قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة

ابن تيمية

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أَمَّا بعد: فإن التوحيد سر القرآن ولب الإيمان - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو دعوة جميع الرسل ومحور جميع الكتب السماوية، وهو صراط الله المستقيم، ولا سبيل إلى الجنة والنجاة من النار إلا به. ومن أجله شرع الجهاد وعلى أساسه ربى الأنبياء أتباعهم، أدرك ذلك سلفنا الصالح اهتداء بالقرآن والسنة، وجهله كثير من الناس وعلى رأسهم كثير من أدعياء العلم، بعد ذهاب العلماء حقًّا وبعد القرون المفضلة. ألهاهم عن التوحيد علوم اليونان؛ الفلسفة والمنطق والكلام وألهاهم التصوف وما امتزج به من حلول واتحاد وخرافات وأساطير وتعلق بالقبور وغلو في الأموات من الصالحين وغير الصالحين، ومع كل هذا لا يزال في الأمة من هو قائم بالحق وثابت عليه، يقيم حجة الله على عباده كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله" (1) . إلى أن أتى الله بشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الذي

_ (1) أخرجه البخاري في المناقب حديث (3641) ومسلم في الإمارة حديث (1920) .

الأسباب الدافعة إلى العمل في هذا الكتاب

أمده الله بمواهب وطاقات أهلته لحمل لواء السنة وراية التوحيد وشجعته أن يتصدى للباطل وأهله في كل مجال بقوة وشجاعة وعلم واسع قل أن تتوافر في غيره بعد القرون المفضلة؛ فكان من ثمار ذلك الجهاد والعلم مؤلفاته الكثيرة النافعة التي لا يوجد لها نظير في شمولها وقوتها وعمقها وذيادها عن الحق ودك صروح الباطل في شتى ألوانه وصوره والتي هي المنار المضيء بعد كتاب الله وسنة رسول الله لكل مصلح ناصح يريد للأمة الإسلامية السعادة والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. ومن بين مؤلفاته النافعة الجليلة "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" أحببت أن أقدمها للقرّاء الكرام في أحسن ثوب وأجمل صورة ولقد بذلت أقصى ما عندي من جهد في خدمتها من ضبط نصوصها وتخريج أحاديثها والحكم عليها وتخريج الآثار وعزو الأقوال إلى مصادرها وعمل الفهارس النافعة لها، ولا أدعي الكمال فالنقص والتقصير لازمة من لوازم البشر. أسأل الله أن ينفعني والقراء الكرام بما حوته من عقيدة وقواعد ومقاصد ونصوص ضمنها المؤلف العظيم هذا الكتاب المبارك. الأسباب الدافعة إلى العمل في هذا الكتاب أول الأسباب وأهمها هو أني في إحدى مطالعاتي في هذا الكتاب استوقفتني كلمة استبعدت أن تكون ممن هو دون شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فضلاً عن أن تكون منه والكلمة هي: "والرغبة إلى الله ورسوله" في ص 44 س 12 كما في نسخة محب الدين الخطيب - رحمه الله - نشر المكتبة العلمية. بيروت وص 44 س 4 من طبعة زهير الشاويش سنة 1390هـ 1970م والتي راجعها - بطلب من الشيخ زهير -

كل من الشيخ شعيب أرناؤوط والشيخ أحمد القطيفاني على المخطوطة المحفوظة في الظاهرية. وتكرر الخطأ نفسه في الطبعة الثانية لزهير سنة 1398هـ - 1978م ولم ينج من هذا الخطأ الشيخ عبد القادر أرناؤوط حيث خدم هذا الكتاب مشكورًا ونشره له مكتبة دار البيان في دمشق سنة 1405هـ- 1985م وجاء الخطأ نفسه في نسخته ص 49 س 18 وكذلك جاء الخطأ نفسه في الطبعة التي راجعها الشيخ عطية محمد سالم، والخطأ جسيم جداً ولا أدري كيف خفي على هؤلاء الأفاضل وواضح جداً من كتاب الله ومن سنة رسوله أن الرغبة كسائر قضايا التوحيد من العبادات التي لا يجوز أن يتوجه بها العبد إلا إلى الله وحده جل جلاله، كما قال تعالى (94: 7، 8) : {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} . وكما قال تعالى (9: 59) : {وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون} . وكم رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية يقرر في كتبه أن الرغبة من العبادات الخاصة بالله حتى في هذا الكتاب "التوسل والوسيلة" قرر فيه عدة مرات قبل هذا الموضع وبعده أن الرغبة من العبادات التي لا يجوز صرفها إلى غير الله، انظر إليه وهو يقرر أن الرغبة والحسب من خصائص الله لا يشركه فيها غيره. قال رحمه الله: "وسؤال الخلق في الأصل محرم، لكنه أبيح للضرورة وتركه توكلاً على الله أفضل، قال تعالى (94: 7، 8) : {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} أي ارغب إلى الله لا إلى غيره.

وأما الحسب فأمرهم أن يقولوا: {حسبنا الله} ، لا أن يقولوا حسبنا الله ورسوله، ويقولوا: (9: 59) {إنا إلى الله راغبون} ، لم يأمرهم أن يقولوا: إنا إلى الله ورسوله راغبون. فالرغبة إلى الله وحده، كما قال تعالى في الآية الأخرى (24: 52) : {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقْهِ فأولئك هم الفائزون} ، فجعل الطاعة لله والرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده "التوسل والوسيلة" ص 56 الفقرتان (154، 155) وانظر ص 237 الفقرة 659 فإنه تكلم عن الرغبة وغيرها بمثل هذا الكلام الذي سقناه لك. وقال رحمه الله في كتاب الرد على الأخنائي (ص 98) : "ويدخل في العبادة جميع خصائص الرب، فلا يتقى غيره، ولا يخاف غيره، ولا يتوكل على غيره، ولا يدعى غيره، ولا يصلى لغيره، ولا يصام لغيره، ولا يتصدق إلا له ولا يحج إلا إلى بيته، قال تعالى (النور: 52) : {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقهِ فأولئك هم الفائزون} فجعل الطاعة لله والرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده وقال تعالى (التوبة: 59) : {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون} فجعل الإيتاء لله والرسول. كما قال تعالى (الحشر: 7) : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وجعل التوكل والرغبة إلى الله وحده. وكثيراً ما يذكر هذا في كثير من مؤلفاته رحمه الله. كان الخطأ السابق وما أعرفه في هذه القضية وما أعرفه من منهج شيخ الإسلام فيها وفي مثيلاتها من الجزم بأنها من العبادات الخاصة بالله، من أقوى الدوافع للقيام بخدمة هذا الكتاب فرأيت لزاما البحث أولاً عن

أصوله الخطية في المكتبات الإسلامية ومظان وجودها؛ فشرعت في البحث والسؤال عنها، وكنت أعلم أن هذه الطبعات كلها ترجع إلى الأصل الذي ضمنه ابن عروة كتابه العظيم "الكواكب الدراري" لكني سمعت من بعض المعنيين بالمخطوطات أنه يوجد نسختان في الرياض، إحداهما في مكتبة عبد الرحمن بن قاسم، والثانية في المكتبة السعودية فطلبت من والدنا الكريم وشيخنا الكبير سماحة رئيس الإفتاء والدعوة والإرشاد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - أن يحاول الحصول على النسختين المذكورتين فبذل جهدًا مشكورًا للحصول عليهما ثم بعد البحث تبين له أنهما لا يوجدان في المكتبتين المذكورتين فأبلغني بذلك ثم لعله كلف الشيخ سعدًا الحصين بأن يصور لي صورة عن مخطوطة الكواكب بالظاهرية فتكرم مشكورًا بإرسال صورة منها فتناولتها مبتهجاً بها شاكراً ومقدرًا جهود شيخنا الكبير نفع الله به ثم تعاون أخينا سعد الحصين ومبادرته بإرسالها وأول شيء بدأت بقراءته من المصورة هوتلك الكلمة فوجدت ما حقق اعتقادي في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أن الكلمة كما وضعها المؤلف "والرغبة إلى الله وسؤاله" فطرت بذلك فرحًا ثم شمرت عن ساعد الجد لخدمة هذا الكتاب العظيم خدمة تليق بمكانته العظيمة بين كتب شيخ الإسلام وكتب التوحيد وبعد إنجازه ظهرت للكتاب طبعة جديدة للشيخ عبد القادر أرناؤوط. فأول شيء أحببت الاطلاع عليه هو تلك الكلمة الخاطئة راجياً أن يكون قد انتبه لها وقام بتصحيحها فصدمت بأنه قد اشترك مع سابقيه

الكتب التي ألفت في التوسل

في هذا الخطأ وإني لأرجو الله أن يتجاوز عن تساهلهم وأن يكرمني بجزاء تصحيح هذا الخطأ الجسيم. ومن الأسباب التي دفعتني لخدمة هذا الكتاب مكانته العظيمة ومكانة مؤلفه الكبير. ومن الأسباب أيضاً حب عقيدة التوحيد والحرص علىتقديم جهد في ميادينها. والسبب الرابع والأخير أن الكتاب لم يخدم الخدمة اللائقة بمكانته إلى حين شروعي في خدمته. الكتب التي ألفت في التوسل: منها: هذا الكتاب العظيم. ومنها: كتاب آخر أقل حجماً منه لشيخ الإسلام نفسه وهو من مصورات مكتبة الجامعة الإسلامية. ومنها: مؤلف للشوكاني وهو من مصورات الجامعة. وقد تعرض للتوسل كثير من المخالفين لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتاباتهم تدل على تعسف ومجازفات، وتدل على جهل يؤدي إلى الخلط الشنيع بين التوسل والاستغاثة ويؤدي ثانياً إلى هدم قواعد التوحيد وتحريف نصوص الكتاب والسنة، ويؤدي إلى تضليل الأمة الإسلامية وإيقاعهم في مهاوي الشرك بحجة أن الآيات التي تضلل وتكفر من يدعو غير الله إنما تعني كفار قريش والعرب خاصة، فإذا دعا القرشي أو غيره من العرب غير الله في وقت نزول القرآن وقبله فهو مشرك كافر، وإذا

عملي في هذا الكتاب

دعا غير الله من يدعي الإسلام فهذا في نظرهم جائز أو هو مما يقرب إلى الله زلفى. وفي العصر الحاضر ألف علامة الشام ومحدثها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله كتاباً في التوسل وأحكامه فأجاد وأفاد. وللشيخ نسيب الرفاعي أحد كبار تلاميذ الشيخ الألباني كتاب "التوصل إلى حقيقة التوسل" أجاد فيه وأفاد. ولكن ميزة ما كتبه شيخ الإسلام في هذا الكتاب أنه وضع قضية التوحيد نصب عينيه فجعل من الكتابة عن التوسل وسيلة إلى توضيح قضايا التوحيد ووسائله وقضايا الشرك ووسائله معتمدًا في توضيحه على الكتاب والسنة وقواعد التوحيد والأصول واللغة والتاريخ. ولشيخ الإسلام عناية خاصة بالتوحيد بأنواعه لا يخلو كتاب من كتبه من هذه العناية. ومما شارك هذا الكتاب في موضوعه من مؤلفات شيخ الإسلام "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" وكتاب "العبودية" وكتاب "الرد على البكري" وكتاب "الرد على الأخنائي" وكتابه الآخر في التوسل ولا يخلو كتاب من كتبه من التركيز على قضية التوحيد. عملي في هذا الكتاب: أولاً: حرصت على ضبط نص الكتاب، فقابلت بين المخطوطة وبين نسختين مطبوعتين إحداهما: نسخة محب الدين الخطيب رحمه الله والتي صورتها المكتبة العلمية ببيروت وحذفت تاريخ الطبع وثانيتهما: نسخة زهير الشاويش طبع دار العربية للطباعة والنشر عام 1390 بمراجعة الأستاذ شعيب أرناؤوط، والأستاذ أحمد القطيفاني على مخطوطة الظاهرية.

وكان يشاركني في المراجعة أحد الطلاب النبهاء فاستدركنا على الطبعتين المذكورتين أخطاء من أهمها الخطأ الكبير الذي نوهنا عنه سابقاً. ثانياً: خرجت الأحاديث والآثار من مصادرها وكثيرًا ما أضيف مصادر لم يذكرها شيخ الإسلام. ثالثاً: عزوت الأقوال التي نقلها شيخ الإسلام إلى المصنفين الذين نقل عنهم والأئمة والمذاهب إلى مصادرها بقدر الإمكان. رابعاً: حكمت على الأحاديث بالحسن أو الصحة أو الضعف في ضوء الدراسة وقواعد أهل الحديث. خامساً: علقت بعض التعليقات في المواضع التي تتطلب التعليق وهي مهمة جداً والحمد لله. سادساً: استفدت من تعليقات الطبعتين المذكورتين اللغوية وغيرها فأبقيت منها ما رأيته مناسباً. سابعاً: اعتمدت في ترقيم الآيات القرآنية على ترقيم الطبعتين مع العودة في بعض الأحيان إلى المصحف الكريم للتأكد. ثامناً: عملت مقدمة اشتملت على ترجمة موجزة لشيخ الإسلام رحمه الله وملخص لمقاصد الكتاب وفكرة عن منهج شيخ الإسلام فيه وأسباب عملي في الكتاب ووصف المخطوطة. تاسعاً: عملت فهارس للأحاديث والآثار والأعلام والموارد والطوائف وموضوعات الكتاب.

لمحة عن حياة الإمام ابن تيمية

لمحة عن حياة الإمام ابن تيمية (661 - 728) هو شيخ الإسلام ابن تيمية الإمام المحدث الحافظ الناقد والمفسر الغواص في معاني القرآن والمؤرخ المطلع على أحداث التاريخ المبرز في العلوم النقلية والعقلية على كبار المتخصصين فيها والآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الزاهد العابد المجاهد المظفر في ميادين القتال وفي ميادين الدفاع عن حياض الإسلام بالحجة والبرهان. سيف الله المسلول على الفلاسفة والملحدين وعلى الغلاة المبتدعين، جندت كثير من الأقلام لترجمته وإبراز شخصيته الفذة وسطرت في هذا الشأن عشرات من المجلدات (1) وفي ذلك ما يغني القارئ عن أن أترجم له في هذه المقدمة، غير أني أرى أن أتحف القارئ بشذرات مما زكاه به كبار علماء عصره تتناول بعض الجوانب من حياته وأن أعطيه فكرة مجملة عن كثرة مصنفاته الدالة على تبحره في العلوم وامتلاك نواصيها.

_ (1) كثرت الكتابة عن شيخ الإسلام - رحمه الله - فبلغ عدد المعروف من المؤلفات المستقلة في سيرته وأعماله ثمانية وستين مؤلفاً. وترجم له عدد كبير من المؤرخين القدامى والمحدثين المعروف منهم أربعة وستون. وهناك دراسات لعدد من المستشرقين تناولت تراث شيخ الإسلام ومنهجه وأفكاره. انظر في هذا مقدمة الرسالة الموسومة بـ (شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه) (1/179 - 195) لأخي وأحد تلاميذي النجباء عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي قدمها لنيل درجة الدكتوراه من شعبة السنة بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية.

1 - قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي (ت744) : "هو الشيخ الإمام الرباني إمام الأئمة، ومفتي الأمة، وبحر العلوم، سيد الحفاظ، وفارس المعاني والألفاظ، فريد العصر وقريع الدهر، شيخ الإسلام، وعلامة الزمان ترجمان القرآن، علم الزهاد، أوحد العباد وقامع المبتدعين وآخر المجتهدين، تقي الدين أبو العباس، أحمد بن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أبي المحاسن، عبد الحليم بن الشيخ الإمام العلامة، شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات، عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله ابن تيمية الحراني، نزيل دمشق، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها" (1) . 2 - وقال الإمام الحافظ الفقيه الأديب ابن سيد الناس فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد اليعمري المصري الشافعي: وهو يتحدث عن المزي: "وهو الذي حداني على رؤية الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، فألفيته ممن أدرك من العلوم حظاً، وكاد أن يستوعب السنن والآثار حفظاً. إن تكلم في التفسير، فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه، فهو مدرك غايته، أو ذاكر في الحديث فهو صاحب علمه وذو روايته، أو حاضر بالملل والنحل، لم ير أوسع من نحلته في ذلك، ولا أرفع من درايته. برز في كل فن على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه (2) .

_ (1) العقود الدرية (ص 2) . (2) العقود الدرية (ص10) والرد الوافر ص (26) والشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية (ص 26) والدرر الكامنة (1/166 - 167) .

3 - وقال الإمام الحافظ الناقد أبو الحجاج يوسف المزي (ت742) : ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ولا أتبع لهما منه". 4 - وقال العلامة كمال الدين ابن الزملكاني: "كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدًا لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف، إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا قد عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحدًا فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين.. واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها" (1) . وقال الإمام الحافظ أبو عبد الله شمس الدين الذهبي (ت 748) وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "كان آية في الذكاء وسرعة الإدراك رأساً في معرفة الكتاب والسنة، والاختلاف، بحراً في النقليات، هو في زمانه فريد عصره علماً وزهداً وشجاعة وسخاء وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وكثرة التصانيف وقرأ وحصل وبرع في الحديث والفقه وتأهل للتدريس

_ (1) العقود الدرية (ص 7 - 8) وسجل ابن عبد الهادي لكمال الدين شهادات أخر قد تفوق هذه الشهادة مع أنه كان من مخالفيه والمتعصبين عليه.

والفتوى وهو ابن سبع عشرة سنة وتقدم في علم الأصول وجميع علوم الإسلام: أصولها وفروعها، ودقها وجلها سوى علم القراءات فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائه، وإن عد الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق، وإن حضر الحفاظ نطق وخرسوا وسرد وأُبلسوا واستغنى وأفلسوا وإن سمي المتكلمون فهو فردهم، وإليه مرجعهم، وإن لاح ابن سيناء يقدم الفلاسفة فلَّهم وتيَّسهم وهتك أستارهم وكشف عوراهم وله يد طولى في معرفة العربية والصرف واللغة، وهو أعظم من أن يصفه كلمي أو ينبه على شأوه قلمي، فإن سيرته وعلومه ومعارفه ومحنه وتنقلاته تحتمل أن توضع في مجلدتين وهو بشر من البشر له ذنوب فالله يغفر له ويسكنه أعلى الجنة فإنه كان رباني الأمة فريد الزمان وحامل لواء الشريعة وصاحب معضلات المسلمين، وكان رأسا في العلم يبالغ في إطراء قيامه في الحق، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبالغة ما رأيتها ولا شاهدتها من أحد، ولا لحظتها من فقيه. وقال في مكان آخر: قلت: وله خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم ومعرفة بفنون الحديث وبالعالي والنازل وبالصحيح وبالسقيم مع حفظه لمتونه الذي انفرد به، فلا يبلغ أحد في العصر رتبته، ولا يقاربه وهو عجب في استحضاره واستخراج الحجج منه وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند بحيث يصدق عليه أن يقال: "كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث" لكن الإحاطة لله غير أن يغترف من بحر، وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي. وأما التفسير فمسلم إليه، وله في استحضار الآيات من القرآن - وقت إقامة الدليل بها على المسألة - قوة عجيبة، وإذا رآه المقرئ تحير فيه،

ولفرط إمامته في التفسير وعظم إطلاعه يبين خطأ كثير من أقوال المفسرين ويوهي أقوالاً عديدة وينصر قولاً واحدًا موافقاً لما دل عليه القرآن والحديث. ويكتب في اليوم والليلة من التفسير أو من الفقه أو من الأصلين أو من الرد على الفلاسفة والأوائل نحوًا من أربعة كراريس أو أزيد، وما أبعد أن تصانيفه الآن تبلغ خمسمائة مجلدة، وله في غير مسألة مصنف مفرد في مجلد (1) . شيوخه بلغ عدد شيوخه أكثر من مائتي شيخ، من أبرزهم والده عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية (ت 682) ، والمحدث أبو العباس أحمد ابن عبد الدائم (ت668) ، وابن أبي اليسر، والشيخ شمس الدين عبد الرحمن المقدسي الحنبلي (ت689) ، وابن الظاهري الحافظ أبو العباس الحلبي الحنفي (ت690) . تلاميذه أَمَّا تلاميذه فلا يحصون كثرة، فمن تلاميذه البارزين والمبرزين: 1 - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي ابن قيم الجوزية المتوفى سنة (751) .

_ (1) العقود الدرية (ص 23 - 25) وقد ذكر بعض مؤلفاته وله ثناء عاطر على ابن تيمية في عدد من مؤلفاته ونقل العلماء عنه. انظر: الشهادة الزكية (ص 38 - 44) والرد الوافر (ص 31 - 36) .

2 - والحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي (ت 744) . 3 - والحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي المتوفى (742) . 4 - والحافظ المؤرخ أبو عبد الله محمد بن عثمان الذهبي (ت748) . 5 - وأبو الفتح ابن سيد الناس محمد بن محمد اليعمري المصري (ت734) . 6 - والحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي (ت739) . مؤلفاته: إن مؤلفات هذا الإمام كثيرة جداً بحيث عجز تلاميذه ومحبوه عن إحصائها، قال تلميذه النجيب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المشهور بابن القيم - رحمه الله -: "أما بعد: فإن جماعة من محبي السنة والعلم سألني أن أذكر له ما ألفه الشيخ الإمام العلامة الحافظ أوحد زمانه، تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية - رضي الله عنه - فذكرت لهم أني عجزت عن حصرها وتعدادها لوجوه أبديتها لبعضهم وسأذكرها إن شاء الله فيما بعد ... ". ثم قال: 1 - "فمما رأيته في التفسير" فذكر اثنين وتسعين مؤلفا ما بين

رسالة وقاعدة (1) . 2 - قال: "ومما صنفه في الأصول مبتدئًا أو مجيباً لمعترض أو سائل" فذكر عشرين مؤلفاً ما بين كتاب ورسالة وقاعدة (2) . 3 - ثم قال: "قواعد وفتاوى" فذكر خمسة وأربعين ومائة ما بين كتاب وقاعدة ورسالة (3) . 4 - "الكتب الفقهية" وسرد خمسة وخمسين مؤلفاً ما بين كتاب ورسالة وقاعدة (4) . 5 - "وصايا وإجازات ورسائل تتضمن علوماً" بلغت اثنتين وعشرين (5) . وذكر الحافظ ابن عبد الهادي كثيرًا من مؤلفات شيخ الإسلام مع ذكر نماذج لبعض المؤلفات والتنويه بمكانتها في كتابه العقود الدرية (6) من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية. هذه لمحة خاطفة عن حياة هذا الإمام العظيم - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته.

_ (1) أسماء مؤلفات ابن تيمية (ص 9 - 18) . (2) أسماء مؤلفات ابن تيمية (ص 19) . (3) أسماء مؤلفات ابن تيمية (ص 20-26) . (4) أسماء مؤلفات ابن تيمية (27 - 29) . (5) أسماء مؤلفات ابن تيمية (29 - 30) . (6) العقود الدرية (ص 26 - 67) .

موضوع كتاب التوسل والوسيلة

موضوع كتاب التوسل والوسيلة لعل أحسن العبارات التي تقال في موضوع هذا الكتاب هي عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه. قال - رحمه الله - في ص (244) من "التوسل" وفقرة (687) : "فإن هذه القواعد المتعلقة بتقرير التوحيد، وحسم مادة الشرك والغلو كلما تنوع بيانها ووضحت عباراتها، فإن ذلك نور على نور". وقال - رحمه الله - وقد ذكر مصنفًا له ذكر فيه قواعد تتعلق بحكم الحكام.. "لإفراد الكلام في هذا الموضوع (يعني كتاب التوسل) على قواعد التوحيد ومتعلقاته". الفقرة (686) . وقال في خاتمة ملحق هذا الكتاب فقرة (945) : "فهذا آخر السؤال والجواب الذي أحببت إيراده هنا بألفاظه لما اشتمل عليه من المقاصد المهمة والقواعد النافعة في هذا الباب مع الاختصار، فإن التوحيد، هو سر القرآن ولب الإيمان، وتنويع العبارة بوجوه الدلالات من أهم الأمور وأنفعها للعباد في مصالح المعاش والمعاد". فهذا هو موضوع الكتاب. وضع قواعد ترمي إلى أسمى الغايات وهي: أولاً: تقرير التوحيد الذي أرسل الله من أجله تقريره جميع الرسل، وأنزل من أجله جميع الكتب. ثانياً: حسم مادة الشرك، الذي جاءت كلُّ الرسالات لحسمه ومحوه وتطهير الأرض والقلوب والنفوس من أقذاره وأدرانه.

ثالثاً: حسم مادة الغلو في أي ناحية من نواحي الدين العقائدية والتشريعية. قال تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} سورة النساء، آية (171) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" (1) . آمن هذا الإمام - وهو الحق - "بأن التوحيد هو سر القرآن ولب الإيمان" فهو حري بأن توضح قواعده وأن تنوع فيه العبارات بوجوه الدلالات. حتى ترسخ عقيدة التوحيد واضحة جلية في نفوس وعقول الأمة الإسلامية، ويزول الغبش واللبس وتنقشع سحب الظلام التي تعكسها كتابات وأعمال ودعايات من لا يدري ما هو التوحيد، وما هو الشرك فلا يعرفون ذلك من الكتاب ولا من السنة ولا من واقع الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهم أبعد الناس وأعجزهم عن استخراج القواعد والمقاصد، لأصل دين الله - توحيد الله وإخلاص العبادة له وتطهيره من شوائب الشرك والضلال. انطلق شيخ الإسلام في هذا الكتاب وغيره من مصنفاته العظيمة لتحقيق هذه الغايات الكبيرة، وهي منطلق جميع الأنبياء لتقرير التوحيد بكل أنواعه وقواعده وكلياته وجزئياته، ولحسم مادة الشرك بكل أنواعه وأسبابه ووسائله، وسد أبواب الغلو وذرائعه. وانطلق خصومه وخصوم دعوة الأنبياء من منطلق خصوم الأنبياء:

_ (1) رواه البخاري 6/478 حديث رقم (3445) .

تغيظهم الدعوة إلى توحيد الله وإفراده سبحانه بالعبادة رغبة ورهبة وتوكلاً. وتغيظهم الدعوة إلى وصف الله بما وصف به نفسه من صفات الكمال والجلال في كتابه ووصفه به رسوله في سنته وآمن به سادة هذه الأمة وخير قرونها الصحابة والتابعون لهم بإحسان. وتغيظهم الدعوة إلى هدم الشرك وحسم مواده وسد أبوابه وذرائعه. وتزعجهم الدعوة إلى حسم باب الغلو الذي أهلك الأمم قبلنا ليقودوا هذه الأمة بمقاوماتهم للحق في كل هذه الميادين من هلاك إلى هلاك ومن هزيمة إلى هزيمة ومن دمار إلى دمار في دينهم ودنياهم. والفرق بين هذا الإمام الموحد المخلص وبين خصومه أنه رحمه الله يجعل من الكلام في التوسل والبحث فيه منطلقا إلى تحقيق التوحيد وإخلاصه لله وحده ودحض الشرك، والقضاء على وسائله وأسبابه. وخصومه يجعلون من التوسل منطلقاً إلى الشرك بالله وهدم قواعد التوحيد وتحريف نصوصه دفاعاً عن الشرك وذرائعه تحت ستار حب النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين، والدفاع في زعمهم عن مكانتهم التي زين لهم الشيطان أن الدعوة إلى توحيد الله وإلى إخلاص العبادة له والدعوة إلى محاربة الشرك في كل مظاهره تعني الحط من مكانة الأنبياء والأولياء. ولكل قوم سلف فقد كان نوح يدعو إلى التوحيد ويحارب الشرك ولو كان بالصالحين كود وسواع ويغوث ويعوق وقد كان قومه الضالون يدافعون عن الشرك تحت شعار حب هؤلاء الصالحين ود

وسواع ... إلخ ولقد قالوا في حماس: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا} سورة نوح، آية (23) . إن هذا الإمام المجاهد المناضل عن التوحيد والحق قد وقف حياته للدعوة إلى الحق في ميادينه مدافعًا عنه بكل ما منحه الله من طاقات ومواهب، واضعًا نصب عينيه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أُثِر عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان في مجال العقيدة والعبادة والتشريع وسائر الميادين الإسلامية، وفي هذا الكتاب الجليل قد عالج القضايا الآتية: 1 - التوسل وأنواعه وأشياء تتعلق وترتبط به. 2 - الشفاعة بأنواعها وأشياء تجر إليها من لا يفهم. 3 - الدعاء بأنواعه. مفرقاً فيها بين الحق والباطل والهدى والضلال بالأدلة الواضحة والحجج الساطعة.

منهج شيخ الإسلام في هذا الكتاب

منهج شيخ الإسلام في هذا الكتاب إن هذا الإمام واسع الاطلاع، طويل الباع، عميق الفهم فهو الإمام الفذ في التفسير وعلومه، والحافظ الناقد في الحديث وعلومه، وهو الفقيه المبرز والأصولي المتمكن، والمجتهد المطلق، والعالم بالملل والنحل، والمنطق والفلسفة والتصوف والكلام، والعارف بأباطيلها وزيفها وغشها وخداعها. عرف العلوم المسماة بالعقلية أكثر من أهلها المختصين فيها وعرف عيوبها وزيفها وخطرها وما تؤدي إليه من ضلال وهلاك، فوجه ما حباه الله به من طاقات، فزلزل قواعدها، ودك معاقلها. وعرف التصوف وما ينطوي عليه من شرور وخرافات وأباطيل واصطلاحات فاسدة ومغالطات تفسد وتدمر الدين والعقل، فثلَّ عروشه ودمر قواعده، وكشف تلك المغالطات بالحجج الواضحة والبراهين الساطعة. وخرج من معاركه العلمية والجهادية ظافرًا منتصرًا انتصاراً حاسماً فلا ترى لخصومه إلى يومنا هذا إلا معارك فاشلة وحججاً متهاوية وكلاماً فارغاً إلا من المغالطات التي لا تنطلي إلا على الأغبياء. ومن علامات هزائمهم أن كثيراً منهم يتظاهرون بمدحه واحترامه، ثم يكيدون لدعوته إلى التوحيد بنقل ما يزعمون أنه يؤيد باطلهم من كلامه بعد بتره وتشويهه. هذا ما يقال بصفة إجمالية بالنسبة لجهوده في مؤلفاته الجليلة.

أَمَّا منهجه في هذا الكتاب فإنه يعرض القضية من القضايا ويدرسها من كل النواحي التي تتطلبها الدراسات العلمية؛ من الناحية اللغوية والتفسيرية والحديثية والتأريخية والأصولية والفقهية، ويضرب الأمثال، ويقرب النظير من الأمور إلى نظيره بطريقة فذة تدل على غزارة علمه وقوة استحضاره وقدرته على استحضار الأمثال والأشباه من المسائل وهذا شأنه في جميع مؤلفاته - رحمه الله -. وإنني لأعترف أنني لم أوف هذا الكتاب حقه من الدراسة لأسباب منها؛ خوف الإطالة وضيق وقتي، فأجتزئ بنماذج من منهجه الفذ في هذا الكتاب القيم. قال - رحمه الله - فيما يتعلق بلفظ التوسل فقرة (236) : "إذا عرف هذا فقد تبين أن لفظ الوسيلة والتوسل فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه ويعطى كل ذي حق حقه، فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه، وما كان يتكلم به الصحابة، ويفعلونه ومعنى ذلك، ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه. فإن كثيراً من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع فيه من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب". ثم بين معاني التوسل والوسيلة في لغة القرآن والسنة وكلام الصحابة وأن من أعظم معاني التوسل التقرب إلى الله بالإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر والقيام بكل واجب ومستحب أمر الله به ورسله، وطاعة الرسول في كل ما أمر به ونهى عنه، وأن من معانيه: التوسل إلى الله بدعائه وشفاعته في حياته في الدنيا وبدعائه وشفاعته في

الحياة الأخرى وأثبت له أنواعاً من الشفاعة منها الشفاعة العظمى، وأن الصحابة إذا أطلقوا لفظ التوسل إنما يريدون به هذا. وأن التوسل في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به، والسؤال به كما يقسمون ويسألون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح. وهذا هو التوسل المحدث المبتدع، والذي ليس له أصل في الكتاب والسنة ولا في عرف الصحابة ومن اتبعهم بإحسان وقد بين كل هذه الأنواع بياناً شافياً مفرقاً فيها بين الحق والباطل، هذه فكرة إجمالية عن موضوع الكتاب الأساسي. وله جولات تتخلل بحوثه ومناقشاته العلمية؛ لغوية وتفسيرية وأصولية وفقهية وانتقادات حديثية وإلزامات جدلية يدعم بها وجهات نظره التي هداه الله إليها وسدد خطاه فيها. قال - رحمه الله - وهو ينتقد قصة المنصور مع مالك: 1 - من جهة الإسناد: فقرة (384) : "ثم ذكر حكاية - يعني القاضي عياضا - بإسناد غريب منقطع رواها عن غير واحد إجازة، ثم ذكر إسناده إلى محمد بن حميد الرازي وساق القصة إلى قوله: فقال - أي المنصور -: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعوا أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فقال: ولم تصرف وجهك عنه؟ وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله يوم القيامة بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله.

قال تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما} سورة النساء، آية (64) . قال شيخ الإسلام رحمه الله فقرة (385) : "قلت: أ - وهذه الحكاية منقطعة فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً، لا سيما في زمن أبي جعفر المنصور فإن أبا جعفر توفي بمكة سنة ثمان وخمسين ومائة وتوفي محمد بن حميد الرازي سنة ثمان وأربعين ومائتين. ولم يخرج من بلده حتى رحل في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه. ب - وهو مع ذلك ضعيف عند أكثر أهل الحديث كذبه أبو زرعة وابن وارة. وقال صالح بن محمد الأسدي: "ما رأيت أحدًا أجرأ على الله منه، وأحذق بالكذب منه". وقال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالمقلوبات. ج - وفي الإسناد أيضاً من لا يعرف حاله. د - وهذه الحكاية لم يذكرها أحد من أصحاب مالك المعروفين بالأخذ عنه.

ومحمد بن حميد ضعيف عند أهل الحديث إذا أسند فكيف إذا أرسل حكاية لا تعرف إلا من جهته". هذه أربع علل تقدح في ثبوت هذه الحكاية من جهة الإسناد، كل واحدة منها كافية لردها: الأولى: الانقطاع بين محمد بن حميد وبين مالك. والثانية: الطعن في عدالته فهو ضعيف من جهة عدالته بل رمي بالكذب من أئمة معتبرين. والثالثة: تفرد هذا الرجل المطعون في عدالته بهذه الحكاية عن أصحاب مالك على كثرة عددهم وعدالتهم وملازمتهم لمالك. والرابعة: جهالة بعض رواة هذه القصة. 2 - ثم يردها من وجه آخر وهو طريقة أصحاب مالك وشروطهم في قبول المسائل الفقهية البحته فكيف بالمسائل الفقهية العقدية التي تناقض مذهبه مناقضة صريحة. فقال: "وأصحاب مالك متفقون على أنه بمثل هذا النقل لا يثبت عن مالك قول له في مسألة في الفقه. بل إذا روى عنه الشاميون كالوليد ابن مسلم ومروان بن محمد الطاطري ضعفوا رواية هؤلاء، وإنما يعتمدون على رواية المدنيين والمصريين فكيف بحكاية تناقض مذهبه المعروف عنه من وجوه، رواها واحد من الخراسانيين لم يدركه، وهو ضعيف عند أهل الحديث" الفقرة (386) . 3 - ثم إن ما يتعلق به المجيزون للتوسل بالجاه وبالذوات لا دليل

لهم في هذه الحكاية التي تعلقوا بها، فيقول في الفقرة (387) (1) : "مع أن قوله: وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام يوم القيامة" إنما يدل على توسل آدم وذريته يوم القيامة، وهذا هو التوسل بشفاعته يوم القيامة وهذا حق كما جاءت به الأحاديث الصحيحة وساق حديثاً من أحاديث الشفاعة. 4 - مناقضتها لمذهب مالك المعروف عنه من وجوه أحدها: قوله: "أستقبل القبلة وأدعوا أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو؟ ". فقال: - أي مالك - "ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة آبيك آدم". فإن المعروف عن مالك وغيره من الأئمة وسائر السلف من الصحابة والتابعين، أن الداعي إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة، ويدعو في مسجده، ولا يستقبل القبر ويدعو لنفسه بل إنما يستقبل القبر عند السلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء له. هذا قول أكثر العلماء كمالك في إحدى الروايتين والشافعي وأحمد وغيرهم.

_ (1) استمر هذا النقاش إلى مسافة طويلة إلى الفقرة (448) فاخترت بعض الفقرات نموذجاً لمعالجته القضايا التي يخالفه فيها خصومه، حيث يتعلقون بشبه واهية وحكايات باطلة، بينما هو يغترف من بحر من العلوم الإسلامية، فيدعم مذهبه بالكتاب، والسنة، والتاريخ، ومذاهب الصحابة والتابعين والأئمة، والقواعد الأصولية والحديثية واللغوية. ويؤيد كل ذلك بمناقضة ما يتعلقون به من شبهات وحكايات لمذاهب السلف من الصحابة فمن بعدهم خصوصاً الإمام مالك الذي نسبت إليه هذه الحكاية الباطلة.

وعند أصحاب أبي حنيفة، لا يستقبل القبر - وقت السلام عليه - أيضاً، ثم منهم من قال: "يجعل الحجرة عن يساره، وقد رواه ابن وهب عن مالك". ثم نقل الروايات عن مالك في هذه القضية عن القاضي عياض عن المبسوط في مذهب مالك وعن غيره ونقل أقوال أصحاب مالك رحمهم الله ونقل كلام الباجي وابن حبيب وغيرهما، واستدلالهم بالأحاديث وبفعل ابن عمر وبواقع التابعين. 5 - ثم انتهى إلى القول الآتي: "فدل ذلك على أن ما في الحكاية المنقطعة في قوله: "استقبله واستشفع به". كذبٌ على مالك مخالف لأقواله وأقوال أصحابه والتابعين وأفعالهم التي نقلها مالك وأصحابه، ونقلها سائر العلماء، إذ كان أحد منهم لم يستقبل القبر للدعاء لنفسه، فضلاً عن أن يستقبله ويستشفع به يقول له: يا رسول الله اشفع لي أو ادع لي أو يشتكي إليه المصائب في الدين والدنيا أو يطلب منه أو من غيره من الأموات من الأنبياء والصالحين، أو من الملائكة الذين لا يراهم، أن يشفعوا له أو يشتكي إليهم المصائب، فإن هذا كله من فعل النصارى وغيرهم من المشركين، ومن ضاهاهم من مبتدعي هذه الأمة ليس هذا من فعل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ولا مما أمر به أحد من أئمة المسلمين". وهكذا يبطل هذه القصة من جهات عديدة: من جهة إسنادها ومتنها، ومن جهة مناقضتها للمعروف المشهور من مذهب الإمام مالك الذي نسبت إليه كذبا وبمناقضتها لمذاهب الأئمة وما كان عليه خير القرون من سلف هذه الأمة.

6 - يؤكد على فساد معنى هذه الحكاية فيقول في الفقرة (432) : "ومعلوم أن هذا لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سنه لأمته، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، لا مالك ولا غيره من الأئمة فكيف يجوز أن ينسب إلى مالك مثل هذا الكلام الذي لا يقوله إلا جاهل لا يعرف الأدلة الشرعية ولا الأحكام المعلومة بأدلتها الشرعية، مع علو مالك، وعظم فضيلته وإمامته وتمام رغبته في اتباع السنة وذم البدع وأهلها وهل يأمر بهذا أو يشرعه إلا مبتدع، فلو لم يكن عن مالك قول يناقض هذا لعلم أنه لا يقوله". 7 - ثم يكر على الحكاية وعلى فساد معناها من حيث اللغة العربية فيقول في فقرة (433) : "ثم قال في الحكاية: "استقبله واستشفع به فيشفعك الله". والاستشفاع به معناه في اللغة، أن يطلب منه الشفاعة كما يستشفع الناس به يوم القيامة، وكما كان أصحابه يستشفعون به ... . وإذا كان الاستشفاع منه طلب شفاعته، فإنما يقال في ذلك استشفع به فيشفعه الله فيك، لا يقال فيشفعك الله فيه، وهذا معروف في الكلام ولغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر العلماء. يقال: شفع فلان في فلان فشفع فيه، فالمشفَّع الذي يشفِّعه المشفوع إليه هو الشفيع المستَشفَع به، لا السائل الطالب من غيره أن يشفع له.

8 - ويستمر في نقاش لغوي وشرعي إلى أن يقول في فقرة (441) : "ولكن هذا اللفظ الذي في الحكاية يشبه لفظ كثير من العامة الذين يستعملون لفظ الشفاعة في معنى التوسل فيقول أحدهم: اللهم إنا نستشفع إليك بفلان وفلان أي نتوسل به، ويقولون لمن توسل في دعائه بنبيٍّ أو غيره، قد تشفع به من غير أن يكون المستشفع به شفع له ولا دعا له بل وقد يكون غائباً لم يسمع كلامه ولا شفع له وهذا ليس هو لغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء الأمة، بل ولا هو لغة العرب، فإن الاستشفاع طلب الشفاعة، والشافع هو الذي يشفع للسائل فيطلب له مايطلب من المسئول المدعو المشفوع إليه. وأما الاستشفاع بمن لم يشفع للسائل ولا طلب له حاجة، بل وقد لا يعلم بسؤاله فليس هذا استشفاعاً لا في اللغة ولا في كلام من يدري ما يقول. نعم هذا سؤال به.. لكن هؤلاء لما غيروا اللغة كما غيروا الشريعة وسموا هذا استشفاعًا أي سؤالا بالشافع صاروا يقولون: استشفع به فيشفعك أي يجيب سؤالك به، وهذا مما يبين أن هذه الحكاية وضعها جاهل بالشرع واللغة وأين لفظها من ألفاظ مالك. 9 - إلى أن يقول في فقرة (445) : ومن لم يعرف لغة الصحابة التي كانوا يتخاطبون بها ويخاطبهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، وعادتهم في الكلام وإلاّ حرف الكلم عن مواضعه، فإن كثيراً من الناس ينشأ على اصطلاح قوم وعادتهم في الألفاظ، ثم يجد تلك الألفاظ في كلام الله ورسوله أو الصحابة، فيظن أن مراد الله أو رسوله أو الصحابة بتلك الألفاظ ما يريده بذلك أهل عادته واصطلاحه، ويكون مراد الله ورسوله والصحابة

خلاف ذلك وهذا واقع لطوائف من الناس من أهل الكلام والفقه والنحو والعامة وغيرهم. وآخرون يتعمدون وضع ألفاظ الأنبياء وأتباعهم على معان أخر مخالفة لمعانيهم، ثم ينطقون بتلك الألفاظ مريدين بها ما يعنونه هم ويقولون إنا موافقون للأنبياء. وهذا موجود في كلام كثير من ملاحدة المتفلسفة والإسماعيلية ومن ضاهاهم من ملاحدة المتكلمة والمتصوفة مثل لفظ "المحدث" و "المخلوق" و"المصنوع" وإن كان عنده قديماً أزلياً، ويسمى بذلك الحدوث الذاتي ثم يقول: نحن نقول إن العالم محدث، ومعلوم أن لفظ المحدث بهذا الاعتبار، ليس لغة أحد من الأمم، وإنما المحدث عندهم: ما كان بعد أن لم يكن وكذلك يضعون لفظ الملائكة على ما يثبتونه من العقول والنفوس، وقوى النفس، ولفظ الجن والشياطين على بعض قوى النفس. ويقولون: نحن نثبت ما أخبرت به الأنبياء وأقر به جمهور الناس من الملائكة والجن والشياطين، ومن عرف مراد الأنبياء ومرادهم علم بالاضطرار أن هذا ليس هو ذاك. ومنهجه يقوم على دراسة أحوال الناس والمجتمعات والأوضاع والواقع معرفة واعية، فاستمع إليه وهو يتحدث عن واقع عباد القبور وتلاعب الشياطين بهم. لا في بلد بل في بلدان كثيرة وأصقاع متباعدة. قال في الفقرات (901- 904) : "ولا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين مثل أن يقول: يا سيدي فلانا أغثني

وانصرني وادفع عني وأنا في حسبك، ونحو ذلك، بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله، وتحريمه مما يعلم بالاضطرار في دين الإسلام. وهؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم - لما كانوا من جنس عباد الأوثان - صار الشيطان يضلهم ويغويهم كما يضل عباد الأصنام ويغويهم فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاث به وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة كما تخاطب الشياطين الكهان، وبعض ذلك صدق، لكن لا بد أن يكون في ذلك ما هو كذب، بل الكذب أغلب عليه من الصدق وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم، وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه، فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء من الغيب حتى فعل ذلك، أو يظن أن الله تعالى صور ملكاً على صورته فعل ذلك. ويقول أحدهم: هذا سر الشيخ وحاله، وإنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به، المستغيث به، كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب وهو اليوم موجود في المشركين في الترك والهند وغيرهم. وقال في فقرة (905 - 906) وأعرف من ذلك واقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي وبغيري في حال غيبتنا عنهم، فرأوني أو ذلك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء ودفعنا عنهم. ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم، ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين، وهذا من أكبر الأسباب التي أشرك بها المشركون وعبدة الأوثان، إلى أن

يقول - عن كثير ممن تتلاعب بهم الشياطين فتوقعهم في الشرك - في فقرة (920 - 924) : "وأنا أعرف من هؤلاء عدداً كثيراً بالشام ومصر والحجاز واليمن، وأما الجزيرة والعراق وخراسان والروم ففيها من هذا الجنس أكثر مما بالشام وغيرها وبلاد الكفار من المشركين وأهل الكتاب أعظم". ويقول معللاً ومبيناً أسباب هذا الضلال فقرة (921) : "وإنما ظهرت هذه الأحوال الشيطانية التي أسبابها الكفر والفسوق والعصيان بحسب ظهور أسبابها، فحيث قوي الإيمان والتوحيد ونور الفرقان والإِيمان ظهرت آثار النبوة، والرسالة وضعفت هذه الأحوال الشيطانية، وحيث ظهر الكفر والفسوق والعصيان قويت هذه الأحوال الشيطانية.. والمشركون الذين لم يدخلو في الإسلام مثل البخشية والطونية والبدَّيَ ونحو ذلك من علماء المشركين وشيوخهم الذين يكونون للكفار من الترك والهند والخُطا وغيرهم تكون الأحوال الشيطانية فيهم أكثر ويصعد أحدهم في الهواء ويحدثهم بأمور غائبة ويبقى الدف الذي يغني لهم به يمشي في الهواء ويضرب رأس أحدهم إذا خرج عن طريقهم ولا يرون أحداً يضرب له، ويطوف الإناء الذي يشربون منه عليهم ولا يرون من يحمله، ويكون أحدهم في مكان فمن نزل منهم عنده ضيفه طعاماً يكفيهم ويأتيهم بألوان مختلفة، وذلك من الشياطين تأتيه من تلك المدينة القريبة منه أو من غيرها تسرقه وتأتي به". ولا شك أن المعرفة بهذه الأمور قد سبقها دراسة وعناية واستقراء لأحوال الناس وعقائدهم وعاداتهم في مختلف البلدان وهذا شأن العظماء والمصلحين.

اسم الكتاب

اسم الكتاب جاء في مخطوطة الكتاب ضمن مجموع مصور في قسم المخطوطات والمصورات بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية تحت رقم (4472) في أولها اسم الكتاب "قاعدة جليلة في التوسلة والوسيلة". وفي مصورة أرسلها إليّ فضيلة الأستاذ سعد الحصين الملحق التعليمي بعمان الأردن لا تحمل رقما، وهي مصورة عن الأصل الذي صورت عنه مصورة الجامعة الإسلامية وفيها التسمية المذكورة. وممن ذكر اسم هذا الكتاب الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المشهور بابن القيم (ت 751) رحمه الله والتلميذ البار لابن تيمية في رسالة "أسماء مؤلفات ابن تيمية ص 19 رقم 12" تحت عنوان ومما صنفه في الأصول "كتاب في الوسيلة مجلد". وقال في ص 25 تحت عنوان الفتاوى رقم 111 من الكتاب السابق "قاعدة فيما يتعلق بالوسيلة بالنبي صلى الله عليه وسلم والقيام بحقوقه الواجبة على أمته" فالله أعلم أي الاسمين هو اسم كتابنا هذا، ثم ترجح لي أن ابن القيم رحمه الله علم أن لشيخ الإسلام كتابين في التوسل ويوجد في مصورات الجامعة كتاب باسم قاعدة في التوسل يقع في (16) لوحة تحت رقم (1052) مصورة عن مخطوطة في الظاهرية وكان بعض الإخوة يظن أنها جزء من كتاب التوسل والوسيلة فعقدت مقارنة بينهما فإذا بها مؤلف مستقل ولست أشك أنها لابن تيمية. وممن ذكره الإمام الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي أحد تلاميذ ابن تيمية النجباء المتوفى سنة (744) في كتابه "العقود الدرية من

مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" قال في ثنايا سرده لمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية: "قاعدة فيما يتعلق بالوسيلة بالنبي صلى الله عليه وسلم". وقد ورد اسمه على كل الطبعات التي بين يديَّ "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" مطابقة لأصلها المخطوط.

وصف المخطوطة

وصف المخطوطة تقع المخطوطة في أربع وأربعين صحيفة، بعضها يشتمل على تسعة وعشرين سطراً وبعضها على ثمانية وعشرين سطراً، وقد يصل بعض الصحائف إلى ثلاثين سطراً بخط نسخ ولم يذكر عليه اسم الناسخ ولا تأريخ النسخ ولعل سبب ذلك أن الكتاب مدرج ضمن الكواكب الدراري لابن عروة وهو كتاب كبير يتكون من عشرات المجلدات وليس لدي منه إلا أوراق التوسل والوسيلة. ولعلي أجد في المستقبل فرصة فأبحث عن الناسخ وتاريخ نسخه لهذا الكتاب.

الرموز

الرموز خ: المراد بها المخطوطة التي اعتمدناها لكتاب التوسل والوسيلة. ب: نسخة محب الدين الخطيب. ز: نسخة زهير الشاويش

بسم الله الرحمن الرحيم 1 - الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهرَه على الدين كله وكفى بالله شهيداً. أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فهدى به من الضلالة، وبصرَّ به من العمى، وأرشد به من الغيّ، وفتح به أعيناً عميًا، وآذاناً صمًّا، وقلوباً غلفًا، فبلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعَبد ربه حتى أتاه اليقين من ربه. صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً. ففرّق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق أهل الجنة وطريق أهل النار، وبين أوليائه وأعدائه. 2 - فالحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، وقد أرسله الله إلى الثقلين: الجن والإنس، فعلى كل أحد أن يؤمن به وبما جاء به ويتبعه في باطنه وظاهره، والإيمانُ به ومتابعته هو سبيل الله وهو دين الله، وهو عبادة الله وهو طاعة الله، وهو طريق أولياء الله وهو الوسيلة التي أمر الله بها عباده في قوله تعالى (5: 35) : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} . فابتغاء الوسيلة إلى الله إنما يكون لمن توسل إلى الله بالإيمان بمحمد واتباعه. 3 - وهذا التوسل بالإيمان به وطاعته فرض على كل أحد في كل حال، باطناً وظاهراً، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته، في مشهده

ومغيبه، لا يسقط التوسل بالإيمان به وبطاعته عن أحد من الخلق في حال من الأحوال بعد قيام الحجة عليه، ولا بعذر من الأعذار، ولا طريق إلى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه إلا التوسل بالإيمان به وبطاعته. 4 - وهو صلى الله عليه وسلم شفيع الخلائق صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، فهو أعظم الشفعاء قدراً وأعلاهم جاهاً عند الله. وقد قال تعالى (33: 69) عن موسى: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} وقال (3: 45) عن المسيح: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالأخِرَةِ} . ومحمد صلى الله عليه وسلم أعظم جاهاً من جميع الأنبياء والمرسلين، لكن شفاعته ودعاؤه إنما ينتفع بهما (1) من شفع له الرسول ودعا له، فمن دعا له الرسول وشفع له توسل إلى الله بشفاعته ودعائه، كما كان أصحابه يتوسلون إلى الله بدعائه وشفاعته، وكما يتوسل الناس يوم القيامة إلى الله تبارك وتعالى بدعائه وشفاعته، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا. 5 - ولفظ (التوسل) في عرف الصحابة كانوا يستعملونه في هذا المعنى. والتوسل بدعائه وشفاعته ينفع مع الإيمان به، وأما بدون الإيمان به فالكفار والمنافقون لا تغني عنهم شفاعة الشافعين في الآخرة. 6 - ولهذا نُهي عن الاستغفار لعمه وأبيه وغيرهما من الكفار، ونهي عن الاستغفار للمنافقين وقيل له (63: 6) : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَاسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} . ولكن الكفار

_ (1) في المخطوطة: "به". والذي يظهر أن لفظ (بهما) أولى لأنه الضمير يعود إلى الشفاعة والدعاء.

يتفاضلون في الكفر كما يتفاضل أهل الإيمان في الإيمان، قال تعالى (9: 37) : {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} ، فإذا كان في الكفار من خف كفره بسبب نصرته ومعونته، فإنه تنفعه شفاعته في تخفيف العذاب عنه، لا في إسقاط العذاب بالكلية، كما في صحيح مسلم (1) عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: قلت: يا رسول الله فهل نفعتَ أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: "نعم هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار"، وفي لفظ: إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك فهل نفعه ذلك؟ قال: "نعم، وجدته في غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح" (2) ، وفيه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر عنده عمه أبو طالب فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منهما دماغه" (3) وقال: "إن أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه" (4) . 7 - وكذلك ينفع دعاؤه لهم بأن لا يعجل عليهم العذاب في

_ (1) كتاب الإيمان 90 - باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، حديث (375) ، والحديث في البخاري 63 - مناقب الأنصار، 40 - باب قصة أبي طالب، حديث (3883) ، 78 - كتاب الأدب حديث (6208) . وفي مسند أحمد (1/206، 207، 208) . كلهم من طريق عبد الله بن الحارث بن نوفل عن العباس - رضي الله عنه - مرفوعاً. (2) صحيح مسلم الباب السابق ذكره حديث (358) . والضحضاح أصله الماء القليل القريب القعر ثم استعير للقليل من النار، اللسان (2/514) . (3) مسلم الباب السابق حديث (360) وباب إن أهون أهل النار عذاباً، حديث (362) .

الدنيا كما كان صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (1) . وروى أنه دعا بذلك: أن اغفر لهم فلا تعجّل عليهم العذاب في الدنيا، قال تعالى (35: 45) : {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ، وأيضاً فقد يدعو لبعض الكفار بأن يهديه الله أو يرزقه فيهديه أو يرزقه، كما دعا لأم أبي هريرة حتى هداها الله (2) ، وكما دعا لدَوْس فقال: "اللهم اهد دوساً وائت بهم" فهداهم الله (3) . 8 - وكما روى أبو داود أنه استسقى لبعض المشركين لما طلبوا منه أن يستسقي لهم، فاستسقى لهم (4) ، وكان ذلك إحساناً منه إليهم

_ (1) البخاري، كتاب المرتدين 88 - باب 5، حديث (6929) . ومسلم 32 - كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، حديث (105) . وابن ماجه 36 - كتاب الفتن، حديث (4025) ج (2/1335) . ومسند أحمد (1/380، 427، 432، 441، 453، 456، 457) . كلهم من حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه. (2) صحيح مسلم 44 - كتاب فضائل الصحابة 35 - باب فضل أبي هريرة حديث (158) من طريق أبي كثير، يزيد بن عبد الرحمن. حدثني أبو هريرة، قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فاسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال: "اللهم أهد أم أبي هريرة"، ثم ساق القصة، وفيها أنها أسلمت، رضي الله عنها. (3) البخاري 64 - مغازي 75 - باب قصة دوس والطفيل بن عمرو، حديث (4392) ، 80 - الدعوات، 59 - باب الدعاء للمشركين، حديث (6397) . ومسلم (4/1957) ، باب فضائل غفار وأسلم ... وطيِّىء ودوس، حديث (197) . وأحمد (2/243، 448) . كلهم من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه. (4) لم أجد هذا الحديث الذي أشار إليه شيخ الإسلام في سنن أبي داود في الاستسقاء، فربما أورده أبو داود في غير أبواب الاستسقاء وقد يكون سبق قلم من الإمام أو من الناسخ، والحديث المشار إليه في البخاري، الاستسقاء حديث (1020) فتح (2/510) =

يتألف به قلوبهم، كما كان يتألفهم بغير ذلك. 9 - وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاهاً عند الله، لا جاه لمخلوق عند الله أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته، لكن دعاء الأنبياء وشفاعتهم ليس بمنزلة الإيمان بهم وطاعتهم، فإن الإيمان بهم وطاعتهم توجب سعادة الآخرة والنجاة من العذاب مطلقاً وعاماً، فكل من مات مؤمناً بالله ورسوله مطيعاً لله ورسوله كان من أهل السعادة قطعاً، ومن مات كافراً بما جاء به الرسول كان من أهل النار قطعاً. 10 - وأما الشفاعة والدعاء، فانتفاع العباد به موقوف على شروط وله موانع، فالشفاعة للكفار بالنجاة من النار والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم ولو كان الشفيع أعظم الشفعاء جاهًا، فلا شفيع أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم، ثم الخليل إبراهيم، وقد دعا الخليل إبراهيم لأبيه واستغفر له كما قال تعالى (14: 41) عنه: {رَبّنا اغْفرْ لي وَلوالدَيّ وللمُؤمنينَ يومَ يَقُومُ الحساب} .

_ = و 65 - كتاب التفسير سورة 44 - الدخان، 5 - باب ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون حديث (4824) . ومسند أحمد (1/380 - 381) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - واللفظ للبخاري قال: "إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال: "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين"، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رأى قريشاً استعصوا عليه فقال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم السنة حتى حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان فجاء أبو سفيان، فقال: أي محمد إن قومك قد هلكوا فادع الله أن يكشف عنهم، فدعا ... ) وفي رواية للبخاري قبل هذه برقم (4822) "فقيل له إن كشفنا عنهم عادوا فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر".

وقد كان صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأبي طالب اقتداء بإبراهيم، وأراد بعض المسلمين أن يستغفر لبعض أقاربه فأنزل الله تعالى (9: 113) : {ما كان للنّبِيّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أولي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لهُمْ أنهم أصْحَابُ الجحيم} ثم ذكر الله عذر إبراهيم فقال (9: 114 - 115) : {وما كان اسْتغْفارُ إبْراهيمَ لأبيهِ إلاّ عنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوٌ للهِ تَبَرّأ منْهُ إنَّ إبْراهيمَ لأوّاهٌ حليمٌ * وما كانَ اللهُ لِيُضلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيّن لهُمْ ما يَتّقونَ} . 11 - وثبت في صحيح البخاري (1) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له ابراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب أنت وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله عز وجل: إني حرّمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: انظر ما تحت رجليك فينظر، فإذا هو بذيخ (2) متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار". فهذا لما مات مشركًا لم ينفعه استغفار إبراهيم مع عظم جاهه وقدره، وقد قال تعالى للمؤمنين (60: 4 - 5) : {قد كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إبْراهيمَ وَالذينَ مَعَهُ إذْ قالُوا لقَوْمهمْ إنّا بُرءَآؤُاْ منْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون الله كَفْرنا بِكُمْ وبَدا بَيْنَنَا

_ (1) 60 - كتاب الأنبياء 8 - باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} حديث (3350) ، 65 - كتاب التفسير (1) باب {ولا تخزني يوم يبعثون} حديث (4768، 4769) . (2) الذيخ: ذكر الضباع.

وَبَيْنَكُمُ العَداوَةُ والبَغْضاءُ أبَدًا حَتَّى تُؤمنُوا بالله وَحْدَهُ إلاّ قَوْلَ إبراهيمَ لأبيه لأسْتَغْفرَنَّ لَكَ وما أمْلكُ لكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيءٍ رَبّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلنا وإليْكَ أَنَبْنا وإليْكَ المَصيرُ * رَبّنا لا تجْعَلْنا فِتْنَةً للّذينَ كَفَرُا واغْفرْ لَنا رَبّنا إنّك أنْتَ الْعَزيزُ الحكِيمُ} فقد أمر الله (1) تعالى المؤمنين بأن يتأسوا بإبراهيم ومن اتبعه، إلا في قول إبراهيم لأبيه: "لأستغفرنَّ لك" فإن الله لا يغفر أن يشرك به. 12 - وكذلك سيد الشفعاء محمد صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم (2) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي". وفي رواية (3) أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت". 13 - وثبت عن أنس في الصحيح (4) أن رجلاً قال: يا رسول الله

_ (1) لفظ الجلالة غير موجود في المخطوطة. (2) كتاب الجنائز 36 - باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة قبر أمه، حديث (105) . (3) مسلم في الموضع السابق حديث (106) . وأبو داود (3/557) 15 - الجنائز، 81 - باب في زيارة القبور، حديث (3234) . والنسائي (4/74) ، كتاب الجنائز، باب زيارة قبر المشرك. وابن ماجه (1/501) ، 6 - كتاب الجنائز، 48 - باب ما جاء في زيارة قبور المشركين حديث (1572) . وأحمد (2/441) . والحاكم (1/375) . كلهم من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، وأخرج أحمد (5/356 - 357) من حديث بريدة، قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بودّان قال: "مكانكم حتى آتيكم"، فانطلق، ثم جاءنا وهو سقيم، فقال: أتيت قبر أم محمد، فسألت ربي الشفاعة فمنعنيها ... ". وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/375، 376) . (4) مسلم (1/191) ، 1 - كتاب الإيمان، 88 - باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين، حديث (347) . وأبو داود (5/90) =

أين أبي؟ قال: "في النار". فلما قفّى (1) دعاه فقال: "إني أبي وأباك في النار". 14 - وثبت أيضًا في الصحيح (2) عن أبي هريرة: لما أنزلت هذه الآية (26: 214) : {وَأنْذرْ عَشيرتَكَ الأَقْرَبينَ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا فعم وخص فقال: "يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عَبْد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، [يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار] (3) ، يا بني عبد المطلب انقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من

_ = 34 - السنة، 18 - باب في ذراري المشركين حديث (4718) . كلاهما من حديث أنس، رضي الله عنه. وأخرج ابن ماجه (1/501) من طريق الزهري عن سالم عن أبيه، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان، فأين هو؟ قال: "في النار" قال: فكأنه وجد من ذلك فقال: يا رسول الله فأين أبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حيثما مررت بقبر مشرك، فبشره بالنار ... ". قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، محمد بن إسماعيل (يعني ابن البختري) وثقه ابن حبان والدارقطني والذهبي، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين "مصباح الزجاجة (2/43) باب زيارة قبور المشركين". (1) في المخطوطة والمطبوعة: "قفا". والتصحيح من صحيح مسلم. (2) مسلم (1/192) ، كتاب الإيمان، 89 - باب قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين} حديث (348) ، والترمذي (5/338 - 339) ، 48 - التفسير باب 27 - وفي سورة الشعراء، حديث (3185) . والنسائي (6/208) ، كتاب الوصايا، باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين. وأحمد (2/333، 360، 519) . كلهم من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة، رضي الله عنه. (3) الزيادة من: صحيح مسلم، ولفظ هذا المتن له.

الله شيئاً، غير أن لكم رحما سأبُلُّها ببلالها (1) . وفي رواية عنه "يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، ياصفية - عمة رسول الله - لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت رسول الله، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئاً" (2) . وعن عائشة لما نزلت: {وَأنذرْ عَشيرَتَكَ الأقْرَبين} قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا فاطمة بنت محمد، ياصفية بنت عبد المطلب، [يا بني عبد المطلب] (3) ، لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم" (4) . 15 - وعن أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً ذات يوم فذكر الغلول (5) فعظمه وعظم أمره ثم قال: "لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رُغاء يقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته

_ (1) البلال: الماء، ومعنى الحديث: سأصلها. شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة بالبرودة ومنه: بلوا أرحامكم أي صلوها. (2) البخاري 65 - تفسير سورة الشعراء 2 - باب {وأنذر عشيرتك الأقربين} حديث (4771) ومسلم 1/192) ، الإيمان، حديث (351) . والنسائي (6/208) الوصايا باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين. كلهم من طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، رضي الله عنه. (3) سقط من: المطبوعة. والتصحيح من المخطوطة وصحيح مسلم. (4) مسلم (1/192) الإيمان حديث (350) . والنسائي (6/209) الوصايا الباب السابق ذكره من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها. (5) الغلول: اختلاس المرء ما ليس له به من حق.

فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، فيقول: يا رسول الله أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق (1) فيقول يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت (2) فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك". أخرجاه في الصحيحين (3) . وزاد مسلم (4) "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك". وفي البخاري (5) عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يُعار (6) فيقول يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت، ولا يأتي أحدكم ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول: يا محمد، فأقول لا أملك لك شيئاً، قد بلغت".

_ (1) الرقاع هنا: الثباب. (2) المال عند العرب صامت وناطق، فالصامت الذهب والفضة، والناطق المواشي والسوائم. (3) البخاري 56 - الجهاد، 189 - باب الغلول، حديث (3073) . ومسلم (3/1461) ، 33 - كتاب الإمارة، 6 - باب غلظ تحريم الغلول حديث (24) . وأحمد (2/426) . وروى بعضه النسائي (5/16) ، باب مانع زكاة الإبل. (4) هو جزء من الحديث السابق. (5) 24 - الزكاة، 3 - باب إثم مانع الزكاة، حديث (1402) . (6) في المطبوعة: "ثغاء" والتصحيح من المخطوطة، وصحيح البخاري.

16 - وقوله هنا صلى الله عليه وسلم لا أملك لك من الله شيئاً كقول إبراهيم لأبيه (60:4) : {لأستَغْفرَن لَكَ ومَا أمْلكُ لكَ منَ الله منْ شَيءٍ} . 17 - وأما شفاعته ودعاؤه للمؤمنين فهي نافعةٌ في الدنيا والدين باتفاق المسلمين، وكذلك شفاعته للمؤمنين يوم القيامة في زيادة الثواب ورفع الدرجات متفق عليها بين المسلمين. وقد قيل إن بعض أهل البدعة ينكرها. 18 - وأما شفاعته لأهل الذنوب من أمته فمتفق عليها بين الصحابة والتابعين بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم. 19 - وأنكرها كثير من أهل البدع من الخوارج (1) والمعتزلة والزيدية، وقال هؤلاء: من يدخل النار لا يخرج منها لا بشفاعة ولا غيرها، وعند هؤلاء ما ثمَّ إلا من يدخل الجنة فلا يدخل النار، ومن يدخل النار فلا يدخل الجنة، ولا يجتمع عندهم في الشخص الواحد ثواب وعقاب. 20 - وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأئمة كالأربعة وغيرهم فيقرّون بما تواترت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج من النار قومًا بعد أن يعذبهم الله ما شاء أن يعذبهم، يخرجهم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ويخرج آخرين بشفاعة غيره، ويخرج قومًا بلا شفاعة (2) .

_ (1) انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري ص 86، 274. (2) راجع صحيح مسلم 1 - كتاب الإيمان من حديث (299 - 346) ج (1/163 - 190) .

21 - واحتج هؤلاء المنكرون للشفاعة بقوله تعالى (2: 48) : {وَاتَّقوا يومًا لا تَجْزى نَفس عن نفْسٍ شَيْئًا ولا يُقْبَلُ منها شفاعةٌ ولا يُؤْخَذُ منها عَدْلٌ} وبقوله (2: 123) : {ولا يُقْبَلُ منها عَدْلٌ ولا تَنْفَعُها شفاعةٌ} وبقوله (2: 254) : {منْ قَبْل أَنْ يأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خُلَّةٌ ولا شفاعة} وبقوله (40: 18) : {وما للظَّالِمينَ منْ حَميم ولا شَفِيع يُطاع} وبقوله (74: 48) : {فما تَنْفَعُهُمْ شفاعةُ الشافعين} . وجواب أهل السنّة أن هذا [لعله يراد] (1) به شيئان: 22 - أحدهما: أنها لا تنفع المشركين، كما قال تعالى (74: 42 - 48) في نعتهم: {ما سَلَكَكُمْ في سَقَر * قالوا لَمْ نَكُ منَ المصَلِّين * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وكُنَّا نخُوضُ مَعَ الْخائضين * وكُنَّا نُكَذِّبُ بيَوْمِ الدِّين * حَتَّى أَتانا الْيَقين * فَمَا تَنْفَعُهُم شفاعَةُ الشَّافِعين} فهؤلاء نفى عنهم نفع شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفارًا. 23 - والثاني: أنه يراد بذلك نفي الشفاعة التي أثبتها (2) أهل الشرك، ومن شابههم من أهل البدع، من أهل الكتاب والمسلمين، الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه، كما يشفع الناس بعضهم عند بعض فيقبل المشفوع إليه شفاعة الشافع (3) لحاجته إليه رغبة ورهبة، كما يعامل المخلوقُ المخلوق (4) بالمعاوضة. فالمشركون كانوا يتخذون من دون الله شفعاء من الملائكة والأنبياء

_ (1) ما بين المعكوفتين زيادة من: المطبوعة. قصد بها استقامة الكلام لأنه لا يستقيم إلا بها. (2) في المخطوطة: "ثبّتها". (3) في المطبوعة: "شافع". (4) سقطت من: ز. وهي موجودة في: ب، خ.

والصالحين، ويصورون تماثيلهم فيستشفعون بها ويقولون: هؤلاء خواص الله، فنحن نتوسل إلى الله بدعائهم وعبادتهم ليشفعوا لنا، كما يُتوَسل إلى الملوك بخواصِّهم لكونهم أقرب إلى الملوك من غيرهم، فيشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك، وقد يشفع أحدهم عند الملك فيما لا يختاره فيحتاج إلى إجابة شفاعته رغبة ورهبة. فأنكر الله هذه الشفاعة فقال تعالى (2: 255) : {مَنْ ذا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بإذْنه} ، وقال (53: 26) : {وكَمْ مِنْ مَلَك في السموات لا تغنى شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} وقال (21: 26 - 28) عن الملائكة: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} وقال: (34: 22 - 23) : {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وقال تعالى (10: 18) : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقال تعالى (6: 51) : {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وقال تعالى (32: 4) : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} وقال تعالى (43: 86) : {وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وقال

تعالى (6: 94) : {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} وقال تعالى (39: 43 - 45) : {أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وقال تعالى (20: 108 - 109) : {وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَ هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا} وقال صاحب يس (36: 22 - 25) : {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لاَ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِي * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِي} . 24 - فهذه الشفاعة التي أثبتها (1) المشركون للملائكة والأنبياء والصالحين حتى صوروا تماثيلهم (2) وقالوا: استشفاعنا بتماثيلهم استشفاع بهم، وكذلك قصدوا قبورهم وقالوا: نحن نستشفع بهم بعد مماتهم ليشفعوا لنا إلى الله، وصوروا تماثيلهم فعبدوهم كذلك، وهذه الشفاعة

_ (1) في المخطوطة: "ثبتها". (2) تعليق الصور على الجدران سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل، أو لا ظل لها، يدوية أو فوتوغرافية، فإن ذلك كله لا يجوز، ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها، وفيه أحاديث كثيرة. انظر ص 100 من (آداب الزفاف) للشيخ المحدث ناصر الدين الألباني - طبعة المكتب الإسلامي. (زهير شاويش) .

أبطلها الله ورسوله وذم المشركين عليها وكفرهم بها. قال الله تعالى عن قوم نوح (71: 23 - 24) : {وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} . 25 - قال ابن عباس وغيره: هؤلاء قوم صالحون كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم. 26 - وهذا مشهور في كتب التفسير والحديث وغيرها كالبخاري (1) وغيره، وهذه أبطلها النبي صلى الله عليه وسلم وحسم مادتها وسد ذريعتها، حتى لعن من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلي فيها وإن كان المصلي فيها لا يستشفع بهم، ونهى عن الصلاة إلى القبور، وأرسل علي بن أبي طالب فأمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا تمثالاً إلا طمسه ومحاه، ولعن المصورين. 27 - وعن أبي الهياج الأسدي، قال لي علي بن أبي طالب: إني لأبعثك على ما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً (2) مشرفاً إلا سويته. وفي لفظ: ولا صورة إلا طمستها. أخرجه مسلم (3) .

_ (1) في 65، كتاب التفسير، تفسير سورة نوح، حديث (4920) . وتفسير ابن جرير (29/98 - 99) ذكر أقوالاً لابن عباس وغيره. والدر المنثور (8/293) . (2) فيه تحريم رفع القبور فوق الحد المشروع في السنة، وهو قدر شبر أو شبرين، والأمر فيه بتسويتها بالأرض، لا ينافي السنة، خلافاً لمن أنكر هدم القباب والقبور المشرفة من قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وجماعته، فإن الهدم للقبور سنة بل واجب، إذا كانت على خلاف السنة. فتنبه ولا تكن من الغافلين. (3) في 11، الجنائز، 31 - باب الأمر بتسوية القبر، حديث (93) . وأبو داود 15 - كتاب الجنائز، 72 باب في تسوية القبر، حديث (3218) . والترمذي (3/357) ، =

الفصل الثاني

فصل 28 - ولفظ (التوسل) قد يراد به ثلاثة أمور، يراد به أمران متفق عليهما بين المسلمين. 29 - أحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به (1) وبطاعته. 30 - والثاني: دعاؤه وشفاعته، وهذا أيضاً نافع يتوسل به من دعا له وشفع فيه باتفاق المسلمين. ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً. 31 - ولكن التوسل بالإيمان وبطاعته هو أصل الدين، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام للخاصة والعامة، فمن أنكر هذا المعنى فكفره ظاهر للخاصة والعامة. 32 - وأما دعاؤه وشفاعته وانتفاع المسلمين بذلك فمن أنكره فهو أيضاً كافر، لكن هذا أخفى من الأول، فمن أنكره عن جهل عُرِّف ذلك، فإن أصر على إنكاره فهو مرتد. 33 - أَمَّا دعاؤه وشفاعته في الدنيا فلم ينكره أحد من أهل القبلة. 34 - وأما الشفاعة يوم القيامة، فمذهب أهل السنة والجماعة - وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة

_ = 8 - كتاب الجنائز 56 - باب ما جاء في تسوية القبر، حديث (1049) . والنسائي (4/73) ، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبور إذا رفعت. وأحمد (1/96، 129) . (1) أي بالرسول صلى الله عليه وسلم.

وغيرهم - أن له شفاعات يوم القيامة خاصة وعامة، وأنه يشفع فيمن يأذن الله له أن يشفع فيه من أمته من أهل الكبائر. ولا ينتفع بشفاعته إلا أهل التوحيد المؤمنون (1) دون أهل الشرك، ولو كان المشرك محباً له معظمًا له لم تنقذه شفاعته من النار، وإنما ينجيه من النار التوحيد والإيمان به. ولهذا لما كان أبو طالب وغيره يحبونه ولم يقروا بالتوحيد الذي جاء به لم يمكن أن يخرجوا من النار بشفاعته ولا بغيرها. 35 - وفي صحيح البخاري (2) عن أبي هريرة أنه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أسعد بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قالا لا إله إلا الله خالصاً من قلبه". 36 - وعنه في صحيح مسلم (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة

_ (1) في المخطوطة: "المؤمنين". (2) كتاب العلم، 33 - باب الحرص على الحديث، حديث (99) ، وفي 81 - كتاب الرقاق، 51 - باب صفة الجنة والنار، حديث (6570) . وأحمد (2/307، 373، 518) ، وعند أحمد: "شفاعتي لمن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه". (3) كتاب الإيمان، 86 - باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته، حديث (334 - 340) . وأخرجه البخاري 97 - كتاب التوحيد 31 - باب في المشيئة والإرادة، حديث (7474) . والترمذي (5/580) ، 49 - كتاب الدعوات، 131 - باب فضل لاحول ولا قوة إلا بالله، حديث (3602) . وابن ماجه، 37 - كتاب الزهد، 37 - باب في ذكر الشفاعة، حديث (4307) . والدارمي (2/235) حديث (2808) . كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وأحمد (2/275، 396، 426، 486) وأخرجه مسلم في الباب السابق من حديث أنس برقم (341 - 343) ومن حديث جابر برقم (345) . وأحمد (1/281، 296) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - و (3/134، 208، 219) من حديث أنس - رضي الله عنه - و (5/145 و 148) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -.

يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً". 37 - وفي السنن (1) عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة

_ (1) الترمذي (4/627) ، 38 - كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في الشفاعة 13 - باب منه، حديث (2441) قال: حدثنا هناد، حدثنا عبدة، عن سعيد عن قتادة عن أبي المليح عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتاني آت ... " فذكر الحديث. وأحمد (6/28) في قصة طويلة نوعاً ما من طريق أبي عوانة عن قتادة به. قال الترمذي عقب رواية الحديث وقد روى عن أبي المليح، عن رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر عن عوف بن مالك، وفي الحديث قصة طويلة، حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وهذا الاختلاف على أبي المليح بين قتادة ومن أشار إليه الترمذي لا يضر للأسباب الآتية: أولاً: أن قتادة حافظ. فاحتمال وهمه بذكر عوف بن مالك بدلاً من صحابي آخر ضعيف جداً. ثانياً: أن مخالفه مجهول، فيحتمل أن يكون ضعيفاً كما يحتمل أن يكون هو الواهم على أبي المليح بذكر الصحابي الآخر. ثالثاً: وهو مؤيد لحفظ قتادة أن ابن ماجه روى في سننه (2/1444) ، 37 - كتاب الزهد 37 - باب ذكر الشفاعة، حديث (4317) عن هشام بن عمار، حدثنا صدقة ابن خالد، حدثنا ابن جابر (يعني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) قال: سمعت سليم بن عامر، سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول ... وذكر الحديث نحوه. وله شاهدان: أولاً: حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني آت من ربي عز وجل فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، فقالا (يعني هو ومعاذ) : ادع الله عز وجل أن يجعلنا في شفاعتك، فقال: "أنتم ومن مات لا يشرك بالله شيئاً في شفاعتي". رواه أحمد (4/404) حدثنا عفان ثنا حماد يعني ابن سلمة، نا عاصم عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد صححه الشيخ الألباني بناء على رواية الترمذي عن عوف بن مالك وحديث أبي موسى هذا. انظر صحيح الجامع (1/72) رقم (56) . ثانياً: حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيرت بين الشفاعة أو يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى". رواه الإمام أحمد (2/75) ، من طريق =

وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً" وفي لفظ قال:"ومن لقي الله لا يشرك به شيئاً فهو في شفاعتي". 38 - وهذا الأصل وهو التوحيد هو أصل الدين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين ديناً غيره، وبه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، كما قال تعالى: (43: 45) : {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} وقال تعالى (21: 25) : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ أَنَا فَاعْبُدُونِ} وقال تعالى (16: 36) : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ} . وقد ذكر الله عز وجل عن كل من الرسل أنه افتتح دعوته بأن قال لقومه (11: 50 و 61) : {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} . 39 - وفي المسند (1) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن

_ = علي بن النعمان بن قراد عن رجل عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وهو إسناد ضعيف لجهالة الرجل المذكور في الإسناد، وكذلك علي بن النعمان بن قراد لم أقف له على ترجمة. (1) (2/50) . والبخاري، 56 - كتاب الجهاد، 88 - باب ما قيل في الرماح، ذكره معلقا، فقال: ويذكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره وليس فيه: "ومن تشبه بقوم فهو منهم". حديث (2914) . ورجاله ثقات غير عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، مختلف في توثيقه. قال الحافظ في الفتح (6/96) : وله شاهد مرسل بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي، عن سعيد بن جبلة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه الألباني. انظر صحيح الجامع (3/8) .

تشبه بقوم فهو منهم". 40 - والمشركون من قريش وغيرهم - الذين أخبر القرآن بشركهم واستحل النبي صلى الله عليه وسلم / دماءهم وأموالهم وسبى حريمهم وأوجب لهم النار - كانوا مقرين بأن الله وحده خلق السماوات والأرض كما قال (31: 25) : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} وقال (29: 61) : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ} وقال (23: 84 - 91) : {قُلْ لِمَنْ الأرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} . 41 - وكان المشركون الذي جعلوا معه آلهة أخرى مقرين بأن آلهتم مخلوقة، ولكنهم يتخذونهم شفعاء ويتقربون بعبادتهم إليه كما قال تعالى (10: 18) : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، وقال تعالى (39: 1 - 3) : {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ

يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} . 42 - وكانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. وقال تعالى (30: 28 - 32) : {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الأيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} . 43 - بين سبحانه بالمثل الذي ضربه لهم أنه لا ينبغي أن يجعل مملوكه شريكه فقال: هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم، فأنتم فيه سواء يخاف أحدكم مملوكه كما يخاف بعضكم بعضاً، فإذا كان أحدكم لا يرضى أن يكون مملوكه شريكه فكيف ترضون لي ما لا ترضونه لأنفسكم؟. 44 - وهذا كما كانوا يقولون: له بنات. فقال تعالى (16: 62) : {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمْ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} . وقد قال تعالى (16: 58 - 60) : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي

التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . 45 - والمشركون الذين وصفهم الله ورسوله (بالشرك أصلهم) (1) صنفان: قوم نوح وقوم إبراهيم. فقوم نوح كان أصل شركهم العكوف على قبور الصالحين، ثم صوروا تماثيلهم، ثم عبدوهم. وقوم إبراهيم كان أصل شركهم عبادة الكواكب والشمس والقمر. وكل من هؤلاء وهؤلاء يعبدون الجن، فإن الشياطين قد تخاطبهم وتعينهم على أشياء، وقد يعتقدون أنهم يعبدون الملائكة وإن كانوا في الحقيقة إنما يعبدون الجن؛ فإن الجن هم الذين يعينونهم ويرضون بشركهم. قال تعالى: (34: 40 - 41) : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} . 46 - والملائكة لا تعينهم على الشرك لا في المحيا ولا في الممات ولا يرضون بذلك/، ولكن الشياطين قد تعينهم وتتصور لهم في صور الآدميين فيرونهم بأعينهم ويقول أحدهم: أنا إبراهيم، أنا المسيح، أنا محمد، أنا الخضر، أنا أبو بكر، أنا عمر، أنا عثمان، أنا علي، أنا الشيخ فلان. وقد يقول بعضهم عن بعض: هذا هو النبي فلان، أو (الشيخ فلان، و) (2) هذا هو الخضر، ويكون أولئك كلهم جنًّا يشهد بعضهم لبعض. والجن كالإنس، فمنهم الكافر ومنهم الفاسق ومنهم العاصي وفيهم العابد

_ (1) هاتان الكلمتان سقطتا من: ز. (2) سقطت من: ز، ب.

الجاهل (1) ، فمنهم من يحب شخاً فيتزيّا في صورته ويقول: أنا فلان. ويكون ذلك في برِّية ومكان قفر فيطعم ذلك الشخص طعامًا ويسقيه شراباً أو يدله على الطريق أو يخبره ببعض الأمور الواقعة الغائبة فيظن ذلك الرجل أن نفس الشيخ الميت أو الحي فعل ذلك، وقد يقول: هذا سر الشيخ وهذه رقيقته (2) وهذه حقيقته أو هذا مَلَكٌ جاء على صورته. وإنما يكون ذلك جنيًّا، فإن الملائكة لا تعين على الشرك والإفك والإثم والعدوان. وقد قال الله تعالى (17: 56 - 57) : {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} . 47 - قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء كالعزير والمسيح، فبين الله تعالى أن الملائكة والأنبياء عباد الله (3) ، كما أن الذين يعبدونهم عباد الله، وبين أنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ويتقربون إليه كما يفعل سائر عباده الصالحين. 48 - والمشركون من هؤلاء قد يقولون: إنا نستشفع بهم أي نطلب من الملائكة والأنبياء أن يشفعوا، فإذا أتينا قبر أحد طلبنا منه أن

_ (1) في ز: الجاهل العابد، وفي هذا الكلام إشارة إلى الآية الكريمة: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك، كنا طرائق قدداً} (سورة الجن: 11) . (2) أي طيفه. وكل من رق جسده ونفسه يسمى رقيقًا. (3) والمسيح عليه السلام يتبرأ من الذين اتخذوه وأمه إلهين، وذلك يوم يسأله الله سبحانه: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} . (المائدة 116) .

يشفع لنا، فإذا صورنا تمثاله - والتماثيل إما مجسدة وإما تماثيل مصورة كما يصورها النصارى في كنائسهم - قالوا: فمقصودنا بهذه التماثيل تذكر أصحابها وسيرهم ونحن نخاطب هذه التماثيل ومقصودنا خطاب أصحابها ليشفعوا لنا إلى الله. فيقول أحدهم: يا سيدي فلاناً أو يا سيدي جرجس أو بطرس أو ياستي الحنونة مريم. أو يا سيدي الخليل أو موسى ابن عمران أو غير ذلك، اشفع لي إلى ربك. وقد يخاطبون الميت عند قبره أو يخاطبون الحي وهو غائب، كما يخاطبونه لو كان حاضراً حياًّ وينشدون قصائد يقول أحدهم فيها: يا سيدي فلانا! أنا في حسبك، أنا في جوارك، اشفع لي إلى الله، سل الله لنا أن ينصرنا على عدونا، سل الله أن يكشف عنا هذه الشدة، أشكو إليك كذا وكذا فسل الله أن يكشف هذه الكربة. أو يقول أحدهم: سل الله أن يغفر لي. ومنهم من يتأول قوله تعالى: (4: 64) : {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} . 49 - ويقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة، ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين، فإن أحداً منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئاً ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم، وإنما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء وحكوا حكاية مكذوبة على مالك رضي الله عنه سيأتي ذكرها وبسط الكلام عليها (1) إن شاء الله تعالى.

_ (1) انظر: (ص 121) .

50 - فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم، هو من (1) أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب، وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات ما لم يأذن به الله تعالى، قال الله تعالى (2) (42: 21) : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . فإن دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم وفي مغيبهم وسؤالهم والاستغاثة بهم والاستشفاع بهم في هذه الحال - و [نصب] تماثيلهم بمعنى طلب الشفاعة منهم - هو من الدين الذي لم يشرعه الله ولا ابتعث به رسولاً ولا أنزل به كتاباً، وليس هو واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين/ لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين، وإن كان ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات، فهذا كله من الشيطان. وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميت والاستشفاع به والاستغاثة، أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصالحين، فهذا كله ليس بمشروع لا واجب ولا مستحب باتفاق أئمة المسلمين. 51 - ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعةً سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين، فإن الله لا يُعبد إلا بما هو واجب أو مستحب (3) . وكثير من

_ (1) كلمة "من" سقطت من: ز، ب. (2) "قال الله تعالى" سقطت من: ز. (3) في خ: "واجبا أو مستحبا".

الناس يذكرون في هذه الأنواع من الشرك منافعَ ومصالح، ويحتجون (1) عليها بحجج من جهة الرأي أو الذوق، أو من جهة التقليد والمنامات ونحو ذلك. 52 - وجواب هؤلاء من طريقين: أحدهما الاحتجاج (2) بالنص والإجماع، والثاني القياس والذوق والاعتبار ببيان ما في ذلك من الفساد، فإن فساد ذلك راجح على ما يظن فيه من المصلحة. 53 - أَمَّا الأول فيقال: قد علم بالاضطرار والتواتر من دين الإسلام وبإجماع سلف الأمة وأئمتها أن ذلك ليس بواجب ولا مستحب، وعلم أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين ويستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم. 54 - فلا يقول أحد: ياملائكة الله اشفعوا لي عند الله، سلوا الله لنا أن ينصرنا أو يرزقنا أو يهدينا. 55 - وكذلك لا يقول لمن مات من الأنبياء والصالحين: يا نبي الله، يا رسول الله! ادع الله لي، سل الله لي، استغفر الله لي، سل الله لي أن يغفر لي أو يهديني أو ينصرني أو يعافيني. 56 - ولا يقول: أشكو إليك ذنوبي أو نقص رزقي أو تسلط العدو علي، أو أشكو إليك فلاناً الذي ظلمني.

_ (1) في خ: "يحتج". (2) في خ: "وهو الاحتجاج".

57 - ولا يقول: أنا نزيلك أنا ضيفك أنا جارك، أو أنت تجير من يستجيرك، أو أنت خير معاذ يستعاذ به. 58 - ولا يكتب أحد ورقة ويعلقها عند القبور، ولا يكتب أحد محضراً أنه استجار بفلان ويذهب بالمحضر إلى من يعمل بذلك المحضر، ونحو ذلك مما يفعله أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين، كما يفعله النصارى في كنائسهم، وكما يفعله المبتدعون من المسلمين عند قبور الأنبياء والصالحين أو في مغيبهم. 59 - فهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام وبالنقل المتواتر وبإجماع المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع هذا لأمته. 60 - وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئاً من ذلك، بل أهل الكتاب ليس عندهم عن الأنبياء نقل بذلك كما أن المسلمين ليس عندهم عن نبيهم نقل بذلك، ولا فعل هذا أحد من أصحاب نبيهم والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا ذكر أحد من الأئمة لا في مناسك الحج ولا غيرها/ أنه يستحب لأحد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أن يشفع له أو يدعو لأمته أو يشكو إليه ما نزل بأمته من مصائب الدنيا والدين. 61 - وكان أصحابه يُبتلون بأنواع البلاء بعد موته، فتارة بالجدب، وتارة بنقص الرزق، وتارة بالخوف وقوة العدو، وتارة بالذنوب والمعاصي، ولم يكن أحد منهم يأتي إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا قبر الخليل ولا قبر أحد من الأنبياء فيقول: نشكو إليك جدب الزمان أو قوة العدو أو كثرة الذنوب، ولا يقول: سل الله لنا أو لأمتك أن يرزقهم أو ينصرهم أو يغفر لهم.

62 - بل هذا وما يشبهه من البدع المحدثة التي لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين، فليست واجبة ولا مستحبة باتفاق أئمة المسلمين. وكل بدعة ليست واجبة ولامستحبة فهي بدعة سيئة، وهي ضلالة باتفاق المسلمين. 63 - ومن قال في بعض البدع إنها بدعة حسنة فإنما ذلك إذا قام دليل شرعي على أنها مستحبة، فأما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين إنها من الحسنات التي يتقرب بها إلى الله، ومن تقرب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهو ضال متبع للشيطان، وسبيله من سبيل الشيطان. 64 - كما قال عبد الله بن مسعود (1) : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط خطوطاً عن يمينه وشماله ثم قال: "هذا سبيل الله، وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه". ثم قرأ (6: 153) : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} .

_ (1) أخرجه أحمد (1/435، 465) . وابن حبان كما في الإحسان (1/106) حديث رقم (6) . وابن جرير (8/88) . والحاكم في المستدرك (2/318) . وابن أبي عاصم في السنة (1/13) حديث (17) . والبغوي في شرح السنة (1/196) وفي التفسير (2/142) (ط دار المعرفة) . كلهم من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً. وعاصم قال فيه الحافظ في التقريب (1/383) : "صدوق له أوهام". ولكن للحديث شاهد من حديث جابر يرتقي به إلى درجة الحسن، وهو ما رواه ابن ماجه في مقدمة سننه، باب اتباع السنة حديث (11) . وابن أبي عاصم في السنة (1/13) حديث 16. والآجري ص12 من طريق مجالد بن سعيد عن الشعبي عن جابر، ومجالد ليس بالقوي لكنه يصلح للاعتبار.

65 - فهذا أصل جامع يجب على كل من آمن بالله ورسوله أن يتبعه، ولا يخالف السنة المعلومة، وسبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، باتباع من خالف السنة والإجماع القديم، لا سيما وليس معه في بدعته إمام من أئمة المسلمين، ولا مجتهد يعتمد على قوله في الدين، ولا من يعتبر قوله في مسائل الإجماع والنزاع فلا ينخرم الإجماع بمخالفته، ولا يتوقف الإجماع على موافقته. 66 - ولو قدر أنه نازع في ذلك عالم مجتهد لكان مخصوماً (1) بما عليه السنة المتواترة وباتفاق الأئمة قبله، فكيف إذا كان المنازع ممن ليس من المجتهدين ولا معه دليل شرعي، وإنما اتبع من تكلم في الدين بلا علم، ويجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. 67 - بل (2) النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه لم يشرع هذا فليس هو واجباً ولا مستحباً، فإنه قد حرم ذلك وحرم ما يفضي إليه، كما حرم اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد. 68 - ففي صحيح مسلم (3) عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك".

_ (1) في خ: "مخصوصاً". والظاهر ما أثبتناه. (2) في ز، ب: "إن النبي صلى الله عليه وسلم". (3) (1/377) 5 - كتاب المساجد، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور، حديث (23) . وأبو عوانة (1/401) . والنسائي في الكبرى، كما في تحفة الأشراف 2/443. والطبراني في الكبير 2/180، حديث (1686) . وابن سعد في الطبقات 2/240، وله شاهد عنده (2/241) من حديث أبي أمامة عن كعب بن مالك، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، والقاسم ابن عبد الرحمن وهو صدوق يرسل كثيراً.

69 - وفي الصحيحين (1) عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم / قال قبل موته: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما فعلوا، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً (2) . 70 - واتخاذ المكان مسجداً هو أن يتخذ للصلوات الخمس وغيرها كما تبنى المساجد لذلك، والمكان المتخذ مسجداً إنما يقصد فيه

_ (1) البخاري 23 - كتاب الجنائز، 61 - باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، حديث (1330) ، وباب 69 ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حديث (1390) . و 64 - كتاب المغازي، 83 - باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته حديث، (4441) ومسلم 5 - كتاب المساجد، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور، حديث (19) . والنسائي (4/78) كتاب الجنائز، باب اتخاذ القبور مساجد، كلهم من حديث عائشة - رضي الله عنها -. وأخرجه البخاري 8 - كتاب الصلاة، 55 - باب حديث (436) . و 60 - كتاب الأنبياء، 50 - باب ماذكر عن بني إسرائيل، حديث (3454) . و 64 - كتاب المغازي، 83 - باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، حديث (4444) . و 77 - كتاب اللباس، 19 - باب الأكسية والخمائص، حديث (5816) . ومسلم 5 - كتاب المساجد، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور، حديث (22) . والنسائي (2/33) مساجد، باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد وأبو عوانة (1/399، وأحمد 1/218. والدارمي 1/267. كلهم من حديث عائشة وابن عباس - رضي الله عنهما -. وأخرجه البخاري، 8 - كتاب الصلاة، 55 - باب، حديث (437) . ومسلم 5 - كتاب المساجد، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور، حديث (20 - 21) . وأبو داود 15 - كتاب الجنائز، 76 - باب البناء على القبر، حديث (3227) . والنسائي (4/78) كتاب الجنائز، باب اتخاذ القبور مساجد. وأبو عوانة (1/400) . كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (2) وكان إعلانه صلى الله عليه وسلم هذا التشريع قبيل موته بخمسة أيام خوفاً على أمته من الوقوع فيما وقع به غيرها من الضلال والانحراف.

عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين. 71 - فحرم صلى الله عليه وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلوات فيها كما تقصد المساجد، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده؛ لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء به والدعاء عنده. 72 - فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده؛ لئلا يتخذ ذلك (1) ذريعة إلى الشرك بالله. والفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ينهى عنه، كما نهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة (2) لما في ذلك من المفسدة الراجحة، وهو التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك. وليس في قصد الصلاة في تلك الأوقات مصلحة راجحة؛ لإمكان التطوع في غير ذلك من الأوقات. 73 - ولهذا تنازع العلماء في ذوات الأسباب (3) فسوغها كثير منهم في هذه الأوقات، وهو أظهر قولي العلماء؛ لأن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، وفعل ذوات الأسباب يحتاج إليه في هذه الأوقات ويفوت إذا لم يفعل فيها فتفوت مصلحتها، فأبيحت لما فيها من المصلحة الراجحة (4) ، بخلاف ما لا سبب له فإنه يمكن فعله في غير هذا الوقت فلا تفوت بالنهي عنه مصلحة راجحة، وفيه مفسدة توجب النهي عنه.

_ (1) سقط من: ز، ب. (2) وقت طلوع الشمس واستوائها في وسط السماء وغروبها. (3) كركعتي تحية المسجد. (4) سقط من: ز، ب.

74 - فإذا كان نهيه عن الصلاة (1) في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك، لئلا يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها، كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها، كان معلوماً أن دعوة الشمس - والسجود لها هو محرم في نفسه - أعظم تحريماً من الصلاة التي نهى عنها؛ لئلا يفضي ذلك (2) إلى دعاء الكواكب. 75 - كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، فنهى عن قصدها للصلاة عندها؛ لئلا يفضي ذلك إلى دعائهم والسجود لهم، لأن دعاءهم والسجود لهم أعظم تحريماً من اتخاذ قبورهم مساجد. 76 - ولهذا كانت زيارة قبور المسلمين على وجهين: زيارة شرعية وزيارة بدعية. فالزيارة الشرعية أن يكون مقصود الزائر الدعاء للميت كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له. 77 - فالقيام على قبره من جنس الصلاة عليه، قال الله تعالى في المنافقين (9: 84) : {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} فنهى نبيه / عن الصلاة عليهم والقيام على قبورهم لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم كافرون. 78 - فلما نهى عن هذا وهذا؛ لأجل هذه العلة وهي الكفر دل على انتفاء هذا النهي عند انتفاء هذه العلة. 79 - ودل تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلى عليه ويقام

_ (1) في خ: "فيه" وهو زائد كما يظهر. (2) سقطت من: ز، ب.

على قبره، إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد لم يخصوا بالنهي، ولم يعلل ذلك بكفرهم. 80 - ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين والقيام على قبورهم من السنة المتواترة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على موتى المسلمين وشرع ذلك لأمته، وكان إذا دفن الرجل من أمته يقوم على قبره، ويقول: "سلوا له التثبيت فإنه الآن يسئل" رواه أبو داود (1) وغيره. 81 - وقد كان يزور قبور أهل البقيع والشهداء بأحد، ويعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم" (2) .

_ (1) (3/550) - 15 كتاب الجنائز، 73 - باب الاستغفار عند القبر للميت، (3221) . والحاكم في المستدرك (1/370) . والبيهقي (4/56) . كلهم من حديث عثمان - رضي الله عنه - وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني انظر أحكام الجنائز ص 156. (2) صحيح مسلم (2/669) ، 11 - كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، حديث (102) ، وآخر حديث (103) . والنسائي (4/76، كتاب الجنائز، باب الاستغفار للمؤمنين - وفي عمل اليوم والليلة (ص 588) ، وأحمد (6/221) ، وابن سعد في الطبقات (2/240، 241) . كلهم عن عائشة رضي الله عنها. وأخرجه مسلم حديث (104) . والنسائي (4/77) وفي عمل اليوم والليلة (ص 588) عن بريدة - رضي الله عنه -. وأخرج ابن سعد (2/240) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أيضاً. وليس في هذه المصادر "اللهم لا تحرمنا أجرهم" إلخ، وإنما هي في كتاب ابن السني. انظر الأذكار للنووي (ص 234) ؛ فقد ذكر هذه الزيادة في حديث عائشة - رضي الله عنها -.

82 - وفي صحيح مسلم (1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون". 83 - والأحاديث في ذلك صحيحة معروفة. فهذه الزيارة لقبور المؤمنين مقصودها الدعاء لهم، وهذه غير الزيارة المشتركة التي تجوز في قبور الكفار. 84 - كما ثبت في صحيح مسلم وأبي داود (2) والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة أنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى (3) من حوله ثم قال: "استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، فاستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة". فهذه الزيارة التي تنفع في تذكير الموت تشرع ولو كان المقبور كافراً، بخلاف الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين. 85 - وأما الزيارة البدعية؛ فهي التي يقصد بها أن يطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجْوَبُ للدعاء.

_ (1) (1/218) ، 2 - كتاب الطهارة، حديث (39) . وأبو داود (3/559) ، 15 - كتاب الجنائز، حديث (3237) . وابن ماجه (2/1439) . 37 - كتاب الزهد، حديث (4306) . وأحمد (2/300، 375، 408) . (2) تقدم ص 8، رقم (3، 4) . (3) في: ز، ب "بكى". وهو تصحيف.

86 - فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فعلها الصحابة لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند غيره، وهي من جنس الشرك وأسباب الشرك. 87 - ولو قصد الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدعاء عندهم؛ مثل أن يتخذ قبورهم مساجد، لكان ذلك محرماً منهياً عنه، ولكان صاحبه متعرضاً لغضب الله ولعنته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (1) .

_ (1) رواه مالك في الموطأ (1/172) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 24 - باب جامع الصلاة، حديث (85) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا. وعبد الرزاق في المصنف (1/406، باب الصلاة على القبور برقم (1587) عن معمر عن زيد بن أسلم. وابن سعد في الطبقات (2/241) . وابن أبي شيبة (3/345) من طريق ابن عجلان عن زيد بن أسلم؛ فهو معضل عند هؤلاء، لكنه قد جاء موصولاً عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فقد أخرجه أحمد (2/246) . وأبو نعيم في الحلية (7/317) . والحميدي (2/445) ، حديث (1024) . كلهم من طريق سفيان بن عيينة. قال: حدثنا حمزة بن المغيرة الكوفي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً، وهذا إسناد حسن. حمزة بن المغيرة قال الحميدي في شأنه: وكان من سراة الموالي، ولعله من قول سفيان. وقال أبو النضر: كان رجل الكوفة. وقال ابن معين: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات، تهذيب الكمال (1/334) . ورواه أبو نعيم في الحلية (6/283) من طريق عبد الله بن هشام الدستوائي حدثني أبي ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة. ورواه البزار كما في كشف الأستار (1/220) من طريق عمر بن صهبان - وهو ضعيف - عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وذكر ابن عبد البر في التمهيد (5/42) أن البزار رواه من طريق عمر بن محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ثم صحح الحديث من طريق أبي سعيد روي بإسناد إلى البزار، وساق إسناد =

88 - وقال: "قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذّر ما صنعوا (1) . 89 - وقال: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك" (2) . 90 - فإذا كان هذا محرماً وهو سبب لسخط الرب ولعنته، فكيف بمن يقصد دعاء الميت والدعاء عنده وبه، واعتقد أن ذلك من أسباب إجابة الدعوات ونيل الطَّلبات وقضاء الحاجات!؟ وهذا كان أول أسباب الشرك في قوم نوح وعبادة الأوثان في الناس. 91 - قال ابن عباس (3) : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ثم ظهر الشرك بسبب تعظيم قبور صالحيهم. وقد استفاض عن ابن عباس وغيره في صحيح/ البخاري (4) وفي كتب التفسير وقصص الأنبياء في قوله (23: 71) : {وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} أن هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم، قال ابن عباس: ثم صارت هذه الأوثان في

_ = البزار إلا أنه قال: عمر بن محمد بدل عمر بن صهبان فينظر. وعلى كل حال فالحديث صحيح، انظر: الزرقاني (1/385) . (1) تقدم تخريجه (ص 30) رقم (1) . (2) تقدم تخريجه في (ص 29) رقم (3) . (3) أخرجه الطبري في تفسيره (2/334) . (4) تقدم تخريجه في (ص15) .

قبائل العرب (1) . 92 - وقد أحدث قوم من ملاحدة الفلاسفة الدهرية للشرك شيئاً آخر ذكروه في زيارة القبور كما ذكر ذلك ابن سينا ومن أخذ عنه كصاحب الكتب المضنون بها وغيرها (2) ، ذكروا معنى الشفاعة على أصلهم فإنهم لا يقرون، بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ولا أنه يعلم الجزئيات ويسمع أصوات عباده ويجيب دعاءهم، فشفاعة الأنبياء والصالحين على أصلهم ليست كما يعرفه أهل الإيمان من أنها دعاء يدعو به الرجل الصالح فيستجيب الله دعاءه. 93 - كما أن ما يكون من إنزال المطر باستسقائهم ليس سببه عندهم إجابة دعائهم، بل هم يزعمون أن المؤثر في حوادث العالم هو قوى النفس أو الحركات الفلكية أو القوى الطبيعية.

_ (1) "قال أبو عمر: الوثن الصنم، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة أو غير ذلك من التمثال، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن صنماً كان أو غير صنم، وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم، كان إذا مات نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى إليه ويسجد نحوه، ويعبد فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله، الذين صلوا إلى قبورهم أنبيائهم واتخذوها قبلة ومسجدًا كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها، وذلك الشرك الأكبر؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه، وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم. وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار وكان يخاف على أمته اتباعهم، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على جهة التعيير والتوبيخ: "لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو النعل بالنعل حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه". فجزاه الله عن التوحيد وسنة نبيه خيرًا. (2) انظر ص (167) .

94 - فيقولون: إن الإنسان إذا أحب رجلاً صالحاً قد مات لا سيما إن زار قبره فإنه يحصل لروحه اتصال بروح ذلك الميت فيما يفيض على تلك الروح المفارقة من العقل الفعّال عندهم أو النفس الفلكية، يفيض على هذه الروح الزائرة المستشفعة من غير أن يعلم الله بشيء من ذلك - بل وقد لا تعلم الروح المستشفع بها بذلك - ومثلوا ذلك بالشمس إذا قابلها مرآة فإنه يفيض على المرآة من شعاع الشمس، ثم إذا قابل المرآة مرآة أخرى فاض عليها من تلك المرآة، وإن قابل تلك المرآة حائط أو ماء فاض عليه من شعاع تلك المرآة، فهكذا الشفاعة عندهم، وعلى هذا الوجه ينتفع الزائر عندهم. 95 - وفي هذا القول من انواع الكفر ما لا يخفى على من تدبره، ولا ريب أن الأوثان يحصل عندها من الشياطين وخطابهم وتصرفهم ما هو من أسباب الضلال بني آدم، وجعل القبور أوثانًا هو أول الشرك. 96 - ولهذا يحصل عند القبور لبعض الناس من خطاب يسمعه وشخص يراه وتصرف عجيب ما يظن أنه من الميت وقد يكون من الجن والشياطين؛ مثل أن يرى القبر قد انشق وخرج منه الميت وكلمه وعانقه، وهذا يرى عند قبور الأنبياء وغيرهم، وإنما هو شيطان؛ فإن الشيطان يتصور بصور الإنس ويدعي أحدهم أنه النبي فلان أو الشيخ فلان ويكون كاذبًا في ذلك. 97 - وفي هذا الباب من الوقائع ما يضيق هذا الموضع عن ذكره، وهي كثيرة جدًا، والجاهل يظن أن ذلك - الذي رآه قد خرج من القبر وعانقه أو كلمه - هو المقبور أو النبي أو الصالح وغيرهما، والمؤمن العظيم يعلم أنه شيطان ويتبين ذلك بأمور:

98 - أحدها؛ أن يقرأ آية الكرسي بصدق، فإذا قرأها تغيب ذلك الشخص أو ساخ في الأرض أو احتجب، ولو كان رجلاً صالحاً أو ملكاً أو جنيًّا مؤمنًا لم تضره آية الكرسي، وإنما تضر الشياطين، كما ثبت في الصحيح (1) من حديث أبي هريرة لما قال له الجني: اقرأ آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدقك وهو كذوب". 99 - ومنها؛ أن يستعيذ بالله من الشياطين. 100 - ومنها؛ أن يستعيذ بالمعوذة الشرعية، فإن الشياطين كانت تعرض للأنبياء في حياتهم وتريد أن تؤذيهم وتفسد عبادتهم. 101 - كما جاءت الجن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشعلة من النار تريد أن تحرقه فأتاه جبريل بالمعوّذة المعروفة التي تضمنها الحديث المروي عن أبي

_ (1) البخاري، 40 - الوكالة، 10 - تعليقاً باب إذا وكل رجلاً، فترك الوكيل شيئًا فأجازه فهو جائز، حديث (2311) و 95 - بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده، حديث (3275) . والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (10/285) وفي اليوم والليلة (ص 531 - 533) حديث رقم (958، 959) والدلائل لأبي نعيم (2/475 - 476) ، حديث (267) ، وانظر الدر المنثور (2/15) وذكر أبو نعيم في الدلائل (2/478) قصة لرجل صارع شيطاناً فصرعه مراراً ثم أخبر الجني ذلك الرجل بأن من قرأ سورة البقرة؛ فإن الشيطان لا يسمع منها بشيء إلا أدبر له هيج كهيج الحمار. فقيل لابن مسعود: ومن ذلك الرجل؟ قال: ومن عسى إلا أن يكون عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وذكر السيوطي في الدر المنثور (2/10، 12) قصة لأبي أسيد وقصة لأبي أيوب مع الجن حيث سرقوا عليهما طعاماً ثم أخبرتهما الجن بأن التحصن من الشياطين يتم بقراءة آية الكرسي.

التياح أنه قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش (1) وكان شيخًا كبيرًا قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين؟ قال: تحدرت عليه من الشعاب والأودية، وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فرعب رسول الله صلى الله عليه وسلم / فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! قل، قال: "ما أقول؟ " قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما يخرج من الأرض ومن شر ما ينزل فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق، إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن. قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله عز وجل (2) .

_ (1) عبد الرحمن بن خنبش (بمعجمة ثم نون ثم موحدة بوزن جعفر وقيل خنيس بمعجمة ثم نون مصغرا) التميمي البصري، عن ابن مسعود وعنه أبو عمران الجوني، وأبو التياح، الإصابة (4/156) ، وتعجيل المنفعة (ص 166) . (2) ذكر الحافظ في الإصابة (4/157) أنه أخرجه ابن منده، والبزار، وأبو زرعة في مسنده، وأبو بكر بن أبي شيبة، والحسن بن سفيان. كلهم من طريق عفان. وأخرجه أحمد (3/419) قال: ثنا سيار بن حاتم أبو سلمة العنزي قال: ثنا جعفر يعني ابن سليمان، قال ثنا أبو التياح، قال: قلت لعبد الرحمن ابن خنيس التميمي: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم. قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين وساق الحديث، ثم ساقه مرة أخرى من طريق عفان ثنا جعفر به. قال الحافط: وذكره البخاري في الصحابة، وقال: في إسناده نظر. وقال ابن منده: وفي إسناده إرسال. وتعقبه أبو نعيم بأن أبا التياح صرح بسؤاله له يعني فلا إرسال فيه، قال الحافظ: "ولعل ابن منده أراد أنه لم يصرح بسماعه لذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن المعتمد على من جزم بأن له صحبة". وفي الإسناد سيار بن حاتم الضبعي صدوق له أوهام. لكن روايته تتقوى بمتابعة عفان له.

102 - وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عفريتًا من الجن جاء يفتك بي البارحة ليقطع عليَّ صلاتي، فأمكنني الله عز وجل منه فذعتُّه (1) أردت أن آخذه فأربطه إلى سارية من المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه، ثم ذكرت قول سليمان عليه السلام (38: 35) : {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فرده الله تعالى خاسئاً" (2) . 103 - وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه صلى الله عليه وسلم فصرعه فخنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حتى وجدت برد لسانه على يدي، ولولا دعوة سليمان لأصبح ذلك موثقاً حتى يراه الناس". 104 - أخرجه النسائي (3) وإسناده على شرط البخاري كما ذكر ذلك أبو عبد الله المقدسي في مختاره الذي هو خير من صحيح الحاكم (4)

_ (1) نقل البخاري عن النضر بن شميل: أي خنقته. والذعت والدعت - بالدال والذال المضعفتين - الدفع العنيف. (2) البخاري، 8 - كتاب الصلاة، 75 - باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد، حديث (461) و 60 - كتاب الأنبياء، باب 40، حديث (3423) . و 65 - تفسير سورة 38 - باب 2، حديث (4808) . ومسلم، كتاب المساجد، حديث (39) (1/384) . وأحمد (2/298) . والدلائل لأبي نعيم (2/474) . (3) في الكبرى عن إسحاق بن إبراهيم عن يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش عن حصين ابن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة، انظر تحفة الأشراف (1/479) حديث (16307) وهو إسناد صحيح. (4) صحيح الحاكم (321 - 405) هو كتابه (المستدرك على الصحيحين) وقد طبع في حيدر أباد الدكن سنة (1335 - 1342 في أربع مجلدات كبيرة. وأبو عبد الله المقدسي. =

105 - وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الصبح وهو خلفه، فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال: "لو رأيتموني وأبليس، فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين إصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها - ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطًا بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل" رواه الإمام أحمد في مسنده (1) ، وأبو داود في سننه (2) . 106 - وفي صحيح مسلم (3) عن أبي الدرداء أنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فسمعناه يقول "أعوذ بالله منك" ثم قال "ألعنك

_ = هو ضياء الدين محمد بن عبد الواحد السعدي الدمشقي المتوفى سنة 643، واسم مختاره (الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما) مرتب على المسانيد على حروف المعجم لا على الأبواب، وهو في 86 جزءًا، وهو يعد للطبع في المكتب الإسلامي. (1) (3/82 - 83) . (2) (1/448 - 449) ، (107) ، باب الدنو من السترة، حديث (699) هو وأحمد من طريق أبي أحمد الزبيري، أخبرنا مسرة بن معبد اللخمي قال: حدثني أبو عبيد حاجب سليمان ... حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ، وذكر أحمد الحديث بطوله واقتصر أبو داود على قوله: "فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين قبلته أحد فليفعل". ورجال الإسناد كلهم ثقات إلا مسرة بن معبد فإنه صدوق له أوهام، كما قال الحافظ في التقريب (2/242) . وقال الذهبي في الكاشف (3/136) : "وثق" وقال ابن حَبان في المجروحين (3/42) : "كان ممن ينفرد عن الثقات بما ليس من أحاديث الأثبات على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد". وقال أبو حاتم: "شيخ ما به بأس". ويشهد له حديث أبي هريرة وعائشة فيرتقي بهما إلى درجة الحسن. (3) 5 - كتاب المساجد (1/385) ، 8 - باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة، حديث (40) . والنسائي (3/12 - 13) ، كتاب السهو، باب لعن إبليس والتعوذ بالله منه في الصلاة.

بلعنة الله ثلاثاً" وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من صلاته قلنا: يا رسول الله سمعناك تقول شيئاً في الصلاة لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك. قال: "إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت (1) ، ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر (2) . ثم أردت أن آخذه، ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به وِلدان المدينة". 107 - فإذا كانت الشياطين تأتي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتؤذيهم وتفسد عبادتهم، فيدفعهم الله تعالى بما يؤيد به الأنبياء من الدعاء والذكر والعبادة ومن الجهاد باليد، فكيف من هو دون الأنبياء؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قمع شياطين الإنس والجن بما أيده الله تعالى من أنواع العلوم والأعمال ومن أعظمها الصلاة والجهاد. وأكثر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والجهاد. 108 - فمن كان متبعًا للأنبياء نصره الله سبحانه بما نصر به الأنبياء. وأما من ابتدع دينًا لم يشرعوه، فترك ما أمروا به من عبادة الله وحده لا شريك له واتباع نبيه فيما شرعه لأمته، وابتدع الغلوَّ في الأنبياء والصالحين والشرك بهم فإن هذا يتلعب به الشياطين، قال تعالى (16: 99 - 100) : {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}

_ (1) في خ قال: "والتصحيح من مسلم". (2) في ز، ب، خ: "فاستأخر". والتصحيح من مسلم والنسائي.

وقال تعالى (15: 42) : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ} . 109 - ومنها؛ أن يدعو الرائي بذلك ربَّه تبارك وتعالى ليبين له الحال. 110 - ومنها؛ أن يقول لذلك الشخص: أأنت فلان؟ ويقسم عليه بالأقسام المعظمة، ويقرأ عليه قوارع القرآن إلى غير ذلك من الأسباب التي تضر الشياطين. 111 - وهذا كما كان كثيرًا من العباد يرى الكعبة تطوف به، ويرى عرشًا عظيماً وعليه صورة عظيمة، ويرى أشخاصاً تصعد وتنزل فيظنها الملائكة ويظن أن تلك الصورة هي الله تعالى وتقدس، ويكون ذلك شيطاناً. 112 - وقد جرت هذه القصة لغير واحد من الناس، فمنهم من عصمه الله وعرف أنه الشيطان كالشيخ عبد القادر في حكايته المشهورة حيث قال: كنت مرة في /العبادة فرأيت عرشاً عظيماً وعليه نور، فقال لي: يا عبد القادر! أنا ربك وقد حللت لك ما حرمت على غيرك. قال: فقلت له أنت الله الذي لا إله إلا هو؟ اخسأ ياعدو الله. قال: فتمزق ذلك النور وصار ظلمة، وقال: يا عبد القادر، نجوتَ مني بفقهك في دينك وعلمك وبمنازلاتك في أحوالك. لقد فتنتُ بهذه القصة سبعين رجلاً. فقيل له: كيف علمت أنه الشيطان؟ قال: بقوله لي: "حلَّلت لك ما حرمت على غيرك"، وقد علمت أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا تنسخ ولا تبدل، ولأنه قال أنا ربك، ولم يقدر أن يقول أنا الله الذي لا إله إلا أنا.

113 - ومن هؤلاء من اعتقد أن المرئي هو الله، وصار هو وأصحابه يعتقدون أنهم يرون الله تعالى في اليقظة، ومستندهم ما شاهدوه. وهم صادقون فيما يخبرون به ولكن لم يعلموا أن ذلك هو الشيطان. 114 - وهذا قد وقع كثيراً لطوائف من جهال العباد، يظن أحدهم أنه يرى الله تعالى بعينه في الدنيا لأن كثيراً منهم أُرِيَ ما ظن أنه الله وإنما هو شيطان. 115 - وكثير منهم رأى من ظن أنه نبي أو رجل صالح أو الخضر وكان شيطاناً. 116 - وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي" (1)

_ (1) أخرجه البخاري، 3 - كتاب العلم، 38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم حديث (110) ، وفي 78 - كتاب الأدب، 109 - باب من سمى بأسماء الأنبياء، حديث (6197) ، وفي 91 - كتاب التعبير، 10 - باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، حديث (6993) . ومسلم (4/1775) ، 42 - كتاب الرؤيا، 1 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "من رآني في المنام فقد رآني"، حديث (10، 11) . وابن ماجه، 35 - كتاب التعبير، 2 - باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، حديث (3901) . وأحمد (2/232، 411، 463) و (5/306) في مسند أبي قتادة. كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وأخرجه البخاري عن أبي قتادة 91 - كتاب التعبير حديث (6995، 6996) . ومسلم 42 - كتاب الرؤيا، تابع الحديث (11) . وأخرجه البخاري في التعبير، حديث (6994) . وأحمد (3/269) من حديث أنس - رضي الله عنه -. وأخرجه الترمذي (3/365) ، أبواب الرؤيا، باب 3، حديث (2378) . وابن ماجه، 35 - كتاب تعبير الرؤيا، باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حديث (3900) . وأحمد (1/375، 400، 440) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. =

117 - فهذا في رؤية المنام؛ لأن الرؤية في المنام تكون حقًّا وتكون من الشيطان فمنعه الله أن يتمثل به في المنام، وأما في اليقظة فلا يراه أحد بعينه في الدنيا فمن ظن أن المرئي هو الميت فإنما أُتِيَ من جهله، ولهذا لم يقع مثل هذا لأحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان (1) . 118 - وبعض من رأى - هذا أو صدق من قال: إنه رآه - اعتقد أن الشخص الواحد يكون بمكانين في حالة واحدة فخالف صريح المعقول. 119 - ومنهم من يقول هذه رقيقة ذلك المرئي أو هذه روحانيته أو هذه معناه لشكل (2) ولا يعرفون أنه جنّي تصور بصورته. 120 - ومنهم من يظن أنه مَلَك، والملك يتميز عن الجني بأمور كثيرة، والجن فيهم الكفار والفساق والجهال، وفيهم المؤمنون المتبعون لمحمد صلى الله عليه وسلم تسليماً، فكثير ممن لم يعرف أن هؤلاء جن وشياطين يعتقدهم ملائكة. 121 - وكذلك الذين يدعون الكواكب وغيرها من الأوثان تتنزل على أحدهم روح يقول هي روحانية الكواكب، ويظن بعضهم أنه

_ = وأخرجه مسلم، 42 - كتاب الرؤيا، حديث (12، 13) . وابن ماجه 35 - تعبير الرؤيا 1 - باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حديث (3902) . وأحمد (3/305) من حديث جابر - رضي الله عنه -. وأخرجه ابن ماجه 35 - تعبير، حديث (3904) من حديث أبي جحيفة - رضي الله عنه -. (1) بل إن أكثر أصحاب هذه الدعوى، من المعروفين بالكذب في الأمور المحسوسة الملموسة، فمن كانت هذه حاله لا يصدق فيما يزعم وراء ذلك. (2) قال السيد رشيد رضا رحمه الله: لعلها "تشكل" أي ظهر في شكل حسي.

من الملائكة وإنما هو من الجن والشياطين يغوون المشركين. 122 - والشياطين يوالون من يفعل ما يحبونه من الشرك والفسوق والعصيان؛ فتارة يخبرونه ببعض الأمور الغائبة ليكاشف بها، وتارة يؤذون من يريد أذاه بقتل وتمريض ونحو ذلك، وتارة يجلبون له من يريد من الإنس، وتارة يسرقون له ما يسرقونه من أموال الناس من نقد وطعام وثياب وغير ذلك، فيعتقد أنه من كرامات الأولياء وإنما يكون مسروقًا، وتارة يحملونه في الهواء فيذهبون به إلى مكان بعيد. 123 - فمنهم من يذهبون به إلى مكة عشية عرفة ويعودون به فيعتقد هذا كرامة، مع أنه لم يحج حج المسلمين؛ لا أحرم ولا لبى ولا طاف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ومعلوم أن هذا من أعظم الضلال. 124 - ومنهم من يذهب إلى مكة ليطوف بالبيت من غير عمرة شرعية. فلا يُحرم إذا حاذى الميقات. 125 - ومعلوم أن من أراد نسكا بمكة لم يكن له أن يُجاوز الميقات إلا محرماً، ولو قصدها لتجارة أو لزيارة قريب له أو طلب علم كان مأمورًا أيضاً بالإحرام من الميقات، وهل ذلك واجب أو مستحب؟ فيه قولان مشهوران للعلماء. 126 - وهذا باب واسع، ومنه السحر والكهانة، وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع. 127 - وعند المشركين عبَّاد الأوثان ومن ضاهاهم من النصارى ومبتدعة هذه الأمة في ذلك من / الحكايات ما يطول وصفه، فإنه ما من أحد يعتاد دعاء الميت والاستغاثة به نبيًّا كان أو غير نبي إلا وقد بلغه من

ذلك ما كان من أسباب ضلاله، كما أن الذين يدعونهم في مغيبهم ويستغيثون بهم فيرون من يكون في صورتهم أو يظنون أنه في صورتهم ويقول أنا فلان ويكلمهم ويقضي بعض حوائجهم، فإنهم يظنون أن الميت المستغاث به هو الذي كلمهم وقضى مطلوبهم وإنما هو من الجن والشياطين. 128 - ومنهم من يقول هو ملك من الملائكة، والملائكة لا تعين المشركين وإنما هم شياطين أضلوهم عن سبيل الله. 129 - وفي مواضع الشرك من الوقائع والحكايات التي يعرفها من هنالك ومن وقعت له ما يطول وصفه. 130 - وأهل الجاهلية فيها نوعان: نوع يكذّب بذلك كله، ونوع يعتقد ذلك كرامات لأولياء الله. 131 - فالأول يقول: إنما هذا خيال في أنفسهم لا حقيقة له في الخارج، فإذا قالوا ذلك لجماعة بعد جماعة فمن رأى ذلك وعاينه موجوداً أو تواتر عنده ذلك عمن رآه موجوداً في الخارج وأخبره به من لا يرتاب في صدقه كان هذا من أعظم أسباب ثبات هؤلاء المشركين المبتدعين المشاهدين لذلك والعارفين به بالأخبار الصادقة. 132 - ثم هؤلاء المكذبون لذلك متى عاينوا بعض ذلك خضعوا لمن حصل له ذلك وانقادوا له واعتقدوا أنه من أولياء الله، مع كونهم يعلمون أنه لا يؤدّي فرائض الله حتى ولا الصلوات الخمس، ولا يجتنب محارم الله لا الفواحش ولا الظلم، بل يكون من أبعد الناس عن الإيمان والتقوى التي وصف الله بها أولياءه في قوله تعالى (10: 62 - 63) : {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا

وَكَانُوا يَتَّقُونَ} ، فيرون من هو مِن أبعد الناس عن الإيمان والتقوى له من المكاشفات والتصرفات الخارقات ما يعتقدون أنه من كرامات أولياء الله المتقين. 133 - فمنهم من يرتد عن الإسلام وينقلب على عقبيه، ويعتقد فيمن لا يصلي بل ولا يؤمن بالرسل، بل يسب الرسل ويتنقص بهم أنه من أعظم أولياء الله المتقين. 134 - ومنهم من يبقى حائرًا مترددًا شاكاً مرتاباً، يقدم إلى الكفر رِجلاً وإلى الإسلام أخرى، وربما كان إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان. 135 - وسبب ذلك؛ أنهم استدلوا على الولاية بما لا يدل عليها، فإن الكفار والمشركين والسحرة والكهان معهم من الشياطين من يفعل بهم أضعاف أضعاف ذلك قال تعالى (26: 221 - 222) : {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} . 136 - وهؤلاء لا بد أن يكون فيهم كذب وفيهم مخالفة للشرع، ففيهم من الإثم والإفك بحسب ما فارقوا أمر الله ونهيه الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم. وتلك الأحوال الشيطانية نتيجة ضلالهم وشركهم وبدعتهم وجهلهم وكفرهم وهي دلالة وعلامة على ذلك، والجاهل الضالُّ يظن أنها نتيجة إيمانهم وولايتهم لله تعالى، وأنها علامة ودلالة على إيمانهم وولايتهم لله سبحانه. 137 - وذلك أنه لم يكن عنده فرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان كما قد تكلمنا على ذلك في مسألة (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) ، ولم يعلم أن هذه الأحوال التي جعلها دليلاً على

الولاية تكون للكفار من المشركين وأهل الكتاب أعظم مما تكون للمنتسبين إلى الإسلام، والدليل مستلزم للمدلول مختص به لا يوجد بدون مدلوله، فإذا وجدت للكفار والمشركين وأهل الكتاب لم تكن مستلزمة للإيمان/ فضلاً عن الولاية ولا كانت مختصة بذلك، فامتنع أن تكون دليلاً عليه. 138 - وأولياء الله هم المؤمنون المتقون، وكراماتهم ثمرة إيمانهم وتقواهم لا ثمرة الشرك والبدعة والفسق، وأكابر الأولياء إنما يستعملون هذه الكرامات بحجة للدين أو لحاجة للمسلمين، والمقتصدون قد يستعملونها في المباحات، وأما من استعان بها في المعاصي فهو ظالم لنفسه، متعد حدَّ ربه، وإن كان سببها الإيمان والتقوى. 139 - فمن جاهد العدو فغنم غنيمة فأنفقها في طاعة الشيطان فهذا المال وإن ناله بسبب عمل صالح فإذا أنفقه في طاعة الشيطان كان وبالاً عليه، فكيف إذا كان سبب الخوارق الكفر والفسوق والعصيان وهي تدعو إلى كفر آخر وفسوق وعصيان، ولهذا كان أئمة هؤلاء معترفين بأن أكثرهم يموتون على غير الإسلام. ولبسط هذه الأمور موضع آخر. 140 - والمقصود هنا أن من أعظم أسباب ضلال المشركين ما يرونه أو يسمعونه عند الأوثان؛ كإخبار عن غائب أو أمر يتضمن قضاء حاجة ونحو ذلك، فإذا شاهد أحدهم القبر انشق وخرج منه شيخ بهيّ عانقه أو كلمه ظن أن ذلك هو النبي المقبور (أو الشيخ المقبور) (1) ، والقبر

_ (1) سقط من: ز، ب.

لم ينشق وإنما الشيطان مثل له ذلك، كما يمثل لأحدهم أن الحائط انشق وأنه خرج منه صورة إنسان ويكون هو الشيطان تمثل له في صورة إنسان وأراه أنه خرج من الحائط. 141 - ومن هؤلاء من يقول لذلك الشخص الذي رآه قد خرج من القبر: نحن لا نبقى في قبورنا، بل من حين يقبر أحدنا يخرج من قبره ويمشي بين الناس. 142 - ومنهم من يرى ذلك الميت في الجنازة يمشي ويأخذه بيده، إلى أنواع أخرى معروفة عند من يعرفها. 143 - وأهل الضلال إما أن يكذبوا بها وإما أن يظنوها من كرامات أولياء الله، ويظنون أن ذلك الشخص هو نفس النبي أو الرجل الصالح أو ملك على صورته. 144 - وربما قالوا: هذا روحانيته أو رقيقته أو سره أو مثاله أو روحه تجسدت، حتى قد يكون من يرى ذلك الشخص في مكانين فيظن أن الجسم الواحد يكون في الساعة الواحدة في مكانين، ولا يعلم أن ذلك حين تصور بصورته ليس هو ذلك الإنسي. 145 - وهذا ونحوه مما يبين أن الذين يدْعون الأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم (وغير قبورهم) (1) من المشركين الذين يدعون غير الله، كالذين يدعون الكواكب، والذين اتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، قال تعالى (3: 79 - 80) : {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ

_ (1) سقطت من: ز، ب.

وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، وقال تعالى (17: 56 - 57) : {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} ، وقال تعالى (34: 22 - 23) : {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} . 146 - ومثل هذا كثير في القرآن ينهى أن يُدعى غير الله لا من الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم، فإن هذا شرك أو ذريعة إلى الشرك. بخلاف ما يطلب من أحدهم في حياته من / الدعاء والشفاعة فإنه لا يفضي إلى ذلك، فإن أحداً من الأنبياء والصالحين لم يُعبد في حياته بحضرته، فإنه ينهى من يفعل ذلك بخلاف دعائهم بعد موتهم فإن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم، وكذلك دعاؤهم في مغيبهم هو ذريعة إلى الشرك. 147 - فمن رأى نبياً أو ملكاً من الملائكة وقال له: "ادع لي" لم يفض ذلك إلى الشرك به، بخلاف من دعاه في مغيبه فإن ذلك يفضي إلى الشرك به كما قد وقع، فإن الغائب والميت لا ينهى من يشرك، بل إذا تعلقت القلوب بدعائه وشفاعته أفضى ذلك إلى الشرك به فدُعي وقصد مكان قبره أو تمثاله أو غير ذلك، كما قد وقع فيه المشركون ومن ضاهاهم من أهل الكتاب ومبتدعة المسلمين.

148 - ومعلوم أن الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم كما قال تعالى: (40: 7 - 9) {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى (42: 5 - 6) : {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ أَلاَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} . 149 - فالملائكة يستغفرون للمؤمنين من غير أن يسألهم أحد. وكذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والصالحين يدعو ويشفع للأخيار من أمته، هو من هذا الجنس، هم يفعلون ما أذن الله لهم فيه بدون سؤال أحد. 150 - وإذا لم يشرع دعاء الملائكة لم يشرع دعاء من مات من الأنبياء والصالحين، ولا أن نطلب منهم الدعاء والشفاعة وإن كانوا يدعون ويشفعون، لوجهين: 151 - أحدهما: أن ما أمر الله به من ذلك هم يفعلونه وإن لم يطلب منهم، وما لم يؤمروا به لا يفعلونه ولو طلب منهم، فلا فائدة في الطلب منهم. 152 - الثاني: أن دعاءهم وطلب الشفاعة منهم في هذه الحال يفضي إلى الشرك بهم ففيه هذه المفسدة، فلو قُدِّر أن فيه مصلحة لكانت

هذه المفسدة راجحة، فكيف ولا مصلحة فيه. بخلاف الطلب منهم في حياتهم وحضورهم فإنه لا مفسدة فيه، فإنهم ينهون عن الشرك بهم. بل فيه منفعة، وهو أنهم يثابون ويؤجرون على ما يفعلونه حينئذ من نفع الخلق كلهم؛ فإنهم في دار العمل والتكليف، وشفاعتهم في الآخرة فيها إظهار كرامة الله لهم يوم القيامة. 153 - وأصل سؤال الخلق الحاجات الدنيوية التي لا يجب عليهم فعلها ليس واجباً على السائل ولا مستحباً، بل المأمور به سؤال الله تعالى والرغبة إليه والتوكل عليه. 154 - وسؤال الخلق في الأصل محرم، لكنه أبيح للضرورة، وتركه توكلاً على الله أفضل، قال تعالى (94: 7 -8) : {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} أي ارغب إلى الله تعالى لا إلى غيره. وقال تعالى (9: 59) : {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} فجعل الإيتاء لله والرسول لقوله تعالى (59: 7) : {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فأمرهم بإرضاء الله ورسوله. 155 - وأما في الحَسْب فأمرهم أن يقولوا: {حسبنا الله} لا [أن] يقولوا: حسبنا الله ورسوله. ويقولوا (1) (9: 59) : {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} لم يأمرهم أن يقولوا: إنا لله ورسوله راغبون، فالرغبة إلى الله وحده كما قال تعالى في الآية الأخرى (24: 25) : {ومن يطع الله

_ (1) في خ: وقالوا.

ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} فجعل الطاعة لله والرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده. 156 - وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "يا غلام! إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جفَّ القلم بما أنت لاق، فلو جهدت الخليقة على أن يضرُّوك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، فإن استطعت أن تعمل/ لله بالرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً" (1) . 157 - وهذا الحديث معروف مشهور، ولكن قد يروى مختصراً، وقوله: "اذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" هو من أصح ماروى عنه.

_ (1) أخرجه أحمد (1/293، 303، 307) من طريقين منقطعين، ومن طرق صحيحة متصلة إلى قيس بن الحجاج الكلاعي المصري وهو صدوق، عن حنش الصنعاني عن ابن عباس - رضي الله عنه - والترمذي (4/667) ، 38 - كتاب صفة القيامة، حديث (2516) من طريقين إلى قيس بن الحجاج به. وقال: هذا حديث حسن صحيح. قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص 174) : "وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة من رواية ابنه علي ومولاه عكرمة وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وعبيد الله بن عبد الله وعمرو مولى عفرة وابن أبي مليكة وغيرهم، وأصح الطرق كلها طريق حنش الصنعاني التي خرجها الترمذي كذا قاله ابن منده وغيره".

158 - وفي المسند لأحمد (1) أن أبا بكر الصديق كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد: ناولني إياه، ويقول: إن خليلي أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً. 159 - وفي صحيح مسلم (2) عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع طائفة من أصحابه وأسرَّ إليهم كلمة خفية: أن لا تسألوا الناس شيئاً. قال عوف: فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه.

_ (1) لم أجد هذا الحديث في المسند والذي وجدته في المسند (1/11) عن ابن أبي مليكة قال: "كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه فقال: إن حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني ألا أسأل الناس شيئاً" وهو ضعيف لانقطاعه لأن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر - رضي الله عنه -. وقد ضعفه الشيخ أحمد شاكر (1/180) رقم (65) تحقيقه. وأخرج ابن ماجه (1/588) 8 - كتاب الزكاة، حديث (1836) عن ثوبان بإسناد حسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن يتقبل لي بواحدة أتقبل له بالجنة؟ " قلت: أنا. قال: لا تسأل الناس شيئاً. قال عبد الرحمن بن يزيد الراوي عن ثوبان: "فكان ثوبان يقع سوطه، وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه، حتى ينزل فيأخذه. وله متابعة في أبي داود (2/295) 3 - كتاب الزكاة، حديث (1643) من طريق شعبة عن عاصم عن أبي العالية عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة". فقال ثوبان: أنا؛ فكان لا يسأل أحداً. (2) (2/721) ، 12 - كتاب الزكاة 35 - باب كراهية المسألة للناس حديث (108) . وأخرجه أبو داود (2/294) ، 27 - باب كراهية المسألة حديث (1642) . وابن ماجه (2/957) ، 24 - كتاب الجهاد - باب 41 - باب البيعة، حديث (2867) . والنسائي (1/185 - 186) كتاب الصلاة، باب البيعة على الصلاة.

160 - وفي الصحيحين (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب"، وقال: "هم الذين لا يَسترْقُون ولا يكتوون ولا يتطيَّرون وعلى ربهم يتوكلون" فمدح هؤلاء بأنهم لا يسترقون، أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم. والرقية من جنس الدعاء فلا يطلبون من أحد ذلك. 161 - وقد روي فيه "ولا يرقون" (2) وهو غلط، فإن رقيتهم (3) لغيرهم ولأنفسهم حسنة. 162 - وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه (4) .

_ (1) البخاري، 76 - كتاب الطب، 17 - باب من اكتوى أو كوى غيره، حديث (5705) ، و 81 - الرقاق، 21 - باب "ومن يتوكل على الله فهو حسبه، حديث (6472) ، و 50 - باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، حديث (6541) . ومسلم (1/199) ، 1 - كتاب الإيمان، باب 94، حديث (374) . والترمذي 38 - كتاب صفة القيامة، باب 16 - حديث (2446) . وأحمد (1/271، 321) . كلهم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما. وأحمد (1/401، 403) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. ومسلم (1/198) ، 1 - كتاب الإيمان، 94 - باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب، حديث (371، 372) من حديث عمران بن حُصين - رضي الله عنه -. (2) هذه الزيادة في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رواها من طريق هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهي ضمن الحديث (374) السابق. (3) في ز، ب: "رقياهم". (4) يشير - رحمه الله - إلى حديث عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه، كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها. رواه البخاري: 66 - كتاب فضائل القرآن. 14 - باب فضل المعوذات حديث (5016) ، و 76 - كتاب الطب، 32 - باب الرقي بالقرآن والمعوذات، حديث (5735) . ومسلم، (4/1723) ، 39 - كتاب السلام، 20 - باب رقية المريض =

163 - وغيره (1) ولم يكن يسترقي، فإن رقيته نفسه وغيره من جنس الدعاء لنفسه ولغيره، وهذا مأمور به، فإن الأنبياء كلهم سألوا الله ودعوه كما ذكر الله ذلك في قصة آدم وإبراهيم وموسى وغيره. 164 - وما يروى أن الخليل لما ألقي في المنجنيق (2) قال له جبريل: سل، قال: "حسبي من سؤالي علمه بحالي" (3) ليس له إسناد معروف وهو باطل. 165 - بل الذي ثبت في الصحيح (4) عن ابن عباس أنه قال:

_ = بالمعوذات والنفث، حديث (50، 51) . وأبو داود (4/224) ، 22 - كتاب الطب 19 - باب كيف الرقى، حديث (3902) . ومالك في الموطأ (2/942 - 943) ، 50 - كتاب العين. 4 - باب في التعوذ من المرض، حديث (10) . وأحمد (6/104، 114) . وابن ماجه (2/1166) ، 31 - كتاب الطب، 38 - باب النفث في الرقية حديث (3529) . (1) يشير - رحمه الله - إلى حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً يقول: "أذهب البأس، رب الناس اشفه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما". انظر صحيح مسلم (4/1722) ، حديث (46 - 84) . ومسند أحمد (6/114) . (2) آلة كانت تقذف بها الحجارة على الحصون في الحروب، وقذقوا بها إبراهيم لما أرادوا أن يحرقوه بالنار. (3) ذكره البغوي في تفسيره تفسير سورة الأنبياء (3/250) قال: وروي عن أبي بن كعب، ثم ذكر قصة إحراق إبراهيم، وذكر خلاله قوله: "حسبي من سؤالي ... " إلخ. وقال العجلوني في كشف الخفاء (1/357) بعد ذكره هذا الأثر: وذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء بلفظ وروي عن كعب الأحبار ... وذكر قصة من جملتها هذا الأثر، ولعل ذهنه انتقل من أبي بن كعب إلى كعب الأحبار، وذلك أن الموجود في تفسير البغوي في الطبعتين إنما هو عن أبي بن كعب انظر الطبعة بحاشية الخازن (3/331) وكذلك الخازن نفسه (3/230) بالإضافة إلى طبعة دار المعرفة التي أحلنا إليها سابقاً. فالأمر - كما قال شيخ الإسلام - ليس له إسناد معروف وهو باطل. (4) البخاري، 65 - كتاب التفسير، 13 - باب {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} ، حديث (4563، 4564) . والحاكم في المستدرك (2/298) بإسناد البخاري. =

"حسبي الله ونعم الوكيل" قال ابن عباس: قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قال لهم (1) الناس (3: 173) : {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} . 166 - وقد روي أن جبريل قال: هل لك من حاجة؟ قال: "أما إليك فلا" وقد ذكر هذا الإمام أحمد وغيره (2) . 167 - وأما سؤال الخليل لربه عز وجل فهذا مذكور في القرآن في غير موضع (3) ، فكيف يقول حسبي من سؤالي علمه بحالي، والله بكل شيء عليم، وقد أمر العباد بأن يعبدوه ويتوكلوا عليه ويسألوه؛ لأنه سبحانه جعل هذه الأمور أسبابًا لما يرتبه عليها من إثابة العابدين، وإجابة السائلين. 168 - وهو سبحانه يعلم الأشياء علىماهي عليه، فعلمه بأن هذا محتاج أو هذا مذنب لا ينافي أن يأمر هذا بالتوبة والاستغفار، ويأمر هذا بالدعاء وغيره من الأسباب التي تقضي بها حاجته، كما يأمر هذا بالعبادة والطاعة التي بها ينال كرامته.

_ = قال ابن كثير في تفسيره (2/147) : "والعجب أن الحاكم رواه من حديث أحمد بن يونس، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (5/238) . (1) أي قالوا للرسول وللمؤمنين. (2) لم أجده في المسند، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره (5/345) ، فقال: "وقد ذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء فقال: ألك حاجة؟ ... الأثر، ولم يعزه إلى المسند، وهو من حفاظ المسند. ورواه ابن جرير في تفسيره (17/45) بإسناده إلى معتمر بن سليمان عن بعض أصحابه، قال: جاء جبريل إلى إبراهيم عليه السلام فذكره، وذكره السيوطي في الدر (5/641) وعزاه إلى ابن جرير فحسب. (3) سيذكر شيخ الإسلام بعض أدعية إبراهيم فيما يأتي قريباً.

169 - ولكن العبد قد يكون مأمورًا في بعض الأوقات بما هو أفضل من الدعاء كما روي في الحديث: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". 170 - وفي الترمذي (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" قال الترمذي: حديث حسن غريب. 171 - وأفضل العبادات البدنية الصلاة، وفيها القراءة والذكر والدعاء وكل واحد في موطنه مأمور به، ففي القيام بعد الاستفتاح يقرأ القرآن، وفي الركوع، والسجود ينهى عن قراءة القرآن ويؤمر (بالتسبيح والذكر وفي آخرها يؤمر) (2) بالدعاء، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في القيام أيضاً وفي الركوع،/ وإن كان جنس القراءة والذكر أفضل. 172 - فالمقصود أن سؤال العبد لربه السؤال المشروع حسن مأمور، وقد سأل الخليل وغيره، قال تعالى عنه (14: 37 - 41) : {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ

_ (1) في (5/184) ، 46 - كتاب فضائل القرآن، حديث (2926) . والدارمي (2/317) ، فضائل القرآن، 6 - باب فضل كلام الله على سائر الكلام، حديث (3359) ، كلاهما من حديث عطية ابن سعد العوفي، وهو صدوق يخطيء كثيراً، وكان شيعياً مدلسا، وقد عنعن في هذا الحديث، وقد ذكره الحافظ في الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين (ص 50) : "وهم من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع" وأورده الحافظ الضياء في كتاب فضائل الأعمال (ص 107) . (2) من قوله: "بالتسبيح" إلى: "يؤمر" سقطت من: ز، ب.

لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} . وقال تعالى (2: 127 - 129) : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . 173 - وكذلك دعاء المسلم لأخيه حسنٌ مأمور به، وقد ثبت في الصحيح (1) عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا وكل الله به ملكاً كلما دعا لأخيه بدعوة، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل" (2) أي بمثل ما دعوت لأخيك به. 174 - وأما سؤال المخلوق المخلوق (3) أن يقضي حاجة نفسه أو يدعو له فلم يؤمر به، بخلاف سؤال العلم فإن الله أمر بسؤال العلم كما في قوله تعالى: (16: 43 و 21: 7) : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ

_ (1) مسلم (4/2094) ، 48 - كتاب الذكر، 23 - باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، حديث (86، 87) . وابن ماجه (2/967) ، 25 - مناسك، 5 - باب فضل دعاء الحاج حديث (2895) . (2) في ز، ب: "بمثله". (3) سقطت من: ز، ب.

كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وقال تعالى: (10: 94) : {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} وقال تعالى: (43: 45) : {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} . 175 - وهذا لأن العلم يجب بذله، فمن سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة (1) . وهو يزكو على التعليم، لا ينقص بالتعليم كما تنقص الأموال بالبذل. ولهذا يشبه بالمصباح. 176 - وكذلك من له عند غيره حق من عين أو دين كالأمانات مثل الوديعة والمضاربة، لصاحبها أن يسألها ممن هي عنده. 177 - وكذلك مال الفيء وغيره من الأموال المشتركة التي يتولى قسمتها ولي الأمر، للرجل أن يطلب حقه (2) منه كما يطلب حقه

_ (1) يشير إلى حديث رواه أبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - أَمَّا حديث أبي هريرة، فأخرجه أبو داود 19 - كتاب العلم، 9 - باب كراهية منع العلم حديث (3658) . والترمذي، 42 - كتاب العلم، 3 - باب ما جاء في كتمان العلم حديث (2649) . وابن ماجه، 24 - باب من سئل عن علم فكتمه، حديث (261) . وابن عبد البر في جامع بيان العلم (ص4) . كلهم من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً. وذكره صاحب مشكاة المصابيح في كتاب العلم حديث (223) ، قال الشيخ الألباني - معلقاً عليه -: "صحيح وقد أعلّ بالانقطاع وليس بشيء". وأما حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - فأخرجه الحاكم في المستدرك (1/102) بإسناده إلى أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو، وقال: "هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وليس له علة". وابن حبان (1/169) ، حديث (96) . وابن عبد البر، جامع بيان العلم (ص5) وهو شاهد لحديث أبي هريرة. وانظر المدخل إلى الصحيح للحاكم (1/88 - 89) . (2) سقطت من: ز، ب.

من الوقف والميراث والوصية، لأن المسئول (1) يجب عليه أداء الحق إلى مستحقيه. 178 - ومن هذا الباب سؤال النفقة لمن تجب عليه، وسؤال المسافر الضيافة لمن تجب عليه كما استطعم موسى والخضر أهل القرية. 179 - وكذلك الغريم له أن يطلب دَينه ممن هو عليه. وكل واحد من المتعاقدين له أن يسأل الآخر أداء حقه إليه: فالبائع يسأل الثمن، والمشتري يسأل المبيع. ومن هذا الباب قوله تعالى: (4: 1) : {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ} . 180 - ومن السؤال ما لا يكون مأموراً به، والمسئول مأمور بإجابة السائل: قال تعالى (93: 10) : {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ} وقال تعالى (70: 24 - 25) : {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} وقال تعالى (22: 36) : {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (2) . 181 - ومنه الحديث: "إن أحدكم ليسألني المسألة فيخرج بها يتأبطها ناراً" (3) وقوله: /"اقطعوا عني لسان هذا" (4) .

_ (1) في ز، ب: "المستولي". (2) القانع: الفقير الذي لا يسأل، والمعتر: المتعرض للسؤال. (3) أخرجه أحمد في المسند (3/4، 16) من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وهو إسناد صحيح؛ لأن الأعمش وإن كان قد عنعن فيه فإنه من روايته عن أبي صالح، وهو من كبار شيوخه وما كان من روايته عن كبار شيوخه يحمل على الاتصال، انظر الميزان للذهبي (2/224) . (4) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (1/160) وقال: "سببه كما رواه الخطابي في الغريب عن ابن شهاب وذكر مثله عن عكرمة وقال: هما مرسلان". =

182 - وقد يكون السؤال منهياً عنه نهي تحريم أو تنزيه، وإن كان المسئول مأموراً بإجابة سؤاله. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان من كماله أن يعطي السائل، وهذا في حقه من فضائله ومناقبه، وهو واجب أو مستحب، وإن كان نفس سؤال السائل منهيًّا عنه. 183 - ولهذا لم يعرف قط أن الصديق ونحوه من أكابر الصحابة سألوه شيئاً من ذلك، ولا سألوه أن يدعو لهم وإن كانوا قد يطلبون منه أن يدعو للمسلمين، كما أشار عليه عمر في بعض مغازيه لما استأذنوه في نحر بعض ظهرهم (1) فقال عمر: يا رسول الله! كيف بنا إذا لقينا العدو غدًا رجالاً (2) جياعاً! ولكن إن رأيت أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثم تدعو الله بالبركة فإن الله يبارك لنا في دعوتك. وفي رواية: فإن الله سيغيثنا بدعائك (3) . 184 - وإنما كان سأله ذلك بعض المسلمين كما سأله الأعمى

_ = وقد رجعت إلى غريب الخطابي في ضوء إشارة المفهرس إلى جزء (2/6) فلم أجده، وذكره ابن الجوزي في غريب الحديث (2/254) وابن الأثير في النهاية (4/83) بدون إسناد. (1) أي ما يركبون ظهوره من دوابهم. (2) رجالاً: أي مشاة على أرجلهم. (3) صحيح مسلم، (1/55 - 56) ، كتاب الإيمان، 10 - باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً، حديث 44، 45. والمسند لأبي عوانة (1/7 - 9) . والمستخرج لأبي نعيم (ق13/1) . كلهم من حديث أبي هريرة وفيها "ثم ادع الله لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك". وفي البخاري، 47 - كتاب الشركة، حديث، (2484) ، 56 - كتاب الجهاد، 123 - باب حمل الزاد في الغزو حديث (2982) من حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -. ولم أجد في الحديثين، قوله: "فإن الله سيغيثنا بدعائك"، ولعل شيخ الإسلام رواه بالمعنى أو أنه في بعض المصادر فلم أقف عليه.

أن يدعو الله له ليرد عليه بصره (1) ، وكما سألته أم سُلَيم أن يدعو الله لخادمه أنس (2) ، وكما سأله أبو هريرة أن يدعو الله أن يحببه وأمه إلى عباده المؤمنين (3) ، ونحو ذلك. 185 - وأما الصديق فقد قال الله فيه وفي مثله (92: 17 - 21) : {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} . 186 - وقد ثبت في الصحاح عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: "إن أمنَّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنتُ متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً" فلم يكن في الصحابة أعظم منَّةً من الصديق في نفسه وماله (4) .

_ (1) سيأتي تخريجه. (2) البخاري: 30 - كتاب الصوم، 61 - باب من زار قوماً فلم يفطر عندهم، حديث (1982) ، 80 - كتاب الدعوات، 26 - باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله، حديث (6344) . ومسلم (4/1928) ، 44 - فضائل الصحابة، 32 - باب من فضائل أنس بن مالك - رضي الله عنه -، حديث (141، 144) . والترمذي (5/681) ، 50 - كتاب المناقب، 46 - باب مناقب أنس، حديث (3829) . ومسند الطيالسي (ص 267) حديث (1987) . ومسند أحمد (3/108، 193) . كلهم عن أنس - رضي الله عنه - عن أم سليم أنها قالت: "يا رسول الله!. أنس خادمك ادع الله له. قال: "اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته". واللفظ للترمذي. (3) أخرجه مسلم (4/1939) ، 44 - كتاب فضائل الصحابة 35 - باب من فضائل أبي هريرة، حديث (158) ، وهو بقية حديث تقدم (ص 4) . (4) البخاري، 8 - كتاب الصلاة، 80 - باب الخوخة في المسجد حديث (466) ، (7/12) فتح 62 - فضائل الصحابة، 3 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر ... "، حديث (3654) . وأحمد (1/270) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وأحمد (3/18) . ومسلم (4/1854) ، 44 - فضائل الصحابة، =

187 - وكان أبو بكر إنما يعمل هذا ابتغاء وجه ربه الأعلى لا يطلب جزاء من مخلوق، فقال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} فلم يكن لأحد عند الصديق نعمة تجزى، فإنه كان مستغنياً بكسبه وماله عن كل أحد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان له على الصديق وغيره نعمة الإيمان والعلم، وتلك النعمة لا تجزى، فإن أجر الرسول فيها على الله كما قال تعالى (26: 127) : {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) . 188 - وأما عليٌّ وزيد (2) وغيرهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان له عندهم نعمة تجزى، فإن زيداً كان مولاه فأعتقه، قال تعالى (33: 37) : {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} ، وعليٌّ كان في عيال النبي صلى الله عليه وسلم لجدب أصاب أهل مكة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم والعباس التخفيف عن أبي طالب من عياله، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى عياله وأخذ العباس جعفراً إلى عياله، وهذا مبسوط في موضع آخر.

_ = حديث (2) . والترمذي (5/608) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. ومسلم (4/1855) ، 44 - كتاب فضائل الصحابة، حديث (3 - 7) من حديث أبي سعيد ومن حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وليس فيه "إن من أمن الناس". وأحمد (3/478) . والترمذي (5/607، 608) من حديث أبي المعلى - رضي الله عنه -. (1) في خ: كتبت الآية خطأ. (2) هو زيد بن حارثة الكلبي ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت الآية: {ادعوهم لآبائهم} الأحزاب: 5.

189 - والمقصود هنا أن الصديق كان أمنَّ الناس في صحبته وذات يده لأفضل الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكونه كان ينفق ماله في سبيل الله كاشترائه المعذبين. ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً في خاصة نفسه لا إلى أبي بكر ولا غيره، بل لما قال له في سفر الهجرة: إن عندي راحلتين فخذ إحداهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بالثمن" (1) . فهو أفضل صديق لأفضل نبي، وكان من كماله أنه لا يعمل ما يعمله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى لا يطلب جزاء من أحد من الخلق، لا الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم. 190 - ومن الجزاء أن يطلب الدعاء، قال تعالى عمن أثنى عليهم (76: 9) : {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا} . 191 - والدعاء جزاء كما في الحديث "من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه (2) به فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه" (3) . 192 - وكانت عائشة إذا أرسلت إلى قوم بصدقة تقول للرسول: اسمع ما يدعون به لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا لنا ويبقى

_ (1) البخاري (7/230) فتح، 63 - مناقب الأنصار، 45 - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، حديث (3905) . و (10/273 - 274) ، 77 - كتاب اللباس، 16 - باب التقنع حديث (5807) . وأحمد (6/198) من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها-. (2) في خ: "تكافئوه"، والتصحيح من: أبي داود. (3) أخرجه أبو داود (2/310) ، 3 - كتاب الزكاة، 38 - باب عطية من سأل بالله، حديث (1672) . وأحمد (2/68، 99، 6127) . والنسائي (5/61) ، كتاب الزكاة، باب من سأل بالله عز وجل. مِنْ حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

أجرنا على الله. 193 - وقال بعض السلف إذا قال لك السائل: بارك الله فيك، فقل: وفيك بارك الله، فمن عمل خيراً مع المخلوقين سواء كان المخلوق نبياً أو رجلاً صالحاً أو ملكاً من الملوك أو غنياً من الأغنياء فهذا العامل للخير مأمور بأن يفعل ذلك خالصاً لله يبتغي به وجه الله، لا يطلب به من المخلوق جزاء ولا دعاء ولا غيره، لا من نبي ولا رجل / صالح ولا ملك (1) من الملائكة، فإن الله أمر العباد كلهم أن يعبدوه مخلصين له الدين. 194 - وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل فلا يقبل من أحد ديناً غيره، قال تعالى (3: 85) : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الأخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} . 195 - وكان نوح وإبراهيم وموسى والمسيح وسائر أتباع الأنبياء عليهم السلام على الإسلام، قال نوح (10: 72) : {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} ، وقال عن إبراهيم (2: 130 - 132) : {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الأخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، (10: 84) : {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} ، وقالت السحرة

_ (1) سقطت من: ز، ب.

(7: 126) : {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} ، وقال يوسف (12: 101) : {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} ، وقال تعالى (5: 44) : {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} ، وقال (5: 111) عن الحواريين: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} . 196 - ودين الإسلام مبني على أصلين (1) : أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نعبده بما شرعه من الدين وهو ما أمرت به الرسل أمر إيجاب أو أمر استحباب، فيُعبد في كل زمان بما أمر به في ذلك الزمان. فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين، وكذلك شريعة الإنجيل. وكذلك في أول الإسلام لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس كانت صلاته إليه من الإسلام، ولما أُمر بالتوجه إلى الكعبة كانت الصلاة إليها من الإسلام، والعدول عنها إلى الصخرة خروجًا (2) عن دين الإسلام. 197 - فكلُّ من لم يعبد الله بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بما شرعه الله من واجب ومستحب فليس بمسلم. ولا بد في جميع الواجبات والمستحبات أن تكون خالصة لله رب العالمين، كما قال تعالى (98: 4 - 5) : {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ *

_ (1) وقد أفاض شيخ الإسلام بشرح هذا المعنى في كتابه "العبودية" انظر (ص 170) ، وراجع المقدمة (ص 16) طبعة المكتب الإسلامي الثانية. (2) في خ: "خروج".

وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، وقال تعالى (39: 1 - 3) : {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} . 198 - فكل ما يفعله المسلم من القُرَب الواجبة والمستحبة، كالإيمان بالله ورسوله والعبادات البدنية والمالية ومحبة الله ورسوله والإحسان إلى عباد الله بالنفع والمال، هو مأمورٌ بأن يفعله خالصاً لله رب العالمين، لا يطلب من مخلوق عليه جزاء؛ لا دعاء ولا غير دعاء، فهذا مما لا يسوغ أن يطلب عليه جزاء؛ لا دعاء ولا غيره. 199 - وأما سؤال المخلوق غير هذا فلا يجب، بل ولا يستحب إلا في بعض المواضع، ويكون المسئول مأموراً بالإعطاء قبل السؤال، وإذا كان المؤمنون ليسوا مأمورين بسؤال المخلوقين فالرسول أولى بذلك صلى الله عليه وسلم، فإنه أجل قدراً وأغنى بالله من غيره. 200 - فإن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد: مفسدة الافتقار إلى غير الله وهي من نوع الشرك. ومفسدة إيذاء المسؤول وهي من نوع ظلم الخلق. وفيه ذل لغير الله وهو ظلم النفس. 201 - فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة، وقد نزه الله رسوله عن ذلك كله. وحيث أمر الأمة بالدعاء له فذاك من باب أمرهم بما ينتفعون به كما يأمرهم بسائر الواجبات والمستحبات، وإن كان هو

ينتفع بدعائهم له فهو أيضاً ينتفع بما يأمرهم به من العبادات والأعمال الصالحة. 202 - فإنه ثبت عنه في الصحيح (1) أنه قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً" (2) . 203 - ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الداعي إلى ما تفعله أمته من الخيرات، فما يفعلونه له فيه من الأجر مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً (3) . 204 - ولهذا لم تجر عادة السلف بأن يهدوا إليه ثواب الأعمال، لأن له مثل ثواب أعمالهم بدون الإهداء من غير أن ينقص من ثوابهم شيئاً (4) . وليس كذلك الأبوان، فإنه ليس كل ما يفعله الولد [يكون] للوالد مثلُ أجره، وإنما ينتفع / الوالد بدعاء الولد ونحوه مما يعود نفعه إلى الأب. 205 - كما قال في الحديث الصحيح (5) :

_ (1) مسلم (4/2060) ، 47 - كتاب العلم، 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة، حديث 16. وأبو داود (5/16) ، 34 - كتاب السنة، 7 - لزوم السنة، حديث (4609) . والترمذي (5/43) ، 42 - كتاب العلم، 15 - باب ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتبع، حديث (2674) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه (1/74) ، المقدمة 14 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة حديث (206) . وأحمد (2/397) . (2) في ز، ب: "شيء". (5) صحيح مسلم (3/1255) ، 25 - كتاب الوصية 3 - باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، حديث (14) . وأبو داود (3/300) ، (12) كتاب الوصايا، 14 - باب ما جاء في الصدقة عن الميت، حديث (2880) . والنسائي (6/210) ، كتاب =

"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له". 206 - فالنبي صلى الله عليه وسلم - فيما يطلبه من أمته من الدعاء - طلبُه طلبُ أمر وترغيب ليس بطلب سؤال. فمن ذلك أمره لنا بالصلاة والسلام عليه، فهذا قد أمر الله به في القرآن بقوله (33: 56) : {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . والأحاديث عنه في الصلاة والسلام معروفة. 207 - ومن ذلك أمره بطلب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود كما ثبت في صحيح مسلم (1) عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في

_ = الوصايا، باب فضل الصدقة عن الميت. والبخاري في الأدب المفرد (ص 28) . والطحاوي في مشكل الآثار (1/85) . والبيهقي في السنن الكبرى (6/278) . كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (1) (1/288) ، 4 - كتاب الصلاة، 7 - باب استحباب القول مثل قول المؤذن، حديث (11) ، وأبو داود (1/359) . كتاب الصلاة، 36 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن حديث (523) . والنسائي (2/22) ، كتاب الأذان، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص (49) . وأحمد (2/169) . كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. والترمذي (5/586) ، 50 - كتاب المناقب، 1 - باب فضل النبي صلى الله عليه وسلم، حديث (3612) . وأحمد (2/265، 365) وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص47) وفي إسناده ليث بن أبي سليم صدوق اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه. وأحمد (3/83) من حديث أبي سعيد الخدري من طريق موسى بن داود عن ابن لهيعة، وابن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه.

الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة". 208 - وفي صحيح البخاري (1) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد. حلت له شفاعتي يوم القيامة". 209 - فقد رغَّب المسلمين في أن يسألوا الله له الوسيلة، وبيَّن أن من سألها له حلت له شفاعته يوم القيامة، كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرا، فإن الجزاء من جنس العمل. 210 - ومن هذا الباب الحديث الذي رواه أحمد (2) وأبو داود (3)

_ (1) 10 - كتاب الأذان، 8 - باب الدعاء عند النداء، حديث (614) . وأبو داود (1/362) ، 2 - كتاب الصلاة، 38 - باب ما جاء في الدعاء عند الأذان، حديث (526) . والنسائي (2/22) كتاب الأذان، باب الدعاء عند الأذان. والترمذي (1/413) . أبواب الصلاة، باب 157، حديث (211) . وأحمد (3/354) . وابن ماجه (1/239) ، 3 - كتاب الأذان، حديث (722) . والسنن الكبرى للبيهقي (1/410) . كلهم من حديث جابر - رضي الله عنه -. أَمَّا كلمة "الدرجة الرفيعة" فهي مدرجة ولم يذكرها أحد إلا ابن السني. وكذلك كلمة "إنك لا تخلف الميعاد" عند البيهقي، فهي شاذة. وهاتان الكلمتان لعلهما من زيادة بعض نساخ هذا الكتاب. والله أعلم. انظر: الإرواء (1/260، 261) . (2) (1/29) . (3) (2/169) ، كتاب الصلاة، 358 - باب الدعاء، حديث (1498) .

والترمذي (1) وصححه، وابن ماجه (2) أن عمر بن الخطاب استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له ثم قال: "ولا تنسنا يا أخي من دعائك". 211 - فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر أن يدعو له كطلبه أن يصلي عليه ويسلم عليه وأن يسأل الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة، وهو كطلبه أن يعمل سائر الصالحات، فمقصوده نفع المطلوب منه والإحسان إليه. وهو صلى الله عليه وسلم أيضاً ينتفع بتعليمهم الخير وأمرهم به، وينتفع أيضاً بالخير الذي يفعلونه من الأعمال الصالحة ومن دعائهم له. 212 - ومن هذا الباب قول القائل: إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت" قال: الربع؟ قال: "ما شئت، وإن زدت (3) فهو خير لك" قال: النصف؟ قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير لك" قال: الثلثين؟ قال: "ما شئت، وإذا زدت فهو خير لك" قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذًا تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك" رواه أحمد (4) في مسنده والترمذي (5)

_ (1) (5/559) ، 49 - كتاب الدعوات، باب 110 حديث (3562) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (2) (2/966) ، 25 - كتاب المناسك 5 - باب فضل دعاء الحاج، حديث (2894) . كلهم من طريق عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن سالم عن أبيه أن عمر استأذن النبي صلى الله عليه وسلم به. وعاصم ضعيف. وقد ضعف الحديث الشيخ الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح (1/690) وفي ضعيف الجامع (6/78) . (3) في خ: "أردت". (4) (5/136) من حديث وكيع. (5) (4/636 - 637) ، 38 - كتاب صفة القيامة، باب 23 حديث (2457) من حديث قبيصة.

وغيرهما (1) . 213 - وقد بسط الكلام عليه في (جواب المسائل البغدادية) (2) . 214 - فإن هذا كان له دعاء يدعو به، فإذا جعل مكان دعائه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته، فإنه كما صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرا، وهو لو دعا لآحاد المؤمنين لقالت الملائكة: "آمين، ولك بمثلٍ" (3) فدعاؤه للنبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك. 215 - ومن قال لغيره من الناس: ادع لي - أو لنا - وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضاً بأمره وبفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤتم به، ليس هذا من السؤال المرجوح. 216 - وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته لم يقصد نفع ذلك والإحسان إليه، فهذا ليس من المقتدين بالرسول المؤتمين به في ذلك،

_ (1) منهم الحاكم في المستدرك (2/421) من طريق قبيصة. والإمام إسماعيل بن إسحاق في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 29) ، حديث (14) من طريق سعيد بن سلام العطار. كلهم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم، وقال العلامة الألباني في تعليقه عليه: "حديث جيد". وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل لينه أبو حاتم الرازي وابن خزيمة واحتج بحديثه أحمد وإسحاق، ووثقه البخاري والترمذي وحسن الذهبي حديثه، وهو الأعدل والأقرب. (2) يبحث عن جواب المسائل البغدادية. (3) تقدم تخريجه في ص 61.

بل هذا هو من السؤال المرجوح الذي تَرْكه إلى الرغبة إلى الله وسؤاله (1) أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله. وهذا كله من سؤال الأحياء السؤال الجائز المشروع. 217 - وأما سؤال الميت فليس بمشروع ولا واجب ولا مستحب بل ولا مباح، ولم يفعل هذا قط أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من سلف الأمة؛ لأن ذلك فيه مفسدة راجحة وليس فيه مصلحة راجحة، والشريعة إنما تأمر بالمصالح الخالصة أو الراجحة، وهذا ليس فيه مصلحة راجحة بل إمّا أن يكون مفسدة محضة أو مفسدة راجحة، وكلاهما غير مشروع. 218 - فقد تبين أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من طلب الدعاء من غيره هو من باب الإحسان إلى الناس / الذي هو واجب أو مستحب. 219 - وكذلك ما أمر به من الصلاة على الجنائز ومن زيارة قبور المؤمنين والسلام عليهم والدعاء لهم هو من باب الإحسان إلى الموتى الذي هو واجب أو مستحب، فإن الله تعالى أمر المسلمين بالصلاة والزكاة، فالصلاة حقٌّ الحقِّ في الدنيا والآخرة، والزكاة حقٌّ الخلق. 220 - فالرسول أمر الناس بالقيام بحقوق الله وحقوق عباده، بأن يعبدوا الله لا يشركوا به شيئاً. ومن عبادته الإحسان إلى الناس حيث أمرهم الله سبحانه به كالصلاة على الجنائز وكزيارة قبور المؤمنين،

_ (1) في ز، ب: "ورسوله" وهذا خطأ فاحش من الطابعين، والصواب وسؤاله كما في الأصل لأنه لا يجوز أن تكون الرغبة إلى غير الله، كما قال تعالى: {وإلى ربك فارغب} سورة الشرح: 8، {إنا إلى الله راغبون} . سورة التوبة: 59.

فاستحوذ الشيطان على أتباعه فجعل قصدهم بذلك الشرك بالخالق وإيذاء المخلوق، فإنهم إذا كانوا إنما يقصدون بزيارة قبور الأنبياء والصالحين سؤالهم أو السؤال عندهم أو بهم (1) ، لا يقصدون السلام عليهم ولا الدعاء لهم كما يقصد بالصلاة على الجنائز كانوا بذلك مشركين، وكانوا مؤذين ظالمين لمن يسألونه، وكانوا ظالمين لأنفسهم. فجمعوا بين أنواع الظلم الثلاثة. 221 - فالذي شرعه الله ورسوله توحيد وعدل وإحسان وإخلاص وصلاح للعباد في المعاش والمعاد، وما لم يشرعه الله ورسوله من العبادات المبتدعة فيه شرك وظلم وإساءة وفساد العباد في المعاش والمعاد. فإن الله تعالى أمر المؤمنين بعبادته والإحسان إلى عباده كما قال تعالى (4: 36) : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} وهذا أمر بمعالي الأخلاق، وهو سبحانه يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها. 222 - وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" رواه الحاكم في صحيحه (2) .

_ (1) في ز، ب: "أنهم" بدل "بهم" وهو غلط. (2) المستدرك (2/613) . وأحمد (2/381) . والبخاري: في الأدب المفرد (ص 104) ، حديث (273) . وابن سعد في الطبقات (1/192) . كلهم من طريق محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي. وحسن الألباني إسناده، ثم قال: وله شاهد. أخرجه ابن وهب في الجامع (ص 75) ، أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم مرفوعاً به، وهذا مرسل حسن الإسناد، =

223 - وقد ثبت عنه في الصحيح صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى" (1) .

_ = فالحديث صحيح، وقد رواه مالك في الموطأ (2/904) ، وقال ابن عبد البر: هو حديث صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره. انظر الصحيحة (1/75) حديث (45) . (1) البخاري، 24 - كتاب الوصايا، باب 9 - حديث (2750) . و 24 - كتاب الزكاة، 18 - باب لا صدقة إلا عن ظهر غني، حديث (1427) ، ومسلم (2/718) ، 32 - باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، حديث (96) . وأحمد (3/402) . والنسائي (5/45) ، كتاب الزكاة، باب اليد العليا. والدارمي (1/327) 22 - باب فضل اليد العليا، حديث (1660) . كلهم من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -. والبخاري 24 - كتاب الزكاة، باب 18 - باب لا صدقة إلا عن ظهر غني حديث (1429) . ومسلم (2/717) ، 12 - كتاب الزكاة، 32 - باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، حديث (94) . والنسائي (5/26) كتاب الزكاة، باب اليد السفلى. أحمد (2/4) . وأبو داود (2/297) . 3 - كتاب الزكاة، 28 - باب الاستعفاف، حديث (1648) . والدارمي (2/327) ، كتاب الزكاة، باب فضل اليد العليا، حديث (1659) . والموطأ (2/998) ، 58 - كتاب الصدقة، حديث (8) . كلهم من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. والبخاري، كتاب الزكاة، حديث (1428) حوالة على حديث حكيم. والنسائي (5/46) ، كتاب الزكاة، باب الصدقة عن ظهر غني. والترمذي (3/55) ، 5 - كتاب الزكاة، 38 - باب ما جاء في النهي عن المسألة، حديث (680) . وأحمد (2/230) . كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. ومسلم (2/718) ، 12 - كتاب الزكاة، 32 - باب بيان أن اليد العليا خير من السفلى، حديث (97) . وأحمد (5/262) من حديث أبي أمامة. وأحمد (3/330، 346) ، من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -. وقال الترمذي عقب حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وفي الباب عن حكيم بن حزام، وأبي سعيد الخدري، والزبير بن العوام، وعطية السعدي، وعبد الله ابن مسعود، ومسعود بن عمرو، وابن عباس، وثوبان، وزياد بن الحارث الصدائي، وأنس، وحبشي ابن جنادة وقبيصة بن مخارق، وسمرة، وابن عمر - رضي الله عنهم أجمعين -.

224 - وقال: "اليد العليا هي المعطية واليد السفلى السائلة (1) " (2) . 225 - وهذا ثابت عنه في الصحيح. فأين الإحسان إلى عباد الله من إيذائهم بالسؤال والشحاذة لهم؟. 226 - وأين التوحيد للخالق بالرغبة إليه والرجاء له والتوكل عليه والحب له من الإشراك به بالرغبة إلى المخلوق والرجاء له والتوكل عليه وأن يحب كما يحب الله؟ 227 - وأين صلاح العبد في عبودية الله والذل له والافتقار إليه من فساده في عبودية المخلوق والذل له والافتقار إليه؟. 228 - فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتلك الأنواع الثلاثة الفاضلة المحمودة التي تصلح أمور أصحابها في الدنيا والآخرة، ونهى عن الأنواع الثلاثة التي تفسد أمور أصحابها، ولكن الشيطان يأمر بخلاف ما يأمر به الرسول، قال تعالى (36: 60 - 62) : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ

_ (1) في ز: "هي السائلة". (2) البخاري 24 - الزكاة، 18 - باب لا صدقة إلا عن ظهر غني، حديث (1429) . وأخرجه مسلم (2/717) ، 12 - الزكاة حديث (94) . والنسائي (5/46) ، كتاب الزكاة، باب أيتها هي العليا. وأبو داود (2/297) 3 - كتاب الزكاة، 28 - باب في الاستعفاف حديث (1648) . ومالك في الموطأ (2/998) ، 58 - كتاب الصدقة، حديث (8) . وأحمد (1/446) . وهو جزء من حديث ابن عمر، الذي سبق تخريجه ويشهد لهذا الجزء حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيدي ثلاثة؛ فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى". وفيه إبراهيم بن مسلم الهَجَري، لين الحديث لكنه يصلح للاستشهاد.

لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} ، وقال تعالى (15: 42) : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ} ، وقال تعالى (16: 98 - 99) : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} ، وقال تعالى (43: 36 - 37) : {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} ، وذكر الرحمن هو الذكر الذي أنزل الله على رسوله الذي قال فيه (15: 9) : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وقال تعالى (20: 123 - 126) : {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} ، وقد قال تعالى (7: 1 - 3) ، {المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} ، وقد قال تعالى (14: 1 - 2) : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} ، وقال تعالى (42: 52 - 53) : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الأيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا

نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ/ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ} . 229 - فالصراط المستقيم هو ما بعث الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بفعل ما أمر، وترك ما حظر، وتصديقه فيما أخبر، لا طريق إلى الله إلا ذلك. وهذا سبيل أولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين وجند الله الغالبين، وكل ما خالف ذلك فهو من طرق أهل الغي والضلال، وقد نزه الله تعالى نبيه عن هذا وهذا فقال تعالى (53: 1 - 4) : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى} وقد أمرنا الله سبحانه أن نقول في صلاتنا: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} . 230 - وقد روى الترمذي (1) وغيره عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون". قال الترمذي: حديث صحيح.

_ (1) (5/203) ، 48 - كتاب التفسير، سورة الفاتحة، جزء من حديث برقم (2953) ، (5/204) ، حديث (2954) . وأحمد (4/378) كلاهما من طريق سماك بن حرب، سمعت عباد ابن حبيش، يحدث عن عدي بن حاتم، وساقا حديثاً طويلاً منه هذا القدر الذي ساقه شيخ الإسلام. وعباد بن حبيش مقبول لكن له متابعتان رواهما ابن جرير في تفسيره (1/79 - 80) . 1 - قال: حدثني أحمد بن الوليد الرملي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي عن عدي بن حاتم مرفوعاً. 2 - من طريق محمد بن مصعب عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن مري بن قطري عن عدي بن حاتم مرفوعاً. بلفظ "المغضوب عليهم هم اليهود". =

231 - وقال سفيان بن عيينة: كانوا يقولون من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا ففيه شبه من النصارى. 232 - وكان غير واحد من السلف يقول: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون. 233 - فمن عرف الحق ولم يعمل به أشبه اليهود الذين قال الله فيهم (2: 44) : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} . 234 - ومن عبد الله بغير علم بل بالغلو والشرك أشبه النصارى الذين قال الله فيهم (5: 77) : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} . 235 - فالأول من الغاوين، والثاني من الضالين؛ فإن الغي اتباع الهوى، والضلال عدم الهدى، قال تعالى (7: 175 - 176) : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ، وقال تعالى (7: 146) : {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ

_ = وله شاهد مرسل رواه ابن جرير في الموضع المشار إليه. من طرق إلى عبد الله بن شقيق. وبهاتين المتابعتين والشاهد المرسل تتقوى رواية عباد بن حبيش فترتقي إلى درجة الحسن لغيره، والله أعلم.

يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} . ومن جمع الضلال والغي ففيه شبه من هؤلاء وهؤلاء. نسأل الله تعالى (1) أن يهدينا وسائر إخواننا صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

_ (1) سقطت من: ز، ب.

الفصل الثالث

فصل 236 - إذا عرف هذا فقد تبين أن لفظ "الوسيلة" و"التوسل" فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه، ويعطى كل ذي حق حقه، فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه، وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك. 237 - ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه فإن كثيراً من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب. 238 - فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى (5: 35) : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} وفي قوله تعالى (17: 56 - 57) : {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} . 239 - فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغى إليه وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه هي ما يتقرب به إليه من الواجبات والمستحبات. 240 - فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك سواء كان محرماً أو مكروهاً أو مباحاً.

241 - فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول/ فأمر به أمر إيجاب أو استحباب، وأصلُ ذلك الإيمان بما جاء به الرسول. 242 - فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى ذلك إلا ذلك. 243 - والثاني لفظ "الوسيلة" في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة" (1) . 244 - وقوله: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد (2) ، حلت له الشفاعة". 245 - فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة، وأخبر أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله وهو يرجو أن يكون ذلك العبد، وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول وأخبر أن من سأل له هذه (3) الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة لأن الجزاء من جنس العمل، فلما دعوا للنبي صلى الله عليه وسلم استحقوا أن يدعو هو لهم، فإن الشفاعة نوع من الدعاء كما قال: إنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه

_ (1) تقدم تخريجه في ص (72) رقم (1) . (2) تقدم تخريجه في (ص 73) رقم (1) . (3) سقطت من: ز، ب.

بها عشرا (1) . 246 - وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته. 247 - والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به كما يقسمون ويسألون (2) بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح. 248 - وحينئذ فلفظ التوسل به يراد به (3) معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة. فأما المعنيان الأولان - الصحيحان باتفاق العلماء - فأحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته. والثاني: دعاؤه وشفاعته كما تقدم. فهذان جائزان بإجماع المسلمين. 249 - ومن هذا قول عمر بن الخطاب: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا (4) . أي بدعائه وشفاعته.

_ (1) هذا جزء من الحديث الذي تقدم تخريجه في (ص 72) رقم (1) . (2) سقط من: ز، ب. (3) كلمة "يراد به" سقطت من: ز. (4) أخرجه البخاري، 15 - كتاب الاستسقاء، 3 - باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، حديث (1010) ، و 62 - كتاب فضائل الصحابة، 11 - باب ذكر =

وقوله تعالى (5: 35) : {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أي القربة إليه بطاعته. وطاعةُ رسوله طاعته، قال تعالى (4: 80) : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاع الله} . 250 - فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين. وأما التوسل بدعائه وشفاعته - كما قال عمر - فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسُّل بعمه العباس ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له فإنه مشروع دائماً. 251 - فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان: أحدهما: التوسل بطاعته، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به. 252 - والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته. 253 - والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف

_ = العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - حديث (3710) . وابن سعد في الطبقات (4/28 - 29) . والبيهقي في السنن الكبرى (3/88) . كلهم من حديث أنس - رضي الله عنه -.

هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عن من ليس قوله حجة كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى. 254 - وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز، ونهوا عنه حيث قالوا: لا يُسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك/. 255 - قال أبو الحسين القدوري في كتابه الكبير في الفقه المسمى بشرح الكرخي في باب الكراهة: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبي حنيفة. 256 - قال بشر بن الوليد حدثنا أبو يوسف قال: قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به. وأكره أن يقول: "بمعاقد العز من عرشك" أو "بحق خلقك". وهو قول أبي يوسف. قال أبو يوسف: بمعقد العز من عرشه هو الله فلا أكره هذا، وأكره أن يقول بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام (1) . 257 - قال القدوري: المسألة بخلقه لا تجوز لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقاً. 258 - وهذا الذي قاله أبو حنيفة وأصحابه من أن الله لا يسأل بمخلوق له معنيان:

_ (1) انظر: الجامع الصغير للشيباني مع النافع الكبير للكنوي ص 395، والهداية (2/402) ط الهندية والفتاوى البزازية (3/351) ، الدر المختار في الفقه الحنفي (2/630) . الفتاوى الهندية (5/280) . وشرح الإحياء للزبيدي (2/285) .

259 - أحدهما: هو موافق لسائر الأئمة الذين يمنعون أن يقسم أحد بالمخلوق، فإنه إذا منع أن يقسم على مخلوق بمخلوق، فَلأنْ يمنع أن يقسم على الخالق بمخلوق أولى وأحرى. 260 - وهذا بخلاف إقسامه سبحانه بمخلوقاته كالليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، والشمس وضحاها، والنازعات غرقا، والصافات صفا. 261 - فإن إقسامه بمخلوقاته يتضمن من ذكر آياته الدالة على قدرته وحكمته ووحدانيته ما يحسن معه إقسامه، بخلاف المخلوق فإن إقسامه بالمخلوقات شرك بخالقها كما في السنن (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: 262 - "من حلف بغير الله فقد أشرك" وقد صححه الترمذي وغيره، وفي لفظ "فقد كفر" وقد صححه الحاكم. 263 - وقد ثبت عنه في الصحيحين (2) أنه قال: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" وقال: "لا تحلفوا

_ (1) الترمذي (4/110) وحسنه، 21 - كتاب النذور والأيمان 8 - باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، حديث (1535) . وأحمد (2/34، 86، 125) . وأبو داود (3/570) ، 16 - كتاب الأيمان والنذور، 5 - باب كراهية الحلف بالآباء، حديث (3251) . وابن حبان كما في الموارد (ص 286) ، حديث (1177) . والحاكم (1/18) كتاب الأيمان، و (4/297) كتاب الأيمان والنذور. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي"، وأبو داود الطيالسي في مسنده ص 257 حديث 1896، والبيهقي في السنن (10، 29) كتاب الأيمان. والطحاوي في المشكل (1/359) من طريق سعد بن عبيدة عن ابن عمر - رضي الله عنهما -. (2) البخاري، 83 - كتاب الأيمان والنذور، 4 - باب لاتحلفوا بآبائكم، حديث (6646) ، 52 - كتاب الشهادات، 26 - باب كيف يستحلف حديث (2679) ، 78 - كتاب الأدب، (6108) . ومسلم (3/1266) ، 27 - كتاب الأيمان، حديث =

إلا بالله" (1) . وقال: "لا تحلفوا بآبائكم فإن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" (2) . 264 - وفي الصحيحين (3) عنه أنه قال: "من حلف باللات والعُزَّى فليقل: لا إله إلا الله". 265 - وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالمخلوقات المحترمة أو بما يعتقد هو حرمته كالعرش والكرسي والكعبة والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة والصالحين والملوك وسيوف المجاهدين وترب الأنبياء والصالحين وأيمان السذق (4) وسراويل

_ = (3، 4) . والدارمي (2/106) ، حديث (2346) . ومالك في الموطأ، (2/480) ، 22 - كتاب النذور والأيمان 9 - باب جامع الأيمان حديث (14) . وأحمد (2/7، 11) . كلهم من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -. (1) سقط من ز قوله: "وقال: لا تحلفوا إلا بالله"، ومن ب قوله: "ليصمت" وقال لا تحلفوا إلا بالله. والحديث أخرجه أبو داود (3/569) 16 - 5 باب كراهية الحلف بالآباء حديث (3248) من طريق عبيد الله بن معاذ عن أبيه حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون والنسائي (7/5 - 6) بإسناده ومتنه وإسناده صحيح. (2) هو جزء من حديث ابن عمر السابق. (3) أخرجه البخاري 83 - كتاب الأيمان والنذور. 5 - باب لا يحلف باللات والعزى، حديث (6650) . ومسلم (2/1267) ، 27 - كتاب الأيمان 2 - باب من حلف باللات والعزى، حديث (5، 6) . وأبو داود (3/568) ، 16 - كتاب الأيمان والنذور. 4 - باب الحلف بالأنداد، حديث (3247) . والترمذي (4/116) ، 21 - كتاب الأيمان والنذور، باب 17 حديث (1545) . والنسائي (7/7) باب الحلف باللات. وأحمد (2/309) . (4) لعلها "السذق" فارسية معربة وهي ليلة الوقود يعظمها المجوس، أو تكون مصحفة عن الصدق كما يدرج في لهجة العوام من الدروز.

الفتوة وغير ذلك لا ينعقد يمينه ولا كفارة في الحلف بذلك. 266 - والحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور (1) وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد. وقد حكي إجماع الصحابة على ذلك. وقيل: هي مكروهة كراهة تنزيه. 267 - والأول أصح حتى قال عبد الله بن مسعود وعبد الله (2) ابن عباس وعبد الله بن عمر: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليَّ من أن

_ (1) بل حكى ابن حزم الإجماع على ذلك، فقال في مراتب الإجماع (ص 158) : "واتفقوا أن من حلف ممن ذكرنا بحق زيد أو عمرو أو بحق ابنه أنه آثم". يريد بقوله من ذكر؛ الحر والعبد الذكر والأنثى البالغين العقلاء غير المكرهين ولا الغضاب ولا السكارى، فإنه ذكرهم قبل هذه الفقرة. (2) روى عبد الرزاق عن الثوري، عن أبي سلمة عن وبرة، قال: قال عبد الله - لا أدري ابن مسعود أو ابن عمر -: لأن أحلف بالله كاذباً، أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً (المصنف 8/469) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/177) . وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح، وهو في الطبراني (9/205) حديث (8902) . وفي المدونة (2/108) ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن وبرة أن ابن مسعود كان يقول: لأن أحلف بالله كاذباً ... إلخ. وفي المدونة (2/108) "وقال ابن عباس لرجل حلف بابنه: لأن أحلف مائة مرة بالله، ثم آثم أحب إلي من أن أحلف بغيره واحدة ثم أبر". وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يخبر أنه سمع عبد الله بن الزبير يخبر، أن عمر لما كان بالمخمص من عسفان استبق الناس فسبقهم عمر، فقال ابن الزبير، فانتهرت فسبقته، فقلت سبقته والكعبة. ... ثم انتهر الثالثة فسبقني، فقال: سبقته والله، ثم أناخ فقال: والله لو أعلم أنك فكرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك أحلف بالله فأثم أو أبرر". المصنف (8/468) . وأخرجه البيهقي (10/29) من طريق الوليد بن مسلم مختصراً، وفيه فأراد أن يضربني وفي هذا الأثر "أن عمر يرى أن الحلف بالله وإن أثم فيه أهون من الحلف بغيره باراً وهو معنى قول ابن مسعود".

أحلف بغير الله صادقاً. وذلك لأن الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم من الكذب. 268 - وإنما يعرف النزاع في الحلف بالأنبياء، فعن أحمد في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم روايتان: إحداهما: لا ينعقد اليمين به كقول الجمهور؛ مالك وأبي حنيفة والشافعي. والثانية: ينعقد اليمين به واختار ذلك طائفة من أصحابه كالقاضي وأتباعه، وابن المنذر وافق هؤلاء. وقصر أكثر هؤلاء النزاع في ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وعدَّى ابن عقيل هذا الحكم إلى سائر الأنبياء. 269 - وإيجاب الكفارة بالحلف بمخلوق وإن كان نبيًّا قول ضعيف في الغاية مخالف للأصول والنصوص فالإقسام به على الله - والسؤال به بمعنى الإقسام - هو من هذا الجنس. 270 - وأما السؤال بالمخلوق إذا كانت فيه باء السبب ليست باء القسم - وبينهما فرق - فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإبرار القسم. 271 - وثبت عنه في الصحيحين (1) أنه قال: "إن من عباد الله

_ (1) أخرجه البخاري (5/306) مع الفتح، 53 - كتاب الصلح، 8 - باب الصلح في الدية، حديث (2703) ، (6/21) مع الفتح، 56 - كتاب الجهاد، حديث (2806) . ومسلم (3/1302) ، 28 - كتاب القسامة، 5 - باب إثبات القصاص في الأسنان، حديث (24) . وأبو داود (4/717) ، 33 - كتاب الديات، 32 - باب القصاص من =

من لو أقسم على الله لأبره" قال ذلك لما قال أنس بن النضر: أتكسرُ (1) ثنية الربيع؟ قال: لا والذي بعثك بالحق لا تكسر سنها. فقال: "يا أنس كتابُ. الله القصاص"، فرضي القوم وعفوا، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره". 272 - وقال: "ربَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" رواه مسلم (2) وغيره.

_ = السن، حديث (4595) . والنسائي (8/24) ، القسامة، باب القصاص في السن، وباب القصاص من الثنية. والترمذي (5/693) 50 - كتاب المناقب، 55 - باب مناقب البراء بن مالك، حديث (3854) . وابن ماجه (2/884) ، 21 - كتاب الديات، 16 - باب القصاص في السن، حديث (2649) . وأحمد (3/128، 167) كلهم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (1) في النسخ المطبوعة: "نكسر بالنون" وهو تصحيف. (2) (4/2024) ، 45 - باب فضل الضعفاء والخاملين حديث (138) ، و (4/2190) ، 51 - كتاب الجنة، حديث (48) في الموضعين عن سويد بن سعيد، حدثني حفص بن ميسرة عن العلاء عن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً وسويد بن سعيد، قال فيه الذهبي: كان يحفظ لكنه تغير الكاشف (1/411) . وقال الحافظ: صدوق في نفسه إلاَّ أنه عمي فصار يتلقن، التقريب (1/340) . وقد رواه مسلم في الموضع الثاني في الشواهد، وله متابعة رواها الحاكم في "المستدرك" (4/328) ، والطحاوي في مشكل الآثار (1/292) . وأبو نعيم من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيري، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً. ورواها أبو نعيم في الحلية (1/7) بهذا الإسناد إلاَّ أنه قال: عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، قال الحاكم عقب هذا الحديث: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قال الشيخ الألباني - حفظه الله - معلقاً على الحاكم والذهبي: قلت: وفيه نظر؛ فإن المطلب ابن عبد الله صدوق كثير التدليس كما في التقريب، وقد عنعنه، وكثير بن زيد، وهو المدني. قال الحافظ: صدوق يخطئ تخريج أحاديث مشكلة الفقر (ص 79) . =

273 - وقال: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار/ كل عُتُلّ جوّاظ (1) مستكبر" (2) . وهذا في الصحيحين وكذلك [حديث] أنس بن النضر والآخر

_ = أقول أنا الضعيف: قد روى أبو نعيم هذا الحديث عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح، وصوب الحافظ أنه رباح بن الوليد وهو صدوق؛ فإن كان كثير روى عنهما ففي رواية أبي نعيم متابعة رباح بن الوليد للمطلب بن عبد الله وانزاحت تهمة التدليس عن رواية المطلب. ويجوز في هاتين الروايتين أمران آخران: الأول؛ أن تكون إحداهما محفوظة والأخرى شاذة أو منكرة، لكن ليس لدينا من القرائن ما ترجح به إحدى الروايتين على الأخرى وينشأ عن هذا الأمر الثاني؛ وهو أن يكون هذا من اضطراب كثير بن زيد لأنه ليس بالحافظ وهو الذي يغلب على الظن. وعلى ثبوت هذه العلة فإن حديث أبي هريرة في غنى عن هذه المتابعة. فإن الإمام مسلما - رحمه الله - أورده شاهداً لحديث حارثة بن وهب الخزاعي الذي رواه بلفظ "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ " قالوا: بلى، قال: "كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره ... " الحديث، وهو في كتاب الجنة برقم، (46، 47) قبل حديث أبي هريرة مباشرة. ورواه البخاري في 65 - كتاب التفسير سورة 68، حديث (4918) . وابن ماجه (2/1378) ، 37 - كتاب الزهد، حديث (4116) . وأحمد (4/306) . والطحاوي في المشكل (1/293) . كما يشهد له حديث أنس السابق. ولأنس رواية أخرى بلفظ "كم أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره". أخرجه الترمذي (5/693) . 50 - كتاب المناقب، باب مناقب البراء بن مالك، حديث (3854) وله شاهدان آخران: أحدهما: عن حذيفة أخرجه أحمد (5/407) . وثانيهما: عن سراقة بن مالك أخرجه الحاكم (3/619) . (1) العتل: الغليظ الجافي. من العتلة وهي حديدة كبيرة يقلع بها الحجر. والجواظ: الكثير اللحم المختال في مشيته. (2) أخرجه مسلم 51 - كتاب الجن 13 - باب النار يدخلها الجبارون حديث 46.

من أفراد مسلم (1) . 274 - وقد روى في قوله: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" (2) أنه قال: "منهم البراء بن مالك" (3) . 275 - وكان البراء إذا اشتدت الحرب بين المسلمين والكفار يقولون: يا براء، أقسم على ربك. فيقسم على الله فينهزم الكفار. فلما كانوا على قنطرة بالسوس قالوا: يا براء أقسم على ربك. فقال: يا رب أقسمت عليك لما منحتنا أكتفاهم وجعلتني أول شهيد. فأبر الله قسمه فانهزم العدو واستشهد البراء بن مالك يومئذ. وهذا هو أخو أنس بن مالك، قتل مائة رجل مبارزة غير من شرك في دمه، وحمل يوم مسيلمة على ترس ورمي به إلى الحديقة حتى فتح الباب (4) . 276 - والإقسام به على الغير أن يحلف المقسم على غيره ليفعلن كذا؛ فإن حنثه ولم يبر قسمه فالكفارة على الحالف لا على المحلوف عليه

_ (1) سبق تخريجه (ص 92) رقم (1) . (2) سبق تخريجه (ص 93) رقم (2) . (3) البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم الأنصاري النَّجاري البطل الكرار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو خادم النبي صلى الله عليه وسلم، شهد المشاهد كلها إلا بدراً، وشهد وقعة اليمامة، مات سنة 20. ترجمته في أسد الغابة (1/206) ، والإصابة (1/147) ، وتاريخ الطبري (3/209) ، وسير أعلام النبلاء (1/195) . (4) أخرجه خليفة في تاريخه ص 109 من طريق ابن إسحاق معضلاً ومن طريق الأنصاري عن أبيه عن ثمامة عن أنس رضي الله عنه، ولم نقف لأبيه على ترجمة ولعله عن عمه ثمامة. وعلى كل حال، فالأنصاري هو عبد الله بن المثنى وهو صدوق كثير الغلط، فالأثر ضعيف لا يثبت - والله أعلم -.

عند عامة الفقهاء، كما لو حلف على عبده أو ولده أو صديقه ليفعلن شيئاً ولم يفعله فالكفارة على الحالف الحانث. 277 - وأما قوله: "سألتك بالله أن تفعل كذا" فهذا سؤال وليس بقسم، وفي الحديث "من سألكم بالله فأعطوه" (1) ولا كفارة علىهذا إذا لم يجب سؤاله. 278 - والخلق كلهم يسألون الله مؤمنهم وكافرهم، وقد يجيب الله دعاء الكفار؛ فإن الكفار يسألون الله الرزق فيرزقهم ويسقيهم، وإذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون إلا إياه، فلما نجاهم إلى البر أعرضوا وكان الإنسان كفورا (2) . وأما الذين يقسمون على الله فيبر قسمهم فإنهم ناس مخصوصون. 279 - فالسؤال كقول السائل لله: أسألك بأن لك الحمد أنت الله المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام (3) .

_ (1) تقدم تخريجه ص 67. (2) إشارة إلى الآية 67 من سورة الإسراء. (3) صحيح: أخرجه الترمذي (5/550) ، 49 - كتاب الدعوات، 100 - باب خلق الله مائة رحمة حديث (3544) . وابن ماجه (2/1268) ، 34 - كتاب الدعاء، 9 - باب اسم الله الأعظم، حديث (3858) . والنسائي (3/44) كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر. وأحمد (3/120، 158، 245، 265) . وأبو داود 2/167) ، كتاب الصلاة، 358 - باب الدعاء، حديث (1495) . كلهم من طرق عن أنس - رضي الله عنه - بلفظ "اللهم إني أسألك ... " مختصراً أحياناً ومطولاً أخرى. فأحمد في طريق، وأبو داود، والنسائي رووه من طريق خلف بن خليفة عن حفص بن عمر - ابن أخي أنس - عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً. وهذا إسناد حسن، والحديث من هذين الطريقين صحيح لغيره. =

280 - وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد (1) . 281 - وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك (2) .

_ = ثم رواه أحمد فقال: حدثنا وكيع، حدثني أبو خزيمة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك وهو إسناد حسن - أيضاً -. أَمَّا الترمذي ففي إسناده سعيد بن زربي وهو منكر الحديث. ثم رواه أحمد من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن عاصم الأحول عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة. وفي هذا الإسناد سلمة بن الفضل الأبرشي قاضي الري صدوق كثير الخطأ، ومحمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن فالمعول في ثبوت الحديث على الإسنادين الأولين ويستأنس لهما بالأخير. (1) أخرجه أبو داود (2/167) ، كتاب الصلاة 358 - باب الدعاء حديث (1493) . والترمذي (5/515) ، 49 - كتاب جامع الدعوات حديث (3475) . وابن ماجه (2/1267) 34 - كتاب الدعاء حديث (3857) . وأحمد (5/349) . بأسانيدهم إلى مالك بن مِغْوَل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بلفظ "اللهم إني أشهد أنك أنت الله" ... إلخ وعند ابن ماجه "بأنك أنت الله" وهو إسناد صحيح. وأخرجه النسائي (3/45) عن عمرو بن يزيد قال: عن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي قال حدثنا حسين المعلم عن ابن بريد، قال حدثني حنطلة بن علي أن محجن بن الأردح بلفظ "اللهم إني أسألك يا الله بأنك الواحد الأحد"، وعمرو بن يزيد قال الذهبي في الكاشف ضعفوه، وفي الميزان (3/293) . قال يحيى: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال الدارقطني وغيره: ضعيف. وهذه المخالفة التي وقعت في الإسناد لعلها من عمرو بن يزيد وهو ضعيف كما عرفت فلا تأثير لها؛ لأن الرواة عن مالك بن مغول من كبار الحفاظ مثل زهير بن معاوية، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح. (2) صحيح: أخرجه أحمد (1/391، 452) . وأبو يعلى في مسنده (ق 156/1) كما في الصحيحة للألباني (1/177) . والطبراني في الكبير (10/209 - 210) حديث =

282 - فهذا سؤال الله تعالى بأسمائه وصفاته، وليس ذلك إقساماً (1) عليه، فإن أفعاله هي مقتضى أسمائه وصفاته، فمغفرته ورحمته من مقتضى اسمه الغفور الرحيم، وعفوه من مقتضى اسمه العفو. ولهذا لما قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن وافقتُ ليلة القدر ماذا أقول؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني" (2) . 283 - وهدايته ودلالته من مقتضى اسمه الهادي، وفي الأثر

_ = (10352) . وابن حبان كما في الموارد (ص 589) رقم 3272) . والحاكم (1/509) كتاب الدعاء. من طريق فضيل بن مرزوق، حدثنا أبو سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله - يعني ابن مسعود - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن"، "فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك عدل فيَّ فضاؤك أسألك بكل اسم هو لك ... " الحديث، وللحديث شاهد عن أبي موسى الأشعري أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص 133) . حديث (341) بإسناد لا بأس به عن فياض بن غزوان عن عبد الله بن زبيد عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال الشيخ الألباني - بعد بحث نفيس -: "وجملة القول: أن الحديث صحيح، من رواية ابن مسعود وحده، فكيف إذا انضم إليه حديث أبي موسى - رضي الله عنهما - وقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، وتلميذه ابن القيم وقد صرح بذلك في أكثر كتبه منها "شفاء العليل" (ص 274) ". (1) في خ: "إقسام" وهو خطأ. (2) صحيح: أخرجه الترمذي (5/534) ، 49 - كتاب الدعوات، باب 85 حديث (3513) . وابن ماجه (2/1265) ، 34 - كتاب الدعاء، 5 - باب الدعاء في حديث (3850) . وأحمد (6/171، 182، 183، 208، 258) كلهم من طرق صحيحة، إلى كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عائشة - رضي الله عنها -. وأحمد والحاكم (1/530) ، كتاب الدعاء عن أبي النضر، ثنا الأشجعي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عند أحمد (6/258) وعند الحاكم عن سليمان بن بريدة عن عائشة. وعند أحمد وحده عن يزيد وعن علي بن عاصم كليهما عن الجريري عن عبد الله بن بريدة، فالحديث صحيح.

المنقول عن أحمد بن حنبل أنه أمر رجلاً أن يقول: يادليل الحيارى دلني على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين. 284 - وجميع ما يفعل الله بعبده من الخير من مقتضى اسمه الرب، ولهذا يقال في الدعاء: يا رب يا رب كما قال آدم (7: 23) : {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} ، وقال نوح (11: 47) : {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ} وقال إبراهيم (14: 37) : {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ ... } وكذلك سائر الأنبياء. 285 - وقد كره مالك وابن أبي عمران من أصحاب أبي حنيفة وغيرهما أن يقول الداعي يا سيدي يا سيدي (1) وقالوا: قل كما قالت الأنبياء، رب رب. 286 - واسمه الحي القيوم يجمع أصل معاني الأسماء والصفات كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله إذا اجتهد في الدعاء (2) .

_ (1) في ز، ب: "يا سيدي" مرة واحدة. (2) يشير إلى حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: "سبحان الله العظيم"، وإذا اجتهد في الدعاء قال: "يا حي يا قيوم". أخرجه الترمذي (5/495 - 496) 49 - كتاب الدعوات 40 - باب ما يقول عند الكرب، حديث (3436) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وفيه نظر؛ فإن في إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي قال فيه الذهبي: ضعفوه. الكاشف (1/89) . وقال الحافظ: متروك. التقريب (1/41) . =

287 - فإذا سئل المسئول بشيء - والباء للسبب - سئل بسبب يقتضي وجود المسئول، فإذا قال: أسألك بأن لك الحمد أنت الله المنان بديع السموات والأرض (1) ، كان كونه محموداً مناناً بديع السموات والأرض يقتضي أن يمن على عبده السائل، وكونه محموداً هو يوجب أن يفعل ما يحمد عليه، وحمد العبد له سبب إجابة دعائه. 288 - ولهذا أمر المصلي أن يقول "سمع الله لمن حمده" أي استجاب الله دعاء من حمده، فالسماع هنا بمعنى الإجابة والقبول كقوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن / دعاء لا يسمع" (2) أي لا يستجاب.

_ لكن يشهد له حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث". رواه الترمذي (5/539) ، 49 - كتاب الدعوات، حديث (3524) . وفي إسناده يزيد ابن أبان الرقاشي ضعيف. كما يشهد له حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل به هم أو غم، قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث". أخرجه الحاكم (1/509) كتاب الدعاء، وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بأن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه. والصحيح أن عبد الرحمن قد ثبت سماعه من أبيه قال بذلك جماعة من الأئمة. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وانظر: تهذيب التهذيب (6/213 - 214) فالحديث بمجموع طرقه حسن لغيره والله أعلم. ولا ينقصه عن هذه المرتبة وجود من لا يحتج به في إسناد حديث ابن مسعود، فإن كونهم لا يحتج بهم لا يمنع الاستشهاد والتقوية بهم. (1) تقدم تخريجه ص 96 رقم (3) . (2) صحيح. أخرجه مسلم (4/2088) ، 48 - كتاب الذكر، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، حديث (73) . والنسائي (2/228) . وأبو داود (2/192) ، كتاب الصلاة، 367، باب في الاستعاذة، كلاهما من حديث زيد بن أرقم، حديث (1548) . =

289 - ومنه قول الخليل في آخر دعائه (34: 39) : {إن ربي لسميع الدعاء} ، ومنه قوله تعالى (9: 47) : {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} ، وقوله (5: 41) : {وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} أي يقبلون الكذب ويقبلون من قوم آخرين لم يأتوك (1) أي لم يأتك أولئك الأقوام، ولهذا أمر المصلي أن يدعو بعد حمد الله بعد التشهد المتضمن الثناء على الله سبحانه. 290 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن رآه يصلي ويدعو ولم يحمد ربه ولم يصل على نبيه فقال: "عَجِلَ هذا" ثم دعاه فقال: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليدع بعد بما شاء" أخرجه أبو داود (2) والترمذي (3) وصححه.

_ = وابن ماجه (2/1261) 34 - كتاب الدعاء، حديث (3837) . وأحمد (2/340، 365، 451) . والنسائي (8/231) ، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من نفس لا تشبع، كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. والنسائي (8/223) ، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من قلب لا يخشع، والترمذي (5/519) حديث (3482) وقال هذا حديث حسن صحيح غريب. وأحمد (2/167، 198) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. وأحمد أيضاً - (3/192، 255، 283) من حديث أنس - رضي الله عنه -. (1) انظر ص 101 حاشية (1) (2) سقط من: ز، ب من قوله: "أي يقبلون" إلى "لم يأتوك". (3) أبو داود (2/162) ، كتاب الصلاة، 358 - باب الدعاء حديث (1481) . والترمذي (5/517) ، 49 - كتاب الدعوات، باب 65، حديث (7477) . والنسائي (3/38) كتاب السهو، باب التمجيد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وأحمد (6/18) كلهم من حديث فضالة بن عبيد. ورجاله ثقات إلا حميد بن هانئ قال فيه الذهبي: ثقة. وقال الحافظ: لا بأس به. فهو صحيح أو من أعلى درجات الحسن.

291 - وقال عبد الله بن مسعود: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم بالصلاة على نبيه ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سَلْ تُعْطَه" رواه الترمذي (1) وحسنه. 292 - فلفظ السمع يراد به إدراك الصوت، ويراد به معرفة المعنى مع ذلك، ويراد به القبول والاستجابة مع الفهم. قال تعالى (8: 23) : {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاَسْمَعَهُمْ} ثم قال: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} على هذه الحال التي هم عليها لم يقبلوا الحق ثم {لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} ، فذمهم بأنهم لا يفهمون القرآن ولو فهموه لم يعملوا به. 293 - وإذا قال السائل لغيره: أسألك بالله. فإنما سأله بإيمانه بالله وذلك سبب لإعطاء من سأله به، فإنه سبحانه يحب الإحسان إلى الخلق، لا سيما إن كان المطلوب كف الظلم، فإنه يأمر بالعدل وينهى عن الظلم، وأمره أعظم الأسباب في حض الفاعل، فلا سبب أولى من أن يكون مقتضياً لمسببه من أمر الله تعالى. 294 - وقد جاء فيه حديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجه،

_ (1) (2/488) ، أبواب الصلاة، 416 - باب ما ذكر في الثناء على الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، حديث (593) من طريق عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام كما في التقريب، ففي حديثه ضعف يسير، لكن يشهد له ويقويه حديث فضالة بن عبيد عند الترمذي، 49 - كتاب الدعوات، حديث (3476) وفي إسناده رشدين بن سعد فيه ضعف. وعند النسائي (3/38) وهو جزء من الحديث السابق، بلفظ: "وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادع تجب وسل تعط".

عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم الخارج إلى الصلاة أن يقول في دعائه: "وأسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياء ولا سمعة، ولكن خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك" (1) فإن كان هذا صحيحاً فحق السائلين عليه أن يجيبهم، وحق العابدين له أن يثيبهم، وهو حق أوجبه على نفسه لهم. 295 - كما يسأل بالإيمان والعمل الصالح الذي جعله سبباً لإجابة الدعاء كما في قوله تعالى (42: 26) : {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} . 296 - وكما يُسأل بوعده؛ لأن وعده يقتضي إنجاز ما وعده، ومنه قول المؤمنين (3: 193) : {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلأيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} وقوله (23: 109 - 110) : {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي} . 297 - ويشبه هذا مناشدة النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر حيث يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني" (2) .

_ (1) سيأتي ص (214 - 215) . (2) أخرجه مسلم (3/1383 - 1384) ، 32 - كتاب الجهاد والسير، 16 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لانورث ما تركناه صدقة". حديث (58) . الترمذي (5/269) ، 48 - كتاب تفسير القرآن، باب 9 سورة الأنفال، حديث (3079) . أحمد (1/30، 32) . =

298 - وكذلك ما في التوراة أن الله تعالى غضب على بني إسرائيل، فجعل موسى يسأل ربه ويذكر ما وعد به إبراهيم، فإنه سأله بسابق وعده لإبراهيم. 299 - ومن السؤال بالأعمال الصالحة سؤال الثلاثة الذين أووا إلى غار، فسأل كل واحد منهم بعمل عظيم أخلص فيه لله، لأن ذلك العمل مما يحبه الله ويرضاه محبة تقتضي إجابة صاحبه: هذا سأل ببره لوالديه، وهذا سأل بعفته التامة، وهذا سأل بأمانته وإحسانه (1) . 300 - وكذلك كان ابن مسعود يقول وقت السحر: "اللهم أمرتني فأطعتك، ودعوتني فأجبتك، وهذا سَحَر فاغفر لي" (2) . 301 - ومنه حديث ابن عمر أنه كان يقول على الصفا: "اللهم إنك قلت، وقولك الحق: {ادعوني أستجب لكم} ، وإنك لا تخلف الميعاد" ثم ذكر الدعاء المعروف عن ابن عمر أنه كان يقول على الصفا (3) .

_ = كلهم من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من حديث طويل يروي فيه دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناشدته له يوم بدر. (1) حديث الثلاثة في البخاري 605 - كتاب أحاديث الأنبياء 53 - باب حديث الغار، حديث (3465) ، و78 - كتاب الأدب 5 - باب إجابة دعاء من بر والديه، حديث (5974) . ومسلم (4/2099) ، 48 - كتاب الذكر، 27 - باب قصة أصحاب الغار، حديث (100) من حديث طويل عن ابن عمر - رضي الله عنه - وهو حديث معروف. (2) تفسير ابن جرير الطبري (3/208) . (3) قال النووي - رحمه الله - في الأذكار (ص 273) : "وروينا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يقول على الصفا: "اللهم اعصمنا بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك صلى الله عليه وسلم وجنبنا حدودك ... " وفيه طول، ولم يعزه إلى مصدر. =

302 - فقد تبين أن قول القائل: أسألك بكذا. نوعان: فإن الباء قد تكون للقسم، وقد تكون للسبب. فقد تكون /قسماً به على الله، وقد تكون سؤالاً بسببه. فأما الأول فالقسم بالمخلوقات لا يجوز على المخلوق فكيف على الخالق؟. وأما الثاني وهو السؤال بالمعظم (1) كالسؤال بحق الأنبياء فهذا فيه نزاع، وقد تقدم عن أبي حنيفة وأصحابه (2) أنه لا يجوز. ومن الناس من يجوّز (3) ذلك. 303 - فنقول: قول السائل لله: أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم، أو بجاه فلان أو بحرمة فلان. يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه، وهذا صحيح، فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة يقتضي أن يرفع الله درجاتهم ويعظم أقدارهم ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا، مع أنه سبحانه قال (2: 255) : {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَ بِإِذْنِهِ} . 304 - ويقتضي أيضاً أن من اتبعهم واقتدى بهم فيما سن له الاقتداء بهم فيه كان

_ = وراجعت مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة فلم أجده. (1) في خ، ز، ب: "المعظم" ولعل الصواب "بالمعظم". (2) ص (88) . (3) سقط من: ز، ب، قوله: "ومن الناس من يجوّز".

سعيداً، ومن أطاع أمرهم الذي بلغوه عن الله كان سعيداً، ولكن ليس نفس مجرد قدرهم وجاههم ما (1) يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك، بل جاههم ينفعه إذا اتبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله، أو تأسى بهم فيما سنوه للمؤمنين، وينفعه أيضاً إذا دعوا له وشفعوا فيه. 305 - فأما إذا لم يكن [منهم] دعاء ولا شفاعة، ولا منه سبب يقتضي الإجابة، لم يكن مستشفعاً بجاههم ولم يكن سؤاله بجاههم نافعاً له عند الله، بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سبباً لنفعه. 306 - ولو قال الرجل لمطاع كبير: أسألك بطاعة فلان لك، وبحبك له على طاعتك، وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك. [لكان] قد سأله بأمر أجنبي لا تعلق له به، فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين ومحبته لهم وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له وطاعتهم إياه ليس في ذلك مايوجب إجابة دعاء من يسأل بهم، وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه لطاعته لهم، أو سبب منهم لشفاعتهم له، فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب. 307 - نعم لو سأل الله بإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحبته له وطاعته له واتباعه له لكان قد سأله بسبب عظيم يقتضي إجابة الدعاء بل هذا أعظم الأسباب والوسائل. 308 - والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن شفاعته في الآخرة تنفع أهل التوحيد لا أهل الشرك، وهي مستحقة لمن دعا له بالوسيلة، كما في الصحيح أنه قال:

_ (1) كذا في خ وسائر النسخ ولعل الصواب مما.

309 - "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلَّت عليه شفاعتي يوم القيامة" (1) . 310 - وفي الصحيح أن أبا هريرة قال له: أي الناس أسعد بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: "من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" (2) . 311 - فبين صلى الله عليه وسلم أن أحق الناس بشفاعته يوم القيامة من كان أعظم توحيداً وإخلاصاً، لأن التوحيد جماع الدين والله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء، فهو سبحانه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فإذا شفع محمد صلى الله عليه وسلم حدَّ له ربه حداً فيدخلهم الجنة، وذلك بحسب مايقوم بقلوبهم من التوحيد والإيمان. 312 - وذكر صلى الله عليه وسلم أنه من سأل الله له الوسيلة حلت عليه شفاعته يوم القيامة، فبين أن شفاعته تنال باتباعه بما جاء به من التوحيد والإيمان، وبالدعاء الذي سن لنا أن ندعو له به. 313 - وأما السؤال بحق فلان فهو مبني على أصلين: أحدهما: ما له من الحق عند الله. والثاني: هل نسأل الله بذلك كما نسأل بالجاه والحرمة!.

_ (1) تقدم تخريجه في ص (73) رقم (1) . (2) تقدم تخريجه في ص (17) رقم (2) .

314 - أَمَّا الأول فمن الناس من يقول: للمخلوق على الخالق حق يعلم بالعقل. وقاس المخلوق على الخالق، كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة وغيرهم (1) . 315 - ومن الناس من يقول: لا حق للمخلوق على الخالق بحال، لكن يعلم ما يفعله بحكم وعده وخبره. كما يقول ذلك من يقول من أتباع/ جهم والأشعري وغيرهما ممن ينتسب إلى السنة. 316 - ومنهم من يقول: بل كتب الله على نفسه الرحمة، وأوجب على نفسه حقاً لعباده المؤمنين كما حرم الظلم على نفسه، لم يجب ذلك مخلوق عليه ولا يقاس بمخلوقاته، بل هو بحكم رحمته وحكمته وعدله كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم. 317 - كما قال في الحديث الصحيح الإلهي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" (2) . وقال تعالى (6: 54) : {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وقال تعالى (30: 47) : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} .

_ (1) راجع شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار وشرحه لأبي هاشم الجبائي (ص493 - 505) . فإنه بحث فيها عن الأعواض المستحقة على الله ورد فيه على مخالفيه في زعمه. (2) أخرجه مسلم (4/1994) ، 45 - كتاب البر، 15 - باب تحريم الظلم، حديث (55) . وأحمد (5/160) عن أبي ذر - رضي الله عنه -، وهو حديث طويل وعظيم، وشرحه شيخ الإسلام شرحاً خاصاً.

318 - وفي الصحيحين (1) عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. يا معاذ، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ " قال: الله ورسوله أعلم. قال: "حقهم عليه أن لا يعذبهم". 319 - فعلى هذا القول لأنبيائه وعباده الصالحين، عليه سبحانه حق أوجبه على نفسه مع إخباره. 320 - وعلى الثاني يستحقون ما أخبر بوقوعه وإن لم يكن ثم سبب يقتضيه. 321 - فمن قال ليس للمخلوق على الخالق حق يسأل به، كما روي أن الله تعالى قال لداود: وأي حق لآبائك علي؟ [فهو] صحيح إذا أريد بذلك أنه ليس للمخلوق عليه حق بالقياس والاعتبار على خلقه، كما يجب للمخلوق على المخلوق، وهذا كما يظنه جهال العبّاد من أن لهم على الله (2) سبحانه حقاً بعبادتهم. 322 - وذلك أن النفوس الجاهلية تتخيل أن الإنسان بعبادته

_ (1) أخرجه البخاري في 56 - كتاب الجهاد، 46 - باب اسم الفرس والحمار، حديث (2856) فتح (6/58) ، و 97 - كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد (7373) . ومسلم، 1 - كتاب الإيمان، باب (10) ، حديث (48 - 49) . وابن ماجه، 37 - كتاب الزهد، 35 - باب ما يُرجى من رحمة الله يوم القيامة، حديث (4296) ، (2/1435) . وأحمد (3/260) . والترمذي (5/26) 41 - الإيمان، حديث (2643) . (2) لفظ الجلالة سقط من: ز.

وعلمه يصير له على الله حق من جنس مايصير للمخلوق على المخلوق، كالذين يخدمون ملوكهم وملاكهم فيجلبون لهم منفعة ويدفعون عنهم مضرة، ويبقى أحدهم يتقاضى العوض والمجازاة على ذلك، ويقول له عند جفاء أو إعراض يراه منه: ألم أفعل كذا! يمن عليه بما يفعله معه، وإن لم يقله بلسانه كان ذلك في نفسه. 323 - وتخيلُ مثل هذا في حق الله تعالى من جهل الإنسان وظلمه، ولهذا بين سبحانه أن عمل الإنسان يعود نفعه عليه وأن الله غني عن الخلق، كما في قوله تعالى (17: 7) : {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ، وقوله تعالى (41: 46) : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَمٍ لِلْعَبِيدِ} ، وقوله تعالى (39: 7) : {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} ، وقوله تعالى (27: 40) : {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} ، وقال تعالى (14: 7 - 8) في قصة موسى عليه السلام: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ * وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} . وقال تعالى (3: 176) : {وَلاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} ، وقال تعالى (3: 97) : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} . 324 - وقد بين سبحانه وتعالى أنه المانُّ بالعمل فقال تعالى (49: 17) : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} ، وقال تعالى (49:

7 - 8) : {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} . 325 - وفي الحديث الصحيح الإلهي "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني وإنكم (1) لن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً ولا أبالي، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم مازاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر" (2) . 326 - وبين الخالق تعالى والمخلوق من الفروق ما لا يخفى على من له أدنى بصيرة: 327 - منها أن الرب تعالى غنيّ بنفسه عما سواه، ويمتنع أن يكون مفتقراً إلى غيره بوجه من / الوجوه، والملوك وسادة العبيد

_ (1) كلمة "إنكم" سقطت من: ز، ب. (2) هذا الحديث بقية حديث أبي ذر الذي تقدم تخريجه قريباً ص (109) ورقم (1) .

محتاجون إلى غيرهم (1) حاجة ضرورية. 328 - ومنها أن الرب تعالى وإن كان يحب الأعمال الصالحة ويرضى ويفرح بتوبة التائبين، فهو الذي يخلق ذلك وييسره، فلم يحصل ما يحبه ويرضاه إلا بقدرته ومشيئته. 329 وهذا ظاهر على مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقرون بأن الله هو المنعم على عباده بالإيمان، بخلاف القدرية. والمخلوق قد يحصل له ما يحبه بفعل غيره. 330 - ومنها أن الرب تعالى أمر العباد بما يصلحهم ونهاهم عما يفسدهم، كما قال قتادة: إن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به (2) لحاجته إليهم، ولا ينهاهم عما نهاهم عنه بخلاً عليهم، بل أمرهم بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم، بخلاف المخلوق الذي يأمر غيره بما يحتاج إليه وينهاه عما ينهاه بخلاً عليه. 331 - وهذا أيضاً ظاهر على مذهب السلف وأهل السنة الذين يثبتون حكمته ورحمته ويقولون: إنه لم يأمر العباد إلا بخير ينفعهم، ولم ينههم إلا عن شر يضرهم. بخلاف المجبرة الذين يقولون: إنه قد يأمرهم بما يضرهم وينهاهم عما ينفعهم. 332 - ومنها أنه سبحانه هو المنعم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وهو المنعم بالقدرة والحواسّ وغير ذلك مما به يحصل العلم

_ (1) في ز: "غيره". (2) سقطت "به" من: ز.

والعمل الصالح، وهو الهادي لعباده، فلا حول ولا قوة إلا به. ولهذا قال أهل الجنة (7 - 42: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} ، وليس يقدر المخلوق على شيء من ذلك. 333 - ومنها أن نعمه على عباده أعظم من أن تحصى، فلو قٌدِّر أن العبادة جزاء النعمة، لم تقم العبادة بشكر قليل منها، فكيف والعبادة من نعمه (1) أيضاً. 334 - ومنها أن العباد لا يزالون مقصرين محتاجين إلى عفوه ومغفرته، فلن يدخل أحد الجنة بعمله، وما من أحد إلا وله سيئات (2) يحتاج فيها إلى مغفرة الله (3) لها (35: 45) : {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} . 335 - وقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" لا يناقض قوله تعالى (32: 17، 46: 14، 65: 24) : {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ؛ فإن المنفي نُفي بباء المقابلة والمعاوضة (4) كما يقال: بعت هذا بهذا. وما أثبت أثبت بباء السبب، فالعمل لا يقابل الجزاء وإن كان سبباً للجزاء، ولهذا من ظن أنه قام بما يجب عليه، وأنه لا يحتاج إلى مغفرة الرب تعالى وعفوه فهو ضال.

_ (1) في ز، ب: "نعمته". (2) في ز، ب: "ذنوب". (3) لفظ الجلالة ساقط من: ز. (4) في ز، ب: "المعارضة" وهو خطأ. والصواب المعاوضة كما في نسخة الفتاوى ج1/217.

336 - كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضل" (1) وروي "بمغفرته" (2) . ومن هذا أيضاً الحديث الذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله لو عذَّب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم" (3) الحديث.

_ (1) أخرجه البخاري، 75 - كتاب المرضى 19 - باب تمني المريض الموت، (5673) فتح (10/127) . ومسلم (4/2170) ، 50 - كتاب صفات المنافقين، 17 - باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله، حديث (71 - 76) . وابن ماجه (2/1405) ، 37 - كتاب الزهد، 20 - باب التوقي على العمل، حديث، (4201) . وأحمد (235، 256، 264، 319) كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. والبخاري، 81 - كتاب الرقاق، حديث (6467) . ومسلم 50 - كتاب صفة المنافقين، حديث 78. وأحمد (6/125) ، من حديث عائشة - رضي الله عنها -. ومسلم، 50 - كتاب صفة المنافقين، حديث (77) . وأحمد (3/337) ، والدارمي (2/215) ، حديث (2736) كلهم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما -. وأحمد (3/52) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. (2) في المسند (2/335) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (3) حسن، أبو داود (5/75) ، 34 - كتاب السنة، 17 - باب في القدر، حديث (4699) . وابن ماجه (1/29 - 30) المقدمة 10 - باب في القدر، حديث (77) . وأحمد (5/182، 183، 185، 189) ، كلهم من طريق أبي سنان سعيد بن سنان، ثنا وهب بن خالد عن ابن الديلمي، عن أبي بن كعب وابن مسعود، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وزيد وحده يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي إسناده سعيد بن سنان وثقه ابن معين والعجلي وأبو حاتم وأبو داود والنسائي وابن حبان ويعقوب بن سفيان والدارقطني، وقال أحمد: ليس بالقوي. وقال ابن سعد: سيء الخلق، وقال ابن عدي: له غرائب وإفرادات، وأرجو أنه ممن لا يتعمد الكذب ولعله إنما يهم في الشيء بعد الشيء". راجع تهذيب التهذيب (4/46) ، وقال الحافظ ابن حجر: صدوق له أوهام. =

337 - ومن قال: بل للمخلوق على الله حق. فهو صحيح إذا أراد به الحق الذي أخبر الله بوقوعه، فإن الله صادق لا يخلف الميعاد، وهو الذي أوجبه على نفسه بحكمته وفضله ورحمته. 338 - وهذا المستحق لهذا الحق إذا سأل الله تعالى به فسأل الله تعالى إنجاز وعده، أو سأله بالأسباب التي علق الله بها المسببات (1) كالأعمال الصالحة، فهذا مناسب. 339 - وأما غير المستحق لهذا الحق إذا سأله بحق ذلك الشخص فهو كما لو (2) سأله بجاه ذلك الشخص، وذلك سؤال بأمر أجنبي عن هذا السائل لم يسأله بسبب يناسب إجابة دعائه. 340 - وأما سؤال الله بأسمائه وصفاته التي تقتضي ما يفعله بالعباد من الهدى والرزق والنصر فهذا أعظم ما يسأل الله تعالى به. فقول المنازع: لا يسأل بحق الأنبياء، فإنه لا حقَّ للمخلوق على الخالق ممنوع. 341 - فإنه قد ثبت في الصحيحين حديث معاذ الذي تقدم (3)

_ = أقول: إن الحافظ قد تشدد في حق ابن سنان؛ فإنه كثيراً ما يوثق مثله، وعلى كل حال فحديثه لا يهبطه عن درجة الحسن في نظري. والله أعلم. أَمَّا معنى الحديث فقد بينه شيخ الإسلام - بالإضافة إلى ما ذكره هنا - في موضع آخر فقال: "والحديث الذي في السنن "لو عذب الله أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم" يبين أن العذاب لو وقع لكان لاستحقاقهم ذلك، لا لكونه بغير ذنب، وهذا يبين أن من الظلم المنفي عقوبة من لم يذنب". مجموع الفتاوى (18/143 - 144) . (1) في خ "المسات" وفي ز، ب: "المشيئات" وعلق في ب: "لعله المسببات" وهو الظاهر. وقد جاء الصواب في نسخة الفتاوى (1/218) . (2) كلمة "لو" سقطت من: ز، ب. (3) تقدم تخريجه في ص (109) رقم (2) .

إيراده، وقال تعالى (6: 54) : {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ، (30: 47) : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} . 342 - فيقال للمنازع: الكلام في هذا في مقامين: أحدهما: في حق العباد على الله. والثاني: في سؤاله بذلك الحق. 343 - أَمَّا الأول فلا ريب أن الله تعالى وعد المطيعين بأن يثيبهم، ووعد السائلين بأن يجيبهم، وهو الصادق الذي لا يخلف الميعاد، قال الله تعالى (4: 122) : {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً} ، (30: 6) : {وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} ، (14: 47) : {فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} . فهذا مما يجب وقوعه/ بحكم الوعد باتفاق المسلمين. 344 - وتنازعوا: هل عليه واجب بدون ذلك؟ على ثلاثة أقوال - كما تقدم -. قيل: لا يجب لأحد عليه حق بدون ذلك. وقيل: بل يجب عليه واجبات ويحرم عليه محرمات بالقياس على عباده. وقيل: هو أوجبَ على نفسه وحرَّم على نفسه، فيجب عليه ما أوجبه على نفسه، ويحرم عليه ما حرمه على نفسه كما ثبت في الصحيح

من حديث أبي ذر كما تقدم (1) . 345 - والظلم ممتنع منه باتفاق المسلمين، لكن تنازعوا في الظلم الذي لا يقع. فقيل هو الممتنع (2) وكل ممكن يمكن أن يفعله لا يكون ظلماً، لأن الظلم إما التصرف في ملك الغير، وإما مخالفة الأمر الذي يجب عليه طاعته، وكلاهما ممتنع منه. وقيل: بل ما كان ظلماً من العباد فهو ظلم منه. وقيل: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فهو سبحانه لا يظلم الناس شيئاً، قال تعالى (20: 113) : {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما} . 346 - قال المفسرون: هو أن يحمل عليه سيئات غيره ويعاقب بغير ذنبه، والهضم أن يهضم من حسناته. قال تعالى (4: 40) : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُنْ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} ، (11: 101) : {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} . 347 - وأما المقام الثاني فإنه يقال: ما بين الله ورسوله أنه حق للعباد على الله فهو حق، لكن الكلام في السؤال بذلك، فيقال: إن كان الحق الذي سأل به سبباً لإجابة السؤال حسن السؤال به، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه.

_ (1) تقدم تخريجه في ص (109) رقم (2) . (2) أي المحال الذي لا تتعلق به قدرته تعالى - (رشيد رضا) رحمه الله.

348 - وأما إذا قال السائل: بحق فلان وفلان. فأولئك إذا كان لهم عند الله حق أن لا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم - كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه - فليس في استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله ما يكون سبباً لمطلوب هذا السائل، فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسره الله له من الإيمان والطاعة. وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك. فليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضي إجابة هذا. 349 - وإن قال: السبب هو شفاعته ودعاؤه. فهذا حق إذا كان قد شفع له ودعا له، وإن لم يشفع له ولم يدع له لم يكن هناك سبب. 350 - وإن قال: السبب هو محبتي له وإيماني به وموالاتي له. فهذا سبب شرعي وهو سؤال الله وتوسل إليه بإيمان هذا السائل ومحبته لله ورسوله وطاعته لله ورسوله. 351 - لكن يجب الفرق بين المحبة لله والمحبة مع الله: فمن أحب مخلوقاً كما يحب الخالق فقد جعله نداً لله، وهذه المحبة تضره ولا تنفعه. 352 - وأما من كان الله تعالى أحب إليه مما سواه، وأحب أنبياءه وعباده الصالحين له فحبه لله تعالى هو أنفع الأشياء. والفرق بين هذين من أعظم الأمور. 353 - فإن قيل: إذا كان التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته على وجهين - تارة يتوسل بذلك إلى ثوابه وجنته (وهذا أعظم الوسائل) ، وتارة يتوسل بذلك في الدعاء كما ذكرتم نظائره - فيحمل قول القائل:

أسألك بنبيك محمد، على أنه أراد: إني أسألك بإيماني به وبمحبته، وأتوسل إليك بإيماني به ومحبته، ونحو ذلك. 354 - وقد ذكرتم أن هذا جائز بلا نزاع. قيل: من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع، وإذا حمل على هذا المعنى لكلام من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته من السلف كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين وعن الإمام أحمد وغيره، كان هذا حسناً وحينئذ فلا يكون في المسألة نزاع، ولكن كثير من العوام يطلقون هذا اللفظ ولا يريدون هذا المعنى، فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر، وهذا كما أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل بدعائه وشفاعته وهذا جائز بلا نزاع، ثم إن أكثر الناس في زماننا لا يريدون هذا المعنى بهذا اللفظ. 355 - فإن قيل: فقد يقول الرجل لغيره: بحق الرحم. قيل: الرحم توجب على صاحبها حقاً لذي الرحم كما قال الله تعالى (4: 1) : {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ} . 356 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرحم شُجْنة من الرحمن (1) من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله" (2) .

_ (1) شجنة: قرابة مشتبكة كاشتباك العروق. (2) أخرجه البخاري، 78 - كتاب الأدب، 13 - باب من وصل وصله الله حديث (5988) ، من طريق أبي صالح عن أبي هريرة. وأحمد (2/295، 383، 406، 455) من طريق محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة. والحاكم (4/157) كتاب البر والصلة من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "أنا الرحمن وهي الرحم فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته". والبخاري، 78 - كتاب الأدب، حديث (5989) من حديث عائشة - رضي الله عنها - بلفظ "الرحم شجنة فمن وصلها ... " الحديث، والبخاري في الأدب المفرد =

357 - وقال: "لما خلق الله الرحم تعلقت بحقوي (1) الرحمن وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قد رضيت" (2) . 358 - وقال صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته" (3) .

_ = (ص 34) حديث (55) وليس فيه شجنة من الرحمن. والحاكم (4/159) ، كتاب البر والصلة بإسناد البخاري، وفيه "الرحم شجنة من الله ... " الحديث. ورواه الترمذي (4/323) ، 16 - باب ما جاء في رحمة المسلمين، حديث (1924) . وأحمد (2/160) . والحاكم (4/159) ، كتاب البر والصلة وصححه ووافقه الذهبي. والحميدي (2/270) ، حديث (592) ، والبخاري في الأدب المفرد (ص 33) 27 - باب فضل صلة الرحم. حديث (54) من حديث عبد الله بن عمرو. وأخرجه الحاكم (4/157) ، كتاب البر والصلة من حديث أبي هريرة كما تقدم ثم قال: وقد روي بأسانيد واضحة عن عبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعائشة، وعبد الله بن عمرو. ثم سرد أحاديثهم ص (157 - 159) . (1) الحقوان: الخاصرتان. (2) أخرجه البخاري، 65 - كتاب التفسير 47 - سورة محمد، حديث (4830 - 4832) و 97 - كتاب التوحيد، باب 35، حديث (7502) دون قوله "تعلقت بحقوي الرحمن" في الموضع الثاني مع ذكره في الموضع الأول. ومسلم (2/1980 - 1981) 45 - كتاب البر، 6 - باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، حديث (16) بدون قوله "بحقوي ... ". وأحمد (2/330) كلهم من حديث أبي هريرة والجملة السابقة عند أحمد بلفظ بحقو. (3) حسن لغيره، أخرجه أبو داود (2/322) 3 - كتاب الزكاة، حديث (1694) . والترمذي (4/315) ، 28 - كتاب البر والصلة، حديث (1907) . وأحمد (1/194) . والبخاري في الأدب المفرد (ص 33) حديث (53) ، كلهم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه مرفوعاً. وأبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه، قال ذلك علي بن المديني وأحمد وابن معين وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وأبو داود وابن عبد البر قالوا: حديثه عن أبيه مرسل. انظر: تهذيب التهذيب (12/117) . =

359 - وقد روي عن علي أنه كان / إذا سأله ابن أخيه بحق جعفر أبيه أعطاه لحق جعفر على عليّ. 360 - وحق ذي الرحم باق بعد موته كما في الحديث أن رجلاً قال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم! الدعاء لهما والاستغفار لهما، وإنفاذ وعدهما من بعدهما، وصلة رحمك التي لا رحم لك إلا من قبلهما" (1) . 361 - وفي الحديث الآخر حديث ابن عمر: " [إن] من أبِّر البرّ أن يصل الرجل أهل وُدّ أبيه بعد أن يولي (2) " (3) .

_ = لكن له متابعة يتقوى بها رواها أحمد (1/191، 194) ، من طريق يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً كما شهد له الحديثان قبله. (1) إسناده ضعيف، أخرجه ابن ماجه (2/1208) ، 33 - كتاب الأدب، 2 - باب صل من كان أبوك يصل، حديث (3664) . وأحمد (3/497 - 498) . وأبو داود (5/352) ، 35 - كتاب الأدب 129 - باب في بر الوالدين حديث (5142) . والبخاري في الأدب المفرد (ص27) 19 - باب بر الوالدين حديث (35) والمنذري في الترغيب والترهيب (5/11 - 12) وعزاه لأبي داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه. كلهم من طريق أسيد بن علي بن عبيد مولى بني ساعدة عن أبيه علي بن عبيد، وأسيد صدوق، وأبوه علي بن عبيد. قال في تهذيب التهذيب (7/363) : روى عن مولاه حديثاً في البر وقيل عن أبيه عن مولاه، روى عنه ابن أسيد، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال في التقريب: "مقبول"، ويعني به إذا توبع وإلا فلين الحديث كما في مقدمة التقريب. وقد بحثت له عن متابع أو شاهد فلم أجده فالحديث إذاً بهذا الإسناد ضعيف. والله أعلم. (2) يقال: تولى الرجل، إذا ذهب والمراد به هنا موته. (3) أخرجه مسلم (4/1979) ، 45 - كتاب البر والصلة، 4 - باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما، حديث (2552) . وأبو داود (5/353) ، 129 - باب بر الوالدين، حديث (5143) . والترمذي (4/313) ، 28 - كتاب البر والصلة، =

فصلة (1) أقارب الميت وأصدقائه بعد موته هو من تمام بره. 362 - والذي قاله أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم من العلماء - من أنه لا يجوز أن يسأل الله تعالى بمخلوق، لا بحق الأنبياء ولا غير ذلك - يتضمن شيئين كما تقدم (2) : 363 - أحدهما: الإقسام على الله سبحانه وتعالى به، وهذا منهيٌّ عنه عند جماهير العلماء كما تقدم، كما ينهى أن يقسم على الله بالكعبة والمشاعر باتفاق العلماء. 364 - والثاني: السؤال به، فهذا يجوّزه طائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود في دعاء كثير من الناس، لكنَّ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ضعيفٌ بل موضوع، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى الذي علَّمه أن يقول: "أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة" (3) . 365 - وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، وهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: "اللهم شَفِّعْه فيَّ" ولهذا رد الله عليه بصره لما

_ = 5 - باب ما جاء في إكرام صديق الوالد، حديث (1903) ، وقال: "هذا إسناد صحيح". وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر من غير وجه كلهم من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنهما -. (1) في: النسخ المطبوعة "فصله" وهو تصحيف يوهم أنه من تمام الحديث. وفي نسخة الفتاوى جاء على الصواب فصلة ج1/222. (2) تقدم في ص (90) . (3) سيأتي تخريجه إن شاء الله.

دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي صلى الله عليه وسلم. ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدْعُ لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله (1) . 366 - ودعا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الاستسقاء المشهور بين المهاجرين والأنصار وقوله: "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا" (2) يدل على أن التوسل المشروع عندهم هو التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته، إذ لو كان هذا مشروعاً لم يعدل عمر والمهاجرون (3) والأنصار عن السؤال بالرسول إلى السؤال بالعباس. 367 - وساغ النزاع في السؤال بالأنبياء والصالحين دون الإقسام بهم لأن بين السؤال والإقسام فرقا، فإن السائل متضرع ذليل يسأل بسبب يناسب الإجابة (4) ، والمقسم أعلى من هذا فإنه طالب مؤكد طلبه بالقسم، والمقسم لا يقسم إلا على من يرى أنه يبرُّ قسمه، فإبرار

_ (1) وقد عمي بعض الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عباس وجابر وكان ابن عباس راغباً في الشفاء، فلو كان التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم مشروعاً لتوسل بذاته صلى الله عليه وسلم ولشفي وهو أولى بأن يجاب من هذا الصحابي المجهول بل عمي عتبان بن مالك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك ابن أم مكتوم. (2) تقدم تخريجه في ص (86) . (3) في خ: "المهاجرين" والصواب ما أثبته عربية. المهاجرون هكذا على الصواب في نسخة الفتاوى 1/223. (4) هذا التعليل مستغرب من شيخ الإسلام، فإن النزاع إنما هو في السؤال المبتدع بمعنى التوسل بذوات الأنبياء والصالحين وبجاههم وحقهم. وشيخ الإسلام يقرر في غير موضع أن التوسل من هذا النوع توسل بأسباب أجنبية غير مناسبة للإجابة. فيستبعد صدور هذا الكلام منه. والله أعلم.

القسم خاص ببعض العباد، وأما إجابة السائلين فعام، فإن الله يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم وإن كان كافراً. 368 - وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من داع يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجّل له دعوته، وإما أن يدَّخر له من الخير مثلها، وإما أن يصرف عنه من الشرّ مثلها" قالوا: يا رسول الله إذن نكثر. قال: "الله أكثر" (1) .

_ (1) أخرجه أحمد (3/18) حدثنا أبو عامر ثنا علي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. وعليٌّ هذا هو علي بن علي الرفاعي كما في المستدرك (1/493) وكشف الأستار (4/41) . لكن يشهد له حديث جابر - رضي الله عنه -. "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو كف عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم". رواه الترمذي (5/462) ، 49 - كتاب الدعوات، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، حديث (3381) من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه - وفي إسناده ابن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه. كما يشهد له حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - نحو حديث جابر - رضي الله عنه - رواه أحمد (5/329) من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - نحو حديث جابر. وفي إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، صدوق يخطئ، ورمي بالقدر وتغير بأخره. قال الترمذي عقب حديث عبادة: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وفي نظري أن الحديث حسن لغيره بمجموع طرقه. ويشهد لهذه الأحاديث ما رواه مالك في الموطأ (1/217) ، 15 - كتاب القرآن، 8 - باب ما جاء في الدعاء، حديث 36. عن زيد بن أسلم أنه كان يقول: ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له، وإما أن يكفر عنه. قال ابن عبد البر مثل هذا يستحيل أن يكون رأياً واجتهاداً، وإنما هو توقيف وهو خبر محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم. الموطأ (1/217) . وقوله "وهو خبر محفوظ" يشير به - والله أعلم - إلى الأحاديث الآنفة الذكر.

369 - وهذا التوسل بالأنبياء - بمعنى السؤال بهم - وهو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم: إنه لا يجوز، ليس في المعروف من مذهب مالك ما يناقض ذلك، فضلاً أن يجعل هذا من مسائل السبب (1) فمن نقل عن مذهب مالك: أنه جوَّز التوسل به بمعنى الإقسام به أو السؤال به فليس معه في ذلك نقل عن مالك وأصحابه فضلاً عن أن يقول مالك: إن هذا سبب (2) للرسول أو تنقص به. بل المعروف عن مالك أنه كره للداعي أن يقول: يا سيدي سيدي، وقال: قل كما قالت الأنبياء يا رب يا رب يا كريم. وكره أيضاً أن يقول: ياحنان يامنان (3) . فإنه ليس بمأثور عنه. 370 - فإذا كان مالك يكره مثل هذا الدعاء إذ لم يكن مشروعاً عنده، فكيف يجوز عنده أن يسأل الله بمخلوق نبيًّا كان أو غيره، وهو يعلم أن الصحابة لما أجدبوا عام الرمادة لم يسألوا الله

_ (1) في ز: "سب" وهو المناسب للسياق. وهكذا أيضاً في الفتاوى جاء كلمة سب (1/224) . (3) أَمَّا المنان فقد ورد ضمن حديث لفظه "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ... الحديث أخرجه أبو داود في الصلاة حديث (1495) والترمذي الدعوات حديث (3544) ، والنسائي حديث (1300) وابن ماجه: الدعاء حديث (3858) كلهم من طرق إلى أنس يصح بمجموعها الحديث. وصححه الألباني انظر: صحيح أبي داود رقم (1325) وأما الحنان فرواه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف. انظر: مجمع البحرين حديث (4639) وقول: ليس بمأثور أي على هذا الوجه.

بمخلوق، لا نبي ولا غيره، بل قال عمر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيسقون (1) . 371 - وكذلك ثبت في الصحيح (2) عن ابن عمر (3) وأنس (4) . وغيرهما (5) أنهم كانوا إذا أجدبوا إنما يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستسقائه، / لم ينقل عن أحد منهم أنه كان في حياته صلى الله عليه وسلم سأل الله

_ (1) تقدم تخريجه ص 86. (2) في خ "في صحيح مسلم الصحيح" وكان قد ضرب الناسخ على كلمة "صحيح" ولعله سها عن الضرب عن كلمة "مسلم" وسقطت من: ز. (3) البخاري، 15 - كتاب الاستسقاء، 3 - باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، حديث (1009) . وأحمد (2/93) . وابن ماجه (2/405) ، 5 - كتاب إقامة الصلاة، حديث (1272) كلهم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعاً. (4) البخاري، 15 - كتاب الاستسقاء، حديث (1013 - 1077) ومن ألفاظه عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله قحط المطر، فادع الله أن يسقينا فدعا فمطرنا، فما كدنا أن نصل إلى منازلنا، فما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة قال: فقام ذلك الرجل - أو غيره - فقال: يا رسول الله ادع الله أن يصرفه عنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حوالينا ولا علينا"، قال: فلقد رأيت السحاب يتقطع يميناً وشمالاً يمطرون ولا يمطر أهل المدينة". ومسلم (2/614) ، 9 - كتاب الاستسقاء، 2 - باب الدعاء في الاستسقاء حديث (8 - 11) . وأبو داود (2/692، 694) ، 2 - كتاب الصلاة، 258 جماع أبواب الاستسقاء، حديث (1170، 1171، 1174، 1175) . والنسائي (3/125، 128، 129، 130، 131) كتاب الاستسقاء. وأحمد (3/104، 181، 187) . ومالك في الموطأ (1/191) ، 13 - كتاب الاستسقاء، حديث (3) كلهم من طرق إلى أنس بن مالك مرفوعاً. (5) ممن روى أحاديث الاستسقاء غير من سبق، عبد الله بن زيد وابن عباس وجابر وعائشة - رضي الله عنهم أجمعين -، وبعض أحاديثهم في الصحيحين، وبعضها في السنن وغيرها، ويضيق المقام عن تخريجها.

تعالى بمخلوق، لا به ولا بغيره، لا في الاستسقاء ولا غيره. وحديث الأعمى سنتكلم عليه (1) إن شاء الله تعالى. 372 - فلو كان السؤال به معروفاً عند الصحابة لقالوا لعمر: إن السؤال والتوسل به أولى من السؤال والتوسل بالعباس، فلم نعدل عن الأمر المشروع الذي كنا نفعله في حياته وهو التوسل بأفضل الخلق إلى أن نتوسل ببعض أقاربه، وفي ذلك ترك السنة المشروعة وعدول عن الأفضل وسؤال الله تعالى بأضعف السببين مع القدرة على أعلاهما؟ ونحن مضطرون غاية الاضطرار في عام الرمادة الذي يضرب به المثل في الجدب. 373 - والذي فعله عمر فعل مثله معاوية بحضرة من معه من الصحابة والتابعين، فتوسلوا بيزيد بن الأسود الجُرشيِّ (2) كما توسل عمر بالعباس.

_ (1) سيأتي ص (203 - 215) . (2) روى أبو زرعة الدمشقي استسقاء معاوية - رضي الله عنه - والضحاك بن قيس بيزيد ابن الأسود في تاريخه (1/602) برقم (1703، 1704) بإسنادين صحيحين. وذكره ابن حبان في الثقات (5/532) في التابعين وقال: سكن الشام وكان من العباد الخشن استسقى به الضحاك بن قيس الفهري، فسقى، روى عنه أهل الشام. وذكره ابن سعد في الطبقات (7/444) في الطبقة الأولى بعد الصحابة وذكر قصة استسقاء معاوية به ومنها: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم، بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد: ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أن ثارت سحابة في المغرب وهبت لها ريح فسقينا حتى كاد الناس لا يصلون إلى منازلهم. وترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق (18/121 - 124) . وذكر استسقاء كل من معاوية والضحاك بن قيس به. وترجم له الذهبي. في سير أعلام النبلاء (4/136، 137) . =

374 - وكذلك ذكر الفقهاء من أصحاب الشافعي (1) وأحمد (2) وغيرهم أنه يتوسل في الاستسقاء بدعاء أهل الخير والصلاح، قالوا: وإن كان من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل، اقتداء بعمر. ولم يقل أحد من أهل العلم إنه يسأل الله تعالى في ذلك لا بنبي ولا بغير نبي. 375 - وكذلك من نقل عن مالك أنه جوز سؤال الرسول أو غيره بعد موتهم أو نقل ذلك عن إمام من أئمة المسلمين - غير مالك - كالشافعي وأحمد وغيرهما فقد كذب عليهم، ولكن بعض الجهال ينقل هذا عن مالك ويستند إلى حكاية مكذوبة عن مالك، ولو كانت صحيحة لم يكن التوسل الذي فيها هو هذا بل هو التوسل بشفاعته يوم القيامة، ولكن من الناس من يحرف نقلها، وأصلها ضعيف كما سنبينه إن شاء الله تعالى. 376 - والقاضي عياض لم يذكرها في كتابه في باب زيارة قبره بل ذكر هناك ما هو المعروف عن مالك وأصحابه، وإنما ذكرها في سياق

_ = وذكر النصين، وترجم له الحافظ ابن حجر في الإصابة (6/358 - 359) في الصحابة المختلف فيهم وذكر النصين أيضاً. (1) انظر "المجموع" للنووي (5/67) قال النووي رحمه الله: "ويستسقى بالخيار من أقرباء رسول الله؛ لأن عمر - رضي الله عنه - استسقى بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون". ثم قال: "ويستسقى بأهل الصلاح لما روي أن معاوية استسقى بيزيد بن الأسود". (2) راجع "المغني" لابن قدامة - رحمه الله - (2/326) ، وكلامه قريب من كلام النووي، وذكر استسقاء عمر بالعباس واستسقاء معاوية والضحاك بيزيد بن الأسود الجُرَشيِّ.

أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه. 377 - وذكر عن مالك أنه سئل عن أيوب السختياني فقال: ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه. قال: وحج حجتين فكنت أرمقه فلا أسمع منه غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه، فلما رأيت منه ما رأيت وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه. 378 - وقال مصعب بن عبد الله: كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه. فقيل له يوماً في ذلك فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليّ ما ترون، لقد كنت أرى محمد بن المنكدر - وكان سيد القراء - لا نكاد نسأله عن حديث أبداً إلا يبكي حتى نرحمه. 379 - ولقد كنت أرى جعفر بن محمد - وكان كثير الدعابة والتبسم - فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفر لونه، وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة. ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصلياً، وإما صامتاً، وإما يقرأ القرآن. ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله. 380 - ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

381 - ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع. 382 - ولقد رأيت الزهري وكان لمِن أهنأ الناس وأقربهم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفك ولا عرفته. 383 - ولقد كنت آتي صفوان بن سليم وكان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه (1) . فهذا كله نقله القاضي عياض من كتب أصحاب مالك المعروفة. 384 - ثم ذكر حكاية بإسناد غريب (2) منقطع رواها عن غير واحد إجازة، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهات قال: حدثنا أبو الحسن علي بن فهر، ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرح، ثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب، ثنا يعقوب (3) بن إسحاق بن أبي إسرائيل، ثنا ابن حميد (4) قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول / الله

_ (1) هذا الكلام كله ذكره القاضي عياض في الشفاء (2/41 - 43) في الفصل الذي ذكره الشيخ في بداية الكلام، فلله دره ماأصدقه وأدقه في النقل. (2) لقد بحثت عن رجال هذا الإسناد بدءًا من أبي العباس أحمد بن عمر بن دلهات إلى أبي الحسن ابن المنتاب في ترتيب المدارك للقاضي عياض، والصلة لابن بشكوال، فلم أقف لأحد منهم على ترجمة، فهو إسناد غريب حقاً كما وصفه شيخ الإسلام. (3) هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن كامجر، قال الدارقطني لا بأس به، تاريخ بغداد (14/291) . (4) قال الذهبي في المغني (2/573) : ضعيف لا من قبل حفظه، قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير. وقال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: يكذب. وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب منه ومن ابن الشاذكوني.

صلى الله عليه وسلم، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله أدب قوماً فقال (49: 2) {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية، ومدح قوماً فقال (49: 3) : {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} الآية، وذم قوماً فقال (49: 4) : {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} الآية، وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً. فاستكان لها أبو جعفر، فقال: يا أبا عبد الله، أستقبل القبلة وأدعو؟ أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله، قال الله تعالى (4: 64) : {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} . 385 - قلت: وهذه الحكاية منقطعة؛ فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً لا سيما في زمن أبي جعفر المنصور، فإن أبا جعفر توفي بمكة سنة ثمان وخمسين ومائة، وتوفي مالك سنة تسع وسبعين ومائة، وتوفي محمد بن حميد الرازي سنة ثمان وأربعين ومائتين (1) ولم يخرج من بلده حين رحل في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه (2) .

_ (1) انظر: كتاب المجروحين لابن حبان (2/303) ، والكاشف (3/326) ، وتهذيب التهذيب (9/131) ، والميزان (3/531) . (2) ولم يذكره أحد في تلاميذ مالك حتى المزي في تهذيب الكمال، انظر ترجمة مالك في تهذيب الكمال (3/1296 - 1297) ، وترجمة محمد بن حميد منه (3/1190 - 1191) وراجع ترتيب المدارك للقاضي عياض (1/282 - 545) وقد قسم فيه الرواة عن مالك إلى طبقتين: كبرى وصغرى، وعلى حسب البلدان، ولم يذكر فيهم ابن حميد. وهذا يؤكد ما قاله شيخ الإسلام.

وهو مع هذا ضعيف عند أكثر أهل الحديث، كذّبه أبو زرعة (1) وابن وارة (2) . وقال صالح بن محمد الأسدي (3) : ما رأيت أحدًا أجرأ على الله منه وأحذق بالكذب منه (4) . وقال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير (5) . وقال النسائي: ليس بثقة (6) . وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالمقلوبات (7) .

_ (1) قال ابن حبان في المجروحين (2/204) . "قال أبو زرعة وابن وارة - أي للإمام أحمد -: صح عندنا أنه يكذب قال - يعني صالح بن أحمد -: فرأيت أبي بعد ذلك إذا ذكر ابن حميد نفض يده. (2) الحافظ الكبير الثبت أبو عبد الله محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة الرازي، مات سنة (270) ، تذكرة الحفاظ (2/575) . قال الحافظ: ثقة حافظ.. من الحادية عشر/ س. تقريب (2/207) . (3) الحافظ العلامة شيخ ما وراء النهر، أبو علي صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب الأسدي مولاهم البغدادي، نزيل بخارى، كان ثبتاً صدوقاً مشهوراً. قال أبو سعد الإدريسي: ما أعلم بعصر صالح بالعراق ولا بخراسان في الحفظ مثله ... "، تذكرة الحفاظ (2/541 - 543) . (4) انظر: تاريخ بغداد (2/262) وقال: محمد بن حميد أحاديثه تزيد وما رأيت أجرأ على الله منه. في الموضع السابق من التأريخ. (5) تاريخ بغداد (2/260) ص (16) . (6) تاريخ بغداد (2/263) . (7) كتاب المجروحين (2/203) . وقال البخاري في التاريخ (ق1/ج1/69) : فيه نظر. وقال إسحاق بن منصور: أشهد على محمد بن حميد وعبيد بن إسحاق العطار أنهما كذابان. تاريخ بغداد (2/263) . وجرت له قصتان مع أبي حاتم الرازي ومحمد بن عيسى الدامغاني اتضح منهما كذبه العريض. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/232 - 233) . راجع هذه الأقوال في =

وآخر من روى الموطأ عن مالك هو أبو مصعب (1) وتوفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين. وآخر من روى عن مالك على الإطلاق هو أبو حذيفة أحمد ابن إسماعيل السهمي (2) توفي سنة تسع وخمسين ومائتين. وفي الإسناد أيضاً من لا يعرف حاله (3) . وهذه الحكاية لم يذكرها أحد من أصحاب مالك المعروفين بالأخذ عنه، ومحمد بن حميد ضعيف عند أهل الحديث إذا أسند، فكيف إذا أرسل (4) حكاية لا تعرف إلا من جهته! (5) .

_ (1) الإمام الفقيه أحمد بن أبي بكر الزهري المدني، قاضي المدينة وعالمها، سمع مالكاً وطائفة. وفاته كما ذكر شيخ الإسلام. راجع الكاشف (1/53) ، والتقريب (1/12) ، والتذكرة (ص 482) . (2) الأمر كما ذكر المؤلف. انظر الكاشف (1/52) ، والتقريب (1/11) . (3) لعله يشير بهذا إلى معظم رجال الإسناد من ابن دلهات إلى يعقوب بن إسحاق، وقد أخبرت أني لم أقف لهم على خبر بعد بحث، فلعل واحداً من هؤلاء المجهولين اخترع هذه الحكاية إن سلم من اختراعها ابن حميد. (4) يريد بهذا شيخ الإسلام أن ابن حميد على ما فيه من بلاء لم يصرح في رواية هذه الحكاية بصيغة من صيغ التحديث؛ كسمعت مالكاً، أو حدثني، أو أخبرني، أو عن مالك، أو قال مالك، وإنما قال: ناظر مالك فهي بهذا التعبير مرسلة، فإن سلم محمد بن حميد من تبعتها، فهناك احتمال آخر أن يكون رجل كذاب اخترع هذه الحكاية، ونسبها إلى مالك، أو يكون هناك عدد من الوسائط بين محمد بن حميد وبين مالك فيهم كذاب أو كذابون تداولوا هذه الحكاية حتى وصلت إلى محمد ابن حميد. (5) يقصد شيخ الإسلام أن محمد بن حميد مع عدم إدراكه لمالك، فقد انفرد من بين أصحاب مالك على كثرتهم، وكثرة الأئمة الحفاظ فيهم، وعلى كثرة من لازمه منهم، ومع معرفتهم وحفظهم وإتقانهم لحديثه. ومثل محمد بن حميد - وأصدق منه - إذا انفرد عن أصحاب مالك بحديث، أو مثل هذه الحكاية، لا تقبل منه، ولو أسندها فكيف إذا أرسلها.

386 - هذا إن ثبتت عنه، وأصحاب مالك متفقون على أنه بمثل هذا النقل لا يثبت عن مالك قول له في مسألة في الفقه، بل إذا روى عنه الشاميون كالوليد بن مسلم ومروان بن محمد الطاطري ضعفوا رواية هؤلاء، وإنما يعتمدون على رواية المدنيين والمصريين، فكيف بحكاية تناقض مذهبه المعروف عنه من وجوه رواها واحد من الخرسانيين لم يدركه وهو ضعيف عند أهل الحديث!. 387 - مع أن قوله: "وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله يوم القيامة". إنما يدل على توسل آدم وذريته به يوم القيامة، وذلك هو التوسل شفاعته يوم القيامة، وهذا حق. 388 - كما جاءت به الأحاديث الصحيحة (1) حين يأتي الناس يوم القيامة آدم ليشفع لهم، فيردّهم آدم إلى نوح، ثم يردهم نوح إلى إبراهيم، وإبراهيم إلى موسى، وموسى إلى عيسى، ويردهم عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه كما قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر" (2) .

_ (1) بل عدها بعضهم من الأحاديث المتواترة. انظر نظم المتناثر من الحديث المتواتر (ص 149) . ومنها على سبيل المثال؛ حديث أنس في صحيح مسلم 1 - كتاب الإيمان حديث (322، 326) . ومثله حديث جابر حديث (320) . وحديث أبي هريرة في البخاري، 60 - كتاب الأنبياء، حديث (3340) . وفي مسلم، 1 - كتاب الإيمان، حديث (327) . وأحمد (2/435) . وحديث حذيفة وأبي هريرة في مسلم، 1 - كتاب الإيمان، حديث (329) . (2) ورد في بعض أحاديث الشفاعة التي ذكرناها سابقاً، "أنا سيد الناس يوم القيامة" أَمَّا بهذا اللفظ؛ فرواه الترمذي (5/308) ، 48 - كتاب التفسير، حديث (3148) . وفي (5/587) 50 - كتاب المناقب، 1 - باب فضل النبي صلى الله عليه وسلم، حديث (3615) . وابن =

389 - ولكنها مناقضة لمذهب مالك المعروف من وجوه: أحدها، قوله: "أستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله وأدعو! " فقال: "ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم"؛ فإن المعروف عن مالك وغيره من الأئمة وسائر السلف من الصحابة والتابعين أن الداعي إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة ويدعو في مسجده، ولا يستقبل القبر ويدعو

_ = ماجه (2/1440) ، 37 - كتاب الزهد، 375 - باب ذكر الشفاعة، حديث (4308) . وأحمد (3/2) . كلهم من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً. وعلي ابن زيد ضعيف لكن له شواهد: أولاً: من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - رواه أحمد (1/4 - 5) بتحقيق أحمد شاكر (1/15) ، رقم (15) ، وصححه، وفي تصحيحه نظر؛ فإن في إسناده أبا هنيدة. قال الذهبي في الميزان (4/583) : لا يعرف. ونقل أحمد شاكر عن ابن سعد أنه قال: كان معروفاً، قليل الحديث. ثانياً: من حديث أنس - رضي الله عنه - رواه أحمد (3/144) . والدارمي (1/31) . كلاهما من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس مرفوعاً بلفظ: "إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر ... " الحديث. وهو إسناد صحيح، فالحديث صحيح من هذا الوجه، يؤيده الطريقان السابقان. ثالثاً: من حديث عبد الله بن سلام. رواه ابن حبان في صحيحه، كما في الموارد (ص 523) ، حديث (2127) ، من طريق عمرو بن عثمان الكلابي، حدثنا موسى بن أعين عن معمر بن راشد عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن بشر بن شفاف عن عبد الله بن سلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، بيدي لواء الحمد تحته آدم فمن دونه". وفي إسناده عمرو بن عثمان الرقي ضعيف، قاله الحافظ في التقريب (2/74) . وقال الذهبي في الكاشف (2/336) : "لين تركه النسائي". وعلى كل فهو صالح في الشواهد.

لنفسه، بل إنما يستقبل القبر عند السلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء له. هذا قول أكثر العلماء كمالك في إحدى الروايتين والشافعي وأحمد وغيرهم. وعند أصحاب أبي حنيفة، لا يستقبل القبر وقت السلام (1) عليه أيضاً. ثم منهم من قال: يجعل الحجرة عن (2) يساره - وقد رواه ابن وهب عن مالك - ويسلم عليه. ومنهم من قال: بل يستدبر الحجرة ويسلم عليه وهذا هو المشهور عندهم. ومع هذا فكره مالك أن يطيل القيام عند القبر. 390 - لذلك قال القاضي عياض في المبسوط عن مالك: "لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويمضي". 391 - قال: وقال نافع: كان ابن عمر يسلم على القبر/، رأيته مائة مرة أو أكثر يجيء إلى القبر فيقول: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، السلام على أبي بكر، السلام على أبي، ثم ينصرف (3) .

_ (1) قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الحنفي المعروف بداماد أفندي (المتوفى سنة 1078) في كتاب "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (1/313) . في أدب زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر أن الزائر يصلي في الروضة: " ... ثم ينهض فيتوجه إلى القبر الشريف، فيقف عند رأسه، مستقبل القبلة، ويدنو منه قدر ثلاثة أذرع أو أربعة، ولا يدنو منه أكثر من ذلك، ولا يضع يده على جدار التربة الشريفة". وهذه إحدى الحالتين المرويتين عن أصحاب أبي حنيفة، وهي أن يجعل القبر عن يساره، ويستقبل القبلة، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم. (2) في ز، ب: "على". (3) ذكر القاضي عياض كل هذا في كتابه الشفاء (2/85، 86) .

392 - ورؤي واضعاً يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه (1) . 393 - قال: وعن ابن أبي قسيط والقعنبي، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا المسجد جسَّوا برمانة المنبر التي تلي (2) القبر بميامنهم، ثم استقبلوا القبلة يدعون (3) . 394 - قال: وفي الموطأ من رواية يحيى بن يحيى الليثي أنه كان - يعني ابن عمر - يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر (4) .

_ (1) ذكر القاضي عياض كل هذا في كتابه الشفاء (2/85، 86) . (2) في ز، ب: "تلقاء". (3) الشفاء للقاضي عياض (2/86) . وهذه الحكايات تحتاج إلى أسانيد، ولولا الإسناد لقال مَنْ شاء ما شاء، ثم على تسليم أنهم فعلوا ذلك فذلك بالنسبة لأشياء عرفوا حق اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باشرها بنفسه بجسده الشريف صلوات الله وسلامه عليه. فأين عمل الناس الآن، وهم يتبركون بكل شيء من المسجد وغيره من الأشياء التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرون؟!. وقد كره مالك وغيره طلب موضع شجرة بيعة الرضوان. شرح الزرقاني للموطأ (1/351) . وقد نهى عمر - رضي الله عنه - عن تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن في ذلك تشبهاً باليهود والنصارى. (4) الشفاء (2/86) . وهو في الموطأ (1/166) ، 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (68) ، مالك عن عبد الله بن دينار، "رأيت ابن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -". وفي المصنف لعبد الرزاق (3/576) ، باب السلام على قبر النبي صلى الله عليه وسلم حديث (6724) : "عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا أبا بكر! السلام عليك يا أبتاه! ". وأخبرناه عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر. قال معمر: فذكرت ذلك لعبيد الله بن عمر، فقال: "لا نعلم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك" إلا ابن عمر. =

وعند ابن القاسم والقعنبي: ويدعو لأبي بكر وعمر. قال مالك في رواية ابن وهب: يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. 395 - وقال في المبسوط: ويسلم على أبي بكر وعمر (1) . قال أبو الوليد الباجي: وعندي أن (2) يدعو للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ

_ = أقول: يستفاد من قول عبيد الله بن عمر، الإمام المدني، الثقة الثبت، أن الصحابة الكرام - وفيهم الخلفاء الراشدون - ما كانوا يأتون قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما كان من عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - إذا قدم من سفر، مع حبهم الشديد لرسول الله وإكرامهم إياه وطاعتهم وانقيادهم له. فهل آن للأمة الإسلامية أن تثوب إلى رشدها، فتتبع هؤلاء العظماء والفقهاء النبلاء. وإننا على ثقة أنهم ما وقفوا جميعاً هذا الموقف إلا على أساس متين، وصراط مستقيم من العلم النبوي الصحيح، وعلى إدراك واع لمقاصد الشريعة وأهدافها، إنه ما كان ذلك منهم - مع حبهم الشديد الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تنفيذاً لتوجيهاته الكريمة؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لاتتخذوا قبري عيدًا". ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد". ومثل قوله صلى الله عليه وسلم - وبأبي وأمي هو -: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". تنفيذاً لهذه التوجيهات العظيمة الهادفة إلى حماية التوحيد، وصيانة العقيدة الإسلامية من شوائب الغلو والضلال الذي وقع فيه أهل الكتاب، كان ذلك الموقف الواعي الرشيد من الصحابة الكرام، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون والفقهاء المبرزون مثل زيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وغيرهم من علماء الصحابة وعظمائها وساداتها، فما هم إلا جند الله ثم جند محمد صلى الله عليه وسلم، جند له في حياته يفدونه ورسالته بمهجهم وأموالهم وأرواحهم، وجند له أوفياء بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، فلله درهم ما أفقههم وأنبلهم وأوفاهم!. فهل للأمة الإسلامية أن تتأسى بهؤلاء العظماء الأوفياء في تنفيذ هذه التوجيهات وغيرها مما جاء به خاتم الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟ ولله در إمام دار الهجرة - رحمه الله - إذ قال حين خالف بعض الناس بعض هذه التوجيهات وبدأوا يترددون على القبر: لا أعرف هذا عمن مضى، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. وسيأتي كلامه فنشير إلى مصدره في موضعه. (1) الشفاء (2/86) . (2) كذا في الأصل وفي المنتقى (1/296) والشفاء والرد على الأخنائي (ص 105) أنه.

الصلاة، ولأبي بكر وعمر (1) [بلفظ السلام] ؛ لما في حديث ابن عمر من الخلاف. وهذا الدعاء يفسر الدعاء المذكور في رواية ابن وهب، قال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا، يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم ولا يمس القبر. 396 - فهذا هو السلام عليه والدعاء له بالصلاة عليه كما تقدم تفسيره، وكذلك كل دعاء ذكره أصحابه كما ذكر ابن حبيب في الواضحة وغيره. قال: وقال مالك في المبسوط: وليس يلزم من دخل المسجد وخرج من أهل المدينة الوقوف بالقبر، وإنما ذلك للغرباء (2) . وقال فيه أيضاً: ولا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر، أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه، ويدعو له ولأبي بكر وعمر (3) . قيل له: فإن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه، يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة أو الأيام المرة والمرتين أو أكثر عند القبر، فيسلمون ويدعون ساعة. فقال مالك: لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا، وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا

_ (1) الشفاء (2/86) . (2) الشفاء (2/88) . (3) الشفاء 2/88) .

لمن جاء من سفر أو أراده (1) . قال ابن القاسم: ورأيت أهل المدينة إذا خرجوا منها أو دخلوا أتوا القبر فسلموا (2) . قال: ولذلك (3) رأي. 397 - قال أبو الوليد الباجي: ففرق بين أهل المدينة والغرباء؛ لأن الغرباء قصدوا لذلك، وأهل المدينة مقيمون بها لم يقصدوها من أجل القبر والتسليم (4) . 398 - قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد"، "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (5) . 399 - قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيداً" (6) . 400 - قال: ومن كتاب أحمد بن شعبة (7) فيمن وقف بالقبر: لا يلتصق به ولا يمسه ولا يقف عنده طويلاً.

_ (1) الشفاء 2/88) . (2) المصدر السابق (2/88) . (3) في المنتقى (1/296) . قال ابن القاسم: وهو رأيٌ وكذلك في الشفاء. (4) الشفاء (2/88 - 89) منقول كله بالحرف. ولله در الإمام مالك ما أفقهه! وما أشد تمسكه بالسنة! وما أحرصه على اقتفاء آثار الصحابة الكرام وتابعيهم بإحسان!. (5) تقدم تخريجه في ص (35) رقم (1) . (6) أحمد في المسند (2/367) . وأبو داود (3/534) حديث (2042) . قال أحمد: ثنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال أبو داود: ثنا أحمد بن صالح قرأت على عبد الله بن نافع به. وهو إسناد حسن. (7) أحمد بن سعيد الهندي في الشفا (2/88) .

401 - وفي (العتبية) - يعني عن مالك -: يبدأ بالركوع قبل السلام في مسجد صلى الله عليه وسلم (1) ، وأحب مواضع التنفل فيه مصلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث العمود المخلق، وأما في الفريضة فالتقدم إلى الصفوف. قال: والتنفل فيه للغرباء أحب إلي من التنفل في البيوت ... . 402 - فهذا قول مالك وأصحابه، وما نقلوه عن الصحابة يبين أنهم لم [يكونوا] يقصدون القبر إلا للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء له. وقد كره مالك إطالة القيام لذلك، وكره أن يفعله أهل المدينة كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، وإنما يفعل ذلك الغرباء ومن قدم من سفر أو خرج له، فإنه تحية للنبي صلى الله عليه وسلم. فأما إذا قصد الرجل الدعاء لنفسه فإنما يدعو في مسجده مستقبل القبلة كما ذكروا ذلك عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك عند القبر، بل ولا أطال الوقوف عند القبر للدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بدعائه لنفسه؟ (2) . 403 - وأما دعاء الرسول وطلب الحوائج منه وطلب شفاعته عند قبره أو بعد موته فهذا لم يفعله أحد من السلف، ومعلوم أنه لو كان قصدُ الدعاء عند القبر مشروعاً لفعله الصحابة والتابعون، وكذلك السؤال به، فكيف بدعائه وسؤاله بعد موته؟. 404 - فدل ذلك على أن ما في الحكاية المنقطعة من قوله: "استقبله واستشفع به" كذب على مالك، مخالف لأقواله وأقوال الصحابة

_ (1) أي يقدم صلاة تحية المسجد على الزيارة. (2) هذا تلخيص جيد لما نقله سابقاً من كلام مالك وأصحابه.

والتابعين وأفعالهم التي نقلها (1) مالك وأصحابه ونقلها سائر العلماء، إذ كان أحد منهم لم يستقبل القبر للدعاء لنفسه فضلاً عن أن يستقبله ويستشفع به، يقول له: يا رسول الله اشفع لي أو ادع/ لي، أو يشتكي إليه (2) المصائب [في] (3) الدين والدنيا، أو يطلب منه أو من غيره من الموتى من الأنبياء والصالحين أو من الملائكة الذين لا يراهم أن يشفعوا له، أو يشتكي إليهم المصائب، فإن هذا كله من فعل النصارى وغيرهم من المشركين ومن ضاهاهم من مبتدعة هذه الأمة، ليس هذا من فعل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ولا مما أمر به أحد من أئمة المسلمين، وإن كانوا يسلمون عليه إذ كان يسمع السلام عليه من القريب ويبلّغ سلام البعيد (4) . 405 - وقد احتج أحمد وغيره بالحديث الذي رواه أحمد (5) وأبو داود (6) بإسناد جيد من حديث حيْوَة بن شريح المصري حدثنا أبو صخر عن يزيد [ابن عبد الله] بن قسيط عن أبي هريرة عن رسول

_ (1) في ز، ب: "يفعلها" وهو خطأ. (2) في خ: "إليهم". (3) ليست في الأصل وزيدت لأن المقام يقتضيها. (4) يشير شيخ الإسلام إلى الحديث الذي رواه محمد بن مروان السدي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. وسيأتي الكلام عليه وعلى محمد بن مروان السدي في ص 157. (5) في المسند (2/527) . (6) السنن (2/534) ، 5 - كتاب المناسك، 100 - باب زيارة القبور، حديث (2041) . وفي إسناده حميد بن زياد أبو صخر، ويزيد بن عبد الله بن قسيط فيهما كلام.

الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام". وعلى هذا الحديث اعتمد الأئمة في السلام عليه عند قبره، صلوات الله وسلامه عليه. 406 - فإن أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة، لا يعتمد على شيء منها في الدين؛ لهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئاً منها، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما. وأجود حديث فيها ما رواه عبد الله بن عمر العمري (1) ، وهو ضعيف، والكذب ظاهر عليه. مثل قوله: "من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي" (2) ، فإن

_ (1) عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن العمري المدني، ضعيف عابد من السابعة/ م4. تقريب (1/435) . وضعف عبد الله عدد من أئمة الحديث مثل يحيى القطان، وعلي بن المديني، وابن حبان. لكن هذا الحديث الذي نسبه إليه شيخ الإسلام بهذا اللفظ ليس هو حديث عبد الله العمري، وإنما هو حديث حفص بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر. ولفظ حديث عبد الله بن عمر العمري الضعيف هكذا: "من زار قبري وجبت له شفاعتي". وقد أورد الشيخ نفسه الحديثين في الرد على الأخنائي (ص 42، 43) بحاشية الرد على البكري ناسباً كل حديث إلى راويه على الصواب. وكذلك ذكر ابن عبد الهادي الحديثين في كتابه الصارم المنكي، أورد حديث عبد الله العمري في ص 11 - وناقشه مناقشة علمية إلى (ص 27) . وأورد حديث حفص بن سليمان في (ص 48) وناقشه إلى (ص 69) . (2) أخرجه الدارقطني في سننه (2/278) ، حديث (192) . والبيهقي في الكبرى (5/246) ، كتاب الحج، باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وابن عدي في الكامل (2/790) . والطبراني في الكبير (12/406) ، حديث (13497) . كلهم من طريق أبي الربيع =

هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته، وكان مؤمناً به، كان من أصحابه، لا سيما إن كان من المهاجرين إليه، المجاهدين معه. 407 - وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدُكم مثل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" (1) . أخرجاه في الصحيحين (2) .

_ = الزهراني عن حفص بن أبي داود عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعاً. قال البيهقي بعد إخراجه: تفرد به حفص وهو ضعيف. وأورده الهيثمي في المجمع (4/2) ، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه حفص ابن أبي داود القاري، وثقه أحمد وضعفه جماعة من الأئمة. ونقل هذا النص العقيلي في الضعفاء (1/270) ، وابن عدي في الكامل (2/380) . وفي تاريخ بغداد (8/186 - 187) عن حنبل - ما كان بحفص بأس. وفي رواية أخرى: "صالح"، وفي تاريخ بغداد أيضاً عن عبد الله أنه سأل أباه عنه فقال "صالح". وفي العلل ص 390 رقم (3606) سمعت أبي يقول حفص بن سليمان يعني أبا عمرو القاري متروك الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل. راجع هذه الأقوال: الضعفاء للعقيلي (1/270) ، والكامل لابن عدي (2/380) ، والضعفاء للنسائي (ص 82) رقم (136) ، والميزان (1/558) ، وكتاب المجروحين (1/255) . والضعفاء للبخاري (ص 66) رقم (73) . وفي الإسناد ليث بن أبي سليم شيخ حفص، ضعيف. قال الحافظ في التقريب (2/138) : صدوق اختلط أخيراً، ولم يتميز حديثه فترك. وقال أحمد: مضطرب الحديث. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم، كل ذلك كان منه في اختلاطه، تركه يحيى القطان، وابن مهدي وأحمد بن حنبل، وابن معين. كتاب المجروحين (2/231) . انظر الجرح والتعديل (7/177) ، والمغني (2/536) ، والميزان (3/420) . (1) المد: ما يملأ راحة الكفين من الرجل المعتدل ويستعمل للحبوب وأمثالها. ونصيفه: نصفه. (2) البخاري، 62 - كتاب فضائل الصحابة، 5 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلا، حديث (3673) . ومسلم (4/1967) ، 44 - كتاب فضائل الصحابة، =

408 - والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة؛ كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين، بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه. 409 - وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه، والسفر إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه فهو مستحب، والسفر إلى الكعبة للحج فواجب. فلو سافر أحد السفر الواجب والمستحب لم يكن مثل واحد من الصحابة الذين سافروا إليه في حياته، فكيف بالسفر المنهي عنه؟. 410 - وقد اتفق الأئمة (1) على أنه لو نذر أن يسافر إلى قبره صلوات الله وسلامه عليه أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين لم يكن عليه أن يوفي بنذره بل ينهى عن ذلك.

_ = 54- باب تحريم سب الصحابة، حديث (222) . وأبو داود (5/45) ، 34 - كتاب السنة، 11 - باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (4658) . والترمذي (5/693 - 694) ، 50 - كتاب المناقب (3861) . وأحمد (3/11، 54) كلهم من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه. ومسلم (4/1967) ، 44 - كتاب فضائل الصحابة، 54 - باب تحريم سب الصحابة، حديث (221) وابن ماجه (1/57) ، مقدمة، باب 11، حديث (161) . من حديث أبي هريرة. (1) في مجمع الأنهر للشيخ عبد الله بن محمد بن سليمان المعروف بداماد آفندي الحنفي (1/547) : "ومن نذر بما هو واجب قصداً من جنسه، وهو عبادة مقصودة (نذراً مطلقاً) غير معلق بشرط بقرينة التقابل، مثل أن يقول: لله عليّ حج أو عمرة، أو اعتكاف، أو لله علي نذر، وأراد شيئاً بعينه كالصدقة؛ فإن هذه عبادات مقصودة، ومن جنسها واجب، وإنما قيد النذر به؛ لأنه لم يلزم الناذر ما ليس من جنسه فرض؛ كقراءة القرآن، وصلاة الجنازة، ودخول المسجد، وبناء المساجد والسقاية وعمارتها. وإكرام الأيتام، وعيادة المريض، وزيارة القبور، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإكفان الموتى، =

411 - ولو نذر السفر إلى مسجده والمسجد الأقصى للصلاة ففيه قولان للشافعي (1) .

_ = وتطليق امرأته، وتزويج فلانة. لم يلزمه شيء من هذه الوجوه؛ لأنها ليس لها أصل في الفروض المقصودة، كما في كثير من الكتب". (1) قال الشافعي - رحمه الله - في الأم (2/256) : "ولو نذر، فقال عليّ المشي إلى إفريقية أو العراق أو غيرهما من البلدان لم يكن عليه شيء، لأنه ليس لله طاعة في المشي إلى شيء من البلدان، وإنما يكون المشي إلى المواضع التي يرتجى فيها البر، وذلك المسجد الحرام، وأحبّ إليَّ لو نذر أن يمشي إلى مسجد المدينة أن يمشي، وإلى مسجد بيت المقدس أن يمشي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد بيت المقدس"، ولا يبين لي أن أوجب المشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بيت المقدس، كما يبين لي أن أوجب المشي إلى بيت الله الحرام؛ وذلك أن البر بإتيان بيت الله فرض، والبر بإتيان هذين نافلة". وانظر حلية العلماء للقفال الشاشي (3/342) . وقال أبو إسحاق الشيرازي في المهذب: "وإن نذر المشي إلى المسجد الأقصى ومسجد المدينة ففيه قولان؛ قال في البويطي يلزمه، لأنه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه، فلزمه المشي إليه بالنذر، كالمسجد الحرام. وقال في الأم: لا يلزمه، لأنه مسجد لا يجب قصده بالنسك، فلم يجب المشي إليه بالنذر كسائر المساجد". وانظر حلية العلماء (3/342) . وذكر النووي هذين القولين في الإيضاح (ص 518 - 519) مع شرح ابن حجر الهيتمي. وقال ابن حجر الهيتمي هنا (ص 519) : "ولو نذر زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لزم الوفاء به؛ لما علمت أنها في القرب المؤكدة، وكذا زيارة قبر غيره صلى الله عليه وسلم مما تسن زيارته؛ لأنها قربة مقصودة". وهذا من العجائب والغرائب، لقد علم ابن حجر أن مذهب الشافعي استحباب الوفاء بالنذر بالذهاب إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيت المقدس وتهيبه من القول بالوجوب خوفاً من الله وورعاً، وأكد ذلك النووي في الإيضاح بأن أصح القولين الاستحباب، وأقرهما ابن حجر على ذلك، ثم بعد كل هذا يرى وجوب وفاء النذر بزيارة القبور؛ لأنها في نظره من القرب المؤكدة، فهل شد الرحال إلى مسجد رسول الله وإلى بيت المقدس لا يرقى إلى درجة القرب المؤكدة، وقد حضنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم إلى شد الرحال إليهما مع أعظم بيوت الله المسجد الحرام. أهكذا نعامل توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إن كان ابن حجر الهيتمي مقلداً للشافعي فأين تقليده لإمامه هنا؟ ولماذا لا يلزم غرره هنا ويقف حيث وقف إمامه ورعاً وتقوى، وإن كان مجتهداً فنعوذ بالله من اجتهاد يقوم على مخالفة النصوص الصحيحة الواضحة وعلى مخالفة أئمة الهدى، ويقوم على =

أظهرهما عنه: يجب ذلك، وهو مذهب مالك (1) وأحمد (2) . والثاني: لا يجب، وهو مذهب أبي حنيفة (3) ؛ لأن من أصله أنه لا يجب النذر إلا ما كان واجباً بالشرع، وإتيان هذين المسجدين ليس واجباً

_ = الهوى وعلى الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نقول أين فتاوى السلف الصالح في هذه القضية؟ وهل هي نازلة من النوازل التي ألمت بالأمة لم تكن في عهد السلف الصالح حتى يجتهد فيها المتأخرون؟!. (1) في المدونة (2/87) : "وقال مالك: ومن قال: لله عليَّ أن آتي المدينة أو بيت المقدس أو المشي إلى المدينة أو المشي إلى بيت المقدس، فلا شيء عليه، إلا أن يكون نوى بقوله ذلك أن يصلي في مسجد المدينة أو في مسجد بيت المقدس. فإن كان تلك نيته وجب عليه الذهاب إلى المدينة أو إلى بيت المقدس راكباً". وانظر الكافي لابن عبد البر (1/458) . ويفهم من استثناء مالك الصلاة فقط من صور الأعمال التي يشملها نذر المشي إلى المدينة وإلى بيت المقدس، ومنها مثلاً زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الشهداء في المدينة وقبر الخليل وسائر قبور الأنبياء في بيت المقدس، أنه لا يجب ولا يشرع شد الرحال إلى قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا إلى قبر غيره من الأنبياء والصالحين ولا يجب ولا يستحب الوفاء بالنذر بالمشي إليها ولو كان يرى شيئاً من هذا لاستثناه كما استثنى الصلاة، وهذا يدل على قوة اتباعه للكتاب والسنة وتمسكه بهما وبعده عن الغلو والبدع التي قال الله في شأنها: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". وقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". فليت أتباعه يقفون حيث وقف لأن الدين توقيفي. (2) قال ابن قدامة في المغني (10/16) : "وإن نذر المشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أو المسجد الأقصى لزمه ذلك. وبهذا قال مالك والأوزاعي، وأبو عبيد، وابن المنذر، وهو أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر: "ولا يبين لي وجوب المشي إليهما؛ لأن البر بإتيان بيت الله فرض والبر بإتيان هذين نفل". (3) في البحر الرائق (3/81) : "ولو قال عليَّ المشي إلى بيت الله الحرام، ولم يذكر حجاً ولا عمرة لزم أحد النسكين استحساناً، فإن جعله عمرة مشي حتى يحلق، إلا إذا نوى به المشي إلى مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس أو مسجد من المساجد، فإنه لا يلزمه شيء". ويفهم من موقفهم هذا ما يفهم من موقف مالك رحم الله الجميع ووفق الأمة لسلوك منهجهم.

بالشرع فلا يجب بالنذر عنده (1) . وأما الأكثرون فيقولون: هو طاعة لله. 412 - وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه" (2) . 413 - وأما السفر إلى زيارة قبور الأنبياء الصالحين فلا يجب بالنذر عند أحد منهم لأنه ليس بطاعة (3) .

_ (1) انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (3/132) . مجمع الأنهر (1/547) . (2) أخرجه البخاري، 83 - كتاب الأيمان والنذور، 28 - باب النذر في الطاعة، حديث (6696) ، و 31 - باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، حديث (6700) . وأبو داود (3/593) ، 16 - كتاب الأيمان والنذور، 22 - باب ما جاء في النذر في المعصية، حديث (3289) من حديث القاسم. والترمذي (4/104) ، 21 - كتاب النذور والأيمان 2 - باب من نذر أن يطيع الله فليطعه، حديث (1526) . وابن ماجه (1/687) ، 11 - كتاب الكفارات، 16 - باب النذر في المعصية، حديث (2126) . والنسائي (2/136) ، (3838) الطبعة الهندية. والدارمي (2/105) ، 14 كتاب النذور 3 - باب لانذر في معصية الله، حديث (2343) . ومالك في الموطأ (2/476) ، 22 - كتاب النذور والأيمان، حديث (8) . وأحمد (6/36، 41) . وابن الجارود في المنتقى (ص 312 - 313) ، باب ما جاء في النذور، حديث (934) . كلهم من طريق مالك وعبيد الله بن عمر، عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم بن محمد عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعاً. (3) زيارة القبور مشروعة وكان رسول الله قد نهى عنها من باب سد الذرائع؛ لأن الأمم السابقة فتنت بقبور أنبيائها وصالحيها حتى أوقعهم الشيطان كرات ومرات في هوة الشرك بهم واتخاذهم أنداداً مع الله، وأول فتنة من فتن الشرك وقعت لقوم نوح إذ تعلقت قلوبهم بود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهم رجال صالحون فجعلوهم أنداداً مع الله. من أجل ذلك وأمثاله نهى رسول الله أولاً عن زيارة القبور، ولما رسخت عقيدة التوحيد في قلوب أصحابه الكرام وأمن عليهم الفتنة رخص لهم في زيارتها، وبين لهم الغاية من زيارتها وهي أنها تذكرهم الآخرة، هذه واحدة، والأخرى ليستفيد الأموات من دعاء إخوتهم الأحياء. =

_ = وإذا كان الأمر كذلك، والهدف الأول وهو تذكرة الآخرة، أمر يتحقق بزيارة القبور القريبة والمجاورة، حتى ولو كانت قبور قوم مشركين اكتفى الشارع الحكيم بالحد الأدني الذي يحقق الغرض الشرعي مع تحفظات كثيرة تسد ذرائع الفتنة والشرك: منها أن لا يقولوا هجراً، ومنها أن لا تتخذ مساجد، ومنها أن لا يبنى عليها، ولا تجصص، ولا يصلى عليها ولا إليها، اكتفى بالحد الأدنى مع هذه الاحتياطات والتحفظات. ولم يشرع أبداً السفر إليها وشد الرحال إليها، لا بقوله ولا بفعله. وآية ذلك: أن هذا الأمر لم ينزل فيه قرآن، ولم يثبت فيه حديث من قول رسول الله أو فعله، فلو كان مشروعاً لتحقق فيه كل ذلك ولسن لنا رسول الله ذلك برحلات ورحلات إلى قبور الأنبياء والصالحين. ولملئت الدواوين برحلات الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان، ونحن نجد دواوين الإسلام من صحاح وسنن ومسانيد وكتب فقه السلف الصالح قد سجلت كل حقوق الأموات من عيادتهم وهم مرضى إلى غسلهم وتحنيطهم وتشييعهم ودفنهم وزيارتهم والاستغفار لهم والدعاء لهم والنهي عن الجلوس على قبورهم، ومن جهة أخرى لحماية عقيدة الأحياء من المسلمين نهي عن البناء على قبور الأموات بأي شكل وبأي صورة لا مساجد ولا مطلق بناء ولا بتجصيص. كل هذا قد طفحت به دواوين الإسلام التي نوهنا عنها، خالية خلواً كاملاً من حديث نبوي صحيح أو حسن، ومن أقوال الصحابة والقرون المفضلة، ومن أقوال أئمة الهدى من شيء له تعلق بقضية السفر إلى القبور، فهذا الإمام مالك لا تجد له كلمة في موطأه تشير إلى السفر وشد الرحال إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إلى قبر غيره، وهذه كتب تلاميذه التي دونوا فيها فقه هذا الإمام لا نجد فيها باباً ولا فصلاً ولا حديثاً يحث المسلمين على شد الرحال والسفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والصالحين. وهذا الإمام الشافعي يدون فقهه العظيم في الأم وغيرها، فلم يعقد باباً ولا فصلاً، ولم يذكر حديثاً واحداً بشأن السفر إلى قبور الأنبياء. وهذا الإمام أحمد بن حنبل وهذا مسنده العظيم ومسائله التي دونت في كتب لا تجد لهذه المسألة فيها أثراً ولا خبراً. وهذان الصحيحان، وبقية الأمهات الست وأخواتها من دواوين الإسلام المعتبرة، خلت خلواً كاملاً عن قضية شد الرحال والسفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى قبور غيره من الأنبياء. وهذه كتب أبي حنيفة وأصحابه أبي يوسف ومحمد نبحث فيها، فلا نجد فيها ذكراً لهذه المسألة. فما هو السر إذن في عمل هؤلاء الصحابة والتابعين والأئمة من الفقهاء والمحدثين؟ ويجب أن يقف جميع العقلاء متسائلين: هل ينقصهم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان هناك مادة خصبة وأحاديث وآثار ثرة أهملوها بل كتموها ودفنوها كما فعلوا بوصية =

فكيف يكون من فعل هذا كواحد من أصحابه؟ وهذا مالك كره أن يقول الرجل: زرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعظمه (1) . وقد قيل: إن ذلك لكراهية زيارة القبور. وقيل: لأن الزائر أفضل من المزور. وكلاهما ضعيف عند أصحاب مالك. 414 - والصحيح أن ذلك لأن لفظ زيارة القبر مجمل يدخل

_ = علي في نظر الباطنية وغلاة الرفض؟ إن المنتسبين إلى السنة على اختلاف اتجاهاتهم بحمد الله لا يظنون بسفلهم هذا الظن السيء، ولكنها الغفلة ودغدغة شياطين الإنس والجن لعواطف الحب العمياء التي لا تميز بين حق وباطل، وبين جفاء وإفراط وإطراء، إنه ليس بأيدي المتحمسين لهذه المسألة مسألة شد الرحال إلى القبور التي يبالغون فيها وقد يكفرون من يخالفهم إلا غثاء وسرابٌ من الأحاديث الباطلة لا يدعمها كتاب ولا سنة، ولا قول صحابي ولا إمام من أئمة الإسلام. إنا نقول لهؤلاء ما نقتبسه من قول الله: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة} . نقول لكم: قوموا مثنى وفرادى وجماعات، وشكلوا لجانا واعقدوا مؤتمرات وفكروا في كل ذلك وقلبوه بطنا لظهر، لماذا أهمل سلفكم الصالح وأقصد بهم القرون المفضلة هذه القضية المهمة؟ ولماذا لم يحتفوا بها ويسجلوها في دواوينهم الفقهية والحديثية والعقائدية؟ هل أصابتهم جنة أو جفاء أو أن القضية لا أساس لها؟ لعل احترامكم لسادة هذه الأمة وسلفها الصالح وحسن ظنكم بهم يدفعانكم إلى الاعتراف بالحقيقة. والواقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ولم يأمر بشيء من هذا، بل عمل عكس هذا تماماً من الاحتياطات والتحفظات التي ذكرناها، وما أروعها وأنصفها وأوضحها وأكثرها وأبركها على الأمة! ونختم هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيداً". وفعل أصحابه تنفيذاً لهذا التوجيه السديد وأمثاله؛ حيث دفنوه في حجرته خشية أن يتخذ قبره مسجداً، كما قالته عائشة ورواه الشيخان وغيرهما. وما كانوا يأتون قبره، كما روى ذلك عبد الرزاق عن معمر عن عبيد الله بن عمر العمري الإمام. وفق الله الأمة للعودة إلى الإسلام الحق وإلى اتباع نبيها وسلفها الصالح. (1) الشفاء (2/84) .

فيها الزيارة البدعية التي هي من جنس الشرك، فإن زيارة قبور الأنبياء وسائر المؤمنين على وجهين كما تقدم ذكره: زيارة شرعية، وزيارة بدعية. 415 - فالزيارة الشرعية يقصد بها السلام عليهم والدعاء لهم، كما يقصد الصلاة على أحدهم إذا مات فيصلي عليه صلاة الجنازة، فهذه الزيارة الشرعية. 416 - والثاني: أن يزورها كزيارة المشركين وأهل البدع لدعاء الموتى وطلب الحاجات (1) منهم، أو لاعتقاده أن الدعاء عند قبر أحدهم أفضل من الدعاء في المساجد والبيوت، أو أن الإقسام بهم على الله وسؤاله سبحانه بهم أمر مشروع يقتضي إجابة الدعاء، فمثل هذه الزيارة بدعة منهيّ عنها. 417 - فإذا كان لفظ "الزيارة" مجملاً يحتمل حقاً وباطلاً عدل عنه إلى لفظ لا لبس فيه كلفظ "السلام" عليه، ولم يكن لأحد أن يحتج على مالك بما روي في زيارة قبره أو زيارته بعد موته، فإن هذه كلها أحاديث ضعيفة بل موضوعة، لا يحتج بشيء منها في أحكام الشريعة/. 418 - والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" (2) ، هذا هو الثابت في الصحيح.

_ (1) في ز: "الحاجة". (2) البخاري، 96 - كتاب الاعتصام، 16 - باب ماذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم ... إلخ، حديث (7335) ، و 86 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض، حديث (6588) . ومسلم، 15 - كتاب الحج، 92 - باب ما بين القبر والمنبر، حديث =

ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال: (قبري) (1) . وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعدُ صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة، لما (2) تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصاً في محل النزاع، ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه، بأبي هو وأمي صلوات الله عليه وسلامه. 419 - ثم لما وسع المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك، وكان نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز أمره أن يشتري الحُجَر (3) ويزيدها في المسجد، وكانت الحجر من جهة المشرق والقبلة فزيدت في المسجد ودخلت حجرة عائشة في المسجد من حينئذ، وبنوا الحائط البراني مسنماً محرفاً.

_ = (502) . والموطأ (1/197) ، 14 - 5 - باب ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، حديث (10) . وأحمد (2/236، 376) و (3/4) . والترمذي (5/6/718) ، 68 - باب ما جاء في فضل المدينة، حديث (3915) . كلهم من حديث أبي هريرة إلا مالك وأحمد في (3/4) فعن أبي هريرة أو أبي سعيد كما عند مالك وأبي هريرة وأبي سعيد كما عند أحمد. وإلا عند الترمذي عن علي وأبي هريرة - رضي الله عنهما -. وأخرجه مسلم (2/1010) ، 15 - كتاب الحج، حديث (500، 501) . والبخاري، 20 - كتاب فضل ما بين القبر والمنبر، حديث (1195) . ومالك في الموطأ (2/197) ، 5 - باب ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، حديث (11) . (1) رواه أحمد في مسنده (3/64) وهو ضعيف مخالف للروايات الثابتة في الصحيحين وغيرهما بلفظ ما بين بيتي ومنبري إلخ. وقد أشار شيخ الإسلام هنا إلى ضعفه وضعفه أيضاً القرطبي وابن حجر والألباني انظر تحذير الساجد ص 199. (2) في ز، ب: "إنما". (3) أي حجر أمهات المؤمنين المجاورة يومئذ للمسجد النبوي ثم دخلت فيه عند توسيعه.

420 - فإنه ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي مرثد الغنوي أنه قال صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها" (1) . 421 - لأن ذلك يشبه السجود لها، وإن كان المصلي إنما يقصد الصلاة لله تعالى. و (2) كما نهى عن اتخاذها مساجد نهى عن قصد الصلاة عندها، وإن كان المصلي إنما يقصد الصلاة لله سبحانه والدعاء له. فمن قصد قبور الأنبياء والصالحين لأجل الصلاة والدعاء عندها فقد قصد نفس المحرم (3) الذي سدَّ الله ورسوله ذريعته، وهذا بخلاف السلام المشروع حسبما تقدم. 422 - وقد روى سفيان الثوري عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام". رواه النسائي (4) وأبو حاتم في صحيحه (5) .

_ (1) مسلم (2/668) ، 11 - كتاب الجنائز، 23 - باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، حديث (97، 98) . وأبو داود (3/554) 15 - كتاب الجنائز، 77 - باب كراهية القعود على القبر، حديث (3229) . والنسائي (2/53) ، النهي عن الصلاة إلى القبر. والترمذي (3/358) ، 8 - كتاب الجنائز، 56 - باب ما جاء في تسوية القبور، حديث 1050. وأحمد (4/135) . والبيهقي (4/79) . والطحاوي في "شرح المعاني" (1/515) . وقال أحمد: إسناده جيد. وانظر تحذير الساجد (ص 33) . (2) هذه الواو غير موجودة في الأصل. (3) في ز، ب: "الحرام". (4) (3/37) ، باب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. وأحمد (1/387، 441، 452) ، وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 34) . (5) صحيح ابن حبان (2/193) ، والموارد حديث (2393) . وزاذان: صدوق يرسل.

وروى نحوه عن أبي هريرة. فهذا فيه أن سلام البعيد تبلغه الملائكة. 423 - وفي الحديث المشهور الذي رواه أبو الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا عليَّ من الصلاة في كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ يومئذ، فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة" (1) .

_ (1) لفظ حديث أوس بن أوس: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة عليَّ"، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". أخرجه أبو داود، 2 - كتاب الصلاة، 207 - فضل يوم الجمعة، حديث (1047) . والنسائي (3/75) ، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة. وابن ماجه، 5 - كتاب إقامة الصلاة، 79 - باب فضل الجمعة، حديث (1085) . وأحمد في المسند (4/8) . والدارمي، كتاب الصلاة 206 - باب فضل الجمعة، حديث (1580) . وابن حبان (2/189) ، حديث (898) . والموارد (1/146) . والحاكم في المستدرك، (1/278) . وابن خزيمة (3/118) ، حديث (1733) . والطبراني في الكبير (1/186) . وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة علىالنبي صلى الله عليه وسلم". كلهم من طريق حسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس - رضي الله عنه - مرفوعاً. وفيه انقطاع؛ لأن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لم يدرك أبا الأشعث الصنعاني ذلك أنه لم يولد إلا بعد وفاة أبي الأشعث بمدة طويلة. ويرى البخاري، وأبو حاتم الرازي، أن عبد الرحمن الراوي عن أبي الأشعث إنما هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وهو ضعيف. انظر العلل لابن أبي حاتم (1/197) ، والتاريخ الكبير للبخاري (ق1/ ج3/365) ، وتاريخ دمشق (10/122) ، وشرح العلل لابن رجب الموضع السابق. ثم إن هذا اللفظ الذي عزاه شيخ الإسلام لأوس بن أوس قطعة منه من حديث أوس بن أوس - كما هو واضح - والجزء الآخر لم أجده. في مصادر السنة بعد بحث، ولعله معنى حديث لابن مسعود - رضي الله عنه - بلفظ: "إن أولى الناس بي يوم القيامة =

424 - وفي مسند الإمام أحمد: حدثنا شريح حدثنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليَّ حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني" (1) . ورواه أبو داود. 425 - قال القاضي عياض (2) : وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ عند قبري سمعته. ومن صلى نائياً أبلغته" (3) .

_ = أكثرهم علي صلاة". أخرجه ابن حبان (2/190) تحت عنوان: "ذكر البيان بأن أقرب الناس في القيامة يكون من النبي صلى الله عليه وسلم من كان أكثر صلاة عليه في الدنيا". ثم قال عقب الحديث المذكور: "في هذا الخبر دليل على أن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة يكون أصحاب الحديث، إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم". وابن أبي شيبة (11/505) حديث (11836) . (1) مسند أحمد (2/367) . وأبو داود (2/534) 100 - باب زيارة القبور، حديث (2042) . والبيهقي، في حياة الأنبياء (ص 12) . كلهم من طريق عبد الله بن نافع الصائغ عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً. وعبد الله بن نافع، ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، فالحديث حسن على أقل الأحوال، وصححه النووي في الأذكار (ص 93) . وقال شيخ الإسلام في الاقتضاء: "إسناده حسن". وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار - كما في الفتوحات الربانية - وله شواهد تقويه ستأتي - إن شاء الله -. (2) في الشفاء (2/77) . (3) أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/137) في ترجمة محمد بن مروان السدي، وقال: "لا أصل له من حديث الأعمش، وليس بمحفوظ، ولا يتابعه إلا من هو دونه". والبيهقي في "حياة الأنبياء" (ص 12) . والخطيب في التاريخ (3/291 - 292) . وابن الجوزي في الموضوعات (1/302) ، 303) . وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح، ومحمد بن مروان السدي قال يحيى: ليس بثقة. وقال ابن نمير: كذاب - وقال السعدي: ذاهب. وقال النسائي: متروك. وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا اعتباراً". ونقل كلام العقيلي، ونقل الخطيب بعض هذه =

426 - وهذا قد رواه محمد بن مروان السدي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. وهذا هو السدي الصغير وليس بثقة، وليس هذا من حديث الأعمش. 427 - وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده عن موسى بن محمد ابن حيَّان عن أبي بكر الحنفي: حدثنا عبد الله بن نافع، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، سمعت الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً، ولا تتخذوا بيتي عيداً. صلوا عليَّ وسلموا فإن صلاتكم وسلامكم يبلغني" (1) . 428 - وروى سعيد بن منصور في سننه أن عبد الله (2) بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رأى رجلاً يكثر الاختلاف إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ياهذا! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليَّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني". فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء (3) .

_ = الأقوال، ونقل عن البخاري أنه قال: محمد بن مروان الكوفي صاحب الكلبي، لا يكتب حديثه ألبته. ونقل عن صالح ابن محمد أنه قال: كان ضعيفاً وكان يضع الحديث. (1) 12/131) حديث (6761) . ووجدت في التاريخ لابن عساكر (4/217/1) من طريق حميد بن أبي زينب عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حيثما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني". (2) هكذا في الأصل وغيره لكنه في سائر مصادر الحديث لا ذكر لعبد الله بل هو عن الحسن بن الحسن. (3) لم أجد في المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وفي التاريخ لابن عساكر (4/217/1) من طريق عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي عن جدي حدثني ابن عجلان عن سهيل وسهيل [كذا في التاريخ ولعل =

429 - وروي هذا المعنى عن علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه عن علي بن أبي طالب، ذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ في مختاره (1) الذي هو أصح من صحيح الحاكم. 430 - وذكر القاضي عياض عن الحسن بن علي قال: إذا دخلت فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا بيتي

_ = الناسخ كرره سهواً والرجل لم ينسب في المصادر كلها] عن أبي سعيد مولى المهري عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، أنه قال - ورأى رجلاً وقف على البيت الذي فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له ويصلي عليه - فقال حسن للرجل: لا تفعل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا بيتي عيداً، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليَّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني". وأخرجه عبد الرزاق (3/577) عن الثوري عن ابن عجلان عن رجل يقال له سهيل عن الحسن بن الحسن بن علي قال: رأى قوماً عند القبر فنهاهم، وقال: "إن النبي" صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيداً ... " الحديث بنحوه. وسهيل هذا ذكره البخاري في تاريخه (ق2/ج1/105) ، فقال: سهيل عن حسن بن حسن، روى عنه محمد بن عجلان، منقطع. وقال ابن أبي حاتم: سهيل روى عن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وروى عن ابن عجلان، سمعت أبي يقول. قال أبو محمد: روى عنه سفيان الثوري "الجرح والتعديل" (4/249) . وقال ابن حبان في الثقات (6/418) : سهيل، شيخ يروي عن الحسن، روى عنه ابن عجلان. قال الألباني: وله راوٍ ثالث وهو إسماعيل الراوي لهذا الحديث عند ابن خزيمة، وهو إسماعيل ابن علية ... فقد روى عنه ثلاثة من الثقات، فهو معروف غير مجهول. تحذير الساجد (ص 141) . والأولى أن يقال: مستور أو مجهول الحال، كما ذهب إليه الحافظ ابن حجر في تعريف المستور، وهو: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق. (1) (1/154) . والمصنف لابن أبي شيبة (2/83/2) كما في تحذير الساجد (ص 140) . ومسند أبي يعلى (1/361 - 362) من طريق جعفر بن إبراهيم - من ولد ذي الجناحين - قال: حدثنا علي بن عمر عن أبيه عن علي بن حسين عن أبيه عن جده، بنحوه. والقاضي إسماعيل بن إسحاق في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" بهذا الإسناد (ص 33 - 34) . إلا أنه قال: حدثنا جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب عمن أخبره من أهل بلده عن علي بن حسين. قال الألباني: والحديث صحيح بطرقه وشواهده "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 34) .

عيداً، ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليَّ حيث كنتم، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" (1) . 431 - ومما يوهن هذه الحكاية (2) أنه قال فيها: "ولم تصرفُ وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله (3) يوم القيامة". إنما يدل على أنه يوم القيامة يتوسل الناس بشفاعته، وهذا حق كما تواترت به الأحاديث، لكن إذا كان الناس يتوسلون بدعائه وشفاعته يوم القيامة، كما كان أصحابه يتوسلون بدعائه وشفاعته في حياته، فإنما ذاك طلب لدعائه وشفاعته، فنظير هذا - لو كانت الحكاية صحيحة - أن يطلب منه الدعاء والشفاعة في الدنيا عند قبره. 432 - ومعلوم أن هذا لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم / ولا سَنَّهُ لأمته، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحبه (4) أحد من أئمة المسلمين لا مالك ولا غيره من الأئمة، فكيف يجوز أن ينسب إلى مالك مثل هذا الكلام الذي لا يقوله إلا جاهل لا يعرف الأدلة الشرعية ولا الأحكام المعلومة بأدلتها الشرعية، مع علو قدر مالك وعظم فضيلته وإمامته، وتمام رغبته في اتباع السنة وذم البدع وأهلها؟ وهل يأمر بهذا أو يشرعه إلا مبتدع؟ فلو لم يكن عن مالك قول يناقض هذا لعلم أنه لا يقول مثل هذا.

_ (1) الشفاء (2/78) . (2) أي الحكاية المنقطعة المنقولة عن محمد بن حميد الرازي عن مالك، ومحمد بن حميد لم يلق مالكاً. وقد تقدمت الحكاية ونقدها من ص (131 - 134) . (3) سقط لفظ الجلالة من: ز. (4) في ز، ب: "استحسنه" ورد هكذا استحبه في الفتاوى 1/239.

433 - ثم قال في الحكاية: "استقبله واستشفع به فيشفعك الله". والاستشفاع به معناه في اللغة؛ أن يطلب منه الشفاعة كما يستشفع الناس به يوم القيامة، وكما كان أصحابه يستشفعون به. 434 - ومنه الحديث الذي في السنن (1) أن أعرابياً قال: يا رسول الله! جهدت الأنفس وجاع العيال، وهلك المال، فادْعُ الله لنا فإنا نستشفع بالله عليك ونستشفع بك على الله. فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، وقال: "ويحك أتدري ما تقول؟ شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد من خلقه". 435 - وذكر تمام الحديث فأنكر قوله: "نستشفع بالله عليك". ومعلوم أنه لا ينكر أن يُسأل المخلوق بالله أو يقسم عليه بالله، وإنما (2) أن يكون الله شافعاً إلى المخلوق، ولهذا لم ينكر قوله: "نستشفع بك على الله"؛ فإنه هو الشافع المشفع. 436 - وهم - لو كانت الحكاية صحيحة - إنما يجيئون إليه لأجل طلب شفاعته صلى الله عليه وسلم ولهذا قال في تمام الحكاية: (4: 64) {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الآية، وهؤلاء إذا شرع لهم أن يطلبوا منه

_ (1) أبو داود (5/94 - 95) ، 34 - كتاب السنة، 19 - باب في الجهمية، حديث (4726) . من طريق محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده مرفوعاًً. وهو ضعيف لأن في إسناده محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن في هذا الإسناد وفيه جبير بن محمد بن جبير، قال الحافظ فيه: مقبول من السادسة تقريب (1/126) . (2) في ز، ب: زيادة كلمة "أنكر"، ولعلها لإيضاح المعنى.

الشافعة والاستغفار بعد موته فإذا أجابهم فإنه يستغفر لهم، واستغفاره لهم دعاء منه وشفاعة أن يغفر الله لهم. 437 - وإذا كان الاستشفاع منه طلب شفاعته، فإنما يقال في ذلك: "استشفعْ به فيشفعه الله فيك" لا يقال: فيشفعك الله فيه وهذا معروف الكلام، ولغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر العلماء، يقال: شفع فلان في فلان فشفع فيه. فالمشفع الذي يشفعه المشفوع إليه هو الشفيع المستشفع به، لا السائل الطالب من غيره أن يشفع له، فإن هذا ليس هو الذي يشفع، فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الشفيع المشفع، ليس المشفع الذي يستشفع به. ولهذا يقول في دعائه: يا رب شفعني، فيشفعه الله فيطلب من الله سبحانه أن يشفعه لا أن يشفع طالبي شفاعته، فكيف يقول: واستشفع به فيشفعك الله؟. 438 - وأيضاً فإن طلب شفاعته ودعائه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعاً عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء، وإنما ذكر هذا بعض المتأخرين: 439 - ذكروا حكاية عن العتبي أنه رأى أعرابيا أتى قبره وقرأ هذه الآية، وأنه رأى في المنام أن الله غفر له (1) .

_ (1) هذه الحكاية ذكرها ابن عساكر في تأريخه. وابن الجوزي في "مثير الغرام" وغيرهما، بأسانيدهم إلى محمد بن حرب الهلالي، قال: "دخلت المدينة، فأتيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فزرته وجلست بحذائه، فجاء أعرابي فزاره، ثم قال: ياخير الرسل إن الله أنزل عليك كتاباً صادقاً، قال فيه: {ولن أنهم إذْ ظلموا أنفسهم} إلى قوله: {رحيماً} . وإني جئتك مستغفراً ربك من ذنوبي مستشفعاً بك. وفي رواية؛ وقد جئتك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك إلى ربي، ثم بكى، وأنشأ يقول: =

_ = ياخير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم استغفر وانصرف، قال: فرقدت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول: الحق بالرجل، وبشره بأن الله غفر له بشفاعتي. فاستيقظت، فخرجت أطلبه، فلم أجده". وفاء الوفاء للسمهودي (4/1361) . وقد بحثت كثيراً في مظان كثيرة من تأريخ ابن عساكر عن القصة فلم أجدها. وبحثت عن ترجمة محمد بن حرب الهلالي، فلم أقف له على ترجمة. قال ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي" (ص 212) : "وهذه الحكاية التي ذكرها - يعني السبكي - بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب بلا إسناد، عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي. وقد ذكرها البيهقي في كتاب "شعب الإيمان" بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي، قال: حج أعرابي، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر، ثم ذكر نحو ما تقدم. وقد وضع لها بعض الكذابين إسناداً إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وفي الجملة؛ ليست الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما تقوم به الحجة، وإسنادها مظلم، ولفظها مختلف "أيضاً"، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم، وبالله التوفيق. أقول: ومحمد بن روح بن يزيد البصري، لم أقف له على ترجمته. والعجب من قوم لا يحتجون بالأحاديث الصحيحة في باب الاعتقاد، كيف يتعلقون فيما يوافق أهواءهم بروايات المجهولين، الذين لا يعرفهم علماء الجرح والتعديل، الذين دونوا أسماء الثقات والضعفاء والمجهولين، وفاتهم هؤلاء المجهولون الذين يتعلق برواياتهم أصحاب الأهواء. ثم العجب - ثانياً - أنهم يتعلقون بالمنامات، ويحتجون بها في الاعتقادات. ثم العجب - ثالثاً - أنهم يتعلقون بما ينسب إلى الأعراب الأجلاف، ويعرضون عما ثبت عن أئمة الأسلاف من مثل ما روى عبد الرزاق عن معمر عن عبيد الله بن عمر، أنه لا يعلم عن أحد من الصحابة أنه كان يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهي رواية ثابتة صحيحة لا غبار عليها. وهل هذا الأعرابي أفقه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلم بالقرآن منهم، وأحرص على تطبيقه منهم؟ كيف لم يأت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى قبره، مستغفرين من ذنوبهم، مستشهدين بهذه الآية؟. =

وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين، الذين يفتي الناس بأقوالهم، ومن ذكرها لم يذكر عليها دليلاً شرعياً. 440 - ومعلوم أنه لو كان طلب دعائه وشفاعته واستغفاره عند قبره مشروعاً، لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان أعلم بذلك وأسبق

_ = إذن فعلى هؤلاء أن يتأدبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدب الأعراب؛ فقد روى الإمام أحمد (2/288) ثنا زيد بن الحباب أخبرني محمد بن الهلال القرشي عن أبيه أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول - كنا مع رسول الله في المسجد، فلما قام قمنا معه، فجاءه أعرابي، فقال: أعطني يا محمد، قال "لا، واستغفر الله" فجذبه فخدشه، قالوا: فهموا به، قال: "دعوه"، ثم أعطاه. قال: وكانت يمينه أن يقول: "لا، واستغفر الله". وقال أيضاً - (5/65) : "ثنا روح بن عبادة ثنا بسطام بن مسلم قال: سمعت خليفة بن عبد الله الغبري يقول: سمعت عائذ بن عمرو المزني قال: بينما نحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أعرابي قد ألح عليه في المسألة، يقول: يا رسول الله! أطعمني، يا رسول الله! أعطني، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المنزل، وأخذ بعضادتي الحجرة، وأقبل علينا بوجهه، وقال: "والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم في المسألة، ما سأل رجل رجلاً وهو يجد ليلة تبيته" فأمر له بطعام. وروى البخاري في 72 - كتاب اللباس، حديث (5809) . ومسلم في 12 - كتاب الزكاة، حديث (128) . وأحمد (3/153، 210) كلهم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظر إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء. وفي لفظ عند أحمد؛ حتى انشق البرد، وحتى تغيبت حاشيته في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى البخاري في 4 - كتاب الوضوء، حديث (220) ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين". ورواه غيره. فهل يحتج بتصرفات هؤلاء الأعراب، ويقتدى بهم فيها، فإذا كانت تصرفاتهم هذه خطأ فتصرف ذلك الأعرابي - على افتراض ثبوتها ودونه خرط القتاد - خطأ؛ لأنه فهم الآية على غير وجهها وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته ما لا يجوز أن يطلب منه، ولو كان جائزاً لفعله الصحابة الكرام، واشتهر عنهم، بل وتواتر عنهم.

إليه من غيرهم، ولكان أئمة المسلمين يذكرون ذلك. وما أحسن ما قال مالك: لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. قال: ولم يبلغني عن أولِ هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك. فمثل هذا الإمام كيف يُشرع ديناً لم يُنقل عن أحد من (1) السلف، ويأمر الأمة بأن يطلبوا الدعاء والشفاعة والاستغفار بعد موت الأنبياء والصالحين منهم عند قبورهم، وهو أمر لم يفعله أحد من سلف الأمة؟. 441 - ولكن هذا اللفظ الذي في الحكاية يشبه لفظ كثير من العامة الذين يستعملون لفظ الشفاعة في معنى التوسل، فيقول أحدهم: اللهم إنا نستشفع إليك بفلان وفلان أي نتوسل به. ويقولون لمن توسل في دعائه بنبي أو غيره: قد تُشفع به. من غير أن يكون المستشفع به شفع له ولا دعا له، بل وقد يكون غائباً لم يسمع كلامه ولا شفع له. 442 - وهذا ليس هو لغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء الأمة /، بل ولا هو لغة العرب، فإن الاستشفاع طلب الشفاعة، والشافع هو الذي يشفع للسائل فيطلب له ما يطلب من المسئول المدعو المشفوع إليه. وأما الاستشفاع بمن لم يشفع للسائل ولا طلب له حاجة بل وقد لا يعلم بسؤاله، فليس هذا استشفاعاً لا في اللغة ولا في كلام من يدري ما يقول. 443 - نعم هذا سؤال به، ودعاء به (2) ليس هو استشفاعاً به،

_ (1) سقطت كلمة "من" من: ز، ب. (2) كذا في الأصل.

ولكن هؤلاء لما غيروا اللغة - كما غيروا الشريعة - وسموا هذا استشفاعاً - أي سؤالاً بالشافع - صاروا يقولون: استشفع به فيشفعك. أي يجيب سؤالك به، وهذا مما يبين أن هذه الحكاية وضعها جاهل بالشرع واللغة، وليس لفظهما (1) من ألفاظ مالك!. 444 - نعم قد يكون أصلها صحيحاً، ويكون مالك قد نهى عن رفع الصوت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعاً للسنة، كما كان عمرُ ينهي عن رفع الصوت في مسجده، ويكون مالك أمر بما أمر الله به؛ من تعزيزه وتوقيره ونحو ذلك مما يليق بمالك أن يأمر به. 445 - ومن لم يعرف لغة الصحابة التي كانوا يتخاطبون بها ويخاطبهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، وعادتهم في الكلام وإلاّ حرف الكلم عن مواضعه، فإن كثيراً من الناس ينشأ على اصطلاح قوم وعادتهم في الألفاظ، ثم يجد تلك الألفاظ في كلام الله أو رسوله أو الصحابة فيظن أن مراد الله أو رسوله أو الصحابة بتلك الألفاظ مايريده بذلك أهل عادته واصطلاحه، ويكون مراد الله ورسوله والصحابة خلاف ذلك. 446 - وهذا واقع لطوائف من الناس من أهل الكلام والفقه والنحو والعامة وغيرهم. وآخرون يتعمدون وضع ألفاظ الأنبياء وأتباعهم على معانٍ أُخَر مخالفة لمعانيهم، ثم ينطقون بتلك الألفاظ مريدين بها ما يعنونه هم، ويقولون: إنا موافقون للأنبياء!.

_ (1) في ز، ب: "أين لفظها من لفظ". وليس لفظها هكذا على الصواب في نسخة الفتاوى 1/242.

447 - وهذا موجود في كلام كثير من الملاحدة المتفلسفة والإسماعيلية ومن ضاهاهم من ملاحدة المتكلمة والمتصوفة، مثل من وضع "المُحدث" و "المخلوق" و "المصنوع" على ما هو معلول وإن كان [عنده] قديماً أزليا، ويسمى ذلك "الحدوث الذاتي". ثم يقول: نحن نقول إن العالم محدث، وهو مراده (1) . ومعلوم أن لفظ المحدث بهذا الاعتبار ليس لغة أحد من الأمم، وإنما المحدث عندهم ما كان بعد أن لم يكن. 448 - وكذلك يضعون لفظ "الملائكة" على ما يثبتونه من العقول والنفوس وقوى النفس (2) .. ولفظ "الجن" و"الشياطين" على بعض قوى النفس (3) . ثم يقولون: نحن نثبت ما أخبرت به الأنبياء، وأقر به جمهور الناس من الملائكة والجن والشياطين. 449 - ومن عرف مراد الأنبياء ومرادهم علم بالاضطرار أن هذا ليس هو ذاك، مثل أن يعلم مرادهم بالعقل الأول وأنه مقارن عندهم لرب العالمين أزلاً وأبداً، وأنه مبدع لكل ما سواه، أو بتوسطه حصل كل ما سواه.

_ (1) أي مراده أنه معلول وأزلي. (2) قال الغزالي في معراج السالكين (3/159) من القصور العوالي: "وقد أخبر الشارع عليه السلام أن الخير من الملائكة، والشر من الشيطان، فلا بد من أثر يحصل على الملائكة، ولما كانت النفس روحانية قبلت عن الروحاني، وتأثرت عنه، فلولا العقول المعبر عنها بالملائكة الممدة للنفوس من خارج لما عقلت معقولاً ألبتة". (3) قد وقع شيء من هذا في زماننا. انظر صحيفة الفتح الأعداد 685 و 691 و 705.

450 - والعقل الفعال عندهم عنه يصدر كل ما تحت فلك القمر، ويعلم بالاضطرار من دين الأنبياء أنه ليس من الملائكة عندهم من هو رب كل ما سوى الله، ولا رب كل ماتحت فلك القمر، ولا من هو قديم أزلي أبدي لم يزل ولا يزال. 451 - ويعلم أن الحديث الذي يروى: "أول ماخلق الله العقل" (1) حديث باطل عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه لو كان حقاً لكان حجة عليهم، فإن لفظه "أول ما خلق الله العقل" بنصب الأول على الظرفية "فقال له: أقبل، فأقبل. ثم قال: أدبر، فأدبر. فقال: وعزتي ما خلقت خلقاً أكرم عليَّ منك، فبك آخذ، وبك أعطي، وبك الثواب، وبك العقاب"، وروي "لما خلق الله العقل".

_ (1) لفظه: "لما خلق الله العقل، قال له: قم، فقام، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: اقعد فقعد، فقال: ما خلقت خلقاً هو خير منك، ولا أكرم منك، ولا أفضل منك، ولا أحسن منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أعرف، وإياك أعاقب، لك الثواب وعليك العقاب". أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريقين إلى أبي هريرة (1/174) وطعن في ثلاثة من رجاله. فقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال يحيى: الفضل رجل سوء - يعني الفضل بن عيسى الرقاشي -، وحفص بن عمر يروي الموضوعات لا يحل الاحتجاج به، وأما سيف فكذاب بإجماعهم. والموضوعات الكبرى لعلي القاري (ص 43، 98) . والمقاصد الحسنة (ص 118) ، قال السخاوي فيه: قال ابن تيمية وتبعه غيره: "إنه كذب موضوع باتفاق". وذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة (1/203 - 204) . وعزاه للعقيلي، وابن عدي، والدارقطني، وللبيهقي في الشعب. ونقل عن البيهقي في الشعب أنه ساق من طريق ابن عدي. ومن طريق آخر، وقال: هذا إسناد قوي. ونقل عن ابن حبان أنه قال: "ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر صحيح في العقل". ونقل عن العقيلي قوله: "لا يثبت في هذا الباب شيء".

452 - فالحديث لو كان ثابتاً كان معناه أنه خاطب العقل في أول أوقات خلقه، وأنه خلق قبله غيره، وأنه تحصل به هذه الأمور الأربعة لا كل المصنوعات. 453 - و "العقل" في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلاً، ويراد به القوة التي بها يُعقل. وعلوم وأعمال تحصل بذلك، لا يراد بها قط في لغة جوهر قائم بنفسه، فلا يمكن أن يراد هذا المعنى بلفظ العقل. 454 - مع أنا قد بينا في مواضع أخر فساد ما ذكروه من جهة العقل الصريح، وأن ما ذكروه من المجردات والمفارقات ينتهي أمرهم فيه إلى إثبات النفس التي تفارق البدن بالموت، وإلى إثبات/ ما تجرده النفس من المعقولات القائمة بها، فهذا منتهى ما يثبتونه من الحق في هذا الباب. 455 - والمقصود هنا أن كثيراً من كلام الله ورسوله يتكلم به من يسلك مسلكهم ويريد مرادهم لا مراد الله ورسوله، كما يوجد في كلام صاحب الكتب المضنون بها وغيره. مثل ما ذكره في "اللوح المحفوظ" حيث جعله النفس الفلكية، ولفظ "القلم" حيث جعله العقل الأول (1) .

_ (1) قريب من هذا ما قاله الغزالي في "الرسالة اللدنية" في (1/114 - 115) ، من القصور العوالي: "الطريق الثاني وهو التعليم الرباني على وجهين: الوجه الأول، إلقاء الوحي، وهو أن النفس إذا كملت ذاتها يزول عنها دنس الطبيعة ودرن الحرص، والأمل في الفانية، وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها، وتتمسك بجود مبدعها، وتعتمد على إفادته، وفيض نوره. والله تعالى بحسن رعايته يقبل على تلك النفس إقبالاً كلياً، وينظر إليها نظراً إليهاً، ويتخذ منها لوحاً، ومن النفس الكلي قلما، وينقش فيها جميع علومه، ويصير العقل الكلي كالمعلم، والنفس القدسية كالمتعلم، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس، وينتقش فيها جميع الصور من غير تعلم وتفكر". =

ولفظ "الملكوت" و"الجبروت" و "الملك" حيث جعل ذلك عبارة عن النفس والعقل، ولفظ "الشفاعة" حيث جعل ذلك فيضاً يفيض من الشفيع على المستشفع (1) وإن كان الشفيع قد لا يدري، وسلك في هذه الأمور ونحوها مسالك ابن سينا كما قد بسط في موضع آخر.

_ = ويقول عن الإلهام (1/116) في القصور: "والذي يحصل عن الإلهام يسمى علماً لدنياً، والعلم اللدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري، وإنما هو كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صافٍ فارغ لطيف، وذلك أن العلوم كلها حاصلة معلومة في جوهر النفس الكلية الأولى الذي هو في الجواهر المفارقة الأولية المحضة بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم عليه السلام، وقد بين أن العقل الكلي أشرف وأكمل وأقوى وأقرب إلى الباري تعالى من النفس الكلية، والنفس الكلية أعز وألطف وأشرف من سائر المخلوقات، فمن إفاضة العقل الكلي يتولد الإلهام، ومن إشراق النفس الكلية بتولد الإلهام، فالوحي حلية الأنبياء، والإلهام زينة الأولياء". إلى أن يقول في (ص 117) : "وفرق بين الرسالة والنبوة؛ فالنبوة قبول النفس القدسية حقائق المعلومات والمعقولات عن جوهر العقل الأول". والرسالة تبليغ تلك المعلومات والمعقولات إلى المستفيدين والقابلين. إلى أن يقول: فإذا أراد الله تعالى بعبد خيراً، رفع الحجاب بين نفسه وبين النفس التي هي اللوح، فيظهر فيها أسرار بعض المكنونات وانتقش فيها معاني تلك المكنونات، فتعتبر النفس عنها كما تشاء لمن يشاء من عباده". (1) قال الغزالي في المضنون به (2/151) : "وأما شفاعة الأنبياء والأولياء، فالشفاعة عبارة عن نور يشرق من الحضرة الإلهية على جوهر النبوة، وينتشر منها إلى كل جوهر استحكمت مناسبته مع جوهر النبوة؛ لشدة المحبة وكثرة المواظبة على السنن وكثرة الذكر بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ومثاله نور الشمس إذا وقع على الماء، فإنه ينعكس منه إلى موضع مخصوص من الحائط، لا إلى جميع المواضع، وإنما اختص ذلك الموضع لمناسبة بينه وبين الماء في الموضع، وتلك المناسبة مسلوبة على سائر أجزاء الحائط، وذلك الموضع هو الذي إذا خرج منه خط إلى موضع النور من الماء حصلت منه زاوية إلى الأرض مساوية للزاوية الحاصلة من الخط الخارج من الماء إلى قرص الشمس، بحيث لا يكون أوسع منه ولا أضيق. مثال ذلك لائح، وهذا لا يمكن إلا في موضع مخصوص من الجدار، فكما أن المناسبات الوضعية تقتضي الاختصاص بانعكاس النور، فالمناسبات المعنوية العقلية أيضاً تقتضي ذلك في الجواهر المعنوية، ومن استولى عليه التوحيد فقد تأكدت مناسبته مع الحضرة الإلهية، فأشرق عليه النور من غير واسطة، ومن استولت عليه السنن والاقتداء =

456 - والمقصود هنا ذكر من يقع ذلك منه من غير تدبر منه للغة الرسول صلى الله عليه وسلم كلفظ القديم؛ فإنه في لغة الرسول التي جاء بها القرآن خلاف الحديث وإن كان مسبوقاً بغيره، كقوله تعالى: (36: 39) : {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} وقوله تعالى عن إخوة يوسف (12: 95) : {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ} وقوله تعالى (26: 75 - 76) : {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأقْدَمُونَ} . 457 - وهو عند أهل الكلام عبارة عما لم يزل أو عما لم يسبقه وجود غيره إن لم يكن مسبوقاً بعدم نفسه، ويجعلونه - إذا أريد به هذا - من باب المجاز. 458 - ولفظ "المحدث" في لغة القرآن مقابل للفظ "القديم" في القرآن. وكذلك لفظ "الكلمة" في لغة القرآن والحديث وسائر لغات العرب إنما يراد به الجملة التامة كقوله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان؛ سبحان الله وبحمده سبحان

_ = بالرسول ومحبة أتباعه، ولم ترسخ قدمه في ملاحظة الوحدانية لم تستحكم مناسبته إلا مع الواسطة فافتقر إلى واسطة في اقتباس النار، كما يفتقر الحائط الذي ليس مكشوفاً للشمس إلى واسطة الماء المكشوف للشمس، إلى مثل هذا ترجع حقيقة الشفاعة في الدنيا، فالوزير الممكن في قلب الملك المخصوص بالعناية قد يغضي الملك عن هفوات أصحاب الوزير، يعفو عنهم لا لمناسبة بين الملك وأصحاب الوزير، لكن لأنهم يناسبون الوزير المناسب للملك، ففاضت العناية عليهم بواسطة الوزير لا بأنفسهم، ولو ارتفعت الواسطة لم تشملهم العناية أصلاً؛ لأن الملك لا يعرف أصحاب الوزير واختصاصهم به إلا بتعريف الوزير وإظهاره الرغبة في العفو عنهم ... " برأ الله الإسلام من هذا الضلال الذي دونه ضلال الجاهلية.

الله العظيم" (1) . وقوله: "إن أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلال الله باطل" (2) . ومنه قوله تعالى (18: 5) : {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} ، وقوله تعالى (3: 64) : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية، وقوله تعالى (9: 40) : {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} وأمثال ذلك. 459 - ولا يوجد لفظ الكلام (3) في لغة العرب إلا بهذا المعنى، والنحاة اصطلحوا على أن يسموا (4) الاسم وحده والفعل والحرف كلمة، ثم يقول: بعضهم وقد يراد بالكلمة الكلام. فيظن من اعتاد هذا أن هذا هو لغة العرب.

_ (1) أخرجه البخاري، 97 - كتاب التوحيد، 58 - باب قول الله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة، حديث (7563) . ومسلم، 48 - كتاب الذكر، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، حديث (31) . وابن ماجه (2/1251) ، 33 - كتاب الأدب، حديث (3806) . والترمذي (5/512) ، 49 - كتاب الدعوات، حديث (3467) . كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً. (2) أخرجه البخاري، 63 - كتاب مناقب الأنصار، 26 - باب أيام الجاهلية حديث (3841) . ومسلم (4/1768) ، حديث (2 - 6) . والترمذي (4/218) ، 103 - باب ما جاء في إنشاد الشعر حديث (3007) . و"جه" (2/1236) ، حديث (3757) . وأحمد (2/248، 391، 444) كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. (3) كذا في الأصل وغيره والسياق يقتضي لفظ الكلمة لا الكلام. (4) في خ: "يمسوا".

460 - وكذلك لفظ "ذوي الأرحام" في الكتاب والسنة يراد به الأقارب من جهة الأبوين فيدخل فيهم العصبة وذوو الفروض، وإن شمل ذلك من لا يرث بفرض ولا تعصيب، ثم صار ذلك في اصطلاح الفقهاء اسماً لهؤلاء دون غيرهم، فيظن من لا يعرف إلا ذلك أن هذا هو المراد بهذا اللفظ في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة. ونظائر هذا كثيرة. 461 - ولفظ "التوسل" و "الاستشفاع" ونحوهما دخل فيها من تغيير لغة الرسول وأصحابه، ما أوجب غلط من غلط عليهم في دينهم ولغتهم. والعلم يحتاج إلى نقل مصدق ونظر محقوق (1) . والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة (2) بثبوت لفظه ومعرفة دلالته (3) ، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله. فهذا ما يتعلق بهذه الحكاية (4) . 462 - ونصوص الكتاب والسنة متظاهرة بأن الله أمرنا أن نصلي على النبي ونسلم عليه في كل مكان، فهذا مما اتفق عليه المسلمون، وكذلك رغبنا وحضنا في الحديث الصحيح على أن نسأل الله له الوسيلة والفضيلة، وأن يبعثه مقاماً محموداً الذي وعده.

_ (1) كذا في خ ولعل الصواب: "محقق". (2) في خ: "معفرة" ولعله من خطأ الناسخ. (3) في الأصل "بثبوت لفظ ومعرفة ودلالته" وهو غير مستقيم. ولذا صحح محقق الفتاوى هذا الكلام بما أثبتناه في الأصل حيث لا يستقيم الكلام على هذا الوجه المصحح. (4) أي الحكاية الموضوعة على لسان مالك، وتناول التحريف فيها لغة العرب كما تناول لغة الإسلام.

463 - فهذه الوسيلة التي شرع لنا أن نسألها الله تعالى - كما شرع لنا أن نصلي عليه ونسلم عليه - هي حق له، كما أن الصلاة عليه والسلام حق له صلى الله عليه وسلم. والوسيلة التي أمرنا الله أن نبتغيها إليه هي التقرب إلى الله بطاعته، وهذا يدخل فيه كل ما أمرنا الله به ورسوله، وهذه الوسيلة لا طريق لنا إليها إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وطاعته، وهذا التوسل به فرض على كل أحد. 464 - وأما التوسل بدعائه وشفاعته - كما يسأله الناس يوم القيامة أن يشفع لهم، وكما كان الصحابة يتوسلون بشفاعته في الاستسقاء وغيره، مثل توسل الأعمى بدعائه حتى رد الله عليه بصره بدعائه وشفاعته (1) - فهذا نوع ثالث من باب قبول / الله دعاءه وشفاعته لكرامته عليه، فمن شفع له الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا له فهو بخلاف من لم يَدْعُ له ولم يشفع به (2) . 465 - ولكن بعض الناس ظن أن توسل الصحابة به كان بمعنى أنهم يقسمون به ويسألون به، فظن هذا مشروعاً مطلقاً لكل أحد في حياته ومماته، وظنوا أن هذا مشروع في حق الأنبياء والملائكة، بل وفي الصالحين وفيمن يظن فيهم الصلاح، وإن لم يكن صالحاً في نفس الأمر. 466 - وليس في الأحاديث المرفوعة في ذلك حديث في شيء من دواوين المسلمين التي يعتمد عليها في الأحاديث - لا في الصحيحين ولا كتب السنن ولا المسانيد المعتمدة كمسند الإمام أحمد وغيره - وإنما

_ (1) حديث توسل الأعمى يأتي (ص 203 - 215) . (2) كذا في الأصول ولعل الصواب "له".

يوجد في الكتب التي عرف أن فيها كثيراً من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي يختلقها الكذابون بخلاف من قد يغلط في الحديث ولا يتعمد الكذب، فإن هؤلاء توجد الرواية عنهم في السنن ومسند الإمام أحمد ونحوه، بخلاف من يتعمد الكذب فإن أحمد لم يرو في مسنده عن أحد من هؤلاء. 467 - ولهذا تنازع الحافظ أبو العلاء الهمذاني والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: هل في المسند حديث موضوع؟، فأنكر الحافظ أبو العلاء (1) أن يكون في المسند حديث موضوع (2) ، وأثبت ذلك أبو الفرج وبين أن فيه أحاديث قد علم أنها باطلة. 468 - ولا منافاة بين القولين، فإن الموضوع في اصطلاح أبي الفرج هو الذي قام دليل على أنه باطل وإن كان المحدث به لم يتعمد الكذب بل غلط فيه، ولهذا روى في كتابه في الموضوعات أحاديث كثيرة من هذا النوع. 469 - وقد نازعه طائفة من العلماء في كثير مما ذكره وقالوا: إنه ليس مما يقوم دليل على أنه باطل، بل بينوا ثبوت بعض ذلك، لكن الغالب على ما ذكره في الموضوعات أنه باطل باتفاق العلماء. 470 - وأما الحافظ أبو العلاء وأمثاله فإنما يريدون بالموضوع

_ (1) هو الحافظ العلامة المقري، شيخ الإسلام، الحسن بن أحمد بن الحسن العطار شيخ همذان، كان إماماً في الحديث والقراءات والنحو واللغة، ومعروفاً بالفقه والزهد والكرم، توفي سنة (569) ، تذكرة الحفاظ (4/1324) . (2) تكررت هذه الجملة في خ.

المختلق المصنوع الذي تعمد صاحبه الكذب، والكذب كان قليلاً في السلف. 471 - أما الصحابة فلم يعرف فيهم - ولله الحمد - من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، كما لم يعرف فيهم من كان من أهل البدع المعروفة كبدع الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة، فلم يعرف فيهم أحد من هؤلاء الفرق، ولا كان فيهم من قال: إنه أتاه الخضر، فإن خضر موسى مات كما بين هذا في غير هذا الموضع. 472 - والخضر الذي يأتي كثيراً (1) من الناس إنما هو جني تصور بصورة إنسي أو إنسي كذاب، ولا يجوز أن يكون ملكاً مع قوله أنا الخضر، فإن الملك لا يكذب وإنما يكذب الجني والإنسي. وأنا أعرف ممن أتاه الخضر وكان جنياً مما يطول ذكره في هذا الموضع. 473 - وكان الصحابة أعلم من أن يروج عليهم هذا التلبيس، وكذلك لم يكن فيهم من حملته الجن إلى مكة وذهبت به إلى عرفات ليقف بها كما فعلت ذلك بكثير من الجهال والعباد وغيرهم، ولا كان فيهم من تسرق الجن أموال الناس وطعامهم وتأتيه به، فيظن أن هذا من باب الكرامات كما قد بسط الكلام على ذلك في مواضع. 474 - وأما التابعون فلم يعرف تعمد الكذب في التابعين من

_ (1) في خ "كثير".

أهل مكة والمدينة والشام والبصرة بخلاف الشيعة فإن الكذب معروف فيهم، وقد عرف الكذب بعد هؤلاء في طوائف. 475 - وأما الغلط فلا يسلم منه أكثر الناس، بل في الصحابة من قد يغلط أحياناً وفيمن بعدهم، ولهذا كان فيما صنف في الصحيح أحاديث يعلم أنها غلط وإن كان جمهور متون الصحيحين مما يعلم أنه حق. فالحافظ أبو العلاء يعلم أنها غلط، والإمام أحمد نفسه قد بين ذلك وبين أنه رواها لتعرف، بخلاف ما تعمد صاحبه الكذب. 476 - ولهذا نزه أحمد مسنده عن أحاديث جماعة يروي عنهم أهل السنن كأبي داود والترمذي مثل نسخة كثير (1) بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وإن كان أبو داود يروي في سننه منها، فشرط أحمد في مسنده أجودُ من شرط أبي داود في سننه. 477 - والمقصود أن هذه / الأحاديث التي تُروى في ذلك من جنس أمثالها من الأحاديث الغريبة المنكرة بل الموضوعة، التي يرويها من يجمع في الفضائل والمناقب الغث والسمين، كما يوجد مثل ذلك فيما يصنف في فضائل الأوقات وفضائل العبادات وفضائل الأنبياء والصحابة وفضائل البقاع ونحو ذلك، فإن هذه الأبواب فيها أحاديث صحيحة وأحاديث حسنة وأحاديث ضعيفة وأحاديث كذب موضوعة، ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة

_ (1) ضعيف من السابعة، منهم من نسبه إلى الكذب/ د، ت، ق. تقريب (2/132) .

ولا حسنة. 478 - لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يُعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب. وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع. 479 - وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، لكن إذا عُلم تحريمه وروي حديث في وعيد الفاعل له، ولم يعلم أنه كذب جاز أن يرويه، فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله. 480 - وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يروى منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا. 481 - فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم، ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة. 482 - ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه.

483 - ولكن (1) كان في عرف أحمد بن حنبل ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين: صحيح، وضعيف. 484 - والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به، وإلى ضعيف حسن، كما أن ضعف الإنسان بالمرض ينقسم إلى مرض مخوف يمنع التبرع من رأس المال، وإلى ضعف (2) خفيف لا يمنع من ذلك. 485 - وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام - صحيح، وحسن، وضعيف - هو أبو عيسى الترمذي (3) في جامعه. والحسن عنده ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم وليس بشاذ. 486 - فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفاً ويحتج به، ولهذا مثل أحمد الحديث الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ونحوهما. وهذا مبسوط في موضعه. 487 - والأحاديث التي تروى في هذا الباب - وهو السؤال بنفس المخلوقين - هي من الأحاديث الضعيفة الواهية بل الموضوعة، ولا

_ (1) في الأصل: "ولا كمن" وهو تحريف ظاهر. (2) كذا في الأصل والتعبير بلفظ مرض أنسب. (3) هو الإمام محمد بن عيسى - صاحب السنن - المتوفى سنة 279، وقد قال في آخر كتابه: أردت بقولي: "حسن" ما لا يكون في سنده متهم بالكذب، ولا يكون شاذا، ويروى من غير وجه. وهو المعنى الذي أراده شيخ الإسلام ابن تيمية وعليه يكون الحق مع من لم يأخذ بالحديث الشديد الضعف - لا في فضائل الأعمال ولا في غيرهما.

يوجد في أئمة الإسلام من احتج بها ولا اعتمد عليها. 488 - مثل الحديث الذي يروى عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده أن أبا بكر الصديق أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنني أتعلم القرآن ويتفلت مني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قل اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وبإبراهيم خليلك وبموسى نجيك وعيسى روحك وكلمتك وبتوارة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وفرقان محمد وبكل وحي أوحيته وقضاء قضيته". وذكر تمام الحديث. 489 - وهذا الحديث ذكره رزين بن معاوية العبدري في جامعه، ونقله ابن الأثير في جامع الأصول (1) ولم يَعزُه لا هذا ولا هذا إلى كتاب من كتب المسلمين، لكنه قد رواه من صنف في عمل يوم وليلة كابن السني (2) وأبي نُعيم. وفي مثل هذه الكتب أحاديث كثيرة موضوعة لا يجوز الاعتماد عليها في الشريعة باتفاق العلماء. وقد رواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب فضائل الأعمال وفي هذا الكتاب أحاديث كثيرة كذب موضوعة. 490 - ورواه أبو موسى المديني من حديث زيد بن الحباب عن عبد الملك بن هارون بن عنترة، وقال: هذا حديث حسن مع أنه

_ (1) جامع الأصول لابن الأثير (4/302) ، حديث (2302) . (2) رجعت إلى باب الدعاء لحفظ القرآن ص 217، من عمل اليوم والليلة لابن السني فلم أجد في هذا الباب إلا حديثاً واحداً لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ولم أجد حديث أبي بكر رضي الله عنه في الباب المذكور.

ليس بالمتصل. قال أبو موسى: ورواه محرز بن هشام عن عبد الملك عن أبيه عن جده، عن الصديق رضي الله عنه، وعبد الملك ليس بذاك/ القوي، وكان بالري، وأبوه وجده ثقتان. 491 - قلت: عبد الملك بن هارون بن عنترة من المعروفين بالكذب، قال يحيى بن معين: هو كذاب (1) . وقال السعدي دجال كذاب (2) . وقال أبو حاتم بن حبان: يضع الحديث (3) . وقال النسائي: متروك (4) . وقال البخاري: منكر الحديث (5) . وقال أحمد بن حنبل: ضعيف (6) . وقال ابن عدي: له أحاديث لا يتابعه عليها أحد (7) . وقال الدارقطني: هو وأبوه ضعيفان (8) . وقال الحاكم في كتاب المدخل (9) : عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني روى عن أبيه أحاديث موضوعة.

_ (1) التأريخ لابن معين (2/376) في الترتيب، الترجمة (1688) . (2) أحوال الرجال (ص 68) ، رقم (77) ، والسعدي: هو الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي الجوزجاني، توفي سنة (259) ، انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ (2/549) ، وتهذيب التهذيب (1/181) . (3) كتاب المجروحين (2/133) . (4) كتاب الضعفاء والمتروكين (ص 166) ، رقم (405) . (5) الضعفاء (ص 148) ، رقم (218) . (6) العلل ومعرفة الرجال (1/384) . (7) الكامل (5/1942) وفيه: "وعبد الملك بن هارون له أحاديث غرائب عن أبيه عن جده عن الصحابة، مما لا يتابعه عليه أحد". (8) الضعفاء والمتروكين (ص289) رقم (362) ، وعبارته: "عبد الملك بن هارون بن عنترة الكوفي عن أبيه، وأبوه أيضاً متروك". فكلمة أيضاً تدل على أنه قال فيه: متروك، أو لأن الكتاب موضوع للضعفاء والمتروكين. (9) (1/170) ، رقم (129) .

وأخرجه أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الموضوعات (1) . وقول الحافظ أبي موسى: "هو منقطع" يريد أنه لو كان رجاله ثقات فإن إسناده منقطع. 492 - وقد روى عبد الملك - هذا الحديث (2) الآخر المناسب لهذا في استفتاح أهل الكتاب به كما سيأتي ذكره (3) ، وخالف فيه عامة ما نقله المفسرون وأهل السير وما دل عليه القرآن، وهذا يدل على ما قاله العلماء فيه من أنه متروك؛ إما لتعمده الكذب، وإما لسوء حفظه، وتبين أنه لا حجة لا في هذا ولا في ذاك. 493 - ومثل ذلك الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب مرفوعاً وموقوفاً عليه "أنه لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي. قال: وكيف عرفت محمداً؟ قال: لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً": لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. قال: صدقت يا آدم، ولولا محمد ما خلقتك".

_ (1) (3/174 - 175) بإسناده إلى مجاهد عن ابن مسعود مرفوعاً. وقال عقبه: هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتهم به عمر بن الصبح، قال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، فلعله سقط من المطبوع، وأورده السيوطي في اللآلئ (2/357) ، وابن عراق في تنزيه الشريعة (2/322) ، وعزواه إلى أبي الشيخ في كتاب الثواب. وقال السيوطي وتابعه ابن عراق: "عبد الملك دجال مع ما في السند من الإعضال". (2) في خ: "الأحاديث". (3) رقم (629) ، ص (247) رقم (2) .

وهذا الحديث رواه الحاكم في مستدركه (1) من حديث عبد الله بن مسلم الفهري (2) عن إسماعيل بن مسلمة (3) عنه. وقال الحاكم: وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن في هذا الكتاب (4) . وقال الحاكم: هو صحيح. ورواه الشيخ أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة (5) موقوفاً على عمر من حديث عبد الله بن إسماعيل بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم موقوفاً. 494 - ورواه الآجري أيضاً من طريق آخر، من حديث

_ (1) (2/615) وقال عَقبه: وهذا حديث صحيح الإسناد فتعقبه الذهبي بقوله: "بل موضوع وعبد الرحمن واهْ) . (2) أبو الحارث، روى عن اسماعيل بن مسلمة بن قعنب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خبراً باطلاً، فيه: يا آدم، لولا محمد ما خلقتك، رواه البيهقي في دلائل النبوة، الميزان للذهبي (2/504) ، قال الحافظ ابن حجر في اللسان (3/360) بعد نقله لكلام الذهبي السابق: "قلت: لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله، فإنه من طبقته" والذي قبله هو: عبد الله بن مسلم بن رشيد، عن الليث ذكره ابن حبان وقال: متهم بوضع الحديث، وقال: حدثنا عنه جماعة يضع على ليث، ومالك وابن لهيعة، لا يحل كتب حديثه. انتهى. وبقية كلامه: "وهذا شيخ لا يعرفه أصحابنا، وإنما ذكرته لئلا يحتج له من أصحاب الرأي، لأنهم كتبوا عنه، فيتوهم من لم يتبحر في العلم أنه ثقة، وهو الذي روى عن ابن هدبة نسخة كأنها معمولة". وانظر كتاب المجروحين (2/44) وعبارته: "وإنما ذكرته لئلا يحتج به واحد من أصحاب الرأي على من لم يتبحر في العلم من أصحابنا فيوهمه أنه كان ثقة إلخ. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك (2/615) تعليقاً على هذا الحديث: "قلت: رواه بن مسلم الفهري، ولا أدري من ذا عن إسماعيل بن مسلمة عنه. (3) ابن قعنب الحارثي القعنبي، أبو بشر المدني، نزيل مصر صدوق يخطىء من التاسعة /ق. تقريب. (4) المستدرك (2/516) . (5) ص (427) .

عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه موقوفاً عليه، وقال: حدثنا هارون بن يوسف التاجر، حدثنا أبو مروان العثماني، حدثني أبو عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: "من الكلمات التي تاب الله بها على آدم: قال: اللهم إني أسألك بحق محمد عليك. قال الله تعالى: وما يدريك ما محمد؟ قال: يا رب رفعت رأسي فرأيت مكتوباً على عرشك: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك". 495 - قلت: ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب المدخل (1) إلى معرفة الصحيح من السقيم: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه. 496 - قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً، ضعفه أحمد بن حنبل (2) وأبو زرعة وأبو حاتم (3) والنسائي (4) ، والدارقطني (5) وغيرهم، وقال أبو حاتم بن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم، حتى كثر ذلك من روايته، من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك (6) . 497 - وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله، فهذا مما

_ (1) (1/154) ، رقم (97) . (2) العلل (1/265) ، والجرح والتعديل (5/233، 234) . (3) الجرح والتعديل، الموضع السابق. (4) الضعفاء والمتروكين، (ص 158) ، رقم (377) . (5) الضعفاء والمتروكين، ص (270) ، رقم (331) . (6) (2/57) .

أنكره عليه أئمة العلم بالحديث وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. كما صحح حديث زريب بن ثرملا (1) الذي فيه ذكر وصي المسيح، وهو كذب باتفاق أهل المعرفة كما بين ذلك البيهقي (2) وابن الجوزي (3)

_ (1) في خ: "برثملي". قال الحافظ في الإصابة (1/561) : "زريب - بالتصغير - ابن ثرملا، ذكره الطبري في الصحابة، وروى البارودي من طريق عبد الله بن معروف، عن أبي عبد الرحمن الأنصاري، عن محمد بن حسين بن علي، أن سعد بن أبي وقاص لما فتح حلوان، مر رجل من الأنصار يقال له: جعونة بن نضلة بشعب فحضرت الصلاة، فتوضأ، ثم أذن، فأجابه صوت، فنظر فلم ير شيئاً، فأشرف عليه رجل من كهف، شديد بياض الرأس واللحية، فقال: من أنت؟ قال: أنا زريب بن ثرملا، من حواري عيسى ابن مريم، وقد أردت الوصول إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحالت بيني وبينه فارس. فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فانطلق جعونة، فأخبر سعداً، فكتب سعد إلى عمر، فكتب عمر: أطلب الرجل، فابعث به إليَّ، فتتبعوا الشعاب والأودية، فلم يروا له أثراً. (2) الدلائل، (5/425 - 428) . وهي قصة طويلة، رواها من طريقين: الأولى: إلى عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر. والثانية: من طريق ابن لهيعة، عن مالك بن أزهر عن نافع به. قال البيهقي عقب الرواية الأولى: قال أبو عبد الله الحافظ: كذا قال عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي، عن مالك بن أنس، ولم يتابع عليه. وإنما يعرف هذا الحديث لمالك بن الأزهر عن نافع فهو رجل مجهول لا يسمع بذكره في غير هذا الحديث. ثم قال عقب الثانية: "هذا الحديث بهذا الإسناد أشبه وهو ضعيف بمرَّةٍ". (3) أوردهما ابن الجوزي في: الموضوعات (1/209 - 213) . من الطريقين السابقين، ثم رواه من طريق عبيد الله بن يحيى، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: لما ظهر سعد على حلوان العراق، وذكر القصة، وعبيد الله بن يحي، لم أقف له على ترجمة. ثم قال ابن الجوزي: "ورواه أبو بكر الأنباري من حديث عبد الله بن عمرو بن عبد الرحمن، وهو مجهول. وحديث زريب حديث باطل، لا أصل له وأكثر رواته مجاهيل لا يعرفون. أما رواية الراسبي عن مالك، فليس من حديث مالك. قال أبو بكر الخطيب: روى الراسبي عن مالك هذا الحديث المنكر". ثم نقل عن الأئمة كلامهم في ابن لهيعة. وذكر القصة ابن عراق (1/239 - 241) ونقل في نقدها كلام العلماء.

وغيرهما (1) . وكذلك أحاديث كثيرة في مستدركه يصححها، وهي عند أئمة أهل العلم بالحديث موضوعة. ومنها ما يكون موقوفاً يرفعه. 498 - ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم، وإن كان غالب ما يصححه فهو صحيح، لكن هو في المصححين بمنزلة الثقة الذي يكثر غلطه، وإن كان الصواب أغلب عليه. وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه. 499 - بخلاف أبي حاتم بن حبان البستي، فإن تصحيحه فوق تصحيح الحاكم وأجل قدراً. وكذلك تصحيح الترمذي والدارقطني وابن خزيمة وابن منده وأمثالهم فيمن يصحح الحديث، فإن هؤلاء وإن كان في بعض ما ينقلونه نزاع، فهم أتقن في هذا الباب من الحاكم. 500 - ولا يبلغ تصحيح الواحد من هؤلاء مبلغ تصحيح مسلم. ولا يبلغ تصحيح مسلم مبلغ تصحيح البخاري، بل كتاب البخاري أجل ما صنف في هذا الباب. والبخاري / من أعرف خلق الله بالحديث

_ (1) منهم أبو نعيم في الدلائل (1/124 - 126) ، من طريق عبد الرحمن الراسبي ولم أر له تعقباً على القصة، لكن ابن عراق قال: "وقال أبو نعيم في الراسبي: فيه ضعف ولين". وقال الذهبي: "عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي، عن مالك أتى بخبر باطل طويل، وهو المتهم به، وذكر طرفاً من القصة. الميزان (2/545 - 546) .

وعلله مع فقهه فيه، وقد ذكر الترمذي أنه لم ير أحداً أعلم بالعلل منه (1) . 501 - ولهذا كان من عادة البخاري إذا روى حديثاً (2) اختُلف في إسناده أو بعض ألفاظه أن (3) يذكر الاختلاف في ذلك لئلا يُغتر بذكره له بأنه إنما ذكره مقروناً بالاختلاف فيه. 502 - ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه. بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها وكان الصواب فيها مع من نازعه (4) . 503 - كما روى في حديث الكسوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركوعات وبأربع ركوعات كما روى أنه صلى بركوعين (5) .

_ (1) عبارة الترمذي (5/738) ، 51 - كتاب العلل: "ولم أر أحداً، بالعراق ولا بخراسان، في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبير أحد أعلم من محمد بن إسماعيل". قال هذا بعد أن ذكر أبا زرعة وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. (2) في خ: "حديث". (3) زيدت في المطبوع وفي مجموع الفتاوى (1/256) لأن المقام يقتضيها ولا توجد في الأصل المخطوط. (4) في هذا الإطلاق نظر فإن الصواب يكون غالباً في جانب مسلم رحمه الله تعالى (5) أحاديث صلاة الكسوف رواها مسلم (2/618 - 630) ، 10 - كتاب الكسوف من حديث (1 - 29) . 1 - من طريق هشام بن عروة، والزهري، عن عروة عن عائشة وفيه في كل ركعة ركوعان. 2 - من طريق ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير (حسبته عن عائشة) . ومن طريق قتادة، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة: وفيه: "في كل ركعة ثلاث ركوعات". 3 - ومن طريق عمرة عن عائشة، وفيه في كل ركعة ركوعان. 4 - ومن طريق أبي الزبير عن جابر، وفيه في كل ركعة ركوعان. =

504 - والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين، وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم، وقد بين ذلك الشافعي (1) ، وهو قول البخاري (2) وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه (3) . 505 - والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم. ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف ولا كان له إبراهيمان، ومن نقل أنه مات عاشر الشهر فقد كذب. 506 - وكذلك روى مسلم: "خلق الله التربة يوم السبت" (4) .

_ = 5 - ومن طريق عبد الملك (يعني ابن ميسرة الكوفي ثقة) عن عطاء عن جابر، وفيه في كل ركعة ثلاث ركوعات. 6 - ومن طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس، وفيه ركوعان في كل ركعة. 7 - ومن طريق حبيب (يعني ابن أبي ثابت، وهو ثقة يرسل كثيراً ويدلس) وفيه ثمان ركعات في أربع سجدات. والراجح ما قاله شيخ الإسلام من أن الثابت في كل ركعة ركوعان، كما هو ظاهر من أسانيد الروايات، وكما هو الثابت من ناحية تأريخية. فعروة وعمرة أثبت في عائشة من عبيد بن عمير لا سيما وقد شك في الراوي وأخشى أن يكون عطاء قد وهم في حديث عائشة وجابر. أَمَّا رواية ابن عباس التي فيها ثمان ركعات، ففي إسنادها حبيب بن أبي ثابت، وهو يرسل ويدلس، وقد عنعن في إسناد هذه الرواية وقد عده الحافظ ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين (ص 39) من الطبقات. ولعل مسلماً كان يرى تعدد قصة الكسوف ثم بنى على ظواهر الأسانيد - رحمه الله - وقد صحح هذه الروايات إسحاق، وابن المنذر وغيرهما، وجمعوا بينها. انظر: المغني لابن قدامة (2/316) . (1) الأم (1/245 - 246) . (2) رجعت إلى صحيح البخاري، 16 - كتاب الكسوف من حديث (1040 - 1066) ، فلم أر له رأيا صريحاً، ولعل شيخ الإسلام أخذ هذا من تصرف البخاري، حيث اقتصر على إخراج الأحاديث التي فيها ركوعان فقط، أوله رأي منقول في غير الصحيح. (3) انظر المغني لابن قدامة (2/313 - 314) . (4) أخرجه مسلم، 50 - كتاب صفة المنافقين وأحكامهم - باب ابتداء الخلق حديث (27) . وأحمد (2/327) ، وابن معين في التاريخ (3/52) ، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 364) .

ونازعه فيه من هو أعلم منه كيحيى بن معين (1) والبخاري (2) وغيرهما (3) فبينوا أن هذا غلط ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

_ (1) لم أقف على كلام يحيى بن معين في هذا الحديث بعد بحث. (2) قال البخاري في التاريخ الكبير (1/1/413 - 414) في ترجمة أيوب بن خالد: "وروى إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد الأنصاري، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "خلق الله التربة يوم السبت ... ". وقال بعضهم: عن أبي هريرة، عن كعب، وهو أصح. (3) منهم الإمام علي بن المديني. - قال البيهقي في الأسماء والصفات (ص 384) : "قال علي بن المديني: وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا عن إبراهيم بن أبي يحيى. قلت (البيهقي) : وقد تابعه على ذلك موسى بن عبيدة الربذي، عن أيوب بن خالد، إلا أن موسى بن عبيدة ضعيف. وروى عن بكر بن الشرود عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم عن أيوب بن خالد، وإسناده ضعيف والله أعلم". وقد تصدى الشيخ عبد الرحمن المعلمي في كتابه القيم الأنوار الكاشفة (ص 188 - 192) لسرد الشبه التي طعن بها هذا الحديث في إسناده ومتنه، فأجاد وأفاد، فرد على إعلال ابن المديني بقوله: "ويرد على هذا أن إسماعيل ثقة عندهم غير مدلس وقال بعضهم ... إلخ بقوله: وليته ذكر إسنادها ومتنها، فقد تكون ضعيفة، ويدل على ضعفها، أن المحفوظ على كعب وعبد الله بن سلام ووهب ابن منبه ومن يأخذ منهم، أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وهو قول أهل الكتاب". وأحال على الأسماء والصفات للبيهقي (ص 272 - 275) ، وأوائل تفسير ابن جرير، والدر المنثور (3/91) . وصحح الحديث الشيخ ناصر الدين الألباني ودافع عنه في تعليقه على حديث (5734) ، من مشكاة المصابيح بقوله: "ولا مطعن في إسناده البته، وليس هو بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه خلافا لما توهمه بعضهم، فإن الحديث يفصل كيفية الخلق على الأرض وحدها وأن ذلك كان في سبعة أيام، ونص القرآن على أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام والأرض في يومين، لا يعارض ذلك، لاحتمال أن هذه الأيام الستة غير الأيام السبعة المذكورة في الحديث، وأنه - أعني الحديث - تحدث عن مرحلة من مراحل تطور الخلق على وجه الأرض، حتى صارت صالحة للسكنى - ويؤيده أن القرآن يذكر أن بعض الأيام عند الله تعالى كألف سنة، وبعضها مقداره خمسون ألف سنة، فما المانع أن تكون الأيام الستة من هذا القبيل، والأيام السبعة من أيامنا هذه كما هو صريح الحديث وحينئذ فلا تعارض بينه وبين القرآن". وأكد هذا الدفاع في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/449 - 450) فأجاد وأفاد.

والحجة مع هؤلاء، فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام، وأن آخر ما خلقه هو آدم وكان خلقه يوم الجمعة. وهذا الحديث المختلف فيه يقتضي أنه خلق ذلك في الأيام السبعة. وقد روي إسناد أصح من هذا أن أول الخلق كان يوم الأحد (1) . 507 - وكذلك روى أن أبا سفيان لما أسلم طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بأم حبيبة وأن يتخذ معاوية كاتباً (2) ، وغلّطه في ذلك طائفة من الحفاظ.

_ (1) لم أقف على حديث مرفوع، ينص على أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وإنما يوجد آثار، عن ابن عباس، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام. ذكرها ابن جرير في تاريخه (1/47) . أما أثر ابن عباس وابن مسعود، ففيه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، صدوق يهم رمى بالتشيع. وأما أثر ابن سلام، ففي إسناده أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي، ضعيف، وفيه عبد الله بن صالح، لم يتبين لي من هو، وأظنه كاتب الليث، فإن كان فهو ضعيف. ثم إن موضوعها خلق السماوات والأرض، مع ذكر أشياء ذكرت في حديث مسلم، فلفظ هذه الآثار: "إن الله بدأ الخلق يوم الأحد، فخلق الأرضين في الأحد والاثنين، وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السماوات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة، فخلق فيها آدم على عجل فتلك الساعة التي تقوم في الساعة". (2) أخرجه مسلم (4/1945) ، 44 - كتاب فضائل الصحابة، حديث (168) ، وفي إسناده أبو زُميل - بالزاي مصغراً - سماك بن الوليد الحنفي اليمامي الكوفي، ليس به بأس من الثالثة/ بخ م4. تقريب (1/332) ، وعكرمة بن عمار العجلي اليمامي، صدوق يغلط/ خت م4. تقريب (2/30) . قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي - في الأنوار الكاشفة (ص 230) - عن هذا الحديث: "وفي سنده عكرمة بن عمار موصوف بأنه يغلط ويهم، فمن أهل العلم من تكلم في هذا الحديث، وقال: إنه من أوهام عكرمة، ومنهم من تأوله وأقرب تأويل له أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان قبل إسلام أبي سفيان، كان بدون رضاه، فأراد بقوله: "أزوجكها، أرضى بالزواج، فأقْبل مني هذا الرضا". وقال النووي في شرح مسلم (16/63) : "يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح تطييباً لقلبه، لأنه ربما كان يرى عليها غضاضة من رياسته ونسبه أن تزوج بنته بغير رضاه".

ولكن جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث، تلقوها بالقبول وأجمعوا عليها وهم يعلمون علماً قطعياً أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها. وبسط الكلام في هذا له موضع آخر. 508 - وهذا الحديث المذكور في آدم يذكره طائفة من المصنفين بغير إسناد وما هو من جنسه مع زيادات أخر، كما ذكر القاضي عياض قال: وحكى أبو محمد المكي وأبو الليث السمرقندي (1) وغيرهما: "أن آدم عند معصيته قال: اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي - قال: ويروى تقبل توبتي - فقال الله له: من أين عرفت محمداً؟ قال: رأيت في كل موضع من الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال: ويروى: محمد عبدي ورسولي، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك، فتاب عليه وغفر له" (2) . 509 - ومثل هذا لا يجوز أن تبنى عليه الشريعة ولا يحتج به في الدين باتفاق المسلمين، فإن هذا من جنس الإسرائيليات ونحوها التي لا

_ (1) الإمام الفقيه المحدث الزاهد أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم، السمرقندي الحنفي صاحب كتاب "تنبيه الغافلين"، تروج عليه الأحاديث الموضوعة، مات سنة (375) . سير أعلام النبلاء (16/322 - 323) . (2) الشفاء (1/133) ، والقصة كما تراها بغير إسناد.

يعلم صحتها إلا بنقل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه (1) لو نقلها مثل كعب الأحبار ووهب ابن منبه وأمثالهما ممن ينقل أخبار المبتدأ وقصص المتقدمين عن أهل الكتاب لم يجز أن يحتج بها في دين المسلمين باتفاق المسلمين، فكيف إذا نقلها من لا ينقلها لا عن أهل الكتاب ولا عن ثقات علماء المسلمين، بل إنما ينقلها عمن هو عند المسلمين مجروح ضعيف لا يحتج بحديثه، واضطرب عليه فيها اضطراباً يعرف [به] أنه لم يحفظ ذلك، ولم ينقل ذلك ولا ما يشبهه أحد من ثقات علماء المسلمين الذين يعتمد على نقلهم، وإنما هي من جنس ما ينقله إسحاق بن بشر (2) وأمثاله في كتب المبتدأ، وهذه لو كانت ثابتة عن الأنبياء لكانت شرعاً لهم، وحينئذ فكان الاحتجاج بها مبنياً على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا؟ والنزاع في ذلك مشهور. 510 - لكن الذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أنه شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وهذا إنما هو فيما ثبت أنه شرع، لمن قبلنا من نقل ثابت (3) عن نبينا صلى الله عليه وسلم أو بما تواتر عنهم، لا بما يروى على هذا الوجه، فإن هذا لا يجوز أن يحتج به في شرع المسلمين أحد من المسلمين. 511 - ومن هذا الباب حديث ذكره موسى بن عبد الرحمن

_ (1) في خ "هذا". (2) أبو حذيفة البخاري صاحب كتاب المبتدأ، تركوه، وكذبه علي بن المديني، وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب، وقال الدارقطني: كذاب متروك. قلت: يروي العظائم عن ابن إسحاق، والثوري، وابن جريج. الميزان (1/184) ، واللسان (1/345) . (3) في خ: "الثابت".

الصنعاني صاحب التفسير (1) بإسناده عن ابن عباس مرفوعاً أنه قال: "من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف، أو في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر، وليشربه على الريق، وليصم ثلاثة أيام، وليكن إفطاره عليه، ويدعو به في أدبار صلواته/: اللهم إني أسألك بأنك مسئول، لم يسأل مثلك ولا يسأل، وأسألك بحق محمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك" (2) . وذكر تمام الدعاء. وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين، قال أبو أحمد بن عدي فيه: منكر الحديث (3) .

_ (1) قال الذهبي معروف ليس بثقة، فإن ابن حبان قال فيه: دجال، وضع على ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير. وقال ابن عدي منكر الحديث. الميزان (4/211) ، وانظر ترجمته في: الكامل (6/2348) . (2) لم أجده في كتب الموضوعات منسوباً لابن عباس، وإنما ينسب إلى ابن مسعود كما سيأتي، ولعل المصنفين في الموضوعات لم يعثروا على كتاب موسى بن عبد الرحمن. ثم وجدته في كتاب الدعاء للطبراني (3/1422) رقم 1334. (3) لم أجد هذه العبارة في المطبوع من الكامل وقد سقطت ترجمته مع عدد من التراجم من المخطوطة التي عندي، والذي في المطبوع (6/2348) بعد أن ساق في ترجمته أربعة أحاديث، قال: "وموسى بن عبد الرحمن هذا لا أعلم له أحاديث غير ماذكرته، وقد يقبل بابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وهذه الأحاديث بواطيل". وأعتقد أنه قد وقع تحريف في قوله، وقد يقبل، فهذه العبارة لاتتناسب مع قوله: وهذه الأحاديث بواطيل. والأحاديث إنما أوردها من روايته، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وإذا كان ابن عدي لا يعلم له إلا هذه الأحاديث الأربعة، وقد حكم عليها بأنها بواطيل، فكيف يستقيم القول بأنه قد يقبل بابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. والعبارة التي نقلها شيخ الإسلام عن ابن عدي، نقلها الذهبي. الميزان (4/211) . مما يؤكد صدق نقله رحمه الله، ويؤكده كلام ابن حبان الآتي.

وقال أبو حاتم ابن حبان: دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من كلام الكلبي ومقاتل (1) . 512 - ويروى نحو هذا - دون الصوم - عن ابن مسعود من طريق موسى بن إبراهيم المروزي حدثنا وكيع عن عبيدة عن شقيق عن ابن مسعود (2) . وموسى بن إبراهيم هذا قال فيه يحيى بن معين: كذاب (3) ، وقال الدارقطني: متروك (4) ، وقال ابن حبان: كان مغفلاً يلقن فيتلقن فاستحق الترك (5) .

_ (1) كتاب المجروحين (2/242) ، وبعد هذا الكلام الذي نقله شيخ الإسلام بالحرف: "وألزقه بابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس". (2) أورده السيوطي، في اللآليء المصنوعة (2/356) ، من طريق فيها عمر بن صبح، ثم قال: موضوع، والمتهم به عمر بن صبح، ثم قال في (ص 357) : "قلت وله طريق آخر أخرجه الخطيب في الجامع، ثم ساقه بالإسناد الذي ذكره شيخ الإسلام. وهو في الجامع للخطيب (2/261) ، برقم (1793) ، بالإسناد المذكور. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (2/174) ، وابن عراق في تنزيه الشريعة (2/322) ، من طريق عمر بن صبح، وزاد ابن عراق قوله: "ورواه أبو الشيخ في الثواب، من حديث أبي بكر الصديق، من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني الدجال، مع ما في سنده من الإعضال. (3) قاله الذهبي في الميزان (4/199) . (4) ذكره الدارقطني في الرواة عن مالك، ساق له حديثاً وقال: "باطل منكر، وموسى بن إبراهيم ومن دونه ضعفاء". اللسان (5/405) في ترجمة محمد بن نصر بن عيسى. (5) لم أجد ترجمتة في المجروحين، ولا يبعد أن تكون قد سقطت، وفي الميزان (4/199) ، واللسان (6/111) "كذّبه يحيى وقال الدارقطني وغيره متروك" ثم قال فمن بلاياه ثم ذكر طرفاً من حديث ابن مسعود. وقال العقيلي في الضعفاء (4/166) : "منكر الحديث"، وساق له حديثاً وقال: حديث باطل (4/167) .

ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد بن جبر عن ابن مسعود بطريق أضعف (1) من الأول. 513 - ورواه أبو الشيخ الأصبهاني من حديث أحمد بن إسحاق الجوهري: حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء (2) العتبي، حدثنا يوسف بن يزيد عن الزهري، ورفع الحديث قال: "من سره أن يَحفظ فليصم سبعة أيام، وليكن إفطاره في آخر هذه الأيام السبعة على هؤلاء الكلمات" (3) . قلت: وهذه أسانيد مظلمة لا يثبت بها شيء. 514 - وقد رواه أبو موسى المديني في أماليه، وأبو عبد الله المقدسي، على عادة أمثالهم في رواية ما يروى في الباب سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً، كما اعتاده أكثر المتأخرين من المحدثين، أنهم يروون ما روي به الفضائل، ويجعلون العهدة في ذلك على الناقل، كما هي عادة المصنفين في فضائل الأوقات والأمكنة والأشخاص والعبادات والعادات. 515 - كما يرويه أبو الشيخ الأصبهاني في فضائل الأعمال وغيره، حيث يجمع أحاديث كثيرة لكثرة روايته، وفيها أحاديث كثيرة قوية صحيحة وحسنة، وأحاديث كثيرة ضعيفة موضوعة وواهية. وكذلك ما يرويه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة.

_ (1) في اللآليء المصنوعة، وتنزيه الشريعة، في الموضعين المذكورين سابقاً. (2) قال أبو حاتم: "أحاديثه موضوعة" الميزان (2/83) . (3) لم أجده فيبحث عنه.

وما يرويه أبو نعيم الأصبهاني في فضائل الخلفاء في كتاب مفرد، وفي أول حلية الأولياء. وما يرويه أبو الليث السمرقندي وعبد العزيز الكناني وأبوعلي بن البناء وأمثالهم من الشيوخ، وما يرويه أبو بكر الخطيب وأبو الفضل بن ناصر وأبو موسى المديني وأبو القاسم بن عساكر والحافظ عبد الغني وأمثالهم ممن له معرفة بالحديث، فإنهم كثيراً ما يروون في تصانيفهم ما روي مطلقاً على عادتهم الجارية؛ ليعرف ما روي في ذلك الباب لا ليحتج بكل ما روي، وقد يتكلم أحدهم على الحديث ويقول: غريب، ومنكر، وضعيف. وقد لا يتكلم. 516 - وهذا بخلاف أئمة الحديث الذين يحتجون به ويبنون عليه دينهم مثل مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، ومحمد بن نصر المروزي، وابن خزيمة، وابن المنذر، وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري، وغير هؤلاء، فإن هؤلاء الذين يبنون الأحكام على الأحاديث يحتاجون أن يجتهدوا في معرفة صحيحها وضعيفها وتمييز رجالها. 517 - وكذلك الذين تكلموا في الحديث والرجال ليميزوا بين هذا وهذا لأجل معرفة الحديث كما يفعل أبو أحمد بن عدي، وأبو حاتم البستي، وأبو الحسن الدارقطني وأبو بكر الإسماعيلي، وكما قد يفعل ذلك، أبو بكر البيهقي، وأبو إسماعيل الأنصاري، وأبو القاسم الزنجاني، وأبو عمر

ابن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وأمثال هؤلاء، فإن بسط هذه الأمور له موضع آخر. 518 - ولم يذكر من لا يروي بإسناد - مثل كتاب وسيلة المتعبدين لعمر الملا الموصلي، وكتاب الفردوس لشهريار الديلمي، وأمثال ذلك - فإن هؤلاء دون هؤلاء الطبقات، وفيما يذكرونه من الأكاذيب أمر كبير. 519 - والمقصود هنا، أنه ليس في هذا الباب حديث واحد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه في مسألة شرعية، باتفاق أهل المعرفة بحديثه، بل المروي في ذلك إنما يعرف أهل المعرفة بالحديث أنه من الموضوعات؛ إما تعمداً من واضعه، وإما غلطاً / منه. وفي الباب آثار عن السلف أكثرها ضعيفة: 520 - فمنها حديث الأربعة الذين اجتمعوا عند الكعبة وسألوا، وهم عبد الله ومصعب ابنا (1) الزبير، وعبد الله بن عمر وعبد الملك بن مروان. ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء (2) . ورواه من طريق إسماعيل بن أبان الغنوي، عن سفيان الثوري، عن طارق بن عبد العزيز، عن الشعبي، أنه قال: "لقد رأيت عجباً‍كنا بفناء الكعبة أنا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ومصعب بن

_ (1) في خ: "ابني" وهو خطأ. (2) (ص 120) .

الزبير، وعبد الملك بن مروان، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم: ليقم كل رجل منكم، فليأخذ بالركن اليماني، وليسأل الله حاجته، فإنه يُعطى من سعة. ثم قالوا: قم ياعبد الله بن الزبير فإنك أول مولود في الإسلام بعد الهجرة (1) . فقام، فأخذ بالركن اليماني ثم قال: اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم، أسألك بحرمة وجهك، وحرمة عرشك، وحرمة نبيك، ألا تميتني من الدنيا حتى توليني الحجاز، ويسلم علي بالخلافة. ثم جاء فجلس. ثم قام مصعب، فأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك رب كل شيء، وإليك يصير كل شيء، أسألك بقدرتك على كل شيء، ألا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق، وتزوجني بسُكينة بنت الحسين. ثم قام عبد الملك بن مروان، فأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم رب السموات السبع، ورب الأرض ذات النبت بعد القفر، أسألك بما سألك به عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحقك على خلقك وبحق الطائفين حول عرشك" (2) إلى آخره. 521 - قلت: وإسماعيل بن أبان الذي روى هذا عن سفيان الثوري كذاب، قال أحمد بن حنبل: كتبت عنه، ثم حدث بأحاديث موضوعه فتركناه (3) . وقال يحيى بن معين: وضع حديثاً على السابع من

_ (1) في خ: إنك أول مولود في الهجرة". (2) كتاب مجابي الدعاء (ص 121) . (3) الميزان (1/211) .

ولد العباس يلبس الخضرة (1) (يعني المأمون) . وقال البخاري (2) ، ومسلم (3) ، وأبو زرعة (4) ، والدارقطني (5) : متروك. وقال الجوزجاني: ظهر منه على الكذب (6) . وقال أبو حاتم: كذاب (7) . وقال ابن حبان: يضع على الثقات (8) . وطارق بن عبد العزيز الذي ذكر أن الثوري روى عنه لا يعرف من هو (9) ، فإن طارق بن عبد العزيز المعروف (10) الذي روى عنه (11) ابن عجلان ليس من هذه الطبقة.

_ (1) الجرح والتعديل (2/160) ، والميزان (1/211) . (2) الضعفاء الصغير له (ص 23) ، رقم 16. (3) الميزان (1/212) ، وقال النسائي في الضعفاء (ص 48) : "متروك الحديث". (4) الجرح والتعديل (2/160) . (5) ذكره في الضعفاء والمتروكين (ص 132) من رواية البرقاني. (6) أحوال الرجال (ص 84) ، رقم (113) . (7) الجرح والتعديل (2/160) قال: "متروك الحديث، وكان كذاباً". (8) كتاب المجروحين (1/128) ، وقال: "كان أحمد بن حنبل شديد الحمل عليه". (9) فعلاً لا ذكر له في كتب الرجال. (10) ذكره ابن أبي حاتم (4/488) ، فقال: طارق بن عبد العزيز بن قيس الربعي، ثم العبدي، روى عن محمد بن عجلان، روى عنه عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي، وسعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري. قال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال: شيخ يذاكر بحديثه ما رأيت بحديثه بأساً في مقدار ما رأيت من حديثه. وذكره الحافظ في اللسان (3/204) باسم طارق بن بارق المكي وقال: قال ابن حبان في الثقات: ربما خالف الأثبات في الروايات. ونقل فيه كلام ابن أبي حاتم. وفي الثقات (8/327) طارق بن طارق المكي، يروي عن ابن عجلان، وفيه ما نقله الحافظ عن ابن حبان. (11) كذا في الأصل والنسخ المطبوعة ومجموع الفتاوى ولعله سبق قلم من الناسخ والصواب "عن" لأنه يروي عن ابن عجلان كما في الجرح والتعديل.

522 - وقد خولف فيها، فرواها أبو نعيم عن الطبراني: حدثنا أحمد ابن زيد بن الجريش، حدثنا أبو حاتم السجستاني، حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: "اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بنو الزبير، وعبد الله بن عمر فقالوا: تمنوا فقال عبد الله بن الزبير أَمَّا أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة: أَمَّا أنا فأتمنى أن يوخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين، وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال: فنالوا كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له" (1) . 523 - قلت: وهذا إسناد خير من ذاك الإسناد باتفاق أهل العلم، وليس فيه سؤال بالمخلوقات. وفي الباب حكايات عن بعض الناس، أنه رأى مناماً قيل له فيه: ادع بكذا وبكذا، ومثل هذا لا يجوز أن يكون دليلاً باتفاق العلماء.

_ (1) الحلية (2/91) ، قال: حدثنا أحمد بن بندار، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، ثنا سليمان بن معبد، ثنا الأصمعي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: اجتمع في الحجر مصعب بن الزبير، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وذكر القصة. فلعل الإسناد الذي ذكره شيخ الإسلام، قد ذكره أبو نعيم في موضع آخر، أو سبق نظره إلى إسناد آخر، فإن أبا نعيم كثيراً ما يروي عن الطبراني. أحمد بن بندار لعله أحمد بن بندار بن إسحاق الأصبهاني الغار الظاهري وثقه أبو نعيم، توفي 359، السير للذهبي (16/ 61 - 62) . وعبد الله بن سليمان بن الأشعث، هو ابن أبي داود، ثقة. تأريخ بغداد (9/464 - 469) . وسليمان بن معبد، هو أبو داود المروزي السنجي، ثقة. التقريب (1/230) . والأصمعي، هو عبد الملك بن قُريب، الشاعر المشهور، صدوق. وعبد الرحمن بن أبي الزناد، صدوق تغير حفظه، وكان فقيهاً. التقريب (1/480) . فهو إسناد جيد فإذا انضم إلى الإسناد الذي ذكره شيخ الإسلام ازداد قوة، إذا سلم من الانقطاع بين عبد الرحمن وأصحاب القصة. وعلى كل فهو خيرٌ من ذاك الإسناد.

وقد ذكر بعض هذه الحكايات من جمع في الأدعية. 524 - ورُُوي في ذلك أثر عن بعض السلف، مثل ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء، قال: حدثنا أبو هاشم، سمعت كثير (1) ابن محمد ابن كثير بن رفاعة (2) يقول: جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد ابن أبجر، فجس بطنه فقال: بك داء لا يبرأ. قال: ما هو؟ قال: الدُّبَيْلة (3) . قال: فتحول الرجل فقال: الله الله، الله ربي، لا أشرك به شيئاً، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليماً، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي. قال فجس بطنه فقال: قد برئت ما بك علة (4) . 525 - قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروذي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، ونهى به (5) آخرون. فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته، فلا نزاع بين الطائفتين، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول. وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود مما يدل على أنه سائغ في الشريعة، فإن كثيراً من الناس يدعون من دون الله من الكواكب

_ (1) لم أقف له على ترجمة. (2) لم أقف له على ترجمة. (3) وردت في حديث عامر بن الطفيل "فأخذته الدبيلة" وهي خراج ودمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالباً. (4) مجابوا الدعاء (ص 154) . (5) كذا في خ ولعل الصواب عنه.

والمخلوقين، ويحصل ما يحصل من غرضه (1) ./ 526 - وبعض الناس يقصد الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك، ويدعو التماثيل التي (2) في الكنائس، ويحصل ما يحصل من غرضه. وبعض الناس يدعو بأدعية محرمة باتفاق المسلمين، ويحصل ما يحصل من غرضه. فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحاً، فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته. والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فجميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لما كانت مفاسدها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله عنها. 527 - كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة، لكن لما كانت مصلحته راجحة على مفسدته (3) أمر به الشارع. فهذا أصل يجب اعتباره، ولا يجوز أن يكون الشيء واجباً أو مستحباً إلا بدليل شرعي يقتضي إيجابه أو استحبابه. والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة، فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة. والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمراً مباحاً. 528 - وفي الجملة فقد نقل عن بعض السلف والعلماء به

_ (1) في مجموع الفتاوى (1/224) "غرضهم" وهو في الأصل غير واضح والمناسب ما في المجموع". (2) في خ: "الذي". (3) في خ: "مفسدة".

السؤال به، بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين، والاستغاثة بهم والشكوى إليهم، فهذا مما لم يفعله أحد من السلف، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين. 529 - وحديث الأعمى الذي رواه الترمذي (1) والنسائي (2) هو من القسم الثاني من التوسل بدعائه، فإن الأعمى قد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يرد الله عليه بصره. فقال له: "إن شئت صبرت وإن شئت دعوت". فقال: بل ادعه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويقول: "اللهم إني أسألك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد يا رسول الله، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه ليقضيها، اللهم فشفعه في". فهذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: وشفعه في، فسأل الله أن يقبل شفاعة رسوله فيه وهو دعاؤه. وهذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره. 530 - وهذا الحديث - حديث الأعمى - قد رواه المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقي وغيره:

_ (1) في السنن (5/569) ، باب (119) ، حديث (3578) ، وتحفة الأحوذي (10/32 - 34) . (2) في عمل اليوم والليلة (ص 417، 718) ، حديث (658 - 660) .

رواه البيهقي (1) من حديث عثمان بن عمر، عن شعبة، عن أبي جعفر الخطمي، قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت، يحدث عن عثمان ابن حنيف، أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال له: "إن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت". قال: فادعُه، فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فيقضيها لي، اللهم فشفعه في وشفعني فيه. قال: فقام وقد أبصر. ومن هذا الطريق رواه الترمذي من حديث عثمان بن عمر. ومنها رواه النسائي وابن ماجه (2) أيضاً. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي (3) . هكذا وقع في الترمذي وسائر العلماء قالوا هو أبو جعفر الخطمي وهو الصواب.

_ (1) في دلائل النبوة (6/166 - 168) ، باب ما في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. وأخرجه الإمام أحمد (4/138) ، والحاكم، في المستدرك (1/313) . (2) (1/441) ، 5 - كتاب إقامة الصلاة، 189 - باب ما جاء في صلاة الحاجة، حديث (1385) . (3) هذا النص هو كما ذكره شيخ الإسلام في الطبعة الهندية (2/119) وفي تحفة الأحوذي (10/34) . أما في الطبعة المصرية، بتحقيق إبراهيم عطوة عوض، ففيها: "هذا حديث حسن صحيح غريب إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو الخطمي" وكذلك الأمر في عارضة الأحوذي (13/81) ويبدو أن كلمة غير سقطت منهما.

531 - وأيضاً فالترمذي ومن معه لم يستوعبوا لفظه كما استوعبه سائر العلماء بل رووه إلى قوله "اللهم شفعه فيَّ". قال الترمذي (1) : حدثنا محمود ابن غيلان، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادعُ الله أن يعافيني. قال: "إن شئت صبرت فهو خير لك". قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي، اللهم شفعه فيَّ. 532 - قال البيهقي: رويناه في كتاب الدعوات بإسناد صحيح، عن روح بن عبادة، عن شعبة، قال: ففعل الرجل فبرأ (2) . قال: وكذلك رواه حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي (3) . 533 - قلت: ورواه الإمام أحمد في مسنده، عن روح / بن عبادة كما ذكره البيهقي. قال أحمد: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن أبي جعفر المديني: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت، يحدث عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ادع الله أن يعافيني، قال: "إن شئت أخرت ذلك فهو خير لآخرتك، وإن شئت دعوت لك". قال: لا بل ادع الله لي، فأمره أن يتوضأ، وأن يصلي

_ (1) السنن (5/569) ، حديث 3578. (2) الدلائل (6/167) ، ورواية حماد بن سلمة - أيضاً - في مسند أحمد (4/138) .

ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله في حاجتي هذه، فتقضي لي وتشفعني فيه وتشفعه في". قال: ففعل الرجل فبرئ (1) . 534 - ورواه البيهقي أيضاً من حديث شبيب بن سعيد الحبطي، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني - وهو الخطمي (2) - عن أبي أمامة [ابن] سهل بن حنيف، عن عثمان بن حنيف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل ضرير يشتكي إليه ذهاب بصره، فقال: يا رسول الله ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي عن بصري، اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي". قال عثمان بن حنيف: والله ما تفرقنا ولاطال الحديث بنا حتى دخل الرجل كأنه لم يكن به ضر قط (3) . 535 - فرواية شبيب، عن روح، عن أبي جعفر الخطمي، خالفت رواية شعبة وحماد بن سلمة في الإسناد (4) والمتن، فإن في تلك أنه رواه أبو جعفر، عن عمارة بن خزيمة، وفي هذه أنه رواه عن أبي أمامة [بن] سهل، وفي تلك الرواية أنه قال: فشفعه في وشفعني فيه، وفي هذه

_ (1) مسند أحمد (4/138) . (2) واسمه عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري المدني ثم البصري. (3) الدلائل (6/167، 168) من طريق محمد بن علي بن يزيد الصائغ، حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي، قال: حدثني أبي، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر به. (4) تكررت كلمة "في الإسناد" في خ.

وشفعني في نفسي. لكن هذا الإسناد له شاهد آخر من رواية هشام الدستوائي عن أبي جعفر (1) . 536 - ورواه البيهقي من هذه الطريق، وفيه قصة قد يحتج بها من توسل به بعد موته - إن كانت صحيحة - رواه من حديث إسماعيل ابن شبيب بن سعيد الحبطي، عن شبيب بن سعيد، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المدني، عن أبي أمامة [بن] سهل بن حنيف، أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، وكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي الرجل عثمان بن حنيف، فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة، فتوضأ، ثم إئت المسجد، فصل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربي، فيقضي لي حاجتي. ثم اذكر حاجتك ثم رح حتى أروح (2) . قال فانطلق الرجل، فصنع ذلك، ثم أتى بعدُ عثمان بن عفان، فجاء البواب، فأخذ بيده، فأدخله على عثمان،

_ (1) الاختلاف في الإسناد، ذكره النسائي، في عمل اليوم والليلة (ص 418) قال - بعد أن روى الحديث من طريق حماد بن سلمة وشعبة، عن أبي جعفر -: "وخالفهما هشام الدستوائي، وروح بن القاسم، فقالا عن أبي جعفر عمير بن يزيد بن خراشة، عن أبي أمامة بن سهل، عن عثمان بن حنيف، ثم قال: أخبرني زكريا بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثني معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه، أن أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وذكر الحديث، وفيه: "وشفعني في نفسي". وكذلك في رواية حماد، عند النسائي: "وشفعني في نفسي". وكذلك عند البيهقي في الدلائل. أقول: من أئمة الحديث من وثق أبا جعفر عمير بن يزيد الخطمي وقال الحافظ فيه: "صدوق"، وفي النفس من الاختلاف عليه في إسناد هذا الحديث ومتنه وفي النفس شيء من تفرده بهذا الحديث فإنه يدور عليه وحده، فليس له متابعات ولا شواهد. (2) كذا في خ ولعله سقط بعده كلمة معك على الناسخ.

فأجلسه معه على الطنفسة وقال: انظر ما كانت لك من حاجة، فذكر حاجته، فقضاها له، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إليَّ حتى كلمته في. فقال عثمان بن حنيف: ما كلمته، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وجاءه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أو تصبر؟ ". فقال له: يا رسول الله ليس لي قائد وقد شق عليّ، فقال: إئت الميضأة فتوضأ وصل ركعتين ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري، اللهم فشفعه في، وشفعني في نفسي". قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وما طال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط (1) . 537 - قال البيهقي: ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله، وساقه من رواية يعقوب بن سفيان، عن أحمد بن شبيب بن سعيد، قال: ورواه أيضا هشام الدستوائي، عن أبي جعفر، عن (2) أبي أمامة بن سهل، عن عمه - وهو عثمان بن حنيف - ولم يذكر إسناد هذه الطريق (3) . 538 - قلت: وقد رواه النسائي في كتاب "عمل اليوم والليلة" (4)

_ (1) الدلائل (6/167 - 168) . (2) من قوله: "شبيب بن سعيد" إلى هنا، سقط من ز. (3) الدلائل (6/168) ، والأمر كما قال شيخ الإسلام. (4) (ص 418) ، حديث رقم (658 - 660) . وقد تقدم تخريجها ص (201) .

من هذه الطريق، من حديث معاذ بن هشام، عن أبيه، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف. ورواه أيضاً من حديث شعبة وحماد بن سلمة، كلاهما عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة، ولم يروه أحد من هؤلاء - لا الترمذي، ولا النسائي، ولا ابن ماجه - من تلك الطريق الغريبة، التي فيها الزيادة، طريق شبيب ابن سعيد، عن روح بن القاسم. 539 - لكن رواه الحاكم في مستدركه/ من الطريقين، فرواه من حديث عثمان بن عمر: حدثنا شعبة، عن أبي جعفر المدني، سمعت عمارة بن خزيمة يحدث، عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدع الله أن يعافيني فقال: "إن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت". قال: فادعه. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه، اللهم فشفعه في وشفعني فيه". قال الحاكم: على شرطهما. 540 - ثم رواه من طريق شبيب بن سعيد الحبطي، وعون بن عمارة، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره وقال: يا رسول الله ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال: "ائت الميضأة، فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل:

اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي، فيجلي لي عن بصري، اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي". قال عثمان فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث، حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط. قال الحاكم: على شرط البخاري (1) . 541 - وشبيب هذا صدوق (2) ، روى له البخاري، لكنه قد رُوي له عن روح بن الفرج (3) أحاديث مناكير، رواها ابن وهب، وقد ظن أنه غلط عليه. ولكن قد يقال مثل هذا إذا انفرد عن الثقات - الذين هم أحفظ منه، مثل شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي - بزيادة، كان ذلك عليه في الحديث، لا سيما وفي هذه الرواية أنه قال: "فشفعه في وشفني في نفسي". وأولئك قالوا: "فشفعه في وشفعني فيه". وبمعنى قوله: "وشفعني فيه" أي في دعائه، وسؤاله لي، فيطابق قوله: "وشفعه في" (4) .

_ (1) المستدرك (1/313، 519، 526) من الطرق التي ذكرها شيخ الإسلام. (2) قال الحافظ: شبيب بن سعيد الحبطي البصري. أبو سعيد، لا بأس بحديثه، من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب/ خ، خد، س. تقريب (1/346) . (3) كذا في الأصل وجميع النسخ المطبوعة والصواب هنا وفيما يأتي روح بن القاسم إذ ليس لشيب شيخ يسمى روح ابن الفرج راجع ترجمته في تهذيب الكمال. وانظر هذا في الكامل لابن عدي إذ هذا الكلام الذي نقله شيخ الإسلام إنما هو لابن عدي وليس فيه إلا روح ابن القاسم. (4) الذي وقفت عليه من اختلاف في رواية هذه الألفاظ: أ - من طريق عثمان بن عمر، عن شعبة، عن أبي جعفر: "اللهم شفعه في". عند الترمذي، وأحمد، والنسائي، في عمل اليوم والليلة. ب - عثمان بن عمر، عن شعبة، عن أبي جعفر. وشبيب بن سعيد، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر: "اللهم شفعه في وشفعني في نفسي". ويمكن أن يكون هذا وهماً من البيهقي، أو من أحد رجال الإسناد. والله أعلم. ج - من طريق هشام الدستوائي، عن أبي جعفر: "اللهم شفعه في وشفعني في نفسي". عند النسائي، في عمل اليوم والليلة. =

542 - قال أبو أحمد بن عدي في كتابه المسمى "بالكامل في أسماء الرجال"، ولم يصنف في فنه مثله: شبيب بن سعيد الحبطي أبو سعيد البصري التميمي، حدث عنه ابن وهب بالمناكير، وحدث عن يونس، عن الزهري بنسخة الزهري أحاديث مستقيمة، وذكر عن علي ابن المديني أنه قال: هو بصري ثقة كان من أصحاب يونس، كان يختلف في تجارة إلى مصر، وجاء بكتاب صحيح. قال: وقد كتبتها (1) عن ابنه أحمد بن شبيب. وروى عن (2) عدي حديثين عن ابن وهب، عن شبيب هذا عن روح ابن القاسم (3) : أحدهما: عن ابن (4) عقيل، عن سابق بن ناجية، عن ابن سلام (5) قال: مر بنا رجل فقالوا: إن هذا قد خدم النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: عنه، عن روح بن القاسم، عن عبد الله بن الحسين، عن أمه فاطمة حديث دخول المسجد. قال ابن عدي: كذا قيل في الحديث عن عبد الله بن الحسين، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ = د - روحِ، عن شعبة، عن أبي جعفر. وحماد بن سلمة، عن أبي جعفر: "اللهم شفعني فيه، وشفعه في". عند الإمام أحمد. (1) هذا قول ابن المديني. انظر الكامل لابن عدي المخطوط 2/ق1، 162، وتهذيب الكمال للمزي (12/321) . (2) كذا في الأصل والظاهر "ابن عدي". (3) وتقدم التنبيه عليه في حاشية رقم (3) ص 208. (4) الصواب: عن أبي عقيل انظر الكامل (2/ق/162) . (5) الصواب عن أبي سلام. انظر الكامل (2/ق 162) . وانظر الكنى للدولابي (2/33) ، والجرح والتعديل (4/307) .

543 - قال ابن عدي: ولشبيب بن سعيد نسخة الزهري عنده، عن يونس، عن الزهري، وهي أحاديث مستقيمة. حدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير. و [إن] حديثي روح بن القاسم اللذين أمليتهما، يرويهما بن وهب عن شبيب. وكان شبيب بن سعيد إذا روى عنه ابنه أحمد بن شبيب - نسخة الزهري: ليس هو شبيب بن سعيد الذي يحدث عنه ابن وهب بالمناكير التي يرويها عنه، ولعل شبيباً بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم. - وأرجو أن لا يتعمد شبيب هذا الكذب (1) . 544 - قلت: هذان الحديثان اللذان أنكرهما ابن عدي عليه، رواهما عن روح بن القاسم، وكذلك هذا الحديث، حديث الأعمى رواه عن روح بن القاسم. وهذا الحديث مما رواه عنه ابن وهب أيضاً، كما رواه عنه ابناه، لكنه لم يُتقن لفظه كما أتقنه ابناه، وهذا يصحح ما ذكره ابن عدي، فعلم أنه محفوظ عنه. وابن عدي أحال الغلط عليه لا على ابن وهب، وهذا صحيح إن كان قد غلط، وإذا كان قد غلط على روح بن القاسم في ذينك الحديثين أمكن أن يكون غلط عليه في هذا الحديث. 545 - وروح بن القاسم ثقة مشهور، روى له الجماعة فلهذا لم

_ (1) الكامل لابن عدي (4/1347 - 1348) من قوله: قال أبو أحمد بن عدي إلى هنا.

يحيلوا الغلط عليه. والرجل قد يكون حافظاً لما يرويه عن شيخ، وغير حافظ لما يرويه عن آخر، مثل إسماعيل بن عياش فيما / يرويه عن الحجازيين، فإنه يغلط فيه، بخلاف ما يرويه عن الشاميين. ومثل سفيان بن حسين فيما يرويه عن الزهري. ومثل هذا كثير، فيحتمل أن يكون هذا يغلط فيما يرويه عن روح بن القاسم - إن كان الأمر كما قاله ابن عدي - وهذا محل نظر. 546 - وقد روى الطبراني (1) هذا الحديث في المعجم، من حديث ابن وهب، عن شبيب بن سعيد. رواه من حديث أصبغ بن الفرج: حدثنا عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجل فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له. ثم أتى باب عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له.

_ (1) المعجم الصغير (1/183 - 184) بالإسناد والمتن اللذين ذكرهما شيخ الإسلام وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص 234) ، حديث (633) .

ثم قال له: ماذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا. ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلي حتى كلمته فيَّ. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: افتصبر؟ فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق [علي] ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائت الميضأة، فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات". فقال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط. قال الطبراني (1) : روى هذا الحديث شعبة، عن أبي جعفر واسمه عمير بن يزيد، وهو ثقة، تفرد به عثمان بن عمر، عن شعبة، قال أبو عبد الله المقدسي: والحديث صحيح. 547 - قلت: والطبراني ذكر تفرده بمبلغ علمه، ولم تبلغه رواية روح بن عبادة، عن شعبة. وذلك إسناد صحيح، يبين أنه لم ينفرد به عثمان بن عمر. وطريق ابن وهب هذه تؤيد ما ذكره ابن عدي، فإنه لم يحرر لفظ الرواية كما حررها ابناه، بل ذكر فيها أن الأعمى دعا بمثل ما ذكره عثمان بن حنيف، وليس كذلك بل في حديث الأعمى أنه قال: "اللهم

_ (1) المعجم الصغير (1/184) .

فشفعه في وشفعني فيه - أو قال - في نفسي". وهذه لم يذكرها ابن وهب في روايته، فيشبه أن يكون حدث ابن وهب من حفظه كما قال ابن عدي، فلم يتقن الرواية. 548 - وقد روى أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه حديث حماد ابن سلمة فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن سلمة، نا أبو جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت في بصري، فادع الله لي. قال: "اذهب فتوضأ، وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أستشفع بك على ربي في رد بصري، اللهم فشفعني في نفسي، وشفع نبيي في رد بصري، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك". فرد الله عليه بصره. قال ابن أبي خيثمة: وأبو جعفر هذا - الذي حدث عنه حماد بن سلمة - اسمه عمير بن يزيد، وهو أبو جعفر، الذي يروي عنه شعبة. ثم ذكر الحديث من طريق عثمان بن عمر، عن شعبة. 549 - قلت: وهذه الطريق فيها: "فشفعني في نفسي" مثل طريق روح بن القاسم، وفيها زيادة أخرى وهي قوله: "وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك - أو قال - فعل مثل ذلك". وهذه قد يقال: إنها توافق قول عثمان بن حنيف، لكن شعبة وروح بن القاسم أحفظ من حماد بن سلمة، واختلاف الألفاظ يدل على أن مثل هذه الرواية قد تكون بالمعنى، وقوله: "وإن كانت حاجة فعل

مثل ذلك". قد يكون مدرجاً من كلام عثمان، لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل: "وإن كانت لك حاجة فعلت مثل ذلك" بل قال: "وإن كانت حاجة فعل مثل ذلك". 550 - وبالجملة فهذه الزيادة لو كانت ثابتة لم تكن فيها حجة، وإنما غايتها أن يكون عثمان / بن حنيف ظن أن الدعاء يدعى ببعضه دون بعض، فإنه لم يأمره بالدعاء المشروع بل ببعضه، وظن أن هذا مشروع بعد موته صلى الله عليه وسلم. ولفظ الحديث يناقض ذلك، فإن في الحديث، أن الأعمى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، وأنه علم الأعمى أن يدعو وأمره في الدعاء أن يقول: "اللهم فشفعه فيَّ". وإنما يدعى بهذا الدعاء إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم داعياً شافعاً له بخلاف من لم يكن كذلك، فهذا يناسب شفاعته ودعاءه للناس في محياه في الدنيا ويوم القيامة إذا شفع لهم. 551 - وفيه أيضاً أنه قال: "وشفعني فيه". وليس المراد أن يشفع للنبي صلى الله عليه وسلم في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كنا مأمورين بالصلاة والسلام عليه، وأمرنا أن نسأل الله له الوسيلة. ففي صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال إذا سمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة" (1) .

_ (1) تقدم تخريجه في ص (73) .

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة" (1) . 552 - وسؤال الأمة له الوسيلة هو دعاء له، وهو معنى الشفاعة، ولهذا كان الجزاء من جنس العمل، فمن صلى عليه، صلى [عليه] الله، ومن سأل الله له الوسيلة المتضمنة لشفاعته، شفع له صلى الله عليه وسلم، كذلك الأعمى سأل منه الشفاعة، فأمره أن يدعو الله بقبول هذه الشفاعة، وهو كالشفاعة في الشفاعة. فلهذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه. 553 - وذلك أن قبول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا هو من كرامة الرسول على ربه، ولهذا عد هذا من آياته ودلائل نبوته، فهو كشفاعته يوم القيامة في الخلق، ولهذا أمر طالب الدعاء أن يقول: "فشفعه في وشفعني فيه". بخلاف قوله: "وشفعني في نفسي". فإن هذا اللفظ لم يروه أحد إلا من هذا الطريق الغريب. 554 - وقوله: "وشفعني فيه". رواه عن شعبة رجلان جليلان: عثمان بن عمر، وروح بن عبادة. وشعبة أجل من روى هذا الحديث، ومن طريق عثمان بن عمر، عن شعبة رواه الثلاثة: الترمذي والنسائي

_ (1) تقدم تخريجه في ص (72) .

وابن ماجه. رواه الترمذي (1) ، عن محمود بن غيلان، عن عثمان بن عمر، عن شعبة. ورواه ابن ماجه (2) ، عن أحمد بن يسار، عن عثمان بن عمر. 555 - وقد رواه أحمد في "المسند" (3) عن روح بن عبادة، عن شعبة، فكان هؤلاء أحفظ للفظ الحديث. مع أن قوله: "وشفعني في نفسي"، إن كان محفوظاً مثل ماذكرناه، وهو أنه طلب أن يكون شفيعاً لنفسه، مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يدع له النبي صلى الله عليه وسلم كان سائلاً مجرداً كسائر السائلين. ولا يسمى مثل هذا شفاعة، وإنما تكون الشفاعة إذا كان هناك اثنان يطلبان أمراً فيكون أحدهما شفيعاً للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره. 556 - فهذه الزيادة فيها عدة علل: انفراد هذا بها عن من هو أكبر وأحفظ منه، وإعراض أهل السنن عنها، واضطراب لفظها، وأن راويها عرف له - عن روح هذا - أحاديث منكرة. ومثل هذا يقتضي حصول الريب والشك في كونها ثابتة، فلا حجة فيها، إذ الاعتبار بما رواه الصحابي، لا بما فهمه إذا كان اللفظ

_ (1) تقدم تخريجه في ص (201) . (2) تقدم تخريجه في ص (202) . (3) تقدم تخريجه في ص (204) .

الذي رواه لا يدل على ما فهمه، بل على خلافه. 557 - ومعلوم أن الواحد بعد موته إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه - مع [أن] النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعُ له - كان هذا كلاماً باطلاً، مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولا أن يقول فشفعه فيَّ، ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه، وإنما أمره ببعضه، وليس هناك من النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة، ولا ما يظن أنه شفاعة، فلو قال بعد موته: "فشفعه فيَّ" لكان كلاماً لا معنى له، ولهذا لم يأمر به عثمان. والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، والذي أمر به ليس مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم. 558 - ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة، في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه، لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول. 559 - ولهذا / نظائر كثيرة: مثل ما كان عمر (1) يدخل الماء في عينيه في الوضوء (2) ، ويأخذ لأذنيه ماءً جديداً (3) .

_ (1) في خ وسائر النسخ والصواب ابن عمر ويؤكده نسبة ذلك إليه ما في مصنف عبد الرزاق والسنن الكبرى للبيهقي. (2) في السنن الكبرى للبيهقي (1/177) ، من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - "كان إذا اغتسل من الجنابة نضح الماء في عينيه، وأدخل أصبعه في سرته". (3) وفي السنن الكبرى للبيهقي أيضاً (1/65) ، من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر، "كان يعيد أصبعه في الماء فيمسح بها أذنيه". وانظر المصنف لعبد الرزاق (1/11 - 13) .

وكان أبو هريرة يغسل يديه إلى العضد في الوضوء ويقول: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل. وروي عنه أنه كان يمسح عنقه ويقول: هو موضع الغل. 560 - فإن هذا وإن استحبه طائفة من العلماء اتباعاً لهما، فقد خالفهم في ذلك آخرون وقالوا: سائر الصحابة لم يكونوا يتوضئون هكذا، والوضوء الثابت عنه صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين وغيرهما من غير وجه ليس فيه أخذ ماء جديد للأذنين، ولا غسل ما زاد على المرفقين والكعبين، ولا مسح العنق، ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل (1) .

_ (1) الحديث في البخاري، 4 - كتاب الوضوء، 3 - باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء، حديث (136) . ومسلم (1/216) ، 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، حديث (34، 35) . وأحمد (2/334، 362، 400، 523) كلهم من طريق نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة مرفوعاً ولفظ البخاري: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غُرًّا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". ولفظ مسلم، عن نعيم بن عبد الله المجمر قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى، حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى، حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى، حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى، حتى أشرع في الساق. ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباع الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله". وفي لفظ لمسلم: "فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه، حتى رفع إلى الساقين". وفي مسند أحمد (2/334، 523) ، بعد رواية الحديث فقال نعيم: "لا أدري قوله: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من قول أبي هريرة". قال الحافظ في الفتح (1/235 - 236) : "وزاد الإسماعيلي فيه: فغسل وجهه ويديه، فرفع =

561 - بل هذا من كلام أبي هريرة، جاء مدرجاً في بعض الأحاديث، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم تأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء". وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ، حتى يشرع في العضد والساق، فقال أبو هريرة: من استطاع أن يطيل غرته [فليفعل] . وظن من ظن أن غسل العضد من إطالة الغرة، وهذا لا معنى له فإن الغرة في الوجه لا في اليد والرجل، وإنما في اليد والرجل الحجلة. والغرة لا يمكن إطالتها، فإن الوجه يغسل كله، لا يغسل الرأس، ولا غرة في الرأس، والحجلة لا يستحب إطالتها، وإطالتها مثلة. 562 - وكذلك ابن عمر كان يتحرى أن يسير مواضع سير النبي صلى الله عليه وسلم، وينزل مواضع منزله، ويتوضأ في السفر حيث رآه يتوضأ، ويصب فضل مائه على شجرة صب عليها.

_ = في عضديه، وغسل رجليه، فرفع في سابقيه". وكذا لمسلم عن نعيم، من طريق عمرو ابن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال نحوه. ومن طريق عمارة بن غزية، وزاد في هذه أن أبا هريرة قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فأفاد رفعه، وفيه رد على من زعم أن ذلك رأي أبي هريرة، بل من روايته ورأيه معاً". أقول: ولمسلم أيضاً من طريق أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، قال: كنت خلف أبي هريرة، وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى يبلغ إبطَهُ. فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: بني فروخ أنتم ههنا؟ لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء. سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء". ففي تخفي أبي هريرة بهذا الوضوء، وبقوله هذا، وفي قول نعيم لا أدري قوله: "من استطاع أن يطيل غرته فليفعل". من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من قول أبي هريرة. ونعيم هو مدار هذا الحديث. في كل هذا ما يؤيد من ذهب إلى تعليل هذه الجملة من الحديث، لا سيما وفي إسنادها خالد بن مخلد القطواني، وهو صدوق يتشيع. وعمارة ابن غزية الأنصاري المدني، قال فيه الحافظ: لا بأس به.

563 - ونحو ذلك مما استحبه طائفة من العلماء ورأوه (1) مستحباً، ولم يستحب ذلك جمهور العلماء، كما لم يستحبه ولم يفعله أكابر الصحابة، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وغيرهم، لم يفعلوا مثل ما فعل ابن عمر. ولو رأوه مستحباً، لفعلوه، كما كانوا يتحرون متابعته والاقتداء به. 564 - وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة، شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة، خصصناه بذلك، كما كان يقصد أن يطوف حول الكعبة، وأن يلتمس الحجر الأسود، وأن يصلي خلف المقام، وكان يتحرى الصلاة عند أسطوانة مسجد المدينة، وقصد الصعود على الصفا والمروة والدعاء والذكر هناك، وكذلك عرفة ومزدلفة وغيرهما. 565 - وأما [ما] فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده - مثل أن ينزل بمكان، ويصلي فيه لكونه نزله لا قصداً لتخصيصه بالصلاة والنزول فيه. فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه أو النزول لم نكن متبعين، بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطاب. 566 - كما ثبت بالإسناد الصحيح من حديث شعبة عن سليمان التيمي عن المعرور بن سويد، قال: كان عمر بن الخطاب في سفر فصلى الغداة، ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون: صلى

_ (1) في خ "رواه".

فيه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: إنما هلك أهل الكتاب، أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم، فاتخذوها كنائس وبِيَعاً. فمن عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض (1) . 567 - فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه لأنه موضع نزوله، رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب، التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه (2) بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب. 568 - وهذا هو الأصل، فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل، ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة (3) : هل فعلها استحباباً أو لحاجة عارضة تنازعوا فيها.

_ (1) قال شيخ الإسلام في الاقتضاء (ص 386) : فروى سعيد بن منصور في سننه، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد، عن عمر - رضي الله عنه - قال: خرجنا معه في حجة حجها.. وذكر القصة. وقال ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها (ص 41 - 42) : حدثني إبراهيم بن محمد قال: نا حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب، عن الأعمش، حدثني مروان بن سويد الأسدي، عن عمر. وساق القصة ثم قال: وثنا موسى بن معاوية قال: نا جرير، عن الأعمش، عن المعرور بن سويد: خرجنا حجاجاً مع عمر ... القصة وليس من شيوخ الأعمش مروان بن سويد الأسدي وإنما هو مسعود بن مالك الأسدي فلعل مروان خطأ من الطابعين، أو من بعض النساخ. وعلى كل حال فالقصة صحيحة. (2) في خ: "متشبها". (3) يشير إلى حديث مالك بن الحويرث الليثي: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً". أخرجه البخاري، 10 - كتاب الأذان، 142 - باب من استوى قاعداً في وتر من صلاته، ثم نهض، حديث (832) . والترمذي =

569 - وكذلك نزوله بالمحصب عند الخروج من منى لما اشتبه: هل فعله لأنه كان أسمح بخروجه، أو لكونه سنة؟ تنازعوا في ذلك. ومن هذا وضعُ ابن عمر يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم (1) . وتعريف ابن عباس (2) بالبصرة، وعمرو بن حريث بالكوفة، فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته لم يمكن أن يقال هذا سنة مستحبة. 570 - بل غايته أن يقال: هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة، أو مما لا ينكر على فاعله لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد، لا أنه سنة مستحبة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.

_ = (2/79) أبواب الصلاة، 213 - باب كيف النهوض من السجود، حديث (287) . وأبو داود (1/526 - 527) ، 2 - كتاب الصلاة، 142 - باب النهوض في الفرد، حديث (842 - 844) وأحمد (5/53 - 54) . وجلسة الاستراحة وردت في حديث أبي حميد الساعدي. كما رواه الترمذي (2/106 - 107) ، أبواب الصلاة، حديث (304) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (1) الشفاء للقاضي عياض (2/53 - 54) بدون إسناد، بلفظ: "ورؤي ابن عمر واضعاً يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه". (2) قال عبد الرزاق في المصنف (4/376) : أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: قال عدي بن أرطأة للحسن، ألا تخرج بالناس فتعرف بهم؟ وذلك بالبصرة، فقال الحسن: إنما المعرَّف بعرفة، قال: وكان الحسن يقول: أول من عرَّف بأرضنا ابن عباس. ثم بين هذا التعريف فقال (4/377) : عن ابن التيمي عن أبيه قال: سمعت الحسن يقول: أول من عرّف بأرضنا ابن عباس كان يتعد عشية عرفة، فيقرأ القرآن، البقرة آية آية، وكان مثجاً عالماً. ثم قال: عن معمر عن مغيرة عن إبراهيم، قال: "كان الناس يعرفون في المسجد بالكوفة، فلا يعرف معهم" المصنف (4/378 - 379) . وروى البيهقي بإسناده إلى شعبة قال: "سألت الحكم وحماداً عن اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد، فقالا: هو محدث، وعن منصور عن إبراهيم قال: هو محدث، وعن قتادة عن الحسن قال: أولُ من صنع ذلك ابن عباس" السنن الكبرى (5/118) .

أو يقال في /التعريف: إنه لا بأس به أحياناً لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة. 571 - وهكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله: تارة يكرهونه، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد، وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة، ولا يقول عالم بالسنة: إن هذه سنة مشروعة للمسلمين. فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ليس لغيره أن يسن ولا يشرع، وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره فهو من سننه، ولا يكون في الدين واجباً إلا ما أوجبه، ولا حراماً إلا ما حرمه، ولا مستحباً إلا ما استحبه، ولا مكروها إلا ما كرهه، ولا مباحاً إلا ما أباحه. 572 - وهكذا في الإباحات، كما استباح أبو طلحة أكل البَرد وهو صائم (1) . واستباح حذيفة السحور بعد ظهور الضوء المنتشر حتى قيل هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع (2) . وغيرهما من الصحابة لم يقل بذلك، وجب الرد إلى الكتاب والسنة.

_ (1) انظر مسند أحمد (3/279) بإسناد صحيح. وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (1/481) حديث (1022) . (2) المسند (6/532) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن حذيفة، ومن طريق سفيان الثوري عن عاصم عن زر بن حبيش، قلت: لحذيفة أي تسحرتم مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع". وعاصم صدوق له أوهام. قال ابن حزم بعد أن روى ما يقرب من هذا الحديث من الأحاديث والآثار: "هذا كله على أنه لم يكن يتبين له الفجر بعد، فبهذا تتفق السنن مع القرآن".

573 - وكذلك الكراهية والتحريم. مثل كراهة عمر وابنه للطيب قبل الطواف بالبيت (1) .

_ (1) روى مالك في الموطأ (1/410) ، 20 - كتاب الحج، 73 - باب الإفاضة، حديث (222) ، عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب، قال: "من رمى جمرة العقبة ثم حلق أو قصر ونحر هديا، إن كان معه، فقد حل له ما حرم عليه، إلا النساء والطيب، حتى يطوف بالبيت". وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/135 - 136) من طريق أبي اليمان عن شعيب عن نافع عن ابن عمر، ومن طريق معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر به. ثم روى بإسناده إلى الشافعي أنبأ سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم قال: "قالت عائشة - رضي الله عنها - أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله وإحرامه، قال سالم: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع". وفي البخاري 5 - كتاب الغسل 14 - باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب (حديث /270) من طريق إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال: سألت عائشة، فذكرت لها قول ابن عمر: "ما أحب أن أصبح محرماً أنضح طيباً" فقالت عائشة - رضي الله عنها -: "أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف على نسائه". قال الحافظ في الفتح (1/281) : "ومن فوائده - أيضاً - رد بعض الصحابة على بعض بالدليل، واطلاع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على ما لا يطلع عليه غيرهن من أفاضل الصحابة". وفي صحيح مسلم (2/849 - 850) 15 - كتاب الحج حديث 47، 49، "ما أحب أن أصبح محرماً أنضح طيبا؛ لأن أطلى بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك وفيه جواب عائشة عليه"، وانظر سنن النسائي (5/109) ، ومسند أحمد (6/175) . قال الحافظ ابن حجر: "وكان ابن عمر يتبع أباه، فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإحرام كما سيأتي، وكانت عائشة تنكر عليه ذلك، وقد روى سعيد بن منصور، من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر، أن عائشة كانت تقول: "لا بأس بأن يمس الطيب عند الإحرام، قال: فدعوت رجلاً وأنا جالس بجنب ابن عمر، فأرسلته إليها، وقد علمت قولها، ولكن أحببت أن يسمعه أبي فجاءني رسولي، فقال: إن عائشة تقول: لا بأس بالطيب عند الإحرام فأحب ما بدا لك، قال: فسكت ابن عمر". وكذا سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك، لحديث عائشة. قال ابن عيينة: "أخبرنا عمرو بن دينار، عن سالم، أنه ذكر قول عمر في الطيب، ثم قال: قالت عائشة - رضي الله عنها - فذكر الحديث، قال سالم: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع". قال الحافظ: "ويؤخذ منه أن المفزع في النوازل إلى السنن، وأنه مستغنى بها عن أراء الرجال، وفيها المقنع". الفتح (3/298) .

وكراهة من كره من الصحابة فسخ الحج إلى التمتع، أو التمتع مطلقاً (1) ، أو رأى تقدير مسافة القصر بحدٍّ حدَّه، وأنه لا يقصر بدون ذلك (2) ، أو رأى أنه ليس للمسافر أن يصوم في السفر (3) . ومن ذلك قول سلمان: إن الريق نجس (4) . وقول ابن عمر: إن الكتابية لا يجوز نكاحها (5) . وتوريث معاذ ومعاوية للمسلم من الكافر (6) . ومنع عمر وابن مسعود للجنب أن يتيمم (7) .

_ (1) انظر صحيح مسلم 15 - كتاب الحج حديث (143، 145، 154، 155، 156، 157، 158) . (2) من الصحابة من حدها بأربعة برد، وفي مسيرة اليوم، كابن عمر، ومنهم من قال: يقصر في مثل ما بين مكة والطائف، وفي مثل ما بين مكة وجدة، وفي مثل ما بين مكة وعسفان كابن عباس، وهناك أقوال لعلماء آخرين. انظر: الموطأ (1/147 - 148) . ومصنف عبد الرزاق (2/524 - 528) . ومصنف ابن أبي شيبة (2/443 - 446) ، والسنن الكبرى للبيهقي (3/136 - 137) ، والبخاري 18 - كتاب تقصير الصلاة 4 - باب في كم يقصر الصلاة. فتح (2/565 - 568) . (3) انظر الموطأ (1/295) عمل ابن عمر - رضي الله عنهما -. وانظر مصنف عبد الرزاق (4/270) رأى عمر، رضي الله عنه. (4) انظر: السنن الكبرى (1/14) عن سلمان قال: "إذا حك أحدكم جلده فلا يمسحه بريقه، فإنه ليس بطاهر". (5) في مصنف ابن أبي شيبة (4/158) من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب، وقرأ: "ولا تنكحوهن حتى يؤمن. وقال السيوطي الدر المنثور (1/256) : "وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه عن نافع عن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال: حرم الله المشركات على المسلمين، ولا أعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله". ولم أجده في البخاري. (6) انظر مصنف ابن أبي شيبة (11/371، 374) . (7) انظر صحيح البخاري 7 - كتاب التيمم، 8 - باب التيمم ضربة حديث (347) . وصحيح مسلم (1/280 - 281) ، 3 - كتاب الحيض 28 - باب التيمم، حديث =

وقول علي وزيد وابن عمر في المفوِّضة: إنه لا مهر لها إذا مات الزوج (1) . وقول علي وابن عباس في المتوفى عنها الحامل: إنها تعتدُّ أبْعَدَ الأجَلَين (2) . وقول ابن عمر وغيره: إن المحرم إذا مات بطل إحرامه وفعل به ما يفعل بالحلال (3) .

_ = (110 - 113) . وأبو داود (1/227 - 229) 1 - كتاب الطهارة حديث (321 - 322) . وابن ماجه (1/188) 1 - كتاب الطهارة، 91 - باب ما جاء في التيمم ضربة واحدة حديث (569) . (1) انظر: مصنف عبد الرزاق (6/292 - 295) ، ومصنف ابن أبي شيبة (4/300 - 302) ، والمغني لابن قدامة (7/246) . (2) قول ابن عباس في الموطأ (2/589) في خلاف دار بينه وبين أبي هريرة وأبي سلمة بن عبد الرحمن فسئلت أم سلمة فأجابت بفتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبيعة الأسلمية حيث ولدت بعد ليال من وفاة زوجها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد حللت فانكحي إن شئت". البخاري 65 - كتاب التفسير 65 - سورة الطلاق حديث (4909) . وانظر قول علي وابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير ابن جرير (28/143 - 144) . وانظر الدر المنثور (8/204 - 206) . (3) أصل هذه المسألة حديث ابن عباس، رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي في سفر فرأى رجلاً سقط عن بعيره، فوقص فمات وهو محرم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة يهل أو يلبي". هذا لفظ الترمذي (4/175) مع عارضة الأحوذي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه البخاري، ومسلم، وأبو داود. قال العيني في عمدة القاري (8/51) : "احتج به الشافعي وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر في أن المحرم على إحرامه بعد الموت، ولهذا يحرم ستر رأسه وتطييبه، وهو قول عثمان، وعلي، وابن عباس، وعطاء، والثوري، وذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي إلى أنه يصنع به ما يصنع بالحلال". وانظر: فتح الباري (3/138) ، وعارضة الأحوذي (4/175) . وبذل المجهود (14/209) .

وقول ابن عمر وغيره: لا يجوز الاشتراط في الحج (1) . وقول ابن عباس وغيره في المتوفى عنها: ليس عليها لزوم المنزل (2) . وقول عمر وابن مسعود: إن المبتوتة لها السكنى والنفقة (3) . وأمثال ذلك مما تنازع فيه الصحابة، فإنه يجب فيه الرد إلى الله والرسول، ونظائر هذا كثير فلا يكون شريعة للأمة إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ (1) ينسب هذا القول إلى ابن عمر وعائشة والنخعي والحكم وطاووس ومالك والثوري وأبي حنيفة، وقالوا: لا ينفعه اشتراط، ويمضي على إحرامه. وهذا المذهب مخالف للحديث الصحيح المتفق عليه من حديث عائشة في قصة ضباعة، حينما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مريضة فقال لها: "لعلك أردت الحج فقالت: والله لا أجدني إلا وجعة، فقال لها: "حجي واشترطي قولي: اللهم محلي حيث حبستني". وأجاز هذا الاشتراط عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعمار وابن عباس وسعيد بن المسيب وعروة وعطاء وعلقمة وشريح. انظر عمدة القاري للعيني (20/85) ، وشرح النووي لصحيح مسلم (8/132) . قال البيهقي: "لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة في الاشتراط لقال به، وقال الشافعي لو ثبت حديث عروة (يعني في قصة ضباعة) لم أعده إلى غيره؛ لأنه لا يحل عندي خلاف ما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البيهقي: قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم". السنن الكبرى (5/221) والفتح (4/8) . وانظر في الموضوع تفسير ابن كثير (1/335) وانظر قول ابن عمر في الترمذي (3/270) 7 - كتاب الحج حديث (942) . (2) انظر مصنف عبد الرزاق (7/29 - 30) ، وهو قول عدد من الصحابة والتابعين كما في المصنف. وانظر السنن الكبرى للبيهقي (7/435 - 436) . وسنن سعيد بن منصور (ص 322) . (3) انظر: هذه المسألة في شرح معاني الآثار (3/68) . وعمدة القاري للعيني (20/307 - 308) . وفتح الباري (9/477 - 481) ، وعون المعبود نشر عبد المحسن السلفي (6/388 - 398) ، وزاد المعاد (5/522 - 542) ، والمغني لابن قدامة (7/528) .

574 - ومن قال من العلماء: "إن قول الصحابي حجة" فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة ولا عرف نص يخالفه، ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقراراً على القول، فقد يقال: "هذا إجماع إقراري"، إذا عرف أنهم أقروه لم ينكره أحد منهم، هم لا يقرون على باطل. 575 - وأما إذا لم يشتهر فهذا إن عرف أن غيره لم يخالفه فقد يقال: "هو حجة". وأما إذا عرف أنه خالفه فليس بحجة بالاتفاق. 576 - وأما إذا لم يعرف هل وافقه غيره أو خالفه لم يجزم بأحدهما، ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم. 577 - وإذا كان كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً له ولا شافعاً فيه، فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعاً بعد مماته، كما كان يشرع في حياته، بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به، فلما مات لم يتوسلوا. 578 - بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمناً حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالناس قال: "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا

فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" فيسقون (1) . 579 - وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة، لم ينكره أحد مع شهرته، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية، ودعا (2) بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته لما استسقى بالناس. 580 - فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا: كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما؟ ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله؟. 581 - فلما لم يقل ذلك أحد منهم، وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته، وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره، علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته. 582 - وحديث الأعمى حجة لعمر / وعامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته، وقال له في الدعاء: "قل اللهم شفعه فيَّ"، وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته، كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق [لسنة] رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المخالف لعمر محجوجاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له. والله أعلم.

_ (1) تقدم ص (88) . (2) تقدم ص (127) .

الفصل الرابع

[فصل] 583 - وأما القسم الثالث مما يسمى: "توسلاً" فلا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يحتج به أهل العلم - كما تقدم (1) بسط الكلام على ذلك - وهو الإقسام على الله عز وجل بالأنبياء والصالحين أو السؤال بأنفسهم، فإنه لا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ثابتاً لا في الإقسام أو السؤال به، ولا في الإقسام أو السؤال بغيره من المخلوقين، وإن كان في العلماء من سوغه فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه، فتكون مسألة نزاع كما تقدم بيانه. 584 - فيرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، ويبدي كل واحد حجته كما في سائر مسائل النزاع، وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع المسلمين، بل المعاقب على ذلك معتدٍ جاهل ظالم، فإن القائل بهذا قد قال ما قالت العلماء، والمنكر عليه ليس معه نقل يجب اتباعه لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة. 585 - وقد ثبت أنه لا يجوز القسم بغير الله لا بالأنبياء ولا بغيرهم كما سبق بسط الكلام في تقرير ذلك (2) . 586 - وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن ينذر لغير الله لا لنبي ولا لغير نبي، وأن هذا نذر شرك لا يوفى به (3) .

_ (1) انظر ص (128 - 129) . (2) انظر ص 90. (3) انظر شرح معاني الآثار 3/132، ومجمع الأنهر 1/547.

587 - وكذلك الحلف بالمخلوقات (1) لا ينعقد به اليمين، ولا كفارة فيه، حتى لو حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينعقد يمينه كما تقدم ذكره، ولم يجب عليه كفارة عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين، بل نهى عن الحلف بهذه اليمين، فإذا لم يجز أن يحلف بها الرجل ولا يقسم بها على مخلوق فكيف يقسم بها على الخالق جل جلاله؟. 588 - وأما السؤال به من غير إقسام به فهذا أيضاً مما منع منه غير واحد من العلماء، والسنن الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على ذلك. فإن هذا إنما يفعله من يفعله على أنه قربه وطاعة وأنه مما يستجاب به الدعاء. 589 - وما كان من هذا النوع فإما أن يكون واجباً وإما أن يكون مستحباً، وكل ما كان واجباً أو مستحباً في العبادات والأدعية فلا بد أن يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، فإذا لم يشرع هذا لأمته لم يكن واجباً ولا مستحباً ولا يكون قربة وطاعة ولا سبباً لإجابة الدعاء، وقد تقدم بسط الكلام على هذا كله.

_ (1) قال في بدر المتقى شرح الملتقى بهامش مجمع الأنهر (1/544) : "ولا يكون اليمين بغير الله كالقرآن والنبي والعرش والكعبة، فإنه حرام بل عن ابن عمر وغيره أن الحلف بغير الله شرك، قال الرازي أخاف الكفر على من قال بحياتي وحياتك وفي المنية من يحلف بروح الأمير وحياته ورأسه لم يتحقق إسلامه بعدُ" وانظر مجمع الأنهر في الموضع نفسه. وانظر شرح الزرقاني على الموطأ (3/67) . وتكملة المجموع شرح المهذب في الفقه الشافعي (16/471 - 472) . والمغني لابن قدامة (9/488 - 489) .

590 - فمن اعتقد ذلك في هذا وفي هذا فهو ضال وكانت بدعته من البدع السيئة، وقد تبين بالأحاديث الصحيحة وما استقريء من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن هذا لم يكن مشروعاً عندهم. 591 - وأيضاً فقد تبين أنه سؤال لله تعالى بسبب لا يناسب إجابة الدعاء وأنه كالسؤال بالكعبة والطور والكرسي والمساجد وغير ذلك من المخلوقات، ومعلوم أن سؤال الله بالمخلوقات ليس هو مشروعاً، كما أن الإقسام بها ليس مشروعاً بل هو منهي عنه، فكما أنه لا يسوغ لأحد أن يحلف بمخلوق فلا يحلف على الله بمخلوق ولا يسأله بنفس مخلوق، وإنما يسأل بالأسباب التي تناسب إجابة الدعاء كما تقدم تفصيله. 592 - لكن قد روي في جواز ذلك آثار وأقوال عن بعض أهل العلم؛ ولكن ليس في المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ثابت بل كلها موضوعة، وأما النقل عن من ليس قوله حجة فبعضه ثابت وبعضه ليس بثابت. 593 - والحديث الذي رواه أحمد (1) وابن ماجة (2) وفيه: "بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا".

_ (1) (3/21) قال: ثنا يزيد، أنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري. (2) من طريق الفضل بن الموفق أبي الجهم، ثنا فضيل بن مرزوق به. (1/256) 4 - كتاب المساجد، حديث (778) . وأورده البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (1/98) وقال: هذا إسناد مسلسل بالضعفاء عطية هو العوفي وفضيل بن مرزوق، والفضل بن الموفق كلهم ضعفاء، لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق =

رواه أحمد عن وكيع عن فضيل (1) بن مرزوق عن عطية (2) عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال إذا خرج إلى الصلاة: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي/ هذا فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار وأن تدخلني الجنة وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضي صلاته". وهذا الحديث هو من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد، وهو ضعيف بإجماع أهل العلم (3) . 594 - وقد روي من طريق آخر وهو ضعيف (4) أيضاً، ولفظه

_ = فضيل بن مرزوق، فهو صحيح عنده. أقول: ثم ماذا، فإذا اعتقد ابن خزيمة صحته وهو ضعيف، فماذا يغني عنه لا سيما وأنت تعلم أن إسناده مسلسل بالضعفاء ثم إني بحثت عنه في صحيح ابن خزيمة فلم أجده، وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص 42) . (1) قال الحافظ: صدوق يهم، ورمى بالتشيع، من السابعة / ي م 4. تقريب (2/113) . (2) هو ابن سعد بن جنادة الكوفي، قال الحافظ: "صدوق يخطئ كثيراً، وكان شيعيا مدلساً/ بخ د، ت ق، تقريب (2/24) قال الشيخ ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/37) بعد أن وضح ضعف الحديث توضيحاً علمياً ورد شبه من أراد أن يقويه: "ثم بدا لي وجه ثالث في تضعيف الحديث، وهوا ضطراب عطية أو ابن مرزوق في روايته حيث إنه رواه تارة مرفوعاً كما تقدم، وأخرى موقوفاً على أبي سعيد، كما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (12/110/1) عن ابن مرزوق به موقوفاً. وفي رواية البغوي عن ابن فضيل قال: "أحسبه قد رفعه"، وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/184) : "موقوف أشبه". (3) انظر ترجمته في الميزان (3/79 - 80) .

لا حجة فيه فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم وحق العابدين أن يثيبهم، وهو حق أحقه الله تعالى على نفسه الكريمة بوعده الصادق باتفاق أهل العلم، وبإيجابه على نفسه في أحد أقوالهم، وقد تقدم بسط الكلام على ذلك. 595 - وهذا بمنزلة الثلاثة الذين سألوه في الغار بأعمالهم فإنه سأله هذا ببره العظيم لوالديه، وسأله هذا بعفته العظيمة عن الفاحشة، وسأله هذا بأدائه العظيم للأمانة (1) ؛ لأن هذه الأعمال أمر الله بها ووعد الجزاء لأصحابها فصار هذا كما حكاه عن المؤمنين بقوله (3: 193) : {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} ، وقال تعالى: (23: 109) {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} ، وقال تعالى: (3: 15 - 16) : {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} . 596 - وكان ابن مسعود يقول في السحر: "اللهم دعوتني

_ (4) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليل من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والوازع، قال فيه البخاري: "منكر الحديث". الضعفاء (ص 245) وقال النسائي: "متروك". الضعفاء (ص 239) . وقال أحمد وابن معين: "ليس بثقة". وقال ابن عدي: "عامة ما يرويه الوازع غير محفوظ" انظر المغني (2/718) ، والميزان (4/327) ، واللسان (6/213) . (1) تقدم تخريجه ص (105) .

فأجبت، وأمرتني فأطعت، وهذا سحر فاغفر لي" (1) . 597 - وأصل هذا الباب أن يقال: الإقسام على الله بشيء من المخلوقات، أو السؤال له به، إما أن يكون مأموراً به إيجاباً أو استحباباً، أو منهياً عنه نهي تحريم أو كراهة، أو مباحاً لا مأموراً به ولا منهياً عنه. 598 - وإذا قيل: إن ذلك مأمور به أو مباح؛ فإما أن يفرق بين مخلوق ومخلوق أو يقال: بل يشرع بالمخلوقات المعظمة أو ببعضها. فمن قال إن هذا مأمور به أو مباح في المخلوقات جميعها لزم أن يسأل الله تعالى بشياطين الإنس والجن فهذا لا يقوله مسلم. 599 - فإن قال: بل يسأل بالمخلوقات المعظمة كالمخلوقات التي أقسم بها في كتابه، لزم من هذا أن يسأل بالليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، والذكر والأنثى، والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، ونفس وما سواها - ويسأل الله تعالى ويقسم عليه بالخُنَّس الجواري الكنَّس، والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس، ويسأل بالذاريات ذرواً، فالحاملات وقرا، فالجاريات يسرا، فالمقسمات أمراً - ويسأل بالطور، وكتاب مسطور في رق منشور، والبيت المعمور، والسقف المرفوع، والبحر المسجور، ويسأل ويقسم عليه بالصافات صفا، وسائر ما أقسم الله به في كتابه، فإن الله يقسم بما يقسم به من مخلوقاته لأنها آياته ومخلوقاته فهي دليل على ربوبيته، وألوهيته، ووحدانيته، وعلمه، وقدرته،

_ (1) مختصر قيام الليل، (ص 81) . وتفسير ابن جرير (12/64) .

ومشيئته، ورحمته، وحكمته، وعظمته، وعزته، فهو سبحانه يقسم بها لأن إقسامه بها تعظيم له سبحانه، ونحن - المخلوقون - ليس لنا أن نقسم بها بالنص والإجماع. 600 - بل ذكر غير واحد الإجماع على أنه لا يقسم بشيء من المخلوقات وذكروا إجماع الصحابة على ذلك، بل ذلك شرك منهي عنه، ومن سأل الله بها لزمه أن يسأله بكل ذكر وأنثى، وبكل نفس ألهمها فجورها وتقواها، ويسأله بالرياح والسحاب والكواكب والشمس والقمر والليل والنهار والتين والزيتون وطور سينين، ويسأله بالبلد الأمين مكة، ويسأله حينئذ بالبيت والصفا والمروة وعرفة ومزدلفة ومنى وغير ذلك من المخلوقات، ويلزم ذلك أن يسأله بالمخلوقات التي عبدت من دون الله، كالشمس والقمر والكواكب والملائكة والمسيح والعزيز وغير ذلك مما عبد من دون الله ومما لم يعبد من دونه. 601 - ومعلوم أن السؤال لله بهذه المخلوقات أو الإقسام عليه بها من أعظم البدع المنكرة في دين الإسلام، ومما يظهر قبحه للخاص والعام. 602 - ويلزم من ذلك أن يقسم على الله تعالى بالأقسام والعزائم التي تكتب في الحروز والهياكل التي تكتبها الطرقية والمعزمون. 603 - بل ويقال: إذا جاز / السؤال والإقسام على الله بها فعلى المخلوقات أولى، فحينئذ تكون العزائم والأقسام التي يقسم بها على الجن مشروعة في دين الإسلام، وهذا الكلام يستلزم الكفر والخروج من الإسلام بل ومن دين الأنبياء أجمعين.

604 - وإن قال قائل: بل أنا أسأله أو أقسم عليه بمعظم دون معظَّم من المخلوقات، إما الأنبياء دون غيرهم، أو نبي دون غيره، كما جوز بعضهم الحلف بذلك، أو الأنبياء والصالحين دون غيرهم. 605 - قيل له: بعض المخلوقات وإن كان أفضل من بعض فكلها مشتركة في أنه لا يجعل شيء (1) منها نِدًّا لله تعالى، فلا يُعبدُ ولا يتوكل عليه ولا يخشى ولا يتقى ولا يصام له ولا يسجد له ولا يرغب إليه، ولا يقسم بمخلوق، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان حالفاً فليحلف بالله، أو ليصمت" (2) . وقال: "لا تحلفوا إلا بالله" (3) . وفي السنن عنه أنه قال: "من حلف بغير الله فقد أشرك" (4) . 606 - فقد ثبت بالنصوص الصحيحة الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات، لا فرق في ذلك بين الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم ولا فرق بين نبي ونبي. 607 - وهذا كما قد سوى الله تعالى بين جميع المخلوقات في ذم الشرك بها وإن كانت معظمة. قال تعالى: (3: 79 - 80) : {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ

_ (1) في خ: "شيئاً". (2) تقدم ص (91) . (3) تقدم ص (91) . (4) تقدم ص (90) .

وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، وقال تعالى: (17: 56 - 57) : {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} . 608 - قالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح والعزيز والملائكة (1) ، فقال تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم عبادي يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي، ويتقربون إليَّ كما تتقربون إليَّ. 609 - وقد قال تعالى (24: 52) {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ} . فبين أن الطاعة لله والرسول، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع

_ (1) راجع تفسير ابن جرير (15/103 - 106) . قال ابن جرير بعد تفسير الآية الأولى: وقيل: إن الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذا القول، كانوا يعبدون الملائكة وعزيراً والمسيح وبعضهم كانوا يعبدون نفراً من الجن، ثم فسر الآية الثانية، وساق بعد ذلك عدداً من الروايات فيها الصحيح والحسن عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: كان أناس من أهل الجاهلية يعبدون نفراً من الجن، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم الجن وبقي الإنس على كفرهم. ثم قال: وقال آخرون: بل هم الملائكة، وساق عدداً من الروايات إلى ذلك إلى ابن مسعود، ثم إلى ابن زيد، ثم إلى ابن عباس، ثم إلى مجاهد، ثم ساق رواية عن ابن عباس، قال: هو عزيز والمسيح والشمس والقمر. وقول ابن مسعود اخرجه البخاري في 65 - تفسير في 7 - من تفسير سورة الإسراء حديث 4714، 4715. وأخرجه مسلم 54 - التفسير، 4 - باب قول الله تعالى أولئك الذين يدعون حديث (28 - 30) . وانظر تفسير ابن كثير (5/86) ، وتحفة الأشراف (7/68) .

الله، وبين أن الخشية والتقوى لله وحده فلم يأمر أن يخشى مخلوق ولا يتقى مخلوق. 610 - وقال تعالى: (9: 59) : {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ، وقال تعالى (94: 7 - 8) {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} . فبين سبحانه وتعالى أنه كان ينبغي لهؤلاء أن يرضوا بما آتاهم الله ورسوله، ويقولوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله، إنا إلى الله راغبون، فذكر الرضا بما آتاه الله ورسوله لأن الرسول هو الواسطة بيننا وبين الله في تبليغ أمره ونهيه وتحليله وتحريمه ووعده ووعيده. فالحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله. ولهذا قال تعالى (59: 7) : {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . فليس لأحد أن يأخذ من الأموال إلا ما أحله الله ورسوله، والأموال المشتركة، كمالِ الفيء والغنيمة والصدقات، عليه أن يرضى بما آتاه الله ورسوله منها، وهو مقدار حقه لا يطلب زيادة على ذلك، ثم قال تعالى (9: 59) {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} ، ولم يقل: "ورسوله"؛ فإن الحسْب هو الكافي، والله وحده هو كاف عباده المؤمنين كما قال تعالى (8: 64) : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} ، أي هو وحده حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين. 611 - هذا هو القول الصواب الذي قاله جمهور السلف والخلف كما بين في موضع آخر، والمراد أن الله كاف للرسول ولمن اتبعه. فكل من اتبع الرسول فالله كافيه وهاديه وناصره ورازقه، ثم قال

تعالى (9: 59) : {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} ، فذكر الإيتاء لله ورسوله، لكن وسطه بذكر الفضل فإن الفضل لله وحده بقوله: {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} ، ثم قال تعالى: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ، فجعل الرغبة إلى الله وحده دون الرسول وغيره من المخلوقات. 612 - فقد تبين أن الله سوى بين المخلوقات في هذه الأحكام، لم يجعل لأحد من المخلوقين - سواء كان نبياً أو ملكاً - أن يقسم/ به ولا يتوكل عليه ولا يرغب إليه ولا يخشى ولا يتقى. وقال تعالى (34: 22 - 23) {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} . 613 - فقد تهدد سبحانه من دعا شيئاً من دون الله وبين أنهم لا ملك لهم مع الله ولا شركاء في ملكه، وأنه ليس له عون ولا ظهير من المخلوقين. فقطع تعلق القلوب بالمخلوقات رغبة ورهبة وعبادة واستعانة، ولم يبق إلا الشفاعة وهي حق، لكن قال الله تعالى: {وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} . 614 - وهكذا دلت الأحاديث الصحيحية (1) في الشفاعة يوم القيامة، إذا أتي الناس آدم وأولي العزم نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى بن

_ (1) البخاري 60 - الأنبياء باب 9، حديث (361) ، 97 - كتاب التوحيد باب 19 - حديث 7410 والتوحيد، 36 - باب كلام الرب عز وجل، حديث (7510) . وأحمد في المسند (2/435 - 436) . ومسلم 1 - إيمان، حديث (327 - 329) . =

مريم فيردهم كل واحد إلى الذي بعده، إلى أن يأتوا المسيح فيقول لهم: اذهبوا إلى محمد عبد [غفر] الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال صلى الله عليه وسلم: "فيأتوني فأذهب إلى ربي، فإذا رأيته خررت ساجداً وأحمد ربي بمحامد يفتحها عليَّ لا أحسنها الآن، فيقال لي: أي محمد، ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع - قال - فيحدّ لي حدّ فأدخلهم الجنة". وذكر تمام الخبر. 615 - فبين المسيح أن محمداً هو الشفيع المشفع؛ لأنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبين محمدٌ عبد الله ورسوله أفضل الخلق وأوجهُ الشفعاء وأكرمهم على الله تعالى أنه يأتي فيسجد ويحمد، لا يبدأ بالشفاعة حتى يؤذن له، فيقال له: ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع، وذكر أن ربه يحد له حداً فيدخلهم الجنة. 616 - وهذا كله يبين أن الأمر كله لله، هو الذي يلزم (1) الشفيع بالإذن له في الشفاعة، والشفيع لا يشفع إلا فيمن يأذن [الله له] ، ثم يحد للشفيع حداً فيدخلهم الجنة. فالأمر بمشيئته وقدرته واختياره.

_ = والترمذي (4/622) ، 10 - باب ما جاء في الشفاعة، حديث (2434) . وابن ماجه (2/1440) ، 37 - كتاب الزهد، 37 - باب ذكر الشفاعة، حديث 4307. كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفي ألفاظهم تفاوت بالتطويل والاختصار. وأحمد في المسند (3/116، 144) . ومسلم، إيمان، حديث 322 - 326. والترمذي (4/625) 38 - صفة القيامة، حديث (2435) . وابن ماجه (2/1442) ، 37 - كتاب الزهد، حديث (4312) من حديث أنس. ومسلم، إيمان حديث 320. وابن ماجه، الزهد، حديث (4310) من حديث جابر. وهناك أحاديث أخر في مسلم وغيره عن حذيفة وأبي سعيد وعمران بن حصين وعوف بن مالك. وهي أحاديث متواترة. (1) كذا في خ وغيرها ولعل الصواب "يكرم".

وأوجه الشفعاء وأفضلهم هو عبده الذي فضله على غيره واختاره واصطفاه بكمال عبوديته وطاعته وإنابته وموافقته لربه فيما يحبه ويرضاه. 617 - وإذا كان الإقسام بغير الله والرغبة إليه وخشيته وتقواه ونحو ذلك هي من الأحكام التي اشتركت المخلوقات فيها فليس لمخلوق أن يقسمَ به ولا يتقى ولا يتوكل عليه وإن كان أفضل المخلوقات، ولا يستحق ذلك أحد من الملائكة والنبيين، فضلاً عن غيرهم من المشايخ والصالحين. 618 - فالسؤال لله تعالى بالمخلوقات إن كان بما أقسم به وعظمه من المخلوقات (1) فيسوغ السؤال بذلك كله وإن [لا] لم يكن سائغاً [و] لم يجز أن يسأل بشيء من ذلك، والتفريق في ذلك بين معظم ومعظم كتفريق من فرق فجوز الحلف ببعض المخلوقات دون بعض، وكما أن هذا فرق باطل فكذلك الآخر. 619 - ولو فرق مفرق بين مايؤمن به وبين ما لا يؤمن به، قيل له: فيجب الإيمان بالملائكة والنبيين، ويؤمن بكل ما أخبر به الرسول مثل منكر ونكير والحور العين والولدان وغير ذلك، أفيجوز أن يقسم بهذه المخلوقات لكونه يجب الإيمان بها؟ أم يجوز السؤال بها كذلك؟. 620 - فتبين أن السؤال بالأسباب إذا لم يكن المسئول به سبباً لإجابة الدعاء فلا فرق بين السؤال بمخلوق ومخلوق، كما لا فرق بين

_ (1) هذا الكلام غير مستقيم ويغلب على الظن أنه سقط من الناسخ بعض الكلام.

القسم بمخلوق ومخلوق، وكل ذلك غير جائز. فتبين أنه لا يجوز ذلك كما قاله من قاله من العلماء. والله أعلم. 621 - وأما قوله تعالى (2: 89) : {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} ، فكانت اليهود تقول للمشركين: سوف يبعث هذا النبي ونقاتلكم معه فنقتلكم، لم يكونوا يقسمون على الله بذاته ولا يسألون به، بل (1) يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الأمي لنتبعه ونقتل هؤلاء معه. 622 - هذا هو النقل الثابت عند أهل التفسير، وعليه يدل القرآن فإنه قال تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ} ، والاستفتاح الاستنصار، وهو طلب الفتح والنصر، فطلب الفتح والنصر به هو أن يُبعث فيقاتلونهم معه، فبهذا ينصرون، ليس هو بإقسامهم به وسؤالهم به، إذ لو كان كذلك لكانوا إذا سألوا أو أقسموا به نصروا، ولم يكن الأمر كذلك. بل لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نصر الله من آمن به وجاهد معه على من خالفه. 623 - وما ذكره بعض المفسرين من أنهم كانوا يقسمون به أو يسألون به فهو نقل شاذ مخالف به للنقول الكثيرة المستفيضة المخالفة له. وقد ذكرنا طرفاً من ذلك في (دلائل النبوة) وفي كتاب (الاستغاثة الكبير) .

_ (1) في الأصل "أو" لكن الكلام لا يستقيم بها ولعله من تحريف النساخ.

وكتب السيرة (1) ودلائل النبوة (2) والتفسير (3) مشحونة بذلك. 624 - قال أبو العالية (4) وغيره: كان اليهود إذا استنصروا بمحمد صلى الله عليه وسلم / على مشركي العرب يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوباً عندنا حتى نغلب المشركين ونقتلهم، فلما بعث الله محمداً ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآيات (2: 89) : {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} . 625 - وروى محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن رجال من قومه قالوا: مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله وهداه - ما كنا نسمع من رجال يهود، وكنا أهل شرك، أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا، وكانت لاتزال بيننا وبينهم شرور. فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: قد تقارب زمان نبي يبعث الآن فنقتلكم معه قتل عاد وإرَم. كثيراً ما كنا نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله محمداً رسولاً من عند الله أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات التي في البقرة: {ولما جاءهم كتابٌ من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما

_ (1) انظر السيرة لابن هشام (1/211 - 214) . والروض الأنف (2/326 - 329) . (2) انظر: دلائل النبوة للبيهقي (2/74 - 76) . ودلائل النبوة لأبي نعيم (1/96 - 97) . (3) انظر الدر المنثور (1/216 - 218) . وتفسير ابن جرير (1/410 - 412) . (4) تفسير ابن جرير (1/411) .

جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} (1) . ولم يذكر ابن أبي حاتم وغيره ممن جمع كلام مفسري السلف إلا هذا. وهذا لم يذكر فيه السؤال به عن أحد من السلف، بل ذكروا الأخبار به، أو سؤال الله أن يبعثه. 626 - فروى ابن أبي حاتم عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} قال: يستظهرون يقولون: نحن نعين محمداً عليهم، وليسوا كذلك، يكذبون (2) . وروي (3) عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} ، قال: كانوا يقولون: إنه سيأتي نبي فلما جاءهم وعرفوا كفروا به.

_ (1) السيرة لابن هشام (1/211) . وتفسير ابن جرير (1/410) والروض الأنف (2/326) . (2) التفسير (1/275) وهذا النص بهذا الإسناد في تفسير ابن جرير (1/412) . قال حدثت عن المنجاب: قال: حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس به. وفي التوسل في المطبوعة عن أبي رزين. وفي المخطوطة ص 61 عن زريق وكلاهما تصحيف. والصواب أبو روق لأنه من الرواة عن الضحاك ومشهور بالتفسير وهو عطية ابن الحارث الهمداني الكوفي، صدوق، ومن الرواة عنه بشر بن خالد الكوفي، وبشر بن عمارة، انظر تهذيب الكمال (2/939) . وفي سماع الضحاك عن ابن عباس اختلاف بين علماء الحديث. (3) تفسير ابن أبي حاتم (1/275 - 276) .

627 - وروي (1) بإسناده عن ابن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد قال: أخبرني عكرمة - أو سعيد بن جبير - عن ابن عباس (2) أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود (3) بن سلمة: يامعشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك، وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته، فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم (2: 89) : {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} . 628 - وروي (4) بإسناده عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوباً عندنا، حتى نعذب المشركين

_ (1) تفسير ابن أبي حاتم (1/275 - 276) . (2) السيرة لابن هشام (1/547) وفيها قال ابن إسحاق كان فيما بلغني عن عكرمة مولى ابن عباس أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو في تفسير ابن جرير بهذا الإسناد (1/410 - 411) وفي الإسناد ابن حميد الرازي وفيه كلام واختلاف، وقد تقدم الكلام فيه ص 133، 134 ومحمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، قال الحافظ: مدني مجهول لكن يشهد له ويقويه النصوص الكثيرة بهذا المعنى. (3) في الأصل داود بن سلمة، وهو تصحيف والصواب أخو بني سلمة كما في السيرة لابن هشام (1/547) . وتفسير ابن جرير (1/411) . (4) تفسير ابن أبي حاتم (1/275 - 276) .

ونقتلهم. فلما بعث الله محمداً ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (1) . 629 - وأما الحديث الذي يروى عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هُزمت يهود فعاذت بهذا الدعاء: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم، فكانوا إذا دعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} . وهذا الحديث رواه الحاكم في مستدركه (2) ، وقال: أدت الضرورة إلى إخراجه. وهذا مما أنكره عليه العلماء، فإن عبد الملك بن هارون من أضعف الناس، وهو عند أهل العلم بالرجال متروك بل كذاب. وقد تقدم ما ذكره يحيى بن معين وغيره من الأئمة في حقه (3) . قلت: وهذا الحديث من جملتها (4) .

_ (1) هو في تفسير ابن جرير (1/411) . (2) (2/263) وقال بعده: "أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير، وهو غريب من حديثه". قال الذهبي في التعليق على هذا النص: قلت: لا ضرورة في ذلك، فعبد الملك متروك هالك. (3) انظر ص (179) . (4) أي من أكاذيب عبد الملك بن هارون وكان شيعياً.

وكذلك الحديث الآخر الذي يرويه عن أبي بكر كما تقدم. 630 - ومما يبين ذلك أن قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} إنما نزلت باتفاق / أهل التفسير والسير في اليهود المجاورين للمدينة أولاً كبني قينقاع (1) وقريظة (2) والنضير (3) ، وهم الذين كانوا يحالفون الأوس والخزرج، وهم الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، ثم لما نقضوا العهد حاربهم، فحارب أولاً بني قينقاع ثم النضير - وفيهم نزلت سورة الحشر - ثم قريظة عام الخندق. 631 - فكيف يقال نزلت في يهود خيبر وغطفان؟ فإن هذا من كذاب جاهل لم يحسن كيف يكذب، ومما يبين ذلك، أنه ذكر فيه انتصار اليهود على غطفان لما دعوا بهذا الدعاء، وهذا مما لم ينقله أحد غير هذا الكذاب، ولو كان هذا مما وقع لكان مما تتوفر دواعي الصادقين على نقله. 632 - ومما ينبغي أن يعلم، أن مثل هذا اللفظ لو كان مما يقتضي السؤال به، والإقسام به على الله تعالى، لم يكن مثل هذا مما يجوز أن يعتمد عليه في الأحكام؛ لأنه أولاً لم يثبت، وليس في الآية مايدل

_ (1) انظر قصة بني قينقاع في السيرة لابن هشام (3/47 - 50) . (2) انظر غزوة بني قريظة في السيرة لابن هشام (3/233 - 256) . وتفسير ابن جرير (18/149 - 155) . وتأريخ اليعقوبي (2/52) . (3) انظر قصة بني النضير وجلائهم في السيرة لابن هشام (3/190 - 202) . وصحيح البخاري. 65 - التفسير - تفسير سورة الحشر، حديث (4884، 4885) وتفسير ابن جرير (28/27 - 49) وتأريخ اليعقوبي (2/49) .

عليه، ولو ثبت لم يلزم أن يكون هذا شرعاً لنا (1) . 633 - فإن الله تعالى قد أخبر عن سجود إخوة يوسف وأبويه، وأخبر عن الذين غلبوا على أهل الكهف أنهم قالوا (18:21) : {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} (2) ونحن قد نهينا عن بناء المساجد على القبور، ولفظ الآية إنما فيه أنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وهذا كقوله تعالى (8: 19) : {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْحُ} . والاستفتاح طلب الفتح وهو النصر. 634 - ومنه الحديث المأثور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، أي يستنصر بهم، أي بدعائهم، كما قال: "وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم، بصلاتهم ودعائهم وإخلاصهم؟ " (3) .

_ (1) كما قال تعالى: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} . (2) للحافظ ابن رجب توجيه جيد، وتوفيق سديد بين معنى هذه الآية، والأحاديث التي فيها لعن اليهود والنصارى، بسبب اتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. قال رحمه الله: "وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث - يعني حديث لعن اليهود - وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً} . فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بأن مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى، وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصر لما أنزل الله على رسله من الهدى" فتح الباري في شرح صحيح البخاري. (65/280) ، من الكواكب الدراري - نقلاً عن المحدث الكبير الشيخ ناصر الدين الألباني. تحذير الساجد (ص 71) . ونقل من تفسير ابن كثير ما يؤيد تفسير ابن رجب. والأمر كذلك. انظر تفسير ابن كثير (5/143) . (3) أخرج البخاري في: 56 - الجهاد، 76 - باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، حديث (2896) ، (1/172) . من حديث سعد رضي الله عنه، قوله صلى الله عليه وسلم: "هل تنصرون إلا بضعفائكم". وأخرج أبو داود، في: 9 - الجهاد، حديث (2594) ، (3/73) . والترمذي، في: 24 - الجهاد، (4/206) ، حديث: "ابغوني الضعفاء، إنما تنصرون، وترزقون بضعفائكم". =

635 - وهذا قد يكون بأن يطلبوا من الله تعالى أن ينصرهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان، بأن يعجل بعث ذلك النبي إليهم لينتصروا به عليهم، لا لأنهم أقسموا على الله وسألوا به، ولهذا قال تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} فلو لم ترد الآثار التي تدل على أن هذا معنى الآية، لم يجز لأحد أن يحمل الآية على ذلك المعنى المتنازع فيه بلا دليل؛ لأنه لا دلالة فيها عليه، فكيف وقد جاءت الآثار بذلك؟. 636 - وأما ما تقدم ذكره عن اليهود من أنهم كانوا ينصرون، فقد بينا أنه شاذ، وليس هو من الآثار المعروفة في هذا الباب، فإن اليهود لم يعرف أنها غلبت العرب، بل كانوا مغلوبين معهم، وكانوا يحالفون العرب، فيحالف كل فريق فريقاً، كما كانت قريظة حلفاء الأوس، وكانت النضير حلفاء الخزرج. 637 - وأما كون اليهود كانوا ينتصرون على العرب فهذا لا يعرف، بل المعروف خلافه، والله تعالى قد أخبر بما يدل على ذلك، فقال تعالى (3: 112) : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} .

_ = من حديث أبي الدرداء. وأخرج النسائي، (6/45) ، حديث (3178) بإسناد صحيح إلى سعد رضي الله عنه - مرفوعاً -: "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها؛ بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم". ثم أخرج حديث أبي الدرداء بلفظ أبي داود والترمذي.

638 - فاليهود - من حيث ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا، إلا بحبل من الله وحبل من الناس - لم يكونوا بمجردهم ينتصرون لا على العرب ولا غيرهم، وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم قبل الإسلام، والذلة ضربت عليهم من حين بُعث المسيح عليه السلام فكذبوه. قال تعالى: (3: 55) : {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ، وقال تعالى: (61: 14) : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} . وكانوا قد قتلوا يحيى بن زكريا، وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة السلام. قال تعالى (2: 61) : {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} . 639 - فإذا لم يكن الصحابة كعمر بن الخطاب وغيره، في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد موته، يقسمون بذاته، بل إنما كانوا يتوسلون بطاعته أو بشفاعته، فكيف يقال في دعاء المخلوقين الغائبين والموتى، وسؤالهم من الأنبياء والملائكة وغيرهم، وقد قال تعالى: (17: 56 - 57) : {قُلْ ادْعُوا / الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} . 640 - قالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء كالمسيح وعزير وغيرهما، فنهى الله عن ذلك، وأخبر تعالى أن

هؤلاء يرجون رحمة الله ويخافون عذابه ويتقربون إليه، وأنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله عنهم (1) . وقد قال تعالى (3: 79 - 80) : {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . 641 - ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُتخذ قبره مسجدا، وأن يتخد عيداً، وقال في مرض موته: "لعنة الله على اليهود والنصاري، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". يحذر ما صنعوا. أخرجاه في الصحيحين (2) . 642 - وقال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قومٍ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". رواه مالك في موطئه (3) . 643 - وقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله". متفق عليه (4) .

_ (1) تقدم تخريج أقوال ابن مسعود، وابن عباس وغيرهما في ص (241) . (2) تقدم تخريجه في ص (30) رقم (1) . (3) تقدم تخريجه في ص (35) رقم (1) . (4) أخرجه البخاري، 60 - أنبياء، باب 48، حديث (3445) . وأحمد (1/23، 24، 47، 55) . والدارمي (2/228) ، حديث (2778) . والطيالسي، كما في منحة المعبود (2/119) ، حديث (2424) . كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنه. ولم يرو مسلم - رحمه الله - هذا الحديث. ورواه الترمذي، في الشمائل، كما في المختصر (ص 174) ، حديث (284) . والبغوي، في شرح السنة (13/246) .

644 - وقال: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، بل ما شاء الله ثم شاء محمد" (1) . 645 - وقال له بعض الأعراب: ما شاء الله وشئت فقال: "أجعلتني لله نِداً؟ بل ما شاء الله وحده" (2) . 646 - وقد قال الله تعالى له (7: 188) : {قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ} . وقال تعالى (10: 49) : {قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا} . وقال تعالى (28: 56) : {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ

_ (1) أخرجه الإمام أحمد (5/384، 394، 398) . وأبو داود (5/259) ، 35 - أدب - حديث (4980) . وأبو داود الطيالسي في مسنده (ص 57) ، حديث (430) . وفيه: "لكن قولوا ما شاء الله وحده". والنسائي، في عمل اليوم والليلة، (ص544) ، حديث (985) . وعمل اليوم والليلة لابن السني (ص 248) ، حديث (671) . وابن أبي الدنيا، في كتاب الصمت (ص 413) ، حديث (344) . والطحاوي في المشكل (1/90) . والبيهقي في الأسماء والصفات (ص144) . وفي السنن الكبرى (3/216) . كلهم من حديث عبد الله بن يسار، عن حذيفة رضي الله عنه، بإسناد صحيح. وابن ماجه (1/685) ، 11 - الكفارات، حديث (2118) . والنسائي، في عمل اليوم والليلة، حديث (984) ، من حديث ربعي بن خراش. وإسناد النسائي صحيح. (2) أخرجه أحمد (1/214) من طريق هشيم (283) وسفيان (347) ويحيى وهو القطان.. كلهم عن الأجلح، عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس، بلفظ: "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ... " الحديث. وأخرجه النسائي، في عمل اليوم والليلة (ص 545 - 546) ، حديث (987 - 988) ، عن عيسى، عن الأجلح، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس مرفوعاً. والأجلح مختلف فيه، وقد وثقه جماعة، فحديثه حسن. وأخرجه النسائي، في اليوم والليلة (ص 545) ، حديث (987) ، من طريق القاسم بن مالك، عن الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، مرفوعاً. والظاهر أنه وهم من القاسم بن مالك، وذلك أنه خالف الجماعة، وهم أئمة حفاظ. والقاسم فيه لين، فحديثه هذا عن جابر منكر. والله أعلم.

أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} . وقال تعالى (3: 128) : {لَيْسَ لَكَ مِنْ الأمْرِ شَيْءٌ} . وهذا تحقيق التوحيد، مع أنه صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق على الله، وأعلاهم منزلة عند الله. 647 - وقد روى الطبراني في معجمه الكبير (1) ، أن منافقاً كان يؤذي المؤمنين، فقال أبو بكر: قوموا نستغيث برسول الله من هذا المنافق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله". 648 - وفي صحيح مسلم (2) في آخره أنه قال قبل أن يموت بخمس: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك". 649 - وفي صحيح مسلم (3) - أيضاً - وغيره، أنه قال: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها".

_ (1) انظر مجمع الزوائد (10/159) قال الهيثمي عقبه: "ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة، وهو حسن الحديث". ورواه أحمد (5/317) ، ثنا موسى بن داود، ثنا ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، أن رجلاً سمع عبادة بن الصامت يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر، رضي الله عنه: قوموا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُقام لي. إنما يقام لله تبارك وتعالى". ورواه ابن سعد، في الطبقات (1/387) ، بهذا الأسناد، وبهذا اللفظ. وموسى بن داود، هو الضبي أبو عبد الله الطرطوسي، صدوق فقيه زاهد له أوهام، من صغار التاسعة. فيبدو أنه ممن روى عن ابن لهيعة بعد اختلاطه، وفيه الرجل المجهول الراوي عن عبادة، فالحديث على هذا ضعيف. (2) 5 - كتاب المساجد، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور، حديث (23) . (1/377) . وأبو عوانة (1/401) . والطبراني في الكبير، (2/180) ، حديث (1686) وابن سعد (2/240) . (3) 11 - جنائز، 33 - باب النهي عن الجلوس على القبر، والصلاة عليه، حديث (97 - 98) ، (2/668) . من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه. وأبو داود، =

650 - وفي الصحيحين (1) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة - وله طرق متعددة عن غيرهما - أنه قال: "لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى". 651 - وسئل مالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال مالك: إن كان أراد القبر فلا يأته، وإن أراد المسجد فليأته. ثم ذكر الحديث "لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد". ذكره القاضي إسماعيل في مبسوطه (2) . 652 - ولو حلف حالف بحق المخلوقين لم ينعقد يمينه، ولا فرق

_ = 15 - الجنائز، 77 - في كراهية القعود على القبر، حديث (3229) ، (3/554) . والترمذي، 8 - الجنائز، 57 - باب ما جاء في كراهية المشي على القبور، والجلوس عليها، حديث (1050، 1051) . والنسائي، 9 - كتاب القبلة، 11 - باب النهي عن الصلاة إلى القبر، حديث (760) . (2/67) . كلهم من حديث أبي مرثد الغنوي. (1) البخاري، 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، حديث (1189) ، من حديث أبي هريرة، 6 - من هذا الباب، حديث (1197) ، من حديث أبي سعيد. ومسلم، 15 - كتاب الحج، 74 - باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، حديث (415) . (2/975 - 976) ، من حديث أبي سعيد. والترمذي، أبواب الصلاة، 243 - باب ما جاء في أي المساجد أفضل، حديث (326) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح". والنسائي، 8 - كتاب المساجد، 10 - ما تشد إليه الرحال من المساجد، حديث (700) . (2/37) . وأحمد (2/234، 238) . وابن ماجه، 5 - الإقامة، حديث (1409) . (1/452) . والدارمي، كتاب الصلاة، 132 - باب لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، حديث (1428) . (1/271) ، كلهم من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه. وأحمد (3/7، 34) ، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه. (2) لا يوجد هذا الكتاب القيم في حدود علمي في المكتبات الإسلامية ولعله يوجد فينفع الله به المسلمين. وفي المدونة (2/86) عبارة قريبة من هذه العبارة، قال ابن القاسم: "ومن قال عليَّ المشي إلى بيت المقدس أو إلى المدينة، فلا يأتهما أصلاً إلا أن يكون أراد الصلاة في مسجديهما فليأتهما راكبا".

في ذلك بين الأنبياء والملائكة وغيرهم، ولله تبارك وتعالى حق لا يشركه فيه أحد لا الأنبياء ولا غيرهم. وللأنبياء حق، وللمؤمنين حق، ولبعضهم على بعض حق. فحقه تبارك وتعالى أن يعبد، ولا يشرك به كما تقدم في حديث معاذ (1) . 653 - ومن عبادته تعالى أن يخلصوا له الدين ويتوكلوا عليه ويرغبوا إليه، ولا يجعلوا لله نداً لا في محبته ولا خشيته ولا دعائه ولا الاستعانة به، كما في الصحيحين أنه قال صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يدعو نداً من دون الله دخل النار" (2) . 654 - وسئل: أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" (3) . 655 - وقيل له: ما شاء الله وشئت. فقال: أجعلتني لله نداً! بل ما شاء الله وحده" (4) .

_ (1) تقدم في ص (109) . (2) البخاري 65 - كتاب التفسير باب 22، حديث (4497) . ومسلم، الإيمان باب 40 حديث (150) . أَمَّا البخاري فباللفظ الذي ذكره شيخ الإسلام. وأما مسلم فبلفظ: "من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار". كلاهما رواه عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ورواه أحمد (1/425) بلفظ مسلم. (3) البخاري 65 - التفسير، باب 3 حديث (4477، 4761) . ومسلم، الإيمان 37 - باب كون الشرك أقبح الذنوب. حديث (141، 142) . وأبو داود، 7 - الطلاق. 50 - باب تعظيم الزنا حديث (2310) (2/732) . والترمذي 48 - كتاب التفسير باب 26، حديث (3182) (5/336) ، وأحمد (1/380) . والنسائي 37 - كتاب تحريم الدم 4 - ذكر أعظم الذنب حديث (4013، 4014) (7/79 - 80) . (4) تقدم تخريجه في ص (253) .

656 - وقد قال تعالى (4: 48، 116) : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقال تعالى (2: 22) : {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (16: 15) : {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياى فارهبون} ، (29: 56) {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} وقال تعالى (94: 7 - 8) : {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} ، وقال تعالى في فاتحة الكتاب التي هي أم القرآن: {إياك نعبد/ وإياك نستعين} ، وقال تعالى (2: 165) : {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} وقال تعالى (5: 44) : {فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي} وقال تعالى (33: 39) : {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَ اللَّهَ} . 657 - ولهذا لما كان المشركون يخوّفون إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه. قال تعالى (6: 80 - 82) : {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} .

658 - وفي الصحيحين (1) عن ابن مسعود، قال: لما نزلت هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما ذاك الشرك كما قال العبد الصالح (31: 13) : {يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . وقال تعالى (24: 52) : {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ} . 659 - فجعل الطاعة لله والرسول، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله. وجعل الخشية والتقوى لله وحده فلا يخشى إلا الله، ولا يتقى إلا الله. وقال تعالى (5: 44) : {فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} . وقال تعالى: (3: 175) : {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . وقال تعالى (9: 59) : {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} . فجعل سبحانه الإيتاء لله والرسول في أول الكلام وآخره، كقوله تعالى (59: 7) : {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . مع جعله الفضل لله وحده، والرغبة إلى الله وحده وهو تعالى وحده. حسبهم لا شريك له في ذلك.

_ (1) أخرجه البخاري في 2 - الإيمان 23 - باب ظلم دون ظلم، حديث 32، 65 - التفسير، تفسير سورة الأنعام، حديث (4629) ، وتفسير سورة لقمان، حديث (4776) وفي مواضع أخر. ومسلم في الإيمان، 56 - باب صدق الإيمان وإخلاصه، حديث (197، 198) ، وأحمد (1/378) . كلهم من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه.

660 - وروى البخاري (1) عن ابن عباس في قوله: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قال: قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد (3: 173) : حين قَالَ لَهُمْ النَّاسُ: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} . 661 - وقال تعالى (8: 64) : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} . ومعنى ذلك [عند] جماهير السلف والخلف أن الله وحده حسبك وحسبُ من اتبعك من المؤمنين، كما بسط ذلك بالأدلة. وذلك أن الرسل عليهم الصلاة والسلام هم الوسائط بيننا وبين الله في أمره ونهيه ووعده ووعيده. 662 - فالحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله. فعلينا أن نحب الله ورسوله، ونطيع الله ورسوله، ونرضي الله ورسوله، قال تعالى (9: 62) : {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} . وقال تعالى (4: 59) : {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} . وقال تعالى (4: 80) : {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} . وقال تعالى (9: 24) : {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} .

_ (1) تقدم تخريجه في ص (58)

663 - وفي الصحيحين (1) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كنَّ فيه وجدَ بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار} . 664 - وقد قال تعالى (48: 8 - 9) : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} . فالإيمان بالله والرسول، والتعزير والتوقير للرسول، وتعزيره نصره ومنعه، والتسبيح بكرة وأصيلا/ لله وحده، فإن ذلك من العبادة لله. 665 - والعبادة هي لله وحده: فلا يصلى إلا لله، ولا يصام إلا لله، ولا يحج إلا إلى بيت الله، ولا تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة، لكون هذه المساجد بناها أنبياء الله بإذن الله، ولا ينذر إلا لله، ولا يحلف إلا بالله، ولا يُدْعى إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله. 666 - وأما ما خلقه الله سبحانه من الحيوان والنبات والمطر والسحاب وسائر المخلوقات، فلم يجعل غيره من العباد واسطة في ذلك الخلق، كما جعل الرسل واسطة في التبليغ بل يخلق ما يشاء بما يشاء من

_ (1) البخاري، 2 - كتاب الإيمان، باب 9 حديث (16) ، وباب 14، حديث (21) . ومسلم، كتاب الإيمان، باب 15، حديث (67، 68) . وأحمد (3/174، 230) . والترمذي، 41 - كتاب الإيمان، باب 10، حديث (2624) . (5/15) . والنسائي، 47 - كتاب الإيمان، 2 - طعم الإيمان، حديث (4987، 4988) . (8/95 - 96) ، كلهم من حديث أنس رضي الله عنه.

الأسباب، وليس في المخلوقات شيء يستقل بإبداع شيء، بل لا بد للسبب من أسباب أخر تعاونه، ولا بد من دفع المعارض عنه، وذلك لا يقدر عليه إلا الله وحده، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، بخلاف الرسالة، فإن الرسول وحده كان [واسطة] في تبليغ رسالته إلى عباده. 667 - وأما جعل الهدى في قلوب العباد، فهو إلى الله تعالى لا إلى الرسول. كما قال الله تعالى (28: 56) : {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وقال تعالى (16: 37) : {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} . 668 - وكذلك دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، واستغفارهم وشفاعتهم هو سبب ينفع، إذا جعل الله تعالى المحل قابلاً له، وإلا فلو استغفر النبي للكفار والمنافقين لم يغفر لهم، قال الله تعالى (63: 6) : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} . 669 - و [أما] الرسل فقد تبين أنهم هم الوسائط بيننا وبين الله عز وجل، في أمره ونهيه ووعده ووعيده وخبره، فعلينا أن نصدقهم في كل ما أخبروا به، ونطيعهم فيما أوجبوا وأمروا، وعلينا أن نصدق بجميع أنبياء الله عز وجل، لا نفرق بين أحد منهم، ومن سبَّ واحدا منهم كان كافراً مرتداً مباح الدم. 670 - وإذا تكلمنا فيما يستحقه الله تبارك وتعالى من التوحيد، بينا أن الأنبياء وغيرهم من المخلوقين لا يستحقون ما يستحقه الله تبارك وتعالى من خصائص، فلا يشرك بهم ولا يتوكل عليهم، ولا يستغاث بهم كما يستغاث بالله، ولا يقسم على الله بهم، ولا يتوسل بذواتهم.

671 - وإنما يتوسل بالإيمان بهم، وبمحبتهم، وطاعتهم، وموالاتهم وتعزيرهم، وتوقيرهم، ومعاداة من عاداهم، وطاعتهم فيما أمروا، وتصديقهم فيما أخبروا، وتحليل ما حللوه، وتحريم ما حرموه. والتوسل بذلك على وجهين: 672 - (أحدهما) : أن يتوسل بذلك إلى إجابة الدعاء وإعطاء السؤال، كحديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فإنهم توسلوا بأعمالهم الصالحة ليجيب دعاءهم ويفرج كربتهم، وقد تقدم بيان ذلك (1) . 673 - (والثاني) : التوسل بذلك إلى حصول ثواب الله وجنته ورضوانه، فإن الأعمال الصالحة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم هي الوسيلة التامة إلى سعادة الدنيا والآخرة. 674 - ومثل هذا كقول المؤمنين (3: 193) : {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلأيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} . فإنهم قدموا ذكر الإيمان قبل الدعاء. 675 - ومثل ذلك ما حكاه الله سبحانه عن المؤمنين في قوله تعالى (23: 109) : {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} . وأمثال ذلك كثير. 676 - وكذلك التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، فإنه يكون على وجهين: (أحدهما) : أن يطلب منه الدعاء والشفاعة، فيدعو ويشفع، كما كان يطلب منه في حياته، وكما يطلب منه يوم القيامة،

_ (1) في ص (104) .

حين يأتون آدم ونوحاً ثم الخليل ثم موسى الكليم ثم عيسى، ثم يأتون محمداً صلوات الله عليهم وسلامه فيطلبون منه الشفاعة. 677 - (الوجه الثاني) : أن يكون التوسل مع ذلك [بأن] يسأل الله تعالى بشفاعته ودعائه، كما في حديث الأعمى المتقدم بيانه (1) وذكره. فإنه طلب منه الدعاء والشفاعة، فدعا له الرسول وشفع فيه، وأمره أن يدعو الله فيقول: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك به، اللهم فشفعه فيَّ". فأمره أن يسأل الله تعالى قبول شفاعته. 678 - بخلاف من يتوسل بدعاء الرسول وشفاعة الرسول، والرسول لم يدع له ولم يشفع فيه، فهذا/ توسل بما لم يوجد، وإنما يتوسل بدعائه وشفاعته من دعا له وشفع فيه. 679 - ومن هذا الباب قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقت الاستسقاء كما تقدم (2) ، فإن عمر والمسلمين (3) توسلوا بدعاء العباس، وسألوا الله تعالى مع دعاء العباس، فإنهم استشفعوا جميعاً، ولم يكن العباس وحده هو الذي دعا لهم، فصار التوسل بطاعته والتوسل بشفاعته كل منهما يكون مع دعاء المتوسل وسؤاله، ولا يكون بدون ذلك. فهذه أربعة أنواع كلها مشروعة، لا ينازع في واحد منها أحد من أهل العلم والإيمان.

_ (1) (ص 202) . (2) (ص 86، 87) . (3) في خ: "المسلمون".

680 - ودين الإسلام مبني على أصلين، وهما: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وأول ذلك أن لا تجعل مع الله إلها آخر، فلا تحب مخلوقاً كما تحب الله، ولا ترجوه كما ترجو الله، ولا تخشاه كما تخشى الله، ومن سوَّى بين المخلوق والخالق في شيء من ذلك فقد عَدَل بالله (1) ، وهو من الذين بربهم يعدلون، وقد جعل مع الله إلهاً آخر، وإن كان مع ذلك يعتقد أن الله وحده خلق السموات والأرض. 681 - فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خلق السموات والأرض، كما قال تعالى (31: 25 و 39: 38) : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} . 682 - وكانوا مع ذلك مشركين يجعلون مع الله آلهة أخرى، قال تعالى (6: 19) : {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لاَ أَشْهَدُ} ، وقال تعالى (2: 165) : {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} . 683 - فصاروا مشركين لأنهم أحبوهم كحبه، لا أنهم (2) قالوا إن آلهتهم خلقوا كخلقه. كما قال تعالى (13: 16) : {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} . 684 - وهذااستفهام إنكار بمعنى النفي، أي ما جعلوا لله

_ (1) جعل له عدلاً، أي معادلاً ونظيراً. (2) في: خ "لأنهم". والصواب ما أثبتناه.

شركاء خلقوا كخلقه، فإنهم مقرون أن آلهتهم لم يخلقوا كخلقه، وإنما كانوا يجعلونهم شعفاء ووسائط. قال تعالى (10: 18) : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقال صاحب يس (36: 22 - 25) : {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِي * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِي} . 685 - (الأصل الثاني) أن نعبده بما شرع على ألسن رسله، لا نعبده إلا بواجب أو مستحب، والمباح إذا قصد به الطاعة دخل في ذلك. والدعاء من جملة العبادات، فمن دعا المخلوقين من الموتى والغائبين واستغاث بهم - مع أن هذا أمر لم يأمر به الله ولا رسوله أمر إيجاب ولا استحباب - كان مبتدعاً في الدين، مشركا برب العالمين، متبعاً غير سبيل المؤمنين، ومن سأل الله تعالى بالمخلوقين أو أقسم عليه بالمخلوقين كان (1) مبتدعاً بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، فإن ذم من خالفه وسعى في عقوبته، كان ظالماً جاهلاً معتدياً، وإن حكم بذلك فقد حكم بغير ما أنزل الله، وكان حكمه منقوضا بإجماع المسلمين، وكان إلى أن يستتاب من هذا الحكم ويعاقب عليه أحوجَ منه إلى أن ينفذ له هذا الحكم ويعان

_ (1) من قوله: "متبعاً غير سبيل"، إلى هنا، ساقط من ز، ب. وجاء الصواب في الفتاوى 1/312 كان مبتدعاً بدعة.

الملحق

عليه، وهذا كله مجمع عليه بين المسلمين، ليس فيه خلاف لا بين الأئمة الأربعة ولا غيرهم. 686 - وقد بُسط الكلام على هذه الأمور في مجلدات، من جملتها مصنف ذكرنا فيه قواعد تتعلق بحكم الحكام، وما يجوز لهم الحكم فيه وما لا يجوز. وهو مؤلف مفرد يتعلق بأحكام هذا الباب، لا يحسن إيراد شيء من فصوله هاهنا، لإفراد الكلام في هذا الموضع على قواعد التوحيد ومتعلقاته، وسيأتي إيراد ما اختصر منه، وحررت فصوله في ضمن أوراق مفردة يقف عليها المتأمل، لمزيد الفائدة ومسيس الحاجة إلى معرفة هذا الأمر المهم. وبالله التوفيق. * * * 687 - وكنت وأنا بالديار المصرية في سنة إحدى عشرة وسبعمائة قد استُفتيت عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكتبت في ذلك جواباً مبسوطاً، وقد أحببتُ إيراده هنا لما في ذلك من مزيد الفائدة، فإن هذه/ القواعد - المتعلقة بتقرير التوحيد، وحسم مادة الشرك والغلوِّ - كلما تنوع بيانها، ووضحت عبارتها، فإن ذلك نور على نور. والله المستعان. 688 - وصورة السؤال: المسئول من السادة العلماء أئمة الدين، أن يبينوا ما يجوز وما لا يجوز من الاستشفاع والتوسل بالأنبياء والصالحين. 689 - وصورة الجواب: الحمد لله رب العالمين. أجمع المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع للخلق يوم القيامة، بعد أن يسأله الناس ذلك، وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة. ثم إن أهل السنة والجماعة متفقون على ما

اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، واستفاضت به السنن، من أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر من أمته، ويشفع أيضاً لعموم الخلق. 690 - فله صلى الله عليه وسلم شفاعات يختص بها لا يشركه فيها أحد، وشفاعات يشركه فيها غيره من الأنبياء والصالحين، لكن ما له فيها أفضل مما لغيره، فإنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأكرمهم على ربه عز وجل، وله من الفضائل التي ميزه الله بها على سائر النبيين ما يضيق هذا الموضع عن بسطه، ومن ذلك "المقام المحمود" الذي يغبطه به الأولون والآخرون. وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة، منها في الصحيحين أحاديث متعددة، وفي السنن والمسانيد مما يكثر عدده (1) . 691 - وأما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة، فزعموا أن الشفاعة إنما هي للمؤمنين خاصة في رفع الدرجات، وبعضهم أنكر الشفاعة مطلقاً. 692 - وأجمعوا على أن الصحابة كانوا يستشفعون به، ويتوسلون به في حياته بحضرته، كما ثبت في صحيح البخاري (2) عن أنس بن مالك، أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا". فيسقون.

_ (1) تقدم تخريج أحاديث الشفاعة في ص (240) . (2) تقدم تخريج حديث أنس في ص (86، 87) .

693 - وفي البخاري (1) أيضاً عن ابن عمر أنه قال: ربما ذكرت قول الشاعر - وأنا انظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستقي، فما ينزل حتى يجيش (2) كل (3) ميزاب: وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه ... ثِمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل 694 - والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكره عمر بن الخطاب قد جاء مفسراً في سائر أحاديث الاستسقاء، وهو من جنس الاستشفاع به، وهو أن يطلب منه الدعاء والشفاعة (4) ، ويطلب من الله أن يقبل دعاءه وشفاعته، ونحن نقدمه بين أيدينا شافعاً وسائلاً لنا، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. 695 - وكذلك معاوية بن أبي سفيان - لما أجدب الناس بالشام - استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي (5) فقال: "اللهم إنا نستشفع - أو نتوسل - بخيارنا. يا يزيد! ارفع يديك". فرفع يديه ودعا، ودعا الناس حتى سقوا.

_ (1) البخاري، 15 - كتاب الاستسقاء، حديث (1008، 1009) . وابن ماجه، 5 - إقامة الصلاة، 154 - باب ما جاء في الدعاء في الاستسقاء، حديث (1272) . (1/405) . وأحمد، (2/93) . (2) يقال: جاش الوادي إذا زخر بالماء، وجاشت القدر إذا غلت، وجاش الشيء: تحرك. وهي هنا كناية عن كثرة المطر. (3) في الأصل: "له" والتصحيح من البخاري 2/413. (4) من الأحاديث المفسرة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، حديث أنس رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون ... الحديث. أخرجه البخاري، 15 - كتاب الاستسقاء، 21 - باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، حديث (1029) . (5) تقدم تخريجه ص (127، 128) .

696 - ولهذا قال العلماء: يستحبُّ أن يستسقى بأهل الدين والصلاح، وإذا كانوا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحسن. وهذا الاستشفاع والتوسل حقيقته التوسل بدعائه، فإنه كان يدعو للمتوسل به المستشفع به والناس يدعون معه. 697 - كما أن المسلمين لما أجدبوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه أعرابي فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا". وما في السماء قُزعة. فنشأت سحابة من جهة البحر، فمطروا أسبوعاً لا يرون فيه الشمس، حتى دخل عليهم الأعرابي - أو غيره - فقال: يا رسول الله انقطعت السبل، وتهدم البنيان، فادع الله يكشفها عنا. فرفع يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب (1) ، ومنابت الشجر وبطون الأودية". فانجابت عن المدينة كما ينجاب الثوب. والحديث مشهور في الصحيحين وغيرهما (2) . 698 - وفي حديث آخر في سنن أبي داود وغيره، أن رجلاً قال له: إنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك. فسبح رسول الله

_ (1) قال ابن الأثير: "الإكام بالكسر جمع أكمة، وهي الرابية وتجمع الإكام على أكم والأكم على آكام". النهاية، (1/59) . والظراب، هي "الروابي الصغار". تهذيب الصحاح، (1/74) . وفي القاموس، (1/99) الظَرِب - ككتِف: ما نتأ من الحجارة وحد طرفه، أو الجبل المنبسط أو الصغير، جمعه: ظراب. (2) تقدم تخريجه ص 126.

صلى الله عليه وسلم حتى رؤي ذلك في وجوه أصحابه. وقال "ويحك! أتدري ما الله؟ إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه، شأن/ الله أعظم من ذلك" (1) . 699 - وهذا يبين أن معنى الاستشفاع بالشخص - في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - هو استشفاع بدعائه وشفاعته، ليس هو السؤال بذاته، فإنه لو كان هذا السؤال بذاته لكان سؤال الخلق بالله تعالى أولى من سؤال الله بالخلق. 700 - ولكن لما كان معناه هو الأول، أنكر النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "نستشفع بالله عليك" ولم ينكر قوله نستشفع بك على الله، لأن الشفيع يسأل المشفوع إليه أن يقضي حاجة الطالب، والله تعالى لا يسأل أحداً من عباده أن يقضي حوائج خلقه. 701 - وإن كان بعض الشعراء ذكر استشفاعه بالله تعالى في مثل قوله: شفيعي إليك الله لا رب غيره ... وليس إلى ردِّ الشفيع سبيلُ وكذلك بعض الاتحادية (2) ذكر أنه استشفع بالله سبحانه إلى النبي صلى الله عليه وسلم! وكلاهما خطأ وضلال. 702 - بل هو سبحانه المسئول المدعو الذي يسأله كل من في

_ (1) تقدم تخريجه ص 159. (2) الذين يقولون بوحدة الوجود، أي أن واجب الوجود وجائز الوجود واحد. ومعنى هذا أن الكون هو الله. وهذا إنكار لوجود الله، والعياذ بالله من الكفر بعد الإيمان.

السموات والأرض، ولكن هو تبارك وتعالى يأمر عباده فيطيعونه، وكل من وجبت طاعته من المخلوقين فإنما وجبت لأن ذلك طاعة لله تعالى، فالرسل يبلغون عن الله أمره، فمن أطاعهم فقد أطاع الله، ومن بايعهم فقد بايع الله. قال تعالى (4: 64) : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} وقال تعالى (4: 80) : {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} . وأولو الأمر من أهل العلم وأهل الإمارة إنما تجب طاعتهم إذا أمروا بطاعة الله ورسوله. 703 - قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، ما لم يؤمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة" (1) . 704 - وقال صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (2) .

_ (1) لم أجد الحديث بهذا اللفظ. وفي معناه أحاديث كثيرة منها: حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخشى في الله لومة لائم". أخرجه مسلم، 33 - الإمارة، حديث (41، 42) . والبخاري، 93 - الأحكام، حديث (7199) . ومالك، 21 - الجهاد، حديث (5) . (2/445) . وابن ماجه، 24 - الجهاد باب (40) ، حديث (2866) . (2/957) . كلهم من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه. وعند ابن ماجه، في 24 - الجهاد، (2864) . من حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: على المرء المسلم الطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". وكذلك هو عند مسلم، 33 - الإمارة، حديث (38) . وفي البخاري، في 93 - الأحكام، حديث (7144) . (2) في مسلم، 33 - الإمارة، حديث (39) . وأبو داود، 9 - الجهاد، 96 - باب في الطاعة، حديث (26) . (3/93) . والبخاري، 93 - الأحكام، (7145) . والطيالسي، رقم (159) . والنسائي، 39 - البيعة، 24 - جزاء من أمر بمعصية فأطاع، حديث =

705 - وأما الشافع فسائل لا تجب طاعته في الشفاعة وإن كان عظيماً، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل بريرة أن تمسك زوجها ولا تفارقه لما أعتقت، وخيرها النبي صلى الله عليه وسلم فاختارت فراقه، وكان زوجها يحبها فجعل يبكي، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم أن تمسكه فقالت: أتأمرني؟ فقال: " لا! إنما أنا شافع" (1) . 706- وإنما قالت " أتأمرني؟ " وقال " إنما أنا شافع" لما استقر عند المسلمين أن طاعة أمره واجبة بخلاف شفاعته، فإنه لا يجب قبول شفاعته، ولهذا لم يلمها النبي صلى الله عليه وسلم على ترك قبول شفاعته، فشفاعة غيره من الخلق أولى أن لا يجب قبولها. 707- والخالق جل جلاله أمُره أعلى وأجل من أن يكون شافعاً إلى مخلوق، بل هو سبحانه أعلى شأناً من أن يشفع أحد عنده إلا بإذنه. قال تعالى: (21: 26-29) : {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه، بل عبادٌ مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم

_ = (4205) . (7/159) . وأحمد، (1/82) ، 94، 124) . كلهم من حديث علي وأخصرها لفظ البخاري، ولفظه: "إنما الطاعة في المعروف". وأخرجه أحمد (5/66) ، من حديث عمران بن حصين، والحكم بن عمرو الغفاري، والطيالسي، (ص 114) ، حديث (850) . (1) البخاري 68 - الطلاق 16 - باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، في زوج بريرة، حديث (5283) . وأبو داود في 7- الطلاق، 19- باب في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد، حديث 2231. وابن ماجه 10- الطلاق 29- باب خيار المرأة إذا عتقت، حديث (2075) (1/671) . وقصة بريرة قد رواها أيضا الإمام مسلم والترمذي، ولكن ليس في روايتهما لفظ الشفاعة.

وماخلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهم من خشيته مشفقون، ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} . 708- ودل الحديث المتقدم على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستشفع به إلى الله عز وجل، أي يطلب منه الشفاعة في الدنيا والآخرة، فأما في الآخرة فيطلب منه الخلق الشفاعة في أن يقضي الله بينهم، وفي أن يدخلوا الجنة، ويشفع في أهل الكبائر من أمته، ويشفع في بعض من يستحق النار أن لا يدخلها، ويشفع في بعض من دخلها أن يخرج منها. ولا نزاع بين جماهير الأئمة أنه يجوز أن يشفع لأهل الطاعة المستحقين الثواب. 709-ولكن كثيراً من أهل البدع والخوارج والمعتزلة [أنكروا] (1) شفاعته لأهل الكبائر، فقالوا: لا يشفع لأهل الكبائر. بناء على أن أهل الكبائر عندهم لا يغفر الله لهم ولا يخرجهم من النار بعد أن يدخلوها لا بشفاعة ولا غيرها. 710- ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر، وانه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد. بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان (2) .

_ (1) في خ بياض بمقدار الكلمة. (2) تقدم تخريج أحاديث الشفاعة، ص (240) .

711- لكن هذا الاستسقاء والاستشفاع والتوسل به وبغيره كان يكون في حياته، بمعنى أنهم يطلبون منه الدعاء فيدعو لهم، فكان توسلهم بدعائه، والاستشفاع به طلب شفاعته، والشفاعةُ دعاء. 712- فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته/ - مثل الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم - فليس هذا مشهوراً عند الصحابة والتابعين. 713- بل عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا واستشفعوا بمن كان حياً كالعباس وكيزيد بن الأسود، ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا غير قبره، بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد، بل كانوا يصلوا عليه في دعائهم، وقد قال عمر: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فجعلوا هذا بدلاً عن ذاك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه. 714- وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره ويتوسلوا هناك ويقولوا في دعائهم بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على الله عز وجل أو السؤال به، فيقولون: نسألك أو نقسم عليك بنبيك، أو بجاه نبيك ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس.

715- وروى بعض الجهال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا سألتم الله فاسألوا بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم" (1) . وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولاذكره أحد من أهل العلم بالحديث. مع (2) أن جاهه عند الله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين. 716- وقد أخبر سبحانه عن موسى وعيسى عليهما السلام أنهما وجيهان عند الله، فقال تعالى (33: 69) : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} ، وقال تعالى (3: 45) : {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَاوَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} . 717- فإذا كان موسى وعيسى وجيهين عند الله عز وجل فكيف بسيد ولد آدم (3) .

_ (1) لم أجده في أي مصدر بعد بحث. (2) في خ "من". (3) إشارة إلى حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- ( ... أنا سيد الناس يوم القيامة ... ) وهو حديث طويل في الشفاعة أخرجه البخاري في 65 -التفسير- تفسير سورة الإسراء حديث (4712) . ومسلم -كتاب الإيمان- حديث (327-328) (1/184-186) . والترمذي 38- قيامه 10- باب ما جاء في الشفاعة، حديث 2434 (4/622) . واحمد (2/435، 540) . وإلى حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- الذي أخرجه الإمام أحمد (1/281-295) . وإلى حديث أنس الذي اخرجه الإمام أحمد (3/144) . والدارمي (حديث 25) (1/31) . وإلى حديث أبي سعيد الذي رواه أحمد (3/2) . وإلى حديث حذيفة الذي رواه الإمام أحمد (5/388) .

718- صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون (1) . 719- وصاحب الكوثر والحوض المورود الذي آنيته عدد نجوم السماء، وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً (2) . 720- وهو صاحب الشفاعة يوم القيامة حين يتأخر عنها آدم وأولو العزم، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ويتقدم هو إليها وهو صاحب اللواء، آدم ومن دونه تحت لوائه، وهو سيد ولد آدم وأكرمهم على ربه عز وجل (3) ، وهو إمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، ذو الجاه العظيم صلى الله عليه وسلم وعلى آله. 721- ولكن جاه المخلوق عند الخالق تعالى ليس كجاه المخلوق عند المخلوق، فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه (19: 93-94) : {إِنْ

_ (1) إشارة إلى حديث ابن عمر الذي رواه البخاري في 25 - التفسير تفسير سورة الإسراء حديث (4718) ، وحديث جابر بعده رقم (4719) وهما من أحاديث الشفاعة المتواترة، وقد مر ذكر شيء منه ص (240) . (2) أحاديث الحوض متواترة. وقد روى منها الإمام مسلم عدداً: منها: حديث جندب، وسهل، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وأسماء بنت أبي بكر، - رضي الله عنهما- وعائشة -رضي الله عنها- وأم سلمة -رضي الله عنها-، وعقبة بن عامر -رضي الله عنه-، وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وحذيفة -رضي الله عنه-، وحارثة بن وهب -رضي الله عنه-، وابن عمر -رضي الله عنهما-، وأبي ذر رضي الله عنه، وثوبان رضي الله عنه، وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهما، وجابر بن سمرة -رضي الله عنه-. مسلم 43- كتاب الفضائل 9- باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، حديث (25-44) (4/1792-1802) . (3) هذه إشارات إلى أحاديث الشفاعة وقد تقدم تخريجها في ص (240) .

كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا، لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} ، وقال تعالى: (4: 172-173) : {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَأَمَّا الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} . 722- والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب، والله تعالى لاشريك له، كما قال سبحانه (34: 22-23) : {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} . 723- وقد استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن اتخاذ القبور مساجد (1) ، ولعن من يفعل ذلك، ونهى عن اتخاذ قبره عيداً (2) . 724- وذلك لأن أول ما أحدث الشرك في بني آدم كان في قوم نوح. قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام (3) .

_ (1) تقدم تخريجها، ص (29، 155) . (2) تقدم تخريجها، ص (29، 155) . (3) تفسير ابن جرير (2/334) ؛ وابن كثير (1/364) ؛ تفسير سورة البقرة، الآية (213) ؛ والحاكم في المستدرك (2/442) قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

725- وثبت في الصحيحين (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نوحاً أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. 726- وقد قال الله تعالى عن قومه أنهم قالوا (71-23: 24) : {لا تَذَرُنَّءَالِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} . قال غير واحد من السلف: هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، فلما طال عليهم الأمد/ عبدوهم. 727- وقد ذكر البخاري في صحيحه هذا عن ابن عباس، وذكر أن هذه الآلهة صارت إلى العرب، وسمى قبائل العرب الذين كانت فيهم هذه الأصنام (2) . 728- فلما علمت الصحابة رضوان الله عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حسم مادة الشرك بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، وإن كان المصلي يصلي لله عز وجل، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس لئلا يشابه المصلين للشمس، وإن كان المصلي إنما يصلي لله تعالى. وكان الذي يقصد الدعاء بالميت أو عند قبره أقرب إلى الشرك من الذي لا يقصد إلا الصلاة لله -عز وجل- لم يكونوا يفعلون ذلك.

_ (1) البخاري 65 - التفسير، حديث (4476) . و 81- الرقاق، 51- باب صفة أهل الجنة والنار. حديث (6565) من حديث أنس. ومسلم 1- الإيمان 84- باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها. حديث (327) (1/184-186) من حديث أبي هريرة. وابن ماجه 37- كتاب الزهد حديث (4312) (2/1442) . (2) تقدم تخريجه ص15.

729- وكذلك علم الصحابة أن التوسل به إنما هو التوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته وموالاته، أو التوسل بدعائه وشفاعته، فلهذا لم يكونوا يتوسلون بذاته مجردة عن هذا وهذا. 730- فلما لم يفعل الصحابة رضوان الله عليهم شيئاً من ذلك، ولا دعوا بمثل هذه الأدعية، وهم أعلم منا، وأعلم بما يجب لله ورسوله، وأعلم بما أمر الله به ورسوله من الأدعية، وما هو أقرب إلى الإجابة منا، بل توسلوا بالعباس وغيره ممن ليس مثل النبي صلى الله عليه وسلم، دل عدولهم عن التوسل بالأفضل إلى التوسل بالمفضول أن التوسل المشروع بالأفضل لم يكن ممكناً. 731- وقد قال صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (1) ، رواه مالك في موطئه ورواه غيره. 732- وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليَّ حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني" (2) . 733- وفي الصحيحين أنه قال في مرض موته: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا. قالت عائشة: " ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً" (3) .

_ (1) تقدم تخريجه في ص (35) . (2) تقدم تخريجه في ص (155) . (3) تقدم تخريجه في ص (30) .

734- وفي صحيح مسلم عن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" (1) . 735- وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله" (2) . 736- وقد روى الترمذي حديثاً صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم رجلاً أن يدعو فيقول: " اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد يا رسول الله! إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي، اللهم شفعه في" (3) . وروى النسائي نحو هذا الدعاء (4) . 737- وفي الترمذي وابن ماجه عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني فقال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت، فهو خير لك. فقال: فادعه. فأمره أن يتوضا فيحسن

_ (1) تقدم تخريجه في ص (29،30) . (2) تقدم تخريجه في ص (252) . (3) ، (4) تقدم تخريجه في ص (201) .

وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا رسول الله يا محمد! إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه فيَّ"، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (1) . 738- ورواه النسائي عن عثمان بن حنيف ولفظه أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله! أدع الله أن يكشف لي عن بصري. قال: " فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبي محمد نبي الرحمة، يا محمد! إني أتوجه بك إلى ربي أن يكشف عن بصري، اللهم فشفعه فيَّ" قال: فرجع وقد كشف الله عن بصره (2) . 739- وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا روح حدثنا شعبة عن عمير بن يزيد الخطمي المديني قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! ادع الله أن يعافيني فقال: "إن شئت أخرت ذلك فهو خير لآخرتك، وإن شئت دعوت لك" قال: لا! بل ادع الله لي، فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى/، اللهم فشفعني فيه وشفعه فيَّ. قال ففعل الرجل فبرأ (3) .

_ (1) تقدم تخريجه في ص (202) . (2) تقدم تخريجه في ص (201، 202) . (3) تقدم تخريجه في ص (201، 202) .

فهذا الحديث فيه التوسل به إلى الله في الدعاء. 740- فمن الناس من يقول: هذا يقتضي جواز التوسل به مطلقاً حياً وميتاً، وهذا يحتج به من يتوسل بذاته بعد موته وفي مغيبه. 741- ويظن هؤلاء أن توسل الأعمى والصحابة في حياته كان بمعنى الإقسام به على الله أو بمعنى أنهم سألوا الله بذاته أن يقضي حوائجهم، ويظنون أن التوسل به لا يحتاج إلى أن يدعو هو لهم ولا إلى أن يطيعوه، فسواء عند هؤلاء دعا الرسول لهم أو لم يدع، الجميع عندهم توسل به، وسواء أطاعوه أو لم يطيعوه. 742- ويظنون أن الله تعالى يقضي حاجة هذا الذي توسل به بزعمهم ولم يدع له الرسول، كما يقضي حاجة هذا الذي توسل بدعائه ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كلاهما متوسل به عندهم. 743- ويظنون أن كل من سأل الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد توسل به كما توسل به ذلك الأعمى، وأن ماأمر به العمى مشروع لهم. وقول هؤلاء باطل شرعاً وقدراً، فلا هم موافقون لشرع الله ولا ما يقولونه مطابق لخلق الله. 744- ومن الناس من يقول: هذه قضية عين يثبت الحكم في نظائرها التي تشبهها في مناط الحكم، لا يثبت الحكم بها فيما هو مخالف لها لامماثل لها. والفرق ثابت شرعاً وقدراً بين من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يدعُ له، ولا يجوز أن يجعل أحدهما كالآخر، وهذا الأعمى شفع له النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا قال في دعائه: " اللهم فشفعه فيَّ". فعلم أنه شفيع فيه،

ولفظه: "إن شئتَ صبرت وإن شئت دعوتُ لك" فقال: ادع لي. فهو طلبَ من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ويدعو هو أيضاً لنفسه، ويقول في دعائه " اللهم فشفعه فيَّ" فدل ذلك على أن معنى قوله: "أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد" أي بدعائه وشفاعته كما قال عمر: "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا" (1) . 745- فالحديثان معناهما واحد، فهو صلى الله عليه وسلم علم رجلاً أن يتوسل به في حياته، كما ذكر عمر أنهم كانوا يتوسلون به إذا أجدبوا. ثم إنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلاً عنه، فلو كان التوسل به حياً وميتاً سواء، والمتوسل به الذي دعا له الرسول كمن لم يدع له الرسول، لم يعدلوا عن التوسل به، وهو أفضل الخلق وأكرمهم على ربه، وأقربهم إليه وسيلة، إلى أن يتوسلوا بغيره ممن ليس مثله. 746- وكذلك لو (2) كان أعمى توسل به ولم يدع له الرسول بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة (3) أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى، فعدولهم عن هذا إلى هذا، مع أنهم السابقون الأولون

_ (1) تقدم تخريجه في ص (86، 87) . (2) كذا في خ وسائر النسخ وفي مختصر الرد على البكري، ص130 لو كان كل أعمى، وهذه العبارة أسلم وأقوم. (3) وقد عمى منهم جماعة -رضوان الله عليهم- منهم: العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وعقيل بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.

المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فإنهم أعلم منا بالله ورسوله، وبحقوق الله ورسوله، ومايشرع من الدعاء وينفع، وما لم يشرع ولا ينفع، ومايكون أنفع من غيره، وهم في وقت ضرورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات، وتيسير العسير، وإنزال الغيث بكل طريق ممكن، دليل على أن المشروع ماسألوه دون ما تركوه. 747- ولهذا ذكر الفقهاء في كتبهم في الاستسقاء ما فعلوه دون ما تركوه، وذلك أن التوسل به حياً هو من جنس مسألته أن يدعو لهم، وهذا مشروع. فما زال المسلمون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعو لهم. 748- وأما بعد موته، فلم يكن الصحابة يطلبون منه الدعاء، لا عند قبره ولا عند غير قبره، كما يفعله كثير من الناس، عند قبور الصالحين، يسأل أحدهم الميت حاجته، أو يقسم على الله به ونحو ذلك وإن كان قد روي في ذلك حكايات عن بعض المتأخرين. 749- بل طلب الدعاء مشروع من كل مؤمن لكل مؤمن، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر لما استأذنه في العمرة:" لاتنسنا يا أخي من دعائك" (1) إن صح الحديث. 750- وحتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب من أويس القرني أن يستغفر للطالب وإن كان الطالب أفضل من أويس بكثير (2) .

_ (1) تقدم تخريجه في ص (73، 74) . (2) قصة أويس القرني في صحيح مسلم (4/1969) حديث (244) ، 44 -كتاب- فضائل الصحابة - رواها مسلم في حديث طويل.

751- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو / أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة" (1) . 752- مع أن طلبه من أمته الدعاء ليس هو طلب حاجة من المخلوق، بل هو تعليم لأمته ماينتفعون به في دينهم، وبسبب ذلك التعليم والعمل بما علمهم يعظم الله أجره، فإنا إذا صلينا عليه مرة صلى الله علينا عشراً، وإذا سألنا الله له الوسيلة، حلت علينا شفاعته يوم القيامة. 753- وكل ثواب يحصل لنا على أعمالنا فله مثل أجرنا من غير أن ينقص من أجرنا شيء، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" (2) . 754- وهو الذي دعا أمته إلى كل خير، وكل خير تعمله أمته له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ولهذا لم يكن الصحابة والسلف يهدون إليه ثواب أعمالهم ولا يحجون عنه ولا يتصدقون ولا يقرءون القرآن ويهدون له؛ لأن كل مايعمله المسلمون من صلاة وصيام وحج وصدقة وقراءة له صلى الله عليه وسلم مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، بخلاف الوالدين، فليس كل ماعمله المسلم من الخير يكون

_ (1) تقدم تخريجه في ص (73) . (2) تقدم تخريجه في ص (71) حاشية (1)

لوالديه مثل أجره، ولهذا يهدي الثواب لوالديه وغيرهما. 755- ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مطيع لربه عز وجل في قوله تعالى (94: 7-8) {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} فهو صلى الله عليه وسلم لا يرغب إلى غير الله. 756- وقد ثبت في الصحيح (1) أنه قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". 757- فهؤلاء من أمته وقد مدحهم بأنهم لا يسترقون، والاسترقاء أن يطلب من أحد أن يرقيه، والرُّقية من نوع الدعاء، وكان هو صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره، ولا يطلب من أحد أن يرقيه. 758- ورواية من روى في هذا " لا يرقون" (2) ضعيفة غلط. فهذا مما يبين حقيقة أمره لأمته بالدعاء أنه ليس من باب سؤال المخلوق للمخلوق الذي غيره أفضل منه، فإن من لا يسأل الناس - بل لا يسأل إلا الله - أفضل ممن يسأل الناس، ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم. 759- ودعاء الغائب للغائب، أعظم إجابة من دعاء الحاضر، لأنه أكمل إخلاصاً وابعد عن الشرك، فكيف يشبه دعاء من يدعو لغيره بلا سؤال منه، إلى دعاء من يدعو الله بسؤاله وهو حاضر؟ وفي الحديث:

_ (1) تقدم تخريجه في ص (57) . (2) تقدم ص (57) إن هذه الزيادة في صحيح مسلم.

"أعظم الدعاء إجابة دعاء غائب لغائب" (1) . 760- وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة إلا وكل الله به ملكاً كلما دعا لأخيه بدعوة، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل" (2) . 761- وذلك أن المخلوق يطلب من المخلوق مايقدر المخلوق عليه، والمخلوق قادر على دعاء الله ومسألته، فلهذا كان طلب الدعاء جائزاً، كما يطلب منه الإعانة بما يقدر عليه، والأفعال التي يقدر عليها. 762- فأما ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فلا يجوز أن يطلب إلا من الله سبحانه، لا يطلب ذلك لا من الملائكة، ولا من الأنبياء ولا من غيرهم، ولا يجوز أن يقال لغير الله: اغفر لي، واسقنا الغيث، وانصرنا على القوم الكافرين، أو اهد قلوبنا، ونحو ذلك. 763- ولهذا روى الطبراني في معجمه (3) أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال الصديق: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فجاءوا إليه فقال: " إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله" وهذا في الاستعانة مثل ذلك.

_ (1) أخرجه أبو داود (1535) بلفظ: "إن أسرع الدعاء إجابة ... الخ"؛ والترمذي (1980) بلفظ "ما دعوة أسرع إجابة ... الخ"؛ والبخاري في الأدب المفرد (623) بلفظ "أسرع الدعاء إجابة"؛ وابن أبي شيبة (10/198) ، وضعفه الترمذي بالافريقي والألباني في ضعيف الأدب المفرد (ص62) قام بتخريجه بعض الأخوة. (2) تقدم تخريجه في ص (61) . (3) تقدم تخريجه ص (254) .

764- فأما مايقدر عليه البشر، فليس من هذا الباب وقد قال سبحانه (8: 9) {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} ، وفي دعاء موسى عليه السلام: "اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وإليك المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، لاحول ولاقوة إلا بك" (1) . 765- وقال أبو يزيد البسطامي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق. 766- وقال أبو عبد الله القرشي استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون. 767- وقال تعالى (17: 56-57) : {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} . 768- قال طائفة من السلف (2) : كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء فقال الله تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم/ هم عبادي كما أنتم

_ (1) رواه الطبراني في الصغير (1/211، حديث 339) من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً، وقال عقبه: " لم يروه عن الأعمش إلا وكيع، ولا عنه إلا زكريا بن فروخ، تفرد به جعفر بن النضر ابن بنت إسحاق بن يوسف الأزرق". وأورده الهيثمي في المجمع (10/183) . وقال: "رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم". وقال المنذري في الترغيب (2/618) نقلاً عن محقق (المعجم الصغير) : "رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد". ولقد بحثت كثيراً عن ترجمة جعفر بن النضر فلم اقف له على ترجمة مما يؤيد قول الهيثمي. (2) تقدم تخريجه في ص (238) .

عبادي، يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي ويتقربون إليَّ كما تتقربون إليَّ، فنهى سبحانه عن دعاء الملائكة والأنبياء، مع إخباره لنا أن الملائكة يدعون لنا ويستغفرون. 769- ومع هذا فليس لنا ان نطلب ذلك منهم، وكذلك الأنبياء والصالحون، وإن كانوا أحياء في قبورهم، وإن قدر أنهم يدعون للأحياء وإن وردت به آثار فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من السلف؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله تعالى. 770- بخلاف الطلب من أحدهم في حياته، فإنه لا يُفضي إلى الشرك، ولأن ماتفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني، فلا يؤثر فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته فإنه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم. 771- وقال تعالى (3: 79-80) : {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . فبين سبحانه أن من اتخذ الملائكة والنبيين أرباباً فهو كافر، وقال تعالى (34: 22-23) : {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ، وقال تعالى (2: 255) : {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} ، وقال

تعالى (10-3) : {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} ، وقال تعالى (32-4) : {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} ، وقال تعالى (10-18) : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، وقال تعالى عن صاحب يس (36: 22-25) : {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِءَالِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُون، إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِين، إِنِّيءَامَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} . 772- فالشفاعة نوعان: أحدهما الشفاعة التي نفاها الله تعالى كالتي أثبتها المشركون ومن ضاهاهم من جهال هذه الأمة. والثاني: أن يشفع الشفيع بإذن الله، وهذه التي أثبتها الله تعالى لعباده الصالحون، ولهذا كان سيد الشفعاء إذا طلب منه الخلق الشفاعة يوم القيامة يأتي ويسجد، قال: "فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن، فيقال: أي محمد، ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع" (1) . فإذا اذن له في الشفاعة شفع صلى الله عليه وسلم تسليماً. 773- قال أهل هذا القول: ولا يلزم من جواز التوسل والاستشفاع به -بمعنى أن يكون هو داعياً للمتوسل به- أن يشرع ذلك في مغيبه وبعد موته، مع أنه هو لم يدع للمتوسل به، بل المتوسل به أقسم به أو سأل بذاته.

_ (1) تقدم تخريجه في ص (240) .

774- مع كون الصحابة فرقوا بين الأمرين وذلك لأنه في حياته يدعو هو لمن توسل به، ودعاؤه هو لله سبحانه أفضل دعاء الخلق، فهو أفضل الخلق وأكرمهم على الله، فدعاؤه لمن دعا له وشفاعته له أفضل دعاء مخلوق لمخلوق، فكيف يقاس هذا بمن لم يدع له الرسول ولم يشفع له؟ ومن سوى بين من دعا له الرسول وبين من لم يدع له الرسول، وجعل هذا التوسل كهذا التوسل، فهو من أضل الناس. 775- وأيضاً فإنه ليس في طلب الدعاء منه، ودعائه هو، والتوسل بدعائه، ضرر، بل هو خير بلا شر، وليس في ذلك محذور ولامفسدة، فإن أحداً من الأنبياء عليهم السلام لم يعبد في حياته بحضوره، فإنه ينهى من يعبده ويشرك به ولو كان شركاً أصغر، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم من سجد له عن السجود له (1) .

_ (1) يشير إلى حديث عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ... " الحديث. أخرجه ابن ماجه (1/595) 9- كتاب النكاح، حديث (1854) وابن حبان، كما في الإحسان (6/186) حديث (4159) وموارد الظمآن حديث (1390) والبيهقي (7/292) . كلهم من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم بن عوف الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى. وتابع حماد بن زيد إسماعيل بن عليه عن أيوب به. رواه أحمد في المسند (4/381) . قال المحدث الألباني في الإرواء (7/56) : " وخالفه معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي، حدثني القاسم بن عوف الشيباني، ثنا معاذ بن جبل، إنه أتى الشام فرأى النصارى ... الحديث نحوه أخرجه الحاكم (4/172) وقال: "صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي كذا قالا! والقاسم لم يخرج له البخاري، ثم إن معاذ بن هشام الدستوائي، فيه كلام من قبل حفظه، وفي =

776- وكما قال: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد" (1) . وأمثال ذلك. 777- وأما بعد موته، فيخاف الفتنة والإشراك به كما أشرك بالمسيح والعزير وغيرهما عند قبورهم وغير قبورهم. 778- ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد /، فقولوا: عبد الله ورسوله" أخرجاه في الصحيحين (2) . 779- وقال: " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد" (3) .

_ = التقريب: "صدوق ربما وهم". فأخشى أن يكون وهم في جعله من مسند معاذ نفسه، وفي تصريح القاسم بسماعه منه -والله أعلم"أهـ. أقول: ورواه الإمام أحمد (4/381) : ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن القاسم بن عوف، رجل من أهل الكوفة - أحد بني مرة بن همام - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن معاذ بن جبل، قال: أنه أتى الشام ... الحديث مع اختلاف في الألفاظ، وزيادة. وقد سأل ابن أبي حاتم أبا زرعة عن هذا الاختلاف على القاسم فقال أبو زرعة: "أيوب أحفظهم". انظر العلل لابن أبي حاتم (1/426) رقم (1282) . ولقوله في الحديث "لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد ... " إلخ شاهدان: الأول: من حديث عائشة - رضي الله عنها- في سنن ابن ماجه حديث (1852) وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. والشاهد الثاني: من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أخرجه ابن حبان كما في الموارد حديث (1291) ، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً، وهذا إسناد حسن - وبه يرتقي الحديث إلى الصحيح لغيره، والله أعلم. (1) تقدم تخريجه في ص (252) . (2) تقدم تخريجه في ص (252) . (3) تقدم تخريجه في ص (35) .

780- وقال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما فعلوا (1) . 781- وبالجملة فمعنا اصلان عظيمان، أحدهما: أن لا نعبد إلا الله. والثاني: ان لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة. 782- وهذان الأصلان هما تحقيق: " شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله" كما قال تعالى: (11: 7) : {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} . 783- قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وذلك تحقيق قوله تعالى (18: 110) : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} . 784- وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً. وقال تعالى (42: 21) : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . 785- وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من

_ (1) تقدم تخريجه في ص (30) .

أحدث في أمرنا [هذا] ما ليس منه فهو رد" (1) . 786- وفي لفظ في الصحيح: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (2) . 787- وفي الصحيح وغيره أيضاً يقول الله تعالى: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء، وهو كله للذي أشرك" (3) . 788- ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقيف، كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الأسود، وقال: "والله إني لأعلم أنك حجر لاتضر ولاتنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك" (4) .

_ (1) أخرجه البخاري 53 - الصلح، 5- باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، حديث (2695) . ومسلم (3/1343) ، 30- كتاب الأقضية، حديث (17) . واحمد (6/170) . وأبو داود (5/12) ، 34- كتاب السنة، حديث (4605) وابن ماجه (1/7) مقدمة، حديث (14) كلهم من طريق القاسم عن عائشة -رضي الله عنها-. (2) البخاري تعليقاً مجزوماً به في 96 - الاعتصام 20 - باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ، قبل حديث (7350) . ومسلم (3/1344) 30 - أقضية، حديث (18) . (3) مسلم (4/2289) ، كتاب الزهد 53- باب من أشرك في عمله غير الله، حديث (46) من حديث أبي هريرة. والترمذي (4/375) أبواب التفسير، تفسير سورة الكهف، حديث (5161) ، من حديث أبي سعيد بن أبي فضالة. (4) البخاري 25- كتاب الحج 60- باب تقبيل الحجر، حديث (1610) . ومسلم (2/925) ، 15- الحج 41- باب استحباب تقبيل الحجر حديث (248-250) . والنسائي (5/227) 24- كتاب الحج حديث (2937-2938) . والترمذي أبواب الحج، 36- باب ما جاء في تقبيل الحجر، حديث (862) . وابن ماجه (2/981) 27- باب استلام الحج، حديث (2943) . وأحمد في المسند (1/21، 39، 51) . =

789- والله سبحانه أمرنا باتباع الرسول وطاعته، وموالاته ومحبته، وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته. فقال تعالى (3: 31) : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وقال تعالى (24: 54) : {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} وقال تعالى (4: 13) : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} . وأمثال ذلك في القرآن كثير. 790- ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة، ودل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه سلف الأمة، وما علمه قال به، وما لم يعلمه أمسك عليه، ولا يقفو ما ليس له به علم، ولا يقول على الله ما لم يعلم؛ فإن الله تعالى قد حرم ذلك كله. 791- وقد جاءت في الأحاديث النبوية ذكر مايسأل الله تعالى به، كقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أنسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي، يا قيوم". رواه أبو داود وغيره، وفي لفظ: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" (1) . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (2) .

_ = ومالك في الموطأ 20 -كتاب الحج باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام، حديث (115) . (1) من قوله: "رواه أبو داود وغيره" إلى هنا سقط من ز، ب. (2) تقدم تخريجه في ص (97) .

792- وقد اتفق العلماء على أنه لا ينعقد اليمين بغير الله تعالى، وهو الحلف بالمخلوقات (1) ، فلو حلف بالكعبة، أو بالملائكة، أو بأحد من الشيوخ، أو الملوك لم ينعقد يمينه، ولا يشرع له ذلك، بل ينهى عنه، إما نهي تحريم، وإما نهي تنزيه. 793- ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان حالفاً فليحلف بالله، أو ليصمت" (2) . 794- وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من حلف بغير الله فقد أشرك" (3) . 795- ولم يقل أحد من العلماء المتقدمين: إنه ينعقد اليمين بأحد من الخلق، إلا في نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن عن أحمد روايتين في أنه ينعقد اليمين به (4) ، وقد طرد بعض أصحابه - كابن عقيل - الخلاف في سائر الأنبياء، وهذا ضعيف. 796- وأصل القول بانعقاد اليمين بالنبي ضعيف شاذ، ولم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم، والذي عليه الجمهور كمالك والشافعي وأبي حنيفة أنه لا ينعقد اليمين به، كإحدى الروايتين عن أحمد، وهذا

_ (1) انظر: مراتب الإجماع، ص158 حيث قال: "واتفقوا أن من حلف ممن ذكرنا بحق زيد أو عمرو أو بحق أبيه أنه آثم، ولا كفارة عليه". (2) تقدم ص (89، 90) . (3) تقدم تخريجه في ص (89) . (4) انظر: المغني لابن قدامة (9/513 المسألة 7983) ورجح أنها لاتنعقد، لأدلة منها: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت".

هو الصحيح. 797- وكذلك لا يستعاذ بالمخلوقات، بل إنما يستعاذ بالخالق تعالى وأسمائه وصفاته، ولهذا احتج السلف -كأحمد وغيره- على أن كلام الله غير مخلوق فيما احتجوا به بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بكلمات الله التامات" (1) قالوا: فقد استعاذ بها، ولا يستعاذ بمخلوق. 798- وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لابأس بالرُّقى ما لم تكن شركا" (2) . 799- فنهى عن الرقى التي فيها شرك، كالتي فيها استعاذة بالجن كما قال تعالى (72: 6) : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ/ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} ، ولهذا نهى العلماء عن التعازيم والأقسام التي يستعملها بعض الناس في حق المصروع وغيره، التي تتضمن الشرك، بل نهوا عن كل ما لا يعرف معناه من ذلك خشية أن يكون فيه شرك، بخلاف ما كان من الرقى المشروعة فإنه جائز. فإذاً (3) لا يجوز أن يقسم لاقسماً مطلقاً، ولاقسماً على غيره إلا بالله عز وجل، ولا يستعيذ إلا

_ (1) أخرجه مسلم (4/2080-2081) ، 48 - الذكر والدعاء حديث (54، 55) . وأحمد (6/377، 409) . والترمذي (5/496) ، 49- الدعوات، حديث (3437) . كلهم من حديث خولة بنت حكيم. وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة تابعاً لحديث (55) . (2) أخرجه مسلم (4/1727) ، 39- كتاب السلام، حديث (64) . وأبو داود (4/214) ، 22- كتاب الطب، حديث (3886) . كلاهما من حديث عوف بن مالك الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم. (3) في خ " فإذا كان ".

بالله عز وجل. 800- والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسماً عليه، وأما أن يكون طالباً بذلك السبب: كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم (1) ، وكما يتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين. فإذا كان إقساماً على الله بغيره فهذا لا يجوز، وإن كان سؤالاً بسبب يقتضي المطلوب (2) كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله، مثل السؤال بالإيمان بالرسول، ومحبته، وموالاته ونحو ذلك فهذا جائز. 801- وإن كان سؤالاً بمجرد ذات الأنبياء والصالحين فهذا غير مشروع، وقد نهى عنه غير واحد من العلماء وقالوا: إنه لا يجوز، ورخص فيه بعضهم، والأول أرجح كما تقدم، (3) وهو سؤال بسبب لا يقتضي حصول المطلوب. 802- بخلاف من كان طالباً بالسبب المقتضي لحصول المطلوب، كالطلب منه سبحانه بدعاء الصالحين، وبالأعمال الصالحة، فهذا جائز؛ لأن دعاء الصالحين سبب لحصول مطلوبنا الذي دعوا به، وكذلك الأعمال الصالحة سبب (4) لثواب الله لنا، وإذا توسلنا بدعائهم وأعمالنا كنا متوسلين إليه تعالى بوسيلة، كما قال تعالى (5: 35) : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

_ (1) تقدم ص (104) . (2) في خ "المخلوق". (3) تقدم في ص (87- 91) . (4) من قوله "سبب لحصول مطلوبنا" إلى هنا سقط من ز، ب.

ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} ، والوسيلة هي الأعمال الصالحة، وقال تعالى (17: 57) : {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} . 803- وأما إذا لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم، ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم لم تكن نفس ذواتهم سبباً (1) يقتضي إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحاً، ولامشهوراً عن السلف. 804- وقد نقل في (منسك المروذي) (2) عن أحمد دعاء فيه سؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يخرج على إحدى الروايتين عنه في جواز القسم به، وأكثر العلماء على النهي في الأمرين. ولاريب أن لهم عند الله الجاه العظيم - كما قال تعالى في حق موسى وعيسى عليهما السلام، وقد تقدم ذكر ذلك - لكن مالهم عند الله من المنازل والدرجات أمر يعود نفعه إليهم، ونحن ننتفع من ذلك باتباعنا لهم ومحبتنا لهم، فإذا توسلنا إلى الله تعالى بإيماننا بنبيه ومحبته وموالاته واتباع سنته فهذا من أعظم الوسائل. 805- وأما التوسل بنفس ذاته مع عدم التوسل بالإيمان به وطاعته فلا يجوز أن يكون وسيلة، فالمتوسل بالمخلوق إذا لم يتوسل لا بما

_ (1) في خ: "سبب". (2) يراجع منسك المروذي.

من المتوسل به ولا بما منهم (1) ، فبأي شيء يتوسل؟ والإنسان إذا توسل إلى غيره بوسيلة فإما أن يطلب من الوسيلة الشفاعة له عند ذلك، مثل أن يقال لأبي الرجل أو صديقه أو من يكرم عليه: اشفع لنا عنده، وهذا جائز. 806- وإما أن يقسم عليه، والإقسام على الله تعالى بالمخلوقين لا يجوز، ولا يجوز الإقسام على مخلوق بمخلوق، وإما أن يسأل بسبب يقتضي المطلوب، كما قال الله تعالى (4: 1) : {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} وسيأتي بيان ذلك. 807- وقد تبين أن الإقسام على الله سبحانه بغيره لا يجوز، ولا يجوز أن يقسم بمخلوق أصلاً، وأما التوسل إليه بشفاعة الماذون لهم في الشفاعة فجائز. 808- والأعمى كان قد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له كما طلب الصحابة منه الاستسقاء، وقوله: " أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة" (2) ، أي بدعائه وشفاعته لي، ولهذا تمام الحديث: "اللهم فشفعه فيَّ"، فالذي في الحديث متفق على جوازه، وليس هو مما نحن فيه. وقد قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} . 809- فعلى قراءة الجمهور بالنصب إنما يسألون بالله وحده، لا

_ (1) هذا الكلام من قوله "لابما من المتوسل به" إلى هنا، لا يستقيم المعنى إلا بتكلف. وقد كتب بدله في ز، ب: " بإيمان المتوسل به ولا بطاعته". وهو كلام جيد يتمشى مع السياق وظاهر المعنى، وكان ينبغي التنبيه عليه. (2) تقدم ص (179) .

بالرحم، وتساؤلهم بالله تعالى يتضمن إقسام بعضهم على بعض بالله، وتعاهدهم بالله. 810- وأما على قراءة الخفض، فقد قال طائفة من السلف: هو قولهم أسألك بالله وبالرحم، وهذا إخبار عن سؤالهم، وقد يقال: إنه ليس بدليل على جوازه، فإن كان دليلاً على جوازه، فمعنى قوله أسألك بالرحم ليس إقساماً بالرحم -والقسم هنا لا يسوغ - لكن بسبب الرحم، أي لأن/ الرحم توجب لأصحابها بعضهم على بعض حقوقاً كسؤال الثلاثة لله تعالى بأعمالهم الصالحة (1) ، وكسؤالنا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته. ومن هذا الباب ماروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن ابن أخيه عبد الله بن جعفر كان إذا سأله بحق جعفر أعطاه. 811- وليس هذا من باب الإقسام، فإن الإقسام بغير جعفر أعظم، بل من باب حق الرحم؛ لأن حق الله إنما وجب بسبب جعفر، وجعفر حقه على علي (2) . 812- ومن هذا الباب، الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الخارج إلى الصلاة: " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً، ولكن خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك. أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".

_ (1) تقدم ص (104) . (2) أي بسبب الرحم، وصلة الرحم ورعايتها من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله.

وهذا الحديث في إسناده عطية العوفي وفيه ضعف (1) . فإن كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو من هذا الباب لوجهين: 813- أحدهما: لأن فيه السؤال لله تعالى بحق السائلين، وبحق الماشين في طاعته، وحق السائلين أن يجيبهم، وحق الماشين أن يثيبهم، وهذا حق أوجبه الله تعالى، وليس للمخلوق أن يوجب على الخالق تعالى شيئاً. ومنه قوله تعالى (6: 54) : {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ، وقوله تعالى (30: 47) : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ، وقوله تعالى (9: 111) : {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} . 814- وفي الصحيح (2) في حديث معاذ: "حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم". 815- وفي الصحيح (3) عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا". وإذا كان حق السائلين والعابدين له هو الإجابة والإثابة بذلك فذاك سؤال لله بأفعاله كالاستعاذة بنحو ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: " أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على

_ (1) تقدم الكلام عليه ص (233) . (2) تقدم تخريجه ص (109) . (3) تقدم ص (108) .

نفسك" (1) . فالاستعاذة بمعافاته التي هي فعله، كالسؤال بإثابته التي هي فعله. 816- (الوجه الثاني) : أن الدعاء له سبحانه وتعالى والعمل له سبب بحصول مقصود العبد، فهو كالتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين من أمته. 817- وقد تقدم أن الدعاء بالنبي صلى الله عليه وسلم والصالح إما أن يكون إقساماً به، أو سبباً به، فإن كان قوله: "بحق السائلين عليك" إقساماً فلا يقسم على الله إلا به، وإن كان سبباً فهو سبب بما جعله هو سبحانه سبباً، وهو دعاؤه وعبادته. فهذا كله يشبه بعضه بعضاً، وليس في شيء من ذلك دعاء له بمخلوق من غير دعاء منه، ولاعمل صالح منا. 818- وإذا قال السائل: أسألك بحق الملائكة، أو بحق الأنبياء، وحق الصالحين - ولا يقول لغيره أقسمت عليك بحق هؤلاء- فإذا لم يجز له ان يحلف به، ولا يقسم على مخلوق به، فكيف يقسم على الخالق به؟ وإن كان لا يقسم به، وإنما يتسبب به فليس في مجرد ذوات هؤلاء سبب

_ (1) أخرجه مسلم (1/352) ، 4- كتاب الصلاة، 425 -باب ما يقال في الركوع والسجود، حديث (222) . والترمذي (5/524) ، 49- الدعوات، حديث (3493) . والنسائي (8/283) ، 50 - الاستعاذة، حديث (5534) . ومالك في الموطأ (1/214) ، 15- كتاب القرآن، حديث (31) . وأحمد (6/58، 201) . كلهم من حديث عائشة -رضي الله عنها-. وأخرجه أحمد (1/96) . والترمذي 49 - الدعوات، حديث (3566) . وابن ماجه (1/373) ، 5- الإقامة حديث (1179) . كلهم من حديث علي -رضي الله عنه-. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من حديث علي، لانعرفه إلا في هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة.

يوجب تحصيل مقصوده، ولكن لا بد من سبب منه كالإيمان بالملائكة والأنبياء، أو منهم كدعائهم، ولكن كثيراً من الناس تعودوا ذلك، كما تعودوا الحلف بهم، حتى يقول أحدهم: وحقك على الله، وحق هذه الشيبة على الله. 819- وإذا قال القائل: أسألك بحق فلان، أو بجاهه، أي أسألك بإيماني به، ومحبتي له، وهذا من أعظم الوسائل. قيل: من قصد هذا المعنى، فهو معنى صحيح، لكن ليس هذا مقصود عامة هؤلاء، فمن قال: أسألك بإيماني بك وبرسولك ونحو ذلك، أو بإيماني برسولك ومحبتي له ونحو ذلك، فقد أحسن في ذلك كما قال تعالى في دعاء المؤمنين (3: 193) : {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} ، وقال تعالى (3: 19) : {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَاءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ، وقال تعالى (22: 109) : {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَاءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} . وقال تعالى (3: 53) : {رَبَّنَاءَامَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} . 820- وكان ابن مسعود يقول: اللهم أمرتني فأطعت، ودعوتني فأجبت وهذا سحر فاغفر لي (1) . 821- ومن هذا الباب حديث الثلاثة الذين أصابهم المطر، فأووا إلى الغار، وانطبقت عليهم الصخرة، ثم دعوا الله سبحانه بأعمالهم

_ (1) تقدم ص (104) .

الصالحة، ففرج عنهم وهو ماثبت في الصحيحين (1) . 822- وقال أبو بكر بن أبي الدنيا (2) : حدثنا خالد بن خراش العجلاني وإسماعيل بن إبراهيم، قال حدثنا صالح المري (3) عن ثابت عن أنس قال: دخلنا/ على رجل من الأنصار وهو مريض ثقيل، فلم نبرح حتى قبض، فبسطنا عليه ثوبه، وله أم عجوز كبيرة عند رأسه، فالتفت إليها بعضنا، وقال: ياهذه احتسبي مصيبتك عند الله. قالت: وما ذاك، مات ابني؟ قلنا: نعم. قالت: أحق ماتقولون؟ قلنا: نعم. فمدت يديها إلى الله فقالت: اللهم إنك تعلم أني أسلمت وهاجرت إلى رسولك رجاء أن تعقبني عند كل شدة فرجاً، فلاتحمل عليَّ هذه المصيبة اليوم. قال: فكشفت الثوب عن وجهه فما برحنا حتى طعمنا معه. 823- وروي في كتاب الحلية لأبي نعيم أن داود قال: بحق آبائي عليك، إبراهيم وإسحاق ويعقوب. فأوحى الله تعالى إليه: ياداود! وأي حق لآبائك عليَّ؟ (4) . وهذا وإن لم يكن من الأدلة الشرعية فالإسرائيليات يعتضد بها، ولا يعتمد عليها.

_ (1) تقدم ص (104) . (2) في كتابه "مجابو الدعاء" ص87 ومن عاش بعد الموت، ص 45. (3) هو صالح بن بشير المتوفى سنة 176هـ بصري من القدماء الزاهدين. ضعفه ابن معين، والدارقطني، وقال أحمد صاحب قصص، ليس هو صاحب حديث، ولا يعرف الحديث. وقال الفلاس: منكر الحديث جداً. وقال النسائي: متروك. وقال البخاري: منكر الحديث. ميزان الاعتدال (2/289) . وقال الحافظ في التقريب: ضعيف. (4) "بحثت عنه في الحلية فلم أجده".

824- وقد مضت السنة أن الحي يطلب منه الدعاء كما يطلب منه سائر مايقدر عليه، وأما المخلوق الغائب والميت، فلا يطلب منه شيء. يحقق هذا الأمر أن التوسل به والتوجه به لفظ فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح، فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء والشفاعة، فيكونون متوسلين ومتوجهين بدعائه وشفاعته. ودعاؤه وشفاعته صلى الله عليه وسلم من أعظم الوسائل عند الله عز وجل. وأما في لغة كثير من الناس فمعناه أن يسأل الله تعالى ويقسم عليه بذاته. 825- والله تعالى لا يقسم عليه بشيء من المخلوقات، بل لا يقسم بها بحال، فلا يقال أقسمت عليك يا رب بملائكتك، ولابكعبتك، ولابعبادك الصالحين، كما لا يجوز أن يقسم الرجل بهذه الأشياء، بل إنما يقسم بالله تعالى بأسمائه وصفاته، ولهذا كان السنة أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته، فيقول: " أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم" (1) . 826- وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد (2) . 827- وكذلك قوله: " اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهي الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وبكلماتك التامات". مع أن هذا الدعاء الثالث، في جواز الدعاء به قولان للعلماء:

_ (1) ، (2) تقدم ص (295) .

828- قال الشيخ أبو الحسين القدوري في كتابه المسمى بشرح الكرخي: قال بشر بن الوليد، سمعت أبا يوسف قال: قال أبو حنيفة لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: "بمعاقد العز من عرشك" أو "بحق خلقك" (1) . 829- وهو قول أبي يوسف، قال أبو يوسف: "معقد العز من عرشه" هو الله، فلا أكره هذا، وأكره أن يقول: "بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت والمشعر الحرام". 830- قال القدوري: المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لاحق للمخلوق على الخالق، فلا يجوز - يعني وفاقا - وهذا من أبي حنيفة، وأبي يوسف، وغيرهما يقتضي المنع أن يسأل الله بغيره (2) . 831- فإن قيل: الرب سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته، وليس لنا أن نقسم عليه إلا به. فهلا قيل: يجوز أن يقسم عليه بمخلوقاته، وأن لا يقسم على مخلوق إلا بالخالق تعالى؟. 832- قيل: لأن إقسامه سبحانه بمخلوقاته من باب مدحه والثناء عليه وذكر آياته، وإقسامنا نحن بذلك شرك إذا أقسمنا به لحض غيرنا أو لمنعه أو تصديق خبر أو تكذيبه. 833- ومن قال لغيره: أسألك بكذا؛ فإما أن يكون مقسماً فهذا لا يجوز بغير الله تعالى، والكفارة في هذا على المقسم، لا على المقسم عليه،

_ (1) تقدم ص (88) . (2) تقدم ص (88) .

كما صرح بذلك أئمة الفقهاء، وإن لم يكن مقسماً فهو من باب السؤال، فهذا لا كفارة فيه على واحد منهما. 834- فتبين أن السائل لله بخلقه إما أن يكون حالفاً بمخلوق، وذلك لا يجوز. وإما أن يكون سائلاً به، وقد تقدم تفصيل ذلك. 835- وإذا قال: "بالله افعل كذا" فلا كفارة فيه على واحد منهما، وإذا قال: " أقسمت عليك بالله لتفعلن" أو "والله لتفعلن" فلم يبر قسمه لزمت الكفارة للحالف. والذي يدعو بصيغة السؤال فهو من باب السؤال به. 836- وأما إذا أقسم على الله تعالى مثل أن يقول: أقسمت عليك يا رب لتفعلن كذا، كما كان يفعل البراء بن مالك وغيره من السلف، فقد ثبت في الصحيح (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو/ أقسم على الله لأبره". 837- وفي الصحيح (2) أنه قال، لما قال أنس بن النضر: والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية الربيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أنس، كتاب الله القصاص" فعفا القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره". 838- وهذا من باب الحلف بالله لتفعلن هذا الأمر، فهو إقسام

_ (1) تقدم تخريجه ص (93) . (2) تقدم تخريجه ص (92-93) .

عليه تعالى، وليس إقساماً عليه بمخلوق. 839- وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة، فإن ذلك لاريب في فضله وحسنه، وأنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. 840- وقد تقدم (1) أن مايذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت لكم حاجة فاسألوا الله بجاهي"، حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم، ولا هو في شيء من كتب الحديث، وإنما المشروع الصلاة عليه في كل دعاء. 841- ولهذا لما ذكر العلماء الدعاء في الاستسقاء وغيره ذكروا الصلاة عليه، ولم يذكروا فيما شرع للمسلمين في هذه الحال التوسل به، كما لم يذكر أحد من العلماء دعاء غير الله والاستعانة المطلقة بغيره في حال من الأحوال. وإن كان بينهما فرق فإن دعاء غير الله كفر، ولهذا لم ينقل دعاء أحد من الموتى والغائبين -لا الأنبياء ولا غيرهم- عن أحد من السلف وأئمة العلم، وإنما ذكره بعض المتأخرين ممن ليس من أئمة العلم المجتهدين، بخلاف قولهم: أسألك بجاه نبينا أو بحقه، فإن هذا مما نقل عن بعض المتقدمين فعله، ولم يكن مشهوراً بينهم ولافيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل السنة تدل على النهى عنه كما نقل ذلك عن ابي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما.

_ (1) ص (275) .

842- ورأيت في فتاوي الفقيه أبي محمد بن عبد السلام (1) قال: لا يجوز أن يتوسل إلى الله بأحد من خلقه إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم إن صح حديث الأعمى (2) . فلم يعرف صحته. 843- وقد تقدم أن هذا الحديث لا يدل إلا على التوسل بدعائه، ليس من باب الإقسام بالمخلوق على الله تعالى، ولا من باب السؤال بذات الرسول كما تقدم. 844- والذين يتوسلون بذاته لقبول الدعاء وعدلوا عما أمروا به وشرع لهم -وهو من أنفع الأمور لهم- إلى ما ليس كذلك، فإن الصلاة عليه من أعظم الوسائل التي بها يستجاب الدعاء، وقد أمر الله بها. 845- والصلاة عليه في الدعاء هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى (33: 56) : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .

_ (1) هو العز بن عبد السلام (577-660) مؤلف رسالتي (الأبدال والغوث) و (الواسطة) المطبوعتين في حلب مع رسالة (الرهص والرقص لمستحل الرقص) للشيخ إبراهيم الحلبي صاحب (ملتقي الأبحر) . (2) راجعت فتاوي العز بن عبد السلام بتعليق عبد الرحمن عبد الفتاح وتوزيع دار الباز، فلم أجد فيه ماذكره شيخ الإسلام ووجدت في ص (126) منه إجابة على سؤال عن الإقسام على الله بمعظم من خلقه في دعائه كالنبي صلى الله عليه وسلم، والولي، والملك، هل يكره ذلك أو لا؟ فأجاب بقوله: "أما مسألة الدعاء، فقد جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بعض الناس الدعاء، فقال: في أقواله: " قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة"، وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء، والملائكة؛ لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خص به تنبيهاً على علو درجته ومرتبته". فلتراجع المسألة التي أشار إليها شيخ الإسلام.

846- وفي الصحيح عنه أنه قال: "من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه عشراً" (1) . 847- وعن فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمع رسول اله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم: "عجل هذا! " ثم دعاه فقال له أو لغيره: " إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه، ثم يصلي على النبي، ثم يدعو بعده بما شاء" رواه أحمد (2) وأبو داود (3) . -وهذا لفظه- والترمذي (4) والنسائي (5) . وقال الترمذي حديث صحيح. 848- وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإن من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة" (6) . 849- وفي سنن أبي داود (7) والنسائي (8) عنه أن رجلاً قال:

_ (1) تقدم ص (61) . (2) (6/18) . (3) (2/162) ، كتاب الصلاة، حديث (1481) . (4) (5/516) ، 49 - كتاب الدعوات، حديث (3476) . (5) تقدم تخريجه ص (101) . (6) تقدم ص (61) . (7) (1/360) ، 2- الصلاة، 36- باب ما يقول المؤذن، حديث (524) . وابن حبان (3/101) ، حديث (1393) . وأحمد (2/172) . (8) في عمل اليوم والليلة (ص157) ، حديث (44) . كل هؤلاء بأسانيد صحيحة إلى ابن =

يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل كما يقولون، فإذا انتهيت سل تعطه". 850- وفي المسند (1) عن جابر بن عبد الله قال: "من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صل على محمد وارض عنه رضا لاسخط بعده. استجاب الله له دعوته". 851- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة". رواه أحمد (2) وأبو داود (2) والترمذي (2) والنسائي (2) ، وقال الترمذي: حديث حسن.

_ = وهب عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم به إلا أحمد فعن ابن لهيعة عن حيي به. وحيي بن عبد الله، قال البخاري: "فيه نظر". وقال ابن معين: " ليس به بأس". وقال النسائي: "ليس بالقوي". وقال أحمد: "أحاديثه مناكير"، وحسن له الترمذي. راجع هذه الأقوال في الميزان (1/623) وقال الحافظ في التقريب "صدوق يهم". ومثل هذا لا يحتمل تفرده، فالحديث ضعيف بهذا الإسناد وقد صححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع (4/140) وأشار إليه في صحيح أبي داود، فلعله وجد له متابعة أو شاهداً. (1) (3/337) والطبراني في الأوسط (1/157) حديث (196) كلاهما من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر. وقال الطبراني عقبه: "لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا ابن لهيعة، ولا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/332) ، وقال: "رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف". (2) في المسند (3/119، 155، 225، 254) . وأبو داود (1/358) ، 2- كتاب الصلاة. 35- باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة. حديث 521. والترمذي (1/415) ، أبواب الصلاة 158- باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة. والنسائي في عمل اليوم والليلة ص168 حديث (70) ، حديث (212) ، وعبد الرزاق (1/495) ، حديث (1909) . والبيهقي (1/410) ، كتاب الصلاة، باب الدعاء بين الآذان والإقامة. والحاكم في المستدرك (1/198) . أمَّا أبو داود، والنسائي، وعبد الرزاق، والبيهقي، فمن طريق سفيان الثوري، عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن =

852- وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء قلما ترد على داعٍ دعوته: عند حصول النداء، والصف في سبيل الله"، رواه أبو داود (1) .

_ = أنس، رضي الله عنه مرفوعاً. وأما الحاكم فمن طريق حميد الطويل عن أنس وكذا أحمد في رواية (3/119) ، وفي الموضعين الآخرين، فمن طريق أبي إسحاق، ويونس كلاهما عن بُريد بن أبي مريم عن أنس بن مالك. وقال النسائي: وقفه سليمان التيمي واختلف عليه في لفظه، ثم ساقه من طريقين، برقم (71-72) عن سليمان التيمي عن قتادة عن أنس موقوفاً. وفي زيد العمي كلام. والحديث قال فيه الترمذي حسن صحيح. وحسنه الحافظ في "نتائج الفكار" (ص374) ونقل عن الترمذي تحسينه. قال الحافظ: " وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن بريد بن أبي مريم، عن أنس، قال أبو الحسن بن القطان: وإنما لم نصححه لضعف زيد العمي وأما بريد فهو موثوق، وينبغي أن يصحح من طريقه". وصححه الألباني في الإرواء (1/262) ، واعتمد في تصحيحه على رواية بريد بن أبي مريم وكذلك صححه أحمد شاكر في حاشية الترمذي (1، 516، 517) والأمر كذلك لصحة إسناد بريد بن أبي مريم، ولكثرة طرقه، فإنها يقوي بعضها بعضا. (1) (3/45) ، 9- الجهاد، حديث (2540) . بلفظ " ثنتان لاتردان، أو قلما تردان؛ الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا". والحاكم في المستدرك (1/198) كلاهما من طريق موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعاً. وقال الحاكم عقبه: هذا حديث ينفرد به موسى بن يعقوب. قال الحافظ: "موسى بن يعقوب الزمعي، صدوق سيء الحفظ". وقال الذهبي في الميزان (4/227-228) : "وثقه ابن معين". وقال النسائي: " ليس بالقوي"، وقال أبو داود: "صالح". وقال ابن المديني: ضعيف، منكر الحديث. وقال ابن عدي: لابأس به وبرواياته. وأخرجه مالك في الموطأ (1/70) 3- الصلاة، حديث 7 وعبد الرزاق في المصنف (1/495) ، والبيهقي (1/411) كلاهما من طريق مالك موقوفاً. وأخرجه ابن حبان، الإحسان (3/128) ، باب ذكر استحباب الاجتهاد في الدعاء، من طريق أيوب بن سويد، عن مالك عن ابي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعاً. والبيهقي (1/410) من طريق موسى ابن يعقوب مرفوعاً أيضاً، وأيوب بن سويد الرملي الشيباني: "صدوق يخطئ" قاله الحافظ في التقريب. ويبدو أن الوقف هو الراجح من حيث الإسناد لكنه مع رجحان وقفه، فمثله لا يقال من قبل الرأى كما قال ابن عبد البر.

853- وفي المسند (1) والترمذي (2) وغيرهما عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال: "يَا أَيُّهَا الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة. جاء الموت بما فيه". قال أبي: قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت" قلت:/ الربع؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك" قلت: النصف؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك" قلت: الثلثين؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك" قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: "إذا هذا يكفيك الله ماأهمك من أمر دنياك وآخرتك". وفي لفظ " إذا تكفى همك، ويغفر ذنبك". 854- وقول السائل: أجعل لك من صلاتي؟ يعني من دعائي. فإن الصلاة في اللغة هي الدعاء. قال تعالى (9: 103) : {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم صل على آل أبي أوفى" (3) .

_ (1) (5/136) مختصراً. (2) تقدم ص (74) . (3) أخرجه البخاري 80 - الدعوات، 33 - باب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم، حديث (6359) . ومسلم (2/756) ، 12- الزكاة، 45- باب الدعاء لمن أتى بصدقة، حديث (176) . وأبو داود (2/246) ، 3- الزكاة، 6- باب دعاء المصدق لأهل الصدقة حديث (1590) . والنسائي (5/31) 23- الزكاة، 13- باب صلاة الإمام على صاحب الصدقة، حديث (2459) . وابن ماجه (1/572) ، 8- كتاب الزكاة، 8- باب ما يقال عند إخراج الزكاة حديث (1796) . وأحمد (4/353-355، =

وقالت امرأة: صل عليَّ يا رسول الله وعلى زوجي، فقال: صل الله عليك وعلى زوجك" (1) . 855- فيكون مقصود السائل أي يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به، أستجلب به الخير، واستدفع به الشر، فكم أجعل لك من الدعاء، قال: "ما شئت" فلما انتهى إلى قوله: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال له: "إذا تكفى همك ويغفر ذنبك" (2) . 856- وفي الرواية الأخرى " إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك" (3) ، وهذا غاية مايدعو به الإنسان من جلب الخيرات ودفع المضرات، فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب، واندفاع المرهوب، كما بسط ذلك في مواضعه. 857- وقد ذكر علماء الإسلام وأئمة الدين الأدعية الشرعية،

_ = 381، 383) . كلهم من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن أبي أوفي مرفوعاً. (1) أخرجه أبو داود (2/185) ، 2- الصلاة، 363- باب الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، حديث (1533) . والنسائي في عمل اليوم والليلة، (ص319) . وأحمد (3/303، 397-398) . والدارمي (1/28-29) مقدمة، حديث (46) . كلهم عن الأسود بن قيس، عن نُبَيح العنزي، عن جابر مرفوعاً. وفي إسناده نبيح، قال الحافظ في التقريب: "مقبول". وقال الحافظ الذهبي في الكاشف: "ثقة". وقال الحافظ في تهذيب التهذيب (10/417) : قال أبو زرعة: ثقة، لم يرو عنه إلا الأسود بن قيس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: ثقة. وذكره علي بن المديني في جملة المجهولين الذين يروي عنهم الأسود بن قيس وزاد الحافظ أبو خالد الدالاني، وصحح الترمذي حديثه، وكذلك ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. ويبدو أن حديثه حسن. والله أعلم. (2) جزءان من حديث أُبي السابق. (3) جزءان من حديث اُبي السابق.

وأعرضوا عن الأدعية البدعية، فينبغي اتباع ذلك. والمراتب في هذا الباب ثلاث: 858- (إحداها) : أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب، سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول: يا سيدي فلان أغثني أو أنا أستجير بك أو أستغيث بك أو انصرني على عدوي. 859- وأعظم من ذلك أن يقول: اغفر لي وتب عليَّ، كما يفعله طائفة من الجهال المشركين. وأعظم من ذلك أن يسجد لقبره ويصلي إليه ويرى الصلاة إليه أفضل من استقبال القبلة، حتى يقول بعضهم: هذه قبلة الخواص والكعبة قبلة العوام (1) . 860- وأعظم من ذلك أن يرى السفر إليه من جنس الحج حتى يقول: إن السفر إليه مرات يعدل حجة، وغلاتهم يقولون: الزيارة إليه مرة أفضل من حج البيت مرات متعددة. ونحو ذلك، فهذا شرك بهم وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه. 861- (الثانية) : أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لي، أو ادع لنا ربك، أو اسأل الله لنا، كما تقول النصارى لمريم وغيرها.

_ (1) والإسماعيلية يقولون: رسائل إخوان الصفا كتاب الأئمة، والقرآن كتاب العامة. والشيعة يسمون أهل السنة وأئمتهم وعلماءهم: العامة. وكلهم يلتقون عند غرض واحد وهو تغير دين الإسلام.

862- فهذا أيضاً لا يستريب عالم أنه غير (1) جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة، وإن كان السلام على أهل القبور جائزاً، ومخاطبتهم جائزة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم: 863- " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. يغفر الله لنا ولكم، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لاتحرمنا أجرهم، ولاتفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم" (2) . 864- وروى أبو عمر بن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام" (3) .

_ (1) سقطت من ز. (2) تقدم تخريجه في ص (34) . (3) ذكره في كنز العمال (15/646) رقم (42556) وعزاه إلى الخطيب وابن عساكر. وهو في تاريخ الخطيب (6/137) ، الترجمة (3175) من طريق بشر بن بكير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعاً. وعبد الرحمن بن زيد "ضعيف جداً"، نقله البخاري والنسائي عن علي بن المديني وقال الحاكم عنه: "روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ". وقال ابن سعد: كان ضعيفاً جداً، وقال ابن معين: ضعيف. وانظر الكلام عليه في الميزان (2/564) . والمدخل للحاكم (ص154) الترجمة (97) . وذكر الذهبي هذا الحديث في الميزان، من طريق الخطيب بسنده إلى عبد الرحمن بن زيد به. هذا وقد ضعف الحديث الحافظ ابن رجب، فقال: إنه ضعيف بل منكر، نقله الألباني من كتاب الأهوال (ق 83/2) . انظر حاشية الآيات البينات في عدم سماع الأموات حاشية ص28.

865- وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من مسلم يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام" (1) لكن ليس من المشروع أن يطلب من الأموات لا دعاء ولا غيره. 866- وفي موطأ مالك أن ابن عمر كان يقول: " السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبة" (2) ثم ينصرف. 867- وعن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو لأبي بكر وعمر (3) . 868- وكذلك أنس بن مالك وغيره نقل عنهم أنهم كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم. 869- فإذا أرادوا الدعاء استقبلوا القبلة يدعون الله تعالى، لا يدعون مستقبلي الحجرة. وإن كان قد وقع في بعض ذلك طوائف من الفقهاء والصوفية والعامة، فلم يذهب إلى ذلك إمام متبع في قوله، ولا من له في الأمة لسان صدق عام. 870- ومذهب الأئمة الأربعة - مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد - وغيرهم من أئمة الإسلام أن الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة.

_ (1) تقدم ص (142) . (2) تقدم تخريجه ص (136) . (3) تقدم تخريجه ص (137) رقم (4) .

871- واختلفوا في وقت السلام عليه فقال الثلاثة - مالك والشافعي وأحمد-: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه. 872- وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام، كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم. 873- ثم في مذهبه قولان: قيل يستدبر الحجرة وقيل يجعلها على يساره. فهذا نزاعهم في وقت السلام، وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا [في] أنه إنما يستقبل القبلة لا الحجرة. 874- والحكاية التي تذكر عن مالك / أنه قال للمنصور لما سأله عن استقبال الحجرة فأمره بذلك وقال: " هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم". كذب على مالك ليس لها إسناد معروف وهو خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه، كما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره. 875- مثل ماذكروا عنه أنه سئل عن أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعون لأنفسهم، فأنكر مالك ذلك، وذكر أنه من البدع التي لم يفعلها الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وقال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ماأصلح أولها. 876- ولاريب أن الأمر كما قاله مالك، فإن الآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين تبين أن هذا لم يكن من عملهم وعادتهم، ولو كان استقبال الحجرة عند الدعاء مشروعاً لكانوا هم أعلم بذلك وكانوا أسبق إليه ممن بعدهم.

877- والداعي يدعو الله وحده، كما نهى عن استقبال الحجرة عند دعائه لله تعالى، كما نهى عن استقبال الحجرة عند الصلاة لله تعالى كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لاتجلسوا على القبور ولاتصلوا إليها" (1) . 878- فلا يجوز أن يصلى إلى شيء من القبور، لاقبور الأنبياء ولا غيرهم؛ لهذا الحديث الصحيح، ولا خلاف بين المسلمين أنه لا يشرع أن يقصد الصلاة إلى القبر، بل هذا من البدع المحدثة وكذلك قصد شيء من القبور لا سيما قبور الأنبياء والصالحين عند الدعاء، وإذا لم يجز قصد استقباله عند الدعاء لله تعالى فدعاء الميت نفسه أولى أن لا يجوز، كما أنه لا يجوز أن يصلي مستقبله فلأن لا يجوز الصلاة له بطريق الأولى. 879- فعلم أنه لا يجوز أن يسأل الميت شيئاً، لا يطلب منه أن يدعو الله ولا غير ذلك، ولا يجوز أن يشكى إليه شيء من مصائب الدنيا والدين. 880- ولو جاز أن يشكى إليه ذلك في حياته، فإن ذلك في حياته لا يُفضي إلى الشرك، وهذا يُفضي إلى الشرك؛ لأنه في حياته مكلف أن يجيب سؤال من سأله لما له في ذلك من الأجر والثواب، وبعد الموت ليس مكلفاً. 881- بل مايفعله من ذكر لله تعالى ودعاء ونحو ذلك، كما أن موسى يصلي في قبره.

_ (1) تقدم ص (153) .

وكما صلى الأنبياء خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ببيت المقدس (1) ، وتسبيح أهل الجنة والملائكة - فهم يتمتعون بذلك، وهم يفعلون ذلك بحسب ما يسره الله لهم ويقدره لهم، ليس هو من باب التكليف الذي يمتحن به العباد. 882- وحينئذٍ فسؤال السائل للميت لا يؤثر في ذلك شيئاً، بل ماجعله الله فاعلاً له هو يفعله وإن لم يسأله العبد، كما تفعل الملائكة ماتؤمر به، وهم إنما يطيعون أمر ربهم لا يطيعون أمر مخلوق، كما قال سبحانه وتعالى (21: 26- 27) : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} فهم لا يعملون إلا بأمره سبحانه وتعالى. 883- ولا يلزم من جواز الشيء في حياته جوازه بعد موته، فإن بيته كانت الصلاة فيه مشروعة، وكان يجوز أن يجعل مسجداً. ولما دفن فيه حرم أن يتخذ مسجداً. 884- كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". يحذر ما فعلوا، ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً (2) .

_ (1) أخرجه مسلم (1/156-157) الإيمان، حديث (278) ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من قصة الإسراء، وأنه رأى كلا من موسى وعيسى وإبراهيم يصلي، ثم قال: " فحانت الصلاة، فأممتهم فلما فرغت من الصلاة، قال قائل: يا محمد! هذا مالك خازن النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام". (2) تقدم ص (30) .

885- وفي صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك" (1) . 886- وقد كان صلى الله عليه وسلم في حياته يصلى خلفه، وذلك من أفضل الأعمال، ولا يجوز بعد موته أن يصلي الرجل خلف قبره، وكذلك في حياته يطلب منه أن يأمر وأن يفتي وأن يقضي، ولا يجوز أن يطلب ذلك منه بعد موته. وأمثال ذلك كثيرة. 887- وقد كره مالك وغيره أن يقول الرجل: زرت قبر رسول الله (2) لأن هذا اللفظ لم يرد، والأحاديث المروية في زيارة قبره كلها ضعيفة بل كذب (3) . وهذا اللفظ صار مشتركاً في عرف المتأخرين يراد به (الزيارة البدعية) التي في معنى الشرك كالذي يزور القبر ليسأله أو يسأل الله به أو يسأل الله عنده. 888- و (الزيارة الشرعية) هي أن يزوره لله تعالى للدعاء له، والسلام عليه كما يصلي على جنازته. فهذا الثاني هو المشروع، ولكن كثيراً من الناس لا يقصد بالزيارة إلا المعنى الأول، فكره مالك أن يقول: زرت قبره. لما فيه من إيهام المعنى الفاسد الذي يقصده أهل البدع والشرك /.

_ (1) تقدم ص (29) . (2) تقدم ص150. (3) وقد تكلم عليها ابن عبد الهادي في الصارم المنكي.

889- (الثالثة (1)) أن يقال: أسألك بفلان أو بجاه فلان عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أنه منهيِّ عنه. وتقدم أيضاً أن هذا ليس بمشهور عن الصحابة، بل عدلوا عنه إلى التوسل بدعاء العباس وغيره. 890- وقد تبين ما في لفظ " التوسل" من الاشتراك بين ما كانت الصحابة تفعله وبين ما لم يكونوا يفعلونه. 891- فإن لفظ التوسل والتوجه في عرف الصحابة ولغتهم هو التوسل والتوجه بدعائه وشفاعته، ولهذا يجوز أن يتوسل ويتوجه بدعاء كل مؤمن، وإن كان بعض الناس من المشايخ المتبوعين يحتج بما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أو فاستعينوا بأهل القبور (2) . 892- فهذا الحديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه، لم يروه أحد من العلماء بذلك، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة. 893- وقد قال تعالى (25: 58) : {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} .

_ (1) أي المرتبة الثالثة من مراتب الدعاء البدعي. (2) بحثت عنه فلم أجده إلا في كشف الخفاء للعجلوني (1/85) بلفظ: " إذا تحيرتم في الأمور، فاستعينوا بأصحاب القبور" وعزاه للأربعين لابن كمال باشا المتوفى سنة 940. راجع ترجمته في معجم المؤلفين (1/238) .

894- وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه غير مشروع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما هو أقرب من ذلك - عن اتخاذ القبور مساجد ونحو ذلك - ولعن أهله تحذيراً من التشبه بهم، فإن ذلك أصل عبادة الأوثان. كما قال تعالى (71: 23) : {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّءَالِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} . 895- فإن هؤلاء [كانوا] قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروهم، ثم اتخذوا الأصنام على صورهم، كما تقدم ذكر ذلك عن ابن عباس (1) وغيره من علماء السلف. 896- وهذا الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الشرك هو كذلك في شرائع غيره من الأنبياء: 897- ففي التوراة أن موسى عليه السلام نهى بني إسرائيل عن دعاء الأموات وغير ذلك من الشرك، وذكر أن ذلك من أسباب عقوبة الله لمن فعله. 898- وذلك أن دين الأنبياء عليهم السلام واحد وإن تنوعت شرائعهم، كما في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد" (2) .

_ (1) تقدم ص (15) . (2) أخرجه البخاري، 60 - الأنبياء، 48 - باب قول الله تعالى {واذكر في الكتاب مريم} حديث (3443) . ومسلم (4/1837) 43- فضائل، 40 - فضائل عيسى عليه السلام، حديث (145) ، وأحمد (2/319، 406) . كلهم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً.

899- وقد قال تعالى (42: 13) : {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} ، وقال تعالى (23: 51-53) : {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ، فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ، وقال تعالى (30: 30-32) : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} . وهذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله ديناً غيره من الأولين والآخرين، كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع.

الفصل الخامس

فصل 900 - وإذا تبين ما أمر الله به ورسوله، وما نهى الله عنه ورسوله، في حق أشرف الخلق وأكرمهم على الله عز وجل، وسيد ولد آدم وخاتم الرسل والنبيين، وأفضل الأولين والآخرين، وارفع الشفعاء منزلة وأعظمهم جاهاً عند الله تبارك وتعالى، تبين أن من دونه من الأنبياء والصالحين أولى بأن لا يشرك به، ولا يُتخذ قبره وثناً يعبد، ولا يُدعى من دون الله لا في حياته ولا في مماته. 901 - ولا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين، مثل أن يقول: يا سيدي فلاناً أغثني وانصرني وادفع عني، أو أنا في حسبك. ونحو ذلك. 902 - بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله، وتحريمه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، وهؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم - لما كانوا من جنس عباد الأوثان - صار الشيطان يضلهم ويغويهم، كما يضل عباد الأصنام ويغويهم فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاثُ به، وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة، كما تخاطب الشياطين الكهان، وبعض ذلك صدق، لكن لا بد أن يكون في ذلك ما هو كذب، بل الكذب أغلب عليه/ من الصدق. 903 - وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم، وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه، فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء من الغيب حتى فعل ذلك، أو يظن أن الله تعالى صور ملكاً على صورته فعل ذلك،

ويقول أحدهم: هذا سر الشيخ وحاله! وإنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به المستغيث به. 904 - كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم، كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب، وهو اليوم موجود في المشركين من الترك والهند وغيرهم. 905 - وأعرفُ من ذلك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي وبغيري في حال غيبتنا عنهم، فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء ورفعنا عنهم، ولما حدثوني بذلك بينتُ لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين. 906 - وهذا من أكبر الأسباب التي بها أشرك المشركون وعبدةُ الأوثان، وكذلك المستغيثون من النصارى بشيوخهم الذين يسمونهم العلاّس يرون أيضاً من يأتي على صورة ذلك الشيخ النصراني الذي استغاثوا به فيقضي بعض حوائجهم. 907 - وهؤلاء الذين يستغيثون بالأموات من الأنبياء والصالحين والشيوخ وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غاية أحدهم أن يجري له بعض هذه الأمور أو يحكي لهم بعض هذه الأمور فيظن أن ذلك كرامة وخرق عادة بسبب هذا العمل.

908 - ومن هؤلاء من يأتي إلى قبر الشيخ الذي يشرك به ويستغيث به فينزل عليه من الهواء طعام أو نفقة أو سلاح أو غير ذلك مما يطلبه فيظن ذلك كرامة لشيخه، وإنما ذلك كله من الشياطين. 909 - وهذا من أعظم الأسباب التي عبدت بها الأوثان. وقد قال الخليل عليه السلام (14: 35 - 36) : {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ} . كما قال نوح عليه السلام، ومعلوم أن الحجر لا يضل كثيراً من الناس إلا بسبب اقتضى ضلالهم، ولم يكن أحد من عباد الأصنام يعتقد أنها خلقت السموات والأرض، بل إنما كانوا يتخذونها شفعاء ووسائط لأسباب: 910 - منهم من صورها على صور الأنبياء والصالحين، ومنهم من جعلها تماثيل وطلاسم للكواكب والشمس والقمر، ومنهم من جعلها لأجل الجن، ومنهم من جعلها لأجل الملائكة. 911 - فالمعبود لهم في قصدهم إنما هو للملائكة والأنبياء والصالحين أو الشمس أو القمر وهم في نفس الأمر يعبدون الشياطين، فهي التي تقصد من الإنس أن يعبدها وتظهر لهم ما يدعوهم إلى ذلك، كما قال تعالى (34: 40 - 41) : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} .

912 - وإذا كان العابد ممن (1) لا يستحل عبادة الشياطين أوهموه أنه إنما يدعو الأنبياء والصالحين والملائكة وغيرهم ممن يحسن العابد ظنه به. وأما إن كان ممن (2) لا يحرم عبادة الجن عرفوه أنهم الجن. 913 - وقد يطلب الشيطان الممثل له في صورة الإنسان أن يسجد له، أو أن يفعل به الفاحشة أو أن يأكل الميتة ويشرب الخمر، أو أن يقرّب لهم الميتة، وأكثرهم لا يعرفون ذلك، بل يظنون أن من يخاطبهم إما ملائكة وإما رجال من الجن يسمونهم رجال الغيب، ويظنون أن رجال الغيب أولياء الله غائبون عن أبصار الناس. 914 - وأولئك جن تمثلت بصور الإنس أو رؤيت في غير صور الإنس، قال تعالى (72: 6) : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْأنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} . 915 - كان الإنس إذا نزل أحدهم بواد يخاف أهله قال: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، وكانت الإنس تستعيذ بالجن فصار ذلك سبباً لطغيان الجن، وقالت: الإنس تستعيذ بنا!. 916 - وكذلك الرقى والعزائم الأعجمية هي تتضمن أسماء رجال من الجن يُدعون ويُستغاث بهم ويُقسم عليهم بمن يعظمونه، فتطيعهم الشياطين بسبب ذلك في بعض الأمور. 917 - وهذا من جنس السحر والشرك قال تعالى (2: 102) : {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ / وَلَكِنَّ

_ (1) في خ "مما" في كلا الموضعين

الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْأخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} . 918 - وكثير من هؤلاء يطير في الهواء وتكون الشياطين قد حملته وتذهب به إلى مكة وغيرها، ويكون مع ذلك زنديقاً يجحد الصلاة وغيرها مما فرض الله ورسوله، ويستحل المحارم التي حرمها الله ورسوله. 919 - وإنما يقترن به أولئك الشياطين لما فيه من الكفر والفسوق والعصيان، حتى إذا آمن بالله ورسوله وتاب والتزم طاعة الله ورسوله، فارقته تلك الشياطين، وذهبت تلك الأحوال الشيطانية من الإخبارات والتأثيرات. 920 - وأنا أعرف من هؤلاء عدداً كثيراً بالشام ومصر والحجاز واليمن، وأما الجزيرة والعراق وخراسان والروم ففيها من هذا الجنس أكثر مما بالشام وغيرها، وبلاد الكفار من المشركين وأهل الكتاب أعظم. 921 - وإنما ظهرت هذه الأحوال الشيطانية التي أسبابها الكفر والفسوق والعصيان بحسب ظهور أسبابها، فحيث قوي الإيمان والتوحيد ونور الفرقان والإيمان وظهرت آثار النبوة والرسالة ضعفت هذه الأحوال الشيطانية.

922 - وحيث ظهر الكفر والفسوق والعصيان قويت هذه الأحوال الشيطانية، والشخص الواحد الذي يجتمع فيه هذا وهذا الذي تكون في مادة تمدّه للإيمان ومادة تمدُّه للنفاق يكون فيه من هذا الحال وهذا الحال. 923 - والمشركون الذين لم يدخلوا في الإسلام مثل البخشية والطونية والبُدّى ونحو ذلك من علماء المشركين وشيوخهم الذين يكونون للكفار من الترك والهند والخُطا وغيرهم تكون الأحوال الشيطانية فيهم أكثر، ويصعد أحدهم في الهواء ويحدثهم بأمور غائبة، ويبقى الدف الذي يغني لهم به يمشي في الهواء، ويضرب رأس أحدهم إذا خرج عن طريقهم، ولا يرون أحداً يضرب له، ويطوف الإناء الذي يشربون منه عليهم ولا يرون من يحمله، ويكون أحدهم في مكان فمن نزل منهم عنده ضيفه طعاماً يكفيهم، ويأتيهم بألوان مختلفة. 924 - وذلك من الشياطين تأتيه من تلك المدينة القريبة منه أو من غيرها تسرقه وتأتي به. 925 - وهذه الأمور كثيرة عند من يكون مشركاً أو ناقص الإيمان من الترك وغيرهم، وعند التتار من هذا أنواع كثيرة. وأما الداخلون في الإسلام إذا لم يحققوا التوحيد واتباع الرسول، بل دعوا الشيوخ الغائبين واستغاثوا بهم، فلهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيهم مما يرضي الشيطان. 926 - ومن هؤلاء قوم فيهم عبادة ودين مع نوع جهل. يُحمل أحدهم فيوقف بعرفات مع الحجاج من غير أن يحرم إذا حاذى المواقيت،

ولا يبيت بمزدلفة، ولا يطوف طواف الإفاضة، ويظن أنه حصل له بذلك عمل صالح وكرامة عظيمة من كرامات الأولياء، ولا يعلم أن هذا من تلاعب الشيطان به، فإن (1) مثل هذا الحج ليس مشروعاً ولا يجوز باتفاق علماء المسلمين. ومن ظن أن هذا عبادة وكرامة لأولياء الله فهو ضال جاهل. 927 - ولهذا لم يكن أحد من الأنبياء والصحابة يفعل بهم مثل هذا، فإنهم أجل قدراً من ذلك. 928 - وقد جرت هذه القضية لبعض من حُمل وطائفة معه من الإسكندرية إلى عرفة، فرأى ملائكة تنزل وتكتب أسماء الحجاج فقال: هل كتبتموني؟ قالوا: أنت لم تحج كما حج الناس، أنت لم تتعب ولم تحرم ولم يحصل لك من الحج الذي يثاب الناس عليه ما حصل للحجاج. 929 - وكان بعض الشيوخ قد طلب منه بعض هؤلاء أن يحج معهم في الهواء فقال لهم: هذا الحج لا يسقط به الفرض عنكم لأنكم لم تحجوا كما أمر الله ورسوله. 930 - ودين الإسلام مبني على أصلين: على أن يُعبد الله وحده لا يُشرك به شيء، وعلى أن يُعبد بما شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. 931 - وهذان هما حقيقة قولنا: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده / ورسوله".

_ (1) في خ "قال".

فالإله هو الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيماً وخوفاً ورجاء وإجلالاً وإكراماً. والله عز وجل له حق لا يشركه فيه غيره فلا يُعبد إلا الله، ولا يُدعى إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يُطاع إلا الله. 932 - والرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله تعالى أمره ونهيه وتحليله وتحريمه، فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه. والرسول صلى الله عليه وسلم واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وتحليله وتحريمه، وسائر ما بلغه من كلامه. 933 - وأما في إجابة الدعاء، وكشف البلاء، والهداية والإغناء، فالله تعالى هو الذي يسمع كلامهم ويرى مكانهم ويعلم سرهم ونجواهم، وهو سبحانه قادر على إنزال النعم، وإزالة الضر والسقم، من غير احتياج منه إلى أن يعرِّفه أحد أحوال عباده، أو يعينه على قضاء حوائجهم. 934 - والأسباب التي بها يحصل ذلك هو خلقها ويسرها، فهو مسبب الأسباب، وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد: (55: 29) : {يسأله من في السموات والأرض كل يومٍ هو في شأن} . 935 - فأهل السموات يسألونه وأهل الأرض يسألونه، وهو سبحانه لا يشغله سمع كلام هذا عن سمع كلام هذا، ولا يغلطه اختلاف أصواتهم ولغاتهم، بل يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات، ولا يبرمه إلحاح الملحين، بل يحبُّ الإلحاح في الدعاء.

936 - وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأحكام أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجابتهم كما قال تعالى (2: 189) {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ، (2: 219) : {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ} ، (2: 217) {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} إلى غير ذلك من مسائلهم. 937 - فلما سألوه عنه سبحانه وتعالى قال: (2: 186) : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ} فلم يقل سبحانه: "فقل"، بل قال تعالى: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} فهو قريب من عباده. 938 - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لما كانوا يرفعون أصواتهم بالذكر والدعاء فقال: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً قريباً، إن الذي تدعونه أقربُ إلى أحدكم من عنق راحلته" (1) .

_ (1) أخرجه البخاري، 56 - جهاد (131) - باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير (حديث 2992) 64 - كتاب المغازي، 38 - باب غزوة خيبر، حديث (4205) وفي عدد من المواضع. وأحمد (4/394، 402) . ومسلم، (4/2076) ، 48 - كتاب الذكر والدعاء، 13 - باب استحباب خفض الصوت بالذكر، حديث (44، 45) . وأبو داود (2/182 - 183) ، 2 - الصلاة، حديث (1526 - 1528) . والترمذي (5/509) 58 - باب ما جاء في فضل التسبيح والتهليل والتحميد، حديث (3461) . وعبد الرزاق في مصنفه (5/159) ، حديث (9244) . والنسائي في "عمل اليوم والليلة" ص (364 - 365) ، حديث (538) . كلهم من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه.

939 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى صلاته فلا يبصقن قبل وجهه فإن الله قبل وجهه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً، ولكن عن يساره وتحت قدمه" (1) وهذا الحديث في الصحيح من غير وجه. 940 - وهو سبحانه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وهو سبحانه غني عن العرش وعن سائر المخلوقات لا يفتقر إلى شيء من مخلوقاته، بل هو الحامل بقدرته العرش وحملة (2) العرش. 941 - وقد جعل تعالى العالم طبقات، ولم يجعل أعلاه مفتقراً إلى أسفله، فالسماء لا تفتقر إلى الهواء، والهواء لا يفتقر إلى الأرض، فالعليّ الأعلى ربُّ السموات والأرض وما بينهما الذي وصف نفسه بقوله تعالى (39: 67) : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أجل وأعظم وأغنى وأعلى من أن يفتقر إلى شيء بحمل أو

_ (1) أخرجه البخاري في عدد من المواضع، منها في 8 - كتاب الصلاة، 33 - باب حك البزاق باليد في المسجد، حديث (405) ، (406) . و 34 - حك المخاط بالحصى من المسجد، (408) ، (409) ، وحديث (417) عن أبي هريرة، وابن عمر، وأنس، رضي الله عنهم. ومسلم (4/2303) ، 53 - الزهد، حديث (74) من حديث جابر (3707) ، 5 - المساجد 13 - باب النهي عن البصاق، حديث (50) عن ابن عمر مرفوعاً. والنسائي (2/51) ، 8 - مساجد، 31 - باب النهي عن أن يتنخم الرجل في قبلة المسجد حديث (734) من حديث ابن عمر، و 32 - حديث (725) من حديث أبي سعيد. و 32 - حديث (726) من حديث طارق بن عبد الله المحاربي. ومالك في الموطأ (1/194) ، 14 - قبلة 35 - باب النهي عن البصاق في القبلة حديث (4) . وأحمد (2/32، 66) كلاهما من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعاً. (2) في خ: "بحملة".

غير حمل، بل هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، الذي كل ما سواه مفتقر إليه، وهو مستغن عن كل ما سواه. وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع، قد بين فيه التوحيد الذي بعث الله به رسوله قولاً وعملاً. 942 - فالتوحيد القولي مثل سورة الإخلاص {قل هو الله أحد} والتوحيد العملي {قل يَا أَيُّهَا الكافرون} ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهاتين السورتين في ركعتي الفجر (1) وركعتي الطواف (2) وغير ذلك. 943 - وقد كان أيضاً يقرأ في ركعتي الفجر وركعتي الطواف (2: 136) : {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} الآية. وفي الركعة الثانية بقوله تعالى (3: 64) : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (3) . 944 - فإن هاتين الآيتين فيهما دين الإسلام، وفيهما الإيمان القولي والعملي، فقوله/ تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأسْبَاطِ} إلى آخرها يتضمن الإيمان القولي والإسلام، وقوله {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء

_ (1) أخرجه مسلم رقم 726 (1/502) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 14 باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه. (2) أخرجه مسلم رقم (1218) (2/888) ، 15 كتاب الحج، 190 باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر رضي الله عنه. (3) ما يتعلق بركعتي الفجر خرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين حديث 737.

بيننا وبينكم} - الآية إلى آخرها - يتضمن الإسلام والإيمان العملي فأعظم نعمةً أنعمها الله على عباده الإسلام والإيمان وهما في هاتين الآيتين، والله سبحانه وتعالى أعلم. 945 - فهذا آخر السؤال والجواب الذي أحببت إيراده هنا بألفاظه لما اشتمل عليه من المقاصد المهمة والقواعد النافعة في هذا الباب، مع الاختصار، فإن التوحيد هو سرُّ القرآن ولب الإيمان، وتنويع العبارة بوجوه الدلالات من أهم الأمور وأنفعها للعباد في مصالح المعاش والمعاد. والله أعلم. تم الكتاب ولله الحمد والمنة

الفهارس

الفهارس 1 - فهرس الآيات ... (339) 2 - فهرس الأحاديث ... (351) 3 - فهرس الآثار ... (362) 4 - فهرس الأعلام والكنى ... (365) أ - الأعلام ... (365) ب - الكنى ... (378) 5 - فهرس الطوائف ... (383) 6 - فهرس موارد المؤلف ... (385) 7 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق والتخريج ... (388) 8 - فهرس الموضوعات ... (401) 9 - فهرس المقدمة ... (418)

1 - فهرس الآيات

1 - فهرس الآيات الآية ... الفقرة {أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً} ... 771 {آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} ... 944 {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلاهين من دون الله ... } الآية ... 48 حاشية (1) أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد} ... 682 {أتأمرون الناس بالبر وتنسون ... } الآية ... 233 {ادعوهم لآبائهم} ... 125 حاشية (2) {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} ... 764 {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يُبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين} ... 716 {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} ... 662 {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} ... 38 {أفرأيتم ما كنتم تعبدون} ... 456 {المص * كتاب أنزل إليكم} ... 228 {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون} ... 132 {ألم أعهد إليكم يا بني آدم} ... 228

الآية ... الفقرة {الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما} ... 23 {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله} ... 656 {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به} ... 48 {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار} ... 819 أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً} ... 23 {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} ... 683 {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} ... 50، 784 {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} ... 633 {إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا} ... 664 {إنا إلى الله راغبون} ... 155، 216 {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون..} ... 195 {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ... 228 {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} ... 667

الآية ... الفقرة {إن ربي لسميع الدعاء} ... 289 {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} ... 108 - 228 إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا} ... 721 {إن الذين يغضون أصواتهم} ... 384 {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} ... 384 {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} ... 102 {رب إني أعوذ بك أن أسألك} ... 284 {ربنا أفرغ علينا صبرا} ... 195 {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} ... 819 {ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا} ... 296، 595، 674، 819 {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد} ... 172، 284 {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا ... } ... 284 {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون} ... 235 {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ... } ... 6، 668 {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ... } ... 899

الآية ... الفقرة {صلوا عليه وسلموا تسليما} ... 206 {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبلٍ من الله وحبل من الناس} ... 637 {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم} ... 42 {فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب} ... 154، 610، 656، 755 {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ... } ... 228 {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ... } ... 174 {فأقم وجهك للدين حنيفا} ... 899 {فإما يأتينكم مني هدى} ... 228 {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} ... 174 {فإياي فاعبدون} ... 656 {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} ... 180 {فلا تجعلوا لله أنداداً} ... 656 {فلا تخافوهم وخافونِ} ... 659 {فلا تخشوا الناس واخشوني} ... 656، 659 {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} ... 64، 627، 635 {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} ... 21

الآية ... الفقرة {فمن كان يرجو لقاء ربه} ... 783 {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم} ... 11 {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه} ... 145، 238، 607 {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله فلا يملكون مثقال ذرة} ... 23، 145، 612، 722 {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ... 789 {قل أؤنبئكم بخير من ذلكم} ... 595 {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً} ... 646 {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون} ... 40 {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء} ... 458، 943 {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} ... 943 {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} ... 458 {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات} ... 813 {لا تذرون آلهتكم} ... 726 {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} ... 384 {لنتخذن عليهم مسجداً} ... 633 {لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله} ... 721، 782 {ليس لك من الأمر شيء} ... 646 {ما سلككم في سقر} ... 22

الآية ... الفقرة {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة} ... 607، 640 {ما كان للنبي والذين آمنوا} ... 10 {ما للظالمين من حميم} ... 21 {ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع} ... 770 {ما من شفيع إلا من بعد إذنه} ... 770 {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} ... 23، 303، 771 {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه} ... 21 {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} ... 172 {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} ... 174 {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} ... 221 {وإلى ربك فارغب} ... 216 حاشية (2) {وأما السائل فلا تنهر} ... 180 {وأمرت أن أكون من المسلمين} ... 195 {وإن تطيعوه تهتدوا} ... 789 {وأنذر عشيرتك الأقربين} ... 14 {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم..} ... 23 {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} ... 799، 914 {وتوكل على الحي الذي لا يموت} ... 893

الآية ... الفقرة {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى} ... 458 {وجيها في الدنيا والآخرة} ... 4 {وحاجة قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به..} ... 657 {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا} ... 23 {وسيجنبها الأتقى ... } ... 185، 187 {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} ... 854 {وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله} ... 638 {وعدًا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله} ... 813 {وفيكم سماعون لهم} ... 289 {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ... } ... 656 {وقال موسى ياقوم إن كنتم ... } ... 195 {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه} ... 707، 882 {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} ... 23 {وقالوا لا تذرن آلهتكم} ... 24، 91، 894 {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} ... 813 {وكان عند الله وجيها} ... 4 {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} ... 621

الآية ... الفقرة {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} ... 228 {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا} ... 23 {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} ... 77 {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} ... 771 {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا} ... 771 {ولا تقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة} ... 21 {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة} ... 23 {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} ... 681 {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} ... 180 {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} ... 38 {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} ... 23 {والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} ... 662 {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله ... } ... 154، 659 {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} ... 48، 384 {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ... } ... 292 {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا} ... 7

الآية ... الفقرة {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ... 154، 610، 659 {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} ... 702 {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه ... } ... 38 {وما أسألكم عليه من أجر} ... 187 {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب} ... 197 {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} ... 940 {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة} ... 10 {وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون} ... 23، 684، 771 {ومن الذين هادوا سماعون للكذب ... } ... 289 {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله} ... 682، 656 {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} ... 155، 609، 658 {ومن يبتغ غير الإسلام دينا ... } ... 194 {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من ... } ... 195

الآية ... الفقرة {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} ... 789 {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض ... } ... 228 {والنجم إذا هوى} ... 229 {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ... 936 {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ... 295 {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم} ... 23، 684، 771 {ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة} ... 45، 911 {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم} ... 135 {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} ... 234 {يَا أَيُّهَا الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} ... 899 {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا اتقوا الله ... } ... 2، 238، 249، 802 {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم} ... 638 {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى} ... 716 {يَا أَيُّهَا النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} ... 610، 661 {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} ... 658

الآية ... الفقرة {ياعيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا} ... 638 {يجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب إن لهم الحسنى} ... 44 {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} ... 936 {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} ... 936 {يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن} ... 934 {يعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون ... } ... 41 {من يطع الرسول فقد أطاع الله} ... 249، 702، 662 {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} ... 917 {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} ... 179، 808 {واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً} ... 21 {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا} ... 235 {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} ... 909 {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًّا} ... 44 {وإذا سألك عبادي عني} ... 937 {وإذا مسكم الضر في البحر} ... 278

الآية ... الفقرة {وإذ أوحيت إلى الحواريين} ... 195 {وإذ تقول للذي أنعم الله} ... 188

2 - فهرس الأحاديث

2 - فهرس الأحاديث الحديث ... الفقرة "أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة" ... 37 "أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده" ... 645، 655 "إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور" ... 891 "إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم" ... 715 "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ" ... 207، 209، 551، 751، 848 "إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله ثم يصلي على النبي ثم يدعو بعده بما شاء" ... 290، 847 "إذا قام أحدكم إلى صلاته فلا يبصق قبل وجهه" ... 939 "إذا مات ابن آدم انقطع عمله" ... 205 "إذا تكفى همك ويغفر ذنبك" ... 855، 856 "إذاً هذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك" ... 853، 856 "إذهبوا إلى محمد عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" ... 614 "أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" ... 280

الحديث ... الفقرة "أسألك بأن لك الحمد أنت الله المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام" ... 279، 287 "أسألك بكل اسم هو لك" ... 281 "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي" ... 12، 842 "أسعد الناس بشفاعتي" ... 35، 310 "اشتد غضب الله على قوم" ... 87، 398 "أعظم الدعاء إجابة" ... 759 "أعوذ برضاك من سخطك" ... 815 "أعوذ بك من علم لا ينفع" ... 288 "أعوذ بكلمات الله التامات" ... 101، 797 "أعوذ بالله منك" ... 106 "اقطعوا عني لسان هذا" ... 711 "أكثروا عليّ من الصلاة" ... 423 ألا أخبركم بأهل الجنة" ... 273 "اللهم أعني عليهم بسبع" ... 8 حاشية (3) "اللهم أغثنا" ... 697 "اللهم أغفر لقومي" ... 7 "اللهم انجز لي ما وعدتني" ... 297 "اللهم إنك عفوٌّ" ... 282 "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد" ... 791

الحديث ... الفقرة "اللهم إني أسألك بأني أشهد" ... 791 اللهم إني أسألك بحق السائلين" ... 593، 812 "اللهم إني أسألك وأتوسل إليك" ... 736، 737، 677 "اللهم اهد أم أبي هريرة" ... 7 "اللهم صل على آل أبي أوفى" ... 854 "اللهم لا تجعل قبري وثنا" ... 398، 642، 731، 779 "اللهم لك الحمد وإليك المشتكى" ... 764 "إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد" ... 898 "إن أبي وأباك في النار" ... 13 "إن أحدكم ليسألني المسألة" ... 181 "إن أمن الناس علينا في صحبته" ... 186 "إن أهون أهل النار عذابا" ... 6 "إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" ... 851 "إن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم" ... 530، 531، 533، 537 "إن شئت دعوت" ... 529، 737، 839 "إن عفريتا من الجن" ... 102

الحديث ... الفقرة "إن لله ملائكة سياحين" ... 422 "إنه لما اقترف آدم الخطيئة" ... 493 "إن من عباد الله لو أقسم على الله" ... 271، 274 "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد" ... 68، 89، 648، 723، 734، 885 "إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل بريرة أن تمسك زوجها ولا تفارقه" ... 705 "إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركوعات" ... 503 "إن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلاً أن يدعو فيقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة" ... 736 "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس "إني أبرأ إلى الله ... "... 734 "إن نوحاً أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض" ... 725 "إنكم تأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء" ... 561 "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ... 222 "إنما ذاك الشرك كما قال العبد الصالح ... "... 658 "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" ... 654 "أن لا تسألوا الناس شيئاً" ... 159 "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا" ... 787 "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة" ... 388

الحديث ... الفقرة "أنتم ومن مات لا يشرك بالله شيئاً في شفاعتي" ... 37، حاشية (1) "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله" ... 647، 763 "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل" ... 734 "أول ما خلق الله العقل" ... 451 "أيها الناس أربعوا على أنفسكم" ... 938 "بعثت بالسيف" ... 39 "ثلاث من كن فيه" ... 663 "ثنتان لا تردان" ... 852 "حتى وجدت برد لسانه" ... 103 "حق الله على عباده" ... 814 "حيثما مررت بغير مشرك" ... 13 "خلق الله التربة يوم السبت" ... 506 "خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة" ... 37 "رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين" ... 272، 836 "ساعتان تفتح فيهما" ... 852 "سل تعطه ... "... 291 "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين المسلمين ... "... 81 "السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... "... 82 "السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. السلام على أبي بكر ... "... 391 "سلو الله لي الوسيلة" ... 243

الحديث ... الفقرة "سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" ... 80 "شفاعتي لمن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه" ... 35 "صدقك وهو كذوب" ... 98 "صلى الله عليك وعلى زوجك" ... 854 "صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا" ... 427 "عجل هذا" ... 847 "على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره" ... 703 "فأحمد ربي بمحامد يفتحها عليّ لا أحسنها الآن" ... 772 "فانطلق فتوضأ ثم صلِ ركعتين" ... 738 "قل كما يقولون" ... 849 "كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق" ... 763 "كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره" ... 162، 163 "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن" ... 458 "كم من أشعث أغبر ذي طمرين" ... 837 "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة" ... 15 "لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا" ... 798 "لا تتخذوا بيتي عيداً" ... 430 "لا تتخذوا قبري عيداً" ... 424، 428، 723

الحديث ... الفقرة "لا تجعلوا قبري عيداً" ... 399 "لا تجلسوا على القبور" ... 420، 649، 877 "لا تحلفوا بآبائكم" ... 263 "لا تحلفوا إلا بالله" ... 263، 605 "لا تسبوا أصحابي" ... 407 "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" ... 650، 651 "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم" ... 643، 735، 778 "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد" ... 644، 776 "لا تنسنا يا أخي من دعائك" ... 210، 749 "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ... 704 "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة" ... 6 "لعن الله اليهود والنصارى أتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ... 69، 88، 780، 884 "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذو قبور أنبيائهم مساجد" ... 641، 733 "لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته" ... 36 "لم تصرف وجهك عنه" ... 431

الحديث ... الفقرة "لو رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه" ... 105 "ما بين بيتي ومنبري روضة" ... 418 "ما شئت وما زدت فهو خير لك" ... 853 "ما شئت؟ قال: الربع" ... 212 "ما من أحد يسلم على" ... 405 "ما من داعٍ يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم" ... 386 "ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة" ... 173، 760 "ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه" ... 864 "ما من مسلم يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي" ... 865 "مكانكم حتى آتيكم" ... 12 "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ... 785 "من استطاع أن يطيل غرته" ... 559 "من أسدى إليكم معروفا" ... 191 "من حلف بغير الله فقد أشرك" ... 262، 605، 794 "من حلف باللات والعزى" ... 264 "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه" ... 202، 753

الحديث ... الفقرة "من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي" ... 116 "من زارني بعد مماتي" ... 406 "من سألكم بالله فأعطوه" ... 277 "من سئل عن علم يعلمه فكتمه" ... 175 "من سره أن يحفظ فليصم سبعة أيام" ... 513 "من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن" ... 511 "من شغله قراءة القرآن عن ذكري وسألني أعطيته" ... 170 "من صلى علي عندي قبري سمعته" ... 425 "من صلى عليّ مرة صلى الله عليه عشرا" ... 846 "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" ... 786 "من قال إذا يسمع النداء" ... 551 "من قال حين يسمع النداء" ... 208، 244 "من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب ... "... 850 "من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت" ... 263، 605، 793 "من الكلمات التي تاب الله بها على آدم" ... 494 "من مات وهو يدعو ندا من دون الله دخل النار" ... 653 "من نذر أن يطيع الله فليطعه" ... 412 "نعم، وجدته في غمرات ... "... 6 "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ قبره مسجدا" ... 641، 723

الحديث ... الفقرة "وأسألك بحق السائلين عليك" ... 294 "وسئل: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك" ... 654 "ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير" ... 546 "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع" ... 788 "ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" ... 734 "ومن لقي الله لا يشرك به شيئا فهو في شفاعتي" ... 37 "وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم" ... 634 "ويحك! أتدري ما الله؟ إن الله لا يستشفع به على أحد" ... 698 "هذا سبيل الله وهذه سُبل على كل سبيل منها شيطان" ... 64 "هو موضع الغل" ... 559 "يا أنس! كتاب الله القصاص" ... 837 "يَا أَيُّهَا الناس اذكروا الله. جاءت الراجفة" ... 853 "يا بني كعب بن لؤي، أنفذوا" ... 14 "يا رسول الله جهدت الأنفس" ... 434 "يا عبادي إني حرمت الظلم عن نفسي" ... 815 "يا غلام إني معلمك كلمات" ... 156 "يا فاطمة بنت محمد. ياصفية" ... 14 "يامعشر قريش اشتروا أنفسكم" ... 14 "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا من غير حساب" ... 160، 756

الحديث ... الفقرة "اليد العليا خير من اليد السفلى" ... 223 "اليد العليا هي المعطية واليد السفلى السائلة" ... 224 "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة" ... 11 "اليهود مغضوب عليهم، النصارى ضالون" ... 230

3 - فهرس الآثار

3 - فهرس الآثار الأثر ... الفقرة (احذروا فتنة العالم) عن غير واحد من السلف ... 232 (إذا قال لك السائل بارك الله فيك) بعض السلف ... 793 (استغاثة المخلوق بالمخلوق) البسطامي ... 765 (اسمع ما يدعون به لنا) عائشة ... 192 (اللهم اجعل عملي كله صالحا) ... 784 (اللهم اعصمنا بدينك وطواعيتك) ... 301 (اللهم أمرتني فأطعتك) ... 820 (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك) عمر ... 578 (اللهم إنك قلت وقولك الحق) ابن عمر ... 301 (أما إليك فلا) إبراهيم عليه السلام ... 166 (إن كان أراد القبر فلا يأته) ... 651 (إن أبا بكر كان يسقط السوط من يده) ... 58 (إن الكتابية لا يجوز نكاحها) ابن عمر ... 573 (إن المبتوتة لها السكنى والنفقة) ابن مسعود ... 573 (إن المحرم إذا مات بطل إحرامه) ابن عمر ... 573 (إن الريق نجس) سلمان ... 573 (إنها تعتد أبعد الأجلين) علي وابن عباس ... 573 (إنه لا مهر لها إذا مات الزوج [أي المفوضة] ) ... 573 (بحق آبائي عليك) داود عليه السلام ... 823

الأثر ... الفقرة (حسبي من سؤالي علمه بحالي) إبراهيم عليه السلام ... 64 (حسبي الله ونعم الوكيل) ابن عباس ... 165 (دخلنا على رجل من الأنصار) أنس ... 822 (ربما ذكرت قول الشاعر) ابن عمر ... 693 (السلام عليك يا رسول الله) ابن عمر ... 866 (قل كما قالت الأنبياء) مالك ... 685 (كيف بنا إذا لقينا العدو) عمر ... 183 (كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر) ابن مسعود ... 291 (كانوا يقولون من فسد من علمائنا) سفيان بن عيينة ... 231 (كان عمر في سفر فصلى الغداة) المعرور بن سويد ... 566 (كان من بين آدم ونوح عشرة قرون) ابن عباس ... 91، 724 (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليَّ) ابن مسعود ... 267 (لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به) أبو حنيفة ... 256، 828 (لا يجوز الاشتراط في الحج) ابن عمر ... 573 (لا يجوز لأحد أن يتوسل إلى الله بأحد من خلقه) ابن عبد السلام ... 842 (ليس عليها لزوم المنزل) ابن عباس ... 573 (ولولا ذلك لأبرز قبره) عائشة ... 69، 733 (هؤلاء قوم صالحون كانوا في قوم نوح) ابن عباس ... 24 (هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم) منسوب إلى مالك ... 872

الأثر ... الفقرة (يادليل الحيارى) ... 283 (يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك) ... 853

4 - فهرس الأعلام والكنى

4 - فهرس الأعلام والكنى أ - الأعلام العلم ... الفقرة آدم عليه السلام: ... 614، 657، 676، 717، 720، 724، 758، 874. إبراهيم الهجري ... 486، 504، 614، 657، 660، 676، 720، 823، 899، 909 أحمد بن إسحاق الجوهري: ... 513 أحمد بن إسماعيل السهمي أبو حذيفة ... 385 أحمد بن زيد الجريش ... 522 أحمد بن سيار ... 554 أحمد بن شبيب بن سعيد ... 537، 542، 543 أحمد بن شعبة ... 400 أحمد بن عمر أبو العباس ... 384 أحمد بن محمد بن حنبل ... 266، 268، 283، 374، 375، 389، 405، 411، 481، 486، 491، 496، 504، 516، 521، 525، 533، 555، 587، 593، 739، 795، 796، 797، 804، 870، 871.

العلم ... الفقرة إسحاق عليه السلام ... 823، 944 إسحاق بن بشر ... 509 إسحاق بن راهوية ... 516 القاضي إسماعيل ... 651 إسماعيل عليه السلام ... 944 إسماعيل بن أبان الغنوي ... 520، 521 إسماعيل بن إبراهيم ... 822 إسماعيل بن إسحاق القاضي ... 874 إسماعيل بن سلمة ... 493 إسماعيل بن شبيب الحبطي ... 536 إسماعيل بن عياش ... 545 أصبغ بن الفرج ... 546 أنس ... 371، 663، 692، 822، 851، 868 أنس بن النضر ... 837 أوس بن أوس ... 423 أويس القرني ... 750 أيوب السختياني ... 377 البراء بن مالك ... 274، 275، 836 بريرة ... 705

العلم ... الفقرة البزار ... 406 بشر بن البراء ... 627 بشر بن الوليد ... 256، 828 بطرس ... 248 ثابت ... 822 جابر بن عبد الله ... 551، 850 جرجس ... 48 جعفر ... 811 جعفر بن محمد ... 379 جندب ... 734 الحاكم ... 491، 495، 498، 539، 629 الحسن بن علي ... 427، 430 حماد بن سلمة ... 535، 538، 541، 548 حيوة بن شريح المصري ... 405 خالد بن خداش العجلاني ... 822 الخضر ... 46، 115 خيثمة بن سليمان ... 515 داود ... 823 داود بن سلمة ... 627 داود بن علي ... 516

العلم ... الفقرة الربيع بن أنس ... 628 رزين بن معاوية العبدري ... 489 روح ... 739 روح بن عبادة ... 532، 541، 540، 547، 556 روح بن الفرج ... 541 روح بن القاسم ... 534، 536، 538، 540، 544، 545، 546، 549 زاذان ... 422 زَرِيب بن ثرملا ... 497 زهير بن العلاء ... 513 زيد ... 573 زيد بن حارثة ... 188 زيد بن الحباب ... 490 سابق بن ناجية ... 542 سعيد بن جبير ... 627، 629 سفيان الثوري ... 520، 521، 522 سفيان بن حسين ... 545 سفيان بن عيينة ... 231، 516 سلام بن مشكم ... 627 سلمان ... 573

العلم ... الفقرة سلمة ... 532 سليمان بن مهران الأعمش ... 426 سهل بن سعد ... 852 شبيب بن سعيد ... 534، 536، 540، 542، 543، 546 شعبة ... 530، 531، 535، 538، 541، 546، 548، 554، 566، 739. شقيق ... 512 شهريار الديلمي ... 518 صالح المُرّي ... 522 صفوان بن سليم ... 382 الضحاك ... 626 طارق بن عبد العزيز ... 520، 521 الطفيل بن أبي كعب ... 853 عائشة رضي الله عنها ... 418، 419، 733، 785 عاصم بن عمر بن قتادة ... 625 عامر بن شرحبيل الشعبي ... 520 عامر بن عبد الله بن الزبير ... 381 العباس بن عبد المطلب ... 372، 580، 689، 692، 713، 730

العلم ... الفقرة عبد الرحمن بن أبي الزناد ... 494، 522 عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ... 493، 495 عبد الرحمن بن القاسم ... 380 عبد الرحمن بن مهدي ... 516 عبد العزيز الكناني ... 515 الحافظ عبد الغني ... 515 عبد القادر الجيلاني ... 112 عبد الله بن إسماعيل بن أبي مريم ... 493 عبد الله بن جعفر ... 810 عبد الله بن الحسين ... 542 عبد الله بن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب ... 428 عبد الله بن دينار ... 867 عبد الله بن السائب ... 422 عبد الله بن عباس ... 511، 569، 573، 626، 627، 628، 629، 660، 724، 727، 895 عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) ... 371، 391، 394، 395، 562، 563، 569، 573، 693، 866، 867

العلم ... الفقرة عبد الله بن عمر العمري ... 406 عبد الله بن عمرو بن العاص ... 551، 848 عبد الله بن المبارك ... 516 عبد الله بن مسعود ... 422، 512، 563، 573، 596، 658 عبد الله بن مسلم الفهري ... 493 عبد الله بن المنتاب أبو الحسن ... 384 عبد الله بن نافع ... 424، 427 عبد الله بن وهب ... 541، 526، 547 عبد الملك بن سعيد بن أبجر ... 524 عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ... 511 عبد الملك بن هارون بن عنترة ... 488، 490، 491، 629 عبيدة ... 512 عثمان بن حنيف ... 530، 531، 534، 536، 539، 546، 548، 557، 577، 737، 738، 739 عثمان بن عفان ... 526، 546، 563 عثمان بن عمر ... 530، 531، 539، 546، 548، 554

العلم ... الفقرة عدي بن حاتم ... 542 العزير ... 608، 640، 777 عطاء ... 511 عطية بن سعد العوفي ... 593، 812 عكرمة ... 627 العلاء بن عبد الرحمن ... 427 علي بن الحسين زين العابدين ... 429 علي بن أبي طالب ... 429، 563، 573، 810 علي بن عمر الدارقطني ... 406، 491، 521 علي بن فهر أبو الحسن ... 384 علي بن المديني ... 516، 542 عمارة بن خزيمة بن ثابت ... 530، 531، 535، 538، 539، 548، 739 عمر بن الخطاب ... 372، 373، 374، 394، 444، 493، 559، 563، 565، 566، 567، 573، 577، 578، 582، 639، 679، 692، 694، 712، 744، 745، 749، 784، 788 عمر بن عبد العزيز ... 419، 512 عمر الملا الموصلي ... 518

العلم ... الفقرة عمرو بن الحريث ... 569 عمرو بن شعيب ... 486 عمير بن يزيد الخطمي المديني ... 739 عون بن عمارة ... 540 القاضي عياض ... 376، 382، 390، 425، 430، 508 عيسى بن مريم ... 614، 643، 676، 716، 717، 720، 735، 778، 804، 899 فاطمة بنت رسول الله ... 542 فضالة بن عبيد ... 847 الفضيل بن عياض ... 783 فضيل بن مرزوق ... 593 قتادة بن دعامة السدوسي ... 626 كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ... 476 رفاعة ... 524 كعب الأحبار ... 509 لبيد ... 458

العلم ... الفقرة مالك بن أنس ... 49، 68، 639، 375، 384، 385، 389، 394، 396، 401، 404، 411، 412، 417، 432، 440، 444، 516، 587، 642، 651، 731، 796، 866، 870، 871، 874، 875، 876، 887 المأمون ... 521 مجاهد بن جبر ... 512 محرز بن هشام ... 490 أبو بكر بن محمد بن أحمد بن الفرج ... 384 محمد بن إدريس الشافعي ... 266، 268، 375، 389، 411، 424، 504، 516، 587، 736، 870، 871 محمد بن إسحاق ... 625، 627 محمد بن جرير الطبري ... 516 محمد بن حميد الرازي ... 385 محمد بن شهاب الزهري ... 382، 512، 542، 543، 545 محمد بن عبد الواحد المقدسي ... 429 محمد بن عجلان ... 521

العلم ... الفقرة محمد بن أبي محمد ... 627 محمد بن مروان السدي ... 426 محمد بن المنكدر ... 378 محمد بن نصر المروزي ... 516 محمود بن غيلان ... 531، 554 مروان بن محمد الطاطري ... 386 مريم عليها السلام ... 861 مسلم بن إبراهيم ... 548 المسيح ... 608، 615، 638، 640، 717، 720، 777 مسيلمة الكذاب ... 275 مصعب بن عبد الله ... 378 معاذ بن جبل ... 563، 573، 627، 652، 814 معاذ بن هشام ... 538 معاوية بن أبي سفيان ... 373، 507، 573، 579، 695، 713 المعرور بن سويد ... 566 معمر ... 626 مقاتل ... 511 المنصور ... 874

العلم ... الفقرة موسى عليه السلام ... 614، 676، 716، 720، 764، 804، 881، 899، 897 موسى بن إبراهيم ... 512 موسى بن إبراهيم المروزي ... 512 موسى بن عبد الرحمن ... 511 موسى بن محمد بن حبان ... 427 نافع ... 391 نوح عليه السلام ... 614، 676، 720، 724، 726، 899، 909 وكيع ... 512، 516، 593 الوليد بن عبد الملك ... 419 الوليد بن مسلم ... 386 وهب بن منبه ... 509 هارون بن يوسف التاجر ... 494 هشام الدستوائي ... 535، 537، 541 يحيى بن زكريا ... 638 يحيى بن سعيد القطان ... 516 يحيى بن معين ... 491، 506، 512، 521، 629 يحيى بن يحيى الليثي ... 394 يزيد بن الأسود ... 372، 580، 695، 713

العلم ... الفقرة يزيد بن عبد الله بن قسيط ... 405 يعقوب ... 823، 944 يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ... 384 يعقوب بن سفيان ... 537 يعقوب بن شيبة ... 385 يوسف ... 633 يوسف بن يزيد ... 513 يونس ... 542، 543

ب - الكنى

ب - الكنى الكنية ... الفقرة أبو أحمد بن عدي ... 517، 542 أبو إسماعيل الأنصاري ... 517 أبو الأشعث ... 513 أبو الأشعث الصنعاني ... 423 أبو أمامة بن سهل ... 534، 536، 537، 540، 546 أبو بكر الآجري ... 493، 494 أبو بكر الإسماعيلي ... 517 أبو بكر البيهقي ... 517 أبو بكر الحنفي ... 42 أبو بكر الخطيب ... 15 أبو بكر بن أبي خيثمة ... 548 أبو بكر بن أبي الدنيا ... 822 أبو بكر بن أبي شيبة ... 425 أبو بكر الصديق ... 394، 396، 488، 490، 563، 629، 647، 866، 867 أبو جعفر الخطمي ... 530، 531، 535، 537، 540، 546، 548 أبو جعفر المديني ... 533، 534، 536

الكنية ... الفقرة أبو جعفر المنصور ... 384 أبو حاتم ... 496، 516، 517، 521 أبو حاتم السجستاني ... 522 أبو الحسن الدارقطني ... 517 أبو الحسين القدوري ... 255، 257، 302، 828، 830 أبو حنيفة ... 251، 254، 256، 266، 268، 285، 369، 411، 587، 796، 828، 830، 841، 870، 872، 889 أبو ذر ... 815 أبو روق ... 626 أبو زرعة ... 123، 516، 385، 496، 521 أبو سعيد البصري التميمي ... 542 أبو سعيد الخدري ... 593، 650، 812 أبو سفيان بن حرب ... 507 أبو الشيخ الأصبهاني ... 489، 513، 515 أبو صالح ... 426 أبو صخر ... 405 أبو طلحة ... 572 أبو العالية ... 624، 628

الكنية ... الفقرة أبو عبد الله القرشي ... 766 أبو عبد الله المقدسي ... 514، 546 أبو عثمان بن خالد ... 494 أبو العلاء ... 467، 475 أبو علي ... 783 أبو علي بن البناء ... 515 أبو عمر بن عبد البر ... 517، 864 أبو الفرج بن الجوزي ... 467، 491 أبو الفضل بن ناصر ... 515 أبو القاسم الزنجاني ... 517 أبو القاسم بن عساكر ... 515 أبو الليث السمرقندي ... 508، 515 أبو محمد المكي ... 508 أبو محمد بن حزم ... 517 أبو محمد بن عبد السلام ... 842 أبو مرثد الغنوي ... 420، 877 أبو مروان العثماني ... 494 أبو مصعب ... 385 أبو موسى المديني ... 490، 491، 514، 515 أبو نعيم ... 489، 515، 522، 823

الكنية ... الفقرة أبو الوليد الباجي ... 395، 397 أبو هاشم ... 524 أبو هريرة ... 405، 422، 424، 426، 559، 561، 650، 898 أبو الهياج الأسدي ... 27 أبو يزيد البسطامي ... 765 أبو يعلي الموصلي ... 427 أبو يوسف ... 256، 828، 829، 830، 841، 889 أم حبيبة ... 507 أم سليم ... 184 أم أبي هريرة ... 7، 184 الأبناء ابن الأثير ... 489 ابن أبي حاتم ... 625، 626 ابن حبان ... 521 ابن حبيب ... 396 ابن حميد ... 384 ابن أبي الدنيا ... 520، 524 ابن أبي ذئب ... 424

الكنية ... الفقرة ابن خزيمة ... 499، 519 ابن سلام ... 542 ابن السني ... 489 ابن سينا ... 92، 455 ابن عدي ... 491، 542، 543، 544، 545، 547 ابن عقيل ... 542، 597، 868 ابن القاسم ... 394، 396 ابن أبي قسيط ... 393 ابن المنذر ... 268، 516 ابن وارة ... 385 ابن وهب ... 389، 394، 543، 544، 549

5 - فهرس الطوائف والفرق

5 - فهرس الطوائف والفرق الطائفة ... الفقرة الاتحادية ... 701 بنو إسرائيل ... 897 الإسماعيلية ... 447 الخوارج ... 19، 471، 691 الرافضة ... 471 الزيدية ... 19 الشيعة ... 474 الصوفية ... 447، 869 القدرية ... 471 قريظة حلفاء الأوس ... 630، 636 قوم إبراهيم ... 45 قوم نوح ... 45، 90، 91 المتكلمة ... 447 المرجئة ... 471 المعتزلة ... 19، 691 ملاحدة الفلاسفة الدهرية ... 92 المنافقون ... 5، 6، 77، 763 النصارى ... 735، 778، 780، 861، 884، 906

الطائفة ... الفقرة النضير حلفاء الخزرج ... 630، 636 الوعيدية ... 691 اليهود ... 625، 628، 629، 630، 631، 636، 637، 638، 780، 884

6 - فهرس موارد المؤلف

6 - فهرس موارد المؤلف المورد ... الفقرة الأحاديث الجياد المختارة بما ليس في الصحيحين أو أحدهما لضياء الدين المقدسي ... 104 الجامع الصحيح للإمام البخاري ... 11، 15، 26، 35، 91، 98، 116، 165، 208، 223، 660، 692، 693، 727، 735، 751، 756، 786، 787، 793، 798، 814، 815، 836، 837، 846، 898، 939 جواب المسائل البغدادية ... 213 الحلية لأبي نعيم ... 823 سنن الترمذي ... 37، 170، 210، 212، 230، 262، 290، 291، 736، 737، 794، 847، 851، 853 السنن لأبي داود ... 80، 84، 105، 210، 290، 698، 732، 791، 847، 849، 851، 852، 865 السنن لابن ماجه ... 84، 210، 294، 593، 737، 791، 812

المورد ... الفقرة السنن للنسائي ... 84، 104، 736، 738، 791، 847، 849، 851 شرح الكرخي لأبي الحسين القدوري ... 255، 828 الصحيحان ... 15، 69، 102، 160، 263، 264، 271، 273، 641، 643، 650، 653، 658، 663، 697، 725، 733، 778، 785، 788، 821، 884 صحيح مسلم ... 12، 13، 14، 15، 27، 36، 68، 82، 84، 106، 116، 159، 173، 202، 205، 207، 223، 225، 272، 273، 648، 649، 760، 848، 885 فتاوى الفقيه أبي محمد بن عبد السلام ... 842 الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية ... 137 مجابو الدعاء لابن أبي الدنيا ... 822 المبسوط للقاضي إسماعيل ... 651

المورد ... الفقرة مستدرك الحاكم ... 104، 222، 262، 629 مسند الإمام أحمد ... 39، 105، 158، 166، 210، 212، 294، 593، 739، 847، 850، 851، 853 المضنون به على غير أهله ... 455 المعجم للطبراني ... 647، 763 منسك المروذي ... 804 الموطأ للإمام مالك ... 642، 731، 866

7 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق والتخريج

7 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق والتخريج (أ) الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان للأمير علاء الدين علي بن بلبان (739) ط بيروت 1407هـ. أحوال الرجال للحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت 259) ط بيروت 1405هـ. الأدب المفرد للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (256) ط القاهرة 1379هـ. الأذكار ليحيى بن شرف النووي (676) ط بيروت 1401هـ. أسد الغابة لعز الدين علي بن محمد بن الأثير (630) ط القاهرة 1390هـ. الأسماء والصفات للحافظ أحمد بن الحسين البيهقي (458) تصوير دار التراث بيروت. الإصابة للحافظ أحمد بن علي بن حجر (852) نشر دار الكتب العلمية بيروت. اقتضاء الصراط المستقيم للإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (728) ط السنة المحمدية 1369هـ. الأم للإمام محمد بن إدريس الشافعي (204) نشر مكتبة الكليات الأزهرية (1381هـ) .

الأنوار الكاشفة للعلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ط لاهور 1402هـ. الإيضاح ليحيى بن شرف النووي (676) ط دار التأليف بمصر. (ب) البحر الرائق للعلامة إبراهيم بن محمد بن نجيم الحنفي (ت 970) تصوير دار المعرفة بيروت. البدع والنهي عنها للعلامة محمد بن وضاح القرطبي (286) . (ت) تأريخ بغداد للحافظ أحمد بن علي الخطيب (463) نشر دار الكتاب العربي بيروت. تأريخ أبي زرعة الدمشقي عبد الرحمن بن عمرو (281) . تأريخ دمشق للحافظ أبي القاسم علي بن حسن بن عساكر (ت 571) صورة عن مخطوطة بالظاهرية. التأريخ للإمام يحيى بن معين (ت233) رواية الدوري تحقيق الدكتور أحمد نور سيف ط 1399هـ. التأريخ للإمام محمد بن جرير الطبري (ت310) ، ط دار المعارف بمصر 1387هـ. التأريخ الكبير للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (256) مصورة ببيروت 1407هـ.

التأريخ لأحمد بن يعقوب اليعقوبي (ت 284) تصوير بيروت 1400هـ. تحذير الساجد للمحدث محمد ناصر الدين الألباني ط المكتب الإسلامي بيروت. تحفة الأحوذي للعلامة عبد الرحمن المباركفوري (1353) ط السلفية بمصر. تخريج أحاديث مشكلة الفقر للعلامة محمد ناصر الدين الألباني ط بيروت 1405. تذكرة الحفاظ للحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748) ، تصوير دار التراث، بيروت. ترتيب المدارك للقاضي عياض بن موسى (544) ، ط الأوقاف المغربية. تعجيل المنفعة للحافظ أحمد بن علي بن حجر (ت 852) ، ط دار المحاسن، 1386هـ. التفسير للإمام محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) ، ط الحلبي 1373هـ. التفسير للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير القرشي (774) ، ط الحلبي. التقريب للحافظ أحمد بن علي بن حجر الطبعتان المتداولتان.

تلخيص المستدرك للحافظ محمد بن أحمد الذهبي (ت 748) ، المصورة مع المستدرك. التمهيد للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر (ت 463) ، ط وزارة الأوقاف المغربية 1405هـ. تنزيه الشريعة للحافظ علي بن محمد بن عراق الكناني (963) ، ط عاطف بمصر. تهذيب الكمال للحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي (742) ، مصورة الظاهرية. تهذيب التهذيب للحافظ أحمد بن علي بن حجر (852) ، تصوير دار صادر عن الهندية. (ث) الثقات للإمام محمد بن حبان البستي (ت 345) ، ط حيدر آباد - الهند 1395 - 1403هـ. (ج) جامع بيان العلم للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري (ت463) ، نشر السلفية 1388هـ. جامع العلوم والحكم للحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب (ت795) ، نشر دار المعرفة - بيروت. الجامع للحافظ أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463) ، ط مكتبة المعارف - الرياض.

الجرح والتعديل للحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327) ، تصوير دار الكتب - بيروت عن الهندية. حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430) تصوير دار الكتاب - بيروت. (د) الدر المنثور، للحافظ عبد الرحمن السيوطي (ت 911) ط دار الفكر 1403هـ. دلائل النبوة للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430) ، دار المعرفة - بيروت. دلائل النبوة للحافظ أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458) ، دار الكتب العلمية - بيروت. الرد على الأخنائي للإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (ت 728) ، نشر الرئاسة العامة - الرياض. الروض الأنف للعلامة عبد الرحمن السهيلي (ت581) ، دار النصر القاهرة. (ر) الرسالة اللدنية لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505) ، نشر مكتبة الجندي بمصر.

(ز) زاد المعاد للإمام محمد ابن أبي بكر ابن القيم (ت 751) ، ط مؤسسة الرسالة. (س) سلسلة الأحاديث الضعيفة للمحدث محمد ناصر الدين الألباني، ط المكتب الإسلامي - بيروت. السنة للحافظ أبي بكر عمرو بن أبي عاصم (ت 287) ، ط المكتب الإسلامي. السنن للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (385) تحقيق عبد الله هاشم، 1386هـ. السنن للحافظ عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت255) ، تحقيق عبد الله هاشم 1386هـ. السنن للإمام سعيد بن منصور (ت227) تحقيق الأعظمي. السنن الكبرى للحافظ أحمد بن الحسين البيهقي (ت458) ، تصوير دار صادر - بيروت. السيرة لأبي محمد عبد الملك بن هشام (ت 218) ، مؤسسة علوم القرآن. سير أعلام النبلاء للحافظ محمد بن أحمد الذهبي (ت 748) ، ط مؤسسة الرسالة (1401 - 1405) هـ.

(ش) شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ت416) نشر مكتبة وهبة - القاهرة. شرح السنة للإمام حسين بن مسعود البغوي (ت 516) ، نشر المكتب الإسلامي، بيروت، (1390 - 1400هـ) . شرح صحيح مسلم ليحيى بن شرف النووي (676) . شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة (ت 321) ، ط الأنوار المحمدية. شرح الموطأ للعلامة محمد الزرقاني (ت1122) ، ط القاهرة. الشريعة للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت 360) ، ط السنة المحمدية القاهرة 1369هـ. الشفاء للقاضي عياض بن موسى (ت 544) ، ط القاهرة. (ص) الصارم المنكي لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي (ت 744) ط الإمام بمصر. الصحيح للإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311) المكتب الإسلامي. (ض) الضعفاء للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256) .

الضعفاء والمتروكون للإمام علي بن عمر الدارقطني (ت 385) ، مكتبة المعارف - الرياض 1404هـ. الضعفاء لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي (322) ، دار الكتب العلمية - بيروت 1404هـ. الضعفاء للإمام أحمد بن شعيب النسائي (ت 303) ، مؤسسة الكتب الثقافية 1405هـ. ضعيف الجامع للمحدث ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي 1399هـ. (ط) الطبقات للإمام محمد بن سعد (ت230) ، دار صادر - بيروت. طبقات المدلسين للحافظ ابن حجر (ت 852) ، ط دار الكتب العلمية - بيروت 1405هـ. (ع) عمل اليوم والليلة للحافظ أبي بكر أحمد بن محمد بن السني (ت 364) ، دار الطباعة القاهرة 1389هـ. عمل اليوم والليلة للإمام أحمد بن شعيب النسائي (303) ، الرئاسة العامة الرياض 1401هـ. العلل للإمام أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241) ، أنقرة 1963م. العلل للحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327) تصوير عن طبعة القاهرة.

(غ) غريب الحديث للحافظ عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي (ت 597) ط دار الكتب العلمية - بيروت. فتح الباري للحافظ أحمد بن علي بن حجر (ت 852) ط السلفية. فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، للقاضي إسماعيل (ت 282) ، المكتب الإسلامي. (ك) الكاشف للحافظ محمد بن أحمد الذهبي (ت 748) ، ط دار النصر، 1392هـ. الكافي للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري (463) ، ط مكتبة الرياض 1400هـ. الكامل، لأبي أحمد عبد الله بن عدي (ت 365) ، ط دار الفكر 1404هـ. كتاب الصمت، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا (ت 281) ، دار الغرب 1406هـ. كتاب المجروحين، للحافظ محمد بن حبان البستي (ت 354) ، دار الوعي، حلب 1396هـ. كشف الأستار، للحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي (807) ، مؤسسة الرسالة 1399هـ.

كشف الخفاء للعلامة إسماعيل بن محمد العجلوني (ت 1162) ، مصورة عن دار إحياء التراث العربي. كنز العمال، للمحدث علي المتقي بن حسام الهندي (ت 975) تصوير مؤسسة الرسالة. (ل) اللآلئ المصنوعة، للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (911) ط القاهرة. لسان الميزان، للحافظ أحمد بن علي بن حجر (852) ، تصوير مؤسسة الأعلمي، بيروت. (م) مجابو الدعوة، للحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا (ت 281) ط دار الكتب العلمية - بيروت. مجمع الأنهر للعلامة عبد الله بن محمد داماد أفندي الحنفي (تصوير إحياء التراث العربي) . مجمع الزوائد، للحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807) ، تصوير دار الكتاب بيروت. مجموع الفتاوى للإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (728) ط الرياض. المجموع ليحيى بن شرف النووي (ت 676) ، ط العامة القاهرة.

مختصر قيام الليل، لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي (845) ، نشر أكاديمي باكستان. المدخل إلى الصحيح، للحافظ أبي عبد الله الحاكم (405) ، مؤسسة الرسالة 1404هـ. المدونة للإمام سحنون بن سعيد التنوخي (240) ، تصوير دار صادر - بيروت. مراتب الإجماع، للحافظ علي بن أحمد بن حزم (ت 456) ، دار الكتب العلمية - بيروت. المستخرج، للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (430) ، مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية. المسند للإمام أحمد بن محمد بن حنبل (241) ، تصوير دار صادر - بيروت. المسند، للحافظ أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني (ت 316) ط حيدر آباد 1385هـ. المسند، للحافظ أبي يعلى أحمد بن علي الموصلي (ت307) ، ط دار المأمون دمشق 1404 - 1407هـ. المسند للحافظ عبد الله بن الزبير الحميدي (ت219) ، نشر المجلس العلمي - كراتشي. المسند، للإمام سليمان بن داود الطيالسي (204) ، مصورة عن طبعة حيدر آباد.

مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي (ت بعد 737) ، المكتب الإسلامي 1380هـ. مشكل الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (ت 321) ، تصوير دار صادر. مصباح الزجاجة للمحدث أحمد بن أبي بكر البوصيري (ت 840) مطبعة حسان القاهرة. المصنف للحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت 235) ط الدار السلفية الهند. المصنف للحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211) تحقيق الأعظمي ط 1390هـ. معالم التنزيل للإمام حسين بن مسعود البغوي (ت516) المكتب الإسلامي بيروت. المعجم الأوسط للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني، ط مكتبة المعارف الرياض 1405هـ. المعجم الصغير للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني، ط المكتب الإسلامي بيروت 1405هـ. المعجم الكبير للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي السلفي 1398هـ فما بعدها. معراج السالكين لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505) دار الطباعة القاهرة.

المعرفة والتأريخ لأبي يعقوب يوسف بن يعقوب البسوي (ت277) مطبعة الإرشاد بغداد 1394هـ. المغني للإمام عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة (ت 620) مطبعة الفجالة 1388هـ القاهرة. المغني في الرجال للحافظ محمد بن أحمد الذهبي (748) ، نشر دار المعارف حلب 1391هـ. مقالات الإسلاميين للإمام أبي الحسن الأشعري علي بن إسماعيل (ت324) نشر دار النشر فرانز شتاينر 1400هـ. المهذب للعلامة أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (476) ، ط الحلبي. موارد الظمآن للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807) تصوير دار الكتب العلمية. الموضوعات للحافظ عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (597) . نشر عبد المحسن الكتبي. ميزان الاعتدال للحافظ محمد بن أحمد الذهبي (ت 748) ، ط الحلبي 1382هـ. (ن) النهاية لمجد الدين المبارك بن محمد بن الأثير (606) ط الحلبي 1383هـ. وفاء الوفاء لنور الدين علي بن أحمد السمهودي (911) . تصوير دار إحياء التراث العربي - بيروت 1401هـ.

8 - فهرس الموضوعات

8 - فهرس الموضوعات الموضوع ... الفقرة خطبة الحاجة ... 1 الحلال: ما حلله الله ورسوله ... 2 التوسل بالإيمان بالنبي وطاعته فرض على كل أحد ... 3 هو صلى الله عليه وسلم شفيع الخلائق يوم القيامة ... 4 التوسل في عرف الصحابة ... 5 سبب نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لعمه وأبيه ... 6 اتفاق المسلمين أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الناس جاها ... 9 الانتفاع بالشفاعة موقوف على شروط وأدلة ذلك ... 10-16 شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه تنفع المؤمنين في الدنيا والآخرة باتفاق المسلمين ... 17 إيمان الصحابة والتابعين لهم بإحسان بشفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الذنوب وإنكار أهل البدع لذلك ... 18، 19 إقرار الصحابة والتابعين والأئمة بأحاديث الشفاعة المتواترة ... 20 تعلق منكري الشفاعة ببعض الآيات القرآنية ... 21 جواب أهل السنة على منكري الشفاعة من وجهين وأدلتهم على ذلك ... 22، 23 الشفاعة التي أثبتها المشركون للملائكة والأنبياء ... 24 النبي صلى الله عليه وسلم حسم مادة الشفاعة الشركية وسد ذرائعها ... 26، 27

الموضوع ... الفقرة الفصل الثاني لفظ التوسل يراد به ثلاثة أمور: اثنان منها متفق عليهما ... 28-33 التوسل بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته هو أصل الدين ومنكر هذا كافر ... 31 للرسول صلى الله عليه وسلم شفاعات خاصة وعامة ... 34 التوحيد هو أصل الدين ... 38 إقرار المشركين بتوحيد الربوبية وأدلة ذلك ... 40 المشركون مقرون بأن آلهتهم مخلوقة ولكنهم يتخذونهم شفعاء، وأدلة ذلك ... 41 المشركون صنفان ... 45 خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم ودعاؤهم من أعظم أنواع الشرك بالله ... 50 كثير من الناس يذكرون في هذه الأنواع من الشرك مصالح ويحتجون عليها بحجج من جهة الرأي أو الذوق ... والأجوبة على ذلك ... 51-61 أصل جامع (يعني صراط الله) يجب على كل مؤمن اتباعه ... 65 سد ذرائع الشرك وأدلته ... 67-75 زيارة قبور المسلمين على وجهين - شرعية وبدعية وأدلة ذلك وما يستنبط منها ... 76-91

الموضوع ... الفقرة ما أحدثه فلاسفة الإلحاد من الشرك والشفاعة مما لا يعرفه أتباع الأنبياء ... 92-94 تصرفات شيطانية عند الأوثان والقبور من أعمال وأفعال هي من أعظم أسباب اختلاف البشر ... 95-96 أمور تفضح أعمال الشياطين منها قراءة القرآن ومنها الاستعاذة بالله ... 97-100 قد تتعرض الشياطين للأنبياء لتؤذيهم وتفسد عباداتهم وأدلة ذلك ونصر الله أنبياءه ... 101-107 من كان متبعاً للأنبياء نصره الله بما ينصر به أنبياءه وهي أشياء ... 108-110 أعمال شيطانية أضلت أناسا ونجا منها آخرون بعلمهم وإيمانهم ... 111-129 أهل الجاهلية تجاه فعل الشياطين نوعان - مكذب ومصدق على أساس أنها كرامات 130-137 أولياء الله هم المؤمنون المتقون وكراماتهم ثمرة تقواهم ... 138-139 أعظم أسباب ضلال المشركين ما يرونه أو يسمعونه عند الأوثان، وعرض نماذج من أفعال الشياطين ... 140-144 قد يتخذ المشركون من الأنبياء والملائكة أرباباً من دون الله والأنبياء والملائكة براء من ذلك والأدلة عليه ... 145-146

الموضوع ... الفقرة الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم من دون أن يسألهم أحد ومع ذلك لا يجوز دعاؤهم وبيان ذلك ... 148-153 أصل سؤال الخلق محرم لكنه أبيح للضرورة وأدلة ذلك ... 153-163 ما نسب إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم من قول: حسبي من سؤالي علمه بحالي وتزييف المؤلف ذلك وإثباته عكسه بالأدلة من الكتاب والسنة ... 164-167 علم الله بحاجة العباد لا ينافي أن يأمرهم بالتوبة والاستغفار والدعاء ... 168 قد يكون العبد مأموراً أحياناً بما هو أفضل من الدعاء ... 169-170 أفضل العبادات البدنية الصلاة ... 171 السؤال المشروع حسن مأمور به ... 172 دعاء المسلم لأخيه حسن مأمور به ... 173 أمر الله بسؤال العلم ويجب على المسئول بذله ... 174-175 أمور أجاز الشرع طلبها كالأمانات والودائع وما شاكل ذلك ... 176-179 من السؤال ما لا يكون مأموراً به والمسئول مأمور بالإجابة ... 180-182 لم يعرف أن الصديق ونحوه من أكابر الصحابة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً وقد يطلبون منه أن يدعو للمسلمين ... 183 سؤال الأعمى، ثم سؤال أم أنس ... 184 فضل الصديق، ومكانته، وأدلة ذلك ... 185-190

الموضوع دين الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين ... 194-195 دين الإسلام مبني على أصلين، وبيان ذلك ... 196-198 إذا كان المؤمنين غير مأمورين بسؤال المخلوقين، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك 199 سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد ... 200 من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، ولهذا لم تجر عادة السلف بأن يهدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثواب الأعمال ... 202-207 طلب النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، طلب أمر وترغيب، ومن ذلك أمره بطلب الوسيلة وأدلة ذلك ... 206-2014 ينبغي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في طلب الدعاء من الغير أن يكون القصد نفع الداعي المأمور بالدعاء ... 215-216 سؤال الميت ليس بمشروع ... الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالقيام بحقوق الله، وحقوق عباده ... 220 ما شرعه الله ورسوله، توحيد وعدل وإحسان، وعكس ذلك ما شرعه المبتدعون وأدلة ذلك ... 221 لا طريق إلى الله إلا اتباع الصراط المستقيم، وما خالف ذلك فهو من طريق أهل الغي والضلال وأدلة ذلك ... 229-230 الفصل الثالث لفظ التوسط فيه إجمال واشتباه ... 236

الموضوع ... الفقرة ما أحدثه المحدثون في لفظ التوسل ... 237 لفظ الوسيلة في القرآن، ومعناه ... 238-242 لفظ الوسيلة في السنة، ومعناه ... 243-245 التوسل بالنبي في كلام الصحابة ... 245 التوسل في عرف كثير من المتأخرين ... 247 خلاصة ما سبق ... 248-249 عود إلى بيان معنى التوسل، وأنواعه ... 251-253 رأي الإمام أبي حنيفة وأصحابه في التوسل بحق المخلوقين ... 254-259 إقسام الله بمخلوقاته، لتضمنه ذكر آياته الدالة على قدرته وحكمته ... 260-261 الحلف بغير الله، وحكمه ... 262-269 إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، وأحاديث في معناه ... 271-274 الإقسام بالله على عباده ... 276-277 الخلق كلهم يسألون الله، مؤمنهم وكافرهم، وقد يجيب الله دعاء الكفار ... 278 سؤال الله بأسمائه وصفاته ليس إقساماً على الله ... 279-284 اسم الله الحي القيوم يجمع أصل معاني الأسماء والصفات ... 286 سماع الله قد يكون بمعنى الإجابة، آيات وأحاديث في هذا المعنى ... 288-289

الموضوع ... الفقرة مشروعية حمد الله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الدعاء ... 290-291 ما المراد بحق السائلين على فرض صحة الحديث ... 294 لفظ السمع له عدة معانٍ ... 292 السؤال بالإيمان، والعمل الصالح من أسباب إجابة الدعاء ... 295-301 الباء قد تكون للقسم، وقد تكون للسببية ... 302 للأنبياء والملائكة والصالحين جاه عظيم، ومنازل رفيعة تقتضي أن يرفع الله درجاتهم، لكن مجرد قدرهم لا يعتبر سببا لإجابة دعاء من توسل بجاههم؛ لأن ذلك أمر أجنبي ... 303-306 السؤال بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ومحتبه سبب عظيم للإجابة ... 307 شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل التوحيد المخلصين ... 308-312 السؤال بحق فلان مبني على أصلين، وتوضيح ذلك ... 313-325 الفروق العظيمة، بين الخالق والمخلوق، وبيان شيء من ذلك ... 326-336 توضيح معنى حق المخلوق على الله ... 336-337 سؤال الله بأسمائه وصفاته، أعظم ما يسأل الله به ... 340-341 بيان معنى حق العباد على الله، ومعنى امتناع الظلم عليه وأمور تتعلق بهذا المعنى ... 342-354 السؤال بحق الرحم وبيان هذا الحق ... 353-361

الموضوع ... الفقرة قول أبي حنيفة وأصحابه بمنع التوسل بالمخلوق يتضمن أمرين ... 362 - 364 حديث الأعمى صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ... 365 توسل عمر بالعباس يدل على أنَّ التوسل المشروع إنما هو بالدعاء، لا بالذات. ... 366 لا يصح أن مالكاً يجيز التوسل بمعنى الإقسام، أو السؤال369 - ... 370 الصحابة إنما كانوا يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك ... 371 - 372 كذب من ينقل عن مالك، والأئمة جواز سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته ... 375 حب السلف واحترامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ... 376 - 382 حكاية غريبة الإسناد منقطعة، بل هي كذب نسبت إلى مالك فيها التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومناقشتها سنداً ومتنا ً ... 384 - 404 دليل الأئمة على السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قبره ... 405 أحاديث زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، كلها ضعيفة ... 406 لا يجب الوفاء بنذر زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره باتفاق الأئمة ومذاهبهم في السفر إلى المساجد ... 410 - 412 زيارة القبور تنقسم إلى، شرعية، وبدعية ... 414 أحاديث في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 422 - 430 عود إلى مناقشة الحكاية المنسوبة إلى مالك ... 431 - 438 الكلام على حكاية العتبي ... 439 - 440

الموضوع ... الفقرة مناقشة الخطأ في استعمال لفظ الشفاعة الوارد في الحكاية ... 441 - 444 من لا يعرف لغة الصحابة التي كانوا يتخاطبون بها يقع في التحريف ... 445 أناس يتعمدون وضع ألفاظ الأنبياء وأتباعهم على معان مخالفة لمعانيهم، ومنها الملائكة والعقول، والنفوس، والشفاعة، والمحدث، والقديم، والتوسل ... 446 - 461 أمرنا الله أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نطلب له الوسيلة ... 462 الوسيلة التي أمرنا الله أن نبتغيها والتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم وشفاعته ... 463 - 464 ليس في شيء من دواوين الإسلام، حديث صحيح مرفوع يدل على التوسل الذي يتعلق به المبتدعون ... 466 رأي ابن الجوزي وأبي العلاء الهمداني في المراد بالحديث الموضوع ... 467 - 470 لا يعرف في الصحابة من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما لم تعرف فيهم البدعة ... 471 المصنفون في الفضائل يتساهلون في إيراد الأحاديث الضعيفة ... 477 لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي ... 479 الإسرائيليات لا يثبت بها شرع ... 481 تقسيم السلف للحديث إلى صحيح وضعيف ... 483 - 484

الموضوع ... الفقرة تقسيم الترمذي الحديث إلى ثلاثة أقسام وتعقب شيخ الإسلام له ... 485 الأحاديث التي فيها السؤال بنفس المخلوقين ضعيفة وواهية، ومنها حديث عبد الملك بن هارون ومناقشة شيخ الإسلام لهذا الحديث ... 487 - 491 حديث عبد الملك بن هارون في استفتاح أهل الكتاب ... 492 حديث عبد الرحمن بن زيد في توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم ومناقشته ونقد تصحيح الحاكم ومقارنته بغيره من الأئمة ... 493 - 499 حديث عن الشيخين وكتابيهما ... 500 - 507 حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم من الإسرائيليات لا يجوز أنْ تبنى عليه شريعة ... 508 - 509 شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد شرعنا بخلافه ... 510 حديث في التوسل يرويه موسى بن عبد الرحمن الصنعاني الكذاب ونقد الكتب التي روته وأمثاله ... 511 - 515 منهج أئمة الحديث الذين يروون الأحاديث للاحتجاج بها ... 516 إشارة إلى أئمة الجرح والتعديل ... 517 في الباب آثار ضعيفة منها حكاية الأربعة الذين اجتمعوا عند الكعبة وتوسل بعضهم ومناقشتها ... 520 - 525 قد يدعو البعض عند الكنائس والأوثان ويحصل ما يحصل من أغراضهم ... 526

الموضوع ... الفقرة كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد تكون فيها مضرة ... 527 حديث الأعمى ورواته ومصادره واختلاف الرواة فيه وبيان علله ... 529 - 557 عمل الصحابي إذا لم يوافقه غيره لا تثبت به شريعة وأمثلة ذلك ... 558 - 563 المتابعة: أن نفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل، وما فعله صلى الله عليه وسلم بحكم الاتفاق لا يشرع لنا أن نفعله وتوضيح ذلك ... 564 - 569 إذا فعل الصحابي فعلاً لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقال إنه سنة مستحبة وأمثلة ذلك ... 569 - 574 من قال من العلماء: إن قول الصحابي حجة فذلك إذا لم يخالفه نص ولم يخالفه غيره من الصحابة ... 574 لو سلم أن عثمان بن حنيف روى مشروعية التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته فإن الصحابة قد خالفوه والحق معهم ... 577 - 582 الفصل الرابع التوسل بمعنى الإقسام على الله بالأنبياء والصالحين أو السؤال بهم لا يستطيع أحد أن يثبت فيه شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 583 لا يجوز القسم بغير الله لا بالأنبياء ولا بغيرهم ولا يجوز أن ينذر لهم ... 585 - 587

الموضوع ... الفقرة السؤال بغير الله من غير إقسام به والآثار الواردة فيه وبيان ضعفها وأقوال أهل العلم في ذلك ... 588 - 594 أسئلة فرضت في الإقسام بالمخلوقات وأجوبتها ... 598 - 606 قد سوى الله بين جميع المخلوقات في ذم الشرك بها وإن كانت معظمة وأدلة ذلك ... 607 - 613 أحاديث الشفاعة تدل على أن الأمر كله لله ... 614 - 616 كلام حول الإقسام بغير الله والسؤال به ... 617 - 620 التفسير الصحيح لقول الله {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} ، والآثار الثابتة المطابقة لمعنى الآية، والآثار غير الثابتة التي يتعلق بها المبتدعون ... 621 - 638 آيات وأحاديث في إخلاص التوحيد لله والزجر عن الشرك وأسبابه ووسائله ... 639 - 649 حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" واحتجاج مالك به ... 650 - 651 آيات وأحاديث في إخلاص العبادة والتوحيد لله، وتوضيح الفرق بين حقوق الله وحقوق الرسول صلى الله عليه وسلم ... 653 - 665 أشياء يخلقها الله بما يشاء من الأسباب ولم يجعل غيره من العباد واسطة في خلق تلك الأشياء ... 666 أَمَّا جعل الهدى في القلوب فإلى الله ... 667 الأنبياء وسائط في تبليغ ما أنزل الله من الوحي ... 669

الموضوع ... الفقرة أسلوب عظيم في بيان ما يستحقه الله ... 670 الأنبياء إنما يتوسل بالإيمان بهم ومحبتهم وطاعتهم والتوسل بهم يكون على وجهين وتفصيل ذلك ... 671 - 679 دين الإسلام مبني على أصلين وتوضيح ذلك بالأدلة ... 680 - 686 الملحق السبب الداعي إلى هذا الإلحاق ... 687 صورة السؤال وفكرة عن صورة الجواب ... 688 - 689 للنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات منها الخاصة ومنها المشتركة ... 690 موقف الوعيدية من الشفاعة ... 691 التوسل الذي ذكره عمر قد جاء مفسراً في أحاديث الاستسقاء ... 694 توسل معاوية بيزيد بن الأسود أي بدعائه ... 695 الاستسقاء بأهل الدين والصلاح أي بدعائهم ... 696 استسقاء الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم أي بدعاءه ... 697 - 701 كل من وجبت طاعته من المخلوقين فلأن ذلك طاعة لله مثل أولي الأمر، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ... 702 - 704 الشافع لا تجب طاعته ... 705 - 706 الخالق أمره أعلى وأجل من أن يكون شافعاً ... 707 كثير من أهل البدع ينكر الشفاعة في أهل الكبائر وعلى العكس الصحابة وأهل السنة ... 709 - 710

الموضوع ... الفقرة الاستسقاء والاستشفاع بالنبي وبغيره في حال الحياة ... 711 - 714 منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه صاحب الشفاعة والمقام المحمود ... 718 - 720 جاه المخلوق عند الخالق ليس كجاه المخلوق عند المخلوق ... 721 استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وسبب ذلك ... 723 - 727 علم الصحابة من النبي حسم مادة الشرك فلم يتخذوا القبور مساجد ... 728 وعلم الصحابة أنَّ التوسل إنَّما هو بالإيمان به صلى الله عليه وسلم وطاعته ودعائه لهم فلم يكونوا يتوسلون بذاته ... 729-730 أحاديث تنهى عن اتخاذ القبور مساجد وتنهى عن الإطراء والغلو ... 731 - 735 حديث الأعمى وبيان أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ... 736 - 739 مناقشة لمن فهم مقصود حديث التوسل فهما خاطئاً ... 740 - 744 اتفاق حديث الأعمى وقول عمر في التوسل وأن معناهما واحد ... 745 لم يتوسل عميان الصحابة بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بذاته لأنه غير مشروع ... 746 الصحابة لم يطلبوا من النبي الدعاء بعد موته ... 748 طلبه صلى الله عليه وسلم من أمته الدعاء له إنما هو تعليم لهم، ينتفعون به ويعظم الله أجره بسبب هذا التعليم ... 752-754

الموضوع ... الفقرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرغب إلى غير الله وقد علم أمته ذلك ... 755 - 758 يطلب الدعاء من المخلوق لأنه مما يقدر عليه وأما ما لا يقدر عليه المخلوق، فلا يجوز طلبه لا من الأنبياء ولا من الملائكة ولا من غيرهم ... 761 - 769 ما يفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون بعد موتهم هو بالأمر الكوني فلا يؤثر فيه سؤال السائلين ... 770 آيات في تقرير التوحيد وإبطال الشرك ... 770 تقرير الشفاعة المشروعة والشفاعة الممنوعة ... 772 - 775 أحاديث تنهى عن الغلو وذرائع الشرك ... 776 - 779 لا يعبد إلا الله ولا يعبد الله إلا بما شرع وتقرير ذلك ... 781 - 787 العبادات مبناها على التوقيف ... 788 لا ينبغي لأحد أن يخرج عما قضت به السنة وجاءت به الشريعة ... 790 اتفاق العلماء على أنه لا ينعقد اليمين بغير الله والاستدلال على ذلك، وتوضيحه ... 792 - 796 لا يستعاذ بالمخلوقات ... 797 النهي عن الرقى التي فيها شرك ... 799 التفريق بين الأسباب المقتضية لحصول المطلوب - كالتوسل بالأعمال الصالحة - وبين الأسباب التي لا تقتضي حصوله، وبين السؤال والإقسام وتفصيل ذلك ... 800 - 813

الموضوع ... الفقرة معنى حق العباد على الله، وهل يقسم على الله بهذا الحق أو يسأله به، وشرح ذلك ... 814 - 819 لا يقسم على الله بشيء من المخلوقات ومذهب أبي حنيفة، وأصحابه ... 825 - 830 إقسام الله بمخلوقاته من باب مدحه والثناء عليه وذكر آياته ... 832 من قال لغيره أسألك بكذا إما أن يكون مقسما، أو سائلاً، وحكم ذلك ... 833 - 838 حديث: إسألوا الله بجاهي باطل ... 840 دعاء غير الله كفر ... 841 رأي ابن عبد السلام في التوسل وكلام المؤلف حوله ... 842 - 844 الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، والأدلة على ذلك ... 845-856 ذكر علماء الإسلام وأئمة الدين الأدعية الشرعية، وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي اتباع ذلك ... 857 مراتب الدعاء البدعي وأدلتها، وحكمها، وأن عمل الصحابة ضدها ... 858 - 873 كذب الحكاية المنسوبة إلى مالك وبيان بطلانها من مذهبه، وعمل السلف ضدها ... 874 - 876

الموضوع ... الفقرة لا يدعى إلا الله، ولا يجوز أن يسأل الأموات شيئاً والنهي عن اتخاذ قبورهم مساجد، والأمر بزيارة قبورهم ... 877 - 888 المرتبة الثالثة من مراتب الدعاء البدعي أن يقال: أسألك بحق فلان ... 889 دين الأنبياء واحد وإن تنوعت شرائعهم وأدلة ذلك ... 898 - 899 الفصل الخامس خلاصة ما سبق بحثه ... 900 لا يجوز لأحد أن يستغيث بغير الله، وبيان تحريم الشرك، وبيان تصرفات الشياطين الداعية إلى الشرك وتلاعبهم بكثير من طوائف الضلال ... 901 - 929 دين الإسلام مبني على أصلين، وتوضيح ذلك والفصل بين حقوق الله وبين حقوق الرسل وبيان عظمة الله جل جلاله ... 930-939 إثبات علو الله وأنه على العرش استوى مع غناه سبحانه عن العرش، وإغنائه بعض مخلوقاته عن بعض ... 940 - 941 لمحة عن التوحيد القولي والتوحيد العملي، وأدلتهما ... 942 - 944 الخاتمة ... 945

9 - فهرس المقدمة

9 - فهرس المقدمة الموضوع ... الصفحة خطبة الحاجة ... 5 الأسباب الدافعة إلى العمل في هذا الكتاب ... 6 الكتب التي ألفت في هذا الفن ... 9 خطة العمل ... 11 لمحة عن حياة الإمام ابن تيمية ... 13 موضوع كتاب التوسل والوسيلة ... 20 منهج شيخ الإسلام في هذا الكتاب ... 24

§1/1