قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات
ابن تيمية
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل الله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد: فهذا سفر جديد ومؤلف نفيس ينشر لأول مرة، للعلامة القرآني والمجاهد الرباني، شيخ الإسلام والمسلمين أبي العباس أحمد ابن تيمية رحمه الله، نقدمه للذاكرين والذاكرات عسى أن يجدوا فيه ما يجلب لهم الطمأنينة والسكينة ونزول الرحمة {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد:28) . ويأتي "التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير" على رأس ذكر الله؛ فهو من أجل منازل الذكر ومراتبها العالية. فهو غراس الجنة الذي طلب نبي الله إبراهيم الخليل من نبينا صلى الله عليه وسلم أن يخبرنا به ليلة أسري به؛ بقوله: "يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها:
وأما تحقيق نسبة الكتاب للمؤلف
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" (1) . جلس عبد الله ابن عمرو وابن مسعود رضي الله عنهم، فقال ابن مسعود: "لأن أخذ في طريق أقول فيه: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" أحب إلي من أنفق عددهن دنانير في سبيل الله عز وجل، فقال عبد الله بن عمرو: "لأن آخذ في طريق فأقولهن أحب إلي من أن أحمل عددهن على الخيل في سبيل الله" (2) . ويقول عبيد بن عمير رحمه الله: "تسبيحة بحمد الله في صحيفة المؤمن خير من أن تسير أو تسيل معه جبال الدنيا ذهبا" (3) . وأما تحقيق نسبة الكتاب للمؤلف: فقد أشار المصنف رحمه الله إليه عند كلامه على نفس المسألة؛ حيث يقول: "وقد بسطنا الكلام على حقيقة التسبيح والتحميد ومعنى التسبيح بحمده في غير هذا الموضع" (4) .
وصف النسخة
وهذا الموضع الآخر هو كتابنا هذا. وقد ذكر هذه القاعدة ابن رشيق رحمه الله بعنوان: "قاعدة في التسبيح والتحميد والتهليل" (1) . وبنفس هذا العنوان ذكره العلامة ابن عبد الهادي رحمه الله (2) . وهذا العنوان قريب جدا مما جاء بعنوان المخطوطة "قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات وبيان اقتران التهليل بالتكبير والتسبيح بالتحميد" وهو ما اعتمدته هنا، لأنه أدل على المحتوى. والناظر في كلام شيخ الإسلام على هذه القاعدة في مواضع أخرى من كتبه (3) يؤكد بما لا يدع مجالا للشك تطابقه مع ما جاء بكتابنا هذا. وصف النسخة: فقد اعتمدت على نسخة وحيدة، تقع ضمن "مجموع" يضم عدة رسائل لشيخ الإسلام، وهو مقتنيات "خزانة رئيس الكتاب" الملحقة بـ"السليمانية" بتركيا وهي تحت رقم (1153) .
وأما عملنا في التحقيق
وتقع هذه النسخة في 7 ورقات من هذا المجموع، وهي تمثل الورقات من (182و) إلى (187ظ) وكل صفحة بها 23سطرا. وفي كل سطر ما يقرب 15 كلمة، وهي مكتوبة بخط واضح جميل منقوط، وقليلة الأخطاء. وأما عملنا في التحقيق: فقد اتخذت هذه النسخة أصلا. كما قمت بضبط فقرات الكتاب كلها، ونسقت عباراتها ورقمت فقراتها برقم مسلسل ووضعت لها عناوين جانبية. كما قمت بعزو الآيات ووضع العزو بجوار الآيات، وخرجت الأحاديث والآثار وبينت مرتبتها من حيث القبول والرد. كما وضعت بعض التعليقات المهمة وأكثرها من كلام شيخ الإسلام من كتبه الأخرى، وبعض المصادر الأخرى كما صنعت له فهارس للآيات والأحاديث والآثار والموضوعات. والله تعالى أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه، وأن يتولانا في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب. وهو حسبنا ونعم الوكيل. الإسماعيلية في 11محرم 1422هـ أبو محمد أشرف بن عبد المقصود غفر الله له
النص المحقق لكتاب "قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات"
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين. فصل في الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أفضل الكلام بعد القرآن 1- فقد ثبت في الصحيح (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الكلام بعد القرآن أربع؛ وهن من القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
التسبيح بحمده سبحانه في القرآن
2- وقد ذكرنا ما يتعلق بمعانيها في مواضع (1) . 3- والمقصود هنا أن نقول: "التسبيح" مقرون بـ"التحميد"، و"التهليل" مقرون بـ"التكبير". التسبيح بحمده سبحانه في القرآن 4- فإن الله تعالى يذكر في غير موضع "التسبيح بحمده": 5- كقول "الملائكة": {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} (البقرة: من الآية30) . 6- وقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} (غافر: من الآية7) . 7- وقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} (أ) (طه: من الآية130) . 8- وقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (أ) (الطور: من الآية48) . الصلاة تتضمن التسبيح بحمده 9- ولا ريب أن الصلاة الشرعية تتضمن ما أمر به من التسبيح بحمده. 10- كما قد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في مثل حديث جرير المتفق عليه (2) :
اقتران التكبير بالتهليل في الأذان وإذا علا شرفا
أنه نظر إلى القمر فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (أ) (ق: من الآية39) . 11- وأيضا: ففي "صحيح مسلم" (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده". 12- وفي "الصحيحين" (2) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". اقتران التكبير بالتهليل في الأذان وإذا علا شرفا 13- وأما "التكبير": فهو مقرون بالتهليل: (1) في الأذان؛ فإن المؤذن يكبر ويهلل. (2) وفي تكبير الإشراف؛ كان إذا علا نشزا كبر ثلاثا، وقال:
التكبير على الصفا والمروة وعند ركوب الدابة وفي الأعياد
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". وهو في "الصحيحين" (1) . التكبير على الصفا والمروة وعند ركوب الدابة وفي الأعياد (3) وكذلك: على الصفا والمروة (2) . (4) وكذلك: إذا ركب دابة (3) . (5) وكذلك: في تكبير الأعياد (4) .
مشروعية التكبير في الأماكن العالية
مشروعية التكبير في الأماكن العالية 14- والتكبير مشروع في الأماكن العالية، والتسبيح عند الانخفاض. 15- كما في "السنن" (1) عن جابر قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا". 16- فوضعت الصلاة على ذلك، والمصلي في ركوعه وسجوده يسبح، ويكبر في الخفض والرفع؛ كما جاءت الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. 17- ومن اقتران التهليل بالتكبير: قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: "يا عدي ما يُفِرُّكَ؟! أيُفِرُّكَ أن يقال لا إله إلا الله، فهل تعلم من إله إلا الله، ما يفرك؟! أيفرك أن يقال: الله أكبر، فهل من شيء أكبر من الله؟! " رواه "أحمد" و"الترمذي" وغيرهما (2) .
التسبيح والتحميد يجمع النفي والإثبات
التسبيح والتحميد يجمع النفي والإثبات 18- فنقول: "التسبيح والتحميد" يجمع النفي والإثبات؛ نفي المعايب وإثبات المحامد، وذلك يتضمن التعظيم. ولهذا قال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (الأعلى:1) . وقال: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (الواقعة:74) . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا هذه في ركوعكم، وهذه في سجودكم" (1) . وقال: "أما الركوع فعظموا فيه الرب" (2) .
التهليل والتكبير وما يتضمنه كلا منهما
فـ"التسبيح" يتضمن: التنزيه المستلزم للتعظيم. و"الحمد" يتضمن: إثبات المحامد المتضمن لنفي نقائصها. التهليل والتكبير وما يتضمنه كلا منهما 19- وأما "التهليل والتكبير": فـ"التهليل" يتضمن: اختصاصه بالإلهية وما يستلزم الإلهية، فهذا لا يكون لغيره، بل هو مختص به. و"التكبير" يتضمن: أنه أكبر من كل شيء. 20- فما يحصل لغيره من نوع صفات الكمال؛ فإن المخلوق متصف بأنه موجود، وأنه حي وأنه عليم، قدير، سميع بصير، إلى غير ذلك. 21- فهو سبحانه أكبر من كل شيء، فلا يساويه شيء في شيء من صفات الكمال؛ بل هي نوعان: نوع يختص به ويمتنع ثبوته لغيره؛ مثل كونه رب العالمين، وإله الخلق أجمعين، الأول الآخر، الظاهر الباطن، القديم الأزلي، الرحمن الرحيم، مالك الملك، عالم الغيب والشهادة. 22- فهذا كله هو مختص به، وهو مستلزم لاختصاصه بالإلهية فلا إله إلا هو، ولا يجوز أن يعبد إلا هو، ولا يتوكل إلا عليه ولا يرغب إلا إليه، ولا يخشى إلا هو.
غلط من قال: إن أكبر بمعنى كبير
23- فهذا كله من تحقيق لا إله إلا الله. 24- وأما "الله أكبر" فكل اسم يتضمن تفضيله على غيره. 25- مثل قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} (العلق:3) . 26- وقوله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: من الآية14) . 27- وقوله: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأعراف: من الآية151) . 28- {وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} (الأعراف: من الآية155) . 29- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: "أيفرك أن يقال الله أكبر فهل من شيء أكبر من الله" (1) . غلط من قال: إن أكبر بمعنى كبير 30- وأما قول بعض النحاة إن أكبر بمعنى كبير، فهذا غلط مخالف لنص الرسول صلى الله عليه وسلم ولمعنى الاسم المنقول بالتواتر. 31- وكذلك قول بعض الناس أنه أكبر مما يُعلم ويوصف. ويقال: جعلوا معنى "أكبر" أنه أكبر مما في القلوب والألسنة من معرفته ونعته، أي هو فوق معرفة العارفين! وهذا المعنى صحيح لكن ليس بطائل؛ فإن الأنبياء والرسل والملائكة والجنة والنار، وما شاء الله من مخلوقاته هي أكبر مما يعرفه الناس.
تفسيره صلى الله عليه وسلم لـ"الله أكبر"
32- قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (السجدة:17) . 33- وقال تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" (1) . 34- فبعض مخلوقاته هي أكبر في معرفة الخلق من البعض بخلاف ما إذا قيل إنه أكبر من كل شيء، فهذا لا يشركه فيه غيره. تفسيره صلى الله عليه وسلم لـ"الله أكبر" 35- وبذلك فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة في مخاطبته لعدي بن حاتم حيث قال: "أيفرك أن يقال: الله أكبر، فهل من شيء أكبر من الله" (2) . 36- وعلى هذا؛ فعلمه أكبر من كل علم، وقدرته أكبر من كل قدرة، وهكذا سائر صفاته. 37- كما قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} (الأنعام:19) فشهادته أكبر الشهادات. 38- فهذه الكلمة تقتضي تفضيله على كل شيء مما توصف به الأشياء من أمور الكمالات التي جعلها هو سبحانه لها.
التهليل يختص بالإلهية
التهليل يختص بالإلهية 39- وأما التهليل: فيتضمن تخصيصه بالإلهية، ليس هناك أحد يتصف بها حتى يقال إنه أكبر منه فيها؛ بل لا إله إلا الله. 40- وهذه تضمنت نفي الإلهية عما سواه وإثباتها له، وتلك تضمنت أنه أكبر مطلقا، فهذه تخصيص، وهذه تفضيل لما تضمنه التسبيح والتحميد من النفي والإثبات، فإن كل ذلك إما أن يكون مختصا به أو ليس كمثله أحد فيه. مشروعية التكبير عند مشاهدة ما له نوع من العظمة في المخلوقات 41- ولهذا كان التكبير مشروعا على مشاهدة ما له نوع من العظمة في المخلوقات كالأماكن العالية. 42- والشياطين تهرب عند سماع الأذان (1) . 43- والحريق يطفأ بالتكبير (2) ، فإن مردة الإنس والجن يستكبرون
لا إله إلا الله أفضل الكلمات
عن عبادته ويعلون عليه ويحادونه. 44- كما قال عن موسى: {وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (أ) (الدخان:17- 19) . 45- فالنفوس المتكبرة تذل عند تكبيره سبحانه، والتهليل يمنع أن يعبد غيره، أو يرجى، أو يخاف، أو يدعى، وذلك يتضمن أنه أكبر من كل شيء، وأنه مستحق لصفات الكمال التي لا يستحقها غيره. لا إله إلا الله أفضل الكلمات 46- فهي أفضل الكلمات؛ كما في الصحيحين (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة -أو ستون- أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق".
لا إله إلا الله أساس الدين والفارق بين أهل الجنة والنار
47- وفي حديث "الموطأ" (1) : "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". 48- وفي "سنن ابن ماجه" و"كتاب ابن أبي الدنيا" (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله". لا إله إلا الله أساس الدين والفارق بين أهل الجنة والنار 49- وهذه الكلمة هي: أساس الدين. 50- وهي: الفارق بين أهل الجنة وأهل النار. 51- كما في "صحيح مسلم" (3) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الموجبتان: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار". 52- وفي الصحيح (4) عنه: "من مات وهو يعلم أنه لا إله [إلا] الله دخل الجنة".
لا إله إلا الله الكلمة الطيبة التي بعث بها الرسل
53- وفي الصحيح (1) أيضا: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله". لا إله إلا الله الكلمة الطيبة التي بعث بها الرسل 54- وهي: الكلمة الطيبة التي ضربها الله مثلا كشجرة طيبة. 55- وهي: بعث بها جميع الرسل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:25) . 56-: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (الزخرف:45) . لا إله إلا الله هي الكلمة التي جعلها إبراهيم في عقبه وهي دين الإسلام 57- وهي: الكلمة التي جعلها إبراهيم في عقبه: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الزخرف:28) . 58- وهي: دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين. 59- {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلَامُ} (آل عمران: من الآية19) . 60- {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85) . 61- وكل خطبة لا يكون فيها شهادة فهي جذماء.
الحمد مفتاح الكلام
62- كما في "سنن أبي داود" و"الترمذي" (1) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء". الحمد مفتاح الكلام 63- والحمد مفتاح الكلام، كما في "سنن أبي داود" (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم". 64- ولهذا كانت السنة في الخطب: أن تفتتح بالحمد، ويختم ذكر الله بالتشهد، ثم يتكلم الإنسان بحاجته. 65- وبها جاء التشهد في الصلاة؛ أوله: التحيات لله، وآخره: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. 66- وفاتحة الكتاب نصفان: نصف لله، ونصف للعبد. ونصف الرب أوله حمد وآخره توحيد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ونصف العبد هو دعاء وأوله توحيد: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . التكبير والتهليل والتسبيح مقدمة التحميد 67- والتكبير والتهليل والتسبيح مقدمة التحميد.
68- فالمؤذن يقول: "الله أكبر الله أكبر". ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله". ويختم الأذان بقوله: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله". 69- وكذلك: تكبيرات الإشراف والأعياد تفتتح بالتكبير وتختم بالتوحيد، فالتكبير بساط. 70- وكذلك: "التسبيح" مع "التحميد": "سبحان الله وبحمده"؛ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (طه:130) ؛ لأن التسبيح يتضمن نفي النقائص والعيوب، والتحميد يتضمن إثبات صفات الكمال التي يحمد عليها.
التوحيد والشرك
فصل 71- وهو في نفس الأمر لا إله غيره، هو أكبر من كل شيء. 72- وهو المستحق للتحميد والتنزيه. 73- وهو متصف بذلك كله في نفس الأمر. 74- فالعباد لا يثبتون له بكلامهم شيئا لم يكن ثابتا له، بل المقصود بكلامهم تحقيق ذلك في أنفسهم، فإنهم يسعدون السعادة التامة إذا صار أحدهم ليس في نفسه إله إلا الله خلص من شرك المشركين. 75- فإن أكثر بني آدم؛ كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106) . 76- فهم يقرون أنه رب العالمين لا رب غيره، ومع هذا يشركون به في الحب أو التوكل أو الخوف أو غير ذلك من أنواع الشرك. 77- وأما التوحيد: أن يكون الله أحب إليه من كل ما سواه. فلا يحب شيئا مثل ما يحب الله. ولا يخافه كما يخاف الله. ولا يرجوه كما يرجوه.
ولا يجله ويكرمه مثل ما يجل الله ويكرمه. 78- ومن سوى بينه وبين غيره في أمر من الأمور فهو مشرك؛ إذ كان المشركون لا يسوون بينه وبين غيره في كل [أمر] (أ) فإن هذا لم يقله أحد من بني آدم، وهو ممتنع لذاته امتناعا معلوما لبني آدم، لكن منهم من جحده وفضل عليه غيره في العبادة والطاعة، لكن مع هذا لم يثبته ويسوي بينه وبين غيره في كل شيء، بل في كثير من الأشياء. فمن سوى بينه وبين غيره في أمر من الأمور فهو مشرك. 79- قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الأنعام:1) . أي: يعدلون به غيره. يقال: عدل به أي جعله عديلا لكذا ومثلا له. 80- وقال تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} إلى قوله: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء:91-98) . 81- وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} (البقرة:165) . ---------- (أ) زيادة يستقيم بها السياق.
82- فلا إله إلا هو سبحانه، وما سواه ليس بإله، لكن المشركون عبدوا معه آلهة، وهي أسماء سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان، كما يسمى الإنسان -للجاهل عالما وللكاذب صادقا- ويكون ذلك عنده لا في نفس الأمر، وهؤلاء آلهة في نفوس المشركين بهم ليسوا آلهة في نفس الأمر، ولهذا كان ما في نفوسهم من الشرك هو إفكا. 83- قال الله تعالى عن إبراهيم: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} (الصافات:85،86) . 84- وقال أيضا: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} (العنكبوت: من الآية17) . 85- وقال: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} (الكهف:15) . 86- وقال هود لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} (هود: من الآية50) . 87- والموحد صادق في قوله لا إله إلا الله، وكلما كرر ذلك تحقق قلبه بالتوحيد والإخلاص.
كل ما يخطر بنفس العباد من التعظيم فالله أكبر منه
كل ما يخطر بنفس العباد من التعظيم فالله أكبر منه 88- وكذلك قوله: "الله أكبر"؛ فإنه تعالى كل ما يخطر بنفس العباد من التعظيم فهو أكبر منه، الملائكة والجن والإنس، فإنه أي شيء قدر في الأنفس من التعظيم كان دون الذي هو متصف به. 89- كما أنه سبحانه فوق ما يثني عليه العباد، كما قال أعلم الناس به: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" (1) . 90- فكلما قال العبد "الله أكبر" تحقق قلبه بأن يكون الله في قلبه أكبر من كل شيء؛ فلا يبقى لمخلوق على القلب ربانية تساوي ربانية الرب فضلا عن أن تكون مثلها. المحبة المأمور بها والمنهي عنها 91- وهذا داخل في التوحيد لا إله إلا الله، فلا يكون في قلبه لمخلوق شيء من التأله؛ لا قليل ولا كثير، بل التأله كله لله ولكن للمخلوق عنده نوع من القدر والمنزلة والمحبة، وليست كقدر الخالق، والمحبة المأمور بها هي الحب لله كحب الأنبياء والصالحين، فهو يحبهم؛ لأن الله أمر بحبهم، فهذا هو الحب لله، فأما من أحبهم مع الله فهذا مشرك. 92- كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} (البقرة: من الآية165) .
الحب في الله إيمان والحب مع الله شرك
الحب في الله إيمان والحب مع الله شرك 93- فالحب في الله إيمان، والحب مع الله شرك. 94- وكذلك إذا قال: "سبحان الله والحمد لله" فقد نزه الرب فنزه قلبه أن يصف الرب بما لا ينبغي له، فكلما سبح الرب تنزهت نفسه عن أن يصف الرب بشيء من السوء. 95- كما قال سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الصافات:180) . 96- وقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} (الإسراء:43) . 97-فهو سبحانه سبح نفسه عما يصفه المفترون والمشركون. تسبيح الرب فيه تزكية للنفس 98- فإذا سبح الرب كان قد زكى نفسه، وقد سمى الله الأعمال الصالحة زكاة وتزكية في مثل قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (فصلت:6، 7) . 99- قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: {وَيُزَكِّيهِمْ} (البقرة: من الآية129) . قال: يعني بالزكاة طاعة الله والإخلاص (1) . فجمع بين التزكية من الكفر والذنوب.
تفسير قوله: {لا يؤتون الزكاة}
100- وقال مقاتل بن حيان: {وَيُزَكِّيكُمْ} (البقرة: من الآية151) : "يطهركم من الذنوب" (1) ، هكذا قال في آية البقرة. 101- وقال في آية الصف: "يطهرهم من الذنوب والكفر" (2) . 102- وقال ابن جريج: "يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه" (3) . 103- وقال السدي: "يأخذ زكاة أموالهم" (4) . 104- ففسروا الآية بما يعم زكاة الأعمال وغيرها من الأعمال، فقال: بالإخلاص والطاعة؛ وتزكيتهم من الذنوب والكفر أعظم مقصود الآية والمشركون نجس، والصدقة من تمام التطهر والزكاة، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: من الآية103) . تفسير قوله: {لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} 105- وكذلك قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (فصلت: 6، 7) . قال: "هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله" (5) .
معنى الحمد
106- وروي عن عكرمة نحو ذلك (1) . 107- وقال قتادة: "لا يقرون بها ولا يؤمنون بها" (2) . 108- وكذلك قال السدي: "لا يدينون بها، ولو زكّوا وهم مشركون لم ينغعهم" (3) . 109- وقال معاوية بن قرة: "ليسوا من أهلها" (4) . 110- وقد قال موسى لفرعون: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (النازعات:18، 19) . 111- وقال عن الأعمى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} (عبس:3) . 112- وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس:9، 10) . 113- وقال: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} إلى قوله: {وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} (طه: 74-76) . معنى الحمد 114- وكذلك الحمد؛ كلما حمد العبد ربه تحقق حمده في قلبه
الحمد المستقل والملك المستقل
ومعرفة بمحامده، ومحبة له، وشكرا له. 115- والألف واللام في قوله "الحمد لله" فيها قولان: قيل: هي للجنس كما ذكره بعض المفسرين من المعتزلة وتبعه عليه بعض المنتسبين إلى السنة. والثاني: وهو الصحيح - أنها للاستغراق، فالحمد كله لله. 116- كما جاء في الأثر: "لك الحمد كله، ولك الملك كله" (1) . الحمد المستقل والملك المستقل 117- فله الحمد حمد مستقل، وله الملك ملك مستقل، ولكن هو سبحانه يؤتي الملك من يشاء، والذي يؤتيه هو من ملكه، وكل ما تصرف فيه العبد فهو من ملك الرب، وهو مستقل بالملك، ليس هذا لغيره. 118- كذلك الحمد هو مستقل بالحمد كله؛ فله الحمد كله
الحمد عند أهل السنة والمعتزله
وله الملك كله، وكل ما جاء به الإذن من موجود؛ فله الحمد عليه، وكل ما يجعله للعباد مما يحمدون عليه؛ فله الحمد عليه، وإذا ألهمهم الحمد فهو الذي جعلهم حامدين. الحمد عند أهل السنة والمعتزله 119- و"المعتزلة" لا يقرون بأنه جعل الحامد حامدا، والمصلي مصليا، والمسلم مسلما، بل يثبتون وجود الأعمال الصالحة من العبد لا من الله، فلا يستحق الحمد على تلك الأعمال على أصلهم؛ إذ كان ما أعطاهم من القدرة والتمكين وإزاحة العلل قد أعطى الكفار مثله، لكن المؤمنون استقلوا بفعل الحسنات كالأب الذي يعطي ابنيه مالا، فهذا ينفقه في الطاعة وهذا ينفقه في المعصية. 120- فهو عندهم لا يمدح على إنفاق هذا الابن كما لا يذم على إنفاق الآخر. 121- وأما "أهل السنة" فيقولون كما أخبر الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (الحجرات: 7) . 122- وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (الأعراف: من الآية43) . 123- وقال الخليل: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ} (إبراهيم: من الآية40) .
تمام الحمد بالتوحيد
124- وقال هو وابنه إسماعيل: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} (البقرة: من الآية128) . 125- ويحمدون الله -حمد النعمة وحمد العبادة- كما قد بسط هذا في الكلام في الشكر. 126- وهو سبحانه جعل من شاء من عباده محمودا، ومحمدا سيد المحمودين، ومحمد تكون صفاته المحمودة أكثر وأحمد يكون أحمد من غيره. فهذا أفضل وذاك أكثر، وهو سبحانه جعل محمدا وأحمد، فهو المحمود على ذلك. 127- وحمد أهل السماوات والأرض جزء من حمده، فإن حمد المصنوع حمد صانعه، كما أن كل ملك هو جزء من ملكه فله الملك وله الحمد. تمام الحمد بالتوحيد 128- والحمد إنما يتم بالتوحيد، وهو مناط للتوحيد، ومقدمة له ولهذا يفتتح به الكلام، ويثنى بالتشهد، وكل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم، وكل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء. 129- وإذا كان الحمد كله له ... (أ) بخلاف ما إذا أثبت جنس الحمد من غير استغراق؛ فإن هذا لا يثبت خصائص الرب ---------- (أ) كذا بالأصل.
التي بها يمتاز عن غيره؛ فإن الحمد إذا كان للجنس أوجب أن يكون لغيره أفراد من أفراد هذا الجنس كما تقوله القدرية. 130- وأما أهل السنة فيقولون: الحمد لله كله ... (أ) وإنما للعبد حمد مقيد؛ لكون الله تعالى أنعم به عليه، كما للعبد ملك مقيد، وأما الملك المستقل، والحمد المستقل، والملك العام، والحمد العام فهو لله رب العالمين لا إله إلا هو، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. 131- وفي "السنن" (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد؛ فقد أدى شكر ذلك اليوم، ومن قال مثل ذلك إذا أمسى فقد أدى شكر تلك الليلة". 132- وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} (النحل:53، 54) . 133- وقال تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (الواقعة:82) .
أي: تجعلون شكركم على نعمة الله أنكم تضيفونها إلى غيره بقولكم "مُطرنا بنوء كذا وكذا". 134- وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} (الروم: من الآية33) . 135- وقال: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65) . 136- وفي حديث آخر: "من قال إذا أصبح: الحمد لله ربي لا أشرك به شيئا، أشهد أن لا إله إلا الله؛ ظل تغفر له ذنوبه حتى يمسي، وإن قالها حين يمسي؛ ظل تغفر له ذنوبه حتى يصبح" رواه أبان المحاربي عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) . 137- وقال سعيد بن جبير: إذا قرأت: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (غافر:14) فقل: "لا إله إلا الله"، وقل على أثرها: "الحمد لله رب العالمين" ثم قرأ هذه الآية: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65) (2) .
نوعان من الدعاء من دعا بهما فقد دعا الله باسمه الأعظم
138- وقد روي نحو ذلك عن ابن عباس (1) . 139- وقد ثبت في "الصحيحين" (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة: "لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". 140- وهذا قد ذكره في أوائل هذه السورة؛ فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} إلى قوله: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (غافر:10-14) . نوعان من الدعاء من دعا بهما فقد دعا الله باسمه الأعظم 141- وفي "السنن" نوعان من الدعاء، يقال في كل منهما لمن دعا به إنه دعى الله باسمه الأعظم: أحدهما: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، أنت الله المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام" (3) .
والآخر: "اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" (1) . 142- والأول: سؤال بأنه المحمود، والثاني: سؤال بأنه الأحد. فذاك سؤال بكونه محمودا، وهذا سؤال بوحدانيته المقتضية توحيدا، وهو في نفسه محمود يستحق الحمد معبود يستحق العبادة. 143- والنصف الأول من الفاتحة -الذي هو نصف الرب- أوله تحميد وآخره تعبيد. 144- وقد بسط مثل هذا في مواضع (2) وبُيِّن أن التحميد والتوحيد مقرونان ولا بد منهما في كل خطبة. 145- فـ"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" و"كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" (3) .
إثبات المحامد يستلزم نفي النقائص
146- و"الحمد" مقرون بـ"التسبيح"، و"لا إله إلا الله" مقرون بـ"التكبير"، فذاك تحميده، وهذا توحيده. 147- قال تعالى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر: من الآية65) . 148- ففي أحدهما: إثبات المحامد له، وذلك يتضمن جميع صفات الكمال ومنع النقائص. وفي الآخر: إثبات وحدانيته في ذلك وأنه ليس له كفؤ في ذلك. 149- وقد بينا في غير هذا الموضع أن هذين الأصلين يجمعان جميع أنواع التنزيه. إثبات المحامد يستلزم نفي النقائص 150- فإثبات المحامد المتضمنة لصفات الكمال تستلزم نفي النقص وإثبات وحدانيته، وأنه ليس له كفؤ في ذلك يقتضي أنه لا مثل له في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن النقائص، ومنزه أن يماثله شيء في صفات الكمال. 151- كما دل على هذين الأصلين قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (الإخلاص:1-4) . 152- واسمه "الله" تضمن جميع المحامد.
فإنه يتضمن الإلهية المستلزمة لذلك. 153- فإذا قيل: "لا إله إلا الله"؛ تضمنت هذه الكلمة إثبات جميع المحامد، وأنه ليس له فيها نظير؛ إذ هو إله، لا إله إلا هو، والشرك كله: إثبات نظير لله عز وجل. 154- ولهذا يسبح نفسه ويعاليها عن الشرك في مثل قوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (المؤمنون:91، 92) . 155- وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الانبياء:21، 22) . 156- فإن الشرك قول هو وصف، وعمل هو قصد، فنزه نفسه عما يصفون بالقول والاعتقاد، وعن أن يعبد معه غيره. 157- وأعظم آية في القرآن: آية الكرسي. أولها: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (البقرة: من الآية255) . فقوله: {اللَّهُ} هو اسمه المتضمن لجميع المحامد وصفات الكمال.
التحميد والتوحيد وما يتضمنه كلا منهما
وقوله {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} نفي للنظراء والأمثال. 158- وكذلك أول الكلمات العشر التي في التوراة: "يا إسرائيل أنا الله لا إله إلا أنا" جمع بين الإثبات ونفي الشريك. 159- فالإثبات لرد التعطيل، والتوحيد لنفي الشرك. التحميد والتوحيد وما يتضمنه كلا منهما 160- وهكذا "التحميد" و"التوحيد": فـ"التحميد" يتضمن: إثبات ما يستحقه من المحامد المتضمنة لصفات الكمال، وهو رد للتعطيل. و"التوحيد": رد للشرك. 161- و"التحميد" يتضمن: إثبات أسمائه الحسنى، وكلها محامد له، وهو يتضمن ذكر آياته وآلائه، فإنه محمود على آلائه كلها، وآياته كلها من آلائه كما قد بسط في مواضع (1) . 162- فهو محمود على كل ما خلق، له الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد ذلك، فله الحمد حمدا يملأ جميع ما خلقه ويملأ ما شاء خلقه بعد ذلك، إذ كان كل مخلوق هو محمود عليه، بل هو مسبح بحمده.
تفسير قوله: {وسبح بحمد ربك}
163- كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} (الاسراء: من الآية44) . 164- والتوحيد يقتضي نفي كل ند ومثل ونظير، وهو كمال التحميد وتحقيقه، ذاك إثباته بغاية الكمال ونفي النقص، وهذا نفي أن يكون له مثل أو ند. تفسير قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} 165- وقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (طه: من الآية130) . قد فسرها كثير من المفسرين: أي فصلّ بحمد ربك والثناء عليه لم يذكر ابن الجوزي غير هذا القول، قال: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} : أي صلّ له بالحمد له والثناء عليه (1) . تفسير التسبح بالصلاة 166- وتفسير "التسبيح" بالصلاة فيها أحاديث صحيحة وآثار كثيرة، مثل حديث جرير المتقدم (2) . 167- وأما قوله: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} فقد فسروه -كما تقدم- أي: بحمد ربك، وشكر ربك، وطاعة ربك، وعبادة ربك. أي: بذكرك ربك، وشكرك ربك، وطاعتك ربك، وعبادتك ربك.
168- ولا ريب أن حمد الرب والثناء عليه ركن في الصلاة، فإنها لا تتم إلا بالفاتحة التي نصفها الأول حمد لله وثناء عليه وتحميد له، وقد شرع قبل ذلك الاستفتاح، وشرع الحمد عند الرفع من الركوع، وهو متضمن لحمدٍ لله تعالى. 169- وذكر طائفة من المفسرين كالثعلبي وغيره قولين: - قالوا؛ واللفظ للبغوي: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي: صلّ بأمر ربك (1) . - وقيل: صل له بالحمد له والثناء عليه. فهذا القول الأول الذي ذكره البغوي هو مأثور عن أبي مالك أحد التابعين الذين أخذ عنهم السدي التفسير من أصحاب ابن عباس. 170- وروى ابن أبي حاتم عن أسباط عن السدي عن أبي مالك: قوله: {بِحَمْدِ} يعني: بأمر (2) . وتوجيه هذا: أن قوله {بِحَمْدِهِ} أي بكونه محمودا، كما قد قيل في قول القائل: "سبحان الله وبحمده" قيل: سبحان الله ومع حمده أسبحه، أو أسبحه بحمدي له.
171- وقيل: "سبحان الله وبحمده" سبحناه، أي: هو المحمود على ذلك، كما تقول: فعلت هذا بحمد الله وصلينا بحمد الله، أي: بفضله وإحسانه الذي يستحق الحمد عليه، وهو يرجع إلى الأول، كأنه قال: تحمدنا لله، فإنه المستحق لأن نحمده على ذلك، وإذا كان ذلك بكونه المحمود على ذلك، فهو المحمود على ذلك؛ حيث كان هو الذي أمر بذلك وشرعه، فإذا سبّحنا سبّحنا بحمده. 172- كما قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (آل عمران: من الآية164) . 173- وقد يكون القائل الذي قال: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي: بأمره، أراد المأمور به، أي: سبحه بما أمرك أن تسبحه به. 174- فيكون المعنى: سبح التسبيح الذي أمرك به، كالصلاة التي أمرك بها. 175- وقولنا "صليت بأمر الله" و"سبحت بأمر الله" يتناول هذا وهذا، يتناول أنه أمر بذلك ففعلته بأمره لم أبتدعه، وإني فعلت بما أمرني به لم أبتدع. 176- فأما هذه الآية: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
غُرُوبِهَا} (طه: من الآية130) . فلم يذكر البغوي وابن الجوزي إلا أنه الصلاة كما ذكرنا. 177- وكذلك آية "ق". قال ابن الجوزي: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي: صل بالثناء على ربك والتنزيه عما يقول المبطلون، فذكر الثناء والتنزيه عما يقول المبطلون تفسيرا للحمد (1) . 178- فأما البغوي فإنه قال: "فصل حمدا لله" (2) ، وهو ينقل ما ذكره الثعلبي في "تفسيره" في مثل هذه المواضع، والثعلبي يذكر ما قاله غيره، سواء قاله ذاكرا أو آثرا، ما يكاد هو ينشئ من عنده عبارة. 179- وهذه عبارة طائفة، قالوا: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} : صل حمدا لله، جعل نفس الصلاة حمدا، كما يقال: أفعل هذا حمدا لله، أي: شكرا. 180- وهذا بني على قول من قال: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي بكونه محمودا، ثم جعل المصدر يضاف إلى المفعول، وليس
التسبيح يراد به جنس الصلاة وصلاة النافلة خصوصا
المراد أن الحمد غير التسبيح، بل نفس تسبيح الله هو حمد الله. التسبيح يراد به جنس الصلاة وصلاة النافلة خصوصا 181- ولفظ "التسبيح" يراد به: جنس الصلاة (أ) . وقد يراد به: النافلة خصوصا، فإن الفرض لما كان له اسم يخصه جعل هذا اللفظ للنافلة. 182- كما في الحديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على راحلته حيث توجهت به" (1) . 183- و"كان يصلي سبحة الضحى" (2) . 184- ومنه ما رواه مسلم في "صحيحه" (3) عن حفصة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعدا حتى كان قبل وفاته بعام. وفي رواية: "أو اثنين" (4) .
التسبيح يراد به جنس ذكر الله
فكان يصلي في سبحته قاعدا، وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. 185- ومنه أيضا: ما أخرجاه في "الصحيحين" (1) عن عائشة قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم". 186- لكن هذا يوجد في كلام الصحابة تسمية التطوع سبحة خصوه بذلك، وأما في كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيحتاج إلى نقل عنه. التسبيح يراد به جنس ذكر الله 187- ويراد بـ"التسبيح": جنس ذكر الله تعالى. يقال: "فلان يسبّح" إذا كان يذكر الله، ويدخل في ذلك التهليل والتحميد، ومنه سميت السبّاحة للأصبع التي يشير بها وإن كان يشير بها في التوحيد. التسبيح يراد به قول العبد: سبحان الله 188- ويراد بـ "التسبيح": قول العبد "سبحان الله". وهذا أخص به. 189- وفي "السنن" (2) : لما أنزل الله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ
لماذا سميت الصلاة تسبيحا
رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (الواقعة:74) قال: "اجعلوها في ركوعكم" ولما نزل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (الأعلى:1) قال: "اجعلوها في سجودكم". 190- وفي "الصحيحين" (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". 191- وفي "الصحيحين" (2) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال [في] (أ) يوم مائة مرة سبحان الله وبحمده؛ حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر". لماذا سميت الصلاة تسبيحا 192- وقد قيل: إن الصلاة إنما سميت تسبيحا لاشتمالها على التسبيح، كما سميت قياما وقرآنا لاشتمالها على القيام والقراءة. وتسمى ركعة وسجدة لاشتمالها على الركعة والسجدة، لكن فرق بين قوله {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {الْعَظِيمِ} . فهذه قد فسرت بالتسبيح المجرد: قول العبد في ركوعه
تفسير التسبيح بالكلام عند افتتاح الصلاة وعند القيام من المجلس
وسجوده: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، وبين قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} . 193- فإن هذا إذا قيل إن المراد: بحمدك ربك أمرٌ بالتسبيح وبالحمد كقوله: سبحان الله وبحمده. 194- والمصلي إذا حمد ربه في القيام أو في القيام والقعود وسبح في الركوع والسجود؛ فقد جمع التسبيح والحمد فسبح بحمد ربه فالصلاة تسبيح بحمد ربه؛ كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. تفسير التسبيح بالكلام عند افتتاح الصلاة وعند القيام من المجلس 195- وقد فسر طائفة من السلف قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (الطور: من الآية48) بالتسبيح بالكلام. وذكروا أنواعا: التسبيح عند افتتاح الصلاة، والتسبيح عند القيام من المجلس. 196- فروى ابن أبي حاتم عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} قال: "إذا أراد أن يقوم الرجل من مجلسه قال: سبحانك اللهم وبحمدك". هكذا رواه وكيع (1) .
197- ورواه أبو نعيم وقبيصة فقالا يقول: "سبحان الله وبحمده". 198- وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {حِينَ تَقُومُ} قال: "من كل مجلس" (1) . 199- وعن طلحة عن عطاء: {حِينَ تَقُومُ} : "من كل مجلس إن كنت أحسنت ازددت خيرا، وإن كان غير ذلك كان هذا كفارة له" (2) . 200- وقال طائفة: {حِينَ تَقُومُ} إلى الصلاة. 201- وكذلك: قال الضحاك: {حِينَ تَقُومُ} : "إلى الصلاة المفروضة" (3) . 202- وكذلك: قال ابن زيد: "إذا قام إلى الصلاة من ليل أو نهار" (4) . 203- وفي رواية جويبر عن الضحاك قال: هو قول الرجل إذا
تفسير قوله: {وإدبار النجوم} وقوله: {وأدبار السجود}
استفتح الصلاة: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك" (1) . 204- وقال أبو الجوزاء: {حِينَ تَقُومُ} من منامك من فراشك (2) . 205- وعلى هذا فهو أمر بالصلاة إذا قام من فراشه من قائلة النهار فهو أمر بصلاة الظهر والعصر. تفسير قوله: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} وقوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} 206- {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} ؛ فسرها طائفة بركعتي الفجر (3) . 207- وروى ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} قال ابن عباس: "هو التسبيح أدبار الصلاة" (4) . 208- قلت: لعل هذا تفسير لقوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} فإنه أنسب. 209- وقد روي عن طائفة من السلف: أن أدبار السجود: الركعتان بعد المغرب (5) ، وإدبار النجوم: ركعتا الفجر، فإحداهما تشتبه بالأخرى.
210- فقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (ق:40) إذا فُسِّر هذا بالتسبيح دبر الصلاة كان اللفظ دالا على هذا. 211- والسلف الذين فسروها بهذا كأنهم والله أعلم أرادوا أن أول ما يُكتب في صحيفة النهار: ركعتا الفجر، وآخر ما يُرفع: ركعتا المغرب، فقد روي: أنهما ترفعان مع عمل النهار. 212- قلت: ولفظ التسبيح يتناول هذا كله؛ منه واجب، ومنه مستحب. آخره والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
فائدة
فائدة قال نصر بن علي حدثني أبي قال: رأيتُ الخليل بن أحمد (1) في النوم فقال: "ما رأيت ما كنا فيه؟ يعني من النحو واللغة؛ فإن ربك عز وجل لا يعبأ به شيئًا، ما رأيت أنفع من: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" (2) .