قطع الجدال في أحكام الاستقبال «للكعبة المشرفة»
محمد بن حسن العجيمي
قطع الجدال في أحكام الاستقبال
حذفت الصفحة رقم 4 ليستقيم تفريع الـ "مقدمة" وهذا للعلم ددد جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1422 هـ - 2001 م دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع هاتف: 702857 - فاكس: 704963 - 009611 بيروت - لبنان ص ب: 5955/ 14 e-mail: [email protected]
[مقدمة التحقيق]
المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين. أمَّا بعد: فهذه رسالة معنونة بـ "قطع الجدال في أحكام الاستقبال"، لمؤلِّفها الشيخ محمَّد بن حسن العجيمي المتوفَّى سنة (1156 هـ)، وهي تتعلَّق بحكم تقدم المأموم على الإِمام عند الكعبة إذا كانا في جهة واحدة، أو كان المأموم أمام الركنين وقد حاذى الإِمام. وقد أحببت إخراجها لينتفع بها إخواني، وكان السبب في نشرها فضيلة الشيخ البحاثة المكرم الأستاذ محمد بن ناصر العجمي -حفظه الله- عندما زارني، فعرضتُ عليه ما في خزانتي من مخطوطات تتعلَّق بالبلد الحرام، فطلب منِّي العناية بهذه الرسالة والاشتراك في "لقاء العشر الأواخر"، الذي أتحف الباحثين بالرسائل النافعة، والمخطوطات القيِّمة.
فاستجبت لطلبه، وامتثلت لرغبته، فجزاه الله خيرًا وبارك الله فيه ونفع به، وجعل الله الخير أمامه، والسعادة وراءه، هو وإخوانه القائمين على هذا اللقاء، والعاملين على إخراج هذه الكنوز من مكنوناتها. وأخيرًا أدعو الله الكريم أن يجعل ما عملته في ميزان حسناتي، وأن ينفع به إخواني، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم. وكتبه يُوسُف بن مُحمَّد الصّبيحي
ترجمة المؤلف
ترجمة المؤلف (¬1) اسمه وولادته: هو المؤرِّخ المحدِّث الشيخ محمد بن حسن العجيمي الحنفي المكي. وُلِد بمكة ونشأ بها. طلبه للعلم: أخذ العلوم عن عدد من العلماء حتى صار يشار إليه بالبنان، وحاز قصبات السبق في ميدان البيان، فأجازه عدد من العلماء بالتدريس. وكان عالم زمانه وفريد أقرانه. مشايخه: أخذ عن والده العلَّامة حسن العجيمي وغيره من علماء عصره. ¬
مؤلفاته
مؤلَّفاته: له عدد من المؤلفات، منها: "قطع الجدال"، وهي هذه الرسالة. وفاته: تُوُفِّي رحمه الله بمكة سنة 1156 هـ. * * *
وصف المخطوطة
وصف المخطوطة اعتمدتُ في إخراج هذه النسخة على المخطوطة الموجودة في مكتبة مكة المكرمة برقم (6) مجاميع، وهي بخط الرقعة، وتقع في 7 صفحات في كل صفحة 24 سطرًا. ونسخها الشيخ جعفر بن أبي بكر اللبني وتملكها، وفي طرَّتها تقريظ لأحد علماء مكة للرسالة. * * *
مخطوط ممم صورة الورقة الأولى من المخطوط
صورة الورقة الثانية من المخطوط
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله المرجو للتوفيق والسداد، الجاعل بيته الحرام قبلةً لسائر العباد، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّه المختار إمامِ الاهتداء، وصحابتِهِ الأخيار السالكين محجة الاقتداء. وبعد: فقد سُئِلَ العبدُ الحقير، المعترف بالعجز والتقصير، محمد ابن الشيخ حسن العُجيمي الحنفي، عاملهُ مولاه بلطفه الخفي، عن مسئَلةٍ كَثُرَ الاضطراب فيها في القديم والحديث، وكاد يَروجُ باطلَها في زماننا على بعض أهل الفقه والحديث، وهي مسألة: ما إذا صلَّى مقتدٍ على الحجارة السود المقابلة للشاذَرْوَان (¬1) ¬
مُزْوَرًّا (¬1) مستقبلًا جهة الباب بإمام حنفيٍّ في مقامه المعلوم (¬2). هل يجوز أم لا؟ فتقاعستُ عن الجواب، خشيةَ أن أكون ممَّن جازف وأفرط، فكاد يُجَوِّزُ تقديمَ المأموم على الإِمام، أو ممَّن خالف وفرَّط، فكاد يُعَطِّل جانبًا من سُوْحِ (¬3) بيته الحرامِ. ¬
الجواب عن السؤال
وتأكَّد الطلبُ، وتكرّر من فضلاء لا تنبغي مخالفة إشارتهم، مذكِّرين بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬1)، ومشيرين إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن سُئِلَ عن علمٍ فَكَتَمَهُ ... " الحديث (¬2)، مع إيراد بعض الفضلاء المشاركين في علم الهندسة شبهة ينبغي هو رسمها بلسان أهل الفن، لكونه -حفظه الله- مظهر السمت الحسن. فعند ذلك امتثلتُ الإِشارة، معترفًا بالقصور والحقارة، فقلتُ مستمدًّا من الملك الوهَّاب التوفيق لصوب الصواب: اعلم أيُّها الأخ الفاضل أنَّ المولى جلَّ شأْنُه، وعزَّ سلطانه، لما اقتضت حكمته الخفيَّة إيجادَ عباده للقيام ببعض حقوق العبودية، خلق بيته العظيم، وشَرَّفَهُ بإضافةِ التشريفِ والتكريم (¬3)، واختار له أشرف الأشكال الخمسة والثلاثين، وهو الشكل المربَّع لما سبق في علمه القديم، أن سيصير قبلة لمن في الجهات الأربع، أعني المشرق ¬
حث الشارع على صلاة الجماعة
والمغرب والشام واليمن؛ لاحتوائها على من في المساحة الأرضية من المُكَلَّفين في كل زمن مع دفع الحرج عنهم في الاستقبال باعتدالِ أَضلاعِهِ الأَربعةِ الملتئمةِ بأربع زوايا مُسَطَّحة، مُسَمَّات عند أهل اللغةِ والشرعِ أركانًا موضحة. ثُمَّ إنَّ الشارع أَوجب على كلِّ مكلَّفٍ مُشَاهدٍ لها استقبال تلك البقعة المُسْتَدَلِّ عليها بالمثال المُشَاهَد، وعلى كلِّ غائب عنها استقبالُ جهتها أيّ جهةٍ كانت من الجهات الأربع المتقدم ذكرها كما هو مُصَرَّحٌ به في كتب علمائنا (¬1)، ولا حاجة إلى الإِطالة بذكر النصوص لكونها من بديهيات مسائل مذهب الإِمام الأعظم. ثُمَّ إنَّ الشارع أيضًا حثَّ على الصلاة جماعة (¬2) وجعلها تفضل صلاة المنفرد ببضع وعشرين درجة (¬3)، وكتب للكائن خلف ظهر الإِمام في الصف الأوَّل مائة صلاة، وللذي في الجانب الأيمن خمسة وسبعين صلاة، وللذي في الجانب الأيسر خمسين صلاة، وللذي في سائر الصفوف خمسة وعشرين صلاة، كما نقله الزين في بَحْرِهِ (¬4)، وجعل صلاة المأموم منوطةً بصلاة الإِمام صحَّةً وفسادًا، وأوجب تأخره عن ¬
موقع المأموم من الإمام
إمامه تأخُّرًا حقيقيًّا أو حكميًّا -كما ستفهمه- تنويهًا بشرف الإِمام، وتبيينًا لتفاوت المقام. إذا تقرَّر ذلك، فاعلم أنَّ البيت الشريف زاده الله تشريفًا له أربع جهات متغايرة بالحس والاعتبار الشرعي، فإن اختلفت جهة المأموم والإِمام صحَّ اقتداؤه مطلقًا، وإن اتَّحدت جهتهما، فإن تأخَّر عن إمامه صحَّ اقتداؤه بلا كراهة ما لم يكن وحده بشرطه المعلوم، وإن حاذى إمامه صحَّ بلا كراهة ما لم يكن معه غيره بشروطه المعلومة، وإن تقدَّم على إمامه حقيقةً أو حكمًا لا يصح اقتداؤه (¬1). فالتقدُّم الحقيقي هو: أن يكون ظهرهُ إلى وجه إمامه. والتقدُّم الحكمي نظرًا إلى الصف المستقيم هو: أن يكون المقتدي بحال لو رسمنا خطًّا مستقيمًا من عَقِبه نجدُه متقدِّمًا على عقب الإِمام، أو قَدَمَهُ على الخلاف فيه، وبالنظر إلى الصف المستدير برسم دائرة متقدمة على دائرة الإِمام مع اتحاد قطبهما. والتأخُّر الحكمي: أن يكون المأموم أقرب إلى البيت الشريف من إمامه في غير جهته، فهو وإن تقدَّم على إمامه صورةً فهو متأخِّر حكمًا. والتأخر الحقيقي: هو أن يكون خلف الإِمام مطلقًا سواء كان في ¬
معنى الصف التربيعي
الصف المستقيم، أو في الصف الدوري، أو في الصف التربيعي. فالصف التربيعي هو: المحيط بجوانب البيت الشريف، والصف الدوري هو: الجاري في قوس الدائرة كصف المقام الحنفي، والصف المستقيم هو: الخالي من التقويس، فظهر لك من هذا أنَّ البيت الشريف مربع الشكل مع مقاربته للشكل المستطيل، وعلى كلٍّ فله أضلاع أربعة، كل ضلع جهة مستقلَّة بالحكم، وبين كل ضلعين ركن هو نقطة حاصلة من التقائهما يَحِدُّ كلًّا منهما عن الآخر، وأنَّ المقتدي إن كان في غير جهة إمامه صحَّ اقتداؤه مطلقًا، وإن كان فيها صحَّ بشرط عدم التقدُّم كما تقدَّم. بقي أنَّ المقتدي لو كان مسامتًا للركن الموالي لجهة الإِمام مع كونه أقرب إلى الكعبة كما هو واقعة الحال هل يصح اقتداؤه أم [لا]؟. قال العلَّامة الشيخ حسن الشرنبلالي (¬1) في حاشيته على الدرر (¬2): ينبغي أن لا يصح احتياطًا بلا نص، وتبعه على ذلك صاحب الدرّ ¬
المختار (¬1) وغيره، وكأن هذا الاحتياط نظر إلى قاعدة: تعارض المانع والمقتضى (¬2)، المذكورة في كتب أصول فقهائنا، وقد فرَّع عليها صاحب الأشباه (¬3) فروعًا كثيرة تقارب الفرع المذكور في العلة، غير أنَّ هذا الاحتياط إنما يظهر أثره فيما إذا لم تتمحض الجهة المستقبلة بأن كان محدَّد الركن بين عيني المستقبل قاسمًا صدره الذي هو المناط في الاستقبال شطرين: شطر تحصل به المشاركة للإِمام في جهته، وشطر في مقابل الجهة الموالية لها. وأمَّا إذا تمحَّضت الجهة بأن وقف على خط الركن مُزْوَرًّا موجّهًا صدره إلى إحدى الجهتين، فإن كانت جهة الإِمام فلا يصحّ اقتداؤه جزمًا لتقدِّمه المشاهد، وإن كانت غيرها صحَّ اقتداؤه بلا شبهة، وهذا لا يختصّ بالمأموم المستقبِل للركن، بل الإِمام كذلك لو استقبل الركن بلا تمحّض جهة يمنع المقتدي من التقدُّم عليه في كل من الجهتين احتياطًا، فإن تمحَّضت جهة يمنع المقتدي من التقدُّم فيها فقط. وسأوضح لك جميع ما تقدَّم ذكره برسم يتضمَّن تصوير البيت الشريف وبيان جهاته الأربع والصفوف الثلاثة: التربيعي، والدوري، ¬
والمستقيم، مع الإِشارة إلى الإِمام والمأموم والتقدُّم والتأخر والاتِّحاد والاختلاف. وهذا الرسم كما ترى، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ممم شكل توضيحي ممم فالشكل المربع هو صورة البيت الشريف، والخط الأحمر (¬1) الملاصق له هو صورة الشاذروان، والألف الحمراء للإِشارة إلى الإِمام، والألفات السود للإِشارة إلى المأمومين حول الكعبة وهو الصف التربيعي. والدائرة الحمراء المحيطة بالجميع للإِشارة إلى الصف ¬
الدوري، والألفات السود فيها للإِشارة إلى المأمومين، والألف الحمراء للإِشارة إلى الإِمام لو كان في مقام الحنفي. والخط المستقيم في طرف الدائرة للإِشارة إلى المأمومين فيه، والخطوط الحمر الخارجة من أركان البيت الشريف إلى مقابلها من الدائرة للإِشارة إلى حدود أرباع الدائرة لمقابلة كل ربع منها جهة من جهات البيت الشريف. والخطوط السود الخارجة من وجوه الأركان إلى الدائرة القاسمة لذلك الربع إلى شكل مستطيل بين شكلين مثلثين للإِشارة إلى قدر ما زاد به الصف الدوري على الصف التربيعي من المساحة مع اتحادهما في الجهة بسبب البعد والاستدارة، فكلما ازداد بعدًا ازداد سعة في مثلين، وبذلك تعرف قول فقهائنا في تحديد الغدير العظيم أنه إن كان مربعًا فبعشرة أذرع من كل جهاته الأربع، فمجموعها أربعون ذراعًا، وإن كان مستديرًا فبستَّة وثلاثين ذراعًا. فإذا كان الإِمام في ربع من الدائرة لا يجوز لمأمومه أن يتقدَّمه في خصوص ذلك الربع مطلقًا سواء مستقبل جهة إمامه أو غيرها لو فرض، وأما إذا كان في غيرها جاز له التقدُّم والتأخُّر؛ لأنَّه وإن تقدَّم فهو متأخّر حكمًا لاختلاف جهتهما كما صرَّح به القُهُسْتَانيّ (¬1) وغيره. ¬
وأمّا الصفّ المستقيم وهو الملاصق للدَّائرة في التصوير، وحكمه: أنَّ من قابل مساحة البيت الشريف فصلاته صحيحة، ومن لا فلا، اللَّهُمَّ إلَّا أن يَزْوَرَّ ذلك الشخص في وقوفه فيعمد بصدره إلى نحو القبلة فصلاته حينئذٍ صحيحة كما تراه مشارًا إليه بالألفات الحمر بين الألفات السود في صفه. وأمَّا الشاذروان فاستقباله بمفرده لا يجوز؛ لأنَّه عندنا ليس من البيت نظرًا للاستقبال لا الاحترام. وأما الحجارة السود المذكورة فهي للإِشارة إلى منع المصلِّي عليها مطلقًا مستقبلًا الشاذروان، وأمَّا إذا وقف عليها مُزْوَرًّا إلى نحو البيت، فتجوز صلاته لتمحض جهة الاستقبال كما تقدَّم. وأما الشبهة المشار إليها سابقًا الصادرة من ذلك الفاضل بحسب علم الهندسة بأنه يمكن رسم خط من طرف أحد أرباع الدائرة الذي هو جهة مستقلة ينتهي مستقيمًا إلى جهة ضلع ربع آخر الذي هو جهة أخرى يوجد به في سطح ذلك الضلع زاويتان أحدهما: حادة، والأخرى: منفرجة، فبمقتضاه يجوز تقدُّم المأموم على إمامه في جهته مستقبلًا جهة غير جهة إمامه لاختلاف جهتهما استقبالًا. وجوابه بأنَّ ذلك لو تكلف في وجوده بجرّ الخط الذي منتهاه نقطة تلاصق سطح ذلك الضلع أو تمازجه لا يتصوَّر في مقابلة مساحة عرض صدر المصلي بقدره من مساحة تلك الجهة المستقبلة المغايرة لجهة إمامه، ولو فرض، فاتفاق نصوص علمائنا متونًا وشروحًا صريح في منع تقدُّم المأموم على إمامه إن كان في جهته مطلقًا من غير تقييد باتحاد
الاستقبال، مع أنَّ فقهائنا احتاجوا لتصحيح صلاة المقتدي المتقدم على إمامه في غير جهته وصحَّة اقتدائه بجعل ذلك التقدُّم تأخُّرًا حكميًّا، فكيف يتخيَّل جواز الاقتداء مع تقدُّمه على إمامه في جهته؟! ولا حاجة إلى الإِطالة بذكر نصوص المسائل المذكورة لبداهتها، حيث كان الغرض من هذه الرسالة الجواب مع الاختصار، ولولا ذلك لسردت لك من النصوص ما يُفْضي بك إلى الملال. * * *
خاتمة
خاتمة نسأل المولى الكريم حُسنها بقي أمران مهمَّان يجب التنبيه عليهما والتنبُّه لهما، حيث انجر بنا الكلام إلى مثل هذا المقام: أحدهما: أنَّ الإِمام إذا تقدَّم في أيام الموسم وصلَّى تحت البيت الشريف لكثرة الحجاج اصطف خلفه كثير من العوامّ في الصف الأوَّل، فإذا انتهى اصطفافهم إلى الحجارة السود المتقدّم ذكرها قطعوا الصفَّ وجعلوا الاستدارة التربيعية في الصف الثاني بلا ضرورة تُلْجِئهم إلى ذلك، وقد علمت صحَّة استدارته في الصف التربيعي من الرسم المذكور فيجب على أهل الديانة منعهم من ذلك وإدارة الصف الشرعي على الوجه المرعي. ثانيهما: أنَّ كثيرًا من العوامّ يتركون الصف الأول الذي هو خلف الإِمام حقيقة (¬1) ويتقدَّمون إلى تحت البيت الشريف بلا عذر كحرّ شمس ¬
يفرُّون منه إلى الاستظلال بذلك الظل الظليل ملاحظين لقول الملا علي القاري (¬1) عليه رحمة الباري بأنه الصف الأول، حيث صنف رسالة في ذلك سمَّاها "الفضل المعول في الصف الأول" (¬2)، سلك فيها مسلك أهل السلوك. وما تحقَّقوا ملاحظته رحمه الله التي لاحظها فيها، وبنوا الأمر على الظاهر وما تحقَّقوا حاله الباهر، حيث كان رحمه الله من كبار السادة الصوفية السالكين طريق السادة النقشبنديَّة (¬3) المفضي لدوام ¬
المراقبة لا سيَّما في حال المناجاة الثاقبة، فذاق في حالة القرب ما حلى له، ونشق من عرف ذلك الشميم ما عرف به حرامه وحلاله، فلا غَرْو أن يستنتج من شكله الأول ما عنده عليه المعول، حيث ظفر بالسول وما برح في ربقة اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقل لمريد التبعية بلا عراقة أنها تخييلية ما لها علاقة (¬1). وأمَّا من كان له الحرص التامّ على العمل بظاهر شريعة سيد الأنام المؤيّد بالأحاديث الصحيحة والنصوص الفقهية الصريحة، فلا يتقدَّمنَّ على إمامه، ولا يتحوَّل ويترقَّبنَّ الثواب الموعود به ملازم الصف الأول (¬2). ¬
وفي هذا كفاية ومقنع لمن كان بمرأى من التحقيق ومسمع، ونسأله جلَّ شأنه أن يختم لنا ولجميع إخواننا بالحسنى، وأن يمتِّعنا بالنظر إلى وجهه الكريم الذي هو القبلة الحقيقية في المقام الأسنى، مع المنعم عليهم من النبيِّين والصدِّيقين والشُّهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على خاتم النبيين سيِّدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. غرَّة شهر شعبان سنة 1150 هـ. وتَمَّ نسخها من نسخة منقولة من خط المؤلف رحمه الله تعالى مؤرَّخة بغرَّة شهر صفر الخير سنة 1178 هـ، وكان ذلك على يد كاتبها لنفسه جعفر بن أبي بكر اللبني، ثالث عشر صفر الخير سنة 1357 هـ. والحمد لله ربّ العالمين (¬1). * * * ¬