قاعدة في الصبر
ابن تيمية
مقدمة
قاعدة في الصبر لشيخ الإسلام ابن تيمية أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم المتوفى سنة (728هـ) تحقيق أد. محمد بن خليفة التميمي الأستاذ في كلية الدعوة في الجامعة المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء 1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب 70-71] . أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. وبعد، فإن الصبر من أعظم خصال الخير التي حث الله عليها في كتابه العظيم، وأمر بها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، وقد وردت مادة (صبر) في القرآن الكريم في مائة وأربعة مواضع، على تنوع في مواردها وأسباب ذكرها. فقد أمر الله نبيه بخلق الصبر فقال: رضي الله عنه {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [النحل 127] وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف 35] . وأمر الله به المؤمنين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}
[آل عمران 200] . وأثنى على أهله، فقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة 177] . وأخبر بمحبته للصابرين، فقال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران 146] ، ومعيته لهم، فقال تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال 46] . وأخبر أن الصبر خير لأصحابه، فقال تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل 126] . ووعدهم أن يجزيهم أعلى وأوفى وأحسن مما عملوه، فقال تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل 96] وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر 10] . وبشرهم فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة 155] وأخبر أن جزاءهم الجنة فقال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان 12] . وقد قرن الله الصبر بالقيم العليا في الإسلام، فقرنه باليقين، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة 24] ، وقرنه بالتوكل، قال تعالى: {َنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت 58، 59] ، وقرنه بالصلاة في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة} [البقرة 153] ، وقرنه بالتقوى في عدة آيات منها: قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران 186] ، وفي قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران 120] ، وقوله تعالى في سورة يوسف: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف 90] . وقرن الله - تبارك وتعالى - الصبر بالعمل، فقال: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود 11] ، وقرنه بالجهاد، في قوله
تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل 110] ، وفي قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين} [محمد 31] ، وقرنه بالاستغفار: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ} ، وقرنه بالتسبيح، في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور 48] وفي قوله تعالى في سورة طه: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه 130] ، وقرن الصبر في القرآن الكريم بالحق، في قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر 1-3] ، وقرنه بالرحمة، قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد 17] ، وقرنه بالشكر في عدة آيات، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم 5] . وحديث القرآن عن الصبر متنوع وممتع مما يدل على أهميته ومكانته العظيمة، وكذا الشأن في السنة النبوية، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على هذا الخلق الكريم، وكانت سيرته صلى الله عليه وسلم أنموذجاً يحتذى في التخلق بخلق الصبر بشتى أنواعه وأعلى درجاته، ومن قرأ في سيرته العملية وسنته القولية سيجد أن للصبر شأناً عظيماً. ولقد وقفت على مؤلف لطيف لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى - في موضوع الصبر بعنوان (قاعدة في الصبر) حوى - على لطافته وصغر حجمه - فوائد غزيرة وتأصيلات مفيدة وبخاصة في جانب الصبر على أذى الغير، صاغها المؤلف - رحمه الله - بأسلوب مميز فريد، جلى فيه مميزات هذا النوع من الصبر وبين فوائده، وما إن انتهيت من مطالعته وقراءته، حتى عقدت العزم على تحقيقه وإخراجه بغية الانتفاع به في خاصة نفسي، وتسهيل
انتفاع عامة المسلمين بما حواه من فوائد وفرائد، وقد قدمت لهذا المؤلف بمقدمة في التعريف بهذه الرسالة، ووصف نسخها الخطية، والعمل الذي قمت به، وذلك على النحو التالي: القسم الأول: في التعريف بالرسالة ووصف نسخه الخطية وعملي فيها. أ- التعريف بالرسالة. أولاً: اسم الرسالة. ثانياً: توثيق نسبة الرسالة إلى المؤلف. ثالثاً: موضوع الرسالة. ب- وصف النسخ الخطية. ج- عملي في الرسالة. القسم الثاني: تحقيق النص. وإذ أقدم هذه الرسالة لأرجو الله أن ينفع بها من اطلع عليها، وأن يجعل عملي عملاً صالحاً لوجهه خالصاً، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
التعريف بالرسالة ووصف النسخ الخطية وعملي فيها
القسم الأول التعريف بالرسالة ووصف النسخ الخطية وعملي فيها أولاً: التعريف بالرسالة. أ- اسم الرسالة: اسم الرسالة كما هو مسجل في الصفحة الأولى من النسختين الخطيتين هو: (قاعدة في الصبر) . ولكن جاء في رسالة (أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية) تأليف: محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن رُشَيق المغربي (ت 74) وكذا في العقود الدرية لابن عبد الهادي تسميتها بـ: (قاعدة في الصبر والشكر. نحو ستين ورقة) 1. وهذا الكلام يدل على أن الرسالة التي بين أيدينا هي جزء من مؤلف أكبر يشمل موضوعي الصبر والشكر، ويؤكد ذلك مقدمة الرسالة ونهايتها حيث ذكر المصنف الشكر فقال في المقدمة: "وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر" وقال في نهاية الرسالة: "والأصل الثاني الشكر وهو العمل بطاعة الله تعالى". ولكن لم أقف على تكملة هذه الرسالة. ب- توثيق نسبة الرسالة إلى المؤلف: يدل على صحة نسبة الرسالة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أمور منها: 1- ما جاء على طرة الرسالة من قول الناسخ: (قاعدة في الصبر للشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله) . 2- ما جاء في رسالة (أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية) تأليف:
محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن رُشَيِّق المغربي (ت 749) حيث قال: (قاعدة في الصبر والشكر. نحو ستين ورقة) 1. 3 - ما جاء في كتاب العقود الدرية لابن عبد الهادي (ص 39) حيث ذكر أن من مؤلفات ابن تيمية (قاعدة في الصبر والشكر) . ج - موضوع الرسالة: بدأ المؤلف - رحمه الله - هذه الرسالة ببيان أن الدين كله يرجع بجملته إلى أمرين هما: الصبر والشكر، واستدل لذلك بقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} وبقوله صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله عجب، لا يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له". ثم بين أن الصبر عموماً ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: أولاً: صبر على الطاعة حتى يفعلها. ثانياً: صبر عن المنهي عنه حتى لا يفعله. ثالثاً: الصبر على ما يصيبه بغير اختياره من المصائب. ثم بين أن المصائب نوعان: النوع الأول: نوع لا اختيار للخلق فيه، كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، وهذا النوع يسهل الصبر فيه لأن العبد يشهد فيه قضاء الله وقدره، وأنه لا مدخل للناس فيه فيصبر إما اضطراراً وإما اختياراً. والنوع الثاني: المصائب التي تحصل للعبد بفعل الناس، في ماله أو عرضه أو نفسه، وهذا النوع يصعب الصبر عليه جداً لأن النفس تستشعر المؤذي لها
وهي تكره الغلبة فتطلب الانتقام، ولا يصبر على هذا النوع إلا النبيون والصديقون. وقد اقتصر كلام المصنف - رحمه الله - في بقية الرسالة على الأسباب التي تعين العبد على الصبر على المصائب التي تصيبه بفعل الناس، وذكر ذلك من عشرين وجهاً. وختم المصنف كلامه بالإشارة إلى الأصل الثاني وهو: الشكر وفسره بأنه العمل بطاعة الله واقتصر على ذلك وخلت الرسالة من تفصيل القول في ذلك، ولعل السبب في ذلك هو تصرف من أفرد الرسالة بالذكر وفصلها عن باقي التصنيف وإلا فالرسالة لها تتمة، ويشهد لذلك ما ذكره ابن رشيق في تعداده لمؤلفات ابن تيمية حيث قال: "قاعدة في الصبر والشكر. نحو ستين ورقة" فقد تصرف المختصر في العنوان واقتصر كذلك على ما كتب في موضوع الصبر فقط، ولم يكمل بقية الرسالة، والله أعلم. ولعل في ذلك ما يبرر كون الرسالة قد خلت من الخاتمة وكتب بدلاً من ذلك في آخرها "تمت بحمد الله وعونه". ب- وصف النسخ الخطية: اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسختين خطيتين. النسخة الأولى: نسخة جامعة أكسفورد. وتقع ضمن مجموع فيه كتاب العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولها صورة فلمية في قسم المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (ف 8570/5) . وعدد لوحاتها: 4 أربع لوحات. وعدد الأسطر: يبلغ ما بين عشرين وواحد وعشرين سطراً.
وعدد الكلمات: متوسط عدد الكلمات في كل سطر خمس عشرة كلمة. اسم الناسخ: جاء في صفحة العنوان العبارة التالية: "هذه الرسالة بخط العلامة بيدكين التركماني، تلميذ ابن تيمية مؤلف هذه الرسالة". وقد ذكر الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي في كتابه "شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه": "أن من تلاميذ ابن تيمية إدريس ابن بيدكين بن عبد الله التركي الحنفي مؤلف كتاب اللمع في الحوادث والبدع. تتلمذ على شيخ الإسلام"1. تاريخ النسخ: جاء في آخر النسخة: "تمت - بحمد الله تعالى وعونه - في يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة". نوع الخط ووصفه: كتبت هذه النسخة بخط نسخ عادي منقوط، واضح ومقروء، وهي سالمة من الخرم والعيوب، ولكنها خالية من المقابلة أو السماعات. وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (أ) . النسخة الثانية: نسخة جامعة برنستون بنيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية. وهي في ضمن مجموع فيه كتاب (العرش) للذهبي، و (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة و (فصل في شرح حديث سيد الاستغفار) لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولها صورة فيلمية في قسم المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (9742/3) . وعدد لوحاتها: 8 ثماني لوحات. وعدد الأسطر: 13 ثلاثة عشر سطراً.
وعدد الكلمات: متوسط عدد الكلمات في السطر اثنتا عشرة كلمة. اسم الناسخ: محمد بن إسحاق التميمي داري. تاريخ النسخ: لم يذكر. نوع الخط ووصفه: كتبت هذه النسخة بخط نسخ عادي منقوط واضح ومقروء وسالم من الخرم والعيوب، وخالية من المقابلة والسماعات. وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (ب) . وهناك نسخة ثالثة لهذه الرسالة وقفت على معلومات عنها ضمن (ثبت فيه قوائم ببعض مخطوطات شيخ الإسلام ابن تيمية) تصنيف الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل. جاء فيه (ص 91) : "رسالة في الصبر في 8 ورقات بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد، برقم (4715/2) ، كتبها سلطان بن ملا حسين القره غول، سنة 1217?". ولم أستطع الوقوف عليها للأوضاع الراهنة في العراق. ج- عملي في الكتاب: 1- نسخت النص وفق القواعد الإملائية الحديثة، مع الضبط بالشكل لما قد يشكل. 2- عزوت الآيات القرآنية إلى سورها مع ذكر رقمها في الحاشية. 3- قمت بتخريج الأحاديث النبوية المرفوعة مع بيان حكم أهل العلم عليها، كما اجتهدت في تخريج الآثار الموقوفة حسب ما وقفت عليه. 4- شرحت ما يحتاج لشرح من الألفاظ الغريبة الواردة في النص. 5- وضعت للكتاب مقدمة فيها تعريف بالكتاب ومحتواه، وبالنسخ الخطية، وعملي فيه.
نماذج من النسخ الخطية
P83 صورة من الورقة الأولى من النسخة (أ)
P84 صورة من الورقة الأخيرة من النسخة (أ)
P85 صورة من الورقة الأولى من النسخة (ب)
P86 صورة من الورقة الأخيرة من النسخة (ب)
التحقيق
التحقيق مدخل ... القسم الثاني التحقيق قاعدة في الصَّبر للشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة (ت 728) رحمه الله ورحم جميع أموات المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اعف واغفر. قال الشيخ الإمام العامل شيخ الإسلام، مفتي الأنام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية1. فصل: جعل الله - سبحانه وتعالى - عباده المؤمنين بكل منزلة خيراً منه، فهم دائماً في نعمة من ربهم، أصابهم ما يحبون، أو ما يكرهون، وجعل أقضيته وأقداره التي يقضيها لهم ويقدرها عليهم متاجر يربحون بها عليه، وطرقاً يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عن إمامهم ومتبوعهم الذين إذا دعي يوم القيامة كل أناس بإمامهم دعوا به - صلوات الله وسلامه عليه -2
أنه قال: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله عجب لا1يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"2. فهذا الحديث يعم جميع أقضيته لعبده المؤمن وأنها خيرله إذا صبر على مكروهها وشكر لمحبوبها، بل هذا داخل في مسمى الإيمان كما3 قال بعض السلف: "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر"4 لقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} 1 وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر، وذلك لأن الصبر ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة حتى يفعلها، فإن العبد لا يكاد يفعل المأمور به إلا بعد
صبرٍ ومصابرة ومجاهدة لعدوه الباطن والظاهر1، فبحسب هذا الصبر يكون أداؤه للمأمورات وفعله للمستحبات. النوع الثاني: صبر عن المنهي عنه2 حتى لا يفعله، فإن النفس ودواعيها، وتزيين الشيطان، وقرناء السوء، تأمره بالمعصية وتجرئه عليها، فبحسب قوة صبره يكون تركه لها، قال بعض السلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر ولا يقدر على ترك المعاصي إلا صديق3. النوع الثالث: الصبر على ما يصيبه بغير اختياره من المصائب وهي نوعان: نوع لا اختيار للخلق فيه، كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، فهذه يسهل الصبر فيها، لأن العبد يشهد فيها قضاء الله وقدره، وإنه لا مدخل للناس فيها، فيصبر إما اضطرارا، وإما اختيارا، فإن فتح الله على قلبه باب الفكرة في فوائدها وما في حشوها4 من النعم والألطاف5 انتقل من الصبر عليها إلى الشكر
لها والرضا بها، فانقلبت حينئذ في حقه نعمة، فلا يزال هجيرى1 قلبه ولسانه2 رب أعني على ذكرك3 وشكرك4 وحسن عبادتك5، وهذا يقوى ويضعف بحسب [قوة] 6 محبة العبد لله وضعفها، بل هذا يجده أحدنا في الشاهد كما قال الشاعر7 يخاطب محبوبا له [ناله ببعض ما يكره] 8: لئن ساءني أن نِلتِنِي بمساءة لقد سرني أني خطرت ببالِكِ9 النوع الثاني10: أن11 يحصل له بفعل الناس في ماله أو عرضه أو نفسه.
فهذا النوع يصعب الصبر عليه جداً، لأن النفس تستشعر المؤذي لها1، وهي تكره الغلبة، فتطلب الانتقام، فلا يصبر على هذا النوع إلا الأنبياء والصديقون، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أوذي يقول: يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر2 وأخبر عن نبي من الأنبياء أنه ضربه قومه فجعل يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" 3 وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه جرى له هذا مع قومه [فجعل يقول مثل ذلك] 4، فجمع في هذا ثلاثة أمور: العفو عنهم، والاستغفار لهم، والاعتذار عنهم بأنهم لا يعلمون، وهذا النوع من الصبر عاقبته النصر والعز5 والسرور والأمن والقوة في ذات الله، وزيادة محبة الله ومحبة الناس له وزيادة العلم، ولهذا قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا
صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} 1 فبالصبر واليقين تنال2 الإمامة في الدين، فإذا انضاف إلى هذا الصبر قوة اليقين والإيمان ترقى العبد في درجات السعادة بفضل الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ولهذا قال الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا} يعني: الأعمال الصالحة مثل العفو والصفح3 {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} 4 نصيب وافر وهي الجنة5. ويعين العبد على هذا الصبر عدة أشياء:
الوجه الأول
الوجه الأول ... أحدها: أن يشهد أن الله - سبحانه وتعالى - خالق أفعال العباد حركاتهم وسكناتهم وإراداتهم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يتحرك في العالم العلوي والسفلي ذرة إلا بإذنه، ومشيئته والعباد6 آلة، فانظر إلى الذي سلطهم عليك، ولا تنظر إلى فعلهم بك، تستريح من الهم والغم والحزن7.
الوجه الثاني
الوجه الثاني ... الثاني: أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلطهم عليه بذنبه، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} 8 فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتغل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي
سلطهم عليه1، عن ذمهم ولومهم والوقيعة فيهم، وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار فاعلم أن مصيبته مصيبة حقيقية، وإذا تاب واستغفر، وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة. قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -2 كلمة من جواهر الكلام: لا يرجونّ عبدٌ إلا ربه، ولا يخافنّ عبدٌ إلا ذنبه 3 وروي عنه وعن غيره: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة45.
الوجه الثالث
الوجه الثالث ... الثالث: أن يشهد العبد حسن الثواب الذي وعده الله لمن عفى وصبر، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} 1. ولما كان الناس عند مقابلة الأذى ثلاثة أقسام: ظالم يأخذ فوق حقه، ومقتصد يأخذ بقدر حقه، ومحسن يعفو ويترك حقه. ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فأولها للمقتصدين، ووسطها للسابقين، وآخرها للظالمين. ويشهد نداء المنادي يوم القيامة ألا ليقم من وجب أجره على الله، فلا يقوم2 إلا من عفى وأصلح 3 وإذا شهد مع ذلك فوت الأجر بالانتقام والاستيفاء سهل عليه الصبر والعفو.
الوجه الرابع
الوجه الرابع ... الرابع: أن يشهد أنه إذا عفى وأحسن أورثه ذلك من سلامة القلب لإخوانه، ونقائه من الغش، والغل، وطلب الانتقام، وإرادة الشر، وحصل له من حلاوة العفو ما يزيد لذته ومنفعته عاجلا وآجلا على المنفعة الحاصلة له بالانتقام
أضعافا مضاعفة، ويدخل في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 1 فيصير محبوبا لله، ويصير حاله حال من أُخِذَ منه دراهم2 فَعُوِّضَ عنها3 ألوفاً من الدنانير، فحينئذ يفرح بما مَنَّ الله عليه أعظم فرحٍ ما4 يكون.
الوجه الخامس
الوجه الخامس ... الخامس: أن يعلم أنه ما انتقم أحد قط لنفسه إلا أورثه ذلك ذلاً [جده] 5 في نفسه، فإذا عفى أعزه الله. وهذا مما أخبر به الصادق المصدوق حيث يقول: "ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً" 6 فالعز الحاصل له بالعفو أحب إليه وأنفع له من العز الحاصل له بالانتقام، فإن هذا عِزٌّ في الظاهر وهو يورث في الباطن ذُلاً، والعفو ذل في الباطن وهو يورث العز باطناً وظاهراً.
الوجه السادس
الوجه السادس ... السادس - وهي من أعظم الفوائد -: أن يشهد أن الجزاء من جنس العمل، وأنه نفسه ظالم مذنب، وأن من عفى عن الناس عفى الله عنه، ومن غفر7 غفر الله له، فإذا شهد أن عفوه عنهم وصفحه وإحسانه مع إساءتهم إليه، سبب لأن يجزيه الله كذلك من جنس عمله فيعفو عنه ويصفح ويحسن إليه على ذنوبه، ويسهل عليه عفوه وصبره ويكفي العاقل هذه الفائدة.
الوجه السابع
الوجه السابع ... السابع: أن يعلم أنه إذا اشتغلت نفسه بالانتقام وطلب المقابلة ضاع
عليه زمانه، وتفرق عليه قلبه، وفاته من مصالحه، ما لا يمكن استدراكه، ولعل هذا يكون أعظم عليه من المصيبة التي نالته من جهتهم، فإذا عفى وصفح فرغ قلبه وجسمه لمصالحه التي هي أهم عنده من الانتقام.
الوجه الثامن
الوجه الثامن ... الثامن: أن انتقامه واستيفاءه وانتصاره لنفسه وانتقامه، لها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط1 فإذا كان هذا خير خلق الله وأكرمهم على الله لم يكن ينتقم لنفسه23 مع أن أذاه أذًى لله ويتعلق به حقوق الدين، ونفسه أشرف الأنفس، وأزكاها، وأبرها وأبعدها من كل خُلقٍ مذموم، وأحقها بكل خُلقٍ جميل، ومع هذا فلم يكن ينتقم لها. فكيف ينتقم أحدنا4 لنفسه التي هو أعلم بها وبما فيها من العيوب والشرور5 بل الرجل العارف لا تساوي نفسه عنده أن ينتقم لها، ولا قدر لها عنده يوجب عليه انتصاره لها.
الوجه التاسع
الوجه التاسع ... التاسع: إن أوذي على ما فعله لله أو على ما أمره6 به من طاعته ونهى عنه من معصيته وجب عليه الصبر ولم يكن له الانتقام، فإنه قد أوذي في الله، فأجره على الله، ولهذا لما كان المجاهدون في سبيل الله ذهبت دماؤهم وأموالهم في
الله لم تكن مضمونة، فإن الله - تعالى - اشترى منهم أنفسهم وأموالهم1، فالثمن على الله لا على الخلق، فمن طلب الثمن منهم لم يكن له على الله ثمن، فإنه من كان في الله تلفه كان على الله خلفه2. وإن كان قد أوذي على معصية3، فليرجع باللوم على نفسه، ويكون في لومه لها شغل عن لومه لمن آذاه. وإن كان قد أوذي على حضٍ، فليوطن نفسه على الصبر، فإن نيل الحظوظ دونه أَمْرٌ أَمَرُّ من الصبر، فمن لم يصبر على حر الهواجر4، والأمطار، والثلوج، ومشقة الأسفار، ولصوص الطريق، وإلا فلا حاجة له في المتاجر، وهذا أمر معلوم عند الناس أن من صدق في [طلب] 5 شيء من الأشياء بذل من الصبر في تحصيله بقدر صدقه في طلبه.
الوجه العاشر
الوجه العاشر ... العاشر: أن يشهد معية الله معه إذا صبر، ومحبة الله له1 ورضاه، ومن كان الله معه دفع عنه من أنواع الأذى والمضرات ما لا يدفع عنه أحد من خلقه، قال الله تعالى: {وَاصْبِرُوا2 إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} 3 وقال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} 4.
الوجه الحادي عشر
الوجه الحادي عشر ... الحادي عشر: أن يشهد أن الصبر نصف الإيمان5،فلا يبدل6 من إيمانه جزءاً7 في نصرة نفسه، فإن8 صبر فقد أحرز إيمانه وصانه من النقص والله - تعالى - يدفع عن الذين آمنوا.
الوجه الثاني عشر
الوجه الثاني عشر ... الثاني عشر: أن يشهد أن صبره حكم منه على نفسه، وقهر لها، وغلبة لها، فمتى كانت النفس مقهورة معه مغلوبة، لم تطمع في استرقاقه، وأسره، وإلقائه في المهالك، ومتى كان مطيعاً لها سامعاً منها مقهوراً معها لم تزل [به] 9 حتى تهلكه، أو [تتداركه] 10 رحمة من ربه. فلو لم يكن في الصبر إلا قهره لنفسه ولشيطانه، فحينئذ يظهر سلطان القلب وتثبت جنوده، فيفرح ويقوى ويطرد العدو عنه.
الوجه الثالث عشر
الوجه الثالث عشر ... الثالث عشر: أن يعلم أنه إن صبر فالله ناصره ولابد، فإن1 الله وكيل من صبر وأحال ظالمه عليه2، ومن انتصر بنفسه3 لنفسه وكله الله إلى نفسه، فكان هو الناصر لها، فأين من ناصره الله خير الناصرين، إلى4 من ناصره نفسه أعجز الناصرين وأضعفه.
الوجه الرابع عشر
الوجه الرابع عشر ... الرابع عشر: أن صبره على من آذاه واحتماله له يوجب رجوع خصمه عن ظلمه وندامته واعتذاره، ولوم الناس له فيعود بعد إذائه5 له مستحييا منه، نادماً على ما فعله، بل يصير موالياً له وهذا معنى قوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} 6.
الوجه الخامس عشر
الوجه الخامس عشر ... الخامس عشر: ربما كان انتقامه ومقابلته سبباً لزيادة شر خصمه وقوة نفسه وفكرته في أنواع الأذى التي يوصلها إليه كما هو المشاهد، فإذا صبر وعفى أمن من هذا الضرر. والعاقل لا يختار أعظم الضررين بدفع أدناهما، وكم
قد جلب الانتقام والمقابلة من شر عجز صاحبه عن دفعه، وكم قد ذهبت به1 نفوس ورياسات وأموال وممالك2 لو عفى المظلوم لبقيت عليه.
الوجه السادس عشر
الوجه السادس عشر ... السادس عشر: أن من اعتاد الانتقام ولم يصبر، لابد أن يقع في الظلم، فإن النفس لا تقتصر على قدر العدل الواجب لها، لا علما، ولا إرادة، وربما عجزت3 عن الاقتصار على قدر الحق، فإن الغضب يخرج بصاحبه إلى حد لا يعقل ما يقول وما يفعل، فبين4 هو مظلوم ينتظر النصر والعز، إذ انقلب ظالماً ينتظر المقت والعقوبة.
الوجه السابع عشر
الوجه السابع عشر ... السابع عشر: أن هذه المظلمة التي قد ظُلمها هي سبب، إما لتكفير سيئة، أو رفع درجة5، فإذا انتقم ولم يصبر لم تكن مكفرة لسيئته ولا رافعة لدرجته.
الوجه الثامن عشر
الوجه الثامن عشر ... الثامن عشر: أن عفوه وصبره من أكبر الجند له على خصمه، فإن من صبر وعفا كان صبره وعفوه موجباً لذل عدوه، [وخوفه] 6 وخشيته منه، ومن الناس، فإن الناس لا يسكتون عن خصمه وإن سكت هو، فإذا انتقم زال ذلك كله، ولهذا تجد كثيراً من الناس إذا شتم غيره أو آذاه يحب أن يستوفي منه، فإذا قابله استراح
وألقى عنه ثقلاً كان يجده.
الوجه التاسع عشر
الوجه التاسع عشر ... التاسع عشر: أنه إذا عفى عن خصمه، استشعرت نفس خصمه أنه فوقه، وأنه قد ربح عليه، فلا يزال يرى نفسه دونه وكفى بهذا فضلاً وشرفاً للعفو.
الوجه العشرون
الوجه العشرون ... العشرون: أنه إذا عفا وصفح كانت هذه حسنة، فتولد له حسنة أخرى، وتلك الأخرى تولد1 أخرى، وهلم جرا2، فلا تزال حسناته في مزيد، فإن من ثواب الحسنة الحسنة، كما أن من عقاب السيئة السيئة بعدها، وربما كان هذا سبباً لنجاته وسعادته الأبدية، فإذا انتقم وانتصر زال ذلك. والأصل الثاني الشكر وهو العمل بطاعة الله تعالى. تمت بحمد الله تعالى وعونه. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع - اقتضاء الصراط المستقيم – ابن تيمية- ط دار الإفتاء. - تاريخ بغداد - أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. - تاريخ دمشق - ابن عساكر- ط دار الفكر. - الترغيب والترهيب – أبو القاسم الأصبهاني - الناشر: مكتبة النهضة الحديثة. - الترغيب والترهيب - المنذري. - تفسير ابن جرير الطبري - ط مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط 3. - الجامع الصغير – عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- دار الفكر، بيروت، لبنان، ط 4. - جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر - تحقيق أبي الأشبال الزهيري، ط دار ابن الجوزي، ط الأولى. - حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني- دار الكتاب بيروت، لبنان، ط2، 1387 ?. - الدر المنثور في التفسير بالمأثور – عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- دار المعرفة، بيروت، لبنان. - ديوان ابن الدمينة – تحقيق أحمد راتب النفاخ، مكتبة دار العروبة ط الأولى. - روضة العقلاء - ابن حبان - تحقيق حامد الفقي، نشر مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة. - الزهد للبيهقي. - الزهد - هناد السري - تحقيق عبد الرحمن الفريوائي، الكويت.
- الزهد - وكيع بن الجراح - تحقيق د. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، ط مكتبة الدار بالمدينة المنورة. - سلسلة الأحاديث الضعيفة - محمد ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. - السنن (مع شرح السيوطي، وحاشية السندي) - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي - دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. - السنن - عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي - دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. - السنن - علي بن عمر الدارقطني - مطبوعات السيد عبد الله هاشم اليماني، المدينة النبوية، 1386 28. - السنن - أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي - تعليق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص ط 1، 1388. - شعب الإيمان - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ط الهند. - الشكر - ابن أبي الدنيا - تحقيق ياسين محمد السواس، دار ابن كثير، دمشق، سوريا، 1405?. - صحيح البخاري ط: دار السلم، الرياض. - صحيح مسلم – مسلم بن الحجاج القشري - دار المعرفة، بيروت، لبنان. - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي التيمي - تحقيق إرشاد الحق الأثري، دار العلوم الأثرية، فيصل أباد، باكستان، ط2، 1401?. - فتح الباري – محمد بن علي بن حجر العسقلاني - المكتبة السلفية.
- فضيلة الشكر لله على نعمته - أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد السامري المعروف بالخرائطي - تحقيق محمد مطيع الحافظ، ط دار الفكر، الطبعة الأولى 1402?. - الفوائد – تمام الرازي – ترتيب وتخريج جاسم فهيد الدوسري، دار البشائر الإسلامية، بيروت لبنان، ط 2، 1987. - لسان العرب – أبوالفضل جمال الدين محمد بن مكرم المصري - دار صادر، بيروت، لبنان. - المجالسة وجواهر العلم – أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري - ط دار ابن حزم. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي - دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1402?. - المستدرك على الصحيحين – أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري - دار الفكر، بيروت، لبنان، 1398?. - المسند – أبو يعلى تحقيق حسين سليم أسد - دار المأمون للتراث، دمشق. - المسند - الإمام أحمد - ط. مؤسسة الرسالة. - مسند الشهاب – محمد بن سلامة القضاعي - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة بيروت، لبنان، 1405?. - المعجم الكبير – أبو القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية، بغداد، العراق، ط1.