... ـــــبِّ الكئيب أما مللت مطالي هب أننَّي راض بصدِّك والقلي ... لم لا تجود تكرُّماً بوصالي مولاي أنت جعلتني غرضاً لما ... أرمى الغداة به من الأقوال وتركتني بين الرَّجال يسومني ... من كنت لا أرضى لحمل نعالي

[916] يحيي بن حميد بن ظافر بن عليَّ بن الحسين بن عليَّ بن القائد أبي عليٍّ يعرف بمؤيَّد الحقَّ بن صالح بن عليَّ بن سعد بن كريم بن محمد بن الحسن بن الحارث بن عليَّ /194 ب/ بن سعد ين مسعود بن اليعقوب بن حارثه بن الأعصم بن غنم بن أسد بن سالم بن سعد بن الحارث بن صخر بن الحارث بن صخر بن الحارث بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن الأزد عامر بن حارثة بن أمرئ القيس بن ثعلبة – وهو غسان – بن الغوث بن مالك بم زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قطحان، أبو زكريا بن أبي طي الأزدي. من أهل حلب، هكذا كتب نسبه من خط يده. كانت ولادته في آخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وتوفي بها يوم الأحد الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وستمائة. وكان أبوه نجاراً - وكذلك جدُّه - واشتغل أبو زكريا بصنعة النجارة مع أبية برهةً من الزمان ثم تركها وحفظ القرآن العزيز، وتعلَّم الكتابة، ومال إلى طلب العلم والأدب، ولقي العلماء ومجالس الفضلاء؛ فقرأ فقه الإمامية على أبي جعفر محمد بن علي بن شهر اشوب السروي المازندراني.

/195 أ/ وقرأ الخلاف علي أبي الثناء محمود بن طارق الحلبي الفقيه الخفي. ثم انتقل إلى تعليم الصبيان وإقراء القرآن الكريم، فلزم ذلك إلى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، ثم جذبه الوزير نظام الدين أبو المؤيد محمد بن الحين الطغرائي وزير الدولة الظاهرية يومئذ إلى تعليم ولده، فلزمه إلي سنة ستمائة. ثم ترغ عن ذلك، ولزم بيتة وطلب مشايخ الأدب، فقرأ على أبي محمد القاسم بن القاسم الواسطي، وأبي البقاء يعيش بن علي بن يعيش النحوي الحلبي، وأبي القاسم أحمد بن هبة الله بن الجبراني الحلبي، وأبي الحرم مكي بن رياَّن الحري الحاكي وغيرهم. ثم عمل الشعر وصار أحد شعراء دولة الملك الطاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب، وارتفعت منزلته عنده، وولاّه نقابة الفتيان في سنة تع وستمائة؛ فكان نقيب حضرته. ثم أحبَّ التصنيف، وصنَّف كتباً في التواريخ وتغير القرآن الكريم والآداب والفقه /195 ب/ والأصول كثيرة منها: التاريخ الكبير الذي وسمة بـ "معادن الذهب في تاريخ حلب" وهو كتاب جمع فيه أخبار الملوك والعلماء، واحتوى علي أخبار الشام التي لا يوجد مجموعة في كتاب قديم ولا حديث، وابتدأ به من أول الفتوح إلى سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وأوصل فيه الدول وأخبارها القديمة في الإسلام والحديثة؛ وهو كتاب نافع ومفيد، وكتاب "التنبيه على محاسن التشبيه" أتى فيه بجميع فنونه وما قال العلماء فيه؛ وهو كتاب حسن في بابه، وكتاب في "محاسن الغلمان" يحتوي على ألف وتسعمائة غلام. جمع فيه من جيد الأشعار اللطيفة المعاني ما لا يوجد مجموعاً في كتاب، وقدَّمه للملك الظاهر فأعجب به وأثابه عليه أحسن ثواب، وكتاب "لمح البرهان في تفسير القرآن"، وكتاب "البيان في أسباب نزول القرآن" وكتاب "غريب القرآن". /196 أ/ مختصر، وكتاب "المجالس الأربعين في فضائل الأئمة الطاهرين"، وكتاب "خلاصة الخلاص في آداب الخواص"، وكتاب "حوادث الزمان" تاريخ علي حروف المعجم، وكتاب "تاريخ العلماء"، وكتاب "أسماء الشعراء"، وكتاب "شفاء الغليل في

ذم الصاحب والخليل"، وكتاب "الحاوي" ذكر فيه رجال الشيعة وعلماءهم وفقهاءهم وشعراءهم وأئمتهم المصنفين في مذاهبهم، وهو مرتب علي حروف الهجاء. وغير ذلك من التصانيف الكثيرة، وبلغت مصفاته أكثر من خمسين صنفّاً. وكان هذا الرجل يأخذ نفسه بالتصنيف والجمع والتأليف ويختلق أسماءً وألقاباً لكتب فيضعها ويضيفها إلى نفسه وينتحلها. ولم يكن إلاّ صاحب دعاوى ومخاريق وأباطيل ويوهم أنه قد صنَّف وليس عنده ممّا /196 ب/ ذكر علم ما، ولا وجدت شيئاً من مصنَّفاته إلاَّ اليسير. وحدثني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الخفي بحلب - أيّده الله تعالى - قال: كان إبن أبي طيّ كذاباً كثير الكذب والتحريف؛ وانَّ هذه الكتب التي عدّدها وادعاها، وعمل لها فهرستاً، تمويهاً وتوهيماً لم أقف منها على شيء؛ إلا أنَّه كان يقول قد صنفت الكتاب الفلاني في العلم الفلاني فنسأله إحضاره فيحتج بحجة ما ويغالطنا ويوهم أنه فرغ. وكلّ ما يتلفظ به ويدعيه زور وكذب فإذا صح له ذلك وصدًق في تصنيفه فيكون قد أغار على بعض الكتب، فيقدم فيه أو يؤخر، أو يزيد قليلاً أو يختصر، ويختلق له اسماً غريباً وينتحله. هكذا كانت شيمته. وكان قد جعل التصنيف بضاعته، ورأس ماله وصناعته. ومن شعره ما أنشدي أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الصفَّار الشيباني الدمشقي بها في المحرم سنة/197 أ/ أربعين وستمائة، قال: أنشدني يحيي بن أبي طي الحلبي بها، لنفسه ما كتبة إلى الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف ني أوّل قصَّة: [من الوافر] غياث الدِّين يا مولى الموالي ... وغيث ذوي المفاقر والعيال ومن أصبحت من نعمي يديه ... سعيد الجدِّ ذا جاه ومال أتى شهر الصِّيام ولي عليه ... حقوق من عطائك والنوال فخذ يا موجدي بيدي يديه ... بما عودت من كرم الخلال فلم أذكرك شكّاً في اهتمام ... يقصِّر منك عن نظرٍ لحالي ولكن خفت أن تعطي ابتداءً ... فتحرم منطقي شرف السُّؤال

وأنشدي أيضاً قال: أنشدني أبو زكريا لنفسه: [من السريع] كم ليلة بتُّ بها وحدي ... ملازماً بالهمِّ والوجد أقلِّب الطَّرف بأرجائها ... ومدمعي يجري على الخدِّ كأنَّها في طولها إذ بدت ... شعرك يا من زاد في الصَّدِّ /197 أ/ وأنشدني، قال: أنشدني يحيي بن أبي طيّ لنفسه: [من الكامل] صمت الأراك ولم يبح بسريرة ... فطفي ببرد الثَّغر منه أوارا والعود باح بسرهَّ لوشاتهً ... فرقاً فأورده الكلام النَّارا وأنشدني، قال: أنشدني يحيي بن حميد لنفسه: [من المتقارب] تذَّكرت أيَّامنا بالحمى ... وطيب زمان لنا قد مضى وندماننا رشأيُّ اللِّحاظ ... كالبدر وجهاً إذا ما أضا إذا عبَّ في كأسه خلته ... هلال الشُّعاع إذا أومضا وأنشدني، قال: أنشدني قوله: [من السريع] يا قمراً زاد غرامي به ... لمَّا بدا ليل عذاريه قلت لعذَّالي عليه انظروا ... ورداً وريحاناً بخدَّيه يحميهما أن يقطفها صارم ... قد سلَّه من غنج عينية وأنشدني أبو العباس /198 أ/ أحمد بن يوسف بن عبد الله المؤدّب الحلبي، قال: أنشدني أبو زكريا بن أبي طيّ من شعره في الشقق: [من الكامل]. وكأنَّما شفق السَّماء وقد بدا ... في صحن خدِّ الشَّرق للمتأمِّل خجل بدا في خدِّ روميٍّ وقد ... منح العتاب على لسان المرسل وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في المعنى بديهة: [من البسيط] كأنَّما الشقق الشرقي حين بدا ... خد لأغيد روميٍّ به خجل أو صفحة من لجين موِّهت ذهباً ... أو درِّة مسَّها في سحرة بلل وحدَّثني الصاحب الإمام أبو القاسم بن أبي جرادة، قال: استعار مني يحيي بن أبي طيّ النجار كتاب "الأخبار المستفادة في ذكر بني أبي جرادة" الذي /198 ب/ ألفتة

وجمعته في نسب أجدادي وأخبارهم - رحمهم الله تعالى - فبقي عنده مدَّة يطالعه، ثم سيره بعد ذلك إليّ فتصفحته فوجدت في أثنائه ورقةً بخطّ يده متضمنةً هذه الأبيات من شعره. قال الفقير إلى رحمة الله تعالى، الراجي رحمة رّبه؛ المبارك بن أبي بكر بن حمدان بن أحمد الموصلي مؤلف هذا المجموع: أعارني هذا الكتاب المذكور الصاحب الإمام أبو القاسم - فح الله في أجله - فكتبت منه فوائد خطيرةً، ونكتاً جليلة، أودعتها كتابي الذي ذيلته على معجم الشعراء لأبي عبيد الله المرزباني، ونقلة الأبيات المذكور من خطّ /199 أ/ ناظمها وقد صدَّرها بهذه الألفاظ المسجوعة وهي: "ولما وقفت على هذا النسب الأصيل، والحسب النبيل، والفخر الجليل، قلت: [من الكامل] نسب عليه من الغزالة بهجة ... تعشي ومن فلق الصَّباح بهاء لا يحتوي إلاَّ على متوطِّد ... شرفاً تخر لفضله العظماء أو أروع وسم الزَّمان بنانه ... بفضائلٍ تعنو لها الجوزاء رب اللَّواء أبو جرادة عامر ... لهم به بين الأنام لواء ولهم بخاتم مجدهم وكمالهم ... عمر الكمال على الأنام علاء بحر العلوم وأين عذب مذاق ذا ... من طعم ذاك إذا تمطِّق ماء قسماً أقول وان تقدَّمة الألى ... من قومه واتى به الأجزاء فلقد سما وعلا بكلِّ فضيلة ... لا يستطيع لحاقها القدماء فالسَّيف من نفس الحديد نجار ... وله على جنس الحديد سناء /199 ب/ ومحمد من نسل آدم قد أتى ... وله عليه الفخر والعلياء ومن شعره أيضاً في أهل البيت - صلوات الله عليهم وسلامة أجمعين: - [من الكامل] أنا في إسار غدائر ونواظر ... من كل أبيض ذي قوامٍ ناضر ريَّان من مرح الصِّبا فكأنَّما ... رويت معاطفه بغيثٍ باكر خمري ريقٍ لؤلؤيَّ ضواحك ... مسكيِّ صدغ صارميِّ محاجر لله ليلتنا بكاظمةٍ وقد ... سمحت به الأيَّام بعد تهاجر

وقد اضطعجنا والنُّجوم كأنَّها ... في الأفق لؤلؤ ثغره في ناظري والبدر سار في السَّماء كأنَّه ... من وجهة باد بنور باهر والشِّعريانً كأنَّما أحداقها ... أحداق عاذل حبِّه المتكاشر وسهيل الوقَّاد يخفق دائباً ... خفقان أحشائي عليه وخاطري والليل يرفل في فضول غلائلٍ ... رقَّت كشوقي أو كدمعي القاطر والريِّح تنشر عرفها بنسيمها ... نشري مديح أخي النَّبي الطاهر /200 أ/ خير الأنام ومن يذّل مهابةً ... من بأسه قلب الهزبر الخادر صنو النَّبي وصهره ووزيره ... وظهيره في كل يوم تشاجر ومبير عتبة والوليد وشبية ... والعامريِّ وذي الخمار الكافر ومزعزع الباب المشيد وقالع الًـ ... ـــحجر الشَّديد عن القليب الدَّاثر ومغيض تيَّار الفرات وقد طما ... ورمى البلاد بكلِّ موجٍ زاخر سل عنه إن أنكرت سورة مريم ... والصف والشورى وسورة غافر وأسأل حديث الشمس عنه فإن تجد ... رشداً والاَّ سل حديث الطَّائر والسَّطل والمنديل فيه معجز ... والجان أبين للَّبيب الخابر وحديث يوم الدَّوح أعظم موقعاً ... عند اللَّبيب وكلِّ لحب خابر إذ قام في يوم الغدير محمَّد ... وبكفِّه كفُّ الإمام الطًّاهر من كنت مولاه فذا مولًى له ... في كلِّ أمرٍ باطن أو ظاهر يا ربِّ وال من الأنأم وليَّة ... واخذل لخاذله الأذلِّ الصاغر وخرج يوماً إلى بستان السلطان الملك الظاهر غياث / 200 ب/ الدين غازي بن يوسف بن أيوب بحلب - رحمة الله تعالى - وتنوَّق في إحسان عمارته، وغرس فيه أنوار الغروس. وكان بَّوابة رجلاً اسمه مالك، فمنعه من دخوله، فكتب على بابه: [من السريع] قل لغياث الدِّين يا مالكا ... راح لأرواح الورى مالكاً بنيت فردوساً فلم أنت قد ... صيرت فيها خازناً مالكا وقال في هذا البستان أيضاً: [من الكامل] إن كنت ترغب في النَّعيـ .... ــــــم وفي معاقرة السُّرور

فعليك بالقصر الغبا ... ثيَّ الأغر المستنير قصر علا عن أن يحيـ ... ـــط بوصفه فكر الخبير فاق الخورنق حسنه ... وعلا علي حسن السَّدير /120 أ/ فكأنَّه في الدَّوح في الـ ... ــــميدان في الرَّوض البهير كسري لدي الغلمان في الإ .... يوان في بسط الحرير وقال في قبة الورد في البستان المذكور، وهي قبة بين يديها سطران من شجر الجوز الطَّوال، وبين ذينك السطرين نهر تحفّ به روضتان ومن غربيها نهر: [من السريع] كقبَّة الورد الَّتي حسنها ... تقصر عنه ....... كأنَّها والدَّوح من حولها ... تميس في أعصانها الملد مملَّك من فوق كرسيِّه ... خفَّت به طائفة الجند والنَّهر من غربيِّها سائحاً ... كصارم جرِّد من غمد وقال يمدح الإمام علي بن أبي طالب – صلوات الله عليه وسلامه: - /201 ب/ حبُّ عليٍّ شرف ... لمن به يلتحف وبغضه النِّفاق والـ ... ـــــــكفر الَّذي يقترف ميِّز محبيه فهم ... إذا الأنأم انكشفوا جواهر خالصة ... ومن سواهم خزف وقال أيضاً: [من الخفيف] يا أبا جعفر تجاف قليلاً ... كم تسامي بمنخر مبخوس أنت من معشر كرام ولكن ... أنت فيهم قوائم الطاووس وله يصف فوارة: [من الكامل] لله ليلتنا ... والبركة الـ .... ــــفيحاء والشطُّ

والماء فيها مرسلاً غدقاً ... جعداً كأنَّ متونه الشمط وكأنَّما الفوَّار فيها راقص ... قد جلَّلته ذوائب شمط وقوله فيها أيضاً: [من مجزوء الرمل] وترى الفوَّار يحكي ... في علوٍّ وانحدار غادةً قامت تثنَّي ... لك من تحت الإزار [وقال في راجح الحلي الشاعر: [من مجزوء الخفيف] قيل لي راجح هجا ... ك فلم لا تجيبه قلت من كلُّه عيو ... ب بماذا أعيبه] [917] يحيي بن خالد بن محمد نصر بن صغير بن خالد بن داغر، أبو جعفر بن أبى البقاء بن القيسرانيِّ، الكاتب المنشئ. من أهل حلب. كانت ولادته بها في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمسمائة. من بيت مشهور بالرئاسة والجلالة والفضل والكتابة والأدب والشعر، فإن والده كان كاتباً؛ له الخطّ الرائق المليح يضرب بجودته المثل، واستوزره الملك العادل نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر سلطان الشام - رضي الله عنه - وارتفعت منزلته لديه، وتقدَّم في دولته. وأبي جعفر من أعيان أهل حلب في الفضل وأماثلهم وصدورهم المقدَّمين، وأفاضلهم وصاحب ديوان الإنشاء، ورأس كتاب الرسائل، وكاتب السّر والمعتمد عليه

في دولة السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف – خلَّد الله ملكه - وقبله لأبيه الملك العزيز، وجدِّه الملك الظاهر / 202 ب/ - رحمهما الله تعالى - وذكر لي أنَّه حفظ القران العزيز، وسمع شيئاً من الحديث على أبي حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادي، وأخذ طرفاً من علم العربية على الشيخ أبي الحرم مكي بن ريان الماكسي النحوي حين ورد حلب، وقال شعراً سهلاً كتابياً، وترسل ترسلاً فاق به على كتاب زمانه، واستظهر كثيراً من الأشعار؛ وله يد في حلّ التراجع والغوص على معانيها وكشف مشكلاتها، والبديهة الحاضرة في إنشاء الرسائل. وربّما أنشأ الرسالة في المعنى المقترح عليه إرتجالاً من غير روية كأنه يحفظها من قبل وذلك لذكائه المفرط، وفطرته السليمة. ثم إنَّه من المتمولين وذوي اليسار وأرباب النعم وعنده تواضع وحسن محاضرةٍ وفكاهة. ومما أنشدني لنفسه من حفظة يهنئ السلطان الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي - رحمة الله تعالى -بالصوم: [من الكامل]. /203 أ/ إسعد بأيَّام الصَّيام وشهره ... وأبشر بأنفس مغنم من أجره يا مالكاً شرفت بنا أقدارنا ... لما أستكانت بالخضوع لقدره لازلت فيه حائزاً ما رمته ... من صنع الطاف الإله وبره تنمى لك الحسنات مثل هلاله ... وترى محاق السَّيَّئات كبدره ويزيد قدرك رفعة تسمو على الأ ... قدار فينا مثل ليلة قدره وختمته بسعادة توفي بشا ... ئرها على البشرى بموسم فطره وأنشدني لنفسه ما كتبة إلى بعض من أهدى إليه تفاحا، ثم أنقذ له بعد ذلك رماناً: [من الطويل] أيا ماجداً فاق الورى كلَّهم مجداً ... وأهدى إلى عافية أنفس ما يهدى أراك توخَّاني ببرَّك عامداً ... وتبعث لي ما يبعث الشُّكر والحمدا منحت خدوداً ثم أرسلت بعدها ... نهوداً فواها لو بعثت لها قدَّا

إذا كنت لا ابغي لرقِّي مالكاً ... سواك ولا ألوك في طاعةٍ جهدا وأنشدني لنفسه متغزلاً: [من السريع] /203 ب/ يا قمراً يختال في حلَّة ... وقيت من عيني بعين الله سيف بألحاظك لم سلَّه ... على دم العشَّاق من سلَّه وورد خدَّيك علي فتنتي ... أظنُّه دلُّك قد دلَّه بعثت خطّاً منك مضمونة ... يضرم من نار الهوى شعلة تلثم لي الأرض وأنِّي إلى ... لثم ثناياك لذو غلَّه قبِّل فمي تحيي بها مهجتي ... فالأرض ما تصنع بالقبله فالشوق بي نحوك لو بعضه ... حلَّ برضوى لم يطق حملة ووصلة الوحشة بي لم تدع ... بين جفوني والكرى وصلة فهل مزار منك يدنو لنا ... يا ليت شعري والمنى ضلَّه واهاً ليوم فيه يقضى لنا اجـ ... ـــــــتماع شمل بك واهاً له وأنشدني لنفسه، وكان الملك العزيز قد توجّه إلى قنسرين، فخرج أبو جعفر بعده قاصداً خدمته، وأمسي عليه المساء فبات بقريةٍ للصاحب كمال الدين/ 204 أ/ أبي القاسم عمر بن احمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي، وتسعى القرية قذار، فكتب إليه منها: [من الوافر] كمال الدِّين يا من طال فرعاً ... وطاب أرومةً وزكا نجارا ويا بحرً خضّماً لا يفيد الـ ... ـــــعفاة بدرِّه إلاِّ كباراً ويا مولى أرى إنفاق عمري ... إذا فارقت خدمته خسارا مسيري عن جنابك عاض أنسي الـ ... ــــذي أدناه قربك لي نفاراً وغادر لي فؤاداً مستهاماً ... وقلباً من فراقك مستطاراً واحشاءً مقلقلة وعيناً ... مؤرَّقة وأنفاساً حراراً ولمَّا لم أطق للبين حملاً ... وأضرم في حشاي الشوق ناراً أتيت (قذار) استشفي ثراها ... واستجدي سكوناً واصطبارا وآخذ عنكم أثراً فيهدي ... إلي قلبي هدوّاً أو قرارا فزادتني بذكراكم غراماً ... وظلت بها مساءً وابتكارا

(أمرُّ علي الديار ديار ليلي ... أقبِّل ذا الجدار وذا الجدارا) /204 ب/ وأذري أدمعاً لو انبتتها ... جنيت من القلوب بها ثمارا ورحت أرى بنفسي من تنائي ... مزاركم فتوراً وانكسارا أسير هواكم وأودُّ أن لا ... يفك الدَّهر لي منه إسارا فلا أخلت معالمك اللَّيالي ... ولا أقصت لك الأيَّان دارا ولا زالت عراصك آهلات ... تفيض ندًي وتزداد اخضرارا وأنشدني لنفسه فيما يكتب على حلقة باب دار: [من الطويل] علوت على باب علا الباس رُّبه ... نوالاً وإحساناً فحسبي بذا فخرا أنا العروة الوثقًى من الفقر للورى ... فمن صافحتني كفُّه أمن الفقرا وأنشدني لنفسه ما يكتب على مفتاح: [من الطويل] إذا عدَّ أهل الفخر غرَّ مناقب ... سما كل ذي طول بها من يطاوله فخرت بأن صافحت راحة مالكً ... مفاتيح أرزاق العباد أنامله وأنشدني أيضاً: /205 أ/ لنفسه حين فتح الملك العزيز محمد بن غازي بن يوسف – رحمه الله تعالى – شيزر، وكان صاحبها يومئذ شهاب الدين أبو المحاسن يوسف بن مسعود، عاصياً عليه فلما ومل إليها لم يمكنه العصيان بها، ونزل وسلَّمها طائعاً. وصارت مضافة إلي مملكة الملك العزيز غياث الدين: [من البسيط] يا مالكاً خافت الأملاك سطوته ... وعمَّ إحسانه الدَّاني مع القاصي لمَّا رأت شيزر رايات نصرك في ... أرجائها ألقت العاصي إلي العاصي والعاصي هذا المشار إليه اسم نهر يمرّ تحت قلعة شيزر. وأنشدني، قال: كتب إليّ /205 ب/ من ينتمي إلى قول الشعر بهذه الأبيات: [من البسيط] ما كلُّ من قال مدحاً فيك يكتسب ... وان أقلَّ فمود بعض ما يجب ما فوق مديح المادحين له ... إن لم أقل فيك قال الجود والحسب مولاي ما البدر محتاج إلى مدح ... كماله في المعالي شاهد عجب فقت الكرام فأنت الغيث إذ بخلواً ... واللَّيث إن جبنوا والسَّهل إذ صعبوا

لقُّبوك شهاب الدِّين فاختصروا ... لو انصفوك لقالوا السبعة الشُّهب سمعت عنك حديث الجود يسنده ... ذوو الرَّجاء ولا مين ولا كذب وعاقتي عنك غيث لم يزل كندى ... يديك يهمي على الدُّنيا وينسكب لولاه ما فاتني حجٌّ إليك ولا الـ ... ــــــتزام ذيلك إن نابتني النُّوب وقد بعثت أخي عمداً لتكرمه ... فكن به محسناً دامت بك الرُّتب قال: فكتبت إليه الجواب عنها بهذه الأبيات على الوزن والقافية: [من البسيط] /206 أ/ يا فاضلاً قد سقانا من بلاغته ... مدامةً فبنها من شربها طرب ويا أخاً سمح الدَّهر البخيل به ... والفضل مذ كان في أبنائه نسب قد هاج نظمك لي شوقاً إليك غدت ... بحر أنفاسه الأحشاء تلتهب وشب فيَّ غراماً زاد ني كلفاً ... وددت منه بأنِّي جارك الجنب فلو عرفنا مكاناً أنت فيه لزر ... ناه ولو سحبت أذيالها السُّحب بل لو منحناك دنيانا وما ملكت ... أيماننا لفعلنا بعض ما يجب فقد بلغت من الإحسان منزلةً ... نصيب من رام فيها شأوك النَّصب وأملى علي من إنشائه هذه الرسالة، ثم وصلها شيء من شعره؛ وهي جواب أبيات كتبها إليه الصاحب الإمام كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله الخفي العقيلي - أدام الله أيامه -: "يقبل اليد الشريفة المولوية القاضوية الإمامية العالمية المالكية الكمالية أعلاها الله ورفعها / 206 ب/ وأولاها بطسةً وأوسعها، ونظم فيها أشتات المكارم وجمعها ... وينهي أولاً أشواقه التي هي في كل الأوقات متزيدة، وغرامه الذي قلبه منه في نار موصدة، ووحشته لذلك المحيَّا الذي محاسنه للقلوب مستبعدة، ورغبته إلي الله تعالي في أن يجعل أيام الاستسعاد بلقائه غير مستبعدة. وثانياً ورود الكتاب الكريم علي يدي مملوك المولى عّز الدين، فأقبل المملوك عليه، وتناوله من يديه، ووضعه علي عينيه، وهزَّ طرباً عطفيه، ووقف من فحواه علي بديع المقال، ورأي السحر الحلال،

وعرف كيف تتفاوت قيم الرجال، واجتلى تلك العقيلة التي فتنت العقول، وفعلت بالألباب ما لا تفعله الشَّمول، وحكمت لقائلها بالبلاغة على كل من يقول شعراً، وبالتفصيل على كل من ينظم درّاً. وجرأه الحسد علي التعرض للجواب، ولو ساعده التوفيق لكان إقراره بالعجز عن مجاراتها هو /207 أ/ عين الصواب، ثم أطمعه في التصيُّد من بحرها علمه بأن المولى غريم كريم لا يناقش في الحساب. ويتقن أنَّ الله - سبحانه - يؤتي الحكمة من يشاء من عباده، وأنَّة قد أجزل مها إرفاد المولى فلا عار على أوليائه في استرفاده: [من الطويل] ويعجبني فقري إليك ولم يكن ... ليعجبني لولا محبتُّك الفقر فظل المملوك منكراً، وقال مقصراً معتذراً - ثم اتّبع ذلك بهذه الأبيات -: [من الخفيف] يا نسيم الصَّبا أثرت غراماً ... في فؤادي فزدتني أسقاماً يا نسيم الصَّبا لقد شفَّ قلبي ... منك وجد عصيت فيه الملاما فتعمد مسرَّتي واعدلي ... ذكر مولًى أهدى إلى السَّلاما خصَّني منه منعماً بكتاب ... حين وافي قبَّلته إعظاما ففضضت الختام عنه كأنِّي ... عن رحيق إذا فضضت الختاما ولثمت النِّقس الذي ضمَّخت بالـ ... ــــــمسك منه الأنامل الأقلاما وترشفته فدار على الافـ ... ـــــــهام منه ما أطرب الأفهاما /207 ب/ قساًما خميلة جادها الطَّـ ... ـــــــلُّ فشقَّت ازهارها الأكماما لا ولا روضة بحزن بكي المز ... ن عليها فاتبعته ابتساما لا ولا الدُّر نظَّمته عقوداً ... في نحور ايد تجيد النظاما عند ذي اللُّب منه أحسن مرأى ... حين يبدو له وأسنى مراما رقمته كفُّ الكمال فحاز الـ ... ـــــــحسن في طِّيه كمالاً تماما

تلك كفٌّ ما جارت الغيث في حلـ ... ـــــــبة جود إلاَّ وجاءت أماما يا كمال الدِّين الذي عصم اللّـ ... ــــــــه به المسلمين والإسلاما يا أبا القاسم الِّذي قسم الإ ... نعام فينا وأجزل الأقساما يا سليل العديم كم لك عندي ... من يدٍ آمنتني الإعداما انا والله في ودادك مغرًى ... مغرم ما أفيق منه غراما لو تطلعت في ضميري وجدت الـ ... ــــــحبَّ قد مازج الحشا والعظاما غمرتني نعماك حتَّى لقد ... غادرتني استكفف الانعاما وصفت لي أخلاقك الغر حتَّى ... ملت سكرا وعفت [حتى] المداما وحلت لي منك الشَّمائل حت ... رحت منها متيَّماُ مستهاما /208 أ/ إن تصف لي من التألمَّ والوحشة ... والشوق ما حماك المناما فلقد هاج لي اشتياقك نيرا ... ن اشتياق اورت بقلبي ضراما وعزيز علي أني في غيـ ... ـــــــر تدانيك أنفق الأيَّاما ولو استطعت جئتكم ات علي الأنعام ... ركضا بل فوق ظهر النعامي فأبق ما شئت في اعتلاء مداه ... لا يسامي وقدره لن يساما تسترق الأحرار جوداً وتحتـ ... ـــــلُّ من المجد غارباً وسناماً وتمتلَّي مسرَّةً بسليليـ ... ـــــك ونجمي افقيك دمت وداما لترى المجد ماجدا وأخاه الـ ... ــــــنجم بدراً ينوِّر الإظلاما فالإمارات منهما شاهدات ... لهما ان سيعلوان الأناما وهما الأزكيان أصلاً وفرعاً ... وهما الأعدمان لؤما وذاما وهما سرُّ أسرةٍ يصلون اللَّـ ... ــــــيل بالصُّبح سجَّداً وقياما بوجوه مثل المصابيح نوراً ... وأكفٍّ بها نباري الغماما وغنوا دهرهم شعارهم التَّقـ ... ـــــوي وماتوا ما استحقبوا آثانا فتذَّكر فراستي وارع لي حـ ... ـــــيّاً وميتاً بالصِّدق فيهال ذماما

/208 ب/ اغتفر لي إطالة عذرها أنَّـ ... ـــــي بكراك ما أملُّ الكلاما وإذا أبت فالقني لترى منِّـ ... ــــي حساما قد قلدوه حساما وأنشدني لنفسه، وكان قد عزم على الخروج إلى قريته المعروفة بالتيارة: [من مجزوء الكامل] عرجِّ بنا نحو التّياره ... نقضي بها حقَّ الزِّياره ونهزُّ أغصان السُّرو ... ربها ونستجلي ثماره ونشنُّ فيها للخلا ... عه غارةً في إثر غاره فقلوبنا شوقاً إلي ... تلك المعالم مستطاره قد حلَّ فيها الحسن فهـ ... ـــــــي لسيل واديه قراره ومتي حللت بدارها ... حللت إذن بداره تلهيك أقمار تري ... لوجهها فيها استناره ويشوق طرفك منظر ... فاقت محاسنه العباره وتسوف ما ينسيك طيـ ... ـــــب شميم نجد والعراره /209 أ/ وهناك ورد العيش عذ ... ب لا تلم به مراره والجوُّ اركن والغما ... م علي الرُّبي مرخ إزاره والرَّوض أوحي والزما ... ن علي معاطفه نضاره والطير في أشجارها ... يبدي لمسمعك اشتجاره فاعنم بها طب الحيا ... ة فإنما هي مستعارة وادر بها راحا تريـ ... ــــــح من الهموم المستثاره صفراء تحسبها علي ... كفَّ المدير لها شراره واجسر علي اللَّذات فالـ ... ـــــفطن اللَّبيب أخو الجساره فالدَّهر يعدل تارة ... في أهله ويجور تاره وأنشدني لنفسه يستدعي صديقاً له ينعت بالعفيف أبي طالب بن صفر: [من الكامل] قل للعفيف أخي النَّدي ... ربِّ القوافي والمدائح يا ماجداً قد أفحمت ... أوصافه منا القرائح

/209 ب/ يا من لسان الحمد في ... تيِّار بحر نداه سابخ يا من يخفُّ لنقصه ... عن نظمه الحلِّيُّ راجح يا ذا الَّذي مازال طر ... في بالوداد إليه طامح وعناق قلبي نحوه ... أبداً علي الأيَّام جامح مولاي لقَّيت الأيا ... من من زمانك والسوانح وحماك سعدك أن يلـ ... ـــــمَّ بك الأشائم والبوارح عندي وحقِّك صحن ششـ ... ـــبرك بصافي الدُّهن طافح وعليه من سنبوشج ... تاج تكلِّله الشرائح حسب أقتراحك طعمه ... ومشمُّه كالمسك فائح قد احكم الطاهي صنا ... عنه فأفحم كل مادح وعصابة نبل إذا ... عاينتهم غر جحاجح تري منهم عيناك فر ... سان الصحائف والصفائح يترقبون إذا عزمـ ... ــــــت طلوع بدرٍ منك لائح فهلمَّ تدل لهم من الأ ... نس المعجَّل كلَّ نازح /210 أ/ وأعلم بأنَّ لهم إذا ... لم تأت السنة قوادح وأنشدني لنفسه ما كتبه إلي العفيف أيضاً: [من المجتث] قل للعفيف أبي طا ... لب حليف العلاء يا سيَّد الأدباء ... وواحد الفضلاء يا ذا المحلَّ الَّذي جا ... ز قنَّة الجوزاء غمرتني بأياد ... جلَّت عن الإحصاء لولاكم لم أر خـ ... ــــــــلاًّ صحيح عقد الإخاء ملكت طرفي وسمعي ... سلبت لبَّي ورائي بكاعب عذارء ... كالكواعب العذراء جاءت إلي تهادي ... كالغادة الحسناء

لها سنيً يخجل البد ... ر في دجي الظَّلماء تصبي السَّميع وتلهمي الرَّ ... أي لها والرَّائي حلَّت بقلبي محل الشَّ ... ــــــفا علي الإشقاء /210 ب/ وأشبهت بين جفنـ ... ــــــيَّ لذَّة الإعفاء وأرشفتني بروداً ... عذباً علي الإطماء فرحت أسحب منها ... ملابس السَّراء قرير عين وقلب ... فسيح خطو الرَّجاء بقيت لي يا أباطاً ... لب سعيد البقاء فصرت منك وادي ... علي كريم الوفاء حلو الشَّمائل عذب الأ ... خلاق مرَّ الإباء فأنت كهف اعتمادي ... وأنت كنز اقتنانئي وأنت سيفي اسطو ... به علي أعدائي ومن يجازيك نظماً ... من سائر الشُّعراء كمن يروم بجهل ... منه منال السماء ورمت نظم جواب ... فلم أطق من عبائي وقد بعثت عزاناً ... تمشي علي اسحياء في خفية واستتار ... من أعين الرُّقباء /211 أ/ تكلَّلف الخطو من خو ... فهاك علي إعياء خرقاء كفٍّ ولين الصَّـ ... ـــناع من خرقاء فأولها منك صفحاً ... يا سيِّد الكرماء ولا تقل لي قدك أتـ ... ـــــئب من الغلواء وأنشدني لنفسه ما كتبه إليه أيضاً جواب شعر ورد عليه منه: [من الخفيف] عشت من طارق الَّردي في أمان ... ونبت عنك أسهم الحدثان ووقانا إلاه فيك فأنت الرُّ ... وح الرُّوح والمني والأماني وتولاَّك بالسَّلامة والصَّحَّـ ... ــــــة حتَّي تطول عمر الزَّمان ساحباً فضل بردة العيش تستنـ ... ـــــفد عمر القران والأقران

رافلاً في ملابس الفخر عالي الذَّ ... كر والقذر أهل الأوطان آمن الظَّهر والمفاصل والرِّجـ ... ـــــليس والرُّكبتين من ضربان تصرع الأسد قوةًّ وتفوت الـ ... ـــــــضُّمير السَّابحات في الأرسان /211 ب/ يا عفيف الدَّين الَّذي حلَّ بالو ... دمن القلب في أعز مكان وأديبا أطاعه الشَّعر حتَّى ... زاد فيه حسنا على حسان وحوى العلم والفصاحة حتَّى ... سحبا ذيله على سحبان علم الله أنَّ شوقي إلى وجـ ... ــــــهك من دونه لظى النَّيران وتمادى أيَّام بعدك في قر ... بك شيء ما كان في حسباني واصطباري يشح عنك به قلـ ... ـــبي وعيني تجود بالهملان وسروري بذي اليتيمة قد أعـ ... ــــجر وصفي فكلَّ عنه لساني أسفرت حين أقبلت فاجتلى طر ... في وسمعي منها عروس البيان وترشفتها فبتُّ كأنَّي ... رحت منها معاقراً للدَّنان وتصفَّحتها فخيِّل لي أنِّـ ... ـــــي منها نزيل روض الجنان ثم كرَّرتها ورددَّتها حتَّـ ... ـــــــي اشتفى خاطري وقرَّ جناني قسما ما سوالف الغيد زانت ... ـــــــها عقود الجمان والعقيان وثغور الرِّياض ضاحكةً غـ ... ـــــــبَّ بكاء السماء في نيسان زارها وافد الصَّبا فتبارت ... فيه فرسان ضمَّر الضَّيمران /212 أ/ عند أهل التَّمييز في الحسن إلاَّ ... دون ألفاظها الحسان المعاني لا تسمني الجواب عنها فإقرا ... ري بعجزي إليك مدُّ بناني يا أخي يا عفيف إنَّ اعترافي ... لك في الشَّعر ظاهر البرهان لا تقس خاطري بخاطرك الخطَّ ... ـــــــار أين الثماد والرَّافدان أنت روح الأخوان في خفَّة الرُّو ... ح فرفَّه خواطر الإخوان واعفني من جواب شعرك إنَّ الشَّـ ... ــــــعر آباه مثل ما ياباني وابق فينة ودون قدرك أهل الشَّـ ... ـــــعر حتَّي حبيب وابناهاني

وكتب إليه أيضاً عن شعر له إليه وأنشدنيه: [من الخفيف] يا عفيف الدَّين الَّذي جلَّ في نظ ... ــــم المعاني ونثرها عن مثال يا صديقاً ما حاد مذ كان عن حسـ ... ــــن فعال أو عن صواب مقال قد لعمري أصفيتني الودَّ وأستنـ ... شطت بالنُّصح خاطري من عقال وتماَّكت رقَّ حمدي ومن شأ ... ن المعالى أقتناء حمد الموالي بسلاف أدار فكرك في سمـ ... ــــعي منها ما دبَّ في أوصالي /212 ب/ فعلت بي وأنة أدرى بما تفـ ... ــــعله بالعقول بنت الدَّوالي وتوهَّمتها أتتني من الجـ ... ــــنَّة لمَّا طافت بسكر حلال وتلقيت كلَّ ما أعربت عن ... ــــه بحسن القبول والإقبال وتخلَّصت حين واجهني رأ ... يك بالنُّصح من خبيث السَّعالي وتعوَّضت عنه عوَّضك اللَّـ ... ــــه بخير الأعواض والأبدال لا سقى الله صوبه لا ولا ... جاد ثري ضمَّ شبهه ببلال ثمَّ من بعد ذاك أطرقتني با ... ب الأماني بزخرف الأقوال يا عفيف الدَّين أعفني من أمور ... أنا من همَّها خليُّ البال إنَّ حظَّي لم احظ منه بإسعاً ... دوفألي بوعده ما وفى لي لي دين على الزَّمان وقدا ... نًسني منه بالمطال المطال وبقلبي منه وما بحت بالشكـ ... ــــوي جراح بطيئة الإندمال لا اروم القصاص منه ومن يبـ ... ــــغي قصاصاً من جائرٍ مغتال ورجائي في السِّلم منه فإن سا ... لمني فهو منتهى أمالي يا أخي يا عفيف حسبي بذكر أسـ ... ــــــمك راحا وراحة من لاكلال /213 أ/ عدَّ عن هذه المني إنَّما العيـ ... ــــش منام ونحن طيف خيال لآ عدمنا منك أهتماماً به جئـ ... ــــــت المعالي من الطَّريق العالي وكتب إليه أيضاً جواب أبيات: [من السريع] مالدُّرُّ زانته يدا ناظم ... والرَّوض غبَّ العارض السَّاكب

[والوشي من كفَّ صناع ولا الـ ... ــــمك علي سالفتي كاعب] أبهي لعين اليوم من روضة ... زخرفها فكر ابي طالب الألمعى الأريحي الَّذي ... سدَّت سجاياه فم العائب متى تعرَّفنا بمعروفه ... وفضلة الرَّاهن والرَّاتب أودعها من درَّ ألفاظه ... لألئاً لم تدن من ثاقب يضيء فيها للمعاني سنيً ... يعشي ضياء الكوكب الثاقب ووصف أشواق غدا قلبه ... من برحها فى نصب ناصب فاعتلقت طرفي بما أبدعت ... فيها بنان النَّاظم الكاتب ورحت مسروراً بها باسطاً ... إلى مجانيها يد الراغب إيه عفيف الدَّين يا من به ... عزّ جنابى وا حتمى جانبى /213 ب/ يا ذا النُّهى والفضل والمنطق الـ ... ـــــــفصل الَّذي أعيا علي الخاطب كم لك عندي من يد شكرها ... يعجز حصر الحافظ الحاسب أقسم بالله يمينً امرئ ... لا أفك الفول ولا كاذب وأنَّك من قلبي في منزلٍ ... ناءٍ على المصحوب والصَّاحب وأنَّك اليوم لأشهى إلى ... نفسي من عود الصَّبا الذَّاهب وأنَّ مراك له في الحشا ... لذَّة برد الماء للشارب ولو اطعت الشوق ما كنت عن ... جنابك الممرع بالغائب بقيت ما شئت البقا آمناً ... فى الدَّهر من حادثة اللاَّزب تهدى لى الشِّعر الَّذى نظمه ... يرخص سعر الذَّهب الذَّائب وتجتني شكري الَّذي نثره ... على معاليك من الواجب وكتب إليه أيضاً جواب أبيات: [من السريع] قل لعفيف الدَّين ذى المجد ... ملكت رقَّ الشُّكر والحمد ببنت فكر لك أرسلتها ... سافرة في طالع السَّعد /214 أ/ ألفاظهاً احلي من الشَّهد ... ونشرها اذكي من الندِّ

جلوتها منك بخطٍّ غدا ... فيه شفاء الأعين الرمد فقمت لمَّا أقبلت قائلاً ... لا عدم المهديُّ والمهدي أمهرتها ودِّي وافرشتها ... صدري بل أوطأتها خدَّي أعدت علي الهم ويا طالما ... قد كنت استعدي ولا معدي وسَّرت القلب وقد كان من ... قبل نجيَّ الهمِّ والوجد تفديك نفسي يا أبا طالب ... من أوحد من عصره فرد أخلاقك السَّهلة معسولةً ... في هزلكً المهلي وفي الجدَّ وذكرك الموصول بالحمد ... في حالتي قربك والبعد دان لك الشَّعر فأزريت بالـ ... ــــنظم علي الحلَّي والكندي لا غرو أن أفحمتني مثل ما ... أفحمت من قبلي ومن بعدي كيف أجاريك إلي غايةٍ ... فضلت لا يحصر بالعدَّ وذلك الشَّخص الثَّقيل الَّذي ... يصحَّف اللَّفظ علي عمد لم يكن التَّصحيف من شأنه ... وإنَّما الفخر له معدي /214 ب/ حرَّره بالهجر فقد صار من ... تصحيفه في غاية البرد وأبق علي الدَّهر تنال المني ... في عيشك المقتبل الرَّغد وله أيضاً: [من الخفيف] يا عقيق الدَّين الَّذي نلت بالو ... دَّله في الزمان جاهاً ورفعه يا صديقاً له الوفاء إذا ما ... خاننا الأصدقاء دين وشرعه حبَّذا أنت من فتي سهَّل الدَّهـ ... ــــر لنا خلقه وكرم طبعه وحبانا منه بذي أدب زا ... ن به أصله الكريم وفرعه وأمتنان في كلِّ حالاته يو ... سع في بذله ويبذل وسعه قد علًمنا حقيقةً أنَّ مطلو ... بك تقليدنا أياديك خدعه وأمرنا مسكا تجيد لنا طبـ ... ــــخ الَّذي اخترته وتحكم صنعه وتهيَّأ فأنقل خطاك إلي عبـ ... ــــــدك إذ تنقضي الصَّلاة بسرعة لأحيَّي منك المحيَّا الَّذي أجـ ... ـــــــلو علي العين منه أيمن طلعه يا أبا طالبٍ بقيت علي الأيَّـ ... ــــــام في عزَّةٍ عليها ومنعه

كيف لي أقطع الزمان وأيَّا ... مي بمرآك كلها يوم جمعه /215 أ/ والعفيف هذا؛ هو أبو طالب عقيل بن الحسن بن عقيل بن صقر من أهل حلب، ومن بيت مشهور بها. شيخ حسن طويل أسمر اللون، ممتع الحديث، فكه المجلس جيد ني نفسه؛ عده مروءة وفية تودد وحسن عشرة لمعارفه وأصدقائه. وكان يخدم متصرفاً للأمراء، ثم لزم بيته وواظب على الصلوات الخمس ويترامى إلى نظم القريض، ويتعاطي فيه. يفعل ذلك مزاحاً وانبساطاً، وله ذوق قريب ني قوله وتركيب أوزانه، ويقول شعراً ملحوناً، نازل الطبقة، وكانت بيه وبين أبي جعفر بن القيسراني الكاتب المنشئ صحبة قديمة، وصداقة وكيدة. وكان أبو طالب يحبّ أن يكاتب أبا جعفر بالأشعار ويجاوبه عنها ويداعبه ويماجنه بالأبيات النادرة؛ ولولا سقوط شعر أبي طالب واللحن الذي يقع ني أثنائه، لأوردت منه شيئاً في كتابي هذا. وكنت أفردت له ترجمةً بذاتها لما كان بيني وبيه من أكيد الصحبة والاجتماع؛ لكنَّه من الهذيان / 215 ب/ الذي لا يعتدُّ به. ومن أصلح ماله من النظم توله من أبيات كثيرة، كتبها إلى بعض أصدقائه: [من مجزوء الخفيف] نقذ الورق والورق والورق ... ففؤادي قد احترق لا تدعني أصيح مثـ ... ــــل السمامين طق طلق وكانت وفاة العفيف أبي طالب ليلة الجمعة خامس عشر ذي القعدة سنة خمسين وستمائة، ودفن بمقبرة الجبيل شمالي القلعة بكرة يوم الجمعة بتربة مخصومة بهم - رحمة الله تعالي - وسألته عن ولادته، فقال: ولدت في سنة خمس وسبعين وخمسمائة بحلب. ثم نرجع إلى ذكر أبي جعفر بن القيسراني. كتب المخلص عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم التميمي إلى أبي جعفر عند عوده من دمشق، واتفق وصوله إلى حلب قبل عيد الأضحى بيومين وذلك سنة تسع وأربعين وستمائة. /216 أ/ دم يا أبا جعفر مالاً لذي أمل ... يرجو نداك وعش للفضل والجود ما عدَّ غيرك إلا واغتدت غرراً ... أفعالك البيض في أفعاله السود اناي ارتحالك عنَّا كلَّ صالحه ... نادى إليها وأقصى كلَّ مقصود

لا ردَّ دونك باب الخير فاتحه ... فباب فضلك عنَّا غير مردود فأجابه أبو جعفر بهذه الأبيات 0 وأنشدنيها: [من البسيط] أمخلص الدَّين قد أوليتني مننا ... ما شكر أيسرها عندي بمحمود وقف منك على نظمٍ أدار على ... سمعي وفهمى ولبَّي بنت عنقود لقد ملكت به ودِّي الصَّريح كما ... أوردتني منه بحراً غير مورود منحتني منه جوداً ما برحت إلى ... نفائس من حلاه ثانياً جيدي والله يعلم أشواقي إليك وما ... جنت يد البعد من همِّى وتسهيدي وما نثرت بذاك القطر من دررٍ ... عليك في كلَّ نادٍ منه مشهود ويوم القي محيَّاك الجميل فذا ... ك اليوم عيدي من حسن به عيدي بقيت للفضل تبديه فأنت له ... كالماء للعود بل كالنَّار للعود /216 ب/ ومن نثره ما كتبة إلى الصاحب الإمام كمال الدين أبي القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي المدَّرس العقيلي - أسعده الله تعالى - من حمص عند توجهه إلى خدمة السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن محمد بن غازى - خلَّد الله ملكه – بدمشق، يعرّفه بوصوله: "أدام الله نعمة المجلس السامي كمال الدين؛ ولا زالت محامده مفروضة، ومننه على الأعناق مفضوضة، والمسار على سمعة وقلبه الشريف معروضة، ولا برحت يده بالإحسان مبسوطة، وأيدي الحوادث عنه مقبوضة. الخادم ينهي أنَّه سطر خدمته هذه من حمص وقد هبَّ عليه من /217 أ/ حمص، وقدم عليه من نسيم الاقتراب من الخدمة الشريفة السلطانية ما أحيا روحه، وبعث إليه مسيحة، وهاج أشواقه وتباريحه، واستشعرت نفسه سعادة المثول بأبوابها، واستنار جبينه لما سيباشره من ترابها، وتيقن أعتاب دهره عند تقبيله عتباتها، ونجاح سعيه بوقوفه في مواقف عبيدها وأهل موالاتها، والله تعالى يقرب له ميقات الاستسعاد بمرأى عظمتها التي تخشع لها البصار، وتخضع لها

الأقدار، ويستسرّ لأنوارها الأقمار، وتتوجه الوجوه والنيات إلى كعبة كرمها، ويحلّ الرجاء بأرجاء حرمها، وتترفع الأقدار باستنزال ديم فضلها ونعمها ليسترجع الخادم بصره وبصيرته منها بنطره، ويشم لما حلَّ حالة من سماء إحسانها ديمة ثَّرة، ويرد بحر كرمها الذي يقذف بدر الأنعام من معدنها، وتأخذها بقوة، ويأمر قومة أن يأخذوا بأحسنها، ويشافه /217 ب/ بالدعاء والإخماد والإبتهال إلى الله تعالى، في أن يمدّ ظلّ سلطانها على العباد والبلاد، وأن يمتع الخليقة منه بتلك الخليقة، التي هي ألذّ في الأجفان وأندى على الأكباد، ويفوز بخدمة المجلس التي هي مادة أنسه، وراحة نفسه، ومشاهدة محيّاه الذي له فيه مغًنى عن قمره وشمسة، فإنَّ مسألة الشوق إليه قد أخذت بحقّها، ومسافة الصبر قد الجأته إلى أضيق طرقها. وكيف به لو أعارته الريح إليه جناحاً؟ أو لو زويت له الأرض فغدا على خدمته غدّواً ورواحاً؟ وسطرها ونفسه تعد، ويده من حجلة التأخر ترتعد. وما يدري بماذا يعتذر؟ ولا ماذا ينظر وينتظر؟ غير أنَّ نفسه واثقة بأنَّ سلطاننا - خلّد الله ملكه - شريف الطبع، كريم الصنع. لا يناقش في هذا الحساب، ولا ينافس إلاَّ في الثواب، وأنَّة إلى عادته في الأحسان أجنح، وأنَّ سجاياه الشريفة أندى وأسجح، ملكَّه الله الليالي خولاً، والأيام /218 أ/ عبيداً، وجدّد له في كل يوم جديد ملكًا جديداً، وأغنى الدنيا به عمَّن سواه كما أغنى جار البحر عن [أن] يتيمم صعيداً، وحرس نعمة المولى وأبقاها، وضاعف له أسباب السعادة وأولاها، وعطف على مكارم أخلاقه أعنَّة الثناء وثناها - إن شاء الله تعالى –". ومما كتبة إلى السلطان الملك الناصر صلاح الدين عزَّ نصره - بعد عوده من مصر، وقد بلغة عتب منه بانقطاع كتبة عنه: "أعز الله سلطان المقرّ الأشاف الأعظم السلطاني، وزاده اقتداراً وأعقبه ظفراً وانتصاراً، وأوسع الدنيا بملكه افتخاراً، وحاطه بمعقباته

الحافظات ليلاً ونهاراً، وجعل ملائكة نصره أعواناً وأنصاراً؛ ولا زالت الأقدار لأوامره معليةً، ولبعيد آماله مدنية، ولعقائل الممالك إليه مهدية /218 ب/ والى طاعته في كل مراد ومرام متهديّةً. يقبل الأرض خدمةً يعتقدها فرضاً، ويلثم العتبات الشريفة التي لا يرضى لها السماء أرضاَ، وينهي مواصلته أيام مولانا بأدعيته التي يرضى وظائفها، وينشر صحفائها. واستفتاحه أبواب القبول بدوامه على ذلك واستمراره، ومحافظته عليه في أناء ليلة وأوقت نهاره. والله تعالى يسمع ويجيب إنَّه سميع مجيب، ويقسم بالله العظيم، وبحق نعمة مولانا وحقوقها عظيمة، وكفارتها معلومة أنَّ المملوك لم يؤخر مطالعاته عن الأبواب العالية إلاَّ استصغاراً لنفسه عن هذا المقام، وإجلالاً لعظمة مولانا التي تتضاءل عندها همم الملوك العظام، وتهيبا أن يخاطب مقرّ الشرف والعظمة بما يستمدُّه من خاطر بهمّ بعده عن الخدمة الشريفة مكدود، وقلب مُحلأ عن موارد السعاداتً مطرود، وجنان تبهره أنوار تلك العظمة /219 أ/ التي إذا حاول من قلمه سجوداً، بآيات حمدها قال جبينه أنا أحقّ منه بالسجود. وعنده والله من الأسف لبعده عن الخدمة الشريفة ما لا تتخيلله الأوهام، ومن الأشواق إلى تعفير وجهة في مواطئ أقدام مولانا ما لا يطيق حصره (ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلام) ولئن أخَّره سوء حظّه، فإنه يتذمَّم إلى حلم مولاناً وعفوه بأنَّ له في ولاء الدولة القاهرة القدم المتقدمة، وعقيدة الإخلاص المستحكمة، وأنَّه مملوكها الذي ما نشأ إلاَّ في خدمة أبوابها، ولا شام غيث إحسان إلاَّ من سحابها، ولا فغر إلاَّ بالدُّعاء لأيامها فمًا، ولا أجرى في غير طاعتها قلماً ولا قدماً، ولا عرف غير سلطان الله تعالى وسلطانها

منعماً. وآماله فيها تتأكد على الدوام، وتزداد اشتداداً على تراخي الأيام، والله سبحانه يبلغه من خدمة مولانا ما يبلغه رضاه، ويفوز منه بسعادتي دنياه وأخراه. ويخلد ملك مولانا، ويضر الإسلام /219 ب/ بنصره، ويجعل أمره ني عباده وبلاده من أمره، ويسعد ممالك الآفاق بما يطلعه عليها من أنوار بدره وأضواء فجره، يغني آمال الأولياء بما يفذفه لقريبها من درّ بحره، ويبعه إلى بعيدها من متراكم قطره، والأمر أعلى - إن شاء الله تعالى –". ومما كتبه إلى السطان الملك الأشرف شاه أرمن مظفَّر الدين أبي الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب - رحمة الله تعالى - وكان قد أبلَّ من مرض ناله - على لسان السطان الملك العزيز غياث الدين أبي المظفر غازي بن يوسف بن أيوب - رحمة انه تعالى: "يقبل الأرض بالمقَّر الأشرف العالي المولويّ السُّطاني الملكي الأشرفي الشاهي - أعز الله سلطانه - ولا زالت 220 أ/ الأيام مستبشرةً بعافيته، والآمال صحيحةً بصحته، الإسلام مستعلياً بسلامته، والأقدار متقاصرةً عن نيل قدرته، والدنيا مقبلة أبداً بإقبال دولته، والتوفيق موافقاً لمماليك وأهل مودَّته، والحياة معرضةً، عن أعدائه وأضداده وحسدته. خدمةً يجدّدها علي اختلاف أحواله وطاعةً يتسربل منها ملابس إقباله، وينهي مواصلته أيام مولانا بالدعاء واختياله ني حلل السَّراء، واختصاصه بعظم الهناء، لما منَّ الله تعالى علي الإعلام والمسلمين والدنيا والدين من عافية مولانا التي أشرقت الآفاق بأنوارها، وسلامته التي عمَّت القلوب بمسارها، وصخته التي صحت بها زواجر الإقبال، واعتدال مزاجه الشرف الذي قضي للزمان وأهله بالاعتدال. ووقاية الله - تعالي - ذلك الجسم الذي هو من لطفه مجسم وإشراق شمس تلك العزَّة أضاء بها شقَّ الأمل الذي /220 ب/ كان أظلم فالحمد لله على هذه النعمة التي لا يدانيها الشكر، ولا يقوم بحقّها الوصف والنشر، وهو المحمود على لطفه

بالمملوك حيث لم يبلغه خبر التياث مزاج مولانا إلا مقترنا بخبر عافيته، وكمال سلامته؟ ولولا ذلك لتفرقت أفلاذ كبده، وبرز قلبه إشفاقًا من جلده وجلده. وهو من كل الكرم أكرم، والله تعالى يصرف عن مولانا كل مكروه، وينّور بعافيته القلوب والوجوه، ويضفي على جسمه شعار الصحة، ويخصه بالعمر الجديد المديد الفسحة، ويهدي إلى خاطره الشريف ما يهديه إلى خواطر أوليائه وممالكيه من الفرحة، ويبلغ المملوك عنه أطيب الأنباء، ويجعل الناس كلهم فداءً له من الأولياء والأعداء. والمملوك يسأل تشريفه بأوامر مولانا ونواهيه، والله تعالى يوزعه شكر أياديه، ويوفقه لحيازة مراضيه - إن شاء الله تعالى –". [918] يحيي بن سعيد بم المبارك بن عليّ بن عبد الله بن سعيد بن محمد بن نصر بن عاصم بن عباّد بن عصام بن الفضل بن ظفر بن غلاَّب بن حمد بن شاكر بن عياض بن حصن بن رجاء بن أبي بن شبل بن أبي اليسر كعب الأنصاري – صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلن – بن عمرو بن المنهال بن عديِّ بن طريف بن عبيد بن شرَّاد بن زيد بن حامد بن لبيد بن الأشجع بن الحارث بن ربيعة بن ضبَّة بن جندب بن مرثد بن جشم بن ثعلبه بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث بن مالك بن زبد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان الأزدي.

نقل هذا السب من خط تلميذ أبية، أبي الدُّر ياقوت بن عبد الله الكاتب الموصليّ - رحمة الله تعالى - أبو زكريا بن أبي محمد النحويُّ، المعروف والده بابن الدَّهَّان. كانت ولادة يحيى قبل موت أبية بثمانية أيام. وكان موت أبية /221 ب/ يوم الأحد غرَّة شوال من سنة تسع وستين وخمسمائة بالموصل. وكانت وفاة يحيى هذا - بها أيضاً – في سنة ست عشرة وستمائة، ودفن على أبيه بمقبرة المعافى بن عمران الزاهد – رضي الله عنه – ونشأ وأحبَّ الاشتغال بالعلم والأدب، ولم يزل راغباَ في تحصيله، مائلاً إليه بكلَّيته وصحب الشيخ أبا المحرم مكيّ بن رياّن الماكسي النحوي تلميذ والده، ولازمة إلى أن توفي ودرس عليه أدباً كثيراً، واستفاد منه علماً وافراً؛ نحواً وعربية وعروضاً ولغةً وأشعاراً قديمة حتى تميَّز وبرع في ذلك على أقرانه. وكان يرجع إلى جودة فهم وذكاء وفطنة، ونسخ بحطّه كتباً كثيرة أدبية. وكان فقيراً مملقاً متعذراً عليه القوت، واتصل بالأتابك عزّ الدين أبي الفتح مسعود بن أرسلان شاه بن سعود بن مودود - رحمة الله تعالي - صاحب الموصل، وولاّء التقدمّ في الرباط، وصار شيخ الشيوخ به، وحظي لديه، واكتسب منه رزقاً صالحاً، وولاّه بدر الدير أبو الفضائل لؤلؤ بن عبد الله خازناً /222 أ/ لخزانة كتب المدرسة التي أنشأها على دجلة، وألَّف عدة مجاميع باسم الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاء تحتوي على أشعار رقيقة غزليّة. وكان الناس يتجنبونه لما يرون في من المتكُّبر والتيه وشراسة الخلق والفظاظة. وكان مع ذلًك شاعراً سهل الشعر، صاحب قصائد ومقطعات. أنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي الإربليَّ بها - رضي الله عنه - قال: أنشدني أبو زكريا يحيى بن سعيد بن المبارك النحوي ابن الدّهان لنفسه: [من الطويل] وقائلة أصبحت في النَّاس شاعراً ... وقد كان يخلو من أماثلك العصر

فقلت لها: يا ويب غيرك قرَّضي ... ملامك عنَّي واهدي أنَّى لك العذر فإنَّي وان الفيت حني هابطا ... لذو همَّة من دون قمتها النسر وما جلُّ فخري بالقريض ونظمه ... ولست أمراً أسرى فضائله الشَّعر ولكنَّني شرفت نثري بمدحه ... فأحببت أن يسمو به النَّظم والنَّثر ومن كان بكرا للفضائل واجداً ... لها فخليق أن تزف له البكر /222 ب/ وأنشدني أبو محمد عبد الله بن عمر بن سعدي البوازيجي الأنصاري بحلب - رحمة الله تعالى - قال: أنشدني أبو زكريا يحيى بن معيد بن الدهَّان النحوي بالموصل لنفسه ما كتبة إلى الأمير بدر الدين أبي الفضائل لؤلؤ بن عبد الله - صاحب الموصل - على ظهر كتاب أهداه له يتقاضى رسماً كان له عليه في النيروز: [من المنسرح] مولاي يا سيَّد الملوك ويا ... أعظم من يلتجيه ملهوف قد حان رسمي فانعم عليَّ به ... فأنت بين الأنام موصوف ونقلت من خطه شعره من صدر كتاب ألغه وسمّاه "نتائج القرائح" خدم به الملك القاهر عّز الدين أبا الفتح /233 أ/ مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود صاحب الموصل - رحمة الله تعالى -: [من السريع] هل لغرامي فيك من آخر ... أم هل على صدَّك من ناصر يا رَّبة الخدر الَّتي أصبحت ... فاتكة بالأسد الخادر رقَّي لمن أصبح في وجده ... بحبكّم كالمثل السَّائر ولا تظُّني بي سلواً فما ... يخطر غيرك في خاطر واهاً لقلبي كيف ملَّكته ... غزيرةً ساحرة النَّاظر خلية عن فرط وجدي بها ... راقدةً عن جفني السَّاهر تبدي إذا ما طلعت طلعهً ... غراء مثل القمر الباهر فإن تثنت فلها قامة ... تقد قدَّ الغصن الناضر وافرة الحسن فواحسرتا ... واحربا من حسنها الوافر قاسيةً لم ترث لي من جوى ... قلبي ولا من دمعي الهامر كأنمَّا ما علمت أننَّي ... عبد الجواد الملك القاهر

القيل عزِّ الدِّين ربِّ العلا ... معطي اللُّهي حلف النَّدى الغامر /223 ب/ نجل الملوك الصِّيد خير الورى ... الزَّاري على الأوَّل والآخر مولاي يا ابن الأكرمين استمع ... مديح نحويكّم الشاعر فإن يكن قصَّر فيه فما ... له سوى عفوك من غافر لا زلت في عزٍّ منيع الذُّرى ... تكفُّ كفَّ الزَّمن الجائر ليس لما تجبر من كاسرٍ ... ولا لما تكسر من جابر وقال أيضاً: [من البسيط] قالوا: إلى م تعاني الحبَّ قلت لهم ... ما دمت حيّاً ودام الحسن في النَّاس كم تبت يوماً فيثني همتَّي رشا ... له عذار على الخدَّين كالآس إذا كلفت بمن تهوى وكان له ... وجه مليح فما بالحب من باس وقال أيضاً: [من البسيط] مازلت أطلب من دهري لقاءكم ... حتَّى إذا ما تدانى الشَّمل واجتمعا مدَّت إلينا صروف المحادثات يداً ... أوهت قوى الوصل حتى صار منقطعا فما أكتسبت سوى حزن أكابده ... عمري فليت التَّداني لم يكن وقعا وقوله يتذكر /224 أ/ الصَّبا ويتأسَّف عليه: [من الوافر] وعهدي بالصِّبا زمناً وقدِّي ... حكى ألف ابن مقلة في الكتاب فصرت الآن منحنيا كأنَّي ... أفتِّش في التُّراب على شبابي [919] يحيي بن سعيد بن محمد بن سعيد بن أحمد بن إبراهيم بن الحارث بن سليم بن أبي تمامٍ القاضي، أبو المجد بن أبي الوفاء التكريتيُّ. من ربيعة، قاضي ماردين.

حدثني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي، وقال: قاضي ماردين؛ هو يحيي بن سعيد، قدم حلب رسولاً في سنة ثلاث عشرة وستمائة، ونزل بخانكاه الملك الصالح نور الدين إسماعيل بن محمود بن زنكي بن آقسنقر - رضي الله عنه - واجتمعت به وسمعت عليه شيئاً من الحديث، وأملى عليّ من شعره. وهو شيخ حسن مفت فقيه من بيت الحديث والفقه، سمع ببغداد شهدة بنت الأبري، والرضي أبا الخير أحمد بن إسماعيل /224 ب/ بن يوسف بن محمد بن العباس القزويني، وبالموصل خطيبها أبا الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد عبد القاهر بن الطوسي، وصدر الدين شيخ الشيوخ أبا القاسم عبد الرحيم بن إسماعيل بن أحمد بن محمد النيسابوري. وكان مدرساً بمدرسة أبي الكرم محمد بن علي بن مهاجر الموصلي. سألته عن ولادته، فقال: في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وخمسمائة بتكريت، وبلغتنا وفاته ونحن بحلب في ذي الحجة من سنة عشرين وستمائة، وتوفي بماردين؛ وقيل توفي ليلة الاثنين تاسع ذي القعدة. وقد ذكره الإمام أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الفقيه الشافعي الموصلي في كتاب "طبقات الفقهاء الشافعية". وقال: ولد القاضي أبو المجلد بتكريت، وتفقه بها مدَّة وتوجه إلى الموصل وتفقه بها مدَّة على الشيخ أبي المظفر محمد بن علوان بن مهاجر الفقيه المدّرس بها يومئذ. وأعاد له الدرس بالمدرسة الفخرية على دجلة مدَّة طويلة. ثم توجَّه إلى ماردين وأقام بها وولي التدريس /225 أ/ والقضاء بها زماناً طويلاً، وتعين فيها للتدريس والفتوى والقضاء. وكانت له المناظرة بجامعها. وكان حسن السيرة، جميل الطريقة، عفيفاً في ولايته. ثم قال: وذكر لي من أثق به؛ أنه لما عزم على الحج صعد المنبر يوم الجمعة، وقال: يا أهل ماردين قد ولية عليكم القضاء مدَّة طويلة، فأسألكم بالله: إنَّ من كانت له علي مظلمة أن يقوم يطالبني بها فإن كانت من مال قضيتها، وإن كانت بسبب السلطان

تداركتها منه، وإن عجزت عن ذلك تضرعت عليه في عفوها عنّي. فضجَّ الناس بالبكاء وارتفعت أصواتهم بالأيمان المؤكدة أنَّه ليس فينة من له منك شكوى ولا يتخلفك مكروه؛ فنبلغ ذلك صاحب ماردين فعظمت مكانته عنده؛ وحجَّ في تلك السنة. وكان هو الرسول إلى ديوان الخلافة وغيره من الملوك عن صاحب ماردين، هل اآخر كلامه. أنشدني الصاحب الإمام أبو القاسم بن أبي جرادة بحلب - أيده الله تعالى - قال: أنشدنا / 225 ب/ القاضي يحيى بن سعيد بن أبي تمام التكريتي لنفسه هذه الأبيات يرثي بها أخاه فخر الدين أبا الفخر وقد توفي بتكريت في سنة أربع وثمانين وخمسمائة: [من الطويل] أيا نازلي أرض العراق لقيتما ... رشاداً ولا لاقاكما الدَّهر ذاعر ولا زلتما في غبطة وسلامة ... تجيء بكم في القادمين بشائر إذا جئتما تكريت في اللَّيل اهدياً ... سلامي إلى قبر سقته بواكر ثواه فتًى لا يخلف الدَّهر مثله ... إلى أن ينادي في البرية حاشر أبى الدَّهر أن يحيا أبو الفخر بعدما ... تولَّت من الدَّهر الخؤون مفاخر بجانبها الغربي غيَّب بدره ... ولا غزو أن الغرب [للبدر] ساتر سقى الله قبراً ضمَّ عقلاً وعفَّة ... غماماً ملثّاً قطره متواتر ولا زال مخضر الجوانب مونقاً ... تمدُّ إليه من بعيد نواظر وقولاً له إنَّي فقيد لفقده ... كأن فؤادي عند ذكراه طائر وانك إن غيبِّت عن عين ناظري ... فلست بعيدا أن تراك البصائر كفى بي حزناً أنَّ فقدك سالبي ... رقادي وأنَّ الجفن مني لماطر /226 أ/ إذا مات أهل الفضل واندرس العلا ... وضمَّ سراة العالمين مقابر وصار أخو الآداب والعقل والحجى ... وراجي حياة عمره متقاصر فلا حبِّرت للكاتبين محابر ... ولا نصبت للخاطبين منابر ولو أنَّ بالمقدار حولاً وقوة ... لما حكمت في العالمين مقادر ولكَّنه الكأس المدار على الورى ... ليشربه بالموت باد وحاضر وأنشدني أيضاً قال: أنشدني القاضي أبو المجد قوله: [من الطويل] إذا كان عودي ناظراً وشبيبتي ... لها رونق في نفسها وبهاء

وما نلت ما أمَّلته من وصالكم ... فمن لي إذا أستولى علىَّ فناء وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه وكتبها إلى صديق له: [من الطويل] وإنَّي لمشتاق إليك وأنَّني ... لأعلم أنَّ الشوق لي منك أكثر لأنَّ الَّذي اشتاقه منك حاضر ... بقلبي ومن تشتاقه ليس يحضر وأنشدني، قال: أنشدني قوله: [من المنسرح] /226 ب/ لو أنَّ كتبى إليك واصلة ... بقدر شوقي ما أحصي عددا لأنَّ ظنَّي أنَّى متى ولعت ... بى كفُّ دهري كون لي عددا وأنشدني، قال: أنشدني له: [من الوافر] ألا يا كعبة الإحسان طرّأ ... ومن هو في معانيه جماعة لئن قصَّرت في قصدي وحجي ... إليك فشرط حجِّي الإستطاعة وأنشدني، قال: أنشدني أبو المجد بن أبي الوفاء لنفسه: [من الوافر] دكرتك والحجيج له ضجيج ... علي عرفات في يوم الوقوف وأرسلت الدُّعاء وظلت أرجو ... إجابته من البرِّ العطوف ومازالت ضلوعي في أجيجٍ ... وما برحت دموعي في وكوف إلي أن قيل لي في ... نلت المنى وأمنت من أمر مخوف وأنشدني قال: أنشدني القاضي يحيي بن سعيد من شعره: [من الكامل] /227 أ/ ضحك الرَّبيع وغنَّت الأطيار ... وتمايلت بيد الصَّبا الأشجار وجرت علي زهر الرَّياض نسائم ... نسجت رقيق ثنائها الأسحار وأنشدني/ وقال: أنشدني لنفسه: [من المنسرح] سقتك دار السَّلام غادية ... صوب نداها تجود مزنته فيك إمام الهدي ومن خجلت ... شمس الضُّحي مذ بدت أسرَّته من طبَّق الأرض بالسَّماح ومن ... علت علي النَّيِّرين همَّته هو الإمام الَّذي به انتصر الدِّ ... ين وقامت للدين حجَّته

أحمد من أحمد عواقبه ... وسرَّت العالمين سيرته لازال في نعمة مؤَّبدة ... محروسة بالدَّوام دولتة ما فارق العبد تربها مللاً ... لكن لتهدي الدُّعاء بلدته [920] يحيي بن سليمان بن شاؤول، أبو زكريا الحريزيُّ اليهوديُّ. من أهل طليطلة. كان شاعراً قوي القريحةـ غزير المادة؛ له شعر كثير في المدح والهجاء. وكان رديء اللسان، خبيث الطوية؛ ما مدح أحداً إلاَّ وعاد /227 ب/ وهجاه. وصنَّف مصنفات باللسان العبري كثيرة منها كتاب "المقامات" ومقامة مفردة سمّاها "الروضة الأنيقة" باللسان العربي. وكان ذا قدرة في الشعر. وكان يعمل قصائد أنصاف أبياتها الأول بالعبري، والأنصاف الأواخر بالعربي. وكان قد طاف البلدان رجال في أقطارها؛ ثم سكن بآخرة حلب، ولم يزل بها إلى أن مات ليلة الأربعاء لليلة بقيت من ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وقد ذكره الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي - رحمة الله تعالى - وقال: ورد إربل في العشر من محرم من سنة سبع عشرة وستمائة، وحدثني أنَّ اسمة بالعبرانية يهوذا، وإنما نقله إلى العربية. وكان طويلاً من الرجال أشيب. سألته عن مولده، فقال: عمري إلى هذه السنة خمس وخمسون سنة، فانظر متى يكون مولدي؛ ثم حسب معي فأخطأ في تنزيله. يسكن بين ظهراني الفرنج، وكلامه مغربي /228 أ/ قريب عهدٍ بالخروج من بلده، تراه كأنه يعتريه سهر. وكنت أخبرت بوروده وأثنى عليه رجل من اليهود.

وأنشدني، قال: أنشدني الحريري لنفسه في التاريخ المقدّم ذكره: [من الطويل] أما أنَّة لولا مححَّبة الخدر ... لما فضحت أيدي المدامع من سرِّي وليل طرقت الحيَّ في بردة الدُّجى ... منمنم برد الأفق بالأنجم الزُّهر سريت إليها حين هوَّم قومها ... كمثل حباب إستدار على خمر تحيط بها بيض الصوارم والقنا ... وأسد من الأبطال دامية الظفر وثغر المنايا باسم عن أسنَّة ... ويسفر عن خدٍّ من السَّيف محمرِّ وقد برزت في حلة ذهبيَّة ... كما اشتبكت زهر النُّجوم على البدر جنيت بها في جنَّة الحسن زهرهاً ... بمخصبة الأرداف مجدبة الخصر لثمت بها هيفاء ريميَّة الطُّلي ... مداميَّة الألمى حبابيَّة الثَّغر ثم قال أبو البركات: هذا منقول من قول المعتمد محمد بن عبّاد – ملك الأندلس -: [من الطويل] /228 ب/ وكم ليلهٍ قد بتُّ انعم جنحها ... بمخصبة الأرداف طيَّبة النَّشر عاد شعر الطليطلي: وبنتا يفرش الوصل ليلاً وفوقنا ... لحاف فراش مزَّقته يد الهجر وقد لاح وجه الصُّبح حسناً كأنَّه ... بشاشة وجه الملك ذي النَّائل الغمر تبسَّم للقصَّاد جوداً وكفُّه ... تبسَّم فيها النَّصل عن مبسم الثَّغر وللسف في يمناه لمح كأنَّه ... شهاب بها ينقضُّ أو قدر يجري بحدَّيه أثار النَّجيع كأنَّها ... شقائق نعمانٍ على ضفَّتي نهر مليك يلوذ الملك منه بأصيد ... صقيل فرند الحمد والعرض والبشر عليه يمين أن تجود يمينه ... يبذل اليد العذراء والفتكة البكر

بعزم يهدُّ الطود هدّاً ونجده ... تهزُّ قدود السُّمر في كلل حمر قال أبو البركات إلى هاهنا أنشدني ولم أسمعها منه. وأنشدته عنه قوله: [من الطويل]. وذي قلم إن صال يوماً بكفِّه ... نسيت به فعل الردينيَّة السُّمر /229 أ/ بياض معانيه بسود سطوره ... يريك صباح الوصل في ليلة الهجر لبيب فما تدري أرأياً لحادث ... يدِّبر أم سهماً إلى غرض بيري يقسِّمه جود يفيض ودهمَّه ... فمن منهل غمر ومن جبلً وعر رميت بامالي إليه وإنَّما ... حملت بها المرعى الجديب إلى القطر وأنشدني أيضاً قال: أنشدني الحريزي لنفسه يمدح السلطان الملك الأشرف شاه أرمن مظفر الدين أبا الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب - رحمة الله تعالى -: [من الكامل] بسيوف عزمتك القضاء يصول ... ومضاء بأسك في يديه نصول لفرند سيفك من بهائك رونق ... بكليهما ماء الجلال يجول قد حزت بأسك مع ندى لكليهما ... أبداً سيوف تنبري وسيول فلقد ثنيت اللَّيث وهو فريسة ... ولقد تركت الغيث وهو نحيل ولئن ذكرت على العدا يوم الوغى ... من ذكر كم نفس الكماة تسيل /229 ب/ ما لي وشرح خلالكم فخلالكم ... كالصُّبح لا بيغى عليه دليل لكنَّ وصفك مفحم أهل النُّهى ... سَّيان فيه عالم وجهول قال العدا ما لليود د وللندى ... فأجبتهم أخطاكم التَّحصيل ما شقَّ موسى بحر جود للورى ... إلاَّ ليعبر فيه إسرائيل وأنشدني أبو الفتح محمد بن أبي الخير بن أبي المعمرَّ بن إسماعيل التبريزي بإربل - رحمة الله تعالى - قال: أنشدني أبو زكريا يا بن سليمان الحريري لنفسه: [من الكامل] أرض سقت غيطانها أعطانها ... وزهت على كثبانها قضبانها سلبت فؤادي حورها ونحورها ... وسطت بنا ولدانها ولدانها

ثملت بكأس عقارها أزهارها ... حتَّى أغتدى حيرانها ريحانها ولثن جلا آثارها آدارها ... فلقد حوى إحسانها نيسانها والشمس بالحمل المنير تزينَّت ... لمَّا رأت ما زانها ميزانها /230 أ/ وكواعب سلت صوارم لحظها ... فكأنَّما أجفانها أجفانها ولقد تلألأً درُّها بنحورها ... وزها بجيد قيانها عقيانها فتكت بالباب الكماة فسيفها ... من طرفها وسنانها وسنانها لم تبق شخصاً بالبسيطة سالماً ... إلاَّ سبى إنسانها إنسانها خود نفور نافرت أقراطها ... رحلت بها خلانها خلانها فاشرب بأرضٍ غازلتها مزنة ... فكأنَّما هتَّانها فتانها فتعاشقت وتعانقت أفنانها ... وتصافحت وتناوحت أغصانها تصاخبت وتجاوبت أطيارها ... وتداولت وتبادلت ألحانها وتنسَّمت وتبسَّمت أيامها ... وتهلَّلت ووتكلَّلت أزمانها بمديرها ومنيرها ومجيرها ... ومعيوها حسناً جلاه عيانها بحكيمها وعميمتا وكريمها ... وزعيمها عقدت له تيجانها دوح المنى عذب الجنى عالي السَّنى .. سحب الغنى يروى بها ظمانها فتجدَّدت ببهائه أيَّامها ... وتوطَّدت بعلائه أركانها جادت يداه حيا نداه على النفر س وما أنجلى حتى أنجلى حرما نها /230 ب/ ليث الشرى غيث الورى نجم السُّرى ... نار القرى تعشو لها ضيفانها فجماله أعماله ونواله ... أمواله سؤاله خزَّانها شهم غدا هدى الهدى إن أوقدا ... نار النَّدى قلب العدا قربانها بجنابه نشر الهدى راياته ... فحكى قلوب عداته خفقانها عزم سما، باري السّماء ماضي الشَّبا ... مهما الظُّبا ليس الدُّمى غربانها يا كاملاً بل فاضلاً يا فاعلاً ... ما قصَّرت عن فعلة أعيانها أنعم بعيد بل سعيد في مزيـ .... ـــــــد من أيادد أينعت أفنانها لك في المآثر دولةً بل صولة ... بل جولة حاًز المدى فرسانها

[921] يحيي بن عبد الله المَّرج بن درع بن الحسن بن الخضر بن حامد، أبو زكريا بن أبي القاسم التغلبي قاضي تكريت، والمدرس بالمدرسة النظاميَّة. إمام من أئمة المسلمين، ومن خيارهم. كان فاضلاً عالماً كاملاً فقيهاً، شافعي المذهب قارئاً مفسراً نحوياً لغوياً عروضيا شاعراً أديباً مترسلاً، جامعاً لأشتات الفضائل، قيّماً يفتق المسائل /231 أ/ اشتغل بتكريت على والده بحفظ القرآن العزيز والأدب، وشيء من الفقه. وبالحديثة على أبي محمد عبد الرحمان بن محمد البلخيّ. ثم انحدر إلى بغداد فصحب الشيخ أبا النجيب السهروردي، والشيخ يوسف بن محمد الدمشقي والرضي أبا الخير أحمد بن إسماعيل القزويني، وقرأ إصلاح المنطق على الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن الخشاب النحوي، واشتغل مدَّة مقامه ببغداد؛ ثم عاد إلى تكريت. وكان قد برز في علم الفقه والأدب، وولي قضاء تكريت مدَّة طويلة مع حسن سيرة واشتهار بالفضل والعفَّة والديانة والتفنن في العلوم. وكان يدرس ويفتي ويحكم؛ ثم استدعي من ديوان الخلافة إلى بغداد، وولي تدريس المدرسة النظامية، وذكر الدرس بها في يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الآخر من سنة سبع وستمائة. ورد إليه النظر في الوقوف التي تختص بالمدرسة النظامية أيضاً، واستناب ولده الأكبر في تولي الوقف ولم يزل على التدريس بالنظامية /231 ب/ إلى سنة أربة عشرة وستمائة فصرف عنها؛ وولي مكانة محيي الدين أبو عبد الله محمد بن يحيي بن فضلان البغداديُّ الفقيه الشافعي، فسكن القاضي رباط شيخ الشيوخ إلى أن توفي به، ولم يزل مقبلاً على الاشتغال بالعلم والعبادة على أحسن طريقة، وأجمل سيرة. وكانت وفاته عشية الاثنين ثامن شهر رمضان سنة ست عشرة وستمائة. ودفن يوم الثلاثاء غربيها بمقبرة الشونيزية - رحمة الله تعالى -

وكانت ولادته بتكريت في مستهل المحرم منة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وتخرج به عالم كثير من التلامذة. وكان شيخاً كيساً لطيفاً في محاورته، ظريفا في مجالسته، حسن الإيراد مليح العبارة، ذا وقار وسكينة وهيبة؛ وله من التصانيف كتاب "تفسير القران العزيز" ينيف على عشرين مجلداً، وكتاب "الحقير الناقع على مذهب إبن شافع" وكتاب /232 أ/ "اللُّهنة في إزالة اللكنة" في النحو، وكتاب "التقريب في بضاعة الأديب" في صناعة الشعر، وكتاب في "العروض والقوافي"، وكتاب "الاختصاص في التاريخ الخاص" يدخل في ست مجلدات قصره على ذكر مشايخه الذين قرأ عليهم وتلامذته الذين قرأوا عليه، وأتبعه بذكر أقاربه وأهلة وأشعار ورسائل ومكاتبات إلى أصدقائه في المنظم والنثر وغير ذلك. ومن شعره ما أنشدني ولده شرف الدين أبو محمد عبد الو هاب بن يس التكريتي بالموصل في سنة اثنتين وعشرين وستمائة - رحمة الله - من لفظة وحفظة، قال: أنشدنا والدي لنفسه هذه الأبيات كتبها في صدر رسالة طويلة أنفذها إلى بعض الكبراء: [من الطويل] ألمَّ وغربيب المدُّجنَّة مغدف ... خيال سليمى طارقاً يتعسَّف نفانف لا يقطعن بالعيس كلَّما ... مضى نفنف منها تعرَّض نفنف /232 ب/ هجولاً تناصيها الهواجل ما بها ... أنيس سوى جنٍّ تجول وتعرف وربد وعور هادجات ونعب ... وبوم إذا ما جنَّه اللَّيل يهتف وقد هاج صرٌّ والسَّماء عرية ... عشَّية ليل يومه ظلَّ ينطف فساور عول البيد غير مخادرٍ ... وناكر هول اللَّيل لا يتخوَّف على حين حلَّ الحيُّ منها بواحف ... ومن دونها مجهولة ليس تعرف والت سليمي حلفةً ما تحلّها ... بأن لا تزال الدَّهر تجفو وتصدف ونائي القلي شرُّ البعادين مطلباً ... لأن المطايا قطعة لا تكلَّف فجاب الفلا بعد الفلا متعسَّفاً ... ومن أين يدرى ما الفلا والتعسُّف إلى مدنف مضًنى ليهنا رقاده .. وقد كاد يضنه الضَّنى والتَّأسف

براه الهوى حتَّى تنكَّر شخصه ... على النَّاس لولا أنه يتعرَّف وما كان طمَّاحاً إلى وصل غادة ... ولا شفَّه قدماً قوام مهفهف ولكن سليمى حين مرَّت كأنهاًؤ ... غزال بمنظور الصّريمة أهيف ومنها قوله: تكلَّف حبّا ثمَّ صار سجَّية ... وأوّل أحوال المحب التكَّلف /233 أ/ وطال على ذي الهمَّ حتَّى كأنَّما ... بلا وسط ليل على اللَّيل يعطف وأنشدني أيضاً من لفظة وحفظة وأملاه عليّ، قال: أنشدني والدي الإمام يحيي بن عبد الله لنفسه: [من البسيط] لأبد للمرء من ضيق ومن سعة ... ومن سرور يؤاتيه ومن حزن والله يطلب منه شكًر نعمته ... مادام فيها ويبغًي الصبر في المحن فكن مع الله في الحالين معتنقاً ... فرضيك هذين في سرٍّ وفي علن فما على شدَّة يبقى الزمان فكن ... جلداً ولا نعمة تبقي على الزَّمن وأنشدني أيضاً قال: أنشدني والآي وقد سئل عن حركة الأمر، فقال: [من الرجز] لألف الوصل ضروب تنحصر ... في الفتح والضَّم وأخري تنكسر فالفتح فيما كان من رباعي ... نحو أجب يا زيد صوت الدَّاعي /233 ب/ والضَّمُّ فيما ضمَّ بعد الثاني ... من فعلة المستقبل الزَّمان والكسر فيما منه ما تخلَّى ... إن زاد عن أربعة أو قلاًّ وأنشدني أبو نصر عبد الرحيم بن يحيي التكريتي ببغداد، قال: أنشدني والدي من شعره: [من المتقارب] تأمل إذا قلت ماذا تقول ... فإنَّ لكل مقام مقالا ولا تأت ما لست من أهله ... فإنَّ لكلَّ رجالً ل نعالا وسل إن سألت الَّذي يستطاع ... لتعطي وإلاَّ أضعتً السُّؤالا وحاذ قريبك قبل البعيد ... فإن من الأهل داء عضالا

وأنشدني الشيخ العلامة الإمام الزاهد أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد الفقيه الشافعي المدرس النصيبي العدوي يثغر حلب إملاء من لفظة وحفظة في شوال سنة /234 أ/ اثنتين وأربعين وستمائة - أسعده الله تعالى - قال: أنشدني القاضي تاج الدين أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن المفّرج التغلبي التكريتي - رحمة الله تعالى - لنفسه ببغداد: [من الهزج] تعلَّم من ذوي الحكمـ ... ــــة وأعمل بفتاويهم فقد قالوا لمن يرغـ .... ــــــب في مثل مساعيهم إذا سدت على قومـ ... ــــــك علماً لا تقم فيهم فإنَّ الحي لا يطر ... بهم صوت مغنيهم وأنشدني الشيخ العالم أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصلي الفقيه الشافعيُّ يحلب - أيده الله تعالى - قال: أنشدني /234 ب/ القاضي الإمام أبو زكريا يس بن عبد الله التكريتي لنفسه من جملة مقطعاته: [من الكامل] لي في الربوع وما بهن أنيس ... قلب ودمع مطلق وحبيىس هذا يد الأشواق تحلب درَّه ... ولذاك من حرِّ الفراق وطيس شكواي لو نفعت شكاتي فرقة ... أضنت وشوقي في الحشا موسوس داءان ما اجتمعا لحيٍّ فانثنى ... حياً ولو د داواه جالينوس وقال أيضاً: [من المتقارب] عزائم صبري فرَّقتها ... وألفت بيني وبين السُّهاد وصيَّرتني مثلاً للأنام ... أداول ما بين حضر وبادي فشهر وصالك طيف الخيال ... ويوم صدودك يوم التَّنادي وحسبك أنَّي على ما علمت ... إلى ما حكمت لسهل القياد فقتلي حياتي إذا شئته ... وعلمي بأنَّك راضٍ مرادي وقال أيضاً: [من البسيط] هل لي على أن أسحَّ الدَّمع أعوان ... هذا الغوير وما بالدَّار سكَّان /235 أ/ ما أو حش الربع بعد الطاعنين وان ... تأنَّست فيه أطيار وغزلان

ترى يكون لعود الدَّار آهلة ... يوم وهل لاجتماع الشَّمل إَّبان واخيبة السَّعي ما عندي سمحت به ... وعزَّتي في الَّذي أبغيه وجدان قف ساعة أيَّها الحادي فقد نشأت ... للقلب منِّي صبابات وأحزان واسأل أثيلة سفح المنحني بهم ... فربمَّا اخبرت عنهم متي بانوا قل للشَّموت توقَّع فرقةً أمماً ... إن نمت هوناً فصرف الدَّهر يقظان فالمرء ما عاش تطويه وتنشره .. من الزَّمان مسرَّات وأحزان يا راقداً وبقايا اللَّيل قد طويت ... إلي متى أنت بعد الصُّبح وسنان حيران غيِّك أمسى فيك مهتدياً ... والرُّشد عندك أضحى وهو حيران تصرَّم العمر فاستدرك بقيَّته .. وفي التدارك إن حاولت إمكان [922] يحيي بن عبد الرزاق بن يحيي بن عامر بن شجاع بن كامل، أبو البقاء الكنانيُّ المقدسي الخطيب كانت ولادته بأودلا قرية من قرى نابلس في جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. ونشأ ببيت /235 ب/ المقدس - حمى الله حوزته - ونزل عقربا من الغوطة. وتولّي خطابتها سنين كثيرةً. وكان أبوه قبله خطيبها. واستظهر الخطيب أبو البقاء القرآن المجيد، وقرأ طرفاً من الفقه على مذهب الإمام الشافعي - رضي الله عنه - وسمع الحديث النبوي كثيراً وقرئ عليه ببغداد ودمشق وديار مصر. وأجاز لمن سمع منه، وله مشايخ يكثر تعدادهم. وأنشأ خطباً، ونظم شعراً. وكانت له منزلة لطيفة عند ملوك الشام بني أيوب ينفذونه إلي البلاد وأطرافها رسولاً. وتوفي بدمشق حين حاصرها معين الدين بن شيخ الشيوخ نيابةً عن الملك

الصالح نجم الدين أبي الفتح أيوب بن محمد بن أبي بكر بن أيوب - سلطان الديار المصرية - وكان بها يومئذ الملك الصالح إسماعيل بن أبي بكر بن أيوب متغلباً ثامن عشر محرم سنة ثلاث وأربعين وستمائة. ودفن بجبل قاسيون - رحمة الله تعالي _. أنشدي أبو عبد الله محمد بن يحيي بن عبد الرزاق الدمشقي يحلب في المدرسة /236 أ/ العصرونيَّة في ربيع الآخر سنة خمس وأربعين وستمائة، قال: أنقذ الملك الأمجد أبو المظفر بهرام شاه بن فرخشاه بن شهشاه بن أيوب - صاحب بعلبك - والدي ني رسالة إلى مدينة السلام في سنة اثنتين وعشرين وستمائة بهنيء الظاهر بأمر الله أبا نصر محمداً بتوليته الخلافة ويعّزي بوفاة والده الناصر لدين الله بعد إنشاء خطبة وتقديم كلام منثور، وقال: سمعتها من لفظ والدي وهو يوردها غير مرَّة، وأتبعها بهذه الأبيات: [من السريع] جئت أعزَّي وأهنَّي معاً ... بالسَّالف الماضي والباقي هماً إمامان فمذ غاب ذا ... بدا لنا ذاك بإشراق هم أمناء الله في أرضه ... لبيعه أو أخذ ميثاق دام إمام الأرض فيها لنا ... ورحمة الله علي الَّراقي [923] يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علىٍّ، أبو الحسين المصريُّ، المعروف /236 ب/ بالجزار.

لم أسمع شعره إلاَّ من الصاحب الإمام أبي القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه بحلب - أدام الله سعادته - لأنَّه لمَّا عاد قافلاً من ديار مصر إلى حلب في سنة ثمان وثلاثين وستمائة. وكان سافر إليها رسولاً من قبل السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف – خلَّدا الله ملكه – فاقام يها نحو ستة أشهر؛ فدخلت إليه مهنئاً بالقدوم والسلامة، وتجارينا في الأحاديث والمذاكرة. ثم سألته عن من شاهد ولقي بتلك الديار من الشعراء الذين يشار إليهم ني الشعر المستجاد؛ فذكر لي جماعة كثيرة منهم هذا الجزّار الشاعر، وأثنى علي شعره، وتمكنه من استنباط المعاني اللطاف ووصفه بالشاعر البارع، وأنَّة لم يكن له نظير في زمانه، وذكره ذكراً جميلاً. ثم أشار إلى بعض غلمانه فأتاه بكتاب فدنعه إليّ؛ ؟ وهو مجلد لطيف الحجم من أشعار الجزار سمَّاه /237 أ/ "تقطيف الجَّزار" قد كتبه ناظمه خدمةً له وسمعه منه جميعه. يشتمل علي أغراض غريبة، ونكت طريفة من مديح وهجاء ومجون وهزل، وأغراض مختلفة النعوت والأوصاف ناستطرفته جداً، واقتضبت من أثنائه ما ينبغي أن يسطر ويثبت؛ فمن ذلك قوله يمدح أمير المؤمنين المستنصر بالله أبا جعفر المنصور بن محمد بن أحمد - رضي الله عنه-: [من الكامل] بمدائح المستنصر بن محَّمد ... نافست كلَّ مرجز ومقصَّد

خير الخلائف من بني العبَّاس قد ... ورث الخلافة سيَّدا عن سيَّد الله شرِّفه وشرَّف بيته ... وحمي به دين النبَّي ومحمَّد سل عنه آيات الكتاب تجد له ... نبأ عظيما في العلا والسؤدد وإذا غدا القاري ورجَّح مدحه ... أغناه عن ترجيح لحن المنشد من معشر للدِّين والدُّنيا بهم ... شرف يروح به الفخار ويغتدي ولكم أتينا فيهم من آية ... ولكم أتانا من حديث مسند /237 ب/ ما شكَّ في تفضيلهم إلاَّ امرؤ ... بالغيَّ ضلَّ عن السَّبيل الأرشد وكذاك أنَّ الشمس يطرف جفنه ... للعجز عنها كلُّ طرفٍ أرمد ومنها يقول: يا أبن الأئمَّة دعوةً من مادح ... نادى نداك على مدًى مستبعد أملي يقربني إليك مع النوى ... يا من بذيل رجائه علقت يدي أرجو نداك مع الخمول وربَّما ... كان الحيا حظَّ الحضيض الأوهد واحسرتا لو أنَّ لي سبباً إلى ... ذاك الحمى لأكون أوَّل منشد ولئن أرى وجهي يعفَّر في ثرىً ... كالمسك مبثوثاً بفرق الفرقد ولقد بعثت بها قصيداً لفظها ... كالدُّرِّ إذ وافى بسلك منضّد وجعلتها يوم الحساب ذخيرتي ... فاشهد بها عند ابن عمَّك في غد وقال يمدح صدر الدين ابن القرميسيني: [من السريع] بان اصطباري والكرى منذ بان ... بدر دجًى يحمله غصن بان شاهده القلب وان كان ... قد غيِّب واستوحش منه العيان /238 أ/ لاقيت من بعد فراقي له ... وجداً شجاعا بسلو جبان ما ضره لو كان ن للصبِّ من ... خوف تجَّنيه عليه أمان واحرَّ قلباه وللعين في ... خدَّيه من حسنهما جنَّتان

في صدغه الآس وفي خدهِّ الـ ... ــــــــورد وفي مبسمه الأقحوان أسكنته قلبي وفيه لظًي ... والحور لا تسكن إلاَّ الجنان له من الَّصدر مكان وللـ ... ـــــــصدر من العلياء أعلي مكان العالم العامل والفاضل الـ ... ـــــفاصل حكماً بوجيز البيان والناظر اليقظان اغنته عن ... سود جفون اللَّحظ بيض الجفان والكامل الفضل السَّريع النَّدى ... الوافر العرض البسيط البنان عودِّ بسط الكفِّ حتَّى لقد ... عجبت منها عند قبض العنان وخلقه ينبئك بالحسن عن ... أسرار أخلاق لديه حسان ذو طلعة كالبدر في التمِّ بل ... كالشِّمس لولا هالة الطَّيلسان لو جمع الرَّحمن شملي به ... تفرَّقت عني صروف الزَّمان وقال فيه أيضاً يمدحه: [من الرجز] /238 ب/ أقبل مثل البدر في تمامه ... تحفُّه الهالة من لثامه ومزَّقت انواره ثوب الدُّجى ... مذ اطلع الأنجم بابتسامة وماس فاشتاقت غصون البان ان ... تنقل ذاك اللِّين عن قوامه أصمي قلوب العاشقين طرفه ... ظلما بما فوَّق من سهامه يا جفنه رفقاً بصب مدنف ... سقمك أضحى الأصل في سقامه وأنت يا أعطافه هل عطفهً ... علي مشوق القلب مستهامة من لي بمن في خدِّه نار حياً ... فوق لهيب دام في اضطرامه كم ليلة أسكرني بريقة ... اغنت بكأس الثغر عن مدامه وبتُّ لا أجزع من حراسه ... إذ فرعه أبدي دجي ظلامه وبيننا طيب عناق طالما ... ألزمني شوقي بالتزامه هذا هو العيش الَّذي وددت أن ... لو ساعد الدَّهر علي دوامه تلك ليال بل لآل شرَّفت ... جيد زمان كنَّ في نظامه كنت بها فًي لذَّة الأمن كما ... غدت رعايا الصَّدر في أيامه

الآمر النَّاهي الَّذي عزمته ... تخدمها الهمَّة باهتمامه /239 أ/ والناظر اليقظان وجداً بالعلا ... فاعذره إن اعرض عن منامة صدر به لله سر مودع ... تذيعا الحكمة من أحكامه عزائم ردَّ بها الأيام من ... اعو انه والدَّهر من خدّامة ونقطة قد حصَّه الله بها ... توحي إليه الغيب من إلهامة وسطوة لو نظر اللَّيث بها ... لأعمل الحيلة في إحجامه وقال أيضاً وقد اكتسب بالشعر ثم عاد إلى الجزارة، فعاتبه على ذلك بعض أصحابه: [من الخفيف] لا تلمني يا سيدي شرف الدِّيـ .... ـــــــن إذا ما رأيتني قصَّابا كيف لا اشكر الجزارة ما عشـ ... ــــت حفاظاً وارفض الآدابا وبها أضحت الكلاب ترجِّيـ ... ــــني وبالشعر كنت أرجو الكلابا وقال أيضاً: [من الرمل] يا لقومي أنا من فقـ ... ــــري في أنحس حاله /239 ب/ حين آلى الدَّهر انَّـ ... ـــــي لا أري من فيه آله ضاق صدري وأضرَّت ... بي مع الفقر البطاله وارى الآمال للمر .... ء وإن لذَّت علاله وأبي قد بات منَّي ... يسأل الله الإقاله ملَّني فقراً وإن كـ ... ــــان شفيعاً لا محاله كلَّ يوم أطرق الخَّـ .... ــــباز منه بحواله فرغت دكانه لو ... انها دار الوكاله وقال غي رجل اسمة الوجيه طلب منه فصاً من الكتان ومطلة به: [من الطويل] طلبت من الكتان فمّا فجات لي الـ ... ـــــوجيه بوعد عوَّض المن بالمين

إذا جئته يدعو عليه لسانه ... إذا قلت أين الفص، قال: علي عيني وقو له في النجم بن عديسة، وقد ادعى الشعر ووالده يعرف بالمعلم: [من المتقارب] /240 أ/ ارى النجم نجل عليَّ غدا ... يذكَّرنا من مضى قبلة هو أبن المعلَّم عند الفخار ... وعند القريض هو الأبله وقال أيضاً: [من مجزوء الكامل] من منصفي من معشر ... كثروا علي وكثَّروا صادقتهم وارى الخرو ... ج من الصداقة يعسر كالخطَّ يسهل في الطرو ... س ومحوه متعذر وإذا أردت كشتطه ... لكن ذاك يؤثر وقال أيضاً: [من السريع] إن كنت ممن راعني هجركم ... أو وصفت ذرعاً بتجنيكم فلا أدام الله لي سلوةً ... وردَّد قلبي عاشقاً فيكم وقال في أمرد يعرف بابن النعيم: [من السريع] يا أبن نعيم دام ذَّمي لما ... سلكته من قبح منهاج خالفت من رًّباك في فعله ... إذا أنت دخَّال ابن خراَّج /240 ب/ وقال علي باب بعض الأمراء: [من المتقارب] أمولاي ما من طباعي الخروج ... ولكن تعلَّمته بالخمول وصرت أروم لديك الغني ... فيخرجني الضَّرب عند الدُّخول

وله في مسلماني لا يبرح في يده كتاب: [من الكامل] قالوا: النُّعيل وان تبيَّن غيُّه ... للعالمين وغاب عنهم رشده يمشى وفي يده كتاب قلَّما ... علم أمرؤ في حملة ما قصده فأجبتهم لا تعجبوا من فعلة ... فأبوه من أهل الكتاب وجدُّه وكتب إلى شرف العلا هاشم بن الأشرف العلوي: [من الكامل] شرفت بك العلياء يا شرف العلا ... لمَّا علوت بها جميع العالم والكامل الملك ارتضاك لعزمة ... أغنته عن سمر وبيض صوارم فاحرس برأيك مجد دولتة الَّذيً ... مذ شدته لا يستطيع لهادم فاجمع به شمل الفخار فإنَّما ... بمحمد كمل الفخار لهاشم /241 أ/ وكتب إليه وقد أمر له بغلَّة فوجدها قديمة: [من الوافر] كتبت لنا بذاك البرِّ برًّاً ... وقصد في الثَّناء وفي الثَّواب فكدَّر صفوه الكيَّال حتَّى ... بقينا منه في عجب عجاب وجدناه عتيقا وارتضينا ... به إذ [عاد] وهو أبو تراب وأخبرني الصاحب الإمام أبي القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله العقيلي الفقيه الحنفي المدرس – أيده الله تعالى – بحلب، قال: كنت بالقاهرة جالساً في المنزل الذي نزلت به في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وستمائة. وكان قد أهدي إلي السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن محمد بن أبي بكر رطباً جاءه من قوص هدية مع المفرد الذي يصل ببشارة النيل /241 ب/ وكان الأديب أبو الحسين الجزار حاضرا قد جاء في، وقد قرب رحيلي عن القاهرة يشكو إلي ما يجده من الوحشة لقرب الفراق،

فقدمت للجماعة شيئا من ذلك الرطب، فارتجل أبو الحسين الجزار بيتين وهما: [من مجزوء الرجز] أطعمتنا التَّمر الَّذي ... للبركات قد حوي لله ما أطيبه ... لو لم تشبه بالنَّوي وكتب للأمير شرف الدين يعقوب سأله عن المجد وكيل الأمير سيف الدين علي بن قليج: [من الخفيف] سيدي أنت هل أتأك من المجـ ... ـــد لذاك الحديث عنَّب جواب أو تناسى أمري وحاشا معاليه ... فيسري إليَّ منه عتاب /242 أ/ أدركوني فبي من البردوهم ... ليس ينسى وفي حشاي التهاب البستني الأطماع وهما فها جسـ ... ــــمي عار ولي فريً وثياب كلما أزرقَّ لون جسمي من البر ... د تخيَّلت أنَّه سنجاب وأنشد الأمير شرف الدين يعقوب، وقد مطلة بوعد: [من الكامل] يا أيها المولى الَّذي لندى ... كفَّيه كلُّ الجود منسوب لا غرو أن أصبحت تأمر بالـ ... ــــصبر الجميل وأنت يعقوب وقال أيضاً: [من الخفيف] أنا في راحة من الآمال ... أين من همَّتي بلوغ المعالي لي عجز أراح قلبي من الهـ ... ــــم ومن طول فكرتي في المحال

طاب عيشي والحمد لله إذ كنـ ... ـــن له حامداً علي كلَّ حال ما لباس الحريرير مما أرجَّيـ ... ــــه فيرجي ولا كوب البغال راحة السرَّ في التخلَّف عن كـ ... ــــلَّ محل أضحى بعيد المنال إنَّ عزَّ الإنسان في تركه العـ ... ــــزَّ لذُّل في مبتدى الأحوال /242 ب/ يا معيني على الزَّمان أعنِّي ... فلقد قلَّ عن سطاه احتمالي كل يوم أسعي ولكن بلا نفـ ... ـــــع فسيَّان فرغتي واشتغالي عملي دائم ولي سيرة في الدَّ .... هر تروي كسيرة البطَّال وقال في صدر الدين بن القرميسيني: [امن الكامل] والقصر إن عداك في العصر ... وقد انتهوا لبداية الحشر ظلموا فما ابقوا لهم وزاً ... ينجي ولا سلموا من الوزو كفروا صنائعك الَّتي أشتهرت ... فيهم فتلك عقوبة الكفر ظهروا لنورك وهو شمس ضحًى ... فتضاءلوا كتضاءل الذَّرً مكروا وفد الإله بهم ... شتَّان بين المكر والمكر دعهم فلا برح التَّغابن من ... حسد يواصلهم إلى الحشر وأنشد إذا ما زرت تربتهم ... متكتَّماً في السِّر والجهر ماتوا بغيضهم وما ظفروا ... بمرادهم واضيعه العمر تالله ما أخَّرت مدَّتهم ... إلاَّ لكسب مثوبه الصَّبر /243 أ/ زلرأفة ردَّت سطاك بكـ ... ــــفِّ الحلم عند النِّهي والأمر ومن العجائب كونهم جهلوا ... أنَّ العلوم وديعة الصَّدر لله درك كلُّ ممتدح ... لعلاك قد ضاهى آبا ذر ٍّ لولا أخاف الله قلت لمن ... يروي مديحك أتل يا مقري حجت لك العافون فازدحموا ... كتزاحم الآمال في الفكر نالوا المنى بمنى جنابك فاخـ ... ــــتاروا المقام بها عن النَّفر

وقال أيضاً: [من الكامل] إفعل ما أنت أهله ... يا من لديه الفضل كلًّه يا حاكما عمَّ الرَّعيـ ... ـــة بعد ظلم الغير عدله يا من تشرَّفت المحلَّـ ... ـــة إذا غدا فيها محله مولاي لا تبد اشتغا ... لا عن محبٍّ أنت شغله ضاقت عليه يا رجيب .... الصدر منذ رحلت سبله كفرت به الأصحاب إذ ... ألأوارقه بالشٍّعر رسله وتباعدت عن قربه ... أخوانه وجفاه أهله /243 ب/ وإلي متي طمعا يصرِّ ... ف جدَّ هذا الوقت هزله ما بين قوم لا يعـ ــــزم عليهم في الدَّهر ذلُّه وإذا ارتضي الإنسان يو ... ما بالخمول فأين فضله مولاي صدر الدَّين يا ... من فرعه زاك وأصله يا منعماً عم الوري ... في الدَّهر نائله وبذله بك في الزَّمان المسغا ... ث من الزَّمان أشتد محله مولاي دعوة من غدا ... متبدِّداً مذ غبت شمله يدعوك لما أن تنا ... قص صبره وازداد خبله فأجره من زمن يرا ... م نداه والمعهود بخله زمن مدامعه المدا ... مه فيه والزفرات نقله وتباً لعيش قد تنغَّـ ... ــــص شربه فيه وأكله ولباسه خلق تبـ .... ــــرا كفُّه منه وشلُّه وغدا دروزا مقناً .... يالغاش والخيَّاط قمله فهو الصَّحيح وإنَّما ... جلدي المفتَّق منه كلُّه /244 أ/ فأجر غلامك من زما ... ن قد اناخ عليه كلُّه

وانظر إليه فرأسه ... بالبرد مضرور ورجله باع العمامة والشمشك ... فغلوه عار وسفله هذا القران به تعكَّـ ... ـــس نجمه فغدا يضلُّه فمر الزَّمان فعقده ... في أيدي مولانا وحلُّه وقال يمدح الإسكندرية: [من الوافر] أرى الإسكندرية ذات حسن ... بديع ما عليه من مزيد هي الثغر الذي يبدي ابتساماً ... لتقبيل العفاة من الوفود إذا وافيتها لم تبق همّا ... فقلبك مذيراها من بعيد حللت [بطاهر] منها كأنَّي ... حللت إذا بجنَّات الخلود فلا بئر معطَّلة وكم قد ... رأيت هناك من قصر مشيد بياض يملا الآفاق نوراً ... يبشر برقة بسحاب جود وأقسم لو رأتها مصر يوماً ... لكادت أن تغيب عن الوجود /244 ب/ وكم قصر بها أضحى كحصن ... منيع لا كزرب من جريد يرص فصوصه بانية رصّاً ... يفضَّله علًى نظم العقود لها سور إذا لاقى الأعادي ... يقاتلهم بوجه من حديد هو الفلك استدار بها وكم قد ... رأينا فيه من برج سعيد أحاط بسورها بحر أجاج ... ومنهل أهلها عذب الورود وحسبك أنَّ صدر الدَّين فيها ... وذا من مدحها بيت القصيد هم السادات لا يرجى ويخشى ... سواهم عند وعد أو وعيد إمام جلَّ قدراً أن يهنىَّ ... بشهر أوً بعشر أو بعيد وله من قصيدة كتبها إليه أيضاً: [من الخفيف] بذل وجهي إلاَّ لمثلك بذله ... واعتزازي إلاَّ بجاهك ذلَّه

يا جوادا سحاب كفَّيه بالجو ... د على كل قاصد مستهلَّه والَّذي لو رآه في دسته الفضـ ... ـــــــل بن يحيي لجاء يطلب فضله لك نيل قد اخجل النَّيل جودا ... وغدا دونه الفرات ودجله ومنها قوله: /245 أ/ يا أمينا قد زاده الله مجداً ... دون هذا الورى وعلى محلَّة لي نصفيَّة بعد من العمر ... سنيناً غسلتها ألف غسله لا تسلني عن مشتراها ففيها ... منذ فصلتها نشاء بجمله نشَّف الرِّيح صدرها ورآها ... كل يوم تشكو هواءً ونزلة ظلمتها الأيّام حكما فأضحت ... في العذاب الأليم من غير زلَّه كل يوم يحوطها الدَّقُّ ... والعصر مراراً وما تقرُّ بعمله وهي تعتلُّ كلَّما غسَّلوها ... ويزيل النَّشاء تلك العلَّة أين عيشي بها القديم وذاك الـ ... ـــنتق فيها وخطرتي والشمله حيث لا في أجنابها رقعة قـ ... ــــطُّ ولا في أكمامها قطُّ وصله قال لي الناس حين أطنبت فيها: ... بسَّ أكثرت خلَّها وهي بقلة فسير له صدر الدين بن القرميسيني نصفيَّة وملبوساً فكتب إليه: [من السريع] أشكر مولانا ونصفيَّتي ... تشكره أكثر من شكري أراحها جدواه من كلِّ ما ... يسكن من دقٍ ومن عصر /245 ب/ كم ليلة كادت مع الماء إذ ... يغسلها غسَّالها تجري وقال يمدح القاضي زين الدين ابن الزبير: [من الكامل] بانت وقد كلَّفتها توديعي ... ما بين فيض جوى وفيض دموع

وتجلَّدت للبين مثل تجلُّدي ... والنَّار حشو ضلوعها وضلوعي ولكم تعلَّلها مواعيد المنى ... منِّي عن المرئيِّ والمسموع قالت: ذممت البين، قلت لها: عسى ... أن تشكري عقباه عند رجوعي وقال أيضاً: [من البسيط] إني لمن معشر سفك الدماء لهم ... داب وسل عنهم إن رمت تصديقي تبيت أنعامهم مفهم على وجل ... إذ شملها بهم يفضي لتفريق تزداد بالدَّمِّ إشراقاً عراصهم ... فكلُّ أيامهم أيَّام تشريق وقال يمدح الأجل العدل شرف الدين أبا حامد محمد بن علي بن سعيد بن أبي جرادة الحلبي العقيلي: [من مجزوء الرجز] /246 أ/ لازم قلبي كمده ... وبان عنِّي جلده وطال عمر اللَّيل حـ ... ــــتَّي قلت قد مات غده وارحمتا لعاشق ... في الحبَّ ذابت كبده يستنجد الدمع إذاً ... لم يلق من يستنجده إلى متى يقيمه ... حكم الهوى ويقعده ما يصنع العبد إذا جار عليه سيَّده لا يستطيع البطش في الشِّـ ... ـــــدَّة من غلَّت يده يا عاذلي عنِّي فكم ... سهرت ليلاً ترقده هيهات أن تدري بما ... يلقي العليل عوده يا بأبي الغصن الَّذي ... يعجبني تأوُّده تغبطه شمس الضحي ... والبدر امسي يحسده ذو مبسم أحسن في ... تنضيده منضَّده وريقه عذب ولـ ... ــــكن أين منَّي مورده /246 ب/ وخده مورَّد ... يا حبَّذا مورَّده يصدُّني عن لثمه ... إذا رنا مهنَّده لحظ يسل أبيضاً ... علي القلوب أسوده

إلي متا ينالني ... من كل دهر نكده لم يبق في الخلق فتي ... يغرُّني تودًّده قد عدم الَّديق في الـ ... ــــدُّنيا فمن ذا يجده إنَّ السَّعيد من غدا ... وهو قليل عدده فربما لارمي الفتي ... في الموبقات ولده وإنَّ مثلي في الوري ... لم يخل ممن يحسده وهكذا من شرف الـ ... ـــدَّين الأجل يعضده أي كريم لم يزل ... نشكره ونحمده ولم يخب في الدَّهر من ... يؤمُّه ويقصده تروي حديث الجود عن ... بنانه ونسنده كم مسلم حققه ... اأنَّه محمده /247 أ/ وعزمه لا يتنا ... هي في المعالي أمده فبيته قد نصبت ... علي الثريا عمده لقد زكت أصوله ... فينا وطاب مولده وقد سمت فخراً به ... علي البلاد بلده ذو راحة هان بها ... لجنينه وعسجده وطالما عزَّ بذا الـ ... ــــــهوان من يسترفده ولفظه الدُّرُّ إذا ... حرَّره منتقده فطرسه بخطِّه ... كالرَّوض والغيث يده فإن حسبت أنَّه ... سحر فأين عقده ذو قلم كالسهم في ... نحر العدا يسدده يهزه كالمشرفـ ... ــــيِّ هزَّه مجرده ما درَّ يوماً نفسه ... إلاَّ تبدَّت زبده فلو تراءي لأبن عبَّـ ... ـــــاد لكان يعبده ما ضلَّ عاف في ديا ... جي الخطب وهو مرشده /247 ب/ كلاَّ ولم يشق فتي ... في الدَّهر وهو يسعده يا أبن الذَّين فضلهم ... يتعب من يعدده

ومن غدا بينهم ... ليس يرام سؤدده يا من غدت فروعه ... طيَّبةً ومحتده مولاي يدعوك فتًى ... قد خانة تجلًّده هيهات أن يقوم يو ... ماً بالقوافي أوده ضاع القريض فهو لا ... ينشده بل ينشده ما بال هذا الدَّهر لا ... ينجز يوما موعده مولاي لي حقٌّ ومد ... حي قد غدا يؤكَّده ومن غدوت قصده .. ليس يخيب مقصده وقال فيه أيضاً: [من البسيط] هب خاطري العفر إن شحت غمائمه ... ما كلُّ وقت يجيد الشِّعر ناظمة وطالما ركدت ريح الصَّبا سحراً ... لدي الأراك ولًم تسجع حمائمه ورَّبما جاد خدٍّ النور دمع حياً ... فوق الغصون وما شقَّت كمائمه /248 أ/ لا يمكن المرء أن يمشي على سنن ... وإن غدا الرشد لا تخفى معالمه قد يكتم السر من لم يخفه أبداً ... عن الرجال وقد يفشيه كاتمة يسالم الدهر من أضحى يحاربه ... كما يحارب من أضحى يسالمه وقد يكون رفيع القدر جاهلة ... كما يكون وضيع القدر عالمة أشكو إلى الله دهراً ليس ينصفني ... وكيف ينصف من ذا الدَّهر حاكمة كم ذا أذُّل قريضا بتُّ أحمله ... جهلاً إلى باب من عزَّت دراهمه لولا ضرورات دهري كان ما دره ... قد استوى اليوم في عيني وحاتمة بار القريض بمصر اليوم فهو إذا ... اعرضته عن شَّاريه وسائمة لو قدر الله أن آتي الشَّام به .... ما أسلمتني إلى دهري عواصمه وكنت أدرك ما ارجوه بابن أبي ... جرادة حسب آمالي مكارمه عليك يا شرف الدَّين اعتماد فتى ... يشكو لك الدَّهر إذ عمَّت مظالمه

/1 ب/بسم الله الرحمن الرحيم [تتمة حرف الياء] [تتمة ذكر من اسمه يحيى] [924] يحيى بن عبد القاهر بن علوي بن عبد القاهر بن علويِّ بن الحسن بن عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد المجيد بن المهنَّا بن زيد بن الرشيد بن عبد الرحمن بن المهنا بن صدقة بن محمد بن صدقة بن عويمر بن الحر بن فهم بن تيم اللات، أبو سالمٍ بن أبي المكارم التنوخيُّ. من أهل معرَّة النعمان المعروف والده بابن خصا البغل. وذكر والده ثابت في كتاب "تحفة الكبراء". ووالده هذا كان يعرف صدراً صالحاً من علم العربيَّة، وتصدر لإفادتها بالمسجد الجامع بحلب يجرى عليه رزقٌ لذلك، ولم يزل مقيماً بحلب إلى أن توفي يوم الأربعاء تاسع شوال سنة أربعين وستمائة. أنشدني لنفسه يمدح الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي بن يوسف- رحمه الله تعالى- من قصيدة طويلة أولها: [من الكامل] /2 أ/ لا كان بعدك لي حبيب ثاني ... في النَّاس ومنزل القرآن والمرء أكثر ما يود لعينه ... اليمنى وحقِّك إنَّك العينان! بي أنت من رشأ حفظت وداده ... فأضاعني وأطعته فعصاني يغضي الجفون على ظباً من أجلها ... يكفي عن الأغماد بالأجفان ويهزُّ من ترف النَّعيم قوامه ... مرَّ النَّسيم نواعم الأغصان فكأنَّ بهجة وجهه في قدِّه ... بدر التَّمام على قضيب البان رام العواذل سلوتى عن حبِّه ... والمستحيل عن الهوى سلواني

سقمي أمان صحَّة الدَّعوى على ... ألمي وشأني مخبر عن شاني سهمٌ رماني من سهام جفونه ... عن قوس حاجبه فما أخطاني عجباً لنار أسيله في مائه ... يصلي وكيف توافق الضِّدان ولقدِّه الفتَّان لهدم صدره ... من لحظه الوسنان حد سنان من منصفي من سورة الجاني الَّذي حكم الغرام إليه قد الجاني سارقته نظر المريب محييا ... فازورَّ واستحيا وما حياَّني فأماتني إعراضه عنِّ ولو ... حيَّا بمثل تحيَّتي أحياني /2 ب/ يا قاتلي بمدى الصدود وتاركي ... ذا مقلة عبرى وقلب عاني ومكلِّفى حمل الصبابة والأسى ... ومطلِّهي بالصَّدِّ والهجران أعباء وجد لو تحمَّل بعضها ... رضوى لأوهته فما جثماني فيمن منعت مدامعي أن ترتقي ... من موق أجفاني فما أجفاني ومن بعد أبيات كثيرة: هلا انضويت إلى جناب محمد الـ ... ــملك العزيز القاهر السُّلطان ملك ملائكة السَّماء جنوده ... وملاذة بالواحد الدَّيان يمِّمه متنمياً إليه ولذبه ... وغناك في دركي وتحت ضماني أنا من تبصَّره وراز خلاله ... فرأيت كلَّ النَّاس من إنسان وأنشدني أيضاً من شعره: [من السريع] هل جاء في شرعٍ وفي مذهبٍ ... حلُّ دم الصبِّ لهذا الصَّبي هذا وقد زرفن أصداغه ... فقلت لاح البدر في العقرب مجرِّداً من جفنه صارماً ... كم شقَّ من قلبٍ ولم يضرب يستعذب التَّعذيب منه ولو ... لا الحب لم يحل ولم يعذب /3 أ/ شكوت ما ألقاه من حبه ... إلى تجنِّيه فلم يعب بي أمات صبري ثمَّ أحيا الهوى ... شوقاً فآمنت بعيسى النَّبي لو زارني من هام قلب به ... مختفيا في ظلِّه الغيهب لثمته ألفا ونلت المنى ... منه ومن معسوله الأشنب لم أنس لما سمته وصله ... فقال: يا أطمع من أشعب

فقلت: عده، قال: ميعاده ... أن تطلع الشَّمس من المغرب أحبابنا ما لذَّلي مطعمي ... ولا حلالي بعدكم مشربي وليس عن حبكم معدل ... بلى إليكم منكم مهربي ديني هواكم واعتقادي ولا ... كم وحبِّي لكم مذهبي عاقبتموني بجفاُكم ... وما كنت له منكم بمستوجب وبئس في الإنصاف والعدل أِّن ... يعاقب العبد ولم يذنب وأنشدني أيضاً لنفسه: [من المسرح] يا صاحب الحكم والقضاء ومن ... لا حيف في حكمه ولا جنف قل لي: لماذا وقيت كل أذى ... علَّي على ما جهلته أقف /3 ب/ قسمت "لا" بيننا فلي الـ ... ـــــلاَّم إن قمت ولابن المرصَّص الألف أو فلماذا تحلُّه الصَّدر والسَّـ ... ـــــفله من شأن مثله الطَّرف فضيلةٌ ما لديه ترفعه ... بها على غيره فيعترف أم أجل شعر فالشِّعر مشتركٌ ... والفضل فيما عداه مختلف تسعى إليًه تظنُّه عمل الـ ... ــــــصِّين ولا شكَّ أنَّه خزف واخبر النَّاس سل حالهم ... فالزَّيف عند المحكِّ ينكشف فأنت من قد فشت مناقبه ... وأنت من بالسَّخاء متَّصف من عنصر فاخر له سلفٌ ... من بعدهم أنت حبَّذا الخلف وأبق سعيًد الجدود ما طلعت ... شمس نهار وما دجت سدف [925] يحيى بن عبد الواحد بن عمر بن يحيى الأمير، أبو زكريا بن أبي محمد الهنتاتيُّ. ملك أفريقية.

ذكره صاحب "الدرة الفائقة في محاسن الأفارقة"، وأثنى عليه جميلاً، وقال عقيب ترجمة أبيه الشيخ أبي محمد: ومنهم ولده الطاهر النجيب الزكي الأريب السلطان الأعظم /4 أ/ الملك المؤيد المعان المنصور المظفر، لم يرث المجد عن كلالة، ولا كأن الملك خلق إلَّا له. هيبة تنسف الجبال نسفاً. ورحمة تسع أهل الأرض حنانًا وعطفًا، وشجاعة ينثني بها الدهر عن عزائمه، وصرامة بطلت ملك الموت السلامة من صوارمه. مع ذكاء كالنار، وخلق ألين من الماء الحار، وأدب أغض من الرياض، ونظم ونثر أسحر من الحدق المراض. أما أفريقية وقد نجم فيها النفاق، وقامت الفتنة على ساق، وخلت من الأموال والرجال، وريع فيها في الخدور ربات الحجال. فآمن من سربها وأزال خوفها وجدبها، وأعاد فيها وضرب بعربها بربرها وببربرها عربها؛ حتى فرح بعضهم ببعض وجعل الذئاب والنَّقد ترد في حوض، وجند الأجناد ورتب بين الملك، وبسط على تخوم المشرق يده اليمنى وعلى تخوم المغرب يده الشمال، فأمن السُّبل خمن باب تونس إلى ثغر الإسكندرية غاية الأمان، وقطع دابر المفسدين عرضًا من تونس إلى أبواب تلمسان؛ فدانت له البربر /4 ب/ والعرب؛ وهما المتمرّدان على الملوك في القديم والحديث من الزمان وصارت الأندلس تستصرخه والمغرب الأقصى يطلب منه الأمان. ثم أنشدني من خمريّاته: [من الخفيف] وضعت في الزُّجاج فالتهبت ... وكسته برقًا من اللَّهب وعلا فوقها الحباب فلم ... تبصر العين مثل ذا العجب ضرم النَّار فوقه بردٌ ... كائنٌ عنه منه في النَّسب مثل درِّ الجمان نظَّمه ... ناظمٌ فوق عسجد الذَّهب

وقال أيضًا: [من الطويل] حنانيك رفقًا كم تطيل صبابتي ... وتقدح ناراً في الفؤاد مضرّما وتذكى غرامًا أوهن الصَّبر حمله ... وقلبًا رهينًا بالصَّبابة مغرما تقطَّع وجدًا إذا تنفَّس زفرةً ... فأسبل دمعًا هامي السَّكب مثجما أأحبابنا بالجزع والعيس معرقٌ ... وحبل اتِّصال الوصل منكم تصرَّما أجدُّكما هل للمشوق لديكما ... تعلُّل ذكر بالخيال فينعما وهل تذكران العهد والعهد نازحٌ ... وأيَّامنا بالوصل عقداً منظَّما /5 أ/ أمالكتي قلب العميد تعطَّفا ... وساكنتي ربع الضلوع ترحَّما على هائم أعياه حمل غرامه ... واعقبه فرط الغرام تألُّما فلم يبق فيه البين إلَّا تنفسًا ... ولم يبق منه الشَّوق إلَّا توهُّما [926] يحيى بن عيسى بم إبراهيم بن الحسين بن علِّي بن حمزة بن مطروح بن سليمان، أبو الحسين بن أبي البركات الأعرابي الحميريُّ.

كانت ولادته في يوم الإثنين ثامن رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة بمدينة أسويط من مدن الصعيد الأعلى بالديار المصرية، وتوفي بمصر في مستهل شعبان سنة تسع وأربعين وستمائة. وكان أوَّلًا يتولى الكتابة بديوان قرص، ثم هاجر إلى مصر وتولى بها عملًا جليلًا للملك الكامل أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب المستولي يومئذ على الديار المصرية في ديوان الأحباس؛ ولما مات الملك الكامل قربة الملك الصالح أبو الفتح أيوب، وأشخصه من بين نظرائه ورتبه عارض الجيش، ورفع منزلته وازداد /5 ب/ تقدمه حتى كاد أن يكون أجل رتبه من وزرائه. لقيته بحلب وقرأت عليه قطعة وافرة من أشعاره؛ ومما أنشدني في جمادي الأولى سنة ثلاث وأربعين وستمائة، يمدح الملك الأشرف شاه أرمن بن موسى بن أبي بكر بن أيوب- رحمه الله تعالى- من قصيدة طويلة: [من الكامل] وافى وأقبل في الغلالة ينثني ... فأراك حظَّ المجتلى والمجتني ورنا فما تغني التَّمائم والرُّقي ... وأبيك من لحظات تلك الأعين أغناه ذابل قدِّه عن ذابلٍ ... وبشعره عن بيت شعر قد غني رشاٌ من الأعراب مسكنه الفلًا ... ولكم له في مهجة من مسكن كم قلت للعذَّال فيه ألا اقصروا ... لا أرعوي لا انتهًي لا انثني يا هاجري البستني ثوب الضَّنى ... واخذتني يا تاركي من مأمني حتَّى فؤادي خانني ووافى له ... وكذا الرُّقاد صبا إليه وملَّني يا قلب ما آنست بعداك راحًة ... فمتى أراك ويا كرى أوحشتني عهدي به ويدي مكان وشاحه ... والوجد باق والتَّجلُّد قد فني /6 أ/ وشدا بشعري فافتتنت ويالها ... من فتنة شنعاء لو لم أفتن شعري ومحبوبي يغنِّيني به ... وهناك تحًسن صبوة المتِّدين لا شيء يطب سامعاً بحديثه ... إلاَّ الثَّناء على علا شاه أرمن

وأنشدني أيضاً لنفسه من قصيدة: [من مجزوء الكامل] بأبي وبي طيفٌ طرق ... عطر اللَّمى والمعتنق ما إن مددت له يد ... يَّ معانقاً حتَّى أبق ثمَّ انتبهت فما وجد ... ت سوى الصَّبابة والحرق فطفقت أنشد بعده ... ولواء قلبي قد خفق: أوحشت جفني ياكري ... وعدمت أنسك يا أرق يا قوم من لمتيِّمٍ ... فتكت به سود الحدق يا شمس قلبي في هوًا ... ك عطاردٌ وقد احترق وأذاع عنِّي عاذلٌ ... أنِّي سلوت وما صدق يا من يزاحم ادمعي ... أخشى عليك من الأرق /6 ب/ ملك الملامح ترى العيون ... عليه دائرًة يطق ومخيِّمٍ بين الضُّلوع ... وفي الفؤاد له سبق فاز الوشاح بضِّمه ... وحكيته أنا في القلق أخجلت خدَّ الورد منـ ... ـــــك بوجنةٍ تحكي الشِّفق حتَّى تقطَّر دائباً ... وعلامة الخجل العرق لا والَّذي اجتمعت على ... تفضيله كلُّ الفرق موسى الذَّي اصطبح السَّما ... ح براحتيه واغتبق كالمسك طيب ثنائه ... فمتى نطقت به عبق وأنشدني أيضاً لنفسه: [من مجزوء الرمل] بات في أثناء صدري ... غصنٌ نيط ببدر بدويُّ نازلُّ من ... شعره في بيت شعر حاملٌ نجداً وغوراً ... منه في ردف وخَّصر

ما رنا واهتَّز إلَّا ... كان في بيض وسمر حبَّذا ليلة وصل ... منه في ليلة قدر /7 أ/ أشرقت عن نور كأس ... وسنى وجه وثغر وتعانقنا فما قولك ... في ماء وخمر وتعاتبنا فقل ... ما شئت من غنًج وسحر ثمَّ لمَّا ادبر الَّيـ ... ـــــل وجاء الصُّبح يسري قال: إيَّاك رقيبي ... بك يدري قلت: يدري وأنشدني أيضاً قوله: [من الوافر] سقى صوب الحيا تلك المغاني ... وإن اقوت من الغيد الحسان ملاعب أنسنا والشَّيب منَّا ... بعيد والشَّباب الغضُّ داني وربعًا ما مررت عليه إلَّا ... لواني الوجد لي الخيزران ولا أنسى وإن أنسي التَّصابي ... مصاحبه الشَّباب وإن جفاني . العهد من شيمي وغيري ... تغيِّره تصاريف الزمان ولا روضاً جررت به ذيولي ... خلىَّ البال منطلق العنان يذكرني زماناً لو صفا لي ... خليلٌ مثله فيه كفاني فلو ذابت لياله لكانت ... تنوب عن العوالي والغواني /7 ب/ فما أبقت صروف الدَّهر منه ... سوى مثل المودَّة في القيان وإلاَّ كالتَّجلُّد من محبٍّ ... وكالإقدام من قلب الجبان وليلا بتُّ ساهر ولكن ... على نغم المثالث والمثاني تطوف علىَّ ولدانٌ وحورٌ ... وتخدعني أحاديث الجنان فما قبَّلت إلاَّ بدر تمَّ ... ولا عانقت إلاَّ غصن بان فأحييت الدُّجى لعباً ولهواً ... على أنِّي سفكت دم القناني وباكرني اخلاَّءٌ كرامُّ ... يشار إلى علاهم بالبنان فجشَّمنا خدود الورد ظرفًا ... وضاحكنا ثغور الأقحوان

وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الوافر] بروحي من فتنت به ... على ما فيه من صلف شبيه الطَّبي في كحل ... نظير الغصن في هيف وقالوا البدر يشبهه ... وحاشاه من الكلف وكم يوم خلوت به ... يطول لذكره أسفي وكم عانقًت قامته ... عناق اللاَّم للألف /8 أ/وأقسم لا سلوت هوا ... هـ ولو أفضى إلى تلفي وأنشدني لنفسه في غلام لابس أصفر: [من المنسرح] أقبل يختال في غلائله ... والسُّكر باد على شمائله وقد غدا ساحبًا ذوائبه ... قوموا انظروا البدر في حبائله وماس في حلَّة مورَّسة ... يا من رأى الغصن في أصائله لو أدَّعى عاشقٌ عليه دمًا ... عنَّى بخدَّيه عن دلائله أسأله رحمةٌ فينهرني ... ما فيه من رحمة لسائله وأنشدني قوله: [من المتقارب] وقالوا: أسل عنه فقد شانه ... عذارٌ أراحك من صدِّه فقلت: وهمتم ولكِّنَّني ... خلعت العذار على خدِّه وأنشدني لنفسه: [من الكامل] عانقته فسكرت من طيب الشَّذا ... غصنًا رطيبًا بالنَّسيم قد اغتذى نشوان ما شرب المدام وإنَّما ... أضحى بحمر رضابه متنبِّذا /8 ب/ كتب الجمال على صحيفة خدِّه ... يا حسنه لا بأس أن تتعوَّذا يا ناظري أمَّا وقد شاهدته ... والله لا رمدًا تخاف ولا قذى

مهما اكتحلت بخدِّه وعذاره ... لم تلق إلَّا عسجدًا وزمرُّدا أضحى الجمال بأسره في أسره ... فلأجل ذاك على القلوب استحوذا وأتى العذول يلومني من بعد ما ... أخذ الغرام على فيه مأخذا والله لا خطر السُّلو بخاطري ... ما دمت في قيد الحياة ولا إذا إن عشت عشت على هواه وإن أمت ... وجدًا به وصبابًة يا حبَّذا إني ليعجبني تلافي في الهوى ... يلذُّ لي ما قدت لقيت من الأذى لا أرعوي لا أنتهى لا أنثني ... عن حبِّه فليهذ فيه من هذى وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى بهاء الدين أبي الفضل زهير بن محمد الكاتب يستهدي منه درج كاغد وقليلًا من المداد: [من المنسرح] أفلست يا سيِّدي من الورق ... فانعم بدرج [كعرضك اليقق] /9 أ/ وإن أتاه المداد مقترنًا ... فمرحبًا بالخدود والحدق وأنشدني لنفسه حين سمع عن الملك الناصر صلاح الدين داود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب، قد أخرج الفرنج من البيت المقدس وأزالهم عنه، وصار بيد المسلمين –حمى الله حوزته- وذكر أنه عمل هذه الأبيات ارتجالًا: [من السريع] المسجد الأقصى له عادةٌ ... سارت فصارت مثلًا سائر إذا غدا للكفر مستوطنًا ... أن يبعث الله له ناصرا فناصرٌ ظهَّره أوَّلًا ... وناصرٌ طهَّره آخره وأنشدني له أيضًا في الملك الناصر صلاح الدين داود: [من الطويل] ولو لم يكن في وجهتي غير أنَّني ... لثمت يمين النَّاصر بن المعظَّم

/9 ب/ وكنت جديرًا أن أمتَّ على الورى ... بما نلت من يمن وأمن ومغنم فكيف وقد أمسيت فوق بساطه ... أقلب طرفي في سماء وأنجم وأنشدني أيضًا قوله: [من السريع] قد أثقلت ظهري أوزاري ... والويل إن ناقشني الباري كم ليلة أسرعت فيها الخطى ... إلى الخطايا حلف إصرار وكم تجرَّأت على فاحش ... ولا أجتراء الأسد الضَّاري كيف يكونٌ العذر في موقًف ... يذُّل فيه كلُّ جبَّار وتشخص الأبصار في حيث لا ... دارٌ سوى الجنَّة والنَّار يا ربِّ عفوًا عن ذنوبي فما ... سألت إلَّا عفو غفَّار وأنشدني لنفسه في غلام اسمه بدرون: [من مجزوء الرمل] لك يا بدرون وجهٌ ... فيه عنوان السَّعادة لا تخف نقصًا ومحقًا ... أنت بدرٌ وزيادة وقال أيضًا: [من الكامل] /10 أ/ بأبي غزالٌ تائهٌ متصلِّف ... لأنت معاطفه ولا يتعطَّف سكران لا يصحو ولست بمنكر ... قد صحَّ أنَّ الرِّيق من قرقف حلو الشَّمائل والتَّثِّني واللُّمَّى ... من يجتني من يجتلي من يرشف شاكي السِّلاح وما تكلَّف حمله ... اللَّحظ سيفٌ والقوام مثقَّف لمَّا بدا للغانيات وقد بدا ... من حسنه ما لا يحدُّ ويوصف قطعن أيديهنَّ حين رأينه ... لما افتتنًّ وقلن هذا يوسف هجر الكرى جفني وواصل جفنه ... يا قوم حتى النَّوم لي يستضعف وسرى إلى جسدي ضنى أجفانه ... لا ياضنى جسدي أرق وتضعف أشكو إليه وما عسى أن أشتكي ... هو بالَّذي ألقاه منًّي أعرف

كبدٌ يفيض نجيعها من أدمعي ... حتَّى كأنِّي من جفوني أرعف ووحقِّه لم يبق في بقيةٌ ... ولقلَّما يبقى الكئيب المذنف وأراه لا يزداد إلَّا قسوةً ... يا ويح من يشكو لمن لا ينصف وأرى الخضوع يلذُّ لي في حبِّه ... وسجيَّتي تأبى الخضوع وتأنف وإذا سمعت بعاشق متعفِّف ... فأعلم بأنِّي العاشق المتعفِّف /10 ب/ وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز] إن كنت ذا مقدرة ... حقًا فزد في أجلك مالك شيءٌ غير مًا ... قدَّمته من عملك وقوله: [من الطويل] أسرب المها لا حبَّذا أنت من سرب ... فما فيك من حظٍّ لعيني ولا قلبي ويا حبَّذا سربٌ إذا سار بي الهوى ... إليه التقاني بالبشاشة والرُّحب وأنزلني فوق المنازل رفعًة ... لأنَّ مكاني منه في الطَّرف والقلب وربَّ غزال فيه يهوى تغزُّلي ... فبات أسيري وهو يفتك بالغلب وسمراء كالسَّمراء بتُّ ضجيعها ... تزيَّت بزيِّ التَّرك وهو من العرب سقتني إجلالًا حميُّا رضابها ... ولم ترض لي شرب الحليب من النُّغب وقالت أجل عينيك في ورد وجنتي ... فحمرته تلهيك عن خضر العشب كريمة حي تبذل النَّفس في الهوى ... فلا شيء أحلى من مكارمه الحبٍّ تقول وقد أوجست خيفة أهلها ... رويدك لا تحفل بأهلي ولا صحبي وقال أيضًا: [من الطويل] /11 أ/ صبا وهو غربيب الذَّوائب ما صبا ... ووفَّى التَّصابي حقَّه زمن الصَّبا فأنِّي وقد لا المشيب بفوده ... فأهلًا وسهلًا بالمشيب ومرحبا

ولم يبق إلَّا أن ينيب ويرعوي ... ويعرض عن ليلى ويهجر زينبا وفي النَّفس منِّي صبوةٌ بعد ذا وذا ... إذا اعترضت يهلكن ماد تطربا ولم أنس لمًّا زارني من أحبُّه ... نهاراً جهارًا والظُّبا تقرع الظُّبا وما زارني ليلًا كما زار في الدُّجى ... حبيب زهير خائفًا مترقبًا وما زاره حتَّى رأى النَّاس نوَّماً ... وراقب ضوء البدر حتَّى تغيَّبا فبادرت إجلالًا الثم الثَّرى ... وأبسط خدِّي في التُّراب تأدبا وقلت له: تفديك نفسي وأسرتي ... تغيَّب من أجلي فأبدى تعجبُّا وقال: على رأسي أزورك صاغرًا ... إذا لم يكن إلَّا الأسنَّة مركبا وعاطيته الصَّهباء حتَّى انثنى ... وماد كغصن البان مالت به الصَّبا فنادمت بستانًا وغازلت جؤذرًا ... وعانقت أملودًا وقبَّلت كوكبا وتمَّ لنا ما لا سمعت بمثله ... وقضيته يومًا من العمر مذهبا سلامٌ على ذاك الزَّمان الَّذي مضى ... وسقيًا لهاتيك المعالم والرُّبى /11 ب/ وقال أيضًا: [من المديد] يا ملاذ المستجير به ... لا تؤاخذني بما سلفا وأعف عنِّي عفو متقدر ... أنا عبدٌ مذنبٌ وكفى وقوله: [من الطويل] خذوا حذركم من طرفها فهو ساحر ... وليس بناج من دهته المحاجر فإن العيون السُّود فهي فواترٌ ... تفلُّ السُّيوف البيض وهي بواتر ولا تخدعوا من رقَّة في كلامها ... فإنَّ الحميَّا للعقول تخامر منعمةٌ لوصافح الورد خدَّها ... بكت وجرت من مقلتيها بوادر من القاصرات الطَّرف غارت لحسنها ... ضرائرها والنَّيِّرات الغرائر فلو في الكرى مرًّ النَّسيم بطيفها ... سرى لبدا من طيبها وهو عاطر قلائدها تشكو الظما ووشاحها ... وإن شرقت في معصميها الأساور

بعيدة ما بين المخلخل والطُّلى ... ترى الطَّرف منها ينثني وهو حاسر إذا ما اشتهى الخلخال إخبار قرطها ... فيا طيب ما تجلى عليه الضَّفائر ويا عاذلي والله ما أنت منصفٌ ... أعن مثل هذا الحسن تصبى النَّواظر؟ /12 أ/ وقال أيضًا: [من الطويل] خلائقه والدُّرُّ فيه منضَّدٌ ... ومن ذا رأى في العذب درّاً منضَّدا رأيت بخدَّيه بياضًا وحمرة ... فقلت: لي البشرى اجتماعٌ تولَّدا وقوله: [من الكامل] ومهفهف ماس القضيب وقدُّه ... وكلاهما متأوِّد ريَّان لكن يروقني الَّذي في خدِّه الـ ... ــــــــــــبستان لا ما ضمَّه البستان ورنا إلىًّ وقد رأى ريم الفلا ... يرنو وكلٌّ منهما وسنان فاصطادني إنسان من خالسته ... لا ما تصيد مثله الإنسان ولقد نظرت إليه يوم شهدته ... فتشابها لولا فمٌ وبنان وذؤابة لولا سلامة من دنا ... منها حلفت بأنهَّا ثعبان أفلا أهيم بمن حكت أوصافه ... الأقمار والغزلان والأغصان والحسن يعشق حيث كان فكيف لا ... أصبو لحسن زانه الإحسان وإذا نسيت فلست أنسى قوله ... إن خنتني فحسيبك الرَّحمان وشقائقًا قبَّلتها من خدِّه ... حتَّى رثى لذبولها النُّعمان /12 ب/ وقال أيضًا: [من الكامل] بعثت إلىَّ بنرجس وبوردة ... ففهمت أفديها حقيقة قصدها لمَّا تعذَّرت الزَّيارة أرست ... بشبيه ناظرها إلىَّ وخدًّها وقال أيضًا: [من الكامل]

إن قسته بالبدر ما أنصفته ... أو بالغزال وجدته مظلوما هذا نبيُّ الحسن جاء فكلُّكم ... صلُّوا عليه وسلُّموا تسليما وقال يمدح الملك الناصر صلاح الدين داوود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب: [من السريع] ثلاثةٌ ليس لهم رابعٌ ... عليهم معتمد الجود الغيث والبحر وعزِّزهما ... بالملك النَّاصر داوود وقال في الملك المسعود بن الملك الكامل محمد حين توفى: [من البسيط] /13 أ/ قالوا: قضى الملك المسعود قلت لهم: لا تطمعوا في بقاء الشَّمس والقمر قل للملوك: استقرُّوا في ممالككم ... مات الَّذي كنتم منه على حذر وقال أيضًا: [من الطويل] ولمَّا تيمَّمناك قال رفاقنا ... إلى أين تبغي قلت: خير جناب فقلت لصحبي: شرِّقوا نبلغ المنى ... فغير صواب قصد غير صواب وقوله في غلام لسعته أفعى: [من البسيط] قالوا: حبيبك ملسًوعٌ، فقلت لهم: من عقرب الصُّدغ أو من حيَّة الشَّعر فقيل بل من أفاعي الأرض قلت لهم: ... من أين ترقى أفاعي الأرض للقمر؟ ! وقال أيضًا: [من البسيط] أصدرتها والعوالي في الطُّلى ترد ... في موقف فيه ينسى الوالد الولد وما نسيتك والأرواح سائلةٌ ... على السُّيوف ونار الحرب تتَّقد

وقوله مما كتبه إلى بهاء الدين زهير بن محمد الكاتب من الحصار: [من الكامل] /13 ب/ ولقد ذكرتك والصَّوارم لمَّع ... من حولنا والسَّمهريَّة شرَّع وعلى مكافحة العدوِّ ففي الحشا ... شوقٌ إليك تضيق عنه الأضلع ومن الصِّبا وهلمَّ جرّا شيمتي ... هذا الوفاء فكيف عنه المرجع؟ ومما كتبه إلى السلطان الملك الصالح نجم الدين أبي الفتح أيوب بن محمد بن أبي بكر بن أيوب- صاحب الديار المصرية- حين أنفذه رسولاً إلى الديوان العزيز: [من الطويل] أعلِّل طرفي عنك بالبدر طالعاً ... وبالظبي وسنانًا وبالغصن يانعا ووالله ما ازداد إلا صبابةً ... بفرط حنين قد أقضَّ المضاجعا أفي كلِّ يوم للتَّفرُّق رحلةٌ ... ترى عندها للعاشقين مصارعا كأنَّ النَّوى تبغي ذحولًا قديمةً ... لديًّ وألا تقتضيني الودائعا وموقف بين ضمَّنا لو شهدته ... رأيت مقامًا للمحِّبين رائعا وقلت: أحلِّى الأرض من درِّ أدمعي ... فجاء العذارى يلتقطن المدامعا يغرن على تلك اللاَّلي لأنَّها ... بقية ما أودعن منِّي المسامعا /14 أ/ ففي أين قل لي يا هوًى كنت كامنًا ... لقلبي لقد أبدعت فيه البدائعا فهل من صديق يشتري لي سلوةً ... يقلًّدني ما عشت منها الصنائعا وما كان ذا القرب إلا لذا النَّوى ... فيا ليت أن الدَّست أصبح مانعا وكتب إلى عماد الدين بن شيخ الشيوخ بن حموية: [من الطويل]

وكلُّ حضاب سوف ينصل صبغة ... وما لخضاب الودِّ فيك نصول ووالله ما أنسًى جميلك لو غدت ... تدافعني عنه قنًا ونصول وقال فيه أيضاً: [من الطويل] ولو أنَّ قسّاً في إياد أعارني ... بلاغته وابن المقفَّع بعده تجاوزت في الإعياء رتًبة باقل ... إذا رمت أن أحصي نداه ورفده وقوله: [من المتقارب] ونحن من الله في نعمة ... تقصر عن شكرها الألسن وإحسان سلطاننا سابغٌ ... علينا فلا عدم المحسن وقال أيضًا: [من الطويل] /14 ب/ ولمَّا جفاني من أحبُّ وخانني ... حفظت له الودَّ الذي كان ضيَّعا ولو شئت قابلت التجنِّي بمثله ... ولكنَّني أبقيت للصُّلح موضعا وقد كان ما قد كان بيني وبينه ... أكيدًا ولكِّني رعيت وما رعى سعى بيننا الواشي ففرَّق بيينا ... لك الذَّنب يا من خانِّني لا لمن سعى وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] أنظرت أم فوَّقت سهما ... فلقد أصبت القلب لمَّا لا يا معذِّب مهجتي ... والله ما أجرمت جرما أحسبت لي رمقًا وهل ... أبقى صدودك فيَّ مرمى أوما لميعاد الرِّضا ... يا هاجري أجلٌ مسمَّى يا عاذلي وأخو الصَّبا ... بة لا بليت أصمُّ أعمى عنَّا إليك فما أظنُّـ ... ــــــك بالغرام عرفت طعما

لو كنت ثالثنا وقد ... زار الحبيب عجبت ممَّا كتم الزِّيارة وجهه ... فوشي العبير به ونمَّا وبدا الحياءٌ بخدِّه ... حتَّى خشيت عليه يدمى /15 أ/ وضممت منه مهفهفًا ... حلو الرُّضاب أغنَّ ألمى ورددت من شعف أفـ ... ـــِّتت عطفه الممشوق ضَّما بل لو قدرت أكلته ... وشربته عضًا ولثما ويغيرني المسواك حيـ ... ــــــــن أراه يرشف منه ظلما ولقد يعزُّ عليَّ أن ... يروى البشام به وأظما ولرُّبما عاطيته ... راحًا تفوق سنى وشمَّا باتت تضيء كأنَّما ... أودعت منها الكأس نجما وقال أيضًا: [من المنسرح] سمعتها تشتكي لدايتها ... شكوًى تذيب القلوب والمهجا تقول يا دايتي بليت به ... وما أرى من هواه لي فرجا ومثل ما بي به ولا عجبٌ ... هوًى بقلبي وقلبه امتزجا فهل سبيلٌ إلى زيارته ... ولو ركبت القفار واللُّججا وإن درى والدي بقصَّته ... أراق يا دايتي دمي حرجا فرحت ممَّا سمعت في طرب ... كشارب الرًّاح راح مبتهجا /15 ب/ وقال في الغزل: [من الوافر] بديع الحسن كم هذا التَّجنِّي؟ ... ومن أغراك بالإعراض عنِّي؟ حويت من الرَّشاقة كلَّ معنى ... وحزت من الملاحة كلَّ فنِّ وأهديت الغرام لكلِّ قلب ... ووَّكلت السُّهاد بكلِّ جفن وأعرف قلبك الأغصان تجني ... فيا غصن الأراك أراك تجني

وعهدي بالظَّبا تصطاد حتَّى ... تصيَّدني هوى الظَّبي الآغنِّ وأعجب ما أحدِّث عنه أنِّي ... فتنت به ولا يدري بأنِّي ولو أضحى على تلفي مصرا ... لقلت: معذِّبي بالله زدني فلا تسمح بوصلك لي فإنِّي ... أغار عليك منك فكيف منِّي؟ وأنت ... ومتُّ حيا ... هوانا بالهوى كم ذا التجنِّي؟ وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز] سألت من أمرضني ... في قبلة تشفي الألم فقال: لا لا أبدًا ... قلت له: نعم نعم! فقال: غصبا، قلت: لا ... إلا سماحًا وكرم /16 أ/ قال: فسرّا، قلت: لا ... إلَّا على رأس علم فقال: خذها بالرضا ... منِّي حلالًا وابتسم فلا تسل عمَّا جرى ... استغفر الله وثم فظنَّ ما شئت بنا ... فالحبُّ يحلو بالتُّهم ولا أبالي بعد ذا ... باح حسودٌ وكتم وقوله: [من الطويل] أسائل عنك القادمين فكلُّهم ... يبشِّرني من بشر وجهك بالقرب وقالوا: نراه بالسُّويداء نازلًا ... فقلت: صدقتم في السُّويداء من قلبي وقال أيضًا: [من المجتث] أصبحت عبدك رقَّا ... لا أبتغي منك عتقا يا من تملَّك رقِّي ... أما ترى أن ترقَّا؟

قدمت فيك غرامًا ... تعيش أنت وتبقى من السُّهاد معافى ... من الغرام موقَّى يا ناعم الخدِّ قل لي: ... إلى متى بك أشقى؟ /16 ب/ وقد لقيت من العذ ... ل فيك أعظم ملقى زدني قلى وصدودًا ... أزدك حبًّا وعشقا لا عشت إن قلت يومًا ... من فرط جورك: رفقا وقال أيضًا: [من الرمل] لا وعينيك ويكفي ذا القسم ... ما رأت عيناي نومًا منذ كم أيُّها الرَّاقد في لذَّاته ... نم هنيئًا إنَّ طرفي لم ينم ويح قلبي من هوى مستهتر ... ما رأى صبًّا بكى إلَّا ابتسم شاهدوا مبسمه مع أدمعي ... تنظروا أيَّ أقاحٍ مع عنم بدويُّ الزِّيِّ إلَّا أنَّه ... لا يخاف العار في خفر الذِّمم ربما همَّ بلثمي هازئًا ... فإذا ما سمته اللَّثم التثم أشتكي سقمي إلى أجفانه ... ومتى يشفى سقامٌ بسقم قمرٌ نمَّ على عشَّاقه ... كلُّ كيد منه لمَّا قيل تم لا تراه ناسيًا لفظة لا ... مثل ما يوسف لا ينسى نعم وقال أيضًا: [من الكامل]

/17 أ/ هي رامةٌ فخذوا يمين الوادي ... وذروا السُّيوف تقرُّ في الأغماد وحذار من لحظات أعين عينها ... فلكم صرعن بها من الآساد من كان منكم واثقًا بفؤاده ... فهناك ما أنا واثقٌ بفؤادي يا صاحبيَّ ولي بجرعاء الحمى ... قلبٌ أسيرٌ ما له من فادي وبحيِّ من أنا من هواه ميِّتٌ ... عينٌ على العشَّاق بالمرصاد وأغن مسكيِّ اللَّمى معسوله ... لولا الرَّقيب بلغت منه مرادي كيف السَّبيل إلى وصال محجَّبٍ ... ما بين بيض ظبًا وسمر صعاد في بيت شعر نازل من شعره ... فالحسن منه عاكفٌ في بادي قالت لنا ألّف العذار بخدِّه: ... في ميم مبسمه شفاء الصَّادي حرسوا مهفهف قدَّه بمثقَّف ... فتشابه الميَّاس بالميَّاد يا هل أبيت وهل يبيت معانقي ... كمهنَّدي وذؤابتاه نجادي واضمُّه ضمَّ المناطق خصره ... شغفًا أو الأطواق للأجياد وأحلُّ فضل لثامه عن كوكب ... أنا في هواه أعبد العبَّاد يا حبَّذا سهر الدُّجى في حبِّه ... إن كان يرضي البدر فيه سهادي /17 ب/ ومن المنى لو دام لي فيه الضَّنى ... ليرقَّ لي فأراه في عوَّادي ومفنَّد لي في هواه مسمعي ... والعذل منه كناظري ورقادي ماتت يطيل الله عمرك سلوتي ... يا عاذليَّ وضلَّ فيه رشادي أنا من جبلت على الغرام من الصِّبا ... وبه سألقى الله يوم معادي فإذا أتى العشَّاق كنت أميرهم ... وجميع من قبل الهوى أجنادي وقال أيضًا: [من الكامل] من لي بغصن باللَّحاظ ممنطق ... حلو الشَّمائل واللَّمى والمنطق مثرى الرَّوادف مملق من خصره ... أسمعت في الدُّنيا بمثر مملق وغريرة زارت على بخلٍ بها ... لمَّا نعيت لها زيارة مشفق

لم أدر ما قالت وقد لمست يدي ... ماذا لقينا منه أو ماذا لقي لا شيء أكتم من دجنَّة شعرها ... لو أنَّ صامت حليها لم ينطق متوسوس حتَّى الحليُّ بحسنها ... فاعجب بحسن للجماد منطِّق خدٌّ وقدٌّ إذ ترقرق ماؤه ... لهفي على المتوقِّد المترقرق فبحسنها هي زهرةٌ للمجتلي ... وبطيبها هي زهرة المستنشق /18 أ/ ونظرها الغصن النضير إذا أنثنت ... في حلَّة خضراء من إستبرق ويروقني منها أخضرار خضابها ... والغصن ليس يروق ما لم يورق تعصي العذول على الهوى وتطيعني ... فأنا السَّعيد بها وعاذلي الشَّقي ولكم بها في خلوة في حلوة ... كرضابها كعتابها كتملُّقي وأقول: يا أخت الغزال ملاحةً ... فتقول: لا عاش الغزال ولا بقي يا شمس قلبي في هواك عطاردٌ ... لولا تعلُّقه بها لم يحرق ومما كتبه إلى الشيخ عزّ الدين أبي الفضائل عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن محمد بن أبي عصرون الفقيه الشافعي- رحمه الله تعالى-: [من البسيط] يا فاضلا بهرتنا من فضائله ... بلاغةٌ لم تكن في قدرة البشر أرسلتها دررًا حلَّت مسامعنا ... يا بحر حسبك ما أهديت من درر لفظًا وخطًّا وكلٌّ منهما حسنٌ ... من محسن فهي مثل السَّمع والبصر فلم أزل اجتلى ليلي محاسنها ... وأجتليها فقل في الزُّهر والزَّهر /18 ب/ وقال مما يكتب على سيف: [من مجزوء الخفيف] أنا سيفٌ على السُّيوف ... على عزِّها خدم شرفي أنَّ صاحبي ... صاحب السَّيف والقلم وقوله فيه أيضًا: [من مجزوء الرمل] للأماني والمنايا ... بين حدَّيَّ ومتني

يتَّقي الأعداء فتكي ... ويروق العين حسني فتأمَّل هل ترى فيـ ... ـما ترى أعجب منِّي لم يذق جفني غرارًا ... وغراري ملء جفني وقال أيضًا: [من البسيط] سكنت عيني فصنها عن مدامعها ... إنَّ المدامع يا مولاي تؤذيها وقد حسبتك من إنسانها عوضًا ... فإنَّ إنسانها من كان يحميها وإنني حين أرعاها وأكرمها ... فلست أكرمها إلَّا لمن فيها وما أوصِّيك في دارٍ سكنت بها ... حاشاك تهمل دارًا أنت تأويها وقال أيضًا: [من الوافر] /19 أ/ بحقِّك حدِّث الأحباب عنِّي ... وشافههم بما شاهدت منِّي وقل لهم: لقد فارقت يحيى ... يموت هوىً ويحيا بالتَّمنِّي وكم أشكو إلى من ليس يرثي ... ولا يلوي على فرحي وحزني عذولي [إذ تسمِّيه] حبيبًا ... أميل إليه وهو يميل عنِّي وقال أيضًا: [من البسيط] سقاك يا دار هطَّالٌ من الدِّيم ... ولا خلوت من اللَّذَّات والنِّعم وما نسيت وما أنسى بها خلسًا ... حلَّت ومرَّت كما شاهدت في الحلم ومجلسًا طلعت في كلِّ ناحية ... منه بدور دياجيها من اللِّمم وراح يعتبني من بينهم قمرٌ ... جلا محيَّاه عنَّا فاحم الظلم وخلوةً فسقت فينا نواظرنا ... وإنَّما طهَّرتنا عفَّة الشِّيم هذا هو الحبُّ أم إثمٌ يدنِّسه ... أستغفر الله ما تخلو من اللَّمم كانت لكلٍّ شكاياتٌ فباح بها ... ثمَّ انتصفنا ولم نحتج إلى حكم

لو كنت تسمع شكوانا ورقَّتها ... سمعت أشهى من الأوتار والنَّغم وبعدها وإلى ذا اليوم ما نسيت ... أذني حلاوة ذاك المنطق الرَّخم /19 ب/ يا عاذلي قم تأمَّل حسن منظره ... فإن نجوت بقلبٍ سالم فلم قلبي مقامٌ لبعض النَّاس يسكنه ... فليهنه أنَّه قد حلَّ في حرم وكيف يجحد قتلي بعدما شهدت ... له غلالة خدٍّ ضرِّجت بدم يا فارغ القلب قلبي منك في شغلٍ ... يا نائم العين عيني فيك لم تنم أهوى العقيق وأهوى الأبرقين وقد ... أغنى بهذين عن خدٍّ ومبتسم وقال أيضًا: [من مجزوء المتقارب] أما وبدور الكلل ... حمتها قدود الأسل وتفَّاح تلك القدود ... ونرجس تلك المقل وغصن القوام الرَّطيب ... فوق كثيب الكفل لأنت وإن ساءني ... جفاك وطول الملل أحبُّ إلى مهجتي ... من الأمن بعد الوجل وليلة وصل حلت ... فيا عاذل لا تسل وفي طيِّ ذاك العنا ... ق عتبٌ كوشي الحلل وخلَّيت ذاك الغزال ... بجوهر هذا الغزل [فهي عائدٌ لي الصِّبا؟ ... وتلك اللَّيالي الأول؟ ] ودولة أنسٍ مضت ... وهل نافعي قول هل [927] /20 أ/ يحيى بن غانم بن محمَّد بن عليِّ بن يوسف بن صالحٍ أبو زكريا الخزرجي. من أهل غرناطة، كان رجلًا من أهل القرآن والأدب، يقول شعرًا لا بأس به.

أنشدني من شعره أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الأشبيلي البرزالي- رحمه الله تعالى- بحلب، قال: أنشدني أبو زكريا يحيى بن غانم بن محمد الخزرجي الغرناطي لنفسه: [من الطويل] خليليَّ ما للواله المتغرِّب ... بأرضكما قد فاته كل مطلب خليليَّ قولا والحديث كما حكوا ... شجونا ودهري ساخرٌ بكما وبي هل الزَّمن الماضي بما قد مضى به ... يعود ولو من كلِّه بالتَّقرُّب ومنها في المديح: [من الطويل] سأصرف آمالي إلى ذروة العلا ... وأوقفها بالأسعد بن مقرَّب هو الملجأ المفضي إلى كلِّ غاية ... بجد وجدٍّ أشربا بتهذُّب إمام هدّى أحيا به الله شرعةً ... من الدِّين قد نيطت إلى خير مذهب ومهما دجا ليل الخلاف لشبهة ... فآراؤه تجلو دجى كلِّ غيهب /20 ب/ أيا من له ألقيت كلَّ مقالدي ... وجبت إليه سبسبًا بعد سبسب وعوَّلت في نومي على يقظاته ... فهنَّ زلالي إن تكدَّر مشربي أجرني فإنَّ الدَّهر ما قد علمته ... وهذي اللَّيالي أولعت بالتَّقلُّب بقيت مدى الأيَّام ترجى وتتَّقى ... ولا زلت ذخر الواله المتغرِّب ورمت دوام الدَّهر في خفض عيشةٍ ... وتبليغ آمالٍ ورفعة منصب وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أبو زكريا لنفسه: [من البسيط] الحمد لله [حمدًا] نستديم به ... دوام عافية المولى وراحته والشُّكر لله شكرًا نستزيد به ... في عمره ونهنِّيه إقالته يا من به وعوافيه أضاء لنا ... وجه الزَّمان وأولانا سماحته إنَّ الزَّمان أرانا من تصرُّفه ... عجائبًا أحكمت فينا إرادته ولم يزل يا سليل المجد يضربنا ... ظهرًا لبطن ويولينا نكايته وليته إذ سطا أبقى لنا رمقًا ... نأوي إليه ونستسقى بلالته ومثلكم من شكا مثلي إليه ومن ... يشكي الغريب ويرعيه رعايته /121 أ/ يا من أنار منار العدل في نفرٍ ... كلٌّ إلى ضدِّه قد مدًّ راحته

بقيت للحقِّ تعليه ودمت أبا ... محمَّد للعلا تعلي إشادته ما أمَّ وجهة بيت الله معتمرٌ ... يمحو بخطو خطاياه خطيئته ونقلت من خطِّه قوله يمدح الصاحب الإمام كمال الدين أبا القاسم عمر بن أحمد ابن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي العقيليَّ: [من الكامل] لولا ملاحظتي عيون العين ... ما كنت أقنع في العلا بالدُّون ولقد يقال: سلا، ولو كان الَّذي ... قالوه ما استنجزت وعد ضنين قل للغواني قد كبرت عن الصِّبا ... وغدت دواعي شأفتي تدعوني وتركت للشوق الدِّيار وأهلها ... وقصدت منتجعًا كمال الدِّين ربَّ الحمة الأحمى الَّذي نزَّاله ... ألقوه بين قرارة ومعين والعالم الصَّدر الَّذي بفنائه ... مأوى الغريب وراحة المسكين /21 ب/ والمنتقى من سادة ما منهم ... إلَّا مكينٌ ينتمي لمكين طلق المحيَّا سيِّدٌ متواضعٌ ... بادي السَّكينة شامخ العرنين وإليكها يا ابن العديم عجالةً ... من ذي غرام واله محزون متحيِّر ما إن يرى مستحسنا ... وكأنه في عقدةً التِّسعين وقِّيت أسباب الفراق ودمت في ... دعة ولا حمِّلت مثل شجوني وبقيت في حلبٍ على رغم العدا ... في كلِّ خطبٍ منجدي ومعيني [928] يحيى بن الفضل بن يحيى بن عبد الله بن القاسم القاضي، أبو طاهر بن القاضي أبي سعيدٍ الشهرزوري. من أبناء القضاة الشهروزرين وبيت القضاء. كان قاضيًا بالجزيرة العمريَّة ثلاث عشرة سنة، ثم استعفى من ذلك وتوجَّه إلى الموصل وسكنها إلى أن توفي بها يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة تسع

وعشرين وستمائة، ودفن من الغد بمقبرة المعافى بن عمران الزاهد- رضي الله عنهما- وصلّى عليه الخلق الكثير. وكانت جنازته مشهودةً، وأصابه/ 22 أ/ دوسنطاريّا، فبقي بها خمسة أيام. وأخبرني أنَّه ولد يوم الجمعة بين صلاتي الظهر والعصر ثامن شوال سنة اثنتين وستين وخمسمائة بالموصل. وكان رجلًا متدينًا متواضعًا كثير الصلاة والذكر لله تعالى، يكره التكبر، ويلبس الملابس الخشنة؛ وكان ينظم الأشعار. وقد ذكره الإمام أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الفقيه الشافعي الموصلي في تاريخه، وقال: قاضي الجزيرة، ولد بالموصل ونشأ بها وتوجَّه منها إلى عمِّه أبي الفتح المبارك بن يحيى إلى الجزيرة العمريَّة. وكان يومئذٍ قاضيها فأقام عنده وتفقه بها على الرضي إبراهيم بن محمد بن مهران، ثم على محمد بنوزي المدرس بها، وتميز في معرفة المذهب، وتولّى قضاءها في أيام عمِّه أبي الفتح وبعده؛ وبقي على ذلك مدّة، ثم ورد الموصل وأقام بها إلى حين موته. وكان على طريقةٍ حميدة من الديانة والتُّقى والاحتياط في الطهارة والمحافظة على الصلوات الخمس. وكان فيه فضل /22 ب/ وتميُّز، سهل النظم والنثر، وروى الحديث بالإجازة عن أبي طاهر السلفي، وحجَّ إلى بيت الله الحرام، وتوجَّه بعد قضاء الحجّ إلى زيارة البيت المقدّس. وكانت تلحقه وسوسةٌ حين يتوجَّه إلى الصلاة ويدخل فيها؛ هذا آخر كلامه. أخبرني من أثق بقوله، قال: حدثني قاضي الجزيرة أبو طاهر يحيى بن الفضل، قال: شرعت يومًا لأصلي صلاة العصر، فأذّنت المغرب ولم أعقد النيَّة وذلك لما كان يصيبه من الوسواس. وكان ربما ركع الخطيب وهو قائم لم يتم عقد النيَّة. رأيته مرارًا يفعل ذلك يوم الجمعة- رحمه الله تعالى-. ومما أنشدني لنفسه واملاه عليَّ من لفظه بالموصل في سنة اثنتين وعشرين وستمائة: [من الكامل] أمَّا اصطبارك والسُّلوُّ حرام ... والدَّمع ما منه إليك ذمام

من بعد ما رحل الَّذين تحبُّهم ... قومٌ عليك وإن مضوا فكرام كانوا لعينك قرَّةً فترحَّلوا ... بالرُّغم لمَّا جارت الأيَّام /23 أ/ وكأنَّهم كانوا خيالًا وانقضى ... سمحت بهم في نومك الأحلام سلبوا فؤادك والرُّقاد مخافةً ... أن يجلب الطَّيف النُّفور منام وتوهَّموا السُّلوان منه بطيفهم ... كذبت عليك بزعمها الأوهام كيف السُّلوُّ عن الحشاشة والحشا ... فيه امن البين المشتِّ كلام ومحبَّةٌ ثبتت بقلبٍ في الصِّبا ... تبقى وإن بليت بها الأجسام ووجدت له أيضًا قوله: [من الكامل] يا راحلين بمهجتي وبخاطري ... ومحلُّتهم في ناظر من ناظري ومن العجائب أنَّ بحرًا زاخرًا ... عذبًا يحلُّ على أجاجٍ زاخر وقال أيضًا: [من الكامل] يا راحلين وما رأوا توديعي ... هلَّا تركتم كالوداع هجوعي وتركتم كالنَّار قلبًا في الحشا ... يبقى ويبقى القلب بين ضلوعي وقوله: [من الكامل] ورد الكتاب فظلت أنظر خطَّه ... فوجدته غير الَّذي أنا آمله فعجبت من منع الكريم وما الَّذي ... منع الكريم بأن تجود أنامله [929] يحيى بن محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن عليِّ بن زيد بن محمَّد بن أحمد بن عبيد الله بن عليِّ- ويلقَّب باغر- بن عبيد الله بن عبد الله بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالبِ النقيب، أبو جعفرٍ بن أبي طالبٍ الحسنيُّ.

من أهل البصرة المعروف بابن أبي زيدٍ. كان من الشرفاء الفضلاء الأعيان النبلاء، ولي نقابة الطالبين بالبصرة بعد أبيه مدَّة. وكان ذا معرفةٍ بالأدب والأنساب وأيام العرب وأشعارها. وكان شاعرًا مليح الشعر، رائق الكلام، حسن المقاصد. وكان على خاطره أكثر كتابة الأغاني ويذاكر به في محاضراته؛ لأنَّه كان كثير الاعتناء به. ورد مدينة السلام وامتدح بها الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين أبا العباس أحمد بن الحسن- رضوان الله عليه- وتوفي بها في ليلة الخميس ثالث عشر رمضان سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن يوم الخميس بجانبها الغربي بمقابر الإمام/ 24 أ/ موسى بن جعفر- عليه أفضل السلام-. وكانت ولادته بالبصرة في ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. أنشدني أبو الحسن علي بن محمد بن صدقة الخفاجي البغدادي بها، قال: أنشدني نقيب البصرة أبو جعفر لنفسه يمدح الناصر لدين الله أبا العباس- رضوان الله عليه-: [من الوافر] يلوم على محبَّتك العذول ... وليس للومه عندي قبول فطوِّل في ملامك أو فقصِّر ... فإنِّي لست أسمع ما تقول هوى عاشرته عشرين حولًا ... تصرُّمه للومك مستحيل وكيف يطيق صبرًا عنك صبٌ ... يهيج غرامه ليلٌ طويل وعينٌ في محاجرها دموعٌ ... وقلبٌ في جوانحه غليل إذا جحد الحبيب هوى محبٍّ ... فإنَّ شهود لوعته عدول أمارات الهوى وضحت عليه ... جواه والتَّوُّله والنُّحول فيا من شيمتي ولهٌ عليه ... وشيمته التَّجنُّب والذُّهول سأسلوا والمحبُّ له سلوٌّ ... إذا ما أفرط الحبُّ الملول

/24 ب/ وأعتقد الولاء لها شميٍّ ... وفيٍّ لا يملُّ ولا يميل من القوم الَّذين لهم عهودٌ ... كرامٌ لا تخون ولا تحول خيار النَّاس آخرهم إمامٌ ... يشرِّفهم وأوَّلهم رسول تسمَّى باسمه وحكاه هديًا ... وضمَّهما العمارة والقبيل فما في المرسلين له شبيهٌ ... ولا في الرَّاشدين له عديل ومنها يقول: أمير المؤمنين دعاء عبد هواه ظلُّ دولتك الظَّليل أقام به وغصن العمر نضرٌ ... وقد أودى وأنحله الذُّبول وإنِّي مثل ما خبِّرت شيخٌ ... ضعيف البطش ممراضٌ عليل فصيِّر حسن رأيك لي وداعًا ... أسرُّ به فقد أزف الرَّحيل ومن أولى طوال العُّمر أولى ... بأن يولي وقد بقي القليل فكم لك من يد تجزيك عنها ... غدًا في الحشر فاطمة البتول تثيبك بنت عمِّك من أبيها ... فأنت لولدها برٌ وصول وجاد الرَّوضة الزَّهراء جودٌ ... سقته وقد تحَّمَّل سلسبيل /25 أ/ ففيها من بني المنصور خرقٌ ... أغرُّ كأنَّه سيفٌ صقيل وقال أيضًا يمدحه: [من الطويل] ليهنك سمعٌ لا يلائمه العذل ... وقلبٌ قريحٌ لا يملُّ ولا يسلو كأنَّ عليَّ الحبَّ أمسى فريضةً ... فليس لقلبي غيره أبدًا شغل وإنِّي لأهوى الهجر ما كان أصله ... دلالًا فلولا الهجر ما عذب الوصل وأمَّا إذا كان الصدود ملالةً ... فأيسر ما همَّ الحبيب به القتل بنفسي إذا سال العقيق شعابه ... إذا ابتسم النُّوَّار وأكتهل البقل ويا حبَّذا خضراء روح بن حاتم ... وما طمَّ واديها وأجرعها السَّهل فسلَّت على جوِّ العقيق عقائقٌ ... من البرق لا نزر العهاد ولا حفل وراح على خضراء روح بن حاتم ... كجواد أبي العبَّاس أيسره الوبل إمام هدّى من هاشمٍ في أرومةً ... زكا الفرع لمَّا طاب من تحته الأصل كفيلٌ بأرزاق العباد نيابةً ... عن الله كلٌّ من يديه له كفل

وقال أيضًا يمدحه: [من مجزوء الكامل] ليلٌ بذي سلم أمير ... والصُّبح في يده أسير /25 ب/ عبَّا كواكبه جيوشًا ... لا تحول ولا تسير يا أخوتي من هاشمٍ ... هل لي على ليلي نصير نمتم وبين جوانحي ... داءٌ ينمُّ به الزَّفير مالي وما لبنات نعشٍ ... لا أنام ولا تغور أشكو الجوى وكأنَّها ... في جوِّها درٌّ نثير والنَّسر مقصوص القوادم ... لا يدُّب ولا يطير لم أدر طال اللَّيل أم ... جفني بذي سلم قصير وغريرةٍ كالظَّبي يحسدـ ... ـ طرفها الظَّبي الغرير نشطت عقال صبابتي ... بلواحظٍ فيها فتور سمراء تنعم لي بزورتها ... إذا رقد السَّمير حتَّى إذا خفق السِّماك ... وغارت الشِّعرى العبور وهوت مع الفجر الكواكب ... مثل ما تهوي الصُّقور وعلا السُّبات على الكلاب ... فلا نباح ولا هرير جاءت كما اهتزَّ القضيب ... الغضُّ واضطرب العبير /26 أ/ بعدًا لأيَّام الشَّباب ... فإنَّ أكثرها غرور مالي وما للَّهو والإقتار ... يمنع والقتير من شاء يسأل عن قريش ... إنَّني بهم خبير لهم النُّبوة والخلافة ... والمنابر والسَّرير ولهم أبو العبَّاس أحمدـ ... ـ ناصر الدِّين الغيور ملكٌ يغار على أقاصي ... المسلمين ولا يغير ويجير من حدث الزَّما ... ن بني الزَّمان ولا يجور بنداه تبتسم الثُّغور ... وباسمه تحمى الثُّغور تدعو أعاديه الثُّبور ... وحمله الرَّاسي ثبير وقال مبدأ قصيدة: [من البسيط]

هذا العقيق وهذا الجزع والبان ... فاحبس فلي فيه أوطارٌ وأوطان آليت والحرُ لا يلوي أليَّته ... أن لا تلذَّ بطيب النَّوم أجفان حتَّى تعود لياليَّ الَّتي سلفت ... بالأجر عين وجيراني كما كانوا واهًا لعيش مضى والدَّار جامعةٌ ... والدَّهر يسعف والجيران جيران /26 ب/ أيَّام أغصان وصلي غير ذاوية ... وروضها خضلٌ والعمر ريعان يا حبَّذا شجر الجرعاء من شجر ... وحبَّذا روضه المخضلُّ والبان إذا النَّسيم سرى مالت ذوائبه ... كأنَّما الغصن الممطور سكران فللنسيم على الأغصان هينمةٌ ... وللحمام في الأفق الغربيِّ حيران وبارق لاح والظلماء داجية ... والنجم في الأفق العربي حيران هفا فذكرني هيفاء ضاحكةً ... فلم أنم وعراهمٌّ وأحزان يا هذه برِّدي بالوصل نار جوى ... في القلب فالقلب صادمنك حرَّان كتمت حبَّك والأجفان تظهره ... وليس للحبِّ عند العين كتمان غادرت بالغدر في الأحشاء نار جوى ... ومذ هجرت ففيض الدَّمع غدران [930] يحيى بن محمَّد بن عليِّ بن مجاهد بن مجاهد بن عبد الرحمن بن سعيد بن خلف بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن سماعة بن سلمة بن مازن بن مالكٍ، أبو زكريا الخزرجي. من أهل تلمسان من بلاد الغرب. نزل حلب وسكنها، وأدب سلطانها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد/ 27 أ/ بن غازي- خلَّد الله ملكه-. شاهدته بحلب المحروسة بمجلس الصاحب الوزير مؤيد الدين أبي نصر

إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الشيباني- أدام الله إقباله- في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وستمائة؛ وسألته عن ولادته، فقال: لا أتحققها غير أنَّ لي الآن ثمانيًا وثلاثين سنةً. وهو من أهل الأدب والفضل، ويحفظ القرآن الكريم، ويقول الشعر الحسن. أنشدني لنفسه يمدح الصاحب مؤيد الدين أبا نصر الشيباني- أسعده الله تعالى-: [من الطويل] سرورك ما هبَّ النَّسيم يدوم ... وعزُّك ممدود الرُّواق عميم وسعدك ضاف والمؤمِّل طوعه ... وعيشك صاف والزَّمان خديم ثنت نحوك الشُّهب الجواري سعودها ... وجدُّك فيها بالثَّبات زعيم ومن كانت العلياء بعض خلاله ... تشير إليه بالسُّعود نجوم لك الخير ما ذرَّت شوارق أو سرى ... نسيم صبًا قد عنبرته غيوم يمرُّ على زهر الرِّياض مغلِّسًا ... تصُّح به الأنفاس وهو سقيم /27 ب/ وما طربي من ساجعٍ فوق أيكة ... يذَّكرني عهد الصِّبا فأهيم ويعتادني عيد الأماني الَّتي هلت ... وشمل لذاذاتي بهنَّ نظيم بأطرب منِّي والمؤيَّد كافلٌ ... ذوي الفضل يحيي ذكرهم ويقيم فتى وشَّح العلياء فاحتلَّ رتبةً ... حواها له .... أغرُّ وسيم علا فعلا ناديه أبهج ميسم ... وساد فشاد المجد وهو فطيم إذا خطَّ في طرسٍ أقرَّت لزهره ... وزهر معانيه الحسان فهوم وينظم في سلك الكلام فرائدًا ... لها في قلوب الحاسدين كلوم إليه تناهى الفضل لم يزل ... له وعليه للثناء رسوم عليك له مغنّى يكسِّبك الغنى ... فقلَّ امرؤٌ بالمكر مات يقوم يسرُّ بنجح الحاج من كلِّ قاصد ... ويرتاح للعافين حيث يقيم له خلقٌ راقت أرقُّ شمائلًا ... من الماء إذ ما صفَّقته نسيم تداوى به مرضى الهموم لأنَّه ... إذا جالسته الرُّوح وهي حسوم أمولاي خلنا في معاليك غبطةً ... بأنَّ معاليك الغبيّ ذميم تهنَّ بها قدًّا وطل واسم سيِّدًا ... فما لك بين الخافقين قسيم /28 أ/ ودم ما بدا نجمٌ وأينع مثمرٌ ... وما ضاع من وادي الأراك شميم

وأنشد لنفسه في الغزل: [من الكامل] ومنزَّه الأوصاف عن نظرائه ... سلب العقول بحسنه وبهائه طاوي الحشا ألمي كأنَّ جفونه ... في الذَّبِّ عنه صرن من رقبائه ما رمت منه نظرة إلاَّ انثنى ... منها الفؤاد مضرجًا بدمائه بين القلوب وبينها حرب متى ... يرنو وما إن هنَّ من أعدائه لن تفعل البيض الرِّقاق ولا القنا ... كفعاله بفؤاد صٍّ تائه يرنو فيكلم ثمَّ يسير كلمه ... برنوِّه فدواؤه من دائه وأنشدني أيضًا قوله في غلام شهر سيفًا: [من الكامل] ومهفهف ساجي الجفون أحمَّها ... دانت للحظته الظُّبا والذبل شهر الحسام لكي يرى ما طرفه ... بأخي الصَّبابة .... يفعل أنشدته لمَّا رأيت فعاله: ... (لفتور طرفك من حسامك أقتل) وأنشدني لنفسه في غلام كاتب: [من الطويل] /28 ب/ أنامله خطَّت بسحر كأنَّما ... لواحظه تملي عليه فيرسم فمن يده سطر على الطِّرس معرب ... ومن لحظه سطر بقلبي معجم وأنشدني له في الشمعة: [من الطويل] وباكيه لم تعرف الحزن والآسي ... ولا شدَّة الأهوال كيف مراسها تكاد بأن تقضي لفيض دموعها ... وتحيا إذا في الحين يقطع رأسها وأنشدني لنفسي في البنفسج: [من الكامل] كلُّ الأزاهر إن حسن نضارة ... فهوى فؤادي دونهن بنفسج أهواه دون جميعهنَّ لأنَّه .... يحكي خدودًا بالعضاض تضرَّج [931] يحيى بن محمَّد بن عبد الكريم بن سعيد بن أبي حصين بن عمرو، أبو القاسم التنوخيُّ. من أهل معرة النعمان

رأيت من شعره يرثي أبا المعالي محمد بن عبد الواحد بن المهذَّب التنوخي، وكانت وفاته يوم السبت الثامن عشر من ربيع الآخر سنة خمس عشرة وستمائة: [من الوافر] لقد حطَّت عن الرُّتب العوالي ... وقد هدَّت شماريخ الجبال /29 أ/ وقد درست رباع المجد حتَّى ... عفت وغدت معالمها بوالي وعادت بهجة الأيَّام جمعًا ... مسوَّدة الأسافل والأعالي وأصبح خاليًا من كان مليًا ... وعاد معطًّلا ما كان حالي وفاضت دمعة مقل العذارى ... وشبَّت لوعة مهج الرِّجال فنو حوا يا بني الآمال وابكوا ... على الشَّيخ الجليل أبي المعالي على شيخ المعرَّة والبرايا ... على زين الماثر والجلال على أحلى الورى مرأى وأشهى ... إلى الظَّامي من الماء الزلال فتى رام النهى مذ كان طفلاِّ ... ونال من العلا أوفى منال فتى كبت المعاند والمعادي ... وساءهما بما سرَّ الموالي أعدَّ لمن يعاديه وبالًا ... وعوَّد كفَّه بذل النَّوال وساد النَّاس معروفًا وبرًّا ... وال إلى الفخار بغير ال ومما ينسب إليه من ... أيضًا: [من الطويلٍ] فؤادي عليكم لا على غيركم يحنو ... وطرفي إليكم لا إلى غيركم يرنو وفي أضلعي نار يشبُّ وقودها ... سحاب له من أدمعي أبدًا هتن /29 ب/ وأرق أجفاني بكم قلق الحشا ... وليس يقرُّ القلب مذ أرق الجفن فجفني جفاه النوم فيكم ومهجي ... لفرط نواكم للهوى أبدًا سفن فيا ويح جسمي إذ تكلَّفه الظَّنى ... عليكم حوي قلبًا تكنَّفه الحزن أحباي دار بنتم عن ربوعها ... جحيم ودار أنتم أهلها عدن سقاها من الأنواء هاطل مزنها ... وجاد عليها الغيث إذ بخل المزن إلى الله أشكو من أناس صحبتهم ... زمانًا فما أحنوا علييَّ ولا حنُّوا ألفتهم والعيش غضٌّ وغضنه ... رطيب وفيهم قد ذوى ذلك الغصن فمالوا إلى غيري وملُّوا تواصلي ... ومانوا مواعيدي وبالعود ما منُّوا

وعادوا إلى العدوى عليَّ وبالنوى ... أعانوا على البلوى عليَّ وما عنُّوا وحبل الوفا جذُّوا وحالوا عن الهوى ... وطرق النُّوى سنوا وخيل الجفا شنُّوا فإن رمت أسلوهم فباعي ... ... وحالي به نقص وعزمي به وهن ولكنَّني إن بنت عنهم بقالبي ... فقلبي لهم وقف وعندهم رهن ألا قاتل الله اللَّيالي لقد قضت ... عليَّ بأسباب وأيسرها الغبن وقد ملكتنى دولة الدَّهر للنوى ... ............ كأنِّي لها قنُّ /30 أ/ وقاتلتي بالبعد حتَّى كأنَّما ... عليَّ له ثأر وعندي له ضغن أبا الفضل والرَّحمان إنِّي مغرم ... بكم ولرحى الشَّوق في كبدي طحن علمتم بأنَّ الوجد عندي مخيِّم ... وللصبِّ عن قلبي لظعنكم ظعن أما والَّذي يرمي الرِّكاب إلى مني ... ليطوي بها سهل المهامه والحزن لقد ساءت الدُّنيا عليَّ لفقدكم ... وضاقت فكلُّ الأرض مع وسعها سجن وعامرها بال وشامخها لقى ... ومؤنسها وحش ونيِّرها دجن لك الله من ندب تفرد بالعلا ... فطاول ذا فنٍّ وما فاته فن إذا نشرت بين الأنام صفاته ... فمن من العلا عمرو ومن في النَّدى معن وإن حصروا أهل البلاغة والنُّهي ... جميعهم يومًا لديك فهم لكن له في ازدحام الوفد نائل حاتم ... وليس له مطل وليس له منُّ وفي معرك الأبطال إقدام عنتر ... وليس به نكل وليس به جبن فإن جاد للعافين غير مماثل ... وإن جال في العادين ليس له قرن فيوم الوغى في فيه تعتقر العدا ... ويوم النَّدى في حبِّه تعقر البدن فقم واقعد الأعداء وأرق إلى العلا ... فأنت لها خل وأنت لها خدن /30 ب/ وأنت لها واف وكاف وكافل ... وأنت لها ركن وأنت لها حصن فدم أبدا التعري من البؤس والأذى ... وتعزى إلى عليائك العزُّ والأمن وتعزى بكسب الحمد والمجد والثنا ... وتعزى بك الأعداء والإنس والجنُّ وتبقي على مرِّ الزَّمان مخلَّدًا ... وتنفى بك الأضغان والإفك والإفن

[932] يحيى بن محمَّد بن مختار، أبو الحسين المصريُّ هو أخو جعفر الذي سبق ذكره، ويعرف بابن شمس الخلافة. كان شاعرًا متأدبًا له عدة قصائد مدح بها الملك العادل سيف الدين أبا بكر محمد بن أيوب بن شاذي- رحمه الله تعالى. ومن شعره يقول: [من الطويل] تقول وقد ودَّعتها ودموعها ... تسحُّ ونيران الحشا تتضرَّم خليلي إذا شطَّت بك الدَّار لا تدع ... تحيَّتنا إنَّا لها نتنسَّم فقلت إذا سلَّمت والبعد بيننا ... على غير ميقات لكم كيف نعلم فقالت إذا الشَّمس المنيرة أشرقت ... فسلِّم فإنَّا حين تبدو نسلِّم وقال يمدح: [من البسيط] /31 أ/ يا ليلة ظلَّ فيها النَّجم منتصبًا ... وسط السَّماء وضلَّ النَّوم في بصري نام الخليُّون والخلاَّن ليلهم ... وبثُّ مغرى برعي الأنجم الزُّهر كأنَّ لي موعدَا في الصُّبح أرقبه ... بالوصل فالعين من نومي على حذر ما أطول الليل في عين مسهَّدة ... وأبعد الصُّبح من إنسان منتظر أخاف إن سمته وصلًا معاجلةً ... تصدُّ عنِّي وتقصيني عن النَّظر فأمسك النَّفس صبرًا كي تلين علي ... التَّدريج والصَّبر مشتق من الصَّبر قل للنوائب إنِّي قد رميت له ... عنان رقِّي فلا تبقي ولا تذري وحلِّقي وأسفِّي واهجري وصلي ... أو خالفي أو أطيعي واعدلي وجري ومنها في المديح: يا من نداه حياة العالمين كما ... ندى السَّحاب حياة الرُّوض والزَّهر أسلم لنا وابق عمر الدَّهر في رغد ... فأنت منه مكان السَّمع والبصر

[933] يحيى بن محمَّد بن عمر بن محمَّد بن عليَّ، أبو الفخر بن أبي الفضل الكاتب، الجزريُّ المولد الموصليُّ المنشأ والدار. ذكر لي أنَّه ولد بالجزيرة العمريَّة سنة إحدى وخمسين/ 31 ب/ وخمسمائة. وانتقل إلى الموصل- وهو صغير السنّ- واتخذها دار إقامة. وكان يتولّى بقلعتها كتابة الرقاع والروزات إلى القرى والنواحي، وذلك في أيام نور الدين أتابك رسلان شاه بن مسعود بن مودود صاحبها. شاهدته بالموصل شيخًا كبيرًا في جمادي الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، شيعي المذهب، له ديوان شعر استفرغ أكثره في مديح أهل البيت- صلوات الله عليهم وسلامه، لقَّبه بـ "الكواكب المنيرة في المناقب الخطيرة"، وأنشأ تسعًا وعشرين خطبةً على توالي حروف المعجم. ومما أنشدي لنفسه وأملاه على يمدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- صلوات الله عليه وسلامه: -[من الكامل] قل للرقيب وفي الحبيب بوعده ... حتَّى يموت بدائه وبوجده ملَّ الملال ولمَّ شمل محبِّه ... ونفي الجفا ورفا ممزَّق ودِّه لولا بنفسج عارضيه ونرجس ... في مقلتيه ووردة في خدِّه وعذوبة في خندريس رضابه ... المروي لراشفه ولذَّة شهده ولباقة في مشيه ولطافة ... في نطقه وتعدل في قدِّه /32 أ/ ما كنت محسودًا عليه فليمت ... كمدا حسودي قد حظيت برفده ومنها قوله: فاصبر على مضض الحسود وكيده ... فبصبرك المنجي يموت بجهده وإذا ابتليت بجار سوء فارتجل ... عنه وشيكًا وانتقل من عنده وإذا نطقت زن الكلام محاذرًا ... مر الجواب وخائفًا من ردِّه

واحذر مصاحبة السًّفيه فإنًّه ... لا خير في هزل السَّفيه وجدِّه وارحم لترحم واعف وأحسن واقتنع ... فالله يا هذا مجازي عبده والسِّر صنع فكاتم الأسرار لا ... يخشى عتاب صديقه أو ضدِّه واصنع جميلًا ما استطعت فصانع المعروف ... يبقى ذكره من بعده وإذا نزلت بدار أحمق داره ... فلربما رقص اللَّبيب لفرده واعرض عن الجهَّال واهرب منهم ... إنَّ الجهول يهرب خطاه كعمده واصف الوداد ووال آل محمَّد ... فوليُّهم يجد النجاة برشده قوم محبَّتهم وصدق ولائهم ... ينجيك من حرِّ الجحيم ووقده وتقيك شرَّ الزَّمهرير إذا ثوى ... فيه العصاة غدَا وشدَّة برده /32 ب/ قوم إذا ذكروا يبين بذكرهم ... مبيضُّ وجه المرء من مسودِّه أو ما ترى الدِّينار يظهر صرفه ... وعياره في حكِّمه أو نقده هم أرغموا الشِّيطان لمَّا كسَّروا ... الأوثان في قرب المكان وبعده هم أوضحوا سبل الهدى لمن اتَّقى ... ورجا النَّجا في سعيه أو قصده يا لائمي في حبِّ حيدر جاهدًا ... بجلاله وبفضله وبمجده أو ما علمت بأنَّ صنو المصطفى ... خير الورى وأجلُّهم من بعده حسبي ولاء المرتضى فولاءه ... فخر الوليِّ وأنسه في لحده أألام في حبِّي إمامًا لم يزل ... جبريل خادمه وخادم ولده [آخاه أحمد وارتضاه لفاطم ... دون الورى من أهله أو جنده] مولى فدى روح النبيِّ بنفسه ... وحمى حماه وغيره لم يفده مولًى رقى كتف الرَّسول فنكَّس الأصنام ... إرغامًا لهم ولندًّه مولًى أباد المشركين ولم يزل ... في طاعة الرَّحمان بازل جهده مولًى له الآيات في عزماته ... ما تختفي في حلِّه أو عقده مولًى يبين ببغضه وولائه ... للمؤمنين شقا امرئ من سعده فوليُّ حيدر قد هداه إلهه ... وعدوُّه ربُّ العلا لم يهده

/33 أ/ من ذا يضاهيه وليس كمثله ... في علمه أو حكمه أو زهده من طلَّق الدُّنيا ثلاثًا غيره ... حتَّى غدت مرفوضةً من عنده صام الهجير ولم يزل بصلاته ... يفني لياليه الطِّوال وورده عبد الإله موافقًا لمحمَّدٍ ... والغير في العمياء ساحب برده لم يتَّخذ صنمًا إلهًا دهره ... حاشاه ليس الشِّرك عقدة شدِّه صه أيُّها الشَّاني وسل عن حيدرٍ ... وفعاله في بدره أو أحدخ كم بحر حرب خاض فيه ولم يخف ... من جزر بحر الحرب أو من مدِّه ولكم أراق دمًا وفرَّق جحفلًا ... وأذاق صنديدًا مرارة فقده آيأته مشهورةٌ كالسَّيف لا ... يخفى إذا جرَّدته من غمده أو ما سمعت بقلع باب خيابرٍ ... إذ هزَّه هزًّا وسرعة هدِّه كم للوليِّ المرتضى من معجزٍ ... ضربت به الأمثال عنه بجدِّه يحيى النظام عبيده ما يأتلي ... رطب اللِّسان بمدحه وبحمده يرجو بذاك شفاعةً منه غدًا ... تنجيه من برق العذاب ورعده وأنشدني لنفسه: [من الطويل] /33 ب/ وما كلُّ ما تبغيه نفس مؤمَّلٍ ... ينال ولا ما تكره النَّفس يدفع ليعلم أنَّ الأمر لله وحده ... وليس سواه من يضرُّ وينفع وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] إكتساب الثَّناء خيرٌ من الما ... ل فحصِّل شكر الورى واكتسبه وأمر النَّاس بالتُّقى واتَّبعه ... وانه عن منكر الهوى واجتنبه وأنشدني لنفسه يمدح القاضي الإمام العالم الفاضل محيي الدين أبا حامد محمد بن محمد بن عبد الله بن الشهرزوري- رحمه الله تعالى- بالموصل: [من السريع] مولاي محيي الدِّين يا ذا الَّذي ... عمَّ الورى إفضاله الشَّامل وعدت نفسي منك آمالها ... وعرفك المعروف لي كافل فخذ ثنائي واغتنم دعوتي ... واسمح بتعجيل الَّذي آمل

فخير برِّ المرء تعجيله ... وعنك يروى الكرم الكامل [934] يحيى بن محمَّد بن عبد الله بن محمَّدٍ، أبو زكريا الكنَّري وقيل الكنَّاري. - وكنَّر بكسر الكاف وتشديد النون آخرها راءٌ مهملة- قرية كبيرةٌ من قرى دجيل من أعمال بغداد. أخبرني أنَّه ولد بها في ذي القعدة سنة اثنتين وستين وخمسمائة. وتوفي بنصيبين في شوال سنة إحدى وثلاثين وستمائة. كان شاعرًا ضريرًا لسنًا، غزير الشعر متصرفًا فيه، ذا نفس قوي في نظمه، واقتدارٍ شديدٍ في إنشائه، وخاطر سريع في البيدهة والإرتجال، يحفظ جلَّ أشعاره، ويوردها عن قلبه، ولم يتوقف في إيرادها. وكان رديء اللسان قبيحه، مشوَّه المنظر، أفطس الأنف، هجاءً كثير الوقيعة في أعراض الناس، يتعاطى الكفريات في شعره. وشهر بقلَّة الدين، وفساد الإعتقاد- سامحه الله تعالى-. رحل إلى الملوك واسترفدهم بشعره ولم يزل يضرب في البلاد ويتجولها ويرتزق من أكابرها وصدورها. وكان أكثر مقامه بالموصل، يصنع الحصر /34 ب/ بيده، وكتبت عنه من شعره بالموصل وإربل جملةً. ومما أنشدني لنفسه من قصيدة أوّلها: [من الكامل] حسب المحبِّ غرامه وسهاده ... تبكي عليه لما به حسَّاده يمسب ويصبح بالخيال معلَّلًا ... فكأنَّ آفات الهوى أضداده يخفي الهوى فإذا رأى أحبابه ... فقد التَّجلُّد واستطار فؤاده كيف اصطبار فتًى له في خدِّه ... طرسٌ ومن دمع الجفون مداده

يبكي فيكتب دمعه ما قولكم ... فيمن يموت وما دناه مراده يشجو الحمام إذا بكى حتَّى إذا ... أفنى الدُّموع بكت له عوَّاده كلف الفؤاد بحبِّ من هجرانه ... أحزانه وأمانه أعياده وفساده في الحبِّ عين صلاحه ... وصلاحه إن حاد عنه فساده يا من رمى سهمًا فما أخطا الحمى ... لجَّ الظما قصد اللمى ورَّاده صبي أبى سيفي نبا مهي كبا ... جسمي هبا يا من سبا ترداده وأنشدني أيضًا لنفسه ممّا أملاه عليَّ من لفظه وحفظه: [من الوافر] /35 أ/ سمحنا بالقريض ولم نصافح ... بكفِّ قريضنا كفِّ انتصاف ولكن حبُّنا للفضل يحدو ... خواطرنا على جمع القوافي فلو علم القريض لمن يلاقي ... بحكمته لآذن بانصراف ولو عرف النَّدى للشِّعر حقًّا ... عليه جاءه عريان حافي ولو رمنا صفاء الشِّعر منَّا ... بقدر الجود لم نظفر بصافي وأنشدني أيضًا قوله: [من المنسرح] ليس على الشَّاعر البليغ سوى ... جهاده في صواب ما نظما وما عليه بأن يحدَّ له ... أهلًا وهذا لا يلزم الحكما قد يقطف الينع غير غارسه ... وقد يظلُّ الغراس محترما ويضرب الدُّرُّ بالكساد وقد ... ينفق بعر الجمال مغتنما والجود خبر الممدوح لا خبر الـ ... ـمادح والنَّاس فطنةٌ وعمى هذا له درهمٌ وذاك له ... ألفٌ وهذا لا يعرف النِّعما والأمر لله لا لنا وله الـ ... ـحكم علينا يجري بما حكما وأنشدني لنفسه: [من المديد] /35 ب/ أطلقت بابًا لقصَّاد النَّدى فأتوا ... يبغونه فلقوا في الباب حجابا فكابدوا فاصرف الحجَّاب وادع بهم ... ليعذب الجود أو لا فامنع البابا وأنشدني له أيضًا: [من الطويل] كفى الرَّجل المخدوم خيفة شرِّه ... بأنَّ له شرًّا يخاف ويجزع

فإن عاش قال النَّاس سهمٌ مفوَّقٌ ... وإن مات قال النَّاس شرٌّ مدفَّع وإن زال عنه عزُّه في حياته ... سيعلم ما يجري له وسيسمع وأنشدني لنفسه: [من مخلّع البسيط] ما لي إذا قلت ألف خيرٍ ... للنَّاس في النَّاس أهملوه وإن أتت غلطةٌ بشرً ... منِّي لهم قيل حاربوه فليحذر المرء كلَّ خلٍّ ... له ولو أنَّه أبوه وأنشدني في قوله: [من المتقارب] تجنَّب بسرِّك أهل الصَّفا ... على كلُّ حالٍ وأهل الكدر فإن أنت أخبرت بالسِّرِّ عنك ... أضعت الصَّواب وشاع الخبر وأنشدني لنفسه في المعنى: [من المتقارب] /36 أ/ على السِّرِّ منك رقيبٌ عتيدٌ ... فباشر بسرِّك غير البشر فما السِّرُّ إلَّا كنفع اللَّبيب ... فمن فارق النَّفع لاقى الضَّرر وأنشدني لنفسه: [من الطويل] كتبت إليكم بالحنين كتابا ... وعتابتكم فيما وجدت عتابا جوابي لكم شوقي إليكم ولا أرى ... سوى الشَّوق والوجد القديم جوابا أتوب إليكم من سلوِّي لحبكم ... ومن كظَّه الشَّوق المبرِّح تابا ومن خاب من عند الأحبة حظُّه ... بكى حظَّه إذ زلَّ عنه وخابا وحقِّ الهوى لا غاب عن خاطري لكم ... خيالٌ فهل منكم خيالي غابا وهل قد غضبتم قاطعين رسولكم ... عن المرتجى منكم رسول غضابا أجبنا رضاكم واستمعنا نداكم ... فكيف نسيتم من دعي فأجابا وكيف رضيتم في الهوى بعقابه ... ولم يرج في حفظ العهود عقابا وأنشدني وقد سمع قول بعض الشعراء: [من الخفيف] نذر النَّاس يوم برئك صومًا ... غير أنِّي وحدي نذرت الفط /36 ب/ عالمًا أنَّ ذلك اليوم عيدي ... لا أرى صومه وإن كان نذرا فأخذ المعنى وقال أنشدنيه: [من الطويل]

على الخلق نذرٌ صوم يومٍ مبشِّرٍ ... ببرئك لكن ما عليه صيام لأنَّ بذاك اليوم عيدًا متابعًا ... لعيدٍ وصوم العيد قيل حرام وأنشدني لنفسه من قصيدة مطوَّلة الموقظة، أنشأها تنبيهًا فيمن يدّعي الفضائل والآداب ويتعاطى العلوم وهو صفرٌ منها وهي تزيد على مائتي بيت تتضمَّن آدابًا وفضلًا ومقاصد حسنةً: [من الرجز] يا معشر الحكَّام بالعدل احكموا ... ولا تميلوا مع من يميِّلوا كم بين من يعمل شعرًا خالصًا ... من تهمة وبين من لا يعمل وأين من حرمة حبرٍ فاضلٍ ... في درجات الفضل لا يفضَّل /37 أ/ مالي أرى الشَّعر الجميل والَّذي ... ينشؤه في المدَّعين يجمل لم أر إلَّا قائلًا مدَّعيًا ... ما ليس فيه قوله تقوُّل ولم أجد إلَّا هذا منتحلٍ ... وهو يظنُّ غيره ينتحل وربما قال: اسألوا وامتحنوا ... وهو بعيد الرُّشد عمَّا يسئل لكنَّه يشغل من يجهله ... وعنده من كلِّ فضل شغل يغمز أو يهمز أو يلمز أو ... يضحك في جلَّاسه أو يهزل يعني بأن عنده فضائلًا ... والكلب منه في المعاني أفضل كم مدَّع ما ليس فيه وله ... معنِّف في قوله معطِّل ووجهه لا يلتوي وميله لا يستوي وطرفه لا يخجل وهذه قبائحٌ لو أنَّها في أمَّةٍ ... ضاقت عليها السُّبل وكتب إلى بعض الرؤساء يستنجز منه وعدًا وقد عزم على السفر: [من البسيط] إعلم وأنت لعمري خير من علما ... يا ابن الأكارم أنَّ البرد قد هجما وأنَّ يوم الخميس المستحبُّ به ... عزم المسافر والمملوك قد عزما /37 ب/ وقال في أهل حلب: [من الطويل] بنو حلبٍ ظنُّوا اللِّباس رياسةً ... وليسوا وإن عدُّوا من الرُّؤساء

بغالٌ وغلمانٌ وكبر عمائمٍ ... وتوسيع أردان بغير سخاء وقوله يمدح الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذي، سلطان حلب- رحمه الله تعالى-: [من المجتث] بشِّر جليس المكان ... عنَّا بنيل الأماني وقل له قد تقضَّى ... ما كان من رمضان فما قعود الفتى عن ... مسرَّة الإخوان فادنوا الدِّنان لنحظى ... بالفوز عند الدِّنان وخلِّ عذل فلانٍ ... فيها ولوم فلان واملأ كؤوس مدامٍ ... تتلو الكؤوس قناتي واجعل أوان التَّسلِّي ... لك انتصاب الأواني /38 أ/ فما أمرتك حتَّى ... سبقت أمر لساني يا ناهيًا لو تناهى ... معقوله ما نهاني إشرب ولو فرد كأسٍ ... على الوجوه الحسان حتَّى ترى العذل فيها ... ضربًا من الهذيان من كان أزهد منِّي ... أو شانه مثل شان كان الجنيد وكان الـ ... ـحلَّاج من غلماني حتَّى تناولت رطلًا ... على اتِّفاق المثاني فما برحت إلى أن ... تركت زهدي مكاني وصار سعيي إليها ... مستأنفا للأذان دعني فطول اشتياقي ... إلى المدام دعاني لو أن ماء قويق ... من قهوة ما كفاني إيه ولا سيِّما من بنان رخص البنان مقرطقٌ معنويُّ الـ ... ـصِّفات حلو المعاني مهفهفٌ بابليُّ ... اللِّحاظ والأجفان /38 ب/ يزهو بأبيض عاجي ... تيهًا وأحمر قاني وناظرٍ نرجسيٍّ ... ومبسمٍ أقحواني

رأيته واسطيًا ... فصرتٌ من حرَّان سقاني الرَّاح حتَّى ... لم أعترف من سقاني سكرًا به لا بخمرٍ ... لحانةٍ ولحاني وكيف يسكر مثلي ... من سبعةٍ أو ثمان ولجَّة البحر عندي ... ومثلها قد حان يا ضامنًا لارتياحي ... في الرَّاح ضماني فلو حلفت عليها ... كفَّرت عن أيماني فما غواني إلَّا ... تهتُّكي في الغواني ونصُّ علمي بين الـ ... ـعيدين بالعيدان لا في الوجيز ولا في الـ ... ـبسيط ضاع زماني سكَّن بكأس مدامٍ ... قلبي من الخفقان ولا تهب طيلسانًا ... ما لي وللطيلسان /39 أ/ فلا مهابة إلَّا ... للظَّاهر السُّلطان اللَّوذعيِّ الغياث الـ ... ـمستنقذ المستعان المنعم البرِّ أهل الإ ... نعام والإمعان مطابقًا في ضرابٍ ... ملاصقًا في طعان محقِّقًا لشجاعٍ ... مخفِّفًا عن جبان هو أبن يوسف غازي الـ ... ـغياث صدر جهان ملكٌ دنا فتنائى ... من رعبه كلُّ داني وخصَّنا بنوال ... وعمَّنا بامتنان له أوائل في الخلـ ... ـق ما لهنَّ ثواني كفٌّ كفيلٌ غوادي الأ ... حياء والأحيان حيًا يحيِّي ويحيي ... غيري كما أحياني عن أبن يوسف تروي ... فرائس الفرسان وفي عواقب شانيـ ... ـه مرتع العقبان وفي لبان مناويـ ... ـه منه رحب لبان

[مقرُّه اليمن قاضٍ ... ضربًا بكلِّ يماني] [935] يحيى بن محمَّد بن الفضل بن يحيى بن عبد الله بن جعفر بن زيدبن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمَّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، الشريف، أبو جعفر بن أبي الفضل العلويُّ الحسينيُّ. من أهل بغداد. وهو ابن أخي الشريف أبي عليٍّ المظفر بن الفضل الذي مرَّ شعره متقدمًا. وأبو جعفر هذا شاب أشقر؛ رأيته بكرخ بغداد، وله في قرض الشعر ذوق حسن، وطبع سهل. أنشدني لنفسه بالكرخ في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقد اقترح عليه أن يوازن قول القائل: [من مجزوء الرجز] يا ليل طل أو لا تطل ... لا بدَّ لي أن أسهرك لو بات عندي قمري ... ما بتُّ أرعى قمرك فصنع أبو جعفر أبياتًا من جملتها قوله: [من مجزوء الرجز] يا مهجتي من غيَّرك ... ومن بقتلي أمرك ومن على سفك دمي ... يوم الفراق أمَّرك /40 أ/ يا ناصبًا بلحظه ... للهائم الصَّبِّ شرك أبصر بدرًا طالعًا ... في تمِّه من أبصرك فمن رآك عاذري ... وعاذلي من لم يرك

[936] يحيى بن محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن يحيى بن عليِّ بن عبد العزيز بن الحسين بن محمَّد بن عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان، القاضي أبو المفضّل بن القاضي، أبي المعالي الأمويُّ العثمانيُّ. من أهل دمشق وأبناء قضاتها ومن بيتٍ كبيرٍ في القضاء على قديم الزمان وحديثه؛ لأنه يعدُّ ستَّةً من القضاة على نسقٍ واحدٍ. شاهدت القاضي أبا المفضَّل بدمشق، وأخبرني أنَّه ولد بها ليلة الجمعة الخامس والعشرين من سنة ستٍّ وتسعين وخمسمائة، وذكر أنَّه سمع الحديث النبوي من أبي اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، والقاضي أبي القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني الأنصاري وغيرهما. وقرأ الفقه /40 ب/ على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه- على أخيه أبي العباس طاهر بن محمد بن علي القرشي الأموي، وفخر الدين عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي. واشتغل بالأدب على أبي الحسين يحيى بن معطي بن عبد النور الزواوي النحوي. وتولّى قضاء دمشق وله يد بيضاء في نوعي المنظوم والمنثور. ومما أنشدني لنفسه وكتبه لي بخط يده بدمشق في سنة أربعين وستمائة في محرّمها، قوله: [من المديد] حيِّ أيَّامي بذي سلمٍ ... واسأل اللَّذَّات عن خبره أصلٌ مرَّت مفوَّفةً ... مثل برد العصب أو حبره ونديم بتُّ أكرعه ... قهوةً توهي قوى مرره فرجت داجي الظَّلام لنا ... فأضاء الليل من ستره وتقضَّى مثل ما طرفت ... شفر موحي الغمز عن شفره

غير مذمومٍ ولا نكد ... (وهو من ليلي ومن سمره) نتعاطاها مشعشعةً ... قد سمت في الدَّنِّ عن كدره /41 أ/ حسب كفِّي أن تخبَّ بها ... لاقتراب الورد من صدره ومغنٍّ غير مكترثٍ ... بمكان الحبسَّ من وتره بات يلهينا وينشدنا ... (أيُّها المنتاب عن غفره) وسط روضٍ في ذرى خمرٍ ... صدح القمريُّ في شجره ثمَّ ولَّى ذاك أجمعه ... وكذاك الدَّهر في غيره وقصارانا إلى حفر ... وهو شاو المرء من عمره وأنشدني أيضًا لنفسه: [من مخلّع البسيط] إنَّ جوادًا وإن سيفًا ... وإنَّ مهضومةً رداحا حصنٌ ولهوٌ لذي مصاعٍ ... نال به الجدَّ والمزاحا وكلُّ عيشٍ وإن تراخى ... وقال أهلوه لا براحا يبيده الدَّهر بارتجاعٍ ... جرَّ على إثره الرِّياحا فغاية اللَّهو أن تعاطى ... خلع عذاريك والمراحا وغاية الجود بذل نفسٍ ... وفضل موجودك ارتياحًا وغاية الرُّشد في اتِّقاء ... يشعرك الخير والصَّلاحا /41 ب/ واللُّؤم أن يقدح المرجِّى ... منك زنادًا يري شحاحا وأنشدني لنفسه: [من المتقارب] أشدُّ البلاء بهذي البلاد ... غلاء الحمير لرخص الجياد فكيف المقام بأرضٍ بها ... تقاد الأسود بأيدي النِّقاد

وأنشدني له أيضًا: [من الكامل] ومخلَّل طابت مجاني غرسه ... تلقاك لذَّته بطعم حرام بتنا على رغم الرَّقيب ونقلنا ... قبل الخدود على كؤوس مدام وأنشدني قوله: [من السريع] ما الأمر إلَّا نسقٌ واحدٌ ... ما تمَّ من حمدٍ ولا ذمِّ وإنَّما العادة قد ميَّزت ... والطَّبع والشَّارع في الحكم [937] يحيى بن المظفر بن الحسن بن بركة بن محرزٍ، أبو زكريّا البغداديُّ، الفقيه الحنفيُّ. كان أحد شيوخ أصحاب أبي حنيفة- رضي الله عنه- درس بالمدرسة المعروفة بالتتشيَّة بدرب دينار مدَّةً؛ ثم /42 أ/ بالمدرسة المعروفة بالموفَّقيَّة على دجلة وبغيرها. وكان عنده فضل وله معرفة جيدة بمذهبه وبالخلاف والمناظرة، وقد سمع الحديث النبوي من أبي المعالي محمد بن اللجاس، وأبي الفضل أحمد بن شافع الجيلي، وابن التريكي وغيرهم. وكان فصيحًا مفوَّهًا مقتدرًا على القول في المحافل ذا نظم ونثرٍ. وكانت ولادته سنة ستٍّ وثلاثين وخمسمائة. وتوفي يوم الإثنين ثالث عشر ذي الحجَّة سنة خمسٍ وعشرين وستمائة، وصلّي عليه بجامع القصر. ودفن في داره بالمقتديَّة. شاهدته غير مرَّة وجالسته واقتضيته شيئًا من شعره لأثبته عنه فلم يقدر لي ذلك.

أخبرني أبو طالب علي بن أنجب بن عبيد الله البغدادي فيما أجازه لي أن أرويه عنه، قال: أنشدني أبو زكريا يحيى بن المظفر بن محرز الفقيه الحنفيُّ لنفسه في داره بالمقتدية يمدح الناصر لدين [الله]- أحمد رضوان الله عليه-: [من الكامل] /42 ب/ يا عالمًا بمواجب الإيمان ... ومكلَّفًا شكرًا لدى الإحسان ومطالبًا بجزاء أفعال العلا ... وعوائد الأحرار والفتيان أدِّ الفيضة معلنًا بوجوبها ... وابسط لسان الحمد للسلطان النَّاصر المنصور جلَّ مكانةً ... وركانةً كتبتهما الملكان المالك الوهَّاب أحمد الَّذي ... أعطى السحاب سواكب التَّهتان وممدِّ تيار الخضارم واهبًا ... لزلال ما يسري إلى الخلجان ويفضُّ فائض عذبه وزلاله ... كرمًا لوارد شربه الملآن ويدير قهوة كأسها وعقارها ... بحياة عالمها مدى الأحيان قربٌ يكون جزاؤها وثوابها ... أضعاف ما يأتيه من جيران فلنا الهناء بعدله وببذله ... وبفصله الوافي على ثهلان ولنا الهناء بوجده ووجوده ... بمبرَّةٍ ومسرَّة وتهاني وقيامه باللَّيل في ديجوره ... بدموع طرفٍ سحَّ بالهملان يملي ويستملي خواطر رأيه ... ببلاغة تربي على لقمان وإذا بدا قلم الفصاحة جاريًا ... ببديع لفظٍ رائقٍ ومعاني /43 أ/ كفَّت أكفُّ كفاة أكفاء الورى ... بشهادة علميَّة وبيأن وقضى قضاة العلم في تفضيلها ... بفخارها حتَّى على سحبان يخشى ولا يخشى بسالة باسلٍ ... حطم الحماة بمأقط الفرسان لله درُّ كفاحه برماحه ... وصفاحه بمحاذف المرَّان وقراعه بالمشرفيَّة واغلًا ... والحرب بالأهوال في الميدان لم ينهدم ركنٌ لدين محمَّد ... أبدًا ومولانا الوزير الباني فله الهناء بكلِّ عامٍ مقبلٍ ... وبه انصراف الجور والطغيان

وهذا شعر من حقِّه أن يطرح ولا يسطر؛ لكن من عادة الذي يعاني التاريخ وجمع الأشعار أن يكتب الغثَّ والسمين منها. [938] يحيى بن المظفر بن شهاب بن موسى بن طلحة، أبو زكريا إبن الصابونيِّ. من أهل واسط. كان واعظًا متفقهًا، وسمع الحديث ولقي رجاله واشتغل /43 ب/ بالعلم، ودخل العراق وسافر إلى الحجاز والشام وديار مصر. ثم عاد إلى واسط فمات بها اثنتين وثلاثين وستمائة وله نظم قريب. أنشدني لنفسه بإربل في شهر رمضان سنة سبع وعشرين وستمائة: [من الكامل] يا من على ضعفي يجور تعمُّدا ... ويرى الضَّلال بقتلتي محض الهدى ومن الملاحة كلُّها في أسره ... قد حازها دون الورى متفرِّدا بجمال وجهك إنَّه لو يهتدى ... بضيائه في التَّيه موسى لاهتدى وبطرفك الغنج الَّذي لولاه ما ... أمسيت مسلوب الرُّقاد مسهَّدا لا تصغينَّ إلى الوشاة فما لهم ... شغلٌ سوى تفريقنا وهم العدا [939] يحيى بن المبارك بن محمَّد بن يحيى بن عليِّ بن مسلَّم بن موسى بن عمران بن الزبيديِّ، أبو زكريا بن أبي بكرٍ البغداديُّ.

كان من بيت الحديث والفضل. وكان أبو زكريا هذا فاضلًا يقول شعرًا مطبوعًا حسن الألفاظ. أنشدني الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار /44 أ/ البغدادي بها- رحمه الله تعالى- في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني يحيى بن المبارك بن الزبيدي لنفسه: [من الكامل] قايست لؤلؤ ثغره بمدامعي ... فتشاكلا فأغرته من منعم فعرفت ذاك فكدت أمنع عبرتي ... فأبت فعدت صبغتها من عندم وطلبت برد لماه استشفي به ... فإذاقني من صدِّه كالعلقم وقال أيضًا: [من الطويل] وعاتبت دهري مستكينًا جنابه ... عسى أن يعود العود بالوصل أنضرا فعاصى عليَّ الدَّهر حتَّى كأنَّه ... عليَّ بأوتا العداوة أصدرا وربَّ كريمٍ ناله الدَّهر بالأذى ... وربُّ لئيم حظُّه قد توفَّرا فعدِّ على العتبى وغضَّ على القذى ... فما زال هذا الدَّهر بالحرِّ أغدرا [940] يحيى بن معطي بن عبد النور بن عليِّ بن نصر بن يلول بن تاشفين بن عليِّ بن بزيع بن حنيفة، أبو الحسين النحويُّ، الأديب الشاعر الزواويُّ.

وزواوة قبيلٌ /44 ب/ وكان من أهل بجاية. وكانت ولادته في جبل يعرف بجرجرا. قرأ علم النحو والعربية بالمغرب على جماعةٍ منهم ابن الحداد وغيره. ثم رحل إلى الديار المصرية، واشتغل على أبي محمد عبد الله بن بري، وسمع الحديث على عبد الحق صاحب كتاب "الأحكام". ثم عاد إلى المغرب وجدّ في طلب العلم بعد أن حفظ القرآن الكريم، وله نحو ثلاث عشرة سنة على الشيخ أبي موسى بن عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت الجزولي النحوي بالجزائر. ثم رجع ودخل ديار مصر في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة قصدًا للقاء أبي محمد بن بري فوجده لا ينتفع به لأنَّه عجز عن الإقراء، وأقام بالإسكندرية يشتغل بالفقه مدَّة عامين. ثم رحل إلى الشام فكان اشتغاله على أبي اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، يسمع عليه كتب الأدب والقراءات. ثم إنَّه آثر العزلة عن الناس والإنفراد بنفسه فوضع كتبًا منها "شرح الجمل" على سبيل الإملاء. /45 أ/ وكان من أقدر الناس على المنظوم وصنعة الرجز؛ فإنَّه نظم قصيدةً في القراءات السبع، وكتابًا مضمونه "المثلث" نظمًا وهو على صورة الرجز مزدوج. وأخذ نفسه بنظم كتاب "الصحاح" لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهي، فنظم أكثره،

ونظم الفاظ "الجمهرة" من جنس خطبة كتاب "الفصيح" لأبي العلاء المعري؛ وله مقدمة تعرف بـ "الفصول" منثورة، ومقدمة تعرف بـ "الدُّرَّة الألفية" منظومة كملحة أبي محمد الحريري؛ وله مقدمة تعرف بـ "القبس في علم العروض" منظومة. وبدأ في منظومة جامعة سمّاها "الغاية في النحو"؛ وله كتاب في جمع أبيات سيبويه باختصارٍ منظوم، يجعل بإزاء كل بيت له يضمنه ما استشهد به فيه؛ وله في العروض نحو ذلك، وله قصائد مطولات وغير ذلك. ثم فارق دمشق وسافر إلى الديار المصريَّة، واتصل بالسلطان الملك الكامل ناصر الدين أبي المعالي محمد بن أبي بكر /45 ب/ بن أيوب، فأقبل عليه وقرَّبه وحظي عنده؛ ثم لم تطل به الأيام حتى عاجلته منيته وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة. وحدثني الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الفقيه الحنفي، قال: اجتمعت بأبي الحسين يحيى بن معطي بن عبد النور النحوي، فأنشدني من شعره وشعر غيره. وكان شيخًا حسنًا عدلًا من عدول دمشق يرجع إلى دين وورع، وأنشدني، قال: أنشدني أبو الحسين لنفسه: [من الطويل] ولمَّا رأيت القلب منك مقسَّمًا ... تخيَّرت لي قلبًا يطيق جفاكا أيحسن بي أن أمنح الودَّ من له ... هنا شبحٌ والقلب منه هناكا مراعاتك الخلَّ القديم مروءةٌ ... فدعني لخلٍ اصطفيه سواكا ومن وجد الدُّرَّ النَّفيس فباعه ... ببخسٍ فلا يربح لصفقة ذاكا وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه لغزًا في الكعبة- حمى الله تعالى حوزتها وحرسها-: [من الطويل] /46 أ/ ولمَّا تبدَّى لي من السِّجف حاجبٌ ... ومقلة ليلى من وراء نقابها بعثت رسول الدَّمع بيني وبينها ... لتأذن في قربي وتقبيل بابها فما أذنت إلَّا بإيماض طرفها ... ولا سمحت إلَّا بلثم ترابها

وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه وقد أشرف على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم: [من الطويل] نزلنا عن الأكوار نمشي مهابةً ... ولو كان إنصافًا فرشنا خدودنا وماذا عليكم أن نريق دموعنا ... ونجري في تلك العيون عيوننا وأنشدني أبو سعد قيس بن عمر بن عمرو العربيلي الدمشقي، قال: أنشدني أبو الحسين يحيى بن معطي بن عبد النور النحويُّ الزواوي لنفسه: [من الطويل] رأى القوم بي فضلًا يعاديه نقصهم ... فمالوا إلى ذي الجهل والشَّكل أقرب /46 ب/ بهائم لا تصغي إلى شدو معبدٍ ... وتصغي إلى جافي الحداةفتطرب وأنشدني أبو السعادات أحمد بن محمد بن يوسف الهمامي الواسطيُّ النحوي الفقيه الشافعي بإربل، قال: قرأت على الشيخ أبي الحسين يحيى بن معطي الزواوي النحوي بدمشق لنفسه كتاب "الدرة الألفيَّة" من تصنيفه، ورأيت خطَّه بالقراءة عليه في ظهر الكتاب: [من الرجز] يقول راجي رِّبه الغفور ... يحيى بن معط بن عبد النُّور الحمد لله الَّذي هدانا ... بأحمد دينًا له أرتضانا فلم يزل ينمي به الإسلام ... حتَّى استبانت للهدى أعلام مؤيَّدًا منه بخير الكتب ... وحيًا إليه بلسانٍ عربي /47 أ/ لكونه أشرف مابه نطق ... كما الرَّسول خير مخلوق خلق صلَّى عليه الله ثمَّ سلَّما ... وآله وصحبه وكرًّما وبعد فالعلم جليل القدر ... وفي قليله نفاد العمر فابدأ بما هو الأهمُّ فالأهمَّ ... فالحازم البادئ فيما يستتم فإنَّ من يتقن بعض الفنَّ ... يضطر للباقي ولا يستغني وذا حدا إخوان صدقٍ لي على ... أن اقتضوا منِّي لهم أن أجعلا أرجوزةً وجيزةً في النَّحو ... عدَّتها ألفٌ خلت من حشو لعلمهم بأنَّ حفظ النَّظم ... وفق الذَّكيِّ والبعيد الفهم لا سيَّما مشطور بحر الرَّجز ... إذا بني على ازدواجٍ موجز أو ما يضاهيه من السَّريع ... مزدوج الشُّطور كالتَّصريع

فقلت غير آمنٍ من حاسد ... أو جاهلٍ أو عالمٍ معاندٍ بالله رِّبي في الأمور اعتصم ... القول في حد الكلام والكلم وهذا القدر فيه كفاية ومقنع منها. /47 ب/ وأنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن أبي عبد الله بن إبراهيم الإسكندريُّ بالموصل، قال: أنشدني أبو الحسين بن معطي بن عبد النور النحويُّ لنفسه من قصيدة بمدح بها الملك الأمجد مجد الدين أبا المظفر بهرام شاه بن فرخ شاه بن شهنشاه بن أيوب بن شاذي- صاحب بعلبك-: [من الكامل] ذهب الشَّباب وريِّق العمر الشَّهي ... فأتى المشيب ورونق النُّور البهي وجلا به ليل الذَّوائب فجره ... وأتى بناءه من نهاه مموَّه وأطار نسر الشَّيب غربان الصِّبا فنعين في أثر الشَّباب المنتهي ووهت قوى الآمال منه وما وهت ... هممٌ أبين على الحوادث أن تهي قالت أمامة والعمار يروقها ... بئس الثَّغام تحيَّة للمزدهي ما تنكرين من الصَّباح جلا الدُّجى ... وخضاب أسحم بالملاب الأمقه /48 أ/ سود العيون بمدمعٍ بيَّضن لي ... سود الذَّوائب والسُّرى في المهمه ونعيب أغربة الحداة ببينها ... فإذا زجرت الوصل قالت: مه مه وبوارح البرح استطار لها الحجى ... فرقًا فنادته السَّوانح: صه صه فسخا له دمع الغمام بوابلٍ ... من غير مضحاك البروق مقهقه فتفاوحت أزهاره وتناوحت ... أطياره بمولولٍ وموهوه وافترَّ ثغر الأقحوان بدرِّه ... لعقيق مطلول الشَّقيق مطلِّه ومنها في المديح: ملكٌ تظلُّ الشَّمس ترصد وجهه ... نظر المحبِّ إلى الحبيب الملتهي إن كان في أفق السَّماء قد انجلت ... شمس المعالي في سناها فهو هي وفي آخرها قوله:

زادت على مائة ونيفٍ خمسها ... ......................... لمَّا تكافا في السِّلاح عنت له ... جبهات صيدٍ قبله لم تعقبه ودعاك مجد الدِّين دين محمَّدٍ ... للنصر علمًا بالشجاع الأمره [941] /48 ب/ يحيى بن المقدام بن أبي الفضل بن زيادٍ، أبو الفضل البطائحيُّ. من قرية يقال لها "حمادوية" من قرى البطائح. ولمَّا توجهت إلى البلاد الواسطية صحبة الأمير ركن الدين أبي شجاع أحمد بن قرطايا بن عبد الله الإربلي- أدام الله سعادته- رأيت ولد يحيى فاقتضيته شيئًا من شعر أبيه، فقال: هو شيخ كبير قد ناهز التسعين، ولم يقدر على المجيء فبعد أيام سيَّر لي كرَّاسين من نظمه. وذكر لي ولده أنَّه ما قرأ شيئًا من العربية البتة. وشعره موزونٌ يصدر عن خاطرٍ صحيح وطبع حسن؛ وهو القائل ابتداء مقطوعةٍ: [من الخفيف] عدِّ عن ذكر دارسات الربوع ... يا نديمي يا إبن عبد السَّميع واسقنيها بين الأزاهير مع ضر ... ب المزامير بين نور الرَّبيع قهوةً تذكر الهرقل وقد كا ... ن يباهي بجمعه المجموع أرجوانَّيةً إذا مزجت في الـ ... ـكأس لاحت كالعندم المنقوع /49 أ/ بنت كرمٍ نشا على جبل السُّـ ... ـماقِّ يسقى بالغيث والينبوع في أوان الشِّتاء حيث تكون الـ ... ـشَّمس بين التَّغييم والتَّقشيع وليكن بكرة الثُّلاثا فقد قيـ ... ـل الثَّلاثا جمانة الأسبوع تحت ظلِّ الأغصان في زورة البسـ ... ـتان عند الرَّيحان وسط الزُّروع فاسقنيها حتَّى أتيه فلا أفـ ... ـرق بين المخفوض والمرفوع ثمَّ أملي واتبع الكأس بالطَّا ... س إلى أن أطيح كالمصروع

وإذا ما وقعت سكران لا أعـ ... ـقل خذني باللُّطف يا بامنيع مع غزالٍ حلو المعأني غضيض الـ ... ـطَّرف ريَّان طيِّب المسموع حبَّذا لحنه إذا عرك العو ... د وغنِّي بصوته المرفوع وقال أيضًا: [من الخفيف] من لصبٍّ متيَّم مستهام ... ولقلب بادي الكآبة دامي خالسته لواحظ الخرَّد العين ... على الجسر [عند] باب السَّلام من ظباء الأنيس كلُّ رداحٍ ... زانها الله باعتدال القوام غادةٌ تخجل الغزالة بالحسن ... وتزري بالبدر بدر التَّمام /49 ب/ قد براها الباري بأحسن تقويـ ... ـمٍ فدقَّت معنًى عن الأفهام فسقامي من سقم ألحاظها المر ... ضى وكلمي من طيب ذاك الكلام ودوائي من رشف ريقتها العذ ... ب ودائي من هجرها وهيامي لا رعى الله غير أيَّامنا اللَّا ... تي تقضَّت مع زينبٍ وقطام وليالٍ أسهرن عينيَّ باللَّهـ ... ـو وحسو الطَّلا وشرب المدام حيث رأسي مثل الغراب وقلبي ... آمن من حوادث الأيَّام والصِّبا قائدي إلى نغم العيـ ... ـدان واللَّهو آخذٌ بزمامي [942] يحيى بن منصور بن الجرّاح بن الحسين بن محمَّد بن داود بن الجراح القاضي، أبو الحسين بن أبي عليٍّ، الكاتب الخطَّاط المصريُّ. كان مليح الخطّ جدًّا أعلى طبقة من الجويني وأقوى. وكان له من الأدب وقول الشعر حظّ وافر، وعناية بتحصيل الكتب ومعرفتها، وسمع الحديث على الإمام الحافظ أبي طاهر السلفي.

وكانت ولادته في يوم الحادي عشر من شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة بالقاهرة، وتوفي /50 أ/ بدمياط وهي محاضرة بالفرنج قبل أن يملكوها بعشرين يومًا. وكان تملكهم لها يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شعبان سنة ست عشرة وستمائة. وكانت ولادة جِّده بدمشق. أنشدني القاضي شهاب الدين أبو المحامد إسماعيل بن حامد القوصي الفقيه الشافعي بدمشق بمنزله في سنة أربعين وستمائة في محرَّمها، قال: أنشدني القاضي أبو الحسين يحيى بن منصور بن الجرّاح الكاتب المصري لنفسه يمدح القاضي الفاضل أبا عليّ عبد الرحيم بن علي بن الحسن البيساني- رحمه الله تعالى-: [من الكامل] إنَّ الوزراة آثرتك ولم تزل ... سكنًا لها تصبو إلى إيثاره ألقى إليك الملك فضل عنانها ... وزوى إليك الأمر من أقطاره ولقد حميت حماه بابن هزاهزٍ ... هو سهم غايته وقطب مداره طفلُ عذارى الفضل من داياته ... ومحجَّبات الغيب من أظاره بتحرُّك فيه سكون خطوبه ... وتصوَّب فيه علوُّ مناره /50 ب/ ومنمنمٍ يصف الرَّبيع تعانقت ... أغصانه وافترَّ عن أزهاره وأنشدني أيضًا لنفسه فيه يمدحه ويصف القلم: [من الوافر] لك القلم الَّذي نجواه سحرٌ ... ومزج لعابه صابٌ وشهد إذا ارهفت سنِّيه لأمرٍ ... فأنياب النَّوائب عنه درد حسامٌ بالَّذي يمضى ولكن ... حسام كلُّ صفحٍ منه حدُّ وإن راشت بنانك جانبيه ... فسهمٌ من قضاء لا يردُّ إذا نطق الَّذي توحي إليه ... تقاصر يعربٌ وجثًا معدُّ تسابق جريه فقرٌ المعاني ... فما يعفيه كيما يستمدُّ سطورٌ في سويدا كلِّ قلبٍ ... كأنَّ مدارها شغفٌ ووجد منمنمةٌ تخال بها عذارًا ... بديع الحسن والقرطاس خدُّ ومنها قوله: بلوت الدَّهر حتَّى قال: حسبي ... ولم تحكم تجاربي الأشدُّ

ومارست الخطوب مراس فان ... ومن نسج الشباب عليَّ برد /151 أ/ وليس العيش إلا في كفاف ... وعافية تروح بها وتغدو وأعلم ذاك ثم يصد علمي ... هوى يغري بأنَّ الغيَّ رشد وقال أيضًا: [من الوافر] عدوِّي منك مختقر هباء ... وقولي فيك مطرح هراء وليس شئت اصطلمتك من لساني ... بقاصمة ولكن لا أشاء فمت كمدًا بغيظك لست أهجو ... أخا نقصٍ فيرفعه الهجاء وقوله في الغزل: [من المنسرح] ومخطف جنده محاسنه ... من فات عينيه لم يفت ثغره ما جئته بالتُّقى أحاربه ... إلا وكانت لحسنه الكرَّه ظبي سويدا القلوب مرتعه ... لا جاسمًا يبتغي ولا وجره في خدِّه روضة لأعيننا ... تسقى ففي كلِّ نظرة نضره [943] يحيى بن وثّاب بن عبد الأعلى بن الحسن بن أحمد بن إبراهيم الكاتب المصري، أبو زكريا بن أبي العزائم، العامري الليثي الكناني. سمع يحيى /51 ب/ ابن المظفَّر بن الفاس المصري ووالده أبا العزائم. وكان عالمًا فاضلًا كاتبًا فصيحًا شاعرًا نبيهًا محسنًا ذا نظمٍ ونثرٍ. وتوفي سنة ثلاثين وستمائة. أنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب الصفَّار الدمشقي بها في المحرّم سنة أربعين وستمائة، قال: أنشدني أبو زكريا يحيى بن وثَّاب لنفسه من قصيدة أوّلها: [من مجزوء الكامل] يا صائدًا أسد القلوب ... بلواحظ الرَّشأ الرَّبيْب وقضيب بانٍ مقلتاه ... إذا رنا جفنا قضيب

ومصيب سهم الطَّرف ... ما اللَّحي عليه بالمصيب ومعلَّلي ومعلَّني ... من رائق الثغر الشَّنيب برد ولكن لا يذو ... ب ولم يزل لي بالمذيب هو في فمي العذاب الزُّلال ... وفي الحشا يذكي لهيبي فمتى أفيق من الغرا ... م ومسقمي فيه طبيبي الأسمر المهدي الذبو ... لَ لجسم عاشقة الكئيب /52 أ/ أوفى على شمس النَّها ... روناب عمَّا في المغيب وافى نصيب الحسن قد ... أضحى من الدُّنيا نصيبي أفهل غريب أن أهيم ... بمبدع الحسن الغريب فلقد حباه مهندس ... الإبداع بالشَّكل العجيب أنشا الدُّجى فوق الضحى ... فوق القضيب على الكثيب وغدا يحفُّ الورد في ... خدَّيْه بالاس الرَّطيب لعب الهوى بمحبِّه ... من ذلك الصُّدغ اللَّعوب وصوالج الأصداغ ليس ... كراتهنَّ سوى قلوب تلك العقارب كم لها ... في قلب صبٍّ من دبيب أنا والعواذل في هواه ... كلَّ يوم في حروب ما ضرَّني سخط الأنا ... م إذا رضى الله عنه عنِّي حبيبي ما الحسن للألباب إلَّا ... بالخلوب بل الغلوب كم جامح صعب القيا ... د ثناه طوع من جنيب ومملَّك أضحى كممـ ... ـلوك لأجل هوى حبيب /52 ب/ هو فتنة الصَّابي الغو ... يِّ ومحنة الفطن اللَّبيب فلقد غدا فيه النَّسيـ ... ـب لكلِّ قلبٍ بالنسيب ومن شعره المختار من قصيدة يمدحُ بها الملك المنصور ناصر الدين أبا المعالي محمد بن عمر بن شهنشاه –صاحب حماة-: [من البسيط] نيل العلا والمنى بالبيض والأسل ... من استطال بغير السَّيف لم يطل والمجد في الفتكة البكر التي اشتهرت ... في الناس لا البكر ذات الحلي والحلل

يعني بذلك الغارة على حصن الأكراد، وكسره للاسبتار ومن انضمَّ إليهم وانهزامهم من بين يديه واعتصامهم بالجدار ورجوعه بالغنائم الجمّة. وذلك في شهر رمضان من سنة تسع وتسعين وخمسمائة. /53 أ/ والعزُّ قد كفلته الأعوجيَّة في ... أكفالها لا ذوات الخصر والكفل والعزم في كل سيف جفنه عنق ... لا كلِّ سيف له جفن من المقل وكلِّ رمح أصم الكعب معتدل ... لا كلِّ ظبي رشيق القدِّ معتدل وكل درع على العطفين منسدل ... لا كلِّ صدغ على الخدَّين منسدل وكل عسَّالة في الحرب إن خطرت ... جنيت من سنِّها أحلى من العسل وفي الثغور إذا أقبلت فاتحها ... لا في الثُّغور التي للرشف والقبل والحزم في الغارة الشَّعواء يبعثها ... ذو الحزم يختال بين الخيل والخول وفي تساقي نداماها مثمِّلةً ... من سمِّها لا تساقي الشارب الثمل وصوت ماض على هام يجدُّلها ... في الرَّمل لا صوت مزموم ولا رمل وإنما شرف الإنسان في همم ... تسمو لضرِّ عدوٍّ أو لنفع ولي وفخره في عذارى المكرمات إذا ... يلهو بها لا عذارى اللَّهو والغزل مثل الفتى المالك المنصور من عدمت ... أمثاله وعلا في المجد عن مثل النَّاصر الفاتح الميمون طائره ... محمَّد ذو الأيادي والندى الخضل أبو المعالي الَّذي لولاه ما شرفت ... في النَّاس دولة أيوب على الدُّوَل /53 ب/ وأصبحت وهي في الأيام مشبهةً ... بفضلها ملَّة الإسلام في الملل فريدة الدُّول اللَّاتي بها حليت ... منه الدهور وكانت قبل في عطل بدرٌ يحفُّ به من جيشه شهب ... أضحت تنوب على الأعداء عن زحل ملك إذا سار في الدُّنيا أقام له ... بين الخلائق مجدًا غير مرتحل أو إن يقم فسطاه أو فهيبته ... تسير من بأسه في السَّهل والجبل وإن يسافر له عزمٌ فعن ظفر ... بفتح قفل يجلي مسفر القفل أو يعضل الدَّاء في أرض ففي يده ... شفاؤها بحسامٍ حاسم العلل وإن غدا راكبًا نحو العدا عجلًا ... ترجَّلت منهم الهامات عن عجل ففي النِّزال له أعداؤه نزل ... وفي النُّزول الندى المشفوع بالنُّزل

أو أخلف الجود إنَّ الجود من يده ... فينا ينوب عنالوكَّافة الهطل وكلُّ أرض بها قد حلَّ حلَّ بها ... عزالي الوبل غيثٌ غير منتقل ودهره فربيعٌ من مكارمه ... وعدله فكأنَّ الشَّمس في الحمل يا مالكًا [عمَّت] الدُّنيا نوافله ... حتى غدا شكره فرضًا من العمل فرَّغت كلَّ الرَّعايا من همومهم ... لمَّا غدوت لهم بالعدل في شغل /154/ جمعت في عصرنا ما بين مفترقي ... فضل فقد سدت أهل الأعصر الأول فريضة الصَّوم فيه والجهاد معًا ... حتى لقد حُزْتَ فضل النَّفل والنَّفل تركت فينا تلاوات القران به ... متلوَّة من بني الكفَّار بالعول أريتهم حملات لم يكن لهم ... في الضِّيق إذ بصروها وسع محتمل ذكَّرتهم يوم حطين وشلَّهم ... ففلَّ أيديهم ضرب من الشَّلل أقبلتهم أوجهًا في الحرب ليس لهم ... بها وقد عرفوها قطُّ من قبل يا واحدًا في العلا فردًا فقد عجزت ... عن وصفه غاية التفصيل والجمل وقال وقد سأله جماعة من غلمان الملك المنصور ممن يقول الشعر، أن يقول في النرد شيئًا وهي بين أيديهم يلعبون بها، فقال ارتجالًا: [من السريع] كأنَّما النَّرد وقد صفِّفت ... جيشان من زنجٍ ومن ترك /54 ب/ وقعاتها ما بينها أشبهت ... وقائع المنصور في الشِّرك وله في الملك المنصور يمدحه في قصيدة أوّلها: [من السريع] فاه فقبَّلت من الوجد فاه ... لعلَّني أشفى بلثم الشفاه لولا سقام الجسم في حُبِّه ... لما ترشَّفت لبرِّي لماه ولم أشم بارق ثغرٍ إذا ... ما لاح كانت مقلتي مزنتاه فكلُّ ماضنَّ [به] باخلًا ... جاد على الصَّبِّ المعنَّنى ضناه وإن حماني رشفه عامدًا ... أباح قتلي وفؤادي سباه وما تثنَّى عطفه زاهيًا ... إلَّا ومن عجبي به صحت زاه ظبيٌ من التُّرك إذا ما رمى ... أصمى ولكن قوسه حاجباه غصنٌ سقاه الحسن خمر الصِّبا ... فعربدت من نشوة مقلتاه وبدرتمٍّ لم يزل شعره ... يطلع منه أبدًا في دجاه

والبدر قد يهوي وهذا إلى ... ضلاله العاشق فيه هداه قلبي كليم منذ آنست في ... خدَّيه نارًا لم أفق من هواه /55 أ/ ومذ جرى ماء الصِّبا فيهما ... إنسان عيني سابحٌ في مياه ومنها في المديح: من ملكه للدِّين أمسى حماه ... إن عزَّ فيه الدَّافعون الحماه الملك المنصور أعلى الورى ... قدرًا وأنداهم يدًا في نداه موري زنادي مجده لم يزل ... موقد ناري حربه أو قراه وإن يشأ أغنته آراؤه ... في الحرب عن راياته أو ظُباه من عمرو في البأس ومن حاتم ... في الجود أو من أحنفٌ في الأناه علا على كلٍّ فلو أنشروا ... لقبَّلوا بين يديه ثراه ينميه في الملك إذا ما اعتزى ... آباؤه صيد الملوك السَّراه من كلِّ من كان إذا [ما] بدا ... يغشى عيون الخلق منه سناه أو ركض الطِّرف فبدرٌ على ... برق ولكن ديمتاه يداه يفتن منها في العلوم التي ... تفتن من يسمعه أو يراه أقسمت أن لو عاش إسكندرٌ ... فيها ورسطا ليس ما بارياه يربي على نور ذكاء له ... مرآة فكل قد جلاها ذكاه [944] يحيى بن وهب بن عسكر بن سلطان بن سيف بن طريفٍ، أبو سالم الأسدي. من أهل حمص نزل حلب. كان شاعرًا منتجعًا كثير الشعر سمع زيد بن الحسن الكندي، وأبا الفرج عبد الله بن أسعد الموصلي الأديب الفقيه الشافعي. اجتمعت به بحلب في جمادي الأولى سنة أربع وثلاثين وستمائة، وسألته عن ولادته، فقال: ولدت سنة إحدى وستين وخمسمائة.

وكان شيخًا خليعًا منهمكًا في الشرب مصرًّا عليه مع كبر السن والشيخوخة، امتدح الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب وبعده لولده الملك العزيز محمد ثم لولده السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف –خلّد الله ملكه-. وكان على كبر سنه ينبعث خاطره بالشعر وتسمح قريحته بالنظم ويقصد الناس على أقدارهم، ولم يزل مقيمًا بحلب إلى أن توفي ليلة يوم الجمعة رابع ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وستمائة –تجاوز الله /56 أ/ عنه ورحمه-. ومما أنشدني لنفسه يمدح الأمير الكبير مظفَّر الدين عثمان بن منكورس بن خمارتكين –صاحب صهيون-: [من البسيط] زار الخيال من الإلف الذي بانا ... واللَّيل كاس فعاد الصُّبح عريانا طيفٌ ألمَّ بنا وهنًا فأطفأ من ... لواعج الواجد والبلبال نيرانا كفى من البين قتلى لا حياة لنا ... حتَّى أتانا وحيَّانا فأحيانا فقلت أهلًا بطيف إذ ألمَّ بنا ... جلا همومًا وأفكارًا وأحزانا وبتُّ أرشف راحًا من مراشفه ... ومن سوالفه أستاف ريحانا ومن معاطفه أثني قضيب نقًا ... غضًّا إذا ما تثنَّى يخجل البانا غضًّا أرانا أقاحًا فيه مبتسمًا ... وجلَّنارًا وتفَّاحًا ورمَّانا حتَّى انتبهت وكفِّي من زيارته ... صفرٌ فعاد الأسى إذ عدت يقظانا وأقبل الهمُّ تغزوني عساكره ... وقلت ليت الَّذي قد كان لا كانا وحاولت مهجتي عونا فما وجدت ... سوى المدامع أنصارًا واعوانا واغرورقت مقلتي بالدَّمع وانبجست ... حتى لقد غادرت في الأرض غدرانا /56 ب/ دمع جرى دافقًا كالسَّيل أو كيدي ... مظفَّر الدِّين بحر الجود عثمانا الباسل الباذل الرِّفد الَّذي غمرت ... نعمى يديه الوَرَى سرًّا وإعلانا وهو الَّذي عمَّرت مجدًا عزائمه ... علًا فطال النجوم الزهر أركانا ما زال ينمو ويسمو في مصائده ... حتى تجاوز بهرامًا وكيوانا بناه حامي ثغور المسلمين ومن ... مازال مذكان مطعامًا ومطعانا غمر النَّدى باسم ينهلُّ من يده ... غيث السَّماح على القصاد هتَّانا

يعطي الجزيل بلا منٍّ يكدِّره ... ويوسع الناس إنعامًا وإحسانا وأنشدني أيضًا لنفسه يمدح الإمام الصاحب قاضي القضاة بهاء الدين أبا المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الموصلي –رحمه الله تعالى-: [من الخفيف] حيِّ في الجزع أوجهًا نيِّرات ... مشرقات الأنوار مبتهجات وثغورًا وضَّاحةً وشعورًا ... كالدَّياجي المسودَّة الحالكات وغيونًا تنضو البواتر إذ تر ... نو فتردي القساور الضَّاريات /57 أ/ لظباء من عبد شمس حسان ... شامسات نوافر آنسات تيَّمتني من بينهنَّ فتاةٌ ... تفتن العالمين باللًّفتات ومن مديحها يقول: وبليغ في النَّظم والنَّثر يأتي ... منها إذ يفوه بالمعجزات نناصع اللَّفظ جوهريِّ المعاني ... سالمٍ فيهما من الهفوات ربُّ فهم صفا ودقَّ إلى أن ... جلَّ عن حصر وصفه بصفات في ذرى مجده غرسنا الأماني ... فجنينا من أطيب الثَّمرات ماجدٌ جائدٌ هبات يديه ... دافقات كالأبحر الزَّاخرات لا عدت مجده المواسم تأتي ... أبدًا بالسُّرور والفرحات وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى الشيخ الأجل المعدَّل بهاء الدين أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن يحيى بن الخشاب الحلي –رحمه الله تعالى-: [من الخفيف] /57 ب/ يا بني الجوهر المصفَّى من الأقـ ... ـذاء والغشِّ لا بني الخشَّاب شرَّفتكم خلائقٌ زاهرات ... وهبات تفيض فيض السَّحاب ضربت في السَّماء بيتًا من المجـ ... ـد لكم شامخًا رحيب الجناب وكساكم من العلا حبُّ آل الـ ... ـبيت أغلى وأنفس الأثواب فأبشروا بالنَّعيم والفوز والزُّلـ ... ـفى ونيل المنى وحسن المآب وأنشدني لنفسه من قصيدة: [من الطويل]

منازلهم حيث اللِّوى فزرود ... سقتك بروق جمة ورعود فإن ضنَّت الأنواء يومًا بمائها ... فلي مقلة عبرى عليك تجود أحنُّ إلى تلك المعاهد لوعةً ... وإن نقضت من أهلهنَّ عهود وأشتاق هاتيك الرُّبوع تشوُّقًا ... لنيرانه بين الضلوع وقود ديارٌ ككثبان النَّقا وغصونه ... من الغيد أردافٌ بها وقدود وكالنَّرجس المطلوب وسط حديقة ... عيونٌ وكالورد الجنيِّ خدود وبيض مها مثل البدور تزينها ... شعورٌ طوال كالحنادس سود رعابيب أشواقي إليها طوارقٌ ... طوار ووجدي طارفٌ وتليد /158 أ/ أحاول منها الوصل والصَّدُّ مانعٌ ... وأطلب منها القرب وهو بعيد ومن لي بتيَّاك الظِّباء ودونها ... موام تبيد النَّاجيات وبيد وأسد جلاد إن تصل في عريكة ... تصلُّ بأعناق الكماة حديد وتشرق في أعلى الصِّعاد أسنَّةٌ ... ويشرق من فيض النجيع صعيد وأنشدني لنفسه من أخرى: [من الرجز] لسيب حب لا يداوى بالرُّقى ... سليب لبٍّ بات يشكو الحرقا مولَّه منذ جفاه إلفه ... ما جفّ دمع جفنه ولا رقا ولم يذق من بعده لبعده ... طعم الكرى بل لم يزل مؤرَّقا يشتاق أوقاتًا له تصرَّمت ... ما بين غزلان الصَّريم والنَّقا يا برق عج على ربوع جلِّق ... والمم بها وحي عنِّي جلِّقا وقل لها إنِّي إلى سكَّانها ... مازلت مذ شطَّ المزار شيِّقا وفي حمى حماة هاجت لوعتي ... حتى لقد سدَّت عليَّ الطُّرقا وفي ربوع شيزر إذ زرتها ... لم ألق ما يسمك منِّي الرَّمقا /58 ب/ لكنَّني في حلب وجدت ما ... أعاد عود اللًّهو غضًَّا مورقا ونيِّر الطَّلعة كالشَّمس له ... خدٌّ عقيقيٌّ يحاكي الشَّفقا أبيض قد ألبي لاذًا أحمرًا ... كوجنتيه وقباءً أزرقا فيا تعالى الله ما أحسن ما ... جاءت به لبسته واليقا وأنشدني أيضًا من شعره: [من البسيط]

ما نلت في حبكم إلَّا أذى الوصب ... ولم يكن لي نصيب في سوى النَّصب ولم ينل منكم قلبٌ أربَّ على ... هواكم بعض ما يرجو من الأرب يا غادرين ولم أغدر وبعدهم ... وجائرين بلا جرم ولا سبب كيف استحالت ولم آلت مودَّتكم ... صابًا وعهدي بها ضربًا من الضَّرب ما كان أسرع ما ملتم إلى ملك ... كرعت منه كؤوس الحتف والعطب كم بتُّ في غربة أبكي وتسعدني ... ورقٌ تنوح بأعلى البيان والغرب يستحلب الدَّمع من عيني هوى لكم ... مقرُّه مهجتي يا ساكني حلب جزأكم الله عنِّي الصَّالحات ولا ... غالتكم غائلات الدَّهر والنُّوب كم قد سحبت ذيول اللَّهو بينكم ... والجوُّ محتجب الأرجاء بالسُّحب /59 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه يمدح الملك المعظم شرف الدين عيسى بن أبي بكر بن أيوب –صاحب دمشق-: [من الطويل] موارد حبٍّ ما لهنَّ مصادر ... أوائله ليست لهنَّ أواخر وأشواق مغرًى مغرم وبلا بلٌ ... مبلبلةٌ منه بهنَّ الخواطر سفحن بأعلى السَّفح سحب دموعه ... فهنَّ هوام كالغيوث هوامر فتى فتنته من عقيل عقائلٌ ... بواد بواد كالبدر بوادر عواط كعين الرَّمل غير عواطل ... من الحسن أبكارٌ زواه زواهر تظلٌّ بها منَّا العيون زوانيًا ... وهنَّ عفيفات الذُّيول حرائر من الحور حارت في كمال جمالها ... وبهجتها أبصارنا والبصائر مريضات أجفان صحيحات أعين ... بنا مرضٌ من حبِّها متواتر أدارت علينا الخمر من لحظاتها ... فخامرنا داءٌ الغرام المخامر وأبدت لنا لمَّا جعلنا معاجنا ... عليها شموسًا تحتويها محاجر سمعنا بها لمَّا رأينا وجوهها ... فصغَّرت الأخبار عنَّا المخابر /59 ب/ وفي بطن نعمان الأراك نواعمٌ ... لهنَّ الظِّباء السَّانحات نظائر سوال لحسن الصَّبر منَّا سوالبٌ ... نواف لطيب الغمض عنَّا نوافر صواب إلى وصل الصُّدود صوابرٌ ... غواد إلى نقض العهود غوادر دعانًا هواها فاغتدينا صواغيًا ... إليه ولبَّينا ونحن صواغر

ولما نهتنا العاذلات عن الهوى ... وقلنا أطع ما النَّاصحات أوامر رجعن بغيض لا تغيض عيونه ... وهن خواس لم يطعن خواسر وكيف التَّسلِّي عن غوال غوالبٍ ... هواهنَّ لي عمَّا يحاولن زاجر رعابيب تبدو في الدُّجى ببراقعٍ ... فتخجل أقمار السَّماء السَّوافر وأنشدني لنفسه: [من البسيط] راحت على حلب الفيحاء تسقيها ... سحائبٌ مستهلَّاتٌ تروِّيها حتَّى تسربلها من نبتها حللًا ... خضرًا تزخرف دانيها وقاصيها فلست أنسى لياليها الَّتي سلفت ... ولا الزَّمان الَّذي قضَّيته فيها أيَّام ارفل في أكنافها مرحًا ... نشوان ذا عيشة رَقًّت حواشيها أمسي وأصبح مسرور الفؤاد بها ... مترَّفًا وافر اللَّذَّاتِ وافيها /60 أ/ وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] كنت أمشي مشي البعير إذا ما ... أنا حرَّكت ماشيًا أفخاذي صرت أمشي مشي الأسير بقيديـ ... ـن إذا ما خطوت في ثقل حاذي واللَّيالي إذا توالت على الفو ... لاذ فلَّت مضارب الفولاذ وأنشدني قوله أيضًا: [من الكامل] بعد القريب عليَّ حتَّى إنَّني ... قد صرت آخذ ما دنا بمراحل فإذا نهضت نهضت نهضة عاجز ... متساند متساقط متحامل وإذا تكلَّفت المسير تفصَّلت ... بالشيء في قطع اليسير مفاصلي وأنشدني لنفسه: [من الطويل] إذا أنت فاوضت الأحاديث صاحبًا ... وحقَّقت منه أنَّه ما تمعناها فتلك أحاديثٌ تيقَّن بأنَّها ... لغفلته عن لفظه مات معناها وأنشدني من شعره: [من السريع] سئلت عن من جئته قاصدًا ... منه عطاياه فما نلتها فقال ما أعطاك إذ جئته ... قلت يدٌ مدَّت فقبَّلتها /60 ب/ وأنشدني من مقطَّعاته: [من الوافر]

يحدِّثني بما لا أشتهيه ... ويلكزني لأسمع ما يقول ويزعم أنَّ ذلك منه فضل ... وذلك كله منه فضول [945] يحيى بن يحيى بن محمَّد بن عمر بن أبي الخير، أبو زكريا [الأسديُّ] الأسعرديُّ المعروف بابن القويضيِّ. رجل يتعاطى صنعة النظم والنثر، ويمدح الناس. أنشدني من شعره الشيخ الحافظ صدرُ الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد البكريُّ الدمشقي بها بمنزله في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو زكريا لنفسه بأسعرد يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من الطويل] أرحها فما أبقى الذَّميل لها صبرا ... وما ترك الآساد من دمعها سرّا وحسبك منها لو عقلت وكونها ... أنيخت هلالًا بعد ما ثوَّرت بدرا لها في الفلا ما للفلا في جسومها ... من السَّير إن شبرًا فمن جلدها شبرا ألم ترها مثل السَّفائن عوَّمًا ... ببحر من الأمراء لا يشبه البحرا /161 أ/ رعت عامها بين العذيب وبابل ... وعاد رعاها بين توضح فالمقرا وما ذاك إلَّا أنَّ عزمي وهمَّتي ... تحمِّلها فوق السُّرى والوجى إصرا لها سائقٌ مني ولي شائقٌ إلى ... معاهد لا أعطي لسلوانها صبرا تهيِّجني الذَّكرى إليها صبابةً ... وأي غرام لا تهيِّجه الذِّكرى وإنِّي إذا ما شمت برقة بارق ... وأعلام جمع والمعرَّف والجفرا أذلت مصون الدَّمع حتَّى لقد غدت ... له قطراتٌ كدن أن تفضح القطرا فيا حبُّ ما أدى على القرب والنَّوى ... ويا قلب ما أصبى ويا دمع ما أجرى

إذا ما تبطَّنَّا المحصَّب من منى ... ووادي منى والبان والطَّلح والسِّدرا وأعلام سلع والحجيج ثباثبا ... تراهم بها شعثًا نواصيهم غبرا وقد ملئت تلك الأباطح والرُّبى ... من النَّاس كلٌّ يطلب العفو والأجرا فمن مدرك سؤالًا ومن بالغ منى ... ومن حامل أجرًا ومن واضع وزرا أجلُّ المطايا أن أقول لها لعًا ... وأكبرها من أن أدوس لها ظهرا وعندي لها إن بلَّغتني محمَّدًا ... أقبل أيديها وأرجلها شكرا "صلى الله عليه وسلم". /61 ب/ جزاءً على إسادها وذميلها ... لها منِّي الحسنى وعندي لها البُشرى إليك رسول [الله] أمَّت ولم أزل ... أناشدها نظمًا وأدعو لها نثرا إلى هاشميٍّ لم يكن قبل بعثه ... ليعرف ما الإسلام يومًا ولا يدري إلى خير هاد من تهامة لم يكن ... بفظً ولكن راحمًا بالورى برَّا وخير نبيٍّ أنذر الناس للهدى ... وجاهد حتَّى عاد ليل الهدى فجرا نبيٌّ رقى من قاب قوسين موضعًا ... تعالى فرسل الله تلحظه شزرا وفاقًا وهديًا أصلح الناس بعدما ... تولوا وكلٌّ منهم بالغٌ أمرا فهذا السِّراط المستقيم إلى الهدى ... وهذا الهدى ما إن ترى دونه سترا وهذا الَّذي لولاه ما قيل حيعلا ... ولا طافت الحجَّاج بالكعبة الغرَّا وهذا الَّذي عطَّى البسيط ذكره ... فالاؤه تتلى وأنعمه تترى وهذا محلُّ الوحي بل مستقرُّه ... وموضع سرِّ الله والآية الكبرى أخو الغزوات البيض والمعجز الَّذي ... به ألَّف الإسلام إذ شتَّت الكفرا وقف راكعًا واستجد وقل عن عقيدة ... عليك سلام الله أنشده الدَّهرا سلامٌ كنشر المسك بات يضوعه النَّـ ... ـسيم فيطويه وينشره ونشرا /62 أ/ يخصُّ الحجاب الهاشمي فإنه ... أجلُّ الورى جاهًا وأعلاهم قدرا وما قلتها إلَّا لأبغي بقولها ... شفاعته لم أبغ ورقًا ولا تبرا وغني امرؤٌ شرَّفت شعري بمدح ... وما كنت قبل اليوم أعدله شعرا وأنشدني، قال: أنشدني له ما كتبه إلى بعض كبراء الناس وقد فُصِدَ: [من البسيط]

مددت للفصد كفًّا قطُّ ما عرفت ... ضمًّا بل الفتح مقرون بأنعمها جاءت فلم تبق خلقًا لم تنله ندى ... إلا الثَّرى فسقته الفصد من دمها فاتت بك الغيث في جودٍ وفي كرمٍ ... فأكرم بأسمحها كفًّا وأكرمها وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في غلام قطع شعره: [من الخفيف] قطعوا شعره لتنقيص حسنٍ ... حسدًا منهم فزادوه حسنا قصدوا أن يغيِّروا منه معنى ... فأرادوا بقطعه ألف معنى عن محوا آية الظَّلامِ فما كا ... دوا ليمحون آية الصُّبح عنَّا /62 ب/ وأنشدني أبو علي الحسن بن حمزة بن حمدون التغلبي الموصليُّ بها –رحمه الله تعالى- قال: أنشدني يحيى بن يحيى بن القويضي لنفسه في غلام دَّبت على خدِّه عقرب: [من الكامل] نظروا على الخدِّ المورَّد عقربًا ... فلقتلتها أبتدروا مخافة لدغه لا تعجبوا من سعيها فلرَّبما ... قصدت زيارة أختها من صدغه وأنشدني، قال: أنشدني ابن القويضي الأسعرديُّ لنفسه من أبيات طويلة: [من الطويل] بعهدك إني يا منى النَّفس واثق ... وحتى اللِّقا قلب المتيَّم شائق مقيمٌ على حفظ المودَّة موقنٌ ... بأنَّك لي نعم الحبيب الموافق وأنَّ الوفا بين الأصاحب خلَّةٌ ... محبَّبةٌ فيما تراه الأصادق /63 أ/ وإنِّي لمحزون الفؤاد ووالهٌ ... وراض بما ترضى وصبٌ وعاشقٌ صبورٌ قنوع مستهام متيم ... عليك ولي قلب من الشَّوق خافق ومنها: بديع جمال واعتدال كأنَّما ... لشمس الضُّحى من وجنتيك المشارق تفرَّدت بالحسن الَّذي ما استحقَّه ... سواك وحقَّت بالصِّفات الحقائق وقال يمدح المولى الصاحب الكبير المنعم مؤيد الدين أبا نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الشيباني –أدام الله سعادته وبلَّغه أمنيته بمحمدٍ وآله وصحبه أجمعين: [من الكامل]

ما بال رسمك أيُّها الطَّللُ ... مثل وذكرك بيننا مثل هل عند أهليك الَّذين نأوا ... عليم بمن لك بعدهم يسل وقف الغرام بنا وما وقفوا ... وأقام فينا الوجد وارتحلوا وتحمَّلوا فحملت بينهم ... فسقوا ولا سقيت لهم إبل /63 ب/ فلانت تقري النازلين أسى ... أبدًا فشكرك أدمعٌ هطل سيَّان عندك من ونى ونأى ... بل إنَّما الأطلال تنتحل وعلى الرَّكائب من بني ثُعَلٍ ... قمر بكحل السِّحر مكتحل سرقت من الأتراك مقلته ... فتكًا فهنَّ خوادع قتل ومن الغصون الهيف قامته ... لينًا فدان لقدِّه الأسل ومن الدُّجى الوحفيِّ طرَّته ... لونًا فهنَّ غدائر جثل ومن أبتسام الصُّبح غرَّته ... نورًا ففيها الحسن يشتعل خضل النَّبات تظنُّه غصنًا ... غضُّ الشَّباب كأنَّه ثمل لبس الحياء على بضاضته ... فهو النَّسيم وثوبه الخجل يمشي فيعثر بالعيون حيًا ... ممَّا تحدِّث نحوه المقل لي في رضاه وسخطه عجب ... للأمن في هذا وذا الوجل وبهجره وبوصله عجبٌ ... الصَّاب في هذا وذا العسل هذا نبيُّ الحسن آيته ... بخلاف ما جاءت به الرُّسل يدعو القلوب إلى محبَّته ... بالحسن وهو الغيُّ والخطل /64 أ/ فالسُّقم ما قد سنَّ وافترضت ... ألحاظه لا العلم والعمل إن كان ذا فتن الأنام فقد ... فتن الجهالة قبله هبل لله ليلة زار مستترًا ... تحت الدُّجى واللَّيل منسدل حيَّا فكدت من السُّرور به ... أقضي وإن لم يُقض لي أجل فظللت والمحبوب في شغل ... ليلي وعند عواذلي شغل أسقى على خدَّيه ريقته ... ونديمي التجميش والقبل ولكنت ظمآنًا إلى فمه ... وأعلَّني فتداوت العلل حتَّى تبدَّا الصبح تحسبه ... وجه المؤيَّد أمَّه النزل

الصَّاحب المجبول من خلل ... تبقى وتبلى دونها الجبل من باذل لا الفقر يحرجه ... أن يستفزَّ سخاءه العذل تسمو العيون به إلى رجل ... في راحتيه العارض الهطل لو قيس بالأعراب في كرم ... يومًا لما فضلوا ولا نضلوا متيقِّظٌ للجود لا نعسٌ ... فيه لمكرمة ولا كسل متقلِّدٌ بنجاد سلطنة ... غرَّاء دانت دونها الدُّول /64 ب/ نيطت بحقويه الأمور فمًا ... عنه لأمر في الورى حول وجرت بأمر الله حين جرت ... أقلامه في الأرض تمتثل فالرِّزق ما قطعته منقطعٌ ... والرِّزق ما وصلته متَّصل والناس إثنان لديه فذا ... عللٌ تعطِّله وذا حلل يزهو اليراع بكفِّه شرفًا ... فله على سمر القنا طول وينوب فيما ناب عن لجب ... فيه الصواهل والقنا الذُّبل العيش في أيامه رغدٌ ... لا ورده رنقٌ ولا محل وهناك ماء الجود منسبل ... للواردين وفعلهم نهل والسعد والإقبال قد جمعا ... حيث الوزير وظلُّه خضل والأمن في يمناه منبسط ... واليسر في يسراه والخول وفصاحةٌ ما حازها مدحٌر ... وصباحةٌ لم يحوها غزل ما عن محبَّته لخادمه ... ومحبِّه عوضٌ ولا بدل وإليه دون النَّاس يحملني ... حبِّي له والأينق الذُّلل شعري وسيرته ونائله ... بلغوا الَّذي ما ناله زحل /65 أ/ فمفوَّض الأفواه إن رحلوا ... ومعرّس الأسماع إن نزلوا والمدح يطويه وينشره ... عنِّي وعنه السَّهل والجل إن غبت عنه فإنَّني رجلٌ ... بثناه مرتجزٌ ومرتجل وقال يتغَّزل: [من الكامل] ما عذر عينك في المحبِّ المغرم ... قتلته لمَّا إن رمته بأسهم كم بات من كيد العداة مسلَّمًا ... ومن العيون النُّجل غير مسلَّم

ومحكَّم الألحاظ ما لأسيرها ... من منقذ منها ولا مستعصم قلبي تصيَّدني هواه ومن رأى ... ظبيًا به خفرٌ يصيد لضيغم فرمٌ على فلك العذار مداره ... وسراره في قلب كلِّ متيَّم ريَّان من ماء الشَّباب يهزُّه ... مرح الصِّبا وفؤاد عاشقه ظمي يلقاك من لحظاته وقوامه ... بمثَّف لدن القوام ومخذم ومحاربًا لمسالم ومقاطعًا ... لمواصل ومقوِّضًا لمخيِّم والصُّدع بين مسلم ومزرفن ... والخدُّ بين مضرَّج ومنمنم وعليل ناظره سليم الصدغ لا ... ينفك يعقد عقربًا في أرقم /65 ب/ رقَّت حواشي وجنتيه فخذه ... غرض لسهم النَّاظر المتوسِّم لم أدر ما بخدوده من حمرة ... هو من جنيِّ الورد أو هو من دمي في خدِّه إن أنكرت لحاظاته ... سل عن دمي ما فوقه من عندم أنا فيه مغرى بالصَّبابة مغرم ... وهو الفتى مغرى بقتل المغرم ما فات من زمن العذيب وبارقٍ ... لي منه بين رضابه والمبسم وقال أيضًا: [من البسيط] قل للغصون استعيري من معاطفه ... وللشموس استنيري من سوالفه وللندامى ذروا ما في الزجاجة من ... صرف المدام إلى ما في مراشفه بدرٌ بوادر دمعي فيه ما تركت ... للغيث سحًّا وسكبًا من مذارفه مشغول بالمرح المثني معاطفه ... عنِّي لما أترجَّى من عواطفه فعوِّذوا خصره من كلِّ ناظرةٍ ... فقد تحمَّل ثقلًا من روادفه [946] يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمَّر بن عبد السلام، أبو محمد بن أبي الفضل الأنصاريُّ.

من أهل صرصر قرية مشهورة من قرى /66 أ/ العراق المعروف بابن الزريرانيِّ. كان رجلًا ضريرًا فقيهًا حنبليًا خطيبًا صوفيًا قارئًا شاعرًا مقتدرًا على النظم وإنشائه من أهل الخير والصلاح والفضل والأدب، ونظم كتاب الخرقي على مذهب الإمام أحمد بن حنبل –رضي الله عنه- شعرًا، وسمَّاه "الدُّرَّة اليتيمة في الحجة المستقيمة". أنشدني أبو نصر محمد بن أبي طاهر بن شجاع الهاشمي البغدادي بها في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، قال: أنشدني الشيخ أبو محمد يحيى بن يوسف بن منصور الأنصاري لنفسه: [من الكامل] جفني وقلبي مطلقٌ وأسير ... فلذاك مطويُّ الهوى منشور أخفيه وهو يفيض دمعي ظاهرًا ... فدموع عيني للوشاة ظهير وإذا الحبيب أدى فتوج وعده ... بزيارة وأميط عنه الزُّور [أخفى زيارته مخافة كاشح ... فأبان عنه المسك والكافور] ولقد فرقت من الفراق فلم يكن ... من جوره لي في الأنام مجير /66 ب/ وأشد ما لاقيت يوم تحمَّلوا ... أنِّي بنجد والرِّكاب تغور والله لا اشتكت الضَّلال ركابهم ... وهم نجومٌ في الدُّجى وبدور

ولها الأمان وهل تخاف قلائص ... من دونها خفر الحسان خفير وأنشدني أبو المكارم فتيان بن محمد بن فتيان بن سمنيَّة الجوهري الموصلي بها، قال: أنشدني أبو محمد يحيى بن يوسف بن يحيى الضرير الصرصري الأنصاري لنفسه: [من الطويل] إليك رسول الله مبتهلًا أشكو ... أذى زمن فينا لصارمه بتك ومشكل أمر لا أرى من يحلُّه ... وشدَّ وثاق ما لنا منه مفتكُّ وعدت رسول الله أنا سنبتلى ... بطائفة تأتي يقال لها التُّرك ذكرت سياقات ثلاثًا لجمعنا ... وجمعهم في كلِّهنَّ لنا الفتك وبشَّرتنا أنَّا باخر مرَّة ... سنصطلم القوم اصطلامًا له عرك فما بالنا فينا ارتياعٌ وذلَّةٌ ... وأنت لنا عزٌّ يذُّل به الشِّرك /67 أ/ ووعدك وعدٌ صادقٌ متيقنٌ ... ترفَّع قدرًا أن يلمَّ به شك وما ذاك إلا أن فينا تخلفًا ... عن الله مخشيًا علينا به الهلك فلو أننا تبنا إلى الله توبةً ... نصوحًا لزال الهمُّ وارتفع اللَّبك وإلَّا فمما نحن نهمل أمره ... فما هو إلَّا الخوف والعيشة الضَّنك فيس لتقوى الله صونٌ لمتق ... ولا لمعاصيه وإن سترت هتك فمن مبلغ عنِّي الإمام رسالة ... رسالة صدق لا يخالطها إفك أبا جعفر يا ابن الذين سمت بهم ... إلى المجد أعراقٌ مطهَّرةٌ تزكو رعاك كالعقد النَّظيم وسلكها ... حفاظًا لئن أهملتها انقطع السِّلك وقد ملئوا رعبًا وضاقت صدورهم ... لبطئك عن أمر يليق به الوشك فتنت قلوب المسلمين بنهضة ... تزول بها عنَّا الكآبة والوعك وألق العدا في لجِّ بحر من الوغى ... لجيحون مرساه وساحله الكشك وأرسل إليهم من رماحك والظُّبا ... سحابًا متى تضحك بوائقه يبكو ولا تقتنع إلا بسفك دمائهم ... فإنَّ دماء الناس يحقنها السَّفك ولا ترج دفع الشَّر منهم بلينة ... ولكن بأغلاظ لهم ليس ينفكُّ /67 ب/ فما خبثٌ إلَّا وليس يزيله ... ويذهبه إلَّا لظى النَّار والسَّبك وكن واثقًا بالنَّصر فالوعد مخبرٌ ... بذلك وعدٌ لا يبهر جه الحكُّ وبيتك بيتٌ لا يزال مؤيَّدًا ... ينصر الَّذي تجري بقدرته الفلك

ومن دون ما تبغي العداة زعازعٌ ... تزول لها شُمُّ الجبال وتندكُّ فكن ناصرًا لله ينصرك واعتصم ... بحبل التُّقى تسلم ويسمل لك الملك وأنشدني، قال: أنشدني أبو محمد يحيى بن يوسف لنفسه: [من الطويل] يقول عبيد الله يحيى بن يوسف الـ ... ـفقير إلى إنعام أكرم رزَّاق رأيت رسول الله في النَّوم مرَّةً ... فقبَّلت فاه العذب تقبيل مشتاق ولو أنني أوتيت رشدي نائمًا ... لقبَّلت ممشاه الشريف باماقي فبشَّرني منه بأزكى شهادة ... بها جبر كسري يوم فقري وإملاقي بموت سعيد في كتاب وسُنَّةً ... فبانت لبشراه شراسةُ أخلاقي وها إنني والحمد لله وحده ... مقرٌّ لبشراه بأثبت مصداق بأنِّي على حسن اعتقاد ابن حنبل ... مقيمٌ ولو قام العدالي على ساق /68 أ/ أقرب بأن الله من فوق عرشه يقدِّر إجلالًا ويقضي بأرزاق سميعٌ بصيرٌ ليس شيءٌ كمثله قديم الصِّفات الواحد الأحد الباقي له من أحاديث الصفات كما أتت ... أتابع فيها كلَّ أزهر سبَّاق ولست إلى التشبيه يومًا بجانح ... ولا قابل تأويل أشدق فهَّاق ومن صفة الرَّحمان جلَّت صفاته ... كلامٌ قديم ذو ضياء وإشراق هو الذِّكر والقرآن والمعجز الَّذي ... دهت منه قلب الخصم دهشة إفلاق هو المنزل المسموع من لفظ قارئ ... وتنظره الأبصار باطن أوراق وعند صدور الحافظين حقيقةً ... به في جنان الخلد عاملهم راقي وليس بمخلوق وليس بمحدث ... على رغم ضلّال من الدِّن مرَّاق بصوت وحرف نظم آيات ربِّنا ... بنقل ثقات في الرُّواية حذّاق وهذا مقال ليس يناسغ ذوقه ... لذي شبه ضافي الخيانة مذَّاق ومن يمتحن بالصَّوت والحرف منهم ... ترى النُّكر منه بين نزر وإطلاق ومنكر هذا للعيان مكابر ... بباطل زور تابعٌ كلَّ نغَّاق وفي كتاب الله القديمة كلِّها ... كذاك اعتقادي لا ألين لعتَّاق /68 ب/ وإيماننا قولٌ إلى عمل له ... مزيدٌ ونقصٌ في أمين وسرَّاق ومالي من خير القضاء وشرِّه ... إلى الله أمضاه من الله من واقي وأومن أن الله يوم معادنا ... يراه جميع المؤمنين بأحداق وإني لأرجو أن أرى الله والَّذي ... يخالفني يحظى بحجبٍ وأطباق

ولم ير في الدُّنيا بعينيه ربه ... سوى أحمد المختار رؤية إغراق وإني بالميزان والحوض مؤمنٌ ... ليسقيني منه على ظمأ ساقي وقد خلق الله الجنان لأهلها ... وللكافرين النَّار قدرة خلَّاق وليس كبير الذَّنب مخلد مؤمن ... بنار وينجو بعد كرب وإحراق ومعتقدي أن النَّبيَّ محمَّدًا ... نبوَّته بين الورى حكمها باقي وأنَّ له يوم المعاد شفاعةً ... غياثًا لملهوف وفتحًا لإغلاق وأبرأ من إضمار نقص لصحبه ... وأزواجه بل حبُّهم عقد ميثاقي وأمسك عن ذكر الَّذي كان بينهم ... لأسلم من غسلٍّ يدنس أطواقي أفاضل بالتَّرتيب بين مراتب ... لأربعة منهم إلى الخير سبَّاق وإنِّي إذًا ما قلت إنِّي مؤمن ... حذار أفتتان مشفق أي إشفاق /69 أ/ فإني بالاستثناء بعد مقالتي ... ولا شكَّ لكن لا أقول بإطلاق وإنِّي أرى مسحي على الخفِّ سنَّةً ... وإيجاب سعيي في الجهاد وإنفاقي ولست وإن جار الإمام بخارج ... عليه بسيف باتك الحدِّ مخراق فمن كان ذا داء يخامر قلبه ... ليحذ اعتقادي فهو أنفع درياق ويتبع للآثار عن كلِّ ناقل ... بصير ولم يخلد إلى قول ورَّاق فكم أفعوان في كلام مسقَّفً ... حواه كتاب ما لملسوعه راقي ويحذر أرباب الكلام فداؤهم ... عضالٌ مزلٌّ مزلقٌ أيَّ إزلاق لقد نقضوا أركان دين محمَّد ... فحكمهم أن يضربوا فوق أعناق ولولا المحامون القليلون غودرت ... شريعتنا نهبًا لأهواء فسَّاق رعى الله أصحاب الحديث بحفظه ... فكم قد نفوا من وضع زور وإلحاق محبة أصحاب الحديث علامةٌ ... لإيمان ثبت ثاقب الفهم ذوَّاق وبغضهم وسمٌ لكم ضلالة ... على وجه رواغ عن الرُّشد مقلاق هم مقتفو الآثار لا يعتدونها ... إلى رأي سوء باطل الحكم زوَّاق هم السادة الغرُّ الميامين حبُّهم ... يبين للقافين أحسن أخلاق /69 ب/ وميِّتهم يشقى ... بقبره ... سقوا تربهم روح الرِّضا كلَّ دفَّاق وأشعاره كثيرة والذي ذكرناه منها فيه كفاية.

ذكر من اسمه يعقوب

/70 أ/ ... ذكر من اسمه يعقوب [947] يعقوب بن سنقر بن عبد الله، أبو يوسف التركيُّ الإربليُّ. ذكره الصاحب الوزير العالم أبو البركات المستوفي -رحمه الله تعالى- في كتابه، وقال: كن أولاد مماليك الفقير إلى الله تعالى أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين -رضي الله عنه- وكان أبو سنقر يلقَّب بالمعتمد. ويعقوب ولده هذا: صبيٌّ ذكيّ له طبع صحيح في الشعر، غير أنَّه في أكثر شعره لا بل في أقلّه لا يكاد يقيم الإعراب والوزن؛ له أشعار كثيرة. وكان له مع صغره منزلةٌ من الفقير إلى الله تعالى أبي سعيد كوكبوري بن علي لم يعرف قدرها فيشكرها. وكان لا يواظب على خدمة بابه فحبسه مرارًا فلم يستقم فأخرجه وسافر إلى الموصل مرارًا فأقام فيها في درب المطربين بين لهوٍ وقصف، وشرب وغرف. يخرج من دار هذه إلى دار أختها. ثم خرج عن الموصل فهو الآن بخلاف على ما كان عليه /70 ب/ بالموصل. وقال الشعر صغيرًا وكثر منه. ثم قال: وأنشدني لنفسه بالموصل في سنة ستٍّ وتسعين وخمسمائة، وحلَّفته بالله أنَّها له فحلف على ذلك: [من الخفيف] معشر الفاسقين إن حكم الصًّو ... م عليكم فلا تطيعوه أمرا قصروا ليله بلهوٍ وعزف ... واستماع القيان سرًّا وجهرا وإذا ما جرحتم الصوم بالبو ... سِ تداووا بمرهم النَّيك سرًا وأنشدني -رحمه الله تعالى- قال: أنشدني يعقوب بن سنقر لنفسه: [من الكامل] طافت عليك وخصرها معقود ... هيفاء فاتنةُ الشَّمائل رود بمدامة صاغ المزاج لرأسها ... تاجًا عليه من الحباب عقود

بالغ بها ما تقتني وتجاف أن ... يلهيك عن تحصيلها تفنيد واعدل إليَّ بكأسها في روضة ... للطير في أغصانها تغريد مصقولة رقم الرَّبيع طرازها ... بيد الحيا فجمانها منضود ورياضها مخضلَّةٌ وغصونها ... سكرى وظلُّ رواقها ممدود /171 أ/ وأقاحها بهج النَّبات وللحيا ... بالسُّحب في خدِّ الثرى أخدود وكأنَّ ما وشَّته صنعاء الحيا ... حبرٌ لها زهر الرِّياض برود واللَّيل معتلُّ النَّسيم سقيمه ... والسُّحب تبخل تارةً وتجود وترى الثُّريَّا في السَّماءَ كأنَّها ... لمَّا هوت لغروبها عنقود والبدر خفَّ به النُّجوم كأنَّه ... قاضٍ يؤمُّ بهم وهنَّ شهود وأنشدني، قال: أنشدني يعقوب بن سنقر التركي الإربلي لنفسه. وكان في السجن وقد بلغه قدوم أخيه يوسف: [من البسيط] إن كان يعقوب أضحى بعد عشوته ... يا صاحبيَّ بصيرًا كالَّذي زعموا فإنَّني حين وافاني البشير بهم ... قد كنت ميتًا فأحياني بشيرهم وأنشدني أبو حامد سليمان بن جبرائيل بن محمد بن منعة الفقيه الشافعي الإربليّ بها –من لفظه وحفظه. /71 ب/ قال: أنشدني أبو يوسف يعقوب بن سنقر في قاضي إربل: [من الكامل] يا قاضيًا سنَّ الضَّما ... نَ لقد أسأت إلى الشَّريعة لم لا تخاف من الإلـ ... ـه كما تخاف من الرَّفيعة [948] يعقوب بن شجاع بن عليِّ بن إبراهيم بن محمَّد بن أبي زهران، أبو شجاعٍ الموصليَّ. وقد مر شعر والده.

أخبرني أنَّه ولد ليلة الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بالموصل. وتوفي بها جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة –رحمه الله تعالى-. كان شابًا حسنًا من حفّاظ القرآن العزيز والمتفقهة، وقرأ من النحو صدرًا صالحًا. وكان من أهل التدين والخير، وينظم الأبيات من الشعر. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى نقيب العلويين مُحيي الدين أبي طاهر محمد بن حيدر بن محمد بن زيد بن عبيد الله الحسيني العلوي الموصلي –رحمه الله تعالى-: [من الوافر] /72 أ/ أيا مولاي محيي الدِّين بادر ... إلى الوعد الكريم بلا فتور فلست أفي بشكر نداك عفوًا ... ولو عمِّرت إعمار النسور وأنت ذخيرتي ما دمت حيًا ... وإنك عدَّتي يوم النشور وأنشدني لنفسه أيضًا ما كتبه إليه: [من مجزوء الرمل] قلت لمَّا رَقَّ حالي ... وجفاني من أوالي ورماني الدَّهر قصدًا ... بسهام ونبال ودعتني رقَّةُ الحا ... ل إلى ذُلِّ السُّؤال لست إلَّا مستجيرًا ... بك يا ربَّ المعالي وأنشدني أيضًا لنفسه: [من السريع] صروف هذا الدَّهر قد صوَّبت ... سهامها نحوي فلم أجزع لأنني معتمدٌ أن سطت ... على إمام بطل أنزع الفارس الكرَّار يوم الوغى ... وصاحب الغوث إذا ما دعي جدِّك يا محيي دين الهدى ... وحامل الرَّاية في المجمع [يا من إذا ما جئته راغبًا ... رجعت والدُّنيا جميعًا معي]

[949] يعقوب بن صابر بن بركات بن عمّار بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن حوثرة، أبو يوسف القرشيُّ، البغدادي المولد والمنشأ، الحرَّانيُّ الأصل، المنجنيقيُّ. كانت ولادته –فيما أخبرني من لفظه- يوم الإثنين رابع المحرم سنة أربع وخمسين وخمسمائة. وتوفي ببغداد يوم الخميس بُعيد العصر السابق والعشرين من صفر سنة ستٍّ وعشرين وستمائة، ودفن يوم الجمعة غربيها بمقبرة الجديدة بباب المشهد المعروف بمشهد الإمام موسى بن جعفر –عليهما السلام-. كان جنديًا في ابتداء أمره مقدَّمًا على المنجنيقيين بمدينة السلام، ولم يزل مغرى بآداب السيف والقلم، وصناعة السلاح والرياضة. وغلب عليه اسمُ الجنديَّة واسم المنجنيقيَّة؛ لكون المنجنيق أعظم السلاح، واشتهر بهذه الفنون. ولم يلحقه أحدٌ من أبناء زمانه في درايته وفهمه وحذقه لذلك. وأراني /73 أ/ كتابًا من تصنيفية. ترجمه بكتاب "عمدةُ المالك في سياسة الممالك" لم يتممه؛ وهو بديع في معناه، يتضمَّن أحوال الحروب وتعبئتها، وفتح الثغور، وبناء المعاقل وأحوال الفروسية والهندسة والصنائع والمصابرة والحصار، والمعاقل والأمصار، والرياضة الميدانية، والحيل الحربية، وأنواع العلاج بالسلاح، وعمل أداة الحرب والكفاح، وأحوال الخيل وصفتها. وقد قسَّم الكتاب ورتبه أبوابًا كُلّ باب يشتمل على فصول. وقد روى شيئًا من الحديث النبوي. وكان اجتماعي بأبي يوسف ببغداد سنة أربع وعشرين وستمائة، فوجدته شيخا

هشًا، مليحًا لطيفًا، فكهًا متواضعًا، طيِّب المحاورة، شريف النفس، ذا تودُّدٍ وبشرٍ وسكون. وكان –مع ذلك- شاعرًا مجوِّدًا في وقته، صاحب معانٍ مبتكرة، وألفاظ متخيرة، يُقصِّدُ الشعر ويصنعه ويشبِّبُ به، ويصف ويمدح، ويتصرَّف تصرَّف الشعراء المتقدِّمين، /73 ب/ ويذهب مذاهبهم في أقسام الشعر وأجناسه. وجمع من شعره كتابًا مختصرًا سمَّاهُ "مغاني المعاني". ومدح الخلفاءَ فأحسن، وكانت له منزلةٌ لطيفة من الإمام الناصر لدين الله –رضوان الله عليه-. ومما أنشدني –من لفظه وحفظه- وأملاه عليّ في غلام يسبح بدجلة وفي وسطه تبَّان أزرق: [من الكامل] يا للرجال شكايتي من شكوة ... أضحت تعانق من أحب وأعشق حملت هوى كواي فهي بوصلة ... تقفو ويبكيني الغرام فأغرق ويغيرني التَّبان عند عناقه ... أردافه فهو العدوُّ الأزرق وأنشدني لنفسه في إنسان يُلقَّبُ الشمس وأبو يوسف كان يلقب بالنجم، فقال في ذلك وأحسن: [من الخفيف] لقَّبوني بالنَّجم جهلًا كما بالشَّـ ... ـس قد لقَّبوك من غير علم فالَّذي يستضي بنورك يا شمـ ... ـس كمن يهتدي السَّبيل بنجمي /74 أ/ في ظلام هذا وذا في ضلالٍ ... فكلانا كاسمٍ على غير جسم وأنشدني لنفسه في الوزير نصير الدين أبي منصور ناصر بن مهدي العلويّ وكان يتقلَّد –يومئذ للناصر لدين الله أحمد- الوزارة: [من الطويلي خليليَّ قولا للخليفة أحمد ... توقَّ وقاك الله ما أنت صانع وزيرك هذا بين أمرين فيهما ... صنيعك يا خير البريَّة ضائع

لئن كان حقًا من سلالة حيدر ... فهذا وزيرٌ في الخلافة طامع وإن كان فيما يدَّعي غير صادق ... فأضيع ما كانت لديه الصنائع وحدَّثني، قال: خرجتُ إلى المحوَّل ونزلت بمستنزه عند صديق كنت آنس به وله غلامان أحدهما يلقب بالكوسج والآخر بالعوسج. /74 ب/ قال: فرأيت منهما جفاءً وأذى، فلما انفصلت عنه ومضيت إلى منزلي وانقطعت عنه مدَّةً فأنفذ إليّ يستوحش لي ويحرضني على المضيّ إليه، فكتبت إليه أعاتبه بهذين البيتين: [من المتقارب] جنانك يانعةٌ بالثِّمار ... ولكن ينغِّصها العوسج وبحر أياديك غمر النَّوال ... ولكن يكدِّره الكوسج وأنشدني من مقطعاته الغزلة الرقيقة: [من الكامل] قبَّلت وجنته فمال بعطفه ... خجلًا وماس بقدِّه الميَّاس فانهلَّ من خدَّيه فوق عذاره ... عرقٌ يحاكي الطَّلَّ فوق الآس فكأنَّني استقطرت ورد خدوده ... بتصاعد الزَّفرات من أنفاسي وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] /75 أ/ قلت لمَّا صدَّت فلانةُ عنِّي ... واصليني ولو بطيف الخيال قالت الطَّيف فيه شبهة وصلٍ ... من حلالٍ ولم أكن لحلال وأنشدني لنفسه حين لقبوه بالنجم: [من الوافر] وكنت سمعت أنَّ الجنَّ عند أسـ ... ـتراق السَّمع تقذف بالنُّجوم فلمَّا أن علوت وصرت نجمًا ... رجمت بكلِّ شيطان رجيم فلا تعجب لذا واعجب لحظٍ ... يغيِّر حالة الوضع القديم

وأنشدني قوله: [من الطويل] كلفت بعلم المنجنيق فلم أزل ... أحث ركابي بين ناء وشاحط وأقصد حيطان البلاد وهدمها ... ونهب نواحيها ووهي المرابط وعدت إلى نظم القريض لشقوتي ... فلم أخل في الحالين من قصد حائط وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] لا تكن واثقًا بمن كظم الغيـ ... ـظَ اغتيالًا وخف غرار الغرور فالظُّبا المرهفات اقطع ما كا ... نت إذا غاض ماؤها في الصُّدور وأنشدني قوله في رجل يعرف /75 ب/ بابن بشران. وكان كثير الأراجيف، فنهاه السلطان عن ذلك فانتقل وصار ينجّم، فقال أبو يوسف: [من الكامل] إنَّ ابن بشران على علَّاته ... من خيفة السُّلطان صار منجِّما طبع المشوم على الخلاف فلم يطق ... في الأرض إرجافًا فأرجف في السَّما وقال أيضًا: [من المنسرح] بدرٌ إذا ما استسرَّ اطلعه ... من الغروب اللُّجين والغرب أشرق إذا أشرق النُّضار له ... فقلت ربِّي وربُّك الذَّهبُ وقوله: [من المتقارب] وجارية عبرت للطواف ... وعبرتها جزعًا تدمع فقلت ادخلي البيت لا تجزعي ... ففيه الأمان لمن يجزع سدانته لبني شيبة ... فقالت: ومن شيبة أفزع وقال أيضًا: [من السريع] قد لبس الصُّوف لترك الصَّفا ... مشايخ العصر للبس العصير /76 أ/ الرَّقص والشَّاهد من شانهم ... شرٌّ طويلٌ تحت ذيل قصير

وقال يمدح الإمام أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبا العباس أحمد بن الحسن –رضي الله عنه-: [من البسيط] ماضي العزيمة إذ تنبو السُّيوف وقد ... تنبي معاصمه عن عاصمٍ حامي في درعه ذكر بالذِّكر مدَّرعٌ ... في كفِّه ذكرٌ في ذكره نامي ردَّ الرُّدينية السُّمر الطِّوال إلى ... الإقليم بالخطِّ من خط بأقلام وذاد طولًا وعرضًا في تطوُّله ... من عرفه عارضٌ من سيبه هامي يهمي به الهام والآجال جائلةٌ ... بحدِّ صمصامة في كفِّ صمصام والبيض في البيض والأعناق معنقةٌ ... والسُّمر قد حطمت في كلِّ حطَّام والقلب منقلبٌ منهم بميسرة ... مأسورة وجناح جانح دامي فمنه إن أظلمت أرجاؤها قمرٌ ... جلا محياه عن ظلم وإظلام القلب والطَّرف ظلَّا منزلين له ... والطرف والقلب في جهد وإيلام /76 ب/ ومن شعره أيضًا، وقد أنشد بيتين ذكروا إنهما للقاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني وهما: [من الخفيف] ألقني في لظى فإن غيَّرتني ... فتيقَّن أن لست بالياقوت شمل النسج كلَّ من جاك لكن ... ليس داود فيه كالعنكبوت فعمل أبو يوسف في جوابها هذه الأبيات على الوزن والقافية: [من الخفيف] أيها المدَّعي الفخار دع الفخـ ... ـر لذي الكبرياء والجبروت نسج داود لم يفد ليلة الغا ... رِ وكان الفخار للعنكبوت وكذاك النَّعام يبتلع الجمـ ... ـر وما الجمر للنَّعام بقوت وبقاء السَّمند في لهب النَّا ... رِ مُزيلٌ فضيلة الياقوت وقال في غلام زامر: [من السريع] وزامر بات نديمًا لنا ... ما بين سكران ومخمور تقتلنا الخمر ونحيا به ... كأنَّه ينفخ في الصور

/77 أ/ وقال في غلام لابس قباء أصفر: [من الخفيف] قلت لمَّا بدا لنا في قباء ... أصفرٍ فاقع: لك الله واقي عشقتك الثِّياب قال: أما تلـ ... ـحظها في ملابس العشَّاق قلت: هل صفرةٌ تكون مع الوصـ ... ـل فقال: اصفرارها للفراق وقال في غلام رآه يسرَّح شعره وقد علق مروده في خصلة من شعره والغلام يميل بوجهه إلى قبل أذنه ليخلص المرود: [من الخفيف]. علق القرط حين بلبل صدغيـ ... ـه بداجٍ من فرعه كالليَّالي فرأينا الدُّجى وقد سحب البد ... رَ إليه من قرطه بهلال وقال في غلام ثقيل الردف: [من مخلّع البسيط] /77 ب/ يقعده في النُّهوض ردفٌ ... قيامتي دونه تقوم أفديه من مقعد مقيم ... عندي به المقعد المقيم وقال في غلام سكران: [من المتقارب] أتى ثملًا قد أضلَّ الطَّريقا ... يهزُّ من السُّكْر عطفًا رشيقا وقد أخذت منه كأسُ المدام ... فجارت عليه صبوحًا غبوقا وقد غزلت نشوةً مقلتاه ... فسلَّت من الجفن عضبًا ذليقا وشقت سالفتيه السُّلاف ... فصيَّرت الورد منه شقيقا وبلبل صدغا على عارض ... تشابه في الوصف مسكًا سحيقا وقد أخجل الظَّبي لحظًا وجيدًا ... وأربى على الكأس ثغرًا وريقا وقد أسدل اللَّيل جلبابه ... فأسبلت المزن غيثًا دفوقا فقلت: هلمَّ إلى منزل ... تجدني عليك حنينًا شفيقا وكنت جديرًا خليقًا به ... وكان بمثلي جديرًا خليقا فبت أعاطيه كأس المدام ... وارشف من شفتيه الرَّحيقا إلى أن تناشت له نشوةٌ ... سحيرًا أبى دونها أن يفيقا /78 أ/ فعرَّيته من جلابيبه ... فأشبه عريان غصنًا وريقا والحفتة ثم جمَّشته ... وكان لديَّ أسيرًا طليقا

وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل] وافى الرَّبيع بورده ... ووفى الحبيب بوعده فأباحنا في وصله ... وأراحنا من صدِّه فاشرب على الوردين من ... ورد الرياض وورده من نرجس في طرفه ... وبنفسج في خدِّه وأنظر إلى الغصنين من ... فدِّ الأراك وقدِّه وإلى الأقاح وثغره ... وإلى النَّسيم وندِّه وإلى المدام وريق فيـ ... ـه بخمره وبشهده والجوُّ معتدل النَّسيـ ... ـم ببانه وبرنده والطَّير تشدو في الغصو ... ن مع الصَّباح لوجده والزَّهر قد لبس الصَّعيد ... غلائلًا في برده فغدا به المنثور ينـ ... ـثر لؤلؤًا من عقده /78 ب/ أهلًا به زمن الحيا ... ة وبالحبيب وقصده وبورده لو لم يكن ... عهد الحبيب كعهده وقال أيضًا: [من السريع] من حرَّم الورد على الوارد ... من ريق فيك العطر البارد ورَّكب البدر على بانة ... تميسُ في حقف نقًا هامد أخضر في أحمر في أبيض ... كالزَّهر في غصن به مائد بمقلة في جفنها صارمٌ ... محكَّمٌ في مهجة الواجد ووجنة حمرتها من دم ... تشهد بالقتل على الشَّاهد يجحد قتلي وهو بي عارفٌ ... أفديه من معترف جاحد يا راقد اللَّيل هنيئًا به ... ما السَّاهد الأجفان كالرَّاقد إرث لباكي الجفن مستعبر ... حيران ساهي مقلة ساهد واعجب لعين منه تبكي دمًا ... كيف جرى من مدمع جامد هل لزمان الوصل من عودة ... يحيا بقرب الزَّائر العائد وليلة جاد بها الدَّهر لي ... كم أخلف الوعد من الواعد

/79 أ/ بتُّ أعاطيه بها قهوةً ... تشرق كالدِّينار للناقد مدامة بالغثت فيها ولم ... أصب إلى الطَّارف والتَّالد وقال أيضًا: [من الكامل] وافاك قبل تبلُّج الفجر ... ثمل اللِّحاظ مبلبل الشَّعر سهران قد غزلت لواحظه ... فتكحَّلت بالغنج والسِّحر نشوان مغتبقًا ومصطبحًا ... يختال في طيٍّ وفي نشر متأوِّدُ العطفين من هيفٍ ... متجاذب الرِّدفين والخصر قد كادت الصَّهباء تسلمه ... فيكون ما يدري ولا يدري فتنرجست ألحاظ مقلته ... وتورَّدت خداه بالخمر فتجشم التجميش من حذر ... وقضت عليه الكأس بالسُّكر وزها بنفسج عارضيه على ... خدَّيه فوق شقائق حمر وحكت ثناياه وريقته ... نور الأقاحي في ندى القطر فكأنَّما علق الرَّبيع به ... فكساه جلبابًا من الزَّهر وكأن ريحانا بعارضه ... المنظوم من شعراته الخضر /79 ب/ مددٌ نصرت على العذول به ... وأقام خطُّ عذاره عذري امسى يعاطيني المدام ومن ... رشفات فيه وثغره سكري فشربتها كالشَّمس من يده ... ولثمت منه مقبَّل البدر فكأنَّها أهدت إلى فمه ... ما فيه من حبب ومن خمر وكأنَّه منح المدامة ما ... في فيه من درٍّ ومن درِّ فتضوَّعَت كالزَّهر من عبقٍ ... وتوقَّدت كالأنجم الزُّهر نوريَّةٌ نوريَّةُ النَّشر ... دُرِّيَّة داريَّة العطر فطلت فأضحت في زجاجتها ... شبحًا يجول بغامض الفكر فتنكرت إذ لا مساس بها ... وتعرَّفت بالعرف والنُّكر

[950] يعقوب بن عبد الله، أبو يوسف الرُّومي الأصل، الكنديُّ المولى، الدمشقيُّ المنشأ. ذكره الوزير الصاحب أبو البركات المستوفي –رضي الله عنه- في تاريخه، وقال: أبو يوسف الكندي يعقوب بن عبد الله عتاقة أبي اليُمن زيد بن الحسن بن زيد النحوي. كان يدعى قبل ذلك ياقوتًا فسمَّى /80 أ/ نفسه يعقوب. اشتغل على مولاه زيد بن الحسن الكندي وشهر به، ومنحه جُملةً من ماله كتبها باسمه. شيخ طويل وافي الجُثَّة. ورد إربل رسولًا من الملك المعظَّم عيسى بن أبي بكر بن أيوب –صاحب دمشق- في يوم الأربعاء سابع عشر ذي الحجة سنة عشرين وستمائة، فأقام الفقير إلى الله تعالى أبو سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين بما يجب لمثله. وكانت كتب إليَّ –قبل وروده بأيام قريبة- أبياتًا من شعره. كان فضله عليَّ فيها عظيمًا من غير معرفةٍ سابقةٍ. سمع أبا الفرج عبد الرحمان بن علي بن الجوزي ومولاه أبا اليمن زيد بن الحسن النحوي وغيرهما، سمع عليه بدار الحديث المظفريَّة بإربل، وكان يحب ذلك. قال: وحدَّثني من حضر جنازته، قال: توفي ببغداد في أواخر العشر الوسطى من رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ودفن بمقبرة أبي حنيفة –رضي الله عنه-. هذا آخر كلامه. ومن شعره، وأنشدنيه الشيخ أبو الخير بدل التبريزي المحدّث، قال: أنشدني أبو يوسف لنفسه من قصيدة أوَّلها: [من الخفيف] /80 ب/ خلِّ عنها تغور غورًا ونجدًا ... واهجرن في المسير لبنى وسعدى وصل الوخد بالذَّميل فما تد ... رِكُ سؤلًا ولا بسيرك وخدا واحترز في مناسك الحجِّ واجعل ... فرضها وصلة إلى الله نقدا

واقصد الكعبة الحرام وعفِّر ... بتراب المقام أنفًا وخدَّا واعتمد في فعالك الحقَّ واخلص ... تجد الحقَّ قد أباحك خلدا وأت قبر النبي خير نبيٍّ ... فهو أسنى قصدٍ وأحرى وأجدى "صلى الله عليه وسلم". أيُّها الرَّائحُ المُشَمِّر تحدوه ... ويحدو إثر الركائب وجدا رحلت صحبه إلى الشَّام فاشتاق ... واخفى من الغرام وأبدى هجر الأهل والأحبَّة لمَّا ... قصد الخالق الجواد الفردا وترامى عن جلِّق وأتى الكسوة ... والدَّمع قد كسا الخدَّ خدا حار لمَّا رأى معالم حورا ... ن وبصرى لمَّا تبصَّر رشدا وسرى بعدها إلى المنهل الأز ... رق والشوق قد تزايد جدَّا [وتمادى منه إلى العمري العذ ... ب فوافاه يفضل الثَّلج بردا] عظم الأجر بالعظاميِّ لمَّا ... جدَّ في قصده وأضحى مجدَّا /18 أ/ وأتى مرو وهو أحلى من الشهـ ... ـد وأزكى عذوبةً وأشدَّا ثم وافى بسيطةً وبساط الشُّـ ... ـوق تحدوه والركائب تحدى وأتى نجر بعد حثٍّ من السَّيـ ... ـر وقد زاد في التعطُّش وقدا فرأى ماءه يزيد أوامًا ... لم يسغه خلقٌ فولَّاه حمدا ويتيمًا علَّل النَّفس بالرَّا ... حة إذ ماؤها يزيل الجهد وإلى نخلها ورُمَّانها اليا ... نع كلٌّ بحسنه قد تحدَّى وهي قصيجة طويلة، وهذا القدرُ منها كافٍ. ومن شعره يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: [من البسيط] دع التَّصابي فقد غال الصِّبا غول ... واعمل لأخراك فالدُّنيا أباطيل

وعدِّ عن غزل في وصف غانية ... بعد المشيب كفى الإنذار تبديل وامدح إذا رمت إدراك النَّجاة غدًا ... وأخلص القول فالإخلاص مقبول خير الأنام رسول الله من نزلت ... عليه طاها وياسينٌ وتنزيل وكان يأتيه بالوحي المنزَّه إذ ... يغشاه عند نزول الوحي جبريل [وخصَّه الله بالإسسراء معجزةٌ ... فيها لمن شكَّ إرغامٌ وتذليل] [951] /81 ب/ يعقوب بن عبد الملك بن أبي الحسن بن عليٍّ الضرير، أبو يوسف الأسديُّ. من أهل سنجار. زعم أنَّه من بني أسد بن خزيمة. أخبرني أنَّه ولد في اليوم الرابع عشر من ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. كان قرائًا للقرآن العزيز واعضًا في الأعزية، ويقول الشعر ويمدح به الناس. وكان مفتوق اللسان طيّب الصوت حسن الحنجرة بالقراءة. وكان خبيثًا شريرًا قليل الدين ردي الطويّة. وخبرتُ أنَّه كان يسرق الأشعار ويمتدح بها، وقتل بقرية من قُرى الموصل يقال لها "بارمون" قتله التتار –خذلهم الله تعالى- حين وصلوا إلى نواحي الموصل وانتهبوها وقتلوا منها عالمًا كثيرًا، وسبّوا الذراري، وساقوا المواشي، وأخذوا أموالًا جمَّة وذلك في شهر ذي الحجّة سنة إحدى وثلاثين وستمائة. أنشدني لنفسه بإربل –وكان مقيمًا بالموصل- يمدحُ صاحبها بدر الدين /82 أ/ أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله: [من الكامل] ظعن الحبيب وشطَّ عنك مزاره ... وتباعدت من قرب دارك داره فإلى م تستر ما تجنُّ من الجوى ... والصَّبْر منك تهتَّكت أستاره يا ذا الَّذي أودى به سكر الهوى ... ما آن أن ينفك عنك خماره واهًا لذا الظَّبي الكُناسيِّ الذي ... سلب الفؤاد فما يقرُّ قراره

الفاتن الفتَّاك أمَّا طرفه ... فمخاتلٌ لمحبِّه سحَّاره ظبيٌ له بهضاب وجرة مرتعٌ ... لكنَّ قلبي المستهام وجاره ولهي بأسمر فاتك بلحاظه ... ما تنقضي لي في الهوى أسماره رشًا تولَّى عاذلي في حُبِّه ... لي عاذرًا لمَّا استتم عذاره ما للهوى أدمي يطل وقاتلي ... يبدو بصفحة خدِّه آثاره يا صاحبي قف بالأثيل من الحمى ... وذر الغوير تشبُّ دونك ناره وانظر على زمن الرَّبيع إذا بدا ... يختال فيه بسحبه آذاره والنَّبت بين مكلَّلٍ ومكَمَّلٍ ... ومجدول أنست به زوَّاره والرَّوض بين معصفر ومزعفر ... ومعنبر كملت به أزهاره /82 ب/ والزَّهر مبتسم الثُّغور يعلُّه ... أرج النَّسيم وشابه نوَّاره والبان يبدي زهره متضوِّعًا ... قد ناح بلبله وصاح هزاره والماء بين ترقرق وتدفُّق ... والدُّوح قد صدحت به أطياره يحكي صفاء خلائق المولى ومن ... نصر الورى يوم الوغى بتاره الملك بدر الدِّين أعدل مالك ... شرفت به وبعدله أمصاره ملكٌ تعظَّم قدره ومحلُّه ... وطريفه وتليده وفخاره مشهورةٌ من فضله أيَّامه ... مشكورةٌ من عدله آثاره جادت يداه لنا بكلِّ فضيلة ... حتَّى تجاوز حدَّه إكثاره وأنالنا من ماله ونواله ... مستبديًا من كل ما نختاره ملكٌ له تعنو الملوك مهابةً ... ويزين هيبته عليه وقاره وتخاف شدَّةٌ بأسه ومراسه ... كالموت يخشى حتفه ويواره يا أيُّها المولى الَّذي نيروزه ... زمن منير أشرقت أنواره أولى وطالع سعده مستبشرٌ ... بدوام ملك لا يفلُّ غراره وافى الضَّرير إليك يطلب رسمه ... يشكو إلى مولى النَّدى إضراره /83 أ/ لمَّا تيمَّم نحو مالك رقِّه ... فرحت بقصد عبيده سنجاره فانعم به واسعد معافى سالمًا ... ماكرَّ عصرًا ليله ونهاره

[952] يعقوب بن محمَّد بن أبي الحسن بن عيسى بن درباسٍ، أبو يوسف الموصلي. قال الوزير الصاحب أبو البركات المبارك بن أحمد المستوفي –رضي الله عنه- في تاريخ إربل: وُلد أبو يوسف بالعمادية، ونشأ بالموصل ويكتب في نسبه الهذباني. وكان أبوه من الناقلة إليها فأصله من قرية من قرى إربل تدعى رشدة. وأكثر أهله إلى الآن بها. وانتقل عمُّه عيسى بن أبي الحسن إلى الجزيرة العمريَّة، فحظى عند صاحبها، وأقام أبوه بالموصل جنديًا. وكان ديَّانًا صالحًا إلى أن توفي بها. وكان أبو يوسف انقطع إلى شيخنا أبي الحرم مكي بن ريّان الماكسي –رحمه الله تعالى- فقرأ عليه القرآن، وأخذ عنه النحو واللغة. وكان أبوه ذا مال، وكان يحبّ منه أن لا يتعرض بالجنديَّة، وأن يقيم على الاشتغال بالعلم فأبى ذلك /83 ب/ وخدم الأتابك عزَّ الدين أبا المظفَّر مسعود بن مودود زنكي مدةً يسيرة، ثم فارقه ووقع عند الإنتقال من الموصل والضرب في الأصل لطلب الرزق فكره منه ذلك أبوه وأصدقاؤه فغلب على آرائهم، فسافر عن الموصل وهو مختل الحال فاتصل بالأمير الكبير أبي منصور جركس بن عبد الله –رحمه الله تعالى- فوجده يقرأ طيبًا. ووصف له فضله فاختصَّه بخدمته، وأقام عنده وأثرى وحسنت حاله وصار ذا مالٍ كثير على ما كى عنه، وصار له بطريقة عند الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمدً بن أيوب بن شاذي –رحمه الله تعالى- ووزيره ابن شكر المنزلة الرفيعة. ثم توفي جركس في سنة ثمان وستمائة، فكتب إليّ أنَّه انقطع إلى ولده. وعمل على الوفاء لوالده، وأنَّ الملك العادل شرفه وأحسن إليه وردَّه مع ولد جركس إلى بلاده؛ فهو الآن مقيم بها حاكم في أعمالها، سلَّم غليه أمرُ صاحبها.

كان الجامع بيني وبينه بالموصل /84 أ/ مجلس شيخنا أبي الحرم –رحمه الله تعالى- لأنَّه جوَّد القراءة عليه. تأكدت بيننا مودة واتصلت. ثم قال: وأنشدني لنفسه: [من الطويل] إذا ما اشتكت أفراسنا دلج السُّرى ... وطيَّ الفيافي واعتساف الفدافد ضمنَّا لها جودة الأمير فانثنت ... تسير ولا تصغي لنشدان ناشد ثم قال بعد أن أنشد هذين البيتين: ومتى دفعت في مثل هذا الكتاب إلى ذكر شيء من نحو ذلك وأشباهه فلا يجهل أنَّه لا يحسن ذكر مثله ولكن لا أجد وقت إثبات مثله. ثم اتصل بالملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب بعد موت الملك العادل، وسلّم إليه أمر دولته وقلَّده حكمه في ولايته إلى أن توفي الملك المعظم عيسى فأقام على حاله في خدمة الملك الناصر صلاح الدين داود؛ هذا آخر كلامه. ولما أخذت دمشق من الملك الناصر سافر أبو يوسف إلى مصر وتوفي بها. [953] يعقوب بن محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن عليٍّ أبو يوسف الشيباني الوزير المعروف بابن المجاور. والمجاور هذا هو جدُّه أبوأمِّه. وأبو يوسف كان والده من زنجان دخل دمشق وتديَّرَها وأولد بها. وكانت ولادةُ أبي يوسف في أواخر سنة ثمان وستين وخمسمائة بدمشق، وتوفي بها في سنة ثلاث وأربعين وستمائة –رحمه الله تعالى- واستظهر القرآن العزيز، وسمع الحديث النبويّ بها على أبي المجد الفضل بن الحسين بن إبراهيم بن سلمان بن البانياسي جزء أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغسّاني.

ورحل مع خاله نجم الدين أبي الفتح يوسف بن الحسين بن المجاور الدمشقي إلى ديار مصر، فأقام بها زمانًا طويلًا فتأدّب بها، وتفقه وقرأ علم الفرائض والحساب. وكان ربما ناب خاله أبا الفتح في بعض الأعمال السلطانية. وكان بمصر بخير وحُسن حال ونعمة وافرة، ذا أمر نافذ وجاه بسيط واستوزره الملك الأشرف شاه أرمن /85 أ/ أبو الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب على خلاط وأعمال ما يقاربها من البلاد التي تحت حُكمه، واستقلّ في منصب الوزارة، وتقدّم عنده تقدُّمًا ما ناله أحدٌ من أبناء زمانه، وعلا أمره وحكمهُ في بلاده. فبقي كذلك مُدَّةً في أكمل جاهٍ وأوفى احترام. ثم عزله عن وزارته وصرفه، فآثر أبو يوسف الإنفراد في منزله واختار الخلوة لنفسه، ورغب في العزلة والانقطاع إلى الله تعالى، والمحافظة على الصلوات الخمس والتمسك بأوامر الله ونواهيه، وغيَّر ملبوسه، وانقطع عن الناس في زاوية اتخذها لنفسه بسفح جبل قاسيون. وكان قد تضعضع حاله وبقي حلس بيته له من الدنيا ما يكفيه ويقوم بأوده. شاهدته بظاهر دمشق بسفح جبل قاسيون يوم عيد النحر؛ وهو يوم الأربعاء في سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ فرأيته شيخًا حسنًا لطيفًا هيوبًا متواضعًا عاقلًا رزينًا ذا وقار وسكون ونباهة وسمت؛ وله مع ذلك يد طولى في صناعتي النظم والنثر، ومعرفة بأخبار الناس /85 ب/ وأشعراهم، وما قالوه من منظومٍ ومنثور، ومعاني القرآن العزيز، والحديث والنحو والتصريف واللغة؛ مع مشاركته بالفقه والأصول والدب والتفسير، وحلِّ التراجم وفنون الصناعة الكُتَّابية. وصنَّف كتابًا مفيدًا ممتعًا سمّاه "تحفة الوزراء" فيما يتعلق بأمور الوزارة وقوانينها وأسبابها وآداب الملوك والدول وما ينبغي أن يجب من القيام بها، ولم يبق علم من العلوم الدينيَّة والأدبيَّة إلَّا وأودعه فيه نبذةً فجاء الكتاب محررًا بحيث إذا سُئل عنه أجاب جوابًا شافيًا، يدخل في عشرة أجلاد. وجلُّ أشعار خاله الوزير نجم الدين أبي الفتح يوسف بن الحسين بن المجاور يرويها عنه، وأنشدني كثيرًا من شعره، وأملاه عليّ وكتبته من لفظه، ومن أشعار خاله المذكور.

ومما أنشدني لنفسه وأملاه عليَّ يصف دمشق: [من الطويل] سقى الغوطة الغنَّاء لطف غوانيها ... فأغنى عن الأنواء ترب مغانيها /86 أ/ ليسفر عن مثل الخدود شقيقها ... وتفترَّ عن مثل الثغور أقاحيها تطالعنا للزَّهر فيها نواظرٌ ... ترقرق عبرات النَّدى في ماقيها إذا رمدت بالشَّمس فالظِّلُّ كحلها ... وإن أمرضتها الرِّيح فالطَّلُّ آسيها تريك صدور الغيد مدَّت معاصمًا ... إذا ما بدت أنهارها وسواقيها ويحي موات اللَّهو نفحةُ سهمها ... ويقتل عمدًا مهجةض الهمِّ واديها تروق إذا عنَّت وغنَّت عيوننا ... وأسماعنا أقمارها وقماريها تخال أخضرار الرُّوض بين قصوره ... زبر جدةً قدر صِّعت بلاليها تأزَّر من خضر الدَّوالي بسندس ... وتلبس بالإشراق وشيًا أعاليها ترى كلَّ نهر تحت قصر كأنَّها ... كماة نضت للروع بيض مواضيها وتحسب بين الحور غدران مائها ... جواشن ملقاةً خلال عواليها فكم بركة تجلو الضُّحى إثر جدول ... كما مدَّ بالكأس الرَّويَّة ساقيها إذا ما علاها الزَّهر قلت طفا بها ... حباب وإلَّا افترَّ فيها معاطيها فقد شاهد الولدان في الخلد من رأى ... وطوبى له أبناؤها في مبانيها أحنُّ إلى قوم عرفت الهوى بهم ... وأصبوا إلى أرض صحبت الصِّبا فيها /86 ب/ وكم ليلة فيها قبسنا مسرَّةً ... تزيد سناءً كلَّما اشتدَّ داجيها بغانية عن منَّة الحلي عطَّلت ... مواشطها واستخدمت عين رائيها وقد سكنت نفسًا إلى حسن وجهها ... فما سألت عنه عيون مرائيها تريك قوام الغصن أورق ساجعًا ... إذا ما شدت تتلو المثاني مثانيها وقد نام كاليها ومات حسودها ... وأقعد ساعيها وأخرس واشيها بلادٌ على بعد المسافة لم أزل ... بقلبي وفكري كلَّ وقت أوافيها سقاها فروَّاها ولو غيره حلا ... بفيَّ لما وفَّرته عن نواحيها ولو لم أخذ إغراقها بأتيِّه ... لقلت: ندى الملك العزيز يغاديها

أبي الفتح عثمان العزيز بن يوسف بـ ... ـن أيُّوب أملاك الورى بعد شاذيها مناسب ما ماء السَّماء بمدَّعٍ ... صفاها ولا زهر النُّجوم تساميها ولا لعقود الدُّرِّ صحَّةُ نظمها ... وبهجة مرآها وحسن تواليها على أنَّ مسعاه كفاه انتسابه ... ألا إنَّ أسباب الملوك مساعيها مليكٌ سرايا جوده وجنوده ... غناءٌ لمرجيها عنى لمعاديها فبالبيض أو بالصُّفر إن صال أو حبا ... تحين منايا أنفس وأمانيها /87 أ/ وذو همَّة لا يدَّعي الدَّهر حصرها ... ولا عاصفات الرِّيح بعد مراميها بنى من مساعيه سماءً نواله ... سحائبها والمأثرات دراريها وقام مقام الأرض عظمًا فكفُّه ... ومن صدره بحَّارها وبراريها نوال لو أن السُّحب سحّضت بمثله ... لأغرق رضوى قطرةٌ من عزاليها ومجدٌ لو أن الشُّمَّ تضمر مثله ... لما سُيِّرت يوم المعاد رواسيها وحكم لو الأقدار تجري بعدله ... لما جار في حكم على الحّرِّ جاريها هو القائد الجيش اللَّهام كما سرت ... ركاب رُكام طَبَّق الأرض ساريها إذا حلَّ أرضًا غصَّ بالسُّمر جوُّها ... كما شرقت بالبيض منه فيافيها ومهما سرت كادت لياليه هيبةً ... وضيقًا به تنشقُّ عنه دياجيها خميسٌ به سبت الطُّغاة كماته ... أحدُّ قلوبًا في الوغى من مواضيها إذا لمم النَّقع المثار تلبَّدت ... فأرماحهم يوم الطِّعان مداريها هو المورد القود الضَّوامر من دم ... جداول شُقَّت بالسُّيوف مجاريها وباعثها في النَّقع جردًا كما هوت ... نجوم رجوم في ظلام دآديها /87 ب/ إذا الدُّهم جالت في الصفوف وفي القنا ... حكت حدقًا في هدبها وماقيها وقطاع هامات الكماة بسيفه ... إذا اختلفت عند النِّزال دواعيها وناثرها بالضَّرب تحت رؤوسها ... وناظمها بالطَّعن فوق تراقيها لنشَّابه من النُّسور وخيله ... قوادمها يوم الوغى وخوافيها كما أنها عند النِّزال تكفَّلت ... بإرواء صاديها وإشباع طاويها ليهن زمانًا أنت فيه افتخاره ... على سالف الأزمان طرًّا وآتيها ويهن رعايا فوَّض الله أمرها ... إليك فأضحى العدل منك يراعيها

ولم تبلغ الأعياد في القدر أنَّنَا ... نهنِّي بها علياك لكن نهنِّيها فلا برحت تلقاك في ظلِّ دولةٍ ... يعزُّ على الأيَّام نزع أواخيها وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف] قلت إذ زار من هويت وروض اللَّـ ... ـيل تبدي نجومه أزهارا ملك الحبِّ زاره ملك الحسن ... فزادا على الزَّمان اقتدارا فافرش الورد أطلسًا حين يمشي ... واجعلوا عسجد الكؤوس نثارا واصرفوا حاجب الهلال فقد نـ ... ـمّض بسرِّي إلى العيون سرارا /88 أ/ واحبجوا قيصر الصَّباح وقولوا ... لنجاشي اللَّيل كن برت دارا وأنشدني لنفسه وقد حجَّ في سنة إحدى وستمائة يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: [من الكامل] يا نفس ما صنعت بك الآثام ... أو لم تعظك بمرِّها الأيَّام أودى بذاك الصَّفو منك تكدُّرٌ ... وغطى على ذاك الضِّياء ظلام قد كنت في علويِّ عالمك الَّذي ... نورٌ وخيرٌ كله وسلام فنقلت بالتَّقصير عنه شقاوةٌ ... أنَّى لتقصير هناك مقام فوقعت في شرك المصائب والرَّدى ... تنتابك الآفات والأسقام ما كنت إلَّا التِّبر شيب خلاصه ... فسبكت والشَّهوات فيك ضرَّام فلئن خلصت لترجعنَّ سليمةً ... يعتادك التنعيم والإنعام طاب الكرى لك فاحتلمت وفي غد ... يوم المعاد تعبَّر الأحلام قد مهِّدت طرق النجاة وعبدت ... وأقيم فيها للهدى أعلام /88 ب/ ما زادها إلا التُّقى ومطيُّها ... إلَّا صلاةٌ برَّةٌ وصيام فتزوَّدي منه وسيري وتسعدي ... سعدًا يقارنه لديك دوام تلك السعادة لا يغير كونها ... بنحوسه كيوان أو بهرام ودعي تعاطي الشِّعر عنك فإنَّه ... ما لم يفد دنيًا لعرضك ذام إلَّا مديحًا للنبي وآله ... فيه صلاةٌ لا تني وسلام قومٌ هم سفن النَّجاة وحبُّهم ... حقًا هو الإيمان والإسلام

قوم هم المقصود من خلق الورى ... فهم المعاني والأنام كلام قوم هم الزُّهر النُّجوم إذا غطى ... نور البصائر للضَّلال ظلام لأكلفَّنك قطع قفر قطعة ... يذر الفنيق وما عليه سنام في صائف تعلي لشدةَّ حره ... وتجيش فيه بما حوته الهام حصباؤه كالجمر تخطو فوقه ... فتكاد أن تلهَّب الأقدام وترى الضَّباب تلوب في جنباته ... كبنات ماء شفهَّن أوام (وإذا المطيُّ بنا بلغن محمَّداً ... فظورهنَّ على الرَّجال حرام) (قربننا من خير من وطئ الحصى ... فلها علينا حرمة وذمام) /89 أ/عندي لها إن صافحت ثفناتها ... أكناف يثرب مسرح ومسام وموارد زرق النَّطاف طوافح ... بالبارد العذب الزُّلال جمام ويقلُّ ذلك في جزاء صنيعها ... ولقلَّما غمط الجميل كرام وأنشدني لنفسه وقد قال هذه الأبيات في البيت بيت مكَّة – شرفَّها الله تعالى: [من الطويل] قصارك عن غيِّ الشَّبيبة إقصار ... فجعِّل فما الدُّنيا لذي فطرة دار وسر نحو بيت الله مستغفراً لما ... جنيت فإنَّ لله لذنب غفَّار يوافيك في إغضائه لطف برِّه ... ويغضي على عصيانه وهو جبَّار رؤوف على من جاءه متنصَّلًا ... ولكن على من حاده فهو قهَّار قريب مجيب للدعاء وإن نأت ... أو اختلفت فيه جهات وأخطار فلا كثرة الدَّاعي يغلَّط سمعه ... ولا ضاره من قول داعيه تكرار إذا ما ألحَّ السَّائلون اجابهم ... ولا يعتريه من محلِّيه إصحار إلى كعبة سوداء في عين جاهل ... وفي عين ذي اللبَّ المنوَّر أنوار /89 ب/ يطوف بها في حندس اللَّيل دائمًا ... رجال هدى شعث الملابس أبرار رؤوسهم من خشية الله نكّسُّ ... ودمعهم من فارط الذَّنب مدرار. لأنفاسهم من شدَّة الوجد لاعج ... تكاد تراءى منه للمبصر النَّار

وقبِّل يمين الله إن جئت ركنها ... فما كلُّل صمّ في الحقيقة احجار به أودع الرَّحمان ميثاق خلقه ... فيشهد من منهم أثيم ومن بار فكم حسنات رفِّعت كلًّ لحظة ... لديه وحطت للمنيبين أوزار وكم خالع ثوب المعاصي ولابس ... لديه ثياب النسك فهو الخزندار تبارك منشي الخلق من غير حاجة ... يصرِّفهم منه قضاء واقدار وأنشدني أيضًا لنفسه يرثي الملك العزيز عماد الدين أبا الفتح عثمان بن يوسف بن أيوب بن شاذي – صاحب الديار المصرية: [من الطويل] أجل كلُّ خلق هالك وله أجل ... وإن هو أملي في الحياة له الأمل /90 أ/ فلا فرق ما بين الجهول وذي الحجى ... لدى الموت والرَّ عديد ذي الجبن والبطل ويستخرج الحيتان من قعر زاخر ... ويستنزل الأوعال من شاهق الطَّلل ليس بناء عنه ما طار فاعتلى ... ولا مفلت منه الذي غار فاستفل سيدرك حتَّى الحوت والثُّور في الثَّرى ... ويصرع حتَّى النسر في الأفق والحمل ولو لم يسوِّ الله في الموت خلقه ... وجل عن التَّقدير والشَّرط ما عدل تفردَّ من دون الخلائق بالبقا ... وجلَّ جلالًا لن يزول ولم يزل فمن قد أتى عمَّا قليل كمن مضى ... تشاب في التُّرب الأواخر بالأول لقد طاح بالملك العزيز حمامه ... وكم ظن أن ما للحمام به قبل واقفر منه الدست بعد امتلائه ... إذا حل فيه بالمهابة والجذل واقفر منه سرج أجرد سابح ... يفوت وحيَّ البارقات على مهل وعطَّل من كفيه سيف وذابل ... فيا صدأ الهنديِّ يا ظمأ الأسل وكانت لديه بين مرعى ومشرع ... بها الريُّ من أعدائه ولها النَّهل إذا أنت لم يعظم عليك مصابه ... فقف في بلاد المشركين له وسل لقد فتكت منَّا المنايا بماجد ... جليل غدا من كلِّ معضلة أجل /90 ب/ بأجرأ يوم الحرب قلبا من الرَّدى ... وأنفع عام المحل كفًا من السًّبل

بأقرب للباغي جداه من الثَّرى ... وأبعد للباغي معاليه من زحل بألطف في الأرواح من عبق الرُّبى ... وأحسن في الأبصار من حلية الكحل بسهم ولكن جلَّ عن موقع الخطا ... ورمحٍ ولكن جلَّ عن وصمة الخطل بسيف ولكن يفضل السَّيف إنَّه ... على طول ما يبري برئ من الفلل بمن ليس في الدنيا وقد غدرت به ... وقد أسلمته عنه من أهلها بدل بمن كان حليا في ترائب دهره ... ألا فليبوء الدَّهر من بعد بالعطل بمن كان أما عرضه فموفَّر ... مصون وأما ما حواه فمبتذل بمن كان مهما أعجم الخط في الوغى ... قرى السَّيد والعقبان ما بالظُّبا شكل بمن كان يدعى حمزة الحرب راكبًا ... ولكن إذا اشتدَّت جوارحها نزل وهي أبيات كثيرة. وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر] سأجعل للعلا أبدًا حنيني ... وأسهر في تطلُّبها جفوني وأطلع دونها صبح المواضي ... إذا اسودَّت ليالي الخطب دوني /91 أ/ فإمَّا أن تساعفني منائي ... فأبلغ أو تصادفني منوني فمثلي لا يقوم به قليل ... ولا يرضى من الدُّنيا بدون رهنت المجد لذَّاتي على [من] ... يواصلني وقد غلبت رهوني على سمر الرِّماح نجاح عزمي ... وبيض الهند والخيل الصَّفون إلى م وكم تسوِّفني اللَّيالي ... وتمطلن من العليا ديوني يقيني أن أذَّل وأن أحابي ... وأن أعنو لمخلوق يقيني سأنهض نهضة تدني الأماني ... فلا يؤيسك من أمل سكوني أأخمل والنَّباهة في لساني ... واعجز والمهنَّد في يميني وأنشدني لنفسه أيضًا في أمير مليح الصورة جوابًا عن رقعة وردت منه يعتبه على انقطاعه عنه – ويلقب شمس الدين-: [من الخفيف] يا أميراً له الملاحة جند ... وعليه من البهاء حجاب /91 ب/ للحيا والحياء منه إذا لا ... قاك روض مفوَّف وسحاب

فاز طرف رنا إليك وكف .... مدَّها للمنال منك طلاب لا تلمني إذا غبتُ عنك فعذري ... سافر الوجه ما عليه نقاب أنت شمس الأنام حسنًا ونورًا ... وقصادي الأمور أنِّي شهاب وأنشدني لنفسه: [من مخلع البسيط] مللت يا بدر مستقلاَّ ... على الورى رتبة المعالي فاخلد قرين الكمال فيها ... فإنَّما البدر بالكمال وأنشدني قوله ملغزًا في دولاب البستان وكتبها إلى شرف الدين أبي المحاسن محمد بن نصر بن عنين الشاعر الأديب الدمشقي: [من المنسرح] ما ذو عيون يقوده أعمى ... يطوف ولهان همه ألما يئنُّ شوقًا ويستهل بكًا ... يذيب من رقَّة له الصمَّا /92 أ/ يضحى الندى ما علاه رباه كما ... فرقت في السَّلك لؤلؤًا نظمًا أضحك ثغر الحبيب في زمان الـ ... محل وأبكى في مصره قدما يدور في الأرض دائمًا فإذا ... فتشته لم تجد له عزما فسره يا سيدًا يفوق بما ... الغز كل الورى وما عما قال: فأجابني عنه بهذه الأبيات من قوله: [من المنسرح] ياسيدًا ود كل ذي كرم ... بأن أفعاله له إسما أنت شهاب ونور فكرك قد ... أضحى لشيطان خاطري رجما البستني حلة بذكرك لي ... أضحت سجاياك فوقها رقما من بات جدوى يديك ناصره ... لم يخض ظلمًا ولم يخف هضما تسأل عن دائر حكى الفلك الأ ... على إذا دار أطلع النَّجما قائده إذ نأى فذو بصر ... وهو إذا دار حوله أعمى يبذل اعنده لنا فإذا ... أكدى ضربنا سواءه ظلما لازلت في نعمة مجدَّدة ... ما نسخ الصُّبح آية الظَّلما /92 ب/ وأنشدني في مصراعي باب يلغز بهما: [من الوافر] ومملوكين روميين مهما ... دخلت الدَّار قاما يخدماني

فيلتقيان بين يديَّ طورًا ... وأحيانًا هما متقابلان لكل منهما قد وخد ... ووجه في الحسان وحاجبان أمنتهما على أهلي ومالي ... فما غدرا ولا نكثا أماني وأنشدني من قصدية قالها في الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن أبي بكر بن أيوب – رحمه الله تعالى – وكان قد سير طلبه من أخيه الملك المعظم شرف الدين عيسى في سنة وثمان وستمائة، وأنشده إياها في نصيبين من بلاد الجزيرة: [من الطويل] صرفت غرامًا في نهاي تصرفًا ... وولَّيت لا أجفو ولا اشتكي الجفا /93 أ/ فلا راق طرفي الردف برتج مفعمًا ... ولا شاق قلبي العطف يعتز أهيفا ولا عدت أهوى الجيد ما عشت أتلعًا ... ولا الخدَّ محمرَّاً والجفن أوطفا ولا اجتبت ثوب الخد أطلس أحمرا ... ولو راح من نبت الغدار مفوفا ولا اضطربت حولي حناش ذوائب ... إذا ما تلوَّى القدُّ لدنا مهفهفا ولا قلت للنَّدمان: خذها وعاطني ... ولا للمدير أمزج إذا هو صرَّفا رددت كؤوس الرَّاح عنّي لخجلة ... وقد حثّها السَّاقي إليّ فأوجفا عقار تريك الشّمس يعشي شعاها ... وقد عمّم الأرض الظّلام فألفحا إذا حثّها السّاقي غدا ورد خدّه ... ونرجس عينيه من السّكر مضعفا فلا راح كأس من بناني مقرّطًا ... ولا لاح من كأس بناني مشنّفا تركت الصّبا والصّبية الغيد والطَّلا ... وصوت المثاني عفّة وتعففا فلا رحت إلّا بالمعالي متّيمًا ... ولا بتّ إلاّ بالفضائل مذنفا إذا اشتقت أيّام التّصابي أعدتها ... بأطيب منها للّبيب وألطفا تبوّأت روضًا للدفاتر مونقًا ... تدور المعاني في مغانيه قرقفا ورددت توبيخ اللَّيالي تطرّبا ... وذم بنيهنّ اللّئام تظرفا /93 ب/ وناديت إن همت بأدنى مساءتي ... مليكًا غدا من سائر الخلق أشرفا وآويت من وسى إلى ظّل شامخ ... كما حلَّ موسى الظل لما تخوفا إلى الأشر ف بن العادل الملك الذي ... أبر على قيض الغمام فأسرفا

وشمت عليها من سطاه وعزمه ... شبا صارم يفري الضَّريبة مرهفا عليك علاً لو صافحت يده صفًا ... لفاض الفرات العذب من ذلك الصَّفا يحور على الأموال بالجود باذلًا ... ومن نائبات الدَّهر مازال منصفا تعود أن يغدو له الله مخلفًا ... إذا راح للأموال بالجود ملتفا يشفُّ بما فيه من الّلطف خلقه ... وليس يشف الماء إلا إذا صفا يريك عذاراً دبَّ في خذ أغيد ... إذا هو في التَّوقيع نمَّق أرحفا ويبدي هلال السرج من وجه ذكا ... ومن سيفه صبحًا إذا النقع أسدفا محاسن من خلق وخلق خلالنا ... بها وهو موسى في الملاحة يوسفا لقد لبست منه الليالي محاسنًا ... غدا البدر منها للحسادة أكلفا تشَّوف آتيها ليلقاه مثلما ... تلفَّت ماضيها إليه تأسفا ومذ نطقت فائيتي في مديحه ... على خفر لم تبق للنطق [حرف] فا /94/أتركت له أهلي وصحبي وموطني ... وطفلا كمثل الفرخ بي متألفا إذا أشتاقه طرفي استهلّ صبابة ... وإن ذكرته النّفس مالت تلهفها وأعطى الذي أمّلت منه مضاعفًا ... وأسلف آمالي عطاءً وشرَّفا فملّكه الله البلاد لأنّه ... غدا بعباد الله فيهن أرأفا ولا زال بالتَّقوى وبالعدل عاملًا ... له وعلى الأملاك بالفضل مشرفا وأنشدني لنفسه فيه أيضًا يمدحه: [من المنسرح] أفرط في الصّد عن معنّاه ... وزاد عجبًا عليه معناه بدر تمام لا النّقص يدركه ... ولا يعاب الكسوف يغشاه يظن أن القلوب ما خلقت ... إلاَّ ليسطو بها وتهواه تاه مدلًا بحسن صورته ... وعشقنا والمليح تيَّاه آه على عطفه وزورته ... لو نلتها والمحب أواه بالله يا شمس عاتبيه ويا ... بدر فأنتم في الحسن أشباه ويانسيم الصَّبا بحقّك إن ... جزت عليه فاستهد ريَّاه

/94 ب/ واذكر له مبتلى بجفوته ... جدّ به سقمه فأبلاه عساه يسخو بنظرة عرضًا ... أو سنة من زكاة وسناه فعلَّ عيني يومًا تراه فما ... تطمع في غيرها برؤياه ويلاه من ذلَّتي وعزَّته ... على يا للرجال ويلاه أصول في جحفل فأهزمه ... وحدي وأرتاح حين ألقاه أملك رقَّ الورى ويملكني ... ملكي ويشنا قربي وأهواه لأنني أملك الجسوم وتسـ ... تملك رقَّ القلوب عيناه تبارك الله كيف صوره ... دمية حسن تبارك الله مناي مرضاته لو أنَّ فتى ... يعطي من الدهر ما تمناه أشهد أن لا إله إلا مسو ... يه وأن لا مليح إلَّا هو وأنَّ ما في الوجود أسخى ولا .. أغزر وبلاَ من كف مولاه الملك الأشرف الذي شهدت ... بفضله في السَّماح أعداه زاد على السُّحب أنَّ نائله ... تبر ونيل السّحاب أمواه ما جاد في الخافقين ذو كرم ... إلّا بما جاده وأعطاه /95/أفدام تستعبد [الأنام] بما ... تبني من المأثرات كفَّاه وأنشدني أيضًا، قال: كتب إليَّ شرف الدين بن عنين ملغزاً باسم سنجر: [من السريع] إن جعلوا أوَّله آخراً ... وبدّلوا الثّاني بالآخر حدث عن أنفاسه آخر اللّـ ... يل وعن ناظره الساحر قال: فقلت مجيبًا عن ذلك: [من السريع] إشارة أحلى لذي فطنة ... مذاقة من عسل الشَّائر تعرب عن لطف جوى كامن ... في خاطر كالشمال الخاطر من خنث الأعطاف ألحاظه ... تفتك فتك الشَّاطح الشَّاطر يزأر مهما زرته كانسًا ... ويلي من الزَّائر للزَّائر لنجعلن أوله ثالثاً ... أو نشتفي من مائه المائر

وقال في فانوس السحور والثريا والنجوم: [من المتقارب] /95 ب/ رأيت المنار وجنح الظلام ... من الجو يسدل استاره وحلق في الجو فانوسه ... فذهب بالنور أقطاره فقلت المحلّق قد شبّ في ... ظلام الدجى للقرى ناره وخلت الثريا يدًا والنجوم ... ورقًا غدا البدر قسطاره وخلت المنارة فانوسه ... فتى قام يصرف ديناره وقوله في معنى اقترح عليه فصنع بديهًا: [من السريع] خود جلا غرتها شعرها ... بدر بهي في ظلام بهيم يطيب لفظ الشعر من ذكرها ... كأنما ذاك النسيم النسيم قد رقمت وجنتها أرقمًا ... بالمسك في مذهب ثوب طميم ما ذاق من قابله غفوة ... يا عجبًا من ساهر بالرَّقيم وقال جواب أبيات جاءته من الرشيد عمر بن محمد الفرغاني الفقيه الحنفي: [من الوافر] /96 أ/ إذا ما شئت أن تلقى مفيدا ... غداة العلم والتقوى وليدا وبرّز في علوم الشّرع حتّى ... غدا فيه على ضغن وحيدا فلاق – لتستفيد – الخلق طرًا ... وحسبك منه أن تلقى الرشيدا فتى سنا وشيخًا في علوم ... يروح الشافعي له مريدا توحده يريك لدى المعالي ... إذا حاورته منه عديدا أتاني منه مع عدمي قريض ... يفوق بحسن صنعته الفريدا قريض لا أطيق له جوابًا ... ولو أنّي نشرت له لبيدا فكيف وخاطري في جور دهري ... وما لاقيته أضحى بليدا وقال أيضّا مجيبًا له عن أبيات له إليه: [من الكامل] قُّل للنسيم إذا أنثنى سحرًا ... يصف الرّياض وينعت الزَّهرا

وكفاه وصفهما لناشقه ... أن راح مبلول الرَّدا عطرا سكران يهدي من شمائله ... طيبًا إلى من شمَّه السَّكرا فيعانق الأغصان من ثمل ... متمايلاً ويكسَّر الغدرا /96 ب/ قل يا رشيد الدَّين كم مدح ... قلَّدتنيها تخجل الدُّررا ولكم بعثت إليَّ شاردةً ... من وشب لفظك تحمل الفقرا ولكن تسيَّير راحتاك إلى ... ربعي قريضًا يخمل السَّيرا أفحمتني فخرست مرتبكا ... ولكم نطقت فأفحم الشُّعرا وحصرت عند بلاغة عجزت ... عنها قواي ولم أكن حصرا إنَّ الآتيَّ إذا طما وعلا ... في يوم غيث أغرق النَّهرا والشَّمس إن ظهرت أشعَّتها ... محت الشَّهاب وغطَّت القمرا من أين لي مدد يقابل ما ... يأتي به القاموس إن زخرا يا سيَّدا بسقت فضائله ... وزكت فأعيا البدو والحضرا يا مجداً لم يبق مكرمة ... يأتي بها أحد إذا افتخرا يا مبدعاً تأتي بدائهه ... فينا بما تستعجز الفكرا يا جامعا فضل الأنام وإن ... طال المدى بهم وإن كثرا ما أسبهوا أو طوَّلوا أبدًا ... فيه أتانا فيك مختصرا يا روضة الفضل الَّتي ينعت ... وتهادت الأزهار والثَّمرا /97 أ/ يا أوحدًا في كلَّ معجزة ... إن رامها تعبيرنا قصرا يا أيها الحبر الَّذي نشرت ... ألفاظه من فضله حبرا يا عالمًا ما إن رأى أحد ... مثلًا له أبدًا وليس يرى يا سالكًا عرف الطَّريق إلى الـ ... فوز الَّذي قد أعجز البشرا يا صافي الأوصاف في زمن ... أخلاقه تستوعب الكدرا لو انصفت أيَّامه لغدَّا ... يستخدم الأملاك والوزرا عجبًا لخاطرك اللَّطيف إذا ... حركته ترمي به شررا إنَّ أمرءًا يفني لياليه ... بسوى فوائده فقد خسرا

لهفي على زمن يمرُّ وما ... أبرمت فيه بأنسك المررا لو أنَّني أعطي مناي لما ... أفنيت إلاَّ عندك العمرا لأرى وأسمع كلَّ شاردة ... تستعبد الآذان والبصرا ولو استطعت لسرت صحبته ... لكنَّني لا أملك الخبرا فكلاءة الرَّحمان تتبعه ... مهما أقام وإن نوى سفرا ولعلَّ لطف الله يجمعنا ... إنَّي لأرجو الله والقدرا /97 ب/ ويلمُّ شملًا قد تمزاق في ... أيدي اللَّيالي ثوبه شذرا في خدمة الصَّدر الذي كرهت ... ورَّاده عن بحره الصَّدرا بدر الطَّريقة من سماحته ... يفني على قصَّاده البدرا شيخ الشُّيوخ ومن به افتخرت ... آباؤه وكفاه مفتخرا لا زال في نعم مجدَّدة ... تفني الدُّهور وتخلق العصرا [954] يعقوب بن مسعود بن عبد المحسن، أبو يوسف التغلبُّي من أهل دقوق – وهي بليدة من نواحي بلاد العراق – يلقَّب عكارش. كان رجلًا كثير الخلاعة والمزاح، مطبوعًا في المعاشرة له أشعار يسلك فيها مسلك صريع الدَّلاء. وكان يميل إلى أهل الفضل والأدب، وقتل بدقوق في الليلة المسفرة عن صباح يوم الخميس السابع والعشرين من شهر الله الأصم رجب سنة ستٍّ وعشرين وستمائة. ومن شعره ما أنشدني الأجلُّ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن وهرام بن بكرانا لبوازيجي الإربلي بها – رحمه الله تعالى - /98 أ/ قال: أنشدني أبو يوسف الدقوقي لنفسه – وكان مريضَّا – وهو ساكن بمنزلي بإربل: [من الكامل]

يا جيرة بدقوق كانوا جنَّتي ... حبًا ومن دون الأعادي جنَّتي ما حيلتي إن ذقت كأس منيَّتي ... في غربتي وحرمت من أمنيَّتي حم َّالحمام عليَّ دون لقائكم ... حتمًا وذاك لشقوتي ولبيَّتي أقضي ولا أقضي الَّذي أمَّلته ... منكثم فواأسفي عليه وحسرتي ويلاه كيف تخلُّصي والموت قد ... ضرب المخيَّم نازلًا في عقوبتي وافي وأقسم لا يحاول رحلةً ... من منزلي حتَّى يحقَّق رحلتي فعليكم منَّي السَّلام فحبكم ... حتَّى القيامة لم يزل في مهجتي وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يصف مشببًا: [من الكامل] /98 ب/ مولاي لا في النَّاس لي ذو رحمة ... يأتيك يشفع بي ولا في الجان والسَّيل قد بلغ الزُّبى والفقر للـ ... حرَّ الكريم إليك قد ألجاني فاقبل فدتك النَّفس عذري واغتنم ... شكري وإن كنت المسيء الجاني فإذا غرست غصون خير أثمرت ... خيرًا عليك وكنت أنت الجاني [955] يعقوب بن نصر بن يعقوب بن نصر بن إبراهيم، أبو يوسف التيمُّي الدارقزّي. ينسب إلى دار القزَّ، وهي محلَّة من أشهر محاَّل بغداد بالجانب الغربّي. كان نحويًا شاعرًا فاضلًا فصيحًا عارفًا بالعربية والفقه. رحل إلى سنجار وأقام بها يفيد أهلها. وكان خبيرًا بالشعر وأنواعه، يحفظ منه الكثير. وكان خفيف الروح، دمث الأخلاق، من أطبع الناس كلامًا، وأطيبهم مزاحًا.

حفظ القرآن الكريم وقراه للسبعة والعشرة على أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل المرسي النحويّ، وقرأ علم النحو والعربية على أبي البقاء عبد الله بن الحسين النحوي البغداديّ، وسمع على أبي حفص /99 أ/ عمر بن محمد بن طبرز والبغدادي معظم سماعاته، وأخذ من فقه الإمام الشافعي – رضي الله عنه – صدرًا صالحًا. كان اجتماعي به بإربل في ذي القعدة سنة ستٍّ وعشرين وستمائة؛ وسالته عن مولده فذكر أنَّه ولد في شهر رحب سنة أربعة وتسعين وخمسمائة بدار القّز. ومدح جماعة من مقدَّمي إربل وأماثلها، وسافر عنها إلى سنجار فأقام بها قليلًا ورحل منها إلى ميَّافارقين فمات بها في أوائل المحرم سنة ثمان وعشرين وستمائة. وأبيعت تركته بيد نواب الموريث في ربيع الأوَّل سنة ثمان وعشرين؛ كذا أخبرني بوفاته الصاحب الوزير مؤيد الدين أبو نصر إبراهيم بن يوسف ابن إبراهيم الشيباني – أسعده الله تعالي. ومن شعره ما أنشدني لنفسه- في التاريخ المذكور – يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات [المبارك] بن أحمد بن المبارك المستوفي – رضى الله عنه: [من البسيط] /99 ب/ نعم هو السنح من نعمان قد سنحا ... فلا تلو منَّ غرب الدَّمع إن سفحا فما ترى مدمع العشَّاق منتزحًا ... إلَّا لفقد حبيب صدَّ أو نزحا لا يبعد الله من يدنو المنام به ... وهنا فيبخل إن طيف به سمحا ومنها يقول: ظبي أطعت التَّصابي في محبَّته ... عفوًا وعاصيت في سلوانه النُّصحا لله من سكن لولاه ما سكنت ... قلبي المعنَّى هموم الوحد والبرحا وبدر تمّ لو أن البدر قابله ... مفاخر التوارى عنه مفتضحا

قسا ورقًّت حواشيه فيصحب في ... أيدي الوشاة وإن جاذبته جمحا أستودع الله قلبًا لا يفيق ولا ... يزال بالوحد مغبوقًا ومصطبحا تحنُّ مهجته شوقًا وتسأل عن ... سكَّان نجد نسيم الرّيح إن نفحا يا معهد اللَّهو لا زال العهاد على ... مغناك يسحب أذيال النَّدى مرحا فكم لبست الصّبا غضًّا بساحته ... ورحت في الغيّ مرتاحًا ومقترحا أعطي الأماني فؤادًا لا يضيق به ... هم وصدرًا إلى اللَّذَّات منشرحا حتَّى أستردَّ زماني من مواهبه ... من المسَّرة ما أعطى وما منحا /100 أ/ وأفسد الدَّهر عيشًا في تقلبه ... لولا أبو البركات ما صلحا لولا أبن موهوب المرجوُّ ما وهبت ... إساءة الدَّهر ب لم ترتج الفرحا أغرُّ لا شرس الأخلاق منقبض ... وسط النَّديّ ولا بد أن مزحا كانَّ أخلاقه روض مدَّبجة ... فينا وغرتَّه الصُّبح الَّذي وضحا مهذَّب الرَّأي لا يثنيه عن كرم ... يوم المحامد تعنيف أمري نصحا يا طالب الرّفد لا يلوي على سكن ... ولا يصحب إلاَّ الأنيق الطُّلحا زر إربلًا وانح ربعًا حلَّ ساحته ... وجه المبارك تلق السَّي قد نجحا قضى على المال بالإطلاق منذ قضى ... أن يحبس الحمد في علياه والمدحا يا أيُّها الصَّاحب المحيي بهمَّته ... للعم بالدَّرس درسًا كان قد مصحا لا يخذل الخطب من أصبحت ناصره ... ولا يرى الفقر من وافاك ممتدحا لك اليراع الَّذي تخشى بوادره ... ويرتجي سيلة الهامي إذا رشحا بيض الأماني بسود من ذوائبه ... كالبدر أشرق في اللَّيل الذي جنحا لا تخش يا شرف الدّين الزَّمان بما ... قد كان مقترفًا يومًا ومجترحا /100 ب/ ستنجلي هذه الغمًّاء عنك كما ... تفرَّ الغيم عن شمس النَّهار ضحى لا تيأسنَّ لبدر غاب مستتراً ... عن العيون بان يعلو ويتضحا وللقضيب وإن اوردت بضارته ... بأن ترى الطَّير في أعلاه قد صدحا

إنَّ السَّيادة قد ألقت إليك يدًا ... أقذت لحاظ حسود كان قد طمحا سارت بمجدك أيدي العيس فازدحمت ... فيك القوافي وكانت عندك الفصحا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] ألمَّت وقد أرخى الظَّلام لها سترا ... فحيَّت وهل يخفي لشمس الدُّجى مسرى أرادت لتطوي سرَّها عن رقيبها ... فضوَّع نشر المسك من طيبها نشرا وما كنت أدري قبلها أنَّ بانّة ... إذا أنبتت في الدّعص أثمرت البدرا ولم أر عذبًا سائغًا ينقع الصَّدى ... سوى ريقها ألقى على ساحل درًّا المياء ما وجدي عليه بفاتر ... فما لفتور الطَّرف قد زادني فترا أأخذر في ليل الصَّبابة ضلُّةً ... وقد لمحت عيناي من وجهها بدرا وأخشى من اللُّوّام عدلًا ولو رأوا ... شمائلها أبدوا على حبَّها عذرا تذكَّرني وشك الرَّدى إن نسيتها ... وقد عطفت نحوي لتقبيلها نحرا /101 أ/ تميل كما مال النَّزيف وتنثني ... معاطفها من غير مشمولة سكرا فللَّه يوم قصَّر الوصل عمره ... وكم طوَّل الهجر أن من قبله عمرا أقبَّل طورًا فيه وردة خدَّها ... وأرشف طورًا من جنى ريقها خمرا خليليَّ لا والله ما أنا مضمر ... سلواً ولا أعطيت عن حبّها صبرا فلا تعذلاني إن صبوت فقد رأت ... لحاظي من آيات مبسمها الكبرى تقول وأخلانا الرَّقيب وغيَّب النُّـ ... عاس عيونًا كنَّ من دوننا خزرا: أحبا وإفلاسًا فقلت لها أهدأي ... إذا جئت إبراهيم لم أخف الفقرا وأنشدني أيضًا لنفسه يمدح الأميرين سيف الدين عليًا، وعماد الدين أبا بكر إبني قليج الحلبييَّن: [من الخفيف] واضح الثَّغر والمحَّيا البهيج ... هيَّج الشَّوق أيَّما تهييج فدعاه فلو أراد سلوَّاً ... لم يبت حلف لوعة ونشيج يا خليليَّ خلّيا عدل صبًّ ... بات في الحبّ بين أمر مّريج /101 ب/ جذبته أيدي الصَّبابة فانقا .. ز دولبَّي داعي الغرام اللَّجوج

وثنى عطفه إلى اللَّهو أقما ... ربدت طلَّعًا بأفق الحدوج واضحات تشرقن في الشَّعر الأسـ ... ود كالصُّبح في الظَّلام الدَّجوجي ونديم صرفت همِّي بصرف ... من يديه أغنى عن الممزوج ولشعبان في السَّماء هلال ... يتبدَّى كجانب الدُّملوج أو كنعل الفته في الجوِّ بالركَّـ ... ض عشاءّ قنابل أبني قليج أسدًا غابة وغيثا سحاب ... وهلالا أفق وشمسا بروج غضنا دوحة تظلُّ المساكيـ ... ن وتبدي من كل ِّ زوج بهيج وحساما غمد ونصلا قناة .. وعمادا بيت النَّدى المحجوج غنَّيا حين غنَّيا بالمنالي ... عن سماع الغناء والتَّهزيج وأستوى النَّاس فيهما فعلي ... كأبي بكر في الثَّناء الأريح لم يزالا إلى سماء المعالي ... طلب العرِّ والعلا في عروج غير أنَّ الكبير يزداد مجدًا ... وبقدر الكعوب فضل الوشيج كم فللنا حدَّ الزَّمان بسيف الدِّ ... ين عند التحام خطب مهيج /102 أ/ واعتمدنا الأمير عماد الدِّين ... يوم الكروب بالتَّفريج أنتم يا بني قليج على الدَّهـ ... ر حيا مزنة وروض مروج ما علمنا أنَّ المذاكي أفلا ... ك إلى أن أشرفتم في السُّروج وما برحتم إلى الوغى في دخول ... وعن الجبن والخنا في خروج كلَّ يوم لربعكم لذويي الفـ ... ل أعتمار مثل اعتمار الحجيج سؤدد دَّبجت حواشيه أخلا ... قكم الغرُّ أيَّما تدبيج فأتى كالرِّياض حسنا أو العصـ ... ب الموشَّى أو اليماني النَّسيج أملي فيكم حداني إليكم ... وثنى عن سواكم تعريجي في غناء بالهجر إن رمت سقيا ... أرض [عدمي] عن جدول وخليج أيُّها المالكان دعوة عبد ... أخلص الودَّ فيكما منذ نوجي

جاء يهدي إليكما بنت فكر ... لم يشنها أفتضاضة التَّزويج لبست حلَّة المعاني وحلي الـ ... حسن كبراً منها على التَّتويج فأقبلاها وحسِّنا عندها الصُّنـ ... ع فلم يهد مثلها في الدُّروج وأنشدني من شعره: [من الخفيف] /102 ب/ أنت أشهى إلى الضَّمير وأحلى من لذيذ المنى وأعلى محلَّا بك أضحى دون البريَّة شغل ... وكفاني بحسن وجهك شغلا يا شفاء النُّفوس من كلِّ داء ... وطبيبًا لسقمنها ومعلَّا لو رضيت الجحيم لي مستقرّاً ... لوجدت الجحيم برداً وظلّا كلَّ يوم تزداد عزَّة نفس ... واحتشامًا عندي فأزداد ذلَّا سيِّدي أنت لا تنَّ سلواً ... بي فحاشاي عنك أن أتسلَّى كلَّما كرَّت اللَّيالي علينا ... جدَّدت ثوب صبوة ليس يبلى وبنفسي أفدي الَّذي كلَّما ملـ ... ت أشتياقًا إليه مال وملَّا وأنشدني أيضًا لنفسه في غلام اسمه جامع: [من الكامل] يا جامع اللَّذَّات وجهك قبلة ... للنظارين وعظم ردفك منبر النَّاس حولك محرمون فما بدا ... مراك إلَّا هلَّلوا أو كبَّروا وسعت نواحيك العصاة وضقت عن ... من قام ينذر تارة ويبشِّر [956] يعقوب بن يوسف بن أبي العشائر بن أبي الفضل بن هبة الله، أبو يوسف ابن الانباريَّ من أهل حلب مولداً ومنشأ. شاعر متأدَّب فاصل، ذو معرفة بالأدب والعربيَّة، كثير الشعر، جيد المقاصد، حسن الأسلوب. يقصد بأشعاره الملوك والأماثل من الناس، ويكتب خطًا مليحًا رائقًا، وعلى خاطره قطعة صالحة من الأخبار والحكايات. واتصل بالملك الأمجد مجد الدين أبي

المظفَّر بهرام شاه بن فرّوخ شاه بن شهنشاه بن أيوب بن شاذي – صاحب بعلبك – وكان قريبًا منه وحظي لديه، وصار أحد شعرائه وندمائه فحين اننتزعت منه بعلبك تجَّول يعقوب في بلاد الشام يرتزق المتموّلين منها وأرباب الثروة بأشعاره. ثم انقطع إلى الأمير موسى بن المجلّى الكرديّ، وصحبه مدَّة من الزمان؛ ثم فارقه ونزل حلب فرأيته بها شابًا أشقر قصيرًا فيه دمائة أخلاق وكياسة وحسن عشرة، يتشيع ويميل /103 ب/ إلى محبَّة أهل البيت – صلوات الله عليهم وسلامه. وأنشدني كثيرًا من شعره، وكتب لي منه كراسةً بخطّ يده؛ إلاَّ أنَّني فقدتها وعدمتها، ولم يبق عندي من شعره شيء إلاَّ ما أنا ذاكره – إن شاء الله تعالى – وأخبرني أنَّه ولد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. ومما أنشدني لنفسه يمدح الملك الأمجد – صاحب بعلبك: [من المنسرح] سالمه بعد حربه الحرب ... وعاودته الههوم والكرب فتًى كساه غرامه وصبًا ... فهو معنًّى بلبسه وصب وشنَّ غاراته السُّهاد على ... أجفانه فالرُّقاد منتهب رمته قوس النَّوى بمصمية ... لا نبعة عودها ولا غرب فأحكمت في صميم مهجته ... شقّاً من الوجد ليس ينشعب أحبابنا هل لحبل ألفتنا ... وصل فقد راح وهو منقضب فأنتم فالدِّيار لا أمم ... بعد تنائيكم ولا صقب ياربَّ ليل سهرته ومحَّـ ... الصُّبح عنِّي كالخطِّ محتجب /104 أ/ كأنَّ لي عند نجمه عدةّ يمطلني كونها وأرتقب همَّت بقلبي الهموم تنزعه ... بل كربت أن تميتني الكرب فتارة ناظري يريق دمًا ... وتارةً بالدُّموع ينسكب حتَّى بدت غرَّة الصَّباح كنصـ ... ل الهنداويِّ حين ينتصب أو كمحيَّا السُّلطان لا سَّيما إَّبـ ... ان يرضى وساعة يهب الملك الأمجد الَّذي أثنت الـ ... عجم عليه وثنَّت العرب سحاب جود فيه السَّلامة والـ حتف وطيب الحياة والعطب

إذا همى فاللُّجين والّلؤلؤ الرَّ ... طب جنى راحتيه والذَّهب بدرِّه ينعش الألى بعدوا ... ودرِّه يشرف الألى قربوا يعتزُّ للجود والسَّماح كما ... تهتزُّ عند الكريهة القضب زيَّن أقواله الفعال كمأ ... زيَّن كأس المدامة الحبب طود حجى لن يحلَّ حبوته ... يومًا إذا حلَّ عنده الغضب سيب ندًى ماء ورده شبم ... عذب وسيف ماضي الشَّبا ذرب يسري له كلَّ يوم ملحمة ... جيش لهام وجحفل لجب /104 ب/ يثني عليه البيض المكلَّل والـ ... بيض وسمر الرِّماح واليلب همَّته الدَّارعون في الرَّوع لا الأ ... دراع والسَّالبون لا السَّلب والضَّرب يوم الهياج بغيته ... بل دونه في اللَّذاذة الضَّرب من معشر لم يكن له بسوى السُّؤ ... دد لا عادة ولا درب إن خطبوا أخر سوا وإن وهبوا ... أغنوا وإن غالبوا الردَّى غلبوا أو طلبوا أدركوا الطَّلاب على ... أنَّهم يعجزون إن طلبوا تشبُّ نار القرى إذا نزلوا ... ونار يوم الوغى إذا ركبوا يا أبن المعز اعتصمت مذ طفقت ... بعرق عظمي بنانها النُّوب وإنَّني فيه دائمًا وله ... مرتقب تارة ومرتغب فهو ملاذ لنا نلوذ به ... من كلِّ خطب ومعقل أشب وكنز وجد نغنى به أبداً ... من كلِّ عدم ووالد حدب له إذا عدت العلا رتبُّ ... تقصر عن أن تطولها رتب ودرُّ نظم يعيد منتثر الدُّ ... رِّ على القسر هو مخشلب والنَّسب الواضح الَّذي كشف الـ غطاء عنَّا العطاء والنَّشب /105 أ/ قد ضرب المجد والعلاء له ... بيتًا بكيوان ماله طنب فالجود إلا من كفِّه بخل ... والصِّدق إلاَّ في وصفه كذب

يا ملكًا لم يكن لتحجبه ... عن مستجبر بباسه الحجب ومن إذا جاد يوم مسغبة ... ضنَّت حياء بجودها السُّحب بشراك يا منتهى النُّفوس فقد ... وافاك بالسُّعد وافدًا رجب جاذبه شوقه إليك فلـ ... مَّا أن رآك أستفرزَّه الطَّرب وقال عجبًا منه ومقوله ... إذا تمعنَّته هو العجب عش يا مليك الزَّمان في دعة ... فليس للعيش عنك منقلب وانشدني لنفسه ما كتبه إلى الشريف ابن الزاهد الشاعر البغدادي العلويّ: [من المتقارب] إلا أيُّها السَّيِّد الفاطميُّ ... ومن هو مفتخر بالحسين ومن صيَّرته أفاعيله ... وآباؤه ثالث الفرقدين ومن بهدى قوله نهتدي ... هدايتنا بسنى النَّيرين /105 ب/ لك الله من ناظم ناثر ... عقود النُّهى وعقود اللُّجين منزُّهة كل شيء حوت ... بها الزَّين في النَّاس عن كلِّ شين ملأن يدي بالنَّوال العميم ... وشنَّفت سمعي وأقررت عيني وقد كنت أذنبت من قبلها ... فجازيتني منك بالحسنيين أبت لك أنسابك الحاليا ... ت إلاَّ التَّفضُّل في الحالتين وأنِّي أمرؤ قبلتي في الولاء ... أبوك المصِّلي إلى القبلتين فتى كان في بدر بدر الهياج ... ومبدي حنين النِّسا في حنين ففي هذه هو لي جنَّة ... وفي تلك أرجو به الجنَّتين ونقلت من خطّه قوله يمدح بعض الأكابر: [من المنسرح] من لسليب الرُّقاد منهبه ... واري زناد الفؤاد ملتهبه ممتدِّ ظلِّ الغرام وارفه ... منبتِّ حبل السُّلوِّ منقضبه كان سليمًا فمذ عرضت له ... أسلمه شجوه إلى شجبه وبارزت صبره صبابته ... فلم يكن همُّه سوى هربه /106 أ/ وشادن خدُّه تألَّف من ... ضدَّين من مائه ومن لهبه ينأى ويدنو فحالتي أبدًا ... في نأيه حالتي وفي كثبه

ماس وماجت أردافه فرأيت الغصن لينًا يميس في كثبه وأفترَّ عن ثغره الشَّتيت كما ... يفترُّ كأس الرَّحيق عن حببه إذا لماه أرتشفته سحرًا ... وجدت برد الضَّريب في ضربه ومهمه جبته وقد هرب اللَّيل وجاء الصَّباح في طلبه بذي سبيب فاز أمرؤ جعل الأسباب موصولةً إلى سببه كالصَّقر كالحوت كالغزالة في ... جريتها كالغزال في خببه قربني من فتى مخيلته ... تبين صدق الرَّجاء من كذبه ذاك الشِّهاب الَّذي بطلعته ... تغنيك في اللَّيل عن سنى شهبه أسمح من حاتم وأفصح إذ ... يغرب من يعرب ومن عربه وقل لمن رأم أن يساجله ... يملأ سجل العًلا إلى كربه لا بن نقًا راحه محلِّقة ... في الجود ألَّا تبقي على نشبه يمِّممه يا طالبًا فوائده ... فجوده مطلب لمطَّلبه /106 ب/ يعطيك ما لا تكاد تأمله الأنفس من ورقه ومن ذهبه كلُّ كريم وإن تقدَّمه ... فإنَّه واطيء على عقبه كالبحر في الرِّي ماله أثر ... وإنَّما الرِّي في حيا سحبه القائل القول من لطافته ... يكاد يشفي المريض من وصبه تفيض سود الخطوب منه وقد ... يسودُّ وجه البليغ من خطبه يرهب أقلامه فتغنيه يوم الرَّوع عن سمره وعن قضبه تمجُّ أري الصُّديق ساعة ما ... يرضى وشري العدوِّ في غضبه والله ما تفعل الكتائب ما ... تفعله المحكمات من كتبه كم عاطب اوجبت سلامته ... وكم سليم ألقته في عطبه يا قاسمًا حيث كان نائله ... بين صعود الورى إلى صببه عطفًا على عبدك الَّذي نسخت ... راحته بالكثير من تعبه وهو كما قد علمته رجل ... أقر أحساءه على سغبه

وداده خالص وليس الوداد المحض في ذوقه كمؤتشبه وافاك مستشفعًا بحيدرة ... وبالحماة الكماة من نخبه /107 أ/ ومن يكون الوصيُّ شافعه ... فهو جدير بحسن منقلبه ونقلت من خطه قوله ما كتبه إلى بعض الكبراء: [من مجزوء الكامل] قل للفتى النَّجم الَّذي ... تعنو له شمس الظَّهيره ومن أغتدت عيني به ... وبما يعانيه قريره ومن أغتدى لمؤمِّلي ... معروفه نعم الذَّخيره يا مخجلًا في النَّظم أخـ ... طله وفضَّاحًا جريره أنت الَّذي فخرت به ... شوس القبيلة والعشيره مولاي هل لك في أصطناعي ... من يد النُّوب المغيره وترى وأنت ميسِّر ... عسري بمسعدة يسيره ومفرِّج عنِّي من الـ ... كرب الصّغيرة والكبيرة فلقد علمت بأنَّه ... لم يخف من تغدو ظهيره وكذاك لا يروى أمرؤ ... روَّته ديمتك الغزيره وأنا الَّذي فيك أستوت ... منه السَّريرة والجهيره /107 ب/ أثني عليك بما عملـ ... ت من الصِّفات المستنيره لا كالَّذي أنقذته ... من غمرة البؤس المبيره فطوى وقد أظهرته ... فينا على ذحل ضميره وجرى وقد أجريت ما ... ء الرُّوح فيه إلى الجزيره فأنظر إلىَّ بعين من ... هو فاقد فينا نظيره لا خاب من يرجوك بل ... لا خاف من تمسي نصيره

ذكر من اسمه يعيش

/108 أ/ ذكر من اسمه يعيش [957] يعيش بن علِّي بن يعيش بن محمَّد بن أبي السَّرايا بن علِّي بن المفضَّل بن يحي أبن القاضي حيّان الفرَّاء، أبو البقاء الموصلي أصلًا، الحلبيُّ مولدًا. المعروف والده بالصائغ، الأديب الإمام النحويُّ الفاضل. أخذ علم النحو والعربية عن أبي السخاء فتيان الحلبي، وأبي العباس البيزوزي المغربي، وسمع الحديث النبوي بالموصل إلى الخطيب أبي الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن الطوسي، وعلى أبي محمد عبد الله بن محمد بن سويدة التكريتي. وكان شيخ حلب في النحو والعربية، وإليه المرجوع في ذلك وله تصانيف في النحو تشهد بفضله منها كتاب شرح فيه تصريف الملوكي صنعة أبي الفتح بن جني،

وأتى فيه بما لم يسبق إليه من تقريب مسائل التصريف وتهذيب قوانينه، وشرح كتاب المفصَّل لأبي القاسم الزمخشري، وأتى فيه بالعجب من كشف غوامضه وإيضاح مشكلاته، وقرئ عليو وكتب به /108 ب/ نسخ كثيرة. وكان من المشايخ الظراف، وحسنات الزمان لطفًا وكياسة، وسهولة أخلاق ودماثة، حسن الدُّعابة، طيب الفكاهة مليح المجالسة، صاحب نوادر مستطرفة. وكان اجتماعي بالشيخ أبي البقاء بحلب في سنة أربع وثلاثين وستمائة في ربيع الآخر، وسألته عن ولادته، فقال: في شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. وتوفي بها يوم الأربعاء ثالث وعشرين جمادي الأولى سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ودفن بمقام إبراهيم – عليه السلام – قبلي المدينة تغمده الله برحمته ورضوانه إنَّه جواد كريم. وكان يقول أشعارًا قريبة الأمر. أنشدني منها ما كتبه إلى الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب – رحمه الله تعالى – في التاريخ المذكور: [من البسيط] يا أيَّها الملك الميمون طائره ... ومن سحاب نداه الدَّهر هطَّال ومن صوارمه في كلِّ معركة ... جوازم وطلى أعداه أفعال /109 أ/ مازال يعسفني دهر حوادثه ... حول لأهل النُّهى والفضل تغتال حتَّى أنضويت إلى أحشاء برِّك بي ... لمَّا ظلمت ولمَّا حال الحال وقلت من حيث آمالي مهاجرة ... إليك يا من له فضل وإفضال (لي حرمة الضَّيف والجار القديم ومن ... أتاكم وكهول الحيِّ أطفال) هذا البيت مضمَّن. وأنشدني أيضًا – من لفظه وحفظه – لنفسه يمدح الملك العزيز محمد بن غازي ابن يوسف – رحمه الله تعالى: [من الكامل] بعث الإله لنا رسولي رحمة ... بشريعتين محمَّداً ومحمَّدا

فمحمَّد شرع الشَّرائع للورى ... ومحمَّد شرع المكارم والنَّدى [958] يعيش بن موسى بن يعيش بن أبي طاهر، أبو البقاء القونسُّي. ينسب إلى القونسيَّة، وهي قرية مشهورة من قرى الموصل الغربيَّة وهي عنها بسبعة فراسخ. كان رجلاً ينتمي إلى معرفة النحو والأدب /109 ب/ يفيد الناس واشتغل عليه جماعة، ولم يكن عنده طائل من علم العربية، وكان ينظم الأبيات اليسيرة من الشعر. أنشدني الفصيح أبو بكر بن أبي النجم الجزري الشاعر بالموصل في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، قال: أنشدني أبو البقاء يعيش بن موسى القونسي لنفسه ملغزًا في شخص أسمه إقبال: [من الكامل] ما أسم إذا وافاك صرت منعَّمًا ... مهما بقيت وعكسه نفي البقا ومتى تصحَّفه تجد أسماء من ... نالوا العلا وبهم تنال الإرتقا وأنشدنى أبو حامد عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن الزهري الموصلي بها – رحمه الله تعالى – قال: أنشدني أبو البقاء يعيش بن موسى بن يعيش القونسي الموصلي بها لنفسه يلغز باسم: [من مخلّع البسيط] /110 أ/ ما اسم إذا ما حذفت منه ... أوَّله حذف حرف جرِّ ولو بقي منه فرد حرف ... دلَّ عليه بغير نكر وأنشدني الخطيب أبو النجاء سالم بن عمر بن سالم بن رافع الموصلي بها، قال: أنشدني أبو البقاء لنفسه في القاضي بهاء الدين بن الشهرزوري: [من الطويل] ألا إنَّ آل الشَّهرزوريِّ أصبحوا ... سراة الورى في الاعتبار لدى العدِّ فلو صوِّروا عقدًا لجيد زمانهم ... لكان بهاء الدِّين واسطة العقد وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني يعيش بن موسى القونسي لنفسه ما كتبه إلى شرف الدين بن الصلاح مدرس الحنفيَّة: [من الكامل]

قد كنت أرجو نائل الشَّرف ... فنواله شرف على شرف من بعد مطل حاز معتمدًا ... فيه مدى الإسراف والسَّرف /110 ب/ فجنى عليَّ جناية أنا من ... ذاك النَّكال على شفا جرف وأنتاش منديلًا تجلِّلني ... بقبالة الحمَّام في السُّدف كانت تقي جسدي الهواء ألا ... إنَّ الهواء مظنَّة التَّلف

ذكر من اسمه يوسف

/111 أ/ ... ذكر من اسمه يوسف [959] يوسف بن إبراهيم بن مروان الماردينيُّ، أبو المحاسن. أصله من رأس عين. كان كثير في المديح. وكان يكتب بحرّان في حلقة البيع. أنشدني من شعره، الشريف أبو نصر محمد بن أبي طاهر بن شجاع الهاشمي البغدادي بها في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، قال: أنشدني أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم المارديني لنفسه يمدح الملك الأشرف مظفَّر الدين موسى بن أبي بكر بن أيوب - رحمه الله تعالى: [من الخفيف] يا مليكًا له الزَّمان غلام ... وبكفَّيك يستدرُّ الغمام وبإشراق وجهك الحسن الطلـ ... ـق على المعتفى يضيء الظلال وإذا أجدبت نفوس كرام ... أخصبت منك همة واهتمام أنت من خصه الإله بنفس ... لا تسامى ورتبة لا ترام فلعطف العلاء منك اهتزاز ... ولعقد العطاء منك انتظام ولخصر الوقار منك نطاق ... ولثغر الفخار منك ابتسام وأرى الرأي والرواية شيخ ... ولدى الحرب والخصام غلام وإلى غاية العلا متناه ... وعلى حومة الوغى مقدام ملك أشرف لدى الدين يقظا ... ن وقد كان عنه قوم نيام ومليك الدنيا وإن ضر قومًا ... فإليك الإرضاء والإرغام فيك نور يهدي به الله من شا ... ء ونار يصلى بها أقوام إنَّ من أمَّه رضاك سعيد ... وشقيٌّ من عمَّه الإنتقام آية الله لا تماريَّ فيها ... راية منك تعتلي وتقام

وقال من قصيدة أولها: [من الكامل] من نون حاجبه ولام عذاره ... إقدام مغريه على اعذاره خطَّت أنامل حسنه في خدَّه ... سطرًا فكان الورد من إصداره مضمونه يا معشر العشَّاق قد ... جارت أوامر حسنه في جاره يا حاجب السُّقم المعان بناظر ... في الصَّب أجر السُّقم في أنظاره يا للعجائب كيف يسلم عاشق ... من لحظه السَّحَّار في أسحاره أم كيف يجمع مع مضارب لحظه ... ظلمًا لواحظه إلى تيَّاره /112 أ/ ظبي من الأتراك من أعطافه ... لدن يجيد الطَّعن في نظَّاره قد كنت بالإسلام مغرى قبل أن ... يجلو عليَّ الخصر في زنَّار وكذاك من قبل أرتشاف مقبَّل ... من ريقه أستعففت من خمَّاره صبًّا بكوثر ريقه في جنَّة ... لولا تضرُّم خدَّه من ناره ما زال يردف خصره من ردفه ... بالجيش حتَّى صرت من أنصاره يا حبَّذا لثم اللِّثام إذا بدا ... والبدر يشرق من سنى أزراره حيث المجرَّة جدول تجري بما ... يلقيه غصن الأفق من أنهاره والنُّور من زهر الكواكب ناظم ... كفَّا م المرِّيخ سبك سواره وبنات نعش في الظَّلام إلى الدُّجى ... واش بضوء الصُّبح في إسفاره وقال من أخرى: [من الطويل] ألَّية برِّ صادق غير حانث ... بغير المثاني لم أدن والمثالث وناي وراح من يدي مخطف الحشًا ... كبدر تجلَّى تحت فرع جثاجث قنعت من الدنيا بكأس وشادن ... وندمان صدق للمسرَّة ثالث يدير شموسًا كفُّه مشرق لها ... تغيب بأفواه النَّدامى المواكث /112 ب/ فكأس مدامٍ عتَّقت قبل آدمٍ ... وكأس لحاظ ساحرات نوافث وقال أيضًا: [من البسيط]

ما ضرَّ ذا الخال لمَّا فاق معناه ... لو بات من صدِّه خال معنَّاه أو أنَّه أمر الطَّيف المزاور أن ... يزور مضجعه لمَّا تجافاه عساه يرثي له ممَّا يكابده ... من الغرام إذا ما اللَّيل يغشاه يا ويح من ضمِّنت نارًا حشاشته ... تصعَّدت فهمت للعين أمواه فكيف يطفي غليل من عليل جوى ... ظبا عيون الظِّباء العين أضناه بان الخليط بصبر المستهام ضحى ... فجدَّ بي الوجد لمَّا جدَّ مسراه فظلت أندبه والدَّمع منهمل ... حتَّى لقد كاد أن تطفو مطاياه فمن لمرغوب بين قلَّ ناصره ... وصبره إذا تجافاه أحبَّاه صبّ تمَّنى بأن يقضى له وطر ... منهم فلم يقض يومًا ما تمنَّاه وقال أيضًا: [من الخفيف] إنَّ خيرًا من قهوة ونديم ... حكمة أستفيدها من حكيم ثمَّ أنهى من أتِّباع المعاصي ... طلب العلم من ذوات العلوم /113 أ/ ليس سجع القيان مع نغمة المـ ... طرب في حندس الظَّلام البهيم كسماع القرآن من منطق عذ ... ب وتسبيحه لربّ رحيم فذر الخم والخمار فما الشُّر ... ب مع الشَّرب في ظلال الكروم كجلوس مع عالم مستفيدًا ... نوره ساطع لدى التَّعليم فتجنَّب معاصي الله في دا ... ر غرور جاءت بعيش ذميم لا تكن واثقًا إليها فكم قد ... أوثقت واثقًا بخطب جسيم كدرَّت صفو عيش آدم في المبـ ... دا فمبدا عنادها من قديم غرَّبت نوح في البلاد فكم كا ... بد بعد اهتمامه من هموم عاش فيها أيُّوب ما بين صبر ... غير خاف وبين جسم سقيم وهي أودت بصبر داود لمَّا ... فتنته بفعلها المذموم فغدا باكيًا يروَّي سهول الأ ... رض من فيض دمعه المسجوم وقال يمدح الرئيس صفي الدين إسماعيل بن أبي القاسم الحلبي: [من الخفيف] حال عن عهده ومال الملول ... حين [أصغى] لما يقول العذول /113 ب/ من به في الهوى يزيد غرامي ... دون تقصيره ووجدي يطول

قمر يخجل البدور بوجه ... غير ما حسنه الغريب أفول جلَّ عن وصف من يقول بما فيـ ... هـ وحار التَّشبيه والتَّمثيل ورشيق القوام أربى على الغصـ ... ن وطال القضيب وهو طويل هزَّ لمَّا أنثنى على لين عطفيـ ... هـ قوامًا لا يعتريه ذبول رشا يألف القلوب محلَّا ... وهو من عرف طبعه مستحيل بتُّ أسقى من كفَّه لون خدَّيـ ... هـ وعاثت شمائل وشمول من ساف كأنَّها في دجى اللَّيـ ... لمن ضلَّ في الدُّجى قنديل بنت كرم تهوى الكرام اختيارًا ... عندما ذمَّ في الزَّمان البخيل لطفت فهي كالهواء ورقَّت ... فهي كالماء لا بل السَّلسبيل قهوة عتِّقت ببابل والدَّهـ ... ر سوى بابل بها مشغول لبست في الزَّمان حلية لون ... فهو من طول عمرها لا يحول فكأن قد أعارها اللُّطف والعر ... ف صفيُّ الدِّين الفتى أسماعيل ذو العطايا الجسام من أبي القاسم صدر في الدَّست منه جليل /114 أ/ من به في الزَّمان تفتخر الشَّهـ ... با وتسمو شبَّانها والكهول صاحب الهمَّة الَّتي تسبق الوهـ ... م بعزم لا يطَّبيه فلول ليس من يقتني النَّفيس من الدُّ ... رِّ كمن ليس عنده تحصيل يا رئيسًا أضحى به الأمر يزهو ... من سنى وجهه الَّذي لا يزول طلت فينا كطول والدك الما ... ضي ويبقى لك البقاء الطُّويل لك في الوصف ما يجلُّ عن الوصـ ... ف ولا تهتدي إليه العقول وسماح أزرى بمنسكب الغيـ ... ث وقد سأل عن نداه السُّيول

[960] يوسف بن إبراهيم بن نصر بن عسكر بن نصر بن عسكر، أبو العزِّ بن أبي إسحاب الموصلي. وأبوه قاضي السلاميّة، وقد مرَّ شعره في موضعه. وابنه هذا كان قد قرأ طرفًا جيدًا من الفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه – بالموصل بالمدرسة النورية التي أنشأها أتابك نور الدين أبو الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود. وتأدّب وكان له دراسة وفهم، يقول أشعاراً. رأيته غير مرة /114 ب/ واقتضيته شيئًا من شعره، فلم يقدر أن اكتسب عنه شيئًا منه، وسافر إلى آمد واستوطنها إلى أن توفى بها. وكان شابًا حسنًا ذا قريحة سمحة، وخاطر موات في النظم. أنشدني أبو الفتح مسعود بن مودود الضرير الكرخيني، قال: أنشدني يوسف بن إبراهيم بن نصر بن عسكر يمدح بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله – صاحب الموصل: [من الكامل] ظعن الأحبَّة منجدين وساورا ... وسرت بقلبي والفؤاد نوار وبقيت مختطف الفؤاد متَّيما ... فالقلب يخفق والدُّموع غزار لا يستقرُّ بي القرار فمنجد ... إن أنجدوا ومغوَّر إن غاروا لا تنكرنَّ لي الوقوف بربعهم ... لولا الأحبَّة لم تشقني الدَّار ومنها قوله: يا من أعار قوامه غصن النَّقا ... هيفًا ودون جبينه الأقمار كيف استبحت القتل وهو محرَّم ... أنسيت ما صدعت به الأخبار فأجابني في حكم أرباب الهوى ... قتل المحب على الحبيب جبار

/115 أ/ ومنها في المديح: قيل إذا عقد الحبى وسميدع ... إن شبَّ للحرب العوان شرار وإذا تناوله الكماة بمأزق ... فطوال أعمار الكماة قصار كلف بتشتيت الُّلهي فكأنَّما ... يوم العطاء له عليه ثار ومن شعره أيضًا ما كتبه إلى بعض أصدقائه إلى إربل: [من الطويل] ترى إن سألت الرَّيح حمل تحيَّتي ... إلى إربل الغراَّء تحملها عنَّي فما حنَّ مشتقاق إلى طيب منزل ... حنيني إلى الغرَّاء كلاَّ ولا حزني سررت بلقياه فعاد فراقه ... عليَّ بأضعاف السُّرور من الحزن ومنها: فليت المطايا سرن بي عنه سرن بي ... إليه ولو كان المسير على جنفي [961] يوسف بن أحمد بن يوسف بن الأزرق، أبو العزِّ الفارقيُّ الأصمُّ كانت ولادته في اليوم الثالث من جمادى الأول وهو يوم السبت سنة سبع وسبعين وخمسمائة /115 ب/ كان هذا الرجل من أشهر بيت بميّافارقين وأقدمه. ومن عجيب شأنه أنُّه كان على أشدّ ما يكون من الصمم؛ وحكي لي أنه كان مع صممه ذكيًا بصيرًا، شديد التيقظ، مفرط الفطنة، أعطاه الله فهمًا دراكًا، وخاطرًا وقّادًا، وفطرةً سليمة. وإذا أراد إنسان منه حاجةً أوامرًا ما يروم بذلك تعريفه كتب له في الهواء فيدركه سريعًا بلا توقف، أو يشير إليه ويحرك له شفتيه فيفهم المعنى المراد به والغرض المطلوب بأدنى إشارة وأيسر إيماء. وله مع ذلك شعره؛ وهو القائل يمدح المولى الصاحب الوزير العالم الكبير مؤيد الدين أبا نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الشيبانيّ – أدام الله سعادته وبلَّغه أمنيته بمحمد وآله وصحبه أجمعين: [من الكامل]

إنَّ الوزارة مذ رأت أحوالها ... جلَّت ولم تر حاملًا أثقالها كلَّا ولا ذا عزمة مرهوبة ... بالعدل والإحسان يصلح حالها نهضت تروم لها كريمًا ماجدًا ... شهمًا تمدُّ على علاه ظلالها حتَّى إذا علمت بأنَّك صاحبًا ... كفئًا تزيد سموَّها وجلالها /116 أ/ خطبتك من حلب فلم تك راغبًا ... فيها ولا متطلِّبًا أمثالها وأتتك طالبةً وصالك بعد ما ... منعت جميع الطَّالبين وصالها فمنحتها بالوصل منك لأنَّها ... جعلت إليك رجوعها ومالها ونهضت نهضة ماجد تسمو به ... همم سواه من الورى ما نالها وقصدت ميَّا فارقين فقابلت ... بك عندما قابلتها إقبالها وتفرَّقت عنها المطامع من جميـ ... ع الطالبين وفارقت أطلالها وحللتها فاستبشرت بعلاك بل ... عمَّ السُّرور نساءها ورجالها وكففت عنها كلَّ كفِّ لم تزل ... بالجور تكنف دائمًا أموالها وظفرت من رأي المظفَّر بالَّذي ... ترك الممالك قد ملكت عقالها فحرست دولته البعيدة عندما ... رفعت إليه واشتكت أحوالها فغدا إليك مفوِّضا أسبابها ... وأقالها من خامل وأذالها فتجمَّلت بعلاك بل جمَّلتها ... يا أوحد الدُّنيا وزدت جمالها وحميت حوزتها وقمت أمامها ... ويمينها ووراءها وشمالها بعزائم تمضي إذا امضيتها الأ ... قدار تتبع أمرها ومقالها /116 ب/ أمؤيّد الدّين الَّذي قد أيَّد الله البلاد به وأسعد فالها يا سِّيد الوزراء إبراهيم يا ... من عن فعال الخير يوما ما لها يا صاحبًا نال الوزارة عندما ... عزَّت ولم ينل الرِّجال منالها لله أنت إذا الحوادث أقبلت ... نحو الوزير وزلزلت زلزالها من صاحب يجلو دجى الجلَّى إذا ... جلَّت ويهدي رأيه جهَّالها يا نجل يوسف الَّذي حاز العلا .... بمناقب أحد سواه مالها أنت الَّذي لك في الأنام عوارف ... وصنائع جحد الزَّمان فعالها ولك اليراع يروع أفئدة العدا ... فرقًا بأن يدني لها آجالها

إن جال فوق الطَّرس أرجف بالعدا ... جولانه يومًا وسدَّ مجالها فلكم بكبتك قد كبتَّ كتائبًا ... وهزمت منها في الوغى أبطالها أرسلت إذ أرسلت رأيك نحوها ... آجالها إن شئت أو آمالها وتركت بالآراء غلب أسودها ... لم تستطع فرقًا ترى أشبالها فتفرَّقت بعزائم لك قصَّرت ... من عزِّها بل طوَّلت إذلالها تلك الصفِّات الغرُّ فيك أعيذها ... بالله يومًا أن يتمَّ كمالها /117 أ/ يا صاحبًا عمَّ الورى بمكارم ... منه تسابق دائمًا سؤَّالها إن أصبحت حلب وأدمع أهلهاً ... محلوبة لمَّا أعتمدت ملالها فجهات ميَّافارقين مضيئة ... قد أشرقت بك مذ وصلت حبالها فاسعد بها وأسمع معان لم يطق ... في الدَّهر ينظر شاعر أشكالها من قائل أقواله مشهورة ... عند الأفاضل غيره ما قالها بجنانه سحبان بل بلسانه ... لكنانا يمنع ثقله إرسالها قد جاء معتذرًا من التَّأخير والـ ... تَّقصير يرجو منك ستر خلالها ويقول ما صدر الزامان ومن عصت ... أحلاقه في جوده عذَّالها لا تنظرن لبسي فإنَّ عصابة الـ ... فضلاء قد رضيت لها أسمالها وأنظر إلى فضلي فكم من أسرة ... للفضل قد حسن الورى أفضالها وأفتضَّها منِّي مخدًّرة أتت ... علياك لم يبصر سواك خيالها فأسمع معانيها بوجه مقبل ... وأقبل عليها وأعتبر أمثالها وأفتح بجود يديك لي سبل الغنى ... عجلًا وكسَّر بالنًّدى أقفالها وأستجل من غرر المدائح حرَّة ... كالشَّمس تكسف بدرها وهلالها /117 ب/ وأسلم ودم في دولة أبدًا على ... كيوان يسحب دائمًا أذيالها لا زلت صبّاً بالمعالي ما صبا ... صبٌّ بذات صبًا تزيد دلالها

[962] يوسف بن أحمد بن عليِّ بن أحمد بن عليِّ بن عبد المنعم بن هبل، أبو الفتح بن أبي العباس الموصلي المولد والمنشأ، البغداديُّ الأصل، المعروف جدُّه بالحكيم الخلاطِّي. وقد مرَّ شعر أبيه وشعر جدِّه متقِّدما من الكتاب. وهم من بيت معروف بالطبّ وأبو الفتح هذا أتقن طرفًا من علم الحكمة والطبّ وتميز في ذلك. وكان فيه ذكاء وله قريحة صالحة في نظم الشعر، ويقول منه المقطعات. ثم إنَّه كان من ذوي الطبقات العالية في لعب الشطرنج المبِّرزين. وكان شابًا كيِّساً حسنًا لطيفًا، سكن بلاد الروم مدَّة من الزمان، ولم يزل بها مقيمًا إلى أن توفي ِّ رحمه الله تعالى. ومما أنشدني لنفسه بالموصل بمنزله بسكّة أبي نجيح: [من الكامل] لمَّا بدا الشَّعر المضلُّ بخدِّه ... وأزال رونق وجهه وجماله /118 أ/ كتب العذار على صحيفة خدِّه ... هذا جزاء صدوده وفعاله وأنشدني أيضًا لنفسه إملاءً: [من البسيط] لي همَّة فوق أعلى النَّجم منزلها ... وفكرة حار فيها من يدانيها إن كان يسعدني دهري بخدمتها ... فسوف أوضح شيئًا من معانيها [963] يوسف بن إسماعيل بن عبد الجبّار بن أبي الحجَّاج يوسف بن عبد الجبّار بن شبل بن عليِّ الصُّويتي ِّ وصويت

فخذ من اليمن أبو الحجّاج بن أبي الطاهر المقدسيُّ، الأصل المصريُّ المولد والمنشأ. كان والده عارض الجيش في ديوان الملك الناصر صلاح الدين أبي المظّفر يوسف بن أيوب بن شاذي – رضي الله عنه – وكذلك جدُّه أبو الحجَّاج. وكان من عقلاء الناس، ونبلاء الرجال وفضلائهم، له معرفة بالأدب والعربية واللغة وعلم التواريخ، وسير الناس وأيامهم، وذَّيل على كتاب "تاريخ اليمن" الذي ألَّفه عمارة اليمني، كتابًا سمَّاه: "البرق اليماني". وسافر /118 ب/ إلى بلاد اليمن، وأقام به مدة يعاشر علماءها ويخالطهم، ويقبض من فوائدهم. وحدّثني الأمير شرف الدين أبو حفص عمر بن أسعد بن عمّار الموصلي بها - أسعده الله تعالى – قال: حدَّثني أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل المصري، قال: بلغني أنَّ بعض المجان بزيد ضاع له خروف عند نزول العسكر بظاهرها فبكى عليه، وسألني بعض الأصحاب أن أقول فيه على لسانه شيئًا، فقلت هذه الأبيات: [من الوافر] بكيت على الخروف بكاء صب ... ومن لي أن أمتَّع بالخروف لهوت به قرير العين حينًا ... وصارمني ففارقني أليفي أرقِّصه فيعجبني خيالًا ... فيا لك من أبي عجب خفيف ألم أخضب شواك ولم أقصِّر ... ألم أجعلك يا سكني حريفي نشدتك في الخيام بجهد نفسي ... وأغليت الجعالة بالمشوف فلا خبر ولا أثر يداوي ... لهيب النَّار في القلب الضَّعيف وإنِّي واثق بالله ربي ... سيلطف بي ويرجع لي خروفي

[964] يوسف بن إسماعيل بن علِّي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم أبو المحاسن الحلبُّي المعروف بالشوَّاء. تأدَّب على أبي القاسم أحمد بن هبة الله بن الجبراني النحوي، واختلف إلى أبي الفتح مسعود بن أبي الفضل بن فطيس النقاش الحلبي الشاعر، وتخرّج عليه. ثم جاش خاطره بإنشاء القريض، ونظم منه شيئًا كثيرًا، وقصد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب – رضي الله عنه – مادحًا، وبعده ولده الملك الظاهر غازي؛ ثم الملك العزيز ولده. ولم يكن ممن يرتزق بشعره على عادة الشعراء؛ إلاَّ [أنه] يقوله تولعًا، وكانت نفسه ترفعه عن الاستجداء به والاستماحة. وكانت له عناية جيدة بعلم العروض ومعرفة تامة بأوزان الشعر؛ وكثيرًا ما يودع في أشعاره شيئًا من جنس ذلك. وكان شيعيًا مغاليًا في المذهب الإمامي، وهو شاعر مصقول الكلام منقوده، رقيق حواشي الشعر كيف ساء يقوده، من /119 ب/ أحسن شعراء وقته شعرًا، وأوفرهم أدبًا، وأغلاهم سعرًا، وأجودهم إبداعًا ورصفًا، وأكثرهم افتنانًا ووصفًا. شاهدته بحلب في سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ شيخًا كيسًا حسن اللقاء، وسألته

عن مولده، فقال: عمري إلى الآن إثنتان وسبعون سنة؛ فيكون تقدير ولادته سنة اثنتين وستين وخمسمائة. واستنشدته من شعره جملة وافرة، وكتبت عنه. وكانت وفاته يوم الجمعة تاسع عشر المحرم، ودفن من يومه بمقبرة باب أنطاكية غربي المدينة ظاهرها، وذلك في سنة خمس وثلاثين وستمائة – تغمده الله برحمته ورضوانه-. وديوان شعره في أربعة أجلاد يحتوي على عشرين ألف بيت، وصار إلى بعد موته كتاب من قيله قدر كراستين بخطّ يده لقبه "بخوض النبيه في روض التشبيه" جامع لفنون متعددة وضروب مختلفة في بدائع الأوصاف والتشبيهات، ووقع إلّى كتاب /120 أ/ من إنشائه ترجمه ب"رصف الجمان في وصف الغلمان" يحتوي على التغزل بالغلمان المبدعين حسنًا وظرفًا، ونعت صنائعهم وأحوالهم؛ وهو كتاب ممتع في فنِّه جدًا، وله كتاب آخر من نظمه عارض به الكتاب المقدم ذكره، عنونه بـ"النكت السَّواري في صفة الجواري". ومما أنشدني لنفسه في التاريخ المذكور: [من الكامل] لاح الصَّباح فغنَّت الأطيار ... وتمايلت طربًا لها الأشجار والبان مطلول الفروع كأنَّما ... في كلِّ غصن منه موسيقار وتنفَّست ريح الصَّبا فصبت لها ... روح الغدير فصفَّق التَّيار والأرض قد راض الرَّبيع شماسها ... وأزال فرط ذرارها آذار وتلفَّعت أطرافها بمطارف ... خضر تنمنم وشيها الأزهار والنَّهر أحوى الشَّاطئين كأنَّه ... خدٌّ أحاط بصفحتيه عذار قم يا نديم فقد بكى راووقنا ... ولنا بفرط قطوبها استبشار وتملَّها من قبل شبيك نعمةً ... فمع الشَّبيبة تحسن الأوزار /120 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه يصف الخمر: [من الخفيف] إسقني الرَّاح كلَّ يوم خميس ... بين مرد شمامس وقسوس من شمول بكأسها تجمع الشَّمـ ... ل وتنسيك كلَّ همٍّ وبوس

لو أطاقت نطقًا عزت صاحب الدَّيـ ... ر أبًا عن أب إلى إدريس عتِّقت في دنانها حقبًا حـ ... تَّى تلاشت إلَّا بقايا نفوس وصفت في إنائها فهي لا تد ... رك حسًّا كسائر المحسوس ياخليع العذار سلي عن الَّهـ ... ووهات أستمع بلا تدليس شرح علم في القصف لو كان فقها ... لتصدَّرت فيه للتدريس قد رويناه عن مشايخ ذا الفـ ... نِّ بإسنادهم إلى إبليس وأسقنيها على غنا جاثليق الدَّ ... ير من راحة أبنة القسيس فهي خود تجلُّ عن أن تقاس الـ ... يوم في حسنها إلى بلقيس قمرتني عقلي وقد رمقتني ... عن جفون دعج اللَّواحظ شوس حكمت فيَّ مثلما حكمت في الـ ... عقل بالجور سورة الخندريس في ندامى من النَّصارى إذا لا ... ح سناها خرُّوا لها كالمجوس /121 أ/ علَّقوا فوق دنِّها الصُّلب تعويـ ... ذاً وقد ألبسوه لبس القسوس فتراهم ليلاً يضجُّون بالتَّسـ ... بيح من حوله وبالتَّقديس حبسوه للخوف ان تقع العيـ ... ن عليه في رأس دير الحبيس فهو يصغي فيه لهينمة الرِّهـ ... بان ليلًا وضجَّة النَّاقوس كلَّما مات راهب غرفوا منـ ... هـ ورشُّوا عليه في النَّاووس لو رأى نارها وقد ضحكت ما ... بيننا عن حبابها في الكؤؤس خال كلاًّ منَّا عيشَّة لاحت ... ختناً قام لاجتلاء عروس إنَّني لم أبل وقد ملئت بالـ ... رَّاح كأسي إذا تفرَّغ كيسي وبديع الجمال اكسبني لـ ... مَّا جفا وحشة وكان أنيسي ليت دهراً أناه عن ناظري يد ... نيه منِّي حتَّى يبيت جليسي وأراه معانقي وعلينا ... شبه من مرَّكب التَّجنيس وأنشدني لنفسه: [من الطويل] أدرها علينا أيُّها اللَّيل أنجما ... تبيت على أيدي السُّقاة سواري تحلُّ أباريقًا تخال بوارقًا ... تلوح فتكسو اللَّيل ثوب نهار /121 ب/ وقد بسطت كفُّ الثُّريَّا كأنَّها ... بياض مشيب في سواد عذار

وقد نفخت ريح الصَّبا فحمة الدُّجى ... فأذكت من الإصباح جذوة نار وأنشدني لنفسه من قصيدة أوّلها: [من المنسرح] لو عاد طيف الحبيب أوزارا ... ما نال من عاشقيه أوزارا علقته طاوي الحشا رشأ ... يبيت من واصليه نفَّارا بناظر أودع الجمال به ... هاروت يسبي العقول سحَّارا ووجنة قد أتت بمعجزها ... فمازج الماء فوقها النَّارا لو عاين الغصن قدَّه لذوى ... ولو رأى البدر وجهه حارا فارقتني كارهًأ وخلَّفني ... أندب حزنًا لأجله الدَّارا لي بعده مهجة متيمة ... رقَّت فكادت تذوب تذكارا وأنشدني لنفسه: [من الوافر] لقد قلِّدت سيف الدِّين سيفًا ... قضى الَّا هوادة للهوادي أعدكَّما غياث الدِّين سيلًا ... وسيفًا للعطاء وللجهاد /122 أ/ فأنت لوصل أرزاق البرايا ... وذاك لقطع أعناق الأعادي وأنشدني لنفسه غزلًا: [من البسيط] لو أن ما فيك من عجب ومن تيه ... بالمزن شحَّت وما سحَّت غواديه أو أقتنى فتك عطفيك القنا أنتظمت ... من النُّجوم غواليها عواليه يا أيُّها الرَّشا الغادي بل الأسد الـ ... عادي بل القمر البادي لرائيه فات الظُّنون فقد دقَّت محاسنه ... عن أن تحدَّ بتكييف وتشبيه رفقًا بصبٍّ جفاك المرُّ ممرضه ... ووصلك الحول بعد الله شافيه يا صاحبيَّ سلاه عدل سيرته ... فينا فظلم الورى مزر بأهليه وأستطلقا منه لي وصلاً ولو شبحًا ... في رقدتي خطرات الوهم تهديه ولا تلوما فعين اللَّوم عذلكما ... فيه فحسب المعنَّى ما يعانيه ما بال أحمد يجفوني وأحمد ما ... في كامل الحسن ترك الحيف والتِّيه علقته أسمراً كالرُّمح عامله ... وخرصه طرفه السَّاجي وهاديه صعب التَّلاقي تلافي حلّ بغيته ... فالقرب يسخطه والبعد يرضيه

فالبدر من نوره والتَّم يشبهه .. والرمُّح في لونه واللِّين يحيكه /122 ب/ غصن إذا ما ثناه العجب تحسبه ... سكران عاطاه كأس الرَّاح ساقيه يرنو وفعل الحميَّا في لواحظه ... واللَّون في خدِّه والطَّعم في فيه تبارك الله ما أشهى تجنُّبه ... إلى القلوب ما أحلى تجنِّيه وأنشدني قوله في الغزل: [من الخفيف] وأنشدني قوله في الغزل: [من الخفيف] وغزال من عجبه نشر العتب ... سرورًا في طيِّهنَّ سرور لو جنى غضَّ ورد وجنته باللَّـ ... حظ غيري لغضَّ منه الغيور أرهفته الحمَّى فأصبح منها ... لونه وهو للنُّظار نظير لو تأمَّلتنا نحيفين مصفرَّ .... ين لم يدر أيُّنا المهجور وأنشدني له مثله: [من الكامل] ومهفهف عني الزَّمان بخدِّه ... فكساه ثوبي ليله ونهاره لا مهَّدت عذري ملاحة وجهه ... إن غضَّ عندي منه غضُّ عذاره وأنشدني أيضًا من شعره: [من الهزج] على خدَّيك للشَّعر ... شعار بهما يزري وتعذيرهما أوضح في هجرهما عذري /123 أ/ وغيري لهما أضحى ... كثير الحمد والشُّكر أحبُّ البدر في الظُّلمة لا الظُّلمة في البدر وأنشدني لنفسه في غلام ينظر في المرآة: [من الخفيف] وغرير يحكي الغزال بعينيـ ... هـ وخدَّاه بالغزالة تزري قابلته مرآته فأرتنا ... عين شمس إنسانها وجه بدر وأنشدني له في المعنى: [من مجزوء الرمل] قلت إذ لاح بمرآتـ ... ك لي مرآك سافر تلك إغفاءة صب ... زار فيها طيف هاجر

وأنشدني أيضًا قوله: [من الكامل] ناديت والنُّدماء تقصر خطوهم ... نشواتهم وتهزُّخهم أخواطا يا أيُّها الشَّادي تغنَّ فقد ونى ... في السَّير دور كؤوسنا وتباطا هي كالمطيِّ تكلُّ من طول السُّرى ... فيزيدها نغم الحداة نشاطا وأنشدني لنفسه: [من الطويل] /123 ب/ أرى حسناتي عند قومي مساوئًا ... كأن لم أشد أركان مجدهم وصفا ولم أك أسطاهم إذا حادث عرا ... وأعفاهم عن جرم جانيهم لطفا وأسمحهم في كلِّ مخمصة يدًا ... واشمخهم عن كلِّ منقصة أنفا عذرتهم لمَّا تعذَّر برُّهم ... وقلت: فقير الأهل أهل لأن يجفى فإن سبَّني منهم جهول فإنَّني ... سأثني عليه ما ثنى عطفه عطفا ولو نبذوني كالحصاة مهانة ... لكنت بهم منهم بأنفسهم احفى ولو نلت وفرًا وافرًا لجعلته ... على وفق ما يرضيهم أبدًا وقفا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف] لو تأمَّلت أيُّها الخلُّ مرئيَّـ ... ات هذا الورى بغير أختيار لرأيت البياض من أحسن الألـ ... وان إلاَّ في لمَّة وعذار وأنشدني لنفسه يهجو: [من الوافر] ألا يا أبن العبيد الأدعياء ... ويا أبن العاهرات من الإماء لك أست قد غدت في الماء ذلا ... وأنف راح كبرًا في السَّماء تركتك لا أعاتبك أحتقارًا ... لأنَّ العتب بين الأصفياء /124 أ: لإن أطرقت أعمل فيه فكري ... لأنتهكنَّ عرضك بالهجاء وأنشدني لنفسه: [من المجتث] لله قوم تساقوا ... من العظات عقارا شعت يبيتون صرعى ... خوف المعاد سكارى قد أحدث الخوف فيهم ... نحافة وأصفرارا لو أطَّلعت عليهم ... ولَّيت منهم فرارا

وأنشدني لنفسه يمدح السلطان الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي بن يوسف – رحمه الله تعالى: [من الخفيف] لمن النَّار بعد وهن تشبُّ ... دون سلع تلوح طوراً وتحبوا ذات برق يبدو وليس له ... إلاَّ جفوني إذا تألَّلق سحب لسانها والرِّيح وسنى بجسم الَّلـ ... يل بعد الفناء روح تدبُّ شيَّبت لمَّة الدُّجى حين شبَّت ... فاهتدى طارق وضلَّ محبُّ /124 ب/ وأشارت لمَّا أنارت بما يفـ ... همه كلَّ وامق فيه لبُّ طارحتني الأسى فخيِّيل لي أ ... نَّ سناها مثلي بعلوة صبُّ ما تعدَّت لمَّا تبدَّت وقد مدَّ ... ت قميص الدُّجى ظباها القضب بل أفادت طرفي بياناً بأطرا ... ف بنانا لها على البعد قرب فكأنَّ الظَّلام صدر مشوق ... واضطراب أضطرامها فيه قلب أتحفتني إذ أتحفتني بها ليـ ... لة أمس تثير وجدي فأصبو لسجايا الملك العزيز أنثنت تغـ ... ضي حياء نجومها وهي شهب ملك رصف وصف غرِّ معاليـ ... هـ أعتقادي ومدحه لي دأب ثابت الجأش إن تكلَّف نقع ... ثاقب الرَّأي إن تمكَّر خطب قضبه البيض رعَّف وقناه السُّـ ... مر صم ٌّ وخليه الكمت قبُّ إن أتى سائل فبرٌّ ولطف ... أو عتا صائل فطعن وضرب فهو للمكرمات خدن واللجو ... د حليف وللشجعة ترب وهو من أسرة نداهم تليد ... وطريف المجد إرث وكسب أيُّها الدَّهر ما لصرفك عندي ... بعد ما سرَّني بمرآه ذنب /125 أ/ قد سما يا غياثة بك دين ... بذباب الحسام عنه تذبُّ ذلُّ قهراً لحكم توحيده الشِّر ... ك فدان الباغي وهان الصَّعب أيُّ قطر من أرضه ما لفرسا ... نك فيه قتل وأسر ونهب أيُّها المالك العزيز غياث المِّد ... ين والماجد الجواد النَّدب لو عدا من عداك في الحكم باغ ... مستبدًا بفعل ما لا تحبُّ لثناه قهرًا لإرسال أبطًا ... لك رسل وللكتائب كتب

ولأمسى ومن عقارب حرما ... ن عواليك في عواليه لسب فأجلها شرقًا وغربًا فقد أصـ ... بح يخشى سطاك شرق وغرب فالعوالي ظمأى وجن من الخيـ ... ل إلى خوّة القتام الشُّهب مرحان تخال في الخال والوشـ ... ي رياضًا لها الذَّوابل قضب تتهادى تيهًا بكلِّ كميٍّ ... خدنه الرمُّح والحسام العضب طالما أحطم الرِّماح بصدر ... ليس في قلبه من الموت رعب كلَّما شام فتكه بالأعادي ... رمحه هزَّة لذلك عجب وأنثنوا للرماح في أجمات ... زأرت تحتها ضراغم غلب /125 ب/ أحدقوا في عدال خفضًا وجزمًا ... ولهم في علاك رفع ونصب ولئن كنت يا محمَّد للحمـ ... د نبَّيًا فأنت للمجد ربُّ ولئن حان ذا ويا روض حالي ... فلساني ببثَّ حمدك رطب فتمتَّع بالعيد وأنحر أعاديـ ... ك بماضي عزيمة ليس تنبو وابق في عزةَّ لك الدَّهر سلم ... واللَّيالي لمن يعاديك حرب ما أمال النُّعاس أجفان مغفٍ ... فالتقى في كراه بالهدب هدب وقال أيضًا: [من الكامل] قالوا: حبيبك قد تضوَّع نشره ... حتَّى غدا منه الفضاء معطرَّرا فأجبتهم والخال يعلو خدَّه ... أو ما ترون النَّار تحرق عنبرا وقال أيضًا: [من البسيط] وقائل: كيف أنت اليوم، قلت له ... أعوم في بحر همٍّ ماله شاطي ما بين عشق وإفلاس هما احتلبا ... دمعي كما أجتلبا ضرِّي وإسخاطي قلبي كصاحبة النِّحيين مشتغل ... والكفُّ أفرغ من حجَّام ساباط قوله: [من الطويل] /126 أ/ أقول لساقينا وقد مال سكره ... بجفنيه حتَّى حار بينهما الحور وللخمر جمر شبَّه الماء فانبرى ... يطير عليه من فواقعها شرر رويدك لا تلثم مراشف كأسها ... فما ينبغي للشمس أن تدرك القمر

وقال غزلًا: [من الخفيف] ته دلالاً فإنَّ ظلمك عدل ... كلُّ صعب سوى فراقك سهل وتأمَّل حالي تجده عجيبًا ... غيث دمعي له بجسمي محلُّ يا هلالاً له دلال وعجب ... في هواه ولي خضوع وذل في قضيب تكاد قامته تعـ ... قد من فرط لينه وتحلُّ زدت حزنًا وقفت حسنًا فأضحى ... ما لحزني وما لحسنك مثل وخلعت العذار فيك فأضحى ... بعذاريك لي عن اللَّوم شغل يا ملولا أصارني الحبُّ لا أط ... مع في وصله ولا عنه أسلو لا شفى الله بعد بينك قلبي ... بل إن كان ساعة منك يخلو يا لقومي من حبِّ جاف ملول ... فيه لي يعذب العذاب ويحلو فضلالي رشد وذلِّي عزٌّ ... وسقامي برء وهرجي وصل /126 ب/ قوله في علام جميل الصورة أرسل أحد صدغيه، وعقد صدغه الآخر: [من السريع] أرسل صدغًا ولوى قاتلي ... صدغًا فأعيا بهما واصفه فخلت ذا في خدِّه حيَّة ... تسعى وهذا عقرب واقفه ذا ألف ليست لوصل وذا ... واو ولكن ليست العاطفة وقال في الغلمان الصباح الوجوه الذين بقلعة حلب عند إيقاد النيران ليلة الميلاد: [من الخفيف] ربَّ مرد شبَّهتهم ليلة الميـ ... لاد لمَّا أرتموا وأذكوا سعيرا ببدور عن الأهلَّة ترمي ... بنجوم تمدُّها الشَّمس نورا وقوله في صفة أسد: [من الوافر] وأغلب أهرت الشِّدقين ورد ... مخالبة كأنصاف الأهلَّه

يدل بكلِّ ناب غير ناب ... يبل سناه مثل سنان ألَّه /127 أ/ له زأر يروعنا ووجه ... كريه للردى فيه أدلَّه وله يصف فرسًا: [من الطويل] وأدهم لو جارى الرِّياح لفاتها ... يروق جمالًا بل يروع صهيلا كقطع الدُّجى لونًا وكالنَّجم غرَّة ... وكالبرق جريًا والصَّباح خجولا وقال أيضًا: [من البسيط] يا من حداني على قتلي تمنُّعه ... وضرَّني بتماد ليس ينفعه أنظر إلى ولهي لطفًا بعين رضًا ... فالحرُّ مثلك أدنى القول يخدعه ما مات راوي حديث السِّحر حين غدا ... عن ناظريك إلى هاروت يرفعه رفقًا بمضنى سهام اللَّحظ ترشقه ... إذا رآك وأفعى الصُّدغ تلسعه لو زاره طيفك المزورُّ عن ملل ... في النَّوم لم يدر ضعفًا أين موضعه لم يخل في الحبِّ من خلٍّ يعنَّفه ... بالعنف فيك ومن لاح يقرِّعه يخفى هواك من الواشي وقد نطقت ... عن وجده بلسان الحال أدمعه ما أبعد الصَّبر والسُّلوان من دنف ... يروم قربك والأيَّام تمنعه يزوره منك طيف ما تقدَّمه ... وعد وير حل عنه لا يودِّعه /127 ب/ ونقلت من خطّه شعره ما قال في الغزل: [من البسيط] لو كنت شاهده والحزن يرعفه ... من ناظريه وحمل الحبِّ يضعفه والعيس قد ثوَّرت والحيُّ مرتحل ... وقد طغى الوجد حتَّى كاد يتلفه واليأس يطويه والآمال تنشره ... لهال طرفك يوم البيت موقفه يا غائبين أرحموا من ذل حين رأى ... فرط الخضوع لكم ممَّا يشرفِّه صبٌّ أقرَّت بسرِّ الحبِّ أدمعه ... طوعًا وأثبت دعواها تلهُّفه نديمه همُّه والنوُّح مطربه ... والحزن والدمَّع ساقيه وقرقفه يهوى الكرى جفنه الباكي ولو سنةً ... عساه منكم بوصل الطَّيف يسعفه

إلى مها الأبرق الغادي تشوُّقه ... لا بل إلى برقه البادي تشوُّفه نائي الهجوع نحيل الجسم شاحبه ... هامي الدُّموع مروع القلب مدنفه بدمعه تبعث الذكرى ومهجته ... الحرِّى فنظر بها شوقًا وتذرفه ولا كتاب بذكراكم يعلِّله ... ولا رسول بلقياكم يسوِّفه يا برق حيِّ عذاري حيِّ كاظمة ... عن مغرم عزَّ لولاهم تأسُّفه /128 أ/ فلي بأجرعها المأهول سانحة ... تغار باناته منها وأحقفه فلست أدري أغيل صال مشبله ... طرافها أم كناس عنَّ مخشفه ويلاه من ظالم لمَّا غدا كلفي ... طبعًا به بان في وعدي تكلُّفه عبل مقرطقه شخت ممنطقه ... غال مقبَّله عال مشنَّفه حلو القوام شتيت الثَّغر أشنبه ... مورَّد الخدِّ ساجي الطَّرف أوطفه أنهى الجمال سجاياه وأبرزه ... للغصن يذويه أو للبدر يكسفه ظبي حكاه أسمه خلقًا وخالفه ... فعلاً وشابهه خلقًا مصحفه بسيف جفنيه يحمي ورد وجنته ... فليس نجس بالأحداق نقطفه يغزو النُّفوس بجيش من محاسنه ... والقدُّ ذابله واللَّحظ مرهفه ما قابل الشُّهب إلاَّ حار أنورها ... أو بان للبان إلاَّ غار أهيفه يرنو بفاترة لو لام أكحلها ... للنرجس الغضَّ منه مضعفه قال الوشاة وقد ماجت روادفه ... فكاد من حملها ينقدُّ مخطفه ما للملاحة فيه قلت: أبدعها ... وما من الحسن فيه قلت: أظرفه قسا ولنت فهل خل يعوج على ... صبٍّ يسليِّه أو قطِّ يلطِّفه /128 ب/ تبارك الله كم يجني عليَّ وكم ... أحنو ويظلمني بغيًا وأنصفه وكم يعاهدني عهدًا وينقضه ... عمدًا ويوعدني وعدًا ويخلفه ناديت والكبر ينهاه ويأمره ... والعجب يقدمه والتيه يردفه فتكت يا طرفه الشَّاكي بقلب فتى ... يعنو لناظرك النَّبال أكشفه

يا ساقي الرَّاح إن أنست منه رضًا ... يومًا وفارقه سكراّ تعجرفه فاشرح له عن خلا من كاشح وصغا ... ضرِّي وقد زاد عمَّا كنت تعرفه يعقوب فقدك يسمو طرف همَّته ... شوقًا إلى مصر حسن أنت يوسفه واعتبه وأشك إليه ما أكابده ... منه عسى رقَّة الشَّكوى تعطِّفه ونقلت أيضًا عن خطِّه شعره: [من البسيط] ألفتها حلوة الأعطاف كالألف ... صدوفة ثغرها كالدُّر في الصدَّف تريك وجنتها في الخدِّ إن سفرت .... ناراً من الحسن في ماء من التَّرف أنفاسها عنبر ورد لمنتشق ... وريقها قرقف صرف لمرتشف وتحت حلَّتها غصن لمعتنق ... وفوق وجنتها ورد لمقتطف /120 أ/ يغدو المعانق من أنفاسها عطرًا ... كأنَّما أنفه في روضة أنف يا من تغير رماح الخطِّ قامتها ... باللَّون واللِّين والتَّقويم والهيف ما آن أن تتلافي بالوصال فتى ... يرجو الشِّفاء وقد أشفى على التَّلف ما كان أسعدني لو أنًّ لطفك بي ... بقدر ما فيك من غدرٍ ومن جنف وقال أيضًا: [من السريع] يا للورى قد كان بي رمق ... فاغتاله يوم النَّوى الحدق فالقلب خوف البين مضطرب ... أحشاؤه مقروحة خفق ليت المطايا لا سرت بهم ... عني وسدَّت دونها الطُّرق ساروا فما سرُّوا ببعدهم ... قلبي ولا عنُّوا ولا رفقوا أودعتهم إذ ودَّعوا جلداً ... أفناه من تفريقهم فرق وقوله: [من الطويل] أقول وقد قلَّبت في النَّاس ناظري ... فلم أر إلاَّ خائنًا ومنافقا أيا ليت أنِّي متُّ طفلًا وليتني ... وقد طال عمري لا عرفت الخلائقا ولم أنفرد يا صحبيَّ مجنِّبًا ... عن النَّاس لو أنِّي مواف موافقا /129 ب/ ولكن وجدت النَّاس لمَّا أختبرتهم ... محبًا محاب أو شفيقًا مشاققا خليليَّ من لي أن أصادف صادفًا ... عن الغدر مثلي أو أصادق صادقا

وقال في غلمان دخلوا الحمام: [من الكامل] شدُّوا المازر فوق كثبان النَّقا ... حفراً فحلُّوا عقد نسكى والتُّقى وتجرَّدوا فرأيت لين معاطف ... نشروا ذوائبهم عليه فأروقا وبدوا فأطلع كلُّ وجه منهم ... بدرًا وأضحى كلُّ قطر مشرقا من كلِّ أهيف حلَّ عقدة بنده ... وغدا بلحظ عيوننا متمنطقا خالسته نظرًا لأقطف وردةً ... من روض وجنته فأغضى مطرقًا فكأنَّ في الحمَّام سرب جاذر ... نظر القنيص فظلَّ منه مشفقا وقال أيضًا: [من الوافر] لقد أكثرت مدح بني فلان ... وكنت بان أذمهم خليقا أطلت رشاء دحهم لأني ... وجدت قليب جودهم عميقا وقال أيضًا: [من الخفيف] /130 أ/ وفتاة من هجرها بات قلبي ... قلقًا مثل قرطها والنِّطاق غادة سنجريَّه الأصل والفصـ ... ل غزاليَّة الطُّلى والماقي ذات قدٍّ كالغصن في اللِّين يعلو ... م محيًا كالبدر في الإشراق جال في صفحتيه ماء شباب ... راق حسنًا فشبَّ نار أشتياقي رمقتنا شزراً فلم تبق في الأجـ ... ساد إلاَّ أواخر الأرماق قلت: هل زورة فصدَّت وقالت ... مه فضرب الأعناق دون عناقي وأرتني تكبُّرا ما عليه ... لمحة من مكارم الأخلاق وتثنت عجبًا فقلت لها ما أسـ ... مك يا بابليَّة الأرياق قالت: أسمي قسا فناديت بل قلـ ... بك يا محنتي على العشَّاق وقال خمرية: [من الطويل] إلا سقِّيانيها فقد نفح المسك ... ولا تحبساها بعد ما صدح الجنك وطوفا بها حبِّيبة حبيبة ... مشعشعة كالتِّبر أخلصه السَّبك

إذا كفُّ ساق أو مات نحو شربها ... بها لم يشكُّو أنَّها خمرة تذكو يطوف بها ساق إذا لاح حاسراً ... لنا قلت قولًا لم يشب صدقه إفك /130 ب/ أرى اللَّيل لا ريب على البدر لامراً ... على الغضن لا خلف على الحقف لا شك ولا تبخلا أفديكما أن تناديا ... إذا هزَّني سكري بها لمن الملك وقال أيضًا: [من المنسرح] وليلة بتُّها وحبِّي ... أشكو إليه الهوى وأشكو تقبح بالعاشق المعنَّى ... في مثلها عفَّة ونسك أشرب من فيه كأس خمر ... ختامها من لماه مسك وقال في غلام أسود يشيِّع جنازةً قد شقَّ ثوبه: [من الخفيف] وغلام رأيته وهو يبكي ... خلف ميت فبتَّ أسباب نسكي عجبي من دموعه وهي ماء ... كيف راحت لنار وجدي تذكي أسود اللَّون كالدُّجى فإذا أفتـ ... رَّ أراك الصَّباح من غير شك شقَّ للحزن ثوبه مثل ما تفـ ... تق في شمال قسيمة مسك وله في غلام يرقص ويغني: [من السريع] /131 أ/ أشرق من طلعته المنزل ... لمَّا بدا واضطرب المحفل علقت منه شادنَّا شاديًا ... كأنَّما نكهته مندل يكاد فوق الأرض أن لا ترى ... من سرعة الرَّقص له أرجل لو لم تكن هزَّة أطرافه ... موزونة قلت به أفكل فلو تراه إذا شدا وانثنى ... لقلت غصن فوقه بلبل وقال أيضًا: [من الخفيف] حرت في حسنه وماذا أقول ... وكثير الصِّفات فيه قليل جوهر جلَّ أن تكيفهِّ الأفـ ... هام أو تهتدي إليه العقول صحَّ للناس أنَّه أحسن العا ... لم وجهًا وقام فيه الداليل وقال يصف حال الإنسان: [من الكامل]

أصبحت مذ أمسى يصرِّفني على ... مرضاته صرف الزَّمان الكابي كالدَّال من زيد إذا عبثت بها ... بين النُّحاة عوامل الإعراب فرداً من الأخوان تغمض قصًّتي ... فكأنَّني شرط بغير جواب /131 ب/ وقال أيضًا: [من الخفيف] أيُّها الغافل المصرُّ على الأو ... زار مهلًا فقد تداني الرَّحيل خلَّ ظلم الورى فإنَّك يوم الـ ... حشر عن كلِّ هفوة مسؤول وتعَّفف واقنع برزق بسير ... ودع الحرص فالحريص جهول فقليل من الحلالً كثير ... وكثير من الرحرام قليل وله يصف روضةً: [من البسيط] وروضة رضت فيها الهمَّ مستمعًا ... لورقها هزجًا في البان أو رملا على مكمَّمم زهر الأقحوان بها ... أفواه حو أشارت تبتغي قبلا وقوله في بائح السرَّ: [من الخفيف] لي صديق غدا وإن كان لا ينـ ... طق الاَّ بغيبة أو محال أشبه النَّاس بالصَّدى إن تحدثـ ... هـ حديثًا أعاده في الحال وقال في غلام ساق: [من الكامل] /132 أ/ وأغنَّ ممشوق الحشا متمائله ... كالغصن بين جنوبه وشمائله حيَّا بكأس مدامة قد خضَّبت ... بشعاعها الواري رؤوس أنامله كرضابه وكطرفه وكلفظه ... وكنشره وكخدِّه وشمائله وقال في الغيم والمدّ: [من الوافر] وأدهم راح يعلن بالصَّهيل ... جرى عنانه بيد القبول وعلَّ حشا عليل الرَّوض وبلًا ... شفاه قبلَّ من داء الغليل وأنهم منه فتق الأرض مد ... فأصدأ صفحة السَّيف الصَّقيل لجين صار تبرأ حين ألقت ... عليه السُّحب إكسير السُّيول وله في مثاقف: [من البسيط] إذا ترسِّم يوماً للثقاف غدت ... أسد الشَّرى منه بين الخوف والوجل

يمناه كالبرق أمست سرعة وغدت ... يسراه أثبت تحت التُّرس من جبل وقال يصف الخمر: [من المديد] /132 ب/ سقِّني الرَّاح فقد همت داء ... فلقد كانت لروحي دواء خمرةً لو خامرت ذا صغار ... أخذت في رأسه كبرياء صيَّرت مجلسنا وهي شمس ... طلعت والشَّرب شهب سماء فذكت نارًا وطارت شرارًا ... وصفت ماءً ورقَّت هواء وقال يصف الذهبيَّات: [من المتقارب] ودوحٍ مررت وصحبي بها ... نطارح ورقاءها في الغناء ونيأس من وصلك المشتهى ... فيطمعنا فيه حسن الرَّجاء نعانق أغصانها إذ حكت ... قوامك في هيف واستواء قباب يبيت بنان الخريف ... يذهبها لقدوم الشتاء لقد خلت تشرين منها جلا ... علينا عرائس صفر الملاء كواعب تصفرُّ غب الفراق ... كما أحمرَّ خدُّك غبَّ الحياء تمايل عجبًا إذا ما رأت ... من النَّهر أشخاصها في مرائي وتشبه ألواننا صفرة ... وليس بنا وبها فرد داء /133 أ/ فصفرة أجسامنا من هوى ... وصفرة أوراقها من هواء وقال أيضًا يصف الثلج: [من الرمل] ربَّ يوم حليت أطرافه ... لسقوط الثَّلج في بيض الملاء خلته إذ لاح في اللَّوح لنا ... من خلال الخال يهوي في الهواء ورقًا من ورث تنثره ... راحة الرَّيح لتفضيص الفضاء لو ترى الروضة لما راضها ... خصر جمَّد أمواه الإضاء قلت بسط من حرير أخضر ... مخملات وضعت فيها مرائي وقال في صفة الخمر والليل والنجوم: [من الكامل] أسهو فيبديك التَّفكر نائي ... فإخال أنَّك واقف بإزائي يا شادنًا لعبت بمشيته الصُّبا ... فانهال مثل الرَّملة الوعساء

قم فاسقني صرف الدِّنان ولا تهب ... صرف الزَّمان فعيشنا لفناء كأس تروَّح [و] روحها ناريَّة ... والجسم نوريُّ الأديم هوائي /133 ب/ بالماء طفِّ النَّار لكن نارها ... بالضِّدِّ يذكو جمرها بالماء أو ما ترى اللَّيل البهيم وقد بدا ... من شهبه في لمَّة شمطاء والبدر تبديه لعينك هالة ... كالنُّؤي حول الخيمة البيضاء وقال في غلام ينظر في المرآة: [من الخفيف] كيف يرضيه أن أموت بدائي ... وحياتي في قربه ودوائي رشا ماج نعمة مثل مامـ ... رَّ نسيم الصَّبا بجدول ماء قابلته مرآته فأرتنأ ... بدر تمٍّ يحويه أفق سماء بات طرفي من خدِّه في صباح ... وغدا من عذاره في مساء جفنه في الضَّنى وجسمي شريكا ... ن وإن كان داؤه غير دائي ليس حسن الخروج إن حلَّ يومًا ... في القوافي كقبحه في الغناء وقال أيضًا: [من السريع] ناديت وهو الشَّمس في شهرة ... والجسم للخفية كالفيء يازاهيًا أعرف من مضمر ... صل واهيًا أنكر من شيء /134 أ/ وقال يصف ميتًا: [من السريع] لو عاينت عينك لمَّا قضى ... عيسى وجوم المجد من رزئه لأبصرت بيت بسيط العلا ... قد طوي السَّالم من جزئه وقوله يصف القناديل وقد أوقدت في المسجد الجامع: [من المديد] صاح لو أبصرت جامعنا ... والدُّجى زهر غياهبه لرأيت اللَّيل كيف غدا ... حدثًا شابت ذوائبه عن بكاء الشَّمع متَّقداً ... ضحكت بشراً جوانبه قد حللنا منه في أفق ... من قناديل كواكبه بات منَّا كلُّ ذي أدبً ... ومن الوالدان صاحبه يجتلي زهراً محاسنًه ... حيث لا واش يراقبه

بات يكسو اللَّيل ثوب ضحى ... لهب كرَّت كتائبه ويجلِّي عنه غيهبه ... فهو كاسيه وسالبه فهو صبٌّ بالصِّبا ولها ... نفس وإن يلاعبه /134 ب/ وقال يصف فارسًا: [من البسيط] إذا سرى ونجوم اللَّيل ترقبه ... وأربدَّ من هبوات النَّقع أشهبه أراك ليثًا بغاب السُّمر معتقلاً ... للصِّلِّ يضبح في اللَّبات ثعلبه في متن عبل الشَّوى تغدو الجفون له ... عبرى إذا راح يوم الحرب يركبه جناحه إن يطر كالَّصقر منصله ... والرُّمح منسره والسهَّم مخلبه وقال أيضًا: [من الكامل] قم يا نديمي وعاطنيها قهوةً ... ذهبَّية فالعمر شيء ذاهب فالنَّور ثغر والبنفسج عارض ... والورد خدُّ والغصون ذوائب وكأنَّما قد حي هواء جامد ... وكأنَّما فيه عقيق ذائب تسعى بمرِّيخ المدامة بيننا ... شمس عليها للحليِّ كواكب تهتزُّ قامتها ويرنو لحظها ... فتغار قضب منهما وقواضب لم يدر إذ ضحكت أمبسمها بدا ... لعيوننا أم عقدها المتناسب وقال أيضًا: [من المجتث] أمبسم ورضاب ... أم خمرة وحباب /135 أ/ وطرَّة أم ظلام ... وغرَّة أم شهاب وجنة تحت خال ... أم وردة وأناب ومعلقة في جفونً ... أم صارم وقراب وقد تخمَّرت أم ذا ... بدر عليه سحاب وابنوس وعاج ... أم أنمل وخضاب وماس في الزَّهر غصن ... أم قامة وثياب

وذا سراب وسحر ... أم موعد وعتاب وأنت ماء وخمر ... أم أعظم وإهاب أفديك يا من أشابت ... رأسي وفيها شباب وقال أيضًا: [من الطويل] وسارت أمام الجيش وهو عرمرم ... تسرُّ محبًا أو تسوء محابي بأعلامك الحمر التَّي عذباتها ... تصبُّ على الأعداء سوط عذاب قلوع بنود في صواري ذوابل ... على سفن جرد في بحور سراب وقوله في صفة سماني: [من المتقارب] /135 ب/ كأنَّ السِّماني عروضيَّة ... تقطِّع سالم بيت الغريب تردَّد وزنًا أحلَّ الخليل ... به في أعاريضه والضُّروب وله يصف الدولاب: [من البسيط] دولابنا فلك يجري وأنجمه ... تسري وكلٌّ إذا أنقضَّت له ذنب كأنها وبطافي حوضها زبد ... خناجر في دروع حين تنسكب يديره جدول ينساب منعطفًا ... كالأفعوان حباه الرَّشقة الحبب يهوي فيشربه جزعًا فيدفعه ... منعًا فمن حزنه يبكي وينتحب وقال يصف يوم لذة وخلاعة: [من الخفيف] ثب إلى مطرح الخلاعة وثبا ... تنهب العيش بالمدامة نهبا فبنان الرَّبيع قد رصَّعت د ... رَّ الندى في زمرُّد الرَّوض رطبا وخدود الشَّقيق تدمى حياء ... وثغور الزُّهور تبسم عجبا ورنا النَّرجس الذَّكي عيونًا ... باكيات بأدمع الطَّلَّ حبَّا والخزامي على سطور طروس الرَّو ... ض يحكي جزمًا ورفعًا ونصبا /136 أ/ وتثنى الأراك والبان في الرَّو ... ض قدودًا تحاول الضَّم حبَّا والهزار الفصيح في الرَّوض قد صـ ... ن طيور تشجو الكئيب الصَّبَّا بعد ما قرَّبت من النُّور قربا ... ناً وضاهى المنثور بالشَّكل صلبا

وسرى للنسيم نشر ذكيٌّ ... يملأ الخافقين شرقًا وغربا مندليٌّ كأنَّما كان فرع الدُّ ... وح مغف فعندما هبَّ هبَّا ينثر الزَّهر عنه فأعجب لفود ... شاب طفلاً وفي الكهولة شبَّا وتلاقت وصفحة الماء ريح ... كرَّ منها بردًا وأحجم رعبا واصلته فصار كالدِّرع جعدًا ... وجفته فصار كالنَّصل عضبا أشبه الصِّلَّ رقشةً والتواءً ... ونفاراً وخالف الصِّلَّ لسبا بات من سمِّه السَّليم سليمًا ... طاب نفسًا فلا يحاول طبَّا فهو أصفى من الهواء أديماً ... بين درَّين من حباب وحصبا ولدينا بريكة يطلق الماء ... أنابيبها الشَّحيحة غصبا كصفاء المرآة مرأي وكالحـ ... بِّ حبابًا وأدمع الصَّبِّ صبَّا /136 ب/ فهي كالشَّمس حولها دارة البد ... ر أحاطت بها الكواكب شهبا كلَّما أنبتت عليها الأنابيـ ... ب غصونًا ترجرج الموج كثبا بينهما تستوي ولا المرد هيفًا ... إذ غدت تنثني ولا الشِّيب حزبا كالأفاعي من الثَّرى نفرت ظمت ... أي أكبَّت تبغي من الماء شربا مدةَّ صائغ الفضاء قضيبًا ... من لجين وعاد يلويه قلبا وعليها الإوزُّ كالسُّفن أشكا ... لاً وجريًا والروَّض زهرًا وعشبا وله يصف شمعة: [من الكامل] يا صاح لو أبصرت شمعتنا ... ليلًا تذوب ضنًى وتلتهب لحسبتها والرِّيح وانية ... صلاًّ ينقنض وهو منتصب أو صعدة من فضَّ ركزت ... في ربوة وسنانها وذهل وقال أيضًا: [من الطويل] ألا بأبي من لا أسمِّيه غيرةً ... عليه ولا ألقاه إلَّا مقطِّبا وددت بان لوزارني متحننا ... ولا أزورَّ عنِّي معرضًا متجنِّبا تبسم عن أغلى من الدُّر قيمةً ... ولاِّظ عن أمضى من السَّيف مضربا /137 أ/ يطار حني للعجب إَّبان عتبه ... فيسمعني لفظًا حكى الدُّرًّ معربا ويبعث من فرط الدَّلال بصدغه ... فيرخيه ثعبانًا ويلويه عقربًا

وقال في الخمر وما يتعلق بها، أيضًا في وصف أيام الربيع والزهر وغير ذلك: [من المديد] سقِّني في العشر من رجب ... خمرةً حمراء كالذَّهب نظمت أيدي المزاح على ... تبرها درّاً من الحبب [خلقت قبل الزمَّان وما ... خلقت من كثرة الحقب] كان يسقاها أبو لهب ... من يدي حمَّالة الحطب فالغمام الجون تحسبه ... حين يهمي جفن منتحب والصَّبا في الرُّوض قد سحبت ... ذيلها تثني على السُّحب وبدا زهر الرَّبيع لنا ... في سماء الرَّوض كالشُّهب وفروع البان قد رقصت ... ورقها من خفَّة الطَّرب هينمت مثل القسوس وقد ... رأت المنثور كالصُّلب والسَّواقي كلأراقم قد ... أخذت للذُّعر في الهرب /137 ب/ ولدينا زامر لبق ... حسن الأخلاق والأدب حاذق يهدي لأنفسنا ... فرحًا من نايه الصًّخب ومثاني العود تحسبها ... ألسنًا من ضجَّة اللَّعب وقال أيضًا: [من البسيط] البرق والرَّعد في بشر وفي صخب ... والطَّير والدَّوح في نوح وفي طرب والرِّيح عاطرة الأنفاس قد سحبت ... على الخمائل أذيالاً من السُّحب وصارم المدِّ دام لاح في صدإ ... من البخار وإفرند من الحبب والنَّور قد رصَّعت أيدي الرَّبيع على ... هام الرُّبى منه تيجانًا من الذَّهب والورق مثل عروضيٍّيين قد شرعوا ... في خبن مسرح أو طيِّ مقتضب والكأس كالشَّمس راحت في مواقعها ... ترمي شياطين همٍّ الشَّرب بالشُّهب

وجاد راووقها الباكي بمهجته ... على الأباريق والأقداح والنُّخب فلو ترى دمعه المسفوح وهو دم ... لخلته شررًا يرفضُّ عن لهب وقال في إنسان قبيح الخلق: [من المتقارب] /138 لأ/ أتى فوق بغلته للحساب ... فرحت وقد قلت قول الصَّواب أشبِّهه وهو من فوقها ... بقردٍ تسنَّم إحدى الرَّوابي وقال أيضًا: [من المنسرح] باكر إلى القصف يا أخا الأدب ... منهمكًا في هوى أبنة العنب فقد كسا النَّبت أرضنا حللاً ... تختال منها في منظر عجب والرَّوض تغدو الجفون عاطرةً ... تسحب فيها مطارف السُّحب قد عقدت للشقيق الوية ... للشَّرب حمر منشورة العذب ورقَّص البان شمال وصبًا ... فصفَّقت ورقه من الطَّرب والنَّهر سيف بخاره صدأ ... له بحيث الفرند من حبب وقال يمدح: [من الوافر] فتًى فاق الورى كرمًا وبأسًا ... عزيز الجار مخضرُّ الجناب ترى في السَّلم منه غيث جود ... وفي يوم الكريهة ليث غاب إذا ما سلَّ صارمه بحرب ... أراك البرق في كفِّ السَّحاب وله في جارية تركية: [من الكامل] /138 ب/ لاثت على الخدَّين فضل خمارها ... وحمتهما من لحظها بقواضب فحسبتها لحيائها عكست سنى ... شمس الظَّهيرة منه تحت سحاب تركيَّة برزت وقد أبدت لنا ... نصح المسالم في سلاح محارب ما بين لهذم رمح قد طاعن ... منها وغرب حسام جفن ضارب أهدابها ريش لأسهم لحظهًا ... وتغابها وتر لقوس الحاجب أبدى النَّصيف هلال أفق محاجر ... منها وأخفى بدر ليل ذوائب

كحلاء جفوة خلقها لم تعدها ... وباللُّطف رقَّة خلقها المتناسب خود ذهلت وقد رنت فتأمَّلت ... ذلِّي لعزَّتها وقلت لصاحبي سلها ولو في نظرة منها ولو ... وفي النَّوم تصدق عن خيال كاذب ورجعت أنشد مهجة خلفتها ... في أرسم منها خلت وملاعب وقال أيضًا: [من الرمل] وغمام بعد وهن جادنا ... فرحًا للبرق والرَّعد صخب مكفهرٌّ فيه لألاء سنًي ... كقتام جردِّت فيه قضب //139 أ/ وكأنَّ الشُّهب في أطرافه ... شرر يرميه فحم عن لهب ما رأينا مثله في حاله ... ضاحكًا يبكي بشوشًا ينتحب وقال أيضّا: [من الكامل] يا جيرةً جاروا عليَّ وسادةً ... سدَّت وقد ذهبوا عليَّ مذاهبي قد صار كالضَّرب المرَّفل بعدكم ... ليلي وكان كأبتر المتقارب أملي غدا كغدي وحزني قد حكى ... نومي وصبري مثل أمسي الذَّاهب وقال فيمن أهدى إليه أترجَّة: [من البسيط] حللت مولاي فخر الدِّين مرتبة ... تسمو بأوصافك الحسنى على الرُّتب يا من باياته مازال مفتخرًا ... على نجوم الدُّجى فضلاً عن العرب انقذت يا نافذ الآراء لي كرمًا ... أترجَّةً خلتها قطعًا من اللَّهب فاحت ذكاءً كما لاحت ذكاً وحوت ... برد الضَّريب وحازت لذَّة الضَّرب تراك أهديت لي أترجَّة جلبت ... ريَّاك أم صغت لي تاجًا من الذَّهب وله يصف عواداً: [من الكامل] /139 ب/ أمهى شبا مضرا به فكأنَّه ... في كفِّه قلم بأنمل كاتب واستنطق الأوتار وهي صوامت ... بيمين مرتهش ويسرى حاسب

صعبت عليه وراضها بذكائه ... فتحدَّثت عن فضله بغرائب وكأنَّه بقراط جسًّ لناحل ... نبضًا ليعرف ساكنًا من ضارب هزَّت مثالث عوده صخبًا وقد ... صرَّت ملاويه صرير جنادب لم يشد في علم القديم طريقًة ... إلاَّ أتى من ضربها بمذاهب أدَّى اللُّحون بغير لحن واقتدى ... بالمحسنين فما أخلًّ بواجب عنَّى بشعر كثيِّر فأجاد في ... ثاني الثَّقيل وثالث المتقارب ما دامت الأيَّام تتحفنا به ... لم تخل من أدب صدور مادب وقال أيضًا: [من الخفيف] متُّ وجداً فزارني فحييت ... فهو محيي لعاشقيه مميت يا خليليَّ كم أرقُّ لجاف ... شأنه الكبرياء والجبروت لي من قدِّه وجفنيه رمح ... يزنيٌّ وصارم إصليت وعلى وجنتيه رونق حسن ... سعدت مقلتي به وشقيت /140 أ/ ورياض باكرتها والرُّبى ... خضر الخفاتين النُّجوم خفوت ذات زهر كأنِّما فتحت في ... جانبيها عن البرود تخوت بمغنٍّ في الحسن طار له في النَّـ ... اس لا بل بلذَّة الصَّوت صيت كأن منه هرش المثالث والأطـ ... يار منها التَّصفيق والتَّصويت دعدع الجنك بالبنان كما أسـ ... رع في نسجه العنكبوت فاجتلينا عروس دنٍّ سناها ... جلَّ أن ترتقي إليه النُّعوت أو مأت نحو نابها كفُّ ساق ... جمع الحسن خدُّه واللِّيت ما تبدَّت إلاَّ وناديتها والـ ... شَّرب كلٌّ من نورها مبهوت هل ترى أنت ذوب ياقوته حمـ ... راء أم منك جمِّد الياقوت وله يهجو مغنيًا: [من الطويل] تمنَّيت إذ غنَّى وصفَّق لو قضى ... إله الورى قبل السُّكوت بموته فيا ليت عينيه وكفَّيه أصبحت ... كإيقاعه عند الغناء وصوته

وقال في ساق: [من الطويل] أقول لساقينا وللنَّد قسطل ... وقد خفقت للبان والرَّند رايات /140 ب/ ونادى صريخ العندليب فأحجمت ... وهاد عليها للجداول فاضات أدر بنجوم الرًّاح أفلاك راحنا ... فللشَّرب ما دامت تسير مسرَّرات فوجهك بدر والنَّدامى كواكب ... وكأسك شمس والريِّاض سماوات وقال يصف روضة: [من مجزوء الرجز] أروضة قد أزهرت ... أم صحف قد نشرت وهذه شقائق ... أم الجحيم سعِّرت وفوقنا سحائب ... أم الجبال سيِّرت تلقي علينا بردًا ... أم النَّجوم أنكدرت ودوحها يظلُّنا ... أم شمسنا قد كورِّت كأنَّما أنهارها ... مزبدةً قد مطرت رقش الأفاعي رشقت ... بأسهم فنعَّوت او كالظُّبا لاح بها ... فرندها إذ شهرت فسقِّنيها عانسًا ... في دنِّها قد كبرت وأعجب لنار أنملي ... من مسِّها قد خصرت /141 أ/ من كفِّ ساق خلتها ... من وجنتيه عصرت وله في أحوال الورى: [من الطويل] أرى نوب الأيَّام تلعب بالورى ... لها ساحر في عقدة الهمِّ نافث فيعدم موجود ويقدم نازح ... ويجد معدوم ويرحل ماكث كأنَّ الجديدين الحريفان في الورى ... مهارك نرد والفصوص الحوادث وله في بخيل: [من المتقارب] أيا من هو الوصب اللاَّبث ... وطلعته النَّصب الحادث ومن كفُّه كعروض الطَّويـ ... ل فيا ليتها ضربه الثَّالث وقال يصف النار: [من الطويل]

أرى نارنا بعد الإنارة قد خبت ... وقد باخ منها جمرها المتأجِّج ولم يبق منها القرُّ غير ذمائها ... فكانونها من ريح كانون أسمج وقد شفَّ عن داني خداها رمادها ... كما شفَّ عن زهر الكواكب زبرج وقوله في بخيل: [من السريع] يا باخلاً من لؤمه قلَّما ... يلقح جودًا وعده الخنثى /141 ب/ عرضك مسوٌّ غدا وجهه ... كأنَّه بشِّر بالأنثى وقال يصف سفينةً: [من الكامل] وسفينة باتت تخبُّ بنا الدُّجى ... غسقًا وثوب ظلامه قد أنهجا وبنات نعش في السَّماء كأنَّها ... ركب أشار إلى النُّزول فعرَّجا مرَّت بنا شهراً تسير كأنَّما ... رامت من الدُّنيا بنا أن تخرجا فهي المطيَّة لا تبيت من السُّرى ... رزحى ولا يدمي مناسمها الوجا كالسَّهم تحمل كلَّ أشعث ساهم ... يبكي ويضحك للمخافة والرَّجا بينا غدت تسري وأسلك قلعها ... حادي النَّسيم إلى الهداية منهجا هاجت لنا ريح تمخِّض بحرنا ... فارتجَّ منها مزبداً وتموَّجا فهناك ألقينا المراسي خيفة ... من زعزع هو جاء كانت سجسجا وعلت من الركب المكثّر ضجَّة ... من هولها فكأنِّ ليلاً قد دجا وإذا بطرف البحر بعد شماسه ... يغطي القياد لراكبيه قد سجا حتَّى إذا طاب الهواء وأقلعت ... بعد الوقوف بنا وثقَّفها النَّجا عجنا بسيف جزيرة مهجورة ... عبث النَّسيم بزهرها فتأرجَّا /124 أ/ فتباشرت أرواحنا وتلطفت ... همَّ السُّرور بهمِّنا فتفرَّجا وله يصف دوحة: [من الرمل] لست أنسى يومنا في دوحة ... زخرفت أرجاؤها ذات أرج وبها فاءت علينا سرحة ... تذهب الهمَّ وتأتي بالفرج

وكأنَّ التُّوت في أغصانها ... لؤلؤ بين عقيق وسبج وقال يصف أعلام الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب – رحمه الله تعالى: [من الطويل] عجبت لأعلام العزيز وقد غدت ... من الأسد تبدي والأساود أشباحا تموت إذا أعتلُّ النًّسيم صبابةً ... فتنفخ في أجسادها الرِّيح أرواحا وقال في صفة الليل والنجوم: [من مخلع البسيط] أما ترى اللَّيل وهو داجٍ ... والزُّهر كالزَّهر في المروج /142 ب/ ولاح فيه الهلال يحكي ... حاجب شيخ من الزُّنوج وله في المعنى: [من مخلّع البسيط] ونائم من خمار سكر ... منعفر في الثَّرى طريح نبَّهته والغصون نشوى ... تميل من شرب راح ريح فقام من نومه ونادى ... ياشرب هبُّوا إلى الصَّبوح ألم تروا أنجم الثُّريَّا ... كأنَّها كفُّ مستميح قد بسطت في أوان محل ... ذلاًّ ومدَّت إلى شحيح واللَّيل قد حال واضمحلَّت .. دهمة ديجوره الصَّريح سها سهاه فغضَّ منه ... ما لاح من صبحنا الصًّبيح كأنَّه من بنات نعشٍ ... ميت بلي قام من ضريح وقال في أيره: [من السريع] يا قوم لي أير ضعيف القوى ... يكاد من لين به يعقد أخرس إلاَّ أنَّه أعور ... أقرع إلاَّ أنًّه أمرد تبًا له من غادر لم يزل ... يجني ولكن جسدي يجلد. /143 أ/ كأنَّما خصياه من تحته ... دلو عليه مسد محصد وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]

تبّاً لدينا أحدثت ... في عالم الكون الفسادا نهوى البقاء بها فتبـ ... غضنا وتفنينا عنادا جارت فأضعفت القوى ... منًّا وبيضت السَّودا كالنِّار إذذ يلقي بها ... فحم فتجعله رمادا وقال أيضًا: [من الوافر] أتينا بائع الفقَّاع يومًا ... وقد أودى بنا العطش الشَّديد فحيَّانا بكيزان فقمنا ... لها وبمثلها حقَّ السُّجود نقبِّلها كما ضمَّت شفاه ... ونرضعها كما درَّت نهودا وله يصف شقيقة: [من السريع] شقيقة في الرَّوض مطلولة ... يلوح في أحمرها الأسود كعين رمداء غدا دمعها ... يجري وقد ذرَّ بها الإثمد وقال في مغنٍّ: [من الخفيف] /143 ب/ ومغن أجابه عوده من ... غير نقص في شدوه أو زياده كالصَّدى ما نطقت باللَّفظ إلاَّ ... وحكاه بعينه فأعاده وقال أيضًا: [من الكامل] لا تصغينَّ إلى ملام مفنِّد .... واتبع هواك فأنت غير مخلَّد فوِّض إلى الله الأمور فإنَّه ... من يهده الرَّحمان فهو المهتدي فالله أكرم أن يعذِّب في غد ... بحرارة النِّيران جسم موحِّد باكر صبيحة يومن بمدامة ... حمراء ذات تلهُّب وتوقد فالفجر قد طلعت طلائع جيشه ... والورق تنشد في طرائق معبد والريِّح عاطرة الشَّذا نفحاتها ... مرضى تهزُّ معاطف الغصن النَّدي والأرض قد وشت العهاد برودها ... بوشائع من صبغها لم تعهد وكأنَّ طلَّ النَّرجس السَّاهي بها ... دمع ترقرق في نواظر سهَّد

والياسمين غدا كوجنة عاشق ... والأقحوان حكى مباسم خرَّد وشقيقها المطلول تحسب أنًّه ... رمد العيون وقد كحلن بإثمد والنَّهر ممطور تجعِّده الصَّبا ... كسهام رام في دلاص مزرَّد /144 أ/ وأرى الكؤوس كعسجد في فضَّة ... فيها الحباب كفضَّة في عسجد عاطيتها حلو الشَّمائل أغيدًا ... أفديه من حلو الشمائل أغيد فلزمت منه مثقَّفًا في صحوة ... يحميه من أجفانه بمهنَّد وجعلت أرتع واردًا من ريقه ... في ورد روضة خدِّه المتورِّد يا صاح كم للسُّكر عندي منه في ... الصَّحو عن إدراكها قصرت يدي وقال يصف روضة: [من الكامل] ولقد مررت بروضة راض النَّدى ... أقطارها فالطَّلُّ منها يقطر وانجرَّ فوق بهارها ذيل الصَّبا ... فكأنَّها في الجوَّ مسك أذفر وطأنَّ وقع القطر في أنهارها ... حلق الُّروع على الصَّوارم تنثر وقوله في حمّام: [من السريع] حمَّامنا أشبه شيء يرى ... في الضِّيق والظَّلمة واللَّحد يكاد أن يهلك من حلَّه ... في بحر تمُّوز من البرد ينقل من صدر إلى دكة ... كأنَّه مهركة النَّرد وله في صفة شجاع: [من الكامل] /144 ب/ قسم العلا شطرين بين سماحة ... وحسامه يومي ندى وجلاد فتراه في حالي رضاه وسخطه ... ليثًا وغيثًا في الوغى والنَّادي وقال أيضًا: [من الوافر] ضنيت وضنَّ من أهوى بوصلي ... وعاداني الخيال وكان عائد فأشبهت الَّذي للسُّقم نقصًا ... وإن خالفته صلةً وعائد وقال أيضًا: [من الرجز] يا صاح قم فالدَّوح قد رقَّصها ... مرُّ الصَّبا لمَّا شدت طيورها أما ترى الشَّرب غدت كؤوسهم ... بردًا على أيديهم سعيرها

أنجمها في فلك القصف غدا ... على الثُّريَّا قمر يديرها فالرُّوض تهتزُّ قدودًا بأنه ... والأرض ترنو أعينًا زهورها وأضطربت روادفًا غدرانها ... حيث سعت أراقمًا نهورها وجاء تشرين بكيميائه ... فالدَّوح قد ذهَّبه إكسيرها وانثنت الأشجار بعد خضرة ... مصفرَّة تنكرها طيورها والجوز قد هزَّت ذراه شمائل ... فبان في أوراقه تأثيرها /145 أ/ كأنَّهم ألواح موسى أنزلت ... بالوحي عبرانًّيةً سطورها وقال أيضًا: [من الطويل] سرى حاليًا بالكأس يشدو ويفتر ... وقد طَّل زهر يانع ورنت زهر فعانقته أبكي ويعرق خدُّه ... وللسُّحب من قطر ومن برد نثر وناولني من خطَّه أيِّ رقعة ... من العتب تحكي السِّمط في طيِّها السَّطر فلو سام هاتيك المحاسن ناظر ... وفكَّر حينًا ما درى أيُّها الدُّرُّ أقاح حجى شهب ندى عرق بكى ... كلام حلا خط حيا برد ثغر وله في الروض: [من السريع] كأنَّما الرَّوض وقد حدَّقت ... غبَّ النَّدى فيه أزاهير بسط من السُّندس مبثوثة ... قد نثرت فيها دنانير وقال أيضًا: [من الوافر] وأبلج من بني الوزراء يسمي ... بهمَّته على الفلك افتخار إذا لعبت به الخيلاء بانت ... بمشيته السَّكينة والوقار على رأس الوزارة منه تاج ... تتيه به وفي يده سوار /145 ب/ رآه واصفوه قد تبدًا ... فتاهوا في محاسنه وحاروا وقالوا: وجهة بدر منير ... فقلت: وليله النَّقع المثار وقالوا: قدُّه غصن نضير ... فقلت: ومن نداه له ثمار

وقالوا: خطُّه في الحسن درٌّ ... فقلت لهم وأنمله بحار وقالوا: خلقه في السِّلم ماء ... فقلت: وعزمه في الحرب نار وقالوا: فيه للضيم احتمال ... فقلت: وفيه للظلم انتصار وقالوا: عنده للكسر جبر ... فقلت: وجرح سطوته جبار وقالوا: ما يعزُّ عليه صعب ... فقلت: ولا يذُّل لديه جار وقال في الروض: [من المنسرح] أنظر إلى الرَّوض وهو ذو أرج ... وقد غدا الثَّلج فيه منثوراً كأنَّ فيروزج السَّماء على ... زمرُّد الأرض ذرَّ كافورا وله في القمر والثريا: [من الخفيف] ومناخ للقصف زرناه قبل الـ .. صُّبح نجني به ثمار المسرَّه وقمير الدُّجى أبن خمس وعشريـ ... ن كما أحدودب أبن تسعين كبره /146 أ/ والثُّريَّا كأنَّها كلُّ صاد ... همَّ بالشُّرب من خليج المجرَّه وله يصف ور الباقلاء: [من السريع] وباقلاء منه ريح الصَّبا ... تصدر عن مسك وكافور في حلل من ورق قد غد ... يجلى وحلي من ازاهير كأنَّ بلق الطَّير قد علِّقت ... فيه بأطراف المناقير وقال في مرآة: [من الخفيف] أنا مرآة من إذا فضح الأفـ ... لاك نوري أعارت الأقمارا ضحكت حين قابتلني فأبدت ... أنجم اللَّيل في سمائي نهارا وقال في بطيخة زبش: [من المنسرح] يا حسن بطِّيخة يشبِّهها ... من شام لونًا لها وتدويرا بحقَّة من زمرُّد ملئت ... مختومة عنبراً وكافورا

وقال في الروض: [من مجزوء الكامل] أنظر إلى الروَّض النَّضير ... كالبرد نمِّق بالزُّهور /146 ب/ والأقحوان محدِّق ... مثل الشُّموس على البدور والنَّهر كالصِّلِّ المرا ... ع له كشيش من خرير والغيم يبكي بارد الـ ... عبرات من فرد السُّرور والرِّيح تجلو كفُّها ... باللُّطف مرآة الغدير وأهدى إليه بعض الناس رؤوس قنَّبيط، فقال: [من الخفيف] يا أبا جعفر أتتني هدايا ... تك محمولةً إلى باب داري كلُّ رأس من قنَّبيط غذته ... درَّها المعصرتات في آذار جاء يحكي مدهمُّ أوراق ليـ ... لاً تقرَّى أديمه عن نهار أو كخدِّ الحبيب أفرق أو ... أفرق من بعد سقمه في عذار فحسبناه وهو في خضرة الأو ... راق كالصَّبِّ لونه ذو أصفرار هالةً من زمردِّ لاح فيها ... لعيون النُّظَّار بدر نضار وقال أيضًا: [من السريع] زار وفيه تيه مزورِّ ... فهذَّبته نشوة الفكر /147 أ/ ذو حدق أغنت وقد خامرت ... عقولنا عن قدح الخمر ساق صغير السِّنِّ فينا سعى ... يرفل في ثوب من الكبر ببنت عنقود الثُّريَّا سنى ... لاتك باخت الأنجم الزُّهر كأس إذا ما عبَّ في شمسها ... أحدث فيها صورة البدر وقال في صفة رمان ونارنج وآس جاءه هديةً من بعض الكبراء: [من الوافر] [وليَّ الدِّين قد شرفَّت قدري ... وزاد بحسن همَّتك أقتداري] أتت منك الهديَّة ذات عرف ... يفوح كطيب فرعك والنِّجار فظلت غداة جاء بها مشيراً ... إليَّ سليل مجدك والفخار

أقبِّلها وأعجب كيف لاحت ... نجوم اللَّيل منها في نهار ونمَّ بها قبيل النَّشر نشر ... لآس مثل نمنمة العذار أفاكهة على طبق أتاني ... به أم هالة ملئت دراري إخال تسعُّر النَّارنج لولا ... وجود البرد فيه كرات نار لها لهب يحبُّ بلا دخان ... على جمر يشب بلا شرار /147 ب/ ورمَّان حكى لولا اصفرار ... نهود الغانيات من الجواري ورحت أفضُّ منه عن فصوص ... من الياقوت أحقاق النُّضار فكنت البدر أهدى لي نجومًا ... وحيَّاني بها شمس النَّهار وله يصف النَّرد: [من الكامل] وخميس نرد خاض معركة رقعة ... ينفي به همَّ الجليس جليسه جيشان من سام وحام فرَّ ذاً ... من ذا وزاد لبشرة تعبيسه فكانَّه فك تسير نجومه ... ومن الفصوص سعوده ونحوسه وقال يذم عوَّاده: [من المنسرح] تبًا لعوَّادة قصيرة با ... ع الفهم جهلاً طويلة العمر خارجة الضَّرب والغناء معًا ... تريك وجهًا من أقبح الصُّور يذهب مضرابها وأنملها ... في الجسِّ والضَّرب لذَّة الوتر بعودها إذ تجسُّه لكن ... يفضي بجلاَّسها إلى الضَّجر كأنَّ أوتاره إذا قرعت ... حبال صوف شدَّت على حجر وله يصف بستانًا ورمّانًا: [من المنسرح] /148 أ/ كأنَّ بستاننا سماء ... فزهرها يانع الزُّهور تخال رمَّانة نهودًا ... يفترُّ إن فضَّ عن ثغور وقال في صفة نهر: [من الكامل] وزبر جديِّ الجانبين كأنَّما ... سنَّت عليه الشَّمس درع نضار ظلنا بشاطئه الأنيق كأنَّنا ... ما بين صفحة وجنة وعذار وقوله في صبّاخ: [من الطويل]

وطاه أعذناه بطاها وقد أتى ... بأطعمة تزهى بنشر ومنظر وبثَّ صحافاً في خوان كأَّننا ... أطفنا بروض منه أفيح مزهر ولم ندر لمَّا باشرتها نجومها ... ببدر ومرِّيخ وشمسٍ ومشترى أدارات أقمار بدت في سماطنا ... فعاًد سماءً أم دوائر أبحر وقال في قوس قزج: [من الطويل] نداماي عاطوني بغير تقُّبض ... مشعشة أنفاسها تبسط النَّفسا فلو شمتم قوس السَّحاب وقد بدت ... وبالغتم في وصفها خلتم الشَّمسا عرضيَّة قد خطَّ بركار حذقها ... بخمسة ألوان دوائرها الخمسا /148 ب/ وله يصف الليل: [من الرمل] ربَّ ليل زيَّنت أنجمه ... تاجه المسكيَّ بالدُّرِّ النَّفيس كمسامير من الفضَّة قد ... سمرِّت في قبَّة من أبنوس وقال يصف الرمِّان: [من مجزوء الخفيف] أكرم برمَّان مهد ... ما شاب ودّاً بغشِّ يبدو كأحقاق تبرٍ ... فيها فصوص بلخش وله في متنزهَّ: [من المتقارب] وروض أحاط به جدول ... كما أنساب في سعيه الأرقط أطلَّ علينا به واضح ... أحبشُّ كما صخب الأشمط وأهدى لنا برداً خلته ... عقوداً على سندس تفرط وله يذم حمّاماً: [من المديد] زادني حمَّامكم طبعًا ... ضرَّني بردًا وما نفعا فكأنِّني قنفذ حذر ... مقشعراً فيه مجتمعا من رآني فيه مرتعدًا ... خال بي من برده زمعا /149 أ/ وقال يهجو: [من المتقارب]

أرى المجد إن جاءه مادح ... تنَّمر كالحنق المستشيط فتّى من يده كعروض الطَّويـ ... ل فياليتها ضرب ثاني البسيط وله في الشمعة: [من الطويل] حكتني وقد أودى بي الحبُّ شمعة ... وإن كنت صّبًا دونها متوجعا ضنى وسهاداً واصفراراً ودقَّة ... وصبراً وصمتًا واحتراقًا وأدمعا وقوله في غلام دخل الحمام: [من الرمل] كان في الحمَّام لمَّا وقفا ... أحسن العالم وجهًا وقفا كلَّما باشر طرفي عاريًا ... ناشرًا طرَّته منعطفا لاح ليل في ضحى في قمر ... في قضيب في كثيب في خفا وله في غلام جامع: [من الطويل] أتاني وقد قبَّلت فاه مشنَّفا ... وراح من الأرداف يمشي تكلُّفا وأوضح عذري فيه عند عواذلي ... عذار أسيلية فسالا فأسدفا هلالين في بدر وليلين في ضحى ... ونارين في ماء وحقفين في خفا /149 ب/ وقال في المدّ: [من الخفيف] زارنا المدُّ في أوان بديع ... فأرانا طراز ثوب الرَّبيع ضجرًا مثل عاذلي كدراً يحـ ... كيه عيشي مورَّدا كدموعي كلَّما أنصبَّ مزبداً من وراء السُّـ ... كر حاكي خناجراً في دروع فهو كالغضب سلَّ في الحرب للضر ... ب صقيلاً مضرَّجا بنجيع يتلوَّى تحت الحباب وينسا ... بُّ فيحكي سعي الحباب المروع أوهمتنا تلك الدَّوائر في تـ ... يَّاره أنَّ عزمه في الرُّجوع وأعدَّ الرَّبيع في جانبيه ... خلعًا حاكها لكلِّ خليع وقال أيضًا: [من البسيط] بدت لنا في قناعٍ أزرق نظمت ... فيه الجمان وماجت وانثنت هيفا

فالشُّهب في الأفق فوق اللَّيل فوق ضحى ... والبدر في الغصن فوق الحقف فوق خفا وقوله: [من الكامل] سفرت ضحى فأرتك حسنًا وافي ... بيضاء يمرض حبُّها ويعافي رشائَّية الأحداق صهبائَّية الأ ... رياق روحانَّية الأوصاف /150 أ/ لله ليلة بتُّ وهي ضجيعتي ... تختال في ثوبي تقًى وعفاف في روضة راض النَّدى أقطارها ... فتأرَّجت قطريَّة الأطراف والبان قد أرخى ذوائبة على ... غدر غدت ترتجُّ كالأرداف وكأنَّ زهر الأقحوان مباسم ... مفتروة شرفت عن استرشاف طاسات ورق صبَّ فيها خمرة .. صفراء فاقعة إلى الأنصاف والنَّسر تلقاء الهلال كما عفا ... نؤي تقابله ثلاث أثافي وكأنَّما شهب المجرَّة لؤلؤ ... رطب تبدَّد في خليجٍ صافي وقال في إنسان لئيم: [من الرجز] يا من غدا ذا صورة نحيفة ... وهامة كالقرعة الخفيفة تسعى به همَّته الطَّفيفة ... في طرق من جهله مخوفه خلتك في خلقتك السَّخيفه ... كبرقة الأبخر فوق الجيفه وله في رجل جواد راكب فرس: [من الطويل] جواد إذا أجرى الجواد إلى مدى ... أراك براقًا طار منه ببارق فديتهما من شازب تحت واهب ... لقد أرياني حاتمًا فوق لاحق /150 ب/ وقال في الباقلاء: [من المنسرح] أما ترى الباقلاء كيف غدا ... يبوح من سره بما يخفي نشوان يثني والرِّيح وانية ... على الحيا منه السن العرف كأنَّما كلُّ زهرة ظهرت ... منه بلا مرية ولا خلف بدران في هالتيهما كسفا ... من تحت غيم مشمَّر السُّجف

وقال في غلام جامع أوصاف: [من الطويل] له غزَّة في طرَّة فوق عارض ... وخال على خدِّ يحار له طرفي وثغر شتيت كالجمان وريقه ... صفت فهي كافوريُّة اللَّون والعرف ووجه منير فوق قدٍّ مهفهف ... على كفل راب يجلُّ عن الوصف كأنَّ الذي عاينته من جماله ... بلا شبهة فيما أقول ولا خلف ضحى في دجى مسك وآس على لظى ... دجى في طلا بدر وغصن على حقف وقال في المدّ: [من المنسرح] أنظر إلى المدِّ كيف يندفق ... كأنَّه لاحمراره علق /151 أ/ تجد دماء المحول تسفكها ... صوارم البرق حين تمتشق يخشى على أرضنا إذا أضطربت ... في حافتيه أمواجه الغرق يخرُّ في رقشة الحباب كما أنـ ... ساب وقد فحَّ أرقم فرق وله في المنقل والنار: [من مجزوء الرمل] من رأى المنقل إذ را ... ح من الرِّيح خفوقا حسب الفحم وقد أو ... دت به النَّار حريقا فأحالت قضب العنـ ... بر كافوراً سحيقا سبجًا أصبح بلُّو ... راً وقد كان عقيقا وقال وقد جاءه بطيخ زبشي من صديق له هديّةً: [من الطويل] أمولاي فخر الدِّين يا خير من غدا ... يسوء عدوِّي أو يسرُّ صديقي حكى زبشي جاء منك هديَّةً ... يعبِّر عن ودٍّ لديك وثيق كرات من البلُّور في غلف سندس ... وقد رصِّعت فيها فصوص عقيق /151 ب/ وله يصف الشقيق: [من مخلّع البسيط] كأنَّما زهرة الشَّقيق ... في الرَّوض جام من العقيق قد خطَّ وسطها صليب ... من خالص العنبر السَّحيق

وقوله في مفارق: [من الخفيف] كنت منه مثل الدَّخيل من التَّأ ... سيس في وصله بحسن أتِّفاق فقضى الله أن أصير كحرف الـ ... جزم في هجرة من الإطلاق وقال يصف الورد والمنثور: [من السريع] باكرنا الشَّمس فأهدى لنا ... زهراً يحاكي زهر أخلاقه وقد حكى منثوره بيننا ... صلبان ياقوت لإشراقه وورده الأحمر قد أرمدت ... ريح الصَّبا ساهي أحداقه وورده الأصفر غبَّ النَّدى ... قد أشبه الصَّبَّ بأوراقه يا حسنه من زهر نشره ... يبشِّر المضنى بإفراقه بعرفه عرَّفنا أنَّه ... مسترق من طيب أعراقه /152 أ/ وقال في البان: [من مجزوء الكامل] للبان أشرف منزله ... شهدت به النُّدماء له ومادب الشَّب أنثنت ... بالزًّهر منه محمَّله من كلِّ ناظرة تشيـ ... ر إلى الصَّبوح بأنمله وافى يبشِّرنا بأيَّـ ... ام الرَّبيع المقبله فلذاك راح يميس في ... خلع الحرير المخمله وقال في الوكف والبراغيث: [من الخفيف] لعن الله غرفة بتُّ فيها ... تحت سقف كأنَّه غربال كلُّ قطر منها وقد أقلع القطـ ... ر إلى الفجر عارض هطَّال فالبراغيث راقصات على إيـ ... قاع وكف أخفُّ منه الجبال وله في التين: [من مجزوء الكامل] أهدى لنا من لم يزل ... يعطي المؤمِّل ما سأل تينًا جنّيًا أشبه الـ ... خشخاش يطبخ بالعسل

/152 ب/ وغدا المختَّم منه كا ... لأفواه ضمَّت للقبل أو كالنُّهود تكلَّلت ... عرقًا قد أضحى يطل قدم الخريف فراعه ... واصفرَّ من فرط الأجل فكأنَّه فوق الشّما ... ل بمذهب الرَّيط أشتمل وقال يصف الديك والسّماني: [من المتقارب] كأنَّ السُّماني إذا أطلقت ... وجاوبها ديكنا فارتجل فصيحان قد مهرا في العروض ... وبينهما طال فيه الجدل فتلك تقطِّع بيت الغريب ... وهذا يقطِّع بيت الرَّمل وله في شقيقة: [من السريع] أنظر معي ما تلك في روضنا ... شقيقة أم جذوة تضرم كأنَّها في الشَّمس لمَّا بدت ... جهنَّم في قعرها مجرم وله يصف زورقًا ركبه الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي: [من البسيط] /153 أ/ حلَّ العزيز غياث الدِّين مذهبةً ... من سقمها لا يهاب الموج عائمها كالبحر تخرق تَّيار الفرات به ... نار تاجَّج فوق الماء جاحمها كأنَّ زورقه من فرط سرعته ... وقد جرى بين أمواج يصادمها نسر تطير به في الماء أجنحة ... من المقاذيف من تبرٍ قوادمها وقال أيضًا: [من الخفيف] زار ليلاً والصُّبح تحت لثامه ... فشفاني بلثمه وألتزامه وسقاني الطِّلا فبتُّ وبي سكـ ... ران من ريقه وكأس مدامه ونجوم الظَّلام كاللُّؤلؤ المنـ ... ثور قد فضَّ عنه عقد نظامه وجرى أدعم الدُّجى من هلال ... وثريَّا في سرجه ولجامه وله يصف الليل والنجوم: [من الخفيف]

ربَّ ليل مسكيِّ ثوب الظَّلام ... بات يحكي هلاله قوس رامي والثُّريَّا كأنَّه غرض قد ... لاح فيه آثار وقع السِّهام وقال يصف الرمح: [من المتقارب] وأسمر أزرق طرف السِّنان ... كما أتَّقدت شغلة في دخان /153 ب/ على رأسه لهذم كالقضاء ... في أكعب كصروف الزَّمان يودُّ الدُّجى مذ حكى لونه ... بأن لو حكى عطفه في اللِّيان فمنه تغار ومن خرصه ... نجوم الدُّجى وقدود الحسان فلم تدر إن واجهته الصَّبا ... أرمح تأوَّد أم غصن بان يضمُّ العزيز عليه يداً ... معوَّدة للندى والطِّعان فيوم لحطم صدر القنا ... ويوم للثم ثغور القناني وله يصف المشمش: [من الوافر] كأنَّ المشمش المصفرَّ يبدو ... مع المخضرِّ منه للعيون كرات زمرُّد خرطت وتبر ... لترشفها صوالجة الغصون وقال في صحن حلاوة وكعك وكليجا وخشكنان، جاءه هدية من بعض الكبراء: [من الخفيف] وصلتني هديَّة منك لا ينـ ... هض فكري بشكرها ولساني طبقًا قد بعثت يا بدر لي أم .... أفقًا قد حوى نجوم قران /154 أ/ شمس جام الحلوى تغير بأقما ... ر الكليجا أهلَّة الخشكنان وقال يصف فرسا شد عليه أسود: [من الطويل] وأشهب طرف أشبه الطَّرف سرعةً ... فأحسن شيء قابل المرء مرآه أطاف به من حام أسود سائس ... فخلنا الدُّجى أمَّ النَّهار ليغشاه فألجم نجمًا أوضحًا بهلاله ... وأسرج برقًا أو صبًا بثريَّاه وله يصف مجلسًا: [من الطويل] وقفت على ربع الجمال وقد خلا ... ويا قلَّما يغني وقوفي بمغناه وعهدي بنا كالعقد وهو فريده .. ومجلسه ونجن ثريَّاه

فقلت لصحبي ساعدوني بأدمع ... غزار كجود المزن أو جود يمناه فهذا عكاظ الفضل بل أين قسُّه ... وذا طور سينا المجد بل أين موساه كأنَّ عليًا كان بيت قصيدة ... دهانا الرَّدى في لفظه دون معناه وله في صفة جيش: [من الطويل] سرى جيشه والأرض ترجف هيبةً ... كأنَّ ثناياها قلوب أعاديه /154 ب/ قلوع صواري سفن أبحر الها ... بنود عوالي أسد جرد مذاكيه وقال في صفة شجاع: [من السريع] يا أسداً في كلِّ يوم له ... صولة فتك بأعاديه فالحرب عين هو إنسانها ... وهدبها سمر عواليه وله يصف طاسةً فيها لباء أهدي له من بعض الشرفاء: [من مجزوء الرجز] تفديك أمِّي وأبي ... يا جعفر ابن مصعب مولاي فخر الدِّين يا ... خير بني بنت النَّبي أحيا اللِّبالِّبي وقد ... أخبر عن بركِّ بي يحكي الضَّريب للمسه ... وطعمه كالضَّرب واجهت من مرآته ... وجه المنى عن كثب وقلت من عجبي وقد ... أذهلني واعجبي من قمريِّ فضَّة ... في هالة من ذهب وقال يصف التين: [من السريع] /155 أ/ يا حبَّذا تين حبانا به ... يوم عليل الرِّيح طلق الغداه مسكيَّة الأنفاس أفواهه ... شهية الأرياق لعس الشِّفاه يا حسنها من ثمرات لها ... بنانه طيِّبة في اللَّهاه [كأنَّما أشجارها عذِّيت ... للطيب والحسن بماء الحياه] فلو ترى أوراقها إذ غدت ... تسترها خوف عيون الجناه

لشمت منها أيديًا مدَّها ... كريم قومٍ ييوم جودٍ يداه وقال في غلام يلعب مزيدًا: [من الخفيف] ما على لعبه المزيد مزيد ... فيه قد أحرز اليد البيضاء رشا خفًّ ثمَّ شفَّ إلى أن ... كاد من لطفه يكون هواء فهو كالسَّهم حين يقفز إسرا ... عًا وكالقوس إذ يطيح إنحناء وله في غلام تركي: [من السريع] ظبي من التُّرك له مقلة ... تلعب بالأنفس كحلاء لا يفقه القول فعقبى له ... آثاره طوراً وإيماء وله في غلام راكب زورق: [من الوافر] /155 ب/ بدا والنَّهر أرقش ذو التواء ... بمركبه فأذهل كلَّ رائي غزال خلته إذ حلَّ فيه ... شهابًا في هلال في سماء فقلت لصاحبي: أنظر كيف يسعى ... بعقرب زورق ثعبان ماء وله في غلام ساق: [من السريع] لولا لحاظ الرشأ التَّائه ... ما لعب الحبُّ بحوبائه صاح به الحبِّ سكران من ... فتور جفنيه وصهبائه طاف به يضحك من أخذه ... أقداحها منَّا وإعطائه تنظر إن قابلته عاريًا ... وجهك من سائر أعضائه وله في غلام غريق: [من السريع] قطَّع فرط الحزن أحشائي ... لمَّا هوى كوكب أهوائي كأنَّني ورايت لمَّا ثوى ... في لحده أشرف أعضائي فقدته فقد شبابي فوا ... حزني ووافرحة أعدائي صوَّره خالقة درَّةً ... والدُّرُّ لا يقفو على الماء لا بدع إن مات غريقًا وأجـ ... فاني تغاديه بأنواء

/156 أ/ وله في غلام دخل الحمّام: [من المنسرح] باشر حمَّامنا فأذهلنا ... بحسنه وأستفزَّنا الطَّرب وماج مثل الغدير تمري ... بنان الرِّيح أخلافه فيضطرب وصبَّ ماءً على أرقَّ من الـ ... ماء فناديت إن= ذا عجب هما سواء الفرق بينهما ... أنَّهما جامد ومنسكب وقال في غلام أخلف وعده: [من السريع] أخلف وعدي فهو عرقوب ... شويدن لم يدر ما الحوب أقفر من رؤياه طرفي كما ... أقفر من أهليه ملحوب وقال في غلام أسود مجدور: [من البسيط] أعجب بأسود مجدور بصرت به ... كليلة لمعت في جنحها شهب ففر قداها إذا ظلماؤها اعتكرت ... عيناه حيث الثُّريَّا ثغره الشَّنب كأنَّه خمرة سوداء قد سكبت ... في جامها من فوقها حبب /156 ب/ وقال في غلام يبتسم: [من المتدارك] يا مبتسمًا عن ذي أشر ... تشفى بمراشفه الكرب ثغر تحكيه ثمانية ... شبهًا وإليها ينتسب درٌّ برد طلع شهب ... نور فلق برق حبب وله في غلام أسمه مالك: [من السريع] يا من غدا لي كاسمه وأنثنى ... للحظه في القلب مقلوبه إرحم فتى أنت مناه فما ... يحلُّ في دينك تعذيبه وقال في غلام رام: [من الكامل] ومهفهف يرنو فيطرف غيرةً ... منه وخوفًا قاضب وقضيب قمر بدا فتنزهَّت في حسنه ... منَّا عيون واتَّقته قلوب إنِّي لأعجب كيف يخطئ سهمه ... غرضًا ويرسل لحظه فيصيب وله في غلامٍ يودّع: [من الطويل]

وقفنا وقد راق العتاب له ولي ... كأنَّا وقدد قابلته شكلتا نصب تباكى دلالاً إذ بكيت صبابةً ... وأين دموع الحزن من أدمع العجب /157 أ/ ورحنا وقد عانقته لوداعه ... كغصنين ذوا ذابل وند رطب وقال في غلام مكسور الرجل [من مجزوء الرمل] سادتي رجل حبيبي ... كسرها غير عجيب كيف لا ينهمر البرديُّ ... من حمل الكثيب وله في غلام يروّح: [من الرمل] وغلام قلت إذ روَّحني ... عائدي لو شئت ما احتجت طبيبا بعث الأرواح نحوي أربعًا ... كلُّها تحمل من ريَّه طيبا بينما هبَّت دبورًا وصبًا ... لي إذ عادت شمالاً وجنوبا وله في غلام محموم: [من المنسرح] هزَّته حمَّاه فانثنى وصبا ... كما ثنى الغصن شمال وصبا وباشرت منه بأنة ونقًا ... فماس لينًا وماج وأضطربا ألقت عليه إكسيرها فغدا ... من بعد ما كان فضّة ذهبا وقبَّلت للوداع كأس فمٍ ... منه فأهدت لخمرها حببا وله في غلام هاجر: [من السريع] /157 ب/ يا موسعي هجراً وبعداً وما ... أسلفني وصلاً وتقريبا آخر ما قدَّمه غيره ... فقد أتى بالفعل مقلوبا حتَّى غدا في حاله مثل وا ... والعطف لا توجب ترتيبا وقال في غلام أطروش: [من الكامل] وأصممَّ أصماني بأسهم لحظه ... ما إن تعي أذناه قول مخاطب الغى الكلام فما عبارته سوى ... إيماء طرف أو إشارة حاجب فكأنَّه يخشى نميمة كاشحٍ ... أو سعي واشٍ أو عتاب مراقب

وقوله في غلام ألقاه الجوا: [من الخفيف] إنَّ خطبًا قد راع سربك يا سر ... بك أولى بالذَّم من كلِّ خطب كيف أقدمت مشبه الشَّمس حتَّى ... صرت تعلو على الشَّموس الصَّعب عفَّر النَّهد نهد أعفر بل بلـ ... بل منه ترائبًا بالتُّرب يا لقومي ويا لصحبي هوى النَّجـ ... م صريعًا يفديه قومي وصحبي عجبي كيف لم أمت حين ألقا ... هـ على الأرض واقساوة قلبي وله في غلام يكتب بالذهب على الزجاج: [من البسيط] /158 أ/ بمهجتي كاتب فاق الورى فلقد ... أفادني العجب لمَّا جاء بالعجب لو لم تكن سمياء الفضل في يده ... ما راح يكتب فوق الماء بالذهب وقوله في غلام قارئ: [من الوافر] أقول له وقد قرأ المثاني ... فرتَّلها بلفظ مستطاب أعيذك يا أتَّم النَّاس حسنًا ... بما تتلوه من آي الكتاب وقال في غلام قصير: [من البسيط] عابوه عندي وقالوا شأنه قصر ... ومثل ذلك يأباه ذوو الأدب فقلت: كفُّوا فحدُّ السَّيف أقتل من ... خرص المثقَّف يوم المأقط الأشب ما يلزم البان عابًا كونه نشأت ... أغصانه وهي دون الطُّول في القضب وقال في غلام يلعب مزيداً: [من الخفيف] لو رآه إذ راح يلعب في الرَّو ... ض مزيدًا في غلمة أتراب لتأمَّلت منه وهو غزال ... وثبة اللَّيث وانقضاض العقاب ولأعظمته وشبَّته بالـ ... بدر حسنًا وسرعةً بالشِّهاب /158 ب/ وله في غلام حسن الذؤابة: [من الوافر] رنا عن مقلة الرَّشأ الرَّبيب ... وماس بمعطف الغصن الرَّطيب غلام دون رشف لماه صدُّ ... أليم غضَّ من جلد الكئيب إذا ناست ذؤابته أذابت ... بنار الحبِّ حبَّات القلوب

وقال في غلام محتجب: [من مخلّع البسيط] يا راحلاً عن سواد عيني ... ونازلًا في سواد قلبي ومن غدا الوصل غير سهلٍ ... عليه والهجر غير صعب دارك لمَّا احتجبت فيها ... تضني الورى جفوة وتصبي كناس ظبيٍ عرين ليث ... هالة بدر قراب عضب وقوله في غلام أسود: [من السريع] قالوا: غدا يخضع من جهله ... لأسود هام به حين شاب وكيف لا أعشق من لونه ... يذكرني لذَّة غضَّ الشَّباب لو لم يعن لون البياض الورى ... ما ستروا شيبهم بالخضاب وله في غلام حيَّا بعنقود عنب: [من مجزوء الرجز] /159 أ/ حيَّا بعنقود عنب ... إذا أستشفَّ في اللَّهب حاكى القناني ملئت ... خمراً لها الحبُّ حبب شويدن عشقي له ... يغضبه كلَّ الغضب وقال في غلام أعمى: [من الطويل] لئن كان من بعد العمى قلَّما أحتمى ... لماه من التَّقبيل أو وجناته فقد يطمع الأعداء في فتح معقل ... منيع إذا ما غاب عنه حماته وله في غلام يرمي ليلة الميلاد: [من المنسرح] شبَّهت من بات ناظري ليلة الـ ... ميلاد يرنو إليه مبهوتا بالبدر يرمي عن الهلال بشهـ ... ب الرَّجم من حوله عفاريتا وله في غلام محارب: [من الطويل] وغاز لنا يوم الحراب غزيل ... ثناياه دوٌّ الشِّفاه يواقيت وفي الكبد منه وهو كاللَّيث شادن ... كحيل بفرط الحسن والبأس منعوت فلو شمته يا صاح والنَّاس قد رنوا ... إليه وكلٌّ طرفه منه مبهوت

لعاينت بدرًا يتقي بغمامة ... بخرم رجومٍ أرسلتها عفاريت /159 ب/ وقال في غلام أخرس: [من الوافر] وأخرس لم يشنه لديَّ صمت ... يسوء مجالسًا ويسرُّ شامت بروحي من له في كلِّ عضوٍ ... فم بالحسن ينطق وهو ساكت وقوله في غلام بشفته شامة: [من السريع] شمت له في شفة شامةً ... توقف لحظ الطَّرف مبهوتا سوداء قد جرّد من جفنه ... لحفظها بيضًا مصاليتا كختم ندٍّ فوق حقٍّ من التِّـ ... بر حوى درّاً وياقوتا وله في غلام يجُّز بطيخًا: [من الكامل] خلناه لمَّا حزَّز البطَّيخ في الأ ... طباق بالسِّكين للفتيات بدراً يقدُّ من الشُّموس أهلَّةً ... بالبرق بين الشُّهب في هالات وله في غلام مغن لحان خارج: [من الرمل] ومغن جعلت ألحانه ... تبعث الشَّوق لقلبي فتهيجه راجح الأرداف مهضوم الحشا ... فالصَّبا تثنيه لينًا وتميجه أطرب النَّحويَّ شجواً لحنه ... وسبى الدَّاخل في الشَّدو خروجه /160 أ/وقوله في غلام بشفته خال: [من البسيط] وشادن خلت منه الخال في شفة ... ندّاً يضوع له في جمرها أرج شبَّهت فاه لتقبيلي ... بخاتم من عقيق فصُّه سبج وقال في غلام أرزق العينين: [من الرجز] وأزرق العينين يبدي وجهه ... لناظريه قمرًا حيث أتَّجه ينظر عن فاترة كأنَّها ... نرجسة في وسطها بنفسجه تحيط منها مقلة بناظرٍ ... إحاطة الدُّرة بالفيروزجه وقله في غلام أسود الثنَّية: [من المنسرح] يا ضاحكًا أصبحت ثنيته السَّـ ... وداء في عقد ثغره سبجه

يلثم منه فمي بنفسجةً ... تعزى إلى أققحوانة أرجه وله في غلام يهودي: [من البسيط] يا مفسداً نجو إسلامي ومحتملي ... صلني بحرمة من لله قد ناجى لي عبرة أيُّها العبريُّ واكفة ... كادت تطبِّق وجه الأرض أمواجا /160 ب/ لو كنت في قوم هارون لما عبدوا ... من دونك العجل بل جاؤوك أفواجا وقال في غلام أسود: [من مجزوء الخفيف] لي حبيب أحوى حكى الـ ... مسك في اللَّون والأرج حبشيٌّ قد صاغه اللـ ... هـ من عنصر الدَّعج صنم قال من لحا ... ني في حبِّه ولج ويج ألَّا كلفت بالا ... بيض الأكحل الأرج قلت دعني فطالما ... زيَّن الُّلؤلؤ السَّبج وقال في غلام في شعره بياض: [من مجزوء الرجز] فرعك أبدى وضحا ... عذري به قد وضجا أرضي مصافيك وقد ... أخرس من فيك لحا قد كنت بدراً في دجًى ... فصرت شمسًا في ضحى وقال في غلام يضحك: [من الخفيف] قلت أبكي أسى وتضحك ما با ... ل همومي تغريك بالأفراح /161 أ/ قال مهلاً فذاك غير عجيب ... من بكاء الغمام ضحكم الأقاحي وقال في غلام بخيل بالوداع: [من البسيط] رحلت عنك فما ودَّعتني مللاً ... وقد رقدت فما أهديت لي شبحا مالي ومالك قد أصحبت منعكفًا ... وبي أمسيت مطَّرحا وله في غلام يصّلي بالناس: [من السريع]

صلَّى فأصلى مهجات الورى ... بنار وجد قلَّما تخمد وارتجَّ وأهتزَّ كما ينثني ... فوق الكثيب الغصن الأملد أيُّ صلاة لهم خلفه ... إذا أنحنى يركع أو يسجد وله في غلام بخدِّ خال: [من الخفيف] قلت لمَّما بداً فأخجل بدر التَّ ... م وجهًا وأغصن البان قدَّا أيُّها النَّار نار وجنته كو ... ني على خاله سلامًا وبردا وقال في غلام يعذَّب بالنار: [من الخفيف] /161 ب/ قلت إذ عذبوه بالنَّار عمداً ... وهو عار كالنَّصل فارق غمدا كيف يخشى حرارة النَّار واليا ... قوت يزداد في لظى النَّار بردا زاد حسنًا لأنَّه الذَّهب الخا ... لص تغليه حين تحميه نقدا وله في غلام زجَّاج: [من السريع] يا حسن زجَّاج تأمَّلته ... فكدت أن ألثم حبّاً يده فقال عجبًا وزجاجاته ... ذائبة في ناره الموقده ويحك لا تعجب لفعلي بها ... فهكذا أفعل بالأفئده وقال فيه أيضًا: [من الرجز] فديت زجَّاجاً أزجَّ لو غدا ... طرفك يا صاح له مشاهدا عجبت من آنية يصدرها ... من ذائب النَّار هواءً جامدا وله في غلام أرمد: [من السريع] ناديت لمَّا إن غدا طرفه ... يسترق التَّوريد من خدِّه لا تعجبوا إن رمدت عينه ... فالسَّيف قد يصدأ في غمده وقوله في غلام مليح النود: [من مجزوء الكامل] /162 أ/ رشا جواريُّ النُّهود ... جوريُّ وردات الخددود غضبان أقبل عاريًا ... يختال في ثوب الصُّدود

وكأنَّما الحلم المصنـ ... دل فوق عاجيِّ النُّهودد أحقاق بلُّور باغـ ... طية لها أزرار عود وقال في غلام قاض: [من الكامل] قاض غدا ورد وجنتيه ندًى ... يفديه قلبي وناظري ويدي في حكمه يقتل البرئ بلا ... جرم وفي شرعه القتيل يدي قد عرف النَّاس جور سيرته ... فكم أصاروه حاكم البلد وقال في غلام لابس أصفر: [من المنسرح] قالوا: رنا من تحبُّ ملتفتًا ... عن طرف ظبي النَّقا وعن جيده في حلَّة مثل جلد عاشقه ... في اللَّون لا بل أرقُّ من جلده صفراء يغدو البهار منبهراً ... منها ويغضي النُّضار من حسده فقلت ما تلك من ملابسه ... من بعد ما حار خاطري وشده وإنَّما شمس وجهه عكست ... شعاع أنوارها على جسده /162 ب/ وقال في غلام يلعب بالنَّرد: [من السريع] وشادن يلعب بالنَّرد ... مرد غدا من أحسن المرد يا ليتني مهركه لم أزل ... يبعث بي في الأخذ والرَّدِّ وقوله في غلام في يده خيري: [من مجزوء الرمل] وحبيب في يديه ... سرج القطرب تبدي في ذرى المينا قبابًا ... من كرات اللاًزورد وله في غلام زمن: [من المجتث] زمنت طوع زمان ... مغرى بهدم القواعد وإن يكن في هبوط ... فنجم حسنك صاعد يا من أقام هواه ... قيامتي وهو قاعد

وقال فيه: [من الوافر] وذي زمن تعسَّفني زماني ... فبات له على ظلمي مساعد ملول كّم أقام هواه عمدًا ... قيامة عاشقيه وهو قاعد وله في غلام يكنس الثلج: [من الكامل] /163 أ/ وافى عقيب الثَّلج يكنس سطحه ... رام حشاي بسهم لحظ مقصد فكأنَّه يسقى برادة فضَّة ... تنهال فوق صفائح من عسجد أو خالص الكافور ذرَّ سحيقه ... من فوق صرح للعقيق ممرَّد فجعلت أنشد والهوى يطوي الحشا ... منِّي على وجد مقيم مقعد والله ما أبصرت يومًا أبيضًا ... إلاَّ بليت بلحظ طرفٍ أسود وقال في غلام أشتر: [من المنسرح] فاهوا بلومي لما كلفت به ... أشتر غيري في مثله زاهد فقلت مهلًا فذا كبيت قصـ ... يد الحسن لا عيب فيه للناقد قد ألتقى ساكنان فيه وقد ... حرِّك بالكسر منهما الواحد وقال في غلام حوله سيوف مشهورة: [من الطويل] وأصيد من أبناء فارس دونه ... لبيض الظُّبا قدٌّ وللسُّمر تنفيذ تأملته والمشرفَّية حوله ... كآنَّ سناها من محيَّاه مأخوذ فكنت كعفريت من الجنِّ مارد ... أطاف بذي مسٍّ عليه تعاويذ /163 ب/ وقال في غلام فهَّاد: [من السريع] فهدك لو يرسل يومًا على ... مشبهك الخشف لما صاده ربيته جرواً فقد أصبحت ... مودَّة الظَّبيي له عادع فعذره في أنَّه لم يصد ... كونك يا شادن فهَّاده وله في غلام عوّاد: [من الرجز] وشادن شاد أيادي الأدا ... رضاه والسُّخط ضلالي والهدى إن جسَّ نبض عوده وغرَّدا ... أفحم قسّاً وأسترقَّ معبدًا تمنَّت الورقاء لمَّا أن شدا ... لو قبَّلت منه اللَّسان واليدا

أوتاره من حذقه إذا شدا ... أحلى لما يورده من الصَّدى وقوله في غلام محدّث: [من السريع] محدِّث تحدث أمراضنا ... أجفانه الفاتنة الفاتره كأنَّه والنَّاس من حوله ... بدر عليه هالة دائره وقال في غلام فقير سائخ: [من البسيط] /164 أ/ وساحر حاسر عن لمَّة شهدت ... لوجهه أنَّه في ليلها قمر أغراه بالقفر حبٌّ الفقر مسلكه ... فرداً يخفِّره في الوحشة الخفر كالظَّبي ينفر ممَّن رام صحبته ... منَّا وتؤنسه في الخلوة السُّور كأنَّما فرعه والفرق يقسمه ... في النِّصف ليل بهيم شقَّه سحر وله في غلام راكب زورق: [من البسيط] وشادن أذهل الرَّائين حين بدا ... يسعى به زورق في الشَّطِّ منحدر إذا جرى في سماء الماء قلت لهم ... لا تعجبوا قد يحلُّ العقرب القمر وقال في غلام بوجهه أثر كلم أزرق العين: [من الكامل] قالوا: بوجه حبيبه أثر ... قد غضَّ منه فعافه النَّظر فأجبتهم: وبذاك قام لنا ... فيه الدَّليل بأنَّه القمر قالوا: وقد أزرى به زرق ... فاجبتهم: عن ذاك اعتذر لم يحكه في فتك ناظره ... واللَّون إلاَّ الصَّارم الذَّكر وله في غلام مغن راقص: [من البسيط] /164 بم وراقص راضه الإيقاع فامتثلت ... أعطافه ما يقول النأي والوتر إذا أنثنى فاهم البم عوده ... المثنى وقد ماد حتَّى كاد ينهصر لم يبق فينا فتى إلَّا بدا وشدا ... إلاَّ وفدَّاه منه السَّمع والبصر ولا شكَّ في أنَّه غصن يميس ولا ... أدري أمريَّة تعلوه أم قمر

وقال في غلام نحات البلاط: [من السريع] وحاذق بالنَّحت أمسيت من ... خمر هواه البحث مخمورا راض محيَّاه فتيت الصَّفا ... حتَّى أستحالت ناره نورا كأنَّ كفا الحسن ذرَّت على ... تفاحتي خدَّيه كافورا أقول والموجنة منه غدا ... ياقوتها الأحمر بلَّورا يا شادنًا أصبح بين الورى ... بالحسن والإحسان مشهورا وابأبي وجهك من جوهر ... أحاله التَّغيير تغييرا حتَّى حسبنا هبوة ذرَّهًا ... عليه إكسرك إكسيرا وله في غلام يرقص ويغني: [من البسيط] /165 أ/ يا من غدا الحسن فينا إذ بدا وشدا ... مقسَّما بين أبصار وأسماع قاسوك بالغصن رقصًا والهزار عنًا ... وما يقاس بميَّاد وسجَّاع قد تسجع الورق لكن غير داخلة ... ويرقص البان بل في غير إيقاع وقال في غلام لابس آله الحرب: [من الطويل] وأصيد وافانا بلامة حربه ... فخلناه بدراً حلَّ هالة مغفر فما إن بدا حتَّى أتاه بأشهب ... ركائبه خلناه دمية مرمر فألجم فجراً للثريَّا أديمه ... وأسرج برقًا بالهلال لنِّسر وقوله في غلام لابس أحمر: [من الوافر] وبدر في قضيب في كثيب ... تجلَّى في قميص جلَّناري سقاني [عذب] ريقته وحيَّا ... بوجنته فأطفأ جلَّ ناري وقال في غلام خدَّه شامة تنبت الشعر: [من الطويل] وما أنبتت في خدِّه الآس شامة ... لتزري بالمحمر من جلَّناره /165 ب/ [و] لكن أراد الحسن تكميل خلقه ... فجاء بها أنموذجًا لعذاره وله في غلام محجوب: [من الكامل] إن كان قد حجبوه عنِّي غيرةً ... منهم عليه فقد قنعت بذكره كالمسك ضاع لنا وضاع مكانه ... عنَّا فأغنى نشره عن نشره

وله في غلام محارب: [من السريع] واحربا حيَّر ألبابنا ... محارب كالشادن الأحور خلناه لمَّا أختال بالخوذة السَّـ ... وداء في لبَّاده الأحمر شقيقة لفَّ على غصنها ... أوراقها في الشَّكل والمنظر وقوله في غلام واعظ: [من الخفيف] بأبي واعظ لطيف السَّجايا ... علقته النُّفوس علقًا نفيسا قمر حلَّ أفق ناد يضاهي ... فلك الشَّمس للنُّجوم جليسا خلته وهو ناطق وقد أستجـ ... ليت فوق الكرسيِّ منه عروسا يوسفًا فوق [عرش] بلقيس في صر ... ح سليمان ماليًا صحف موسى وقال في غلام أعرج: [من الكامل] /166 أ/ ما غضَّ منه وقد ألمَّ برجله ... عرج يقصِّر من خطاه إذا مشى بل زانه وأناس منه ذؤابة ... وأماجه كفلاً ورنَّحه حشا وقال في غلام غليظ الساقين: [من السريع] فديت من يسخط ما أرتضي ... منه ويهوى أبداً مبغضي مقرح جفني محرقي بالجنى ... من لي بذاك الممرض الممرض أنكرت سقمي وغدا هاجري ... أفديه من معترض معرض تموج من ساقيه أردافه ... على عمودي مرمر أبيض وقال في غلام رام ليلة الميلاك: [من السريع] وربَّ رام عنج لو رمى ... شهب الثُّريَّا لغدت صرعى كبَّرت لمَّا أن سطا ضيغمًا ... وراح يعطو رشاً سبعا أحسد سهمًا بات يدنيه منـ ... هـ المدُّلو لم يقضه نزعا لليلة الميلاد عندي يد ... من أجله حقَّ بأن ترعى /166 ب/ كأنَّما نشَّابه أنجم ... ترجم من يسترق السَّمعا

عوَّذته والقوس في كفِّه ... خوفًا على الظَّبي من الأفعى رشقاء يلقيها لنا حيَّة ... لا كعصا موسى التَّي تسعى وله في غلام أسمه سيف: [من الكامل] ومعشَّق الحركات يشمخ عزَّة ... فيقلُّ صبر العاشق المتواضع سمَّوه سيفًا فأنثنى متجنِّبًا ... كالسَّيف يلعب بالقضيب القاطع وله في غلام شجّ حاجبه: [من البسيط] وحاجب قلت لمَّا شجَّ حاجبه ... وانحلَّ من صدغه ما كان منعطفا لا تعجبوا أيُّها الرَّاؤون منه فقد ... أفادنا الحسن من تصريفه طرفا قالوا وإن حرِّكت في اللَّفظ منفتحًا ... ما قبلها قلبت في حالها ألفا وقال في غلام نظر إلى كسوف القمر: [من مخلع البسيط] أقبل والبدر في أحتراق ... يمشي ولا مشية النَّزيف يجيل فينا لحاظ ظرف ... أفتك حدّاً من السُّيوف /167 أ/ أهيف عاينت منه غصنًا ... غضَّ الجنى داني القطوف فقلت يا بدر ليل أنسي ... حاشاك من مثل ذا الكسوف وقال في غلام نحوي عروضي: [من الطويل] وطارحني في النَّحو يومًا شويدن ... له منطق حلو يدل على الظَّرف فتى نسخ الإضراب والجحد وعده ... وأعرض عن جمع السَّلامة والعطف وقد منعتني علَّتان لصدغه ... وطرَّته فرعيتان من الصَّرف عروضيُّ إعراض لتقطع مهجتي ... أبي البسط إلاَّ أن يرى القبض في الكفِّ فلو بيت وصل حازه وأبن أحمد ... لبات يجيز الضَّمَّ في ألف الرِّدف وله في غلام مريض: [من السريع] يا قمراً محَّ لمحو الضَّنى ... بهاؤه الوافي وإشراقه

حتَّى غدا من سقم جثمانه .. كأنَّه للضَّعف ميثاقه وأقلعت حمَّاه لمَّا أنتهى ... خوف مواليه وإشفاقه شفاؤه شفَّ قلوب العدا ... وأفرق الحسَّاد إفراقه /167 ب/ وقال في المعنى: [من الخفيف] هزَّ منه السَّقام غضًا رشيقًا ... واتضاه للفتك سيفًا رقيقا صنم أوردته صالب حمَّا .... هـ حريقًا وأصدرته غريقا بعدما عاد منه للتبر تربًا ... جسد كان للشقيق شقيقا ذهبًا صار في لظاها وقد با ... شر إكسيرها وكان عقيقا وقوله في غلام حيّا بفقاع: [من الرجز] لم أشرب الفقَّاع إذ حيَّا به ... بدر تغار الشَّمس من شروقه لأنَّني خالفت قول المرتضى ... فيه ولا شككت في تصديقه وله في غلام مواصل: [من مخلع البسيط] وليلة بتُّها وحِّبي ... أشكوا إليه الهوى وأشكو تقبح بالعاشق المعنَّى ... في مثلها عفَّة ونسك أشرب من فيه كأس خمر ... ختامها من لماه مسك وله في غلام طبيب: [من الطويل] غلام تفوق النَّيِّرات دلائله ... ترق سجاياه وتحول شمائله /168 أ/ إذا عاد ذا سقم نفى عنه داءه ... وقاطعه ما كان منه يواصله يفسر من تفسيره المرء كنه ما ... تضمَّنه أحشاؤه ومفاصله يكاد إذا جسًّ المريض بنانه ... تكلِّمه أسقامه وبلابله ويعلم بالدَّاء الدَّخيل لحذقه ... إذا باشرت نبض العروق أنامله وله في غلام يقود كبشًا: [من البسيط] وقائد كبشه نحوي لأذبحه ... وحكمه فيه لا بل في مقبول

فخلته كبش إبراهيم جاء به ... يوم الفداء أمين الله جبريل وله في غلام خبّاز: [من الخفيف] من مجيري يا قوم من جور خبَّـ ... از هواه أذلَّني وأدلَّه عوَّذته إذ صوَّر الكعك والأقـ ... راص والخشكنان زادوه بالله فتوهَّمته تينة وكلُّ منهم ... باهت إليه مدلَّه قمراً صاغ أنجمًا وبدوراً ... من هيولى عجينه وأهلَّه وله في غلام حامل قوس: [من الوافر] وقوس تلتقي الطَّرفان منها ... تروقك وهي مرخاة جمالا /16 ب/ تخالف خلق حاملها وتحكي ... خلائقه أعوجاجًا وأعتدالا لو أنَّك حين وتَّرها تراها ... عجبت لهالة صارت هلالا وله في غلام أحدب: [من الوافر] وقالوا لم كلفت وفيك لطف ... بأحدب وهو أجدر بالملاله فقلت لأنَّ ذلك غير مزر ... به قد تدخل الألف الإماله وله في غلام نحوي: [من الطويل] ومتَّصف بالنَّحو أغرب حسنه ... فأورد إشكالاً غدا عنه مسؤولا سقامي فعل لازم وصدوده ... له فاعل لم صِّير القلب مفعولا وقال في غلام يجزّ البطيخ: [من الخفيف] وغلام يجزُّ بطِّيخة في اللَّـ ... ون مثلي وفي المذاقة مثله لأناس غرٍّ على طبق في ... مجلس مشرق يشابه أهله مدَّ بدر شمسًا بأفق لشهب اللَّـ ... يل في هالة ببرق أهلَّه وقوله في غلام يلعب بالجغانة: [من الرجز] وشادن يسبي العقول شاديًا ... أوى الشَّمول إذ حكت شمائله /169 أ/ تجيبه إذا شدا جغانة ... مثل الصَّدى لشدوه مماثله

كأنَّما يسراه من ساعدها ... في درجٍ صاعدة ونازله وقوله في غلام أمير: [من مخلّع البسيط] أفدي أميراً كبدر تمٍّ ... من فرعه ليله البهيم كأنَّما في القباء منه ... ريحانة هزَّها النَّسيم وقال في غلام أحول: [من الرمل] بأبي أحول ممنوع اللَّمى ... من جفاه بتُّ في أسوأ حال كلَّما عاتبته يرمقني ... خزراً عن قمري سبع ليالي وقال ي غلام اسمه إبراهيم دخل الحمام: [من الرمل] حبَّذا حمامنا من مجلس ... تشتهي فيه مع الكرب المقاما حلَّ إبراهيم فيه فغدت ... ناره برداً علينا وسلاما وقال في غلام أقطع: [من المنسرح] قالوا: تعشَّقت أقطعًا وترى ... هواه بين الأنام مذموما /196 ب/ فقلت ما غضَّ منه ذلك بل ... زاد به رفعةً وتعظيما لمَّا غدا في جماله علمًا ... أحدث فيه النِّداء ترخيما وله في غلام طبّاخ: [من الوافر] أعيذك أيُّها الطَّاهي بطاها ... وبالآيات والذِّكر الحكيم بعثت لنا بأطعمة جسام ... موافقة لأمزجة الجسوم كأنَّ سماطنا المبثوث روض ... جنيُّ الزًّهر مسكيُّ النَّسيم لقد أتحفتنا منه نهاراً ... بأفق اللَّيل زيِّن بالنُّجوم وقال في غلام يلعب بالكرة والصولجان: [من الرمل] وغزال جال في ميدانه ... وتثنَّى فأرانا صول جان أتمنَّى لو غدا قلبي له ... كرةً يشرفها بالصَّولجان وقال في غلام لابس نطاق فيه لؤلؤ: [من الخفيف] ماس تيهًا وأفترَّ يضحك عجبًا ... في نطاق حال بدرٍّ نظيم

/170 أ/ فالُّثريا في البدر الغصن في الها ... لة قد زيِّنت بزهر النُّجوم وقال في غلام مثاقف: [من الطويل] فتى فاق في علم الثِّقاف وأحسنا ... وإن كان للإحسان والحسن معدنا تودُّ الثُّريَّا كلَّما وطئ الثَّرى ... بأخمصه لو قبَّلته تيمُّنا وقوله في غلام صيرفي: [من الخفيف] يا لقومي من ناظري صيرفيٍّ ... أسحر النَّاس مقلةً ولسانا تاه في عجبه فناديت ... يا قوم وأطرقت مفكراً أحيانا ما لبدر الدُّجى ومن شأنه ... السَّير مقيمًا لا يقطع الميزانا وله في غلام مرخيّ الصُّدغ: [من السريع] لمَّا رأى طرفك موسى الهوى ... كأنَّه فرعون عدوانا وخاف منه سحر إنسانه ... ألقى عصا صدغك ثعبانا وقوله في جارية مطربة: [من السريع] يا من غدا الإحسان من دأبها ... في ضربها من دون أضرابها ومن إذا غنَّت وعنَّت زهت ... مأدبة الشَّرب بادابها /170 ب/ ألم تري عيس كؤوءس الطِّلا ... معييةً من طول تجوابها فردِّدي الألحان موزونةً ... في حلل من وسي إعرابها فالخمر مالم تجل أقداحها ... على الغنا فالدَّنُّ أولى بها وقال في جارية سوداء: [من السريع] عشقتها سوداء تعنو لها ... سمر القنا خوفًا وبيض الصِّفاح من مهج الانفس قد صوِّرت ... فراح للناس إليها أرتياح فوجهها كالرَّوض يختال في ... بنفسج نرجسه والأقاح يا حسنها من ليلة لم تزل ... من ثغرها يطلع فيها صباح وقال في جارية نشرت شعرها: [من الكامل] ناديت إذ نشرت غدائرها ... فحسبت أنَّ اللَّيل معتكر مالي ضللت بليل طرتَّها ... ولوجهها في جنحه قمر

وقال في جارية تنظر في المرآة: [من الطويل] /171 أ/ أمودعة المرآة مرآة حسنها ... أثمت فأوليها تجنُّب معرض ولا تنظري فيها محيَّاك سافراً ... مخافة أن تهويه مثلي فتمرضي وله في جارية مفعمة بسواد: [من الكامل] ومهاة حسن صديها أسد الشَّرى ... لم تخش أن تتهجَّم العريِّسا وعن مذهب الإحسان يعدل حسنها ... أبداً وتقرأ في الخلاف دروسا كحلاء ما خطبت أنامل كفِّها ... سوداً ولا كحلت لواحظ شوسا إلاَّ وقد علمت بأنِّي شاعر ... أستحسن التَّطبيق والتَّجنيسا وقوله في جارية راقصة: [من الكامل] رقصت فترجم قدُّها عن عجم أل ... سنة المثاني والبموم مشافها وغدت تميس فأدركت أفهامنا ... كيميَّة النَّقرات من أطرافها فبرقصها أملت على عوَّادها ... نكتاً رواها الزَّمر عن دفَّافها فمتى أخلَّ وقد حكته بنهزة ... ظهرت وقد فترت على أعطافها وقال في جارية في خنصرها خاتم ذبل: [من المجتث] /171 ب/ وذات دللٍّ سقامي ... كهجرها لا يطاق تزهى بخاتم ذبل ... سواده براق كأنَّما نفضت فيه ... صبغها الأحداق في خنصر لاح منها ... فيه سنى وأئتلاق تريك خصر نهار ... اللَّيل فيه نطاق [965] يوسف بن أبي بكر بن قيس بن ربن بن سليمان، أبو محمَّد البشنويُّ الملقب بالنجيب. شاهدته بإربل في جمادي الأولى سنة تسع وعشرين وستمائة؛ شيخًا مقطوع اليد اليمنى والرجل اليسرى، يجتدي بالشعر.

وكان قبل ذلك حراميًا فتاكًا شجاعًا مقدامًا؛ يقطع الطريق، ويكثر الفساد، لا يخاف سطوة ملك ولا بأس سلطان، فحينئذ عظم بلاؤه، واستفحل أمره، أنفذ إليه الأمير معز الدين سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي صاحب الجزيرة العمرية من احتال عليه وأخذه غيلة، ثم قطع يده ورجله من خلال /172 أ/ فعند ذلك جادت قريحته بالشعر، ونظم منه شيئاً كثيراً، ورحل به إلى الناس مرتزقًا، وجلّ قوله في وصف الحروب والشجاعة والمراثي في يده ورجله، وما يتعلق بذلك من التفجع والتوجع. أنشدني لنفسه إملاءً من لفظه وحفظه يمدح الصاحب الوزير العالم شرف الدين أبا البركات المبارك أحمد بن المبارك بن موهوب المستوفي الإربلي – رحمه الله تعالى-[من الكامل] مزح النَّحسب دموعه دمائه ... وبكى وبكَّى النَّاس من بلوائه لحلول حادثة جرت وقضيَّة ... حكم الإله عليه لا بخطائه بانت يمين منه ثمَّ شماله ... من رجله فغدا أسير شقائه يا ليت من يبغي لصاحب أسرة ... لكن وحرُّ النَّار في أحشائه هوِّن على المظلوم بعض بلائه ... إن كنت يا ذل العذل من نصحائه لو كنت تعلم ما يجنُّ جنانه ... لعلمت أنَّ العذل من إغرائه لعب الغرام بقلبه فأذابه ... من حيث كان دواؤه من دائه /172 ب/ في ماء مقلته ونار فؤاده ... عجب الأنام بناره وبمائه هل مسعد لأخي غرام بدِّلت ... سرَّاؤه بالهمِّ من ضرَّائه سلَّ الزَّمان عليه سيفًا قاطعًا ... فجلاه وأستجلاه يوم جلائه يا قلب صبراً إنَّ دهرك هكذا ... أبداً يشوب نعيمه بشقائه كنت الجليد لحمل كلَّ ملمَّة ... هاض الزَّمان تجلُّدي بدهائه قلَّ الحياء مع الوفاء فلن أرى ... متخلِّقاً بحيائه ووفائه إلاَّ أبا البركات ذا الطَّول الَّذي ... غمر الأنام بفضله وعطائه مولى له من جود راحة كفَّة ... كرم خفاء الشَّمس دون خفائه وفتى بنى فوق المجَّرة منصبًا ... عال يرى كيوان دون علائه فعلوُّه بالكسب من أحواله ... وسماحه بالإرث من آبائه

من حاتم في جوده أحنف ... في حلمه من قيس في آرائه من قسُّ في أقواله من أكثم ... في لفظة وأياس عند ذكائه مثل السَّحاب ركامه واللَّيث ... في إقدامه والبدر في لألائه والبرق عند لموعه والنَّجم عنـ ... طلوعه والصُّبح عند ضيائه /173 أ/ يا ظاميًا يبغي الورود لغَّلة ... يشفي بماء الجود فرط ظمائه ألمم بذا الشَّرف الوزير لكي ترى ... حفظ النَّوال مسارعًا لوفائه [966] يوسف بن جامع بن أحمد بن محمَّد بن الحسين بن الحسن، أبو أحمد الإربليُّ كان خازنا ً بإربل بمارستانها أنشأه الفقير إلى الله تعالى أبو سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين ِّ رحمه الله تعالى ِّ كان له عناية بعلم الطب ومات ثالث عشر شعبان سنة خمس عشرة وستمائة بإربل. أنشدني ولده أحمد بن يوسف الإربلي بها، قال: أنشدني والدي لنفسه ما كتبه إلى بعض الشرفاء: [من مجزوء الكامل] يا من يلوذ بظلِّهم ... أهل الشَّفاعة في المعاد أولاد فاطمة البتو ... ل ومن لهم سبق الأيأدي إنِّي محبٌّ للوصـ ... يَّ وولده خير العباد إن لم تردَّ دراهمي ... فالنَّصب ديني وأعتقادي وأقول بالغار الشَّريـ ... ف وسعفة يوم الجلاد /173 ب/ وأعود عن حبَّ الوصـ ... يِّ وعود مثلي في البلاد عار عليك فلا تكن ... سبباً لكفري وارتدادي

[967] يوسف بن الحسين بن يوسف بن أبي نصر بن حمَّاد بن العتائقي، أبو المظفر السيبانُّي. أخبرني أنه ولد بالحلة المزيديةّ في المحرم سنة خمس وتسعين وخمسمائة. رجل متصرف تولّى في الديوان العزيز أعمالاً جليلة، وينتمي إلى الأدب وقول الشعر، ويحفظ حماس أبي تمام حفظا جيداً، وكتاب اللمع لابن جني. رأيته ببغداد سنة تسع وثلاثين وستمائة وكتبت عنه مقطعات من شعره، ومما أنشدني لنفسه إملاءً من لفظه: [من الكامل] راحت خيول [الشَّوق] راكضة ... بحشاي لمَّا ظلت ترتكض يا من لقلبي من لواحظه ... مرض كما بجفونها مرض الله في دم عاشق دنف ... لم يبق فيه جوهرا عرض إن كان سفك دمي لكم عرض ... يا حبَّذا لرضاكم الغرض /174 أ/ وأنشدني أيضًا قوله في ترتيب كتاب الأزهري يعلم بها: [من الطويل] عجيب حمام هجن خلَّة غادر ... قديماً كأن جدَّلن شلو ضلوعي صوادح زّيَّارات زور طوالع ... دوالج تهديها ظلال ذريع ثووا رقدة لم ندر فيهم بروحها ... مغيبي إذ يممتها وطلوعي وانشدني لنفسه من أبيات كتبها إلى بعض أصدقائه وقد سافر بعد مودّة كانت بينهما إلى بلاد الشام: [من الكامل] هيهات يوفى بالمودَّة راحل ... أرخى عقود الودِّ وهو مقيم إن كان أحدث سلوة عن ودِّنا ... عمداً فأيُّ هوى تراه يشيم قد كنت أحسب أن سيعثه الهوى ... نحوي ولو أنَّ الفراق جحيم

حتَّى بدا الهجران منه والقلى ... وتعذَّر التَّسال والتَّسليم لا أمرعت أرض العراق لبعدكم ... أبداً ولا جادت عليه غيوم /174 ب/ وسقى قويقًا والعواصم عارض ... يسري وعقد نطاقه مفصوم وأنحلَّ خيط المزن في حلب ولا ... بخلت على تلك البقاع نجوم وسرت على درب البنات عليلة ... ريح الصَّبا وتجنَّبته سموم جربتكم وخبرتكم فوجدتكم ... طابت فروعكم وطاب الخيم فعليكم منِّي السَّلام مواصلاً ... ما ناح قمريٌّ وهبَّ نسيم وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] يا سائق الأضعان تعتسف الدُّجى ... دعها فقد بلغت جنابًا ممرعا وصلت قويقًا والعواصم فانثنت ... من بعد قطع البيد حسرى ظلَّعا بلغت بنا حليًا ولم يبق السُّرى ... للسير والإدلاك فيها موضعا عرِّج على درب البنات فلي به ... قلب متى ذكر الشَّريف تقطَّعا وقل السَّلام عليك من متجنِّب ... ما كمَّل التَّسليم حتَّى ودَّعا قمر متى حدر اللِّثام تبرقعت ... شمس النَّهار خجالة أن تطلعا فارقته والدمع يغرق ناظري ... والوجد يحرق قلبي المتصدِّعا ألغى مواثيق الإخاء ولم يزل ... واهي المودَّة للعهود مضيِّعا لم تطعم الأجفان بعد فراقه ... غمضًا ويأبي الشَّوق لي أن أهجعا ([968] /175 أ/ يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة بن محمَّد بن عتّاب، أبو المحاسن الأسديُّ بابن شدَّاد.

وشداد الذي ينسب إليه هو جدُّه لأمّه وبه يعرف. القاضي الإمام الصاحب من أهل الموصل قاضي قضاة حلب، ذكره الصاحب السعيد أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة في كتابه، وقال: أشتغل في صدر عمره بالقرآن الكريم، فأحكم فنونه. قال لي: لزمت القرطبي إحدى عشرة سنة، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فيما يرى النائم وكان معه شخصان يغلب على ظني في النوم أنَّهما أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – وكأنني جعلت أمشي بين يديه صلى الله عليه وسلم خدمة له، وآخذ الأحجار من طريقه بيدي اليمنى وأضعها في يدي اليسرى وألقيها فمشيت هكذا بين يديه. ثم خطر لي أن ألتفت إليه وأسأله أن يدعو لي فلما هممت بذلك، قلت في نفسي: لا أترك خدمته صلى الله عليه وسلم لحظ نفسي؛ فمررت بين يديه على حالي ولم أسأله /175 ب/ شيئًا إلاّ أني استيقظت. قال الصاحب أبو القاسم: وكذا كانت عادته وحاله؛ فإنَّ جلّ أموره كانت لله تعالى، وفيما يعود إلى الأمور الشرعية، ولم يكن لنفسه كبير حظّ في ذلك. وإذا اجتمع له الأمران غلب جانب الشرع على حظ نفسه، وتوفي رحمه الله تعالى – وقت أذان الظهر يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. وصلّى عليه نائبه القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي بالمسجد الجامع بعد صلاة العصر، ودفن بالتربة التي أتخذها لنفسه بين المدرسة ودار الحديث اللذين وقفهما – رحمه الله تعالى – وكانت ولادته من سنة تسع وثلاثين وخمسمائة عاشر رمضان.

وقال الإمام أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصليُّ الفقيه الشافعي قاضي حلب أبو المحاسن الأسدي، وعرف بابن شداد؛ لأنَّ أباه توفي وهو صغير، فنشأ عند أخواله بني /176 أ/ شدادّ – وكان شداد جدّه لأمّه فاشتهر بالنسبة إليه. وحفظ القرآن في صغره على عثمان غلام بن الجرار، ثم أتقنه دراسةً ورواية على الشيخ أبي الحسن علي بن خليفة بن المنقّى بعشرة إبن الكَّزاية – خطيب الجزيرة العمرية – وكان ابن المنقى يرويه عن إبن الجرار عن المصنف. ثم قدم الموصل الشيخ أبو بكر القرطبي فلازمه وقرأ عليه القرآن العزيز بالطرق السبعة مفردات وجمعًا مرات متعددة، وتلقن عليه فنً القراءات بحيث كتب له القرطبي في فصل قال من جملته: إنَّه قرأ عليّ ما لم يقرأه غيره. ثم بدأ بالاشتغال بالفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه – على الشيخ أبي البركات عبد الله بن الخضر بن الحسين الشيرجي فقيه الموصل يومئذ ثم بدأ بالخلاف على الضياء أبي خازم – صاحب الشهيد محمد بن يحي – وعزم على الرحلة إلى الشيخ محمد بن يحي، فسمع بوقعة نيسابور فتوقف لانتظار العاقبة. /176 ب/ ثم حجّ وانعطف على زيارة البيت المقدّس، واتصل بخدمة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب – رحمه الله تعالى – وفوّض إليه قضاء العسكر، وقضاء بيت المقدس. ووقف به السلطان مدرسة عظيمة، وأسند نظرها إليه، وتمسكّ به، وأطلعه على باطن أموره وأرسله إلى الخليفة الناصر لدين الله وإلى من كان في طريقه من الملوك بأسرهم واجتاز بالموصل. ولمّا مات صلاح الدين تمسك به ولده الملك الظاهر وطلبه من أخيه الملك الأفضل علي، ومال إليه وتقدم في دولته واستولى عليه غاية الإستيلاء وأقطعه من بيت المال ما يفضل عن كفايته وكفاية ما يلزمه إقطاعه، لم يعهد لأبناء جنسه من ولاة المناصب ووقف عليه نصف قرية كان يملكها من أبيه الملك الناصر صلاح الدين وملكه بحلب داراً وقرية كبيرة وسوقاً كان أنشأه. ثم غنَّ القاضي وقف داره مدرسةً ووقف عليها السوق والقرية المذكورين. وكان

الملك الظاهر وقف بدمشق مدرسةً وأسند أمرها إليه، وكذلك /177 أ/ المدرسة التي أنشأها بظاهر حلب، وحضر درسه يوم درَّس فيها. ثم استناب فيها نائبًا، وبقي يدرس في مدرسته التي أنشأها هو أول يوم درس فيها حضر الملك الظاهر واحتفل غاية الإحتفال من الاطعمة والأشربة والحلاوات وغيرها، ونثر عليه الذهب وأقام عنده من بكرة إلى قريب العصر. وخلع على جميع خواّصه وامتدحه الشعراء، وأظهر من السرور به ما لم يسمع عن غيره من الملوك في حق أتباعهم ولم يزل حاله معه كذلك في الإكرام والاحترام إلى أن مات الظاهر، وتولى ولده الملك العزيز وهو طفل وقام بأمره ظغرل بن عبد الله فاعتمد في جميع الأمور على القاضي، وركن إليه غاية الركون. ولم يكن يستثقل بشيء من الأمور دون مشاورته فيه. وترقى عن مرتبة القضاء إلى مرتبة الوزارة، وخوطب بالصاحب. ثم بنى داراً للحديث النبوي، وصار يسمع فيها الحديث؛ ولما بنى السلطان الملك الظاهر مدرسته التي دفن فيها كان هو أول من درس/ 177 ب/ فيها. ثم استناب فيها وفي دار الحديث من يقوم بوظائفها، وانقطع عن التدريس والتردد إلى دار الحديث للإسماع لاستيلاء ضعف الكبر عليه. ولم يزل كذلك إلى أن توفي بحب، ودفن بعد العصر بتربته التي أنشأها بباطن حلب بين مدرسته ودار الحديث مقابل داره التي أوقفها رباطاً على الصوفية – رحمه الله تعالى – هذا آخر كلامه. وصنّف كتبًا منها: كتاب "سيرة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب – رضي الله عنه"، وكتاب "الأخفياء من الأولياء"، وكتاب "الموجز الباهر للملك الظاهر" في الفقه على مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه -، وكتاب "دلائل الأحكام في أحاديث الرسول عليه السلام"، وكتاب "التحفة العزيزية" صنعه للملك العزيز محمد بن غازي بن يوسف رحمه الله تعالى يتضمن آداب الصوم والصلاة، وآداب السلطان وغير ذلك. وكان ينظم القطع من الشعر. أنشدني الشيخ الأجل المعدَّل بهاء الدين أبو محمد الحسن /178 أ/ بن إبراهيم بن سعيد بن يحي بن الخشاب الحلبي بها ِّ رضي الله عنه ِّ قال أنشدني قاضي القضاة بحلب أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم لنفسه: [من الطويل]

فيا نفس خلِّي رائق العيش وأعلمي ... بأنَّ الرَّدى عمَّا سواه سيمنع وجدِّي فإنَّ اللَّهو حلو مذاقه ... بديًا وطعم الجدِّ من حين يقطع فما لحظات العمر إلاَّ نفائس ... فما مثلها يلفى ولا هي ترجع وأنشدني ابو محمد عبد العزيز بن عمر بن مقبل الفقّاعي الموصلي بها، قال: أنشدني القاضي أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الموصلي – رحمه الله تعالى- لنفسه: [من الكامل] ولقد صحبت من الزَّمان رئيسه ... ومنحته منِّي صميم فؤادي حتَّى إذا جربته وعرفته ... فعلمت أنَّ وداده بغدادي /178 ب/ فسلوت أبناء الزَّمان بأسرهم ... وعلمت أنَّهم سراب بادي وأنشدني بعض الفضلاء بحلب، قال: كتب الحسين بن أبي بكر الموصلُّي إلى القاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن رافع في يوم مطير منعه عن الاجتماع بخدمته بهذه الأبيات متمثلاً: [من الكامل] ثقتي بجودك أنَّني لا أحرم ... ونداك منسكب وبحرك مفعم إن كان غيَّبك الحجاب فربما ... غابت بأعقاب الطُّلوع الأنجم أو ما ترى قطر السَّماء وغيمها ... أبداً يؤمَّل عندما تتغَّيم فأجابة القاضي أبو المحاسن من قوله بهذه الأبيات ونقلتها من خط يده: [من الكامل] إنَّ الغمما على الأنام مخيِّم ... والجوَّ من ظلم السَّحائب معتم والقلب من همِّ الغموم محجَّب ... عن نفسه بمرور روح تنسم والشكُّر لله المكرمَّ شانه ... كبقاء أنفاس الورى بل أدوم [لله حمداً دائمًا متكررِّاً ... لا ينقضي يومًا ولا يتصرمَّ]

[969] /179 أ/ يوسف بن سعد بن الحسين بن سعد بن المجلّي بن قرطاس، أبو العزِّ الجزريُّ أبوه وأجداده من الجزيرة العمرية، وأبو السعادات المبارك، وأبو الحسن علي، وأبو الفتح نصر الله، أبناء الأثير محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزريون أخواله. وحدثني أبو العزّ أنَّ والدته توجهت إلى بيت الله الحرام مع أخيها الأكبر أبي السعادات، وهي حمل بي فلما عادت من الحج وقدمت الحلة المزيدية وضعتني في مستهل صفر سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة. ونشأ بالموصل وحفظ كتاب الله تعالى على الشيخ أبي المجد إسماعيل بن بركات بن منصور بن باد بن جبر بن مالك الجصّاص. وسمع جملةً من الحديث على جماعة بالموصل كأبي بكر مسمار ومحمد بن محمد البلدي وغيرهما، وكتب خطأ حسنًا. وسمع جميع مصنفات أخواله حتى لم يكد يفوته منها شيء. وقرأ طرفًا من العربية على الإمام أبي الحرم النحوي، وكلَّف نفسه قول الشعر فنظم أبياتاً لا بأس بها. /179 ب/ ومما أنشدني من شعره في سنة أربع وثلاثين وستمائة بالموصل: [من السريع] من منصفي من ظالم كلَّما ... قربته يمنحني بعدا يظلُّ يدعوني ياسِّيدي ... وليته يقبلني عبدا وأنشدني لنفسه: [من الخفيف] يا سميَّ النَّبي في سورة الفتـ ... ح ومن صيغ من هلال وشمس والَّذي لا أزال أقبض طرفي ... في مناجاته وأبسط خمسي إنَّ عيني تغار من أختها فيـ ... ك ونفسي عليك تحسد نفسي

وأنشدني أيضًا من مقطعاته: [من الكامل] سفَّاح جفني قرِّحت أجفانه ... فجبينه الهادي وجعغر أدمعي ومتى توسَّمت الكرى أو رمته ... طرق الخيال وقال لي يا مدَّعي وإذا سألت الرَّكب عن أخبارهم ... فالعين تحسد عند ذلك مسمعي عجبًا أسائل أين حلَّت دارهم ... من كلِّ من ألقى وهم في أضلعي وأنشدني لنفسه يهنّي بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله صاحب الموصل وقد لبس خلعة زرقاء: [من الخفيف] /180 أ/ ُّأنت أعلى محلَّة أن تهنَّي) ... فرفعناك عن مقام الهناء (أنت بدر وإنَّ أحسن لونًا ... طلع البدر فيه لون السَّماء) البيت الثاني هو لكشاجم، ولم يغيّر من الفاظه شيئًا من أبيات له. [970] يوسف بن سليمان بن صالح بن رهيج بن صالح، أبو يعقوب المضريُّ المعروف بابن الكتّانيِّ، وينبز بالبغل من أهل بغداد، وأصله من الرّحبة. وكانت ولادته بمدينة السلام سنة ستٍّ وثلاثين وخمسمائة. وكان شاعراً مطيلاً، قادراً على النظم، سمح الخاطر مطبوعًا منتجعاً مدّاحًا صاحب نكت وملح؛ له معرفة بالأدب وعلم العربية، وشعر كثير مدون يدخل في مجلد كبير كان يمتدح به الناس. وكان في الشعر [أقرب] إلى الحيص بيص، وعليه تخرج وروى شعره عنه لي الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمود بن االحسد بن النجار البغدادي/ 180 ب/ بهاء،

وأبو الفتح يونس بن أبي الغنائم بن أبي بكر بن محمد البغدادي بحلب. أنشدني أبو عبد الله بن النجار البغدادي بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة – رحمه الله تعالى – قال: أنشدني أبو يعقوب يوسف بن سليمان بن صالح لنفسه يمدح الملك المسعود أبا المظفر سكمان بن محمد بن داود – ملك ديار بكر: [من المتقارب] تعلَّقت أسمر كالذَّابل ... مليح الشَّمائل من بابل يميس على الدِّعص من لينه ... فأخشى على خصره النَّاحل إذا هزتَّ الرِّيح أعطافه ... تمايل كالغصن المائل وقد سيَّج الحسن في عارضيه ... عذاراً من العنبر السَّائل ويبسم عن لؤلؤ كلَّما ... تألَّق عن شنب كامل تجول المدام على ثغره ... فأحسد للَّسلسل الجائل إذا ما رماك بألحاظه ... فحذرك من طرفه النَّابل فلا مرهم لسهام الجفون ... وقد فوَّقتها يد القاتل يرو لي العذل من حبِّه ... فأعشق للاَّئم العال /181 أ/ ويبخل بالوصل حتَّى الخيال ... فأفديه من رشأ باخل إذا ما تحفَّظت من جوره ... ولم أك للجور بالحامل فلست أعدُّ مع العاشقين ... ولا خير في العاشق الجاهل أقول وقد سلَّ من جفنه ... حسامًا يطول على العامل تفانى الرِّجال على حبِّها ... وما يحصلون على طائل إلى ههنا أنشدني. وتمام القصيدة: فدع عنك ذكر طماع النُّفوس ... وعدِّ إلى الملك العادل ولا تثن عزمك عن ماجد ... يبخِّل للعارض الهاطل إذا سأل النَّاس ما في يديه ... يرى ذاك شحًا من السَّائل يرى بذل وجهك عند السُّؤا ... ل أكثر من ذل كالنَّائل ويحتقر الأسد يوم النِّزال ... ولو أنَّها عدد الوابل

ويقتلع الخيل مسرودة ... تهفُّ بكلِّ فتى باسل لقد علَّم البيض ضرب الطُّلا ... وسمر القنا الطَّعن في الجاهل /181 ب/ به نستطيل على النَّائبات ... وأين النَّصير من الخاذل وأنشدني أبو الفتح يونس بن أبي الغنائم بن أبي بكر بن محمد البغدادي بحلب، قال: أنشدني أبو يعقوب يوسف بن سليمان بن صالح لنفسه من قصيدة يمدح بها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب رحمه الله تعالى: [من الكامل] قالوا: يلا مذ تمَّ نبت عذاره ... فأجبت ما خطر السُّلوُّ بخاطري لولا أخضرار النَّبت ما زهت الرُّبى ... والنُّور ما زهت الغصون لناظر ومنها يقول: ومعقرب الصُّدغين تعطفه الصَّبا ... من لينه عطف القضيب النَّاضر سلَّت محاجره عليًّ خناجراً ... فوقعت بين محاجر وخناجر لله أيَّام مضت لي بالحمى ... قضَّيتها مع فتية وجاذر /182 أ/ والشَّمس تجلوها الكؤوس وحولها ... حدق الضَّفادع في زجاج دائر رقَّت كرقَّة خاطري لمَّا أنبلاى ... بالمدح في الملك الغياث الظَّاهر ومنها قوله: ويرفع النِّيران في غسق الدُّجى ... يهدي الركاب إلى نداه الفاخر فكأنَّها فوق الجبال مطارف ... حمر الذَّوائب أو رئات أباعر ونقلت من ديوان شعره ما قاله مديحًا في الملك الصالح أبي الفتح محمود ابن محمد بن سلمان – صاحب آمد: [من الخفيف] قل لساقي الشَّمول حثَّ الشَّمولا ... وأدرها سلافةً سلسبيلاً وأسقنيها عذراء قد عقد المز ... ج من الحبِّ حولها إكليلا بنت كرم تنفي الهموم وتحذي ... كرم النَّفس والسَّخاء البخيلا لو تجلَّت في كأسها غسق اللَّيل ... من النُّور خلتها قنديلا فأصطبحها مدامة حكت المسـ ... ك ذكاء وفاقت الزَّنجبيلا

/182 ب/ لو رآها الخليل تقرص في الَّرا ... ح لأضحى لها الخليل خليلا ولما لا أجلُّها وهي كالأر ... واح تجري فينا قليلاً قليلا فاسقنيها مثل الزُّلال فقدآ ... ن لشمس النَّهار من أن تزولا من يدى شادن أغنَّ إداجا ... ر علينا أحار منًّا العقولا سلب اللُّب حين ما عاين اللُّ ... بُّ جبيناً صلتًا وخدّاً أسيلا وفما بارد اللِّثات وظلمًا ... عطرًا من رضابه معسولا سلَّ من جفنه عليَّ حساما ... خفت لمَّا رأيته أن يصولا مثل ما سلَّ في الوغى ناصر الدِّين ... حسامًا يردي الكماة صقيلا ونقلت من ديوانه أيضًا بمدحه: [من مجزوء الرمل] صاح بالزَّوراء عج بي ... زاد بالزَّوراء عجبي وأسأل الدَّار عن الغيـ ... د لعلَّ الدَّار تنبي وإذا ما عنَّ سرب ... من نواحيها فسر بي أو رأت عينك صحبي ... فعلى حالك صح بي /183 أ/ عدِّ عن عتب ودعني ... عاذلي من ذكر عتب إنَّني علِّقت ظبيًا ... من بني مالك رحبي فاتر العينين لا يصـ ... بو وللعشَّاق يصبي لؤلؤيَّ الثَّغر إلاَّ .... أنَّه للعقل يسبي مائسًا يهتزُّ تيها ... شغبًا من غبر شرب يتثنى مقل غصن ... من غصون البان رطب شاب كأسي من ثنايا ... هـ بريق منه عذب وبدا يضرب بالأو ... تار حتَّى سلَّ قلبي يا بني الزوراء كلٌّ ... منكم جاري وتربي خبِّروا بغداد إن أخَّـ ... رت عن بغداد كتبي

أنَّني مذ غبت عنها ... بين جنَّات وقضب في ربوع الملك الصَّا ... لح لي أبقاه ربي وقال المحلّة الغربية يستهدي شرابًا من السديد الطبيب: [من مجزوء الهزج] /183 ب/ سديد الدَّولة المعرو ... ف بالتَّشريح في الطِّبِّ ويا من حلَّ في العلم ... محلَّ العلم من قلبي ويا من فاق في الآفا ... ق فوق السبعة الشُّهب سرى ذكرك في البلدا ... ن بين العجم والعرب فلو وافاك جالينو ... س أضحى طائر اللُّبِّ وسقراط وبقراط ... وجوه الشَّرق والغرب لأضحوا من تلاميـ ... ذك والمأمول من ربي دعتني شهوة اللَّهـ ... وإلى المأكول والشَّرب إلى مشمولة تحكي ... أريج المندل الرَّطب لئن روَّيتني منها ... بما أطفي به كربي سألت الله أن يعطيـ ... ك في أولادك النُّجب وقال يمدح المنتجب بالمحلَّة الغربيّة: [من مجزوء الرجز] ألذُّ من طعم الضَّرب ... ما أنساغ من ماء العنب /184 أ/ مدامة قد عتِّقت ... من عصر هامان حقب كانت ولا شيء يرى ... قبل جمادى ورجب قد نظمت في جيدها ... قلائداً من الحبب لها إذا ما بزلت ... في غسق اللَّيل لهب كالشَّمس إلاَّ أنَّها ... أحسن من لون الذَّهب ترقص إذ غنَّى بها ... الرَّاووق في الكأس طرب كانَّما شعاعها ... بنان ساقيها خضب على سماعٍ قينة ... لها من الرُّوم نسب

لكنهَّها من الدَّلا ... ل تنتمي إلى العرب جارية من دونها ... بيض الصِّفاح واليلب كم سلبت من عاشق ... بغنج عينيها سلب فيها الأرباب الهوى ... برء لقوم وعطب وليس لي من ناصر ... سوى الرَّئيس المنتجب من صَّير المدح إلى ... جود أياديه سبب /184 ب/ قد زَّين الشِّعر كما ... زيَّن في الديِّن اللَّقب فكفُّه من النَّدى ... لو شاء سحبان سحب لا زال يعفو درجًا ... من المعالي ورتب وقال يمدح الصاَّرم خطلبا بمصر: [من مجزوء الرمل] أنا في الحبِّ كئيب ... واالهوى شيء عجيب تيَّمت قلبي فتاة ... حسنها حسن غريب من بنات التَّرك لكن ... من دعاها لا تجيب في فؤادي من هواها ... زفرات ولهيب ولها عينان كالسهـ ... مين تصمي وتصيب فهي شمس ليس في الأيَّـ ... ام واللَّيل تغيب صيَّرت جسمي قضيبًا ... وهي كالغصن قضيب عصني ذاو ولـ ... كن غصنها غض رطيب ولها ساقان كالبر ... دي يعلوها كثيب /185 أ/ وعليها كلَّما جئـ ... ت إلى الباب رقيب يتراءى إن تراءيـ ... ت وإن غبت يغيب كيف أنجو من سقام ... خانني فيه الطَّبيب أنا عان من هواها ... وهي تلهو وتطيب من رأى كالموت عشقًا ... تتهاواه القلوب أنت يا صارم للعا ... لم في الخير نقيب صنت وجه النَّاس مذ صر ... ت بجدواك تصوب

وإذا ما فهت فصلاً ... قام بالفصل خطيب يا غريب الحسن قد ... جاءك للرِّفد غريب من بلاد الشَّرق وافا ... ك وإلاَّ لا يخيب فأبق عمر الَّهر ما عـ ... مِّر في الدُّنيا عسيب وصم الأعوام يا من ... صدره صدر رحيب وقال يمدح الملك الصالح محمود بن محمد على الشراب ارتجالاً: [من المنسرح] /185 ب/ ومجلس رصَّعت جوانبه ... علياك يا ناصر الدُّنى ذهبا تدور كاساته وقد عقد الـ ... مزج من الدُّر حولها حببا مع قينة حلوة إذا عبثت ... أكفُّها خلت جحفلا ً لجبا تبسم عن لؤلؤ كأنَّ به ... مسكًا فتيقًا وعنبراً وكبا يروق للشَّرب ريقها فإذا .. ما مزج الكأس ريفها عذبا إن لفتت ظيبة وإن نظرت ... إليك سلَّت من الجفون ظبا تجلى على مالك يسود على الـ ... عالم أمّا كريمةً وأبا أسمح من حاتم ندى ويداً ... وراحتها تبخل السُّحبا يعطي بلا منًّة ولا ملل ... إذا أنتخاه مؤمِّل طلبا تجود ما لا يجوده ملك ... وغيره يستردُّ وما وهبا ترجَّ أنعامه ونائله ... في جذل والمفرَّ إن غصبا ستجد شمس الضُّحى إذا جلس الـ ... صَّالح طوعًا والبدر إن ركبا وتستحطُّ النُّجوم هيبته ... من فلك ضمَّ سبعةً شهبا إذا تباهى الأنام سادهم ... وحقِّ من صوَّر الورى نسبا /186 أ/ نظمت فيك المديح يا ملكًا ... جواهراً ما نظمت مخشلبا فخلِّ شعر الرُّعاع عنك وخذ ... شعر فتى فاق الورى أدبا

تزيد إن عنَّت الحداة به ... ودارت الكأس بيننا طربا فلا تحد في الزَّمان عن رجل ... على معاليك حقُّه وجبا ينسيك في أرؤس المنابر بالمد ... ح ثناء جميع من خطبا كم بين من يبذل الرَّغائب لي ... وبين من ملَّ بعد ما رغبا إجهد على غلب من تعاند ما أسـ ... طعت فإنَّ الدُّنيا لمن غلبا وأبق مع الدَّهر في بلهنية ... ما شاق صبًا حبيبه فصبا وقال يقتضي الملك العزيز عماد الدين أبا الفتح عثمان بن يوسف بن أيوب – صاحب الديار المصرية – وكان يطاول به حتى يتسخدمه: [من الكامل [ ماذا أقول إذا سئلت عن الَّذي ... أغنى بنائله العفاة وأرغبا وسقت مكارمه العطاش فأصحبت ... روضًا وقد كانت محيلاً مجدبا /186 ب/ وكسا بأنعمه الحدائق سندسًا ... تفترُّ عن يقق ونور أشهبا وسئلت ما بذل العزيز لمدحة ... سجد الزَّمان لحسنها وتعجَّبا وأتيت من بلدي ببلقيس الَّتي ... جليت وجئت بعرشها لا من سبا أنكحتها ملكًا أغرَّ مهذَّباً ... ضخم الدَّسيعة عالمًا متأدبا إن قلت: لم يجد الجواد يقال لي ... مثل العزيز يردُّ بكرك ثيِّبا حاشا ابن يوسف ان يخيب شاعرًا ... يثني عليه مشرِّقًا ومغرِّبا ملكًا أجلّ من الملوك بأسرهم ... أمًا وأكرم من جميعهم أبا وقال فيه أيضًا: [من الطويل] ولو كنت قبل الرَّمل أيقن بالَّذي ... لقيت وكيسي بالإياس يؤوب لكنت من البيت المقدَّس آئبًا ... إلى بلد فيه الغريب نسيب تؤخرني والسَّبق لي بعد غاية ... وأين من البحر الخضمِّ قليب إذ أنتسبت غرُّ القوافي فإنَّني ... لغرِّ القوافي والعلو منقيب فلا تخب الأيَّام ظنِّي وإنَّما ... طنون القوافي في سواك تخيب

وقال بمصر: [من الخفيف] /187 أ/ يجتني الجهل من غصون الأماني ... ثتمراً ما تنالها الألباب وتموت الرُّؤوس في زمن الإيـ ... سار جوعًا وتشبع الأذناب وقال بالموصل وقد بات في الحمام: [من الوافر] رقدنا في الجحيم على أناة ... لييلتنا ولم نخف التهابا فلمَّا أن تراءى الصُّبح نزَّت ... أفاعيها فألقين الثِّيابا وحرَّقت الإهاب فمذ نزعنا ... رأيت الطَّل قد غمر الإهابا وقال بالموصل أيضًا وقد هلّ الهلال وفي جنبه نجم يحفهما سحاب: [من مجزوء الكامل] أدر الكؤوس وغنِّني ... طربًا فقد رقص الحباب وأشرب فقد هلَّ الهلا ... ل وآفة الهمِّ الشَّراب أو ما تراه وجنبه ... نجم يحفهما سحاب فكأنَّه فخٌّ يهـ ... مُّ للفظ حبَّته شهاب /187 ب/ وقال بامد يقتضي الوزير ضياء الدين أبا العباس أحمد بن القاسم بن شيخ السلامية ِّ وهو يومئذ وزير ملك ديار وقد هجم الشتاء – حطبًا: [من مجزوء الرجز] يا سيدِّاً عالي الرُّتب ... وعالمًا جمَّ الأدب ويا وزيراً إن يشأ ... يمحو إن شاء كتب وأمره أنفذ من ... وقع السِّهام في اليلب وصاحبًا عوَّدوني ... من كفِّه لفظ الذَّهب ومن إذا ناديته ... في مثل ذا اليوم وثب قد هجم الثَّلج عسى ... تميرنا من الحطب وقال أيضًا: [من المنسرح] تغيَّر الخمر للعقول كما ... تغيِّر الحلم سورة الغضب فافصح ولا تعتب الزَّمان على ... من يلبت لبَّه أبنة العنب

وقال في قصيدة /188 أ/ يمدح بها شمس الدين قاضي دارا: [من الطويل أعاذ ما لي ف السُّلوٍّ نصيب ... وهل بعد شيبني في هواه أتوب إذا عذل المشتاق خال من الهوى ... أميل إلى تعذاله وأطيب يرنِّحني ما فاه بالحبِّ مثل ما ... ترنَّح في وادي الأراك قضيب ويطربني نوح المام وإنَّني ... على الدَّوح ما ناح الحمام طروب أكتِّم حبًّا قد براني صدوده ... ويعرض عجبًا إنَّ ذا لعجيب يحمٍّلني شوقًا ويقتلني قلى ... ويبعد عن عينيَّ وهو قريب وليس لراء قد أضرَّ بمهجتي ... سواه رب العالمين طبيب إذا مرَّ بي طيف من الحبِّ زائراً ... أقول وفوقي شاهد ورقيب بحقِّ ليالي الوصل يا طيف هل بدا ... إليك من العاني المشوق ذنوب إذا قلت أهلاً صدَّعنِّي بوجهه ... دلالاً ويدعوني رضًا فأجيب وما ذاك إلاَّ فرط حبَّ تواترت ... عليه من البيت المشتِّ خطوب يميس على دعص من الرَّمل ناعم ... كما ماس خوط البان وهو رطيب ويبسم عن ثغر كانَّ رضابه ... إذا مزجت منه المدامة طيب /188 ب/ من التُّرك أمَّا خصره فمزنر ... نحيل وأمَّا حسنه فغريب تملَّك رقًا لا يباع فرقَّ لي ... وزير بحلِّ المشكلارت لبيب فتى أينع الأيَّام والعام ماحل ... وأضحك سنَّ الدَّهر وهو قطوب فما منصب إلاَّ وللشمس ذي النُّهى ... أبي الفتح فيه حصَّة ونصيب تفلُّ رماح الخطِّ أقلام خطِّه ... ويرسلها دون السِّهام تصيب يموِّل حتَّى لا ترى الدَّهر معسراً ... ويخصب حتَّى لا يقال جديب له من عباد الدَّين بين عماده ... رفيع وصدر للوفود رحيب وقال أيضًا جواب كتاب ورد عليه من بغداد من المقرب يونس بن أحمد القرقوبي: [من مجزوء الكامل]

وافي كتابك يا مقرَّب ... فبدا يذكَّرني وأعرب عن طيب ريعان الشَّبا ... ب ونحن بالزَّوراء نلعب فلثمت أسطره وكد ... ت أطير من فرحي وأطرب لله أيَّام مضت ... وأنا وأنت بكلِّ مكتب /189 ا، نلهو بأخلاق أل ... ذَّ من الطِّلا طعمًا وأطيب والعيش مخضر ُّ الوراق ... مطرَّز الكمَّين مذهب مع جيرة ما زال نأ ... كل في مجالسهم ونشرب جار القضاء فشَّرق الـ ... بين المشتُّ بنا وغرَّب ما زالت الدُّنيا تجي ... ء بأهلها أبداً وتذهب وقال أيضًا صدر كتاب كتبه إلى الشهاب يوسف العقاب: [من المنسرح] شوقي إلى يوسف العقاب ... العالم الماجد الشِّهاب شوق كئيب إلى حبيب ... وشوق ظام إلى الشَّراب شوقًا إذا ما أقتصرت فيه ... أطلت في بعضه خطابي ولو كتبت الَّذي بقلبي ... إليه لم يحوه كتابي وقال في هيثم المعلم: [من الخفيف] قل لفرخ العقاب يا أوَّل الأو ... لاد من بيضة علاها عقاب /189 ب/ لست تدري ما قلته فيك حتَّى ... تتعاوى على أخيك الكلاب وقوله بالموصل في غرض له: [من مخلَّع البسيط] كنت بجوب الجبال مغرى ... وكان لي سابح مجيب أرسله في الظَّلام يهوي ... هويَّ دلو لها وجيب فحين زار المشيب رأسي ... أثَّر في جسمه المشي وقال يصف ساقيًا: [من الطويلي أقول وساقينا يطوف بقهوةٍ ... لها حبب يرفضُّ مثل الكواكب

بدت في سماء الكأس شمسًا ومن رأى ... سنى الشَّمس ما بين النُّجوم الثَّواقب وقوله وقد نفذ إلى شمس الدولة المبارك بن النفيس بن مخطر يستهديه شرابًا: [من الخفيف] كان رسمي على المبارك شمس الدَّ ... ولة الماجد الكريم المهاب /190 أ/ أنَّني لا عدمت جود أياديـ ... هـ إذا ما خلوت مع أحبابي أقتضي طوله الكريم وإن عـ ... مَّ بنقل وجرَّة من شراب وقيان وشيشك حدثث السِّنِّ ... لطيف يأتي برسم الكباب وقد أحتجت والرَّئيس إذا أضطـ ... رَّ يؤم السِّباع دون الكلاب لا برحت الزَّمان في نعم تتـ ... رى وفي دولة بغير أنقلاب وقال فيه أيضًا وقد نفذ إليه رقعة فأبي غلاه أن يحملها إليه: [من الوافر] كتبت إليه شمس الملك خطا ... وحقَّ لقدر مثلك أن يهابا وقلت لبعض من يغشاك هلاً ... حملت لصاحبي هذا الكتابا فأطرق من رقاعته قليلاً ... وقال أخاف شمس الملك يابى فقلت وهل يردُّ الشَّمس خطًا ... تضمَّن في كتابته شرابا وقال صدر كتاب إلى شهاب الدين العقاب: [من مجزوء الكامل] /190 ب/ أقري السَّلام وقَّبلي ... بالله ياريح الجنوب بغداد والتَّاج الَّذي ... محصت محبَّته ذنوبي قولي لمولانا الشِّها ... ب العالم الفطن اللَّبيب إن كان غبت عن العيو ... ن فما برحت عن القلوب حاشا خيالك أن يغيـ ... ب وأن يميل إلى الغروب أنت الَّذي أبتهج الصَّديـ ... ق به وصال على الخطوب واصل بكتبك إنَّها ... أشهي من العيش الرَّطيب هي رقية الملدوغ إن ... غزَّ الدَّواء على الطَّبيب وقال يتقاضى سيف الدين غازي بن مودود بن زنكي بن أقسنقر – صاحب الموصل – بفروة لما كان نصيبين: [من الكامل]

مولاي سيف الدِّين قد هجم الشِّتا ... ومتى تعاود فروتي وإلى متى /191 أ/ ولقد ضمنت عليك دام لك العلا ... أن ليس يخلفها سواك إذا فتى فانعم بحقِّك يا أبن مودود الَّذي ... هزم الجموع وجمَّع المتشتِّتا تالله أقسم حلفة لابدًّ أن ... تمحو بأمرك ما تشاء وتثبتا يا أيُّها الملك الَّي عوَّذته الـ ... عوذ الثَّلاث وبالإله وهل أتى لازلت تكبت ليث كلِّ كتيبة ... أبداً وأنت مظفَّر ألن تكبتا وقال يهني نور الدين محمد بن داوود بعيد الفطر في الحصن: [من مجزوء الخفيف] تهنَّ بالعيد يا من ... له الزَّمان مواتي وأشرب هنيئًا مريئًا ... بخذ وهاك وهات خمراً يشبُّ سناها ... كالنَّار في الكاسات أخاف أن تتلظَّى ... منها أكفُّ السُّقاة يحبُّ أن يشهدوها ... الشُّهود في الحانات على سماع فتاة ... تزري بكلِّ فتاة /191 ب/ دقيقة الخصر خود ... جميلة الوجنات تشدو فيغني غناها ... عن أنَّة النَّايات كأنَّ داود يتلو الزَّ ... بور في الخلوات أو شكر مولاي يجري ... عقيب كلِّ صلاة وقال أيضًا يمدح عماد الدين أبا بكر بن داود ويهنئه بعيد الفطر: [من الخفيف] باكر الراَّح قبل وقت الصَّلاة ... وأغتنم عقلة الزَّمان المواتي في أنبلاج الصَّباح تنتهز الأ ... قداح لا في غياهب الحاكات وأجتليها بكراً فأحسن ما تجـ ... لى علينا مستحسنات البنات فهي أحلى من الحلال وأقسى ... من قلوب الخرائد الخفرات قد أتى الفطر في عساكره تز ... حف بين الطُّبول والبوقات وأنين النَّايات والصَّوم مازا ... ل هزيمًا من أنَّه النَّايات

كلَّما ضجَّت الجنود عليه ... جاوبتها طقاطق الشِّيزات /192 أ/ هاربًا من كتائب الفطر لا يـ ... عرف من خوفه طريق النَّجاة وأفترعنا عرائس الدَّنٍّ والرَّا ... ووق يبكي عليه بالعبرات وأباريقنا تقهقه والكا ... سات قد حمِّلت عيون البزاة فهي شمس والكأس شرق ولكن ... فلك الرَّاح في أكفِّ السُّقاة جاءك العيد يا عماد يهنِّيـ ... ك بملك يبقى مع السَّاعات وبظلٍّ لو سرت في ألف ألف ... حجب الشَّمس من عيون الكماة وقال يمدح الملك المسعود سكماان بن محمد في معنى طلبه منه: [من المديد] رشا من حسن صورته ... بتُّ مسروراً برؤيته زارني وهنًا فبتُّ وقد ... زارني أهلاً بطللعته عبثت كأس المدام به ... فتثنى عند مشيته كأن يخفي شربها فبدت ... قبسًا في ماء وجنته ماس من لين خفت على ... خصره الواهي ودقًّته /192 ب/ أبدع الرَّحمان صورته ... وتناهى في ملاحته صنم كالغصن رنَّحه ... نفس الدًّاني لغرتَّه تهت حبًا في هواه وقد ... وضلَّ قوم في عبادته بتُّ مشعوفًا به كلفًا ... مستهامًا من محبَّته اجتلى من وجهه قمراً ... في دجى من ليل طرَّته آم من آس العذار وقد ... خطَّ مسكًا في صحيفته ولما يفترُّ عن برد ... رقَّ عذاَّلي لرقَّته لو رآه السَّامريُّ لما ... ظلَّ مفتونًا بايته قائمًا يسعى على قدم ... في قلاليه وبيعته وإذا راح الكؤوس رمتً ... لهبًا من فوق راحته

راق رواووق المدام لنا ... من ثناياه وريقته حاز من حسن البلاغة ما ... حار فكري في بلاغته مثل ما حاز العلا ملك ... دانت الدُّنيا لدولته وقال أيضًا /193 أ/ مبدأ قصيدة يمدح الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن دداود بالحصن: [من البسيط] إشراب على نفحات الرَّند من هيتا ... حمراء تحسبها في الكأس ياقوتا سلافة كدموع المزن صافيةً ... تهوى الدِّنان وتجتاز الحوانيتا عذراء لم يفترعها في الورى أحد ... سوى المزاج فزوجها بمن شيتا تزداد همَّاً إذا ما غبت قاتلها ... حينًا وتفرح أحيانا إذا جيتا كانت لآدم شربًا في شبيبته ... وعندما هرموا أولاده قوتا من كفِّ أهيف واهي الخصر تحسبه ... بدراً على غصن في الدِّعص منبوتا كأن فوق عذاريه وقد نفضت ... أصداغه ورقًا بالمسك ملتوتا وقينة كمهاة الرمَّل ما تركت ... لعود معبد لا صوتًا ولا صيتا جيداء ناعمة الأطراف ناهدة ... قد جرَّدت لدم العشَّاق إصليتا تكاد تخرس جالوتًا إذا هزجت ... صوتًا وتنطق بعد الموت جالوتا يا ضرَّة الشًّمس أين الشَّمس منك إذا ... ما قلت قولا وسلَّيت المقاليتا /193 ب/ نفثت في علق العشَّاق سحر هوى ... به تعبَّدت هاروتًا وماروتا ترنَّمي بمديحي وأسمعي غزلي ... لناصر الديَّن مضبوطًا ومبثوتا وقال أيضًا يمدح بدر الدين كنان ويهنئه بعيد الفطر بمصر: [من مجزوء الرمل] قل لبدر الديَّن يا بد ... رأتى العيد وفاجا يا كمَّيا علَّم إلا ... ساد في الحرب الهياجا وجواداً غسلت أيَّامه ... الملك الأجاجا إكس وجه الجوَّ من نسـ ... ج أياديك عجاجا قد مضى الصَّوم هزيمًا ... من يد الفطر وضاحا يرهب النَّاي وقد جا ... وبه الجنك وناجى فاصرف الهمَّ بصرف ... إن تعافيت المزاجا فاصرف الهمَّ بصرفٍ ... إن تعافيت المزاجا

واجل بنت الكرم بكراً ... فهي تختار الزُّجاجا يا أجلَّ النَّاس يامن ... زاد حسنًا وأبتهاجا /194 أ/ قد ملأت البرُّ براً ... سدَّ عن عيني الفجاجا منزلي قفر يباب ... ما رأى ليلاً سراجا وقدوري فارغات ... ما حوت قطُّ دجاجا وزبادي البيت لم تعـ ... رف يومًا زير باجا أنجز الوعد ولا تحـ ... بس بذا العيد الخراجا فخيار البرِّ ما عجِّل ... يا بدر وراجا وقال أيضًا يمدح سيف الدين أتابك غازي بن مودود بن زنكي: [من الكامل] شرب الغبوق وظلَّ مصطبحًا ... فسكرت من لحظاته وصحا فكأنَّه والكأس في يده ... بدر الدُّجى تسقيه شمس صحى تنقضُّ في جنباتها شهب ... حتَّى ظننت سماءنا القدحا ويديرها فلك ترنِّحه ... نفحاتها فيهينها فرحا ويكاد يرقص كلَّما رقصت ... في خدِّه لهباتها مرحا /194 ب/ حتَّى إذا بلغت إلى ملك ... ما زال يكتب ما الزَّمان محا غربت فلا والله ما طلعت ... إلاَّ وقد خسر الَّذي ربحا ملك له حدَّان إن نوب ... حدثت وصفح رضًا إذا صفحا يغنيك من يده ومن فمه ... فلسانه وبيانه أصطلحا وإذا تبَّسم في مفاكهة ... ليلاً إليه سبيلنا أتَّضحا وإذا نوى لعداه غائلةً ... سبق القضاء وفات ما ذبحا فصفات سيف الدِّين يطربنا ... إيرادها فنصوغها مدحا من كلِّ قافية مهذبة ... تعيي الُّرواة وتخرس الفصحا عاينتها فوجدتها حماً ... وصنعتها فتمثلت ملحا تجلو على الأسماع إن سمعت ... صممًا وعن مهجاتنا ترحا

تبقى مؤبدة يقبِّلها ... فم كلِّ من بنظامها صدحا غازي بن مودود محبتكم ... فرض ومن بسط الثَّرى ودحا لا زلت بالإقبال مشتملاً ... وبأيمن التَّأييد متَّشحا وقال أيضًا /195 أ/ مبدأ قصيدة يمدح بها الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن داود: [من السريع] بتُّ أراعي النَّجم حتَّى الصَّباح ... في حبِّ من كان هواها مزاح فصار جداً والهوى لم يزل ... يدبُّ في القلب دبيب الرِّياح لمَّا تعلَّقت بها قال لي ... قلبي فقد تهت بها لا جناح وجه كبدر التًّم يحوي لمى ... كأنَّه المسك إذا المسك فاح وثغرها المنظوم من لؤلؤ ... منضَّد مثل بياض الأقاح تريش بالهدب سهام الهوى ... وتثخن العاشق منها جراح كأنَّما ريقتها قرقف ... ترشف من تلك الثَّنايا الملاح يقلُّ خوط البان منها نقًا ... يموج من تحت مشد الوشاح فلو رأتها الشَّمس قالت إذا ... ما غبت كوني عوضي في الصَّباح فعدَّ عن ذكر سناها ولذ ... بناصر الِّدين الكثير السَّماح وقال فيه أيضًا يمدحه من قصيدة: [من المديد] /195 ب/ فاض دمعي ليتهم نزحوا ... ما جرى منه وما أنتزحوا جيرة صدُّوا بلا سبب ... خسروا مثلي وما ربحوا ومن الابراح أنَّهم ... أفسدوا مني وما أصطلحوا لو أرادوا وصل مكتئب ... ما نأوا عنه ولا برحوا رحلوا والرُّوح موثقةً ... معهم والجسم مطَّرح لم يبن لولا الكلام ضنى ... فهو من فرط الأسى شبح أقصروا فالعشق أطيب ما ... يبتلى فيه ويفتضح لا تلوموني فلي ملك ... بثياب العزِّ متَّشخ ملك بالفضل مغتبق ... وببذل المال مصطبح ناصر الدِّين الَّذين انتصرت ... بعلاه في الورى المدح

وقال يقتضي الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بن أيوب بمصر: [من مجزوء الرمل] يا عماد الدَّين يا من ... طاب تغزيلاً ومدحا /196 أ/ والَّذي ما زال يهمي ... في الورى طشًا وسحاً والَّذي يحتقر المو ... ت إذا ما جرَّ رمحا أأترى أبصر من خطِّ ... ك في كفِّي صحَّا لا إذا جئت إلى النُّوَّ ... اب قالوا لي تنحَّى وقال وقد أتعبه الديوان في إيصال الجامكيَّة بمصر: [من الهزج] أيا من يشتري الحمد ... ومن يكتسب المدحا ومن يحتقر الغيث ... إذا ما كفُّه سحَّا لقد وقَّعت لي صحَّ ... ولكن صحَّ ما صحَّا وقال يمدح العضد أبا الفوارس مرهف بن أسامة بن منقذ بمصر: [من مالنسرح] أما وثغر أنقى من البرد ... وعارض في تضاعف الزَّرد /196 ب/ وأسهم المقلتين ترشق اللـ ... عشَّاق بين الفؤاد والكبد وورد خدٍّ بالاس يحجبه ... أو حد لا يرعوي إلى أحد فمن رأى في زمانه رشًا ... يطول من حسنه على أسد أحسد كأس الطِّلا إذا أرتشف الـ ... كأس بظلم عذب الِّثات ندي تسلَّط النَّار والعقار على ... وجنته وأستجنَّ بالعدد قلت وقد ماس كالأراكة يا ... ظبي الفيافي وبيضة البلد ما النَّور والأقحوان أحسن من ... ثغرك يا سيدي ويا سندي فقال: عنِّي إليك، قلت: عسى ... تريحني منط راحة العضد فخر بني منقذ وبالجدِّ في الـ ... عالم تنبي طهارة الولد ساد بني الدَّهر من سيادته ... فمثله في الوجود لم يجد حوى من الفضل كلَّ مكرمة ... بديعة من نفائس الزُّبد له يراع وصارم طبعًا ... كلاهما من رضًا ومن حرد

وقال وقد أعطاه الملك المؤيد نظام الدين ضيعة وكبتها / 197 أ/ له ملكًا. وكانت كثيرة الأشجار، لذيذة الثما، غزيرة الأنهار؛ وهي على شاطيء الفرات فحسده جماعة عليها وحملوه على أخذها منه. وكان قد كتب خطه معه على توقيعه بها بخط كفّه: "ملعون من يغيرها ما عاش عليه أو يستعيدها أبداً". [من المتقارب] جعلت بنعماك يا ابن الملوك ... أعادي لي من طريق الحسد وكيف ولا يحسدوني وقد ... مننت عليَّ بنامِّ البلد أرى كلَّما زدتني رفعةً ... يموتون في كلَّ يوم كمد إذا لم أخف بعلاك السِّباع ... أخاف ومثلك لي من نقد فعمَّرك الله عمر الزَّمان ... ولا عمَّر الله منهم أحد وقال يمدح الوزير ضياء الدين أبا العباس أحمد بن القاسم/ 197 ب/ ابن شيخ السلاَّميَّة – وهو يومئذ وزير الملك الصالح محمود بن محمد بامد: [من المنسرح] يا قمراً في جماله أوحد ... مثلك في العالمين لا يجود سلَّطت نار الأسى على كبدي ... فكلُّ نار من مهجتي توقد صن عقربيك اللَّتين قد لسبا ... حبَّة قلبي بصدغك الأسود سبحان رب براك من حمأ ... بدراً وخداك من دمي ورَّد بدَّد شملي ببينه وأبى ... يجمع شملي من بعد ما بدَّد وهدَّد اللَّيث بالُّصدود وما ... يهمُّ ميت إن صدًّ أو هدد لولا ثناياه ما أهتديت وقد ... ضيَّق طرفي وسبلها سدَّد إلى قوام كأنَّه غصن ... مزنَّر الخصر ناعم أملد اخاف من ضعفه وقد نظرت ... إليه عيني ينقدُّ او ينفد يكاد من لينه ودقَّته ... يحلٌّ عند القيام أو يعقد له رضاب إذا مزجت به ... الكأس سحيراً والطَّير قد غرَّد أبرد من دمعة السُّرور ومن ... ماء بكانون في الشِّتا أجلد /198 أ/ يصوغ مسكاً وعنبرًا عطرًا ... وإن بدا شاديًا فمن معبد

إذا تحسَّيت من سلافته ... رطلين بالظَّاهريِّ أو أزيد ظننت أنِّي بدسته ملك ... تجبى إلَّى البلاد أو تحشد أفدي عذارا ما خطَّه قلم ... كأنَّ داوود نبته زرَّد أبدع في خلقه الإله فما ... أحسن ما صاغه وما جوَّد لو شرب الدَّهر من لطافته ... ما عصرته الأكفُّ في صرخد ما قال رأيًا ولا بدا سفه ... منه على شربه ولا عرب لو عبد النَّاس قبله بشراً ... لكان من حسن وجهه يعبد فاق بني الحسن في الزَّمان كما ... فاق على النَّاس بالتُّقى أحمد وقال أيضًا يمدح الملك المسعود قطب الدين أبا المظفر سكمان بن محمد ابن داوود بامد: [من الرمل] قف على الجزع متى شئت ونادي ... فعسى يخبرك الجزع مرادي /198 ب/ إن وعى قولك يا سعد اللِّوى ... أو وعى البان فعرِّض بسعاد أتراها نسيت عهد الصِّبا ... أم تراها صرمت حبل ودادي إن يكن قلبي جديداً في الهوى ... فهي مغناطيس قلبي وفؤادي سل حمام الأيك عنِّي سحراً ... هل تلذَّذت بنوم ورقاد إن شدا نحت وإن نحت شدا ... فكلانا في ثياب من حداد ما على طيف الكرى لو زارني ... وعلى طيف الكرى كان اعتمادي وعلى أنعم قطب الدِّين مذ ... كنت في الذَّرِّ طريفي وتلادي ملك تسطو به الحرب كما ... يطرب النَّشوان من شعر وشادي لا يبالي والعوالي شرَّع ... كثر الحاسد أم قلَّ المعادي يطعن الألف فلا يرهبها ... ويجود الألف من غير تمادي يا بني أرتق إن عدَّ النَّدى ... أنتم السَّامون في تلك العداد ناركم ناران سخط ورضًا ... فهي دخر لمحبِّ ومعادي وقال وأرسلها إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الشام: [من الخفيف] /199 أ/ ما ثناني عن الثَّناء البعاد ... الهوى والوداد ذاك الوداد

كيف أنسى تلك اللَّيالي وأيَّا ... مي بنعماك كلُّها أعياد وجلوسي إذا خلوت بعليا ... ك وسمعي يصغي لما لا يعاد إن تناسيت ذلك العهد لا شمـ ... ت وميضًا ولا سقتني عهاد أو تواني فمهي عن الملك النًّا ... صر يومًا فلا ورى لي زناد والَّذي جمَّع الشَّتات وأنشا ... سحبًا أعشبت لديها البلاد مذ ترَّحلت عن جنابك ما سغـ ... ت شرابًا ولا هنا لي زاد وقال يعاتب الوزير ضياء الدين أحمد بن شيخ السلامية: [من الكامل] كم قد سهرت على علاك بمدحة ... غرَّاء ما صلحت لغيرك أحمد علِّي أحوز بما نظمت مواهبًا ... من راحتيك وأنعمًا لا تنفد فنبذتها نبذ الحصاة كأنَّها ... صل ينضنض في يمينك أسود وكأنَّ طرس قصائدي في مدحكم ... ورق يصُّر به الدَّواء ومزود ولكم مدحت كما مدحتك ماجداً ... أسدى إليَّ مكارمًا تتردَّد /199 ب/ ومنعتني فمك الَّذي أحيا به ... ومنعت جودك قل بمن أستنجد فإذا كسوتك في زماني حلَّة ... تبقى على مرِّ الزُّمان وتخلد وقال يهني صارم الدين ختلج بالعيد – عتيق نجم الدين أبي الفتح يوسف بن الحسين بن المجاور الدمشقي وزير الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بمصر – إرتجالاً، ويطلب منه ما كان قد وعده به: [من مجزوء الرجز] يا صارم الدِّين لقد ... وعدتني في العيد أرفل من جودك في ... ذيل قبًا جديد وليس لي عندم من ... يطرب من نشيدي تحيَّر الحمام في ... الغصون من تغريدي كأنَّني نائحة ... تفجع بالتعَّديد وأهيف القدِّ نشا ... كالغصن الاملود /200 أ/ أعيد معسول اللَّمى ... من الظِّباء الغيد أكحل مهضوم الحشا ... مورَّد الخدود ريقته أطيب من ... سلافة العنقود

سألت عن مسكنه ... فقال في زبيد ولي موال قطنوا ... بالأمس في الصَّعيد ناولته الكأس وقد ... مال من الرُّقود كأنَّه القانت في ... الركوع والسُّجود أو طفلة من الظِّبا ... ء علبة الزُّنود تقوم شفعًا وتصلّـ ... ي الوتر من قعود أديك ياربَّ النُّهى ... من صارم صنديد لازلت تعلو رتبًا ... على الملوك الصِّيد وقال ارتجالاً وقد طلب منه الملك الصالح محمد بن محمد أبياتاً تكتب على باب عرضي: [من مخلع البسيط] /200 ب/ حلَّ بأرجائك السُّعود ... ولا عرشك المجيد ولا غدا عن ذراك وفد ... إلاَّ وقد نال ما تريد ولا برحت الزَّمان تعلو ... في نعم ما لها نفود ممتَّعً بالبقاء تأتي ... قسراً إلى بابك الأسود ما سجع الطَّير فوق غصن ... مغردِّاً والحيا يجود أنت لمن يرتجيك باب ... للخير مفتاحة السُّجود وقوله فيه أيضًا وقد طلب منه أبياتاً تكتب على باب المجاز: [من المنسرح] جاز بباب المجاز محمود ... فسال من سيب كفِّه الجود في دول ما يزال يكنفها السَّـ ... عد وتعنو لها الصَّناديد لا زالت النَّيرات تخدم علـ ... ياه ركوعًا والبيض والسُّود ما سجع الطَّير في الأراك وما ... رجعَّ خلف الركاب غريد وقال أيضًا/ 201 أ/ جواب كتاب أرسله إليه من الموصل بهاء الدين علي بن السمين: [من البسيط] وافي كتاب بهاء الدِّين فابتهجت ... عيني بذاك فلم تشبع من النَّظر وبان منثور تبر قد سقى أدبًا ... من وابل الفكر لا من وابل المطر

ولم أزل وحياً كفَّيك أرتع في ... روض الرسائل بين الحبر والحبر وقال يمدح الملك المسعود قطب الدين أبا المظفر سكمان بن محمد بن داود من قصيدة أولها: [من المديد] ربَّ ليل بتُّ من سهره ... أجتلي الجوزاء في قمره ظلت أشكو طوله ومنى ... مهجتي تشكوه من قصره لم يحمِّلنا انقضاء هوىً ... كلُّ إنسان على قدره وحبيب كنت أرمقه ... خيفة الواشين من حذره صدَّ ظلماً وانثنى غصناً ... فبعثت النَّفس في أثره كيف يسري الطيف نحو فتىً ... ما يجول النُّوم في بصره ألف الدَّهر الصُّدود فما ... يخطر السُّلوان في فكره كيف يسلو عاشقٌ بشراً ... حلَّ كلُّ الحسن في بشره شدَّ زمَّاراً له وتلا ... ما تلا داود من زبره وهو للإنجيل معتنقٌ ... يطبع الألحان من سوره كيف يصليه الإله لظى ... وهو أسنى الخلق من صوره إن يكن ذا الحسن في سقرٍ ... فجنان الخلد في سقره تخجل الأغصان منه كما ... تخجل الولدان من خفره وتحار الحور منه إذا ... سل سيف الحسن من حوره حاز من بحر النَّسيب كما ... حاز قطب الدِّين من درره وقال في رجلين كل منهما يلقب بالضياء أحدهما ضرير والآخر أعرج: [من المتقارب] ضياءان من غسق كوِّنا ... بسومهما ذو النهى يخسر ضريرٌ يقول رأيت السُّها ... وأعرج يعجب ما يذكر يقول لحقت برجلي الغزال ... وما فاتني البارق الممطر ويزعم إن صفعت كفُّه ... ضريراً ففي وقته يبصر وقال في النحول: [من السريع]

أنحلني الشُّوق فلو أنَّني ... ولجت في جفنك لم تشعر وصرت لا شيء ومن لم يبن ... كيف تناجيه ولم يبصر وقوله وقد طلب منه الوزير صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر أن يجيز له بيت أبي فراس: [من الوافر] وكم أبصرت من حسنٍ ولكن ... عليك لشقوتي وقع اختياري فقال أبو يعقوب: [من الوافر] فما للقلب حين يحبُّ شرطٌ ... وهل شرطٌ لمسلوب القرار ولو وجب القصاص على دليل ... لكنت أخذت من عينيَّ ثاري وقال فيه أيضاً يطلب منه دستوراً لعله يمضي يقضي من أهله وطراً: [من المتقارب] دعاني المسير وآن السَّفر ... فجد لي بجودك ممَّا حضر من الصَّافنات الجياد الَّتي ... طواها الطِّراد بجيشٍ مجر معوَّدة لحياض المنون ... وطنِّ الذُّباب ورنِّ الوتر أيا ملكاً بسماح اليدين ... لأعلام جود نداه نشر فأنت الزَّمان إذا ما سطا ... وأنت الصَّباح إذا ما ظهر وكفُّك حين ترى السَّائلين ... تمدُّ الجياد وتعطي البدر فمنك العطاء ومنَّا الثَّناء ... فسيره بالمعاني سير وقال وقد طلب منه الأوحد المغني أن يجيز له بيتاً يغني بما يجيزه؛ لأنَّه ما كان يحفظ غير ذلك البيت فحسب: [من المتقارب] وعذراء ما لبست للحليِّ ... إلَّا خلعت عليها عذاري تميس من الدَّلِّ كالخيزران ... ويعطفها اللِّين عطف السِّوار واحذر من قدِّها أن يميد ... فينقدُّ من هيف وانحصار وأعجب من خصرها كيف لا ... يزول وقد حسَّ مسَّ الإزار

فمن وجهها زهري إن أردت ... ربيعاً ومن ريق فيها عقاري تعلَّقتها وزمان الشَّباب ... شفيعي إلى صورٍ كالصِّوار فلمَّا كلفت بها قادني ... إلى وطني عدم الإصطبار فودَّعتها ولئالي الجفون ... تساقط ما بين ماء ونار كأنَّ الدُّموع على خدِّها ... بقيَّة طلٍّ على جلَّنار وقال بالموصل وقد أخذه نسا في رجله اليسرى: [من السريع] يا بلدة الموصل أورثتني ... مفاصلاً في رجلي اليسرى إن لم أعجل لانصرافي غلى ... بغداد آيست من الأخرى وقال أيضاً وقد طلب من الوزير ضياء الدين أبي العباس أحمد بن القاسم ابن شيخ السلّامية شعيراً، قال له: قد نفذنا إلى الحصن في طلب الشعير: [من الخفيف] قد تقنَّعت بالشَّعير ومثلي ... لا يجازى لشعره بالشَّعير يا وزير المسعود ساعد لمن لا ... يترجَّى سوى أيادي الوزير كلُّ شيء يفنى سوى مدحي فيـ ... ـك ولو جدت لي بملك كبير فنفاد القليل يا أوحد النَّا ... س يوازي به نفاد الكثير وقال في الخضر بن شروه بمصر، وهو في خدمة الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بن أيوب: [من المسرح] بتُّ أعاطى الكؤوس في السَّحر ... على أنين النَّايات والوتر من كفِّ جيداء كالغزالة ما ... أخفَّها لو مشت على بصري بديعة الحسن من لطافتها ... تعلِّم النَّاس صنعة الصُّور ريقتها في الزُّجاج أطيب من ... مسك فتيق وعنبر عطر تميل أعطافها إذا خطرت ... كما تميل الأقاح بالمطر تكاد تخفي الصَّباح إن أسفر الـ ... ـصُّبح بمحلو لك من الشعر

تعقد من لينها إذا خطرت ... دون مهاة النَّقا على خطر وقينة بالجمال حالية الـ ... ـحال تغنِّي بصوتها الخمر أما ترى اللَّيل قد مضى هرباً ... منهزماً والصَّباح في الأثر في ليلة ظلَّ من تقاصرها ... يعثر ذيل الصَّباح بالسحر هبُّوا إلى قهوة معتَّقة ... حمراء تنفي وساوس الفكر باكرها القسُّ في الظلام على ... عادته والنُّجوم لم تغر في فتية من بني الشَّمامس يز ... هون بأعطافهم على الزَّهر جاءوا براحٍ كأنَّها قبسٌ ... يطير منها الحباب كالشَّرر تذكر نوحاً وقد تعلَّقها ... آدم من قبله أبو البشر شجُّوا قواها حتَّى ترقَّ كما ... رقَّت من الجود راحة الخضر وقوله في غلام اسمه غازي معذّر [من الخفيف] قال قومٌ على سبيل التَّهازي ... شعراتٌ بدت بعارض غازي قلت قول المحبِّ حين بدا الرَّيـ ... ـحان ما حلَّةٌ بغير طراز وقوله ما كتبه إلى الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بمصر. وكان يحبّ أن يستزيد من رقاعه وكان يطول به رغبةً فيه ليستخدمه: [من الخفيف] كم أناجيك في الرِّقاع وفكري ... في معاليك ينظم الأشعار وأغالي من المحبَّة في المد ... ح لعلِّي أهزُّ منك الثِّمارا وقال يمدح هلدرا ببلد مصر، ويغّزل بأياز الرومي؛ وقد مرَّت عينه على يافا: [من مجزوء الكامل] يا خوط بانٍ ماس سكرا ... ورخيم دلِّ تاه كبرا وبديع لفظٍ صيغ بالـ ... ـتنقيح ياقوتاً ودرَّا ما ضرَّ طيفك لو يجو ... د بليلة في الدَّهر أخرى حتَّى أبثَّ إليه ما ... لاقيت منك قلى وهجراً فلقد أضرَّ بي الهوى ... لو كنت تنظر فيَّ أجراً أرسلت فوق عذارك الـ ... ـمخضرِّ من صدغيك ستراً

كتب البنفسج حوله ... بالعنبر الشَّحريِّ سطراً ما الدُّرُّ نضِّد في نحو ... ر الحور أحسن منك ثغراً قد كنت شمساً قبل أن ... أهوى هواك فصرت بدراً تفَّاح خدِّك نقل من ... يمتاح من شفتيك خمراً يا قاتلي بشبا الجفو ... ن إلى متى بجفاك تغرى أسبلتني سنة الكرى ... وبدأت لي في صل تقرا وسحرتني بأيا الصَّبا ... ح وكنت أنفث منك سحراً تهتز من مرِّ النسيـ ... ـم فمن ترى سمَّاك صخراً حتَّى أقبِّله لصد ... ق مقاله خمساً وعشراً لمَّا تمكَّنت المحبَّـ ... ـة صرت كالمصفود أسراً أسلمتني للنائبات ... تحدُّني بطناً وظهراً لولا انبعاث الفكر في ... مدحي لمولانا هلدرا وقال يطلب مداداً من زين الدين بهروز. وكان دزداراً بقلعة بالوية: [من البسيط] أروم نقس دواتي من سحائبك السود التي حجبت من جوفها القمرا وغرَّقت بنداها كلَّ شامخةٍ ... حتَّى شكرت على حالاته المطرا وقال وقد نفذ إلى العضد أبي الفوارس مرهف بن أسامة بن منقذ رقعةً وجاء إلى بابه بها فرده: [من المنسرح] جئت إلى بابك الكريم وقد ... نقَّحت فكري في مدحكم دررا كأنَّها روضةٌ وقد نثر الغيم عليـ ... ـها من النَّدى مطرا تضوع من ريِّها إذا اضطربت ... مسكاً فتيقاً وعنبراً عطرا رضَّعتها في ابن منقذ العضد الـ ... ـعالم علِّي اقضي بها وطراً وقلت بكرٌ من الكواعب كالشـ ... ـمس رودٌ أنكحتها قمراً فصدَّها عن هواه أسوده ... وما درى أنَّني أبو الشُّعرا

أقابل الجود بالمديح وما ... زلت بهذا أعامل الأمر وقال أيضاً يمدح أسد الدين المصري بمصر: [من الهزج] ألا يا أسد الدِّين ... وحقِّ ليلة القدر لقد أوحشني شخصـ ... ـك في صحوي وفي سكري وما لي أحدٌ أسنـ ... ـد في الخلق به ظهري سوى ساميك يا من فا ... ق فوق الأنجم الزُّهر أرى قوماً بلا قدر ... إذا ما جهلوا قدري يخافون بأن أنظرـ ... ـم في أعناقهم شعري ولولا ابنة العمر ... لأودى بينهم عمري فقم وأسع إلى بكرٍ ... شبيه الغادة البكر إلى مشموله أعتـ ... ـق من آدم في الذَّرِّ تزيل الهمَّ عن صدر ... ك والوسواس عن صدري تضيء في ظلام اللَّيـ ... ـل مثل الكوكب الدرِّي إذا ما ألَّف الرَّاوو ... ق بين الماء والخمر وطابت نغمات العو ... د بين الطَّبل والزَّمر أناديك وقد زفَّت ... علينا ابنة الخدر إلا فارتشف الرَّاح ... على واضحة النَّحر على ناعمة كالخوط ... من أجفانها سحري فتاة كمهاة الرَّمـ ... ـل لولا هيف الخصر فمن رمَّانها نقلي ... ومن ريقتها خمري وإلَّا مع فتىً كالبد ... ر أو أبهى من البدر غلامٍ من بني عذر ... ة لا يقبل من عذري إذا ما مزج الرَّاح ... بريق ذلك الثَّغر ترى سوسنة العار ... ض تنهلُّ من القطر فمن طرَّته ليلي ... ومن بهجته فجري كذاك الفالق الهاما ... ت أعني الأسد المصري

كريماً غرَّق العالـ ... ـم في البرِّ من البرِّ ويحمي البيض بالبيض ... ويحمي السُّمر بالسُّمر تراه ودم المال ... على صارمه يجري وقال أيضاً من قصيدة يمدح بها الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن داود، أولها: [من السريع] قم فاسقني يا طلعة الشَّمس ... سلافةً تحيا بها نفسي مع قينة تطرب إن رجَّعت ... صوتاً بعود طيِّب الحسِّ كالشَّمس إلَّا أنَّها والَّذي ... صوَّرها أبهى من الشَّمس ترنِّح الصُّم بتهزيجها ... وتنشر الموتى من الرَّمس وتنطق الخرس ومن قبلها ... ما نطقت ألسنة الخرس حمراء كالياقوت لا مزَّةً ... تمنع أو صفراء كالورس تجلى على شرَّابها مثل ما ... تجلى العذارى ليلة العرس لو بزلت بالكرج من دنِّها ... لفاح ريَّها إلى القدس قد نظم الرَّاووق في جيدها ... قلائداً جلَّت عن اللَّمس يحار فكر المرء فيها فما ... تدرك بالعقل ولا الحسِّ تصيِّر الفسل إذا عبَّها ... أشجع من عنترة العبسي أعوزني منها صراحيَّةٌ ... في ليلة حالكة اللَّبس فصار يهديني سناها إلى ... قلَّاية في الدَّير كالحبس فجئتها لم أر فيها سوى ... أربعةً بالحزر أو خمس وواحد يدرس إنجيله ... وواحد خال من الدَّرس وبينهم مشمولةٌ عتِّقت ... من عهد كسرى ملك الفرس عتَّقها القسُّ فلم يجلها ... من شحِّه إلَّا على قسِّ لمَّا رأوني وثبوا خيفةً ... والجنس لا يهوى سوى الجنس قالوا: سنى ذلك أم نشرها ... هداك يا ابن السَّادة الحمس

فقلت: عين شردت من يدي ... فجئت أقفو أثر العنس عنساء كالبرس فهل فيكم ... من شام لي عنساء كالبرس ولم أزل أخدعهم حيلةً ... أخشى على الفخِّ من الفقس وصرت أحكي لهم ما جرى ... على بني الأصفر في المقس وقتلة الغبس بأسياف من ... لم يبق في مصر على الغبس وكان قصدي شرب فقصيَّةٍ ... ليست من التَّمر ولا الدِّبس ما يقلع القلاع مع حذقه ... لطعمها الطَّيِّب من ضرسي لله أيامٌ مضت طيبةً ... قضَّيتها بالشُّرب في الغرس مع فتية سادوا على كلِّ من ... يكتب بالزِّنجار والنِّقس إن خطرت بالطِّرس أقلامهم ... تواثب الجيش من الطِّرس بسِّي من الصَّوم فقد هاضني ... صيامه يا سيِّدي بسِّي فاشرب ومل نحو فتىً ودُّه ... قد شيد بالقرميد والكلس وقال أيضاً فيه يمدحه من قصيدة أوّلها: [من الخفيف] إسق بدر الدجى من الشَّمس كاساً ... واختلس غفلة الزَّمان اختلاساً مع فتاة مثل القضيب إذا ما ... ل سحيراً من النَّسيم وماسا كلَّما غازلتك أجفانها المر ... ضى من الغنج خلت فيها نعاساً شابت الكأس من رضاب ثنايا ... ها فزادت من الرُّضاب شماساً اسقنيها سلافةً عقد المز ... ج من الحبِّ حولها برجاساً بنت كرمٍ كانت وما خلق اللـ ... ـه شهوراً من قبلها وأناساً عصرتها يد الزَّمان فما ... تعرف قسّاً ولا رأت شمَّاساً قهوةً عتِّقت بقطرَّبل الزَّو ... راء تنفي الهموم والوسواسا رقصت في يد المدير وقد قلَّـ ... ـدها المزج في الزُّجااج قداساً ألبستها الأيَّام ثوباً قابلت ... حقب الدَّهر والسّنون اللِّباسا

وإذا ما بزلتها غسق اللَّيـ ... ـل من النُّور خلتها مقباساً فهي كالنَّفس لا تكيَّف إن فـ ... ـكَّرت فيها ولا تحدُّ قياساً تتلاشى من اللَّطافة في الأجسـ ... ـام لكن تفوق عمراً وشاساً مثل ما فاق في الورى الملك الصَّا ... لح قدراً على الملوك وراساً وقال أيضاً يمدح نظام [الدين] أبا سعيد البقش بماردين: [من المتقارب] وما روضةٌ أنفٌ كالعبير ... سقتها عيونٌ يعاليل بيض يلاعبها الطَّلُّ حتَّى النَّسيم ... ويضحكها لمعان الوميض ويطلعها شهباً كالنُّجوم ... تأرَّج ما بين روضٍ أريض أقام بها الشَّرب حتَّى الصَّباح ... وقد رقَّ ثوب الطَّويل العريض وأهيف ذو فلجٍ كالقضيب ... بخدٍ أسيل وجفنٍ مريض إذا أعوز القطر سقَّى الشَّراب ... ثراها على معبد والغريض بأطيب من مدحي في النِّظام ... وقد رجَّعتها حداة القريض وقال أيضاً يمدح الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب- صاحب حلب المحروسة- رحمه الله تعالى-: [من الطويل] ترى من كساك الحسن من بعد ما خطا ... عذارك لمَّا ندَّ بالنَّدِّ واختطَّا ومن راش من جفنيك للنَّاس أسهماً ... تعطُّ قلوب العاشقين به عطَّاً فيا لك من بدر سقتني لثاته ... بغير مزاج من كؤوسك إسفنطا وما كحلت عيناه يوماً بمرودٍ ... ولكن عيون العين ساهمنها قسطاً إذا ما تقلَّدن الحسان مخانقاً ... من الشَّذر والياقوت منظومةً سمطاً تبسَّم عن ثغرٍ كأنَّ شتيته ... قلائد درٍّ لا تعار ولا تعطى وعسكر من سحر الجفون عساكراً ... هم الرَّهط للبلوى فيا لهم رهطاً إذا ما تثنَّى فوق دعص يقلُّه ... رأيت قضيباً رنَّحته الصَّبا سبطاً أقر به حتى حتَّى يحلَّ بمهجتي ... محلَّ الهوى منِّي فيوسعني شحطاً وأرضى بما يرضاه لو كان منصفاً ... ولكنَّ واشي الحسن علَّمه السُّخطا أحبُّ من الرِّيم الحجازيِّ ما رنا ... إليَّ مشيحاً إن تدانى وإن شطَّا

ويعجبني منه إذا مدَّ جيده ... ليقتات من أغصانه ثمر الأرطا أغازل غزلاناً من الحلي عطَّلاً ... وقد حكت الجوزاء في المغرب القرطا وقد أشامت بي همَّةٌ عربيَّةٌ ... على أينق من عزِّها قلَّ ما تمطى من اليعملات القود ما مسَّها وجّى ... ولا سمع الحادي لها في السُّرى نحطا إلى الظَّاهر الملك الَّذي بحر جوده ... يغطُّ به راجي جواهره غطَّا وقال أيضاً وقد هجم الثلج بآمد. وكان قد انقطع الطريق عن الحطب فنفَّذ إلى الوزير ضياء الدين أبي العباس أحمد بن القاسم يطلب منه خطباً: [من مجزوء الرجز] يا سيِّداً أصدق في ... وعوده من القطا ومن إذا استر فدته ... جاد سماحاً وعطاً الثلج قد جار على ... دياركم وقد سطا وعاد كانون كما ... كان زماناً أفرطاً وكلُّ من يحسب ذا الشَّـ ... ـهر سباطاً غلطاً فلا تقل إلى متى ... تجور هذا شططاً فمن رأى خطوته ... تطول في المشي خطا وكتب إلى نظام الدين: [من الطويل] كسوتك من لفظي مديحاً مخلَّداً ... ولم تكسني معنىً يدوم ولا لفظا وصيرت شعري في ثناك مشرَّداً ... يطوف فلا شختاً يعاف ولا غلطا وعاوضتني شيئاً بشيء وإنَّما ... تفاوقت فاستقلعت من شجري المظَّا إذا كان لا يخشى من الوعظ غافلٌ ... فما ينفع المغرور أن سمع الوعظا وكنت إذا ما جئت تلحظني هوىً ... وقد صرت لا شزراً تراني ولا لحظا وكم قلت طعني تستفد من مكارمي ... فلم أستفد إلَّا من الضَّيعة الدَّلظا وقال في نقطة سوداء بين ثنايا بيض وذلك في صباه: [من الطويل]

وثغر نقيٌّ غير شينٍ كأنَّه ... لآل نظمناها يفصِّلها جزع ألم تر أنَّ العين لولا سوادهما ... لما كان نور للبياض ولا وقع وقوله وقد أقبل على آمد. وكان في زمن الربيع فوجد برد كانون في ذلك الأوان: [من الوافر] أتينا آمد السَّوداء يوماً ... لنمدح صاحب الشَّرف الرَّفيع فلمَّا أن وصلناها وجدنا ... هوا كانون في زمن الرَّبيع وقال أيضاً يشكو من جماعة عند الملك العزيز عماد الدين عثمان- صاحب مصر- ذوي محضرٍ سوء: [من الهزج] على بابك أقوامٌ ... إذا ما قد رحا حافوا وأنت المورد العذب ... وهم حولك أجراف وقد ينبت حول الكر ... م لبلابٌ وصفصاف وقال فيه أيضاً وقد طوّل به زماناً إلى أن قرَّبه إليه وأسبغ نعمته عليه: [من الطويل] أخاف انقضاء العمر من قبل أن أرى ... عطاياك قد مدت يدي بالبر يوسف وهبك منحت الكنز لي بعد مدَّة ... أينساغ طعماً بعد طول توقفي ولست بجعد الكفِّ بل أنت ديمةٌ ... تغرِّق إلَّا غلَّتي وتلهُّفي وقال يتقاضى الوزير ضياء الدين بن شيخ السلّامية رسماً كان له عليه: [من الخفيف] كان رسمي على الوزير ضياء الدَّ ... ين أكفى الكفاة في حصن كيفا منحاً زادها وضاعفها حيـ ... ـن رآني بها مقيماً ضعيفا لم يزل يطلب الطَّريف من الشِّعـ ... ـر ويعطي لقائليه الطَّريفا وقال يعاتب الملك المسعود قطب الدين أبا المظفر سكمان في تخلفه عنه وقلّة نظر الديوان في حقّه: [من مجزوء الرمل] قل لقطب الدِّين يا سكـ ... ـمان يا مالك رقِّي

يا كميّا قصَّر آلا ... جال بالرُّمح الأمقِّ مؤنتي منِّي وخبزي ... من دراهيمي ورزقي فمتى أفلح قل لي ... ومتى تنجح طرقي وقوله ما يكتب على طاسٍ من الفضة: [من الخفيف] أنا طاسٌ من اللُّجين ولكنَّـ ... ـي أضاهي السَّماء لوناً وطرفا كم تمرَّرت في الجحيم وكم صر ... ت مصاغاً وكم تقلبت صنفا وقوله وقد التمس منه الملك المسعود سكمان بن محمد أن يعمل له خمسة أبيات مذكرة أولها ثاءٌ وآخرها قاف: [من البسيط] ثملت من حسنه والكأس يرشفها ... ظبيٌ من التُّراك أضحى وهو معشوق ثبتٌ كأنَّ بفيه وهو مغتبقٌ ... مسكاً وفي يده طاسٌ وإبريق ثمَّ احتسيت مدام الحبِّ من فمه ... صرفاً وقد زانها ثغرٌ وراووق ثق بي فلست مذيعاً سرَّكم أبداً ... والسِّرُّ عند ذوي الألباب صندوق ثكلت من لامني في نبت عارضه ... وقد بدا فيه تنوينٌ وتعريق وقال وقد قطع خبزه شتويتين لانقطاعه عند خدمته: [من الكامل] مازلت تقطع في الشِّتا رزقي ... يا من على الأموال لا يبقي قل لي لأيَّة حالة وربما أسـ ... ـتوجبت فعلك ذاك في حقِّي ما قدر ذاك النَّزر تمنعه ... عني وغصنك يانع العرق غارت عيون نداك أم صفرت ... كفَّاك من ذهب ومن ورق وقال غزلاً أخترعه عليه بعض أصدقائه: [من الرمل] نثر الطَّلُّ على الغصن الوريق ... لؤلؤاً يعرب عن ثغرٍ وريق وشفاهٍ من عقيق طاب من ... أجلها سكناي في وادي العقيق علقت في خدِّه من كبدي ... نقطة الكاتب في الخطِّ الدَّقيق إن يكن يجحد قبلي في الهوى ... فدمي ينطق كالمسك الفتيق

حقَّق الشَّامة في وجنته ... أنَّها تشهد بالقتل حقيق ففؤادي يشتكي منه الظَّما ... وجفوني تشتكي منه الغريق وقوله وقد طلب منه صديق له أبياتاً ينقشها على منديل: [من مجزوء الكامل] لم لا أتيه على الفتيق ... وأسود كاسات الرَّحيق وتحار في حسني العيو ... ن لصنعه النَّقش الدَّقيق وتقلُّني كفٌّ تر ... فَّع عن ملامسة الدَّبيقي مازال يلثمني العقيـ ... ـق إذا احتساها كالعقيق فأنا رفيق أخي الظَّرا ... فة وهو من حبِّي رفيقي وقال يستدعي صديقاً إلى الشراب: [من المجتث] احضر ولا تتوانى ... عندي شرابٌ عتيق ومجلسٌ قد تهيَّا ... كما يحبُّ الصَّديق اضحك لرقص الحمَّيا ... إذا بكى الرَّاووق كأنَّه دمع عانٍ ... قد ملَّه المعشوق فللمداد علينا ... فرائضٌ وحقوق وقوله يعرض بنفسه إلى الملك العزيز عثمان بمصر وأرسلها على يد ابن المنذر: [من البسيط] إن كان عندك بستانٌ بلا ثمر ... ولا اخضرار ولا زهرٍ ولا ورق فعند عبدك ألفاظٌ حدائقها ... معنبرات المعاني نعَّس الحدق فاشرب على ملح الآداب مع رجلٍ ... يغنيك في برد كانونٍ عن الدَّلق وقال يمدح نجم الدين يعقوب بن المقدم بآمد ويطلب منه وعده: [من مجزوء الرمل] قل لنجم الدِّين يا من ... عمَّ بالجود الخلائق والَّذي مازال يولي ... البرَّ طفلاً ومراهق قد تعلَّقت بأهدا ... ب معاليك السَّوابق بك يهدي الله من ضـ ... ـلَّ عن النَّهج الطَّرائق

هكذا قد نطق القر ... آن والقرآن صادق يا كمّيا فرَّقت يمـ ... ـناه بالبيض المفارق يوم لا يمتدُّ رمحٌ ... لا ولا يستنُّ سابق ليست الأوهاد في الأعـ ... ـين كالشمِّ الشواهق أنجز الوعد فإنِّي ... بكريم الوعد واثق لا نبا سيفك في يو ... م الوغى ما ذرَّ شارق وقال وقد طلب منه الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد أن يعمل له أبياتاً في معنى اختاره: [من الرمل] طرق العشق بقلبي فأبى ... أنَّه يعشق من يطرقه خلق الحسن وسوَّاه لنا ... ونهى الخالق من يعشقه لو أراد الله خيراً بالورى ... كان هذا الحسن لا يخلقه وبعيدٌ أن ترى عين فتى ... قمراً عنَّ ولا ترمقه وإذا المسك تجافاه الورى ... قلَّ في العالم من ينشقه يقطع السّضارق هذا عجبٌ ... وبأمر كان ما يسرقه صل فقد صرت لحيني غرضاً ... نبل جفنيك هوىً ترشقه اخش دمعي ولهيبي فهما ... يغرق النَّابل أو يحرقه فإذا أيبس عودي زمنٌ ... ناصر الدِّين ندىً يؤرقه وقال صدر كتاب كتبه إلى بغداد يتضَّمن شوقاً واستيحاشاً لشهاب الدين يوسف العقاب: [من الوافر] كتبت إليك من شعفي وشوقي ... شهاب الدِّين خطِّي كي يراكا وقلت عسى يقبِّل حين يقرا ... لواعج ما كتبت إليك فاكا أحنُّ إلى لقاك وأيُّ يومٍ ... يمرُّ ولا أحنُّ إلى لقاكا وقال يعاتب الوزير ضياء الدين بن شيخ السلّامية بآمد رأى تناقصه في حقّه، ويعتذر إليه أيضاً خوفاً أن يكون قد بلَّغه عنه إنسان سوءٍ محالاً: [من السريع] والله لا أنسى ولا يقتضي ... ديني أن أكفر نعماكا

/215 أ/لعل نذلاً جاء يا سيِّدي ... ينقل عنِّي الزُّور أفَّاكا يريد أن ينسخ شرع الوفا ... لا كان ما يختاره ذاكا وإن جرى ذنبٌ فحاشاك أن ... تؤاخذ المذنب حاشاكا وقال يهنئ الملك المسعود قطب الدين سكمان بن محمد- بآمد- بعيد الفطر: [من الخفيف] جاءك العيد يا أجلَّ الملوك ... فارتشفها على أذان الدُّيوك من سلاف تضيء في اللَّيلة اللَّيـ ... ـلاء ناراً في جوهر مسبوك قد كساهاً المزاج في الكأس إكليـ ... ـلاً يضاهي للُّؤلؤ المسكوك بنت كرم حمراء صيَّرها العصـ ... ـر مع العصر كالدَّم المسفوك يتمنَّى الشُّهود أن شهدوها ... مع غبيٍّ ومقترٍ صعلوك يا صحابي دعوا التمعقل في الشُّر ... ب وجنُّوا على استماع الجنوك وأشربوها من كفِّ أغيد معسو ... ل الثَّنايا مقرطقٍ جاووك بابلي اللِّحاظ لوندس المئـ ... ـزر أوهى بخصره المبتوك واجتلوا وجهها فقد زفَّها الرَّا ... ووق زفَّ الأستاذ للمملوك وامزجوا كأسها بأخلاق قطب الدِّ ... ين شمس الإسلام تاج الملوك يا أكفَّ السُّلطان إن قايس النَّا ... س بك البحر في النَّدى ظلموك كرماً قد تعوَّدته بنو الآما ... ل أجداده قبل ذاك أبوك وقال يطلب من زين الدين أبي سعيد بهروز بن عبد الله وقد هجم البرد ببالويه كبولة: [من المجتث] يا سيِّدي الزَّين يا من ... آراؤه مصقوله ومن سيوف علاه ... على العدا مسلوله ومن جبلَّة ساميـ ... ـه بالتُّقى مجبوله نريد ذا اليوم في البر ... د من نداك كبوله دقيقها كالتَّباطي ... من حنطة مغسوله وأن تكون من الضَّر ... ب سيِّدي مقتوله بغير شرٍّ تأنٍّ ... لكن نريدها معسوله

كثيرة السَّمن تأتي ... على القفا محموله وقال يمدح بهاء الدين أبا سعيد سريجا بن عبد الله بآمد: [من المنسرح] لقد تناهى معي العذول ... ولست أصغي لما يقول فكيف يصبو إلى ملام ... صبٌّ لعبء الهوى حمول يراقب النَّجم منه طرفٌ ... كأنَّه بالدُّجى وكيل ليس له في السُّلوِّ رأيٌّ ... ولا من العشق يستقيل فالعشق معنىً بغير ذات ... تحار في كنهه العقول يحلُّ بالقلب منه وهمٌ ... وما إليه له سبيل فتعتريه الهموم حتَّى ... كأنَّ طرفي لها دليل وأكحل الطَّرف فاق حسناً ... يا حبَّذا طرفه الكحيل مذ رضع الثَّدي وهو طفلٌ ... ما جال في مقلتيه ميل أسمر كالسمهريِّ لدنٌ ... أفرط في خصره النُّحول يميس كالغصن رنَّحته ... مع الصَّبا في القبا القبول ما لجفون المها سهامٌ ... تراش منها ولا نصول ولا لريم الفلاة فرعٌ ... أسحم مثل الرِّشا طويل فكم دمٍ للمحبِّ ظلماً ... أساله خدَّه الأسيل فرَّق جيش الهموم لهواً ... فجمَّعت شمله الشَّمول تخفُّ بالشَّارب الحميَّا ... وهو على سكره ثقيل لم يبد منه على مدام ... مع النُّدامى قال وقيل ناولني من يديه راحاً ... بها يداوى الصَّب العليل وشابها من رضاب فيه ... فقلت آسٌ وسلسبيل فقل لمن لا مني سفاهاً ... في حبِّ من كلُّه جميل تلوم في حبِّ عيسويٍّ ... عاش بايشوعه القتيل كما يعيش الأنام طرّاً ... في جود من ظلُّه ظليل وله يعاتب الدهر لكونه يرفع وضيعاً ويحط رفيعاً: [من البسيط] إنِّي لأبغض دهراً لا يفرِّق ما ... بين الأماجد والسَّفسافة السِّفل

يحط للَّسن النِّحرير قعر خلاً ... ويرفع العي أعلى مرتقى زحل لعلَّ ما وعسى الأيَّام قد عميت ... فما تفرِّق بين الصَّاب والعسل بالعقل والنَّقل يزداد الفتى شرفاً ... فما التَّناقص ضاقت في الورى حيلي ذر العوم وكن في النَّاس مسخرةً ... وقد ولط وازن واشرب واستبح وكل لعلَّ عتبك محمودٌ عواقبه ... وربما صحَّت الأجساد بالعلل وقال وقد طلب منه صديقٌ أن يصف الخال الذي في خدِّ عمر بن رجب الصائغ بماردين: [من السريع] ماس شبيه الغصن الحالي ... أهيف لا ينظر في حالي وسلَّ سيف الحسن يسطو به ... على كئيبٍ دنف بالي ما ضرَّه لو جاد لي رحمةً ... بقبلة في الخدِّ والخال حلَّ ببالي عمرٌ ليته ... يعمر ما خرَّب من بالي لو علم المعشوق أنَّ الهوى ... يزينه ما كان بالغالي أثرَّ في وجنته من دمي ... فما له يمنعني مالي وله في جارية بخدِّها خال: [من الكامل] ومليحة مزجت فمي برضابها ... فظنت أنَّ رضابها سلسال ولثمت شامة خدِّها فوجدتها ... مسكاً وأين من الفتيق الخال وقال بالمحلّة الغربيّة من بلاد مصر، وقد طلب من يونس بن الظهير أن يصنع له حلوةً وينفذها له مع عبده ريحان. فنفذ إليه يقول: البيت في الحمام. واعتذر بعذرٍ بارد: [من مجزوء الكامل] لا ذنب لي فيما طلبـ ... ـت وليس ذنبٌ للجمال الذَّنب للسيف الَّذي ... سوَّاك بين النَّاس والي أرسلت ريحاناً إليـ ... ـك فعاد كفُّ العبد خالي وذكرت أنَّ البيت في الـ ... ـحمَّام حدت عن السُّؤال

أنا قد سألتك حلوةً ... من ذا سالك عن العيال أمَّا الهمام فإنَّه ... رجلٌ ترفَّع بالمحال يستوعب الدَّخل الحرا ... م ولا يعفُّ عن الحلال الجمال: يونس بن الظهير كان نائب سيف الدين علي بن كهلان بالمحلّة. والهمام كان بين يديه يستوعب الحاصل من الجنايات. وقال أيضاً وقد طلب منه بعض المطربين أن يعمل له غزلاً في معنى اختاره مذكراً ومؤنثاً: [من مجزوء الكامل] منعت وصال من الوصال ... فبقيت مرتقب الخيال حتَّى أبثَّ إليه ما ... لاقيته من سوء حالي أرعى العهود لبانة ... صرمت بلا سببٍ حبالي ما بالها تسلو وما ... خطر السُّلوُّ لها ببالي يا طيف إن ساعدتني ... بعد القطيعة بالوصال لأعذِّب الأيَّام بالاً ... حلام من قصر اللَّيالي كم ليلة قضَّيتها ... بين الغزالة والغزال مع كلِّ خودٍ كالغلا ... م وشادن خنث الدَّلال يرنو إليَّ بمقلتي ... ريمٍ ويبسم عن لآلي حلو الشَّمائل وجنتا ... هـ أرقُّ من ورد الشَّمال وقال يتغزل: [من السريع] أما ترى النَّرجس من جفنه ... يرشق جاني الورد من وجنتيه وسوسناً نثَّ علينا الَّذي ... قد كتب الرَّيحان في عارضيه ولؤلؤاً نضِّد من ثغره ... بين عقيق ساق حتفي إليه فوالَّذي قلَّب قلبي له ... لازلت أهواه وأحنو عليه وقوله يذم التكبر: [من الطويل]

ولمَّا رأيت الكبر يزري بأهله ... تواضعت حتَّى عظَّم النَّاس حاليا إذا الكبر زار المرء شان جماله ... وأصبح من ثوب الرِّئاسة عاريا وقال يمدح سعد الدين أستاذ دار الملك المؤيد مسعود بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بمصر: [من مجزوء الكامل] أقسمت بالثَّغر النَّقيِّ ... وبحسن وجه يوسفيِّ وبعقرب الصُّدغين فو ... ق بنفسجٍ غضٍّ طريِّ وبنرجس العينين أقـ ... ـسم لا بسحرٍ بابليِّ وبحاجب حجب العيو ... ن عن القوام السَّمهريِّ وبخصره الواهي الدَّقيق ... وورد خدَّيه البهيِّ وبمبسم عطر اللِّثات ... وظلم ثغر لؤلؤيِّ لا حلت عن مدحي لسعـ ... ـد الدِّين ذي الأصل الزَّكي الواهب الأموال للسُّـ ... ـؤَّال بالكفِّ السَّخيِّ فحباه يغني مادحيـ ... ـه إذا أتوه عن الحبيِّ وقال يصف بغداد ويتشوّق إليها: [من المتقارب] أحنُّ إلى الجسر والرَّقتين ... ودار السَّلام وسكَّانها وتاج الخلافة والجانبين ... من الشَّطِّ والظِّلِّ من بانها وباب المراتب والزَّند ورد ... ونهر المعلَّى وغزلانها وسوق العميد وباب الحديد ... وحور الجنان وولدانها واسأل ذا الطَّول ربِّ العباد ... إدامة دولة سلطانها وقال في صبيّ كلما زاده إحساناً زاده إساءة. وكان قد أنحله هواه فذكر الإساءة فجفاه: [من البسيط] لا تعجبوا لمحبٍّ كنت أوثره ... بناظريَّ وبروحي كنت أفديه أسدى إليَّ قبيحاً كي يعاقبني ... فكان للهجر أحلى من تلافيه وعيده أن ما أسداه يمرضني ... فكان عين شفائي والدَّوا فيه فليته لا يزال الدَّهر يفجعني ... بصدِّه وبصابٍ من تجنِّيه

وقال يمدح الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد من قصيدة: [من المنسرح] يا ليلةً زارني محيَّاها ... بغير وعد ما كان أوفاها قرنت أولى زيارةٍ سمحت ... على محبٍّ بيمن أخراها بتُّ أعاطي بك الكؤوس فما ... ألذَّها في فمي وأحلاها أمزج من ريقها المدام وقد ... تغزَّلت بالمدام عيناها في ليلة والرَّقيب منعزلٌ ... أحبُّها والحسود يشناها أضاء لي ثغرها الظَّلام فما ... أزال أثني على ثناياها جاريةٌ كالقضيب لو دعت الـ ... ـميِّت من قبره للبَّاها أبدع في خلقها الإله فما ... أحسن ما صاغها وسوَّاها أنسى صلاتي إذا خلوت بها ... وهي مع الدَّهر لست أنساها لا سيَّما والنُّفوس في يدها ... تأمرها تارةً وتنهاها أحفظ عهدي لها وتحفظني ... وذاك مازال من سجاياها تزيد قلبي أسى وتهجره ... وهو على الحالتين يهواها لولا هواها يذيبني حرقاً ... ما صرت عبداً وكنت مولاها تسهرني والنُّجوم خافقةٌ ... قد حدَّجت للسرى مطاياها مرتمياتٍ بنا إلى الملك الـ ... ـصَّالح أعني به شهنشاها وقال وقد استدعاه الملك العزيز عثمان بن يوسف ليلاً وجعله جليساً له: [من الخفيف] لست أخشى صرف الزَّمان إذا ما ... نظرتني مواهب السُّلطان ملكٌ كنت ميِّتاً قبل مرآ ... هـ فلمَّا رأيته أحياني [971] يوسف بن ضوء بن عليِّ بن ضوء بن هيماج بن عليِّ بن ضوء بن كيسان بن عليِّ بن ضوءٍ، أبو يعقوبٍ الربعيُّ. من أهل إربل ومن بيت مشهورٍ بها.

وكان رجلاً مطبوعاً، معاشراً فيه تودّد وكياسة، يحكي الحكايات المستحسنة، ويحفظ من النوادر والأشعار كثيراً، وينظم أشعاراً لا بأس بها. وكان يخضب بالسواد. وكانت بيني وبينه صحبة أيام مقامي بإربل. وكان يخدم بها متصرفاً. ثم رحل عنها إلى حلب، وتولّى بمعرة النعمان ولايةً فلم يمكث بها إلَّا قليلاً حتى أتت عليه منيَّته؛ وذلك في رجب سنة ستٍّ وثلاثين وستمائة- رحمه الله تعالى-. ومما أنشدني لنفسه بإربل في سنة خمس وعشرين وستمائة: [من الطويل] هوىً عاد لي طفلاً وقد كان مكتهل ... وصار قشيباً بعد ما كان مضمحل وعاودني منه الغرام الَّذي مضى ... من الشَّوق والتَّبريح إذ كان قد رحل فقلت له فيما أتيت وما الَّذي ... تريد وثوبي في الشَّبيبة قد سمل وهل يقبلنَّ البيض منِّي تشفعاً ... إليهنَّ بيضاً في العذار فاحتمل وما من شفيعٍ في وصال أرومه ... فيشفع لي في وصلهنَّ إذا وصل هو الحبُّ لا يسلى بشيبٍ وكبرةٍ ... مدى الدَّهر في قلب الكريم إذا نزل وأنشدني لنفسه إملاءً: [من البسيط] قد كنت في دعة ألهو بلا فرقٍ ... إذ كان سيَّان عندي العود والحطب فمذ تأدَّبت نابتني نوائبه ... وفي التَّأدب إن عاينته نوب وأنشدني أيضاً قوله: [من المتقارب] أما والهوى واختلاس القبل ... وورد الخدود وغنج المقل لقد شرَّد النَّوم عن مقلتي ... بدر العقيقين لمَّا أفل وأنشدني لنفسه في غلام فقيهٍ: [من الطويل] رأيت فقيهاً يافعاً عند شيخه ... يباحثه في درسه ساعة الدَّرس وفي وجهه نورٌ كبدر دجنَّة ... إذا ما بدا في الحسن أو ألق الشَّمس يقول له يا شيخ قد قال ربنا ... تعظَّم في تنزيله: النَّفس بالنَّفس فقلت له: يا أحسن النَّاس منظراً ... وعلماً غزيراً ليس في العلم من لبس أجرني لقد أتلفت نفسي عامداً ... ولا تعص قول الله للجنِّ والإنس

فقال ولم يفكر: صدقت، وإنِّما ... أراد به الأحرار يا صاحب الحسِّ [972] يوسف بن عامر بن أبي عبد الله بن أبي نصر بن عليِّ بن أحمد بن الوهبي، أبو سعد الموصليُّ المعروف بالشَّحَّاميِّ. قرأ طرفاً من فقه الإمام الشافعي- رضي الله عنه- على الشيخ أبي حامد محمد بن يونس بن محمد بن منعة الموصلي- فقيه الموصل- وكان قبل ذلك مرتباً بالمدرسة النوريّة. ثم سافر إلى الشام سنة ستمائة، ونزل دمشق ولم يزل بها مقيماً إلى أن مات سنة ثمانٍ وعشرين وستمائة. صار إليّ من شعره قصيدة مدح بها أتابك نور الدين أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر- صاحب الموصل- ويهنئه بالنيروز وذلك في سنة خمس وتسعين وخمسمائة- رحمه الله تعالى-: [من الخفيف] أنا مالي وللظُّبا والعوالي ... وسموٍّ إلى سماء المعالي أنا مالي صبرٌ على الطَّعن والضَّر ... ب وبالي لا يستلذُّ وبالي لست ممَّن يروم حرباً إلى حرب ... ولا غزو ضمرةٍ وهلال أنا أهوى للبيض والسُّمر لا سمـ ... ـر العوالي ولا لبيض النِّضال إنَّ بيض الخدور أحلى من البيـ ... ـض وصدم الأبطال بالأبطال أنا مالي بين الصُّفوف مجالٌ ... يوم عثر الرِّجال بالآجال أيُّ فخرٍ إذا أتيت طعيناً ... أو رهيناً أو جاثماً من قتال إنَّما الفخر في وصال الأغاني ... بالمغاني من دون قيل وقال أو مديح المولى المؤيَّد نور الدِّ ... ين ربِّ الإحسان والإفضال ملكٌ جلَّ عن مشابهة الخلق ... وعن كلِّ لاحقٍ أو تالي فهو بين الملوك واسطة العقـ ... ـد وجلَّ المولى عن التمثال يا أرسلان شاه يا مالك الحد ... باء يا من علا على كلِّ عالي قد أتاك النَّيروز السَّعيد بجدٍّ ... صاعدٍ مخبرٍ بخير مال

حين عاينت عرَّة العام نادا ... ك منادٍ بالعزِّ والإقبال إن يكن للزمان فيك لسانٌ ... كان والله ناطقاً في المقال ولنادى بصوته في البرايا: دمت في الملك مع دوام اللَّيالي قد أتاك الهناء يرفل من لفـ ... ـظي تيهاً في ثوب سحرٍ حلال كم به أكبت الحسود وكم أسـ ... ـحب من فرط برده أذيالي دمت لي في سعادةٍ وسرورٍ ... ونعيمٍ يأتي بغير زوال [973] يوسف بن عبد الله بن أبي الفضل بن عبد الله بن عليِّ بن الخشاب الأديب أبو المحاسن بن أبي الفرج القاهريُّ المصريُّ. من شعراء الديار المصرية. أنشدني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، قال أنشدني أبو المحاسن بن الخشاب لنفسه: [من البسيط] صبِّر فؤادك فالعقبى لمن صبرا ... ولو تجرَّعت في ترك الهوى صبرا ألم يعظك من الدُّنيا الذي خطرا ... حتَّى ركبت إلى نيل المنى خطرا يا لاهياً عمره في غيِّه عبرا ... أنظر مصائر من ولَّى تجد عبرا أين الملوك الألى أمسوا بها سمرا ... لا يملكون بها ضالاً ولا سمرا طافوا البلاد وأبقوا بعدهم سيرا ... ومن تمادى قليلاً عمره سيرى تضاحك الداهر فيما بينهم شجرا ... إذ لا ينالون لا ماءً ولا شجرا إنَّ الفتى إن عصته نفسه نهرا ... وأطلق الخوف من أجفانه نهرا فازجر فؤاداً بأحداق المها سحرا ... واستغفر الله من ذكر الهوى سحرا ما بذَّ طرفك إلَّا صائداً قمرا ... قمرت عقلك فاترك سبل من قمرا واجهد لتلقى فتىً من مكرها نفرا ... فكم أضلَّ وأردى مكرها نفرا وكن كصاحب لبٍّ طرفه قصرا ... أن يجتني الذَّنب لا عن توبة قصرا كم عامرٍ لسواه هادمٍ عمرا ... وهادمٍ بالتُّقى ما غيره عمرا

وأنشدني أيضاً، قال: أنشدني يوسف بن عبد الله لنفسه: [من المتقارب] نويت إلى ربعكم حجَّتي ... وطالت على بابكم وقفتي أطوف على ربعكم خاضعاً ... طواف الإفاضة من عبرتي فؤادي الحطيم بكم أو منّى ... وزمزم ما فاض من مقلتي ركنت إلى ركن ظنِّي بكم ... وصيَّرت قصدي لكم كعبتي ترى هل لأيَّامكم عودةٌ ... تردُّ عليَّ اللَّيالي الَّتي ألا يا بريقاً أضا بالغضا ... لقد هجت نحوهم لوعتي ويا نسمةً ما انطوى نشرها ... من البعد إلَّا إلى مهجتي نعيمي إذا أنعموا بالرِّضا ... وإن هجروني فيا شقوتي أعزُّ إذا قيل يا عبدهم ... وعزِّي بغيرهم ذلَّتي خلعت العذار على حبِّهم ... فطاب افتضاحي على عفَّتي وهذا حديث غرامي بهم ... ولا تسال الغير عن قصَّتي وأنشد أبو المظفر منصور بن سليم بن منصور الفقيه الشافعي الهمداني الإسكندري في سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو المحاسن يوسف بن عبد الله بن الخشاب المصري لنفسه بالقاهرة المعزِّيَّة: [من الكامل] يا ناصباً لي في الهوى أشراكا ... أنا والأنام بأسرهم أسراكا نظرك إليك نفى عن العين الكرى ... وهواك أصعب ما لقيت هواكا أعدى إلي السُّقم طرفك عندما ... أهدى إليَّ تبلبلي صدغاكا وأقام محتصر العذار قيامتي ... لمَّا اكتسى بجديدة خدَّاكا أنا عبدك الرَّاضي بحكمك فاحتكم ... قلبي أسيرك لا يروم فكاكا غرضي رضاك فصل هواك وخن وجر ... واهجر وصدَّ فإنَّني أهواكا أمثال كلِّ الحسن لو خلق الهوى ... شخصاً لكنت أنا الممثِّل ذاكا سل ناظري عمَّن حلا فيه يقل ... يا مشرقي بالدَّمع ما أحلاكا واستقر أحشائي فإن تك باقياً ... في طيِّها قلبي وأنت هناكا إنِّي لأقنع من وصالك بالمنى ... وأسرُّ أنِّي في المنام أراكا وتقرُّ عيني أن تمرَّ مسلِّماً ... متبسماً فأذوق طعم رضاكا

حتَّى م أصفيك الوفا وتشوبه ... وافي وتغدر بي فما أجفاكا يا وجنتيه ما أرقَّكما ويا ... قلباً يحلُّ حشاه ما أقساكما ماذا تريد من السَّليم تعلُّه ... سمّاً فحسبك ما به وكفاكا حاشاك أن تلفى بحسنك شانياً ... بخلائقٍ مذمومةٍ حاشاكا [974] يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن عبد الله بن علوان بن رافعٍ، أبو المحاسن بن القاضي أبي محمدٍ الأسديُّ. كانت ولادته في شوال سنة ثلاث عشرة وستمائة. وتوفي يوم الأربعاء ثالث المحرم سنة .... وثلاثين وستمائة. من بيت علم وفقه وخير وصلاح. كان والده قاضي القضاة بحلب. ونشأ أبو المحاسن هذا فتخلَّق بأخلاق أبيه السَّنيَّة، واقتدى بأفعاله الجميلة الرضية؛ فنبغ شاباً ذكياً حسن السيرة مرضياً ذا قبول ولطافةٍ، وفخامة قدر وظرافة. أخذ من الفقه على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه- جزءاً متوفراً، وتأدّب وناب عن والده في الدروس بالمدرسة الرواحيّة شمالي المسجد الجامع، وتكلم في المسائل الخلافية وأجاد وطاوعه خاطره في نظم الشعر، فقال منه القطع الغزلة السهلة المأخذ، وظهرت عليه النجابة. وتميَّز على أقرانه، وأبناء زمانه. وكملت آدابه؛ وتوفي أكمل ما كان شباباً. رأيته بحلب ولم أجتمع به. أنشدني الشيخ الإمام الأمين المعدل شمس الدين أبو بكر عبد الله بن محمد ابن أحمد بن مبادر بن الضحاك التاذفيّ ثم الحلبيّ بها، قال: أنشدني أبو المحاسن يوسف بن القاضي عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي الحلبيّ لنفسه: [من الطويل] تبارك خلَّاق وجهك الحسنا ... واظهر في كفَّيك معجزة الحسنى

وأوجد في يساك يسر مرادنا ... يميناً وفي اليمنى السَّلامة واليمنا وأبدع في أخلاقك الغرِّ فاغتدت ... هي الثمرات الطَّيِّبات إذا تجنى واطلع بدراً في منازل سعده ... وأبدى قواماً قد حكى الأسمر اللَّدنا فأنت حبيب القلب سرّاً وجهرةً ... بما حزت من لفظ بديعٍ ومن معنى وأنت دواءٌ للسَّقيم بنظرة ... يعيش بها أو أن تبلِّغها مثنى فللَّه أوقاتٌ على الخيف من منىً ... تحوز المنى والعين مطروفة عنَّا وكم ليلةٍ وافيته في ظلامها ... فعاد ضياءً من سنى وجهه الأسنى ولمَّا بدا والبدر وافاه في الدُّجى ... فقالوا فما أنصفت أعلاكما الأدنى فحين رماني الله بالبعد والنَّوى ... سألت لمغناه يجيب فما أغنى ولولا رجاء الطَّيف أن يطرق فكري ... وإلَّا لكان الصَّبر من بعده يفنى فاسأل ربَّ الخلق يجمع بيننا ... على حالةٍ ترضي الودود كما كنَّا وأنشدني، قال: أنشدني يوسف بن عبد الله الحلبيّ لنفسه: [من الطويل] ألا هل لنا بعد التَّفرق مجمع ... فعيني لا يرقى لها الدَّهر مدمع نأيتم وألهبتم فؤادي صبابةً ... عسى عطفةٌ منكم وفي القوس منزع وحرَّقتم الأحشاء بعد بعادكم ... فكيف أروم البرَّ أو كيف أطمع وأوقرتم سمعي عن العذل بعدكم ... فلا أرعوي عذلاً ولا الأذن تسمع أطعت لغيِّي في الهوى وضلالتي ... وعاصيت سلواني وذلك انفع سقامي نجمٌ إن حضرتم فغائبٌ ... وإن غبتم عنِّي فإذ ذاك يطلع حرمت لذيذ النَّوم بعد فراقكم ... فعيني لا تغفو ولا هي تهجع ولا يرتجي الملهوف إلَّا وصالكم ... فبالوصل ينأى السُّقم عنه ويقلع وأنشدني، قال: أنشدني أبو المحاسن قوله: [من الطويل] أيا سائق الأظعان رفقاً بها رفقاً ... فلا سلوتي تحيا ولا عبرتي ترقا تعزَّيت بالأسقام لمَّا رأيتهم ... وحادي ركاب القوم يحدو بهم شرقا فناديته بالله قف لي هنيئةً ... فقال وما ألوى: يجنَّبها الأشقى فلمَّا سمعت القول أهويت صاعداً ... وجسمي على نيران هجرهم ملقى إذا هاج تذكاري خشيت تحرُّقاً ... وإن فاض دمعي إنَّني لمن الغرقى

فإن لم يوافوا المستهام بنظرة ... وإلَّا على حال الحياة فما يبقى إذا ما نأوا فالدَّهر يقطب وجهه ... وإن حضروا قد عاد مبتسماً طلقا فلا تعذلوا المشتاق في فرط وجده ... إلى أن تلاقوا في الهوى كلفاً يلقى فإن كنت ألقاكم فعيشي منعَّمٌ ... وإن غبتم عني فسحقاً له سحقا وقد كنتم هدَّدتم الصَّبَّ بالنَّوى ... إلى أن حدا الحادي فصار النَّوى حقَّا إذا ما وطئت الدَّار من بعد بعدهم ... تخيَّلت أنَّ النَّار أو حرَّها أرقى فطوبى لعينٍ متِّعت بجمالكم ... وعينٌ نأت عنكم جديرٌ بأن تفقا وأنشدني، قال: أنشدني من شعره: [من الطويل] عسى يجمع الرَّحمن شملاً تفرَّقا ... ويشفى سقيم البعد بالوصل واللِّقا فجسمي بنيران البعاد محرَّقٌ ... ودمعي من بعد القطيعة ما رقا إذا لم يداو المستهام أحبَّتي ... فمن ذا يعانيه فقد شفَّه الشَّقا نأيتم فأثواب السَّقام جديدةٌ ... عليه وثوب الصَّبر أضحى ممزَّقا فمنُّوا على الصَّب المعنَّى بطيفكم ... فهيهات أن تبرا الصَّبابة بالرُّقى إذا هاج تذكاري بساعة بيننا ... فغربت في شوقي إذا البدر شرَّقا فقلبي عند الظَّاعنين مقيَّدٌ ... وقد كنت قبل البين ألفيه مطلقا وأنشدني قال أنشدني لنفسه: [من الطويل] سرى الطَّيف من نحو الحبيب مبشِّرا ... فصادف أجفاني جفت لذَّة الكرى وقلبي مذ بانوا يحرِّقه الأسى ... فيا ليت لا كان الفراق ولا جرى يخبِّرني أنَّ البعاد مباعدٌ ... وأنَّ عسير الوصل عاد ميسَّرا فحيث وعى سمعي لما قال عائدي ... رأيت شفاي وجهه عاد مسفرا ومن يبره طيفٌ ألمَّ بقربه ... فكيف إذا وافى الجمال بلا مرا ولمَّا دنا لقياهم قال نأيهم ... إذا كنت تهوى البدر لا تنكر السُّرى فقلت له: قد كان قلبي منزلاً ... أنيساً فبالهجران أصبح مقفرا وأنشدني، قال: أنشدني قوله: [من الطويل] عزيزٌ علينا أن نرى بعدكم شخصاً ... وقد كنتم الأدنى فأصبحتم الأقصى

فقد عاد جسمي بالسَّقام معذَّباً ... وفرط اشتياقي لا يعدُّ ولا يحصى وقد كنت بالآثار أروي هواكم ... فما زلت حتَّى صرت أذكرها نصّاً خليليَّ إن أدركتماه برامة ... فمن شرح حالي والغرام به قصَّا وقولا له يا غاية السُّؤل مغرمٌ ... بحبِّكم دون البريَّة قد خصَّا وقال أيضاً: [من مجزوء الكامل] أظننت قلبي قد تسلَّى ... يا عاذلي حاشا وكلَّا لست المطيع للائمي ... والسَّمع لمَّا رام كلَّا كيف السَّبيل وقد تولًّـ ... ـى حسنه والصَّبر ولَّى وهواه أبرا مهجتي ... لمَّا ألمَّ بها وحلًّا بدرٌ تجلَّى في الدُّجى ... فالهمُّ مذ وافى تجلَّى ومنها قوله: لله أيامٌ تقضَّـ ... ـت بالمنى نحو المصلًّى عين النَّوى مطروفةٌ ... عنَّا وكفُّ البين شلَّا حتَّى دهاني هجره ... فالقلب بالنِّيران يصلى والسُّقم آلى لا يزو ... ل بدون رؤية من أعلَّا لو لم يبلَّ لمهجتي ... طيفٌ أتاني كنت أبلى أشكو إليه سقام جسـ ... ـمٍ ناحلٍ قد ذاب ألَّا إن كان يسأل عن فؤا ... دي صحَّ بعد البين قل: لا وهواه عندي واجبٌ ... وهوى سواه عاد نفلا وقال أيضاً: [من الطويل] نذرت لرِّبي إذ قضى لاجتماعنا ... أعفِّر خدِّي في التراب له شكرا وكيف يطيق الشُّكر عن جمع شمله ... محبٌّ يرى مرأكم يكشف الضُّرَّا وأحمد يوماَ ضمَّنا بعد فرقة ... وللمستهام الصَّبِّ من سقمه أبرا ولو كان هذا اليوم يرجى شراؤه ... لكنت لروحي قد بذلت لكم يشرى وكنت نذرت الصَّوم يوم لقائكم ... ولكنَّه عيدٌ فلن يقبل العذرا

وألقي شفاهي تحت أقدام مالكي ... أقبِّلها عشراً وأضعفها عشرا وقد جئتكم مثرٍ من الهجر والضَّنى ... وكنت قتيل البين من وصلكم أثرى وقال أيضاً: [من مجزوء الكامل] يا عاذل القلب المتيَّم ... دعه فإنك لست تعلم ما قد حوى من حرقة ... من بعد سكَّان المخيَّم أنَّى تروم سلوَّه ... والحبُّ في الأحشاء خيَّم أم كيف ترجو برءه ... من غير من قد كان أسقم هيهات حاولت المحا ... ل ورمت شيئاً ليس يفهم كيف السُّلو وسمعه ... عن عذل لاحٍ قد تصَّمم ويرى الضَّلالة رشده ... وشقاه غاية من تنعَّم لم يشفه إلَّا لقا ... ء حبيبه والله اعلم وقال أيضاً: [من مجزوء الرجز] بي صممٌ عن عذَّلي ... ومهجتي في شغل رمى فؤادي شادنٌ ... من لحظه في المقتل له فؤادٌ كالصَّفا ... وريقه كالسَّلسل يريك وجهاً كالضُّحى ... من تحت ليل اليل لا انتهى عن حبِّه ... فمنتهاه أجلي كيف يرى من وجده ... وسقمه مثلي خلي لمَّا دنا توديعه ... ناديته يا أملي منَّ ولو بنظرة ... أشفي بها من عللي قال وأبدى لؤلؤاً ... من ذلك المقبَّل حكم الهوى أن لا أرى ... لعاشق بالقبل فمذ نأى عن ناظري ... فعبرتي تضمن لي [أن ليس يبقى دمعةً ... أريقها من مقلي

وصار خدِّي بعده ... من البكا كالجدول] [975] يوسف بن عبد الله بن عبد الباقي بن مكيِّ بن إسماعيل بن يحيى بن نهار بن الحسين بن يحيى بن إدريس بن محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن إبراهيم بن صالح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو المحاسن البكريُّ التيميُّ. الفقيه المالكيّ من أهل مصر. نزل بغداد واشتغل بالفقه والأصول، وسمع الحديث النبوي من أصحاب أبي الوقت السجزي في آخرين بعدهم؛ وله فهم وذكاء، ويقول شعراً؛ وهو شاب. أخبرني أنه ولد إما سنة إحدى أو اثنتين وستمائة. ومن شعره ما أنشدني بدمشق بمسجدها الجامع في أواخر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ وهو متوجه إلى دير مصر: [من الكامل] ما غرَّدت قمريَّة الأجفان ... إلا وفاض الدَّمع من أجفاني شوقاً إلى وادي الأراك وبانه ... فهناك لي قلبٌ نأى وجفاني أضحى مطيعاً للغرام ملبِّياً ... فإذا عزمت على السُّلوِّ عصاني يهوى من البيض القواضب أهيفاً ... هزات معاطفه بغصن البان يدنو فيمنعه الدَّلال إذا دنا ... من قربه فهو البعيد الدَّاني كم عاذل قد لام فيه وما وعى ... سمعي ولا ملك الملام عناني [976] يوسف بن عبد الرحمن بن عليِّ بن محمَّد بن عليِّ بن عبيد الله بن حمّادي بن أحمد بن محمَّد بن جعفر بن عبد الله بن

القاسم بن النضر بن القاسم بن محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-، أبو محمَّدٍ بن أبي الفرج الجوزيّ الواعظ الفقيه الحنبليُّ التيميُّ البكريُّ. خيّرت بأنَّ جدّه كان من مشرعة الجوز إحدى محال بغداد بالجانب الغربي، فلذلك يقال لهم بيت الجوزي. وكان والده إمام العراق في وقته، وعلمه أشهر من أن يذكر، وابنه هذا خلف أباه، وسمع الحديث الكثير على مشايخ ذلك الوقت كأبي القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن يونس البغدادي، وأبي الفتح أحمد بن محمد المندائي، ووالده أبي الفرج وغيرهم.

وولّاه الناصر لدين الله أبو العباس أحمد- رضوان الله عليهم- حسبة بغداد وأنعم عليه إنعاماً عظيماً ورزق منه حظاً شاملاً؛ فلما توفي الناصر وتولّى الإمام الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد- رضي الله عنه- لم يغيّر عليه شيئاً مما كان عليه. فحينئذ انقرضت أيام الظاهر بأمر الله- تغمده الله برحمته ورضوانه- عن مدّة قريبة، وتولّى الإمام المستنصر بالله أبو جعفر المنصور- رضي الله عنه- زيد في إكرامه، وارتفعت منزلته لديه. وأنفذه إلى عدّة جهات رسولاً، فحصل له بذلك الترسل أموال جمّة، ونعمة طائلة؛ فلما توفي المستنصر بالله- رضي الله عنه- وتولّى المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر- خلد الله دولته- ولّاه أستاذ داريّة الدار. وكان واعظاً حسناً عالماً بالتفسير والحديث فقيهاً مدرساً مفتياً على مذهبه شاعراً مسهباً غزير الشعر مقتدراً على إنشائه؛ ولم [يمدح] أحداً من الناس غير الخلفاء- صلوات الله عليهم اجمعين-. كنت ببغداد أيام مدّة إقامتي بها، وحضرت مجلس وعظه بباب بدر عدّة مرات. وكان ينشد عقيب المجلس قصيدة طويلة من نظمه مديحاً في الخليفة يختم بها مجلس الوعظ. ولم يعلق بحفظي من أشعاره شيء ولا اتفق لي الاجتماع به ولا الرواية عنه. ثم بعد ذلك قدم إربل رسولاً من ديوان الخلافة إلى خوارزم شاه أبي المظفر مينكبرتي بن محمد بن تكش، فاجتمعت به بعد عوده من الرسالة بإربل في أواخر شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة، وأجازني جميع مقولاته ورواياته وما يندرج تحت الإجازة، وكتب ذلك بخطه. وسألته عن مولده، فقال: ولدت في ذي القعدة سنة ثمانين وخمسمائة. وذكر لي أنَّ له عدة مصنفات في المذهب والخلاف والوعظ والتفسير، وغير ذلك. ومن تصانيفه كتاب ((معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز)). وقرأ القرآن الكريم على أبي بكر الباقلاني للعشرة. ومما قرأت عليه لنفسه من قصيدةٍ يمدح بها الناصر لدين الله أبا العباس أحمد بن

الحسن- رضوان الله عليه-: [من المديد] من لصبٍّ ضاع يوم نأوا ... صبره عنهم وحيلته وإذا طرف المشوقي كبا ... لم تقل والله عثرته وممات الصَّبِّ صدُّكم ... وغداة الوصل بعثته قصَّة المحزون تسطرها ... في ظلام اللَّيل غصَّته صفحة الخدَّين رقعتها ... ودواه الصَّبِّ مقلته ويراع الوجد تعربها ... من مداد الشَّوق مدَّته وإلى المحبوب تحملها ... من صبا الأسحار نسمته وإذا حنَّ الحزين أسىً ... كحنين العنس حنته وسلاف الحبِّ تطربه ... فتذيع السِّرَّ نشوته مثل ما في النَّظم يطربني ... لإمام العصر مدحته لوفود الجود قد كفلت ... بالأماني أريحيَّته من ندى كفَّيه تابعه ... حجَّة الإنسان عمرته فعلت بالحقِّ دولته ... فعلت في الخلق دعوته تخجل الوطفاء هاميةً ... حين يهمني الجود مزنته فأسود الغاب خاشيةٌ ... قد كساها الخوف سطوته وإذا ما البحر قيس به ... أشبه الغدران لجَّته ومن الطِّين الورى خلقوا ... ومن العلياء طينته ولنا منه النَّدى وله ... من إله العرش نصرته وله رق الورى وله ... من رسول الله بردته ومنانا أن تدوم لنا ... لننال السُّؤل دولته إنَّ ميت الجود عاش به ... بعد ما ضمَّته حفرته وإذا ما الله عمَّره ... كملت للجود بغيته حبُّه فرضٌ ندين به ... طاعة الرَّحمان طاعته

فلمن عاداه نار لظى ... ولمن والاه جنَّته وقال أيضاً: [من الطويل] ألا قل لمن أمسى على الدَّهر عاكفاً ... تنَّبه خليلي قبل أن يفرط الأمر فوالله ما دنياك إلَّا كزاخرٍ ... وزهد إلى التَّقوى لعابرها جسر أتغترُّ بالدُّنيا وتطلب صفوها ... وظاهرها حلوٌ وباطنها مرُّ لكلِّ صحيح الجسم منها بلَّيةٌ ... وكلِّ صحيح من غوائلها كسر ولو كان موت المرء آخر شدَّة ... يراها لهان الصَّعب واستسهل العسر ولكن لديه موقفٌ يجمع الورى ... وداهيةٌ دهياء يظهرها الحشر ومن شعره أيضاً وقد عرض ثلاث رقاع مزوَّقة برسم العيد السعيد باسم السادة الموالي الأمير أبي العباس أحمد، وأبي الفضائل عبد الرّحمن، وأبي المناقب المبارك أولاد أمير المؤمنين المستعصم بالله أبي أحمد عبد الله بن الإمام المستنصر بالله أبي جعفر المنصور بن الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رضوان الله عليهم وسلامه- الرقعة الأولى فهي قوله: [من الوافر] بقيت مبلَّغاً أقصى الأماني ... إلى أن ينقضي عمر الزَّمان برزت لنا فلم نترك ثناءً ... وعوَّدناك بالسَّبع المثاني أبا العبَّاس أحمد يا ابن خير الـ ... ـبريَّة في الأقاصي والأداني أتاك العيد بالبركات يهدي ... الميامن والبشائر والتَّهاني فبلغك السُّعود به وألقت ... لدى المولى الخليفة بالجران وأما أبيات الرقعة الثانية فهي: [من الخفيف] أنت يا عيد جيء ببشراك واستصـ ... ـحب بشارات سائر الأيَّام وأنلها أبا الفضائل مولى الـ ... ـخلق عبد الرَّحمان نجل الإمام وأحبه التَّهنئات يكسبك فخراً ... كامل الحسن وافر الأقسام وادع ربَّ الأنام يحييه كي يو ... ليك هذا الإنعام في كلِّ عام دام في ظلِّ مالك الرقِّ ذي السُّؤ ... دد مولى الإحسان مولى الأنام وأما أبيات الرقعة الثالثة فهي: [من مجزوء الكامل]

بأبي المناقب سيِّد الـ ... ـخلق المبارك ذي المعالي تزهى المواسم عزَّةً ... وتميس في ثوب اختيال يا من به حلت الحيا ... ة ودهرنا بعلاه حالي عمِّرت في ظلِّ الخليـ ... ـفة ما تتابعت اللَّيالي وسعدت بالعيد الَّذي ... بكم اكتسى حلل الجمال [977] يوسف بن عبد الكريم بن عليِّ بن أبي الحسن بن أبي القاسم بن مزارٍ، أبو الحسين المعروف بابن بزاقة، وينبز بالكوذين. كان يعلم الصبيان بالموصل، وبقي مدّة في التعليم ومال إلى الشعر، وقصد به الناس. وكان رجلاً ضعيف العينين، خفيف العارضين، مبخوس الحظ من الزمان، متظلماً من أبنائه؛ وله مدائح كثيرة وأهاجٍ قبيحة يستعذبها من يسمعها. أخبرني أنَّه ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وخبّرت أنه امتدح بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله- صاحب الموصل- فأنعم عليه، وقرّبه وصار يحضر مجلسه وأحد ندمائه، وتمشت أحواله. ومما أنشدني لنفسه بالموصل مبدأ قصيدةٍ: [من السريع] تيَّمه برقٌ بتيماء لاح ... فبات لا يصغي إلى لحي لاح وظنَّه زار الحمى فاحتمت ... أجفانه عن نومها المستباح وكان لا يظهر أشجانه ... فصار بالدَّمع هواه صراح له هوىً في حلبٍ ساكنٌ ... وداره عن ربعها في انتزاح يضرب في الآفاق يبغي الغنى ... بالشِّعر من عند أناسٍ شحاح كأنَّما أضحى على طائرٍ ... أراش عزُّ الدِّين منه الجناح وأنشدني لنفسه من أبيات: [من الكامل] لا توحشنَّك غربةٌ عن منزلٍ ... فيه الكريم على السَّماح يعنَّف واقنع على ظمأ بأيسر نغبةٍ ... من غيرها لو أنَّ دجلة قرقف

أتراكم موتى فلا يرجوكم ... أحدٌ ولا من بأسكم يتخوَّف كم ضعت عندكم وحظِّي قال لي ... يا يوسفٌ قد ضاع قلبك يوسف وأول هذه الأبيات يهجو بها أبا الحسن علي الكاتب المنبوز باللقيط الموصلي [من الكامل] لا تنكرنَّ من اللَّقيط مساءةً ... عرضت فإنَّ له أباً لا يوصف أضحى من النَّكرات عرَّفه الغنى ... وعجبت للنكرات كيف تعرَّف أرضٌ يسود بها اللَّقيط فخلِّها ... لو أنَّها الفردوس حين تزخرف وأنشدني أيضاً لنفسه فيه يهجوه: [من المجتث] تبّاً لنعمة قومٍ ... جاءتهم مستعاره وقبَّح الله دهراً ... ألقى عليهم إزاره ساد اللَّقيط علينا ... كأنَّه ابن زراره وحمَّل النَّاس وزراً ... مذ حاز فيه الوزاره وأنشدني أيضاً لنفسه يتظلَّم من أهل الموصل: [من الطويل] أيا جيرة الحدباء أهوى لقاكم ... ولكن جفاكم بيننا شرُّ طائر أبيع ثيابي عندكم وهي رثَّةٌ ... ولولا رحيلي عنكم رثَّ خاطري بياضكم دون السَّواد وكلُّكم ... بياضٌ ولكن فوق أسود ناظري وأنشدني لنفسه في الشيطان الشاعر الإربلي، وهو يوسف بن نفيس. وكان يعاشر الأمراء من أهل الموصل فكانوا يبرّونه ويحسنون إليه: [من الكامل] يا معشر الأمراء إنِّي قائلٌ ... قولاً يدلُّكم على حرماني لو لم تكن أموالكم من جذركم ... ما كان مصرفها إلى الشَّيطان وقال أيضاً: [من الخفيف] قد سئمت المقام بين أناسٍ ... ما أرى دعوتي بهم مستجابة جمعوا في أسافل وأعال ... بين لينٍ منهم وبين صلابة فلهم أوجهٌ تقلُّ سيوف الـ ... ـهند ممَّا تسقى بماء الجنابة وقال أيضاً: [من الطويل]

لحا الله قوماً لا تعدُّ ألوفهم ... إذا عدَّ أهل المكرمات بواحد لبست محياً من حديد لحاجتي ... وقلت به ألقاهم في المشاهد ولم أدر أنَّ القوم من فرط لؤمهم ... أعدَّوا الرَّدى لي أوجهاً من مبارد وقال أيضاً: [من الوافر] وجوهٌ لو تكون دروع حرب ... لأخطأت المنيَّة لابسيها دققت وجوههم ستين عامًّا ... بكوذيني فما أثَّرت فيها وقوله أيضاً: [من المتقارب] إذا طلب العين ذو فاقةٍ ... فلا يتعدَّى عريق الخطيب ويلقي عصاه على بابه ... فقد أمن الدَّهر ريب الخطوب وله من أبيات: [من الخفيف] كيف لا أشتكي نوائب دهرٍ ... فاتني فيه جود بدر الدِّين قد رماني منه بكلِّ خسيسٍ ... حملته لعينةٌ من لعين معشرٌ إن حضرتهم سجدوا لي ... وإذا غبت عنهم لعنوني إن يموتوا غيظاً عليَّ فبشَّا ... ر بن بردٍ قد مات بالكوذين وقال أيضاً: [من الخفيف] أصبحت تشتكي حليلة بيتي ... عري جسمي وما به تكسوني قلت لا تعجبني لئن كان منِّي ... أي ثوبٍ يبقى مع الكوذين [978] يوسف بن عثمان بن سلّار الكرديُّ الهذبانيُّ. من أهل إربل. كان متجنداً في خدمة بعض الأمراء الإربليين. وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وستمائة. وهو القائل: [من الكامل] شوقي إليك وإن بعدت كثير ... وفؤادي المضنى لديك أسير

أنتم لروحي راحةٌ ولمهجتي ... دون الخلائق فرحةٌ وسرور كيف التَّخلَّص من هواك فدلَّني ... لم يبق لي رأيٌ ولا تدبير [979] يوسف بن عليِّ بن الحويزائيِّ العود. يقول: [من الخفيف] يا عذولي أقصر فشرح حديثي ... بعدما صدُّ من أحبُّ طويل إن يكن ظاهري سليماً لمرأى الـ ... ـعين فالقلب بالصُّدود عليل قلت للحب والفؤاد على الجمـ ... ـر وجفني منه الدِّماء تسيل لا تمل في الهوى عليَّ فقلبي ... ما أراه إلى سواك يميل إن تكن واصلي فأنت حبيبي ... أو تكن هاجري فصبرٌ جميل إنَّ ما قلَّ منك عندي كثيرٌ ... .......... قليل (قال لي والمدام قد أخذت منـ ... ـه ومالت بغصن بان يميل: ) (قتلتني المدام قلت: بثأري ... أخذت كلًّ قاتل مقتول) البيتان الآخران هما للخطيب أبي الفضائل يحيى بن سلامة الحصكفي قد ضمنها المقطوعة. [980] يوسف بن عليٍّ، أبو الفضل بن أبي الحسن العميد الكاتب المصريُّ، المعروف بصهر الفقيه يعقوب. من الشعراء الكتّاب المقتدرين على إنشاء الأشعار والرسائل، وابتداع المعاني في تحرير الألفاظ.

وكان أبسط كتاب زمانه يداً، وأقدرهم على التوسع في صناعة الإنشاء لمنظوم الكلام ومنثوره. وصنّف تصانيف وله رسائل كثيرة مشهورة، وأشعار محكمة فيها التزام. وكان على عهد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب- رضي الله عنه-. وتوفي شاباً في سنة ثلاث أو أربع وستمائة. وصنّف كتاباً للمرتضى بن الجليس بن الجبّاب لما قدم من الشام وسمّاه بـ ((تحفة القادم)). وحدّثني الصاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الحنفي بحلب، قال: كتب أبو الفضل يوسف بن علي المصري بين يدي القاضي المؤتمن علي بن محمد بن كيا سيبويه الكاتب حين اتصل بالسلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف- رحمه الله تعالى- بحلب؛ هذا آخر كلامه. ومن شعر أبي الفضل يتغزل: [من البسيط] ودَّعتكم وضلوعي حشوها حرقٌ ... وبتُّ والجفن مشعوفٌ به الأرق فلا يميل بقلبي بعدكم فرحٌ ... ولا يفارقه من بعدكم فرق لمَّا رحلتم عن الأوطان ودَّعكم ... قلبٌ به سكن التَّعذيب والقلق فالوجد متَّفقٌ والصَّبر مفترقٌ ... والطَّرف مسترقٌ والدَّمع متَّسق وقال في جمال الملك موسى بن المأمون يمدحه: [من مجزوء الرمل] كم يد بيضاء عندي ... لجمال الملك موسى فجعلت المدح فيه ... تجتلي منه شموسا وتفرَّغت لأن أمـ ... ـلأ بالشُّكر الطُّروسا لأوفِّي بعض نعما ... هـ الَّتي تحيي النُّفوسا دام في سعدٍ وعزٍّ ... لا يلاقي منه بوسا وقوله في الشريف قرطم: [من مجزوء الكامل]

يا سادتي هذا الَّذي ... قد كنت من دهري أخافه قوموا بنا نبغي .... ... قرطم طلب الخلافة وله يمدح المرتضى بن الجليس بن الجبّاب: [من الكامل] وافى خيالك في الكرى متعرِّضا ... وأظنُّه مازال إلَّا عن رضا قصرت لزورته القفار وإنَّما ... حقٌّ عليها أن تطول وتعرضا أتراه ما حسب الظَّلام البحر والـ ... ـزُّهر الحباب ولا السَّماء العرمضا لم يخش من نظر الغيور ولم يزل ... يدري بأنَّ جفونه لن تغمضا هي ليلة رضي الحبيب وزارني ... فيها وقد كان المصدَّ المعرضا نزَّهت طرفي في محاسن وجهه ... في جنَّة والقلب في نار الغضا فلثمت خدَّاً كالشَّقيق مذهَّباً ... ورشفت ثغراً كالأقاح مفضَّضا وجعلت أقطع ليلتي بوصاله ... حتَّى مضى غسق الدُّجنَّة وانقضى ونعى الظَّلام الدِّيك لمَّا أن رأى ... في فرعه سيف الصَّباح المنتضى وبدت أزاهير الرِّياض كأنَّما ... أبدت لنا خلق الأجلِّ المرتضى الألمعيِّ فلا يمارس جامحاً ... بذكائه إلَّا وأصبح ريِّضا أغنى بيقظته لكلِّ عظيمةٍ ... أن يستجاش لها وأن يستنهضا لله من آل الجليس ماثرٌ ... بهرت فعزَّت أن تذال وتدحضا عقدت لهم فوق السِّماك معاقدٌ ... للمجد ليس بممكن أن ينقضا هنِّيت ذا الفتح القريب فإنَّه ... جاءت به خيل البشائر ركضا أعملت فيه من الدُّعاء لنصرة إلا ... سلام ما عضد الحسام الأبيضا ولقد أراد الله نصرة دولةٍ ... أصبحت فيها للنّضصائح ممحضا عجزت عن الشُّكر النُّفوس فأصبحت ... لا تستطيع بشكرها أن تنهضا جاهدت فيهم بالدَّعاء وإنَّه ... أمضى سلاح الصَّالحين إذا مضى لازلت في كسب المعالي ساعياً ... تسمو إلى رتب العلاء فترتضى وقال أيضاً يمدحه من رسالة: [من مجزوء الكامل] أغرى الملامة بالكئيب ... غصنٌ يميس على كثيب يزهى بخصرٍ مجدبٍ عالٍ على ردف خصيب

كم أرسلت الحاظه ... للقلب من سهمٍ مصيب أجفانه فتكت من الـ ... ـتَّفتير بالسَّيف القضيب فتراه ينظر دائباً ... للخلق من عيني مريب حاز الكمال فما له ... بين البريَّة من ضريب لا أنس لمَّا مرَّ بي ... مترقِّباً نظر الرَّقيب مستوحشاً لكنَّ هـ ... ـذي شيمة الرَّشا الرَّبيب مالت معاطف قدِّه ... كتمايل الغصن الرَّطيب فتساقطت عبرات عيـ ... ـني إذ رأت شخص الحبيب فحسبتها تحكي عطا ... ء المرتضى للمستثيب ابن الجليس أجلُّ من ... أضحى نجيباً من نجيب ندبٌ بغرِّ صفاته ... يغني القريض عن النَّسيب فضل البريَّة مثل ما ... فضل الشَّباب على اللمشيب يا من به لبس الزَّما ... ن نضارة البرد القشيب اسمع نداء العبد إذ ... نادى عطاءك من قريب الدَّهر عندك دأبه ... أن لا يرق على أديب يشني اللَّبيب لأنَّ من ... عاداته خفض اللَّبيب أهدى إليك العبد شعـ ... ـراً راق باللَّفظ العجيب هجر الغريب من اللُّغا ... ت فجاء بالمعنى الغريب فالبحتري ممثَّلٌ ... فيه يعيب على حبيب وقوله من صدر كتاب منثور: [من الطويل] سلامٌ على ذاك الجناب الَّذي به ... بلغت الأماني وادَّخرت المحامدا وسقياً لدارٍ كنت في عرصاتها ... أسرُّ الموالي أو أسر المعاندا

[981] يوسف بن عبد العزيز بن إبراهيم بن شداد بن سرورٍ، أبو المحاسن الهمدانيُّ المعروف بابن المرصَّص. من أهل الديار المصرية. لقيته بحلب بمدرسة شاذبخت النوري. وكان نازلاً بها في شعبان سنة أربع وثلاثين وستمائة. وكان شاعراً متأدباً منتجعاً بأشعاره، وعنده طرف صالح من علم العربية، ويقول شعراً حسناً، ويمدح جيداً، وعرض له مرض ولازمه مدّة، وانقطع في منزله ومات به. وبقي ثلاثة أيام لم يدفن وذلك في العشر الوسطى من جمادى الأولى سنة ثمانٍ وثلاثين وستمائة. ومن شعره الذي أملاه عليّ من لفظه ابتداء قصيدةٍ امتدح بها بعض الأكابر: [من الخفيف] أنا مالي وللظباء العين ... خذلتني وليس لي من معين كلَّما رمت سلوةً هاج وجدي ... .... شعرٍ على صباح جبين يا رشيق القوام حلو التثنِّي ... جامعاً لي بين المنى والمنون أنت لي جنَّةٌ فما بال قلبي ... من تجنِّيك في العذاب المهين لي دينٌ عليك بالوصل ولكن ... رحت منه بذَّلة المديون بأبي أنت من غزال ربيب ... هام قلبي به وجنَّ جنوني سحرتني جفونه بفتور ... كيف صار الفتور سحر الجفون ما لدرِّ الكلارم منه شبيهٌ ... غير درٍّ بثغره مكنون عذلوني وما رأوه فلمَّا ... أبصروا حسن وجهه عذروني قل لبدر السَّماء لا يتصدَّى ... لي فما البدر بعده من زبون ولغصن الأراك لا يتثنى ... فضح الشَّكَّ منه علم اليقين

إن تجلَّى يا خجلة البدر في الأفـ ... ـق وإن ماس يا حياء الغصون سنَّ وجدي من طرَّة منه سودا ... ء ومن حاجب بسينٍ ونون أنا في مذهب الغرام إمامٌ ... فسلوني من قبل أن تفقدوني في هوى الغانيات قد شاب فودي ... علقت في هوى الحسان رهوني غادرتني ما بين دمعٍ طليقٍ ... وفؤاد مكبَّل مسجون بقدود من قضب نعمان لكن ... مسن فوق الكثبان من يبرين وعيون سود هي البيض فعلاً ... إنَّ بيض القلوب سود العيون أغمدت في الجفون فهي مواضٍ ... والمواضي مغمودةٌ في الجفون غزلي لا يزال وقفاً عليه ... كثنائي على فلان الدّين وقال أيضاً من قصيدة أولها: [من الخفيف] قم بنا قم لكأس الرَّاح ... نجتليها من قبل ضوء الصَّباح أصلني نارها فمن صدَّ عنها ... يا نديمي فليس لي من براح تتلالا نوراً وأين سناها ... في دجى الليل من سنى المصباح قبل غرس الكروم قد عتِّقت من ... قبل خلق الأرواح والأشباح هي أمُّ الحياة بنت المسرَّا ... ت غذاء الأجسام والأرواح تطرد الهم عنك لو أنصفوها ... لقَّبوها مغناطس الأفراح كلُّ باب من السُّرور إذا أغلـ ... ـق جاءت إليه بالمفتاح فات حاناتها فما أذنَّ المز ... مار إلَّا دعاك داعي الفلاح واصطبحها بين الملاح فما العيـ ... ـش سوى الإصطباح بين الملاح إن يكن شربها افتضاحاً وهتكاً ... ربِّ زد في تهتُّكي وافتضاحي وقال من قصيدة أولها: [من الخفيف] ذلُّ أهل الهوى هو العزُّ حقا ... ولعمري قد عاش من مات عشقا إرض ذلَّ الحبيب إن رمت عزّاً ... وأفن فيمن تختار إن شئت تبقى يا عزائي تعال أهلاً وسهلاً ... يا سلوِّي إليك بعداً وسحقاً قل لمن لام طائعاً في سلوِّي ... إنَّما رمت أن تشاهد عنقا أحمق النَّاس من يلوم محباًّ ... مغرماً والرَّقيب أكثر حمقا

رقَّ قول العذول إذ كان زوراً ... فاقطعوا ذا الحديث من حيث رقَّا وقال أيضاً من قصيدة أخرى: [من المنسرح] واهاً لقدٍّ كأنَّه ثملٍ ... ومقلة بالفتور تكتحل ووجنةٍ ما تزال داميةً ... يجرحها من لحاظها الخجل وورد خدٍّ أخاف تذبله ... منِّي إذا رمت لثمه القبل وريقة أسكرت حلاوتها ... كأنَّما شاب خمرها العسل وبي غزالٌ لولا لواحظه ... ما كان يصبي فؤادي الغزل لا يعرف الكحل جفن مقلته ... أغناه عن زور كحله الكحل أعجب ما فيه ماء وجنته ... لمارج النَّار كيف تشتعل وكيف يرمي عن قوس حاجبه ... بسهم لحظ وليس ينفصل يزينه حسنه بغير حلىً ... فأعجب لحالٍ يزينه العطل نشيط عطف وجفن مقلته ... يخلق منه الفتور والكسل أصبحت بالغصن والنَّقا كلفاً ... وذاك منه القوام والكفل يا من له مقلةٌ لواحظها ... يخجل من حسن رميها ثعل صن لحظ عينيك عن فؤاد فتى ... جراحها فيه ليس يندمل والله ما المرهفات فاعلةً ... وهي المواضي ما تفعل المقل [982] يوسف بن عيسى بن الحسن بن أبي طالب بن صقرٍ، أبو العزِّ الحلبيُّ. من بيتٍ مذكورٍ. بها كانت ولادته في إحدى الجماديين سنة ثلاثٍ وستمائة. شاب قصير ذو حدبتين في صدره وظهره. قرأ شيئاً من علم العربية وتأدّب، وله فهم ودراية، ويقول أشعاراً ما بها بأسٌ.

أنشدني من شعره يمدح: [من الخفيف] بين بان اللِّوى فرند السَّدير ... غرَّ قلبي طرف الغزال الغرير أسرته ألحاظ غيد لها في ... قنص الأسد أحبلٌ من فتور فغدا موثقاً غداةً منادي الـ ... ـحيِّ نادى ناديهم بالنُّفور هل مجيرٌ من جور أعين عينٍ ... فاتكات في الأسد بين الخدور خفرات كواعب إن تجلَّت ... في الدُّجى أخجلت وجوه البدور كشموس على الغصون على الكـ ... ـثبان بيض الوجوه سود الشُّعور ينفح المسك والعبير إذا ما ... خطرت من عقودها والنُّحور وثقيل الأرداف عند التَّثنِّي ... يتعدَّى على رشاق الخصور آنسات نوافرٍ كم قتيلٍ ... هدر بين أنسها والنُّفور ورداحٍ كأنَّ بهجتها شمـ ... ـس نهارٍ على قضيبٍ نضير خود خدرٍ لمياء قال لها الحسـ ... ـن على العاشقين في الحبِّ جوري نرجس الطَّرف نار وجدي فقد خـ ... ـدَّ فؤادي في الخدِّ وردٌ جوري صادت القلب ثمَّ صدَّت فما أمَّـ ... ـل منها سوى الخيال الزُّور يا زمان الصِّبا سقيت ملثّاً ... مستهلاً من كلِّ جون مطير مرزماً مثل جود كفِّ شهاب الـ ... ـدِّين ربِّ المكارم ابن الوزير جود يحيى الرَّئيس أكرم خلق اللـ ... ـه ذي البرِّ والنَّدى المأثور الجواد الَّذي إذا أمَّه القا ... صد أغناه بالنَّوال الغزير طالب الرِّفد لذ بربع شهاب الدِّ ... ين وأنزل ببابه المعمور تحو أسنى الغنى وتحظ من الصَّا ... حب صدر الشَّام بالتَّكثير فهو يلقى قصَّاده باسم الثَّغـ ... ـر بوجه كبدر تمٍّ منير يرجع القاصد المؤمِّل من جـ ... ـود يديه بكلِّ خيرٍ وخير ربعه مخصب المزاد قراه ... وجمال أمام وردٍ نمير كلُّ نادٍ لعرف معروفه عطـ ... ـريُّ ذكر به كنشر العبير قد أجدت المديح فيه لعلمي ... أنَّه بالمديح أيُّ جدير أفوح العرف ساكب العرف بدر ... يُّ المحيَّا جذلان عفُّ الضَّمير

إن دعوه بحراً فما أنصفوه ... إذ له أنملٌ شبيه البحور كلُّ فضلٍ مكمَّلٌ في شهاب الدِّ ... ين من ربِّه اللَّطيف الخبير حاتمٌ في السَّخاء أحنف في الحلـ ... ـم وقيسٌ في الرَّأي والتَّدبير المجير الجار النَّزيل من الخطـ ... ـب همامٌ شهمٌ وأيُّ مجير هو عيدٌ لكلِّ عيد أهنِّي الـ ... ـعيد حقّاً به هناء السُّرور دام في العزِّ والسَّعادة ما هـ ... ـبَّ نسيم العشيِّ ثمَّ البكور [983] يوسف بن غريب بن أبي عليٍّ، أبو الحجاج الحواريُّ. من أهل إربل. أخبرني الصاحب الوزير العالم أبو البركات المستوفي- رضي الله عنه- وقال: كان يوسف بن غريب رجلاً خرّاطاً، وترك ذلك وجعل يستجدي الناس بالشعر. وكان يلحن في أثناء أبياته، ويأتي بأبياتٍ ساقطةٍ وأخرى لا بأس بها. ثم قال: ومن شعره، وأنشدنيه: [من الطويل] بنفسي لييلاتٌ مضين وكان لي ... نديماً بها شادٍ أغنّ ربيب تدير عليَّ الرَّاح كلَّما ... تروَّق راووقٌ وراق طروب وأنشدني، قال: أنشدني يوسف بن غريب لنفسه من قصيدة: [من الطويل] وما روضةٌ مجَّاجة الغيث راضها ... صباها ووفد الرِّيح يعسفها عسفا بأطيب ذكراً منه في النَّاس كلَّما ... تحدَّث صنفٌ عنه زادهم وصفا سجاياه بذل الجود فيهم وإنَّه ... لأرحبها باعاً وأسمحها كفَّا ومنها: فما شامت أيامي البأس أن لوى ... إليَّ عناناً من مكارمه عطفا ولا انتاش عن عودي النَّضير لبأسه ... ومنزلتي أضحت بمنزله زلفى خلائقه كالماء رقَّت جنوبه ... لأشوقها قلباً وأذرفها طرفا

قال الصاحب الوزير أبو البركات- رضي الله عنه-: وأكثر شعره رديء لا معنى له؛ وإنما ذكرت ذلك لتعلم أنَّ ملاك الأمر في تأليف الشعر الطبع. قال: وعبثت به يوماً، وقلت له: ما أظنّ هذا شعرك فحلف إنَّه له ولا حاجة إلى يمينه، فقال: اقترح عليّ وزناً أعمل فيه وأنت تشاهدني، فقلت له: قول ابن الفضل البغدادي: طلَّقت تجلُّدي ثلاثاً ... والصَّبوة بعد في حبالي فأخذ ورقة وفكر يسيراً وكتب: أبكي أسفاً بدمع عينٍ ... قد أخبر عنكم بحالي أبقى جلدي وريح صبري ... ما نسم نشرها ببالي قال: وكان على غاية ما يمكن أن يكون عليه إنسان من الفقر، رثّ الثياب، باذَّ الهيأة. [984] يوسف بن فضل الله بن يحيى، أبو الحجّاج وأبو المظفر السكاكينيُّ. من أهل حرَّان. ذكره محاسن بن سلامة الحرّاني في تاريخه، وقال: كانت وفاة يوسف السكاكيني بحرّان ثامن عشر المحرّم سنة أربع وعشرين وستمائة، ودفن في منزله. ووقف داره في محلة الجلاعطة داراً للحديث، ووقف كتبه عليها. وكان يعرف شيئاً من النحو واللغة والفقه والفرائض والقراءات وعلم التجويد والتصريف ويشعر، ويقرئ النحو. وقرأ عليه جماعة من أهل حرّان وغيرها النحو والتجويد والوقف والابتداء. واجتمع ببغداد بأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري النحوي، وقرأ عليه شيئاً من النحو والعربية.

وكان يعمل السكاكين والمغازل وغيرها بيده، ويأكل منها، وحجّ إلى بيت الله الحرام. وكان رجلاً عاقلاً يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وجوّد القرآن على الشيخ أبي بكر عبد الله بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن حبّان الحراني الإمام المقرئ، وسمع عليه تجويد الشيخ أبي الكرم فتيان بن ميّاح بن أحمد بن سليمان الحرّاني. وكان شيخه في التصوف الشيخ أبو محمد عبد الله بن سليمان بن يحيى بن حسان صاحب الشيخ عتيق بن علي- رحمه الله تعالى- وسمع الحديث الكثير بدمشق وبغداد وحرّان. وبنى المسجد الذي كان يعرف به عند داره، واشترى له ملكاً، وأراد أن يزيد فيه فأدركه الموت ولم يشتر بماله ولكن بجاهه ووساطته، فكان يقرئ قوماً من أولاد الأمراء. وسمع فيما سمع بحرّان على أبي الثناء حماد بن هبة الله الحرّاني، والحافظ أبي محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي، وأبي زكريا يحيى بن أبي الفتح بن عمر الطباخ. وانتقل أبو محمد عبد القادر بن عبد الله إلى جوار يوسف السكاكيني، وبنى إلى جانب مسجده داراً وسكنها حتى مات. وكان يسمع الناس في المسجد الذي يصلي فيه يوسف. ثم أورد له قصيدةً طويلة لامية عدد أبياتها مائتان وأربعة عشر بيتاً يرثي بها الشيخ الفقيه الإمام الموفق أبا محمد عبد الله بن قدامة المقدسي- رحمة الله عليه- شيخ الحنابلة في وقته بدمشق، ذكر فيها معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها فضائل الشيخ الموفق المقدسي، وبعث بها إلى دمشق إلى الفقيه عبد الوهاب بن زاكي بن جميع الحرّاني- رحمهما الله تعالى- هذا آخر كلام محاسن. أنشدني الشيخ المفيد أبو حفص عمر بن مكيّ بن سرجا بن محمد المقري القلانسي الحلبي بها يوم الجمعة العشرين من المحرم سنة ثمان وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني الشيخ الصالح أبو المظفر يوسف بن فضل الله بن يحيى الحراني- رحمه الله تعالى- لنفسه في صفر من سنة إحدى وعشرين وستمائة بحرّان هذه القصيدة في الزهد ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم: [من الوافر]

أفق يا ذا النُّهى وابغ الوفاقا ... فقد والله أفلح من أفاقا ونفسك أيُّها المغرور صنها ... عن الدُّنيا وبتَّ لها طلاقا ولا تركن إليها فهي سجنٌ ... سفيهٌ من رجا منها إباقا ولا تفرح بزخرفها فإنِّي ... رأيت تمام ما تعطي محاقا ولكن من تلفَّع ثوب زهد ... يفكُّ بزهده عنها الوثاقا إذا ما ساعةٌ للحشر قامت ... ولم تر عند صيحتها فواقا وبرِّزت الجحيم لها زفيرٌ ... وحلَّ عذابها بهم وحاقا وتنضب للعصاة وقد أتوها ... وما وافوا بصالحةٍ وهاقا فكن حذراً وقيت حلول دارٍ ... يكون شراب ساكنها غساقا وجاهد كي تصير إلى نعيمٍ ... مقيمٍ لا تخاف له فراقا بدارٍ شرب ساكنها رحيقٌ ... يعاطي الكأس مشرعةً دهاقا من التَّنسيم والولدان يسعى ... بها أبداً صبوحاً واغتباقا وعندهم حسانٌ قاصراتٌ ... صفا ودُّ الحسان لهم وراقا وأنهارٌ بها عسلٌ مصفَّى ... ومن لبن زها الرَّائي وشاقا ومن خمرٍ تلذَّ لشاربيها ... ولا تغتال عقلاً إذ تساقى وماءٌ لا يرى فيه أجونٌ ... إذا ما استافه السَّاقي وذاقا وأفنان القطوف بها روان ... وتعتنق الغصون بها اعتناقا وفيها ما تشهَّى النَّفس حتماً ... لمن لم ينو في الدُّنيا نفاقا ولم ينو الخطايا مستحلاً ... ولا دانى فواحشها شقاقا وأعظم منَّة لله فيها ... على العبد التَّحيَّة حين لاقى سلامٌ يا عبادي نلتموه ... جزاءً من مليككم وفاقا فخرُّوا ثمَّ كاد العقل منهم ... وقد لاقوه ينطلق انطلاقا وكيف القلب لا ينشقُّ منِّي ... على هذا بغصَّته انشقاقا وحول القوم أشجارٌ وروضٌ ... من المرجان تصطفق اصطفاقا وحورٌ من بطون الغيب تبدو ... فتعتلق النُّفوس بها اعتلاقا يلاعب بعضهم بعضاً سروراً ... بودٍّ ما أتوا فيه مذاقا

فمن رام الخلود بدار عدنٍ ... يشمِّر في تطلُّب ذاك ساقا ويلزم نفسه سهر اللَّيالي ... ويكلف في العبادة ما أطاقا فلا والله ما نال المعالي ... أخو دعةٍ يمدُّ له رواقا وينشد مستظلاً في فناه ... (أيدري الربع أيَّ دم أراقا) بلى والله من جدَّ اجتهاداً ... وسابق في رضا المولى سباقا وحجَّ البيت عاماً بعد عامٍ ... وأعمل نحوه عنساً دفاقا ول يركن إلى الدُّنيا غروراً ... وقطع من علائقها الرِّباقا ولا يلوي على أهلٍ ومالٍ ... وحنَّ إلى فراقهما وتاقا فطوراً يقطع البيداء شاماً ... وطوراً سالكاً فيها عراقا وفارق زهرة الدُّنيا مطيعاً ... وأقبل نحو أخراه اشتياقا وعانى من أليم الشَّوق وجداً ... وكابد من تلهُّبه احتراقا ورافق من يرافقه برفقٍ ... ولا يشكو إلى أحدٍ رفاقا جديرٌ أن يصير إلى سرورٍ ... يلذُّ به ويرتفق ارتفاقا فيا طوبى لمن أصغى لو عظي ... وزايل غيَّه ثمَّ استفاقا فأسأل من دحا الأرضين بسطاً ... وظلَّل فوقها سبعاً طباقا ينضُّ سحائب البركات تترى ... على المختار تنبعق انبعاقا وتشمل من تولَّاه بصدقٍ ... وجانب ما يخالفه وتاقا ولست أمتُّ يا مولى الموالي ... إليك بغير من ركب البراقا ومن جاء البعير إليه يشكو ... فنفَّس عنه من كربٍ خناقا وحنَّ الجذع من شوقٍ إليه ... فأشبه في تحنُّنه النِّياقا ونطق الذِّئب أعجب كلِّ شيء ... وقد لاقاه في القفر اتفاقا وفجِّر من أنامله معين ... بمرأى الصَّحب يندفق اندفاقا فأروى الجيش ماءً وستقلُّوا ... وقلُّوا منه .... فهاقا

كذاك الزَّاد أشبع منه خلقاً ... وقدجاءوا وما ذاقوا لماقا كذاك البدر لمَّا أن دعاه ... أطاع الله وانعقَّ انعقاقا وهذي آيةٌ كأخيه موسى ... سطا بالبحر فانفلق انفلاقا وعند ولاده صارت رجوماً ... نجومٌ تمنع الجنَّ استراقا ونيران المجوس خمدن لمَّا ... رأين لنور طلعته ائتلافا ونهر الفرس غاض فاض يبساً ... وعاد قراره يبدو براقا وأوثان البسيطة حين وافى ... رجعن لخوفه رتماً دقاقا ولو أجريت في هذا عناني ... ثناني العجز يا أملي وعاقا فخذ منِّي اليسير وكن عذيري ... وعد عمَّن حدا بهم وساقا وصلِّ على النَّبيِّ وصاحبيه ... ولا تعبأ بمن ركب الشِّقاقا وقال أيضاً يرثي الشيخ الموفق أبا محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الفقيه الحنبلي- رحمه الله تعالى- من قصيدة طويلة أولها: [من الرجز] الحمد لله القديم الأوَّل ... ما أطَّ رحل مسافرٍ متحمِّل يقرو إلى أمِّ القرى سنن القرى ... سنَّ القرى بتواضعٍ وتذلتل هجر الأحبَّة باذلاً ما يحتوي ... من نفسه وخلاقه المتأثِّل يرجو من الرَّحمان غفر ذنوبه ... في ما نواه وهو خير مؤمَّل وأقول بعد لمن تكاثف همَّه ... سلِّ الهموم مبادراً أو تعجَّل وتزوَّد الخيرات محتقباً لها ... فالخير أحمد زاد سارٍ مزمل وتجاف عن رأي المفنِّد حارساً ... سبل المسامع عن ملام العذَّل وإذا أراد الله رفعة عبده ... ألقى إليه طلاب أرفع منزل فأطلب ولست بواجدٍ ما لم يكن ... سبق القضاء بما تروم فأمهل وانظر لنفسك ليس غيرك ناظراً ... من غير جنسك في صلاحك فأعقل وأقبل على جمع العلوم وقم بها ... عملاً يخيِّب سعي من لم يعمل

وهي قصيدة طويلة. [985] يوسف بن محمَّد، أبو الحجاج الأنصاريُّ المنصفيُّ. - والمنصف قريةٌ من قرى بلنسية- الشيخ الزاهد الصالح. كان من عباد الله الصالحين، وأوليائه المتقين، حافظاً للقرآن العزيز، فقيهاً عالماً نبيهاً شاعراً بارعاً مفلقاً، جليل القدر ببلده مبرّزاً في علم الأدب والعربية. ونظم وأفرد من شعره مجلدة في الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب- صلوات الله عليهما- تشتمل على مراثيه. واستشهد بسبتة بعد صلاة الصبح بداره وذلك في سنة ثمان وستمائة- رحمة الله عليه-. أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الواحد الأوسي السبتي- من لفظه وحفظه- بحلب، قال أنشدني الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد المنصفيُّ الأنصاري، قال: أنشدني والدي الإمام الزاهد أبو الحجاج يوسف بن محمد لنفسه: [من الرمل] بين جرعاء اللِّوى والأثلات ... مربعٌ للحظِّ فيه فتكات لبني عذرة دارٌ لم يزل ... بالعيون الدُّعج محميَّ الجهات الظُّبا السُّمر به سمر القنا ... والمها البيض به بيض الظُّبات أيُّها الآمل نجداً دونه ... مسلكٌ أبعد ما فيه النَّجاة لا تشم بارقهم ملتفتاً ... ربُّ جدٍّ بين هزلٍ والتفات برق ثغرٍ خلَّبٌ تحسَّبه ... كم سقى الدَّمع به من وجنات لا وركبٍ نزلوا أمَّ القرى ... وأحلُّوا المشعرين اليعملات واستقلوا بالهدايا كرةً ... عرفت عرف شذاها عرفات لا أطيع الحبَّ جهلاً بعدما ... غيَّرتني بالمشيب الخفرات يا حماماً بالحمى أرَّقه ... فقد زغبٍ بالفلا مرتهنات

ذات جيدٍ إن بدا تحسبه ... قزحاً إثر سحاب هاطلات لم تزل ترسل ما تكرعه ... من سقاءٍ أوكأته اللَّهوات واستدارت والهوى يقتادها ... أغلب الشَّوق اشتياق الأمَّهات بان مرتاداً لها في مرقبٍ ... ولأفراخ القطا منها بيات وارتوت من دمها مقصعةً ... يا لأفراخ عليها ثاكلات أنا أولى منك بالحزن على ... فقد أيَّام الشَّباب السَّالفات أعد السَّجع فإنّي دنفٌ ... وأعر سمعي تلك النَّغمات إن يكن شجوك من فقدٍ لها ... فكذا الدُّهر اجتماعٌ وشتات منصفيٌّ تدعي الزُّهد وقد ... علقت منك أكفُّ الشَّهوات وبفوديك مشيبٌ ناصعٌ ... لك فيه لو تذكَّرت عظات أسأل الله إليه توبةً ... قابل التَّوب مجيب الدَّعوات وعلى المختار من صفوته ... أحمد الطَّاهر أزكى الصَّلوات [986] يوسف بن محمَّد بن محمود بن عبيد الله بن محمَّد بن يوسف بن الملثَّم. كان شاباً ذكياً متوقداً له خطّ حسن، وترسل قريب، وشعر مطبوع. وكان بذيء اللسان خبيثه، كثير الهجو، أفحش شعراء زمانه هجواً. وكانت له اليد البيضاء في الهجاء نظماً ونثراً. وكانت فيه قحة وقلّة حياء. هجا الناس ونفسه وأباه وإخوته وأقاربه. وكان أبوه من بلاد المغرب تولّى قضاء طبريّة من بلاد الشام مدّة. ومولد يوسف بدمشق، ونشأ بسميساط وبها توفي في حدود سنة ستٍّ وعشرين وستمائة. ولم يكن عمره غير خمس وعشرين سنة لا مزيد على ذلك؛ وله

ديوان شعر مجموع. أنشدني المولى الأمير الكبير العالم صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن موسى بن يوسف بن أيوب بن شاذي بحلب المحروسة بمنزلة المعمود- أدام الله أيامه- قال: أنشدني يوسف بن محمد بن الملثم لنفسه يهجو قبيلته الملثمة ببلاد المغرب: [من البسيط] قالوا: جدودك أقيال ملثَّمةٌ ... لا تهجهم قلت: هجوي مدحةٌ لهم كانوا يناكون مرداً فالتحوا فخشوا ... أن يكره الشَّعر العشَّاق فالتثموا ومن شعره ما كتبه إلى صديق له يقال له: أبو علي بن عبد الرحمن بن إبراهيم العطار. وكان مقيماً بالبيرة في خدمة الملك الزاهر داود بن يوسف بن أيوب متصرفاً في اليهود. وكان يوسف بن الملثم يتردَّد من سميساط إلى البيرة، وينزل في دار صديقه أبي علي بن العطّار فأتى مرة، فلم يجد أبا علي حاضراً فنزل على عادته وسأل عنه، فقال له بعض أقاربه: إنَّه قد عرض له حمّى وقد خرج إلى ظاهر البلد إلى بستانٍ له، فكتب إليه يقول: [من البسيط] لا تحسب القلب من شوقي إليك خلي ... أبا عليٍّ معاذ الله لا وعلي وأنت تعلم ما عندي إليك كما ... قلبي عليمٌ بما قد كان عندك لي وقيل شكواك من حمًّى وما فهموا ... هذا حرارة فكر منك مشتعل ولا ترى بعد هذا البؤس ثانيةً ... وربما صحَّت الأجساد بالعلل وكتب إليه مرّةً ثانية وقد أتى على عادته ولم يجده في الدار. وكان في ظاهر البلد في البستان. وكانت عادته إذا جاء من سميساط يقيم أيّاماً كثيرةً، ولا شكّ أنه اجتاز تلك المرّة مستعجلاً، فقال: [من مجزوء الكامل] شوقي إليك أبا علي ... تفصيله لم يجمل ما هكذا عوَّدتَّني ... من منَّة وتفضُّل أيجوز أن أمضي ولم ... تطرق برجلك منزلي حاشاك أن تهمل مودَّ ... ة صاحبٍ لك أوَّل وله وقد عمل في الملك الزاهر قصيدة مدح، وأنشده إياها وكان من عادته

/251 أ/أن يرسم له بخلعةٍ ونفقة، فأرسل له على يد صاحبه أبي علي بن العطار نفقة بغير خلعة؛ فلما أتاه بها، قال: يا صاحبي لو أنها ألف دينار ما ظهرت علي بغير خلعة فارددها، وأتني بخلعة بغير نفقة، فقال له: اعمل شيئاً يكون معي مفتاح الكلام في ذلك، فقال ارتجالاً: [من السريع] يا ملك العالم يا من سما ... فخاره أصلاً وذرِّيَّه لبسي لتشريفك في عودتي ... أحبُّ لي من ألف مصريَّه فلما وصلها المذكور إلى الملك الزاهر وأنشده البيتين أمر له بخلعةٍ سنية مع النفقة. وقال يهجو العماد بن النوري قاضي إلبيرة. وكان المذكور أوقاته عند الملك الزاهر فحضر شكوى من نفرين أحدهما سارق، والآخر زانٍ فتوسط القاضي للواني بالحصب وللسارق بالقتل: [من السريع] قل لعماد الدِّين يا قاضياً ... يحكم في البيرة بالطَّبع يحم للسارق من علمه ... بالحصب والزَّاني بالقطع مذهب ابن إدريس قد أصبحت ... أركانه هادمة الربع لو أنَّ للمذهب عيناً بكت ... على الَّذي قد تمَّ بالشَّرع [987] يوسف بن محمَّد بن عليِّ بن هبة الله، أبو المظفر البغداديُّ المعروف بابن الزجّاج. من أهل بغداد من باب البصرة. ذكر لي أنَّه حفظ القرآن العزيز، وقرأه للسبعة والعشرة، وتأدّب وحضر مجالس أهل العلم والأدب، وقال شعراً رقيقاً عذباً، أودعه نكتاً لطيفة. شاهدته بالموصل وسألته عن مولده، فقال لي: الآن خمس وخمسون سنة. وكان سؤالي في شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وكان رجلاً خفيف الروح، مطبوع المجون، طيب المزاج.

أنشدني لنفسه إملاءً من لفظه وحفظه: [من الخفيف] لذَّة الحبِّ أن ترى السِّرَّ جهرا ... أو ترى الهتك فيه صوناً وسترا أين برهانك الصَّحيح إذا ما ... خفت زيداً فيه وراقبت عمرا خلِّ قول النَّصيح واعص اللَّواحي ... واهجر العذل والعواذل هجرا وأسدد السَّمع عن سماع ملامٍ ... فأخو اللُّبِّ بالمداراة أدرى أيُّ عارٍ وأيُّ عتبٍ على ذي ... كلفٍ وامقٍ تعشَّق بدرا رشا فرعه الأثيث فحظِّي ... من بني الدَّهر كلَّما رمت امرا فوق صلت يسمو الغزالة حسناً ... ويفوق النِّبراس نوراً وقدرا حجبت حاجباه نومي وصبري ... بلحاظٍ تهدي لهاروت سحرا وأقرَّت وجناته بدم الصَّـ ... ـبِّ فلم ذا عيناه تجحد نكرا كتب الحسن: لا مليح سواه ... بفصيح اللُّغات في الخدِّ سطرا واغتدى يوسفٌ مطيعاً مقرّاً ... أنَّه منه بالملاحة أحرى وأقام العذار عذري عليه ... عند من لامني فأمسك قسرا بأبي مبسماً بروداً شتيتاً ... ورضاباً أذكى من المسك نشرا وقواماً كالسَّمهريِّ إذا ما ... س دلالاً يكاد ينقدُّ هصرا وضعيفاً من خصره سلَّ صبري ... عن هواه إن كنت أزمعت صبرا ولردف يحكي همومي وساقٍ ... ساق أهل الغرام للحتف قهرا أسمرٌ لو يشاء عند سطاه ... ملأ الخافقين بيضاً وسمرا لست أنساه حين بات سميري ... وعيون الوشاة ترمق شزرا بهواه سليم .... أضحى ... دون خلق الإله في النَّاس مغرى فهو في حبِّه وحيدٌ وفي السَّبـ ... ـق إلى المكرمات مازال وترا وأنشدني لنفسه يهجو: [من الكامل] بكت العيون وكيف لا تبكي على ... دبر أصيب من الزَّمان بهونه وازاده ضعةً برفعة تاجه ... وحقارةً بجماله وأمينه فلينذر الزَّمن المحبَّب نفسه ... ويسيء فيه الحرُّ ظنونه

وأنشدني لنفسه أيضاً يهجو عوّاداً: [من الخفيف] عود عبد العزيز يشكو إلى اللـ ... ـه إذا سار في مثانيه شدُّ ربِّ ماذا جنيت حتَّى أكافا ... بعذاب ما كان لي منه بدُّ إنَّ عبد العزيز أثقل من رضـ ... ـوى وأدهى من وقعه وأشدُّ وأنشدني أيضاً قوله في إنسان رمدت عينه: [من البسيط] قالوا: اشتكت عين شمس الدِّين قلت لهم ... حاشا لها وعيون الخلق تفديها وقلَّ ذاك لها بين الأنام فدىً ... لكنَّ ذا العرش يكلاها ويشفيها عينٌ من الغضِّ جفناها وناظرها ... من الحيا ومن التَّقوى مآقيها فكيف يدنو إليها ما يضرُّ بها ... أم كيف يقر بها داءٌ فيؤذيها لكنَّها نظرت وجه الحبيب وقد ... زاد احمراراً فأعدى ما رأت فيها وأنشدني لنفسه فيمن مطله بوعد: [من الخفيف] من يرجِّي إليك إنجاز وعدٍ ... حسبه أن يعيش بالآمال وتريه أطماعه والأماني ... أيَّما زخرفٍ وأيَّ ضلال كيف يعطي عمراً كنوحٍ وصبراً ... مثل أيُّوب أو كنوزاً بمال ولعمري أن ينفد الكلُّ والوعـ ... ـد فباقٍ على ممرِّ اللَّيالي جلَّ وعدٌ لا ينقضي أبد الدَّهـ ... ـر وسبحانه بغير زوال وأنشدني أيضاً من شعره: [من البسيط] ما عاقب الله عاداً والَّذين طغوا ... من قوم لوط ولا النَّمرود حين عصى بما ابتلى العود من عبد العزيز فما ... عساه أجرم حتَّى جرِّع الغصصا وأنشدني لنفسه: [من الكامل] قال العذول تسلَّ عنه وخلِّه ... فأجبته إنَّ السُّلوَّ بعيد لأعذر في ولهي عليه وقد بدا ... في سالفيه عذاره الممدود

[988] يوسف بن محمَّد بن عليِّ بن شفاعة بن الحسين، أبو العزِّ الموصليُّ. شاب قصير أسمر خفيف اللحية، ينجّم ويبيع الشربات ويعقد الحلق على الطريق؛ وهو ذو لسان ذرب، وجرأةٍ في الكلام، ومع ذلك هو من أطبع الناس ألفاظاً، وأطيبهم فكاهةً، وأحسنهم مزاحاً، يحفظ صدراً وافراً من الأشعار المستطرفة والحكايات النادرة، واعتنى بقول الشعر، فنظم منه مقطعات صالحة، تتضمَّن أغراضاً حسنة. ومما أنشدني لنفسه بالموصل: [من الكامل] مولاي مسألةٌ هلمَّ جوابها ... يا قدَّ غصنٍ يا لحاظ الربرب ما بال ثغرك وهو أنفس لؤلؤٍ ... وأراه حلَّ بريقك المستعذب أتراه صار كماء خدِّك إذ غدا ... متحيِّراً فوق السَّعير الملهب وتقدَّح الرَّيحان في جنباته ... فلذاك زاد تحيُّري وتعجُّبي وأنشدني أيضاً لنفسه: [من مخلّع البسيط] لو قال لي خالقي تمنَّى ... لقلت قول امرئٍ محقِّ: أريد في صبح كلِّ يومٍ ... تجعل يا ربِّ كلَّ رزقي كوز مدامٍ ورطل لحمٍ ... ومنَّ خبزٍ وجذر علق وصاحباً لا يذيع سري ... يصحبني مخلصاً بصدق حتَّى إذا ما دنت وفاتي ... تصفح عن زلَّتي وفسقي وأنشدني أيضاً قوله: بمن الطويل] إذا طار شيطان الهموم بمهجتي ... يروم استراق اللَّهو منِّي ويهرب عدلت إلى كرخيَّة عنبيَّةٍ ... ففاجأه من سورة الكأس كوكب وأنشدني لنفسه: [من المتقارب] لقد حرت في سوء حظِّي المشوم ... وما قد رماني به خالقي

يعاندني في جميع الأمور ... ليجعلني غرض الرَّاشق ولو أنَّ يوماً عشقت العوير ... لصار له ماؤنا عاشق والعوير هذا كان رجلاً أعور مشوَّه الخلق مختلطاً، يعبث به الصبيان بالموصل. [989] يوسف بن المظفر بن أحمد بن شهابٍ، أبو الفضل الإسكندري. كانت ولادته بها في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وخمسمائة. وكان فاضلاً أديباً عالماً لبيباً شاعراً نجيباً. أنشدني الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي بها- رحمه الله تعالى- قال: أنشدني يوسف بن المظفر الإسكندري لنفسه: [من الوافر] تحدَّى بالمال وقال إنِّي ... إمام الحسن قلت: فما الدَّليل. فقال: وهل ظننت فقلت: كلَّا ... ولكنِّي أحقِّق ما أقول! فقال: أنظر تر الضِّدَّين عندي ... على حال التزامٍ لا يحول فها كفلي به ريٌّ وخصري ... به ظمأٌ وذاك لذا كفيل فقلت: لقد أتيت بمعجزاتٍ ... وجئت بما تصدِّقه العقول فقال: آمنت، قلت: نعم وإنِّي ... لأشهد أنَّك الحسن الجميل وأنشدني له أيضاً: [من الوافر] سبى عقلي بمعتدل القوام ... وصال بناظرٍ مثل الحسام غزال يصرع الآساد قهراً ... فما تنجو لديه من الحمام من الأتراك إلَّا أنَّ فيه ... من الأعراب إعراب الكلام رمى بالَّبل في غرضٍ فأصمى ... صميم القلب منِّي بالسِّهام فقلت وقد بصرت به أهذا ... من الولدان أم حور الخيام وهل أبصرتم أو هل سمعتم ... بريمٍ في البريَّة عاد رامي

[990] /255 ب/يوسف بن المظفَّر بن أحمد بن أبي بكر بن أبي سعيدٍ، أبو العزِّ الموصليُّ المعروف بابن الجرَّاش. أخبرني أنه ولد سنة تسعين وخمسمائة. رأيته بالموصل رجلاً قد أسرع الشيب في لحيته، يتصرف في الأعمال، وينتمي إلى قول الشعر؛ وله مقطعات ما بها بأس. أنشدني لنفسه في بدر الدين أبي الفضائل لؤلؤ بن عبد الله- صاحب الموصل- وقد رمى الطير المسمّى بالجليل: [من الكامل] لمَّا تصدَّى للرميَّة أرعشت ... كلُّ النُّجوم بمغربٍ وبمشرق لحقت جليل الطَّير منك مهابةٌ ... صرعته قبل يناله بالبندق وأنشدني لنفسه فيه أيضاً حين أجرى القني الذي بالموصل: [من الخفيف] قيل أجرى المليك قنياً يعزمٍ ... صادقٍ زانه من الله نصر قلت: كفُّوا فليس بدعاً يسيل الـ ... ـقني من كلِّ إصبعٍ منه بحر وأنشدني لنفسه فيه يهنئه بالنصف من شعبان: [من الخفيف] جاءك النِّصف بالكمال يهنِّيـ ... ـك وما ذاك من بديع الأمر أنت بدرٌ وعدَّة النِّصف لا تـ ... ـكمل إلَّا من بعد تمِّ البدر وأنشدني أيضاً لنفسه ما كتبه إلى بعض الرؤساء وقد عاد مريضاً: [من الخفيف] بك برء الأنام نيط فمن عد ... ت من النَّاس برؤه قد تهيَّا قسماً لو سألت إحياء ميتٍ ... داثرٍ زرت قبره عاد حيَّا وأنشدني أيضاً لنفسه يصف الخمر: [من الخفيف] قال: صف لي المدام، قلت: تأمَّل ... كأسها تلق كلَّ وصف وسيم هي في لون نار موسى وفي الفعـ ... ـل كنار الخليل إبراهيم

[991] يوسف بن المظفَّر بن عبد السلام بن عليٍّ، أبو المظفر البغداديُّ المعروف بابن الموفيِّ. رأيته بإربل شاباً. وذكر لي أنَّه ولد سنة ثلاث وستمائة. وقال شعراً كثيراً، وامتدح به الناس. ومما أنشدني لنفسه في التغزل بإربل، ولم ينشدني غير هذه المقطوعة، ولم أكتب عنه سواها؛ لأنه ما كان يؤثر ذلك: [من الوافر] وأحوى قد حوى رقِّي ولبِّي ... وغادرني حديثاً في البرايا أسيل الخدِّ أحور ذو دلال ... رشيق القدِّ وضَّاح الثَّنايا يواصلني فأحظى بالأماني ... ويهجرني فأرضى بالمنايا كتمت هواه حتَّى عيل صبري ... فأظهر دمع عينيَّ الخبايا [992] يوسف بن مسعود بن بركة بن سالمٍ، أبو المحاسن الشيبانيُّ المعروف بابن عرَّاجٍ. من أهل تليعفر. وقد مرَّ نسبه مستقصىً بتمامه في ترجمة ولده محمد. كانت ولادته في سنة ستين وخمسمائة بتليعفر. ومات بنصيبين في يوم الثلاثاء ثالث المحرم سنة خمس عشرة وستمائة. نزل الموصل وأقام بها مدَّة يختلف إلى الشيخ أبي الحرم النحوي، يقرأ عليه أدباً ونحواً. وكان وافر الحفظ للأشعار وأيام العرب وسيرها حسن المعرفة بأخبار

الفرس، ومحاسن آثارهم. وكان شاعراً مطيلاً في قصائده يمدح أهل البيت- صلوات الله عليهم وسلامه- وكان من المغالين في مذهب الشيعة خالصاً في الولاء. أنشدني أبو المجد أسعد بن إبراهيم الكاتب النشَّابيّ الإربليّ بها، قال: أنشدني يوسف بن مسعود بن بركة التليعفري لنفسه بنصيبين يمدح الملك الأشرف شاه أرمن مظفر الدين موسى بن أبي بكر بن أيوب- رحمه الله تعالى- حين صاهر أتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر- صاحب الموصل- على أخته من قصيدة: [من البسيط] أدركت بالسَّعي والتَّوفيق منزلةً ... باتت تقصِّر عنها السَّبعة الشُّهب ذا سعي من ليس يقفو إثره بشرٌ ... وعزم من ليس يثني عزمه سبب تراسلت أنفس الأملاك فاتَّفقت ... تحت الصَّفيح وسرُّ الغيب محتجب ما استعظم الملك في الأيَّام منزلةً ... ورتبةً تتدانى دونها الرُّتب ولا رأت أعين العلياء أحسن من ... هذا القران الَّذي يسمو به الحسب يومٌ غدا بين أيُّوب وأسرته ... وبين مودود فيه للعلا نسب لو فاخر الدَّهر هذا اليوم في شرفٍ ... لأحجمت دونه الأعوام والحقب لو أنَّ أيَّام هذا الدَّهر مالكةٌ ... نطقاً لكانت لهذا اليوم تنتسب لا عذر فيه لباغي سؤددٍ وغنىً ... إذ ربُّه كيف لم يذهب به الطَّرب وأنشدني أبو عبد الله محمد بن يوسف ولده، قال: أنشدني والدي لنفسه يمدح الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذي- رحمه الله تعالى-: [من الطويل] سقى جوَّ قنَّسرين شؤبوب مزنةٍ ... ربيعيَّة تكسوه عضباً يمانياً وجاد قويقاً والعواصم عارضٌ ... يغادر ذاك الجوَّ بالنُّور حاليا ملثٌّ إذا ما سيط بالبرق ذوده ... إذا ما ونى أو شلَّه الرَّعد حاديا توقَّر في المسرى رويداً وكلَّما ... حذته جنوبٌ أو صباً سار وانيا ومرَّ على قيعان منبج تائقاً ... ثقيل المطا واهي العرى متدانيا فلمَّا تدانى بركه من نزاعه ... ولاحت له الشَّهباء أرخى العزاليا فما زال يسقي صوبه سفح جوشنٍ ... إلى أن رأيت الهضب في الماء طافيا

فلمَّا سكرنا قال: ما جئت ساقياً ... ولكنَّني وافيت خصماً مباريا فقلنا لمن يعني جزيت كرامةً؟ ... فقال: عنيت الظَّاهر النَّدب غازيا فأضحكنا ممَّا حكاه تعجُّباً ... وقلنا: لقد ضيَّعت تلك الأياديا أتحكي جواداً يبذل المال باسماً ... وأنت إذا أسقيت أسقيت باكياً وأقرب فنَّ فيكما أنَّ جوده ... متى ما استمحنا صوبه كان ساقيا وأنت هداك الله للرشد لم تكن ... لتسقي الورى إلَّا إذا كنت شاتيا فربما أقلعت عنَّا وأمسكت ... سماؤك حتَّى لست تنقع ظاميا ومدَّت إلى الله الأكفِّ فلا ترى ... من النَّاس إلَّا ضارع الخدِّ داعيا تحاول منه الغوث والعام أغبرٌ ... وجودك يبدو أحمر اللَّون قانيا وأكثر ما يأتي نوال ابن يوسف ... غياث الورى والدِّين عفواً مفاجيا يذوق حلاوات الغنى في دياره ... فتىً لغياث الدِّين قد بات راجيا وله من قصيدة فيه أولها: [من البسيط] ما بعد ذا اليوم للراجي المنى أربٌ ... نلت المرام ففيم السَّعي والطَّلب بشارةٌ لك عندي قد خصصت بها ... والله أدرى إذا أعطى لمن يهب إنَّ الخليل خليل الله من نطقت ... بفضله معجزات الآي والكتب أرسى قواعد بيت الله في حرمٍ ... زاك فشدَّ إليه السَّرج والقتب واختار بالشَّام للأضياف منزلةً ... أمسى بها لبني الآمال يجتلب فمكَّةٌ أصبحت أمَّ القرى وغدت ... لمن أراد النَّدى أمَّ القرى حلب بتلك تمسي الخطايا وهي ذاهبةٌ ... عن وفدها وبهذي يذهب السَّغب وقال أيضاً وهو عند الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن أبي بكر ليلةً، وقد ملأ البركة ورداً حتى غطى الماء، وجعلوا الشمع حول البركة جميعها: [من البسيط] يا أيُّها الملك الميمون أنت لنا ... شمسٌ نهاراً وتحت اللَّيل مصباح أنت العليم بحلِّ المشكلات فقل ... ففي مقالك إيجازٌ وإفصاح أهذه بركةٌ أم يوم معركةٍ ... آثارها منك ماضي العزم شحشاح كأنَّ محمرَّ لون الورد فيض دمٍ ... في مائها وكأنَّ الشَّمع أرماح

وكتب إليه أيضاً: [من الخفيف] حيث ما كنت فالإله كفيلٌ ... لك بالنَّصر فهو نعم النَّصير أي أرضٍ حللتها حلَّ فيها ... عارضٌ ممطرٌ وبدرٌ منير واستمال الرُّواد من وجهك الطَّلـ ... ـق وكفَّيك روضةٌ وغدير مثَّلتك العلا لعيني على البعـ ... ـد وقلبي شوقاً إليك يطير كلُّ ما يحصر اليراع مع الطِّر ... س من المدح في مرادي حقير فلهذا أخَّرته ثمَّ عوَّلـ ... ـت على ما أنطوى عليه الضَّمير وقال أيضاً يمدحه من قصيدة أوّلها: [من الخفيف] ليت شعري إن هجر خرقاء طالا ... كان زهداً صدودها أم دلالا جعلت وصلها حراماً وقتل الـ ... ـصَّبِّ بالصَّدِّ والتَّجنِّي حلالا بخلت بالسَّلام يقظى وأهدت ... طيفها في الكرى فمنِّي محالا ويح قلبي من معرض ليس يرجى ... منه قربٌ ومرسلٍ لي خيالا من مجيري من ظبيةٍ ذات دلٍّ ... تتثنَّى غصناً وترنو غزالا ذات شكلٍ لو لوِّن الحسن ثوباً ... وارتدته لما استزادت كمالا أطعمتني في وصلها أمُّ عمرو ... وأرتني من المعاني خصالا سلبت مهجتي بوجهٍ يعير الشَّـ ... ـمس والبدر بهجةً وجمالا وافترقنا فكلُّ بدرٍ رأته ... مقلتي بعدها رأته هلالا طمع العشق مهلكٌ ووقوع النَّـ ... ـفس في الحبِّ عثرةٌ لن تقالا فاردد الطَّرف عن لحاظٍ إذا أو ... مضن أرسلن للقلوب نبالا ما أرى اللَّهو بعد خمسين والميـ ... ـل إلى الغانيات إلَّا ضلالا قرن لهوٍ قد كان خلف شبابٍ ... طوع أمر الهوى فمذ راك زالا فمذ الآن ليس إلَّا المطايا ... والدُّجى واقتحامها الأهوالا كلُّ حرفٍ كالنُّون قد كتب الميـ ... ـس على متنها من الشَّدِّ دالا

واخداتٍ بكلِّ ضربٍ خفيفٍ ... ذي همومٍ باتت تهدُّ الجبالا فهي تسري بنا خفافاً فنطوي ... عرصة البيد بالأماني ثقالا نحو ملكٍ متوجٍ من بني أيُّـ ... ـوب خير الورى وأزكى فعلا الفتى الأشرف المظفَّر خير الـ ... ـخلق طرّاً وأيمن النّضاس فالا عادليٌّ يحيي نداه البرايا ... بالعطايا ويقتل الأبطالا عوِّد السَّبق فهو لو راهن الهـ ... ـوج لبذَّ الصَّبا وفات الشَّمالا يا مساميه في العلا يوم فخرٍ ... هكذا هكذا وإلَّا فلا لا ومنها ما أطلت المقال إلَّا وعذري ... واضحٌ فيك يذهب الإشكالا هي لا شكَّ حلَّةٌ وأخو الفهـ ... ـم إذا حاك للطويل أطالا طلت مجداً فطال شعري ومن جد ... ت عليه وخصَّ بالفضل قالا أوسعت حلبة القوافي سجايا ... ك وحلَّ الإحسان منِّي الشِّكالا فلذا صرت لو سريت مع الرِّ ... يح إلى غايةٍ لجئنا مثالا وإذا ما الجواد ألفى اتساعاً ... في ميادينه تمطَّى وجالا جاء منك التَّشريف والبرُّ من حمـ ... ـص إلى الشَّرق حبَّذاك نوالا بأبي أنت من مليكٍ نداه ... ينتحيني وما نشطت عقالا وبعيدٌ أنِّي أكافي بشعرٍ ... من كفاني همَّ السُّرى والسُّؤالا وقال أيضاً يمدحه من أبيات: [من البسيط] قارعت دوني اللَّيالي وهي قاهرةٌ ... مسوَّدةٌ فأزلت البأس والظُّلما وفاح لي منك نشر الودِّ تتبعه ... مواهبٌ كالحيا الهامي إذا ارتكما فرحت ملتحفاً نصراً ومقتبساً ... نوراً ومستشفياً روعاً ومغتنما إذا كنت كالسَّيل عزماً والهلال سنىً ... والمندل الرَّطب عرفاً والحيا كرما وقوله فيه وكان قد وعده وهو معه في الحمام بقلعة الرّها سنة أربع وستمائة بألف دينار مصريّة- أي يوم ملك خلاط- من قصيدة أنشده إياها بقلعة خلاط في ربيع الأول سنة عشرٍ وستمائة: [من البسيط]

/261 أ/ سقى خلاط ملثُّ الودق من دار ... فإن فيها لباناتي وأوطاري ماجت خراسَّان وارتجَّت قواعدها ... كأنَّها الدَّوح لاقى صوب إعصار وأصبحت شاهقات الرُّوم من حذرٍ ... تموج منها الصَّياصي موج تيَّار غيثًا من الرُّعب ملآنا وليث شرى ... تظلُّ ما بين فيَّاض وزئَّار وأضحت الكرج في تفليس خائفةً ... إذ جاورت منك جارًا أيما جار عليك تقري ملوك الأرض قاطبةً ... صحائف المجد في نجد واغوار والنَّاس والطَّير أضيافٌ وعائلةٌ ... لله درُّك من مقر ومن قاري بسطت لي يوم حمَّام الرّها أملاً ... وأنت حرٌّ كريمٌ نجل أحرار كوعد عمِّك إذ وافاه عرقلة ... ستنجز الوعد في نظم وأشعار فقال بيتًا سرى كالشَّمس في مثلٍ ... مولَّد من لثار الشِّعر سيَّار قل للصلاح معيني عند إعساري ... يا ألف مولاي أين الألف دينار وأنت لاشك من ذاك النِّجار ولي ... وعدٌ عليك وهذا وقت تذكار ما أنت دون صلاح الدِّين في كرمٍ ... ولا أنا دون حسَّان بن عمَّار وقال أيضًا /261 ب/ يهنئه بعيد النحر سنة تسع وستمائة من قصيدة مبدأها: [من الخفيف] كلُّ أوقاتك الحسان هناء ... يا مليكًا تسمو به العلياء لك مجدٌ موثلٌ ما تمنت ... طمعًا في مرامه الجوزاء قد تشكت منك اللَّيالي ازدحامًا ... واستغاث الإصباح والإمساء فمغيرٌ وقت الضُّحى في السَّرايا ... ومضيفٌ في حيث يدنو المساء فمتى ... وفي طرفي يومك ... للمجد غارةٌ شعواء ومنها يقول: ماعرفنا التَّشريق إلاَّ ثلاثًا ... بمنى إذ تراق فيه الدِّماء وأبو الفتح شاه أرمن قد سـ ... ــــــنَّ خلالاً تبقى ويفنى البقاء جعل الدَّهر كلَّه يوم نحرٍ ... فالعدا والبدور فيه سواء بأبي بل بمهجتي ربَّ ملكٍ ... كلَّ أيَّام عمر هيجاء فلأعدائه الظُّبا والعوالى ... ولقصاده الغنى والعطاء

طلتم العالمين يا آل شاذي ... بوجوه وقفٌ عليها الحياء /262 أ/ نحن والله والخليفة والإسـ ... ـــــلام والمسلمون والأنبياء من أناسٍ لا يرتضون الَّذي تر ... ضون للمجد والمعالي براء وقال في معنى عرض له: [من الطويل] وعاذلةٍ باتت تلوم على نوىً ... قذوف شطونٍ غادرت حمتي ضحلا ذريني وعزمي والفيافي وطولها ... ونصَّ المهاري والـ .... البزلا إذا كنت ما أخللت بالحلم ناشئًا ... فيا بعد رشد النَّفس إن فاتني كهلا تغربت عن قومي ولم أشك خلَّةً ... ولا بتُّ فيهم ليلةً فاقدًا خلاَّ وليس اغترابي عن بلادي لأنَّني ... عدمت بها الإخوان والمال والأهلا ولكنه مالي بها من مشاكلٍ ... وإنَّ الغريب الفرد من يعدم الشَّكلا إذا ندب التَّجريب سيف عزائمي ... وأرهنه شحذًا وأطلقه صقلا ولم أرض من دهرٍ غزتني صروفه ... بسلمٍ ولم أقبل على ما جنى عقلا فلا يبعث الأعداء نحوي وعدهم ... فمن خاض لجَّ الموت ما يرهب الوحلا وقال أيضًا يلغز في الثلج: [من السريع] /262 ب/ ما بالكم في مأكلٍ باردٍ ... ومشرب عذب يزيل الأوام نضربه من فرط إشفاقنا ... عليه أن يسلب ثوب الدَّوام وضربه فيه انتفاعٌ له ... مع أنَّه من نجل قوم كرام تصحيفه يا ذا النُّهى أنه ... مدينةٌ من بعدها لا ترام وإن تصحِّفه تكن ثانيًا ... جنسًا من الأثمار قبل التمام وعكسه من بعد تصحيفه ... بلده ملكٍ من بلاد الشَّام جوابه لبعض الشعراء: [من السريع] يا ملغزًا في شعره سعره ... حسبك قد أثلجتنا يا غلام وقد أجبناك لتفسيره ... فافطن لمعنى قولنا والسلام

[993] يوسف بن موسى بن يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، الأمير أبو المظفر بن أبي محمَّدٍ. من أبناء الملوك الأيوبية والأسرة الناصرية الصلاحية. أخبرني –أدام الله سعادته- أنَّ ولادته بسميساط تقريبًا سنة تسع وتسعين وخمسمائة. أنجب أولاد أبيه وأعلاهم /263 أ/ همةً، وأشدهم حزمًا، وأغزرهم عقلاً، وأكرمهم نفسًا، وأكثرهم حياءً، وأصبحهم وجهًا، وأوفرهم سكونًا وبشرًا؛ يميل إلى أهل الفضل والأدب، ويجالسهم ويحفظ أنموذجًا صالحًا من بدائع الأشعار ومحاسنها؛ وربما سمحت قريحته بالبيتين والثلاثة من الشعر فتأتي كأجود شيء وأملحه. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبي المظفر يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب- خلّد الله ملكه-: [من البسيط] يا أيُّها الملك الميمون طائره ... ومن له نعمٌ تنهلُّ كالمطر جبرت كسر قلوب واكتسبت بها ... أجرًا فهل لك في جبر لمنكسر كلُّ الأرامل قد قضَّيت حاجتهم ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذَّكر وأنشدني لنفسه أيضًا ما كتبه إلى بعض من كان يغشى مجلسه يستدعيه: [من الطويل] /263 ب/ لنا مجلسٌ قد فاق حسنًا ومنظرا ... وليس به شيءٌ يعاب فنخفيه فبادر إلينا منعمًا متفضِّلاً ... فليس يطيب العيش ما لم تكن فيه

[994] يوسف بن نفيس بن أبي الفضل بن السعود بن أبي الفضل بن أبي طاهر بن أبي يعلى بن أبي المعالي المرَّلُّي من أهل إربل، المنبوز بشيطان الشام. كان والده من قرية من قرى العراق تدعى دشينيا من عمل طريق خراسان ويوسف هذا يكنًّى أبا العِّز. ذكر أنه ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة. وتوفي بالموصل سادس عشر رمضان سنة ثمان وثلاثين وستمائة. ودفن بمقبرة باب الجصّاصة غربي المدينة بأرض البرزان –رحمه الله تعالى-. ولد بإربل وبها كان منشؤه، وما برح خامل الذكر، نازل القدر، يعبث تارةً بالأبيات يسلك فيها مسلك ابن الحجاج في السّخف والهزل وتارةً بالزَّكالش العاميّة، وتارة بغير هذين النوعين حتى صارت له ملكة قوية في بداية الشعر /264 أ/ ومرتجله. وكان يقدر على نظم ما شاء من غير فكرة ولا روية. رحل إلى البلاد وامتدح الملوك وأخذ جوائزهم. ثم انتقل إلى الموصل فأقام بها واشتهر بين أهلها له من صاحبها بدر الدين أبي الفضائل لؤلؤ بن عبد الله موضعٌ يحضر مجلس شرابه، ولا يزال يحسن إليه إلى أن مات –كما قدمنا ذكره-. وكان شاعرًا خليعًا ظريفًا معاشرًا من ذوي الهزل والمجانة، مكبًا على الشرب مفتونًا به، لا يصحو من الزمان إلاَّ أقلَّة. وكان أسمر اللون يتزيا بزي جند الأكراد، شعره منتشر على كتفيه، ويتقلَّد سيفًا، ويلبس قباءً إلا أنه كان شيعيًا مغاليًا شديد الرفض؛ وربما بلغ ذلك إلى ما لا يجوز في الشرع ويخرج إلى الشتم والوقيعة في الصحابة –رضوان الله عليهم- وسامحه الله تعالى وعفا عنا وعن إنَّه جواد كريم. وأنشدني كثيرًا من شعره. أنشدني لنفسه يستدعي عز الدين أبا محمد الحسن بن علي بن شماس الإربلي –رحمه الله تعالى-: [من الخفيف]

/264 ب/ يا شبيه اسمه ويا كل شيءٍ ... يتمنى من نعمة ونعيم أنت روح الزَّمان بأسًا وجودًا ... في حديث من ذا وذا وقديم إنَّ يوم الخميس يحسن فيه ... شرب مولى في خلوة ونديم وأنا والذي يديم لك العزِّ .. خليٌّ من صاحبٍ وحميم والحميَّا عليَّ تجلى كشمس ... نقط البدر وجهها بالنُّجوم وأنا عبدك الَّذي ما تخلَّى ... عن ثناء على علاك مقيم فتفضَّل بزورةٍ هي أحلى ... من وصال المنى وهجر الهموم وأنشدني لنفسه: [من البسيط] وربَّ حانة خمَّار حلفت بها ... إلاَّ عكفت على جامٍ ولا كاس حتَّى يقوم لنا ساقٍ لواحظه ... مرضى وفي خدِّه سطرٌ من الآس فجاءنا رشا في قدِّه خنثٌ ... في زيِّ ساق كما شئنا وشمَّاس وحثها قهوة قال الزَّمان لها: ... عملت في وحشتي من بعد إيناس وظلَّ يمزجها راحًا لها لهبٌ ... كأنَّها شعلةٌ أو ضوء بنبراس عانيَّةٌ لو تعاناها الرَّسول رأى ... تحليلها من فروض الله في النَّاس /265 أ/ فحين مالت به سكرًا أباح لنا ... من لينه ما حماه قلبه القاسي قبَّلته بعد لا شيءٍ أبوح به ... وقلت ما في دخول النَّار من باس وأنشدني لنفسه يخاطب علي بن الصدر يونس المجلد الموصلي: [من البسيط] مازلت بالأمس يا ابن الصَّدر مرتشفًا ... كأس الحميَّار ونجم الغرب قد سجدا من كفِّ جارية لمَّا خلوت بها ... وقد سقتني ومدَّت للعناق يدا فاحت عبيرًا بدت شمسًا خطت غصنًا ... ماجت كثيبًا رنت ريمًا سطت أسدا قبلتها ووشاة الصُّبح ساعيةٌ ... فينا فيا ليت صبحي لم يكن أبدا وأنشدني من شعره يصف الدولاب: [من الطويل] رأيت بشاطي دجلةٍ لا عدمتها ... دواليب منها الماء كالسَّيل يدعج

لراد الضُّحى من فضَّة في متونها ... رداءٌ من وشي الأصائل زبرج إذا انساب من كيزانها الماء خلته ... عواميد بلُّورٍ من القار تخرج وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] إن تغترر بأخ يخنك وإن تشم ... برقًا يضنُّ وإن تقل لم يقبل /265 ب/ فاقنع برزقك واطَّرح هذا الورى ... فلعلَّ حظَّك ليله أن ينجلي وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل] كم قد وهبت طماعةً في شاكر ... أو حافظ الميثاق أو حرٍّ يدي فالآن قد فرَّطت في مالي فإن ... ملكت يدي ووهبت لا ملكت يدي وأنشدني قوله: [من الكامل] حالي وحادثةٌ الزَّمان كلاهما ... عجبٌ وذا أمرٌ عليَّ يهون إن ألق يسرا فالعدوَّ له وفا ... أو ألق عسرًا فالصَّديق يخون وأنشدني لنفسه: [من الكامل] ولقد سمحت بكلِّ ما ملكت يدي ... للأصدقاء فمسَّني الإعسار فتكدَّروا بعد الصَّفاء كأنَّهم ... ما كان لي فيهم يدٌ ويسار وأنشدني من شعره: [من السريع] يا عين آمالي لا تطمحي ... فالرِّزق في ميقاته ينتحي كم ليلةٍ بتُّ بها معسرًا ... فجاءني الرِّزق ولم أصبح وأنشدني له في الغزل: [من الكامل] /266 أ/ ومخنَّث الأعطاف أنحل هجره ... جسمي وأغراني بخلَّب وعده كالغصن في حركاته وقوامه ... والبدر أشرق في نهاية سعده يفترُّ عن برد يرقرق سلسلاً ... فيه وإطفاء الغرام ببرده ما زاد وجدي فيه إلا عندما .. نبت البنفسج في شقائق خدِّه وأنشدني له في معناه: [من الكامل] سمح الزَّمان بزورةٍ الغضبان ... فاليوم يوم مسرَّةٍ وتهاني

وأتت حلاوة وصله في ساعةٍ ... فيها ذممت مرارة الهجران قمرٌ مسيحيٌّ يميت وتارةً ... يحيى فدونكم المسيح الثَّاني ما شدَّ زنَّارًا له في بيعةٍ ... إلاّ وحلَّ عزائم الرُّهبان غرست يمين الحسن في وجناته ... آسًا يصون شقائق النُّعمان وأنشدني أيضًا لنفسه من خمرياته: [من البسيط] حيِّ النَّدامى بكأس الرَّاح يا ساقي ... فالحرب قائمةٌ فيها على ساق أما ترى الصَّوم قد ولَّت عساكره ... وعسكر الفطر في حثٍّ وإعناق وأصبحت لهبة القنديل قد رجمت ... بشعلة الكأس رجم المارد الرَّاقي /266 ب/ وصار كلُّ بلال فوق مأذنة ... كأنَّه معبدٌ في حذق إسحاق يا صاحبيَّ اجعلا باقي كؤوسكمًا ... حظِّي فبي غلَّة الصَّادي إلى الباقي وعرِّضا بالَّذي ما كنت زائره ... زورًا ولا واثقًا منه بميثاق وذِّكراه التَّصابي وهو يمزجها ... كأنَّها ما صفا من دمع مشتاق صبهاء في جفنه منها وفي فمه ... ما كنت أخفيه من دائي ودرياقي أحبُّه وهو لا يدري وأكتمه ... وجدي فتبديه أشجاني وأشواقي واستجير به من سحر مقتله ... وكيف يصحو نديمٌ خصمه السَّاقي وأنشدني لنفسه يمدح الأمير الكبير الأصفهسلار العالم ركن الدين أبا شجاع أحمد بن قرطابا بن عبد الله الإربلي –أدام الله أيامه-: [من الكامل] قسمًا بورد الوجنتين يصونه ... آس العذار ونرجس الأجفان وبسلسل ما بين سمطي لؤلؤ ... حفَّت به من جوهر شفتان /267 أ/ وبكلِّ قدٍّ كالقضيب يميل من ... سكر الصِّبا كتمايل السَّكران وبصبح وجه تحت ليل غدائر ... تبدو كحظِّ عبيدك الشَّيطان وبلين أعطاف السُّقاة إذا رنت ... شزرًا إليها مقلة النَّشوان وتمايلوا غصبًا فخلت قدودهم ... تحت الغلائل من غصون البان وبما لركن الدِّين عندي من يد ... ما للزمان بها عليَّ يدان إنِّي لأحسد من أرى في بيته ... في يومنا هذا ارتفاع دخان يا أيُّها الملك الَّذي في وجهه ... من بشره وسماحه نوران

والمستجار ببأسه وبعفوه ... وبجوده في طارق الحدثان والملتجى بجنابه والمرتجى ... لإغاثة الدَّاعي وفكٍّ العاني وحياة رأسك إنَّه أقصى المنى ... عندي ودون مكانه الثَّقلان قد حلَّ بي في ذا الصَّباح ثلاثةٌ .. بأقلِّها تهوى هضاب أبان بردٌ ولا فحمٌ وفرط خوى ولا ... قوتٌ مسكنةٌ ولا فلسان ولطالما أصبحت ندماني [إذا] ... حان الصَّبوح بخندريس ألحان وسقيته بيدي اغن كأنَّه ... بدرٌ بدا في أربعٍ وثمان /267 ب/ وخلعت ما وصلت إليه يدي ولم ... اعمل حساب طوارق الأزمان فالآن قد برح الخفاء وخانني ... ربحٌ صفعت به قفا الخسران أمعلِّمي من فضله ومخوِّلي ... من ماله في السِّر والإعلان أحسن إليَّ فإنَّني لا كافرٌ ... حسن الصَّنيع وساعة الإحسان وامدد إليَّ يدًا أؤمل مسدَّها ... نحوي تكفُّ يدي عن الإخوان وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المدير] آه لولا سحر مقلته ... ورحيق في ثنيَّته ومعان فيه قد جمعت ... لتلافي في محبته ما جرى دمعي ولا خضعت ... عزتي قسرًا لذلَّته جاءني يسعى وفي يده ... قدحٌ في لون وجنته ونجوم اللَّيل قد بزغت ... والثُّريا مثل قبضته فشربنا من يديه على ... خدِّه من خمر ريقته واتكا سكرًا فما عبثت ... لي يدٌ إلاَّ بتكَّته وأنشدني أيضًا /268 أ/ لنفسه يمدح بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله –صاحب الموصل- من قصيدة طويلة أولها: [من المتقارب] لامِّ عدوِّ علاك الهبل ... أملُّ ولم أجن ذنب الملل إذا دعن القرب لمَّا ظمئت ... إليه ولم أسق منه بلل وأشتاق ناديك يا من إليـ ... ــــــه تشدُّ الرِّحال وتحلو الرُّحل أعيذك بالله من مثل ذا ... ومنك الحياة لنا والأجل

أيخدع سمعك هجر الكلام ... وخبث القرود وكيد السِّفل ومازلت تكسو عقول الرِّجال ... حجي وتسكِّن منها الميل وأنت الَّذي لم أزل عارفًا ... بأنَّك لا يطَّبيك الزَّلل ومنك تعلَّم صيد الملو .... ك حسن التَّأني وترك العجل وإنِّي على ثقةٍ لو جنيت ... بعفوك أو قلت ما لم يقل وهذا القدر منها فيه كفاية ومقنع. [995] /268 ب/ يوسف بن يعقوب بن عمر بن عليِّ بن محمَّد بن محمَّد بن الجارود، أبو يعقوب الكفر عزيُّ الإربليُّ كان والده ابن أخي القاضي أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن محمد قاضي إربل. رأيته غير مرةٍ بمجلس الصاحب الوزير شرف الدين أبي البركات المبارك بن أحمد بن المبارك بن موهوب المستوفي –رضي الله عنه- شابًا طويلاً وسيمًا متصرفًا في الأعمال، ينتقل من عمل إلى غيره بإربل، ولم أعلم أنه يقول الشعر. وتوفي بإربل سنة إثنتين وثلاثين وستمائة –رحمة الله تعالى-. أنشدني له بعض بني عمّه من قصيد يقول منها: [من البسيط] يا راكبًا في بحار الظُّلم ملتحفًا ... غيَّ الشَّباب وقد غمَّت غياهبه أفعالك السُّود ناسبت الشَّباب بها ... وأبيضَّ فودك فافعل ما يناسبه إن النَّضارة قد ولَّت نظائرها ... واقبل الشيب تغزونا كتائبه وهي قصيدة طويلة لم يقع لي منها شيء سوى ما أوردته.

[996] /269 أ/ يوسف بن يعقوب بن أمير بن موسى بن أبي القاسم الإربليُّ شاب رأيته بإربل؛ ذكر لي إنَّه ينظم الشعر، وقال لي من يعرف حاله: أنَّه كان ينتحل الأشعار، ويمدح بها الناس. ومما أنشدني لنفسه بإربل على زعمه: [من الطويل] مقيمٌ على ما تعهدون من العهد ... وإن تلفت نفسي وذابت من الوجد وأهون ما لاقيت من ألم الهوى ... وقوفي بأطلال لعلوة لا تجدي وقفت أسيل الدَّمع في عرصاتها ... كما أنحلًّ سيلٌ أو جمانٌ من العقد ولم أك مغزىً بالدِّيار وإنَّما ... هواي بمن قد حلَّ بالأجرع الفرد أيا منزلاً لم أنس عهدًا عهدته ... به من وصال الغانيات ونن وعد سقتك يد الأنواء عند انسكابها ... كثيرة ضحك البرق من ضجَّة الرَّعد وغنَّى حمام الأيك فوقك سحرة ... وناحت فكلٌّ عند تغريدها يبدي أأحبابنا رفقًا بقلبي تعطُّفًا ... عليه فأنتم ساكنوه على البعد وجودوا المحزون الفؤاد بنظرةٍ ... تبرِّد ما أضر متموه من الوقد /269 ب/ ألا قاتل الله العيون الَّتي لهًا ... مضارب تحمي وردة الخدِّ بالخدِّ وأنشدني لنفسه، وكتبه لي بخط يده: [من الطويل] أأحبابنا لا بلَّغت فيكم المنى ... نفوسٌ إذا لم تفن أعمارها وجدا ولا رقات عينٌ من الدمع بعدكم ... إذا لم تخدِّد في محاجرها خدَّا [997] يوسف بن يوسف، أبو الحجاج الفارقيُّ ذكره الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي –رضي الله عنه- في كتابه، وقال: هو من المجهولين غير المشهورين الذين وردوا إربل وامتدحوا بها.

كان يذكر أنه من بني نباتة سكن الجزيرة العمرية، وطلب الملوك كما ذكر بالمدائح؛ وهو يعقد الحلق في البلاد، ويقصّ على الناس مغازي النبي صلى الله عليه وسلم والأسمار في الجوامع والأسواق؛ ويعرف بابن الأرمنية. كان شيخًا ضريرًا مربوعًا مجدّر الوجه، ورد إربل غير مرة؛ ثم وردها بأخرةٍ في محرم سنة ثماني عشرة وستمائة. وأخبرني أنَّه ولد بميافارقين سنة إحدى /270 أ/ وأربعين وخمسمائة. وكان يجلس للوعظ بها في كل جمعةٍ بمسجدها الجامع. ثم قال: قرئ عليه، وأنا أسمع من شعره في غرّة محرم سنة أثنتي عشرة وستمائة من أبيات أولها: [من الكامل] أمعلِّل الصَّب الكئيب المفكِّر ... ومؤرِّقي حتَّى الصبَّاح المسفر ومكلِّفًا قلبي الغرام ومسلمًا ... جسمي السَّقام بغنج طرف أحور من ذا أحلَّ دم المحبِّ ولن يرى ... عمَّا عهدت من الهوى بمقصِّر أأمنت من وردٍ بخدِّك ينقضي ... أو لا هيافة قدِّك الغضِّ الطَّري أم حسن سالفك المضيء يشينه ... خطُّ العذار الجائر المتعذِّر قسمًا بحسنك يا مليح ووجنة ... رقَّت كرقَّة عهدك المتغيِّر إنِّي على العهد القديم محافظٌ ... سنن الغرام وإنَّني لم اغدر وهذا نظم خال من المعاني من حقه أن يلغى ولا يثبت منه شيء لكن قد جرت العادة لمن يعتني بجمع الأشعار أن يكتب جيدًا وساقطًا. [998] يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن سليمان بن محمَّد الفأفاء الزينبي بن إبراهيم بن محمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن

العباس بن عبد المطلب، أبو المحاسن، وأبو العزِّ بن أبي العزِّ العباسيُّ المعدّل الكاتب المعروف بابن زبلاق من أهل الموصل وأبناء العدول بها. وأصلهم من تليعفر. وكان عمه أبو المظفر منصور بن يوسف بن سلامة نائب الحكم عن القاضي حجّة الدين أبي منصور المظفر بن عبد القاهر الشهرزوري. وأبو المحاسن هذا جلس مكان والده وعُدل وكتب الشروط مدَّة؛ وهو شاب لطيف من أبرع هل زمانه ذكاءً وفطنةً، يقول شعرًا رائقًا حلوًا بصحة فكرته وتوقد قريحته، ذو بديهة حاضرة في عمله، وتميز على أضرابه ونظرائه. وتولّى كتابة الإنشاء بدولة بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله –صاحب الموصل-؛ وله نثر جيد. أخبرني أنه ولد في /271 أ/ أحد الربيعين سنة ثلاث وستمائة. أنشدني لنفسه يمدح بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله بالموصل: [من الطويل] ليهنك حبٌّ لا يحلُّ وثيقته ... ولا يعرف السُّلوان أين طريقه وقلبٌ أسيرٌ في يديك ومدمعٌ ... يصغر من شان السَّحاب طليقه ومازال طوعًا للهوى فصبوحه ... مراعاة ما يرضيكم وغبوقه وما هجعت عيناه إلا تعلُّلاً ... بمسرى خيالٍ لا يغبُّ طروقه

بعيشكما هل روَّضت أربع الحمى ... وهل غضَّ من ماء الغمام عقيقه؟ وهل من نعمنا برهةً بوصاله ... يرنِّحه تذكارنا ويشوقه؟ أظبي الفلا أم ناظراه وجيده ... وصرف الحميَّا أم لماه وريقه؟ وقامته إن ماس أو غصن النَّقا ... نصيرًا يروق النَّاظرين وريقه يلوم على وجدي به وصبابتي ... خليُّ فؤاد من جوىً مستفيقه فيا مالكًا لا يبرح الدَّهر هجره ... يشبُّ على قلب المحبِّ حريقه إلى م فؤادي بالصُّدود تروعه ... وحتَّى م دمعي بالفراق تريقه فإن ترم حظِّي بالكساد فإنَّه ... بدولة بدر الدِّين ينفق سوقه /271 ب/ هو الملك محمرُّ السِّنان كريهه ... لدى البأس مبيضٌّ العطاء أنيقه سعى نحو غايات المعالي فحازها ... فليس يرجَّى في البرايا لحوقه يجير على الأيَّام من جاء صارخًا ... فتقضي برغم النَّائبات حقوقه ينال به من كلِّ أمرٍ عظيمة ... ويدنى به من كلِّ جود سحيقه وإن لم يكن بحرًا نداه فإنَّه ... إذا بخسوه تربه بل شقيقه فيا أيُّها السَّاعي لتدرك شأوه ... تعزَّ فقد حاولت ما لا تطيقه ألم تر أنَّ الحمد نال جميله ... جدير النَّدى بالمكرمات حقيقه أخو الجدِّ إن امضى عزيمة مطلبٍ ... فلن تستطيع الحادثات تعوقه إذا خفقت في الرَّوع رايات جحفلٍ ... دنا بخيالٍ لا يخاف خفوقه إذا ما امرؤٌ جاراه في نيل سؤدد ... فحزن المجاري جزنه وفريقه فداؤك من غلَّت يداه عن النَّدى ... ولم تسر إلاَّ بالجمام بروقه ضعيف المساعي لا يخاف عدوُّه ... ولا يرتجي الإحسان منه صديقه فسمعًا لها بدريَّة بنت ليلة ... لها منظرٌ يعطي الضِّياء شروقه تكنَّفها من كلِّ لفظ جليلهٌ ... وصاحبها من كلِّ معنى دقيقه /272 أ/ تفاوت وقتًا وضعها وزفافها ... إلى ملك حسن الثَّناء يروقه فإن نال مهديها المنى فبما غدت ... إلى غيركم آماله لا تسوقه

وأنشدني لنفسه يمدح الإمام أمير المؤمنين المستنصر بالله أبا جعفر المنصور ابن الإمام أمير المؤمنين أبي نصر محمد بن أحمد-رضوان الله عليهم- من قصيدة ويذكر نصرته لبدر الدين أبي الفضائل لؤلؤ بن عبد الله-غرس أمير المؤمنين-: [من الطويل] غدت بكم الزَّواراء وهي مريعةٌ ... متى ما ينخ وفدٌ بها يلقه وفد وعمَّت لهاكم كلَّ شرق ومغرب ... فلم يخل غورٌ من سراها رآها ولا نجد ونقَّفتم الحدباء فهي قويمةٌ ... وأعذبتم أمواهها فهي الشَّهد بها مخلصٌ في حبكُّم ما عهدتم ... له رغبة عنكم وإن قدم العهد حسام أمير المؤمنين الَّذي غدت ... به أنفس الأعداء للذعر تنقدُّ /272 ب/ بسطوتكم ذلَّت لسطوته العدا ... وأطلق منه في رقابهم الحدُّ أذمُّوا له ما [قد] يخاف فإنَّه ... بذمتكم بين البريَّة معتدُّ وليُّ لكم خوَّلتموه وعمَّه ... ندأكم فما يكبو له في العلا زند وعبدٌ متى تلقوا به حومة الوغى ... يصل منه في أعدائكم أسدٌ ورد فدمتم لهم حصنًا منيعًا وموئلاً ... يعزُّ به طول الزَّمان ويشتدُّ وأنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير العالم شرف الدين أبا البركات المبارك ابن أحمد بن المبارك بن موهوب المستوفي –رضي الله عنه-: [من الكامل] يا ماجدًا لم ألق بعد فراقه ... رجلاً لشرَّاد المعالي جامعًا سمحًا عصى العذَّال في بذل اللُّهى ... وغدا لما أمر السَّخاء مطاوعًا يلقاه مرتادٌ فيخصب مربعًا ... ويراه ممتهنٌ فيسعد طامعًا لا يعرف العافون يوم حبائه ... غير الرَّجاء وسائلاً وذرائعا لا يؤنسنَّك من تتابع فرحة ... دهرٌ غدا مكروهه متتابعا /273 أ/ فلأنت مثل السيف حينًا ساكنًا ... جفنًا وحينًا للهوادي قاطعا

وأنشدني لنفسه: [من الطويل] وبيضاء لا يخشى الملام محبُّها ... فيسلو ولا يرجو الشفاء عميدها إذا أسفرت واللَّيل مرخٍ سدوله ... تبيَّنت عوجًا قد اقيم عمودها قصرنا بمرأى وجهها عمر ليلة ... تغيب واشيها وطالت سعودها تنازعنا كأسًا حكت وجناتها ... علا فوقها درٌّ حكته عقودها إلى أن غدت سكرى من الرَّاح والصِّبا ... يميل على عم إلى اللَّثم جيدها فأضحت وجهل الخمر قد غال حلمها ... تجود بما لم يرج منها مريدها وأنشدني لنفسه يستدعي بعض أصدقائه بالموصل إلى الشاروق: [من الكامل] يا أيُّها المولى الَّذي بجلاله ... فاق الأنام أواخرًا وأوائلا قد ضمَّنا متنزهٌ مستطرفٌ ... تلقى السُّرور به مقيمًا نازلاً زانته دجلة في العيون وزانها ... فكلاهما يبدي بذاك دلائلا فكأنَّ صافيٍ الماء في جنباته ... قضب اللُّجين وقد سبكن جداولا /273 ب/ وحصى تودُّ الغانيات لو أنُّه ... حلىٌ لهنُّ إذا غدون عواطلا وعرا الجنون الماء في جريانه ... ولذاك تلبسه الرِّياح سلاسلا وحماحم تسبي العقول نواظرًا ... قد اشبهتهنَّ الرِّماح ذوابلا قد ركبت فيهنَّ حمر أسنَّة ... يمسين للهمِّ الملمِّ قواتلا وإذا سرت ريح النَّسيم بجوِّه ... بعثت إليك من النَّشاط رسائلا وخدين آداب إذا راجعته ... قولاً رأيت الفضل عندك كاملا يرضي ضميرك جدُّه ومزاجه ... ويروق طرفك منظرًا وشمائلا فلئن أتيت فمنَّة أسديتها ... ولئن أبيت فلست تعدم عاذلا وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف]

ما حللنا مغنى تحلُّ به الأفـ ... ـــــراح عقد الهموم والأحزان وتمنَّت منَّا الضَّمائر إلاَّ ... كنت دون الورى جميع الأماني وأنشدني قوله يتغزل: [من الكامل] يا مانحي طول السَّقام ومانعي ... بجفاه ورد رضابه المعسول ما صار وجهك للمحاسن جامعًا ... إلاَّ وثغرك قبله التَّقبيل /274 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل] تنادى ببين من تحبُّ وأزمعوا ... رحيلاً فماذا أنت يا قلب صانع أأنت على حسن التصبُّر قادرٌ ... غداة النَّوى أم [أنت] للبين جازع ولست بصبرٍ منك يا قلب راجيًا ... وكيف وفي بقياك ما أنا طامع وقال أيضًا يمدح المولى السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبا المظفر يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب- أدام الله دولته وثبت وطأته-: [من الكامل] وافى وما التئم الدُّجى بصباحه ... نشوان تشرق راحه في راحه فجلا بها جنح الظَّلام كأنَّما ... قدح المزاج النَّار في أقداحه وسنانٌ ضمَّ الجفن منه صارمًا ... في كلَّ جارحة أليم جراحه أخفى زيارته بصمت حجوله ... لو لم ينمَّ عليه نطق وشاحه ما يستحق الشُّكر إلا سكره ... فهو الميسِّر من عسير جماحه /274 ب/ أهداه لي فصممت غصنًا ناعمًا ... تثنيه راح دلاله ومراحه وأبحت لثمي من حديثة خدِّه ... في آسه الزَّاهي وفي تفَّاحه ما عذر هذا الدَّهر أن يهب الغنى ... لذَّاته ويزيد في أفراحه وقد استحال ظلامه وفساده ... بضياء ناصر دينه وصلاحه ملكٌ ترى حلو الحياة ومرَّها ... متمثِّلاً بصحافه وصفاحه

يعطيك خفض العيش رفع ستوره ... ويريك نصب المجد جرُّ رماحه كاللَّيث ممنوع [العرين] مصونه ... والغيث مبذول الحباء مباحه وقال يجيب مجد الدين أبا عبد الله محمد بن أحمد بن عمر الحنفي الإربلي عن شعر كتبه إليه: [من السريع] يا أيُّها المولى الَّذي ما دنا ... عن حبِّه القلب ولا اقصرا ومن صحبنا العيش في قربه ... طلق المحيَّا ضاحكًا مسفرا وافى كتابٌ منك وفيته ... غاية فضل جلَّ أن يحصرا حلَّ محلَّ الوصل من عاشقٍ ... شرَّد عنه الهجر طيب الكرى /275 أ/ نميل في إنشاد ألفاظه ... كأنَّما ضمَّنته مسكرا زيد من التَّقبيل حتَّى غدت ... شفاهنا مرقومة أسطرا إذا حال الشَّيء تكراره ... أعطاك حسنًا كلَّما كرِّرا كأنَّه روضٌ سقاه النَّدى ... ريًا فأضحى نبته مزهرا وما رأينا قبله روضةً ... نمقها الحبر ولا حبَّرا يخبرنا عن مثل أشواقنا ... أكرم به مستخبرًا مخبرا يذكرنا العهد ولم ننسه ... فيوجب النِّسيان أن نذكرا وكيف لا ترعى عهود امرئٍ ... ما شابها شينٌ ولا كدَّرا لله أيَّام تدان غدا ... ليل المنى في ظلِّها مقمرا أيَّام تدنو بك أفراحنا ... إذا اتَّقاها الهمُّ أو نفَّرا إذا وردنا مورد للصِّبا ... لم نرض إلاَّ مثله مصدرا

ما ننس لا ننس حمى جلِّق ... مطرد الأمواه رطب الثَّرى كأنَّما الأسباط حلُّوا به ... ففجَّروا أحجاره أنهرا في أيِّ فصلٍ زرت أوطانها ... قلت الرَّبيع الطَّلق قد أحضرا /275 ب/ يقصِّر الواصف عن حسنها ... وإن غدا في وصفه مكثرا تسري صباها عطرًا نشرها ... كأنَّما قد ضمَّنت عنبرا والطير في مزهر عيدانها ... تحسب في ترجيعها مزهرا يا حبَّذا الربوة من موطنٍ ... للأنس ما أبهى وما أنضرا وحبَّذا أخضر ميدانها ... حيث يصيد الظَّبي أسد الشَّرى والشَّرف الأعلى الَّذي حسنه ... مستوقفٌ ناظر من أبصرا أرض دمشق لا أغبَّ الحيا ... رباك إن راح وإن بكَّرا لولا دمشق لا أغبَّ الحيا ... رباك إن راح وإن بكَّرا يا مجدنا إن قيل مجدٌ ويا ... سيِّدنا المستعظم الأكبرا متى أجدَّ الدَّهر أمنَّية ... كنت المنى الصَّادق دون الورى وقال يمدح بدر الدين أبا الفضائل لؤلؤ بن عبد الله –صاحب الموصل-: [من الطويل] بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنى ... سهادًا يذود الجفن أن يألف الجفنا وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلاً ... فحاكاه لكن زاد في دقَّة المعنى /276 أ/ وأبرزت وجهًا يخجل الصَّبح طالعًا ... وملت بقدَّ علَّم الهيف الغصنا حكيت أخاك البدر في حال تمِّه ... سنى وسناءً إذ تشابهتما سنَّا أسمراء إن أطلقت بالدَّمع عبرتي ... فإن لقلبي من تباريحه سجنا وإن تحجبي بالبيض والسُّمر فالهوى ... يهوِّن عند العاشق الضَّرب والطَّعنا وما الشوق إلا [أن] أزورك معلنًا ... فلا مضمرًا خوفًا ولا طالبًا إذنا

وألقاك لا أخشى الغيور فأنثني ... ولو منعت أسد الشَّرى ذلك المغنى لك الله قلبًا لا يصدُّ عن العلا ... وعزمًا عن المجد المؤثِّل لا يثنى ومالي لا أسمو إلى النَّجم صاعدًا ... وأبلغ منه قاب قوسين أو أدنى وقد فزت من بين الملوك بمالك ... رحيم له الحسن المضاعف والحسنى بأصوبهم رأيًا وأسمحهم يدًا ... وأطيبهم ذكرًا وأعذبهم مجنى وقال أيضًا يمدح الشريف الحسيب الصاحب تاج الدين أبا المعالي محمد بن أبي نصر بن يحيى بن علي العلي المدائني المعروف بابن صلايا وهو يومئذٍ متولي إربل: [من الكامل] /276 ب/ ألقت إليك بنو المطالب حاجها ... إذ شاقها الإحسان منك وهاجها فنعشت غابرها ورشت جناحها ... وانلت غايات المنى محتاجها عاجت تساءل بالكرام فلم تجد ... إلاَّ عليك من الأنام معاجها إن كان بخل الدَّهر أكسد سوقها ... يومًا كأنَّ على نداك رواجها إنَّ المكارم يا ابن نصر اعذبت ... آراؤها ونفى الزَّمان أجاجها أضحى محمَّدها وقد ذمَّ الورى ... وبدت مفارقها فأصبح تاجها أجداده وجدوده أحللنه ... شرف العلا وحللن عنه رتاجها إنَّ الخلافة جرَّدت بك ماضيًا ... سلك الأمور شعابها وفجاجها ودعت ك للأواء أعضل خطبها ... لمَّا رأت في راحتيك علاجها فكفيتها الحالين تملأ بالندى ... والبأس منها سلمها وهياجها مرضت مطالبها فكنت شفاءها ... ودجت غياهبها فكنت سراجها وكسوت أربعها السَّكينة بعد ما ... رفع الشِّقاق قتامها وعجاجها وعدوت باسم أبيك في يوم الوغى ... متسربلاً فكفيتها إزعادها ورعيت سرح المسلمين بمقلةٍ .. أضحى اعتزامك حقَّها وحجاجها /277 أ/ وهَّاب كلِّ جليلة بذَّالها ... جلاَّء كلِّ ملمَّة فرَّاجها قوَّال كلِّ كريمةٍ فعَّالها ... ورَّاد كلِّ كريهةٍ ولاَّجها

أحيا نداك من العفاة قلوبها ... وشجت قناك من العدا أوداجها مدَّت بضبعك أسرةٌ علويَّةٌ ... بتمامها أمنت علاك خداجها شيمٌ ورثت قديمها وحديثها ... وقفوت في حفظ العلا منهاجها في فضلها نزل الكتاب وإن أتت ... فئةٌ وأوجبت الحقود لجاجها أضحى هداك لأولياك شهادةً ... قطعت نزاع شنانها وحجاجها ها قد جلوت على علاك عقيلةً ... أحلت خلائقك الحسان مجاجها عذراء أنكحها الرَّجاء وأثقلت ... حملاً وكان ندى يديك نتاجها تهدي هنا العم الجديد لكعبةٍ ... أضحى عظيمات المنى حجَّاجها وله ما يكتب على لسان سيف أهدي إلى الإمام أمير المؤمنين المستنصر بالله أبي جعفر المنصور –رضوان الله عليه-: [من البسيط] /277 ب/ لا غرو أن حسدت بيض الظُّبا شرفي ... وقد رأيت بي المنصور معتصما يضمُّ جفني على برقٍ إذا هطلت ... غمامةٌ أمطرت أعداءه نقما ما افترَّ ثغري في هيجاء كالحةٍ ... إلاَّ حميت مباحًا أو أبحت حمى وقال أيضًا يمدج بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله: [من الكامل] وحياتكم بسواكم لا أشعف ... كلفي اختيارٌ ليس فيه تكلُّف بكم حلفت لعذَّلي فليقصروا ... عزَّ السُّلوُّ غداة عزَّ المصحف جهلوا فقالوا في الغرام مذلَّةٌ ... إنَّ المحبَّ بذلَّةٍ يتشرَّف فأجبتهم إن كنت متلف مهجتي ... فليهنها أن أصبحت بك تتلف أأخيَّ هات عن الحمى فحديثه ... عندي وإن كرَّرته مستطرف هل زخرفت أيدي الرَّبيع ربوعه ... فرياضهن مدَّبحٌ ومفوف وبذالك الوادي أمير ملاحة ... أسر القلوب بمقلتيه مصرَّف الشَّعر منه رأيةٌ وقوامه ... الميَّال رمحٌ واللَّواحظ مرهف /278 أ/ جلت الملاحة منه وجهًا مشرقًا ... كالشَّمس تجمل في العيون وتطرف

ماء الحياء سقى على وجناته ... وردًا جنيًا باللَّواحظ يقطف ثمر الحياة وصاله لو يجتني ... وأخو السُّلاف رضابه لو يرشف يا باخلين إذا سألنا وصلهم ... وإذا هم بذلوا القطيعة أسرفوا رفقًا فقد أبقيتم لي مهجةً ... عن حمل جوركم تكلُّ وتضعف بخلاً وظلمًا آن أن تترفَّقوا ... بالمغرم العاني وأن تتعطفوا إن تبخلوا فأبو الفضائل واهبٌ ... أو تظلموا فأبوا الفضائل منصف ملكٌ إذا اعوجَّ الزَّمان أقامه ... رأيٌ له لدن المهزَّ مثقِّف سمحٌ يفرِّق بالمواهب ماله ... ويضمُّ أشتات العلا ويؤلَّف معن الحباء يرى فواضل كفِّه ... في النَّاس زائدةً تعين وتعسف يلقى المنى منه غريم مكارمٍ ... جذلان يقرضها الجميل ويسلف تبدي المدائح منه ثغرًا باسمًا ... أبدأ دموع المال منه تذرف إنَّ الفضائل ما دعتك لها أبًا ... إلاَّ وأنت بها أبرُّ وأراف عدلٌ نفى ظلم الخطوب وغرَّةٌ ... يجلى بها عنَّا الظَّلام ويكسف /278 ب/ وخلائقٌ شرفت وجاوز حسنها ... حدَّ الصَّفات فما تحدُّ وتوصف فشجاعةٌ عمروٌ وجودٌ حاتمٌ ... وسياسةٌ عمرٌ وحلم أحنف يا كامل الأوصاف قدرك في الورى ... أعلىعلى رغم الحسود وأشرف أحرزت دين الله وهو مضيَّعٌ ... ومنعت منه وهو أعزل أكشف ضمِّنت تمهيد البلاد فمهِّدت ... أمنًا وكانت بالمخافة ترجف فالله يجزيك الرِّضا عن أمَّة ... أضحت برأيك من أذاها تكنف يا مالكًا أغنى يدي فأطاف بي الـ ... ــعافي وكنت على الكفاف أطوف وأنالني ما ابتغى وأعادني ... ما أتقي وأعاد لي ما أتلف وأفاك معتدل الزَّمان فوفِّه ... عليا يطوف به السُّرور وتعكف واستجل للنيروز وجهًا لم يزل ... تصبو القلوب بمجتلاه وتكلف روضٌ كوشي البرد يضحك زهره ... دمع الحيا منه وتربٌ مترف يسري النَّسيم به فيهدي صحَّة ... لقلوبنا وهو العليل المدنف

وقال أيضًا يمدحه: [من الوافر] /279 أ/ هنيئًا أيُّها الملك الرَّحيم ... فقد ظفرت يداك بما تروم رآك الله أهلاً للمعالي ... وأحوال الورى بك تستقيم فزاداك بسطة في الملك حتَّى ... غدت من دون رفعتك النُّجوم فكنت على العباد سحاب برٍّ ... به يحيى المصوَّح والهشيم وكانوا أنفسًا ملئت همومًا ... فزالت إذ ملكتهم الهموم طلعت على البلاد طلوع بدرٍ ... يضيء بنوره اللَّيل البهيم فقد حسدت مرابع مصر أرضًا ... ركابك في مرابعها مقيم لك البشرى بسيف الدِّين نجلاً ... نماه إلى العلا الحسب الصَّميم وما تزكوا فروع المرء إلاَّ ... إذا زكت المغارس والأروم مضى بسعادة وأتى بجدٍّ ... علىٌّ لا يرام ولا يريم ومن تك أنت والده تنله ... المعالي وهو في مهد فطيم فلو [لا] أن تؤمَّ التُّرك منه ... ركابٌ أمَّت العرب الغموم ولولا أن بعثت به إليهم ... أبيح المال وانهتك الحريم يدلك في رقاب النَّاس أضحى الـ ... ـــجهول بها مقرًا والحليم /279 ب/ مليك الأرض ما للبيض تشكو ... مماطلة وقد وجد الغريم وما لموارد اللَّبات تبدو ... وأطراف الرِّماح السُّمر هيم وجرد الخيل واقفةً صفونًا ... تكاد على تلبثنا تلوم فأقبلها بلاد عداك قتلاً ... تصلصل في جحافلها الشَّكيم ومنها قوله: ولا تحفل بجمعهم فطير الـ ... ــــحمام على نفوسهم تحوم يدل على المعاني فيك فكري ... فعالٌ منك محمودٌ كريم وإن أك شاعرًا أحذو القوافي ... ففي وادي مديحك لا أهيم

وقال أيضًا يمدحه: [من الطويل] كذا أبدًا تبني العلا وتشيد ... وعن قدرة تفني العدا وتبيد ليهنك أن الله أنجز وعده ... وألحق بالباغين منه وعيد فلا خللٌ يخشى ولا نقص يتَّقى ... وملكك فينا ثابتٌ ويزيد نوالك في عمر الرَّجاء زيادةٌ ... وسعيك في جيد الثَّناء عقود وأنت الَّذي زدت المعالي ملاحةً ... كأنك توريدٌ وهنَّ خدود /280 أ/ ولمَّا بغى الأعداء سقت إليهم ... رياح اهتمامٍ ما لهن ركود وعزمًا تكاد الأرض من ثقل وطئه ... تزعزع من أركانها وتميد وكامل أوصاف العلا بحر بأسه ... بسيطٌ إذا خاض الغمار مديد ومنشوره الأعلام منصورة القنا ... تقيت به أرواحهم وتفيد أقمنا رجاءً أن يثوب غويُّهم ... ويرجع منه السَّعي وهو حميد فظنُّوا تمادينا يضعِّف رأينا ... إذا الشر أبدى ناجذيه يحيد فجادوا سراعًا والمنايا تسوقهم ... وتبدئ في أطماعهم وتعيد بجمع من الأعداء أمَّا عديده ... فوافٍ وأما نفعه فزهيد فلمَّا تدانينا وللحرب روعةٌ ... تشيِّب رأس الطِّفل وهو وليد نظمنا الرِّماح السَّمهريَّة فيهم ... فهنَّ بأثناء الضُّلوع قصيد وما افترَّ ثغر النَّصر حتَّى بكت دمًا ... لطعن العوالي ثغرةً ووريد إذا ركعت سمر القنا في نحورهم ... غدا لهم فوق الصَّعيد سجود وولَّى زعيم القوم والحرب طفلةٌ ... ولم يذك من نارٍ الهياج وقود يناديه صادي رمحه وهو هاربٌ ... رويدك هذا الطعن أين تريد /280 ب/ أما كنت يا مغرور من قبل تدَّعي ... بأنَّك تلقاهم وأنت وحيد أظنُّك أنسيت الشَّجاعة عندما ... بدت لك أعلامٌ لهم وبنود وإنَّ الَّذي منَّتك نفسك خاليًا ... غداة التقى الجمعان منك بعيد ولو وجدته ناشدات رماحنا ... لحطَّ لثام النَّقع وهو فقيد

ولم ينج من ورد المنيَّة هاربٌ ... لخوف العوالي في حشاه ورود وما فرَّ حتَّى عاين الموت جهرةً ... وأبصر بأس الله وهو شديد وقابل ركن الدِّين كاللَّيث مخدرًا ... يذبُّ العدا عن غيله ويذود وغابًا بسمر الذَّابلات محجَّبًا ... تصول على الأعداء منه أسود كتائب تزجى نحوهم من كماتها ... سحائب تهمي بالردَّى وتجود بوارق بيضٌ في سماء عجاجة ... لها من صهيل الصَّافنات رعود فإن جحدوا أنَّا قتلنا سراتهم ... فوحش الفيافي والنُّسور شهود أأهدي إليهم صحبه أم هداهم ... شهابٌ عراه في اللِّقاء خمود وكيف يرجِّي نجمهم وشهابهم ... مكانة بدر قابلته سعود أبى الله إلاَّ أن يعين بذلَّة ... عدوٌّ تمادى نعيه وحسود /281 أ/ نبا المالك الملك الرحيم سمت بكم ... سعود فتاكم إذا جدَّ الخصام مؤمَّرٌ ... وطفلكم قبل الفطام ولود لكم يا نود الله في الأرض إن بغى ... عدوٌّ من أملاك السَّماء جنود لقد ألقحت أفكارنا بجميلكم ... فها هي بالمدح الجميل ولود يجيدون في إحسانكم وصنيعكم ... فيحسن فيكم شاعرٌ ويجيد /281 ب/.

ذكر من اسمه يونس

/282 أ/ ... ذكر من اسمه يونس [999] يونس بن سعيد بن عيسى بن سعد الله، أبو الفضل بن أبي الخير الخراط الإربليُّ وقد مرَّ شعر والده في مكانه. وكان من أهل القرآن الكريم والفضل؛ رجلاً خيرًا متدينًا. استشهد بإربل في الوقعة المشهورة حين دخلها التتار- خذلهم الله تعالى- بمسجدها الجامع في شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة -تغمده الله برحمته ورضوانه- وكان يقول مقطعات صالحة من الشعر. أنشدني لنفسه ما كتبه إلى الصاحب الوزير شرف الدين أبي البركات المستوفي الإربلي -رضي الله عنه- يهنئه بالعيد: [من الوافر] بأيمن طالعٍ عيدت يا من ... بطلعته يهنَّأ كلُّ عيد ولازالت لك الأيَّام عونًا ... مساعفةً على رغم الحسود ولا برحت صلاتك واصلات ... تعمُّ بها القريب مع البعيد تعوَّد كفك المعروف حتَّى ... غدا وعطاؤك فوق المزيد /282 ب/ فأنت لكلِّ مكرمة وفضلٍ ... أخٌ ولكلِّ معروف وجود إذا نحر العدا نعمًا وشاءً ... فضحِّ ضحى بشانئك الحسود ولا برحت صلاتك واصلات ... تعمُّ بها القريب مع البعيد تعوَّد كفُّك المعروف حتَّى ... غدا وعطاؤه فوق المزيد /282 ب/ فأنت لكلِّ مكرمة وفضلٍ ... أخٌ ولكلِّ معروفٍ وجود إذا نحر العدا نعما وشاءً ... فضحِّ ضحى بشانئك الحسود وعش ما شئت كيف تشاء وألبس ... جديد العمر في الزمَّن الجديد ووجدت له هذه الأبيات كتبها إلى شرف الدين أبي البركات أيضًا - رضي الله عنه-: [من الوافر] أيا مولاي يا من لا يضاهي ... بحاتم في السَّماح ولا بمعن

ويا من جوده للناس طرًا ... مع الأوقات في خوفٍ وأمن بقيت الدَّهر للراجين حتَّى ... تعمَّ بجودك العافي وتغني ترى الأنعام هل درجت وشيخي ... أبي مولاي من ذهبٍ وقطن وأن ثواب ما تسديه محضًا ... لوجه الله لا طلبًا لمنِّ فعش واسلم مدى الأعوام والبس ... جديد العمر في عزٍّ ويمن [100] يونس بن عليِّ بن رسن بن الحسن بن إبراهيم بن غنيمٍ، أبو الفيض بن أبي الحسن الدوريُّ من دور تكريت. /283 أ/ كانت ولادته بها في سادس وعشرين رمضان سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وتوفي أيضًا بها سنة ست عشرة وستمائة. قدم مع والده تكريت وحضر دروس القاضي تاج الدين أبي زكريا يحيى بن عبد الله التغلبي، وقرأ عليه شيئًا من علم المذهب والأدب. وكانت له معرفة حسنة. وحصّل من معرفة الفقه ما يحتاج إليه، وانحدر إلى بغداد مرارًا، ونزل بالمدرسة النظامية وسكنها، واشتغل بها على جماعة من المعيدين. وكتب الكثير من كتب الفقه واللغة وغيرها؛ وفوَّض إليه قاضي القضاة عماد الدين أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن أحمد الدامغاني عقود الأنكحة بالدور. فتولّى ذلك وتولّى أيضًا الخطابة بجامعها أيام الجمع والأعياد. وأهل الدور يرجعون إليه في وقائعهم وحوادثهم، وما يحتاجون إليه من كتبة الشروط وغير ذلك. وكان ذا عائلةٍ وفقرٍ صبورًا على الضائقة والمجاهدة /283 ب/ في طلب الرزق

له ولعياله. وكان يقول شعرًا لينًا سهلاً، ومنه ما كتبه إلى القاضي تاج الدين يحيى بن عبد الله يمدحه، وأنشدها عنده يذكر فيها حاله: [من البسيط] زاد الغرام بقلب المدنف القلق ... ولازمتني هموم الشَّوق والأرق لمَّا سرى الرَّكب بالأظعان من إضمٍ ... وغودر القلب مملوءًا من الحرق ناديت حاديهم رفقًا بمن سلبوا ... منه الرُّقاد ولم يبقوا على رمق يا حادي الرَّكب لا تعجل على دنفٍ ... أسير ذات اللَّمى المعسول والحدق أوهى قوى صبره بينٌ ألمَّ به ... حينًا فحاوله دهرًا فلم يطق فليت أيَّامه بالعود عائدةٌ ... وليته لعذاب البين لم يذق يشتاق نعمان والأجراع من سلمٍ ... وجيرة المنحنى مع عيشه الأنق يبكي على الغور إن لاح العقيق له ... وكيف يجدي بكاء المغرم القلق أو لاح بارق نجد أو ألمَّ به ... خيال محبوبه في ظلمة الغسق يحنُّ إن سجعت ورقٌ على غصنٍ ... من الأراك أريج الرِّيح والعبق لا ير عوى لعذول ظلَّ يعذله ... لكنَّه من خمار الشَّوق لم يفق /284 أ/ ويح اللَّيالي لقد أخنت عليَّ بما ... جنته من فرقه الأحباب والقلق وشتَّتت شملنا من بعد ألفته ... وغادرتني رهين الشُّوق والحرق فحيث زادت همومي وانقضى جلدي ... ولم أجد ملجأ ينجي من الغرق يمَّمت دوحة تاج الدِّين معتمدًا ... أرفِّع العيش بين النصِّ والعنق باب الهداية كهف المستضعفين وهم ... خير البريَّة في الأقطار والأفق السَّالكين طريق الحقِّ قاطبةً ... والمنقذين من الأنجاس والرَّهق قومٌ فخارهم فوق السِّماك علا ... بنور عزٍّ من الإجلال متَّسق أبقى الإله أمير المؤمنين لهم ... ما جاوبت إلفها ورقاء في الورق النَّاصر العادل الملك الَّذي خضعت ... له الملوك خضوع المدنف الومق مولَّى تظلُّ له الأملاك قاطبةً ... من سطوة وهي قتلى الغيظ والحنق

لو رام أن يملك الدُّنيا بأجمعها أنـ ... ــــقادت له إنقياد الشَّاء في الرِّيق مؤيَّدًا بجنود الحقِّ منتصرًا ... بالله لا بالظُّبا والبيض والدَّرق وأيَّد الله مولانا الإمام فقد ... فاق الأنام بجود وافرٍ غدق قاضي القضاة الَّذي شاد العلوم علاً ... وأظهر الملَّة المحمودة الطُّرق /284 ب/ تاجٌ له في علاء المجد منقبةٌ ... يجوز أدنى علاها رتبة الشَّفق بنى المكارم للعافين محتسبًا ... ناهيك من أريحيٍّ ماجد طلق في الرأي قيسٌ وفي الإقدام عنترةٌ ... وفي البلاغة قسُّ المنطق الذِّلق إذا انتضت كفُّه ماضي اليراع على ... متن الطُّروس بدت بالمنظر الطَّلق فالله يحفظ مولانا ويعضده ... بنجله الطَّاهر العلاَّمة الأفق ضياء دينٍ سما فوق العباد على ... رغم الحسود الشَّقيِّ الماذق الحمق سمحٌ تعلَّم منه الغيث نائله ... يجود بالذَّهب الإبريز والورق لو سابق المزن في جود في كرمٍ ... لحاز من غير جهد لذَّة السَّبق مدِّبر الملك لو جاراه في نظرٍ ... كلُّ الملوك لبذَّ الكلَّ في طلق لازال في نعمة تهمي أنامله ... بالجود ما سارت الرَّكاب في الغسق مولاي قلبي رهينٌ في محبَّتكم ... وقد عرتني هموم الشَّوق والأرق وقد تعلَّقت من دون الورى بكم ... وحقِّ من خلق الإنسان من علق فأنتم خير أهل الأرض قاطبةً ... منكم هداة الورى في الدِّين والخلق وأنتم ظلُّ ربِّ العالمين ومن ... يمحو به الله ظلم الخائن النَّزق /285 أ/ وأنتم فرجٌ للمستغيث وقد ... أشرفت من شدَّة البلوى على الغرق لازال مجدكم يعلو وذكرٌ كم ... يحلو وبركم كالطَّوق في العنق ما غرَّدت فوق غصن الأيك ساجعةٌ ... وما انجلت عن ظلامٍ غرَّة الفلق

[1001] يونس بن أبي الغنائم بن أبي بكر بن أبي الغنائم بن أبي بكر بن محمَّدٍ، أبو الفتح المقرئ البغداديُّ لقيته بحلب شيخًا أسمر قصيرًا سنة أربع وثلاثين وستمائة، وقد استوفى ثمانين سنة، يخضب بالحنا يقرئ بين يدي الجنائز وفي الأعزية، وروى لي عن جماعة من الشعراء المتأخرين مقطعات من منظومهم منها؛ الضياء أبو يعقوب يوسف بن سليمان بن صالح بن رهيج المضري البغدادي المعروف بابن الكتاني، وأبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن أحمد الغساني الجلياني، وأبو الحسن علي بن يحيى بن أبي خازن البغدادي القلانسي، والباز الأشهب أبو عبيد الله علوي بن عبيد الله بن علي بن علوان الحلبي، والرشيد أبو محمد بن بدر النابلسي، وأبو الفوارس عبد الله بن محمد الإسكندري، /285 ب/ والقاضي محيي الدين أبو حامد محمد بن محمد بن عبد الله الشهرزوري. واستكثر من قول الأشعار ينظمها طبعًا من غير أن يشتغل بشيء من علم العربية، وأقام بحلب مدّة طويلة بعد أن جال في أقطار البلاد. ولم يزل بها مقيمًا إلى أن مات يوم الأربعاء الثالث من جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين وستمائة –رحمه الله تعالى-. وكان يتعاطى التصنيف ويظن أنه قد رد على أبي الفرج الأصفهاني في كتاب "الأغاني" الذي ألفه، وخطأه في مواضع بزعمه؛ وأنه لم يأت بالشيء على وجهه، وما كان ينبغي له أن يذكر ذلك. ثم عدّد لي مصنفاته. وكان إذا أنشد شعر نفسه يلحن ولا يقوم إعراب بيتٍ البتة؛ إلاَّ أنه كان عنده كياسة ومفاكهة إذا شرع في كلام ومحاورة. وله أشعار كثيرة قصد بها الأماثل والكبراء ممتدحًا إلاَّ أنَّني استبردتها لما فيها من الرثاثة والركة واضطراب المعاني والألفاظ.

وحدثني –رحمه الله تعالى- قال: كنت بقلعة حلب، وهنالك جماعة /286 أ/ من الفضلاء والشعراء، فأمرهم صاحب الديوان يومئذ أن ينظم أحد منهم بيتين من الشعر؛ لتكتب على قبر السلطان الملك العزيز غياث الدين محمد بن غازي بن يوسف مليكها –رحمه الله تعالى- فانزويت إلى ناحيةٍ، وأعملت فكرتي وأنشأت هذين البيتين وهما: [من الطويل] حرامٌ على من زار قبري ولم يقل ... سقى الله هذا القبر صوب السَّحائب كما كنت إن ضنَّ الغمام بجوده ... أتيت بأنوع النَّدى والرَّغائب وأنشدني لنفسه فيمن ينتف لحيته: [من البسيط] وللأصيل ذوا عدلٍ تقوم له ... بشاهد الحبِّ من بدوٍ ومن حضر تنظيف لحنٍ إذا ما ضلَّ ينشدنا ... شعرًا وتنظيف خدَّيه من الشَّعر وأنشدني لنفسه يقتضي وعدًا: [من الطويل] أذِّكره لا خيفةً أن يفوتني ... رجاءٌ وإن لم أقتضيه فينساني ولكنَّني أخبرته أن منطقي ... يكنُّ ثنائي حيث سرِّي وإعلاني [1002] /286 ب/ يونس بن موسى، أبو الوليد الأنصاريُّ من أهل سلا من بلاد المغرب. كان شاعرًا منتجعًا نحويًا فاضلاً. صار إليّ من شعره هذه القصيدة يمدح بها الأمير شمس الدين محمود بن قليج الحلبيَّ: [من البسيط] أمللت سمعي من عذلٍ بتنديد ... فبعض شانيك من لومٍ وتقنيد قد كنت تبقى وإن لم تبق من شفقٍ ... لو كان قلبك في أحشاء معمود

لا درَّ درُّك من لاح ألحَّ على ... ضعفي وجار على ليني بتشديد أما نهاك ضني وجد منيت به ... أبلى شبابي من سقمٍ بتجديد في ذمَّة الله نفسٌ ما يذمُّ لها ... خلقٌ وإن غرَّ من طرف ومن جيد وفي رضا الحب قلبٌ قلَّبته على ... جمر الغضا خطرات الخرَّد الغيد سنحن يوم الكثيب الفرد من كثبٍ ... وما سمحن لنا إلا بتبعيد يخفضن في المشي من خطو وقد رفعت ... حمر القباب على الحمر الجلاعيد بيضٌ أوانس في سرب أوانسه ... شرَّدن نومي عن عيني بتسهيد بدور حسنٍ حوتهنَّ الخدور وقد ... أشرقن في الكثب من قضبٍ أماليد /287 أ/ يحملن درًا ثوى فيهن من صدفٍ ... طاف ببحر سراب غير مورود يا للبراقع كم فيهنَّ من قمر ... سار وسرِّ جمال فوق توريد ومن عيون نفثن السِّحر في كبدي ... كالسُّمِّ تجنيه من بنت العناقيد عدمت صبري أنِّي قد وجدت به ... ما ضلَّ من جزعٍ عنِّي وتبليد فكيف أبقى على ما بي وها رمقي ... يفنى بفنَّين معدومٍ وموجود أما الفراق فأرمي في النوى ورمى ... خدَّيَّ من فيض أجفاني بتخديد ولجَّ فابتزَّ أوطاني وأوطاني ... مواطئ العسف من همٍّ وتنكيد بعدٌ من المغرب الأقصى لمشرقه ... يقرِّب العيس من وخدٍ ومن بيد كأنَّ في كلِّ قطر لي مدى أرب ... لا يقتضي بسوى المهريَّة القود تغرُّب ومشيبٌ نازلٌ وأسىً ... برحٍ وفقد حبيب غير مردود وساءني أنَّ عمري ضاع أكثره ... بين اللَّئام ولم أظفر بمقصود ولا حمدت رحيلي لا ولا زمني ... حتَّى حللت بشمس الدِّين محمود وقال أبو النجم فرقد بن عبد الله بن ظافر بن عبد الواحد الكناني الإسكندري، أنشدني /287 ب/ أبو الوليد يونس بن موسى الأنصاري السلائي لنفسه؛ لما رجع الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف من محاصرة دمشق إلى حلب خائبًا. وكان

معه ابن الحصين الوزير، وابن أخته النظام أبو المؤيد محمد بن الحسين الطغرائي –وكان أحول- والقاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الموصلي، ويعرفه الفقهاء بالأحمر. وكان الوزير ابن الحصين أجهز العينين: [من السريع] قل للمليك الظَّاهر استبصر ... دهيت في الملك ولم تشعر بالأجهر المطرود من واسط ... والأحول المشؤوم والأحمر ثلاثةٌ لو برزوا دفعةً ... للشمس أو للبدر لم تظهر ولو تولَّى واحدٌ منهم ... تدبير ذي القرنين لم ينصر الأجهر: الذي لا ينظر للشمس.

ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف

/288 أ/ ذكر مفاريد الأسماء في هذا الحرف [1003] يزيد بن صقلابٍ أبو بكرٍ المرُّيُّ. كان رجلاً كبير القدر، جليل المنزلة سمحًا ذا مروءةٍ وأريحية. وكان مشارف الديوان بالمريّة؛ ويرجع إلى أدب وفضل ونباهة ومعرفة وقول الشعر الرائق الحسن. أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد الفاسي المقرئ بحلب، قال: شاهدت يزيد بن صقلاب في سنة اثنتين وستمائة بالمرية؛ وهو يتولّى الإشراف بديوانها، وذكره ذكرًا جميلاً، ووصفه وصفًا حسنًا، وقال: لم يكن في زمانه أكرم منه نفسًا ولا أجود كفًا، هذا آخر كلامه. أنشدني الصاحب الوزير أبو البركات الإربلي -رضي الله عنه- قال: أنشدني أبو الروح عيسى بن محمد التاكرني القرطبي، قال: أنشدني يزيد بن صقلاب لنفسه: [من الكامل] أهدي التَّحيَّة بالإشارة واضعًا ... بعد التَّحيَّة فوق إصبعه فما فعجبت منه ثمَّ قلت لصاحبي: أتراه سلَّم أم تراه تختَّما وله أشعار ورسائل لم يقع إليّ منها شيء غير ما ذكرته. [1004] /288 ب/ يلمان بن كيلوك بن عثمان بن أبي طالبٍ، أبو الفضل الحيزانيُّ من الإربليين. كان شابًا متفقهًا على مذهب الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وله طبع في قول الشعر ما به بأس. وأخبرني أنّه ولد سنة ستمائة، وخبرت أنه توجه إلى بلاد الشام ونزل حلب فأقام بها شهورًا ومات.

أنشدني لنفسه يمدح الصاحب الوزير شرف الدين أبا البركات المستوفي الإربلي -رضي الله عنه-: [من الطويل] فؤادٌ إلى وصل الحسان طروب ... وقلبٌ لريب الحادثات كئيب وعارض دمع لم يزل فيض مائه ... دفوقًا على أرض الخدود سكوب يؤرقه شوقٌ إلى من قوامه ... قضيبٌ وأمَّا ردفه فكثيب من الغيد أمَّا وصله فممنَّعٌ ... بعيدٌ وأمَّا هجره فقريب وليس عجيبًا أن يشحَّ بوصله ... ولكن متى يسمح به فعجيب يواصل من بالذَّمِّ يخلق عرضه ... ويهجر من لم تبد منه ذنوب متى رمت منه أن يجود بقبلة ... ترفَّع تيهًا أو علاه قطوب فلا غرو وأن أضحى يعاني بك الأسى ... وجارت عليه في هواك خطوب /289 أ/ فأيُّ فتى لم ينحل البين جسمه ... وأيُّ غرامٍ لم يهجه حبيب له بهجةٌ يغني عن الشَّمس ضوؤها ... ووجهٌ ينوب البدر حين يغيب وعنج لحاظ راميات بأسهم ... سوى كبد المشتاق ليس تصيب فليس لما يلقاه من ألم الهوى ... سوى وصل من يجني عليه طبيب ولا لأبن موهوب المبارك في الورى ... سوى مجتديه صاحبٌ ونسيب فتى شأنه إمَّا يرى فهو آخذٌ ... نفوس العدا أو للعفاة وهوب أيا شرف الدِّين الَّذي قام في الورى ... على كلِّ عود من ثناه خطيب ترى أيُّ ملهوف دعاك ولم تثب ... لدعواه من دون الأنام تجيب ولمَّا رأيت المجد صعبًا وصوله ... وفي نيله مسُّ الأنام لغوب ركبت إليه حسن [رأيك] سابقًا ... وهل يصطفي إلاَّ النَّجيب نجيب يرى كلَّ يومٍ في ديار عفاته ... سرورًا وفي مغنى عداه نجيب جوادٌ من الفحشاء واللُّؤم عاريًا ... ومن عفَّة ثوبٌ عليه قشب تراه عن الدُّنيا الذَّميمة راغبًا ... ولكن إلى كسب الثَّناء رغوب ترى أيُّما فنٍّ من العلم مشكل ... ومالك يا ذا الفضل فيه نصيب /289 ب/ بليغٌ غدا يعيي الفصيح امتحانه ... ويسأله عن مشكل فيجيب وإنِّي أخا العلياء ليس بشاعرٍ ... فيحسدني يومًا عليك أديب

ولكن فقيهًا حلَّ وصفك سمعه ... فأقلقه شوقٌ إليك مذيب فجاء من الحدباء نحوك قاصدًا ... ليشفي غليلاً عنده ويؤوب فمثلك يسعى المستفيدون نحوه ... فإنَّك فردٌ في الزَّمان غريب فدم لبني الآمال يا خير ماجد ... كما دام فينا يذبلٌ وعسيب فلازلت محروس الجناب من الأذى ... وغصنك في روض العلاء قشيب *** وهذا حين انتهى بنا التأليف من هذا التاريخ والحمد لوليه ومستحقه صلواته على محمد نبيِّه وآله الأطهار.

§1/1