قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر
صديق حسن خان
مقدمة الناشر قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر
[مقدمة الناشر قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر] بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. . . أما بعد: فلقد تميَّز منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة بسمات وخصائص جعلته المنهج الرائد على مر العصور، وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله» . . . ". ولهذا جاء الاختيار من قبل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لكتابين من كتب أهل السنة والجماعة: الأول: (قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر) للعلامة المحقق محيي السنة وقامع البدعة في شبه القارة الهندية الشريف أبي الطيب صديق بن حسن خان الحسيني القِنَّوجي (ت: 1307هـ) ، وقد اعتمدنا على الطبعة التي حققها د. عاصم بن عبد الله القريوتي واستفدنا من تعليقاته، وما أضفناه جعلناه بين قوسين. والثاني: (مسائل الجاهلية) للإمام المجدد محيي السنة وقامع البدعة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (ت: 1206 هـ) لتبصير المسلمين بأمور دينهم والأخذ بأيديهم إلى سلوك الصراط المستقيم. والله نسأل أن ينفع بهما المسلمين في كل مكان إنه جواد كريم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. وكالة المطبوعات والنشر
مقدمة المحقق
[مقدمة المحقق] بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة المحقق إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما بعد: فإن من نعم الله عز وجل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن أكمل لها دينها، وجعله محفوظًا إلى قيام الساعة. ولا يشك ذو لب أن أول ما يجب معرفته ويجدر علمه هو الإيمان بالله تعالى، ولقد صان الله العقيدة الإسلامية في الصدر الأول عن المفاسد والتشويش حتى ظهرت البدع والفرق المختلفة وأصبحت هنالك قواعد ومناهج فلسفية يُحكَمُ بها على الكتاب والسنة بدل أن يُحكَمَ بالكتاب والسنة عليها. ومن نتائج هذا الانحراف الخطير ظهر القول برد ما أجمع عليه المسلمون من الاحتجاج بخبر الآحاد الصحيح في العقيدة (¬1) والقول بالتأويل في الأسماء والصفات، لتصورهم المشابهة والمماثلة بين الخالق والمخلوق وزعمهم أن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم. ولهذا وجد من يؤمن بأسماء الله دون صفاته ومن يؤمن بصفات دون صفات وهذا كله انحراف عن الدين القويم وصد عنه وتحريف للكلم عن موضعه واتباع لغير سبيل المؤمنين المشهود لهم بالخير من سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم والله عز وجل ¬
يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " (6 / 394) : " وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة وما رووه من الحديث ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئًا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المعروف ". وكان من أولئك الذين لم يسلموا من منزلق علم الكلام والمنطق في أول أمرهم العلامة الشهير محمد صديق حسن خان المتوفى عام (1307 هـ) ، ولكن بحفظ الله لدينه وبقيام عباده بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رجع هذا الإمام الجليل إلى الجادة المشهود لها بالخير وصار إلى ما ذهب إليه سلف الأمة وأفضلها فصنف رسالته التي بين أيدينا " قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر ". ولقد آثرت نشر هذه الرسالة لأمرين: الأول: للمساهمة في نشر التراث السلفي حيث اشتملت الرسالة على جوانب كثيرة من العقيدة، وكانت هذه الرسالة قد طبعت عام (1295 هـ) بالهند على عين مؤلفها ولكنها أصبحت في عداد المخطوطات فحصلت عليها من مكتبة شيخنا العلامة الزاهد أبي الطيب محمد عطاء الله حنيف - حفظه الله تعالى -. والآخر: إبراز العقيدة التي انتهى إليها المؤلف خلافًا لما هو المشهور عنه في تفسيره " فتح البيان في مقاصد القرآن ". ولقد حققت بالوقائع التاريخية أن هذه العقيدة هي آخر ما كتبه المؤلف في هذا الشأن وهذا التحقيق لم أره لمن ترجم له وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وكما شجعني على نشرها شيخنا محدث الحجاز حماد الأنصاري حيث أطلعته على رسالة المصنف وقرأها أكثر من مرة وأوصى بها مع التعليق على بعض المواطن. والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يفقهنا في ديننا وأن يهدي ضالنا ويرده إلى سواء السبيل إنه على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وكتب ذلكم أبو صهيب عاصم بن عبد الله القريوتي طيبة الطيبة في 4 / 9 / 1454 هـ
ترجمة المصنف
[ترجمة المصنف] ترجمة المؤلف (¬1) هو الإمام العلامة المحقق محيي السنة وقامع البدعة النواب أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله القِنَّوجِي البخاري نزيل بهوبال ويرجع نسبه إلى زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب. ولادته ونشأته: ولد في بلدة " بريلي " موطن جده من جهة الأم عام (1248 هـ) ونشأ في بلدة " قِنَّوْج " موطن آبائه بالهند في حجر أمه يتيمًا على العفاف والطهارة وتلقى الدروس في علوم شتى على صفوة من علماء قِنَّوْج ونواحيها وغيرهم. شيوخه وتلاميذه: درس المؤلف على شيوخ كثيرين من مشايخ الهند واليمن واستفاد منهم في علوم القرآن والحديث وغيرهما ومن أشهر شيوخه: 1 - أخوه الأكبر السيد العلامة أحمد بن حسن بن علي. 2 - الشيخ الفاضل المفتي محمد صدر الدين خان الدهلوي. 3 - الشيخ القاضي حسين بن محسن السبعي الأنصاري تلميذ العلامة محمد بن ناصر الحازمي تلميذ العلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني. 4 - الشيخ المعمر الصالح عبد الحق بن فضل الله الهندي. 5 - الشيخ التقي محمد يعقوب المهاجر إلى مكة. ¬
ولقد أجازه شيوخ كثيرون ذكرهم في ثبته (¬1) " سلسة العَسْجَد في مشايخ السند " (¬2) . وله تلاميذ كثيرون درسوا عليه واستجازوه، منهم: 1 - العلامة المحدث يحيى بن محمد بن أحمد بن حسن الحازمي قاضي عدن. 2 - الشيخ العلامة السيد نعمان خير الدين الألوسى مفتى بغداد. زواجه: تزوج المؤلف ملكة بهوبال: " نواب شاهجهان بيكم " عام (1288 هـ) وعمل وزيرًا لها ونائبًا عنها ولقب بـ " النواب ". عقيدته ومذهبه: كان الشيخ حريصًا أشد الحرص على العقيدة الصافية والدعوة إلى الكتاب والسنة وذم التقليد والجمود كما تدل على ذلك سيرته ومؤلفاته. وكتابه العظيم " الدين الخالص " يشهد له بذلك. والمصنف - رحمه الله - كان أشعريًّا كما هو معروف لدى أهل العلم، وكتابه " فتح البيان في مقاصد القرآن " يدل على ذلك، ولقد يسر الله له الحج عام (1285 هـ) ولا بد أنه التقى بعلماء أهل السنة في سفرته، وكما أن الشيخ العلامة حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد (¬3) المتوفى عام (1301 هـ) كاتب المؤلف بشأن كتابه " فتح البيان " ووجه له نصيحة ذهبية فيها الشهادة له ¬
بالعلم والتحقيق وإعذاره فيما ذهب إليه وحثه على الاستفادة من كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم كالكافية الشافية - النونية - والعقل والنقل، والتسعينية والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، واجتماع الجيوش الإسلامية ونحوهن من كتبهما، وبعد ذلك وفي عام (1289 هـ) صنف المؤلف رسالته " قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر " واستفاد من نصيحة الشيخ العلامة حمد بن عتيق وانكب على كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم واغترف من كتبهما وكتب غيرهما من أهل السنة وحث على ذلك كما تراه في الرسالة (ص 48) وكما صنف " قصد السبيل في ذم الكلام والتأويل ". وأسوق إليك أخي القارئ رسالة (¬1) الشيخ العلامة حمد بن عتيق لما فيها من فوائد ذهبية، وحكمة بليغة في الدعوة وشهادة للمؤلف بالعلم، وتواضع من مرسلها، رحمهما الله وسائر علماء المسلمين. بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من حمد بن عتيق إلى الإمام المعظم والشريف المقدم المسمى محمد الملقب صديق زاده الله من التحقيق وأجاره في ماله من عذاب الحريق. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فالموجب للكتاب إبلاغ السلام والتحفي والإكرام شيد الله بك قواعد الإسلام ونشر بك السنن والأحكام. اعلم وفقك الله أنه كان يبلغنا أخبار سارة بظهور أخ صادق ذي فهم راسخ ¬
وطريقة مستقيمة يقال له صديق فنفرح بذلك ونسر لغرابة الزمان وقلة الإخوان وكثرة أهل البدع والإغلال. ثم وصل إلينا كتاب " الحِطَّة " و " تحرير الأحاديث " في تلك الفصول فازددنا فرحًا وحمدنا لربنا العظيم لكون ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس وكان لي ابن يتشبث بالعلم ويحب الطلب فجعل يتوق إلى اللحوق بكم والتخرج عليكم والالتقاط من جواهركم لذهاب العلم في أقطارنا وعموم الجهلة وغلبة الأهواء فبينما نحن كذلك إذ وصل إلينا التفسير بكماله فرأينا أمرًا عجيبًا ما كنا نظن أن الزمان يسمح بمثله وما قرب منه - لما في التفاسير التي تصل إلينا من التحريف والخروج عن طريقة الاستقامة وحمل كلام الله على غير مراد الله وركوب التفاسير في حملة على المذاهب الباطلة وجعلت السنة كذلك فلما نظرنا في ذلك التفسير تبين لنا حسن قصد منشيه وسلامة عقيدته وتبعده من تعمد مذهب غير ما عليه السلف الكرام. فعلمنا أن ذلك من قبيل قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] فالحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرا طيبا كما يحب ربنا ويرضى وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. فزاد اشتياق التائق وتضاعفت رغبته ولكن العوائق كثيرة والمثبطات مضاعفة والله على كل شيء قدير فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإن شاءه الناس فمن العوائق تباعد الديار وطول المسافات فإن مَقَرَّنا في فلج اليمامة - ومنها خطر الطريق وكثرة القطاع وتسلط الحرامية في نهب الأموال واستباحة الدماء وإخافة السبيل، ومنها ما في الطريق من أهل البدع والضلال بل وأهل الشرك من رافضي وجهمي إلى معتزلي ونحوهم وكلهم أعداء قاتلهم الله - {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10]- ومع ذلك فنحن نرجو أن يبعث الله لهذا الدين من ينصره وأن يجعلنا
من أهله وأن يسهل الطريق ويرفع الموانع ونسأله أن يَمُنَّ بذلك فهو القادر عليه ولما رأينا ما منَّ الله به عليكم من التحقيق وسعة الاطلاع وعرفنا تمكنكم من الآلات وكانت نونية ابن القيم المسماة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية بين أيدينا ولنا بها عناية ولكن أفهامنا قاصرة وبضاعتنا مزجاة من أبواب العلم جملة وفيها مواضع محتاجة إلى البيان ولم يبلغنا أن أحدًا تصدى لشرحها غلب على الظن أنك تقدر على ذلك فافعل ذلك يكن من مكاسب الأجور وهي واصلة إليك إن شاء الله فاجعل قراها شرحها وبيان معناها وأصلح النية في ذلك تكن حربًا لجميع أهل البدع فإنها لم تبق طائفة منهم إلا ردت عليها فهذان مقصدان من بعثها إليك أحدهما شرحها والثاني الاستعانة بها على الرد على أهل البدع لأن مثلك يحتاج إلى ذلك لكونك في زمان الغرابة وبلاد الغربة - فإن كنت حريصًا على ذلك فعليك بكتاب العقل والنقل والتسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة والجيوش الإسلامية لابن القيم ونحوهن من كتبهما فإن فيها الهدى والشفاء - ولنا مقصد رابع مهم وهو أن هذا التفسير العظيم وصل إلينا في شعبان سنة سبع وتسعين ومائتين وألف 1297 هجرية فنظرت فيه وفي هذا الشهر وفي شوال فتجهز الناس للحج ولم أتمكن إلا من بعضه ومع ذلك وقفت فيه على مواضع تحتاج إلى تحقيق وظننت أن لذلك سببين أحدهما أنه لم يحصل منكم إمعان نظر في هذا الكتاب بعد إتمامه والغالب على من صنف الكتب كثرة ترداده وإبقائه في يده سنين يبديه ويعيده ويمحو ويثبت ويبدل العبارات حتى يغلب على ظنه الصحة غالبًا ولعل الأصحاب عاجلوك بتلقيه قبل ذلك. والثاني أن ظاهر الصنيع أنك أحسنت الظن ببعض المتكلمة وأخذت من عباراتهم بعضا
بلفظه وبعضا بمعناه فدخل عليك شيء من ذلك ولم تمعن النظر فيها ولهم عبارات مزخرفة فيها الداء العضال. وما دخل عليك من ذلك فنقول إن شاء الله بحسن القصد واعتماد الحق وتحري الصدق والعدل وهو قليل بالنسبة إلى ما وقع فيه كثير ممن صنف في التفسير وغيره. وإذا نظر السني المنصف في كثير من التفاسير وشرح الحديث وجد قلته وما هو أكثر منه وقد سلكتم في هذا التفسير في مواضع منه مسلك أهل التأويل مع أنه قد وصل إلينا لكم رسالة في ذم التأويل مختصرة وهي كافية ومطلعة على أن ما وقع في التفسير صدر من غير تأمل وأنه من ذلك القليل. وكذلك في التفسير من مخالفة أهل التأويل ما يدل على ذلك. وأنا اجترأت عليك وإن كان مثلي لا ينبغي له ذلك لأنه غلب على ظني إصغاؤك إلى التنبيه ولأن من أخلاق أئمة الدين قبول التنبيه والمذاكرة وعدم التكبر وإن كان القائل غير أهل. ولأنه بلغني عن بعض من اجتمع بك أنك تحب الاجتماع بأهل العلم وتحرص على ذلك وتقبل العلم ولو ممن هو دونك بكثير فرجوت أن ذلك عنوان توفيق جعلك الله كذلك وخيرًا من ذلك. واعلم أرشدك الله أن الذي جرينا عليه أنه إذا وصل إلينا شيء من المصنفات في التفسير أو شرح حديث اختبرناه واعتبرنا معتقده في العلو والصفات والأفعال فوجدنا الغالب على كثير من المتأخرين أو أكثرهم مذهب الأشاعرة الذي حاصله نفي العلو وتأويل الآيات في هذا الباب بالتأويلات الموروثة عن بشر المريسي وأضرابه من أهل البدع والضلال ومن نظر في شروح البخاري ومسلم ونحوهما وجد ذلك فيها - وأما ما صنف في الأصول والعقائد فالأمر فيه ظاهر لذوي الألباب فمن رزقه الله بصيرة ونورًا وأمعن النظر فيما قالوه وعرضه
على ما جاء عن الله ورسوله وما عليه أهل السنة المحضة تبين له المنافاة بينهما وعرف ذلك كما يعرف الفرق بين الليل والنهار. فأعرض عما قالوه وأقبل على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها ففيه الشفاء والمقنع وبعض المصنفين يذكر ما عليه السلف وما عليه المتكلمون ويختاره ويقرره - فلما اعتبرنا هذا التفسير وجدناك وافقتهم في ذكر المذهبين وخالفتهم في اختيار ما عليه السلف وتقرره وليتك اقتصرت على ذلك ولم تكبر هذا الكتاب بمذهب أهل البدع فإنه لا خير في أكثره وما فيه من شيء صحيح فقد وجد في كلام السلف وأئمة السنة ما يغني عنه بعبارات تنشرح لها الصدور. وقد يكون لكم من القصد نظير ما بلغني عن الشوكاني - رحمه الله - لما قيل له لأي شيء تذكر كلام الزيدية في هذا الشرح؟ قال ما معناه لآمن الإعراض عن الكتاب ورجوت أن ذكر ذلك أدعى إلى قبوله وتلقيه وقد قيض الله لكتب أهل السنة المحضة من يتلقاها ويعتني بها وأظهرها مع ما فيها من الرد على أهل البدع وعيبهم وتكفير بعض دعاتهم وغلاتهم، فإن الله قد ضمن لهذا الدين أن يظهر على الدين كله - والمقصود: أن في هذا التفسير مواضع تحتاج إلى تحقيق ولنذكر بعض ذلك فمنه أني نظرت في الكلام على آية الاستواء فرأيتك قد أطلت الكلام في بعض المواضع بذكر كلام المبتدعة النفاة كما تقدم. ومنه أن في الكلام تعارضًا - كقولكم في آية يونس: وظاهر الآية على أنه سبحانه إنما استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض لأن كلمة [ثم] للترتيب - ثم قلتم في سورة الرعد - وثم هنا لمجرد العطف لا للترتيب لأن الاستواء عليه غير مرتب على رفع السماوات. وكذلك قلتم في سورة السجدة وليست ثم للترتيب بل بمعنى الواو.
فلينظر في هذا من وجهين - أحدهما أن ظاهره التعارض - الثاني: أن القول بأن ثم لمجرد العطف لا الترتيب في هذه الآيات - إنما يقوله من فسر الاستواء بالقهر والغلبة وعدم الترتيب ظاهر على قولهم - وأما السلف وأئمة السنة وأهل التحقيق فقد جعلوا اطراد الآيات في جميع المواضع دليلًا على ثبوت الترتيب وردوا به على نفاة الاستواء وأبطلوا به تأويلاتهم كما هو معروف ومقرر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره فانظر من أين دخلت عليك هذه العبارات. وقد رأيت للرازي عبارة في التفسير تفهم ذلك فلعلك بنيت على قوله - وهذا الرجل وإن كان يلقب بالفخر فله كلام في العقائد قد زل فيه زلات عظيمة وآخر أمره الحيرة نرجو أنه تاب من ذلك ومات على السنة. فلا تغتر بأمثال هؤلاء - قال شيخ الإسلام رحمه الله في المحصل: وسائر كتب الكلام والمختلف أهلها مثل كتب الرازي وأمثاله وكتب المعتزلة والشيعة والفلاسفة ونحو هؤلاء لا يوجد فيها ما بعث الله به رسوله في أصول الدين بل وجد فيها حق ملبوس بباطل - انتهى من منهاج السنة وقد قال بعض العلماء (¬1) في المحصل: محصل في أصول الدين حاصله ... من بعد تحصيله أصل بلا دين أصل الضلال الشرك المبين وما ... فيه فأكثره وحي الشياطين فكيف تسمح نفس عاقل أن يعتمد على مثل قول هؤلاء - ومن ذلك أنكم قلتم في سورة يونس أيضًا: استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وهذه طريقة السلف المفوضين: وقد تقدس الديان عن المكان والمعبود عن الحدود انتهى. فإن ¬
كان المراد بالتفويض ما يقوله بعض النفاة وينسبونه إلى السلف. وهو أنهم يمرون الألفاظ ويؤمنون بها من غير أن يعتقدوا لها معاني تليق بالله أو أنهم لا يعرفون معانيها فهذا أكذب على السلف من النفاة وإذا قال السلف كما جاءت بلا كيف فإنما ينفون علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة. ولو كانوا قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول وأمروها كما جاءت بلا كيف فالاستواء لا يكون حينئذ معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف الجر. وأيضًا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم من اللفظ معنى. وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا ثبتت الصفات. هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ولا نشك أن هذا اعتقادك ولكن المراد أنه دخل عليك بعض الألفاظ من كلام أهل البدع لم تتصور مرادهم فتنبه لمثل ذلك. وأما قول القائل يتقدس الديان عن المكان فهذا لم ينطق السلف فيه بنفي ولا إثبات وهو من عبارات المتكلمين ومرادهم به نفي علو الله على خلقه لأن لفظ المكان فيه إجمال يحتمل الحق والباطل كلفظ الجهة والعلو والكلام في ذلك معروف في كتب شيخ الإسلام وابن القيم فارجع إلى ذلك تجده ولا نطيل به وحسبنا الاقتصار في هذا الباب على ما ورد في الكتاب والسنة كما قال الإمام أحمد: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث. ومن ذلك ما ذكرتم عند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت: 11] وقد قيل إن خلق جرم الأرض متقدم على السماء ووجودها متأخر وقد ذكره جماعة من أهل العلم هذا جمع جيد يجب المصير إليه وفي حم السجدة - الجواب أن الخلق ليس عبارة عن الإيجاد والتكوين
فقط بل عبارة عن التقدير أيضًا - والمعنى (قضى) أن يحدث الأرض في يومين بعد إحداث السماء والجواب المشهور أنه خلق الأرض أولًا ثم خلق السماء بعدها ثم دحا الأرض وحدها والأول أولى - ففي هذا نوع تعارض. ومن ذلك قولكم على البسملة: والرحمة إرادة الخير والإحسان لأهله. وقيل ترد عقوبة من يستحق العقاب وإسداء الخير والإحسان إلى من لا يستحقه فهو على الأول صفة وعلى الثاني صفة فعل - انتهى - وهذا هو التأويل المعروف عن بعض أهل البدع يردون هذه الصفات إلى الإرادة فرارًا مما فهموه حيث قالوا إن الرحمة ورقة القلب لا يصلح نسبتها إلى الله تعالى - فقال لهم أهل السنة هذه رحمة المخلوق ورحمة الرب تليق بجلاله لا يعلم كيف هي إلا هو ويلزمهم في الإرادة نظير ما فروا منه في الرحمة. فإن الإرادة هي ميل القلب فإما أن تثبت إرادة تليق بالرب تعالى وهو الحق في جميع الصفات وإما أن تقابل بالتأويل وهو الباطل - والآفة دخلت على النفاة من جهة أنهم لم يفهموا من صفات الرب إلا ما يليق بالمخلوق فذهبوا لينفوا ذلك. ويقابلونه بالتأويلات. قال شيخ الإسلام: إنهم شبهوا أولًا فعطلوا آخرا - وأهل السنة والجماعة أثبتوا لله جميع الصفات على ما يليق بجلاله ونفوا عنه مشابهة المخلوقين فسلموا من التشبيه والتعطيل - ومن ذلك أنكم أكثرتم في هذا التفسير من حمل بعض الآيات على المجاز وأنواعه وقد علمتم أن تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز حدث بعد القرون المفضلة ولم يتكلم الرب به ولا رسوله ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان. والذي يتكلم به من أهل اللغة يقول في بعض الآيات هذا في اللغة ومراده أن هذا مما يجوز في اللغة لم يرد بهذا الحادث ولا خطر بباله ولا سيما أنهم قالوا: إن المجاز يصح نفيه فكيف يليق حمل الآيات القرآنية على مثل ذلك.
وقد أتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان الكبير بما كفى وشفى وذكر الآيات التي استدلوا بها وبعض الأمثلة التي ذكروها وأجاب عن ذلك بما إذا طالعه المنصف عرف الصواب وقواعده أن المجاز لا يدخل في النصوص ولا يهولنك إطباق المتأخرين فإنهم قد أطبقوا على ما هو شر منه والعاقل يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال. ومن عرف غربة الإسلام والسنة لم يغتر بأقوال الناس وإن كثرت. والله تعالى يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116] الآية [الأنعام: 116] ومن أبلغ الناس بحثًا في المعاني الزمخشري وله في تفسيره مواضع حسنة ولكنه معروف بالاعتزال ونفي الصفات والتكلف في التأويلات والحكم على الله بالشريعة الباطلة مع ما هو عليه من سبه السلف وذمهم والتنقص لهم وفي تفسيره عقارب لا يعرفها إلا الخواص من أهل السنة وقد قال فيه بعض العلماء: ولكنه فيه مجال لقائل ... وزلات سوء قد أخذن المخانقا ويشهد في معنى القليل إشارة ... بتكثير ألفاظ تسمى الشقاشقا يُقَوِّل فيها الله ما ليس قائلا ... وكان مجما في الخطاية وامقا ويشتم أعلام الأئمة ضلة ... ولا سيما إن أولجوه المضائقا لئن لم تداركه من الله رحمة ... لسوف يرى للكافرين مرافقا والمقصود أن الاعتماد على مثل أقوال هؤلاء لا يليق بالمحقق لا سيما فيما يتعلق بمعرفة الله وتوحيده وأنت ترى مثل محمد بن جرير الطبري وأقرانه ومن قبله ومن يقربه في زمانه لم يعرج على هذه الأمور وكذلك المحققون من المتأخرين كابن كثير ونحوه. وكما هو المأثور عن السلف رحمهم الله تعالى وما استنبطوا منه.
فنسأل الله أن يلحقنا بآثار الموحدين وأن يحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة بمنه وكرمه - وقد اجترأت عليك بمثل هذا الكلام نصحًا لله ورسوله رجاء من الله أن ينفع بك في هذا الزمان الذي ذهب فيه العلم النافع ولم يبق إلا رسومه، وأنا أنتظر منك الجواب ورد ما صدر مني من الخطاب. ثم إني لما رأيت الترجمة وقد سمي فيها بعض مصنفاتك وكنت في بلاد (¬1) قليلة فيها الكتب، وقد ابتليت بالدخول في أمور الناس (¬2) لأجل ضرورتهم كما قيل: خلا لك الجو فبيضي واصفري - فألتمس من جنابك التفضل علينا ببلوغ السول من أقضية الرسول، والروضة الندية شرح الدرر البهية ونيل المرام شرح آيات الأحكام. فنحن في ضرورة عظيمة إلى هذه كلها فاجعل من صالح أعمالك معونة إخوانك ومحبيك بها وابعث بها إلينا مأجورا إن شاء الله تعالى. وليكن ذلك على يد الأخ أحمد بن عيسى (¬3) الساكن في مكة المكرمة المشرفة واكتب لنا تعريفا بأحوالكم. ولعل أحدًا منكم يتلقى هذا العلم ويعتني به ويحفظه عنك واحرص على ذلك طمعا أن يجمع لك شرف الدنيا والآخرة ونسأل الله أن يهب لك ذلك. ثم اعلم أني قد بلغت السبعين وأنا في معترك الأعمار لا آمن هجوم المنية ولي أولاد ثمانية منهم ثلاثة يطلبون العلم كبيرهم سعد المذكور أولا ويليه عبد العزيز وتحته عبد اللطيف (¬4) ونرجو أنهم من أهل الكتب وممن يعتز بها ويحفظها. وبقيتهم صغار منهم من هو في المكتب. ¬
ومن دعائنا:. . {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128] لا تنسنا من صالح دعائك كما هو لك مبذول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى نصّ الرسالة من صفاته والثناء عليه: كان " صديق خان " آية من آيات الله في العلم والأخلاق الفاضلة والتمسك بالكتاب والسنة، وصرف مما آتاه الله من المال والجاه في خدمة الإسلام والدين وفي نشر علم الحديث والدعوة إلى العقيدة السلفية والعمل بالكتاب والسنة وإعانة العلماء والأدباء وجمع مكتبة مملوءة بالكتب القيمة، وطبع " فتح الباري "، و " تفسير ابن كثير "، و " نيل الأوطار " على نفقته في الهند ومصر وتركيا ووزعها مجانًا جزاه الله خيرًا ورتب إعانات مالية للعلماء ورغبهم في ترجمة كتب الحديث إلى اللغة السائدة في الهند وطبعت على نفقته. وكما استدعى العلامة بشير السهسواني (¬1) صاحب " صيانة الإنسان " المتوفى عام (1295) وفوض إليه رئاسة المدارس الدينية ببهوبال. وحسبك في الثناء عليه كتبه القيمة في فنون شتى وكفاك قول معاصره العلامة الشيخ حمد بن عتيق فيما كتبه إليه إنه أخ صادق ذو فهم راسخ وطريقة مستقيمة، وشهادته له بالتمكن من الآلات وسعة الاطلاع وغير ذلك من الثناء الجميل على هذا الإمام الجليل. ¬
مؤلفاته: للمؤلف كتب كثيرة. بلغات مختلفة في علوم متنوعة. ولقد ذكر المؤلف في ترجمته لنفسه في " أبجد العلوم " (3 / 275 - 279) مصنفاته إلى تاريخه والذي يعنينا هنا ما كان باللغة العربية ولقد ذكر الدكتور جميل أحمد في كتابه " حركة التأليف باللغة العربية في الإقليم الشرقي الهندي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد " (ص 274 - 281) مؤلفات محمد صديق حسن خان وجعلها في ثلاث زمر: 1 - ما طبع ونشر. 2 - ما لا يزال مخطوطًا. 3 - ما كان مجهولًا، وقف على اسمه في كتب القِنَّوْجِي الأخرى، أو في غيرها من الكتب. أما الكتب التي طبعت فهي (¬1) 1 - فتح البيان في مقاصد القرآن: المطبعة الكبرى الأميرية بالقاهرة: 1300 - 1302 هـ (في عشرة أجزاء) ، الطبعة الأولى ببهوبال. 2 - نيل المرام من تفسير آيات الأحكام: لكهنو 1392 هـ مطبعة المدني بمصر 1382 هـ / 1962 م. 3 - الدين الخالص (جمع فيه آيات التوحيد الواردة في القرآن، ولم يغادر آية منها إلا أتى عليها بالبيان الوافي) : دهلي - مطبعة المدني بمصر - 1379 هـ / 1959 م. 4 - حسن الأسوة بما ثبت عن الله ورسوله في النسوة: الجوائب 1301 هـ. ¬
5 - عون الباري بحل أدلة البخاري (شرح كتاب التجريد) : بولاق 1297 هـ (8 أجزاء) على هامش " نيل الأوطار "، بهوبال 1299 هـ (جزآن) . 6 - السراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج: بهوبال 1302 هـ. 7 - أربعون حديثًا في فضائل الحج والعمرة: بهوبال. 8 - أربعون حديثًا متواترة: بهوبال. 9 - العبرة بما جاء في الغزو والشهادة والهجرة: بهوبال 1294 هـ / 1877 م. 10 - الحرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون (في الحديث) : بهوبال. 11 - الرحمة المهداة إلى من يريد زيادة العلم على أحاديث المشكاة: دلهي. 12 - الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة، في اتباع السنة: بهوبال 1295 هـ. 13 - يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار: بهوبال 1294 هـ. 14 - الحطة في ذكر الصحاح الستة (¬1) النظامية بكانبور 1283 هـ. 15 - الموائد العوائد من عيون الأخبار والفوائد (جمع فيه حوالي ثلاثمائة حديث) : بهوبال 1298 هـ. 16 - الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة: بهوبال 1293 هـ / 1876 م، الجوائب بالآستانة - 1876 أيضا. 17 - الروضة الندية، شرح الدرر البهية للقاضي محمد اليمني الشوكاني: العلوية بلكهنو 1290 هـ، مصر 1296 هـ. 18 - فتح العلام، شرح بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني: المطبعة الأميرية القاهرة: 1302 هـ / 1885 م. ¬
19 - حصول المأمول من علم الأصول (تلخيص إرشاد الفحول للشوكاني) ، (في أصول الفقه) : الجوائب 1296 هـ / 1879 م، مصر 1338 هـ. 20 - الإقليد لأدلة الاجتهاد والتقليد: الجوائب 1295 هـ / 1878 م. 21 - ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي: الصديقية، بهوبال 1294 هـ. 22 - ذخر المحتي من آداب المفتي: بهوبال 1294 هـ. 23 - الغنة ببشارة أهل الجنة: بولاق 1302 هـ / 1885 م. 24 - الموعظة الحسنة بما يخطب به في شهور السنة: بهوبال 1295 هـ، مصر 1307 هـ. 25 - الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح: لكهنو. 26 - قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر (¬1) كانبور. 27 - إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة: بهوبال 1294 هـ / 1877 م. 28 - حضرات التجلي من نفحات التجلي والتخلي (في الكلام) : بهوبال 1298 هـ. 29 - الطريقة المثلى في الإرشاد إلى ترك التقليد واتباع ما هو الأولى: الآستانة 1296 هـ / 1879 م. 30 - قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل: بهوبال 1295 هـ. 31 - قضاء الأرب في تحقيق مسألة النسب: كانبور 1283 هـ. 32 - البلغة في أصول اللغة: الشاهجانية ببهوبال 1294 هـ، الجوائب 1296 هـ / 1879 م. ¬
33 - لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من المعرب والدخيل والمولد والأغلاط: بهوبال، 1291 هـ - 1296 هـ / 1879 م. 34 - العلم الخفاق من علم الاشتقاق: الجوائب 1296 هـ، مصر 1346 هـ. 35 - طلب الأدب من أدب الطلب. 36 - مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام (في الجنة وأهل الجنة) : النظامية بكانبور 1289 هـ. 37 - غصن البان المورق بمحسنات البيان (يشتمل على ثلاثة علوم: علم البيان، وعلم المعاني، وعلم البديع) : الجوائب، بهوبال 1294 هـ / 1877 م. 38 - نشوة السكران من صهباء تذكار الغزلان، في ذكر أنواع العشق وأحوال العشاق والعشيقات من النسوان، وما يتصل بذلك من تطورات الصبوة والهيمان: بهوبال 1294، الجوائب 1296 هـ / 1879 م. 39 - الكلمة العنبرية في مدح خير البرية (قصيدة) . 40 - لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان. (يحتوي من تواريخ الأمم السالفة قسطا وافرا، ويذكر الليالي والأيام والشهور والأعوام والساعات والدقائق وفصول العام) : الجوائب 1296 هـ / 1879 م. 41 - خبيئة الأكوان في افتراق الأم على المذاهب والأديان: الجوائب 1296 هـ / 1879 م (في آخر لقطة العجلان) ، كانبور. 42 - أبجد العلوم: الصديقية ببهوبال 1296 هـ / 1878 م. 43 - التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول: (كتاب حافل مشحون بتراجم 543 عالما وعالمة من العالم الإسلامي) : المطبعة الهندية العربية، بومباي 1383 هـ / 1963 م.
44 - رحلة الصديق إلى البيت العتيق: العلوية بلكهنو 1289 هـ / 1872 م. 45 - تخريج الوصايا من خبايا الزوايا: مصر. أما الكتب التي لا تزال مخطوطة فهي: 1 - ربيع الأدب. 2 - تكحيل العيون بتعاريف العلوم والفنون. 3 - إحياء الميت بذكر مناقب أهل البيت. 4 - التذهيب، شرح التهذيب: في المنطق. وأما الكتب المجهولة فهي: 1 - خلاصة الكشاف. 2 - ملاك السعادة. 3 - اللواء المعقود لتوحيد الرب المعبود. 4 - النذير العريان من دركات الميزان. 5 - الروض البسام. 6 - هداية السائل إلى أدلة المسائل. 7 - رياض الجنة في تراجم أهل السنة. وفاته: مات المصنف رحمه الله عام (1357 هـ) عن (59) سنة وترك اثنين من أبنائه وهما: السيد أبو الخير مير نور الحسن خان الطيب (¬1) وهو ولده الأكبر، والسيد الشريف أبو النصر مير علي حسن خان (¬2) الطاهر. ¬
تعريف المحقق بكتابه "قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر"
[تعريف المحقق بكتابه "قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر"] كتابه " قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر " ذكر المصنف في ترجمته لنفسه هذا الكتاب من مصنفاته ولقد تمّ طبع الكتاب في المطبع النظامي بكانبور بالهند عام (1295 هـ) ، على عين مؤلفه قبل وفاته بـ (17) عاما ويقع الكتاب في 31 صفحة من القطع الوسط وطبعته حجرية وأخطاؤه يسيرة، والمؤلف قد جمع هذه العقيدة تعليمًا لفلذة كبده وأصغر ولده وثمرة فؤاده السيد علي بن صديق بن حسن كما ذكر ذلك في آخر كتابه. والكتاب يتناول العقيدة الإسلامية من جوانب مختلفة وقسّم كتابه إلى ستة وعشرين فصلًا وبدأ كتابه بكلام نفيس في بيان عقيدة أهل الحديث إجمالًا وسرد آيات كثيرة في الصفات وعلو الله على خلقه ثم نقل أقوال المشاهير من الأئمة في ذم الكلام وختم كتابه بخاتمة تدل على علمه وتواضعه البالغين. وخلاصة القول أن الرسالة كما يراها القارئ الكريم هي كاسمها " قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر " حيث استفاد المصنف مما كتبه أهل الأثر كالإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم، وستمر بالقارئ فقرات بأكملها من " السنة " للإمام أحمد ومن " العقيدة الواسطية " (¬1) لابن تيمية، ولقد نبهت عليها في التعليق وأستطيع القول أن المؤلف استوعب في كتابه هذا جميع ما في " العقيدة الواسطية " وجل ما في " السنة " وأحيانا أرى العبارة منهما بنصها وأحيانا بفرق يسير. عملي في الكتاب: 1 - حققت النص وأصلحت الأخطاء والتصحيفات الواردة في الكتاب ¬
وأثيبُّ الصواب في الأصل ووضعته بين معكوفتين هكذا [] ثم نبهت على ما في الأصل في الحاشية. 2 - عزوت الآيات القرآنية إلى الكتاب العزيز واضعا العزو في الأصل بين معكوفتين. 3 - بينت معاني ما رأيته غريبًا وعرَّفت بالفرق والمذاهب والمصطلحات ونحوها. 4 - خرجت نصوص الأحاديث النبوية وكثيرا من الآثار الموقوفة على الصحابة وغيرهم وكشفت عن صحة الحديث بما يقتضيه البحث العلمي حسب ما قرره أهل الشأن وكان نهجي في التخريج على النحو الآتي: أ - إذا ذكر المؤلف حديثًا بلفظ ما أو طريق معين خرجته من هذا الوجه أولًا ثم ذكرت من رواه نحوه أو بغير هذا اللفظ أو من طريق آخر. ب - إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزو ذلك دون ذكر من شاركهما أو شارك أحدهما لإفادته الصحة. 5 - أثبتُّ في كثير من المسائل وخاصة العقدية منها - التي ذكرها المؤلف ولم يذكر دليلها - الأدلة على ذلك. 6 - أثبتُّ في عدة مواطن كلام أهل السنة فيما يُعَدّ تأييدًا أو توضيحًا لكلام المصنف مع الإحالة إلى بعض كتب العقيدة للبسط فيها. 7 - ترجمت للأعلام الواردة في الكتاب ترجمة موجزة ذكرت فيها منزلة المترجم له جرحا وتعديلًا وسنة وفاته غالبا واقتصرت في ذلك على كتاب " تقريب التهذيب " لقصر عبارته وشمولها ودقة الحافظ ابن حجر وما لم يكن من
رجال التقريب ترجمت له من غيره من كتب التراجم. 8 - عرَّفت بالكتب الواردة في الرسالة. 9 - فهرست للأحاديث والآثار والأقوال والأعلام المترجم لهم. والله أسأل أن أكون وفقت لخدمة دينه الحنيف ولإبراز الحق فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن الشيطان ومن نفسي ولا حول ولا قوة إلا بالله.
من مطبوعات وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر
مقدمة المصنف لكتابه
[مقدمة المصنف لكتابه] بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي هو كما وصف نفسه، فوق ما يصفه به خلقه، والصلاة والسلام على رسوله محمد، عبده الذي تبين في كل شيء رشده وصدقه، وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بهديه، واتبعوا سبيله، كما كان حقه. وبعد، فاعلم أن جملة ما عليه أصحاب الحديث والسنة، هو الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله (¬1) . ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف الله به نفسه المقدسة في كتابه العزيز، وبما وصفه به رسوله محمد صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّم، من غير تحريف (¬2) ولا تعطيل (¬3) ولا تكييف (¬4) ولا تمثيل (¬5) ولا تأويل (¬6) فيؤمنون بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه الحسنى ¬
وصفاته العليا، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون (¬1) في أسمائه وآياته، ولا يكيفون، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه، ولا يعطلونها، لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه (¬2) لأنه. . . {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه، ورسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولذلك قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ - وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182] فسبح نفسه عما وصف به المخالفون للرسل وسلم على المرسلين، لسلامة ما قالوه من النقص والعيب والخلل والزلل. وقد جمع الله سبحانه وتعالى فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ومن هذه الجملة ما وصف به نفسه في سورة الإخلاص، التي تعدل ثلث القرآن (¬3) على لسان محمد صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّم فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4] وما ¬
وصف به نفسه في أعظم آية في كتاب الله (¬1) حيث يقول: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] ولهذا كان " من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح " (¬2) . ومنه قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3] وقوله:. . {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2] (¬3) [التحريم: 2] . وقوله. . . {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ: 1] وقوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد: 4] وقوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] وقوله:. . {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11] وقوله:. . {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] ¬
قوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] وقوله: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] وقوله:. . {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1] وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125] وقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وقوله:. . {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] وقوله:. . {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] وقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4] وقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج: 14] وقوله: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] وقوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7] وقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] وقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]
قوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107] وقوله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64] وقوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] وقوله: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: 93] وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد: 28] وقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] وقوله: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46] وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210] وقوله: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: 158] وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] وقوله: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] وقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] وقوله: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]
قوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218] وقوله: {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] وقوله: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13] وقوله: {وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل: 50] وقوله: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 16] وقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 149] وقوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8] وقوله عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] وقوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22] وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 165] وقوله: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] وقوله: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: 1] وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا - الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 1 - 2] وقوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ - عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 91 - 92]
قوله: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74] قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] وفي سورة يونس [3] : مثله. وفي سورة الرعد [2] : {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد: 2] وفي سورة طه [5] : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وفي سورة الفرقان [59] : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: 59] وفي سورة السجدة [4] : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة: 4] وفي سورة الحديد [4] : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4] فهذه سبعة مواطن، أخبر فيها بأنه سبحانه استوى على العرش، وفي هذه المسألة أدلة من السنة والآثار الصحيحة الكثيرة يطول [بذكرها] (¬1) الكتاب، فمن أنكر كونه سبحانه في جهة العلو بعد هذه الآيات والأخبار فقد خالف الكتاب والسنة. وقد ثبت بالأدلة الصحيحة، أن الله خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض، وسبع أرضين، بعضها أسفل من بعض. و " بين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق ¬
السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء والله عز وجل على العرش " (¬1) و " الكرسي موضع قدميه " (¬2) وهو يعلم ما في السماوات والأرضين السبع، وما بينهما، وما تحت الثرى، وما في قعر البحر، ومنبت كل شعرة وشجرة، وكل زرع ونبات، ومسقط كل ورقة، وعدد كل كلمة، وعدد الرمل والحصى والتراب، ومثاقيل الجبال، وأعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم، ويعلم كل شيء، لا يخفى عليه ¬
من ذلك شيء، وهو على العرش فوق السماء السابعة، دونه " حجب من نار ونور وظلمة " (¬1) وما هو أعلم به. فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل:. . {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وبقوله:. . {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7] ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني العلم لأن الله عز وجل فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن (¬2) من خلقه، لا يخلو عن علمه مكان، وليس معنى ذلك أن ¬
الله في جوف السماء، وأن السماء تحصره وتحويه فإن هذا لم يقله أحد من سلف الأمة وأئمتها بل هم متفقون على أن الله فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. وقد قال مالك بن أنس: " إن الله في السماء وعلمه في كل مكان " (¬1) وقيل لابن المبارك بماذا تعرف ربنا؟ قال " بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه " (¬2) وبه قال أحمد بن حنبل (¬3) وقال الشافعي: " خلافة أبي بكر قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب أوليائه " (¬4) . ¬
فمن اعتقد أن الله في جوف السماوات محصور محاط، أو أنه مفتقر إلى العرش، أو غير العرش، من المخلوقات أو أن استواءه على عرشه كاستواء المخلوق على كرسيه، فهو ضال مبتدع جاهل، ومن اعتقد أنه ليس في السماوات إله يعبد ولا على العرش إله يصلى له ويسجد وأن محمدًا لم يعرج به إلى ربه، ولا نزل القرآن من عنده، فهو معطل فرعوني، فإن فرعون كذب موسى في أن ربه فوق السماوات فقال: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ - أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37] ومحمد صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّم صدق موسى، فأقر أن ربه فوق السماوات، فلما كان ليلة المعراج، عرج به إلى الله، وفرض عليه ربه خمسين صلاة، وذكر أنه رجع إلى موسى، وأن موسى قال: «ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك» . وهذا الحديث في الصحاح (¬1) فمن وافق فرعون وخالف موسى ومحمدًا فهو ضال، ومن مثل الله بخلقه فهو ضال، ومن جحد شيئًا مما وصف الله به نفسه فهو كافر. وليس ما وصف الله به نفسه، وما وصفه به رسوله تشبيها، وقد قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وقال تعالى: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ} [النساء: 158] وقال: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 114] وقال: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: 1] وقال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19] ¬
فدل ذلك على أن الذين عنده قريبون إليه، وإن كانت المخلوقات تحت قدرته، فالقائل الذي قال من لا يعتقد أن الله في السماء [فهو ضال] (¬1) إن أراد بذلك أن الله في جوف السماء بحيث تحصره وتحيط به، فقد أخطأ، ن أراد بذلك من لم يعتقد ما جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن الله فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، فقد أصاب، فإنه من لم يعتقد ذلك يكون مكذبًا للرسول، متبعا غير سبيل المؤمنين بل يكون في الحقيقة معطلًا لربه نافيًا له فلا يكون له في الحقيقة إله يعبده، ولا رب يسأله ويقصده وهذا قول الجهمية (¬2) ونحوهم من أتباع فرعون المعطل. والله قد فطر العباد، عربهم وعجمهم، على أنهم إذا دعوا الله توجهت قلوبهم إلى العلو، ولا يقصدونه تحت أرجلهم، ولهذا قال بعض العارفين: " لم يقل عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه أن يتحرك لسانه يعني يطلب العلو ولا يلتفت يمنة ولا يسرة " (¬3) . والقائل الذي يقول: " إن الله لا ينحصر في مكان " إن أراد بذلك أن الله لا ينحصر في جوف المخلوقات أو أنه [لا] (¬4) يحتاج إلى شيء منها فقد أصاب، وإن أراد أن الله ليس فوق السماوات، ولا هو على العرش، وليس هناك إله ¬
يعبد، ومحمد لم يعرج به إلى الله، فهذا جهمي فرعوني معطل. ومنشأ الضلال أن يظن الظان أن صفات الرب كصفات خلقه، فيظن أن الله سبحانه على عرشه كالملك المخلوق على سريره، فهذا تمثيل وضلال، وذلك أن الملك مفتقر إلى سريره، ولو زال سريره لسقط، والله غني عن العرش، وعن كل شيء (¬1) وكل ما سواه فقير إليه وهو حامل (¬2) العرش وحملته، وعلوه لا يوجب افتقاره إليه، فإن الله قد جعل المخلوقات عاليًا وسافلًا، وجعل العالي غنيًا عن السافل، كما جعل الهواء فوق الأرض، وليس هو مفتقرًا إليها، وجعل السماء فوق الهواء، وليست محتاجة إليه، فالعلي الأعلى رب السماوات والأرض وما بينهما أولى أن يكون غنيًا عن العرش وسائر المخلوقات، وإن كان عاليًا عليها سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرا. والأصل في هذا الباب أن كل ما ثبت في كتاب الله أو سنة رسوله صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّم وجب التصديق به، مثل علو الرب، واستوائه على عرشه، ونحو ذلك. وأما الألفاظ ¬
المبتدعة في النفي والإثبات (¬1) مثل قول القائل في جهة، وهو متحيز، أو ليس بمتحيز، ونحوها من الألفاظ التي تنازع فيها الناس، فليس مع أحدهما نص لا عن الرسول ولا عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أئمة المسلمين. فإن هؤلاء لم يقل أحد منهم إن الله في جهة، ولا قال ليس هو في جهة، ولا قال هو متحيز، بل ولا قال هو جسم، أو جوهر. ولا قال ليس بجسم ولا جوهر، فهذه الألفاظ ليست منصوصة في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع، والناطقون بها قد يريدون معنى صحيحًا وقد يريدون معنى فاسدًا، فمن أراد معنى صحيحًا موافق الكتاب والسنة كان ذلك مقبولًا منه، وإن أراد معنى فاسدا مخالف الكتاب والسنة، كان ذلك المعنى مردودا عليه. فإذا قال القائل: إن الله في جهة، قيل له: ما تريد بذلك؟ أتريد أنه سبحانه في جهة موجودة تحصره وتحيط به مثل أن يكون في جوف السماوات أم تريد بالجهة أمرًا عدميًا وهو ما فوق العالم فإنه ليس فوق العالم شيء من المخلوقات، فإن أردت الجهة الوجودية، وجعلت الله محصورًا في المخلوقات، فهذا باطل، وإن أردت الجهة العدمية، وأردت أن الله وحده فوق المخلوقات بائن عنها فهذا حق، وليس في ذلك أن شيئًا من المخلوقات حصره ولا أحاط به ولا علا عليه العالي بل هو العالي المحيط بها وقد قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ¬
وقد ثبت في الصحيح (¬1) «عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّم أن الله يقبض الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يهزهن فيقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟» وقد قال ابن عباس: " ما السماوات والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم " (¬2) وفي حديث آخر «أنه يرميها كما ترمي الصبيان الكرة» (¬3) فمن يكون جميع المخلوقات بالنسبة إلى قبضته تعالى مع هذا الصغر والحقارة كيف تحيط به وتحصره؟ ¬
ومن قال إن الله ليس في جهة قيل له ما تريد بذلك؟ فإن أراد أنه ليس فوق السماوات رب يعبد، ولا على العرش إله، ومحمد صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّم لم يعرج به إلى الله، والأيدي لا ترفع إلى الله تعالى في الدعاء، ولا تتوجه القلوب إليه، فهذا فرعوني معطل، جاحد لرب العالمين، وإن اعتقد أنه مقرّ به فهو جاهل متناقض في كلامه، ومن هنا دخل أهل الحلول والاتحاد وقالوا: إن الله في كل مكان وأن وجود المخلوقات [هو] (¬1) وجود الخالق، وإن قال إن مرادي بقولي: إنه ليس في جهة أنه لا تحيط به المخلوقات بل هو وجود الخالق فقد أصاب في هذا المعنى، وكذلك من قال: " إن الله متحيز أو قال ليس بمتحيز إن أراد بقوله متحيز أن المخلوقات تحوزه وتحيط به فقد أخطأ وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات بائن عنها عالٍ عليها فقد أصاب ومن قال: ليس بمتحيز إن أراد أن المخلوقات لا تحوزه فقد أصاب، وإن أراد أنه ليس مباينا عنها بل هو لا داخل فيها ولا خارج عنها فقد أخطأ. والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: أهل الحلول، وأهل النفي والجحود، وأهل الإيمان والتوحيد والسنة. فأهل الحلول يقولون: إنه بذاته في كل مكان، وقد يقولون بالاتحاد والوحدة فيقولون: المخلوقات وجود الخالق. وأما أهل النفي والجحود، فيقولون: لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له، ولا حال فيه، ولا فوق العالم، ولا فيه، ولا ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقرب منه شيء، ولا يدنو منه شيء، ولا يتجلى لشيء، ولا يراه أحد، ونحو ذلك، هذا قول متكلمة الجهمية المعطلة، كما أن ¬
الأول قول عباد الجهمية. فمتكلمة الجهمية لا يعبدون شيئا، وعباد الجهمية يعبدون كل شيء، وكلامهم يرجع إلى التعطيل والجحود، الذي هو قول فرعون. وقد علم أن الله كان قبل أن يخلق السماوات والأرض ثم خلقهما فإما أن يكون داخلا فيهما وهذا حلول باطل، وإما أن يكونا داخلين فيه، فهو باطل وأبطل، وإما أن يكون الله بائنا عنهم لم يدخل في شيء ولم يدخل فيه شيء، وهذا قول أهل الحق والتوحيد والسنة. ولأهل الجحود والتعطيل في هذا الباب شبهات يعارضون بها كتاب الله وسنة رسوله، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وما فطر الله عليه عباده، وما دلت عليه الدلائل العقلية، فإن هذه الأدلة كلها متفقة على أن الله فوق مخلوقاته، عال عليها، قد فطر الله على ذلك العجائز والأعراب والصبيان في الكتاب كما فطرهم على الإقرار بالخالق تعالى وقد قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّم في الحديث الصحيح: «كلُّ مولود يولد على الفطرة - أي فطرة الإسلام - فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء» ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] الروم: [30] (¬1) وهذا معنى قول عمر بن عبد العزيز: ¬
" عليك بدين الأعراب والصبيان في الكتاب " (¬1) يعني: عليك بما فطرهم الله عليه فإن الله فطرهم على الحق. والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها، وأما أعداء الرسل كالجهمية الفرعونية ونحوهم، فيريدون أن يغيروا فطرة الله ودين الله، ويوردون على الناس شبهات بكلمات متشابهة، لا يفهم كثير من الناس مقصودهم بها، ولا يحسن أن يجيئهم [بما ينقضها] وأصل ضلالتهم تكلمهم بكلمات مجملة لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا قالها أحد من أئمة المسلمين، كلفظ التحيز والجسم والجهة ونحو ذلك. فمن كان عارفًا بحال شبهاتهم بينها، ومن لم يكن عارفًا بذلك، فليعرض عن كلامهم، ولا يقبل إلا ما جاء به الكتاب والسنة كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68] ومن تكلم في الله وأسمائه وصفاته بما يخالف الكتاب والسنة، فهو من الخائضين في آيات الله بالباطل، وكثير من هؤلاء ينسب إلى أئمة المسلمين ما لم يقولوه، فينسبون إلى الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك وأبي حنيفة الاعتقادات الباطلة مما لم يقولوه، ويقولون لِمن اتبعهم هذا الذي يقوله اعتقاد الإمام الفلاني، فإذا طولبوا بالنقل الصحيح عن الأئمة، تبين كذبهم في ذلك فيما ينقلونه عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلِّم، ويضيفونه إلى سنته من البدع والأقوال الباطلة، ومنهم من إذا طولب بتحقيق نقله يقول: هذا القول قاله العلماء، والإمام الفلاني لا يخالف العقلاء، ويكون العقلاء طائفة من أهل ¬
الكلام الذين ذمهم الأئمة فقد قال الشافعي: " حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في القبائل والعشائر ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام " (¬1) فإذا كان هذا حكمه فيمن أعرض عنهما فكيف حكمه فيمن عارضهما بغيرهما؟ وكذلك قال أبو يوسف القاضي: " من طلب الدين بالكلام تزندق " (¬2) وكذلك قال أحمد بن حنبل: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح، وقال: علماء الكلام زنادقة (¬3) وكثير من هؤلاء قرأوا كتبًا من كتب الكلام فيها شبهات أضلتهم ولم يهتدوا لجوابها فإنهم يجدون في تلك الكتب أن الله لو كان فوق الخلق للزم التجسيم والتحيز والجهة، وهم لا يعرفون حقائق هذه الألفاظ، ولا ما أراد بها أصحابها، فإن ذكر لفظ الجسم في أسماء الله وصفاته بدعة، لم ينطق بها كتاب ولا سنة، ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولم يقل أحد منهم إن الله جسم ولا إن الله ليس بجسم، ولا إن الله جوهر، ولا إن الله ليس بجوهر، ولفظ الجسم لفظ مجمل، ومعناه في اللغة البدن، ومن قال إن الله مثل بدن الإنسان، فهو مفتر على الله، بل من قال: الله يماثل شيئًا من المخلوقات، فهو مفتر على الله، ومن قال: إن الله ليس بجسم، وأراد بذلك أنه لا يماثل شيئًا من المخلوقات، فهو مفتر على الله، ومن قال: إن الله ليس بجسم، وأراد بذلك أنه لا يماثل شيئًا من المخلوقات، فالمعنى صحيح وإن كان اللفظ بدعة، وأما من قال إن الله ليس بجسم، وأراد بذلك أنه لا يرى في الآخرة وأنه لم يتكلم بالقرآن العربي، بل القرآن العربي مخلوق، أو هو تصنيف جبريل، ونحو ذلك، فهذا مفتر على الله فيما نفاه عنه، وهذا أصل ضلال الجهمية ¬
من المعتزلة، ومن وافقهم على مذهبهم، فإنهم يظهرون للناس التنزه، وحقيقة كلامهم التعطيل، فيقولون، نحن لا نجسم، بل نقول: إن الله ليس بجسم، ومرادهم بذلك نفي حقيقة أسمائه وصفاته، فيقولون: ليس لله علم ولا قدرة، ولا حياة ولا كلام، ولا سمع ولا بصر، ولا يرى في الآخرة، ولا عرج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ولا ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتجلى لشيء ولا يقرب منه شيء إلى غير ذلك وهو سبحانه لا مثل له في شيء من صفات كماله، بل هو الأحد الصمد ولم يكن له كفوًا أحد. فالمعطل يعبد عدمًا، والممثل يعبد صنمًا، والمعطل أعمى، والممثل أعشى (¬1) ودين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه، وكما أن ذاته ليست كالذوات المخلوقة، فصفاته ليست كالصفات المخلوقة، بل هو سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن كل نقص وعيب، وهو سبحانه في صفات الكمال لا يماثله شيء. فمذهبنا مذهب السلف: إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، وهو مذهب أئمة الإسلام، كمالك (¬2) والشافعي (¬3) والثوري (¬4) والأوزاعي (¬5) وابن المبارك (¬6) . ¬
والإمام أحمد (¬1) وإسحاق بن راهويه (¬2) وهو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم، كالفضيل (¬3) بن عياض وأبي سليمان الداراني (¬4) وسهل (¬5) بن عبد الله التستري، وغيرهم. فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين، وكذلك أبو حنيفة (¬6) رضي الله عنه، فإن الاعتقاد الثابت عنه، موافق لا اعتقاد هؤلاء، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة، قال الإمام أحمد (¬7) " لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نتجاوز القرآن والحديث " وهكذا مذهب سائرهم، فنتبع في ذلك سبيل السلف الماضين، الذين هم أعلم الأئمة بهذا الشأن، نفيًا وإثباتًا، وهم أشد تعظيما لله وتنزيهًا له عما لا يليق بحاله، فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات، فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا يقال: هي ألفاظ لا تعقل معانيها، ولا يعرف المراد منها، فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني بل هي آيات بينات، دالة على أشرف المعاني وأجلها، قائمة حقائقها في صدور الذين أوتوا العلم. ¬
والإيمان إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، كما قامت حقائق سائر صفات الكمال في قلوبهم، كذلك فكان الباب عندهم بابًا واحدًا، قد اطمأنت به قلوبهم، كذلك وسكنت إليه نفوسهم فأنسوا من صفات كماله ونعوت جلاله مما استوحش منه الجاهلون المعطلون وسكنت قلوبهم إلى ما نفر منه الجاحدون المتكلمون وعلموا أن الصفات حكمها حكم الذات، فكما أن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات، فكذا صفاته لا تشبه الصفات، فما جاءهم من الصفات عن المعصوم تلقوه بالقبول، وقابلوه بالمعرفة والإيمان والإقرار، لعلمهم بأنه صفة من لا تشبيه لذاته ولا لصفاته، وأن ما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق لا تشابه بينهم في المعنى الحقيقي إذ صفات القديم بخلاف صفات الحادث، وليس بين صفاته وصفات خلقه إلا موافقة اللفظ للفظ. والله سبحانه وتعالى قد أخبر أن في الجنة لحمًا ولبنًا وعسلًا وماءً وحريرًا وذهبًا، وقال ابن عباس: " ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء " (¬1) فإذا كانت هذه المخلوقات الفانية ليست مثل هذه الموجودة، مع اتفاقهما في الأسماء فالخالق جل وعلا أعظم علوا، وأعلى مباينة لخلقه، من مباينة المخلوق للمخلوق وإن اتفقت الأسماء. وأيضًا فقد سمى الله سبحانه نفسه حيًا عليمًا سميعًا بصيرًا ملكًا رؤوفًا رحيمًا، وسمى بعض مخلوقاته حيًا وبعضها عليمًا وبعضها سميعًا بصيرًا وبعضها رؤوفًا رحيمًا وليس الحي كالحي، ولا العليم كالعليم، ولا السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير، ولا الرؤوف الرحيم كالرؤوف الرحيم. ¬
قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] وقال تعالى: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران: 27] وقال تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 83] وقال تعالى: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] وقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وليس بين صفة الخالق والمخلوق مشابهة، إلا في اتفاق الاسم، وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كلام الصحابة والتابعين وسائر الأئمة، قد دل ذلك بما هو نص أو ظاهر، على أن الله سبحانه فوق العرش، فوق السماوات استوى على عرشه، بائن من خلقه، سميع لا يشك (¬1) بصير لا يرتاب (¬2) عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حفيظ لا ينسى، ¬
ولا يسهو، قريب لا يغفل، ولا يلهو (¬1) يتكلم، ويبسط، وينظر، ويضحك، ويفرح، ويحب، ويكره، ويبغض، ويسخط، ويرحم، ويعفو، ويغفر، ويعطي، ويمنع، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، كيف شاء، وهو معهم أينما كانوا. قال نعيم بن حماد (¬2) لما سئل عن معنى هذه الآية: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] معناها: أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه (¬3) وليس معناه أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله، من أصغر مخلوقه، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر والمقيم أينما كان، فهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه مهيمن عليهم ومطلع. وأخبر أنه {ذِي الْمَعَارِجِ - تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 3 - 4] وأنه {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18] وأن الملائكة يخافونه من فوقهم (¬4) وهذا المعنى حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة وقال: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] وقال: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (¬5) وقال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7] ¬
فكل ما في الكتاب والسنة من الأدلة الدالة على قربه ومعيته، لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه علي في دنوه، وقريب في علوه. والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جدًا، وذكرنا بعضها في " الانتقاد الرجيح " (¬1) وفي الصحاح والسنن جميعًا، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم مجامعه في حجة الوداع، وفي آخر عمره إلى السماء، يقول بإصبعه -: «اللهم اشهد» (¬2) وفي الصحيحين قصة المعراج وهي متواترة (¬3) وفيه أعظم دلالة على علوه تعالى فوق سبع سماوات. وسؤال السائل كيف استوى وكيف نزل بدعة قال ابن قتيبة (¬4) " ما زالت الأعم عربهم وعجمهم، في جاهليتها وإسلامها، معترفة بأن الله في السماء " (¬5) وقد جمع طائفة من العلماء في هذا الباب مصنفات منها: كتاب " العلو " (¬6) للذهبي (¬7) وكتاب " النزول " (¬8) لشيخ الإسلام ابن تيمية (¬9) . ¬
وكتاب " الاستواء " (¬1) لابن القيم (¬2) و " النونية " (¬3) له و " عقيدة ابن قدامة " (¬4) ورسالة (¬5) الشيخ محمد بن ناصر الحازمي (¬6) ورسالة (¬7) الشيخ محمد فاخر الإله آبادي (¬8) ثم المكي ورسالة " إجراء الصفات على ظاهرها " (¬9) للشوكاني (¬10) و " الانتقاد الرجيح " (¬11) للعبد الفقير و " الاحتواء " (¬12) له عفا الله عنه إلى غير ذلك. ¬
وليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من السلف، لا من الصحابة ولا من التابعين، ولا عن أئمة الدين، حرف واحد يخالف ذلك. ولم يقل أحد منهم إن الله ليس في السماء، أو أنه ليس على العرش، أو أنه في كل مكان، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل به، ولا منفصل، وأنه لا تجوز الإشارة الحسيه إليه بالأصابع، ونحو هذا. ومن ظن أن نصوص الصفات لا يعقل معناها، ولا يدرى ما أراد الله تعالى ورسوله منها، وظاهرها تشبيه وتمثيل، واعتقاد ظاهرها كفر وضلال، وإنما هي ألفاظ لا معاني لها وأن لها تأويلًا وتوجيهًا لا يعلمه إلا الله، وأنها بمنزلة الم وكهيعص وظن أن هذه طريقة السلف، ولم يكونوا يعرفون حقيقة قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ونحو ذلك. فهذا الظان. من أجهل الناس بعقيدة السلف وأضلهم عن الهدى، وقد تضمن هذا الظن استجهال السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، وسائر الصحابة، وكبار الذين كانوا أعلم الأمة علمًا وأفقههم فهمًا، وأحسنهم عملًا، وأتبعهم سننًا. ولازم هذا الظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه، وهو خطأ عظيم وجسارة قبيحة نعوذ بالله منها.
فصل الأدلة على إثبات اليدين لله عز وجل من القرآن والسنة
[فصل الأدلة على إثبات اليدين لله عز وجل من القرآن والسنة] فصل وأما قوله تعالى:. . {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] فاعلم أن لفظ " اليد " جاء في القرآن على ثلاثة أنواع: مفردة كهذه الآية وكقوله:. . {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] ومثنى كقوله:. . {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] وقوله:. . {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ومجموع كقوله:. . {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] فحيث ذكر اليد مثناة أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد وعدى الفعل بالباء، فلا يحتمل المجاز، فإذا (¬1) أضيف إليه الفعل، ثم عدي بالباء، [فهو (¬2) ] باشرها بيده، ولهذا، قال عبد الله بن عمرو بن العاص (¬3) " لم يخلق الله بيده إلا [ثلاثًا (¬4) ] : خلق آدم بيده وغرس جنة الفردوس بيده وكتب التوراة بيده " وروي ذلك مرفوعًا (¬5) فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك، ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على شيء مما خلق بالقدرة. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أهل الموقف يأتون آدم فيقولون: خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فذكر أربعة أشياء كلها ¬
خصائص (¬1) وكذلك قال آدم لموسى في محاجته له «اصطفاك الله بكلامه، وخط لك الألواح بيده» وفي لفظ آخر «كتب لك التوراة بيده» (¬2) وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يقبض الله السماوات بيده، والأرض بيده الأخرى» (¬3) وعن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلق الله آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج ذرية منه، فقال: " خلقت هؤلاء إلى الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون» الحديث (¬4) ¬
بعض ما في رسالة الشيخ محمد ناصر الحازمي في مسألة العلو
وقال نافع (¬1) سألت ابن أبي مليكة (¬2) عن " يد الله " واحدة أم اثنتان؟ فقال: " بل اثنتان " (¬3) وقال ابن عمر (¬4) وابن عباس (¬5) «أول شيء خلقه الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين» (¬6) وفي الباب ما لا يحصى كثرة (¬7) . [بعض ما في رسالة الشيخ محمد ناصر الحازمي في مسألة العلو] وقد جمع الشيخ محمد بن ناصر الحازمي في رسالته (¬8) ما ورد عن الصحابة والتابعين وأتباعهم وأئمة الحديث والأئمة الأربعة وعلماء الشافعية والحنفية والمالكية والأشاعرة والمفسرين وغيرهم، في مسألة علو الرب على خلقه، وكونه على العرش فوق [سماواته] (¬9) وليس ذكرها ههنا بالتمام من مرادنا، فنؤمن بذلك، ونثبت الصفة من غير تحديد ولا تشبيه، وإن نَبَتْ (¬10) عنها أسماع بعض الجاهلين المقصرين، واستوحشت منها نفوس المتكلمين المعطلين. ¬
ومما صح به النقل من الصفات " الوجه ". قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] وفي الباب آيات وأحاديث منها: «إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة» وحديث النزول (¬1) رواه علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وجبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وخلق سواهم (¬2) . ومن قال: يخلو العرش عند النزول، أو لا يخلو، فقد أتى بقول مبتدع، ورأي مخترع، وكل ما وصف به الرسول ربه من الأحاديث الصحاح، التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول، وجب الإيمان به كقوله صلى الله عليه وسلم. «لله أشد فرحًا بتوبة عبده من ¬
أحدكم براحلته» متفق عليه (¬1) . وقوله: «يضحك الله تعالى إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، فيدخلان الجنة» رواه الشيخان (¬2) وقوله: «حتى يضع رب العزة فيها قدمه» متفق عليه (¬3) وقوله: «فيُنادي بصوت» رواه البخاري ومسلم (¬4) وقوله: «فلا يبصق قِبل وجهه، فإن الله قِبل وجهه» (¬5) متفق عليه إلى أمثال هذه الأحاديث، التي يخبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه فيما يخبر به. ¬
الفرقة الناجية
[الفرقة الناجية] فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، يؤمنون به من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل (¬1) وهؤلاء هم الوسط في فرقة الأمة، كما أن الأمة المرحومة هي الوسط في الأمم، فهم وسط الأمة في باب الصفات (¬2) بين أهل التعطيل الجهمية، وأهل التمثيل المشبهة، كما أنهم وسط في باب أفعاله (¬3) تعالى بين الحرورية والقدرية، وفي باب أسماء الإيمان والدين (¬4) بين المعتزلة والمرجئة. وفي أصحاب (¬5) رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فصل الأدلة على صفة النفس من القرآن والسنة
[فصل الأدلة على صفة النفس من القرآن والسنة] فصل ومما نطق بها القرآن، وصح بها النقل من الصفات " النفس " قال تعالى:. . {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] وقال تعالى:. . {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12] وقال تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» (¬1) إلى غير ذلك من الأدلة. «وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء (¬2) ويوعيها (¬3) ما أراد» . وأن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وأن الله يقرب من خلقه، كيف شاء كما قال:. . {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] ¬
ومن صفاته سبحانه: اليد (¬1) واليمين (¬2) والكف (¬3) والإصبع (¬4) والشمال (¬5) والقدم (¬6) والرجل (¬7) والوجه (¬8) والنفس (¬9) والعين (¬10) ¬
والنزول (¬1) والإتيان (¬2) والمجيء (¬3) والكلام (¬4) والقول (¬5) والساق (¬6) والحقو (¬7) والجنب (¬8) والفوق (¬9) والاستواء (¬10) والقوة (¬11) والقرب (¬12) ¬
والبعد (¬1) والضحك (¬2) والتعجب (¬3) والحب (¬4) والكره (¬5) والمقت (¬6) والرضا (¬7) والغضب (¬8) والسخط (¬9) والعلم (¬10) والحياة (¬11) والقدرة (¬12) والإرادة (¬13) والمشيئة (¬14) والفوق (¬15) والمعية (¬16) والفرح (¬17) إلى غير ذلك مما نطق به الكتاب والسنة. فأدلة ذلك مذكورة فيها. فكل هذه الصفات، تساق مساقا واحدا، ويجب الإيمان بها على أنها صفات حقيقية، لا تشبه صفات المخلوقين، ولا يمثل، ولا يعطل، ولا يرد، ولا يجحد، ولا يؤوَّل بتأويل يخالف ظاهره. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فصل الأدلة على صفة الكلام لله عز وجل
[فصل الأدلة على صفة الكلام لله عز وجل] فصل ومن مذهب أهل الحق، ومما اتفق عليه أهل التوحيد والصدق، أن الله لم يزل متكلما، بكلام مسموع مفهوم، مكتوب، قال تعالى:. . . {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا يكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان. . .» الحديث (¬1) رواه عدي بن حاتم عنه صلى الله عليه وسلم وروى جابر بن عبد الله قال: «لما قتل عبد الله - يعني أباه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا جابر! ألا أخبرك بما قال الله لأبيك؟ " قال: بلى. قال: " ما كلم أحدا إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحا. . .» الحديث (¬2) . والقرآن كلام الله عز وجل، ووحيه وتنزيله، والمسموع من القارئ كلام الله عز وجل، قال الله تعالى:. . {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وإنما سمعه من القارئ وقال عز وجل:. . {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15] وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وقال: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 192 - 194] ¬
وهو محفوظ في الصدور، كما قال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استذكروا القرآن فهو أشد تفصيا من صدور الرجال [من النعم] (¬1) من عقلها» (¬2) . وهوِ مكتوب في المصاحف، منظور بالأعين، قال تعالى: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ - فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 2 - 3] وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ - فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ - لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77 - 79] وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو» (¬3) وقال عثمان بن عفان (¬4) " ما أحب أن يأتي عليّ يوم وليلة حتى أنظر في كلام الله - يعني القراءة في المصحف - " (¬5) وقال عبد الله بن أبي مليكة (¬6) " كان عكرمة (¬7) بن أبي جهل يأخذ المصحف ويقول: " كلام ربي " (¬8) . ¬
معنى قولهم عن القرآن منه بدأ وإليه يعود
[معنى قولهم عن القرآن منه بدأ وإليه يعود] وأجمع أئمة السلف المقتدى بهم من الخلف على أنه غير مخلوق. وقال علي (¬1) بن أبي طالب: " القرآن ليس بمخلوق ولكنه كلام الله، منه بدأ، وإليه يعود " (¬2) وروي نحوه عن ابن مسعود (¬3) وابن عباس وعمرو بن دينار (¬4) وسفيان ابن عيينة (¬5) وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة، لا كلام غيره (¬6) . ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله، أو عبارة عنه، بل إذا قرأه الناس، أو كتبوه بالمصاحف، لم يخرج بذلك أن يكون كلام الله سبحانه حقيقة، فإن الكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مُبلغا مؤديا (¬7) . فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنه كلام الله ووقف ¬
ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من القول الأول، ومن زعم أن ألفاظنا وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي، وقد كلم الله موسى عليه السلام تكليما منه إليه، وناوله التوراة من يده إلى يده، ولم يزل عز وجل متكلما (¬1) . والقرآن كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس كلامه الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف. واحتج أحمد بن حنبل (¬2) بأن الله تعالى كلم موسى، فكان الكلام من الله، والاستماع من موسى، وبقوله عز وجل:. . {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] الآية [السجدة: 13] . وروى الترمذي عن خباب بن الأرت (¬3) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم لن تتقربوا إلى الله عز وجل بأفضل مما خرج منه، يعني: القرآن» (¬4) . ¬
فصل الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة هي عين كلام الله
[فصل الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة هي عين كلام الله] فصل ونعتقد أن الحروف المكتوبة، والأصوات المسموعة، عين كلام الله عز وجل قال تعالى: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1 - 2] وقال: {المص} [الأعراف: 1] و {الر} [يونس: 1] و {كهيعص} [مريم: 1] و {حم - عسق} [الشورى: 1 - 2] فمن لم يقل إن هذه الأحرف كلام الله عز وجل، فقد مرق من الدين، وخرج عن جملة المسلمين، ومن أنكر أن تكون حروفا، فقد كابر العيان، وأتى بالبهتان، وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله عز وجل، فله عشر حسنات» رواه الترمذي وصححه (¬1) ورواه غيره من الأئمة وفيه: «أما إني لا أقول {الم} [البقرة: 1] حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» (¬2) . وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: «كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفا حرفا» رواه أبو داود والنسائي والترمذي (¬3) وصححه [عن] (¬4) يعلى بن مملك، وعن سهل بن [سعد] (¬5) . ¬
الساعدي قال: بينا نحن نقرأ، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر والأسود، اقرؤوا القرآن، قبل أن يأتي أقوام يقرؤون القرآن، يقيمون حروفه، كما يقام السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره، ولا يتأجلونه» رواه الآجري (¬1) . وروى أبو عبيد في " فضائل القرآن " بإسناده قال: سئل علي - رضي الله عنه - عن [الجُنُب] (¬2) يقرؤون القرآن قال: لا ولا حرفا " (¬3) وروى نحوه عن ابن المبارك (¬4) وزاد: من قال لا أومن بهذه اللام فقد كفر وقال أيضا: من حلف بسورة البقرة، فعليه بكل حرف منها يمين وقال طلحة بن [مصرف] (¬5) قرأ رجل على معاذ بن جبل القرآن، فترك واوا فقال: لقد تركت حرفا أعظم من أحد. قال الحسن البصري (¬6) قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] وما تدبر آياته إلا اتباعه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول لقد قرأت القرآن كله، فما أسقطت منه حرفا وقد أسقطه والله كله. ¬
فصل الله عز وجل يتكلم بحرف وصوت
[فصل الله عز وجل يتكلم بحرف وصوت] فصل وأما الصوت، فقد ورد في رواية عبد الله بن [أنيس] (¬1) مرفوعًا في حديث الحشر «فيناديهم سبحانه بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب» . رواه أحمد وجماعة من الأئمة واستشهد به البخاري (¬2) . ¬
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تكلم الله بالوحي، سمع صوته أهل السماء كسلسلة على صفوان، فيخرون سجدا» . . . " الحديث (¬1) . وقول القائل إن الحروف والأصوات لا تكون إلا من مخارج باطل ومحال قال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] وكذا قوله إخبارا عن السماء والأرض أنهما. . . {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] فجعل القول لا من مخارج، ولا أدوات، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلمته الذراع المسمومة (¬2) وأنه سلم عليه الحجر (¬3) وسلمت عليه الشجرة (¬4) . ¬
وبالجملة فالقرآن العظيم هو كتابه المبين، وحبله المتين، أنزله على سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، وهو سور، وآيات، وأصوات، وحروف، وكلمات، له أول وآخر، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مكتوب في المصاحف، مسموع بالآذان، قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] وقال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ - فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 77 - 78] والقرآن هو هذا الكتاب العربي، الذي قال فيه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ: 31] وقال بعضهم فيه: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] فتوعده الله بإصلائه سقر، وقال بعضهم هو شعر فقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69] فلما نفى سبحانه عنه الشعر، وأثبته قرآنا، لم تبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي عُلِمَ أوله وآخره، فمن زعم أن القرآن اسم لغيره دونه، بان جهله وحمقه، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان، بمثل ما لا يدري ما هو، ولا يعقل معناه.
فصل علم الله تعالى بجميع المخلوقات وقدرته على جميع الممكنات
[فصل علم الله تعالى بجميع المخلوقات وقدرته على جميع الممكنات] فصل والله سبحانه خالق لجميع المخلوقات، عالم بجميع المعلومات، من الجزئيات والكليات قادر على جميع الممكنات، وعلى أن يخلق مثلهم، وهو الخلاق العليم، مريد لجميع الكائنات، سميع بصير، لا شبه له ولا مثل، ولا ضد ولا ند، ولا شريك له في وجوب الوجود، ولا في استحقاق العبادة، ولا في الخلق والأمر والتدبير، ولا يشفي مريضًا ولا يرزق مرزوقًا ولا يكشف ضرا إلا هو. ولا يحل في غيره، ولا يحل غيره فيه، ولا يتحد غيره به، ولا يقوم حادث بذاته، ولا في ذاته حدوث وإنما الحدوث تعلق في تعلق الصفات بمتعلقاتها، بريء عن التجدد والحدوث من جميع الوجوه، ولا يصح عليه الجهل، ولا الكذب، وهو فوق العرش، كما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، ولا يحتاج إلى شيء في ذاته وصفاته، ولا حاكم عليه ولا حكم إلا له، ولا يجب عليه شيء بإيجاب غيره، وهو لا يخلف الميعاد، وجميع أفعاله تتضمن الحكمة، ولا قبيح منه، ولا ينسب في فعله إلى جور وظلم، وليس للعقل حكم في حسن الأشياء وقبحها، وله الأسماء الحسنى، والمثل الأعلى، ولا حاكم سواه، ولا معبود إلا إياه.
فصل الإيمان قول وعمل
[فصل الإيمان قول وعمل] فصل (¬1) والإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، مطابقًا للكتاب والسنة، والنية لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (¬2) . والإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] وقال تعالى:. . {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] وقال تعالى:. . {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] وفي الحديث: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» (¬3) . فجعل القول والعمل جميعا من الإيمان، ومع ذلك لا يكفر أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، كما قالت الخوارج (¬4) بل الأخوة الإيمانية باقية مع المعاصي، كما قال تعالى في آية القصاص:. . {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] ¬
وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 9 - 10] ولا يسلب من الفاسق اسم الإيمان المطلق بالكلية، ولا يخلد في النار، كما قالت المعتزلة (¬1) بل للفاسق مَلِيًا (¬2) اسم الإيمان، كما في قوله تعالى:. . {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (¬3) ". ونحو ذلك فهو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بالإيمان فاسق بالكبيرة، فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم. فلا يشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار، لذنب عمله، ولا لكبيرة أتاها، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل إلا أن يكون ذلك في حديث كما جاء، وكما روي، فيصدقه، ويقبله، ويعلم أنه كما روي، نحو ترك الصلاة، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك، أو يبتدع بدعة، ينسب صاحبها إلى الكفر، والخروج من الإسلام، فيتبع ذلك ولا يجاوزه (¬4) . ¬
فصل عودة إلى مبحث الإيمان والإسلام
[فصل عودة إلى مبحث الإيمان والإسلام] فصل (¬1) والإيمان هو الإسلام، قال الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت» (¬2) فهذا حقيقة الإسلام. وأما الإيمان فعن عمر بن الخطاب «أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله. قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال: نعم» . أخرجه (¬3) مسلم وأبو داود وغيرهما. وفيه من الأدلة ما لو استقصيناه لأدى إلى الإملال، وفي حديث سعد بن أبي وقاص «إني لأراه مؤمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسلما فذكر ثلاثة وأجابه بمثل ذلك» (¬4) . قال الزهري (¬5) " فنرى الإسلام الكلمة والإيمان العمل الصالح ". قلت: فعلى هذا قد يخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرج من الإسلام إلا إلى الكفر بالله - تعالى وتبارك - أعاذنا الله منه. ¬
فصل القضاء والقدر
[فصل القضاء والقدر] فصل ويجب الإيمان بالقدر، خيره وشره، وحلوه ومره، وقليله وكثيره، أنه من الله تعالى، ليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر شيء إلا عن تدبيره وقضائه، ولا محيد لأحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المحفوظ، ولا خير ولا شر إلا بمشيئته، خلق من شاء للسعادة، واستعمله بها فضلا، وخلق من أراد للشقاوة، واستعمله بها عدلا، فهو سر استأثر الله تعالى به، وحجبه عن خلقه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179] وقال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (¬1) خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125] وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] ولا يجوز أن يجعل قدر الله تعالى وقضاؤه حجة بعد الرسل، ونعلم أن لله الحجة علينا بإنزال الكتب، وبعثه الرسل، وما أمر الله تعالى ونهى إلا لمستطيع الفعل والترك، ولم يجبر أحدًا على معصية، ولا اضطره على ترك ¬
درجات الإيمان بالقدر
الطاعة، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقال: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17] فدل على أن للعبد كسبا يجزى على حسنته بالثواب، وعلى سيئته بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره، سبحانه وتعالى. [درجات الإيمان بالقدر] والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين: الأولى: الإيمان بأن الله عليم بما يعمل الخلق بعلمه القديم الذي هو موصوف به، وقد علم جميع أحوالهم، من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال، ثم كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق، و «أول ما خلق الله القلم وقال له: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» (¬1) . وهذا التقدير تابع لعلمه سبحانه، يكون في مواضع جملة وتفصيلا، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء. وإذا خلق الجنين، قبل خلق الروح فيه بعث إليه ملكا، فيؤمر بأربع كلمات فيقال: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، شقي أم سعيد، ونحو ذلك (¬2) . فهذا القدر قد كان ينكره غلاة القدرية (¬3) قديما، ومنكره اليوم قليل. أما الثانية: فهو مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، لا يكون في ملكه ما لا يريد. وأنه سبحانه على كل شيء قدير، من الموجودات والمعدومات. فما من مخلوق في الأرض، ولا ¬
القدرية مجوس الأمة تحقيق ذلك
في السماء إلا الله خالقه، سبحانه لا خالق غيره، ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته، وطاعة رسوله، ونهاهم عن معصيته، ومعصية رسوله، وهو سبحانه يحب المتقين، والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد. [القدرية مجوس الأمة تحقيق ذلك] والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أفعالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، وهذه الدرجة من القَدَر، يكذب بها عامة القدرية، الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: «مجوس هذه الأمة» (¬1) يغلو فيها قوم (¬2) من أهل الإثبات، حتى يسلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه، وحكمها ومصالحها. فالقدر ظاهره وباطنه، ومحبوبه ومكروهه، ¬
وحسنه وسيئه، وقله وكثره، وأوله وآخره من الله عز وجل قضاء قضاه على عباده، وقدر قدره عليهم، لا يعدو واحد منهم مشيئة الله، ولا يجاوز قضاه، بل كلهم صائرون إلى ما خلقهم له، واقعون فيما قدر عليهم، وهو عدل منه جل ربنا وعز. والزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك والكفر والبدعة والمعاصي والكبائر والصغائر كلها بقضاء الله وقدر منه، من غير أن يكون لأحد من الخلق حجة على الله. وعلم الله عز وجل، ماض في خلقه، بمشيئة منه، وقد علم من إبليس وغيره، ممن عصاه من لدن عصي إلى أن تقوم الساعة، المعصية وخلقهم لها، وعلم الطاعة من أهل الطاعة، وخلقهم لها، وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم. ومن زعم أن الله سبحانه شاء لعباده الذين عصوه الخير والطاعة، وأن العباد شاءوا لأنفسهم الشر والمعصية، فعملوا على مشيئتهم، فقد زعم أن مشيئة العباد أغلب من مشيئة الله، وأي افتراء على الله أكبر من هذا. ومن زعم أن الزنا ليس بقدر، قيل له أرأيت هذه المرأة حملت من الزنا، وجاءت بولد، هل شاء الله تعالى عز وجل أن يخلق هذا الولد؟ وهل مضى في سابق علمه؟ فإن قال: لا، فقد زعم أن مع الله خالقا آخر وهذا هو الشرك صراحا. ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر، فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره، وهذا صراح قول المجوسية، بل أكل رزقه الذي قضى الله له أن يأكله من الوجه الذي أكله.
ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر الله، فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله، وأي كفر أوضح من هذا؟ بل ذلك بقضاء الله عز وجل وذلك عدل منه في خلقه وتدبيره فيهم، وما جرى من سابق علمه فيهم وهو العدل الحق الذي يفعل ما يشاء. ومن أقر بالعلم، لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة، على الصغر [والقَمْأَة] (¬1) فالأشياء كلها تكون بمشيئة الله تعالى، كما قال سبحانه: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] وكما قال المسلمون ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. وقالوا إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله، أو يقدر أن يخرج عن علمه تعالى، أو أن يفعل شيئا علم الله أنه لا يفعله، وأقروا أنه لا خالق إلا الله، وأن أعمال العباد خلقها الله، وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئًا، وأن الله تعالى وفق المؤمنين لطاعته، وخذل الكافرين، ولطف للمؤمنين، ونظر لهم، وأصلحهم وهداهم ولم يلطف للكافرين، ولا أصلحهم، ولا هداهم، ولو أصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين، وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين، ويلطف لهم، حتى يكونوا مؤمنين، كما قال تعالى:. . . {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] ولكنه أراد أن يكونوا كافرين، كما علم، وخذلهم، وأضلهم وطبع على قلوبهم وختم على سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة، ويؤمنون أنهم. . . {لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} [الرعد: 16] كما قال، ويكلون أمرهم إلى الله، ويثبتون الحاجة إليه سبحانه في كل وقت، والفقر إليه في كل حال. ¬
فصل بعض خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
[فصل بعض خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم] فصل ونعتقد أن محمدًا المصطفى، وأحمد المجتبى صلى الله عليه وسلم، خير الخلائق، وأفضلهم وأكرمهم على الله عز وجل وأعلى درجة، وأقربهم إلى الله وسيلة بعثه الله رحمة للعالمين وخصه بالشفاعة في الخلق أجمعين. عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلوة فليصل، وأحلت لي المغانم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» (¬1) وقال: «أنا سيد الناس يوم القيامة» (¬2) وقال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من ينشق عنه القبر وأنا أول شافع ومُشفَّع» (¬3) رواه مسلم والنسائي. وعن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتي يوم القيامة باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك» رواه مسلم (¬4) إلى غير ذلك من الخصائص والفضائل. قلت: له صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات: ¬
شفاعة الرسول وأنواعها
[شفاعة الرسول وأنواعها] أما الشفاعة الأولى: فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى الشفاعة حتى تنتهي إليه. والثانية: أن يشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة. وهاتان الشفاعتان خاصتان به. والثالثة: يشفع فيمن يستحق النار، فيشفع في قوم، فلا يصيرون إلى النار، وهذه الشفاعة له ولسائر المؤمنين والصديقين والشهداء وغيرهم من الملائكة. . . {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] ولا ينفع الكافرين شفاعة الشافعين ويخلد قوم فيها أبدا، وهم أهل الشرك والتكذيب والجحود والكفر بالله عز وجل، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحما وحمما، ويخرج الله من النار قوما بغير شفاعة بفضله ورحمته الواسعة، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله لها أقواما، فيدخلهم الجنة (¬1) . وتكون الشفاعة بالإذن لمن أذن له الرحمن وقال صوابًا وقد نص القرآن الكريم على ذلك في مواطن منها قوله سبحانه وتعالى:. . {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] والشفعاء كلهم داخلون تحت هذا الإذن، ولا يشفع أحد بغير إذنه تعالى. ¬
فصل سلامة قلوب أهل السنة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
[فصل سلامة قلوب أهل السنة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم] فصل ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] وطاعة لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (¬1) ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - على من أنفق بعد وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله تعالى قال لأهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (¬2) وبأنه «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» (¬3) كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، ورضوا عنه. ¬
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرة (¬1) وثابت ابن قيس (¬2) وغيرهم من الصحابة وأهل البيت. ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وغيره من أن خير هذه الأمة وأفضلها بعد نبيها صاحبه الأخص، وأخوه في الإسلام، ورفيقه في الهجرة والغار، ووزيره في حياته، وخليفته بعد وفاته، أبو بكر عبد الله بن عثمان أبي قحافة الصديق - رضي الله عنه -. ثم من أعز به الإسلام، وأظهر الدين، عمر بن الخطاب الفاروق. ويثلثون بذي النورين عثمان بن عفان، الذي جمع القرآن والحياء والعدل والإحسان، ويربعون بابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وختنه، علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. كما دلت عليه الآثار، مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي، بعد اتفاقهم على أبي بكر وعمر، أيهما أفضل، فقدم قوم عثمان، وسكتوا، وربعوا بعلي، وقدم قوم عليًا، وقوم توقفوا، ولكن استقر أمر أهل السنة والجماعة على تقديم عثمان على علي، وإن كانت مسألة ¬
علي وعثمان ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. قال عبد الله بن عمر: «كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره» (¬1) وصحت الرواية عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: " خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ولو شئت لسميت الثالث " (¬2) . وأحقهم بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، لفضله، وسابقته، وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلوات على جميع أصحابه (¬3) وإجماع الصحابة على تقديمه، ومتابعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة. ثم بعده عمر لفضله، وعهد أبي بكر إليه. ثم عثمان، لتقديم أهل الشورى له. ثم علي - رضي الله عنه -، لإجماع أهل عصره عليه. فهؤلاء الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون، ومن طعن في خلافة أحدٍ من هؤلاء، فهو أضل من حمار أهله (¬4) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي ¬
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عَضّوا عليها بالنواجذ» (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» (¬2) فكان آخرهم خلافة علي - رضي الله عنه - (¬3) ¬
فصل وجوب محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
[فصل وجوب محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم] فصل ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال يوم غدير خمٍّ: «أُذكِّرُكُم الله في أهل بيتي مرتين» (¬1) وقال للعباس عمه، حين اشتكى أن بعض قريش لا يلقونه بوجه طلق «والذي نفسي ¬
بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي» (¬1) . ويؤمنون بأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، بنص القرآن، وأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصًا خديجة، وهي أم أكثر أولاده، وأول من آمن به من النساء، وعاضدته على أمره، وكان لها منه المنزلة العلية. والصديقة بنت الصديق، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (¬2) . وقد برأها الله سبحانه في كتابه، وهي زوجته في الدنيا ¬
والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه، فقد كفر بالله العظيم، وكذّب بكتابه الحكيم. ويتبرؤون من طريقة الروافض والشيعة، الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم (¬1) وطريقة النواصب والخوارج الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل. ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية منها ما هو كذب، ومنها ما هو قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منها هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك يعتقدون أن كل أحد من الصحابة ليس معصومًا عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، ولهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وكلهم عدول بتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في قوله صلى الله عليه وسلم: أنهم «خير القرون» (¬2) وأن «المد ¬
من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا» (¬1) ممن بعدهم. ثم إذا كان قد صدر عن أحد منهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين هم أحق الناس بشفاعته أو ابتلي ببلاء في الدنيا [كفِّر] (¬2) به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف في الأمور التي كانوا مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد؟ . والخطأ مغفور. ثم القدْر الذي يُنْكر من فِعل بعضهم قليل، فوِزْرُه مغفور، في جنب فضائلهم ومحاسنهم، من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، بالأنفس والأموال والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، والنصيحة لخلق الله. ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منّ الله به عليهم من الفضائل والكرامات، ورفيع الدرجات، في الدنيا والآخرة، علم يقينا وعيانا بلا ريب ومرية أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لم يكن ولا يكون مثلهم أبدا، وأنهم الصفوة من هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله (¬3) . وبالجملة فكل من شهد له منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له، ولا نشهد لأحد غيرهم، بل نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء، ونكل علم الخلق إلى خالقه، ولا يحكمون بالجنة لأحد بعينه من الموحدين حتى يكون الله تعالى ينزلهم حيث شاء، ويقولون أمرهم إلى الله، إن شاء عذبهم على المعاصي، وإن شاء غفر لهم، ويؤمنون بأن الله تعالى يخرج قومًا من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬4) . فالزم - رحمك الله - ما ذكرت لك من كتاب ربك العظيم، وسنة نبيك الرؤوف الرحيم، ولا تحدْ عنه بقول أحد وعمله، ولا تبتغ الهدي من غيره، ولا تغتر ¬
من أصول السنة التصديق بكرامات الأولياء
بزخارف المبطلين وانتحالهم، وآراء المتكلمين المتكلفين، وتأويلهم. إن الرشد والهدي والفوز والرضا فيما جاء من عند الله ورسوله لا فيما أحدثه المحدثون وأتى به المتنطعون من آرائهم المضمحلة، وعقولهم الفاسدة، وارض بكتاب الله وسنة رسوله بدلًا من قول كل قائل وزخرف باطل. [من أصول السنة التصديق بكرامات الأولياء] ومن أصول السنة التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق عادات، في أنواع العلوم والمكاشفات والتأثيرات، كالمأثور عن سلف الأمة وأئمتها، وسالف الأمم، في سورة الكهف وسورة مريم وغيرها، وعن صدر هذه الأمة، من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة (¬1) . والكشف والكرامة ليس بحجة في أحكام الشريعة المطهرة، وخاصة فيما يخالف ظاهر الكتاب والسنة (¬2) . ولا يمتاز صاحب الولاية والكرامة عن آحاد المسلمين في شيء من الزي والعمل والقول، ولا يختص بالنذر (¬3) وغيره مما ينبغي لله سبحانه، قال محمد بن ناصر الحازمي (¬4) - " الذي يجب للأولياء المتبعين لا المبتدعين هو المحبة والتوقير والتعظيم والاتباع والدعاء والاستغفار والاقتفاء بهم في محاسن الأقوال والأفعال بما اقتضى ¬
تعريف المعجزة والكرامة
الكتاب والسنة، وإثبات الكرامة اللازمة كما وقع لبعض الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا يتجاوز بهم إلى حد المعجزات النبوية، ولا الخوارق الإلهية، حتى يعرف الفرق بين الحق والخلق والمعصوم وغيره ". [تعريف المعجزة والكرامة] وتعريف المعجزة: هي أمر خارق للعادة، داع إلى الخير والسعادة، مقرون بدعوى النبوة، قصد به إظهار صدق من ادعى أنه رسول من الله سبحانه. وتعريف الكرامة: بأنها ظهور أمر خارق للعادة، من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبوة. فما لا يكون مقرونا بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجًا، وما كان مقرونا بدعواها يكون معجزة. وأما إثبات التصرف في العالم للأولياء، وسقوط التكليف عنهم، وإثبات ما يختص بالله، فإسقاط لحق الربوبية والألوهية، ودعوى مجردة عن الدليل، بل من العقائد الفاسدة الضعيفة، والأباطيل الشركية السخيفة. والاستدلال بأمثال قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ} [الزمر: 34] حجة فاسدة، فإن ذلك وعد لهم، والله لا يخلف الميعاد، وهذا لهم في الآخرة، كما صرحت به الآيات والأحاديث. ودعوى العموم، بعيدة محالة، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله المستعان. وكفى بالله شهيدًا على الضمائر، وحكمًا بين العادل والجائر، وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، ما أكثر هذا اليوم في الأحزاب المتحزبة، والجموع المجتمعة، من فرق الشيعة، والمتصوفة، وطوائف المبتدعة، يُسَيِّرون قواعد لم تتأسس على علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، ثم يبنون عليها قناطير علمهم وعملهم، وما لم يشهد له دليل من الافتراء والشبهة التي نشأت عن الهوى والإلف والتقليد، ساقطة في البيِّن فتبقى الدعوى مجردة، وحجج الله سبحانه أكبر وأكثر. وفي قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] أوضح دليل على المدعى لأن الخير مقصور على اتباعه. فيا حسرة الجهلة البطلة الزاعمين بأن اتباعهم لمن قلدوه ينجيهم من دون اقتصاص واقتصار على الآثار النبوية {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]
بيان ما آل إليه أمر المتصوفة من الاستعانة بغير الله
والإسلام ما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. . . {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101] فمن لم يخص الله بالاعتصام، وهو أغنى الشركاء عن الشرك، لم يعتصم عن الضلالة، ومن أخلص لله، سلم من الضلالة، ومثله قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] [بيان ما آل إليه أمر المتصوفة من الاستعانة بغير الله] ولقد أربى ضلال المتصوفة، واتبعهم الرعاع والجهلة، واستحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، فلا تسمع إلا يا سيدي أحمد البدوي، ويا سيدي الزيلعي، ويا سيدي عيدروس، ويا جيلاني، ولا تسمع من يذكر الله، ويلجأ إليه في البحر والبر إلا قليلًا، ولفقوا كذبات لا أصل لها، وقد عمت جهالاتهم اليوم عامة أهل وقتنا وخاصتهم، إلا من شاء الله، فيضيفون إليهم من القدرة والعلم بالمغيبات، والتصرف في الكائنات، ما يختص بالله سبحانه، حتى قالوا فلان يتصرف في العالم (¬1) وكل عبارة أخبث من أختها. اللهم إنا نبرأ إليك من صنيع هؤلاء، ونسألك أن تكتبنا من الناهين عن ضلالاتهم، والمنادين لهم، ونستغفرك في التقصير، وقد علمت عجزنا عن السيف والقنا، أن نقضي به عليهم، وعن اللسان أن ننصحهم، أو ننادي به عليهم، إلا في الصحف والكتابة، والحمد لله على كل حال. انتهى. ¬
فصل كيفية التوسل بالصالحين
[فصل كيفية التوسل بالصالحين] فصل ومن لواحق البحث الذي قبله التوسل بهم، وأصل الوسيلة (¬1) ما يتوسل به ويتقرب به إلى الشيء. وحديث «آت محمدا الوسيلة» (¬2) قيل: القرب من الله سبحانه، وقيل: الشفاعة، وقيل: منزلة من منازل الجنة (¬3) . وفي التوسل خلاف (¬4) والحق أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب اتباعه، والعمل به، كحديث الأعمى الذي في السنن، وهو حديث حسن، لا موضوع، فيه «يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي» (¬5) . وحديث رواه أحمد والحاكم وفيه: «بحق السائلين ¬
عليك» (¬1) وأمثال ذلك (¬2) . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال بعضهم: يؤخذ من طلب الوضوء على المريض من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتماس البركة فيما لامسه الصالحون، لتقريره صلى الله عليه وسلم. وهذا محل توقف لأن ذلك بالقياس، وهو ممنوع، لسد ذرائع العقائد الفاسدة في الخلق، ولا نعلم أحدًا من الصالحين في رتبته حتى يلحق به، كما هو مقتضى القياس مع الفارق. وأما ما لم يصح عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فسد الباب هو اللازم حماية لجناب التوحيد، إذ فتح هذا ذريعة لاتساع عقائد السوء، والخروج عن محض التوحيد المأمور به، قال تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] والمؤمنون عرفوا الله منزها عن الأنداد والأضداد، ومنعمًا ورؤوفًا ورحيمًا بالعباد، ودودًا وكريمًا ولطيفًا وخالقًا ورازقًا، ونحوها من صفات الكمال، فأحبوه كما ينبغي له، ويزداد هذا بزيادة المعرفة. اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي، وأهلي ومالي، ومن الماء البارد. والذي يظهر أن الحامل لمن ادعى العلم والعقل، على محبة ما لا ينفع ولا يضر، والتوسل به، والاعتقاد فيه، اتباع من يظن به الخير من أهل العلم، ودرجهم إبليس شيئًا فشيئًا، حتى تعودوا ذلك وألِفوه، وسوغ لهم ذلك التقليد، وعدم النظر في الكتاب والسنة. ومن نظر بإنصاف فيهما لم يخف عليه الحق الصراح، ولهذا لا تسمع عند الشدائد في مدائن الإسلام الاستغاثة بالله ولا الاستعانة [به] (¬1) ولا التوسل به ولا دوام ذكره إلا قليلًا [بل] أقل، وإنما يجيز أكثرهم الّلج بالمشايخ والأولياء. اللهم إنا نبرأ إليك من أمثال تلك الضلالات والمحدثات، ونعوذ بك من جميع ما كره الله. ¬
فصل حكم النذر وأنواعه
[فصل حكم النذر وأنواعه] فصل ومن لواحق ذلك، النذر للأولياء وللقباب والمشاهد والقبور والضرائح. وقد ورد في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير» (¬1) فقيل: النذر من حيث هو مكروه (¬2) وقيل: خلاف الأولى، وفيه إساءة الظن بربه وهذا يؤكد حمل النهي على ¬
كلام هام لأهل العلم فيما ينذر به على القبور
التحريم، والمراد أنه لا يرد القضاء ولا نفع فيه، ولا صرف ضر، ولا جلب خير. [كلام هام لأهل العلم فيما ينذر به على القبور] والظاهر من الأدلة الصحيحة الصريحة، تحريم نذور القباب وغيرها، وهذا من العمل الذي ليس عليه أمره. وفى الصحيحين «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬1) وهو دال على بطلان العقود غير المأمور بها، وعدم ترتب ثمراتها عليها سواء كان عن مَن جهل، أو عرف الحق، وتعمد خلافه، فهذه النذور محرمة باطلة (¬2) . ¬
وكذلك الأموال التي توقف على الكعبة المشرفة، وعلى المسجد النبوي، ينبغي صرفها في مصالح الإسلام وأهله، ولا تترك سدى، ولقد «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد» (¬1) يصلى فيها، فكيف من اعتقد واتخذ القبر وثنا يضر وينفع؟ وعنه صلى الله عليه وسلم: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (¬2) و «إن مَن كان قبلكم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» (¬3) رواه أحمد وابن حبان. وعن علي «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته» (¬4) . وقد علم بالأدلة الصحيحة المحكمة أن بناء المشاهد والقباب لا يجوز (¬5) وأن النذور لها محرمة. ¬
فصل الرؤيا من الله وحي ما لم تكن ضغثا
[فصل الرؤيا من الله وحي ما لم تكن ضغثا] فصل والرؤيا من الله تعالى وحي حق، إذا رأى صاحبها في منامه ما ليس ضغثًا (¬1) فقصها على عالم، وصدق فيها، وأولها على أصل تأويلها الصحيح ولم يحرف. والرؤيا تأويلها حق، وقد كانت الرؤيا من الأنبياء وحيًا (¬2) فأي جاهل أجهل ممن يطعن في الرؤيا، ويزعم أنها ليست بشيء، وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده» (¬3) . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال: «إن الرؤيا من الله» (¬1) (¬2) . وفي الباب أحاديث، ذكرها في المشكاة (¬3) وغيره. ¬
فصل الإجماع على الإسراء والمعراج
[فصل الإجماع على الإسراء والمعراج] فصل وأجمع القائلون بالأخبار، والمؤمنون بالآثار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، بنص القرآن، ثم عرج به إلى السماء واحدة بعد واحدة حتى إلى فوق السماوات السبع، وإلى سدرة المنتهى بجسده وروحه جميعًا، ثم عاد من السماء إلى مكة قبل الصبح. وفيه أيضا دليل على علو الرب تعالى، وكونه فوق العرش، مستويا عليه، كما قال سبحانه في مواضع من كتابه ومنها قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] (¬1) . فمن قال إن الإسراء في ليلة والمعراج في أخرى فقد غلط (¬2) ومن قال إنه منام وأنه لم يسر بعبده فقد كفر. وقد روى قصة الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة كثيرة (¬3) وكل ذلك أخبار صحيحة، وآثار صريحة مقبولة، مرضية عند أهل النقل. ¬
واختلف (¬1) أهل العلم هل رأى صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أم لا؟ فذهب إلى كل وجهة ذاهب من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وأهل الحديث والفقه والتاريخ. والراجح الرؤية، وبه قال الإمام أحمد (¬2) وروي مأثورًا والحديث الذي جاء فيها على ظاهره (¬3) ¬
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فرجعت إلى ربي وهو في مكانه» (¬1) . والحديث بطوله مخرج في الصحيحين، والمنكر لهذه اللفظة، بعد ورود الحديث راد على الله ورسوله وفي خطر عظيم. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فصل وجوب الإيمان بما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم
[فصل وجوب الإيمان بما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم] فصل ويجب الإيمان بكل ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وصح به الخبر عنه، مما شهدناه أو غاب عنا أنه صدق وحق، سواء في ذلك ما عقلناه، أو جهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه، وكان يقظة لا مناما (¬1) . ومن ذلك: أشراط الساعة، وإن الدجال الأعور خارج في هذه الأمة لا محالة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، لا شك في ذلك، ولا ارتياب، وهو أكذب الكاذبين (¬2) . وأن عيسى ابن مريم [عليهما (¬3) ] السلام، نازل ينزل على المنارة البيضاء، شرقي دمشق، فيأتيه - أي الدجال - وقد حصر المسلمين على عقبة أفيق، فيهرب منه، ويقتله عند باب لُد الشرقي - ولُد أرض [بفسلطين بالقرب] (¬4) من الرملة نحو ميلين - (¬5) . ¬
ويظهر المهدي المنتظر (¬1) . ويخرج يأجوج ومأجوج (¬2) . وتطلع الشمس من مغربها (¬3) . ¬
وتخرج الدابة (¬1) والنار (¬2) . وأشباه ذلك كما صح به النقل. وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، ومن أنكر قيام الساعة والحشر فقد كفر بالله العظيم وخرج عن ملة الإسلام. ¬
فصل الإيمان بالموت وملك الموت
[فصل الإيمان بالموت وملك الموت] فصل ونؤمن بأن الموت حق، وأن ملك الموت عليه السلام أرسل إلى موسى، فصكه حتى فقأ عينه، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في " الصحيح " (¬1) . لا ينكره إلا ضال أو مبتدع راد على الله ورسوله (¬2) . [عذاب القبر] ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت، فيؤمن بفتنة القبر، وعذاب الآخرة ونعيمها، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، وأمر به في كل صلاة (¬3) . وفتنة الأجداث وضغطتها (¬4) . ¬
وسؤال منكر ونكير حق والناس يفتنون في قبورهم فيقال: من ربك؟ وما دينك ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وأما المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيضرب بمرزبة (¬1) من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق، ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى (¬2) فتعاد الأرواح إلى الأجساد (¬3) . وتقوم القيامة التي أخبر بها في كتابه على لسان رسوله، وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، حفاة عراة غرلا (¬4) تدنو منهم الشمس، ويلجمهم العرق (¬5) (¬6) . ¬
فصل الميزان له لسان وكفتان
[فصل الميزان له لسان وكفتان] فصل وتنصب الموازين، فيوزن فيها أعمال العباد من الحسنات والسيئات، كما يشاء الله أن يوزن {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102 - 103] والميزان (¬1) له كفتان ولسان (¬2) . وتنشر الدواوين، وهي صحائف الأعمال، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، ومن وراء ظهره، ويحاسب الله الخلق، ويخلو بعبده المؤمن، فيقرره بذنوبه، كما ورد في الكتاب والسنة. وأما الكفار، فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، فإنه لا حساب لهم، ولكن تعد أعمالهم، فتحصى فيوقفون عليها، ويقررون بها، ويخبرون بها. ¬
أصناف ما تضمنته الدار الأولى والآخرة
[أصناف ما تضمنته الدار الأولى والآخرة] وأصناف ما تتضمنه الدار الأولى والآخرة، من أشراط القيامة، والحساب، والكتاب، والثواب، والعقاب، والجنة، والنار، حق. وكذلك الصور حق ينفخ فيه إسرافيل، فيموت الخلق، ثم ينفخ الأخرى، فيقومون من الأجداث إلى الحساب، وفصل القضاء. واللوح المحفوظ تستنسخ منه أعمال العباد، لما سبق فيه من المقادير والقضاء. والقلم حق (¬1) كتب الله به كل شيء وأحصاه في الذكر. وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتاب العزيز المنزل من السماء والسنة المطهرة والمأثور عن سيد الأنبياء. وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم والحديث المأثور عنه صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي فمن ابتغاه وجده. والموت يؤتى به يوم القيامة، فيذبح كما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي منادٍ يا أهل الجنة، فيشرئبون، وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا فيقولون هذا الموت كلهم قد رآه فيذبح ثم يقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت، قال تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] » [مريم: 39] (¬2) . ¬
فصل الحوض المورود وصفته
[فصل الحوض المورود وصفته] فصل وفي عرصة القيامة الحوض (¬1) المورود للنبي صلى الله عليه وسلم، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، وطوله شهر، وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا. [الصراط وحال الناس يومئذ] والصراط (¬2) منصوب على متن جهنم، يجوزه الأبرار، ويزل عنه الفجار، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو، ومنهم من يمشي شيئًا، ومنهم من يزحف ويخطف، ويلقى في جهنم. والجسر عليه كلاليب، تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر عن الصراط دخل الجنة، وإذا عبروا وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص بعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة. وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة أمته صلى الله عليه وسلم (¬3) والجنة والنار مخلوقتان اليوم، باقيتان (¬4) ولا يفنى أهلهما، لقوله تعالى في حق ¬
الفريقين:. . {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء: 57] والأصح (¬1) أن الجنة في السماء، وجهنم في الأرض، ولم يصرح بتعيين مكانهما، بل حيث شاء الله تعالى. والجنة دار أوليائه، والنار عقابه لأعدائه، وأهل الجنة فيها مخلدون، والمجرمون في عذاب جهنم: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75] وقد خلقت الجنة وما فيها، وخلقت النار وما فيها، خلقهما الله عز وجل قبل القيامة، وخلق لكل منهما خلقًا، ولا يفنيان أبدا. فإن احتج مبتدع أو زنديق، بقول الله عز وجل:. . {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أو نحو هذا من متشابه القرآن قيل له: "كل شيء مما كتب عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء والهلاك، وهما من الآخرة لا من الدنيا والحور العين لا تمتن عند قيام الساعة، ولا عند النفخة، ولا أبدًا، لأن الله تعالى خلقهن للبقاء، لا للفناء، ولم يكتب عليهن الموت، فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع، ضل عن سواء السبيل (¬2) . ¬
فصل رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة
[فصل رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة] فصل ونؤمن بأن المؤمنين يرونه سبحانه وتعالى يوم القيامة، عيانا بأبصارهم، كما يرون الشمس صحوًا، ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون (¬1) في رؤيته، يرونه سبحانه، وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة، كما يشاء الله سبحانه فيكرمهم، ويتجلى لهم من فوقهم (¬2) ولا يراه الكافرون قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23] وقال تعالى: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين: 35] وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وقال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] وهذا الباب في كتاب الله كثير. من تدبر القرآن طالبًا الهدى منه تبين له طريق الحق. وأن موسى عليه السلام سأل الله الرؤية في الدنيا وأنه تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة. ¬
وما ذكر أهل الكلام في مسألة الرؤية من نفي جهة ومقابلة، واتصال شعاع، وقرب وبعد، وما يتصل بهذا، فليس في ذلك كله نص من الشارع، ولم يتفوه به أحد من سلف الأمة وأئمتها، وإنما أحدثه المتكلمون المتخبطون في براهين الفلاسفة، فمن طواه على غرة (¬1) فقد أحسن واتبع، ومن خاض فيه بعقله الناقص، فقد أبعد وابتدع. قال الشيخ ولي الله الدهلوي (¬2) "وهو مرئي للمؤمنين في يوم القيامة لوجهين: أحدهما: أن ينكشف عليهم انكشافًا تامًا بليغًا، أكثر من التصديق به عقلًا، فكأنه الرؤية بالبصر، إلا أنه من غير موازنة ومقابلة وجهة ولون وشكل، وهذا الوجه قال به المعتزلة، وهو حق. وإنما خطؤهم في تأويلهم الرؤية بهذا المعنى أو حصرهم الرؤية في هذا المعنى. وثانيهما: أن يتمثل لهم بصور كثيرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «رأيت ربي في أحسن صورة» (¬3) فيرون هنالك ما يرون في الدنيا مناما. ¬
وهذان الوجهان نفهمهما ونعتقدهما، وإن كان الله ورسوله [أراد] (¬1) بالرؤية غيرها فنحن آمنا بمراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن لم نعلمه بعينه " (¬2) انتهى. ¬
فصل الملائكة وأعمالهم
[فصل الملائكة وأعمالهم] فصل ولله تعالى ملائكة، موكلون بكتابة الأعمال، وحفظ العباد عن المهالك والمهاوي، والدعوة إلى الخيرات والحسنات، ويلمون للعبد بالخير والرشد، لكل واحد منهم مقام معلوم، لا يتجاوز عنه، و. . . {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] (¬1) . ومن خلق الله سبحانه الشياطين، لهم لمة (¬2) شر لابن آدم، وتصرف فيهم، وتجري من ابن آدم مجرى الدم (¬3) . ¬
فصل لا يخلد صاحب كبيرة في النار
[فصل لا يخلد صاحب كبيرة في النار] فصل ولا يخلد صاحب الكبيرة المسلم في النار (¬1) والعفو عن الكبائر جائز، وكذلك العفو عنها عمن مات بلا توبة جائز، من باب خرق العوائد. وبعثة الرسل إلى الخلق، وتكليف الله عباده بالأمر والنهي على ألسنتهم حق، وهم معصومون من الكفر ومن الكبائر مطلقًا ومن الإصرار على الصغائر، يعصمهم الله عنها. ودعوة نبينا صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الإنس والجن لقوله تعالى:. . {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] ولحديث مسلم «بعثت إلى الخلق كافة» (¬2) وفيه من العموم ما لا يقدر قدره. والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجب بشرط أن لا يؤدي إلى الفتنة وأن يظن قبوله. والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريش، ما بقي من الناس اثنان (¬3) وليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها، ولا يخرج عليهم ولا يقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة. والجهاد ماض قائم، مع الأئمة الأبرار والفجار، مذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر [الأمة] (¬4) الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل. ¬
والجمعة، والعيدان، الفطر، والأضحى، والحج مع السلاطين، وملوك الإسلام، وإن لم يكونوا بررة عدولًا أتقياء. ودفع الصدقات، والخراج، والأعشار، والفيء، والغنائم إليهم عدلوا فيها أو جاروا. والانقياد لمن ولاه الله عز وجل أمر الناس. ولا ينزع يدًا من طاعته ولا يخرج عليه بسيف حتى يجعل الله له فرجًا ومخرجًا. ولا يخرج على السلطان، يسمع ويطيع، ولا ينكث بيعته، فمن فعل ذلك فهو مبتدع، مخالف، مفارق للجماعة، ولا يمنعه حقه. والإمساك في الفتنة سنة ماضية، واجب لزومها، فإن ابتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على الفتنة بيد ولا لسان، ولكن اكفف يدك ولسانك وهواك (¬1) ومن ولي الخلافة، واجتمع عليه الناس، ورضوا به، أو غلبهم بسيفه، حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين، وجبت طاعته، وحرمت مخالفته (¬2) فيما ليس بمعصية لله ولرسوله، ويحرم الخروج عليه، وشق عصا المسلمين. وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية، فليس لك أن تطيعه ألبتة (¬3) وليس لك أن تخرج عليه. ¬
جواز الاستثناء في الإيمان غير ألا يكون في الشك
[جواز الاستثناء في الإيمان غير ألا يكون في الشك] والاستثناء في الإيمان جائز غير أن لا يكون للشك، بل هي سنة ماضية عند العلماء ولو سئل الرجل أمؤمن أنت؟ فإنه يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، أو مؤمن أرجو الله، أو يقول آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله (¬1) . روي ذلك عن ابن مسعود (¬2) وعلقمة (¬3) بن قيس، وأسود بن يزيد (¬4) وأبي وائل شقيق بن سلمة (¬5) ومسروق بن الأجدع (¬6) ومنصور بن المعتمر (¬7) وإبراهيم النخعي (¬8) ومغيرة بن مقسم الضبي (¬9) وفضيل بن عياض (¬10) وغيرهم. وهذا استثناء على يقين (¬11) قال الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] ¬
فصل من عقائد أهل السنة والجماعة
[فصل من عقائد أهل السنة والجماعة] فصل وينكرون الجدال والمراء في الدين، والخصومة في القدر، والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل، ويتنازعون فيه من دينهم، بالتسليم للروايات الصحيحة، وبما جاءت به الآثار التي رواها الثقات، عدلًا عن عدل، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولون كيف ولم لأن ذلك بدعة. ويقولون إن الله تعالى لم يأمر بالشر، بل نهى عنه، وأمر بالخير، ولم يرض بالشرك والكفر والمعاصي، وإن كان مريدا له (¬1) . ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر [فأغفر له] (¬2) (¬3) كما جاء- ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين فيما يوافق القرآن والحديث لا في غيره. ولا يبتغون في دينهم ما لم يأذن به الله. و [يقرون] (¬4) أن الله تعالى يجيء يوم القيامة، كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وأن الله تعالى يقرب من خلقه كيف يشاء، كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] ¬
ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام سني، برٍ وفاجر (¬1) . ويثبتون المسح على الخفين سنة، ويرونه في السفر والحضر (¬2) (¬3) . ويثبتون فرض الجهاد للمشركين، من كانوا، وأينما كانوا، منذ بعث الله رسوله بالحق والصدق إلى آخر عصابة [تقاتل] (¬4) الدجال. وبعد ذلك يرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والسداد والنصيحة لهم ولعامتهم ولا يخرج عليهم بالسيف. وأن لا يقاتلوا في الفتنة، وأن الدعاء لموتى المسلمين، والصدقة عليهم، بعد موتهم تصل إليهم (¬5) . ¬
ويصدقون بأن في الدنيا سحرة، وأن الساحر كافر، وأن السحر كائن موجود في الدنيا (¬1) . ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم (¬2) . و [يقرون] (¬3) أن الأرزاق من قبل الله تعالى يرزقها عباده حلالًا كانت أو حرامًا، وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه. وأن الصالحين يجوز أن يخصهم الله تعالى بآيات تظهر عليهم. وأن الأطفال أمرهم إلى الله (¬4) . إن شاء عذبهم، وإن شاء فعل بهم ما أراد، والله أعلم بما كانوا عاملين. ¬
والله يعلم ما يعمل العباد، وكتب أن ذلك يكون، وأن الأمر بيد الله. ويرون الصبر على حكم الله، والأخذ بما أمر الله، والانتهاء عما نهى الله عنه، وإخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين. ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة الإسلام ولكل مسلم. واجتناب الكبائر، والزنى، وشرب الخمر، والسرقة، وقول الزور، وشهادة الزور، والمعصية، والفخر، والكبر، والازدراء على الناس، والعجب، والتفاخر بالأنساب، والطعن في الأحساب. ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة، والتشاغل بقراءة القرآن، مع التدبر والإمعان، وكتابة الآثار، ودرس الأحاديث، والتمسك بها في كل حال من السخط والرضا، والنظر في السنة، مع التواضع والاستكانة، وحسن الخلق، وبذل المعروف، وكف الأذى، وترك الغيبة والنميمة. ويرون السعي، وتفقد المآكل والمشارب، على وجه الحلال، ومن حرم المكاسب والتجارات وطيب المال من وجهه فقد جهل وأخطأ وخالف، بل المكاسب من وجهها حلال، وقد أحلها الله ورسوله، فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله، من فضل ربه، فإن ترك ذلك على أنه لا يرى الاكتساب فهو مخالف (¬1) . ¬
والدين إنما هو كتاب الله عز وجل وآثار، وسنن وروايات صحاح، وأخبار صحيحة، عن الثقات، بالرواية القوية المعروفة الصحيحة، يصدق بعضها بعضا، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن تبعهم ومن بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم المتمسكين بالسنة والمتعلقين بالآثار لا يعرفون ببدعة ولا يطعن فيهم بكذب ولا يرمون بخلاف أهل الحق (¬1) مع أنه يجب على من له أدنى تمييز أن يرجع إلى واضحات الكتاب والسنة ويقلد فيما خفي عليه بقدر الضرورة (¬2) . وقد يملأ أحدهم (¬3) الأرض بتصانيفه، ولو في خدمة الكتاب والسنة، من التفسير والشرح لهما، وهو مع ذلك جاثم على ما اتفق له من التقليد، ساع في ¬
نصرة مذهب إمامه، ولو بالتعسف، مطرح لقول الله ورسوله، مؤثر لما وجد عليه سلفه ولا ينكر هذا إلا مغمور في الغفلة والجهل، أو معاند لا يطلب منه المحاكمة إلا بين يدي الله سبحانه، ولو هاب كتاب الله، أو حظي بلمعة من الإيمان الصادق، أو شمة من الإخلاص، أو مذقة من الخوف، لعرف وأنصف. أخرج أهل السنن والمسانيد والمعاجم عن عدي بن حاتم قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] فقال: "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا شيئا أحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه» (¬1) . وظاهر هذا أنه ليس سواء إحسان الظن بهم، والاطمئنان إليهم، والاستغناء بكلامهم عن كلام الله وكلام رسله. وقالوا: هم أخص منا وأرسخ به. وتعصب كل لمتبوعه، وصاروا فرقا متفرقة، وأحزابًا ¬
متحزبة. وسلكت هذه الأمة (¬1) مسلك الأمم الماضية حذو النعل بالنعل. وقد تواترت أحاديث الافتراق (¬2) تواترًا معنويًا وهو من المعجزات النبوية ولم يحمل على هذا في الأمم الخالية وفي هذه الأمة إلا حب الدنيا من الجاه، وجمع الحطام، وإسعاف المرام، وإنجاح الحاجات، وطيب العيش، والمرافق الدنيوية، وأهواء النفس الأمارة بالسوء. وقد رأينا ذلك، وجربناه في كثير من الأحياء، يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون، ويسلكون الطريقة الموصلة إلى ما ينفق عند الناس ويدعون ما يوصل إلى حقائق الحق. فإياك أن تعدل الخلق بربك وتؤثرهم عليه. اللهم زينا بزينة الإيمان الخالص واجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين سلما لأوليائك وحربا لأعدائك نحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من خالفك وأجرنا من مضلات الفتن آمين يا أرحم الراحمين. ¬
فصل من السنة هجر أهل البدع
[فصل من السنة هجر أهل البدع] فصل ومن السنة هجران أهل البدع، ومباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدين والسنة، وكل محدثة في الدين بدعة، وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم، في أصول الدين وفروعه، كالرافضة (¬1) والخوارج (¬2) والجهمية (¬3) والقدرية (¬4) والمرجئة (¬5) . والكرامية (¬6) . ، والمعتزلة (¬7) فهذه فرق الضلالة وطرائق البدع. والاختلاف في الفروع شائع، كما في المذاهب الأربعة، والمختلفون فيها محمودون متابعون على اجتهادهم، ما لم يخالف النص، واختلافهم رحمة واسعة (¬8) . ، إذا كان مبنيًا على أدلة الكتاب والسنة كاختلاف الصحابة فيما بينهم، وهم أسوة الأمة واتفاقهم حجة عند قوم. ¬
ثم من طريقهم اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا، والمشي على ظاهر السنة وواضحها، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» إلى قوله: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» (¬1) . "، ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله تعالى كما قال تعالى:. . {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122] ¬
مقصود الإجماع
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم من هدي كل أحد سواه، ولهذا سموا أهل الكتاب والسنة وأهل الحديث والآثار. [مقصود الإجماع] والإجماع ما عليه أهل العلم، من أقوال وأعمال ظاهرة وباطنة، مما له تعلق بالدين، والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، وبعدهم كثر الاختلاف، ولم يوجد إجماع على حده، ولهذا أنكره الإمام أحمد، وغيره، من أهل التحقيق (¬1) . وهم مع هذه الأصول، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، على ما توجبه الشريعة، ويحافظون على الجماعات، والجمعة، ويدينون بالنصيحة للأمة، ولولاة الأمور، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه» (¬2) . وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» (¬3) . ¬
ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ويقولون: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا» كما في الحديث (¬1) . ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك. وينهون عن الفخر والخيلاء، والبغي، والاستطالة على الخلق بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفلها. وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة، وطريقهم هو دين الإسلام، الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم لكن لما أخبر النبي أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة (¬2) وفي حديث أنه قال: «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم ¬
وأصحابي» (¬1) ". صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب (¬2) هم أهل السنة والجماعة وفيهم الصديقون والشهداء، ومنهم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، أولو المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة، وفيهم أئمة الدين، الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، وهم الطائفة المنصورة، التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة» (¬3)) . ¬
فصل الاعتقاد بالكتاب والسنة
[فصل الاعتقاد بالكتاب والسنة] فصل في الاعتقاد بالكتاب والسنة عن مالك أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم» (¬1)) . . وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي [ولن] (¬2) يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما» أخرجه الترمذي (¬3) . وعن العرباض بن سارية قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا بوجهه، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا. قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» أخرجه أبو داود والترمذي (¬4) . ومعنى عضوا عليها: أي تمسكوا بها كما يتمسك العاض بجميع أضراسه. ¬
وعن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله تعالى فما وجدنا فيه حلالًا استحللناه وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله» أخرجه أبو داود والترمذي (¬1) . وزاد أبو داود في أوله «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه» وذكره بمعناه. والأريكة: السرير في الجملة وقيل: هو كل ما اتكئ عليه. وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مثل ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا وزرعوا. وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله تعالى به، فعلِمه وعلَّمه، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله تعالى الذي أرسلت به» رواه الشيخان (¬2) . وعن ابن مسعود قال: «إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وإنما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين» رواه البخاري (¬3) . ¬
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أخرجه الشيخان وأبو داود وفي رواية «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬1) . وعن ابن عباس قال: "من تعلم كتاب الله، ثم اتَّبع ما فيه هداه الله من الضلالة في الدنيا، ووقاه سوء الحساب في الآخرة" (¬2) . وعن عمر بن الخطاب قال: "تُرِكْتم على الواضحة ليلها كنهارها، كونوا على دين الأعراب والغلمان في الكُتَّاب" (¬3) . وعن علي بن أبي طالب قال: "تُرِكتم على الجادة: [منهج] (¬4) عليه أم الكتاب" أخرجها رزين (¬5) . وعن ابن مسعود أنه قال: "من كان مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيهم صلى الله عليه وسلم ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم ¬
من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم" (¬1) . أخرجه رزين. وعن عمرو بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي» رواه الترمذي (¬2) . وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم» رواه مسلم (¬3) . وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» رواه مسلم (¬4) . ¬
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» رواه مسلم (¬1) . وعن أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أُلفِينَّ أحدكم مُتكِئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي في "دلائل النبوة" (¬2) . وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» رواه في "شرح السنة". قال النووي في أربعينه: "هذا حديث صحيح رويناه في كتاب "الحجة" بإسناد صحيح " (¬3) . وعن بلال بن [الحارث] (¬4) . المازني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان ¬
عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئًا» رواه الترمذي وابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو عن أبيه عن جده (¬1) . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بني إسرائيل تفترق على ثنتين وسبعين ملة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله قال: ما أنا عليه وأصحابي» رواه الترمذي (¬2) . . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تمسك بسنتي عند فساد أمتي، فله أجر مائة شهيد» رواه البيهقي في كتاب "الزهد" له من حديث ابن عباس (¬3) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم في زمان من ترك منكم عُشْر ما أمر به هلك، ثم يأتي زمان من عمل منهم بعُشْر ما أمر به نجا» ¬
رواه الترمذي (¬1) . وعن غضيف بن الحارث الثمالي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسُّكٌ بسنةٍ خير من إحداث بدعة» رواه أحمد (¬2) . وعن إبراهيم بن ميسرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» رواه البيهقي في "شعب الإيمان" مرسلا (¬3) . ¬
وعن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها» رواه الدارقطني (¬1) . وعن عبد الله بن الديلمي قال: "بلغني أن أول ذهاب الدين ترك السنة، يذهب الدين سُنَّة سُنَّة كما يذهب الحبل قوة قوة" رواه الترمذي (¬2) . وعن ابن مسعود قال: "ما سألتمونا عن شيء من كتاب الله نعلمه أخبرناكم به أو سنة من نبي الله أخبرناكم به، ولا طاقة لنا بما أحدثتم " رواه الدارمي (¬3) . قلت: هذه جملة مختصرة من الكتاب والسنة، وآثار السلف فالزمها وما كان مثلها مما صح عن الله ورسوله وصالح سلف الأمة بما حصل من الاتفاق عليه من خيار الأمة، ودع أقوال من عداهم محقورا مهجورا، مبعدا مدحورا، مذموما ملوما، وإن اغتر كثير من المتأخرين بأقوالهم وجنحوا إلى اتّباعهم فلا تغتر بكثرة أهل الباطل فقد قال تعالى:. . {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء» رواه مسلم (¬4) . . ¬
وصايا المصنف لطلبة العلم
[وصايا المصنف لطلبة العلم] ولنعم ما قيل: إن القلوب يد الباري تقلبها ... فلتسأل الله توفيقًا وتثبيتا من يضلل الله لا تهديه موعظة ... وإن هديت فبالأخبار أُنبيتا فهذه غربة الإسلام أنت بها ... فكن صبورًا ولو في الله أوذيتا فهذه الأقاويل التي وصفت، مذاهب أهل السنة والأثر، وأصحاب الرواية، وحملة العلم النبوي، فمن خالف شيئًا من هذه، أو طعن فيهم، أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة، وسبيل الحق. وما ذكرته من العقائد، ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشأته، ليحفظه، ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره، شيئًا فشيئًا، ومن فضل الله على قلب الإنسان أن شرحه في أول نشأته للإيمان، من غير حاجة إلى حجة وبرهان، فلا بد من إثباته في نفس الصبي، والعامي، حتى يترسخ ولا يتزلزل. وليس الطريق في تقويته وإثباته، أن يعلم صفة الكلام والجدال، بل يشتغل بتلاوة القرآن وقراءة الحديث، ومعانيه، ويشتغل بوظائف العبادات، فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخًا بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحججه، وبما يَرِد عليه من شواهد الأحاديث وفوائدها، وبما يسطع عليه من أنوار العبادة ووظائفها. وينبغي أن يحرس سمعه من الجدال والكلام غاية الحراسة، فإن ما يشوشه الجدل أكثر مما يمهده، وما يفسده الكلام أكثر مما يصلحه، وقد كتبنا في ذم الكلام رسالة سميناها "قصد السبيل في ذم الكلام والتأويل" (¬1) . وناهيك بالعيان برهانًا فقس عقيدة أهل الصلاح والتقى من عوام الناس بعقيدة المتكلمين والمجادلين، ترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود (¬2) الشامخ، لا تحركه، ¬
الدواهي والصواعق. وعقيدة المتكلم الحائر بين اعتقاد وتقسيمات الجدل كخيط مرسل في الهواء، تقلبه الرياح مرة هكذا، ومرة هكذا. ثم الصبي إذا نشأ على هذه العقيدة إن اشتغل بكسب الدنيا لم يتضح له غيرها ولكنه يسلم في الآخرة باعتقاد أهل الحق إذ لم يكلف الشرع أجلاف العرب أكثر من التصديق الجازم بظاهر هذه العقائد، فأما البحث والتفتيش وتكلف نظم الأدلة فلم يكلفوا به أصلًا إن أراد أن يكون من سالكي طريق الآخرة وساعده التوفيق حتى اشتغل بالعمل ولازم التقوى ونهى النفس عن الهوى واشتغل بالرياضة والمجاهدة انفتحت له أبواب من الهداية تكشف عن حقائق هذه العقيدة وتَنوُّرٌ إلهيٌّ يقذف في قلبه بسبب المجاهدة تحقيقًا لوعده عز وجل حيث قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]
خاتمة الكتاب من المصنف
[خاتمة الكتاب من المصنف] خاتمة الرسالة قد زعمت في هذه المسائل والأبحاث، التي ذكرتها في هذه الرسالة، وفي رسائل [أخرى] (¬1) أني لاحظت الحق ونصرته بجهدي، وتابعت الكتاب والسنة، بحسب فهمي، وغاية ما عندي، وأضربت عن المقاولات والمراجعات، وطويت الكشح (¬2) عن دفع الاعتراضات الباطلات، مع أني قصير الباع، قليل الاطلاع، فما أخطأت فيه من كلامي، وخالفت فيه واضح الكتاب وصريح السنة فعلى كل مسلم رده، والاجتناب عنه، ومتابعة الكتاب العزيز والسنة المطهرة دونه. فإنما قصدي نصرتهما، لا مخالفتهما، فما أصبت فيه فمن الله سبحانه، وله فيه الحمد والمنة والشكر والثناء، وما أخطأت فيه، فالذنب فيه مني، ومن الشيطان، وعلي فيه البراءة منه والتوبة عنه، والاستغفار والتحذير. وأشد الكراهة أن أفرق بين كراهة ما صدر مني من البدع والخلاف، وما صدر من غيري بناء على عدم الإنصاف وركوب الاعتساف. بل يجب أن أكون أشد كراهة لما صدر مني لأنه ذنب يضرني، وأؤاخذ بسببه، وذنب غيري، لا يضرني ولا أؤاخذ به. والله سبحانه أسأل أن يسلمني من البدع والذنوب، ويغفر لي ما أخطأت فيه من الأصول والفروع، إنه واسع الغفران والرحمة، وهو حسبي وكفى في الآخرة والأولى. والمحامي [عن] (¬3) السنة المطهرة، والكتاب العزيز، والذاب عنهما، كالمجاهد في سبيل الله تعالى، وروح القدس مع من ذب عن دين الله، وسنة نبيه ونافح ¬
عنهما من بعده إيمانًا وحبًا ونصحًا له رجاء أن يكون من الخلف الصالح، والذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» (¬1) . والجهاد باللسان أحد أنواع الجهاد وسبله، وما المراد إلا بيان الحق وانتصار الفطرة التي فطر الله الناس عليها كما تطابق عليه القرآن الكريم والسنة الغراء. ولا أعيب على من خالفني في شيء، ولا يعاب التقصير فيه علي، لأني مقر به، وأهله، ومحله، مع الدعاء واللجأ إلى الله سبحانه أن يهديني للهدى، وييسر الهدى لي وقد وعد به في كتابه الحكيم مؤكدًا بمؤكدات فقال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل: 12] وقال: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9] هذا للخلق عموما، وللمؤمنين خصوصًا {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] ¬
وإنما يضل أكثر الخلف من تركهم العمل بآيات الله البينات والسنة وتطلبهم غيرها قال الله تعالى: {كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: 211] فليحذر من ذلك كل الحذر أي من عدم القنوع بما قنع به السلف من حجج الله، فياله من تخويف شديد، ووعيد عظيم. وإنما يعرف الحق من جمع خمسة أوصاف [أعظمها] (¬1) الإخلاص والفهم والإنصاف ورابعها وهو أقلها وجودًا وأكثرها فقدانًا الحرص على معرفة الحق وشدة الدعوة إلى ذلك. والبدع والمحدثات قد كثرت وقد عمت البلوى بالإشراك بها وكثر الدعاء إليها، والتعويل عليها، وطلاب الحق اليوم شبه طلابه في أيام الفترة وهم سلمان الفارسي (¬2) وزيد بن عمرو بن نفيل (¬3) وأضرابهما، فإنهم قدوة لطالب الحق وفيهم له أعظم أسوة لما حرصوا على الحق وبذلوا الجهد في طلبه حتى بلغهم الله إليه [وأوقفهم] (¬4) عليه وفازوا من بين العوالم الجمة. فكم أدرك الحق طالبه في زمن الفترة وكم عمي عنه من طلبه في زمن النبوة، فاعتبر بذلك، واقتد بأولئك الكرام، فإن الحق ما زال مصونا عزيزا نفيسا كريمًا، لا ينال مع الإضراب عن طلبه، وعدم التشوق والإشراف إلى سببه، ولا يهجم على البطالين المعرضين ولا يناجي أشباه الأنعام الضالين. ¬
ما أعظم المصاب بالغفلة، والاغترار بطول المهلة، فليعرف مريد الحق قدر ما هو طالبه، فإنه طالب لأعلى المراتب {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء: 19] {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} [البقرة: 63] فليس في الوجود بأسره أعز من الإيمان بالله تعالى وكتبه ورسله، ومتابعتهم، ومعرفة ما جاءوا به، ولا تطلب ذلك أهون الطلب فإن طلبة الدنيا وزخارفها الفانية، يرتكبون الأخطار والمتالف الكبار، وينفق أحدهم غضارة عمره، ونضارة شبابه، وإبّان أيامه فيها، وهي لا تحصل لهم على حسب المراد، فكيف بما هو أبقى وخير منها؟ ولم يرفعوا له رأسًا ولم يبنوا له أساسًا. وإنما أطلنا القول لأني أعلم بالضرورة في نفسي وغيري: أن جهل الحقائق أكثرها إنما سببه عدم الاهتمام بمعرفتها على الإنصاف، وترك الاعتساف، لا عدم الفهم والإدراك، فإن من [اهتم] (¬1) بشيء أدركه، فكيف لا يفهم طالب الحق مقاصد الأنبياء والمرسلين والسلف الصالحين، مع الاهتمام فيه، وبذل الجهد فيه، وحسن القصد ولطف أرحم الراحمين؟ ولا ينبغي لطالب الحق والصواب أن يصغي إلى من يصده عن كتب الله، وما أنزل فيها من الهدى والنور، والرحمة لطفًا للمؤمنين ونعمة للشاكرين، وليحذر كل الحذر من زخرفتهم وتشكيكهم، وليعتبر بقول الله لرسوله المعصوم {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 73] الآية [الإسراء: 73] ، ويالها من موعظة موقظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ولا يستوحش من ظفر بالحق بكثرة المخالفين، وليوطن نفسه على الصبر واليقين، نسأل الله تعالى أن يرحم غربتنا في الحق ويهدي ضالنا ولا يردنا عن أبواب رجائه ودعائه وطلبه ورحمته محرومين. ¬
وخامسها وهو أصعبها المشاركة في العلم والتمييز والفهم والدراية حتى يتمكن من معرفة الحق ومقدار ما يقف عليه فيرغب فيه من غير تقليد، لأنه لا يعرف المقادير إلا ذو بصر نافذ، وفهم ماض، فإن عرضت له محنة، لم يتطير بطلب الحق، فيكون ممن يعبد الله على حرف، وليثق بمواعيد الله وقرب الفرج قال تعالى {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: 79] {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] وليعلم يقينًا أنه تعالى مع الصابرين والصادقين والمحسنين، وأن الله سبحانه ناصر من ينصره، وذاكر من يذكره [وإن سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأمور عائد على متبعيه، ونصر الله شامل لناصريه] (¬1) . وقد أمر الله تعالى بالمعاونة على البر والتقوى. وصح الترغيب في الدعاء إلى الحق والخير، وأن الداعي إلى ذلك يؤتى مثل أجور من اتبعه (¬2) . . ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعًا، ومن أمر بالصلاح والإصلاح ابتغاء مرضات الله فسوف يؤتيه أجرًا عظيمًا. وفي سورة العصر قصر السلامة من الخسر على الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] وأنا أستغفر الله، وأساله التجاوز عني والمسامحة في كل ما أخطأت فإني محل الخطأ والغلط، وأهله، وهو سبحانه أهل التقوى والمغفرة والسعة والمسامحة والغنى الأعظم والكرم الأكبر عن مضايقة المساكين والجاهلين إذْ كان الله سبحانه وتعالى غنيًا عن عرفان العارفين غير متضرِّرٍ بجهل الجاهلين. ¬
وآخر كلامي كأوله أن الحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وشفيع المذنبين وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الراشدين المهديين إلى يوم الدين. هذا وكان الفراغ من زَبْرِها (¬1) غداة يوم الأربعاء من شهر ذي القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين وألف في بلدة بهوبال المحمية، صانها الله تعالى وأهلها عن جميع البلية والرّزِيّة. وأنا العبد الفقير إلى الله، الغني به عمن سواه، أبو الطيب صديق بن حسن بن علي الحسين القِنَّوجي، غفر الله زلَله، وأصلح خلله، وتقبل عمله، وبلغه أمله. وقد جمعها تعليما لفلذة كبده، وأصغر ولده، وثمرة فؤاده، السيد علي بن صديق بن حسن (¬2) . فسح الله في علمه وعمره، وعمله وأمده، وبارك له وفيه، وكان مدى الأزمان في مدده، وسميتها: " قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر " والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا نظم: إني سألتك بالله الذي خضعت ... له السماوات وهو الواحد الباري إذا تأملت فاستغفر لجامعه ... لعل جامعه ينجو من النار ثم أختم الكلام على هذا النظام نظم: يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فبمن يلوذ و [يستجير] المجرم مالي إليك وسيلة إلا الرجا ... لعظيم عفوك ثم إني مسلم ¬
أهم المصادر والمراجع
[أهم المصادر والمراجع] 4 - أهم المصادر والمراجع القرآن الكريم أبجد العلوم / صديق حسن خان، ط 1 المكتبة القدوسية، باكستان، سنة 1403 هـ- 1983 م. اجتماع الجيوش الإسلامية / لابن القيم ط1 المنيرية، سنة 1351 هـ. الإجماع / لابن المنذر تحقيق د / أبو حماد صغير أحمد، ط1 دار طيبة، سنة 1402 هـ الرياض. الإحكام في أصول الأحكام / ابن حزم. تحقيق أحمد شاكر ط 1 السعادة، مصر، سنة 1982 م. إحياء علوم الدين / أبو حامد الغزالي، مطبعة لجنة الثقافة الإسلامية، مصر، سنة 1351 هـ. الأدب المفرد / البخاري. الأذكار / النووي، إحياء التراث، سنه 1375 هـ- 1955 م. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل / محمد ناصر الدين الألباني، ط 1، المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1399 هـ- 1979 م. الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني، ط 1، الحلبى، مصر، سنة 1358 هـ. الاستقامة / ابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض. الأسماء والصفات / البيهقي، بتعليق الكوثري، دار العلم للتراث الإسلامي، بيروت. بدعة التعصب المذهبي / محمد عيد عباسي، ط 1 دمشق، دار الوعي العربي. البدع والنهي عنها / ابن وضاح القرطبي، تحقيق محمد أحمد دهمان، دار البصائر.
تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف / جمال الدين المزي، ط 1 إشراف الشيخ عبد الصمد شرف الدين، نشر، الدار القيمة بومباي الهند، سنة 1396 هـ- 1976 م. الترغيب والترهيب / المنذري، ط 1، السعادة، مصر، سنة 1379 هـ- 1960 م. تفسير ابن كثير / ط دار الشعب، مصر. تفسير الطبري، مصورة عن الأولى الأميرية، مصر، سنة 1328 هـ. تفسير الطبري، تحقيق أحمد شاكر ومحمود شاكر، دار المعارف، القاهرة. تقريب التهذيب / ابن حجر العسقلاني، حققه عبد الوهاب عبد اللطيف، ط 2، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، سنة 1395 هـ- 1975 م. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير / ابن حجر العسقلاني، تعليق عبد الله هاشم يماني، ط شركة الطباعة الفنية القاهرة، سنة 1384 هـ- 1964 م. تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني، ط 1، دائرة المعارف النظامية حيدر آباد الدكن، سنة 1326هـ. التوحيد وإثبات صفات الرب / ابن خزيمة، راجعه الدكتور خليل هراس، مصورة عن دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1978 م- 1358 هـ. التوسل أنواعه وأحكامه / الألباني ط 2- الدار السلفية الكويت، سنة 1400 هـ. التوسل والوسيلة / ابن تيمية، المطبعة السلفية، مصر، سنة 1374 هـ. التوصل إلى حقيقة التوسل / محمد نسيب الرفاعي، ط 1، بيروت، سنة 1394 هـ- 1974 م. جامع الأصول في أحاديث الرسول / ابن الأثير الجزري، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، نشر مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان، ط 1، دمشق، سنة 1390 هـ- 1970 م. جامع بيان العلم وفضله / ابن عبد البر، دار الفكر، بيروت. جامع الترمذي / علق عليه عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، سنة 1384 هـ- 1964 م. الجامع الصغير / السيوطي، مع فيض القدير للمناوي، ط 2، دار المعرفة، بيروت. جامع العلوم والحكم / ابن رجب، مصورة عن ط مصر. توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء.
جمع الجوامع / السيوطي. جهود مخلصة في خدمة السنة / عبد الرحمن عبد الجبار، ط الهند، الجامعة السلفية بنارس. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح / ط 1، المدني، القاهرة، مصر. الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة / إسماعيل الأصفهاني، رسالة دكتوراة بتحقيق د / محمد بن ربيع مدخلي، جامعة أم القرى، سنة 1404 هـ. حركة التأليف باللغة العربية في الإقليم الشرقي الهندي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد / د. جميل أحمد، وزارة الثقافة، دمشق، سنة 1977 م. حلية الأولياء / أبو نعيم الأصفهاني، ط 2، دار الكتاب العربي، بيروت، سنة 1387 هـ. خلق أفعال العباد / البخاري، ضمن "عقائد السلف" نشر مكتبة الآثار السلفية قناة المعارف، الإسكندرية، سنة 1971 م. درء تعارض العقل والنقل / ابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، سنة 1399 هـ- 1979 م. الدر المنثور / السيوطي، ط 1، دار الفكر بيروت، سنة 1403 هـ- 1983 م. ديوان الضعفاء والمتروكين وخلق من المجهولين / الذهبي، حققه حماد الأنصاري، نشر مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، سنه 1387 هـ- 1967 م. الرحلة في طلب الحديث / الخطيب البغدادي، ضمن مجموعة الرسائل الكمالية، الطائف. رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد / تحقيق محمد حامد الفقي، تصوير حديث أكاديمي فيصل آباد، سنة 1402 هـ- 1982 م. الرد على الجهمية / الدارمي، ط ليدن. رسالة في الاستواء والفوقية والحرف والصوت / أبو عبد الله الجويني والد إمام الحرمين، المنيرية، ط 1، سنة 1343 هـ.
الرسالة / للشافعي، ط 1 البابي الحلبي، سنة 1351 هـ- 1940 م. الروح / ابن القيم، ط 2، مطبعة محمد علي صبيح، مصر، سنة 1376 هـ. رياض الصالحين / النووي، تحقيق الألباني، ط 1 المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1979 م، 1399 هـ. الزهد / للبيهقي، تحقيق تقي الدين الندوي، ط 2، دار العلم، سنة 1403 هـ- 1983 م. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة / الألباني، المجلد الأول، ط 4، المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1398 هـ. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة / الألباني، المجلد الثاني، ط 1، عمان، سنة 1399 هـ. المكتبة الإسلامية، عمان. سلسلة الأحاديث الصحيحة / الألباني، ج 1، المكتب الإسلامي، بيروت. سلسلة الأحاديث الصحيحة / الألباني، ج 2، المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1392 هـ- 1972 م. سلسلة الأحاديث الصحيحة / الألباني، ج 3، الدار السلفية، الكويت، سنة 1399 هـ- 1979 م. سلسلة الأحاديث الصحيحة / الألباني ج 4 ط 1، الدار السلفية، المكتبة الإسلامية، عمان. سنن ابن ماجه القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، البابي الحلبي، مصر. سنن أبي داود السجستاني، بتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، نشر دار إحياء السنة النبوية، بيروت. سنن الدارقطني / بتصحيح عبد الله هاشم يماني، طبع دار المحاسن، القاهرة. سنن الدارمي / بعناية محمد أحمد دهمان، نشر دار إحياء السنة، بيروت. السنن الكبرى / للبيهقي، تصوير دار الفكر، بيروت.
سنن النسائي (المجتبى) / تصوير دار الفكر، بيروت. السنة / أحمد بن حنبل، طبع مع الرد على الجهمية لأحمد أيضًا، بتعليق الشيخ إسماعيل الأنصاري، الرياض. السنة / عبد الله بن أحمد بن حنبل، ط 1، المطبعة السلفية بمكة، سنة 1349 هـ. السنة / محمد بن نصر المروزي، دار الثقافة الرياض، ودار الفكر. شرف أصحاب الحديث / الخطيب البغدادي، تحقيق د. أوغلي، دار إحياء السنة، بيروت، سنة 1971 م. صحيح البخاري، الملط مع شرحه فتح الباري، المطبعة السلفية، مصر. صحيح الترغيب والترهيب / الألباني، المجلد الأول، المكتب الإسلامي. صحيح الجامع الصغير / الألباني، المكتب الإسلامي. صحيح مسلم، بتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي. الصفات / الدارقطني، تحقيق د. علي ناصر الفقيهي، سنة 1403 هـ- 1983 م. ضعيف الجامع الصغير / الألباني، ط 2، طبع المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1399 هـ- 1979 م. طريق الهجرتين وباب السعادتين / ابن القيم ط 2 السلفية، مصر، سنة 1394 هـ. شذرات الذهب في أخبار من ذهب / ابن العماد الحنبلي، مكتبة القدسي، مصر، سنة 1350 هـ. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة / اللالكائي، تحقيق د. أحمد سعد حمدان، نشر دار طيبة، الرياض. شرح السنة / البغوي، تحقيق شعيب أرناؤوط وزهير شاويش، المكتب الإسلامي، ط 1، سنة 1380 هـ- 1971 م. شرح صحيح مسلم / النووي، تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت. شرح العقيدة الطحاوية / ابن أبي العز الحنفي، طبع المكتب الإسلامي، تحقيق الألباني.
شرح قصيدة ابن القيم - الشافية في الانتصار للفرقة الناجية / أحمد بن عبد الله الشرقي، المكتب الإسلامي، سنة 1382 هـ. شرف أصحاب الحديث / الخطيب البغدادي، بتحقيق د. محمد سعيد وخطيب أوغلي، نشر إحياء السنة النبوية، بيروت، سنة 1971 م. الشريعة / الآجري، بتحقيق محمد حامد الفقي، نشره مصورا، حديث أكاديمي، باكستان. شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل / ابن القيم، المطبعة الحسينية، مصر. العقيدة الواسطية / ابن تيمية، ط السابعة، المطبعة السلفية، مصر، سنة 1393 هـ. غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام / الألباني، ط 1، المكتب الإسلامي، سنة 1400 هـ- 1980 م. الفتوى الحموية / ابن تيمية، ط مصر مقابلة على النسخة المحققة من عبد الرزاق حمزة. الفصل في الملل والنحل / ابن حزم، دار المعرفة ودار صادر بيروت، سنة 1391 هـ- 1970 م. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد / عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، سنة 1403 هـ- 1983 م. فتح الباري / ابن حجر العسقلاني، المطبعة السلفية، بتصحيح وتعليق الشيخ عبد العزيز بن باز، توزيع إدارات البحوث. الفرق بين الفرق / عبد القاهر البغدادي، دار الآفاق، بيروت. الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان / ابن تيمية، ط 2، تعليق محمود علي فايد، مطبعة محمد علي صبيح، سنة 1378 هـ- 1958 م. فضائل القرآن / أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، رسالة ماجستير، تحقيق محمد تجاني جوهري. جامعة أم القرى، سنة 1393 هـ- 1973 م.
فيض القدير شرح الجامع الصغير / المناوي ط 2، دار المعرفة بيروت، سنة 1391 هـ- 1972 م. القاموس المحيط / الفيروز آبادي، تصوير مكتبة التربية للطباعة والنشر، بيروت. كنز العمال في سن الأقوال والأفعال / المتقي الهندي، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1399 هـ- 1979 م. الكواشف الجلية عن معاني الواسطية / عبد العزيز السلمان، ط 10، الرياض. لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية / السفاريني، ط علي نفقة حاكم قطر الشيخ علي آل ثاني. ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة القويمة البرهان / الألوسي، ط، المكتب الإسلامي بتخريج الألباني، سنة 1391 هـ. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / الهيثمي، طبع مصر، القدسي. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية / جمعها عبد الرحمن بن قاسم. مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة / ابن القيم، ط 1 المطبعة السلفية، مكة، سنة 1348 هـ على نفقة الملك عبد العزيز آل سعود. مختصر العلوّ للعلي الغفار / الألباني، سنة 1401 هـ- 1981 م، المكتب الإسلامي، بيروت. مسائل الإمام أحمد / سليمان أبو داود بن الأشعث، ط 1، رشيد رضا، سنة 1353 هـ. المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري، تصوير دار الفكر بيروت، سنة 1398 هـ - 1978 م. المسند / أحمد بن حنبل، تحقيق أحمد شاكر، ط 2، دار المعارف، مصر. المسند / أحمد بن حنبل، ط 2، المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1388 هـ - 1978م.
مشاهير علماء نجد وغيرهم / عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، ط 2، اليمامة للبحث والترجمة، سنة 1394 هـ. مشكاة المصابيح / الخطيب التبريزي، ط 1، المكتب الإسلامي، بيروت، سنه 1381 هـ- 1961 م. معجم الأدباء / ياقوت حموي، مكتبة القراءة والثقافة، بمصر. معجم البلدان / ياقوت حموي، دار صادر، بيروت. المعجم الصغير / الطبراني، ط الهند. الملل والنحل / الشهرستاني، بهامش الفصل، دار المعرفة والصادر ببيروت، سنة 1395 هـ- 1975 م. المناظرة في العقيدة الواسطية بين شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء عصره / نقلها الشيخ عز الدين على لسان ابن تيمية ط 5، نشرها محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، سنة 1393 هـ. موارد الظمآن في زوائد ابن حبان / الهيثمي، ط مصر السلفية، علق عليها محمد عبد الرزاق حمزة. ميزان الاعتدال في نقد الرجال / الذهبي، تعليق علي محمد البجاوي ط 1، طبع البابي الحلبي، سنة 1383 هـ- 1963 م. نزل الأبرار / صديق حسن خان، دار الباز للنشر والتوزيع. النزول / الدارقطني، تحقيق د. علي ناصر فقيهي، سنة 1403 هـ، 1983 م. نظام الطلاق في الإسلام / أحمد شاكر، ط 2، مكتبة النجاح مصر، 1389 هـ. النهاية في غريب الحديث / ابن الأثير، تصوير المكتبة الإسلامية، بيروت. نوادر الأصول / الحكيم الترمذي، دار صادر، بيروت. نيل الأوطار / الشوكاني، ط، البابي الحلبي، سنة 1371 هـ- 1952 م. هدي الساري / ابن حجر، (مع فتح الباري) المطبعة السلفية، مصر، توزيع إدارات البحوث بالرياض.