قاعدة في الجرح والتعديل

السبكي، تاج الدين

قاعدة في الجرح والتعديل

قاعدة في الجرح والتعديل ضرورية نافعة لا تراها في شيء من كتب الاصول فانك اذا سمعت ان الجرح مقدم على التعديل ورايت الجرح والتعديل وكنت غرا بالامور او فدما مقتصرا على منقول الاصول حسبت ان العمل على جرحه فاياك ثم اياك والحذر كل الحذر من هذا الحسبان بل الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة وإلا فلو فتحنا هذا الباب وأخذنا بتقديم الجرح على اطلاقه لما سلم لنا احد

من الاثم اذ ما من امام الا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون وقد عقد الحافظ ابو عمر بن البر في كتاب العلم بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدا فيه بحديث الزبير رضي الله عنه دب اليكم داء الامم قبلكم الحسد والبغضاء الحديث وروى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال استمعوا كلام العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض والذي نفسي بيده لهم اشد تغايرا من التيوس في زروبها وعن مالك بن دينار يؤخذ بقول العلماء والقراء الا بعضهم في بعض

قلت ورايت في كتاب معين الحكام لابن عبد الرفيع من المالكية وقع في المبسوط من قول عبد الله بن وهب انه لا يجوز

شهادة القارئ على القارئ يعني العلماء لانهم اشد الناس تحاسدا وتباغضا قاله سفيان الثوري ومالك بن دينار ولعل ابن عبد البر يرى هذا ولاباس به غير انا لا ناخذ به على اطلاقه ولكن نرى ان الضابط ما نقوله من ان ثابت العدالة لا يلتفت فيه الى قول من تشهد القرائن بانه متحامل عليه اما لتعصب مذهبي او غيره يم قال ابو عمر بعد ذلك الصحيح في هذا الباب ان من ثبتت عدالته وصحت في العلم امامته وبانت ثقته وبالعلم عنايته لم يلتفت فيه الى قول احد الا ان ياتي في جرحته ببينة عدالة تصح بها جرحته على طريق الشهادات واستدل بان السلف تكلم بعضهم في بعض بكلام منه ما حمل عليه الغضب او الحسد ومنه ما دعا اليه التاويل واختلاف الاجتهاد مما لا يلزم

المقول به ما قال القائل فيه وقد حمل بعضهم على بض بالسيف تاويلا واجتهادا ثم اندفع ابن عبد البر في ذكر كلام جماعة من النظراء بعضهم في بعض وعدم الاتفات اليه لذلك الى ان انتهى الى كلام ابن معين في الشافعي وقال انه مما نقم على ابن معين وعيب به وذكر قول احمد بن حنبل من اين يعرف يحيى بن معين الشافعي هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقول الشافعي ومن جهل شيئا عاداه قلت وقد قيل ان ابن معين لم يرد الشافعي وانما اراد ابن عمه كما سنحكيه ان شاء الله تعالى في ترجمت الاستاذ ابي منصور وبتقدير ارادته

الشافعي فلا يلتفت اليه وهو عار عليه وقد كان في بكاء ابن معين على إجابته المامون الى القول بخلق القران وتحسره على ما فرط منه ما ينبغي ان يكون شاغلا له عن التعرض الى الامام الشافعي امام الائمة ابن عم المصطفى صلى الله عليه وسلم

ثم ذكر ابن عبد البر كلام ابن ابي ذئب وابراهيم بن سعد في مالك ابن انس قال وقد تكلم ايضا في مالك عبد العزيز بن ابي سلمة

وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم ومحمد بن اسحاق وابن ابي يحيى وابن ابي الزناد وعابوا اشياء من مذهب وقد برا الله عز وجل مالكا عما قالوا وكان عند الله وجيها

قال وما مثل من تكلم في مالك والشافعي ونظائر هما الا قال الاعشى كناطح صخرة يوما ليوهنها لم يضرها واوهى قرنه الوعل او كما قال الحسن بن حميد يا ناطه الجبل العلي ليكمله اشفق على الراس لا تشفق على الجبل ولقد احسن ابو العتاهية حيث يقول

من ذا الذي ينجو من الناس سالما وللناس قال بالظنون وقيل وقيل لابن المبارك فلان بكلم في ابي حنيفة فانشد حسدا اذ راوك ضلك الله بما فضلت به النجباء وقيل لابي عاصم النبيل فلان يتكلم في ابي حنيفة فقال هو كما قال نصيب سلمت وهل حي على الناس يسلم وقال ابو الاسود الدولي حسدوا الفتى اذ لم ينالوا سعيه فالقوم اعداء له وخصوم

ثم قال ابن عبد البر من اراد قبول قول العلماء الثقات بعضهم في بعض فليقبل قول الصحابة بعضهم في بعص ان فعل ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا قال وان لم يفعل ولن يفعل ان هداه الله والهمه رشده فليقف عندما شرطناه في ان لا يقبل في صحيح العدالة المعلوم بالعلم عنايته قول قائل لا برهان له قلت هذا كلام ابن عبد البر وهو على حسنه غير صاف من القذى والكدر فانه لم يزد فيه على قوله ان من ثبتت عدالته ومعرفته لا يقبل قول جارجه الا ببرهان وهذا قد اشار اليه العلماء جميعا حيث قالوا لا يقبل الجرح الا مفسرا فما الذي زاده ابن عبد البر عليهم وان اوما الى ان كلام النظير في النظير والعلماء بعضهم في بعض مردود مطلقا كما قدمناه عن المبسوطة فليفصح به ثم هو مما لا ينبغي ان يؤخذ هنا على اطلاقه بل لا بد من زيادة على قولهم ان الجرح مقدم على التعديل او نقصان من قولهم كلام النظير في النظير مردود والقاعدة معقودة لهذه الجملة ولم ينح ابن عبد البر فينا يظهر سواها والا لصرح بان كلام العلماء بعضهم في بعض مردود او لكان كلامه غير ميد فائدة زائدة على ما ذكره الناس ولكن عبارته على ما ترى قاصرة عن المراد فان قلت فنا العبارة الوافية بما ترون قلت ما عرفناك اولا من ان

الجارح لا يقبل منه الجرح وان فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه اذ كانت هناك قرينة يشهد العقل بان مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه من تعصب مذهبي او منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء او غير ذلك فنقول مثلا لا يلتفت الى كلام ابن ابي ذئب في مالك

وابن معين في الشافعي والنسائي في احمد بن

صالح لان هؤلاء ائمة مشهورون صار الجارح لهم كالاتي بخير غريب لو صح لتوفرت الدواعي على نقله وكان القاطع قائما على كذبه فيما

قاله ومما ينبغي ان يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة الى الجارح والمجروح فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجره لذلك واليه اشار الرافعي بقوله وينبغي ان يكون المزكون براء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفا من ان يحملهم ذلك على جرح عدل او تزكية فاسق وقد وقع هذا لكثير من الائمة جرحوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب وقد اشار شيخ الاسلام سيد المتاخرين تقي الدين ابن دقيق العيد في كتابه الاقتراح الى هذا وقال اعراض المسلمين حفرة من حفر النار

وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحاكام قلت ومن امثلة ما قدمنا قول بعضهم في البخاري تركه ابو زرعة وابو حاتم من اجل مسالة اللفظ فيالله والمسلمين ايجوز لاحد ان يقول البخاري متروك وهو حامل لواء الصانعة ومقدم اهل السنة والجماعة ثم يالله والمسلمين اتجعل ممادحه مذام فان الحق في مسالة اللفظ معه اذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في ان تلفظه من افعاله الحادثة التي هي مخلوق لله تعالى وانما انكرها الامام احمد رضي الله عنه لبشاعة لفظها ومن ذلك قول بعض المجسمة في ابي حاتم ابن حبان لم يكن له كبيردين نحن اخرجناه من سحستان لانه انكدر الحد لله فيا ليت شعري

من احق بالاخراج من يجعل ربه محدودا او من ينزهه عن الجسمية وامثلة هذا تكثر

وهذا شيخنا الذهبي رحمه الله تعالى من هذا القبيل

له علم وديانة وعنده على اهل السنة تحامل مفرط لا يجوز ان يعتمد عليه ونقلت من خط الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي رحمه الله ما نصه الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي لا اشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقول الناس ولكنه غلب عليه مذهب الاثبات ومنافرة التاويل واغفلة عن التنزيه حتى اثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن اهل التنزيه وميلا قويا الى اهل الاثبات فاذا ترجم واحد منهم يطنب في وصفه بجميع ما قيل يه من المحاسن ويبالغ في وصفه ويتغافل عن غلطاته ويتأول له ما امكن واذا ذكر احدا من الطرف الاخر كامام الحرمين والغزالي ونحوهما لا يبالغ في وصفه ويكثر من قول من طعن به ويعيد ذلك ويبديه ويعتقده دينا وهو لا يشعر ويعرض عن محاسنهم الطافحة فلا يستوعبها واذا ظفر

لاحد منهم بغلطة ذكرها وكذلك فعله في اهل عصرنا اذا لم يقدر على احد منهم بتصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ونحو ذلك وسببه المخالفة في العقائد انتهى والحال في حق شيخنا الذهبي أزيد مما وصف وهو شيخنا ومعلمنا غير ان الحق احق ان يتبع وقد وصل من التعصب المفرط الى حد يسخر منه وانا اخشى عليه يوم القيام من غالب علماء المسلمين وائمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية فان غالبهم علماء المسلمين وائمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية فان غالبهم اشاعرة وهو اذا وقع باشعري لا يبقى ولا يذر والذي اعتقده انهم خصماؤه يوم القيامة عند من لعل ادناهم عنده اوجه منه فالله المسئول ان يخفف عنه وان يلهمهم العفو عنه وان يشفعهم فيه (*) والذي ادركنا عليه المشايخ النهى عن النظر في كلامه وعدم اعتبار قوله ولم يكن يستجري ان يظهر كتبه التاريخية الا لمن يغلب على ظنه انه لا ينقل عنه ما يعاقب عليه

_ (*) قال محقق الكتاب: ما عاب به شيخه الإمام شمس الدين الذهبي وقاله فيه - رحمهما الله تعالى - لا يخلو من مبالغة وتحامل بسبب المخالفة في العقيدة أيضا، نسأل الله أن يرزقنا العدل في الرضا والغضب. . . .

واما قول العلائي لا اشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقوله فقد كنت اعتقد ذلك واقول عند هذه الاشياء انه ربما اعتقدها دينا ومنها امور اقطع بانه يعرفها بانها كذب واقطع بانه لا يختلقها واقطع بانه يحب وضعها في كتبه لتنشر واقطع بانه يحب ان بعتقد سامعها صحتها بغضا للمتحد فيه وتنفيرا للناس عنه مع قلة معرفته بمدلولات الالفاظ ومع عدم ممارسته لعلوم الشريعة غير اني لما اكثرت بعد موته النظر في كلامه عند الاحتياج الى النظر فيه توقت في تحريه فيما يقوله ولا ازيد على هذا غير االاحالة على كلامه لينظر كلامه من شاء ثم يبصر هل الرجل متحر عند غضبه او غير متحر واعني بغضبه وقت ترجمته لواحد من علماء المذاهب الثلاثة المشهورين من الحنفية والمالكية والشافعية فاني اعتقد ان الرجل كان اذا مد القلم لترجمة احدهم غضب غضبا مفرطا ثم قرطم الكلام ومزقه وفعل من التعصب ما لا يخفى على ذي بصيرة ثم هو مع ذلك غير خبير بمدلولات الالفاظ كما ينبغي ربما ذكر لفظة من الذم لو عقل معناها لما نطق لما بها (*) ودائما اتعجب من ذكره الامام

_ (*) قال محقق الكتاب: فيه مبالغة طافحة، وتحامل مكشوف! ومتى كان هذا الإمام الفذ الفريد الصاعقة في الحفظ والذكاء والفهم ولمعان الذهن، المِدْرَهُ: (لا يَعقل ما ينطق به) نسأل الله السلامة من الشطط وسوء الأدب

فخر الدين الرازي في كتاب الميزان في الضعفاء وكذلك السيف الامدي واقول يا لله العجب هذان لا رواية لهما ولا جرحهما احد ولا سمع من احد انه ضعفهما فيما ينقلانه من علومهما أي مدخل لهما في هذا الكتاب (*) ثم انا لم نسمع احدا سمى الامام فخر الدين بالفخر بل اما الامام واما ابن الخطيب واذا ترجم كان من المحمدين فجعله في حرف الفاء وسماه الفخر ثم حلف في اخر الكتاب انه لم يتعمد فيه هوى نفسه فاي هوى نفس اعظم من هذا فاما ان يكون ورى في يمينه او استثنى غير الرواة فيقال له لم ذكرت غيرهم واما ان يكون اعتقد ان هذا ليس هوى نفس واذا وصل الى هذا الحد والعياذ بالله فهو مطبوع على قلبه (**) ولنعد الى ما كنا بصدده فنقول

_ (*) قال محقق الكتاب: صحيح اَن أَصل الكتاب: "ميزان الاعتدال" بني على نَقد الرواة من حَمَلة الأثار، ولكنْ العلماءَ- بصرف النظر عن الفخر الرازي والسيف الآمدي- الذين وقع منهم ما ينتقد في سيرتهم أوعقيدتهم، ولا رواية لهم، هل يؤاخذ الذهبى رحمه الله نعالى إذا تَرجم لهم بما هم عليه، ليعرَفوا لمن بعدهم؟ وقانا الله العصبية لغير الحق وأَهله. (**) قال محقق الكتاب: لقد أَسرف الشيخ تاج الدين في حق شيخه الإمام شمس الدين الذهبي- لقباً ومعنى، وبالغَ حتى أَفرط! ومال حتى قسط! ووقع في الشطط والغلط! وكيف ساغ له التعبير بهذه الكلمة الكبيرة؟ وإنها لكبيرة. وإذا كان الإمام شمى الدين الذهبي (مطبوعا على قلبه) وحاشاه من ذلك، فمن الذي أَعاذه الله من (الطبع على قلبه) ؟ نسأل الله العدل في الرضا والغضب، والعافية من الإفراط والتفريط. . .

فان قلت قولكم لا بد من تفقد حال العقائد هل تعنون به انه لا يقبل قول مخالف عقيدة فيمن خالفه مطلقا سواء السني على المبتدع وعكسه او غير ذلك قلت هذا مكان معضل يجب على طالب التحقيق التوقف عنده لفهم ما يلقى عليه وان لا يبادر لانكار شيء قبل التامل فيه واعلم انا عندنا ما هو اعم من ذلك ولسنا نقول لا تقيل شهادة السني على المبتدع مطلقا معاذ الله ولكن نقول من شهد على اخر وهو مخالف له في العقيدة واوجبت مخالفته له في العقيدة ريبة عند الحاكم المتبصر لا يجدها اذا كانت الشهادة صادرة من غير تخالف في العقيدة ولا ينكر ذلك الا فدم اخرق ثم المشهود يه يختلف باختلاف الاحوال والغراض فربما وضح

غرض الشهادة على المشهود عليه ايضاحا لا يخفى على احد وذلك لقربه من نصر معتقده او ما اشبه ذلك وربما دق وغمض بحيث لا يدركه الا الفطن من الحكام ورب شاهد من اهل السنة ساذج قد مقت المبتدع مقتا زائدا على ما يطلبه الله منه واساء الظن به اساءة او جبت له ما يبلغه عنه فبلغه عنه شيء فغلب على ظنه صدقه لما قدمناه فشهد به فسبيل الحاكم التوقف في مثل هذا الى ان يتبين له الحال فيه وسبيل الشاهد الورع لو كان من اصلب اهل السنة ان يعرض على نفسه ما نقل له عن هذا المبتدع وقد صدق وعزم على ان يشهد عليه به ان يعرض على نفسه مثل هذا الخبر بعينه وهذا المخبر بعينه لو كان عن شخص من اهل عقيدته هل كان يصدقه وبتقدير انه كان يصدقه هل كان يبادر الى الشهادة عليه به وبتقديري انه كان يادر ليوازن ما بين المبادرتين فان وجدهما سواء فدونه والا فليعلم ان حظ النفس داخله وازيد من ذلك ان الشيطان استولى عليه فخيل له ان هذه قربة وقيام في نصر الحق وليعلم من هذه سبيله انه اتي من جهل وقلة دين وهذا قولنا في سني يجرح مبتدعا فما الظن بمبتدع يجرح سني كما قدمناه وفي المبتدعة لا سيما المجسمة زيادة لا توجد في غيرهم وهو انهم يرون الكذب لنصرة مذهبهم والشهادة على من يخالفهم في العقيدة بما في نفسه وماله بالكذب تأييدا لاعتقادهم ويزداد حنقهم وتقربهم الى الله بالكذب عليه بمقدار زيادته في النيل منهم فهؤلاء لا يحل لمسلم ان يعتبر كلامهم فان قلت اليس ان الصحيح في المذهب قبول شهادة المبتدع اذا لم نكفره قلت قبول شهادته لا يوجب دفع الريبة عند شهادته على مخالفه في

العقيدة والريبة توجب الفحص والتكشف والتثبت وهذه امور تظهر الحق ان شاء الله تعالى اذا اعتمدت على ما ينبغي وفي تعليقة القاضي حسين لا يجوز ان يبغض الرجل لانه من مذهب كذا فان ذلك يوجب رد الشهادة انتهى ومراده لانه مذهب من المذاهب المقبولة اما اذا ابغضه لكونه مبتدعا فلا ترد شهادته واعلم ان ما ذكرناه من قبول شهادة المبتدع هو ما صححه النووي وهو مصادم لنص الشافعي على عدم قبول شهادة الخطابية وهو طريقة الاصحاب واصحاب هذه الطريقة يقولون لو شهد خطابي وذكر في شهادته ما يقطع احتمال الاعتماد على قول المدعي بان قال سمعت فلانا يقر بكذا لفلان او رايته افرض قبلت شهادته وهذا منهم بناء على ان الخطابي يرى جواز الشهادة لصاحبه اذا سمعه يقول لي فلان كذا صدقه واليه اشار الشافعي وقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زمان هذا صاروا يرون الكذب على مخالفيهم في العقيدة لا سيما القائم عليهم بكل ما يسوءه في نفسه وماله وبلغني ان كبيرهم استفتى في شافعي ايشهد عليه بالكذب فقال الست تعتقد ان دمه حلال قال نعم قال فما دون ذلك دون دمه فاشهد وادفع فساده عن المسلمين هذه عقيدتهم وبرون انهم المسلمون وانهم اهل السنة ولو عدوا عددا لما بلغ علماؤهم ولا عالم فيهم على الحقيقة مبلغا يعتبر ويكفرون غالب علماء الامة ثم يعتزرون الى الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه وهو منهم بريء ولكنه كما قال بعض العارفين ورايته بخط الشيخ تقي الدين ابن الصلاح امامان ابتلاهما الله باصحابهما وهما بريئان منهم احمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة وجعفر الصادق ابتلي بالرافضة

ثم هذا الذي ذكرناه هو على طريقة النووي رحمه الله والذي اراه ان لا تقبل شهادته على سني فان قلت هل هذا راي الشيخ ابي حامد ومن تابعه ان اهل الاهواء كلهم لا تقبل لهم الشهادة قلت لا بل هذا قول بان شهادتهم على مخالفيهم في العقيدة غير مقبولة ولو كان مخالفهم في العقيدة مبتدعا وهذا لا اعتقد ان النووي ولا غيره يخالف فيه والذي قاله النووي قبول شهادة المبتدع اذا لم نكفره على الجملة اما ان شهادته تقبل بالنسبة الى مخالفه في العقيدة مع ما هنالك من الريبة لم يقل النووي وفى غيره ذلك فان قلت غاية المخالة في العقيدة ان توجب عداوة وهي دينية لا توجب رد الشهادة قلت انما لا توجب رد الشهادة من المحق على المبطل كما قال الاصحاب تقبل شهادة السني على المبتدع وكذا من ابغض الفاسق لفسقه ثم ساعرفك ما فيه واما عكسه وهو المبتدع على السني فلم يقله احد من اصحابنا ثم اقول فيما ذكره الاصحاب من قبول شهادة السني على المبتدع انما ذلك قي سني لم يصل في حق المبتدع وبغضه له لي ان يصير عنده حظ نفس قد يحمله على التعصب عليه وكذا الشاهد على الفاسق فمن وصل من السني والشاهد على الفاسق الى هذا الحد لم اقبل شهادته عليه لان عندهما زيادة على ما طلبه الشارع منهما اوجبت عندي الريبة في امرهما فكم من شاهد رايته يبغض انسانا ويشهد عليه بالفسق تدينا وجاءني وادى الشهادة عندي باكيا وقت تاديته الشهادة الدين فرقا خائفا يخسف بالمسلمين لوجود المشهود عليه بين اظهرنا

وانا والذي نفسي بيده اعتقد واتيقن ان المشهود عليه خير منه ولا اقول انه كذب عليه عامدا بل انه بنى على الظن وصدق اقوالا ضعيفة ابغض المشهود عليه بسببها منذ ابغضه لحقه هوى النفس واستولى عليه الشيطان وصار الحامل له في نفس الامر حظ نفسه وفيما يخطر له الدين هذا ما شاهدته وابصرته ولي في القضاء سنين عديدة فليتق الله امرؤ وقف على حفر النار فلا حول ولا قوة الا بالله قد جعلني الله قاضيا ومحدثا وقد قال ابن دقيق العيد اعراض الناس حفرة من حفر النار وقف عليها المحدثون والحكام

ومما يؤيد ما قلته ان اصحابنا قالوا من استباح دم غيره من المسلمين ولم يقدر على قتله فشهد بقتله لم يقتل ذكره الروياني في البحر في باب من تجوز شهادته نقلا عن بعض اصحابنا سكنا عليه ولا يعر في المذهب خلافه فان قلت قد قال عقيبه ومن شتم متاولا ثم شهد عليه قبل او غير متاول فلا

قلت يعني بالقبول بعد الشتم متاولا الشهادة بامر معين ونحن نعلم انه لا يحمله عليها بغض فليس كمن وصفناه ومما ينبغي ان بتقد عند الجرح ايضا حال الجارح في الخبرة بمدلولات الالفاظ فكثيرا ما رايت من يسمع لفظة فيفهمهما على غير وجهها والخبرة بمدلولات الالفاظ ولا سيما الالفاظ العرفية التي تختل باختلاف عرف الناس وتكون في بعض الازمان مدحا وفي بعضها ذما امر شديد لا يدركه الا فقيه بالعلم ومما ينبغي ان يتفقد ايضا حاله في العلم بالاحكام الشرعية فرب جاهل ظن الحلال حراما فجرح به ومن اوجب الفقهاء التفسير ليتوضح الحال وقال الشافعي رضي الله عنه حضرت بمصر رجلا مزكيا يجرح رجلا سئل عن سببه والح عليه فقال رايته يبول قائما قيل وما في ذلك قال يريد الريح من رشاشه على يده وثيابه فيصلي فيه قيل هل رايته قد اصابه الرشاش وصلى قبل ان يغتسل ما اصابه قال لا ولكن اراه سيفعل قال صاحب البحر وحكي ان رجلا جرح رجلا وقال انه طين سطحه بطين استخرج من حوض السبيل

ومما ينبغي ايضا تفقده وقد نبه عليه شيخ الاسلام ابن دقيق العيد الخلاف الواقع بين كثير من الصوفية واصحاب الحديث فقد اوجب كلام بعضهم في بعض كما تكلم بعضهم في حق الحارث المحاسبي وغيره وهذا في الحقيقة داخل في قسم مخالفة العقائد وان عدة ابن دقيق العيد غيره والطامت الكبرى انما هي في العقائد المثيرة للتعصب والهوى نعم وفي المنافسات الدنيوية على حطام الدنيا وهذا في المتاخرين اكثر منه في المتقدمين وامر العقائد سواء في الفريقين وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا الى ان كتب شرح صحيح مسلم للشيخ محي الدين النووي وحذف من كلام النووي ما تكلم به على احاديث الصفات فان النووي اشعري العقيدة فلم تحمل قوى هذا الكتاب ان بكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنف وهذا عندي من كبائر الذنوب فانه تحريف للشريعة وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس

وما في ايديهم من المصنفات فقبح الله فاعله واخزاه وقد كان في غنية عن كتابة هذا الشرح وكان الشرح في غنية عنه ولنعد الى الكلام في الجرحين على النحو الذي عرفناك فان قلت فهذا يعود بالجرح على الجارح حيث جرح لا في موضعه قلت اما من تكلم بالهوى ونحوه فلا شك فيه واما من تكلم بمبلغ ظنه فها هنا وقفه محتومة على طالب التحقيقات ومزلة تاخذ باقدام من لا يبرا عن حوله وقوته ويكل امره الى عالم الخفيات فنقول لا شك ان تكلم في امام استقر في الاذهان عظمته وتناقلت الرواة ممادحة فقد جر الملام الى نفسه ولكنا لا نقضي ايضا على من عرفت عدالته اذا جرح من لم يقبل منه جرحه اياه بالفسق بل نجوز امورا احدهما ان يكون واهما ومن ذا الذي لا يهم والثاني ان يكون مؤولا قد جرح بشيء ظنه جارحا ولا يراه المجروح كذلك كاختلاف المجتهدين والثالث ان يكون نقله اليه من يراه هو صادقا ونراه نحن كاذبا

وهذا لاختلافنا في الجرح والتعديل رب مجروح عند عالم معدل عند غيره فيقع الاختلاف في الاحتجاج حسب الاختلاف في تزكية فلم يتعين ان يكون الحامل للجارح على الجرح مجرد التعصب والهوى حتى يجرحه بالجرح ومعنا اصلان نستصحبهما الى ان نتيقن خلافهما اصل عدالة الامام المجروح الذي قد استقرت عظمته واصل عدالة الجارح الذي ثبتت عدالته فلا يلتفت الى جرحه ولا نجرحه بجرحه فاحفظ هذا المكان فهو من المهمات فان قلت فهل ما قررتموه مخصص لقول الائمة ان الجرح مقدم لانكم تستثنون جارحا لمن شانه قد ندر بين المعدلين

قلت لا فان قولهم الجرح مقدم انما يعنون به حالة تعارض الجرح والتعديل فاذا تعارضا لامر من جهة الترجيح قدمنا الجرح لما فيه من زيادة العلم وتعارضهما هو استواء الظن عندهما لان هذا شان المتعارضين اما اذا لم يقع استواء الظن عندهما فلا تعارض بل العمل باقوى الظنين من جرح او تعديل وما نحن فيه لم يتعارضا لان غلبة الظن بالعدالة قائمة وهذا كما ان عدد الجارح اذا كان اكثر قدم الجرح اجماعا لانه لا تعارض والحالة هذه ولا يقول هنا احد بتقديم التعديل لا من قال بتقديمه عند التعرض ولا غيره وعبارتنا في كتابنا جمع الجوامع وهو مختصر جمعناه في الاصلين جمع فأوعى والجرح مقدم ان كان عدد الجرح اكثر من المعدل اجماعا وكذلك ان تساويا او كان الجارح اقل وقال ابن شعبان يطلب الترجيح انتهى وفيه زيادة على ما في مختصرات اصول الفقه فانا نبهنا فيه على مكان الاجماع ولم ينبهواعليه وحكينا فيه مقالة ابن شعبان من المالكية وهي غريبة لم يشيروا اليها واشرنا بقولنا يطلب الترجيح الى ان النزاع انما هو في

حالة التعارض لان طلب الترجيح انما هو في تلك الحالة وهذا شان كتابنا جمع الجوامع نفع الله به غالب ظننا ان في كل مسالة فيه زيادات لا توجد مجموعة في غيره مع البلاغة في الاختصار اذا عرفت هذا علمت انه ليس كل جرح مقدما وقد عقد شيخنا الذهبي رحمه الله فصلا في جماعة لا يعبا بالكلام فيهم بل ثقات على رغم ان من تفوه يهم بما هم عنه برءاء ونحن نورد ترجمته محاسن ذلك الفصل ان شاء الله ولنختتم هذه القاعدتين بفائدتين عظيمتين لا يراهما الناظر ايضا في غير كتابنا هذا احدهما ان قولهم لا يقبل الجرح الا مفسر انما هو ايضا في جرح من ثبتت عدالته واستقرت اذا اراد رفع رافعها بالجرح قيل له ائت ببرهان على هذا او فيمن يعرف حاله ولكن ابتدره جارحان ومزكيان فيقال اذ ذلك للجارحين فسرا ما رميتماه به اما من ثبت انه مجروح فيقبل قول من اطلق جرحه لجريانه على الاصل المقرر عندنا ولا نطلبه بالتفسير اذ لا حاجة الى طلبه والفائدة الثانية انا لا نطلب التفسير من كل احد بل انما نطلبه حيث يحتمل الحال شكا اما لاختلاف في الاجتهاد او لتهمة يسيرة في الجارح او نحو ذلك مما لا يوجب سقوط قول الجارح ولا ينتهي الى الاعتبار به على

الاطلاق بل يكون بين بين اما اذا انتفت الظنون واندفعت التهم وكان الجارح حبرا من احبار الامة مبرءا عن مظان التهمة او كان المجروح مشهورا بالضعف متروكا بين النقاد لا نتلعثم عند جرحه ولا نحوج الجارح الى تفسير بل طلب التفسير منه والحالة هذه طلب لغيبة لا حاجة اليهانحن نقبل قول ابن معين في ابراهيم بن شعيب المدني شيخ روى عنه ابن وهب انه ليس بشيء وفي ابراهيم بن يزيد المدني انه ضعيف وفي الحسين بن الفرج الخياط انه كذاب يسرق الحديث وعلى هذا وان لم يبين الجرح لانه اما مقدم في هذه الصناعة جرح طائفة غير ثابتي العدالة والثبت ولا نقبل قوله في الشافعي ولو سر واتى بالف ايضاح لقيام القاطع على انه غير محق بالنسبة اليه اعتبر ما اشرنا ليه في ان معين في غيره واحتفظ بما ذكرناه تنتفع به وينبغي لك ايها المسترشد ان تسلك سبيل الادب مع الائمة

الماضين وان لا تنظر الى كلام بعضهم في بعض الا اذا اتى برهان واضح ثم ان قدرت على التاويل وتحسين الظن دونك والا فاضرب صفحا عما جرى بينهم فانك لم تخلق لهذا فاشتغل بما يعنيك ودع ما لا يعنيك ولا يزال طالب العلم عندي نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين ويقضي لبعضهم على بعض فاياك ثم اياك ان تصغي الى ما اتفق بين ابي حنيفة وسفيان الثوري

او بين مالك وابن ابي ذئب او بين احمد بن صالح والنسائي او بين احمد بن حنبل والحارث المحاسبي وهلم جرا الى زمان العز

ابن عبد السلام وانتقى بن الصالح فانك اذا اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك فالقوم ائمة اعلام ولاقوالهم محامل وربما لم يهم بعضها

فليس لنا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم

فليس لنا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم كما نفعل فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم اجمعين

§1/1