قرة العين بفتاوى علماء الحرمين

حسين المغربي

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك اللهم إذ أطلعت لعلم الفتوى من سماء التحقيق شموسا وبدورا. وجعلت علماء الشريعة الغراء أرفع الناس في الدارين مكانة وحبورا وسرورا. واخترتهم لحفظ فرائض الإسلام وسنته. وأقمتهم نجوما يهتدى بهم في ظلمات الجهالات إلى منهجك القويم وسننه. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصروا الحق وأظهروه. ودمغوا الباطل وأهله وأماتوه. وبعد: فيقول حسين بن إبراهيم الأزهري المالكي: قد جمعت مسائل يحتاجها قليل البضاعة مثلي عند الاستفتاء والاحتياج. والله أسأل أن يلهمنا الصواب ويجعلنا مع الحق في امتزاج. إنه أكرم مسئول وأرجى مأمول. (مقدمة) المطلوب من العلماء أن يبينوا لنا معنى اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة (الجواب) معنى العفو: أن يعفو الله عن خلقه ويصفح عنهم ويترك عقابهم إذا استحقوه، ومعنى العافية دفاع الله عن العبد، يقال: عافاه الله من المكروه معافاة وعافية: وهب له العافية من العلل والبلاء كأعفاه، ومعنى المعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك اهـ. خفاجي على الشفاء بزيادة القاموس. [مسألة] شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ كما في عدوي على الزرقاني (ما قولكم) في مباح أمر السلطان بتركه، ولي الأمر هل تجب طاعته (الجواب) سئل الأجهوري عن ذلك، فأجاب بوجوب طاعته فيه. انظر الزرقاني. [مسألة] إذا لم يوجد نص في مسألة فأفتى بعض المتأخرين بأنه يرجع فيها لمذهب أبي حنيفة؛ لأنه المسائل التي فيها خلاف بين مالك وأبي حنيفة اثنان وثلاثون مسألة فقط، وفيه نظر، بل ظاهر كلام القرافي أنه يرجع في تلك النازلة لمذهب الشافعي؛ لأنه تلميذ الإمام، كذا في حاشية الخرشي عند قول المصنف: وحيث ذكرت القولين إلخ، وقوله: اثنان وثلاثون لعله من الأصول وإلا فبينهما اختلاف كثير في الفروع كما هو معلوم. [مسألة] يجوز تقليد مذهب الغير ولو بعد الوقوع لضرورة أو لغيرها كما في الأمير على عب. [مسألة] قال الأجهوري في الفتاوى: وإذا حكم الحاكم بالقول الضعيف فلا ينقض حكمه ما لم يشتد ضعفه كالحكم بشفعة الجار ومحل مضي حكمه بالقول الضعيف؛ حيث لم يول على الحكم بغير الضعيف، والحاصل: أنه حيث إذا كانت توليته إنما هي على ما يحل العمل به وهو الراجح أو المشهور وحكم بالقول الضعيف فإنه ينقض وإن كانت توليته إنما هي على العمل بما يقتضيه رأيه فلا يجوز له الحكم بالضعيف وإذا وقع ونزل فإنه لا ينقض حكمه كما في حاشية الخرشي عند قول المصنف وحيث ذكرت قولين

[مسألة]

أو أقوالا إلخ. (ما قولكم) فيمن أتلف بفتواه شيئا هل يضمن أم لا؟ (الجواب) قال عبد الباقي رحمه الله في باب الغصب: فرع: لا شيء على مجتهد أتلف شيئا بفتواه أي؛ لأنه كل مجتهد مثاب أخطأ أم أصاب وضمن المقلد غير المجتهد كعلماء زماننا إن نصبه السلطان أي: أو تولى فعل ما أفتى فيه؛ لأنه كوظيفة عمل قصر فيها وإلا فقولان اهـ بتوضيح وزيادة من المجموع، قال العلامة الأمير رحمه الله على عبق: واستظهر شيخنا أنه إن قصر في مراجعة النصوص ضمن وإلا فلا ولو صادف خطأ؛ لأنه فعل مقدوره ولأنه المشهور عدم الضمان بالغرور القولي ويزجر وإن لم يتقدم له اشتغال بالعلم والله أعلم. (ما قولكم) في صلة الرحم هل هي واجبة أم مندوبة (الجواب) قال عج: صلة الرحم واجبة بل حكى عياض وغيره الاتفاق على وجوبها وقطعها كبيرة وقال ابن عمر: صلة الرحم فرض بلا خلاف ومن تركها فهو عاص باتفاق ولا تجوز شهادته واختلف في الرحم الذي عليه أن يصله، فقيل: كل من يحرم عليه نكاحه من أجل القرابة، وقيل: كل من بينه وبينه قرابة، قال الشيخ زروق: قال القرافي: التي تجب صلتها كل قرابة قريبة تنشر الحرمة بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرم كالعم والخال وابن الأخ وابن الأخت وما سوى ذلك فمستحب، والصلة تحصل ولو بالسلام كما بينه الأقفهسي وبالسؤال عن الحال قال ابن عمر: لا حد في صلة الرحم إلا ما يخاف منه الانقطاع، والله ولي التوفيق. (ما قولكم) فيمن ارتكب ذنبا ومات قبل مضي ثلاث ساعات ولم يتب مما ارتكبه فهل يموت عاصيا ويكتب عليه ذنب ما ارتكبه أم لا؟ (الجواب) سئل عن هذا عج فأجاب بقوله: ورد في رواية أن الشخص إذا عمل ذنبا ينتظر ست ساعات فإن استغفر منها كتب له صاحب اليمين حسنة وإلا كتب عليه صاحب الشمال سيئة، وفي رواية أنه ينتظر سبع ساعات وقد ذكر الروايتين الحافظ السيوطي رحمه الله، فإذا مات قبل مدة الانتظار ولم يتب لم يكتب عليه والله أعلم. (ما قولكم) في الشريف هل هو أفضل من العالم أم العالم أفضل؟ (الجواب) الشريف أفضل من العالم من حيث النسب والعالم أفضل من حيث العلم، وفضيلة العلم تفوق فضيلة النسب. كذا في فتاوى الأجهوري. والله أعلم. [مسألة] من أمه شريفة له شرف دون من أبوه شريف كما قاله ابن عرفة ومن وافقه قال العلامة الأمير: وما قاله ابن عرفة لا ينبغي أن يختلف فيه والله أعلم. (ما قولكم) في التسمية بعبد النبي هل يجوز أم لا؟ (الجواب) في فتاوى العلامة المذكور: لم أر لأصحابنا حرمة التصريح بالتسمية بعبد النبي لكن مقتضى كلامهم كراهة التسمية به، وسئل السبكي الشافعي عن التسمية فأجاب بالمنع خوف التشريك من الجهلة باعتقاد أو ظن حقيقة العبودية وتردد فيما إذا قصد به التشريف، ومال الأذرعي للجواز حينئذ قال الدميري: الأكثر على المنع خشية التشريك

[مسألة]

كعبد الدار وعبد الكعبة انتهى. وقد تقرر في مذهبنا أن المسألة إذا لم يوجد فيها نص يرجع لمذهب الشافعي، وأجاب العلامة الشبراوي الشافعي بقوله: المعتمد الجواز ولا يجب على من يسمى بهذا الاسم تغيير اسمه ولا يستحب، والله أعلم. [مسألة] يجوز تسمية الكافر والمبتدع والفاسق إذا لم يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فتنة، وذكر القرافي ما يفيد أنه لا يحرم مخاطبة الذمي بنحو معلم. اهـ فتاوى عج. [مسألة] في التوضيح ذكر أبو المعالي أن مالكا كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح، وقد قال: إنه يقتل ثلث العامة لمصلحة الثلثين، وفي عب أن معناه: قتل ثلث مسلمين مفسدين لإصلاح ثلثين مفسدين حيث تعين القتل طريقا لإصلاح الثلثين دون الحبس أو الضرب وإلا منع صونا للدماء، والمراد بالإفساد تخريب أماكن الناس وقيام بعضهم على بعض ثم إن الظاهر أن الإمام أو نائبه يخير في تعيين الثلث من جميع المفسدين بالمعنى الأول للقتل مع نظره بالمصلحة فيمن هو أشد فسادا من غيره، وقولي: ثلث مفسدين هو الصواب خلافا لما سرى لبعض الأوهام من جواز قتل ثلث من أهل الصلاح لإصلاح ثلثين مفسدين؛ لأنه غلط فاحش، وانظر لو كان لا يحصل إصلاح المفسدين إلا بقتل أكثر من ثلث مفسدين والظاهر عدم ارتكابه صونا للدماء اهـ. وفي الأمير قال المازري: وهذا الذي حكاه أبو المعالي عن مالك صحيح انتهى. ونقله الحطاب وزاد بعده عن شرح المحصول: أن ما ذكره إمام الحرمين عن مالك لا يوجد في كتب المالكية فتأمله، قال سيدي محمد بن عبد القادر الفاسي: هذا الكلام لا يجوز أن يسطر في الكتب لئلا يغتر به بعض ضعفة الطلبة وهو لا يوافق شيئا من القواعد الشرعية، قال الشهاب القرافي: ما نقله إمام الحرمين عن مالك: المالكية ينكرونه إنكارا شديدا ولم يوجد ذلك في كتبهم إنما نقله المخالف وهم لم يجدوه أصلا، وقال ابن الشماع: ما نقله إمام الحرمين لم ينقله أحد من علماء المذهب وما ذكره في التوضيح عن المازري أنه قال: هذا الذي حكاه أبو المعالي عن مالك صحيح إنما ترجع فيه الإشارة إلى أول الكلام وهو أن مالكا كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح لا إلى قوله بأثره وقد قال: إنه يقتل ثلث العامة لإصلاح الثلثين أو أنه حمله على مسألة تترس الكفار بالمسلمين، ثم إن في قوله إن مالكا يبني مذهبه على المصالح نظر؛ فإن المخالفين ينسبون ذلك لمالك والمالكية يأبون ذلك على وجه يختص به حسبما تقرر ذلك في علم الأصول. والذي ذكره العلماء وتبرءوا منه في هذا النقل هو حمله على الإطلاق والعموم حتى يجري في الفتن الواقعة بين المسلمين عياذا بالله وما يشبه ذلك. وفي بن: وما قاله شارحنا من جواز قتل الثلث المفسدين حيث تعين طريقا لإصلاح الباقي غير صحيح ولا يحل أن يقال به فإن الشارع إنما وضع لإصلاح المسلمين إقامة الحدود عند ثبوت موجباتها ومن لم تصلحه السنة فلا أصلحه الله ومثل هذا التأويل الفاسد هو الذي يوقع

كثيرا من الظلمة المفسدين في سفك دماء المفسدين نعوذ بالله من شرور أنفسنا وفي الحديث: «من شارك في دم امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جيء به يوم القيامة وبين عينيه آيس من رحمة الله» ولما ذكر اللخمي أن المَرْكَبَ إذا ثقل بالناس وخيف عليه الغرق يقترعون على من يرمى والرجال والنساء والعبيد وأهل الذمة في ذلك سواء، قال ابن عرفة عقبه: تعقب غير واحد نقل اللخمي طرح الذمي لنجاة غيره وربما نسبه بعضهم لخرق الإجماع. وقال بعضهم: لا يرمى الآدمي لنجاة الباقين ولو كان ذميا. وقال ابن الحاجب: إذا خيف على المركب طرح ما ترجى به نجاتها غير الآدمي بإذنهم وبغير إذنهم ويبدأ بما ثقل جسمه وعظم جرمه. انتهى. وقد تبع إمام الحرمين على نقله المذكور تلميذه الغزالي في المنخول وغض بذلك في حق مالك وأتبعه بإساءة الأدب على أبي حنيفة جدا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ وقد اتفق لي في يوم عيد عند بعض أشياخنا رؤية ما ذكر في المنخول فتأسفت بما قال في حق أبي حنيفة فما هو إلا أن وضعت كتاب المنخول من يدي وكان بين أيدينا كتب ننظر فيها فوقع في يدي تفسير البيلي فرأيت فيه تشنيعا كبيرا على إحياء علوم الدين وما فيه من الأحاديث الموضوعة فأخذتني من ذلك عبرة وقلت جزاءا وفاقا ولا يغتر بما لعج هنا فإنه مثل ما لشارحنا اهـ بحذف. (ما قولكم) في كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء وما الفرق بينهما؟ وهل يصح أن يقال كلما جاز أن يصدر معجزة لنبي جاز أن يصدر كرامة لولي مطلقا أو في المسألة تفصيل؟ أفيدوا الجواب (الجواب) اعلم أن المعجزة هي الأمر الخارق للعادة إن وقع بعد النبوة والكرامة هي الأمر الخارق للعادة يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم لمتابعة نبي كلف بشريعته مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل علم بها أو لم يعلم، وليست في وقوعها التباس النبي بغيره للفرق بين المعجزة والكرامة؛ لأنه المعجزة يجب إظهارها معها دعوى النبوة دون الكرامة فيجب على الولي أن يخفيها إلا عند ضرورة أو لتقوية يقين بعض المريدين كما غرف بعضهم عسلا من الجو ووضعه في يد مريده وبعضهم أرى غيره الكعبة من بلاد بعيدة فكل ما وقع معجزة للأنبياء جاز وقوع مثله كرامة للأولياء إلا إنزال القرآن وطلوع السماء بالجسد يقظة كما روي أن الأسود العنسي لما ادعى النبوة طلب أبا مسلم الخولاني فقال له: اشهد أني رسول الله فقال: لا، قال: اشهد أن محمدا رسول الله قال: نعم، فأمر بنار فألقي فيها فوجدوه قائما يصلي وقد صارت عليه بردا وسلاما فكان عمر بن الخطاب يقول: الحمد لله الذي لم أمت حتى رأيت من أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم الخليل. اهـ. ملخصا من عبد السلام والسحيمي على الجوهرة وفي فتاوى ابن حجر الحديثية أن كرامة الولي من بعض معجزات النبي ولما كان متصفا بعظيم اتباعه أظهر الله بعض خواص النبي على يدي

[مسألة]

وارثه ومتبعه وقد تنزلت الملائكة لاستماع قراءة أسيد بن حضير الكندي وكان سلمان وأبو الدرداء يأكلان في صفحة فسبحت الصفحة أو ما فيها، ثم الصحيح أنهم ينتهون إلى إحياء الموتى خلافا لأبي القاسم القشيري فهو ضعيف والجمهور على خلافه فالصحيح تجويز جملة خوارق العادات كرامة للأولياء وفي شرح مسلم للثوري أنه تجوز الكرامات بخوارق العادات على اختلاف أنواعها وخصها بعضهم بإجابة دعوة ونحوها وهذا غلط من قائله وإنكار للحس بل الصواب جريانها بانقلاب الأعيان ونحوه. اهـ. وقد مات فرس بعض السلف في الغزو فسأل الله إحياءه حتى يصل إلى بيته فأحياه الله فلما وصل بيته قال لولده: خذ سرجه فإنه عارية عندنا فأخذ فخر ميتا، وقال اليافعي: صح بالسند المتصل إلى الشيخ القطب عبد القادر الجيلاني رحمه الله: أن أم شاب كان ذلك الشاب عنده دخلت تلك الأم على الشيخ وهو يأكل في دجاجة فأنكرت أكله الدجاجة وإطعامه ابنها أرذل الطعام فقال لها: إذا صار ولدك بحيث يقول لمثل هذه الدجاجة قومي بإذن الله فقامت ولها أجنحة وطارت بها حق له أن يأكل الدجاج، والله أعلم. [مسألة] إذا شق على النساء مسح جميع الرأس فقال العلامة الأمير: يجوز لها أن تقلد من يقول بمسح بعض الرأس من غير ضرب ولا تهديد خلافا للشبرخيتي ومن وافقه. وهل تقلد مذهب الغير أو القول الضعيف في المذهب؟ قولان، والمعتمد الأول ويجوز التلفيق بأن يمسح بعض الرأس على مذهب الشافعي ويمس زوجته بغير قصد ولا وجدان ويصلي على مذهب مالك ونحو ذلك، وهذا ما اعتمده سيدي محمد الصغير، قال العلامة العدوي: وقد اطلعت على رسالة تؤيد ما قاله شيخنا الصغير فيكون هو الراجح، وفي الأمير على عبق في فصل الجمعة: أن القول بالتلفيق هو الأليق بالحنيفية والرحمة وفي الدسوقي وذكر الخطاب عن ابن عمر جواز العمل بالقول الشاذ في خاصة النفس وأنه يقدم على العمل بمذهب الغير؛ لأنه قول في المذهب وهو اختيار المغاربة وقد تقدم أنه ضعيف والمعتمد تقديم مذهب الغير كما هو اختيار المصارية اهـ بتوضيح. [مسألة] للضيف إطعام الهر والسائل كما في حاشية الخرشي من باب العارية. [مسألة] في المجموع أنه يجوز أخذ الأجرة على الفتيا إن لم تتعين بأن كان هناك من يحسنها أي وأما إن تعينت بأن لم يوجد من يحسن الفتيا غيره فلا يجوز أخذ الأجرة. [مسألة] القهوة في ذاتها مباحة ويعرض لها حكم ما يترتب عليها ومثلها الدخان أي أنه في ذاته مباح على الأظهر ويعرض له ما يترتب عليه وكثرته لهو كما في المجموع. (ما قولكم) في شخص قال لأخيه: يا كافر فهل يلزمه؟ (الجواب) في الموطأ عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما» أي أن من قال لأخيه في الإسلام أنت كافر فقد رجع بكلمة

[مسألة]

الكفر أحدهما؛ لأنه إن كان القائل صادقا في نفس الأمر فهو ظاهر وإن كان القائل كاذبا فقد جعل الإيمان كفرا فقد كفر كذا حمله البخاري على تحقيق الكفر على أحدهما وحمله غيره على الزجر والتغليظ فظاهر الحديث غير مراد. وقال الباجي من أهل مذهبنا: إن كان المقول له كافرا فهو كما قال وإلا خيف على القائل أن يصير كافرا. وقال ابن عبد البر: أي احتمل الذنب في هذا القول أحدهما. قال أشهب: سئل مالك عن هذا الحديث فقال: أرى ذلك في الحرورية. قيل: تراهم بذلك كفارا؟ قال: ما أدري ما هذا اهـ زرقاني بتصرف. [مسألة] هل يتنزل العزم على المعصية منزلة المعصية في الكبر والصغر؟ فالعازم على الزنا مثلا يأثم إثم الزاني أو لا يتنزل منزلة المعصية؟ (الجواب) تردد الباقلاني في ذلك وجزم غيره بأن العزم على كبيرة يكون مطلق سيئة، وهو ظاهر. أقول: وظاهر هذا أنه صغير اهـ عدوي (ما قولكم) في المتقي هل له مرتبة أو أكثر؟ (الجواب) في حاشية الخرشي: اعلم أن للمتقي كما قال ناصر الدين اللقاني ثلاث مراتب الأولى: التوقي عن العذاب المخلد بالتبري عن الشرك وعليه قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} والثانية: التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك على الصغائر عند قوم وهو المتعارف باسم التقوى في الشرع وهو المعني بقوله تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا} إلى آخره. والثالثة: أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويقبل إليه بنفسه وجسمه وهو التوقي الحقيقي المطلوب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}. (ما قولكم) في المسألة إذا كان فيها قولان ولم يترجح أحدهما عن الآخر هل للعالم أن يفتي بأحدهما تارة وبالآخر تارة أخرى (الجواب) في حاشية الخرشي حكى القرافي الإجماع على تخيير المقلد بين قولي إمامه إذا لم يظهر له ترجيح أحدهما أي يختار قولا ويفتي به لا أنه يجمع بينهما وإذا أفتى بأحد القولين في نازلة ثم حصلت نازلة أخرى مماثلة لتلك فله أن يفتي فيها بالقول الآخر مع أن النازلة مماثلة وإذا قلنا يفتي بأحد القولين اشترط بعضهم ألا يفتي الفقراء بما فيه تشديد والأغنياء بما فيه تخفيف ونقله الإجماع طريقة، وقيل: إنه يذكر القولين أو الأقوال وهو يقلد أيهم أحب، قال: قال بعض: وينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال المستفتين ومن لديه منهم معرفة ممن ليس كذلك، أقول: وهو الظاهر عندى. وقال القرافي في كتاب الأحكام: للحاكم أن يحكم بأحد القولين المتساويين بعد عجزه عن الترجيح ولا يجوز العمل ولا الفتوى ولا الحكم بالضعيف [مسألة] سئل سيدي أحمد بن زكريا إذا رأت الخلائق ربها يوم القيامة وحجبوا عن رؤيته هل يتخيلونه بعد ذلك؟ فأجاب بعدم جواز التخيل؛ لأنه ما في الخيال مثل، والله تعالى منزه عن أن يكون له مثل أو يدرك بالوهم أو الخيال هذا ما تقتضيه ظواهر النصوص. فإن قلت: التنزيه عن المثل يقتضي نفي المثل له تعالى وهو معارض لقوله {وله المثل الأعلى في السماوات والأرض}

[مسألة]

قلت: المثل المثبت له تعالى غير المثل المنفي، فالمثل المنفي بمعنى المماثل والمقيس عليه والمثبت بمعنى الصفة فقوله تعالى {ولله المثل الأعلى} أي الوصف الأعلى وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الفائق والنزاهة عن صفات المخلوقين فتبارك الله رب العالمين. قاله السنوسي في شرح الجزائرية اهـ نفراوي بعض التصرف. (ما حكم التواضع) لأهل الدنيا من أجل دنياهم (الجواب) قال في حاشية الخرشي: ثم لا يخفى أن التواضع لله ولرسوله وللوالد والشيخ والسلطان واجب وللمسلمين من حيث كونهم مسلمين مندوب ولأهل الدنيا من حيث دنياهم حرام. (فائدة) روى أحمد والترمذي وصححه النسائي والضياء وغيرهم عن ابن عباس «أقبلت اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: أخبرنا ما هذا الرعد قال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب بيديه مخراق (¬1) من نار يزجر به السحاب ليسوقه حيث أمر الله قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع قال: صوته. قالوا: صدقت» اهـ من الزرقاني على الموطأ. (ما قولكم) في أهل الجنة هل يولد لهم أم لا؟ (الجواب) في الزرقاني على الموطأ: وذكر الغزالي عن أبي سعيد مرفوعا إن الرجل من أهل الجنة ليولد له الولد كما يشتهي ويكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة اهـ [مسألة] في حاشية الخرشي عن السنوسي: إن جرم الشمس وحدها قدر الأرض مائة مرة وستة وستون مرة وثلث مرة، وفي طبقات الشيخ الشعراني في ترجمة مولى ابن عباس: أنه كان يقول: سعة الشمس سعة الأرض وزيادة ثلاث مرات وسعة القمر سعة الأرض، وما ذكره كل منهما مخالف لما ذكره تت من أن الشمس قدر الدنيا مائة وعشرون مرة والقمر قدر الدنيا مائة وعشرون مرة (ما قولكم) في حاكم صلب شخصا هل يجوز النظر إليه أم لا؟ (الجواب) قال في حاشية الخرشي: لا يجوز النظر للمصلوب ولا للمخوزق ونحوهما [مسألة] إذا جزم بقلبه أن الله واحد ومحمد رسوله ثم مات فالمعتمد أنه يكون ناجيا عند الله بمجرد التصديق القلبي وأما النطق فهو شرط في إجراء الأحكام الدنيوية كذا في حاشية الخرشي [مسألة] لا يجب علي العالم أن يعلم غيره إلا بعد الطلب وهو الصحيح عند ابن العربي وغيره خلافا للطرطوشي ومن وافقه. أفاده في حاشية الخرشي [مسألة] يجوز الدعاء على الظالم بعزله كان ظالما له أو لغيره والأولى عدم الدعاء على من لم يعم ظلمه فإن عم فالأولى الدعاء وينهى عن الدعاء عليه بذهاب أولاده وأهله أو بالوقوع في معصية؛ لأن إرادة المعصية معصية وينهى أيضا عن الدعاء عليه بمؤلمات تحصل له فوق ما يستحقه، وفي جواز الدعاء بسوء الخاتمة قولان: الراجح كما قاله ابن ناجي وغيره المنع خلافا للبرزلي اهـ من حاشية الخرشي. [مسألة] أكثر العلماء على جواز رفع البصر إلى السماء في الدعاء وكرهه الطبري والقاضي وشريح ووجه قول ¬

(¬1) قوله مخراق: المخراق المنديل يلف ليضرب به وفي حديث علي - رضي الله عنه -: البرق مخارف الملائكة. اهـ. مختار الصحاح

(باب في أحكام تتعلق بالقرآن)

الأكثر أن السماء قبلة الدعاء ووجه القول الثاني أن رفع البصر إلى السماء يوهم الجهة والله منزه عن الزمان والمكان. (فائدة) لا بأس باكتحال الرجل لضرورة دواء وأما لغير ضرورة ففيه قولان عند مالك بعدم الجواز والجواز والخلاف في الإثمد وغيره جائز قطعا والاكتحال سنة عند الشافعية لا المالكية ويجوز للرجل لبس معصفر ومزعفر قاله البدر اهـ من حاشية الخرشي أواخر فصل العدة. (ما قولكم) فيمن يدعي عدم نجاة أبوي نبينا - صلى الله عليه وسلم - وما الحكم في هذا القائل؟ (الجواب) روي من حديث عائشة - رضي الله عنها - إحياء أبويه معا حتى آمنا به - رضي الله عنها - والحديث وإن كان ضعيفا يعمل به في المناقب كما يعمل به في الفضائل ونفع الإيمان بعد الموت من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - على أن أهل الفترة ناجون وكان إحياء أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وحكمة تأخيره إلى آخر حياته عليه السلام ليحصل الإيمان لهما بجميع ما جاء به - صلى الله عليه وسلم -، ومن قال: بعدم نجاتهما فهو ملعون فقد قال أبو بكر بن العربي المالكي: إن من يقول إن أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - في النار ملعون؛ لأن الله تعالى يقول {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} ولا أذى أعظم من أن يقول إن أبويه في النار اهـ ملخصا من مولد المدابغي وحاشية الشيخ عبادة عليه. (باب في أحكام تتعلق بالقرآن) [مسألة] في السيد: فرع: يكره جعل القرآن أجزاء قال مالك: إنه تعالى يجمعه وهم يفرقون اهـ برزلي اهـ أمير على عب في سنن الصلاة. [مسألة] من حضر قراءة القرآن يحرم عليه الكلام ويجب عليه الاستماع ويدل عليه قوله تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له} الآية وكذلك يحرم رفع الصوت على كلامه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه من الوحي ويكره على المعتمد قيام من يقرأ كلامه - صلى الله عليه وسلم - لأحد اهـ ملخصا من الخرشي وحاشية العدوي في شرح قول المختصر ورفع الصوت عليه من باب الخصائص [مسألة] لا يرخص لناسخ القرآن في ترك الوضوء إلا أن يقلد قول ابن مسلمة من أهل المذاهب أن الوضوء لمس المصحف مستحب وليس بعزيمة كذا في المعيار وفي المجموع ومنع الحدث مس مصحف وحمله وكتابته خلافا لما في تت وغيره من اغتفار عدم الوضوء للناسخ اهـ [مسألة] قال عج: يؤخذ من الحديث جواز قراءة الفاتحة عند الوداع وهو قوله في الحديث كان يذكر الله في كل أحواله ومن الأحوال حال السفر ومن الذكر القرآن بل أفضل الذكر القرآن؛ لقوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر} اهـ من حاشية الخرشي (ما قولكم) في قراءة الفاتحة للنبي - صلى الله عليه وسلم - هل هي جائزة

أم لا؟؟ (الجواب) في حاشية الخرشي: وأما الفاتحة له - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحطاب في باب الحج عن الشافعية قولين أرجحهما عدم الجواز ولا نص في مذهبنا في المسألة والذي عليه علماء الشافعية الآن جواز ذلك. قال عج: وإذا لم يوجد نص في مذهبنا فنرجع إلى مذهب الشافعية في ذلك فلا يحرم ذلك والذي يقول بالحرمة يحتج بأنه لم يرد جواز ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا أذن فيه ولاية ولا يتهجم على العظيم إلا بما أذن فيه وهذا لم يأذن فيه والله أعلم. ما قولكم) فيمن يكرر القرآن في المصحف بالحاضر أو يقرأ غيبا وإذا وقف يفتح المصحف وينظر بدون وضوء هل يسوغ له ذلك أم لا؟ (الجواب) يجوز له ذلك؛ لأنه يدخل في المتعلم قال في المجموع: وجاز مسه لمعلم ومتعلم فيما يستدعيه التعليم وإن ما متذكرا يراجع بنية الحفظ والله أعلم. (ما قولكم) في تعليق المصحف على أنه حرز بغير وضوء وفي تعليق بعضه على بهيمة لعين حصلت لها أو لخوف حصولها أفيدوا الجواب؟ (الجواب) يجوز قطعا تعليق الحرز من القرآن بساتر من جلد أو غيره يمنع من وصول الأذى إليه ولو على حائض أو نفساء أو جنب أو بهيمة كان حامله صحيحا أو مريضا إذا كان مسلما وأما الكافر فلا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى امتهانه. وفي الدردير: وينبغي لكاتب الحرز وحامله حسن النية واعتقاد النفع مع الله تعالى ببركته اهـ وأما جعل المصحف كله حرزا فقيل يجوز؛ لأنه خرج عن هيئة المصحف وصرف لجهة أخرى فيجوز حمله بغير وضوء وقيل يمنع لبعد خروج الكامل عن هيئة المصحف وهما قولان متساويان كما يفيده الحطاب وفي حاشية الأمير على عبق: المعتمد أنه لا يجوز حمله بغير وضوء على أنه حرز إلا إذا غير عن هيئة المصاحف. (ما قولكم) في كتب شيء من القرآن للسخونة وتبخير من به سخونة بحرق شيء مكتوب من القرآن هل يجوز مطلقا أو إن تعين طريقا للدواء من السخونة أم لا يجوز مطلقا. (الجواب) في حاشية العلامة العدوي علي الزرقاني: الظاهر أنه يجوز مطلقا. وسئل عج عن العوض الذي يؤخذ على كتابه الأحراز فأجاب: لا يمتنع أخذ العوض في كتابة الأحراز وفي الرقيا إذا كانت بما يفهم معناه وليس في فعله إثم وكذا بما لا يفهم إذا تكرر النفع به كما ذكره الآبى عن ابن عرفة وما وقع في طرر ابن عات مما يخالف ذلك ونقله بعض شراح المختصر في باب الجعل فهو غير معول عليه اهـ. وسئل عمن يكتب للناس للمحبة ويحل المربوط فأجاب كتابة ورقة المحبة ليست بسحر كما أفتى به ابن أبي زيد ومثله حل المربوط والله أعلم. (ما قولكم) فيمن ربط المصحف بشيء ووضع ذلك الشيء على كتفه فصار القرآن خلف ظهره هل يعد ذلك من الامتهان المحرم أم لا؟ (الجواب) في الزرقاني: أن هذا ليس من الامتهان المحرم، والله أعلم. (ما قولكم) في الاتكاء

[مسألة]

بالظهر على حائط مكتوب فيه القرآن أو بعضه هل يحرم أم لا؟ (الجواب) في حاشية العدوي على الزرقاني: والظن كراهة ذلك إذا لم يقصد الإهانة والله أعلم. (ما قولكم) في كتب شيء من القرآن في حائط أو سقف مسجد أو غيره هل يحرم أم لا؟ (الجواب) في الزرقاني: ويكره كتبه بحائط مسجد أو غيره وانظر هل محل الكراهة ما لم يكن ممتهنا كجعله في سقف مجلس يمشي فوقه بالنعل فيحرم أو الكراهة مطلقا لعدم قصد الامتهان، وهو الظاهر والله أعلم. [مسألة] يجوز التعامل بالدراهم وفيها أسماء الله وإن أدى إلى أن يمسها النجس قال ابن رشد: أجاز سلف هذه الأمة البيع والشراء بالدراهم وفيها أسماء الله وإن كان ذاك يؤدي إلى أن يمسها النجس واليهودي والنصراني ويكره للرجل في خاصة نفسه أن يشتري بها من كافر لما فيها من أسماء الله تعالى فمن امتنع من ذلك أجر ومن فعله لم يأثم اهـ عدوي على الزرقاني، وفي الفيشي: كره مالك إعطاء الكافر الدرهم فيه بعض آية ومقتضاه أن ما فيه آية كاملة لا يجوز إعطاؤه ما هي فيه اهـ [مسألة] يجوز مس الآيات المكتوبة في كتب العلم للمحدث فقها أو غيره وكذا كتب الرسائل للسلام ولو لجنب، قال سند: قال مالك: يكتب الجنب الصحيفة فيها بسم الله الرحمن الرحيم ومواعظ وآيات من القرآن ويقرأ الكتاب الذي يعرض عليه وفيه آيات من القرآن وأرجو أن يكون خفيفا نقله الزرقاني، وينبغي أن يكون هو المعول عليه خلافا لما نقله التتائي عن ابن حبيب من منع ذلك اهـ زرقاني. (ما قولكم) في مس كرسي المصحف لغير المتوضئ هل يجوز أم لا؟ (الجواب) يحرم مس المصحف وإن بعود أو تقليب أوراقه به ويحرم حمله بالكرسي وأما مس الكرسي فلا يحرم وحرمه الشافعية وأجاز الحنفية مسه بعود وحمل الكرسي الذي عليه المصحف بل عندهم قول بقصر الحرمة على مس النقوش فمذهبنا وسط أفاده الدسوقي. [مسألة] يجوز مس اللوح لمعلم ومتعلم حال التعليم والتعلم وما ألحق بهما كحمله لبيته مثلا وإن كان كل من المعلم والمتعلم حائضا ولا جنبا وكذا مس المصحف الكامل لهما على المعتمد وإن كان حائضا لا جنبا خلافا لعج ومن وافقه حيث قال بجواز مسه لهما وإن كان كل منهما جنبا ولكنه لا يقرأ لقدرته على إزالة الجنابة قبل أن يقرأ فقد ضعفه عدوي في حاشيته على الزرقاني وفي حاشية الخرشي وإن كان اعتمد في حاشية عبق أن الجنب كالحائض وفي البناني كذلك والله الموفق للصواب. (ما قولكم) في شخص جمع تهليل القرآن وقرأه كما يقرأ السورة هل يكره ذلك أم لا؟ (الجواب) إذا قصد به القرآن فإن رتبه على السور فلا بأس وإن نكس حرم إذا وقع في آيات سورة واحدة وإن وقع في آيات سور متعددة كره وإذا قصد به الذكر المجرد عن القرآن فلا بأس به غير أن مثل هذا لا يفعله إلا العامة، والاقتداء بالسلف أولى من إحداث البدع، أفاده الخرشي في كبيره

[مسألة]

والله أعلم. (ما قولكم) في الجنب هل يجوز له أن يقرأ شيئا من القرآن إذا قصد الذكر وهل له أن يقرأ القرآن لأجل التعوذ أو الرقى وإذا قلتم بالجواز هل يعد قارئا فله ثواب القراءة أم لا وهل يطالب بالاستعاذة والتسمية أم لا؟ (الجواب) يحرم على الجنب قراءة القرآن ولو قصد الذكر فقط خلافا للشافعي وإن لم يسمع نفسه وأما إجراؤه على قلبه فلا يمنع؛ لأنه لا يعد قراءة ويجوز التعوذ للجنب وفي المجموع ولا يتقيد به كالآية بل ظاهر كلامهم أن له قراءة {قل أوحي} وفي الحطاب عن الذخيرة: لا يتعوذ بنحو {كذبت قوم لوط} وتبعه الأجهوري وغيره ونوقش بأن القرآن كله حصن وشفاء وكما يجوز له التعوذ يجوز له الرقى والاستدلال وفي حاشية الخرشي وكذا يجوز اليسير لأجل التبرك وله أن يكرر عند تكرار الخوف أو الرقى أو التبرك، وقال الأجهوري ومن تبعه: إن المتعوذ ونحوه لا يعد قارئا فلا ثواب له؛ لأن الثواب منوط بالقصد امتثالا واستظهر في حاشية الخرشي أن له الثواب لأن التعوذ مأمور به، وقال في حاشية الزرقاني: قرر شيخنا رحمه الله أن القارئ لتعوذ ونحوه لا يطالب بالاستعاذة لعدم قصد التلاوة بخلاف التسمية فإنها تقرأ في كل أمر مهم والله الملهم للصواب. (ما قولكم) في الجنب إذا ركب دابة هل يجوز أن يقرأ قوله تعالى {سبحان الذي سخر لنا هذا}. الآية؟ (الجواب) في الزرقاني: والظاهر أن من الرقيا ببعض القرآن وبغيره ما يقال عند ركوب الدابة ليدفع عنها مشقة الحمل فيجوز للجنب فيما يظهر ومنه ما روى الطبراني من حديث أبي الدرداء عنه عليه الصلاة والسلام: من قال إذا ركب الدابة بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء سبحانه ليس له سمي سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلي ربنا لمنقلبون والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعليه السلام، قالت الدابة: بارك الله عليك من مؤمن خففت عن ظهري وأطعت ربك وأحسنت إلى نفسك بارك الله لك في سفرك وأنجح حاجتك والله أعلم. [مسألة] في فتاوى عج: ظاهر المدونة أن الوضوء من الماء المحبس عموما جائز وهو نص جواب عز الدين بن عبد السلام إذا قيل له ما جوابكم في الصهاريج التي بنيت للسبل هل يجوز الوضوء منها أم لا؟ فأجاب: أما الطهارة بماء الصهاريج الموقوفة للشرب فلا يجوز وإن وقفت للانتفاع جاز وإن شك جاز أن يعمل القدر المخفف ومثل هذا الجواب للمازري، وزاد في المشكوك فيه قوله: وينبغي أن يجتنب الوضوء منها للشك في ذلك. (ما قولكم دام فضلكم) في إخراج الفال من المصحف هل يمنع أفيدوا؟ (الجواب) قال العلامة العدوي علي الزرقاني عند قوله في باب جمل: ويحرم اللعب بالطاب وفي معناه أيضا مما لا يجوز أخذ الفال من المصحف وفي الخفاجي على الشفاء نقل عن الإمام مالك رحمه الله أنه لا يجوز التفاؤل من المصحف. وما وقع في فتاوى الصوفية من أن عليا كرم الله

(فصل) في استعمال الحرير والنقدين (ما قولكم) فيمن فرش على خالص الحرير شيئا كثيفا هل يجوز له الجلوس عليه أم لا؟ (الجواب) في المعيار: قال بعض حذاق التونسيين: يؤخذ من قولهم من فرش فوق النجاسة طاهرا وصلى صحت

وجهه فعله لا أصل له وفي كتب الشافعية جواز ذلك مع الكراهة اهـ. (ما قولكم) في مسح الأطفال القرآن من ألواحهم بالريق وفي تقليب القرآن والكتب بالريق؟ (الجواب) في حاشية الخرشي: قال ابن الحاج في المدخل: لا يجوز مسح لوح القرآن أو بعضه بالبصاق ويتعين على معلم الصبيان منعهم ذلك واشتد نكير ابن العربي على من يلطخ صفحات أوراق المصحف بالريق وكذا كل كتاب يسهل قلبها قائلا: إنا لله على غلبة الجهل المؤدي للكفر. قال في المجموع: ولا يبلغ هذا الحد أي لا يبلغ هذا حد الكفر قد اغتفر الشافعية مثل ذلك. (ما قولكم) في الإجارة على قراءة القرآن بالتطريب والأنغام هل هو مكروه أم لا؟ (الجواب) تكره الأجرة على قراءة القرآن؛ لأن القراءة على هذا الوجه مكروهة؛ لأن المقصود من القراءة التدبر، والتطريب ينافي ذلك وأما الإجارة على التلاوة فجائز وكذا على تعليمه مشاهرة ومقاطعة على جميعه أو على بعضه ورجيبة لمدة معلومة والمشاهرة غير لازمة لواحد منهما وأما الوجيبة والمقاطعة فلازمتان لكل منهما اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص من باب الإجازة وفي المجموع: وقضى بالإضافة على الشرط أو العرف وهي للأول إن أقرأه غيره قبلها بيسير كالسدس لا إن ترك القرآن وبكثير للثاني اهـ. (فوائد) الأولى: قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ويشمل الوالد بتعليمه ولده ولو علمه بدفع أجرة للمعلم وقد أجاب سحنون أبا ولد كان يطلب العلم عنده إذا توليت العمل بنفسك ولم تشغل ولدك عما هو فيه فأجرك في ذلك أعظم من الحج والرباط والجهاد. الثانية: ذكر ابن عرفة عن القابسي: أن على المعلم زجر الولد في تكاسله بالوعيد والتقريع فإن لم يفد فالضرب بالسوط من واحد إلى ثلاثة ضرب إيلام دون تأثير في العضو فإن لم يفد زاد إلى العشرة فإن لم يفد فلا بأس بالزيادة عليها. الثالثة: سئل أنس كيف كان المؤدبون على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - قال: كان للمؤدب إناء فيه ماء طاهر يمحون به الصبيان ألواحهم ثم يصبون ذلك الماء في حفرة من الأرض فتنشق اهـ. وقال القابسي: وينبغي أن يصب ذلك الماء في المواضع البعيدة عن النجاسة وكان معلمنا يأمرنا بصبه في حفرة بين القبور ذكره ص في باب الإجارة عن بن. وفي الأمير على عبق في بن: جواز الزجر بنحو يا قرد بالنظر وأن الصبيان إذا كانوا لا يتحفظون من النجاسة لم يجز تعليمهم في المساجد، ولكن قدمنا في أحكام المساجد عن درس أن المذهب منع تعليم الصبيان فيه مطلقا كانوا مظنة للعبث والتقذير أم لا؛ لأن الغالب عدم تحفظهم من النجاسة. (فصل) في استعمال الحرير والنقدين (ما قولكم) فيمن فرش على خالص الحرير شيئا كثيفا هل يجوز له الجلوس عليه أم لا؟ (الجواب) في المعيار: قال بعض حذاق التونسيين: يؤخذ من قولهم من فرش فوق النجاسة طاهرا وصلى صحت

[مسألة]

صلاته جواز جلوس الرجل على خالص الحرير إذا جعل عليه كثيفا غيره وينسبه ما غشي من آنية الذهب برصاص وفي الزرقاني عند قول العزية: ويحرم على الرجال لبس الحرير والجلوس عليه ثم إن حرمة الجلوس ولو بحائل ويحرم النظر لمن يجلس عليه. وفي المجموع عطفا على المحرم: وحرير ولو مع كثيف حائل كما قال الزرقاني وأجاز الحنفية فرشته وتوسده ووافقهم ابن الماجشون اهـ، وبهذا تعلم ضعف ما قاله بعض حذاق التونسيين والله أعلم. (ما قولكم) في ولي الصغير هل يجوز له إلباسه الحرير والنقدين أم لا؟ (الجواب) المعتمد أنه لا يحرم عليه أن يلبسه ذلك وإنما يكره له فقط إلباسه الذهب والحرير ويجوز له إلباسه الفضة كذا في الزرقاني. قال العلامة العدوي: ولعل الفرق بين الفضة حيث جازت دون الحرير والذهب فيكرهان أن الفضة جاز لبسها في الجملة حيث جاز للرجل لبس الخاتم منها وزنه درهمان فأقل والله أعلم. (ما قولكم) فيمن ينسج عمائم من الحرير هل يجوز أم لا؟ وهل بيعها مباح أم لا؟ (الجواب) في الزرقاني سئل ابن غازي عن هذا فأجاب: لا بأس ببيعها وعملها وإن كانت مما تلبسه الرجال فقط؛ لأنه قد يشتريها من لا يلبسها ومن يصرفها في غير اللباس أي بأن يجعلها سترا فإن تحقق أو غلب على ظنه صرفها في لباس الرجال فإنه يحرم عليه ذلك فإن شك في ذلك جاز كما هو مقتضى كلام ابن غازي اهـ بزيادة من حاشية العلامة العدوي والله أعلم. (ما قولكم) فيما يفعله بعض الحجاج من جعل الحرير على الجمال هل يمنع أم لا؟ (الجواب) في حاشية الخرشي: الظاهر المنع والله أعلم. (ما قولكم) في استعمال الحرير لحكة أو جهاد وما حكم افتراشه والاستناد إليه. (الجواب) المشهور منعه لحكة ما لم يتعين طريقا للدواء وكذا يمنع لجهاد على المشهور خلافا لابن الماجشون فيهما وكذا يمنع افتراشه والاستناد إليه، وقال ابن الماجشون: يجوز الجلوس والركوب عليه والارتفاق به ولو من غير حائل لما في ذلك من امتهانه اهـ خرشي بزيادة من عدوي. (ما قولكم) في الراية التي تكون للجهاد هل تجوز من حرير كراية الجهاد أم لا؟ (الجواب) في المجموع عطفا على ما يجوز: وراية لخصوص الجهاد أي وجاز استعمال الحرير حالة كونه راية لخصوص الجهاد لا لولي والله أعلم. [مسألة] في حاشية العلامة العدوي على الزرقاني: أن العلم من الحرير الخالص قياما ولحمة اختلف في القليل منه الذي لا يحرم فقيل: قدر إصبع، وقيل: قدر إصبعين، وقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة. ثم قيل: إن القليل المذكور مكروه، وقيل: جائز، وأما ما كان أقل من إصبع فإنه جائز اتفاقا. [مسألة] اختلف في الخز وهو ما سداه حرير ولحمته وبر أو قطن أو كتان. فقيل: يجوز لبسه وصححه في القبس، وقيل: يكره واستظهره ابن رشد وهو المعتمد وأما ما سداه وبر ونحوه ولحمته حرير فذكر عج الكراهية فيه أيضا وزاد على ذلك ما نصه: ويبقى النظر فيما أحد هذين أي السداء واللحمة من

(فصل) في خصوصياته صلى الله عليه وسلم.

الحرير وبعضه الآخر منه ومن غيره هل يتفق على حرمته وهو الظاهر ولا يخالف هذا قول بعضهم إن الخز قد يكون أكثره حريرا إذ يحمل على ما إذا كان أحد هذين فيه حرير وهو أكثر انتهى. وحكى بعض الأشياخ الحرمة، وقد كان شيخنا رحمه الله قررها اهـ ملخصا من الزرقاني والعدوي من باب جمل وعبارة المجموع وكره ما نسج بحرير وغيره وهو الخز ولو كانت اللحمة حرير كما نص عليه بعض شراح الرسالة ولبعض شرح الأصل منعه لغلبة اللحمة اهـ. [مسألة] يجوز السجاف من الحرير إذا كان قليلا والمراد بالقليل ما دون الثلث والكثير الثلث فأكثر؛ لأن الثلث من حيز الكثير في غالب المسائل والفرق بين السجاف والعلم أن العلم أشد اتصالا بالثوب وبعضهم قاس السجاف على العلم فلذلك جزم الشيخ أحمد النفراوي بحرمة ما زاد على أربعة أصابع كذا في حاشية الخرشي، وفي المجموع عطفا على الجائزات: وسجافا أي وجاز الحرير حالة كونه سجافا لائقا باللابس وفاقا للشافعية. (ما قولكم) في تحلية آلة الحرب بأحد النقدين هل يجوز أم لا؟ (الجواب) لا يجوز تحلية شيء من آلات الحرب إلا السيف فإنه يجوز تحليته بذهب أو فضة سواء كان في قبضته أو جفيره لورود السنة بجواز تحليته بأحدهما ومحل جواز ذلك إذا كان السيف للجهاد وأما لو كان لحمله في بلاد الإسلام فإنه لا يجوز وأما بقية آلات الحرب كالخنجر والجنبية والسكين والرمح فيحرم تحليتها بأحد النقدين اقتصارا على الوارد؛ لأنه ورد في السنة إلا تحلية السيف فقط وكذلك يحرم تحلية السرج والركاب واللجام بأحد النقدين اهـ ملخصا من خرشي وعدوي ومجموع بتوضيح. (فصل) في خصوصياته صلى الله عليه وسلم. [مسألة] إن قلت كيف قال الله تعالى: {ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر} مع أنه - صلى الله عليه وسلم - سيد المعصومين؟ قلت قال الحافظ السيوطي: إن أحسن ما يجاب به عن هذا أنه كنى بالمغفرة عن العصمة أي ليعصمنك الله تعالى عن الذنب فيما تقدم من عمرك وفيما تأخر وقد نص غير واحد على أن المغفرة والعفو والتوبة جاءت في القرآن والسنة في معرض الإسقاط والترخيص وإن لم يكن ذنب ومنه {عفا الله عنك لما أذنت لهم}؟ عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق، {فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم}، {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}: أي رخص لكم والله أعلم. (فصل) في بيان الأعلام الطاهرة. [مسألة] قولهم لعاب الحي طاهر: محله إن خرج من غير المعدة وأما الخارج منها فنجس وعلامته أن يكون أصفر منتنا اهـ صاوي. (فائدة) كان البحر الملح عذبا في الأصل فحصلت له المرارة من قتل قابيل لهابيل

[مسألة]

ومن ذلك الوقت تغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه وغير ذلك كما في حاشية الخرشي. [مسألة] الصفراء طاهرة وهي ماء أصفر ملتحم يخرج من المعدة يشبه الصبغ الزعفراني؛ لأن المعدة عندنا طاهرة فما خرج منها طاهر ما لم يستحل إلى فساد كالقيء للتغير. قال الأمير فيه: أي في قولهم المعدة طاهرة أن الطاهر المعدة بمعنى الجلدة حيث أظهرت كلها وما الذي فيها فلا حكم له قبل انفصاله وبعده نجس اهـ. (ما قولكم) في الفسيخ وهو السمك المملح الموضوع بعضه فوق بعض هل هو طاهر يجوز أكله أم نجس؟ (الجواب) قال في حاشية الصاوي: ونظر بعضهم في الدم المسفوح من السمك هل هو الخارج عند التقطيع الأول لا ما خرج عند التقطيع الثاني. وقال ابن العربي بطهارة دم السمك مطلقا ويترتب على الخلاف جواز أكل الفسيخ وعدم جوازه، فعلى القول بنجاسة دمه لا يؤكل منه إلا الصف الأول وعلى كلام ابن العربي يؤكل كله. وقد كان العلامة الدردير يقول: الذي أدين الله به أن الفسيخ طاهر؛ لأنه لا يملح ولا يرضخ إلا بعد الموت والدم المسفوح لا يحكم بنجاسته إلا بعد خروجه وبعد موت السمك إن وجد فيه دم يكون كالباقي في العروق بعد الذكاة الشرعية والرطوبات الخارجة منه بعد ذلك طاهرة لا شك في ذلك، ومذهب الحنفية أن الخارج من السمك ليس منه بدم؛ لأنه لا دم له عندهم وحينئذ فهو طاهر على كل حال وعلى القول بنجاسة الدم المسفوح منه إذا شك هل هذا السمك من الصف الأول أو من غيره أكل؛ لأن الطعام لا يطرح بالشك اهـ. [مسألة] قولهم الفخار إذا حلت به نجاسة مائعة غاصت وسرت في أجزائه لا يقبل التطهير والظاهر أن الفخار البالي الذي كثر استعماله إن حلت نجاسة غواصة يقبل التطهير ثم إن عدم قبول الإناء التطهير إنما هو باعتبار أنه لا يصلى به مثلا وأما الطعام فلا ينجس إذا وضع فيه بعد غسله؛ لأنه لم يبق فيه أجزاء النجاسة كما قاله أبو علي المسناوي. (ما قولكم) في دود الطعام والنمل إذا سقط في الطعام هل يؤكل الطعام الموجود فيه ما ذكر أم لا؟ (الجواب) ذكر في المجموع: أن المتولد من الطعام كدود الجبن وسوس الفاكهة يؤكل مطلقا وأما غيره كالنمل فإن كان حيا وجبت نية ذكاته وإن كان ميتا فإن تميز أخرج ولو واحدة وإن لم يتميز أكل إن كان الطعام غالبا لا إن كان أقل أو ساوى على الراجح، فإن شك هل غلب الطعام أو لا فلا يطرح بالشك وليس كضفدعة شك هل بحرية أم برية فلا تؤكل لعدم الجزم بإباحتها والله أعلم. (ما قولكم) إذا وقع الفأر في زلعة جبن حالوم فهل يجوز أكل الجبن بعد غسله أم لا لسريان النجاسة فيه؟ (الجواب) إن علمنا وقوعه بعد صيرورته حالوما فإنه يغسل ويؤكل وإن كان قبل ذلك لم يؤكل ولو غسل وإن شككنا في وقت وقوعه فإنه يغسل ويؤكل إذ لا يطرح الطعام بالشك

[مسألة]

كذا أجاب عج والله أعلم. (ما قولكم) في السمك الصغير الذي يملح ويقال له الملوحة هل يجوز أكله ولو تغيرت رائحته أو التغير ناقل له عن الإباحة؟ (الجواب) في فتاوى الأجهوري: لا شك أن ميتة البحر طاهرة ولو تغيرت ونتنت ويؤكل ما لم يتحقق ضرره. قال في المدونة: إذا ملحت حيتان فأصيب فيها ضفادع ميتة فلا بأس بأكلها؛؛لأنها من صيد البحر. انتهى. وسواء نتنت أم لا ولم يقيدها أحد بما إذا لم تنتن، فإن قلت: قد تقرر أن دم السمك نجس فما ملح منه نجس لوجود الدم فيه. قلت: لا نسلم أن السمك الصغير الذي يجعل ملوحة منه وإن سلم فإنما يحكم على دم السمك بالنجاسة حيث انفصل عنه إذ هو حينئذ من الدم المسفوح وأما ما دام فيه فهو طاهر وليس من المسفوح فلا يكون نجسا وهذا صريح في كلامهم وبه تندفع المعارضة بين قولهم ميتة البحر طاهرة وبين قولهم الدم المسفوح نجس اهـ والله أعلم. (ما قولكم) في الدم المسفوح المحكوم بنجاسته هل هو الخارج عند الذبح وإذا كان كذلك فما حكم الخارج بعد السلخ حين تعلق الشاة ويضربها الجزار في لبتها هل هو من المسفوح أم لا وما حكم الدم الخارج من ميتة البحر بعد موتها هل هو حكم لحمها أم لا؟ (الجواب) سئل العلامة الأجهوري عن هذا فأجاب: الدم المسفوح هو الخارج عند التذكية وما يخرج من الشاة ونحوها عند تعليقها وفتح لبتها فهو من المسفوح وما يوجد في باطن البهيمة عند شق جوفها مسفوح ودم السمك المنفصل عنه نجس سواء انفصل عنه في حال حياته أو بعد موته وأما ما دام به في محله فهو طاهر اهـ والله أعلم. (ما قولكم) في استعمال المرقد لأجل قطع عضو كالسيكران هل يجوز استعماله لشخص يراد أن يقطع منه عضو أم لا؟ (الجواب) في المجموع: والظاهر جواز ما يسقى من المرقد لقطع عضو ونحوه؛ لأن ضرر المرقد مأمون وضرر العضو غير مأمون والله أعلم. [مسألة] في فتاوى عج: سئل عن الفسيخ؟ فأجاب: السمك إن غسل من دمه وملح بحيث لا يخرج منه دم يشربه بعضه فطاهر وإلا فمتنجس اهـ. [مسألة] في فتاويه المذكورة أيضا: يكره غسل اليدين بدقيق الترمس ونحوه ولا يخالف هذا قول ابن وهب عن مالك أنه لا بأس أن يتدلك بنحو الفول؛ لأن الأصل أن " لا بأس " تستعمل فيما غيره خير منه؛ ولذا قال ابن رشد في قول مالك لا بأس أن يكنى الصبي: أن تعبيره بـ" لا بأس " يدل على أن ترك تكنيته خير من فعلها ويكره الغسل بالنخالة؛؛لأنها من أصل الطعام وربما أكلت في الشدة، ويكره الغسل بالعسل واللبن وامتشاط المرأة بما يعمل من التمر والزبيب. [مسألة] إذا وضع نحو الدجاج في الماء الحار لأجل إخراج ريشه فيغسل ويؤكل؛ لأن هذا ليس بطبخ حتى يقال أن النجاسة سرت في أعماقه كما يستفاد من النوادر كذا في الفتوى المذكورة. (ما قولكم) في القلس هل هو طاهر ولو تغير عن حالة الطعام أو ينجس بمطلق التغير كالقيء؟

(فصل) في أحكام المياه.

(الجواب) قال في المجموع: ولا ينجس القلس إلا بمشابهة العذرة فلا يضر حموضته لخفته وتكرره وهل كذلك القيء أو بمطلق التغيير وهو ظاهر المدونة تأويلان. هذا حاصل ما حرره الرماصي وردَّ على الحطاب والجماعة في تشهيرهم التنجيس بمطلق التغير فيهما اهـ والله أعلم. (ما قولكم) في الآجر المحروق بالنار هل يكون طاهرا إذا كانت طينته مخلوطة بزبل الخيل ونحوها؟ (الجواب) نعم هو طاهر. قال في المجموع: ورماد النجس ودخانه طاهران على الراجح والله أعلم. (فصل) في أحكام المياه. (ما قولكم) في تغير الماء عند تسخينه بدخان الحطب مثلا هل يضر أم لا؟ (الجواب) إذا تغير الماء بدخان فإن كان الإناء الذي فيه الماء بغطاء محكم لا يضر ذلك التغيير فيستعمل في العبادات؛ لأنه من المتغير بالمجاور غير الملاصق فلا يضر ولو فرض أنه غير اللون والطعم خلافا لما في الخرشي، وأما إذا أتى الدخان على سطح الماء فهو من الملاصق والتغير بالملاصق فيه خلاف فابن الحاجب والشيخ خليل وجماعة على عدم الضرر والموضوع تغير الريح فقط، وأما تغير الطعم واللون بالملاصق فيضر؛ لأنه يحمل على أنه مازج الماء وارتضى هذا القول الحطاب، وقال ابن عرفة وجماعة آخرون: يضر التغير بالملاصق وارتضاه ابن مرزوق. انتهى ملخصا من المجموع وحاشيته وحاشية الخرشي. [مسألة] الذي يضر في التغير بنحو بخار المصطكى أن يبخر الإناء فارغا ويحبس البخار حتى يصب عليه الماء وأما إذا تغير الماء من إناء مبخر بعد ذهاب الدخان منه فهو من التغير بالمجاور كما قال عبق والشيخ العدوي، أي: فلا يضر إذا تغير ريح الماء فقط كما اقتصر عليه الدردير، وأما اللون والطعم فيضر لما في حاشية الخرشي من أن المجاور الملاصق إذا غير اللون والطعم يحمل على أنه مازج للماء. (فصل) في إزالة النجاسة (ما قولكم) فيمن فرضه الإيماء في سجوده وأومأ إلى محل به نجاسة هل تبطل صلاته؛ لأنه يجب تطهير مكان المصلى وقد فسره بعضهم بأنه محل قيامه وسجوده وجلوسه أم لا تبطل أفيدوا الجواب؟ (الجواب) الراجح صحة صلاته؛ لأن مكان المصلي الذي يجب تطهيره هو ما تماسه أعضاؤه بالفعل وتفسير بعضهم بأنه محل قيامه إلخ يحمل على ما إذا سجد بالفعل فلا يجب على المومي طهارة محل السجود أفاده الزرقاني. (ما قولكم) في رداء المصلي إذا وقع وهو طاهر على نجاسة جافة هل تبطل صلاته كما قالوه في طرف عمامته إذا كان نجسا وألقي بالأرض ولو لم يتحرك بحركته أم لا تبطل أفيدوا الجواب. (الجواب) حيث كان الرداء طاهرا فلا يضر كما قال الزرقاني ولا يضر استطراق رداء المصلي على نجاسة جافة اهـ وفي المعيار: أن الإمام البرزلي قال: أحفظ في الإكمال أن يثاب المصلي إن كانت تمس النجاسة ولا يجلس عليها لا تضره وأما طرف عمامة المصلي

فما بطلت الصلاة إلا لنجاسته وقد قالوا تجب إزالة النجاسة عن محمول المصلي ولو حكما فيدخل فيه طرف العمامة المتنجس ولو لم يتحرك بحركته والله أعلم. (ما قولكم) فيمن حرك نعله المتنجس وهو في الصلاة هل يقطع صلاته لبطلانها أم لا؟ (الجواب) قال الزرقاني: والصواب عدم القطع فيمن حرك نعله المتنجس حيث مسه من محل طهارته؛ لأنه ليس بحامل والقطع فيمن رفعه؛ لأنه حامل وقال في المعيار؛ لأن الغالب الدخول به في مواضع النجاسة بخلاف القبقاب فإنه يغسل. (ما قولكم) فيما يصيب الثوب من انتفاض الكلب أو من ذيل الفرس هل ينجسه أم لا؟ (الجواب) قال في المعيار: وما يصيب الثوب من انتفاض الكلب أو ذيل الفرس لا يوجب حكما؛ لأن الحيوانات محمولة على الطهارة اهـ وهذا ما لم يعلم أن ما أصاب الثوب من الانتفاض نجس وإلا وجب غسله والله أعلم. (ما قولكم) فيمن ذكر نجاسة في الصلاة وهم بالقطع فنسى وتمادى فهل تبطل صلاته أفيدوا الجواب. (الجواب) تبطل صلاته على الأصح خلافا لابن العربي القائل بالصحة كذا في الزرقاني وفي حاشية الخرشي: أن ما قاله ابن العربي قول ابن القاسم وهو الظاهر لعذره بالنسيان وهو المناسب ليسر الدين والله أعلم. (ما قولكم) فيمن رفع رأسه من السجود فرأى نجاسة في محل السجود؟ (الجواب) قال ابن عرفة: يقطع وهو الراجح بناء على أنه لا يشترط مع علمه في الصلاة بالنجاسة التلبس بها. وذهب بعض متأخري فقهاء القرويين إلى أنه يتمادى ولا يقطع ويعيد في الوقت كمن نسي غسلها قبل الدخول ولم يتذكر إلا بعد السلام وهذا مبني على أنه لا بد أن يصحب علمه في الصلاة بالنجاسة التلبس بها ومثل هذا من رأى في صلاته بعمامته نجاسة بعد سقوطها ذكره الزرقاني وغيره والله أعلم. (ما قولكم) فيما يفعله الصاغة من إحماء نحو الذهب والفضة بالنار وإطفائه في الماء النجس بعد إخراجه من النار هل يطهر إذا غسل بعد ذلك بالماء الطاهر أم لا؟ (الجواب) يطهر إذا غسل بالماء؛ لأن النجاسة لا تغوص في أعماقه وإنما أزال الله الحرارة التي حصلت بالنار عند وجود الماء فإذا انفصلت فلا يقبل بعد ذلك شيئا يداخله فليس هناك قدر زائد على الواقع من انفصال الحرارة عن نحو الذهب والفضة والحديد بمداخلة الماء إياها. أفاده في المعيار، وفي ضوء الشموع: لو شرب نحو الحديد من الماء النجس لزاد وزنه وهو خلاف المشاهد والله أعلم. (ما قولكم) في الشك في الطريق هل يؤثر أم لا؟ (الجواب) ذكر في المجموع: أن الشك لا أثر له في المطعومات وكذا في نجاسة الطرقات كما في الخرشي عن ابن عرفة والله أعلم. (ما قولكم) في المأموم إذا رأى نجاسة بإمامه وهو بعيد عنه هل يكلمه أم لا؟ (الجواب) قال في المجموع: وإن علمها مأموم بإمامه أراه إياها ولا يمسها فإن بعد فوق الثلاث صفوف كلمه واستخلف فإن تبعه بعد رؤيته النجاسة بطلت على

[مسألة]

المأموم أيضا والله أعلم. (ما قولكم) في الخنزير إذا ولغ في إناء هل حكمه حكم الكلب من أنه إذا ولغ في الإناء يندب إراقة الماء الذي ولغ فيه وغسل الإناء سبعا تعبدا بلا نية ولا ترتيب أم كيف الحال أفيدوا الجواب؟ (الجواب) ذكر في المجموع: أن ندب إراقة الماء من الإناء الذي ولغ فيه الكلب وغسله سبعا لأجل التعبد ولذلك لم يطلب في الخنزير أي؛ لأن الشارع لم يتعبدنا بذلك فيه وقيل: لخشية الداء الذي يصيب الكلب المسمى بالكَلَب بفتح اللام؛ لأن الكلب يرد الماء كثيرا في أوائل إصابة ذلك الداء والله أعلم. (ما قولكم) فيما يجعل على سطح المنزل أو البيت من الرماد الذي أصله مما يجتمع من الزبل والروث وغير ذلك ويحرق ويجعل على السطوح كالجير لأجل أن يمنع من كثرة القطر فإذا قطر منه شيء فما حكمه؟ (الجواب) في المعيار سئل ابن عرفة عن ذلك فأجاب: بأنه في أول ما يقطر نجس ثم يطهر بعد ذلك فلا يضر ما ينزل منه والله أعلم. (ما قولكم) في حصير فيه ثقب لا تصل ثياب المصلي إلى ما تحته من النجاسة لكنه يستقر على الأعلى فهل إذا جلس عليه تبطل صلاته أم لا أفيدوا الجواب؟ (الجواب) في المعيار أن العلامة الغبريني أجاب بصحة الصلاة وأجاب ابن عرفة بأنه يعيد صلاته لصحة اتصاله بالنجاسة والله أعلم. (ما قولكم) في رجل صلى إلى جنب من يتحقق نجاسة ثوبه ولاصقه هل تبطل صلاته أم لا أفيدوا الجواب؟ (الجواب) في المعيار قال البرزلي: أحفظ في الإكمال أن ثياب المصلي إن كانت تمس النجاسة ولا يجلس عليها لا تضره وإن استند إليه ففي المدونة: ولا يستند لحائض ولا جنب فقيل؛ لأن المستند شريك المستند إليه، وقيل لنجاسة ثياب المستند إليه ويعيد من فعل ذلك في الوقت، ومن الاستناد من دفع نعله بيده مع تحقق نجاسته والله أعلم. [مسألة] إذا جاء ثوب شخص نجس على كتف المصلي بحيث يعد حاملا له لا تبطل صلاته؛ لأن الثوب منسوب ومحمول للابسه كما في حاشية الخرشي (ما قولكم) في القلس هل هو طاهر أم نجس (الجواب) قال في المجموع: ولا ينجس القلس إلا بمشابهة العذرة فلا تضر حموضته لخفته وتكرره والله أعلم. (ما قولكم) في الخمر وغيره من النجاسات هل يجوز التداوي بشيء من ذلك أم لا (الجواب) قال في المجموع: ولا يجوز الدواء بالخمر ولو تعين وفي غيره خلاف، وأجازوه للغصة لا العطش؛ لأنه يزيده وأجازه الحنفية لأجل العطش وأجازه الشافعية لدفع الهلاك من عدم الرطوبة لا للعطش نفسه. اهـ. وفي حاشية الخرشي من باب البيوع: والحاصل أنه قد ذكر النووي ما نصه: والأصح عند الشافعية حل التداوي بكل نجس إلا الخمر، والخبر موضعه إذا لم يوجد طاهر يغني عن النجس جمعا بين الأخبار. اهـ. والله أعلم. (ما قولكم) في دخول المقبرة بالأنعلة هل هو جائز أم لا؟ (الجواب) ذكر في المعيار أن دخول المقبرة بالأنعلة جائز؛ لأن النبي - صلى

الله عليه وسلم - والسلف كانوا يفعلونه؛ لأنهم كانوا يصلون على الميت على شفير القبر بنعالهم وما ورد في الحديث «يا صاحب السبتيتين اخلع نعلك» فإنما قال ذلك؛ لأنه رآه يتقلع في مشيه تعجبا بحاله فأمره بذلك ليخف بعض ما به من الزهو والعجب بنفسه، وأفتى بعضهم فيمن أزال نعلا من موضعه بآخر أنه يضمنه؛ لأنه لما نقله وجب عليه حفظه وصوبت هذه الفتيا. اهـ. (ما قولكم) في المصحف أو الكتاب إذا حلت فيه نجاسة هل يغسل محلها أم لا أفيدوا الجواب (الجواب) إن كانت نسخة المصحف أو الكتاب من الأمهات المعتبرة التي يرجع إليها ويعتمد في صحة غيرها عليها وكان يوجد ثم نسخة من الكتاب سوى ما وقعت فيه النجاسة فالحكم أن يزال من جرم النجاسة ما استطيع عليه ولا أثر للأثر فإن الصحابة رضوان الله عليهم تركوا مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه وعليه الدم ولم يمحوه بالماء لكونه عمدة الإسلام، وأما إن لم يكن المصحف أو الكتاب كذلك فينبغي أن يغسل الموضع ويحبر إن كان مما يحبر أو يستغنى عنه بغيره والله أعلم. أفاده في المعيار. (ما قولكم) في طهارة الخبث هل هي شرط في مس المصحف أم لا؟ أفيدوا الجواب. (الجواب) في المعيار: سئل أبو القاسم البرزلي عن ذلك فأجاب: أما طهارة الخبث فليست بشرط في مس المصحف فقد نبهوا على تعليق التمائم على البهائم والحيض وعلى قراءة القرآن في الطرق وفي الأماكن النجسة وعلى ذكر الله في الخلاء وعلى معاملة المشركين بالدنانير والدراهم التي فيها اسم الله وعلى الاستنجاء بخاتم فيه ذكر الله ومس المصحف من أهم ما يذكرون ولو كانت طهارة الخبث شرطا فيه لم يهملوها. اهـ. أي ما لم يلزم على ذلك ملابسة المصحف للنجاسة بأن كانت في يديه وإلا حرم، قال في المجموع: الراجح كراهة التلطخ بالنجس في ظاهر الجسد. قال في ضوء الشموع: إلا أن يمس بها مصحفا فيحرم، والله أعلم. (ما قولكم) في الخاتم فيه ذكر الله أيلبس في الشمال حالة الاستنجاء أم لا؟ (الجواب) أفاد في المعيار وغيره: أن حاصل المذهب في الاستنجاء بخاتم فيه ذكر الله أو اسم نبي ثلاثة أقوال: الكراهة والجواز والحرمة، والذي رجحه الحطاب الكراهة وكلام ابن العربي والتتائي يؤيد القول بالتحريم وسئل عن ذلك مالك رضي الله تعالى عنه؟ فقال: أرجو أن يكون خفيفا. قال ابن رشد في البيان: قوله أرجو أن يكون خفيفا يدل على أنه عنده مكروه وأن نزعه عنده أحسن. وقال ابن رشد في فعل ابن القاسم: ليس بحسن. ويحتمل أنه إنما فعل ذلك؛ لأن خاتمه كان ضيقا يشق عليه تحويله إلى اليد الأخرى كلما احتاج إلى الاستنجاء ووسع ذلك الاحتياج إلى لبسه في الشمال؛ لأنه أحسن ما روي ولما في نزعه عند كل استنجاء من المشقة، ولا سيما على تأويل ابن رشد في خاتم ابن القاسم أنه كان ضيقا اهـ وهذا ما يلابس القذر وإلا حرم فقد ذكر في المجموع أنه يكره دخول الكنيف بذكر الله ومنه خاتم

[مسألة]

في يسراه فإن لابس القذر حرم، وفي الزرقاني: ويكره على ما رجح الحطاب، وقيل: يحرم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى كالخاتم والدرهم وإن لم يكن بساتر وإن لم تدع ضرورة من ارتياع أي أو خوف ضياع وإلا جاز ومثل الذكر الدخول بآيات من القرآن ولا شك أن الذكر أشد كراهة من إدخال ما فيه ذكر، وحرم الدخول بالقرآن وجزئه وتلاوة القرآن أو بعضه في موضع الخلاء المعد كغيره عند انكشاف الارتياع أو خوف ضياع ونحوه فتجوز القراءة والدخول بالمصحف. (فائدة) في حاشية الشيخ الجمل الشافعي على المنهج: وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه وكان نقشه محمد رسول الله أي محمد سطر ورسول سطر والله سطر. قال العلامة ابن حجر: ولم يصح في كيفية وضع ذلك شيء لكن قال الأسنوي في المهمات: وفي حفظي قديما أنها كانت تقرأ من أسفل ليكون اسم الله تعالى فوق الجميع. زاد في نور النبراس: والذي يظهر أن هذه الكتابة كانت مقلوبة حتى إذا ختم بها كان على الاستواء كما في خواتيم الحكام اليوم. قال بعضهم: وكان نقش خاتم أبي بكر نعم القادر هو الله، ونقش خاتم عمر كفى بالموت داعيا يا عمر، ونقش خاتم عثمان لتصبرن أو لتندمن، ونقش خاتم علي الملك لله اهـ. (ما قولكم) فيمن ذكر نجاسة في الصلاة فقطعها وذهب ليغسلها فنسي وصلى بها ثانية هل يعذر بالنسيان الثاني أم لا؟ (الجواب) يعذر بالنسيان الثاني كما هو أحد قولين ذكرهما سند واستظهره الحطاب كما في حاشية الخرشي والله أعلم. (ما قولكم) فيمن شك في إصابة النجاسة لثوبه أو ظن أنها أصابته هل يجب عليه غسله أو نضحه أفيدوا الجواب؟ (الجواب) قال في المجموع: وإن شك في إصابتها لثوب، والشك هنا يشمل الظن غير القوي كما في الحطاب والرماصي وجب نضحه ولو رشة واحدة في الحطاب، ولا يلزم استغراق جميع سطحه اهـ. ومنه تعلم أنه إذا ظن ظنا قويا وجب عليه غسله والله أعلم. (ما قولكم) فيمن يعتريه سلس البول كل يوم مرة هل يجب عليه غسله أم لا؟ (الجواب) يعفى عما يعسر من الأحداث من بول أو غائط أو مذي أو ودي ولو مرة في كل يوم مدة استمراره فإذا برئ منه وجب عليه غسله؛ لأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما كما في المجموع وغيره والله أعلم. [مسألة] كان الشيخ عيسى الغبريني يقول: إن وجد النعال من جلد الميتة فإنه ينجس الرجل إذا توضأ عليه وخالفه تلميذه البرزلي وقال: لا تنجس لجواز استعماله في الماء، واستظهر الحطاب ما قاله الشيخ عيسى؛ لأنه استعمل في غير يابس وماء واقتصر عليه في المجموع. [مسألة] في حاشية الأمير على عبد الباقي من يحس بنزول نقطة فإذا فتش تارة يجدها وتارة لا يجدها لا يلزمه التفتيش إن اعتراه ذلك كل يوم ودين الله يسر كما أجاب به ابن رشد فإن فتش فوجدها فعلى حكمها بخلاف من فزع من شيء فأحس بنزول

[مسألة]

شيء في القصبة فيجب عليه الاستبراء إن كان يخرج لعدم استنكاح، وفيه أيضا من تمكن منه الوسواس فله أن يتخلص منه بالقول الضعيف كقول العراقيين السلس لا ينقض مطلقا، وفيه أيضا فائدة: قال الشيخ في شرح العزية قولهم السلس لا ينقض ما لم ينزل على وجه الاعتياد خلاله فينقض وهو ظاهر اهـ. وقوله: كقول العراقيين إلخ أي: والقول المعتمد أن السلس إن لازم نصف الزمن لا ينقض وإلا نقض. (فائدة) سئل عج: هل وقع التخفيف في الغسل بعد أن فرض مكررا كالصلاة أم لا؟ فأجاب: نعم، وقع التخفيف في كل من الغسل للجنابة وغسل الثوب فقد أخرج أبو داود والبيهقي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرات وغسل الثوب من البول سبع مرات فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل حتى جعل الصلاة خمسا وغسل الجنابة مرة وغسل الثوب مرة انتهى. وهل كذلك غسل غير الجنابة من الحيض ونحوه وكذا الغسل من البول كما هو الطهر أم لا والظاهر أن السؤال في تخفيف الغسل لم يكن في ليلة الإسراء والله أعلم انتهى. (ما قولكم) في الثوب يبل في الخمر ثم يجفف حتى لا يبقى فيه إلا حكم الخمر فهل يطهر أم لا؟ (الجواب) في فتاوى الأجهوري قد ذكر الإمام المازري والقرطبي ومن وافقهما كالشيخ خليل: أن العلة في نجاسة الخمر هو الشدة المطربة وأن الحكم ينعدم بانعدامها، وحينئذ فإذا أصاب الخمر ثوبا وجف بحيث لم يبق إلا حكمه أو بقي ما لو بل بالماء لم يتحلل منه ما فيه الشدة المطربة فقد طهر، وكذلك يقال فيما غاص في الفخار من الخمر وجف بحيث لم يبق إلا حكمه أو بقي ما لا يتحلل منه ما يسكر وقد ذكروا أن آنية الخمر إذا تخلل فيها الخمر فإنها تطهر بطهارة ما غاص فيها. (تتمة) تخليل الخمر لا يجوز على الراجح، وقيل: مكروه اهـ وفي المجموع: أنهم اختلفوا في تخليلها بالحرمة لوجوب إراقتها والكراهة والإباحة، أو إن تخمرت بلا قصد جاز ويطهر الخمر أيضا إذا تحجر، وقيده الحطاب بما إذا لم يعد إسكاره ورده عج بأنه لا إسكار مع التحجر وبعد البل يدور الحكم مع العلة، ومن هذا الطرطير الذي يوضع في الصبغ فإن عاد الإسكار ببله عادت نجاسته وإلا فلا والله الملهم للصواب. [مسألة] الخاتم المندوب يكون درهمين من فضة فأقل، ويندب أن يكون باليسرى كما هو آخر فعله صلى الله عليه وآله وسلم، ويندب جعل فصه للكف؛ لأنه أبعد من العجب ويحرم المتعدد وإن دون درهمين كما يحرم ما زاد ذهبه عن الثلث وإلا كره كذا في المجموع، وفي فتاوى عج: وأما لبس خاتم النحاس والحديد والرصاص والعقيق وغيرها كالخشب والجلد فالأول والثاني وقع فيهما خلاف بالحرمة والكراهة، والراجح الكراهة ما لم يكن للتداوي، وإلا فيجوز فإن النحاس يمنع الصفرى والحديد من الجن وكذا الثالث ومثله القزدير وأما العقيق وما بعده فجائز اهـ.

(فصل) في الوضوء وما يتعلق باللحية وبقية الشعر.

(فصل) في الوضوء وما يتعلق باللحية وبقية الشعر. (ما قولكم) في حكم الوضوء بماء زمزم؟ (الجواب) أفاد الحطاب: أنه لا خلاف في جواز الوضوء والغسل بماء زمزم إذا كان طاهر الأعضاء، بل صرح ابن حبيب: باستحباب ما ذكر من الوضوء والغسل به، وأما إزالة النجاسة به فالمذهب الكراهة كذا في حاشية العدوي علي أبي الحسن والله أعلم. (ما قولكم) فيمن نوى إخراج الحدث في وضوئه فلم يخرج هل يرتفض أم لا؟ (الجواب) لا يرتفض وضوؤه؛ لأن هذا رفض مقيد، فقد نوى خروجه إن خرج فلم يخرج ولا يضر إلا الرفض المطلق، كما قالوا في باب الصوم: لا يبطل صومه إذا نوى أن يأكل شيئا فلم يفعل كما في المجموع والله أعلم. (ما قولكم) في نتف الشيب وقص شيء من اللحية وحلق الشارب والعنفقة وبقية شعور البدن هل يجوز أم لا؟ (الجواب) ذكر العلامة العدوي في حاشيته على الزرقاني: أن نتف الشيب قال مالك فيه: لا أعلمه حراما وتركه أحب إلي، وأما قص شيء من اللحية فلا حرج على من طالت لحيته أن يأخذ ما زاد على القبضة، وأما حلق اللحية والشارب والعنفقة فحرام ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يريد الإحرام بالحج ويخشى طول شاربه في زمن الإحرام ويؤذيه فقد رخص فيه، وكذلك إذا دعت ضرورة إلى حلقه أو حلق اللحية لدواء ما تحتها من جرح أو دمل ونحو ذلك، ويكره حلق ما تحت الذقن من الشعر، قال مالك: هو فعل المجوس اهـ زاد الصفتي: إلا لضرورة، وقال بعضهم: يطلب حلقه؛ لأنه من الزينة والزينة مطلوبة فتركه تشويه وحالة مذمومة، وقد يطول حتى يكون أكبر من اللحية فيكون أشد تشويها، وقد انتصر السكندري لهذا القول وأيده بنقول كثيرة فراجعه، وأما الشعر الذي على الحلق فيجوز حلقه كما يجوز حلق يسير من الشارب كحلق يسير مما فوق العنفقة، ويجوز إزالة الشعر النابت على الخد بموسى أو ملقاط، ويستحب قص شعر الأنف لا نتفه لحديث ورد في ذلك؛ ولأن نتفه يورث الأكلة وقصه أمان من الجذام كما في حديث، ويجوز حلق الرأس ولو لغير ضرورة على المشهور ويندب حلق العانة وكذا الشعر الذي فوق الدبر والأنثيين مخالفة للنصارى فإنهم يبقونه، ونتف الإبطين أحسن من حلقهما، ويكره صبغ الشيب بالسواد إلا في خصوص الجهاد فجائز، وأما في نحو بيع العبد فحرام، وكذا يكره صبغ اللحية بالصفرة تشبيه بالصالحين وكذا يكره تبييضها بالكبريت وغيره لأجل استعجال الكبر لأجل الراحة والتعظيم وإيهاما لوصوله سن الشيخوخة، ويجوز للرجل أن يصبغ لحيته ورأسه بالحناء والكتم. (فائدة) المواظبة على تسريح اللحية صباحا ومساء سبب في طول الأجل ودفع البلاء، وأما ما اشتهر على ألسنة العامة من أنه يكره تسريحها عند الغروب فهو لا أصل له، ويستحب أن يقرأ عند تسريح الجانب الأيمن الفاتحة، وعند الأيسر ألم نشرح، وعند الأسفل قل هو الله أحد، فمن فعل ذلك فتح الله عليه أبواب الخير، قال الأجهوري: وقد واظبت على ذلك واعتمدته

[مسألة]

وجربته فوجدت بركته ونفعه اهـ ما زاده الصفتي. وذكر الفيشي: أنه لا بأس بحلق بقية شعر الجسد والله أعلم. (ما قولكم) في الخاتم إذا منع وصول الماء للبشرة هل يجب تعميمه بالماء في الوضوء نيابة عما تحته كما قالوه في الشوكة أم لا أفيدوا الجواب؟ (الجواب) إذا كان الخاتم مباحا لا يجب تحريكه ولو منع وصول الماء للبشرة لا في وضوء ولا في غسل نعم إذا نزعه يتدارك غسل ما تحته ومثله أساور المرأة والظاهر أنه لا يجب تعميم الخاتم نيابة عما تحته بخلاف الشوكة وأما إن كان ممنوعا بأن كان من ذهب أو جعله خاتمين وإن كانا درهمين فقط يكفي الدلك به إن كان واسعا وحرمته شيء آخر ولا بد من نزعه إن كان ضيقا كذا في المجموع وغيره والله أعلم. [مسألة] أسفل اللحية لا يجب غسله في الوضوء وحديث «أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ وأخذ غرفة تحت ذقنه» محمول على وضوئه في الغسل أو لنحو تبرد كما في الأمير علي عبق. (ما قولكم) في رأس المتوضئ إذا كان بها عرق هل يجب غسله لئلا يضيق الماء الذي يمسح به رأسه أم لا؟ (الجواب) في المجموع: لا نعرف غسل الرأس لعرق؛ لأنه مبني على التخفيف ولأن العرق ينزل أسفل الشعر والله أعلم. (ما قولكم) فيمن نوى أن يتوضأ في المسجد فلما خرج من بيته ذهل عنها ثم وصل المسجد فتوضأ وهو ذاهل عنها هل يصح وضوئه أم لا؟ (الجواب) اختلف في تقدم النية بيسير عرفا كما إذا كان في بيته بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ونوى وهو ببيته أن يتوضأ بحمامها فوصل الحمام وتوضأ وهو ذاهل عنها فقيل بالإجزاء وقيل بعدمه وفي حاشية الخرشي الأصح الإجزاء وكل قرية كالمدينة حكمها كحكمها وإنما قالوا كالمدينة؛ لأن بها تكلم الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وفرض المسألة أنه لو سئل لم يجب وإلا فهي نية حكما وأما تقدمها بكثير فيضر قطعا أفاده في المجموع والله أعلم. (ما قولكم) في ماء الوضوء إذا تغير بالدلك وصار مضافا هل يضر أم لا؟ (الجواب) لا يضر إضافة الماء بالدلك متى عم العضو طهورا، قال في ضوء الشموع: وينبغي أن معنى لا يضر إضافة الماء بالدلك أي بنهايته والمبالغة فيه وأن الغرض حصل قبل التغير بأول الإمرار والله أعلم. (ما قولكم) في شخص صلى الخمس كلا بوضوء ثم تذكر أنه ترك مسح رأسه ولم يدر من أي وضوء وقلتم أنه يأتي بمسح رأسه ويعيد الخمس فنسي ثانية وأعاد الخمس بدون مسح رأسه فما الحكم؟ (الجواب) في المجموع: إذا صلى الخمس كلا بوضوء أو صلى الأربع بوضوء والعشاء بوضوء آخر ثم تذكر ترك مسح رأسه ولم يدر من أي وضوء والموضوع بقاء وضوء العشاء فإنه يأتي بمسح رأسه ويعيد الخمس فإذا نسي ثانيا وأعاد الخمس بدون مسح فإنه يأتي بالمسح ويعيد العشاء وحدها ولا يلزمه ابتداء الوضوء لعذره بالنسيان الثاني ولا يلزمه إعادة غيرها؛ لأنه إذا كان الترك من وضوئها فظاهر براءة ذمته بإعادتها بعد إتيانه بالمسح

(فصل) في نواقض الوضوء.

وإن كان الترك من وضوء غيرها فقد أعاد غيرها بصحيح وهو وضوء العشاء الكامل وبرئت ذمته من جميعها فلو لم يعذر بالنسيان الثاني لابتدأ الوضوء وأعاد العشاء. (فصل) في نواقض الوضوء. [مسألة] ينتقض الوضوء بالشك في طروِّ الناقض ما لم يكن مستنكحا وإلا فلا ينتقض وضوءه وينتقض أيضا بالشك في الطهارة بعد تيقن الحدث وبالشك في سبق الطهارة على الحدث والحال أنه تيقنهما وينتقض في هذين ولو من مستنكح والمستنكح من يأتيه كل يوم ولو مرة، وقال عج ومن تبعه: الأليق بالحنيفية السمحاء أنه يوم بعد يوم مستنكح كالمساوي في السلس فأجراه عليه وإن شك في طرو الناقض أو السابق منهما وهو في الصلاة أتمها حيث دخلها بيقين ثم إن استمر على شكه أعاد الصلاة دون مأمومه وإن تحقق الطهارة أو قوي الظن لم يعد وأما لو شك وهو فيها هل توضأ بعد الحدث أم لا فإنه يقطع ويستخلف إن كان إماما أفاده في المجموع وغيره. [مسألة] ينتقض وضوء المرأة بخروج مني الرجل من فرجها إذا دخل بوطئه إياها وكانت اغتسلت أو توضأت ونوت رفع الأصغر ثم أرادت رفع الأكبر فقط فينتقض الأصغر بالمني الذي خرج بعد الوضوء وقبل الغسل؛ لأن خروجه في هذه الحالة معتاد وأما لو دخل فرجها بلا مس فلا يوجب وضوءا ولا غسلا؛ لأن هذا دخول والناقض الخروج وإن دخل بمس وحملت وجب الغسل وأعادت الصلاة من وقت وصوله فرجها وإن لم يظهر منيها تنزيلا للحمل منزلة البروز وإن شرب فرجها منيا من حمام فلا وضوء عليها وإن حملت فلا غسل عليها وإن كان الحمل يستلزم إمناءها ولكنهم ألحقوه بما خرج بلذة غير معتادة والمني إذا خرج بلذة غير معتادة لا يوجب غسلا، نعم يوجب الوضوء أفاده الزرقاني والعدوي وغيرهما. (ما قولكم) في شخص اعتراه سلس البول هل ينتقض وضوءه أم لا؟ بينوا لنا النص أثابكم الله؟ (الجواب) سلس البول أو المذي أو غيرهما إذا لازم أكثر الزمن أو نصفه فلا ينقض الوضوء ويندب الوضوء منه في هاتين الصورتين ويندب أن يكون متصلا بالصلاة وقيل يندب الاستنجاء منه كما في الطراز وقيل لا يندب وهو قول سحنون؛ لأن النجاسة أخف من الحدث وأما إن عم السلس الزمن فلا نقض به ولا يندب الوضوء منه وأما إن فارق أكثر الزمن فينقض فالصور أربع ثم إنهم اختلفوا في ملازمة السلس هل المعتبر فيها أوقات الصلاة التي هي من زوال الشمس إلى طلوعها ثاني يوم أو المعتبر الزمن كله والمعتمد الأول وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا فرضنا أن أوقات الصلاة مائتان وستون درجة وغير وقتها مائة درجة فأتاه السلس في هذه المائة وفي مائة من أوقات الصلاة أيضا فعلى المعتمد الذي يعتبر أوقات الصلاة فقط لينتقض الوضوء لمفارقته أكثر زمن أوقات الصلاة التي هي مائتان وستون كما في المثال؛ لأن السلس أتاه في مائة

باب الغسل

منها وبقي مائة وستون وأما ما أتاه في المائة التي هي غير أوقات الصلاة فهي غير معتبرة على هذا القول كما علمت وأما على القول الثاني الذي يعتبر الزمان كله فلا ينقض الوضوء لملازمته أكثر الزمان؛ لأنه أتاه في مائتين، مائة من أوقات الصلاة ومائة من غيرها ولم يبق إلا مائة وستون وألغى العراقيون السلس مطلقا قال في التوضيح: ولا ينبغي أن تؤخذ المسألة على عمومها بل ينبغي أن تقيد بما إذا كان الإتيان والانقطاع مختلفا غير منضبط فيقدر بذهنه أيهما أكثر فيعمل عليه فلو انضبط الإتيان بأول الوقت أخرها أو بآخره قدمها اهـ وهذا يجري على القولين فإن لازم وقت صلاة فقط نقض وصلاها قضاء كما أفتى به الناصر فيمن يطول به الاستبراء ومن يحدث كلما تطهر بالماء يصلي بحاله؛ لأنه سلس كمن إذا قام أحدث كذا لابن بشير واستظهره الحطاب وقال اللخمي: يتيمم من إذا تطهر بالماء أحدث والأحوط الجمع هذا حاصل ما في المجموع والزرقاني وحاشية العلامة العدوي عليه والله الملهم للصواب وإليه المرجع والمآب. [مسألة] ينتقض الوضوء بشك في طرو ناقض من غير المستنكح وأما هو فلا ينتقض وضوؤه به وهو من اعتراه الشك كل يوم ولو مرة ولا يعمل على أول خاطره على المعتمد لعدم انضباطه واستظهر ضم الوضوء للغسل لا أحدهما للصلاة كما في المجموع بزيادة من عب. (ما قولكم) في شخص تعلق به الشيطان في السلس وتحكم منه بحيث إنه لا يقدر على الخلاص منه إلا بالعمل بقول العراقيين بأن السلس لا ينقض ولو فارق أكثر الزمن فهل له العمل بقولهم أم لا؟ (الجواب) يفهم من كلام الشيخ زروق أن لمن استنكحه الشك في شيء وهناك قول ضعيف يندفع به الشك أن يراعيه ويعمل به فإذا استنكحه الشك في مفارقة أقل الزمن أو أكثر فإنه يراعى القول بأن مفارقة الأكثر كمفارقة الأقل والنصف في عدم النقض كذا في فتاوى الأجهوري والله أعلم وفي الفتاوى أيضا. (فائدة) للوسواس والخواطر الرديئة وهي أن يضع يده على صدره ويقول سبحان الملك القدوس الفعال سبع مرات ويقرأ قوله تعالى " إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز " مرة واحدة اهـ. [مسألة] لو تخيل المتوضئ أن شيئا حصل منه بالفعل لا يدري ما هو هل حدث أو غيره فظاهر كلام أهل المذهب أنه لا ينتقض وضوؤه؛ لأن هذا من الوهم اهـ من صاوي. باب الغسل [مسألة] إن تعذر الدلك باليد سقط ولا يجب بخرقة ولا استنابة كما رجحه ابن رشد فيكون هو المعتمد؛ إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فيكفي تعميم الجسد بالماء إذ لم ينقل عن الصحابة أنهم كانوا يتخذون خرقة يدلكون بها فلو كان واجبا لشاع من فعلهم اهـ من حاشية الخرشي وغيرها [مسألة] قول

(فصل) في التيمم.

سيدي خليل في صفة الوضوء المقدم على غسل الجنابة مرة مرة ضعيف، ففي فتح الباري ورد من طرق صحيحة أخرجها النسائي والبيهقي من رواية أبي سلمة عن عائشة أنها وصفت غسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الجنابة، وفيه: «ثم تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ثم أفاض الماء على رأسه ثلاثا» كما في دس. [مسألة] إذا توضأ الجنب قبل الغسل وقبل أن يتم غسله مس ذكره فإنه يجب عليه أن يغسل أعضاء الوضوء بنية الوضوء فإن نوى رفع الحدث الأكبر لم يجزه؛ لأنه قد ارتفع بالغسل الأول فهو بمنزلة ما إذا نوى المتوضئ غير الجنب رفع الحدث الأكبر كما قال عج رحمه الله تعالى: وغسل أعضاء الوضوء بنية هو قول صاحب الرسالة وهو المشهور ومقابله قول القابسي: يغسلها بغير نية لبقائها ضمنا في نية الطهارة الكبرى. اهـ ملخصا من أبي الحسن على الرسالة وعدوي. (فصل) في التيمم. [مسألة] قولهم: يجوز التيمم لخوف حدوث مرض أو زيادته أو تأخر برؤ ويعرف ذلك بالعادة معناه يعرف ذلك بالقرائن العادية كخوف انقطاع عرق العافية باستعمال الماء وليس من العاجز عن استعمال الماء للمرض المبطون الذي كلما قام للماء واستعمله انطلق بطنه بل هذا يؤمر باستعمال الماء وما خرج منه غير ناقض انظر ضوء الشموع. [مسألة] كل من أمر بالتيمم إذا تيمم وصلى يحرم عليه الإعادة كما في عب وغيره، وفي المجموع: ليس في النقل تصريح بالحرمة، قال في حاشيته: لكن للحرمة وجه إن كانت الإعادة من حيث ذات الطهارة الترابية استضعافا لها عن المائية لما فيه من الاستظهار على الشارع فيما شرع. اهـ. هذا إذا تيمم وصلى غير مقصر وأما المقصر كواجده بعد طلبه بقربه أو برحله وخائف لص أو سبع فتبين عدمه أو مريض عدم مناولا وراج قدم ومتردد في لحوقه صلى وسط الوقت ثم لحقه في الوقت وكذا من نسي الماء الذي معه ثم ذكره بعد أن صلى وكذا المقتصر على كوعيه والمتيمم على مصاب بول ومن وجد بثوبه أو بدنه أو مكانه نجاسة ومن تذكر إحدى الحاضرتين بعدما صلى الثانية منهما ومن يعيد في جماعة ومن يقدم الحاضرة على يسير المنسي فإنه يعيد ما دام الوقت باقيا واعلم أن كل من أمر بالإعادة فإنه يعيد بالماء إلا المقتصر على كوعيه والمتيمم على مصاب بول ومن وجد بثوبه أو بدنه أو مكانه نجاسة ومن تذكر إحدى الحاضرتين بعدما صلى الثانية منهما يعيد في جماعة ومن يقدم الحاضرة على يسير المنسي فإن هؤلاء لا يعيدون ولو بالتيمم واعلم أيضا أن المراد بالوقت الوقت الاختياري إلا في حق هؤلاء فإنهم يعيدون ولو في الضروري ما عدا المقتصر على كوعيه فإنه الاختياري كذا في كبير در بتوضيح، وفي دس، وقوله: والمتيمم على مصاب بول أي سواء وجد طاهرا حال تيممه عليه

باب أوقات الصلاة

أم لا إلا أنه لم يجد غيره يكون كعادم الماء والصعيد؛ لأن طهارة الصعيد واجبة فلا يطالب بالتيمم بالنجس فإن تيمم به ووجد الطهارة في الوقت أعاد ولو في الضروري وأما قول عج: محل إعادة المتيمم على مصاب بول إذا وجد حال التيمم عليه طاهرا وإلا فلا إعادة ففيه نظر. اهـ. بتصرف توضيح. (ما قولكم) في شخص يتيمم وهو واجد للماء ويزعم أنه يتيمم لنزلة به فهل يجوز له ذلك إذا كان ظاهر الصحة؟ بينوا لنا الحكم مفصلا. (الجواب) في المختصر وشرحه: إن خيف غسل كجرح من رمد أو دمل أو نحو ذلك مسح إن صح جل جسده أو أقله وكان ذلك الأقل أكثر من يد أو رجل والحال أن غسل الصحيح في الصورتين لا يضر بالجريح وإلا بأن ضر غسل الصحيح الجريح والموضوع أنه صح جل جسده أو أقله ففرضه التيمم فإذا كانت الجراحات في يديه وكان غسل الصحيح يضر يديه لتناول الماء بهما تيمم حينئذ وكذا يتيمم إن قل الصحيح جدا، كيد أو رجل؛ لأن التافه لا حكم له. وفي حاشية الدسوقي تنبيه: محل كون فرضه التيمم عند الضرر إذا كان غسل كل جزء من أجزاء الصحيح يضر بالجريح وأما إذا كان بعض الصحيح إذا غسل لا يضر بالجريح وبعضه إذا غسل يضر فإنه يمسح ما يضر ويغسل ما لا يضر ولا يتيمم فإذا كان المرض بعينيه وكان غسل باقي وجهه يضر بعينيه وغسل يديه ورجليه لا يضر بهما فإنه يمسح بقية وجهه ويكمل وضوءه ولا يتيمم. اهـ. (فصل) في الحيض [مسألة] إذا استعملت المرأة دواء لرفع دم الحيض أو تقليله فإنه يكره ما لم يلزم عليه قطع النسل أو قلته وإلا حرم. كما في حاشية الخرشي. باب أوقات الصلاة (ما قولكم) في تأخير الصلاة للضرورة هل هو من الصغائر أم من الكبائر (الجواب) في الأمير على عبق: هو من الصغائر لا من الكبائر كيف وقد قيل بالكراهة وأما تأخيرها عن الضرورة فكبيرة وقد بسط ذلك في الحاشية قال: والمعتمد لا حرمة إلا إذا أخرها كلها للضرورة، وهذا ظاهره أنه يدرك أي الاختياري بالإحرام اهـ. باب الأذان (ما قولكم) في الاستغفارات والتوسلات والتسابيح التي يفعلها المؤذنون ليلا هل هي بدعة حسنة أم لا؟ وما ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة»؟ (الجواب) في حاشية الدسوقي: أن ما يفعله المؤذنون ليلا من الاستغفارات والتوسلات والتسابيح بدعة حسنة، وفي حاشية شيخنا الباجوري عند قول العلامة اللقاني في الجوهرة: وكل شر في ابتداع من خلف. أن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة فتارة تكون واجبة كضبط المصحف والشرائع إذا خيف عليها الضياع

باب ستر العورة والخلوة

وتارة تكون محرمة كالمكوس وسائر المحدثات المنافية للقواعد الشرعية وتارة تكون مندوبة كصلاة التراويح جماعة ولذلك قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيها: "نعمت البدعة هي" وتارة تكون مكروهة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف وتارة تكون مباحة كاتخاذ المناخل للدقيق؛ ففي الآثار أن أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخاذ المناخل وإنما كانت مباحة؛ لأن لين العيش وإصلاحه من المباحات فوسائله مباحة فالمراد بقوله في الحديث: «كل بدعة ضلالة» الكل المجموعي لا الجميعي فالبدع التي تكون ضلالة هي المنافية للقواعد الشرعية، والله أعلم. (ما قولكم) فيمن يقرأ القرآن فسمع المؤذن فهل يستمر على قراءته أو يسكت عن القراءة لأجل الأذان؟ (الجواب) يقدم حكاية الأذان على قراءة القرآن وإن كانت القراءة أفضل؛؛ لأن حكاية الأذان تفوت باشتغاله بالقراءة. كذا في حاشية الخرشي من باب الكسوف. باب ستر العورة والخلوة (ما قولكم) في قوله في المجموع: والعورة المغلظة من الحرة بطنها ومن السرة للركبة، وهما خارجان، فما معنى خروج السرة عن العورة المغلظة مع أن السرة من البطن والبطن من المغلظة (الجواب) قال العلامة الأمير في ضوء الشموع: خروج السرة إنما يظهر من حيث المحاذي لها من خلف وإلا فهي من البطن وهذا على أن الإعادة في الوقت في الظهر المحاذي للصدر وما قاربه إلى محاذاة السرة لا على الباقي من الإعادة الأبدية في محاذي البطن مطلقا. فليحرر. اهـ. (ما قولكم) في قولهم كشف العورة المخففة في الصلاة لا يبطل الصلاة هل مع الحرمة أو الكراهة؟ (الجواب) كشف العورة المخففة في الصلاة مكروه وإن كان يحرم النظر إليها فكراهة كشفها في الصلاة بالنسبة للخلوة عن الناس، كما في المجموع، وفي حاشيته: إنما مال للكراهة نظرا للإعادة في الوقت ولا غرابة مع أنه قيل بالسنية مطلقا وإن عبر بعضهم بالوجوب فقد يستعمل في الواجب الخفيف وفي وجوب السنن. اهـ بتوضيح. [مسألة] عورة المرأة مع محرم لها غير الوجه والأطراف فيجوز لمحرمها ولو برضاع أو صهر مؤبد التحريم كزوج مع أم زوجته أو بنتها أن يرى رأسها ويديها ورجليها ويحرم عليه أن يرى صدرها وثديها ونحو ذلك، وأجاز الشافعية أن ينظر منها ما عدا ما بين السرة والركبة وهي فسحة، وقوله: أو صهر مؤبد التحريم يحترز به عن أخت الزوجة فإن تحريمها غير مؤبد فيحرم النظر إلى أطرافها؛ لأنها كالأجنبية. اهـ ملخصا من المجموع وحاشية الأمير على عبد الباقي. [مسألة] العبد إن كان جميلا فهو كالأجنبي يحرم النظر لسيدته لغير الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما وإن مجبوبا وإن كان وخشا أي قبيح المنظر فكالمحرم يحرم عليه نظر غير الوجه والأطراف وفي خلوته بها خلاف، والمشهور

[مسألة]

الجواز ومحل جواز نظر الأطراف والخلوة للوخش وإن كان ملكا لها بلا شرك فإن كان لها فيه شريك ولو الزوج منع وعبد الزوج المجبوب كعبدها فإن كان وخشا فكالمحرم وإن كان جميلا فكالأجنبي. وروي عن مالك أن مجبوب الأجنبي كذلك وصوب خلافه. اهـ من المجموع بزيادة من در. (ما قولكم) في المرأة هل يجوز لها أن تأكل مع غير محرمها؟ (الجواب) قال مالك: تأكل المرأة مع غير ذي محرم ومع غلامها وقد تأكل مع زوجها وغيره ممن يؤاكله، كما في الخرشي. [مسألة] الرجعية لا يجوز لمن طلقها أن ينظر إليها بلذة ولو لشعر أو لوجه وكفين، ولا يجوز له الخلوة بها ولا أن يسكن معها في دار خالية، وأما في دار جامعة له وللناس فجائز ولو أعزب ولا يجوز له الأكل معها ولو كان معه من يحفظها فكل من الخلوة والأكل معها وسكناه معها منفردين عن الناس حرام ولو كان نيته رجعتها وإنما شدد عليه لئلا يتذكرا ما كان فيجامعها. كذا في دس في باب الرجعة. [مسألة] النظر للعورة مستورة جائز وجسها من فوق ساتر لا يجوز ما دامت متصلة وأما لو انفصلت فلا يحرم جسها خلافا للشافعية، ويحرم النظر لشعر الأجنبية ما دام متصلا فإن انفصل فليس بعورة خلافا للشافعية أيضا، كما في حاشية الخرشي. [مسألة] ذكر العلامة الأمير في باب العارية عن البناني: أنه يجوز خلوة الرجل بجارية زوجته إن كان مأمونا. (ما قولكم) في تعليم البنات الكتابة في نفسها هل يجوز أم لا؟ وفيمن بنى مدرسة يحضرن فيها البنات المراهقات المشتهيات ويخرجن من بيوتهن كاشفات وجوههن بلا نقاب ويتعلمن الكتابة عند رجل أجنبي ووقت الامتحان يجتمع الرجال من أهل السنة والجماعة ومن الروافض وغيرهم للتفرج عليهن فهل يجوز تعليمهن الكتابة على هذه الكيفية أو عند امرأة مسلمة أو كافرة أم لا؟ (الجواب) أما تعليم البنات الكتابة عند امرأة مسلمة أو محرم لها فمكروه، قال ابن رشد في البيان والتحصيل: وقد كره ذلك إمامنا لما في تعلمهن الكتابة من الفساد خصوصا في هذا الزمان. اهـ. وكان زمانه في القرن الرابع فما بالك بزماننا وأما تعليمهن عند رجل أجنبي وحضورهن المدرسة التي هي لصاحب الشيمة والغيرة مفسدة وهن كاشفات وجوههن مع اجتماع الرجال الأجانب بهن وقت الامتحان فحرام قطعا؛ لأن ما أدى إلى الحرام حرام ألا ترى أن الشارع قد حرم حضورهن الجماعة التي هي عبادة محضة إذا أدى إلى ذلك، فما بالك بحضورهن الأمر الممنوع مع أدائه إلى أعظم من ذلك؟ وأما تعليمهن الكتابة عند امرأة كافرة فحرام أيضا، قال القرطبي وابن عطية في تفسير سورة النور: لا يحل كشف شيء من جسد المرأة والصغيرة التي تشتهى بين يدي الكافرة إلا أن تكون أمة لها فيجوز كشف الوجه والكفين انتهى. ومثله في الشبرخيتي خصوصا وفي تعليمهن عندها واختلائها بهن ذريعة؛؛ لأن

باب استقبال القبلة

تجرهن لدينها ويملن إليها، وسد الذرائع مطلوب عندنا، وأما باني هذه المدرسة فبناؤه لا يجوز، بل هو من قسم من سَنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها إلي يوم القيامة، وفي هذا القدر كفاية والله أعلم. باب استقبال القبلة (ما قولكم) فيمن التفت في صلاته بجميع جسده، وبقيت رجلاه إلى القبلة، فهل تبطل صلاته أم لا؟ وهل يفرق بين من في المسجد الحرام ومن في غيره أم هما سواء؟ (الجواب) في الزرقاني: ويكره الالتفات لغير ضرورة ولو بجميع جسده، حيث بقيت رجلاه إلى القبلة، فإن استدبر أو شرق أو غرب بجسده ورجليه بطلت صلاته، ثم ما تقدم من المكروه شامل لمعاين الكعبة، حيث لم يخرج شيء من بدنه عن سمتها، فإن خرج عن سمتها وجهه، أو شيء من بدنه ولو أصبعًا بطلت صلاته على المعتمد، ولو بقيت رجلاه وبقية جسده لها، وفي العدوي: ومقابل المعتمد ما قاله أبو الحسن من أنه إذا استدبر برأسه ونحوه أو شرق أو غرب مع بقاء قدميه للقبلة لم يضره ذلك ولو بمكة والله أعلم. [مسألة] يرخص لمن سافر سفر قصر وكان راكبًا دابة معتادًا أن يصلي النفل ولو وترًا إلي جهة سفره، ولا يجب عليه أن يبتدئ النفل إلى جهة القبلة بل يستحب التوجه لها ابتداء والمحمل كالدابة وهو ما يركب فيه من شقدف وغيره ويومئ بسجوده إلى جهة الأرض ولا يسجد على الدابة وإذا أومأ إلى الأرض فلا يشترط طهارتها؛ لأنه لا يشترط طهارة البقعة إلا إذا كانت الأعضاء تماسها، وإذا صلى على الدابة قائمًا راكعًا وساجدًا أجزأه على المذهب، ولا يرخص لماش ولا لراكب سفينة، ولا فيما دون مسافة القصر أو سفر غير مباح أن يصلي صوب سفره إيماء، ولو إلى القبلة، وإذا كان في محفة أو عربية، أو تختروان في سفر القصر؛ فإنه يجلس متربعًا ويركع كذلك، ويسجد على أرض ما ذكر، ولا يومئ بالسجود. اهـ ملخصًا من خرشي وعدوي ودر ودس. [مسألة] إذا صلى الفرض على الدابة أعاد أبدًا إلا لأجل التحام الحرب الجائز في قتال كافر أو غيره من كل قتال يجوز الدفع به عن النفس أو المال أو الحريم أو لأجل خوف من افتراس سبع أو لصوص، إن نزل عن الدابة؛ فيصلي من حصل له شيء مما ذكر على الدابة إيماء إلى الأرض مستقبل القبلة؛ إن قدر فإن تعذر استقبالها صلى لغيرها، فإذا حصل الأمن لمن خاف سبعًا أو لصًا بعد أن صلى؛ فإنه يندب له أن يعيد ما دام الوقت باقيًا هذا إن تبين عدم ما خافه بأن تبين أنه لا سبع ولا لص، وأما إذا تبين واحد منهما أو لم يتبين شيء فلا شيء عليه، والمراد بالوقت في قوله ما دام الوقت باقيًا أن يعيد الظهرين للاصفرار والعشاءين للفجر والصبح للطلوع، وأما الخائف من العدو فلا إعادة عليه لأن العدو يريد النفس غالبًا، ومراد اللص المال غالبًا، فأمر العدو أشد. اهـ ملخصًا من خرشي وعدوي [مسألة] من صلى

باب الصلاة

الفرض إلي غير القبلة ناسيًا فلم يعلم حتى فرغ من صلاته أعاد في الوقت على المعتمد، أما إن علم وهو فيها فإنه يقطعها الأعمى والمنحرف يسيرًا إذا تبين لهما ذلك في الصلاة؛ فيستقبلانها ويكملان، وأما إن تبين ذلك بعد الصلاة فلا إعادة عليهما. اهـ صفتي علي ابن تركي بتصرف. باب الصلاة (ما قولكم) في المالكي إذا اقتدى به شافعي هل يجب على المالكي أن يبسمل أم لا؟ (الجواب) في الزرقاني في مبحث الذبح: والظاهر وجوب بيان المالكي للشافعي عند بيع ذبيحته التي لم يقطع منها المريء أو عند إطعامه منها، قال العلامة العدوي: عليه يؤخذ من ذلك أنه يجب على المالكي الذي يجعل إمامًا للشافعي أن يبسمل إذ لو عرف الشافعي أنه لا يبسمل لا يصلي خلفه والله أعلم. [مسألة] تندب الصلاة لدفع الوباء والطاعون والزلزلة والريح والظلمة الشديدين والخسوف والصواعق، وهذه الصلاة ذات سبب ومن ذوات السبب أيضًا الصلاة عند الخروج للسفر، وعند القدوم منه وعند دخول مسجد والاستخارة، وعند الشروع في قضاء أي حاجة وبين الأذان والإقامة في كل صلاة إلا المغرب، وعند التوبة من الذنب، كذا في دردير بزيادة من دس، وإذا صلوا لنحو الوباء والطاعون فيصلون أفذاذًا أو جماعة إذا لم يحملهم الإمام على ذلك وهل يصلون ركعتين أو أكثر؟ ذكر بعضهم عن اللخمي أنه يستحب ركعتان والذي يظهر الوجوب إذا حملهم الإمام على ذلك وإنما شرعت الصلاة لذلك؛ لأنه أمر يخاف منه كما في حاشية الخرشي. [مسألة] ضم الشعر في الصلاة مكروه؛ إذا كان لأجلها لقوله عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ولا أكفت شعرًا ولا ثوبًا»، فأخبر أن النهي عن ذلك إنما هو إذا قصد الصلاة وأما إذا فعل ذلك لأجل شغل فحضرت الصلاة؛ فصلى بهذه الحالة فلا كراهة، وروي إذا سجد الإنسان فسجد معه شعره كتب له بكل شعرة حسنة، ذكره في كبير الخرشي في باب ستر العورة عند قول المصنف وانتقاب امرأة. [مسألة] السجود هو مس الأرض أو ما اتصل بها من ثابت بالجبهة واحترز بقوله: أو ما اتصل بها عن نحو السرير المعلق واحترز بقوله من ثابت عن الفراش المنقوش جدًّا، ودخل في قوله: من ثابت السرير الكائن من خشب لا من شريط، نعم أجازه بعضهم للمريض، والحاصل أن المرتفع عن الأرض إن كان ارتفاعه كثيرًا، فلا يجزئ السجود عليه كما تفيده المدونة، وهو المعتمد خلافًا لقول غير واحد إنه مكروه، وأما إن كان ارتفاعه قليلاً كسبحة ومفتاح ومحفظة فلا خلاف في صحة السجود عليه، وإن كان خلاف الأولى وأما السجود على الأرض المرتفعة فمكروه فقط, وأما السجود على غير المتصل بالأرض كسرير معلق فلا خلاف في عدم صحته إذا كان غير واقف

باب مبطلات الصلاة

في ذلك السرير، وإلا صحت كالصلاة في المحمل أفاده العلامة الدسوقي. [مسألة] يكره وضع المصلي بصره موضع سجوده بل المطلوب أن يضعه أمامه، وقال عياض: يستحب وضعه موضع سجوده وفي كلام عج ما يشير إلي ضعف كلام عياض. اهـ ملخصًا من الزرقاني والعدوي. [مسألة] قولهم إذا لم يقدر في الصلاة إلا على نية, أو إيماء بطرف وجبت عليه الصلاة، المراد الطرف بسكون الراء أي العين, أو بفتحها كحاجب وذقن، لكن يخص بالأطراف التي لها عمل في الأركان لا بلسان لركوع أو سجود فيما يظهر. اهـ من ضوء الشموع. (ما قولكم) في كراهة سيدنا مالك تكرير سورة الصمدية في ركعة، وكلامه يشمل كراهة تكرارها في ركعة من فرض أو نفل مع أننا رأينا بعض الفوائد, يعني في النوافل تكرر فيها السورة في الركعة مرارًا؟ (الجواب) في ضوء الشموع: أن سيدنا مالكًا يتكلم على السنن الأصلية والعمل، وأما تلك الفوائد فبدع مستحسنة، أو آثار ضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال والله أعلم. (ما قولكم) في قوله في المجموع: وجاز تعوذ وبسملة بنفل وكرها بفرض إلا لمراعاة خلاف قد يقال: إن الكراهة حاصلة مع المراعاة غاية الأمر أنه لم يبال بالكراهة لفرض الصحة عند المخالف؟ (الجواب) في ضوء الشموع: قد يقال إذا كانت المراعاة أورع طلبت فتنتفي الكراهة قطعًا نعم، ليس طلب المراعاة متفقًا عليه كما في حاشية شيخنا على عبد الباقي وفي حاشية السيد: أنه يلزم من المراعاة التسلسل في الخلافيات, وهو حرج أقول: لا يخفاك أن شأن الورع التشديد. اهـ بتوضيح. [مسألة] من أخذ وصف الصلاة عن عالم بأحكام الصلاة, وإن لم يكن عالمًا بالمعنى المتعارف، أو أخذ وصفها من الكتب المعتمدة على الظاهر فصلاته صحيحة على الصحيح ولو لم يعرف الفرض ولا السنة من المستحب، والظاهر صحة الصلاة إذا اعتقد أنها كلها فرائض حيث سلمت من خلل يفسدها وأما إذا اعتقد أن جميعها سنن أو فضائل فباطلة. اهـ ملخصًا من الزرقاني وحاشية العدوي عليه. باب مبطلات الصلاة [مسألة] لا تبطل الصلاة بالمشي لسد فرجة الصفين على الراجح، والثلاثة على ما قاله عج، فالراجح يقول: إن الكاف استقصائية في قول سيدي خليل كالصفين غير الصف الذي خرج منه وغير صف الذي دخل فيه، والمعتبر صفوف كالجمعة لا ما اتسع عنها؛ فإذا رأى وهو يصلي فرجة أمامه أو عن يمينه أو عن يساره حيث يجد السبيل إلي سدها؛ فليتقدم إليها يسدها لما في الحديث: «من سد فرجة في الصف رفعه الله بها في الجنة درجة وبنى له في الجنة بيتًا» وكذلك لا تبطل بمشي الصفوف المذكورة لأجل سترة كما إذا سلم الإمام, وقام المسبوق لقضاء ما عليه ومشى لسترة يستتر بها. [مسألة] تبطل الصلاة الرباعية بزيادة مثلها والثنائية

باب سجود السهو

بزيادة مثلها والثلاثية بزيادة أربع ومحل البطلان بزيادة ما ذكر سهوًا مع تخفيف الزيادة؛ فإن شك في الزيادة أجزأه سجود السهو اتفاقًا. اهـ زرقاني. [مسألة] لا تبطل الصلاة بزيادة ركن قولي كتكرير الفاتحة فلا تبطل بتعمده على المعتمد ولا بسهوه بالأولى. اهـ زرقاني. [مسألة] لا تبطل الصلاة بزيادة ركن قولي كتكرير الفاتحة فلا تبطل بتعمده على المعتمد ولا بسهوه بالأولى اهـ زرقاني. [مسألة] تبطل أيضًا بسجود سهو كتكبيرة من سنة خفيفة فدون, إلا أن يأثم بمن يراه فيتبعه ولا بطلان بل في البناني: تقوية عدم البطلان بالسجود لتكبيرة وفضيلة فانظره. اهـ مجموع. [مسألة] تبطل أيضًا بلحن تعمده بأن عرف الصواب وعدل عنه ومثله من أمكنه التعلم ففرط، وغير من ذكر عاجز صلاته صحيحة، وقولهم لا يضر اللحن عند مالك، المراد به اللحن خطأ، أو لعجز عن الصواب. اهـ ملخصًا من المجموع وحاشيته والمراد باللحن المبطل هو اللحن الجلي، وهو ما يخل المعنى أو الإعراب كما يأتي في باب الجماعة بأوضح من هذا. [مسألة] تبطل أيضًا بتعمد كلام والمراد بالكلام هنا الصوت، ولو نهق كالحمار، أو حصلت صورة الكلام بتحريك اللسان والشفتين فينبغي في هذا البطلان، كما اكتفوا به في قراءة الفاتحة. اهـ من المجموع. [مسألة] تبطل أيضًا بتعمده قيء ومثله القلس وأما البلغم فلا يفسد صلاة ولا صومًا؛ إلا إذا كثر فيجري على الأفعال الكثيرة، ومفهوم بتعمد أنه إن غلبه لا يضر حيث كان طاهرًا ما لم يزدرد أي يبتلع منه شيئًا، فإن ازدرده عمدًا بطلت وغلبته قولان مستويان وسهوًا سجد. اهـ من ص. [مسألة] تبطل أيضًا بكثير فعل كحك جسد ولو سهوًا، والكثير عندنا ما يخيل للناظر أنه ليس في صلاة. اهـ من ص وجاز قليل الحك لحاجة، وكره لغيرها، وسجد لسهوه إن توسط، وإن كان الوسط عمدًا بطل. اهـ. [مسألة] لا تبطل الصلاة بتنحنح قل ولو لغير حاجة، وأما للتلاعب أو كثر فمبطل، والتبسم يجري على هذا التفصيل, والتنحنح صوت الحلق الشبيه بالحاء الساذجة أما قول بعضهم إحم هكذا بهمزة وحاء مكسورتين فمبطل كالكلام. اهـ من الأمير على عب. باب سجود السهو [مسألة] السجود لنحو القنوت يبطل الصلاة ما لم يقتد بمن يسجد لذلك، فإن اقتدى به وجب اتباعه، ولا تبطل صلاته؛ فإن خالفه فالظاهر عدم البطلان كما في حاشية الخرشي. [مسألة] من استنكحه السهو يصلح حيث أمكنه الإصلاح، ولا سجود عليه كأن تكون عادته أن يسلم من ركعتين معتقد الإتمام فهذا حيث قرب الأمر؛ فإنه يرجع ويكمل فقد أمكنه الإصلاح حينئذ، ولا سجود عليه، وكما إذا سها عن سجدة ثانية بركعة أولى ثم تذكر بعد تمام قراءة ركعة ثانية، فيعود ويسجدها ويبتدئ الركعة التي تذكر فيها ذلك من أولها، وأما إذا لم يمكنه الإصلاح فلا إصلاح عليه ولا سجود، كما إذا استنكحه في سورة بعد الفاتحة، ولم يتذكر إلا بعد الانحناء للركوع، وكما إذا كان يسهو دائمًا عن الجلوس الوسط، ولا يتذكره إلا بعد مفارقة الأرض بيديه وركبتيه، وأما من استنكحه الشك

[مسألة]

فلا إصلاح عليه؛ لأنه يبني على التمام، وقال عبد الوهاب: يندب له السجود بعد السلام فقط، ولكن هذا يخالف قولهم سجود السهو سنة إلا أن يقال: إن البغداديين لا يفرقون بين السنة والمستحب، ولا يقال: إذا كان يبني على التمام لا سجود عليه؛ لأن السجود بعد السلام ترغيمًا للشيطان، والشك المستنكح هو أن يعتري المصلي كثيرًا بأن يشك؛ هل زاد أو نقص ولا يتيقن شيئًا يبنى عليه، وهذا يجب عليه أن يلهو عنه، وإذا خالف وأصلح لا تبطل صلاته ولو عمدًا، قال الأجهوري: والذي يظهر لي أنه إذا أتاه يومين متواليين فإنه يكون في اليوم الثاني منهم مستنكحًا إن علم من عادته أنه يأتيه في اليوم الثالث أيضًا، أو ظن ذلك، وأما لو علم أو ظن أو شك أنه لا يأتيه في اليوم الثالث فإنه يكون في اليوم الثاني غير مستنكح قطعًا، والظاهر أنه في اليوم الأول غير مستنكح كاليوم الثاني أفاده العلامة العدوي على الزرقاني بزيادة من حاشيته على الخرشي. [مسألة] السهو في السنن والنوافل كالسهو في الفريضة إلا في خمس مسائل: الجهر، والسر، والسورة يسجد لها في الفرض دون السنن والنوافل لندبها فيهما، الرابعة إذا عقد في النافلة ثالثة سهوًا برفع رأسه فيهما كملها أربعًا في غير الفجر والعيدين والكسوف والاستسقاء أي والشفع وذلك؛ لأن الشارع حد ما ذكر بركعتين فيبطل بزيادة مثله، وأما الوتر فلا يبطل بزيادة مثله، وفي مختصر البرزلي: من صلى الشفع ثلاث ركعات سجد أي بعد السلام إن كان ناسيًا، وأجزأه وبطل في العمد والجهل، وقوله: كملها أربعًا أي ويسجد قبل السلام لنقصه السلام بعد الركعتين الأوليين والزيادة واضحة، الخامسة إذا ترك منها ركنًا ساهيًا لا تجب إعادتها هذا حاصل ما في الزرقاني والعدوي من باب السنن وباب السهو. (ما قولكم) فيمن قرأ من الفاتحة آيتين سرًا في محل الجهر أو جهرًا في محل السر، هل يسجد للسهو أم لا؟ وفيمن قرأ في ركعة واحدة السورة سرًا في محل الجهر أو جهرًا في محل السر هل يسجد أم لا؟ (الجواب) إذا قرأ من الفاتحة الآية والآيتين لا سجود عليه، وأما إذا قرأ أكثر من الآيتين فإن تذكر قبل وضع يديه علي ركبتيه فإنه يعيد أم القرآن والسورة، وإن تذكر بعد وضع يديه على ركبتيه فإنه لا يرجع ويسجد قبل السلام إن كان المتروك الجهر، وبعد السلام إن كان المتروك السر، وأما إذا ترك الجهر أو السر في السورة التي بعد أم القرآن من ركعة واحدة فلا يسجد له؛ لأنه سنة واحدة غير مؤكدة، وأما من ركعتين فيسجد له، واعلم أن من ترك الجهر وأتى بدله بالسر لا يسجد للسهو، إلا إذا اقتصر على حركة اللسان والشفتين، وأما لو أتى فيما ذكر بأعلى السر بأن أسمع نفسه فلا سجود عليه، وأن من ترك السر بدله بالجهر لا يسجد إلا إذا أتى بأعلى الجهر، وهو أن يرفع صوته فوق سماع نفسه ومن يليه بأن كان يسمعه من بعد

عنه بنحو صف فأكثر وأما لو أبدله بأدنى الجهر بأن يسمع نفسه ومن يليه خاصة فلا سجود عليه. (فائدة) إذا ترك ركنًا من أركان الصلاة سهوًا فإن كان من الركعة الأخيرة ولم يسلم فإنه يتداركه، فإن كان المتروك الفاتحة انتصب قائمًا فيقرؤها ثم يتم ركعته، وإن كان الركوع رجع قائمًا ثم يركع وإن كان الرفع منه رجع محدودبًا فإذا وصل حد الكوع اطمأن، ثم يرفع ويكمل ركعته، وإن كان سجودًا واحدًا سجده وهو جالس، وأعاد التشهد وسلم، وإن كان سجودين وتذكرهما وهو جالس وقد انحط بنية الجلوس فإنه يرجع قائمًا ليأتي بالسجدتين منحطًا لهما منه، فإن لم يفعل وسجدهما من جلوس سهوًا فقد نقض الانحطاط للسجدتين ليس بواجب، إذ لو كان واجبًا لم ينجبر بسجود السهو فإنه لو انحط أولاً للجلوس ثم سجد السجدتين منه؛ فإن صلاته لا تبطل لكنه يكره تعمد ذلك؛ فإن سلم من الأخيرة معتقد الكمال ثم تذكر ترك ركن منها فات التدارك واستأنف ركعة بدلها إن لم يطل، فإن طال بطلت صلاته ويسجد بعد السلام في جميع ما تقدم للزيادة، وإن كان الركن المتروك من غير الأخيرة تداركه إن لم يعقد ركوع الركعة التي بعدها، فإن عقده برفع الرأس من الركوع بطلت ركعة النقص، ورجعت الثانية أولى، فإن كانت ركعة النقص هي الأولى صارت الثانية مكانها، ويأتي بركعة بأم القرآن، وسورة ويتشهد ويسجد بعد السلام وإن كانت ركعة النقص هي الثانية صارت الثانية ثانية، وهي بفاتحة فقط فيتشهد بعدها، ويأتي بركعتين بالفاتحة فقط ويسجد قبل السلام لنقص السورة من التي صارت ثانية مع الزيادة، وإذا كانت ركعة النقص هي الثالثة صارت الرابعة ثالثة، ويسجد بعد السلام، وإذا تذكر وهو في الجلوس الثاني أنه ترك ركنًا من الأولى رجعت الثانية أولى، والثالثة ثانية، والرابعة ثالثة فيأتي بركعة بالفاتحة فقط سرًا، ويسجد قبل السلام لنقص السورة والتشهد الأول؛ لأنه صار ملغي بوقوعه بعد الأولى، والزيادة ظاهرة، وكذا إن تذكر بعد السلام بقرب بلغه فإن طال بطلت وقوله: فإن عقده برفع الرأس من الركوع؛ لأن عقده عند ابن القاسم برفع رأسه مطمئنًا معتدلاً فمن لم يعتدل تدارك ما فاته، وكذا المسبوق إذا كبر للإحرام وانحنى بعد رفع الإمام رأسه وقبل اعتداله فقد أدرك الركعة معه إلا في مسائل، فعقد الركوع فيها بالانحناء عند ابن القاسم وهي ترك الركوع من ركعة فيفوت لمجرد الانحناء من التي تليها، وتقوم هذه الركعة مقام ما قبلها، أو ترك سر الفاتحة أو سورة فيفوت تداركه بالانحناء، فإن خالف وعاد للقراءة على سننها بطلت صلاته، أو ترك جهر كذلك أو ترك تكبير عيد كلا أو بعضا حتى انحنى فكذلك أو ترك سورة بعد فاتحة، أو ترك سجدة تلاوة في فرض أو نفل حتى انحنى ساهيًا عنها، أو ذكر بعض من صلاة أخرى قبل التي هو فيها، والمراد بالبعض المتروك ما يشمل البعض حقيقة أو حكمًا كالسجود القبلي المترتب

[مسألة]

عن ثلاث سنن فبالانحناء يفوت التدارك وتبطل الصلاة التي ترك منها البعض الحقيقي أو الحكمي للطول بالركوع هذا حاصل ما في أقرب المسالك مع زيادة من حاشية الخرشي. (ما قولكم) في إمام ترك سجودًا مترتبًا على ثلاث سنن سهوًا وطال وسجده المأموم هل تبطل صلاتهما أو الإمام فقط. (الجواب) إذا سجد المأموم صحت صلاته وصلاة الإمام باطلة وتزاد هذه على قولهم كل صلاة بطلت على الإمام بطلت على المأموم إلا في سبق الحدث ونسيانه كذا في الزرقاني. [مسألة] يلزم المأموم ولو مسبوقا أدرك ركعة السجود عن سهو الإمام قبليا أو بعديا وإن لم يسه المأموم معه ولا حضر سهوه ويسجد المأموم القبلي معه إذا سجد الإمام قبل السلام فلو أخر الإمام القبلي وسجده بعد السلام هل يفعله المأموم المسبوق بعد إتمام صلاته قبل سلامه أو بعده أو قبل قيامه لإتمام صلاته وقيل غير ذلك والمراد بالقبلي الذي يسجده المأموم مع الإمام ولو في مذهب الإمام الشافعي الذي يرى السجود دائما قبل السلام يفعله المأموم معه ولا يجوز له تأخيره فلو سجد المأموم القبلي في محله وأخره الإمام فصلاة الإمام صحيحة ولو أخر من لحق ركعة مع إمامه السجود القبلي إلى تمام صلاته فسجد صحت صلاته وأما السجود البعدي فيؤخره المسبوق بعد قضاء ما عليه فلو قدم الإمام المالكي البعدي فهل يسجد معه نظرًا لفعله أو لا نظرًا لأصله وعلى كل حال لا تبطل صلاة المأموم بسجوده مع الإمام مراعاة للخلاف في ذلك فلو سجد الإمام البعدي بعد السلام وسجد معه المسبوق قبل قضاء ما عليه بطلت صلاته إن قدمه عمدا وكذا جهلا عند عيسى لا سهوًا فلا تبطل كالجاهل عند ابن القاسم أفاده الزرقاني والعدوي عليه. [مسألة] يمكن للساهي تسع تشهدات والصلاة صحيحة بأن سها فصلى الظهر مثلا سبع ركعات وتشهد في كل ركعة وترك السورة في ركعة من الأوليين فاجتمع معه زيادة ونقص فسجد قبل السلام وجلس للتشهد فبعد أن سجد القبلي سها بزيادة فسجد وتشهد فهذه تسع فإن كان دخل مع الإمام في التشهد الأخير كمل له عشر تشهدات فإن سجد مع الإمام سجود سهو ناسيًا وتشهد معه زادت على العشر كأن شك في تشهده هل سجد قبله سجدة أو سجدتين فإنه يسجد واحدة ويعيد تشهده وكذا يمكن اجتماع أكثر من ثلاثين سجدة في الصلاة وهى صحيحة كثمان سجدات في كل ركعة وفي هذا قلت: يا فقيهًا يدعي لحل الأحاجي ... أصلاة فيها ثلاثون سجدة بل مزيد وهل تشهد أخرى ... ضبطوه فجاوز العشر العدة اهـ ملخصًا من المجموع وحاشيته. [مسألة] إذا شك هل يسجد من القبلي سجدة أو سجدتين فإنه يأتي بالثانية ولا سجود عليه ثانيًا لهذا الشك؛ لئلا يتسلسل الأمر وتحصل المشقة الكبرى، ولأن المصغر لا يصغر، ولا يقال: التسلسل مستحيل؛ لأن

[مسألة]

التسلسل باعتبار المستقبل لا استحالة فيه، وفي الأمير على عب، ولا يصلح قول الكسائي لأبي يوسف المصغر لا يصغر تعليلاً، وإنما هو مجرد مناسبة قالها الكسائي. [مسألة] إذا تكلم بعد سجوده القبلي وقبل السلام فإنه يسجد بعد السلام. اهـ ص. [مسألة] إذا سجد القبلي ثلاثًا سهوًا ثم تذكر فإنه يسجد بعد السلام، فإن كان بعديًا فلا شيء عليه قاله اللخمي، كذا في عب، وفي الأمير أن غير اللخمي لا يري السجود في القبلي أيضًا، وهذا هو الملائم لقول الشيخ خليل عطفًا على ما لا سجود فيه أو شكه فيه؛ هل سجد اثنتين. اهـ وتبعنا هنا ما لسيدي خليل حيث قلنا: إذا شك هل سجد من القبلي سجدة إلخ، وأما على ما للخمي فإنه يسجد لهذا الشك ونحن خليليون. [مسألة] تقديم سجود السهو البعدي قبل السلام حرام، والصلاة صحيحة؛ لأنه لما كان خارجًا عن الصلاة صار تقديمه كالزيادة فيها، وإنما صح تقديمه ولو عمدًا رعيًا لمذهب الشافعي، ولو كان المقدم له المأموم دون إمامه؛ بأن خالفه ولم يسلم معه أولاً وسلم معه بعد السجود، كذا في البناني والظاهر أنه إذا سلم قبل أن يسلم إمامه للسجود البعدي لا يضر، لأن الإمام سبق منه السلام الأصلي، وهو تسليمة التحليل. اهـ من الأمير على عب، وأما تأخير القبلي فمكروه، وفي الأمير أيضًا أن بعض الشافعية قال له معترضًا على المالكية كيف تسجدون بعد السلام مع الزيادة مع أن الجابر للشيء يكون داخلاً فيه كرقعة الثوب فقال له العلامة الأمير هذا إن كان فيه نقص وإلا كان زيادة على زيادة فألجم. [مسألة] إذا أدرك مع الإمام ركعة وترتب على الإمام السجود القبلي فأخره بعد السلام، فهل يفعله المأموم معه قبل قيامه للقضاء وضعف، أو بعد تمام القضاء قبل سلام نفسه أو بعده، أو إن كان عن ثلاث سنن فعله قبل القضاء وإلا فبعده تردد، قال شيخنا والقول الأخير هو الظاهر. اهـ من دس. [مسألة] من ترك بعضًا من صلاة فرض وتذكر ذلك بعدًا، وترك سجودًا عن ثلاث سنن من فرض أيضًا إن شرع في صلاة فرض أو نفل فإن أطال القراءة من غير ركوع بأن فرغ من الفاتحة أو انحنى للركوع، وإن لم تطل قراءته بل وإن لم يقرأ كأمي ومأموم بطلت الصلاة المتروك منها ما ذكر، وحيث بطلت الصلاة الأولى؛ فإن كان الذي شرع فيه نفلاً فإنه يتمه إن اتسع الوقت لإدراك التي بطلت عقد ركعة أم لا، وإن عقد من النفل المشروع فيه ركعة بسجدتيها أتمه، ولو خرج الوقت، وإن لم يعقد الركعة وضاق الوقت قطع وأحرم بالصلاة الأولى، وإن كان الذي شرع فيه فرضًا قطع فذ وإمام ومأمومه تبعًا له وندب له إذا أتم ركعة بسجدتيها أن يضيف لها أخرى، ويخرج عن شفع إن اتسع الوقت وإلا قطع؛ لأن الفرض يقضى بخلاف النفل فإنه لا يعوض كما تقدم وأما إذا شرع في صلاة أخرى ولم يطل القراءة ولم يركع فإنه يرجع لإصلاح الأولى بلا سلام من الثانية فإن سلم بطلت الأولى وأما إن كان

(فصل) في قضاء الفوائت. (ما قولكم) في شخص ترك صلاة الظهر والعصر إلى أن بقي إلى الغروب قدر ما يسع أربع ركعات، فهل إذا صلى الظهر قبل العصر في هذه الحالة تبطل صلاته أم لا؟

ذكر القبلي أو البعض من نفل في فرض فأنه يتمادى مطلقا كما أنه يتمادى إن ذكر القبلي أو البعض من نفل في نفل إن أطال القراءة أو ركع وإلا رجع لإصلاح النفل الأول بلا سلام ويتشهد، ويسلم ويسجد بعد السلام ولا يجب قضاء النفل الذي رجع عنه إذ لم يتعمد بطلانه انتهى صاوي بتصرف وتوضيح. (ما قولكم) في مالكي اقتدى بشافعي في صلاة الصبح فترك الشافعي القنوت سهوًا وسجد قبل السلام فهل يسجد المالكي معه أم لا؟ (الجواب) في حاشية الخرشي: أنه يجب على المالكي اتباع الشافعي في سجوده للقنوت قبل السلام، وإن خالفه فالظاهر عدم البطلان أفاده بعض الشيوخ. اهـ بتصرف. (فصل) في قضاء الفوائت. (ما قولكم) في شخص ترك صلاة الظهر والعصر إلى أن بقي إلى الغروب قدر ما يسع أربع ركعات، فهل إذا صلى الظهر قبل العصر في هذه الحالة تبطل صلاته أم لا؟ (الجواب) قولهم إن ترتيب حاضرتي الوقت واجب شرطًا فمن صلى العصر في وقتها الاختياري أو الضروري وعليه صلاة الظهر، أو تذكر الظهر بعد أن شرع في العصر فالعصر باطلة، ومحل البطلان إن كان متذكرًا أن عليه الظهر، أو حدث التذكر في أثناء العصر فإن تذكر بعد التمام ندب إعادة المقدم بوقت كالمكره على ترك الترتيب، ومحله أيضًا إذا بقي من الوقت الضروري ما يسعهما لأنهما لا يكونان حاضرين إلا إذا وسعهما الضروري فإن ضاق بحيث لا يسع إلا قدر أربع ركعات اختصت به العصر، فإذا أوقعت الظهر حينئذ فهي قضاء فيكون حكم الترتيب بين الظهر والعصر في هذه الحالة الوجوب غير الشرطي، فيدخل في قسم الحاضرة مع يسير الفوائت ويسير الفوائت خمس فأقل، فيجب تقديم اليسير على الحاضرة وجوبا غير شرط على المشهور، وقيل: مندوب وعلى المشهور يقدم اليسير وإن خرج وقت الحاضرة، وندب إعادة الحاضرة ولو مغربًا وعشاء بعد وتر إن خالف وقدم الحاضرة على اليسير بوقتها ولو الضروري، فإن كان بالفراغ من الحاضرة يخرج الوقت الضروري فلا إعادة. اهـ ملخصًا من حاشية أبي الحسن وأقرب المسالك وص. [مسألة] إن ذكر المصلي اليسير في فرض قطع فذَّا كان أو إمامًا، ويقطع مأمومه تبعًا له إن لم يركع؛ فإن ركع ندب له أن يخرج عن شفع وإن بصبح أو مغرب، والحاصل أنه إن تذكر اليسير بعد ركعة خرج عن شفع مطلقًا, وبعد ركعتين كمل المغرب وأولى الصبح والجمعة وخرج عن شفع في الرباعية، وبعد ثلاث كمل الرباعية, وأولى المغرب ومحل كونه يشفع إن ركع مقيد بما إذا لم يخش خروج وقت المذكورة، وإلا حرم الشفع وتعين القطع سواء كان الوقت ضروريًا أو اختياريًا، فالضروري كما إذا ذكر الظهر في العصر، وقد بقي للغروب ركعة, والاختياري يتصور في جمع التقديم كما إذا شرع في العصر في وقت الظهر المختار، ثم تذكر الظهر فإنه يقطع

باب النافلة

العصر ويصلي الظهر خشية خروج الوقت. اهـ. من أقرب المسالك بزيادة من حاشية الخرشي. [مسألة] إن ذكر اليسير في نفل أتمه وجوبًا لوجوبه بالشروع فيه، ولا يعوض إلا إذا خاف خروج وقت حاضرة عليه أيضًا ولم يعقد ركوعًا من النفل، فإذا خاف خروجه ولم يعقد ركعة قطع وصلى الفرض فإن عقدها كمله ولو خرج وقت الحاضرة. اهـ من أقرب المسالك. باب النافلة [مسألة] النفل المحدود كالفجر والعيدين والكسوف والاستسقاء يبطل بزيادة ركعتين، وأما الوتر فلا يبطل بزيادة مثله، والفرق أن كون الصلاة ركعة واحدة أمر غير غالب، والغالب إما ركعتان أو أكثر فلما زاد في الوتر واحدة رجع لما هو الغالب، والركعتان من الغالب فيبطلهما من الزيادة ما يبطل غيرهما من الغالب وإذا لم يبطل بزيادة مثله فيسجد له بعد السلام. اهـ ملخصًا من الخرشي والعدوي في باب السهو. [مسألة] النفل غير المحدود لا يبطل بزيادة مثله سهوًا فإذا عقد الثالثة سهوًا برفع رأسه من ركوعها كمل أربعًا وجوبًا، وأما لو قام عامدًا في ثالثة النفل فإن صلاته تبطل لدخوله في قول المصنف، ويتعمد كسجدة كما في حاشية الخرشي وفي الدسوقي أن الشيخ العدوي رجع عن هذا في حاشية عبد الباقي تبعًا للبناني، فقال: بل الصواب الصحة إذا قام عامدًا في ثالثة النفل مراعاة للقول بجواز النفل أربعًا، وغايته الكراهة ومخالفته الأفضل لا تقتضي البطلان انتهى. [مسألة] يندب التنفل في غير محل الفرض ويندب له أن يتحول إلي مكان آخر كلما صلى ركعتين كما في حاشية الخرشي عند قول المصنف في باب الإمامة وتنفل بمحرابه. باب في الجماعة ما تقول السادات أئمة الإسلام وأمناء الله على الأحكام في الأئمة المقامين بالمسجد الحرام بمكة المشرفة زادها الله تشريفًا وتعظيمًا إلي يوم الدين، وهم إمام الشافعية والمالكية والحنبلية الذين قررهم ولي التقرير على ما هم عليه الآن، وكون بعضهم يتقدم للصلاة أول الوقت ثم يليه الآخر كل واحد يصلي بجماعة في مقامه المتعين له، هل يجوز ذلك ويعد مقام كل واحد منهم كأنه مسجد مستقل بنفسه، ولا تكره الصلاة خلف واحد منهم، وهل يكون السابق أفضل أو يعد المسجد الحرام كالمسجد الواحد فتكره الصلاة خلف الثاني والثالث والرابع، ولو عين السلطان إمامتهم بالسبقية أم كيف الحال أفيدوا الجواب ولكم الأجر والثواب؟ (الجواب) في فتاوي عج: أن الاستفتاء عن الأئمة بالمسجد الحرام وقع في المائة السابعة وأن جماعة من العلماء الأعلام أفتى بأنه لا كراهة في ذلك إذ مقامتهم كمساجد، ثم قال: قال ابن فرحون: ووقفت على تأليف يتضمن خلاف ما أفتى به الجماعة، وأن الإمام الراتب هو إمام مقام إبراهيم ولا أثر لأمر الخليفة في رفع

الكراهة، ثم ذكر عج نقولاً كثيرة تفيد عدم الجواز ورجحها فانظره وفي المعيار: أن الإمام العلامة أبو محمد عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عطاء الله المالكي مؤلف البيان والتقريب في شرح التهذيب أجاب عن هذا بقوله: الصلاة خلف كل من الأئمة الذين أمر بترتبهم إمام المسلمين في مقاماتهم المذكورة تامة لا كراهة فيها، إذ مقاماتهم كمساجد متعددة لأمر الإمام بذلك، وسواء في ذلك الأول ممن بعده، وإذا كان الإمام الأول يصلي في أول الوقت فصلاة غيره ممن يؤخر إلى ربع القامة أفضل في غير الصبح والمغرب والمصلي خلف إمام المقام منها كالمصلي خلف غيره، والله أعلم، وأجاب الشيخ أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي مؤلف كتاب المفهم، واختصر البخاري ومسلم بما نصه: وكذلك أقول غير أن ترتيب الأئمة في الوقت إن كان بإذن الإمام فلا سبيل إلي مخالفته وإن كان بغير إذنه فكل إمام يحافظ على ما هو الأفضل عند إمامه، ولا يجوز لمتبع إمامه يخالف مذهب إمامه بغير موجب شرعي، وأجاب غيرهما بمثل جوابيهما والله أعلم. (ما قولكم في الجماعة) هل يفضل بعضها بعضًا أفيدوا الجواب؟ (الجواب) ذكر في المعيار: أن الصلاة تفضل في المسجد الكثير الجماعة على رأي ابن حبيب والشافعي؛ من أجل أن صلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل كما جاء في الحديث، وكذا الصلاة في مسجد إمامه متصف بصفات الفضل والكمال كالأفقه والأورع والأقرأ والمنسوب لقريش أو للعرب، ولا يكون ممن يكرهه المأمومون، وكما تفضل صلاة الصف المتقدم على من بعده من حيث إنه أول لمن بعده إلي آخر الصفوف، وكذا يفضل الوقوف على يمين الإمام على الوقوف على يساره، وكذا إدراك التكبيرة الأولى معه ونحو هذا والله أعلم. (ما قولكم في إمام الصلاة) إذا فرغ منها هل يدعو ويؤمن المأمومون ويمسحون وجوههم أم لا؟ (الجواب) في المعيار: سئل ابن عرفة عن هذا فأجاب مضى عمل من يقتدى به في العلم والدين من الأئمة على الدعاء بأثر الذكر الوارد إثر تمام الصلاة، وما سمعت من ينكره إلا جاهل غير مقتدى به، وفي نوازل الصلاة منه من الأمور التي هي كالمعلوم بالضرورة استمرار عمل الأئمة في جميع الأقطار على الدعاء أدبار الصلوات في مساجد الجماعات، واستصحاب الحال حجة واجتماع الناس عليه في المشارق والمغارب منذ الأزمنة المتقادمة من غير نكير إلي هذه المدة من الأدلة على جوازه واستحسان الأخذ به، وتأكده عند علماء الملة ورحم الله بعض الأندلسيين فإنه لما انتهى إليه ذلك ألف جزءًا ردًا على منكره، وخرج عبد الرزاق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الدعاء أسمع؟ قال: «شطر الليل الأخير، وأدبار المكتوبة» وصححه عبد الحق وابن القطان، وذكر الإمام المحدث أبو الربيع في كتاب مصباح الظلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من كانت له إلى الله حاجة فليسئلها دبر صلاة

مكتوبة» اهـ، وفي الإكمال ذكر عبد الحق أماكن قبول الدعاء، وأن منها الدعاء أثر الصلاة، وأنكر الإمام ابن عرفة وجود الخلاف في ذلك، وقال: لا أعرف فيه كراهة، قلت: إن عنى بقوله: لا أعرف فيه كراهة أي لمتقدم فصحيح، وإن عنى به مطلقًا ففيه شيء؛ لأن الشيخ شهاب الدين القرافي رحمه الله تعالى ذكرها في آخر قواعده، وعللها بما يقع بذلك في نفس الإمام من التعاظم، وقال في العتبية: قال مالك: رأيت عامر بن عبد الله يرفع يديه وهو جالس بعد الصلاة، يدعو فقيل لمالك: أترى بهذا بأسًا؟ قال: لا أرى به بأسًا ولا يرفعها جدًا، وقال أيضًا: رفع اليدين إلي الله عند الرغبة على وجه الاستكانة والطلب محمود، قال القاضي أبو محمد بن العربي: اختلفوا في الرفع إلي أين يكون؟ فقيل: إلى الصدر، وقيل: إلى الوجه، وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «كان يرفع يديه في الدعاء حتى يبدو بياض إبطيه»، والدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة، وقال ابن عباس وقتادة: فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء أي اتعب ووقوع النصب في الدعاء مؤذن بالإكثار منه، والإلحاح فيه حتى يبلغ الداعي الجهد ومن الصحيح «إذا أمن الإمام فأمّنوا» أي: إذا دعا فالداعي يسمى مؤمنًا كما يقال للمؤمن داع، وفي الحديث الصحيح على ما ذكره الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه» قال الشيخ أبو القاسم البرزلي: وهذا يرد إنكار عز بن عبد السلام المسح والله الموفق للصواب. (ما قولكم) في حكم التكبير بصوت مرتفع عقب الصلاة بينوا لنا ما ورد فيه وغيره مما يقال عقبها؟ (الجواب) في الصحيح من حديث ابن عباس «كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير»، وفي رواية إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنت أعرف إذا انصرفوا بذلك، قال الطبري: فيه الإبانة عن صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء يكبر بعد صلاته ويكبر من خلفه، وفي الواضحة عن ابن حبيب: كانوا يستحبون التكبير في العساكر والبعوث إثر الصبح والعشاء تكبيرًا عاليًا ثلاث مرات، وهو قديم من شأن الناس، وفيه إظهار لشعائر الإسلام، ومن حديث عبد الله بن الزبير أنه عليه السلام «كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»، ومن حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «أوصيك يا معاذ لا تدعن في كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»، وعن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد»،

[مسألة]

ومن حديث ثوبان أنه عليه الصلاة والسلام «كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام»، إلى غير ذلك من الأدعية المأثورة والأذكار المشهورة. اهـ من المعيار والله الموفق. (ما قولكم) في إمام الصلاة إذا أقام شخصًا نائبًا عنه في الوظيفة هل يجوز أم لا وهل يستحق المعلوم أو النائب أفيدوا الجواب ولكم الأجر والثواب؟ (الجواب) تجوز النيابة في الوظيفة على أسهل الأقوال فيستحق المعلوم وهو مع النائب على ما دخلا حيث لم يخالف شرط الواقف كما في حاشية العلامة الأمير على عبق والمجموع، وفي الدسوقي: تجوز النيابة في كأذان وإمامة وقراءة بمكان مخصوصة، حيث لم يشترط الواقف عدم النيابة فيها، واعلم أنه إن شرط الواقف عدم النيابة لم يكن المعلوم للأصلي لتركه ولا للنائب لعدم تقرره في الوظيفة أصلاً، وإن لم يشترط الواقف عدم النيابة فالمعلوم لصاحب الوظيفة المقرر فيها، وهو مع النائب على ما تراضيا عليه من قليل أو كثير كانت الاستنابة لضرورة أم لا، كما قاله القرافي واختاره الأجهوري والبناني وهو أسهل الأقوال (¬1) وقال المنوفي: إن كانت الاستنابة لضرورة فكذلك وإلا فلا شيء للنائب ولا للمنوب عنه من المعلوم والله أعلم. [مسألة] من أدرك الإمام في التشهد فدخل معه فظهر سلام الإمام أنه في التشهد الأخير، فالواجب عليه إتمام فرضه الذي أحرم به، ثم إن أدرك جماعة أعاد معهم إن شاء وكانت الصلاة مما تعاد هذا هو المنصوص في العتبية وغيرها، ولم يذكروا في هذه المسألة أمره لا بقطع ولا بانتقاله إلى نفل، وهو حكم ظاهر؛ لأنه شرع في فرض فلا يبطله لصلاة الجماعة وهي سنة، وإنما يخير بين القطع والانتقال إلى نفل من دخل مع الإمام في صلاة معادة كأن صلاها وحده، ثم وجد الإمام جالسًا فدخل معه معيدًا لفضل الجماعة فظهر بسلام الإمام أنه في التشهد الأخير، وربما التبست المسألتان على من لا يعرف فأجرى التخيير في غير محله. اهـ بناني نقلاً عن المعيار والذي ذكره غيره أن من لم يدرك ركعة، والحال أنه غير معيد ورجا جماعة أخرى جاز له القطع؛ لأنه لم ينسحب عليه حكم المأمومية فلا يستخلفه الإمام بل يجوز ¬

(¬1) قوله: أسهل الأقوال والمنوفي قيد الجواز بالضرورة وفي كلامه إيماء إلى استحقاق النائب جميع المعلوم يمكن حمله على ما للقرافي من أن ما اتفقا عليه من قليل أو كثير إن لم يشترط الواقف عدم النيابة فإن شرط عدمها لم يكن المعلوم للأصيل لتركه ولا للنائب لعدم تقرره أصالة وارتضى عج في تقريره وشيخه البدر ذلك. اهـ عبق. وقوله: وفي كلامه إيماء إلخ الإيماء إنما هو عند عدم الضرورة قال المنوفي: لأن الأصلي إذا أبقى لنفسه شيئًا جعل العبادة متجرًا وخالف غرض الواقف؛ لأنه إنما كثر المعلوم لأجل أن ينشط العامل ونحوه، لابن الحاج وهو شيخ المنوفي وشيخ المصنف أيضًا، وقوله: ويمكن حمله إلخ كلام غير مناسب؛ لأن المنوفي صرح بالجواز مع الضرورة، وبالمنع مع عدمها، أفاده المحقق الأمير، وقال عز الدين بن عبد السلام: لا يجوز لمن جعل له الرزق على الإمامة أن يتناوله إلا أن يقوم بالإمامة على الشرط أو مقتضى العادة ولا يستنيب إلا لعذر جرت العادة بالاستنابة فيه كالمرض ونحوه، وإن استناب بغير إذن الناظر لم يستحق شيئًا، وإن أذن له الناظر في الاستنابة جاز أن يستنيب ولا حق له فيما يجب بالإمامة عن المستنيب بل هو مستقل بالإمامة ليس نائبًا فيها عن أحد انظر المعيار.

[مسألة]

الاقتداء به ومقتضى هذا أنه إن بطلت صلاة الإمام لا يسرى البطلان له وفي الحطاب يعيد احتياطًا ولعله لنية الاقتداء بهذا الإمام أفاده الدسوقي. (ما قولكم) فيمن يصلي إمامًا ويحفظ الفاتحة والسورة ولا يميز فرضًا ولا سنة وإذا حصل له في الصلاة خلل لا يقدر على إصلاحه فهل تصح صلاة المؤتم به أم لا؟ (أجاب) عن هذا عج بقوله: بحيث كان يأتي بالصلاة على وجهها، ولم يميز بين ما فيها من الفرائض وما فيها من غير الفرائض فصلاته صحيحة، وصلاة من خلفه صحيحة. [مسألة] قول الشيخ خليل وجاز له دخول على ما أحرم به الإمام، ظاهره العموم لقول صاحب الطراز إذا أحرم بما أحرم به إمامه، قال أشهب: يجزئه ويكون كالناسي ويعيد استحبابًا وقال بعضهم: هو مخصوص بمسألتين الأولى إذا لم يدر هل الإمام مقيم أو مسافر، والأخرى إذا لم يدر هل الإمام في الجمعة أو الظهر لا مطلقًا كما هو ظاهر كلام المصنف، قلت: وهذا هو الأولى انتهى من فتاوى عج، وأما لو دخل على تعيين الجمعة أو الظهر والحال أنه لا يدري أحرم الإمام بجمعة أو ظهر ثم تبين له مخالفة الإمام؛ فإن كان نوى الجمعة ظانًّا أن الإمام محرمًا بها فتبين أنه محرم بالظهر صحت صلاته على المعتمد؛ لأن شروط الجمعة أخص من شروط الظهر بخلاف ما إذا ظن أن الإمام محرمًا بظهر فتبين أنه محرم بجمعة؛ فتبطل وأما لو كان مسافرًا، ومر بجماعة يصلون فظنهم مسافرين فدخل معهم على ذلك فتبين أنهم مقيمون؛ فإنه يعيد أبدًا وأما لو كان هذا الداخل مع من ظنهم مسافرين مقيمًا؛ فإنه يتم معهم صلاته، ولا يضره ظن المخالفة،؛ لأن الإتمام واجب عليه سواء ظهر أن إمامه مسافر أو مقيم، وكذلك يعيد أبدًا من ظنهم مقيمين والحال أنه مسافر فنوى الإتمام فتبين أنهم مسافرون، فإن كان هذا الذي ظنهم مقيمين مقيمًا فلا تبطل صلاته؛ لأن غايته أنه مقيم صلى خلف مسافر ثم إنه لا إعادة في الوقت على هذا المقيم سواء ظنهم مسافرين أو ظنهم مقيمين والحاصل أن المسافر ومن ظن أن الإمام في ظهر أو جمعة إذا أحرم كل منهما بما أحرم به الإمام صحت صلاته، فإن عين بطلت إلا من عين الجمعة فتبين أنها الظهر فلا تبطل، وإن المقيم الذي ظن إمامه مسافرًا أو مقيمًا فتبين خلافه فلا إعادة عليه لا أبدًا ولا في الوقت كما صرح بذلك شراح سيدي خليل والله المرشد للصواب. (ما قولكم) في عالم يصلي مع أصحابه لموضعه البعيد من الصفوف التي خلف الإمام هل يفوتهم فضل الصف أم لا؟ (الجواب) في عبد الباقي والأمير عليه عند قول سيدي خليل: وندب الفرض بالصف الأول. (فائدة) قال ابن عرفة: قال ابن حبيب أرخص مالك للعالم أن يصلي مع أصحابه أي مأمومًا للإمام بموضعه البعيد من الصفوف ما لم يكن بها فرج فليسدها، أي ولا يفوته ثواب الصف وإنما فضل الصف الأول لاستماع القرآن، وإرشاد الإمام واحتمال الاستخلاف. اهـ بتلخيص. (ما قولكم)

[مسألة]

في مسجد جرت العادة بالجلوس به، والإمام الراتب يصلي كالأزهر والمسجد الحرام، ولا يحصل طعن في الإمام بجلوس الجالسين الذين سبقت صلاتهم مع جماعة، هل يجب عليهم الخروج من المسجد كما قال سيدي خليل: وإن أقيمت بمسجد على محصل الفضل وهو به خرج أم لا؟ (الجواب) محل وجوب الخروج من المسجد على محصل الفضل إذا وقع الطعن بالفعل، وأما إذا جرت العادة بالجلوس والإمام في الصلاة كالجامع الأزهر، فلا يجب الخروج كذا في الحاشية عن الصغير وفيه ما فيه، نعم لا حرمة عند الشافعية. اهـ من أمير على عبد الباقي. (ما قولكم) في شخص اقتدى بإمام شافعي في مسجد فيه الأئمة متعددة فتبين أنه بحنفي فهل لا يعيد؛ لأنه كمن صلى خلف من ظنه زيدًا فتبين أنه عمرو أم يعيد احتياطًا؟ (الجواب) اتفق للزرقاني شارح سيدي خليل: أنه اقتدى في جامع المؤيد بمصر خلف الشافعي فإذا هو الحنفي فأعاد احتياطًا، وقال ابنه: لا إعادة؛ لأنه كمن ظنه زيدًا فتبين أنه عمرو، وارتضى ما قاله ابنه الأشياخ، ومال العلامة الأمير إلي قول والده فقال: أقول احتياط الشيخ في الإعادة أعلى؛ لأن الأئمة متعددة الأمكنة في جامع المؤيد فقد ظهر أن الذي وجه قصده إليه معدوم بخلاف مسألة زيد فتبين أنه عمرو، فإن الذات واحدة فليتأمل انتهى. (ما قولكم) في شخص صلى الظهر مثلاً فقال له شخص: لم يدخل الوقت وقال آخر دخل فحصل له شك في صلاته فأراد أن يصلي ثانيًا، وأراد أن يقتدي به أناس لم يصلوا أولاً فهل لا يجوز اقتداؤهم به لاحتمال براءة الشاك بالفعل، وإن وجبت الإعادة ظاهرًا فيكون فرضًا خلف نفل أم كيف الحال؟ (الجواب) اتفق أن العلامة العدوي صلى العصر واقتدى به الشيخ الدردير والشيخ الأمير فقال إنسان: صليتم قبل الوقت وعارضه آخر فحصل لهم شك وأرادوا الإعادة وأراد الدخول معهم أناس لم يصلوا أولاً، فقال العلامة الأمير: قدموا بعض من لم يصل أولًا يصلي بنا إمامًا؛ أي ولا يتقدم واحد منا؛ لأنه لا يجوز اقتداء المتيقن بالشاك واستحسن كلامه الشيخ الدردير وخالفهما العلامة العدوي، وقال: إن إعادتنا واجبة وصلى بالجميع ثانيًا أفاده الأمير في المجموع وغيره والحق مع الأمير والله أعلم. [مسألة] إنما يحصل فضل الجماعة بركعة وهل لا بد من إدراكها بسجدتيها قبل سلام الإمام أم لا قولان، فإن زوحم أو نعس عنهما حتى سلم الإمام وفعلهما بعد سلام إمامه فيحصل له فضل الجماعة عند ابن القاسم خلافًا لأشهب أفاده عبد الباقي لكن سيأتي في باب الجماعة بعكس النسبة للشيخين. [مسألة] يصح الاقتداء بلاحق في الفاتحة أو غيرها وبغير مميز بين كضاد وظاء بأن يقلب الظاء ضادًا والحاء المهملة هاء والراء لامًا أو الضاد دالاَ على المعتمد فيهما، كذلك أن تقول: الذي يبدل الضاد ظاءً مثلاً إن كان عاجزًا في الحال والمستقبل بأن لا يقبل التعليم بطبعه فينبغي أن يكون كالألكن أي فهو عاجز تصح صلاته وصلاة المقتدي به ضاق

[مسألة]

الوقت أم لا ولو وجد من يأتم به غيره خلافًا للحطاب، وبعض الشراح وإن كان قادرًا في الحال على التعليم؛ فينبغي أن لا يختلف في بطلانها؛ لأنه كالمتلاعب، وإن كان عاجزًا في الحال قادرًا في الاستقبال فإن اتسع الوقت للتعليم وجب عليه التعلم وإن لم يتسع وجب عليه أن يأتم بمن يحسن الفاتحة؛ فأين محل الخلاف وجوابه أن محله في من لم يجد من يأتم به، وهو يقبل التعليم ولم يجد معلمًا أو ضاق الوقت عن التعليم وائتم به من هو أعلم منه بأن كان لا يبدل حرفًا بحرف أصلاً، أو كان أقل منه، وإنما ائتم به لعدم وجود غيره، ويقال مثل هذا في اللاحق. اهـ عبد الباقي بتصرف، ثم إن المراد باللحن المذكور اللحن الجلي وهو ما يخل المعنى أو الإعراب كرفع المجرور ونصبه وأما اللحن الخفي: وهو ما لا يخل بالمعنى ولا بالإعراب فلا يبطل الصلاة ففي كبير الخرشي عن الأجهوري: يكره الاقتداء باللاحن لحنًا خفيفًا كمظهر النون الخفيفة والتنوين عند الفاء والواو والميم والنون؛ لأنه خرق الإجماع وقرأ بما لم يقرأ به. قلت: وكذا سائر ما هو من هيئة الأداء من مد المقصور وقصر الممدود كما في عج أيضًا. قال شيخ الإسلام في شرح الجزرية: اللحن الميل الخطأ عن الصواب، وهو خفي وجلي، فالجلي خطأ يعرض للفظ ويخل بالمعني أو الإعراب كرفع المجرور ونصبه، والخفي خطأ يعرض للفظ ولا يخل بالمعنى ولا بالإعراب كترك الإخفاء والإقلاب والغنة. اهـ وقد ذكر الخرشي عن الزرقاني أن مد المقصور وقصر الممدود من اللحن الخفي غير المبطل. [مسألة] من صلى في غير المساجد الثلاثة منفردًا يعيد فيها ولو منفردًا أو من صلى فيها منفردًا فلا يعيد في غيرها جماعة ويعيد في أحدها جماعة، ولو كان مفضولاً بالنسبة لما صلى فيه منفردًا، ومن صلى في غيرها جماعة يعيد فيها في جماعة ولا يعيدها منفردًا على الأصح وقيل لمن صلى بغيرها جماعة أن يعيد فيها ولو فذًّا؛ لأن فذها أفضل من جماعة غيرها ورد بأنه لا يلزم من أفضلية شيء الإعادة لأجله، ألا ترى إلى تفاوت الجماعات أفاده در ودس. [مسألة] يحصل فضل الجماعة بركعة كاملة بسجدتيها مع الإمام وإنما تدرك الركعة مع الإمام بانحناء المأموم مع الإمام قبل اعتدال الإمام من ركوعه ولو حال رفعه وإن لم يطمئن المأموم في ركوعه إلا بعد اعتدال الإمام مطمئنًا. اهـ من أقرب المسالك للدردير. [مسألة] اختلف في المسبوق هل يجب عليه القيام لتكبيرة الإحرام كوجوبه على غيره أو واجب على غيره، وأما هو فلا يجب عليه؛ فإذا فعل بعض تكبيرة الإحرام في حال قيامه وأتمه في حال انحطاطه أو بعده بلا فصل كثير بين أجزائه بأن لا يكون هناك فصل أصلاً أو يكون فصل يسير وفي كل من هذه الأحوال الثلاثة إما أن يكون نوى بتكبيره العقد أي الدخول في الصلاة أو نواه والركوع أوس

[مسألة]

لم ينوها فيعتد بالركعة في هذه الصور التسع بناء على القول بأن القيام لتكبيرة الإحرام لا يجب على المسبوق، أو لا يعتد بها بناء على القول الآخر مع الجزم بصحة الصلاة على ما قاله عج؛ لأن الأجهوري ومن تبعه جعلوا ثمرة الخلاف ترجع للاعتداد بالركعة وعدم الاعتداد بها، وأما الحطاب فجعل ثمرة الخلاف ترجع لصحة الصلاة وبطلانها، والذي ذكره عج أقوى مستندًا كما في بن وأما لو نوى مجرد الركوع لبطلت صلاته، وإن كان يتمادى لحق الإمام، وأما إذا ابتدأ تكبيرة الإحرام حال الانحطاط وأتمها فيه أو بعده بلا فصل كثير بأن لم يكن هناك فصل أصلاً أو كان فصل يسير فهذه ثلاثة أحوال، وسواء في هذه الأحوال نوى بالتكبير الإحرام فقط، أو هو والركوع أو لم ينو شيئًا فالركعة باطلة اتفاقًا في هذه الصور التسع وأما الصلاة فصحيحة إذا علمت هذا فجملة الصور ثمانية عشر فإن حصل فصل كثير بطلت الصلاة في ست صور وذلك إما أن يبتدئ التكبير حال القيام أو حال الانحطاط ويتمه بعده مع الفصل الكثير وفي كل من هذين إما أن ينوي بالتكبير الإحرام فقط أو هو والركوع أو لم ينو شيئًا فهذه الستة تضم إلى الثمانية عشر المتقدمة فالجملة أربعة وعشرون صورة هكذا يستفاد من دس في باب فرائض الصلاة. (فائدة) في فتاوى الأجهوري أنه سئل عمن فاته إدراك الركعة الأولى مع الإمام تحقيقًا أو شكًا ثم رفع عمدًا أو جهلاً فهل تبطل صلاته أم لا؟ فأجاب إن تحقق قبل أن يخفض عدم الإدراك ثم ركع ورفع عمدًا أو جهلاً بطلت صلاته وكثيرًا ما وقع هذا من العوام، وإن تحقق الإدراك بعد ما رفع فإنه يفصل فيه فإن ركع غير راج الإدراك ثم رفع عمدًا أو جهلاً أيضًا بطلت صلاته وإن ركع راجيًا الإدراك فالذي يفيده كلام صاحب التوضيح وابن عبد السلام والشيخ بهرام أن صلاته لا تبطل بذلك والذي يقتضيه كلام الشيخ زروق وشيخه الثعالبي ومن وافقهما بطلان صلاته بذلك هذا تحرير هذه المسألة فعض عليها بالنواجذ واترك ما يقع في بعض الأوهام من غير استناد إلى ما يعتد به من الكلام والله أعلم. [مسألة] قال ابن عرفة: إذا وقف القارئ وتعذر من يفتح عليه ركع، ولا ينظر مصحفًا بين يديه قال الباجي: إن كان في الفاتحة نظر فيه قال في سماع ابن القاسم: تخييره بين الركوع وابتداء سورة أخرى قلت: الجاري على القواعد ما قال الباجي. اهـ عج. (ما قولكم) في مأموم انصرف من صلاته ظانًّا أن الإمام سلم ثم لم يعلم حتى سلم إمامه فهل يسجد للسهو أم لا؟ (الجواب) في فتاوى عج قال ابن القاسم وعلي عن مالك: لو سلم المأموم وانصرف يظن أن الإمام سلم ثم رجع قبل سلامه فإنه يجلس ويسلم معه ولا سجود عليه، فإن لم يعلم حتى سلم الإمام فقال ابن القاسم: لا سجود عليه أيضًا، وقال علي عن مالك: إن يسجد لسهوه أحب إلي. (ما قولكم) في إعادة الجماعة بعد الراتب هل فيها ثواب أم لا؟

(فصل) في أحكام المساجد.

(الجواب) يثاب من جهة كونها عبادة، ويستدل على هذا بما أفتى به ابن رشد وهو أن من عليه فوائت وتنفل تنفلاً زائدًا عن الفجر والوتر ونحوهما فإنه يثاب من جهة ويأثم من جهة، وإذا كان نهي التحريم لا ينافي الثواب فأولى نهي الكراهة، والنهي الذي ينافي الثواب هو النهي لذات العبادة كالنهي عن صوم زمن الحيض مثلاً وبعضهم قال بالمنافاة. اهـ من فتاوى عج بحذف وتوضيح وفي المجموع، وندب قطع محرم أي داخل في حرمة الصلاة ولو تلاوة أي سجود تلاوة وتعبيري بالقطع المشعر بالانعقاد وقت كراهة بنى عليه بعضهم الثواب أي من جهة كونها عبادة، وقيل لا ينعقد ونقله في حاشية الخرشي عن سيدي يحيي الشاوي والله أعلم. [مسألة] لو تعمد ترك الركوع مع الإمام حتى رفع منه معتدلاً فإن كان من الأولى بطلت، وإن تعمد تركه من غير الأولى، فإن استمر على الترك حتى رفع الإمام من الثانية فالراجح صحتها كما في دس. [مسألة] لا يجوز للمأموم نية مفارقة إمامه؛ لأن المأمومية تلزم بالشروع وإلا بطلت ومحل منع انتقال المأموم عن إمامه ما لم يضر الإمام بالمأمومين في الطول، وإلا جاز، وعند الشافعية يجوز وإن لم يكن ضرورة كذا في المجموع. (فصل) في أحكام المساجد. (ما قولكم) في الوضوء في المسجد هل يجوز أم لا؟ وفي حلق الرأس وقص الأظافر فيه هل يجوز أم لا؟ (الجواب) الوضوء مكروه، وقيل: جائز ما لم تكن أعضاؤه متنجسة وإلا حرم وتكره المضمضة فيه، وإن غطاها بالحصباء ما لم تؤد للاستقذار، وإلا منعت كما إذا كان يتأذى بها الغير، ويكره حلق الرأس في المسجد، وكذلك الأظافر وقص الشارب، ولو جمع ذلك في ثوبه وألقاه خارجه، وكذلك الاستياك لحرمة المسجد والله أعلم. (ما قولكم) في حكم الفصادة والحجامة والمخط في المسجد؟ (الجواب) تحرم الحجامة والفصادة فيه كما في الخرشي وغيره في باب الاعتكاف، وكذلك يحرم المخط كما استظهر في حاشية الخرشي في باب الجماعة، ويجوز بصق لطف، وكذلك التنخم فيه إن لطف أيضًا وهذا إذا كان المسجد مفروشًا بالحصباء، ودفن ما ذكر فيها ويقيد هذا بالمرة والمرتين لا أكثر لتأديته لتقطيع حصره، واستقذاره ويقيد أيضًا بأن لا يتأذى به غيره؛ فإن أدى إلى تقطيع حصره واستقذاره أو تأذى به الغير حرم. (ما قولكم) في قتل القملة في المسجد وطرحها حية، ورمي قشرها فيه هل يحرم أم لا؟ (الجواب) قتلها فيه مكروه وطرحها حية قيل بكراهته وقيل بحرمته، ورمي قشرها فيه حرام، قال مالك: أكره قتل البرغوث والقملة في الصلاة وهذا يقوي كراهة قتل القملة فيه. (ما قولكم) في تعفيش المسجد والمكث بالنجس فيه هل يمنع أم لا؟ (الجواب) يكره تعفيشه باليابس الطاهر وأما باليابس النجس فحرام

[مسألة]

كما يحرم تقذيره بالمائع مطلقًا، وإن طاهرًا، ويحرم المكث بالنجاسة فيه، وهذا لا يخالف ما في المدونة من كراهة قتل القملة في المسجد؛ لأنا نقول كراهة قتلها للضرورة، أو مبني على المكث بالنجس مكروه، وكلام الحطاب يقتضي ترجيحه. [مسألة] يجوز إحضار الصبي في المسجد بأحد شرطين أن لا يعبث، أي شأنه ذلك أو يعبث، ولكن يعلم من عادته أنه على تقدير وقوع البعث منه يمتنع إذا نهي عنه، كذا يؤخذ من دس والخرشي وغيرهما في باب الجماعة. [مسألة] يجوز للرجل إن يسكن في المسجد لأجل تجرده للعبادة من قيام الليل، وتعليم علم وتعلمه ويكره لغير المتجرد للعبادة؛ لأنه تغيير للمسجد عما حبس له ويحرم على المرأة، وإن تجردت للعبادة؛ لأنها تحيض، ولأنها قد يشتهيها أحد من أهل المسجد فتنقلب العبادة معصية؛ لأن كل ساقطة لها لاقطة. [مسألة] يجوز عقد النكاح في المسجد واستحبه بعضهم للبركة؛ ولأجل شهرته أي مجرد الإيجاب والقبول من غير ذكر شروط، أو نفقة، أو كسوة، أو مهر، أو رفع صوت أو تكثير كلام وإلا كره. [مسألة] يجوز قضاء الدين في المسجد إذا كان يسيرًا يخف معه الوزن والعدد وإلا كره ولم يكن على وجه التجر والصرف، فإن كان على وجه التجر بأن دفع المدين بدل دينه عرضًا قاصدًا بذلك التجر لاقتضاء دينه أو أخذ بدل فضة ذهبًا قاصدًا بذلك الصرف كره وأما بدون ذلك القصد بل قصد اقتضاء الدين فلا كراهة. [مسألة] يجوز النوم في القائلة للمسافر وللمقيم في أي مسجد كان مسجد بادية أو حاضرة وأما التضييف فيه أو النوم ليلاً لمن لا منزل له أو عسر الوصول إليه فيجوز في مسجد البادية والقرية الصغيرة، ويكره في مسجد الحاضرة، وفي حاشية الخرشي الظاهر أنهم إذا لم يجدوا مأوى ولو بأجرة يسوغ لهم المبيت ولو في مساجد الحاضرة لا خصوص البوادي، والتضييف في مسجد البادية يكون بإطعام الطعام الناشف كالتمر لا إن كان مقذرًا كالطبخ والبطيخ، وإلا حرم إلا بنحو سفرة تجعل تحت الإناء بحيث يغلب على الظن عدم التقذير فالظاهر أنه يقوم مقام الناشف كما في حاشية الخرشي. [مسألة] يجوز اتخاذ بيت تحت المسجد ويسكنه ولو بأهله ولا يجوز له أن يتخذ بيتًا فوقه؛ لأن ما فوق المسجد له حرمة المسجد وهذا في مسجد متأخر أعلاه عن مسجديته بأن بنى مسجدًا ابتداء ثم أحدثت السكنى فوقه وأما إن سبق أعلاه على مسجديته فتكره السكنى فوقه. [مسألة] لا يجوز الغرس بالمسجد وإن قلع كما في دس. [مسألة] يحرم تعمد إخراج الريح في المسجد ولو كان خاليًا من الناس؛ لحرمة المسجد والملائكة، وأما خروج الريح غلبة فإنه لا يحرم، ولابن العربي: يجوز إرسال الريح في المسجد اختيارًا كما يرسله في بيته إذا احتاج لذلك أي بأن كان إبقاؤه من غير إخراج يؤذيه. اهـ. وهو ضعيف ومع ضعفه مقيد بما إذا كان لا يترتب على إخراجه أذية حاضر، وإلا حرم؛ لأن الأذية حرام إجماعًا. [مسألة] يحرم

[مسألة]

إخراج الريح بصوت بحضرة الناس كما في المجموع. [مسألة] يحرم المكث في المسجد بشيء نجس غير معفو عنه، لتنزيه المسجد عن ذلك والمتنجس كالنجس، ولو ستر بطاهر، وقيل: إن ستر المتنجس كالنعال بطاهر جاز المكث والمرور به، والراجح الأول، بل المشهور أنه يحكه، فإذا أزيل عين النجاسة وبقي حكمها فلا يمنع المكث والمرور به فإن لم يحكه حرم. [مسألة] يمنع تعليم الصبيان في المساجد قرآنًا أو غيره على المذهب، ولو كانوا لا يعبثون لعدم تحفظهم من النجاسة غالبًا، وذكر القابسي أن ابن القاسم روى إن بلغ الصبي مبلغ الأدب فلا بأس بتعليمه في المسجد، وإن كان صغيرًا يعبث فلا أحب ذلك، ذكر هذه الرواية ص عن بن في باب الإجارة، وفي دس في إحياء الموات أن تفصيل ابن القاسم ضعيف، والمذهب منع تعليم الصبيان فيه مطلقًا كانوا مظنة للعبث والتقذير أم لا؛ لأن الغالب عدم تحفظهم من النجاسة. [مسألة] يكره البيع في المسجد ومحل الكراهة إذا جعل المسجد محلاً للبيع بأن أظهر السلعة فيه معرضًا للبيع وأما مجرد العقد فلا يكره ومحل الكراهة أيضًا إذا كان بغير سمسرة؛ بأن جلس صاحب السلعة بها في المسجد وأتى المشتري لها يقلبها وينظر إليها، ويعطي فيها ما يريد، فإن كان البيع بسمسرة أي مناداة على السلعة حرم لجعل المسجد سوقًا. [مسألة] يكره سل السيف ونحوه في المسجد لغير إخافة وإلا حرم بل في فتاوى الحنفية أنه ردة. [مسألة] لا يجوز الدفن في أرض المسجد لأنه يؤدي إلى نبشه إلا لمصلحة كما في الأمير على عب. (ما قولكم) في الصدقة والهبة هل يجوز كل منهما في المسجد أم لا؟ (الجواب) في عبد الباقي وظاهر المص أي الشيخ خليل أن الهبة والصدقة لا يكرهان في المسجد لأنهما فعل معروف مرغب فيهما ومثله في الخرشي وسلمه العدوي والأمير وغيرهما. [مسألة] روى ابن حبيب لا يمر في المسجد بلحم ولا تنقر فيه النبل أي لا تدار على الظفر ليعلم مستقيمها من معوجها. [مسألة] يكره إنشاد الضالة في المسجد أي تعريفها لملتقطها وكذلك نشدها (¬1) أي طلب ربها لها وهذا هو الوارد في خبر: "إذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك" وينشد بفتح التحتانية وضم الشين المعجمة أي يطلب ما ضاع منه كما تقدم. [مسألة] يكره رفع الصوت في المسجد ولو بذكر أو قرآن إلا التلبية بمسجد مكة ومنى فيجوز رفع الصوت بها فيهما على المشهور، ومحل كراهة رفع الصوت في المسجد ما لم يخلط على مصل وإلا حرم. [مسألة] يكره رفع الصوت بالعلم فوق إسماع المخاطب ولو بغير مسجد على المشهور خلافًا لابن مسلمة حيث جوز رفع الصوت به في غير المسجد. [مسألة] يكره دخول الخيل والبغال والحمير في المسجد لأجل نقل حجارة ¬

(¬1) (قوله) وكذلك نشدها هذه التفرقة بين الثلاثي بين الثلاثي والرباعي في الصحاح ونهاية ابن الأثير وغيرهما، وفي القاموس ما يفيد ترادفهما كسقى وأسقى كذا في البناني. اهـ منه.

[مسألة]

أو غيرها منه أو إليه خوف أن تبول فيه، وأما ما فضلته طاهرة فيجوز إدخاله لذلك لا لغيره، فلا يجوز لأنه استعمال له في غير ما حبس له، ويجاب عن ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعير بأنه فعل ذلك ليرتفع للناس فيأخذوا عنه المناسك، كما قالوا، فكان من الأمور الخاصة كذا في الأمير على عب. [مسألة] سئل ابن عرفة عن المسجد هل يسوغ اتخاذه طريقًا أم لا؟ فأجاب بجوازه إذا دعت الضرورة إليه، وكان البودري من متأخري التونسيين أحد شيوخ ابن عبد السلام مدرسًا بمدرسة التوفيق، وكانت داره قبالة جامع التوفيق، وكان إذا أتى المدرسة دخل من باب الجامع القبلي ويخرج من الباب الجوفي، فعيب عليه ذلك لما فيه من اتخاذ المسجد طريقًا؛ فاحتج بأن مالكًا أجازه في المدونة حيث قال: ولا بأس أن يمر فيه ويقعد من كان على غير وضوء فيه، أفاده في المعيار. (ما قولكم) في رجل اشتهر بالجلوس في موضع من المسجد لتعليم علم ونحوه، هل يقضى له به أم لا؟ (الجواب) يقضى له به على المعتمد، والظاهر اختصاصه به في الوقت الذي اعتاد فيه ما ذكر فقط، لا بوقت غيره، وما غاب عنه غيبة انقطاع ولا ما اعتاده والده، قال ابن ناجي: ومواضع الطلبة عندنا بتونس يقضى لهم بها. أفاده في حاشية الخرشي والله أعلم. (ما قولكم) في المساجد هل يفضل بعضها بعضًا أم لا أفيدوا الجواب؟ (الجواب) أجاب في المعيار بأن المساجد كلها متساوية من حيثُ كونُ كلٌّ مسجدًا، ويستثنى من ذلك المساجد الأربعة لشهادة الشرع بزيادة ثوابها، وهي: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى، ومسجد قباء، فركعتان في مسجد قباء كعمرة كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح البخاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا، فيصلي فيه ركعتين، والصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة كما في الصحيح، ولكن التفضيل مختص بمسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمنه، كما مال إليه ابن عرفة، وفي كبير الخرشي أن الأبي في شرح مسلم قال عند قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" ما نصه: التفضيل مختص لمسجده الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه بعد ذاك فينبغي أن يتيقظ لهذا، ذكره الخرشي عند قول المص، والغرض بالصف الأول والصلاة في المسجد الأقصى تعدل ألف صلاة أو سبعمائة أو خمسمائة بسبب اختلاف الروايات ذلك عنه عليه الصلاة والسلام، والصلاة في المسجد حرام شهد لزيادتها على ألف صلاة روايات متعددة. انتهى التضعيف في بعضها إلى مائة ألف، وما عدا هذه الأربعة فكلها متساوية صلاة المنفرد بعشرة، وفي الجماعة بسبع وعشرين درجة، نعم الصلاة في المسجد البعيد أفضل من القريب باعتبار كثرة الخطأ، ومشقة السعي إليه، وغير ذلك مما يقتضي كثرة الثواب. اهـ بزيادة والله أعلم. (ما قولكم) فيمن سبق إلى مكان من المسجد هل هو أحق به من غيره أم لا؟ وهل يكفي السبق بالفرش أم لا؟ وإذا قام السابق لحاجة

ونيته العود هل يسقط حقه أم لا، وإذا أعاد مكانه لشخص ثم أراد الرجوع إليه هل يكون الحق له أو للشخص الجالس؟ (الجواب) من سبق إلى مكان من المسجد فهو أحق به إلا أن يعتاد غير السابق الجلوس بالمحل الذي جلس به السابق لتعليم علم؛ كتدريس أو إفتاء؛ فإنه أحق به من غيره، إذا عرف به، وفي حاشية العلامة الأمير وهل يكفي السبق بالفرش فيه أو تحجير لا يجوز خلاف في الحطاب وغيره، وإذا قام السابق لحاجة أو طهارة ويعود لم يسقط حقه. اهـ وأما إن أعاره لشخص فإن حقه يسقط لاستحقاق جميع الناس ذلك، وذلك من قبيل من له خلوة في مدرسة وأعارها لغيره من المستحقين فإنه يسقط حقه، ويأخذها الغير كما وقع للبرزلي؛ لأن المتقدم أسقط حقه للثاني كذا في حاشية الأمير على عبق من باب العارية والله أعلم. (ما قولكم) في جار المسجد هل له أن يفتح فيه بابًا أم لا؟ (الجواب) في حاشية العلامة الأمير علي عبد الباقي أنهم صرحوا بأن جار المسجد لا يجوز له أن يفتح فيه بابًا والله أعلم. (ما قولكم) في بني شيبة خدمة الكعبة المشرفة هل لغيرهم أن يشاركهم في مصالحها وخدمتها أم لا؟ (الجواب) منع الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أن يشترك مع خزنة الكعبة غيرهم في القيام بمصالحها وخدمتها والتصرف فيها والحكم عليها، فإن خزنتها هم أصحاب عقدها وحلها، فلا يشركهم غيرهم في ذلك، وفي حاشية الخرشي قال المحب الطبري: ولا يبعد أن يقال: هذا إذا حافظوا على حرمة البيت ولازموا الأدب في خدمته، وإلا جعل عليهم مشرف والله أعلم. (ما قولكم) في خزنة الكعب هل يسوغ لهم أخذ دراهم لأجل فتح الكعبة المشرفة أم لا؟ (الجواب) في حاشية العلامة الدسوقي أجمع العلماء على أنه يحرم على الخدمة أن يأخذوا الدراهم لفتح الكعبة خلافًا لما يعتقد بعض الجهلة من أنه لا ولاية عليهم، وأنهم يفعلون بالبيت ما شاءوا، قاله الحطاب والله أعلم. (ما قولكم) في مضاعفة الصلاة في المسجد الحرام هل هي خاصة بالفرض أم لا؟ (الجواب) في حاشية الخرشي أن المضاعفة حاصلة بالفرض والنفل كما نص عليه عبد الملك خلافًا للطحاوي من الحنفية حيث خصها بالفرض والله أعلم. (ما قولكم) في فناء المسجد هل حكمه حكم المسجد أم لا؟ (الجواب) في الزرقاني يحرم لبث الجنب في المسجد وإذا حصلت له الجنابة وهو فيه وجب عليه أن يخرج من غير تيمم، وحكم صحنه وسطحه حكمه، وأما فناؤه فلا، والفناء ما كان خلف الباب كمحل الحلاقين بالجامع الأزهر، كما في حاشية العدوي وفي القاموس، وفناء الدار ككساء ما اتسع من أمامها ومنه قول الأمير في باب الشركة فناء الدار ما فضل عن المارة من طريق واسعة نافذة. اهـ وأما منع الشيوخ من صلاة الفجر في فنائه والإمام الراتب يصلي فلا يدل على أن الفناء حكمه حكم المسجد لأنهم منعوا من صلاة الفجر فيه، والإمام يصلي لقربه من المسجد ففيه طعن في الإمام

[مسألة]

الراتب، لا لأنه من المسجد والله أعلم. (وسئل) عج عن السؤال في المسجد؟ (فأجاب) بأنه ينهى عنه وينهي عن إعطاء السائل فيه. اهـ. [مسألة] إذا خرب المسجد لا يطلب له تحية كتبه السيد عن الحطاب ومقتضاه زوال أحكام المسجدية لا أصل الحبس فلينظر ذكره الأمير على عبد الباقي عند قول سيدي خليل في باب اليمين، ولا إن خربت وصارت طريقًا. (ما قولكم) هل بئر زمزم وكذا حريمها وهو البناء الدائر على فم البئر ليست من المسجد فلا يحرم على الجنب المكث فيه ولا البصاق ولا الغسل ولا غير ذلك مما يحرم فعله في المساجد، أم من المسجد فله حكم المسجد من أنه يجوز فيه الاعتكاف، ويحرم دخوله جنبًا، والمكث فيه واستحباب تقديم اليمين للدخول وركعتي التحية إن أمكن فعلهما فيه أفتونا؟ (الجواب) أما بالنسبة للمسجد الأصلي الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم واشترط أصحابنا لصحة الطواف أن يكون داخله فقد حكى الحطاب في شرحه على المختصر عند قوله: وجاز أي الطواف بسقائف لزحمة وإلا أعاد ولم يرجع له ولا دم قولين مشهورين، أحدهما في كون بئر زمزم من المسجد الأصلي كالمقام وهو ما لسند في الطراز قال القرافي: قال سند: وخرج بعض المتأخرين يعني اللخمي المنع أي للطواف من وراء زمزم على منع أشهب في السقائف والفرق أن زمزم في بعض الجهات عارض في طريق الطائفين فلا يؤثر كالمقام أو حفر في المطاف. اهـ واختاره ابن عرفة قال: وألحق اللخمي بها أي بالسقائف ما وراء زمزم ورده سند بأن زمزم في جهة واحدة فقط فقول ابن الحاجب من وراء زمزم وشبهه على الأشهر إلا من زحام لا أعرفه. اهـ قال في التوضيح وشبه الزمزم قبة الشراب. وثانيهما في كونه ليس من المسجد الأصلي كالسقائف وهو ما للخمي وغير واحد من أئمة المذهب المتأخرين كابن بشير وابن شاس وجعله ابن الحاجب الأشهر. اهـ وأما بالنسبة للمسجد الحرام في هذا الوقت فهو منه وله حكمه بدون أدنى شك لأمرين: الأمر الأول: أنه قد صار الآن في وسطه والعادة تحيل خروجه وعدم إعطائه حكمه حينئذ سيما وفي المذهب قول مشهور بكونه من المسجد الأصلي كالمقام ويؤيده حديث الزهري أن قريشًا قالت لعبد المطلب لما شرع في حفر بئر زمزم: ما هذا الصنع إنا لم نر بك أن نتهمك بالجهل لم تحفر في مسجدنا؟ كما نقله الكازروني المكي الحنفي في تذكرته عن ابن علان الصديقي الشافعي. الأمر الثاني: إن في تاريخ الخميس عن البحر العميق للقرشي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إنا لنجد في كتاب الله أن حد المسجد الحرام من الحرورة إلى المسعى، وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: أساس المسجد الذي وضعه إبراهيم عليه السلام من الحرورة إلي المسعى. أفاده خاتمة المحققين السيد أحمد بن زيني دحلان عما كتبه العلامة السيد أحمد جمل الليل المدني عن الشيخ إبراهيم الخليل في شرح مولد السيد

الأهدل قال: وفي كلام غيره ما يؤيده. اهـ وأما فتوى أبي السعود بن علي الزين المالكي بأن بئر زمزم مع حريمها ليست من المسجد وعللوه بأن تحبيسها سابق عن تحبيس المسجد فيباح للجنب المكث والغسل ولا تصح الجمعة ولا الاعتكاف لكون المسجد شرطًا فيهما ولا في علوها ويقدم الداخل يسراه ويمناه خروجًا ولا تحية، وأما البصاق فجائز إلا أن إن كان يؤدي إلى تأذي الناس وتعلقه بثيابهم وأرجلهم، وتنكف أنفسهم عند الشرب فيجتنب والله أعلم كما في نشر الآس في فضائل زمزم، وسقاية العباس فهي باطلة من وجوه بأن تحبيسها سابق إلخ إذ كيف تصح وقد قال الشيخ عبق الزرقاني واستثنى من منع بيع العقار الحبس خرب أم لا؟ قوله: إلا أن يباع لتوسيع كمسجد للجماعة كما في النص تقدم عن العقار أو تأخر وطريق ومقبرة فيجوز بيع حبس غير هذه الثلاثة لتوسيع الثلاثة أو واحد منها أي يؤذن فيه ولو جبر أو أمروا أي المحبس عليهم بجعل ثمنه أي الحبس الذي بيع لتوسيع الثلاثة لغيره وجوبًا، أي يشتري بالثمن عقارا مثله ويجعل حبسًا مكانه من غير قضاء على المشهور؛ لأنه لما جاز بيعه اختل حكم الوقفية المتعلقة به، وسكت عن توسيع بعض الثلاثة من بعض، وهي ست صور ويؤخذ الجواز من قول الشارح عند قول المصنف واتبع شرطه إن جاز ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه في بعض. اهـ المراد من كلام عبق الوجه الثاني أن علو بئر زمزم مكان معد للصلاة، والمكان المعد للصلاة مسجد، وإن لم يكن على هيئة المساجد كما في شرح مجموع الأمير، وحجازي عليه، وقد قال قريش لعبد المطلب لما شرع في حفرها لم تحفر في مسجدنا، وقال أبو هريرة وعمرو بن العاص: إن حد المسجد الحرام من الحرورة أي باب الوداع إلى المسعى كما علمت وكيف يصح قوله فيباح للجنب إلي قوله: ولا في علوها، الوجه الثالث: أن تقديم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج إنما عدوه من الآداب في نحو الكنيف من كل دنيء، كحمام وفندق وبيت ظالم، وليس منه بئر زمزم حتى على فرض عدم دخوله في المسجد إذ كيف تصح دعوى دناءته وقد قالوا: إن النظر في بئر زمزم عبادة تحط الأوزار والخطايا لخبر: "خمس من العبادات تحط الخطايا النظر إلي المصحف، والنظر إلي الكعبة، والنظر إلي الوالدين، والنظر في بئر زمزم، والنظر إلي وجه العالم" رواه الأزرقي، قال بعضهم: ويختار له النظر فيها ثلاثًا، وقالوا: إذا قصد شرب ماء زمزم استقبل القبلة لأنها أشرف الجهات ثم ذكر الله تعالى، ثم قال: اللهم إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ماء زمزم لما شرب له" وإني أشربه لكذا، ويسمي حاجته، أو يقول: اللهم فافعل، ثم يسمي الله تعالى ويشرب، وأنه يسن أن يصب على رأسه منه ويغسل وجهه وصدره كما نقل عن الماوردي، وقد قال

(فصل) في قصر صلاة المسافر.

الشيخ يحيي الحطاب في مناسكه: وممن صرح بكراهة استعماله في النجاسات ابن بشير، قال: وأهل مكة يحكون: أن رجلاً استنجى به فحدث له الباسور، فكيف يصح مع هذا ونحوه مما هو محرر في كتب الفقه والمناسك أن يدعي أن له حكم الكنيف في الدخول والخروج؟! سبحانك هذا بهتان عظيم، وجهل فاضح سقيم، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلتفت لمثل هذه الفتوى فضلاً على أن يعتمد عليها في فتواه والله الهادي إلى الصواب وإليه المرجع والمآب. (فصل) في قصر صلاة المسافر. [مسألة] يسن لمريد سفر أربعة برد قصر الصلاة الرباعية ولو كان سفره على خلاف العادة، فمتى كان يقطع هذه المسافة قصر، ولو قطعها في لحظة بطيران ونحوه، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، كل ميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة، وقيل: ستة آلاف ذراع بالهاشمي، ومفاد بعضهم أن هذا القول هو الراجح، والذراع الهاشمي ينقص على الذراع الحديد المعروف الآن الثمن، فتكون الستة آلاف خمسة آلاف ومائتين وخمسين ذراعًا بالحديد، وهي باعتبار الزمن مرحلتان أي سير يومين معتدلين، أو يوم وليلة بسير الإبل المثقلة بالأحمال على المعتاد من سير وحط وترحال وأكل وشرب وصلاة معتبرة، ولو كانت هذه المسافة كلها ببحر أو بعضها ببحر وبعضها ببر تقدمت مسافة البحر أو تأخرت وهذا قول عبد الملك، واعتمده العلامة الدردير في تقريره ولا يقصر ما دام في المرسى حيث لم يجزم بالسير، أو كانت المرسى داخل البساتين المسكونة، وإلا قصر، ولو كان بالمرسى، ولا يجوز الإقدام على القصر فيما دون هذه المسافة التي جملة أميالها ثمانية وأربعون ميلاً، وإنما الخلاف فيما إذا وقع منه القصر فيما دون ذلك، هل يعيد أم لا؟ قال ابن رشد: لا إعادة على من قصر فيما بين ثمانية وأربعين إلى أربعين، وإما إذا قصر فيما بين الأربعين إلى ستة وثلاثين بإدخال الغاية ففي الإعادة في الوقت وعدم الإعادة قولان، والراجح عدم الإعادة، وإذا قصر فيما دون الستة والثلاثين يعيد أبدًا. اهـ ملخصًا من الخرشي وحاشية العدوي وحاشية الصاوي والأمير على عبق. [مسألة] يقطع حكم السفر نزول مكان نوى فيه إقامة أربعة أيام صحاح، فيلغي يوم الدخول المسبوق بالفجر، ويوم الخروج فلا بد أن تستلزم الأربعة أيام عشرين صلاة بأن دخل قبل فجر السبت ونوى الارتحال بعد عشاء يوم الثلاثاء هذا هو المعتمد خلافًا لسحنون، حيث اعتبر العشرين صلاة فقط سواء كانت في أربعة أيام صحاح أم لا؟ وأما إذا أقام الحاجة فاتفق أنه أقام شهورًا يرجو قضاءها في كل يوم فإنه يقصر. [مسألة] إذا نوى إقامة أربعة أيام وبعد تلك الإقامة عزم على السفر فقال سحنون: لا يقصر حتى يعظ كابتداء السفر، وقال ابن حبيب: متى عزم على السفر يقصر رفعًا للنية بالنية، قال ابن ناجي: وبالأول أقول، شاهدت شيخنا يفتي به. اهـ من حاشية الخرشي.

باب الجمعة

[مسألة] يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهرين جمع تقديم ببر لا ببحر (¬1) إن زالت عليه الشمس نازلاً بمكان، ونوى عند رحيله قبل وقت العصر النزول بعد الغروب فإن نوى النزول قبل دخول الاصفرار صلى الظهر في وقتها وأخر العصر وجوبًا غير شرط لوقتها الاختياري فإذا قدم العصر مع الظهر في هذه الصورة أجزأ لما علمت أن التأخير واجب غير شرط ولكن يندب لها أن يعيدها إذا دخل وقتها فإن نوى النزول بعد دخول الاصفرار صلى الظهر في وقتها وخير في العصر إن شاء قدمها مع الظهر وإن شاء أخرها للاصفرار وهو الأولى؛ لأن الاصفرار ضروري العصر الأصلي، وأما إذا زالت الشمس عليه وهو سائر ونوى النزول بالاصفرار أو قبله فأنه يجوز له أن يؤخرهما ليجمعهما جمع تأخير ويجوز إيقاع كل صلاة في وقتها ولو جمعًا صوريًا ولا يجوز جمعهما جمع تقديم لكن إن وقع فالظاهر الإجزاء وإعادة الثانية في الوقت وقيل يؤخرهما وجوبًا ويمكن الجمع بين القولين بأن من قال بالوجوب بمعنى أنه لا يقدم العصر فلا ينافي أنه يجوز إيقاع كل صلاة في وقتها والجواز في كلام اللخمي بالمعنى المتقدم. اهـ من أقرب المسالك وحاشيته وحاشية الخرشي. [مسألة] قراءة الفاتحة عند وداع المسافر جائزة قال عج عن شيخه ابن الترجمان ورد في الحديث ما يؤخذ منه جواز ذلك وهو قوله في الحديث كان يذكر الله في جميع أحواله ومن الأحوال حالة السفر ومن الذكر القرآن بل هو أفضل الذكر لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر} وأما قراءة الفاتحة له صلى الله عليه وسلم فذكر الحطاب في باب الحج عن الشافعية قولين أرجحهما عدم الجواز ولا نص في مذهبنا والذي عليه علماء الشافعية الآن جواز ذلك قال عج: وإذا لم يوجد في مذهبنا نص فنرجع لمذهب الشافعية في ذلك، فلا يحرم ذلك والذي يقول بالحرمة يحتج بأنه لم يرد جواز ذلك عنه، ولا أذن فيه، ولا يتهجم على العظيم إلا بما أذن فيه، وهذا لم يأذن فيه. اهـ من حاشية الخرشي. باب الجمعة [مسألة] من علم أن الجمعة فاتته بأن أدرك التشهد فإنه يحرم بنية الظهر مع الإمام، ويجلس معه ثم يأتي بعده بأربع ركعات، ابن عرفة: وفيها من أدرك جلوسها أتمها ظهرًا، ابن رشد: اتفاقًا لأنه بنية الظهر يحرم، قلت: هذا أصح من قول بعض شيوخنا يحرم بنية الجمعة لموافقته نية إمامه. اهـ من كبير الخرشي في مبحث الرعاف. [مسألة] من وجد الإمام في تشهد الجمعة فدخل معه بنية الظهر، ثم تذكر الإمام سجدة من الركعة الأولى؛ فقام وأتى بركعة بدلها، فقيل: إنه يصليها معه ويأتي بركعة وتكون له جمعة، وقيل: إنه يعيدها أربعًا من أجل أنه أحرم بنية أربع ثم حولها إلى نية الجمعة قاله الغرياني، فقوله: وقيل: إنه يعيدها أربعًا يقتضي أنه يأتي بركعة بتمامها ¬

(¬1) قوله: لا ببحر أي خلافًا للشافعية القائلين كل ما أباح القصر أباح الجمع. اهـ أمير.

[مسألة]

وعليه فيتفق القولان على فعلها جمعة ويختلفان هل يعيدها ظهرًا أم لا. اهـ منه أيضًا. (ما قولكم) فيمن دخل الجامع لصلاة الجمعة فوجد الخطيب في صدر الخطبة فما جلس حتى صلى ركعتين فهل الصلاة مكروهة أم حرام؟ (الجواب) في فتاوى الأجهوري جوابًا عن هذا السؤال إذا دخل المالكي والإمام يخطب فأحرم بالنافلة ساهيًا؛ فإنه بعد إحرامه على الوجه المذكور؛ لا يقطع النافلة فإذا دخل عامدًا مقلدًا لمن يرى ذلك بشرط التقليد فإنه لا يقطع أيضًا، والتقليد جائز بشرطه وصرح أئمتنا كالقرطبي بأنه لا يجوز الإنكار على من فعل أمرًا مختلفًا فيه، وإنما ينكر على من فعل مجمعًا على تركه أو كان مدرك القائل فيه ضعيفًا كشرب النبيذ. اهـ وفي المجموع أن من أحرم وقت المنع يقطع إلا داخلاً وقت الخطبة أحرم ناسيًا أو جاهلاً فيتم للخلاف في الداخل وزاد عذره بالنسيان أو الجهل والله أعلم. (ما قولكم) في مالكي صلى الجمعة خلف شافعي يعيدها ظهرًا هل يعيد أم لا؟ (الجواب) إن كان الإمام أعاد ظهرًا لبطلان صلاته وجبت إعادة صلاة من صلى خلفه إذ كل صلاة بطلت على الإمام بطلت على المأمومين إلا ما استثنى وليس هذا منه، وإن أعادها لا لبطلان فإن في إعادة من صلى خلفه خلافًا قياسًا على من صلى خلف إمام صلى الحاضرة قبل الفائتة المشار إليها بقول المصنف فإن خالف ولو عمدًا أعاد بوقت الضرورة، وفي إعادة مأمومه خلاف والراجح منهما الإعادة كذا في فتاوى عج، وفي حاشية الخرشي قوله: والراجح منهما الإعادة ضعيف بل الراجح عدم الإعادة، ثم قال في الفتاوى المذكورة فإن لم يدر أي المأموم هل أعاد إمامه لبطلان الصلاة أو للاحتياط فالظاهر وجوب الإعادة، وسيأتي تحقيق هذه المسألة بعد هذا. [مسألة] من أدرك ثانية الجمعة مع الإمام ثم بعد سلام الإمام تذكر أنه نسي منها سجدة؛ فإنه يسجدها باتفاق ابن القاسم وأشهب ثم كمل أربعًا عند ابن القاسم وجمعة عند أشهب. اهـ من عبد الباقي. [مسألة] يجبر من بجانب المسجد على البيع ولو وقفًا لتوسعة المسجد كما في حاشية الخرشي وكذا يوسع المسجد ولو بالطريق والمقبرة كما في دس. [مسألة] الجمعة للعتيق والمراد به ما أقيمت فيه الجمعة أولاً في تلك القرية وإن تأخر بناؤه عن بناء غيره، ما لم يحتاجوا للجديد، وإلا فتصح الجمعة للعتيق والجديد ثم هل المراد بالاحتياج حاجة من تصح منه الجمعة أن لو حضرها ولو كالصبيان والعبيد، واستظهر هذا النفراوي أو حاجة من يغلب حضوره، أو حاجة من يلزمه حضورها، أو حاجة من يحضر بالفعل، وإن لم تلزمه ولا غلب حضوره، وعلى الأخير من الاحتمالات الأربعة تعتبر كل جمعة لما فيها، وهذه الاحتمالات عند الشافعية ولا نص عندنا والمحققون منهم كالرملي والزيادي على الاحتمال الأخير، فيلزم عندهم الإعادة في كل جمعة للشك في السبق فتعاد جمعة إن أمكن، وإلا ظهرًا كما هو الواقع الآن منهم، فإن قلت: ما مشى عليه الزيادي من

[مسألة]

الاحتمال الأخير مخالف لما كان عليه من عدم إعادته بالأزهر لأنه أول ما تقام به فيجزم بسبق جمعة الأزهر على غيرها، قلت: كان تلميذه العلامة سالم الشبشيري يرد عليه في غيره وجهه بما معناه حيث وجدت كثرة الجمع وجد الشك، وهو احتمال تأخر جمعة الأزهر عن غيرها، وتقدمها وتساويها فلا وجه لعدم شكه وما اقتصر عليه عج من أن المحققين على الاحتمال الأول ليس كذلك، بل المحققون كالرملي ومن تبعه على الاحتمال الأخير، كما تقدم وعليه فإن تحققنا أن الخطيب لا يعيد لتقليد أو لعدم شك فجمعتنا خلفه صحيحة، وإن تحققنا إعادته وجبت الظهر كما إذا شكينا فيها، أو في أنه هل يعيد ندبًا أو وجوبًا، وإن علمنا أن إعادته للندب فتندب لنا الإعادة وتصح الصلاة خلف من صلى بثوب فيه فضلة مأكول اللحم تقليدًا لمالك، وخطب بخطبة فيها الأركان المعتبرة عند الشافعي؛ لأن العلامة العدوي نقل عن شيخه الصغير وغيره ترجيح القول بالتلفيق وهو الأليق بالحنيفية والرحمة. اهـ ملخصًا من عب والأمير والنفراوي. [مسألة] يحرم على الجالسين الكلام حال الخطبة، ولو لم يسمعوا لبعد أو صمم، وإنما حرم الكلام لغير السامع سدًا للذريعة لئلا يسترسل الناس على الكلام حتى يتكلم من يسمع الإمام. اهـ من ص وفي الزرقاني ومثل الكلام تحريك ما له صوت من حديد وثوب جديد وسلام ورده ولو بإشارة، ونهي لاغ بالنطق وحصبه أي رميه بالحصباء وإشارة لمن لغا وكتابة؛ لأنها تشغل، وابتداء صلاة نفل. اهـ ومن ذلك يعلم حرمة الطواف في ذلك الوقت بالأولى إذ فيه تمام الاشتغال عن سماعها والله أعلم. (فائدة) قال بعض شراح المدونة أصل معنى الذريعة لغة: جمل يترك هملاً في فلاة يصاد فيها الظباء والحمر الوحشية فتأنس بذلك الجمل الصيد، وتدور معه فإذا ذهبوا للصيد لم يذهب الجمل منهم؛ لإلفه بالناس فإذا وقف وقف الصيد معه فيأخذون منه بسهولة، ثم يسمى به كلما كان سببًا للهلاك، أو سببًا للوقوع في الإثم، فإن الإثم يوقع في الهلاك، ثم إن هذه العبارة إشارة إلى قاعدة وهي يجب دفع كل ما يؤدي إلى فساد في أمر مشروع، وقد ظن كثير أن هذه المسألة مخصوصة بمذهب مالك، وأن العمل بها يجب عنده مطلقًا وليس كذلك، كما قاله العلامة القرافي حيث قال: ليس كل ذريعة فساد يجب سدها مطلقًا، فإن الذرائع ثلاثة أقسام: (فمنها) ما أجمع الناس على وجوب سده كسب الأصنام عند من يسب الله تعالى إذا سبت، وحفر الآبار في طريق المسلمين، (ومنها) ما أجمعوا على عدمه كالمنع من غرس الكروم لئلا يتخذ منها الخمر، (ومنها) ما اختلف فيه كبيوع الآجال، (ومنها) ما يكون خلاف الأولى وقد تكون ذريعة الفساد ذريعة لمصلحة أيضًا فيقدم الأرجح منهما كدفع المال للكفار لافتداء الأسير والحاصل كما نقله بعض المتأخرين من مذهب مالك أن

باب صلاة العيدين

سد الذريعة في الأصل من باب الورع والاحتياط لا من باب الواجب إذ المفعول بها ليس فسادًا في حد ذاته، والفساد معها مظنون نقل هذا الخفاجي على الشفا. [مسألة] من أدرك ثانية الجمعة مع الإمام ثم بعد سلام الإمام تذكر أنه نسي منها سجدة فإنه يسجدها باتفاق ابن القاسم وأشهب، ثم كمل أربعًا عند ابن القاسم، وجمعة عند أشهب، مراعاة لعدم سلام المأموم؛ لأنه المعتبر، وسلام الإمام لا يفيت تداركه عند أشهب، ويفيته عند ابن القاسم. اهـ عب وفي الأمير وكونه يفيت عند ابن القاسم مقتضاه بطلان الركعة فينافي ما سبق له من أنه يسجد سجدة الركعة التي تذكر أنه نسيها يكمل عليها فالأولى أن الخلاف فيما تدرك به الجمعة والجماعة أي فأشهب يقول يدرك فضل الجماعة والجمعة، وابن القاسم يقول: فاته كل منهما لكن سبق لعبد الباقي في فصل الجماعة أن المأموم إن زوحم أو نعس عن السجدتين حتى سلم الإمام وفعلهما بعد سلام الإمام فهل يكون كمن فعلهما معه فيحصل له فضل الجماعة أم لا؟ الأول لابن القاسم. والثاني لأشهب فقد عكس النسبة للشيخين. اهـ بتوضيح. باب صلاة العيدين [مسألة] إذا أدرك المأموم مع الإمام الركعة الثانية فإنه يكبر خمسًا غير تكبيرة الإحرام، حال قراءة الإمام بناء على أن ما أدركه آخر صلاته وحينئذ فيكبر في ركعة القضاء سبعًا بالقيام، هذا ما ارتضاه في المجموع ومقابله أنه يجعل ما أدركه مع الإمام أول صلاته وعليه فيكبر سبعًا بالإحرام ويكبر في الركعة الثانية بعد سلام الإمام خمسًا غير القيام. [مسألة] إن جاء المأموم ولم يعلم هل الإمام في الأولى أو الثانية، فقال عج الظاهر أنه يكبر سبعًا بالإحرام احتياطًا، ثم تبين أنها الثانية قضى الأولى بست غير القيام، ولا يحسب ما كبره زيادة عن الخمس من تكبيرة الركعة الثانية. اهـ من المجموع وغيره. [مسألة] من فاتته صلاة العيد مع الإمام وأدركه في السجود من الثانية، فإنه يكبر سبعًا بتكبيرة القيام على الأظهر؛ لأن سنة العيد أن يجتمع في إحدى ركعتيه سبعًا موالاة، واليوم يوم تكبير، وقيل: ستًّا، ولا يكبر لقيامه. اهـ من أقرب المسالك بزيادة من الأمير. [مسألة] يكره أن يقال: الصلاة جامعة لعدم ورود ذلك في صلاة العيد أو هو خلاف الأولى، بل ما ورد ذلك إلا في صلاة الكسوف، ومحل كونه مكروهًا أو خلاف الأولى إن اعتقد مطلوبية ذلك، وإما مجرد قصد الإعلام فلا بأس به. اهـ من صاوي. [مسألة] إنما كانت القراءة في صلاة العيدين جهرًا لأنها صلاة نفل نهارية لها خطبة وكل ما كانت كذلك تكون القراءة فيها جهرًا فلذا كانت صلاة كسوف الشمس، يقرأ فيها سرًا لأنها لا خطبة لها، وما يقال بعدها وعظ كما سيأتي وصلاة الاستسقاء يقرأ فيها جهرًا؛ لأن لها خطبتين كما يأتي.

باب كسوف الشمس

[مسألة] يستحسن أن يكبروا جماعة وهم جلوس، قال ابن ناجي: افترق الناس بالقيروان فرقتين بمحضر أبي عمران الفاسي وأبي بكر بن عبد الرحمن، فإذا فرغت إحدى الطائفتين من التكبير كبرت الأخرى، فسئلا عن ذلك فقالا: إنه حسن، وأما في حال خروجه من منزله إلى المصلى فيستحب الانفراد في التكبير. اهـ من ص. [مسألة] التكبير في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام ست وتقديم التكبير على القراءة مندوب وإذا نسي بعض التكبير فتذكره بعد ما أتم قراءته، أو في أثنائها فإنه يبني على ما فعله من التكبير قبلها على الظاهر، ويعيد القراءة ندبًا بعد ما يأتي بما تركه، والتكبير في الثانية خمس بعد تكبيرة القيام ولا يتبع المأموم إمامًا نقص كالحنفي، بل يكمل العدد المذكور ولا يتبعه في تأخير التكبير بعد القراءة في الركعة الثانية على الظاهر خلافًا للحطاب، وإن زاد الشافعي تكبيرة في الركعة الأولى لم يتبع، وإن نسي التكبير أو واحدة منه رجع ما لم يركع، وإذا رجع قبل أن يركع كبر وأعاد القراءة استحبابًا ويسجد بعد السلام؛ لأن الرجوع زيادة، وإن تذكره بعد الركوع تمادى ويسجد قبل السلام، ومن أدرك الإمام يقرأ في الركعة الأولى يكبر ستَّا عقب تكبيرة الإحرام، وكذا مدرك بعض التكبير، ولا يصبر حتى يفرغ الإمام من التكبير ويبتدئ في القراءة بل يكبر ما حصله مع الإمام ثم بعد تكبيرة الإمام كبر ما فاته أفاده الزرقاني والعدوي وغيرهما. باب كسوف الشمس يسن له الركعتان بزيادة قيام وركوع على الصلاة المعهودة من حل النافلة للزوال كالعيد إلا أنه يندب صلاة الكسوف بالمسجد لا بالصحراء، ويندب إسرار القراءة فيها كما أخرجه البيهقي؛ لأنها صلاة نفل نهارية لا خطبة لها بل الذي يقال بعدها وعظ، وقيل: القراءة فيها جهرًا واستحسنه اللخمي قال ابن الناجي، وبه عمل بعض شيوخنا بجامع الزيتونة لدفع السآمة ويدل لهذا ما في الصحيحين وأبي داود من أن القراءة فيها جهرًا. اهـ ملخصًا در وص والأمير. (وندب لخسوف المقر ركعتان) جهرًا بلا جمع كالنوافل الليلية ووقتها الليل كله، والأفضل فعلها في البيوت، وفعلها في المساجد مكروه سواء كانت جماعة أو فرادى. اهـ ص بزيادة من المجموع. باب الاستسقاء صلاة الاستسقاء سنة كالعيدين فوقتها من حل النافلة للزوال، والقراءة فيها جهرًا وبعدها خطبتان إلا أن التكبير المطلوب في العيدين لا يطلب فيها ولا يرد الصلاة في يوم عرفة من أنها لها خطبتان والقراءة فيها سرًا؛ لأن الخطبة فيها ليست للصلاة بل لتعليم المناسك. اهـ در بزيادة من ص.

باب الجنائز

باب الجنائز (ما قولكم) في كفن الزوجة هل يجب على الزوج أم لا؟ (الجواب) في شرح الدردير الكبير وهو أي الكفن وما معه من مؤن التجهيز، واجب على المنفق على الميت بقرابة من أب أو ابن أو رق لا زوجية ولو فقيرة لانقطاع العصمة بالموت، وفي الدسوقي إن هذا هو المعتمد، وقيل: إنه لازم له مطلقًا، وقيل: يلزمه إن كانت فقيرة لا إن كانت غنية والله أعلم. (ما قولكم) خدمة سابع الميت بالقراءة والأمور المعهودة فيه، هل في ذلك أثر أم لا، وهل يصل للميت ثواب القراءة أم لا؟ (الجواب) سئل الإمام أبو سعيد بن لب رحمه الله تعالى عن ذلك فأجاب: نقل ابن بطال في شرح البخاري عن ابن طاوس عن طاوس قال: كانوا يستحبون أن لا يتفرقوا عن الميت سبعة أيام، قال الشافعي: إنما يعني بقوله "كانوا": أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصل عظيم للسابع الذي يفعله الناس اليوم، ويقتضي الأثر أن لا يفارق الميت ويترك وحده تلك السبعة أيام وقد نقل الناس (¬1) أن الفسطاط ضرب على قبر أئمة من علماء الإسلام كابن عباس، وما كان ذلك إلا لأجل الملازمة التي ذكرها طاوس وهذا هو الأولى بالاتباع خلافًا لما نقله ابن أبي زمنين عن ابن وضاح من إنكار سابع الميت، وأنه إنما أحدثه الناس فقد علمت ما يرده والأصل في القراءة على الميت عند دفنه الحديث المشهور في سورة يس وهو: "اقرءوها على موتاكم" فخصه قوم بحالة الاحتضار، وأطلقه آخرون، وأفاده في المعيار وفي حاشية الخرشي ونقل ابن الفرات عن القرافي الذي يتجه أن يحصل للأموات بركة القراءة كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم، أو يدفنون عنده، ووصول القراءة للميت، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغي إهمالها فلعل الحق الوصل، فإن هذه الأمور مغيبة عنا، وليس الخلاف في حكم شرعي إنما هو في أمر هل يقع وكذا التهليل الذي هو لا إله إلا الله سبعين ألفًا لا ينبغي إهماله، ويعتمد في ذلك على فضل الله، وفي حاشية الدسوقي وفي القراءة للميت ثلاثة أقوال: تصل مطلقًا، لا تصل مطلقًا، الثالث: إن كان عند القبر وصلت، وإلا فلا، والذي أفتى به ابن رشد وذهب إليه غير واحد من الأئمة الأندلسيين: أن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم، ويصل إليه نفعه ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له، وبه جرى عمل المسلمين شرقًا وغربًا، ووقفوا على ذلك أوقافًا واستمر عليه الأمر منذ أزمنة سالفة ومن اللطائف أن عز الدين بن عبد السلام الشافعي رؤي في المنام بعد موته فقيل له: ما تقول فيما كنت تنكر من وصول ما يهدى من قراءة القرآن للموتى؟ فقال: هيهات وجدت الأمر ¬

(¬1) قوله: وقد نقل الناس إلخ في المعيار في محل آخر وضرب الفسطاط بن الحنفية على قبر ابن عباس وأبقاه عليه ثلاثة أيام. اهـ.

على خلاف ما كنت أظن. اهـ. وقال في باب الحج قال ابن رشد: محل الخلاف ما لم يخرج القارئ القراءة مخرج الدعاء بأن يقول قبل قراءته: اللهم اجعل ثواب ما أقرؤه لفلان، وإلا كان الثواب لفلان قولاً واحد، وجاز من غير خلاف، وفي حاشية الصاوي أن الإجارة على أصل تلاوة القرآن جائزة أي وإذا كانت جائزة فالأجرة لازمة، والله الموفق للصواب. (ما قولكم) فيما يفعله الناس في جنائزهم حين حملها من جهرهم بالتهليل والصلاة على البشير النذير ونحو ذلك على صوت واحد أمام الجنازة كيف حكم ذلك، وهل يجوز لبعض المأمومين أن يكون أمام الجنازة في الصلاة عليها؟ (الجواب) في اتباع الجنائز الصمت والتفكر والاعتبار فقد خرج ابن المبارك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اتبع جنازة أكثر من الصمت، وأكثر حديث النفس، قال: وكانوا يرون أنه يحدث نفسه بأمر الميت وما يرد عليه، والمنقول عن السلف الصالح رضي الله عنهم في المشي مع الجنائز هو الصمت، والتفكر في فتنة القبر وسؤاله وشدائده وأهواله، وكان أحدهم إذا قدم من سفره فلقي أحد إخوانه بين يدي الجنازة لم يرد عليه السلام، والخير كله في اتباعهم وموافقتهم في فعل ما فعلوه وترك ما تركوه، وأما ذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله فهو عمل صالح مرغب فيه، ولكن للشرع توقيت وتحديد في وظائف الأعمال وتخصيص يختلف باختلاف الأحوال فالوظيفة في حمل الجنائز إنما هو الصمت والتفكر والاعتبار وتبديلها بغيرها من البدع، والإحداث في الدين وأما تقدم بعض المأمومين أمام الجنازة فقد وقع في كلا اللخمي نفي الخلاف في منع التقديم عليها حين الصلاة عليها بناء على الشفاعة فالمصلي يشفع فيها كالمشير إليها، أفاده في المعيار، وفي فتاوى عج إذا تقدم المأموم على الإمام وعلى التابوت فصلاته صحيحة، وقد ارتكب مكروهين: تقدمه على الإمام، وتقدمه على الجنازة، وكذا تصح صلاة الإمام إذا تقدم على الجنازة مع كراهة ذلك. اهـ فلعل المنع في كلام اللخمي بمعنى الكراهة والله أعلم. (ما قولكم) في الطعام الذي يصنع في سابع الميت للقراء وغيرهم، وفاعله ما قصد إلا الترحم على الميت وصلة الأرحام، وبعض الناس يقولون: إنه ممنوع ولا يجوز أكله أفيدوا الجواب؟ (الجواب) متى صنع الطعام لأجل الترحم وصلة الأرحام من استجلاب النفوس واستنهاض القلوب بالدعاء للميت والترحم عليه فهو مقصد حسن، وإنما الأعمال بالنيات وهذا أصل من الأصول المعتمدة في الأقوال والأفعال ولا يكن بدعة إلا إذا فعل على أنه دين وشرعة، وأنه من حق الميت على أوليائه كما يفعله كثير من الجهلة بهذا القصد فيمنعون منه، وقال المواق: السابع الذي يعمل للميت ويحضره القراء وغيرهم من تركه وفعل خيرًا فهو سابق بالخيرات، ومن تركه ولم يفعل خيرًا منه فهو ظالم لنفسه، وأما ما يتكلفه أهل الميت من أنواع

الأطعمة بقصد الرياء والمباهاة فما أدى إلى الرياء والسمعة فهو من فعل الجاهلية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "أنا وأمتي براء من التكليف"، والمستحب إنما هو إرسال الأهل والجيران الطعام إلى أهل الميت؛ لاشتغالهم بميتهم فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأهله حين جاء خبر موت جعفر بن أبي طالب: "اصنعوا لآل جعفر طعامًا وابعثوا به إليهم فقد جاءهم ما يشغلهم" لما فيه من إظهار المحبة والاعتناء، والله أعلم كذا في المعيار. (ما قولكم) في زيارة القبور والتوسل بالشهداء والصالحين هل يسوغ أم لا؟ (الجواب) تجوز زيارة القبور، وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن زيارتها فإنما كان في أول الإسلام، حيث كانت الجاهلية تعظم القبور، وربما عبدتها فلما استقر الأمر أباح صلى الله عليه وسلم الزيارة ذكر ذلك القاضي أبو الفضل عياض والقرطبي ويجوز التوسل إلى مولانا الكريم بأحبابه الصديقين والشهداء والصالحين، وقد توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما، وكان ذلك بمشهد عظيم من الصحابة والتابعين، وقبل الله وسيلتهم وقضى حاجتهم وسقاهم، وما زال هذا يتكرر في الذين يقتدى بهم ولا ينكرونه وما زالت تظهر العجائب في هذه التوسلات بهؤلاء السادات نفعنا الله بهم وأفاض علينا من بركاتهم وكذا في المعيار، وفي فتاوى عج وأما التوسل إلى الله تعالى ببعض مخلوقاته فجائز، ومنه حديث الصحيح فقد ذكر فيه فضل العباس بن عبد المطلب عن أنس أن عمر رضي الله تعالى عنهما كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون، والله تعالى الموفق للصواب. (ما قولكم) في الميت هل يعلم بزائره أم لا؟ وهل الوقوف عند رأسه والاستغفار له مشروع أم لا؟ (الجواب) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: الظاهر أن الميت يعرف زائره، لأنا أمرنا بالسلام عليه، والشرع لا يأمر بخطاب من لا يسمع، ولما وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم قليب بدر قال: "ما أنتم بأسمع منهم لما أقول" وقد ذهب بعض العلماء إلى أن أرواح الموتى بأفنية القبور والوقوف عند رأس الميت والاستغفار له مشروع كذا في المعيار والله أعلم. (ما قولكم) في مرض الميت الشديد هل هو من كثرة الذنوب أو له فيه أجر؟ (الجواب) في المعيار قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: لا أكره شدة الموت لأحد بعدما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أصابه شدة في مرضه الذي توفي منه، ومن يقول: إنه من كثرة الذنوب فهو جاهل يتكلم في العلم بما يظهر له، فيقع على أم رأسه، وقال العلماء: إن الله يشدد المرض على بعض عباده فيكون ذلك كفارة له حتى يلقى الله وقد غفر له، وقال ابن العربي: الباري سبحانه وتعالى بقدرته وحكمته يخفف إخراج الروح

[مسألة]

من الجسد، ويشددها بحسب ما يكون عنده من أحوال العبد فتارة يشددها عذابًا، وذلك على الكافرين وتارة يشددها كفارة وذلك على المذنب، وتارة يشددها لرفع الدرجات وزيادة الحسنات، وذلك في الولي، وتارة يشددها حجة على الخلق وتسلية وقدوة وأسوة، كما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة الموت والله الموفق. (ما قولكم) في الإقسام على الله في الدعاء ببعض مخلوقاته نحو قولك: بحق محمد اغفر لنا ونحوه وهل يجوز أم لا؟ (الجواب) في فتاوى عج منع ذلك عز الدين إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه ابن عرفة، واستدل بما لا يدل له، بل إنما يدل لجواز التوسل ببعض المخلوقات وهو غير القسم وقد نبه على ذلك الحطاب فقال: وقال البرزلي في مسائل الصلاة في أسئلة عز الدين هل يقسم على الله تعالى في دعائه بعظم من خلقه كالنبي والولي والملك، أو يكره؟ فأجاب: إن صح ما جاء في بعض الأحاديث فينبغي أن يكون مقصورًا على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم، ولا يقسم على الله بغيره من الملائكة والأنبياء والأولياء، لأنهم ليسوا في درجته، ويكون من خصائصه تنبيهًا على علو درجته وارتفاع رتبته، وفي حاشية الخرشي من باب اليمين، وأما التوسل ببعض مخلوقاته فجائز، وأما الإقسام على الله تعالى في الدعاء ببعض مخلوقاته كقوله بحق محمد اغفر لنا فخاص به صلى الله عليه وسلم والله أعلم. [مسألة] إذا أدرك المأموم الإمام يدعو في صلاة الجنازة فإنه يصبر وجوبًا بلا تكبير حتى يفرغ من دعائه، فإذا كبر بعد فراغه من الدعاء كبر معه، وذلك لأن تكبيرات الجنازة بمنزلة ركعات الصلاة، فلو أحرم المسبوق فيها حالة دعاء الإمام كان قاضيًا في صلب الإمام، لكن صلاته صحيحة ولا يعتد بتلك التكبيرة عند الأكثر، وقيل: يكبر ويدخل كصلاة العيد ورواه مطرف، وقال به واختاره ابن حبيب، ومن المتأخرين ابن رشد وسند، وفي سماع أشهب أنه لا يصبر بل يدخل ولا ينتظر الفراغ من الدعاء؛ لأنه لا تفوته كل تكبيرة إلا بالتي بعدها، وأما تكبير العيد فإن المأموم إذا أدرك الإمام في الركعة الأولى، وهو يقرأ فإنه يكبر ستًا عقب تكبيرة الإحرام وكذا مدرك بعض التكبير، لا يصبر حتى يفرغ الإمام من التكبير ويبتدئ في القراءة بل يكبر ما حصله مع الإمام ثم بعد تكبير الإمام كبر ما فاته. اهـ ملخصًا من الزرقاني والخرشي والعدوي ودس. (ما قولكم) في المشي في المقبرة هل يجوز بنعال أم لا؟ (الجواب) يكره المشي على القبر إن كان مسنمًا والطريق دونه وإلا جاز ولو بالنعال النجسة، زاد ابن ناجي ويجوز عندنا الجلوس على القبر، وما ورد من النهي عن الجلوس عليه فمحمول على الجلوس لقضاء الحاجة كذا فسره مالك وكان سيدنا علي يتوسدها ويجلس عليها. اهـ ملخصًا من الخرشي وحاشية العدوي. (ما قولكم) في التكفين بثوب

[مسألة]

غسل بماء زمزم هل يجوز أم لا؟ (الجواب) في دس وذكر ابن عبد السلام أنه لا يكفن بثوب غسل بماء زمزم ورده ابن عرفة بأن ذلك، إنما يجري على قول ابن شعبان وبأن أجزاء الماء قد ذهبت معه انظر الحطاب. اهـ بن، هذا وقد قالوا: إن الميت يغسل بماء زمزم بل هو أولى لما يرجي من بركته وقول ابن شعبان لا يغسل بماء زمزم ميت ضعيف، إذا علمت هذا فتكفين الميت بثوب غسل بماء زمزم لا شيء فيه لما علمت من استحباب غسله به، والله أعلم. [مسألة] لا يجوز الشق عن الجنين الذي ماتت أمه ولو رجي خلاصه حيًا على المعتمد وهو قول ابن القاسم، وقال أشهب: يشق عنه، وقد قال بهذا في جنين فعاش وتعلم العلم وكان يفتى بقول أشهب في هذه المسألة وغيرها، ولا يعمل بقول ابن القاسم كذا في فتاوى الأجهوري؛ لأن سلامته مشكوكة فلا تنهتك حرمة أمه الميتة لأجله بل تؤخر لموته، ولو تغيرت كما في المجموع، ومحل الخلاف في جنين الآدمي، وأما جنين غيره فإنه يشق عنه إذا رجي قولاً واحدًا كما في الدسوقي. [مسألة] إذا بلع شخص دراهم له أو لغيره ثم مات تشق بطنه إن كانت الدراهم قدر نصاب الزكاة ولو بشاهد، ويمين فإن لو يوجد عزر المدعي والشاهد كما في المجموع. [مسألة] يجوز البناء اليسير على القبر للتمييز مطلقًا في أرض مملوكة أو موقوفة أو مباحة ويكره الكثير في المملوكة كما لصاحب المدخل إن لم تقصد مباهاة ولا حراما ويحرم الكثير في الموقوفة مطلقًا وإن لم تقصد مباهاة كما في حاشية الخرشي. [مسألة] لا يجوز للشخص إعداد قبر في حياته إذا كان في أرض موقوفة كما في المجموع. [مسألة] القيام للحي يحرم لمن يحبه ويتكبر به ويكره لمن لا يحبه ويتأذى منه كما يكره القيام لمن يحبه لدفع الازداء والحقارة ويستحب القيام إن خلا عن المانع الموجب للنهي عن القيام للعالم والصهر والوالدين ولمن نزل به هم فيعزي أو سرور للقادم من السفر، وهذا كله ما لم يترتب على تركه فتنة وإلا وجب وسئل مالك عن قيام المرأة لزوجها فقال: لا تفعله، قيل: هي من أقوم الناس طريقة في أمرها قال: تؤدي حقه في غير هذا ولا أحبه. اهـ خرشي بزيادة من عدوي والأمير على عب قول سيدي خليل وقيام لها أي للجنازة. [مسألة] الانحناء بالرأس عند المواجهة لشخص آخر مكروه والسلام بالإشارة من غير نطق مكروه في حق الناطق، ومستحب في حق الأخرس، فإن كان المسلم عليه بعيدًا جمع بين النطق والإشارة وأما السجود الذي يحصل بين الأمراء ونحوهم فحرام شديد التحريم، وقد خرج أنس رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله: الرجل يلقى صاحبه وصديقه أينحني له قال: "لا"، ولم يأت معارض لهذا النهي الصريح عن الانحناء. اهـ من المعيار. (ما قولكم) في الصلاة على الجنائز في المسجد هل هو جائز

[مسألة]

مشروع أم لا؟ (الجواب) قال الشيخ خليل عطفًا على المكروهات وإدخاله أي الميت بمسجد والصلاة عليه فيه قال في حاشية الخرشي خوف انفجاره، أو لحصول نجاسة منه، وفي حاشية الأمير علي عبد الباقي ورد أنه صلى الله عليه وسلم صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد فقيل لم يصحبه عمل، وفيه أنه صلى على أبي بكر وعمر في المسجد، ومذهب الشافعية والحنابلة الجواز وهو قول عندنا. اهـ. وروى مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد حين مات، لتدعو له، فأنكر ذلك الناس عليها فقالت عائشة: ما أسرع الناس قال ابن عبد البر: أي إلى إنكار ما لا يعلمون، وروي ما أسرع ما نسي الناس ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد. اهـ وفي رواية لمسلم إلا في جوف المسجد. اهـ. واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك؛ لأن المنكرين على عائشة كانوا أصحابه ورد بأنها لما أنكرت عليهم سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه، وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: صلي على عمر بن الخطاب في المسجد ووضعت الجنازة تجاه المنبر، قال ابن عبد البر: وذلك بمحضر الصحابة من غير نكير يعني فيكون إجماعا سكوتيًا قال: واحتج بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم خرج للصلاة على النجاشي إلى المصلى غفلة إذ ليس في صلاته على الجنازة أو صلاة العيد في موضع دليل على كراهتها في موضع آخر، انظر الزرقاني على الموطأ. (ما قولكم) في التعزية هل هي قبل الدفن أو بعده. (الجواب) في النفراوي تكون التعزية قبل الدفن وبعده وعند القبر وكونها في المنزل وبعد الدفن أحسن، ولا فرق في الميت بين الصغير والكبير ولا بين الحر والعبد ذكرًا أو أنثى مسلمًا أو كافرًا حيث كان الكافر جارًا، ولا تعزي الشابة المسلمة ولا الذي لم يميز، وتنتهي التعزية لثلاث أيام إلا أن يكون المعزي أو المعزى غائبًا وفي المجموع عطفًا على المندوبات، وتعزية ومدتها ثلاث بعد الدفن والأفضل بالبيت. [مسألة] في الباجوري على الجوهرة أخرج البزار عن أنس بن مالك مرفوعًا من تلا {قل هو الله أحد} مائة ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله، ونادى مناد من قبل الله تعالى في سماواته وفي أرضه ألا إن فلانا عتيق الله، فمن له قبله تباعة فليأخذها من الله عز وجل. اهـ. وفي الإرشاد والتطريز في فضل ذكر الله، وتلاوة كتاب الله العزيز عن أبي زيد القرطبي أنه قال: سمعت في بعض الآثار أن من قال: لا إله إلا الله سبعين ألف مرة كانت له فداء من النار. اهـ. (ما قولكم) في السقط إذا نفخت فيه الروح ووضعته أمه قبل أمد الحمل ولم يستهل صارخًا هل يبعث أم لا؟ (الجواب) الطفل الذي نفخت فيه الروح يبعث وإن لم يبلغ أمد الحمل. اهـ عج والله أعلم. (ما قولكم) في الدعاء في صلاة الجنازة هل يجب على المأمومين أم لا؟ (أجاب) عن هذا عج

باب الزكاة

بقوله يجب الدعاء على المأمومين في صلاة الجنازة وهو ركن من أركانها لا يحمله الإمام عنهم والله أعلم، وسئل عج عن الشخص إذا مات وغسل وكفن في أكفان طاهرة ثم لفوه في شيء متنجس ووضع في النعش على بساط نجس أيضًا فهل الصلاة عليه صحيحة أم باطلة؟ (فأجاب) نعم، الصلاة عليه صحيحة والتكفين بالنجس مكروه. باب الزكاة (فائدة) لا زكاة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لأن ما بأيديهم ودائع الله. اهـ. عدوي قال الأمير على عب قلت: فكان عدم إرثهم من هذا القبيل أيضًا ثم هو ذوق حال وجداني خاص بهم فلا يقال كل أحد لا ملك له مع الله تعالى. اهـ. [مسألة] لا زكاة على الرقيق في ماله لعدم تمام ملكه ولا على سيده لأن من ملك أن يملك لا يعد مالكا أي من ملك وقدر في الحال على أن يملك مال عبده بالانتزاع لا يعد مالكا نعم إن انتزعه ومضى عليه حول عنده فإنه يزكيه فتحصل أن العبد عندنا يملك لكن ملكا غير تام وقوله تعالى: {عبدًا مملوكا لا يقدر على شيء} الصفة فيه مخصصة كما هو الأصل وهو معنى ما يقال لا يلزم من ضرب المثل بعبد لا يملك أن كل عبد كذلك، وقال ابن عبد السلام: تجب زكاة مال العبد إما عليه وإما على سيده؛ لأنه مملوك لأحدهما قطعًا فكأنه جعل فرض كفاية بالنسبة لهما، وعلى المشهور يمكن أن يهب لعبده ماله ولو لم يعينه له لاغتفار الجهل في التبرع ثم كلما أنفق شيئًا نوى انتزاعه فلا زكاة وأما من ملك ماله قبل الحول لولده أو لعبده ثم ينتزعه منه بعد الحول فلا ينفعه ذلك ولا يسقط عنه الزكاة كذا في الدسوقي، وأعلم أن الحيل الشرعية ورد الإذن فيها كما في حديث بيع الصاعين من رديء التمر بدراهم ثم يشتري بها صاعًا جيدًا لكن مذهبنا أن لا يرسل القياس فيها لأنها خرجت مخرج الرخص التي يقتصر فيها على ما ورد وها هو تحيل أهل السبت وغيرهم أداهم للهلاك فسدت الذرائع أفاده الأمير على عب. [مسألة] لا زكاة في الفلوس النحاس ولا في حلي الكعبة والمساجد كما في حاشية الخرشي. [مسألة] لا زكاة في الأموال المجموعة تحت أيدي النظار إن كانت للمستحقين وإن كانت لمصالح الوقف زكيت، ولا زكاة على المدين في المال الذي تحت يده لعدم تمام الملك إن لم يكن عنده ما يجعله في نظير الدين ولم يبق بعد الدين ما تجب فيه الزكاة وإلا زكى. اهـ خرشي بزيادة من عدوي. [مسألة] يجب على من غصب عشرين دينارًا مثلاً أن يزكيها كل سنة من ماله ما دامت عنده حيث كان عنده ما يجعله في مقابلة تلك العين المغصوبة وإذا قدر ربها على أخذها كارهًا لعام واحد ولا يرجع الغاصب على المالك بما دفعه زكاة عنها وأما الماشية إذا ردت بعد الغصب فإنها تزكى لمل عام مضى إلا إذا أخذ زكاتها السعاة من الغاصب وأما النخل فتزكى ثمرته إذا رد لكل عام مضى بلا خلاف

[مسألة]

إن لم يكن زكاها الغاصب وعلم أن فيها كل عام نصابًا. اهـ من دس. (ما قولكم) في شخص عنده دينارًا قام عنده أحد عشر شهرًا ثم اشترى به سلعة باعها بعد شهر بعشرين دينارا هل تجب عليه الزكاة؟ (الجواب) نعم يزكي الآن؛ لأن حول الربح مبني على حول أصله كما في الخرشي. [مسألة] إذا تسلف شخص دراهم قدر نصاب أو أقل (¬1) واشترى بها سلعة ثم باعها بزيادة على ما تسلف عشرين دينارا أو أكثر بعد حول من يوم السلف وجبت عليه زكاة ذلك الزائد فقط إن كان ليس عنده ما يجعله عوضًا للدين وإلا زكى الدين وربحه، ويقال مثل هذا فيمن اشترى سلعة بعشرين في ذمته ثم باعها بخمسين مثلا فإن كان عنده عوض العشرين التي اشترى بها السلعة زكى الخمسين وإلا زكى الثلاثين فقط، والحول من يوم الشراء، ومن استفاد فائدة من العين كهبة أو صدقة أو إرث فإن كانت قدر نصاب الزكاة استقبل بها حولا وزكاها بعده وإن استفاد بعدها فائدة أخرى استأنف لها حولا آخر، وإن كانت الفائدة الأولى ناقصة فإنها تضم لفائدة ثانية ويكون الحول من الثانية إن كملت النصاب، وإلا فيضمان لما يكمل النصاب ويكون الحول من الذي كمل النصاب، ولا زكاة على من أخر قبض الفائدة فرارًا من الزكاة كما إذا أخرت المرأة قبض مهرها لذلك فلا زكاة عليها تقبضه وتستقبل به حولا. اهـ من الخرشي ودس. [مسألة] من استفاد فائدة قدر نصاب كعشرين دينارًا وحال عليه الحول ثم عرض لها النقص بعد الحول فصارت عشرة دنانير وكان الحول محرمًا مثلا ثم استفاد عشرة في رجب؛ فإنه يزكي كل واحدة لحولها فإذا جاء المحرم زكى عشرته بالنظر لعشرة رجب، وإذا جاء رجب زكى عشرته بالنظر لعشرة المحرم. اهـ من الخرشي. [مسألة] المحتكر الذي يرصد الأسواق ولا يبيع بالسعر الحاضر إن كان له دين على أحد وكان أصل الدين عينا أو عرضًا وقبضه عينا وكان نصابًا كاملا ولو قبضه في مرات يزكي ذلك الدين لسنة واحدة من كل حين زكى أصله أو من حين ملك أصله إن لم تجر فيه الزكاة سواء أقام عند المدين سنين أو سنة، ولو أخر قبضه فرارًا من الزكاة، ويستفاد من كلام ابن عرفة ترجيحه وقال ابن القاسم: إن أخره فرارًا من الزكاة زكى لكل عام، وذكر ابن غازي أن المعول عليه كلام ابن القاسم. اهـ ملخصًا من عدوي ودس. [مسألة] إذا قضى المحتكر من دينه أقل من نصاب ثم بعد شهر مثلا قبض من المدين ما يكمل النصاب فالحول من ذلك الشهر الذي تم النصاب فيه فيزكيه حينئذ، ثم بعد تزكية النصاب يزكي كلما قبضه ولو قل، ويبقى كل اقتضاء على حوله. اهـ من الخرشي. [مسألة] إذا ¬

(¬1) قوله: أو أقل أي: وكان عنده عوض ذلك الدين الذي هو أقل من نصاب وأما إذا كان الأقل لا عوض له عنده فإنه لا يلزمه زكاة الربح إلا إذا بلغ نصابا وإذا كان أقل من نصاب لا يلزمه زكاته ولو كان أصله نصابا؛ لأن الربح الأقل من نصاب لا يضم لأصله ويكون الحول حول الأصل إلا إذا كان عنده عوض كما في دس.

[مسألة]

كان عند المحتكر عروض لا زكاة في عينها ملكت بمعاوضة مالية لا بكهبة وكان ملكها مع نية تجر، أو مع نية غلة أو قنية وباع بعين قدر نصاب فإنه يزكي لسنة واحدة ولو مضت أعوام كثيرة فلا بد أن يبيع بنصاب ولو في مرات وبعد كمال النصاب يزكي ما باع به وإن قل، ولا يجوز أن يتطوع بإخراج الزكاة قبل البيع فإن فعل هل يجزئه؟ قولان؛ والمشهور عدم الإجزاء، ويشترط أن يكون أصل هذا العرض عينا، وإن قل عن نصاب أو عرضًا ملك بمعاوضة أيضَا سواء كان عرض تجارة أو قنية فإذا كان عنده عرض قنية باعه بعرض نوى به التجارة، ثم باعه فإنه يزكي ثمنه لحول أصله الثاني لا الأول. اهـ ملخصًا من در ودس. [مسألة] المدير الذي لا يرصد الأسواق، بل يبيع بالسعر الحاضر كأرباب الحوانيت يقوم سلعه كل عام بما يبيع على المفلس العرض بنقد، والنقد بعرض، ثم بنقد ويزكي كل عام ولو بارت السلع سنين ولا يقوم إلا إذا نض له شيء ما ولو درهما، ولا فرق بين أن ينض له في وسط السنة، أو طرفيها ويقوم عروضه لتمام السنة ويزكي ويكون الحول من يوم تقويم الجميع ويخرج عما قومه عينًا لا عرضًا خلافًا لمن أجاز له إخراجه عرضًا بقيمته، والحول الذي يقوم المدير عند تمامه حول الأصل أي ابتداء حوله من يوم ملك الأصل، أو زكاه فإذا ملك نصابًا أو زكاه في محرم وأدار به في رجب فالحول الذي يقوم سلعة عنده محرم على المعتمد، وقيل حول وسط من حول الأصل، ومن حول الإدارة فيكون الحول على هذا ربيعًا الثاني، ويزكي المدير أيضًا كل عام دينه النقد الحال المرجو المعد للنماء، فإن لم يكن حالا قوم بما يباع على المفلس العرض بنقد والنقد بعرض، ثم بنقد وزكى تلك القيمة لأنها هي التي تملك لو قام غرماؤه، وإن لم يكن الدين مرجوًا بأن كان على معدم أو ظالم فإنه لا يزكيه ولا يقومه كل عام ليزكيه إن كان عرضا، وينبغي أن تجب زكاته لعام واحد إذا قبضه كالعين الضائعة والمغصوبة فإن رجاه بنقص عن أصله زكى قدر ما رجى إن كان فيه زكاة وإن لم يكن الدين معدًا للنماء بأن كان قرضًا، فإنه لا يزكيه إلا لعام واحد بعد قبضه ما لم يؤخر قبضه فرارا من الزكاة وإلا فيزكيه لكل عام. اهـ ملخصًا من الخرشي والعدوي ودس. [مسألة] إذا باع المدير أو المحتكر العروض بعروض فلا زكاة عليهما إلا أن يفعل كل منهما ذلك فرارا من الزكاة وإلا وجبت عليهما الزكاة اتفاقا؛ حكى الرجراجي الاتفاق على ذلك في المدير وحكاه ابن جزي في المحتكر. اهـ عدوي. (ما قولكم) في مال القراض هل يزكيه ربه أو العامل وهل تخرج الزكاة منه أو من غيره. (الجواب) إذا كان مال القراض غائبًا غيبة ينقطع خبره فيها عن ربه فإن ربه لا يزكيه حتى يرجع إليه فيزكيه حينئذ ولا يزكيه العامل لاحتمال دين ربه أو موته إلا أن يأمره ربه بذلك، وأما إن كان مال القراض حاضرًا أو ما في حكمه مما يعلم تلفه وخسره وبقاؤه وربحه وكان

[مسألة]

العامل يبيع بالسعر الحاضر؛ فإن ربه يقومه كل عام ويزكي رأس ماله وقدر حصته من الربح فقط ويكون إخراج الزكاة من غير مال القراض لئلا ينقص، والربح يجبره ففيه نقص على العامل إلا أن يرضى العامل بذلك، ولا زكاة في حصة العامل على واحد منهما إلا بعد المفاصلة فيزكيها العامل لسنة واحدة كما في الخرشي وغيره. (ما قولكم) في الدنانير المسكوكة أو الفضة المسكوكة إذا اتخذتها المرأة حليًا، هل تجب فيها الزكاة أم لا؟ (الجواب) في المجموع تجب فيها الزكاة؛ لأن المسكوك لا يكون حليًا كما في حاشية الخرشي وغيرها. اهـ بتوضيح وأما ما في فتاوى عج من أن المرأة إن أعدتها لعاقبة زكيت بلا كلام وإن لم تعدها لذلك فهل تجب فيها الزكاة لشمول قوله، وفي مائتي درهم أو مائتي دينار ربع العشر أو لا تجب لأنه من لباسها، وهو الظاهر فهو ضعيف. (ما قولكم) فيمن عزل زكاة ماله ثم صار فقيرا قبل أن يدفعها للفقراء، فهل يأخذ منها شيئًا أم لا؟ (الجواب) في حاشية الخرشي من باب الوقف أن من وقف وقفًا مؤبدا على جهة، ثم انقطعت تلك الجهة فإن الوقف يرجع لأقرب فقراء عصبة المحبس، فإذا افتقر الواقف فلا يدخل فيهم كما قالوه في الزكاة إذا عزلها وصار فقيرا قبل أن يدفعها للفقراء فلا شيء له منها كما في كبير الخرشي. [مسألة] المكاس تارة يأخذ من التجار عند قدوم أموالهم من الهند ونحوه أعيان بعض السلع في المكوس، وتارة يلجئهم على بيع البعض ليدفعوا ثمنه في المكوس، فهل تحسب على أرباب السلع وتجب فيها الزكاة، أو تسقط عنهم في ذلك. (أجاب) الشيخ الحطاب بأن المكاس إن أخذ سلعا فلا يلزم ربها أن يقومها لأجل أن يزكي تلك القيمة، وأما إن ألزم ربها بيعها وقبض ثمنها ودفعه في المكس؛ فيلزمه أن يزكي عن ذلك ويحث الشيخ القرافي في هذا الجواب بأن جبر أربابها على البيع وقبض الثمن كجبرها على أخذ السلع؛ لأن الإكراه على سبب البيع كالإكراه على البيع كما صرحوا به هنا، والبيع الواقع على وجه الإكراه بمنزل العدم؛ فالجبر على بيع السلع على وجه المذكور بمنزله أخذها بأعيانها. اهـ أقول والنفس أميل لبحث الشيخ القرافي، فلا زكاة في الصورتين. (قال) الشيخ القرافي وقع السؤال عما يدفع من جانب السلطنة من الفضة ليؤخذ بدله ذهبًا، وفي التبديل زيادة، فهل تحسب الزيادة التي في الذهب لربها من الزكاة التي عليه؛ فأجبت بعدم حساب ذلك من الزكاة، وبالله التوفيق انتهى، فقال عج: قلت: وهو ظاهر، وإنما المتوهم هل يزكي الدافع الزيادة أو تسقط زكاتها، وظاهر فتوى الناصر والحطاب الأول لكن في شرح السوداني ما نصه كل ما يأخذه الظالم لا زكاة فيه، لأنه كالجائحة. اهـ وقال في اختصار البرزلي، وأما ما يأخذه المستوهب فإن دفعه ربه لخوف منه مثل: لأن يكون من خدمة الأمراء أو العرب فهو بمنزلة الجائحة لا زكاة فيه وإلا زكى انتهى ببعض تصرف وتوضيح، وهذا موافق لبحث الشيخ

(فصل) في مصرف الزكاة.

القرافي المتقدم ويخالف لجواب الحطاب انظر شرح عج على خليل. [مسألة] المسافر إذا حال على ماله الحول وبعضه معه وبعضه الآخر في بلده فإنه يزكي ما معه اتفاقا لاجتماع المال وربه، وإن لم يكن نصابًا حيث كان ما معه وما غاب نصابًا فأكثر ويزكي أيضًا بقية ماله الذي تركه في بلده ولا يؤخر إلى أن يرجع اعتبارًا بموضع المالك قال مالك وهو أحب إلي وظاهر هذا، ولو لم يعلم ما بقي من ماله الغائب، وللأجهوري فتوى بأنه يصبر حيث لم يعلم قدرها في غيبته، ولمالك قول آخر وهو أنه يؤخر حتى يرجع إلى بلده اعتبارًا بموضع المال وعلى قول مالك الأول يزكي عن ماله الغائب عنه بشرطين. الأول: إن لم يكن هناك من يخرج عنه بتوكيل، أو لم يأخذها الإمام ببلده، والثاني: أن لا يكون عليه ضرورة من نفقة ونحوها، فإن احتاج للزكاة التي يخرجها عن الغائب في نفقته أو فيما يوصله لوطنه؛ فإنه يخرج عن ما معه فقط، ولا يخرج عن ما غاب عنه حتى يرجع لبلده إلا أن يجد مسلفًا يسلفه ما يحتاج إليه فإنه يزكي ما غاب على ما رجحه اللخمي، ومقتضى كلام المواق عن المدونة ترجيح أنه لا يزكي حتى يرجع إلى بلده ولو وجد مسلفًا انظر عدوي ودس. [مسألة] هل ما يأخذه الحكام في زماننا من العشور يجزئ في الزكاة أم لا؟ (الجواب) قال في توضيحه وعبر المصنف في المشهور بالإجزاء وهو بين إذا أخذها ليصرفها في مصارفها، وأما لو علم أنه إنما أخذها لنفسه فلا انتهى، وقال الشيخ الحطاب وظاهر كلام أبي الحسن أن الخلاف جار، واو إخذها وأكلها ونقله عن أبي إسحاق التونسي انتهى قال عج، قلت: فما يقع لحكام زماننا من أخذهم العشور من التجار لأنفسهم يجزئ أربابه عن الزكاة لأنه من باب أخذ القيمة ولا يضر أخذهم له لأنفسهم على ما عند التونسي إلا أن يقال إن الكلام فيما يأخذه الجائر باسم الزكاة وحكام الزمان لا يأخذون إلا باسم الموجب ويلتزم بذلك عمال اليهود غالبًا بمال معلوم على أن الزيادة لهم والخسارة عليهم فحينئذ يبعد الإجزاء تأمل انتهى، قال عج، قلت: اعلم أن الواجب على المزكي في إخراج الزكاة أن ينويها، وأن يصرفها لمستحقها فإن نواها وأكره على صرفها لغير مستحقها فإنها تجزئه ومن صرفها لغير مستحقها أخذ الظالم المكره إياها لنفسه، ولا يعتبر كونه يأخذها على وجه المكس أو على وجه كونها زيادة وحينئذ فإذا نواها فأكره على إعطائها للظالم فإنها تجزئ، قلت: ومما يدل على هذا ما ذكره القرافي فإنه قال أفتى ابن اللباد بإجزاء ما يأخذه بنو عبيد من الزكاة، وإن كان بنو عبيد لا يقرون بفرضية الزكاة لأنا إن قلنا لا تجزئ لم يؤد الناس من الزكاة شيئًا، فإذا هم يؤدون بتأويل خير من تركها عامدين انظر شرح عج على خليل. (فصل) في مصرف الزكاة. [مسألة] يجوز إعطاء الفقير أو المسكين من الزكاة ما يكفيه سنة ولو كان أكثر من نصاب لا يجوز إعطاؤه أكثر من كفاية سنة

[مسألة]

ولو أقل من نصاب. اهـ. من أقرب المسالك. (ما قولكم) في شخص عنده مركب في البحر وأجرتها لا تكفيه سنة، ولكن إذا بيعت يكفيه ثمنها قوت عامه هل يعد غنيًا فلا يجوز له قبول الزكاة أم يعد فقيرًا فيجوز له قبولها؟ (أجاب) العلامة الشيخ محمد عليش مفتي مصر بقوله: هو غني فلا يجوز له قبول الزكاة بوصف الفقر؛ لأن المركب المذكورة تباع على المفلس في الدين بالأولى من فضل دار السكنى ورق الخدمة، قال في المدونة: وإن كان فيها فضل فلا يعطى، قال أبو الحسن: يريد فضلا يغنيه لو باعها واشترى غيرهما، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. اهـ. (وأجاب المحقق) الشيخ حسن العدوي بقوله: (الحمد الله) وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. (قاعدة) الفقير والمسكين إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا، وقد افترقا في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} فالفقير عند مالك هو الذي لا يملك قوت عامه، والمسكين من التصقت يده بالتراب، والملكية صادقة بأي شيء يملكه فاضلا عما يترك للمفلس، وحينئذ فوجود الملك لهذا المركب مع كونها لو بيعت يكفيه ثمنها قوت عامه، مسقط لكونه فقيرًا، ألا ترى ما أورد على مذهب مالك من قوله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} يعني فكيف يقال فيهم إنهم مساكين مع وجود السفينة لهم؟ وأجاب العلامة الخرشي وغيره من شراح المذهب بأن المراد مساكين الذل والغلبة، أو كانوا عمالا فيها فقط والله أعلم. اهـ ببعض توضيح. (ما قولكم) في شخص عزل زكاة ماله ثم صار فقيرا قبل أن يدفعها للفقراء فهل يأخذ منها شيئًا أم لا؟ (الجواب) في حاشية الخرشي من باب الوقف، أن من وقف وقفًا مؤبدًا على جهة، ثم انقطعت تلك الجهة؛ فإن الوقف يرجع لأقرب فقراء عصبة المحبس، فإذا افتقر الواقف فلا يدخل فيهم كما قالوه في الزكاة إذا عزلها وصار فقيرًا قبل أن يدفعها للفقراء فلا شيء له منها كما في كبير الخرشي. اهـ. [مسألة] زوجة الغني إذا سافر عنها سفرًا بعيدًا ولم تجد مسلفًا، تعطى ما تحتاج إليه من الزكاة، وأما زوجة الفقير فتعطى من الزكاة ولو وجدت مسلفًا؛ لعسر زوجها عن الإنفاق عليها، والولد الصغير إذا عجز والده عن نفقته يعطى من الزكاة ما يكفيه، ومن كان له ما ينفق عليه ويكسوه وجوبا واحتاج إلى ضروريات لا يقوم بها المنفق، يعطى من الزكاة ما يسد ضرورياته الشرعية على الظاهر، أفاده في حاشية الخرشي، وأما إن كان ينفق عليه تطوعًا فله الأخذ من الزكاة سواء كان المنفق قريبا أو أجنبيًا؛ لأن له أن يقطع النفقة عنه كما في دس عن ح. [مسألة] تحل صدقة التطوع والفريضة لآله عليه الصلاة والسلام وبه الفتيا في هذا الزمان لمنعهم حقهم من بيت المال. [مسألة] إذا حسب دينه الذي على عديم بأن يقول له: أسقط عنك الدين الذي في ذمتك من

[مسألة]

زكاة مالي لا يجزئه على المشهور، وقال أشهب: يجزئه، وأما إذا كان على مليء وأسقطه عنه من الزكاة فقيل: يجزئه، وقيل: لا يجزئه، ورجح كل منهما كما في دس. [مسألة] يجوز دفع الزكاة لقادر على التكسب ولو تركة اختيارا على المشهور كما في دس. [مسألة] يجوز دفع الزكاة للمدين ثم أخذها منه في الدين إذا لم يتواطآ على ذلك على المعتمد، وأما إذا تواطآ فلا تجزئ اتفاقا كما في الحطاب. اهـ من دس. [مسألة] يجوز إعطاء الزكاة للعالم، ولو كثرت كتبه حيث كان فيه قابلية، وإن لم يكن فيه قابلية لم يعط إلا أن تكون كتبه على قدر فهمه كما في حاشية الخرشي. [مسألة] إن أخرج عن زكاة العين عرضا أو طعاما أجزأ مع الكراهة وما مشى عليه الشيخ خليل في المختصر من عدم الإجزاء خلاف ما اعتمده في التوضيح، قال أبو علي المسناوي: ظاهر كلامهم أن ما في التوضيح وابن عبد السلام هو الراجح، ويدل له اختيار ابن رشد حيث قال: الإجزاء أظهر الأقوال وتصويب ابن يونس له كما نقله الشيخ أحمد الزرقاني، انظر الدسوقي وكذا يجزئ إخراج العين عن الحرث والماشية مع الكراهة على المشهور كما في الخرشي. [مسألة] يجوز إخراج الفلوس عن أحد النقدين في الزكاة مع الكراهة كما في الخرشي وغيره. [مسألة] لا يأخذ العالم والمفتي والقاضي من الزكاة إلا أن يمنعوا حقهم من بيت المال فيأخذون منها بصفة الفقر، ورجحه بعض الأشياخ، وعن اللخمي وابن رشد أخذهم مطلقًا ولو أغنياء، ففي حاشية الخرشي، وقد أجاب سيدي محمد الصالح ابن سليم الأوجلي حين سئل عن إعطاء الزكاة للعالم الغني والقاضي والمدرس ومن في معناهم ممن نفعه عام للمسلمين بما نصه: الحمد لله، يجوز إعطاء الزكاة للقارئ والعالم والمعلم ومن فيه منفعة للمسلمين، ولو كانوا أغنياء لعموم نفعهم ولبقاء الدين كما نص على جوازه ابن رشد واللخمي وقد عدهم الله تعالى في الأصناف الثمانية التي تعطى لهم الزكاة حيث قال: {وفي سبيل الله} يعني المجاهد لإعلاء كلمة الله، وإنما ذلك لعموم نفعهم للمسلمين فيعطى المجاهد، ولو كان غنيًا كما ذكرناه في عموم النفع، وفي هذا المعنى العالم والقارئ والمعلم والمؤذن؛ لأن في ذلك بقاء الإسلام وشهرته وتعظيمه وإراحة القلوب عليه فينخرط ذلك في سلك قوله تعالى {وفي سبيل الله} قاله محمد الصالح ابن سليم الأوجلي، وقال اللخمي: العلماء أولى بالزكاة ولو كانوا أغنياء، ذكره الشيخ محمد الفاسي في حاشيته على المختصر، قال شيخنا السيد: محمل هذا كله ما لم يكن لهم راتب في بيت المال، وفي أسئلة محمد بن سلام لمحمد بن سحنون أن الزكاة تجوز للعلماء الفقراء وهى رواية ابن وهب عن مالك انتهى، أي: تقيد بالفقراء ورجحه بعض شيوخنا. اهـ. [مسألة] إذا كان عند الغني شخص فقير ينفق عليه مع عياله تطوعا وأراد إعطاءه من زكاة ماله، فروى الشيخ أنه لا يعطيها لذلك الفقير فإن فعل جهلا أساء، وأجزأته إن بقي في نفقته

(فصل في زكاة الفطر)

وقال ابن حبيب: إن تطوع بذلك لم يجزه، ونقله الباجي ولم يقيد إجزاء إعطائه بجهله، ذكره الدسوقي، وفي المعيار عن ابن عرفة رحمه الله تعالى أن كافل اليتيمة التي تخدمه وهو يطعمها يعطيها من الزكاة ما يصلحها من ضروريات النكاح، والأمر الذي يراه القاضي في حق المحجور، وقيل: إن قابل شيء من الزكاة خدمتها فلا تجزي؛ لأنه قد صان بها ماله، وكذا إن لم يصن ويعلم أنها لو لم تخدمه لم يعطها شيئا فلا يعطها أيضًا والله الموفق. (فصل في زكاة الفطر) زكاة الفطر صاع مما غلب اقتياته من قمح أو شعير أو سلت أو زبيب أو تمر أو ذرة أو أرز أو دخن أو أقط. [مسألة] يجزئ إخراج الدقيق بريعه، أي: إخراج دقيق الصاع من الحب مع الزيادة التي يزيدها بعد الطحن، وأما بغير ريعه فلا يجزئ قطعًا. اهـ دس عن ابن حبيب. [مسألة] إذا اقتيت غير التسعة المذكورة تخرج منه الزكاة، ولو وجد شيء من التسعة إن كان عيشهم، وهل يقدر نحو اللحم بجرم الصاع أو شبعه وصوب كما في ح أو وزنه؟ خلاف، فإذا اقتاتوا اللحم مثلا وكان عيشهم فيخرجون منه قدر عيش الصاع، فإن كان الصاع من الحنطة يغذي إنسانا ويعيشه أعطى من اللحم ما يغذيه ويعيشه على الصواب كما في دس والمجموع. [مسألة] سئل عياض عمن يأكل بدينه فيظهر الصلاح ليعطى؛ فأجاب: هو كأحد الغاصبين لا سيما إن كان يظهر خلاف ما يبطن كالمرائي بالصلاح وليس من الصالحين ليأكل بذلك ما لا يحل (¬1) فهو من الآكلين للسحت، وفي تبصرة ابن محرز عن القصار إن كان معه ما يقوم به لأدنى عيشه لم يجز له أن يسأل، وإن لم يكن معه ما يقوم به فالمسألة له حلال، والله الموفق. اهـ من المعيار. [مسألة] إن أخرج قيمة الصاع دراهم أو ذهباً فإنه يجزئ مع الكراهة، كما قال الدردير في فصل مصرف الزكاة من أقرب المسالك إلا العين عن حرث وماشية بالقيمة فتجزئ بكره، وهذا شامل لزكاة الفطر. اهـ وفي حاشية الصاوي في فصل زكاة الفطر نقلا عن تقرير الدردير أنه إن أخرج قيمة الصاع عينا فالأظهر الإجزاء؛ لأنه يسهل بالعين سد خلته في ذلك اليوم. اهـ. [مسألة] إن لم يقدر إلا على بعض الصاع، إن كان منفردًا أو على بعض ما وجب عليه، إن وجب عليه أكثر أخرجه وجوبًا، فإن وجب عليه آصع، ولم يجد إلا البعض بدأ بنفسه ثم بزوجته، والأظهر تقديم الوالد على الولد انتهى من أقرب المسالك. [مسألة] يأثم من يؤخر عن وقت الأداء وهو اليوم كله، ولا تسقط عن الغني بمضي ذلك اليوم، وأما من كان معسرًا في ذلك اليوم ثم زال فقره، أو رقه فيه فإنه يندب له إخراجها، فإن زال فقره قبل فجر ذلك اليوم فإنه يجب، وأما لو مضى يومها وهو معسر فإنه يسقط ندب إخراجها. اهـ من أقرب المسالك ¬

(¬1) (قوله ما لا يحل) يفهم منه أنه يأخذ بغير صفة الفقر والله أعلم. اهـ مؤلف.

باب الصوم

وص والخرشي. [مسألة] يجوز له أن يخرجها من قوته الأدون من قوت البلد إن كان يقتات ذلك الدون لفقر اتفاقًا بأن كان أهل البلد يقتاتون القمح وهو يقتات الشعير لفقره، وأما إذا كان يقتاته لشح أو كسر نفس أو عادة فلا يجزئ على المعتمد. اهـ من المجموع بتوضيح. باب الصوم [مسألة] يثبت رمضان وغيره من المواسم كيوم عرفة وكل ما يتعلق برؤيته حكم شرعي برؤية عدلين للهلال، أي لصوب واحد أولا ولكنهما متقاربان ولو ادعيا لرؤيته في الجهة التي وقع الطلب فيها من غيرهما، ولكن إذا كانت السماء مغيمة أو حصلت شهادتهما في بلد صغير فإنه يثبت بهما اتفاقًا، وأما إذا كانت السماء مصحية وكانت شهادتهما في المصر الكبير؛ فإنه يثبت بهما على الظاهر من قول مالك وأصحابه خلافًا لسحنون، ويجب الصوم على كل من سمع منهما، ولا يشترط التصديق حيث كانت عدالتهما ثابتة على المعتمد، وأما السامع ممن سمع منهما فلا يجب عليه الصوم إلا إذا حكم حاكم برؤيتهما، والحاصل أن الأشخاص ثلاثة، إما راء أو سامع من الرائي، أو سامع من السامع من الرائي، فالأولان يجب عليهما الصوم، ولا يجب على الثالث، إلا إذا حكم حاكم. اهـ ملخصًا من الخرشي والعدوي، وفي الدردير أن قوله ولا يجب على الثالث مما لا وجه له، والمصنف ظاهر في أن النقل عن رؤية العدلين بشرطه يعم كل من بلغه ذلك، وهو مقتضى القواعد وهو ظاهر ابن عبد السلام، وكيف يصح لمن بلغه من أربعة عدول كل اثنين منهم ناقلان عن عدل من الشاهدين اللذين رأيا الهلال أو من عدلين نقلا عن كل من العدلين عدم لزوم الصوم وفي المجموع ما يوافقه. [مسألة] يحرم تأخير الشهادة إلى النهار، وإذا شهد في النهار ترد شهادته؛ لأنه صار فاسقًا لما قالوا في باب الشهادات: إنه يجب المبادرة بالشهادة في محض حق الله، ذكره السيد عن البدر كما في الأمير على عبق. [مسألة] قال بعض الحفاظ: صام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات اثنان ثلاثون ثلاثون، وسبعة تسعة وعشرون، وذلك لأنه فرض في السنة الثانية من الهجرة لليلتين من شعبان كما في السيد، ولم يجب قبله صوم وقيل: عاشوراء، وقيل: ثلاثة من كل شهر. اهـ ملخصًا من عب والأمير. (ما قولكم) في شاهدين شهدا بهلال رمضان فمضى ثلاثون يومًا بعد ذلك، ولم ير غيرهما الهلال ليلة الحادي والثلاثين فهل تبطل شهادتهما برؤية الهلال، ويجب على الناس صوم يوم بدل اليوم الأول؟ (الجواب) نعم تبطل شهادتهما لتبين كذبهما، ولا يجوز فطر الحادي والثلاثين بل يجب صومه بدلاً عن اليوم الأول؛ إذا كانت السماء ليلة الحادي والثلاثين صحوًا، وأما إذا كانت مغيمة فلا تبطل شهادتهما، قال الزرقاني: انظر لو وقع الصوم في أول الشهر بنية واحدة، وحكمنا بتكذيبهما هل يجزئ

[مسألة]

الصوم الواقع بالنية المذكورة أو لا يجزئ؛ لأن النية وقعت في غير محلها، وأجاب بعض شيوخنا بالإجزاء للمشقة. اهـ ملخصًا من خرشي وعدوي. [مسألة] إذا حكم الحاكم بالصوم بشهادة شاهدين ولم ير الهلال ليلة إحدى وثلاثين؛ فإن كان مالكيًا كذب الشاهدين، ووجب على المالكي صيام الواحد والثلاثين، وإن كان الحاكم شافعيًا مثلاً لا يرى تكذيبهما؛ فإنه يجب على المالكي الفطر وأما إن حكم المخالف بوجوب صوم رمضان بشهادة شاهد واحد ففي لزوم الصوم قولان، وفي در ترجيح عدم اللزوم، وإذا قيل بلزوم الصوم للمالكي فصام الناس ثلاثين يومًا ولم يروا الهلال، وحكم الشافعي بالفطر فالذي يظهر أنه لا يجوز للمالكي الفطر؛ لأن الخروج من العبادات أضعف من الدخول فيها كما قاله الشيخ سالم السنهوري. اهـ من دس. [مسألة] إذا أفطر في الصوم النفل عمدًا حرامًا لزمه القضاء، وهل يجب الإمساك أم لا؟ قولان، والأرجح لا يجب الإمساك وفي أبي الحسن على الرسالة هل يستحب إمساك بقية يومه أم لا؟ قولان، وفي حاشية العدوي عليه الراجح لا يستحب إمساك بقية يومه كما يفيده عج، وخرج بالعمد النسيان، فإن من أفطر في النفل ناسيًا ومثله المكره يجب عليه إمساك بقية اليوم؛ لأن صومه لم يبطل فلا قضاء عليه وجوبًا بلا خلاف، واختلف في قضائه استحبابًا على قولين، سماع ابن القاسم منها: الاستحباب كما في أبي الحسن على الرسالة، وخرج بالحرام غيره كالفطر لحيض أو نفاس أو لشدة جوع أو عطش أو إكراه، لأنه وإن كان عمدًا فهو غير حرام فلا قضاء أيضًا فيما ذكر، وحاصل فقه المسألة أنه لا يجب الإمساك بعد الفطر العمد لغير عذر، إلا إذا كان الزمن معينًا كرمضان الحاضر والنذر المعين، وما عدا هذين لا يجب الإمساك بعد الفطر العمد كصوم النفل أو كفارة الظهار أو القتل أو اليمين أو صوم الفدية أو جزاء الصيد أو النذر المضمون أو قضاء رمضان وأما لو أفطر سهوًا فما يجب قضاؤه لا يجب الإمساك فيه، وذلك كقضاء رمضان والنذر المضمون وكفارة اليمين والفدية والجزاء لأنه يجب عليه العوض في الجميع وكفارة الظهار والقتل بناء على قطع النسيان التابع ويستثنى من ذلك رمضان الحاضر ففطره سهوًا يوجب الإمساك وإن كان عليه القضاء والأيام المعينة المنذورة يفطر فيها سهوًا فإنه يجب عليه الإمساك وعليه القضاء على المشهور. اهـ ملخصًا من در ودس والمجموع وعدوي على أبي الحسن. [مسألة] إن اضطر الصائم للشرب فله أن يأكل أيضًا على المعتمد وفي الحطاب تخريجه على من اضطر لأكل الميتة، والمعتمد أنه يجوز له الشبع بل والتزود خلافًا لمن قال: لا يأكل إلا على قدر الضرورة، ولا يستحب له أن يمسك بقية اليوم وكذا لا يستحب الإمساك لزوال كل عذر مبيح للفطر مع العلم برمضان كالحيض يزول أثناء رمضان أو ينقطع السفر

باب اليمين

أو يبلغ الصبي نهارًا، ويباح لهؤلاء التمادي على الفطر ولو بالجماع فلقادم من سفره نهارًا مفطرًا أن يطأ زوجته التي طهرت من حيض أو نفاس نهارًا وأورد على منطوق قوله مع العلم برمضان المكره على الفطر، فإنه لا يباح له الفطر بعد زوال الإكراه وأورد على مفهومه المجنون، فإنه يباح له الفطر إذا أفاق مع أنه لم يعلم برمضان وأجيب بأن فعلهما قبل زوال العذر لا يتصف بإباحة ولا غيرها لم يدخلا في كلامه. اهـ ملخصًا من المجموع والخرشي ودر. [مسألة] إذا أراد أن يسافر في رمضان مسافة قصر وشرع في السفر قبل طلوع الفجر، ولم يبيت نية الصوم فيه يجوز له الفطر، بمعنى يكره ولو أقام أثناء سفره يومين أو ثلاثة وأما إذا نوى إقامة أربعة أيام فإنه يجب عليه الصوم كما يجب عليه إتمام الصلاة كما صرح به في النوادر، ونقله ابن عرفة، وأما إن شرع بعد الفجر أو بيت الصوم في السفر فلا يجوز له الفطر. اهـ ملخصًا من در ودس. (سئل عج) هل ما يقطع حكم القصر يقطع حكم الفطر وما لا فلا أم لا؟ (فأجاب) الحمد لله حكم الفطر حكم القصر وفاقًا وخلافًا، فما يقطع حكم القصر يمنع الفطر في رمضان كنية إقامة أربعة أيام صحاح وما لا فلا والله أعلم. [مسألة] إذا حلف بطلاق امرأته وهو صائم أن لا يفطر على حار ولا بارد فإنه يحنث لأننا نعتبر المقاصد ومقصود الحالف المطعومات وبهذا أفتى أبو نصر بن الصباغ من الشافعية، وأفتى أبو إسحاق الشيرازي بعدم حنثة قائلاً لأنه يفطر على غيرهما وهو دخول الليل لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم" والليل ليس بحار ولا بارد وفتواه صريح في مذهب الشافعي الذي يعتبر الألفاظ، قال بعضهم: واستدلاله بالحديث بعيد لأنه ليس بمراد فيه الفطر الحسي ولا الحكمي بل معناه فقد حصل للصائم الفطر، وإلا لم ينعقد صوم الوصال، وقد قال صلى الله عليه وسلم يواصل، أفاده في المعيار، والوصال في حقه صلى الله عليه وسلم مباح، وفي غيره مكروه كما هو مذكور في باب الخصائص. [مسألة] من عليه قضاء رمضانين يبدأ بأولهما ويجزئ العكس كذا في المواق. اهـ دسوقي. [مسألة] نبش الأذن بكعود لا يفطر. [مسألة] الكحل لا يفطر الصائم إلا إذا تحقق وصوله للحلق أو شك. اهـ من دس. [مسألة] دخان الحطب لا يفطر ولو تعمد استنشاقه. [مسألة] مسافر صام في رمضان فعطش فقربت له سفرة ليفطر فأهوى بيده ليشرب فقيل له: لا ماء معك. فكف قال ابن عبدوس: أحب له القضاء، وصوب اللخمي سقوطه، وقال: إنه غالب الروايات عن مالك. اهـ دس. باب اليمين (ما قولكم) إذا قال: والله لا أدخل على فلان بيته فدخل عليه في دار استعارها المحلوف عليه أو دخل عليه في بيت جاره هل يحنث أم لا؟ (الجواب) إذا دخل عليه في بيت

[مسألة]

يسكنه فإنه يحنث سواء ملك فلان الرقبة أو المنفعة فقط بكراء أو إعارة إذ البيوت تنسب لسكانها والظاهر عدم الحنث إذا دخل عليه في بيت جاره، لأنه لا يقال: الآن لبيت جارك بيتك وإنما يقال: بيتك الذي تملك ذاته أو منفعته والأيمان مبناها العرف خلافًا لما قاله سيدي خليل من الحنث، قال في المجموع: ولا حنث في زماننا بالحمام ومثله القهوة والفندق، وبيت الشعر في حلفه لا أسكن بيتًا، ولا باجتماع بمسجد في حلفه لا يجتمع معه، ولا ببيت الجار في حلفه لا أدخل بيته. اهـ بتوضيح. (ما قولكم) إذا قال: لا أدخل منزل فلان فأكرى فلان ذلك المنزل لشخص آخر فدخل الحالف على ذلك الشخص هل يحنث أم لا؟ (الجواب) لا يحنث بدخول ذلك المنزل لأنه ينسب الآن لمن استكراه لا لمن يملكه كما يؤخذ من قولهم: إن البيوت تنسب لسكانها كما في حاشية الخرشي. (ما قولكم) في شخص قال: إن فعلت كذا فلله علي طلاق زوجي؟ (الجواب) قال الأمير على عب: لا يلزمه؛ لأن الطلاق ليس مما يتقرب به لله تعالى بخلاف إن فعلت فهي طالق كذا في الحطاب نقلاً عن ابن رشد، وفي النفس منه شيء مع لزوم الطلاق بأي لفظ، والفروج يحتاط فيها، وقوله: لله علي لا ينبغي لزوم الطلاق عنه فإنه حكم لله عليه على أن الطلاق قد يتقرب به فإنه تعتريه الأحكام وقد رأيت التوقف فيه في كتاب لابن مرزوق سماه "اغتنام الفرصة" وغاية ما وجهه فيه من كلام طويل مع عالم قفصة من تلامذة ابن عرفة أنه جعله من باب الوعد والتزام ما لا يلزم والتعليق لا يوجبه غايته يؤكده وأما إن فعلت كذا فهي طالق، فقد علق نفس الإنشاء فلينظر. اهـ. (ما قولكم) في شخص قال: بالله لأفعلن كذا ولم يفعله، ثم قال: أردت بقولي بالله وثقت بالله واعتصمت بالله ثم ابتدأت بقولي: لأفعلن ولم أقصد اليمين هل يصدق أم لا؟ (الجواب) يصدق بلا يمين وأما إن قال: سبقني لساني يعني اعتاد لساني الحلف بالله ولم أقصد اليمين فلا يصدق، ويلزمه اليمين ولو تحقق سبق لسانه، خلافًا للشافعية فإنهم يقولون: لا يلزمه يمين ويفسرون به قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} وأما إذا قال: أردت النطق بغير اليمين فالتفت لساني وسبقني إلي اليمين فلا شيء عليه ويدين. اهـ ملخصًا من در ودس والمجموع. [مسألة] اليمين الغموس أن يحلف بلا قوة ظن بأن يشك في مجيء زيد أمس أو يظنه ظنًا غير قوي ويحلف أنه قد جاء فهو آثم ولا كفارة لها؛ إن تعلقت بماض كالمثال المذكور، وكفارتها ـ إن لم يغفر الله ـ جهنم فهو مغموس في الإثم وإن تعلقت بمستقبل أو حال كفرت فالمستقبل نحو: لآتينك غدًا مع جزمه أو تردده في عدم المجيء، والحال نحو: والله إن زيدًا لمنطلق في هذا الوقت مع التردد أو الجزم بعدم ذلك، وقوله: فهو مغموس في الإثم أي ولو تبين صدقه بعد حلفه لجرأته على الحلف كاذبًا لكن مع تبين الصدق لا يستمر الإثم وهذا معني قولهم:

[مسألة]

إن تبين الصدق فلا إثم واليمين اللغو أن يحلف معتقدًا حصول شيء ثم تبين خلافه، ولا كفارة لها إن تعلقت بماض أو حال كقوله: والله لقد فعل زيد كذا أمس، أو إنه لمنطلق الآن مع جزمه بذلك، فتبين خلافه، وإما إن تعلقت بمستقبل نحو: والله لأفعلن كذا في غد مع الجزم بفعله، فلم يفعله فإنها تكفر والحاصل أن اليمين المتعلقة بالماضي لا تكفر لأنها إما لغو أو غموس أو صادقة والمتعلقة بالمستقبل تكفر ولو لغوًا أو غموسًا، وأما المتعلقة بالحال فتكفر إن كانت غموسًا ولا تكفر إن كانت لغوًا وما أحسن قول عج: كفر غموسًا بلا ماض تكون كذا ... لغو بمستقبل لا غير فامتثلا ثم إن اللغو لا يفيد إلا في اليمين بالله والنذر المبهم كالاستثناء بأن شاء الله، وإلا أن يريد الله فإنه لا يفيد إلا فيهما ولكن نفع الاستثناء المذكور بشروط أربعة: الأول: أن يقصد حل اليمين وهل معنى حلها جعلها كالعدم أو رفع الكفارة، وعليه ابن القاسم. والثاني: أن يتصل الاستثناء بالمستثنى منه ولو بعد الفراغ من غير فصل كما يقع لمن يقول للحالف: قل: إن شاء الله فيوصل النطق بها عقب فراغه من المحلوف عليه؛ امتثالاً للأمر فينفعه فإن حصل فصل ضر إلا لعارض كسعال أو عطاس فلا يضر. والثالث: أن ينطق به وإن سرًا بحركة لسان لا إن أجراه على قلبه بلا نطق فلا يفيده. والرابع: أن يكون حلفه في غير توثق بحق وأما إذا كان في توثق بحق كما إذا حلفه على أن يأتي بالثمن أو الدين في وقت كذا، فحلف وقال: إن شاء الله لم يفده؛ لأن اليمين على نية المحلف لا الحالف ولا ينفع اللغو في الطلاق والعتق والصدقة والمشي إلى مكة وكذلك لا ينفع في هذه المذكورات الاستثناء بنحو: إن شاء، وأما الاستثناء بإلا أو إحدى أخواتها فإنه يفيد في اليمين بالله، والطلاق وغيرهما بالشروط المتقدمة من القصد وما بعده. اهـ ملخصًا من در ودس وعدوي والمجموع. (ما قولكم) فيمن قال لصاحبه: الله ورسوله تأكل فلم يأكل هل هذا يمين أم لا؟ (الجواب) ليس بيمين لأنهم يقصدون به شبه الشفاعة كما في المجموع. [مسألة] إن قال: الله لأفعلن كذا بحذف حرف القسم ثم لم يفعله يلزمه اليمين فإنه ينعقد ولو حذف حرف القسم سواء نطق بلفظ الجلالة منصوبًا أو مجرورًا؛ لأنه عهد في العربية كذلك بل ولو رفع وهو ينوي خبرًا يفيد الحلف كالله محلوف به كما في المجموع. [مسألة] إن نطق بلفظ الجلالة بغير هاء أو بغير مد طبيعي لا ينعقد اليمين قال في المجموع: ولا بد من الهاء والمد قبلها طبيعيًا. [مسألة] إن قال: إن فعل كذا أو إن لم يفعل كذا فهو يهودي أو نصراني أو علي غير دين الإسلام أو مرتد فهو حرام ولا يرتد إن فعله أو لم يفعله وليستغفر الله مطلقًا فعله، أو لم يفعله لأنه ارتكب ذنبًا، وأما إن قال: ما ذكر في غير يمين فيرتد لأنه في هذه الحالة يخبر عن نفسه بأنه على هذه الحالة ولا هازلاً أو جاهلاً كما في در ودس والمجموع. [مسألة]

[مسألة]

إن قال: إن فعلت كذا فعلي كفارة أو فلله علي كفارة، ثم فعل المحلوف عليه فإنه يلزمه كفارة يمين، وكذا يلزمه كفارة يمين إن قال: لله علي كفارة من غير تعليق على فعل شيء وكذا يلزمه كفارة يمين في النذر المبهم بأن قال: لله علي نذر أو إن شفى الله مريضي فعلي نذر، وأما إذا سمى مخرجًا نحو: لله علي نذر دينار فإنه يلزمه ما سماه. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إن قال: لله علي يمين أو إن فعلت كذا فعلي يمين ثم فعله يلزمه كفارة يمين وفي دس ومحل لزوم كفارة اليمين ما لم يكن العرف في اليمين الطلاق وإلا لزمه طلقة رجعية كما في البناني عن الونشريسي وغيره، والحق أنه يرجع لعرف البلدان الذين تعارفوه في الطلاق فإن كان عرفهم البتات لزمه الثلاث، وإن كان عرفهم استعماله في الطلاق فقط حمل على الرجعي وعرف مصر إذا قال: يمين سفه كان طلاقًا. انتهى ملخصًا من در وص. [مسألة] إن قال عليه كفارات بعدد شعر رأسه فإن عجز صام عن الباقي كذا في السيد عن فتاوى عج، أقول: هذا العدد لا يضبط والغالب أن يقصد به المبالغة في الكثرة. انتهى أمير على عبد الباقي. [مسألة] تتكرر الكفارة إن دل اللفظ على التكرار ولا يلتفت للقصد كقوله: لله علي أيمان فيلزمه أقل الجمع وهو ثلاث ما لم ينو أكثر فيلزمه كما في المجموع وأقرب المسالك وغيرهما، قال الصاوي: وفي المواق قول باتحادها كتكرر اليمين، وعلى الأول إن قال: أردت بقولي: علي أيمان يمينًا واحدة لم يقبل؛ لأن الجمع نص وإن أراد اثنين فتردد باعتبار أقل الجمع. [مسألة] في أقرب المسالك وغيره إن قال: لله علي يمين أو كفارة وقال: أردت الإخبار بأن في ذمتي يمين أو كفارة ولم أرد الإنشاء صدق ولا شيء عليه وأما في مسائل التعليق بأن قال: إن فعلت كذا فعلي يمين أو كفارة ثم فعله فلا يقبل منه دعوى الإخبار ويلزمه كفارة يمين. [مسألة] في أقرب المسالك وغيره تكرر الكفارة على الحالف إن قصد في صيغة البر تكرر الحنث نحو والله لا أكلم زيدًا وقصد أنه كلما كلمه فعليه يمين. [مسألة] إن قال: والله لا أكلم زيدًا ثم قال ولو في مجلس آخر والله لا أكلمه، والله لا أكلمه، ونوى لكل يمين كفارة فتكرر ويلزمه ثلاث كفارات لا إن لم ينو التكرار فلا يلزمه إلا كفارة واحدة كما في أقرب المسالك والخرشي. [مسألة] قال: لا أشرب لك ماء أو لا آكل لك خبزًا أو لا أقرئك سلامًا أو لا أجلس معك في مجلس فإنه يتكرر عليه الحنث كلما شرب له ماء أو كلما أكل له خبزًا أو كلما أقرأه سلامًا أو كلما جلس معه في مجلس؛ لأن العرف يقتضي ذلك ويستفاد منه التكرار لا من مجرد اللفظ، وهو ظاهر كما في أقرب المسالك وغيره، وكذا إذا قال: والله لا أترك الوتر فإنه يحنث كلما تركه؛ لأن العرف يقتضي لوم نفسه والتشديد عليها فكلما تركه لزمه كفارة كما في أقرب المسالك وغيره. [مسألة] إن قال: والله لا أكلم زيدًا والله لا أحنث فكلمه فعليه كفارتان؛ كفارة ليمينه الأصلي وكفارة للحنث فيه. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] تتكرر الكفارة بتكرر الفعل إذا اشتمل

[مسألة]

اليمين على أداة تدل وضعًا على التكرار كقوله: كلما كلمته فعلي يمين أو كفارة أو مهما دخلت الدار فعلي يمين أو كفارة وأما متى ما فليست من صيغ التكرار، بل من صيغ التعليق فإذا قال: متى ما كلمته فعلي يمين أو كفارة فلا يلزمه كفارة إلا في المرة الأولى إلا أن ينوي التكرار فتتعدد الكفارة على حسب ما نوى، وأما متى بدون ما فلا تقتضي التكرار قطعًا كأن لو إذا. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك وص. [مسألة] إن قال: والله ثم والله لا أفعل كذا ففعله كذا فتكرر الكفارة ولو قصد بتكرار اليمين التأسيس لتداخل الأسباب عند اتحاد الموجب، والحاصل أنه إن نوى التأكيد فكفارة واحدة اتفاقًا، وإن نوى تعدد الكفارات لزمه على حسب ما نوى اتفاقًا، وإن نوى إنشاء يمين ثانية بلا قصد كفارات فالمشهور كفارة واحدة ولو في مجلسين، ومثل اليمين النذر المبهم والكفارة وأما العتق والطلاق فتتكرر إن قصد التأسيس، لا إن قصد التأكيد فلا يتكرر الطلاق، أما لزوم الطلاق عند قصد التأسيس فللاحتياط في الفروج، وأما العتق فلتشوف الشارع للحرية. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك وص وحاشية الخرشي. [مسألة] في المدونة من قال: والله لا أكلم فلانًا ولا أدخل دار فلان ولا أضرب فلانًا ثم فعل ذلك أو بعضه فإنما عليه كفارة واحدة، وكأنه قال: والله لا أقرب شيئًا من هذه الأشياء، ولو قال: والله لا أكلم فلانًا ولا أدخل دار فلان، ولا أضرب فلانًا ثم فعل ذلك أو بعضه فإنما عليه كفارة واحدة وكأنه قال: والله لا أقرب شيئا من هذه الأشياء، ولو قال: والله لا أكلم فلانًا، والله لا أدخل دار فلان، والله لا أضرب فلانًا فعليه هنا لكل صنف فعله كفارة؛ لأن هذه ثلاثة أيمان بالله على أشياء مختلفة نقله المواق. اهـ من دس. [مسألة] إن قال: أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا ففعله يلزمه طلاق من في عصمته، ثلاثًا وعتق من يملك رقبته من الرقيق، وصدقة بثلث ماله من عين أو عرض أو عقار حين يمينه، ومشي لحج لا عمرة وصوم عام، وكفارة يمين ومحل هذا إذا اعتيد الحلف بما ذكر من الطلاق، وما عطف عليه؛ لأن الأيمان تجري على عرف الناس وعادتهم فإن لم يجر عرف بحلف بعتق كما في بعض البلاد، أو لم يجر عرف يحلف بمشي لحج أو صدقة بثلث كما في مصر لم يلزم الحالف غير المعتاد والعبرة بعادة أهل بلده سواء اعتاد هو خلافهم أو لم يعتد شيئًا أو بعادته هو إن لم يعتادوا شيئًا؛ فإن لم تكن لهم ولا له عادة بشيء فلا يلزمه شيء سوى كفارة يمين، وكل هذا إن لم ينو شيئًا، وإلا عمل بنيته ولو في القضاء، فإذا جرى العرف بالحلف بكل مما تقدم، وحلف بأيمان المسلمين ونوى غير الطلاق أو غير العتق أو غيرهما، أو غير المشي عمل بنيته إذا كانت تلك النية قبل تمام الحلف بأن كانت أولاً أو في أثناء الحلف، وأما إذا نوى ذلك بعد الحلف فلا بد من إخراجه بأداة الاستثناء متصلاً باليمين. اهـ ملخصًا من در ودس وفي الأمير على عبد الباقي قال الطرطوشي: ليس لمالك في أيمان المسلمين كلام، وإنما اختلف المتأخرون، قال الأبهري: يلزمه الاستغفار فقط، وقيل: كفارة يمين، وقيل: ثلاث

[مسألة]

كفارات، نقله السيد عن البدر والمواق. اهـ أي والمشهور ما تقدم. [مسألة] إن قال: أقسمت عليك بالله فهي يمين لأنه فعل صريح في القسم فلم يبطله قوله عليك. اهـ عبد الباقي وفي الأمير لكن في حديث تعبير أبي بكر رضي الله عنه ما يقتضي عدم اللزوم، أي حديث تعبير أبي بكر الرؤيا بحضرته صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام لأبي بكر: "أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا" فقال أبو بكر: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني، فقال: "لا تقسم" ولم يخبره، فإنه لم يأمره بكفارة. اهـ بتوضيح. [مسألة] في الحطاب فرع قال في الكتاب: إذا حلفت على رجل ليفعلن كذا فامتنع فلا شيء عليهما، وقاله الشافعي، ثم نقل الحطاب بعد ذلك الحنث عن ابن يونس وغيره، قلت: وهذا هو المشهور بيمين الاستشفاع عند الشافعية، ويندب إجابته له كما في الحطاب، وهو خاص بالباء الموحدة من بين حروف القسم فإنها هي التي تستعمل في القسم الاستعطافي، وهي التي يصرح معها بفعل القسم. اهـ من الأمير على عبد الباقي. [مسألة] إن قال: والله لأطلقنك وأطلق في يمينه فلا يجبر على الكفارة، ولا يمنع من وطئها ولا يحنث إلا بموتها، ما دام ناويًا طلاقها، فالمنع في صيغة الحنث من وطئها محله إذا كان الحلف بطلاقها. اهـ من ضوء الشموع ودس. [مسألة] إن قال: والله لا أبيع سلعتي من زيد فقال له عمرو: وأنا، فقال: والله ولا أنت فباعها لهما أو لأحدهما فردها عليه فباعها للآخر فكفارتان، بخلاف ما لو قال: والله لا أبيعها من فلان ولا من فلان فباعها لهما أو باعها لأحدهما فردت له فباعها للآخر فكفارة واحدة، وإنما لزمه كفارتان في المسألة الأولى وكفارة واحدة في الثانية؛ لأن الأولى تعدد القسم واختلف المقسم عليه فيها، بخلاف الثانية فإن القسم فيها غير متعدد. اهـ ملخصًا من در ودس. [مسألة] إن قال: والله لا آكل لفلان طعامًا ونوى قطع كل ما جاء من جهته لمنة ثم قبل منه هدية، فإنه يحنث؛ لأن نيته تفيد تعميم كل ما فيه منة كما في ص. [مسألة] إن حلف لزوجته بالله أو بالطلاق لا أتزوج عليك في حياتك ثم طلقها وتزوج بعد طلاقها وقال: نويت بقولي في حياتها مدة كونها في عصمتي، وهي الآن ليست في عصمتي؛ فإنه يصدق، وكذا إذا قال لها: إن تزوجت في حياتك فالتي أتزوجها طالق أو فعبدي حر، أو فعلي المشي إلى مكة ثم تزوج بعد طلاقها، وقال: نويت بقولي في حياتها مدة كونها في عصمتي فإنه يصدق في الجميع في الفتوى والقضاء لمساواة نيته لظاهر لفظه بلا ترجيح، لظاهر لفظه على نيته عرفًا، وقال عج: ثم إنه يعتبر في المساواة أن يحتمل اللفظ ما نواه الحالف وغيره على السواء لغة وعرفًا، فلو احتمل ذلك لغة وكان احتماله في العرف للمعني المنوي مرجوحًا كانت النية كالمخالفة مخالفة قريبة فتقبل إلا في القضاء في الطلاق والعتق المعين كمن حلف لا يطأ أمته ونوى برجله، فإن استعمال اللفظ في هذا مرجوح عرفًا، والراجح

[مسألة]

استعماله في الجماع، وإن كان استعمال اللفظ فيهما لغة على حد سواء، وكذا إذا حلف بالله أو بالطلاق أو بشيء مما ذكر لا آكل لحمًا فأكل لحم طير وقال: أردت أني لا آكل لحم غير الطير فيصدق في الفتوى والقضاء، لأنه تقييد للمطلق؛ لأن لفظ اللحم يصدق بأي نوع من اللحم على سبيل البدل، وقصره على غير لحم الطير تقييد له. اهـ ملخصًا من در وص وعدوي. [مسألة] إن حلف لا آكل لحمًا أو لا آكل سمنًا فأكل لحم الضأن وسمن البقر، وقال: نويت لا آكل لحم بقر وأنا قد أكلت لحم ضأن، أو نويت لا آكل سمن ضأن وأنا قد أكلت سمن بقر، قبلت نيته في الفتوى مطلقًا في اليمين بالله وغيره، وفي الطلاق والعتق المعين؛ لأن نيته قربت في نفسها للمساواة، وإن كانت ضعيفة بالنسبة لظاهر لفظه، فلهذا إذا رفع للقاضي، وكان حلفه بالطلاق أو بعتق عبده المعين فادّعى النية السابقة فلا يقبل ويقع عليه الطلاق وعتق عبده المعين بخلاف المسألة التي قبل هذه فإنه تقبل نيته مطلقًا عند المفتي والقاضي في الطلاق والعتق المعين؛ لمساواة نيته لظاهر لفظه، كما تقدم والحاصل أنه تقبل نيته في هذا الموضوع عند المفتي مطلقًا، وعند القاضي في اليمين بالله وغيره إلا الطلاق والعتق المعين. [مسألة] إن حلف لا أكلم زيدًا أو لا أدخل داره ثم كلمه أو دخل داره، وقال: نويت لا أكلمه أو لا أدخل داره في شهر رجب مثلاً وقد مضى فيقبل في الفتوى لقرب هذه النية من اللفظ، ولا يقبل عند الرفع للقاضي في طلاق ولا عتق عبد معين فلو ذهب للقاضي من غير أن يرفعه أحد، وذكر ذلك له كان من قبيل الفتوى كما في التوضيح. (تنبيه) مما يقبل في الفتوى أن يقول الشخص: حلفت بالطلاق أني لا أفعل كذا ثم يزعم أنه كاذب في ذلك القول، وأنه لم يحلف ولا يقبل منه ذلك في القضاء إلا أن يشهد قبل الإخبار أنه يستخلص بذلك كما في الحطاب. اهـ من دس بتصرف ومن الأمير على عبق. [مسألة] لو حلف بالله لأعتقن عبيدي وقال: أردت بعضهم على سبيل التخصيص أو أردت بعبيدي دوابي أو أردت بالعتق البيع فتقبل نيته في الفتيا مطلقًا وفي القضاء إلا بطلاق وعتق معين. اهـ من عبق وفي الأمير أن قوله أردت بعبيدي دوابي معترض بأن هذا مجاز والمجاز إن قامت عليه قرينة قبل مطلقًا، وإلا رد مطلقًا فكيف يمثل به لما يقبل في الفتوى دون القضاء إلا أن يتكلف أن هناك قرينة خفيفة فليتأمل. اهـ ومن ذلك ما لو حلف بالله لأعتقن من عبيدي ثلاثة وقال: نويت بيع ثلاثة دواب من دوابي، أو قال لزوجته: أنت طالق ثلاثًا، وقال: أردت أنها طلقت ثلاث مرات في الولادة، أو قال: نسائي طوالق وله أربع، وقال: لم أرد الرابعة فينوي في جميع ذلك مستفتيًا لا في مرافعة مع بينة أو إقرار، ولو قال: جميع نسائي طوالق طلق الجميع إلا أن يقول: استثنيت أو نويت فينفعه مستفتيًا فقط، ومثله لو قال: هي طالق البتة إن راجعتها ثم أراد نكاحها بعد العدة وقال: نويت ما دامت في العدة صدق مستفتيًا ومثله لو

[مسألة]

قال: حليمة طالق، وله زوجة وجارية يسميان بذلك، وقال: نويت بالطلاق عتق جاريتي صدق مستفتيًا. اهـ عبق بتوضيح من الأمير. [مسألة] إن شرطت الزوجة على زوجها عند العقد أن لا يخرجها من بلدها أو لا يتزوج عليها، وحلفته بل ولو حلف متبرعا على أنه إن تزوج عليها أو أخرجها فالتي يتزوجها طالق أو فأمرها بيدها، ثم فعل المحلوف عليه، وأدعى أنه نوى أنه لا يتزوج عليها أو يخرجها من بلدها في شهر رجب مثلا، وقد مضى، لم تفده نيته؛ لأن اليمين على نية المحلف لأنه كأنه جعل هذا اليمين عوض حقه، ومن أمثلة ذلك إذا ادعى شخص على آخر بوديعة فأنكرها وحلف بالطلاق أنها ليست عنده وأراد طلقة واحدة، وأراد رب الحق البتات فيلزمه الثلاث، ولا عبرة بإرادته طلقت طلقة واحدة؛ لأن اليمين على نية المحلف، ولكن يحمل على هذا على ما إذا صرح باشتراط الثلاث رب الحق تشديدًا على الحالف؛ لأن رب الحق يقول لا يبالي بالرجعية؛ فاندفع قول البناني إن الواحدة هي مقتضى لفظه فتقبل نيته. اهـ ملخصًا من عب والأمير وأقرب المسالك وص. [مسألة] إن عدمت نية الحالف الصريحة اعتبر بساط اليمين أي السبب الحامل عليها غالبًا وإلا فهو المعبر عنه في علم المعاني بالمقام وقرينة السياق، وإنما قال غالبًا؛ لأن البساط قد لا يكون سببًا كما يأتي في قوله: ومن ذلك ما لو حلف بطلاق زوجته لا يأكل بيضًا إلخ، وبساط اليمين يجري في جميع الأيمان كانت بالله أو بطلاق أو بعتق كما قال بعضهم: يجري البساط في جميع الحلف ... وهو المشير لليمين فاعرف إن لم يكن نوى وزال السبب ... وليس ذا لحالف ينتسب فقوله في النظم وهو المشير لليمين، أي أن البساط هو السبب الحامل عليها، وقوله: إن لم يكن نوى وأما لو نوى شيئًا فالعبرة بنيته، وقوله: وزال السبب كما إذا حلف لا أشتري لحمًا من السوق وكان السبب الحامل له على هذا اليمين وجود زحمة في السوق أو وجود ظالم فإذا زالت الزحمة، أو الظالم جاز له الشراء من السوق لأنه كأنه قال في حلفه: لا أشتري من السوق ما دامت هذه الزحمة أو الظالم، ولا يحنث لا في الفتوى ولا في القضاء وظاهر كلامهم اعتبار البساط ولو مع مرافعة في طلاق أو عتق إلا أن المفتي يدين الحالف في دعواه، وأما في القضاء فلا بد من ثبوت كون الحلف عند وجود البساط يعني بأن تشهد البينة عند المرافعة بالبساط فيحمل عليه حينئذ كان يمينه مما ينوي فيها أم لا، وأما إن شهدت البينة باليمين ثم ادعى الحالف البساط فلا يعمل به عند المرافعة وقد صرح ابن رشد بهذا التفصيل ونقله عنه الرماصي وأما إذا لم تزل هذه الزحمة، واشترى من السوق فيلزمه ما حلف به، وهذا مفهوم قوله في النظم، وزال السبب، وقوله: وليس ذا لحالف ينتسب أي أنه يشترط في نفع البساط أن لا يكون للحالف مدخل في السبب الحامل على

[مسألة]

اليمين كما لو تنازع مع ولده أو زوجته أو أجنبي فحلف أنه لا يدخل على من تنازع معه دارًا مثلاً، ثم زال السبب الحامل له على اليمين بأن اصطلح الحالف والمحلوف عليه، فإنه يحنث بدخوله عليه؛ لأن الحالف له مدخل في السبب، فالبساط هنا غير نافع. اهـ ملخصًا من در ودس بتوضيح. [مسألة] إن قال لزوجته: إن دخلت هذا المكان فأنت طالق وكان السبب في حلفه بالطلاق وجود فاسق بذلك المكان، فإذا زال الفاسق منه، ودخلت الزوجة لم يحنث، لأنه في قوة قوله ما دام هذا الفاسق موجودًا في ذلك المكان. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] من حلف ليشترين دار فلان فلم يرض بثمن مثلها فأقوى القولين عدم الحنث، كما في الحطاب وكذا إذا حلف ليبيعن داره فأعطى دون ثمن المثل؛ فلا يحنث لأنه في قوة قوله لأشترين دار فلان إن باع بثمن المثل أو لأبيعن داري إن أعطوني ثمن المثل فالبساط نافع لما علمت أنه نية حكمية. اهـ مجموع بتوضيح. [مسألة] من سمع الطبيب يقول لحم البقر دار فحلف لا يأكل لحمًا ولم يقصد تعميمًا ولا تخصيصًا فلا يحنث بأكل لحم الضأن والطير ونحوهما؛ لأن البساط يدل على ذلك ومن ذلك ما إذا حلف أن زوجته لا تعتنق أمتها، وكانت أعتقتها قبل فلا يحنث لأنه لو علم ذلك ولم يحلف كما في البدر. (ومن ذلك) ما إذا قالت امرأة لزوجها: إن كنت تحبني فاحلف بالطلاق الثلاث أنك تنطق بمثل ما أنطق به فحلف كما قالت: فقالت: أنت طالق بالثلاث فلا يقول مثل قولها ولا شيء عليه لأنه لو علم لم يحلف. (ومن ذلك) ما إذا حلفت امرأة أمير بالله العظيم لا تسكن بعد موته دار الإمارة ثم تزوجت أميرًا آخر فأسكنها بتلك الدار، فلا تحنث؛ لأن بساط يمينها انحطاط درجتها بعد موته وقد زال الانحطاط بتزوجها بالأمير الآخر. (ومن ذلك) ما لو حلف بطلاق زوجته أنه لا يأكل بيضًا ثم وجد في حجرها شيئًا مستورًا فقالت: لا أريكه حتى تحلف بالطلاق لتأكلن منه فحلف فإنه لا شيء عليه إذا كان الذي في حجرها بيضًا، ولا يلزمه الأكل منه؛ لأن بساط يمينه أنه يأكل منه ما لم يمنع من أكله مانع، ولأن علمه باليمين الأول يتضمن نية إخراج البيض فلا يقال: إن المانع الشرعي يحنث معد فتدبر. (ومن ذلك) من ضاعت حجة بيته أو تمسكه وقال لكتبة الحاكم مثلاً: اكتبوا لي غيره امرأته طالق لا يعلمه في موضع ولا هو في بيته ثم وجده في بيته فلا حنث عليه؛ عملاً بمقتضى لفظه بل هذا من البساط على المشهور هذه المسائل ملخصة من در ودس بتوضيح وزيادة من الأمير على عبق. [مسألة] إذا حلف ولم تكن له نية تخصيص ولا تعميم ولم يوجد بساط فالمعتبر العرف القولي وكذا الفعلي على الراجح فالعرف القولي كما إذا حلف لا يشتري مملوكًا، وكان عرفهم أن المملوك لا يطلق إلا على الأبيض فلا يحنث إذا اشترى عبدًا أسودًا وقس ما أشبه ذلك والعرف

[مسألة]

الفعلي كما إذا حلف: لا آكل خبزًا وكان عرفهم لا يأكلون إلا خبز القمح فقط، فإذا أكل خبز الشعير لا يحنث على الراجح لتخصيص عرفهم الخبز بخبز القمح كما علمت، وإنما رجح اعتبار الفعلي لأنه لا يضعف أن يكون قرينة. اهـ ملخصًا من عبق والأمير. [مسألة] إذا لم يوجد نية ولا بساط ولا عرف قولي ولا فعلي فالمعتبر العرف الشرعي؛ إن كان المتكلم صاحب شرع فإذا حلف أنه لا يصلي أو لا يتطهر هذا الوقت، ثم دعا الله تعالى أو أزال أوساخه؛ فإنه لا يحنث؛ لأن الشرع لا يطلق الصلاة على الدعاء، ولا التطهير على التنظيف فإذا صلى الظهر أو توضأ مثلاً فإنه يحنث. [مسألة] إذا لم يوجد شيء مما ذكر فالمعتبر المقصد اللغوي فمن حلف لا يركب دابة أو لا يلبس ثوبًا، وليس لهم عرف في دابة معينة ولا في ثوب معين، بل لفظ الدابة يطلق عندهم على معناه لغة، وهو كل ما يلبس فإذا ركب تمساحًا أو لبس عمامة، فإنه يحنث لأنه المدلول اللغوي، وكذا من حلف لا يصلي ولفظ الصلاة عندهم إنما يطلق على معنى اللغوي، فإنه يحنث إذا دعا الله تعالى إذ الدعاء صلاة لغة وبهذا تعلم فائدة التقييد بقوله فيما تقدم إن كان المتكلم صاحب شرع. اهـ در بزيادة من دس وتوضيح. [مسألة] إذا أطلق في يمينه ولم يوجد بساط ولا عرف قولي، ولا غير ذلك مما تقدم وكانت صيغته صيغة حنث، فإنه يحنث بفوت المحلوف عليه لغير مانع كما إذا حلف ليطأها الليلة فتركه اختيارًا حتى فاتت الليلة بل ولو لمانع شرعي أو عادي، فالمانع الشرعي كمن حلف ليطأن زوجته الليلة؛ فنزل عليها الحيض أو تبين أنها حائض؛ فإنه يحنث إن لم يطأ ولو لم يفرط؛ فإن وطئها حال الحيض ففي بره وحنثه قولان، فالقول بالبر حملاً للفظ على مدلوله لغة، والقول بعدم البر حملاً له على مدلوله شرعًا والمعدوم شرعًا كالمعدوم حسًا يعني أنه غير معتد به في نحو الإحصان، وتحليل المبتوتة أو غير مأذون فيه وإلا فهو يسمى وطئًا شرعًا ويوجب الغسل والحد والمهر ونحو ذلك، وأما إذا حلف ليطأنها ولم يقيد بالليلة فلا يحنث بحيضها بل ينتظر طهرها في المستقبل ويطؤها هذا هو الصواب كما في بن والرماصي خلافًا لما يفيده كلام عبق من الحنث مطلقًا، ومن أمثلة الشرعي من حلف ليبيعن أمته فتبين أنها حامل منه فإنه يحنث، هذا مذهب المدونة في المسألتين وفرق ابن القاسم وابن دينار في مسألة الحيض بين أن يمضي زمن يمكنه فيه الوطء، فيحنث وبين أن لا يمضي زمن يمكنه فيه الوطء فلا يحنث، وخالف سحنون في مسألة بيع الأمة فقال: إن تبين أنها حامل لا يحنث ولم يعتمدوا كلاً منهما ومن أمثلته أيضًا ما لو حلف إنسان من أولياء المقتول ليقتصن من الجاني فعفى عنه بعض آخر من المستحقين أو تبين أنه عفى عنه قبل الحلف فإنه يحنث في هذه وفي مسألة بيع الأمة المتقدمة مطلقًا أقت بوقت أم لا؟

[مسألة]

فرط أم لا والمانع العادي كمن حلف ليلبسن هذا الثوب فسرق قبل أن يلبسه أو غصب أو حلف ليذبحن هذا الحيوان وليأكلن هذا الطعام فسرق أو غصب كل منهما قبل الأكل، وقبل الذبح؛ فإنه يحنث إن تأخرت السرقة أو الغصب عن اليمين مطلقًا أقت أم لا فرط أم لا، وأما إذا تقدمت السرقة أو الغضب أو اليمين فلا حنث مطلقًا أقت أم لا فرط أم لا؟ (¬1) ومعني أقت أي جعل للمحلوف عليه وقتًا بأن حلف لألبسن الثوب في هذا اليوم مثلاً، وأما إن كان المانع من فعل المحلوف عليه عقليًا، فلا يحنث كما إذا حلف ليذبحن هذه الشاة مثلاً فماتت عقب اليمين أو تأخر موتها، ولم يحصل منه تفريط وإلا بأن فرط مع التأخير حتى ماتت حنث، والحاصل أن المحلوف عليه إذا فات لمانع عقلي، فإما أن يكون الحالف قد عين وقتًا لفعله أم لا فإن كان قد عين وقتًا كقوله: لأذبحنها في هذا الشهر فماتت فيه لم يحنث ما لم يضق الوقت، ويفرط وإلا حنث، وإن كان لم يؤقت فلا حنث إن حصل المانع عقبه، أو تأخر بلا تفريط فإن فرط مع التأخير حتى فات فالحنث وقد نظم ذلك الأجهوري فقال: إذا فات محلوف عليه لمانع ... فإن كان شرعيًا فحنثه مطلقًا كعقلي أو عادي إن يتأخرًا ... وفرط حتى فات دام لك البقا وإن أقت (¬2) أو قد كان منه تبادر ... فحنثه بالعادي لا غير مطلقًا وإن كان كل قد تقدم منهما ... فلا حنث في حال فخذه محققًا ومن أمثلة العقلي ما إذا حلف ضيف على رب دار أنه لا يذبح له فتبين أنه ذبح له أو حلف ليفتضن زوجته فوجد عذرتها سقطت فلا حنث فيهما؛ لأن رفع الواقع وتحصيل الحاصل محال عقلاً. اهـ ملخصًا من در ودس والخرشي والأمير بتوضيح. [مسألة] إن قال: والله لأدخلن الدار في شهر رجب مثلاً ثم عزم على عدم الدخول قبل مضيه لا يحنث؛ لأن صيغة الحنث المؤجل، لا يحنث فيها إلا إذا فات الأجل، وأما صيغة البر فلا يحنث فيها بالعزم على الضد كما إذا قال: والله لا أكلم زيدًا ولا يحنث إلا إذا كلمه بالفعل، وأما صيغة الحنث المطلق كما إذا قال: والله لأدخلن الدار أو إن لم أخل الدار فأنت طالق ثم عزم على عدم دخول الدار فطريقة ابن المواز وابن شاس في الجواهر وابن الحاجب والقرافي الحنث ومشى عليها سيدي خليل، وقال غيرهم غاية ما في المدونة أن الحالف بصيغة الحنث المطلق له تحنيث نفسه بالعزم على الضد ويكفر، ولا يتحتم الحنث إلا بفوات المحلوف عليه، فله أن يرجع ليمينه ويبطل العزم كما لو قال: إن لم أتزوج فعلي كذا ثم عزم ¬

(¬1) قوله: فرط أم لا: لا يخفى ما في التقسيم من التسامح ألا ترى إذا كان المانع متقدمًا على اليمين فإنه لا يتأتى تفريط. اهـ من حاشية الخرشي. (¬2) قوله: وإن أقت إلخ أي أن العادي إذا تأخر يحنث فيه مطلقًا أقت أم لا بادر أم لا بخلاف العقلي فإنه إن أقت فيه لم يحنث إلا إذا ضاق الوقت وفرط كما تقدم. اهـ منه.

[مسألة]

على ترك الزواج فله الرجوع للزواج، وإبطال عزمه ولا يلزمه شيء مما حلف به ما لم يكن المحلوف به طلاقًا وإلا لزمه بمجرد العزم على الضد، وتحنيث نفسه ولا يتأتى له الرجوع انظر حاشية المجموع، واختار الرماصي هذا الطريق كذا في دس، ولكن في حاشية الخرشي أنه لا يحنث بالعزم على الضد في الطلاق فأولى اليمين بالله، ونص الحاشية، والذي في المدونة ومن قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك فأراد أن لا يتزوج عليها فليطلقها طلقة ثم يرتجعها فيزول يمينه ولو ضرب أجلاً كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبل الأجل وإنما يحنث إذا مضى الأجل، ولم يفعل ما حلف. انتهى ما في المدونة ومقتضاه أنه لا يقع الطلاق بمجرد العزم قاله بعض شيوخنا وإذا كان لا يحنث بالعزم في الطلاق فأولى اليمين بالله. اهـ فالدسوقي اختار ما في المجموع دون ما في حاشية الخرشي ومن حلف لا يتزوجن لا يبر في حلفه إلا إذا نكح امرأة نكاحًا صحيحًا لا يستحق الفسخ وكانت تشبه أن تكون من نسائه ولا يكفي في البر العقد فقط بل لا بد من الوطء فإن كان حلفه ليتزوجن عليها فلا يبر إلا بما تشبه زوجته، فإن تزوج بما يفسخ نكاحها أو بما لا تشبه زوجته أو نساءه وكان حلفه غير مقيد بأجل فيحنث إن عزم على الضد وإن أجل فيحنث إذا مضى الأجل. اهـ من الخرشي بزيادة من عدوي. [مسألة] إذا حلف لا يأكل في غد فأكل فيه نسيانًا فإنه يحنث على المعتمد وخلافًا لابن العربي والسيوري وجمع من المتأخرين حيث قالوا: بعدم الحنث بالنسيان وفاقًا للشافعي، ولو حلف بالطلاق ليصومن غدًا فأصبح صائمًا ثم أكل ناسيًا فلا حنث عليه كما في سماع عيسى وذلك لأنه حلف على الصوم وقد وجدوا الذي فعله نسيانًا وهو الأكل لا يبطل صومه؛ لأن الأكل في التطوع لا يبطله، وهذا الصوم تطوع بحسب الأصل فلما لم يبطل صومه لم يحنث، ومثل النسيان الخطأ والغلط، فمثال الخطأ حلف لا يدخل دار فلان فدخلها معتقدا أنها غيرها فإنه يحنث ومن أمثلة الخطأ ما إذا حلف لا يتناول من زيد دراهم فتناول منه ثوبًا تبين أن فيه دراهم فإنه يحنث، وقيل: بعدم الحنث وقيل: يحنث إن كان يظن أن فيه دراهم قياسًا على القطع في السرقة، وإلا فلا حنث. انظر الحطاب ومثال الغلط حلف أنه لا يكلم زيدًا فكلمه معتقدًا أنه عمرو وكحلفه لا أذكر فلانًا فأراد ذكر غيره فجرى ذكره على لسانه غلطًا فلا يحنث؛ لأن الصواب أن الغلط اللساني لا حنث فيه وما وقع في كلامهم من الحنث بالغلط فالمراد به الغلط الجنائي وهو الخطأ لا اللساني. اهـ ملخصًا من در ودس. [مسألة] إن قال: والله لأدخلن الدار فأكره على عدم دخولها ومنع منه قهرًا ولو من غير عاقل فإنه يحنث وعليه الكفارة؛ لأن يمينه وقعت على حنث وأما إن وقعت على بر كقوله والله

[مسألة]

لا أكلم زيدًا ولا أدخل داره في هذا الشهر فأكره على الفعل فكلمه أو دخل داره قهرًا فإنه لا يحنث لكن بقيود ستة أن لا يعلم بأنه يكره على الفعل قبل الحلف وإلا حنث لأنه داخل عليه في يمينه وأن لا يأمر غيره بالكراهة له، وأن لا يكون الحالف على شخص بأنه لا يأكل مثلاً هو المكره له (¬1) على الأكل وإلا حنث، لأنه ظاهر أنه طوع في هذين الأخيرين وأن لا يكون الإكراه شرعيًا وإلا حنث؛ لأن الإكراه الشرعي كالطوع كوالله لا أدخل المسجد ثم حبسه فيه القاضي لدعوى توجهت عليه وكحلفه أن لا يدفع ما عليه من الدين في هذا الشهر فأكرهه القاضي على الدفع لكونه موسرًا، وأن لا يفعل ثانيا طوعًا بعد زوال الإكراه وأن لا تكون يمينه لا يفعله طائعًا ولا مكرهًا وإلا حنث، بقي ما لو حلف على زوجته بالطلاق مثلاً أن لا تخرج من الدار فخرجت لسيل أو هدم أو أمر شديد لا يمكنها الفرار معه أو أخرجها صاحب الدار لكون مدة الكرى قد انقضت أو نودي على فتح قذر وهي حامل أو مرضع فخرجت لخوفها على رضيعها أو على ما في بطنها كما يقع في مصر عند إرادة نزح الكنف فينادي شخص ليعلم الناس بذلك لتخرج الحامل ونحوها ففي سماع ابن القاسم عن مالك لا حنث عليه في هذه الفروع واستصوبه بن لخروجه عن نيته حكمًا لو سئل على قاعدة البساط المتقدم وفي عبد الباقي ويحتمل الحنث لأنه كالإكراه الشرعي؛ لأن الخروج واجب شرعًا وفي مثل هذا ورده بن بأنه غير صحيح لمخالفته للنص. اهـ ملخصًا من در ودس بتوضيح. [مسألة] إذا حلف ليصومن غدًا فمرض ولم يقدر على الصوم حنث وأما إن ظهر أنه عيد فإنه لا يحنث؛ لأن بساطه إن كان يصام فكأنه قال: لأصومن غدًا إن كان يصام نقله السيد عن عج عن ابن عرفة. اهـ من حاشية الأمير على عبد الباقي بتوضيح. [مسألة] إذا حلف لا آكل هذا الرغيف أو هذا الطعام فأكل بعضه ولو لقمة حنث وهذا في صيغة البر وأما في صيغة الحنث نحو: والله لآكلن هذا الرغيف أو هذا الطعام أو إن لم آكله فهي طالق فلا يبر بفعل البعض ومن حلف أن لا يلبس هذا الثوب حنث بإدخال طوقه في عنقه، ومن حلف لا يصلي حنث بالإحرام، ومن حلف لا يصوم حنث بالأصباح ناويًا، ولو أفسد الصلاة بعد الإحرام أو الصوم بعد الأصباح، ومن حلف لا يركب حنث بوضع رجله في الركاب ولو لم يستقر على الدابة حيث استقل عن الأرض ومن حلف إن وضعت ما في بطنك فأنت طالق فوضعت واحدًا وبقي واحد حنث بوضع أحدهما، ومن حلف لا يطؤها حنث بمغيب الحشفة، وقيل بالإنزال، ولم يلتفتوا في هذا للحنث بالبعض، كأنه لتعويل الشارع في أحكام الوطء على مغيب الحشفة، ومن حلف لا يدخل الدار لم يحنث بإدخال رأسه بخلاف رجله، والأظهر إن اعتمد عليها، ومن حلف ليقرأن ¬

(¬1) قوله وهو المكره إلخ وقيل لا يحنث في هذا والقولان ذكرهما ابن عرفة اهـ دس. اهـ منه.

[مسألة]

القرآن اليوم أو سورة فقرأ ذلك، ثم إنه أسقط حرفًا فإن علم أنه يسقط مثل ذلك حلف عليه، وله ما نوى وإن جاء بما لا يعرف من الخطأ الكثير، أو ترك سورة فهو حانث، وقال مالك في من حلف ليتزوجن على امرأته امرأة يمسكها سنة فتزوج امرأة أمسكها أحد عشر شهرًا ثم ماتت فإنه يتزوج غيرها ويبتدئ السنة، وقال سحنون: يجزئه أن يمكث مع الثانية بقية السنة، وقال شيخنا وغيره: إذا حلف على شخص إن يأكل فإن كان حلف عليه في آخر الأكل فلا يبر الحالف إلا بثلاث لقم وإن كان في أوله فلا يبر إلا يبر إلا بشبع مثله. (فرع) لو حلف ليجلسن في بقعة من الجنة بر بجلوسه في الروضة المشرفة، قلت: وورد في مجالس الذكر أنها رياض الجنة، وقبور المؤمنين، فإن نوى الحقيقة حنث، أفاد هذه المسائل الأمير على عبق. [مسألة] إذا حلف شخص لمن عليه دين لا فارقتك أو لا فارقتني حتى تقضيني حقي ففر منه، ولو لم يفرط بأن انفلت منه كرهًا عليه فإنه يحنث، قال العلامة الأمير إن قلت: فراره إكراه في برأي والإكراه في البر لا حنث به قلت هو في المعنى حنث أي لألزمنك. اهـ بتوضيح وكذا يحنث في هذه المسألة إن أحال المدين الحالف فرضي بالحوالة، وترك سبيله فيحنث بمجرد قبولها ولو لم تحصل مفارقة من الغريم؛ لأن القبول بمنزلة المفارقة ولو قبض الحق بحضرة الغريم، وما ذكره المصنف من الحنث بالحوالة، وعدم الاكتفاء بها خلاف عرف مصر الآن من الاكتفاء بالحوالة، ومعلوم أن الأيمان مبنية على العرف. اهـ دس. [مسألة] إن حلف لا أكلمه فإنه يحنث بإرسال رسول كلام إن بلغ للمحلوف عليه، وكذا إذا كتب له كتابًا فإنه يحنث إن وصل للمحلوف (¬1) عليه بأمر الحالف سواء كان عازمًا حين كتابته أو إملائه أو الأمر بكتابته أم لا وإن أوصل بغير أمر الحالف بأن دفعه الحالف للرسول ثم بعد ذلك رده عن إيصاله للمحلوف عليه فعصاه، وأوصله إليه فلا يحنث الحالف لا بإيصاله ولا بقراءته على المحلوف عليه وكذا لا يحنث إذا لم يصل للمحلوف عليه، ولو كان عازمًا عليه حين الكتابة بخلاف الطلاق، فإنه يقع بمجرد الكتابة عازمًا عليه؛ لأن الطلاق يستقل به الزوج بلا مشافهة، فلا يتوقف على حضور الزوجة ولا مشافهتها بخلاف الكلام فإنه يتوقف على ذلك، ثم إنه إذا ادعى أنه نوى لا أكلمه مشافهة ووصول الكتاب وإبلاغ الرسول ليس فيهما مشافهة فتقبل نيته في الرسول مطلقًا في الفتوى والقضاء لموافقة نيته لظاهر لفظه، ولا تقبل في وصول الكتاب في العتق المعين والطلاق؛ لأن نيته مخالفة لظاهر لفظه؛ لأن الكلام شامل للغوي والعرفي بخلاف كلام الرسول فإنه لم يحصل به كلام لا لغة ولا عرفًا ¬

(¬1) قوله: إن وصل للمحلوف عليه أي ولو لم يفتحه المحلوف عليه أو فتحه ولم يقرأه كما فعل اللخمي عن المذهب وهو ظاهر المصنف تبعًا لظاهر المدونة خلافًا لنقل ابن رشد انظر عبق. اهـ منه.

[مسألة]

فإذا قال: إن كلمته فهي طالق أو فعبدي حر ثم أرسل له كلامًا مع رسول وبلغه له وادعى أنه نوى المشافهة قبل منه في الفتوى والقضاء، وأما إن أرسل له كتابا ووصله ثم ادعى المشافهة لم يقبل عند الرفع للحاكم في خصوص العتق المعين والطلاق لحق العبد والزوجة. اهـ ملخصًا من در ودس. [مسألة] إن حلف أن لا يكلمه ثم رأى شخصًا فسلم عليه معتقدًا أنه غيره فتبين أنه هو فإنه يحنث ولا يقال إن هذا من اللغو، ولا حنث فيما يجري فيه اللغو لأنا نقول إن الاعتقاد هنا ليس متعلقا بالمحلوف عليه حتى يكون لغوا بل بغيره؛ لأن الاعتقاد تعلق بزيد فتبين أنه غيره (¬1) وزيد ليس محلوفًا عليه بل المحلوف عليه عدم الكلام وقوله معتقدًا أنه غيره وأولى ظانًّا أو شاكًّا أو متوهمًا أنه غيره، وأما عكس هذه المسألة وهو لو كلم رجلا يظنه المحلوف عليه فإذا هو غيره لم يحنث ولو قصده كما ذكره الشارح أي بهرام في كبيره وشامله ولا يقال هذا فيه العزم على الضد وهو يوجب الحنث لأنا نقول العزم على الضد إنما يوجب الحنث في صيغة الحنث فقط ومن هذا يعلم أن الحنث وعدمه منوطان بها تبين لا باعتبار الاعتقاد ومن ذلك لو قال: امرأته طالق ما له مال وقد ورث قبل يمينه ما لا يعلم به فيحنث إلا أن ينوي في يمينه أعلمه فلا حنث. اهـ ويؤخذ منه أن من قال عبد فلان حر وانكشف الأمر أنه ورثه قبل أن يقول هذا القول فإنه يعتق عليه، ولم ير هذا منصوصًا، وكذا يحنث إذا سلم على جماعة فتبين أن المحلوف عليه فيهم، وأولى إن كان عالمًا بذلك إلا أن يحاشيه أي يخرجه منهم بقلبه قبل السلام عليهم، وكذا إن أخرجه بقلبه في أثناء السلام كما تقدم في مسألة أيمان المسلمين تلزمني، وهو المعتمد ومقابله أن الإخراج بالنية حال اليمين لا ينفع. اهـ ملخصًا من در ودس. [مسألة] إذا حلف بالطلاق أو بغيره أنها لا تخرج إلا بإذنه فأذن لها وخرجت بعد إذنه لكن قبل علمها بالإذن؛ فإنه يحنث سواء أذن لها وهو حاضر أو في حال سفره أشهد على الإذن أم لا وكذا يحنث بتركها عالمًا بخروجها بغير إذنه؛ لأن مجرد علمه لا يعد إذنًا فلا بد من الإذن الصريح، وأولى أن يعلم ويؤخذ من هذه المسألة ما أفتى به بعض الشيوخ فيمن حلف غريمه أنه لا يسافر من هذه البلد إلا بإذنه فسافر مصاحبًا له من غير إذنه أنه يحنث، لأنه خرج بغير إذنه، وذلك أنه ربما كان له غرض في بقائه، فإن كان البساط خوف هروبه وقد أمن بكونه معه فلا حنث، وأما إذا حلف لا يأذن لها في الخروج إلا لبيت أبيها مثلاً فأذن لها في ذلك فزادت عليه بأن ذهبت لغيره قبله أو بعده، أو اقتصرت على غيره من غير علم حال الزيادة فلا شيء عليه، وأما لو زادت وهو عالم بزيادتها ولم يمنعها فإنه يحنث؛ لأن علمه كإذنه وقد حلف أن لا يأذن لها في ذلك الزائد، وأما علمه بعد فعلها الزيادة فلا ¬

(¬1) قوله: فتبين أنه غيره وهذا معنى قول المجموع وليس لغوًا فإن اللغو حال الحلف. اهـ منه.

[مسألة]

يوجب حنثه وأما لو حلف لا خرجت إلا بإذني فأذن لها في أمر فزادت فالحنث مطلقًا علم بالزيادة أو لم يعلم ثم إنه إذا قال لها: لا تخرجي إلا بإذني وبعد ذلك قال لها: اخرجي حيث شئت فإنه تنحل يمينه إلا أن يقصد التهديد على حد قوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} فليس إذنًا فلا تنحل اليمين، وأما إذا قال: لا تخرجي إلى موضع أو إلى موضع من المواضع إلا بإذني فليس قوله لها: اخرجي حيث شئت إذنًا معتبرًا فيهما على المعتمد، لأنه لما قيد بإلى موضع أو إلى موضع من المواضع دل على أن مراده لا بد من إذنه لها في الخروج إذنًا خاصًّا في كل منهما، وأما إذا حلف: لا تخرج إلا بإذنه وأذن لها ثم رجع فخرجت؛ فمذهب ابن القاسم يحنث، ومذهب أشهب لا يحنث، وخرجا على ما إذا شرط لامرأته أن لا يخرجها من بلدها إلا برضاها فرضيت، وأخرجها ثم طلبت الرجوع فإنه لا يلزمه خلاف قول ابن القاسم أنه يلزمه أن يرجعها. اهـ ملخصًا من عبق والأمير وعدوي ودس. [مسألة] إذا حلف لا يعير زيدًا فوهبه أو تصدق عليه، أو حلف لا يهبه فتصدق عليه، فإنه يحنث؛ لأن قصده عدم نفعه ولا ينوي في الطلاق والعتق المعين إذا رفع للقاضي مع بينة أو إقرار في هذه الصور الثلاث، وأما إذا حلف لا يتصدق عليه أو لا يهبه فأعاره أو حلف لا يتصدق عليه فوهبه فإنه يحنث ولكن ينوي في هذه الصور الثلاث مطلقًا حتى في الطلاق والعتق المعين مع المرافعة للقاضي، وأما عند المفتي فينوي حتى في الطلاق والعتق المعين في الصور الست. اهـ در بتوضيح. [مسألة] إن حلف لزيد لأقضينك حقك في شهر رمضان مثلاً فلما قضاه دينه فيه استحق بعض الدين من يده وأولى كله؛ فإنه يحنث ولو كان البعض الباقي يفي بالدين، وذلك لأنه رضي في حقه إلا بالكل فلما ذهب البعض انتقض الرضا، وهذا في القضاء بغير الجنس، وظاهره الحنث بالاستحقاق ولو أجاز المستحق أخذ رب الحق ذلك الشيء المقتضى به الدين الذين استحقه وهو كذلك، ولكن الحنث مقيد بقيدين، الأول: أن يقوم رب الدين به بعد الاستحقاق، وأن يكون قيامه بعد الأجل الذي حلف المدين ليقضين الدين فيه لربه، وكذا يحنث إذا قضى دينه في ذلك الأجل فظهر به عيب قديم يوجب الرد، ولكن الحنث هنا مقيد بقيود ثلاثة القيدين المتقدمين في مسألة الاستحقاق، وهما أن يقوم رب الدين به بعد وجود العيب، وأن يكون قيامه بعد الأجل، والثالث أن يكون العيب موجبًا للرد؛ فإن سامح رب الدين ولم يقم به لم يحنث الحالف، وإن قام رب الدين به قبل الأجل فلا حنث إن أجاز وكذا إن لم يجز واستوفى حقه قبل مضي الأجل وإلا بأن مضى الأجل حنث وكذا يحنث إذا وهب رب الدين للمدين الحالف ما في ذمته فقبل الهبة ولكن إن دفعه لربه بعد القبول وقبل الأجل ثم يرجع به عليه لا يحنث فقول الدردير تبعًا لعبد الباقي ولا ينفعه دفعه لربه بعد القبول لا يسلم به الحق

[مسألة]

أنه ينفعه وكذا يحنث أن دفع قريب المدين مثلا الدين عن المدين الحالف بلا إذنه سواء دفع ذلك القريب من مال نفسه أو من مال الحالف لكن إن علم الحالف قبل مضي الأجل بدفع القريب ورضي بدفعه عنه بر؛ لأن علمه ولرضاه منزل منزلة دفعه لكن الحنث بدفع القريب محمول على قريب غير وكيل أو وكيل تقاضى لدينه الذي على الناس أو وكيل ضيعة (¬1) أو وكيل بيع أو شراء أما لو كان وكيل قضاء للديون التي عليه أو كان مفوضا فإنه يبر بدفعه أمره أم لا علم بذلك وسكت أم لا، وكذا يحنث إذا تذكر بعد الحلف أن رب الدين قبضه أو قامت له بينة بالقضاء ولا يبر بذلك ولا يبر إلا بدفع الحق لربه ولم يعولوا هنا على البساط وإلا فمقتضاه لا حنث حينئذ وإذا دفعه فإن شاء رجع به وإن شاء لم يرجع فإن دفع الحق لربه فأبى وقال: لا حق لي فاستظهر عج جبر رب الحق على قبوله لأجل أن يبر الحالف. اهـ ملخصًا من در ودس. [مسألة] إن حلف لا يأكل شيئًا من طعام زيد ثم إن زيدًا أعطى رغيفًا لولد الحالف فأكل منه ذلك الحالف فإنه يحنث ولو لم يعلم أن ذلك الرغيف من عند زيد خلافا لسحنون القائل بعدم الحنث عند عدم العلم ولكن حنث الحالف مقيد بقيدين الأول إن كانت نفقة الولد على أبيه الحالف، والثاني إن كان المدفوع للولد يسيرًا، ولو الذي لا ينتفع به إلا في الوقت كالسكرة، فإن كان الولد لا نفقة له على أبيه فلا حنث، وإن كان المدفوع للولد كثيرًا فلا حنث إذ ليس للأب رد الكثير أي أنه لا مصلحة في رده فهو ملك للولد بخلاف اليسير فإنه لما كان للأب رده كان باقيًا على ملك ربه، فكان الحالف أكل من الطعام المحلوف عليه، وبذلك يعلم أن كسوة الولد ليست كالطعام، فإذا حلف لا ألبس ما يكسوه لي زيد ثم إن زيدًا كسا ولد الحالف ثوبًا مثلاً فلبسه الأب الحالف فلا يحنث، لأنه من الكثير الذي ليس له رده، كذا قاله عج، والعبد كالولد إلا أن الحالف يحنث بأكله مما دفع لعبده ولو كثيرًا بخلاف الوالدين اللذين تجب نفقتهما على الحالف فلا يحنث بأكله مما دفع لهما سواء كان قليلاً أو كثيرًا لأنه ليس له رده؛ لأن الوالدين ليس محجورًا عليهما للولد، ومثل الوالدين ولد الولد لعدم وجوب نفقته عليه. اهـ ملخصًا من در ودس وعدوي. [مسألة] إن حلف لا أكلمه أيامًا لزمه ترك الكلام في ثلاثة من الأيام ولا يحسب يوم الحلف من الأيام الثلاثة حيث سبق بالفجر لكنه لا يكلمه فيه، فإن كلمه فيه حنث وقيل: إن يوم الحلف لا يلغى به يكمل (¬2) بقيته من اليوم الذي يلي اليومين ¬

(¬1) قوله: أو وكيل ضيعة أي وهو الذي وكله على بيع الضيعة وهي في الأصل العقار كما في القاموس، وذكر ابن مرزوق أن وكيل الضيعة هو الذي يتولى شراء النفقة للبيت من لحم وصابون وغير ذلك. اهـ من دس وفي الأمير وكنا نسمع إطلاقه على من يباشر له زرع أرضه وخراجها وفي مثال النحو كل رجل وضيعته فسر بحرفة الصانع الذي إذا تركها ضاع وضاعت. اهـ منه. (¬2) قوله: بل يكمل إلخ أي كما هو ظاهر نظم تت لما فيه التلفيق وهو قوله: كراء خيار عدة ثم عهدة ... يمين وسفر والعقيقة تتبع يلفق بعض اليوم قبله ... وقد قيل لا تلفيق فاحفظه ينفع تلوم قاض للقضاء طقه ثامنًا ... وصوب في هذا إلي الرأي يرجع اهـ أمير اهـ منه.

[مسألة]

الصحيحين وظاهر ما في كتاب النذور وترجيحه وكلام بعض الشراح يقتضي ترجيح القول الأول وكذا يلزمه ترك الكلام معه في ثلاثة أيام إذا قال: لأهجرنه على الراجح فإنه الهجر الشرعي وقيل: يلزمه شهر رعيًا للعرف. اهـ ملخصًا من در ودس. [مسألة] إذا أعلم زيد خالدًا بأمر واستحلفه على كتمانه فحلف خالد ثم إن زيدًا أسره لغيره فأسره ذلك الغير لخالد وأخبره به فقال خالد للمخبر له ما ظننت أن زيدًا قال ذلك الأمر لغيري فإنه يحنث بذلك فتزل، قوله: ما ظننته قال لغيري منزلة الأخبار ولو لم يقصده وينبغي أنه إذا كان البساط عدم الفشو مثلاً، ففشى من غيره أنه لا يحنث، ثم إن ما هنا من الحنث بالمفهوم فيؤخذ منه قوة الحنث في الفرع الذي ذكره الحطاب آخر الباب، وهو حلف لا ألعب معك إلا هذا الدست من الشطرنج فخلطه شخص عليهما فحنثه الشافعية وجماعة بناء على أن الاستثناء من النفي إثبات ولم يحنثه الطرطوشي بناء على أن المستثنى مسكوت عنه، كيف وقد قيل: إنه منطوق، وفي ابن قاسم على جمع الجوامع حلف لا يلبس ثوبًا إلا الكتان لا يحنث بترك اللبس أصلاً إما لأن الأيمان على العرف؛ لأن المراد في العرف إن لبست لا ألبس إلا الكتان، أو معنى الاستثناء من النفي إثبات أنه أخرجه من المنع باليمين وأثبت له الإباحة والتخيير لا الوجوب فلينظر. اهـ من المجموع بزيادة من حاشية عبق وتوضيح وقوله وفي ابن قاسم كالتعقيب والاعتراض على قول الحطاب فحنثه الشافعية، وكأنه يقول: كيف نسبة هذا للشافعية مع ما قاله ابن قاسم على جمع الجوامع من عدم الحنث. انظر ضوء الشموع. [مسألة] إذا حلف لزوجته لا أكلمك حتى تفعلي كذا ثم قال عقب حلفه: اذهبي يحنث؛ لأن قوله: اذهبي كلام قبل الفعل، بخلاف ما إذا حلف بطلاق أو غيره، أنه لا يكلم زيدًا إلا أن يبدأه بالكلام فقال له زيد: إذًا والله لا أبالي بك، فإن هذا لا يكون تبدئة معتدًا بها في حل اليمين، فإن كلمه قبل صدور كلام غير هذا حنث، وإنما لم يجعل لا أبالي بك كلامًا ولو كرره لأنه في جانب البر، وهو لا يحصل إلا بكلام معتد به وجعل ابن قاسم قوله: اذهبي كلامًا فحنثه لأنه في جانب الحنث وهو يحصل بأدنى سبب خلافًا لابن لبابة فلم يحنثه، وقد اختصما في ذلك عند مالك كما في السيد. اهـ ملخصًا من عبق والأمير ودس. [مسألة] إن قال البائع للمشتري حين البيع أنا حلفت لا أبيع لفلان وأخشى أنك تشترى له بالوكالة فقال: الشراء لي لا لفلان ثم بعد تمام البيع قال المشتري: اشتريت لفلان المحلوف عليه فلا يحنث إلا أن يثبت بالبينة أنه اشتراه لفلان فيحنث والبيع لازم للحالف مع الحنث ما لم يقل الحالف: إن كنت تشتري له فلا بيع بيني وبينك، لم يحنث ولم يلزم البيع على المعتمد وهو قول اللخمي.

[مسألة]

والتنوسي، ومقابله أن البيع لازم والشرط باطل، ويحنث إذا علمت أنه إذا قال: الشراء لي، ثم قال: اشتريت لفلان ولم يثبت ذلك لم يحنث أي لكون الوكيل غير مصدق فيما يدعيه، ولا يخفى الورع أو ليس أنه قد قيل كما في الرضاع، ومثله كما نقله شيخنا السيد البليدي عن شيخه سيدي محمد الزرقاني، إذا حلف على زوجته بالطلاق أنها لا تدخل حماما مثلا، فقالت له بعد ذلك: دخلته فلا تصدق ولا يحنث إلا إذا ثبت بالبينة. اهـ ملخصا من در ودس. [مسألة] إن حلف بطلاق أو غيره لأقضينك دينك إلى رمضان مثلا، إلا أن تؤخرني فمات رب الحق المحلوف له قبل الأجل، وأجله الوارث أجلا ثانيا فلا يحنث بفراغ الأجل الأول من غير قضاء على المعتمد، ثم إن ما ذكر من عدم الحنث مقيد بما إذا كان الوارث رشيدا وكان الميت ليس عليه دين وإلا حنث، ومن ذلك ما إذا مات المورث المظلوم فلوارثه ثواب أيضا في ذلك الظلم لانتقال الحق له وهو أظهر الأقوال في البدر والسيد. اهـ ملخصا من عبق والأمير. [مسألة] حلف لزوجته على قطعة لحم لتأكلنها (¬1) فخطفتها هرة عند مناولته إياها وابتلعتها، فشقت الزوجة جوف الهرة، وأخرجتها قبل أن يتحلل في جوفها منها شيء وأكلتها، وحصل توان من الزوجة في أخذ القطعة من زوجها حين خطفتها الهرة، والمراد بالتواني أن يمضي زمن بقدر التناول ولا يشترط الزيادة على ذلك، هذا هو الصواب، فالراجح الحنث، فإن لم تتوان في أخذها لم يحنث قطعا، ولو لم تشق الزوجة جوف الهرة، ولم يجروا هذا على المانع العادي حيث حنثوه فيه مطلقا؛ إذا حلف ليأكلن هذا الطعام فسرق قبل الأكل سواء أقت أم لا، فرط أم لا، كما تقدم، ومن حلف على طعام ليأكلنه فأكله بعد فساده؛ قولان إلا أن يتوانى فالحنث على الأظهر. اهـ مجموع بتوضيح. [مسألة] حلف لا يكسوها هذين الثوبين، ونيته أنه لا يكسوها الثوبين معا، ففي المدونة أنه يحنث، واستشكل عدم قبول نيته بأنها مساوية للفظه، والنية المساوية للفظ تقبل مطلقا في الفتوى والقضاء، ولو بطلاق وعتق معين مع المرافعة كما تقدم، وأجيب بأنا لا نسلم مساواة نيته للفظه بل نيته مخالفة للفظه؛ لأن قوله لا كسوتها إياهما كما يحتمل لا كسوتها إياهما جميعا يحتمل لا كسوتها بكل واحدة منها على انفرادها، فبهذا الاعتبار صارت النية مخالفة لظاهر اللفظ، والنية إذا كانت كذلك تقبل عند المفتي مطلقا، كانت اليمين بالله أو بغيره، ولا تقبل عند القاضي مع المرافعة إذا كانت اليمين بطلاق أو عتق معين. اهـ من دس. [مسألة] إذا وضع مالا في مكان أو دفنه فيه، ثم طلبه فلم يجده لنسيان المكان الذي دفنه أو وضعه فيه فحلف لقد أخذتيه، ثم أمعن النظر ثانيا فوجده في مكانه الذي دفنه فيه، أو أنها أخذته فإن كان حين الحلف معتقدا أنها ¬

(¬1) قوله: لتأكلنها بكسر اللام على حذف ياء المخاطبة ونون الرفع للساكنين وبفتح اللام على الغيبة، وقوله: فخطفتها بكسر الطاء على الأفصح، قال تعالى: {إلا من خطف الخطفة}، وفتح الطاء لغة رديئة. اهـ من دس اهـ منه.

[مسألة]

أخذته أو ظانا أو شاكا، فلا يحنث سواء كان الحلف بطلاق أو غيره؛ لأن المعنى إن كان ذهب فقد أخذتيه وقد ظهر أنه لم يؤخذ، أو أنها أخذته، وأما إن كان حين اليمين جازما بعدم الأخذ فيقع الطلاق سواء تبين أنه في موضعه أو أنها أخذته، ولا يقع اليمين بالله لأنه غموس لا كفارة فيه في هاتين الصورتين، وأما إن تبين أن غيرها أخذه أو لم يتبين شيء، فإن كان حين الحلف جازما بعدم الأخذ أو ظانا أو شاكا فإنه يقع الطلاق عليه، ولا كفارة في اليمين بالله لكونه غموسا، وأما إن كان حين اليمين في هذا الموضوع جازما بالأخذ أو ظانا ولم يتبين أن أحدا أخذه فلا حنث سواء كان الحلف بطلاق أو غيره، وسيأتي نظر هذا فيما إذا تناقض متحالفان على طائر حلف أحدهما أنه غراب، وحلف الآخر أنه حدأة ولم يتبين شيء فلا حنث عليهما دفعا للتحكم ويدين كل منهما، وإن تبين أن أحدا أخذه والموضوع أنه حلف جازما بالأخذ أو ظانا له حنث إن كان حلفه بغير الله، ولا حنث إن كان اليمين بالله لأنها لغو، هذا تحرير ما تلخص من حاشية الخرشي والدسوقي وضوء الشموع. [مسألة] قوله في الحديث: «من كان حالفا فليحلف بالله» فيه رمز إلى أن الأولى التوقي عن اليمين مهابة وتعظيما إلا لمقتض، فإنه إذا أكثر منها ربما خفت مهابتها عليه، فحلف كاذبا، وعليه يحمل ما في سماع القرويين أن عيسى عليه السلام قال لبني إسرائيل: كان موسى عليه السلام ينهاكم أن تحلفوا بالله؛ إلا وأنتم صادقون، وأنا أنهاكم أن تحلفوا بالله صادقين أو كاذبين، وقال ابن رشد: قول عيسى خلاف شريعتنا، فإنه صلى الله عليه وسلم صدر منه الحلف كثيرا، وكان كثيرا ما يقسم "والذي نفسي بيده" "والذي نفس محمد بيده" صلى الله عليه وسلم، وأمره الله به في آية: {قل إي وربي إنه لحق} {قل بلى وربي لتبعثن} وأما و {لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} الآية، فنهى عن الحلف على ترك البر نظير {ولا يأتل أولو الفضل منكم} الآية. اهـ من ضوء الشموع. [مسألة] إن قال: بصوم العام لأفعلن كذا، وجعل الصوم مقسما به، كما يقسم بأسماء الله فلا شيء عليه، وكذا إذا قال: صوم العام لا فعلت لا شيء فيه، وكان شيخنا عليه سحائب الرحمة يستعمل ذلك كثيرا يوهم السامع أنه حلف، وأما إن قال: إن كان كذا فعلي صوم العام، فظاهر أنه نذر، يلزم ومن هذا لو قال: بالطلاق أو بالعتاق لأفعلن كذا ولم يفعله، والحال أنه جعل قوله بالطلاق أو بالعتاق مقسما به كما يقسم بالله، ولم يقصد بذلك حل العصمة ولا تحرير الرقبة لا شيء فيه، كما سمعته من شيخنا وهو ظاهر وليس هذا كتعليق الإنشاء، كقوله: إن فعلت كذا فهي حرة، أو زوجتي طالق، فإن هذا يلزم قطعا. اهـ من ضوء الشموع بتوضيح. [مسألة] إن قال: ودين الإسلام، فإن أراد به الأحكام الإلهية انعقد وصار يمينا؛ لأنها ترجع لكلام الله وخطابه، وأما إن أراد تدين العباد وطاعتهم لم يلزم، وكذا لا يلزمه شيء إذا قال: وخاتم الصوم الذي على فم العباد، إلا أن يريد به

[مسألة]

الحكم الإلهي، فيلزم، وكذا يلزم إذا قال: والذي خاتمه على فمي، إن أراد به الله تعالى، وأما إذا قال: والعلم الشريف، فالمتبادر منه ـ العلوم المدونة فلا يلزمه شيء إلا أن يريد علم الله تعالى أو أحكامه وإلا لزم. اهـ ضوء الشموع بتوضيح. [مسألة] إذا قال: إن فعلت كذا أكون داخلا على أهلي زانيا فاسقا، ثم فعل المحلوف عليه يلزمه الطلاق الثلاث كما استظهره في حاشية الخرشي. [مسألة] إن حلف لا آكل طعان فلان فاشتريا طعاما اشتركا فيه وأكلاه معا، لا يحنث إن أكل قدر حظه فأقل تنزيلا للأكل منزلة المقاسمة، وإن كانت الشركة شائعة، وفي الحطاب حلف لا يأكل لفلان طعاما فأكله، ولم يعلم بأنه طعام فلان المحلوف عليه، إذا أعطاه ثمنه لم يحنث قرب الأمر أو بعد، قال بن: وهو مخالف لما تقدم من أن الخطأ مثل النسيان في الحنث، أقول: يمكن توجيهه بأنه بدفع الثمن لم يتحتم المن، نعم، الظاهر أنه لا يجبر على قبول الثمن. اهـ من الأمير على عبد الباقي على الجميع سحائب الرحمات. [مسألة] كفارة اليمين بالله وما شابهه كعليّ يمين أو كفارة أو نذر إطعام عشرة مساكين مسلمين أحرارا، لكل مد نبوي وهو ملء اليدين المتوسطتين مما يخرج في زكاة الفطر، وندب زيادة على المد بغير المدينة، قال الإمام: الزيادة بالاجتهاد، وقال أشهب: يندب زيادة ثلثه، وقال ابن وهب: نصفه أو رطلان من خبز بالبغدادي وهو أصغر من رطل مصر بيسير، وندب دفع أدم يؤكلان به من نحو لحم أو لبن، ولو كانوا أطفالا استغنوا بالطعام عن اللبن فيعتبر شبعهم ولو لم يساووا الكبير على الأرجح، وفي بن ترجيح أنه يعطي كل واحد مدا أو رطلين من خبز، وإن كانوا كبارا فيكفي شبعهم مرتين شبعا وسطا في كل مرة، كغداء أو عشاء، أو غداءين أو عشاءين، وسواء توالت المرتان أم لا، فصل بينهما بطول أم لا (¬1)، وسواء أكل كل منهم مدا أو دونه أو أكثر منه، كانوا مجتمعين أو متفرقين، متساوين في الأكل أو مختلفين، ولا بد أن يكون الغداء والعشاء لعشرة بعينها فلا يجزئ أن يغدي عشرة ويعشي عشرة أخرى، والإخراج من غالب قوت البلد على الراجح، وقيل: من قوت المكفر، وقيل: الأعلى منهما احتياطا أو كسوتهم للرجل ثوب يستر جميع بدنه إلى كعبه، أو قريب منه ولو لم يكن على ¬

(¬1) قوله: بطول أم لا: أراد بطول زائد على ما يحصل به الجوع اهـ أمير اهـ منه.

باب في النذر

هيئة القميص كإزار يمكن الاشتمال به في الصلاة، ولا يشترط الجديد بل ما فيه قوة، وللمرأة ثوب وخمار، وتكفي الكسوة ولو كانت من غير وسط كسوة أهل محله، فالمدار على مطلق ساتر، أو عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، كالتي تجزئ في الظهار، ثم إن عجز وقت الإخراج عن هذه الأمور الثلاثة المخير فيها وهي الإطعام والكسوة والعتق بأن لم يكن عنده ما يباع على المفلس يلزمه صيام ثلاثة أيام وندب تتابعها، فما يفعله الجهلة من التكفير بالصوم مع القدرة على واحد من الثلاثة المتقدمة غير كاف، ولا يجزئ تلفيق من نوعين كإطعام خمسة، وكسوة خمسة، وأما من نوع واحد فيجزئ كخمسة أمداد لخمسة مساكين، ورطلين من خبز لكل من الخمسة الباقية أو شبعهم مرتين. اهـ ملخصا من در ودس والمجموع. [مسألة] يجزئ دفع نصف مد مع رطل من خبز لكل من العشرة، أو نصف مد وغداء أو عشاء. اهـ عدوي. [مسألة] إذا كان عليه ثلاث كفارات فأطعم عشرة وكسا عشرة وأعتق عشرة، وقصد كل نوع منها عن واحدة فإنه يجزئه، ولو لم يعين لكل يمين كفارة. اهـ عدوي. [مسألة] تجب الكفارة بالحنث وأجزأت قبله سواء كان حلفه بنذر مبهم أو باليمين أو بالكفارة أو بالله كانت الصيغة صيغة بر أو حنث، اللهم إلا أن تكون صيغة الحنث مؤجلة فالأحب أن لا يكفر حتى يمضي الأجل كالمنعقدة على بر، وأما المنعقدة على حنث فإنه يخير إن شاء فعل وإن شاء كفر ولم يفعل. اهـ دس باختصار. باب في النذر [مسألة] إن نذر شيئا ولم يقدر عليه سقط ما عجز عنه، وأتى بمقدوره إلا إذا نذر بدنة من الإبل ذكرا أو أنثى وعجز عنها فيلزمه بدلها بقرة، ثم إن عجز عن البقرة لزمه سبع شياه بدل البقرة، ويشترط في كل شاة أن تجزئ ضحية. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إذا نذر قربة بلا تعليق نحو: لله علي عتق عبد أو صوم شهر، لزمه، بل ولو بالتعليق على معصية أو غضبان ومنه نذر اللجاج، وهو أن يقصد منع نفسه من شيء ومعاقبتها، نحو: لله علي كذا إن كلمت زيدا، وهذا من أقسام اليمين عند ابن عرفة، وعلى كل حال يلزمه الذي التزمه، فالخلف لفظي خلافا لليث وجماعة القائلين: إن المعلق على المعصية، واللجاج يلزم في كل كفارة، وقد أفتى ابن القاسم ولده عبد الصمد بهذا

[مسألة]

القول وكان حلف بالمشي إلى مكة فحنث، وقال: إني أفتيتك بقول الليث فإن عدت لم أفتك إلا بقول مالك. اهـ ملخصا من أقرب المسالك. (ما قولكم) في شخص قال: إن فعلت كذا فلله علي صلاة أو صوم أو صدقة أو صوم بعض يوم أو صلاة ركعة أو طواف شوط ثم فعل المحلوف عليه فما يلزمه؟ (الجواب) قال في الجواهر: إن التزم مطلق الصوم فيلزمه يوم، وإن التزم مطلق الصلاة فركعتان، وإن التزم مطلق الصدقة فأقل ما يتصدق به أي من درهم ونصفه وربعه والفلس والفلسين، وما زاد فهو خير، وأما نذر صوم بعض يوم أو صلاة ركعة أو طواف شوط فيأتي بعبادة كاملة. اهـ عدوي على أبي الحسن وانظر المجموع. [مسألة] إن قال: علي نذر أو لله علي نذر يلزمه كفارة يمين لأن النذر المبهم كاليمين كما تقدم. [مسألة] إن طلب من شخص شيء فقال: علي فيه شيء لمكة أو صدقة كاذبا ولا يريد إلا منعه من الطالب له، فلا شيء عليه، وأما لو أخبر عن نذر حاصل بنفس قوله: نذرت، فالظاهر اللزوم، وأما إن قال: علي فيه عتق أو طلاق وأقيمت عليه بينة فيلزمه ما ذكر، كذا في الحطاب وهو يفيد أنه إن قال عند المفتي: أنا قلت ذلك كاذبا، يقبل. اهـ مجموع بتصرف. [مسألة] إن قال: لله علي نذر إن شئت بضم التاء، فإن النذر يلزم ولا يتوقف على مشيئة، بخلاف ما إذا قال: أنت طالق إن شئت بالضم، فإن الطلاق لا يلزم، والفرق أنه عهد التعلق في الطلاق دون النذر، وأما إن قال: إلا أن يبدو لي، فينفع في رجوعه للمعلق عليه فقط في باب الطلاق، وفي باب النذر، فإن قال: علي الطلاق أو علي نذر إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي، وأراد إلا أن يبدو لي دخولها، ثم بدا له دخول الدار فدخلها، فلا يلزمه طلاق ولا نذر؛ لأنه جعل قوله: إلا أن يبدو لي، راجعا للمعلق عليه فقط، وأما إن جعله راجعا للصيغة فقط، أولها، وللمعلق عليه فلا ينفعه هذا تحقيق المقام كما في حاشية الخرشي وسيأتي في باب الطلاق إن شاء الله تعالى. [مسألة] قولهم: النذر إنما يلزم به ما ندب، يرد عليه أنه إن نذر صوم رابع النحر أو الإحرام بالحج قبل زمانه أو مكانه، يلزمه مع أنه مكروه، وأجيب بأن الصوم والإحرام مطلوبان مع قطع النظر عن الزمن وغير مطلوبين عند ملاحظة الزمن، فالنظر متعلق بالصوم والإحرام نظرا للحال الأول. اهـ من عدوي. [مسألة] إذا نذر شخص أن يصوم أياما معينة فمرض

باب الجهاد

مرضا لا يقدر معه على الصوم، أو حصل له جنون أو إغماء أو حصل للمرأة حيض أو نفاس حتى انقضت تلك الأيام سقطت، ولا تقضى لفوات وقت الصوم، وإن زال عذر مما ذكر، وبقي من الأيام شيء وجب صومه، وأما إذا أفطر ناسيا، أو أخطأ الوقت كما إذا نذر صوم يوم الخميس فصام يوم الأربعاء، يظنه الخميس، وأصبح يوم الخميس مفطرا، ثم تذكر فإنه يجب الإمساك والقضاء فيهما، وكذا يجب القضاء والإمساك إذا أفطر مكرها، وزال الإكراه ومال العلامة العدوي لعدم قضائه قائلا: المكره أولى من المريض، وأما إذا أفطر في النذر المعين لأجل السفر فإنه يجب القضاء اتفاقا كذا في أقرب المسالك وشراح سيدي خليل في باب الصوم. (ما قولكم) في من نذر درهما للصدقة هل يتعين التصدق به أم له أن يتصدق ببدله؟ (الجواب) في حاشية الأمير على عبد الباقي في الاعتكاف قال ابن رشد: قالوا: إن نذر درهما للصدقة تعين وليس له أن يمسكه ويتصدق بمثله ولا أفضل منه كما إذا نذر صوما أو صلاة بالمساجد الثلاثة، أو ساحل كدمياط، فيلزمه الإتيان إليها، وأما إذا نذر عكوفا بساحل أو عكوفا أو صلاة أو صوما بكالأزهر فلا يلزمه الإتيان بل يفعل ما نذره بموضعه، وانظر لم عينوا التصدق بالدرهم، ولم يعينوا المكان للعبادة، قال ابن رشد: وهذا إشكال لم نزل نورده على القضاة ولم يتحرر لي جواب أرضاه، وأجاب الناصر بأنه ورد النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة، وحمل الانتقال مطلقا عليه فلذلك قلنا: بل يفعل ما نذره بموضعه، ولم يتحقق مثل ذلك في مسألة الدرهم. اهـ بتوضيح. باب الجهاد (ما قولكم) في ذمي أراد أن يرفع بناءه على بناء جاره المسلم، هل يمنع من ذلك أم لا؟ (الجواب) يمنع من ذلك، وفي المساواة قولان، فقيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وإذا ملكوا دارا عالية أقروا عليها على المعتمد كما في حاشية الخرشي، والله أعلم. (ما قولكم في دار الإسلام) هل تصير دار حرب بمجرد استيلاء الكفار عليها وتجب الهجرة منها أم لا؟ (الجواب) في دس: بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بمجرد استيلائهم عليها بل حتى تنقطع إقامة شعائر الإسلام عنها، وأما ما دامت شعائر الإسلام أو غالبها قائمة فيها فلا تصير دار حرب، وفي المعيار قال

زعيم الفقهاء أبو الوليد بن رشد رحمه الله تعالى في أول كتاب التجارة إلى أرض الحرب من مقدماته: ليس فرض الهجرة ساقطا بل الهجرة باقية لازمة إلى يوم القيامة، واجبة بإجماع المسلمين على من أسلم بدار الحرب فلا يقيم حيت تجري عليه أحكام المشركين، بل يهجر دار الحرب، ويلحق بدار المسلمين، ولا يقيم بين أظهر المشركين لئلا تجري عليه أحكامهم، فلا يباح لأحد الدخول إلى ديارهم حيث تجري عليه أحكامهم في تجارة أو غيرها، وقد كره مالك رحمه الله أن يسكن أحد ببلد يسب فيها السلف، فكيف ببلد يكفر فيها الرحمن، وتعبد فيها من دونه الأوثان، ومثل وجوب الهجرة على من أسلم بدار الحرب من طرأ عليه الكفر وهو مسلم، قال تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}، وقال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} والظالمون أنفسهم في هذه الآية السابقة إنما هم التاركون للهجرة مع القدرة حسبما تضمنه قوله تعالى: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم» وقد روى أشهب عن مالك: لا يقيم أحد بموضع يعمل فيه بغير الحق، قال في العارضة: فإن قيل فإذا لم يوجد بلد إلا كذلك قلنا: يختار المرء أقلها إثما مثل أن يكون بلد فيه كفر، فبلد فيه جور خير منه، أو بلد فيه عدل وحرام، فبلد فيه جور وحلال خير منه للمقام، وبلد فيه معاص في حقوق الله فهو أولى من بلد فيه معاص في مظالم العباد؛ والحاصل أن الهجرة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام كانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، وأما الهجرة التي انقطعت بقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «لا هجرة بعد الفتح» فهي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فلما فتح الله مكة سقطت الهجرة، وبقي تحريم المقام بين

كتاب النكاح

أظهر المشركين وبهذا تعلم أنه متى جرت أحكامهم على المسلمين فهي دار حرب، وتجب الهجرة منها، والله الملهم للصواب. (ما قولكم) في عمل المسلم للذمي هل يجوز أم لا؟ (الجواب) إن كان المسلم يعمل للذمي ولغيره والحال أن المسلم في محله كحانوته؛ بأن يخيط له ولغيره مثلا، فذلك جائز، وإن استبد بعمل الذمي فمكروه، وإن كان تحت يد الذمي كالخدمة في بيته والإرضاع له فيه فمحظور، بمعنى يحرم حرمة خفيفة، فإن وقعت الإجارة على ذلك فإنها تفسخ، فإن فاتت ومضت فله الأجرة، وأما حمل الخمر له ورعي الخنزير فأشد حرمة، ولذلك تفسخ إن وقعت الإجارة على ذلك، وإن فاتت ومضت تصدق المسلم بالأجرة، وأما الإجارة على بناء دورهم، فإن كانت لمجرد سكناهم دون بيع الخمر فمكروهة، كما يكره كون المسلم مقارضا أو مساقا له، وإن كانت لسكناهم مع بيع الخمر، فحرام كبناء الكنيسة كذا في حاشية الخرشي من باب العارية، والله الموفق. [مسألة] لا يجوز إعارة العبد المسلم لخدمة الذمي لما فيه من إذلال المسلم وقد قال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} ولكن تمضي إذا وقعت، ويجبر الذمي على إخراج المسلم، هذا ما حققه البناني قائلا: لا فرق بين العبد المسلم المعار للذمي والعبد الموهوب له في أن الذمي يجبر على إخراجهما من تحت يده، وتؤاجر له المنافع، أفاده الأمير عن البناني. (ما قولكم) في شراء أولاد أهل الشرك منهم هل يجوز أم لا؟ (الجواب) فرع: قال الحطاب: ويجوز شراء أولاد أهل الشرك منهم، قاله في النوادر وظاهره ولو أولادهم؛ لأنه يصدق عليهم أنهم أولاد الشرك. اهـ من حاشية الخرشي. (ما قولكم) في كفار استولوا على المسلمين في بلاد الإسلام، وأجروا على المسلمين أحكامهم هل يكونون حربيين أم لا، وإذا كانوا حربيين فهل يجوز للمسلم أخذ أموالهم ولو بغير وجه شرعي أم لا أفتونا؟ (الجواب) الكفار المذكورون حربيون، وأخذ مال الحربي ولو بغير وجه شرعي لقول العلامة الدردير في آخر باب الجهاد من أقرب المسالك وما أخذه لصوص المسلمين من الحربيين فهو لهم حلال ولا يخمس على التحقيق. اهـ قال الرصاع: لأن مال الحربي لا حرمة له، والله أعلم. كتاب النكاح [مسألة] يحرم خطبة امرأة راكنة لغير فاسق ولو لم يقدر صداق، وفسخ عقد الثاني

استحبابا إن لم يدخل وإلا فلا فسخ على الصواب إن لم يسامحه الأول، والأصح يستحب الفسخ خلافا لمن قال بوجوب الفسخ كما في دس. (ما قولكم) في امرأة معتدة من طلاق رجعي عقد عليها شخص ووطئها فيها هل يتأبد تحريمها أم لا؟ (الجواب) لا يتأبد تحريمها لأنها زوجة ما دامت في العدة، والتي يتأبد تحريمها المعتدة من موت أو طلاق غيره طلاقا بائنا، أو من شبهة نكاح أو المستبرأة من غيره إذا عقد عليها شخص زمن العدة أو الاستبراء، ثم وطئها ولو بعد العدة، وكذا يتأبد تحريمها إذا وطئها زمن عدتها أو استبرائها من غير عقد يظنها زوجته، وكذا يتأبد تحريم المعتدة والمستبرأة إذا عقد عليها فيها ثم قبلها أو باشرها فيها، وأما إذا قبلها غير مستند لعقد كما إذا قبل معتدة أو مستبرأة من غيره معتقدا أنها زوجته فلا يتأبد تحريمها، وكذا يتأبد تحريم من وطئها بملك أو شبهة والحال أنها معتدة من نكاح، أو شبهته كعكسه بأن يطأها بنكاح، أو شبهة وهي مستبرأة من ملك أو شبهته، والله أعلم. (ما قولكم) في رجل من بلاد يقال لها التاكة خطب امرأة من وليها فأجابه بالقبول ثم قال للزوج عند ذكر مهرها: جعلت عليك كذا لرقبتها وكذا لسالفة أمها وجداتها وأعطيتك أنا كذا مثلويب، واجعل عليه أنت كذا مثلويب ليكون المال من الجهتين بينكما مثلويب، ثم قال الولي في صيغة عقد النكاح: زوجتك بنتي على هذه الشروط التي ذكرتها لك، فقال الزوج: قبلت نكاحها بهذه الشروط، ثم تعاشرا معاشرة الأزواج في النكاح، ومعاشرة الشركاء في المال المعين منهما، ولا يتصرف أحدهما فيه إلا بإذن صاحبه فهل هذا النكاح صحيح أم لا؟ (الجواب) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم هداية للصواب ورضى من الكريم الوهاب، واتباعا للسنة الغراء التي من عمل بها كان من الأبرار، ومن ابتدع دخل في مضمون قوله عليه الصلاة والسلام: «وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، وقد تحصل من هذا السؤال أن اللفظة الأعجمية، وهي المثلويب معناها الشركة، فقد اجتمعت الشركة مع عقدة النكاح. وحاصل ما ذكره شراح سيدي خليل أن النكاح يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل، إذا اجتمع مع النكاح شركة أو بيع أو جعالة أو صرف أو مساقاة أو قرض أو قراض؛ لتنافي

فصل في أركان النكاح

الأحكام بين النكاح وهذه المذكورات فإن النكاح مبني على المسامحة وهذه مبنية على المشاحة، وفي حاشية الخرشي نقل ابن عرفة سمع سحنون ابن القاسم: لو قال: تزوج ابنتي بخمسين وأعطيتك هذه الدار فلا خير فيه لأنه من وجه النكاح والبيع. اهـ فلو تركوا هذا الابتداع وزادوا في المهر ما شاءوا لكانوا على الصواب، وزال عنهم الارتياب، وإن كانت كثرة المهر مكروهة لما ورد من يمن المرأة قلة مهرها ويسر أمرها، وذكر السيد: كان صداقه صلى الله عليه وسلم على جميع أزواجه اثني عشر أوقية ونصف أوقية، وذلك خمسمائة درهم كما في الأجهوري، ورواه مسلم، نعم صداق النجاشي لأم حبيبة أربعة آلاف درهم، وصداق فاطمة الزهراء كان درعا على الأصح. اهـ من الأمير على عبق، والله أعلم. (ما قولكم) في رجل أفسد على رجل زوجته، وتزوجها هل يتأبد تحريمها عليه أو لا، وهل يعزر أو لا؟ (الجواب) قيل يتأبد تحريمها عليه، والمشهور لا يتأبد تحريمها ويفسخ نكاحه، فإذا عادت لزوجها وطلقها أو مات عنها جاز لذلك المفسد نكاحها كما في دس ويعزر لارتكابه معصية، والله أعلم. (ما قولكم) في شخص خطب امرأة وصار يهديها وهي معتدة ثم تزوجت غيره، فهل هذه الهدية جائزة أم لا وهل له الرجوع عليها أم لا؟ (الجواب) أصل المذهب لا رجوع له عليها كان الرجوع عن زواجها من جهته أو من جهتها وهو الراجح كما في المجموع تبعا لحاشية الخرشي، والأوجه أن له الرجوع عليها إذا كان الامتناع من جهتها إلا لعرف أو شرط. وهذا التفصيل ذكره اللقاني عن البيان، وأجاب به صاحب المعيار لما سئل عن المسألة وصححه ابن غازي في تكميل التقييد، ومثله لو أهدى أو أنفق على مخطوبة غير معتدة ثم تزوجت غيره، وأما الإنفاق على المعتدة فهو حرام، وأما الإهداء لها فهو جائز لأن في الهدية مودة ولا تكون كالتصريح بالخطبة. فصل في أركان النكاح وهي أربعة: الأول: الصيغة، بأن يقول الولي: أنكحت أو زوجت فلانا فلانة، ولو لم يسم صداقا كما في نكاح التفويض وصح بوهبت لكن لا بد مع الهبة من ذكر الصداق حقيقة أو حكما كأن يقول: وهبتها لك بصداق قدره كذا أو وهبتها لك تفويضا. (ما قولكم) في رجل وكل آخر على عقد نكاحه فقال ولي المرأة لوكيل الزوج: أنكحتك

[مسألة]

أو زوجتك موكلتي بالصداق المسمى، فقال الوكيل: قبلت نكاحها فهل هو صحيح أم لا؟ (الجواب) إن قال ولي الزوجة لوكيل الزوج: زوجتك فقال الوكيل: قبلت ونوى نفسه أو كان ذهنه خاليا لم ينعقد للموكل ولا للوكيل، وإذا قال الوكيل: قبلت ونوى ذلك لوكيله كفى، والمطلوب من الولي أن يقول للوكيل: زوجت موكلك فلانا فلانة بنت فلان، والله أعلم. الثاني: المحل وهو الزوج والزوجة المعلومان الخاليان من الموانع الشرعية كالإحرام. الثالث: الصداق وأقله خالص ربع دينار أو ثلاثة دراهم شرعية، ويجب شاهدان عدلان عند الدخول، فإن عدما فيكفي اثنان مستور حالهما، وقيل: يستكثر من الشهود وندب الإشهاد عند العقد، ويشترط في الشاهد أن يكون غير من له ولاية العقد، ولو تولى العقد وكيله بإذنه فشهادة من له ولاية العقد ووكيله باطلة، وكذا الولي البعيد الذي لم يتول العقد لتولي من هو أقرب منه، لا تقبل شهادته كما في ح. الرابع: الولي: وهو مجبر وغير مجبر، فالمجبر الأب والمالك والوصي، فالأب يجبر ابنته إن كان رشيدا وإلا فوليه إن كانت بكرا، ولو عانسا بلغت ستين سنة أو أكثر فله أن يزوجها ولو لأعمى أو أقل حالا أو مالا ولو بربع دينار ولو كان مهر مثلها قنطارا وليس ذلك للوصي. [مسألة] ليس للأب أن يزوج ابنته لمجذم أو مجنون أو أبرص أو عنين أو مجبوب أو معترض أو مقطوع ذكر أو أنثيين قائم الذكر حيث كان لا يمني، وأما إذا كان يمني فله جبرها على نكاحه أي لأنها تلتذ بنزول المني منه، وليس له أن يزوج ابنته برقيق ولو عبده إلا برضاها به بالقول كما في دس. [مسألة] للأب جبر ابنته الثيب إن صغرت، فإن تثيبت وتأيمت قبل البلوغ ثم بلغت قبل النكاح فلا تجبر، وهذا قول ابن القاسم وأشهب كما في التوضيح، واستحسنه اللخمي وصوبه، ومقابله لسحنون يجبرها مطلقا. [مسألة] للأب أن يجبر ابنته إذا ثيبت بعارض كوثبة أو بزنا أو غصب ولو ولدت منه. [مسألة] ليس للأب أن يجبر ابنته البكر إذا رشدها بأن قال لها: رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك، ولا بد من إذنها بالقول، وكذا الوصي والمالك يجبر أمته وعبده بلا إضرار عليهما فيه، فإن كان فيه إضرار كتزويجهما من ذي عاهة من كل من فيه أمر يوجب الخيار كجذام أو برص أو جنون لا قبح منظر أو فقر، والوصي وإن نزل كوصي الوصي

يجبران أمره بالجبر ولو ضمنا كزوجها قبل البلوغ وبعده، أو لو يأمره ولكن عين له الزوج أو قال: زوج بنتي ممن أحببت، أو أنت وصيي على نكاحها أو على بضعها، وأما إذا لم يذكر شيئا من النكاح أو التزويج أو البضع فالراجح عدم الجبر كما إن قال: أنت وصيي على بناتي، وأما إذا قال: أنت وصيي على مالي أو على بيع تركتي أو قبض ديني فلا جبر اتفاقا، فلو زوج جبرا في هذه الصورة فاستظهر عج الإمضاء وتوقف فيه النفراوي، وأما إن زوج بلا جبر فإنه يصح ولكن لا جبر للوصي إلا إذا بذل الزوج مهر المثل ولم يكن فاسقا فليس هو كالأب من كل وجه. اهـ ملخصا من در ودس. (ما قولكم) في شخص مريض قال: إن مت فقد زوجت ابنتي لزيد مثلا، ثم مات الأب فقال زيد: قبلت، فهل يصح هذا النكاح أم لا؟ (الجواب) يصح إن قبل الزوج ولو بعد موت الأب ببعد على المعتمد كما في الدسوقي ثم يقدم في ولاية غير المجبر ابن فابنه فأب فأخ فابنه فجد لأب فعم فابنه، وقدم الشقيق على الذي للأب فمولى أعلى وهو من أعتقها أو أعتق من أعتقها أو أعتق أباها فكافل كفل زمنا يحصل فيه الشفقة عليها بالفعل، والمعتمد أن الكافل لا يتولى إلا عقد الدنيئة وإن كانت غير دنيئة فلا يزوجها إلا الحاكم، ومقابله يتولى الكافل عقد مكفولته ولو شريفة ثم حاكم إن كان لا يأخذ دراهم على تولية العقد، وإلا فعدم، والحاكم لا يزوج إلا بإذنها إن ثبت عنده صحتها من المرض وخلوها من مانع كالإحرام والعدة وأنه لا ولي لها أو لها ولي ولكن عطلها أو غاب عنها غيبة بعيدة، ورضاها بالزوج وأنه كفؤها في الدين أي التدين والعمل بالأحكام الشرعية والحرية والسلامة من العيوب ولو من غير ما يوجب الخيار مع مساواته لها فيما هي عليه من صفات الكمال وأن المهر مهر مثلها في غير الرشيدة، وأما هي فلها إسقاط الكفاءة فيما ذكر ثم يقدم أي فرد من أفراد المسلمين. (ما قولكم) في رجل تزوج ثيبا شريفة لا عصبة لها ولا كافل، وهو كفؤها بعد ثبوت طلاقها ودعواها انقضاء عدتها تولى عقدها وحصل العقد بحضرة جماعة من المسلمين ثم دخل بها ذلك الزوج، فادعى شخص فساد العقد لعدم تولي القاضي العقد فما الحكم أفيدوا؟ (الجواب) العقد صحيح لا يسوع فسخه لعدم القاضي الشرعي في هذا الزمان فلا ولاية له

[مسألة]

أصلا إنما الولاية لعامة المسلمين إذا فقد العاصب، إذ شرط القاضي مفقود في هذا الزمان، ولا تكاد تجتمع شروطه فيمن يتولى القضاء الآن، وبذل المال في القضاء من الباطل وقبول الرشوة فسق، والله أعلم. اهـ من فتاوى العلامة الشيخ محمد عليش. [مسألة] إذا تولى العقد غير المجبر مع وجود المجبر فسخ أبدا، ولو أجازه المجبر عقد من فوض له أموره وثبت التفويض له بالصيغة أو العادة ببينة لا بمجرد دعوى ولا بإقرار المجبر بعد العقد. [مسألة] يزوج الحاكم العادل ابنة الغائب المجبرة إن كانت الغيبة بعيدة كأفريقية من مصر ولم يرج قدومه، وإذنها صمتها، والظاهر أن الغيبة المتوسطة يقال فيها ما قارب الشيء يعطى حكمه، والنصف يلحق بالغيبة القريبة فيفسخ النكاح فيها، وللقاضي تزويجها ولو دامت نفقتها ولم يخف عليها ضيعة، فإن خيف فسادها زوجها ولو جبرا على المعتمد. اهـ ملخصا من در ودس. [مسألة] يصح العقد بأبعد من الأولياء مع وجود أقرب لم يجبر في شريفة ودنية، فلا يفسخ بحال، وأما إذا تولى عقد نكاح امرأة رجل أجنبي مع وجود رجل خاص من أوليائها، وكان الخاص غير مجبر، فإن كانت تلك المرأة شريفة وهي من كان يرغب فيها الوصف من أمور أربعة: الحسب، وهو ما يعد من مفاخر الرجال، والنسب، والمال، والجمال على مقتضى ما قاله زروق، فللولي الخاص إن قرب بعد الدخول أو الحاكم إن عدم الولي أو غاب على ثلاثة أيام فأكثر رد نكاحها، وإجازته فهو صحيح موقوف على الإجازة وفي تحتم الفسخ إن طال الزمن قبل الدخول دخل أم لا، ورجح كما في المجموع أو لا يتحتم ويخير الولي بين الإجازة والرد وهو الظاهر كما في در والطول بالعرف، وانظر هل الفسخ بطلاق أم لا كما في حاشية الخرشي، وأما إن طالت إقامتها مع زوجها نحو ثلاث سنين أو ولدت ولدين فإنه يصح النكاح ولا كلام للخاص، وإن كانت دنيئة كمعتقة ومسلمانية صح العقد عليها بالولاية العامة مع الجواز وليس لوليها الخاص كلام. [مسألة] قال عبق: فإن سكت الولي عند عقد الأجنبي لها مع حضوره فهو إقرار له، قال البناني: وفيه نظر، فقد ذكر ابن لب عن ابن الحاج أنه لا اعتبار برضا الأقرب إذا لم يتول العقد ولا قدم من تولاه ولا يعد هذا إقرارا للنكاح، ذكره في نوازله في عقد نكاح الخال مع

[مسألة]

حضور الأخ الشقيق ورضاه دون تقديم منه. [مسألة] المعتمد في اليتيمة ما ارتضاه المتأخرون من أن المدار على خيفة فسادها في مالها أو في حالها، فمتى خيف فسادها فيما ذكر زوجت سواء بلغت عشرا من السنين أو لا، رضيت بالنكاح أم لا فيجبرها وليها على التزويج، ووجب مشاورة القاضي في تزويجها فإن لم يخف عليها الفساد وزوجت صح إن دخل كثلاث سنين أو ولدين غير توأمين، وإن خيف فسادها وزوجت من غير مشاورة القاضي صح النكاح إن دخل وإن لم يطل فمشاورة القاضي واجبة غير شرط، بل لو زوجها جماعة المسلمين حيث لا ولي لها فهو سائغ، ولو لم يشاور القاضي لما علمت من عدم القاضي الشرعي. وفي حاشية الخرشي في باب الحجر: سئل السيوري عن البكر اليتيمة تريد النكاح وتدعي عليه البلوغ، هل يقبل منها أو يكشف عليها؟ فأجاب بأنه يقبل قولها. وسيأتي في باب الطلاق أن الصبي لو طلق، وقال: لم أبلغ فالظاهر أنه يقبل قوله وربما يدل عليه فرع السيوري المذكور. [مسألة] لو زوج الحاكم المجبرة لغيبة الأب غيبة انقطاع ثم قدم الأب، وأثبت أنه كان زوجها بما له من الإجبار في غيبته برجل، فأفتى الناصر بأنها لا تفوت بدخول الثاني، نقله البدر. اهـ أمير على عبق. [مسألة] للأب جبر ابنه الصغير والمجنون المطبق لمصلحة كتزويج الصغير من غنية أو شريفة، أو ابنة عم أو لمن تحفظ ماله، والمصلحة في المجنون خوف الزنا أو الضرر، وعلم السولي أن الزواج متعين لإنقاذه من ذلك لا إن احتاج للخدمة فلا يزوج لأجلها، وجبر الأب محمول على المصلحة، وأما الوصي فله جبرهما أيضا ولكن لا بد من ظهور المصلحة، وإلا فلا جبر، ومثله الحاكم فيجبرهما مع عدم الأب والوصي إذا ظهرت المصلحة، وقال بعضهم: قيد المصلحة إنما هو حيث كان الصداق من مال الولد وإلا فلا يعتبر كما يدل عليه كلامهم، والصداق على الأب إذا جبرهما وكانا معدمين حال العقد، ولو شرط أنه لا يلزمه، وإن مات الأب أخذ الصداق من ... ، وإن تركته كانا موسرين فعليهما ما أيسرا به كلا أو بعضا لا على الأب كما أنه لا يلزم الوصي ولا الحاكم صداق مطلقا، وإن تزوج الصغير بغير إذن وليه فسخ عقده، إذا طلع عليه فلا مهر لتلك الزوجة ولا عدة عليها إن وطئها ولو أزال بكارتها لأن وطئه كالعدم، وقال ابن عبد السلام: ينبغي أن يكون في نظير إزالة بكارتها أرش،

[مسألة]

ما شأنها، وجزم به أبو الحسن، وقولنا: ولا عدة عليها أي بخلاف ما لو مات الصغير قبل الفسخ، فعليها عدة الوفاء ولو لم يدخل، وإذا وقع من الولي رد فهو طلاق لأنه عقد صحيح غايته أنه غير لازم، قال ابن المواز: وإذا لم يرد الولي نكاح الصبي، والحال أن المصلحة في رده حتى كبر وخرج عن ولايته جاز النكاح، قال ابن رشد: وينبغي أن ينتقل النظر له فيمضي النكاح إن أراده أو يرده كما في بن ثم يقال في الصغير ما قالوه في السفيه، وهو أنه إن مات هو يتعين الفسخ من قبل الشرع، وإن ماتت هي قبل الفسخ يرثها إن أجازه الولي لكون الإرث أكثر من الصداق، وإن رده الولي لكون الصداق أكثر فلا يرثها. اهـ ملخصا من الخرشي والمجموع وأقرب المسالك وص. (ما قولكم) في امرأة ثيب طلب منه الإذن لوليها في العقد فسكتت فهل يكفي صماتها في ذلك أم لا؟ (الجواب) إن كانت حاضرة كفى صمتها في إذنها لوليها على مذهب ابن القاسم، واقتصر عليه في المجموع وقال ابن حبيب: يكفي صمت الثيب في الإذن للولي حضرت أو غابت فهي كالبكر عنده في ذلك، وإنما يختلفان في تعيين الزوج والصداق، ففي البكر يكفي الصمت والثيب لا بد فيها من النطق. اهـ دس بتصرف وعبارة المجموع: ولا يعقد غير المجبر إلا بإذنها والصمت كاف فيه أي في الإذن للولي في العقد، ولو من ثيب حضرت كفى الزوج والمهر من بكر إي كما أن الصمت كاف في الزوج والمهر من بكر، ولا تعذر بجهل ولو عرفت بالبله. اهـ. [مسألة] الصغير غير اليتيمة إذا غاب أبوها نحو عشرة أيام والطريق غير مأمونة تزوج إذ خيف عليها الضيعة، أو عدمت النفقة ويزوجها الحاكم لا وليها خلافا لابن وهب فليست كاليتيمة من كل وجه، ألا ترى أن هذه لا يزوجها إلا الحاكم واليتيمة يزوجها وليها بعد مشورة الحاكم، قاله شيخنا. اهـ دس، وأما إذا كانت مأمونة والنفقة جارية عليها فيتحتم فسخ نكاحها أبدا ولو أجازه المجبر أو ولدت الأولاد، ومحله ما لم يتبين إضراره بها بغيبته بأن قصد تركها من غير زواج، فإن تبين ذلك كتب إليه الحاكم إما أن تحضر تزوجها أو توكل وكيلا يزوجها وإلا زوجناها عليك؛ فإن لم يفعل زوجها الحاكم عليه ولا فسخ كما قال الرجراجي. اهـ دس. [مسألة] النكاح هزله جد ولو قامت قرينة على إرادة الهزل من الجانبين، ومثل النكاح الطلاق والعتق والرجعة. (ما قولكم) في شخص أقر

[مسألة]

على نفسه بعدم قصد النكاح حين الهزل هل يمكن من تلك الزوجة أم لا؟ (الجواب) ذكر أبو عمران أنه يمكن منها ولا يضره إنكاره، وهو الموافق لما يأتي من قول المؤلف وليس إنكار الزوج طلاقا، وقيل لا يمكن ويلزمه نصف الصداق. [مسألة] إذا قيل للبكر: فلان يريد أن يتزوجك وجعل لك من الصداق كذا فسكتت، فقيل لها: هل تفوضين لفلان في العقد فسكتت فعقد لها فلان على ذلك الرجل بالصداق الذي سمي لها، فبعد العقد ادعت أنها لم ترض بذلك الزوج أو الصداق أو الولي الذي عقد لها أو ادعت أنها تجهل أن الصمت رضا فلا تقبل دعواها وتم النكاح ولو كان شأنها الجهل والبلادة، وهذا مبني على ندب إعلامها بأن صمتها رضا وهذا عند الأكثر وتأويل الأقل أنه يقبل دعواها أنها تجهل أن الصمت رضا وهو مبني على وجوب إعلامها به، وقال حمديس: إن عرفت بالبله وقلة المعرفة قبل دعواها الجهل، وإلا فلا تقبل دعوها، فالمسألة ذات أقوال ثلاثة. اهـ ملخصا من در ودس. [مسألة] يشترط في الولي أن يكون حرا بالغا ذكرا عاقلا غير محرم بأحد النسكين مسلما في المسلمة، وأما الرشد والعدالة فشرط كمال فيعقد السفيه ذو الرأي أي العقل ولفطنته ولو مجبرا إذ سفهه لا يخرجه عن كونه مجبرا، والأحسن أن يستأذن وليه فلو عقد بغير إذنه ندب اطلاعه عليه لينظر فيه فإن لم يفعل مضى كمن لا ولي له، وأما ضعيف الرأي فيفسخ عقده إن لم يكن نظر أو منع إحرام الزوج والزوجة والولي من النكاح، فلا يقبل زوج ولا تأذن زوجة ولا يوجب وليها ولا يوكلون ولا يجيزون حيث كان واحد منهم محرما، ويفسخ قبل البناء وبعده ولو ولدت الأولاد، ويندب للولي ومثله الزوج أن يفوض العقد لفاضل رجاء لخيره وبركته، لكن الولي لا يوكل إلا من اجتمعت فيه الشروط المتقدمة وأما الزوج فله أن يوكل في قبول العقد ولو عبدا أو امرأة أو صبيا أو كافرا إلا المحرم والمعتوه، فلا يصح توكيلهما، ولكن لا يصح قول ولي الزوجة لوكيل الزوج زوجتك موكلتي بل يقول زوجت فلانة من فلان، وليقل وكيل الزوج قبلت لفلان، ولو قال: قبلت لكفى إذا نوى ذلك لوكيله فإن نواه لنفسه أو خلي ذهنه لم ينعقد. [مسألة] لا يضر الفصل بين الإيجاب والقبول إن كان يسيرا كما إذا سكت قدر خطبة النكاح ثم قال قبلت نكاحها. [مسألة] إذا اتفق الزوج مع ولي الزوجة

على أن المهر أربعون ريالا مثلا، ويذكران في حضرة الناس أنه مائة ثم تنازعا قضي على الزوج بصداق السر إن أقام بينة على أن العلن لا أصل له، وحينئذ فلا عبرة بدعوى الزوجة الرجوع عن صداق السر، وإن لم يقمها فلها تحليفه إن ادعت عليه الرجوع عن صداق السر فإن حلف قضي به، وإن نكل حلفت وقضي بالعلن، وإن نكلت قضي بالسر قال في المجموع: وكره صداق السر وعمل به إن أعلنا غيره وحلفته إن ادعت الرجوع عنه إلا لبينة أن المعلن باطل لا أصل له. اهـ. (ما قولكم) في رجل زوج ولده وضمن له الصداق أو زوج بنته وضمن صداق من زوجها له ودفع الصداق ثم طلق الزوج تلك الزوجة قبل الدخول، ومعلوم أن الزوجة تستحق النصف فهل يرجع النصف الآخر للأب أو للزوج أفيدوا الجواب؟ (الجواب) يرجع النصف الآخر للأب وليس للزوج فيه حق؛ لأن الضامن إنما التزمه على كونه صداقا ولم يتم مراده، قال سيدي خليل: ورجع لأب وذي قدر زوج غيره وضامن لابنته النصف بالطلاق، والله أعلم. (ما قولكم) في عبد تزوج بغير إذن سيده فهل للسيد رد نكاح عبده الذكر القن ومن فيه شائبة كمكاتب حيث تزوج بغير إذنه، وله الإمضاء ولو طال الزمن بعد علمه، وإذا رده يقول: طلقت زوجة عبدي فلان منه، وتكون طلقة بائنة وليس للسيد أن يزيد عن واحدة، وهذا إن لم يبعه فإن باعه فلا رد له. وليس للمشتري فسخ نكاحه كالموهوب له، بخلاف الوارث فله الرد إلا أن يرد العبد بعيب التزويج فله رد نكاحه إن كان قد باعه غير عالم وإلا فلا. وحيث رد السيد نكاحه فلزوجته ربع دينار من مال العبد إن كان له مال وإلا اتبعته به في ذمته إن دخل العبد بها بالغا، وإلا فلا شيء لها وترد الزائد إن قبضته وسواء كانت حرة أو أمة. اهـ ملخصا من در ودس. (ما قولكم) في عبد غير حرة وتزوجها على أنه حر فهل لها المسمى إذا فسخ النكاح؟ (الجواب) تتبع الزوجة العبد القن ومن فيه شائبة حرية كمكاتب بعد عتقها بما بقي من المهر بعد أخذها ربع دينار إن غرا الزوجة بأنهما حران فإن لم يغرا بأن أخبراها بحالهما أو سكتا فلا تتبعهما، ومحل اتباعهما إن لم يبطل ما بقي بعد الربع دينار سيد أو سلطان عن العبد قبل عتقه، وكذا عن المكاتب حيث غر ورجع رقيقا لعجزه

(فصل)

لا إن غر وخرج حرا فلا يعتبر إسقاطهما عنه. اهـ ملخصا من در. (فصل) في الكفاءة. (ما قولكم) في العتيق هل هو كفؤ للحرة أم لا؟ (الجواب) هو كفؤ لها، قال سيدي خليل والمولي: أي العتيق وغير الشريف أي الدنيء في نفسه كالمسلماني، الدنيء في حرفته كحمار وزبال والأقل جاها أي قدرا ومنصبا كفؤ. اهـ. [مسألة] الأوصاف التي اعتبروها في الكفارة ستة أشار لها بعض بقوله: نسب ودين صنعة حرية ... فقد العيوب وفي اليسار تردد فإن ساوى الرجل المرأة في الستة فلا خلاف في كفاءته ولكن الذي اعتمده القاضي عبد الوهاب أنها المماثلة في الدين والحال، ولا يشترط المماثلة في غير ذلك فمتى ساواها الرجل فيهما كان كفؤا، واقتصر على هذين الوصفين سيدي خليل حيث قال: والكفاءة الدين والحال، والمراد بالدين التدين أي كونه ذا دين أي غير فاسق، والمراد بالحال السلامة من العيوب التي توجب الخيار في الزوج، وليس المراد بالحال الحسب والنسب، والحسب وهو ما يعد من مفاخر الرجال كالكرم والعلم والصلاح فإنهما يندبان فقط. اهـ ملخصا من در ودس. (ما قولكم) في امرأة رضيت بغير كفء ودخل بها ثم اطلع على ذلك الولي فهل له الفسخ أفيدوا؟ (الجواب) قال في حاشية الدسوقي: فإن تركتها المرأة بأن رضيت بغير كفء ولم يرض الولي بتركها فللأولياء الفسخ ما لم يدخل، فإن دخل فلا فسخ. اهـ. (فصل) في الأنكحة الفاسدة. اعلم أن للنكاح الفاسد بالنسبة لفسخه ثلاثة أقسام، القسم الأول: ما يفسخ قبل الدخول وبعده ما لم يطل وذلك في ثلاث مسائل: الأولى: الصغيرة اليتيمة إذا زوجت مع فقد شروطها، الثانية: الشريفة إذا زوجت بالولاية العامة مع وجود خاص غير مجبر، وهاتان يفسخ فيهما النكاح ما لم يدخل ويطل، كثلاث سنين أو تلد ولدين، وإلا فلا فسخ، الثالثة: نكاح السر وهو ما أوصى الزوج فيه الشهود بكتمه عن أحد ولو عن امرأته القديمة، وهذه يفسخ فيها إن لم يدخل ويطل، وإلا لم يفسخ، والمراد بالطول هنا الطول بالعرف بأن يشتهر بين العام والخاص بعد كتمه، والفسخ في هذه بطلاق لأن القاعدة أن النكاح المختلف

فيه يفسخ بطلاق لأن الشافعي وأبا حنيفة يريان جواز نكاح السر وبه قال جماعة من المالكية، واغتفر القول المشهور الكتم لخوف ضرر من ظالم أو ساحر وقوله وما أوصى الزوج فيه الشهود بكتمه، وأما إذا اتفق الزوجان والولي على كتمه ولم يعلموا البينة بذلك أو أوصى الولي فقط أو الزوجة فقط أو هما الشهود، أو أوصى الزوج الولي والزوجة معا أو أحدهما فلا يضر. القسم الثاني: ما يفسخ قبل الدخول فقط وفيه مسائل منها: ما إذا تزوج امرأة على شرط أن لا يأتيها إلا نهارا فقط أو ليلا فقط فيفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل؛ لأن هذا الشرط يناقض مقتضى النكاح ولما فيه من الخلل من الصداق؛ لأنه يزيد إن كان المشترط الزوج وينقص إن كان المشترط الزوجة، وإنما لزم في هذا صداق المثل مع أنه فاسد لعقده، والقاعدة أن ما فسد لعقده يلزم بالدخول فيه المسمى؛ لأن محل هذا ما لم يؤثر خللا في الصداق كما هنا، وإلا مضى بصداق المثل كالفاسد لصداقه فقط. ومنها ما إذا وقع النكاح بخيار يوما أو أكثر لأحد الزوجين أو لهما معا أو لأجنبي فيفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بالمسمى إن كان، وإلا فصداق المثل لا إخبار المجلس فلا يفسخ لجوازه اتفاقا أو على المعتمد. ومنها إذا قال الولي: زوجتك موكلتي بصداق قدره كذا تأتي به آخر الشهر، فإن لم تأت به فلا نكاح بيننا، فقال: قبلت النكاح على ذلك، فيفسخ قبل الدخول لا بعده إن جاء بالصداق في الوقت المذكور أو قبله ويثبت بعده بالمسمى إن كان وإلا فصداق المثل، فإن لم يأت به إلا بعد انقضاء الأجل أو لم يأت به أصلا فسخ قبل الدخول وبعده. ومنها وجه الشفار وهو يقع علي أن تزوجني بنتك مثلا على أن أزوجك بنتي بكذا فإنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل وكذا صريح الشفار وهو ما لم يسم لواحدة منهما صداق إلا أن التصريح يفسخ قبل الدخول وبعده ولمن دخل بها زوجها صداق المثل وأجاز الإمام أحمد وجه الشفار، وأجاز الحنفية الشفار مطلقا. ومنها ما وقع على شرط يناقض المقصود من النكاح كما إذا وقع النكاح على شرط أن لا يقسم بينها وبين ضرتها في المبيت أو على أن يجعل لضرتها جمعة أو أقل أو أكثر تستقل بها، أو شرطت عند تزويجها بمحجور لصغر أو رق أن نفقتها على وليه أو وقع على نفقة معينة كل شهر أو كل يوم أو وقع على

[مسألة]

أن نفقتها عليها أو وقع على أن ينفق على ولدها من غيره أو على أبيها، أو وقع على أن العصمة بيدها لا بيده، فإن النكاح يفسخ في الجميع قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل ويلغى كل شرط من هذه الشروط، ومنها ما إذا أجل بعض الصداق لأجل مجهول كموت أو فراق أو قدوم زيد، ولا يعلم وقت قدومه، فإنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل، وأما لو قال: متى شئت أعطيتك ما بقي فالمنقول عن ابن القاسم أنه إن كان مليا جاز، وأما لو ذكر الصداق ولم يذكر حلولا ولا أجلا فيحمل على الحلول والنكاح صحيح. (واعلم) أن العقد لا يفسخ إلا باشتراط هذه الأشياء في صلب العقد، وأما إن حصل شيء منها بعد العقد فلا ضرر في ذلك فلها أن تسقط حقها في القسمة ولها أن تنفق عليه، وله أن ينفق على أولادها من غيرها وعلى أبيها، ومكارم الأخلاق لا تضر. واحترز بقوله على شرط يناقض المقصود عن الشرط المكروه، وهو ما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه كما إذا شرط في العقد أن لا يتسرى عليها أو لا يتزوج عليها أو لا يخرجها من مكان كذا أو بلدها فلا يفسخ قبل الدخول ولا بعده ولا يلزم الوفاء، وإنما يستحب وهذا فيما لا تعليق فيه فإن علق طلاقها أو طلاق من يتزوجها عليها أو عتق من يتسرى عليها وقع المعلق عليه، وإنما كره ذلك لما فيه من التحجير على ما أحله الله. [مسألة] ترتحل المرأة مع زوجها حيث ارتحل بشروط: الأول: أن يكون السفر بموضع مأمون، الثاني: أن تكون الطريق مأمونة، الثالث: أن يكون الزوج مأمونا في نفسه، الرابع: أن يكون غير معروف بالإساءة عليها، الخامس: كونه حرا، السادس كون البلد المنتقل إليها قريبة لا يخفى على أهلها خبرها فيها، السابع: أن تكون تلك البلد تقام فيها الأحكام، فإذا وجدت تلك الشروط وطلب الرجل السفر بزوجته قضى له بسفرها، وإن تخلف شرط منها فلا تجبر على السفر معه أفاده دس في مبحث الحضانة. (القسم الثالث) ما يفسخ قبل الدخول وبعده، فمن ذلك ما إذا وقعت صيغة النكاح بغير اللفظ بل وقعت بكتابة أو بإشارة، ومن ذلك ما إذا لم يحصل شهود أصلا قبل الدخول أو بشهادة عدل واحد وامرأتين أو بفاسقين، ومن ذلك نكاح المتعة كأتزوجك سنة كذا، بصداق قدره كذا أو أتزوجك سنة أو شهرا بكذا، ويفسخ بلا طلاق وفيه المسمى

إن دخل لأن فساده لعقده؛ ولأن الإجماع تقرر على منعه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة. وما حكي عن ابن عباس من أنه كان يقول بجوازه فقد رجع عنه كما في بن والمضر بيان الأجل في العقد للمرأة أو وليها، وأما لو أضمر الزوج في نفسه أن يتزوجها ما دام في هذه البلد أو مدة سنة ثم يفارقها فلا يضر ولو فهمت من حاله ذلك على الراجح، وأما لو أضمره ولم تفهمه المرأة ولا وليها فجائز اتفاقا ويعاقب فيه الزوجان ولا يبلغ بعقابهما الحد، ويلحق فيه الولد بالزوج. ومن ذلك نكاح المحرم بأحد النسكين، ومن ذلك نكاح المريض، ولكنه يفسخ قبل وبعد ما لم يصح المريض فإن صح لم يفسخ. (فائدة) كلما اختلف فيه ولو خارج المذهب مظنة أسئلة أربعة: الأولى: يكون فسخه بطلاق سواء فسخ مطلقا أو قبل الدخول لا بعده، فإن أعادوا العقد صحيحا بعد الفسخ كانت معه بطلقتين وإن أعادوه صحيحا قبل الفسخ استمر على عصمة كاملة، وسواء أعادوه في مجلس أو فيه فقد قيل بصحته بعد العقد إذ لا قائل بجوازه ابتداء، ثم إن فسخ المختلف فيه لا يحتاج لحكم حاكم إلا إن امتنع الزوج فمتى تراضى الزوج والولي على الفسخ لم يحتج لحكم حاكم، ويكفي قول الزوج: طلقتها أو فسخت نكاحها وإن لم يرض الزوج فالحاكم كما في بن، ثم إن أوقعه الزوج من غير حكم حاكم، فهل يكون بائنا مثل حكم الحاكم وهو ما ارتضاه العلامة العدوي قائلا: لأن الرجعي إنما يكون من نكاح صحيح لازم أو يكون رجعيا وهو ما ذكره السيد البليدي في حاشيته على عبق قائلا: فائدته ارتداف طلاق ثان عليه، وإن لم يكن له عليها رجعة. الثانية: التحريم في المختلف فيه تارة يكون بعقده، فعقده يحرم المنكوحة على أصوله وفضوله ويحرم عليه أصولها؛ لأن العقد على البنات يحرم الأمهات ولا يحرم عليه فصولها؛ لأن العقد على الأمهات لا يحرم البنات، وتارة يكون بوطئه وذلك فيما يحرم وطئه أو مقدماته كما لو تزوج المحرم امرأة فدخل بها ففسخ فإنه يحرم عليه نكاح ابنتها، ولو فسخ قبله، لم تحرم فالمختلف فيه كالصحيح. الثالثة: إذا مات أحد الزوجين قبل الفسخ سواء دخل بها أم لا فإن الحي يرث، فإن فسخ قبل الموت فلا إرث، ولو دخلت أو كانت العدة باقية لأنه طلاق بائن على ما ارتضاه العلامة العدوي كما تقدم الإنكاح المريض فلا إرث فيه، وإن كان مختلفا في فساده؛ لأن مذهب

الشافعي صحته، ومذهبنا فساده، وإن احتاج المريض منهما إلى الزواج، أو إذن الوارث للمريض منهما في التزويج، ولا إرث فيه سواء مات المريض أو الصحيح؛ لأن فيه إدخال وارث، وللمريضة المسمى إذا فسخ بعد الدخول، ومثل فسخه بعد الدخول موتها أو موت زوجها قبل الدخول فلها المسمى؛ لأنه يتكمل بالموت، هذا إذا تزوجت المريضة بصحيح، وأما إذا تزوج الزوج في مرضه المخوف ومات منه قبل الفسخ فلها الأقل من ثلث تركته، ومن المسمى ومن صداق المثل، ومثله نكاح الخيار لا إرث فيه إذا حصل الموت قبل الدخول وقبل الفسخ، وأما لو حصل دخول فقد لزم كما تقدم، وإنما كان لا إرث فيه؛ لأنه لما كان منحلا كان كالعدم، وإلا إنكاح العبد بأن تولى عقد امرأة وإلا إنكاح المرأة بأن عقدت على نفسها أو غيرها فلا إرث في نكاح تولي العبد العقد، ولم يقبل أحد بجواز توليته العقد ابتداء إلا أنه قيل بصحته بعد الوقوع، وأما تولي المرأة فلأبي حنيفة، وكونه لا إرث في نكاحهما قول أصبغ، واعتمده ابن يونس ومال إليه بن، وضعفه بعضهم، ويشير إلى ضعفه في المجموع؛ لأنه حذف إنكاحهما عند ذكر الإرث. الرابعة: ما فسخ بعد البناء، سواء كان متفقا على فساده أو مختلفا فيه يجب للمرأة فيه المسمى إن كان حلالا وإلا يكن فيه المسمى كصريح الشغار، أو كان حراما كخمر فلها صداق المثل، وما فسخ قبل البناء لا شيء فيه سواء كان متفقا على فساده أو مختلفا فيه، كان الفساد لصداقه أو لعقده أو لهما، وكذا يسقط بالموت قبله لكن بقيد إن فسد لصداقه مطلقا متفقا عن الفساد به كالخمر، أو كان مختلفا فيه كالآبق أو فسد لعقده، واتفق على فساده كنكاح المتعة أو اختلف فيه، وأثر خللا في الصداق كالمحلل أو على حرية ولد الأمة أو على أن لا ميراث بينهما، فإن كان مختلفا فيه ولم يؤثر فيه كنكاح المحرم ففيه الصداق فليس الفسخ قبل الدخول مثل الطلاق قبل الدخول في النكاح الصحيح إلا ما قل عن الصداق الشرعي وهو ربع دينار، بأن جعل لها مهرا أقل من ربع دينار كدرهمين، وأبى من إتمامه ففسخ قبل الدخول فلها نصف ما فرضه على أحد المشهورين، والآخر لا شيء عليه، وكذا لو ادعى الزوج الرضاع، وأنكرته الزوجة فيفسخ، ولها قبل البناء نصف الصداق لاتهامه على أنه قصد فراقها بلا شيء، وهذا معنى قولهم كل نكاح فسخ قبل الدخول

[مسألة]

فلا شيء فيه إلا نكاح الدرهمين، وفرقة المتلاعنين وفرقة المتراضعين، أي: قبل البناء ففيها نصف المسمى لاتهامه على قصد فراقها بلا شيء، وأما لو ثبت الرضاع ببينة أو بإقرارهما، أو ثبت زنا الملاعنة فلا يلزمه شيء لعدم اتهامه، وأما المتفق على فساده كالخامسة، وأولى الأصول والفصول فليس فسخه طلاقا، ولا يحتاج لحكم لعدم انعقاده، وليس فيه إرث إذا مات أحدهما قبل الفسخ، ثم إذا طلق الزوج فطلاقه كالفسخ، فإن كان مختلفا في فساده وقع طلاقا بائنا، وإن كان متفقا على فساده فهو مجرد فراق، فإن دخل فالعدة من يوم الفسخ أو الطلاق، ولها المسمى إن كان وإلا فصداق المثل، وإن لم يدخل فلا شيء لها على ما تقدم. (ما قولكم) في امرأة طلقت ثلاثا ثم عقد عليها عبد ووطئها فهل إذا طلقها تحل لمطلقها أم لا؟ (الجواب) يحلها إذا كان بالغا وعقد عليها بإذن سيده وأولج فيها حشفته إيلاجا جائزا، بأن كان في قبلها ليس في أيام حيض أو نفاس بل بعد انقطاعها والغسل منهما، وأقر هو والزوجة بالإيلاج، أو لم يعلم منهما إقرار ولا إنكار، لكن إذا سئلا حاضرين فلا بد من إقرارهما، فإن أنكرا أو أحدهما لم تحل، ولا بد أن يكون الإيلاج بانتشار في نكاح لازم للزوجين ابتداء أو بعد الإجازة؛ فلا تحل بوطء عبد أو سفيه لم يأذن له وليه في العقد إلا بوطء بعد الإجازة، ولا تحل بوطء ذي عيب أو بوطء عبد غر حرة بأنه حر إلا بوطء بعد الرضا، فإذا طلقها العبد حلت لمن أبتها بعد أن تعتد، وإذا كان ذلك العبد ملكا للزوج ووهبه لها انفسخ النكاح وكان لمطلقها العقد عليها بعد العدة. [مسألة] يضل فيها بعض المالكية، وهي أن يحلف مالكي على زوجته بالحرام، ومعلوم أن المشهور فيه عند المصريين ثلاث بعد الدخول، وجرى العمل في المغرب بأن الحرام طلقة بائنة، والشافعية يرون أنه رجعي، فيذهب ذلك المالكي الذي حلف بالحرام لشافعي فيراجعها له ثم يطلقها ثلاثا، ثم يذهب لبعض الجهلة المضلين من المالكية فيفتيه بأنه لا يلزمه الثلاث بناء على قول المغاربة: إن الحرام طلقة بائنة، والبائن لا يرتدف عليه طلاق فقد ضل وأضل، وما درى أنه لما راجعها على مذهب الشافعي صار معها في نكاح مختلف فيه، والمختلف فيه يلحق فيه الطلاق ولو خارج المذهب، وأيضا المغاربة القائلون: إن الحرام طلقة بائنة محله ما لم يجر عرف بأنه

(فصل في المحرمات)

ثلاث، وإلا فيوافقون المصريين على أنه ثلاث خصوصا وقد اشتهر عند العامة أن الحرام مجمع الثلاث. اهـ من ضوء الشموع وزيادة من تقرير العلامة الأبطح. [مسألة] إذا ارتد مالكي أو ارتدت زوجته لزمه طلقة بائنة لا رجعية خلافا للمخزومي وقيل: الردة فسخ بغير طلاق، وهو قول ابن الماجشون وابن أبي أويس، ثم إذا رجع المرتد منهما للإسلام ثم طلقها قبل أن يعقد عليها فإنه يلحقه ما أوقعه من الطلاق؛ لأن الردة عند الشافعية فسخ كقول ابن الماجشون، فإذا رجع المرتد للإسلام عادت لعصمته فصارت معه في عصمة مختلف فيها، فيلحقه الطلاق قطعا كما علمت، ومحل طلاق المرتدة ما لم تقصد فسخ النكاح وإلا لم ينفسخ معاملة لها بنقيض قصدها، وهو كشراء المرأة زوجها تريد فسخ نكاحها فلا ينفسخ كما في دس. [مسألة] إذا طلق شخص زوجته بالثلاث وعنده عبد فزوجه على تلك الزوجة حرة أو أمة ثم باعه عليها قاصدين بالبيع فسخ نكاحه، فلا ينفسخ النكاح، ويرد البيع معاملة لهما بنقيض قصدهما، ومثله قصد السيد فقط، وكذا إذا كان للسيد عبد وأمة فزوج العبد على الأمة ثم قصر السيد فسخ نكاحهما فوهب الأمة للعبد قاصدا نزعها منه فلم يقبل الهبة فلا ينفسخ النكاح، بخلاف ما لو قبل العبد الهبة فينفسخ النكاح سواء قصد السيد انتزاعها منه أم لم يقصد ذلك. [مسألة] إذا تزوج شخص أمة فلا تفرد ببيت مع زوجها جبرا عن سيدها إلا لشرط أو عرف، وللسيد السفر بها ولو طال السفر، ويقضى للزوج بالسفر معها إن شاء إلا لشرط أو عرف، وهذا إذا لم تفرد ببيت، وأما إن أفردت ببيت فليس لسيدها أن يسافر بها إلا لشرط أو عرف. [مسألة] إذا تزوج امرأة وشرطت عليه حين العقد الخروج لتمشط كالبلانة أو لتولد كالداية فإنه لا يلزمه ذلك الشرط كما في الدسوقي. [مسألة] إذا تزوجها على تعليم القرآن محدودا بحفظ أو تعليم محدودا بنظر في المصحف منعه مالك وكرهه ابن القاسم وأجازه أصبغ، وإن وقع مضى على المشهور كما في دس. [مسألة] لا يجوز أن يتزوج أمة ويجعل عتقها صداقها، وما ورد من أنه عليه السلام تزوج صفية وجعل عتقها صداقها فهو من خصوصياته أو أنه لم يصحبه عمل أهل المدينة كما في دس. (فصل في المحرمات) يحرم إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين

يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا، قال عبق: إلا من زنى وخافت القتل، خصوصا إذا كانت بكرا، ووجه العموم من كونها بكرا أو ثيبا قبل الأربعين أو بعدها، ولو نفخت فيه الروح أن المطلوب الاستتار بستر الله تعالى. اهـ من ضوء الشموع بتوضيح من تقرير العلامة الأبطح. ويجوز من النسب تحريمها مؤبدا سبع: الأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت، ويحرم مثلهن من الرضاع، فالجملة: أربعة عشر، ويحرم بالصهر مؤبدا أربع: زوجة الابن، وزوجة الأب والجد، وأم الزوجة وبنتها، ولا تحرم البنت إلا إذا دخل بالأم أو تلذذ بها بنكاح أو ملك، أو شبهة نكاح، أو بشبهة ملك، كأن يشتري أمة ويتلذذ بها، وتستحق من يده أو يظهر بها عيب فترد أو تلذذ بها معتقدا أنها أمته، فتبين أنها ملك لغيره. ويتأبد أيضا تحريم الملاعنة المنكوحة في العدة، وأزواجه صلى الله عليه وسلم، فهذه إحدى وعشرون مؤبدات التحريم على ما علمت، ويحرم عشرون لعارض: الخامسة، والمتزوجة، والمعتدة، والمستبرأة، والحامل، والمبتوتة، والمشتركة، والأمة الكافرة، والأمة المسلمة لواجد الطول، أي: لمن يقدر على تزويج الحرائر، والأمة إذا أخذها سيدها لشخص فإنه يحرم على ذلك السيد وطؤها في مدة الإخدام ولو قليلة، والمرأة المريضة لما فيه من إدخال وارث وهو منهي عنه، واليتيمة قبل البلوغ إذا فقدت الشروط على ما تقدم، والمرأة التي خطبها رجل فركنت إليه فيحرم على شخص آخر أن يتزوجها، والمرتدة، وأمة نفسه أي: العقد عليها فيحرم على المالك أن يتزوج أمته للإجماع على أن الزوجية والملك لا يجتمعان لتنافي الحقوق، ومثل أمة نفسه أمة ولده فإن وقع فسخ قبل الدخول وبعده إن سبق الملك، بل وإن طرأ ملكه أو ملك ولده لها أو لبعضها بعد التزويج، وهل له بعد فسخ النكاح وطؤها بالملك قبل الاستبراء أو لا بد من الاستبراء قبل وطئها، قولان لابن القاسم وأشهب، وسبب الخلاف أنها هل تصير أم ولد، فقال ابن القاسم: تصير أم ولد وحينئذ فلا حاجة للاستبراء، وقال أشهب: لا تصير أم ولد وحينئذ تحتاج للاستبراء، وسيأتي في فصل أم الولد، يمشي سيدي خليل على أنها تصير أم ولد إذا اشتراها حاملا منه، وأما إذا اشتراها بعد أن ولدت فلا تصير أم ولد، وسيدته وأم سيده، والجمع بين الأختين، والمرأة وعمتها

[مسألة]

والمرأة وخالتها من كل من لو قدرت إحداهما ذكرا لا يجوز له نكاح الأخرى، فالجملة إحدى وأربعون، انظر الأمير على عبق. [مسألة] في الأمير ذكر البرزلي ما نصه: رأيت في بعض التقاييد عن سنن أبي داود النهي عن جمع عمتين وخالتين، وصورة العمتين أن يتزوج رجلان كل أم الأخرى، والخالتين كل بنت الآخر فيولد لكل بنت فكل واحدة من البنتين عمة الأخرى في الأولى وكل خالة الأخرى في الثانية. اهـ. [مسألة] إذا نكح شخص امرأة نكاحا مجمعا على فساده، كنكاح معتدة وخامسة فإن كان عالما بذلك فلا يحرم أصولها وفصولها، ويحد لأنه زنى، وأما إن كان لا يعلم بأنها معتدة أو يعتقد حل الخامسة لكونه حديث عهد بالإسلام فلا حد عليه، وحرم عليه أصولها وفصولها، وأما المختلف في فساده فهو كالصحيح، العقد فيه على البنات يحرم الأمهات، والدخول على الأمهات يحرم البنات، ولو بالنظر لغير الوجه والكفين إن وجد اللذة ولو لم يقصد، لا إن قصد فقط، ولا إن تلذذ بالنظر للوجه والكفين فلا يحرم فيهما إلا اللذة بالمباشرة أو القبلة. [مسألة] إذا عقد الأب نكاح امرأة ولو مختلفا فيه كمحرم بأحد النسكين وشغار وتزويج المرأة نفسها حرمت على أولاده، وكذا عقد الابن ولو صغيرا يحرم على الأب، وأما عقد الشراء فلا يحرم فإذا اشترى الأب جارية فلا تحرم على ابنه بنفس عقد الشراء؛ لأن التحريم في الملك إنما يكون بالتلذذ، وكذا يقال في الابن إذا اشترى أمة لا تحرم على أبيه بعقد الشراء، وإنما تحرم بالتلذذ إن كان الابن بالغا، وأما إن كان غير بالغ فإنه لا يحرم على أبيه الأمة ولو مراهقا؛ لأن تلذذه ووطأه كلا وطء. [مسألة] تحرم البنت من الزنى خلافا لابن الماجشون، وكذا تحرم البنت التي شربت من لبن امرأة زني بها إذا كان اللبن موجودا حال الوطء، وكذلك تحرم المخلوقة من ماء زنى أبيه أو ابنه، وصرح في القبس بأن من زنى بحامل لا يجوز له أخذ بنتها التي تلدها بعد الزنى؛ لأن زرع غيره سقي بمائه، وأما المخلوقة من ماء زنى أخيه فلا تحرم كما ذكره البحيري في شرح الإرشاد؛ لأنها بمنزلة الربيبة لا بمنزلة بنته، وهو أحد قولين ومقتضى كلام بعضهم ترجيحه، ويدخل في بنت الزنا ما إذا التقطت امرأة من رجل في نحو حمام ووضعته في فرجها، ثم حملت منه فيصدق على ذلك الحمل

(فصل في بعض مسائل الصداق)

أنه خلق من مائه حيث علم ذلك ومقتضى كون المخلوق من الزنا كولد الصلب تحريم حليلته على أبيه من الزنا. اهـ من الخرشي وحاشيته. [مسألة] يجوز الجمع بين المرأة وبنت زوجها وبين المرأة وأم زوجها وبين المرأة وأمتها، قال عج: وجمع امرأة وأم البعل ... أو بنتها أو رقها ذو حل [مسألة] تزوج الرجل بأم زوجة أبيه وابنة زوجة أبيه من غيره إذا ولدتها أمها قبل التزوج بأبيه جائز إجماعا، وأما إذا ولدتها أمها بعد أن تزوجت بأبيه وفارقته وأتت بها من زوج آخر، والموضوع أن لبن الأول لم ينقطع فهي حرام. [مسألة] من زنى بامرأة جاز له أن يتزوج بأصولها وفصولها، وجازت هي لأصوله وفروعه على الراجح، وقيل الزنا يحرم الأصول والفصول، وهو مذهب الحنفية، ولو بالمقدمات، قالوا: إن تلذذ ببنت زوجته أو أمها عالما بأنها بنتها أو أمها حرمت عليه زوجته، وبالغ الإمام أحمد فقال: من لاط بابن زوجته حرمت عليه. اهـ ضوء وخالفه في ذلك الأئمة الثلاثة. (ما قولكم) في امرأة أرضعت ولدا مع بنتها ثم طلقها أبو تلك البنت، وتزوج امرأة أخرى ثم ولدت بنتا فهل لذلك الولد الذي رضع مع البنت الأولى أن يتزوج ببنت المرأة الثانية؟ (الجواب) لا يحل له أن يتزوجها لأنه رضع من لبن أبيها، واللبن كما ينسب للمرأة ينسب للرجل، فجميع أبناء ذلك الرجل المتقدمين والمتأخرين إخوان ذلك الولد من الرضاع والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [مسألة] لا يجوز ما يقع لبعض الشافعية من إفسادهم العقد الأول لعدم عدالة الشهود لأجل أن لا يلحقها الطلاق الثلاث لأن شرط الفسخ عندهم أن لا يتحيل به على إحلال المبتوتة، قال المازري: إذا تزوجها أي مبتوتته قبل زوج عالما يحد ويلحق به الولد، فجعله من المسائل التي يجتمع فيها الحد ولحوق الولد كما في ح لتشوق الشارع للحوق النسب لكنه لم يجعله شبهة تدرأ الحد سدا للذريعة. اهـ من ضوء الشموع. (فصل في بعض مسائل الصداق) (فائدة) كان صداقه صلى الله عليه وسلم على جميع أزواجه اثنى عشر أوقية ونصف أوقية، وذلك خمسمائة درهم كما في عج ورواه مسلم، نعم أصدق النجاشي لأم حبيبة أربعة آلاف درهم، وصداق فاطمة الزهراء كان درعا على الأصح، وورد: من يمن المرأة قلة مهرها وتيسر أمرها، ورد المرأة

[مسألة]

على عمر بقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا} لا ينافي الكراهة، وقد أخرجه أصحاب السنن وأحمد والطبراني وابن حبان، وردها عليه لما قال في خطبة: كل من زاد على مهر فاطمة أو مهر زوجاته صلى الله عليه وسلم جعلت زيادته في بيت المال، فقالت له امرأة في طرف المجلس: لا يحل لك هذا يا ابن الخطاب، وقد قال الله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} وكان رضي الله تعالى عنه رجاعا للحق، فأطرق وقال: امرأة أصابت ورجل أخطأ. [مسألة] يتكمل الصداق المسمى أو صداق المثل بوطء، وبإقامتها ببيت زوجها سنة، ولو لم يتلذذ بها إن بلغ وأطاقت، وبموت أحد الزوجين قبل الدخول إن سمى صداقا بخلاف التفويض فلا شيء فيه بالموت قبل البناء. اهـ منه أيضا. [مسألة] إن نقص الصداق عن الربع دينار وما ذكر معه فإن كان قبل الدخول فسخ إن لم يتمه، فإن كان سمى لها درهمين ولم يتم الربع دينار أو الثلاثة دراهم وفسخ فلها نصف ما سماه فتأخذ درهما، فإن أتمه فلا فسخ، وإن دخل قبل إتمامه بأن غفل عنه حتى دخل لزمه إتمامه ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته ذلك لصحة النكاح ولا يلزمه صداق المثل. اهـ منه. [مسألة] إن أصدقها شيئا لا يملك شرعا كخمر، فإن النكاح يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل، ولا سبيل لفسخه. اهـ منه. [مسألة] إن وقع النكاح على شرط إسقاط الصداق يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل. اهـ منه. [مسألة] إذا أجل الصداق أو بعضه بأجل مجهول كموت أو فراق فإنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل، وجاز النكاح بالأجل المجهول عند الحنفي. اهـ ملخصا منه ومن المجموع. [مسألة] إن قيد الصداق بأجل بعيد جدا كخمسين سنة فإن النكاح يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل؛ لأنه مظنة الدخول على إسقاط الصداق، قال البناني: هذا ظاهر إذا أجل الصداق كله أو عجل منه أقل من ربع دينار، وأما إذا عجل منه ربع دينار فأكثر وأجل الباقي إلى الخمسين؛ فالذي يؤخذ من تعليلهم الفساد هنا بأنه مظنة إسقاط الصداق أن هذا صحيح فإن نقص الأجل عن الخمسين لم يفسد النكاح. اهـ ملخصا من در ودس. [مسألة] إذا وقع النكاح مع بيع في عقد واحد كبعتك هذه السلعة، وزوجتك بنتي بمائة فإنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل، فإذا ثبت

[مسألة]

النكاح بالدخول ثبت ما معه من البيع وغيره من بقية الأمور السبعة الآتية، وإن لم يحصل مفوت ويرجع في البيع وما معه لقيمة المبيع، ومثل البيع القراض والقرض والشركة والصرف والمساقاة والجعالة، فلا يصح اجتماعها مع النكاح في عقد واحد، وهذا كله في نكاح التسمية، وأما في التفويض فيجوز اجتماعه مع البيع ونحوه وهو ما ارتضاه البناني رادا على الرماصي. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] إذا وهب رجل بنته لرجل على أن يستمتع بها بلا صداق، أو أن المرأة قالت للرجل: وهبتك نفسي، وقال الولي: أمضيت ذلك، وشهدت الشهود على ذلك فإنه يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل كما في التوضيح عن ابن حبيب خلافا للباجي حيث اعترضه، وقال: بل يفسخ قبل الدخول وبعده وهو زنى يحدان فيه وينتفي عنه الولد، وأجابوا عن بحث الباجي بأنه بمنزلة النكاح على إسقاط الصداق، وتقدم أنه إن وقع على إسقاطه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل. [مسألة] قال ابن عرفة نقلا عن ابن حبيب: للزوج سؤال ولي زوجته عن الصداق النقد الذي دفعه له فيما صرفه فيه، وعلى الولي تفسير ذلك وحلفه إن اتهم. اهـ من صاوي. [مسألة] صداق المثل ما يرغب به مثل الزوج فيها باعتبار دين ومال وجمال وحسب وهو ما يعد من مفاخر الآباء، وباعتبار بلد فإذا نكحت نكاحا فاسدا سواء كان متفقا على فساده أو مختلفا فيه فإن هذه الأوصاف تعتبر يوم الوطء كالشبهة، فإذا نكحها نكاحا فاسدا ووطئها فإنه يلزمه صداق مثلها بحسب ما فيها من الأوصاف المتقدمة، وكذا إذا وطئ أجنبية يظنها زوجته أو أمته فعليه صداق مثلها بحسب ما فيها من الأوصاف المتقدمة، والموضوع أنها غير عالمة بنوم أو إغماء أو جنون أو لظنها أنه زوجها أو سيدها، وأما العالمة فلا مهر لها، وتحد لكونها زانية، ولا يتعدد المهر إن اتحدت الشبهة كأن غلط مرارا وظنها في الأولى زوجته هندا، وفي الثانية دعدا فلها مهر واحد، وإن لم تتحد بأن وطئها يظنها زوجته ثم وطئها يظنها أمته فلها في كل مرة مهر مثلها كالزنا بها غير عالمة، أو أكرهها فإنه يتعدد لها المهر بتعدد الوطء. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] يجوز للزوجة الرشيدة بعد البناء أن تهب لزوجها جميع الصداق الذي تقرر به النكاح لأنها ملكته وتقرر بالوطء سواء قبضته منه أم لم تقبضه، قال تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}، وإن

(فصل في الوليمة)

وهبته له قبل البناء، أو وهبته له مالا يصدقها به قبل العقد أو بعده قبل البناء جبر في المسألتين على دفع أقله وهو ربع دينار، أو ما يقوم به أو ثلاثة دراهم كما تقدم أو لئلا يخلو النكاح من صداق وهذا ظاهر في المسألة الأولى، وأما في الثانية فيدفع لها ما وهبته له ويزيد عليه ربع دينار. اهـ منه. [مسألة] إذا اشترى الأب لابنته شيئا وسماه لها ونسبه إليها ووضعه عندها أو عند (¬1) كأمها ثم مات الأب؛ فإن البنت تختص بذلك الشيء إذا أقر الورثة أنه سماه لها، أو شهدت بينة بذلك، قال الناصر اللقاني: ولعل ما هنا من الاكتفاء بالتسمية مخصوص بالشورة لأن الغالب أن الشورة إنما تشترى وتسمى للبنت بقصد الهبة والتمليك، بخلاف ما لو قال لابنه: اجعل في هذا الموضع كرما أو جنانا، أو ابن فيه دارا ففعل الابن في حياة أبيه، والأب يقول: كرم ابني أو جنان ابني، ثم مات الأب فلا يستحق الابن البقعة بذلك بل تكون بينه وبين بقية الورثة، وليس للابن إلا قيمة عمله منقوضا، ولا يستحق ذلك الابن شيئا إلا بإشهاد بهبة أو صدقة أو بيع كان ذلك الابن صغيرا أو كبيرا، ويقال مثل ما ذكر فيما إذا قال الابن في دابة يملكها: هذه دابة ولدي كما في دس. (فصل في الوليمة) وهي طعام العرس مندوبة للقادر عليها، ولو قبل البناء سفرا أو حضرا، ويندب أن تكون بعد البناء. [مسألة] تجب إجابة من عين الوليمة العرس فقط، وإن كان المدعو صائما ولا يجب الأكل، وإن لمفطر، ومحل وجوب الإجابة إن لم يكن في المجلس من يتأذى منه لأمر ديني كمن شأنه الخوض في أعراض الناس أو من يؤذيه ولم يكن منكر كفرش حرير يجلس عليه هو أو غيره بحضرته؛ وكآنية تعد من ذهب أو فضة لأكل أو شرب أو تبخير أو نحو ذلك ولو كان المستعمل غيره بحضرته، وكسماع غانية ورقص نساء، وحرمة سماع الغانية إذا كان يثير شهوة، أو بكلام قبيح أو بآلة من ذوات الأوتار، وإلا كان مكروها إن كان من النساء لا من الرجال فلا كراهة إلا أن يكونوا متشبهين بالنساء، وإلا كان حراما، قال الإمام عز الدين بن عبد السلام: من كان عنده هوى من مباح كعشق زوجته وأمته فسماعه لا بأس به، ومن قال: لا أجد في نفسي شيئا فالسماع في حقه ¬

(¬1) بياض بالأصل.

[مسألة]

ليس بمحرم، وقال السهروردي: المنكر للسماع إما جاهل بالسنن والآثار، وإما مغتر بما حرمه من أحوال الأخيار، وإما جامد الطباع لا ذوق له فيصر على الإنكار، قال بعض العارفين: السماع لما سمع له كماء زمزم لما شرب له، واعلم أن العلماء اختلفوا في العود وما جرى مجراه من الآلات المعروفة ذات الأوتار فالمشهور من المذاهب الأربعة أن الضرب به وسماعه حرام، وذهبت طائفة إلى جوازه، ونقل سماعه عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص وغيرهم وعن جملة من التابعين ومن الأئمة المجتهدين، ثم اختلف الذين ذهبوا إلى تحريمه فقيل كبيرة، وقيل: صغيرة والأصح الثاني، وحكى المازني عن ابن عبد الحكم أنه قال: إذا كان في عرس أو ضيع فلا ترد به شهادة، وأما الرقص فاختلف فيه الفقهاء فذهب طائفة إلى الكراهة وطائفة إلى الإباحة، وطائفة إلى التفريق بين أرباب الأحوال وغيرهم فيجوز لأرباب الأحوال ويكره لغيرهم وهذا هو المرتضى، وعليه أكثر الفقهاء المسوغين لسماع الغناء وهو مذهب السادة الصوفية. اهـ. (ما قولكم) في شخص دعي لوليمة عرس فيها آلة لهو وهل يجب الإجابة أم لا؟ (الجواب) لا تجب الإجابة مع الحرام كما إذا كان هناك آلة لهو أو صورة حيوان كاملة لها ظل، وإن لم تدم لأن تصاوير الحيوانات تحرم إجماعا إن كانت كاملة لها ظل مما يطول اسمراره بخلاف ناقص عضو لا يعيش به لو كان حيوانا، وبخلاف ما لا ظل له كنقش في ورق أو جدار، وفيما لا يطول اسمراره خلاف والصحيح حرمته، والنظر إلى الحرام حرام، وأما تصوير غير الحيوان كالسفن والأشجار فلا حرمة فيه، وليس من المنكر ستر الجدران بحرير إذا لم يستند إليه، وكذا لا تجب الإجابة إذا كثر الازدحام، أو كان يغلق الباب دون المدعو، وإن لمشاورة، وأما الزمارة والنفير فمكروه إذا لم يكثر جدا حتى يلهي كل اللهو، وإلا حرم، وأما الطار فلا يكره إذا لم يكن فيه صواصير وإلا حرم، ولا يكره الطبل الكبير المغشى من جهتين. اهـ من در. [مسألة] في حاشية الأمير رحمه الله تعالى على عبق قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: لا يعذب على أمر اختلف العلماء فيه، واختلاف العلماء رحمة في هذه الأمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالحنيفية السمحة» قال الله

باب الخلع

تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج «أي ضيق، قال الإمام ابن عبد السلام: إن الله تبارك وتعالى لم يوجب على أحد أن يكون حنفيا ولا مالكيا ولا شافعيا ولا حنبليا، والواجب عليهم اتباع الكتاب المنزل والنبي المرسل، ومن اقتدى بقول عالم فقط سقط عنه الملام والسلام بحروفه. باب الخلع (ما قولكم) في رجل قال لزوجته: إن أعطيتني كذا أطلقك مجزوم بحذف النون، والياء فاعل والنون للوقاية، والياء مفعول، وأصله أعطيتيني فأعطيته ذلك هل يلزمه طلاق بائن أم لا؟ (الجواب) إن فهم منه الالتزام بأن قال: أطلقك أو طلقتك ولا بد أو إن أعطيتني كذا التزمت أن أفارقك متى شئت بكسر التاء أجبر على إنشاء الطلاق بأن يقول لها: أنت طالق ولا يلزمه الطلاق بمجرد إعطائها له ما طلبه على المعتمد، وإن فهم منه الوعد بأن قال: إن أعطيتيني كذا أفارقك أو فارقتك لكن لست ملتزما للفراق أي فارقتك إن شئت بضم التاء، فإن ورطها أي أوقعها في ورطة ببيعها متاعها أجبر على إنشاء الطلاق كما في مسألة الالتزام، وإن لم يوقعها في ورطة بأن كان عندها دراهم أو دنانير فدفعت منها فلا يلزمه الطلاق بناء على المشهور من عدم لزوم الوفاء بالوعد أفاده دس وغيره. (ما قولكم) في رجل أبرأته زوجته وردت عليه ما أخذته من المهر فأخذه ولم يسمع منه طلاق في ذلك الوقت، ثم بعد يوم أو يومين ادعى أنه طلق يوم الإبراء فهل ينفعه ذلك في أخذ المال أم يقع الطلاق ويرد المال؟ (الجواب) في حاشية الدسوقي إن قصد الصلح على أخذ متاعه وسلم له فهو خلع لازم، ولو لم يقل أنت طالق كما في سماع ابن القاسم وفي المجموع، وكفت المعاطاة حيث فهم الخلع أي بعرف لهم أو بقرائن خالية كجريان حديث الخلع في محاوراتهم، انتهى بزيادة من ضوء الشموع. (ما قولكم) في رجل أبرأته زوجته من باقي صداقها وهي حافظة لما لها دون دينها فطلقها على ذلك، وقبل خروجها من العدة راجعها له مالكي جهلا منه وعاشرها معاشرة الأزواج ثم طلقها، فهل يلحقه هذا الطلاق الثاني عند المالكية أم لا؟ (الجواب) يلحقه الطلاق الثاني عندنا لأن نكاحها بمجرد الرجعة مختلف فيه؛ لأن طلاقه في الغرض المذكور رجعي عند الشافعية؛ لأن من السفه عندهم

[مسألة]

تضييع الدين ففي الأمير على عبد الباقي وعند الشافعية من لم تحفظ دينها ليست رشيدة، والنكاح المختلف فيه كالمتفق على صحته في لحوق الطلاق، قال سيدي خليل في مبحث النكاح المختلف فيه كطلاقه، قال العلامة الدردير: تشبيه تام، ثم قال: وإن طلق قبله أي الفسخ لحقه الطلاق. انتهى بتصرف، وفي المجموع: وفسخ المختلف فيه طلاق وطلاقه قبله أي الفسخ كهواه. [مسألة] إذا أبرأته فقال لها: روحي وسكت لزمه واحدة بائنة ما لم يبق أكثر للقرينة الدالة على الطلاق لأن نزاعهما فيه. [مسألة] إن قال: أنت طالق طلقة لا رجعة فيها فالطلاق رجعي، ولا عبرة بقوله لا رجعة فيها؛ لأنه ثبت الرجعة بأول لفظة، فلا يسقط ما وجب له من الرجعة بقوله: لا رجعة فيها، ومثله: أنت طالق طلقة تملكين بها نفسك فإنها رجعية، وقيل: بائنة، وقيل: ثلاث، والأول أرجح، ورجح اللقاني أنها بائنة وهو ما عليه مالك رضي الله عنه وابن القاسم، والقول بأنه ثلاث ضعيف، ومحل ذلك ما لم يقل طلاقا تملكين به نفسك، وإلا فهو ثلاث باتفاق، فلو زاد على قوله: تملكين إلخ ولا رجعة لي عليك فهو بائن كما للمعيار ذكره بعض شيوخنا. اهـ من حاشية الخرشي. (ما قولكم) في رجل زوج ولده القاصر على بنت قاصرة ودخل بها ثم كرهته بعد بلوغها فترافع ولي القاصر وولي البنت لعالم مالكي، وحكماه بينهما فأخذ ولي الولد دراهم من ولي البنت لولده في مقابلة طلاقها، وطلق عن ولده البنت المذكورة، وحكم العالم المالكي بوقوع الطلاق عن الولد فهل طلاق الولي عن ولده صحيح وهل تعتد البنت أم لا؟ وهل حكم المحكم برفع الخلاف أم لا؟ (الجواب) طلاق الولي عن ولده صحيح، ففي المختصر وموجبه أي طلاق الخلع زوج مكلف ولو سفيها أو ولي صغير أبا أو سيدا أو غيرهما، قال الخرشي: أي كما يوجبه طلاق زوج مكلف يوجبه أيضا ولي صغير أي صدور طلاق منه كان الولي أبا أو وصيا أو سلطانا أو مقام السلطان على وجه النظر في الجميع ويلزم الصغير الطلقة بائنة، ومثل الصغير المجنون، فالنظر لوليه. اهـ قال العلامة العدوي: ولا يجوز لهم الطلاق بغير عوض عند مالك وابن القاسم. اهـ قال الأمير على عبق: حكى الحطاب الاتفاق على ذلك، قال البناني: وغاب عنه نقل ابن عرفة عند اللخمي من جواز طلاقهم على الصغير، والسفيه بلا عوض، إذا كان مصلحة وهو ظاهر فانظره، انتهى ولا عدة عليها لقوله في المختصر

[مسألة]

في فصل العدة: تعتد بخلوة بالغ، قال الخرشي: واحترز بالبالغ من غيره إذا خالع عنه وليه فإن وطأه لا يوجب عدة على زوجته، وإن كان يقوى على الجماع وفي أقرب المسالك، ونقل ابن عرفة عن اللخمي أنه يجوز لمصلحته إذ قد يكون في العصمة فساد له في طهر أو حدث إبقاء، وحكم المحكم يرفع الخلاف لقوله في المختصر في باب القضاء ومضى إن حكم صوابا، قال الخرشي: يعني أن المحكم إذا حكم فيما لا يجوز له التحكيم فيه أي كقتل ولعان وولاء ونسب، وطلاق وعتق فإنه يمضي إن كان صوابا وليس لأحدهما أي أحد الخصمين ولا لحاكم غيرهما أن ينقضه. اهـ فتحصل أن طلاق الولي صحيح ولا عدة عليها، وحكم المحكم يرفع الخلاف. [مسألة] الردة - والعياذ بالله - طلاق بائن، فإذا ارتدت الزوجة أو ارتد الزوج، ثم أسلم أو أسلمت فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه، وإلا إذا قلد من يقول: إنها ترجع له برجوعها للإسلام، وإلا فلا يحتاج إلى عقد وفي ضوء الشموع، وقيل: إن الردة فسخ لا يجب عليه طلقة، وعند الشافعية ترجع له بعودها للإسلام وهي فسحة. (ما قولكم) في سفيهة لا تحسن التصرف أبرأت زوجها فقال: أنت طالق، فهل تبين منه ويستحق ما أبرأته منه أم لا؟ (الجواب) يقع عليه طلقة بائنة ويرد ما أبرأته منه لأن شرط باذل العوض الرشد، وأما إن قال: إن صحت براءتك فأنت طالق، فإذا رد ولي الزوجة السفيهة أو الصغيرة أو الحاكم المال لها ولم يمض براءتها لم يقع عليه طلاق، وأما إن قدم لفظ الطلاق على البراءة بأن قال: أنت طالق إن صحت براءتك فأبرأته فيلزمه الخلع ويرد المال. اهـ من أقرب المسالك ودس. [مسألة] إن أبرأته رشيدة ليطلقها وأضمرت أنها تثبت الضرر، وتعود عليه فقال: إن صحت براءتك فأنت طالق فلا يلزمه طلاق كما في ص. [مسألة] يجوز أن تخالعه بنفقة حملها أي بنفقتها على نفسها مدة حملها. اهـ منه. (ما قولكم) في امرأة خالعت زوجها بالإنفاق على ما تلده بعد الحمل مدة الرضاع فهل يسقط بذلك النفقة عليه مدة الحمل أم لا؟ (الجواب) لا تسقط نفقة الحمل، ففي أقرب المسالك: ولا يسقط بخلعها على نفقة ما تلده من الحمل نفقة الحمل على الأصح، وهو قول ابن القاسم لأنهما حقان أسقطت أحدهما عنه في نظير الخلع فيبقى الآخر، وقال الإمام: إذا خالعها بنفقة ما تلده استلزم ذلك سقوط نفقة الحمل ورجح الأول، وكذا إذا خالعهما على إسقاط نفقة الحمل فلا يسقط به نفقة الرضاع. اهـ بتصرف.

[مسألة]

[مسألة] إذا خالعته على نفقة الرضاع فمات الولد رجع عليها ببقية المدة إلا لشرط أو عرف فيعمل به، ويقدم الشرط على العرف عند تعارضهما. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] يجوز الخلع بإسقاط حضانتها لولده وينتقل الحق له ولو كان هناك من يستحقها غيره قبله وهذا هو المشهور، واقتصر عليه في المجموع وفي أقرب المسالك، ولكن الذي جرى به العمل وبه الفتوى انتقالها لمن يليها في الرتبة. اهـ وقوله: وينتقل الحق له مقيد بأن لا يخشى على المحضون ضررا ما لعلوقه بأمه، أو لكون مكان الأب غير حصين، وإلا فلا تسقط الحضانة اتفاقا ويقع الطلاق، وإن خالعته على إسقاط الحضانة فمات الأب، فهل تعود للأم وهو الظاهر أو تنتقل لمن بعدها لإسقاط حقها، وأما إذا ماتت الأم، فإن الحضانة تستمر للأب كما هو ظاهر كلام جمع نظرا إلى أنها ثبتت له بوجه جائز. اهـ من ص. [مسألة] في امرأة طلقها زوجها طلاقا رجعيا، فأعطته مالا على أن لا يراجعها فقبل ذلك المال على ذلك، فوقع عليه طلقة أخرى بائنة اتفاقا إن كان على أن لا رجعة له عليها، أو على المشهور إن كان على أن لا يرتجعها. اهـ من أقرب المسالك، وفي الأمير على عبق يشير إلى أنه لا فرق بين التعبير بالاسم أي لا رجعة أو الفعل أي لا يرتجعها وهو ما لابن الحاجب وابن عرفة، وهو الحق لاتحاد المعنى، وفي بن عن ابن رشد أن الخلاف في الفعل والاسم طلقة أخرى قطعا وتقدم أن المعاطاة تكفي في الخلع. [مسألة] ينفذ خلع المريض وإن كان لا يجوز ابتداء لما فيه من إخراج وارث، فإن مات من ذلك المرض ورثته ولو خرجت من العدة وتزوجت بغيره، ولو كانت هي التي أحنثته في المرض كما لو قال: إن دخلت دار فلان فأنت طالق فدخلتها قاصدة حنثه فترثه، وأما إن ماتت هي فلا يرثها ولو كانت مريضة حال الخلع أيضا؛ لأنه هو الذي أسقط ما كان يستحقه ككل مطلقة بمرض موت فإنها ترثه دونها، فإذا طلقها في مرض موته وخرجت من العدة وتزوجت بآخر، فطلقها في مرض موته وخرجت من العدة وتزوجت بثالث فطلقها في مرض موته ثم مات الأول والثاني والثالث من ذلك المرض فإنها ترث الجميع، ولو أكثر من ذلك، ولو كانت في عصمة رجل آخر. اهـ منه. [مسألة] إن قال: خالعتك فهو بائن ولو لم يذكر عوضا، ومثل الخلع في لزوم

[مسألة]

البينونة به ولو بلا عوض لفظ الصلح والإبراء والافتداء كما إذا قال لها: صالحتك، أو أنا مصالح لك، أو أنت مصالحة لي، أو أنا مبرؤك، أو أنت مبرئة، أو أنا مفتد منك أو أنت مفتدية مني، قال شيخنا العدوي: والظاهر أن مثل هذه الألفاظ أنت بارزة عن ذمتي أو عن عصمتي أو أنت خالصة مني أو خالصة مني أو خالصة من عصمتي أو لست لي على ذمة كذا قرره رحمه الله تعالى. [مسألة] لا يجوز للزوج أن يخالع زوجته على أن تخرج من مسكنها الذي طلقت فيه؛ لأن سكناها فيه إلى انقضاء العدة حق لله لا يجوز لأحد إسقاطه لا بعوض، ولا بغيره، وإن خالعته على ذلك بنت منه ولا تخرج من مسكنها ولا شيء عليها له، وأما إذا خالعته على أن تتحمل بأجرة المسكن زمن العدة من مالها فيجوز. اهـ خرشي بتوضيح. [مسألة] إن قال: أنت طالق وقصد بهذا اللفظ الخلع وقع بائنا، ففي الخرشي وعبق: إذ لو قصده أي الخلع باللفظ إن لم يكن نزاع أنه بائن اهـ بتوضيح. (ما قولكم) فيما إذا قال لزوجته: إن أعطيتني كذا فأنت طالق فهل يختص بالمجلس أم لا؟ (الجواب) لا يختص الإعطاء بالمجلس الذي قال لها فيه ذلك بل متى أعطته ما طلبه منها وقع الطلاق ولو بعد المجلس ما لم يطل بحيث يري أن الزوج لا يجعل التمليك إلى ذلك الزمن إلا لقرينة تدل على أنه أراد المجلس فقط، فيختص به عملا بالقرينة كما في در وغيره. [مسألة] إن خالعته بمال لأجل مجهول عجل فيأخذه منها حالا والخلع صحيح. اهـ من أقرب المسالك. (ما قولكم) فيمن قال: أنت طالق بما في يدك فتبين أنه تراب، أو تبين أن يدها فارغة فهل يلزمه الطلاق أم لا؟ (الجواب) يلزمه الطلاق بائنا عند ابن عبد السلام واختاره الشيخ خليل بقوله: على الأحسن لأنه أبانها مجوزا لذلك كما إذا خالعها على الجنين الذي ببطن أمتها، أو ببطن بقرتها فانفش الحمل فإنه يلزمه الطلاق بائنا ولا شيء له. اهـ من أقرب المسالك وغيره بتوضيح. [مسألة] إن قال لها: إن أعطيتيني ما أخالعك به فأنت طالق فأعطته شيئا تافها لم يلزمه خلع، ويخلى بينه وبينها، وإن لم يدع أنه أراد خلع المثل ولا يمين عليه؛ لأن قوله ما أخالعك به مصروف عرفا لخلع المثل، فإن دفعت له خلع المثل لزمه الطلاق كما في در. [مسألة] إن قال لها: إن خالعتك فأنت طالق ثلاثا، ثم خالعها على مال أخذه منها فإنه يلزمه الطلاق الثلاث، ويرد لها المال الذي

[مسألة]

أخذه منها على قول ابن القاسم؛ لأن الخلع لم يصادف محلا بناء على أن المعلق، والمعلق عليه يقعان معا فلم يجد الخلع محلا، وهذا هو المشهور وبه الفتوى قال ابن رشد وحكى البرقي عن أشهب أنه إذا خالعها لا يرد على الزوجة شيئا مما أخذ قال: وهو الصحيح في النظر؛ لأنه جعل الخلع شرطا في وقوع الطلاق الثلاث، والمشروط وإنما يكون تابعا للشرط، وحيث كان المشروط تابعا للشرط فيبطل الطلاق واحدة أو أكثر لوقوعه بعد الخلع في غير زوجة وحينئذ فلا يرد ما أخذه، فإن لم يقل ثلاثا بل قال: إن خالعتك فأنت طالق وأطلق لزمه طلقتان ولا يرد لها المال، وكذا إن قال: إن خالعتك فأنت طالق طلقتين فإنه يلزمه الثلاث، ولا يرد لها المال. اهـ ملخصا من دس وأقرب المسالك وغيره. (ما قولكم) في امرأة طلقها زوجها على مال أخذه منها ثم ثبت بعد الخلع أنها كانت مطلقة طلاقا بائنا فهل ترجع عليه بما دفعته له أم لا؟ (الجواب) في الخرشي ترجع فيما دفعته إليه؛ لأن الخلع لم يصادف محلا بخلاف ما لو كانت مطلقة طلاقا رجعيا، والعدة لم تنقض فإنها لا ترجع في العوض؛ لأن الخلع صادف محلا لملك الزوج عصمتها ولحوق طلاقه لها؛ لأن الرجعية زوجة. اهـ. (ما قولكم) في امرأة أبرأت زوجها براءة مجهولة فقالت: أبرأك الله وأبرأتك فقال: إن صحت براءتك فأنت طالق، فهل تصح البراءة ويقع الطلاق أم لا؟ (الجواب) البراءة من المجهول صحيحة إذا كانت المرأة رشيدة أي تحسن التصرف فيقع الطلاق بائنا ويبرأ من كل شيء لها عليه، وأما إن كانت غير رشيدة بأن كانت صغيرة أو سفيهة أو ذات رق وأبرأته براءة معلومة أو مجهولة، فالبراءة غير صحيحة؛ فإن قال لها بعد أن أبرأته: أنت طالق لزمه الطلاق بائنا ورد إليها ما أخذه منها، وإن قال لها: إن صحت براءتك فأنت طالق لا يقع لعدم صحة البراءة، وعند الشافعية من لم تحفظ دينها ليست رشيدة، فحكمها عندهم حكم السفيهة. اهـ ملخصا من عبد الباقي والأمير بتوضيح. [مسألة] إن باع زوجته أو زوجها للغير لزمه طلقة بائنة، وكذا إن بيعت أو زوجت بحضرته وسكت، وسواء في جميع ذلك كان هازلا أو جادا. اهـ عبق وفي الأمير عن بن نقلا عن ابن القاسم يحلف الهازل ما أراد طلاقا ولا شيء عليه. اهـ وقوله وسكت، وأما إن لم يسكت بأن أنكر على من باع زوجته

[مسألة]

أو زوجها فلا تبين منه كما في الصاوي عن دس. [مسألة] كل طلاق حكم به حاكم فهو بائن إلا في مسألتين فهو رجعي، وهما حكمه بطلاق المولى، وحكمه بطلاق المعسر بالنفقة كما في أقرب المسالك وغيره. (ما قولكم) في رجل ترك الوطء إضرارا بزوجته، أو تركه لكونه غائبا أو دوام العبادة، وترك وطأها فهل للحاكم أن يطلق عليه إذا رفعت أمرها إليه أم لا؟ وهل إذا حكم بطلاقها يرفع حكمه الخلاف أم لا؟ (الجواب) إن ترك وطأها ضرارا وسرمدا لعبادة، ورفعت أمرها للحاكم لتضررها بترك الوطء فله أن يطلق عليه بالاجتهاد، وهذا إذا كان حاضرا، وأما إذا كان غائبا فلا يطلق عليه إلا إذا طالت الغيبة سنة فأكثر عند أبي الحسن وهو المعتمد، وقال الغرياني وابن عرفة: السنتان والثلاثة ليست بطول بل لا بد من الزيادة عليها، ويزاد على طول الغيبة أن تخشى الزنا على نفسها، ويعلم ذلك منها، وتصدق في دعواها مع طول الغيبة، وأما مجرد شهوتها للجماع فلا يوجب طلاقها، ويزاد على هذين الشرطين شرط ثالث وهو الإرسال إليه إن علم محله فإن أمكن الوصول إليه، وإلا فلا يعتبر هذا الشرط، وهذا كله إذا كانت نفقتها دائمة، وإلا طلق عليه حالا لعدم النفقة، كما سيأتي في النفقات. اهـ ملخصا من در ودس من باب الإيلاء ثم إن حكم هذا الحاكم صحيح يرفع الخلاف ما لم يستثني السلطان على قضاة محاكمه حين توليتهم أن لا يحكموا على غائب بطلاق كما في مصر، منعهم من الحكم في ذلك وكتب به كتابا وأرسله لسائر أقطار محاكمه، فإن استثنى عليهم شيئا من الأحكام فلا تنفذ أحكامهم فيه إن حكموا به ولا يرفع الخلاف، ففي الخرشي عند قول المختصر في باب القضاء، وجاز تعدد مستقل الخ، وإذا قيل إنها تنعقد عامة وخاصة يجوز للخليفة أن يستثني على القاضي أن لا يحكم في قضية بعينها، أو لا يحكم بين فلان وفلان أو لا يقضي في الأموال بالشاهد واليمين. اهـ بزيادة من عدوي. [مسألة] إن قال لامرأته: اقضيني ديني وأنا أفارقك فقضته ثم قال: لا أفارقك كان لي حق عليك، فأعطيتينه، قال مالك: أرى ذلك طلاقا، فإن كان ذلك على وجه الفدية أي إذا ثبت أن ذلك كان على وجه الفدية ببساط تقوم عليه بينة مثل أن تسأله أن يطلقها على شيء وتعطيه إياه فيقول لها: اقضيني ديني وأنا أفارقك، أو ما أشبه ذلك أو يقر بذلك على نفسه

باب في الطلاق

كان خلعا ثابتا، وإن لم يكن على وجه الفدية حلف بالله أنه لم يكن على وجه الفدية، ويكون القول قوله. اهـ دس بتصرف. [مسألة] إذا قال لزوجته: أنت طالق طلقة لا رجعة فيها، أو لا رجعة بعدها فهي رجعية. اهـ تقرير عدوي. اهـ دس. [مسألة] لا يجوز الخلع بعوض من ذي رق أو صغيرة أو سفيهة، ورد المال في المسائل الثلاثة وبانت الزوجة من زوجها ما لم يقل إن تم لي أو إن صحت براءتك فأنت طالق فإن قاله، ورد المال لم يقع بخلاف ما إذا قاله بعد صدور الطلاق بأن قال لها: أنت طالق إن صحت براءتك فأبرأته فيلزمه الخلع، وهذا هو المعتمد خلافا للبرزلي. اهـ ملخصا من در ودس. (ما قولكم) في امرأة طلبت المخالعة من زوجها فحضر جماعة، وحسبوا نفقة العدة وأجرة المنزل ومؤخر الصداق فبلع خمسين ريالا فقالت: خالعتك على هذا القدر المذكور فقال الزوج: قبلت الخلع على نفسي، ثم اعتدت وتزوجت برجل آخر، ثم طلقها فاعتدت ثم تزوجها الزوج الأول، ثم طلقها طلاقا رجعيا، ثم راجعها ثم خالعها ثم رفعت سؤالا لمفتي الشافعية بما ذكر فأجاب بأن الخلع الأول غير صحيح وعقد الرجل الثاني غير صحيح، وهي باقية في عصمة الزوج الأول، فما الحكم عند السادة المالكية؟ (الجواب) خلع الرجل الأول صحيح، والطلاق والخلع الواقعان فيه بعد الزوج الثاني يضمان للخلع الأول لأن نكاح الزوج الثاني غير صحيح عند الشافعي فهو نكاح مختلف فيه، والمختلف فيه يلحق فيه الطلاق، فلا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجا غيره والله أعلم. باب في الطلاق [مسألة] إن كانت العصمة غير مملوكة وقت الطلاق لا حقيقة، ولا تعليقا فلا يلزم الطلاق كما إذا قال: علي الطلاق من التي أتزوجها لا أفعل كذا، والطلاق يلزمني من التي أتزوجها إن فعلت كذا، أو إن كنت فعلت كذا، قرره شيخنا العدوي رحمه الله. [مسألة] عند الشافعي إن قال لزوجته: إن فعلت أنا وأنت كذا فأنت طالق ثلاثا، ثم خالعها حلت يمينه، فإذا فعل المحلوف عليه بعد الخلع، وقبل عقده عليها أو بعده لم يلزمه شيء، وهي فسحة عظيمة يجوز لغير الشافعي أن يقلده فيها. اهـ دس. [مسألة] إذا قال لزوجته: ما أنقلب إليه حرام إن كنت لي بامرأة

باب الطلاق

أو إن لم أضربك، فقال ابن القاسم: لا يحنث في زوجته؛ لأنه أخرجها من اليمين إذ حين أوقع اليمين علمنا أنه لم يردها بالتحريم، وإنما أراد غيرها نقله ابن غازي وغيره. اهـ دس. [مسألة] في أقرب المسالك ونقل ابن عرفة عن اللخمي أن ولي الصبي، والمجنون يجوز له أن يطلق عنهما بلا عوض لمصلحة، إذ قد يكون في بقاء العصمة فساد لأمر ظهر أو حدث. اهـ قال محشية الشيخ الصاوي وهو المعول عليه. اهـ. باب الطلاق لفظه الصريح يلزمني الطلاق، أو علي الطلاق وطلاق يلزمني وطلقت وتطلقت ونحو ذلك لا مطلوقة ومنطلقة، وانطلقي فليس من الصريح، ولا من الكناية الظاهرة لاستعمالها في العرف في غير الطلاق، بل هي من الكنايات الخفية إن قصد بها الطلاق لزم وإلا فلا، ولزم في صريحه طلقة واحدة إلا لنية أكثر، وصدق في دعوى نفيه إن دل بساط عليه بيمين في القضاء، وبلا يمين في الفتوى وذلك كما لو أخذها الطلق عند ولادتها، فقال: أنت طالق إعلاما لغيره أو طالبا العلم لنفسه، وكانت مربوطة فقالت له: أطلقني، فقال: أنت طالق، أي ستطلقي ونحو ذلك مما يقتضيه الحال. اهـ من أقرب المسالك بتوضيح أي أراد بقوله: أنت طالق أنها ستطلق من الربط، وإلا بأن أراد أنها مطلوقة من الربط فهو كاذب يقع عليه الطلاق، كما في حاشية الخرشي. اهـ. (ما قولكم) في شخص أراد أن يتزوج ابنة عمه، فحلف أخوها بالطلاق الثلاث ما يعطيها له حتى يطلق نساءه، فهل إذا طلقهن طلاقا بائنا ثم تزوج ابنة عمه، ثم عقد على زوجاته فهل يخلص الحالف من اليمين أم لا؟ (الجواب) في فتاوى عج إذا طلق المحلوف عليه نساءه الطلاق المذكور، ثم تزوج أخت الحالف، ثم رد نساءه لم يحنث لأن دوامها في عصمته ليس بمنزلة ابتداء التزويج ما لم تقم قرينة تدل على أن القصد أن لا يجمعها مع نسائه، أو أنه لا يزوجها له مع نساء أبدا أو سوى ذلك فيعمل به، ولا يخلصه طلاق زوجاته بأن زوجاته للطلاق المذكور، والله أعلم. (ما قولكم) في شخص اتهم بفعل شيء فحلف بالطلاق أنه ما فعله، ولا يعرف من فعله ثم تذكر بعد حلفه أن شخصا آخر فعله، وسأل ذلك الشخص فأنكر، فغلب على ظنه أن ذلك الشخص هو الفاعل فهل يقع على الحالف طلاق أم لا؟

[مسألة]

(الجواب) إذا كان حين اليمين غير عارف بمن فعل على سبيل الجزم أو غلبة الظن، ثم حصل له بعد ذلك غلبة الظن، بأن الفاعل شخص معين، فإن ذلك لا يوجب عليه الحنث؛ لأنه حال الحلف لم يكن عارفا به وإنما ظن أن معرفته به بعد الحلف، وهذا حيث لا نية بأنه لا يعرفه حالا ومآلا، فإن نوى ذلك حنث كذا في فتاوى عج. (ما قولكم) في شخص مرض وصار يهذي، فلما أفاق أخبر بأنه حلف على زوجته بالطلاق ثلاثا أنها لا تتوجه لبيت أهلها، وهي الآن عندهم فقال: ما عندي بهذا علم فما الحكم؟ (الجواب) إذا شهدت البينة بأنه كان يهذي في تلك الحالة فإنه يحلف ولا شيء عليه، وإن لم تشهد البينة بذلك فإن أنكر وقوع شيء منه صدق، وإن أقر بوقوع الطلاق منه، وقال: لم أعقل ما فعلت لم يصدق، كذا ذكر ابن ناجي كذا في فتاوى عج وفي الخرشي، أما لو قال: وقع مني شيء ولم أعقله فإنه يلزمه لقيام القرينة على كذبه. (ما قولكم) فيمن وهب لأمه ثوبا تلبسه فامتنعت أن تقبله فحلف لها بالطلاق أن تأخذه فأخذته، ومكث عندها نحو سبعة أشهر وردته هبة منها له فهل له قبوله أم لا؟ (الجواب) في فتاوى عج حيث لم تلبسه فإنه يحنث، وإن لبسته ثم قبله منها هبة لم يحنث، إلا أن ينوي أن لا يعود إليه أو تدل قرينة على ذلك. (ما قولكم) فيمن قال لزوجته: إن طلبت مني الصلح فأنت طالق فطلبت منه الصلح بدينار، فقال: إنما أردت الصلح بنصف متاعها فهل يقبل قوله بيمينه أم لا؟ (الجواب) يقبل قوله بيمينه، ولو في القضاء؛ لأن هذه مساوية بخلاف ما إذا أنكر فلا يقبل قوله في القضاء لأن نيته حينئذ مخالفة كما في فتاوى عج. [مسألة] إن قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو غير واحدة أو سوى واحدة، صح الاستثناء ولزمه اثنتان ولو لفظ به سرا، ولا بد من حركة اللسان كما في الأيمان لكن صحته بشروط: الأول: يتصل بالمستثنى منه، ولو حكما فلا يضر فصل بعطاس أو سعال، فإن انفصل اختيارا لم يصح. الثاني: أن يكون الاستثناء مقصودا، لا إن جرى على لسانه بلا قصد فلا يفيد. الثالث: أن لا يستغرق المستثنى منه، وإلا لم يصح نحو طالق ثلاثا إلا ثلاثا فيلزمه ثلاث ويعتبر ما زاد على الثلاث على الأرجح، فإذا قال: طالق أربعا إلا اثنتين لزمه اثنتان. اهـ من أقرب المسالك بزيادة من المجموع. (ما قولكم) في شخص حلف

[مسألة]

بقوله عليه طلاق زوجته وعتق عبده أن بزوجته عيبا فنظرت امرأة أو أكثر، ونفت ذلك العيب عن الزوجة، فهل يلزمه ما حلف به أم لا؟ (الجواب) لا يلزمه ما حلف به ويدين لأن الطلاق والعتاق لا يلزمان بشهادة النساء كما في الأمير على عب بباب الشهادات إلا لمشقة مريض. [مسألة] إن قال لزوجته: أنت طالق كلما حضت أو كلما جاء شهر أو يوم أو سنة فإنه يلزمه الطلاق الثلاث منجزا على المشهور، وهذا فيمن تحيض أو يتوقع حيضها كصغيرة، إلا إن كانت شابة لا تحيض، أو آيسة لا تحيض فلا شيء عليه، فإن طرق الدم والشابة التي لا تحيض وآيسة لا تحيض فلا شيء عليه فإن طرق الدم الشابة التي لا تحيض بعد ذلك وقال النساء: إنه حيض، طلقت حينئذ، وإن قال: كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها، فإنه يقع عليه الثلاث، وأما إذا قال: حتى ما طلقتك أو إذا ما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها فيلزمه فيها طلقتان، وأما الثالثة فلا تلزمه كما أن من قال: إن طلقتك فأنت طالق يلزمه طلقتان؛ لأن المعتمد أن التكرار إنما هو بكلما أو مهما لا متى ما أو إذا ما، وإذا قال: كلما دخل الدار فعلي طلاق فعليه بكل فعلة من الدخول طلقة، ومثل كلما مهما، وأما قوله: حتى ما دخلت الدار مثلا فأنت طالق فلا يتكرر الحنث على المذهب، ومن حلف بالطلاق لا يترك الوتر وهو بمكة مثلا فإنه يتكرر عليه الحنث بتكرر ترك الوتر لأن العرف في مثل هذا يقتضي أنه لم يرد قصر الحنث على مرة فكأنه قال: كلما تركت الوتر فأنت طالق، ومثل الوتر كل عبادة لها وقت تفعل فيه لا تقدم عليه، ولا تتأخر عنه، وذلك الوقت دائم إلا أن ينوي مرة فلا يتكرر، وهذه مسألة تحفظ ولا يقاس عليها. اهـ ملخصا من الخرشي من فصل اليمين، وفصل الطلاق من الخرشي وحاشية العدوي والدسوقي. [مسألة] إن قال: إن فعلت كذا أكون داخلا على أهلي زانيا، فهو من كنايات الطلاق واستظهر الثلاث كما في المجموع من باب الأيمان. [مسألة] لو طلق زوجته المدخول بها طلاقا رجعيا فقيل له: ما فعلت؟ فقال: هي طالق، فإن نوى الإخبار فلا شيء عليه اتفاقا، وإن لم ينو إنشاء ولا إخبارا ففي لزوم طلقة ثانية تردد، فاللخمي يقول: لا يلزمه طلقة ثانية، وهو الأقرب، كما في المجموع وعياض يلزمه طلقة ثانية، ومحل الخلاف

[مسألة]

في القضاء، ثم على القول بلزوم واحدة يحلف أنه لم يرد إنشاء طلقة ثانية حيث أراد رجعتها، وهو الراجح من أقوال ذكرها الحطاب كما في دس. [مسألة] إذا حلف بطلاق لقد دفع ثمن سلعة لبائعها، فتبين أنه إنما دفعه لأخيه فقال: ما كنت ظننت أني دفعته إلا للبالغ، قال مالك: يحنث أي لأن اللغو وهو الحلف على ما يعتقده فيتبين خلافه لا ينفع إلا في اليمين بالله كما تقدم في باب اليمين. [مسألة] يلزم طلاق الغضبان ولو اشتد غضبه خلافا لبعضهم، ودعوى أنه من قبيل الإكراه باطل، وكل هذا ما لم يغب عقله بحيث لا يشعر بما صدر منه كالمجنون. اهـ صاوي. (ما قولكم) في رجل قالت له أم زوجته في كلام بينهما: أنت فاز أي هام بطلاق بنتي، فقال: عساها مائة طلاق وقال: أردت الدعاء عليها ولم أرد الطلاق، هل يلزمه طلاق أم لا؟ (الجواب) ينفعه عدم إرادة الطلاق لأنه كأنه قال: أتمنى لها مائة طلقة، وهذا لا يقع به طلاق. [مسألة] يلزم الطلاق ولو بالهزل كالعتق والنكاح والرجعة. [مسألة] إن قصد النطق بغير الطلاق فزل لسانه فنطق بالطلاق، فلا يلزمه في الفتوى ويلزمه في القضاء. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إن كرر الطلاق بعطف لزمه ما كرره إن دخل سواء تابعه أم لا، ولا ينفعه نية التأكيد لأن العطف ينافي التأكيد، ولا يلزم في البائن إلا نسقا أي من غير فصل، فإن فصل فلا يلزمه طلاق آخر، إلا أن يكون الفصل بغير اختياره كما إذا فصل لسعال أو عطاس، وإلا فيتكرر الطلاق وإن كرره بلا عطف لزمه ما كرره في المدخول بها كغيرها إن تابعه، ولو حكما كفصله بسعال إلا لنية تأكيد فيصدق بيمين في القضاء، وبغيرها في الفتوى وتقبل بنية التأكيد في المدخول بها، ولو طال ما بين الطلاق الأول والثاني بخلاف غير المدخول بها، فإنه ينفع فيها التأكيد، وحيث لم يطل ما بين الطلاقين فإن طال لا يلزمه الثاني؛ لأن غير المدخول بها تبين بأول طلقة والبائن لا يلحقها الطلاق الثاني مع الفصل، انتهى ملخصا من در ودس وغيرهما. [مسألة] إن أقر مكلف إن شرب خمرا أو زنى أو اقترض مالا من زيد مثلا ثم حلف بالطلاق ما فعلته، وإني أخبرت بخلاف الواقع فإنه يوكل إلى دينه، ويصدق بيمينه في الطلاق فقط أنه كذب في إقراره في القضاء، ولا يمين عليه في الفتوى، فإن نكل طلق عليه الحاكم، ومن هذا القبيل من حلف

[مسألة]

بالطلاق أنه ما أخذ معلومه من الناظر، أو ما أخذ دينه من المدين فأظهر الناظر أو المدين ورقة بخطه على أنه قبض حقه من الناظر أو قبض دينه من المدين، فادعى الحالف أنه كتبه قبل أن يأخذ منه حقه، فلا حنث عليه لأن خطه بمنزلة إقراره قبل يمينه لا بعده لسبقية الخط على الحلف، ولو لم يظهر إلا بعد الحلف ولكن لا مطالبة على الناظر ولا على المدين لأن خطه بمنزلة إقراره وتكذيبه لخطه، إنما ينفعه في عدم لزوم الطلاق كما تقدم أن من أقر بأنه اقترض مالا لا ينفعه تكذيبه لنفسه إلا في الطلاق فقط، وأما المال الذي اقترضه فيلزمه دفعه لمن أقر له، وأما تكذيبه لنفسه في شرب الخمر أو الزنى فينفعه في رفع الحد عنه خلافا لما في أقرب المسالك أفاده ص، ومحل كونه يصدق ولا يلزمه طلاق ما لم يقر بأنه شرب الخمر أو زنى، واقترض أو أخذ حقه من ناظر الوقف أو من المدين بعد حلفه أنه ما فعل شيئا من ذلك، وإلا فينجز الطلاق عليه في القضاء وظاهر هذا أنه يقبل في الفتوى. اهـ من أقرب المسالك. (ما قولكم) في رجل طلق زوجته رجل آخر بحضرته، وهو ساكت فهل تطلق عليه أم لا؟ (الجواب) تطلق عليه بطلاق الفضولي إياها، وهو حاضر ساكت لأن سكوته يدل على الرضا، ولما تقدم في باب الخلع أنه إن باعها أجنبي وزوجها بحضرة زوجها وسكت ولم ينكر بانت منه، ولقول المختصر، وطلاق الفضولي كبيعه، وقد قالوا في باب البيوع أن بيع الفضولي يتوقف لزومه على إجازة رب المبيع إلا إذا وقع بيع الفضولي بحضرة رب السلعة، وهو ساكت فهو لازم وصار الفضولي كالوكيل كما سيأتي. [مسألة] إن حلف وحنث وشك هل كان حلفه بالطلاق أو بالعتق أو بالمشي إلى مكة فإنه يؤمر بتنفيذ الجميع من غير قضاء. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إذا شك هل طلق أم لا فلا شيء عليه، وأما الظن فيلزم به الطلاق كالتحقيق، وأما لو شك هل أعتق أم لا فإنه يلزمه لتشوف الشارع للحرية، وبغضه للطلاق، ولم ينظروا للاحتياط في الفروج، وقد أتوا في الطلاق على القاعدة من إلغاء الشك في المانع؛ لأن الطلاق مانع من حلية الوطء. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] إذا قال: إن دخل زيد الدار فامرأته طالق، ثم شك هل دخل أم لا فلا شيء عليه إلا أن يستند الحالف لأمر يتقوى به

[مسألة]

حصول ما حلف عليه كرؤيته شخصا داخل الدار فشك هل هو زيد المحلوف عليه أو غيره، ولم يمكنه تحقق الداخل فيؤمر بالطلاق وهل يجبر عليه أو لا تأويلان، وهذا كله في سالم الخاطر، وأما من استنكحه الشك فلا شيء عليه، وقوله ثم شك هل دخل أم لا فلا شيء عليه، وأما لو شك في فعل نفسه، كما لو حلف لا يكلم زيدا وشك هل كلمه أم لا فطريقة أبي عمران وابن الحاجب ينجز عليه الطلاق، وقال ابن رشد: يؤمر بالطلاق من غير جبر إن كان شكه لسبب قائم به، وإلا فلا يؤمر به، وعزاه ابن رشد لابن القاسم في المدونة وحكى عليه الاتفاق. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] إذا شك هل طلق واحدة أو أكثر فيطلق الجميع كأن قال للزوجات: إحداكن طالق ولم ينو معينة أو عينها ونسيها فيطلق الجميع على المشهور وهو قول المصريين بخلاف العتق فيختار، وقال المدنيون: يختار واحدة للطلاق كالعتق. اهـ من الخرشي. [مسألة] لو كان لرجل أربع زوجات فرأى إحداهن مشرفة من الشباك فقال: المشرفة طالق، وأنكرن الجميع طلقن الأربع قطعا كما في الصاوي. [مسألة] إن شك هل طلق زوجته طلقة أو اثنتين أو ثلاثا لم تحل له إلا بعد زوج لاحتمال كونه ثلاثا، ثم إن تزوجها بعد زوج وطلقها طلقة أو اثنتين، فلا تحل له إلا بعد زوج لأنه إن طلقها واحدة يحتمل أن يكون المشكوك فيه اثنتين وهذه تكملة للثلاث، ثم إن تزوجها بعد زوج وطلقها، فلا تحل له إلا بعد زوج لاحتمال كون المشكوك فيه واحدة وهاتان اثنتان محققتان، ثم إن تزوجها بعد زوج، وطلقها فلا تحل له إلا بعد زوج لاحتمال كون المشكوك فيه ثلاثا، ثم إن تزوجها وطلقها رابعا، فلا تحل له إلا بعد زوج لاحتمال أن يكون المشكوك فيه ابتداء اثنتين فواحدة من الأربع تمام العصمة الأولى، والباقي عصمة ثانية قد تمت وهكذا لغير نهاية، انظر دس. [مسألة] يلزم الطلاق بالإشارة المفهمة بيد أو رأس، ولو من غير الأخرس ولا يلزم بغير المفهمة، ولو فهمتها الزوجة لأنها من الأفعال التي لا طلاق بها. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] يلزمه الطلاق متى قال للرسول: أخبرها بأني طلقتها، ولو لم يصل الخبر إليها. اهـ منه بزيادة من ص. [مسألة] يلزمه الطلاق بمجرد كتابه الطلاق عازما بطلاقها، ولو لم يصل وإلا بأن كان غير عازم حال الكتابة فيلزمه الطلاق إن أعطاه لمن يوصله عازما،

[مسألة]

ولو لم يصل، ومثله عدم النية على المعتمد حال الكتابة أو حال الإخراج لأنه يشدد عليه عند عدم النية للعبث، وإن كتبه غير عازم وأخرجه غير عازم، ولكن وصل إليها يلزمه الطلاق،،أما إن كتبه غير عازم وأخرجه غير عازم، ولم يصل فقولان أقواهما عدم اللزوم، وأما لو كتبه مستشيرا أو لا نية له أخرجه عازما مستشيرا أو لا نية له فإنه يحنث في هذه الصور إن وصل اتفاقا، وكذا إن لم يصل على المعتمد إلا في صورة، وهي ما إذا كتبه مستشيرا وأخرجه كذلك فتحصل أن لزوم الطلاق إما في الكتابة عازما، أو بإخراجه من يده عازما ومثله عدم النية على المعتمد حال الكتابة أو حال إخراج الكتاب من يده، وإما بالوصول إليها. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] إن قصد أن ينطق بالطلاق فعدل لغيره فقال: أنت قائمة لا يلزمه شيء لأنه لم ينوه به. اهـ من المجموع وغيره. [مسألة] إذا أراد أن ينطق بالثلاث فقال: أنت طالق وسكت عن اللفظ بالثلاث، فلا يلزمه ما زاد على الواحدة لأنه لم يقصد الثلاث بقوله أنت طالق، وإنما أراد أن ينطق بالثلاث فبدا له عدم الثلاث فسكت عن النطق به. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] لو أراد أن ينجز طلقة واحدة فقال: أنت طالق ثلاثا فقيل يلزمه الثلاث في القضاء ويقبل منه ما نواه في الفتوى، وقيل يلزمه الثلاث في الفتوى والقضاء، ولا ينوي مطلقا وهذا هو الظاهر، وهو قول مالك، والأول قول سحنون. اهـ دس. [مسألة] إن كرر الطلاق بعطف لزمه ما كرره إن دخل سواء تابعه أم لا، ولا ينفعه نية التأكيد لأن العطف ينافي التأكيد، ولا يلزمه في البائن إلا نسقا من غير فصل وإلا فلا، وإن كرره بلا عطف لزمه ما كرره في المدخول بها كغيرها إن تابعه ولو حكما كفصله بسعال إلا لنية تأكيد فيصدق بيمين في القضاء، وبغيرها في الفتوى، وتقبل نية التأكيد في المدخول بها، ولو طال ما بين الطلاق الأول والثاني بخلاف غير المدخول بها فإنه ينفع فيها التأكيد حيث لم يطل ما بين الطلاقين فإن طال لا يلزمه الثاني لأن غير المدخول تبين بأول طلقة، والبائن لا يلحقها الطلاق الثاني مع الفصل. اهـ ملخصا من در ودس وغيرهما. [مسألة] الفعل لا يقع به طلاق، ولو قصد به الطلاق ما لم يجر عرف باستعماله في الطلاق وإلا وقع، فإن صاحبه عوض فهو بائن وإلا فرجعي كما ذكره عدوي في باب الخلع. (ما قولكم) في شخص

[مسألة]

قال زوجته طالق أنه لا يأتي بعمرة في هذا اليوم إلا ماشيا، فهل إذا لم يأت بها أصلا يقع عليه الطلاق أم لا؟ (الجواب) قد اختلف في الاستثناء من النفي، فمن قال: إن الاستثناء من النفي إثبات أوجب العمرة والمشي لأن عنده في قوة قضيتين نافية ومثبتة، أو كأنه قال: لا أعتمر غير ماش ولأعتمرن ماشيا، فإذا لم يأت بها أصلا وقع عليه الطلاق، ومن جعل المستثنى مسكوتا عنه لم يوجب عليه العمرة؛ لأن المعنى إن اعتمر لا يعتمر غير ماش فإذا لم يأت بها أصلا لا يقع عليه الطلاق، وهذا أليق بالعرف في نحو لا دخلت هذا المكان، إلا راكبا فلا يحنث بعدم الدخول أصلا، ففي ضوء الشموع في فصل وجب بفرض قيام من قال: زوجته طالق لا أنتفل في هذا اليوم إلا قائما، يكون عدم تنفله أصلا خيرا من تنفله جالسا إذ بذلك يخلص من الحنث ولزوم أبغض الحلال، وفي المجموع في باب اليمين حلف لا ألعب معك إلا هذا الدست من الشطرنج فخلطه شخص عليهما فحنثه الشافعية وجماعة بناء على أن الاستثناء من النفي إثبات، ولم يحنثه الطرطوشي بناء على أن المستثنى مسكوت عنه، انظره. [مسألة] إن قصد الطلاق، ولو باسقني الماء لزم كما في در وغيره. (ما قولكم) في رجل قال لزوجته: أنت طالق طلقة واحدة تملكين بها أمر نفسك، فهل يلزمه طلاق بائن أو رجعي، وإذا قلتم: إنه بائن ثم إنه طلقها بعد ذلك طلاقا آخر في العدة فهل يرتدف على الأول أم لا؟ (الجواب) تقدم في الخلع عن العدوي أنه اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال، فقيل: يلزمه طلقة رجعية، كمن قال: أنت طالق واحدة لا رجعة لي عليك فيها، والثاني يلزمه الثلاث، والثالث يلزمه طلقة واحدة بائنة، ورجحه اللقاني في الأول وهو ما عليه مالك وابن القاسم، وإذا طلقها بعد ذلك في العدة يرتدف عليه احتياطا، ومراعاة لمن يقول إنه رجعي لا سيما وهو الأرجح. وتقدم أن كل مختلف فيه يلحق فيه الطلاق، ولو كان الخلاف خارج المذهب. (ما قولكم) في رجل رأى بعض زوجاته خارجة من الدار فقال: إن لم أطلقك فجميع نسائي طوالق فرجعت، ولم يعرفها بعينها، وأنكرت كل واحدة من نسائه أن تكون هي الخارجة فهل يلزمه طلاق الجميع أم كيف الحال؟ (الجواب) ما أفتى به الأبي في مثل هذه الواقعة أنه يمسك واحدة، ويلزمه طلاق ما عداها لأنه إن كانت التي أمسكها هي الخارجة من الدار فقد طلق ما عداها، وإن

[مسألة]

كانت إحدى الثلاث فقد طلق الخارجة من الدار هذا هو الصواب خلافا لابن عرفة حيث قال: يلزمه طلاق الأربع، أما لو قال الخارجة طالق وجهلت فتطلق الأربع كما في دس. [مسألة] إذا قال: كلما أو متى ما طلقتك، أو كلما وقع عليك طلاقي، أو متى ما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، وطلق واحدة فيلزمه الطلاق الثلاث في الفروع الأربعة لأنه بإيقاع الواحدة وقع المعلق فتقع الثانية، وبوقوعها تقع الثالثة لأن فاعل الطلقة الأولى فاعل الثانية والأولى سبب في الثانية، وإذا كان فاعل السبب فاعل المسبب آل الأمر إلى أن الطلقة الثانية فعله فتجعل سببا للثالثة بمقتضى أداة التكرار. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] إذا قال: أنت طالق أبدا أو إلى يوم القيامة، ففي الخرشي يلزمه طلقه واحدة، وهذا ظاهر المدونة عند ابن يونس، وظاهرها عند ابن الحاج وجزم به ابن رشد أنه يلزمه ثلاث، وهذا الثاني إما مساو للأول، أو أرجح لذهاب ابن رشد له لأنه عجوزة المذهب. اهـ من حاشية الخرشي بتصرف وتوضيح. [مسألة] في الدسوقي لو قال: أنت طالق كلما حليت حرمت نظر لقصده، فإن كان مراده كلما حليت لي بالرجعة في هذه العصمة بعد الطلاق الرجعي حرمت، حلت له بعد زوج، فإن لم يكن له قصد نظر لعرفهم، فإن لم يكن لهم عرف نظر للبساط فإن لم يكن بساط حمل على المعنى المقتضي التأييد احتياطا، ومثل ذلك إذا قال لها: أنت طالق كلما حللك شيخ حرمك شيخ، وأما لو قال: أنت طالق ثلاثا كلما حليت حرمت، فإن أراد حلية الزوج الثاني بعد هذه العصمة لا تحلها فإنها تحل له بعد زوج لأن إرادته ذلك باطلة شرعا؛ لأن الله تعالى أحلها له بعده، وإن أراد أنها حلت له بعد زوج وتزوجها فهي حرام عليه تأبد تحريمها، والله أعلم. (ما قولكم) في رجل قال لآخر: طلق زوجتك فإنها غير صالحة، فقال: لا أطلقها وكان ذلك بحضرة الزوجة، ثم التفت إليها وقال لها: روحي لحالك ولم يقصد الطلاق؟ (الجواب) لا يلزمه الطلاق بذلك، لأنه من الكنايات الخفية التي يتوقف لزوم الطلاق بها على النية. [مسألة] إذا حلف بالطلاق ليقضين غريمه حقه إلى أجل كذا فوهبه ربه له أو تصدق به عليه أو أبرأه منه، فإن قبل الحالف الهبة بعد الأجل حنث ولو دفعه له بعد القبول، وإن كان القبول قبل الأجل ثم دفعه له قبل مضيه فالحق أن ينفعه، ولا حنث ثم يرجع به عليه كما في دس. [مسألة]

[مسألة]

إذا قال غير البالغ لزوجته: "إن دخلت الدار فأنت طالق"، فدخلتها بعد بلوغه فلا يلزمه طلاق كما في حاشية الخرشي. [مسألة] من قال لامرأته: "كنت طلقتك"، أو قال لعبده: "كنت أعتقتك"، ولم يكن قد فعل فلا عليه في الفتوى، وقيل: يلزمه كما في الحاشية المذكورة. [مسألة] من هذا ما إذا أمرته زوجته أن يكتب لأبيها أنه طلقها لأجل أن يأتيها أبوها لشدة اشتياقها إليه ففعل، لا يلزمه الطلاق في الفتوى، وقيل: يلزمه، ومن هذا ما إذا خرجت زوجته عن طاعته فخطب امرأة أخرى فسئل: هل طلقت زوجتك: فقال: "طلقتها غير قاصدًا"، نشأ الطلاق بهذه الصيغة، بل الإخبار بالكذب ليرغبوا في تزويجه فلا يلزمه طلاق في الفتوى، وقيل: يلزمه. [مسألة] قصد الطلاق والتصميم عليه لا يقع به الطلاق باتفاق كما في حاشية الخرشي. [مسألة] إن قال: "أنت طالق ملء السماوات والأرض"، فالظاهر لزوم واحدة ما لم ينو أكثر. اهـ. من حاشية الخرشي. [مسألة] نية الطلاق بلغ، بمعنى إجرائه على القلب بكلام النفس من غير حركة اللسان والشفتين، لا يقع فيها على الراجح كما في المجموع وغيره. [مسألة] طلاق الصبي لا يقع لأنه لا يصح إلا من مكلف، وأما إذا ارتد فتبين منه زوجته لأن ردة الصبي معتبرة. قال العلامة الخرشي ـ عند قول سيدي خليل: وإنما يصح طلاق المسلم المكلف ـ ما نصه: لا يقال إذا ارتد الصبي: بانت زوجته منه فقد وقع الطلاق مع عدم وقوعه من مكلف لأنا نقول: البينونة إنما وقعت عليه بحكم الشرع لا أنه هو الموقع. اهـ. وفي حاشية الخرشي في باب الحجر: لو طلق الصبي، وقال: "لم أبلغ"، فالظاهر أنه يقبل قوله، وربما يدل عليه فرع السيوري، وهو أن البكر اليتيمة تريد النكاح وتدعي عليه البلوغ هل يقبل منها أو يكشف عليها؟ فأجاب بأنه يقبل. اهـ. بتوضيح، وقد تقدم في باب النكاح. [مسألة] إن عقد على امرأة وثبت نكاح بالبينة، ثم سئل عن النكاح فأنكره، لا يكون إنكاره طلاقًا كما في حاشية الخرشي وغيرها في باب النكاح. (لطيفة) في الأمير على (عبق) أن السيد ذكر حكاية، وهي: أن رجلاً في الكنيف حلف على زوجته بالطلاق لتأتين له بالماء، فحلفت بعتق أمتها لا ناولته، قال: والملخص تمليك الأمة للزوج في الحال ببيع أو غيره، ثم بعد ذلك يمكن ردّها له بهبة أو غيرها، وذكر مع هذه الحكاية أن الليث قال: دخلت مكة فوجدت الناس مزدحمين على رجل بالحرم،

[مسألة]

فسألت: من هذا؟ فقيل لي: أبو حنيفة، فدنوت منه، فإذا رجل يسأله يقول: كلما زوجت ابني طلق! وكلما اشتريت له جارية أعتقها. فقال له: اشترِ جارية وزوّجها له، فإن طلقها فهي في ملكك لا يلحقك ضرر، وإن أعتقها لم يصح لأنها ليست في ملكه. قال: فعجبت من سرعة فهمه وجوابه، ويأتي أن أمة الأب يجوز زواجها بلا شرط لعتق الولد على أب الأب. اهـ. [مسألة] إن قال: "إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا أو اثنتين"، وطلق، لزمه الثلاث في الفرعين، ويلغى قوله قبله، فإن لم يطلق فلا شيء عليه خلافًا لابن شريح من الشافعية، حيث قال: إن قال: "إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا"، لا يلزمه شيء. قال العز بن عبد السلام: تقليد ابن شريح في هذه المسألة ضلال مبين. اهـ. ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). [مسألة] قال ابن القاسم: من حلف لغريمه بالطلاق الثلاث ليقضينه حقه وقت كذا، فقبل مجيء الوقت طلقها طلاق الخلع لخوفه من مجيء الوقت وهو معدم، أو قصد عدم القضاء في الوقت لا يلزمه الثلاث، ثم بعد ذلك يعقد عليها بربع دينار. اهـ. من أقرب المسالك: وإنما لم يلزمه الثلاث؛ لأن يمينه مقيدة بزمن، وقد انقضى، وهي بائنة منه فلم يجد الطلاق عصمة مملوكة؛ لأنه لا ملك للزوج في العصمة حال النفوذ، والمعدوم شرعًا كالمعدوم حسًا، وإذا حلف ليدخلن الدار -مثلاً- ثم خالعها، وفعله حال بينونتها ثم تزوجها فإنه يبر بفعله حال البينونة خلافًا لما في عبق من عدم البراءة؛ لأن اشتراطهم لملك العصمة حال النفوذ إنما هو بالنظر للحنث في اليمين، كما يأتي في المسالة التي بعد هذه، وأما البر كما هو موضوع مسألتنا فلا يشترط فيه ذلك. اهـ صاوي بتصرف وتوضيح. [مسألة] إن حلف يمينًا مقيدة بزمن أو غير مقيدة، بأن قال: إن دخلت دار فلان -مثلاً- فأنت طالق، ثم أبانها ثم تزوجها قبل زوج أو بعده، ففعلت المحلوف عليه بعد نكاحها حنث سواء فعلته حال البينونة أم لا، ومحل الحنث إن بقي له من العصمة المعلق فيها شيء بأن كان طلاقها دون الثلاث، وأما لو طلقها بالثلاث ثم تزوجها بعد زوج ففعلت المحلوف عليه لم يحنث؛ لأن العصمة المعلق فيها قد زالت بالكلية، ولو كانت يمينه بأداة تكرار. اهـ. من أقرب المسالك بتوضيح. وعند الشافعي: لا يحنث مطلقًا، سواء بقي من العصمة المعلق فيها شيء أم لا، فإذا فعل المحلوف عليه بعد الخلع وقبل عقده عليها أو بعده فلا يلزمه شيء، ولو بقي

(فصل في الكنايات الظاهرة)

من العصمة المعلق فيها شيء، وهي فسحة عظيمة يجوز لغير الشافعي أن يقلده فيها. [مسألة] إذا جاءت الزوجة بورقة بخط زوجها مكتوب فيها طلاقها، فإن شهد عدلان فطنان عارفان أنه خطه يقينًا، عمل بها ولزمه الطلاق، وكذا إن كانت وثيقة حاكم شرعي عليها علامة الثبوت وإلا فلا يعمل بها، قال في "المجموع" وجاز عدلان على خط مقر مطلقًا، ولو في غير المال كطلاق إن تيقنت أنه خطه بعينه، وإنما يكون ذلك من الفطن العارف بالخطوط. اهـ. ونقله العلامة الشيخ محمد عليش عن فتاوى العلامة الأمير أن وثيقة القاضي التي عليها علامة الثبوت يعمل بها ولو لم توجد شهود. انتهى. [مسألة] إذا قال لزوجته: "كل امرأة أتزوجها عليك طالق". ثم طلق المحلوف لها دون الثلاث، ثم تزوج بأجنبية، ثم تزوجها على الأجنبية طلقت من تزوجها عليها بمجرد العقد، ولا حجة له في أنه لم يتزوج عليها وإنما تزوجها على الأجنبية، ولا يعمل بنيته في فتوى ولا قضاء لأن اليمين على نية المحلوف لها ونيتها أن لا يجمع معها غيرها، وقيل: هذا إن رفعته للقاضي، ولو جاء مستفتيا لقبل منه، وأما لو طلق المحلوف لها ثلاثًا ثم تزوجها بعد زوج، ثم تزوج عليها، فإنه لا يحنث. اهـ من أقرب المسالك بتصرف. (فصل في الكنايات الظاهرة) [مسألة] إذا قال لزوجته: "اعتدّي"، فهو من الكنايات الظاهرة، ويلزمه طلقة واحدة، إلا أن ينوي أكثر، فإنه يلزمه ما نواه وإن ادعى أنه لم يرد بقوله: "اعتدي"، الطلاق، فإنه يصدق بيمين في القضاء وبعدمه في الفتوى، إن دل بساط عليه، كما لو كان الخطاب في مقام ذكر الاعتداد بشيء، أو العد للدراهم، فقال: "اعتدي"، وقال: نويت الاعتداد بكذا، أو عد الدراهم، فيصدق في ذلك، وهذا التفصيل في المدخول بها، وأما غير المدخول بها إن قال لها: "اعتدي" فهو من الكنايات الخفية، فلا يلزمه فيها شيء إلا بالنية. اهـ. من أقرب المسالك و (ص). [مسألة] إذا قال لزوجته: "لست لي على ذمة" أو "أنت خالصة"، فالذي استظهره العلامة العدوي لزوم طلقة بائنة كما في ضوء الشموع و (دس)، ثم قال الدسوقي: واستظهر (در) لزوم الثلاثة، واستظهر بعض المحققين أن خالصة ويمين سفه وليست لي على ذمة في عرف مصر بمنزلة: فارقتك، يلزم فيه طلقة واحدة إلا لنية أكثر في المدخول بها وغيرها، وأنها رجعية في المدخول بها وبائنة

[مسألة]

في غيرها. اهـ. فإذا قال لها: "أنت خالصة"، ثم طلقها وهي في العدة، فإنه يلزمه طلقة ثانية لما علمت منه أنه قيل: إن "خالصة" طلقة رجعية، وكل نكاح مختلف فيه كالمتفق على صحته في لحوق الطلاق، وأما عليه السخام ففي (ص) عن (دس) يلزمه طلقة واحدة إلا أن ينوي أكثر، وأما نحو: "علي الطلاق من ذراعي أو فرسي" فلا شيء فيه؛ لأن القصد من الحلف بذلك التباعد عن الحلف بالزوجة اهـ، وفي الأمير على (عب) من قال: "عليه الطلاق من ذراعه" لا شيء عليه إلا أن ينوي الزوجة، وأما: "أنت طالق" من ذراعي، فأقام بعض الأشياخ من عدم طلاق الصبي عدم اللزوم في هذا، وفيه نظر، فإنه نظر إيقاعه على جزئها فيكمل. اهـ. [مسألة] إذا قال لزوجته: "خليت سبيلك" لزمه الثلاث، إن نوى ذلك، أو لم ينو شيئًا، فإن نوى أقول لزم ما نواه سواء دخل بها أو لم يدخل. اهـ. (در). [مسألة] إذا قال: "وجهي من وجهك حرام"، لزمه الثلاث في المدخول بها، ونوى في غيرها، فإن لم ينو شيئًا فثلاث على أرجح القولين، ويلزمه الثلاث أيضًا في المدخول بها إذا قال: ما أعيش فيه حرام، وينوي في غيرها، فإن لم ينو شيئًا فالأظهر أنه لا يلزمه شيء؛ لأن الزوجة ليست من العيش، فلم تدخل في ذلك إلا بالنية كما في المجموع. [مسألة] إن قال رجل: "ليست زوجتي على ذمتي" ولم يرد إنشاء الطلاق بل أراد إغاظتها أو أراد الكذب، فإن دلت القرينة على عدم إرادة الطلاق باللفظ المذكور لم يلزمه بها طلاق، وإلا لزمه، قال في المختصر: وإن قال: "لا نكاح بيني وبينك" أو "لا ملك لي عليك" أو "لا سبيل لي عليك" فلا شيء عليه إن كان عتابًا وإلا فبتات. اهـ. [مسألة] إن قال: "لا نكاح بيني وبينك" أو "لا ملك لي عليك" أو "لا سبيل لي عليك" يزلمه الثلاث في المدخول بها وينوي في غيرها، وإن لم ينو شيئًا لزمه الثلاث، ومحل لزوم الثلاث في المدخول بها ما لم يقل هذه الألفاظ لعتاب، وإلا فلا شيء عليه، وذلك كما إذا كانت تفعل شيئا لا يوافق غرضه بلا إذن منه، فقال لها ذلك، في العتاب قرينة وبساط دال على عدم إرادته الطلاق. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] حلف عليه الحرام لا يفعل كذا، ثم فعله وراجعها مقلدًا لمذهب الشافعي، ثم طلقها ثلاثًا، فأفتاه بعض جهلة المالكية بعدم لزوم الثلاث بناء على أن الحرام طلقة بائنة والبائن لا يرتدف عليه طلاق، وجدد له عقدًا، وهذا خطأ لأنه لما راجعها على مذهب الشافعي صار معها في نكاح مختلف فيه، وتقدم أن الطلاق يلحق في المختلف

[مسألة]

فيه. انظر ضوء الشموع، وقس على هذه كل نكاح مختلف فيه. (ما قولكم) في قوم عرفهم أن الحرام طلاق، وطرأ عليهم عالم وأفتاهم بأن العمل جرى في المغرب بأن الحرام طلقة بائنة، فهل هذا العمل صحيح يصح العمل به أم لا؟ (الجواب) ألفاظ الطلاق مبنية على العرف، ولا يحل لأحد أن يفتي لقوم إلا بعرفهم كما يأتي عن القرافي، فأفتاه هذا العالم بأنه طلقة بائنة لمن عرفهم أن الحرام طلاق بالثلاث ضلال مبين، إذ لا يفتي لقوم بعرف آخرين. [مسألة] إذا قال لها: "يا حرام" ولم ينو به الطلاق، أو قال: "الحلال حرام"، أو "الحلال حرام علي، والحلال علي حرام" أو "جميع ما أملك حرام" ولم يرد إدخال الزوجة في هذه الألفاظ لم يلزمه شيء، وإن أراد إدخالها لزمه الثلاث في المدخول بها، ونوى في غيرها، وإن قال: "أنت حرام" لزمه الثلاث في المدخول بها، ونوى في غيرها، ولا يصدق في هذه إن قال: "لم أنو الزوجة"؛ لأنه خاطبها بقوله: "أنت حرام"، كما ذكره في قوله: ما انقلب إليه من أهل حرام، وأما لو قال: "عليّ الحرام" -بالتعريف- فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها، وينوي في غيرها، والفرق بين "علي حرام" بالتنكير وما معها وبين "عليَّ الحرام" بالتعريف أن المعرف استعمل في العرف في حل العصمة بخلاف "عليَّ حرام" وما معه، قال البناني: وقد جرى العلم بفاس ونواحيها بلزوم طلقة بائنة في "عليّ الحرام" بالتعريف، لا فرق بين مدخول بها وغيرها. قال في حاشية الأصل: والحاصل أن كلاً من هذين القولين -يعني: القول بلزوم الثالث، والقول بلزوم طلقة بائنة- معتمد. وحكى البدر القرافي قولاً آخر، وهو: أنه لغو لا يلزم به شيء، وقيل: إنه طلقة رجعية، وقيل: ينوى فيه إن نوى به الطلاق لزمه، وإن لم ينوه لم يلزمه شيء، وهو المفتى به عند الشافعية. اهـ. ملخصًا من أقرب المسالك وحاشية ولي الله الصاوي. وقوله: إن كلاً من هذين القولين -يعني: القول بلزوم الثلاث، والقول بلزوم طلقة بائنة- معتمد محله ما لم يجر عرف بأنه بالثلاث، وإلا عمل به لقوله في المجموع: ومما جرى عرف عمل به. [مسألة] إذا قال: "أنت طالق طلقة واحدة بائنة" فينظر لعرف محلة ذلك الحالف، فإن كانوا يريدون بالبائنة المنفصلة لزمه الثلاث، وإن كان عرفهم أنها بمعنى: ظاهرة لا خفاء فيها، وقصد ذلك المعنى، فالظاهر أنه لا يلزمه إلا طلقة واحدة، وتكون بعد الدخول رجعية. اهـ. من صاوي، فاقتصار الدردير على لزوم الثلاث بواحدة بائنة لعرف

(فصل) في الكنايات الخفية، وهي المحتملة للطلاق وغيره، وذلك

مضى. [مسألة] يلزمه الثلاث في المدخول بها، وينوي في غيرها إن قال: "لا عصمة لي عليك"، أو "لا ذمّة لي عليك" ما لم يكن لفداء وإلا فواحدة، كما إذا دفعت له مالاً فقال لها: "لا عصمة لي عليك" فواحدة مطلقًا. اهـ (در) و (دس) بتصرف. [مسألة] يلزمه طلقة واحدة دخل أو لم يدخل في قوله: "فارقتك"، وتكون رجعية في المدخول بها، وإن نوى أكثر لزمه. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] إن قال لزوجته: "أنت بتة وحبلك على غاربك" فهو من الكنايات الظاهرة، ويلزم بها الثلاث في المدخول بها وغيرها على حسب العرف القديم، وأما عرفنا الآن فهما من الكنايات الخفية؛ لأن ألفاظ الأيمان مبنية على العرف، فلا يلزم شيء إلا بالنية، قال القرافي في فروقه ما معناه: إن نحو هذه الألفاظ من "برية" و"خلية" و"حبلك على غربك" و"رددتك لأهلك"، إنما قالوا يلزم فيها الثلاث لعرف مضى، وأما الآن فمن الكنايات الخفية فلا تجد أحدًا اليوم يطلق امرأته بخلية ولا برية، والحاصل أنه لا يحل للمفتي أن يفتي بالطلاق حتى يعلم العرف في ذلك البلد. اهـ. من (ص) بتصرف وتوضيح. [مسألة] إذا قال لزوجته: "أنت كالميتة" أو "لحم الخنزير" أو "الدم"، فهي في عرفنا الآن من الكنايات الخفية فلا يلزمه فيها شيء إلا بالنية، فإذا قال لمن ثقل نومها أو من رائحتها كريهة: "أنت كالميتة" أو كـ"الدم" في الاستقذار أو "خلية"، أي: من الخير، أو من الأقارب، أو بائن مني إذا كان بينهما فرجة وكانت القرينة تدل على ذلك أو عرفهم ذلك فلا شيء عليه، وأما إذا نوى الطلاق فيلزمه ما نواه كما هو ظاهر. اهـ. صاوي بتوضيح، قال في (المجموع) ومهما جرى به عرف عمل به قاعدة كلية كالقرائن. اهـ. [مسألة] إذا قال: أنت طالق من الأمس لزمه الطلاق ويلغى قوله من الأمس. اهـ ملخصًا من (در)، و (دس). (فصل) في الكنايات الخفية، وهي المحتملة للطلاق وغيره، وذلك نحو: "اذهبي وانصرفي"، أو "لم أتزوجك"، وقيل: ألك امرأة؟ قال: لا، أو "أنت حرة"، أو "معتقة"، أو "الحقي بأهلك" ومثله: "انتقلي إلى أهلك"، أو قال لأمها: "انقلي إليك ابنتك"، أو "أنت سائبة"، أو "ليس بيني وبينك حلال ولا حرام"، أو "لست لي بامرأة" وحكم الكناية الخفية أنه ينوي في الطلاق بيمين في القضاء لا في الفتوى، وينوي في عدده بلا يمين كما هو ظاهر "عج"، وإن لم تكن له نية في عدد، فإنه يلزمه الثلاث عند أصبغ مدخولا بها؛

(فصل في تعليق الطلاق)

أم لا، لأنه لما عدل عن اللفظ الصريح أوجب ريبة عنده في ذلك فشدد عليه، واعترض ابن عرفة على أصبغ، وأفتى بواحدة إلى أن مات، والظاهر أنها بائنة في غير المدخول بها ورجعية في غيرها، وكلام ابن عرفة يفيده ويستثني لفظ: "لست لي بامرأة" إذا علق نحو: "إن خلت الدار فلست لي بامرأة"، فدخلت، فإنه يلزمه الثلاث، إن نوى مطلق الطلاق، أو لا نية له، فإن نوى شيئًا لزمه، وإن نوى غير الطلاق صدق بيمين في القضاء وبغيرها في الفتوى، هذا هو الذي رجح من أربعة أقوال، ولكن ينبغي تقييد تصديقه بما إذا دل عليه بساط. اهـ. ملخصًا من المجموع وحاشية الخرشي، و (در). (ما قولكم) في رجل سأله آخر بقوله: أتريد طلاق زوجتك؟ فقال: "راحت ورحت"، وادّعى أنه لم يرد طلاقًا، هل تطلق أم لا؟ (الجواب) إن كان عرفهم أن يطلقوا بهذا اللفظ وقع عليه، وإن لم يكن عرف ولا قرينة تدل على الطلاق فهو من الكنايات بخفية، فإذا قال: أردت: ذهبت عني وذهبت عنها -مثلاً- صدق في القضاء بيمين وفي الفتوى بلا يمين. (ما قولكم) في رجل تشاجر مع زوجته فقال لأختها: "يا فلانة يصلح أن تكون أختك طالقًا ثلاثًا"، فهل يلزمه الثلاث أم لا؟ (الجواب) إن قصد بهذه الصيغة تطليق زوجته لزمه الثلاث وإلا فلا؛ لأنه لم يسند الطلاق في لفظه إليها بل إلى أختها. اهـ الشيخ محمد عليش، وأيضًا لا يلزمه من كونها تصلح للطلاق أن يقع عليها بالفعل. (فصل في تعليق الطلاق) [مسألة] إذا قال: "أنت طالق إن مت" أو "إذا مت" أو "متى مت" لم يقع طلاق؛ لأنه لم يصادف محلاً لوقوع المعلق والمعلق عليه معًا، وأما إذا قال: "أنت طالق يوم موتي" أو "قبله بلحظة" وأولى أكثر فينجز عليه الآن، وأما إن قال: "أنت طالق إن مات زيد" فينجز عليه الطلاق سواء قال: "إن مات"، أو "إذا مات"، أو "مات زيد"، أو "قبل موته"، أو "بعده"، أو "يوم موته"، فالتعليق على موت الأجنبي ينجز فيه الطلاق في جميع ما ذكر. اهـ ملخصًا من (در)، و (ص). [مسألة] إن قال لزوجته المملوكة لأبيه: "أنت طالق يوم موت أبي"، فإذا مات أبوه فلا يقع عليه الطلاق لانتقال تركة أبيه كلها أو بعضها إليه بموته، ومن جملتها زوجته المملوكة لأبيه فينفسخ نكاحه فلم يجد الطلاق محلاً، ويجوز له وطؤها بالملك، وهذا إن أراد بقوله: "يوم موت أبي": وقت موته، وأما إذا أراد باليوم: اليوم كله، فإنه ينجز عليه الطلاق من الآن؛ لأن أباه

[مسألة]

إذا مات وسط النهار تبين وقوع الطلاق أوله، فيكون لطلاقه يوم الموت محلّ، وقد قال سيدي خليل: ونجز، أي: الطلاق إن علق بمستقبل محقق. اهـ ملخصًا من (در)، و (دس) بتوضيح. [مسألة] لو قال لغريمه: "عليه الطلاق لو جئتني مس لقضيتك حقك"، أو قال لشخص: "لو جئتني أمس لأعطيتك كذا" لشيء لا يجب عليه، فالمذهب أنه لا يقع عليه الطلاق في المسألتين خلافًا لأصبغ القائل بأنه ينجز عليه فيهما كما في حاشية الخرشي عند قول المختصر، أو جائز كـ"لو جئت لقضتيك". [مسألة] إن علق طلاقها على واجب عادة نجز الطلاق من الآن إن كان عمرها يبلغه عادة، بأن كان أقل من مدة التعمير، كقوله: "أنت طالق بعد سنة" مثلا فبعدية السنة أمر محقق عادة، ويبلغه عمرها عادة فينجز عليه من الآن، وأما إن كان لا يبلغه عمرها عادة بأن زاد على مدة التعمير كما إذا قال: "أنت طالق بعد ثمانين سنة" فلا شيء عليه ولو بلغا ثمانين سنة بالفعل مثل: "أنت طالق إن مت" إذ لا طلاق بعد موت، وبعد الثمانين يكون ميتًا عادة. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص) بتوضيح. [مسألة] إن قال: "أنت طالق بعد خمسين سنة" مثلاً، وكان عمر أحدهما فقط يبلغها عادة فلا ينجز؛ لأنها إن كانت هي الأكبر ولا يبلغها عمرها عادة، فبعد الخمسين تكون هي ميتة ولا تطلق ميتة، وإن كان هو الأكبر فلا يؤمر ميت بطلاق. اهـ (ص) بتوضيح. (مسألتان) علق الطلاق بمستقبل ممتنع عادة كقوله: "إن لمست السماء فأنت طالق" أو "إن شاء هذا الحجر فأنت طالق" فلا شيء عليه، هذا قول ابن القاسم في المدونة، ومشى عليه سيدي خليل، وذكر ابن القاسم في النوادر أنه ينجز عليه الطلاق لهزله وبه قال سحنون، وذكرهما عبد الوهاب روايتين، وذكر أن لزوم الطلاق أصح كذا في (دس)، وذكر في المجموع أنه لا شيء عليه، ثم قال: تبعت الأصل لأنه سبق الحنث في الهزل، ثم قال: وأفاد (بن) أنهما طريقان. اهـ. [مسألة] لو أراد أن يعلق الثلاث بقوله: "إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثًا" وسكت عن قوله: "إن دخلت الدار" مثلاً، فلا شيء عليه كما في المواق عن المتيطي. اهـ من (دس)، وقال في المجموع وفي (عب) إن أراد التعليق على دخول الدار فقال: "أنت طالق" ورجع عن تكميل الشرط نوي في الفتوى. اهـ. [مسألة] إن قال: "إن حضت فأنت طالق"، إن كان من شأنها الحيض أو كانت صغيرة يتوقع منها الحيض ولو بعد عشر سنين فإنه ينجز

[مسألة]

عليه طلقة واحدة لا ثلاث أخذًا بما مر من أنه إنما ينجز الثلاث إذا كانت الصيغة تقتضي التكرار نحو: "كلما حضت فأنت طالق"، وأما إن قال: لآيسة إما لكبر أو شأنها عدم الحيض وهي شابة، وهي التي يقال لها: بغلة، فلا شيء عليه إذا تخلف الأمر وحاضت الشابة التي شأنها عدم الحيض وقع الطلاق، ذكره الحطاب وبحث فيه بأنه إذا علق الطلاق على أجل لا يبلغه عمرهما معًا عادة فإنه لا يقع عليه طلاق، ولو بلغاه بالفعل كما تقدم قريبًا. اهـ ملخصًا من (در)، و (دس). [مسألة] إن قال: "إن كان فلان من أهل الجنة أو إن لم يكن من أهلها فأنت طالق" كأحد العشرة المبشرين بالجنة وإلا فلا شيء عليه. [مسألة] إن قال: "أنت طالق إن شاء الله" نجز عليه الطلاق من الآن؛ لأنه لا اطلاع لنا عليه. [مسألة] إذا قال: "إن كانت هذه البطيخة حلوة أو إن لم تكن حلوة فأنت طالق" فإنه ينجز عليه الطلاق من الآن للشك حال اليمين. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إن قال: "أنت طالق إن دخلت الدار -مثلا- إلا أن يبدو لي أو إلا إن يغير الله ما في خاطري"، ونوى، صرف للمعلق عليه فقط كالدخول، فلا ينجز عليه الطلاق بل لا يلزمه شيء؛ لأن المعنى: إن دخلت الدار وبدا لي جعله سببًا للطلاق فأنت طالق، وإذا لم يبد لي ذلك فلا، ففي الحقيقة هو معلق على التصميم، والتصميم لم يوجد حال التعليق، فلم يلزمه شيء، وأما لو صرفه للطلاق أو لم ينو شيئًا فإنه ينجز عليه؛ لأنه يعد ندمًا أو رفعًا للواقع. اهـ (ص). [مسألة] إن علق بممكن وقوعه، وليس في وسعنا كـ"إن لم تمطر السماء في هذا الشهر -مثلاً- فأنت طالق" فإنه ينجز عليه الطلاق في يمين الحنث المذكور، ولكن يحتاج لحكم حاكم من الآن بخلاف يمين البر كقوله: "إن أمطرت السماء في هذا الشهر -مثلاً- فأنت طالق"، فإنه لا ينجز عليه بل ينتظر، فإن أمطرت في الأجل المذكور طلقت وإلا فلا على الأرجح. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إن قال: "إن لم أزن" أو "إن لم أشرب الخمر، فأنت طالق" فإنه ينجز عليه الطلاق، ولكن يحتاج إلى حكم حاكم، فلو أخبره مفت بوقوع الطلاق من غير حكم فاعتدت زوجته وتزوجت، ثم فعل المحرم بأن زنى أو شرب الخمر فإن زوجته ترد إليه؛ لأن عصمته لم ترتفع لما علمت أن الطلاق هنا يحتاج لحكم حاكم ولكن وطء

[مسألة]

الزوج الثاني وطء شبهة يبرأ الحد ويلحق به الولد. اهـ. من (دس). [مسألة] إذا قال: "إن صليت في شهر كذا" أو "إن صمت فأنت طالق" فإنه ينجز عليه الآن سواء صلى الخمس أو صام رمضان أم لا، لوجوبه عليه شرعًا، ولكن يتوقف على حكم حاكم أو جماعة المسلمين كالمسألتين اللتين قبل هذه، فإذا أمطرت السماء قبل الحكم عليه بالطلاق أو مضى الأجل ولم يصل قبل الحكم عليه بالطلاق لم يلزمه شيء، وما عدا هذه المسائل الثلاث مما ذكر يقع فيه الطلاق في الحال من غير توقف على حكم قاض. اهـ. من (در) و (دس). [مسألة] إن قال لزوجته: "إن دخلت دار أبيك تكوني محرمة عليّ" يلزمه الطلاق الثلاث في المدخول بها وينوي في غيرها كما يؤخذ مما تقدم. [مسألة] إذا رأى اثنان طيرًا، فقال أحدهما: "إن لم يكن هذا غرابًا فامرأتي طالق"، وقال الآخر: "إن كان غرابًا فامرأته طالق"، فإن ادعيا أنهما حلفا على يقين فلا حنث ما لم يكشف الغيب خلاف ما جزما به وإلا فيحنثان، وإن ادعيا أو أحدهما أن الحلف وقع على ظن أو شك وقع الطلاق، وكذا الحكم فيمن قال لرجل امرأته طالق لقد قلت لي كذا، قال له الآخر: "امرأته طالق ما قلته لك" وكحلفه أن فلانًا يعرف أن لي حقًا في كذا، فحلف الآخر أنه لا يعرف، لك حقًا في كذا، وكحلفه عبده حرّ إن كان دخل المسجد في هذا اليوم، فحلف الآخر عبده حرّ إن لم تكن دخلته في هذا اليوم؛ لأن كلاً منهما مخاطب بيقينه لا بيقين غيره. اهـ ملخصًا من (در) و (دس). [مسألة] إن حلف بطلاق إحدى زوجتيه على إثبات دخول الدار -مثلاً- وحلف بطلاق الأخرى على النفي، فإن التبس عليه الحال طلقتا، وإن بان له شيء عمل عليه. اهـ. (ص). [مسألة] إن قال: "عليه الطلاق ليسافرنّ لمصر" مثلاً ولم يمكنه السفر لفساد الطريق أو غلوّ الكراء أو قال: "لأشتكين زيدًا للحاكم" فلم يوجد حاكم يشتكي له، فإنه ينتظر ولا يمنع من وطئها إلى أن يحصل أمن الطريق أو يرخص الكراء أو يوجد الحاكم، فإن سافر أو اشتكى بر في يمينه وإلا حنث، وكذا كل سفر له وقت معين لا يمكن السفر قبله، فينتظر لأن الأيمان إنما تحمل على المقاصد. اهـ ملخًا من أقرب المسالك و (ص). [مسألة] إن قال: "إن لم أطلقك فأنت طالق"، فإنه ينجز عليه الطلاق ويقع من العوام كثيرًا: "عليه الطلاق لا أطلقك". اهـ. (در). [مسألة] إذا قال: "إن كنت تحبيني" أو "إن كنت

[مسألة]

تبغضيني فأنت طالق"، فإن أجابت بما لا يقتضي الحنث بأن قالت: لا أحبك في الأول أو لا أبغضك في الثاني أو سكتت فإنه يؤمر بالطلاق وجوبًا بلا جبر عليه، فإن لم يطلق كان عاصيًا بترك الواجب وعصمته باقية غير منحلة، وإن أجابت بما يقتضي الحنث بأن قالت: إني أحبك أو أبغضك فإنه يؤمر به أيضًا بلا جبر على أحد التأويلين ورجح، والثاني ينجز عليه الطلاق جبرًا، ومحل التأويلين إن أجابت بما يقتضي الحنث إذا لم يصدقها فيما أجابت به، وإلا أجبر على الطلاق بالقضاء اتفاقًا كما يفيده (ح) وغيره. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). [مسألة] إن قال: "إن فعلت هذا الشيء فأنت طالق" فقالت: فعلته فإن لم يصدقها أمر بالفراق بلا جبر، فإن صدقها أجبر على فراقها. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] حلف بالطلاق لا يكلم زيدًا مثلاً، ثم طلق من في عصمته قبل أن يكلمه، ثم تزوج بغيرها، ثم كلم المحلوف عليه، فلا تطلق الثانية التي في عصمته حين الحنث ولم تكن في عصمته حين التعليق. قال العلامة العدوي ـ تغشاه الله بالرحمة والرضوان ـ على قول الخرشي في شرح قول سيدي خليل في باب الأيمان: وفي علي أشد ما أخذ أحد على أحد، إلى أن قال: فإنه يلزمه عند عدم النية أن يطلق نساءه إلخ، والمراد: بالنساء التي يملكها فلا شيء عليه في التي يتزوجها أو يملكها بعد اليمين وقبل الحنث خلافًا لابن الحاجب. [مسألة] وجد زوجته تشاجر مع أمه من خصوص شيء فحلف بالطلاق أن لا تفعل واحدة منهما هذا الشيء، فإذا فعلته إحداهما بعد التشاجر فإن كانت نيته عدم فعل واحدة منهما إياه حال المشاجرة وبعدها لزمه الطلاق، وإن لم ينو ذلك فلا حنث لدلالة البساط على تقييد الفعل المحلوف عليه ببقاء المشاجرة، وبصدور الفعل من غير طيب نفس، وقد زالت المشاجرة وطابت النفس. [مسألة] إن قال: "إن كلمت زيدًا إن دخلت داره فأنت طالق" لم يحنث إلا بالكلام والدخول جميعًا سواء فعل المتقدم في اللفظ أو لا أو آخرًا أو فعلهما معًا فيما يمكن فيه الجمع في آن واحد، وهذا يقال له تعليق التعليق، وقال الشافعي: لا يحنث إلا إذا فعلهما على عكس الترتيب في التعليق لأنه جعل الطلاق معلقًا على الكلام، وجعل الطلاق بالكلام معلقًا على الدخول، فلا بد في الطلاق بالكلام من حصول الدخول أو لا؛ لأن قوله: "فأنت طالق" جواب في المعنى عن الأول، فيكون في النية

[مسألة]

إلى جانبه ويكون ذلك المجموع دليل جواب الثاني، فيكون في النية بعده. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). [مسألة] قال لزوجته: "إن دخلت دار فلان لأطلقنك" فدخلت، لا يقع عليه الطلاق بهذه الصيغة؛ لأن مدلولها الإيقاع أي: أنها إن دخلت يوقع عليها الطلاق، والحال أنه لم يوقعه وليس مدلولها الوقوع بالفعل، فإن نوى بها تعليق الوقوع بأن نوى: إن دخلت يقع عليك طلاق، لزمه، والله أعلم. (ما قولكم) في رجل قال لزوجته: "والله لأطلقنك إن دخلت دار فلان" فدخلتها، فهل تطلق أم لا؟ وإذا قلتم: لا تطلق، فهل إذا اعتقد الحالف جهلاً منه أن الطلاق وقع عليه، وقال لها: "أنت طالق"، أو "خلصت مني" ناويًا إخبارها بما اعتقده هل تطلق بذلك أم لا؟ (الجواب) لا تطلق بدخولها الدار؛ لأنه وعدها بالطلاق إن دخلت الدار، ولا يقع الطلاق بالوعد، ويدين في أنه قصد إخبارها بقوله: "أنت طالق" على ما يعتقده جهلاً، فلا يلزمه بهذا الإخبار طلاق، وكذا لا يلزمه طلاق إن لم ينو إخبارًا ولا إنشاء حملاً على الإخبار. قال في المجموع: وإن طلق فقيل له: ما فعلت؟ فأجاب في الرجعية بمحتمل الإنشاء، فالأقرب حمله على الإخبار، وظاهر العمل بالنية والقصد. اهـ. (ما قولكم) في رجل قال لزوجته: "عليّ الطلاق ثلاثًا إن كلمت زيدًا تكوني طالقًا" فما يلزمه؟. (الجواب) قال العلامة الأخ الصالح الشيخ محمد عليش مجيبًا عن هذا السؤال: يلزم واحدة إن لم ينو أكثر لأن جواب الشرط: تكوني طالقًا، وهذا من تعليق التعليق يتوقف لزوم الثلاث فيه على مجموع شيئين كلامها زيدًا وعدم طلاقها، وهي تطلق بمجرد الكلام، فلم يوجد مجموع الشيئين فلا يلزمه الثلاث. اهـ. وأجاب عن هذا السؤال أيضًا المحقق الأخ الشيخ حسن العدوي بقوله: معتمد مذهب مالك لزوم الثلاث، ولا عبرة بالتعليق. قال خاتمة المحققين العلامة الأمير: مذهب مالك اعتبار المقاصد في ألفاظ الطلاق لا مدلول اللفظ، وشأن الحالف بهذا أن يقصد بذلك التشديد على نفسه محل العصمة ثلاثًا لا الإقسام به، فإن قال الحالف: "أردت الإقسام به" وكان ممن يعرف القسم والمقسم به دين، ويلزمه طلقة واحدة، ونقل عن الإمام الأجهوري لزوم العجز أي: آخر الكلام وهو قوله: "تكوني طالقًا" وهو طلقة واحدة نظرًا للتعليق، وكون صدر الكلام وهو قوله: "عليَّ الطلاق ثلاثًا" مقسمًا به وقد علمت أن معتمد المذهب لزوم الثلاث، فإن

العامّة لا يقصدون كون الصدر مقسمًا به، بل هو المحلوف به، والله أعلم. وجواب الشيخ حسن هو الذي تميل إليه النفس، ويجاب بهذا الجواب أيضًا، إذا قال لزوجته: "عليَّ الطلاق الثلاث إن تشاجرت مع جيرانك تكوني خالصة" فيلزمه الثلاث لأن المذهب اعتبار المقاصد، إلا إذا قال: أردت الإقسام بقولي: "عليَّ الطلاق الثلاث" وكان ممن يعرف القسم والمقسم به، فإنه يدين، ويلزمه هنا طلقة واحدة بائنة كما هو المعتمد في لفظ "خالصة"، والله أعلم. (ما قولكم) في رجل طلق زوجته طلاقًا رجعيًا، وقبل خروجها من العدّة قال لها: "إن كنت على ذمتي فأنت طالق"، فماذا يلزمه؟ أجاب عن هذا العلامة الشيخ محمد عليش بقوله في الخرشي: الطلاق مضاد النكاح الذي هو سبب الإباحة، ولا بقاء للضد مع وجود ضده. اهـ. وهذا صريح أن الرجعية ليست على ذمة مطلقها، فلا يلزمه طلاق لعدم تحقق المعلق عليه، وهذا ما لم يطأها في العدة قبل التعليق المذكور، وإلا لزم طلاقًا آخر لما علمت أن ابن وهب يقول: إن الوطء بغير نية رجعة، وكل نكاح مختلف فيه كالصحيح في لحوق الطلاق. اهـ كلامه، ولما اطلعت على هذا الجواب لم أرتضه، وأرسلت السؤال بعينه إلى الشيخ العلامة المذكور، فرجع إلى ما هو الصواب وأجاب بقوله: لزمته طلقة ثانية؛ لأن الرجعية زوجته على ذمته في لحوق الطلاق والنفقة وغيرهما إلى الاستمتاع بها والخلوة بها والأكل معها، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ كلامه جزاه الله خيرًا حيث رجع إلى الحق، والرجوع إلى الحق فريضة، وهذا هو شأن العلماء العاملين. (ماقولكم) في رجل قال زوجته: "علي الطلاق الثلاث إن تشاجرت مع جيرانك تكوني خالصة"؟. (الجواب) يلزمه الثلاث لأن شأن الحالف بهذا أن يقصد التشديد على نفسه بحل العصمة، فإن قال الحالف: "أردت الإقسام به" وكان ممن يعرف القسم والمقسم به، دين ويلزمه طلقة واحدة، إلا أنها هنا بائنة لما تقدم من المعتمد أن "خالصة" طلقة بائنة. (ما قولكم) في شخص قال لزوجته: "إن حملت فأنت طالق" فما الحكم؟ (الجواب) في الخرشي في باب العتق: أنها تطلق عليه بمجرد الوطء، ولو كان وطئها قبل اليمين الطهر الذي حلف فيه ولو عزل، واختار اللخمي أنه لا حنث عليه حيث عزل بخلاف ما إذا قال لأمته: "إن حملت فأنت حرة" فإن له أن يطأها في كل طهر مرة حتى تحمل عتقت. اهـ. بزيادة من عدوي. (ما قولكم) في شخص قال لزوجته وهي حامل: "إن

باب تفويض الطلاق

حملت فأنت طالق" فما الحكم؟ (الجواب) في حاشية الخرشي في باب العتق: أنها لا تطلق إلا بحمل مستأنف كما ذكر ابن الحاجب: أن الطلاق مثل العتق في ذلك، لكن قال الشارح: قول ابن القاسم خلاف قول ابن الحاجب. (ما قولكم) في شخص تزوج بمملوكة أبيه، ثم طلقها ثلاثًا، فهل تحل له بالملك قبل أن تنكح زوجًا غيره أم لا؟ (الجواب) لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ففي أبي الحسن على الرسالة: ومن طلق امرأته حرة كانت أو أمة ثلاثًا لم تحل له بملك ولا نكاح، حتى تنكح زوجًا غيره للآية، والله أعلم. باب تفويض الطلاق (ما قولكم) في شخص شرط لامرأته أنه لا يغيب عنها أكثر من شهر مثلاً، وإن زاد عن ذلك فأمرها بيدها، ثم خرج مسافرًا، فأسره العدو فهل لها القيام بشرطها أم لا؟ (الجواب) في الخرشي في باب الشفعة: إذا خرج مسافرًا فأسره العدو، فلا قيام لها بشرطها، وأما لو خرج يريد غزوا فأسره العدو، والمسألة بحالها، فلها القيام بشرطها، ولعل الفرق أن الخروج للغزو مظنة الأسر، فكأنه مختار في حصوله، ولا كذلك الخروج للسفر، ثم إن مسألة الأسر التي لا قيام لها فيها مثلها ما إذا سافر فحبس، والله الملهم للصواب. (ما قولكم) في رجل وكل شخصًا على طلاق زوجته، فزاد الوكيل عن طلقة واحدة، فهل للزوج مناكرته؟ (الجواب) القول قول الزوج الموكل في الإذن، وفي صفته، ومن الصفة عدد الطلقات، فله أن يناكره فيها كما في الشبرخيتي عند قول سيدي خليل في فصل تفويض الطلاق: إن زادتا على الواحدة؛ لأنه إذا كان له أن يناكر الموكلة والمخيرة اللتين ليس له عزلهما، فمناكرته الموكلة التي له عزلها أولى، ونقل الشيخ محمد عليش: أن العلامة الأمير سئل عن رجل وكل آخر على طلاق زوجته، فطلقها ثلاثًا على البراءة، فقال الموكل: لم أرد إلا واحدة، فهل يصدق بيمين؟ فأجاب: للزوج رد ما زاد على واحدة، حيث بادر بالإنكار ولا يلزمه اليمين إلا عند إرادة تزويجها قبل زوج. اهـ. [مسألة] إذا شرط الزوج لزوجته أنه إن تزوج عليها فقد فوض لها أمرها أو أمر الداخلة عليها توكيلاً، فليس له عزلها لأن الحق وهو رفع الضرر عنها قد تعلق بها، فلها أن تطلق نفسها أو الداخلة عليها، كما في أقرب المسالك. [مسألة] إن كتب الكاتب وثيقة حال العقد

(فصل في الرجعة)

أنه إن تزوج عليها فأمرها بيدها، ثم تزوج عليها، فطلقت نفسها ثلاثًا، فإنه يلزمه ولا مناكرة له بنى بها أم لا، لكن له الرجعة إن دخل، وأبقت من الثلاث شيئًا خلافًا لسحنون القائل بأنه بائن لا رجعة فيه؛ لأنها أسقطت شيئًا من المهر في نظير الشرط، وأما إن كتب الكاتب أن أمرها بيدها إن تزوج عليها، ثم تزوج عليها، ولم يعلم هل وقع ذلك في العقد أو بعده؟ فهل له مناكرتها فيما زاد على الواحدة أم لا؟ قولان. اهـ ملخصًا من خرشي وعدوي. (فصل في الرجعة) يكفي صريحها بلا نية في الظاهر فقط كـ"ارتجعتها" و "راجعتها" و "رددتها لنكاحي"، قال ابن عرفة: الأظهر عدم افتقار الصريح لنية، فيكفي ولو هازلاً لأن هزلها جد، والمراد بالهزل أنه خال عن نية الرجعة، وينفعه ذلك في ظاهر الحال، ولا يصدق فيما ادعاه من عدم النية، فيؤخذ بالنفقة وغيرها لا في الباطن، فلا يجوز له الاستمتاع بها إلا مع النية. اهـ ملخصًا من الخرشي بزيادة من عدوي. [مسألة] تصح الرجعة بقول غير صريح، ولا بد معه من قصد الرجعة كـ "رجعتها" أو "أمسكتها" أو "أعدت الحل" أو "رفعت التحريم" اهـ من خرشي. [مسألة] تصح الرجعة بالنية، والمراد بها: الكلام النفسي، فإذا نوى في نفسه أنه قد راجعها، واعتقد ذلك في ضميره من غير تلفظ فقد صحت رجعته فيما بينه وبين الله على ما استظهره ابن رشد، والظاهر اعتماده. اهـ ملخصًا من الخرشي والعدوي وأقرب المسالك. [مسألة] تصح الرجعة بفعل كوطء ومقدماته مع نية، أي: قصد للرجعة اهـ منه. [مسألة] إذا وطئ زوجته الرجعية ولم ينو الرجعة، فهذا الوطء حرام ويستبرئها منه، ولا يلزمه صداق ولا يحد، وإن حملت من هذا الوطء يحلق به الولد نظرًا لقول ابن وهب: إن الوطء مجردًا عن النية رجعة، وإذا أراد أن يراجعها رجعة صحيحة فلا تصح إلا إذا بقيت العدة الأولى، وتكون الرجعة بغير الوطء مع النية، فإذا انقضت الأولى، ثم طلقها طلاقًا آخر لحقه طلاقها نظرًا لقول ابن وهب المتقدم كمن طلق في مختلف فيه كما في عبد الباقي قال: وهل هذا الطلاق الثاني رجعي، وإن لم تثبت به رجعة، وفائدته: لزوم طلاق بعده وتأتنف له عدة أو هو بائن، وجزم البناني بأنه بائن، وعلى أنه رجعي فيلغز به من وجهين: طلاق رجعي لاحق تؤتنف له عدة، ولا رجعة معه. اهـ مجموع

[مسألة]

بتصرف وتوضيح. [مسألة] إذا طلق زوجته طلاقًا رجعيا، ثم عقد عليها، فإن هذا العقد يكون رجعة كما في حاشية الخرشي، وإذا كان دفع لها مهرًا جهلاً منه، ورجع به عليها؛ لأنه إنما دفعه لاعتقاده لزومه، قال ابن حارث: اتفقوا على أن من أخذ من رجل مالاً وجب لذلك الآخذ بقضاء أو غيره، ثم ثبت أنه لم يكن يجب له شيء أنه يرد ما أخذه. اهـ بتصرف ذكره (دس) و (ص) عن البناني في باب النفقات عند قول المختصر كانفشاش الحمل. [مسألة] إذا شك: هل طلق زوجته أم لا، ثم اعتقد من جهله أنه وقع عليه الطلاق فراجعها، فإن هذه الرجعة غير معتد بها، فإذا زال الشك بعد الرجعة، وتبين له أنه وقع عليه الطلاق، فلا بد من رجعة غير الرجعة التي وقعت منه؛ لأنها مستندة لاعتقاده أنه لزمه الطلاق بالشك، وتقدم أن الشك لا يقع به طلاق. اهـ عدوي بتوضيح. (ما قولكم) في امرأة ادعت انقضاء عدتها في شهر، هل تصدق أم لا؟ (الجواب) في (در) وصدقت المطلقة في دعوى انقضاء العدة سواء الأقراء والوضع، ولو كان الوضع سقطًا بلا يمين، ولو خالفت عادتها أو خالفها الزوج إذا ادعت مدة يمكن فيها انقضاء العدة غالبًا أو مساويًا، وأما إذا ادعت مدة يندر فيها انقضاء العدة كالشهر، فإنه يسأل النساء فإن شهدن لها أن النساء قد يحضن لمثل هذا فإنها تصدق، وهل بيمين أو بغيره؟ قولان، وأما إذا ادعت ما لا يمكن غالبًا ولا يمكن نادرًا فلا تصدق ولا يُسأل النساء. اهـ بزيادة من (دس) بتصرف. (ما قولكم) في امرأة مدخول بها غير حامل، طلقت أول ليلة من رمضان، فحلت للأزواج أول يوم من شوال، ولم يفتها صوم ولا صلاة؟ (الجواب) هي امرأة طلقت أول ليلة من رمضان وهي طاهرة فحاضت في تلك الليلة، وانقطع عنها قبل الفجر، واستمرت طاهرًا خمسة عشر يومًا، ثم أتاها الحيض في الليلة السادسة عشر، وانقطع عنها قبل الفجر، واستمرت طاهرا خمسة عشر يومًا، ثم أتاها الحيض عقب غروب أول ليلة من شوال، ولا يضر إتيان الحيض أول ليلة من الشهر، وانقطاعه قبل الفجر؛ لأن العبرة في الطهر بالأيام، وهذا على المشهور من أن أقل الطهر نصف شهر، وأما على القول الضعيف من أن أقل الطهر عشرة أيام وثمانية فتصوره ظاهر. اهـ عدوي بتصرف. [مسألة] يندب الإشهاد على الرجعة فلو راجعها بغير شهود صحت كما في أقرب المسالك وغيره. (ما قولكم) في امرأة خطبها رجل غير كفء فقالت له: لم تنقض

باب الظهار

العدة، وادعت أنها تحيض في كل شهرين مرة، ثم خطبها كفؤها قبل تمام ستة أشهر، فأجابته وأخبرت أنها حاضت في كل شهر، فهل تمنع من العقد نظرًا لخبرها الأول، أو يعقد عليها نظرًا للثاني. (الجواب) يعتمد على خبرها الأول وتمنع من العقد حتى تتم عدتها بحسب ما أخبرت به أولاً، قال في المجموع: وإن ادعت طولها وهو حي أخذت بإقرارها في أحكام العدة. انتهى. باب الظهار صريح الظهار لا بد فيه من ظهر امرأة مؤبد تحريمها بنسب أو رضاع أو صهر، ولا ينصرف صريحه للطلاق، فإذا قال: "أنت عليَّ كظهر أمي" أو "كظهر أختي من الرضاع" أو "كظهر أم زوجتي" كان مظاهرًا منها، يحرم عليه الاستمتاع بها قبل الكفارة، وسيأتي بيانها، فلو قال: نويت بهذا اللفظ الصريح الطلاق، فلا يؤاخذ به مع الظهار لا في الفتوى ولا في القضاء على المشهور، بل لا يلزمه إلا الظهار فقط كما في أقرب المسالك وغيره. [مسألة] كنايته الظاهرة ما أفهمت الظهار غير صريح، كما في المجموع، وهي ما سقط منها لفظ ظهر أو لفظ مؤبدة التحريم، فالأول: نحو: أنت كأمي أو أنت أمي بحذف أداة التشبيه، والثاني نحو: أنت كظهر زيد أو ظهر فلانة الأجنبية، وكذا إذا قال: يدك كأمي أو مثل يد أمي، فهو من الكناية الظاهرة، ثم إن نوى بلفظ من ألفاظ الكناية الظاهرة الظهار، أو لم ينو شيئًا لزمه الظهار، وإن نوى الطلاق لزمه الثلاث في المدخول بها ولو نوى أقل، وأما غير المدخول بها فإن نوى الأقل قبل منه. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إن قصد بقوله: "أنت كأمي" الكرامة، أي قصد: أنت مثلها في الكرامة، أو في الإهانة قبل منه ولا يلزمه شيء، فالكناية الظاهرة هنا يصرفها عن الظهار النية، بخلاف كناية الطلاق فلا يصرفها عنه إلا البساط لا النية على المعتمد. اهـ (دس). [مسألة] إن قال: أنت كفلانة الأجنبية فهذا من كنايات الطلاق لا الظهار، ويلزمه به الطلاق الثلاث فقط في المدخول بها، وغيرها سواء نوى الثلاث أم لم تكن له نية، فإن نوى أقل فإنه يقبل في غير المدخول بها، وهذا إذا لم ينو به الظهار، فإن نواه لزمه في الفتوى ويصدق ويلزمه الظهار فقط دون الطلاق مدخولاً بها أو غيرها، وأما القضاء فيلزمه الثلاث والظهار معًا كانت مدخولاً بها أو غيرها إلا أن ينوي أقل من ثلاث في غير المدخول بها فيلزمه

[مسألة]

ما نواه مع الظهار، هذا هو الصواب كما في (بن) خلافًا لـ (عب) اهـ. ملخصًا من (در) و (دس). [مسألة] إن قال: "أنت كابني" أو "غلامي" فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها كغيرها، إلا أن ينوي أقل فيما يظهر، وظاهر المختصر لزوم البتات هنا، ولو نوى الظهار في الفتوى والقضاء، وهذا هو المعتمد، وقيل: لا يلزم به ظهار ولا طلاق، وإن دل البساط على عدم الطلاق بقوله: "أنت كابني" أو "غلامي" لم يلزمه شيء، وأما لو قال: "أنت علي كظهر ابني" أو "ظهر غلامي" فإنه يلزمه الظهار عند ابن القاسم، وهو الصواب؛ لأن الابن والغلام محرمان عليه كالأم أو أشد ولا وجه لقول ابن حبيب: لا يلزم ظهار ولا طلاق. اهـ ملخصًا من شرحي (در) و (دس). (سئل ابن عبد السلام) عمن قال لرجل: "أنت علي حرام كأمي وأختي" فقال: لا أعلم فيها نصًا، واستظهر أنه ظهار أخذًا من عكس التشبيه، فإن نوى الطلاق أخذ به، والمراد بعكس التشبيه قوله: "أنت علي كظهر فلان الأجنبي". اهـ (دس). [مسألة] كنايته الخفية كاذهبي وانصرفي وكلي واشربي ونحو ذلك، ولا تنصرف للظهار ولا للطلاق إلا بالقصد اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إن قصد الظهار بصريح الطلاق كما إذا قال: "أنت طالق" ونوى به الظهار لا يلزمه ظهار على المعتمد، وقال أبو القاسم: يلزمه الظهار نظرًا لنيته التي أقرّ بها، ويلزمه الطلاق نظرًا لما ظهر من لفظه. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). (ما قولكم) في رجل قال لزوجته: "أنت حرام علي كأمي" ولم يقصد شيئًا، فهل يلزمه الحرام، ويسقط عنه الظهار، ويكون كقول الخرشي يعني: أن الزوج إذا قال لزوجته ابتداء: "أنت طالق ثلاثًا وأنت علي كظهر أمي"، فإن الظهار لا يلزمه لعدم وجود محله، وهو العصمة؛ لأن الزوجة انقطعت عصمتها بالطلاق الثلاث، أو يلزمه الظهار فقط؟ وإذا قلتم: يلزمه الظهار، هل يجوز له معاشرتها؟ (الجواب) قوله: "أنت حرام علي كأمي" من الكنايات الظاهرة، وهي إذا لم ينو بها شيئًا يلزمه الظهار ولا يلزمه الحرام، والفرق بين هذه الصيغة وبين قوله: "أنت طالق ثلاثًا وأنت علي كظهر أمي" أنه جعل هنا قوله: "كأمي" كالحال مما قبله، فبين به وجه الحرمة وصرف الحرام عن أصله يعني: الطلاق، وجعل المراد منه الظهار، فكأنه قال: أنت حرام حالة كونك كظهر أمي، وأما قوله: "أنت طالق ثلاثًا وأنت علي .... ."إلخ، فقد عطف الظهار على الطلاق، فلم يجعله كالحال مما قبله، ويجوز كونها معه في بيت واحد إن أمن، وله النظر لوجهها

باب العدة

وأطرافها كالوجه واليدين والرجلين بغير قصد لذة لا لصدرها فلا يجوز، وإن لم يؤمن، لا يجوز كونها معه في بيت واحد خشية الوقوع في المحظور. اهـ ملخصًا من الخرشي والعدوي. [مسألة] إن قال: "أنت علي كظهر فلانة الأجنبية إن دخلت الدار"، ثم تزوج فلانة الأجنبية ثم دخل الدار، فيلزمنه الظهار اعتبارًا من يوم الحلف، كما قال اللخمي، واختاره ابن رشد، فهو الراجح، وقيل: لا شيء عليه بناء على اعتبار يوم الحلف. اهـ من (دس). [مسألة] يجب عليه كفارة الظهار بالعزم على الوطء، ولا تجزئ قبله؛ لأنه إخراج لها قبل الوجوب وتتحتم عليه بالوطء، فلا تقبل السقوط بحال. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] كفارة الظهار ثلاثة أنواع للحر على الترتيب: الأول: إعتاق رقبة مؤمنة معلومة السلامة من العيوب. الثاني: صوم شهرين متتابعين، ولو ناقصين إن ابتدأ بالهلال، ولو ابتدأ أثناء شهر صام الثاني على ما هو عليه من نقص أو كمال وتمم الأول المنكسر الذي صام في أثناءه من الثالث، ولكن لا يصح الصوم إلا إذا عجز عن العتق. الثالث: الإطعام إن عجز عن الصوم، وهو أن يُمَلِّك ستين مسكينًا أحرارًا مسلمين مائة مدّ بمده صلى الله عليه وسلم من بر إن اقتاتوه، فإن اقتاتوا غيره فعدله شبعًا لكل واحد مد وثلثان، والمد والثلثان هو قدر مد هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي كان عاملاً على المدينة لعبد الملك بن مروان، فمن قال كفارة الظهار ستون مدًا، فالمراد مد هشام؛ لأن سيدنا مالكًا رضي الله عنه ضبطها بمد هشام، وقد علمت أن مد هشام مد وثلثان بمده صلى الله عليه وسلم، فتكون بمده عليه السالم مائة مد كما علمت. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). [مسألة] يتعين الصوم في تكفير العبد، إذ لا يصح منه العتق، وله أن يطعم ستين مسكينًا كالحر إن أذن له سيده فيه، لا إن لم يأذن اهـ ملخصًا من أقرب المسالك. باب العدة [مسألة] سئل المنوفي: هل المرأة إذا عالجت دم الحيض قبل أوانه، فنزل هل تبرأ من العدة أم لا؟ (فأجاب) بأن الظاهر أنها لا تحل، أي: لأنه لا بد أن يخرج بنفسه لا بعلاج قبل زمنه، انظر: الصفتي. (ما قولكم) في رجل عقد على امرأة، ودخل بها، ولم يطأها بل أنزل بين فخذيها المني وسال المني إلى الفرج، ثم طلقها فهل لا عدة عليها لعدم دخول الحشفة أم كيف الحال؟ (الجواب) يلزمها أن

[مسألة] الخلوة بالزوجة وإن أوجبت العدة لكنها لا تحل المبتوتة ولا يحلها إلا إيلاج بالغ قدر الحشفة منتشرا بلا حائل مباح لا في دبر أو في كحيض، وتصادقا على ذلك، والعبرة بالسابق من إقرار أو إنكار، وأن يكون ذلك في نكاح لازم علمت خلوته ولو بامرأتين، ولو مغمى عليه إن علمت هي كما في المجموع في باب النكاح.

تعتد ولو غير بالغة لوجود الخلوة؛ لأن شرط عدة المطلقة بالأشهر أو بالأقراء، خلوة بالغ غير مجبوب ولا خصي سواء كانت خلوة اهتداء أو خلوة زيارة، ولو اختلى بها حال حيضها أو حال صومها أو حال صومه أو نحو ذلك من الموانع الشرعية، لكن يشترط في الخلوة أن يمكن فيها الوطء عادة، ويشترط أن تكون الزوجة مطيقة، وإن لم يتوقع حملها كنبت سبع سنين أو ثمان، فمتى اختلى بها وهو بالغ غير مجبوب وهي مطيقة وجب عليها أن تعتد، ولو تصادقت هي وزوجها على أنه لم يطأها؛ لأن العدة حق لله تعالى، فلا يسقطها ما ذكر، فإن اختل شرط مما ذكر فلا عدة عليها. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). [مسألة] الخلوة بالزوجة وإن أوجبت العدة لكنها لا تحل المبتوتة ولا يحلها إلا إيلاج بالغ قدر الحشفة منتشرًا بلا حائل مباح لا في دبر أو في كحيض، وتصادقا على ذلك، والعبرة بالسابق من إقرار أو إنكار، وأن يكون ذلك في نكاح لازم علمت خلوته ولو بامرأتين، ولو مغمى عليه إن علمت هي كما في المجموع في باب النكاح. [مسألة] إن طلقت المرأة ولم تميز الحيض من غيره لكونها مستحاضة فعدتها سنة كاملة ولو أمة رقيقة، وفي الحقيقة تمكث تسعة أشهر لزوال الريبة لأنها مدة الحمل غالبًا، وهل ابتداء التسعة الأشهر من الطلاق، وهو ما في المدونة وغيرها، أو من ارتفاع الحيض خلاف، ثم تعتد بثلاثة أشهر، ثم تحل للأزواج، ومثل المستحاضة من طلقت وتأخر حيضها لغير عذر غير رضاع كمرض، فعدتها سنة كاملة لا دم فيها تسعة استبراء، وتعتد ثلاثة. وهل ابتداء التسعة من الطلاق أو من ارتفاع الحيض خلاف كما تقدم في المستحاضة، فإن رأت الدم في أثناء السنة فإنها تنتظر الحيضة الثانية فقط، أو تمام السنة، ولا تنتظر الثالثة، لأن عدتها قرءان، ثم يحل كل من الحرة والأمة للأزواج اهـ ملخصًا بزيادة من المجموع. (ما قولكم) في امرأة تأخر حيضها لغير عذر، أو لعذر غير رضاع، وطلقت فمكثت سنة لا دم فيها، ثم تزوجت، ثم طلقت فما عدتها؟ (الجواب) عدتها ثلاثة أشهر، فإنها تنتظهر الحيضة الثانية والثالثة أو تمام سنة بيضاء لا دم فيها، كما في أقرب المسالك وغيره. (ما قولكم) في امرأة اعتادت الحيض في كل ست سنين مرة وطلقت، فما عدتها؟ (الجواب)

عدتها سنة بيضاء على الصواب كما في (دس)، وأما ما اعتادته في كل خمس سنين مرة، فعدتها خمس عشر سنة، وعبارة المجموع، وإنما يعتبر الحيض حيث اعتيد في خمس سنين، وإلا فسنة بيضاء كما في المحشي وغيره عن الناصر، وفيه فسحة. انتهى. (ما قولكم) في امرأة طهرت من الحيض، ثم جامعها زوجها، ثم طلقها، فنزل الدم بعد نطقه بالقاف من قوله: "أنت طالق" فهل تعد هذه اللحظة التي طلقها فيها قبل نزول الحيض قرءًا من الأقراء الثلاثة؟. (الجواب) عدة الحائض ثلاثة قروء إن كانت حرة، وإن كانت أمة فقرآن، والأقراء عندها الأطهار، وتعتد بطهر الطلاق وإن لحظة، ولو وطئها في طهر الطلاق وإن كان خلاف السنة، بل تعتد بطهر الطلاق، وإن اتصل كما لو قال: "أنت طالق" فنزل الدم بعد نطقه بالقاف، فتحل للأزواج بأول نزول الحيضة الثالثة، وينبغي أن لا تعجل العقد على أحد بمجرد رؤية الدم، بل تصبر حتى تستمر عليها الحيضة الثالثة يومًا أو جل يوم، لئلا ينقطع قبل ذلك فلا يعتد به. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك بزيادة من الصاوي. وعبارة المجموع وندب مكثها حتى يدوم يومًا أو بعضه حتى يكون حيضًا معتبرًا في العدد، ولا يجب حملاً لينبغي في كلام أشهب على ظاهره من الندب، فيوافق ابن القاسم وهو تأويل الأكثر، فإن بادرت بالعقد فانقطع حيضها أي: قبل يوم أو بعض يوم له بال فمنكوحة في العدة، أي: وتقدم أنه إن عقد عليها في عدة غيره وتلذذ بها تأبد تحريمها. اهـ بتوضيح. (ما قولكم) في امرأة طلقت، ثم بعد مدة تنقضي فيها العدة أخبرت بانقضاء عدتها، ثم تزوجت رجلاً آخر، ثم ادعت أن عدتها لم تنقض من الأول، فهل تصدق أم لا؟ (الجواب) لا تصدق، والعبرة بإخبارها الأول، وتعد نادمة وكارهة للزوج الثاني، قال الدردير في فصل الرجعة: ولا يفيدها تكذيبها نفسها، ولا يفيدها رؤية النساء فيوافقها على قولها الثاني. اهـ بتصرف قال (دس): يعني: أنها إذا قالت أولاً عند إرادة الزوج رجعتها: "عدتي قد انقضت" بما يمكن من إقراء أو وضع، وقلتم إنها مصدقة في ذلك، وقد بانت منه، فإذا قالت بعد ذلك: كنت كاذبة وإن عدتي لم تنقض، فإن ذلك يعد منها ندمًا. (ما قولكم) في امرأة اعتادت أن يأتيها الحيض ساعة فقط، ثم ينقطع وطلقت فما عدتها؟. (الجواب) عدتها ثلاثة أشهر؛ لأن أقل الحيض يوم كامل أو بعض له بال، والبعض الذي له بال

[مسألة]

أن يزيد على ساعة، وتقول النساء العارفات: إن هذا الحيض فيما زاد على ساعة يعد حيضًا، لأنا شاهدنا بعض النساء يحضن كذلك، فإن قلن: إن شأن الحيض لا يكون كذلك عمل بقولهن، ولا يعد حيضًا، وقوله: وتقول النساء: الجمع غير مقصود، فتكفي الواحدة إن سلمت من الكذب؛ لأن طريقها الإخبار لا الشهادة، وأما إتيان الحيض ساعة فقط فلا يعد حيضًا إلا في باب العبادات، ويلغز بها، فيقال: امرأة طلقت وهي تحيض كل شهر مرة، وعدتها ثلاثة أشهر. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك، و (ص) بتوضيح. (ما قولكم) في امرأة أراد زوجها رجعتها، فقالت: "رأيت الحيضة الثالثة وانقضت عدتي" ثم ادعت أنها رأت أول الحيضة الثالثة، وقالت: "كنت أظن دوام الدم، فانقطع قبل استمراره المعتبر في العدة" فهل يفيدها ذلك، وللزوج رجعتها أم لا يفيدها، وقد بانت بقولها الأول؟ (الجواب) قال ابن عرفة: المذهب كله على ثبوت قولها أنها رأت أول الدم وانقطع، وحينئذٍ فلها الكسوة والنفقة وتصح رجعتها، هذا هو الراجح خلافًا لما في المختصر من أنه لا يفيدها وقد بانت، وخلافًا للشيخ أحمد من أنه يفيدها فيما عدا الرجعة اهـ. ملخصًا من المجموع و (دس) في فصل الرجعة. [مسألة] يجب على الحرة المطيقة إن وطئت بزنى أو شبهة أو غاب عليها غاصب أو ساب أو مشتر اشتراها جهلاً أو تعمد للضلال أن تستبرئ بقدر عدتها، فذات الأقراء تستبرئ بثلاثة قروء، وذات الأشهر بثلاثة أشهر، والمرتابة بسنة لأن استبراء الحرة كعدتها ولا يطؤها زوجها، ولو كانت ظاهرة الحمل منه قبل وطئها بالزنا، أو الشبهة كما نقله أبو علي المسناوي وهو المذهب، وأما لو حملت من الزنا أو الشبهة فإنه يحرم على زوجها وطؤها قبل الوضع اتفاقًا، ولا يعقد عليها زوج مدة الاستبراء إن كان خلية من الأزواج، فإن عقد عليها وجب فسخه، فإن انضم للعقد تلذذ بها تأبد تحريمها عليه، لكن إن كان التلذذ بالوطء فيتأبد تحريمها سواء وطئ في مدة الاستبراء أو بعد فراغها، وإن كان بالمقدمات، فإن كان في مدة الاستبراء فيتأبد تحريمها، وإن كان بعد فراغ مدة الاستبراء فلا يتأبد. اهـ. ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). (ما قولكم) في امرأة وضعت أحد توأمين، فراجعها زوجها قبل نزول الآخر هل تقع رجعته أم لا؟ (الجواب) عدة الحامل وضع حملها كله، فإن كان متعددًا فبانفصال الأخير عنها، وإن كان واحدًا

[مسألة] اليائسة من الحيض كبنت سبعين سنة -أي: الموفية للسبعين- لا الداخلة فيها، والتي لم تر الحيض أصلا لصغرها، أو لكون عادتها عدم الحيض، وتسمى في عرف بعض النساء بالبغلة عدة كل واحدة منهن ثلاثة اشهر، ولو كانت رقيقا وتمم الكسر من الشهر الرابع، وألغي يوم الطلاق فلا يحسب من العدة، فإن طلقها بعد الفجر لم يحسب ذلك اليوم من الثلاثة الأشهر، وإن طلقت قبل الفجر فإن كان مبدأ العدة أول شهر، فالثلاثة الأشهر سواء كانت كاملة أو ناقصة أو بعضها، وأما بنت الخمسين إلى السبعين، فيسأل النساء عن الدم النازل عليها، فإن قلن: ليس بحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، وإن قلن إنه حيض فعدتها ثلاثة قروء، وأما من انقطع حيضها بعد الخمسين فلا عدة لها إلا ثلاثة أشهر اتفاقا، ودم من لم تبلغ خمسين حيض قطعا. اهـ ملخصا من حاشية الخرشي، وأقرب المسالك، و (ص).

فبانفصاله، ولزوجها مراجعتها بعد بروزه، وقبل انفصاله عنها، فإذا وضعته حلت للأزواج ولو بعد لحظة. اهـ من أقرب المسالك، وفي صاوي: فلو خرج وقطع عضو منه داخل الرحم، فالمعتمد بقاء العدة، إذا علمت هذا تعلم أن الرجعة قبل نزول الآخر صحيحة لما علمت أنها لا تخرج من العدة إلا بانفصال الأخير. (ما قولكم) في امرأة طلقت فوضعت دمًا مجتمعًا فهل تخرج من العدة أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك وهي -أي: العدة- للحامل مطلقًا مطلقة أو متوفى عنها وضع حملها كله ولو علقة وهو دم اجتمح وعلامة أنه علقة أنه لو صب عليه ماء حار لا يذوب. اهـ، ومنه يعلم الجواب. [مسألة] اليائسة من الحيض كبنت سبعين سنة -أي: الموفية للسبعين- لا الداخلة فيها، والتي لم تر الحيض أصلاً لصغرها، أو لكون عادتها عدم الحيض، وتسمى في عرف بعض النساء بالبغلة عدة كل واحدة منهن ثلاثة اشهر، ولو كانت رقيقًا وتمم الكسر من الشهر الرابع، وألغي يوم الطلاق فلا يحسب من العدة، فإن طلقها بعد الفجر لم يحسب ذلك اليوم من الثلاثة الأشهر، وإن طلقت قبل الفجر فإن كان مبدأ العدة أول شهر، فالثلاثة الأشهر سواء كانت كاملة أو ناقصة أو بعضها، وأما بنت الخمسين إلى السبعين، فيسأل النساء عن الدم النازل عليها، فإن قلن: ليس بحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، وإن قلن إنه حيض فعدتها ثلاثة قروء، وأما من انقطع حيضها بعد الخمسين فلا عدة لها إلا ثلاثة أشهر اتفاقًا، ودم من لم تبلغ خمسين حيض قطعًا. اهـ ملخصًا من حاشية الخرشي، وأقرب المسالك، و (ص). [مسألة] إذا شكت المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة في حملها، فإنها لا تحل للأزواج حتى تمكث لمنتهى أمد الحمل، وهل منتهاه أربع سنين أو خمس؟ خلاف، وظاهره أنها تحل للأزواج بعد مضي العدة، ولو مع وجود الحس ببطنها، وهو كذلك لأنه يحتمل أن تكون حركة ريح، وهذا إذا لم يزد شكها، فإن زاد بكبر بطنها فلا تحل حتى يزول الشك، وإن تحققت أنها حركة حمل لم تحل أبدًا، فإن مات في بطنها فلا تحل حتى ينزل، ولها إن مات إنزاله بدواء. اهـ ملخصًا من الخرشي والعدوي والمجموع. (ما قولكم) في رجل طلق زوجته ثم مات، فهل تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة أم كيف الحال؟ (الجواب) إن كان الطلاق رجعيًا فإنها تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة، هذا إذا كانت العدة لم تنقض، وأما إذا

[مسألة]

انقضت، ثم مات زوجها، فإنها لا يلزمها عدة وفاة، وكذا إذا طلقها طلاقًا بائنًا، ثم مات، فإنها لا تنتقل إلى عدة الوفاة بل تستمر على عدة الطلاق بالأقراء. اهـ خرشي بتوضيح. (ما قولكم) في رجل عقد على غير مطيقة فمات، هل تعتد عدة وفاة أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك لمن توفي زوجها، وإن رجعية أو غير مدخول بها أربعة أشهر وعشرًا، إذا كانت حرة كان الزوج صغيرًا أو كبيرًا، حرًا أو عبدًا، كانت هي صغيرة أو كبيرة، وفي الصاوي عند ذكر عدة الصغيرة المطلقة والموضوع أنها مطيقة؛ لأن غير المطيقة لا عدة عليها إلا في الوفاة اهـ. فعلم من هذا أن غير المطيقة إذا مات زوجها تعتد عدة وفاة، والله أعلم. (ما قولكم) في امرأة ارتفع حيضها ولم يأتها على العادة ومات زوجها ولم تر الحيض في الأربعة أشهر وعشر، فهل تحل للأزواج بمضي الأربعة الأشهر والعشر أم كيف الحال؟ (الجواب) تنتظر الحيضة، فإذا رأتها بعد الأربعة أشهر وعشر حلت للأزواج أو تنتظر تسعة أشهر من يوم الوفاة؛ لأنها مدة الحمل غالبًا، والحاصل أنها إن أتاها الحيض في الأربعة أشهر وعشر حلت للأزواج بتمامها، وإن لم يأتها الحيض فيها انتظرت أول الأجلين الحيض أو التسعة الأشهر، فإن حاضت أو لا، لا تنتظر تمام التسعة المذكورة، ومثل من لم يأتها الحيض في الأربعة أشهر وعشر من مات زوجها، فحصل لها ريبة في حملها فتنتظر الحيضة أو التسعة أشهر. هـ من أقرب المسالك بتويضح. [مسألة] عدة الوفاة تنتصف بالرق ولو بشائبة فهي شهران وخمس ليالي، وإذا عتقت الأمة بعد وفاة زوجها لا تنتقل لعدة حرة، بل تستمر على عدة الرقيق كما في أقرب المسالك. (ما قولكم) في رجل أقر في صحته أنه وقع منه طلاق على زوجته من مدة متقدمة، فهل ابتدأ عدتها من تاريخ الطلاق المتقدم أم لا؟ (الجواب) إذا أقر في صحته أنه وقع منه طلاق على زوجته ولا بينة له بذلك، فإنه يؤاخذ بإقراره في الطلاق، فيلزمه ما أقر به من أمر الطلاق، ولا يقبل منه في تاريخ الطلاق المتقدم لأنه يتهم على إسقاط العدة، وهي حق لله فتستأنف المرأة العدة من يوم إقراره بالطلاق، وإن انقضت العدة على دعواه ثم ماتت فلا يرثها حينئذٍ لاعترافه بأنها صارت منه أجنبية، وإن مات هو ورثته ولا رجعة له عليها إن كانت حية والطلاق رجعي، أما إذا كان عنده بينة تشهد بما أقر به، فالعدة من الوقت الذي ذكرت

[مسألة]

البينة أنه طلق فيه، ولا معارضة بين ما هنا وبين قول سيدي خليل في باب الخلع، والإقرار به فيه كإنشائه والعدة من الإقرار أي: ولها الإرث فيها وبعدها؛ لأن ما هنا المقر صحيح وما ذكر في الخلع مريض. اهـ خرشي بتصرف. (ما قولكم) في رجل طلق زوجته ولم يعلمها بذلك حتى انقضت عدتها فأنفقت على نفسها من ماله وتسلفت شيئًا أنفقته على نفسها أيضًا، فهل يرجع عليها بما أنفقته بعد انقضاء عدتها من ماله، ولا يلزمه دفع ما تسلفته أم لا. (الجواب) في أقرب المسالك ولا يرجع مطلق لزوجته طلاقًا بائنًا أو رجعيا وانقضت عدتها، ولم تعلم بطلاقها بما أنفقته على نفسها قبل علمها بطلاقها، وغرم لها ما تسلفت إن كانت تسلفت شيئًا لنفقتها على نفسها وغرم لها ما أنفقته من مالها على نفسها بخلاف المتوفى عنها، وبخلاف الوارث ينفق على نفسه من مال الميت قبل علمه بموته، فإن بقية الورثة لهم الرجوع لانتقال المال لهم بمجرد الموت ولو لم يعلم بموته. انتهى. [مسألة] للمعتدة من طلاق بائن أو رجعي السكنى في المحل الذي كانت فيه وجوبًا على الزوج، ولا يجوز لها سكنى غيره إلا لعذر كما يأتي. اهـ. من أقرب المسالك بتصرف. [مسألة] للمتوفى عنها السكنى بشرطين: الأول: إن دخل بها وهي مطيقة، أو لم يدخل بها وأسكنها بعد العقد عليها معه في بيته ولو لكفالة ككونها صغيرة، وله عليها الكفالة، ولو غير مطيقة لتنزيل إسكانها معه منزلة الدخول بها، الشرط الثاني: أن يكون المسكن الذي مات فيه ملكًا له أو بأجرة، ونقد اكتراه في المستقبل، فلو نقد البعض فلها السكنى بقدره فقط، وإن لم ينقد منه شيئًا فلا سكنى لها. اهـ ملخصًا من الخرشي. (ما قولكم) في رجل نقل زوجته من محل سكناها، ثم طلقها هل يجب رجوعها للأول لتعتد فيه أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك، ورجعت له أي: للمحل الذي كانت به وجوبًا، إن نقلها لغيره ثم طلقها ومات من مرضه، واتهم على أنه إنما نقلها ليسقط سكناها في المكان الأول، وترجع للأول أيضًا وجوبًا إن كانت بغيره حين الطلاق أو الموت، بأن كانت مرضعة ولو شرط عليها أهل الرضيع إقامتها عندهم؛ لأن عدتها في بيتها حق لله، وهو مقدم على حق الآدمي، وانفسخت إجارتها على الرضاع إن لم يرضوا برضاعها بمنزلها. اهـ بتصرف. (ما قولكم) في امرأة خرجت لحجة الفرض، ثم طلقها زوجها، هل يجب عليها الرجوع لمسكنها الأول لتعتد به

(فصل) في بيان عدة من فقد زوجها

أم لا؟ (الجواب) يجب عليها الرجوع لمسكنها لتعتد فيه، إذا خرجت مع زوجها أو غيره إذا بعدت عن مسكنها أربعة أيام، لا أزيد فلا ترجع كما إذا تلبست بالإحرام، فلا يجب عليها الرجوع، ولو لم تبعد عن مسكنها، وأما إذا خرجت لحجة التطوع ثم طلقت، فيجب عليها الرجوع، ولو وصلت مكة إذا علمت أنها تدرك شيئًا من العدة في منزلاه ولو قل. اهـ منه. [مسألة] يجوز للمعتدة مطلقًا الانتقال من مسكنها لعذر لا يمكن المقام معه فيه كانهدامه أو خوف لص أو جار سوء، وإذا انتقلت لزمت ما انتقلت إليه إلا لعذر. اهـ. (ما قولكم) في امرأة طلقت وأرادت الخروج من منزلها لأجل الطواف بالبيت الحرام، هل يسوغ لها ذلك؟ (الجواب) يجوز لها الخروج في حوائجها أو لعرس فلا تبيت بغير مسكنها، وفي المجموع: ولها الخروج في وإن لعرس، ولا تبيت بغير مسكنها، إذا علمت هذا تعلم أنه يجوز لها الخروج للطواف، والله أعلم. (ما قولكم) في امرأة أسكنت زوجها في منزلها ثم طلقها فهل لها السكنى أم لا؟ (الجواب) في الصاوي اختلف في من أسكنت زوجها في منزلها قبل الطلاق، هل لا سكنى لها إذا طلقت استصحابًا للأصل أو يلزمه أجرة المسكن لها مدة العدة؛ لأن المكارمة قد زالت، قولان: أظهرهما الثاني. اهـ. (ما قولكم) في امرأة طلقت طلاقًا رجعيًا، ثم مات زوجها، فادعت أنها لم تخرج من العدة لأجل أن ترث، فهل تصدق وترثه أم لا؟ (الجواب) قال في (المجموع) في فصل الرجعة: وإن مات فقالت: لم أخرج منها لترث صدقت بيمين، إن عرفت باحتباس الدم أو لم يمض من الطلاق لموته سنة، وصدقت المرضعة والمريضة بلا يمين كأن مات بعد كأربعة أشهر. اهـ. ومنه يعلم الجواب. (فصل) في بيان عدة من فقد زوجها (ما قولكم) في رجل غاب في بلاد الإسلام ولم يعلم خبره، هل لامرأته أن ترفع أمرها لجماعة المسلمين ولو مع وجود الحاكم الشرعي ليبحثوا عن خبره، ويؤجلوا للحر أربعة أعوام وللعبد نصفها ثم تعتد أم لا؟ (الجواب) ترفع أمرها للحاكم الشرعي والقاضي أولى من حاكم السياسة ووالي الزكاة، والظاهر أن الجميع في مرتبة واحدة إلا أن القاضي أولى، ولا فرق بين قاضي الأنكحة وغيره، فإن لم يوجد واحد ممن ذكر رفعت أمرها لجماعة المسلمين، فإن رفعت لهم مع وجود القاضي الشرعي بطل حكم جماعة المسلمين، وإن

[مسألة]

رفعت لهم مع عدم وجوده، ولكن غيره من الحكام موجود، فالظاهر الصحة، فإن وجد قاض ولكنه غير شرعي كما هو الآن في بعض المدن فهو كالمعدوم، فترفع لجماعة المسلمين، ثم بعد الرفع لواحد ممن ذكر يكشف عن حال زوجها بعد أن تكلف الزوجة بإثبات الزوجية، وأن زوجها غائب، وأنها باقية في عصمته إلى غيبته، والكشف يكون بالتفتيش عنه في البلاد بحسب الطاقة، ومن هنا نقل المشذالي عن السيوري أن المفقود اليوم ينظر به مدة التعمير لعدم من يبحث عنه الآن، وأقر تلميذه عبد الحميد كما في البدر والسيد، فإذا وجد البحث ممن ذكر على حسب الطاقة فيوقف مال ذلك المفقود وتبقى أم ولده لمدة التعمير حيث كان لسيدها مال تنق منه، وإلا نجز عتقها على قول الأكثر، وتتزوج بعد حيضة، فإن لم تحض فثلاثة أشهر. ، وأما حكمه من جهة زوجته، فيؤجل الحر أربعة أعوام، والعبد نصفها لعله أن يظهر خبره، ثم بعد الأجل المذكور تدخل في عدة الوفاة ولا تحتاج إلى نية دخول فيها، ولها الرجوع إلى التمسك بزوجها قبل الشروع في العدة لفرض حياته عندها، فإن شرعت فيها فليس لها رجوع إلى عصمته على الراجح، ولا نفقة لها في عدتها ولها جميع المهر من تركة المفقود، وإن لم يكن دخل بها كالميت الحقيقي. ويقدر بشروعها في العدة وقوع طلاق من المفقود على تقدير حياته، ويتحقق وقوعه بدخول الزوج الثاني عليها، فإن جاء المفقود أو تبين حياته أو موته فتفوت عليه إن تلذذ بها الثاني غير عالم بمجيئه أو حياته أو بكونها في عدة وفاة من الأول، فإن تلذذ بها عالمًا بواحد من هذه الأمور فهي للأول، وفائدة كونها للأول فيما إذا تلذذ بها الثاني عالمًا بكونها في عدة وفاة الأول فسخ نكاحها من الثاني، وتأبيد حرمتها عليه، وإرثها للأول ويحل ضرب الأجل إلى آخر ما تقدم إن دامت نفقتها ولم تخف الزنا، وإلا فلها تعجيل الطلاق ويأتي هنا، وهل يطلق الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك، والخرشي وحاشيته والمجموع والنفراوي على الرسالة والأمير على (عبق). [مسألة] إذا شهد عدلان بموت رجل، وحكم بموته حاكم، فاعتدت زوجته، ثم تزوجت، ثم قدم زوجها الأول الذي حكم الحاكم بموته فلا تفوت على الأول بدخول الثاني غير عالم بحياة الأول، ولو ولدت من الثاني الأولاد كما في أقرب المسالك. [مسألة] إذا غاب رجل فرفعت زوجته أمرها

[مسألة]

للقاضي، وبينت أنه لم يترك لها نفقة فطلقها القاضي، ثم اعتدت وتزوجت برجل آخر، فقدم الأول من السفر وأثبت أنه ترك عندها ما يكفيها أو أثبت أنه وكل وكيلاً موسرًا يدفعها عنه أو أثبت أنها أسقطتها عنها في المستقبل، فلا تفوت على الأول بدخول الثاني. اهـ منه، ولزوم إسقاط نفقتها في المستقبل، صرح به عبد الحق في تهذيبه، ونقله عنه أبو الحسن، ولم يذكر خلافه خلافًا لما جزم به القرافي من أنها لا تسقط ولها الرجوع فيها كما في حاشية الخرشي. [مسألة] إذا فقد شخص في أرض الشرك أو أسر، فإن زوجته تمكث لمدة التعمير إن دامت نفقتها، وإلا فلها التطليق لعدمها ومدة التعمير سبعون سنة، فإذا مضت فلا بد من الحكم بموته، ثم بعد حكم الحاكم بموته تعتد عدة وفاة، ويورث ماله وتعتق أم ولده. اهـ ملخصًا من الخرشي وأقرب المسالك، و (ص). [مسألة] إذا اعترك المسلمون مع بعضهم ففقد واحد منهم ولم يعلم أهو حي أم ميت، فإن شهدت البينة أنه خرج مع الجيش فقط، فزوجته كالمفقود في بلاد الإسلام، وإن شهدت أنه حضر المعترك فإن زوجته تعتد عدة وفاة من يوم التقاء الصفين، وتلوم له أي: انتظر القاضي مدة تعتد بعدها بعد انفصالهم، وتحسب العدة من يوم الالتقاء هكذا أصل النصوص. ومال البناني إلى حمله على انتهاء الالتقاء، وهو يوم الانفصال، ومثله المفقود زمن الوباء طاعونًا أو غيره أو زمن المجاعة أو سعال، فتعتد زوجته بعد ذهابه عدة وفاة، وورث مال المفقود بين المسلمين حيث شروع زوجته في العدة، ومثله المفقود زمن الوباء. اهـ ملخصًا من المجموع، وأقرب المسالك بزيادة من الخرشي والنفراوي. [مسألة] تعتد زوجة المفقود بين صفي المسلمين والكفار بعد سنة بعد النظر في شأنه بالسؤال والتفتيش حتى يغلب على الظن عدم حياته لاحتمال أسره عند العدو، وورث ماله حينئذٍ. اهـ منهما أيضًا بزيادة من الخرشي والنفراوي، وفي النفراوي أيضًا بقي من شك في حاله: هل فقد في بلاد المسلمين أو الكفار لا نص في حاله، قال الأجهوري: وينبغي العمل بالأحوط فتعامل زوجته معاملة زوجة مفقود أرض الشرك، بخلاف من سافر في البحر فانقطع خبره، فسبيله سبيل المفقود أي: في بلاد الإسلام، إلا أن يكون فقد في شدة ريح، والمراكب في المرسى، ولم يتبين له خبر فيحكم بموته لغلبة الظن بغرقه، وفي مسائل القابسي أن الريح إذا قام على

(فصل في بيان الاستبراء)

المراكب في المرسى، فلم يتبين لهم خبر يحكم بموته أو غرقهم، لكن لا يشهد الشاهد إلا بصورة الحال، وإن كانوا في الواسطة فكالمفقود، وأما من أخذه العدو على ظهر البحر وعير به فحكمه حكم الأسير كما في المدونة. اهـ ملخصًا من (شب) وكبير الخرشي. (فصل في بيان الاستبراء) [مسألة] يجب استبراء الأمة التي تجدد ملكها إن لم تعلم براءتها وأطاقت الوطء بحيضة إن كانت من ذوات الحيض، أو بثلاثة أشهر إن كانت غير حائض لصغر أو إياس أو تأخر حيضها عن عادتها بلا سبب، فصار يأتيها بعد تسعة أشهر، أو بعد ثلاثة أشهر، على أحد قولي ابن القاسم، أو تأخر كذلك لسبب رضاع ومرض، وللمستحاضة فإن ارتبن فاستبراؤهما تسعة أشهر، فإن لم تزد الريبة حلتا وإلا مكثتا أقصى أمد الحمل، وأما بقية الستة فتكفي كل واحدة بثلاثة أشهر من غير نظر النساء كما هو نقل المواق وابن عرفة، وهو المعتمد أو بوضع الحمل كله، ولو علقه إن كانت حاملاً كالعدة. اهـ ملخصًا من (در) و (دس) وعدوي. [مسألة] يحرم على المالك الاستمتاع ولو بالمقدمات زمن الاستبراء، ولو كانت في ملك سيدها، والحال أنها بينة الحمل منه، ثم زنت أو غصبت أو وطئت بشبهة، فاستبرأها استحبابا، فيحرم عليه التمتع بها زمن الاستبراء على ما قاله ابن رشد واختاره (بن) لاحتمال انفشاش الحمل، وقيل: لا يحرم بل هو مكروه، أو خلاف الأولى، وقيل: جائز، وتقدم في العدة أن تحريم الاستمتاع هو المذهب. (ما قولكم) في شخص تزوج جارية، هل يجب عليه استبراؤها قبل أن يستمتع بها أم لا؟ (الجواب) لا يجب عليه استبراؤها، وأما سيدها فيجب عليه استبراؤها إن كان وطئها بالعفل، وللزوج أن يعتمد على قول سيدها أنه استبرأها، ويعقد عليها، ويطأها من غير استبراء، وأما إذا لم يطأها السيد فله تزويجها بلا استبراء للأمن من حملها ما لم يظن أنها زنت، وإلا فيجب عليه أن يستبريها قبل أن يزوجها كما في أقرب المسالك بزيادة من (دس). (ما قولكم) في رجل اشترى أمة وأخبره سيدها أنه استبرأها، هل له أن يعتمد على قوله أم لا؟ وإذا قلتم ليس له أن يعتمد على قوله، فما الفرق بين المشتري والمتزوج، حيث قلتم: إن المتزوج له أن يعتمد على قول سيدها؟ (الجواب) ليس للمشتري أن يعتمد على قول السيد أنه استبرأها ويحرم عليه أن يطأها حتى يستبريها، والفرق بين المتزوج والمشتري تعبدي كما قرره

[مسألة]

شيخنا. اهـ (دس) بتصرف. (ما قولكم) في رجل اشترى أمة بنت ثمان سنين، هل يجب عليه استبراؤها أم لا؟ (الجواب) يشترط في الاستبراء إطاقة الوطء كبنت تسع، وأما بنت ثمان فلا يجب استبراؤها، قال (در): لا إن لم تطقه كبنت ثمان سنين، ولكن في (دس): أن الحق أن إطاقة الوطء تختلف باختلاف البلدان، أي فإذا كان في بعض البلدان أن بنت ثمان تطيق الوطء فيجب على مشتريها استبراؤها. (ما قولكم) في رجل أراد أن يبيع أمته هل يجب عليه استبراؤها قبل بيعها أم لا؟ (الجواب) إن وطئها سيدها بالفعل وجب عليه أن يستبرئها قبل بيعها، وأما إذا لم يطأها فله بيعها بلا استبراء ولو تحقق أنها زنت وما في (عبق) غير صواب كما في (دس). (ما قولكم) في الأمة التي لا يمكن حملها عادة كبنت تسع سنين قد أوجبوا على مشتريها الاستبراء، وقد قالوا: إن شرط وجوب الاستبراء أن لا توقن البراءة وهذه قد أوقنت براءتها؟ (الجواب) قولهم شرط وجوب الاستبراء أن لا توقن البراءة مرادهم عدم تيقن البراءة من الوطء لا من الحمل فمتى لم تتيقن براءتها من الوطء وجب الاستبراء تيقن براءة رحمها من الحمل أم لا. اهـ (دس) بتصرف. (ما قولكم) في رجل أبضع في أمة، أي أعطى إنسانًا ثمن أمة ليشتريها من بلد سافر إليها فاشتراها وأرسلها، فهل يجب على سيدها أن يستبرئها قبل أن يستمتع بها أم لا؟ (الجواب) إن أرسلها مع غير مأذون له في الإرسال معه فإنه يجب على سيدها استبراؤها قبل ان يستمتع بها ولا يكتفي بحيضها في الطريق على قول ابن القاسم وهو المشهور، وقال أشهب: يكتفى بها ولا تستبرأ من سوء الظن، وأما لو جاء بها بنفسه أو أرسلاه مع من أذن له سيدها أن يرسلها معه فلا يجب على سيدها استبراء بل يكتفي بحيضها في الطريق. اهـ ملخصًا من دو، و (دس). (ما قولكم) في رجل اشترى أمة بكرًا زوجها سيدها لرجل وطلقها قبل البناء، هل يجب على مشتريها أن يستبرئها أم لا؟ (الجواب) يجب عليه الاستبراء لاحتمال وطئها خارج الفرج وحملها مع بقاء البكارة كما في المختصر بزيادة من (دس). [مسألة] إذا ملك إنسان أمة بشراء أو هبة، وهي حائض في أول نزول الحيضة، فإن كان قبل مضي أكثرها اندفاعًا فإنها تكفي ولا يحتاج لاستبرائها بحيضة أخرى، وأما إن ملكها بعد نزول أكثرها اندفاعًا ولو أقل أيامًا كاليومين الأولين من

[مسألة]

خمسة فلا تكفي ولا بد من حيضة أخرى كما في أقرب المسالك وغيره. [مسألة] يكفي اتفاق البائع لموطوءته والمشتري لها على حيضة واحدة، بأن توضع بعد أن وطئها سيدها ولم يستبرئها تحت يد أمين قبل الشراء حتى ترى الدم ثم بعد رؤية الدم يحصل الشراء ولا يحتاج المشتري لاستبراء ثان. اهـ ملخصًا من (در)، و (دس). (ما قولكم) في أمة عادتها يأتيها الحيض في أربعة أشهر أو أكثر إلى تسعة، هل استبراؤها حيضة أو ثلاثة أشهر. (الجواب) في (در) إن كانت تحيض لأربعة أشهر أو أكثر إلى تسعة فالراجح من قولي ابن القاسم أنها تستبرأ بثلاثة أشهر ولا تنتظر الحيضة ومشى عليه (دس)، واستظهر في أقرب المسالك أنها تنتظر الحيضة وفي (دس) أنها إذا كانت عادتها الحيض بعد تسعة أشهر فاستبراؤها ثلاثة أشهر على قولي ابن القاسم. (ما قولكم) في رجل تزوج أمة، ثم اشترها قبل البناء بها هل يلزمه استبراؤها أم لا؟ (الجواب) يفسخ النكاح بطروء الملك عليه كما يفسح إن طرأ على الملك كما تقدم في باب النكاح، وذكروا هنا أنه يجوز له وطؤها من غير استبراء سواء اشتراها قبل البناء أو بعده على المشهور، ومقابله يستبرئها قبل البناء وأولى بعده، وهو قول ابن كنانة، لأن الولد إذا حدث بعد الملك كانت به أم ولد فتحتاج للاستبراء ليحصل العلم هل هي أم ولد أم لا، لكن يقيد عدم استبرائها قبل البناء بما إذا لم يقصد بالعقد عليها إسقاط الاستبراء، وإلا وجب استبراؤها معاملة له بنقيض مقصوده. انتهى ملخصًا من الخرشي والعدوي وتوضيح. (مسائل لا يجب فيها الاستبراء) (الأولى) إذا اشترى أمة مودعة عنده أو مرهونة ولم تخرج ولم يدخل عليها سيدها في أيام الإيداع أو أيام الرهن وحاضت عنده فلا استبراء عليه، فإن خرجت أو دخل عليها سيدها وجب استبراؤها لإساءة الظن. (الثانية) استبراء على من أعتق أمته الموطوءة له وتزوج بها بعد العتق، لأن وطء الأول صحيح والاستبراء لا يكون إلا من وطء فاسد، وهذا هو المشهور، وقيل بوجوبه، ليفرق بين ولده بوطء الملك فإنه ينتفي بمجرد دعواه من غير يمين على المشهور وبين ولده من وطء النكاح فإنه لا ينتفي إلا بلعان، وقد استظهر المصنف في التوضيح هذا القول. (الثالثة) لا استبراء على من اشترى أمة زوجته وأمة ولده الصغير، وأمة أمه أو نحو ذلك إذا لم يسئ الظن بواحدة منهن. اهـ ملخصًا من (در)، و (دس). (ما قولكم) في رجل

(باب الرضاع)

اشترى أمة ثم أعتقها عقب الشراء، وأراد العقد عليها هل يجب عليها استبراؤها أم لا؟ (الجواب) يجب عليه استبراؤها، ففي حاشية الصاوي:، وأما إذا اشتراها وأعتقها عقب الشراء، وأراد العقد عليها فلا بد من استبرائها، ولا يكفي في إسقاط الاستبراء عتقه. اهـ. (باب الرضاع) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، إذا كان الرضاع في حولين وشهرين، ولم يستغن عن اللبن استغناءً بينًا بحيث لا يقوم به إذا رد له والموضوع أنه فطم، وأما إذا استمر الإرضاع فإنه يحرم مطلقًا في الحولين والشهرين كما في المجموع. [مسألة] يحرم الرضاع ولو من امرأة ميتة أو صغيرة لم تطق الوطء إن قدر أن بها لبنًا، وكذا يحرم لبن العجوز التي لا تلد، وإن كان موجودًا بغير وطء، وإن كان لبنًا لا ماء أصفر، وإلا فلا يحرم كما في (ص). [مسألة] يحرم الرضاع بوصول اللبن لجوف الرضيع ولو مصة واحدة وإن بسعوط، أي صب في أنفه. [مسألة] إذا فطم الرضيع في الحولين واستغنى بالطعام عن اللبن أكثر من يومين ثم أرضعته امرأة فلا يحرم، لأن الشأن إذا بعد الزمن أن لا يكفيه اللبن إذا رد له، وأما إذا لم يفطم وكان يأكل الطعام فإنه يحرم ولو فرض أنه لو فطم لاستغنى بالطعام عن الرضاع. اهـ. من أقرب المسالك بتوضيح من الأمير. (ما قولكم) في امرأة أرضعت طفلاً ثم طلقها زوجها وتزوج بأخرى فولدت بنتًا فهل تحل هذه البنت للطفل الذي أرضعته زوجته التي طلقت منه أم لا؟ (الجواب) لا تحل له لأن الرضيع يقدر ولدًا لصاحبة اللبن، ويقدر ولدًا لزوجها فيحرم على ذلك الطفل بنات ذلك الرجل ما تقدم على الرضاع وما تأخر لأنهن أخوات لذلك الرضيع، وكذلك يحرم عليه بنات المرأة التي أرضعته ما تقدم على الرضاع وما تأخر كما في (دس). (ما قولكم) في امرأة طلقت ثم تزوجت بآخر وفي ثديها لبن من الرجل الأول، فأرضعت طفلاً فهل يحرم على ذلك الطفل بنات الرجل الثاني من غيرها أم لا؟ (الجواب) إذا وطئها الزوج الثاني وأنزل نسب إليه ذلك اللبن كما ينسب للزوج الأول فيحرم على ذلك الطفل بنات كل من الزوجين، وأما إذا لم ينزل فلا ينسب إليه فإذا وطئها ولم ينزل ثم أرضعت طفلاً فلا يحرم على الطفل بنات ذلك الرجل الثاني كما في (دس).

[مسألة]

[مسألة] إذا طلقت امرأة في ثديها لبن ثم وطئها بعد ذلك رجال بنكاح، بل وإن بزنى ثم أرضعت طفلاً فإن هذا الطفل ولد للجميع، قال في أقرب المسالك: فلو فرضنا أن امرأة ذات لبن من حلال أو حرام زنى بها ألف رجل وأرضعت ولدًا لكان ولدًا للجميع من الرضاع. اهـ. [مسألة] اللاتي يحرمن بالرضاع سبع كاللاتي يحرمن بالنسب، فاللاتي حرمن بالنسب فهن ما في قوله تعالى:} حرمت عليكم أمهاتكم {إلى قوله:} وبنات الأخت {، واللاتي حرمن بالرضاع الأم المرضعة والأخوات من الرضاعة وقد ذكرهما الله بقوله:} وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة {، والثالثة البنت من الرضاع، وقد دخلت في عموم قوله تعالى:} وبناتكم {، والأربعة الباقية من الرضاع إنما ثبت تحريمها بخبر: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) الأولى منها العمة من الرضاع، وهي أخت الزوج صاحب اللبن الثانية الخالة وهي أخت الأم المرضعة الثالثة بنت الأخ، وهي من أرضعتها زوجة أخيك باللبن المنسوب إليه، الرابعة: بنت الأخت من الرضاعة، وهي من أرضعتها أختك، فهذه أربعة تضم للثلاثة الأول، فقد تمت السبعة من الرضاع، وكذلك يحرم من الرضاع ما يحرم من الصهر، فيحرم عليك أم زوجتك من الرضاع وهي كل امرأة أرضعت زوجتك ويحرم عليك بنت زوجتك من الرضاع وأختها وعمتها وخالتها وبنت أخيها وبنت أختها كذلك، لكن الخمسة الأخيرة وهي أخت الزوجة وعمتها .. إلخ يحرم فيهن الجمع بين واحدة منهن وبين الزوجة لا تأبيد التحريم. اهـ ملخصًا من (در) و (دس) وعدوي. (ما قولكم) في امرأة أرضعت طفلاً فتأبد تحريمها. (الجواب) هذه امرأة تزوجت على زوجها رضيعًا بولاية أبيه لمصلحة، ثم طلقه عليه لمصلحة فتزوجت بالغًا فوطئها وهي ذات لبن أو حدث بوطئه، فأرضعت الطفل الذي كان زوجًا لها فتحرم على زوجها لأنها زوجة ابنه من الرضاع، وإن كانت البنوة طرأت بعد الوطء. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إذا تزوج رضيعة من أبيها ثم طلقها فأرضعتها زوجته الكبيرة، حرمت الكبيرة عليه لأنها صارت أم زوجته ولا يشترط أن تكون الأمومة سابقة، والعقد على البنت يحرم الأمهات، وكذلك إذا أرضعتها امرأة أجنبية فإنها يتأبد تحريمها عليه، لأنها أم زوجته من الرضاع. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك، و (ص). (ما قولكم) في رجل طلق زوجته طلاقًا بائنًا

[مسألة]

ثم تزوجت بغيره فحملت منه ثم ولدت وأرضعت طفلة فهل تحرم هذه الطفلة على زوجها الأول الذي أبانها أم لا؟ (الجواب) يحرم عليه كل طفلة أرضعتها تلك المرأة، لأن كل من رضعت منها صارت بنت زوجته من الرضاع أي بنت من كانت زوجته، والموضوع أنه كان دخل بتلك الزوجة التي أبانها، وأما إذا لم يدخل بها بأن عقد عليها ثم طلقها ثم حدث لها لبن فأرضعت طفلة فلا تحرم هذه الطفلة عليه، لأن العقد على الأمهات بمجرده لا يحرم البنات. اهـ ملخصًا منهما وقال في المجموع: وإن فارقها بعد التلذذ بها فأرضعت صبية ولو بغير لبنه حرمت الصبية لأنها بنت زوجته المتلذذ بها. اهـ. (ما قولكم) في رجل تزوج بامرأة ذات لبن من زوجها الأول، فأرضعت طفلة، وعند هذا الزوج الثاني ولد من غيرها، فهل تحرم هذه الطفلة على هذا الولد أم لا؟ (الجواب) تقدم أنه بمجرد وطئه مع الإنزال ينسب إليه ذلك اللبن، وإن لم ينزل فلا، فهذا الرجل إن كان أنزل فكل من أرضعته بها بعد ذلك في الحولين والشهرين ولم يستغن عن اللبن استغناء بينًا يكون أخًا من الرضاع لجميع ذريته، وإن لم ينزل فلا يكون أخًا لذريته فيحل لولده حينئذٍ أن يتزوج واحدة ممن أرضعتها والله أعلم. [مسألة] ست لا يحرمن من الرضاع: الأولى: أم أخيك، فإذا أرضعت امرأة أجنبية أخاك فإنها تحل لك إذا خلت من مانع آخر، وأولى في عدم التحريم أخت أخيك من الرضاع. (الثانية) أم عمك التي أرضعته تحل لك. (الثالثة) أم أخاك التي أرضعته تحل لك. (الرابعة) أم ولد ولدك التي أرضعته. (الخامسة) جدة ولدك من الرضاعة كما لو أرضعت أجنبية ولدك فلا يحرم عليك أم هذه المرأة الأجنبية، وهي من النسب إما أمك، أو أم زوجتك. (السادسة) أخت ولدك كما لو رضع ولدك على امرأة لها بنت فلك نكاح البنت إلا لمانع كما لو كانت أخت ولدك من الرضاع بنتك من الرضاع أو أختك من الرضاع، وإلا فتحرم عليك، وكذا يقال في باقي الستة كما في أقرب المسالك وغيره. اهـ بتوضيح. (ما قولكم) في رجل تزوج بامرأة ثم تصادقا معًا على الرضاع بإخوة أو نحوها، وقلتم يفسخ النكاح بينهما فهل فسخه بطلاق أو غيره؟ (الجواب) يفسخ بغير طلاق عند ابن القاسم كما في (ص). (ما قولكم) في رجل تزوج امرأة ثم أقرّ بأنها أخته من الرضاع، فهل يؤخذ بإقراره ويفسخ النكاح بينهما أم لا؟

[مسألة]

(الجواب) الملكف يؤخذ بإقراره إن ثبت ببينة ولو سفيهًا فيفسخ النكاح بينهما، كما في أقرب المسالك بزيادة من (ص). (ما قولكم) في زوجة أقرت بحصول الرضاع بينها وبين زوجها، هل يفسخ النكاح بينهما. (الجواب) إن كان إقرارها قبل العقد عليها وكانت بالغًا فسخ النكاح بينهما ولو كانت سفيهة إن ثبت إقرارها ببينة، وأما إن أقرت بعد العقد فلا يفسخ لاتهامها على مفارقته بغير حق. اهـ ملخصًا منهما. [مسألة] متى حصل الفسخ قبل البناء فلا شيء للزوجة، إلا أن يقر الزوج فقط بعد العقد بالرضاع فتنكر الزوجة فلها نصف المهر، وهذه إحدى المسائل الثلاث المستثنيات من قاعدة كل عقد فسخ قبل الدخول لا شيء فيه إلا نكاح الدرهمين، وفرقة المتلاعنين، وفسخ المتراضعين. اهـ ملخصًا منهما. [مسألة] للزوجة المسمى بالدخول سواء علما بالرضاع معًا أم لا، إلا أن تعلم هي فقط قبل الدخول دونه فلها ربع دينار لئلا يخلو البضع عنه. اهـ منهما. [مسألة] يقبل إقرار أحد أبوي صغير بالرضاع قبل العقد فقط فلا يصح العقد بعد الإقرار، ولكن إقرار الأم لا بد معه من الفشو، قيل معنى الفشو: فشو قولها ذلك قبل شهادتهما، وقيل: هو فشو ذلك عند الناس من غير قولها. اهـ منهما. (ما قولكم) في رجل عقد على بنته لآخر، فشهدت بينة على إقرار الأب قبل العقد بأن بنته أخت لذلك الرجل الذي عقد عليهما من الرضاع فقال الأب: إنما أقريت بالرضاع بينهما قبل العقد لعدم قصدي النكاح في ذلك الوقت فهل يقبل منه هذا الاعتذار أم لا؟ (الجواب) لا يقبل اعتذاره ويفسخ النكاح بينهما. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] يثبت الرضاع برجل وامرأة إن فشا منهما أو من غيرهما قبل العقد لا إن لم يحصل فشو أو فشا بعد العقد، فلا يثبت الرضاع بذلك، ولا يشترط مع الفشو عدالة على الأرجح كما في أقرب المسالك. [مسألة] يثبت الرضاع بامرأتين إن فشا ذلك منهما وأولى من غيرهما قبل العقد لا إن لم يفش أو فشا بعد العقد فلا يثبت بما ذكر ولا يشترط مع الفشو عدالة على الأرجح كما تقدم. اهـ منه. (ما قولكم) في من حضرا عقد امرأة ثم شهدا بحصول الرضاع بين هذين الزوجين فهل تقبل شهادتهما أم لا؟ (الجواب) في المجموع ويثبت الرضاع برجلين، وإن لم يفش إلا أن يحضرا العقد ساكتين فلا يقبل قولهما بعد ذلك. اهـ بتصرف وتوضيح. [مسألة] يثبت الرضاع

باب النفقات

برجل وامرأتين وإن لم يفش كما في المجموع. [مسألة] لا يثبت الرضاع بامرأة ولو فشى، وندب التنزه في كل من لا تقبل شهادته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟ قاله لعقبة بن الحارث لما تزوج بامرأة، فقالت له امرأة: إنها أرضعتهما، فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال له ذلك ـ ومعناه ـ كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها من الرضاع، فإنه بعيد من المروءة والورع. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك والمجموع و (ص). باب النفقات تجب نفقة الزوجة والوالدين الحرين المعسرين ولو كافرين وخادمهما، والولد الحر على أبيه لا على أمه، الذكر إلى البلوغ قادرًا على التكسب، والأنثى إلى دخول الزوج أو دعائه للدخول بعد زمن يتجهز فيه مثلها إن كان الزوج بالغًا وهي مطيقة، وإلا فللدخول بالفعل، ونفقة الرقيق على سيده، لا تجب نفقة جد أو جدة ولا نفقة ابن ابن كما في أقرب المسالك. [مسألة] الزوجة المدخول بها تجب لها النفقة وإن لم تطق الوطء، وإن لم يكن الزوج بالغًا كما قرر به الشيخ مياره كما في أقرب المسالك، فإذا هربت منه خوفًا من وطئه فلا يعد نشوزًا لعدم طاقتها الوطء، ولا يجب على أحدٍ إضرار نفسه، ولا يمكن من ردها له ما دام يخشى منه هذا الأمر وعليه نفقتها. (ما قولكم) في النفقة هل تسقط بمضي زمنها إذا لم يحكم بها حاكم أم لا؟ (الجواب) لا تسقط نفقة الزوجة عن زوجها الموسر بمضي زمنها حكم به حاكم أم لا بخلاف نفقة الوالدين والولد، فإنها تسقط بمضي زمنها إن لم يحكم بها حاكم، ونفقة المملوك تسقط أيضًا بمضي الزمن عاقلاً أو غيره. اهـ بتصرف. وتضمن الزوجة النفقة بالقبض مطلقًا ماضية كانت أو مستقبلة قامت على هلاكها بينة أو لا فرطت في ضياعها أو لا، وأما نفقة المحضون إذا قبضتها الحاضنة فإن كانت ماضية ضمنتها مطلقًا وإن كانت مستقبلة وقامت على ضياعها بينة فلا تضمنها، كذا قال البساطي، وقال (تت): تضمن نفقة المحضون إذا قبضتها ماضية أو مستقبلة إلا لبينة على ضياعها بلا تفريط فلا تضمنها، ماضية أو مستقبلة، واعتمده الرماصي. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك، و (ص) ومشى في المجموع على ما للبساطي. (ما قولكم) في قولهم: النفقة الواجبة قوت وإدام وكسوة ومسكن بحسب عادتهم في الأمور

[مسألة]

الأربعة المذكورة، فظاهره أنه يجب عليه أن يكسوها حريرًا إن كانت العادة ذلك، فهل هذا الظاهر مسلم أم لا؟ (الجواب) في الدردير: ولا يلزم الزوج الحرير والخز، وظاهره ولو اعتيد واتسع حال الزوج له، وهو كذلك فهو مقيد لقوله، أي المختصر بالعادة، وهذا قول الإمام. اهـ بتوضيح، وفي (دس): فإذا تزوج إنسان بنت أكابر من شأنها لبس الحرير، فلا يلزمه إلباسها الحرير جرت العادة بلبسه أم لا، كان غنيًا أم لا. اهـ، وفي (ص): وانظر إذا شرط عليه أن يلبسها حريرًا في صلب العقد، هل يلزمه ذلك لأنه مما لا ينافي العقد، هو الظاهر ولا يلزمه ثوب مخرج إلا لشرط على الظاهر. اهـ بتصرف. [مسألة] يعرض لها عند المشاحة الماء والزيت والحطب والملح واللحم، قال بعضهم: أي لحم من ذوات الأربع لا من الطير والسمك إلا أن يكون ذلك معتادًا فيجري على العادة فيفرض اللحم على القادر ثلاث مرات في الجمعة يومًا بعد يومٍ، وعلى المتوسط في الجمعة مرتان، وعلى المنحط الحال في الجمعة مرتين، كذا قال بضعهم، والأظهر أن الفقير يفرض عليه بقدر وسعه فيراعى عادة أمثاله ولو في الشهر مرة مثلاً. اهـ ملخصًا من (در) و (دس). [مسألة] لا يلزمه فاكهة ودواء وأجرة طبيب، ولا يلزمه أجرة حمام إلا أن تكون جنبًا، وليس عنده من الماء ما تغتسل به، أو كان باردًا يضر بها في الشتاء مثلاً، وليس عنده ما تسخنه به فيلزمه أجرة الحمام لتوقف إزالة الجنابة عليه، ولا يلزمه إلا قدر أكلها لا المعتاد للناس فلا يلزمه إلا أن يقدر لها حاكم حنفي شيئًا فيلزمه ما قدره لها، وأما مذهبنا فلا يرى الحكم بتقدير النفقة في المستقبل لأن حكم الحاكم لا يدخل المستقبلات عند مالك رضي الله عنه. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). (ما قولكم) في رجل حلف على زوجته أن لا تزور والديها وأن لا يدخلا لها دار أو أن لا يدخل لها أولادها من غيره، فهل يقضى لهم بالدخول ولها بالزيارة؟ (الجواب) في أقرب المسالك وحنث ـ أي قضي بتحنيثه ـ إن حلف على الأبوين والأولاد فقط أن يدخلوا لها، كما يحنث إذا حلف أن لا تزور والديها إن كانت مأمونة ولو شابة ولا يحنث بمجرد الحكم بل بدخول أبويها عليها أو بزيارتها بالفعل، وقضى لأولادها الصغار بالدخول عليها كل مرة لتتفقد حالهم وقضى لأولادها الكبار كل جمعة مرة كالوالدين. [مسألة] للزوج المتمتع بشورة

[مسألة]

زوجته من فرش وغطاء ولباس وآنية فيستعمل من ذلك ما يجوز استعماله ويقضى له بذلك وله منعها من بيعه وهبته، وإن خلقت لا يلزمه بدلها إلا الغطاء والوطاء وما لا بد منه، فلو جدد ما بلي من شورتها فلا يقضى لها بأخذه اهـ ملخصًا من (در)، و (دس). (ما قولكم) في رجل حلف على زوجته أن لا تخرج من داره وأطلق لفظًا ونية فهل يقضى عليه بالحنث أم لا؟ وإذا قلتم لا يقضى عليه بالحنث، فما الفرق بين هذه المسألة والتي تقدمت من أنه إذا حلف أن لا تزور والديها فإنه يقضى عليه بالحنث. (الجواب) لا يقضى بتحنيثه فلا تخرج ولو لأبويها حيث أطلق، والفرق بين هذه المسألة التي أطلق فيها لفظًا ونية والمسألة التي خصص فيها أنه في حال التخصيص يظهر منه قصد الضرر فلذا حنث، وقضي بدخول الوالدين والأولاد، وأن تزور والديها بخلاف حال الإطلاق، فإنه لم يظهر منه قصد الضرر فلذا لم يقض عليه بالتحنيث. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك. [مسألة] تقدر النفقة على الزوج بحاله، أي يقدر الزمن الذي تدفع فيه النفقة بحسب حاله، فأرباب الصنائع والأجراء تقدر عليهم كل يوم، وتقبضها معجلة، وتضمن ما قبضته، هذا إذا كان الحال التعجيل، وأما إذا كان الحال التأخير، فتنظر حتى تقبضها ولا يكون عدم قدرته الآن عسرًا، وبعض الدلالين بالأسواق تقدر عليم كل جمعة، وأرباب الوظائف من إمامة أو تدريس، وأرباب العلوفات كالجند عليهم كل شهر، وأرباب الرزق والحوائط والزرع تقدر عليهم كل سنة، وهذا التقدير غير الملي. اهـ ملخصًا منهما و (دس). (ما قولكم) في رجل من أهل الوظائف دفع لزوجته نفقة شهر عينًا بدل الحب والسمن وغير ذلك فرخصت الأسعار فهل له الرجوع بالزائد أم لا؟ (الجواب) يجوز له إعطاء الثمن عن الذي لزمه من النفقة لزوجته من الأعيان التي تلزمه إذا رضيت وإن لم ترض، فالواجب الأعيان ويلزم الزوج إن أعطاها الثمن أن يزيدها إن غلى سعر الأعيان بعد أن قبضت ثمنها، وله الرجوع عليها إن نقص سعرها ما لم يسكت مدة، وإلا حمل على أنه أراد التوسعة عليها، وهذا كله ما لم تكن اشترت الأعيان قبل غلوها أو رخصها، وإلا فلا يزيدها شيئًا في الأول، ولا يرجع عليها بشيء في الثاني. اهـ ملخصًا منهما. [مسألة] تسقط نفقة الزوجة بعسر زوجها، فلا مطالبة لها بما مضى في زمن العسر إن أيسر ولها التطليق

[مسألة]

عليه حال العسر بالرفع وإثباته عنده. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] تسقط نفقتها بمنعها الاستمتاع، ولو بدون الوطء، فتسقط نفقتها في اليوم الذي منعته من ذلك، والقول قولها في عدم المنع إذا لم تكن حاملاً، وإلا لم تسقط والقول قولها أنها لم تمنعه، وتسقط أيضًا بخروجها من بيته بلا إذن منه ولم يقدر على ردها ولو بحاكم، إن لم تكن حاملاً وإلا لم تسقط؛ لأن النفقة حينئذٍ للحمل، وإلا غضبت وخرجت من بيته فصالحها وأعطاها كسوة فمكثت أيامًا ثم نشزت فإن عجز عن ردها لطاعته، وكان نشوزها بعد شهرين أو أقل من حين أخذ الكسوة فله أخذها منها، وأما إذا كان النشوز بعد أشهر فليس له أخذها، كما يأتي في المرأة التي كساها ثم طلقها طلاقًا بائنًا، فإن خرجت وهو حاضر قادر على منعها لم تسقط، لأنه كخروجها بإذنه وكذا الرجعية لا تسقط نفقتها مطلقًا كانت حاملاً أم لا؛ لأنه ليس له منعها من الخروج. اهـ ملخصًا من (در)، و (دس). [مسألة] تسقط نفقة البائن بخلع أو بتات إن لم تكن حاملاً وإلا فلها النفقة للحمل ولها أيضًا أجرة الرضاع إن كانت مرضعة. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] لا نفقة لها بدعواها الحمل بل بظهوره وحركته فإن ظهر الحمل فلها النفقة من يوم الطلاق اهـ منه. [مسألة] إن طلقها في أول الحمل طلاقا بائنا وصدقها على الحمل قبل ظهوره، أو لم يصدقها وانتظر ظهوره وحركته فإن لها كسوتها المعتادة ولو كانت تبقى بعد الوضع ومحل وجوب الكسوة إذا كانت محتاجة لها وإلا فلا، وأما إذا لم تطلق في أول الحمل بل بعد أشهر من حملها فلها قيمة ما بقي من أشهر الحمل بأن يقوم ما يصير لتلك الأشهر الباقية من الكسوة لو كسيت أول الحمل فتأخذها اهـ منه بتوضيح من (ص). [مسألة] يستمر المسكن للحامل المطلقة طلاقًا بائنًا دون النفقة إن مات زوجها المطلق لها قبل وضعها لأنه حق تعلق بذمته فلا يسقطه الموت، سواء كان المسكن له أم لا، فقد كراه أم لا، وأما البائن غير الحامل إذا مات زوجها فيستمرّ المسكن لها لانقضاء العدة، والأجرة فيهما من رأس المال، بخلاف الرجعية والتي في العصمة فلا يستمر لها المسكن إن مات إلا إذا كان له، أو فقد كراه كما مر، وتسقط الكسوة والنفقة في الجميع، أي من في العصمة والرجعية والبائن حاملاً أو لا لكون الحمل صار وارثًا. اهـ (در) بتصرف. [مسألة] الحامل المطلقة طلاقًا بائنًا

[مسألة]

إذا مات الولد في بطنها فلا نفقة لها ولا سكن من يوم موته لأن بموته صارت قبرًا له، وإن كانت لا تنقضي عدتها إلا بنزوله، كذا في (شب) خلافا لما في الشامل من استمرار النفقة والسكنى إذا مات الولد في بطنها، والقول الأول اختاره البرزلي والقرافي واعتمده (عج) وصوب شيخنا والبناني اعتماده له وما في الشامل، وإن حكم به بعض القضاة كابن الخراز، وأفتى به جمع كثير من الفقهاء إلا أنه غير معتمد كما قال (عج)، اهـ (دس) بتصرف. [مسألة] إذا كساها ثم طلقها طلاقًا بائنًا، ولم تكن حاملا فإن كان الطلاق بعد أشهر من قبضها فلا تردّ تلك الكسوة وإن كانت بعد شهر أو شهرين فإنها تردّها. اهـ (دس). (ما قولكم) في رجل عجز عن نفقة زوجته فهل لها طلب فسخ نكاحها عند الحاكم أم لا؟ (الجواب) للزوجة طلب الفسخ إن ادعى العجز عن النفقة الحاضرة ومنها الكسوة سواء أثبت عجزه أم لا، وأما النفقة الماضية المترتبة في ذمته إذا ادّعى العجز عنها فليس لها طلب الفسخ، وحاصل فقه المسألة أنه إذا امتنع من النفقة وطلبته زوجته بالنفقة الحاضرة عند الحاكم، فإما أن يدعي الملاء به ويمتنع من الإنفاق، وأما أن لا يجيب بشيء، وإما أن يدعّي العجز فإن لم يجب بشيء طلق عليه حالاً، وإن قال: أنا موسر، ولكن لا أنفق. فقيل: يعجل عليه الطلاق، وقيل: يحبس، وإذا حبس ولم ينفق طلق عليه، وهذا كله إذا لم يكن له مال ظاهر وإلا أخذ منه، وإن ادّعى العجز فإما أن يثبت العجز أم لا، فإن لم يثبته أمره الحاكم بالإنفاق أو بالطلاق بأن يقول له: إما أن تنفق، وأما أن تطلق. فإن طلق أو أنفق فالأمر ظاهر وإلا فيقول له الحاكم: فسخت نكاحك أو طلقتها منك، أو يأمرها بذلك ثم يحكم به بلا تلوم على المعتمد، فإن لم يكن حاكم فجماعة المسلمين العدول يقومون مقامه في ذلك وفي كل أمر يتعذّر الوصول فيه إلى الحاكم أو لكونه غير عدل والواحد منهم كاف، كما قاله شيخنا تبعًا لعبق ونازع فيه (بن) وإذا ثبت عسره فإن الحاكم يتلوم له أي يمهله بالاجتهاد بحسب ما يراه من حال الزوج، لعله أن يحصل النفقة طلق عليه عند فراغ مدّة التلوم، ولا نفقة لها على الزوج زمن التلوم. اهـ ملخصًا من (در) و (دس)، وقد قدمنا في أول باب المفقود أن جماعة المسلمين تقوم مقام الحاكم إذا لم يوجد أو وجد ولكنه غير عدل ولم أقل هناك والواحد كاف تبعًا للبناني.

(ما قولكم) في رجل أراد سفرًا فطلبته زوجته نفقة المدة التي يغيبها فادعى العجز فهل لها طلب الفسخ أم لا؟ (الجواب) قال الأجهوري: لها طلب فسخ نكاحها من الحاكم إذا ادعى العجز، ورده البناني تبعًا لبعض الشيوخ بأنه إذا أراد سفرًا أو عجز عن دفع النفقة المستقبلة فالنقل أن لها المطالبة بالنفقة ولا يلزم منه التطليق حالاً، نعم لها بعد حلول النفقة التطليق إذا أرادته ولو في غيبته كما في (دس) وعبارة المجموع: ولها إن أراد سفرًا طلبه بدفع المستقبلة أو إقامة وكيل، وكذا إن أبانها وخشيت حملاً في سفره فلها الكلام في شأن نفقته، وقيد بأن لا ترى دمًا. اهـ. (ما قولكم) في رجل غاب وترك زوجته غير المدخول بها بلا نفقة، هل لها طلب الفسخ عند الحاكم أم لا؟ (الجواب) يطلق الحاكم على الغائب بعد التلوم إذا لم يترك لزوجته شيئًا، ولا وكل وكيلاً بها، ولا أسقطت عنه النفقة حال غيبته، وتحلف على ذلك، وهذا إذا كانت غيبته بعيدة كعشرة أيام سواء دخل بها أم لا دعي للدخول أم لا، على المعتمد فظهر لك أن الدخول أو الدعوة للدخول إنما يشترط في إيجاب النفقة على الزوج إذا كان حاضرًا لا غائبًا، كما في الحطاب خلافًا لبهرام، وأما قريب الغيبة فيرسل له إما أن يأتي أو يرسل النفقة أو يطلق عليه إن لم يطلق هو بنفسه. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). (ما قولكم) في رجل سافر بزوجته إلى الحج فطلبت منه نفقة السفر فأبى فماذا يلزمه؟ (الجواب) يلزمه الأقل من نفقة الحضر ونفقة السفر ففي المجموع: وإن سافرت لحجة الفرض ولو بلا إذنه أو بإذنه في غير الفرض، فلها الأقل من نفقة الحضر والسفر. اهـ. (ما قولكم) في امرأة تزوجت رجل تعلم أنه معسر بالنفقة حال العقد، هل لها طلب الفسخ أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك: فإن علمت بعسره حال العقد فليس لها الفسخ ولو أيسر بعد ثم أعسر إلا أن يشتهر بأنه يسأل الناس فيعطى ثم انقطع إعطاء الناس له فلها الفسخ؛ لأن اشتهاره بذلك ينزل منزلة اليسار. اهـ بتصرف. (ما قولكم) في رجل لا يقدر على شيء من النفقة إلا على ما يسد الرمق، هل لها طلب الفسخ أم لا؟ (الجواب) إن وجد عنده ما يسد الرمق أي ما يحفظ الحياة خاصة دون شبع معتاد متوسط فإنه يطلق عليه لأنه لا صبر لها على ذلك اهـ منه. (ما قولكم) في رجل تزوج بامرأة علية وصار لا يقدر إلا على خشن القوت وعلى ما يواري العورة من

غليظ الثياب هل لها طلب الفسخ أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك: لا يطلق عليه إن قدر على القوت ولو من خشن المأكول وهي علية القدر، ولو قدر على خبز بغير إدام، ولا يطلق عليه إن قدر على ما يواري العورة، ولو من غليظ الصوف وإن كانت غنية شأنها لبس الحرير. اهـ بتصرف. (ما قولكم) في رجل أعسر بنفقة الزوجة فطلق عليه الحاكم فقدر على قوت لا يناسب قدرها فراجعها في عدتها هل تصح رجعته أم لا؟ (الجواب) له رجعتها إن قدر على ما يقوم بواجب مثلها، فيعتبر في رجعتها ما يعتبر في ابتداء النكاح، فإن كانت غنية شأنها أكل الضأن، فلا تصح رجعتها إلا إذا قدر على ذلك ولها عليه النفقة إذا حصل له اليسار في عدتها ولم يرتجعها، وصحت له الرجعة حينئذٍ لما تقرر أن كل طلاق أوقعه الحاكم يكون بائنًا إلا طلاق المولى والمعسر بالنفقة، وأما إذا قدر على خشن الطعام فقط، فلا تصح رجعتها ولو رضيت على المعتمد وإنما اعتبر في رجعتها اليسار الكامل مع أنها لا تطلق عليه إذا وجد ما تيسر من خشن العيش كما تقدم؛ لأن أبغض الحلال إلى الله الطلاق فلا يقدم عليه إلا بالضيق الشديد بخلاف ما لو صارت أجنبية، فلا ترد له إلا باليسار المناسب. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). (ما قولكم) في رجل غاب وترك زوجته بغير نفقة، وله دين ثابت على مدينه، وله دار، فهل تقرض نفقتها في هذا الدين، وإذا لم يكف تباع داره، وتنفق عليها من ثمنها، أم كيف الحال؟ (الجواب) إذا غاب زوجها فرجعت أمرها للحاكم أو جماعة المسلمين عند عدمه أو عدم عدله، فإنهم يفرضون لها ما طلبت من النفقة بقدر وسعه وحالها، سواء كانت مدخولاً بها أم لا، لكن إنما يفرض لها بعد حلفها أنها تستحق النفقة على زوجها الغائب وأنه لم يوكل لها وكيلاً في دفعها لها وأنها لم تسقطها عنه بوجه، وقد تحتاج مع ذلك ليمين استظهار إن كان لزوجها دين على ميت مثلاً، وقد لا يتم نصاب البينة بالدين فتحتاج ليمين كما إذا وجد شاهد واحد على ميت بدين لزوجها فتحلف مع ذلك الشاهد، فحينئذٍ تحلف ثلاثة أيمان، ويفرضون لها في ماله، سواء كان ذلك المال حاضرًا أو غائبًا أو مودعًا عند الناس، أو دينًا عليهم، وبيعت داره في نفقتها بعد ثبوت ملكه لها وأنها لم تخرج عن ملكه في علمهم إلى

[مسألة]

الآن إن لم يكن له مال غيرها ولو احتاج لسكنى تلك الدار، ومثل الزوجة في فرض نفقتها فيما ذكر الأولاد والأبوان. اهـ ملخصًا من المجموع و (در)، و (دس). [مسألة] إن تنازع الزوجان بعد قدوم الزوج من السفر، فقال لها: أرسلت لك النفقة، وقالت: لم ترسلها، أو قال: تركتها لك قبل سفري، وقالت: لا، فالقول لها من يوم رفعها للحاكم بيمين، فإذا سافر من أول السنة فصبرت نصفها، ثم رفعت أمرها للحاكم، فأذن لها في الإنفاق على نفسها والرجوع لها على زوجها إذا قدم، فأنفقت على نفسها نصف السنة الباقي ثم قدم، فحصلت المنازعة بينهما، فلها النفقة من يوم الرفع، فتأخذ منه نفقة نصف السنة الآخر، وأما نصفها الأول الذي قبل الرفع، فالقول قول الزوج بيمين فإن رفعته لعدول وجيران مع وجود الحاكم العدل فلا يقبل قولها مطلقًا قبل الرفع وبعده، هذا هو المشهور وعليه الفتيا كما في (عب). ومقابله ما روي عن مالك أن رفعها إليهم كرفعها للحاكم، واختاره اللخمي وغيره، وذلك لثقل الرفع للحاكم على كثير، وذكر ابن عرفة أن عمل قضاة بلدة تونس على أن الرفع للعدول بمنزلة الرفع للحاكم، وأن الرفع للجيران لغو، ونفقة أولادها الصغار حكم نفقتها على ما تقدم، وأما أولاده الكبار فالقول قولهم مطلقًا، لأنه لا يعتني بهم على الظاهر، اهـ ملخصًا من (دس). [مسألة] للزوجة ذات القدر الامتناع من السكنى مع أقارب الزوج في دار واحدة ولو الأبوين ولو بعد رضاها ابتداء سكناها معهم، ولو لم يثبت الضرر عليها باطلاعهم على حالها والتكلم فيها إلا لما فيه لشرط عند العقد أن تسكن معهم فليس لها الامتناع من السكنى معهم، ما لم يحصل منهم ضرر أو اطلاع على عوراتها وإلا فلها الامتناع، قال البناني: ولها الامتناع من السكنى مع خدمه وجواريه ولو لم يحصل بينها وبينهم مشاجرة، وأما الوضيعة التي لا قدر لها فليس لها الامتناع من السكنى مع أقاربه إلا لشرط أو حصول ضرر فلها الامتناع اهـ ملخصا من أقرب المسالك و (ص). (ما قولكم) في امرأة أنفقت على زوجها وهو معسر، فهل لها أن ترجع عليه بما تجمد إذا أيسر؟ (الجواب) ترجع عليه بما أنفقته إذا كان زمن الإنفاق عليه موسرًا، بل وإن كان معسرًا وحلفت إن لم تشهد أنها أنفقت لترجع، لأن العسر لا يسقط عن الزوج إلا ما وجب عليه لنفقة غيره

[مسألة]

لا ما وجب عليه لنفقة نفسه، وهذا إذا أنفقت عليه غير سرف وإلا رجعت بقدر المعتاد فقط، وإذا أنفقت عليه بقصد الصلة، أو شهدت عليها بينة أنها أقرت بأنها لا ترجع عليه بشيء. اهـ ملخصا منهما والمجموع. [مسألة] إذا انفق شخصٌ على أجنبي بالغ فإنه يرجع عليه بغير السرف، وإن كان الأجنبي حين الإنفاق معسرًا إلا لقصد صلة، أو إشهاد عليه أنه أقر أنه لا يرجع فلا يرجع إليه بشيء، كالمسألة قبلها اهـ من أقرب المسالك بتصرف. (ما قولكم) في شخص أنفق على صغير، هل له الرجوع عليه أم لا؟ (الجواب) يرجع عليه إن كان له مال يعلمه وتعسر الإنفاق منه، وبقي المال لوقت الرجوع، فإن ضاع وتجدد غيره فلا رجوع، وكذا إذا قال: أنفق عليه فإن وجد له مال أخذت منه، أو بنى مسجدًا من عنده لكونه لا مال له فظهر له مالك، فلا شيء له، أو كان له أب موسر يعلمه وكان غائبًا، وفي الخرشي على ابن رشد: والأب موسر كالمال. اهـ أي فلا بد من علمه به وبأنه موسر ويستمر يساره إلى حين الرجوع، ومفهوم يعلمه أنه لو أنفق عليه ظانًا أنه لا مال له ولا أب له ثم علم فلا رجوع له، وقيل له الرجوع، والقولان قائمان من المدونة ومحل اشتراط علم الأب الموسر، ما لم يتعمد الأب طرحه وإلا فله الرجوع عليه إذا علم به بعد ذلك كما يأتي في اللقطة. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص) بزيادة من الخرشي وعدوي. [مسألة] يجب على الولد الحر الموسر، كبيرًا كان أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى، مسلمًا أو كافرًا، أن ينفق على والديه الحرين المعسرين ولو كافرين، والولد مسلم كالعكس، وهذا إذا لم يقدرا على الكسب ويتركاه وإلا لم تجب النفقة على الولد، ووزعت على الأولاد الموسرين بقدر اليسار حيث تفاوتوا على الراجح، وقيل على الرءوس فالذكر كالأنثى وقيل على الميراث، فللذكر مثل حظ الأنثيين. اهـ ملخصا من المجموع، وأقرب المسالك. [مسألة] يجب على الولد إعفاف والده بزوجة واحدة إن أعفته ويجب عليه أيضًا أن ينفق على خادم الوالدين حرًا كان الخادم أو رقيقًا، وأما زوج الأم فلا يجب على الولد النفقة عليه ولو توقف إعفافها عليه، اهـ من أقرب المسالك بزيادة من (ص). [مسألة] يجب على الشخص أن ينفق على ولده حتى يبلغ الذكر قادرًا على التكسب، وحتى يدخل الزوج على الأنثى أو يُدعى للدخول اهـ من أقرب المسالك.

باب الحضانة

باب الحضانة (ما قولكم) في امرأة طلقت ولها ولد في حضانتها، فتزوجت وانتقلت الحضانة لأمها، فهل إذا سكنت مع بنتها تسقط حضانتها أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك: فلا حضانة للجدة إذا سكنت مع ابنتها أم الطفل إذا تزوجت، إلا إذا انفردت الجدة عن بنتها المتزوجة بمسكن آخر، فتبقى لها الحضانة. اهـ بتوضيح. (ما قولكم) في بنت مطيقة للوطء في حضانة أمها فتزوجت الأم وسقطت حضانتها بتزويجها ولم يبق ممن يستحق الحضانة إلا ابن العم، وشرطتم أن الحاضن للمطيقة يشترط أن يكون محرمًا، فهل ابن العم يستحق حضانتها في وجه من الوجوه أم لا؟ (الجواب) لا يستحقها ولو مأمونًا ذا أهل إلا إذا طلقت أمها فتزوجها فله الحضانة حينئذٍ، ففي أقرب المسالك: وكونه، أي الحاضن محرمًا لمطيقة أي يشترط كونه محرمًا لمطيقة، وقال الصاوي: قوله: وكونه محرمًا أي ولو في زمن الحضانة كأن يتزوج بأمها وإلا فلا حضانة له، ولو مأمونًا ذا أهل عند مالك. اهـ. (ما قولكم) في أم تزوجت وسقطت حضانتها بالدخول وعلم بذلك من يستحق الحضانة بعدها، فهل يسقط حقه أم لا؟ (الجواب) إن سكت من يستحق الحضانة سنة بلا عذر، فلا يسقط حق الأم بل تبقى لها الحضانة، وليس لمن يليها أخذ المحضون منها، وأما إن لم يعلم بدخول الأم، أو علم ولم يمض بعد العلم عام، أو مضى عام وكان سكوته لعذر يمنعه من التكلم، ومن العذر جهله باستحقاقه الحضانة بدخول الزوج بها، فله أخذ المحضون من الأم المدخول بها ما لم يطلقها زوجها أو يمت قبل القيام عليها، وإلا فتبقى لها الحضانة، ومحل سقوط حضانتها بالدخول ما لم يكن الزوج محرمًا للمحضون، سواء كان له حق في الحضانة أم لا، أو كان له حق فيها وكان غير محرم، فلا تسقط حضانتها بدخوله، وليس لمن يليها أخذه منها. اهـ من أقرب المسالك بتوضيح. (ما قولكم) في رجل أوصى زوجته على أولادها منه، ثم تزوجت، فهل تسقط حضانتها أم لا؟ (الجواب) في ذلك روايتان عن مالك، فروي تسقط حضانتها، وروي لا تسقط حضانتها وتفردهم بمكان، والصواب أن الروايتين في الأم خاصة والرواية بعدم سقوط حضانتها وقعت بها الفتوى وحكم بها ابن حمدون، واقتصر عليها ابن عرفة والقليشاني وقال صاحب الفائق:

[مسألة]

إنها أولى لأن حق الوصية لا تسقطه الزوجية، واعلم أن هذين الروايتين جاريتان في الوصية إذا تزوّجت ولو قال الأب في إيصائه: إن تزوجت برجل فانزعوهم منها لأنه لم يقل فلا وصاية لهما. اهـ من (دس) بتصرف وتوضيح. (ما قولكم) في طفلة لم يبق ممن يستحق حضانتها إلا الوصي، فهل إذا مات يستحقها وصي الوصي أم لا؟ (الجواب) في (دس): إن الوصي يشمل مقدم القاضي ووصي الوصي ثم قال: واعلم أن المحضون إذا كان ذكرًا أو كان أنثى غير مطيقة، فإن الحضانة تثبت لوصيه اتفاقًا ذكرا أو أنثى كذا إن كان المحضون أنثى مطيقة، وكان الحاضن أنثى أو كان ذكرًا وتزوج بأم المحضونة أو جدتها وتلذّذ بها بحيث صارت المحضونة من محارمه، وإلا فلا حضانة له على ما رجحه المصنف في التوضيح، ورجح ابن عرفة أن له الحضانة حينئذٍ فكل من القولين قد رجح. (ما قولكم) في امرأة تحضن طفلاً وأراد وليه أن يسافر إلى جهة، فهل له أن يأخذ الطفل منها أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك: وشرط الحضانة لمن يستحقها أن لا يسافر الولي الحر عن المحضون، سواء كان الولي ولي مال كالأب والوصي أو ولي عصوبة كالعم والمعتق، وشرطها أيضًا أن لا تسافر الحاضنة ستة برد فأكثر فإذا سافر الولي أو الحضانة ستر برد فله أخذه بعد أن يحلف أن السفر سفر نقلة وانقطاع، ولو كان الولد رضيعًا قبل غير أمه لكن لا ينزعه الولي من الحاضنة إذا سافر ستة برد سفر نقلة إلا إذا سافر لموضع مأمون، وكان يأمن على نفسه وماله وعلى المحضون، وإلا لم ينزعه منها على المشهور، إلا أن تسافر الحضانة مع الولي، فلا تسقط حضانتها، ولا تمنع من السفر، وإذا ادّعت أن سفرها أربعة برد لزيارة أو تجارة، فإنها تحلف على ذلك وتأخذه إن سافرت لا من إلخ. ما مر في الولي وليس لوليه كلام، ولو كان سفرها به ببحر، ويقال في الولي إذا أخذه مثل ذلك، وإن سافرت أقل من أربعة برد، فلا تسقط حضانتها وليس للولي نزعه ويلزمه أن يدفع لها نفقته وإن كان رضيعًا ولم يقبل غير الحاضنة فليس للولي أخذه ولو سافرت أو سافر أربعة برد سفر نقلة. اهـ بتصرف، وزيادة من د و (ص). [مسألة] لا تعود الحضانة جبرًا لمن سقطت حضانتها بدخول زوج بها بعد فراقها لزوجها، بطلاق أو موت، سواء كانت أمًا أو غيرها، بل الحق في الحضانة لمن انتقلت له

باب البيوع

فإذا أراد من له الحضانة رد المحضون لمن انتقلت عنه الحضانة فله ذلك. اهـ ملخصًا من أقرب المسالك و (ص). [مسألة] إذا أسقطت من تستحق الحضانة حقها منها بلا عذر ثم أرادت العود لها، فلا كلام لها سواء أسقطها بعوض أو غيره وتبقى الحضانة لمن انتقلت إليه. اهـ ملخصًا منهما. [مسألة] إن سقطت الحضانة لعذر كمرض وخوف مكان أو سفر ولي بالمحضون سفر نقلة، ثم زال ذلك العذر فلمن سقطت حضانتها الرجوع فيها. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] السكنى يوزعها الحاكم أو غيره بين الحاضنة والمحضون فيجعل عليه النصف في ماله إن كان له مال وإلا ففي مال أبيه وعليها النصف أو ثلثها في مال المحضون أو أبيه، وثلثيها على الحاضنة على قدر اجتهاده. اهـ منه بتوضيح. [مسألة] لا أجرة في نظير الحضانة وعلى الحاضنة قبض نفقته وتضمنها إلا أن تقوم بينة على التلف، وليس لها أن تنفق على نفسها من نفقة المحضون لأجل حضانتها إلا إذا كانت الأمّ معسرة فلها النفقة على نفسها من ماله لعسرها لا للحضانة، وانظر إذا لم تكن الحاضنة أما بل غيرها ولم يوجد له حاضن سواها وكانت فقيرة، هل يقضى لها بالإنفاق من ماله أو مال أبيه إن لم يكن له مال لتوقف مصالحه على ذلك، وهو الظاهر. اهـ ملخصًا منه ومن (ص). [مسألة] في حاشية الخرشي أن الوصي مقدم على الأولياء إن أراد سفرًا بالمحضون. باب البيوع [مسألة] لا يضر في البيع الفصل بكلام أجنبي بين الإيجاب والقبول إلا أن يكون الفصل يقتضي الإعراض بحيث لا يعده العرف جوابًا للكلام السابق. [مسألة] يكفي عن الصيغة في البيع ما يدل على الرضى وإن معاطاة، وصورتها أن يدفع المشتري الثمن للبائع، ويأخذ منه المثمن، أو عكسه، سواء كانت المعاطاة في أمر حقير، أو غير حقير كالثياب والرقيق، وعند الحفية تكفي المعاطاة في المحقرات فقط، وأما غيرها كالثياب والرقيق فلا تكفي فيها المعاطاة، ولا بد من القول من الجانبين، وعند الشافعية لا تكفي المعاطاة مطلقًا، ولا بد من القول من الجانبين اهـ من أقرب المسالك بزيادة من (دس). [مسألة] إذا حصلت مزايدة في سلعة من شخص، فللبائع إلزام المشتري، ولو طال الزمان أو انقضى المجلس حيث لم يجر عرف بعدم إلزامه، كما عندنا بمصر من أن الرجل إذا زاد في السلعة وأعرض عنه صاحبها أو انقضى المجلس فإنه لا يلزمه

[مسألة]

بها، وهذا ما لم تكن السلعة بيد ذلك المشتري وإلا كان لربها إلزامه بها كما في (دس). (ما قولكم) في رجل فضولي باع سلعة رجل آخر بغير إذنه، وصاحب السلعة حاضر ساكت، هل يكون البيع لازمًا أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك، وصح بيع غير المالك للسلعة وهو المسمى بالفضولي، ولو علم المشتري أن البائع لا يملك المبتاع والبيع لازم من جهة الفضولي منحل من جهة المالك، ووقف البيع على رضاه ما لم يقع البيع بحضرته وهو ساكت، فيكون لازمًا من جهته أيضًا، وصار الفضولي كالوكيل وكذا يكون البيع لازمًا إذا بلغ المالك بيع الفضولي وسكت سنة كاملة من حيث علمه من غير مانع يمنعه من القيام، ولا يعذر بجهل في سكوته. اهـ بزيادة من (ص). [مسألة] إذا أمضى المالك بيع الفضولي، فإن المالك يطالب الفضولي بالثمن ما لم يمض عام، فإن مضى وهو ساكت سقط حقه، هذا إن بيع بحضرته، وأما إن بيع بغير حضرته فلا يسقط ما لم تمض مدّة الحيازة، وهي عشرة أعوام، وظاهر كلامهم كان المبيع عقارًا أو غيره. اهـ (ص) بتويضح. [مسألة] محل كون المالك ينقض بيع الفضولي إن لم يفت المبيع، فإن فات بذهاب عينه فقط كان على الفضولي الأكثر من ثمنه وقيمته، ولا فرق بين كون الفضولي غاصبًا أو غير غاصب. اهـ ملخصا من در، و (دس). [مسألة] إذا قال البائع: من أتى لي بكذا من الدراهم فهذه السلعة له، فأتى له بها شخص سمعه أو بلغه ذلك الخبر، فالبيع لازم كما في الأمير على عبق. [مسألة] إذا قال البائع للمشتري: اشتر مني هذه السلعة بكذا فرضي، أو قال المشتري للبائع: بعنيها بكذا فرضي، أو نطق أحدهما بالمضارع فرضي الآخر، ثم قال المبتدئ بالأمر أو بالمضارع منهما: لم أرد بذلك إنشاء البيع، وإنما قصدي الإخبار أو الهزل، فإنه يصدق بيمين في المضارع والأمر، فإن لم يحلف فالبيع لازم واليمين لا ترد على الآخر، لأنها يمين تهمة. اهـ من أقرب المسالك بزيادة من الخرشي وفي المجموع: وصدق أحدهما بيمين في نفيه إن نطق بمضارع أو أمر على الأرجح لا ماض. اهـ. [مسألة] إن عرض سلعته للبيع فقال له شخص: بكم تبيعها؟ فقال له: بكذا، فقال: أخذتها به، فقال البائع: لم أرد البيع، فإنه يصدق بيمين فإن نكل فالبيع لازم اهـ من أقرب المسالك، وهذا إذا لم تقم قرينة تدل على إرادة البيع ولا على عدمه، وأما إن قامت قرينة تدل على عدم أرادة البيع، فالقول قول البائع بلا

[مسألة]

يمين، وإن قامت قرينة تدل على إرادة البيع، فلا يلتفت بقول البائع، كما إذا حصل تماكس؛ أي تشاحح في الثمن، أو سكت مدة تدل على عدم الرضى، ثم قال: لا أرضى فلا يلتفت لقوله. اهـ. من حاشية الخرشي بتصرف وتوضيح. [مسألة] إن قال المشتري للبائع: بكم تبيعها إليّ؟ فقال له: بكذا فقال: رضيت، فقال البائع: لم أرد البيع فالبيع لازم، والفرق بين هذه والتي قبلها أنه زاد هنا لفظ إليّ. قال في الخرشي في المسألة قبل هذه: وظاهر قوله فقال: بكم؟ أنه اقتصر عليه. فلو قال: بكم تبيعها إلي؟ فينبغي لزوم البيع. اهـ. (ما قولكم) في رجل اشترى دارا على الصفة، ولم يذكر له البائع ذرعها، هل البيع صحيح أم لا؟ (الجواب): في حاشية الخرشي: ولا يشترط الذرع لا فرق بين الأرض البيضاء والدار، خلافا لمن يقول: إن الدار لا بد فيها مع الوصف من ذكر الذرع، فإنه ضعيف. (ما قولكم) في شخص باع حصته التي تخصه من دار، ثم أخذ ما باعه بالشفعة، ما صورته؟ (الجواب) صورة ذلك أن رجلا تعدى فباع ما يخصه من دار، وباع حصة شريكه أيضا بغير إذنه، وكان ذلك الشريك من عصبته، فمات ذلك الشريك، فورث ذلك الرجل المتعدي حظ شريكه، فلذلك المتعدي أن ينقض بيع حصة شريكه التي ورثها؛ لأنه باعها متعديا، وإذا نقض بيع حصة شريكه فله أخذ حصته هو بالشفعة، وفي هذا قال العلامة الأمير: قل للفقيه هل ترى لمن يبيع رباعه ... لنفسه بشفعة يأخذ ما قد باعه؟ انتهى. وأما إن ملكه بشراء أو صدقة، فلا رجوع له كما في دس. [مسألة] لا يجوز أن تدفع درهما لعطار ليعطيك به شيئا من الأبزار من غير وزن، ولا لفوّال ليدفع لك به فولا حارا أو مدمسا، ولا أن تأتي لجزار، وتتفقه معه على أن يكوم لك كوما من اللحم لتشتريه جزافا، بل لا بد في الجواز أن يكون مجزفا، ومجموعا عنده قبل طلبك، وأن تراه عند الشراء، وهذا على القول بأنه يشترط في بيع الجزاف عدم الدخول عليه، وقيل: يجوز الدخول عليه، وعليه فتجوز مسألة الأبزار المتقدمة وما بعدها، وهي فسحة، واختار شيخنا هذا القول الثاني. اهـ. "دس" بتصرف، وتوضيح. (ما قولكم) في عدل مملوء من القماش فرأى شخص بعضه واشتراه، فهل تكفي رؤية البعض أم لا؟ (الجواب) لا يكفي رؤية بعض المقوم على ظاهر المذهب كما قال في التوضيح. وقال ابن عبد السلام: الروايات تدل على مشاركة المقوم

[مسألة]

للمثلي، فكما يجوز البيع على رؤية بعض المثلي، يجوز على رؤية بعض المقوم إذا كان المقوم من صنف واحد -والراجح الأول- ومحل عدم الاكتفاء برؤية بعض المقوم إن لم يكن في نشره إتلاف كالشاش، وإلا اكتفي برؤية البعض. اهـ. "دس" بتصرف، وتوضيح. (ما قولكم) في رجل اشترى ثيابا، واكتفى برؤية الدفتر الذي فيه أوصاف تلك الثياب، ثم وجدت على غير تلك الأوصاف، فما الحكم؟ (الجواب) يجوز أن يشتري ثيابا مربوطة في العدل، معتمدا على الأوصاف المذكورة في الدفتر، فإن وجدت على الصفة لزم، وإلا خير المشتري إن كانت أدنى صفة، فإن وجدها أقل عددا وضع عنه من الثمن بقدره، فإن كثر النقص أكثر من النصف لم يلزمه ورد به البيع إن شاء المشتري، وليس هذا من قبيل قول المختصر، ولا يجوز التمسك بأقل استحق أكثره؛ لأن ذاك في المعين، وما هنا في الموصوف، وإنما اغتفر الاعتماد على الدفتر لما في حل العدل من الحرج والمشقة على البائع من تلويث شيئه، ومؤن شده عند عدم رضى المشتري، فأقيمت الصفة مقام الرؤية، وإن كان الشيء حاضرا. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] إذا قبض المشتري العدل الذي اشتراه على ما في الدفتر، وغاب عليه، ثم ادعى أنه أدنى أو أنقص مما هو مكتوب في الدفتر، فإن البائع يحلف أن ما في العدل موافق لما في الدفتر، ولا كلام للمشتري، هذا إذا قبض العدل على تصديق البائع، فإن قبضه المشتري على أنه مصدق، كان القول قول المشتري، وكذا إذا قبضه ليقلب وينظر، وإن نكل البائع عن اليمين حيث لزمه حلف المشتري، ورد البيع، وحلف أنه ما بدل فيه، وأن هذا هو المباع بعينه، فإن نكل كالبائع لزمه. [مسألة] إذا دفع دراهم كانت عليه دينا أو قرضا أو صرفها عند صراف، فادعى آخذها أنها رديئة أو ناقصة، فالقول لدافعها بيمين أنه ما دفع إلا جيادا أو كاملة، ويحلف في نقص العدد على البت، وفي نقص الوزن والغش على نفي العلم، إلا أن يتحقق أنها ليست من دراهمه فيحلف على البت فيهما، وقيل: يحلف في نقص الوزن على البت مطلقا كنقص العدد، واعتمده في الحاشية، فإن نكل دافعها حلف آخذها، وردها أو كمل له دافعها النقص، وهذا إذا قبضها آخذها على المفاضلة، فإن قبضها ليريها أو لينظر فيها فالقول للقابض بيمين، فإن اختلف النقاد في الجودة والرداءة قبل قبض آخذه، لم يلزم الآخذ إلا ما اتفق الصراف

باب في الصرف.

على جودته، وأما إذا أخذه منه ثم رجع عليه ليبدله، فلا يلزمه أن يبدل إلا ما اتفق الصراف على رداءته. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "ص". (ما قولكم) في شخص اشترى شيئا على رؤية متقدمة، فلما قبضه ادعى أنه ليس على الصفة التي رآه عليها، وخالفه البائع فهل القول للبائع، أو للمشتري؟ (الجواب) القول قول البائع بيمينه إن حصل شك من أهل المعرفة؛ هل تلك المدة يتغير فيها المبيع أم لا؟ فإن قطع أهل المعرفة بعدم التغير فالقول للبائع بلا يمين، وإن قطعوا بالتغير فالقول للمشتري بلا يمين، وإن رجحت لواحد منهما، فالقول له بيمين. اهـ "ص" بتوضيح. (ما قولكم) في شخص أوهم البائع أن يأخذ من صبرته آصعا كثيرة، ومراده أن يأخذ آصعا قليلة، هل يجوز أم لا؟ (الجواب) في حاشية الخرشي أنه لا يجوز؛ لأنه إنما أوهمه ليتساهل له في البيع. اهـ بتصرف. [مسألة] إذا قال المشتري للبائع: اشتر كل صاع من هذه الصبرة بكذا، وأراد كل منهما أو أحدهما البعض فلا يجوز؛ لأنه يشترط علم الثمن والمثمن، وهنا كل منهما مجهول حالا ومآلا؛ لأن "من" للتبعيض الصادق بالقليل والكثير، والثمن يختلف بحسب ذلك. ومعنى جهل الثمن والمثمن مآلا؛ أي بعد الشروع في الكيل قبل انتهاء ما يراد أخذه. اهـ ملخصا من الخرشي والعدوي. [مسألة] لا يجوز أخذ من ثوب أو شقة أو شمعة لزفاف مثلا، وأريد البعض. اهـ عدوي. باب في الصرف. [مسألة] لا يجوز صرف دينار ودرهم بدينار، إذا حصل شك في المساواة، وأما إذا تحققنا تساوي الدينار والدرهم مع مقابلهما، فإنه يجوز. والمراد بالشك مطلق التردد الشامل للوهم فأحرى التحقق، وإنما حرم مع الشك؛ لأن الشك في التماثل كتحقق التفاضل، وكذا لا يجوز دينار وثوب بمثلهما، أو درهم وشاة بمثلهما، والمنع في هذه المسألة مطلق، ولو تحقق تماثل الدينارين، وتماثل قيمة العرضين؛ لأن ما صاحب أحد النقدين من العروض يقدر من جنس النقد المصاحب له، فيأتي الشك في التماثل، والشك في التماثل كتحقق التفاضل. واعلم أن مالكا رضي الله تعالى عنه منع المسألتين، وأبا حنيفة أجازهما، بل أجاز أبو حنيفة بيع مائة دينار في قرطاس بمائتي دينار؛ مائة في مقابلة مائة، ويحتسب بالقرطاس

[مسألة]

في المائة الثانية، والشافعي فرق بين المسألتين؛ فأجاز الأولى ومنع الثانية، ومما جوزه أبو حنيفة أن يأخذ الناس في صرف الفضة جددا من نحاس مع الفضة، ولا ينفع ذلك عندنا. اهـ ملخصا من الخرشي وحاشيته بزيادة من عبد الباقي والأمير. (فائدة) في المدونة: من اشترى فلوسا؛ أي من نحاس بدراهم أو بخاتم فضة أو ذهب أو تبر ذهب أو فضة، فافترقا قبل أن يتقابضا لم يجز؛ لأن الفلوس لا خير فيها نظرة؛ أي تأخيرا بالذهب ولا بالورق، قال مالك: وليست بحرام بين، ولكن أكره التأخير، وقال فيها أيضا: ولا يصلح الفلوس بالفلوس جزافا ولا وزنا ولا كيلا مثلا بمثل يدا بيد ولا إلى أجل، ولا يجوز إلا عددا فلسا بفلس يدا بيد، ولا يصلح فلس بفلسين ولا يدا بيدين إلى أجل، والفلوس في العدد بمنزلة الدنانير والدراهم في الوزن، وإنما كره ذلك مالك في الفلوس، ولم يحرمه كتحريم الدنانير والدراهم. اهـ. (ما قولكم) في صرف الريال بدراهم فضة عددية هل يجوز أم لا؟ (الجواب) أجاز بعضهم ذلك في الريال الواحد، أو نصفه أو ربعه للضرورة، وإن كانت القواعد تقتضي المنع للشك في التماثل، وأما ما زاد على الريال الواحد فلا يجوز. كذا قرر شيخنا العدوي والعلامة الشارح. اهـ من "دس". وفي صاوي، وعند الشافعية يتخلصون بالهبة في إبدال الريالات بالفضة العددية، وهي فسحة انتهى. [مسألة] يجوز للشخص أن يدفع لآخر درهما شرعيا، أو ما يروج رواجه، سواء زاد وزن ذلك الرائج عن الشرعي أو نقص، فالزائد في الوزن كثمن ريال، والناقص كزلاطة بثمانية؛ أي يدفع ما ذكر ليأخذ منه بنصف ذلك الدراهم طعاما أو فلوسا ويأخذ النصف الآخر فضة، وجواز هذه المسألة بشروط سبعة أولها: أن يكون ذلك في درهم واحد، فلو اشترى بدرهم ونصف لم يجز أن يدفع درهمين، ويأخذ نصفا. ثانيها: أن يكون المردود النصف فدون ليعلم أن الشراء هو المقصود. ثالثها: أن يكون ذلك في بيع أو منفعة كإجارة أو كراء، وأما في غيره كقرض وصدقة فلا يجوز مثاله في القرض عند الاقتضاء؛ أي عند دفع ما عليه أن يدفع المقترض عن الدرهم الذي اقترضه نصف درهم، وعرضا فلا يجوز، ومثاله عند دفع المقرض للمقترض، أن يدفع المقرض للمقترض درهما، والمقترض لا يريد إلا نصفه، ويرد للمقرض الآن نصفه فضة أو غير ذلك

[مسألة]

فلا يجوز، ومثاله في الصدقة أن يدفع شخص لآخر درهما على أن يكون له نصفه صدقة، ويرد للمتصدق النصف الآخر فضة فلا يجوز، ومثال الإجارة الجائزة أن تستأجر صانعا على أن يصلح لك دلوا مثلا فتدفع له الدلو، وبعد إصلاحه تدفع له درهما كبيرا نصفه في مقابلة أجرته، ويرد عليك الصانع النصف الآخر حالا، وأما لو دفعت له الدرهم، وأخذت منه نصفه، وتركت دلوك عنده ليصلحه لم يجز؛ لأن من شروط الجواز انعقاد الجميع، ولا يكون ذلك إلا بعد تمام العمل. رابعها: أن يكون المأخوذ والمدفوع مسكوكين. خامسها: أن يتعامل بالدرهم والنصف، وإن كان التعامل بأحدهما أكثر من الآخر. سادسها: أن يكون الدرهم والنصف قد عرف الوزن فيهما؛ بأن يكون في الرواج هذا درهم وهذا نصفه، ولو كان الوزن مختلفا؛ لأن أصل الجواز في المسألة الضرورة. سابعها: أن يعجل الدرهم والنصف، والسلعة المشتراة بنصف الدرهم الآخر؛ لئلا يلزم البدل المؤخر، ويستفاد من هذه الشروط عدم الجواز إذا كان بدل الدرهم ريالا، أو نصف ريال، أو ربع ريال، ولكن أجاز بعضهم ذلك في الريال الواحد أو نصفه أو ربعه للضرورة، كما أجيز صرف الريال الواحد بالفضة العددية كما تقدم. اهـ. ملخصا من الدردير، و"دس" بتوضيح. [مسألة] لا يجوز صرف ذهب بفضة إذا كان فيه تأخير لما فيه من ربا النساء، ولو كان التأخير غلبة، كأن يحول بينهما نحو عدو أو سيل أو نار، وكذا لا يجوز الصرف ولو قرب التأخير مع فرقة في المجلس قبل القبض؛ لقول سند: إن تصارفا في مجلس، وتقابضا في مجلس آخر فالمشهور المنع على الإطلاق. وقيل: يجوز فيما قرب. اهـ. وأما دخول الصيرفي حانوته ليخرج منهما الدراهم أو مشى قدر حانوت أو حانوتين لتقليب الدراهم فقيل بالكراهة، وقيل بالجواز اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] لا يجوز أن يعقد المصارفة مع شخص، ويوكل غيره في القبض إلا أن يكون قبض الوكيل بحضرة الموكل فيجوز، وكذلك إذا غاب نقد أحدهما وطال بلا تفرق في المجلس فإنه ممنوع، ويفسد الصرف، وكذلك يمنع إذا غاب نقد كل منهما عن مجلس العقد، ولو لم يطل؛ لأنه مظنة الطول، ومعنى هذا ما قاله في المدونة أن تعقد الصرف مع غيرك، وليس معكما شيء، ثم تقترض الدينار من رجل بجانبك، وهو يقترض الدراهم من رجل بجانبه، فدفعت له الدينار ودفع

[مسألة]

لك الدراهم فلا خير فيه، ولو لم يحصل طول، ولو كانت الدراهم معه، واقترضت أنت الدينار، فإن كان أمرا قريبا كحل الصرة، ولم تقم، ولم تبعث له فذلك جائز. انتهى. ومعنى قول المدونة (لا خير فيه): أنه حرام؛ لأنهما دخلا على الفساد والغرر. قاله أبو الحسن. اهـ. من أقرب المسالك بتوضيح. [مسألة] إذا كان لك على شخص دراهم، وله عليك دنانير، فلا يجوز أن تسقط الدنانير في الدراهم أن تأجل من الدين من كل منكما، بل وإن تأجل من أحدكما؛ لأن من عجل المؤجل يعد مسلفا، فإذا جاء الأجل اقتضى من نفسه لنفسه؛ أي قبض وأخذ من نفسه ما أسلفه، فكان الذي له الدينار يأخذه من نفسه إذا حل الأجل، والذي له الدراهم يأخذها من نفسه لنفسه في نظير الدينار الذي تركه لصاحبه، ففيه صرف مؤخر؛ لأن القبض كأنه وقع عند الأجل، وعقد الصرف قد تقدم، فلو حلا معا لجاز. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "ص". [مسألة] لا يجوز التصديق في الصرف لا في العدد، ولا في الوزن، ولا في الجودة، بل يجب العد، والوزن، والنقد، وإن كان الدافع لك مشهورا بالأمانة، والصدق إذ ربما كان ناقصا عددا، أو وزنا أو زائغا، فيرجع به فيؤدي إلى الصرف المؤخر، وكذلك يمنع التصديق في مبادلة صاع من قمح بمثله، أو بفول، بل لا بد من معرفة الكيل، وكذلك لا يجوز التصديق في القرض، فمن اقترض نقدا، أو طعاما، أو غيرهما يحرم عليه أن يصدق المقرض فيما أخذه منه لاحتمال وجود نقص أو رداءة، فيتغاضى الآخذ ويغتفر ذلك لأجل حاجته، أو في نظير المعروف، وكذلك لا يجوز التصديق في مبيع لأجل من طعام أو غيره لجواز وجود نقص، فيغتفر لأجل التأخير أو الحاجة، فيؤدي لأكل أموال الناس بالباطل، وكذلك يحرم التصديق في دين عجل قبل أجله؛ لأن ما عجل قبل الأجل يعد سلفا، فيحتمل أن يكون ناقصا فيغتفر لأجل التعجيل فيكون سلفا جر نفعا وهو حرام. اهـ. من أقرب المسالك بتصرف وتوضيح. [مسألة] لا يجوز اجتماع البيع مع الصرف في عقد واحد؛ كأن يشتري ثوبا بدينار على أن يدفع له دينارين، ويأخذ صرف دينار دراهم، فيفسد العقد على المشهور لتنافي أحكامهما لجواز الأجل، والخيار في البيع دون الصرف، ولأنه يؤدي لترقب حل الصرف

[مسألة]

بوجود عيب في السلعة أو استحقاق فيها، ولتأديته إلى الصرف المؤخر بوجود عيب، أو استحقاق فلا يعلم ما ينوب الصرف إلا بعد تقويم السلعة المستحقة، وأجاز أشهب اجتماعهما، وأنكر أن يكون مالك حرمه. قال ابن رشد: وقول أشهب أظهر من جهة النظر، وإن كان خلاف المشهور، واستثنى أهل المذهب من منع اجتماع البيع والصرف صورتين: الأولى: أن يكون البيع والصرف بدينار واحد؛ كأن يشتري سلعة بدينار إلا خمسة دراهم فيدفع الدينار ويأخذ خمسة دراهم مع السلعة، فيجوز. الثانية: أن يجتمع البيع والصرف في دينار، بأن يأخذ من الدراهم أقل من صرف دينار؛ كأن يشتري سلعة، أو أكثر بعشرة دنانير ونصف دينار فيدفع أحد عشر دينارا، ويأخذ صرف نصف دينار، ولا بد من تعجيل السلعة، والدينار والدراهم في الصورتين على الراجح؛ لأن السلعة لما صاحبت الدراهم صارت كأنها من جملة الدراهم المدفوعة في المسألة الأولى، أو الدنانير في المسألة الثانية خلافا للسيوري، حيث أجاز تأخير السلعة وأوجب تعجيل الصرف إبقاء لكل على حكمه الأصلي، وكما لا يجوز اجتماع البيع مع الصرف لا يجوز اجتماعه مع القرض، والنكاح والشركة، والجعل، والمغارسة، والمساقاه، والقراض، ولا يجوز اجتماع واحد منها مع الآخر، ويجمعها غير البيع جص منقش كما في المجموع، وفي أقرب المسالك: عقود منعنا اثنين منها بعقدة ... لكون معانيها معا تتفرق فجعل، وصرف، والمساقاة شركة، ... ويجمعها في الرمز جص مشنق . اهـ. [مسألة] إن اشتريت سلعة بدينار إلا درهمين، ثم أخذت السلعة، ولم تدفع للبائع الدينار، ولم تأخذ منه الدرهمين، بل جعلتما النقدين لأجل واحد فيجوز؛ لأنه لما عجلت السلعة علم أن المقصود البيع فلم يكن صرفا مؤخرا، وإذا جاز مع تعجيل السلعة فقط فأولى بالجواز مع تعجيل الجميع، ولكن الجواز في تعجيل الجميع لا يتقيد بالدرهمين، بل الجواز حينئذ، ولو كانت الدراهم المستثناة أكثر من درهمين؛ لأن هذا من جملة البيع والصرف في الدينار، وأما في صورة تأجيل النقدين بأجل واحد وتعجيل السلعة، فالجواز مقيد بما إذا كانت الدراهم المستثناة درهمين فأقل، لا إن كانت أكثر؛ لأن الصرف حينئذ مراعى، فأجيز تأجيل النقدين لأجل

[مسألة]

واحد، وتعجيل السلعة، وأما إن أجل الجميع، أو أجلت السلعة فقط أو تأجل أحد النقدين، أو تأجل بعض أحد النقدين، أو بعض السلعة فيحرم، وأما بيع السلعة بدينار إلا ربعه أو ثلثه، أو نصفة فجائز نقدا، أو مؤجلا؛ لأنه ليس إلا بيعا محضا. اهـ. ملخصا من الخرشي وعدوي و"در" و "دس". [مسألة] إن وجد أحد المتصارفين عيبا في دراهمه، أو دنانيره من نقص عدد، أو وزن أو غش بأن وجدها مخلوطة بنحاس مثلا، أو وجدها رصاصا، أو نحاسا خالصين فإن كان بحضرة الصرف من غير مفارقة، ولا طول في المجلس جاز له الرضى بما وجده مما ذكر وصح الصرف، وله عدم الرضى وطلب الإتمام في الناقص عددا، أو وزنا، أو طلب البدل فيما وجد مغشوشا، أو وجد رصاصا أو نحاسا خالصين، ويجبر على الإتمام أو رد البدل من أباه إن لم تعين الدراهم والدنانير، فإن عينت من الجانبين كهذه الدنانير في هذه الدراهم فلا جبر، بل إما أن يرضى، وإما أن يرد المعيب ويأخذ ما خرج من يده وإن كان وجود العيب بعد مفارقة، أو طول في المجلس، فإن رضي واجد الغش أو من وجدها نحو رصاص خالص صح الصرف، وألا يرضى نقض الصرف، وأخذ كل منهما ما خرج من يده، وأما إن وجدها ناقصة وزنا، أو عددا بعد مفارقة أو طول فإن الصرف ينقض مطلقا، رضي واجد النقص به أم لا، ومتى قلنا بنقض الصرف، فالذي يتعلق به النقض أصغر الدنانير لا جميعها، إلا أن يتعدى النقص أصغر الدنانير فالأكبر هو الذي ينقض دون الأصغر، وأما إن تساوت في الصغر والكبر والجودة والرداءة فينقض واحد منها ما لم يزد عليه موجب النقص، فإن زاد فينقض دينار آخر، وإن لم يستغرق العيب جميعه، وإذا كان فيها أعلى، وأدنى فيفسخ الجميع على الأرجح، ويأخذ كل واحد منهما ما خرج من يده، ثم إذا وجد أحد المتصارفين الغش فيما أخذه أو وجده نحو رصاص، وأراد أخذ البدل فيشترط فيه التعجيل؛ لأنه إذا لم يعجل البدل يلزم عليه ربا النساء، ويشترط أيضا أن يكون البدل من نوع المبدل، فلا يجوز أخذ ذهب عن دراهم زياف، ولا فضة عن ذهب؛ لأنه يؤول إلى أخذ ذهب، وفضة عن ذهب، ولا يجوز أن يأخذ بدل المعيب عرضا؛ لئلا يلزم عليه اجتماع البيع والصرف إلا أن يجتمعا في دينار فيجوز كما تقدم. اهـ. من أقرب المسالك بتصرف وتوضيح. [مسألة] يجوز أن يباع بذهب أو فضة ما حلي بأحدهما

(فصل)

كثوب، أو مصحف، أو سيف محلى بأحدهما، إذا كان يخرج منه شيء بالسبك بالنار، وإلا يخرج منه شيء إذا سبك، فجواز بيعه ظاهر بلا شرط، ويشترط لجواز بيع المحلى الذي يخرج منه شيء بالسبك شروط ثلاثة: أولها: إن أبيحت الحلية؛ لأنه لما كان الأصل في بيع المحلى المنع؛ لأن في بيعه بصنفه بيع ذهب وعرض بذهب، أو بيع فضة وعرض بفضة، وبغير صنفه بيع، وصرف في أكثر من دينار، وكل منهما ممنوع لكن رخص فيه للضرورة، كما ذكره أبو الحسن عن عياض، فما ليس بمباح كحلية على سكين، أو ثوب رجل كعمامة رجل مقصبة، ودواة فلا يجوز بيعه بأحدهما؛ لأنه ليس من محل الرخصة، فلذا لا يباع بالنقد، إلا على حكم البيع والصرف، فإن اجتمعا في دينار جاز، وإن اجتمعا في أكثر فلا، ويجوز بيعه بالعروض. ثانيها: أن تكون الحلية مسمرة في المباع، كمصحف سمرت عليه أو سيف على جفنه، أو حمائله يؤدي نزعها لفساد. والمراد بالمسمرة ما يشمل المخيطة، أو المنسوجة، أو المطرزة، فإن لم يسمر فإنها لا تباع بصنفها ولا بغيره من النقد إلا على حكم البيع والصرف، وأما غيره من العروض فتباع، وبيع كل واحد من الحلية، وما هي فيه على انفراده جائز. ثالثها: أن يباع معجلا من الجانبين، فإن أجل الثمن والمثمن أو أحدهما منع بأحد النقدين، وجاز بالعروض له عند اجتماع هذه الشروط، يجوز البيع سواء كان البيع بصنفه أو بغير صنفه، ويزاد على هذه الشروط إن بيع بصنفه شرط رابع أن تكون الحلية ثلث ما هي فيه فدون على المشهور، ويعتبر الثلث بالقيمة على الأرجح، وقيل بالوزن تحريا، فإذا بيع سيف محلى وزن حليته عشرون، ولصياغتها تساوي ثلاثين، وقيمة فصل الصيف أربعون منع على القول الأول، وجاز على الثاني وهو القول بالوزن تحريا، فإن لم يمكن التحري في القيمة اتفاقا، وأما ما حلي بهما معا، فيجوز بيعه بأحدهما إن تبعا المباع الذي هما به، بأن يكون قيمة الذهب والفضة الثلث فدون، وأما بيعه بهما معا فلا يجوز؛ لأنه بيع ذهب بذهب وفضة، وبيع فضة بفضة وذهب. وقد منعوا بيع سلعة ذهب بذهب، فبيع ذهب بذهب، وفضة إلى آخره أولى بالمنع. انتهى ملخصا من خرشي وعدوي بتوضيح. (فصل) في المبادلة والمراطلة [مسألة] تجوز المبادلة في الذهب والفضة بأن يباع ذهب بمثل، أو فضة بفضة عددا، فإذا تساويا عددا ووزنا جازت المبادلة

[مسألة]

في القليل والكثير، ولو كان أحدهما أجود، ولا يشترط إلا المناجزة، وحينئذ فيجوز إبدال واحد كامل باثنين موازنين كإبدال ريال واحد بأربعة أرباع ريال موازنة له، وما ذكروه من أنه يشترط في المبادلة أن تكون واحدا بواحد، لا واحدا باثنين مفروض فيما إذا كان هناك زيادة في أحد الجانبين، وإذا لم يتساويا في العدد والوزن، فلا تجوز المبادلة إلا بشروط ستة. أولها: القلة في العدد كستة فأقل دفعت في مثلها، أو واحدا بواحد. ثانيها: أن يتعامل بها عددا لا وزنا. ثالثها: أن تكون الزيادة في الوزن فقط دون العدد. رابعها: أن تكون الزيادة في كل دينار السدس فأقل. خامسها: أن تقع بلفظ المبادلة. سادسها: أن تقع على قصد المعروف لا على وجه المبايعة، ولا بد في جواز المبادلة من كون الدراهم أو الدنانير مسكوكة، وهل يشترط اتحاد السكة أو لا يشترط؟ في ذلك قولان، والمعتمد عدم اشتراط اتحاد السكة. وذكر بعضهم أن ما يتعامل به عددا من غير المسكوك حكمه حكم المسكوك، واعلم أن القواعد تقتضي منع المبادلة، لكن الشارع أجازها للمعروف بشرط تمحض الفضل من جهة واحدة، ويؤخذ من هذا جواز مبادلة الريالات المشهورة بالكلاب بالريالات المعلومة، ومبادلة البنادقة بالمحمدية لاتحاد الوزن، فالفضل من جانب واحد، كما يجوز مراطلة الريالات بالكلاب، والبنادقة بالمحمدية لتمحض الفضل من جانب واحد، فإن دار الفضل من الجانبين انتفى المعروف الذي هو السبب في الجواز، فتمنع المبادلة حينئذ، فإذا دفع من عنده ستة أجود جوهرية أو سكة حال كونها أنقص وزنا، وأخذ بدلها ستة أردأ جوهرية أو سكة حال كونها أكمل وزنا فهو ممتنع لدوران الفضل من الجانبين؛ لأن صاحب الأجود يرغب للأدنى لكمال الأدنى، وصاحب الأردأ الكامل يرغب للناقص لجودته. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "دس" وعدوي بتوضيح. [مسألة] تجوز المراطلة، وهي ذهب أو فضة بمثله وزنا؛ بأن يوضع عين أحدهما من ذهب أو فضة في كفة، وعين الآخر في الكفة الأخرى ويساوى بينهما، أو يوضع عين أحدهما في كفة وصنجة في الأخرى، ثم يوزن الآخر كذلك مساويا له، وإن كان أحد النقدين أجود من الآخر لا إن كان أحدهما بعضه أدنى من مقابله وبعضه الآخر أجود منه، فلا يجوز لدوران الفضل من الجانبين، وأما الأجود سكة أو صياغة فليسا كالجودة في الجوهرية، فلا يدور بهما الفضل

[مسألة]

على قول أكثر أهل العلم، فإن قلت المراطلة لا تغتفر الزيادة فيها ولو قلت، بل كل واحد إنما يأخذ مثل عينه، فأي غرض في ذلك الفعل؟ أجيب بأنه يمكن أن يكون الغرض باعتبار الرغبة في الأنصاف دون الكبار أو بالعكس، أو في غير المسكوك دون المسكوك أو بالعكس. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "ص". [مسألة] يجوز بيع مغشوش كذهب فيه فضة بمثله مراطلة، ومبادلة أو غيرهما تساوى الغش أم لا، وكذلك يجوز البيع المغشوش بخالص على المذهب، ومحل الجوز إن بيع لمن لا يغش به بل لمن يكسره، ويجعله خليا أو غيره، وفسخ إن بيع لمن يغش به جزما، وأما إن شك هل يغش به أم لا فيكره فقط والبيع ماض. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك وص وعدوي. (ما قولكم) في شخص دفع لآخر دينارا لأجل أن يشتري له به سلعة ثمنها الدينار، أو صرفه فهل للمدفوع له أخذ الدينار، وشراء السلعة من عنده بفضة قدر صرف الدينار أم لا. (الجواب) نص الحطاب على الجواز إذا أعلم المدفوع له رب الدينار بذلك، وإلا فلرب الدينار دفع الدراهم التي اشتريت بها السلعة وأخذ الدينار والسلعة، ونقله البناني، ووجه الجواز عند الأعلام أنه من باب صرف ما في الذمة من غير تأخير كما في الأمير خلافا لعبد الباقي، حيث سئل عن هذه المسألة فأجاب بالمنع. قال الأمير: وهو مما يتعجب منه. اهـ. (ما قولكم) في الدراهم أو الدنانير، أو الفلوس وهي الجدد النحاس، ومثلها الخمسات والعشرات والعشرينات والقروش النحاس الموجودة في زماننا الآن إذا ترتب شيء من ذلك الشخص على آخر من قرض أو بيع، ثم بطلت المعاملة بها أو تغير التعامل بها بزيادة أو نقص، فأي شيء يجب في قضائها؟! (الجواب) الواجب قضاء المثل على من ترتبت في ذمته إن كانت موجودة في بلد المعاملة ويجب المثل، ولو كانت مائة بدرهم ثم صارت ألفا بدرهم أو بالعكس، كذا لو كان الريال حين العقد بتسعين، ثم صار بمائة وسبعين وبالعكس، وكذا لو كان المحبوب بمائة وعشرين ثم صار بمائتين أو بالعكس وهكذا، وإن لم تكن موجودة في بلد المعاملة، وإن وجدت في غيرها فالواجب القيمة، وتعتبر يوم الحكم الظاهر أن طلبها بمنزلة التحاكم، وحينئذ فتعتبر القيمة يوم طلبها فيدفع له قيمتها بعين مما تجدد وظهر، فيقال: ما قيمة العشرة دراهم التي عدمت بهذه الدراهم التي تجددت ثمانية دراهم مثلا، فيدفع المدين الثمانية مما تجدد، وإن قيل اثنا عشر دفعها مما

(فصل في الربا)

تجدد، وتعتبر القيمة في بلد المعاملة وإن كان القبض في غيرها، وهذا مقيد بما إذا لم يحصل من المدين مطل، وإلا وجب عليه ما آل إليه من المعاملة الجديدة الزائدة على القيمة وإلا فالقيمة، فله الأحوط كمن عليه طعام امتنع ربه من أخذه حتى غلا، فليس لربه إلا قيمته يوم امتناعه. اهـ. ملخصا من "در" و "دس" و "ص". (فصل في الربا) (ما قولكم) في الربا مع الحربيين هل يجوز أم لا؟ (الجواب) قال الله تعالى:} وأحل الله البيع وحرم الربا {وقال تعالى:} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين {وقال عليه الصلاة والسلام: [الربا بضع وستون بابا أدناها كإتيان الرجل أمه] وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، وموكله، وشاهده وكاتبه. وكان لأبي حنيفة رحمه الله على رجل ألف درهم سود فرد عليه ألف درهم بيض، فقال أبو حنيفة: لا أريد هذا الأبيض بدل دراهمي فأخاف أن يكون هذا البياض ربا، فرده وأخذ مثل دراهمه. وقال أبو بكر: لقيت أبا حنيفة على باب رجل وكان يقرع الباب ثم يتنحى ويقوم في الشمس فسألته عنه فقال: إن لي على صاحبه دينارا وقد نهي عن قرض جر منفعة، فلا أنتفع بظل حائطه. وفي المدونة قيل لمالك: إن في أسواقنا صيارفة من الحربيين أنصرف منهم؟ قال: أكره ذلك، ولا أري لمسلم ببلد الحرب أن يعمل بالربا فيما بينه وبين الحربيين. اهـ. ومنه يعلم الجواب. (فصل في علة ربا النساء وربا الفضل) وعلة حرمة ربا الفضل في النقد غلبة الثمنية، فهو في الفلوس النحاس المضروبة مكروه لا حرام، وعلة حرمة ربا الفضل في الطعام الاقتيات والادخار؛ أي ما يغلب اقتياته، وادخاره لأكل آدمي؛ أي ما تقوم به البنية عند الاقتصار عليه، ويدخر إلى الأمد المبتغى منه عادة من غير فساد، وهو في كل شيء بحسبه، فلا حد له، ولا بد أن يكون ادخاره على وجه العموم، فلا يلتفت لما كان ادخاره نادرا، وحينئذ فيجوز التفاضل في الجوز؛ لأن ادخاره نادر، ولا يشترط كونه متخذا للعيش غالبا على المذهب، بل المراد أنه لو استعمل لكان قوتا، وإن لم يغلب اتخاذه للعيش كالبيض فيحرم التفاضل في البيض، فتتحرى المساواة، ولو اقتضى التحري أن بيضة من غير الدجاج بيضتين من الدجاج؛ لأن البيض من دجاج، وغيره جنس واحد، والقمح، والشعير، والسلت

(فصل) في القرض.

الثلاثة جنس واحد فيحرم بيع بعضها ببعض متفاضلا، والسلت شبيه بالشعير ولكن لا قشر له، والعلس وهو قريب من خلقة القمح، وهو طعام أهل صنعاء اليمن، والذرة، والدخن، والأرز الأربعة أجناس يجوز التفاضل بينها مناجزة؛ أي يدا بيد، والقطاني، وهي كل ما له خلاف العدس، واللوبيا، والحمص، والترمس، والفول، والجلبان، والبسيلة السبعة أجناس يمنع التفاضل في الجنس الواحد، ويجوز بين جنسين، والجلبان قريب من الحمص، والتمر، والزبيب، والتين أجناس، وذوات الزيوت أجناس كزيوتها، والعسول أجناس، وعلة ربا النساء في الطعام الربوي، وغيره مجرد كونه مطعوما لآدمي على غير وجه التداوي به، فما يتداوى به من مسهل أو غيره يجوز فيه النساء؛ أي التأخير، ويدخل في كونه مطعوما الفواكه غير الربوي منه كرمان وأجاص، والبقول، وهي ما تقع بأصلها كالفجل، والجزر، والقلقاس والخضر، وهي ما تتناول شيئا بعد شيء كالبامية، والملوخية، والخيار، والبطيخ فيمنع بيع بعض هذه المذكورات ببعض إلى أجل ولو تساويا، ويجوز التفاضل فيها ولو بالجنس الواحد في غير الربوي إذا كان يدا بيد. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك وص بزيادة من المجموع. (فصل) في القرض. [مسألة] يجوز قضاء القرض إذا كان عينا، بل ولو طعاما، أو عرضا بأفضل صفة سواء حل الأجل أم لا؛ لأن القرض لا يدخله حط الضمان، وأزيدك وذلك كأن يدفع دينارا جيدا عن أدنى منه أو أن يدفع ثوبا، أو طعاما أو حيوانا جيدا عن دنيء؛ لأنه حسن قضاء، وخير الناس أحسنهم قضاء. ورد أنه صلى الله عليه وسلم تسلف بكرا، ورد عنه رباعيا، ومحل جواز ذلك إن لم يدخلا عليه وإلا حرم؛ لأنه سلف جر نفعا ويجوز القضاء بأقل صفة، وقدرا معا كأن يدفع نصف دينار، أو نصف درهم، أو نصف أردب، أو نصف ثوب عن كامل أجود وأولى بالجواز إذا كان أقل صفة فقط أو قدرا فقط، ومحل الجواز في الصورتين إن حل الأجل وإلا فلا؛ لما فيه من ضع وتعجل لا يجوز القضاء بأزيد عددا أو وزنا مطلقا، حل الأجل أم لا للسلف بزيادة. اهـ. من أقرب المسالك بزيادة من "ص". [مسألة] لا يجوز أن يدفع عشرة عن تسعة أجود منها، أو عكسه؛ لأن المقترض يتساهل في دفع العشرة لرغبته في جود التسعة، والمقرض

[مسألة]

يرغب في أخذ العشرة لزيادتها، وإن كانت رديئة بالنسبة لتسعته التي أقرضها، وإنما منع ذلك لدوران الفصل من الجانبين. اهـ. منه بتصرف. [مسألة] ثمن المبيع الكائن في الذمة من العين يجري في قضائه ما جرى في قضاء القرض فيجوز بالمساوى والأفضل صفة مطلقا حل الأجل أم لا، وبأقل صفة وقدرا معا، أو أقل صفة فقط، أو قدرا فقط إن حل الأجل وإلا فلا؛ لما فيه من ضع وتعجل. اهـ. منه بتوضيح. [مسألة] إذا كان ثمن المبيع عرضا، أو طعاما فإنه يجوز قضاؤه بأزيد صفة وقدرا معا، أو صفة أو قدرا فقط إن حل الأجل، لا إن لم يحل فلا يجوز؛ لما فيه من حط الضمان وأزيدك. اهـ. بتوضيح. [مسألة] يجوز قضاء ثمن المبيع من العين بأكثر مما في الذمة عددا أو وزنا، وأولى صفة سواء حل الأجل أم لا، وإنما جاز هنا، ومنع في القرض؛ لأن علة المنع في القرض، وهي السلف بزيادة منفية هنا. اهـ. منه بتوضيح. (ما قولكم) في شخص اقترض من آخر أقراصا من خبز، ورد له أقراصا عددها، لكن الأقراص المردودة أكبر فهل يمنع لما فيه من السلف بزيادة، أو يجوز؛ لأن القصد المعروف؟ (الجواب) العبرة بالعدد المتقارب، قال ابن شعبان: لا بأس أن يستلف الجيران فيما بينهم الخبز ويقضوا مثله؛ أي لأن القصد فيه المعروف لا المبايعة. اهـ. من أقرب المسالك، وفي ص قوله: العبرة بالعدد المتقارب؛ أي ولو زاد الوزن على العدد أو نقص، وينبغي ما لم تحصل مشاحة، وإلا فلا بد من الوزن إن اختلف أصلهما، كخبز قمح رد بدله خبز ذرة، أو التحري لقدر الدقيق إن اتحد أصلهما كخبز قمح رد بدله خبز قمح. اهـ. بتوضيح. وقوله: فلا بد من الوزن إن اختلف أصلهما؛ أي لأن الأخباز كلها جنس واحد، ولو كان بعضها من قطنية كفول، وبعضها من قمح فيحرم التفاضل فيها كما في أقرب المسالك وغيره. [مسألة] يفسد القرض إن جر نفعا للمقرض كما إذا كره إقامة ذهب أو فضة عنده لأمر من الأمور كثقل الحمل في السفر مثلا، وكما إذا خاف سوس خبز أو قدمه فيسلف الذهب، والفضة لثقل الحمل ليأخذ بدله في بلد أخرى، أو يسلف الحب لنحو خوف سوس ليأخذ بدله جديدا فيحرم، ويرد على صاحبه ما لم يفت، فالقيمة إلا لضرورة، كعموم الخوف على المال في الطريق، فيجوز أن يسلفه لمن يعلم أنه يسلم معه ويملك المقترض القرض بالعقد، ويقضى له

[مسألة]

به، وإذا حصل للمقرض مانع قبل الحوز لم يبطل كما يفيده البناني خلافا لما في كلام التتائي من أن القرض كالصدقة والهبة، وكل معروف لا يتم إلا بالحوز ولا يلزم المقترض أن يرد القرض لربه إلا بشرط عند العقد أنه لوقت معلوم، أو عادة فيعمل بهما فإن لم يشترطا شيئا، ولم توجد عادة كان القرض كالعارية المنتفي فيها الشرط، والعادة فيبقى للوقت الذي يقتضي النظر القرض لمثله. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "ص" من باب القرض. [مسألة] يحرم هدية المقترض لمن أقرضه، كما يحرم على كل من رب القراض وعامله أن يهدي أحدهما للآخر، ويحرم إهداء القاضي وذي الجاه من حيث جاهه بحيث يتوصل بالهدية له إلى ممنوع، أو إلى أمر يجب على ذي الجاه دفعه عن المهدي بلا تعب ولا حركة، فإن امتنع ذو الجاه عن دفع ما يجب عليه إلا بالهدية جاز الدفع له، والإثم عليه، وأما كونه يتوصل بذلك إلى أن يذهب به في قضاء مصالحه إلى نحو ظالم، أو سفر لمكان فيجوز كالهدية لا لحاجة، وإنما هي المحبة أو اكتساب جاه. وفي المعيار سئل بعضهم عن رجل حبسه السلطان أو غيره ظلما فبذل مالا لمن يتكلم في خلاصه بجاهه، أو غيره هل يجوز أم لا؟ فأجاب: نعم يجوز، صرح به جماعة منهم القاضي الحسين ونقله عن القفال. اهـ. كذا في أقرب المسالك بزيادة من المجموع، وفي المجموع عن البناني عن المعيار، وأبي عبد الله القوري وغيرهما خلاف طويل في الأخذ على الجاه أيجوز أم يحرم أم يكره؟ أو الجواز إن كان بعمل وحركة ولا يدخل على جعل معين بل يقنع بما يعطى أو محل الحرمة إذا تعين عليه شيء بجاهه. وأجازه الشافعية؛ يعني الأخذ على الجاه، والحمد لله على خلاف العلماء، وهنا دقيقة يتورع بعض ذوي الجاه، ويقر أتباعه على الأخذ فيكون كمن غسل العذرة بالبول ويا ليته لو عكس، فإن أخذ الأتباع يتفاحشون فيه من غير شفقة على ما شاهدناه، ويصرفونه فيما لا يحل على أنه ربما كان من أكل أموال الناس بالباطل المجمع على تحريمه، ويجب على ذي الجاه تخليص المستهلك منهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولو جاءت مغرمة لجماعة وقدر أحدهم على الدفع عن نفسه لكن حصته تلحق غيره فهل له ذلك، أو يكره، أو يحرم أقوال وعمل فيما يأخذه المكاس من المركب، أو القافلة بتوزيعه على الجميع لأنهم نجوا به. اهـ. ببعض توضيح، وفي المعيار أيضا سئل أبو عبد الله

(فصل)

العبدوسي عمن يحرس الناس في المواضع المخيفة، ويأخذ منهم على ذلك أجرة؟ فأجاب بأن ذلك جائز بشروط: أن يكون له جاه قوي بحيث لا يتجاسر عليه عادة، وأن يكون سيره معهم بقصد تجويزهم فقط لا لحاجة له، وأن يدخل معهم على أجرة معلومة، أو على المسامحة بحيث يرضى بما يدفعونه له. اهـ "ص". [مسألة] من القرض الفاسد، قرض شاة مسلوخة؛ ليأخذ عنها كل يوم رطلين مثلا، ودفع قدرا معينا من دقيق أو قمح لخباز؛ ليأخذ منه كل يوم قدرا معينا من الخبز؛ لأنه لا يقتضي طعاما عن ثمن طعام. وعند الشافعية حلية الهبة كما في المجموع. (فصل) في ذكر بعض المنهيات وغيرها (ما قولكم) في شخص استأجر دكانا يجلد فيه الكتب والأجرة باقية في ذمته لرب الدكان. فهل يجوز لصاحب الدكان أن يعطي للمجلد كتبا يجلدها ويقص عليه أجرة التجليد من أجرة الدكان التي بذمته أم لا؟ (الجواب) لا يجوز عند ابن القاسم؛ لأن المنافع وإن كانت معينة في الدكان فهي كالدين لتأخير أجزائها، وقبض الأوائل ليس قبضا للأواخر عنده ففيه فسخ ما في ذمة المدين في مؤخر، وهذا هو الراجح، وأجاز ذلك أشهب؛ لأن المنافع لما أسندت لمعين أشبهت المعينات المقبوضة، وقبض الأوائل قبض للأواخر عنده، وقد فعل ذلك الأجهوري؛ كان إذا ترتبت له أجرة دكانه عند المجلد يعطيه كتبا يجلدها، ويقص عليه الأجرة، وكان يقول هذا على قول أشهب، وقد صححه المتأخرون، وأفتى به ابن رشد. اهـ. من حاشية الخرشي بزيادة من "دس" و "در". [مسألة] يحرم النجش، وهو أن يزيد شخص في سلعة بيد الدلال لا لإرادته شراءها، بل يزيد على ثمنها الذي شأنها أن تباع به تلك السلعة ليغر غيره، وعلى هذا فإن بلغها بزيادته قيمتها فقط فلا حرمة عليه، بل قال ابن العربي: هو مندوب. وقيل: هو الذي يزيد ليقتدي به غيره، وإن لم يزد عن قيمتها، وعلى هذا فالمدار في الحرمة على الزيادة من غير قصد شراء، سواء زاد على قيمتها أم لا، قصد الغرر أم لا، ثم إذا اطلع المشتري على أنه زاد ليغره وزادت على ثمنها فله رد المبيع إن لم يفت، وإلا فالقيمة أو الثمن، والفوات في غير المثلي، والعقار بتغير سوق وبتغير ذات، وإن بسمن أو هزال، وكبيع ورهن. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "ص". (ما قولكم) في شخص اشترى دارا، أو غيرها وشرط عليه البائع أنه متى أتى له

[مسألة]

بالثمن رد المبيع له، فهل هذا البيع فاسد سواء وقع هذا الشرط حين العقد أو تواطآ عليه قبله أم لا؟ وإذا قلتم بالفساد وقد قبض المشتري تلك الدار، واستغلها قبل الرد هل يفوز بالغلة أم لا؟ (الجواب) هذا البيع يقال له: بيع الثنيا، ويسمى في مكة المشرفة ببيع العدة والأمانة، وهو ممنوع عندنا على الراجح وفاسد، سواء وقع الشرط حين العقد، أو تواطآ عليه قبله. ولو أسقط الشرط لتردد الثمن بين السلفية والثمنية، وإذا قبض المشتري ذلك المبيع واستغله قبل الرد كانت الغلة له على ما قاله الحطاب، وهو الراجح؛ لأن الضمان منه، والخراج بالضمان ومن له الغنم فعليه الغرم خلافا للشيخ أحمد القائل: إن الغلة للبائع، وإن بقيت الدار عند البائع فالغلة له لا للمشتري، ولو كان المشتري أبقاها عند البائع بأجرة كما يقع بمكة المشرفة لأنه فاسد، ولم يقبضه، وأما إذا تبرع المشتري للبائع بذلك بعد البيع بأن قال له بعد التزام البيع: متى رددت إلي الثمن رددت إليك الدار، كان البيع صحيحا، ولا يلزم المشتري الوفاء بذلك الوعد، بل يستحب فقط، فإن فات بيع العدة بيد المشتري مضى بالثمن؛ لأن المختلف في فساده ولو خارج المذهب يمضي بالثمن غالبا. اهـ. "دس" بتوضيح. [مسألة] إذا رأى شخص سلعة في المزاد بيد الدلال، فسأل بعض الحاضرين أن يكف عن الزيادة فيها لأجل أن يشتريها هو فإنه يجوز. قال ابن رشد: ولو في نظير شيء يجعله لمن يكف عن الزيادة ويقضى لمن كف بذلك الشيء، وأما سؤال الجميع ومن في حكمهم كشيخ السوق فلا يجوز. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] يحرم على البائع أن يكرم من يريد الشراء منه لأجل أن يغره بالبيع له بثمن مرتفع، أو نحو ذلك كما يقع في زماننا كثيرا. ذكره العدوي في أوائل بيوع الآجال. (ما قولكم) في شخص قال لآخر: سلفني ثمانين، وأرد لك عنها مائة. فقال المطلوب منه: هذا ربا حرام، بل عندي سلعة قيمتها ثمانون أبيعها عليك بمائة لتخلص من الربا. فهل يجوز هذا أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك وغيره في فصل العينة إنه مكروه لما فيه من رائحة الربا لا حرام. والله أعلم. [مسألة] إذا قال شخص لآخر: اشتر لي سلعة كذا وأنا أربحك، ولم يعين له قدر الربح فإنه يكره، فإن عين له الربح بأن قال له: وأنا أعطيك درهمين مثلا منع، وأما إن أومأ له من غير تصريح بإعطاء ربح فإنه جائز. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك

(فصل في الخيار)

وص من فصل العينة. (فصل في الخيار) (ما قولكم) في شخص اشترى أمته على الخيار، ثم أوقعها زمنه في السوق لتباع فلم تبع، ثم أراد ردها لبائعها فهل له ذلك أو أن التسوق يعد رضا؟ (الجواب) إن شراح سيدي خليل ذكروا مما يعد رضا الكتابة، والتدبير والتزويج لأمة أو عبد والفصد لهما والحجامة، أو الحلق لرأس، أو الإسلام لصنعة، ولو هينة أو لمكتب والتلذذ بأمة والرهن لشيء بيع بالخيار، والبيع له ولو بلا تسوق، والتسوق أي: إيقافه في السوق للبيع، ولو لم يبع أو لم يتكرر، والرسم بنار وتعمد الجناية على المبيع بالخيار، والإجارة من مشتر لا بائع فالإجارة منه إذا كان له الخيار لا تدل على الرد ما لم تزد مدة الإجارة من البائع على مدة الخيار، وإلا كان ردا للبيع ومنه يعلم الجواب. (ما قولكم) في شخص اشترى سلعة على الخيار وقبضها، ثم ادعى ضياعها زمن الخيار، فهل يضمن أم لا؟ (الجواب) يضمن الأكثر من الثمن والقيمة فيما يغاب عليه كالرهن إلا لبينة تشهد بضياعه بلا تفريط من المشتري فلا يضمن، وأما ما لا يغاب عليه كالحيوان فإنه يحلف إذا اتهمه البائع سواء كان هو متهما عند الناس أم لا، بخلاف المودع والشريك، فلا يحلف إلا إذا كان متهما عند الناس لا عند من قام عليه فقط. وصفة يمين المتهم هنا: لقد ضاع، وما فرطت. وأما غير المتهم فيحلف: ما فرطت. خاصة، وإذا حلف كل منهما فلا ضمان، وإن نكل أو ظهر كذبه بعد الحلف ضمن الأكثر من الثمن والقيمة إن كان الخيار للبائع في جميع ما تقدم، إلا أن يحلف في صورة ما يغاب عليه أنه ما فرط في ضياعه، وإلا فلا يضمن إلا الثمن خاصة إن قل عن القيمة، وأما إذا ساوى الثمن القيمة، أو أكثر عنها فلا تتوجه عليه يمين، فإن كان الخيار للمشتري، فإنه يغرم الثمن الذي وقع به البيع، وإما إذا كان الخيار لهما، فإنه يغلب جانب البائع فما يظهر فيضمن المشتري الأكثر من الثمن والقيمة إلا أن يحلف ما فرط، فالثمن وظهور كذبه، كأن يدعي ضياعه يوم كذا فتشهد البينة على رؤيته عنده بعد ذلك، ونحو ذلك. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك وص ودس. (فصل في عيوب المبيع) [مسألة] إذا اشترى شعيرا مثلا على أنه زريعة يبذره

[مسألة]

في الأرض، أو اشتراه أيام البذر بثمن الزريعة، فلم ينبت الشعير رجع المشتري على البائع المدلس بثلاثة أشياء بالثمن، وكلفة الزرع وأجرة أرض فات أوان زرعها، وأما غير المدلس فإن كانت الزريعة لا ينتفع بها إلا في الزرع فقط فإنه يرجع عليه بالثمن فقط، وإن كان ينتفع به في الزرع وغيره، فهل يرجع عليه بالثمن ويرد له مثله معيبا، أو يرجع عليه بالأرش؟ خلاف أفاده الأمير (ما قولكم) في أمة نادى عليها الدلال حال تسويمها أنها طباخة، أو خياطة فاشتراها فوجدها بخلاف ذلك فهل له الرد أم لا؟ (الجواب) له الرد، ولو كان الدلال يقول: يا من يشتري من تزعم أنها دلالة فوجدت بخلافه ولا يرد بما يقع في المناداة من تلفيق السمسار يعني ما يزيده في دورانه، ولا يعتد به حيث كانت عادة السمسار التلفيق، وإلا فللمشتري الرد إن وجدت السلعة بخلافه. اهـ. "ص" بتوضيح. (ما قولكم) في شخص اشترى أمة فاستمرت مستحاضة فهل له الرد أم لا؟ (الجواب) إن اشتراها فوجدها مستحاضة فهو عيب ترد به، ولو في الوخش إذا ثبت أنها من عند البائع احترازا مما إذا استلمها نقية، ثم وضعت للاستبراء فحاضت ثم استمر عليها الحيض فلا ترد؛ لأنه لا يرد إلا بالعيب القديم. اهـ. من "دس". (ما قولكم) في شخص اشترى أمة فتأخرت حيضة الاستبراء عن وقت مجيئها فهل له الرد أم لا؟ (الجواب) إن تأخرت زمنا لا يتأخر الحيض لمثله عادة بأن تأخر شهرين أو ثلاثة فله الرد؛ لأنه مظنة الريبة وهذا فيمن تتواضع، وأما من لا تتواضع فلا ترد بتأخر الحيض إذا ادعى البائع أنها حاضت عنده؛ لأنه عيب حدث عند المشتري لدخولها في ضمانه بالعقد إلا أن تشهد العادة بقدمه، والتقييد بمن تتواضع قيد به ابن سهل في نوازله، وكذلك في المقرب، ثم ذكر أن ابن عتاب أفتى بأنه عيب حتى في الوخش التي لا مواضعة فيها؛ لأن للمشتري وطؤها، ومن حجته أن يقول: لا أصبر على ارتفاع حيضتها إذ الحمل فيها عيب وإن كانت وخشا. وإلى هذا ذهب ابن القصار، وهذا إذا ارتفع حين الاستبراء، ولم يعلم قدم ذلك. وأما إذا علم أنها لا تحيض من قبل فهو عيب مطلقا. اهـ. من "دس". [مسألة] إن اشترى أمة أو عبدا فظهر ببلد شراء الرقيق أن له أبا، أو أما أو ولدا، أو ظهر أن للعبد زوجة أو للأمة زوجا فإن ذلك عيب يرد به كل، والمراد بالولد ولو سفل. اهـ. ملخصا من خرشي وعدوي. [مسألة]

[مسألة]

قال ابن يونس: قال ابن القاسم: وإذا علم أنها لا تحيض، وقد بلغت ستة عشر سنة وشبه ذلك فهو عيب في جميع الرقيق سواء كانت علية، أو دنية. اهـ. "دس" بتوضيح. [مسألة] يرد الرقيق ببخر؛ أي عفونة فرج، وكذا بعفونة فم إذا قوي، ولو لذكر كما في الحطاب لتأذي سيده بكلامه. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "دس". [مسألة] يرد الرقيق سواء كان ذكرا، أو أنثى إن ثبت أنه كان زنى عند البائع، وكذلك يرد بشرب خمر وكذا بأكل أفيون وحشيشة، وكذا بعدم نبات شعر العانة لدلالته على المرض إلا أن يكون عدم نباته لدواء فلا يرد، وكذا يرد بعدم نبات شعر الحاجب أو الهدب ولو كانا لدواء، وكذلك يرد الذكر والأنثى بزيادة سن فوق الأسنان أو طول أحدها، وأما كبر السن من المقدم فهو عيب في الرائعة ونظره في غيرها. اهـ. من أقرب المسالك بزيادة من "ص" و "در". [مسألة] يرد الرقيق بالظفر، وهو لحم نابت على بياض العين من جهة الأنف إلى سوادها ومثله الشعر النابت بالعين، وإن لم يمنع البصر. اهـ. ملخصا من "در" و "دس". وكذلك يرد الرقيق ذكرا أو أنثى بالعسر؛ وهو العمل باليد اليسرى فقط بخلاف الأضبط، وهو من يعمل بكل من يديه. [مسألة] التغرير الفعلي كالشرط كتلطيخ ثوب عبد بمداد فيوهم المشتري أنه كاتب فله الرد إن وجد غير كاتب، وأما التغرير القولي فليس كالشرط، فإذا قال: عامل فلانا فإنه ثقة ملي، وهو يعلم خلاف ذلك فعامله فأكل دراهمه، فلا يضمن الغار على المشهور. ومن القولي أن يقير إناء مخروقا لشخص وهو يعلم بخرقه، وأخبره بأنه لا خرق فيه فوضع فيه سمنا مثلا فتلف فلا ضمان على الغار على المشهور إذا لم يأخذ أجرة للإناء وإلا ضمن، كما أن الصيرفي إذا نقد دراهم لا يضمن، ولو أخبر بغير ما يعلم إذا لم يأخذ أجرة وإلا ضمن اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "ص". [مسألة] يرد الرقيق بسقوط سن من مقدم الفم مطلقا، ولو من ذكر أو وخش، وترد الرائعة بسقوط سن ولو من غير المقدم، وأما الوخش أو الذكر فلا يرد إلا بأكثر من سن من غير المقدم لا بسقوط واحدة. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] ترد الرائعة بالشيب، وأما الوخش والذكر فلا يردان به إلا إذا كثر، وهذا إذا لم يشترط في العقد وإلا رد به ولو لم يكثر، والمدار في الشرط على الغرض الشرعي، فإذا اشترط ما فيه غرض شرعي عمل به إذا تخلف الشرط، وإن لم تكن العادة

[مسألة]

السلامة منه. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك. [مسألة] يرد الرقيق ببول في فراش حال النوم إذا بلغ سنا لا يبول الإنسان فيه غالبا إن ثبت حصوله عند البائع بإقراره أو بينة، وإلا يثبت حلف البائع أنه لم يبل عنده، ولم يعلم بأنه بال عنده، فإن نكل ردت عليه الذات المبيعة ذكرا أو أنثى. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] لا رد بتهمة لرقيق بسرقة ظهرت البراءة منها بأن اتهم عند بائعه ثم ثبت أن السارق غيره مثلا، فإن لم تثبت البراءة كان للمشتري الرد، وهذا ما لم يكن متهما في نفسه مشهورا بالعداء، وإلا فله الرد مطلقا. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] يرد الرقيق إذا وجده ولد زنى؛ لأنه مما تكرهه النفوس. اهـ. خرشي (ما قولكم) في شخص اشترى رقيقا فادعى أنه حر بعتق سابق أو بغيره، أو ادعت الأمة أنها مستولدة فهل له الرد بذلك أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك إن ادعى الرقيق حرية لم يصدق بلا بينة، ولا يحرم التصرف الشرعي فيه من وطء أو استخدام أو بيع، لكن هذا الادعاء عيب يرد به إن ادعى الحرية قبل دخوله في ضمان المشتري بأن كانت دعواه الحرية زمن عهدة الثلاث التي يرد فيها بكل عيب أو زمن المواضعة، فإن صدرت منه بعد دخوله في ضمانه فلا يرد. اهـ. (ما قولكم) في شخص اشترى أمة يظنها بكرا فوجدها ثيبا هل له الرد أم لا؟ (الجواب) لا رد له بالاطلاع على كونها ثيبا، ولو في رائعة؛ لأنها محمولة على أنها قد وطئت إلا أن يكون مثلها لا يفتض فهو عيب، لكن في الرائعة فقط لا في الوخش إلا أن يشترط أنها غير مفتضة فيعمل بالشرط. اهـ. خرشي بتوضيح. [مسألة] يرد العبد بالتخنث بأن يشتبه في كلامه وحركاته بالنساء، ولو لم يشتهر بذلك على المعتمد، وأما الأمة فترد بالفحولة؛ بأن تتشبه في كلامها وحركاتها بالرجال لكن بقيد الاشتهار. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] يرد الرقيق المسلم ذكرا، أو أنثى بقلف إن فات وقت ختانه، إلا أن يجلب من بلاد الحرب فالعيب الختان. اهـ. مجموع وفي دس، فإن كان ممن يختتن كاليهود فلا يكون وجوده مختونا عيبا. اهـ. شيخنا عدوي. [مسألة] يرد الرقيق بسلس بول، ويرد أيضا بسعال مفرط. اهـ. منه. (ما قولكم) في شخص اشترى دارا فوجد فيها عيبا ينقص قيمتها فهل له الرد؟ (الجواب) ترد إن كان العيب كثيرا ينقص ثلث قيمتها، وأما إن كان قليلا ينقص أقل من الثلث فلا ترد به، ويرجع بقيمة ماله

[مسألة]

بال من ذلك العيب القليل كصدع جدار بغير واجهة الدار، ولا يخاف على الدار منه، سواء على الجدار نفسه أم لا بأن كان بواجهتها، وخيف على الدار السقوط منه فكثير ترد به الدار. اهـ. منه. (ما قولكم) في شخص اشترى دارا فيها بئر بمحل آباره حلوة فوجد بئر الدار التي اشتراها مالحا فهل له الرد أم لا؟ (الجواب) له الرد إذا وجد بئرها مالحا بمحل الآبار التي ماؤها حلو، وكذا له الرد بتهوير بئرها وغور مائها. اهـ منه. [مسألة] ترد الدار بعدم مرحاض بها، وترد أيضا إذا كان المرحاض مواجها لبابها أو كان في دهليزها أو كان بقرب الحائط بحيث يحصل منه نزاز أو يحصل منه رائحة بمنزل النوم أو الجلوس. اهـ. ملخصا منه ومن "ص". [مسألة] ترد الدار بشؤمها؛ بأن جربت بأن كل من يسكن فيها يصاب بمصيبة. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] ترد الدار بكثرة بقها، وبكثرة نملها. اهـ منه. [مسألة] ترد الدار إن سكنها الجن، وكانوا يؤذون ساكنها. اهـ منه. [مسألة] إن اشترى دابة من الأنعام أو من غيرها، ولو أمة لرضاع فوجد الدابة مصراة؛ أي ترك حلبها ليعظم ضرعها فله الرد؛ لأن زيادة اللبن تزيد في الثمن، ويرد المشتري الحيوان إن حلبه مع صاع من غالب قوت أهل البلد على المشهور، والراجح اتحاد الصاع إن تعدد المصراة ما لم يتعدد العقد، وإلا فيتعدد الصاع، ورد الصاع خاص بالأنعام الإبل والبقر والغنم، وظاهره اتحاد الصاع، ولو تكرر حلابها حيث لا يدل على الرضا، وأما غير الأنعام فترد بلا صاع كالأنعام إذا لم يحلبها، ومقابل المشهور يقول: يتعين رد التمر لقول لمالك في المدونة في الخبر: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن اشتراها بعد ذلك فهو لخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها، وصاعا من تمر". هذا حديث متبع ليس لأحد فيه رأي. وأجيب للمشهور بأنه اقتصار على غالب قوت المدينة إذ ذاك وقوله: "لا تصروا" بضم التاء، وفتح الصاد وضم الراء بعدها واو جماعة، والإبل مفعول، وهذا الضبط رواية المتقنين كما للأبي عن عياض: من "صر" رباعيا "كزكى"، كقوله تعالى:} فلا تزكوا أنفسكم {ورواية غير المتقنين بفتح أوله وضم ثانيه ونصب الإبل على المفعولية، وبها صدر النووي من "صر" ثلاثيا. وروي أيضا: "لا تصر الإبل" ببناء "تصر" للمجهول، ورفع الإبل على النيابة عن الفاعل، وهي من صر ثلاثيا أيضا، وحرم رد اللبن بدون الصاع

[مسألة]

وأما مع الصاع فلا حرمة، ويحرم أيضا رد غير اللبن إذا كان رد اللبن أو غيره بدلا عن الصاع، وذلك لما فيه من بيع الطعام بالطعام قبل قبضه؛ لأنه برد الصاع أوجب عليه الشارع رد الصاع عوضا عن اللبن، فلا يجوز رد اللبن ولا غيره عوضا عن الصاع، وهذا التعليل يفيد حرمة رد غير الغالب مع وجود غالب وهو كذلك، فلو غلب اللبن رد منه صاعا من غير ما حلبه من المصراة، وإن حلب المشتري المصراة حلبة ثالثة، فإن كان حصل له الاختبار بالحلبة الثانية فالحلبة الثالثة تعد رضا منه فليس له حينئذ ردها، وألا يحصل بالثانية اختبار فله الحلبة الثالثة ليحصل له بها علم حالها ولا تعد رضا، فإن ادعى عليه البائع أنه حصل له الرضا بالحلبة الثالثة، أو ادعى عليه أنه علم أنها مصراة ورضي، فإن حلف المشتري فله الرد وإلا فلا، ولا رد إن علم المشتري بأنها مصراة حين الشراء، واشتراها عالما بالتصرية. اهـ. من المجموع وعب بتوضيح. (ما قولكم) في شخص اشترى ثورا للحرث فحرث به أول يوم فرقد، ثم حرث به ثاني يوم فرقد، فهل الحرث ثاني يوم يعد رضا أم لا؟ (الجواب) في "دس": ليس الحرث ثاني يوم رضا؛ لأن له أن يدعي الاختبار كما ذكره الوانوغي أخذا من قول المدونة في هذه المسألة، فإن حصل الاختبار بالثانية فهوى حلبها ثالثا رضا. اهـ. [مسألة] يجب على البائع بيان ما علمه من عيب سلعته قل أو كثر، ولو كان البائع حاكما أو وارثا أو وكيلا. وأما قولهم: إن بيع الحاكم والوارث بيع براءة فمحله؛ إذ لم يكن عالما بالعيب، وعلى البائع تفصيل العيب للمشتري أو إراءته إياه إن كان يرى، ولا يجوز له إجماله، فإن أجمل كهو معيب فمدلس، ويرد المبيع بما وجده المشتري فيه من العيب. اهـ. من أقرب المسالك. (ما قولكم) في شخص باع رقيقا وأجمل في بيان العيب الذي فيه، فقال: هو سارق. فتبين فيه يسير السرقة، فهل ينفعه التبري في يسير السرقة أم لا؟ (الجواب) ينفعه ذلك في يسير السرقة دون الفاحش منها على الأوجه؛ لأن بيانه العيب مجملا كلا بيان، وهذا ما للبساطي وفي "بن": إن كلام المدونة والنوادر كالصريح فيما قال البساطي كما في نقل الحطاب والمواق. وقيل: لا ينفعه ذلك التبري مطلقا. (ما قولكم) في شخص قال: أبيعك عظما في قفة أو أبيعك هذا الحيوان جزارى. والحال أنه يعلم أن بعض العيوب فيه فهل ينفعه ذلك أم لا؟ (الجواب) في "دس": انظر هل يجري فيه خلاف

[مسألة]

البساطي وغيره أو يتفقان على أن البراءة لا تنفع في هذا؛ لأن ما علمه لم يبين أنه به، وهو ظاهر المدونة كما في "بن". اهـ. من "دس". [مسألة] قال في المدونة: لو كثر في براءته ذكر أسماء العيوب لم يبرأ إلا من عيب يريه إياه ويوقفه عليه، وإلا فله الرد إن شاء. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] ترد الدابة بعثر وحرن وهو عدم الانقياد، وإذا اشتد به الجري وقف، وبعدم إطاقة حمل أمثالها، وبكل عيب يؤدي لنقص في الثمن، أو المثمن. اهـ. منه بتوضيح. (ما قولكم) في شخص اشترى دابة فوجدها قليلة الأكل فهل له ردها أم لا؟ (الجواب) له الرد إن كانت القلة مفرطة كما في الخرشي. (ما قولكم) في شخص اشترى رقيقا فوجده كثير الأكل فهل له رده أم لا؟ (الجواب) في حاشية الخرشي: إن كثرة الأكل الخارجة عن العادة في الرقيق ينبغي أن تكون عيبا؛ لأنه إذا بيع ينقص ثمنه. هكذا يؤخذ من باب الإجارة فيمن استأجر أجيرا بأكله فوجده أكولا، وأما كثرة الأكل في الحيوانات البهيمي فليست عيبا. [مسألة] ترد الدابة بالدبر، وهو القرحة وترد أيضا بالنفور المفرط. [مسألة] إن اشترى دابة فوجدها تنطح فهو عيب ترد به، وكذا ترد إذا وجدها ترفص إذا كان كل منهما ينقص الثمن، وكذا ترد بتقويس الذراعين. اهـ. من "دس". (ما قولكم) في شخص اشترى فرسا فأقام عنده شهرا، ثم رأى به عيبا قديما فهل له الرد أم لا؟ (الجواب) في "بن" وجدت بخط ابن غازي ما نصه: قيل: العمل اليوم أن من اشترى فرسا أقام عنده شهرا لم يمكن من رده بعيب قديم فانظر. هل يصح هذا؟ اهـ. قلت: وقد استمر بهذا العمل في فاس، ففي نظم العمليات: وبعد شهر الدواب بالخصوص ... بالعيب لا ترد فافهم النصوص كذا في دس. [مسألة] لا رد بكي لم ينقص ثمنا، ولا ذاتا. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] لا رد بما لا يطلع عليه إلا بتغير كسوس خشب، وفساد جوز ولوز وبندق، وكذا لا رد بمرّ قثاء وبطيخ إلا لشرط، فيعمل به وترد السلعة، ولا قيمة للمشتري على البائع عند عدم رد ما ذكر إذا لم يشترط الرد، وكذا لا قيمة للبائع على المشتري في نظير كسرها إذا ردها بالشرط فيما يظهر، والعادة كالشرط ورد الخشب بالشرط إن وجد مسوسا هو ما استظهره سيدي خليل في توضيحه كما في الخرشي. [مسألة] ترد كتب الحديث إذا لم يوجد فيها لفظ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

(فصل)

ولا يكفي الرّمز كـ (صلعم). اهـ. بـ "در". اهـ. من حاشية الخرشي. [مسألة] يرد الكتاب بنقص ورقة وذلك لأن عيب غير الدار لا فرق بين اليسير، والكثير. اهـ. من حاشية الخرشي. (فصل) فيما يمنع الرد بالعيب القديم وبيع الطعام قبل قبضه، وغير ذلك. (ما قولكم) في قولهم: لا ينفع البائع التبري من العيوب التي لا يعلمها إلا في الرقيق خاصة هل مطلقا، أو إذا طالت إقامته عنده؟ (الجواب) إذا تبرأ بائع الرقيق من عيب لم يعلمه به، فلا يرد عليه إن ظهر به عيب قديم عنده بشرطين: الأول: أن لا يعلم البائع به فإن علمه، فلا ينفعه التبري منه إلا إذا بيّنه تفصيلا، أو أراه إياه. الثاني: أن تطول إقامة الرقيق عند بائعه، وحد بعضهم الطول بنصف شهر فأكثر بخلاف ما إذا لم تطل إقامته عنده فلا ينفعه التبري مما لا يعلمه، ولمشتريه الرد إن وجد به عيبا قديما؛ لأن شأن الرقيق أن يكتم عيوبه، فتحصل أنه إذا وجد الشرطان لا يرده المشتري إذا وجد به عيبا. قال ابن عرفة: ولا يرد بيع البراءة بما ظهر من عيب قديم إلا إذا أقام المشتري بينة أن البائع كان عالما به، فإن لم يكن للمشتري بينة وجب حلف البائع أنه ما كان عالما به سواء ادعى المشتري علمه أم لا؟ وهل يحلف على البت في العيب الظاهر، وعلى نفي العلم في العيب الخفي، أو يحلف على نفي العلم مطلقا؟ قولان: الأول لابن العطار، والثاني لابن الفخار. وحكى ابن رشد الاتفاق على القول الثاني كما في "بن". اهـ. "در" و "دس" بتوضيح. [مسألة] لا رد بالعيب القديم إن زال عند المشتري قبل الحكم برده سواء زال العيب قبل القيام به، أو بعده، وقبل الحكم بالرد عند ابن القاسم، كما لو كان أعرج فزال عرجه، أو كان للرقيق ولد فمات، هذا إذا كان العيب لا يحتمل العود، وإلا فزواله لا يمنع الرد كبول في فرش في وقت ينكر، فإن زال عند المشتري. وقال أهل المعرفة: يمكن عوده فله الرد، ولو وقع الشراء حال زواله. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] لا رد إن أتى المشتري بما يدل على الرضى بالعيب كسكوت طال أكثر من يومين بلا عذر بعد الاطلاع على العيب، فإن كان لعذر كسجن أو خوف من ظالم فلا يدل على الرضا، فإن سكت يوما أو يومين حلف أنه لم يرض بالعيب ورده، فإن نكل فلا رد، ويحلف البائع إن كانت دعواه على المشتري دعوى تحقيق لا إن كانت دعوى اتهام فلا يحلف، وإن سكت أقل من اليوم فله الرد بلا يمين. اهـ. منه بزيادة من "دس". [مسألة] لا رد إن ركب الدابة أو استعملها في نحو طحن، أو رهنها بعد

[مسألة]

الاطلاع على العيب، ولو حصل منه شيء من ذلك زمن الخصام مع البائع، ومثل ذلك الإسلام للصنعة، كما هو ظاهر. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] لا رد إن فات المبيع بهلاك أو ضياع أو بنحو صدقة، وحينئذ يتعين للمشتري على البائع الأرش، فإذا اشتراه بعشرين ثم هلك عنده أو تصدق به ثم اطلع على عيب قديم لو بيع به يكون بخمسة عشر، فإنه يرجع عليه بخمسة. اهـ. بتصرف. (ما قولكم) في شخص اشترى رقيقا فوجده متزوجا، فأراد رده فحصل موت للزوج الشامل للذكر والأنثى، أو طلاق فهل له رده، أو لا رد له لزوال عيبه؟ (الجواب) قيل: لا رد بالموت فقط دون الطلاق على الأظهر؛ لأن الموت قاطع للعلقة فيزول به العيب، لكن في موت الزوجة يزول عيب التزويج من الرجل مطلقا من على الرقيق أو وخشه، وفي موت الزوج يزول عيب التزويج من الأمة إذا كانت وخشا لا إن كانت علية، وقيل: يزول العيب بموت المدخول بها أو طلاقها بائنا أو فسخ نكاحها وهو المتأول، والأحسن على المدونة. وقيل: لا يزول بموت ولا طلاق فله رده؛ لأن من اعتاد التزويج لا صبر له على تركه غالبا، وهو قول مالك. قال البساطي: ولا ينبغي العدول عنه ومحل هذه الأقوال في التزويج بإذن السيد من غير أن يطلبه من سيده بشفاعة جماعة، فإن كان تزوجه بغير إذن أو بطلب فعيب مطلقا في موت أو طلاق، وأما طلاق غير المدخول بها وموتها فإنه يمنع من الرد اتفاقا. اهـ. ملخصا من "در" و "دس". (ما قولكم) في شخص اشترى سلعة فيها عيب قديم بعشرة ثم باعها على البائع قبل إطلاعه على العيب القديم بثمانية، فهل يلزم البائع الأول يكمل لمشتريه منه بقية الثمن أم لا؟ (الجواب) يلزم البائع أن يكمل للمشتري بقية ثمنة فيدفع له اثنين سواء كان مدلسا أم لا، وأما لو باعه للبائع بثمانية بعد إطلاعه على العيب فلا يلزم البائع أن يكمل للمشتري الثمن سواء دلس البائع أم لا، وأما لو باعه لأجنبي فلا رجوع له على البائع سواء باعه للأجنبي بمثل الثمن أو أكثر أو أقل؛ لأنه إن باعه له بعد إطلاعه على العيب فهو رضا منه، وإن باعه قبل إطلاعه عليه بمثل الثمن أو أكثر فواضح؛ لأنه لا ضرر عليه حيث عاد له مثل ثمنه أو أكثر، وإن باعه له بأقل فلحوالة الأسواق لا للعيب؛ أي فيبيعه بأقل من ثمنه لتحول الأسواق من الغلاء للرخاء لا للعيب. قاله ابن القاسم.

[مسألة]

وقال ابن المواز: إلا أن يكون نقص ثمنه من أجل العيب، مثل أن يبيعه بالعيب ظانا أنه حدث عنده، أو باعه وكيله ظانا ذلك فيرجع بما نقصه من الثمن أو قيمته. قال ابن رشد، وابن يونس وعياض: قول ابن المواز تفسير لابن القاسم. اهـ. من أقرب المسالك بزيادة من "دس" وتوضيح. (ما قولكم) في شخص اشترى أمة بكرائم افتضها، ثم اطلع على عيب قديم فما الحكم؟ (الجواب) له التماسك بالأمة وأخذ أرش العيب القديم، وله ردها على البائع ودفع أرش العيب الحادث، وهو افتضاضها ففي أقرب المسالك، وإن حدث بالمبيع عيب متوسط كعجف؛ وهو شدة الهزال، وعمى وعور وعرج وشلل، وتزويج رقيق، وافتضاض بكر ولو وخشا، فله التماسك بالمبيع وأخذ أرش العيب القديم، وله الرد ودفع أرش العيب الحادث، إلا أن يقبله البائع بالحادث عند المشتري من غير أرش، فيقال للمشتري: إما أن ترده بالقديم ولا شيء عليك أو تتماسك به ولا شيء لك في نظير القديم. (ما قولكم) في شخص اشترى أمة ثيبا، ثم وطئها ثم اطلع على عيب قديم فهل يخير ويكون له الرد، ويدفع أرش الحادث، أو يتماسك ويأخذ أرش القديم أم كيف الحال؟ (الجواب) وطء الثيب من العيب القليل، وهو لا خيار للمشتري فيه، بل إما أن يرد ولا شيء عليه، أو يتماسك ولا شيء له، ففي أقرب المسالك مشبها بما لا خيار للمشتري فيه كالقليل كوعك؛ أي ألم خفيف ورمد وصداع، وقطع ظفر بيد أو رجل ولو من رائعة، والظاهر أن ما زاد على الظفر الواحد متوسط في الرائعة فقط وخفيف حمى، ووطء ثيب وقطع شفة كنصفين، وكذا أكثر حيث لا ينقص الثمن دلس البائع أم لا، أو فصلها كقميص إن دلس البائع بكتم العيب حين البيع، فإن لم يدلس فمن المتوسط. اهـ. بزيادة من "ص". [مسألة] إن اشترى أمة فحدث بها قطع أصبع ثم اطلع على عيب قديم فقطع الأصبع من المتوسط، فيخير المشتري بين أن يتماسك بالمبيع ويأخذ أرش القديم، أو يرد ويدفع أرش الحادث، وأما ذهاب أنملة فمن المتوسط في الرائعة لا في الوخش، والظاهر أن ما زاد على الأنملة متوسط في الرائعة والوخش. اهـ. من "ص". [مسألة] العيب المخرج عن المقصود مفيت للرد بالعيب القديم، ويتعين للمشتري الأرش على البائع عند التنازع وعدم الرضا، والمخرج عن المقصود كتقطيع شقة قطعا غير معتاد، كجعلها

[مسألة]

قلاعا لمركب، أو عرقيات وككبر صغير عند المشتري عاقل أو غيره، وكهرم شاب عند المشتري، ومحل كونه له الأرش ما لم يهلك المبيع عند المشتري بعيب التدليس، أو يهلك بسماوى زمن عيب التدليس كموته في زمن إباقه الذي دلس به، وإلا فالثمن يرجع به المشتري على البائع المدلس لا إن لم يدلس، أو دلس بسماوى لا في زمنه بل عند المشتري فالأرش. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] إذا تنازع البائع مع المشتري فقال له البائع: أنت رأيت العيب حال البيع، أو أنت رضيت به حين اطلعت عليه، وأنكر المشتري ذلك فالقول للمشتري أنه ما رآه ولا رضي به، ولا يمين عليه إلا أن يحقق البائع عليه الدعوى بأن يقول له: أنا أريتك العيب أو أعلمتك به أو فلان أعلمك به، وأنا حاضر فالقول للمشتري بيمين، فإن حلف رد المبيع على البائع، وإلا ردت اليمين على البائع، فإن حلف فلا كلام للمشتري، وهذا إذا لم يسم البائع من أخذه، أو سماه وتعذر شهاده لموت ونحوه، وإلا فله أن يقيمه شاهدا ويحلف معه، ولزم البيع ولا يفيد لمشتري دعوى عدم الرضا، وكذلك لا يقبل قول المشتري إلا بيمين إذا أقر بأنه فتش المبيع حال البيع ولكنه ما رأي العيب، فإن نكل لزمه البيع، ولا ترد اليمين على البائع لأنها يمين تهمة. اهـ. من أقرب المسالك بزيادة من "ص". [مسألة] إذا باع شخص عبدا فأبق عند المشتري بالقرب فادعى المشتري أنه عيب قديم وأنكر قدمه وادعى أنه ما أبق عنده أصلا فالقول للبائع ولا يمين عليه إلا أن يحقق المشتري عليه الدعوى فعليه اليمين. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] إذا تنازع البائع مع المشتري في وجود العيب في المبيع وعدمه، فالقول للبائع أنه لا عيب به ولا يمين عليه؛ لأن الأصل في الأشياء السلامة من العيوب، وكذا إذا تنازعا في قدم العيب وحدوثه، فالقول للبائع بأنه حادث بلا يمين إن قطعت البينة بحدوثه، وإن شهدت بقدمه قطعا فالقول للمشتري بلا يمين سواء استندت البينة في قولهم ذلك للعادة، أو للمعاينة، أو لإخبار العارفين، أو لإقرار البائع لهم بقدمه، وحلف من لم يقطع بصدقه من بائع أو مشتر، فإن قالت البينة: نظن قدمه فللمشتري بيمين، وإن قالوا: نشك أو نظن في حدوثه فالقول للبائع بيمين، وإن اختلف أهل المعرفة في قدمه، وحدوثه عمل بقول الأعرف، فإن استويا عمل بقول الأعدل، فإن تكافآ في العدالة سقطا لتكاذبهما، وإذا

[مسألة]

سقطا كان كالشك على ما استظهره بعضهم؛ أي فيكون القول للبائع بيمين. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "ص". [مسألة] أن اشترى نحو ثوبين في صفقة واحدة فظهر عيب بأحدهما، فله رد الثوب المعيب بحصته من الثمن، وله التمسك بالباقي بجميع الثمن. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] إن اشترى أثوابا متعددة مثلا فظهر عيب بأكثرها، وبقي عنده الأقل السالم فيرد الجميع ويأخذ جميع الثمن أو يتماسك بالجميع وليس له التماسك بالأقل السالم بحصته من الثمن ورد الأكثر المعيب، وإنما منع التمسك بالقليل السالم؛ لأنه كإنشاء عقدة بثمن مجهول إذ لا يعرف ما ينوب الأقل، إلا بعد تقديم المبيع كله أولا ثم تقويم كل جزء من الأجزاء، وأما إذا لم يبق الأقل السالم عند المشتري، بل فات عنده فله رد المعيب وأخذ حصته من الثمن. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "ص". [مسألة] إن اشترى أحد مزدوجين كسوارين أو خفين فوجد عيبا بأحدهما فيرد الجميع ويأخذ جميع الثمن، وليس له رد المعيب إلا أن يتراضيا بذلك. اهـ. من أقرب المسالك. [مسألة] إذا رد المشتري المعيب للبائع فالغلة للمشتري من وقت عقد البيع وقبض المشتري للمبيع إلى فسخ البيع إما بحكم أو تراض، وكذلك يفوز المشتري بالغلة إذا أخذ منه المبيع بشفعة، أو باستحقاق، أو بتفليس للمشتري المفلس أو بفساد للبيع، ومن الغلة الثمرة غير المؤبرة وقت الشراء، لكن لا يفوز بها المشتري إلا إذا جذت في المسائل الخمس وإن لم تجذ، فلا تكون للمشتري في الشفعة والاستحقاق إلا إذا يبست على أصولها، وإلا كانت للشفيع والمستحق ولو زهت، وفي العيب والفساد إلا إذا زهت، وإلا أخذها البائع فيهما كما يأخذها في الفلس مطلقا ما لم تجذ، وعلى هذا التفصيل قول بعضهم: والفائزون بغلة هم خمسة ... لا يطلبون بها على الإطلاق الرد في عيب وبيع فاسد ... وشفعة فلس من استحقاق فالأولان بزهوها فازا بها ... والجذ في فلس ويبس الباقي فقوله: فالأولان؛ أي المشتري فيما إذا ظهر بالسلعة عيب، والمشتري إذا ظهر فساد المبيع يفوز كل منهما بالغلة إذا زهت الثمرة عند رد السلعة، وإلا أخذها البائع فيهما. وقوله: والجذ في فلس؛ أي أن المشتري إذا حكم بتفليسه فأخذ البائع

[مسألة]

منه النخل الذي اشتراه منه، فالمشتري يفوز بالثمرة إن جذها، وإلا فهي للبائع. وقوله: ويبس الباقي؛ المراد بالباقي الشفعة والاستحقاق، والمعني: أن الذي اشترى النخل غير المؤبر فأخذ منه بالشفعة، أو الاستحقاق فلا يفوز المشتري بثمرة ذلك النخل إلا إذا يبست على أصولها، وإلا كانت للشفيع والمستحق، وهذا معني قولهم: ترد الثمرة في الشفعة، والاستحقاق إلى الشفيع والمستحق ما لم تيبس على أصولها وإلا فهي للمشتري، وترد المثرة للبائع إذا فلس المشتري ما لم تجذ وإلا فهي للمشتري، وأما الثمرة المؤبرة حين الشراء أو حين الاستحقاق فليست غلة فترد للبائع في الفلس والعيب والفساد مطلقا ولو زهت أو يبست أو جذت، وفي الشفعة والاستحقاق يأخذها الشفيع مطلقا. اهـ. ملخصا من أقرب المسالك و "ص" بتوضيح. [مسألة] إذا غلط الصباغ فصبغ الثوب لونا غير مطلوب صاحبه، فإن ربه يخير بين أخذ قيمته أبيض يوم الغلط، أو يأخذه ويدفع للصباغ قيمة صبغه يوم الحكم كما في الأمير. (ما قولكم) في شخص اشترى سلعة فظهر بها عيب فذكر المشتري العيب للبائع فرضي بأنه يقبضها منه من غير احتياج لحكم حاكم، فقبل أن يقبضها البائع من المشتري هلكت فهل ضمانها من البائع أو المشتري؟ (الجواب) ضمانها من البائع وإن لم يقبضها بالفعل؛ لأنه لما رضي بقبضها من غير حكم حاكم دخلت في ضمانه، ففي أقرب المسالك: ودخلت السلعة المردودة بالعيب في ضمان البائع إن رضي بالقبض من غير حكم حاكم، وإن لم يقبض بالفعل أو ثبت العيب عند حاكم بإقرار بائعها أو بالبينة وإن لم يحكم، فإن هلكت بعد ذلك فضمانها منه. اهـ. (ما قولكم) في شخص قال: يا من يشتري هذا الفص. والحال أنه لم يعرفه، فاشتراه شخص بنصف ريال فتبين أنه ياقوتة تساوي ألفا، فهل ترد لصاحبها أو يفوز بها المشتري؟ (الجواب) يفوز بها المشتري؛ لأن بيع الغلط لازم، ولو كان المشتري عالما بأنها ياقوتة وقت الشراء ما لم يكن البائع وكيلا أو وصيا، وإلا فالبيع غير ماض، ففي أقرب المسالك: ولا رد بغلط، بل البيع لازم إن سمي باسم عام كحجر، أو هذا الفص أو هذا الشيء مع الجهل بحقيقته الخاصة، كأن يبيع هذا الحجر بدرهم فإذا هو ياقوتة تساوي ألفا، ولا فرق في حصول الغلط بالمعني المذكور من المتبايعين أو من أحدهما مع علم الآخر، ومحله إذا كان البائع غير وكيل وإلا

[مسألة]

فلموكله الرد قطعا. ومفهوم قوله إن سمي باسم عام أنه لو سماه بغير اسمه كهذه الزجاجة، فإذا هي زبرجد، أو بالعكس لثبت الرد قطعا. اهـ. بتوضيح. وفي المجموع: ولا كلام لبائع نحو الحجر يملكه فإذا هو ياقوت، ولو علم المشتري واحترز بقوله يملكه من الوكيل والوصي فلا يمضي. اهـ. بتصرف. (ما قولكم) في شخص اشترى سلعة تساوي درهما بعشرة، فهل له رد البيع بهذا الغبن الفاحش أم لا؟ (الجواب) لا رد بالغبن الفاحش إلا أن يستسلم بأن يقول المشتري للبائع: أنا لا أعلم قيمة هذه السلعة فبعني كما تبيع للناس. ويسمى هذا بيع الاستئمان، فللمشتري حينئذ الرد بالغبن، ففي أقرب المسالك: ولا رد بغبن ولو خالف العادة في القلة والكثرة، إلا أن يستسلم أحد المتبايعين صاحبه؛ بأن يخبره بجهله كأن يقول المشتري: أنا لا أعلم قيمة هذه السلعة فبعني كما تبيع للناس. فقال البائع: هي في العرف بعشرة فإذا هي بأقل، أو يقول البائع: أنا لا أعلم قيمتها فاشتر مني كما تشتري من الناس. فقال: هي في عرفهم بعشرة. فإذا هي بأكثر، فللمغبون الرد على المعتمد بل باتفاق. اهـ. (ما قولكم) في شخص اشترى سلعة بعقد صحيح على غير خيار ولم يقبض تلك السلعة، ثم تعيبت عند البائع، فهل الضمان من المشتري أو البائع؟ (الجواب) الضمان من المشتري، والحال ما ذكر إلا في المبيع الذي فيه حق توفية. قال في أقرب المسالك: وانتقل الضمان إلى المشتري بالعقد الصحيح اللازم ولو لم يقبضه من البائع إلا فيما فيه حق توفية لمشتريه، وهو المثلي من مكيل أو موزون أو معدود فضمانه على البائع إلى قبضه بالكيل أو الوزن أو العد، واستيلاء المشتري عليه فيدخل حينئذ في ضمان المشتري. اهـ. بتوضيح. [مسألة] إذا باع شخص شيئا لآخر يوزن أو يكال، وتولي البائع أو وكيله الوزن أو الكيل ثم أخذ الشيء الموزون أو المكيل ليفرغه في ظرف المشتري، فسقط من يده أو تلف فضمانه من البائع، وأما إذا تولى تفريغه في الظرف المشتري فضمانه منه؛ لأنه حين أخذه من الميزان، أو المكيال ليفرغه في ظرفه فقد تولى قبضه فضمانه منه، وأما إذا تولى المشتري الوزن أو الكيل والتفريغ فيسقط من يده -فقال مالك وابن القاسم: مصيبته من البائع؛ لأن المشتري وكيل عن البائع ولم يقبض لنفسه حتى يصل لظرفه، وأما إذا لم يحضر ظرف المشتري وإنما حمل ذلك في ظرف البائع بعد وزنه أو كيله ليفرغه في ظرفه ببيته مثلا فسقط منه أو تلف فضمانه من المشتري بمجرد الفراغ

[مسألة]

من الوزن أو الكيل أو العد، ولو كان الحامل لها بيت المشتري البائع بطريق الوكالة، ولو كان السمن في فوارغه قبل وزنها، والفارغة على ربها وإنما كان ضمانه حال كونه في ظرف البائع من المشتري؛ لأن قبضه بعد الفراغ من وزنه قبض لنفسه في ظرف البائع، ويجوز له بيعه بذلك قبل وصوله لداره، وليس فيه بيع الطعام قبل قبضه؛ لأنه قد وجد القبض منه. اهـ. من أقرب المسالك بتصرف، وزيادة من "ص". [مسألة] لو فرغ المشتري الزيت مثلا على زيت عنده ثم وجد فأرا فالأصل أنه من عند المشتري؛ لأنه في إنائه شوهد حتى يثبت أنه من عند البائع، فيضمن زيت المشتري الذي تلف بسبب زيته أيضا إن دلس. اهـ. حطاب بزيادة. اهـ. من أمير. [مسألة] إن اشترى زيتا مثلا وأفرغه على زيته، ثم وجدت فأرة ولم تعلم من أيهما، فعلى المشتري كما في المجموع عن الحطاب. [مسألة] أجرة الكيل أو الوزن أو العد على البائع إذ لا تحصل التوفية إلا بذلك حيث لم يكن شرط أو عرف بخلاف ذلك وإلا عمل به، وأما أجرة الثمن إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا فعلى المشتري. اهـ. "در" بتوضيح. [مسألة] إذا اقترض شخص من آخر شيئا يكال أو يعد أو يوزن فأجرة الكيل أو الوزن أو العد على المقترض؛ لأن المقرض صنع معروفا فلا يكلف الأجرة، وكذا على المقترض أجرة ما ذكر عند رد القرض وكذا تلزم أجرة ما ذكر من قال لصاحبه: أقلني ومن قال لآخر: ولني ما اشتريت بما اشتريت، ومن قال لآخر: أشركني معك في هذا الطعام. ولا تلزم أجرة ما ذكر المقيل، والمولي والمشرك بالكسر بالجميع؛ لأن كلا منهم فعل معروفا كالمقرض. اهـ. "در" بتوضيح. (ما قولكم) في رجل اشترى من شخص قمحا بعينه، وفارقه قبل أن يكتاله فتعدى البائع على الطعام فعيبه فهل يلزمه أن يأتي بقمح مثله للمشتري، أو يأخذ المشتري دراهمه (الجواب) في أقرب المسالك قال في المدونة: ومن ابتاع من رجل طعاما بعينه ففارقه قبل أن يكتاله، فتعدى البائع على الطعام فعليه أن يأتي بطعام مثله، ولا خيار للمبتاع في أخذ دنانيره، ولو هلك الطعام بأمر من الله تعالى انتقض البيع، وليس للبائع أن يعطي طعاما مثله، ولا ذلك عليه. اهـ. والخطأ كالعمد، وليس كالسماوى. اهـ. ببعض تصرف. (ما قولكم) في شخص له حب مرتب في شونة السلطان في كل شهر أردب مثلا، هل له أن يبيعه قبل أن يقبضه أم لا؟ (الجواب)

[مسألة]

إن كان ذلك الحب مرتبا له في مقابلة عمل كتدريس، أو قضاء أو نحو كتابة دفتر أو غير ذلك فلا يجوز بيعه قبل قبضه، ويلحق بذلك طعام جعل صداقا أو خلعا فلا يجوز بيعه قبل قبضه، كما لا يجوز لمن اشترى طعاما أن يبيعه قبل قبضه لما في الموطأ والبخاري، ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله"، وأما إذا رتب لشخص أردب حب مثلا بشونة السلطان على وجه الصدقة كجراية أهل مكة المرتبة لهم من طرف السلطان، فيجوز بيع ما ذكر قبل القبض؛ لأنه ليس في نظير عوض، ففي أقرب المسالك: وجاز لمن ملك شيئا بشراء، أو غيره البيع له قبل القبض إلا طعام المعاوضة فلا يجوز بيعه قبل قبضه، وسواء كان الطعام ربويا أوغير ربوي، وطعام المعاوضة ما استحق في نظير عوض، فلا يجوز بيعه قبل قبضه، ولو كان العوض غير متمول كطعام جعل لقاض أو جندي من بيت المال في نظير القضاء أو في نظير حراسة الجندي أو غزوه، بخلاف ما لو رتب شيء لإنسان من بيت المال أو غيره كوقف على وجه الصدقة أو أهدى له أو تصدق به عليه، فيجوز بيعه قبل قبضه لعدم المعاوضة، ومحل جواز بيع الطعام المتصدق به أو الموهوب إذا لم يكن المتصدق أو الواهب اشتراه، وتصدق به أو وهبه قبل قبضه، وإلا فلا يبيعه المتصدق به عليه حتى يقبضه. اهـ. بتصرف وزيادة من "ص". وتوضيح. [مسألة] محل منع بيع طعام المعاوضة قبل قبضه إن أخذ بكيل أو وزن أو عدل لا إن أخذ جزافا فيجوز بيعه قبل قبضه، فمن اشترى صبرة جزافا بشروطه جاز بيعها قبل القبض لدخولها في ضمان المشتري بالعقد فهي مقبوضة حكما، فليس في الجزاف توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض، وحرمة بيع طعام المعاوضة قبل قبضه تعبد على الصحيح. اهـ. منه بتوضيح. [مسألة] الوصي ونحوه يجوز له إذا اشترى لأحد يتيميه طعاما من الآخر كان له أن يبيعه لأجنبي قبل قبضه قبضا ثانيا حسيا لمن اشتراه له؛ لأن الوصي لما تولي الطرفين لمحجوره نزل اشتراؤه من أحدهما للآخر منزلة القبض. اهـ. بتصرف. [مسألة] من عنده طعام وديعة لشخص أو اشتراه له بإذنه، ثم اشتراه من مالكه قبل أن يقبضه المالك فلا يجوز له بيعه بالقبض السابق على الشراء؛ لأن ذلك القبض السابق على الشراء لم يكن قبضا تاما، بدليل أن رب الطعام لو أراد إزالته من يده ومنعه

(فصل في الإقالة)

من التصرف كان له ذلك. اهـ. منه. [مسألة] لا يجوز أن تحيل بطعام عليك من بيع على طعام لك على شخص من قرض، ووجهه أن الذي اشترى منك الطعام ولم يقبضه إذا أحلته فقد باع ذلك الطعام الذي له في ذمتك من بيع بغيره. اهـ. أمير على "عب" بتوضيح. [مسألة] يجوز لمن اشترى طعاما أن يقرضه لشخص قبل قبضه، أو يوفيه عن قرض عليه؛ لأن الأقراض والوفاء من قرض ليسا ببيع، فليس فيه توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض بخلاف وفائه عن دين أصله بيع، فلا يجوز لوجود علة المنع وهي توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض. اهـ. منه بتوضيح. [مسألة] يجوز للمقترض أن يبيع الطعام قبل قبضه سواء باعه لمن تسلفه منه، أو لأجنبي. اهـ. منه بتصرف. (فصل في الإقالة) (ما قولكم) في الإقالة، هل حكمها حكم البيع أم لا، وإذا اشترى شخص شيئا ودخل في ضمانه ثم حدث به عيب، ثم طلب المشتري الإقالة فأقاله البائع ولم يعلم بالعيب الحادث إلا بعد الإقالة فهل للبائع الرد على المشتري أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك: الإقالة من حيث هي بيع يشترط فيها ما يشترط فيه، ويمنعها ما يمنعه، فإذا وقعت وقت نداء الجمعة منعت وفسخت، وإذا حدث بالمبيع عيب وقت ضمان المشتري ولم يعلم به البائع إلا بعد الإقالة فله الرد به إلا في مسائل: الأولى: الإقالة من طعام المعاوضة قبل قبضه فهي فيه حل بيع لا بيع، فلذا تجوز الإقالة من طعام المعاوضة قبل قبضه من بائعه إن وقعت بمثل الثمن الأول، وأما إن وقعت بأكثر أو أقل فلا تجوز الإقالة فيه قبل قبضه؛ لأنها حينئذ بيع. الثانية: الشفعة فالإقالة فيها ليست بيعا، ولا حل بيع بل هي لاغية باطلة شرعا، فمن باع نصيبه من عقار ثم أقال المشتري منه فالشفعة ثابتة للشريك بما وقعت به الإقالة، وعهدة الشفيع على المشتري بحيث إن الشفيع يرجع على المشتري بالعيب والاستحقاق، ولو كانت بيعا لخير الشفيع بين أن يأخذ بالبيع الأول أو الثاني لما يأتي في الشفعة إن شاء الله تعالى من أن المشتري إذا تعدد خير الشفيع بين أن يأخذ بأي بيع، ولو كانت حل بيع لم توجد شفعة لرجوع المبيع لصاحبه. الثالثة: المرابحة، فالإقالة فيها حل بيع فمن اشترى سلعة بعشرة وباعها مرابحة بخمسة عشر ثم أقال البائع المشتري، فلا يجوز للبائع أن يبيعها لآخر بخمسة عشر إلا إذا بين، وإنما وجب التبيين؛ لأن المشتري قد يكره ذلك، وأما إذا باعها بالعشرة، فلا يجب البيان على المعتمد لاحتمال أن كراهة

(فصل في المرابحة)

المشتري المبيع لكثرة الثمن. اهـ. بتوضيح. (فصل في المرابحة) (ما قولكم) في شخص باع سلعة على آخر مرابحة بخمسين على أن العشرة أحد عشر، ثم ادعى الغلط وقال: بل ثمنها الأصلي مائة، وأتى ببينة تشهد له بذلك، فهل للمشتري الرد؟ (الجواب) في أقرب المسالك: وإن غلط من باع مرابحة بنقص في الثمن بأن قال للمشتري منه مرابحة: اشتريته بخمسين، ثم ادعى الغلط وقال: بل ثمنه الأصلي مائة وصدقه المشتري في ذلك، أو لم يصدقه فأثبت ما ادعاه بالبينة فللمشتري الخيار، إما أن يرد السلعة، أو يدفع ما ادعاه البائع، وربحه وإن فاتت السلعة بيد المشتري لا بحوالة سوق خير بين دفع الثمن الذي ثبت بعد البيع، وربحه ودفع قيمة السلعة يوم البيع، ومحل تخييره بين دفع الثمن الصحيح وربحه، ودفع القيمة ما لم تنقص القيمة عن الغلط وربحه، وإلا فلا ينقص عن الغلط وربحه؛ لأنه قد رضي بدفعهما حين قال له بخمسين، والعشرة أحد عشر، ومعلوم أن الغلط وربحه أقل من الصحيح وربحه، والعاقل إذا خير بين دفع أحد أمرين إنما يختار دفع أقلهما، وحينئذ فيتعين دفعه للغلط وربحه حيث نقصت القيمة عنهما، وأما حوالة السوق فلا يعد في الغلط فوتا، وحينئذ فللمشتري الرد، أو دفع ما تبين وربحه كما تقدم صدر الجواب. اهـ بتصرف وتوضيح، وزيادة من "دس" و "ص". [مسألة] إن باع مرابحة وزاد في الثمن، ولو خطأ لزم المشتري إن حط البائع ما زاده وربحه، وإلا خير المشتري في التماسك والرد، كما أنه يخير في التماسك والرد إن غشه البائع، كأن وضع في يد العبد مدادا ليوهم أنه يكتب، وإن فاتت السلعة ولو بحوالة سوق ففي الغش يلزم المشتري الأقل من الثمن الذي وقع به البيع والقيمة، وفي الكذب يخير بين دفع الثمن الصحيح وربحه، أو القيمة يوم قبضه ولا ربح لها ما لم تزد القيمة على الكذب وربحه، وإلا لم يلزمه الزائد. اهـ. من أقرب المسالك بتوضيح وزيادة من ص. (¬1) (فصل في المداخلة) [مسألة] من اشترى حوتا فوجد في بطنه لؤلؤة، فإن كانت مثقوبة فلقطة، وإلا فقيل للبائع وهو الصواب. وقيل: للمشتري. اهـ من عبد الباقي. [مسألة] إذا اشترى حوتا فوجد في بطنه حوتا، فإن كان اشتراه وزنا فهو ¬

(¬1) قوله: (وزيادة هي قوله: ولو بحوالة سوق، والصاوي قدمها في المسألة قبل هذه. اهـ. تقرير المؤلف.

(فصل) في اختلاف المتبايعين

للمشتري، وإن اشتراه جزافا فللبائع. اهـ من عبد الباقي أيضا. (ما قولكم) في رجل اشترى دارا فوجد بأرضها رخاما مدفونا وعمدا وحليا ونقدا، هل يدخل في شراء الدار ويكون للمشتري أو هو للبائع؟ (الجواب) في أقرب المسالك: ولا تتناول الأرض مدفونا بها من رخام، وعمد وحلي ونقد وغير ذلك، بل هو لمالكه بلا خلاف إن علم بالإثبات أنه المالك، أو دلت القرائن عليه وحلف أنه ملكه سواء كان هو البائع، أو غيره من بائع لذلك البائع أو وارث أو غيره، وإن لم يعلم مالكه فهو لقطة فيعرف على حكم اللقطة إن ظن إفادة التعريف، وإلا كان مالا جهلت أربابه، محله بيت مال المسلمين إن كان منتظما، هذا إذا لم يكن عليه علامة الجاهلية، وإلا فهو لواجده، ويخمس والخمس لبيت المال. اهـ. بتصرف وتوضيح. [مسألة] إذا اشترى عبدا تناول ثياب خدمته فتدخل معه في البيع، ولو لم تكن عليه حال البيع، وأما ثياب زينته فلا تدخل معه إلا لشرط، ولو اشترط البائع عدم دخول ثياب خدمته بطل شرطه، ولزم البائع أن يعطيه ما يستره، وهذا قول أشهب عن مالك، ورجحه بعضهم قال: وبه مضت الفتوى عند الشيوخ، وسمع عيسى ابن القاسم أن الرجل إذا اشترط أن يبيع جارية عريانة فله ذلك، وصوبه ابن رشد قال: وبه مضت الفتيا بالأندلس، فهما قولان مرجحان. اهـ. منه بتصرف وتوضيح. [مسألة] يجب على البائع أن يسلم للمشتري وثائق العقار، وإلا خير المشتري كما في دس. (فصل) في اختلاف المتبايعين (ما قولكم) في شخص اشترى سلعة، وادعى أن ثمنها تسعة دراهم، فقال البائع: بل عشرة، فما الحكم؟ (الجواب) إن كانت السلعة قائمة حلف كل منهما على نفي دعوى خصمه مع تحقيق دعواه، فيقول البائع: ما بعتها بتسعة، ولقد بعتها بعشرة، ويقول المشتري: لم أشترها بعشرة ولقد اشتريتها بثمانية، وإن تنازعا في التقدم فيجبر الحاكم المشتري على تبدئة البائع بالحلف، ويفسخ البيع بعد الحلف ظاهرا وباطنا، فيجوز لمن ردت له السلعة التصرف فيها ولو بالوطء، والفسخ يكون بحكم حاكم أو تراض منهما عليه، ويفسخ أيضا ظاهرا وباطنا إن نكلا وقضي للحالف على الناكل، فإن لم يحصل حكم بالفسخ ولا تراض منهما جاز لأحدهما بما ادعاه الآخر وتم البيع به، وإن فاتت السلعة بحوالة سوق

(فصل) في السلم

فأعلى فالقول للمشتري بيمين إن اشتبه أشبه البائع أم لا، فإن حلف قضي له به، وإلا حلف البائع كما يحلف ابتداء إن انفرد بالشبه. اهـ من أقرب المسالك بتصرف، وزيادة من عدوي. [مسألة] في الأمير قال في المدونة، ومن باع حائطه وقال: اشترطت نخلات اختارها بغير عينها، وقال المبتاع: ما اشترطت إلا هذه النخلات بعينها تحالفا، وتفاسخا. اهـ ومثله في الشامل اهـ "بن". [مسألة] إذا اختلف قول المشتري والبائع في حدوث العيب وقدمه كان القول قول البائع أنه حادث كما في حاشية الخرشي من فصل الخيار. (فصل) في السلم (ما قولكم) في شخص اشترى قنطارا من لحم بمائة قرش على أن يأخذ منه كل يوم رطلا هل هو جائز أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك: وجاز شراء من بائع دائم العمل كخباز ولحام تشتري منه جملة كقنطار، ومفرقة على أوقات ككل يوم رطلا حتى تفرغ الجملة بدينار مثلا، ولا يشترط تعجيل رأس المال ولا تأجيل المثمن؛ لأن البائع لما نصب نفسه للعمل أشبه ما باعه الشيء المعين، وهذا بيع لا سلم، وليس لأحدهما الفسخ، ولا تفسخ بعد الموت أيضا. ووجه كونه بيعا أنهم نزلوا دوام العمل منزلة تعين المبيع، والسلم يكون المبيع فيه في الذمة لا معينا، ولا يشترط هنا تعجيل رأس المال بخلاف السلم، فلا يجوز تأخير رأس المال أكثر من ثلاثة أيام، ويشترط هنا الشروع في أخذ الشيء المشترى ولا يغتفر التأخير إلا لنصف شهر، وإن لم يكن دائم العمل فهو سلم يشترط فيه شروطه السبعة: الأول: تعجيل رأس المال. الثاني: أن لا يكون الثمن والمثمن طعامين، ولا نقدين. الثالث: أن يؤجل المسلم فيه بأجل معلوم كنصف شهر فأكثر لا أقل. الرابع: أن يكون المسلم فيه في الذمة. الخامس: أن يضبط المسلم فيه بعادته التي جرى بها العرف من كيل، أو وزن أو عدد. السادس: أن تبين الأوصاف التي تختلف بها الأغراض عادة بيانا شافيا. السابع: أن يوجد المسلم فيه عند حلوله غالبا. اهـ ملخصا من أقرب المسالك و "ص" بتصرف وتوضيح. [مسألة] يجوز أن تشتري قدرا معينا كرطل لحم كل يوم بدرهم مثلا من جزار دائم العمل، ومثله الخباز، ودوام العمل إما حقيقة أو حكما بأن كان من أهل ذلك الشيء المشترى منه، بحيث ييسر له تحصيله في أي وقت، ولا يشترط تعجيل رأس المال ولا تأجيل المثمن لأنه من باب

باب في الرهن

البيع، ويشترط الشروع في أخذ الشيء المشترى، ولا يغتفر التأخير إلا لنصف شهر، ولكل منهما الفسخ هنا؛ لأن البيع وإن كان جائزا فهو غير لازم، وإن لم يكن دائم العمل اشترط فيه شروط السلم، كالتي قبل هذه. اهـ من أقرب المسالك بتوضيح، وزيادة من "دس" و "ص". (ما قولكم) في شخص وجد عند نحاس مثلا طستا لم يكمل فاشتراه منه جزافا على أن يكمله، هل يجوز أم لا، وإذا قلتم بالجواز هل يضمنه المشتري بالعقد أو بالقبض، أو يضمنه البائع؟ (الجواب) في أقرب المسالك: أن من وجد صانعا شرع في طست، أو سيف، أو نحو ذلك، فاشتراه منه جزافا بثمن معلوم على أن يكمله جاز، ودخل في ضمان المشتري بالعقد، وأما البائع فلا يضمنه إلا ضمان الصناع، وهو إن كان التلف من الصانع أو ادعى هلاكه ولم تقم له بينة بذلك، والحال أنه مما يغاب عليه ضمن وإلا فلا ضمان عليه. اهـ بتصرف وزيادة من "دس". [مسألة] إن وجد ثوبا شرع في نسجه شخص، فلا يجوز أن يشتري منه ليكمل؛ لأن الثوب إن خرج على خلاف الصفة المشترطة لا يمكن إعادته بخلاف نحو الطست المتقدم، فإن نحو النحاس والحديد إن خرج على خلاف الصفة المشترطة يمكن إعادته على المطلوب، فلذا جاز هذا إذا لم يكثر عنده الغزل من جنس المطلوب، وإلا جاز؛ لأنه لو خرج على خلاف الصفة المشترطة عمل من ذلك الغزل بدله على الصفة. اهـ من أقرب المسالك بتوضيح. [مسألة] في الأمير على "عبق" سئل "عج" عمن وكل على قبض ثمن طعام، فدفع الوكيل عن الثمن طعاما وأخذ الثمن فأجاب بالجواز، وفيه أيضا سئل ابن زكريا عمن اشترى ثمار حائط وعجز عن بعض الثمن فرد بدله بعض الثمر، فأجاب بالجواز حيث كان الباقي من الثمن أقل من الثلث، فخالفه بعض معاصريه، فقال سيدي أحمد بن زكريا لمن خالفه: يا رأس اللحم، حكى ابن رشد في البيان أن القدر الذي يجوز أن يستثنى ابتداء يجوز أن يكون قضاء. وقوله: يا رأس اللحم، كناية عن البلادة كرأس الأنعام. باب في الرهن (ما قولكم) في شخص عليه دين فطلبه ربه منه، وكان في يد المدين سلعة، فقال لصاحب الدين: أمسك هذه السلعة حتى أدفع لك حقك فأمسكها، واستمرت تحت يده فقام بقية الغرماء على المدين، وليس عنده ما يكفي جميع الغرماء، فهل يختص

[مسألة]

بالسلعة من أمسكها، أو يكون أسوة الغرماء؟ (الجواب) هي رهن عند أشهب، فيختص بها من أمسكها؛ لأنه يكفي في صيغة الرهن عنده ما يدل على الرضا كالبيع، وعليه اقتصر في متن أقرب المسالك، وقال ابن القاسم: لا بد في صيغة الرهن من اللفظ الصريح، وعليه فيكون من أمسكها أسوة الغرماء. [مسألة] من أخذ من مدينه عبدا رهنا فأبق بعد الحيازة ففي الخرشي، و"عبق" يستوي الغرماء فيه وهو آبق، ورده البناني بأنه متى حيز لا يبطل حق المرتهن منه إلا برجوعه لسيده مع علم المرتهن، وسكوته. اهـ من "ص" بتصرف. (ما قولكم) في غلة نحو الدار أو جزء مشاع في نحو دار أو دابة أو ثوب، هل يجوز رهنه أم لا؟ (الجواب) يصح رهن ما ذكر خلافا للحنفية القائلين: لا يصح رهن المشاع، ولا هبته ولا وقفه، ولا يلزم الراهن للجزء المشاع استئذان شريكه بل يندب. اهـ ملخصا من أقرب المسالك و "ص". (فائدة) الراهن هو دافع الرهن، والمرتهن بالكسر هو آخذه، ويقال له أيضا: مرتهن بفتح الهاء؛ لأنه وضع عنده فيكون مرتهن بالفتح اسم مكان الرهن، ويطلق مرتهن بالفتح على الراهن أيضا؛ لأنه سأله فهو مكان لسؤال الرهن. اهـ ملخصا من خرشي وعدوي. [مسألة] إذا لم يحز المرتهن الرهن حتى مات الراهن أو فلس أو جن أو مرض مرضا متصلا بالموت بطل الرهن، فيكون المرتهن أسوة الغرماء، ولو جد واجتهد في حوزه فحصل المانع قبله بخلاف الهبة والصدقة، فإن الجد في حوزهما يفيد أنهما خرجا عن ملكه بالقول، والرهن لم يخرج عنه لكن يبطل الهبة، والصدقة إحاطة الدين قبل الجد، ويخالف الرهن الهبة والصدقة في مسائل أيضا منها: أن الرهن يفتقر إلى إذن الراهن في الحوز بخلاف الصدقة ونحوها، ومنها أن الرهن متى رجع ليدربه باختيار المرتهن بطل حوزه، ولو بعد سنين بخلاف الهبة والصدقة، ومنها أن الزوج إذا رهن زوجته متاع البيت أو خادمه وبقيا يستخدمان ذلك، فهو غير حوز، ويصح ذلك في الهبة والصدقة، ومنها افتقاره إلى معاينة البينة بحوزه بخلاف الهبة، والصدقة. اهـ ملخصا من "عبق" والأمير بتوضيح. (ما قولكم) في مرتهن لشيء نازعه الغرماء بأنه إنما حازه بعد حصول المانع للراهن من موت أو فلس، وادعى المرتهن أنه حازه قبل المانع، وشهد له الأمين الحائز للرهن، فهل القول للمرتهن أو للراهن؟ (الجواب) لا يقبل قول المرتهن بعد حصول المانع

أنه حاز الرهن قبل المانع، ولا تفيده دعواه، ولو شهد له الأمين الحائز للرهن؛ لأنها شهادة على فعل نفسه، إلا أن تشهد له بينة على التحويز أو الحوز، ومعنى التحويز: أن تشهد البينة على معاينة أن الراهن سلم له الرهن قبل حصول المانع، ومعنى الحوز أن تشهد على أنه حازه قبل المانع، ولو لم تشهد بالتحويز على الأوجه فتفيده دعواه حينئذ، ويستفاد من قولهم إن الشهادة على فعل النفس لا تفيد؛ لأنها دعوى أن شهادة القباني بأن وزن ما قبضه فلان كذا لا تقبل؛ لأنها شهادة على فعل النفس بخلاف ما إذا شهد أن فلانا قبض ما وزنه فإنه يعمل بشهادته، فإن شهد بهما معا فالظاهر البطلان؛ لأن الشهادة إذا بطل بعضها بطل كلها، حيث كان بطلان بعضها للتهمة كما هنا، ومحل بطلان شهادة القباني بالوزن ما لم يكن مقاما من طرف السلطان أو نائبه كالقاضي كما بمصر، وإلا عمل بشهادته كما استظهره "عج"، والظاهر أن تابع المقام من القاضي مثله. اهـ ملخصا من أقرب المسالك و "ص". (فائدة) تباع أم الولد (¬1) في مسائل: الأولى: إذا وطئ الراهن الأمة المرهونة بلا إذن من المرتهن فولده منها حر، وتباع هي عند الأجل إن ظهر أن الراهن معسر. الثانية: أمة المفلس الموقوفة للغرماء يطؤها المفلس، فتحمل منه. الثالثة: أمة الشركة يطؤها أحد الشريكين بلا إذن الشريك الآخر، فتحمل منه. الرابعة: جارية من أحاط الدين بماله ومات فوطئها ابنه، والحال أن أباه لم يمسها. الخامسة: أمة القراض يطؤها العامل. السادسة: ¬

(¬1) قوله: "فائدة" تباع أم الولد دون ولدها إلخ، قد نظمها ابن المؤلف محمد علي المالكي بقوله لتحفظ: تباع عند مالك أم الولد ... بدون ابنها بتسعة تعد إن يطأ المفلس والشريك أو ... يطأها العامل في قرض رأوا أو راهن بدون إذن المرتهن ... أو سيد بعد جناية تبن أو استحقت بعد أن أحبلها ... وأمة غرورها زوجا لها ومن تباع في النجوم بعدما ... قد مات سيد المكاتب كما يطؤها ابن الذي مات وقد ... أحاط دينه ومسها فقد وابنها يباع دونها أتى ... باثنتين عتق عبد أمة ملكها من بعد حملها وما ... بعتقه سيده ما علما حق له أعتق أو قد ولدت ... من قبل عتق من لعتقها أبت وحامل من غير سيد وقد ... وهبها بدون حملها المعد لغير من أحبل والموهوب له ... أعتقها فاحفظ ولا تهمله اهـ.

[مسألة]

جارية وطئها بعد جنايتها، وهو عالم بها. السابعة: الجارية التي اشتراها شخص، وأحبلها ثم استحقها شخص من يده. الثامنة: الأمة الغارة. التاسعة: أمة المكاتب يموت، وفيها وفاء بالكتابة تباع في النجوم، والولد حر في الجميع، ويباع ابن أم الولد دون أمه في مسألتين: الأولى: إذا ملك العبد أمة فوطئها فحملت وأعتقها، ولو يعلم سيده بعتقه لها حتى أعتقه، فإن عتق العبد أمته ماض وتكون حرة، والولد الذي في بطنها رقيق، وحمله بعضهم على ما إذا وضعت الولد قبل عتق السيد العبد الذي أعتقها، وأما لو كان في بطنها حين العتق، فإنه يتبع أمه الثانية أمة حامل من غير سيدها فوهبها لشخص واستثنى حملها، ثم إن الموهوب له أعتقها فتصير حرة حاملة برقيق. اهـ "ص" بتوضيح. [مسألة] شرط ضمان المرتهن أن يكون الرهن بيده، وكان مما يغاب عليه ولم تقم على هلاكه بينة بضياعه بغير تفريط فيضمنه حينئذ، ولو اشترط البراءة من الضمان حال العقد، وإلا بأن كان بيد أمين، أو كان مما لا يغاب عليه، أو قامت على ضياعه بينة فلا ضمان على المرتهن؛ لأن ضمانه ضمان تهمة، وقد زالت فلا ضمان إلا أن تكذبه البينة الشاملة للعدل، وامرأتين كما لو ادعى موت الدابة أو العبد الرهن فقال جيرانه أو رفقته في السفر: لم نعلم بذلك، أو قال: مات أو ضاع يوم كذا فقالت البينة: رأيناه عنده بعد ذلك اليوم، فإنه يضمن في جميع ما ذكر. اهـ من أقرب المسالك بتصرف. [مسألة] إذا ادعى المرتهن احتراق الرهن أو سرقته، وعلم احتراق محله أو سرقة متاعه فإنه يضمن، ولا ينفعه ذلك إلا ببقاء بعضه لم يحرق مع ظهور أثر الحرق فإنه لا يضمن. اهـ منه بتوضيح. [مسألة] للراهن تحليف المرتهن مطلقا في ضمانه وعدم ضمانه، لقد ضاع أو تلف بلا تفريط منه، وأنه لم يعلم موضعه. اهـ منه. (ما قولكم) فيما إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الدين فقال الراهن: عشرون، وقال المرتهن: ثلاثون، والرهن قيمته ثلاثون، فهل القول للراهن أو للمرتهن؟ (الجواب) في أقرب المسالك: أن الرهن بالنظر لقيمته كالشاهد، فمن شهد له حلف منه وكان القول له، وهنا الرهن شاهد للمرتهن فالقول له، وإن لم يشهد لواحد منهما بأن كان أقل من دعوى المرتهن، وأكثر من دعوى الراهن حلف كل منهما على طبق دعواه، ونفى دعوى الآخر، وأخذ المرتهن الرهن في دينه إن لم يغرم له الراهن قيمته، فإن نكلا فكحلفهما. اهـ. [مسألة] إذا اختلفا

باب الفلس

في قدر الدين وشهد الرهن بالنظر لقيمته للمرتهن، وقلتم يحلف معه ويكون القول له، فهل إذا وجد المرتهن شاهدا واحدا يشهد له؟ فهل يضمه للرهن ويسقط اليمين؟ أو لا بد من اليمين؟ نقل بعضهم عن المتيطي أنه لا يضم له وأنه لا بد من اليمين مع الشاهد؛ لأن الرهن ليس شاهدا حقيقيا، وهو ظاهر. انتهى بن. باب الفلس [مسألة] لصاحب الدين منع من أحاط الدين بماله من تبرعه بهبة، وصدقة وحبس وإخدام وحمالة، وكذا لا يجوز له فيما بينه وبين الله تعالى، وله منعه من البيع والشراء والأخذ والعطاء؛ لأن التفليس العام، وهو قيام الغرماء مانع من ذلك كما نص عليه ابن رشد بخلاف مجرد الإحاطة من غير قيام الغرماء، فلا تمنع المعاوضات بالبيع والشراء كما في أقرب المسالك. (ما قولكم) فيمن أحاط الدين بماله، وطلب بعض أرباب الديون تفليسه، وأبى غيره هل يفلس لأجل الطالب أم لا؟ وإذا قلتم يفلس لحق الطالب فهل يحاصصه من أبى تفليسه أم لا؟ (الجواب) نعم، يفلس لحق الطالب، وللآخرين محاصة القائم؛ لأن تفليسه لواحد تفليس للجميع. اهـ خرشي. [مسألة] ليس لمن أحاط الدين بماله أن يفلس نفسه بأن يرفع للحاكم، ويثبت عدم نفسه، بل لا يحكم الحاكم بتفليسه إلا إذا طلبه الغرماء. (فائدة) اعلم أن من أكثر ماله حلال وأقله حرام تجوز معاملته، ومداينته، والأكل من ماله، كما قال ابن القاسم وهو المعتمد، خلافا لأصبغ المحرم لذلك، وأما من أكثر ماله حرام والقليل حلال، فمذهب ابن القاسم كراهة معاملته ومداينته، والأكل من ماله، وهذا المعتمد خلافا لأصبغ المحرم لذلك، وأما من كل ماله حرام وهو المراد بمستغرق الذمة، فهذا تمنع معاملته، ومداينته، ويمنع من التصرف المالي وغيره خلافا لمن قال: إنه مثل من أحاط الدين بماله يمنع من التبرعات لا من التصرف المالي، وسبيل ماله إذا لم يمكن رده به لأربابه الصدقة على الفقراء ليس إلا، وقيل: يصرف في جميع منافع المسلمين كبناء القناطر، وسد الثغور، واختلف إذا نزع منه ليصرف في مصالح المسلمين. هل يترك له منه شيء أولا؟ والمعتمد أنه يترك له ما يسد رمقه ويستر عورته. اهـ تقرير شيخنا عدوي. اهـ من دسوقي. [مسألة] لا يكلف الحاكم الغرماء أن لا غريم على المفلس غيرهم؛ لأن الدين يقصد إخفاؤه غالبا، فإثبات حصر

باب الحجر

الغرماء متعسر، وأما الورثة فإن الحاكم لا يقسم عليهم حتى يكلفهم بينة تشهد بحصرهم، وموت مورثهم ورتبتهم من الميت، وذلك لأن عددهم معلوم بالجيران، وأهل البلد فلا كلفة في الإشهاد عليهم، ولكن شهود الورثة يشهدون على نفي العلم، بأن يقولوا في شهادتهم: لا نعلم وارثا غير هؤلاء الورثة، فلو قالوا: لا وارث للميت غير هؤلاء قطعا بطلت شهادتهم كما في دس. باب الحجر (ما قولكم) في صبي أتلف شيئا هل يضمن أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك: إن أتلف شيئا لم يؤمن عليه فإنه يضمن قيمته في ماله إن كان له مال، وإلا اتبع به في ذمته، وإن أمن عليه فلا ضمان عليه؛ لأن من أمنه قد سلطه على إتلافه، فإن كان الذي أمنه هو رب المال فقد ضاع هدرا، وإن كان غيره فعلى المؤمن الضمان لتفريطه إلا أن يصون به ماله، وإلا فيضمن الأقل مما صونه به وما أتلفه، فإذا أمن على عشرة قروش مثلا وعنده لنفسه ثمانية قروش فأكل بالعشرة التي أمن عليها، وصان الثمانية، فإنه يغرم الثمانية، وأما إذا كان لا شيء عنده فإنه لا يغرم شيئا، ولو استفاد مالا بعد الإتلاف. باب الصلح (ما قولكم) في شخص ادعى على آخر بشيء فأنكر، فطلب المدعي اليمين من المدعى عليه، فهل له أن يصالح المدعي بشيء، ويفتدي من اليمين مع علمه براءة نفسه؟ (الجواب) نعم، له أن يفتدي من اليمين، ولو علم براءة نفسه خلافا لما قاله ابن هشام من أنه إذا علم براءة نفسه تجب عليه اليمين، ولا يجوز له الصلح لأربعة أمور منها: أن في حلفه إذلال نفسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أذل نفسه أذله الله" ومنها أن فيه إضاعة المال، ومنها أن فيه إغراء للغير، ومنها أن فيه إطعام ما لا يحل، ورد كلام ابن هشام بأن ترك اليمين وترك الخصام عز لا إذلال، وحينئذ فبذل المال للافتداء من اليمين ليس إضاعة له؛ لأنه لمصلحة، وأما إطعام الغير الحرام فلا سبيل على المظلوم فيه،} إنما السبيل على الذين يظلمون الناس {الآية. قاله البناني. اهـ ملخصا من أقرب المسالك و "ص" بتصرف. [مسألة] قولهم: الصلح جائز، إنما هو بالنسبة لظاهر الحال، فالمنكر من المتصالحين إن كان

باب في الحوالة

صادقا في إنكاره فما أخذه الآخر منه حرام، وإلا فحلال كما في أقرب المسالك وغيره. (ما قولكم) في شخص ادعى على آخر بعشرة مؤجلة، فهل للمدعى عليه أن يصالحه بثمانية نقدا أم لا؟ (الجواب) لا يجوز له ذلك لما فيه من ضع وتعجل؛ لأنه أسقط عنه اثنين من العشرة المؤجلة لأجل أن يعجل له ثمانية الآن، ومن عجل ما أجل عد مسلفا، فكأنه سلفه الثمانية المنقودة الآن لأجل أن ينتفع باثنين عند الأجل ففيه سلف جر نفعا، وأما عكس هذه، وهو أن يصالحه بعشرة نقدا عن ثمانية مؤجلة، فلا يجوز أيضا لما فيه من حط الضمان، وأزيدك. (¬1) [مسألة] لا يجوز الصلح بدراهم عن دنانير مؤجلة، ولا عكسه لما فيه من الصرف المؤخر. [مسألة] يجوز الصلح على الافتداء بمال عن يمين توجهت على المدعى عليه، ولو علم براءة نفسه وهو المعروف خلافا لمن منعه، وهو ابن هشام زعم أن ترك حلف البريء إذلال لنفسه، وفي الحديث: "من أذل نفسه أذله الله". وإضاعة مال وإغراء للغير وإطعامه ما لا يحل ورد بأن ترك الحلف، والخصام عز لا إذلال؛ فبذل المال له ليس إضاعة، وأما أكل الغير الحرام فلا سبيل على المظلوم فيه، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس. اهـ ملخصا من عبق والأمير. باب في الحوالة [مسألة] شرط صحة الحوالة رضا المحيل والمحال فقط دون المحال عليه، وإنما يشترط حضوره، وإقراره على الأرجح. (ما قولكم) في رجل له على آخر أردب قمح من دين وللمدين أردب قمح من قرض على آخر، فطلب صاحب الأردب الدين أن يوفيه حقه، فهل يجوز للمدين أن يحيله على الأردب القرض أم لا؟ (الجواب) يجوز إذا حل المحال به عند الأصحاب إلا ابن القاسم، فاشترط حلولهما معا. وقال ابن رشد: يمنع مطلقا لما فيه من بيع الطعام قبل قبضه. وأجيب بأن قضاء القرض بطعام البيع جائز، وأما الطعامان من بيع فلا تجوز الحوالة فيهما كما في أقرب المسالك وغيره. [مسألة] تكفي الإشارة الدالة على الحوالة من الأخرس، ولا تكفي من الناطق خلافا لما يوهمه كلام ابن عرفة. اهـ من "دس". ¬

(¬1) قوله: وأزيدك، يجوز رفع أزيدك بتقدير المبتدأ، والنصب بأن مضمرة بعد واو المعية. اهـ مؤلف.

باب في الضمان

باب في الضمان [مسألة] إذا ادعى شخص على آخر بدين فأنكره فقال شخص آخر: إن لم آتك به في غد فأنا ضامن فيما ادعيت به عليه، ثم لم يأت به في الغد لا يلزمه ضمان؛ لأنه وعد وهو لا يقضي به إلا أن يثبت المدعي حقه ببينة فالضمان لازم، وأما إذا أقر المدعى عليه بالدين فالمعتمد أنه لا يعول عليه، وإذا كان لا يعول على إقراره فالضمان غير لازم كما في حاشية الخرشي. [مسألة] إذا ادعى شخص على آخر بدين فأنكره، ثم قال للمدعي: أجلني اليوم، فإن أوفك فما تدعيه علي حق. فإن هذه مخاطرة كما قال ابن القاسم، ولا شيء عليه إلا أن يقيم المدعي بما ادعى بينة، أو يقر له المدعى عليه فيؤاخذ به قولا واحدا؛ لأنه إقرار على نفسه كما في الخرشي. [مسألة] من قدر على تخليص شيء من نفس أو مال كمحارب أو سارق، وجب عليه تخليصه بيده أو ماله أو شفاعته أو جاهه، ورجع بالمال إن وجد معه وإلا اتبعه في ذمته، فإن لم يخلصه ضمن قيمة المال لربه ودية النفس على عاقلته إن كان متأولا بأن اعتقد أنه لا يلزمه تخليصه، وإن كان متعمدا لإهلاكه بترك تخليصه قتل كما استظهره بعضهم، وكذا يضمن الشاهد إذا كتم شهادته بمال على شخص جاحد بعد أن طلبت منه الشهادة، كما ذكروا ذلك في باب الذكاة. [مسألة] من فتح بابه وكان قبل فتحه مستندا عليه جرّة عسل مثلا، فانكسرت فإنه يضمنها؛ لأن فعله قارن الإتلاف، كما قال ابن عرفة، بخلاف ما لو أطلق نارا في محل فأحرقت دار جاره، فلا ضمان على المطلق. اهـ "دس" من باب الحج. باب في الشركة (ما قولكم) في أخوين اتجرا في مال واحد، وتصرفا فيه بأنواع التصرفات من صدقة وهبة وغير ذلك، وكل منهما مفوض للآخر من غير مشاورة واستمرا على ذلك نحو ستة وعشرين سنة، ثم ادعى أكبرهما أن جميع المال له، وادعى الصغير أنه شريك لأخيه الكبير بالنصف فما الحكم؟ (الجواب) إذا قالت البينة: نحن نعرف أن الأخوين يتصرفان في جميع المال في عرف التجارة تصرف المتفاوضين، فإن القول قول من ادعى أن المال للشركة لمدعي الاختصاص، إلا إذا شهدت

(فصل)

البينة له بأنه ورثه من زوجة، أو وهبه له فلان، هذا محصل ما في الخرشي، والمجموع والدسوقي وغيرهم والله أعلم. (فصل) في بيان أشياء يقصر بها عند التنازع بين شركاء وغيرهم. (ما قولكم) في شخص طلب من آخر دينا فادعى أنه دفعه له، وقد طالت المدة فهل يصدق أم لا؟ (الجواب) قيل: إن طال الزمان كعشرين سنة فإنه يصدق، ولا عبرة بوجود الوثائق بيد المدعي، والمعتمد أنه لا يصدق إلا ببينة ولو طال الزمان، كما في الدسوقي والله أعلم. (ما قولكم) في شخص جلس للبيع بفناء دار شخص آخر، فهل لصاحب الدار منعه أم لا؟ (الجواب) في الخرشي وغيره أنه يقضي للباعة بالجلوس بأفنية الدور ما لم يضر، وهي ما فضل عن المارة من طريق واسعة نافذة لا ضيقة، أو غير نافذة، إذ لا فناء حينئذ للدور يمكن الجالس منه؛ لأن الحق في غير النافذة لخصوص أهل دورها، كذا في الأمير على عبق. وأما الجلوس للتحدث ونحوه فإنهم يقامون، وقضي للسابق من الباعة للأفنية إن نازعه فيه غيره، ولو اشتهر به ذلك الغير والله أعلم. (ما قولكم) في شخص أحدث فرنا قرب فرن آخر، فنقصت غلة ذلك الفرن هل يمنع أم لا؟ (الجواب) في حاشية الخرشي أنه لا يمنع من إحداث ما ينقص الغلة، كإحداث فرن قرب فرن آخر، أو حمام قرب حمام آخر والله أعلم. (ما قولكم) فيمن أحدث بناء في طريق وهو لا يضر، فهل يؤمر بهدمه أم لا؟ (الجواب) يقضى بهدم البناء الذي في الطريق، ولو لم يضر بالمارة. وفي حاشية الخرشي: ولو كان ذلك البناء مسجدا والله أعلم. (ما قولكم) في شخص أحدث طاقة يشرف منها على جاره، هل يؤمر بسدها أم لا؟ (الجواب) يقضى بسد كوّة أو باب أو غرفة من داره يشرف منها على جاره إن أحدث ما ذكر، وفي "ابن": وإذا سكت من فتحت عليه كوّة عشر سنين بلا عذر لم يكن له مقال على قول ابن القاسم وبه القضاء. اهـ وأما القديمة، فلا يقضى بسدها. ويقال للجار: استر على نفسك إن شئت، وكذا إن كانت عالية لا يمكن التطلع منها إلا بسلم كما في أقرب المسالك وغيره. والله أعلم. (ما قولكم) في شخص أراد أن ينفض حصره قباله باب داره، هل يمنع إذا ضر بالمارة. (الجواب) في الخرشي قال ابن حبيب: ومن أراد أن ينفض حصره أو غيرها على باب داره وهو يضر غباره بمن يمر

بالطريق يمنع من ذلك، ولا حجة له أن يقول: إنما فعلته على باب داري والله أعلم. (ما قولكم) في شخص ادعى على آخر بدين فأنكر المدعى عليه أصل المعاملة، فأقام المدعي بينة شهدت له بأصل المعاملة، فأقام المدعى عليه بينة شهدت له بأنه وفي الدين للمدعي، فهل بينة المدعى عليه تنفعه أم لا؟ (الجواب) إقامة المدعى عليه بينة شهدت له بأنه وفي الدين للمدعي أو صالحه عليه لا تنفعه، وعليه الضمان؛ لأنه أكذب بينته بإنكاره أصل المعاملة، بخلاف ما إذا قال: لا حق لك علي، فشهدت عليه بينة به فأقام بينه شهدت له بأنه وفاه إياه أو صالحه فتقبل، وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين من لا يعرف الفرق بين إنكار المعاملة، وبين قوله لا حق لك علي، وبين من لا يعرف الفرق بينهما. وإذا وكلت وكيلا على قبض شيء فقبضه، ثم أنكر القبض، فقامت بينة تشهد عليه بأنه قبضه، فأقام بينة تشهد له بأنه تلف، فيقال فيه ما قيل في المديان من أن البينة لا تنفعه؛ لأنه أكذبها بإنكاره القبض، وعليه الضمان. وفي حاشية الخرشي: ويستثنى من هذا الإنكار المكذب للبينة في الأصول والحدود، فإنه لا يضر. فإذا ادعى شخص على آخر أنه قذفه، أو أن هذه الدار له، فأنكر أن يكون حصل منه قذف، أو أن تكون هذه الدار دخلت في ملك المدعي بوجه، فأقام بينة تشهد له بما ادعاه، وأقام المدعى عليه بينة أنه عفي عنه في القذف، أو أنه اشترى منه الدار، أو وهبها له، فتقبل بينته في هذين. ولعل الفرق أن الحدود يتساهل فيها لدرئها بالشبهات، وأن الأصول يظهر فيها انتقال الملك، فدعوى أنها ما دخلت في ملك المدعي لا يلتفت لها، فكأنه لم يحصل منه ما يكذب البينة التي أقامها، وهذا فيمن يظهر ملكه، وحمل غيره عليه حملا للنادر على الغالب، والله أعلم. (ما قولكم) في وكيل ادعى أنه دفع الدين الذي على موكله، وأنكر القابض، والحال أن الوكيل لم يشهد على القابض، فهل يضمن الوكيل أم لا؟ (الجواب) يضمن الوكيل لتفريطه بعدم الإشهاد، سواء كان مفوضا أو غيره، كانت العادة جارية بالإشهاد أو بعدمه، وهذا ما لم يكن الدفع بحضرة الموكل، أما لو كان بحضرته ولم يشهد الوكيل، فلا ضمان عليه، بخلاف الضامن إذا دفع الدين بحضرة المضمون ولم يشهد فإنه يضمن، والفرق أن ما يدفعه الوكيل من مال الموكل، وقد دفعه بحضرة الموكل فكان الإشهاد

باب الوكالة

على الموكل لا على الوكيل، بخلاف الضامن، فإنه إنما ضمن ما دفعه؛ لأنه مال نفسه، وقد فرط بعدم الإشهاد والله أعلم. (ما قولكم) في شخصين شريكين في شيء لا يقبل القسمة، كفرن وحانوت، وحصل خلل في ذلك، وامتنع أحد الشريكين من التعمير، فهل يجبر الممتنع أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك: يؤمر الشريك فيما لا ينقسم أن يعمر، فإن امتنع قيل له: إن لم تعمر حكمنا عليك بالبيع، فإن استمر على الامتناع حكم عليه بالبيع، ولو كانت حصته يزيد ثمنها على التعمير، فإن باع لغير الشريك فلا شفعة فيه للشريك، كما يأتي إن شاء الله تعالى في الشفعة. [مسألة] المنقول عن ابن القاسم رحمه الله تعالى وبه القضاء: أن من حدث عليه ضرر من فتح كوة أو غيرها، وسكت عشر سنين بلا عذر، فلا مقال له بعد ذلك. اهـ منه. [مسألة] يقضى بمنع بناء يمنع الضوء أو الشمس أو الريح على الجار. اهـ منه. [مسألة] لا يقضى بمنع علو بناء على بناء جاره إلا أن يكون ذميا على مسلم فيمنع، ولكن الذي علا ببنائه يمنع من الضرر، كالتطلع بالإشراف من العلو الذي بناه اهـ. منه. [مسألة] يمنع من الصعود على منارة إن كان يشرف الصاعد للأذان على الجار، ولو كانت قديمة، ومحل المنع ما لم يجعل لها ساتر من كل جهة يمنع من الإطلاع على الجيران، وما لم يكن الصاعد أعمى، وإلا فلا منع، بخلاف الصاعد على نخلة لأخذ ثمرها أو تقليمها، فلا يمنع ولكن ينذر الجيران وجوبا. وقيل ندبا. اهـ ملخصا منه ومن "ص". [مسألة] لا يمنع من إحداث روشن أو ساباط بسكة نافذة، أو غيرها ولا يحتاج لإذن أحد، والروشن هو الجناح الذي يخرج به جهة السكة في علو الحائط لتوسعة العلو، والساباط سقف في السكة لمن له الجانبان، ومحل الجواز إن لم يكن فيهما ضرر بالمارة، بأن رفعا رفعا بينا عن رؤوس الناس، والإبل المحملة، فإن كان فيهما ضرر منعا، هذا هو المعتمد، وفصل الشيخ خليل بين النافذة وغيرها، ورجح أيضا. اهـ منه. باب الوكالة [مسألة] الوكيل على بيع شيء يمنع أن يبيع ذلك الشيء لنفسه، ولو سمي له الثمن لاحتمال الرغبة فيه بأكثر ما لم يكن بعد تناهي الرغبات فيه، وما لم يأذن له ربه في البيع لنفسه، وإلا جاز. اهـ "در".

باب في الإقرار

باب في الإقرار (ما قولكم) في شخص أقر بأنه غصب الشيء الفلاني من زيد، ثم قال: لا بل من عمرو، وقلتم: إن ذلك الشيء يكون لزيد، ويقضى لعمرو بقيمة ذلك الشيء، ولعمرو تحليف زيد إن ادعى أن ذلك الشيء غصب منه، فإن نكل زيد حلف عمرو وأخذه، ولا شيء على المقر لزيد، فإذا نكل الثاني أيضا فما الحكم؟ (الجواب) في الخرشي وعبد الباقي: الظاهر أنه إذا نكل الثاني يشتركان في ذلك الشيء؛ لتساويهما في النكول، وفي الأمير عن البناني: الظاهر اختصاص الأول؛ لأن نكول الثاني تصديق للناكل الأول، بخلاف ما إذا قيل: تحالفا، فإن نكولهما كحلفهما. اهـ ملخصا، ومثال تحالفهما كما إذا أقر زيد لعمرو بأحد ثوبين، وقال: لا أدري أي الثوبين له، وقال عمرو: لا أدري أيهما متاعي؛ فإنهما يحلفان على نفي العلم، ويشتركان في الثوبين بالنصف، ونكولهما كحلفهما، والله أعلم. (ما قولكم) في رجل أقر بشيء من ماله أنه لولده الصغير، ومعلوم بين الناس أنه لا مال للولد، ثم مات الأب فهل يستحق الولد ذلك الشيء أم لا؟ (الجواب) في حاشية العلامة الأمير: لو أقر بشيء أنه لولده الصغير مثلا، وقد علمنا أنه لا مال للولد بوجه فتركة؛ لأنه لم يجعله صدقة عليه حتى يحوزه له فهو توليج؛ أي إدخال شيء بالكذب، والله أعلم. باب في الاستلحاق [مسألة] الاستلحاق عرفا: إقرار ذكر مكلف أنه أب لمجهول نسبه؛ فأركانه ثلاثة؛ الأول: مقر، وشرطه أولا: الذكورة فلا استلحاق لأم اتفاقا، والمشهور اختصاصه بالأب دنية، فلا يصح الاستلحاق من الجد؛ خلافا لأشهب في قوله: إنه يستلحق، وتأوله ابن رشد على ما إذا قال: أبو هذا ولدي لا إن قال: هذا ابن ولدي؛ فلا يصدق، وثانيا: التكليف ولو سفيها، فلا يصح استلحاق مقطوع النسب، كولد الزنا المعلوم أنه من زنا، ولا معلوم النسب؛ فيحد من ادعى أنه أبوه حد القذف إلا أن يقر بالزنا فحد الزنا أيضا، والثالث: إقرار بأنه أب مجهول النسب، ولو مع تكذيب أمه له؛ لتشوف الشارع للحوق النسب، والمشهور أنه لا يشترط أن يعلم تقدم

باب في الوديعة

ملك أم هذا الولد أو نكاحها لهذا المستلحق بالكسر، وقال سحنون: يشترط ذلك. قال ابن عبد السلام: وهو قول لابن القاسم، ووجه أنهم اكتفوا في هذا الباب بالإمكان فقط؛ لتشوف الشارع للحوق النسب ما لم يقم دليل على كذب المقر، فالشرط عليه أن لا يكذبه عقل، كما لو كان الأب صغير السن والمستلحق كبيرا، فإن كان ذلك يحيله العقل لما فيه من تقدم المعلول على علته، ولا عادة كاستلحاق من علم أنه لم يقع منه نكاح ولا تسر أصلا، فإن العادة تحيل أن يكون له ولد؛ لأن كون الولد إنما يكون بين ذكر وأنثى عادي لا عقلي؛ ولذا قيل في قوله -تعالى-:} أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة {، أن هذه حجة عرقية لا عقلية، وكاستلحاقه من ولد ببلد بعيدة جدا يعلم أنه لم يدخلها، فإن شك في دخوله فمقتضى ابن يونس أنه كذلك، ومقتضى البراذعي صحة استلحاقه، ولا يكذبه شرع، كما لو كان المستلحق -بالفتح- المجهول النسب رقا أو مولى؛ أي عتيقا لمكذبه لاتهام الأب على نزعه من مالكه أو مولاه، كما في أقرب المسالك وشرحه وحاشيته. باب في الوديعة (ما قولكم) في شخص ترك متاعه عند شخص جالس، فسكت الجالس وذهب صاحب المتاع، ثم ضاع ذلك المتاع فهل يضمن ذلك الجالس أم لا؟ (الجواب) سكوته عند وضعه يعد رضا فيضمن إن فرط؛ لأن سكوته قام مقام الصيغة، كالمعاطاة في البيع، كما في الأمير على عبد الباقي. باب في الإعارة (ما قولكم) في شخص استعار شيئا يغاب عليه، ثم ادعى ضياعه وقلتم: يلزمه القيمة أو المثل إن كان مثليا يوم انقضاء أجل العارية، بعد أن يحلف: لقد ضاعت ضياعا لا يقدر على ردها بعده، فهل إذا وجدت العارية بعد غرم قيمتها أو مثلها تكون للمستعير أو المعير؟ (الجواب) في حاشية الخرشي: وإذا وجدت العارية بعد غرم قيمتها أو مثلها فإنما تكون للمستعير، ولا يأخذها المعير، كما أن الصانع إذا غرم قيمة المصنوع إذا ادعى ضياعه ثم وجد بعد غرم قيمته؛ فإنه يكون للصانع، والله أعلم. (ما قولكم) في شخص استعار دابة، ثم أرسلها مع غلامه، فرجع الغلام وادعى ضياعها، فهل يكون الضمان على المستعير أم كيف الحال؟

باب الغصب

(الجواب) في حاشية العلامة الأمير على عبق نقلا عن البناني: إذا أرسل العارية من الدواب مع عبده أو أجيره فلا ضمان؛ لأن الناس هكذا يفعلون، وإن لم يعلم ضياعها إلا بقول الرسول، وهو مأمون أو غير مأمون فذلك سواء، والله أعلم. [مسألة] يحلف المستعير ما فرط فيما علم أنه هلك بغير صنعه، كما إذا هلك بحرق أو فرض فأر مثلا، ويبرأ سواء كان الشيء المستعار مما يغاب عليه أم لا، وإن نكل عن اليمين فإنه يغرم؛ ولا ترد اليمين لأنها يمين تهمة، وحيث ضمن فإن فات المقصود من الشيء المستعار، فإنه يضمن قيمة جميعه، وإن لم يفت ضمن ما بين قيمته سليما ومعيبا، هذا هو المعول عليه كما في الأمير على عبق، ويؤخذ من هذه المسألة أنه يجب على المستعير تفقد العارية، وكذا يجب على المرتهن والمودع ونحوهم تفقد ما في أمانتهم مما يخاف بترك تفقده حصول العث ونحوه فيه؛ لأن هذا من باب صيانة المال، فإن لم يفعل ذلك تفريطا ضمن، وهذا ظاهر وسيأتي ذكر هذا في باب الدعاوى والأيمان. باب الغصب (ما قولكم) في الأكل من طعام الخلفاء والعمال وأخذ عطاياهم، هل هو جائز مطلقا أم فيه تفصيل؟ وهل لمن ظلموه أخذ عين شيئه إن ظفر به أو قدر شيئه إن لم يوجد؟ (الجواب) إن كان جل مالهم حلالا جاز الأخذ منهم؛ فقد أخذ مالك جائزة من المنصور، وأخذ ابن شهاب جائزة من عبد الملك بن مروان، وأخذ ابن عمر جائزة من الحجاج على ما نقل، قال الحسن: لا يرد عطايا السلاطين إلا أحمق أو مراء؛ أي ما لم يعلم الحرام. وإن كان جل مالهم حراما فيمنع الأخذ منهم، وقيل: يكره، وأما من جميع ماله حرام فقال الشيخ سليمان في شرح الإرشاد: يحرم الأكل منه وقبول هبته ومعاملته، إن علم أن ما أطعمه أو وهبه قد اشتراه بعين الحرام، وأما إن اشتراه بثمن في ذمته ثم دفع فيه عين الحرام فإنه لا يحرم أكله، وأما إن كان قد ورثه أو وهب له ذلك جاز ما لم يكن عين الحرام، ويفهم مما ذكر أنه لو شك هل اشتراه أو وهب له أنه لا يحرم. وإذا ظفر المظلوم بعين شيئه جاز له أخذه أو أخذ ما يساوي قدره من مال الظالم، سواء كان من جنس شيئه أو من غير جنسه على المشهور، وسواء علم الظالم أم لا، وجواز الأخذ مشروط بشرطين؛ الأول: أن لا يكون الحق عقوبة كجرح أو قطع، وإلا فلا بد من رفعه لمن يحكم عليه،

[مسألة]

والثاني: أن يأمن من الرذيلة. اهـ ملخا من الخرشي والعدوي. [مسألة] من أتلف أحد مزدوجين ضمن قيمتهما على الأصح كأحد سفري كتاب، وقيل: يضمن قيمة التالف وما نقصه الباقي، كمن أتلف عجلا كانت أمه تحلب عليه. اهـ من الأمير على عبق في فصل الخيار. [مسألة] من تعدى على ثوب شخص آخر فصبغه؛ فربه مخير بين أن يأخذ من المتعدي قيمته أبيض يوم التعدي، أو يأخذه ويدفع للمتعدي قيمة صبغه يوم الحكم. اهـ خرشي. (ما قولكم) في رجل اشترى من آخر ثوبا يظنه ملكا للبائع، ثم تبين أنه مغصوب فرده إلى غاصبه، ورد له الغاصب دراهمه، فهل يسوغ له تملك تلك الدراهم أم لا؟ (الجواب) في الأمير في أول باب الوديعة: لم يختلف أصحاب سحنون أنه يجب عليه التصدق بقيمة الثوب؛ لأنه لم يعلم صاحبه، وبالدراهم التي أخذها بدل دراهمه؛ أي لأنه قدر على تخليص الثوب للفقراء، وقد رده للغاصب، ولأن الدراهم ليست عين دراهمه (¬1)، ودراهمه في ذمة الغاصب، كما قالوه في الوديعة يحرم قبولها من مستغرق الذمم، ومن ردها له ضمنها للفقراء، والله أعلم. (ما قولكم) في ظالم كلص أو غاصب أو سارق أو مكاس أخذ شيئا من ربه قهرا، ثم اشتراه شخص غير ربه من ذلك الظالم، ثم وجده ربه بيد ذلك المشتري هل له أخذه منه أم لا؟ (الجواب) لربه أخذه من المشتري من الظالم، ولكن يدفع للمشتري القدر الذي دفعه للظالم بشرطين؛ الأول: إن لم يأخذ المشتري ذلك الشيء من الظالم ليتملكه مع علمه بأنه ظالم، وإلا بأن أخذه ليتملكه فإن ربه يأخذه مجانا، الثاني: لم يمكن تخليصه من الظالم إلا بالفداء، فإن أمكن تخليصه من الظالم مجانا فإن ربه يأخذه من المشتري مجانا، وإن أمكن أخذه من الظالم بأقل مما فداه به المشتري فإن ربه يأخذه بذلك الأقل، كذا ذكروه في باب الجهاد. (فرع) إذا باع عن الصغير قريبه كالأخ، والعم بلا إيصاء ولا حضانة فكبر الصغير وأخذ شيئه فإن المشتري لا يرد الغلة، ولو كان عالما يوم البيع بتعدي البائع، قاله في المعيار، وقال الشيخ ميارة: لأن القريب فيه خلاف بين العلماء هل يتنزل منزلة الوصي أم لا؟ وعلى الثاني فالمشتري منه له شبهة ¬

(¬1) قوله: ليست عين دراهمه: لكن قد يقال هو يأخذ بقدر حقه إلا أن يقال: يتحاصصوا مع غرماء الغاصب، وهو لا يدري ما يخصه.

باب في الاستحقاق

تسوغ له الغلة، قاله أبو الحسن الصغير. وكذا من باع ما يعرف لغيره زاعما أن مالكه وكله على بيعه، وهو من ناحيته وسببه فلم يثبت التوكيل ففسخ البيع فلا ترد الغلة. اهـ أمير. باب في الاستحقاق [مسألة] الاستحقاق لغة: إضافة الشيء لمن يصلح له وله فيه حق، كاستحقاق هذا من الوقف مثلا بوصف الفقراء والعلم. وشرعا: رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله، وحكمه الوجوب إن توفر سببه في الحر أو غيره إن ترتب على عدم القيام به مفسدة كالوطء الحرام، وإلا جاز، وسببه قيام البينة على عين الشيء المستحق أنه ملك للمدعي لا يعلمون خروجه، ولا خروج شيء منه عن ملكه إلى الآن، وشروطه ثلاثة: الأول: الشهادة على عينه إن أمكن وإلا فحيازته. والثاني: الإعذار في ذلك للحائز، فإذا ادعى مدفعا أجله فيه بحسب ما يراه. والثالث: يمين الاستبراء، ويمنعه أحد أمرين: سكوت أو فعل؛ فالسكوت عدم قيام المدعي بلا عذر أمد الحيازة، والفعل اشتراؤه من حائزه من غير بينة يشهدها سرا قبل الشراء، بأني إنما قصدت شراءه ظاهرا خوف أن يفيته علي بوجه كما في شرح أقرب المسالك وحاشيته. باب في الشفعة [مسألة] سبب الشفعة بيع الشريك الآخر جزأه الشائع في عقار، ونحوه على غير شريكه. وأركانه خمسة: (الأول) آخذ وهو الشفيع، وشرطه أن يكون هو المالك للجزء الآخر أو وكيله أو وليه حيث كان محجورا عليه أو بيت مال، ولو ذميا أو محبسا لحصته. (والثاني) مأخوذ منه وهو المشتري، وشرطه أن يطرأ ملكه، وأن يكون لازما، وأن يكون بمعاوضة ولو غير مالية، كنكاح وخلع. (والثالث) شيء مأخوذ وهو المبيع، وشرطه أن يكون جزأ شائعا من عقار ونحوه، ولو مناقلا به، أو شجرا أو بناء مملوكا بأرض حبس إن انقسم، وإلا فقولان مشهورهما عدم الشفعة فيه، فمن قال: علة الشفعة رفع ضرر الشركة أجازها مطلقا؛ إذ ضررها حاصل فيما لا ينقسم أيضا، ومن قال: علتها دفع ضرر القسمة منعها فيما لا ينقسم، فلا شفعة لأحد الشريكين بأذرع معينة من عقار، ولا بغير معينة عند مالك، ورجحه ابن رشد، ولأشهب فيها الشفعة والعقار، وما اتصل بها من بناء وشجر

فلا شفعة في غيره إلا تبعا، ونحو العقار الثمرة على أصولها، ونحوها من مقثأة وباذنجان وقرع وبامية مما له أصل يجنى ثمره وأصله باق، ولو بيعت مفردة عن أصلها ما لم تيبس بعد العقد وقبل الأخذ بالشفعة، وإلا فلا شفعة فيها، وكذا إذا وقع العقد عليها وهي يابسة كما في المدونة، فلو باع أحد الشريكين الأصول وعليها ثمرة قد أزهت أو أبرت قبل البيع، واشترطها المشتري لنفسه ولم يأخذ الشفيع بالشفعة حتى يبست، وقلنا بسقوط الشفعة حينئذ فيهما، وأخذت الأصول بالشفعة حط عن الشفيع ما ينوب الثمرة من الثمن. وأما لو اشترى الأصول ولم يكن فيها ثمرة أبرت أخذت بالشفعة مع الأصول ما لم تيبس أو تجذ، وإلا فاز بها المشتري وأخذ الشفيع الأصول بالثمن، ولا يحط عنه شيء من الثمن في نظير الثمار، وفي الحالة التي يفوز فيها بالثمرة يرجع المشتري عليه بالمؤنة، من سقي وعلاج، ولو زادت قيمة الكلف على الثمار، ولا شفعة في حيوان إلا حيوانا في نحو حائط ومعصرة محبسة، فإذا كانت الحائط مثلا مشتركة وفيها حيوان، كبقر أو آدمي مشترك بينهما، فباع أحدهما نصيبه من الحائط؛ فللآخر الأخذ بالشفعة في الحائط، والحيوان. (الركن الرابع) المأخوذ به، وشرطه أن يكون مثل الثمن الذي أخذ به المشتري؛ أي الذي وقع العقد عليه، وإن نقد المشتري خلافه على الراجح حيث كان مثليا، ولو دينا بذمة بائعه، أو قيمته إن كان مقوما كعبد، وتعتبر القيمة يوم البيع لا يوم الأخذ بالشفعة، أو قيمة الشقص فيما إذا كانت المعاوضة بشيء غير متمول، من نحو نكاح وخلع وصلح عمد على نفس أو طرف الواجب فيه القود، وبما يخصه من الثمن أن صاحب الشقص في البيع غيره في صفقة، ولزم المشتري لهما الباقي، وهو ما صاحب الشقص في الشراء كالعبد وإن قل، وأن يأخذه بأجله إن أيسر أو لم يوسر، وضمنه مليء وإلا عجل الثمن إلا أن يتساويا عدما، وبرهنه وضامنه وأجرة دلال وكاتب ومكس. (الركن الخامس) الصيغة، وشرط لزوم الشفعة للشفيع أن يقول: أخذت بالماضي لا بالمضارع ولا باسم الفاعل، وأن يكون في حال معرفة الثمن، وشرط لزوم المشتري تسليم الشقص أن يقول بعد قول الشفيع: أخذت، وأنا قد سلمت لك ذلك فيتبعه بالثمن المعجل، فإن عجل الثمن فلا كلام للمشتري، وأخذ منه جبرا إن لم يسلم وإن لم يعجله، فإن سلم أجل للوفاء باجتهاد الحاكم ولا نقض

باب في القسمة

للشفعة، ثم بيع من ماله ما يوفي به الثمن ولو الشقص، والأولى تقديم ما هو الأولى بالبيع، وإن لم يسلم ولم يعجل أجل بالاجتهاد، فإن مضي الأجل ولم يأت به فله البقاء على طلب الثمن؛ فيباع له مال الشفيع للوفاء، وله أن يبطل أخذه بالشفعة، فإن قال الشفيع: أنا آخذه، بالمضارع أو باسم الفاعل، وقد سلم المشتري له الأخذ أجل ثلاثة أيام لإحضار النقد، فإن أتى به فيها وإلا سقطت شفعته، ولا قيام له بها بعد ذلك، وأما إن سكت المشتري أو أبى فإن عجل الثمن أخذه المشتري جبرا، وإلا بطلت شفعته حالا فيهما، ورجع الشقص للمشتري. هذا خلاصة ما في أقرب المسالك، وشرحه وحاشيته. باب في القسمة (ما قولكم) في شريكين في حانوت طلب أحدهما البيع وأبى الآخر، فهل يجبر على البيع أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك: وأجبر من أباه من الشركاء فيما لا ينقسم من عقار وغيره بشروط: (الأول) إن نقصت حصة مريد البيع لو باعها مفردة من حصة شريكه، فإن لم تنقص لو بيعت مفردة لم يجبر لعدم الضرر. (الثاني) ولم يلتزم الآبي النقص فإن قال: بع ما يخصك في هذا الحانوت وإن نقص عن بيعه جملة فعلى ما نقص، فإنه لا يجبر على البيع معه لعدم الضرر. (الثالث) ولم تملك حصة مريد البيع مفردة، فإن ملكها مفردة وأراد بيعها وأبى صاحبه من البيع معه لم يجبر على البيع معه. (الرابع) ولم يكن المجموع للغلة، فإن اشترى له كحانوت اشترى للغلة لم يجر الآبي على البيع مع من أراده. اهـ بتصرف. باب في القراض (ما قولكم) في شخص اشترى سلعة لنفسه بثمن معلوم فلم يقدر على وفائه، فقال لشخص آخر: إذا اشتريت سلعة بكذا فأعطني الثمن لأنقده لربها وربحها بيننا مناصفة مثلا، فدفعه له، فهل هذا قراض صحيح أم لا؟ وإن قلتم: إنه غير صحيح هل الربح للعامل وحده، والخسر عليه أم لا؟ (الجواب) هذا قرض فاسد لا قراض، فيجب رده لربه فورا؛ لأنه قرض لم يقع على وجه المعروف، فإن نقده في السلعة فالربح للعامل وحده والخسر عليه، بخلاف ما إذا لم يخبر رب المال بالشراء، بل قال بعد أن اشتراها: ادفع لي عشرة مثلا على وجه القراض والربح بيننا فيجوز

باب في المساقاة

ويكون قراضا على ما دخلا عليه، وكذا يكون قراضا صحيحا إذا قال: ادفع لي كذا على وجه القراض فقد وجدت رخيصا أشتريه به والربح بيننا على كذا؛ فيجوز إن لم يسم السلعة أو بايعها، فإن سمى أحدهما لم يجز، وكان قراضا فاسدا، وله في تعيين البائع أجرة تولي الشراء أو قراض المثل، وله في تعيين السلعة أجرة المثل. باب في المساقاة [مسألة] هي عرفا: عقد من رب الحائط أو الزرع مع غيره على القيام بمؤنة وخدمة شجر أو نبات؛ أي على التزام خدمته من سقي وتنقية وتقليم وغير ذلك بجزء من غلة، هذا هو الأصل، وفيها: لا بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل بصيغة من لفظ مادة ساقيت فقط عند ابن القاسم، أو منه ومن مادة لفظ عاملت أيضا عند سحنون، كما سيتضح، وهي مستثناة من ستة أصول كل واحد منها يدل على المنع. (الأول) الإجارة بالمجهول؛ لأن نصف الثمرة مثلا مجهول. (الثاني) كراء الأرض بما يخرج منها فيما إذا جعل للعامل جزء من البياض، والبذر عليه. (الثالث) بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بل قبل وجودها. (الرابع) الغرر؛ لأن العامل لا يدري أتسلم الثمرة أم لا، وعلى تقدير سلامتها لا يدري كيف يكون مقدارها. (الخامس) بيع الطعام بالطعام نسيئة، إذا كان العامل يغرم طعام الدواب والأجراء؛ لأنه يأخذ عن ذلك الطعام طعاما بعد مدة. (السادس) الدين بالدين؛ لأن المنافع والثمار كلاهما غير مقبوض، والأصل فيها معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل خيبر، ولداعية الضرورة إلى ذلك ولفظها مفاعلة إما من التي تكون لواحد نحو سافر وعافاه الله وهو قليل، وإما أن يلاحظ العقد، وهو لا يكون إلا من اثنين، فيكون من التعبير بالمتعلق -بالفتح- وهو المساقات على المتعلق -بالكسر- وهو العقد، وإلا فهذه الصيغة تقتضي أن كل واحد من العامل والمالك يسقي لصاحبه كالمضاربة والمقاتلة، وليس هو المراد، كما في حاشية أقرب المسالك وشرحه على المتن. [مسألة] عقد المساقات من العقود اللازمة عند جمهور الفقهاء؛ خلافا لأبي حنيفة فإنه منعها، ووافق صاحباه الجمهور، فليس لأحدهما فسخها بعد العقد دون الآخر ما لم يتراضيا عليه، هذا هو المذهب، وأركانه أربعة: (الأول) المعقود عليه وهو الأشجار وسائر الأصول؛ وشروط صحته ثلاثة: الأول: أن لا يخلف

بضم الياء، فلا تصح فيما يخلف كقضب -بفتح القاف وسكون الضاد المعجمة- نبت معلوم يشبه البرسيم، أو قرط -بضم القاف- أو موز لا تخلف ولا تنتهي لأجل معلوم، فينال الذي لم ينته منه من سقي العامل، فكأنه شرط زيادة عليه. الثاني: أن لا يبدو صلاحه؛ خلافا لسحنون فلا تصح فيما بدا صلاح ثمره، وهو في كل شيء بحسبه على المشهور؛ لأن فيه منفعة لرب الحائط، وهو سقوط الجائحة عنه؛ لأن الثمرة إذا أجيحت في المساقاة لم يكن له في الجائحة شيء، وكان له الخيار بين التمادي أو الخروج؛ بخلاف الإجارة فإن للأجير أن يرجع فيها إذا أجيحت الثمرة بأجرة مثله فيما عمله. الثالث: أن يكون ذا ثمر في عام المساقاة، فلا تصح فيما لا ثمرة له أصلا كالأثل، أو لم يبلغ حد الإثمار كالودي، نعم تصح في محترزات هذه الشروط تبعا لغيره مما تصح فيه المساقاة، فيكون لهما، ولا يجوز إبقاؤه للعامل ولا لرب الحائط؛ لأنه زيادة إما على رب الحائط أو على العامل يناله بسقيه مسقة، والفرق بينه وبين البياض ورود السنة بالبياض. (الركن الثاني) الجزء المشترط للعامل من الثمرة، وشروط صحته ثلاثة: الأول: شيوعه في ثمر الحائط فلا تصح بشجر معين ولا بكيل. والثاني: علمه كربع أو ثلث أو أقل أو أكثر، فلا تصح لو قال للعامل: ولك من الثمر جزء أو بعض. والثالث: أن لا يكون مختلفا، فلا تصح فيما لو كان في الحائط من الثمر وشرط عليه أن يأخذ من صنف منها النصف ومن صنف آخر الثلث. (الركن الثالث) العمل، وهو جميع ما يفتقر الحائط إليه عرفا كإبار وتنقية ودواب وأحبال ودلاء ومساحي وأجراء، وعليه خلف ما رث من ذلك إلا ما مات أو مرض أو غاب أو أبق أو سرق من الحيوان العاقل أو غيره مما كان في الحائط أولا قبل العقد فليس عليه بدله ولا أجرته، بل ذلك على رب الحائط، وإنما على العامل إجراء النفقة على من في الحائط من عبيد وأجراء ودواب وكسوتهم، كانوا لرب الحائط أو له، وشروط صحته أربعة: (الأول) أن يشترط عليه رب نقص ما في الحائط من نحو دواب مما هو موجود بالحائط يوم العقد مما يحتاج الحال إليه، وإلا فسدت. (الثاني) أن لا يشترط تجديد الشيء في الحائط لم يكن موجودا وقت العقد على العامل أو رب الحائط مما تقدم، وإلا فسدت إن كانت تلك الزيادة لها بال، وإلا لغت كما في بن وغيره. (الثالث) أن لا يشترط زيادة

باب في الإجارة

شيء لأحدهما يختص به عن صاحبه خارج عن الحائط، كأن يعمل له عملا في حائط أخرى، أو يخيط له ثوبا، أو يبني له بيتا، أو يزيده عينا أو عرضا أو منفعة كسكنى أو ركوب أو نحو ذلك، وإلا فسدت. (الرابع) أن لا يشترط عمل شيء من العامل يبقى في الحائط بعد انقضاء المساقاة، كحفر بئر أو إنشاء شجر أو بناء حائط بها أو تسوية أرض، وإلا فسدت، فإذا لم يشترط شيئا من ذلك فلا يضر، وفعله من المعروف الذي يثاب عليه فاعله. (الركن الرابع) ما ينعقد به وهو الصيغة، وشرطه عند ابن القاسم أن يكون بلفظ من مادة ساقيت فقط لا بلفظ إجارة، أو شركة فلا تنعقد بذلك أي من البادئ منهما، ويكفي من الثاني أن يقول: قبلت أو رضيت ونحو ذلك، قال البناني: ولفظ ابن رشد: والمساقاة أصل في نفسها لا تنعقد إلا بلفظ المساقاة على مذهب ابن القاسم، فلو قال رجل: استأجرتك على عمل حائطي هذا بنصف ثمرته لم تجز على مذهبه، كما لا تجوز الإجارة عنده بلفظ المساقاة، بخلاف قول سحنون فإنه يجيزها، ويجعلها إجارة، وكلام ابن القاسم أصح. اهـ باختصار هذا خلاصة ما في أقرب المسالك، وشرحه وحاشيته والله -سبحانه وتعالى- أعلم. باب في الإجارة [مسألة] إذا قال: احتطب على دابتي ولك نصف الحطب فيجوز إن علم ما يحتطبه عليها بعادة أو شرط، وسواء قال: يوم لي ويوم لك أم لا، كنقلة لي ونقلة لك، وأما إذا قال: ولك نصف ثمنه فلا يجوز للغرر. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] يجوز إجارة دابة لمكان معلوم على أنه إن ظفر بحاجته في أثناء الطريق حاسب ربها على قدر ما سار صعوبة وسهولة، ومحل الجواز إن لم ينقد الأجرة وإلا لم يجز؛ لترددها بين السلفية والثمنية. اهـ منه. (ما قولكم) في شخص قال لآخر: بع لي سلعتي، وما زاد على مائة فهو بيني وبينك فلا يجوز وله كراء المثل، كما كتبه السيد عن ح اهـ أمير على عبق. [مسألة] تصح الإجارة على حفظ زرع مثلا، ويكون له على كل قفيز مدّان، نص عليه ابن أبي زيد؛ لأنه كشراء صبرة كل صاع بكذا، وعن الأبهري المنع. اهـ أمير. (ما قولكم) في الخائط لا يكاد يخالف مستخيطه، وهو مخالط لمؤجره، يخيطه الثوب فإذا فرغ أرضاه، هل هو جائز أو لا؛ لكون الأجر غير معلوم؟ (الجواب) هو جائز، وقد ذكر الحطاب أن المنع في هذه المسألة ونحوها غلو في الدين، كما يفعل في دخول الحمام

وحلق الرأس، والفران يخبز، واستدل للجواز بما وقع منه -صلى الله عليه وسلم- من حجامته، ولم يشارط الحجام ثم أعطاه، وربما ألحق بذلك حمير الكراء بمصر بجامع القلة والمسامحة، فكأن ذلك رخصا مستثناة. اهـ أمير. (ما قولكم) في رجل قال لآخر: ارق هذا الجبل ولك عشرة قروش فرقى، هل يلزم ذلك الرجل العشرة قروش أم لا؟ (الجواب) في الصاوي، وقد نص ابن يونس أن من قال: ارق هذا الجبل، ولك كذا أنه لا شيء له. اهـ. (ما قولكم) في شخص استأجر حيوانا، وادعى ضياعه، هل يضمن أم لا؟ وإذا قلتم: لا يضمن، هل يحلف أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك أن المستأجر لشيء، والمؤجر -بفتح الجيم- كالراعي أمين، فإن ادعى الضياع أو التلف فلا ضمان عليه، كان مما يغاب عليه أم لا، ولو شرط عليه الضمان، ويحلف إن كان متهما: لقد ضاع وما فرطت، ولا يحلف غير المتهم. (ما قولكم) في مؤجر حامل على ظهره أو دابته شيئا فانكسر، هل يضمن أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك أن الحامل إذا عثر أو عثرت دابته بدهن أو غيره، أو عثر بآنية فانكسرت، أو انقطع الحبل الذي ربط به الأمتعة فتلفت فلا ضمان عليه ما لم يتعد في فعله أو سوقه الدابة، بأن مشي في زلق من الأرض، أو ضرب الدابة بعنف فطرحت ما فوقها، أو نحو ذلك؛ فإنه يضمن لتعديه، فإن كذب رب المتاع غير المتعدي بأن قال له: لم تعثر ولم يذهب منك شيء فهو ضامن في الطعام والإدام، وأما البز والعروض فالقول قوله والفرق تعبدي، إلا أن يأتي رب المتاع بما يدل على كذبه، بأن أقام بينة شهدت عليه بأنها رأت الشيء المدعى ضياعه بعد اليوم الذي ادعى ضياعه فيه. اهـ بزيادة من ص، وفي الأمير أن في الكراء أربعة أقوال كما في المقدمات: له الكراء مطلقا، ويلزمه حمل مثله من موضع الهلاك هلك بسبب حامله أو بسماوي، وهو المشهور عند ابن رشد. الثاني: أن له بحساب ما سار مطلقا. الثالث: إن هلك بسبب حامله فله بحساب ما سار، وإن هلك بسماوي فله الكراء كله، ويلزمه حمل مثله موضع الهلاك. الرابع: مذهب المدونة إن هلك بسبب حامله فلا كراء له، وإن هلك بسماوي فله الكراء كله ويلزمه حمل مثله، وظاهره في جميع الأقوال سواء ضمن أم لا طعاما أو غيره. اهـ. ولا يخفى أن مذهب المدونة هو المعتمد؛ لأنه قول ابن القاسم في المدونة، وهو يقدم على

[مسألة]

غيره كما يأتي. [مسألة] إذا أتى شخص لخياط بشقة، وقال له: إن كانت تكفي ثوبا ففصلها، فقال: تكفي، ثم فصلها فلم تكف فلا ضمان على الخياط وإن علم عدم كفايتها؛ لأنه لا أثر للغرر القولي، إلا أن يشترط رب الشقة على الخياط أنك إن علمت أنها تكفي ثوبا ففصلها وإلا فلا، فقال: تكفي مع علمه بعدم الكفاية فإنه يضمن. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] يجوز إيجار العبد خمسة عشر عاما، والدار نحو ثلاثين عاما ولو بشرط النقد فيهما، ويجوز إيجار أرض الزراعة المأمونة الري خمسين عاما لا أكثر، فإن لم يؤمن ريها جاز العقد عليها ما ذكر دون النقد، وكذلك الدار إذا كانت قديمة يحتمل بقاؤها الثلاثين وعدمه، فإن كانت قديمة جدا لا تبقى الثلاثين عادة لم يجز كراؤها الثلاثين، وكذا يقال في العبد. اهـ من ص. (ما قولكم) في شخص قال لخياط: إن خطت لي هذه الجبة في هذا اليوم فلك عشرة، وإن خطته في أزيد من اليوم فلك ثمانية، فهل هذه إجارة صحيحة أم لا؟ (الجواب) في أقرب المسالك أن هذه إجارة فاسدة للجهل بقدر الأجرة، فإن وقع فله أجر مثله ولو زاد على المسمى خاطه في اليوم أو أكثر، وفي ص أن محل فساد هذه الصورة إذا وقع العقد على الإلزام ولو لأحد المتعاقدين، فإن كان الخيار لكل منهما جاز؛ لأن الغرر لا يعتبر مع الخيار، وأما دفع دراهم بعد العقد زيادة على الأجرة ليسرع له بالعمل فجائز، كما في ح، ويقال بعد ذلك: إن أسرع فاز بالزيادة وإلا فله الرجوع عليه؛ لأنه على شرط لم يتم. اهـ. (ما قولكم) في دلال أعطاه شخص ثوبا يطوف بها في الأسواق ليبيعه فادعى ضياعه، هل يضمن أم لا؟ (الجواب) إن كان ذلك السمسار من أهل الخير والأمانة فلا ضمان عليه إذا ادعى ضياع الثوب أو ضياع ثمنه بعد البيع، أو ادعى تمزيقه أو خرقه بسبب نشر أو طي بغير تعديه وبلا تفريط منه فيما ذكر، وهذا إذا لم يخرج عما أذن له فيه، كما إذا ادعى أنه باع الثوب لرجل وأنكر ذلك الرجل الشراء، ولم يكن له بينة عليه؛ فيضمن لتفريطه بترك الإشهاد، وقيد بعضهم عدم ضمان من ظهر خيره بما إذا لم ينصب نفسه للسمسرة، وإلا ضمن كالصانع، وقد اعتبر ابن عرفة هذا القيد كما في بن. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] تفسخ الإجارة بتعذر ما يستوفى منه المنفعة بأن انهدمت الدار أو ماتت الدابة أو نحو ذلك، وإذا فسخت رجع المكتري لمحاسبة المكري باعتبار ما حصل

[مسألة]

من المنفعة، وما لم يحصل وباعتبار المسافة طولا وقصرا وسهولة وصعوبة. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] لا تنفسخ الإجارة بتعذر ما يستوفى به كالساكن والراكب والشيء المحمول، وظاهر هذا تعذر بسماوي كموت الراكب، أو تعذر بغير سماوي كما إذا فرط الحامل لشيء، فتلف الشيء المحمول من طعام أو غيره، أو تلف بغير سماوي من غير تفريط كما إذا عثر فكسر الشيء المحمول، وإذا فرط ضمن، وإذا علمت أن الإجارة لا تنفسخ بتعذر ما يستوفى به قبل الوارث السائر والراكب، وقال رب الأحمال: عليك جميع الأجرة وأت بمثل الأول؛ لتمام المدة والمسافة وهذا المشهور عند ابن رشد في المقدمات، والذي له في البيان أن المشهور قول ابن القاسم في المدونة، وهو الفرق بين التلف بسماوي، فلا تنقض الإجارة ويأتيه المستأجر بمثله، وعليه جميع الكراء وبين تلفه من جهة الحامل فتنقض ولا كراء له، وقيل: له من الكراء بقدر ما سار وظاهره فرط أم لا، وظاهره أن قول ابن القاسم في المدونة مقدم على غيره. اهـ منه. [مسألة] يخير الصغير الذي أجره وليه أو أجر سلعه إذا بلغ رشيدا قبل انقضاء المدة بين الإبقاء لتمام المدة والفسخ إذا ظن وليه بلوغه فيها أو لا، ظن عنده مطلقا أو ظن عدمه وقد بقي اليسير منها كالشهر ويسير الأيام؛ فلا خيار له في عقد الإجارة على نفسه فقط، وأما عقد الإجارة على سلعه فيلزم إذا ظن عدم بلوغه مطلقا، فعقد وليه الإجارة على سلعه لازم له إذا رشد في أثناء مدة الإجارة، بقي منها الكثير أو اليسير، ظن وليه رشده أم لا؛ إذ الرشد لم تعلم له غاية، بخلاف الصبا. اهـ منه. (ما قولكم) في وكيل مفوض أكرى دار موكله بأقل من كراء مثلها، هل يفسخ الكراء؟ (الجواب) يفسخ إن أكراها بدون أجرة المثل، وكذا إن أكراها بعرض؛ لأنه خلاف العادة، هذا إذا لم تمض مدة الإجارة، وإلا رجع على وكيله بما نقص عن أجرة المثل، وبأجرة المثل في العرض، فإن عدم الوكيل رجع على المكتري ولا رجوع للمكتري على الوكيل إن أيسر، ومثل الوكيل ناظر الوقف والوصي بجامع التصرف بغير المصلحة الواجبة عليه. اهـ منه. (ما قولكم) في شخص استأجر دارا، ثم حصل فيها

[مسألة]

خلل فطلب المستأجر من المالك التعمير والإصلاح لذلك الخلل، فهل يلزمه ويجبر عليه إن أبي أم لا؟ (الجواب) لا يجبر على الإصلاح، ولو كان ذلك الخلل يضر أو لا يمكن معه الانتفاع اتفاقا في الكثير المضر، وعلى مذهب ابن القاسم في اليسير مطلقا، وأما ابن حبيب فيقول: يجبر المكري على الإصلاح مطلقا. قال ابن عبد السلام: وبه العمل، وعلى قول ابن القاسم يخير الساكن بين الفسخ والإبقاء في المضر ولو مع نقص منافع، فإن بقي فيلزمه الكراء كله، وإذا كان غير مضر فلا خيار له ويلزمه السكنى، إلا أنه إذا كان لا ينقص من الكراء شيئا فظاهر، وإن كان ينقص من الكراء حط عنه بقدره وإن قل، كسقوط تجصيصها، كما في أقرب المسالك. [مسألة] إذا أصلح المكتري بلا إذن كان متبرعا لا شيء له، سواء كان إصلاحه لما يضر أو لغيره، كان الغير ينقص من الكراء شيئا أو لا، وإذا انقضت المدة خير رب الدار بين دفع قيمته منقوضا أو أمره بنقضه كالغاصب، بخلاف ما لو أذن له في التعمير فله قيمته قائما إذا لم يقل ربها: عمرها وما صرفته فعلي، وإلا فيلزمه جميع ما صرفه. اهـ منه بزيادة من ص. (ما قولكم) في خربة بجوار شخص يحصل لذلك الشخص منها ضرر، فطلب من ربها التعمير أو البيع لمن يعمر فأبى، فهل يجبر على العمارة أو البيع أم لا؟ (الجواب) في ص لا يجبر على عمارتها ولا على بيعها، ويقال لذلك الشخص: ادفع عن نفسك الضرر بما تقدر عليه، ولا ضمان على ربها إن حصل بسببها تلف، وبه أفتى الشيخ سالم السنهوري، وأفتى بعضهم بلزوم رب الخربة بما يدفع الضرر من عمارة أو بيع، وهذا هو الذي ارتضاه شيخ مشايخنا العدوي. (ما قولكم) في شخص استأجر آخر على إيصال شيء إلى مكان معلوم فادعى الأجير أنه وصله، وقال المستأجر: لم يصل، فهل القول للأجير ويستحق الأجرة أم لا؟ وإذا قلتم: القول للأجير، فهل إذا أنكر المرسل إليه وصول ذلك الشيء فهل يضمنه الأجير أم لا؟ (الجواب) القول للأجير أنه وصل ما أرسل به بيمينه إن أشبه، بأن كان الزمن يصل الأجير في مثله عادة فيستحق الأجرة؛ لأنه أمين، فإن لم يحلف حلف المستأجر ولا أجرة للأجير، وأما إن أنكر المرسل إليه وصول ذلك الشيء إليه فإن الأجير يضمن. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] إذا أعطى شخص شيئا لصانع يصنعه، وذكر له صفة ثم اختلفا، فقال

(باب الجعالة)

الصانع: هذه الصفة التي قلت لي عليها، وقال ربه: بل ذكرت لك صفة أخرى فالقول للأجير، كخياط وصباغ ونجار ونحوهم، إن أشبه في دعواه بالنسبة لمالكه في استعماله، كصبغه شاشا أخضر لشريف أو أزرق لنصراني، فلا يقبل دعوى الشريف أنه أمره بصبغه أزرق ليهديه لنصراني ولا دعوى نصراني أنه أمره بصبغه أخضر ليهديه لشريف، وهذا ما لم تقم قرينة قوية تؤيد قول المالك، فإن لم يشبه الأجير حلف ربه وثبت له الخيار في أخذه ودفع أجرة المثل، وتركه وأخذ قيمته غير مصنوع، فإن نكل اشتركا هذا بقيمة ثوبه مثلا غير مصبوغ وهذا بقيمة صبغه. اهـ من أقرب المسالك بتوضيح. [مسألة] القول للأجير في قدر الأجرة إن أشبه بيمينه أشبه ربه أم لا، فإن انفرد ربه بالشبهة فالقول له بيمينه، فإن لم يشبها حلفا وكان للأجير أجرة مثله، كأن نكلا معا، وقضي للحالف على الناكل، هذا إذا كان المصنوع تحت يد الصانع، فإن حازه ربه أو كان الصانع إنما يصنعه في بيت ربه ولا يمكنه من الخروج به فالقول في قدر الأجرة لربه إذا لم ينفرد الصانع بالشبه، وإلا فالقول له. اهـ منه. [مسألة] ليس القول للصانع في رد الشيء المصنوع، إن كان مما يغاب عليه كالثوب والحلي، بل القول لربه بيمينه، وأما ما لا يغاب عليه كدابة دفعها ربها لمن يعلمها بأجر وادعى ردها فالقول للأجير في ردها. اهـ منه. (باب الجعالة) (ما قولكم) في شخص أعطى دلالا سلعة، وقال له: لا تبع حتى تشاورني، هل يجوز أم لا؟ (الجواب) في المجموع، ونقل التتائي على الرسالة منع قوله في الجعل على البيع: لا تبع حتى تشاورني، وأقره عج والنفراوي، وعبارة عبد الباقي ابن عرفة والروايات ناصة بأن شرط الجعل على البيع تسمية الثمن أو تفويضه للمجعول له، وهو نقل ابن رشد والصقلي، وعبارة الأمير عليه: قوله شرط الجعل على البيع تسمية الثمن إلخ أي لأنه لو قال له: لا تبع إلا بمشورتي فقط يضيع النهار كله ولا يرضى الآخر؛ ففيه زيادة غرر، بخلاف نحو الآبق فيتبع زيادة اجتهاده في التفتيش عادة. اهـ. (ما قولكم) في دلال أعطاه شخص ثيابا قليلة يبيعها بالبلد، ولم يسم لها ثمنا، وقد قال في المدونة: يجوز الجعل في بيع قليل السلع بالبلد سموا لها ثمنا أم لا، هل قول المدونة مقيد أم لا؟

باب الوقف

(الجواب) كلام المدونة مقيد فيما إذا لم يسموا ثمنا لتلك الثياب بما إذا فوض الثمن للدلال، وقولها في بيع قليل الثمن لا يخفى أنه لا فرق بين قليل الثياب وكثيرها، فإذا قال له: بع هذه الثياب كل ثوب بكذا، أو فوض له الثمن وقال له: كلما بعت ثوبا فلك أجرته المعلومة فالجواز، سواء كانت الثياب قليلة أو كثيرة، وأما إن جاعله على الكل بأن قال له: إن بعت الكل فلك أجرة الجميع، وإن بعت البعض فلا أجرة لك فلا يجوز، ولو كانتا ثوبين فقط. اهـ ملخصا من عبق والأمير. (ما قولكم) فيما إذا أعطى للدلال ثوبا يبيعه، ولم يسم له ثمنا، ولم يفوض له فيه ولكن الثمن معلوم في عرفهم، فهل يصح أم لا؟ (الجواب) العرف كالشرط فيصح الجعل على ذلك، وإن انتفى الشرط والعرف فالفساد منصوص عليه في العتبية كما في الأمير على عبق. باب الوقف [مسألة] حكى بعضهم الخلاف في وقف المشاع مطلقا، وهل هو في الصحة أو في الجواز ابتداء والمعمول به الجواز مطلقا. اهـ من الأمير على عبق. (فائدة) في الأمير عن العلامة العدوي أن الجيزي أفتى بأن من التزم أن ما يبنيه بالمحل الفلاني فهو وقف، ثم بنى فيه يلزمه ما التزمه، ولا يحتاج لإنشاء وقف لذلك، ورأيته أيضا بخط سيدي أحمد النفراوي شارح الرسالة بطرة عج، وانظر هل لا بد في التعليق من تعيين المعلق فيه كما ذكر، أو يدخل فيه ما يقع لبعض الواقفين أنه يقول في كتاب وقفه، وكل ما تجدد لي من عقار أو غيره ودخل في ملكي فهو ملحق بوقفي هذا وحرر. اهـ (فرع) نقل الناصر اللقاني أنه يشترط في ناظر الوقف ما يشترط في الوصي. انتهى. اهـ أمير. [مسألة] يثبت الوقف بالإشاعة بشروطها بأن يطول زمن السماع، قال ابن سهل: وصفة شهادة السماع في الأحباس أن يشهد المشاهد أنه يعرف الدار التي بموضع كذا وحدها كذا، وأنه لم يزل يسمع منذ أربعين سنة أو عشرين سنة متقدمة التاريخ عن شهادته هذه سماعا فاشيا مستفيضا من أهل العدل وغيرهم أن هذه الدار حبس على كذا أو حبس فقط ويشهد الآخر، بذلك جرى العمل. اهـ وإنما يقع الحكم بها بعد أن يعذر الحاكم لمن ينازع في ذلك ولم يبد دافعا شرعيا،

[مسألة]

ويعمل بهذه الشهادة أيضا في مصرف الوقف وكل ما يتعلق به مثل شروط الواقف وغيرها، ولا يشترط تعيين المحبس عليه ولا تسمية المحبس ولا إثبات ملكه، ولا يشترط وجود مكتوب يشتمل على الوقفية، وإذا ثبتت الوقفية فلا يلزمهم ما استغلوه قبل ثبوت الوقفية، ولا أجرة ما سكنوه، كما في حاشية الخرشي. [مسألة] إذا وجد كتاب مكتوب عليه وقف على طلبة العلم بالمدرسة الفلانية، فإن كانت مشهورة بالكتب ثبتت وقفيته، وإن لم تكن مشهورة بذلك لم تثبت وقفيته، وإذا لم تثبت يجب التوقف في أمرها حتى يتبين حالها، وهو عيب يثبت للمشتري الرد به، كما في حاشية الخرشي. [مسألة] إنما يتم الوقف بالحوز، ولا يكفي فيه الجد بخلاف الهبة؛ لأنها خرجت عن ملكه كما في المجموع. [مسألة] إذا صدر الوقف في مرض الموت فمن الثلث بلا شرط حوز كيفية التبرعات كما في المجموع. [مسألة] إذا قال: هذه الدار حبس بعد شهر يلزم إذا جاء الأجل، كما إذا قال: لعبده أنت حر إلى أجل كذا فإنه يكون حرا إذا جاء الأجل الذي عينه، فإن حدث دين على الواقف أو على المعتق في ذلك الأجل ذاته لا يضر عقد العتق؛ لتشوف الشارع للحرية، ويضر عقد الحبس إذا لم يحز عن الواقف في ذلك الأجل أما إن حيز عنه أو كانت منفعته لغير الوقف في ذلك الأجل فإنه لا يضر حدوث الدين كذا في الخرشي. اهـ ص. [مسألة] يبطل الوقف بمانع من موت أو فلس أو مرض موت قبل أن يحوزه الموقوف عليه، ويرجع للغريم في الفلس، وللوارث في الموت ما لم يحزه الوارث وإلا نفذ. اهـ من أقرب المسالك. [مسألة] للواقف في المرض الرجوع فيه؛ لأنه كالوصية بخلاف الواقف في الصحة، فلا رجوع له فيه قبل المانع، ويجبر على التحويز إلا إذا شرط لنفسه الرجوع فله ذلك. اهـ منه. [مسألة] إذا اشترط الواقف التغيير والتبديل والإدخال والإخراج فإنه يعمل به، وفي المتيطي ما يفيد منع ذلك ابتداء، ويمضي إن وقع، وفي ح عن النوادر وغيرها أنه إن اشترط في وقفه إن وجد فيه رغبة بيع واشترى غيره لا يجوز له ذلك، فإن وقع ونزل مضى وعمل بشرطه، كذا في بن. اهـ ص. (ما قولكم) في شخص وقف على محجوره دارا ثم مات أو فلس قبل الحوز الحسي للمحجور، فهل يبطل الوقف أم لا؟ (الجواب) يصح وقف الولي على محجوره إذا استمر الوقف تحت يده حتى حصل المانع لكن

[مسألة]

بشروط ثلاثة: (أولها) أن يشهد الولي أنه وقف هذه الدار على محجوره، وإن لم يشهد على الحوز له، فإن لم يشهد بطل بموته أو فلسه أو مرض موته. (ثانيها) أن يصرف الولي غلة تلك الدار كلها أو جلها في مصالح ذلك المحجور، ويشهد الولي على ذلك إذا لم يصرف الغلة بالمرة، أو صرف النصف أو الأقل فإنه يبطل بحصول أحد الموانع المتقدمة، كما قال اللقاني. (ثالثها) لم تكن تلك الدار دار سكنى الواقف، فإن كانت دار سكناه بطل بالمانع إلا إذا خرج الواقف منها وعاينت البينة فراغها من شواغله، وإذا سكن الواقف الأقل منها وأكرى لمحجوره الأكثر؛ ليصرف أجرته في مصالحه فلا يبطل الوقف؛ لأن الأقل يتبع الأكثر، وإن سكن النصف بطل ذلك النصف فقط إن حصل مانع، وصح وقف النصف الذي لم يسكنه، وإن سكن الأكثر بطل الجميع. اهـ من أقرب المسالك بزيادة من ص. (ما قولكم) في امرأة وقفت دارا على ولدها الصغير وحازتها له ثم ماتت، فهل يصح وقفها على الصغير أم لا؟ (الجواب) لا يكفي حوز الأم للصغير إذا كانت غير وصية، وإذا لم يكف حوز الأم للصغير إذا كانت غير وصية عليه، وإذا لم يكف حوزها وحصل مانع بطل وقفها، وأما إذا كانت وصية فإنه يكفي حوزها له بالشروط المتقدمة في المسألة التي قبل هذه كما يفهم من قوله فيها على محجوره، كما في أقرب المسالك. (ما قولكم) في شخص وقف دارا على ذريته ذكورا وإناثا، وشرط إخراج البنات من وقفه إن تزوجن، هل يتبع شرطه أم لا؟ (الجواب) الشرط إن كان ممنوعا لا يعمل به إن كان متفقا على منعه، وأما المختلف فيه كاشتراط إخراج البنات من وقفه إذا تزوجن فهذا لا يجوز الإقدام عليه، فإذا وقع مضى، كما في الحطاب نقله البناني كما في ص. [مسألة] ليس للناظر الإيصاء بالنظر لغيره إلا أن يجعل له الواقف ذلك، وحيث لم يكن له الإيصاء بالنظر فإن مات -والحال أن الواقف حي- فإن الواقف يجعل النظر ممن شاء وإن كان ميتا فوصيه إن وجد، وإلا فالحاكم. اهـ ملخصا من در ودس. [مسألة] في عبد الباقي أن الأحوط تجنب معلوم أوقاف السلاطين لحق من هو أحوج، وفي الأمير وقعت الفتوى قديما بأنه لا يشترط في أخذه العمل بالموقوف عليه؛ لأنه في الحقيقة استحقاق من بيت المال، وممن أفرد ذلك بالتأليف الجلال السيوطي. اهـ. [مسألة] إذا مات الواقف وعدم

كتاب الوقف، فإنه يقبل قول الناظر في الجهات التي يصرف عليها إن كان أمينا، وإذا ادعى الناظر أنه صرف الغلة صدق إن كان أمينا، ما لم يكن عليه شهود في أصل الوقف، وإلا فلا يصرف إلا بإطلاعهم ولا يقبل بدونهم، وإذا ادعى أنه صرف على الوقف مالا من عنده صدق من غير يمين إن لم يكن منهما وإلا فيحلف، وله أن يقترض لمصلحة الوقف من غير إذن الحاكم، ويصدق في ذلك، نقله دس عن شب كما في ص.

كتاب الوقف، فإنه يقبل قول الناظر في الجهات التي يصرف عليها إن كان أمينا، وإذا ادعى الناظر أنه صرف الغلة صدق إن كان أمينا، ما لم يكن عليه شهود في أصل الوقف، وإلا فلا يصرف إلا بإطلاعهم ولا يقبل بدونهم، وإذا ادعى أنه صرف على الوقف مالا من عنده صدق من غير يمين إن لم يكن منهما وإلا فيحلف، وله أن يقترض لمصلحة الوقف من غير إذن الحاكم، ويصدق في ذلك، نقله دس عن شب كما في ص. [مسألة] إذا ضاق المسجد بأهله واحتاج إلى توسعته، وبجانبه عقار وقف أو ملك؛ فإنه يجوز بيع الحبس لتوسعة المسجد، وإن أبى صاحب الحبس أو الملك من بيع ذلك فالمشهور الجبر على البيع، ويشترى بثمن الحبس حبسا كالأول، ومثل توسعة المسجد توسعة طريق المسلمين ومقبرتهم، وأما توسعة بعض الثلاثة من بعض ففي عج أنه يؤخذ الجواز من الشيخ عند قول المصنف واتبع شرطه إن جاز أن ما كان لله فلا بأس فيه أن يستعان ببعضه في بعض، إلا أن في بعض الشراح التنصيص بأنه لا يهدم المسجد لتوسيع الطريق، بخلاف الدفن فيه لضيق المقبرة؛ لأن المسجد باق بحاله. [مسألة] لا يجوز بيع الوقف وإن خرب ولو بغيره من جنسه، ولا يجوز استبداله بمثله غير خرب، ولا يجوز بيع أنقاضه من أحجار وأخشاب، فإن تعذر عود الأنقاض فيما وقفت فيه جاز نقلها في مثله، وقال ابن عرفة: يجوز نقلها لوقف آخر عادم المنفعة ولو كان غير مماثل للأول، وإذا منع بيع الوقف وأنقاضه فيجوز للناظر إذا تعذر عوده من غلة أو إجارة أن يأذن لمن يعمره من عنده على أن البناء يكون للباني ملكا وخلوا؛ أي منفعة، ويجعل على الباني في نظير الأرض حكرا يدفعه للمستحق، وكذلك يجوز للناظر أن يؤاجر أرضا محبسة لشخص يبني فيها نحو دار، ويجعل عليه لجهة الوقف قدرا من الدراهم كثلاثين درهما، فإذا كانت الدار تكرى بستين درهما فهي بينهما مناصفة، فالثلاثين التي أخذها الباني يقال لها: خلو، وهذا الخلو يتعلق به البيع والإرث والوقف وغير ذلك، وإذا اشترى جماعة من الباني المذكور وباع بعضهم حصته فلشركائه الأخذ بالشفعة، وإذا حصل خلل للبناء في صورة أخذ الناظر لمن يبني فالإصلاح على الناظر وصاحب الخلو على قدر ما لكل؛ لأنهما صارا شريكين، وأما إذا حصل الخلل في البناء الذي حصل في أرض الوقف الخالية فالإصلاح

[مسألة]

على صاحب الخلو فقط، وأما لو كان البناء المنهدم وقفا محضا والخلو فوقه وانهدم الأسفل فالإصلاح من الوقف فقط، واعلم أن الخلو من ملك المنفعة لا من ملك الانتفاع؛ لأن مالك الانتفاع ينتفع بنفسه فقط ولا يؤاجر ولا يعير ولا يهب، ومالك المنفعة له ذلك مع انتفاعه بنفسه، والفرق أن مالك الانتفاع تقصد ذاته مع وصفه بوصف كإمام وخطيب ومدرس وقف عليه بالوصف المذكور، بخلاف مالك المنفعة فإنما يقصد به الانتفاع بالذات لا مع وصف، ثم إن مالك الانتفاع إذا أراد أن ينفع به غيره فإنه يسقط حقه منه، ويأخذه الغير على أنه من أهله حيث كان من أهله، ولما كان الخلو من ملك المنفعة صار يورث ويوهب، وليس للناظر أن يخرج تلك المنفعة عن المستحق لها، وإن كانت الإجارة مشاهرة، وليس له الإجارة لغيره. اهـ ملخصا من حاشية الخرشي والأمير على عب والدسوقي. [مسألة] إذا أكرى الناظر الوقف بغير أجرة المثل ولم تمض مدة الإجارة فإنها تفسخ، والأصح ضمن تمام أجرة المثل إن كان مليا، وإلا رجع على المستأجر؛ لأنه مباشر وكل من رجع عليه لا يرجع على الآخر، هذا ما لم يعلم المستأجر بأن الأجرة غير أجرة المثل، وإلا فكل منهما ضامن، كما في حاشية الخرشي بزيادة من باب الإجارة. [مسألة] إن أكرى ناظر الوقف بغير محاباة فإن أكرى بأجرة المثل فلا يفسخ كراؤه، ولو بزيادة زادها شخص على المكتري، وأما إن أكرى بأقل من أجرة المثل فإنه يفسخ كراؤه إذا زاد عليه شخص آخر أجرة المثل، إلا أن يلتزمها الساكن، وإلا كان أحق ما لم يزد الآخر على أجرة المثل، وإلا كان أحق ما لم يلتزم الساكن تلك الزيادة، هذا ما استظهره في حاشية الخرشي، خلافا لما فهمه عب وتبعه في أقرب المسالك. [مسألة] للناظر عزل نفسه ويولي صاحب الوقف من شاء إن كان حيا، وإلا فوصيه إن كان، وإلا فالحاكم كما في دس وغيره. [مسألة] ذكر البدر أن القاضي لا يعزل الناظر إلا بجنحة، وللواقف عزله ولو بغير جنحة. اهـ دسوق. (ما قولكم) في وقف أهلي محكوم بصحته ولزومه من حاكم شرعي حنفي المذهب من قضاة المسلمين وقفه الواقف مالكي المذهب وشرط فيه

بقوله أن يكون النظر أولا لنفسه مدة حياته، ثم للأرشد فالأرشد من أولاده لصلبه، ثم للأرشد فالأرشد من المستحقين بالفعل إلخ، فمات الواقف المذكور وخلف ولدين ذكرين تعينا ناظرين على الوقف المذكور، ثم مات أحدهما وخلف أولادا ذكورا وإناثَا، فهل يكون أولاد الولد مقام أبيهم في النظارة على الوقف المذكور مع ولد الواقف المذكور؟ وهل قول الواقف من أولاده لصلبه يشمل ولد ولدِ الصلب مع ولد الصلب، أم لا يكون ولد ولدِ الصلب ولدا صلبيا مع كونه من أولاد الظهور؟ وهل إذا كان ولد الولد للصلب مقدم على ولد الصلب إذا كان أرشد منه، ولا يمنعه قول الواقف من أولاده لصلبه؟ أم كيف يكون ذلك؟ أفتونا بنص صريح من معتمد مذهب الإمام مالك، آجركم الله آمين! (الجواب) في الصاوي على أقرب المسالك عند قوله: واتبع شرطه إن جاز كتخصيص مذهب أو ناظر معين ما نصه؛ أي بأن شرط الواقف أن فلانا ناظر وقفه فيجب اتباع شرطه ولا يجوز العدول عنه لغيره، وليس له -أي الناظر المعين- الإيصاء بالنظر لغيره إلا أن يجعل له الواقف ذلك، وحيث لم يكن له إيصاء به، فإن مات الناظر والواقف حي جعل النظر لمن شاء، وإن كان ميتا فوصيه إن وجد، وإلا فالحاكم. اهـ ويؤخذ من قوله: وليس له الإيصاء بالنظر لغيره إلخ أن أولاد الولد لا يكونون مقام أبيهم في النظارة، ولو جعلها أبوهم لهم من بعده، بل يتعين أن يكون الولد الباقي هو الناظر. قال الصاوي: وذكر البدر القرافي أن القاضي لا يعزل الناظر إلا بحجة، وللواقف عزله مطلقا. اهـ، وأما قوله: وهل قول الواقف من أولاده لصلبه يشمل ولد ولدِ الصلب مع ولد الصلب، أم لا يكون ولد ولدِ الصلب ولدا صلبيا إلخ، ففي رسالة الشيخ يحيي بن محمد الحطاب شرح ألفاظ الواقفين ص 47 ما نصه الثاني عشر ما قاله ابن شعبان في الزاهي، ولو قال: على ولد ظهري لم يدخل فيه ولد ولده ذكورهم ولا إناثهم. اهـ. قال الشيخ يحيي الحطاب وانظره مع قوله قبل ما نصه: ومن جعل داره حبسا على ولده وولد ولده لم يدخل فيه ولد البنات؛ لقوله -تعالى-:} يوصيكم الله في أولادكم {، فليس لولد البنات مع ذكر ولد الولد شيء، ولا على الانفراد لو انفردوا، كقوله:} ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد {، ثم قال:} ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد {،

[مسألة]

فكان ذكور ولده الذكر وإناثهم كولد الظهر يحجبون، ولم يكن كذلك ولد ذكور ولد البنات ولا أمهم. اهـ؛ فإنه في قوله: فكان ذكور ولده إلخ جعل ولد الولد كولد الظهر فتأمله، والله أعلم، قلت: فنص ابن شعبان في خصوص المسألة عدم دخول ولد الولد مع ولد الظهر، ولا شك أن ولد الصلب مثل ولد الظهر، وأما ما ذكره قبل ذلك مما استدل به الشيخ يحيي الحطاب ليس نصا في خصوص المسألة؛ إذ هو في الحجب المبني على اللغة لا في لفظ الواقفين المبني على العرف، على أنه فرق بين قول الواقف: من أولاده لصلبه، وبين قوله: على ولدي وولد ولدي، وقوله -تعالى-:} في أولادكم {، وقوله -تعالى-:} إن لم يكن لكم ولد {، وإن لم يكن لهن ولد فإن الأول مقيد بقيد لصلبه، والثاني مطلق غير مقيد بذلك، والقاعدة الأصولية: إن الأعمال خير من الإهمال فافهم بإمعان، والله -سبحانه وتعالى- أعلم. [مسألة] للقاضي أن يجعل للناظر شيئا من الوقف إذا لم يكن له شيء، وما أفتى به ابن عتاب من أن الناظر لا يحل له أخذ شيء من غلة الوقف بل من بيت المال، إلا إذا عين له الواقف شيئا، فهو ضعيف، ذكره دس عن البدر. [مسألة] يتبع شرط الواقف كشرط أن لا يزيد على كراسين في تغييرة الكتاب، فإن احتيج للزيادة جازت مخالفة شرطه بالمصلحة؛ لأن القصد الانتفاع كما في الحطاب، فإن شرط أن لا تغير إلا برهن فالشرط باطل والرهن لا يصح؛ لأن المستعير حيث كان أهلا لذلك وهو أمين فلا يضمن، ويقبل قوله: إن لم يفرط، فإن أريد بشرط الرهن التذكرة للرد عمل به، ذكره الأمير على عبق. [مسألة] في الأمير يجوز للناظر تغيير بعض أماكن الوقف لمصلحة، كتغيير الميضأة ونقلها إلى محل آخر، وأولى تحويل باب مثلا إلى مكان آخر مع بقاء المكان ذي البناء على حاله. اهـ. [مسألة] يجوز بيع ما لا ينتفع به فيما حبس عليه، وينتفع به في غيره، وهذا إذا كان غير عقار، ككتب علم تبلى، أو لا ينتفع بها في مدرسة وقفت فيها، وإذا بيع ما لا ينتفع به يجعل ثمنه في مثله كاملا إن أمكن، أو في جزئه إذا لم يمكن شراء كامل، فإن لم يمكن عوده في كامل أو شقصه تصدق بالثمن. اهـ من أقر المسالك بتصرف. [مسألة] قال أبو الحسن الصغير: يجوز بيع حصر المسجد إذا استغني عنها وكذا أنقاضه، وتصرف في مصالحه. انتهى، وكذا يقال في الزيت إذا صار لا ينتفع به في خصوص ما وقف

[مسألة]

له، انظر عدوي. [مسألة] إذا انتقل أهل مسجد جامع عنه وبنوا غيره وصار العتيق معطلا مهجورا، وعلى ذلك المسجد القديم وقف فالجمعة للجديد، كما ذكره العلامة العدوي على الخرشي في فصل الجمعة، وأما وقف المسجد القديم فيصرف في مصالح الجديد، فقد قال ابن عرفة: تنقل أنقاض الوقف إن تعذر عودها فيما وقفت فيه لوقف آخر عادم المنفعة، ولو كان غير مماثل للأول كما في دس، ومنه يعلم أن نقل ريع وقف المسجد القديم، إذا تعذر صرفه فيما وقف فيه إلى مثله أولى؛ ففي أقرب المسالك: ورجع الوقف في التحبيس على كقنطرة ومسجد ومدرسة خربت ولم يرج عودها في مثلها حقيقة إن أمكن، فيصرف في قنطرة أخرى أو مسجد آخر أو مسجد آخر أو مدرسة أخرى، فإن لم يمكن ففي مثلها نوعا؛ أي في قربة، وقيل: تصرف في مثلها نوعا ولو أمكن المثل حقيقة، إلا أن في كلام عج ما يفيد تأييد الأول. اهـ بزيادة من ص، والله أعلم. (ما قولكم) في شخص أخذ كتابا موقوفا على مكان معين، وسافر به إلى مكان آخر ثم مات وفقد الكتاب، هل تؤخذ قيمته من تركته، ويشترى بها كتاب مثله أم لا؟ (الجواب) تؤخذ قيمة ذلك الكتاب المفقود ويشترى بها مثله أو شقصه، كما يعلم من قوله في أقرب المسالك: كأن أتلف الحبس فإن من أتلفه يلزمه القيمة ويشترى بها مثله أو شقصه، وهذا ظاهر إن كان غير عقار، وأما العقار إذا أفسده شخص فيلزمه قيمة ما أفسده، ويعاد بتلك القيمة فيقوم سالما ومهدوما ويؤخذ من متلفه قيمة النقص -بالصاد المهملة- ويقام بها مع الأنقاض الحبس. اهـ بتصرف وتوضيح، والله أعلم. [مسألة] يجوز إنزال الصيف المدارس والربط الموقوفة المدة اليسيرة، ولا يجوز الكثيرة؛ لأنه يصير إعارة ومالك الانتفاع لا يجوز له أن يعير، كما ذكره عب في باب الإعارة. [مسألة] يصرف ماء آبار المدارس والرباطات على ما نص الواقف، وإلا فعلى ما جرت به العادة، وما يوقف من الصهاريج للشرب في المدارس ونحو ذلك لا يجوز لأحد بيعه ولا هبته للناس، ولا صرفه في وجوه لم تجر العادة بها، إلا الشيء اليسير كالبياض اليسير ونحوه، ونظير ذلك الطعام الذي يقدم للضيف فلا يجوز له أن يبيعه ولا يملكه لغيره، بل يأكله هو خاصة على جاري العادة، وله إطعام الهرة اللقمة ونحوها لشهادة العادة بذلك، ولا يتغطى ببسط

[مسألة]

الوقف ونحوها. اهـ ملخصا من عب في باب العارية، ومن فتاوى عج. [مسألة] المساكن الموقوفة على المجاورين في المدارس ونحوها لا يجوز لمن يسكنها بوصف المجاورة أن يبيع أو يهب أو يعير أو غير ذلك ولا الخزن فيها، نعم يجوز له أن يسقط حقه لغيره فيستحق ذلك الغير الانتفاع به حيث كان من أهله، كما وقع للعلامة البرزلي في سكنى خلوة الناصرية، فإنه قد أسقط له حقه فيها من كان يملك الانتفاع بها عند قدومه لسفر الحج، ويجوز إسقاط الحق في الانتفاع ببيوت المدارس والوظائف مجانا وفي مقابلة دراهم على المعتمد كما في بن عن البرزلي، وإذا أسقط مالك الانتفاع حقه منه سقط حقه على الوجه الذي أسقطه، فإن أسقطه مدة مخصوصة رجع إليه بعد انقضائها كالعارية، وإن أطلق في الإسقاط فلا يجوز له -كما أفاده البرزلي- ومن استعار كتابا وقفا فليس له أن يعيره؛ لأنه مالك الانتفاع فقط إلا أن يسقط ذلك المستعير حقه في العارية، ويكون الثاني من أهلها. اهـ ملخصا من دس وعدوي من باب العارية. (ما قولكم) في شخص اشترى حصة من وقف من مستحقها واستغلها مدة، فهل يفوز بما قبضه من غلة تلك الحصة أم لا؟ (الجواب) ذكر العلامة العدوي في باب الاستحقاق أنه يستثنى من قولهم: المشتري العالم بأن الشيء المشترى ملك للغير لا غلة من اشترى حصة من وقف من مستحقها فإنه يفوز المشتري بغلة تلك الحصة ما دام المستحق حيا، ولو كان المشتري عالما بوقفية تلك الحصة، ووجهه أنه بمنزلة المستحق الواهب منفعة شيء يستحقه لشخص آخر، والله أعلم. (ما قولكم) في شخص متول أمر وقف فأجر دارا لشخص مدة، ثم مات قبل انقضائها، فهل تنفسخ الإجارة أم لا؟ (الجواب) في عب وغيره أن الإجارة تنفسخ بموت مستحق وقف أجر ثم مات قبل أن تنقضي تلك المدة، وانتقل الاستحقاق لمن في طبقته أو لمن يليه، ولو كان ولده، ولو كان ذلك ناظرا كما في الحطاب، ولا يخالفه ما في تت من أنها لا تنفسخ بموت الناظر؛ لأنه فرض ذلك في ناظر غير مستحق. انتهى بتصرف؛ والمعنى أن الناظر الذي لا تنفسخ إجارته بموته هو الذي يؤاجر لعموم مصلحة الوقف بنظره، ولا استحقاق له، وأن الذي تنفسخ إجارته بموته هو الذي يؤجر من حيث استحقاقه؛ لأنه بموته تنتقل الإجارة لمن انتقل إليه الحق، والله أعلم. [مسألة] إذا وقف شخص كتبا

[مسألة]

في مدرسة فبليت، أو صارت لا ينتفع بها في تلك المدرسة؛ فإنها تباع ويشترى بثمنها كتبا كاملة ينتفع بها، فإن لم يمكن شراء الكاملة فجزؤها، فإن لم يمكن إبدالها بكاملة أو ناقصة تصدق بثمنها. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] إذا أتلف شخص شيئا من الوقف فإنه يلزمه القيمة، ويشترى بها مثله أو شقصه، وهذا ظاهر إن كان غير عقار، وأما العقار فيعاد بقيمته فيقوم سالما ومهدوما، ويؤخذ من متلفه قيمة النقص، ويبنى الوقف بها مع الأنقاض؛ لأنها وقف، هذا هو المشهور خلافا لقول سيدي خليل: ومن هدم وقفا فعليه إعادته. اهـ من أقرب المسالك بتصرف. [مسألة] لا يجوز أن يقسم من أجرة الوقف إلا ما مضى زمنه؛ خشية موت من أخذ فيؤدي إلى إعطاء من لا يستحق وحرمان غيره ممن يستحق، أو خشية طروّ مستحق في المدة فيحرم من حقه، وهذا إذا كان الوقف على معينين أو على خدمة مسجد أو على مدرسين ونحوهم، وأما على فقراء فيجوز للأمن من إحرام مستحق وإعطاء من لا يستحق لعدم لزوم تعميمهم، كما في أقرب المسالك. [مسألة] إذا قال: وقف على ولدي فلان وفلانة كان ذلك خاصا بها بخلاف وصيي على ولدي فلا وفلانة فإن غير من سمى من أولاده يدخل، والفرق أن الوصية بمعنى واحد فلا وجه للتخصيص، بخلاف الوقف فله غرض في نفع البعض لفقره. اهـ أمير على عب. (فرع) قال ابن غازي في تكميل التقييد: سئل أبو محمد عبد الله العبدوسي هل يجوز جمع أحباس فاس بتمامها، ثم يعمر من معاليمها الخرب من المساجد؟ فأجاب: نعم، يقدم الأهم فالأهم، ويكون ذلك سلفا لمن أخذ منه من المساجد. اهـ بدر. (فرع آخر) لا يجوز أن يتسلف من الوقف قبل إبان الاستحقاق، تأمل الفرعين فلعل الأول مخصص للثاني، اهـ أمير. (ما قولكم) في مسجد خرب وليس له غلة فأخذ ناظر المسجد قطعة من المسجد فجعلها حوانيت لأجل مصالح المسجد، وزاد من الجهة الأخرى بقدر ما أخذ من المسجد للحوانيت، فهل يجوز له ذلك أم لا؟ (الجواب) سئل الأجهوري عن مسجد له مراحيض خربت حتى صارت عدما محضا، وأرادوا أن يبدلوها بحوانيت تكرى وتصرف غلتها في مصالح المسجد، فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب -رحمه الله-: لا يجوز لهم ذلك؛ لما فيه من إخراج الوقف عن حالته الأصلية، ومثله في البرزلي، معللا ذلك بأن العبرة في الوقف باللفظ لا بالمنفعة، فمن

باب أولى ما هنا من أخذهم من المسجد شيئا وجعله حوانيت؛ إذ هو أحرى بعدم الجواز، والله أعلم.

باب أولى ما هنا من أخذهم من المسجد شيئا وجعله حوانيت؛ إذ هو أحرى بعدم الجواز، والله أعلم. (ما قولكم) في رجل بنى مسجدا صغيرا بلبن وسقفه من قصب فوهى واندرست أكثر جدرانه، فضاق على المصلين، فأراد أهل البلد توسعته وتعميره بالآجر والجص بغاية الاستحكام بحيث يسع المصلين، فمنعهم ورثه باني المسجد عن تعميره وتوسعته عن حالته الأولى، فهل لهم ذلك أم لا؟ (الجواب) ورثة الباني كأحد المسلمين في أمر المسجد ليس لهم منع أحد من فعل الخير العائد لجميع المسلمين، فلهم التعمير والتوسيع وغيره من المصالح والحال ما ذكر، والله أعلم. (ما قولكم) في أرض منى من جهة وقفها وبيعها، فهل يصح لأحد أن يقتطع له قطعة منها ويستولي عليها ويتملكها، ويتصرف فيها بالبيع والوقف وغيرهما، ويمنع المسلمين من النزول فيها؟ وإذا وقفها هل ينفذ وقفه لها؟ وإذا وقفها على جماعة هل يطالبون الناظر عليها ويجبرونه على أخذ الأجرة منه بعد موت الواقف؟ وهل يجب على ولي الأمر أن يهدم ذلك البناء حيث كانت تلك الأرض لا تملك كالبناء في المقبرة المسبلة؟ وإذا منع الناظر إعطاء الأجرة للموقوف عليهم يكون آثما عند الله؟ وهل لكل أحد أن يزيل هذا البناء؛ لأنه من المنكر؟ وهل لكل أحد أن يدخل في هذه الأماكن المحكرة بالبناء كالحيشان؟ أفتونا. (الجواب) لا يجوز بيعها ولا وقفها، ولا الاستيلاء عليها بنية تملكها والتصرف فيها بالبناء فيها وغيره، وإذا كان كذلك فليس له منع أحد من النزول بها، قال سند: وجملة ذلك أن منى لا ملك لأحد فيها، وليس لأحد أن يحجر فيها موضعا، إلا أن ينزل منها منزلا فيختص به حتى يفرغ من نسكه ويخرج منه، والأصل فيه ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "قلنا: يا رسول الله، ألا نبني لك موضعا يظلك بمنى؟ قال: لا، منى مباح لمن سبق"، خرجه الترمذي والنسائي، وهذا يمنع أن يحجر أحد فيها بنيانا إلا أن يكون نازلا بها ثم وإن كان بها كره له أيضا، قال مالك عند محمد: لأنه تضييق على الناس، وكره إجارة البنيان الذي بها قال في الموازية، وقد سمعت أنه يكره كراء البيوت التي بها، لكن هذا إن قصد كراء البقعة مع ما فيها، أما إن قصد الأخشاب والأحجار والآلات التي بها فقط فلا كراهة، وكذا إن قصد وقفها وعليه فيطالبون الناظر بأجرة الآلات والأخشاب التي بالبقعة، وإذا امتنع الناظر

من الإعطاء يكون آثما، وعلى ولي الأمر أن يمنع من أراد البناء بها، وأن يزيل بناءه لما علمت أنه لا ملك لأحد فيها إلا الانتفاع، وكل من له قدرة على إزالة البناء يجب عليه أن يزيله؛ إذ هو من المنكرات، والله أعلم. (ما قولكم) في دور مكة المشرفة، هل يجوز بيعها ووقفها وكراؤها أم لا؟ وهل الحسنة فيها بمائة ألف أم لا؟ أفتونا. (الجواب) في الفروق للقرافي بعد أن حقق عن الإمام أن مكة فتحت عنوة ما حاصله: أراضي العنوة اختلف العلماء فيها؛ هل تصير وقفا بمجرد الاستيلاء، وهو الذي حكاه الطرطوشي في تعليقه عن مالك؟ وللإمام قسمتها كسائر الغنائم وهو مخير في ذلك، والقاعدة المتفق عليها أن مسائل الخلاف إذا اتصل ببعض أقوالها قضاء حاكم تعين القول به وارتفع الخلاف، فإذا قضى حاكم بثبوت ملك في أرض العنوة ثبت الملك وارتفع الخلاف ويتعين ما حكم به الحاكم، وهذا التقرير يطرد في مكة ومصر وغيرهما، والقول بأن الدور وقف إنما يتناول الدور التي صادفها الفتح، أما إذا انهدمت تلك الأبنية، وبنى أهل الإسلام دورا غير دور الكفار فهذه الأبنية لا تكون وقفا إجماعا، وحيث قال مالك: لا تكرى دور مكة يريد، ما كان في زمانه باقيا من دور الكفار التي صادفها الفتح، واليوم قد ذهبت تلك الأبنية، وعليه فتملك وتوهب وتوقف. وقال القاضي تقي الدين الفاسي: والقول بمنع كراء بيوت مكة فيه نظر؛ لأن غير واحد من علماء الصحابة وخلافهم عملوا بخلافه في أوقات مختلفة، ثم ذكر وقائع من ذلك عن عمر وعثمان وابن الزبير ومعاوية -رضي الله عنهم- وعلى القول بجواز البيع والكراء اقتصر ابن الحاج؛ فإنه قال بعد ذكر الخلاف: وأباحت طائفة من أهل العلم بيع رباع مكة وكراء منازلها، منهم طاووس وابن دينار، وهو قول مالك والشافعي، قال: والدليل على صحة قول مالك ومن يقول بقوله قول الله -عز وجل-:} الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم {، وقوله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، فأثبت لأبي سفيان ملك داره، وأثبت لهم أملاكهم على دورهم، وإن عمر ابتاع دارا بأربعة آلاف درهم، وأن دور أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأيدي أعقابهم، منهم أبو بكر الصديق والزبير بن العوام وعمرو بن العاص وغيرهم، وقد بيع بعضها وتصدق ببعضها، ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا

باب الهبة

في أملاكهم، وتؤول:} سواء العاكف فيه والباد {في البيت خاصة، والله أعلم، وأما الحسنة فيها فبمائة ألف، ومن أعظمها الوقف إذ هو الصدقة الجارية، والحال ما ذكر، والله أعلم بالصواب. باب الهبة [مسألة] من خرج بكسرة لسائل معين لم يجز له أكلها ولا دفعها لغيره حيث بتلها له إن نوى الإعطاء فقط، كما في جواب ابن رشد لسؤال أرسله له عياض، والفرق بين التبتيل بالنية ونية الإعطاء أنه إن عبر عن التبتيل بعبارة قال: أعطيت، وإن عبر عن نية الإعطاء قال: أريد أن أعطي قال الحطاب: وأعمال التبتيل بالنية مبني على أحد القولين في أعمال الكلام النفسي في الطلاق ونحوه، فإن ذهب ولم يجده -والحال أنه نوى الإعطاء فقط- فالأحسن صرفها لغيره، وإن أخرجها له لا من حيث خصوصه بل مطلق صدقة لفقير وجب إعطاؤها لغيره. اهـ أمير على عب. وإذا علمت أن الأحسن صرفها لغيره إذا ذهب ولم يجده والحال أنه نوى الإعطاء فقط فلا فرق بين معين وغيره، كما بينه الأمير عند قول سيدي خليل: وكره تملك صدقة، وفي الأمير أيضا: وإن وجدت السائل ولم يقبل فغيره أولى من الأول لتأكيد العزم بالدفع، واختلف هل له أكلها أم لا؟ فقيل: يجوز أكلها، وقيل: لا، وقيل: إن كان معينا أكلها وإن كان غير معين لم يأكلها. اهـ. (ما قولكم) في شخص تصدق بصدقة، وبعد إعطائها للمسكين هل يصح إهداء ثوابها لميت أم لا؟ (الجواب) في العدوي على الرسالة في باب الأضحية أنه يصح إهداء ثواب صدقة ونحوها بعد فعلها لميت، بخلاف التشريك في الأجر في الأضحية فلا يكون إلا قبل الذبح، وأما بعده فلا تسقط عن المشرك، فانظره. (ما قولكم) في الصدقة على الذمي هل فيها أجر أم لا؟ (الجواب) قال الخرشي في باب الوقف: وكذلك يصح الوقف على الذمي قريبا كان أو أجنبيا؛ لأن الوقف عليه صدقة، وفي الصدقة عليه أجر، والله أعلم. [مسألة] من سكت عن قبول صدقته زمانا فله قبولها بعد ذلك، فإن طلب غلتها حلف ما سكت تاركا لها وأخذ غلتها، كما في الصاوي. [مسألة] إذا تجمد لإنسان مال معلوم من وظيفة أو جامكية فيصح أن ينزل عنه لغيره، إن كان ذلك النزول من غير مقابلة بشيء بل هبة، أما إن كان في مقابلة شيء يؤخذ فإن سلم من الربى

باب في اللقطة

جاز، وإلا منع كما في الصاوي. باب في اللقطة [مسألة] يجب تعريف اللقطة سنة كاملة إن كان لها بال، ويعرف نحو الدلو والدينار فأقل الأيام؛ لأنها لا تلفت إليها النفوس كل التفات، والتعريف يكون بمظان طلبها وبباب المسجد لا داخله، ويعرفها في ابتداء الالتقاط كل يوم مرتين، ثم في كل يوم مرة، ثم في كل يومين مرة، ثم في كل ثلاثة مرة، ثم في كل أسبوع مرة، كما ذكره شارح الموطأ، ويعرفها بنفسه أو بمن يثق به لأمانته، ولا ضمان عليه إن دفعها لأمين يعرفها، وإن كان تعريفها لا يليق بالملتقط لكونه من أولي الهيئات أعطاها لمن يعرفها بأجرة منها، وإن كان يليق به التعريف وأعطاها لغيره يعرفها فهلكت فإنه يضمن، كما لو تراخى في التعريف حتى هلكت، ولا يذكر حال تعريفه جنسها بل يذكرها بوصف عام، كأمانة أو مال أو شيء، والشيء التافه كدون الدرهم وكعصي لا يعرف؛ لأنه لا تلتفت إليه النفس، وكقليل من تمر أو زبيب، وله أكله إذا لم يعلم صاحبه، وإلا منع وضمن. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص. [مسألة] للملتقط بعد السنة حبس اللقطة أو التصدق بها عن ربها أو عن نفسه أو التملك لها ولو وجدها بمكة، وضمن الملتقط فيما إذا تصدق بها ولو عن ربها، أو تملكها إذا جاء ربها، كما في أقرب المسالك. باب في الدعاوى والإيمان (ما قولكم) في شخص اتهم آخر هل له تحليفه أم لا؟ (الجواب) ذكروا عند قول سيدي خليل في باب القراض: والقول للعامل في تلفه أي مال القراض إلخ أن القول للعامل بيمين على المشهور، وفي دس أن الخلاف في تحليفه وعدم تحليفه جار على الخلاف في أيمان التهمة، وفيها ثلاثة؛ أقوال: قيل: تتوجه مطلقا وهو المعتمد، وقيل: لا تتوجه مطلقا، وقيل: تتوجه إن كان متهما وإلا فلا. (ما قولكم) في شخص قال لآخر: لك إحدى هاتين الأمتين، وقلتم: إن المقر يلزمه أن يعين ما أقر به منهما، وقلتم: إذا عين أدناها ولم يصدقه المقر له أن يحلف ويدفع الأدنى للمقر له، فهل إذا نكل المقر يحلف المقر له إذا كان المقر متهما، وحيث بقي الأدنى للمقر هل ينتفع به ولو بالوطء حيث كان أمة أم لا؟ (الجواب) في حاشية في باب الإقرار

[مسألة]

أن اليمين هنا ترد، سواء كانت دعوى تحقيق أو اتهام؛ لأن باب الإقرار مبني على أن يمين التهمة ترد، وينتفع المقر له بالأدنى انتفاع المالك، ويطأها إن كانت أمة إن أحب على الظاهر. (ما قولكم) في أمين طلب المودع الوديعة منه فقال: لا أدري أضاعت أم تلفت فاتهمه ربها، ولم يحقق عليه الدعوى، وقلتم: يحلف المتهم، فهل إذا نكل يغرم بمجرد النكول أو ترد اليمين على رب الوديعة؟ (الجواب) في الخرشي في باب الوديعة: إن لم يحقق الدعوى فإنه يغرم بمجرد النكول؛ لأن يمين التهمة لا ترد على المذهب، وفي العدوي عن الرماصي أن يمين التهمة ترد هنا؛ أي في باب الوديعة على المشهور، وهكذا في التوضيح وابن عبد السلام وابن رشد وأصله لصاحب البيان، وفي دس عن البناني: كأنهم شددوا هنا؛ أي في باب الوديعة مراعاة للأمانة، وحينئذ فيحمل المصنف هنا؛ أي حيث قال: فإن نكل حلف على يمين التهمة وغيرها، والله أعلم. [مسألة] المتهم هو الذي يشار إليه بالتساهل في الوديعة، وقيل: من ليس من أهل الصلاح ورده محشي تت -رحمه الله تعالى- بأن المراد بالمتهم أنه الذي لم تحقق عليه الدعوى وليس إلا مجرد التهمة، كما في عدوي؛ أي ولو كان غير متهم في نفس الأمر، ودعوى التحقيق أن يجزم المدعي بكذب المدعى عليه، كما في در. (ما قولكم) في شخص قال لآخر: أبرأتك من كل حق، ثم ادعى على من أبرأه بشيء، وأتى بوثيقة مكتوب فيها ذلك الحق، وقلتم: لا تقبل دعواه إلا إذا أتى ببينة تشهد له بأن الحق المكتوب في الوثيقة حدث التعامل به بعد البراءة، فهل اليمين تتوجه على المدعى عليه، ولو جهل أن هذه الوثيقة بعد البراءة ولم يحقق المدعي شيئا أو حقق، ولا خلطة بينهما؟ (الجواب) في عبد الباقي: إن حقق المدعي أن ما في الوثيقة حدث بعد البراءة، فإن كان لا خلطة بينهما فلا يمين على المذهب، وإن كان بينهما خلطة توجهت الدعوى وقبلت؛ لتوجه اليمين على المطلوب حينئذ على ما تجب به الفتوى، وإن جهل أن هذه الوثيقة بعد البراءة ولم يحقق الطالب شيئا توجهت اليمين على المطلوب، وإن كانت الدعوى دعوى اتهام؛ لأن توجهها هنا في عدم الاتهام قوي من حيث إنه مبني على الاحتياط فتحرى فيه التشديد، فلا يراعى فيه خلطة على المعتمد، وأن علم تقدم الوثيقة على البراءة فلا يمين اتفاقا، كما يفيده ابن رشد، والله أعلم. (ما قولكم) في مستعير شيء ادعى هلاكه بغير صنعه، بل بقرض فأر مثلا، وقلتم: يحلف ما فرط ويبرأ، فهل

باب القضاء

إذا نكل يغرم بمجرد نكوله أو ترد اليمين على المعير؟ (الجواب) لا ترد اليمين على المعير، بل يغرم المستعير بمجرد نكوله؛ لأنها يمين تهمة، قال عبد الباقي: يؤخذ من هذه المسألة أنه يجب عليه تفقد العارية، وكذا يجب على المرتهن والمودع ونحوهم تفقد ما في أمانتهم مما يخاف بترك تفقده حصول العت ونحوه فيه؛ لأن هذا من باب صيانة المال، فإن لم يفعل ذلك تفريطا ضمن، والله أعلم، وقد تقدم التنبيه على هذا في باب الإعارة. باب القضاء [مسألة] لا يحكم القاضي إلا بالقول الراجح من قول إمامه المجتهد المطلق، ولو مع وجوده؛ إن المجتهد ثلاثة: مجتهد مطلق، ومجتهد مذهب، ومجتهد فتوى، فالمطلق كالصحابة وأهل المذاهب الأربعة، ومجتهد المذهب هو الذي يقدر على إقامة الأدلة في مذهب إمامه كابن القاسم وأشهب، ومجتهد الفتوى هو الذي يقدر على الترجيح ككبار المؤلفين من أهل المذاهب، والأصح أن الترتيب بين هذه المراتب في القضاء مندوب. اهـ ص. (ما قولكم) في القاضي إذا أقام أحد عنده بينة على ما ادعاه هل يقول القاضي للمدعى عليه: ألك مطعن في البينة قبل أن يطلب التزكية من المدعي أم يقدم التزكية؟ أفيدوا. (الجواب) أجاب العلامة الشيخ محمد عليش بقوله: يقدم التزكية، فإذا تمت أعذر، قال ابن فرحون في تبصرته: تنبيه الإعذار لا يكون إلا بعد استيفاء الشروط وتمام النظر، والإعذار في شيء ناقص لا يفيد شيئا، قاله بان سهل. انتهى. [مسألة] لا يحكم في الرشد وضده والوصية والحبس المعقب، كعلى فلان ثم أولاده، وأما غير المعقب كعلى فلان وفلان فلا يتقيد بالقضاة، وأمر الغائب والنسب والولاء والحد والقصاص ومال اليتيم إلا القضاة لا غيرهم، كالوالي ووالي الماء والمحكم، وأما نائب القاضي فهو مثله، فإن حكم غير القضاة مضى إن حكم صوابا وأدب، ومن جملة أمر الغائب فسخ نكاحه ما لم يتعذر الوصول إلى القاضي حقيقة أو حكما، بأن كان يأخذ دارهم على الفسخ، وإلا قام مقامة جماعة المسلمين كما ذكروه في باب الحجر، ولكن الذي تقدم في فصل المفقود أن القاضي وحاكم السياسة الذي يعبرون عنه بالوالي، ووالي الزكاة الذي يعبرون عنه بوالي الماء في مرتبة واحدة إلا أن القاضي أولى،

[مسألة]

فانظره وتأمل، ولعل قولهم في باب القضاء فإن حكم المحكم في هذه الأمور أدب إن نفذ حكمه يشير لذلك. (ما قولكم) في حكم الحاكم، هل يتوقف على تقدم دعوى أم لا؟ (الجواب) قال القرافي وغيره: حكم الحاكم لا يتوقف على تقدم دعوى ولا يجب على الحاكم ذلك، وإنما يجب عليه النظر فيما يقع فيه خصومة بالفعل، فإذا كان شخص له شخصان عدوان وخاف أن يموت من يعلم عداوتهما له فيشهدان عليه، فأشهد عند الحاكم على عداوة هذين الشخصين فللحاكم تسجيل ذلك؛ وينفع لقول القرافي المذكور، ذكره العلامة الأمير في باب الصلح عند ذكر بينة الاسترعاء، وذكره الخرشي في باب القضاء، ولكن في أقرب المسالك في باب الشهادات أنه يتوقف على تقديم دعوى صحيحة في المعاملات والخصومات كالدين والقذف والقتل والعتق والنسب، وقد لا يتوقف كرؤية الهلال وشرب الخمر والزنا؛ فإن البينة تكفي في ذلك وإن لم تتقدم دعوى. [مسألة] يجوز للإنسان أن يعمل بالقول الضعيف في مذهبه لأمر اقتضى ذلك عنده، أي لضرورة في خاصة نفسه، ولا يفتي به لغيره؛ لأنه لا يتحقق الضرورة بالنسبة لغيره كما يتحققها من نفسه سدا للذريعة، ولكن قال بعضهم: يفتي به صديقه؛ لأن شأن الصديق لا يخفى عن صديقه، وقيل: بل يقلد قول الغير من أهل المذاهب إذا كان راجحا في مذهب ذلك الغير، وهذا هو المعتمد لجواز التقليد وإن لم تكن ضرورة. اهـ ملخصا من أقرب المسالك وص والأمير. [مسألة] يجوز للخصمين تحكيم رجل عدل، عدل شهادة غير أحد الخصمين المتداعيين وغير جاهل في مال من دين وبيع وشراء وجرح ولو عظم، كجائفة وآمة أو قطع لعضو لا يحكم في حد، ولا غير ذلك مما تقدم، فإن حكم فيما تقدم مضى إن كان صوابا فلا ينقض؛ لأن حكم المحكم يرفع الخلاف كحكم الحاكم، وأدب لافتياته على الحاكم إن نفذ حكمه، بأن اقتص أو أحد أو أطلق لا بمجرد قوله: حكمت ونحوه، فإن كان أحد الخصمين هو المحكم فلا يجوز، لكنه إن وقع صوابا مضى، وقيل: بل يجوز ابتداء، وقال ابن عرفة: والقول بعدم مضيه مطلقا لا أعرفه. اهـ من در. [مسألة] للمدعي إذا لم يجد بينة تحليف المدعى عليه المنكر، وإن لم يثبت بينهما خلطة بدين أو تكرر بيع على المعتمد، فإن حلف فلا تقبل بينة بعد ذلك للمدعي إلا إذا ادعى أنه نسي البينة

باب في الشهادات

عند تحليف المدعى عليه، أو أنه لم يعلم قبل تحليفه فله إقامة البينة ويحلف أنه نسيها أو لم يعلم بها، كما إذا أقام للمدعي شاهدا في دعوى لا تثبت إلا بشاهدين، فطلب منه الثاني فقال: ليس عندي إلا هذا، فحلف المدعى عليه لرد شهادة هذا الشاهد، ثم وجد المدعي شاهدا ثانيا فله أن يقيمه ويحلف أنه نسيه أو لم يعلم به. اهـ من أقرب المسالك بزيادة من ص. (فائدة) كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة عامله بالبصرة أن اجمع بين القاسم بن معاوية وإياس، وانظر أيهما أنفذ للقضاء فوله؛ فجمع بينهما وأخبرهما بما أمر به عمر، فقال له إياس: القاسم أحق بذلك مني وسل عني وعنه فقيهي البصرة الحسن وابن سيرين، وكان القاسم يأتيهما وإياس لا يأتيهما، فعرف أنهما إن سئلا أشارا بمن يعرفانه، فقال القاسم: لا تسأل عني ولا عنه، فوالله إن إياسا أحق مني، فإن كنت كاذبا فلا عليك أن لا تولي كاذبا، وإن كنت صادقا فاتبعني، فقال إياس: يا عدي إنك أوقفت رجلا على شفير جهنم فخلص نفسه منها بيمين فاجرة ويستغفر الله منها، فقال له: حيث فطنت لها، فأنت صاحب القضية وولاه. اهـ من الأمير. [مسألة] لا يشترط في القاضي أن يعرف الكتابة على المعتمد، انظر بن. اهـ أمير. باب في الشهادات [مسألة] لا يشترط في الشهادة لفظ أشهد على الأظهر، بل المدار فيها على ما يدل على حصول علم الشاهد بما شهد به، كرأيت كذا أو سمعت كذا، ولهذا عند هذا كذا؛ فلا يشترط لأدائها صيغة معينة كما في ص. [مسألة] إذا تعذر وجود العدل -كما في زماننا- اكتفي بالحر المسلم البالغ العاقل المستور الحال الذي لا يعرف عليه فسق، وقيل: يؤمر بزيادة العدد. اهـ من ص. (ما قولكم) في شاهد يصفق بيديه، هل ترد شهادته أم لا؟ (الجواب) لا تصح إلا شهادة ذي المروءة، وهو المتصف بترك غير لائق يخل بالمروءة، ومما يخل بها الرقص والصفق بالأكف بلا موجب يقتضيه، ولعب بكسيجة وطاب ومنقلة وشطرنج بلا قمار، وإلا فهو من الكبائر؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل كما في أقرب المسالك. (ما قولكم) في قافلة حاربهم قوم، فهل تقبل شهادة القافلة بعضها لبعض؟ (الجواب) تقبل شهادة القافلة بعضهم لبعض في حرابة على من حاربهم، ولا يلتفت للعداوة الطارئة بينهم للضرورة، وسواء شهد لصاحبه بمال أو نفس، وأما في الأموال فتجوز للضرورة، وإن لم تكن هناك عدالة وحرية محققة، وإن كان ذلك في السفر. اهـ منه بزيادة من ص. (ما قولكم) في رقيق تحمل الشهادة في حال رقه، ثم أداها في حال حريته، هل تصح شهادته؟ (الجواب) يصح تحمل الرقيق للشهادة ويؤديها بعد عتقه، وكذا يصح تحمل الكافر الشهادة وهو كافر وأداؤها وهو مسلم، وكذا يصح تحمل الصبي الشهادة في حال صباه وأداؤها وهو بالغ إن كان في حال صباه ضابطا. اهـ ملخصا من در ودس.

باب في المحظورات

باب في المحظورات (ما قولكم) في حكم قول العامة: الذي يخون الفاتحة يخونه الله؟ (الجواب) في النفراوي على رسالة ابن أبي زيد في باب ما تنطق به الألسنة: يمتنع قول العامة: الذي يخون الفاتحة يخونه الله، إلا أن يشتهر في العرف استعمال هذا اللفظ في معنى يجازيه الله أو يعاقبه فلا إثم على قائل هذا، هذا ملخص ما قاله الأجهوري. (سؤال من الجاوة محصله) (ما قولكم دام فضلكم) فيمن ادعى الوصول إلى الله -تعالى- والوصول إلى مقام شهود الوحدة ومقام الشكر، وهو منهمك في لذائذ الدنيا وشهواتها، ويقول بأن له من الله حالا أسقط عنه التكاليف كالصلوات الخمس وصيام رمضان وغير ذلك من الواجبات، وأباح له جميع المحرمات كلبس الحرير واستعمال الحلي الذهب والفضة، وغير ذلك في حالة الاختيار، واستدل بقوله -تعالى-:} قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده {، الآية، ويجوز فعل كل ما خطر بالبال، ويقول: الأوامر متعلقة بأهل الظاهر؛ لأن القلب إذا صفي بكثرة الرياضات لا يقبل الوساوس الشيطانية، ويقول: خطابات القرآن كلها لعوام المؤمنين لا لخواصهم، ويفسر اليقين في قوله -تعالى-:} واعبد ربك حتى يأتيك اليقين {بالموت الاختياري الحاصل عند كثرة مجاهدة النفس لا الموت الاضطراري، وتابعه على هذا أكثر العوام فأمرهم بالرياضات وترك الصلوات وغيرهما، ولهم صفات قبيحة تطول، فماذا الحكم؟ أفتونا مأجورين خيرا. (الجواب) بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين،} رب زدني علما {، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له: صاحب هذا الاعتقاد قد انغمس في أبحر الخواطر الشيطانية والهواجس النفسانية، حيث ادعى الوصول إلى مقام شهود وحدة الإله، فهل من هذا حاله يحل ما حرم الله،} سبحانك هذا بهتان عظيم {، ودعواه أن له حالا أسقط عنه التكاليف في كل وقت وحين باطلة؛ لقوله -تعالى-:} واعبد ربك حتى يأتيك اليقين {؛ أي دم على العبادة ما دمت حيا، فلا تخلو لحظة عين من لحظات الحياة من هذه العبادات، هكذا فسر الآية الأئمة الثقات، فما أكذب هذا وما أشقاه! وما أجرأه على كلام الله! فقد ورد من حديث سيد المرسلين الأبرار: "ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار". ولا شك أنه لم يصل أحد إلى الحالة التي وصل إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومع هذا كان أشق الناس طاعة لله، وقد تورمت قدماه من طول القيام -عليه أفضل الصلاة والسلام- وكيف يستدل بالقرآن من لا يعرف معناه ولا يهتدي لمبناه؟} ويحسبون أنهم على شيء ألا أنهم هم الكاذبون {، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"؛ أي من عمل عملا أحدثه هو -أو أحدثه غيره فعمل به- ليس عليه أمرنا؛ أي حكمنا وإذننا فهو رد؛ أي مردود عليه"، رواه مسلم، وفي رواية له وللبخاري: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وقيل:

"إماتة بدعة خير من إحياء سنة"، وكان الإمام -رضي الله تعالى عنه- كثيرا ما يستشهد بهذا البيت: وخير أمور الناس ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع فهذا الرجل لا شك في كفره، وقد حصل الإجماع على أن من أحل ما حرم الله كفر -والعياذ بالله- فيقتل إن لم يتب، بل قال بعضهم: قتل مثله أفضل من قتل مائة كافر؛ لأن ضرره أشد، اللهم لا تجعلنا ممن اتبع هواه وسلك طريق الشيطان فأغواه، وأحسن لنا الخاتمة برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. (ما قولكم) في رجل يدعي أنه صاحب طريقة، يأمر الناس بالدعاء إليه، ويزهدهم في العلم وأهله، ويعتقد عصيان أبي البشر عصيانا حقيقيا، وأن الرضاع يحرم ولو بلغ الرجل خمسين سنة، وأرضع هو مع نسائه من الرجال فوق الثلاثين، ويكفر صاحب المعصية ويستدل بحديث البخاري: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، ويأمرهم بمخالفة الأئمة الأربعة؟ (أجاب) مولانا السيد محمد الكتبي مفتي السادة الأحناف بقوله: الحمد لله وحده،} رب زدني علما {، اللهم طهر ألسنتنا أن تنطق إلا بما جاء به الكتاب، ونزه قلوبنا عن التقلب إلا في الصواب، وخصنا بنفيس معادن المعاني، واهدنا لفصل الخطاب، وحققنا بكريمة} إنما يتذكر أولو الألباب {؛ إن ثبت ما ذكر ودام الرجل عليه ولم ينزجر عما نسب من شنيع هذه الفعال إليه فعلى ولاة الأنام -أقام بهم مولاهم شعائر الإسلام، وأنار بهم منار الشرع- مقابلته بالزجر والردع، بل ويحجرون عليه ويمنعونه عن مخالطة العوام وعن إقبالهم وميلهم إليه، بل ويعزرونه لينزجر عن حاله وليمتنع الناس عن تقليده وموافقته في أفعاله، وكيف يزهد الناس في العلماء والحال أنهم أمان أهل الأرض، وضوء كنجوم السماء، وقد ورد في فضلهم من الآيات والأحاديث ما علمه المؤمنون، قال -تعالى-:} إنما يخشى الله من عباده العلماء {، وقال -عز من قائل-:} هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون {، وكيف يحكم على أبينا آدم -صلوات الله على نبينا وعليه- بالعصيان الحقيقي والحال أن الأنبياء معصومون من الصغائر والكبائر، وقد قامت الأدلة عليه. وما ذكره من الرضاع فهو من أقبح الأوضاع، لا يقبله من له طبع سليم، وما بني عليه أمر وخيم، ودعواه معرفة الشقي والسعيد وغير ذلك فهذه من تهكمه على المغيبات التي سدت طرقها على السالك، وتكفيره صاحب المعصية مستدلا بظاهر الحديث فهو ينافي كونه من عامة أهل السنة والجماعة؛ لأنه اعتقاد فرقة زائفة في القديم والحديث، وأمره بمخالفة الأئمة لمن اقتدى به في الضلال وتبعه مردود عليه وراجع إليه؛ إذ الواجب تقليد حبر منهم -رضي الله تعالى عنهم- وقد قال الله -تعالى- في كتابه العظيم:} ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم {والله -سبحانه وتعالى- أعلم.

(ما قولكم) في رجل يعتقد أن الله -تعالى- بوجود ذاته فوق سبع سماواته صاعد ومستقر على عرشه، مستدلا بظواهر بعض الأحاديث وآية:} الرحمن على العرش استوى {، باستقر وصعد، ويقول: إن هذا مذهب أهل السنة والجماعة، وإنكار فوقيته -تعالى- على عرشه مذهب الجهمية وهو كفر، فهل هذا الاعتقاد ضلال وكفر؟ بينوا لنا اعتقاد أهل الحق. (الجواب) اعلم أن العلماء المتقدمين والمتأخرين من أهل السنة والجماعة اتفقت كلمتهم على تنزيه الباري -سبحانه- عن الجهة والتحيز، وليس في جهة فوق؛ لأنه يلزم من اختصاصه بجهة أن يكون في مكان أو حيز، ويلزم من المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز والتغير والحدوث -تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا- ذكره القرطبي، وقال فخر الدين الرازي -رحمه الله تعالى-: اعلم أنه لا يمكن أن يكون المراد من الآية كونه مستقرا على العرش، ويدل على فساده وجوه عقلية ونقلية: أما العقلية: فأمور أحدها أنه لو كان مستقرا على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا، وإلا لزم كون العرش داخلا في ذاته وهو محال، وكلما كان متناهيا فإن العقل يقضي أنه لا يمنع أن يصير أزيد منه أو أنقص فلو كان -تعالى- متناهيا من بعض الجوانب لكانت ذاته قابلة للزيادة والنقصان، وكلما كان كذلك كان اختصاصه بذلك المقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدر، وكلما كان كذلك فهو محدث، فثبت أنه -تعالى- لو كان على العرش لكان محدثا، وهذا محال، وكونه على العرش محال. وأما الدلائل السمعية فمنها قوله -تعالى-:} قل هو الله أحد {، والأحد مبالغة في كونه واحدا، والذي يمتلئ منه العرش يكون مركبا من أجزاء كثيرة جدا فوق أجزاء العرش، وذلك ينافي كونه أحدا، ومنها قوله -تعالى-:} ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية {؛ فلو كان له العالم فوق العرش لكان حامل العرش حاملا للإله، فيكون الإله محفوظا وحافظا، وذلك لا يقوله عاقل، ومنها قوله -تعالى-:} والله هو الغني {؛ أي على الإطلاق، وذلك يوجب كونه -تعالى- غنيا عن المكان والجهة. فإذا تقرر ذلك فالآيات الدالة على ثبوت الاستبداء من المتشابه وللعلماء في المتشابه مذهبان؛ فمذهب السلف أن يقطع بكونه -تعالى- متعاليا عن المكان والجهة، ولا يؤولون بل يفوضون علم ذلك إلى الله -تعالى- ويقولون: الاستواء على العرش صفة الله -تعالى- بلا كيف، ويجب علينا الإيمان به، ويكلون علمه لله -تعالى- وسئل مالك بن أنس عن قوله -تعالى-:} الرحمن على العرش استوى {، فأطرق رأسه مليا ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير المعقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالا، ثم أمر به فأخرج. وأما الخلف فيؤولون الاستواء بنفاذ قدرته وجريان مشيئته؛ فاستوى بمعنى قدر

باب في البغي

واستولى عليه، وقال ابن عبد البر:} على العرش استوى {؛ أي علاه، قال القرطبي: فعلو الله وارتفاعه عبارة عن علو مجده وصفاته وملكوته؛ أي ليس فوقه ممن يجب له من متعالي الجلال أحد، واستوى أي قدر عليه كما قاله الأكثر، فمن يثبت له -تعالى- مكانا فهو من المجسمة، وحكم مثبت الجهة أنه إن قال: إنه -تعالى- في السماء وأراد به المكان فهو كافر، وإن أراد الحكاية عما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر، ونعوذ بالله من الزيغ والضلال ونعتصم به عما يصم من الوهم والخيال. باب في البغي [مسألة] البغي لغة: التعدي. وشرعا: الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبة ولو تأويلا، وتثبت الإمامة بأحد ثلاثة أمور: الأول: بيعة أهل الحل والعقد، والثاني: عهد الإمام الذي قبله له، والثالث: تغلبه على الناس، وحينئذ فلا يشترط فيه شرط؛ لأن من اشتدت وطأته وجبت طاعته، وأهل الحل والعقد من اجتمع فيه ثلاث صفات: العلم والرأي والعلم بشروط الإمامة؛ وشروطها ثلاثة: كونه مستجمعا لشروط الفتيا، وكونه قرشيا، وكونه ذا نجدة وكفاية في المعضلات ونزول الدواهي والملمات. فالباغية فرقة خالفت الإمام الذي ثبتت إمامته باتفاق الناس عليه في غير معصية بمغالبة ولو تأويلا، فلا تثبت الإمامة للمتغلب إلا إن دخل عموم الناس تحت طاعته، وإلا فالخارج عليه لا يكون باغيا، كقضية الحسين مع اليزيد، وغير المعصية الممتنعون من طاعته فيها، كمنع حق الله أو للآدمي وجب عليهم كزكاة وأداء ما عليهم مما جبره لبيت المال، كخراج الأرض العنوية الذي أمروا بدفعه لبيت المال أو أبوا طاعته يريدون عزله؛ إذ لا يعزل بعد انعقاد إمامته، وإنما يجب وعظه على من له قدرة. وأما إذا كلف الإمام الناس بمال ظلما فامتنعوا من إعطائه وقاتلهم فقاتلوه فإنهم لا يكونون بغاة بذلك، فإن تحقق الإمام بغيهم بصدق التعريف المذكور عليهم وجب عليه أولا إنذارهم؛ بأن يدعوهم لطاعته وأنهم إن لم يطيعوا قاتلهم، فإن لم يفد فيهم الإنذار كأن عاجلوه بالقتال جاز له قتالهم، ويجب كفاية على الناس معاونته عليهم حيث كان عدلا، وإلا فلا يجوز له قتالهم لاحتمال أن خروجهم عليه لعدم عدله، وإن كان لا يجوز لهم الخروج عليه. قال مالك -رضي الله عنه-: دعه -يعني غير العدل- وما يراد منه، ينتقم الله من الظالم بظالم ثم ينتقم الله من كليهما. اهـ. ويكون قتله لهم بسيف ورمي بنبل وتغريق وقطع الميرة؛ أي الطعام والماء عنهم، ورميهم بنار إذا لم يكن فيهم نسوة وذرية، وحرم عليه لكونهم مسلمين سبي ذراريهم ونسائهم، وإتلاف مالهم وأخذه بدون احتياج له، فإن احتيج للاستعانة به من نحو سلاح وخيل عليهم جاز له أخذه وحوزه، ثم بعد الاستغناء رد إليهم إذا وقع وحازه، أو أن الاستيلاء عليه بالقدرة، وحرم عليه أيضا رفع رءوسهم بعد قتلهم برماح لمحل آخر كبلد

باب الردة

أو وال، وأما رفعها على الرماح في محل قتلهم فجائز كالكفار، فإن حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم تركوا ولا يسترقوا ولا يأخذ منهم مالا كالجزية، بل يتركهم عند الأمن منهم مجانا، ولا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم إلا إذا لم يحصل الأمان للإمام منهم. وكره لرجل قتل أبيه الباغي كأمه لا قتل جده أو ابنه فإن قتله ورثه؛ لأنه وإن كان عمدا لكنه غير عدوان، ثم الباغي إما متأول في خروجه على الإمام العدل وإما خارج على غير العدل، وإما معاند أي خارج عن الإمام العدل بلا تأويل، فإن كان متأولا أو خارجا على غير العدل فلا يضمن مالا ولا نفسا ولا طرفا أتلفهما ولا إثم عليه، ومضى حكم قاضيه، فلا يتعقب ويرفع حكمه الخلاف، فلا يعاد الحد الذي أقامه إن كان غير قتل، ولا دية عليه إن كان قتلا. ويرد الذمي المقاتل معه لذمته وإن خرج معه طائعا، وإن كان معاندا ضمن النفس والطرف والمال لعدم عذره، ويكون الذمي الخارج معه طوعا ناقضا للعهد فهو وماله فيء، ولا يمضي حكم قاضيه. والمرأة إن قاتلت بسلاح قتلت حال القتال فقط، وبغير سلاح لا تقتل إلا إذا قتلت شخصا، وإن كانت القدرة عليها بعد القتال فالمتأولة لا تضمن وغيرها يضمن، وإن كانت ذمية رقت. وبالجملة قال ابن شاس: يمتاز قتال البغاة عن قتال الكفار بأحد عشر وجها: أن يقصد بالقتال ردعهم لا قتلهم، وأن يكف عن مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا تقتل أسراهم، ولا تغنم أموالهم، ولا تسبى ذراريهم، ولا يستعان عليهم بمشرك، ولا يوادعهم على مال، ولا تنصب عليهم الردعات، ولا تحرق مساكنهم، ولا يقطع شجرهم. اهـ. ومراده بذراريهم ما يشمل النساء، وقوله: ولا يستعان عليهم بمشرك؛ أي ولو خرج من نفسه طائعا بخلاف الكفار، كما في أقرب المسالك وشرحه وحاشية الصاوي عليه، والله -سبحانه وتعالى- أعلم. باب الردة (ما قولكم) في من شك هل ارتد أم لا؟ هل تجري عليه أحكام المرتد أم لا؟ (الجواب) في عبد الباقي في نواقض الوضوء: إن من شك في الردة لا تجري عليه أحكام المرتد ولا ينتقض وضوؤه، وهو الموافق لما عليه عياض وغيره من أن من أتى بلفظ يحتمل الكفر من وجوه كثيرة ويحتمل الإسلام من وجه واحد فإنه لا تجري عليه أحكام المرتد. (ما قولكم) في من قال لصاحبه: كل من خان صاحبه يخونه الله -تعالى- قاصدا بذلك المجازاة؟ فهل يكون آثما بذلك اللفظ؟ (الجواب) سئل الأجهوري عن ذلك فأجاب بقوله: الجمهور على منع إطلاق ما لم يرد على الله -تعالى- وهذا لم يرد إطلاقه عليه -تعالى- فيما نعلم، وظاهر كلامهم المنع ولو قصد به معنى صحيحا، والله أعلم. (ما قولكم) فيمن دعا على شخص بقوله: أماته الله كافرا، هل يكفر أم لا؟ (الجواب) إن قصد التنكيل فليس كفرا

باب حد الزنا

على نفسه ولا على غيره، أما إن كان على وجه الرضى بالكفر وشرح الصدر به فكفر، كما في ضوء الشموع في باب فرائض الصلاة. (ما قولكم) فيمن قال: اللهم اجعلني نبيا؟ هل يكفر أم لا؟ (الجواب) ليس هذا كفر؛ حيث لم يشك في أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين؛ لأن كلامه هذا مجرد لغو وسفه، كما في ضوء الشموع في باب الصلاة، والله أعلم. باب حد الزنا [مسألة] الزنا بالقصر لغة أهل الحجاز؛ وعليه فيكتب بالياء لوقوع الألف ثالثة، وبالمد لغة أهل نجل وهم تميم؛ وعليه فيكتب بالألف، قال الخرشي نقلا عن التنبيهات: الزنا يمد ويقصر، فمن مده ذهب إلى أنه فعل من اثنين كالمقاتلة والمضاربة، ومن قصره جعله اسم الشيء نفسه. اهـ. فمن هنا حد بعض القضاة من قال لشخص: يا ابن المقصور والممدود؛ لأنه تعريض بالزنا الذي يقصر ويمد. قاله العلامة الأمير. وهو محرم كتابا وسنة وإجماعا، وجاحد حرمته كافر، والذي فيه الحد الآتي: إيلاج مسلم مكلف حشفة في فرج آدمي مطيق عمدا بلا شبهة، وإن دبر الذكر أو أنثى، حيا أو ميتا، غير زوج أو مستأجرة مطلقا، إلا من السيد للوطء بعوض أو بدونه فلا يحد؛ نظرا لقول عطاء بجواز نكاح الأمة التي أحل سيدها وطأها للواطئ، لكن يؤدب ويلحق به الولد وتقوم عليه بمجرد الوطء يومه، فإن حملت ففي ذمته وإلا بيعت عليه وله الزيادة وعليه النقص، أو مملوكة تعتق عليه بالملك وإلا فلا حد، بل يؤدب ويلحق به الولد، أو مرهونة بدون إذن الراهن، أو ذات مغنم قبل القسم ولو حيزت، أو حربية في بلاد الحرب، أو دخلت بأمان، أو مبتوتة وإن بعدة، أو خامسة علم بتحريمها، أو محرمة صهر بنكاح، أو مطلقة منه قبل البناء بلا عقد البناء لا بعد ولو قبل الرجعة فلا يحد بل يؤدب، أو معتقة له بلا عقد، أو مكنت مملوكها بلا عقد وإلا درأ الحد ولو فاسدا. ويثبت الزنا إما بإقراره ولو مرة إن لم يرجع ولو بدون شبهة على ما لابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم، خلافا لأشهب، أو لم يهرب وإن قبل الحد، وإما بالبينة العادلة أربعة رجال يرونه كالمرود في المكحلة في وقت واحد واتحدا كيفية ورؤيا وأداء، ومذهب المدونة عدم سقوط الحد بشهادة أربع رجال أو نساء ببقاء بكارتها والتحقيق طريقة اللخمي أن شهادتهم شبهة تسقطه، وإما بظهور حمل غير متزوجة بمن يلحق به الولد وغير ذات سيد مقربه، ولا يقبل دعواها العصب بلا قرينة، ولا دعواها أن هذا الحمل من مني شربه فرجها في حمام، ولا من وطء جني، ويقبل دعواها الوطء بشبهة أو غلط وهي نائمة؛ لأنه يقع كثيرا. والحد للائط والملوط به ولو غير محصنين أو عبدين وكافرين، بشرط التكليف فيهما، أو طوع المفعول وكون الفاعل به بالغا. وللزاني المحصن -وهو من وطئ وطأ مباحا بنكاح لازم مع انتشار بلا نكرة وهو حر

باب النسب والحدود

مسلم مكلف- رجم بحجارة معتدلة على الظهر والبطن حتى يموت المرجوم، وللزاني غير المحصن جلد مائة للحر وجلد خمسين للرق وإن قل، وتغريب للذكر الحر فقط فيسجن في البلد التي غرب إليها عاما كاملا من يوم سجنه، كفدك وخيبر من المدينة، فإن عاد إلى وطنه قبل مضي السنة أخرج مرة ثانية إلى الموضع الأول أو غيره لإكمال السنة، كما في أقرب المسالك وشرحه وحاشيته. [مسألة] يجوز للسيد إقامة الحد على رقيقه الذكر والأنثى بثلاثة شروط: (الأول) أن لا تكون عنده زوجة أصلا. (الثاني) أن تكون عنده زوجة هي ملك لسيده، فإن كان عنده زوجة حرة أو أمة لغير سيده فلا يقيم عليه الحد سيده وإنما يقيمه الحاكم. (والثالث) أن يثبت الزنا على رقيقه بغيره، بأن يثبت بإقراره أو بظهور حمل أو بأربعة عدول ليس السيد أحدهم، فإن كان السيد أحدهم رفع للإمام، كما في أقرب المسالك وشرحه. [مسألة] إذا أقر الرجل بعد ولادة زوجته منه بمفسد لوطئه من غير ثبوت له، كأن قال: عقدت عليها عالما بأنها رقيقة أو أنها خامسة فإنه يحد لحق الله ويلحق به الولد، قال النفراوي على الرسالة: وحده ولحوق الولد به مستغرب؛ لأن مقتضى الحد أنه زنا ومقتضى اللحوق أنه ليس بزنا. أفاده الصاوي عن المجموع. [مسألة] جاء في موضع من المدونة عن الإمام في المرأة تقيم مع زوجها عشرين سنة فيثبت عليها الزنا، فتنكر وطء زوجها في تلك المدة، ويدعي الزوج وطئها؛ أنها ترجم ولا عبرة بقولها، وفي موضع آخر عنه في الرجل يقيم مع زوجته مدة طويلة ثم تشهد البينة عليه بالزنا، فينكر الإحصان لعدم وطئه زوجته؛ أنه يسقط عنه الرجم ويجلد، ما لم يقر به بعد ذلك أو يولد له منها، ثم اختلف الأشياخ في المحلين؛ فمنهم من حملهما على الخلاف واختلف في تعيين المذهب، فعينه يحيي بن عمر في حكم الثانية وهو المعتمد، وعينه سحنون في حكم الأولى، ومنهم من وفق بينهما، والمعتمد الخلاف كما في الصاوي. [مسألة] إذا قالت امرأة: زنيت معه فادعى الوطء والزوجية من غير بينة تشهد له، أو وجدا ببيت وأقرا بالوطء وادعيا النكاح معا، وصدقهما الولي وقالا: لم نشهد؛ حدا إلا أن يكونا طاريين أو يحصل فشو في المسألة الثانية كما في الصاوي. باب النسب والحدود (ما قولكم) في شخص وكل آخر على شراء جارية، فاشترى جارية وأرسلها مع رسول، وقال للرسول: أخبر موكلي بأن هذه الجارية ليست هي التي أوصاني بشرائها له، بل اشتريتها لنفسي؛ فتعدى الموكل ووطئها ثم ولدت ولدا؟ فهل يحد ولا يلحق به الولد أم لا حد عليه ويلحق به؟ (الجواب) قيل: إنه يحد والولد رقيق يأخذه الوكيل بغير يمين، وقال البدر القرافي: لا حد عليه؛ لاحتمال كذب المبلغ، وللخلاف في قبول قول المأمور أنه اشتراها لنفسه، وهاتان شبهتان ينفيان عنه

باب السرقة

الحد، ومفاد غيره اعتماده، كما في حاشية الخرشي، وإذا انتفى عنه الحد لحق به الولد، والله أعلم. (ما قولكم) في من قال لشخص ثابت النسب: أثبت حريتك؟ هل يحد أم لا؟ وهل ابن الشريفة شريف أم لا؟ وهل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "قدموا قريشا ولا تقدموها" خاص بأولاد الحسن والحسين أم لا؟ (الجواب) من قال لثابت النسب: أثبت حريتك يحد، وفي الأمير قياسه: حد من قال لمشهور بالشرف أثبت شرفك، ولعل الظاهر الآن عدم حده لكثرة تشوف الناس الآن للدخول في الشرف وبسهم له من جهة الأم مع الخلاف في ذلك، ومراعاة لتقييد التتائي كلام جمع عن الإمام مالك، حيث قالوا: الناس مصدقون في أنسابهم؛ أي حيث عرفوا بالنسب وحازوه كحيازة الأملاك، فقال تت: ينبغي تقييده بغير دعوى الشرف، ثم إن الشرف يكون من جهة الأب. وأما ابن الشريفة فذهب ابن عرفة ومن وافقه إلى أن له شرفا دون من أبوه شريف، وخلافه جمع من محققي المشايخ التلمسانية إلى أنه شريف مثله. وخبر: "قدموا قريشا ولا تقدموها"؛ أي لا تتقدموا عليها في أمر شرع فيه تقديمها كالإمامة؛ أي العظمى، ولم أر من قيده بذرية الحسن والحسين فهو ليشمل كل قرشي، وقوله: وخالفه جمع قال الأمير: لعل موضوع الخلاف لبس الخرقة الخضراء، وإلا فما قاله ابن عرفة لا ينبغي أن يختلف فيه. اهـ ملخصا من عبد الباقي والأمير. (ما قولكم) في الشريف؟ هل يفضل العالم أم العالم أفضل؟ (الجواب) الشريف أفضل من حيث النسب، والعالم أفضل من حيث العلم، وفضيلة العلم تفوق فضيلة النسب، وقد تقدم هذا الجواب أول الكتاب عن عج. (ما قولكم) فيمن ينتسب إلى سيدنا أبي بكر الصديق أو إلى أحد من الصالحين، ويزعم أنه في درجة من ينتسب إليه والحال أنه ليس له من العمل الصالح مثله؟ فهل ما زعمه صحيح أم لا؟ (أجاب) عن هذا العلامة الأجهوري بقوله: نعم هو في درجته؛ فقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل؛ لتقر بهم عينه"، ثم قرأ:} والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء {. [مسألة] سئل عج عن العلامة الخضراء التي أحدثت زمن السلطان الأشرف في القرن السابع، التي جعلت مميزة للأشراف، وجعلها قاصرة على الثابت النسب من ظهور الآباء دون أولاد الأم، فهل إذا لبسها أحد من أولاد الأم أو لبسها عامي غير شريف يحرم عليه أم لا؟ وهل للحاكم أن يعزره أم لا. (أجاب) نعم يعزر الحاكم من أمه شريفة إذا لبس العلامة والحالة هذه، والمراد بالحاكم من جعل له ولي الأمر ذلك من نقيب وغيره، والله أعلم. باب السرقة [مسألة] السرقة شرعا: أخذ المكلف نصابا فأكثر من مال محترم لغيره بلا شبهة

قويت للسارق، خفية بإخراجه من حرز غير مأذون في دخوله، ولو لم يدخل هو الحرز، كما إذا أخرج النصاب من الحرز بعصا وهو خارجه، أو لم يخرج إذا دخله، كما إذا رمى لغيره النصاب وهو داخل الحرز بقصد واحد، فإذا سرق أقل من نصاب وكرر الأخذ بقصد واحد، كما إذا أدخل يده في صندوق وصار يأخذ نصفا بعد نصف حتى كمل النصاب، فإن كان قصده من أول الأمر تكميل النصاب قطع وإلا فلا، كما في سماع أشهب، ولا يعلم هذا القصد إلا منه، أو حرا لا يميز لصغر أو جنون بإخراجه من بيته إن كان لا يخرج منه وإلا فمن البلد، أو بسرقته من كبير حافظ له كان الحر المسروق ذكرا أو أنثى، وحدها قطع اليد اليمنى من الكوع إلا لشلل بها، أو قطع بسماوي أو قصاص سابق أو نقص أكثر أصابعها كثلاثة فرجله اليسرى، وتكون ثانية المراتب، ثم إن سرق بعد قطع رجله اليسرى فيدق اليسرى، ثم إن سرق فرجله اليمنى، ثم إن سرق سالم الأعضاء بعد الرابعة أو سرق الأشل مرة رابعة عزر باجتهاد الحاكم، وحبس إلى أن تظهر توبته، ولا يقتل على المشهور، فلو تعمد الإمام أو مأموره قطع يسراه أولا بدون عذر أجزأ على الراجح، وأما لو قطعها الأجنبي فلا يجزئ والحد باق، ويلزمه القصاص في العمد والدية في الخطأ. والنصاب ربع دينار شرعي وزنا لا قيمة وهو أكبر من المصري، أو ثلاثة دراهم شرعية كاملة، ولو على حسب اختلاف الموازين، خالصة من الغش أو ناقصة راجت ككاملة، والدرهم الشرعي خمسون وخمسا حبة من مطلق الشعير، أو مجمع منهما أو من أحدهما مع عرض أو ما يساويهما من العرض، والحيوان رقيقا أو غيره، بالبلد التي بها السرقة إن كان بها أحد النقدين، وإلا فبأقرب بلد يوجد بها أحد النقدين، ولو تعدد مالك النصاب، والعبرة بكون المنفعة المقومة شرعية وإن كان المسروق محقرا كماء أو حطب أو تبن مما أصله مباح؛ خلافا لأبي حنيفة والشافعي في عدم القطع في مباح الأصل المملوك بوضع اليد عليه، وكذلك لو كان فاكهة رطبة، خلافا لأبي حنيفة فقط -رضي الله عن الجميع- أو كان كجارح من الطير يساوي -لتعليمه الصيد- ثلاثة دراهم، وإن لم يساوها بالنظر للحمه وريشه، وكذا إذا ساواها للحمه فقط أو ريشه معا، ومثل تعليم الجارح الصيد تعليم الطير حمل الكتب للبلدان، أو كان كسبع لجلده بعد ذبحه، أو جلد ميتة إن زاده الدبغ على قيمة أصله نصابا، كما لو كانت قيمته قبل الدبغ درهمين على تقدير جواز بيعه وبعد الدبغ خمسة دراهم، لا إن كانت قيمته بعد الدبغ أقل من ذلك، أو سرقة قبل الدبغ ولو على فرض أن قيمته نصاب. ويكفي في التقويم واحد إن كان موجها من طرف القاضي، فلا بد من اثنين، ويعمل بشهادتهما وإن خولفا بأن قال غيرهما: لا يساويهما كما هو مذهب المدونة، وإن كان مقتضى درء الحدود بالشبهات عدم القطع إذا خولفا؛ لأن النص متبع، ولأن المثبت مقدم

باب الحرابة

على النافي كما في أقرب المسالك وشرحه وحاشيته، وما أحسن قول بعضهم: يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار وقوله في جوابه: عز الأمانة أغلاها وأرخصها ... ذل الخيانة فافهم حكمة الباري والله -سبحانه وتعالى- أعلم. باب الحرابة [مسألة] المحارب قاطع الطريق لمنع سلوكها ولو لم يقصد أخذ مال المارين، كانت الطريق في فلاة أو عمران، أو أخذ مال محترم من مسلم أو ذمي أو معاهد ولو لم يبلغ نصابا والبضع أحرى على وجه يتعذر معه الغوث، أو مذهب عقل ولو انفرد ببلد وقصد أذية بعض الناس، كمسقي نحو سيكران لأخذ المال، ومخادع مميز لأخذ ما معه يتعذر غوث، كان المميز صغيرا أو بالغا، وكداخل زقاق أو دار ليلا أو نهارا لأخذ مال بقتال، كما في أقرب المسالك وشرحه. [مسألة] قال الدردير على خليل جبابرة: أمراء مصر ونحوها يسلبون أموال المسلمين ويمنعوهم أرزاقهم ويغيرون على بلادهم، ولا تتيسر استغاثة منهم بعلماء ولا بغيرهم. اهـ؛ أي فهم محاربون لا غصاب كما في الصاوي. [مسألة] يجب على من كان دافعا عن نفسه القتل أو الجرح أو عن أهله القتل أو الجرح أو الفاحشة قتل المحارب، ويجوز قتله لمن لم يكن كذلك، ويندب أن يكون قتاله بعد المناشدة بأن يقول له ثلاثا: ناشدتك الله إلا ما خليت سبيلي، إن لم يعاجل بالقتال وإلا عوجل بالقتال بالسيف ونحوه، قال في غاية الأماني: فلو قتل المحارب أحد ورثته فقيل: يرثه، وقيل: لا، واستظهر عب الأول وقاسه على ما تقدم في الباغية من قول خليل: وكره للرجل قتل أبيه وورثه. اهـ من أقرب المسالك وشرحه وحاشيته. [مسألة] يتعين على الإمام قتل المحارب إن قتل ولو غير مكافئ أو أعان على قتله ولو بجاهه؛ فيقتل للحرابة بلا صلب أو مع صلب ما لم تكن المصلحة في إبقائه، بأن يخشى بقتله فساد أعظم من قبيلته المتفرقين مثلا، بل يطلق ارتكابا لأخف الضررين كما أفتى به الشبيبي وأبو مهدي وابن ناجي كما في عب، ولا يجوز قطعه ولا نفيه، وليس لولي الدم عفو عنه قبل مجيئه تائبا، فإن جاء تائبا فللولي العفو عنه، فإن لم يعف عنه قتل إن قتل مكافئا وإن لم يقتل المحارب أحد أو قدر عليه وجب على الإمام أن لا يخرج عن الحدود الأربعة مخيرة: الأول: قتله بدون صلب، الثاني: الصلب على نحو جذع غير منكس فقتله مصلوبا، ثم إذا خيف تغيره بعد القتل والصلب أنزل وصلي عليه غير فاضل، الثالث: قطع يده اليمنى من الكوع ورجله اليسرى من مفصل الكعب ولاء، ولو خيف عليه الموت، فإن كان مقطوع اليد اليمنى أو أشلها قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى، فإن لم يكن إلا يد أو رجل

باب حد الشارب

قطعت، فإن كان له يدان فقط أو رجلان قطعت اليد اليمنى فقط أو الرجل اليسرى فقط، الرابع: نفي الذكر الحر -كالزنا- إلى مثل فدك وخيبر من المدينة، ويجلس للأقصى من السنة وظهور التوبة؛ بمعنى أنه إن ظهرت توبته قبل السنة كمل بحبسه السنة، وإن مضت السنة ولم تظهر توبته بقي حتى تظهر توبته أو يموت، ولا بد أن يكون ظهور التوبة بينا لا مجرد كثرة صومه وصلاته، وضرب قبل النفي اجتهادا بحسب ما يراه الحاكم، ولا يتعين على الإمام واحد من هذه الحدود الأربعة، إلا أنه يندب له ما هو الأصلح واللائق بحال ذلك المحارب؛ فإن ظهر له ما هو اللائق ندب له ما فعله، فإن خالف وفعل غير ما ظهر له أصلحيته أجزأ مع الكراهة. ولما كان يفعله الإمام بالمحارب ليس إلا لأجل الحرابة لم يكن لمن قطعت يده مثلا كلام مع الإمام، بل كان التخيير بين الأربعة للإمام لكن في حق المحارب الذكر، أما المرأة فإنما حدها القتل أو القطع من خلاف فلا تصلب ولا تنفى؛ لما في الصلب من الفضيحة، ولما في النفي من زيادة مفاسد، وأما حد الرقيق فما عدا النفي، وأما الصبي فلا يفعل معه شيء من هذه الحدود ولو حارب بالسيف، بل يعاقب كما في أقرب المسالك وشرحه وحاشيته. [مسألة] لا يدفع المال الذي بأيدي المحاربين لمدعيه إذا لم يثبته بالبينة، إلا بشروط ثلاثة: بعد الاستيفاء، وبعد اليمين، وبعد وصفه كاللقطة، ومحل أخذ المدعي له بتلك الشروط -كما قال ابن شاس نقلا عن أشهب- إذا أقر اللصوص أن ذلك المتاع مما قطعوا فيه الطريق، فإن قالوا: هو من أموالنا كان لهم وإن كان كثيرا لا يملكون مثله، ونقله ابن عرفة مقتصرا عليه، قال في التوضيح: وظاهر المدونة أن مدعي المال إذا أخذه على الوجه المذكور لا يؤخذ منه حميل، وقال سحنون: بل بحميل، وقال في مختصر الوقار: إن كان من أهل البلد فبحميل، وإن كان من غيرهم فبلا حميل؛ لأنه لا يجد حميلا، كما في ص عن بن. [مسألة] يؤمن الإمام المشرك؛ لأنه يقر على حاله إذا أمن ولو كان بيده أموال المسلمين، ولا يؤمن المحارب إن سأله؛ لأنه لا يقر على حاله، فإن امتنع بنحو حصن حتى أمن فهل لا يتم له الأمان؟ خلاف كما في أقرب المسالك وشرحه وحاشيته. [مسألة] يثبت الحد المتقدم من قتل إلخ بشهادة عدلين أن هذا الشخص هو المشهور بالحرابة بين الناس، وإن لم يعايناه حالة الحرابة، ويسقط حدها فقط دون حد الزنا والقذف والشرب والقتل بأحد أمرين؛ الأول: بإتيانه الإمام أو نائبه طائعا قبل القدرة عليه فلا يسقط حكمها بتوبة بعد القدرة عليه، كما لا يسقط الضمان بإتيانه طائعا مطلقا، والثاني: بتركه ما هو عليه من الحرابة ولو لم يأت الإمام، كما في أقرب المسالك وشرحه والله -سبحانه وتعالى- أعلم. باب حد الشارب [مسألة] الشارب الذي يجب على ولي الأمر حده هو المسلم المكلف يتناول

باب في الرقيق

بفمه ما يسكر جنسه ويصل لحلقه، ولو لم يصل لجوفه ولو لم يسكر بالفعل لقلته أو لاعتياده، مختارا بلا عذر بأن لم يظنه غير مسكر ولم يكن لغصة وإن قل، أو جهل وجوب الحد مع علم الحرمة، أو جهل الحرمة لقرب عهد بإسلام؛ فيجلد ثمانين جلدة بعد صحوه، ويكفي قبله إن كان عنده شعور بألم الجلد وإلا أعيد، وتشطر بالرق، وإن قل الرق فيجلد أربعين إن أقر بالشرب، لكن يقبل رجوعه ولو لغير شبهة، أو شهد عدلان بشرب أو بشم لرائحته في فمه، أو أحدهما بواحد والثاني بالآخر، أو بتقايئه الخمر، ولا تعتبر شهادة غيرهما بخلاف شهادتهما؛ لأن المثبت متقدم على النافي، ولم يجعلوا المخالفة شبهة تدرأ الحد، ويكون الجلد بسوط من جلد لين بلا رأسين، لا بقضيب ولا شراك ولا درة، وما كانت لسيدنا عمر فهي للتأديب لا للحد، ضربا متوسطا والمحدود قاعد بلا ربط ولا شد يد أو رجل، إلا لعذر ككونه لا يستقر أو يضطرب اضطرابا شديدا بظهره وكتفيه، ويجرد الرجل من كل شيء عليه في جميع بدنه ما سوى ما بين السرة والركبة، والمرأة مما يقي ألم الضرب، وندب جعلها حالة الضرب في كقفة بتراب مبلول للستر عليها، ويوالى الضرب إلا لخوف هلاك، فيفرق كما في أقرب المسالك وشرحه. باب في الرقيق (ما قولكم) في رجل يملك أمة وتمتع بوطئها، ثم زوجها لمملوكه أو رجل آخر، فحملت ووضعت بنتا، وقلتم: إن هذه البنت رقيقة تبعا لأمها، فهل يحرم على السيد وطء هذه البنت أم لا؟ (الجواب) متى تلذذ بالأم بنكاح أو ملك يمين، أو شبهة نكاح كتزوج خامسة، أو شبهة ملك كأن يشتري جارية ويتلذذ بها ثم يظهر أنها ملك لغير البائع، فتؤخذ بالاستحقاق من يد المشتري؛ فيحرم عليه جميع بنات النساء المذكورات كما في الخرشي وأبي الحسن على الرسالة. (باب العتق) (ما قولكم) في رجل قال لعبده: أنت حر قبل موتي بخمسة أيام، هل له إخراجه لغير حرية من بيع أو هبة أم لا؟ (الجواب) ليس له إخراجه بكبيع أو هبة؛ ففي الخرشي: إن أعتق عبده إلى أجل محقق فإنه يمنع من البيع. انتهى. ومما هو معلوم في المذهب أن المدبر لا يجوز بيعه، فهذا أولى، والله أعلم. باب التدبير (ما قولكم) في المدبر؟ هل يجوز لسيده نزع ماله؟ وهل له وطء مدبرته؟ (الجواب) في الخرشي يجوز للسيد أن ينتزع مال مدبره لقوة شبهة السيد؛ ولهذا جاز له وطء من دبرها. انتهى، والله أعلم. باب الكتابة [مسألة] الكتابة لما كانت عقدا فيه غرر كان الأصل عدم جوازها، إلا أن

باب أم الولد

الله -سبحانه وتعالى- أذن فيها للناس بقوله:} فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا {؛ فالآية إنما تدل على إباحتها، وندبها إنما أخذ من عموم قوله -تعالى-:} وافعلوا الخير لعلكم تفلحون {؛ قال ابن عرفة: الكتابة عتق على مال مؤجل من الرقيق موقوف على أدائه، وأركانها التي تتوقف عليها أربعة: الأول: مكاتب -بكسر التاء- وهو المالك للرقبة، فشرطه الرشد، فتبطل من الصبي والسفيه؛ بناء على أنها عتق، وتصح منهما مع توقف لزومها على إجازة الولي؛ بناء على أنها بيع، وكذلك تصح من السكران بحرام إن كان عنده نوع تمييز؛ بناء على أنها عتق لتشوف الشارع للحرية، وتبطل منه بناء على أنها بيع، فهو على العكس من الصبي والسفيه. وتجوز مكاتبة رقيق المحجور صبي أو سفيه أو مجنون لوليه إن كان فيها مصلحة، وإلا فلا كما أنه ليس له عتق رقيقه ناجزا على مال معجل؛ لأنه له أن ينزع ماله للمحجور بدون عتق. الركن الثاني: مكاتب -بالفتح- وهو الرقيق وإن أمة بالغة برضاها، وصغيرا ذكرا أو أنثى؛ بناء على مقابل المشهور من أن الرقيق يجبر على الكتابة لا على المشهور من رضاه؛ لأن رضا الصغير غير معتبر؛ حيث قدر كل من الأمة والصغير على الكسب، وإن كانا لا مال ولا كسب لهما فالمشهور المأخوذ من المدونة أن الرقيق لا يجبر على قبول الكتابة إلا أن يكون غائبا أدخله حاضر معه فيجبر اتفاقا؛ لقوله في المدونة: ومن كاتب عبده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب لزم العبد الغائب وإن كره؛ لأن هذا الحاضر يؤدي عنه، ومقابل المشهور المأخوذ من المدونة أيضا الجبر. الركن الثالث: الصيغة بكاتبتك بكذا ونحوه، كبعتك نفسك بكذا، أو أنت مكاتب على كذا، أو معتق على كذا، ولو لم يذكر التنجيم لصحتها بدونه قطعا، ويلزمه التنجيم أي التأخير لأجل معلوم ولو نجما واحدا إذا لم يصرح به على المشهور؛ خلافا لابن رشد في عدم لزومه لكنها قطاعة. الركن الرابع: العوض ولو بغرر لم يشتد، كآبق يملكه المكاتب لا بما تحمل به أمته أو غيرها في المستقبل؛ إذ الأصل في العتق أن يكون بدونه، وتردد الصاوي في بطلان الكتابة بعدم ذكر العوض في صيغتها؛ بناء على أنها بيع وهو يبطل بجهل الثمن وصحتها بعدم ذكره فيها، ويكون على العبد كتابة مثله؛ بناء على أنها عتق والعتق لا يشترط فيه تسمية عوض، وحينئذ فيكون المراد بركنية العوض أن لا يشترط عدمه أعم من أن يذكر أو يسكت عن ذكره، كركنية الصداق مع صحة نكاح التفويض؛ فتأمل كما في أقرب المسالك وشرحه وحاشيته. باب أم الولد (ما قولكم) في امرأة ملكت جارية وأذنت ولدها في نومه مع الجارية بفراش واحد، فحملت الجارية من الولد، فهل تصير أم ولد أم لا؟ أفتونا. (الجواب) في الرهوني على عبق: وترجم الشيخ في نوادره، باب ما تكون به الأمة أم ولد من وطء الشبهة من إحلال أو غلط، فذكر فيها: إن أولد امرؤ أمة بعثها له من أمره

باب في الوصايا

بشراء أمة فبان أنها غير التي اشتراها له فهي له أم ولد. اهـ، وفي الخرشي: من وطئ أمة مكاتبة فحملت فإنه لا حد عليه للشبهة وتصير به أم ولد، ويغرم قيمتها يوم حملت، ومثل أمة المكاتب الأمة المشتركة والمحللة. اهـ، ولا شك أن إذن الأم في نوم جاريتها مع ولدها في فراش واحد يقتضي تحليها له، وحمل المحللة يصيرها أم ولد للواطئ المحلل له، كما هو صريح كلام أهل المذهب المذكور، والله -سبحانه وتعالى- أعلم. (فصل في الولاء) [مسألة] الولاء اصطلاحا: ولاية الإنعام بالعتق وسببه زوال الملك بالحرية، فمن زال ملكه بالحرية عن رقيق فهو مولاه، سواء نجز أو علق أو دبر أو كاتب أو أعتق بعوض أو باعه من نفسه أو أعتق عليه، إلا أن يكون السيد كافرا والعبد مسلم وإلا فلا ولاء له عليه ولو أسلم، وحكمه حكم المعصوبة، كما يفيده قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب"؛ أي الولاء -بفتح الواو ممدود- اتصال بين المعتق بالكسر والمعتق بالفتح كاتصال النسب؛ لأن الشخص في حال اتصافه بالرق كالمعدوم والمعتق صيره بتحريره كالموجود، فكان كالولد المعدوم الذي تسبب أبوه في وجوده، كما أقرب المسالك وشرحه وحاشيته. باب في الوصايا (فرع) إذا شهد على كتاب وصيته، ثم كتب تحته: أبطلت وصيتي إلا كذا؛ لم ينفذ لكونه بلا إشهاد. اهـ أمير على عبق. [مسألة] إذا قال: فلان وصيي وتبين أن فلانا ميت وله وصي فإن علم بموته كان وصيه وصيا وإلا فلا. [مسألة] إذا قال لشخص: أنت وصيي على أولادي، فلان وفلان، وسكت عن باقيهم دخل من لم يسم وكان وصيا على الجميع، وكذا لو قال: عبيدي أحرار وسمى بعضهم عتقوا كلهم. [مسألة] إذا أوصى بوصية وذكر فيها أن الوصي على أولاده فلان، ثم غير ما أوصى به وأوصى بوصية أخرى وقال فيها: هذه ناسخة لكل وصية قبلها، لكن لم يتعرض في الثانية للوصي على الأولاد؛ فلا يكون ذلك عزلا له، بل هو وصيي على ما هو عليه، كما في نوازل ابن رشد. [مسألة] إذا أوصى لمحجور له ولي، وشرط أن يكون ما أوصى به بغير يد ولي المحجور حتى يرشد المحجور؛ فإنه يعمل بذلك، كما إذا وهب له هبة على ذلك. [مسألة] إذا أوصى بشيء على شرط فلم يوف به الموصى له فإنه يرد ما أوصى له به؛ فمن أوصى لأم ولده بوصية على أن لا تتزوج فتزوجت بعد أخذ الوصية فإنها تؤخذ منها، كما في معين الحكام. اهـ أمير. [مسألة] إذا قال: إن مت ففلان وكيلي فهذا وصية، صرح بذلك في نوازل سحنون، قال ابن رشد: وهو كما قال؛ لأن الوصي وكيل الميت، أفاد جميع ما ذكر الأمير. (ما قولكم) دام فضلكم! في شخص مات في سفر، فباع وصية متاعه وعروضه؟ فهل يسوغ له ذلك؟ (الجواب) في الحطاب (فرع) فإن مات فلأوصيائه

[مسألة]

بيع متاعه وعروضه؛ لأنه يثقل حمله. قاله في النوادر، بل ذكر البرزالي في كتاب السلم عن أبي عمران في شخص مات في سفر بموضع بعيد من بلد الميت، لا قضاة به ولا عدول، ولم يوص، واجتمع المسافرون وقدموا رجلا باع هناك بتركته، ثم قدموا بلد الميت فأراد الورثة نقض البيع؛ إذ لم يبع بإذن حاكم- أن ما فعله جماعة الرفقة من بيع وغيره جائز، قال: وقد وقع هذا لعيسي بن مسكين وصوب فعله وأمضاه، ونقل عن الداوودي أنه أمر ببيع تركة رجل غريب يذكر أنه من جهات فاس وورثته مجهولون، ودفع الثمن إلى ثقات من أهل المغرب، وأمرهم بالبحث عن ورثته، فإن أيسوا منهم تصدقوا به على الفقراء، وذكر رجل أنه تسلف من ذلك الميت دينارا فأمره بدفعه لأولئك الثقات، ويبريه ذلك إذا أشهد على الدفع، أفاده الأمير. [مسألة] الوصي المأمون إذا فوض إليه أمر فليس للحاكم ولا للورثة ولا غيرهم معارضته ولا كشف عنه، ما لم يكن الوصي وارثا، فلبقية الورثة مشاركته والنظر في تصرفه؛ لئلا تكون حيلة على الوصية لوارث، وكذا لهم الكلام إذا تعلق لهم حق بالوصية كالعتق فإنه يثبت لهم الولاء، والوصي محمول على الأمانة حتى يبت خلافها؛ فغير المأمون يكلفه الحاكم البينة على تنفيذها وإلا ضمن إن كان معروفا بالخيانة، فإن لم يبلغ هذه المثابة حلفه ولا يضمن إلا إذا نكل، وإذا كانت الوصية على معينين وأنكر بعضهم الأخذ كلف الوصي البينة عليه، والأمر في غير المعين مفوض له، وكذا ما تعلق بالميت من قضاء دين فمباشرته للوصي. اهـ من الأمير. [مسألة] إذا أوص أوصى لرجل بنفقة عمره يعطى تمام سبعين سنة؛ لحديث: "أعمار أمتي ... " إلخ، فإن مات قبل تمامها رد الزائد على الموصي لهم والورثة، فإن عاش أزيد لا يرجع بشيء، وقيل: يرجع على الموصي لهم فيجتهد له أيضا ولا ينفق منه على مؤن تجهيزه، كما في شرح العمدة. اهـ بدر اهـ أمير. [مسألة] إذا أوصى بأمر ثم أوصى ثانيا، وقال في الوصية الثانية: لا وصية لي سواها فليس ناسخا للأولى حتى يعينها، كما في المعيار. اهـ من الأمير. [مسألة] في الأمير: لو أوصى بأن مدينه مصدق بلا يمين لم يحلف على قول ابن القاسم، وقال غيره: يحلف؛ لأن الحق للوارث. اهـ ما في السيد، قلت: لعل الأوجه عدم الحلف إن لم يزد الدين على الثلث؛ لأنه لو أبرأه منه رأسا مضى، وإن زاد وتعدد الأشخاص تحاصوا في الثلث، واليمين فيما زاد، فليتأمل. [مسألة] من المنكر أن يوصي بكتب جواب سؤال القبر وجعله معه في كفنه أو قبره، اللهم إلا أن يجعل في صنوان من نحاس ويجعل في جدار القبر لتناله بركته، قاله المسناوي. اهـ بن نقله الأمير. (ما قولكم) دام فضلكم! في وصي تسلف على الأيتام حتى يبيع شيئا من مالهم، فتلفت أموالهم؟ فهل يضمن الوصي؟ (الجواب) لا يلزمه أن يغرم من ماله لمن استسلفه منه، وهذا إذا قال: إنما أستلفه للأيتام، وأما إن لم يقل فالضمان لازم له، قاله في الطرر كما في الأمير. [مسألة] إذا

[مسألة أخرى]

تسلف الوصي مالاً للصغير، رجع عليه إن كان مليًا؛ لأنه أنفق عليه ليرجع، ولا يرجع عليه إن كان معدمًا بما أنفقه عليه سلفًا. [مسألة أخرى] لو كان للأيتام إخوة فأنفق الوصي على بعضهم من مال بعض ضمن الوصي لمن أنفق من ماله، ورجع بذلك على المنفق عليه. (فرع) قال في مختصر النوازل: إقرار الرجل في مرضه ليتيمه بمال يمنع من طلبه بما كان ينفق عليه في حياته، إذ حكم ذلك حكم الإسقاط. اهـ؛ يعني أن لورثة إذا أقر مورثهم بمال ليتيمه فطلبوا اليتيم بما كان مورثهم ينفقه عليه فليس لهم ذلك. [مسألة] ذهب مالك وأصحابه إلى أنه يجوز للفقير المحتاج أن يأكل من مال يتيمه بقدر اشتغاله به وخدمته فيه وقيامه عليه، وإلا فلا يسوغ له أن يأكل منه إلا ما لا ثمن له ولا قدر لقيمته، مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه، ومثل الفاكهة في حائطه، ومن أهل العلم من أجاز له أن يأكل منه على سبيل السلف، ومنهم من أجاز له أن يأكل ويكتسي بقدر حاجته وما تدعو إليه الضرورة، وليس عليه رد ذلك، وأما الغني فإن لم يكن له خدمة ولا عمل سوى أن يتفقده ويشرف عليه، فليس له أن يأكل منه إلا ما لا قدر له ولا بال، مثل اللبن والفاكهة كما تقدم، واختلف إذا كان له فيه خدمة وعمل، فقيل: له أن يأكل منه بقدر عمله فيه وخدمته له، وقيل: ليس له ذلك لقوله عز وجل:} ومن كان غنيًا فليستعفف {أفاد جميع ذلك الأمير على عبق. (ما قولكم) في الوصي: هل يجوز له أن يسلف من مال الصغير لأحد على وجه المعروف، أو يأخذ من مال الصغير لنفسه سلفًا، وهل له الصلح في مال اليتيم، وإقراره على المحجور؟ (الجواب) في الأمير ولا يجوز تسلفه لأحد على وجه المعروف، ولو أخذ رهنًا إذ لا مصلحة لليتيم في ذلك، وأما سلف الوصي نفسه فقد قيل بالترخيص فيه إذا كان له مال فيه وفاء، وللوصي الصلح بالنظر، ولا يجوز إقراره على المحجور، ولا إبراؤه عنه العام، وإنما يبرئ في المعينات، نعم يكون شاهدًا لا على فعل نفسه. اهـ. (فرع) للوصي دفع مال اليتيم لمن يعمل به قراضًا وبضاعة في البر والبحر. اهـ ملخصًا من عبق والأمير. (فرع) في السيد عن البدر: لا ينفع الوصي البراءة العامة من المحجور بقرب رشده إلا بعد طول كستة أشهر، وفيه أيضًا للوصي أن يرشد محجوره ولو لغير بينة على رشده، لكن لو قامت بينة باتصال سفهه رد فعله إلى الحجر، لكن إلى وصي آخر، ويعزل الأول، ولكن لا يضمن لأنه فعل اجتهاده، وفي الحطاب جواز نقل اليتيم من بلد لبلد بالمصلحة. اهـ أمير. (ما قولكم) في التبرع بشيء أيام الوباء، هل هو كالوصية في المرض لا تنفذ إلا في الثلث أم لا؟ (الجواب) التبرع أيام الوباء بشيء من المال ليس كالوصية أيام المرض، فله أن يتبرع بأكثر من الثلث لقول العلامة الأمير في ضوء الشموع عند ذكر أسباب الحجر أو ذي مرض حاصل بالفعل لا صحيح من الطاعون على أظهر القولين. اهـ. [مسألة] ليس للوصي أن يعزل نفسه عن الوصية بعد موت الموصي

والقبول، وسواء كان القبول قبل الموت أو بعده إلا أن يطرأ عجز، قال فيها: وله أن يعطي مال اليتيم مضاربة، ولا يعجبني أن يعمل هو بنفسه، قال في حاشية الخرشي: فإن عمل كان الربح له لأن الخسارة عليه. (ما قولكم) فيمن أوصى شخصا وصية مطلقة، هل تكون غير صحيحة كما قالوه في الوكالة أم لا؟ (الجواب) قال ابن عبد السلام: اتفق مالك والشافعي على عدم إفادة الوكالة المطلقة كما إذا قال له: وكلتك، ولم يقيد، ولم يفوض، واختلفا في الوصية المطلقة، فقال الشافعي: هي مثل الوكالة المطلقة، وقال مالك: هي صحيحة، ويكون للوصي أن يتصرف في كل شيء لليتيم كوكالة التفويض اهـ خرشي. (ما قولكم) في شخص مات وترك ثلاثمائة دينار وترك أيتاما أقام عليهم وصيا فاتجر في الثلاثمائة دينار حتى صارت ستمائة دينار، ثم إن شخصا أثبت على الميت دينا قدره ستمائة دينار، فهل يستحق صاحب الدين الستمائة دينار أو الثلاثمائة التي تركها الميت فقط، وتكون الثلاثمائة دينار التي هي الربح للأيتام أم كيف الحال؟ (الجواب) إذا اتجر الوصي للأيتام استحق صاحب الدين الستمائة عند ابن القاسم خلافا للمخزومي، وأما إذا اتجر الوصي في الثلاثمائة دينار لنفسه لا للأيتام فإنه يفوز بالربح الذي هو الثلاثمائة، ولا يقال كشف الغيب أن المال للغريم؛ لأنا نقول الوصي المتجر لنفسه أولى ممن غصب مالا واتجر به، فإنهم قالوا: الربح للغاصب كما ذكروه في باب الاستحقاق. (ما قولكم) في شخص مات عن ولد وترك مالا فأنفقه الوصي على الولد، ثم طرأ دين على الميت يستغرق المال المذكور، ولم يعلم الوصي بذلك الدين، فهل يكون ذلك الدين على الوصي أو الصبي؟ (الجواب) لا شيء على الصبي ولا على الوصي وإن كان موسرا؛ لأنه أنفق بوجه جائز، وهذا بخلاف ما إذا أنفق الورثة البالغون نصيبهم من التركة، فإنهم يضمنون للغريم الطارئ، قال في حاشية الخرشي أي لكشف الغيب أنه لا حق لهم في التركة إلا بعد أداء الدين، ولا يضمنون التلف بأمر من الله تعالى بلا خلاف، والفرق أن التركة في ضمان الورثة بخلاف الوصي، وأما إذا اتجر الوارث لنفسه ثم طرأ دين على الميت فإن الربح له بمنزلة ما إذا اتجر الوصي لنفسه كما ذكروه في باب الاستحقاق. (ما قولكم) في شخص أوصى بأن عنده مال قراض لفلان، ثم مات فلم يوجد شيء منه، فهل يؤخذ من تركته أم لا؟ (الجواب) ذكروا في باب القراض أن من مات وعنده قراض أو وديعة أو بضاعة ولم يوص بذلك ولم يوجد ذلك في تركته، ولم يعلم أنه رده إلى ربه ولا ادعى تلفه ولا ما يسقطه، فإنه يؤخذ من ماله لاحتمال أن يكون أنفقه أو ضاع منه بتفريط بعد أن يحلف رب المال أنه لم يصل إليه، ولا قبض منه شيئا، وهذا ما لم يتقادم الأمر كعشر سنين من يوم أخذ المال من ربه لوقت الدعوى، وإلا فيحمل على رده لربه، وأما إن أوصى بالقراض أو البضاعة فلا ضمان، بل إن وجدها ربها أخذها، وإن

[مسألة] لا يجوز بيع الوصي عقار محجوره إلا لسبب كالنفقة ووفاء الدين وغير ذلك مما فيه مصلحة لليتيم، ويشهد العدول أنه إنما باعه بكذا ومثل الوصي الحاكم.

لم يجدها فلا شيء له؛ لأنه علم من إيصائه بها أنه لم يتلفها، ومن الوصية أن يقول: وضعتها بموضع كذا فلم توجد، والله أعلم. (ما قولكم) في وصية وجدت بخط الميت بعد موته، وشهدت البينة العادلة أنها خطه هل يعمل بها أم لا، وإذا قلتم لا يعمل بها والورثة فيهم البالغ والقاصر، ولما رأوا خط أبيهم عرفوه وأجازوا ما في الوصية هل إجازتهم صحيحة أم لا؟ (الجواب) إن شهدت البينة أنها خطه والحال أنه لم يشهد في حال حياته أنها وصية ولم يقل أنفذوها بطلت ولا يعمل بها بعد موته إلا إذا أشهدهم حال حياته أن هذه وصيتي أو قال: أنفذوها أو قرأها عليهم وأشهدهم، قال في المجموع: وإن ثبتت بخطه أو قرأها ولم يشهد ولا قال: أنفذوها بطلت لاحتمال التردد اهـ وإجازة الورثة صحيحة من البالغ فقط، فيؤخذ منه ما يخصه لأنها عطية منه، ففي المجموع: وإن أجير فعطية من الوارث تحتاج لحوز والله أعلم. [مسألة] لا يجوز بيع الوصي عقار محجوره إلا لسبب كالنفقة ووفاء الدين وغير ذلك مما فيه مصلحة لليتيم، ويشهد العدول أنه إنما باعه بكذا ومثل الوصي الحاكم. [مسألة] استحسن كثير من المتأخرين أن العرف الجاري بين الناس كأهل البوادي والأرياف وغيرهم يموت الواحد منهم ولا يوصي على أولاده اعتمادا على أخ أو جد أو عم لهم يعرف بالشفقة عليهم ينزل منزلة التصريح بإيصائه عليهم، وله البيع في القليل والكثير، فيمضي ولا ينقض، وليس للولد بعد كبره كلام، وهي مسألة نافعة كثيرة الوقوع، لا سيما في هذه الأزمنة، لكن لا يبيع إلا ما دعت إليه الضرورة، ولا بد من إظهار المبيع والمناداة عليه لحصول الرغبة فيه وثبوت أنه الأولى في البيع من غيره، وعدم وجود زائد على الثمن الذي أعطى فيه، وثبوت السداد في الثمن، وأن يكون الثمن عينا حالا كما ذكروه في باب الحجر. (ما قولكم) في مريض أوصى لزيد بمائة ريال، ولعمرو بشيء تافه ثم مات، فطلب زيد من الوصي المائة الريال فقال: من يشهد لك بها؟ فقال عمرو: فلما حضر قال: أشهد أنه أوصى له بمائة ريال وأوصى لي بثوب قديم، فهل تقبل شهادة عمرو المذكور ويستحق زيد المائة ريال إذا حلف لعدم شاهد آخر أم لا؟ وإذا قلتم: يستحق زيد المائة هل يثبت لعمرو الثوب أم لا؟ (الجواب) نعم تقبل شهادته إن شهد لنفسه بقليل تافه ولزيد بكثير أو قليل، وإذا لم يوجد إلا هذا الشاهد حلف زيد معه واستحق وصيته، ولا يمين على الشاهد لأنه يستحق ما أوصى له به تبعا للحالف، فإن نكل زيد فلا شيء لواحد منهما، وهذا إذا كتب الوصية بكتاب واحد بغير خط الشاهد، فإن كتب بخط الشاهد أو لم تكتب أصلا قبلت شهادته لغيره لا لنفسه، وكذا إن كتبت بكتابين أحدهما للشاهد والثاني للآخر، فلا تصح للشاهد وتصح للآخر لعدم التبعية حينئذ، وأما شهادة الشاهد لنفسه ولغيره في غير

باب الفرائض

وصية كدين فلا تقبل له ولا لغيره مطلقًا لتهمة جر النفع لنفسه وقوله: لأنه يستحق ما أوصى له به تبعًا للحالف يلغز به، فيقال دعوى أخذت بشاهد بلا يمين، أو يقال شيء أخذ من مال الغير بمجرد الدعوى، أو يقال شهادة للنفس مضت، وأما إن شهد لنفسه بكثير ولغيره بقليل أو بكثير فلا تقبل شهادته. اهـ من أقرب المسالك وص من باب الشهادات. باب الفرائض (ما قولكم) في شخص مات عن بنت وجدة لأم وأختين لأب وعم فما يخص كل واحد ممن ذكر؟ (الجواب) للبنت النصف، وللجدة السدس، وللأختين الباقي، قال في الرحبية: والأخوات إن يكن بنات ... فهن معهن معصبات وحينئذ فلا شيء للعم والله أعلم. (ما قولكم) في معتق بفتح التاء مات وخلف مالاً وله جد من عصبة النسب ولد أخيه ووجد أولاد المعتق بكسر التاء، فهل يأخذ المال ابن أخيه أم أولاد سيده؟ (الجواب) قال في المختصر: وقدم عاصب النسب ثم المعتق. اهـ. قال الخرشي: يعني أن المعتق بفتح التاء إذا مات وترك مالاً فإنه يرثه عاصب النسب مثل أبيه وأخيه ونحو ذلك، ويقدم على عاصب الولاء، فإن لم يكن له عاصب من جهة النسب فمعتقه، فإن لم يوجد المعتق بكسر التاء فالأحق بالإرث عصبته. اهـ. (ما قولكم) في امرأة ماتت عن زوج وأخوات لأب ثلاث وابن عم، فما يخص كلاً ممن ذكر؟ (الجواب) المسألة من ستة، وتعول لسبعة، فعالت المسألة بواحد، فإن نسبت الواحد للسبعة كان سبعها، فينقص من كل من الزوج والأخوات سبع حصته الأصلية التي كانت له لولا العول، فالزوج له نصف إلا سبعًا، والأخوات لهن ثلثاها إلا سبعًا، ولا شيء لابن العم لاستغراق الفروض التركة والله أعلم. خاتمة نسأل الله حسنها في جمل من مسائل شتى، وفيها ثلاثة فصول: الفصل الأول فيما نقل عن المسائل الملقوطة للوانوغي. [مسألة] من ادعي عليه بحق فأنكر وحلف عليه، ثم أتى المدعي بشاهد واحد لم يعلم به، وأراد أن يحلف معه ويأخذ الحق لم يكن له ذلك إلا أن يأتي بشاهدين لم يعلم بهما. اهـ. [مسألة] يلزم التعزير من سرق شيئًا لا قطع فيه، ويلزم من اختلى بأجنبية، ومن وطء مكاتبته، ومن استمنى بيده أو أتى البهيمة، أو حلف يمينًا، غموسا، أو غش في الأسواق، أو عمل بالربا، أو شهد زورًا، ومن فعل التحليل أو شهد على نكاح السر، وكذا يؤدب الزوجان والولي إلا أن يعذروا بجهل. اهـ منها وعبارة سيدي خليل وعزر الإمام لمعصية الله. [مسألة] قال القرافي: إقامة الحدود واجبة على الأئمة، واختلفوا في التعزير: فقال الإمام

[مسألة]

مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى: إن كان الحق لله وجد كالحدود إلا أن يغلب على ظن الإمام أن الضرب من الملامة والكلام مصلحة، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: هو غير واجب على الإمام إن شاء أقامه وإن شاء تركه. اهـ منها. [مسألة] من قال لرجل: يا شارب الخمر، أو يا آكل الربا، أو يا خائن، أو ثور أو حمار، أو يا ابن الحمار، أو يا يهودي، أو يا نصراني، أو يا مجوسي، فإنه يعزر قاله ابن رشد، وفي جامع الأصول: من قال لرجل: يا يهودي يضرب عشرين. اهـ منها. [مسألة] لو قال رجل لرجل: يا سارق ضرب خمسة وعشرين سوطًا أو نحوها، قاله في العتبية، قال ابن راشد: والتحديد في هذا ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة، وإنما فيه الاجتهاد بحسب القائل والمقول له. اهـ من المسائل المطولة. [مسألة] لو قال رجل لرجل: يا مرائي عوقب بقدر ما يرى الإمام على قدر حال القائل والمقول له. اهـ من البيان لابن رشد. اهـ من المسائل. [مسألة] روي عن مالك أن من اتهم بالفاحشة يضرب خمسة وسبعين سوطًا، ولا يبلغ به الحد، وإليه مال أصبغ ونحوه لابن سلمة. اهـ منها. [مسألة] من قال لرجل يا كلب يفرق فيه بين ذوي الهيئة وغيره، فإن كان القائل والمقول له من أهل الهيئة جميعًا عوقب القائل عقوبة خفيفة يهان بها، ولا يبلغ به السجن، وإن كان من غير ذوي الهيئة عوقب القائل عقوبة خفيفة أشد من عقوبة القائل الأول المتقدم ذكره يبلغ بها السجن، وإن كان القائل من ذوي الهيئات، والمقول له من غيرهم عوقب بالتوبيخ، ولا يبلغ به الإهانة ولا السجن، وإن كان القائل من غير ذوي الهيئة والمقول له منهم عوقب بالضرب. اهـ من البيان في باب حد القذف. اهـ من المسائل. [مسألة] من سل سيفًا على وجه القتال ضرب أربعين وكان السيف فيئا، وقيل: يقتل إذا سله على وجه الحرابة. اهـ منها. [مسألة] من سل سكينًا في جماعة على وجه المزاح ضرب عشرة أسواط. اهـ من مفيد الحكام لابن هشام. اهـ منها. [مسألة] من استهان بدعوة الحاكم أو القاضي ولم يجب ضرب عشرة أسواط. اهـ من مفيد الحكام لابن هشام. اهـ من المسائل. [مسألة] من قال لرجل يا مجرم ضرب خمسة وعشرين، وكذا إذا قال له يا ظالم ولم يكن كذلك يضرب أربعين، ولو قال له يا سارق ضرب خمسة عشر إلى عشرين. اهـ من المفيد. اهـ منها. [مسألة] إذا ارتفع الكلام بين الخصمين في مجلس القاضي ضرب كل واحد عشرة أسواط. اهـ منها. [مسألة] من تكلم في علم بما لا يجب فيه حد ضرب أربعين سوطًا. اهـ من مفيد الحكام. اهـ منها. [مسألة] ومن تغامز مع أجنبية أو تضاحك معها ضربا عشرين عفرين يريد إذا كانت طائعة، فإن قبلها طائعة ضربا خمسين خمسين، وكذلك من حبس امرأة ضرب أربعين، فإن طاوعته ضربت مثله. اهـ من المفيد اهـ منها. [مسألة] من قال لرجل يا فاسق ضرب ثمانين سوطًا. [مسألة] من سل سيفًا في جماعة على وجه

[مسألة]

المزاح يصدرهم به فقد جفى، ويضرب عشرين سوطًا. اهـ منها. [مسألة] كل من آذى مسلمًا بلسانه بلفظ يضر به ويقصد به أذاه فعليه الأدب البالغ الرادع له ولمثله بقمع رأسه بالسوط، أو بضرب رأسه بالدرة، أو ظهره بها، وذلك على قدر القائل وسفاهته، وعلى قدر المقول فيه. اهـ من مفيد الحكام اهـ منها. [مسألة] إذا شتم أحد الخصمين صاحبه في مجلس الحاكم زجره الحاكم، وقال ابن الماجشون ومطرف: إذا أسرع إليه بغير حجة مثل يا ظالم يا فاجر زجره عنه ويضرب في مثل هذا ما لم تكن فلتة من ذي مروءة، فيتجافى عنه. اهـ منها. [مسألة] إذا قال الرجل لصاحبه: الله أكبر عليك فإنه يعزر إلا أن يعفو عنه خصمه. اهـ منها. [مسألة] إذا نهى الحاكم أحد الخصمين عن الكلام فلم يفعل، وأتى بالحجج ليخلط على صاحبه ويمنعه من الكلام، ويكثر معارضته أمر القاضي بأدبه. اهـ منها. [مسألة] إذا ادعى أحد الخصمين على صاحبه لزم خصمه الجواب بالإقرار أو بالإنكار، فإن امتنع من الجواب أمر القاضي بضربه بالدرة على رأسه حتى يجيب. اهـ منها. [مسألة] ذكر في الموطأ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:» من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما «وفي رواية في مسلم:» فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه «وغير هذا من الروايات قيل: معناه فقد رجع عليه تكفيره، فليس الراجح حقيقة الكفر، بل التكفير لكونه جعل أخاه المؤمن كافرًا، فكأنه كفر نفسه إما لأنه كفر من هو مثله، أو لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان الإسلام قاله النووي في شرح مسلم، وقال المازري: قوله:» وإلا رجعت عليه «محتمل أن يكون ذلك إذا قالها استحلالاً فيكفر باستحلاله، قال النووي: وقيل معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر، يعني أنه يخاف على المكثر من ذلك أن يكون عاقبة شؤمها الكفر والمصير إليه، قال ابن عبد البر: والمعنى فيه عند أهل الفقه والأثر والجماعة النهي عن أن يكفر المسلم أخاه بذنب، وقد ورد مثل هذا في قوله عليه السلام:» سباب المسلم فسق وقتاله كفر «وقوله عليه السلام:» لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض «فهذه الأحاديث وما أشبهها ليست على ظاهرها عند أهل الحق والعلم بالأصول يدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجمع عليها والآثار الثابتة، وقد ضلت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بهذه الآثار ومثلها في تكفير المذنبين، واحتجوا بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى:} ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون {، وقوله تعالى:} أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون {ونحو هذا، والحجة عليهم قوله تعالى:} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {ومعلوم أن هذا قبل الموت لمن لم يتب؛ لأن الشرك من تاب منه وانتهى عنه غفر له، قال الله تعالى:} قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {وأجمعوا على أن المذنب وإن مات مصرا يرثه ورثته، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، فهذا كله يشهد أن

[مسألة]

من قال لأخيه يا كافر ليس على ظاهره، وقوله:» فقد باء بها أحدهما «أي فقد احتمل الذنب في ذلك القول، والمعنى أن المقول له يا كافر إن كان كذلك فقد احتمل ذنبه، ولا شيء على القائل له ذلك لصدقه في قوله وإن لم يكن كذلك فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم احتمله بقوله ذلك قاله ابن عبد البر في التمهيد من شرح الموطأ. اهـ من المسائل الملقوطة. [مسألة] من شتم أحدًا من الصحابة أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عليا أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال: إنهم كانوا على ضلال وكفر فإنه يقتل، ولو شتمهم بغير ذلك نكل نكالاً شديدًا، ومن شتم غير هؤلاء من الصحابة فعليه النكال الشديد، ومن سب عائشة قتل. اهـ من شرح الموطأ للباجي. اهـ منها. [مسألة] في أحكام كان ابن سهل وإن ادعى عليه أنه قذفه لم يجب عليه اليمين إلا أن تشهد بينة بمنازعة وتشاجر بينهما فيجب اليمين حينئذ. اهـ منها. [مسألة] إذا ثبت عند القاضي أن بعض الشهود يشهد بالزور بأخذ الجعل على شهادته عزره على رءوس الملأ، ولا يحلق له رأسًا ولا لحية ورأى القاضي أبو بكر أن يسود وجهه، قال ابن عبد الحكم: يطاف به ويشهر في المجالس والحلق وحيث يعرف الناس، قال ابن القاسم: يريد مجالس المسجد الجامع ويضربه ضربًا عنيفًا، ويسجل عليه، ويجعل من ذلك نسخًا يودعها عند الناس ممن يثق به، وقال لا أرى أن تقبل شهادته أبدًا إن كان ظاهر العدالة؛ لأن ذلك منه رياء، ولا يكاد تعرف توبته، وفي المتيطية وروى أبو زيد عن ابن القاسم أنه إذا تاب وحسنت حالته قبلت توبته، والأول أصح، ولم يصحب هذه الرواية عمل، واختلفوا في عقوبته إذا جاء تائبًا ولم يظهر عليه، فقال بعض الفقهاء: الأظهر لا يعاقب ولا تجوز شهادته ويغرم ما أتلف بشهادته، واختلفوا في الجراح والقتل فانظره، وفي مختصر الواضحة إن جاء تائبًا قبل الحكم بشهادته فلا عقوبة عليه، وإن كان بعد الحكم فعليه العقوبة، وأما إن ثبت ذلك بالبينة فعليه العقوبة كان ذلك قبل الحكم أو بعده، ويشهر ويفضح، وقال عبد العزيز بن الماجشون: إن كان قبل أن تظهر عليه شهادة الزور مبرزًا في العدالة فهذا لا تقبل شهادته أبدًا، وإن لم يكن مشهورًا بالعدالة ثم تاب وحسنت حالته فهذا تقبل شهادته. اهـ من وثائق ابن الهندي، وحكى ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في تاريخه أن صاحب الشرطة إبراهيم بن حسين بن خالد أقام شاهد زور على الباب الغربي الأوسط، فضربه أربعين سوطًا وحلق لحيته، وسخم وجهه وطاف به إحدى عشرة طوفة بين الصلاتين يصاح عليه هذا جزاء شاهد الزور، وكان صاحب الشرطة هذا فاضلاً خيرًا فقيهًا عالمًا بالتفسير، ولي الشرطة للأمين محمد وكان أدرك مطرف بن عبد الله صاحب مالك، وروى عنه موطأه يريد أن أفعاله يقتدى بها. اهـ من المسائل الملقوطة. [مسألة] لا تجوز شهادة ملقن الخصوم فقيهًا كان أو غيره، ويضرب ويشهر في المجالس، ويعرف به ويسجل عليه، وقد فعله بعض القضاة

[مسألة]

بقرطبة بكثير من الفقهاء بمشورة أهل العلم عنده. اهـ منها. [مسألة] من وقف وقفًا على منافع الجامع صرف في العمارة والحصر والزيت وغير ذلك، ولا يعطى منه الإمام والمؤذن، ذكر ذلك الحفيد في مختصره الصغير. اهـ منها. [مسألة] المدارس ليست بجوامع، وإنما الجامع منها المحراب نفسه، وقيل إيوان المحراب خاصة وباقيها ليس بجامع، لأنه يجوز فيها الجماع، والأكل وجميع الصناعات وغير ذلك من المنافع. اهـ منها. [مسألة] الذين يصلون على ظهر الدابة المريض الذي لا يقدر على السجود والركوع ويصلي إيماء، والمقاتلون حال الالتحام مع العدو، والمسافر في الطين الخضخاض والخائف من لصوص أو سباع، والمتنفلون في السفر ذكره ابن الجلاب فهؤلاء ليست القبلة شرطًا في حقهم. اهـ منها. [مسألة] لا يجوز دفع الوديعة بأمارة المودع أو بكتابة، فإن فعل وجاء المودع فأنكر حلف ما أمره، ولا كتب بذلك إليه، وإنه لا حق له عليه وضمنه مثلها، أو قيمتها، ثم يرجع المودع على القابض منه، ولا يمنعه من ذلك تصديقه فيما أتى به، ولا معرفته بصحة ما جاء به وشهادته بصدقه. اهـ من أحكام ابن سهل في باب الإقرار، ومن وثائق الجزيري. اهـ منها. [مسألة] الذين يبيعون في الأسواق مثل الدلالين، والدلالات إذا باعوا شيئًا فاستحق رجع على صاحب المتاع لا عليهم، فإذا ادعوا تلف المتاع أو ضياعه منهم ضمنوا لأصحاب السلعة قيمتها يوم القبض. اهـ من التنبيهات للقاضي عياض. اهـ من المسائل. [مسألة] من اشترى أمة وادعى أنها تبول في الفراش، لم تسمع دعواه حتى يثبت أنها كانت تبول عند البائع؛ لأن هذا مما يحدث في ليلة، ويحلف البائع أنه ما علم ذلك بها، ولا يحلف بقول المشتري أنها تبول حتى يعلم ذلك بأن توضع عند امرأة، فإذا تبين ذلك جاز قول المرأة وحدها، وقول الرجل في ذلك عن امرأته لأن هذا ليس على جهة الشهادة، وإنما هو على وجه استخبار القاضي ذلك ممن يطلع عليه ويخبر به. اهـ من تبصرة الحكام. [مسألة] من قال لرجل إن فلانًا بعثني إليك لتعيره كذا فأعطاه، فتلفت من يده العارية فإن أقر الباعث ببعثه ضمن، وإن جحد حلف ما بعثه وبرئ وحلف المبعوث لقد بعثه وبرئ. اهـ منها. [مسألة] سئل مالك عمن يتسلف من رجل دراهم، ومن رجل آخر دراهم فخلطهما فوجد فيهما زيوفًا أو نقصًا، ولا يدري من أي الدراهم هي قال لا يرد عليهم إلا طيبًا، ويحلفون أنهم لم يعطوه إلا جيادًا قال القاضي أبو الوليد قوله: ويحلفون أنهم لم يعطوه إلا جيادًا معناه أنه يحلف كل واحد منهم على البتات، فإن حلفا جميعًا برئا ولزمه أن يعطيهما جميعًا طيبًا، وإن حلف أحدهما، ونكل الآخر لزم الناكل ذلك، وإن نكلا جميعًا أبدلاه جميعًا بعد أن يحلف ما يعلمه من دراهم من هو منهما باتفاق، إن ادعى كل واحد منهما عليه أنه يعلمه أنه ليس من دراهمه، وعلى الاختلاف إن لم يحقق عليه الدعوى، وهذا إذا كانت له بينة على أنه وجد فيهما الزائف أو الناقص بعد

[مسألة]

أن خلطهما، وقبل أن يغيب عليهما وأما إن ادعى ذلك بعد أن انقلب بهما، وغاب عليهما فليس له أن يحلف واحدًا منهما إلا على القول بلحوق يمين التهمة. اهـ من البيان. اهـ من المسائل. [مسألة] التسعير على أهل الأسواق غير جائز، لأن الناس مالكون لأموالهم والتصرف فيها، لا يجبرون على بيعها إلا بما يختارونه. اهـ من الجزولي. اهـ منها. [مسألة] قال الجزولي: ورأيت في بعض أجوبة القرويين سئل أبو محمد بن أبي زيد عن رجل دفع إلى مناد ثوبًا ليبيعه، فأعطى فيه عطاء، فشاور المنادي رب الثوب فلم يرض بالبيع وقال له: استقص فقال المنادي: ما يرى لك فيه زيادة، فرده إلى صاحبه، فباعه بهذا الثمن أو بزيادة ربه، فبلغ ذلك المنادي فطلبه بجعله أو أعطاه مناديًا آخر فباعه بهذا الثمن، أو بزيادة، قال أبو محمد: إن باعه بقرب ذلك فللمنادي حقه، وإن أعطى لمناد آخر فباعه فللأول من الأجرة بقدر عنائه فيقسم جعل الثاني بينهما بالاجتهاد، وسئل ابن شبلون عنها فقال: ليس للأول جعل، وإنما الجعل لمن باع السلعة باعها بالثمن أو بزيادة. اهـ منها. [مسألة] انهدام الدار لا يخلو من خمسة أوجه، إما أن ينهدم فيها الشيء اليسير فلا مقال للمكتري، وإما أن ينهدم منها الشيء اليسير الذي ينقص من الكرى ويضر به الضرر اليسير فلا كلام له في الفسخ، وله الرجوع بما نقص من الكراء، وإما أن ينهدم منها ما ينقص من الكراء شيئًا، ويضر ضررًا كثيرًا، أو تنهدم كلها أو جلها فله في هذه الوجوه الفسخ إلا أن يبنيها ربها، وهو فيها فلا خروج له، واختلف إذا بناها بعد خروجه بالقرب هل يرجع أم لا؟ فإذا استحق جلها أو كلها فله الفسخ، وإن غصبت فقيل يفسخ الكراء، ومصيبتها من، ربها وقيل بالفرق بين أن تغصب رقبة الدار فمصيبتها من ربها، وإن غصبت المنافع فمصيبتها من المكتري، وقيل إن غصبها الأعلى فمصيبتها من ربها، وإن غصبه الأسفل فمن المكتري. اهـ جزولي اهـ من المسائل. [مسألة] مسح الوجه باليدين عقب الدعاء فيه ثلاثة أقوال: الأول يمسح بهما وجهه سواء رفعهما أو لاً، الثاني: لا يمسح بهما وجهه، الثالث: التفرقة إن رفعهما مسح بهما، وإن لم يرفعهما لم يمسح بهما، ونقل في سلاح المؤمن ثلاثة أحاديث تدل على النسخ، ونقل ابن عبد السلام الشافعي في آخر فتاويه: ما يمسح وجهه بيديه إلا جاهل مبتدع، قال في الدر النظيم: وقد ذم الله سبحانه وتعالى أقوامًا فقال:} يقبضون أيديهم {فقيل: لا يمدونها في الدعاء ولا في السؤال ذكره في فضل الدعاء وآدابه وأوقاته وفضله في أول سورة آل عمران في الدعاء بالاسم الأعظم، وروى أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-» أنه كان إذا ختم القرآن دعا قائمًا باسطًا يديه رافعهما إلى الله تعالى «وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:» كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه «. اهـ من الترمذي في باب ما جاء في مسح الأيدي في الدعاء. اهـ من المسائل. [مسألة]

[مسألة]

للرجل الرجوع عن وصيته من عتق وغيره، قال عبد الوهاب: لأن الوصية ليست بواجبة عليه، فإن شاء ثبت عليها وإن شاء رجع عنها بالفعل والقول. اهـ منها. [مسألة] إذا قطع الخياط الثوب بمحضر ربه وقبضه ليخيطه فادعى ضياعه فقيل: يضمنه صحيحًا، وفي مختصر ما ليس في المختصر: يضمنه مقطوعًا، قال بعض المتأخرين: وهو أحسن منها. [مسألة] وإذا دعا الصانع رب المصنوع إلى أخذه وأخبره أنه قد كمل فلا يسقط عنه ذلك ضمانه إلا أن يحضره لربه كامل العمل، ثم يتركه ربه عنده فيسقط ضمانه عن الصانع. اهـ من معين الحكام. اهـ من المسائل. [مسألة] اختلف فيما يضمن الضمان إذا ادعى ضياع القمح، فقال ابن القاسم: يضمن دقيقًا بريعه على ما عرف من الريع، وقال مالك وابن المواز: قمحًا يريد إن لم يطحنه بعد ذلك. اهـ من معين الحكام. اهـ منها. [مسألة] إذا تمادي المكتري في السكنى بعد انقضاء الوجيبة فقيل: يكون عليه بحساب الكراء الأول، وقيل: يكون عليه كراء المثل، قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: وكراء المثل أحب إلي. اهـ منها. [مسألة] في التنبيهات أنه لا ضمان على السمسار في دعوى ضياع المتاع ولا فيما حدث فيه من عيب، ويحلف إن اتهم ذكره في باب العيوب، وقال الشيخ أبو محمد: الوكلاء إذا لم يشهدوا ضامنون إلا السمسار الطواف في الأسواق إذا قال بعت الثوب من فلان وأنكر فلان الشراء ولم تقم بينة على البيع فالسمسار لا يضمن وهو مصدق في قوله قد بعت؛ لأن عرف الناس أن السمسار لا يشهد حين البيع، وقيل ضامن إذا لم يشهد. اهـ من التنبيهات في باب الوكالة. اهـ منها. [مسألة] إذا لم يكن لصبيان الحكام رزق من بيت المال كان جعل الغلام المتصرف بين الخصمين على الطالب إلا أن يلد المطلوب ويختفي ويغيب تعنتًا بالطالب فيكون الجعل في إحضاره على المطلوب. اهـ منها. [مسألة] قال القاضي أبو الوليد بن رشد الحكم على الغائب في مذهب مالك على ثلاثة أقسام: أحدها: غائب قريب الغيبة على مسيرة اليومين والثلاثة، والطريق مأمونة هذا يكتب إليه في كل حق إما أن يوكل، وإما أن يقدم، فإن لم يفعل حكم عليه في الدين وبيع عليه ما له من الأصول وغيرها، وفي استحقاق العروض والحيوان والأصول وجميع الأشياء من طلاق وعتق، ولم تجز له حجة في شيء من ذلك لأنه لا عذر له، والثاني غائب بعيد الغيبة على مسيرة عشرة أيام وشبهها، فهذا يحكم عليه فيما عدا الاستحقاق في الرباع والأصول من الديون والحيوان والعروض، وترجى له الحجة في ذلك، وكذلك في اليومين والثلاثة، والطريق غير مأمونة، والثالث غائب منقطع الغيبة مثل مكة من أفريقية، والمدينة من الأندلس وخراسان، فهذا يحكم عليه في كل شيء من الديون والحيوان والعروض والرباع والأصول، وترجى له الحجة في ذلك، ووافق الشافعي مالكًا في الحكم على الغائب، ومنعه أبو حنيفة، وفي البيان والتحصيل أن أهل

[مسألة]

العراق لا يرون الحكم على الغائب في شيء من الأشياء، وهو مردود عليهم بنفقة الزوجة وبيع الوكيل ماله. اهـ من المسائل. [مسألة] إذا احتلم الغلام ومضى له عام أو نحوه ولم يظهر عليه سفه جازت أفعاله. اهـ منها. [مسألة] إذا جلس الرجل في الصلاة على ثوب غيره فقام صاحب الثوب فانقطع ثوبه فقال مطرف وابن الماجشون: لا ضمان على الجالس، وهذا مما لا يجد الناس منه بد في صلاتهم ومجالسهم، قال أصبغ: وعدم تضمينه لأن الجالس لم يحصل منه غير السبب والقطع إنما هو بمباشرة صاحب الثوب، والمباشر أقوى من المتسبب. اهـ منها. [مسألة] يؤخذ من الخلاف في المرأة تبيع من زوجها أو من ضرتها اليوم واليومين جواز النزول عن الوظيفة بشيء، ويجوز النزول عن الأقطاع بلا شيء وبعوض لا يصح، وقيل: يصح. اهـ منها. [مسألة] من أوصى بشيء معين فاستحق ذلك كله بطلت الوصية. [مسألة] الصدقة تخالف الوصية في أحد عشر وجهًا: يرجع في الوصية دون الصدقة، لا تلزم الوصية بالعقد بخلاف الصدقة، لا توصي المرأة لزوجها وتتصدق عليه، وتجوز وصية السفيه دون صدقته، وتجوز الوصية بالمجهول وفاقًا وفي الصدقة خلاف، لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث بخلاف الصدقة، تجوز الوصية من المحجور دون الصدقة، تجوز وصية الصغير المميز دون صدقته، ونسخت الوصية للقرابة بآية الفرائض وبقية الصدقة على حالها. وقال عليه الصلاة والسلام:» لا وصية لوارث «ولم يقل لا صدقة لوارث. اهـ. منها. [مسألة] يفارق الغصب التعدي في خمسة أوجه: ضمان الغاصب من أول يوم، والمتعدي يوم التعدي، الغاصب يضمن وإن سلمت بخلاف المتعدي، الغاصب يضمن الفساد والمتعدي لا يضمن إلا الكثير الغصب على الكل والتعدي على البعض، لا كراء على الغاصب بخلاف المتعدي. اهـ من التنبيهات للقاضي عياض. اهـ منها. [مسألة] ومن أحكام عبد الوهاب: القاضي لا يقبل بعد إنذار الخصم والإعذار إليه، والحكم عليه حجة إلا في ثلاث مسائل الولاء والنسب في الطلاق ومثله في البيان ومنتخب الإحكام، وابن الماجشون لا يرى التعجيز على أحد الخصمين، وبه قال أصبغ. اهـ منها. [مسألة] اختلف فيمن تبدل له نعل أو خف في المسجد أو عند اجتماع الناس، أشهب وابن الماجشون: يحل له الخفان، أصبغ وابن وهب: يتصدق بثمنها على المساكين، وقيل: إن كان أجود من الذي كان له فلا يلبسه، ابن المواز: ويتصدق بذلك الخف لا يدري أربه أخذ خفه أم لا. اهـ من مسائل محمد بن ياسين الرجراجي. اهـ من المسائل. [مسألة] وسئل الشيخ محمد بن ياسين عن فقير تزوج ولم ينقد شيئًا فقال: لا بأس به والله أعلم. اهـ من المسائل الملقوطة. [مسألة] قال الطرطوشي: أخذ الفأل من المصحف وضرب الرمل والقرعة والضرب بالشعير وجميع هذه النوع حرام؛ لأنه من باب الاستقسام بالأزلام، وقد ورد القرآن بتحريم ذلك لأنه إن ظهر له فأل حسن قدم على مراده، وإن ظهر له غير ذلك لم يقدم، وإن لم يظهر له أعاد

[مسألة]

الضرب ولم يحك في ذلك خلافًا للفقهاء. اهـ من قواعد القرافي في الفرق الثامن والستين والمائتين. اهـ من المسائل. [مسألة] اختلف في كم نزل القرآن من المدة فقيل في خمس وعشرين سنة، قال ابن عباس: في ثلاث وعشرين سنة، وقال أنس: في عشرين سنة. اهـ من القرطبي عند قوله تعالى:} وقرآنًا فرقناه {. اهـ من المسائل. [مسألة] كل شيء يأكله الإنسان لغيره فإنه ينتفع بتحليله إلا خمسة أشياء الرشوة في الحكم، وحلوان الكاهن، ومهر البغي، وإجارة مغن أو نائحة، وجمع حق على أهله، فلا ينتفع بالتحليل في هذه الأشياء حتى يؤديها عن نفسه، قاله ابن محسود -رحمه الله تعالى- يريد -والله أعلم- أن هذه الخمسة لا ترد إلى أهليها، وإنما ترد فتكون في سبيل الخير. اهـ منها. [مسألة] المشايخ السبعة قال أبو محمد صالح: من كتب أسماءهم في ورقة وعلقها على من به حمى يبرأ بإذن الله تعالى وهم: (اس س س ع ع خ) المراد أبو بكر بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد نفعنا الله بهم. اهـ منها. [مسألة] إذا أوصى الميت بأن يقرأ على قبره بأجرة معينة فهو نافذ كالاستئجار للحج وهو رأي شيوخنا، وفي آخر فتاوى ابن رشد في السؤال عن قوله تعالى:} وأن ليس للإنسان إلا ما سعى {قال: وإن قرأ الرجل وأهدى ثواب قراءته للميت جاز ذلك وحصل للميت أجره، وما قاله ابن رشد يعضده ما رواه النسائي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:» من دخل مقبرة فقرأ} قل هو الله أحد {إحدى عشرة مرة وأهدى ثواب ذلك لمن دفن بها كان له بعدد ذلك حسنات «وقيل غير ذلك. انظر المسائل. [مسألة] صفة العقد مع الوكيل أن يقول الولي للوكيل: زوجت من فلان ولا يقول زوجت منك، وليقل الوكيل: قبلت لفلان، ولو قال: قبلت لكفى إذا نوى بذلك موكله. اهـ منها. [مسألة] الوقف على ذكور أولاده دون الإناث مكروه وإن وقع مضى. اهـ منها. [مسألة] لم يجز مالك كراء السفينة أو الدابة على النصف مما يكسب عليها، فإن وقع فعلى العامل كراء المثل إن أسلمها ربها، وإن لم يسلمها بل عمل مع العامل فله أجر مثله، وكذلك له أجر مثله إذا قال أكرها ولك نصف الكراء، وإذا دفع إليه السفينة على أن يعمل عليها يومًا لنفسه ويومًا لربها جاز، وإن قال: اعمل بها اليوم فما كسبت فلك وتعمل في غد فما كسبت من شيء فلي كره، قاله ابن المواز. اهـ من وثائق الجزيري. اهـ من المسائل. [مسألة] سبع مسائل لا تنقطع فيها حجة العاجز بعجزه، وله أن يقوم بحجته متى وجد وهي الحبس والطلاق والنسب والعتاق والولاء وطريق العامة والدماء. اهـ من الوثائق. اهـ من المسائل. [مسألة] لم يكره مالك الطواف بالنعلين والخفين وهو من عمل السلف الصالح، وقد صلى عليه الصلاة والسلام في نعله، وأما دخول البيت الحرام ورقي المنبر يعني منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهما فهو ممنوع لحرمتهما، فإن حرمتهما مؤكدة

[مسألة]

فكره مباشرتهما بالنعل تعظيمًا لهما، وأما الحجر فهو كالطواف يجوز دخوله بالنعل قاله ابن القاسم، وقال أشهب: يكره، وكراهته في البيت أشد. اهـ من تسهيل المهمات. اهـ من المسائل. [مسألة] لا يلزم القاضي إذا شهد عنده شهود عدول أن يسألهم عن صفة البيع حتى يعرف هل هو صحيح أو فاسد، بل يكتفى من شهادتهما أن هذا باع من هذا داره بيعًا صحيحًا، وإن كان البيع يتنوع إلى صحة وفساد. اهـ من التبصرة، اهـ من المسائل. (دعاء الحفظ) روي أن -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:» من أراد أن يكرمه الله تعالى بالحفظ والفهم والعقل، ويرزقه العلم والحكمة، ويلبسه لباس التقوى فليقرأ كل يوم عشر مرات} ففهمناها سليمان {إلى} فاعلين {يا حي يا قيوم يا رب موسى ويا رب هارون ويا رب عيسى ويا رب إبراهيم ويا رب محمد -صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين- أكرمني بالفهم والحفظ والعقل، وارزقني العلم والحكمة، وألبسني لباس التقوى، يا قاضي الحاجات اقض حاجتي، وأكرمني بأنواع الخيرات بحفظك على جميع خلقك، يا قريبًا غير بعيد أعطنا جميع ما سألناك، وزدنا من فضلك الواسع، إني إليك راغب، وأنت ذو فضل عظيم، اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين والمسلمات برحمتك يا أرحم الراحمين «اهـ من المسائل. [مسألة] إذا مر ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في قراءة الإمام فلا بأس أن يسأل الله الجنة وأن يستعيذ به من النار، ويكون ذلك المرة بعد المرة، وكذلك قول المأموم عند قول الإمام:} أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى {بلى إنه على كل شيء قدير، وما أشبه ذلك، وسئل مالك فيمن سمع الإمام يقول} قل هو الله أحد {إلى آخرها فقال المأموم "كذلك الله" هل هذا كلام ينافي الصلاة؟ فقال: ليس بكلام ينافي الصلاة أو ما هذا معناه اهـ من مختصر الواضحة اهـ من المسائل الملقوطة. [مسألة] لا وضوء على المجبوب من مس موضع القطع كمس الدبر اهـ منها. [مسألة] قال النحاس أبو جعفر وغيره: الاتفاق على كراهية قول الرجل لصاحبه: أطال الله بقاءك، وقال بعضهم: هي تحية الزنادقة، وفي كتاب الاستيعاب لابن عبد البر: أن عمر قال لعلي -رضي الله تعالى عنهما- صدقت أطال الله بقاك، فإن صح بطل ما ذكر من الاتفاق اهـ منها. [مسألة] إذا وقف كتابًا على عامة المسلمين وشرط أن لا يعار إلا برهن فلا يصح الرهن لأن الآخذ لها إن كان من أهل الوقف مستحقا للانتفاع فيده يد أمانة، فشرط أخذ الرهن فاسد، وإن أعطاه كان رهنا فاسدًا، ويكون في يد خازن الكتب أمانة؛ لأن فاسد العقود في الضمان كصحيحها، والرهن أمانة، هذا إذا أريد الرهن الشرعي، وأما إن أريد مدلوله لعله أن يكون تذكرة فيصح الشرط، لأنه غرض صحيح، وإذا لم يعلم مراد الواقف فيحتمل أن يقال بالبطلان بالشرط حملا على المعنى الشرعي، ويحتمل أن يقال بالصحة حملا على اللغوي، وهو الأقرب لصحته اهـ من المسائل نقلا عن الشيخ تقي الدين. [مسألة] خمس مسائل يفيتها حوالة الأسواق: البيع الفاسد في المكيل والموزون، واختلاف

[مسألة]

المتابعين، والعرض بالعرض، والمرابحة، وعرض هبة الثواب. اهـ من المسائل الملقوطة. [مسألة] خمس مسائل لا يفيتها حوالة الأسواق: الهبة للثواب، والرد بالعيب، والشيء المغصوب، والإقالة في الطعام، والبيع الفاسد في الرباع والعقار اهـ منها. [مسألة] إذا وجد بهوامش الكتب كتابة الوقف فإنه يختلف باختلاف قرائن الأحوال، فإن كانت تلك الكتب مودعة في خزانة في مدرسة وقد مضى عليها مدة طويلة وقد اشتهرت بذلك فلا يشك في كونها وقفًا، وحكمها حكم المدرسة في الوقفية، فإن فقدت كتبها ثم وجدت وعليها تلك الوقفية، وشهرة كتب تلك المدرسة في الوقفية معلومة فيكفي في ذلك الاستفاضة، وأما إذا رأينا كتبًا لا نعلم مقرها ولا نعلم من كتب عليها الوقفية فهذه يجب التوقف في أمرها حتى يتبين حالها، وهو عيب يثبت للمشتري به الرد، فإذا تقرر هذا فينبغي الاعتماد على ما يوجد على أبواب الربط والمدارس والأحجار المكتوب عليها الوقفية، وتخليص شروطها إذا كانت تلك الأحجار قديمة واشتهر ذلك، ويقبل قول المتولي لذلك الوقف في مصرفه إذا لم يوجد كتاب الوقف كما في التبصرة. اهـ من المسائل. [مسألة] قال ابن عبد البر في الاستيعاب: المقوقس القبطي صاحب مصر وإسكندرية روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: حدثني المقوقس قال: أهديت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدح قوارير فكان يشرب فيه الماء. اهـ منها. [مسألة] قال مالك: وأكره الصلاة على بساط أو حصير مبتذل يمشي عليه الصبي والخادم ومن لا يتحفظ، وليتخذ الرجل في بيته موضعًا للصلاة يصونه عن ذلك، أو حصيرًا نقيًا، فإن لم يفعل وصلى حيث شاء من البيت ولا يوقن فيه النجاسة لم يعد. اهـ من المسائل الملقوطة. [مسألة] نقل أبو محمد عبد الله بن فرحون في شرح مختصر الموطأ له أنه وقف على كتاب من كتب المالكية فيه أن مالكًا -رضي الله عنه- قيل له: هل الصلاة فيما زيد في مسجده عليه الصلاة والسلام كالصلاة في المزيد فيه في الفضل؟ فقال: ما أراه عليه السلام أشار بقوله:» صلاة في مسجدي هذا «إلا لما سيكون من مسجده بعد، وأن الله أطلعه على ذلك حتى أشار إليه انتهى. ومذهب الأئمة الثلاثة أن حكم الزيادة حكم المزيد فيه كمذهب مالك والنووي رجع إلى موافقتهم. انظر المسائل. (الفصل الثاني) فيما نقل من فتاوى العلامة الأمير. (ما قولكم) في ظالم أخذ من رجل ماشية فذهب ذلك الرجل إلى فقير وقال له: اذهب إلى الظالم وتحايل على إخراجها من يده، وإن أخرجتها فلك نصفها، ففعل ذلك فهل له نصفها أو جعل مثله؟ (الجواب) الحمد لله، إذا تعين ذلك التخليص على الفقير بأن لم يمكن التخليص من الظالم بغيره فلا شيء له لأن تخليص المستهلك في هذه الحالة فرض عين، فلا يؤخذ عليه أجر وإن لم يتعين، فإن كانت الماشية معلومة القدر والصفة للفقير صحت

المعاقدة، وكان له نصفها، وإن كان فيها جهالة فله جعل مثله والله أعلم، كذا في فتاوى الأمير. (ما قولكم) في رجل اشترى نخلاً وكتب حجة الشراء بخط رجل عدل، ثم فارقه، فإذا بعدلين أطلعهما على تلك الوثيقة فقرآها، وتحققا ما فيها، وخط كاتبها بمعرفتها له سابقا، ووضع المشتري يده على المبيع، ثم ضاعت وثيقة المبيع، ومات الكاتب والبائع فأنكر البيع ورثته، فهل تصح شهادة العدلين اللذين اطلعا على الوثيقة، وعرفا مضمونها وخط كاتبها، إذا ذكرا ذلك ويكون حكم شهادتهما حكم شهادتهما على الوثيقة؟ (الجواب) الحمد لله المعتمد في المذهب أن الشهادة لا بد فيها من حضور الخط كما ذكره الزرقاني وغيره؛ لأنه إذا عدم كان نقلاً عن الخط، وهو لا يجوز، كيف والشهادة على الخط مختلف فيها من أصلها مع وجود الخط؟ فتزداد بالغيبة ضعفًا، فلا يكتفي بشهادة العدلين في المسألة المذكورة. (ما قولكم) في دعوى الملكية، هل لا بد أن تصدر في مدة الحيازة كما قال العلامة البناني على الزرقاني، ويسكت المحاز عنه، أو تكفي دعوة الملكية زمن المنازعة؟ (الجواب) الحمد لله، ظاهر عبارة الزرقاني أن دعوى الملكية المشترط في الحيازة لا بد أن تصدر في مدة الحيازة ولو مرة، ولكن ذكر شيخنا العدوي فيما كتبه أنها تكفي حين المنازعة والله أعلم. (ما قولكم) في امرأة ماتت وتركت مالاً فهل يلزم زوجها تكفينها وتجهيزها أم لا؟ وما اعتيد بين الناس في فعل السبح والجمع إذا فعله زوجها بإذن باقي الورثة، هل يكون ما صرفه من أصل التركة لإذنهم له فيه أم يكون على الزوج فقط؟ (الجواب) الحمد لله وحده، تكفين المرأة وتجهيزها الشرعي ليس على الزوج ولو كان موسرًا، وما اعتيد من السبح والجمع كل ذلك مع الكفن ومؤن التجهيز من رأس التركة، لكن إن زاد على الثلث احتاج لإذن الورثة، وعادة الأمثال تخرج من الثلث، والعادة كالوصية والله أعلم. (ما قولكم) في طين الزراعة بمصر هل يورث؟ وهل يختص به الذكور أو يرثه الذكور والإناث؟ وهل للملتزم أن يزيد في الخراج؟ (الجواب) الحمد لله وحده أصل نصوص المذهب تقتضي عدم الإرث، وأنه وقف يوضع خراجه في بيت المال لمصالح المسلمين، والناظر عليه السلطان ونائبه يقوم مقامه، والملتزم مكنه نائب السلطان، فله التصرف بالزيادة والنقص في الخراج على ما تقتضيه المصلحة الشرعية، لكن وقعت الفتوى من المشايخ المصريين بالتوريث كالشيخ عبد الباقي والشيخ إبراهيم الشبرخيتي والشيخ يحيى الشاوي، وقد سألت عن ذلك شيخ المشايخ الشيخ عمر الطحلاوي -عليه سحائب الرحمة- ما وجه الإرث في الوقف؟ فقال: إنهم جعلوه ملحقًا بالخلو، قلت: وهذا ظاهر إن حصل من واضع اليد إصلاح للأرض يظهر أثره فيها كإزالة شوكها أو حرثها أو نحو ذلك مما يلحق بالبناء في الأوقاف بإذن الناظر لمصلحة، فيكون خلوًا ينتفع به ويملك، وقد قال بالملك حقيقة والإرث من يقول من العلماء إن مصر فتحت صلحًا لا عنوة وليس

للملتزم الزيادة الفاحشة في الخراج، وأول من رتبه سيدنا عمر رضي الله عنه، والملتزم عليه القيام بما تحتاج إليه الأرض من المصالح، وعليه حماية الناحية من المظالم، ومما يضرها ويدفع الخراج لبيت المال ليصرف في جهاته الشرعية، والملتزم الآن يسلب الأموال ويؤذي الفلاحين، فلو وقع أن نائب السلطان مكنه على هذا الوجه فهو فاسد، والسلطان ونائبه وكلاء عن المسلمين في بيت المال، والوكيل لا يتصرف إلا بالمصلحة، فليفت بالإرث في منفعة الطين، والملتزم ليس له إلا الخراج من باب من اشتدت وطأته وجبت طاعته، وليس له إلا الاختصاص بالطين، ولا يجوز منع البنات من الإرث، ولو جرى عرف بمنعهن فهو فاسد لا يعمل به، بل ربما كن أحوج وأحق بما أصله من جهات بيت المال، وسئل أيضا العلامة الأمير عن معنى واحد لا من قلة؟ فأجاب بأن الذي يحضره في معناه أوجه الأول ليست وحدته من أجل قلة من يتصف بالكمالات وصفات الحمد، فإن هذا إنما يكون في الحوادث، وفي الحقيقة الوحدة بهذا المعنى نقص، وأما وحدة الحق فذاتية بكمال لا سبيل لتطرق الاشتراك إليه، وقريب من هذا أن يقال إن معنى واحد لا من قلة أنه ليس له ماهية كلية يمكن تعداد أفرادها لكنها قلت فلم يوجد منها إلا واحد، بل هو منزه عن الماهية الكلية، وعن الجنس ووحدته، وحدته ذاتية لا يمكن فيها تطرق كثرة ولا قلة. الثاني: أن معنى واحد لا من قلة ليست وحدته ناشئة عن تقليل بأن يكون له أنداد وأشباه وشركاء، فسطا عليهم حتى قللهم وأبادهم على عادة الملوك فصار واحدًا انفرد بالملك، بل وحدته أزلية قديمة ذاتية ليست ناشئة عن قلة بمعنى تعليل. الثالث: أن وحدته ليست من حوادث القلة كما يقع في بعض الحوادث، بل هو واحد إليه ترجع جميع الكثرات، وعلى وحدته تدور،} ألا إلى الله تصير الأمور {فهو واحد ظهرت وحدته في جميع المظاهر و} هو الأول والآخر والظاهر والباطن {} ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا {إلى قوله تعالى:} إنه بكل شيء عليم {وهذا معنى شريف لا يمكن شرحه بالتعبير، إنما يذاق بحسب الفتح والتجلي من الفتاح، الرابع: أنه تعالى لا يوصف بقلة ولا كثرة، فإنها من صفات الحوادث} ليس كمثله شيء {وجميع ما خطر ببالك فالله سبحانه وتعالى بخلاف ذلك، سبحان من لا يعلم قدره غيره، ولا يبلغ الواصفون صفته. (ما قولكم) في رجل له أثر فلاحة فغرس فيها نخيلاً وأثمر، فأراد الملتزم أن ينتزع صاحب الأثر من النخل فهل لا يسوغ له ذلك، وعلى صاحب الأثر خراج المثل؟ (الجواب) لا يسوغ للملتزم نزع الأثر من الذي غرس النخل فيه؛ لأن الطين وإن كان جنسًا على مشهور المذهب في أرض، لكن الأثر ملحق بالخلو الذي لا يملك في الوقف، كذا أفتى به العلامة الطحلاوي في مذاكرتي له -عليه سحائب الرحمة والرضوان-

موجهًا فتوى من أفتى فيه بالإرث كالشيخ إبراهيم الشبرخيتي، والشيخ إبراهيم الشاوي المغربي، وغيرهم -رحمه الله ورحمنا معهم- وعلى صاحب الأثر خراج المثل والله أعلم. (ما قولكم) فيما قاله أهل السنة من أن الله تعالى يعلم الأعداد والنعم الأخروية الدائمة وعذاب الكفار الدائم في الآخرة وهي لا نهاية لها، فإن قلتم يعلمها تفصيلاً يلزم أنها متناهية، والغرض أنها لا نهاية لها، وإن قلتم يعلمها إجمالاً لا يلزم منه الجهل بتفصيلها، وهو عليه تعالى محال، وإن قلتم إنه يعلم أنها لا نهاية لها يلزم منه الجهل بما سيوجد منها، وهو عليه تعالى محال ممتنع، اكشفوا لنا اللثام عن ثغر هذا المرام، نفع الله بكم الأنام بالنبي المصطفى وآله الكرام؟ (فأجاب) سيدي العلامة الأمير بما صورته لزوم التناهي للعلم التفصيلي، إنما هو بحسب العلم الحادث، وهو تعالى لا يبلغ الواصفون صفته، ولا يعلم قدره غيره، وسع كل شيء علمًا، فلا يلزم جهل ولا تناهي، والبحث عن كيفية علمه سبحانه لا يجوز، ولا تسعه العقول، بل نقول: يعلم علمًا لا نعلم نحن كيف هو كما نقول موجود بلا كيف وبلا زمان ولا مكان وبلا أول ولا آخر، ومن يكون كذلك لا يبعد عنده علم تفصيل بلا تناهي، سبحان من ليس كمثله شيء وهو بكل شيء عليم، وسئل رضي الله عنه عن النور المحمدي، هل هو جسم أم لا؟ وإذا قلتم بأنه جسم فلا بد له من حيز هناك لأنه أول المخلوقات، فلا سماء ولا أرض ولا غيرهما قبله، فيجاب بأن النور المحمدي لا تطلق عليه الجسمانية، نعم هو جوهر قائم بذاته، وأما الحيز فهو مرفوع موهوم عند أهل السنة لا يحقق، وإنما يتم قول السائل لا بد له من حيز ولا حيز هناك لو كان الحيز أمرًا وجوديًا، وهو خلاف مذهب الجماعة، فعلى مذهبهم لا إشكال، والله أعلم بحقيقة الحال. (ما قولكم) في رجل وقف ما يملكه من دور وحوانيت على أخيه، ثم بعد موت أخيه يكون لأولاد الواقف، والحال أنه استمر حائزًا له متصرفًا فيها مدة حياته، فهل هذا الوقف باطل؟ (الجواب) حيث استمر الواقف واضعًا يده على ما وقف إلى أن مات، ولم يحز عنه حيازة صحيحة، كان الوقف باطلاً، ويكون تركة للواقف والله أعلم. اهـ ما تلخص من فتاوى الأمير. (من فتاوى العلامة الأمير أيضًا) رجل اشترى من آخر نصف دابة على أن يقضيه الثمن من أولادها، فهل هذا البيع فاسد، وإذا قلتم بفساده فهل يمضي بمفوت؟ (الجواب) البيع فاسد وهو من حبل الحبلة، ويرجع المشتري على البائع بالكلفة، وإذا فات بحوالة سوق أو مكث الحيوان شهرًا ببيت المشتري مضى البيع بالقيمة. (سؤال) ما يقع من مواساة الرجل صاحبه عند الفرح كزواج أو قدوم من حج هل يقضي بالعوض؟ (الجواب) يقضى له بالعوض لأنها هبة ثواب، فيدفع له ما فيه وفاء بقيمة الموهوب مما يباع به شرعًا، ولا يلزم الموهوب له

التأخير إلى حدوث عرس مثلا عند الموهب، قاله الأجهوري، وظاهره أنه لا يعمل بعرف التأخير، وفي البرزلي أنه يعمل به، وللموهوب له أن يقاصص الواهب بقيمة ما أكله هو، وبما أكله من حضر الوليمة تبعًا له، ذكره الشيخ عبد الباقي الزرقاني على المختصر، وما يدفع للطبال ونحوه ويقصد به صاحب الفرح فإن كان مأذونًا فيه شرعًا كالكبر في النكاح وهو الطبل الكبير، فإن علم به صاحب الفرح وأقره فحكمه حكم المدفوع له، وأما ما نهي عنه شرعًا فمن دفع فيه شيئًا فهو الذي أتلفه على نقسه، ولا عبرة بقصد صاحب الفرح ولا إذنه. (ما قولكم) في رجل له بعض أولاد يتكسبون معه، وبعض لا يتكسب، فمات عن الجميع، فهل يختص من يتكسب بشيء ويشارك إخوانه فيما بقي أم لا؟ (الجواب) العادة محكمة في ذلك، فإن كان عرفهم البناء على المسامحة، فهو تبرع للأب، فذلك الذي يتكسب لا يختص بشيء بعد موت أبيه، وإن كان عرفهم عدم البناء على المسامحة فيحاسب بقدر تكسبه بنظر أهل المعرفة. (ما قولكم) في رجل أعطى لآخر دابة واشترط كلفتها، وأن له في نظير كلفتها نصفها ونصف نتاجها؟ (الجواب) هذا بيع فاسد للجهل بالثمن قدرًا وأجلاً. (ما قولكم) في رجل عيره آخر بكونه كثير القرض، أو كونه كثير السفر، أو كونه فقيرًا، فقال لمن عيره: النبي -صلى الله عليه وسلم- اقترض ومات غريبًا وعاش فقيرًا. (الجواب) يشدد في الأدب على قائل هذا بالاجتهاد خصوصًا في مسألة الفقر، وإنما لم يكفر لأنه لم يقصد تنقيص النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما قصد دفع العار عن نفسه كما قال سيدي خليل أو تعيرني بالفقر والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد رعى الغنم. اهـ وإنما شدد عليه لأن أحوال الأنبياء ليست كأحوالنا، فإنهم أعرضوا عن أمور الدنيا لخستها عند ربهم، فلا يقاس حالنا بحالهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. اهـ بتوضيح. (ما قولكم) في رجل أعطى لآخر عرضًا هبة مدعيًا أنه يملكه، ثم جاء رجل آخر وادعى أنه يملك ذلك العرض، فهل إذا حضر الواهب وقال لمن وهب له هبتي لك باطلة لكوني لا أملك ذلك العرض وهو ملك لهذا المدعي؟ (الجواب) هو كمن أقر بشيء لفلان ثم قال لا بل فلان، والحكم أنه للأول، ويقضي للثاني بقيمة العرض على المقر لأن إقرار الشخص إنما يسري على نفسه فيما يملكه لا فيما تعلق به حق للغير، وقال عيسى بن دينار حيث ادعاه الثاني فله اليمين على الأول، فإن حلف فكما تقدم، وإن نكل حلف الثاني وأخذه، ولا شيء للأول. (ما قولكم) فيمن له على آخر دين بوثيقة شرعية فقطعت من تلك الوثيقة قطعة لا تتم فائدة تلك الوثيقة إلا بما في تلك القطعة كقدر الدين، فأحضر رب الوثيقة بينة رأت تلك القطعة قبل قطعها، وشهدت أن تلك القطعة بخط ذلك الباقي، وشهدت بما فيها سابقًا، وعينت القدر، فهل يعمل بهذه الشهادة ويجري على القطعة الضائعة من الوثيقة حكم الباقي الموجود؟ (الجواب) الشهادة على القطعة

الضائعة من الوثيقة يعمل بها، لأنه لا بد من حضور الخط المشهود عليه لضعف الشهادة على الخط، وكثرة الخلاف في العمل به، وحضور البعض الذي لا تتم به الفائدة كالعدم. (ما قولكم) في أولاد مخالطين لأبيهم في التكسب بعد بلوغهم، ثم بعد مدة من الزمان حصلت منازعة بينهم وبينه، وادعوا الشركة معه في جميع المال، وأصل المال للأب، فهل لا شيء للأولاد أو لهم أجرة المثل؟ (الجواب) إن لم يتبرع الأولاد بالعمل فلهم أجرة مثلهم، ويحاسبهم بنفقته عليهم. (ما قولكم) فيمن حلف لا يسكن هذه البلد أو لأنتقلن منها؟ (الجواب) من حلف لا يسكنها يخرج لأي بلدة غيرها ولا يعود إليها أصلاً حيث أطلق في نيته بخلاف قوله: لأنتقلن فإنه يخرج ويمكث نصف شهر وقد تحقق الانتقال. (ما قولكم) فيمن حلف لزوجته بالثلاث أنه لا يزني ثم زنى ولزمه الثلاث، ثم جعل له شافعي محللاً فدخل بها ثم طلقها ذلك المحلل، ثم أباحها لزوجها الأول شخص بصيغة المراجعة قبل انقضاء العدة من المحلل، ثم أخبره من راجعها له بعد المحلل أن مراجعته لها لم تصادف الصواب، وأن وطئه لها حرام، وقال له: أنا بريء منك فتساهل في ذلك واستمر عليها حتى ولدت الأولاد، فهل تلحق به الأولاد ويكون وطؤه وطء شبهة أو لا تلحق به حيث تساهل ولم يمتثل ما قيل له؟ (الجواب) يدين هذا الرجل، فإن قال اعتقدت صحة المراجعة الأولى ووطئت معتمدًا على صحتها ولم أصدق الخبر الثاني، وكل لدينه، وكان وطؤه وطء شبهة، وتلحق به الأولاد لتشوف الشارع للحوق النسب، وإن اعترف بأنه وطئ داخلاً على الزنا لم تلحق به الأولاد، والمرأة تأبد تحريمها لأنه وطئ أولاً بالشبهة في العدة، والله أعلم، كذا في فتاوى الأمير. الفصل الثالث في فتاوى للمؤلف ولولديه محمد عابد ومحمد علي (ما قولكم) دام فضلكم فيما إذا رفعت المرأة لعالم بأن زوجها قد غاب عنها إلى نحو السودان وتركها بلا نفقة، ولم يوكل لها وكيلاً لينفق عليها، ولا مال له تنفق منه، وأثبتت دعواها لديه بالبينة حتى ظهر لهذا العالم صدق دعواها فأمرها بالانتظار سنة، وبعد السنة أمرها بتطليق نفسها من زوجها على رجل آخر، فلما حضر الزوج الآخر وجدها متزوجة على الزوج الثاني، فرفع أمره إلى قاضي البلد، فأحضر له القاضي المرأة وزوجها الثاني، والعالم الذي فسخ النكاح وزوجها على الثاني، وحضر مع الجميع عند القاضي رجل مالكي المذهب، فقال ذلك الرجل للعالم المذكور: كيف ساغ لك أن تفرق بين الزوجين بمكة وهي بلدة غاصة بحكام الشرع والسياسة والمفتين، وأطلعه على نصوص المذهب المالكي المعينة عدم جواز رفع المرأة أمرها لجماعة المسلمين إلا عند عدم الحكام أو تعذر الوصول إليه، فأجابه العالم المذكور قائلا: إن بيدي نصوصًا تؤيد أنه يجوز الرفع إلى جماعة المسلمين مع وجود الحكام الشرعيين والسياسيين، فقال الرجل المالكي: لو سلمت هذا القول

1 - 308 جدلاً فما أنت بمفردك جماعة المسلمين، وعبارة علماء المذهب فيها مختلفة، فمن قائل: إن جماعة المسلمين أهل البلدة، ومن قائل: المعظم، ومن قائل: أقلهم ثلاثة، وقول ضعيف أنه يكفي الاثنين، وقول أضعف منه أنه يكتفى بالواحد، وقد ادعى الزوج الغائب أنه ترك زوجته حاملاً في ثلاثة أشهر، فهل الحق ما قاله الرجل المالكي، فلا يصح الفسخ ولا العقد المرتب عليه، ويكون الحمل الذي ادعاه الغائب له أو ما قاله العالم المذكور فيصح الفسخ والنكاح المترتب عليه، والأولاد الناشئة منه للزوج الثاني أم كيف الحكم؟ أفتونا مأجورين ولكم الأجر والثواب. (فأجبت) عنه بقولي: ما قاله الرجل المالكي من أنه لا يجوز الرفع لجماعة المسلمين إلا عند عدم الحكام، أو تعذر الوصول إليهم هو الحق لقول العلامة الشيخ عليش في منح الجليل على سيدي خليل وإن رفعت لجماعة المسلمين مع وجود القاضي لم يصح، وإن رفعت لهم عند عدمه صح لأنهم كالإمام عند عدمه. انتهى، وما قاله الرجل المالكي من أنه لا يكتفى بالواحد ولا بالاثنين فهو الحق أيضًا لقول العلامة الشيخ عليش في المنح أيضًا وتعبير المصنف يعني الشيخ خليل كغيره بجماعة المسلمين يقتضي أن الواحد منهم لا يكفي، وكذا الاثنان، وبه أي بعدم كفاية الواحد والاثنين صرح الشيخ علي الأجهوري. انتهى، وقال العلامة البناني: وقول الشيخ عبد الباقي: والواحد كاف لم أر من ذكره، ولا أظنه يصح، قاله الشيخ أبو علي المسناوي. اهـ فبناء على ما ذكر لم تزل المرأة في عصمة الزوج الأول والولد له، ونكاح الثاني غير صحيح، ويجب على ولي الأمر تعزير العالم التكروري بما يراه رادعًا له ولأمثاله لأمرين: الأول: أنه ارتكب أمرًا محرمًا شرعًا ترتبت عليه من المفاسد ما لا يخفى، والثاني: أنه لم يطع أمر السلطان الذي أوجب عليه الله جل شأنه بقوله تعالى:} وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم {فإن السلطان قد صدر منعه من وقوع الفسخ أو الخلع من أحد غير القاضي. اهـ والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في طائفة من المسلمين بدلوا أركان الإسلام الخمسة التي هي قواعد هذا الدين الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقالوا: إن هذا عتيق لا يوافق مصلحة هذا الزمان، واخترعوا لدينهم الحديث اسم قوم جديد، وزعموا أنهم استنبطوا من الآيات والأحاديث أركانًا خمسة لدينهم وهي: العقل وكلمة الشهادة، والأخلاق الحسنة، والجهاد، والحرب بالمال والبدن، والاتحاد والاتفاق تحت لواء السلطنة التركية العظيمة لتحصيل لوازم الحرب وموهوا على الناس بقولهم: نحن لا ننكر أركان الإسلام الخمسة؛ بل نتمسك بها ونحترمها إلا أننا ننكر كونها من الدين، بل هي من عقائد القوم العتيق لا ينبغي لأهل قوم جديد أن يتقيدوا بها، فهل والحالة هذه يجب على كل مسلم الإنكار عليهم؟ وهل يجب الخروج عليهم إن كانوا حكاما أم لا؟ وهل يقرون على ذلك كالكفار الأصليين أم يعاملون معاملة المرتدين

لا تقبل منهم إلا التوبة أو القتل، وهل ضرر هؤلاء على الإسلام أشد من الكفار أم لا؟ أفتونا بالجواب الشافي والأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، وليكن جوابكم على صفحات القبلة الغراء ليطلع عليه الخاص والعام. (فأجبت بما نصه) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، نعم يجب على كل مسلم وجوبا كفائيا الإنكار عليهم في ذلك، ونهيهم عنه بقدر الاستطاعة إذ هو من أقبح المناكر، حيث إنه من المكفرات شرعا كما سيتضح، وقد أجمع العلماء المقتدى بهم على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالشرع، وقال تعالى:} ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير {الآية، وروي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:» من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان «قال العلامة الشيخ محمد الأمير: ومعنى ضعفه دلالته على غرابة الإسلام وعدم انتظامه، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ويجب الخروج عليهم حيث كانوا حكاما، ففي المشكاة عن عبادة بن الصامت قال:» بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحًا عندكم من الله فيه برهان «متفق عليه، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:» السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة «متفق عليه، وروي في شرح السنة عن ابن سمعان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق «ويعاملون معاملة المرتدين، يقتلون كفرًا إن لم يتوبوا لأنهم جحدوا معلوما من الدين بالضرورة، وهو وجوب الصوم والصلاة والزكاة وحج البيت على قوم جديد، وجحد المعلوم مستلزم لتكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- في إخباره عنه أنه من الدين في حق جميع المكلفين، وفي المشكاة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:» يكون أمتي فرقتين فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق «رواه مسلم، ولا شك أن ضرر هؤلاء أشد من الكافر، إذ الكافر لا يميل له المسلم إلا لمصلحة أو طمع في ماله مع اعتقاده حرمة موالاته، وهؤلاء يغرون المسلمين بظواهر إسلامهم ونطقهم بالشهادتين، فيعتقد المسلم بذلك وجوب موالاتهم وهم يخادعون المسلمين بأنواع خدائعهم وتمويهاتهم المميلة لضعفاء عوام المسلمين عن الملة الحنيفية السمحاء، أعاذنا الله والمسلمين من شرورهم، وطهر الله البقاع من أثر غرورهم بمحمد خاتم الإرسال صلى الله وسلم عليه وعلى جميع الآل. (ما قولكم دام فضلكم) فيما جرت به عادة الأنام من القيام عند قراءة مولده عليه الصلاة والسلام بنية الإكرام، هل هو مستحب أو لا؟ وما دليل الأول الذي يستند له القائل به، وقد أخرج الترمذي عن أنس أنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك، فكيف يصح إكرامه بما يكرهه؟ وهل فرق بين الإكرام حال حياته والإكرام بعد موته؟ وعلى الثاني كيف يفعله العلماء الكرام؟ وهل يجب على والي الأمر أن يمنع منه بمقتضى قاعدة الإسلام؟ أفتونا. (الجواب) الحمد لله نص العلامة ابن حجر في فتاويه الحديثية على أن فعل كثير عند ذكر مولده -صلى الله عليه وسلم- ووضع أمه له من القيام بدعة لم يرد فيه شيء على أن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيمًا له -صلى الله عليه وسلم- فالعوام معذورون لذلك بخلاف الخواص. اهـ وأقول: قد جرى على استحسان ذلك القيام تعظيمًا له -صلى الله عليه وسلم- عمل من يعتد بعمله في أغلب البلاد الإسلامية، وهو مبني على ما للنووي من جعل القيام لأهل الفضل من قبيل المستحبات إن كان للاحترام لا للرياء، وألف في ذلك جزءًا مستقلاً، وأقوى ما استدل به حديث البيهقي في سننه أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا من فاطمة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها رحبت به وقامت وأخذت بيده فقبلتها، وتعقبه ابن الحاج في المدخل، وتعقب تعقبه ابن حجر، وألف في ذلك جزءًا سماه رفع الملام عن القائل باستحباب القيام للداخل من أهل الفضل والاحتشام وما قول بعضهم: فلما بصرنا به مقبلاً ... حللنا الحبى وابتدرنا القيام فلا تنكرن قيامي له ... فإن الكريم يجل الكرام كما في حاشية ابن حمدون على مختصر الشيخ ميارة على نظم ابن عاشر، وبالجملة فالقيام عند ذكر مولده -صلى الله عليه وسلم- ووضع أمه له تعظيمًا له -صلى الله عليه وسلم- بدعة حسنة لا ينبغي لأحد من الخواص والعوام تركه، ولا المنع عنه، بل ربما استلزم تركه والمنع عنه اليوم الاستخفاف بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وقد نص العلامة خليل في مختصره وشراحه على أن المستخف بنبي أو ملك يقتل كفرًا إن لم يتب، وإلا قتل حدًا، فمن هنا أفتى المولى أبو السعود العمادي الحنفي بكفر من يتركه حين يقوم الناس لإشعاره بضد ذلك كما نقله الشيخ عبد الرحيم السيوطي الجرجاوي المالكي في شرحه على مولد البرزنجي عن مولد الإمام الحلواني والطنطاوي، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم فيمن لاحظ في وضوئه المذاهب الأربعة، وأم بجماعة على غير مذهبه، فهل تصح صلاتهم خلفه أو لا أفتونا؟ (الجواب) في شرح أقرب المسالك مع المتن وتوضيح من الصاوي عليه، وجاز بمعنى خلاف الأولى إمامة مخالف في الفروع كشافعي وحنفي، وإن علم أنه مسح بعض رأسه، أو لم يتدلك، أو مس ذكره، لأن ما كان شرطًا في صحة الصلاة أي خارجًا عن ماهية الصلاة فالعبرة فيه بمذهب الإمام، ولو كان شرطًا

في صحة الاقتداء، أو ركنًا داخلاً فيها، فالعبرة فيه بمذهب المأموم. اهـ ومنه يعلم صحة صلاة المقتدي بالمخالف في الشروع حيث راعى في نحو الوضوء المذاهب الأربعة بالأولى، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم فيمن اتهم زوجته أنها تشرب الخمر بسبب إلقاء المفسدين له ذلك فقال لها: إما أن تختاريني أو تختاري شرب الخمر، فقالت عند غضبها من كلامه: أختار شرب الخمر ولا أختارك، فقال لها الرجل: إن اخترت شرب الخمر فأنت طالق، وهي لم تشرب الخمر قط، فهل يقع عليه الطلاق أم لا؟ (الجواب) في شرح أقرب المسالك للعلامة الدردير التخيير جعل إنشاء الطلاق ثلاثًا صريحًا أو حكمًا حقًا لغيره مثال الحكمي اختاريني أو اختاري نفسك أو أمرك، قال: وقال القرافي ما حاصله أن مالكًا -رحمه الله تعالى- بنى ذلك، أي كون التخيير مثلاً عبارة عن جعل نحو اختاريني أو اختاري نفسك إنشاء للطلاق ثلاثًا حكمًا حقا لغيره على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم، فصار صريحًا فيه، أي في الطلاق، هذا هو الذي يتجه ويلزم عليه بطلان هذا الحكم اليوم، ووجوب الرجوع إلى اللغة ويكون كناية محضة كما قاله الأئمة الثلاثة؛ لأن العرف قد تغير حتى لم يصر أحد يستعمل هذا اللفظ إلا في غاية الندرة والقاعدة أن اللفظ متى كان الحكم فيه مستندا لحكم عادي، بطل ذلك الحكم عند بطلان تلك العادة، وتغير إلى حكم آخر اهـ. قال الصاوي: ومعنى قوله: ويكون كناية محضة أنه يكون عند الرجوع إلى اللغة كناية خفية. اهـ أي: فيجري على ما نواه به المخير، وسياق كلام السائل دال على أنه لم يقصد به الطلاق، ولا شك أن لفظ التخيير اليوم لم يستعمله أحد في الجعل المذكور إلا في غاية الندور كما كان في زمن القرافي، فبناء على ذلك لم يلزمه السائل إلا طلقة واحدة رجعية بقوله: إن اخترت شرب الخمر فأنت طالق، والله أعلم. (ما قولكم دام فضلكم) في الجمع بين الأحاديث المتعارضة في تصوير الحيوانات كالحديث الذي روي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- وحديث أبي طلحة وعن المراد بالرقم بالثوب المستثنى في حديث أبي طلحة، وعن المراد بالصورة المجسمة وعن حكم اتخاذ صورة الحيوانات بالفوتوغراف أفتونا؟ (الجواب) المعتمد عندنا معاشر المالكية أن التمثال إن كان لغير حيوان كالشجر جاز، وإن كان لحيوان فما له ظل ويقيم فهو حرام بإجماع، وكذا إن لم يقم كالعجين خلافًا لأصبغ لما ثبت أن المصورين يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم أحيوا ما كنتم تصورون، وما لا ظل له إن كان غير ممتهن فهو مكروه، وإن كان ممتهنًا فتركه أولى، كما في توضيح الشيخ خليل على مختصر ابن الحاجب، وهو المنصوص عليه في غير ما ديوان، لكن محل تحريم تمثال الحيوان الذي له ظل إذا لم يكن ناقص عضو لا يعيش بدونه ولا مخروق

البطن خرقًا لا يعيش مثله به، وإلا جاز، ونقل الشيخ عبد الباقي الزرقاني عن الحطاب أنه يستثنى من التصوير المحرم تصوير لعبة على هيئة بنت صغيرة تلعب بها البنات الصغار، فإنه جائز ويجوز بيعها وشراؤها لتدريب البنات على تربية الأولاد. اهـ. وفي اشتراط كون اللعبة الجائزة للبنات الصغار ناقصة أو مما لا يبقى، وعدم اشتراط ذلك خلاف رجح بعضهم الأول، والجمع بين الأحاديث المتعارضة على ما ذكر يحمل الحديث الذي لعائشة ونحوه على كراهة التنزيه لا على التحريم، وأن الرقم في الثوب مستثنى من الصور المحرمة، والمراد به تمثال الحيوانات، وجمع الشافعية بأن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجر ونحوه كما في النووي على مسلم، قال في الفتح: ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهي، كما يدل عليه حديث أبي هريرة الذي أخرجه أصحاب السنن. اهـ. ولفظه في بعض رواياته "أتاني جبريل فقال: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان على الباب تماثيل، ولفظ رواية الترمذي كان في باب البيت تمثال الرجال، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت فليقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع، فتجعل منه وسادتين منبوذتين يعنى لطيفتين توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا الكلب لحسن أو حسين -رضي الله عنهما- كان تحت نضد أي بنون مفتوحة فمعجمة كذلك سرير لهم، فأمر به فأخرج، وفي رواية النسائي: إما إن تقطع رءوسها أو تجعل بسطًا توطأ، ولا يقال للصورة المأخوذة بالفوتوغراف مجسمة، إذ المجسمة ما كان لها ظل كما علمت، وحكم اتخاذها الكراهة التنزيهية إذا كملت والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ ملخصًا من بلوغ القصد والمرام ببيان بعض ما تنفر منه الملائكة الكرام للسيد محمد بن جعفر الكتاني مع زيادة. (ما قولكم) دام فضلكم في رجل أوقف وقفًا على الفقراء والمساكين عامة بلا قيد وقال: يقدم الأقرب فالأقرب، وتوفي الرجل الواقف إلى رحمة الله تعالى، وجعل ابنه ناظرًا على الوقف المذكور والواقف له أبناء أخر غير الناظر المذكور، وافتقر ابن أخي الناظر وليس معه أحد من الفقراء في درجته في ذاك الزمان، فأعطى الناظر لابن أخي الواقف المذكور غلة الوقف، ثم مات الناظر إلى رحمة الله تعالى، ومات أيضًا إخوته، وافتقر أبناء أبناء الواقف وأبناء إخوته جميعًا غير ابن أخيه الذي أعطاه الناظر المذكور غلة الوقف، فطلب جميع من افتقروا مشاركة ابن الأخ المذكور في غلة الوقف، فامتنع محتجًا عليهم بأنه قد أخذ الغلة بصفة الفقر، ولم تزل عنه الصفة المذكورة، فهل لمن افتقر حق في مشاركة ابن الأخ المذكور في غلة الوقف والحالة هذه؟ أم لا حق لهم في مشاركته؟ أم كيف الحكم؟ أفتونا. (الجواب) حيث

إن الواقف أوقف وقفه على الفقراء، وقال: يقدم الأقرب فالأقرب، ظهر أن وقفه مقيد بتحقق أمرين معًا، الفقر والأقربية، وحينئذ فينتفي قيده بانتفاء أحد الأمرين، وبانتفاء قيده عن الذي كان مستقلاً بغلة الوقف بموجب تحقق القيد أولا فيه فقط ينتفي عنه الاستحقاق بغلة الوقف، ويرجح استحقاق الغلة لمن تحقق فيه القيد لقول العلامة الشيخ حجازي والعلامة الشيخ محمد الأمير في حاشيتيهما على المجموع عند قوله: ولا يخرج ساكن استغنى لغيره ما نصه واللفظ للأول إلا أن يكون الوقف مقيدًا بوصف، ففقد فيه كما في الحطاب، أو يمكث نحو عشرة أعوام في طلب العلم، ولم تظهر له نجابة كما في المعيار، أو يشترط الوقف أن من استغنى لا شيء له، أو يرى الناظر ذلك مصلحة. اهـ. ولفظ الأمير: إلا أن يكون الوقف مقيدًا بوصف الحاجة، وشرط الواقف أن من استغنى لا حق له ككل من فقد فيه الوصف الذي قيد به الواقف كما في الحطاب في المعيار إن مكث نحو عشرة أعوام في طلب العلم، ولم تظهر له نجابة لا يستحق فيما قيد بطلبة العلم. اهـ. ولا شك أن ابن أخي الواقف المذكور إنما استحق الاستقلال بغلة الوقف المذكور أولا بموجب تحقق الفقر والأقربية معًا فيه، وبمجرد افتقار أبناء أبناء الواقف قد زالت عنه صفة الأقربية، وبزوالها زال عنه استحقاق غلة الوقف المذكور، وآل استحقاق الغلة المذكورة لأبناء أبناء الواقف بمقتضى تحقق الفقر والأقربية معًا فيهم فقط، واعلم أنا مع قول الواقف يقدم الأقرب فالأقرب، لا نحتاج لقياس الغلة على السكنى في جريان قول الأمير وغيره، ولا يخرج ساكن استغنى لغيره على أن الفرق بينهما باقتضاء الغلة استيلاء الناظر دون المستحق، واقتضاء السكنى العكس كما لا يخفى، وحينئذ فلا يأتي عند عدم قول الواقف يقدم الأقرب فالأقرب، إلا قول العلامة الأمير في مجموعه، وفضل الناظر الأحوج ثم قريب الواقف من غير معينين في غلة وسكنى. اهـ. قال الشيخ حجازي عليه أي ثم إذا استووا في الاحتياج فضل قريب الواقف وأعطي الفضل لمن يليه، فإن لم يكن أقرب ولم يسعهم أكرى عليهم، وقسم كراؤه بينهم بالسواء إلا أن يرضى أحدهم بما يصير لأصحابه من الكراء ويسكن فيها، فله ذلك كما في الحطاب. اهـ. دون قول الأمير المتقدم، ولا يخرج ساكن استغنى لغيره كما لا يخفى، فتأمل بإنصاف، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في طائفة اختلفوا في صلاة التراويح، فبعضهم أقاموا بعشر ركعات سنينا عديدة واعتقدوا أنها أفضل من العشرين بدعوى أن الذي ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عشرة وثمانية وثلاثة عشر ركعة مع الوتر، والاتباع خير من الابتداع، وبعضهم قالوا: إن التراويح لغير من بالمدينة عشرون ركعة مع الوتر بإجماع الصحابة عليه، وهو اختيار إمامنا الشافعي، والعمل عليه عند أهل الحرم المكي، فمن فعلها أقل من ذلك فهو زنديق لإنكاره الإجماع، بدليل أنهم لو لم ينكروا الإجماع لما فعلوا أقل من ذلك

فلا تحل ذبيحتهم وطعامهم ومناكحتهم، ولا تجوز الصلاة على جنائزهم، ثم أفتى قوم منهم بأن القائل بكفر الفاعلين أقل من عشرين هو كافر قطعًا لأنه سمى الإسلام كافرًا، وأن صلاة التراويح صحيحة مطلقًا سواء كانت عشرين أو أقل منه أو أكثر، فمن اقتصر على نحو ركعة أو ركعتين أو ثلاثة فقد حصل أصل السنة، ومن أتمها عشرين فقد حاز كمال الفضيلة، أخذًا من الكتاب المسمى ببشرى الكريم، وعبارته: ولو اقتصر على بعض العشرين صح وأثيب عليه ثواب التراويح خلافًا لبعضهم، فقولهم وهي عشرون أي أكثرها، فما الحكم في ادعاء هؤلاء وأقوالهم واعتقادهم؟ أفيدونا بالجواب الشافي، ولكم من الله جزيل الثواب الوافي. (الجواب) أما دعوى الفرقة الأولى أن صلاة التراويح بعشرين ركعة من الابتداع فباطلة لقول العلامة ابن رشد في بداية المجتهد: أجمعوا على أن التراويح التي جمع عليها عمر بن الخطاب الناس مرغب فيها، وإن كانوا اختلفوا أي أفضل أهي أو الصلاة آخر الليل التي كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكن الجمهور على أن الصلاة آخر الليل أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام:» أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة «ولقول عمر بن الخطاب فيها: "والتي تنامون عنها أفضل"، واختلفوا في المختار من عدد الركعات التي يقوم بها الناس في رمضان، فاختار مالك في أحد قوليه وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وداود القيام بعشرين ركعة سوى الوتر، وذكر ابن القاسم عن مالك أنه كان يستحسن ستًا وثلاثين ركعة والوتر ثلاث، وسبب اختلافهم اختلاف النقل في ذلك، وذلك أن مالكًا روى عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة، وخرج ابن أبي شيبة عن داود بن قيس قال: أدركت الناس بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستًا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث، وذكر ابن القاسم عن مالك أنه الأمر القديم، يعني القيام بست وثلاثين ركعة. اهـ. وفي شرح عبد الباقي على العزية مع المتن، ومن المستحب متأكدًا قيام رمضان، وهو ثلاث وعشرون ركعة بالشفع والوتر. اهـ. قال الشيخ حسن العدوي عليه: اقتصر على هذا العدد لأنه هو الذي استمر عليه العمل في زمننا شرقًا وغربًا، وإلا ففي أول الأمر كانوا يقيمون بإحدى عشرة ركعة، لكن مع تطويل القراءة، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- صلاها مع بعض أصحابه ذات ليلة، فلما أصبح الناس تحدثوا بذلك، ففي الليلة الثانية كثروا، فلما كان في الليلة الثالثة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم -صلى الله عليه وسلم- خشية أن تفرض عليهم. اهـ. وفي الزرقاني على الموطأ عند قوله: قال عبد الرحمن بن عبد القاري: خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع أي جماعات متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد

لكان أمثل، فجمعهم على أُبي بن كعب، قال: أي عبد الرحمن ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعمت البدعة هذه، ما نصه وصفها بنعمت لأن أصل ما فعله سنة، وإنما البدعة الممنوعة خلاف السنة، وقال ابن عمر في صلاة الضحى: "نعمت البدعة" وقال تعالى:} ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله {وقال الباجي: وهذا تصريح منه بأنه أي عمر أول من جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد؛ لأن البدعة ما ابتدأ بفعلها المبتدع ولم يتقدمه غيره، فابتدعه عمر وتابعه الصحابة والناس إلى هلم جرًا، وهذا يبين صحة القول بالرأي والاجتهاد. اهـ. فسماها بدعة لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يسن الاجتماع لها، ولا كانت في زمان الصديق، وهي لغة: ما أحدث على غير مثال سبق، وتطلق شرعًا على مقابل السنة، وهي ما لم يكن في عهده -صلى الله عليه وسلم- ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة، وحديث:» كل بدعة ضلالة «عام مخصوص، وقد رغب فيها عمر بقوله: "نعمت البدعة" وهي كلمة تجمع المحاسن كلها، كما أن بئس تجمع المساوئ كلها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:» اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر «، وإذا أجمع الصحابة على ذلك مع عمر زال عنه اسم البدعة. اهـ. وأما دعوى من أفتى من الفرقة الأولى بأن القائل بكفر الفاعلين أقل من عشرين هو كافر قطعًا فباطلة أيضًا لقوله تعالى:} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {، وما في الموطأ من أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:» من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما «، وفي رواية في مسلم:» فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه «، وغير هذا من الروايات، قال ابن عبد البر: المعنى فيه عند أهل الفقه والأثر والجماعة النهي عن أن يكفر المسلم أخاه بذنب، وقد ورد مثل هذا في قوله عليه السلام:» سباب المسلم فسق وقتاله كفر «وقوله عليه السلام:» لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض «، فهذه الأحاديث وما أشبهها ليست على ظاهرها عند أهل الحق والعلم بالأصول، يدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجمع عليها والآثار الثابتة، وقد ضلت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بهذه الآثار ومثلها في تكفير المذنبين، واحتجوا بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى:} ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون {، وقوله تعالى:} أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون {، ونحو هذا، والحجة عليهم قوله تعالى:} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {ومعلوم أن هذا قبل الموت لمن لم يتب لأن الشرك من تاب منه. وانتهى عنه غفر له، قال الله تعالى:} قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {، وأجمعوا على أن المذنب وإن مات مصرًا يرثه ورثته، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، فهذا كله يشهد أن من قال لأخيه يا كافر ليس على ظاهره وقوله:» فقد باء بها أحدهما «أي فقد احتمل الذنب في ذلك القول، والمعنى أن المقول له يا كافر إن كان كذلك

فقد احتمل ذنبه ولا شيء على القائل قوله ذلك لصدقه في قوله، وإن لم يكن كذلك فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم احتمله بقوله ذلك. اهـ. كلام ابن عبد البر في التمهيد من شرح الموطأ، أفاده الوالد في فتاويه عن المسائل الملقوطة، وبالجملة فكل من صلاة التراويح بإحدى عشرة ركعة مع الوتر أو بثلاث وعشرين ركعة مع الوتر، أو بأقل أو بأكثر محصل لسنة التراويح بلا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في كون الإحدى عشرة أفضل من الثلاثة والعشرين أو بالعكس، والجمهور على الأول بشرطين: أحدهما: كونها بتطويل القراءة، وثانيهما: كونها آخر الليل لا أوله، ولكن قد جرى العمل بترجيح الثاني لأمرين: أحدهما: أن الناس الآن لم يصلوا التراويح إلا أول الليل؛ لكونه أسهل في حقهم، وثانيهما: أنهم قد جروا على التخفيف في القراءة خوفًا من أن يتركها الأغلب لو طولت، فصار كثرة الركعات عوضًا عن التطويل في القراءة، وقد وقع الخلاف بين العلماء في كون الأفضل كثرة الركعات أو قلتها مع التطويل، وكل من الفرقة الأولى والثانية قد ارتكبت ذنبًا عظيمًا في قولها بما لم يقل به الشرع، أما الثانية: فلدعواها أن من فعل التراويح أقل من عشرين ركعة زنديق لا تحل ذبيحته ... إلخ، وأما الأولى: فلقولها بأن من كفر مسلمًا فقد كفر كما لا يخفى، فيجب على ولي الأمر تعزيرهم بما يراه والله أعلم. (ثم سئلت بعين السؤال المذكور فأجبت بما نصه): الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، قد تقدم نظير هذا، وأجبت بما حاصله أن كلا من صلاة التراويح بإحدى عشرة ركعة مع الوتر أو بثلاث وعشرين ركعة مع الوتر أو بأقل أو بأكثر محصل لسنة التراويح التي هي عبارة عن قيام الليل بلا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في كون الإحدى عشرة أفضل من الثلاثة والعشرين أو بالعكس؟ والجمهور على الأول بشرطين: أحدهما: كونها بتطويل القراءة، وثانيهما: كونها آخر الليل لا أوله، ولكن قد جرى العمل بترجيح الثاني لأمرين: أحدهما: أن الناس الآن لم يصلوا التراويح إلا أول الليل لكونه أسهل في حقهم، وثانيهما: أنهم قد جروا على التخفيف في القراءة خوفًا من أن يتركها الأغلب لو طولت، فصارت كثرة الركعات عوضًا عن التطويل في القراءة، وقد وقع الخلاف بين العلماء في كون الأفضل كثرة الركعات مع التخفيف أو قلتها مع التطويل، وكون صلاة التراويح بالعدد الأول هي صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقتضي كون صلاتها بالعدد الثاني بدعة ضرورة أن ذلك هو ما أجمع الصحابة عليه مع سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:» اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر «فدعوى الفرقة الثانية كفر من صلى التراويح أقل من عشرين لإنكاره الإجماع، فلا تحل ذبيحتهم ولا مناكحتهم باطلة قد ارتكب قائلها ذنبًا عظيمًا في قوله بما لم يقل به الشرع بتكفير المسلم بمجرد وهم الذنب، وكذا دعوى من أفتى من الفرقة

الأولى بأن القائل بكفر الفاعلين أقل من عشرين هو كافر قطعًا باطلة لقوله تعالى:} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {، قال ابن عبد البر: ومعلوم أن هذا قبل الموت لمن لم يتب؛ لأن الشرك من تاب منه وانتهى عنه غفر له، قال الله تعالى:} قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {وأجمعوا على أن المذنب وإن مات مصرًا يرثه ورثته، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، فهذا كله يشهد أن من قال لأخيه: يا كافر ليس على إطلاقه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-:» من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما «أي فقد احتمل الذنب في ذلك القول، والمعنى أن المقول له يا كافر إن كان كذلك فقد احتمل ذنبه، ولا شيء على القائل له ذلك لصدقه في قوله، وإن لم يكن كذلك فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم احتمله بقوله ذلك. اهـ المراد من كلام ابن عبد البر في التمهيد من شرح الموطأ والله أعلم. (ما قولكم دام فضلكم) في امرأة توفيت ولا وارث لها سوى أنها تركت من ذوي رحمها أولاد أختها الشقيقة وأولاد ابن أختها لأب فمن يرثها؟ أفتونا (الجواب) أولاد أخت الشقيقة يستحقون النصف، وأولاد ابن الأخت للأب يستحقون السدس، ويرد الباقي عليهم بنسبة ما استحقه كل على ما اعتمده المتأخرون من توريث ذوي الأرحام، وعلى ما هو الأصح في طريقة توريثهم من مذهب أهل التنزيل، ففي شرح أقرب المسالك أن الذي اعتمده المتأخرون توريث ذوي الأرحام، حيث لم يكن ذو سهام، وذكر الشيخ الصاوي في حاشيته: أن ولد الأخوات من جميع الجهات كلها من ذوي الأرحام، وأن أصح المذاهب في توريثهم مذهب أهل التنزيل، وحاصله أننا ننزلهم منزلة من أدلوا به للميت درجة، فيقدم السابق للميت، فإن استووا فاجعل المسألة لمن أدلوا به. اهـ والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم فيمن اتهم بتهمة قتل أو سرقة أو ضرب ولم يثبت عليه شيء من ذلك على المنهج الشرعي، بل وجد قرائن وأحوال ظنية توجب الشبهة عليه، فهل والحال ما ذكر للحاكم الشرعي تعزيره بما يراه من حبس أو ضرب بالسوط زاجرًا له أم لا؟ أفتونا مأجورين حال كون ذلك معزيًا إلى مأخذه من كتب المذهب، ولكم الثواب من الملك الوهاب. (الجواب) نعم له ذلك اعتمادًا على القرائن والأحوال الموجبة للتهمة، ففي كتاب التبصرة للعلامة ابن فرحون في فصل بيان عمل فقهاء الطوائف الأربعة بالحكم بالقرائن والأمارات، قال ابن العربي: على الناظر أن يلحظ الأمارات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضي بجانب الترجيح وهو قوة التهمة، ولا خلاف في الحكم بها، وقد جاء العمل بها في مسائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة، وبعضها قال بها المالكية خاصة، ثم أخذ يعدد شواهد ذلك من المسائل إلى أن قال السابعة والعشرون اعتبار اللوث والاعتماد عليه في الأقدام على القسامة، والأخذ بالقود، وقال: والخامس والثلاثون

وجوب إقامة الحد على المرأة إذا ظهر بها حمل ولم يكن لها زوج، وكذلك الأمة إذا لم يكن لها زوج ولا سيد معترف أنه وطئها، والسادسة والثلاثون: وجوب الحد على من وجدت منه رائحة الخمر أو قاءها، وقال: والتاسعة والثلاثون: أن مالكًا وأصحابه -رحمهم الله تعالى- منعوا سماع الدعوى التي لا تشبه الصدق، غير أن قابل العرف يدل على كذبها كدعوى رجل لدار بيد حائز يتصرف بالهدم والعمارة مدة طويلة نحو عشر سنين، والمدعي ساكت، ولا ثَم مانع من خوف ولا قرابة ولا صهر، فإن ذلك قرينة دالة على كذب الدعوى، وكذلك لو ادعى رجل على رجل أنه سرق متاعه، والمدعى عليه مما لا يتهم، فإن المدعي لا تسمع دعواه لقيام شاهد الحال على كذبه وقصده الأذى، ويؤدب المدعي على خلاف في ذلك، الأربعون: قال أصحابنا: إذا رأينا رجلاً مذبوحًا في دار والدم يجري وليس في الدار أحد ورأينا رجلاً قد خرج من عنده في حالة منكرة علمنا أنه الذي قتله، وكان لوثًا يوجب القسامة والقود للقرينة الظاهرة. اهـ المراد، وفي شرح العلامة الدردير على سيدي خليل: ومن قام له لوث من أولياء المقتول على شخص فادعى به عليه فطلب من المدعي أيمان القسامة أي الخمسون بأن يقول بالله الذي لا إله إلا هو لمن ضربه أو جرحه مات، أو لقد قتله، أو لقد جرحه، أو ضربه ولقد مات منه على تفصيله المذكور في محله، فنكل أي عن أيمان القسامة، وردها على المدعى عليه فحلفها، وأولى إن لم يحلفها، فإن المدعى عليه يجلد مائة ويحبس سنة نظرًا للوث، قال: واللوث بفتح اللام وسكون الواو وهو الأمر الذي ينشأ عنه غلبة الظن بوقوع المدعي به ويسمي اللطخ. اهـ المراد، والله أعلم. (ما قولكم) فيما إذا وكلت المرأة البكر البالغة بالحيض أو السن رجلاً بالولاية العامة، وليس لها ولي مجبر على أن يزوجها بفلان بمهر كذا، هل يصح نكاحها أم لا؟ أفتونا. (الجواب) إذا كانت المرأة غير متصفة بواحد من صفات أربع: الجمال، أو المال، أو الحسب، أو النسب صح نكاحها بالولاية العامة مع وليها الغير المجبر كعمها أو كافلها أو الحاكم؛ فلذا نص في المدونة وابن عرفة وابن فتوح وغيرهم على جواز تولي عقد نكاح الدنيئة التي لم تتصف بواحد من الصفات المذكورة لمطلق مسلم مع وجود كعمها أو كافلها أو الحاكم، وإذا اتصفت بصفتين من الصفات المذكورة، بل وبصفة فقط على ما قاله بعضهم، فشريفة لا يصح نكاحها بالولاية العامة مع وجود كعمها أو الحاكم إلا إذا دخل الزوج بها ومضى بعد الدخول زمن تلد فيه الأولاد كثلاث سنين، فلذا لم يجز لمن له الولاية العامة أن يتولى عقد نكاح امرأة شريفة مع وجود كعمها أو الحاكم، كذا في أقرب المسالك وشرحه، والله أعلم. (ما قولكم دام فضلكم) في بكر بالغة زوجها أبوها على رجل بمهر مسمى قبض بعضه وأجل بعضه، فادعت بعد الدخول أنها لم تقبض شيئًا من المسمى، فهل تسمع دعواها أم لا؟ وهل للأب قبض الصداق أم لا؟ (الجواب)

لا تسمع دعواها، وللأب قبض الصداق، ففي مجموع العلامة الأمير مع شرحه، وضوء الشموع: وقبضه أي الصداق مجبر ووصي على المال، وهو مقدم، وصدق في التلف بيمين، ولا يحتاج لبينة، أي على التلف الذي حلف عليه، أو على القبض من حيث براءة الزوج، ولا يغرمه الزوج ثانية. اهـ والله أعلم. (ما قولكم دام فضلكم) في قول المؤذنين بين يدي الخطيب في يوم الجمعة: روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال عليه الصلاة والسلام: "أن يوم الجمعة سيد الأيام وحج الفقراء وعيد المساكين والخطبة فيها مكان الركعتين، فإذا صعد الخطيب المنبر فلا يتكلمن أحدكم، ومن يتكلم فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له" هل هذا الحديث ورد كله في حديث واحد أم لا؟ وهل قوله مكان بالرفع على أنه خبر قوله والخطبة؟ أم بالنصب على أنه ظرف لأن علماء الجاوي اختلفوا فيه فقال بعضهم: بنصبه ولا يجوز رفعه لأن الرفع يقتضي أن الخطبة موضع للركعتين، وليس كذلك بل إنما منزلة منزلة الركعتين، وأيضًا أن الخطبة مؤنثة، والمكان مذكر فكيف يخبر عن المؤنث بالمذكر، وقال بعضهم برفعه لأنه ظرف متصرف وهو الظاهر، وإن كان يجوز نصبه ليعلم المبتدون أنه خبر مرفوع بينوا لنا ذلك بأوضح البيان، ولكم الأجر والثواب من الرحيم الوهاب؟ (الجواب) لم يرد هذا كله في حديث واحد، وإنما قولهم روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- إلى الأيام فهو بمعنى ما في الموطأ من حديث طويل عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:» خير يوم طلعت الشمس يوم الجمعة «، وفي الزرقاني "عليه" ولمسلم من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:» خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة «الحديث. اهـ. وقولهم: "وحج الفقراء وعيد المساكن" ففي الدر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للعلامة السيوطي حديث الجمعة حج المساكين ابن أبي أسامة في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما. اهـ. وقولهم: فإذا صعد ... إلخ ففي الجامع الصغير للعلامة السيوطي بلفظ:» إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت «. اهـ. وفي الزرقاني على الموطأ عند شرحه لهذا الحديث، ولأحمد من حديث علي مرفوعًا:» ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له «، ثم قال: وقال الباجي: معناه المنع من الكلام وأكد ذلك بأن من أمر غيره بالصمت حينئذ فهو لاغ؛ لأنه قد أتى من الكلام بما ينهى عنه، كما أن من نهى في الصلاة مصليًا عن الكلام فقد أفسد على نفسه صلاته، وإنما نص على أن الآمر بالصمت لاغ تنبيهًا على أن كل مكلم غيره لاغ، واللغو رديء الكلام، وما لا خير فيه. اهـ. ثم قال: واستدل بالحديث على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من يسمعها، وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر، قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة، قال: وللشافعي في المسألة

قولان مشهوران، وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ فعلى الأول يحرم لا على الثاني، وهو الأصح عندهم، فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليه من شنع من المخالفين. اهـ المراد، ومنه يعلم أن قولهم: والخطبة فيها مكان الركعتين ليس بحديث، وإنما هو توجيه لقوله في الحديث:» فقد لغوت «عند من استدل به على منع جميع أنواع الكلام، وفي العزيزي» فقد لغوت «أي تكلمت بما لا ينبغي؛ لأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين، فلا ينبغي الكلام فيها، فيكره حينئذ تنزيهًا عند الشافعية وتحريمًا عند الثلاثة. اهـ. ومكان إن جعل بمعنى بدل الذي في كلام الزرقاني صح رفعه، ولا وجه لمنعه ضرورة إن بدل لا يؤنث للمؤنث على أن مكان اكتسب التأنيث من المضاف إليه، فيصح رفعه مع بقائه على معناه، ثم اعلم أن قول المؤذنين بين يدي الخطيب يوم الجمعة ما ذكر من الأحاديث بدعة سيئة لوجهين: (الأول) أنه استظهار على الشارع بزيادة على خطبة على الخطبتين التي طلبها وجعلها بمنزلة الركعتين. (والثاني) أنه بمنزلة زيادة ركعة في صلاة الجمعة خامسة على الأربع الذي جعلها الشارع، وزيادة ركعة في الصلاة لا شك في منعه، فيكون ما شابهه لا أقل من أن يكون مكروهًا كراهة شديدة، ولم تدع الضرورة له فيتجه، بل من الممكن إدراج الخطيب واحد من هذه الأحاديث في افتتاح خطبته كما لا يخفي على ذي لب، ويشهد لذلك قول تاج الدين السبكي في جمع الجوامع: قال الشيخ أبو محمد الجويني: والمتوضئ يشك أيغسل غسلة ثالثة فيكون مأمورًا بها أم رابعة فيكون منهيًا عنها؟ لا يغسل خوف الوقوع في المنهي عنه. اهـ فافهم، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في قول صاحب الرسالة ابن أبي زيد: ولا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل، وقال شارحه أبو الحسن: ويشترط في شاهدي النكاح العدالة لما رواه ابن حبان في صحيحه من قوله عليه الصلاة والسلام:» لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل «، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل لحديث:» فإن لم يوجد العدول استكثروا من الشهود كالثلاثين والأربعين «. اهـ فما تعريف هذه العدالة المشروطة في شروط النكاح؟ وما تعريف الذين يستكثر منهم؟ ثم هل يوجد قول بالاكتفاء بأقل من ثلاثين كالعشرة ولو على الضعيف أو خارج المذهب؟ (الجواب) قال العلامة خليل في باب الشهادة: العدل حر مسلم عاقل بالغ بلا فسق وبلا حجر وبدعة، وإن تأول كخارجي وقدري. اهـ. قال العلامة العدوي على الخرشي: ما لم يتب الفاسق وتعرف توبته، ثم قال: العدالة تطلق بمعنى عدالة الشهادة، وهي ما نظر لها المصنف بقوله العدل ... إلخ، وتطلق بمعنى المحافظة الدينية على اجتناب الكبائر والكذب وتوقي الصغائر، وهو ما نظر له عياض وابن شاس، ويوصف بها العبد، فلذلك جعلوا هذه الشروط في الشاهد، وجعلوا من جملة الشروط أن يكون عدلاً. اهـ. والعدالة بالمعنى الأول عرف الفقهاء وبالمعنى

الثاني عرف المحدثين كما يؤخذ من الخرشي، فظهر أن العدالة المشروطة في شهود النكاح هي عدالة الشهادة التي نظرها العلامة خليل بقوله العدل ... إلخ، وقال العلامة العدوي عند قول شارح الرسالة: ويشترط في شاهدي النكاح العدالة ما نصه أي عند تحمل الشهادة، وإن كانت العدالة لا تشترط في غير النكاح إلا وقت أداء الشهادة. اهـ. والذين يستكثر منهم عند عدم العدلين هم غير العدول من المستورين والفاسقين، وفي الدسوقي عند قول الدردير على سيدي خليل: فغير العدول من مستور وفاسق عدم ما نصه هذا عند وجود العدول، وأما عند عدمهم فيكفي اثنان مستور حالهما، وقيل: يستكثر من الشهود. اهـ. وقد نصوا على أن شهادة التواتر لا تحد بعدد، بل المدار على من يؤمن تواطؤهم على الكذب، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في أكل بقرة ضربت بندقة على قلبها وكبدها ورئتها، فطرحت على الأرض، وبقيت تدب على الأرض أقل من عشر ساعات، فلحقها ربها وهي حية، فذبحها فوجد أثر الضرب في المواضع المذكورة، هل يحل أكلها أم يحرم؟ أفتونا. (الجواب) نعم يحل أكلها إن صحب تذكيتها شخب دم أو قوة حركة، ففي شرح أقرب المسالك مع المتن للعلامة الدردير ما حاصله: أن ما أيس قبل تذكيته من حياته بسبب خنق أو وقذ أي ضرب بحجر أو غيره أو ترد من ذي علو، أو نطح لها من غيرها أو غير ذلك من كل ما ينفذ مقتلاً لها إنما يؤكل إذا ذكى بشرطين: (أحدها) أن لا ينفذ بشيء مما ذكر قبل الذبح مقتلها بواحد من خمسة أمور: الأول: قطع النخاع. الثاني: قطع الودج، الثالث: نثر الدماغ، الرابع: نثر الحشو وهو ما حوته البطن من قلب، وكبد، وطحال، وكلوة، وأمعاء أي إزالة ما ذكر عن موضعه بحيث لا يمكن عادة رده لموضعه، الخامس: ثقب أي خرق مصران وأولى قطعه. (وثانيهما) أن يصحب تذكيتها إما قوة حركة كمد رجل وضمها لا مجرد مد أو ضم أو ارتعاش أو فتح عين أو ضمها، وإما شخب دم منها أي خروجه بقوة، وإن لم يتحرك. اهـ والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في رجل من المسلمين حضر بالمحكمة الشرعية مع خصمه، وعند الحكم عليه بالحكم الشرعي نفر وقال: أنا رعية أرفع أمري إلى قنصلي، فخرج ورفع أمره بالفعل، فماذا يحكم عليه بذلك؟ وماذا يستحقه شرعًا؟ أفتونا. (الجواب) قال القاضي أبو الوليد ابن رشد -رحمه الله تعالى- في أول كتاب التجارة إلى أرض الحرب من مقدماته: واجب بإجماع المسلمين أي وبالكتاب والسنة على من أسلم بدار الحرب أن لا يقيم بها حيث تجري عليه أحكامهم. اهـ. قال الشيخ عليش: وسوى المتأخرون بين هذه الصورة -أعني طرو الإسلام على الإقامة بدار الحرب وصورة طرو الإقامة على أصالة الإسلام- في وجوب عدم الإقامة بها، حيث تجري عليه أحكام المشركين. اهـ. قال ابن رشد: فإذا وجب بالكتاب والسنة وإجماع الأمة على من أسلم بدار الحرب

أي وكذا لو طرأت الإقامة بها على أصالة الإسلام أن يهجره ويلحق بدار المسلمين، ولا يثوى بين المشركين ويقيم بين ظهرانيهم؛ لئلا تجري عليه أحكامهم، فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم حيث تجري عليه أحكامهم في تجارة أو غيرها. اهـ. وعليه فنفور هذا الرجل المسلم عن الحكم الشرعي وميله لرفع أمره إلى قنصله الكافر ليجري عليه حكم أولى بالتحريم مما ذكره ابن رشد والشيخ عليش ضرورة أن الذي صرح بتحريمه ليس فيه رغبة عن الحكم الشرعي، وميل لحكم الكافر صراحة، بل التزامًا بخلاف هذا الرجل المسئول عنه كما لا يخفى، قال العلامة ابن فرحون في تبصرته: العقوبة تكون على فعل محرم أو ترك واجب أو ترك سنة أو فعل مكروه، ومنها ما هو مقدر، ومنها ما هو غير مقدر، وتختلف مقاديرها وأجناسها وصفاتها باختلاف الجرائم وكبرها وصغرها، وبحسب حال المجرم في نفسه، وبحسب حال القائل والمقول فيه والقول، قال ابن قيم الجوزية: اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد بحسب الجناية في العظم والصغر، وبحسب الجاني في الشر وعدمه. اهـ. ولا شك أن هذه الرجل قد ارتكب محرمًا إن لم يكن كفرًا فهو قريب منه، فيجب على الحاكم المبالغة في عقوبته بما يكون رادعًا له ولأمثاله والله أعلم. (ما قولكم دام فضلكم) في عقار أوقفه من يملكه على نفسه، ثم على أولاده، ثم على أولاد أولاده طبقة بعد طبقة، ثم على المعاتيق، ثم على جهة لا تنقطع، وقد انحصر الوقف الآن في أولاد أولاد الواقف، فيتعدى أحدهم على قطعة أرض مسقوية من الوقف وبدلها بأرض عثرية، والحال أنه ليس هو بناظر، ولا بالوقف خراب يجوز استبداله، فرفع المستحقون المستبدل للقاضي فادعى أن الأرض العثرية ملكه بوضع يده عليها، وأنكر كونه أخذها عن قطعة الأرض المسقوية التي هي ضمن الوقف، فطلب القاضي من المستحقين المدعين على المستبدل المذكور بينة تشهد بأن الأرض العثرية بدل عن المسقوية التي من ضمن الوقف المذكور، فأحضروا شاهدين فشهدا بذلك، فطعن في الشاهدين المستبدل بأنهم عصبة، وعنده البينة على ذلك، فأجاب المستحقون المذكورون بأنهم عصبة لا يستحقون في الوقف شيئًا، فهل يكون الطعن المذكور في بينة الوقفية موجبًا لعدم قبولهم أم لا؟ أفتونا. (الجواب) إن الطعن في بينة الوقفية بأنهم عصبة لم تبطل شهادتهم بالوقفية إذا انحصر الوقف فيهم، أو كان معهم مشارك في الوقف، أو كان الوقف يرجع إليهم بعد حين، قال العلامة الدردير في شرحه على أقرب المسالك مع المتن: ولا شهادة لشاهد إن جر بها نفعًا كشهادته بعتق عبديتهم الشاهد في ولائه، كأن يشهد أن أباه مثلاً قد أعتق عبده فلانًا، وفي الورثة من لا حق له في الولاء كالبنات والزوجات، ويشترط أن تكون التهمة حاصلة في الحال بأن يكون العبد لو مات الآن ورثه الشاهد، وأما إذا كان قد يرجع إليه الولاء بعد حين كما لو شهد أن أخاه قد أعتق عبده، وللأخ ابن فتقبل شهادته كما تقبل إذا كان لا وارث معه،

أو معه وارث يشاركه في الولاء لعدم التهمة. اهـ. والله أعلم. (ما قولكم دام فضلكم) في الرجل إذا جعل للمرأة عبده صداقًا، وعقد عليها بعد أن طلقها رجل قبله وانقضت عدتها بالأطهار، ودخل فأتت بولد لخمسة أشهر من وطء الثاني، فاستفتى الرجل بعض علماء التكارنة عن الحمل هل يكون له؟ فأفتاه بأن الحمل للأول وأمره بطلاقها فطلقها، وأخذ العبد الذي جعله صداقًا، فهل العبد له أم لها؟ وهل الفتوى المذكورة صحيحة أم لا؟ أفتونا. (الجواب) إن نكاح الرجل الثاني فاسد لوقوعه في عدة طلاق الأول لقول العلامة خليل في حق غير الحامل والمرتابة وهي التي تعتد بالأقراء كما صرح به شمس الدين التتائي وغيره، وإن أتت بعدها أي العدة بولد لم يزد على أقصى الحمل من وطء الأول، ولم يبلغ أقله من الثاني لحق بالأول إلا أن ينفيه بلعان. اهـ. مع قول الشيخ عليش في فتاويه: الحامل تحيض عندنا، ودلالة الحيض على عدم الحمل ظنية أغلبية اكتفى بها الشارع حيث لم يتحقق ولم يرتب فيه رفقًا بالنساء، فالثاني نكحها وهي في عدة الأول وحامل منه. اهـ. ففتوى بعض علماء التكارنة صحيحة، وقد تأبد تحريم المرأة على الثاني، والعبد المجعول صداقًا للمرأة لا للثاني، قال العلامة خليل: وما فسخ بعده أي بعد البناء فالمسمى واجب للمرأة كان أي المسمي حلالاً. اهـ بتوضيح من شرح الدردير، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في امرأة زوجت مرارًا وطلقت، ثم بعد خروجها من عدة الثالث ظهر لها عبد رقيق خطبها ورغبت فيه، وأبوها غير راض، فهل لها أن تتزوج عليه بتوكيل غير أبيها، أو يجبر أبوها على تزويجها عليه؟ أم كيف الحكم؟ أفتونا. (الجواب) حيث كانت المرأة المذكورة متصفة بصفتين من صفات أربع أعني الجمال والمال والنسب والحسب أي الأخلاق الكريمة كالعلم والحلم والتدبير والكرم ونحوها من محاسن الأخلاق لم يجز لمن له الولاية العامة أن يتولى عقد نكاحها مع وجود أبيها ولو على كفؤ، ولا يصح العقد إلا إذا دخل الزوج بها وطال بنحو ثلاث سنين، بل قال بعضهم: الحكم المذكور يجري أيضًا إذا كانت متصفة بصفة واحدة من الصفات الأربع، ولا شك أن المرأة المذكورة ذات نسب، ولا يجبر الأب المذكور على الإجابة لتزويج بنته المذكورة على ذلك الرقيق الذي رغبت فيه لأنه غير كفؤ لها، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في رجل قال لزوجته عند المشاجرة: إن لم تقولي يا سيدي طول الدوام فأنت طالق ثلاثًا تحرمي على وتحلي لغيري، فقالت له: لا أقول لك يا سيدي ونادته باسمه، فهل وقع عليه الطلاق أم لا يقع إلا في آخر جزء من حياتها عند تحقيق اليأس من قولها يا سيدي؛ لأن إن لم شرط لما يستقبل من الزمان، وتفيد التراخي، ولا عبرة بقولها لا أقول لك يا سيدي وندائها له باسمه فلا يقع به الطلاق المعلق، ولا بدلالة الحال المقتضية تعظيم الرجل حسب قصده مع تحقيرها له بندائها له باسمه، خصوصًا والعرف يقتضي ذلك

ولا بقوله طول الدوام، أفتونا تفصيلاً مع بيان ما يفيد ذلك من العبائر النحوية والفقهية. (الجواب) يقع عليه الطلاق ثلاثًا في الحال، ولا يتوقف وقوعه على تحقيق اليأس من قولها له يا سيدي لأمرين: الأمر الأول: أن الصيغة التي وقع بها الطلاق صيغة حنث وقع فيها الحلف على فعل شيء ذي أجزاء، والذي يتوقف فيها على تحقيق ذلك الفعل بتمامه الحاصل بآخر جزء من حياتها هو البر لا الحنث، قال الشيخ الدسوقي على شرح الدردير على خليل: إذا كانت الصيغة صيغة حنث وحلف على فعل شيء ذي أجزاء فلا يعبر بفعل البعض، وذكر شيخنا وغيره أن من حلف عليه بالأكل فإن كان أي الحلف عليه في آخر الأكل فلا يبر الحالف إلا بأكل المحلوف عليه ثلاث لقم فأكثر، وإن لم يكن الحلف عليه آخر الأكل فلا يبر الحالف إلا بشبع مثله. اهـ. والأمر الثاني: أن الصيغة التي وقع بها الطلاق صيغة حنث مطلق، وصيغة الحنث المطلق يقع بها الحنث إذا كان المحلوف به طلاقًا بمجرد العزم على الضد وتحنيث نفسه، قال العلامة الدسوقي: إن الحالف بصيغة الحنث المطلق يلزمه الحنث إذا كان المحلوف به طلاقًا نحو: إن لم أفعل فأنت طالق بمجرد العزم على الضد وتحنيث نفسه، ولا يتأتى له الرجوع. اهـ فمن باب أولى يقع الحنث بفعل المحلوف على تركه حيث نادته هنا عقب وقوع الحلف منه باسمه، ألا ترى أنهم قالوا: إن صيغة الحنث المؤجل لا حنث فيها بالعزم على الضد، وإنما الحنث فيها بعدم فعل المحلوف عليه إذا فات الأجل، وبفعل المحلوف على تركه كما في الدسوقي، ومن هنا تعلم أن من يزعم أنه لا يقع عليه إلا في آخر جزء من حياتها عند تحقق اليأس من قولها له يا سيدي قد اشتبه عليه البر بالحنث، هذا ولا فرق في هذا بين كون التعليق بإذا أو إن كما يشهد له قول الشيخ الخرشي عند قول الشيخ خليل في باب الخلع، وإن علق بالإقباض أو الأداء لم يختص بالمجلس إلا لقرينة، يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إذا أقبضتني كذا فأنت طالق، أو قال لها إن أديتيني كذا فأنت طالق، أو إذا أو متى أديتيني فقد طلقتك، لم يختص إقباضها أو أداؤها بالمجلس الذي قال لها فيه ذلك القول، بل إذا أقبضته أو أتت إليه بما طلبه منها فإنها تطلق منه ولو بعد المجلس ما لم يطل، بحيث يرى أن الزوج لا يجعل التمليك إليه ... إلخ اهـ المراد، وكذا يشهد له قول علماء المعاني: إن كلمة إن للشرط مع الشك، أي لشك المتكلم في حصول الشرط في المستقبل، وإذا للشرط مع القطع، أي قطع المتكلم بحصوله بالوضع له قرائن تصرف معناه إلى الاستقبال دون لفظه، وهي أدوات الشرط كلها إلا لو ولما. اهـ والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. (ما قولكم) دام فضلكم في قول الرجل لزوجته إذا تنازلت لي عن جميع ما تستحقه النساء عند الرجال من مصرف وعدة ونحوه، وكتبت لي ورقة بذلك بمهر أبيك تكوني طالقًا ثلاثًا، فأجابته بقولها: نعم، أتنازل عن ذلك كله وأكتب لك

ورقة بذلك بمهر أبي، فهل يتوقف وقوع الطلاق المذكور على إتيانها بالورقة المذكورة أم لا؟ (الجواب) نعم يتوقف وقوع الطلاق المذكور على الإتيان بالورقة المذكورة؛ لأن المعلق عليه الطلاق المذكور هو تنازلها عن ذلك مقيدًا برضا أبيها به، فمتى لم تأت بالورقة المذكورة الدالة على رضا أبيها بالتنازل عما ذكر لم يحصل المعلق عليه الطلاق، وقد قال العلامة الدردير في أقرب المسالك ما معناه: إن قال الرجل لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق فهو على بر حتى يقع المحلوف عليه. اهـ والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم فيمن أوقف في صحته عقارًا على نفسه، ثم على أولاده، وأجاز لهم بيعه على شرط الحاجة والرشد لهم وتصديقهم في دعوى الاحتياج بلا يمين، فهل يصح الوقف المذكور مع انقطاعه بما ذكر؟ وهل يصح لهم البيع بالشرط المذكور أم لا؟ (الجواب) الوقف صحيح مع الانقطاع بما ذكر، ويصح البيع ويجوز بالشرط المذكور، قال الأمير في شرح مجموعه: واتبع شرطه إن لم يحرم كبيع الموقوف عليه كالواقف إن احتاج. اهـ. قال الشيخ حجازي عليه: والاحتياج شرط في جواز البيع لا صحته إذ يصح شرط البيع بدون قيد الاحتياج، ولا بد من إثبات الحاجة والحلف عليها، وأنه لا مال له ظاهرًا ولا باطنًا، إلا أن يشترط الواقف أنه يصدق فيها بلا يمين، فيعمل بذلك، أفاده عبد الباقي الزرقاني وغيره. اهـ. والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم فيمن يدعي العلم، ويقول إن حقيقة المحمدية قديمة في مرتبة الإله، هل هو فاسق أو كافر أو كيف الحكم؟ أفتونا. (الجواب) من حيث إن القدم يطلق على الحادث بمعنى طول المدة لم يلزم على قول من يدعي العلم أن حقيقة المحمدية قديمة كفر إلا إذا اعتقد أنها قديمة بمعنى أنه لا أول لوجودها كما يوهمه قوله في مرتبة الإله، نعم يمكن حمل هذا على أنها في مرتبة الإله في الجملة، من حيث إن وجودها لم يسبقه وجود مخلوق بشهادة حديث:» أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر «وعلى ذلك فلا سبيل إلى تكفيره بل إلى تفسيقه، فيجب على ولي الأمر تأديبه بما يراه رادعًا له ولأمثاله، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في امرأة حربية أعطت بنتها لرجل مسلم في بلاد الحرب في مقابلة دين أخذته منه، فأسلمت البنت وعقد عليها الرجل في بلاد الحرب صورة ليتمكن من السفر بها لبلاد الإسلام، ثم سافر بها وعقد لها في بلاد الإسلام على رجل آخر عقدًا صحيحًا، وأخذ من مهرها في مقابلة دينه الذي له عند أمها الحربية، فهل يجوز له ذلك أم لا؟ أفتونا مأجورين. (الجواب) من حيث إن المسلم المأسور في بلاد الحرب يجوز له إن لم يؤمنه الحربي طائعًا خيانة الحربي إن أمن على نفسه، ويحل له كل ما أخذه من ذلك حتى النساء، ويجوز له وطؤها إذا خرج بها من بلادهم كما في شرح أقرب المسالك للعلامة الدردير، تكون البنت الحربية التي أخذها المسلم في مقابلة ما أعطاه لأمها الحربية في بلاد الحربية ملكًا له، ويكون تزويجه

لها في بلاد الإسلام من قبيل تزويج السيد أمته، وللسيد أخذ صداق أمته لنفسه ولو قبل الدخول كما في أقرب المسالك وشرحه للعلامة الدردير أيضًا والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في أخذ الربا من الكافر الحربي، هل يجوز أم لا؟ (الجواب) إن مقتضى قول العلامة الصاوي على أقرب المسالك في باب الجهاد: مال الحربي يجوز لنا تناوله بأي وجه. اهـ أنه يجوز أخذ الربا منه والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في قراءة القرآن والأحاديث كصحيح البخاري ومسلم والصلوات كدلائل الخيرات والأدعية المأثورة، إذا كان ذلك مضبوطًا بالقلم من غير سند من أحد ولا إذن ولا نقل، وأن يعمل بما فهم ويفهم غيره، ويعمل بظهور المعنى، أو بتفهيم الشارح له، ويترك ما لم يفهمه، فهل يجوز ذلك أو لا إلا في كتب الفقه، أو لا يجوز ذلك كله إلا بسند وإذن ونقل من شيخ؟ أفتونا. (الجواب) أما القرآن فلا تجوز تلاوته بغير تلق من عارف متلق لأمرين: أحدهما: حرمة اللحن فيه لقوله تعالى:} قرآنًا عربيًا غير ذي عوج {، والثاني: فرضية تجويده الثابتة بالكتاب وهو قوله تعالى:} ورتل القرآن ترتيلاً {قال البيضاوي: أي جوده تجويدًا، وقد جاء عن علي -كرم الله وجهه- أنه قال: الترتيل أي في الآية المذكورة هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف، وبالسنة، أعني قوله -صلى الله عليه وسلم-:» رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه «أي إذا أخل مبانيه أو معانيه أو بالعمل بما فيه، ومن جملة العمل بما فيه ترتيله وتلاوته حق تلاوته؛ لأن الله تعالى أنزله مجودًا مرتلاً ونحو ذلك وبالإجماع، وذلك أنه قد وصل إلينا كذلك من المشايخ العارفين بتحقيقه وتدقيقه المتصل سندهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل عن اللوح المحفوظ عن الله -عز وجل- وأما الأحاديث والصلوات كدلائل الخيرات والأدعية المأثورة، فمن أن اللحن فيها يقتضي الكذب في نسبتها معه للنبي -صلى الله عليه وسلم- أو لمن أثرت عنه، والكذب من الكبائر سيما على النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوقف جواز قراءتها بلا تلق على أحد أمرين أحدهما كون النسخة صحيحة مضبوطة بضبط عارف بالعربية أو متلق لها من عارف، وثانيهما: كون القارئ ذكيًا فطنًا متقنًا للعربية، ومع هذا فقراءتها بالتلقي ممن ثبت تلقيه بالسند أدعى لحصول بركة المشايخ ونفحاتهم، وأسلم من أن يحوم حول حمى الكذب عليه -صلى الله عليه وسلم- أو على من أثر عنه ذلك فيوشك أن يواقعه فيدخل تحت وعيده، وأما العمل بما فهم وتفهيمه للغير فمحل جوازه في القرآن وخلافه إذا كان اللفظ ظاهر الدلالة عليه، وهو معلوم الصحة لكل أحد لم يخالف أصلاً من أصول الشريعة المطهرة، ومع هذا فالفهم والتفهيم من المتلقي والواقف على أصول الشريعة المطهرة أسلم لكونهما حينئذ رمية من رام، وأما كتب الفقه فمدار جواز قراءتها، والعمل بما يفهم منها وتفهميه للغير على فطنة القارئ والعامل أو وضوح العبارة

ومع هذا فكون القارئ والعامل متلقيًا أولى وأسلم والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم فيما اعتاده بعض أهلنا الجاويين الآن إذا أريد أن يدفن ميت ينزل في القبر واحد من طلبة العلم الذي يعتقد الناس أنه من الصالحين، فيضطجع في اللحد قبل أن يوضع الميت فيه، ويقرأ ما شاء من الدعاء وغيره ليرفع الله عن ذلك الميت فتنة القبر وعذابه، ويوسع له القبر ببركة جسم المضطجع ودعائه، فبعد أن يقوم من الاضطجاع يوضع الميت في ذلك اللحد، واستدل الفاعل لذلك بما ذكر في بعض كتب الجاوية من أن الحافظ أبا نعيم روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل في قبر فاطمة بنت أسد والدة سيدنا علي -رضي الله تعالى عنه- ونزع ثيابه واضطجع في لحدها قبل دفنها، ثم خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسئل عن ذلك فقال -صلى الله عليه وسلم-:» أريد أن لا تمسها النار أبدًا إن شاء الله وأن يوسع لها قبرها «، فيا علماء الشريعة وحكمائها هل ذلك ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بطريق صحيح أم لا؟ وهل لنا أن نفعل لأمواتنا مثل ذلك؟ وإذا فعلناه فهل يرفع الله عنهم فتنة القبر وعذابه ويوسع لهم قبورهم أم لا؟ فنرجو من فضلكم وإحسانكم أن تزيلوا عنا معاشر الأمة الملايوية الجهل والحماقة والعمى بحسن بيانكم الشافي، ولكم جزيل الأجر والثواب من الملك الوهاب. (الجواب) أقول أما ثبوت ما ذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فنعم؛ لأن أبا نعيم والديلمي وأبا عمر بن عبد البر رووا الحديث مرسلا، قالوا: أخبر أبو الفرج بن أبي الرجاء إجازة بإسناده عن أبي بكر بن أبي عاصم حدثنا عبد الله بن شبيب بن خالد القيسي، حدثنا يحيى بن إبراهيم بن هانئ، أخبرنا حسين بن زيد بن علي بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه:» أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفن فاطمة بنت أسد في قميصه واضطجع في قبرها وجزاها خيرًا «وقد قال ابن حجر في شرح النخبة ما خلاصته: إن المشهور من قولي أحمد وهو قول المالكيين والكوفيين أن المرسل يقبل مطلقًا، أي سواء اعتضد بمجيئه من وجه آخر أو لم يعتضد بمجيئه، وقال الشافعي: يقبل إن اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى مسندًا كان أو مرسلا ليترجح احتمال كون المحذوف ثقة في نفس الأمر، ونقل أبو بكر الرازي من الحنفية وأبو الوليد الباجي من المالكية أن الراوي إذا كان يرسل عن الثقات وغيرهم لا يقبل مرسله اتفاقًا. اهـ. أي إذا عرف من حاله أنه غير ملتزم بأن يرسله عن ثقة فلا يقبل مرسله، وأما إذا لم يعلم حاله فمرسله مقبول اتفاقًا عند الحنفية والمالكية، كما إذا علم بالاستقراء أنه لا يرسل إلا عن ثقة كسعيد بن المسيب كما في حاشية الشيخ حسين العدوي عليه، وهذا الحديث قد رواه أبو عمر بن عبد البر أيضًا من طريق آخر تباين الطريق الأولى مسندًا، فقال: وروى سعد بن أبي الوليد الساتري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس -رضي الله تعالى

عنهما- نحو هذا، أو زاد فقال: ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه، قال:» إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل أهل الجنة، واضطجعت في قبرها ليهون عليها عذاب القبر «فعلم أن هذا الحديث مقبول في المذاهب الأربعة، أما أولاً فلأنه قد اعتضد بمجيئه من طريق آخر مسند تباين الطريق الأولى، وأما ثانيًا: فلأنه لم يعلم حال راويه فافهم، وأما إنه هل يجوز أن يفعل الآن بميت مثل ذلك فلا؛ لأنه من خصوصيات فاطمة بنت أسد، كما يشهد له وجوه الوجه الأول ما رواه ابن عبد البر في حديث ابن عباس من قوله مخاطبًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما رأيناك صنعت بأحد ... الخ، الوجه الثاني: ما ذكره الشيخ حسين العدوي الحمزاوي مما خلاصته أنه إذا تؤمل ما أخرجه ابن سعد عن أبي سعيد الخدري قال: كنت ممن حفر لسعد قبره، فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا، مع ما أخرجه ابن سعد وأبو نعيم من طريق محمد بن المنكدر عن محمد بن شرحبيل قال: قبض إنسان يومئذ بيده من تراب قبره قبضة فذهب بها ثم نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:» سبحان الله سبحان الله «حتى عرف ذلك في وجهه فقال» الحمد لله، لو كان أحد ناجيًا من ضمة القبر لنجا منها سعد ضم ضمة ثم فرج الله عنه «قال سيدي محمد الزرقاني: وقوله في الحديث سبحان الله سبحان الله مرتين تعجبًا من كون تراب قبره صار مسكا مع كونه ضم قال: وقوله "حتى عرف ذلك في وجهه" أي التعجب الدال عليه التسبيح، فقال الحمد لله أي شكرًا له على تفريجه عن سعد. اهـ. وما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم-» ما عفي لأحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد فقيل: يا رسول الله ولا ابنك القاسم قال: ولا إبراهيم الذي هو أصغرهما «وقول العارف بالله الشعراني في مختصر التذكرة فائدة: لا ينجو من ضمة القبر أحد إلا أربعة: فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- وفاطمة بنت أسد، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومن قرأ قل هو الله أحد في مرضه ولو مرة واحدة مع قوله أيضًا، وروى الحافظ أبو نعيم» أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبع جنازة فاطمة بنت أسد وكان مرة يحمل ومرة يتقدم ثم نزل قبرها ونزع قميصه -صلى الله عليه وسلم- وتمسك في لحدها ثم خرج فسألوه عن نزع قميصه وتمسكه في لحدها فقال: أردت أن لا تمسها النار أبدًا إن شاء الله وأن يوسع عليها قبرها «، أخذ من مجموع ذلك أن تلك الضمة لا تستدعي سبق ذنب، وإلا لما حصلت للأصفياء ولولديه -صلى الله عليه وسلم- إبراهيم والقاسم، لا سيما ومثل سعد لا يظن فيه تقصير في البول يؤدي إلى فساد في عبادته، أو مكروه كما قيل، وأن المستثنيات خصوصيات لا تنقض الأمور الكلية، ويؤيد هذا أنه قد ورد أن ضمها للمؤمن الكامل ضم شفقة ورحمة اهـ. (الوجه الثالث) أن ما صنعه -صلى الله عليه وسلم- مع فاطمة بنت أسد لم يجر به عمل أحد لا من السلف ولا من الخلف، وإنما الذي جرى به عمل هو ما رواه البخاري

[مسألة]

عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: شهدنا بنتًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس على القبر قال: فرأيت عينيه تدمعان قال: فقال:» هل منكم رجل لم يقارف الليلة «قال أبو طلحة: أنا قال:» فانزل «قال: فنزل في قبرها، قال في الفتح: والبنت هي أم كلثوم زوج عثمان، رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد، ولم يقارف بقاف وفاء قيل: أراه يعني الذنب، ذكره البخاري في باب من يدخل قبر المرأة تعليقًا، ووصله الإسماعيلي، وكذا شريح بن النعمان عن فليح أخرجه أحمد عنه، وقيل: معناه لم يجامع تلك الليلة وبه جزم ابن حزم، وقال: معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه لم يذنب تلك الليلة. انتهى ويقويه أن في رواية ثابت المذكورة بلفظ:» لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة فتنحى عثمان «وفي هذا الحديث: جواز البكاء كما ترجم له، وإدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء، وإيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت، ولو كان امرأة على الأب والزوج، وقيل: إنما آثره بذلك لأنها كانت صنعته، وفيه نظر، فإن ظاهر السياق أنه -صلى الله عليه وسلم- اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع، وعلل ذلك بعضهم بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه في تلك الليلة، وحكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أنه كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف -صلى الله عليه وسلم- في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح، ووقع في رواية حماد المذكورة: فلم يدخل عثمان القبر. اهـ المراد من الفتح، ويغني عن ارتكاب ما لم يعمل به ولم يؤذن فيه لغير فاطمة بنت أسد طمعًا في السلامة من ضمة القبر العمل بما أذن فيه وجرى العمل به للسلامة من ضمة القبر من قراءة} قل هو الله أحد {في مرض الموت ولو مرة، والله الهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم. [مسألة] قال أبو عمران: يسأل شهود الزنا والسرقة، فإن أبوا أن يبينوا هذه الوجوه أي من أنهم رأوا فرجه في فرجها أو غيب حشفته فيها في وقت واحد، وموضع واحد وصفة واحدة ونحو ذلك سقطت شهادتهم، وإن غابوا قبل السؤال حكم بشهادتهم، وقيل: إن كانوا من أهل العلم بما يوجب الحد وإلا فلا. اهـ. والأول هو الذي درج عليه خليل حيث قال: وندب

سؤالهم كالسرقة ما هي؟ وكيف أخذت ... إلخ، معولاً على ما رجحه الصباغ من أن بيان مستند العلم إنما هو شرط كمال فقط، وهو مختار ابن سهل، والثاني هو المعتمد كما في التسولي على العاصمية حيث قال: وعندي أن هذا خلاف في حال، فابن سهل ومن معه تكلم على ما علم من عدول وقتهم، وغالبهم علماء عارفون، وغيره تكلم على ما غلب في بلده ووقته من الجهل بما تصح به الشهادة، وإلا فكيف يقول منصف بقبول شهادة الجاهل مرسلة، ولذا اقتصر ابن فرحون في فصل مراتب الشهود على أن غير العالم بما تصح به الشهادة لا بد من سؤاله عن مستند علمه ونحوه في الطرر والمعين والمتيطية، وكذا في الوكالات وبيع الوكيل من ابن سلمون، ونقل ابن رحال في الارتفاق نحوه عن كثير، وذكر القشتالي وابن سلمون صدر وثائقهما أن قول الموثق ممن يعرف الإيصاء لا يكفي حتى يقول بإشهاد من الموصي عليه إلا إذا كان من أهل العلم، وعلى أهل العلم يحمل قول ابن سلمون في الشهادات إذا قال الشاهد أشهدتني فلانة، ولم يقل أعرفها بالعين والاسم، فهي شهادة تامة اهـ. وفي ابن عرفة أن الشاهد إذا لم يذكر معرفة ولا تعريفًا، وتعذر سؤاله، سقطت شهادته إن لم يكن من أهل العلم، وذكر في كتاب المأذون من المتيطية ما نصه: وليس لهم تلفيق الشهادة بأن يقولوا: نشهد أنه مأذون له في التجارة، ولا يفسرون الذي علموا به ذلك أي من أنه أذن له سيده بمحضرهم، أو أقر بذلك لديهم، قال: ومن التلفيق أن يشهدوا أن لفلان على فلان كذا وكذا دينارًا، ولا يبينون وجه ذلك، بل لا تقبل حتى يقولوا أسلفه لدينا، أو أقر بمحضرنا، وإن كان الدين من بيع فسروا ذلك أيضًا فيقولون: باع منه بمحضرنا، أو أقر بذلك لدينا، قال: وإنما لم تجز الشهادة إلا مع البيان لأن الشهود أكثرهم جهلة، فقد يتوهمون أنه وجب من حيث لا يجب. اهـ بخ، ونقله القشتالي في باب القضاء مقتصرًا عليه قائلاً: فيجب بيان مستند العلم في جميع الأشياء من دين أو غيره؛ لأن أكثر الشهود لا يفهم ما تصح به الشهادة. اهـ. وقال اللخمي: إن الأربعة إذا شهدوا بالزنا وغابوا، أو بعضهم قبل أن يسألوا عن كيفية الشهادة، فإن الحد يقام إن كان الغائب عالمًا بما يوجب الحد، وإلا سقط، وفي البرزلي: أن الشاهد إذا كان من أهل العدالة والمعرفة فلا يستفسر ففهم منه أنه إذا لم يكن كذلك استفسر، قال: ولم يكن الموثقون يستفسرون إلا في

الحدود والزنا للحرص على الستر، فأنت ترى تعليلهم بكثرة الجهل، وبه يتضح لك أن قول خليل في الشركة ولو لم يشهد بالإقرار بها على الأصح، إنما هو في العالم والله أعلم. اهـ. وبالجملة فبيان الشهود ما تصح به الشهادة شرط كمال من العالم، وشرط صحة من غيره في كل شيء حدًا كان أو غيره على المذهب، ومذهب الإمام أبي حنيفة أن البيان شرط صحة مطلقًا، فشرط القود بالشاهدين مطلقًا عنده: أن يتفقا في الزمان، وفي المكان، وفي الآلة، وفي المعاينة، أو بإقرار القاتل به وقس، ففي شرح الدر مع المتن: وإن اختلف شاهدا قتل في زمان أو في المكان أو في آلته، أو قال أحدهما: قتله بعصا، وقال الآخر: لم أدر بماذا قتله، أو شهد أحدهما على معاينة القتل، والآخر على إقرار القاتل به؛ بطلت لاختلاف المشهود به. اهـ بإصلاح، وفي حاشية ابن عابدين قال في شرح الكافي: ولا ينبغي أن يسأل الشهود أنه مات بذلك أم لا، وكذلك إذا شهدوا أنه ضربه بالسيف حتى مات، وإن لم يذكروا العمد؛ لأن العمد هو القصد بالقلب، وهو أمر باطن لا يوقف عليه، ولكن يعرف بدليله، وهو الضرب بآلة قاتلة عادة، ولو شهدوا أنه قتله عمدًا وأنه مات به فهو أحوط. اهـ إتقاني. (فائدة) نقل الشيخ التنبكتي في تكميل الديباج آخر ترجمة الشيخ أحمد البنا المراكشي عن بعض المغربيين: أن القراءة تصحيح المتن، وتبيين ما أشكل، وتتميم ما نقص أي من القيود، وما زاد عليه فضرره على المتعلم أكثر من نفعه. اهـ قلت: ولا يخالف هذا ما نقله التنبكتي نفسه عن ابن عرفة في ترجمته له أنه كان يقول في حضور مجالس التدريس إنه إن لم يكن فيها التقاط زيادة من الشيخ فلا فائدة في حضور مجلسه، بل الأولى لمن حصلت له معرفة اصطلاح وقدر على فهم ما في الكتب أن ينقطع لنفسه ويلازم النظر، ونظم ذلك في أبيات فقال: إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة ... وتقرير إيضاح لمشكل صورة وعزو غريب النقل أو فتح مقفل ... أو إشكال أبدته نتيجة فكرة فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد ... وإياك تركًا فهو أقبح خلة وأجابه تلميذه الأبي بقوله: يمينًا بمن أولاك أرفع رتبة ... وزان بك الدنيا بأكمل زينة لمجلسك الأعلى كفيل بكلها ... على حين ما عنها المجالس ولت فأبقاك من رقاك للخلق رحمة ... وللدين سيفًا قاطعًا كل فتنة

[مسألة]

ثم قال: وإني لبار في قسمي هذا، فلقد كنت أفيد من زوائد إلقائه وفوائد إبدائه في دولة الخميس التي تقرأ في مجلسه من تفسير وحديث، وثلاثة في التهذيب نحو الورقتين كل يوم مما ليس في الكتب قدس الله تعالى سره. اهـ. وذلك لأن الأول بالنسبة إلى المبتدي، والثاني بالنسبة لمن سواه كما يفهم من قول ابن عرفة، فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد، ولله در الشيخ أحمد بن عبد العزيز الهلالي صاحب نور البصر، حيث نظم الأول في بيتين، وحمله على المبتدي، وأن سواه يزاد له بقدره في بيتين آخرين، بقوله: تقرير متن وبيان مشكل ... تتميم ما نقص الأقرأ اجعل وزائد ضرره أعظم من ... نفع به فهو بالترك قمن قلت وذا بنسبة للمبتدي ... أما سواه فبقدره زد عزوا ومبنى وفروعا ناسبت ... إيراد أبحاث عن الفهم أبت [مسألة] قال الشيخ التنبكتي في تكميل الديباج آخر ترجمة العلامة الشيخ إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو إسحاق الشهير بالشاطبي ما نصه: وكان صاحب الترجمة ممن يرى جواز ضرب الخراج على الناس عند ضعفهم وحاجاتهم لضعف بيت المال عن القيام بمصالح الناس، كما وقع للشيخ المالقي في كتاب الورع قال: توظيف الخراج على المسلمين من المصالح المرسلة، ولا شك عندنا في جوازه وظهور مصلحته في بلاد الأندلس في زماننا الآن لكثرة الحاجة لما يأخذه العدو من المسلمين سوى ما يحتاج إليه الناس، وضعف بيت المال الآن عنه، فهذا يقطع بجوازه الآن في الأندلس، وإنما النظر في القدر المحتاج إليه من ذلك، وذلك موكول إلى الإمام، ثم قال أثناء كلامه: ولعلك تقول كما قال القائل لمن أجاز شرب العصير بعد كثرة طبخه، وصار ربا أحللتها والله يا عمر يعني هذا القائل: أحللت الخمر بالاستجرار إلى نقص الطبخ حتى تحل الخمر بمقالك، فإني أقول كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: والله لا أحل شيئًا حرمه الله ولا أحرم شيئًا أحله الله، وإن الحق أحق أن يتبع، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وكان خراج بناء السور في بعض مواضع الأندلس في زمانه موظفًا على أهل الموضع فسئل عنه إمام الوقت

في الفتيا بالأندلس، الأستاذ الشهير أبو سعيد بن لب، فأفتى أنه لا يجوز ولا يسوغ، وأفتى صاحب الترجمة بسوغه مستندًا فيه إلى المصلحة المرسلة، معتمدًا في ذلك إلى قيام المصلحة التي إن لم يقم بها الناس فيعطونها من عندهم ضاعت، وقد تكلم على المسألة الإمام الغزالي في كتابه، فاستوفى، ووقع لابن الفراء في ذلك مع سلطان وقته وفقهائه كلام مشهور لا نطيل به. اهـ. (فائدة) قال العلامة التنبكتي في تكملة الديباج عقب ترجمته للعلامة محمد بن محمد القرشي التلمساني الشهير بالمقري بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة ما نصه: ومن فوائده أنه قال: سألني السلطان أبو عنان عمن لزمته يمين على نفي العلم، فحلف جهلاً على البت، هل يعيد أم لا؟ فأجبته بإعادتها، وقد أفتاه من حضر من الفقهاء بأن لا تعاد؛ لأنه أتى بأكثر ممن أمر به على وجه يتضمنه، فقلت له: اليمين على وجه الشك غموس، قال ابن يونس: والغموس الحلف على تعمد الكذب، أو على غير يقين، ولا شك أن الغموس محرمة منهي عنها، والنهي يدل على الفساد، ومعناه في العقود عدم ترتب أثره، فلا أثر لهذه اليمين، فوجب أن تعاد، وقد يكون من هذا اختلافهم فيمن إذنها السكوت فتكلمت؛ هل يجتزأ بذلك، والإجزاء هنا أقرب؛ لأنه الأصل، والصمات رخصة لغلبة الحياء، فإن قلت: البت أصل، وإنما يعتبر نفي العلم إذا تعذر، قلت: ليس رخصة كالصمات. اهـ. وقال قبل: ومنها أيضًا قال: تكلم العلامة أبو زيد ابن الإمام في الجلوس على الحرير، فقال له الأستاذ ابن حكم: مقتضى حديث أنس المنع؛ لقوله: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث، فقال أبو زيد: لا نسلم أن مراده الجلوس لاحتمال أن ذلك الحصير يغطي، وذكر حديثًا فيه تغطية الحصير، وكان الرجل داعية، قلت: وللأستاذ أن يقول: الغالب خلاف ذلك، فيجب العمل عليه حتى ينص على غيره بالدليل على أنه روى نصًا في صحيح البخاري وغيره الجلوس عليه قال: ومنها قال: حدثني القاضي الظريف أبو عبد الله بن عبد الرزاق الجزولي عن الشيخ النخبة ابن قطرال أنه سمعه يقول: سمع يهودي بحديث:» نعم الإدام الخل «، فأنكر ذلك حتى كاد يصرح بالقدح، فبلغ بعض العلماء فأشار على الملك بقطع الخل وأسبابه عن اليهود سنة، قال: فما تمت سنة حتى ظهر فيهم الجذام، قال: ومنها قال: سمعت الأيلي يقول: سمعت أبا عبد الله بن رشيد يقول: إن خطيبًا بتلمسان كان يقول: في خطبته:

[مسألة]

من يطع الله ورسوله فقد رشد بالكسر، وكان الطلبة ينكرون عليه فلا يرجع، فلما قفلت من رحلتي تلك دخلت على الأستاذ ابن أبي الربيع بستة فنهاني بالقدوم، وقال لي فيما قال: رشدت يا ابن رشيد، ورشدت لغتان صحيحتان، حكاهما يعقوب في الإصلاح، قال المقري: وهذه كرامة للرجلين أو الثلاثة، قال: ومنها: قال شهدت الشمس بن قيم مقيم الحنابلة بدمشق، وهو أكبر أصحاب ابن تيمية، وقد سئل عن حديث:» من مات له ثلاث من الولد كانوا له حجابًا من النار «، كيف إن أتى بعدها بكبيرة، فقال: موت الولد حجاب، والكبيرة خرق لذلك الحجاب، وإنما يحجب الحجاب إذا لم يخرق، فإذا خرق لم يكن حجابًا؛ بدليل حديث:» الصوم جنة ما لم يخرقها «. اهـ. [مسألة] في شرح الدردير على المختصر وحاشية الدسوقي عليه: الراجح جواز كراء الأفنية سواء كانت أفنية دور أو حوانيت، فيجوز لصاحب الدار أو الحانوت أخذ الأجرة من الباعة الذين يجلسون كثيرًا في فناء داره أو حانوته، ففي المواق: سمع عيسى بن القاسم لأصحاب الأفنية التي انتفاعهم بها لا يضيق على المارة أن يكروها ابن رشد؛ لأن كل ما للرجل أن ينتفع به يجوز أن يكريه. اهـ. وهو يشمل بعمومه فناء الحوانيت وغيرها، وبه يسقط تنظير عبق في فناء الحوانيت. اهـ بناني، والذي يفيده التتائي: منع كرائها، وقد علمت أن النقل عن ابن القاسم خلافه. اهـ. والله أعلم. [مسألة] في حاشية الدسوقي على شرح الدردير على المختصر ما نصه: من سبق غيره بالجلوس في محل من المسجد لأجل صلاة، أو قراءة قرآن، أو علم فإنه يقضى له به، وإذا قام لقضاء حاجة أو تجديد وضوء فهو أحق به، إذا رجع إليه لما في صحيح مسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- قال:» إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به «. اهـ بناني، وهل يكفي السبق بالفرش فيه أو لا بد أن يكون بذاته، وأما السبق بالفرش فهو تحجير لا يجوز خلاف ذكره الحطاب. اهـ. قال الدردير: وهذا ما لم يكن غير السابق اعتاد الجلوس فيه لتعليم علم كتدريس، أو تحديث، أو إقراء، أو إفتاء، فإنه يقضى للمعتاد به كما يفيده قول الإمام: فإنه أحق به من غيره، وقال الجمهور: معنى قول الإمام أحق به استحسانًا لا وجوبًا، أي أن الحاكم يقول للسابق الذي نازع المعتاد الأولى لك والأحسن عند الله تعالى أن تنحى عنه لمن اتسم به، فيكون كلام الحاكم للسابق

خارجًا مخرج الفتوى لا الحكم، ولكن رجح القول بالقضاء حقيقة للمشتهر، والظاهر أن اختصاصه به إنما هو في الوقت الذي اعتاد الجلوس فيه لما ذكر لا بوقت آخر ولا بما اعتاده والده، ولا إن سافر سفر انقطع ثم قدم. اهـ بتوضيح وزيادة من الدسوقي والله أعلم. (فائدة) ذكر الشيخ التنبكتي في ترجمة الشيخ عبد الرحمن المعروف بسفين عن الشيخ المنجور أن المترجم له كان ينكر على من يقرأ الفاتحة للناس أو يطلبها، ويقول: إنها بدعة لم ترد في حديث، ورئي بعد موته، فسئل عن ذلك فرجع عنه. اهـ. وقال: قال الشيخ زروق في بعض تآليفه ما اعتاده أهل الحجاز واليمن ومصر ونحوهم من قراءة الفاتحة في كل شيء لا أصل له، لكن قال الغزالي في الانتصاف: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير، واستجلب ما تؤمله من هداية وبر بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتها في كل صلاة، وتكرارها في كل ركعة، وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، وفيه تنبيه بل تصريح أن يكثر منها لما فيها من الفوائد والذخائر. اهـ كلام زروق، أخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء قال: إذا أردت حاجة فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها تقض إن شاء الله تعالى، نقله الجلال السيوطي رحمه الله تعالى. اهـ. (فائدة) في شرح الدردير على مختصر سيدي خليل مع المتن: وحرم اصطياد مأكول من طير أو غيره لا بنية الذكاة، بل بلا نية شيء أو نية حبسه بقفص ولو لذكر الله، أو لسماع صوته كدرة وقمري، وكروان، أو بنية الفرجة عليه كغزال أو قرد أو نسناس، أو بنية قتله، والظاهر أنه يمنع شراء درة أو قمري أو كروان أو بلبل معلم ليحبسها لذكر الله أو لسماع صوتها كالاصطياد لذلك، ولا يحرم عتقها، وأما اصطياد المأكول بنية الذكاة أو بنية القنية لغرض جائز شرعًا لتعليمه الذهاب لبلد بكتاب يعلق بجناحه، أو لينبه على ما يقع في البيت من مفسدة أو تعليم البازي أو غيره الاصطياد فجائز، وكره الاصطياد للهو، وجاز لتوسعة على نفسه وعياله غير معتادة كأكل الفواكه، وندب لتوسعة معتادة أو سد خلة غير واجبة، وكف وجه عن سؤال، أو صدقة، ووجب لسد خلة واجبة، فتعتريه الأحكام الخمسة، وأما اصطياد ما لا يؤكل كالخنزير والفواسق الخمس فيجوز بنية قتله لا بنية ذكاته، ولا بنية نحو حبسه، أو الفرجة عليه، فلا يجوز، فعلم أنه لا يجوز اصطياد

[مسألة]

القرد والدب لأجل التفريج عليه والتمعش به لإمكان التمعش بغيره، ويحرم التفرج عليه، نعم يجوز صيده للتذكية على القول بجواز أكله. اهـ بتوضيح وزيادة من الدسوقي، قال الدسوقي: والذي ذكره شيخنا العدوي أن القرد على القول بجواز أكله يجوز التمعش به بتلعيبه والفرجة عليه، وإن كان يمكن التمعش بغير ذلك، وهو موافق لما في الحطاب مما يفيد جواز اصطياد الصيد بنية الفرجة عليه، حيث لا تعذيب، وأن بعضهم أخذ الجواز من حديث:» يا أبا عمير ما فعل النغير «، كما في شمائل الترمذي وغيرها. اهـ. [مسألة] في مختصر خليل: وإن اختلف الزوجان في قبض ما حل فقبل البناء قولها، وبعده قوله بيمين فيهما عبد الوهاب إلا أن يكون بكتاب وإسماعيل بأن لا يتأخر عن البناء عرفًا. اهـ وعياض بأن لا يدعي الزوج دفعه بعد البناء، وإلا فقولها واللخمي بأن لا يكون بيدها رهن فيه، وإلا فقولها، قال ابن رحال: ويظهر من كلام من قيد بالكتاب أن المراد به كتاب مخالف لكتاب الصداق، وقد بينا ذلك في الشرح، وقال التسولي: والمراد بالكتاب الصك الذي أشهد فيه بتخلده في ذمته كان صك الصداق أو غيره كما في ابن عرفة، قلت: أفتى عياض حسبما في دعاوى المعيار بأن القول للزوج ولو كان الصداق مشهودًا عليه في كتاب، فإنه لما سئل عمن تزوج بعاجل وآجل وأشهد في رسم الصداق أنه لا براءة له في دعوى الدفع إلا ببينة، ثم دخل وادعى الدفع، فأجاب: القول قوله فيما جرت العادة بدفعه من النقد قبل الدخول. اهـ. فشهادة العادة عارضت البينة هاهنا، وهذا هو القياس في مثل هذا؛ لأن العادة إذا عارضت استصحاب الأصل الذي هو استمرار تعمير الذمة فتقدم لأنها كالشاهد بالقضاء، ولعل ابن عاصم لهذا ترك قيد القاضي عبد الوهاب، وأشار لقيدي القاضي إسماعيل والقاضي عياض بقوله: والقول قول الزوج بعد ما بنى ... ويدعي الدفع لها قبل البنا وهو لها فيما ادعى من بعد أن ... بنى بها والعرف رعيه حسن فتأمله، والله أعلم. اهـ بتصرف. [مسألة] إذا خرب المسجد لا يطلب له تحية كما في الحطاب، ومقتضاه زوال أحكام المسجدية، لا أصل الحبس تأمل. اهـ دسوقي والله أعلم. [مسألة] استظهر العلامة العدوي أنه لو تيمم للضرورة عند احتلامه خوفًا من نسبته للواط أو الزنا، وصلى صحت صلاته، ويكون بمنزلة فاقد الماء. اهـ

[مسألة]

نقله الشيخ عبد المجيد على العزية، والله أعلم. [مسألة] الصلاة على الجنازة أربع تكبيرات، ثم يقول بعد الأولى: الحمد لله الذي أمات وأحيا، والحمد لله الذي يحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، اللهم إنه عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، وإن كانت امرأة قال: اللهم إنها أمتك وبنت عبدك، وبنت أمتك، كانت تشهد ... إلخ. وهكذا في بقية التكبيرات، ويكون الحمد إثر كل تكبيرة على المعتمد، وفي الطراز يكون الحمد في الأولى فقط، ويدعو في غيرها، ودعا بعد الرابعة إن أحب وإن أحب لم يدع وسلم، وإن كان طفلا قال: اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، أنت خلقته، ورزقته، وأنت أمته وأنت تحييه، اللهم اجعله لوالديه سلفا وذخرا وفرطا وأجرا، وثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، ولا تحرمنا وإياهما أجره، ولا تفتنا بعده، اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين، وكفالة أبينا إبراهيم، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وعافه من فتنة القبر، ومن عذاب جهنم، كذا وجدته بخط والدي رحمه الله تعالى مع زيادة من ابن تركي، والله أعلم. [مسألة] في الدسوقي على شرح الدردير على سيدي خليل: لو حلف على زوجته بالطلاق مثلا أن لا تخرج من الدار، فخرجت لسيل، أو هدم، أو لأمر لا قرار لها معه، أو أخرجها صاحب الدار، وهي بكراء قد انقضى أو نودي على فتح قذر، وهي حامل أو مرضع فخرجت لخوفها على ما في بطنها أو رضيعها؛ ففي سماع ابن القاسم عن مالك: لا حنث عليه، واستصوبه البناني لخروجه عن نيته حكما، لو سئل على قاعدة البساط، قال عبد الباقي: ويحتمل الحنث؛ لأنه كالإكراه الشرعي؛ لأن الخروج واجب شرعا في مثل هذا، ورده البناني بأنه غير صحيح، لمخالفته النص. اهـ بلفظه، والله أعلم. [مسألة] لا يلزم من بعد عن مكة مقابلة عين الكعبة في نفس الأمر باتفاق؛ لأن في لزوم بلغ ذلك تكليفا بما لا يطاق، وإنما في المسألة قولان: (الأول) لابن رشد: يجتهد في الجهة، وهو الذي مشى عليه خليل، وهو المشهور.

[مسألة]

(الثاني) لابن القصار: يجتهد في استقبال السمت، والمراد أن يقدر المقابلة والمحاذاة، وإن لم يكن في الواقع كذلك، وهو مذهب الشافعي قيل: وينبني على القولين لو اجتهد فأخطأ، فعلى المذهب يعيد في الوقت، وعلى مقابله يعيد أبدا، لكن قال البناني: الحق أن هذا الخلاف لا ثمرة له، كما صرح به المازري، وأنه لو اجتهد وأخطأ، فإنما يعيد في الوقت على القولين، كذا يؤخذ من حاشية الصاوي على أقرب المسالك نقلا عن الدسوقي، وفي حاشية الشيخ علي العدوي على الخرشي عند قوله: والمراد بسمت عينها عند ابن القصار أن يقدر أنها بمرأى لهم لو كانت بحيث ترى، وأن الرائي يتوهم المقابلة والمحاذاة، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة ... إلخ، ما نصه حاصل كلامه أنه أي ابن القصار، يقول: كل واحد من الصف الطويل يقدر أنه مسامت ومقابل، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة؛ لأنه يستحيل أن يكون الكل مسامتين أقول قضية ذلك أنه على المشهور، لا يقدر المسامتة بل يقول: يكفي أن القبلة في ذلك الجهة، وإن فرض على تقدير جمع الأرض لا يكون مسامتا، ولذا قال شيخنا عبد الله، وأما على المشهور، فالواجب على المصلي اعتقاد أن القبلة هي الجهة التي هي أمامه، ولو لم يقدر أنها مقابلة بدليل صحة الصف الطويل جدا، فإنه يستحيل أن كل واحد مقابلها إلا أنه يرد على ذلك ما قالوه، من أن الجسم الصغير إذا بعد تحصل له مسامتة الجملة الكثيرة، ولو أزيد من ألف. اهـ. قال الأمير في ضوء شموعه على مجموعه: الحق أن ما قالوه: يتوقف على نوع تقويس كالدائرة حول القطب. اهـ، يعني وإذا كان الحق ما ذكر فلا يرد ما قالوه على كلام الشيخ عبد الله شيخ الشيخ العدوي، الذي هو قضيته كلام الخرشي الصريح في أن الخلاف بين القول بالجهة، والقول بالسمت حقيقي له ثمرة لا لفظي، نعم قال الشيخ الأمير في الحاشية المذكورة عقب ما ذكره فإن أريد إمكان الوصل بينهما، أي بين الجسم الصغير والجملة الكثيرة بخط أي مستقيم، ولو تيامن أو تياسر رجع الخلاف أي بين القولين المذكورين لفظيا كما يظهر ذلك عند من له أدنى إلمام بالهندسة. اهـ، أي وهم لم يصرحوا بهذه الإرادة فيبقى الخلاف على حقيقته، والله أعلم. [مسألة] قال الشيخ الصاوي في باب الهبة عند قول الشيخ الدردير في أقرب المسالك وهبة الدين إبراء إن وهب لمن هو عليه فلا بد من القبول؛ لأن الإبراء

[مسألة]

يحتاج للقبول، وإلا يهبه لمن هو عليه بل لغيره، فكرهنه يتعين فيه الإشهاد، ما نصه: يؤخذ من قوله فكرهنه صحة التصرف في الوظائف، وهو أن يتجمد لإنسان مال معلوم من وظيفة أو جامكية، فينزل عنها لغيره، إن كان ذلك النزول من غير مقابلة شيء، بل هبة، أما إن كان في مقابلة شيء يؤخذ، فإن سلم من الربا جاز وإلا منع. اهـ، والله أعلم، هذا من جهة الهبة، وأما من جهة البيع فسيأتي حكمه فترقب. [مسألة] ذكر العلامة العطار على جمع الجوامع عند الكلام على الكبائر: أن كلا من بذل المال، وأخذه على الحكم كبيرة، سواء كان بالباطل أو بالحق، وأن بذل مال للمتكلم في جائز مع السلطان مثلا جعالة جائزة عند الشافعية، وغير جائزة عند المالكية؛ لأنه من الأخذ على الجاه، وأما بذل المال للمتكلم في واجب كالمحبوس ظلما، ففي فتاوى القفال أنه لو كان بيد ظالم فقال: إن خلصتني منه فلك كذا، يحتمل أن يقال: يستحقه كرد الآبق، ويحتمل أن يقال: تخليصه من جملة النهي عن المنكر، وهو فرض من فروض الكفاية؛ فيكون بالتخلص مسقطا للفرض عن نفسه، فلا يستحق جعلا. اهـ. وفي الروضة في القضاء: إنه إن كان الطالب للقضاء ممن يتعين عليه ويستحب له، فله بذل المال، والآخذ ظالم بالأخذ، وهذا كما إذا تعذر الأمر بالمعروف إلا ببذل أعماله، وهو جزم بالاحتمال الثاني، فينبغي أن يكون هو المعتمد، فيحل البذل للجاعل، ويحرم على الآخذ، ومحل ذلك إذا علم المجعول له أن الجاعل مظلوم بالحبس، فإن لم يعلم ذلك لم يجب عليه، فلم يمتنع عليه الأخذ. اهـ، والله أعلم. (فائدة) قد نظمت المسائل الست التي لا تفوت الزوجة على حليلها بدخول غيره عليها بقولي: ولا تفوت بالدخول زوجة ... على حليلها بست تثبت من أخبرت بموت غائب قدم ... بعد دخول الثاني وهو ما علم من طلقت لفقد إنفاق حصل ... بشرطه ثم بها الثاني دخل فأثبت الأول ترك ما يفي ... أو الوكيل أو بأن ذا نفي وزوجة المفقود في مفروضة ... تزوجت والفسخ جا للعدة واستبرأت وثالث بها دخل ... فظهرت صحة مفسوخ حصل ومن تزوجت بدعوى الموت ... لزوجها أو بثبوت موت

[مسألة]

بغير عدلين ففسخه حصل ... وظهرت صحته وقد دخل ثالث الأزواج بها من طلقت ... من زوجها لكون اسمها ثبت كإسم من عنى طلاقها وقد ... غابت فزوجت بغير من جحد فقدمت من طلقت وقد دخل ... بتلك ثان ثم من بها حصل ظن بأنها تكون خامسه ... فزوجت ودخلت والخامسه خلافها فظهرت من بعد ذا ... فاحفظ هديت صاحبي لا تنبذا [مسألة] من وطئ أمة بإذن سيدها له في الوطء لا حد عليه، ويؤدب مراعاة لقول عطاء بجواز التحليل، فالمحللة من يقول سيدها لغيره: أذنت لك في وطئها، أو أبحته لك. اهـ، من شرح أقرب المسالك، وفي الصاوي مذهب عطاء: جواز نكاح الأمة التي أحل سيدها وطأها للواطئ، وهو صادق بما إذا كان بعوض وبدونه، وحينئذ فالمستأجرة من سيدها محللة، فلا حد فيها نظرا، لهذا المذهب كذا في البناني. وقال أبو حنيفة: لا حد في وطء المستأجرة للواطئ، وظاهره كان المؤجر وليها أو سيدها أو نفسها؛ لأن عقد الإجارة عنده شبهة تدرأ الحد، وإن حرم عنده الإقدام على ذلك. اهـ. (فائدة) ذكر ابن فرحون في تبصرته عن المازري في المعلم أن الدليل على ما ذهب إليه مالك من جواز زيادة العقوبات على الحد، فعل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في ضرب الذي نقش خاتمه مائة، ونقل ابن قيم الجوزية أنها ثلاثمائة في ثلاثة أيام، وذكر القرافي أن صاحب القضية معن بن زياد، زوّر كتابا على عمر، ونقش خاتمه فجلده مائة، فشفع فيه قوم فقال: أذكرتموني الطعن، وكنت ناسيا، فجلده مائة أخرى، ثم جلده بعد ذلك مائة أخرى، ولم يخالفه أحد فكان إجماعا، قال المازري: وضرب عمر رضي الله تعالى عنه ضبيعا أكثر من الحد. اهـ. قلت: ومن هذا يؤخذ حكم من ضرب سكة السلطان، فيكون تأديبه بمثل ما أدب به سيدنا عمر رضي الله عنه من نقش خاتمه، والله أعلم. (فائدة) جملة نسائه صلى الله عليه وسلم اللاتي عقد عليهن خمس وعشرون امرأة، المتفق على دخوله بهن إحدى عشرة امرأة: ست من قريش: (1) خديجة بنت خويلد، (2) عائشة بنت أبي بكر، (3) حفصة بنت عمر، (4) أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب (5) أم سلمة بنت أبي أميمة (6) سودة بنت زمعة.

وأربع عربيات: (1) زينب بنت جحش. (2) ميمونة بنت الحارث الهلالية. (3) زينب بنت خزيمة الهلالية أمّ المساكين. (4) جويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية. وواحدة غير عربية من بني إسرائيل، وهي صفية بنت حيي من بني النضير، مات عنده صلى الله عليه وسلم منهن ثنتان: (1) خديجة. (2) زينب أم المساكين. وتوفي صلى الله عليه وسلم عن التسعة الباقية المنظومة في قول بعضهم: توفي رسول الله عن تسع نسوة ... إليهن تعزى المكرمات وتنسب فعائشة ميمونة وصفية ... وحفصة تتلوهن هند وزينب جويرية مع رملة ثم سودة ... ثلاث وست نظمهن مهذب وجملة من ذكر أنه صلى الله عليه وسلم تزوج بهن وفارقهن اثنتا عشرة امرأة، مات منهن قبل الدخول باتفاق ثنتان: (1) إشراق بنت خليفة أخت دحية الكلبي. (2) خولة بنت الهذيل، وعلى خلاف في الطلاق أو الموت مع الاتفاق على عدم الدخول ثنتان: (1) مليكة بنت كعب. (2) سبأ بنت أسماء. وفارق بعد الدخول باتفاق: (1) فاطمة بنت الضحاك. (2) عالية بنت ظبيان، وقبله باتفاق: (1) عمرة بنت يزيد. (2) أسماء بنت النعمان. وعلى الخلاف في الفراق قبل، وبعد: (1) أم شريك القرشية. (2) المستقبلة التي جهل حالها، وهي ليلى بنت الخطيم. ومات صلى الله عليه وسلم عن قتيلة بنت قيس، وهو لم يدخل بها، فالمفارقات باتفاق: سبع، وعلى خلف: ثنتان. والميتات في حياته باتفاق: أربع، ومات صلى الله عليه وسلم عن عشر، واحدة منهن لم يدخل بها، وخطب صلى الله عليه وسلم ثمان نسوة، ولم يعقد عليهن باتفاق. وسراريه صلى الله عليه وسلم التي دخل عليهم بالملك أربعة: (1) مارية القبطية. (2) ريحانة بنت شمعون من بني قريظة، وقيل من بني النضير. (3) نفيسة التي وهبتها له زينب بنت جحش. (4) التي أصابها في بعض السبي، ولم يعرف اسمها. أفاده الجمل على الجلالين عن المواهب والله أعلم. وقد نظمت خلاصته في قولي: جملة من طه عليهن عقد ... عشرون مع ثلاثة حقا تعد دخوله أتى على إحدى عشرا ... بالاتفاق خذ فبنت عمرا

[مسألة]

حفصة مع خديجة عائشة ... كذاك أما سلمة حبيبة وسودة وهن من قريش ... ميمونة زينب بنت جحش وزينب أمّ المساكين كذا ... جويرة من عرب قد أخذا بنت حيي من بني النضير لا ... من عرب فاعلم وطه انتقلا عما عدا خديجة وزينبا ... أمّ المساكين فقبل غيبا وفارق النبي اثنتي عشر ... ثنتان من قبل الدخول قد قبر إشراق خولة وهل مليكة ... سباكتين أو طلاق يثبت قبل الدخول لهما وفارقا ... بعد الدخول باتفاق حققا فاطمة عالية وقبله ... ذات غفار باتفاق مثله ومثلها عمرة اسما وعلي ... خلافهم هل الفراق حصلا من قبله أو بعده أم شريك ... ليلى ومات عن قتيلة نبيك قبل دخوله بها فسبع ... قد فارق الهادي وقيل تسع وأربع قد متن في حياته ... والعشر أبقين إلى وفاته لكن على واحدة لم يدخلا ... وهو على التسع يقينا دخلا وخطب الهادي ثماني نسوة ... والعقد باتفاقهم لم يثبت ثم سراريه التي بالملك قد ... بنا بهن أربع حقا تعد مارية ريحانة نفيسة ... ومن له في بعض سبي تثبت [مسألة] في الصاوي على أقرب المسالك لا يجوز التعزير بأخذ المال إجماعا، وما روي عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة من جواز التعزير للسلطان بأخذ المال، فمعناه كما قال البراذعي من أئمة الحنفية أن يمسك المال عنده مدة؛ لينزجر ثم يعيده إليه؛ لا أنه يأخذه لنفسه، أو لبيت المال كما يتوهم الظلمة، إذ لا يجوز أخذ مال مسلم بغير سبب شرعي، وفي نظم العمليات: ولم تجز عقوبة بالمال ... أو فيه عن قول من الأقوال انتهى، والله أعلم. (فائدة) في حاشية الأمير على عبد السلام المنفي في حديث: "لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن" ... إلخ، الإيمان الكامل المصاحب للمراقبة؛ إذ لولا حجاب الغفلة ما عصى، أو أنه إن استحله، وما يقال: إن الإيمان يرفع ثم

[مسألة]

يرجع له يلزمه عدم إيمانه، إن مات في تلك الحالة، وما في البخاري عن ابن عباس، وشرحه عن أبي هريرة يرفعه؛ يحمل على رفع الإيمان الكامل. اهـ، قلت: وبكل من كون المنفي في الحديث المذكور الإيمان الكامل، أو مطلق الإيمان إن استحله، ويحمل الإيمان المنفي في الحديث المذكور، على ذلك تندفع المعارضة بينه وبين حديث: "لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم أتيتني لا تشرك بي شيئا، غفرتها لك ولا أبالي"، أو كما ورد في حديث بطاقة لا إله إلا الله، حيث ترجح في الميزان بسبعين سجلا خطايا. وحديث أبي ذر المشهور ونحوها، ومما يشهد لكون المنفي الإيمان الكامل ما حكى لي أن امرأة جميلة ذات عفة وديانة، جاعت فطلبت من جارها ما تتقوت به، فأبى أن يعطيها شيئا إلا أن تمكنه من نفسها، فامتنعت من ذلك، وصبرت على الجوع ثلاثة أيام حتى اشتد بها، فأتت لجارها وقالت: قوتني وافعل ما تريد، فلما تمكن منها رأى أن جاره ربما اطلع عليه إذا لم يغلق الطاقة، فهم لغلقها فقالت له المرأة: ما تريد؟ فأخبرها بذلك فقالت له: يا مجنون تخشى الجار، ولا تخشى الجبار الذي لا تخفى عليه خافية، تأثر كلامها في قلبه، وامتنع من الزنا وأعطاها مطلوبها، والله أعلم. (فائدة) قال الشيخ القسطلاني على البخاري حديث أنس المروي في الصحيحين وغيرهما، أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه مؤول على أنه لا يرفعهما رفعا بليغا، ولذا قال في المستثنى حتى يرى بياض إبطيه، نعم ورد رفع يديه عليه الصلاة والسلام في مواضع كرفع يديه حتى رئي عفرة إبطيه حين استعمل ابن اللتبية على الصدقة كما في الصحيحين، ورفعهما أيضا في قصة خالد بن الوليد، قائلا: "إني أبرأ إليك مما صنع خالد"، رواه البخاري والنسائي ورفعهما على الصفار، رواه مسلم وأبو داود، ورفعهما ثلاثا بالبقيع مستغفرا لأهله رواه البخاري في رفع اليدين، ومسلم، وحين تلا قوله تعالى:} إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرا مِنَ النَّاسِ {الآية، قائلا: "اللهم أمتي أمتي" رواه مسلم، ولما بعث جيشا فيهم علي قائلا: "اللهم لا تمتني حتى تريني عليا" رواه الترمذي، ولما جمع أهل بيته وألقى عليهم الكساء قائلا: "اللهم هؤلاء أهل بيتي" رواه الحاكم. انتهى نقله الوالد رحمه الله تعالى رحمة الأبرار. [مسألة] في شرح الدردير على أقرب المسالك، والصاوي عليه القول الذي رجع إليه مالك: هو أن

[مسألة]

رب الدين ليس له مطالبة الضامن بالدين إن تيسر الأخذ لرب الدين من مال المدين، بأن كان موسرا غير ملد ولا ظالم، والقول المرجوع عنه هو أن رب الدين مخير في طلب أيهما شاء من المدين، أو الضامن، قال البناني: والقول المرجوع عنه هو الذي جرى العمل بفاس، وهو الأنسب بكون الضمان شغل ذمة أخرى بالحق. اهـ، والله أعلم. [مسألة] اعلم رحمك الله تعالى أن المأخوذ من المدونة هو أن الفلوس ونحوها مما جعل سكة وعينا، وجرى به التعامل بين الناس لا يعطى حكم الدنانير، والدراهم إلا في بابي الصرف والربا بنوعيه، نظرا لكونه صارفا بالسكة من نوع الدنانير والدراهم، وأما في غير هذين البابين كالزكاة فإنما يعطى ما ذكر حكم العروض في جريان زكاته على حسب الإدارة والاحتكار مما هو موضح في كتب الفقه، ففي كتاب الزكاة من المدونة ما نصه قلت: أرأيت لو كانت عند رجل فلوس في قيمتها مائتا درهم، فحال عليها الحول ما قول مالك في ذلك؟ قال: لا زكاة عليه فيها، وهذا مما لا اختلاف فيه، إلا أن يكون ممن يدير فتحمل محمل العروض، قال: وسألت مالكا عن الفلوس تباع بالدنانير أو بالدراهم نظرة، أو تباع الفلس بالفلسين؟ فقال مالك: إني أكره ذلك، وما أراه مثل الذهب والورق في الكراهية. انتهى. وفي كتاب الصرف منها قلت: أرأيت لو اشتريت فلوسا بدراهم، وافترقنا قبل أن نتقابض قال: لا يصلح هذا في قول مالك، وهذا فاسد، قال لي مالك في الفلوس: لا خير فيها نظرة بالذهب ولا بالورق، ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة، وعين لكراهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة، قلت: أرأيت إن اشتريت خاتم فضة أو خاتم ذهب، أو تبر ذهب بفلوس، فافترقنا قبل أن نتقابض، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز، هذا في قول مالك؛ لأن مالكا قال: لا يجوز فلس بفلسين، ولا تجوز الفلوس بالذهب والفضة، ولا بالدنانير نظرة، ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه قال: الفلوس بالفلوس بينهما فضل، فهو لا يصلح في عاجل بآجل، ولا يصلح إلا عاجل بعاجل، ولا يصلح بعض ذلك ببعض إلا هاء وهات، قال الليث بن سعد عن يحيي بن سعيد وربيعة: إنهما كرها الفلوس بالفلوس، وبينهما فضل أو نظرة، وقالا: إنها صارت سكة مثل سكة الدنانير والدراهم، الليث عن يزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر قالا: وشيوخنا كلهم أنهم كانوا يكرهون صرف الفلوس بالدنانير والدراهم إلا يدا بيد، وقال يحيي بن أيوب قال:

[مسألة]

يحيى بن سعيد إذا صرفت درهما فلوسا، فلا تفارقه حتى تأخذه كله، والله أعلم. اهـ. بحروفه، ومثل هذا في كتاب السلم الأول منها، فعلم أن الورق الذي جرى به التعامل اليوم، المسمى بالنوط إنما يعطى حكم الدراهم والدنانير في باب الصرف والربا بنوعيه، وأما في الزكاة فلا يعطى حكمهما، بل إنما يعطى حكم العروض؛ فيجري فيه حكم الزكاة على حسب الاحتكار والإدارة الموضح في كتب الفقه، ولا يكون حكمه حكم السند على مليء لوجود الفرق بينهما، نعم إن كان منمرا بحيث تضمنه الحكومة؛ إذا ضاع فإنه يكون حكمه حكم السند على مليء، وكذا الورق المسمى بالشيك يكون حكمه حكم السند على مليء لعدم الفارق بينهما من حيث إن كلا لا يصرف إلا بمحل مخصوص ومضمون لو ضاع، فتجب فيه الزكاة في كل سنة، والله أعلم. [مسألة] ذكر العلامة الدردير في شرحه على أقرب المسالك أن القول الذي رجع إليه مالك، وهو المشهور هو: أن لمن استحق بالملك أم ولد ممن أولدها بشبهة، كأن اشتراها من غاصب بلا علم قيمتها وقيمة ولدها يوم الحكم بالاستحقاق لا يوم الوطء ولا يوم الشراء، والولد حر نسيب باتفاق إذا كان واطئها حرا، والقول الذي رجع عنه: هو أن لربها أخذها إن شاء مع قيمة الولد يوم الحكم، ثم رجع عنه أيضا إلى أنه يلزم قيمتها فقط يوم الوطء، وبه حكم عليه لما استحقت أم ولده إبراهيم، وقيل: أم ولده محمد كما في عبارة ابن رشد، وفي كلام الفاكهاني ما يقتضي أنه هو الذي أفتى بذلك لنفسه. اهـ؛ منه في فصل الاستحقاق بزيادة من الصاوي عليه. [مسألة] في أقرب المسالك قول مالك في المدونة، وهو الذي رجع إليه: هو أن الشاهد على خط نفسه بقضية لا يشهد حتى يتذكرها بتمامها، فإن لم يتذكرها أو تذكر بعضها أدى الشهادة على أن هذا خطي، ولكني لم أذكر القضية بلا نفع للطالب، وفائدة الأداء احتمال أن الحاكم يرى نفعها، قال ابن رشد: وكان مالك يقول أولا: إن عرف خطه، ولم يذكر الشهادة ولا شيئا منها، وليس في الكتاب محو ولا ريبة، فليشهد؛ وبه أخذ عامة أصحابه مطرف، وعبد الملك، والمغيرة، وابن أبي حازم، وابن دينار، وابن وهب، وسحنون، وابن حبيب، قال في التوضيح: صوب جماعة أن يشهد إن لم يكن محو ولا ريبة؛ فإنه لا بد للناس من ذلك، ولكثرة نسيان الشاهد المنتصب، ولأنه لو لم يكن يشهد حتى يذكرها لم يكن لوضع خطه فائدة، قال الصاوي: ولذلك نقل عن شيخ

[مسألة]

مشايخنا العدوي أنه كان يقول: متى وجدت خطي شهدت عليه؛ لأني لا أكتب إلا على يقين من نفسي. اهـ بزيادة من الصاوي وتصرف. [مسألة] القول الذي رجع إليه ابن القاسم هو: أنه ينقض الحكم إن ثبت كذب الشهود بعد الحكم وقبل الاستيفاء في القتل والقطع والحد؛ لحياة من شهدوا بقتله أوجب من شهدوا بزناه قبل الزنا الذي شهدوا به؛ لحرمة الدم، وحينئذ فلا غرم على الشهود، وعلى هذا القول عامة أصحاب مالك، وقيل: لا ينقض الحكم، وهو الذي رجع إليه ابن القاسم، ومشى عليه خليل. اهـ، من أقرب المسالك، والصاوي عليه، والله أعلم. [مسألة] في الصاوي على أقرب المسالك: القول الذي رجع إليه الإمام مالك هو أن إرث الواجبات من عشر، أو غرة، أو دية، ولو تعددت بتعدد الجنين بالفرض والتعصيب، فللأب الثلثان، وللأم الثلث ما لم يكن له إخوة، وإلا كان للأم السدس، وهذا هو الراجح، والقول الذي رجع عنه الإمام هو أن إرث الواجبات المذكورة للأب والأم على الثلثين، والثلث، ولو كان له إخوة، وبه قال ابن هرمز، وقال ربيعة: إرث الواجبات المذكورة للأم خاصة؛ لأن تلك الواجبات كالعوض عن جزء منها. اهـ، بتصرف، والله أعلم. [مسألة] لا يؤثر الدبغ في جلد الميتة طهارة في ظاهره ولا باطنه على المشهور، وخبر: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" رخوه محمول عندنا في مشهور المذهب على الطهارة اللغوية وهي النظافة، ولذا رخص في جلد الميتة مطلقا سواء كان من جلد مباح الأكل أو محرمه، إلا من خنزير وآدمي بعد دبغه بما يزيل الريح والرطوبة ويحفظه من الاستحالة أي من التلف والتقطيع كما تحفظه الحياة في يابس كالحبوب، وفي الماء، ولا يشترط في الدباغ إزالة الشعر عندنا، وإنما يلزم إزالته عند الشافعية القائلين: إن الشعر نجس، وإن طهارة الجلد بالدبغ لا تتعدى إلى طهارة الشعر؛ لأنه تحله الحياة فلا بد من زواله، وأما عندنا فالشعر طاهر؛ لأن الحياة لا تحله فالفرو إن كان مذكى مجوسي أو مصيد كافر قلد في لبسه في السلاة أبا حنيفة؛ لأن جلد الميتة عنده يطهر بالدباغ، والشعر عنده طاهر، ولا يقلد فيه الشافعي؛ لأنه وإن قال بطهارة الجلد يقول: بنجاسة الشعر ولا مالكا؛ لأنه وإن قال بطهارة الشعر، يقول بنجاسة الجلد. اهـ، أي يلفق ويقلد المذهبين كذا في الدردير على خليل، والدسوقي عليه. [مسألة] في أقرب المسالك ما حاصله أنه لا يجوز الانتفاع بنجس الذات بحال إلا في مسائل مخصوصة

[مسألة]

وردت مورد الرخص، فلا تتعدى أحدها جلد الميتة المدبوغ يستعمل في الماء المطلق، وفي غير المائعات كالحبوب والدقيق، والخبز الغير المبلول، وثانيها: أكل لحم الميتة لمضطر وللكلاب، وثالثها: إيقاد النجاسة كعظم الميتة على طوب أو حجارة، ورابعها: وضع النجاسة في الزرع لنفعه، وخامسها: شرب الخمر لإساغة غصة أو لدفع الهلاك بعدم الرطوبة لا للعطش نفسه؛ لأنه يزيده فلا يجوز الدواء به ولو تعين، وفي غيره من النجاسات خلاف إن تعين، وأما المتنجس، وهو ما كان طاهرا في الأصل وطرأت عليه نجاسة؛ فيجوز الانتفاع به في غير آدمي، ومسجد بأن يسقى به الدواب والزرع، ويدهن به نحو العجلة، ويعمل من الزيت المتنجس صابون وغير ذلك، ويحرم على الآدمي، ولو غير مكلف أكله وشربه، وأما تلطخه به فمكروه على الراجح، وتجب إزالته للصلاة والطواف ودخول المسجد، وكذا يحرم الانتفاع بالمتنجس في مسجد، فلا يستصبح به بالزيت المتنجس، نعم إذا كان المصباح خارجه والضوء فيه جاز. اهـ، والله أعلم. [مسألة] في أقرب المسالك مع الشرح في باب الخيار، وجاز لمن ملك شيئا بشراء أو غيره البيع له قبل القبض له من مالكه الأول؛ إلا طعام المعاوضة، وهو ما استحق في نظير عوض، فلا يجوز بيعه قبل قبضه، سواء كان الطعام ربويا أو غير ربوي، ولو كان العوض غير متمول كرزق قاض وجندي، فإنه من بيت المال في نظير حكمه، وحراسته، وغزوه، وكذا رزق عالم، أو إمام، أو مؤذن، أو نحوهم في وقف أو بيت مال في نظير التدريس أو الإمامة، أو الأذان لا يجوز بيعه قبل قبضه من ناظر ونحوه؛ لأنه في نظير عمله وهو عوض بخلاف ما لو رتب شيء لإنسان من بيت المال أو غيره كوقف على وجه الصدقة، فيجوز بيعه قبل قبضه لعدم المعاوضة. اهـ. وفي الصاوي عليه عن عبد الباقي: ويلحق برزق القاضي طعام جعل صداقا وخلعا، فلا يجوز بيعه قبل قبضه لا مأخوذ عن مستهلك عمدا أو خطأ، فيجوز بيعه قبل قبضه. اهـ، وكذا المثلي المبيع فاسدا إذا فات، ووجب مثله كما قال البناني بجامع أن المعاوضة ليست اختيارية بل جر إليها الحال في كل خلافا لعبد الباقي حيث جعله كرزق القاضي. اهـ، والله أعلم. (فائدة) في القسطلاني عن البخاري، والأوجه حمل النهي عن مرتبة الميت، وهي عد محاسنه على ما يظهر فيه تبرم، أي تضجر، أو على فعله مع الاجتماع، أو على الإكثار منه، أو على ما يجدد

[مسألة]

الحزن دون ما عدا ذلك، فما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه، وقد قالت فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها ... صبت على الأيام صرن لياليا اهـ. نقله والدي في تقريراته على البخاري رحمه الله تعالى، والله أعلم. (فائدة) لما كان الوجوب عبارة عن الإذن في الفعل مقيدا بمنع الترك، ويلزم قيده وصف الإذن في الفعل بالطلب الجازم؛ كان نسخه نفيا لمقيد بقيد، فإما أن يصدق بنفي المقيد وقيده معا، فيجعله كأن لم يكن، ويرجع الأمر إلى ما كان قبله من تحريم أو إباحة؛ لكون الفعل مضرة أو منفعة، وهو قول الغزالي، وإما أن يصدق بنفي قيده وهو الأصح، وعليه فإما إن يصدق بنفي قيده الذاتي وهو منع؛ فيبقى الإذن في الفعل بما يقومه وهو الإذن في الترك الذي خلف المنع من الترك، فيحتمل الإباحة أو الندب أو الكراهة، أو خلاف الأولى، وإما أن يصدق بنفي لازمه، وهو الطلب؛ فيثبت التخيير، وإما أن يصدق بنفي قيد لازمه وهو الجازم، فيثبت الطلب غير الجازم، وهو الاستحباب أقوال ثلاثة، كذا يؤخذ من جمع الجوامع، وشرح المحلى عليه. [مسألة] إذا أعتق رجل جارية وزوجها من رجل آخر بعقد صحيح، ومهر معلوم، ثم بعد دخول الزوج بها وإقامته معها نحو سنة ونصف، وولادتها منه، ادعى الزوج أن الجارية ملك لزوجته، وأنه أعتق فزوج ما لا يملك، وأقرته زوجته على دعواه، وهي تعلم بزواجها وحملها ووضعها ومشاهدة له، ولم تنكره، فإنه لا يكون لها ما ادعته بمقتضى إقرارها لزوجها المزوج على ما ادعاه، إلا إذا اشتهر من قبل دعواها عند من له مداخلة معها أن الجارية ملكها، أو أثبتت ذلك ببينة، وحينئذ فيكون وقوع العقد وما معه بمشاهدتها وعلمها، وبذلك إذن في تزويجها، ويكون زوج المالكة للجارية غارا لزوجها بدعواه حريتها؛ فتكون أولاده منها أحرارا، والأرجح عدم فسخ النكاح؛ لأن الدوام ليس كالابتداء في اشتراط خوف العنت، وعدم الطول فعلى الزوج صداق المثل إذا لم يفارق، وإلا فالأقل منه، ومن المسمى وعليه قيمة ولدها منه يوم الحكم لا يوم الولادة، أمسك أو فارق يدفعها لسيدتها كما في شرح خليل. (فائدة) قال ابن سند نظم ابن رشد

المسائل التي تقبل فيها شهادة السماع، لكني لم أجد ما هو صحيح اللفظ والمعنى من أبياته إلا بيتين، فذيلتهما متمما للمسائل المذكورة معتمدا في ذلك على صاحب المختصر، فبيتا ابن رشد: أيا سائلي عما ينفذ حكمه ... ويثبت سمعا دون علم بأصله ففي العزل والتجريح والكفر بعده ... وفي سفه أو ضد ذلك كله وتذييل ابن سند: وفي هبة وقف إباق وصية ... وفي عدق ضمار بأهله وأسر ولوث ثم ملك لحائز ... تصرف أزمانا طوالا بكله وموت ببعد إن يطل زمن له ... حرابة وإيلاد فاظفر بفصله (فائدة) نظم بعض المالكية ما تكون فيه الغلة للمشتري فقال: وللمشتري الغلات إن رد ما اشترى ... بعيب أو البطلان في بيعه ظهر كذا عند تفليس وأخذ بشفعة ... ورد للاستحقاق قد تمت الصور (فائدة) نظم بعض المالكية ما يمتنع فيه شرط النقد، فقال: بيع الخيار وغائب مع عهدة ... أمة مواضعة وجعل يتبع والأرض إن بيعت بزرع ثم من ... يؤجر به إحراز ما هو يزرع بالجزء منه كذاك أرض ريها ... في غير أمن ضف لها ما يسمع من ناطق أو غيره إن عينا ... بإجارة من بعد شهر يشرع في أخذ منفعة فشرط أن يكن ... في النقد من بيع فكل يمنع وكذاك أرض والجنان وحائط ... بيعت لعد النخل حفظا ينفع وزاد بعضهم فقال: سلم الخيار وبيع شيء غائب ... أمة التواضع ثم مضمون الكرى صف عهدة وامنع لنقد مطلقا ... بالشرط أولا فاعرفنه بلا مرى (فائدة) نظم المالكية الجوائح، فقال: إن الجوائح في الأشجار عدتها ... ثلاث عشرة فاحفظها فدونكها النار والريح ثم الثلج مع غرق ... والبرد والطير تعيب يضربها والدود والقحط ثم الفض يتبعها ... مع الجراد قد ألم بها

[مسألة]

فاحفظ فداؤك نفسي اليوم عدتها ... وللص فاختم به إتمام عدتها [مسألة] في كون المطلوب من الإمام، والفذ تسليمة واحدة، أو تسليمتين قولان: مشهورهما الأول؛ وسبب الخلاف هل كان صلى الله عليه وسلم يقتصر على الواحدة أم لا؟ والذي رأى مالك: العمل عليه الاقتصار على الواحدة، وعند الحنابلة لا بد في صحة الفرض من تسليمتين، فمن الورع مراعاة مذهبهم. اهـ، من النفراوي على الرسالة والأمير. [مسألة] زيادة ورحمة الله في السلام خلاف الأولى إلا لقصد الخروج من خلاف الحنابلة؛ فإنه لا بد في صحة الفرض عندهم من تسليمتين على اليمين، وعلى اليسار، يقول في كل منهما: السلام عليكم ورحمة الله، ولا يشترط ذلك في النفل. اهـ، مجموع وحاشيته. (فائدة) سنن الصلاة المؤكدة التي توجب سجود السهو ثمانية: قراءة ما سوى أم القرآن، والجهر، والإسرار، والتكبير سوى تكبيرة الإحرام، والتحميد، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الأخير، وأما سواها فلا حكم لتركها، ولا فرق بينها وبين الاستحباب إلا في تأكيد فضلها، وإلى هذه الثمان الإشارة، بقول بعضهم تقريبا للحفظ: سينان شينان كذا جيمان ... تاآن عد السنن الثمان فالسينان السورة والسر، والشينان التشهدان، والجيمان الجهر والجلوس للتشهد، والتاآن التحميد والتكبير. اهـ حجازي. (فائدة) السهو في النافلة كالسهو في الفريضة إلا في خمس السر والجهر، والسورة فلا سجود عليه، وكذا فيمن قام للثالثة ففي الفرض لا يرجع، وفي النافلة يرجع ما لم يعقد الركعة الثالثة، وإذا رجع في الفرض أو النفل سجد بعد السلام لزيادة القيام نص عليه في المدونة، فالمخالفة للفرض هنا إنما هي باعتبار الأمر بالرجوع فقط، وكذا من ترك ركنا، وطال فيعيد الفريضة لبطلانها دون النافلة، إذ لا يجب عليه إعادتها ألا يتعمد بطلانها، وهذا معنى قولهم السهو في النافلة كالسهو في الفريضة إلا في خمس مسائل، ولبعضهم في ذلك: وسهو بنفل مثل سهو بفرضة ... سوى خمسة سر وجهر وسورة وعقد ركوع جاء بثالثة ومن ... عن الركن قد يسهو وطال تثبتي اهـ حجازي. [مسألة] في الصاوي على أقرب المسالك في باب العتق: لو مثل بزوجته كان لها الرفع للحاكم؛ فتثبت ذلك وتطلق عليه؛ لأن لها التطليق بالضرر، ولو لم تشهد

البينة بتكراره. اهـ، وقد مثل في أقرب المسالك للمثلة بقوله: كقطع ظفر أو قلع سن، أو بردها بالمبرد حتى أذهب منفعتها، أو قطع بعض أذن أو شرطها، أو قطع بعض جسد من أي موضع أو خرم أنف إلا لزينة، أو وسم بنار بأي عضو، أو بوجه ولو بغير النار، كوسم بإبرة بمداد أو غيره. اهـ بتوضيح من الشرح، والله أعلم. (فائدة) دلالة العام كعبيدي على بعض أفراده، أعني ثلاثة غير معينين مطابقة، وعلى واحد غير معين تضمن، ولا دلالة له على ثلاثة معينين، أو واحد معين لا بالمطابقة، ولا بالتضمن ولا بالالتزام ضرورة أن التعيين خارج عن موضوعه، فلا وجه لإيراده نقضا لحصر الدلالة اللفظية الوضعية في الأقسام الثلاثة، وذلك أن للفرد ماهيتين باعتبارين أحدهما ماهية شخصية باعتبار كونه كلا للعام، فلا يصح صدق العام عليه بهذا الاعتبار ضرورة أن الجزء لا يحمل على الكل، وثانيتهما ماهية كلية باعتبار كونه فردا، وكون العالم تمام ماهيته المتفقة فيه، ومع بقية الأفراد حيث كان نوعا له؛ فيصح صدق العام عليه بهذا الاعتبار ضرورة أن العام تمام ماهيته، حينئذ فافهم، والله أعلم. (فائدة) في فتاوى الشيخ إلياس المدني ما نصه وضع الإبهامين على العينين عند قوله: أشهد أن محمدا رسول الله سنة، قال في المضمرات، وفي المسعودي وصفته أن تضم ظفريك على عينيك، ولا تمدهما كذا نقله فصيح الدين شارح الهداية، وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من قبل ظفري إبهاميه عند سماع: أشهد أن محمدا رسول الله، أنا ناقذه ومدخله في صفوف القيامة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من سمع اسمي في الأذان فقبل ظفري إبهاميه لم يعم أبدا"، وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استمع الأذان، فلما بلغ المؤذن كلمة الشهادة بإرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ظفري إبهاميه، ومسح بهما عينيه فقال صلى الله عليه وسلم: "لأي شيء صنعت هذا؟ " قال: شرفا لاسمك وتيمنا به يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أحسن هذا، فمن عمل به فقد أمن من الرمد" كذا في مفتاح السعادة، والمحفوظ أن يقول عند التقبيل: اللهم احفظ عيني ونورها، كذا ذكره شيخ زاده في شرحه على الوقاية في باب الأذان. انتهى. (فائدة) في الأمير على عبد السلام ما نصه: ولعظيم ذنب الشرك لم يجز غفرانه، قال الله تعالى:} إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ {، قال أستاذنا وولي نعمتنا سيدي علي وفا رضي الله تعالى عنه وعنا به، ومن هنا لم يغتفر

الأشياخ لتلامذتهم ربط قلبهم بغيرهم لسد باب النفع بهم، واغتفروا ما دون ذلك، وسعوا في إصلاحه فقد ورد تخلقوا بأخلاق الله، وهو معنى الخلافة، وفي اليواقيت ما نصه: وقال أي ابن عربي في الباب الأحد والثمانين ومائة: إنما كان المريد لا يفلح قط بين شيخين قياسا على عدم وجود العالم بين إلهين، وعلى عدم وجود المكلف بين رسولين، وعلى عدم وجود امرأة بين زوجين. اهـ. وقد تروحت بما أفاده سيدنا الوفائي تغزلا، فقلت: أيها السيد المدلل ضاعت ... في الهوى ضيعتي وأنسيت نسكي يا لك الله لا تمل لسوائي ... وتحكم ولو بما فيه فتكي وانظر الحق في علو غناه ... كل شيء يمحوه غير الشرك والمدلل من يفعل كما يجب والضيعة الحرفة. اهـ بحروفه، ومن هنا مع ما نقله الشيخ الشرقاوي في شرح الحكم عند القشيري، من أن الشيوخ بمنزلة السفراء للمريدين. اهـ، يعلم مأخذ الرابط المعمول بها عند المشائخ النقشبندية، وهي على قسمين، قسم يتصور المريد نفسه بحضرة شيخه استعانة بذلك على ملكة الحضور، وقسم يفرض المريد نفسه شيخه؛ ليحصل له التشبيه بالشيخ في الحضور، في حال الذكر، وأما مأخذ الأربعينية التي هي اعتزال المريد في خلوة يذكر الله تعالى مواظبا على الأوراد التي يعطيه إياها شيخه، صائما مقلا من الأكل مقتصرا على الخشن منه، ولا يتعاطى فيه ما يخل برقة القلب من الأطعمة كاللحم وما أشبهه، وملازما للصمت عن الكلام لاكتساب ملكة الحضور، وتقليل العلائق فيعلم مما في شرح والدي على الحكم عند قوله: ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة ونصه، يريد أن هذا الدواء لا يساويه غيره من الأدوية في تحصيل برء القلب من أمراضه، وهو كذلك؛ لأن العزلة عن الناس المصحوبة بالفكرة، فيما يترتب على المعاصي من العذاب والوعيد وعلى الطاعة من الثواب، أو في تذكر عهد الله على عبيده، أو جلاله وعظمته، أو بديع صنعه بطاعته تطهر القلب وتنوره؛ لأن من تعلق قلبه بحضرة الحق لا تقنعه صور المحسوسات، ولا يملأ عين قلبه أشباح المخلوقات، وهذه الطريقة هي التي شرعها صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يعتزل الخلق ويختلي في غار حراء، حتى نزل عليه الملك. اهـ بتصرف وحذف، ومنه أيضا

[مسألة]

يعلم مأخذ المراقبة التي يفعلونها، وهي عبارة عن انتظار الفيض من الله تعالى، ليفيض على القلب المعارف الإلهية المتعلقة بالصفات، وحقائق بعض العبادات؛ ليعرف مقدارها فتحبها النفس وتقبل عليها بالتعشق لها، والمحبة فتنبه، والله أعلم. [مسألة] في شرح المحلى على جمع الجوامع الأصولي: أن الحنفي أبقى للربا في قوله تعالى:} وَحَرَّمَ الرِّبَا {على معناه اللغوي مع إضمار مضاف أي أخذه، وهو الزيادة في بيع درهم بدرهمين مثلا، فإذا أسقطت صح البيع، وارتفع الإثم، وقال غير الحنفي وهو الشافعي ومالك: نقل الربا شرعا على العقد، فهو فاسد، وإن أسقطت الزيادة في الصورة المذكورة مثلا، والإثم فيها باق. اهـ، والله أعلم. [مسألة] اليتيمة متى خيف عليها الفساد في مالها أو في حالها زوجت، ولو لم تبلغ عشرا، ولا رضيت بالنكاح، فيجبرها وليها غير الوصي، والسيد كعمها على التزويج، ووجب مشاورة القاضي إن كان غير ظالم، وإلا كفى جماعة المسلمين؛ ليثبت عنده الخوف عليها، وأنها خلية من زوج، وعدة، وغيرهما من الموانع الشرعية، وأن الزوج كفؤها في الدين والحرية والحال، والمهر إن مهر مثلها، فإن زوجها وليها المذكور من غير مشاورة صح النكاح إن دخل بها، وإن لم يطل، وأما إن لم يخف عليها الفساد وزوجها وليها المذكور صح إن دخل وطال بالسنين كالثلاثة بعد دخولها وبلوغها، كما يصح نكاحها بالولاية العامة مع وجود نحو العم مطلقا، خيف عليها الفساد أم لا، حيث كانت ذا نسب وجمال أو ذات مال وحسب، أو ذات صفة من الصفات الأربع على ما لبعضهم إن دخل وطال بما ذكر، فإن دخل ولم يطل أو لم يدخل طال أم لا، فلعمها أو للحاكم إن غاب عمها غيبة بعيدة على ثلاثة أيام فأكثر، الرد للنكاح وله الإمضاء، وأما إذا كانت دنيئة خالية من الصفات الأربع المذكورة فيصح نكاحها بالولاية العامة مع وجود نحو عمها، حيث خيف عليها الفساد، ولا يفسخ بحال طال زمن العقد أو لا، دخل بها الزوج أو لم يدخل، ويفسخ إن زوجت مع عدم خوف الفساد عليها بالولاية العامة مع وجود من ذكر إن لم يدخل، وبطل بما ذكر كما للمتيطي، وقال غيره: يفسخ مطلقا كذا يؤخذ من الدردير في أقرب المسالك والصاوي عليه. [مسألة] أخذ العلامة الأمير في حاشيته على عبد السلام على جوهرة التوحيد: تحريم ما يحصل من بعض المخرفين

من تغزلهم في المقام المحمدي بما يقال في المعشوق، مما يأنف أحدنا أن يخاطب به، مما فرق به أهل المذهب بين مقام الألوهية، ومقام الرسالة لما رأوا التشديد في المذهب بالنسبة لمقام الرسالة دون التشديد بالنسبة لمقام الألوهية واقعا في مسائل؛ منها: الاتفاق على أن أسماءه صلى الله عليه وسلم توقيفية، مع الخلاف في أسمائه تعالى، والراجح أنها توقيفية، ومنها قول أهل المذهب بقتل ساب النبي ولو تاب بخلاف ساب الإله، ومنها ما قيل من تمثل الشيطان في المنام بالإله دون النبي، ومنها قول أهل المذهب يحرم نداؤه صلى الله عليه وسلم بمجرد اسمه بخلاف الإله، بنحو قول النفراوي أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر، فربما تسوهل فيه فسدت الذريعة بالتشديد بالنسبة لمقامه، وأما مقام الألوهية فأجل محترم، وخلاصته حماية مقام النبوة، ومزيد تبجيله قال: ولو كان التغزل المذكور جائزا، ما فات حسان فمن دونه، قال: وما وقع لعارف من نحو هذا إما بتأويل يجده أو بجذب أخرجه عن الفتيا، فليس لمن لم يساوه أن يقتدي به ما دام مميزا بين ما ينافي الجلال وغيره كقول سيدي علي وفا رضي الله تعالى عنه: جنات عدن في جنى وجناته ... ودليله أن المراشف كوثر وليس لأحد أن يقول: ما رأينا أحدا نص على حرمة هذا بخصوصه؛ فإن هذه البدع لم تشع في زمن الأئمة، فلتوزن بالميزان السابق قال، وقد قالوا: إنما لم يفتن به صلى الله عليه وسلم مع أنه أعطى كل الحسن، وفتن بيوسف مع إعطائه شطره؛ لأن جماله صلى الله عليه وسلم صين بالجلال، كما قال السلطان ابن الفارض: بجمال سترته بجلال ... هام واستعذب العذاب هناك ومن كلام سيدي علي وفا رضي الله عنه في القصيدة التي منها البيت السابق: سبحان من أنشاه من سبحاته ... بشرا بأسرار الغيوب يبشر قاسوه جهلا بالغزال تغزلا ... هيهات يشبهه الغزال الأحور هذا وحقك ما له من مشبه ... وأرى المشبه بالغزالة يكفر يأتي عظيم الجهل في تشبيهه ... لولا لرب جماله يستغفر إلى أن قال: فعلا جمالك بالكمال جلالة ... فيها لأهل الكشف سر مضمر

[مسألة]

اهـ بتصرف وتقديم وتأخيره. (فائدة) القاعدة عند المالكية أن شرع من قبلنا شرع لنا؛ فيدل قوله:} اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ {لجواز إطلاق الرب مضافا للعاقل على غير الله، ما لم يرد ناسخ صحيح، والقاعدة عند الشافعية: أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا، فلا يدل قوله تعالى:} اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ {على جواز ما ذكر، بل ينهى عنه، ومفاد قوله تعالى:} فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ {يشعر بما للمالكية فتنبه. اهـ من الأمير على عبد السلام بتصرف. [مسألة] العقد على البنات يحرم الأمهات، سواء كن أمهات حال العقد، أو بعده كان العقد صحيحا أو فاسدا مختلفا فيه فتحرم الزوجة على زوجها، إن أرضعت رضيعة عقد عليها زوجها، كما أن التلذذ بالأمهات بنكاح أو ملك أو شبهة يحرم البنات؛ سواء كن بنات حال التلذذ بالأمهات أم بعده كما نص عليه الشيخ علي العدوي في حاشية الخرشي، والشيخ علي الأجهوري في فتاويه أول مسائل الرضاع، والله أعلم، بل صرح به خليل وشراحه في باب الرضاع فتنبه. (فائدة) قال الشيخ محمد الإنباني يظهر الفرق بين الحرام العارض، والحرام الذاتي بالدوران مع العلة وجودا وعدما وعدمه، فالزنا حرام ذاتي لعدم دوران حرمته مع علتها التي هي اختلاط الأنساب وجودا وعدما، ألا ترى أن وطء الرجل صغيرة لا تحل له حرام مع انتفاء العلة، والوضوء بماء مغصوب حرام عارض لدوران حرمته مع علتها التي هي الاستيلاء على حق الغير عدوانا وجودا وعدما، كما لا يخفى وبهذا يفرق بين المكروه العرضي، والمكروه الذاتي. اهـ ملخصا من تقريراته على حاشية الباجوي على السنوسية. [سؤال] ما القول فيمن أمه في نسبة ... تبدي لها سامي السيادة في الحسب فبذاك هل تثبت سيادته إذا ... وينال من شرف السلالة والنسب وكذاك أولاد له هل يدخلو ... ن بضمن سلسلة المعالي والرتب بدليل قول المصطفى وشفيعنا ... (إن ابن بنت القوم منهم) ينتسب أفتوننا يا سيدي لا زلتمو ... تتكرموا منا على من قد طلب (الجواب): الحمد لله وحمدي فضله ... فله الثناء عليه ما صح النسب

[مسألة]

وصلاته وسلامه دوما على ... مولى السيادة والرسالة والحسب والآل والأصحاب من نالوا العلا ... بشهود بدر المصطفى فخر العرب فشريف أم سيد لكنه ... دون الذي وافاه شرف من أب في قول جمع وهو مختار الأميـ ... ـر وقال بعض بالتساوي وانتسب لمصاحب النعمان غير محمد ... والفرع يحوي ما لأصل من نسب هذا الذي قد شمت في فتوى الجها ... بذة الكرام عليهم رحمات رب قد قاله المفتي بمذهب مالك ... حالا محمد عابد نال الأرب (فائدة) محل قولهم السلف ينزهون ويفوضون في كل نص أوهم التشبيه؛ فيقولون في الوجه وجها لا كالوجوه، ولا يؤولونه بالذات بخلاف الخلف، إذا لم يضطروا للتأويل وإلا فهم يؤولون كالخلف، فقد ذكر البخاري في صحيحه عند تفسير قوله تعالى من آخر سورة القصص:} كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ {أن وجهه بمعنى ذاته، وقال أهل الحديث: إنه تفسير ابن عباس فهذا تأويل وقع من بعض السلف، وهو ابن عباس لداعي اضطراره هنا للتأويل إذ يلزم على عدمه دخول اليد والرجل والعين التي ثبتت لله تعالى بالنص تحت عموم ما قبل، ألا وهو:} كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ {وهو بديهي البطلان، أفاده بعض أفاضل العصر. (فائدة) مما يبطل قول البعض بعدم جواز نداء الأموات والاستغاثة بهم ما أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه بسند رجاله ثقات: أن خالد بن الوليد لما حاصر مسليمة مع بني حنيفة، جعل يعتزي ويقول: وامحمداه. اهـ فتنبه أفاده بعض أفاضل العصر. [مسألة] في المدونة سوق الهدي لغير مكة ضلال، أي لما فيه من تغيير معالم الشريعة، قال الأمير: والبدنة في معنى الهدي، لقوله تعالى:} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ {قال الدسوقي والدردير وبعث حيوان منذور بلفظ بعير أو خروف أو ذبيحة أو استصحابه، أو بعث لحمه لمن نذر له من نحو ولي ليذبح عنده، ويهدي ثوابه له ضلال أيضا على المشهور، ومذهب المدونة قال في التوضيح: لأن في بعثه شبها بسوق الهدي، وقد علمت أن سوق الهدي لغير مكة من الضلال، ومقابل المشهور ما لمالك في الموازية، وبه قال أشهب من جواز بعثه أو استصحابه؛ لأن إطعام المساكين بأي بلد طاعة، قال الدردير: ولا يضر قصد زيارة ولي واستصحاب

شيء من الحيوان معهم ليذبح هناك للتوسعة على أنفسهم، وعلى فقراء المحل من غير نذر، ولا تعيين فيما يظهره. اهـ، ولا يخفاك أن نحر النوق للأمراء عند مرورهم على بيت الناحر نحرها بمرورهم؛ بحيث لا ينحرها إذا لم يمروا؛ لأن في هذا حينئذ شبها ظاهرا بسوق الهدي لغير مكة، وعلى مقابل المشهور يكون جائزا حينئذ نظرا، إلى أنه إطعام للمساكين، وإطعام المساكين طاعة، وأما إن لم يقيد الناحر نحرها بمرورهم، بحيث إنه ينحرها ولو لم يمروا توسعة على الفقراء، ودفعا لشررهم، فهو جائر لا يضر هذا حكم النحر فتأمله، وأما حكم الأكل منها فالإباحة على أي حالة لقول العلامة الأمير في مجموعه مع الشرح وما ذبحوه يعني أهل الكتاب لعيسى وصليب وصنم إن ذكروا عليه اسم الله أكل أي من الكراهة، ولو قدموا غيره؛ لأنه يعلو ولا يعلى عليه، وإلا يذكروا عليه اسم الله، فإن قصدوا إهداء الثواب من الله، فكذلك يؤكل بمنزلة الذبح للولي. اهـ، المراد وذلك لأن التسمية لا تشترط من كافر، نعم يكره أكل هذا كالأول بخلاف المذبوح للولي، قال عبد الباقي: وعلة الكراهة فيهما قصدهم تعظيم شركهم مع قصد الذكاة، قال ابن سراج: ويلحق به ما يعمله المحموم من طعام، ويضعه على الطريق، ويسميه ضيافة الجان. اهـ فتأمل؛ والله أعلم. (فائدة) ذكر سيدي علي الأجهوري المالكي في غاية البيان لحل شرب ما لا يغيب العقل من الدخان، نقلا عن الشيخ خليل ما نصه قاعدة تنفع الفقيه يعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرقد، فالمسكر ما غيب العقل دون الحواس مع نشاط وطرب وفرح، والمفسد ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشاط وطرب وفرح والمرقد، ما غيب العقل والحواس، وينبني على الإسكار ثلاثة أحكام: الحد، والنجاسة، وتحريم القليل إذا تقرر ذلك، فللمتأخرين في الحشيشة قولان: قيل: إنها مسكرة، وبه قال الشيخ عبد الله المنوفي قال: لأنا رأينا من يتعاطاها يبيع أمواله لأجلها، فلولا أن لهم فيها طربا لما فعلوا ذلك، قلت: وبهذا قال الزركشي من الشافعية، فقال: لا يجوز من الحشيشة لا قليل ولا كثير، وقيل: إنها من المفسدات وصحح هذا القول الشيخ أبو الحسن في شرح المدونة، والعلامة ابن مرزوق، والشهاب القرافي وتبعه عليه المحققون؛ لأن المتعاطين لها لا يميلون إلى القتال والنصرة بل عليهم الذلة والمسكنة، قلت: وبهذا قال ابن دقيق العيد من الشافعية فقال: والأفيون وهو لبن الخشخاش أقوى فعلا من الحشيشة؛ لأن القليل منه يسكر مع أنه طاهر

بالإجماع، وكذا الحشيشة طاهرة، وقال النووي في شرح المهذب: لا يحرم أكل القليل الذي لا يسكر من الحشيشة بخلاف الخمرة، فإنه يحرم قليلها الذي لا يسكر. اهـ، ومثل الحشيشة البنج والأفيون؛ فيجوز أكل القليل الذي لا يسكر من الثلاثة، وأما الواصل إلى التأثير في العقل والحواس منها فحرام، ثم قال: إذا تقرر هذا، فنقول: شرب الدخان ليس مما يغيب العقل أصلا، وليس بنجس، وما كان كذلك لم يحرم استعماله لذاته، بل لما يعرض عنه من ضرر ونحوه، فمن لم يضره لم يحرم عليه، ومن ضره بإخبار عارف يوثق به، أو بتجربة في نفسه حرم عليه، وقد جرى الخلاف في الأشياء التي لم يرد في الشرع حكمها، والمرجح منه تحريم الضار دون غيره، وأنت خبير بأن ما يحصل منه لبعض مبتدئي شربه من الفتور كما يحصل لمن ينزل في الماء الحار، أو لمن يشرب مسهلا ليس من تغييب العقل في شيء كما يظنه بعض من لا معرفة له، وإن سلم أنه مما يغيب العقل؛ فليس من المسكر قطعا؛ لأنه ليس مع نشاط وفرح كما علم، وحينئذ فيجوز استعماله لمن لا يغيب عقله كاستعمال الأفيون لمن لا يغيب عقله، وهذا يختلف باختلاف الأمزجة، والقلة والكثرة، فقد يغيب عقل شخص ولا يغيب عقل آخر، وقد يغيب منه استعمال الكثير دون القليل، فلا يسع عاقلا أن يقول: إنه حرام لذاته مطلقا، إلا إذا كان جاهلا أو مكابرا معاندا، فإنه بعد الوقوف على كلام أهل المذهب، ومعرفته يصير الحكم بحل ما لا يغيب العقل منه لذاته من قسم البديهي الذي لا يسع عاقلا إنكاره، ولنذكره بصورة الشكل الأول من القياس الذي هو بديهي؛ الإنتاج فنقول: إن شرب الدخان المذكور لا يغيب العقل مع نشاط وفرح وهو طاهر، وكل ما كان كذلك يجوز استعمال القدر الذي لا يغيب العقل منه والصغرى بينة؛ إذ هي من الوجدانيات والمشاهدات، والكبرى دليلها ما سبق من كلام الأئمة؛ فالنتيجة بديهية، فمنكرها منكر البديهي، فإن قلت قولك: إن الدخان المذكور طاهر ممنوع؛ لأنه يبل بالخمر، قلت: إن تحقق هذا فحرمته لأمر عارض لا لذاته، وإن لم يتحقق ذلك فالأصل الطهارة، وهذا على فرض صحته، إنما هو فيما يأتي من بلاد النصارى ونحوها، وأما ما يأتي من بلاد التكرور ونحوها، فهو محقق السلامة من هذا على أن ابن رشد جازم بطهارة دخان النجس، فإن قلت: استعمال هذا سرف، وهو حرام، قلت: صرف المال في المباحات على هذا الوجه ليس بسرف، فإن قلت: هو مضر فيحرم لضرره، قلت: إن تحقق

هذا فحرمته لأمر عارض كما سبق فيحرم على من يضره خاصة دون غيره، ودعوى أنه مضر مطلقا بلا دليل، كيف وقد ثبت نفعه بالمشاهدة في بعض الأمراض كإزالة الطحال هذا، وقد أفتى العلامة الشيخ محمد النحريري الحنفي بأن شرب الدخان إنما يحرم على من ضره بإخبار طبيب عارف مسلم يوثق به أو بتجربة، وإلا فهو حلال. اهـ. وأفتى مرة أخرى على سؤال رفع إليه بأنه لا يحرم إلا على من يغيب عقله أو يضره، ونص السؤال. (ما قولكم رضي الله عنكم) في شرب الدخان الحادث في هذا الزمان، هل يحرم على من لا يغيب عقله ولا يضر جسده، وهل ورد حديث في ذمه، ولو ضعيفا أم لا، أفتونا مأجورين. (ونص الجواب): الحمد لله رب العالمين، رب زدني علما، لا يحرم إلا على من يغيب عقله أو يضره، ومن لا فلا، وأما ورود حديث في شأن ذلك، فغير منقول في شيء مما وقفنا عليه من كتب الحديث لا على طريق الصحة، ولا على طريق الضعف، بل ولا على طريق الوضع ممن التزم ذكر الموضوعات، وأما ما ينقل على الألسنة فهو من أكاذيب أهل عصرنا، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال، وكتبه عبد الله بن محمد النحريري الحنفي حامدا مصليا، وأفتى شيخ الشافعية في زمنه الشيخ علي الزيادي الشافعي على سؤال رفع إليه أنه يحرم شربه لمن يغيب عقله دون غيره، وكذا أفاد الشيخ العارف بالله تعالى العلامة عبد الرءوف المناوي الشافعي، وكذلك الشيخ الفقيه المتقن المحرر الشيخ محمد الشوبري الشافعي، ونص ما كتبه ليس شرب الدخان حراما لذاته، بل هو كغيره من المباحات ودعوى كونه حراما لذاته من الدعاوى التي لا دليل عليها، وإنما منشؤها إظهار المخالفة على وجه المجازفة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وكتبه محمد بن أحمد الشوبري الشافعي. انتهى. وقد أفاده ذلك العالم الكامل الشيخ مرعي الحنبلي رحمه الله تعالى، فإنه كتب على سؤال يتضمن حكم شرب الدخان المذكور ما نصه شربه ليس بحرام لذاته، حيث لم يترتب عليه مفسدة بل هو بمنزلة شرب دخان النار التي لم ينفخها نافخ، وباتفاق لا قائل بتحريم ذلك، ولا تقتضي قواعد الشريعة تحريم الدخان المذكور، ولا شبهة أن البدع الحادثة تعرض على قواعد الشريعة، فإن أشبهت المباح فمباحة، أو الحرام فمحرمة، إلى غير ذلك من بقية الأحكام، وإذا تدبر العاقل أمر الدخان وجده ملحقا

بالبدع المباحة إن لم يترتب عليه مفسدة، ولم يرد في ذمه حديث عند فقهاء الحنابلة، والله أعلم، وكتبه الفقير مرعي المقدسي الحنبلي، وأفتى بذلك الشيخ العلامة العارف بالله تعالى الشيخ أحمد المالكي، ونص ما كتبه الدخان المذكور حرام لمن يغيب عقله، أو يؤذي جسده إذا أخبره بذلك طبيب عارف يوثق به، أو علم ذلك من نفسه بتجربة، وإلا فهو غير حرام، والله أعلم، وأما ما ورد من الأحاديث المتعلقة بذمه، فهو باطل لا أصل له، وقد ذكر الشيخ العلامة عبد الرءوف المناوي المذكور، أنه ورد عليه أسئلة كثيرة تشتمل على أحاديث في ذم الدخان لا أصل لها، وأنه لم يوجد حديث بذمه أصلا، والله أعلم. فقد اتضح لك أن شرب ما لا يغيب العقل من الدخان غير محرم لذاته باتفاق المذاهب الأربعة، وإذا ثبت هذا فلا يحرم بمنع ولي الأمر على من علم انتفاعه به ولم يغيبه؛ لأنه حينئذ صار مطلوبا باستعماله، فترك استعماله ترك لما طلب منه، وطاعة الإمام لا تجب في مثل هذا على أحد القولين الآتيين، وكذلك إن لم يعلم ذلك ولم يضره ولم يغيب عقله، إن علم أن سبب منع ولي الأمر من استعماله اعتقاد حرمته، وإن علم أن لسبب المنع من استعماله مصلحة أخرى مع اعتقاد إباحته حرم؛ لأنه تجب طاعة السلطان في غير المعصية، فإذا منع من مباح وجبت طاعته، وإن لم يعلم سبب ذلك، فإنه يحمل على الأول، والمظنون بل المحقق أنه لا يمنع الناس من المباح الذي لا يعتقد حرمته على أنه قد يقال: إن منع الإمام من المباح لا يعمل به إلا إذا كان مذهبه ذلك، وأفتى الشيخ عبد الله الحنفي المذكور أن منع الإمام من المباح لغو لا يوجب حرمته، وليس له منع الناس منه، وأفتى العلامة ابن القاسم الشافعي بأن منع الإمام من المباح إنما يوجب المنع ظاهرا فقط، ونص ما كتبه نهي الإمام يمنع ارتكاب المنهي عنه، وإن كان مباحا على ظاهر كلام أصحابنا، ويكفي الانكفاف ظاهرا، وهذا آخر ما أردنا إيراده من رسالة سيدي علي الأجهوري المذكور. (فائدة) ذكر الزرقاني على العزية ما نصه: سئل سيدي علي الأجهوري عن الدخان، وأن شخصا ينقل أحاديث وهي: "إياكم والخمر والخضرة"، وأن حذيفة قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى شجرة فهز رأسه، فقلت: يا رسول الله، لم هزيت رأسك؟ فقال: "يأتي ناس في آخر الزمان يشربون من أوراق

هذه الشجرة ويصلون بها، وهم سكارى، أولئك هم الأشرار، بريئون مني، والله بريء منهم"، وعن علي: "من شربها فهو في النار أبدا، ورفيقه إبليس، فلا تعانقوا شارب الدخان، ولا تصافحوه، ولا تسلموا عليه، فإنه ليس من أمتي"، وفي خبر: "إنهم من أهل الشمال، وهو شراب الأشقياء، وهي شجرة خلقت من بول إبليس حين سمع قول الله عز وجل:} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ {الآية، فدهش، فبال فخلقت من بوله" بينوا لنا الجواب عن هذه الأحاديث، وهل هي واردة، وماذا يترتب على راويها بالكذب، وماذا يلزمه حيث نفى الإيمان والإسلام عن شاربها من غير أصل، وهل يحرم استعماله أم لا؟ (فأجاب): بما نصه: دعوى أن هذه الأحاديث واردة في الدخان كذب وافتراء كما بينه الحفاظ الأعيان، وركاكة تلك الألفاظ دالة أيضا على ذلك، قال الربيع بن خيثم: إن للحديث ضوءا كضوء النهار، ولغيره ظلمة كظلمة الليل، ومن كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمدا فهو من أهل النار كما في خبر الصحيحين: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" والكذب عليه صلى الله عليه وسلم كبيرة إجماعا حتى في الترغيب والترهيب، ولا التفات لقول إمام الحرمين بتكفير الكاذب عليه، ولا لمن شذ فجوره، كما في الترغيب والترهيب، ويلزمه التعزير اللائق بحاله بحسب اجتهاد الحاكم بسبب كذبه على الوجه المذكور، وبنفيه الإيمان والإسلام عن شاربه، ولا يحرم استعماله إلا لمن يغيب عقله أو يضره في جسده، أو يؤدي استعماله إلى ترك واجب عليه كنفقة من تلزمه نفقته، أو تأخيره الصلاة عن وقتها، أو نحو ذلك، والله أعلم. وسئل أيضا عن جواز بيع الأفيون ونحوه فأجاب بما نصه: يجوز بيع الأفيون ونحوه من المفسدات التي تغيب العقل لا مع نشاط وطرب لمن يأكل منه القدر الذي لا يغيب عقله، وكذا لمن اعتاد أكله حتى صار يحصل له الضرر الشديد بالترك، وكذا لمن يستعمله في غير الأكل من الأدوية ونحوها، ثم قال: وأما بيع العشب المسمى بالدخان في هذا الزمان، وإن كان اسمه في كتب الطب الطباق، بكسر الطاء المهملة وفتح الموحدة المشددة، فلا يمنع بيعه إلا لمن تحقق أو غلب على الظن أنه إذا استعمله غيب عقله، وهو نادر جدا كما هو مشاهد. اهـ. كذا في فتح الرحيم الرحمن شرح لامية الأستاذ ابن الوردي نصيحة الإخوان، تأليف الفاضل السيد الشريف مسعود بن حسن بن أبي بكر القناوي الشافعي نفعنا الله بسره، وأسرار أجداده آمين. (ما قولكم) في دور مكة المشرفة، هل يجوز بيعها ووقفها وكراؤها أم لا؟ وهل الحسنة فيها بمائة ألف أم لا؟ أفتونا. (الجواب): في الفروق للقرافي بعد أن حقق عن الإمام أن مكة فتحت عنوة ما حاصله: أراضي العنوة اختلف العلماء فيها، هل تصير وقفا بمجرد الاستيلاء، وهو الذي حكاه الطرطوشي في تعليقه عن مالك، وللإمام قسمتها كسائر الغنائم، وهو مخير في ذلك، والقاعدة المتفق عليها أن مسائل الخلاف إذا

اتصل ببعض أقوالها قضاء حاكم؛ تعين القول به وارتفع الخلاف، فإذا قضى حاكم بثبوت ملك في أرض العنوة، ثبت الملك، وارتفع الخلاف، ويتعين ما حكم به الحاكم، وهذا التقرير يطرد في مكة ومصر وغيرهما، والقول بأن الدور وقف إنما يتناول الدور التي صادفها الفتح، أما إذا انهدمت تلك الأبنية، وبنى أهل الإسلام دورا غير دور الكفار، فهذه الأبنية لا تكون وقفا إجماعا، وحيث قال مالك: لا تكرى دور مكة، يريد ما كان في زمانه باقيا من دور الكفار التي صادفها الفتح، واليوم قد ذهبت تلك الأبنية، وعليه فتملك وتوهب وتوقف، وقال القاضي تقي الدين الفاسي: والقول بمنع كراء بيوت مكة فيه نظر؛ لأن غير واحد من علماء الصحابة وخلافهم عملوا بخلافه في أوقات مختلفة، ثم ذكر وقائع من ذلك عن عمر وعثمان وابن الزبير ومعاوية رضي الله عنهم، وعلى القول بجواز البيع والكراء، اقتصر ابن الحاج، فإنه قال بعد ذكر الخلاف: وأباحت طائفة من أهل العلم بيع رباع مكة، وكراء منازلها، منهم: طاووس، وابن دينار، وهو قول مالك، والشافعي، قال: والدليل على صحته قول مالك، ومن يقول بقوله قول الله عز وجل:} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ {وقوله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" فأثبت لأبي سفيان ملك داره، وأثبت لهم أملاكهم على دورهم، وأن عمر ابتاع دارا بأربعة آلاف درهم، وأن دور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيدي أعقابهم منهم: أبو بكر الصديق، والزبير بن العوام، وعمرو بن العاص، وغيرهم قد بيع بعضها وتصدق ببعضها، ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا في أملاكهم، وتؤول سواء العاكف فيه والباد في البيت خاصة، والله أعلم. وأما الحسنة فيها فبمائة ألف، ومن أعظمها الوقف إذ هو الصدقة الجارية، والحال ما ذكر، والله أعلم بالصواب. (ما قولكم في عبد مملوك) وعند بنت صغيرة حرة، فولى رجلا أجنبيا على عقد ابنته على رجل رغبها بدون إذن سيده، ولا رفع أمر البنت إلى القاضي الموجود في البلد، فهل هذا العقد صحيح أم لا؟ (الجواب): الحمد لله، نعم هذا العقد صحيح؛ لقوله في أقرب المسالك مع الشرح: كعبد أوصى على نكاح أنثى، فإنه يوكل من يتولى عقدها ولو أجنبيا. اهـ، فأنت خبير بأن العبد إذا كان وصيا على نكاح أنثى يوكل من يتولى عقدها، ولو أجنبيا ولم يتوقف على إذن سيده، ولا إلى الرفع إلى القاضي، فكيف لا يكون ذلك كذلك في العبد إذا كان أبا لحرة، بل هو أولى والله سبحانه وتعالى أعلم. (ما قولكم) في رجل عقد على امرأتين ثم طلق واحدة منهما، وقد دخل بإحداهما ولم يدخل بالأخرى، ثم مات ولم تعلم المطلقة ولم تنقض العدة، فماذا يخص كلا منهما من الميراث، وهل لكل منهما الصداق كاملا، أم كيف الحال أفيدوا الجواب؟ (الجواب): الحمد لله رب العالمين، رب زدني علما؛ للزوجة المدخول بها الصداق كاملا للمس، وأما الميراث فنصف ما يخص

الزوجة لا منازع للمدخول بها فيه، ونصفه الآخر تنازعها فيه الزوجة الأخرى؛ لأنها تقول لها: أنت المطلقة فلك نصفه وأنا نصفه، وتقول المدخول بها للأخرى: أنت المطلقة فلا شيء لك من الميراث؛ لأن طلاقك قبل الدخول، وهو يقع بائنا، فيقسم بينهما ذلك النصف، فيصير للمدخول بها ثلاثة أرباع الميراث، وللثانية ربعه، وللثانية أيضا ثلاثة أرباع الصداق؛ لأن نصفه لا منازع لها فيه، ونصفه الآخر ينازعها فيه الوارث؛ لأنه يقول لها: أنت المطلقة، والمطلقة قبل الدخول لا تستحق إلا نصف الصداق، وهي تقول المطلقة هي المدخول بها، فأنا أستحق الصداق كاملا؛ لأنه يكمل بالموت فيقسم النصف الآخر بينها وبين الوارث، كما في المجموع وغيره، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في امرأة زوجها أبوها، وهي مراهقة على زيد لمهر معلوم، وقد غاب زوجها المذكور قبل الدخول بها ومات أبوها، وقد رفعت أمرها الآن إلى فضيلة قاضي جدة طالبة، تقدير النفقة لها في ذمة زوجها زيد المذكور، وفرض لها مولانا الحاكم الشرعي المشار إليه ثلاثة قروش صاغ دارج البلدة، كل يوم للنفقة والكسوة ومئونة السكن، وأذن لها بصرفها ذلك وبالاستدانة عند الحاجة، والرجوع على زوجها زيد المذكور بموجب إعلام شرعي صادر من محكمة جدة الشرعية بتاريخ 26 محرم سنة 39، فبعد تقدير النفقة لها على الوجه المسطور رفعت أمرها إلى الحاكم المنوه، طالبة تطليق نفسها من زوجها زيد المذكور على مذهب مالك رضي الله عنه، وقد أحال أمرها الحاكم المذكور إلى أحد علماء المالكية منيبا إياه في النظر في أمرها، والحكم فيه على مذهبه، فهل إن أثبتت عدم وجود ما تنفق به من ماله، وأنها لا تعلم مقره يصح تطليقها لعدم النفقة الواجبة لها كما ذكر أعلاه، أم لا أفتونا مأجورين؟ (الجواب): في أقرب المسالك مع شرحه تجب نفقة الزوجة المطيقة للوطء على الزوج البالغ الموسر بها إن دخل بها ومكنته، أو لم يدخل بها ودعته هي، أو مجبرها، أو وكيلها له أي للدخول، ولو عند غير حاكم، وليس أحدهما أي الزوجين مشرفا على الموت عند الدعاء إلى الدخول، وإلا نفقة لها لعدم القدرة على الاستمتاع بها. اهـ. والزوجة هنا قد غاب عنها الزوج قبل الدخول بها كما في السؤال، فلا تجب لها نفقة على الزوج حتى يقدرها الحاكم لها في ذمة الزوج، أو يحكم العالم المالكي بتطليقها عليه لعدم النفقة، نعم للعالم المالكي أن يجري في حقها حكم من فقد زوجها في أرض الإسلام في غير زمن الوباء، بأن يكشف أولا عن حال زوجها بالسؤال والإرسال للبلاد التي يظن بها ذهابه إليها للتفتيش عنه إن أمكن الإرسال، والأجرة عليها، وبعد العجز عن خبره يؤجل الحر أربعة أعوام والعبد نصفها، فإذا تم الأجل دخلت في عدة وفاة، ولا تحتاج إلى نية دخول فيها، وقدر بالشروع في العدة طلاق يتحقق وقوعه بدخول الزوج الثاني كما في أقرب المسالك وشرحه، لكن قال العلامة الصاوي: ومحل هذا

ما لم تخش العنت، وإلا فتطلق عليه للضرر، فهي أولى من معدومة النفقة، كذا قال الأشياخ. اهـ والله أعلم. نعم لا تجب لها نفقة على مذهب مالك رضي الله عنه، ولكن حيث إنها تجب لها النفقة على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه كما أفتى به مولانا قاضي القضاة بمكة المحمية، وحكم به الحاكم الشرعي بجدة، فهل يجوز للعالم المالكي أن يستند في تطليقه على النفقة الواجبة لها على مذهب غيره خصوصا، وقد حكم حاكم بوجوبها أم لا يجوز له ذلك؟ وهل تصدق مطلقا في خشية العنت، وتطلق على زوجها كما قال العلامة الصاوي، أم لذلك شروط لا بد منها أفتونا مأجورين؟ نعم يجوز للعالم المالكي أن يستند في تطليقها من زوجها على مذهب غيره الذي حكم به الحاكم من وجوب نفقتها على زوجها قبل الدخول، ففي ضوء الشموع، قال العلامة الأمير عند قوله في مجموعه: وحرم المبتوتة حتى يولج بالغ، وعند الشافعي يكفي الصبي، ومن هنا الملفقة، ولأجل رفع الخلاف تحتاج لقاضيين يعقد شافعي، أي يحكم بصحة عقد الصبي، وتحليله المبتوتة، ويطلق مالكي لمصلحة ومعلوم أنه لا عدة من وطء الصبي، فيعقد من انتهاء أثر الطلاق، وإلا فالتلفيق جائز بدون القاضيين، لكنها لا تناسب الاحتياط في الفروج، فلذا كتب السيد البليدي وغيره من المحققين منع الملفقة. اهـ بتغيير ما. قال الشيخ الصاوي على أقرب المسالك في باب القضاء: محمل قولهم حكم الحاكم لا يحل حراما هو الذي باطنه مخالف لظاهره، بحيث لو اطلع الحاكم على باطنه لم يحكم، وأما باطنه كظاهره كحكم الشافعي يحل المبتوتة بوطء الصغير فحكمه رافع للخلاف ظاهرا وباطنا، ولا حرمة على المقلد له في ذلك، وهي المسألة الملفقة. اهـ، ومسألتنا لا شك أنها من قبيل المسألة الملفقة كما لا يخفى، وتصدق المرأة في خشية العنت إذا مضى عليها من غيبة زوجها أكثر من أربعة أشهر، كما يؤخذ من مسألة الإيلاء، والله سبحانه وتعالى أعلم. (ما قولكم) في طن الأذن هل ورد فيه شيء أم لا؟ (الجواب): في الزرقاني على العزية: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تتأكد عند طن الأذن، قال العلامة العدوي: أي لما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني، وليصل علي، وليقل: ذكر الله من ذكرني بخير" انتهى، قال شارحه إذا طنت أي صوتت، فليذكرني بأن يقول: محمد رسول الله، وليصل علي، أي يقول: صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر في حل قوله: وليقل: ذكر الله من ذكرني بخير ما حاصله أن الروح إذا تطهرت من القذر، تجول في الملكوت حتى تلحق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى، قائلا: يا رب أمتي أمتي، حتى ينفخ في الصور، فيذكر النبي صلى الله عليه وسلم الشخص، المذكور لله، ويسأله خيرا له، فإذا قدمت الروح بذلك الخير إلى جسدها تطن الأذن فيطلب من الشخص أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مكافأة له. اهـ عدوي. (ما قولكم) دام فضلكم، فيما اعتيد

فعله الآن من الأذان في القبر بعد وضع الميت فيه وقبل إلحاده، ومن الأذان خلف المسافر على قصد رجوعه، هل لذلك أصل في الكتاب والسنة، أو في نصوص الأئمة مما يعتمد عليه بالنسبة للخواص والعوام؟ (الجواب): فعل الأذان سنة لجماعة، طلبت غيرها بحضر أو سفر بكل مسجد وجامع، وبعرفة، ومزدلفة، وبكل موضع جرت العادة بالاجتماع فيه فيسن في جميع ذلك كفاية، ووجب في المصر كفاية وحرم قبل وقته كعلى امرأة على أحد القولين، وكره لها على الآخر كلسنن ولو راتبة، وكذا الجماعة مقيمين لم تطلب غيرها، ولفائتة خلافا للشافعية، وكذا الجماعة مقيمين لم تطلب غيرها، ولفائتة خلافا للشافعية، وكذا في ضروري، وفرض كفائي فيما يظهر، وندب لمسافر أو في فلاة، ولجماعة في فلاة، أو مسافرين لم يطلبوا غيرهم؛ فتعتريه أحكام خمسة، ليس منها الإباحة بل السنة، والوجوب، والحرمة، والكراهة، والندب، كما في عبد الباقي، والزرقاني على مختصر خليل، وأما فعله في غير ما ذكر فهو على ثلاثة أنواع؛ الأول فعله في أذن المولود عند ولادته في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى، وهذا قد نص فقهاء المذاهب على ندبه وجرى به عمل علماء الأمصار بلا نكير، وفيه مناسبة تامة لطرد الشياطين به عن المولود لنفورهم، وفرارهم من الأذان، كما جاء في السنة. النوع الثاني فعله خلف المسافر رجاء عوده من سفر لمقر وطنه، وهذا لم أره منصوصا إلا أنه جرى به عمل من يقتدى بعمله من علماء الأمصار، وفيه مناسبة حيث يطلب بحي على الصلاة، حي على الفلاح، إقباله على وطنه، وعوده من سفره، نظير ما اعتاد بعض المشايخ كتابته على بطن المرأة التي تعسر وضعها حملها، صلاة الفاتح، وأول سورة الفتح إلى:} وَيَهْدِيَكَ صِرَاطا مُسْتَقِيما {. النوع الثالث: فعله في القبر بعد وضع الميت فيه وقبل لحده، وهذا لم ينص عليه أحد من الفقهاء، وليس فيه مناسبة؛ إذ لا سبيل لعود الميت للدنيا، ولم يجر به عمل من يقتدي به، بل قال ابن حجر في فتاويه الكبرى: هو بدعة، إذ لم يصح فيه شيء، وما نقل عن بعضهم فيه غير معول عليه، ثم رأيت الأصبحي أفتى بما ذكرته؛ فإنه سئل هل ورد في الأذان والإقامة خبر عند سد فتح اللحد؟ فأجاب بقوله: لا أعلم في ذلك خبرا ولا أثرا إلا شيئا يحكى عن بعض المتأخرين أنه قال: لعله مقيس على استحباب الأذان والإقامة في أذن المولود، وكأنه يقول: الولادة أول الخروج إلى الدنيا، وهذا آخر الخروج منها، وفيه ضعف، فإن هذا لا يثبت إلا بتوقيف، أعني تخصيص الأذان والإقامة، وإلا فذكر الله تعالى محبوب على كل حال، إلا في وقت قضاء الحاجة. اهـ كلامه رحمه الله، وبه يعلم أنه موافق لما ذكرته من أن ذلك بدعة، وما أشار إليه من ضعف القياس المذكور ظاهر جلي، يعلم دفعة بأدنى توجه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. اهـ كلام ابن حجر رحمه الله تعالى، والله ولي التوفيق والهداية لأقوم طريق. (ما قولكم) فيما اشتهر على ألسنة الناس من قولهم: من قلد عالما لقي الله

سالما، هل هو حديث وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أم هو من كلام العلماء، وما مرادهم به، أفتونا مثابين؟ (الجواب) الحمد لله، لم أقف على كونه حديثا مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، وإنما وقفت في كتاب الميزان للشعراني نقلا عن الجلال السيوطي أنه قال: وقد استنبطت من حديث "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" أننا إذا اقتدينا بأي إمام كان اهتدينا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خيرنا في الأخذ بقول من شئنا منهم من غير تعيين، وما ذلك إلا لكونهم كلهم على هدى من ربهم، ولو كان المصيب من المجتهدين واحدا والباقي مخطئا؛ لكانت الهداية لا تحصل لمن قلد الباقين، قال: فمن ثم كان محمد بن حزم يقول في حديث: "إذا اجتهد الحاكم وأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران" المراد بالخطأ هنا عدم مصادفة الدليل لا الخطأ الذي يخرج صاحبه عن الشريعة، إذ لو خرج به عن الشريعة لم يحصل له به أجر، انتهى. اهـ كلام الشعراني في الميزان، وهو ظاهر في أن العلماء إنما اتخذوا قولهم: من قلد عالما ... إلخ مأخوذ من حديث: "أصحابي كالنجوم إلخ" على الاستنباط المذكور الذي هو من تنقيح المناط بالفاء خصوص أصحابي، واعتياد عمومه أي الأئمة ذوو الاجتهاد المطلق كالنجوم ... إلخ، بقرينة بأيهم اقتديتم، إذ مجرد الصحبة لا دخل لها في الاقتداء بهم فافهم؛ لأن مرادهم بالعالم المجتهد المطلق، وعلى أن المراد به مطلق عالم، ولو غير مجتهد يأتي فيه قول الشيخ إبراهيم العلوي في ألفية الأصول: وقول من قلد عالما لقي ... الله سالما فغير مطلق وقول النابغة القلاوي الشنقيطي في الصليحة: وقال في إضاءة الدجنة ... المقري قولة كالجنة والحزم أن يسير من لم يعلم ... مع رفقة مأمونة ليسلم وليسلك المحجة البيضاء ... فنورها للمهتدي استضاء وفي بنيات الطريق يخشى ... سار ضلالا أو هلاكا يغشى أمننا الله من الآفات ... في الدين والدنيا إلى الوفاة فافهم، والله سبحانه وتعالى أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم في الزوجين اشتركا في الاكتساب كما جرى في أكثر قرى أندونسيا، واختلط المتحصل من كسبهما ولم يتميز، ومات أحد الزوجين عن الآخر، والورثة الأخرى ماذا يعمل هل يقسم المال بينهما بالسوية أم لا؟ ثم يقسم على الورثة أم يقسم بادئ بدء على جميع الورثة من غير أن يقسم بينهما بالسوية أو لا؟ أفيدونا ولكم الأجر والثواب؟ (الجواب): في إعانة شيخنا اشتراك اثنين ليكون كسبهما بينهما، أي مكسوبهما ببدنهما خاصة، سواء اتفقا حرفة كخياطين، أو اختلفا فيها كخياط ورفاء تسمى شركة الأبدان، وهي باطلة لعدم المال، فمن انفرد بشيء فهو له، وما اشتركا فيه يوزع عليهما بنسبة أجرة المثل بحسب الكسب، وجوزها أبو حنيفة رضي الله عنه مطلقا، ومالك وأحمد رضي الله عنهما مع اتحاد الحرفة. اهـ، وهو صريح في أن المتحصل من كسب

الزوجين، ولم يتميز يوزع عليهما بنسبة أجر المثل بحسب الكسب، ثم يأخذ ورثة الميت منهما ما خصه بالتوزيع المذكور؛ ليقتسموه على مقتضى الإرث الشرعي فرضا وتعصيبا، والله سبحانه وتعالى أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم، هل يسوغ للمسلم إقراء السلام على الكافر أم لا، وعلى جوازه فما الدليل عليه أفتونا؟ (الجواب): في شرح أقرب المسالك للعلامة الدردير، ويكره بدء الكفار بالسلام، فإن سلموا علينا بصيغتنا رددنا عليهم، أي لا على سبيل الوجوب، وإنما يندب لقوله تعالى:} وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا {. اهـ بتوضيح من الصاوي عليه، وفي مشكاة المصابيح عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" رواه مسلم. اهـ. (سئلت) هل تكون المملوكة معتوقة بقول سيدتها في حال غضبها وخصامها لها: لو ما كنت معتوقة لكنت بعتك، وأنكرت سبق عتق منها لها، ولا تصدق أم لا، بل يصح بيعها، وتصدق أفتونا؟ (فأجبت) بقولي: قول السيدة ما ذكر لمملوكتها يعد إقرارا بالعتق قبله، فلا ينفع فيه الإنكار، بل ينجز فيه العتق بالقضاء أي بحكم الحاكم، ويقبل منها الإنكار، ولا ينجز عليها العتق في الفتيا؛ لقول العلامة الدردير في شرحه على سيدي خليل بتغيير ما مع المتن إذا أقر الزوج على نفسه أنه تزوج أو تسرى بعد اليمين منه بالطلاق أنه لا يتزوج أو لا يتسرى، ثم قال: كنت كاذبا في إقراري بذلك، فلا يصدق أنه كان كاذبا، وحينئذ فينجز عليه الطلاق بالقضاء اهـ. قال الدسوقي: عليه أي بحكم الحاكم، وظاهره أنه يقبل منه، في الفتيا، وفي المدونة ما يشهد له، ونصها فإن لم تشهد البينة على إقراره بعد اليمين، وعلم هو أنه كاذب في إقراره بعد يمينه هل له المقام عليها بينه وبين الله تعالى، ومن المعلوم أنه ما يحل المقام عليه بجواز الفتيا، بل لا طريق لمعرفتها إلا منها. اهـ، بن اهـ، وقد نصوا على أن العتق كالطلاق في مثل ذلك، والله أعلم. (فائدة) ومن شعر الشيخ محمد المغافري رحمه الله تعالى: إذا ما اشترت بنت أباها فعتقه ... بنفس الشرا شرعا عليها تأصلا وميراثه إن مات من غير عاصب ... ومن غير ذي فرض لها قد تأثلا لها النصف بالميراث والنصف بالولا ... فإن وهب ابنا أو شراه تفضلا فأعتق شرعا ذلك الابن ما لها ... سوى الثلث والثلثان للأخ أصلا وميراثه فيه إذا مات قبلها ... كميراثها في الأب من قبل يجتلى ومولى أبيها ما لها الدهر فيه من ... ولاء ولا إرث مع الأخ فاعتلا قال في نفح الطيب: وهذه المسألة ذكر الغزالي في الوسيط أنه قضى فيها أربعمائة قاض، وغلطوا، وصورتها: ابنة اشترت أباها، فعتق عليها، ثم اشترى الأب ابنا فعتق عليه، ثم اشترى عبدا فأعتقه، ثم مات الأب فورثه الابن والبنت، للذكر مثل حظ

الأنثيين، ثم مات العبد المعتق فلمن يكون ولاؤه، وفرضها المالكية على غير هذا الوجه، وهي مشهورة. اهـ والله أعلم. (فائدة) الذريعة التي يجب سدها شرعا: هو ما يؤدي من الأفعال المباحة إلى محظور منصوص عليه، لا مطلق محظور فمن هنا قال مالك وأبو حنيفة: يشتري الولي في مشهور الأقوال من مال يتيمته إذا كان نظرا له، وهو صحيح؛ لأنه من باب الإصلاح المنصوص عليه في آية:} وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ {إلخ، فلا يقال: لم ترك مالك أصله في التهمة والذرائع، وجوز له ذلك من نفسه مع يتيمته، لأنا نقول: قد أذن الله تعالى هاهنا في صورة المخالطة، ووكل الحاضنين في ذلك إلى أمانتهم، بقوله تعالى:} وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ {، وكل أمر مخوف، ووكل الله تعالى فيه المكلف إلى أمانته، لا يقال فيه: إنه يتذرع إلى محظور، فمنع منه كما جعل الله سبحانه النساء مؤتمنات على فروجهن مع عظم ما يتركب على قولهن في ذلك من الأحكام، ويرتبط به من الحل والحرمة، والأنساب، وإن جاز أن يكذبن، وهذا فن بديع فتأملوه، واتخذوه دستورا في الأحكام واصلوه، أفاده العلامة أبو بكر بن العربي في كتاب أحكام القرآن. (فائدة) قال محمد بن علي بن حسين: النكاح بولي في كتاب الله تعالى ثم قرأ:} وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ {بضم التاء، وهي مسألة بديعة ودلالة صحيحة، أفاده العلامة أبو بكر بن العربي في كتاب أحكام القرآن، والله أعلم. (فائدة) قال الإمام ابن العربي في كتابه أحكام القرآن: من غريب فنون الترجيح ترجيح العموم في خصوص العين على العموم في خصوص الحال، وذلك أن بعض علمائنا، قال: إن دم الحيض كسائر الدماء يعفى عن قليله تمسكا بعموم قوله تعالى:} أَوْ دَما مَسْفُوحا {فإنه يتناول الكثير دون القليل، وهو عموم في خصوص حال الدم، وقال بعض الآخر: قليله وكثيره سواء في التحريم، رواه أبو ثابت عن ابن القاسم، وابن وهب، وابن سيرين عن مالكا تمسكا بقوله تعالى:} قُلْ هُوَ أَذى {فإنه يعم القليل والكثير، وهو عموم في خصوص عين الدم؛ فترجح على الآخر؛ لأن حال العين أرجح من حال المحال، وقد بيناه في أصول الفقه، وهو مما لم نسبق عليه ولم نزاحم عليه. اهـ بتصرف. (فائدة) نظم الشيخ إبراهيم الرياحي التنوسي الصلوات التي تفسد على الإمام دون المأموم بقوله: وأي صلاة للإمام فسادها ... تبين فالمأموم في ذاك تابع سوى عدة ضاهت كواكب يوسف ... وها أنا مبديها إليك وجامع ففي حدث ينسى الإمام وسبقه ... وقهقهة والخوف في العد رابع وإعلام مأموم يفوز إمامه ... بتنجيسه والبعض فيه منازع وقطع إمام حين كشف لعورة ... على ما لسحنون وقد قيل واسع ومستخلف لفظا لغير ضرورة ... لأجل رعاف هي وفي العد سابع

ومستخلف بالفتح لم ينو ثم من ... بتسليمه فات التدارك تابع وتارك قبلي الثلاث وطال إن ... هموا فعلوا لكن به الخلف واقع ومنحرف لا يستجاز انحرافه ... وهذا من غريب بالتتمة طالع وذا في صلاة ما الجماعة شرطها ... وإلا فبطلان على الكل شائع ونظم أيضا ما يحر فيه ربا الفضل والنسا بقوله: إذا بعت مطعوما بمطعوم آخر ... فإن كان بالتأجيل فامنعه مطلقا ويحرم في الجنس التفاضل إن هما ... يكونا ذوي قوت وذخر فينتقى وحرمتهما في النقد والجنس واحد ... وللنسا فامنع حيثما الجنس ما التقى ومهما تبع عرضا بعرض فإنه ... سوى الجنس بالتأجيل والفضل ينتقى واجر اختلاف النفع مجرى تخالف ... بجنس هنا فاحفظ فلا زلت ذا تقى ونظم أيضا شروط الرجوع في النفقة على الصبي بقوله: إن كان للصغير مال حين إن ... أنفق والإنفاق بالعلم قرن وقد نوى به الرجوع وحلف ... عليه والإنفاق من غير سرف وكان مال الطفل غير عين ... فهذه ست بغير مين ذكرها العلامة المتيطي ... ففز بها واحذر من التفريط ومن على القصد بشيء عار ... فالنص بالرجوع في المعيار (فائدة) قال العلامة التنبكتي في تكملة الديباج عقب ترجمته للعلامة محمد بن محمد بن القرشي التلمساني، الشهير بالمقري بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة ما نصه: ومن فوائده أنه قال: سألني السلطان أبو عنان عمن لزمته يمين على نفي العلم، فحلف جهلا على البت، هل يعيد أم لا؟ فأجبته بإعادتها، وقد أفتاه من حضر من الفقهاء بأن لا تعاد؛ لأنه أتى بأكثر مما أمر به على وجه يتضمنه، فقلت له: اليمين على وجه الشك غموس، قال ابن يونس: والغموس الحلف على تعمد الكذب وعلى غير يقين، لا شك أن الغموس محرمة، منهي عنها، والنهي يدل على الفساد، ومعناه في العقود عدم ترتب أثره فلا أثر لهذه اليمين، فوجب أن تعاد، وقد يكون من هذا اختلافهم فيمن إذنها السكوت فتكلمت، هل يجتزأ بذلك، والإجزاء هنا أقرب؛ لأنه الأصل، والصمات رخصة لغلبة الحياء، فإن قلت: البت أصل، وإنما يعتبر نفي العلم إذا تعذر، قلت: ليس رخصة كالصمات. اهـ. (فائدة) قال العلامة التنبكتي في تكملة الديباج عقب ترجمة العلامة محمد بن جعفر الأسلمي ما نصه: قال الحضرمي: أنشدني المترجم له لأبي الحسن بن جبير بسنده إليه: من الله فاسأل كل أمر تريده ... فما يملك الإنسان نفعا ولا ضرا ولا تتواضع للولاة فإنهم ... من الكبر في حال يموج بهم سكرى وإياك أن ترضى بتقبيل راحة ... فقد قيل فيها إنها السجدة الصغرى

اهـ. قلت: وعن سفيان الثوري: تقبيل يد الإمام العادل سنة، وعن الحسن: طاعة، وفي إحياء الغزالي قبل أبو عبيدة بن الجراح يد عمر بن الخطاب، فما أنكره، وقد ألف في رخصة تقبيلها الحافظ أبو بكر جزءا لطيفا، والله أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم فيما إذا خرب مسجد، أو خرب بعضه كسقفه، أو احتاج إلى زيادة نور أو هواء يفتح مناور، أو احتاج لمناورة، ولم يعلم لواقفه شرط، وتبرع بعض المسلمين بمبلغ عظيم لفعل ذلك، فهل والحال ما ذكر يجوز فعل ما ذكر بالمسجد المذكور، ولا سيما والمستولي على البلدة بعض ملوك الكفرة، فيكون المسجد المذكور ضد كنائسهم الموجودة الآن، أم لا يجوز أفتونا؟ (الجواب): لا شك في جواز هدم المسجد المذكور وتعميره، وعمارة جيدة وتوسيعه، وجعل منارة به بل لا شك في أن ذلك الفعل من أعظم القربات التي يتضمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ... " الحديث، وقوله تعالى:} إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ {الآية، إذ لا شك في أن تركه على ما هو عليه من نزول السقف، وعدم وجود منارة به، وخرابه ربما أدى لتعطيله عن العبادة، فلا يكون معمورا بها، وتعطيله عنها يؤدي إلى خرابه، وخرابه يؤدي إلى زوال أحكام المسجدية عنه، لا أصل الحبس كما نص على ذلك العلامة الأمير على عبد الباقي على سيدي خليل، أخذا مما كتبه السيد عن الحطاب من أنه لا يطلب للمسجد إذا خرب تحية، وأيضا قد نص العلامة الدردير، والعلامة الدسوقي وغيرهما ممن كتب على سيدي خليل على جواز توسيع المسجد، ولو بابتياع العقار العامر المحبس، وجبر الآبي من مستحق، وناظر على بيعه، فأولى الجبر في الملك ولا يعد غصبا، بل ولو يأخذ الطريق والمقبرة لتوسيعه، والله أعلم. (ما قولكم) في مسجد احتاج للعمارة، فعزم ولد الواقف وهو الناظر عليه أن يبنيه من وقفه، فلم يتمكن من ذلك لاستيلاء من لا تأخذه الأحكام على إمامة المسجد ووقفه، فطلب رجل من الناظر أن يبنيه، فأذن الناظر له في ذلك على أن الناظر إن تمكن من وقف المسجد يسلم للباني كل سنة ما أمكن، وإلا فالباني على أجره، فهل تكون النظارة باقية للناظر، أو تكون النظارة للباني المذكور، وله النصب والعزل؛ أجيبونا بجواب شاف؟ (الجواب): لا تكون النظارة للباني المذكور بمجرد بنائه، بل إنما تكون له إذا عزل الواقف الناظر، وأقام الباني أو عزل الناظر نفسه، وأقام الواقف، إن كان وإلا فالحاكم نفس الباني ناظرا، كما يؤخذ مما في الدسوقي والدردير على خليل من أن الواقف إذا شرط أن يكون فلان ناظر وقفه وجب اتباع شرطه، ولا يجوز العدول عنه لغيره، وليس للناظر الإيصاء بالنظر لغيره إلا أن يجعل له الواقف ذلك، وليس للقاضي عزله ولو بجنحة، وللواقف عزله ولو بغير جنحة، وللناظر عزل نفسه، فيولي الواقف من شاء إن كان حيا

وإلا فالحاكم. اهـ، والله تعالى أعلم. (ما قولكم) دام فضلكم، في وقف قديم بيد مستحقيه، فقد شرطه المعتبر شرعا، وليس له سجل في دواوين القضاة، وبأيديهم مكاتبات، ونقول له: يستند إليها لدى الحاكم، والذي جرى عليه عمل قوامه من ذي سنين عديدة مقاسمة الغلة أثلاثا بينهم، لكل فريق منهم ثلث تجري قسمة ذلك الثلث في ذلك الفريق، ولم يعهد فيه قسمة بغير ما ذكر إلى الآن، فقام الفريق الأكثر عددا يطلب نقض القسمة المعهود فيه بقسمه على رءوس الطبقة الأخيرة بغير استناد إلى دليل شرعي، لكي تزيد أسهمهم من الغلة، وتنقص أسهم الفريقين للذين هم أقل عددا؛ فهل والحال ما ذكر لا يلتفت إلى نقض القسمة بغير رضا المستحقين، ويعمل بما جرى عليه القوام وبما عهد فيه، وهل إذا قام بما يلزم لمصالح الوقف من إجارة وعمارة وتقسيم غلة وغير ذلك واحد من أرشد المستحقين برضا بقية المستحقين، واختيارهم له مدة عشرين سنة؛ يعد من قوامه، ويستند إلى عمله أم كيف الحكم؛ أفتونا ولكم الثواب؟ (الجواب): نعم يعمل بما جرى عليه عمل القوام، وبما عهد فيه، ولا ينقض؛ لأن العادة أن الأوقاف تكون في أيدي القوام، فلو لم يؤخذ بعلمهم ولا بإقرارهم لبطلت أوقاف كثيرة، وأيضا المظنون بحال المسلمين من القوام أنهم لا يجرون على عمل إلا لموافقة شرط الواقف كما يؤخذ من فتاوى الشيخ علي الأجهوري، ومقتضى قول العلامة الشيخ محمد عرفة الدسوقي عن الشيخ محمد الحطاب، أن الناظر إذا مات والواقف حي، جعل الواقف النظر لمن شاء، فإن مات فوصيه إن وجد وإلا فالحاكم. اهـ، إن من اختاره المستحقون ولو أكثر من مدة عشرين سنة لا يعد من قوامه بمجرد اختيارهم له، ولا يستند إلى عمله، والله أعلم. (ما قول) علماء الإسلام نفع الله بهم الأنام، فيمن أوقف وقفا، وجعل فيه معينات معلومة، وعين للناظر جزءا معلوما من غلته، فهل يقضى له بأخذ نظارته المعينة، وإن ضاقت الغلة من المعينات، أو عمر الوقف بكل غلته؛ لأنها أجرة عامل في مقابلة عمله، ويؤخذ من ذلك ما في ابن الحاجب والتوضيح بما نصه، ومن خص معينا من الموقوف عليهم بدئ به إلا أن يعمل في ذلك عامل فيكون أولى بحقه أم لا؟ وهل يقدم الناظر عمارة الوقف من غلته، ولا منازعة للمستحقين ولا يلزمه الإذن من القاضي في العمارة، ولا بيان مصرف الوقف إذا كان الناظر أمينا، ولم يشترط الواقف ذلك ويدخل في ذلك قول الدسوقي، وللناظر أن يقترض لمصلحة الوقف من غير إذن القاضي، ويصدق في ذلك، وقول حجازي في حاشيته على الأمير الناظر أمين فيصدق في مصرف الوقف، ولا يلزم بيان ذلك عند القاضي وغيره، إلا أن يكون متهما أو يشترط الواقف ذلك فيعمل به أم لا، وهل يتوقف أخذ المستحق حقه من الوقف على إذن من الناظر، وليس للمستحقين مع الناظر أمر

ونهي في الوقف لئلا يختل نظام النظارة، ويفسد الأمر على الناظر، وتفوته المصالح التي قصدها الواقف أم لا؟ أجيبونا بجواب شاف، رضي الله عنكم أمين؟ (الجواب): لا يظهر إعطاء الناظر حكم العامل المذكور في التوضيح إلا على ما ذكره البدر القرافي من أن الراجح أن للقاضي أن يجعل للناظر شيئا من الوقف إذا لم يكن له شيء، لا على ما ضعفه من إفتاء ابن عتاب بأن الناظر لا يحل له أخذ شيء من غلة الوقف، بل من بيت المال إلا إذا عين الواقف له شيئا. اهـ، والمسألة غير منصوص عليها؛ لكن ربما يستأنس لما ذكرناه بقول البجيرمي من الشافعية، واتبع شرط الواقف في استحقاق الناظر النظر، وفيما شرطه له من ريع الوقف، وفي غيره مطلقا، فإن لم يشترط له شيء فهو متبرع إلا إن فرض له الحاكم أجرة المثل بعد رفعه له، فإن أخذ شيئا من مال الوقف قبل ذلك أو بعده بغير ما قرر له ضمنه، ولا يبرأ إلا برده للقاضي، وأما تقديم الناظر عمارة الوقف من غلته، ولا كلام للمستحقين معه، فقد صرح به الأجهوري في فتاويه؛ حيث قال: البناء مقدم على معاليم المذكورين، وكذا الترميم بل في الدسوقي لو شرط الواقف أن يبدأ من غلته بمنافع أهله، ويترك إصلاح ما تهدم منه، أو يترك الإنفاق عليه إذا كان حيوانا، بطل شرطه، وتجب البداءة لمرمته، وتجب النفقة عليه من غلته لبقاء عينه. اهـ، ويؤخذ عدم لزوم استئذانه من القاضي في عمارته من قول الدسوقي، وللناظر أن يقترض ... إلخ، ويؤخذ عدم لزوم بيانه مصرف الوقف إذا كان أمينا، ولا شرط من قول الشيخ حجازي المذكور في السؤال، وقول الشيخ الدسوقي، وإذا ادعى الناظر صرف الغلة صدق إن كان أمينا ما لم يكن عليه شهود في أصل الوقف، لا يصرف إلا بمعرفتهم. اهـ، ويؤخذ توقف أخذ المستحق حقه من الوقف على إذن من الناظر، وأن المستحقين ليس لهم مع الناظر لا أمر، ولا نهي مما في فتاوى الشيخ علي الأجهوري من أن قياس الناظر أن يكون كالوصي، ومقدم القاضي على الناظر في محجور أو حبس، فلا يعزل إلا بعد ثبوت موجبه مع ما ذكره الشافعية في كتبهم؛ من أن شرط الناظر عدالة وكفاية أي قوة وهداية للتصرف فيما هو ناظر عليه؛ لأن نظره ولاية عن الغير، واعتبر فيه ذلك كالوصي والقيم، ووظيفته عمارة وإجارة، وحفظ أصل وغلة، وجمعها وقسمتها على مستحقيها. اهـ، والله أعلم. (ما قول) العلماء الأعلام أيد الله بهم دين الإسلام في مفاتيح الغيب الخمسة المذكورة في قوله تعالى آخر سورة لقمان:} إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {هل اطلع عليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته أم لا؟ (الجواب): قال العلامة الصاوي على قوله تعالى:} وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدا {ما نصه: أي من حيث ذاتها، وأما بإعلام الله للعبد، فلا مانع منه كالأنبياء وبعض الأولياء، قال تعالى:} وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ {وقال تعالى:} عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ {قال العلماء: وكذا

الولي، فلا مانع من كون الله يطلع بعض عباده الصالحين على بعض هذه المغيبات؛ فتكون معجزة للنبي، وكرامة للولي، ولذلك قال العلماء: الحق أنه لم يخرج نبينا من الدنيا حتى أطلعه على تلك الخمس، ولكنه أمر بكتمها. اهـ، وقال في روح البيان في تفسير قوله تعالى:} وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ {أي لا يدركون يعني الملائكة والأنبياء وغيرهم بشيء من معلوماته إلا بما شاء أن يعلموا، وأن يطلعهم عليه كإخبار الرسل:} فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ {قال: وفي التأويلات النجمية يعلم محمد عليه السلام ما بين أيديهم من الأمور الأوليات قبل خلق الله الخلائق، كقوله: "أول ما خلق الله نوري"، وما خلفهم من أهوال القيامة، وفزع الخلق، وغضب الرب، وطلب الشفاعة من الأنبياء، وقولهم: نفسي نفسي، وحوالة الخلق بعضهم إلى بعض حتى بالاضطرار، يرجعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاختصاصه بالشفاعة، ولا يحيطون بشيء من علمه يحتمل أن تكون الهاء كناية عنه عليه السلام، يعني هو شاهد على أحوالهم، يعلم ما بين أيديهم من سيرهم ومعاملاتهم، وقصصهم وما خلفهم من أمور الآخرة، وأحوال أهل الجنة والنار، وهم لا يعلمون شيئا من معلوماته إلا بما شاء أن يخبرهم عن ذلك. اهـ، قال شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة في الرسالة الرحمانية في بيان الكلمة العرفانية على الأولياء من علم الأنبياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر، وعلم الأنبياء من علم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المنزلة، وعلم نبينا من علم الحق سبحانه بهذه المنزلة. اهـ، وقال في تفسير قوله تعالى آخر سورة الجن:} عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ {أي هو عالم لجميع ما غاب عن الحس وحده، فلا يطلع على غيبه اطلاعا كاملا ينكشف به جلية الحال انكشافا تاما موجبا لعين اليقين أحدا من خلقه، إلا من ارتضى من رسول أي إلا رسولا ارتضاه واختاره لإظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقا ما، إما لكونه من مبادي رسالته، بأن يكون معجزة دالة على صحتها، وإما لكونه من أركانها وأحكامها لعامة التكاليف الشرعية التي أمر بها المكلفون، وكيفيات أعمالهم وأجزيتها المترتبة عليها في الآخرة، وما تتوقف هي عليه من أحوال الآخرة التي من جملتها قيام الساعة، والبعث وغير ذلك من الأمور الغيبية التي بيانها من وظائف الرسالة، وأما ما لا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب التي من جملتها وقت قيام الساعة، فلا يظهر على غيبه أحدا أبدا على أن بيان وقته مخل بالحكمة التشريعية التي فاعليها يدور فلك الرسالة، وليس فيه ما يدل على نفي كرامات الأولياء المتعلقة بالكف، فإن اختصاص الغاية القاصية من مراتب الكشف بالرسل لا يستلزم عدم حصول مرتبة ما من تلك المراتب لغيرهم أصلا، ولا على أحد لأحد من الأولياء ما في مرتبة الرسل من الكشف الكامل الحاصل بالوحي الصريح بل اطلاعهم

بالإخبار الغيبي والتلقن من الحق، فيدخل في الرسول وارثه، قال الجنيد قدس سره: قعد غلام نصراني متنكرا، وقال: أيها الشيخ: ما معنى قوله عليه السلام: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله" فأطرقت رأسي ورفعت فقلت: أسلم أسلم، فقد حان إسلامك فأسلم الغلام، فهذا إما بطريق الفراسة أو بغيرها من أنواع الكشوف، وخرج من البين أهل الكهانة والتنجيم؛ لأنهم ليسوا من أهل الارتضاء والاصطفاء كالأنبياء، والأولياء فليس إخبارهم بطريق الإلهام والكشف، بل بالأمارات والظنون ونحوها، ولذا لا يقع أكثرها إلا كاذبا، من قال: أنا أخبر من أخبار الجن يكفر؛ لأن الجن كالإنس لا تعلم غيبا، وقد سبق أن الكهانة انقطعت اليوم فلا كهانة أبدا؛ لأن الشياطين منعوا من السماء، قال ابن الشيخ: إنه تعالى لا يطلع على الغيب الذي يختص به علمه إلا المرتضى الذي يكون رسولا، وما لا يختص به يطلع عليه غير الرسول إما بتوسط الأنبياء، أو بنصب الدلائل وترتيب المقدمات، أو بأن يلهم الله بعض الأولياء وقوع بعض المغيبات في المستقبل بواسطة الملك، فليس مراد الله بهذه الآية أن يطلع أحدا على شيء من المغيبات إلا الرسل؛ لظهور أنه تعالى قد يطلع على شيء من الغيب غير الرسل كما اشتهر أن كهنة فرعون، أخبروا بظهور موسى عليه السلام، وبزوال ملك فرعون على يده، وأن بعض الكهنة أخبروا بظهور نبينا محمد عليه السلام قبل زمان ظهوره، ونحو ذلك من المغيبات، وكانوا صادقين فيه، وأرباب الملل والأديان مطبقون على صحة علم التعبير، والمعبر قد يخبر عن وقوع الوقائع الآتية في المستقبل، ويكون صادقا فيه، ثم الآية قوله تعالى:} وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ {. اهـ. (ما قولكم) في كتابة المصحف الشريف على حرف من حروفه السبعة المشهورة إذا أراد القارئ قراءته بذلك الحرف، هل يجوز لتسهل قراءته بذلك الحرف أم لا يجوز، وعلى الثاني فما المطلوب شرعا في كتابته أفتونا مثابين. الحمد لله الملهم للصواب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وسائر الأصحاب، أما بعد؛ فأقول: قال العلامة السيوطي في الإتقان ما نصه: القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به، والوقف عليه، وقد مهد النحاة له أصولا وقواعد، وقد خالفها في بعض الحروف خط المصحف الإمام، وقال أشهب: سئل مالك هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء، فقال: لا إلا على الكتبة الأولى رواه الداني في المقنع، ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمة، وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن، مثل الواو والألف، أترى أن يغير من المصحف إذ وجد فيه كذلك؟ قال: لا، قال أبو عمرو: يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ، نحو: أولوا، وقال الإمام أحمد: يحرم

مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك، وقال البيهقي في شعب الإيمان من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم ولا يغير مما كتبوه شيئا؛ فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم، قال: وينحصر أمر الرسم في ستة قواعد؛ الأولى: الحذف، والثانية: الزيادة، والثالثة: الهمز، والرابعة: البدل، والخامسة: الوصل والفصل، والسادسة: ما فيه قراءتان، فكتب على إحداهما، وأخذ في بيان الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة بما يعلم بالوقوف عليه، وقال في بيان السادسة، ومرادنا غير الشاذ من ذلك:} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ {،} يُخَادِعُونَ {، و} وَاعَدْنَا {، و} الصَّاعِقَةُ {، و} الرِّيَاحِ {، و} تُفَادُوهُمْ {، و} تَظَاهَرُونَ {، و} لَا تُقَاتِلُوهُمْ {، ونحوها، ولولا دفاع،} فَرِهَانٌ {، طائرا، في آل عمران والمائدة، مضاعفة ونحوه: عاقدت أيمانكم،} الْأَوْلَيَانِ {،} لَامَسْتُمُ {،} قَاسِيَة {،} قِيَاما لِلنَّاسِ {،} خَطِيئَاتِكُمْ {في الأعراف،} طَّائِفِ {،} حَاشَا لِلَّهِ {،} وَسَيَعْلَمُ {،} الْكَافِرِ {،} تَزَاوَرُ {، زاكية،} فَلَا تُصَاحِبْنِي {،} لَاتَّخَذْتَ {،} مِهَادا {، و} حَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ {،} إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ {،} سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى {،} الْمُضْغَةَ عِظَاما فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ {،} سِرَاجا {،} بَلِ ادَّارَكَ {، ولا تصاعر،} رَبَّنَا بَاعِدْ {، أساورة؛ بلا ألف في الكل، وقد قرأت بها وبحذفها: وغيابت الجب، وأنزل عليه آيت في العنكبوت، وثمرت من أكمامها في فصلت، وجمالات،} فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ {، وهم في الغرفات آمنون بالتاء، وقد قرئت بالجمع والإفراد، وتقيه بالياء ولأهب بالألف، ويقض الحق بلا ياء، و} آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ {بألف فقط، ننجي من نشاء،} نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ {بنون واحدة، و} الصِّرَاطَ {كيف وقع، بصطة في الأعراف، والمصيطرون، ومصيطر بالصاد لا غير، وقد تكتب الكلمة صالحة للقراءتين نحو: فكهون بلا ألف وهي قراءة، وعلى قراءتها هي محذوفة رسما؛ لأنه جمع تصحيح. (فرع): فيما كتب موافقا لقراءة شاذة من ذلك} إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا {،} أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا {، ما بقي من الربو قرئ بضم الباء، وسكون الواو، فقاتلوكم، إنما طائركم،} طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ {،} تُسَاقِطْ {،} سَّامِرِ {،} وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ {، عليهم ثياب سندس،} خِتَامُهُ مِسْكٌ {،} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {. (فرع): وأما القراءات المختلفة المشهورة زيادة لا يحتملها الرسم، ونحوها: أوصى، ووصى، و} تَجْرِي تَحْتَهَا {، ومن تحتها، و} سَيَقُولُونَ اللَّهُ {، ولله، وما عملت أيديهم، و} مَا عَمِلَتْهُ {فكتابته على نحو قراءته، وكل ذلك وجد في مصاحف الإمام. اهـ، وخلاصته أن كتابة القرآن الكريم تجب أن تكون على رسم المصحف الإمام، ويحرم إخراجها عنه بأي وجه كان، والله سبحانه وتعالى أعلم. (فائدة) قال الدميري في حياة الحيوان: ذكر الثعلبي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم سال الله أن يريه أهل الكهف، فقال تعالى: إنك لن تراهم، ولكن ابعث إليهم أربعة من كبار أصحابك ليبلغوهم رسالتك، ويدعوهم إلى الإيمان بك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: "كيف أبعث إليهم؟ " فقال له جبريل عليه السلام: ابسط كساءك وأجلس على طرف من أطرافه أبا بكر، وعلى الطرف الثاني عمر، وعلى الطرف الثالث عثمان، وعلى الطرف الرابع عليا، ثم ادع

الريح الرخاء المسخرة لسليمان، فإن الله يأمرها أن تطيعك، ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم فحملتهم الريح إلى باب الكهف، ففعلوا منه حجرا، فحمل عليهم الكلب، فلما رأهم حرك رأسه، وبصبص إليهم، وأومأ إليهم برأسه أن ادخلوا، فدخلوا الكهف، فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد الله إلى الفتية أروحهم، فقاموا بأجمعهم فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقالوا: معشر الفتية إن النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليكم السلام، فقالوا: وعلى محمد السلام ما دامت السماوات والأرض، وعليكم بما أبلغتم وقبلوا دينه، ثم قالوا: اقرءوا على محمد صلى الله عليه وسلم منا السلام، وأخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي، فيقال: إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله ويردون عليه السلام، ثم يرجعون إلى رقدتهم، فلا يقومون حتى تقوم الساعة، ثم ردتهم الريح فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف وجدتموهم؟ " فأخبروه الخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تفرق بيني وبين أصحابي وأنصاري، واغفر لمن أحبني وأحب أهل بيتي وخاصتي". اهـ قلت: ويستفاد من هذا ثلاثة فوائد: الأولى: أن الريح الرخاء سخرت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما سخرت لنبي الله سليمان عليه السلام، الثانية: إيمان أهل الكهف بنبينا صلى الله عليه وسلم، الثالثة: أن أهل الكهف من التابعين لا من الصحابة لاجتماعهم بكبار الصحابة وهم الخلفاء الأربعة الراشدون، ولم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. قال بعض القدماء من الأدباء مبينا أنواع الشعراء في بيتين ونصف: الشعراء فاعلمن أربعة ... فشاعر يجري ولا يجرى معه وشاعر يخوض وسط المعمعة ... وشاعر لا تشتهي أن تسمعه وشاعر لا تستحي أن تصفعه ثم ذيلها الفاضل الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي للأنواع الأربعة، وموضحا لمعناها بقوله: فإن ترد بيان ما قد نوعه ... فالمفلق الخنذيذ أعلى الأربعه فالشاعر الأوسط قدما رفعه ... ثم الشويعر الذي تدرعه دون دراية فشعرور معه ... والمجد في القاموس زاد الأربعه بالمتشاعر الذي ما اخترعه ... فالمفلق الخنذيذ لا يجرى معه وهو فريد الفرقة الموزعه ... صافي القريحة إذا ما انتزعه فن إلى الشعر إليه استرجعه ... يصوغه صوغا بليغا أودعه من درر البديع ما قد أبدعه ... أما الذي يخوض وسط المعمعه فليس في الشعر عظيم المنفعه ... لكن ينادم الأديب في السعه

إذا ما انتحى في الشعر لحنا ودعه ... وشعره لم يك منه ذا ضعه مذ خاض بحره فيا ما أنفعه ... أما الذي لا تشتهي أن تسمعه فالغث والسمين منه جمعه ... من شعره لم ترج منه منفعه بل شعره بين الأنام وضعه ... أما الذي لا تستحي أن تصفعه فاللحنة الجسور فيما جمعه ... جناية اللسان لم تبق معه بل جرحت كل نديم في دعه ... لأجل ذا لا يستحي أن يصفعه صيافي القريحة إذا ما استمعه (ما قولكم) دام فضلكم، فيمن قسم ماله من بساتين ورباع على أولاده في حياته، وحاز كل منهم ما جعله له في حياة والده، ثم إنه ارتجع ما جعله لبعضهم، فغضب المنتزع منه، وقال: لا أريد من مال والدي شيئا، ولا آخذ من تركته لا قليلا ولا كثيرا، ثم بعد ذلك مات والده، وخلف نقودا كثيرة فاقتسم أولاده ما خلفه من النقود بينهم ما عدا المتنازل المذكور بناء على ما سمعوه من تنازله، فهل له حق في مطالبتهم فيما يخصه من ذلك بعد تنازله المذكور أم لا أفتونا؟ (الجواب): الحمد لله الملهم للصواب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وسائر الأصحاب. أما بعد؛ فأقول: إنما يدخل في ميراث النقود المذكورة لا في المقسوم من الأراضي والبساتين على إخوانه، حيث حازوه من أبيهم قبل وفاته، ولم يعتصره منهم كما اعتصر منه ما أعطاه له من الأراضي والبساتين، ولو لم يكن بيدهم صكوك؛ لأن العبرة بالحوز وبقائه بأيديهم قبل وفاة أبيهم، وكذا يدخل فيما اعتصره منه والده من الأراضي والبساتين حيث كان باقيا بعد وفاته، ولم يخرج عن ملكه بوجه ما، ولا يعد قوله حين اعتصر والده منه ما وهبه له من الأراضي والبساتين، أنا لا أريد من ميراث والدي ولا شيئا مانعا له من ميراثه؛ لأن القاعدة المعمول بها عند المالكية والشافعية: أن إقرار الشخص وكذا تنازله وإبراؤه إنما يسري على نفسه فيما يملكه، لا فيما تعلق به حق للغير، ثم رأيت ابن حجر في تحفته مع المتن بعد قوله: ولغانم حر رشيد، ولو هو محجور عليه بفلس الإعراض عن الغنيمة، بقوله: أسقطت حقي منها قبل القسمة، وقوله: والأصح جوازه أي الإعراض إن ذكر بعد فرز الخمس، وقبل الأخماس الأربعة، وقوله: والأصح جوازه لجميعهم، ويصرف مصرف الخمس قال ما نصه: والأصح بطلانه أي الإعراض من ذوي القربى، وإن انحصروا في واحد؛ لأنهم لا يستحقونه بعمل فهو كالإرث وخصهم؛ لأن بقية مستحقي الخمس جهات عامة لا يتصور فيها إعراض. اهـ، وهو نص في المقصود، والله سبحانه وتعالى أعلم. (ما قول) علماء الإسلام نفع بهم الأنام، في رجل أوصى بثلث ماله على يد ابن له يصرفه في سبيل البر والخير من قراءات قرآن في شهر رمضان، وأضاحي، وسقي ماء، وكسوة يتيم وأرملة،

ومستضعف، وطعام جائع وصلة رحم، وإخراج كل مساء صدقة، ولو طعاما مطبوخا، وجميع أنوع البر والخير بحسب اجتهاده، هذه ألفاظ الموصي، وفي الوصية إيصاء بمبلغ معلوم لمعينين، والثلث واسع يحمل الجميع، فهل المذكورات من قوله من قراءات قرآن ... إلخ، تعد من المجهولات الدائمة أم لا؟ وهل تكون حصصها متساوية أم لا؟ وهل قوله صلة رحم تكون له حصة، ويستوعب بها جميع الأرحام، أم لا يلزم استيعابهم، وهل قوله في الوصية بحسب اجتهاده راجع إلى أصل التقسيم، وإلى التوزيع بين أهل كل حصة أم غير ذلك؟ الإفادة منتظرة ولكم من الله الأجر، ومنا الدعاء. (الجواب): بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الملهم للصواب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وسائر الأصحاب، أما بعد: فأقول قول الموصي في وصيته المذكورة بحسب اجتهاده، راجع إلى كل من أصل التقسيم والتوزيع بين أهل كل حصة لوجوه؛ (الوجه الأول) أن الجملة هنا واحدة لا متعددة، والعطف فيها للمفردات بالواو لا بالفاء ولا بثم. (الوجه الثاني) أن جميع المتعاطفات سيقت لغرض واحد. (الوجه الثالث) أن العامل هنا في جميع المتعاطفات واحد لا متعدد. (الوجه الرابع) أن هنا لم يقم دليل على إرادة البعض فهذه الوجوه ظاهرة ظهورا تاما في رجوع ما ذكر إلى كل من أصل التقسيم والتوزيع بلا خلاف، ولا شبهة كما يشهد لذلك ما ذكره الأصوليون من المذاهب في رجوع الاستثناء الواقع بعد جمل عطف بعضها على بعض. (المذهب الأول) وهو الأصح أنه يعود للكل إلا أن يقوم دليل على إرادة البعض كما في قوله تعالى:} وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ {الآية فقوله:} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا {عائد إلى فسقهم، وعدم قبول شهادتهم معا، إلا في الجلد لما قام عليه من الدليل، وسواء اختلف العامل في الجمل، لا بناء أم لا على أن العامل في المستثنى إنما هو إلا، لا الأفعال السابقة. (المذهب الثاني) أنه يعود للكل إن سيق الكل لغرض واحد، نحو حبست داري على أعمامي، ووقفت بستاني على إخواني، وسبلت سقايتي على جيراني؛ إلا أن يسافروا، وإلا فللأخيرة فقط نحو أكرم العلماء، وحبس ديارك على أقاربك وأعتق عبيدك إلا الفسقة منهم. (المذهب الثالث) إن عطفت بالواو عاد للكل أو بالفاء، أو ثم عاد للأخيرة فقط، وعليه ابن الحاجب. (المذهب الرابع) أنه خاص بالجملة الأخيرة، واختاره أبو حيان. (المذهب الخامس) إن اتحد العامل فللكل، أو اختلف فللأخيرة خاصة، إذ لا يمكن حمل العوامل المختلفة في مستنثى واحد، وعليها البهابادي بناء على أن عامل المستثنى الأفعال السابقة دون إلا، أفاده السيوطي في الهمع، والله سبحانه وتعالى أعلم. (فائدة) مجربة للحمى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها، وهي موعوكة فقال لها: "ما لي أراك هكذا"

قالت: بأبي أنت، وأمي يا رسول الله، هذه الحمى، وسبتها، قال: يا عائشة، "لا تسبيها؛ فإنها مأمورة، وإن شئت علمتك كلمات، إذا قلتهن أذهبها الله عنك" قالت: كرامة يا رسول الله، قال: "قولي اللهم ارحم جلدي الرقيق، وعظمي الدقيق من شدة الحريق، يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله العظيم، فلا تصدعي الرأس، ولا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني إلى من اتخذ مع الله إلها آخر" قالت: فقلتها فذهبت عني. اهـ. (فائدة) في شرح الشبرخيتي على الأربعين النووية، بعث هارون الرشيد ليلا إلى الشافعي ليهجم عليه من غير إذن، فقال له: أجب، فقال الشافعي: في مثل هذا الوقت وبغير إذن، فقال: بذلك أمرت، فخرجت معه فلما صرت بباب الدار قال لي: اجلس ودخل، فقال له الرشيد: ما فعل محمد بن إدريس، قال: أحضرته، قال: ادخله فأدخلني فتأملني، ثم قال: يا محمد أرعبناك، فانصرف راشدا يا ربيع احمل معه بدرة دراهم؛ فلما خرجت، قلت للشافعي: بالذي سخر لك هذا الرجل ما الذي قلت؟ فإني أحضرتك وأنا أرى موضع السيف من قفاك، فقلت: سمعت مالك بن أنس يقول: سمعت نافعا يقول: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء يوم الأحزاب فكفي، وهو اللهم إني أعوذ بك، وبنور قدسك، وبركة طهارتك، وعظيم جلالك من كل طارق إلا طارقا يطرق بخير، اللهم أنت غياثي فبك أغوث، وأنت عياذي فبك أعوذ، وأنت ملاذي فبك ألوذ، يا من ذلت إليك رقاب الجبابرة، وخضعت له مقاليد الفراعنة، أجرني من خزيك وعقوبتك، واحفظني في ليلي ونهاري، ونومي وقراري، لا إله إلا أنت تعظيما لوجهك، وتكريما وتشريفا لسبحات عرشك، فاصرف عني شر عبادك، واجعلني في حفظ عنايتك، وسرادقات حفظك وعد علي بخير يا أرحم الراحمين، وفي رواية عن الفضيل بن الربيع صاحب هارون أن الشافعي، قال له: قلت: شهد الله أنه لا إله إلا هو، اللهم إني أعوذ بنور قدسك، وبركة طهارتك، وبعظمة جلالك من كل عاهة وآفة وطارق الإنس والجن إلا طارقا يطرق بخير يا أرحم الراحمين، اللهم بك ملاذي قبل أن ألوذ، وبك غياثي قبل أن أغوث يا من ذلت له رقاب الفراعنة، وخضعت له مقاليد الجبابرة اللهم ذكرك شعاري ودثاري، ونومي وقراري، أشهد أن لا إله إلا أنت اضرب علي سرادقات حفظك، وقني وحفني برحمتك يا رحمن، قال الفضيل: فكتبتها وجعلتها في ردائي، وكان الرشيد كثير الغضب علي، وكان كلما هم أن يغضب حركتها في وجهه فيرضى. اهـ، والله أعلم. وفيه أيضا وروى عن أبي يعلى أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كنز الناس الذهب والفضة، فاكنزوا هؤلاء الكلمات اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب. اهـ. (فائدة) ينبغي لمن يطلب منه سجود التلاوة أن يدعو في حال السجود

بما ورد في الحديث، وهو: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك زخرا، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود. اهـ، من شرح الشرنوبي على العزية. (فائدة) في الشبرخيتي لما تعسر على سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام فتح بيت المقدس، قال له أحد جلساء داود: وكان قد طعن في السن، ألا أعلمك كلمات كان أبوك يقولهن عند كربه فيكشف عنه؟ قال قل: بلي قال: اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغنيت، وبك أصبحت وأمسيت، ذنوبي بين يديك، أستغفرك وأتوب إليك، فلما قالها فتح الباب. اهـ، قال: وأخرج ابن النجار عن معروف الكرخي من قال ثلاث مرات، وكان في غم فرج عنه غمه: اللهم احفظ أمة محمد، اللهم ارحم أمة محمد، اللهم عاف أمة محمد، اللهم أصلح أمة محمد، اللهم فرج عن أمة محمد. اهـ، قال: وأخرج البيهقي عن حماد بن سلمة أن عاصم بن إسحاق شيخ القراء في زمانه قال: أصابتني خصاصة، فجئت إلى بعض إخواني فأخبرته بأمري، فرأيت في وجهه الكراهة، فخرجت من منزله إلى الجبانة، وصليت ما شاء الله، ثم وضعت وجهي على الأرض وقلت: يا مسبب الأسباب، يا فاتح الأبواب، يا سامع الأصوات، يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات؛ اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك، قال: فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعة بقربي فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيسا أحمر، فإذا فيه ثمانون دينارا، وجوهرا ملفوفا في قطنة، فبعت الجوهر بمال عظيم، وفضل الدنانير فاشتريت منها عقارا وحمدت الله على ذلك. اهـ والله أعلم. (فائدة) عن أبي محمد واسمه عبد الله بن يحيى بن أبي الهيثم الضبعي، يروي أن أناسا ضربوه بالسيوف فلم تقطع سيوفهم فيه، فسئل عن ذلك فقال: كنت أقرأ:} وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ {،} فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {،} لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ {،} إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {،} وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ {،} وَحِفْظا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ {،} وَحِفْظا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {،} إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ {،} إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ {. اهـ. (هذا دعاء آية الكرسي): الحمد لله الذي خلق العالم، ويسر العلوم، وأجرى الأفلاك، وسخر النجوم، واستوى في علمه المنطوق والمفهوم، ويعلم الظاهر والسر المكتوم، ولكل حي عنده رزق مكتوب، وأجل محتوم ليوم معلوم:} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ {أفنى القرون الماضية قوما بعد قوم، وأباد الدهور الماضية يوما بعد يوم، وعدل في أحكامه فلم يلحقه لوم سبحانه:} لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ {، تعبد البرايا فرضا بعد فرض، وأجزل العطايا فأفضل في البسط، وعدل في القبض سبحانه:} لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ {وأسبل على العصاة كثيف ستره، وأسكن

روعة الخائفين بأمنه، ومن على المؤمنين بلطفه وبمنه، ويسر الطاعة لعباده بحسن عونه سبحانه:} مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ {خلق العباد ورزقهم، وأهل الرشاد بطاعته وفقهم، ولمرضاته أسعفهم، واجتباهم وشرفهم، وأهل الفساد بعذابه خوفهم، سبحانه:} يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ {خلق ما شاء كيف شاء، واختص من شاء بما شاء، وقدر الأشياء على ما شاء؛ سبحانه:} وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ {مكون الدوائر وخالقها، ومنشئ الثقلين ومالكها، ورب المشرقين ورب المغربين وما بينهما؛ سبحانه:} وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا {فتبارك الله ربنا ذو الإحسان، لم يشاركه في الأزل قديم، أعد لأوليائه دار النعيم وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وأعد لأعدائه عذاب الجحيم، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم؛ سبحانه:} وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ اللهم صل الله على نبيك، ورسولك المختار، صاحب المعجزات والآثار، والدلالة والأسرار، والكرامة والأنوار، صلى الله عليه وعلى آله الأخيار، والمهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أنزل علينا من خيراتك وبركاتك أفضل ما أنزلته على عبادك، وخصصت به أحبائك وأصفيائك، وارزقنا برد عفوك، وحلاوة مغفرتك، وانشر علينا رحمتك التي وسعت كل شيء علما، وارزقنا منك محبة وقبولا وأمانة، وإجابة تعم الحاضرين والغائبين، والأحياء والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تخيبنا فيما سألناك، ولا تحرمنا ما رجوناك، واحفظنا في المحيا والممات، إنك مجيب الدعوات يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، من لازم هذا الدعاء صباحا ومساء رزقه الله من حيث لا يحتسب، وكان محفوظا، وأقل الذكر ثلاثا صباحا ومساء، والله سبحانه الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب. (ما قولكم) في رجل مريض بداء الدق الذي طال به، وأنهكه حتى صار في غالب أوقاته في غيبوبة من حسه وتمييزه، وله وكيل يقوم بحل شئونه فكتب ذلك الوكيل وصية على لسانه، وأن ذلك المريض أقام ولد ذلك الوكيل وصيا على ثلثه، وعلى القيام بتقسيم تركته على ورثته، وحفظ مال القاصر منهم عنده إلى بلوغ رشده، وأحضر الوكيل شاهدين فقرأ أحدهما على المريض الوصية التي حررها الوكيل على لسانه، وقالا له نشهد عليك بما في هذه الوصية، فقال المريض: نعم، وذهب بهما إلى القاضي فشهدا عنده شهادة مجملة، بأن فلانا أشهدهما على هذه الوصية، فكتب القاضي شهادتهما، وقال في آخر تسجيله بموجب شهادة الرجلين المذكورين ثبتت لدي هذه الوصية، وصحت، وبعد أن توفى اللهُ المريضَ بقي الورثة تحت ضغط هذا الوكيل برهة من الزمان؛ لأن الموصي جعل له النظر على وصيه الذي هو ابن الوكيل إلى أن أثبت ولد الموصي المتوفى رشده لدى القضاة؛ فأخذ في تحقيق صحة الوصية المذكورة، أو بطلانها لما يعلمه من أن والده حين الإشهاد عليه بتلك الوصية

كان فاقد الشعور والتمييز، وأحضر شاهدي الوصية عند القاضي، فطلبهما تفصيل شهادتهما التي أجملاها أولا، وإن الموصي حين أشهدهما على الوصية هل كان عند حسه وتمييزه أم لا؟ فأجاب أحدهما إن الذي أشهد به إن حواسه قاصرة في ذلك الوقت، وأجاب الآخر بأن لا أعلم أن له حواسا وتمييزا، أم لا، فهل يلزم مع ما ذكر تنفيذ هذه الوصية أم لا، وهل قول القاضي في آخر تسجيله على الوصية ما ذكر يعتبر حكما أم لا؛ لأن الثبوت غير الحكم أفتونا مثابين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم للصواب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله والأصحاب، أما بعد؛ فأقول: لا يلزم تنفيذ هذه الوصية، حيث إن أحد شاهديها يجزم بأن الموصي حين شهد على إيصائه قاصر الحواس، وثانيهما أفاد بعدم علمه بحسه حين الإيصاء، ولا بعدم حسه لقول التسولي في شرحه على العاصمية: إن من شرط صحة الوصية أن يعقل الموصي القربة في الأمور، وأن لا يكون فيها تناقض، ولا تخليط. اهـ. وقول القاضي في تسجيله الوصية فبموجب شهادة الرجلين المذكورين ثبتت لدي هذه الوصية، وصحت ليس بحكم لوجهين، (الوجه الأول) أن قول القاضي المذكور ليس بثبوت ولا حكم؛ لأن مجرد شهادة الشاهدين لا تقوم به الحجة على ثبوت السبب عند الحاكم، حيث بقيت عنده ريبة أو لم تبق، ولكن بقي عليه أن يسأل الخصم هل له مطعن أو معارض، ونحو ذلك على أن هنا لم يحضر حينئذ خصم، وقد قال في التبصرة نقلا عن القرافي، فلا ينبغي أن يختلف في هذا أنه ليس ثبوتا ولا حكما لوجود الريبة أو عدم الإعذار. اهـ. (الوجه الثاني) أنه على فرض قيام الحجة على سبب الحكم بشهادة الشاهدين المذكورين؛ لانتفاء الريبة، وحصول الشروط، فهذا الثبوت ليس بحكم، وإنما الحكم من لازمه فيتعين على الحاكم الحكم إذا سئل به فصار الحكم من لوازم الثبوت، فيجب أن يعتقد أنه حكم، فهذا معنى قول الفقهاء من أهل المذهب المشهور أن الثبوت حكم يريد في هذه الصورة الخاصة، وليس ذلك في جميع صور الثبوت على أن هذا التشهير مخالف لما نقله الشيخ تقي الدين عن مذهب مالك رضي الله تعالى عنه أن الصحيح عندهم أي الحنابلة وعند المالكية: أنه ليس بحكم، وقاله الشيخ سراج الدين أيضا، وقال: إنه التحقيق، وقال ابن عبد السلام: وليس قول القاضي ثبت عندي كذا حكما منه بمقتضى ما ثبت عنده، فإن ذلك أعم منه، قال: وإنما ذكرنا هذا؛ لأن بعض القرويين غلط في ذلك، وألف المازري جزءا في الرد عليه، وجلب فيه نصوص المذهب، أفاده ابن فرحون في تبصرته، ثم ساق كلامي القرافي في كتاب الفرق بين الفتاوى والأحكام في السؤال الثلاثين، وفي القواعد في الفرق الخامس والعشرين والمائتين فانظره، ثمت فإنه لا بد منه في تحقيق المسألة، والله سبحانه وتعالى أعلم. (تم والحمد لله).

§1/1