قاعدة في المؤرخين

السبكي، تاج الدين

قاعدة في المؤرخين

قاعدة في المؤرخين ويقرب من هذه القاعدة التي ذكرناها في الجرح والتعديل قاعدة في المؤرخين نافعة جدا فان اهل التاريخ ربما وضعوا من اناس ورعوا اناسا اما لتعصب او لجهل او لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به او لغير ذلك من الاسباب والجهل في المؤرخين اكثر منه في اهل الجرح والتعديل وكذلك التعصب قل ان رايت تاريخا خاليا من ذلك واما تاريخ شيخنا الذهبي غفر الله له فانه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصب المفرط لا واخذه الله فلقد اكثر الوقيعة في اهل الدين اعني الفقراء الذين هم صفوة الخلق واستطال بلسانه على كثير من ائمة

الشافعية والحنفية ومال فاطرف على الاشعرية ومدح فزاد في المجسمة

هذا وهو الحافظ المدره والامام المبجل ما ظنك بعوام المؤرخين فالرأي عندنا ان لا يقبل مدح ولا ذم من المؤرخين الا بما اشترطه اما الأئمة وحبر الامة وهو الشيخ الامام الوالد رحمه الله حيث قال ونقلته من خطة في مجامعه يشترط في المؤرخ 1-الصدق 2-واذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى 3- وان لا يكون ذلك الذي نقله اخذه في المذكرة وكتبه بعد ذلك 4-وان يسمى المنقول عنه

فهذه شروط أربعة فيما ينقله

ويشترط فيه ايضا لما يترجمه من عند نفسه ولما عساه يطول في الترجم من النقول ويقصر

1- ان يكون عارفا بحال صاحب الترجمة علما ودينا وغيرهما من الصفات وهذا عزيز جدا 2- وان يكون حسن العبارة عارفا بمدلولات الالفاظ 3- وان يكون حسن التصوير حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عليه ولا تنقص عنه 4- وان لا يغلبه الهوى فيخيل اليه هواه الاطناب في مدح من يحبه والتقصير في غيره بل اما ان يكون مجردا عن الهوى وهو عزيز واما ان يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه ويسلك طريق الانصاف فهذه اربع شروط اخرى ولك ان تجعلها خمسة لان حسن تصويره وعلمه قد لا يحصل معهما الاستحضار حين التصنيف فيجعل 5- حضور التصور زائدا على حسن التصور والعلم فهي تسعة شروط في المؤرخ واصعبها الاطلاع على حال الشخص في العلم فانه يحتاج الى المشاركة في علمه والقرب منه حتى يعرف مرتبته انتهى وذكر ان كتابته لهذه الشروط كانت بعد ان وقف على كلام ابن معين في الشافعي وقول احمد بن حنبل انه لا يعر الشافعي ولا يعرف ما يقول

قلت وما احسن قوله ولما عساه يطول في التراجم من النقول ويقصر فانه اشار به الى فائدة جليلة يغفل عنها كثيرون ويحترز منها المووفثون وهي تطويل التراجم وتقصيرها فرب محتاط لنسه لا يذكر الا ما وجده منقولا ثم ياتي الى من يبغضه ينقل جميع ما ذكر من مذامه ويحذف كثيرا مما نقل من ممادحه ويجيء الى من يحبه فيعكس الحال فيه ويظن المسكين انه لم يات بذنب وانه لا يجب عليه تطويل ترجمة احد ولا استيفاء ما ذكر من ممادحه ولا يظن المغتر ان تقصيره لترجمة بهذه النية استزراء به وخيانة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين في تأديته ما قيل في حقه من مدح وذم فهو كمن بذكر بين يديه بغض الناس يقول دعونا منه وانه عجيب او الله يصلحه يظن انه لم يغتبه بشيء من ذلك وما يظن ان ذلك من اقبح الغيبة ولقد وقفت في تاريخ الذهبي رحمه الله على ترجمة الشيخ الموفق

ابن قدامة الحنبلي والشيخ فخر الدين بن عساكر وقد اطال تلك وقصر هذه واتى بما لا يشك لبيب انه لم يحمله على ذلك ان هذا اشعري وذالك حنبلي وسيقفون بين يدي رب العالمين وكذلك ما احسن قول الشيخ الامام وان لا يغلبه الهوى فان الهوى غلاب الا لمن عصمه الله وقوله فاما ان يتجرد هن الهوى او يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه عندنا فيه زيادة فنقول قد لا يتجرد عن الهوى بان لا يظنه هوى بل يظنه لجهله او بدعته حقا فلا يتطلب حينئذ ما يقهر به هواه لان المستقر في ذهنه انه محق وهذا كما يعله المتخالفين في العقائد بعضهم في بعض فلا ينبغي ان يقبل قول مخالف ي العقيدة على الاطلاق الا ان يكون ثقة وقد روي شيئا مضبوطا عاينه او حققه فقولنا مضبوطا احترزنا يه عن رواية ما لا يضيط من الترهات التي لا يترتب عليها عند التامل والتحقق شيء

وقولنا عاينه او حققه ليخرج ما يرويه عمن غلا او رخص ترويجا لعقيدته وما احسن اشتراط العلم ومعرفة مدلولاته الالفاظ فلقد وقع كثيرون فيما لا يقتضى جرحا لجهلهم بهذا وفي كتب المتقدمين جرح جماعة بالفلسفة ظنا منهم ان علم الكلام فلسفة الى امثال ذلك مما يطول عده فقد قيل في احمد بن صالح الذي نحن في ترجمته انه يتفلسف والذي قال هذا لا يعرف الفلسفة وكذلك قيل في ابي حاتم الرازي وانما كان رجلا متكلما

وقريب من هذا قول الذهبي في المزي كما سياتي ان شاء الله تعالى في ترجمة المزي ولا الذهبي يدريان شيئا من المعقول

والذي افتي به انه لا يجوز الاعتماد على كلام شيخنا الذهبي في ذم اشعري ولا شكر حنبلي والله المستعان انتهى كلام التاج السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى

وقال في كتابه معيد النعم ومبيد النقم

وقال في كتابه معيد النعم ومبيد النقم ص74 وهو يتحدث عن العلماء وما يؤخذ على بعضهم ومنهم المؤرخون وهم على شفا جرف هار لانهم يتسلطون على اعراض الناس وربما نقول مجرد ما يبلغهم من صادق او اكذب فلا ان يكون المؤرخ عالما عادلا عارفا بحال من يترجمه يس بينه وبينه من الصادق ما قد يحمله على التعصب له ولا من العداوة ما قدت يحمله على الغض منه

وقال أيضا في كتاب طبقات الشافعية الكبرى

وربما كان الباعث له على الضعة من اقوام مخالفة العقيدة واعتقاد انهم على ضلال فيقع فيهم او يقصر في الثناء عليهم لذلك وقد اطلنا في تقرير هذا الفصل في الطبقات الكبرى وحكينا في ترجمة احمد بن صالح المصري ما ذكره الشيخ الامام في شروط المؤرخ ومن كلام ابي عمر بن عبد البر وغيره ما يزداد به الإنسان بصيرة ومن ذلك فقهاء عصر واحد فلا ينبغي سماع كلام بعضهم في بعض وقد عقد ابن البر في جامع بيان العلم وفضله بابا في ان كلام العلماء بعضهم في بعض لا يقبل وان كان كل منهم بمفرده ثقة حجة وقال أيضا في كتاب طبقات الشافعية الكبرى:1614-162في ترجمة الحاكم ابي عبد الله النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين وقد عقد فيها فصلا بعنوان ذكر البحث عما رمي به الحاكم من التشيع وما زادت اعداؤه ونقصت اوداؤه رحمه الله تعالى والنصفة بين الفئتين اول ما ينبغي لك ايها المنصف اذا سمعت الطعن في رجل ان تبحث عن خلطائه والذين عنهم اخذ ما ينتحل وعن مرباه وسبيله ثم تنظر كلام اهل بلده وعشيرته من معاصريه العارفين به بعد البحث عن الصديق منهم

له والعدو الخالي عن الميل الى احد الجهتين وذلك قليل في المتعصرين المجتمعين في بلد واحد وقد استقرات فلم اجد مؤرخا ينتحل عقيدة ويخلو كتابه عن الغمز ممن يحيد عنها سنة الله في المؤرخين وعادته في النقلة ولا حول ولا قوة الا بحبله المتين

§1/1