قاعدة تتضمن ذكر ملابس النبي وسلاحه ودوابه - القرمانية - جواب فتيا في لبس النبي
ابن تيمية
قاعدة تتضمّن ذكر مَلاَبِس النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم وَسِلاَحه ودَوَابّه القَرْمَانِيَّة جَوَابُ فُتيَا فِي لِبْس النَّبي صلّى الله عليه وسلّم تأليف شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية المتوفى سنة 728 هـ رحمه الله تعالى تحقيق وتعليق أبي محمد أشرف بن عبد المقصود أضواء السلف
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل الله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد: فهذا سفر جديد ومؤلف نفيس ينشر لأول مرة، للعلامة القرآني والمجاهد الرباني، شيخ الإسلام والمسلمين أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله، نقدمه للمسلمين في وقت قل فيه الاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم والتخلق بأخلاقه والاقتباس من نوره، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21] . فما أحوجنا في هذه الأيام إلى معرفة سيرته صلى الله عليه وسلم العطرة في جميع شئون الحياة من طعام وشراب ولباس وغير ذلك مما يهم المسلم. والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمتع الأحاديث لا سيما إن كان من عارف بخبايا السنة النبوية كابن تيمية. والذي يقرأ هذه الفتيا الجميلة يستطيع القول بأن شيخ الإسلام ابن
تحقيق نسبة الكتاب للمؤلف
تيمية لو أتيح له أن يصنف كتابا في سيرته صلى الله عليه وسلم لكان تصنيفا بديعا فريدا من أجمع وأصح ما ألف في السيرة النبوية. ولعل هذا ما جعل العلامة ابن القيم يلخص جل كلماتها في بداية كتابه العظيم (زاد المعاد) ويزيد عليها، ويسير بعد ذلك على منوال الطريقة التي انتهجها شيخه في الكلام على سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم. وهذه القاعد اللطيفة في ذكر ملابس النبي صلى الله عليه وسلم وسلاحه ودوابه مع وجازتها جمعت الكثير من أصول المسائل الفقهية التي يحتاج إليها في باب اللباس والأطعمة الذي ضاع بين الإفراط والتفريط. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده " (1) . وأما تحقيق نسبة الكتاب للمؤلف: فقد كتب في حياة المصنف رحمه الله؛ فالذي يقرأ صفحة العنوان للمخطوطة يتأكد من ذلك حيث كتب الناسخ ما يلي: "جواب فتيا في لبس النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الإمام العالم العامل تقي الدين أبي العباس أحمد ابن تيمية الحراني أمتع الله المسلمين ببقائه".
وصف النسخة
* وقد ذكر هذه القاعدة تلميذه العلامة ابن عبد الهادي رحمه الله بعنوان: "قاعد تتضمن ذكر ملابس النبي صلى الله عليه وسلم وسلاحه ودوابه وهي القرمانية (1) " (2) . وقد جمعت بين هذه التسمية وما جاء بعنوان المخطوط. * كما أن من يطالعها يجد فيها طريقة ونفس شيخ الإسلام، وكذا تلخيص تلميذه ابن القيم يؤكد لنا ذلك. وقد صرح بنقله لبعض عبارات عند ذكر (المنطقة) فقال: "وقال شيخ الإسلام: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شد على وسطه منطقة" (3) . وصف النسخة: فقد اعتمدت على نسخة وحيدة، تقع ضمن (مجموع) يضم عدة مصنفات، وهو مقتنيات (مكتبة شهيد علي) الملحقة بـ (السليمانية) بتركيا وهي تحت رقم (2742) .
عملنا في التحقيق
وتقع هذه النسخة في 12 ورقة، من هذا المجموع تمثل الورقات من (53و) إلى (64ظ) وكل صفحة بها 15 سطرا. وهي مكتوبة بخط نسخ جميل ومشكول، وقليلة الأخطاء وبآخرها ما يفيد أنها قوبلت، ولا يعرف ناسخها. وأما عملنا في التحقيق: * فقد اتخذت هذه النسخة أصلا. * كما قمت بضبط فقرات الكتاب كلها، ونسقت عباراتها ورقمت فقراتها برقم مسلسل ووضعت لها عناوين جانبية. * كما قمت بعزو الآيات ووضع العزو بجوار الآيات، وخرجت الأحاديث والآثار وبينت مرتبتها من حيث القبول والرد. * كما وضعت بعض التعليقات المهمة وأكثرها من كلام شيخ الإسلام من كتبه الأخرى، وبعض المصادر من كتب الفقه. * كما صنعت له فهارس للآيات والأحاديث والآثار والموضوعات. والله تعالى أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه، وأن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى إنه سميع مجيب. الإسماعيلية في 11محرم 1422هـ أبو محمد أشرف بن عبد المقصود غفر الله له
النص المحقق لكتاب "القرمانية"
قاعدة تتضمن ذكر مَلاَبِس النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَسِلاَحه ودَوَابّه القَرْمَانِيَّة جَوَابُ فُتيَا فِي لِبْس النَّبي صلى الله عليه وسلم تأليف شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية المتوفى سنة 728 هـ رحمه الله تعالى تحقيق وتعليق أبي محمد أشرف بن عبد المقصود
نص الأسئلة المقدمة للمصنف
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر يا كريم نص الأسئلة المقدمة للمصنف ما يقول أئمة الدين علماء المسلمين في رجلين تكلما في: * لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ * وفي آلته؟ وفي آلة حَرْبِه مثل الحياصة (1) التي تحزم في الوسط والسيف والتركاش وهي الكنانة والقوس والنّشاب (2) والحمال والبغال والخيل والغنم؟
* وملابسه من القماش مثل الجوشن والخف والمهماز (1) وغيره من آلة الحرب هل كان يتخذ ذلك؟ * وهَل كان يجمع من ذلك شيئا كثيرًا؟ * وفي لباسة أصحابه أيضا؟ * ومَا يُبَاحُ ويحرم من ذلك؛ من الذهب والفضة والحرير؟
ما كان يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم من أسلحة للحرب
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم الحمد لله رب العالمين ما كان يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم من أسلحة للحرب 1- كان النبي صلى الله عليه وسلم يَتَّخِذ: (1) "السَّيف". (2) و"الرُّمح". (3) و"القَوس". (4) و"الكنانة"؛ التي هي الجُعْبَة للنّشاب وهي من جُلُود. ما كان يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب 2- وكان يَلْبس على رَأْسِهِ: - "البيضة" (1) ؛ التي هي الخوذة. - و"المغْفَر" (2) .
ما كان يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع اللباس
3- وعلى بَدَنِهِ: "الدِّرع" التي يقال لها السّردية والزّردية (1) . ما كان يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع اللباس 4- ويلبس: (1) "القميص". (2) و"الجُبَّة" (2) . (3) و"الفروج" (3) الذي هو نحو القباء، والفرجية. 5- ولَبِسَ: "القباء" أيضًا. 6- ولَبِسَ في السَّفَر: "جُبَّة" (4) ضَيِّقة الكُمَّين. 7- ولَبِسَ: "الإِزَار" و"الرِّداء". 8- واشترى: "رِجْل سَرَاوِيل" (5) .
ما كان يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم من دواب للركوب وغيره
9- وكانوا يلبسون: "السَّراويلات" أيضًا بإذنه. 10- وكان يَلْبَس: "الخُفَّين"، ويَمْسَح عليهما (1) . 11- ويَلْبَس: "النِّعال" التي تُسَمَّى: التَّواسم (2) . ما كان يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم من دواب للركوب وغيره 12- وكان يَرْكَب: (1) "الخيل". (2) و"الإبل". (3) و"الحمير". 13- وركب: (4) "البغلة" أيضًا. صفة ركوبه صلى الله عليه وسلم للدواب 14- وكان يركب: "الفَرَس": - تارةً عَرِيًّا (3) . - وتارة مُسَرّجًا، ويطرده.
ما كان يملكه النبي من دواب وسلاح في حياته وبعد مماته
15- وكان: - يُرْدف خَلْفَه. - وتارة: يُرْدِف خَلْفَهُ وقُدَّامه؛ فيكونون ثلاثة على دابة (1) . ما كان يملكه النبي من دواب وسلاح في حياته وبعد مماته 16- وكان يتخذ: "الغَنَم" أيضًا. 17- وكان له: "الرَّقِيق" أيضًا. 18- ولم يكن يجتمع في مُلْكِه في الوَقت الواحد من هذه الأُمُور شيء كَثِير. 19- بل لمَّا مَات لم يكن عِنْدَهُ من ذلك إلا شيء يَسِير؛ خَلَّفَ دِرْعَه؛ وكانت مَرْهُونة عند يهودي على ثلاثين وَسَقًا من شعيرٍ ابتاعها لأَهْلِهِ.
الأحاديث الواردة في ذلك
الأحاديث الواردة في ذلك 20- وفي "صحيح البخاري" (1) عن عمرو بن الحارث -ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي جويرية بنت الحارث- قال: "ما تَرَكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارًا ولا درهمًا، ولا عبدًا ولا أمةً، ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقةً". 21- وفي "صحيح مسلم" (2) عن عائشة قالت: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا، ولا شاة ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء". 22- وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه رهنٌ عند يهودي بثلاثين. وروي: "بعشرين صاعًا من شعير؛ أخذه لأهله". رواه أهل السنن، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" (3) .
ما في الأحاديث من فوائد
23- وفي الصحيحين (1) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعًا له من حديد. 24- وكذلك في البخاري (2) عن أنس بن مالك: قد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه بشعير. ما في الأحاديث من فوائد 25- فهذه الأحاديث تبين: أنه حين الموت لم يكن عنده خيل ولا إبل ولا غنم ولا رقيق وإنما ترك البغلة والسلاح وبعض السلاح مرهون. 26- ولكن ملك هذه الأمور في أوقات متفرقة. 27- والمعروف: أنه كان يكون عنده الواحد من ذلك، فيكون له فرس واحد، وناقة واحدة. 28- ولم يملك من "البغال" إلا بغلة واحدة، أهداها له بعض الملوك، ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب. بل لما أهديت له البغلة، قيل له: ألا ننزي الخيل على الحمر؟
فقال: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون" (1) . 29- وكذلك: آلات السلاح كـ: "السيف" و"الرمح" و"القوس". لم يذكر عنه أنه كان يقتني لنفسه أكثر من واحد. 30- وأما "الغنم": فقد روي (2) : أنه اقتنى مائة شاة؛ وقال: "إن لنا مائة شاة، لا نريد أن تزيد، فكلما ولّد الراعي بهمة ذبحنا مكانها أخرى".
آلات الحرب في القرآن الكريم
آلات الحرب في القرآن الكريم 31- وقد ذكر الله تعالى: آلات الحرب في كتابه: السيف 32- فقال في "السيف": {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (الأنفال: من الآية12) . 33- وقال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (محمد: من الآية4) . وهذا الضرب للأعناق وبنان الأصابع هو بـ"السيف". القوس والنشاب 34- وقال في "القوس والنشاب": {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (الأنفال: من الآية60) . 35- وفي "صحيح مسلم" (1) عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ وهو على المنبر: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (الأنفال: من الآية60) . ثم قال: "ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي".
الرماح
36- وفي "صحيح مسلم" (1) عنه أيضًا أنه قال: "ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا". وفي رواية: "فهي نعمة جحدها" (2) . الرماح 37- وكذلك "الرماح": قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} (المائدة: من الآية94) . وقد فسرت بالرماح المتصلة باليد. وفسرت بالنشاب أيضًا. الدرع 38- وكذلك "الدرع": 39- قال تعالى في قصة داود: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} (الأنبياء: من الآية80) .
40- وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً, يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ، وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} (سبأ: 9، 10) . فكان الحديد بيده بمنزلة العجين. والسابغات: هي الدروع الكاملة التي تكون لها أيدي وأفخاذ. 41- وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ، كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} (النحل:81) .
آلات الحرب في السنة المطهرة
آلات الحرب في السنة المطهرة 42- وقد جاء ذكر هذه الأمور في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مفرقًا: السيف 43- فأما "السيف": 44- ففي "الصحيحين" (1) عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأشجع الناس، وأجود الناس. ولقد فزع أهل المدينة فزعًا ذات ليلة، فخرجوا نحو الصوت. فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق الناس إلى الصوت، وقد استبرأ الخبر، وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا". ثم قال: "إن وجدناه لبحرًا" أو قال: "إنه لبحر". 45- وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفّل سيفه "ذا الفقار" يوم بدر. رواه الإمام أحمد، وابن ماجه والترمذي، وقال: "حديث حسن" (2) .
أشياء لا أصل لها بين الناس
أشياء لا أصل لها بين الناس 46- وأما ما يذكره بعض الناس: - أن "ذا الفقار" (1) كان سيفًا منزلاً من السماء! - وأنه كان لـ"علي"، وكان يطول إذا قاتل به! فكل هذا كذب باتفاق أهل المعرفة بهذه الأمور. 47- وكذلك: ما يذكره بعض الناس من أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم سبعة أسياف؛ لا أصل له (2) .
الرمح
الرمح 48- وأما "الرمح" (1) : 49- فقال البخاري في "صحيحه" (2) : ويذكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "جعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري". 50-[و] رواه الإمام أحمد (3) ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل "رمحي"، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم". 51- وروى أبو داود بعضه (4) .
حديث جامع في أسماء آلاته
حديث جامع في أسماء آلاته 52- وقد روى الطبراني في "معجمه" (1) حديثًا جامعًا في: أسماء آلاته؛ عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة، وقبيعته من فضة وكان يسمى: "ذا الفقار". وكان له قوس يسمى: "السداد". وكانت له كنانة تسمى: "الجمع". وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى: "ذات الفضول". وكانت له حربة تسمى: "النبعاء" (2) . وكان له مجن (أ) يسمى: "الدَّقَن" (ب) .
وكان له ترس أبيض يسمى: "الموجز". وكان له فرس أدهم يسمى: "السكب". وكان له سرج يسمى: "الداج" (أ) . وكانت له بغلة شهباء يقال لها: "دُلْدُل". وكانت له ناقة تسمى: "القَصْوَاء". وكان له حمار يسمى: "يعفُور". وكان له بساط يسمى: "الكر" (ب) . وكانت له عَنَزَة (1) تسمى: "النمر" (ج) . وكانت له ركوة تسمى: "الصادر". وكانت له مرآة تسمى: "المرآة". وكان له مقراض يسمى: "الجامع". وكان له قضيب شوحط (2) يسمى: "المشوق".
الدرع
الدرع 53- وفي "صحيح البخاري" (1) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وهو في قُبَّةٍ: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تُعْبَدْ بعد اليوم". فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك، وهو في "الدِّرْعِ". فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} (القمر:45، 46) . 54- وروى "أهل السنن" (2) : أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهَرَ يوم أحد بين دِرْعَين. 55- وفي "الصحيحين" (3) عن سهل بن سعد (أ) أنه سئل عن جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد؟ فقال: جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رَبَاعِيَتُهُ، وهُشِمَتْ "الْبَيْضَةُ" على رأسه.
المغفر
فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم، وكان علي يَسْكُب عليها بالمِجَنِّ. فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير، فأحرقته حتى صار رمادًا، ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم. أخرجاه في "الصحيحين". المغفر 56- وعن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه "المِغْفَرُ". فلما نزعه، جاء رجل فقال: ابن خَطَلٍ متعلّق بأستار الكعبة؟! فقال: "اقتلوه". أخرجاه في "الصحيحين" (1) . القميص 57- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القَمِيصُ". رواه أهل السنن، وقال الترمذي: "حديث حسن" (2) .
القباء
58- وروى أهل السنن (1) أيضا عن أسماء بنت يزيد قالت: كان يَدُ كُمِّ قَمِيص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ. قال الترمذي: "حديث حسن". القباء 59- وفي "الصحيحين" (2) وغيرهما عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أنه قال: قَسَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "أَقْبِيَةً"، ولم يعط مخرمة شيئًا. قال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت معه. قال: ادخل فادعه لي. قال: فدعوته، فخرج إليه وعليه "قَبَاءٌ" منها. فقال: خَبَأْت هذا لك. قال: فنظر إليه. قال: رضي مخرمة.
الإزار والرداء والقميص
الإزار والرداء والقميص 60- وذكر: "الإزار والرداء" له في أحاديث كثيرة مشهورة. وكذلك ذكر "القميص" (1) . 61- مثل ما في "الصحيحين" (2) عن جابر بن عبد الله قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُبَيِّ، بعد ما أدخل قبره، فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه وألبسه "قميصه". والله أعلم. 62- وفيهما (3) عن عبد الله بن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي؛ جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أعطني "قميصك" أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له. فأعطاه "قميصه" وقال: إذا فرغت فآذنا. فلما فرغ آذنه به، فجاء ليصلي عليه. فجذبه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً
الجبة الضيقة الكمين
فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (أ) (التوبة: من الآية80) . فنزلت: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (التوبة: من الآية84) ، فترك الصلاة عليهم. الجبة الضيقة الكمين 63- وأما "الجُبَّةُ الضَّيِّقَة الكُمَّين": 64- ففي "الصحيحين" (2) عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في سفر، فقال أمعك ماء؟ قلت: نعم. فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل. ثم جاء، فأفرغت عليه الإداوة، فغسل وجهه ويديه وعليه جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها. وفي رواية (3) : جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ - فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين، فأخرج يديه من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خُفَّيْهِ. فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما.
الفروج
الفروج 65- وأما "الفروج": ففي "الصحيحين" (1) عن عقبة بن عامر أنه قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فلبسه ثم صلى فيه. ثم انصرف فنزعه نزعًا شديدًا كالكاره له. ثم قال: "لا ينبغي هذا للمتقين". وإنما نزعه لكونه حريرًا. قال البخاري: "الفروج هو القباء" (2) . ويقال: هو الذي له شقّ من خلفه. السراويل 66- وأما "السراويل" وغيره: ففي "الصحيحين" (3) عن ابن عمر قال: سئل رسول الله: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: "لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا البرانس، ولا السراويلات، ولا الخفاف".
الأفضل في لبس القميص والرداء
67- وفي "سنن أبي داود" (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى رِجْلَ سراويل وزّان يزن بالأجر، فقال: "زِنْ وأَرْجِحْ". قال: "خير الناس أحسنهم قضاء". وفي لفظ: أنه اشترى سراويل. الأفضل في لبس القميص والرداء 68- وقد قال العلماء: الأفضل أن يلبس: مع "القميص": "السراويل". ومع "الرداء" الذي يكون على المنكبين: يلبس "الإزار". لأن: "السراويل" تبدي حجم الأعضاء. و"القميص" يستر ذلك، ولا يستره "الرداء".
هديه صلى الله عليه وسلم في اللباس وغالب ما كان يلبسه
هديه صلى الله عليه وسلم في اللباس وغالب ما كان يلبسه 69- وكان أغلب ما يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما ينسج من القطن. وربما لبسوا ما ينسج من الصوف وغيره (1) . 70- كما روى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناد صحيح (2) ، عن جليس لأيوب (أ) قال: دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جبة صوف وإزار صوف وعمامة صوف فاشمأز منه محمد (ب) وقال: "أظن أن أقوامًا يلبسون الصوف يقولون قد لبسه عيسى بن مريم، وقد حدثني من لا أتهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والقطن واليمنية وسنة نبينا أحق أن تتبع". ذم الغلو في باب اللباس والأكل 71- ومقصود ابن سيرين بهذا: أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائمًا أفضل من غيره فيتحرون ذلك؛ تزهدًا أو تعبدًا. كما أن أقوامًا يرون أن ترك أكل اللحم وغيره من الطيبات دائمًا
أفضل من غيره فيتحرّون ذلك. ويحرّمون على أنفسهم طيبات ما أحل الله لهم، حتى يروا التبتل أفضل من التأهل ونحو ذلك. وهذا خطأ وضلال!! بل يجب أن يعلم: أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد. 72- كما ثبت في الصحيح (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة بهذا فيقول: "إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة". 73- وفي مثل هؤلاء أنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (المائدة:78، 88) . 74- وفي "الصحيحين" عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها.
فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا. وقال الآخر: أنا أصوم الدهر أبدًا. وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أنتم الذين (أ) قلتم كذا وكذا، أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". رواه البخاري (1) ، وهذا لفظه. 75- ومسلم أيضا (2) ، ولفظه: عن أنس: أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم.
تعريف الراغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم
وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". 76- وفي "الصحيحين" (1) عن سعد بن أبي وقاص قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا. تعريف الراغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم 77- والراغب عن سنته: هو الذي يعدل عنها إل غيرها تفضيلاً لذلك الغير عليها؛ ولهذا تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم. 78- كما قال: "من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا" (2) . 79- وأما إذا لم يرغب عنها بل فعل المفضول مع كونه مُفَضِّلاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم باعتقاده ومحبته، فهذا لا يأثم إلا أن يترك واجبًا أو يفعل محرمًا.
80- وقد ثبت عنه في الصحيح (1) أنه قال: "أفضل القيام قيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأفضل الصيام صيام داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا". 81- وكذلك ثبت عنه في الصحيح (2) أنه نهى عبد الله بن عمرو (أ) عن سرد الصيام والمداومة على قيام الليل كله، وأخبره أن أفضل الصوم وأعدله صيام يوم وفطر يوم. 82- فيجب أن يعلم: أن هذا أفضل مما فعله كثير من السلف والخلف بصلاة الصبح بوضوء العشاء الآخرة كذا كذا سَنة، ومن صيام الدهر حتى لا يفطروا إلا الأيام الخمسة، ومن التبتل ونحو ذلك (3) .
ذم ثوب الشهرة
83- وإن كان كثير من فقهائنا وعبّادنا يرون هذا أفضل من غيره فهذا غلط منهم! 84- والصواب: أن أفضل الطريق طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنّها وأمر بها ورغّب فيها وأمر بها، والتي داوم عليها. 85- وكان هديه في اللباس: أن يلبس ما تيسّر من اللباس من قطن أو صوف أو غيرهما (1) . 86- فالذي رغب عما أباحه الله من لباس القطن والكتان وغيرهما تزهدًا أو تعبدًا آثم، نظير الذين يمتنعون عن لباس الصوف ونحوه ولا يلبسون إلا أعلى الثياب ترفّهًا وتكبرًا كلاهما مذموم. ذم ثوب الشهرة 87- ولهذا قال بعض السلف: "كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب: العالي والمنخفض" (2) .
ذم ثوب الخيلاء
88- وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه (1) عن ابن عمر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس ثوب شُهْرَةٍ؛ ألبسه الله يوم القيامة ثوبًا مثله". 89- وفي رواية: "ثوب مذلّة ثم تلتهب فيه النار" (2) . ذم ثوب الخيلاء 90- وهذا لأنه قصد به الاختيال والفخر؛ فعاقبه الله بنقيض ذلك فأذله كما يعاقب الذي يطيل ثوبه خيلاء بأن خسف به الأرض ونحو ذلك كما فعل بـ"قارون". 91- وفي "الصحيحين" (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يجر إزاره خيلاء خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة". 92- وفي "الصحيحين" (4) عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء؛ لم ينظر الله إليه يوم القيامة".
الإسبال في الإزار
الإسبال في الإزار 93- وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسبال في القميص والإزار والعمامة، من جر منها شيئًا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" (1) . 94- وروى أبو داود (2) عن ابن عمر قال: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في القميص فهو في الإزار. حكم لبس الدني والرفيع من الثياب 95- وكذلك لبس الدني من الثياب مكروه، ولبسه تواضعًا محمود كما أن لبس الرفيع تكبرًا مذموم، ولبسه إظهارًا لنعمة الله وتجمُّلاً محمود. 96- ففي "صحيح مسلم" (3) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردل من إيمان". قال رجل: يا رسول الله إني أحب أن يكون ثوبي حسنًا ونعلي حسنًا أفمن الكبر ذلك؟
الشعر
فقال: "لا. إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". 97- وقد ذكرنا الحديث الصحيح الذي في "البخاري" (1) وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس في السفر "جبة" من صوف. 98- وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال أبي: يا بني لو رأيتنا ونحن مع نبينا وقد أصابتنا السماء؛ حسبت أن ريحنا ريح الضأن. رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي (2) وقال: "صحيح". الشعر 99- وكذلك "الشَّعَر": 100- فعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم [ذات غداة] ، وعليه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ من شَعَرٍ أَسْوَدَ. رواه مسلم وغيره (3) .
أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
101- وفي "الصحيحين" (1) عن أبي بردة قال: دخلت على عائشة؛ فأخرجت إلينا إزارًا غليظًا مما يصنع باليمن، وكساء من التي يسمونها الْمُلَبَّدَةَ (أ) . فأقسمتْ بالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في هذين الثوبين. أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم 102- لكن كان المنسوج من القطن ونحوه أحب إليه من الصوف. 103- كما أخرجاه في "الصحيحين" (3) عن قتادة قال: قلنا لأنس: أي اللباس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الحِبَرَةُ. 104- و"الحِبَرَة" (4) : بُرُود اليمن؛ فإن غالب لباسهم كان من
نسج اليمن؛ لأنها قريبة منهم، وربما لبسوا ما يجلب من الشام ومصر؛ كالقَبَاطِيّ (1) المنسوجة من الكتان التي ينسجها القِبْط. 105- وقد روي ذلك في "السنن" (2) .
هديه صلى الله عليه وسلم في الطعام وما كان يأكله
هديه صلى الله عليه وسلم في الطعام وما كان يأكله 106- وكذلك: كانت سيرته في الطعام: لا يرد موجودًا ولا يتكلف مفقودًا. 107- فما قرِّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله إلا أن تعافه نفسه. 108- وما عاب طعامًا قط؛ إن اشتهاه أكله وإلا تركه. 109- كما ترك الضب؛ لأنه لم يكن قد اعتاد أكله ولم يحرّمه على الناس بل أُكِلَ على مائدته، وقال: "ليس بحرام ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" (1) . 110- وكان: يحب: الحلواء والعسل. - ويأكل: القثاء بالرّطب. - ويأكل: لحم الدجاج وغيره. 111- وكان أحيانًا: - يربط على بطنه الحجر من الجوع. - ويُرى الهلال فالهلال فالهلال، [و] (أ) لا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار (2) .
هديه صلى الله عليه وسلم في لبس العمامة
هديه صلى الله عليه وسلم في لبس العمامة 112- وكان أيضًا صلى الله عليه وسلم يلبس "العمامة" على "القلنسوة" (1) وكذلك أصحابه؛ وكانوا مع ذلك يركبون الخيل، ويطردونها ويقاتلون في سبيل الله (2) ؛ ولهذا كانوا يديرون العمائم تحت أذقانهم، ويسمى ذلك "التلحّي". معنى الاقتعاط 113- وفي "غريب أبي عبيد" (3) : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط. وفسر أبو عبيد "الاقتعاط" عن أبي نعيم: ولا يدير عمامته تحت ذقنه. 114- وقد روي عن غير واحد من الصحابة والتابعين كراهة هذه العمة (4) . 115- وكان أهل الشام لمحاربتهم للعدو ومقاتلتهم إياه محافظين
تفسير التلحي
على هذه السنة؛ كما ذكر ذلك الإمام أحمد وغيره. تفسير التلحي 116- و"التَّلَحي": ليس هو التَّلَثُّم على الفَم والأنف، فإن ذلك مَكْرُوه في الصلاة؛ ولكن "التلحي": أن يشد العمامة ويربطها على الحنك؛ بحيث تثبت العمامة على الرأس وهي نظير الكلاليب والخيوط التي تتخذها الأجناد في زماننا لشد عمائمهم على رؤسهم. المسح على العمامة 117- وقد استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: مسح على عمامته، ورخص في المسح على العمامة" (1) . 118- حتى قال عمر بن الخطاب: "من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله" (2) .
من السنة إرخاء الذؤابة بين الكتفين
119- فظن طائفة/ من العلماء أن ذلك كان مع مسح الناصية، ولكن قد جاءت الأحاديث الصحيحة بمسح العمامة بلا ناصية. 120- وقال طائفة منهم الإمام أحمد: إن ذلك في العمائم التي على السنة، وهي العمائم التي تدار تحت الذقن؛ لأنها السنة؛ ولأنه يشق خلعها (1) . 121- وفي ذات الذؤابة بلا تلحي خلاف (2) . 122- وقال طائفة منهم إسحاق بن راهويه: إن ذلك في العمائم مطلقًا. من السنة إرخاء الذؤابة بين الكتفين 123- وإرخاء الذؤابة بين الكتفين معروف في السنة (3) .
لبسه صلى الله عليه وسلم في كل موطن ما يناسبه
124- كما روى مسلم في "صحيحه" وأهل السنن الأربعة (1) عن عمرو بن حريث قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه. 125- ورووا أيضًا عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح مكة وعليه عمامة سوداء (2) . لبسه صلى الله عليه وسلم في كل موطن ما يناسبه 126- ولم يذكر في هذا الحديث ذؤابة، وذلك أنه يوم الفتح كان قد دخل وعليه أُهْبة القتال و"المغفر" على رأسه (3) . فلبس في كل موطن ما يناسبه (4) . شد الوسط 127- وأما "شَدّ الوَسَط": فقد كان من الصحابة من يشد وسطه بطرف عمامته. ومنهم من كان يقاتل بلا شد وسط. 128- وقد جاء ذكر "المِنْطَقة" في آثار.
المهاميز
129- و"المِنْطَقة": هي الحياصة (1) ، ولكن لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد وسطه بمنطقة. المهاميز 130- وأما "المهاميز" (2) : فما كانوا يحتاجون إليها؛ فإن الخيل العربية مع الراكب الخبير بالركوب لا يحتاج مهماز. 131- ولهذا لم ينقل في الحديث / أنهم كانوا يركبون بمهاميز، وإنما اتخذها من اتخذها للحاجة إليها. الأكمام الواسعة والضيقة 132- وكذلك أيضًا: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتخذون الأكمام الطوال ولا الواسعة سعة كبيرة. 133- بل قد تقدم أن كُم قميص النبي صلى الله عليه وسلم كان إلى الرسغ، وهذه الزيادة سَرَف (3) . 134- وأيضًا: فالمقاتل لا يتمكن من القتال بذلك. 125- وبعض الناس يقول: إنما اتخذها بعض المنتمين إلى
إطالة الذؤابة من الإسبال المنهي عنه
العلم؛ لأجل حَمْلِ الكتب فيها. 136- وما يروى عن بعض الأئمة: أن أحد كميه كان واسعًا والأخر ضيقًا فهو كذب. إطالة الذؤابة من الإسبال المنهي عنه 137- وكذلك إطالة الذؤابة كثيرًا هو من الإسبال المنهي عنه. 138- واعتياد لبس الطيالسة (1) على العمائم لا أصل له في السنة؛ ولم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة. 139- بل قد ثبت في "صحيح مسلم" (2) عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال أنه يخرج معه سبعون ألف مُطَيْلَس من يهود أَصْبَهان. الطيالسة من شعار اليهود 140- وكذلك جاء في غير هذا الحديث أن الطيالسة من شِعار اليهود (3) . 141- ولهذا كره من كره لبسها؛ لما رواه أبو داود وغيره (4) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم".
التقنع للحاجة
142- وفي الترمذي (1) أنه قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا". التقنع للحاجة 143- وأما "التَّقَنُّع": الذي جاء ذكره في حديث الهجرة (2) : أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر متقنعًا بالهاجرة، فذاك فعله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك. ففَعَله للحاجة، ولم تكن عادته "التقنع". 144- وليس "التقنع" هو "التطيلس" بل "التقنع" لغير حاجة ينهى عنه الرجال؛ لأنه تشبه بالنساء. 145- وقد ثبت في الصحاح (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه: لعن الرجال المتشبهين بالنساء، ولعن النساء المتشبهات بالرجال.
الحلية بالذهب والفضة ولبس الحرير
فصل وأما الحلية بالذهب والفضة ولبس الحرير الحلية بالذهب والفضة ولبس الحرير 146- ففي "الصحيحين" (1) عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صِحافِها؛ فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة". 147- وفي "الصحيحين" (2) عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يشرب في إناء الفضة إنما يُجَرْجِرُ في بطنه نار جهنم". أمرنا بسبع ونهينا عن سبع 148- وفي "الصحيحين" (3) عن البراء بن عازب قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، ونهانا عن سبع: أمرنا بـ: - بعيادة المريض. - وإتباع الجنازة.
- وتشميت العاطس. - وإبرار القسم أو المُقْسِم. - ونصر المظلوم. - وإجابة الداعي. - وإفشاء السلام. ونهانا عن: - خواتيم أو تَخَتُّمٍ بالذهب. - وعن شرب بالفضة. - وعن المَيَاثِرِ. - وعن القَسِّيِّ (1) . - وعن لبس: الحرير، والإستبرق، والديباج. 149- وفي "الصحيحين" (2) عن عمر بن الخطاب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم / يقول: "لا تلبسوا الحرير فإنه من يلبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".
150- وعن حذيفة بن اليمان قال: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه. رواه البخاري (1) . 151- وعن علي عليه السلام قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جُلوسٍ على المياثر. و"المَيَاثِرُ": شيء كانت تجعله النساء لبعولتهن على الرحل كالقطائف الأُرْجُوَانِ. رواه مسلم (2) . 152- وعن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه وأخذ ذهبًا فجعله في شماله، ثم قال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي". رواه أبو داود والنسائي وغيرهما (3) . 153- وعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُحِلَّ الذهب والحرير لإناث أمتي وحُرِّمَ على ذكورها". رواه النسائي والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح" (4) .
ما رخص في لبسه من الحرير
154- وقد ثبت في الصحيح (1) عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع. ما رخص في لبسه من الحرير 155- فلهذا رخّص العلماء في مقدار أربع أصابع مضمومة كالسجاف ولبنة الجيب والعلم والأزرار والخيوط ونحوهما. 156- وثبت أيضا في الصحيح (2) أنه أرخص للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف لبس الحرير من حَكَّة كانت بهما. 157- فلهذا رخّصوا في أصح القولين لبسه للحاجة كالتداوي به ونحو ذلك، وثبت عن جماعة من الصحابة. 158- وروي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة في لبس الخَزّ وهو صوف ينسج بالحرير (3) .
حكم ما نسج في الحرير
حكم ما نسج في الحرير 159- فلهذا قال العلماء: إذا نُسِجَ في الحرير غيره، وكان ذلك الغير أظهر وأكثر جاز، وإن كان الحرير أقل وأظهر ففيه نزاع بين العلماء. 160- وتنازع العلماء في لبس الحرير حين القتال؟ ومن رخّص به احتج بأن عمر بن الخطاب أذن في ذلك. قالوا: ولأنه في حال الحرب يحب الله الاختيال.
161- كما في "سنن أبي داود" (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن من الخُيَلاء ما يحبها الله، ومن الخيلاء ما يبغضها الله. فأما الخيلاء التي يحبها الله: فاختيال الرجل نفسه في الحرب والصدقة. وأما الخيلاء التي يبغضها الله: فالخيلاء في الفخر والبغي". 162- واختال أبو دُجانَة يوم أُحُد بين الصَّفَّيْن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لَمَشْيَة يبغضها الله إلا في هذا المقام" (2) .
ما يباح من حلية الذهب والفضة
وأما "الحِلْيَة" ما يباح من حلية الذهب والفضة 163- فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اتخذ خاتمًا من فضة (1) . 164- وعن عرفجة بن أسعد أنه قُطِعَ أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفًا من وَرِق، فأنتن عليه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفًا من ذهب (2) . 165- وعن أنس بن مالك قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة (3) . رواهما أبو داود والنسائي والترمذي، وقال عن كل منهما: "حديث حسن".
166- وفي السنن (1) أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الذهب إلا مُقَطَّعًا. 167- وعن أنس بن مالك أن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. رواه البخاري هكذا (2) . 168- ثم رواه عن عاصم قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فَسَلْسَلَهُ بفضة (3) . فقيل: إن الذي سلسله أنس بن مالك. 169- فلهذه الآثار قال العلماء: - يباح من الذهب ما تدعوا إليه الضرورة كاتخاذ أنف منه. - ويباح خاتم الفضة. - وتباح حلية السيف بالفضة.
حلية المنطقة بفضة والخوذة
وأما حِلْية المِنْطَقة بالفضة والخوذة والجوشن والخودة والران (1) حلية المنطقة بفضة والخوذة 170- ونحو ذلك من لباس الحرب: ففيه قولان للعلماء بخلاف لباس الخيل كالسرج واللِّجام. 171- وكذلك تنازعوا في "حلية الذهب": فقيل: لا يباح منه شيء. وقيل: يباح كسير الذهب مطلقًا. وقيل: يباح في السلاح. وقيل: في السيف خاصة. 172- وهذه الأقوال الأربعة في مذهب أحمد وغيره (2) . 173- وفي الترمذي (3) حديث غريب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سيفه ذهب وفضة.
174- وكذلك عثمان بن حنيف أحد أجلاء الصحابة كان في سيفه مِسْمار من ذهب (1) . 175- ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الذهب إلا مقطعًا (2) يدل على جواز ذلك؛ فلذلك جوّزه كثير من العلماء كأحمد في الأرجح عنه وغيره (3) . والله سبحانه أعلم. تمت بحمد الله وعونه ومنه وكرمه والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله. * * * *