فوات الوفيات

ابن شاكر الكتبي

مقدمة المحقق

مقدمة المحقق مؤلف الكتاب: محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هارون بن شاكر الملقب بصلاح الدين (1) : داراني المولد دمشقي الدار، سمع من ابن الشحنة والمزي وغيرهما من علماء بلده، ولكنه حصل أكثر ثقافته - فيما يبدو - عن طريق الوراقة والمتاجرة بالكتب، وقد كان شديد الفقر قبل أن يجد الحرفة الملائمة، فلما غدا كتبياً توفر له من عمله مال طائل. وربما كانت جودة خطه ووضوحه، وذلك الاتقان في الوراقة جملة (كما تدل على ذلك نسخة الفوات بخطه) مما كفل له إقبال الناس على ما ينسخه من كتب، وكسب له حسن المعاملة في التجارة مزيداً من ذلك الإقبال، فقد وصف بأنه كان ذا مروءة في معاملته للناس؛ كذلك كان يذاكر بعض معارفه ويفيد، غير أنه لم يشتهر بين معاصريه بثقافته، وإن وصف نفسه في مقدمة الفوات بإكتاره من مطالعة كتب التاريخ، ولم ينل من عمق الثقافة ودقة الحكم ما ناله مشهورو الوراقين أمثال أبي حيان التوحيدي وياقوت الحموي، بل ظلت ثقافته تقميشاً وتنسيقاً. ويبدو لمن يطلع على نسخة الفوات أن الرجل كان لا يكترث كثيراً بمراعاة الأصول النحوية واللغوية، وربما كانت معرفته بالنحو واللغة بسيطة ساذجة، وهذا يبدو واضحاً إذا قارناه بمؤلفي كتب التراجم من معاصريه، فهم يميلون - في الأغلب - إلى استعمال أسلوب مبسط فيه كثير من طبيعة الحديث الدارج، ولكنهم لا يبلغون في ذلك مبلغ ابن شاكر. ولا نعرف على وجه قاطع متى ولد ابن شاكر؛ وفي إحدى نسخ الدرر الكامنة أن ذلك كان عام 686، وهو تاريخ غير مستبعد، إلا أننا نعرف على

_ (1) أصل المعلومات عنه عند ابن كثير، البداية والنهاية 14: 302 - 303 وترجم له ابن حجر ترجمة موجزة في الدرر الكامنة 4: 71 ونقلت تلك الترجمة بنصها في الشذرات 6: 203؛ وانظر كشف الظنون 2: 1185 حيث يذكر أن لقبه " فخر الدين "، وهدية العارفين 2: 163.

مؤلفات الكتبي:

وجه اليقين أنه عاش حتى شهر رمضان سنة 764؛ يقول ابن كثير: " وفي يوم السبت الحادي عشر من رمضان من العام المذكور صلينا بعد الظهر على الشيخ محمد بن شاكر الكتبي " (1) وبعد شهر، وفي 10 شوال 764 على التحديد، توفي معاصره الشيخ صلاح الدين الصفدي. مؤلفات الكتبي: 1 - عيون التواريخ: ذكر حاجي خليفة أنه في ست مجلدات، وقال صاحب هدية العارفين إنه في 28 مجلداً، وإليه أشار ابن كثير حين قال: وجمع تاريخاً مفيداً نحواً من عشر مجلدات ولعل الاختلاف في عدد أجزاء الكتاب راجع إلى تفاوت في طبيعة النسخة التي اطلع عليها كل واحد منهم، وفي مكتبات استانبول عدة نماذج من نسخ هذا الكتاب، تشير إلى هذا التفاوت في التجزئة. 2 - روضة الأزهار في حديقة الأشعار، ذكره صاحب هدية العارفين. 3 - فوات الوفيات والذيل عليها. كتاب فوات الوفيات: يستفاد من المقدمة القصيرة التي صدر بها الكتبي كتابه هذا أنه قام يجمعه وترتيبه بعد أن أطلع على وفيات الأعيان لابن خلكان فوجد أنه لم يذكر أحداً من الخلفاء وأنه أخل بتراجم بعض فضلاء زمانه وجماعة ممن تقدم على أوانه، فأحب أن يستدرك عليه ما فاته ويذيل على كتابه؛ وفي ذكر هذه الغاية على هذا النحو شيء من المغالطة، فان ابن خلكان قد صرح بأنه لا ينوي أن يترجم للخلفاء، وأنه لن يدرج في كتابه إلا من عرف سنة وفاته، ولم يكن إغفاله الكثيرين ((لذهول عنهم أو لأنه لم تقع له ترجمة أحد منهم)) كما يدعي الكتبي، وإنما جرى ذلك خضوعاً لمنهج محدد. ويتراءى لي أن مؤلف الفوات وجد أمامه كتاب الصفدي ((الوافي بالوفيات)) فاختار منه عدداً من التراجم (ربما لم تزد على ستمائة) ، وجعل مصنفه الجديد

_ (1) تصفحت هذه اللفظة في المطبوعة فأصبحت " الليثي ".

تحقيق كتاب الفوات:

في أربعة مجلدات، وتولى ما ينقله ببعض الاختصار، ولم يزد شيئاً في المعلومات التاريخية والأخبارية، وإنما زاد في بعض المختارات الشعرية، وأكثر منها بشكل واضح في بعض التراجم (1) ؛ وحاول حقاً إلا يكرر ما أورده ابن خلكان من تراجم، إلا أن ذلك لم يكن مطرداً دائماً. ويبدو أن الكتبي كان يصنع كتبه بالاتكاء على مؤلفات معاصريه من مؤلفي الموسوعات، فقد ذكر حاجي خليفة أيضاً أنه في ((عيون التواريخ)) يتتبع في الغالب ابن كثير، ((ولا سيما في الحوادث، وكثيراً ما ينقل منه صفحة فأكثر بحروفه)) . متى ألف الكتبي كتاب الفوات؟: في آخر نسخة الفوات التي كتبها المؤلف أن العمل قد تم سنة 753؛ إن هذا التاريخ إن لم يكن تاريخاً لتأليف الكتاب فإنه يعد تاريخ الصورة النهائية التي اعتمدها مؤلفه وارتضاها (2) ، وربما أنه يتكيء على الصفدي في ما نقله، فإن هذا التاريخ يشير إلى أن الصفدي نفسه كان قد انتهى من تأليف كتابه قبل ذلك العام. تحقيق كتاب الفوات: لم يكن في نيتي أن أعيد النظر في هذا الكتاب لإيماني بأن التوفير على نشر ما يزال مطوياً من التراث أجدى من إعادة تحقيق ما قد نشر، وخاصة وأني كنت أجد المطبوعات وافية بالمطلولب (3) ، حتى اطلعت على نسخة منه بخط

_ (1) عرضت الفوات على نسخة من ((تجريد الوافي)) فوجدت التراجم مشتركة بين الكتابين وتؤكد الأجزاء المطبوعة من الوافي (1 - 9) مدى اعتماد الكتبي على الصفدي. (2) ربما كان الإختلاف الذي سأشير إليه فيما يلي بين المطبوعة والمخطوطة ناجماً عن قيام المؤلف بالتعديلات على مر الزمن في كتابه، كما فعل ابن خلكان، وإن كنت استبعد هذه المقايسة، لأن المؤلف لا يتعدى الصفدي بينما جمع ابن خلكان مادته من عشرات المصادر (3) أشير هنا إلى الطبعة التي صدرت بعناية الشيخ محيي الدين عبد الحميد رحمه الله، في جزءين كبيرين (القاهرة 1951) فقد بذل فيها جهداً طيباً، معتمداً على طبعتين صدرتا في مصر قبل ذلك. وقد اشار في مقدمته إلى اتكاء ابن شاكر على الصفدي.

المؤلف محفوظة بمكتبة أحمد الثالث (طوبقبو سراي) ، فوجدت لدى المقارنة أن المطبوعات صورة غير دقيقة من ((الفوات)) لعدة أسباب منها: (1) أن ترتيب التراجم فيها مضطرب - وخاصة في حرف الهمزة - ولذلك اختلط بعض التراجم معاً، وبتر بعضها من جراء هذا الاضطراب في الترتيب. (2) أن معظم التراجم في المطبوعة يمثل صورة موجزة جداً، حذف منها الكثير مما قيده المؤلف من أخبار أو اختاره من أشعار. (3) أن عشرات التراجم سقطت من المطبوعات. (4) أن اللغة التي استعملها الكتبي في كتابه قد غيرت في كثير من المواطن لتصبح أقرب إلى الصحة وأخضعت لقواعد النحو، وأن بعض العبارات التركية والفارسية قد حذفت ووضع في مكانها عبارات عربية. (5) أن بعض التراجم قد دست في الفوات منقولة حرفياً عن ابن خلكان مثل ترجمة السيدة نفيسة وابن الشجري والبديع الاصطرلابي وابن القطان وواصل بن عطاء ووثيمة بن الفرات (رقم 473 - 479 في طبعة الشيخ محيي الدين عبد الحميد) ولا وجود لها في الأصل الذي ارتضاه المؤلف. لكل ذلك قمت بتحقيق جديد لهذا الكتاب، معتمداً على نسختين: (1) نسخة مكتبة أحمد الثالث باستانبول رقم 2921 (ورمزت لها بالحرف ص لأنها أصل هام) ، وهي تقع في أربعة أجزاء، بخط المؤلف، إلا أن الجزء الثالث منها مفقود، وعدد أوراقها موزعة على الأجزاء الباقية كما يلي: الجزء الأول في 190 ورقة؛ الجزء الثاني في 189 ورقة؛ الجزء الرابع في 180 ورقة؛ وجاء في آخر الجزء الرابع: ((تم المجموع المسمى بفوات الوفيات والذيل عليها في العشر الأول من المحرم سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة من الهجرة النبوية)) . والأجزاء الثلاثة الباقية كتبت

كلها بخط واحد نسخي جميل واضح مشكول شكلاً جزيئاً، وفي الصفحة الواحدة 17 سطراً ومعدل الكلمات في السطر الواحد 11 كلمة. وعلى الجزء الرابع تملكات مختلفة، من أقدمها: ((استوعب هذا المجلد المبارك مطالعة العبد الفقير إلى الله تعالى يحيى بن عجلان بن محمد الطائي المكي (1) ... في أحد شهور سنة 881)) . (2) نسخة في مكتبة الصديق العلامة الأستاذ محمد زهير الشاويش (ورمزها: ر) وتقع في 140 ورقة، في الصفحة الواحدة منها 21 سطراً، ومعدل الكلمات في السطر الواحد 12 كلمة، وخطها نسخي واضح جميل مقارب كثيراً لخط النسخة السابقة، حتى ليمكن أن تعد النسختان لدى النظرة العجلى بخط ناسخ واحد. وهي نسخة قديمة أيضاً ولا بد، إذ جاء على الورقة الأولى منها أنها ((للخزانة العالية المولوية المخدومية الأميرية الكبيرية الناصرية ابن فضل الله، عمرها الله ببقائه آمين)) . وعلى الورقة نفسها أنها ((الجزء الثاني من كتاب الفوات)) ، ولكنها في شكلها الحالي مجموعة من الأوراق قد اضطرب ترتيبها واختل، بسقوط أوراق كثيرة في عدة مواطن منها؛ وتمثل التراجم الباقية منها جانباً من الجزء الثاني وجانباً من الجزء الثالث حسب قسمة النسخة (ص) . وقد كان لهذه النسخة قيمة كبيرة في التحقيق، وخاصة لأنها تسد مسد جانب من الجزء الثالث المفقود. ولما كان الجزء الثالث يتضمن عدداً كبيراً من تراجم المحمدين، فقد كان عرضه على الأجزاء الأربعة الأولى من كتاب الوافي المطبوع (وهي تضم تراجم المحمدين) وعلى مخطوطة عقود الجمان للزركشي (وهي صورة أخرى من الفوات مع اختلاف قليلة) مما ييسر

_ (1) لا شك في أنه هو الذي ترجم له السخاوي في الضوء اللامع 10: 235 وقال إنه يعرف بابن الشريفة، حفظ القرآن والمناهج وسافر إلى الحبشة والهند والقاهرة والشام للاسترزاق، وكان ينفق ما يدخل عليه أولاً فأولا، ويقال له الطائي نسبة لجدٍ له اسمه طي. إلا أن السخاوي ذكر أنه مات بالقاهرة في طاعون سنة 873. وقد كان الطاعون حقاً في ذلك العام (انظر ابن أياس 3: 26 وما بعدها) فإما أن السخاوي أخطأ في تاريخ الوفاة، وإما أن ابن عجلان وهم في تقييد التاريخ المذكور (بدلاً من 871 مثلاً) .

الاطمئنان إلى النص، ولكني لا أستطيع أن أجزم إن كان الجزء الثالث المفقود يحتوي تراجم لم ترد في مطبوعات الفوات. وقد اتبعت في تحقيق هذا الكتاب منهجاً أحب توضيحه فيما يلي: (1) ذهبت إلى اعتبار الصفدي والزركشي صورتين مشابهتين أو ماربتين لهذا الكتاب فقارنته بهما مقارنة دقيقة، ثم عرضت كل ترجمة على المصادر الأخرى، وأثبت هذه المصادر مجتمعة في الحاشية؛ وقد تعمدت في الجزء الأول أن أذكر كتاب الصفدي اعتماداً على ((تجريد الوافي)) لأقدم نموذجاً يشير إلى مدى الاتفاق في التراجم بين الكتابين، ولكني لم أشر إلى الصفدي في الأجزاء التالية إلا إذا كانت الترجمة موجودة في الأجزاء المطبوعة منه. (2) حرصت على إبقاء النص كما ورد في نسخة المؤلف، إلا حيث كان الخطأ اللغوي أو النحوي مما يمس رواية شعر قديم، أو يتصل بشخصٍ لم يعرف عنه التساهل في اللغة والنحو، فصوبت المتن، وأشرت إلى نص الأصل في الخاشية. أما ما كان أسلوباً حوارياً أو إخبارياً يمثل اللغة الدارجة في القرنين السابع والثامن - على وجه الخصوص - فقد أبقيته في المتن على حاله دوت تغيير. (3) بينت في كل موضع أن كانت الترجمة مما لم يرد في المطبوعات، كما أشرت بشكل عام إلى ما حذف من بعض التراجم، ليتكون لدى القارئ صورة واضحة عن مدى العلاقة بين المطبوعات ونسخة المؤلف. (4) حذفت التراجم الدخيلة التي وردت في المطبوعة. (5) اقتصرت في الشرح على تفسير بعض الألفاظ الاصطلاحية، وبعض الغريب، ولم أحاول التوسع في الشرح والتخريج. هذا وأني أتقدم بجزيل الشكر إلى الصديق الأستاذ محمد زهير الشاويش الذي أعارني نسخته الأصلية من هذا الكتاب، وسمح لي باستخدامها في التحقيق وكل ما أرجوه أن تكون هذه المحاولة ذات نفع في خدمة العلم، والله الموفق. بيروت في (أيلول) سبتمبر 1973. إحسان عباس

رب يسر واختم بخير

بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر واختم بخير أحمد الله على نعمه التي جلَّت مواقع ديمها، وعمَّت فوائد كرمها، وأشكره على مننه التي جادت رياض التحقيق من سحب الأفكار بمنسجمها، فأظهرت أزاهر المعاني التي انثرت (1) فأشرق الكون بتبسُّمها، الذي حكم بالموت على عباده إظهاراً لبدائع قدرته وحكمها، وأسعد وأشقى فيا فوز فرقة نقل الرواة ما سلف من محاسن شيمها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة، يقترن بالخلود ذكرها، ويتجدد في كل يوم فخرها، وينسدل على هفوات الإنسان سترُها. وأشهد أن سيدنا محمداً (2) عبده ورسوله الذي قلد بدرر محاسنه الأعناق " وبعثه على حين فترة من الرسل متمماً لمكارم الأخلاق " (3) وجعل شمس شريعته الغراء دائمة الإشراق. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جملوا بذكر محاسنهم السير، وذهبوا وصف مفاخرهم الآصال والبُكر، ما دوّنت الأقلام ذكر الأفاضل، وجلَت الكتب على أسماع الأواخر ذكر الأوائل، وسلم. وبعد، فإنّ علم التاريخ هو مرآة الزمان لمن تدبر، ومشكاة أنوار يطلع بها على تجارب الأمم مَن أمعن النظر وتفكر، وكنت ممن أكثر لكتبه المطالعة، واستحلى من فوائده المطالعة والمراجعة، فلما وقفت على كتاب " وفيات الأعيان "

_ (1) كذا في ص، ولعلها " افترت " كما هي في المطبوعة. (2) ص: محمد. (3) سقطت من ص.

لفاضي القضاة ابن خلكان، قدس الله روحه، وجدته من أحسنها وضعاً لما اشتمل عليه من الفوائد الغزيرة، والمحاسن الكثيرة، غير أنه لم يذكر أحداً (1) من الخلفاء، ورأيته قد أخلَّ بتراجم بعض فضلاء زمانه، وجماعة ممن تقدم على أوانه، ولم أعلم أذلك لذهول (2) عنهم، أو لم يقع له ترجمة أحد منهم. فأحببت أن أجمع كتاباً يتضمن ذكر مَن لم يذكره من الأئمة الخلفاء، والسادة الفضلاء أذيل فيه من حين وفاته إلى الآن، فاستخرت الله تعالى، فشرح لذلك صدري، وتوكلت عليه وفوضت إليه أمري. ووسمته ب؟ " فوات الوفيات ". والله تعالى المسئول أن يوفق في القول والعمل، وأن يتجاوز عن هفوات الخطأ والخطل.

_ (1) ص: أحد. (2) ص: لذهولا.

حرف الهمزة

حرف الهمزة

فراغ

إبراهيم بن أدهم

1 - (1) إبراهيم بن أدهم إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر، أبو إسحاق العجلي وقيل النخعي البلخي الواعظ أحد الأعلام (2) ، روى عن أبيه ومنصور ومحمد بن زياد الجمحي وأبي جعفر الباقر ومالك بن دينار وأبي نعيم وأبي موسى (3) والأعمش. قال الفضل بن موسى: حج أدهم إبراهيم وهي حبلى، فولدت إبراهيم بمكة، فجعلت تطوف به على الحلق في المسجد وتقول: ادعوا لابني أن يجعله الله صالحاً. وأخباره مشهورة في مبتدإ زهده، وطريقه مشهورة. قيل غزا في البحر مع أصحابه، فاختلف في الليلة التي مات فيها إلى الخلاء خمساً (4) وعشرين مرة، كل مرة يجدد الوضوء، فلما أحس بالموت قال: أوتروا لي قوسي، وتوفي وهي (5) في كفه، ودفن في جزيرة من جزائر البحر في بلاد الروم (6) . قال إبراهيم بن يسار الصوفي: كنت ماراً مع إبراهيم بن أدهم، فأتينا على قبر مسنم، فترحم عليه إبراهيم، ثم قال: هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلها، كان غارقاً في بحار الدنيا ثم أخرجه الله منها، بلغني أنه سرّ ذات

_ (1) هي من الترجمات المزيدة في وفيات الأعيان 1: 31 وانظر أيضاً تهذيب ابن عساكر 2: 167 وكتاب التوابين: 149 وحلية الأولياء 7: 368، 8: 3 والبداية والنهاية 10: 135 وشرح المقامات 2: 82 وعبر الذهبي 1: 238 والوافي 5 رقم: 318 وطبقات السلمي: 13. (2) في المطبوعة: العجلي النخبة الأجل الفاضل ملك الأعلام. (3) لم يرد هذا في ص. (4) ص: خمسة. (5) ص: وهو. (6) بهامش ص تعليق: ليس في جزيرة بل هو في الساحل قريباً من طرابلس.

إبراهيم الحربي

يوم بشيء، نام، فرأى رجلاً بيده كتاب، فناوله ففتحه فإذا فيه مكتوب بالذهب: لا تؤثرن فانياً على باق (1) ، ولا تفرحن بملكك، فإن ما أنت فيه جسيم، إلا أنه عديم، فسارع إلى الآخرة، فإن الله تعالى يقول " وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربَّكم وجنَّةً عرضها السموات والأرض أعدَّت للمتقين " آل عمران: فانتبه فزعاً، وقال: هذا تنبيه من الله تعالى وموعظة، فخرج من ملكه فأتى هذا الجبل وعبد الله فيه حتى مات. وقال: رأيت في النوم كأن قائلاً يقول لي: أيحسن بالحر المريد، أن يتذلل للعبيد، وهو يجد عند الله كل ما يريد؟ وقال النسائي: إبراهيم أحد الزهاد، وهو مأمون ثقة. وقال الدارقطني: ثقة. وقال البخاري: مات سنة إحدى وستين ومائة، وسيرته في تاريخ دمشق ثلاث وثلاثون ورقة وهي طويلة في حلية الأولياء، رحمه الله تعالى. 2 - (2) إبراهيم الحربي إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم، الفقيه أبو إسحاق الحربي أحد الأئمة الأعلام؛ ولد سنة ثمان وتسعين ومائة، وتفقه على الإمام أحمد بن حنبل، وكان من نجباء أصحابه، روى عنه ابن صاعد وابن السماك. قال الخطيب: كان إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً

_ (1) ص: باقياً. (2) ترجمة الحربي في معجم الأدباء 1: 112 وتاريخ بغداد 6: 27 وصفة الصفوة 2: 228 والوافي 5: 320 وطبقات أبي يعلى 1: 86 وتذكرة الحفاظ: 584 وثمة دراسة مطولة عنه في مقدمة كتاب المناسك من تحقيق الشيخ حمد الجاسر.

بالأحكام، حافظاً للحديث، مميزاً لعلله، قيماً بالأدب، صنف غريب الحديث وكتباً كثيرة. وحدث عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كان أبي يقول لي: امض إلى إبراهيم الحربي يلقي عليك الفرائض. وأنشده رجل: أنكرت ذلّي فأيّ شيء ... أحسن من ذلّة المحبّ (1) ؟ أليس شوقي وفيض دمعي ... وضعف جسمي شهود حبّي فقال إبراهيم: هؤلاء شهود ثقات. قال إبراهيم: ما أنشدت شيئاً من الشعر إلا قرأت " قل هو الله أحد " ثلاث مرات. قال ياقوت في كتاب معجم الأدباء (2) : قد كان إسماعيل بن إسحاق القاضي يشتهي رؤية إبراهيم الحربي، وكان إبراهيم لا يدخل عليه، ويقول لا أدخل داراً عليها بواب، فأخبر إسماعيل بذلك، فقال: أنا أدع بابي كبابة (3) الجامع، فجاء إبراهيم إليه، فلما دخل عليه خلع نعليه، فلفهما القاضي (4) في منديل دبيقي وجعلهما في كمه، وجرى بينهما بحث كثير، فلما قام إبراهيم التمس نعليه، فأخرج القاضي النعل من كمه، فقال إبراهيم: غفر الله لك كما أكرمت العلم؛ فلما مات القاضي رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال أجيبت فيّ دعوة إبراهيم الحربي. ودخل عليه قوم يعودونه، فقالوا: كيف تجدك يا أبا إسحاق؟ فقال: أجدني كما قال (5) :

_ (1) بعد هذا السطر وقع خرم في ص ضاعت بسببه ورقات. (2) معجم الأدباء 1: 125. (3) ياقوت: كباب. (4) هو أبو عمر محمد بن يوسف القاضي. (5) هو أبو نواس، انظر تاريخ بغداد 7: 448.

دبّ فيّ السّقام سفلاً وعلوا ... وأراني أذوب عضوا فعضوا بليت جدّتي بطاعة نفسي ... وتذكرت طاعة الله نضوا وقال ياقوت: حدثني صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار قال: حدثني أحمد بن سعيد الصباغ يرفعه إلى أبي نعيم قال: كان يحضر مجلس إبراهيم الحربي جماعة من الشبان للقراءة عليه، ففقد أحدهم، فسأل عنه من حضر، فقالوا: هو مشغول، ثم سألهم يوماً آخر، فقالوا: هو مشغول، وكان الشاب قد ابتلي بمحبة شخص شغله عن الحضور، وعظموا قدر إبراهيم الحربي أن يخبروه بحقيقة الحال، فلما تكرر منه السؤال عنه وهم لا يزيدون على أنه مشغول قال: يا قوم إن كان مريضاً قوموا بنا لنعوده، وإن كان مديوناً اجتهدنا في مساعدته، أو محبوساً سعينا في خلاصه، فخبروني عن جلية حاله، فقالوا: نجلك عن ذلك، فقال: لا بد أن تخبروني، فقالوا: إنه ابتلي بعشق صبي، فوجم إبراهيم ساعة، ثم قال: هذا الصبي الذي ابتلي بعشقه أهو مليح أم قبيح؟ فعجب القوم من سؤاله عن مثل ذلك مع جلالته في أنفسهم، وقالوا: أيها الشيخ مثلك يسأل عن مثل هذا؟ فقال: إنه بلغني أن الإنسان إذا ابتلي بحب صورة قبيحة كان بلاءً تجب الاستعاذة من مثله، وإن كان مليحاً كان ابتلاء يجب الصبر عليه واحتمال المشقة، قال: فعجبنا مما أتى به. ومن مصنفاته كتاب سجود القرآن. مناسك الحج. الهدايا والسنة فيها. الحمام وآدابه. مسند أبي بكر رضي الله عنه. مسند عثمان رضي الله عنه. مسند علي رضي الله عنه. مسند الزبير رضي الله عنه. مسند طلحة رضي الله عنه. مسند سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. مسند عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. مسند العباس رضي الله عنه. مسند شيبة بن عثمان. مسند عبد الله بن جعفر. مسند المسور بن مخرمة. مسند المطلب بن ربيعة. مسند السائب. مسند خالد بن الوليد. مسند أبي عبيدة بن الجراح. مسند ما روي عن عاصم بن عمر. مسند

المتقي لله

صفوان بن أمية. مسند عمرو بن العاص. مسند عمران بن حصين. مسند حكيم بن حزام. مسند عبد الله بن زمعة. مسند عبد الرحمن بن سمرة. مسند عبد الله بن عمرو. مسند ابن عمر. وكان أصل إبراهيم الحربي من مرو، توفي لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين، رحمه الله. 3 - (1) المتقي لله إبراهيم بن جعفر، أمير المؤمنين المتقي لله ابن المقتدر ابن المعتضد؛ ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، واستخلف سنة تسعين وعشرين وثلثمائة بعد أخيه الراضي، فوليها إلى سنة ثلاث وثلاثين، ثم خلعوه وسملوا عينيه، وبقي في قيد الحياة، وكان حسن الجسم مشرباً بحمرة أبيض أشقر الشعر أشهل العينين، وكان فيه دين وصلاح، وكثرة صلاة وصيام، وكان لا يشرب الخمر. وتوفي في السجن سنة سبع وخمسين وثلثمائة، رحمه الله تعالى. وكانت مدته سنتين (2) وأحد عشر شهراً، وكانت أيامه منغصة عليه لاضطراب الأتراك، حتى إنه أتى إلى الرقة، فلقيه الإخشيد صاحب مصر وأهدى له تحفاً كثيرة وتوجع لما ناله من الأتراك، ورغبه في أن يسير معه إلى مصر فقال: كيف أقيم في زاوية من الدنيا وأترك العراق متوسطة الدنيا وسرتها، ومستقر الخلافة وينبوعها؟ ثم سار حتى قدم بغداد، بعد أن خاطبه أمير الأتراك توزون، وحلف له أن لا

_ (1) راجع المصادر التاريخية كالكامل لابن الأثير ... الخ وانظر الروحي: 62 والفخري: 254 وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 424 ونكت الهميان: 87 والوافي 5: 341. (2) الوافي: ثلاث سنين.

جمال الدين بن النجار

يغدر به، وزينت له بغداد زينة يضرب بها المثل، وضربت له القباب العظيمة العجيبة في طريقه، فلما وصل السندية على نهر عيسى قبض عليه توزون، وسمل عينيه، وبايع المستكفي من ساعته، ودخل بغداد في تلك الزينة فكثر تعجب الناس من ذلك، وقال المتقي: كحلونا وما شكو ... نا إليهم من الرّمد ثم عاثوا بنا ونح؟ ... ؟ ن أسودٌ وهم نقد (1) كيف يغترّ من أذا ... نا وفي دستنا قعد 4 (2) جمال الدين بن النجار إبراهيم بن سليمان بن حمزة بن خليفة، جمال الدين بن النجار الدمشقي المجود. ولد بدمشق سنة تسع وخمسمائة وتوفي سنة إحدى وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى. وحدث وكتب في الإجازات، وكتب عليه أبناء البلد، وله نظم وأدب، وسافر إلى حلب وبغداد، وكتب للأمجد صاحب بعلبك، وسافر إلى الاسكندرية وتولى نقابة الأشراف بها، وسمع بدمشق من التاج الكندي وغيره. ومن شعره ما قاله في أسود شائب: يا ربّ أسود شائب أبصرته ... وكأنّ عينيه لظىً وقّاد فحسبته فحماً بدت في بعضه ... نارٌ وباقيه عليه رماد

_ (1) النقد: صغار الغنم. (2) الشذرات 5: 253 والزركشي 1: 11 والوافي 5: 356 وعقود الجمان لابن الشعار 1: 40 والمنهل الصافي 1: 50.

وله أيضاً: ما لهذي العيون قاتلها الل؟ ... ؟ هـ تسمّى لواحظاً وهي نبل ولهذا الذي يسمونه العش؟ ... ق مجازاً وفي الحقيقة قتل؟؟ ولقلبي يقول أسلو فإن قل؟ ... ت نعم قال لست والله أسلو وله أيضاً: ومغرمٍ بالبدال قلت له ... يا ولدي قد وقعت في التعب طوراً على الرّاحتين منبطحاً ... وتارة جاثياً على الركب دخلٌ وخرجٌ وليس بينهما ... في اليد من فضة ولا ذهبِ (1) أيسر ما فيه أن مسلكه ... تأمن فيه من عين مرتقب وعندنا قهوةٌ معتّقةٌ ... كأنّ في كأسها سنا لهب ومن بنات القيان مخطفةٌ ... تغار منها الأغصان في الكثب ومطربٌ يحسن الغناء لنا ... إن كنت ممن يقول بالطرب ولست تخلو مع كل ذلك من ... عمود أير كالزّند منتصب ينطح نطح الكباش متصلاً ... بطول رهزٍ كالخرز في القربِ وله أيضاً: لقد نبتت في صحن خدّك لحية ... تأنّق فيها صانع الإنس والجنّ وما كنت محتاجاً إلى حسن نبتها ... ولكنها زادتك حسناً إلى حسن

_ (1) ابتداء من هذا البيت ينتهي الخرم في ص.

ابن سهل الإسلامي

5 - (1) ابن سهل الإسلامي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي؛ قال ابن الأبار في تحفة القادم (2) : كان من الأدباء الأذكياء الشعراء، مات غريقاً مع ابن خلاص (3) والي سبتة سنة تسع وأربعين وستمائة، وكان سنه نحو الأربعين أو ما فوقها، وكان قد أسلم وقرأ القرآن، وكتب لابن خلاص بسبتة فكان من أمره ما كان. قال أثير الدين أبو حيان: هو إبراهيم بن سهل الإشبيلي الإسلامي، أديب ماهر، دون شعره في مجلد، وكان يهودياً فأسلم، وله قصيدة مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، وأكثر شعره في صبي يهودي كان يهواه، وكان يقرأ مع المسلمين ويخالطهم. قلت: والقصيدة النبوية على حرف العين، ذكرها ابن الأبار في ترجمة المذكور. وكان يهوى يهودياً اسمه موسى فتركه، وهو شاباً اسمه محمد، فقيل له في ذلك فقال: تركت هوى موسى لحبّ محمّد ... ولولا هدى الرحمن ما كنت أهتدي وما عن قلىً منّي تركت وإنما ... شريعة موسى عطّلت بمحمّدٍ

_ (1) انظر مقدمة كتبتها على ديوانه (ط: صادر، بيروت 1967) وفيها ثبت بأهم المصادر التي تعرضت لذكره، وانظر الزركشي 1: 12 والوافي 6: 5. (2) ليس له ترجمة في المقتضب من تحقة القادم. (3) يعني محمد بن الحسن بن خلاص، وكان الحسن أبوه والي سبتة وقد بعث ابنه في سفينة إلى حضرة تونس ومعه هدية، فغرقت السفينة، وانظر مقدمة ديوان ابن سهل: 38 - 42 ففيها مناقشة لهذه الرواية ومن ثم لتاريخ وفاته.

قال الشيخ أثير الدين: أخبرنا قاضي الجماعة قال: نظم الهيثم (1) قصيدة يمدح بها المتوكل على الله محمد بن يوسف بن هود ملك الأندلس، وكانت أعلامه سوداء لأنه كان بايع الخليفة ببغداد، فوقف إبراهيم بن سهل على قصيدة الهيثم وهو ينشدها لبعض أصحابه، وكان إبراهيم إذ ذاك صغيراً، فقال إبراهيم للهيثم: زد بين البيت الفلاني والبيت الفلاني: أعلامه السود إعلاماً بسؤدده ... كأنهنّ بخدّ الملك خيلانُ فقال له الهيثم: هذا البيت ترويه أم نظمته؟ قال: بل نظمته الساعة، فقال الهيثم: إن عاش هذا ليكونن (2) أشعر أهل الأندلس. والقصيدة التي مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم (3) : وركبٍ دعتهم نحو طيبة نية ... فما وجدت إلاّ مطيعاً وسامعا يسابق وخد العيس ماء شؤونهم ... فيقفون بالسوق المدى والمدامعا إذا انعطفوا أو رجّعوا الذكر خلتهم ... غصوناً لداناً أو حماماً (4) سواجعا تضيء من التقوى حنايا صدورهم ... وقد لبسوا اللّيل البهيم مدارعا تكاد مناجاة النبيّ محمّدٍ ... تنمّ بهم مسكاّ على الشم ذائعا تلاقى على ورد اليقين قلوبهم ... خوافق يذكرن القطا والمشارعا قلوبٌ عرفن الحقّ فهي قد انطوت ... عليها جنوبٌ ما عرفن المضاجعا سقوا دمعهم غرس الأسى في ثرى الجوى ... فأنبت أزهار الشحوب الفواقعا تساقوا لبان الصدق محضاً بعزمهم ... وحرّم تفريطي عليّ المراضعا

_ (1) هو أبو المتوكل الهيثم بن أحمد بن أبي غالب بن الهيثم الإشبيلي، كان شاعراً مشهوراً بالحفظ والارتجال، قتل سنة 631 (انظر اختصار القدح: 158 والمغرب 1: 258 وصفحات متفرقة من نفح الطيب) . (2) ص: فيكون. (3) ديوانه: 232. (4) ص: حمام.

وهي طويلة؛ ومن شعره (1) : سل في الظلام أخاك البدر عن سهري ... تدري النجوم كما تدري الورى خبري أبيت أسجع بالشكوى وأشرب من ... دمعي وأنشق ريّا ذكرك العطر حتى أخيّل أني شاربٌ ثملٌ ... بين الرياض وبين الكأس والوتر بعض المحاسن يهوى بعضها عجباً ... تأملوا كيف هام الغنج بالخفر إن تقصني فنفارٌ جاء من رشإٍ ... أو تضنني (2) فمحاقٌ جاء من قمر وله أيضاً (3) : ردّوا على طرفي النوم الذي سلبا ... وخبروني بقلبي أيّةً ذهبا علمت لما رضيت الحبّ منزلة ... أن المنام على عينيّ قد غضبا فقلت (4) واحربا والصمت أجدر بي ... قد يغضب الحبّ إن ناديت واحربا إني له عن دمي المسفوك معتذرٌ ... قول حملته في سفكه تعبا نفسي تلذّ الأسى فيه وتألفه ... هل تعملون لنفسي في الجوى نسبا قالوا عهدناك من أهل الرشاد فما ... أغواك؟ قلت اطلبوا في لحظه السببا من صاغه الله من ماء الحياة وقد ... جرت بقيّته في ثغره شنبا يا غائباً مقلتي تهمي لفرقته ... والقطر إن حجبت شمس الضحى انسكبا كم ليلةٍ بتّها والنجم يشهد لي ... رهين شوقٍ إذا غالبته غلبا مردداً في الدجى لهفاً ولو نطقت ... نجومها ردّدت من حالتي عجبا ماذا ترى في محبّ ما ذكرت له ... إلاّ بكى أو شكا أو حنّ أو طربا يرى خيالك في الماء الزلال وما ... ذاق الشراب فيروى وهو ما شربا

_ (1) ديوانه: 148. (2) ص: تطنني. (3) ديوانه: 74. (4) ص: قلت.

وله أيضاً (1) : ولما عزمنا ولم يبق من ... مصانعة الشوق غير اليسير (2) بكيت على النهر أخفي الدموع ... فعرّضها لونها للظّهور ولو عرف السّفر حالي إذن ... لما صحبوني عند المسير إذا ما سرى نفسي في الشراع ... أعادهم نحو حمصٍ زفيري وقفت سحيراً وغالبت شوقي ... ونادى الأسى حسنه من مجيري أنار وقد لفحت زفرتي ... فصار الغدوّ كوقت الهجير ومنّ الفراق بتوديعه ... فشبهت ناعي النوى بالبشير وقبّلت وجنته في الدّموع ... كما التقطت وردةٌ من غدير وقبلت في الترب منه خطاً ... أميّزها بشميم العبير تغرّب نومي عن مقلتي ... وأما حديث المنى في ضميري أموسى تهنّ (3) نعيم الكرى ... فليلي بعدك ليل الضرير وله أيضاً (4) : كأن الخال في وجنات موسى ... سواد العتب في نور الوداد أخطّ لصدغه في الحسن واو ... فنقطة خاله بعض المداد لواحظه محيّرة ولكن ... بها اهتدت الشجون إلى فؤادي وله مخمس (5) : غريب الحسن عنّ لنا فعنّى ... ووسنانٌ طريق الهجر سنّا

_ (1) ديوانه: 152. (2) ص: إلا اليسير. (3) ص: تهنا. (4) ديوانه: 118. (5) لم يرد هذا المخمس في الديوان أو في المطبوعة.

ثنى أعطافه فاستعطفتنا ... أغنّ عن الرشا والبدر أغنى فهمنا سرّ مقلته فهمنا ... شكوت له من الحرق التهابا ... فأسداها مراشفه العذابا فكانت رحمة لقيت عذابا ... ومال وقد تطارحنا العتابا كأني طائرٌ ناجيت غصنا ... أمولىً حاز حتى الحسن عبدا ... حكيت الورد لي عهداً وخدّا ونجم الأفق إشراقاً وبعدا ... وسوّى الله بدر التمّ فردا فإذ سوّاك قال الناس: ثنّى ... أخاف على مكانك من فؤادي ... فلا تضرمه ناراً بالبعاد ودع حظاً لطيفك من رقادي ... تنازعني الكواكب في سهاد وتعجز عن دموع سح معنا ... أحوريّ الطّهارة والجمال ... هجرت الخلد هجراً عن دلال أول تركت الحور بعدك في ضلال ... فمن للناس عندك بالوصال وقد فارقت رضواناً وعدنا ... وسيم الحسن قيّض لي لأشقى ... فليت ابن البقاء عليّ أبقى أيوسف إنني يعقوب حقّا ... كملت ملاحةً وكملت عشقا فمن ذا مثلنا حسناً وحزنا ... وله أيضاً موشح (1) : يا لحظاتٍ للفتن ... في كرها أوفى نصيب ترمي وكلّي مقتل ... وكلها سهمٌ مصيب

_ (1) ديوانه: 292 والمنهل الصافي 1: 53 وتوشيع التوشيح: 157.

اللوم (1) للأحي مباح ... أما قبوله فلا علّقته وجه صباح ... ريق طلاً عنق (2) طلا كالظبي ثغره أقاح ... وما ارتعى شيح الفلا (3) يا ظبي خذ قلبي وطن ... فأنت في الإنس غريب وارتع فدمعي سلسل ... ومهجتي مرعىً خصيب بين اللّمى والحور ... منه الحياة والأجل سقت مياه الخفر ... في خده ورد الخجل زرعته (4) بالنّظر ... وأجتنيه بالأمل في طرفه (5) الساجي وسن ... سهّد أجفان الكئيب والردف فيه ثقل ... خفّ له عقل اللبيب أهدى إلى حرّ العتاب ... برد اللّمى وقد وقد فلو (6) لثمته لذاب ... من زفرتي ذاك البردْ

_ (1) الديوان: النصح. (2) الديوان: عيني. (3) الديوان: مما ارتعاه بالفلا. (4) الديوان: غرسته. (5) الديوان: لحظه. (6) ابتداء من هذه اللفظة ترد صفحتان في ص بخط غير خط المؤلف.

ثم لوى جيد كعاب ... ما حليه (1) إلاّ الغيد في نزعة الظبي الأغن ... وهزة الغصن الرطيب يجري لدمعي جدول ... فينثني منه قضيب أأنت حورا أرسلك ... رضوان صدقاً للخبر قطّعت القلوب لك ... وقيل ما هذا بشر أمّ الصفا مضنىً هلك ... من النوى أم الكدر حتى تزكيه المحن ... أمر الهوى أمر غريب كأنّ عشقي مندل ... زاد (2) بنار الهجر طيب أغربت في الحسن البديع ... فصار دمعي مغربا شمل الهوى عندي جميع ... وأدمعي أيدي سبا فإستمع عبداً مطيع ... غنى لبعض الرقبا هذا الرقيب ما أسواه يظن ... ايش لو كان لانسان مريب مولاي قم تا نعملو (3) ... ذاك الذي ظن الرقيب

_ (1) ص: خلته، وأثبت رواية الديوان. (2) ص: يزداد، والوزن ينكسر به. (3) الديوان: يا مولتي قم نعملو.

وله أيضاً موشح (1) : روض نضير وشادن وطلا ... فاجتن زهر الربيع والقبلا واشرب يا ساقياً ما وقيت فتنته ... حكت رحيق الكؤس صورته ... فمثّلت ثغره ووجنته ... هذا حباب كالسلك (2) معتدلا ... وذا رحيق لدى الزجاج علا كوكب أقمت حرب الهوى على ساق ... وبعت عقلي بالخمر من ساقي ... أسهر جفني بنوم أحداق ... تمثّل السحر وسطها كحلا ... معتلةٌ وهي تبرىء العللا فاعجب قلبك صخر والجسم من ذهب ... أيا سميّ النبيّ يا ذهبي (3) ... جاورت من مهجتي أبا لهب ... يا باخلاً لا أذمّ ما فعلا ... صيرت عندي محبة البخلا مذهب يا منيتي المنى من الخدع ... ما نلت سؤلي ولا الفؤاد معي ... هل عنك (4) صبر أو فيك من طمع ... أفنيت فيك الدموع والحيلا ... فلا سلوّاً في الحب نلت ولا مأرب

_ (1) الديوان: 316. (2) الديوان في الكاس. (3) الديوان: يا طلبي، وقال إن الموشحة نظمت في أبي بكر الطلبي. (4) ص: عندك.

أتيت أشكوه لوعتي عجبا ... فصدّ عنّي بوجهه غضبا ... فعند هذا ناديت واحربا ... تصدّ عني يا منيتي مللا ... وأشتكي من صدودك العللا تغضب (1) وله من قصيدة في محبوبه موسى (2) : وإني لثوب الحزن أجدر لابسٍ ... وموسى لثوب الحسن أحسن مرتد (3) تأمّل لظى شوقي وموسى يشبّها ... تجد خير نار عندها خير موقد إذا ما رنا شزراً فقل لحظ أحورٍ ... وإن يلو إعراضاً فصفحة أغيد وعذّب بالي أنعم الله باله ... وسهّدني لا ذاق طعم التسهد شكوت فجاءوا بالطبيب، وإنّما ... طبيب سقامي في لواحظ مبعدي فقال على التأنيس طبّك حاضرٌ ... فقلت نعم لو أنه بعض عوّدي بكيت فقال الحبّ هزواً أتشتري ... بماء جفونٍ ماء ثغر منضد فأنشدته شعراً به أستميله ... فأبدى ازدراء بابن حجرٍ ومعبد كأنّي بصرف البين حان فجاد لي ... بأحلى سلامٍ منه أفظع مشهد تغنمت منه السير خلفي مشيّعاً ... فأقبلت أمشي مثل مشي المقيد وجاء لتوديعي فقلت له اتئد ... مشت لك روحي في الزفير المصعد جعلت يميني كالنّطاق لخصره ... وصاغت جفوني حلي ذاك المقلّد وجدت بذوب التبر فوق مورّسٍ ... وضنّ بذوب الدرّ فوق مورد ومسّح أجفاني ببرد بنانه ... فألّف بين المزن والسوسن الندي فيا آفة العقل الحصيف وصبوة ال ... عفيف وغيّ النّاسك المتعبّد

_ (1) الخرجة عامية في الديوان، والظاهر أنها قد حورت عند المشارقة. (2) ديوانه: 99. (3) إلى هنا تنتهي الصفحتان اللتان جاءتا بغير خط المؤلف.

رعيت لحاظي في جمالك آمناً ... فأذهلني عن مصدري حسن مورد أظلّ ويومي فيك هجرٌ ووحشةٌ ... ويومي بحمد الله أحسن من غدي وصالك أشهى من معاودة الصبا ... وأطيب من عيش الزمان الممهد عليك فطمت العين من لذة الكرى ... وأخرجت قلبي طيّب النفس من يدي وله أيضاً (1) : ضمانٌ على عينيك أني عاني ... صرفت إلى أيدي العناء عناني وقد كنت أرجو الوصل منك غنيمة ... فحسبي منك اليوم نيل أماني ومن لي بجسم أشتكي منه بالضنا ... وقلبٍ فأشكو منه بالخفقان وما عشت حتى اليوم إلاّ لأنّني ... خفيت فما يدري الحمام مكاني ولو أنّ عمري عمر نوح وبعته (2) ... بساعة وصلٍ منك قلت: كفاني وما ماء ذاك الريق عندي غالياً ... بماء شبابي واقتبال زماني خليليّ عندي في السّلوّ بلادة ... فإن شئتما علم الهوى فسلاني خذا عدداً من مات من ألم الهوى ... فإن كان فرداً فاحسباني ثاني وله أيضاً (3) : يقولون لو قبّلته لاشتفى الجوى ... أيطمع في التقبيل من يعشق البدرا ولو غفل الواشي لقبلت نعله ... أنزّهه أن أذكر الجيد والثغرا وما أنا من يستحمل الريح سرّه ... أغار حفاظاً أن أذيع له سرّا إذا فئة العذّال جاءت بسحرها ... ففي وجه موسى آية تبطل السحرا وله من أبيات (4) :

_ (1) لم ترد في المطبوعة، وانظر ديوانه: 214. (2) ص: وبعثه. (3) هذه القطعة وما يليها حتى آخر الترجمة لم يرد في المطبوعة، وانظر ديوانه: 159. (4) ديوانه: 169.

غضّ الصبا يسفر عن منظرٍ ... أحسن من عصر الصبا المقبل صوّر من نور ومن فتنةٍ ... والناس من ماء ومن صلصل أحلت أشواقي على ذكره ... أسلّط النار على المندل أخشى عليك العار من قولهم: ... معتدل القمامة لم يعدل وقال أيضاً (1) : أموسى ولم أهجرك والله إنّما ... هجرت الكرى والأنس واللب والصبرا تركتك لا غدراً بعهدك بل أرى ... حياتي ذنباً بعد بعدك أو غدرا قنعت على رغمي بذكرك وحده ... أدير عليه الخمر والأدمع الحمرا أقبل من كاس المدير حبابها ... إذا مثلت عندي المنى ذلك الثغرا وله أيضاً (2) : لاموا فلما لاح موضع صبوتي ... قالوا لقد جئت الهوى من بابه شرقت بدمعي وجنتي شوقاً إلى ... ذي وجنة شرقت بماء شبابه حلو الكلام كأنّما ألفاظه ... يشربن عند النطق شهد رضابه بالله يا موسى وقد لذّ الردى ... اجبر ولا تبق الجريح بما به هاروت أودع في لحاظك سحره ... فأصاب قلبي منك مثل عذابه وديوانه كله من هذا النوع، رحمه الله تعالى وسامحه.

_ (1) ديوانه: 157. (2) ديوانه: 82.

الشيخ إبراهيم الأرموي

6 - (1) الشيخ إبراهيم الأرموي إبراهيم بن عبد الله بن يوسف بن إبراهيم بن سليمان أبو إسحاق الأرمني، ويقال الأرموي، الشيخ الزاهد العابد؛ ولد سنة خمس عشرة وستمائة بجبل قاسيون، وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين (2) وتسعين وستمائة. سمع من الشيخ الموفق وابن الزبيدي وغيرهما، وكان صالحاً خيراً كبير القدر مقصوداً (3) للتبرك. ولما قدم الأشرف دمشق من فتح عكا طلع إليه وزاره وطلب منه الدعاء، ووصله. ولما مات طلع إلى جنازته ملك الأمراء والقضاة وحمل على الرءوس. وله شعر جيد منه: سهري عليك ألذّ من سنة الكرى ... ويلذ فيك تهتكي بين الورى وسوى جمالك لا يروق لناظري ... وعلى لساني غير ذكرك ما جرى وحياة وجهكَ لو بذلتُ حُشاشتي ... لمبشري برضاك كنتُ مُقصِّرا أنا عبدُ حبك لا أحُول عن الهوى ... يوماً وإن لام العذول وأكثرا

_ (1) هذه الترجمة موجزة جداً في المطبوعة، وانظر الزركشي 1: 28 والوافي 6: 36 والدارس 2: 196 والنجوم الزاهرة 8: 38 والشذرات 5: 420. (2) ص: اثنتين. (3) ص: مقصود.

الشيخ برهان الدين الفزاري

7 - (1) الشيخ برهان الدين الفزاري إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضبا؛ هو الشيخ الجليل الإمام العلامة الورع شيخ الشافعية برهان الدين أبو إسحاق الفزاري الصعيدي الأصل الدمشقي، مدرس الباذرائية (2) وابن مدرّسها، وسيأتي ذكر والده الشيخ تاج الدين إن شاء الله تعالى في حرف العين. كان جده فقيهاً بالرواحية (3) ، وولد الشيخ برهان سنة ستين وستمائة، وأمّه أمّ ولد، عاشت إلى بعد العشرين وسبعمائة. سمّعه أبوه الكثير في الصغر من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر، وبرع في الفقه على والده، وقرأ العربية على عمه شرف الدين، وقرأ الأصول وبعض المنطق، وتفنن وجوّد الكتابة، ونشأ في صون وخير وإكباب على العلم والإفادة، وتخرج به الأصحاب، وأذن في الفتوى لجماعة، وانتهى إليه إتقان غوامض المذهب. علّق على " التنبيه " شرحاً في مجلدات. وكان عذب العبارة صادق اللهجة، طلق اللسان، طويل الدروس، وكان له حظ من صلاة وصيام وذكر، وفيه لطف وتواضع ولزوم خير وكفٌّ عن

_ (1) لم ترد هذه الترجمة في المطبوعة؛ وانظر طبقات السبكي 6: 45 والدرر الكامنة 1: 35 والمنهل الصافي 1: 80 ومرآة الجنان 4: 279 وطبقات الأسنوي 2: 290 والدارس 1: 208 والبداية والنهاية 14: 146 والوافي 6: 43 وأعيان العصر: 20 والرد الوافر: 86 والشذرات 6: 88. (2) يكتبها المؤلف بالذال المعجمة حيثما وقعت وترد بالدال المهملة في المصادر، وهي المدرسة التي أنشأها الإمام نجم الدين عبد الله بن محمد بن الحسن الباذرائي (انظر الدارس 1: 205) . (3) الرواحية: نسبة إلى مؤسسها زكي الدين أبي القاسم التاجر المعروف بابن رواحة (الدارس 1: 265) .

الشيخ العماد

الغيبة وعن أذى الناس. وكان كل شهر يعمل طعاماً لفقهاء الباذرائية ويقف في خدمتهم، وكان واسع البذل، يعود المرضى ويشيع الجنائز؛ وكان لطيف المزاج نحيف الجسم أبيض حلو الصورة رقيق البشرة معتدل القامة، قليل الغذاء جداً، يديم التنقل بالخيار شنبر، وربما انزعج في المناظرة. ولي الخطابة بالجامع الأموي بعد عمه شرف الدين، ثم عزل نفسه بعد شهر، ولما توفي قاضي القضاة نجم الدين ابن صصري (1) طلب للقضاء فامتنع، وكان فيه رفق ورحمة، يكره الفتن ولا يدخل فيها، وله جلالة ووقع في النفوس. وكانت وفاته في سنة تسع وعشرين وسبعمائة، ودفن عند والده بباب الصغير، وكانت جنازته مشهورة (2) ، رحمه الله تعالى. 8 - (3) الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد علي بن سرور المقدسي، الشيخ عماد الدين الحنبلي الزاهد، أخو الحافظ عبد الغني؛ ولد بجماعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وتوفي سنة أربع عشرة (4) وستمائة. هاجر إلى دمشق، وسمع وارتحل، وصارت له معرفة حسنة بالحديث مع كثرة السماع واليد الباسطة في الفرائض والنحو والخط المليح، وطوَّل الشيخ شمس الدين الذهبي في ترجمته، رحمه الله تعالى.

_ (1) توفي سنة 723. (2) الأصوب " مشهودة " كما في الوافي. (3) عبر الذهبي 5: 49 والشذرات 5: 57 والوافي 6: 49 وذيل ابن رجب 2: 93 ومرآة الزمان: 586، ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (4) ص: أربع عشر.

ابن هرمة

9 - (1) ابن هرمة إبراهيم بن علي بن سلمة الفهري المدني الشاعر المعروف بابن هرمة، من شعراء الدولتين؛ كان شيخ الشعراء في زمانه، وكان منقطعاً إلى الطالبيين، وكان منهوماً في الشراب لا يكاد يصبر عنه، فقال للمنصور: يا أمير المؤمنين، إني مغرم بالشراب، وكلما أمسكني والي المدينة حدَّني، وقد طال هذا، فاكتب لي إليه، فقال: ويحك! كيف أكتب في حدّ من حدود الله تعالى؟ فقال: يا أمير المؤمنين، احتلْ لي في ذلك؛ فكتب إلى عامله بالمدينة: " أما بعد، فمن أتاك بابن هرمة سكراناً، فحد ابن هرمة ثمانين واجلد الذي يأتيك به مائة "؛ فكان يمر به العسسُ وهو سكران ملقى على قارعة الطريق فيقولون: من يشتري ثمانين بمائة؟ ومرّ يوماً على جيرانه وهو ميت سكراً حتى دخل منزله، فلما كان من الغد عاتبوه (2) في الحالة التي أوه فيها: أنا في طلب مثلها منذ دهر، أما سمعتم قولي (3) : أسأل الله سكرة قبل موتي ... وصياح الصبيان يا سكرانُ

_ (1) الأغاني 4: 368 (دار الثقافة) والشعر والشعراء: 639 وتاريخ بغداد 6: 127 وتهذيب ابن عساكر 2: 234 وطبقات ابن المعتز: 20 والسمط: 398 والموشح: 223 والوافي 6: 59 والخزانة 1: 203 وقد جمع ديوانه الأستاذ محمد جبار المعيبد (النجف 1969) والأستاذان محمد نفاع وحسين عطوان (مطبوعات المجمع العلمي بدمشق) وإلى جمع المعيبد أشير في هذا الكتاب؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة. (2) ص: فعاتبوه. (3) ديوانه: 229.

فنهضوا من عنده، ونفضوا ثيابهم وقالوا: ما يفلح هذا أبداً. ويقال إنه ولد سنة سبعين، ونادم المنصور سنة أربعين ومائة، وعمّر بعد ذلك دهراً؛ وهو القائل (1) : ما أظنّ الزمان يا أمَّ عمروٍ ... تاركاً إن هلكتُ من يبكيني وكان كذلك، لقد مات وما يحمل جنازته إلا أربعة نفر لا يتبعهم (2) أحد، حتى دُفن بالبقيع. وكانت وفاته سنة خمسين ومائة. وكان الأصمعي يقول: ختم الشعر بابن ميادة وابن هرمة، رحمه الله تعالى. 10 - (3) إبراهيم بن علي بن خليل الحراني، شيخ حائك، كان عامياً أمياً أناف على الثمانين، وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وسبعمائة؛ قصده قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان رحمه الله تعالى واستنشده من شعره فقال: أما القديم فما يليق، وأما نظم الوقت الحاضر فنعم، وأنشده: وما كلَّ وقتٍ فيه يسمح خاطري ... بنظم قريض لائق اللفظ والمعنى وهل يقتضي الشرع الشريف تيمماً ... بتربٍ وهذا البحر يا صاحبي معنا (4)

_ (1) ديوانه: 243. (2) ص: لا يتبعهن. (3) الزركشي 1: 17 والمنهل الصافي 1: 101 والوافي 6: 70 وأعيان العصر: 23 والدرر الكامنة 1: 45. (4) جاء في الزركشي أن ابن خلكان قال له بعدما سمع البيتين: " أنت عين بصر ".

وله أيضاً: وقائلٍ قال إبراهيم عينُ بصل ... أضحى يبيعُ قَباً في الناس بعد قبا فقلت: مَهْ يا عذولي لا (1) تعنفني ... لو جعتَ قدتَ ولو أفلست بعت قبا وله أيضاً في الشبكة والسمك: كم كسبنا بيتاً لكي نمسكَ السكانَ منه في سائرِ الأوقاتِ ... فمسكنا السكانَ وانهزم البيتُ لدينا خوفاً من الطاقاتِ ... وله أيضاً: جسمي بسُقم جفونه قد أسقما ... ريمٌ بسهمِ لحاظه قلبي رمى كالرمح معتدل القوام مهفهفٌ ... مرّ الجفا لكنه حلو اللّمى رشأ أحلّ دمي الحرام وقد رأى ... في شرعه وصلي الحلال محرّما ربّ الجمال بوصله وبهجره ... لقّى (2) وأصلى جنّةً وجهنّما عن ورد وجنته بآس عذاره ... وبسيف نرجس طرفه الساجي حمى عاتبته فقسا وفيت فخانني ... قربته فنأى بكيت تبسّما حكّمته في مهجتي وحشاشتي ... فجنى وجار عليّ حين تحكّما يا ذا الذي فاق الغصون بقدّه ... وسما بطلعته على قمر السّما رفقاً بمن لولا جمالك لم يكن ... حلف الصبابة والغرام متيّما أنسيت أيّاماً مضت ولياليا ... سلفت وعيشاً بالصّريم تصرّما إذ نحن لم نخش الرقيب ولم نخف ... صرف الزمان ولا نطيع اللوما والعيش غضٌّ والحواسد نوّمٌ ... عنا وعين البين قد كحلت عمى في روضةٍ أبدت ثغور زهورها ... لمّا بكى فيها الغمام تبسّما

_ (1) الوافي: كم. (2) ص والوافي: ألقى.

مدّ الربيع على الخمائل نوره ... فيها فأصبح كالخيام مخيّما تبدو الأقاحي مثل ثغر مهفهفٍ ... أضحى المحبّ به كئيباً مغرما وعيون نرجسها كأعين غادة ... ترنو فترمي باللواحظ أسهما والطير يصدح في فروع غصونها ... صدحاً فيوقظ بالهديل النوما والراح في راح الحبيب يديرها ... في فتيةٍ نظروا المسرة مغنما فسقاتنا تحكي البدور وراحنا ... تحكي الشموس ونحن نحكي الأنجما وله أيضاً رحمه الله تعالى. ربوع جلّق للأوطار أوطان ... وليس فيها من النّدمان ندمان كم لي مع الحبّ في أقطارها أرباً ... إذ نحن في ساحتي جيرون جيران أيام تجرير أذيالي بها طرباً ... ولي مكان له في السعد إمكان إذ بت أنشد في غزلانها غزلاً ... لما غزت كبدي باللحظ غزلان سقياً لجامعها كم قد جمعن لنا ... فيه من الغيد أقمارٌ وأغصان وكم حوى الحسن في باب البريد لنا ... فهل ترى عند ذاك الحسن إحسان أغنت عن السمر فيه السمر إذ خطرت ... وسود أجفانها للبيض أجفان أهلّةٌ تحت ليل الشعر تحملها ... لفتنة الصبّ قضبان وكثبان جمالها وأخو الأشواق حين بدت ... إليه في الحبّ مفتونٌ وفتان وبعدها ليس يحلو في الهوى أبداً ... يوماً لإنسانه في الخلق إنسان نواحه في نواحي جلّق وله ... بالحسن لا بالنقا والحزن أحزان فجلق جنةٌ تبدو جواسقها ... مثل القصور بها حورٌ وولدان والسبت كالعيد تلقى الغيد سانحةً ... وقد حوى الغيد ميدانٌ وبستان أنزه الطرف في الميدان من فرح ... والقلب مني لطفل اللهو ميدان قم يا نديمي إلى شرب المدام بها ... من قبل يدرك بدر السّعد نقصان فأنت في جنّة منها مزخرفةٍ ... وقد تلقّاك بالرضوان رضوان

وأنت فيها عن اللذات في كسلٍ ... انهض فما بلغ اللذات كسلان أما ترى الأرض إذ أبكي السحاب بها ... آذارها ضحكت إذ جاء نيسان والزهر كالزهر حياه الحيا فبدت ... في الروض منه إلى الأبصار ألوان زمرد قضبٌ فيها مركبة ... جواهرٌ ويواقيت ومرجان كأنما الورد خدّ الحبّ حين غدا ... له العذار سياجاً وهو ريحان كأن منثورها إذ لاح مبتسماً ... جيش من الروم بانت فيه صلبان كأنما البان أهدى المسك حين بدا ... فعطر الكون لما أورق البان كأن ريح الصبا طافت بخمر هوىً ... من الرياض فكل الكون نشوان كأنما حمرة التفاح خدّ رشاً ... لي في هواه عن السلوان سلوان كأن نارنجها نارٌ وباطنه ... ثلجٌ وفيه لجين وهو عقيان والطير تطرب بالعيدان نغمتها ... ما ليس يطرب بالأوتار عيدان أبدت فنوناً فأفنت صبر سامعها ... بالنوح إذ حملتها فيه أفنان بلابلٌ هيّجت منّا بلابلنا ... وهاج منّا صباباتٌ وأشجان وهزنا الشوق إذ غنّى الهزار بها ... فلا تجفّ لنا بالدمع أجفان وربّ صافية في الكأس مشرقةٍ ... كانت وما كان في العلياء كيوان راحٌ أراحت لمن حلّت براحته ... روحاً لها القار والفخار جثمان صبّت لنا فهي ماء في زجاجتها ... وأشرقت فهي في الكاسات نيران يسعى بها رشأ بالسحر مكتحلٌ ... حلو الدلال لجند الحسن سلطان عذب اللمى ناعس الأجفان منتبه ... مهفهف القدّ صاحٍ وهو نشوان كأنما وجهه فيه لعاشقه ... بستان والخال في البستان جنّان كأنما خاله لما بدا كرةٌ ... والصدغ جوكانها والخد ميدان وشعره مقبول، غير أنه لا يخلو من اللحن، رحمه الله تعالى وإيانا.

الجعبري

11 - (1) الجعبري إبراهيم بن عمر بن إبراهيم، الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون شيخ القراء، برهان الدين الجعبري الشافعي ابن مؤذن جعبر؛ ولد في حدود الأربعين، وسمع في حياة ابن خليل، وتلا ببغداد بالسبع على ابن الوجوهي، وقرأ التعجيز حفظاً على مؤلفه تاج الدين ابن يونس، وسمع من جماعة، وقدم إلى دمشق، فنزل بالشميصاتية (2) وأعاد بالغزالية (3) ، وباحث وناظر، ثم ولي مشيخة الحرم ببلد الخيل عليه السلام، فأقام به بضعاً وأربعين سنة، وصنف التصانيف، واشتهر ذكره. وألف شرحاً للشاطبية كبيراً، وشرحاً للرائية، ونظم في الرسم روضة الطرائف واختصر مختصر ابن الحاجب، ومقدمته في النحو، وكمل شرح التعجيز، وله ضوابط كثيرة نظمها، وله كتاب الافهام والإصابة في مصطلح الكتابة نظم، وله كتاب يواقيت المواقيت نظم، والسبيل الأحمد إلى علم الخليل بن أحمد وتذكرة الحفاظ في مشتبه الألفاظ ورسوم التحديث في علم الحديث وموعد الكرام لمولد النبي عليه السلام وكتاب المناسك ومناقب الشافعي والشرعة في القراءات السبعة

_ (1) الزركشي 1: 17 والدرر الكامنة 1: 51 وطبقات الشافعية 6: 82 والوافي 6: 73 وأعيان العصر: 27 والبداية والنهاية 14: 160 وغاية النهاية 1: 21 والأنس الجليل 2: 496 وطبقات الأسنوي 1: 385 ومرآة الجنان 4: 285 والمنهل الصافي 1: 112 والشذرات 6: 97 وبغية الوعاة: 184؛ وهذه الترجمة موجزة جداً في المطبوعة. (2) هكذا يكتبها المؤلف، وفي الدارس والوافي: السميساطية، وهي خانقاه. (3) تنسب إلى الغزالي لكونه دخل دمشق ومنعه الصوفية من دخول الخانقاه السميساطية، فأقام بزاوية عرفت من بعد بالغزالية (الدارس 1: 413) .

وعقود الجمان في تجويد القرآن والترصيع في علم البديع وحدود الاتقان في تجويد القرآن وكتاب الاهتداء في الوقف والابتداء والإيجاز في الألغاز؛ وتصانيفه تقارب المائة كلها جيدة محررة. وكان حلو العبارة، يحكى قال: كان قبلي لهذا الحرم شيخ، جاء السلطان مرة إلى زيارة الخليل عليه السلام متخلياً عن الناس، فقال له المتحدثون في الدولة: يا شيخ ما تعرفنا حال هذا الحرم ودخله وخرجه، فقال: نعم، وأخذهم وجاء بهم إلى مكان يمدون فيه السماط، وقال لهم: الدخل ها هنا، ثم أخذهم وجاء بهم إلى الطاهرة، وقال: الخرج ها هنا، ما أعرف غير ذلك، فضحكوا منه. وللجعبري شعر منه: لمّا أعان الله جلّ بلطفه ... لم تسبني بجمالها البيضاء ووقعت في شرك الرّدى متحبّلاً ... وتحكّمت في مهجتي السوداء وقال لي من سمعه يحكي: كنت في أول الأمر أشتري بفلس جزر أتقوت به ثلاثة أيام. وكان ساكناً ذكياً وقوراً، وألف في كثير من العلوم، وتوفي في رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. ومن شعره: أضاء لها دجى الليل البهيم ... وجدّد وجدها مرّ النسيم فراحت تقطع الفلوات شوقاً ... مكلفةً بكلّ فتىً كريم فقالوا لا نرى فيها أنيساً ... سوى نجمٍ وغصن نقاً وريم نياقٌ كالحنايا ضامراتٌ ... يحاكي ليلها ليل السّليم كأنّ لها قوائم من حديدٍ ... وأكباداً من الصّلد الصميم لها بقبا وسفح منىً غرامٌ ... يلازمها ملازمة الغريم

الرقيق الكاتب

تراها من هوى وجوىً ووجد ... تسير مع الدجى سير النجوم لما تلقاه من نصبٍ نهاراً ... ترى الادلاج كالخلّ الحميم وله أيضاً: لمّا بدا يوسف الحسن الذي تلفت ... في حبّه مهجتي استحيت لواحيه فقلت للنسوة اللاتي شغفن به ... فذلكنّ الذي لمتنّني فيه 12 (1) الرقيق الكاتب إبراهيم بن القاسم المعروف بالرقيق النديم؛ أصله من القيروان، رجل فاضل له تصانيف كثيرة منها: كتاب تاريخ افريقية والقيروان في عدة مجلدات. كتاب النساء كبير. كتاب " الروح (2) والارتياح ". كتاب نظم السلوك في مسامرة الملوك في أربع مجلدات. الاختصار البارع للتاريخ الجامع في عدة مجلدات. كتاب الأغاني مجلد. كتاب قطب السرور في أوصاف الخمور مجلدان، فضح العالمين فيه، وعندي منه نسخة، وله غير ذلك. قال ابن رشيق في حقه: شاعر سهل الكلام، لطيف الطبع، غلب عليه اسم الكتابة وعلم التأريخ وتأليف الأخبار، وهو بذلك أحذق الناس؛ قدم مصر سنة ثمان وثمانين (3) وثلثمائة بهدية من ابن باديس إلى الحاكم، وقال قصيدة يصف

_ (1) معجم الأدباء 1: 216 ومسالك الأبصار 11: 333 والوافي 6: 92 وقد نشرت قطعة من تاريخه تحقيق المنجي الكعبي (تونس 1968) وجزء من كتابه قطب السرور (تحقيق أحمد الجندي، دمشق 1969) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) الوافي: الراح. (3) ص: وثلاثين.

ابن كيغلغ

فيها المنازل والمناهل، منها: إذا ما ابن شهر قد لبسنا شبابه ... بدا آخرٌ من جانب الأفق يطلع إلى أن أقرّت جيزة (1) النيل أعيناً ... كما قرّ عيناً ظاعن (2) حين يرجع وقال أيضاً: ريمٌ إذا ما معاريض المنى خطرت ... أجلّه المتمنّي عن أمانيه يا إخوتي أأقاح فيه أقبل لي ... أم خطّ راءين من مسكٍ على فيه أم حسن ذاك التراخي في تكلمه ... أم حسن ذك التهادي في تثنيه 13 (3) ابن كيغلغ إبراهيم بن كيغلغ، أبو إسحاق، أديب فاضل. قال ابن النجار: ذكره الوزير أبو سعد محمد بن الحسين ابن عبد الرحيم في كتاب طبقات الشعراء وقال: من شعره: لاعبت بالخاتم إنسانةً ... كالبدر في تاج دجىً عاتم حتى إذا واليت أخذي (4) له ... من البنان الترف النّاعم خبّته في فيها، فقلت انظروا ... قد خبت الخاتم في الخاتم وله أيضاً:

_ (1) ص: حيرة، والتصويب عن ياقوت والوافي. (2) ص: ضاعن؛ وذلك كثير الورود، إذ تصبح الظاء ضاداً في هذه النسخة. (3) الزركشي 1: 18 ودمية القصر 1: 139 والوافي 6: 95. (4) خدي، والتصويب عن الزركشي والوافي.

فخر الدين ابن لقمان

بالله ممّا هجرتني قل لي ... وأنت مما جنيت في حلّ من لي بيوم أراك فيه وقد ... قررت عيني بزورةٍ من لي؟ وله أيضاً: قم يا غلام أدر مدامك ... واحثث على الندمان جامك تدعى غلامي ظاهراً ... وأظلّ في سرٍّ غلامك الله يعلم أنّني ... أهوى عناقك التزامك كان المقتدر بالله قد قلده مدناً على ساحل الشام: السويدية واللاذقية وجبلة وصيدا وما يتعلق بهما، وكانت وفاته في سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة، رحمه الله تعالى. 14 - (1) فخر الدين ابن لقمان إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد الوزير الكاتب، فخر الدين الشيباني؛ قال الشيخ شمس الدين: رأيته بعمامة صغيرة، وقد حدث عن ابن رواج (2) وكتب عنه البرزالي والطلبة، وتوفي بمصر سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وصلي عليه بدمشق؛ ولي وزارة الصحبة للملك السعيد، ثم وزر مرتين للملك المنصور قلاوون، وأصله من إسعرد. وكان قليل الظلم، فيه إحسان إلى الرعية، وكان إذا عزل من الوزارة يأخذ

_ (1) الزركشي 1: 19 والمنهل الصافي 1: 18 والوافي 6: 97 والنجوم الزاهرة 8: 50؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) الوافي والمنهل الصافي: رواح.

غلامه الحرمدان (1) خلفه، ويبكر من الغد إلى ديوان الإنشاء. ولما فتح الكامل آمد كان ابن لقمان شاباً يكتب على عرصة القمح، وينوب عن الناظر، وكان البهازهير كاتب الإنشاء للملك الكامل، فاستدعى من ناظر آمد حوائج، فكانت الرسالة ترد إليه بخط ابن لقمان، فأعجب البها زهير خطه وعبارته، فاستحضره ونوه به، وناب عنه في ديوان الإنشاء، ثم إنه خدم في ديوان الإنشاء في الدولة الصالحية وهلم جرا إلى أوائل الدولة الناصرية. قال الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس: كان فخر الدين ابن لقمان وتاج الدين ابن الأثير صحبة السلطان على تل العجول، ولفخر الدين مملوك اسمه الطنبا، فاتفق أنه دعا بمملوكه المذكور، يا الطنبا، فقال: نعم، ولم يأته، فتكرر طلبه له وهو يقول نعم، ولا يأتيه، وكانت ليلة مظلمة، فأخرج فخر الدين رأسه إلى الخيمة وقال: تقول نعم وما أراك؟ فقال تاج الدين: في ليلةٍ من جمادى ذات أنديةٍ لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا قلت: وهذا من جملة أبيات في الحماسة لمرة بن محكان (2) ، وما استشهد أحد في واقعة بأحسن من هذا أبداً. ومن شعر فخر الدين ابن لقمان في غلامه غلمش: لو وشى فيه من وشى ... ما تسلّيت غلمشا أنا قد بحت باسمه ... يفعل الله ما يشا وله أيضاً: كن كيف شئت فإنني بك مغرم ... راضٍ بما فعل الهوى المتحكم

_ (1) الحرمدان (وبالخاء الفارسية) : جراب من جلد توضع فيه الأدوات والأوراق. (2) شرح المرزوقي، رقم 675 (1562) وشرح التبريزي 4: 59 ومرة بن محكان شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية (انظر الأغاني 20: 9، 22: 348 ومعجم المرزباني: 383 والشعر والشعراء: 576) .

ابن المدبر

ولئن كتمت عن الوشاة صبابتي ... بك فالجوانح بالهوى تتكلم أشتاق من أهوى وأعلم أنّني ... أشتاق من هو في الفؤاد مخيّم يا من يصدّ عن المحبّ تدلّلاً ... وإذا بكى وجداً (1) غدا يتبسّم أسكنتك القلب الذي أحرقته ... فحذار من نارٍ به تتضرّم 15 (2) ابن المدبر إبراهيم بن محمد بن عبيد الله المعروف بابن المدبر الكاتب؛ كان كاتباً بليغاً شاعراً فاضلاً مترسلاً، خدم المتوكل مدة طويلة، وكان في رتبة الوزارة، وكان قد غضب عليه المعتمد وحبسه، وله في الحبس أبيات كثيرة، منها: أدموعها أم لؤلؤ متناثر ... يندى به الورد الجنيّ الزاهر لا يؤيسنّك من كريم نبوةٌ ... فالسيف ينبو وهو عضبٌ باتر هذا الزمان تسومني أيامه ... خسفاً وها أنا ذا عليه صابر إن طال ليلي في الإسار فطالما ... أفنيت دهراً ليله متقاصر والسجن يحجبني وفي أكنافه ... مني على الضرّاء ليث خادر عجباً له كيف التقت أبوابه ... والجود فيه والربيع الباكر هلا تقطّع أو تصدّع أو هوى ... فعذرته لكنه بي فاخر وله في المعنى:

_ (1) ص: جداً (2) الزركشي 1: 20 ومعجم الأدباء 1: 226 والأغاني 22: 151 والجهشياري: 102 والوافي 6: 107؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

ألا طرقت سلمى لدى وقفة الساري ... وحيداً فريداً (1) موثقاً نازح الدار هو الحبس ما فيه عليّ غضاضةٌ ... وهل كان في حبس الخليفة من عار ألست ترين الخمر يظهر حسنها ... وبهجتها بالحبس في الطين والقار وما أنا إلاّ كالجواد يصونه ... مقوّمه للسبق في طيّ مضمار أو الدرة الزهراء في قعر لجّةٍ ... فلا تجتلى إلاّ بهولٍ وأخطار وهل هو إلاّ منزلٌ مثل منزلي ... وبيتٌ ودار مثل بيتي أو داري فلا تنكرن طول المدى وأذى العدا ... فإنّ نهايات الأمور لإقصار لعلّ وراء الغيب أمراً يسرّنا ... يقدّره في علمه الخالق الباري ولما عزل من الأهواز جاء الناس يودعونه، فجاء أبو شراعة فأمسك الحراقة، وأنشد رافعاً صوته: ليت شعري أيّ قومٍ أجدبوا ... فأُغيثوا بك من بعد العجف نزل اليمن من الله بهم ... وحرمناك لذنبٍ قد سلف يا أبا إسحاق سر في دعةٍ ... وامض مصحوباً فما عنك خلف فضحك ووصله: وقال العطوي (2) الشاعر: استأذنت على ابن المدبر فحجبني، فكتبت إليه: أتيتك مشتاقاً فلم أر جالساً ... ولا ناظراً إلاّ بعين قطوب كأني غريمٌ مقتضٍ أو كأنني ... نهوض حبيبٍ أو جلوس (3) رقيب فأدخلني وهو يقول: هي بالله، نهوض حبيب أو حضور رقيب. ومن شعر ابن المدبر:

_ (1) ص: فريقاً، والتصويب عن الزركشي والوافي. (2) ص: العطري. (3) كذا في ص، وسترد في السطر التالي " حضور "، ووردت كذلك في الزركشي.

ابن لنكك

يا كاشف الكرب بعد شدّته ... ومنزل الغيث بعدما قنطوا لا تبل قلي بشحط بينهم ... فالموت دانٍ إذا هم شحطوا وله أيضاً: قالوا أضرّ بنا السحاب بوكفه ... لمّا رأوه لمقلتي يحكي لا تعجبوا ممّا ترون فإنّما ... هذه السماء لرحمتي تبكي توفي إبراهيم ببغداد سنة تسع وسبعين ومائتين، وولد سنة إحدى عشرة (1) ومائتين. 16 - (2) ابن لنكك إبراهيم بن محمد بن محمد بن جعفر بن لنكك (3) ، الشاعر ابن الشاعر، من أهل البصرة؛ قدم بغداد، وروى بها شيئاً من شعره وشعر أبيه؛ روى عنه أبو القاسم التنوخي قال: جلس ابن لنكك في الجامع بالبصرة، فجلس إليه قوم من العامة، فاعترضوا كلامه بما غاظه، فأخذ محبرة بعض الحاضرين وكتب من شعره: وعصبةٍ لمّا توسّطتهم ... ضاقت (4) عليّ الأرض كالخاتم كأنهم من بعد إفهامهم ... لم يخرجوا بعد إلى العالم يضحك إبليس سروراً بهم (5) ... لأنّهم عارٌ على آدم

_ (1) ص: أحد عشر. (2) الزركشي 1: 19 واليتيمية 2: 358 والوافي 6: 114. (3) ص: لكنك. (4) الوافي: صارت. (5) اليتيمة: إذا زارهم.

عز الدين السويدي الطبيب

كأنّني بينهم جالسٌ ... من سوء ما شاهدت في ماتم فاعترضه ولده وقال: يا أبة أبياتك متناقضة، ولكن اسمع ما عملت: لا تصلح الدنيا ولا تستوي ... إلاّ بكم يا بقر العالم من قال للحرث خلقتم فلم ... يكذب عليكم لا ولم (1) ياثم ما أنتم عارٌ على آدم ... لأنّكم غير بني آدم توفي في حدود الأربعمائة، رحمه الله تعالى. 17 - (2) عز الدين السويدي الطبيب إبراهيم بن محمد بن طرخان، عز الدين أبو إسحاق الأنصاري الطبيب المعروف بابن السويدي، شيخ الأطباء بالشام؛ ذكر أنه من ولد سعد بن معاذ سيد الأوس، رضي الله عنه. ولد سنة ستمائة بدمشق، وسمع من ابن ملاعب وأحمد ابن عبد الله السلمي، وعلي ابن عبد الوهاب أخي كريمة، وتفرد عنه، وابن مسلمة وزين الأمناء ابن عساكر، وقرأ المقامات سنة تسع عشرة (3) على التقي خزعل النحوي، وقرأ الأدب والنحو على ابن معطي، وأخذ الطب عن الدخوار، وبرع فيه وصنف فيه، ونظر في علم الأوائل، وله شعر وفضائل، وكتب بخطه الكثير، وكان مليح الكتابة، كتب القانون لابن سينا ثلاث مرات؛ وكان

_ (1) ص: ولا؛ وبالتصويب عن اليتيمة. (2) الزركشي 1: 10 والمنهل الصافي 1: 124 والوافي 6: 123 والنجوم الزاهرة 8: 28 والدارس 2: 130 والشذرات 5: 411؛ وهي شديدة الإيجاز في المطبوعة. (3) ص: تسع عشر.

ابن معضاد

أبوه تاجراً من السويداء بحوران. قال ابن أبي أصيبعة في تاريخه (1) : له من الكتب الباهر في الجواهر والتذكرة في الطب في ثلاث مجلدات، وهي من أحسن كتب الطب، وكانت وفاته سنة تسعين وستمائة، ودفن بتربته إلى جانب الخانقاه الشبلية، رحمه الله. ومن شعره: لو أنّ تغيير لون شيبي ... يعيد ما فات من شبابي لما وفى لي بما تلاقي ... روحي من كلفة الخضاب ومن شعره: ومدامٍ حرمتها لصيامٍ ... قد توالى عليّ في رمضان وأقاموا الحدود فيها بلا ح؟ ... دّ فدامت ندامة الندمان وتغالى العلوج فيها بزعمٍ ... وحموها من كل إنس وجان ثم قالوا المطبوخ حلّ فأفنو ... ها طبيخاً بلاعج النيران طبخوها بنار شوقي إليها ... فغدت مهجةً بلا جثمان 18 (2) ابن معضاد إبراهيم بن معضاد بن شداد الشيخ برهان الدين الجعبري. قال أبو حيان: رأيت المذكور بالقاهرة وحضرت مجلسه أنا والشيخ نجم الدين ابن مكي، وجرت

_ (1) انظر عيون الأنباء 2: 266 - 267. (2) الزركشي 1: 18 والمنهل الصافي 1: 163 والوافي 6: 147 وطبقات السبكي 5: 49 والنجوم الزاهرة 7: 347 والشذرات 5: 399؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

المعمار

لنا معه حكاية، وكان يجلس للعوام يذكرهم، ولهم فيه اعتقاد، وكان له مشاركة في العلم والطب. وله شعر منه من أبيات: عشقوا الجمال مجرداً بمجرد ال؟ ... روح الزكية عشق من زكّاها متجرّدين عن الطباع ولؤمها ... متلبّسين عفافها وتقاها متمثّلين بصورةٍ بشريّةٍ ... وقلوبهم ملكيّة بقواها كتمثّل الروح الأمين بدحيةٍ ... " إذ باليتيم له تمثل طاها " (1) قال: لما مرض مرض موته أمر أن يخرج به إلى مكان مدفنه ظاهر القاهرة بالحسينية، فلما وصل إليه قال له: قبير، جاك دبير، وتوفي بعد ذلك بيوم سنة سبع وثمانين وستمائة؛ ولأصحابه فيه مغالاة وعقيدة، وكل من يعرفه يعظمه ويثني عليه، وعليه مأخذ في عباراته. جاوز الثمانين بسنوات، رحمه الله تعالى. 19 - (2) المعمار إبراهيم الحائك، وقيل المعمار، وقيل الحجار، غلام النوري المصري: عامي مطبوع تقع له التوريات المليحة المتمكنة، لا سيما في الأزجال والبلاليق، فمن مقاطيعه اللائقة قوله:

_ (1) سقط من ص: وأكملته من الزركشي والوافي. (2) الزركشي 1: 10 وسماه إبراهيم بن أحمد، والمنهل الصافي 1: 174 وهو عنده إبراهيم ابن علي، والوافي 6: 173 وأعيان العصر: 43 والدرر الكامنة 1: 50.

وصاحب أنزل بي صفعةً ... فاغتظت إذ ضيّع لي حرمتي وقال في ظهرك جاءت يدي ... فقلت: لا والعهد في رقبتي وله أيضاً: شطر أولومفنّنٍ يهوى الصفا ... ع ولم يكن إذ ذاك فنّي سلّمته عنقي الدقي؟ ... ق فراح ينخله بغبن ما كان منّي بالرضى ... لكنه من خلف أذني لولا بدٌ سبقت له ... لأمرته بالكفّ عنّي وله أيضاً: أيري إذا ندبته ... لحاجة تعرض بي قام لها بنفسه ... ما هو إلاّ عصبي وله أيضاً: عاتبت أيري إذ جاء ملتثماً ... بالخرء من علقه فما اكترثا بل قال لي حين لمته: قسما ... ما جزت حمام قعره عبثا كيف وفيها طهارتي (1) وبها ... أقلب ماءً وأرفع الحدثا وقال أيضاً: لما جلوا لي عروساً لست أطلبها ... قالوا ليهنك هذا العرس والزينه فقلت لما رأيت النّهد منتفشاً ... رمانة كتبت يا ليتها تينه وقال أيضاً: قال لي العاذلون أنحلك الح؟ ... بّ وأصبحت في السقام فريدا أإذا صرت من جفاهم عظاماً ... أبوصلٍ تعود خلقاً جديدا؟

_ (1) ص: ظهارتي.

ما رأينا ولا سمعنا بهذا ... قلت: كونوا حجارة أو حديدا وقال أيضاً: لثمت عذار محبوبي الشرابي ... فقال: تركت لثم الخد عجبا حفظت اليانسون كما يقولوا ... ورحت تضيّع الورد المربّى وقال أيضاً: قلت له هل لك من حرفةٍ ... تعش بها بين الورى أو سبب فقال: يغنيني ردفي الذي ... أسموه عشاقي تليل الذهب وقال أيضاً: لمّا جلوا عرسي وعاينتها ... وجدت فيها كلّ عيبٍ يقال فقلت للدلاّل ماذا ترى؟ ... فقال ما أضمن إلاّ الحلال وقال أيضاً: لج العذول ولامني ... فيمن أحبّ وعنّفا فهممت ألطم رأسه ... ممّا ملئت تأسّفا لكنها زلقت يدي ... وقعت (1) على أصل القفا وقال أيضاً: هويت طبّاخاً سلاني وقد ... قلا فؤادي بعد ما رده محترقاً إذ لم يزل بالجفا ... يغرف لي أحمض ما عنده وقال أيضاً: شكوت للحبّ منتهى حرقي ... وما ألاقيه من ضنى جسدي قال: تداوى بريقتي سحراً ... فقلت: يا بردها على كبدي

_ (1) الوافي: نزلت.

ظهير الدين البارزي

وقال: يا قلب صبراً على الفراق ولو ... روّعت ممّن تحب بالبين وأنت يا دمع إن ظهرت بما ... يخفيه قلبي سقطت من عيني وله غير ذلك. بلغنا وفاته في شهور سنة تسع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 20 - (1) ظهير الدين البارزي إبراهيم بن " ... " (2) البارزي الحموي، ظهير الدين؛ قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: رأيت المذكور، شيخ صوفي من أولاد الرؤساء بحماة، له أدب، وأنشدني: لئن فتكت ألحاظه بحشاشتي ... وساعدها بالهجر واعتزّ بالحسن فلا بد أن تقتصّ لي منه ذقنه ... وتذبحه قهراً من الأذن للأذن وأنشدني أيضاً: غدا أسوداً بالشّعر أبيض خدّه ... فأصبح من بعد التنعم في ضنك على حظه أضحى يخطّ عذاره ... فنادتهما عيناه حزناً: قفا نبك (3) وأنشدني أيضاً:

_ (1) الزركشي 1: 21 والوافي 6: 178. (2) بياض في ص؛ وهو إبراهيم بن محمد بن مرشد بن مسلم الجهني البارزي. (3) ص: نبكي.

أراك فأستحيي وأُطرق هيبةً ... وأُخفي الذي بي من هواك وأكتم وهيهات أن يخفى وأنت جعلتني ... جميعي لسان بالهوى يتكلّم وله أيضاً: يذكرني وجدي الحمام إذا غنّى ... لأنا كلانا في الهوى نعشق الغصنا ولكن إذا غنّى أجبت بأنّةٍ ... وكم بين من غنّى طروباً ومن أنّا تجول عيوني في الرياض لتجتلي ... محاسنكم منها إذا غبتم عنّا وما وردها والنرجس الغض نايباً ... عن الوجنة الحمراء والمقلة الوسنى فأعرب دمعي بالذي أنا كاتمٌ ... وقد رجّعت في الروض أطيارها اللحنا ولو أن بيض الهند ممّا تردّني ... وسمر القنا عنه تمانعني طعنا لقبلت حدّ السّيف حبّاً لطرفه ... وعانقت من شوقي له الأسمر اللّدنا وخضت عجاج الموت والموت طيبٌ ... إذا كان ما يرضي أحبتنا منّا حفظنا على حكم الوفاء وضيعوا ... وحالوا بحكم الغدر عنّا وما حلنا وضنّوا على المضنى ببذل تحية ... ولو سألوا بذل الحياة لما ضنا وكتب إلى رزق توم (1) ذكر وأنثى من جارية سوداء: وخصّك ربّ العرش منها بتوأمٍ ... ومن ظلمات البحر يستخرج الدّرر وأيرك أضحى وارثاً علم جابر ... فأعطاك من ألقابه الشمس والقمر وقال في مليح شوّاءٍ: وشواءٍ بديع الحسن يزهى ... بطلعته على كلّ البرايا فواشوقاه للأفخاذ منه ... يشمّرها ويقطع لي اللّوايا وله أيضاً: يا لحية الحبّ الذي (2) ... زال لها تثبتي

_ (1) كذا في ص؛ وفي الوافي: توأمين. (2) الوافي: التي.

الفاروثي

هل أنت فوق خدّه ال؟ ... وردي مسك تبّت (1) توفي بعد الثمانين وستمائة، رحمه الله وإيانا. 21 - (2) الفاروثي أحمد بن إبراهيم بن عمر بن الفرج (3) بن أحمد بن سابور، الإمام المقرىء الواعظ المفسر الخطيب الشيخ عز الدين الفاروثي الواسطي الشافعي الصوفي؛ ولد بواسط سنة أربع عشرة (4) وستمائة، وتوفي سنة أربع وتسعين وستمائة، قدم بغداد وسمع من ابن كرم ومن شهاب الدين السهروردي، ولبس منه خرقة التصوف، وأبي الحسن القطيعي وابن الزبيدي وابن اللتي وابن سكينة والأنجب ابن أبي السعادات وابن روزبه وابن بهروز (5) وابن ياسين (6) وأبي بكر ابن الخازن وابن القبيطي وغيرهم. وكان فقيهاً مفتياً مدرساً عارفاً بالقراءات ووجوهها، خطيباً زاهداً عابداً

_ (1) الوافي: تنبتي، وصورة الكلمة في ص قريبة من ذلك؛ وعلق الصفدي على ذلك بأن فيه لحناً وكان يجب أن يقول " تنبتين " قال: " والصحيح أن الأرض التي ينسب إليها المسك يقال لها أرض التبت " - على وزن عمر -. (2) طبقات السبكي د: 3 وعبر الذهبي 5: 381 وطبقات الاسنوي 2: 290 والوافي 6: 219 وغاية النهاية 1: 34 والدارس 1: 355 والشذرات 5: 425؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) ص: الفرح. (4) ص: أربع عشر. (5) الوافي: بهزور. (6) الوافي: رياسين.

عماد الدين الواسطي

صوفياً صاحب أوراد وحسن أخلاق وكرم إيثار ومروة وفتوة وتواضع، له أصحاب ومريدون. ولي مشيخة الحديث بالظاهرية، والإعادة بالناصرية، وتدريس النجيبية، ثم ولوه خطابة البلد بعد زين الدين ابن المرحل، وكان يخطب من غير تكلف ولا يتلعثم، ويخرج من الجمعة وعليه السواد، ويشيع الجنازة ويعود المرضى ويعود إلى دار الخطابة. وله نوادر. وكان الشجاعي قائلاً به، ثم عزل عن الخطابة بموفق الدين ابن حبيش الحموي، فتألم لذلك، وترك الجهات، وأودع بعض كتبه، وكانت كثيرة جداً، وسار مع الركب الشامي سنة إحدى وتسعين، وسار مع حجاج العراق إلى واسط. وكان لطيف الشكل، صغير العمامة، يتعانى الرداء على ظهره، وخلف من الكتب ألفي مجلدة ومائتي مجلدة. وكانت وفاته بواسط، وصلي عليه بدمشق بعد سبعة أشهر، رحمه الله تعالى وإيانا. 22 - (1) عماد الدين الواسطي أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الشيخ القدوة، عماد الدين ابن شيخ الحزامية الواسطي الشافعي الصوفي، نزيل دمشق؛ تفقه وتأدب، وكتب المنسوب (2) ، وتجرد ولقي المشايخ، وتزهد وتعبد، وصنف في السلوك والمحبة، وشرح منازل السائرين واختصر سيرة ابن هشام ودلائل النبوة. وكان

_ (1) لم ترد هذه الترجمة في المطبوعة؛ وانظر الوافي 6: 221 وأعيان العصر: 47 والمنهل الصافي 1: 196 والدرر الكامنة 1: 96 والشذرات 6: 24. (2) المنسوب: خط ينسب إلى ابن مقلة.

شرف الدين المقدسي

يتبلغ من نسخه ولا يحب الخوانك ولا الاحتجاز (1) . قال الشيخ شمس الدين: جالسته مرات، وانتفعت به، وكان منقبضاً عن الناس، تسلك به جماعة، وكان ذا ورع وإخلاص ومنابذة للاتحادية، وله نظم. عاش بضعاً وسبعين سنة، وتوفي بالبيمارستان الصغير، سنة إحدى عشرة (2) وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى. 23 - (3) شرف الدين المقدسي أحمد بن أحمد بن أحمد، الإمام شرف الدين المقدسي أقضى القضاة، خطيب الشام، بقية الأعلام؛ كان إماماً فقيهاً متفنناً (4) للمذهب والأصول والعربية حاد الذهن، سريع الفهم، بديع الكتابة إماماً في تحرير الخط المنسوب؛ درس بالشامية الكبرى، وناب في الحكم عن الخويي، وكان من طبقته، وولي دار الحديث النورية، ثم ولي خطابة الجامع الأموي. ولد سنة اثنتين وعشرين بالقدس، وتوفي سنة أربع وتسعين وستمائة، وكان أبوه خطيب القدس. أجاز له ابن عبد السلام والسهروردي، وكان له حلقة اشغال عند الغزالية،

_ (1) ص: الاحتجار. (2) ص: إحدى عشر. (3) الزركشي 1: 24 والمنهل الصافي 1: 212 وهو عنده قاضي القضاة أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد شرف الدين النابلسي المقدسي ". وانظر الوافي 6: 231 وطبقات السبكي 5: 7 وبغية الوعاة: 127 والدارس 1: 111 والبداية والنهاية 13: 341 وعبر الذهبي 5: 380 والشذرات 5: 424 وطبقات الاسنوي 2: 456، 505؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (4) الوافي: محققاً، وهو أصوب.

القادر بالله

تخرج به جماعة، وانتهت إليه رياسة المذهب بعد الشيخ تاج الدين، وكان متواضعاً كيساً حسن الأخلاق طويل الروح على التعليم، متين الديانة حسن الاعتقاد. فمن شعره: احجج إلى الزهر لتحظى (1) به ... وارم جمار الهمّ مستهترا (2) من لم يطف بالزهر في وقته ... من قبل أن يحلق قد قصّرا وقال في الدولاب: وما أنثى وليست ذات فرجٍ ... وتحمل دائماً من غير فحل وتلقي كل آونة جنيناً ... فيجري في الرياض بغير رجل وتبكي حين تلقيه عليه ... بصوت حزينةٍ ثكلى بطفل 24 (3) القادر بالله أحمد بن إسحاق أمير المؤمنين القادر بالله؛ بويع له بالخلافة عند القبض على الطائع، في حادي عشر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، ومولده سنة ست وثلاثين وثلثمائة، وكان أبيض كث اللحية طويلها، يخضب شيبته، وكان من أهل الستر والصيانة وإدامة التهجد، وبقي خليفة إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر. توفي ليلة الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة،

_ (1) ص: واسعى، والتصويب عن المنهل الصافي والوافي. (2) المنهل والوافي: مستنفراً، وهو أصوب. (3) لم ترد هذه الترجمة في المطبوعة؛ وراجع كتب التاريخ العامة، وانظر بخاصة: والوافي 6: 239 وتاريخ الخلفاء: 442 والفخري: 258 والروحي: 64 والمنتظم 8: 57 وتاريخ بغداد 4: 37.

ودفن بدار الخلافة، وصلى عليه ولده القائم بأمر الله. عاش سبعاً وثمانين سنة، ثم نقل تابوته إلى الرصافة، ولم يبلغ أحد من الخلفاء قبله هذا العمر، ولا أقام في الخلافة هذه المدة. ومن شعره: ما الزهد أن تمنع الدنيا فترفضها ... ولا تزال أخا صومٍ حليف دعا وإنما الزهد أن تحوي البلاد وأر ... قاب العباد فتلفى عادلاً ورعا وبينما القادر يمشي ذات ليلة في أسواق بغداد إذ سمع شخصاً يقول لآخر: قد طالت دولة هذا المشوم، وليس لأحد عنده نصيب، فأمر خادماً كان معه بالتوكل عليه، وأن يحضره بين يديه، فما شك أنه يبطش به، فسأله عن صنعته فقال: إني كنت من السعاة الذين يستعين بهم أرباب هذا الأمر على معرفة أحوال الناس، فمذ ولي أمير المؤمنين أقصانا، وأظهر الاستغناء عنا، فتعطلت معيشتنا وانكسر جاهنا، فقال له: أتعرف من في بغداد من السعاة مثلك؟ قال: نعم، فأحضر كاتباً، وكتب أسماءهم، وأمر بإحضارهم، ثم أجرى لكل واحد منهم معلوماً، ونفاهم إلى الثغور القاصية، ورتبهم هناك عيوناً على أعداء الدين، ثم التفت إلى من حوله وقال: اعلموا أن هؤلاء ركب الله فيهم شراً وملأ صدورهم حقداً على العالم، ولا بد لهم من إفراغ ذلك الشر، فالأولى أن يكون ذلك في أعداء الدين، ولا ننغص بهم المسلمين. رحمه الله تعالى.

أبو جلنك الشاعر

25 - (1) أبو جلنك الشاعر أحمد بن أبي بكر شهاب الدين أبو جلنك الحلبي الشاعر المشهور بالعشرة والنوادر؛ كان فيه همة وشجاعة، نزل من قلعة حلب للإغارة على التتار، فوقع في فرسه سهم، فوقع وبقي راجلاً، فأسروه وأحضر بين يدي مقدم التتار، فسأله عن عسكر المسلمين، فكثرهم وعظم شأنهم، فضرب عنقه سنة سبعمائة (2) : يقال: إنه دخل الموصل وقصد الطهارة، وعلى بابها خادم، وعنده أكيال، وهو مرصد لمن يدخل يناوله كيل ماء للاستنجاء، فدخل أبو جلنك على عادة البلاد، ولم يعلم بالأكيال، فصاح به ذلك الخادم، وقال: قف خذ الكيل، فقال: أنا أخرا جزاف (3) ، فبلغت الحكاية صاحب الموصل، فقال: هذا مطبوع، فطلبه ونادمه. قال القاضي جمال الدين ابن ريان: لازمنا مدة، فكان ينتبه نصف الليل فيكرر علي محافيظه، منها مختصر ابن الحاجب ثم يشبب ويزمزم، فإذا أصبح توضأ وصلى الصبح. من شعره لغز في مسعود: اسم الذي أهواه في حروفه ... مسألة في طيّها مسائل خمساه فعلٌ وهو في تصحيفه ... مبيّنٌ والعكس سمّ قاتل تضيء بعد العصر إن جئت به ... مكرراً من عكسك المنازل

_ (1) الزركشي 1: 25 والمنهل الصافي 1: 206 والوافي 6: 271 وأعيان العصر: 50 والنجوم الزاهرة 8: 194. (2) أحمد.... سبعمائة: لم يرد في المطبوعة. (3) كذا في ص.

وهو إذا صحفته مكرراً ... فاكهة يلتذّ منها الآكل وفيه طيب مطربٌ وطالما ... هاجت على أمثاله البلابل (1) ومن شعره: أتى العذار بماذا أنت معتذر ... وأنت كالوجد لا تبقي ولا تذر لا عذر يقبل إن نمّ العذار ولا ... ينجيك من خوفه بأس ولا حذر كأنني بوحوش الشّعر قد نزلت ... بوجنتيك وبالعشاق قد نفروا وكلما مرّ بي مردٌ أقول لهم: ... قفوا انظروا وجه هذا الحر واعتبروا وكان قد مدح قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان، فوقع له برطلين خبز، فكتب على بستانه (2) : لله بستانٌ حللنا دوحه ... والورق قد صدحت عليه لما بها (3) والبان تحسبه سنانيراً رأت ... قاضي القضاة فنفّشت أذنابها (4) يقال إن الشيخ بدر الدين ابن مالك وضع على هذين البيتين كراسة في البديع. وله أيضاً: لا تحسبن خضابها النامي على ال؟ ... قدمين بالمتكلّف المصنوع لكنها بالهجر خاضت في دمي ... فتسربلت أقدامها بنجيع وله أيضاً: جعلتك المقصد الأقصى وموطنك ال؟ ... بيت المقدس من روحي وجثماني

_ (1) قال القاضي ... البلابل: لم يرد في المطبوعة. (2) العبارة في المطبوعة: برطلين خبزاً كل يوم، فكتب على لسانه وقد دخل بستاناً للقاضي فيه منظرة، فكتب فيها. (3) الوافي: في جنة قد فتحت أبوابها. (4) قال صاحب المنهل الصافي: لعله وهم في هذه الحكاية، وما هي مشهورة إلا عن قاضي القضاة ابن الزملكاني.

ابن الدبيثي

وقلبك الصخرة الصماء حين قست ... قامت قيامة أشواقي وأشجاني أما إذا كنت ترضى أن تقاطعني ... وأن يزورك ذو زور وبهتان فلا تغرّنك نار في حشاي فمن ... وادي جهنم تجري عين سلواني ألطف من هذا قول القائل: أيا قدس حسنٍ قلبه الصخرة التي ... قست فهي لا ترثي لصبّ متيم ويا سؤلي الأقصى عسى باب رحمةٍ ... ففي كبد المشتاق وادي جهنم ومن شعره أيضاً: ماذا على الغصن (1) الميال لو عطفا ... ومال عن طرق الهجران وانحرفا وعاد لي (2) عائدٌ منه إلى صلةٍ ... حسبي من الشوق ما لاقيته وكفى صفا له القلب حتى لا يمازجه ... شيء سواه وأمّا قلبه فصفا وزارني طيفه وهناً ليؤنسني ... فاستصحب النوم من جفنيّ وانصرفا ورمت من خصره برءاً فزدت ضنىً ... وطالب البرء والمطلوب قد ضعفا حكى الدجى شعره طولاً فحاكمه (3) ... فضاع بينهما عمري وما انتصفا 26 (4) ابن الدبيثي أحمد بن جعفر بن أحمد بن محمد الدبيثي، أبو العباس البيع، من أهل واسط، من أعيانهم حشمة وتمولا، وهو ابن عم الحافظ أبي عبد الله بن الدبيثي.

_ (1) المنهل: غصنه. (2) المنهل: وعائدي. (3) المنهل: فخاصمه. (4) الزركشي 1: 26 وعقود الجمان 1: 158 والوافي 6: 283؛ وقد أخلت المطبوعة بكثير مما جاء في هذه الترجمة.

قدم بغداد مرات، وروي بها شيء من شعره؛ قال ابن النجار: ولم يتفق لي لقاؤه، وكان قد ضمن البيع بواسط، ثم عطل وصودر على أموال كثيرة. أورد له ابن النجار: يروم صبراً وفرط الوجد يمنعه ... سلوّه ودواعي الشوق تردعه إذا استبان طريق الرشد واضحه ... عن الغرام فيثنيه ويرجعه محلاً ذاده عن عذب مورده ... جور الزمان وطام عزّ مشرعه مشحونة بالجوى والشوق أضلعه ... ومفعم القلب بالأحزان مترعه تصبيه أن هتفت ورقاء ضاحيةً ... في كلّ يوم لها لحنٌ ترجعه تسنّمت من غصون البان مرتعداً ... تحطّه الريح أحياناً وترفعه خضباء ضافية السربال ناعمة ... جنابها دمث الأكناف ممرعه لا إلفها نازحٌ تنهلّ أدمعها ... عليه وجداً كما تنهلّ أدمعه عاثت يد البين في قلبي لتقسمه ... على الهوى وعلى الذكرى توزّعه كأنّما آلت الأيّام جاهدة ... لمّا تبدّد شملي لا تجمّعه روّعت يا دهر قلبي بالبعاد وكم ... قد بات قلبي ولا شيء يروعه وأنت يا بين قلبي كم تذوّقه ... مرّ الأسى وفؤادي كم تجرعه وكم مرامٍ لقلبي ليس يبلغه ... تصدّه عنه أسباب وتمنعه من لي بمن قلبه قلبي فأسمعه ... بثّي فيبسط من عذري ويوسعه قلّ الوفاء فما أشكو إلى أحدٍ ... إلاّ أكبّ على قلبي يقطعه يا خالي القلب قلبي حشوه حرقٌ ... وهاجع الليل ليلي لست أهجعه إن خنت عهدي فإني لم أخنه، وإن ... ضعيت ودّي فإنّي لا أضيعه هذا مقام ذليلٍ عزّ ناصره ... يشكو إليك، فهل شكواه تنفعه؟ يلومه في الهوى قوم وما علموا ... أنّ الملامة تغريه وتولعه من لا يكابد فيه ما أكابده ... منه ويوجعني ما ليس يوجعه تمرّ أقوالهم صفحاً على أذني ... مرّ الرياح بسلمى لا تزعزعه

المعتمد على الله

من منقذي من يدي من ليس يرحمني ... يقتادني للهوى المردي فأتبعه آتيه بالصدق من قولي فيدفعه ... ظناً ويكذبه الواشي فيسمعه لو خفف الثقل عن قلبي وعلله ... بالوعد كنت أمنّيه وأطمعه لكنه صرّح الهجران فالتهبت ... نار التأسف بالأحشاء تسفعه أقول أسلو فتأتيني بدائعه ... تترى بكلّ شفيعٍ ليس أدفعه وليلةٍ زارني فيها على عجل ... والشوق يحفزه والخوف يفزعه وبات مستنطقاً أوتار مزهره ال؟ ... فصاح يتبعها طوراً وتتبعه إذا لوت كفّه الملوى سمعت لها ... وقعاً يلذ على الأسماع موقعه فبت أنظره بدراً، وأرشفه ... خمراً، وأقطفه ورداً، وأسمعه وقام والوجد يبطيه ويعجله ... ضوء الصباح وأنفاسي تودعه قلت: أظنه عارض بهذه القصيدة عينية ابن زريق المشهورة التي أولها: لا تعذليه فإنّ العذل يولعه ... قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه وجيد هذه أكثر من جيد تلك. وكانت وفاة ابن الدبيثي بواسط سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 27 - (1) المعتمد على الله أحمد بن جعفر أمير المؤمنين، المعتمد على الله بن المتوكل بن المعتصم، ولد سنة تسع وعشرين ومائتين بسر من رأى؛ كان أسمر رقيقاً أعين خفيفاً لطيف

_ (1) الزركشي 1: 27 والروحي: 57 والفخري: 226 وتاريخ الخلفاء: 292 والوافي 6: 292؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

اللحية جميلاً، توفي ليلة الاثنين تاسع عشر رجب سنة " تسع وسبعين ومائتين " (1) ببغداد، وحمل فدفن بسامرا، وكانت خلافته ثلاثاً (2) وعشرين سنة وستة أيام، وقيل إنه سم في رءوس الجداء، وقيل بل لف في بساط وشد عليه حتى مات، وقيل إن الذين أكلوا معه من الرءوس ماتوا؛ وكان منهمكاً على اللذات، فاستولى أخوه الموفق على الأمور، وكان يشرب ويعربد على الندماء، واستولى بعده ابن أخيه الموفق، المعتضد. قال في المرزباني في معجم الشعراء: وكان يقول الشعر ويغني به المغنون، فمن شعره: طال والله عذابي ... واهتمامي واكتئابي بغزال من بني الأص؟ ... فر لا يعنيه ما بي أنا مغرى بهواه ... وهو مغرىً بعذابي فإذا ما قلت صلني ... كان لا منه جوابي ومن شعره وقد نقله الموفق من مكان إلى مكان: ألفت التباعد والغربه ... ففي كلّ يوم لنا تربه وفي كل يوم لنا حادث ... يؤدي إلى كبدي كربه أمرّ الزمان لنا طعمه ... فما إن أرى ساعة عذبه ومن شعره: بليت بشادن كالبدر حسناً ... يعذّبني بأنواع الجفاء ولي عينان دمعهما غزير ... ونومهما أعزّ من الوفاء وأطربته يوماً مغنية فأمر لها بشيء، فلم ينجز لها، فقال:

_ (1) سقط من ص. (2) ص: ثلاث.

الناصر لدين الله

أليس من العجائب أن مثلي ... يرى ما قلّ ممتنعاً عليه وتؤكل باسمه الدنيا جميعاً ... وما من ذاك شيء في يديه 28 (1) الناصر لدين الله أحمد بن الحسن أمير المؤمنين الإمام الناصر لدين الله، أبو العباس ابن الإمام المستنصر؛ ولد يوم الاثنين عاشر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وبويع له في أول ذي القعدة سنة خمس وسبعين، وتوفي سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة، فكانت خلافته سبعاً (2) وأربعين سنة. وكان أبيض اللون تركي الوجه مليح العينين أنور الوجه (3) ، خفيف العارضين، أشقر، رقيق المحاسن؛ نقش خاتمه رجائي من الله عفوه. ولم يل (4) الخلافة أطول مدة منه؛ وكان شاباً مرحاً عنده منعة (5) الشباب، يشق الدروب والأسواق أكثر الليل، والناس يتهيبون لقاءه، وظهر التشيع في أيامه ثم انطفا، وظهر التسنن المفرط ثم زال، وظهرت الفتوة والبندق والحمام الهادي، وتفنن الناس في ذلك، وألبس الملك العادل وأولاده سراويلات الفتوة، وكذلك للملك شهاب الدين الغوري صاحب غزنة وملك الهند وجميع الملوك الذين كانوا في أيامه،

_ (1) انظر كتب التاريخ العامة؛ والروحي: 68 والفخري: 285 وتاريخ الخلفاء: 480 ومرآة الزمان: 635 والوافي 6: 310 ونكت الهميان: 93 والمنهل الصافي 1: 264، ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: سبع. (3) الوافي: الجبهة. (4) ص: يلي. (5) الوافي: ميعة.

وكان شديد الاهتمام بالملك ومصالحه لا يكاد يخفى عليه شيء من أمور رعيته، كبارهم وصغارهم، وكان له حيل لطيفة ومكايد خفية، يوقع الصداقة بين ملوك متعاديين، ويوقع العداوة بين ملوك متصادقين. قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: قل بصر الخليفة في آخر عمره، وقيل بل ذهب، وكانت جاريته تعلم عنه، وكان قد علمها الخط، فكانت تكتب مثل خطه. ولما مات بويع لولده أبي (1) نصر، ولقب بالظاهر لأمر الله، وكان الناصر سيء السيرة، خرب في أيامه العراق، وتفرق أهله في البلاد، وأخذ أموالهم وأملاكهم. وكان يفعل الشيء وضده، وجعل في همه في رمي البندق والطيور المنسوبة وسراويلات الفتوة، وملك من المماليك ما لم يملكه خليفة، وخطب له بالأندلس والصين. وكان أسد بني العباس. وكتب إليه خادم اسمه يمن ورقة تتضمن عتبا (2) ً، فكتب إليه الناصر: بمنْ يمنّ يُمن، ثَمَنُ يمُنْ ثمن ثمن. ولما صرف ابن زبادة (3) عن عمل كان يتولاه، ولم يعرف ابن زبادة سبب عزله، كتب إلى الناصر شعراً منه: هب أن ذلك عن رضاك فمن ترى ... يدري مع الإعراض أنك راض فوقع له على رقعته: الاختيار صرفك، والاختبار صرفك، وما عزلناك لخيانة ولا لجناية، ولكن للملك أسرار لا تطلع عليها العامة، ولتعلمن نبأه بعد حين. ومن شعر الناصر:

_ (1) ص: أبو. (2) ص: عتب. (3) ص: زيادة؛ وأرجح أن المشار إليه هو أبو طالب يحيى بن أبي الفرج سعيد المعروف بابن زبادة (ابن خلكان 6: 244) أو ابن له، وقد ضبط ابن خلكان " زبادة " بالباء الموحدة وقال: هو القطعة من الزباد الذي يتطيب به النسوان.

الحاكم بأمر الله العباسي

زعموا أنني أحبّ علياً ... صدقوا كلهم لديّ عليّ كلّ من صاحب النبيّ ولو طر ... فة عينٍ فحقّه مرعيّ فلقد قلّ عقل كلّ غبيٍّ ... هو من شيعة النبيّ بريّ وقال أيضاً: إن طال عمري فما قصّرت في كرم ... ولا حراسة ملكي من أعاديه عربٌ وعجمٌ ورومٌ كلهم طمعوا ... فلم يفوزوا بشيء غير تمويه بليت حتى بأدنى الناس من خلدي ... يريد موتي وبالأرواح أفديه يشير بذلك إلى ولده الظاهر بالله، وسيأتي ذكره في ترجمته، إن شاء الله تعالى. وكان بالناصر أمراض منها عسر البول والحصى، ووجد منه شدة، وشق ذكره مراراً، سامحه الله تعالى وإيانا. 29 - (1) الحاكم بأمر الله العباسي أحمد بن الحسن، الإمام الحاكم بأمر الله أبو العباس ابن الأمير أبي علي الحسن ابن أبي بكر بن علي بن أمير المؤمنين، المسترشد بالله العباسي البغدادي. قدم مصر، ونهض ببيعته الملك الظاهر بيبرس الصالحي، وبويع له سنة إحدى وستين وستمائة، وخطب بالناس، وكان ملازماً لداره، فيه عقل وشجاعة وديانة، وله راتب يكفيه من غير سرف. امتدت أيامه، وعهد بالخلافة

_ (1) تاريخ الخلفاء: 511 والوافي 6: 317 وأعيان العصر: 65 والمنهل الصافي 1: 291 والدرر الكامنة 1: 128؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

المسيلي

إلى ولده المستكفي بالله أبي (1) الربيع سليمان، وتوفي سنة إحدى وسبعمائة، وهو في عشر الثمانين وكانت خلافته أربعين سنة، ولم يكن له من الخلافة غير الخطبة والسكة. 30 - (2) المسيلي أحمد بن الحسين بن محمد المسيلي: ذكره ابن الأبار في " تحفة القادم " (3) ؛ توفي في حدود الخمسمائة، رحمه الله تعالى. من شعره: خطرت على وادي العذيب بأدمعي ... فما جزته إلاّ وأكثره دم وقد شربت منه كرام جيادنا ... فكادت (4) بأسرار الهوى تتكلم سرى البرق من نعمان يخبر أنّه ... سيشقى بكم من كان بالأمس ينعم رحلتم وهذا الليل فيكم ولم يعد ... إليّ سواه منكم إذ رحلتم وما أنا صبٌّ بالنجوم وإنّما ... تخيّل لي الأشواق أنكم هم وله أيضاً: متى طلعت تلك الأهلة في الخمر ... ونابت لنا تلك العيون عن الخمر ومن علّم الأعجاز تستعجز القنا ... وهذي الثنايا الغرّ تسطو على الدرّ شموسٌ أبت إلاّ شماس سجيّةٍ ... وأقمار حسنٍ في الهوى قمرت صبري

_ (1) ص: أبو. (2) الزركشي: 28 والوافي 6: 335؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) لم ترد له ترجمة في المقتضب من تحفة القادم. (4) ص: فكانت، والتصويب عن الزركشي.

ابن أبي فنن

31 - (1) ابن أبي فنن أحمد بن صالح بن أبي معشر، وكنية صالح أبو فنن، مولى المنصور؛ كان أسود اللون، وبلغ سناً عالية، توفي بين الستين والسبعين والمائتين، رحمه الله تعالى. وهو القائل: سرّ من عاش ماله فإذا حا ... سبه الله سرّه الإعدام وله أيضاً: عاش بنيّي فصار مثلي ... يلبس ما قد خلعت عني فسرّني ما رأيت منه ... وساءني ما رأيت منّي 32 (2) السنبلي أحمد بن صالح شهاب الدين السنبلي؛ كان فاضلاً شاعراً حسن الشكل كثير المروة، طيب الأخلاق، وكان مباشر عمائر (3) الجامع الأموي بدمشق في

_ (1) الزركشي: 28 وطبقات ابن المعتز: 396 وكنيته أبو عبد الله، وقال فيه: كان شاعراً مفلقاً مطبوعاً، وتاريخ بغداد 4: 202 ومعجم الأدباء 6: 123 والديارات: 81 وابن خلكان 6: 341 والوافي 6: 423؛ ولم يرد من هذه الترجمة في المطبوعة سوى بيتين من الشعر. (2) الزركشي: 28 والنجوم الزاهرة 7: 220 وقد ذكره في وفيات سنة 664 وأورد له البيتين الأولين؛ والوافي 6: 424؛ ولم يرد في المطبوعة إلا الشعر. (3) الوافي: إعمار.

زمن الصالح نجم الدين، فلما ملك الناصر صاحب حلب دمشق وباشر عز الدين ابن وداعة شد الدواوين مدحه، وطلب النقلة إلى جهة خير منها، فقال له ابن وداعة: أبصر جهةً مثل جهتك ومعلومها، فقال: يا خوند، فحينئذ لم يحصل للمملوك إلا نقلة وحركة لا غير، فاستحسن ذلك منه، وولي جهةً أرضته، وتوفي سنة ثلاث وتسعين وستمائة، رحمه الله. ومن شعره ما أروده الشيخ قطب الدين في الذيل: هويته مكاريا ... شرّد عن عيني الكرى كأنّه البدر فما ... يملّ من طول السّرى وقال في السيف عامل الجامع: ربع المصالح دائر ... لم يبق منه طائل هيهات تعمر بقعة ... والسيف فيها عامل وله أيضاً: للوز زهر حسنه ... يصبي إلى زمن التصابي شكت الغصون من الشتا ... فأعارها بيض الثياب وكأنّه عشق الرّبي؟ ... ع فشاب من قبل الشباب وله وقد وقع مطر كثير يوم عاشوراء: يوم عاشوراء جادت بالحيا ... سحبٌ تهطل بالدمع الهمول عجباً حتى السّموات بكت ... رزء مولاي الحسين ابن البتول

المعتضد بالله العباسي

33 - (1) المعتضد بالله العباسي أحمد بن طلحة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو العباس ابن ولي العهد أبي أحمد الموفق بالله ابن المتوكل؛ ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين ومائتين، أيام جده، وتوفي في رجب سنة تسع وثمانين ومائتين، رحمه الله. وكان قد استخلف بعد عمه المعتمد سنة تسع وسبعين ومائتين. وكان شجاعاً مهيباً، أسمر (2) نحيفاً وافر العقل، ظاهر الجبروت، شديد الوطأة، من أفراد خلفاء بني العباس، كان يقدم على الأسد وحده لشجاعته. قال خفيف السمرقندي: كنت معه في الصيد، وانقطع عنا العسكر، فخرج علينا أسد، فقال: أفيك خير؟ قلت: لا، قال: ولا تمسك فرسي؟ قلت: نعم، فنزل وتحزم وسل سيفه وقصد الأسد، وتلقاه بسيفه فقطع عضده، ثم ضربه ضربة فلقت هامته، ومسح سيفه في صوفه، وركب، وصحبته إلى أن مات ما سمعته يذكر ذلك لقلة احتفاله به. وكان يبخل ويجمع المال، وفي أيامه سكنت الفتن لعظم هيبته، وكان يسمى السفاح الثاني، لأنه جدد ملك بني العباس، وكانت أيامه طيبة، كثيرة الأمن والرخاء، وأسقط المكوس، ونشر العدل، ورفع المظالم عن الرعية، وكان مزاجه قد تغير من إفراطه في الجماع وعدم الحمية، بحيث إنه أكل في علته زيتوناً وسمكاً، وشكوا في موته، فتقدم الطبيب وجس نبضه، ففتح عينه ورفس الطبيب، رماه أذرعاً، فمات الطبيب ثم مات المعتضد، وبويع ابنه

_ (1) الروحي: 59 والفخري: 231 وتاريخ الخلفاء: 398 والمنتظم 6: 34 والوافي 6: 428 والنجوم الزاهرة 3: 126؛ وقد أخلت المطبوعة بجانب منها. (2) ص: أسمراً.

المكتفي، فكانت ولايته تسع سنين وتسعة أشهر وأياماً. وهو أحد من ولي الخلافة ولم يكن أبوه خليفة، وهم: السفاح والمنصور والمستعين والمعتضد. وكان المعتضد حسن الميل إلى آل الرسول صلى الله عليه وسلم، وتزوج قطر الندى بنت خمارويه، أصدقها ألف ألف درهم. ومن شعره: غلب الشوق اصطباري ... لتباريح الفراق إن جسمي حيث ما سر ... ت وقلبي بالعراق أملك الأرض ولا أم ... لك دفع الإشتياق وحكى ابن حمدون النديم أن المعتضد كان قد شرط علينا أنا إذا رأينا منه شيئاً ننكره نقول له، وإن اطلعنا على عيب واجهناه به، قال: فقلت له يوماً: يا مولانا في قلبي شيء أردت سؤالك عنه منذ سنين، قال: ولم أخرته إلى اليوم؟ قلت: لاستصغاري قدري ولهيبة الخلافة، قال: قل ولا تخف، قلت: اجتاز مولانا ببلاد فارس، فتعرض الغلمان للبطيخ الذي كان في تلك الأرض، فأمرت بضربهم وحبسهم، وكان ذلك كافياً، ثم أمرت بصلبهم، وكان ذنبهم لا يجوز عليه الصلب، فقال: أوتحسب أن المصلبين كانوا أولئك الغلمان؟ وبأي وجه كنت ألقى الله تعالى يوم القيامة لو صلبتهم لأجل البطيخ؟ وإنما أمرت بإخراج قوم من قطاع الطريق كان وجب عليهم القتل، وأمرت أن يلبسوا أقبية الغلمان وملابيسهم إقامة للهيبة في قلوب العسكر، ليقولوا: إذا صلب أخص غلمانه على غصب البطيخ فكيف يكون على غيره؟ وأمرت بتلثيمهم ليستتر أمرهم على الناس.

34 - (1) الشيخ تقي الدين بن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني الشيخ الإمام العلامة الفقيه المفسر الحافظ المحدث، شيخ الإسلام نادرة العصر، ذو التصانيف والذكاء، تقي الدين أبو العباس ابن العالم المفتي شهاب الدين، ابن الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات. ولد بحران عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين، وتحول به أبوه إلى دمشق سنة سبع وستين، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. سمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر والكمال ابن عبد والشيخ شمس الدين والقاسم الاربلي وابن علان وخلق كثير، وقرأ بنفسه، ونسخ عدة أجزاء، وصار من أئمة النقد ومن علماء الأثر مع التدين والذكر والصيانة والنزاهة عن حطام هذه الدار، ثم أقبل على الفقه ودقائقه، وغاص على مباحثه. وأما أصول الدين ومعرفة أقوال الخوارج والروافض والمعتزلة والمبتدعة فكان لا يشق فيها غباره، مع ما كان عليه من الكرم الذي لم يشاهد مثله، والشجاعة المفرطة، والفراغ عن ملاذ النفس: من اللباس الجميل، والمأكل الطيب، والراحة الدنيوية. قيل إن والدته طبخت له يوماً قرعية، ولم تذقها أولاً وكانت مرة، فلما ذاقتها تركتها على حالها، فأتى الشيخ إلى الدار فرأى القرعية، فأكل منها حتى

_ (1) الوافي 7: 15 وأعيان العصر: 74 وذيل ابن رجب 2: 387 وتذكرة الحفاظ: 1496 والدرر الكامنة 1: 144 والبدر الطالع 1: 63 والعقود الدرية لابن عبد الهادي؛ والبداية والنهاية 14: 135 وتاريخ ابن الوردي 2: 284 والنجوم الزاهرة 9: 271، وقد كان ورد في المطبوعة ترجمة لابن تيمية ملخصة عن ابن عبد الهادي، ثم تلخيص لما ورد في الفوات نفسه، ولما كان القسم المأخوذ عن ابن الهادي من غير أصل الكتاب فقد أهملته.

شبع، وما أنكر منها شيئاً (1) . وحكي أنه كان قد شكا له إنسان من قطلوبك الكبير (2) ، وكان المذكور فيه جبروت وأخذ أموال الناس واغتصابها، وحكاياته في ذلك مشهورة، فلما دخل إليه الشيخ، وتكلم معه في ذلك، قال: أنا الذي كنت أريد أجي إليك لأنك رجل عالم زاهد، يعني يستهزي به، فقال له: لا تعمل علي دركوان (3) ، موسى كان خير مني وفرعون كان شراً منك، وكان موسى كل يوم يجي إلى باب فرعون مرات، ويعرض عليه الإيمان. قال الشيخ شيم الدين: وصنف في فنون، ولعل تواليفه تبلغ ثلثمائة مجلدة. وكان قوالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، ذا سطوة وإقدام وعدم مداراة، وكان أبيض أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، شعره إلى شحمة أذنيه، كأن عيينه لسانان ناطقان، ربعة من الرجال، جهوري الصوت، فصيح اللسان، سريع القراءة، توفي محبوساً في قلعة دمشق على مسألة الزيارة، وكانت جنازته عظيمة إلى الغاية، ودفن في مقابر الصوفية صلى عليه قاضي القضاة الشيخ علاء الدين القونوي، انتهى كلام الشيخ شمس الدين الذهبي. ذكر تصانيفه: كتب التفسير: قاعدة في الاستعاذة، قاعدة في البسملة والكلام على الجهر بها، قاعدة في قوله تعالى إياك نعبد وإياك نستعين، وقطعة كبيرة من سورة البقرة في قوله تعالى " ومن النّاس مَنْ يَقول آمنّا بالله وباليوم الآخر " ثلاث كراريس، وفي قوله تعالى " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا " كراسين، وفي قوله تعالى " يا أيها النّاس اعبدوا " سبع كراريس. " إلاّ مَن سَفِه نَفْسَه " كراسة. آية الكرسي، كراسان، وفي قوله " شهد الله أنّه

_ (1) ص: شيء. (2) انظر الدرر الكامنة 3: 337. (3) الوافي: دركواناتك، ولعلها بمعنى " الحيل ".

لا إله إلاّ هو " ست كراريس؛ " ما أصابك من حسنة " عشر كراريس، وغير ذلك من سورة آل عمران، تفسير المائدة مجلد لطيف. " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة " ثلاث كراريس. " وإذ أخذ ربك من بني آدم " سبع كراريس. سورة يوسف، مجلد كبير. سورة النمر، مجلد لطيف (1) . سورة القلم وأنها أول سورة أنزلت، مجلد. سورة لم يكن. سورة الكافرون. سورة تبت والمعوذتين، مجلد. سورة الإخلاص، مجلد. كتب الأصول: الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية، أربع مجلدات. ما أملاه في الجب رداً على تأسيس القديس. شرح أول المحصل، مجلد. شرح بضع عشرة مسألة من الأربعين للإمام فخر الدين. تعارض العقل والنقل، أربع مجلدات. جواب ما أورده كمال الدين ابن الشريشي، مجلد. الجواب الصحيح، رد على النصارى، ثلاث مجلدات. منهاج الاستقامة. شرح عقيدة الأصفهاني مجلد. شرح أول كتاب الغزنوي في أصول الدين، مجلد. الرد على المنطق، مجلد. رد آخر لطيف. الرد على الفلاسفة، أربع مجلدات. قاعدة في القضايا الوهمية، قاعدة في تناهي ما لا يتناهى (2) ، جواب الرسالة الصفدية. جواب في نقض قول الفلاسفة: إن معجزات الأنبياء عليهم السلام قوى نفسانية، مجلد كبير. إثبات المعاد والرد على ابن سينا. شرح رسالة ابن عبدوس في كلام الإمام أحمد في الأصول. ثبوت النبوات عقلاً ونقلاً والمعجزات والكرامات، مجلدان. قاعدة في الكليات، مجلد لطيف. الرسالة القبرصية. رسالة إلى أهل طبرستان وجيلان في خلق الروح والنور. الرسالة البعلبكية. الرسالة الأزهرية. القادرية. البغدادية. أجوبة الشكل والنقط. إبطال الكلام النفساني أبطله من نحو ثمانين وجهاً. جواب من حلف بالطلاق الثلاث أن القرآن حرف وصوت. إثبات الصفات

_ (1) زيادة من الوافي. (2) ص: تناسي ما لا يتناسى؛ وفي الوافي: ما يتناهى وما لا يتناهى.

والعلو والاستواء مجلدان. المراكشية. صفات الكمال والضابط فيها. جواب في الاستواء وإبطال تأويله بالاستيلاء. جواب من قال: لا يمكن الجمع بين إثبات الصفات على ظاهرها مع نفي التشبيه. أجوبة كون العرش والسموات كرية وسبب قصد القلوب جهة العلو. جواب كون الشيء في جهة العلو مع أنه ليس بجوهر أو عرض معقول أو مستحيل. جواب هل الاستواء والنزول حقيقة؟ وهل لازم المذهب مذهب سماه الإربلية. مسألة النزول واختلاف وقته باختلاف البلدان والمطالع، مجلد لطيف. شرح حديث النزول، مجلد كبير. بيان حل إشكال ابن حزم الوارد على الحديث. قاعدة في قرب الرب من عابديه وداعيه، مجلد. الكلام على نقض المرشدة. المسائل الإسكندرية في الرد على الاتحادية والحلولية. ما تضمنه فصوص الحكم. جواب في لقاء الله. جواب رؤية (1) النساء ربهن في الجنة. الرسالة المدنية في إثبات الصفات النقلية. الهلاوونية. جواب ورد على لسان ملك التتار، مجلد. قواعد في إثبات القدر والرد على القدرية والجبرية، مجلد. رد على الروافض في الإمامة (2) على ابن مطهر. جواب في حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام لعلة أم لغير علة. شرح حديث فحج أدم موسى. تنبيه الرجل الغافل على تمويه المجادل، مجلد. تناسي الشدائد في اختلاف العقائد، مجلد. كتاب الإيمان، مجلد. شرح حديث جبريل في حديث الإيمان والإسلام، مجلد. عصمة الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغونه. مسألة في العقل والروح. مسألة في المقربين: هل يسألهم منكر ونكير. مسألة هل يعذب الجسد مع الروح في القبر. الرد على أهل الكسروان (3) ، مجلدان. في فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على غيرهما. قاعدة في فضل معاوية وفي ابنه يزيد لا يسب. في تفضيل صالحي الناس على سائر الأجناس. مختصر في

_ (1) ص: رؤيا. (2) الأمامية. (3) ص: السكروان.

كفر النصيرية. في جواز قتال الرافضة، كراسة. في بقاء الجنة والنار وفي فنائهما رد على (1) مولانا قاضي القضاة تقي الدين السبكي أعزه الله تعالى. كتب أصول الفقه: قاعدة غالبها أقوال الفقهاء، مجلدان. قاعدة كل حمد وذم من المقالات والأفعال لا يكون إلا بالكتاب والسنة. شمول النصوص للأحكام، مجلد لطيف. قاعدة في الإجماع وأنه ثلاثة أقسام. جواب في الإجماع وخبر التواتر. قاعدة في كيفية الاستدراك على الأحكام بالنص والإجماع. في الرد على من قال إن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، ثلاث مصنفات. قاعدة فيما يظن من تعارض النص والإجماع. مواخذ (2) على ابن حزم في الإجماع. قاعدة في تقرير القياس. قاعدة في الاجتهاد والتقليد في الأحكام. رفع الملام عن الأئمة الأعلام. قاعدة في الاستحسان. وصف العموم والإطلاق. قواعد في أن المخطىء في الاجتهاد لا يأثم. هل العامي يجب عليه تقليد مذهب معين. جواب في ترك التقليد. فيمن يقول مذهبي مذهب النبي عليه السلام وليس أنا محتاج (3) إلى تقليد الأربعة. جواب من تفقه في مذهب ووجد حديثاً صحيحاً هل يعمل به أو لا. جواب تقليد الحنفي الشافعي في الجمع للمطر (4) والوتر. الفتح على الإمام في الصلاة. تفضيل قواعد مذهب مالك وأهل المدينة. تفضيل الأئمة الأربعة وما امتاز به كل واحد منهم. قاعدة في تفضيل الإمام أحمد. جواب هل كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة نبياً. جواب هل كان النبي صلى الله عليه وسلم متعبداً بشرع من قبله. قواعد أن النهي يقتضي الفساد (5) . كتب الفقه: شرح المحرر في مذهب أحمد، ولم يبيض. شرح العمدة لموفق

_ (1) الوافي: ورد عليه فيها. (2) الوافي: مؤاخذة. (3) كذا في ص، والوافي وأعيان العصر. (4) ص: المطر. (5) كذا وفي الوافي: العناد.

الدين، أربع مجلدات. جواب مسائل وردت من أصفهان. جواب مسائل وردت من الأندلس. جواب مسائل وردت من الصلت. مسائل من بغداد. مسائل وردت من زرع. مسائل وردت من الرحبة. أربعون (1) مسألة لقبت (2) الدرر المضية في فتاوى ابن تيمية. الماردانية. الطرابلسية. قاعدة في المياه والمائعات وأحكامهما. طهارة بول ما يؤكل لحمه. قاعدة في حديث القلتين وعدم رفعه. قواعد في الاستجمار وتطهير الأرض بالشمس والريح. جواز الاستجمار مع وجود الماء. نواقض الوضوء. قواعد في عدم نقضه بلمس النساء. التسمية على الوضوء. خطأ القول بجواز المسح على الخفين. جواز المسح على الخفين المنخرقين والجوربين واللفائف. فيمن لا يعطي أجرة الحمام. تحريم دخول الحمام بلا مئزر. في الحمام والاغتسال. ذم الوسواس. جواز طواف الحائض. تيسير العبادات لأرباب الضرورات بالتيمم والجمع بين الصلاتين للعذر. كراهية التلفظ بالنية وتحريم الجهر بها. الكلم الطيب في الأذكار. كراهية تقديم بسط سجادة المصلي قبل مجيئه. في الركعتين اللتين تصليان (3) قبل الجمعة، في الصلاة بعد أذان الجمعة. القنوت في الصبح والوتر. قتل تارك المباني وكفره. الجمع بين الصلاتين في السفر. فيما يختلف حكمه بالسفر والحضر. أهل البدع: هل يصلى خلفهم صلاة بعض أهل المذاهب خلف بعض. الصلوات المبتدعة. تحريم السماع. تحريم الشبابة. تحريم اللعب بالشطرنج. تحريم الحشيشة القنبية ووجوب الحد عليها وتنجيسها. النهي عن المشاركة في أعياد النصارى واليهود وإيقاد النيران في الميلاد ونصف شعبان وما يفعل في عاشوراء من الحبوب. قاعدة في مقدار الكفارة في اليمين. في أن المطلقة بثلاثة لا تحل إلا بنكاح زوج ثان. بيان الحلال والحرام في الطلاق. جواب من حلف لا يفعل شيئاً على المذاهب الأربعة ثم طلق ثلاثاً في الحيض.

_ (1) ص: أربعين. (2) ص: كررت لفظة " مسألة ". (3) ص: التي تصلى.

الفرق المبين بين الطلاق واليمين. لمحة المختطف في الفرق بين الطلاق والحلف. كتاب التحقيق في الفرق بين الأيمان والتطليق. الطلاق البدعي لا يقع. مسائل الفرق بين الطلاق البدعي والخلع ونحو ذلك. مناسك الحج. في حجة النبي صلى الله عليه وسلم. في العمرة المكية. في شهر (1) السلاح بتبوك وشرب السويق بالعقبة وأكل التمر بالروضة وما يلبس المحرم وزيارة الخليل عليه السلام عقيب الحج. زيارة القدس مطلقاً. جبل لبنان كأمثاله من الجبال ليس فيه رجال الغيب (2) ولا أبدال. جميع أيمان المسلمين مكفرة. الكتب في أنواع شتى: جمع بعض الناس فتاويه بالديار المصرية مدة مقامه بها سبع سنين في علوم شتى، فجاءت ثلاثين مجلد. الكلام على بطلان الفتوة المصطلح عليها بين العوام، وليس لها أصل متصل بعلي رضي الله عنه. كشف حال المشايخ الأحمدية وأحوالهم الشيطانية. بطلان ما يقوله أهل بيت الشيخ عدي. النجوم: هل لها تأثير عند القران والمقابلة في الكسوف: هل يقبل قول المنجمين فيه ورؤية الأهلة، مجلد. تحريم أقسام المعزمين بالعزائم المعجمة وصرع الصحيح وصفة الخواتيم. إبطال الكيميا وتحريمها ولو صحت وراجت. ومن نظم الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى على لسان الفقراء المجردين: والله ما فقرنا اختيار ... وإنما فقرنا اضطرار جماعة كلنا كسالى ... وأكلنا ما له عيار تسمع منّا إذا اجتمعنا ... حقيقة كلّها فشار وله أجوبة وسؤالات كان يسألها نظماً فيجيب عنها نظماً، وليس هذا موضع إيراد ذلك رحمه الله تعالى.

_ (1) ص: شرح. (2) الوافي: غيب.

ابن عبد الدايم

35 - (1) ابن عبد الدايم أحمد بن عبد الدايم بن أحمد بن نعمة بن إبراهيم بن أحمد بن بكير، المعمر العالم مسند الوقت، زين الدين أبو العباس المقدسي الفندقي الحنبلي الناسخ؛ ولد بفندق المشايخ (2) من جبل نابلس سنة خمس وسبعين وخمسمائة وأدرك الاجازة (3) التي من السلفي لمن أدرك حياته، وأدرك الإجازة الخاصة (4) من خطيب الموصل أبي الفضل الطوسي وأبي الفتح بن شاتيل ونصر الله القزاز وخلق سواهم. وسمع من يحيى الثقفي وأبي (5) الحسين الموازيني ومحمد بن علي بن صدقة والمكرم بن هبة الله الصوفي وبركات الخشوعي وابن طبرزد والحافظ عبد الغني. ودخل بغداد وسمع من ابن كليب وطبقته، وتفقه على الشيخ الموفق، وكتب بخطه المليح السريع ما لا يوصف، لنفسه وبالأجرة، حتى كان يكتب إذا تفرغ في اليوم تسع كراريس قيل إنه كان يكتب الخرقي (6) في ليلة واحدة، وكان ينظر في الصفحة مرة واحدة ويكتبها، ولازم النسخ خمسين سنة، وخطه لا نقط ولا ضبط، وكتب ألفي مجلدة.

_ (1) الزركشي: 29 والوافي 7: 34 وذيل ابن رجب 2: 278 ونكت الهميان: 99 ومنتخب السلامي: 29 والشذرات 5: 523، ولم يرد في المطبوعة إلا قسم يسير من هذه الترجمة. (2) الوافي: بفندق الشيوخ. (3) سقطت من ص وزدتها من الوافي. (4) زيادة من الوافي. (5) ص: وأبو. (6) الوافي: القدوري؛ يعني مختصر القدوري في فروع الحنفية؛ أما مختصر الخرقي لأبي القاسم عمر ابن الحسن الحنبلي، فإنه في فروع الحنبلية.

الشارمساحي

وكان تام القامة، حسن الأخلاق والشكل، وولي خطابة كفر بطنا (1) ، وأنشأ خطباً كثيرة، وحدث ستين سنة. روى عنه الشيخ محيي الدين والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد وشرف الدين الدمياطي وابن الظاهري وابن جعوان وابن تيمية ونجم الدين ابن صصرى وشرف الدين الفزاري وأخوه تاج الدين، وولده برهان الدين، وإمام الكلاسة ومنيف قاضي القدس وعلاء الدين بن العطار وعلاء الدين ابن غانم، وخلق كثير بمصر والشام، وتفرد بالكثير، وكف بصره في آخر عمره، وتوفي لتسع خلون من رجب سنة ثمان وستين وستمائة. ومن شعره لما أضر، رحمه الله تعالى: إن يذهب الله من عيني نورهما ... فإنّ قلبي بصير ما به ضرر والله إنّ لكم في القلب منزلةً ... ما نالها قبلكم أنثى ولا ذكر وصالكم لي حياةٌ لا نفاد لها ... والهجر موت فلا عين ولا أثر ومن شعره: عجزت عن حمل قرطاس وعن قلم ... من بعد إلفي بالقرطاس والقلم كتبت ألفا وألفا من مجلدةٍ ... فيها علوم الورى من غير ما ألم ما العلم فخر امرىءٍ إلاّ لعامله ... إن لم يكن عمل فالعلم كالعدم 36 (2) الشارمساحي أحمد بن عبد الدايم بن يوسف بن قاسم بن عبد الخالق الكناني الشارمساحي؛

_ (1) كفربطنا: من قرى غوطة دمشق. (2) الزركشي: 30 والوافي 7: 36 وأعيان العصر 1: 86 والدرر الكامنة 1: 161.

قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: مولده بشار مسارح (1) سنة ثلاث وستين وستمائة؛ ومن شعره: محجبةٌ بين الترائب والحشا ... فدمعي لها طلقٌ وقلبي لها رهن وحال الهوى ما ليس يدرك كنهه ... وهل هو وهمٌ يعتري القلب أو وهن ومسلكه بالطرف سهلٌ وإنما ... له منهج أعيا القلوب به حزن لديه الأماني بالمنايا مشوبةٌ ... وفيه الرجا واليأس والخوف والأمن وكم مهلكٍ فيه يقين لعاشق ... ومطلبه من دونه في الورى ظن (2) وله أيضاً: تخشى الظُّبا والظِّبا من فتك ناظره ... وإن تثنّى فلا تسأل عن الأسل لا واخذ الله عينيه فقد نشطت ... إلى تلافي وفيها غاية الكسل يرمي القلوب فلا ندري أقام بها ... هاروت أم ذاك رام من بني ثعل هذا الغزال الذي راقت محاسنه ... فلا عجيبٌ عليه رقة الغزل لما تواليت من وجدٍ ومن شغفٍ ... تحقق النّاس أنّي مغرم بعلي ومن شعره: لا تعجبوا للمجانيق التي رشقت ... عكّا بنار وهدّتها بأحجار بل اعجبوا للسان النار قائلةً ... هذي منازل أهل النار في النار

_ (1) شارمساح: بلدة من كورة الدقهلية، قريبة من دمياط. (2) من أول الترجمة حتى هذا الموضع لم يرد في المطبوعة.

ابن نفادة

37 - (1) ابن نفادة أحمد بن عبد الرحمن بن علي بن نفادة السلمي الأديب البارع بدر الدين نشو الدولة، الشاعر المحسن؛ روى عنه الشهاب القوصي. كان رئيساً وديوانه مشهور. توفي سنة إحدى وستمائة وقد ناهز الستين. وله مدائح كثيرة في السلطان صلاح الدين الكبير وفي أولاده وأخيه العادل وجماعته، وفي الوزير صفي الدين ابن القابض، وفي القاضي الفاضل والقاضي ابن الشهرزوري ومحيي الدين ابن الزكي؛ وهو من المشهورين بحسن النظم، فمن شعره لغز في يوسف: يا سائلي ما اسم الذي أحببته ... إنّي بسرّ هواه غير مصرّح لكن إذا فكرت فيه وجدته ... معكوس سابع لفظةٍ في سبح (2) ومن شعره: إن أعوز الحاذق فاستبدلوا ... مكانه آخر لم يحذق فلاعب الشطرنج من شأنه ... وضع حصاةٍ موضع البيذق وقال: أفدي التي سفرت فقابل ناظري ... مرآة وجهٍ بالجمال صقيل أبكي فأبصر أدمعي في خدّها ... لصقاله فأظنها تبكي لي أخذه من قول الأرجاني (3) :

_ (1) الزركشي: 30 والوافي 7: 39 والخريدة (قسم الشام) 1: 329 والغصون اليانعة: 26 ولم يرد من هذه الترجمة في المطبوعة إلا بيتا اللغز. (2) يريد لفظة " فسوّى ". (3) انظر ديوانه: 438.

قابلني حتى بدت أدمعي ... في خده المصقول مثل المراه يوهم صحبي أنه مسعدي ... بأدمعٍ لم تذرها مقلتاه وإنّما قلّدني منّةً ... بدمع عينٍ من جفوني مراه ولم يقع من دمعه قطرةٌ ... إلاّ خيالات دموع البكاه وقال ابن نفادة: حتام إن أمر الغرام وإن نهى ... طاوعته وعصيت في الحبّ النّهى أرضيت جفني للدموع موهلاً ... أبداً وقلبي بالولوع مولها قد كنت معتمداً على صبري إذا ... ما الخطب فاجاني وها صبري وهى ومدلّلٍ ما زلت من هجرانه ... أبداً على مرّ الزمان مدلّها متأوّد الأعطاف، قلب محبّه ... ما زال من إعراضه متأوّها تجني على عشّاقه وجناته ... بالصدّ فهو (1) المشتكى والمشتهى فيه إذا عدّ الملاح المبتدا ... وإلى غرامي في هواه المنتهى يا مطلعين لنا بدوراً أوجها ... لم يدر غزلاناً تغازل أم مها فحذار من تلك العيون خديعة ... فبمكرها سلبت فؤادي مكرها وله أيضاً: دعه مثلي يبكي الصبا وزمانه ... إن ذكراه هيّجت أحزانه ناح شجواً على ليالٍ وأيّا ... مٍ تقضت لم يقض منها لبانه كيف يرجو في الأربعين وفاءً ... من شبابٍ قبل الثلاثين خانه أو ينال اللذات في أخريات (2) العم؟ ... ر من لم يفز بها ريعانه

_ (1) الوافي: فهي. (2) ص: آخر، والتصويب عن الوافي.

الحنبلي معبر المنامات

وقال: قد حجبوا البيض ببيض الصفاح ... ومنعوا السّمر بسمر الرماح وأطبقوا أصداف أجفانهم ... فما ترى شمس الصباح الصباح منها: يثبت تأليف الهوى حسنها ... وقدها للصبر إن ماح ماح وطرفها مسكرةٌ خمره ... إذا أديرت وهو يا صاح صاح أمدّ قلبي نحو كاساتها ... رشفاً إذا مدّت إلى الراح راح واضحها موضح عذري فما ... يلومني فيها إذا لاح لاح وقوله أيضاً: وامتدّ ليلي إذ سهرت وكلّما ... قصرت جفوني زاد ليلي طولا وكأن مرآة الصباح تنفسي ال؟ ... صعداء أصدأ وجهها المصقولا وله غير ذلك كل معنى حسن، وديوانه موجود، رحمه الله تعالى وإيانا. 38 - (1) الحنبلي معبر المنامات أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي الشيخ الإمام العالم شهاب الدين الحنبلي مفسر المنامات؛ ولد بنابلس سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع من عمه التقي يوسف ومن الصاحب محيي الدين ابن

_ (1) الوافي 7: 48 وأعيان العصر 1: 85 وذيل ابن رجب 2: 336 والشذرات 5: 437، وأكثر هذه الترجمة ورد في المطبوعة.

الجوزي، وسمع بمصر من ابن رواج والساوي وابن الجميزي وسبط السلفي. وروى الكثير. وكان إليه المنتهى في تعبير الرؤيا، واشتهر عنه في ذلك عجائب، ويخبر بأشياء، وكان بعض الناس يعتقد فيه الكشف والكرامات، وبعضهم يقول: كهانات وإلهامات، ولكل منهم في دعواه شبه وعلامات. قال الشيخ شمس الدين: حدثني الشيخ تقي الدين ابن تيمية أن شهاب الدين العابر كان له تابع من الجن يخبره بالمغيبات، وكان صاحب أوراد وتعبد، وما برح كذلك حتى مات. صنف في التعبير مقدمة سماها البدر المنير وكان عارفاً بالمذهب، وذكر الدرس بالجوزية (1) ، وكان شيخاً حسن البشر، وافر الحرمة، معظماً في النفوس، أقام بمصر مدة؛ وكانت وفاته بدمشق سنة سبع وتسعين وستمائة، وحضر جنازته ملك الأمراء والقضاة والأكابر. وقال الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس: كنت عنده يوماً وقد جاءه إنسان، قال: رأيت كأني صرت أترجة، فقال: أترجة ألف تا را جيم ها، وعدها خمسة أحرف، وقال: أنت تموت بعد خمسة أيام، فإن من رأى أنه صار ثمرة تؤكل فإنه يموت، وهذه زيادة من عنده عدد حروف الأترجة. وقال بهاء الدين ابن غانم: كنت عنده يوماً، فجاء إليه إنسان ومعه آخر، فقال: رأيت رؤيا وقصها، فقال له: ما رأيت شيئاً، وإنما تريد الاستخفاف (2) ، فخرجا بعدما اعترفا، فقلنا له: من أين لك هذا؟ قال: لما تكلما نظرت في ذيل أحدهما نقطة من دم فذكرت الآية وهي قوله تعالى " وجاؤا على قميصه بدم كذب " يوسف فاتفق أني رأيت أحدهما فيما بعد، فسألته عن

_ (1) هي إحدى مدارس الحنابلة، وكانت بسوق القمح بالقرب من الجامع، أنشأها محيي الدين ابن الجوزي (الدارس 2: 29) . (2) الوافي: الامتحان.

المستظهر بالله

القصة، فقال: لما اجتزنا عليه ذكرنا أمره الغريب، وقلنا: نريد نمتحنه، وصنفنا رؤيا للوقت، فكان ما سمعت. وحكي عنه أنه جاء إليه آخر وقال: رأيت كأن في داري شجرة يقطين، قال: أعندك في دارك غير الزوجة؟ قال: نعم جارية، قال: بعني إياها، قال: إنما ملك زوجتي، قال: قل لها تبيعني إياها، فراح وعاد وقال: إنها لا تبيعها، فقال: امضي إلى هذه الجارية واعتبرها، فمضى وعاد وقال: إنها طلعت عبد (1) وزوجتي تكتمني أمره، وتلبسه لباس النساء. وجاء إليه إنسان وقال له: رأيت كأني قد وضعت رجلي على رأسي، فقال له: أفسر لك هذه الرؤيا بيني وبينك أو في الظاهر؛ فقال: في الظاهر، فقال: أن كنت من ليالي (2) تشرب الخمر وسكرت ووطئت أمك، فاستحيا ومضى. وقيل جاء إليه إنسان وقال له: رأيت كأن قائلاً يقول لي: اشرب شراب الهكاري فقال له: فؤادك يوجعك؟ قال: نعم، قال: اشرب العسل تبرأ، فسئل: من أين لك هذا؛ قال: سمعتهم يقولوا (3) اشرب الديناري، ولم أسمع بالهكاري، فرجعت إلى الحروف فرأيته شراب إلهك أري، والأري: العسل، وذكرت قوله صلى الله عليه وسلم: كذب بطن أخيك، اسقه العسل. 39 - (4) المستظهر بالله أحمد بن عبد الله أمير المؤمنين المستظهر أبو العباس ابن المقتدي بن الذخيرة

_ (1) كذا في ص؛ وأبقيته على حاله. (2) كذا في ص. (3) كذا في ص. (4) الوافي 7: 115 والمنتظم 9: 200 ومرآة الزمان 1: 73 والنجوم الزاهرة 5: 215 والفخري: 266 وتاريخ الخلفاء: 457 والروحي: 65؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

ابن القائم بن القادر؛ ولد يوم السبت العشرين من شوال سنة سبعين وأربعمائة، وبويع له وهو ابن ستة عشر وشهرين، ولي الخلافة ثامن عشر المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي سابع عشر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة (1) وخمسمائة، فكانت ولايته خمساً وعشرين سنة وأشهراً (2) . ولما بويع له صلى على والده، وصلى بالناس صلاة الظهر، وكان ميمون الطلعة، حميد الأيام، وكان لين الأخلاق، موصوفاً بالعطاء والكرم، يحب العلماء ويتفقد الفقراء، وكان حسن الخط جيد التوقيعات لا يقاربه فيها أحد. وقال محمد الدين ابن النجار: أنشدني محمد بن محمود المعدل، قال أنشدنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، وذكر أنها للمستظهر: أذاب حرّ الهوى في القلب ما جمدا ... يوم مددت إلى رسم الوداع يدا فكيف أسلك نهج الإصطبار وقد ... أرى طرائق في مهوى الهوى قددا قد أخلف الوعد بدر (3) قد شغفت به ... من بعد ما قد وفى دهري بما وعدا إن كنت أنقض عهد الحبّ في خلدي ... من بعد هذا فلا عاينته أبدا وطلب من يؤم به في الصلوات ويلقن أولاده القرآن، وقصد أن يكون من أرباب البيوت الصالحين وأن يكون مكفوف البصر، فوقع الاختيار على المبارك ابن دواس المقرىء، فوقع منه موقعاً حسناً. ولما صلى به أول ليلة التراويح قرأ في كل ركعة آية، فلما سلم قال له: زدنا من التلاوة، فصلى في كل ركعة بآيتين، فلما سلم قال له زدنا، فأقام (4) يزيده إلى أن صلى في كل ركعة بجزء كامل، فلما كان ليلة الجمعة أحضر له كاغد طيب وعود ند وكافور وما أشبه

_ (1) ص: اثني عشر. (2) ص: وأشهر. (3) ص: بدراً. (4) ص: فلم.

الاعيمى الاندلسي

ذلك، وكاغد فيه ذهب ووضعه على مصلاه، فلما فرغ من الصلاة وضع يده عليهما فدفعهما بظاهر كفه وانصرف، فلما وصل إلى المكان الذي أفرد له جاء إليه خادم بالكاغدين وقال: إن أمير المؤمنين استحسن ذلك منك وقال: ما قصر معكم، قال لكم: ما أنا حمال، ومنزلي فتعرفونه إن أردتم أن تعطوني شيء (1) فاحملوه إلى منزلي. ومات المستظهر بعلة المراقيا، رحمه الله تعالى. 40 - (2) الاعيمى الاندلسي أحمد بن عبد الله بن هريرة أبو العباس الأعيمى الاشبيلي، توفي سنة خمس وعشرين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. من شعره (3) : بحياة عصياني عليك عواذلي ... إن كانت القربات عندك تنفع هل تذكرين ليالياً سلفت لنا ... لا أنت باخلةٌ ولا أنا أقنع وله أيضاً (4) : أعد نظراً في روضتي ذلك الخدّ ... فإني أخاف الياسمين على الورد وخذ لهما دمعي وعلّلهما به ... فإنّ دموعي لا تعيد ولا تبدي

_ (1) كذا في ص. (2) الزركشي: 31 وقلائد العقيان: 273 والذخيرة (القسم الثاني: 215) وبغية الملتمس: 176 والمغرب 2: 451 وتحفة القادم: 27 ونكت الهميان: 110 والوافي 7: 126 ومقدمة ديوانه (ط. دار الثقافة 1963) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) ديوانه: 78. (4) ديوانه: 33.

وإلاّ ففي كأس المدامة بلغة ... تقوم مقام الدنّ عندك أو عندي وفي ريقك المعسول لو أن روضة ... تعلّل بالكافور والمسك والشهد وماء شبابي كان أعذب مورداً ... لو أن الليالي لم تزاحمك في الورد أمنك الخيال الطارقي كلّ ليلةٍ ... على مثل حدّ السيف أو طرّة البرد منىً لا أبالي أن تكون كواذباً ... فتفنى ولكن المدار على وجدي وليلة وافاني وقد ملت ميلةً ... وكنت أنا والنجم بتنا على وعد ألّم فحيا بين رقبا ورقبةٍ ... ولا شيء أحلى من دنوٍّ على بعد وقد زانه لمحٌ من البدر في الدجى ... كما لاح وسم الشيب في الشعر الجعد رأى أدمعي حمراً وشيبي ناصعاً ... وفرط نحولي واصفراري على خدي فودّ لو أني عقده أو وشاحه ... وإن لم يطق حمل الوشاح ولا العقد ألمّ فأعداني ضناه وسهده ... وقد كان هذا الشوق أولى بأن يعدي وولّى فلا تسأل بحالي بعده ... ولكن سل الأيّام عن حاله بعدي تفاوت قومي (1) في الحظوظ وسبلها ... فمكدٍ على حرصٍ ومثرٍ على زهد وأمّا أنا والحضرميّ فإنّنا ... قسمنا المعالي بين (2) غور إلى نجد فأبت أنا بالشعر أحمي لواءه ... وآب ابن عيسى بالسيادة والمجد فتىً لا يبالي فوز من فاز بالعلا ... إذا امتلأت كفا يديه من الحمد وله أيضاً (3) : وبديع الأوصاف كالشمس كالد ... مية كالغصن كالقنا كالريم سكريّ اللمى وضيء المحيّا ... يستخفّ النفوس قبل الجسوم متهدّ (4) إلى الحلوم بلحظ ... ربّما كان ضلّةً للحلوم

_ (1) الديوان: قوم. (2) الديوان: قسمنا العلا ما بين. (3) ديوانه: 165. (4) ص: مستمد.

ما (1) يبالي من بات يلهو به إن ... لم ينل ملك فارس والروم قمت أسقيه من لمى ثغره العذ ... ب على صحن خدّه المرقوم بين ليلٍ كخضرة الروض في اللو ... ن وصبحٍ كعرفه في الشميم وكأن النجوم في غبش الصب؟ ... ح وقد لفها فرادى (2) بتوم أعين العاشقين أدهشها البي؟ ... ن فأغضت بين الضنى والوجوم (3) وله أيضاً (4) : أما والهوى وهو إحدى الملل ... لقد مال قدّك حتى اعتدل وأشرق وجهك للعاذلات ... حتى رأت كيف يعصى العذل ولم أر أفتك من مقلتيه ... على أن لي خبرةً بالمقل كحلتهما يهوىً قاتل ... وقلت الردى حيلة في الكحل وانّي وإن كنت ذا غفلةٍ (5) ... لأعلم كيف تكون الحيل ولست أسائل عينيك بي ... ولكن بعهد الرضى ما فعل وقد كنت جاريت تلك الجفون ... إلى الموت بين المنى والعلل وقال يرثي شاباً قتل غيلة (6) : خذا حدثاني عن فل وفلان ... لعلتي أرى باق على الحدثان وعن دول حسن الديار وأهلها ... فنين وصرف الدهر ليس بفان وعن هرمي مصر الغداة أمتّعا ... بشرخ شباب أم هما هرمان وعن نخلتي حلوان كيف تناءتا ... ولم يطويا كشحاً على شنآن

_ (1) الديوان: لا. (2) ص: فوادي. (3) ص: والرحوم. (4) ديوانه: 130. (5) الديوان: كنت داهنتني. (6) هو ابن اليناقي، انظر ديوانه: 224.

وطال ثواء (1) الفرقدين بغبطةٍ ... وما علما أن سوف يفترقان وزايل بين الشعريين تصرف ... من الدهر لا وانٍ ولا متواني فإن تذهب الشعرى العبور لشانها ... فإن الغميصا في بقية شان وجن سهيل (2) بالثريا جنونه ... ولكن سلاه كيف يلتقيان وهيهات من جور القضاء وعدله ... شآمية ألوت بدين يماني فأزمع عنها آخر الدهر سلوةً ... على طمعٍ خلاه للدبران وأعلن صرف الدهر لابني نويرة ... بيوم تناءٍ غال كلّ تدان وكانا كندماني جذيمة حقبة ... من الدّهر لو لم ينصرم لأوان فهان دم بين الدكادك فاللوى ... وما كان في أمثالها بمهان وضاعت دموع بات يبعثها الأسى ... يهيّجها قبرٌ بكلّ مكان ومال على عبس وذبيان ميلةً ... فأودى بمجنيٍّ عليه وجان فعوجا على جفر الهباءة فاعجبا ... بضيعة أعلاق هناك ثمان دماء جرت منها التلاع بمثلها ... ولا ذحل إلاّ أن جرت فرسان وأيّام حرب لا ينادى وليدها ... أهاب بها في الحيّ يوم رهان فآب الربيع والبلاد تهزه ... ولا مثل مودٍ (3) من وراء عمان وأنحى على ابني وائل فتهاصرا ... غصون الردى من كزة ولدان تعاطى كليب فاستمرّ بطعنة ... أقامت لها الأبطال سوق طعان وبات عديٌّ بالذنائب يصطلي ... بنار وغىً ليست بذات دخان فذلّت رقابٌ من رجال أعزّةٍ ... إليهم تناهي عزّ كلّ زمان وهبوا يلاقون الصوارم والقنا ... بكلّ جبينٍ واضحٍ ولسان فلا خدّ إلاّ فيه حدّ مهنّدٍ ... ولا صدر إلاّ فيه صدر سنان وصال على الجونين بالشّعب فانثنى ... بأسلاب مطلولٍ وربقة عان

_ (1) ص: ثوى. (2) ص: سهيلا. (3) ص: مرد.

وأمضى على أبناء قيلة حكمه ... على شرسٍ (1) أدلوا به وليان ولو شاء عدوان الزمان ولو يشا ... لكان عذير (2) الحيّ من عدوان وأي قبيل لم يصدع جميعهم ... ببكر من الأرزاء أو بعوان خليليّ أبصرت الرّدى وسمعته ... فإن كنتما في مريةٍ فسلاني ولا تعداني أن أعيش إلى غدٍ ... لعلّ المنايا دون ما تعداني ونبهني ناعٍ مع الصبح كلّما ... تشاغلت عنه عنّ لي وعناني أُغمّض أجفاني كأنّي نائمٌ ... وقد لجت الأحشاء في الخفقان أبا حسنٍ أما أخوك فقد مضى ... فوالهف نفسي ما التقى أخوان أبا حسن إحدى يديك رزئتها ... فهل لك بالصبر الجميل يدان أبا حسنٍ ألق (3) السلاح فإنّها ... منايا وإن قال الجهول أماني أبا حسن هل يدفع الموت حينه ... بأيد شجاع أبو بكيد جبان توقوه شيئاً ثمّ كروا فجعجعوا (4) ... بأروع فضفاض الرداءٍ هجان قليل حديث النّفس عمّا يروعه ... وإن لم يزل من ظنّه بمكان أبيّ وإن تتبع رضاه فمصحب ... بعيد وإن تطلب جداه فداني بنفسي وأهلي أي بدر دجنّةٍ ... لستّ خلت من شهره وثمان يقولون لا يبعد ولله درّه ... وقد حيل بين العير والنّزوان ويأبون إلاّ ليته ولعلّه ... ومن أين للمقصوص بالطيران ليشعركما السلوان أنّ محمّداً ... مجاور حورٍ في الجنان حسان وأن النّجوم الزهر في كل مطلع ... يجدن به مثل الذي تجدان سفاك كدمعي أو كجودك واكفٌ ... من المزن بين السحّ والهملان

_ (1) ص: شرش. (2) ص: عزيز. (3) ص: القي. (4) ص: فجمجموا.

الشهاب العزازي

41 - (1) الشهاب العزازي أحمد بن عبد الملك العزازي التاجر بقيسارية جركس (2) ، الشاعر المشهور؛ كان كيساً ظريفاً، جيد النظم في الشعر والموشحات، فمن شعره يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: دمي بأطلال ذات الخال مطلول ... وجيش صبري مهزوم ومفلول ومن يلاق (3) العيون الفاتكات بلا ... صبر يدافع عنه فهو مخذول لم يدر من سلب العشاق أنفسهم ... بأنّه عن دم العشّاق مسئول وبي أغنّ غضيض الطرف معتدل ... القوام لدن مهزّ العطف مجدول كأنّه في تثنّيه وخطرته ... غصن من البان مطلول ومشمول سلافة منه تسبيني وسالفة ... وعاسل منه يصبيني ومعسول وكلّما مرضت أجفان مقلته ... يصحّ إلاّ غرامي فهو منحول يا برق كيف الثنايا الغرّ من إضمٍ ... يا برق أم كيف لي منهنّ تقبيل ويا نسيم الصّبا كرر على أذني ... حديثهنّ فما التكرار مملول ويا حداة المطايا دون ذي سلم ... عوجوا وشرقيّ بانات اللّوى قيلوا منها: منازل لأكف الغيث توشيةٌ ... بها وللنّور توشيع وتكليل

_ (1) الزركشي: 320 والوافي 7: 148 وأعيان العصر 1: 89 والدرر الكامنة 1: 191 والمنهل الصافي 1: 340 والنجوم الزاهرة 9: 214 والشذرات 6: 21. (2) الوافي: جهاركس. (3) ص: يلاقي.

كأنّما طيب ريّاها ونفحتها ... بطيب ترب رسول الله مجبول أوفى النبيّين برهاناً ومعجزةً ... وخير من جاءه بالوحي جبريل له يد وله باع يزينهما ... في السلم طولٌ وفي يوم الوغى طول سلّ الإله به سيفاً لملّته ... وذلك السيف حتى الحشر مسلول وشاد ركناً أثيلاً من نبوّته ... والكفر واهٍ وعرش الشرك مثلول ويلٌ لمن جحدوا برهانه وثنى ... عنان رشدهم غيٌّ وتضليل أولئك الخاسرون الخاسئون ومن ... لهم من الله تعذيبٌ وتنكيل نمته من هاشم أسدٌ ضراغمة ... لها السيوف بيوتٌ والقنا غيل إذا تفاخر أرباب العلى فهم ال؟ ... غرّ المغاوير والصّيد البهاليل لهم على العرب العرباء قاطبةً ... به افتخارٌ وترجيح وتفضيل قومٌ عمائمهم ذلّت لعزّتها ال؟ ... قعساء تيجان كسرى والأكاليل وله أيضاً رحمه الله: منذ عشقت الشارعيّ الذي ... بالحسن يختال ويغتال لم يبق في ظهري ولا راحتي ... تالله لا ماء ولا مال وله أيضاً (1) : ما عذر مثلك والركاب تساق ... ألا تفيض بدمعك الآماق فأذل مصونات الدموع فإنّما ... هي سنةٌ قد سنّها العشّاق ولربّ دمعٍ خان بعد وفائه ... مذ حان من ذاك الفريق فراق ووراء ذيّاك العذيب منيزلٌ ... لعبت بقلبك نحوه الأشراق خذ أيمن الوادي فكم من عاشقٍ ... فتكت به من أهله (2) الأحداق

_ (1) هذه القطعة لم ترد في المطبوعة. (2) الوافي: سربه.

واحفظ (1) فؤادك إن هفا برق الحمى ... أو هبّ منه نسيمه الخفّاق وقال أيضاً: تعشّقته ساحر المقلتين ... كبدر يلوح وغصن يميل إذا احمرّ من وجنتيه الأسيل ... واحورّ من مقلتيه الكحيل فقل للشقائق ماذا ترين ... وللنّرجس الغضّ ماذا تقول وقالوا: ذبول بأعطافه ... فقلت: يزين القناة الذبول وعابوا تمرض أجفانه ... فقلت: أصحّ النّسيم العليل وكتب شهاب الدين العزازي إلى ناصر الدين ابن النقيب ملغزا في شبابة وأحسن: وما صفراء شاحبة ولكن ... يزيّنها النّضارة والشباب مكتّبةٌ وليس لها بنان ... منقبةٌ وليس لها نقاب تصيخ لها إذا قبّلت فاها ... أحاديثاً تلذّ وتستطاب ويحلو المدح والتشبيب فيها ... وما هي لا سعاد ولا الرّباب فأجابه ناصر الدين ابن النقيب: أتت عجمية أعربت عنها ... لسلمانٍ يكون لها انتساب ويفهم ما تقول ولا سؤال ... إذا حققت ذاك ولا جواب يكاد لها الجماد يهزّ عطفاً ... ويرقص في زجاجته الحباب وقال الشهاب العزازي ملغزاً في القوس والنشاب: ما عجوزٌ كبيرةٌ بلغت عم؟ ... راً طويلاً وتتّقيها الرجال قد علا جسمها صفارٌ ولم تش؟ ... ك سقاماً ولا عراها هزال ولها في البنين سهمٌ وقسم ... وبنوها كبار قدرٍ نبال وبنوها لم يشبهوها ففي الأ ... مّ اعوجاجٌ وفي البنين اعتدال

_ (1) ص: واخفض.

وقال أيضاً: قال لي من أحبه عند لثمي ... وجنات تحدّث الورد عنها خلّ عني أما شبعت فنادي ... ت رأيت الحياة يشبع منها؟ ووقفت على ديوان الاعزازي، وهو في مجلدين: شعر وموشح، فمن موشحاته: يا ليلة الوصل وكاس العقار ... دون استتار علّمتماني كيف خلع العذار اغتنم اللذات قبل الذهاب ... وجرّ أذيال الصّبا والشباب ... واشرب فقد طابت كؤوس الشراب ... على خدودٍ تنبت الجلّنار ... ذات احمرار طرّزها الحسن بآس العذار الراح لا شك حياة النفوس ... فحلّ منها عاطلات الكؤوس ... واستجلها بين الندامى عروس ... تجلى على خطّابها في إزار ... من النّضار حبابها قسام مقام النثار أما ترى وجه الهنا قد بدا ... وطائر الأشجار قد غرّدا ... والروض قد وشّاه قطر النّدى ... فكمّل اللهو بكأس تدار ... على افترار مباسم النّوّار غبّ القطار اجن من الوصل ثمار المنى ... وواصل الكأس بما أمكنا ... مع طيّب الريقة حلو الجنى ...

بمقلة أفتك من ذي (1) الفقار ... ذات احورار منصورة الأجفان بالانكسار زار وقد حلّ عقود الجفا ... وافترّ عن ثغر الرضى والوفا ... فقلت والوقت لنا قد صفا ... يا ليلةً أنعم فيها وزار ... شمس النهار حيّيت من دون (2) الليالي القصار وقال أيضاً: ما سلّت الأعين الفواتر ... من غمد أجفانها الصفاح إلاّ أسالت دم المحاجر ... من غير حرب ولا كفاح تالله ما حرّك السّواكن ... غير الظباء الجآذر لما استجابت بكل طاعن ... من القدود النّواضر وفوّقت أسهم الكنائن ... من كلّ جفنٍ وناظر عربٌ إذا صحن يال عامر ... بين سرايا من الملاح طلّت علينا من المحاجر ... طلائعٌ تحمل السلاح أحبب بما تطلع الجنوب ... منها وما تبرز (3) الكلل من أقمرٍ ما لها مغيب ... وأغصنٍ زانها الميل هيهات أن تعدل القلوب ... عنها ولو جارت المقل لمّا توشّحن بالغدائر ... سفرن عن أوجهٍ صباح فانهزم اللّيل وهو عاثر ... بذيله واختفى الصّباح

_ (1) ص: ذو. (2) الوافي: من بين. (3) ص: تبدي، وأثبت ما في الوافي.

وأهيفٍ ناعم الشّمائل ... تهزه نسمة الشّمال فينثني كالقضيب مائل ... كما انثنى شاربٌ ومال له عذار كالند سائل ... لله كم من دم أسال شقّت على نبته المرائر ... من داخل الأنفس الصحاح تكلّ في وصفه الخواطر ... وتخرس الألسن الفصاح ظبيٌ إلى الإنس لا يميل ... الشمس والبدر من حلاه والحسن قالوا ولم يقولوا ... مبداه منه ومنتهاه وطرفه الناعس الكحيل ... هيهات من صنعه النجاه أذلّ بالسّحر كلّ ساحر ... فهو له خافض الجناح يجول في باطن الضّمائر ... كما يجول القضا المتاح أما ترى الصبح قد تطلع ... مذ غمّضت أعين الغسق والبدر نحو الغروب أسرع ... كهاربٍ ناله فرق والبرق بين السّحاب يلمع ... كصارم حين يمتشق وتحسب الأنجم الزواهر ... أسنةً ألقت الرّماح فانهزم النّهر وهو سائر ... فدرّعته يد الرّياح وقال أيضاً: كأس رويّه ... جلا علينا النّديم أم سنا مصباح أم شمس حسن ... قد توجتها النجوم في سما الأفراح هات الكؤوسا ... ممزوجة بالرضاب من ثناياكا واخطب عروسا ... تروق تحت الحباب كسجاياكا وادع الجليسا ... لمجلسٍ وشراب مثل ريّاكا

واشرب سبيّه ... بها النفوس تهيم ولها ترتاح من بنت دنِّ ... أليس نحن الجسوم وهي الأرواح خذها مداما ... وجرّ ذيل المجون أيّما جرّ وافضض فداما ... لها من الزرجون طيب النّشر حيّا النّدامى ... بها سقيم الجفون ناحل الخصر حرّ السّجيّه ... حلو الدلال رخيم خنثٌ مزّاح لدن التّثنّي ... له قوامٌ قويم للقنا فضّاح مدّ الربيع ... للورد أيّ بساط حفّ بالآس قم يا خليع ... إلى الصّبوح بشاطي نهر باناس فما الهجوع ... وقد دعاك معاطي جذوة الكاس في سندسيّه ... أجرت عليها الغيوم مدمعاً سحاح من ماء مزن ... وصال منها النّسيم أرجا نفاح لنا خليل ... نراه منذ ليالي غائب عنّا وما الشّمول ... لذيذة وهو سالي أليس منّا قل يا رسول ... بأنّنا في ظلال روضة غنّا زبرجديه ... وثمّ شادٍ وريم وبقايا راح ويوم دجن ... وقد دعاك النديم أجب يا صاح سقياً لدهر ... مضى بعلّ ونهل وبغزلان وطيب عمر ... قضى بليلة وصل ما لها ثاني خلعت عذري ... فيها وقلت لخلي ولندماني

في البابليّة ... لا تسمعن من يلوم واهجر النصاح واشرب وغنّي ... يا ليلةً لو تدوم دامت الأفراح وقال موشح ذوبيتي: أقسمت عليك بالأسيل القاني ... أن تنظر في حال الكئيب العاني أو تقصر عن إطالة الهجران ... يا من سلب المنام من أجفاني ما أليق هذا الحسن بالإحسان ... والله لقد ضاعفت عندي الكمدا ... مذ جزت من الهجر الطويل الأمدا أدرك رمقي أوهب فؤادي جلدا ... يا من أخذ الرّوح وأبقى الجسدا ما أصنع بعد الروح بالجثمان؟ ... بالله إذا قضيت وجداً وغرام ... فابسط عذري يوم عتابٍ وملام قد كنت خلياً من عذار وقوام ... لا أعطي لصبوةٍ قياداً وزمام حتى علقت بي أعين الغزلان ... من لي بسقيم الجفن واهي الخصر ... يرنو بعيون كحّلت بالسحر كم أوضح لي عذاره من عذر ... ما مال به الدلال ميل السكر إلاّ سجدت معاطف الغزلان ... في مرشفه مواردٌ للقبل ... تحمى بفتور لحظه والكحل كم قلت لمن كثّر فيه عذلي ... ما دام سواد طرفه لم يحل لا تطمع يا عذول في سلواني ... بدريّ محيا غصنيّ القدّ ... يسبيك بجلنارة في الخدّ ذو مبتسم عذب وخد وردي ... مذ عاينت العين نظام العقد منه نثرت قلائد العقيان ...

سالم لحظات طرفه الرشاق ... واستكف سهاماً ما لها من واق أو خذ لك موثقاً من الأحداق ... واستخبر عن مصارع العشّاق تنبيك وعن مقاتل الفرسان ... وقال أيضاً: وقفت مذ سارت المحامل ... واقتربت ساعة الفراق أكفكف الدمع بالأنامل ... والدمع يأبى إلاّ اندفاق أم هل لطيف الكرى مزار هيهات والصبر مستحيل ... والقلب لا يملك القرار إن أوحشت منهم الطلول ... فطالما آنسوا الدّيار ساروا وقد زمّت المحامل ... بهم وأظعانهم تساق وخلّفوا أضلعاً نواحل ... ترقّ مع أدمعٍ تراق قف باللّوى نندب الرّبوعا ... على فراق الحبايب واسفح بأطلالها الدموعا ... إن كنت خلّي وصاحبي ملاعب تنبت الولوعا ... سقياً لها من ملاعب ما بال أقمارها أوافل ... وقد محا نورها المحاق وما لباناتها ذوابل ... وكنّ مهزوزةً رشاق بكيت من لوعتي ووجدي ... حتى فني كنز أدمعي وكان يوم الفراق ودّي ... تبكي عيون الحيا معي إن لم أف (1) بعدهم بعهدي ... فكنت في الحبّ مدّعي

_ (1) ص: ألم أفي.

فإن جفا النوم وهو واصل ... فكلّ شملٍ له افتراق أو غاض دمعي وكان سائل ... فالنيل يعتاده احتراق من لفتىً ساهر المآقي ... قد ذلّ في طاعة الهوى يشكو إلى الله ما يلاقي ... من التّباريح والجوى قد بلغت روحه التراقي ... مذ بعدت شقّة النوى صبٌّ لثقل الغرام حامل ... وحمل ذيّاك لا يطاق راح لكأس الفراق ناهل ... وكاسه مرة المذاق وقال أيضاً: زمان شبابي كنت خير زمان ... فلا زلت مشكوراً بكلّ لسان فلله كم جرّرت ذيل بطالتي ... وأطلقت للّذّات فيك عناني وقد كنت سباقاً إلى غاية الصّبا ... مجيباً إذا داعي المجون دعاني أقبل ثغر الكأس أبيض واضحاً ... وألثم خدّ الراح أحمر قاني ألا خلياني والتصابي فإنني ... أرى في التّصابي غير ما تريان سأملأ من طيب العذار مفارقي ... وأخضب من صرف الكؤوس بناني وقال أيضاً: أرامة للآرام كنت مراتعا ... فمالك للعشاق صرت مصارعا فأين غصونٌ كنّ فيك موائساً ... وأين بدور كنّ فيك طوالعا وقفنا لتوديع الحمول عشيةً ... نبث صباباتٍ ونذري مدامعا وعدنا وما بلّ الوداع غليلنا ... ولا بردت منّا الدموع الأضالعا سألتكما ما ضرّ حادي ركابهم ... لو احتبس الأظعان أو كرّ راجعا وماذا على المستودعين قلوبنا ... بحبلي زرود لو رددن الودائعا تعرضن لي يوم الكثيب كأنما ... تعرض لي سربٌ من الرمل راتعا

وما كنت أدري أن بين ستورهم ... شموس الضحى حتى رفعن البراقعا وقال أيضاً: أدرك بقية نفسٍ فات أكثرها ... أصبحت بالهجر تطويها وتنشرها يا من إذا نظرت عيني محاسنه ... ألومها في هواه ثمّ أعذرها حسبي علاقة حب قد برت جسدي ... حتّام أكتمها والدمع يظهرها ومهجة يتحاماها تجلّدها ... إذا هجرت ويغشاها تذكرها يا للرجال أما في الحبّ من حكمٍ ... ينهى العيون إذا جارت ويزجرها ويا ولاة الهوى قوموا بنصر فتىً ... حقوقه بيّناتٌ وهي تنكرها لا تطلبنّ من الأعطاف عاطفة ... فإن أعدلها في الحبّ أجورها وقال أيضاً: يا راشق القلب منّي ... أصبت فاكفف سهامك ويا كثير التجنّي ... منعت عنّي سلامك وخنت ذمّة صبٍّ ... ما خان قط ذمامك فاردد عليّ منامي ... فلا عدمت منامك فمن رأى سوء حالي ... بكى عليّ ولامك فلو أردت حياتي ... لما هززت قوامك بمن أحلّك قلبي ... ارفع قليلاً لثامك وابسم لعلّي أحيا ... إذا رأيت ابتسامك يا خدّه ما أحبلى ... للعاشقين التثامك بكيت دالاً وميماً ... لمّا تأمّلت لامك

علاء الدين ابن بنت الأعز

42 - (1) علاء الدين ابن بنت الأعز أحمد بن عبد الوهاب بن خلف بن عبد المحمود (2) بن بدر، علاء الدين المعروف بابن بنت الأعز. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: درس المذكور بالكهارية والقطبية وتولى الحسبة، وكان له معرفة بالأدب، وكان فصيح العبارة، جميل الصورة، فيه إحسان ومروة، لطيف المزاج كثير التبسم، حج ودخل اليمن؛ ترددت إليه مراراً بالقاهرة، دعاني يوماً لمأدبة صنعها بالروضة، وحضر معنا القاضي صدر الدين ابن فخر الدين الماراني (3) ، فرأينا شاباً حسناً يسبح وقد تلطخ بالتراب، فقال لنا القاضي علاء الدين: لينظم كل منا في هذا الشاب، فقام كل منا إلى ناحية وانفرد، فنظمنا نظماً قريب الاتفاق، ولم يطلع أحد منا على ما نظمه صاحبه إلى أن أكمل كل منا ما نظمه، وكان الذي نظمه القاضي علاء الدين: ومتّربٍ لولا التراب بجسمه ... لم تبصر الأبصار منه منظرا وكأنه بدرٌ عليه سحابةٌ ... والترب ليلٌ من سناه مقمرا وكان الذي نظمه أبو حيان: ومتّربٍ قد ظنّ أن جماله ... سيصونه منا بترب أعفر

_ (1) الزركشي: 34 والوافي 7: 163 وأعيان العصر 1: 93 وطبقات السبكي 5: 10 والدرر الكامنة 1: 196 والمنهل الصافي 1: 358 والشذرات 5: 444؛ ولم يرد من هذه الترجمة في المطبوعة إلا أربعة أبيات. (2) الوافي: بن محمود. (3) الوافي: فخر الدين ابن صدر الدين المارداني.

الماهر الحلبي

فغدا يضمّخه فزاد ملاحةً ... إذ قد حوى ليلاً بصبح أنور (1) وكأنما الجسم الصقيل وتربه ... كافورةٌ لطخت بمسكٍ أذفر ومن شعر علاء الدين ابن بنت الأعز: تعطّلت فابيضت دواتي لحزنها ... ومذ قلّ مالي قلّ منها مدادها وللناس مسودّ اللباس حدادهم ... ولكنّ مبيضّ الدواة حدادها ومن شعره: وقالوا بالعذار تسلّ عنه ... وما أنا عن غزال الحسن سالي وإن أبدت لنا خدّاه مسكاً ... " فإنّ المسك بعض دم الغزال " (2) قال الشيخ شمس الدين: قدم دمشق وتولى تدريس الظاهرية والقيمرية، وكان مليح الشكل لطيف الشمايل، يركب البغلة، ثم عاد إلى مصر وأقام بها مديدة، وتوفي سنة تسع وتسعين وستمائة، رحمه الله، وهو أخو الأخوين: قاضي القضاة صدر الدين وقاضي القضاة تقي الدين، رحمهما الله تعالى. 43 - (3) الماهر الحلبي أحمد بن عبيد الله بن فضال، أبو الفتح الموازيني الحلبي الشاعر المعروف بالماهر، روى عنه من شعره أبو عبد الله الصوري وأبو القاسم النسيب، وتوفي

_ (1) ص: ليل وصبح أنور، والتصويب عن الوافي. (2) مضمن من شعر المتنبي، وصدره " فإن تفق الأنام وأنت منهم ". (3) الزركشي: 35 والوافي 7: 173 ودمية القصر 1: 158 وعبر الذهبي 3: 227 والشذرات 3: 289 والنجوم الزاهرة 5: 67؛ وقد ورد الشعر فقط في المطبوعة.

بحلب سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. ومن شعره: برغمي أن أعنّف فيك (1) دهرا ... قليلا فكره بمعنّفيه وأن أرعى النّجوم ولست فيها ... وأن أطأ التراب وأنت فيه ومنه أيضاً: أرى نفسي تحدّثها (2) الظنون ... بأن البين بعد غدّ يكون وما ترك الفراق عليّ دمعاً ... يسحّ ولا تشحّ به الجفون وجيش الصبر منهزمٌ فقل لي ... عليك بأيّ دمعٍ أستعين كأني من حديث النفس عندي ... جهينة عندها الخبر اليقين ومنه أيضاً: من صحّ قبلك في الورى (3) ميثاقه ... حتى تصحّ، ومن وفى حتى تفي؟ عرف الهوى في الخلق مذ عرف الهوى ... بمذلّة الأقوى وعزّ الأضعف يا من توقّد في الحشا بصدوده ... نارٌ بغير وصاله لا تنطفي وقال: أموجبة الدعوى عليها ولا تفي ... وسامعة الشكوى إليها ولا تشكي أظنّ الأسى والدمع لا يبقيان لي ... فؤاداً به أهوى وعيناً بها أبكي

_ (1) الوافي: ألوم عليك. (2) الوافي: تجد بها. (3) الوافي: الهوى.

ابن الخل

44 - (1) ابن الخل أحمد بن المبارك بن أحمد بن عبد الله بن الخل؛ ولد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتوفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، رحمه الله؛ كان فاضلاً أديباً شاعراً، وهو أخو الفقيه ابن الخل شارح التنبيه؛ من شعره ذوبيت: ساروا وأقام في فؤادي الكمد ... لم يلق كما لقيت منهم أحد شوقٌ وجوى ونار وجدٍ تقد ... مالي جلدٌ، ضعفت، مالي جلد وله أيضاً: هذا ولهي وقد كتمت الولها ... صوناً لحديث من هوى النفس لها يا آخر محنتي ويا أوّلها ... آيات غرامي فيك من أوّلها (2) وله في بعض الوعاظ: ومن الشقاوة أنهم ركنوا إلى ... نزغات ذاك الأحمق النمّام (3) شيخٌ يبهرج دينه بنفاقه ... ونفاقه منهم على أقوام وإذا رأى الكرسيّ تاه بأنفه ... أي أنّ هذا موطني (4) ومقامي ويدقّ صدراً ما انطوى إلاّ على ... غلٍّ يواريه بكفّ عظام ويقول أيش أقول، من حصرٍ به ... لا لازدحام عبارةٍ وكلام

_ (1) الزركشي: 35 والوافي 7: 303 والشذرات 4: 165 والأسنوي 1: 448 وابن خلكان 4: 227؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) الوافي: أيام عنائي فيك ما أطولها. (3) ابن خلكان: التمتام. (4) الوافي: موضعي.

45 - (1) ابن خلكان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان قاضي القضاة شمس الدين الإربلي الشافعي؛ ولد باربل سنة ثمان وستمائة، وسمع بها صحيح البخاري من ابن مكرم الصوفي، وأجاز له المؤيد الطوسي، وروى عنه البرزالي والمزي. وكان فاضلاً بارعاً متقناً عارفاً بالمذهب، حسن الفتاوي، بصيراً (2) بالعربية، علامة في الأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع حلو المذاكرة، وافر الحرمة، وصنف كتاب وفيات الأعيان وقد اشتهر كثيراً. وله مجاميع أدبية. قدم الشام في شبيبته، وتفقه بالموصل على كمال الدين ابن يونس، وبحلب على بهاء الدين ابن شداد وغيرهما، ودخل مصر وسكنها وتأهل بها، وناب بها في القضاء عن بدر الدين السنجاري، ثم قدم الشام على القضاء في ذي الحجة سنة تسع وخمسين منفرداً بالأمر، ثم أقيم معه في القضاء سنة أربع وستين شمس الدين ابن عطا الحنفي وزين الدين عبد السلام الزواوي المالكي وشمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبي عمر الحنبلي، وكان الحنفي قبل ذلك نائباً للشافعي (3) . ثم عزل عن القضاء سنة تسع وستين بالقاضي عز الدين ابن الصايغ، ثم عزل ابن

_ (1) قد قمت بدراسته في مقدمة الجزء السابع من وفيات الأعيان (ط. بيروت 1968 - 1972) وذكرت هنالك مصادر دراسته ومنها عقود الجمان لابن الشعار 1: 454 وذيل الروضتين وذيل مرآة الزمان والوافي 7: 308 وعيون التواريخ لابن شاكر ومرآة الجنان 4: 193 وطبقات الشافعية 5: 14 وطبقات الأسنوي 1: 496 والبداية والنهاية 13: 301 والزركشي: 52 وفي كتابه معلومات كثيرة عنه، وكذلك ما قيده ابنه في " المختار من وفيات الأعيان ". (2) ص: بصير. (3) من أول الترجمة حتى هذا الموضع لم يرد في المطبوعة.

الصايغ بعد سبع سنين به، وقدم من مصر، فدخل دخولاً لم يدخله غيره مثله من الحكام، وكان يوماً مشهوداً، وجلس في منصب حكمه، وتكلم الشعراء، فقال الشيخ رشيد الدين الفارقي: أنت في الشام مثل يوسف في مص؟ ... ر وعندي أن الكرام جناس ولكلٍّ سبعٌ شداد وبعد الس؟ ... بع عام فيه يغاث الناس ثاني وقال سعد الدين الفارقي: أذقت الشام سبع سنين جدباً ... غداة هجرته هجراً جميلاً فلمّا زرته من أرض مصرٍ ... مددت عليه من كفيك نيلا وقال نور الدين ابن مصعب: رأيت أهل الشآم طرّاً ... ما فيهم قطّ غير راض نالهم الخير بعد شرٍّ ... فالوقت بسطٌ بلا انقباض وعوّضوا فرحةً بحزن ... مذ أنصف الدهر في التقاضي وسرهم بعد طول غم ... قدوم قاض وعزل قاضي فكلهم شاكرٌ وشاكٍ ... بحال مستقبلٍ وماض وكان كريماً ممدحاً فيه ستر وعفو وحلم، وحكاياته في ذلك مشهورة؛ ثم عزل بابن الصايغ، وبقي في يده الأمينية والنجيبية إلى أن مات رحمه الله، سادس رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة بالنجيبية جوار النورية، وشيعه الخلايق، ودفن بسفح قاسيون. وكان وجيه الدين ابن سويد صاحبه وكان يسومه قضاء أشغال كثيرة، ويقضيها فحضر في بعض الأيام ورام منه أمراً متعذراً فاعتذر، فقال وجيه الدين: ما يكون الصاحب صاحباً حتى يعرق جبينه مع صاحبه في جهنم، فقال له ابن خلكان: يا وجيه الدين، صرنا معك قشل مشل (1) وما ترضى.

_ (1) الوافي: قشلمشا.

ويقال إنه عمل سيرة (1) للملك الظاهر، وأوصل نسبه بجنكزخان، فلما وقف عليه قال: هذا يصلح أن يكون وزيراً، اطلبوه، فطلبوه فبلغ الخبر الصاحب بهاء الدين ابن حنا، فسعى في القضية إلى أن أبطل ذلك، وناسى السلطان عليه، فبقي في القاهرة يركب كل يوم، ويقف في باب القرافة، ويمشي قدام الصاحب إلى أن يوصله إلى بيته، وافتقر حتى لم يبق له غير البغلة لركوبه، وكان له عبد يعمل بابا (2) ويطعمه. وكان الشيخ بهاء الدين ابن النحاس يؤثره، والصاحب بهاء الدين لا يحنو عليه، حتى فاوضه الدوادار وقال له: إلى متى يبقى هذا على هذه الحالة؟ فجهز إلى دمشق على القضاء. ولما كان بطالاً أمر له بدر الدين الخازن دار بألفي درهم ومائة إردب قمح فأبى من قبولها وقال: تجوع الحرة ولا تأكل بثديها، ولم يقبل وأصر على الامتناع مع الفاقة الشديدة (3) . وكان له ميل إلى بعض أولاد الملوك، وله فيه أشعار رائقة، يقال، إنه أول يوم زاره بسط له الطرحة، وقال له: ما عندي أعز من هذه، طأ عليها، ولما فشا أمرهما وعلم به أهله منعوه الركوب، فقال ابن خلكان: يا سادتي إني قنعت وحقكم ... في حبّكم منكم بأيسر مطلب إن لم تجودوا بالوصال تعطفاً ... ورأيتهم هجري وفرط تجنّبي لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى ... يوم الخميس جمالكم في الموكب لو كنت تعلم يا حبيبي ما الذي ... ألقاه من كمدٍ إذا لم تركب لرحمتني ورثيت لي من حالة ... لولاك لم يك حملها من مذهبي ومن البليّة والرزيّة أنني ... أقضي وما تدري الذي قد حل بي قسماً بوجهك وهو بدرٌ طالعٌ ... وبليل طرتك التي كالغيهب

_ (1) الوافي: تاريخاً. (2) كذلك هو في الوافي. (3) وكان كريماً ... الشديدة: لم يرد في المطبوعة.

وبقامة لك كالقضيب ركبت من ... أخطارها في الحب أعظم مركب وبطيب مبسمك الشهيّ البارد ال ... عذب النمير اللؤلؤيّ الأشنب لو لم أكن في رتبة أرعى لها ال ... عهد القديم صيانة للمنصب لهتكت ستري في هواك ولذّ لي ... خلع العذار ولجّ فيك مؤنبي لكن خشيت بأن تقول عواذلي ... قد جنّ هذا الشيخ في هذا الصبي فارحم فديتك حرقةً قد قاربت ... كشف القناع بحق ذيّاك النبي لا تفضحنّ بحبّك الصبّ الذي ... جرعته في الحبّ أكدر مشرب قال القاضي جمال الدين عبد القاهر التبريزي وسيأتي ذكره إن شاء الله: كان الذي يهواه القاضي شمس الدين ابن خلكان الملك المسعود ابن الزاهر صاحب حماة، وكان قد تيمه حبه، وكنت أنا عنده في العادلية، فتحدثنا في بعض الليالي إلى أن راح الناس من عنده، فقال: نم أنت ها هنا، وألقى عليّ فروة (1) قرض وقام يدور حول البركة في بيت العادلية، ويكرر هذين البيتين، إلى أن أصبح، وتوضينا وصلينا، والبيتان المذكوران: أنا والله هالكٌ ... آيسٌ من سلامتي أو أرى القامة التي ... قد أقامت قيامتي ويقال: إنه سأل بعض أصحابه عما يقولوه (2) أهل دمشق فيه فاستعفاه، فألح عليه فقال: يقولون: إنك تكذب في نسبك، وتأكل الحشيشة، وتحب الصبيان، فقال: أما النسب والكذب فيه فإذا كان لا بد منه كنت أنتسب إلى العباس، أو إلى علي بن أبي طالب، أو إلى أحد الصحابة، وأما النسب إلى قوم لم يبق لهم بقية، وأصلهم قوم مجوس، فما فيه فايدة، وأما الحشيشة فالكل ارتكاب محرم، وإذا كان ولا بد فكنت أشرب الخمر لأنه ألذ، وأما محبة

_ (1) يريد " فروة قرظ ". (2) كذا في ص.

الغلمان فإلى غد أجيبك عن هذه المسألة. وذكره الصاحب كمال الدين ابن العديم، ونسبه إلى البرامكة. ومن شعره أيضاً: وسرب ظباء في غدير تخالهم ... بدوراً بأفق الماء تبدو وتغرب يقول عذولي والغرام مصاحبي ... أما لك عن هذي الصبابة مذهب وفي دمك المطلول خاضوا كما ترى ... فقلت له: دعهم يخوضوا ويلعبوا وقال أيضاً: كم قلت لما أطلعت وجناته ... حول الشقيق الغضّ روضة آس أعذاره الساري العجول بخدّه ... ما في وقوفك ساعة من باس وقال أيضاً: لمّا بدا العارض في خدّه ... بشّرت قلبي بالسلو المقيم وقلت: هذا عارضٌ ممطر ... فجاءني فيه العذاب الأليم وقال أيضاً: وما سرّ قلبي منذ شطّت بك النوى ... نعيمٌ ولا لهوٌ ولا متصرّف ولا ذقت طعم الماء إلاّ وجدته ... سوى ذلك الماء الذي كنت أعرف ولم أشهد اللذّات إلاّ تكلفا ... وأيّ سرور يقتضيه التكلّف وقال: أحبابنا لو لقيتم في إقامتكم ... من الصبابة ما لاقيت في ظعني لأصبح البحر من أنفاسكم يبساً ... والبر من أدمعي ينشق بالسفن وقال:

تمثّلتم لي والديار بعيدةٌ ... فخيل لي أن الفؤاد لكم مغنى وناجاكم قلبي على البعد والنوى ... فأوحشتم لفظا وآنستم معنى وقال أيضاً: انظر إلى عارضه فوقه ... لحاظه يرسل منها الحتوف تعاين الجنّة في خدّه ... لكنها تحت ظلال السيوف وقال في ملاح أربعة يلقب أحدهم بالسيف: ملاّك بلدتنا بالحسن أربعة ... بحسنهم في جميع الخلق قد فتكوا تملكوا مهج العشّاق وافتتحوا ... بالسيف قلبي ولولا السيف ما ملكوا وقال: ألا يا سائراً في قفر عمرٍ ... يقاسي في السّرى حزناً وسهلا قطعت نقا المشيب وجزت عنه ... وما بعد النّقا إلاّ المصلى وقال: أيّ ليلٍ على المحبّ أطاله ... سائق الظّعن يوم زمّ جماله يزجر العيس طاوياً يقطع المه؟ ... مه عسفاً سهوله ورماله أيها السّائق المجدّ ترفّق ... بالمطايا فقد سئمن الرحاله وأنخها هنيهةً وأرحها ... قد براها فرط السرى والكلاله لا تطل سيرها العنيف فقد برّ ... ح بالصّبّ في سراها الإطاله قد تركتم وراءكم حلف وجدٍ ... بادياً في محلّكم إطلاله يسأل الربع عن ظباء المصلّى ... ما على الربع لو أجاب سؤاله ومحالٌ من المحيل جوابٌ ... غير أن الوقوف فيها علاله هذه سنة المحبّين يبكو ... ن على كلّ منزل لا محاله يا ديار الأحباب لا زالت الأد ... مع في ترب ساحتيك مُذاله

وتمشى النّسيم وهو عليلٌ ... في مغانيك ساحباً أذياله أين عيش مضى لنا فيك ما أس؟ ... رع عنّا ذهابه وزواله حيث وجه الشباب طلقٌ نضيرٌ ... والتصابي غضونه ميّاله ولنا فيك طيب أوقات أنس ... ليتنا في المنام نلقى مثاله وبأرجاء جوّك الرحب سربٌ ... كلّ عينٍ تراه تهوى جماله من فتاةٍ بديعة الحسن ترنو ... من جفون لحاظها مغتاله ورخيم الدّلال حلو المعاني ... تتثنّى أعطافه مختاله ذو قوام تودّ كلّ غصون الب ... ان لو أنها تحاكي اعتداله وجهه في الظلام بدر تمامٍ ... وعذاراه (1) حوله كالهاله ظبية تبهر العيون جمالاً ... وغزال تغار منه الغزالة يا خليلي إذا أتيت ربى الجز ... ع وعاينت روضه وظلاله قف به ناشداً فؤادي فلي ثمّ ... فؤادٌ أخشى عليه ضلاله وبأعلى الكثيب بيت أغضّ ... الطّرف عنه مهابةً وجلاله كلّ من جئته لأسأل عنه ... أظهر العيّ غيرةً وتباله أنا أدري به ولكنّ صوناً ... أتعامى عنه وأبدي جهاله منزلٌ حبّه عليّ قديمٌ ... في زمان الصّبا وعصر البطاله يا عريب الحمى اعذروني فإني ... ما تجنبت أرضكم عن ملاله حاش لله غير أنّي أخشى ... من عدوّ يسيء فينا المقاله فتأخرت عنكم قانعاً من ... طيفكم في المنام يهدي خياله أتمنّى في النّوم زور خيالٍ ... والأماني أطماعها قتّاله يا أهيل النّقا وحق ليالي الوص؟ ... ل ما صبوتي عليكم ضلاله لي مذ غبتم عن العين نارٌ ... ليس تخبو وأدمعٌ هطّاله

_ (1) وعذاريه.

فصلونا إن شئتم أو فصدّوا ... لا عدمناكم على كل حاله وقال: يا ربّ إن العبد يخفي عيبه ... فاستر بحلمك ما بدا من عيبه ولقد أتاك وما له من شافعٍ ... لذنوبه فاقبل شفاعة شيبه وقال: أعديتني بالجوى يا فاتر المقل ... فصحّ وجدي على ما بي من العلل وملت عني إلى الواشي فلا عجبٌ ... والغصن ما زال مطبوعاً على الميل يا واحد الحسن عدني زورةً حلماً ... وها يدي إن نومي قد جفا مقلي يا جيرةً بأعالي الخيف من إضمٍ ... خيّبتم بجفاكم في الهوى أملي وملتم بجميل الصبر عن دنفٍ ... أجلّ ما يتمنى سرعة الأجل تجري على الخد (1) مذ غبتم مدامعه ... وما عسى ينفع الباكي على طلل وقال أيضاً رحمه الله: أيا غادراً خانت مواثيق عهده ... لقد جرت في حكم الغرام على الصبّ وأقصيته من بعد أنسٍ وصحبةٍ ... وما هكذا فعل الأحبّة والصحب فلله أيّامٌ تقضّت حميدةً ... بقربك واللّذات في المنزل الرحب وإذ أنت في عيني ألذّ من الكرى ... وأشهى إلى قلبي من البارد العذب فلهفي على ذاك الزمان الذي غدت ... عليه دموع العين دائمة السّكب ومذ صرت ترضيني بقولٍ منمّقٍ ... وتظهر لي سلماً أشدّ من الحرب ثنيت عناني عن هواك زهادةً ... وإن كنت في أعلى المراتب من قلبي لأني رأيت القلب عندك ضائعاً ... تعذبه كيف اشتهيت بلا ذنب ولم تحفظ الودّ الذي هو بيننا ... ولم ترع أسباب المودّة والحب

_ (1) زيادة تقديرية.

ولا أنت في قيد المحبّ إذا غدا ... تقلبه الأشواق جنباً إلى جنب ولا أنت ممّن يرعوي لمقالتي ... فأشفي قلبي بالشّكيّة والعتب ولا رمت منك القرب إلاّ جفوتني ... وأبعدتني حتى يئست من القرب وأصغيت للواشي وصدقت قوله ... وضيّعت ما بيني وبينك بالكذب فلم يبق لي والله فيك إرادةٌ ... كفاني الذي قاسيته فيك من عجب ولا لي في حبيك ما عشت رغبةٌ ... أبى الله أن تسبي فؤادي أو تصبي ومن ذا الذي يقوى على حمل بعض ما ... تجرعته بالذلّ من خلقك الصعب فلا ترج منّي بعد ذا حسن صحبة ... فحسبي سلواً بعض ما قلته حسبي فلا تعتبنّي قد قطعت مطامعي ... وخففت حتى في الرسائل والكتب وقال في المعنى: أيا معرضاً عنّي بغير جنايةٍ ... أما تستحي من فرط تيهك والعجب سلوتك فاصنع ما تشاء فإنّه ... محا كثرة التقبيح حبك من قلبي وقال أيضاً ذوبيت: هذا الصلف الزائد في معناه ... قد حيرني فلست أدري ما هو كم يحمل قلبي من تجنيك ولا ... يدري أحدٌ بذاك إلاّ الله وقال أيضاً: في هامش خدك البديع القاني ... تصحيح غرام كلّ صبٍّ عاني قد خرجها الباري فما ألطفها ... من حاشيةٍ بالقلم الريحاني وقال أيضاً: يا سعد عساك تطرق الحي عساك ... قصداً فإذا رأيت من حلّ هناك قل صبك ما زال به الوجد إلى ... أن مات غراماً أحسن الله عزاك

الزين كتاكت

46 - (1) الزين كتاكت أحمد بن محمد بن أحمد، أبو العباس الأندلسي الإشبيلي المعروف بزين الدين كتاكت المصري الواعظ؛ مولده سنة خمسة وستمائة، وتوفي بالقاهرة سنة أربع وثمانين وستمائة، وكان له معرفة بالأدب رحمه الله (2) ، فمن شعره: حضروا فمذ نظروا جمالك غابوا ... والكلّ مذ سمعوا خطابك طابوا فكأنّهم في جنّةٍ وعليهم ... من خمر حبك طافت الأكواب يا سالب الألباب يا من حسنه ... لقلوبنا الوهّاب والنهاب القرب منك لمن يحبك جنّة ... قد زخرفت والبعد منك عذاب يا عامراً منّي الفؤاد بحبّه ... بيت العذول على هواك خراب أنت الذي ناولتني كأس الهوى ... فإذا سكرت فما عليّ عتاب وعلى النّقا حرمٌ لعلوة آمنٌ ... من حوله تتخطّف الألباب لغريقها كيف الوصول ودونه ... نار لها بحشاشتي إلهاب قال أيضاً: يا بارق الحيّ كرّر في حديثك لي ... تذكارهم وأعد روحي إلى بدني وأنت يا دمع ما هذا الوقوف وقد ... جرى حديث الحمى النجديّ في أذني قال:

_ (1) الوافي 7: 333 والنفح 2: 516 وعده من المهاجرين من الأندلس وهو خطأ فقد ولد بتنيس؛ وانظر النجوم الزاهرة 7: 364. (2) هذه المقدمة لم ترد في المطبوعة.

ابن الشريشي

وقال: أحن ولكن نحو ضمّ قوامه ... وأصبو ولكن نحو لثم لثامه وأعشق ما لي نغمة (1) من حديثه ... تفرّج إلاّ من هموم غرامه وقال: حلوتم أهل نعمان بقلبي ... فكلّ عذاب حبكم نعيم وقد أصبحتم كنز الأماني ... فواجد غيركم عندي عديم وقال: جواز الصبر (2) في أذني محال ... وما للصبر في قلبي مجال شغلتم كلّ جارحةٍ بحسن ... فليس لها بغيركم اشتغال سقى الهضبات من نجدٍ سحابٌ ... ملثّ الغيث تحدوه الشمال ولا برحت أثيلات المصلى ... ترف (3) على منابتها الظلال منازل جبرة ما كان أهنا ... بهم لي العيش لو جام الوصال يهبّ نسيمها فأميل سكراً ... فهل هبّت شمول أم شمال 47 (4) ابن الشريشي أحمد بن محمد بن أحمد البكري المعروف بابن الشريشي، الشيخ كمال الدين

_ (1) ص: نعمة. (2) الوافي: العذل؛ وهو أصوب. (3) ص: ترق. (4) الزركشي 1: 49 والوافي 7: 337 وأعيان العصر 1: 108 والدرر الكامنة 1: 252 وبغية الوعاة: 155، ولم يرد من هذه الترجمة في المطبوعة إلا بيتاً ابن الشريشي إلى ابن الوكيل ورد ابن الوكيل عليهما، وقد أفرد لابن الوكيل ترجمة تحمل رقم 48 في المطبوعة، وذلك خطأ.

أبو العباس الشافعي وكيل بيت المال بدمشق، وشيخ دار الحديث الأشرفية، ومدرس الناصرية. ترشح لقضاء القضاة بالشام، وكان ذا هيبة (1) وشكل، مولده بسنجار سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وتوفي بدرب الحجاز بالكرك (2) سنة ثمان عشرة وسبعمائة رحمه الله. اشتهر عنه أنه كتب إلى بدر الدين ابن الدقاق ناظر أوقاف حلب: مولاي بدر الدين صل مدنفا ... صيره حبّك مثل الخلال لا تخش من عارٍ إذا زرتني ... فما يعاب البدر عند الكمال فلما بلغا صدر الدين ابن وكيل بيت المال قال: يا بدر لا تسمع قول الكمال ... فكلّ ما نمّق زورٌ محال فالنقص يعرو البدر في تمه ... وربما يخسف عند الكمال [فزار البدر المذكور ابن الشريشي، فلم يحفل به، فكتب: إنّ كمال الدين إذ زرته ... أصلحه الله على كلّ حال وجدت حظّي عنده ناقصاً ... فصح أنّ النقص عند الكمال] (3) وكتب إلى ابن الرقاقي (4) يستعفيه من وكالة بيت المال، وقد بلغه أنه سعى له فيها: إلى بابك الميمون وجّهت آمالي ... وفي فضلك المعهود قصدي وإقبالي وأنت الذي في الشام ما زال محسناً ... إليّ، وفي مصرٍ على كلّ أحوالي أتتني أيادٍ منك في طيّ بعضها ... تملّك رقّ الحر بالثمن الغالي وقمت بحقّ المكرمات وإنما ... هو الرزق لا يأتي بحيلة محتال

_ (1) الوافي: هيئة. (2) ص: بالحسا؛ والتصويب عن الوافي. (3) ما بين معقفين لم يرد في ص؛ وهو في الوافي. (4) كان ناظر النظار بدمشق (أعيان العصر 1: 109) .

الصنوبري الشاعر

عليّ لكم أن أعمر العمر بالثنا ... وبالمدح مهما عشت من غير إخلال وقد بقيت لي بعد ذلك حاجةٌ ... لها أنت مسئولٌ فلا تلغ تسآلي أرحني من واو الوكالة عاطفاً ... عليّ بإحسانٍ بدأت وإفضال وصن ماء وجهي عن مشاققة الورى ... فهذا على أرضٍ وهذا على مال ولا تتأول في سؤالي تركها ... فوالله مالي نحوها وجه إقبال ورزقي يأتيني وإنّي لقانع ... لراحة قلبي من زماني بإقلال وحالي حالٍ بافتقارٍ يصونني ... ولبسي أسمالي مع العز أسمى لي وتجبر وقتي كسرة الخبز وحدها ... وأرضى ببالي الثوب مع راحة البال فهذي إليكم قصتي قد رفعتها ... لتغتنموا أجري، ورأيكم العالي فقطع ابن الرقاقي الأبيات كلها من الورقة، وأبق البيت الأخير، وكتب تحتها: [رأينا] (1) العالي أن تعود إلى شغلك وعملك. 48 - (2) الصنوبري الشاعر أحمد بن محمد بن الحسن ابن مرار الضبي الحلبي المعروف بالصنوبري الشاعر؛ كان جده الحسن صاحب بيت الحكمة للمأمون، فتكلم بين يديه فأعجبه

_ (1) زيادة من الوافي. (2) الوافي 7: 379 وتهذيب ابن عساكر 1: 456 وعبر الذهبي 2: 237 والشذرات 2: 335 وقد نشرت ما تبقى من ديوانه (دار الثقافة 1970) واستخرجت ما تناثر من شعره في المصادر، ثم استدرك ما فاتني الأستاذ لطفي الصقال والسيدة درية الخطيب في مجموعة باسم " تتمة ديوان الصنوبري " (حلب: 1971) .

كلامه وشكله فقال: إنك لصنوبري الشكل، فلزمه هذا اللقب. وتوفي الصنوبري الشاعر صاحب هذه الترجمة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة. ومن شعره في الورد (1) : زعم الورد أنه هو أبهى ... من جميع الأنوار والريحان فأجابته أعين النرجس الغض ... بذلٍّ من فوقها وهوان أيما أحسن التورّد أم مق ... لة ريم مريضة الأجفان أم فماذا يرجوا بحمرته الخ ... د إذا لم يكن له عينان فزها الورد ثم قال مجيباً ... بقياسٍ مستحسنٍ وبيان إنّ ورد الخدود أحسن من عي؟ ... نٍ بها صفرة من اليرقان وله أيضاً (2) : أرأيت أحسن من عيون النرجس ... أم من تلاحظهنّ وسط المجلس در تشقّق عن يواقيت على ... قضب الزمرد فوق بسط السندس أجفان كافور حففن (3) بأعينٍ ... من زعفرانٍ ناعمات الملمس فكأنها أقمار ليل أحدقت ... بشموس أفق فوق غصن أملس وقال أيضاً (4) : يا ريم قومي الآن ويحك فانظري ... ما للرّبى قد أظهرت إعجابها كانت محاسن وجهها محجوبة ... فالآن قد كشف الربيع حجابها ورد بدا يحكي الخدود، ونرجس ... يحكي العيون إذا رأت أحبابها ونبات باقلاء يشبه نوره ... بلق الحمام مشيلة أذنابها والسّرو تحسبه العيون غوانيا ... قد شمّرت عن سوقها أثوابها

_ (1) ديوانه: 498. (2) ديوانه: 180. (3) الديوان: حبين. (4) ديوانه: 454.

وكأنّ إحداهنّ من نفح الصبا ... خود تلاعب موهنا أترابها لو كنت أملك للرّياض صيانةً ... يوماً لما وطىء اللئام ترابها وقوله أيضاً (1) : خجل الورد حين لاحظه (2) النر ... جس من حسنه وغار البهار فعلت ذاك حمرة وعلت ذا ... حيرةٌ واعترى البهار اصفرار وغدا الأقحوان يضحك عجباً ... عن ثنايا لثاتهنّ نضار ثمّ نمّ النمام واستمع السو ... سن لما أذيعت الأسرار عندها أبرز الشقيق خدوداً ... صار فيها من لطمه آثار سكبت فوقها دموع من الطّ ... لّ كما تسكب الدموع الغزار فاكتسى ذا البنفسج الغض أثوا ... ب حدادٍ إذ خانه الاصطبار وأضر السقام بالياسمين ال؟ ... غض حتى أذابه الإضرار (3) ثمّ نادى الخيريّ في سائر الزه ... ر فوافاه جحفل جرار فاستجاشوا على محاربة النر ... جس بالخرّم الذي (4) لا يبار فأتوا (5) في جواشن سابغات ... تحت سجف من العجاج يثار ثمّ لما رأيت ذا النرجس الغ ... ضّ ضعيفاً ما إن لديه انتصار لم أزل أعمل التلطف للور ... د حذاراً أن يغلب النّوّار فجمعناهم لدى مجلسٍ تص؟ ... خب فيه الأطيار والأوتار لو ترى ذا وذا لقلت خدود ... تدمن اللحظ نحوها الأبصار

_ (1) ديوانه: 78. (2) الديوان: عارضه. (3) ص: الاضطرار. (4) ص: والذي. (5) الديوان: فأتى.

قاضي القضاة ابن صصرى

وله أيضاً (1) : بدر غدا يشرب شمساً غدت ... وحدّها في الوصف من حدّه تغرب في فيه ولكنّها ... من بعد ذا تطلع في خدّه وله أيضاً (2) : ولم أنس ما عاينته من جماله ... وقد زرت في بعض الليالي مصلاّه ويقرأ في المحراب والنّاس خلفه ... " ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله " فقلت: تأمّل ما تقول؛ فإنّه ... فعالك يا من تقتل الناس عيناه 49 (3) قاضي القضاة ابن صصرى أحمد بن محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى، الشيخ الإمام العالم قاضي القضاة، نجم الدين أبو العباس الربعي التغلبي الدمشقي الشافعي؛ ولد سنة خمس وخمسين وستمائة، وحضر على الرشيد العطار والنجيب عبد اللطيف، وسمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وجده لأمه المسلم بن علان، وتفقه على الشيخ تاج الدين، ودخل ديوان الإنشاء، ونظم ونثر، وشارك في فنون.

_ (1) الديوان: 475. (2) الديوان: 512. (3) الزركشي: 51 والوافي 8: 16 وأعيان العصر 1: 112 والدرر الكامنة 1: 263 وطبقات السبكي 5: 175 والبداية والنهاية 11: 106 والدارس 1: 132 والبدر الطالع 1: 106 وقضاة دمشق: 84.

وكان فصيح العبارة، قادراً (1) على الحفظ، طويل الروح مسالماً محسناً إلى من أساء إليه. بلغه أن الشيخ صدر الدين نظم فيه بليقة (2) ، فتحيل إلى أن وقعت بخطه في يده وسير خلف الشيخ صدر الدين، ووضع الورقة مفتوحة على مصلاه، فلما دخل الشيخ صدر الدين رأى الورقة وعرفها، وقاضي القضاة مشتغل عنه، فلما تحقق أن صدر الدين قد رأى الورقة وعرفها قال للطوشي: أحضر للشيخ ما عندك، فأحضر له بقجة قماش وصرة فيها ستمائة درهم، وقال: هذه جائزة تلك البليقة. وكان يوماً قد توجه إلى صلاة الصبح بالجامع، فلما كان ببعض الطريق ضربه إنسان بمطرق رماه إلى الأرض، وظن أنه قد مات، فلما أفاق حضر إلى بيته وكان يقول: أعرفه وما أذكره لأحد. وكان ينطوي على دين وتعبد، وله أموال وخدم، وهو من بيت حشمة. وقيل إنه قال يوماً للشيخ صدر الدين: فرق ما بيننا أنني أشتغل على الشمع الكافوري، وأنتم على قناديل المدارس. ودرس بالعادلية الصغرى والأمينية ثم بالغزالية، مع قضاء العسكر ومشيخة الشيوخ، ثم ولي قضاء القضاة سنة اثنتين وسبعمائة إلى أن مات رحمه الله. وأذن لجماعة في الفتوى، وقيل إنه لم يقدر أحد يدلس عليه قضية ولا يشهد زور (3) ، وكان متحرياً في أحكامه بصيراً بقضاياها، وما سمع عنه أنه ارتشى (4) في حكومة. وتوفي بعد تعلل أصابه فجأة ببستانه في نصف شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وكان موته مفتاحاً لموت رؤساء دمشق وعلمائها. ورثاه شعراء عصره، ورثاه المرحوم شهاب الدين محمود، ولشعراء زمانه فيه مدائح كثيرة.

_ (1) ص: قادر. (2) نوع من الشعر العامي، انتشر بمصر، وكثيراً ما يعتمد على الإفحاش في القول. (3) كذا في ص. (4) ص: ارتشى.

شهاب الدين ابن غانم

ووجدت منسوباً إليه من الشعر: ومذ خفيت عنّي بدور جمالهم ... غدا سقمي في حبهم وهو ظاهر وقد بتّ ما لي في الغرام مسامرٌ ... سوى ذكرهم يا حبذاك المسامر وإني على قرب الديار وبعدها ... مقيمٌ على عهد الأحبة صابر ودمعي سريعٌ والتشوّق كامل ... ووجدي مديدٌ والتأسف وافر ومالي أنصار سوى فيض أدمعي ... إذا بات من أهواه وهو مهاجر أأحبابنا غبتم فغابت مسرّتي ... وأصبح حزني بعدكم وهو حاضر وما القصد إلاّ أنتم ورضاكم ... وغير هواكم ما تسرّ السرائر وما في فؤادي موضعٌ لسواكم ... ولا غيركم في خاطر القلب خاطر وما راقني من بعدكم حسن منظرٍ ... ولا شاقني زاهٍ من الروض زاهر وما كلفي بالدار إلاّ لأجلكم ... وإلاّ فما تغني الرسوم الدواثر وما حاجرٌ إلاّ إذا كنتم بها ... إذا غبتم عنها فما هي حاجر 50 (1) شهاب الدين ابن غانم أحمد بن محمد بن سلمان بن حمائل بن علي بن معلى بن طرف ابن أبي جميل بن جعفر بن موسى بن إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي الزينبي الجعفري، ابن بنت القدوة الشيخ غانم؛ إمام كاتب مترسل، نديم أخباري يتفيهق في كلامه، يستحضر من اللغة ومن شعر العرب شيئاً كثيراً،

_ (1) الوافي 8: 19 وأعيان العصر 1: 115 والدرر الكامنة 1: 265 والشذرات 1: 265 والزركشي: 36.

ويحفظ شعر المعري؛ باشر الإنشاء بصفد وغزة وقلعة الروم وفي كل مكان له وقائع مع نواب ذلك وأوابد، ويخرج هارباً، وكتب قدام الصاحب شمس الدين غبريال، فاتفق أنه هرب مملوك الأمير شهاب الدين قرطاي، فظفر به الصاحب، وأمره أن يكتب على يده كتاباً إلى مخدومه يقول فيه: إنما هرب خوفاً منك، فكتب الكتاب، وجاء في المعنى المقصود، فقال: إذا خشن المقر حسن المفر، فلما وقف الصاحب على ذلك أنكره وقال: ما هذه مليحة، فطار عقل شهاب الدين، لأنه ظن أن ذلك يصادف موقعاً يهش له، فضرب الدواة بالأرض، وقال: ما أنا ملزوم بالقلف الغلف وخرج متوجهاً إلى اليمن وكتب لصاحبها، ثم خرج منها هارباً. وكان خشن الملبس شظف (1) العيش مطرح الكلفة، يلبس البابوج والجمجم (2) ، ويلف الطول المقصص (3) الإسكندراني والقماش القصير. وكان حلو المعاشرة، ألف به القاضي فخر الدين ناظر الجيش واستكتبه في باب السلطان. ولما مات فخر الدين رجع إلى الشام كاتب إنشاء، واختل (4) قبل موته بسنتين. وكان مولده سنة خمسين بمكة، شرفها الله تعالى، ووفاته بعد أخيه علاء الدين في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، ومات وله سبع وثمانون سنة تقريباً؛ وسمع من ابن عبد الدايم وقرأ على ابن مالك وعلى ولده بدر الدين وعلى مجد الدين ابن الظهير الإربلي. وكان إذا أنشأ أطال فكره، ونتف شعر ذقنه، أو وضعه في فمه وقرضه بثناياه، رحمه الله. فمن شعره:

_ (1) ص: شيطف. (2) ذكره دوزي في ملحق المعاجم بفتح الجيمين (وبضمهما في المعجم الفارسي) وعرفه بأنه نعل يلبسه الدراويش، ويصنع من قطن. (3) الوافي: المقفص؛ ولم أجد شرحاً لما سماه " الطول المقصص " أو " المقفص ". (4) الوافي: واختلط.

والله ما أدعو على هاجري ... إلاّ بأن يمحن بالعشق حتى يرى مقدار ما قد جرى ... منه وما قد تمّ في حقّي وله أيضاً: يا حسنها من رياضٍ ... مثل النّضار نضاره كالزّهر زهراً وعنها ... حسن (1) العبير عباره وله أيضاً: بأبي صائغ مليح التّثنّي ... بقوامٍ يزري بخوط البان أمسك الكلبتين يا صاح فاعجب ... لغزالٍ بكفّه كلبتان وله أيضاً: طرفك هذا به فتور ... أضحى كقلبي به فتون قد كنت لولاه في أمانٍ ... لله ما تفعل العيون وله أيضاً: ما اعتكاف الفقيه أخذاً بأجرٍ ... بل لحكم قضى به رمضان هو شهر تغلّ فيه الشياطي؟ ... ن ولا شك أنه شيطان وله أيضاً: أيها اللائمي لأكلي كروشاً ... أتقنوها في غاية الإتقان لا تلمني على الكروش فحبي ... وطني من دلائل (2) الإيمان أخذ هذا المعنى من النصير الحمامي حيث قال: رأيت شخصاً آكلاً كرشةً ... وهو أخو ذوقٍ وفيه فطن

_ (1) الوافي: ريح. (2) الوافي: علائم.

وقال ما زلت محبّاً لها ... قلت من الإيمان حب الوطن وكان قد أضافه الملك الكامل، ولما خرج نسي جبّته عنده، فطلبها منه فمطله بها فكتب إليه: يا ذا الذي أطعمني ... في بيته سبع لقم ورام أخذ جبّتي ... هذا على الرطل بكم ولما كان قراسنقر نائباً بدمشق أمر أن يبيت كل ليلة بالقصر واحد من الموقعين، فنام ليلة الشيخ نجم الدين الصفدي، وكتب في حائط المكان الذي يبيتون فيه: عذبت ليلة المبيت بقلبي ... فهي عندي مأمولة التوقيت فلما كانت الليلة الثانية نام الشيخ شهاب الدين ابن غانم، ورأى البيت فكتب تحته: ليت شعري من بيّت الشيخ حتى ... راح يثني خيراً على التبييت وكتب إلى قاضي القضاة جمال الدين بن واصل، وقد أقعده عاقداً بحماة في مكتب فيه السيف ابن المغيزل: مولاي قاضي القضاة يا من ... له على العبد ألف منّه إليك أشكو قرين سوء ... بليت منه بألف محنه شهرته بيننا اعتداء ... أغمده فالسيف سيف فتنه وكان ليلة في سماع فرقصوا ثم جلسوا، وقام من بينهم شخص وطال الحال في استماعه، وزاد الأمر وشهاب الدين ساكت مطرق، فقال له شخص: أيش بك مطرق كأنه يوحى إليك؟ فقال: نعم، قد أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن.

وكان يوماً عند صاحب حماة الملك المنصور وقد حضر السماط، وكان أكثره مرق، فقال شهاب الدين، لما قيل له الصلاة، بسم الله الرحمن الرحيم، نويت رفع الحدث واستباحة الصلاة، الله أكبر. وكان المظفر ولد المنصور يكره شهاب الدين فاغتنم الوقيعة فيه عند والده، فقال: اسمع ما يقوله ابن غانم، يهجن طعامنا ويشبهه بالماء الذي يرفع به الحدث، فعاتبه المنصور على ذلك فقال: ما قصدت ذلك، ولكن البسملة في بدء كل شيء مستحبة، والحدث الذي نويت رفعه حدث الجوع، واستباحة الصلاة في الأكل، قال: فما معنى الله أكبر، قال: على كل ثقيل، فاستحسن الملك ذلك وخلع عليه. واجتمع ليلة عند كريم الدين الكبير في مولد بعلاء الدين ابن عبد الظاهر، فجاء إليه شخص وقال: معاوية الخادم يقصد الاجتماع بك، فقال: ويلك من يفارق علي (1) ويروح إلى معاوية؟. كان شهاب الدين قد فارق أباه هو صغير، وتوجه إلى السماوة ونزل على الأمير حسين ابن خفاجة، وأقام عنده مدة يصلي به، وكان الوقت قريب العهد بخراب بغداد وقتل المستعصم وتشتت أهل بغداد في البلاد فظن به أنه ابن المستعصم واشتهر ذلك، واتصل بالملك الظاهر، فلم يزل في اجتهاد إلى أن أقدمه عليه لما أهمه من أمره، فلما حضر سأله: ابن من أنت؟ فقال: ابن شمس الدين ابن غانم، فطلب والده إلى القاهرة وحضرا بين يدي الملك الظاهر واعترف والده به، فقال: خذه فأخذه وتوجه به إلى دمشق. وكان مع صاحب حماة قد خرج مرة إلى شجرات (2) المعرة، وكان إذ ذاك في خدمة الملك الظاهر، وقد ضربت الوطاقات، وامتلأت الصحراء خياماً، فاحتاج شهاب الدين إلى الخلا، وما كان يرى الدخول إلى الخربشت (3) ، فصعد

_ (1) كذا في ص. (2) الوافي: شجريات. (3) لعلها من " خربشته " الفارسية، بمعنى خيمة، وهو هنا يعني المرحاض.

ابن المدبر

إلى شجرة تين ليتخلى، والملك المنصور يشاهده ولم يعلم ما يريد، فأرسل إليه شخصاً ليرى ما يصنع، فلما صار تحت الشجرة قال له: يا من في هذه الشجرة أطعمني من هذه التينة، فقال له: خذ، وسلح في وجهه، قال: ما هذا؟ قال: أطعمتك من التينة، فلما اطلع المنصور على القضية وقع مغشياً عليه من الضحك. ومن شعره: قالوا: ذؤابته مقصوصة حسداً ... فقلت: قاطعها للحسن صواغ صدغان كان فؤادي هائماً بهما ... فكيف أسلو وكلّ الشعر أصداغ 51 (1) ابن المدبر أحمد بن محمد بن عبيد الله المدبر الكاتب أبو الحسن؛ كان أسن من أخيه إبراهيم - وقد تقدم ذكره (2) -؛ تقلد أحمد ديوان الخراج والضياع للمتوكل ثم تمالأ عليه الكتاب فأخرجوه إلى الشام والياً فكسب بها مالاً عظيماً، ثم قتله أحمد ابن طولون في سنة سبعين ومائتين (3) . وكان فاضلاً يصلح للقضاء، وللبحتري فيه مدائح. مات تحت العذاب، رحمه الله تعالى؛ وهو القائل: أتصبر للدهر أم تجزع ... وماذا عسى جزعٌ ينفع فأمّا تصابيك بالغانيات ... فولّى به الفاحم الأفرغ

_ (1) الوافي 8: 38 وتهذيب ابن عساكر 2: 59 والمغرب (قسم مصر) 1: 123 وخطط المقريزي 1: 314 وابن خلكان 7: 56 ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) انظر الترجمة رقم: 15. (3) الوافي: فيما قبل سبعين ومائتين تقريباً، ثم ذكر ثلاثة تواريخ لمقتله.

غداة ابتدلت به حلةً ... من الشيب ناصعها يلمع وقد كنت أزمان شرخ الشباب ... تصول مدلاًّ ولا تخشع تطاع ويعصى لديك العذول ... ويصفو لك العيش والمربع (1) وكتب إليه أخوه إبراهيم يشكو حاله وهو محبوس (2) فكتب إليه: أبا إسحاق إن تكن اللّيالي ... عطفن عليك بالخطب الجسيم فلم أر صرف هذا الدهر يجني ... بمكروهٍ على غير الكريم وقال أيضاً: صباح الحبّ ليس له مساء ... وداء الحبّ ليس له دواء ولي نفس تنفّسها اشتياق ... وعينٌ فيض عبرتها الدماء وليلي والنّهار عليّ ممّا ... أقاسي فيهما أبداً سواء وقال المعتصم يوماً للفضل بن مروان، وقد أراد الخروج إلى القاطول: غلماني تحت السماء ما لهم شيء يكنهم، فابن لهم غداً أربعة آلاف بيت؛ فخرج مفكراً، فلقيه أحمد بن المدبر فسأله عن غمه فأخبره بقول المعتصم فقال: إنما أمرك أن تشتري لهم أربعة آلاف لباد (3) ليستكنوا فيها، فاشترى لهم ما وجد وتقدم في عمل الباقي لمن بقي، فلما أصبح المعتصم ورآها على غلمانه قال للفضل: أحسنت، بهذا أمرتك. وقيل إن أحمد بن المدبر قال: حبست في حبس لابن طولون ضيق، وفيه خلق وبعضنا على بعض، فحبس معنا أعرابي فلم يجد مكاناً يقعد فيه، فقال: يا قوم، لقد خفتت من كل شيء إلا أني ما خفت قط ألا يكون لي موضع في الأرض في الحبس أقعد فيه، ولا خطر ذلك ببال، فاستعيذوا بالله من حالنا.

_ (1) الوافي: والمرتع. (2) ص: محبوساً. (3) الوافي: لبادة.

سيف الدين السامري

وقال يموت بن المزرع: كان أحمد بن المدبر إذا مدحه شاعر لم يرضه شعره قال لغلامه: امض به إلى الجامع ولا تفارقه حتى يصلي مائة ركعة، ثم خله؛ فتحاماه الشعراء إلا الأفراد المجيدون، فجاءه الجمل المصري واسمه حسين (1) فاستأذنه في النشيد فقال له: قد عرفت الشرط؟ قال: نعم، قال: فهات إذن؛ فأنشده: أردنا في أبي حسنٍ مديحاً ... كما بالمدح تنتجع الولاة فقلنا أكرم الثقلين طراً ... ومن كفّاه دجلة والفرات فقالوا يقبل المدحات لكن ... جوائزه عليهنّ الصلاة فقلت لهم وما يغني عيالي ... صلاتي إنما الشأن الزكاة فيأمر لي بكسر الصاد منها ... فتضحي لي الصلاة هي الصِّلات فضحك ابن المدبر وقال: من أين لك هذا؟ قال: من قول أبي تمام الطائي: هن الحمام فإن كسرت عيافةً ... من حائهنّ فإنهنّ حِمامُ فأعطاه مائة دينار، رحمهما الله تعالى، وعفا عنهم. 52 - (2) سيف الدين السامري أحمد بن محمد بن علي بن جعفر، الصدر الأديب الرئيس سيف الدين

_ (1) هو الحسين بن عبد السلام المصري، انظر ترجمته في تهذيب ابن عساكر 3: 306 والمغرب (قسم مصر) 1: 270 وانظر معجم الأدباء 10: 121 وكتاب الكندي وابن خلكان 7: 56. (2) الزركشي: 60 والوافي 8: 66 وأعيان العصر 1: 120.

السامري - بفتح الميم وتشديد الراء - نسبة إلى سامرا، نزيل دمشق؛ شيخ متميز متمول ظريف حلو المجالسة مطبوع النادرة جيد الشعر، طويل الباع في الهجو، من سروات الناس ببغداد، قدم الشام بأمواله وحظي عند الملك الناصر صاحب الشام وامتدحه، وعمل تلك الأرجوزة المشهورة بالسامرية التي أولها: يا سائق العيس إلى الشّآم ... وقاطع الوهاد والآكام حط فيها على الكتاب وأغرى الناصر بمصادرتهم. وكان مزاحاً كثير الهزل، لا يكاد يتحمل، مع أن الصاحب بهاء الدين ابن حنا صادره وأخذ منه نحو ثلاثين ألف دينار عندما قدم أخوه نور الدولة السامري من اليمن، ونكب في دولة المنصور، وطلبه الشجاعي إلى مصر، وأخذت منه حزرما وغيرها ومائتا (1) ألف درهم، وكان يسكن داره المليحة التي وقفها خانقاه ووقف عليها باقي أملاكه. وكانت وفاته سنة ست وتسعين وستمائة. ومولده ... ؛ من شعره: من سرّ من رّاء ومن أهلها ... عند اللطيف الخالق الباري وأي شيء أنا حتى إذا ... أذنبت لا تغفر أوزاري يا رب ما لي غير سبّ الورى ... أرجو به الفوز من النّار وكان قد سافر مع وجيه الدين ابن سويد إلى الموصل، فحضر المكاسة فعفوا عن جمال الوجيه، ومكسوا جمال السامري وأجحفوا به، فقال: صحبت وجيه الدين في الدهر مرةً ... ليحمل أثقالي ويخفر أحمالي فوزّنني عن كلّ حق وباطل ... وعن فرسي والبغل والجمل الخالي فبلغ ذلك صاحب الموصل فأطلق القفل بأجمعه.

_ (1) ص: ومائتي.

وقال: قبّح الله كلّ من بدمشقٍ ... من أصيحابنا سوى ابن سعيد فهو مع شحّه وما يتعاطا ... هـ من اللُّؤم أصلح الموجود وقال يهجو خاله وخال أبيه: إذا ما قيل من بالكرخ نذلٌ ... لئيم الأصل مذموم الفعال أجبتهم إجابة لوذعيٍّ ... هما النّذلان خال أبي وخالي وكتب إلى نور الدين الإسعردي مع غلام حسن الصورة يأخذ له ورقة برواحه إلى مصر من والي دمشق، وكان النور كاتباً عنده: أمولاي نور الدين عارض هذه ... بغير كلامٍ إن أردت ينام فلا تخش أمراً إن خلوت ولطبه ... حلالاً فتأخير اللّياط حرام وقد رام إطلاقاً إلى مصر فانهه ... فلي فيه وجدٌ زائد وغرام ونجل الخطيب التاج نصر ينيكه ... إذا حلّ مصراً ليس فيه كلام أغار على تلك الروادف أنها ... تذال لغيري لائط وتسام وليس على المملوك إن غاب شخصه ... عن العين في أرض الشآم مقام ومولاي من عهد التفقه شيخنا ... به نهتدي في الفسق وهو إمام سقى الله أيام النظامية التي ... فسقنا بها والمنكرون نيام نغازل فيها كلّ أحوى مهفهف ... يدار علينا من لماه مدام من الغيد يحكي الخيزرانة قامةً ... على مثلها عذر المحبّ يقام وإن علم المولى الوجيه محمد ... وعاتبني فيه فأنت تلام وليس على المملوك بعد وصوله ... إليك وإيصال الجواب ملام فأجابه نور الدين الإسعردي يقول: عجبت لسيف الدين كيف يجود لي ... بظبي له فيه هوىً وغرام

يميناً لقد بالغت فهي مروءة ... كعادتك الحسنى ولست تلام فلا تخش من نصر فليس بضائر ... إذا ما تراضوا ما عليك أثام وذكرتني عهد النظاميّة الذي ... أفاد المنى والمنكرون نيام ولم أنس بالمستنصريّة أنسنا ... على الأنس في دار السلام سلام سقى نهر عيسى والمحول والحمى ال؟ ... رصافيّ والكرخ المنيع غمام وعيشك ما ذكري لعيشي بها أسىً ... ووجد ولا بي لوعة وغرام ولكنّ لي قلباً له أريحيّة ... وذكر لمن فارقته وذمام ومن شعر سيف الدين السامري: أترى وميض البارق الخفاق ... يهدي إلى أهل الحمى أشواقي ولعلّ أنفاس النسيم إذا سرى ... يحكي تحيّة مغرم مشتاق أحبابنا ما آن بعد فراقكم ... أن تسمحوا لمحبكم بتلاق بنتم فضنّت بالرقاد نواظري ... أسفاً وجادت بالدّموع مآقي أجريت من جفني على أطلالكم ... دمعاً غدا وقفاً على الإطلاق أتراكم ترعون صبّاً رعتم ... أحشاءه بقطيعةٍ وفراق بين الدّموع وحرّ نار جوانحي ... عذّبت بالإغراق والإحراق بالله يا ريح الشّمال تحمّلي ... واقري سلام الواله المشتاق وإذا مررت على الدّيار فبلّغي ... أهل الكثيب بكلّ ما أنا لاقي فهناك لي رشأ أغنّ مهفهفٌ ... يصمي القلوب بأسهم الأحداق متمنّعٌ من قدّه بمثقّف ... ومن الجفون بأسهمٍ ورقاق فإذا انثنى فضح القنا وإذا رنا ... سفكت لواحظه دما العشاق ويزين غصن القدّ منه شعره ... وكذا الغصون تزان بالأوراق ومن شعره في ابن المقدسي لما حبس بالعذراوية (1) :

_ (1) العذراوية مدرسة أنشأتها الست عذراء بنت أخي صلاح الدين الأيوبي داخل باب النصر بدمشق، وكانت وقفاً على الشافعية والحنفية (الدارس 1: 373) .

ورد البشير بما أقرّ الأعينا ... فشفى الصدور وبلّغ الناس المنى واستبشروا وتزايدت أفراحهم ... فالخلق مشتركون في هذا الهنا ثبتت مخازي ابن القتيلة عند من ... وجدت لديه في الخيانة والخنا بشهادة الستر الرفيع وقولها ... من غير واسطة لسلطان الدنا وبنى البناء بلا أساسٍ ثابتٍ ... فانهار ما شاد النكيح وما بنى وتقدّم الأمر الشريف بأخذ ما ... نهب اللعين من البلاد وما اقتنى يا سيد الأمراء يا شمس الهدى ... يا ماضي العزمات يا رحب الفنا يا من له عزمٌ وجأشٌ ثابتٌ ... يغنيه عن حمل الصوارم والقنا عجّل بذبح العلق وادفنه وما ... من حقّ علقٍ مثله أن يدفنا واغلظ عليه ولا ترقّ، وكل ما ... يلقى بما كسبت يداه وما جنى فلكم يتيم مدقع ويتيمة ... من جوره ماتا على فرش الضنى ولكم غنيّ ظلّ في أيامه ... مسترفداً (1) للناس من بعد الغنى إن أنكر العلق القطيم فعاله ... بالمسلمين فأوّل القتلى أنا ولما عدل القاضي صدر الدين ابن سني الدولة جمال الدين ابن اليزدي، وخلع عليه خلعة بطيلسان، وأحضره مجلسه مع العدول وأشهد (2) عليه، قال السامري: طاب شرب المدام في رمضان ... واصطفاق العيدان عند الأذان والزنا واللواط في حرم الل؟ ... هـ وترك الصلاة بالقرآن منذ صار اليزديّ في سكك الشا ... م يطوف الحانات بالطيلسان وإذا صارت العدالة في الفس؟ ... اق واللاّئطين بالمردان فجديرٌ بأن أكون نبياً ... ويكون الصديق لي التلمساني يا عدول الشآم قد سمح القا ... ضي لأصحابه بنيل الأماني

_ (1) ص: مسترفد. (2) ص: وأشهده.

قامروا واشربوا وقودوا ولوطوا ... وافسقوا والحدوا إذن بأمان وارفعوا عنكم التستر بالفس؟ ... ق فلا حاجةٌ إلى كتمان قال: فلما بلغت الأبيات القاضي صدر الدين عز عليه، وأعرض عن اليزدي ومنعه من الشهادة، فحضر اليزدي إلى سيف الدين السامري، ودخل عليه. ولا زال به إلى أن عمل: قل لقاضي القضاة أيده الل؟ ... هـ ولا زال للجماعة ظلاّ قد تصدّقت بالعدالة حوشي؟ ... ت بقول الأغراض إن يقض عدلا ولئن أجمعوا على فسق ذاك الشي؟ ... خ والبائس الذي قلّ عقلا عدلوا عن طرائق العدل فيه ... ورموه بالزور والإفك نقلا نبزوه بقلّة الدين والخي؟ ... ر وترك الصلاة ظلماً وجهلا وإذا لاط أو زنى وهو شاب ... ما عليه عارٌ إذا صار كهلا وجهه في مجالس الحكم يجزي ... من رآه بشراً وكيساً وفضلا إن تحلّى بالطّيلسان فبالح ... قّ جدير بمثله يتحلّى كل من كان شاهداً بمحال ... أو بزور لما تولّى تولّى وكذا لم يزل لكلّ اجتماع ... بين خلين بالتجمع أهلا وكتب إلى طوغان وأسندمر، ولكل منهما أستادار يسمى العلم سنجر ونائب البر يسمى الشجاع همام: اسم الولاية للأمير وما له ... فيها سوى الأوزار والآثام وجباية (1) القتلى وكل مصيبةٍ ... تجبى منافعها إلى همام سيفان قد وليا وكلٌّ منهما ... ماضي العزائم دائم الإقدام (2)

_ (1) الوافي: وجناية. (2) الوافي: في حفظ ما وليه كالضرغام.

المستعين

وبباب كلٍّ منهما علم ينكِّ؟ ... ل ما يجود به من الإنعام (1) ما الناس عندهما بناسٍ لا ولا ... يريان هاذ الناس كالأنعام وقد استحلاّ منهم ما لم يزل ... من مالهم ودمائهم بحرام فمتى أرى الدنيا بغير سناجرٍ ... والقطع والتنكيس للأعلام 53 (2) المستعين أحمد بن محمد بن هارون، أمير المؤمنين أبو العباس المستعين ابن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور؛ ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين، وبويع في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين عند موت المنتصر ابن المتوكل، واستقام له الأمر، واستوزر أبا موسى أوتامش بإشارة شجاع بن القاسم ثم قتلهما، ثم استوزر صالح ابن شيرزاد، فلما قتل وصيف وبغا باغراً (3) التركي الذي قتل المتوكل تعصب الموالي وتنكروا له، فخاف وانحدر من سامرا إلى بغداد، فأخرجوا المعتز بالله من الحبس وبايعوه وخلعوا المستعين. ثم إن المعتز جهز أخاه أحمد لحرب المستعين واستعد المستعين للحصار، وتجرد أهل بغداد للقتال، ودام أشهراً (4) ، وغلت الأسعار ببغداد، ودام البلاء، وصاح أهل بغداد: الجوع، فانحل أمر المستعين، فانتقل إلى الرصافة وانحل أمره وخلع نفسه، وانحدر إلى واسط تحت الحوطة وأقام

_ (1) الوافي: علم غدا في ظلمه علامة الأعلام. (2) الوافي 8: 93 والمصادر التاريخية (كالطبري واليعقوبي والنجوم ومروج الذهب.... الخ) وقد سقط جزء من هذه الترجمة من المطبوعة. (3) ص: باغر. (4) ص: أشهر.

بها محبوساً، ثم إنه رد إلى سامرا فقتل بقادسيتها في ثالث شوال سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وله أحد وثلاثون سنة. وكان مربوع القامة أحمر الوجه خفيف العارضين حسن الوجه والجسم، بوجهه أثر جدري، وكان يلثغ بالسين فيجعلها ثاء، وكان مسرفاً مبذراً للخزائن ويقال إنه قيل له: اختر أي بلد تكون فيه، فاختار واسط، فلما أحدروه لها قال له في السفينة بعض أصحابه: لأي شيء اخترتها وهي شديدة الحر؟ فقال: ما هي بأحر من فقد الخلافة. وأورد له المرزباني في معجم الشعراء لما خلع (1) : أستعين الله في أم؟ ... ري على كل العباد وبه أدفع عنّي ... كيد باغٍ ومعادي وأورد له صاحب المرآة: أحببت ظبياً ثمين ... كأنّه غثن تين بالله يا عالمين ... ما في الثما مثلمين من لامني في هواه ... لوّثته بالعجين قلت يريد: أحببت ظبياً سمين ... كأنه غصن تين بالله يا عالمين ... ما في السما مسلمين قلت: ولا في الأرض، لأنهم اتخذوك خليفة. وقيل إنه كان يأمر المغنين أن يغنوه بهذا الشعر وأشباهه، فيتضاحكون

_ (1) ما قاله لما خلع هو: (كل ملك مصيره الذهاب غير ملك المهيمن الوهاب) (كل ما قد ترى يزول ويفنى ويجازي العباد يوم الحساب) أما البيتان التاليان فقالهما لما استفحل أمر المعتز.

ويتغامزون عليه. وصنع يوماً هذين البيتين: شربت كأساً أذهبت ... عن ناظريّ الخمرا فنشّطتني ولقد ... كنت حزيناً خاسرا (1) ثم قال: أجيزوهما، فقال أحدهم: هذا خرا هذا خرا ... هذا خرا هذا خرا وكان للطف أخلاقه يحتمل ذلك منهم. وقال لهم يوماً وأومأ بيده إلى الباب: أي شيء تصحيف باب؟ فقالوا: لا ندري، فقال: لم لا تقولوا باب (2) ؟ فيقولون: بسم الله عليك، ويقول: أي شيء تصحيف مخدة؟ ويضع يده عليها، فيقولون: لا نعلم، فيقول: لم لا تقولون: مخدة فيقولون: بسم الله عليك! وكان السبب في توليته الخلافة أن الأتراك لما قتلوا المستنصر خافوا من تولية الخلافة لأحد أولاد المتوكل فيأخذ بثأر أبيه وأخيه، فولوا المستعين، وكان خاملاً يرتزق بالنسخ، ولما جاءه الأمر بغتة من غير تطلع إليه قال: جاء لطف الله بالأمر الذي لا أرتجيه ... فعليّ اليوم أن أقضي حقّ الله فيه ... وأعداؤه رووا أنه قال: حق الشرب فيه، رحمه الله تعالى وإيانا بمنه وكرمه.

_ (1) الوافي: خائرا. (2) كذا في ص.

ابن الحلاوي الشاعر

54 - (1) ابن الحلاوي الشاعر أحمد بن محمد بن أبي الوفا بن الخطاب بن الهزبر، الأديب الكبير شرف الدين أبو الطيب بن الحلاوي الربعي، الشاعر الموصلي؛ ولد سنة ثلاث وستمائة، وقال الشعر الجيد الفائق ومدح الخلفاء والملوك، وكان في خدمة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وكان من ملاح الموصل، وفيه لطف وظرف وحسن عشرة وخفة روح، وله القصائد الطنانة التي رواها الدمياطي عنه في معجمه؛ توفي سنة ست وخمسين وستمائة؛ فمما رواه الشيخ شرف الدمياطي له رحمه الله تعالى: حكاه من الغصن الرطيب وريقه ... وما الخمر إلاّ وجنتاه وريقه هلالٌ ولكن أفق قلبي محلّه ... غزالٌ ولكن سفح عيني عقيقه وأسمر يحكي الأسمر اللّدن قدّه ... غدا راشقاً قلب المحب رشيقه على خدّه جمر من الحسن مضرمٌ ... يشبّ ولكن في فؤادي حريقه أقرّ له من كلّ حسنٍ جليله ... ووافقه من كلّ معنىً دقيقه بديع التثنّي راح قلبي أسيره ... على أنّ دمعي في الغرام طليقه على سالفيه للعذار جديده (2) ... وفي شفتيه للسّلاف عتيقه يهدد منه الطرف من ليس خصمه ... ويسكر منه الريق من لا يذيقه على مثله يستحسن الصبّ هتكه ... وفي حبه يجفو الصديق صديقه من الترك لا يصبيه وجدٌ إلى الحمى ... ولا ذكر بانات الغوير تشوقه

_ (1) الزركشي: 58 والوافي 8: 102 والشذرات 5: 274 وعبر الذهبي 5: 227 والنجوم الزاهرة 5: 274 وعقود الجمان 1: 387. (2) ص: حديده.

ولا حلّ في حيّ تلوح قبابه ... ولا سار في ركب يساق وسوقه (1) ولا بات صبّاً بالفريق وأهله ... ولكن إلى خاقان يعزى فريقه له مبسمٌ ينسي المدام بريقه ... ويخجل نوار الأقاحي بريقه تداويت من حرّ الغرام ببرده ... فأضرم من حرّ الحريق رحيقه إذا خفق البرق اليمانيّ موهناً ... تذكره قلبي فزاد خفوقه حكى وجهه بدر السّماء فلو بدا ... مع البدر قال الناس: هذا شقيقه رآني خيالاً حين وافى خياله ... فأطرق من فرط الحياء طروقه وأشبهت منه الخصر سقماً فقد غدا ... يحمّلني كالخصر ما لا أطيقه فما بال قلبي كلّ حب يهيجه ... وحتّام طرفي كلّ حسن يشوقه فهذا ليوم البين لم تطف ناره ... وهذا فبعد البعد ما جفّ موقه ولله قلبي ما أشدّ عفافه ... وإن كان طرفي مستمراً (2) فسوقه أرى الناس أضحوا جاهلية حبّه ... فما باله عن كلّ صبّ يعوقه فما فاز إلاّ من يبيت صبوحه ... مدام ثناياه ومنها غبوقه وقال أيضاً: أأُلقى من صدودك (3) في جحيم ... وثغرك كالصّراط المستقيم وأسهرني لديك رقيم خدّ ... فواعجبا أأسهر بالرقيم منها: وحتّام البكاء بكلّ رسم ... كأنّ عليّ رسماً للرسوم واجتمعوا في بعض الأيام عند شخص يلقب بالشمس، فقالوا له: أطعمنا شي فامتنع، فقال بعضهم: الطامع في منال قرص الشمس ...

_ (1) الوافي: وسيقه. (2) ص: مستمر. (3) الوافي: خدودك.

فقال ابن الحلاوي: كالطامع في منال قرص الشمس ... وأنشده بعض الأفاضل لغزاً في شبابة: وناطقة خرساء بادٍ شحوبها ... تكنفها عشرٌ وعنهنّ تخبر يلذّ إلى الأسماع رجع حديثها ... " إذا سدّ منها منخرٌ جاش منخر " (1) فأجابه في الوقت: نهاني والنهى والشيب عن وصل مثلها ... " وكم مثلها فارقتها وهي تصفر " (2) وسئل أن ينظم أبياتاً تكتب على مشط للملك العزيز محمد صاحب حلب، فقال: حللت من الملك العزيز براحةٍ ... غدا لثمها عندي أجلّ الفرائض وأصبحت مفترّ الثنايا لأنّني ... حللت بكفّ بحرها غير غائض وقبلت سامي كفه بعد خده ... فلم أخل في الحالين من لثم عارض وقال، وهو مشهور عنه: جاء غلامي وشكا ... أمر كميتي وبكى وقال لي لا ش؟ ... ك برذونك قد تشبكا قد سقته اليوم فما ... مشى ولا تحركا فقلت من غيظي له ... مجاوباً لما حكى تريد أن تخدعني ... وأنت أصل المشتكى ابن الحلاويّ أنا ... خلّ الرياء والبكا

_ (1) عجز بيت لتأبط شراً، وصدره " فذاك قريع الدهر ما عاش حول ". (2) عجز بيت آخر لتأبط شراً، وصدره " فأبت إلى فهم وما كدت آيباً ".

ولا تخادعني ودع ... حديثك المعلّكا لو أنّه مسيّرٌ ... لما غدا مشبكا فمذ رأى حلاوة ال؟ ... ألفاظ منّي ضحكا وكتب إلى القاضي محيي الدين ابن الزكي يصف خطه: كتبت فلولا أنّ هذا محلّلٌ ... وذاك حرامٌ قست خطك بالسّحر فوالله ما أدري أزهر خميلةٍ ... بطرسك أم درٌّ يلوح على نحر فإن كان زهراً فهو صنع سحابةٍ ... وإن كان درّاً فهو من لجّة البحر وقال يمدح الملك الناصر داود صاحب الكرك: أحيا بموعده قتيل وعيده ... رشأ يشوب وصاله بصدوده قمرٌ يفوق على الغزالة وجهه ... وعلى الغزال بمقلتيه وجيده يا ليته يعد الصدود فإنّه ... ما زال ذا لهج بخلف وعوده يفترّ عن عذب الرضاب، حياتنا ... في ورده والموت دون وروده بردٌ يذيب ولا يذوب وإنّما ... أدنى زفير الوجد عذب بروده لم أنسه إذ جاء يسحب برده ... والليل يخطر في فضول بروده والصبح مأسورٌ أجدّ لأسره ... جنح الظلام تأسفاً لفقيده واللّيل يرفل في ثياب حداده ... والصبح يرسف في فضول حديده ولذاك لم تنم الجفون مخافةً ... من أن يعاني الصبح فكّ قيوده بمدامة صفراء يحمل شمسها ... بدر يغير البدر عند سعوده كأسٌ كأن مدامها من ريقه ... وحبابها من ثغره وعقوده ما زال يرشفنا شقيقة ريقه ... طيباً ويلثمنا شقيق خدوده حتى تحكم في النجوم نعاسها ... والتذّ كلّ مسهدٍ بهجوده ورأى الصباح تخلصاً من أسره ... فأتى يكرّ على الدجى بعموده قمرٌ أطاع الحسن سنّة وجهه ... حتى كأن الحسن بعض عبيده

أنا في الغرام شهيده ما ضرّه ... لو أنّ جنّة وصله لشهيده وقال أيضاً: تبدى له في الخد من تبّتٍ خطّ ... وأخجل منه القدّ ما ينبت الخط ولم ندر لما هزّ عامل قده ... وصارم جفنيه بأيهما يسطو رحيقيّ ثغر بابليّ لواحظٍ ... له سالف كالورد بالمسك مختط من الترك لا وادي الأراك محلّه ... ولا داره رمل المصلّى ولا السقط كليث الشّرى في الحرب بأساً وسطوةً ... وفي السّلم كالظبي الغرير إذا يعطو يخفّ به لين المعاطف مائساً ... فيمنعه ثقل الروادف أن يخطو حمى ثغره من مشرف القد عاملٌ ... له ناظرٌ ما العدل في شرعه شرط له حاجبٌ كالنون خطّ ابن مقلةٍ ... يزيّنها للخال في خده نقط فللبدر ما يثني عليه لثامه ... وللغصن منه ما حرى ذلك المرط يقولون يحكي البدر في الحسن وجهه ... وبدر الدجى عن ذلك الحسن منحط كما شبّهوا غصن النقا بقوامه ... لقد بالغوا بالمدح للغصن واشتطوا ولما توجه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل إلى العجم للاجتماع بهولاكو كان ابن الحلاوي معه، فمرض بتبريز، وتوفي بها، وقيل بسلماس، وهو في حدود الستين من عمره. ومن شعره أيضاً: لحاظ عينيك فاتنات ... جفونها الوطف فاترات فرّق بيني وبين صبري ... منك ثنايا مفرقات يا حسناً صدّه قبيح ... فجمع شملي به شتات قد كنت لي واحداً ولكن ... عداك عن وصلي العداة إن لم يكن منك لي وفاءٌ ... دنت بهجرانك الوفاة حيّات صدغيك قاتلاتٌ ... فما لملسوعها حياة

والثغر كالثغر في امتناعٍ ... تحميه من لحظك الرماة يا بدر تمٍّ له عذارٌ ... بحسنه تمّت الصفات منمنم الوشي في هواه ... يا طالما نمت الوشاة نبات صدغ حلاّك حسناً ... والحلو في السكر النّبات وكان السلطان بدر الدين لؤلؤ لا ينادمه ولا يحضره مجلسه، وإنما كان ينشده أيام المواسم والأعياد المدائح التي يعملها فيه، فلما كان في بعض الأيام رآه في الصحراء في روضة معشبة وبين يديه برذون له مريض يرعى، فجاء إليه ووقف عنده وقال: ما لي أرى هذا البرذون ضعيفاً؟ فقام وقبل الأرض وقال: يا مولانا السلطان، حاله مثل حالي، وما تخلفت عنه في شيء، يدي بيده في كل رزق رزقنا الله تعالى، هل عملت في برذونك هذا شيئاً؟ قال: نعم، وأنشده بديهاً: أصبح برذوني المرقّع بالل؟ ... زقات في حسرةٍ يكابدها رأى حمير الشعير عابرة ... عليه يوماً فظل ينشدها " قفا قليلاً بها عليّ فلا ... أقلّ من نظرةٍ أُزوّدها " (1) فأعجبت السلطان بديهته. وأمر له بخمسين ديناراً (2) وخمسين مكوكاً من الشعير وقال له: هذه الدنانير لك، وهذا الشعير لبرذونك، ثم أمره بملازمة مجلسه كسائر الندماء، وأقطعه إقطاعاً، ولم يزل يترقى عنده إلى أن صار لا يصبر عنه، رحمهما الله تعالى.

_ (1) بيت مضمن، وهو للمتنبي، ديوانه: 2. (2) ص: دينار.

ابن المنير

55 - (1) ابن المنير أحمد بن محمد بن منصور بن القاسم بن مختار القاضي، ناصر الدين ابن المنير الجذامي الجروي الإسكندراني؛ ولد سنة عشرين وستمائة؛ وكان عالماً فاضلاً مفنناً، وكان في علومه له اليد الطولى في الأدب وفنونه، وله مصنفات مفيدة، وتفسير نفيس، وسمع الحديث من ابن رواج وغيره، وله تأليف على تراجم صحيح البخاري وله كتاب الاقتفا عارض به الشفا للقاضي عياض، وولي قضاء الإسكندرية وخطابتها مرتين ودرس بعدة مدراس؛ وقيل إن الشيخ عز الدين ابن عبد السلام كان يقول: ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها: ابن المنير بالإسكندرية، وابن دقيق العيد بقوص، وله ديوان خطب، وتفسير حديث الإسراء في مجلد على طريقة المتكلمين. وتوفي في مستهل ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين وستمائة بالثغر. وكتب إلى الفائزي يسأله رفع التصقيع عن الثغر: إذا اعتلّ الزمان فمنك يرجو ... بنو الأيّام عاقبة الشّفاء وإن ينزل بساحتهم قضاء ... فأنت اللطف في ذاك القضاء وقال فيمن نازعه الحكم: قل لمن يبتغي المناصب بالجه؟ ... ل تنحّى (2) عنها لمن هو أعلم إن تكن في ربيع وليت يوماً ... فعليك القضاء أمسى محرم وكتب إلى قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان:

_ (1) الزركشي: 57 والديباج المذهب: 71 والوافي 8: 128 والشذرات 5: 381؛ وقد سقطت عبارات كثيرة من هذه الترجمة في المطبوعة. (2) كذا في ص.

المتيم الأفريقي

ليس شمس الضحى كأوصاف شمس ال؟ ... دين قاضي القضاة حاشا وكلاّ تلك مهما علت محلاّ ثنت ظلا ... وهذا مهما علا زاد ظلاّ وفي ناصر الدين يقول أبو الحسين الجزار: قد اعتبرت البرايا ... فتوةً وفتاوي فمنهم من يساوي ... شيئاً ومن لا يساوي هم الدراهم، فيها ... محاسنٌ ومساوي من لم يكن ناصرياً ... فإنّه عكّاوي وفيه يقول البرهان الغزولي: أقول لخلّ قد غدا متكبّراً ... عليّ: ترفّق إنّني منك أكبر وإن كنت في شك فعندي دليله ... بأني غزولي وأنت منير وفيه يقول أيضاً، وقد قطع جواري المتصدرين: ألا يا ابن المنيّر لا تداري (1) ... فذنبك ليس يمحى باعتذار لبست ثياب لؤمٍ عنك شفت ... ومن يكسى ثياب العار عاري قوي حبّ العبيد عليك حتى ... أراك سعيت في قطع الجواري 56 (2) المتيم الأفريقي أحمد بن محمد الافريقي أبو الحسن المعروف بالمتيم أحد الأدباء الشعراء الفضلاء، له من التصانيف كتاب الشعراء الندماء. كتاب الانتصار المنبي

_ (1) كذا في ص. (2) الزركشي: 62 واليتيمة 4: 157 ومعجم الأدباء 4: 244 والوافي 8: 156.

على فضل المتنبي وله ديوان شعر. قال الثعالبي: رأيته ببخارى شيخاً رث الهيئة، تلوح عليه سيما الحرفة، وكان يتطبب وينجم، فأما صناعته التي يعتمد عليها فالشعر. أنشدني لنفسه: وفتية أدباء ما علمتهم ... شبهتهم بنجوم الليل إذ نجموا فروا إلى الراح من خطب يلم بهم ... فما درت نوب الأيام أين هم (1) وأنشدني لنفسه: تلوم على ترك الصلاة حليلتي ... فقلت: اغربي عن ناظري أنت طالق فوالله لا صلّيت لله مفلساً ... يصلي له الشيخ الجليل وفائق ولا عجباً إن كان نوحٌ مصلياً ... لأنّ له قسراً تدين الخلائق لماذا أصلي؟ أين حالي (2) ومنزلي؟ ... وأين خيولي والحلى والمناطق؟ أصلي ولا فترٌ من الأرض تحتوي ... عليه يميني؟ إنّني لمنافق بلى إن عليّ الله وسّع لم أزل ... أصلي له ما لاح في الجوّ بارق وقال في مليح تركي: قلبي أسيرٌ في يدي مقلةٍ ... تركية ضاق لها (3) صدري كأنها من ضيقها عروة ... ليس لها (4) زر سوى السّحر

_ (1) من أول الترجمة حتى هذا الموضع لم يرد في المطبوعة. (2) الوافي: باعي. (3) ص: له. (4) ص: له.

ابن البققي

57 - (1) ابن البققي أحمد بن محمد، فتح الدين ابن البققي بباء واحدة وقافين الحموي؛ أقام بديار مصر، وكانت تبدو منه أشياء ضبطت عليه، وكان جيد الذهن ذكياً، ولكن أداه إلى الاستخفاف بالقرآن والشرع، فضرب القاضي المالكي عنقه بين القصرين، في ربيع الأول سنة إحدى وسبعمائة، وطيف برأسه، وقد تكهل. ومن شعره: الكسّ للجحر غدا ... معانداً من قدم (2) فانظره يبكي حسدا ... ي كل شهرٍ بدم وله أيضاً: لحا الله الحشيش وآكليها ... لقد خبثت كما طاب السّلاف كما يصبي كذا تضني وتشقي ... كما يشفي وغايتها الحراف وأصغر دائها والداء جمٌّ ... بغاء أو جنون أو نشاف وله أيضاً: جبلت على حبي لها وألفته ... ولا بدّ أن ألقى به الله معلنا ولم يخل قلبي من هواها بقدر ما ... أقول وقلبي خالياً فتمكنا

_ (1) الزركشي: 62 والوافي 8: 158 وأعيان العصر 1: 124 والدرر الكامنة 1: 134 والشذرات 6: 52 وذيل عبر الذهبي: 15 والبداية والنهاية 14: 18 وأخلت المطبوعة بجانب من هذه الترجمة، كما أن بعض أشعار ابن البققي فيها ورددت خطأ في ترجمة إبراهيم ابن سليمان بن حمزة. (2) ص: القدم.

ومنه قوله: أين المراتب في الدنيا ورفعتها ... من الذي حاز علماً ليس عندهم لا شكّ أن لنا قدراً رأوه وما ... لمثلهم عندنا قدرٌ ولا لهم هم الوحوش ونحن الإنس حكمتنا ... تقودهم حيثما شئنا وهم نعم وليس شيءٌ سوى الإهمال يقطعنا ... عنهم لأنّهم وجدانهم عدم لنا المريحان من علم ومن عدم ... وفيهم المتعبان الجهل والحشم قلت: عارض بهذه الأبيات أبياتاً نظمها الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد يأتي ذكرها في ترجمته إن شاء الله تعالى. ومن شعره: يا من يخادعني بأسهم مكره ... بسلاسةٍ نعمت كلمس الأرقم اعتدّ لي زرداً تضايق نسجه ... وعليّ فكّ عيونها بالأسهم وما أحسن قول شمس الدين ابن دانيال فيه: لا تلم البقّيّ في فعله ... إن زاغ تضليلاً عن الحقّ لو هذّب النّاموس أخلاقه ... ما كان منسوباً إلى البق وقوله فيه لما سجن ليقتل: يظنّ فتى البققي أنّه ... سيخلص من قبضة المالكي نعم سوف يسلمه المالكيّ ... قريباً ولكن إلى مالك

موفق الدين ابن أبي الحديد

58 - (1) موفق الدين ابن أبي الحديد أحمد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن حسين ابن أبي الحديد، أبو المعالي موفق الدين، ويدعى القاسم أيضاً؛ ولد سنة تسعين وخمسمائة بالمدائن، وكان أديباً فقيهاً فاضلاً شاعراً مشاركاً في أكثر العلوم، توفي سنة ست وخمسين وستمائة، وهو أخو عز الدين عبد الحميد المعتزلي الآتي ذكره في حرف العين إن شاء الله تعالى ورأيت الشيخ شمس الدين قد قال في حق هذا إنه أشعري، والله أعلم. كتب الإنشاء للمستعصم بالله مدة (2) . من شعره في عارض جيش خرج من دار الوزير بخلعة فعانقه وقبله: لمّا بدا رائق التّثنّي ... وهو بأثوابه يميد قبّلته باعتبار معنىً ... لأنّه عارضٌ جديد وقال أيضاً: بيتٌ من الشعر في تشبيه وجنته ... لمّا أحاط بها سطرٌ من الشّعر كالظلّ في النور أو كالشمس عارضها ... خطٌّ من الغيم أو كالمحو في القمر وقال أيضاً: لو يعلمون كما علمت لما لحوا ... في حبّه ولأقصروا إقصارا هلاّ أحدّثكم بسرّ لطيفةٍ ... دقّت إلى أن فاتت الأبصارا جادت صقال خدوده أصداغه ... فتمثلت للنّاظرين عذارا

_ (1) الزركشي: 63 والوافي 8: 225 وذيل مرآة الزمان 1: 104 وابن خلكان 5: 392. (2) من أول الترجمة حتى هذا الموضع لم يرد في المطبوعة.

البلاذري

وقال الشيخ شرف الدين الدمياطي: أنشدني موفق الدين لنفسه: قمر عدمت عواذلي في عشقه ... بل ما عدمت تزاحم العشاق يبدو فتسبقه العيون وإنها ... مأمورة بالغمض والإطراق عيناي قد شهدا بعشقك، إنما (1) ... لك أن تقول هما من الفسّاق ولما صنف أخوه الفلك الدائر على المثل السائر كتب إليه موفق الدين: المثل السائر يا سيّدي ... صنفت فيه الفلك الدائرا لكنّ هذا فلكٌ دائر ... أصبحت فيه المثل السائرا 59 (2) البلاذري أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري، أبو الحسن وقيل أبو بكر البغدادي؛ ذكره الصولي في ندماء المتوكل، مات في أيام المعتضد، كان جده جابر يخدم الخصيب صاحب مصر. وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال: سمع بدمشق هشام بن عمار وأبا حفص ابن عمر بن سعيد، وبحمص محمد بن مصفى (3) وبالعراق عفان بن مسلم وعبد الأعلى وعبد الله بن صالح العجلي ومصعباً (4) الزبيري والقاسم بن سلام وعثمان بن أبي شيبة. ووسوس في آخر عمره بشربه البلاذر، وكان كثير الهجاء بذيء اللسان آخذاً لأعراض الناس. وتناول

_ (1) ص: إنها. (2) الزركشي: 65 والفهرست: 113 وتهذيب ابن عساكر 2: 109 ومعجم الأدباء 5: 89 والوافي 8: 239. (3) سقط من ص. (4) ص: ومصعب.

وهب بن سليمان بن وهب لما ضرط فمزقه، فمن قوله فيه وكانت الضرطة بحضرة عبيد الله بن يحيى بن خاقان: أيا ضرطة حسبت رعده ... تنوّق في سلّها جهده تقدّم وهبٌ بها سابقاً ... وصلّى أخو صاعدٍ بعده لقد هتك الله ستريهما ... كذلك من يطعم الفهده وقال في عافية ابن شيث (1) : من رآه فقد رأى ... عربيّاً مدلّسا ليس يدري جليسه ... أفسا أم تنفّسا (2) قال البلاذري: كنت من جلساء المستعين بالله وقد قصده الشعراء فقال: ليس أقبل إلا من الذي يقول مثل قول البحتري في المتوكل: فلوانّ مشتاقاً تكلّف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر فرجعت إلى داري وأتيته وقلت: قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري في المتوكل، فقال: هات، فأنشدته: ولو أنّ برد المصطفى إذ لبسته ... يظنّ لظنّ البرد أنك صاحبه وقال وقد أعطيته ولبسته: ... نعم هذه أعطافه ومناكبه فقال لي: ارجع إلى منزلك فافعل ما آمرك به، فرجعت، فبعث إلي سبعة آلاف دينار وقال: ادخر هذه للحوادث بعدي، ولك علي الجراية والكفاية ما دمت حياً. وقال في عبيد الله بن يحيى بن خاقان وقد صار إلى بابه فحجبه، فأنشده:

_ (1) الوافي: شبيب. (2) من أول الترجمة حتى هذا الموضع لم يرد في المطبوعة.

شهاب الدين ابن فضل الله

قالوا اصطبارك للحجاب مذلّة ... عارٌ عليك مدى الزمان وعابٌ فأجبتهم ولكلّ قولٍ صادقٍ ... أو كاذبٍ عند المقال جواب إنّي لأغتفر الحجاب لماجدٍ ... أمست له مننٌ عليّ رغاب قد يرفع المرء اللئيم حجابه ... ضعةً ودونه العرف منه حجاب وله من الكتب: كتاب البلدان الصغير. كتاب البلدان الكبير ولم يتم. كتاب جمل أنساب الأشراف وهو كتابه المعروف بالمشهور. كتاب الفتوح. كتاب عهد أزدشير. وكان أحد النقلة من الفارسي إلى العربي، رحمه الله تعالى (1) . 60 - (2) شهاب الدين ابن فضل الله أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلي بن دعجان بن خلف بن أبي الفضل نصر ابن منصور بن عبيد الله بن علي بن محمد بن أبي بكر عبد الله بن عبيد الله بن أبي بكر بن عبيد الله الصالح بن أبي سلمة عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، القاضي شهاب الدين أبو العباس، ابن القاضي أبي المعالي محيي الدين، القرشي العدوي العمري. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي في حقه: هو الإمام الفاضل البليغ المفوه الحافظ، حجة الكتاب، إمام أهل الآداب، أحد رجالات الزمان كتابةً وترسلاً،

_ (1) وله من الكتب ... تعالى: سقط من المطبوعة. (2) الزركشي: 64 والوفي 8: 252 وأعيان العصر 1: 147 والدرر الكامنة 1: 331 والنجوم الزاهرة 10: 334 والرد الوافر: 81 والشذرات 6: 160 وذيل عبر الذهبي: 275.

وتوصلاً إلى غايات المعاني (1) ، وتوسلاً، وإقداماً على الأسود في غابها، وإرغاماً لأعاديه بمنع رغابها، يتوقد ذكاء وفطنة ويتلهب، ويتحدر سيله ذاكرةً وحفظاً ويتصبب، ويتدفق بحره بالجواهر كلاماً، ويتألق إنشاؤه بالبوارق المسرعة (2) نظاماً، ويقطر كلامه فصاحةً وبلاغةً، وتندى عبارته انسجاماً وصياغة، وينظر إلى غيب المعاني من ستر رقيق، ويغوص في لجة البيان فيظفر بكبار اللؤلؤ من البحر العميق؛ استوت بديهته وارتجاله، وتأخر عن فروسيته من هذا الفن رجاله، يكتب من رأس قلمه بديهاً، ما يعجز تروّي القاضي الفاضل أن يدانيه تشبيهاً، وينظم من المقطوع والقصيدة جوهراً، ما يخجل الروض الذي باكره الحيا مزهراً، صرف الزمان أمراً ونهيا، ودبر الممالك تنفيذاً ورأيا، ووصل الأرزاق بقلمه، ورويت تواقيعه وهي إسجالات حكمه وحكمه، لا أرى أن اسم الكاتب يصدق على غيره ولا يطلق على سواه: لا يعمل القول المكرّ ... ر منه والرأي المردّد ظنٌّ يصيب به الغيو ... ب إذا توخّى أو تعمد مثل الحسام إذا تأل ... ق والشهاب إذا توقّد كالسيف يقطع وهو مس ... لولٌ ويرهب حين يغمد ولا أعتقد أن بينه وبين القاضي الفاضل من جاء مثله؛ على أنه قد جاء مثل تاج الدين ابن الأثير ومحيي الدين ابن عبد الظاهر وشهاب الدين محمود وكمال الدين بن العطار وغيرهم، هذا إلى ما فيه من لطف أخلاق وسعة صدر وبشر محيا؛ رزقه الله أربعة أشياء لم أرها اجتمعت في غيره. وهي: الحافظة، قلما طالع شيئاً إلا كان مستحضراً لأكثره، والذاكرة التي إذا أراد ذكر شيء من زمن متقدم كان ذلك حاضراً كأنه إنما مر به بالأمس، والذكاء الذي تسلط

_ (1) الوافي: المعالي. (2) الوافي: المتسرعة.

به على ما أراد، وحسن القريحة في النظم والنثر، أما نثره فلعله في ذروة كان أوج الفاضل لها حضيضاً، ولا أرى أحداً (1) يلحقه فيه جودة وسرعة، وأما نظمه فلعله لا يلحقه فيه إلا الأفراد، وأضاف الله تعالى له إلى ذلك كله حسن الذوق الذي هو العمدة في كل فن. وهو أحد الأدباء الكملة الذين رأيتهم. وأعني بالكملة الذين يقومون بالأدب علماً وعملاً في النظم والنثر ومعرفة بتراجم أهل عصره ومن تقدمهم على اختلاف طبقاتهم وبخطوط الأفاضل وأشياخ الكتابة، ثم إنه مشارك من رأيته من الكملة في أشياء، وينفرد عنهم بأشياء بلغ فيها الغاية لأنه جود فن الإنشاء والنثر، وهو فيه آية، والنظم وسائر فنونه، والترسل البارع عن الملوك، ولم أر (2) من يعرف تواريخ الملوك المغل من لدن جنكيزخان وهلم جراً معرفته، وكذلك ملوك الهند والأتراك. وأما معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان وخواصها، فإنه فيها إمام وقته، وكذلك معرفة الاصطرلاب وحل التقويم وصور الكواكب. وقد أذن له العلامة شمس الدين الأصفهاني في الإفتاء على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، فهو حينئذ أكمل الكملة الذين رأيتهم. ولقد استطرد الكلام يوماً في ذكر القضاة فسرد ذكر القضاة الأربعة (3) الذين عاصرهم شاماً ومصراً، وألقابهم وأسماءهم وعلامة كل قاض منهم، حتى إني ما كدت أقضي العجب مما رأيت. ولد بدمشق ثالث شوال سنة سبعمائة. قرأ العربية أولاً على الشيخ كمال الدين ابن قاضي شهبة، ثم على قاضي القضاة شمس الدين ابن مسلم، وتفقه على قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد عبد الله، وعلى الشيخ برهان الدين، وقرأ الأحكام الصغرى على الشيخ تقي الدين بن تيمية، والعروض على الشيخ شمس الدين الصائغ وعلاء الدين الوداعي وقرأ جملة من المعاني والبيان على العلامة

_ (1) ص: أحد. (2) ص: أرى. (3) ص: الأربع.

شهاب الدين محمود (1) وقرأ عليه جملة من دواوين العرب، والأصول على الشيخ شمس الدين الأصفهاني، وأخذ اللغة عن الشيخ أثير الدين، وصنف فواضل السمر في فضائل آل عمر أربع مجلدات، وكتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار في عشرين مجلد كبار، وهو كتاب حافل ما أعلم أن لاحد مثله، والدعوة المستجابة، مجلد وصبابة المشتاق في المدائح النبوية مجلد، وسفرة السفرة ودمعة الباكي ويقظة الساهر ونفحة الروض ونظم كثيراً من القصائد والأراجيز والمقطعات والذوبيت والموشح والبليق، وأنشأ كثيراً من التقاليد والمناشير والتواقيع ومكاتبات الملوك وغير ذلك. ومن شعره: شربت مع غادة عجوز طلا ... فاستصحبت بعد منعها العاده ليّنها السكر لي فحينئذٍ ... سلّمت أن العجوز قوّادة وقال: شادنٌ جدّد وجدي بعدما ... صرت شيخاً ليس ترضاني العجوز قلت جاوز لي متاعي قال قل ... غير هذا ذاك شيء لا يجوز وقال: سل شجيّاً عن فؤادٍ نزحا ... وخليّاً فيهم كيف صحا ومحبّاً لم يذق بعدهم ... غير تبريحٍ بهم ما برحا مزج الدمع بذكراه لهم ... مثل خدي من سقاه القدحا زاره الطيف وهذا عجب ... شبحٌ كيف يلاقي شبحا وقال: أأحبابنا والعذر منّا إليكم ... إذا ما شغلنا بالنّوى أن نودّعا

_ (1) سقط من ص، وزدته في الوافي.

إدريس ابن اليمان

أبثّكم شوقاً أباري ببعضه ... حمام العشايا رنّة وتوجعا أبيت سمير البرق قلبي مثله ... أقضّي به الليل التمام مروعا وما هو شوق مدّة ثمّ ينقضي ... ولا أنّة لكن محبّ مفجّعا ولكنه شوق على القرب وانوى ... أغصّ الأماقي مدمعاً ثمّ مدمعا ومن فارق الأحباب في العمر ساعةً ... كمن فارق الأحباب في العمر أجمعا وقال: يقول بي من شعره أسودٌ ... كالليل بل بينهما فرق قلت وبي من وجهه أبيضٌ ... فقال لي هذا هو الحق وكانت وفاته سنة تسع وأربعين وستمائة (1) . 61 - (2) إدريس ابن اليمان إدريس بن عبد الله بن اليمان العبدري الأندلسي الشاعر؛ روى عن أبي العلاء صاعد اللغوي، وتوفي سنة سبعين وأربعمائة. من شعره: وموسدين على الأكفّ رءوسهم ... قد غالهم نوم الصباح وغالني ما زلت أسقيهم وأشرب فضلهم ... حتى سكرت ونالهم ما نالني والكاس (3) تعرف كيف تأخذ ثأرها ... إنّي أمّلت إناءها فأمالني

_ (1) بياض في الأصل، واستدركته من المصادر. (2) الزركشي: 66 وجذوة المقتبس: 160 وبغية الملتمس (رقم: 560) والذخيرة (القسم الثالث) : 115 والمغرب 1: 400 والمسالك 11:: 204 والوافي 8: 327 ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) ص: والعارف.

اسبهدوست

وقال: وفتيان صدق عرّسوا تحت دوحة ... وليس لهم إلاّ النبات فراش كأنهم والنّور يسقط فوقهم ... مصابيح تهوي نحوهنّ فراش وقال: ثقلت زجاجاتٌ أتتنا فرّغاً ... حتى إذا ملئت بصرف الراح خفت فكادت أن تطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخف (1) بالأرواح 62 (2) اسبهدوست أسبهدوست بن محمد بن الحسن بن شيرويه الديلمي أبو منصور الشاعر؛ روى عن ابن الحجاج ديوانه وكان يسلك طريقته. قال سبط ابن الجوزي: كان يهجو الصحابة والناس، ثم تاب وحسنت توبته؛ من شعره في الحمى: وزائرةٍ تزور بلا رقيبٍ ... وتنزل بالفتى من غير حبّه وما أحد يحبّ القرب منها ... ولا تحلو زيارتها بقلبه تبيت بباطن الأحشاء منه ... فيطلب بعدها من عظم كربه وتمنعه لذيذ العيش حتى ... تنغّصه بمأكله وشربه أتت لزيارتي من غير وعدٍ ... وكم من زائرٍ لا مرحبا به وقال في أبي الفتوح الواعظ، ولم يكن في زمانه أحسن صورة منه ولا أعذب لفظاً:

_ (1) ص: تجف. (2) الزركشي: 66 والوفي 8: 384.

ابن الطبيب الشاعر

وواعظٍ تيّمني وعظه ... فعرفه شيب بإنكار ينهى عن الذنب وألحاظه ... تأمر بالذنب بإصرار وما رأينا قبله واعظاً ... مكسب آثامٍ (1) وأوزار لسانه يدعو إلى جنّةٍ ... ووجهه يدعو إلى نار ومن شعره أيضاً: يا طالب التزويج إنّك بالذي ... تبغيه منه (2) جاهلٌ معذور هل أبصرت عيناك صاحب زوجةٍ ... إلاّ حزيناً ما لديه سرور لا تبغ في الدنيا نكاحاً لازماً ... وافعل بها ما يفعل الزنبور أو ما تراه حين يدرك فرصةً ... يدنو ويلسع لسعةً ويطير وتوفي سنة تسع وستين وأربعمائة، رحمه الله تعالى وإيانا، بمنه وكرمه. 63 - (3) ابن الطبيب الشاعر إسحاق بن خلف الشاعر المعروف بابن الطبيب، من شعراء المعتصم؛ كان رجلاً شأنه الفتوة ومعاشرة الشطار والتصيد بالكلاب وإيثار أصحاب الطنابير، وكان من أحسن الناس إنشاداً كأنه يتغنى في إنشاده، وكان إذا راجعك الكلام لم تكد تسأم مراجعته من حسن ألفاظه. حبس مرة بجناية جناها فقال الشعر في السجن، ثم ترقى في ذلك حتى مدح الملوك، ودون شعره، ولم يزل

_ (1) ص: آثاما. (2) ص: مني، والتصويب عن الوافي. (3) الزركشي: 67 وطبقات ابن المعتز: 292 والوافي 8: 411.

على رسم الفتوة وضرب الطنبور إلى أن توفي في حدود الثلاثين ومائتين. ومن شعره رحمه الله: النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تعظمه إذا لم يلحن وإذا طلبت من العلوم أجلّها ... فأجلّها عندي مقيم الألسن وقال في السيف: ألقى بجانب خصره ... أمضى من الأجل المتاح وكأنّما ذرّ الهبا ... ء عليه أنفاس الرياح وقال المبرد (1) : قالت الشعراء في رونق السيف ضروباً من الأقاويل ما سمعت فيها بأحسن من هذا. وقال في ابنة أخت كان رباها (2) : لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أجب في الليالي حندس الظّلم وزادني رغبةً في العيش معرفتي ... ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرحم أخشى فظاظة عمّ أو جفاء أخٍ ... وكنت أبقي عليها من أذى الكلم تهوى لقائي وأهوى موتها شفقاً ... والموت أكرم نزّالٍ (3) على الحرم إذا تذكّرت بنتي حين تندبني ... فاضت لعبرة بنتي عبرتي بدم

_ (1) الكامل 2: 32. (2) انظر الحماسية رقم 85 في شرح المرزوقي. (3) ص: نزالا.

مجد الدين النشابي

64 - (1) مجد الدين النشابي أسعد بن إبراهيم بن حسن الأجل مجد الدين النشابي الكاتب؛ ولد بإربل سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وكان في صباه نشاباً (2) ثم تنقل في الجزيرة والشام. وولي كتابة الإنشاء لصاحب إربل، ونفذه رسولاً إلى الخليفة المستنصر فلما وقعت عينه على الخليفة قال: جلالة هيبة هذا المقام ... تحيّر عالم علم الكلام كأنّ المناجي به قائماً ... يناجي النبيّ عليه السلام ثم إن مخدومه غضب عليه وحبسه، ثم إنه بعد موت صاحب إربل خدم ببغداد واختفى أيام التتار، فسلم، ثم مات في تلك السنة وهي سنة ست وخمسين وستمائة. ومن شعره في شرف الدين إبراهيم بن علي بن حرب لما ولي وزارة إربل: فرحنا وقلنا تولّى الوزير ... وأفلح ديواننا بالوزاره فما زادنا غير جاويشه ... وفي كتبنا كتبت بالإشاره ولما وقع بين الأخوين الكامل والأشرف، والكامل صاحب مصر والأشرف صاحب خلاط، ومال ملوك الشام والشرق إلى الكامل، وتحاملوا على الأشرف فقال مجد الدين: صاحب مصرٍ ثنى الملوك عن ال ... أشرف من كل مسعدٍ عون

_ (1) الزركشي: 67 وعقود الجمان 1: 521 والوفي (ج؟: 9) ؛ وقد أخلت المطبوعة بأجزاء متفرقة من هذه الترجمة. (2) ص والزركشي: نشابياً.

واحتج كلٌّ به فقلت وهل ... يؤخذ موسى بذنب فرعون وله في شرف الدين المبارك (1) مستوفي إربل: إنّ المبارك فيه ... توقّفٌ ولجاجه صديقه أنت ما لم ... تعرض إليه بحاجه وله في صدر الدين ابن نبهان، وكان صديق عارض الجيش فعزل، ثم صار صدر الدين صورة وزير الأمير شجاع الدين العزي فتوفي، فاتصل صدر الدين بالملك فتح الدين، فخرج من بغداد مغاضباً، فقال: رجل ابن نبهان الأعرج شومها معلوم ... ما دار قط بأحد إلاّ لقي المحتوم قلع ملك وعزل عارض بهذا الشّوم ... وعاد حر وزعيمه مبعر أخت البوم ومن شعره: والأفق روضٌ زهره ... أمسى يفتّح لي كمامه قبضت به كف الثري ... افالهلال لها قلامه وأغن يشهد أنّ ري ... قته الطلا عود البشامه يصمي القلوب إذا رمى ... باللحظ يا ربّ السّلامه ومنه قوله: تقلد أمر الحسن فاستعبد الورى ... وراحت له الأفكار تنظم ديوانا وعامله ولّى على القلب ناظراً ... فأصبح لما حل بالقلب سلطانا غدا باحمرار الخدّ للحسن مالكاً ... ومن فيه أبدى للتبسّم رضوانا فأبدى لنا من ثغره ورضابه ... وعارضه راحاً وروحاً وريحانا رأى خدّه ميدان حسن وخاله ... به كرةً فاستعمل الصدغ جوكانا

_ (1) هو أبو البركات المبارك بن أبي الفتح أحمد مؤلف تاريخ إربل وغيره من الكتب، توفي سنة 637 (انظر ابن خلكان 4: 147 وفي الحاشية ذكر بمصادر ترجمته) .

أجل نظراً في خدّه يا معنّفي ... تجد فيه من إنسان عينك إنسانا ومنه أيضاً: والبرق يخفق في خلال سحابه ... خفق الفؤاد لموعدٍ من زائر وقال: يا لقومي قد جئتكم مستجيرا ... لا أرى منكم وليّاً نصيرا أنا ما بين عاذلٍ ورقيب ... منهما خلت منكراً ونكيرا بأبي شادنٌ تبدّى فأبدى ... من محيّاه بهجةً وسرورا وعذار في ذلك الخدّ أبدى ... ببها الحسن جنّةً وحريرا وثنايا كأنها من لجين ... قدّروها في ثغره تقديرا لا رعى الله يوم زمّوا المطايا ... إنّه كان شرّه مستطيرا أودعوا حين ودّعوا الصبّ وجدا ... وتناءوا والقلب يصلى سعيرا وأسالوا الدموع من نرجسٍ غ ... ضٍّ على الخدّ لؤلؤاً منثورا فغدا الصبّ يرتضي الحب دينا ... ويرى ناظر السّلوّ حسيرا وهدى قلبه السّبيل فإمّا ... صابراً شاكراً وإمّا كفورا صمّ سمعي عن الكلام كما صر ... ت بمدحي زنكي سميعاً بصيرا كم سقى سيفه شراباً حميما ... وسقى سيبه شراباً طهورا سرح الطّرف في ذراه ترى ث ... مّ نعيماً به وملكاً كبيرا لم ير النّازلون في ظلّه المع ... مور شمساً يوماً ولا زمهريرا ويبيح الطّعام والمال كم ع ... مّ يتيماً بزاده وأسيرا وأرانا نواله وسطاه ... فرأينا منه بشيراً نذيرا كلّ ساعٍ داعٍ له بدوام ال ... ملك ما زال سعيه مشكورا

أسماء بن خارجة

65 - (1) أسماء بن خارجة أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة الفزاري؛ أحد الأجواد من الطبقة الأولى من التابعين من الكوفة، كان قد ساد الناس بمكارم الأخلاق. حكى ابن عساكر قال: أتى الأخطل الشاعر إلى عبد الملك بن مروان في حمالات (2) تحملها عن قومه، فأبى أن يعطيه شيئاً، فسألها بشر بن مروان أخا عبد الملك فقال كما قال عبد الملك، فأتى أسماء بن خارجة، فتحملها عنه جميعاً، فقال: إذا ما مات خارجة بن حصنٍ ... فلا مطرت على الأرض السماء ولا رجع البشير بغنم جيشٍ ... ولا حملت على الطّهر النساء فيومٌ منك خير من رجال ... كثير حولهم نعمٌ وشاء فبورك في بنيك وفي بنيهم ... وإن كثروا، ونحن لك الفداء وبلغ الشعر عبد الملك فقال: عرض بنا الخبيث في شعره. وحكى أبو اليقظان قال: دخل أسماء بن خارجة على عبد الملك بن مروان فقال له: بم سدت الناس؟ فقال: هو من غيري أحسن، فقال له: بلغني عنك خصال شريفة، وأنا أعزم عليك إلا ذكرت بعضها، فقال: أما إذ عزمت علي فنعم، فقال عبد الملك: هذه أولها، فقال أسماء: ما سألني أحد حاجة إلا ورأيت له الفضل علي، ولا دعوت أحداً (3) إلى طعام إلا ورأيت له المنة علي، ولا جلس إلي رجل إلا ورأيت له الفضل علي، ولا قصدني أحد في حاجة

_ (1) تاريخ الإسلام للذهبي 2: 372 والنجوم الزاهرة 1: 179 والكامل لابن الأثير (حوادث سنة 66) وتهذيب ابن عساكر 3: 41 (وكتب خطأ: إسماعيل) . (2) ص: حملات. (3) ص: أحد.

إلا وبالغت في قضائها، ولا شتمت أحداً قط، لأنه إنما يشتمني أحد رجلين: إما كريم فكانت منه هفوة فأنا أحق بعفوها، وإما لئيم فأصون عرضي منه، فقال له عبد الملك: حق لك أن تكون سيداً شريفاً. وقال الكلبي: خرج أسماء في أيام الربيع إلى ظاهر الكوفة فنزل في رياض معشبة، وهناك رجل من بني عبس نازل، فلما رأى قباب أسماء وخيامه قوض خيامه ليرحل، فقال له أسماء: ما شأنك؟ فقال: لي كلب هو أحب إلي من ولدي، وأخاف أن يؤذيكم فيقتله بعض غلمانكم، فقال له أسماء: أقم وأنا ضامن كلبك، ثم قال لغلمانه: إذا رأيتم كلبه قد ولغ في قدوري وقصاعي فلا تهيجوه، وأقام على ذلك مدة، ثم ارتحل أسماء ونزل في الروضة رجل من بني أسد، وجاء الكلب على عادته فضربه الأسدي فقتله، فجاء العبسي إلى أسماء فقال له: أنت قتلت كلبي، قال له: وكيف؟ قال: عودته عادة ذهب يرومها من غيرك فقتل، فأمر له بمائة ناقة دية الكلب. ولما أراد أسماء أن يهدي ابنته إلى زوجها قال لها: يا بنية، كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً، ولا تدني منه فيملك، ولا تتباعدي عنه فيتغير عليك، وكوني له كما قلت لأمك: خذي العفو مني تستديمي مودّتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب فإني رأيت الحبّ في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب وقال الرياشي: قال أسماء بن خارجة لامرأته: اخضبي لحيتي، فقالت: إلى كم ترقع منك ما خلق؟ فقال: عيّرتني خلقاً أبليت جدّته ... وهل رأيت جديداً لم يعد خلقا كما لبست جديدي فالبسي خلقي ... فلا جديد لمن لم يلبس الخلقا وأسند أسماء عن علي بن أبي طالب وابن مسعود، وتوفي في سنة ست وستين وقيل: سنة اثنتين وثمانين، وهو ابن ثمانين سنة، رحمة الله عليه.

66 - (1) تقي الدين بن أبي اليسر إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن أبي المجد، مسند الشام، تقي الدين شرف الفضلاء أبو محمد التنوخي المعري الأصل الدمشقي؛ ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وتوفي سنة اثنتين وسبعين وستمائة. سمع من الخشوعي وعبد اللطيف وشيخ الشيوخ وابن عساكر والدولعي الخطيب وحنبل وابن طبرزد والكندي، وأجاز له جماعة (2) . تفرد بأشياء كثيرة، وكان متميزاً في كتابة الإنشاء جيد النظم حسن القول، ديناً متصوناً، صحيح السماع، من بيت كتابة وجلالة، وكان جده كاتب الإنشاء لنور الدين، وكتب هو للناصر داود وولي بدمشق نظر البيمارستان وسمع ببغداد من الداهري والزبيدي وولي مشيخة أم الصالح ومشيخة الرواية بدار الحديث الأشرفية. روى عنه قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وابن العطار وابن تيمية وأخواه وابن أبي الفتح. سأله أبو حفص ابن أبي المعالي أن يحل أبيات ابن الرومي الزائية التي أولها: وحديثها السحر الحلال لو انّه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ودّ المحدّث أنها لم توجز

_ (1) الزركشي: 68 وعبر الذهبي 5: 299 والشذرات 5: 338 والوافي (ج؟: 9) . (2) من أول الترجمة حتى هذا الموضع لم يرد في المطبوعة؛ وهناك مواضع أخرى أيضاً أخلت بها المطبوعة.

فقال: وحديثها الحديث لا كالحديث، عذب فهو الماء الزلال، وأسكر فأشبه العتيق الجريال، واستملي من غير ملل ولا ملال، وشغل عن غرر من واجب الأشغال، وجنى من قتل المسلم المتحرز ما ليس بحلال، وصادت بشركه النفوس، ومالت إلى وجهه الأعناق والرؤوس، فهو نزهة العيون وعقال العقول، والموجز الذي ود المحدث أن يطول: حديثٌ حديث الروض فتح نوره ... فن نوره قد زاد في السمع والبصر يخرّون للأذقان عند سماعه ... كأنهم من شيعةٍ وهو منتظر يلذّ به طول الحديث لسامر ... ولا يعتريه من إطالته ضجر به طرف للطّرف تجنى وعقلة ... لعاقل ركبٍ قد سبقن إلى سفر هي البدر فاسمع ما تقول فإنه ... غريبٌ وحدّ بالرواية عن قمر وكتب على لسان سيف الدين مقلد ابن الكامل بن شاور إلى الملك الأشرف وكان أبطأ عليه عطاؤه رقعةً مضمونها: يقبل الأرض بين يدي الملك الأشرف - أعز الله نصره، وشرح ببقائه نفس (1) الدهر وصدره وينهي أنه وصل إلى باب مولانا كما قال المتنبي: حتى وصلت بنفس مات أكثرها ... وليتني عشت منها بالذي فضلا ويرجو ما قاله في البيت الآخر: أرجو نداك ولا أخشى المطال به ... يا من إذا وهب الدنيا فقد بخلا فأعطاه صلة سنية وقرر له جامكية، وأحسن قراه، ورتب له ما كفاه. وكتب إلى القاضي بدر الدين السنجاري: لولا مواعيد آمالٍ أعيش بها ... لمتّ يا أهل هذا الحيّ من زمن وإنّما طرف آمالي به مرحٌ ... يجري بوعد الأماني مطلق الرّسن

_ (1) ص: نفيس.

ومن شعره: ليلي كشعر معذّبي ما أطوله ... أخفى الصباح بفرعه إذ أسبله قصصي بنمل عذاره مكتوبة ... يا حسن ما خطّ الجمال وأجمله والله لا أهملت لام عذاره ... يا عاذلي ما كلّ لامٍ مهمله اقرأ على قلبي سبا في حبّه ... والذّاريات لمدمع قد أهمله آيات تحريم الوصال أظنّها ... بطلاق أسباب الحياة مرتّله ثبت الغرام بحاكمٍ من حسنه ... وشهادة الألفاظ وهي معدّله إن أبعدته يد النوى عن ناظري ... فله بقلبي إن ترحّل منزله بالعاديات قد اغتدى عنّا ضحىً ... وبدا له في كلّ قلبٍ زلزله شمس النفوس لبينه قد كوّرت ... والنار في الأحشاء فيه مشعله وقال رحمه الله: ركبني دين فوق عشرة آلاف درهم، وبقيت في قلق، فرأيت والدي في النوم فشكوت له ثقل الدين، فقال: امدح النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: أعجز عن مدحه صلى الله عليه وسلم، فقال: امدحه يوفى دينك، فقلت وأنا نائم: أجد المقال وجدّ في طول المدى ... فعساك تظفر أو تنال المقصدا هي حلبة للمدح ليس يحوزها ... بالسبق إلاّ من أعين وأسعدا وانتبهت فأتممت القصيدة، فوفى الله ديني على تلك السنة. ومن شعره: يا أحمد إن فترة الأجفان ... نبّيت بها في آخر الأزمان والمعجز منك واضح البرهان ... تحيي بالوصل ميت الهجران

67 - (1) الحمدوني إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه، أبو علي الحمدوني، وجده حمدويه صاحب الزنادقة على عهد الرشيد. قال المرزباني: بصري مليح الشعر حسن التضمين، اشتهر بقوله في طيلسان ابن حرب ابن أخي يزيد المهلبي وشاة سعيد، وكان يقول: أنا ابن قولي: يا ابن حربٍ كسوتتي طيلسانا ... ملّ من صحبة الزمان وصدّا طال ترداده إلى الرّفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدّى وله ويقال إنه أول شعر قاله فيه وقد قال فيه خمسين مقطوعاً: كساني ابن حربٍ طيلساناً كأنّه ... فتى ناحلٌ بالٍ من الوجد كالشّنّ تغنّى لإبراهيم لمّا لبسته ... ذهبت من الدنيا وقد ذهبت مني يريد إبراهيم بن المهدي، وهذا الشعر له وتتمته: ذهبت من الدنيا وقد ذهبت مني ... هوى الدهر بي عنها وولّى بها عني فإن أبك نفسي أبك نفساً نفيسةً ... وإن احتبسها أحتسبها على ضنّ ومن شعر الحمدوني في شاة سعيد: ما أرى إن ذبحت شاة سعيد ... حاصلاً في يديّ غير الإهاب ليس إلاّ عظماها لو تراها ... قلت: هذي أزايف في جراب من خساس الشاء اللّواتي إذا ما ... أبصروهنّ قيل: شاء النهاب

_ (1) الزركشي: 69 وطبقات ابن المعتز: 371 والأغاني 12: 61 والوافي (ج؟: 9) وابن خلكان 7: 95 وسماه ((الحمدوني)) ولعل ((الحمدويي)) هو الأصوب.

ستراهنّ كيف ينفضن في وج ... هـ المضحّي بهنّ يوم الحساب وقوله أيضاً فيها: أيا سعيد لنا في شاتك العبر ... جاء وما إن لها بولٌ ولا بعر وكيف تبعر شاةٌ عندكم مكثت ... طعامها الأبيضان الماء والقمر لو أنها أبصرت في نومها علفاً ... غنّت له ودموع العين تنحدر: يا مانعي لذية الدنيا بأجمعها ... إنّي ليقنعني من وجهك النظر وقال فيها: أسعيد قد أعطيتني أضحيّةً ... مكثت زماناً عندكم ما تطعم نضواً تغامزت الكلاب بها وقد ... شدّوا (1) عليها كي تموت فيولموا فإذا الملا ضحكوا بها قالت لهم ... لا تهزؤوا بي وارحموني ترحموا مرت على علف فقامت لم ترم ... عنه وغنت والمدامع تسجم وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم (2) وقال فيها: لسعيد شويهةٌ ... سلّها الضرّ والتلف قد تغنّت وأبصرت ... رجلاً حاملاً علف: بأبي من بكفّه ... برء دائي من الدنف فأتاها مطمّعاً ... فأتته لتعتلف فتولّى فأقبلت ... تتغنّى من الأسف: ليته لم يك وقف ... عذب القلب وانصرف وقال في الطيلسان الذي وهبه إياه ابن حرب (3) :

_ (1) ص: يندوا. (2) بيت لأبي الشيص، طبقات ابن المعتز: 74. (3) من هنا حتى آخر مقطعات الحمدوني لم يرد في المطبوعة.

يا طيلسان ابن حربٍ قد هممت بأن ... تودي بجسمي كما أودى بك الزمن ما فيك من ملبسٍ يغني ولا ثمنٍ ... قد أوهنت حيلي أركانك الوهن فلو تراني لدى الرفّاء مرتبطاً ... كأنّني في يديه الدهر مرتهن أقول حسين رآني النّاس ألزمه ... كأنّما لي في حانوته وطن من كان يسأل عنا أي منزلنا ... فالأقحوانة منّا منزلٌ قمن (1) وقال فيه: يا ابن حربٍ كسوتني طيلساناً ... أنحلته الأزمان فهو سقيم فإذا ما رفوته قال سبحا ... نك محيي العظام وهي رميم وقال فيه: قل لابن حرب طيلسانك قد ... أودى قواي بكثرة الغرم متبّينٌ فيه لمبصره ... آثار رفو أوائل الأمم فكأنه الخمر التي وصفت ... في يا شقيق النفس من حكم (2) فإذا رممناه فقيل لنا ... قد صحّ، قال له البلى انهدم مثل السقيم بري فراجعه ... نكسٌ فأسلمه إلى سقم أنشدت حين طغى فأعجزني ... ومن العناء رياضة الهرم (3) وقال فيه: طيلسانٌ لو كان لفظاً (4) إذن ما ... شكّ قومٌ في أنّه بهتان فهو كالطيور إذ تجلى له الل ... هـ فدكّت قواه والأركان كم رفوناه إذ تمزق حتى ... بقي الرفو وانقضى الطيلسان

_ (1) بيت للحارث بن خالد المخزومي (الأغاني 3: 320 ط، دار الثقافة) . (2) صدر بيت شعر لأبي نواس، وعجزه ((نمت عن ليلى ولم أنم)) . (3) فيه تضمين وصدره ((أتروض عرسك بعد ما هرمت)) . (4) ص: لفظ.

وقال فيه: طيلسانٌ لابن حربٍ جاءني ... خلعةً في يوم نحسٍ مستمر فإذا ما صحت فيه صيحةً ... تركته كهشيم (1) المحتظر وإذا ما الريح هبّت نحوه ... طيّرته كالجراد المنتشر مهطع الدّاعي إلى الرافي إذا ... ما رآه قال: ذا شيءٌ نكر فإذا رفاؤه حاول أن ... يتلافاه تعاطى فعقر وقال فيه: أيا طيلساني أعييت طبي ... أسلٌّ بجسمك أم داء حبٍّ ويا ريح صيرتني أتقيك ... وقد كنت لا أتقي أن تهبي ومستخبرٍ خبر الطيلسان ... فقلت له: الروح من أمر ربي وقال فيه: طيلسانٌ لابن حربٍ جاءني ... قد قضى التمزيق منه وطره أنا من خوفي عليه أبداً ... سامريٌّ ليس يألو حذره يا ابن حرب خذه أو فابعث بما ... نشتري عجلاً بصفرٍ عشره فلعلّ الله يحييه لنا ... إن ضربناه ببعض البقره فهو قد أدرك نوحاً فعسى ... قد حوى من علم نوح خبره أبداً يقرأ من يبصره ... أإذا كنّا عظاماً نخره وقال فيه: يا ابن حربٍ كسوتني طيلساناً ... يزرع الرّفو فيه وهو سباخ مات رفاؤه ومات بنوه ... وبدا الشيب في بنيهم وشاخوا وقال فيه:

_ (1) ص: كنسيم.

يا ابن حرب أطلت فقري برفوي ... طيلساناً قد كنت عنه غنيّا فهو في الرفو آل فرعون فيا العر ... ض على النار بكرة وعشيا زرت فيه معاشراً فازدروني ... فتغنّيت إذ رأوني زريا: جئت في زيّ سائلٍ كي أراكم ... وعلى الباب قد وقفت مليّا وقيل إنه عمل في هذا الطيلسان مائتي مقطوع، وكان قد وقف على أبيات عملها أبو حمران السلمي في طيلسانه، وكان قد بلي، وهي: يا طيلسان أبي حمران قد برمت ... بك الحياة فما تلتذّ بالعمر في كلّ يومين رفّاءٌ يجدّده ... هيهات ينفع تجديدٌ مع الكبر إذا ارتداه لعيدٍ أو لجمعته ... تنكب الناس أن يبلى من النظر وذكرت ها هنا ما كتبه ناصر الدين ابن النقيل إلى السراج الوراق: لو فرّ بغلي من اصطبلي لقلت لمن ... يجري وراه تمهّل أيها الساري ففي زقاق سراج الدين موقفه ... أو ذلك الخطّ أو في حومة الدار وطيلسان ابن حرب قد سمعت به ... من طول بعث وترداد وتكرار فأجابه السراج: أفدي خطاك ولو كانت على بصري ... لكان في ذاك تشريفٌ بمقداري وإن دارك صان الله مالكها ... أعز عندي من أهلي ومن داري وطيلسان ابن حرب في تردّده ... قلبي إليك من الأشواق في نار إذا تمزق ألفاك الشّريّ له ... في رفو بالٍ وفي حوكٍ لأشعار

شرف الدولة ابن منقذ

68 - (1) شرف الدولة ابن منقذ إسماعيل بن سلطان بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ، شرف الدولة أبو (2) الفضل بن أبي العساكر الكناني الشيزري الأمير؛ كان فاضلاً شاعراً، وكان أبوه صاحب شيزر وابن صاحبها، فلما مات أبوه وليها أخوه تاج الدولة، وأقام هو تحت كنف أخيه إلى أن خربتها الزلزلة، ومات أخوه وطائفة تحت الردم، وتوه نور الدين فتسلمها، وكان إسماعيل غائباً عنها، فانتقل إلى دمشق؛ وكانت الزلزلة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة. وأبوه عم مؤيد الدولة أسامة. ومات إسماعيل بدمشق سنة إحدى وستين وخمسمائة. ومن شعره: ومهفهف كتب الجمال بخده ... سطراً يحيّر ناظر المتأمل بالغت في استخراجه فوجدته ... لا رأي إلاّ رأي أهل الموصل وقال لغز (3) في زنبور ونحلة: ومغردين ترنما في مجلسٍ ... فنفاهما لأذاهما الأقوام هذا يجود بما يجود بعكسه ... هذا، فيحمد ذا وذاك يذام ومن شعره: سقيت كاس الهوى علاًّ على نهلٍ ... فلا تزدني كأس اللوم والعذل نأى الحبيب فبي من نأيه حرقٌ ... لو لامست (4) جبلاً هدّت قوى الجبل

_ (1) الزركشي: 69 والخريدة (قسم الشام) 1: 564 ومعجم الأدباء 5: 234 والوافي (ج؟: 9) وليس في المطبوعة من هذه الترجمة إلا بيتان من الشعر. (2) ص: أبي. (3) كذا في ص. (4) الخريدة: لابست.

ابن عز القضاة

ولو تطلّبت سلواناً لزدت هوىً ... وقد تزيد رسوباً نهضة الوحل عفت رسومي فعج نحوي لتندبني ... فالجسم (1) غبّ زيال الحب كالطل صحوت من قهوة تنفى الهموم بها ... لكنّني ثملٌ (2) من طرفه الثمل أصبّر النفس عنه وهي قائلةٌ ... ما لي بعاديةٍ الأشواق من قبل كم ميتةٍ وحياةٍ ذقت طعمهما ... مذ ذقت طعم النوى لليأس والأمل والنفس إن خاطرت في غمرة وألت ... منها وإن خاطرت في الوجد لم تئل لها دروعٌ تقيها من سهام يدٍ ... فهل دروعٌ تقيها أسهم المقل فانظر إليه تر (3) الأقمار في قمر ... وانظر إليّ تر العشّاق في رجل بأيّ أمرٍ سأنجو من هوى رشأ ... في جفنه سحر هاروت وسيف علي إذا رمى لحظه بالسّحر قال له ... قلبي: أعد لا رماك الله بالشلل إن خفت روعة هجران الحبيب فقد ... أمنت في حبّه من روعة العذل 69 (4) ابن عز القضاة إسماعيل بن علي بن محمد بن عبد الواحد بن أبي اليمن، فخر الدين المعروف بابن عز القضاة؛ كان في أول أمره كاتباً أديباً خدم في جهات كبار، وله دخول على الملك الناصر صاحب حلب مع الشعراء وأهل حضرته، فلما أن جفل الناس

_ (1) الخريدة: فالصب. (2) ص: ثملا. (3) ص: ترى. (4) الزركشي: 71 وعبر الذهبي 5: 361 والشذرات 5: 480 والوافي (ج؟: 9) ؛ وقد سقط من المطبوعة معظم هذه الترجمة.

من الشام إلى مصر أيام التتار توجه إلى مصر، وعاد بصورة عظيمة من الزهد والاعراض عن الدنيا، ولازم كتب الشيخ محيي الدين ابن العربي، نسخ منها جملة، وواظب (1) زيارة قبره، واشتهر بالخير واعتقد الناس فيه. وتوف سنة تسع وثمانين وستمائة، ولم يخلف شيء (2) ، وفرغت نفقته ليلة مات، وتوفي بعقربا، وكانت له جنازة عظيمة، ودفن في تربة أولاد الزكي، وتلوا الناس على قبره ختمات كثيرة، وتفجع (3) الناس عليه، ورؤيت له المنامات الصالحة. ومن شعره ما كتبه إلى الشيخ شرف الدين الرقي، وهو مجاور بمكة، شرفها الله تعالى: من الخادم إلى سيده وأخيه في الله إن ارتضاه، أما بعد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإني كنت أرجو بركة دعائه لما أظنه من عناية الله به، فكيف الآن وهو جار الله، فانضاف إلى عناية الله تعالى بسيدي عناية الوطن، وكان الخادم عند توجه الحاج نظم أبياتاً حسنة مشوقة إلى تقبيل الحجر المكرم، وها هي: أوفد الله أعطاكم قبولاً ... وكان لكم حفيظاً أجمعينا إن الرحمن أذكركم بأمري ... هناك فقبّلوا عنّي اليمينا فإنّي أرتجي منه جناناً ... لأنّ إليه في قلبي حنينا وأرجو لثم أيدٍ بايعته ... إذا عدتم بخيرٍ آمنينا فأجابه الشيخ شرف الدين: نعم أسعى على بصري ورأسي ... وألثم عنكم الركن اليمينا نعم وكرامةً وأطوف أيضاً ... ببيت الله ربّ العالمينا وأنت أخي وخلّي ثمّ عندي ... كريمٌ في إخائك ما بقينا

_ (1) ص: وواضب. (2) كذا في ص. (3) ص: وتفج.

وأرجو أن نكون غداً جميعاً ... إلى وجه المهيمن ناظرينا ومن شعر ابن عز القضاة: لم أنت في ودّ الصديق تفرط ... ترضى بلا سببٍ عليه وتسخط يا من تلّون في الوداد أما ترى ... ورق الغصون إذا تلون يسقط وقال يصف شموعاً: وزهر شموعٍ إن مددن بنانها ... بمحو سطور الليل نابت عن البدر وفيهنّ كافوريّةٌ خلت أنها ... عمود صباح فوقه كوكب الفجر وصفراء تحك شاحباً شاب رأسه ... فأدمعها تجري على ضيعة العمر وخضراء يبدو وقدها فوق قدها ... كنرجسة تزهى على الغصن النضر ولا غرو أن تحكي الأزاهر حسنها ... أليس جناها النحل قدماً من الزهر وله أيضاً: وملتثم بالشّعر من فوق ثغره ... غدا قائلاً شبّهه لي بحياتي فقلت سترت الليل بالصبح قال لا ... ولكن سترت الدرّ بالظلمات وقال على طريقة الشيخ محيي الدين ابن العربي رضي الله عنه: يقولون دع ذكرى (1) بثينة كيف لي ... وقد ملكت قلبي بحسن اعتدالها ولكن إن اسطعتم تردّون ناظري ... إلى غيرها فالعين نصب جمالها وأُقسم ما عاينت في الكون صورةً ... لها الحسن إلاّ قلت طيف خيالها ومن لي بليلي العامريّة إنّما ... عظيم الغنى من نال وهم وصالها فما الشمس أدنى من يدي لامسٍ لها ... وليس السّها في بعد نقطة خالها ولكن دنت لطفاً له فتنزّلت ... على عزها في أوجها وجلالها وأبدت لنا مرآتها غيب حضرة ... غدت هي مجلاها وسرّ كمالها فحسبي فخراً أن نسبت لحبّها ... وحسبي قرباً أن خطرت ببالها

_ (1) ص: ليلى.

العين زربي

70 - (1) العين زربي إسماعيل بن علي، العين زربي نسبة إلى عين زربة، ثغر بقرب المصيصة (2) الشاعر، سكن دمشق ومات بها سنة ثمان وستين وأربعمائة، رحمه الله. ومن شعره: وحقكم لا زرتكم في دجنة ... من الليل تخفيني كأني سارق ولا زرت إلاّ والسيوف شواهرٌ ... عليّ وأطراف الرماح لواحق ومنه أيضاً: ألا يا حمام الأيك عشّك آهلٌ ... وغصنك ميّاد وإلفك حاضر أتبكي وما امتدت إليك يد النوى ... ببين ولم يذعر جنابك ذاعر وله أيضاً: أعينيّ لا تستبقيا فيض عبرة ... فإنّ النّوى كانت لذلك موعدا فلا تعجبا أن تمطر العين بعدهم ... فقد أبرق البين المشتّ وأرعدا ويومٍ كساه الغيم ثوباً مصندلاً ... فصاغت طرازيه يد البرق عسجدا كأنّ السما والرعد فيه تذكّرا ... هوىً لهما فاستعبرا وتنهّدا ذكرت به فياض كفك في الندى ... وأن كانتا أهمى وأبقى وأجودا ومنه أيضاً:

_ (1) الزركشي: 72 وتهذيب ابن عساكر 3: 36 والخريدة (قسم الشام) 2: 180 والوافي (ج؟: 9) وكنيته أبو محمد. (2) زيادة من المطبوعة.

الملك المؤيد صاحب حماة

أحنّ إلى ساكنات الحجاز ... وقد حجزتني أمورٌ ثقال بكيت ففاضت بحار الدموع ... وكان لها من جفوني انثيال وظنّ العواذل أني سلوت ... لفقد البكاء وجاءوا وقالوا: حقيقٌ حقيقٌ وجدت السلوّ ... فقلت لهم بل محال محال (1) ومن هذه المادة قول ابن سناء الملك: أرى ألف الف مليح فما ... كأني رأيت مليحاً سواه أراه وما لي وصولٌ إليه ... فراحة قلبي أن لا أراه وقالوا هواك مقيمٌ مقيمٌ ... عليه فقلت كما هو كما هو 71 (2) الملك المؤيد صاحب حماة إسماعيل بن علي، الإمام العالم الفاضل السلطان الملك المؤيد عماد الدين أبو الفدا ابن الأفضل ابن الملك المظفر ابن الملك المنصور، صاحب حماة؛ مات في الكهولة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، كان أميراً بدمشق، وخدم الملك الناصر لما كن بالكرك وبالغ في ذلك، فوعده بحماة ووفى له بذلك وأعطاه حماة لما أمر لأسندمر بحلب بعد موت نائبها قبجق، وجعله سلطاناً يفعل فيها ما يشاء من إقطاع وغيره، ليس لأحد من الدولة بمصر من نائب ووزير معه حكم، وأركبه في القاهرة بشعار الملك وأبهة السلطنة، ومشى الأمراء والناس في خدمته، حتى الأمير سيف الدين أرغون النائب، وقام له القاضي كريم الدين بكل ما يحتاج

_ (1) ابن عساكر: عنها فقلت محال محال. (2) الزركشي: 73 والدرر الكامنة 1: 396 والبداية والنهاية 14: 158 والنجوم الزاهرة 9: 292 وطبقات السبكي 6: 84 والوافي (ج؟: 9) .

إليه في ذلك المهم من التشاريف والإنعامات على وجوه الدولة وغيره، ولقبوه الملك الصالح، ثم بعد قليل لقبه الملك المؤيد. وكان كل سنة يتوجه إلى مصر بأنواع من الخيل والرقيق والجواهر وسائر الأصناف الغريبة، هذا إلى ما هو مستمر طول السنة مما يهديه من التحف والطرف، وتقدم السلطان الملك الناصر إلى نوابه بأن يكتبوا إليه يقبل الأرض وكان الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى يكتب إليه يقبل الأرض بالمقام العالي الشريف المولوي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي وفي العنوان صاحب حماة ويكتب إليه السلطان أخوه محمد بن قلاوون أعز الله أنصار المقام الشريف العالي السلطان الملكي المؤيدي العمادي بلا مولوي. وكان الملك المؤيد فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك، وأجود ما كان يعرفه علم الهيئة لأن أتقنه، وإن كان قد شراك في سائر العلوم مشاركة جيدة. وكان محباً لأهل العلم مقرباً لهم، أوى إليه أمين الدين الأبهري وأقام عنده، ورتب له ما يكفيه، وكان قد رتب لجمال الدين محمد بن نباتة كل سنة ستمائة درهم، وهو مقيم بدمشق، غير ما يتحفه به. ونظم الحاوي في الفقه، ولو لم يعرفه معرفة جيدة ما نظمه، وله تاريخ مليح، وكتاب الكناش مجلدات كثيرة، وكتاب تقويم البلدان هذبه وجدوله وأجاد فيه ما شاء، وله كتاب الموازين جوده وهو صغير. ومات وهو في الستين، رحمه الله تعالى؛ وله شعر، ومحاسنه كثيرة. ولما مات رثاه الشيخ جمال الدين بن نباتة بقصيدة أولها: ما للنّدى لا يلبي صوت داعيه ... أظنّ أنّ ابن شادي قام ناعيه ما للرجاء قد اشتدّت مذاهبه ... ما للزمان قد اسودّت نواحيه نعى المؤيد ناعيه فيما أسفا ... للغيث كيف غدت عنّا غواديه منها:

كان المديح له عرساً (1) بدولته ... فأحسن الله للشّعر العزا فيه يا آل أيّوب صبراً إن إرثكم ... من اسم أيوب صبراً كان منجيه هي المنايا على الأقوام دائرة ... كلٌّ سيأتيه منها دور ساقيه وتوجه الملك المؤيد بعض السنين إلى مصر ومعه ابنه الملك الأفضل محمد، فمرض ولده، فجهز إليه السلطان الحكيم جمال الدين ابن المغربي رئيس الأطباء، فكان يجيء إليه بكرة وعشياً، فيراه ويبحث معه في مرضه، ويقرر الدواء، ويطبخ الشراب بيده في دست فضة، فقال له ابن المغربي: يا خوند، أنت والله ما تحتاج إلي، وما أجي إلا امتثالاً لأمر السلطان. ولما عوفي أعطاه بغلة بسرج وكنبوش (2) زركش وتعبية قماش وعشرة آلاف درهم والدست الفضة، وقال: يا مولاي، اعذرني فإني لما خرجت من حماة ما حسبت مرض هذا الابن. ومدحه الشعراء وأجازهم، ولما مات فرق كتبه على أصحابه، وأوقف منها جملة. ومن شعره: اقرأ على طيب الحيا ... ة سلام صبٍّ مات حزنا واعلم بذاك أحبّةً ... بخل الزمان بهم وضنّا لو كان يشرى قربهم ... بالمال والأرواح جدنا متجرّعٌ كأس الفرا ... ق يبيت للأشجان رهنا صبٌّ قضى وجداً ولم ... يقضى له ما قد تمنى وله أيضاً: كم من دمٍ حلّلت وما ندمت ... تفعل ما تشتهي فلا عدمت لو أمكن الشمس عند رؤيتها ... لثم مواطي أقدامها لثمت وله أيضاً:

_ (1) ص: عرس. (2) ص: وكبنوش؛ والكنبوش: جلال يتخذ للدابة.

سرى مسرى الصّبا فعجبت منه ... من الهجران كيف صبا إليّا وكيف ألّم بي من غير وعدٍ ... وفارقني ولم يعطف عليّا وله موشح رحمه الله تعالى: أوقعني العمر في لعلّ وهل ... يا ويح من عمره مضى بلعل والشيب وافى وعنده نزلا ... وفرّ منه الشباب وارتحلا ما أوقح الشّيب الآتي ... إذ حلّ لا عن مرضاتي قد أضعفتني الستون لا زمني ... وخانني نقص قوّة البدن لكن هوى القلب ليس ينتقص ... وفيه مع ذا من جرحه غصص يهوى جميع اللذات ... كما له من عادات يا عاذلي لا تطل ملامك (1) لي ... فإنّ سمعي نأى عن العذل وليس يجدي الملام والفند ... فيمن صبابات عشقه جدد دعني أنا في صبواتي ... أنت البري من زلاّتي كم سرني الدهر غير مقتصر ... بالكاس والغانيات والوتر نمرح في طيب عيشنا الرغد ... طرفي وروحي وسائر الجسد وكم صفت لي خطراتي ... وساعدتني أوقاتي مضى رسولي إلى معذبتي ... وعاد في بهجة مجدّدة وقال: قالت تعال في عجل ... لمنزلي قبل أن يجي رجلي

_ (1) ص: ملالك.

واصعد وجز من طاقاتي ... ولا تخف من جاراتي قال: ومن الغريب أن السلطان، رحمه الله، كان يقول: ما أظن أني أستكمل من العمر ستين سنة، فما في أهلي يعني بيت تقي الدين من استكمله، وفي أوائل الستين من عمره قال هذا الموشح، ومات في بقية السنة، رحمه الله تعالى. وهذه الموشحة جيدة في بابها، منيعة على طلابها، وقد عارض بوزنها موشحة لابن سناء الملك رحمه الله تعالى، أولها: عسى ويا قلما تفيد عسى ... أرى لنفسي من الهوى نفسا مذ بان عني من قد كلفت به ... قلبي قد لجّ في تقلّبه وبي أذى شوق عاتي ... ومدمعي يومٌ شاتي لا أترك اللهو والهوى أبدا ... وإن أطلت الغرام والفندا إن شئت فاعذل فلست أستمع ... أنا الذي في الغرام أتبع وتحتذى صباباتي ... وبدعي (1) وعاداتي بي ملكٌ في الجمال لا بشر ... يظلم إن قيل إنّه قمر يحسن فيه الولوع والوله ... وعزّ قلبي في أن أذلّ له خدّي حذا إن ياتي ... ويرتعي حشاشاتي لست أذم الزمان معتديا ... كم قد قطعت الزمان ملتهيا وظلت في نعمة وفي نعم ... يلتذّ سمعي وناظري وفمي

_ (1) ص: ويدعى.

السيد الحميري

ولا قذى في كاساتي ... ومرتعي في الجنّات وغادةٍ دينها مخالفتي ... ولا ترى في الهوى محالفتي وتستبيني ولست أمنعها ... فقلت قولاً عساه يخدعها ما هو كذا يا مولاتي ... اجري معي في ماواتي وموشحة السلطان، رحمه الله تعالى، نقصت عن موشحة ابن سناء الملك ما التزمه من القافيتين في الخرجة وهو الذال في كذا والعين في معي وخرجة ابن سناء الملك أحسن من خرجة السلطان، رحمهما الله تعالى. 72 - (1) السيد الحميري إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة المعروف بالسيد الحميري؛ كان شاعراً محسناً كثير القول، إلا أنه كان رافضي جلد زائغ (2) عن القصد؛ له مدائح جمة في آل البيت عليهم السلام، وكان مقيماً بالبصرة، وكان أبواه يبغضان عليّاً، وسمعهما يسبانه بعد صلاة الفجر، فقال: لعن الله والديّ جميعاً ... ثمّ أصلاهما عذاب الجحيم وكان يرى رجعة محمد بن الحنفية في الدنيا، وكان كثير الشاعر يرى هذا

_ (1) طبقات ابن المعتز: 32 والأغاني 7: 2242 وابن خلكان 6: 343 والوافي 9 رقم 5003 وفتوح ابن أعثم 2: 224 ورجال الكشي: 242 وقد طبع في النجف (1965) كتاب للمرزباني بعنوان ((أخبار السيد الحميري)) . وقد جمع ديوانه شاكر هادي شكر (بيروت؛ دون تاريخ) . (2) كذا هو في ص، دون اعراب.

الرأي، وكان السيد يعتقد أن ابن الحنفية لم يمت، وأنه في جبل بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل، ويعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويقال إن السيد اجتمع بجعفر الصادق عليه السلام فعرفه خطأه وأنه على ضلالة فتاب. وقال المرزباني في معجم الشعراء: إنه إسماعيل بن محمد بن وداع الحميري، ولذلك يقول (1) : إنّي امرؤٌ حميريٌّ حين تنسبني ... جدّي رعينٌ وأخوالي ذوو يزن ثمّ الولاء الذي أرجوا النجاة (2) به ... يوم القيامة للهادي أبي الحسن وكان أسمر تام القامة حسن الألفاظ جميل الخطاب، مقدماً عند المنصور والمهدي. ومات أول أيام الرشيد سنة ثلاث وسبعين ومائة، وولد سنة خمس ومائة. وكان أحد الشعراء الثلاثة (3) الذين لم يضبط ما لهم من الشعر، هو وبشار وأبو العتاهية، وإنما أمات ذكره وهجره الناس لسبه الصحابة وبغض أمهات المؤمنين وإفحاشه في قذفهم، فتحاماه الرواة. قال المازني: سمعت أبا عبيدة يقول: ما هجا بني أمية أحد كما هجاهم يزيد ابن مفرغ والسيد الحميري. وقال السيد: أتى بي أبي وأنا صغير إلى محمد بن سيرين فقال لي: يا بني، اقصص رؤياك، فقلت: رأيت كأني في أرض سبخة، وإلى جانبها أرض حسنة، وفيها النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً، وليس فيها نبت، وفي الأرض السبخة شوك ونخل، فقال لي: يا إسماعيل، أتدري لمن هذا النخل؟ قلت: لا، قال: هذا لامرىء القيس بن حجر، فانقله إلى هذه الأرض الطيبة التي أنا فيها، فجعلت

_ (1) ورد البيتان في ديوانه: 439 برواية مختلفة. (2) ص: النجاء. (3) ص: الثلاث.

أنقله، إلى أن نقلت جميع النخل وحولت شيئاً من الشوك، فقال ابن سيرين لأبي: أما ابنك هذا فسيقول الشعر في مدح طهرة أبرار، فما مضت إلا مدة حتى قلت الشعر. قال ابن سلام: فكانوا يرون أن النخل مدحه أمير المؤمنين وذريته، وأن الشوك حوله وما أمر بتحويله هو ما خلط به شعره من سب السلف. وقال الصولي: حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود، حدثنا علي بن محمد بن سليمان، قال: كان السيد يزعم أن علياً رضي الله عنه سمى محمد بن الحنفية المهدي، وأنه الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه حي في جبال رضوى. قال الصولي: قال أبو العيناء للسيد: بلغني أنك تقول بالرجعة، قال: هو ما بلغك، قال: فأعطني ديناراً بمائة دينار إلى الرجعة، فقال له السيد: على أن توثق لي بمن يضمن أنك ترجع إنساناً، أخاف أن ترجع قرداً أو كلباً فيذهب مالي. وكان السيد إذا سئل عن مذهبه أنشد من قصيدته المشهورة (1) : سميّ نبيّنا لم يبق منهم ... سواه فعنده حصل الرجاء فغيّب غيبةً من غير موت ... ولا قتل وسار به القضاء وبين الوحش ترعى في رياضٍ ... من الآفات مرتعها خلاء تحلّ فما بها بشرٌ سواه ... بعقوته له عسل وماء إلى وقت، ومدة كل وقت ... وإن طالت عليه لها انقضاء فقل للناصب الهاذي ضلالاً ... يقوم وليس عندهم غناء فداء لابن خولة كل نذل ... يطيف به، وأنت له فداء كأنا يا بن خولة عن قريبٍ ... وربّ العرش يفعل ما يشاء

_ (1) ديوانه: 49 وهي منقولة عن الفوات.

تهز دوين عين الشمس سيفاً ... كلمع البرق أخلصه الجلاء تشبه وجهه قمراً منيراً ... يضيء له إذا طلع السماء فلا يخفى على أحدٍ فصبرٌ ... وهل بالشمس ضاحيةً خفاء هنالك تعلم الأحزاب أنّا ... ليوثٌ لا ينهنهنا اللقاء فندرك بالذحول بني أميٍّ ... وفي ذاك الذحول لهم فناء وحكي أن اثنين تلاحيا في أي الخلق أفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: أبو بكر، وقال الآخر: علي، فتراضيا بالحكم إلى أول من يطلع عليهما، فطلع عليهما السيد الحميري، فقال القائل بفضل علي: قد تنافرت أنا وهذا إليك في أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت أنا: علي، فقال السيد: وما قال هذا ابن الزانية؟ فقال ذاك: لم أقل شيئاً. وقال الصولي: حدثنا محمد بن عبد الله التميمي قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أبيه قال: قلت للفضل بن الربيع: رأيت السيد الحميري؟ قال: نعم، عهدي به واقفاً بين يدي الرشيد، وقد رفع إليه أن رافضي، وهو يقول: إن كان الرفض حبكم يا بني هاشم وتقديمكم على سائر الخلق فما أعتذر ولا أزول عنه، وإن كان غير ذلك فما أقول به، ثم أنشده (1) : شجاك الحيّ إذ بانوا ... فدمع العين هتّان كأنّي يوم ردّوا العي ... س للرحلة نشوان وفوق العيس إذ ولّوا ... مها عينٌ (2) وغزلان وما حازوا إلى الأعلى (3) ... فأقمارٌ وأغصان

_ (1) ديوانه: 410. (2) ص: عينا؛ وفي الديوان: بها حور. (3) الديوان: وما جاوز للأعلى.

منها: عليٌّ وأبو ذرٍّ ... ومقدادٌ وسلمان وعبّاسٌ وعمّارٌ ... وعبد الله إخوان دعوا فاستودعوا علماً ... فأدّوه وما خانوا أدين الله بالدين ال ... ذي كانوا به دانوا منها: فحبّي لك إيمان ... وميلي عنه كفران فعدّ القوم ذا رفضاً ... فلا عدّوا ولا كانوا قال: فعهدي بالرشيد وقد ألطف له ووصله، وبره جماعة من الهاشميين، وتوفي بعد قليل (1) . قيل لما استقام الأمر للسفاح خطب يوماً فأحسن الخطبة، فلما نزل عن المنبر قام إليه السيد الحميري فأنشده (2) : دونكموها يا بني هاشم ... فجدّدوا من آيها الطّامسا دونكموها فالبسوا تاجها ... لا تعدموا منكم لها لابسا دونكموها لا علت كعب من ... أمسى عليكم ملكها نافسا خلافة الله وسلطانه ... وعنصرٌ كان لكم دارسا قد ساسها قبلكم ساسةٌ ... لم يتركوا رطباً ولا يابسا لو خيّر المنبر فرسانه ... ما اختار إلاّ منكم فارسا فلست من أن تملكوها إلى ... هبوط عيسى منكم آيسا فقال السفاح سل حاجتك، قال: ترضى عن سليمان بن حبيب بن المهلب

_ (1) وقال الصولي.... قليل: لم يرد في المطبوعة. (2) ديوانه: 258.

وتوليه الأهواز، قال (1) : قد أمرت بذلك، وكتب عهده ودفعه إلى السيد، وقدم به عليه، فلما وقعت عينه عليه أنشده (2) : أتيناك يا قرم أهل العراق ... بخير كتابٍ من القائم أتيناك من عند خير الأنام ... فذاك ابن عم أبي القاسم (3) يولّيك فيه جسام الأمور ... فأنت صنيع بني هاشم أتينا بعهدك من عنده ... على من يليك من العالم فقال له سليمان: شريف وشافع وشاعر ووافد ونسيب، سل حاجتك، فقال: جارية فارهة جميلة ومن يخدمها، وبدرة دراهم وحاملها، وفرس رائع وسائسه، وتخت من صنوف الثياب وحامله، قال: قد أمرت لك بكل ما سألت، وهو لك عندي كل سنة. قال أبو ريحانة، وكان يشار إليه في التصوف والورع: حدثني رجل كان أبوه في جوار السيد قال: لما حضرته الوفاة جاءنا وليه فقال: هذا وإن كان مخلطاً فهو من أهل التوحيد، وهو جاركم، فادخلوا إليه ولقنوه الشهادة، قال: فدخلنا إليه وهو يجود بنفسه وقلنا له: قل (4) لا إله إلا الله، قال: فاسود وجهه وفتح عينيه وقال: " وحيلَ بَيْنَهُمْ وبَينَ مَا يَشْتَهُون " سبأ قال: فخرجنا من عنده، فمات من ساعته.

_ (1) ص: قلت. (2) ديوانه: 396. (3) سقط هذا البيت من المطبوعة. (4) ص: قول.

ابن مكنسة الشاعر

73 - (1) ابن مكنسة الشاعر إسماعيل بن محمد، أبو الطاهر المعروف بابن مكنسة الاسكندراني؛ ذكره أمية ابن أبي الصلت في الحديقة؛ توفي في حدود الخمسمائة أو بعدها. من شعره: أعاذل ما هبت رياح ملامةٍ ... بنار هوىً إلاّ وزادت تضرّما فكلني إلى عينٍ إذا جفّ ماؤها ... رأت من حقوق الحب أن تذرف الدما فكم عبرة أعطت غرامي زمامها ... عشية أعملن المطيّ المزمزما فلله قلبٌ قارعته همومه ... فلم يبق حدٌّ منه إلاّ تثلّما (2) وأورد له أيضاً في الحديقة: رقّت معاقد خصره فكأنها ... مشتقّةٌ من عهده وتجلّدي وتجعّدت أصداغه فكأنها (3) ... مسروقةٌ من خلقه المتجعد ما باله يجفو وقد زعم الورى ... أن الندى يختص بالوجه الندي لا تخدعنّك وجنةٌ محمرّةٌ ... رقت ففي الياقوت طبع الجلمد وزعمت أني لست من أهل الهوى ... صبا (4) فقل ما شئته وتقلّد والله ما أبصرت يوماً أبيضاً ... منذ ابتليت بحبّ طرفٍ أسود وله أيضاً:

_ (1) الزركشي: 74 والخريدة (قسم مصر) 2: 203 والوافي 9 رقم: 5020. (2) من أول الترجمة حتى هذا الموضع لم يرد في المطبوعة. (3) ص: فكأنما. (4) ص: صب.

صيّرتمونا يا بني ... بكجور عشاقاً بشدّه لكم الولاية في الهوى ... أمراً أراد الله عقده ما قام منكم قائمٌ ... إلاّ وكان الحسن جنده ما يلتحي حتى ينصّ ... على وليّ العهد بعده وأورد له أيضاً: يعطيك مبتدياً لدى سرّائه ... ويضاعف الإعطاء في ضرّائه بت جاره فالعيش تحت ظلاله ... واستسقه فالبحر من أنوائه يلقى الخطوب بمثلها من صبره ... والباترات بمثلها من رائه فالطود حاسد حلمه وأناته ... والسيف حاسد بأسه ومضائه ولابن مكنسة: يا رب عربيدٍ إذا ما انتشى ... أربى على المجنون في مسّه قالوا: فقد تاب ووالله ما ... يتوب أو يجعل في رمسه وإنما توبته هذه ... عربدةٌ أيضاً على نفسه وله أيضاً (1) : إبريقنا عاكف على قدحٍ ... كأنّه الأمّ ترضع الولدا أو عابد من بني المجوس إذا ... توهم الكاس شعلة سجدا

_ (1) لم يرد البيتان في المطبوعة.

أشجع السلمي

74 - (1) أشجع السلمي أشجع بن عمرو السلمي من ولد الشريد بن مطرود، مدح الرشيد والبرامكة، وانقطع إلى جعفر خاصة وأصفاه مدحه، ووصله الرشيد وأعجبه مدحه وتقدم عنده وأثرت حالته في أيامه، وهو القائل يصف الخمر: ولقد طعنت الليل في أعجازه ... والكأس بين غطارفٍ كالأنجم يتمايلون مع النّسيم كأنّهم ... قضبٌ من الهندي لم تتثلم والليل ملتحفٌ بفضل ردائه ... قد كاد يسفر عن أغرٍّ أرقم فإذا أدراتها الأكفّ رأيتها ... تثني الفصيح إلى لسان الأعجم وعلى بنان مديرها عقيانةٌ ... من كسبها وعلى فضول المعصم تغلي إذا ما الشعريان تلظّيا ... صيفاً وتسكن في طلوع المرزم ولها سكونٌ في الإناء وتارةً ... شغباً تطوّح بالكميّ المعلم تعطي على الظلم الفتى يقتادها ... قسراً وتظلمه إذا لم يظلم قال عبد الله بن العباس الربيعي: إن أول من أدخل أشج على الرشيد أنه خدم الفضل بن الربيع فوصفه للرشيد وقال: هو أشعر أهل هذا الزمان، وقد اقتطعه البرامكة، فأمر بإحضاره وإيصاله مع الشعراء، فلما وصل إليه أنشده في القصر الذي بناه: قصرٌ عليه تحيّةٌ وسلام ... نثرت (2) عليه جمالها الأيام

_ (1) طبقات ابن المعتز: 251 والشعر والشعراء: 758 وتهذيب ابن عساكر 3: 59 والأغاني 18: 143 والوافي 9: رقم 5088 وتاريخ بغداد 7: 45 والموشح: 452 والأوراق للصولي (فسم أخبار الشعراء: 74) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ابن المعتز: نشرت.

أشعب الطمع

فيه اجتلى الدنيا الخليفة والتقت ... للملك فيه سلامةٌ وسلام (1) قصرٌ سقوف المزن دون سقوفه ... فيه لأعلام الهدى أعلام نشرت عليه الأرض كسوتها التي ... نسج الربيع وزخرف الأرهام أدنتك من ظلّ النبيّ وصيّةٌ (2) ... وقرابةٌ وشجت بها الأرحام برقت سماؤك في العدوّ فأمطرت ... هاماً لها ظلّ السيوف غمام وإذا سيوفك صافحت هام العدا ... طارت لهنّ على الرءوس الهام تثني على أيّامك الأيّام ... الشّاهدان الحلّ والإحرام وعلى عدوّك يا ابن عمّ محمد ... رصدان ضوء الصبح والإظلام فإذا تنبّه رعته وإذا غفا ... سلّت عليه سيوفك الأحلام قال: فاستحسنها الرشيد، وأمر له بعشرين ألف درهم. وكان جعفر بن يحيى البرمكي يجري عليه في كل جمعة مائة دينار. وتوفي أشجع في حدود المائتين تقريباً. وأخباره في كتاب الأغاني كثيرة، رحمه الله تعالى وإيانا. 75 - (3) أشعب الطمع أشعب بن جبير المدني، الذي يضرب به المثل في الطمع. روى عن عكرمة وأبا بن عثمان وسالم بن عبد الله، وله النوادر المشهورة.

_ (1) ابن المعتز: ودوام. (2) ابن المعتز: وسيلة. (3) الوافي 9 رقم: 5092 وابن خلكان 2: 471 (شعيب) وهو من مزيدات طبعة بيروت (1968 - 1972) وتهذيب ابن عساكر 3: 75 وميزان الاعتدال 1: 258 وتاريخ بغداد 7: 37 والمحاسن والمساوئ: 597 والأغاني 19: 69 وأخبار الظراف: 31 وثمار القلوب: 150.

قال: حدثنا عكرمة عن ابن عباس قال: إن الله على العبد نعمتين (1) ، وسكت فقيل له: اذكرهما، فقال: الواحدة نسيها عكرمة، والأخرى نسيتها أنا. وهو خال الأصمعي. وقال يوماً: ابغوني امرأة أتشجأ في وجهها فتشبع، وتأكل فخذ جرادة فتنتخم. وأسلمته أمه في البزازين، فقال لها يوماً: تعلمت نصف الشغل، قالت: وما هو؟ قال: تعلمت النشر وبقي الطي. وقيل له ما بلغ من طمعك؟ قال: ما زفت امرأة في المدينة إلا كنست بيتي رجاء أن تهدي لي. ومر برجل يعمل طبقاً، فقال له: وسعه فربما يشتري أحد ويهدي لنا فيه شيئاً (2) . ومن عجائب أمره أنه لم يمت شريف (3) بالمدينة إلا استعدى على وصيه أو على وارثه، وقال له: احلف أنه لم يوص لي بشيء قبل موته. كان زياد بن عبد الله الحارثي على شرطة المدينة، وكان مبخلاً، فدعا أشعب في شهر رمضان ليفطر عنده، فقدمت له أول ليلة مضيرة (4) معقودة، وكانت تعجبه، فأمعن فيها أشعب وزياد يلمحه، فلما فرغوا من الأكل قال زياد: ما أظن لأهل (5) السجن إماماً يصلي بهم في هذا الشهر، فليصل بهم أشعب، فقال أشعب: أو غير ذلك أصلحك الله، قال: وما هو؟ قال: أحلف بالطلاق أن لا أذوق مضيرة أبداً. فخجل زياد وتغافل عنه. وقال أشعب: جائتني جارية بدينار وقالت: هذا وديعة عندك، فجعلته بين ثني الفراش، فجاءت بعد أيام فوجدت الدينار، فقلت: ارفعي الفراش

_ (1) ص: نعمتان. (2) ص: شيء. (3) ص: شريفاً. (4) الوافي: مصلية. (5) ص: لأجل.

وخذي ولده، وكنت تركت إلى جانبه درهماً، فتركت الدينار وأخذت الدرهم وعادت بعد أيام فوجدت معه درهماً (1) آخر، فأخذته، وعادت في الثالثة كذلك، فلما جاءت الرابعة تباكيت، فقالت: ما يبكيك؟ فقلت: مات الدينار في النفاس، فقالت: وكيف يكون للدينار نفاس؟ فقلت: يا فاسقة تصدقين بالولادة ولا تصدقين بالنفاس؟ وسأل سالم بن عبد الله بن عمر عن طمعه، قال: اجتمعوا علي الصبيان يوماً، فقلت لهم: هذا أبان بن عثمان قد طبخ هريسة وهو يفرقها، فاذهبوا إليه، فلما ذهبوا ظننت أن الأمر كما قلت، فعدوت خلفهم. وقيل له: ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأثرد. وقيل له أيضاً، قال: ما رأيت اثنين (2) يتساران إلا ظننت أنهما يأمران لي بشيء. وجلس يوماً في الشتاء إلى إنسان من ولد عقبة بن أبي معيط، فمر به حسن ابن حسن، فقال: ما يقعدك إلى جانب هذا؟ قال: أصطلي بناره. ولما مات ابن عائشة المغني جعل أشعب يبكي ويقول: قلت لكم زوجوا ابن عائشة من الشماسية حتى يخرج بينهما مزامير داود، فلم تفعلوا، ولكن لا يغني حذر من قدر. ولما أخرجت جنازة الصريمية المغنية كان أشعب جالساً مع نفر من قريش، فبكى أشعب وقال: اليوم ذهب الغناء كله، وترحم عليها، ثم مسح عينه والتفت إليهم وقال: وعلى ذلك فقد كانت الزانية شر خلق الله، فضحكوا، وقالوا: يا أشعب ليس بين بكائك عليها وبين لعنك لها فرق، قال: نعم كنا نجيها الفاجرة بكبش إذا أردنا أن نزورها، فتطبخ لنا في دارها ثم لا تعشينا إلا بسلق. وجاز به يوماً سبط لابن سريج (3) ، فوثب إليه وحمله على كتفه، وجعل يرقصه ويقول: فديت من ولد على عود، واستهل بغناء، وحنك بملوى،

_ (1) ص: درهم. (2) ص: اثنان. (3) ص: سيرين، والتصويب عن الوافي.

وقطعت سرته بزير، وختن بمضراب. وقيل له: رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، كلب أم حومل، تبعني فرسخين وأنا أمضغ لباناً (1) . وخفف الصلاة مرة، فقال له بعض أهل المسجد: خففت الصلة جداً، قال: إنها صلاة لم يخالطها رياء. وقال له رجل: كان أبوك عظيم اللحية، وأنت كوسج، فلمن أشبهت؟ قال: أشبهت أمي. وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، خرجت إلى الشام مع رفيق لي، فنزلنا على باب بعض الديارات فتلاحينا، فقلت: أير الراهب في است الكاذب، فلم نشعر إلا بالراهب قد اطلع علينا وقد أنعظ وهو يقول: من هو الكاذب فيكم؟ وكان أشعب لا يغيب عن طعام سالم بن عبد الله بن عمر، فاشتهى سالم يوماً أن يأكل مع بناته، فخرج إلى بستان له، وأُعلم أشعب بالقصة، فاكترى جملاً بدرهم، فلما حاذى حائط البستان وثب من على الجمل فصار على الحائط، فغطى سالم بناته بثوبه وقال: بناتي (2) فقال أشعب: إنك لتعلم ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد (3) . وقال رجل يوماً لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ فقال: ما سألتني عن هذا الأمر إلا وقد خبأت لي شيئاً تريد تعطيني إياه. وقيل هو من موالي عثمان بن عفان، وتوفي سنة أربع وخمسين ومائة، وولد سنة تسع للهجرة، فعمر عمراً طويلاً. وامرأته بنت وردان الذي بنى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وكان أشعب قد قرأ القرآن وتنسك، وكان حسن الصوت في القراءة، وربما صلى بهم في المسجد. قال المدائني، قال أشعب: تعلقت بأستار الكعبة، وقلت: اللهم أذهب

_ (1) ص: لبان. (2) سقط من ص، وزدته من الوافي. (3) انظر سورة هود: 79.

الحرص عني، فمررت بالقرشيين وغيرهم فلم يعطني أحد شيئاً (1) ، فجئت إلى أمي فحكيت لها ذلك فقال: والله لا تدخل بيتي حتى تذهب فتستقيل الله تعالى، فرجعت فقلت: يا رب قد سألتك أن تخرج الحرص من قلبي، فأقلني، ثم رجعت فلم أمر بمجلس من مجالس قريش وغيرهم إلا سألتهم وأعطوني، ووهبوا لي غلاماً (2) ، فجئت إلى أمي بحمار موقور (3) من كل شيء، فقالت: ما هذا؟ فخفت إن أعلمتها أن تموت، فقلت: وهبوا لي غين، قالت: وما غين؟ قلت: لام، قالت: ويلك وما لام؟ قلت: ألف، قالت وأي شيء ألف؟ قلت ميم، قالت: وأي شيء ميم؟ قلت: غلام، فسقطت مغشياً عليها، ولو سميته أول سؤالها لماتت. ورأى على عبد الله بن عمر كساء، فقال: سألتك بوجه الله إلا أعطيتني هذا الكساء، فرماه له. وكان يقول: حدثني عبد الله بن عمر وكان يبغضني في الله. وكان أشعب يجيد الغناء، وذكره إبراهيم الرقيق في كتابه (4) ، وذكر له جملة أخبار، رحمه الله تعالى. 76 - (5) أبو عطاء السندي أفلح بن يسار، هو أبو عطاء السندي مولى بني أسد، ومنشؤه بالكوفة، وكان من مخضرمي الدولتين، وكان أبوه سندياً أعجيماً لا يفصح، وكان في

_ (1) ص: شيء. (2) ص: غلام. (3) الوافي: موقر. (4) الوافي: في كتاب الأغاني له. (5) الشعر والشعراء: 652 والأغاني 17: 245 والوافي 9 رقم: 6031 والخزانة 4: 176 والعيني 1: 560 والسمط: 602 ومعجم المرزباني: 456 وابن خلكان 5: 281 واسمه عنده ((مرزوق)) .

لسان أبي عطاء عجمة ولثغة، وكان إذا تكلم لا يفهم كلامه، ولذلك قال لسليم ابن سليم الكلبي: أعوزتني الرواة يا ابن سليم ... وأبى أن يقيم شعري لساني وغلا بالذي أجمجم صدري ... وجفاني لعجمتي سلطاني وازدرتني العيون إذ كان لوني ... حالكاً مجتوىً من الألوان فضربت الأمور ظهراً لبطنٍ ... كيف أحتال حيلةً لبياني وتمنيت أنّني كنت بالشّع ... ر فصيحاً وكان بعض بياني ثم أصبحت قد أنخت ركابي (1) ... عند رحب الفناء والأعطان فاعطني ما تضيق عنه رواتي ... بفصيحٍ من صالح الغلمان يفهم الناس ما أقول من الشع ... ر فإنّ البيان قد أعياني واعتمدني بالشّكر يا ابن سليم ... في بلادي وسائر البلدان سترى فيهم قصائد غرّا ... فيك سباقةً (2) بكلّ لسان فأمر له بوصيف، فسماه عطاء، وتبنى به ورواه شعره، فكان إذا أراد إنشاد مديح لمن يجتديه أو إنشاد شعر أمره فأنشد. قيل إنه قال له يوماً: والأ منذ لدن دأوتأ وألت لبيأ ما أنت تصنأ، يعني: والكم منذ لدن دعوتك وقلت لبيك ما كنت تصنع. وشهد أبو عطاء حرب بني أمية وبني العباس، وأبلى مع بني أمية، وقتل غلامه عطاءٌ مع ابن هبيرة وانهزم هو. وحكى المدائني أن أبا عطاء كان يقاتل المسودة وقدامه رجل من بني مرة يكنى أبا يزيد قد عقر فرسه، فقال لأبي عطاء: أعطني فرسك أقاتل عني وعنك، وقد كانا أيقنا بالهلاك، فأعطه أبو عطاء فرسه، فركبه المري ومضى على

_ (1) ص والوافي: ردائي. (2) ص: غر ... سيافه.

وجهه ناجياً، فقال أبو عطاء: لعمرك إنّني وأبا يزيد ... لكالسّاعي إلى لمع السّراب رأيت مخيلة فطمعت فيها ... وفي الطّمع المذلّة (1) للرقاب فما أغناك عن طلب ورزق ... وما أغناك عن سرق الدواب وأشهد أن مرّة حيّ صدقٍ ... ولكن لست فيهم في النصاب وعن المدائني أن يحيى بن زياد الحارثي وحماد الراوية كان بينهما وبين مسلم ابن هبيرة ما يكون بين الشعراء من النفاسة، وكان مسلم يحب أن يطرح حماداً (2) في لسان من يهجوه، قال حماد: فقال لي يوماً بحضرة يحيى بن زياد: أتقول لأبي عطاء السندي أن يقول زج وجرادة ومسجد بني شيطان؟ قلت: نعم، فما تجعل لي على ذلك؟ قال: بغلتي برسجها ولجامها، فأخذت عليه بالوفاء موثقاً، وجاء أبو عطاء فجلس إلينا فقال: مرهبا بكم، هياكم الله؛ فرحبنا به وعرضنا عليه العشاء فأبى وقال: هل عندكم نبيذ؟ فأتيناه بنبيذ كان عندنا فشرب حتى احمرت عيناه، فقلنا له: يا أبا عطاء، كيف علمك باللغز؟ فقال: جيد، فقلت: أبن لي إن سألت أبا عطاء ... يقيناً كيف علمك بالمعاني؟ فقال: خبيراً عالماً (3) فاسأل تجدني ... بها طبّاً وآيات المثاني فقلت: فما اسم حديدة في رأس رمح ... دوين الكعب ليست بالسنان

_ (1) ص: المذكر. (2) ص: حماد. (3) الوافي: خبير عالم.

فقال: هو الزّزّ الذي لو بات ضيفاً ... لصدرك لم تزل لك لوعتان (1) فقلت: فما صفراء تدعى أمّ عوفٍ ... كأنّ رجيلتيها منجلان فقال: أردت زرادةً وأقول حقاً (2) ... بأنك ما عدوت (3) سوى لساني فقلت: أتعرف مسجداً (4) لبني تميم ... فويق الميل دون بني أبان؟ فقال: بنو سيتان دون بني أبان ... كقرب أبيك من عبد المدان قال حماد: فرأيت عينيه قد ازدادت حمرة، ورأيت الغضب في وجهه وتخوفته، فقلت: يا أبا عطاء، هذا مقام المستجير بك، ولك نصف ما أخذته، قال: فاصدقني، قال: فأخبرته فقال: أولى لك، قد سلمت سلم لك جعلك، خذه بورك لك فيه فلا حاجة لي إليه، وانفلت يهجو مسلم بن هبيرة. ووفد أبو عطاء السندي على نصر بن سيار، فأنشده: قالت بريكة بنتي وهي (5) عاتبةٌ ... إن المقام على الإفلاس تعذيب ما بال همٍّ دخيلٍ بات محتضراً ... رأس الفؤاد فنوم العين ترجيب

_ (1) الأغاني: عولتان. (2) الأغاني: وازن زنا (وأظن ظناً) . (3) ص: عددت. (4) ص: مسجد. (5) ص: وهو.

إني دعاني إليك الخير من بلدي ... والخير عند ذوي الأحساب مطلوب فأمر له بأربعين ألف درهم. وتوفي بعد الثمانين والمائة، رحمه الله تعالى. 77 - (1) علاء الدين الجاولي ألطنبغا، علاء الدين الجاولي، مملوك ابن باخل؛ كان عند الأمير علم الدين سنجر الجاولي دوادار لما كان بغزة. وكان حسن الصورة تام القامة، وكان الجاولي يحسن إليه ويبالغ في الإنعام عليه؛ وكان إقطاعه يعمل عنده عشرين ألف درهم، فلما شنع على الجاولي أن إقطاعات مماليكه تعمل من العشرين إلى الثلاثين راك الأجناد، وأعطى لعلاء الدين المذكور إقطاع دون الذي كان بيده، فتركه ومضى إلى مصر بغير علم الأمير علم الدين، فراعى الناس خاطر مخدومه ولم يستخدمه أحد، فأقام يأكل من حاصله بمصر زماناً، ثم حضر إلى صفد فأكرم نزله الأمير سيف الدين أرقطاي النائب بها، وكتب له مربعه بإقطاع، وتوجه إلى مصر، فخرج عنه فأتى إلى دمشق، فأكرمه الأمير سيف الدين تنكز، وأعطاه إقطاع بحلقة دمشق، ووقع بينه وبين الأمير علم الدين بسببه، وبقي بدمشق إلى أن أمسك الجاولي وحبس، فلما فرج عنه فتوجه (2) إليه وخدمه مدة، ثم سيره إلى دمشق شاداً على أوقاف المنصور الذي يختص بالبيمارستان المنصوري (3) .

_ (1) الوافي والزركشي: 75 والدرر الكامنة 1: 435، واحتفظت بكثير من الألفاظ غير معربة في هذه الترجمة. (2) كذا في ص، والأنسب: توجه. (3) وكان إقطاعه ... المنصوري: سقط من المطبوعة.

وكان نادر في أبناء جنسه: في الشكل المليح ولعب الرمح، والفروسية والذكاء ولعب الشطرنج والنرد، ونظم الشعر الجيد، لا سيما في المقطعات فإنه يجيدها، وله القصائد المطولة، ويعرف فقه على مذهب الشافعي، ويعف أصولاً، ويبحث جيداً، ولكنه سال ذهنه لما اجتمع بالشيخ تقي الدين ابن تيمية، ومال إلى رأيه، ثم تراجع عن ذلك إلا بقايا، وكان حسن العشرة لطيف الأخلاقي فيه سماحة. ومن شعره: سبّح فقد لاح برق الثغر بالبرد ... واستسق كأس الطلا من كفّ ذي ميد مستعرب اللّفظ للأتراك نسبته ... له على كلّ صبٍّ صولة الأسد يا عاذلي خلّني فالحسن قلّده ... عقداً من الدر لا حبلاً من المسد ويلٌ لمن لامني فيه ومقلته ... نفاثة النّبل لا نفاثة العقد وله أيضاً: خودٌ زها فوق المراشف خالها ... لئن فتنت به فلست ألام فكأنّ مبسمها وأسود خالها ... مسكٌ على كأس الرحيق ختام وله أيضاً: وبارد الثغر حلو ... بمرشف فيه حوّه وخصره في انتحالٍ ... يبدي من الضعف قوه وله أيضاً: ردفه زاد في الثّقالة حتى ... أقعد الخصر والقوام السويّا نهض الخصر والقوام وقاما ... وضعيفان يغلبان قويّا وله أيضاً: تخاطبني خود فأبدى تصامماً ... فتكثر تكرار الخطاب وتجهر

فأصغي لها أذناً وأظهر عجمةً ... لكيما أرى دراً من الدر ينثر وله أيضاً: وصالك والثريّا في قران ... وهجرك والجفا فرسا رهان فديتك ما حفظت لشؤم بختي ... من القرآن إلاّ لن تراني وله أيضاً: سل وميض البروق عن خفقاني ... وعليل النّسيم عن جثماني ولهيب الهجير عن نار قلبي ... وخفيّ الخيال عن أجفاني وله أيضاً: إن عاد لمع البرق يخبر عنكم ... وأتى القبول مبشراً بقبولي فلأقدحنّ البرق من نار الحشا ... ولأخلعنّ على النّجوم نحولي وله أيضاً: انهلّ أدمعها درّاً وفي فمها ... درٌّ وبينهما فرقٌ وتمثال لأن ذا جامدٌ في الثّغر منتظم ... وذاك منتثرٌ في الخدّ سيّال وله أيضاً: جاءني الورد في بديع زمان ... فقطعناه في منىً وأمان ونهبنا فيه لذيذ وصالٍ ... وهتكنا فيه عروس الدنان وغلطنا فيه ببعض ليال ... شطر فخلطنا شعبان في رمضان وتوفي (1) بدمشق في ثامن ربيع الأول سنة أربع وأربعين وسبعمائة بعلة الاستسقاء، رحمه الله تعالى.

_ (1) جاء في ص بعدها: ((رجمه الله تعالى)) وكررت أيضاً في ختام العبارة.

78 - (1) أيدمر المحيوي أيدمر المحيوي، فخر الترك عتيق محيي الدين محمد بن محمد بن سعيد بن ندى. قال ابن سعيد المغربي في كتاب المشرق في ترجمة هذا: بأي لفظ أصفه، ولو حشدت جيوش البلاغة لفضله لم أكن أنصفه؟ نشأ في الدوحة السعيدية فنمت أزاهره، وطلع بالسماء الندوية (2) فتمت زواهره، جمعت لإقرائه (3) أعلام الفنون، حتى خرج آية في كل فن، وبرع في المنثور والموزون، مع الطبع الفاضل الذي عضده، وبلغه من رياسة هذا الشأن ما قصده، لا سيما حين سمعت قوله الذي أتى فيه بالإغراب، وترك مهيار معلقاً منه بالأهداب: بالله إن جزت الغوير فلا تغر ... باللين منك معاطف الأغصان واستر شقائق وجنتيك هناك لا ... ينشقّ قلب شقائق النعمان وأورد له أيضاً (4) : الروض مقتبل الشبيبة مونق ... خضلٌ يكاد غضارةً يتدفق نثر النّدى فيه لآلىء عقده ... فالزهر منه متوّج وممنطق وارتاع من مرّ النّسيم به ضحىً ... فغدت كمائم نوره تتفتّق وسرى شعاع الشمس فيه فالتقى ... منها ومنه سنا شموس تشرق والغصن ميّاس القوام كأنّه ... نشوان يصبح بالنّسيم ويغبق

_ (1) الوافي والزركشي: 76 وخطط المقريزي 1: 342 وقد طبع ديوانه بدار الكتب 1931 وهو مختار من شعره، ولذلك لم أجد فيه أكثر المقطعات التي أوردها المؤلف. (2) ص: النداية. (3) ص: لاقرانه. (4) ديوانه: 1.

والطير ينطق معرباً عن شجوه ... فيكاد يفهم عنه ذاك المنطق غرداً يغني للغصون فتنثني ... طرباً جيوب الظل (1) منه تشقق والنهر لمّا راح وهو مسلسلٌ ... لا يستطيع الرقص ظلّ يصفق وسلافة باكرتها في فتيةٍ ... من مثلها خلق لهم وتخلّق شربت كثافتها الدهور فما ترى ... في الكأس إلاّ جذوةً تتألّق يسعى بها ساق يهيج إلى (2) الهوى ... ويري سبيل العشق من لا يعشق تتنادم الألحاظ منه على سنا ... خدٍّ تكاد العين فيه تغرق راق العيون غضاضةً ونضارةً ... فهو الجديد ورقّ فهو معتق ورنا كما لمع الحسام المنتضى ... ومشى كما اهتز القضيب المورق وأظلّنا (3) من فرعه وجبينه ... ليلٌ تألق فيه صبحٌ مشرق وكأنّ مقلته تردّد لفظة ... لتقولها لكنّها لا تنطق فإذا العيون تجمعت في وجهه ... فاعلم بأنّ قلوبها تتفرق وله أيضاً (4) : وافاك شهر الصوم يخبر أنه ... جارٍ بأيمن طائرٍ ميمون ما زال يمحق بدره شوقاً إلى ... لقياك حتى عاد كالعرجون وله أيضاً: حللنا مقاماً كلنا عبد ربّه ... فلا غرو أن نهدي له درر العقد (5) وله أيضاً:

_ (1) ص: الطسل. (2) ص: به. (3) الديوان: وأظله. (4) ديوانه: 34. (5) لم يرد في المطبوعة.

رعى الله ليلاّ ما تبدّى عشاؤه ... لأعيننا حتى تطلّع صبحه كأنّ تغشّيه لنا وانفراجه ... لقربهما إطباق جفنٍ وفتحه وله أيضاً (1) : وأغرّ مصقول الأديم تخاله ... زرت عليه جلابب من عسجد ذي منخرٍ كفم المزادة زانه ... خدٌّ قليل اللحم غير مخدّد وكأنه نال المجرة وثبه ... فرمته وسط جبينه بالفرقد صناه عن رسم الحديد فوسمه ... بالشكر من نعم الوزير محمد وله أيضاً: حبّذا الفسطاط من والدة ... جنبت أولادها درّ الجفا يرد النيل إليها كدراً ... فإذا مازج (2) أهليها صفا وله أيضاً: كأنّما الهالة حول بدرها ... كمامةٌ تفتقت عن زهرها وله أيضاً: كم لدينا همانياً ... قد حوت محكم العمل فارغاتٌ من الدّنا ... نير ملأى من الأمل وقال يرثي سهماً انكسر: يا سهم هاج رداك لي بلبالاً ... وأطار نومي والهموم أطالا لولاك ما راع الحمام حمامةً ... يوماً ولا علق المنون غزالا ولطالما شوشت من سرب المها ... ألفاً ومن سطر (3) الكراكي دالا

_ (1) المقطعات السبع الآتية لم ترد في المطبوعة. (2) ص: مازح. (3) ص: شطر.

قد كنت أعجب للقسيّ سقيمةً ... صفرا تئنّ كأنهنّ ثكالى فإذا بها علماً بيومك في الردى ... كانت عليك تكابد الأهوالا عجباً من الآجال كيف تقسمت ... فيه وكان يقسّم الآجالا وله أيضاً: وكأن نرجسها المضاعف خائضٌ ... في الماء لفّ ثيابه في راسه وقال أيضاً: ذو قصرٍ بين طوي ... لين قد اجتاز بنا كأنّه بينهما ... دمامةً نون لنا وقال أيضاً، وقد ركب مولاه في البحر فانكسر المركب: غضب البحر من حجابٍ منيع ... حائلٍ بينه وبين أخيه نزّقته حمية الشّوق حتى ... خرق الحجب علّه يلتقيه وقال موشحة (1) : بات وسماره النجوم ... ساهر فمن ترى علمك السهد يا جفون صب (2) إلى مذهب التصابي ... صابي لا يعدل فجنبه خافق الجناب ... نابي مبلبل والطرف من دائم انسكاب ... كابي مخبل لسانه للهوى كتوم ... ساتر لما جرى والشأن أن تكتم (3) الشؤون سباه مستملح المعاني ... عاني به البصر

_ (1) الديوان: 34. (2) ص: صبا. (3) الديوان: تستر.

يذكره عن شدا الأغاني ... غاني إذا اذّكر يقول ما ناظر رآني ... راني إلاّ القمر يرنو إلى وجهه (1) الحليم ... حائر لما يرى مرأى به تفتن العيون من أين للبدر في الكمال ... ما لي فيوصف والغصن هل عطفه بحالي ... حالي مزخرف وعارض النّقص للهلال ... لالي والكلف ولا فم الشمس منه ميم ... ظاهر لمن قرا ولا من الحاجبين نون ما كنت لولا درى بشاني ... شاني أخشى افتضاح أفدي الذي راح للمثاني ... ثاني عطف المراح أنا لئن (2) صدّ أو جفاني ... فاني فلا جناح لما لوى الجيد قلت (3) ريم ... نافر ثم انبرى يمشي كما تنثني الغصون أيا نداماي إن بالي ... بالي فغردوا صوتاً أنا عنه لانتقالي ... قالي فرددوا في رتب المجد والمعالي ... عالي محمّد دام له العز والنعيم ... قاهر مقتدرا يعزّ من شاء أو يهين وقد عارض هذا الموشح السراج المحار الحلبي بقوله: ما ناحت الورق في الغصون ... إلا هاجت على تغريدها لوعة الحزين هل ما مضى لي مع الحبايب ... آيب بعد الصدود أم هل لأيّامنا الذواهب ... واهب بأن تعود

_ (1) ص والديوان: وجهي. (2) سقط من ص. (3) ص: قلتو.

مع كل مصقولة الترائب ... كاعب هيفاء رود تفترّ عن جوهر ثمين ... جلاّ أن يجتلى يحمى بقضب من الجفون وأهيفٍ ناعم الشّمايل ... مايل في برده في أنفس العاشقين عامل ... عامل من قده يرنو بطرف إلى المقاتل ... قاتل في غمده أسطى من الأسد في العرين ... فعلا وأقتلا لعاشقيه من المنون قاسوه بالبدر وهو أحلى ... شكلا من القمر فراش هدب الجفون نبلا ... أبلى بها البشر وقال لي وهو قد تجلّى ... جلا باري الصور ينتصف البدر من جبيني ... أصلا فقلت لا قال: ولا السحر من عيوني علّقته كامل المعاني ... عاني قلبه به مبلبل البال مذ جفاني ... فاني في حبّه كم بتّ من حيث لا يراني ... راني لقربه وبات من صدغه يريني ... نملا يسعى إلى رضابه العاطر المصون بتنا وما نال ما تمنّى ... منا طيب الوسن نفض من خمره لدنّا ... دنا يشفي الحزن وكلّما مال أو تثنّى ... غنى صوتاً (1) حسن لا تستمع في هوى المجون ... عذلا وانهض إلى راح تقي سورة الشجون وكانت وفاة أيدمر المحيوي في شهور سنة...... (2)

_ (1) ص: صوت. (2) بياض في ص.

79 - (1) أيدمر النسائي هو عز الدين أيدمر بن عبد الله، كان جندياً وله معرفة بتعبير الرؤيا والأدب، وكانت وفاته في ربيع الآخر سنة سبع وسبعمائة (2) ؛ فمن شعره: تخذ النسيم إلى الحبيب رسولا ... دنفٌ حكاه رقّةً ونحولا فتسيل في أثر الفريق سيولا ويقول من حسدٍ له يا ليتني ... كنت اتخذت مع الرسول سبيلا وله أيضاً: سفر فخلت الصبح حين تبلجا ... في جنح فودٍ كالظلام إذا سجا فتانة فتاكةٌ من طرفها ... كم حاول القلب النجاة فما نجا نحت نضير الغصن قامة قدها ... وحبت مهاة الجزع طرفاً أدعجا تفترّ عن بردٍ نقيٍّ برده (3) ... بالرشف حرّ حشاشتي قد أثلجا ما إن دخلت رياض جنة خدها ... فرأت عنها الدهر يوماً مخرجا ولما رشفت رحيق فيها ظامياً ... فازددت إلاّ حرقةً وتوهجا تعطو برخصٍ طرّفته بعندمٍ ... وتريك ثغراً كالأقاح مفلجا أنّى نظرت إلى رياض جمالها ... عاينت ثمّ مفوفاً ومدبّجا زارت وعمر الليل في غلوائه ... فغدا من الشمس المنيرة أبهجا وسرى نسيم الروض ينكر إثرها ... فتعرفت آثاره وتأرّجا

_ (1) الوافي والزركشي: 78؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) بياض في ص، وقد اعتمدت في هذا التاريخ على الزركشي. (3) الزركشي: ثغره.

ومن شعره أيضاً: ورد الورد فأوردنا المداما ... وأرح بالراح أرواحاً هيامى واجلها بكراً على خطّابها ... بنت كرم قد أبت إلاّ الكراما ذات ثغر جوهريٍّ وصفه ... في رحيق رشفه يشفي الأواما برقعت باللؤلؤ الرطب على ... وجنةٍ كالنار لا تألو اضطراما أقبلت تسعى بها شمس الضحى ... تخجل البدر إذا يبدو تماما بجفونٍ بابلي سحرها ... سقمها أهدى إلى جسمي السّقاما ونضير الورد في وجنتها ... نبته أنبت في قلبي الغراما ودّت الأغصان لما خطرت ... لو حكت منها التثني والقواما قال لي خالٌ على وجنتها ... حين ناديت أما تخشى الضراما منذ ألقيت بنفسي في لظى ... خدها ألفيت برداً وسلاما

فراغ

حرف الباء

حرف الباء

فراغ

80 - (1) بكر بن النطاح بكر بن النطاح الحنفي، قيل هو عجلي، كان شاعراً حسن الشعر كثير التصرف فيه، وكان صعلوكاً يقطع الطريق ثم اقصر عن ذلك، وكان كثيراً ما يصف نفسه بالشجاعة والإقدام، وهو القائل: هنيئاً لإخواني ببغداد عيدهم ... وعيدي بحلوانٍ قراع الكتائب وأنشدها أبا دلف، فقال له: إنك لتصف نفسك بالشجاعة، ما رأيت عندك لذلك أثراً (2) ، فقال أيها الأمير، وما ترى عند رجل حاسر أعزل؟ فقال: أعطوه سيفاً ورمحاً ودرعاً وفرساً، فأعطوه ذلك أجمع، فأخذه وركب الفرس وخرج على وجهه، فلقيه مال لأبي دلف يحمل إليه من بعض ضياعه فأخذه وجرح جماعة من غلمانه فهربوا وسار بالمال، فلم ينزل إلا على عشرين فرسخاً، فلما اتصل خبره بأبي دلف قال: نحن جنينا على أنفسنا وكنا أغنياء عن إهاجته، وكتب إليه بالأمان (3) وسوغه المال وأمره بالقدوم عليه، فرجع ولم يزل معه يمدحه حتى مات. وكان قد لحق أبو دلف إنساناً قد أردف آخر خلفه، فطعنهما فشكهما بالرمح، فتحدث الناس في ذلك، فلما عاد دخل عليه بكر بن النطاح فأنشده: قالوا أينظم فارسين بطعنةٍ ... يوم اللقاء ولا يراه جليلا

_ (1) الوافي وطبقات المعتز: 217 والأغاني 19: 36 وتاريخ بغداد 7: 90. (2) 1 ص: أثر. (3) 2 ص: بالإماره.

لا تعجبن لو كان مدّ قناته ... ميلاً إذاً نظم الفوارس ميلا فأمر له أبو دلف بعشرة آلاف درهم. وله فيه: له راحةٌ لو أن معشار جودها ... على البر كان البر أندى من البحر ولو أن خلق الله في جسم فارسٍ ... وبارزه كان الخليّ من العمر أبا دلف بوركت في كل بلدة ... كما بوركت في شهرها ليلة القدر وله فيه أيضاً: إذا كان الشتاء فأنت شمسي ... وإن حضر المصيف فأنت ظلّ وما تدري إذا أعطيت مالاً ... أيكثر في سماعك أم يقلّ فأعطاه عشرة آلاف درهم. وقصد مالك بن طوق، ومدحه فأثابه، فلم يرضه، فخرج من عنده وكتب رقعة وبعث بها إليه وفيها: فليت جدا مالكٍ كلّه ... وما يرتجى منه مطلب أصيب بأضعاف أضعافه ... ولم أنتجعه ولم أرغب أسأت اختياري فقلّ الثواب ... لي الذنب جهلاً ولم يذنب فلما قرأها وجه جماعة في طلبه، وقال: الويل لكم إن فاتكم، فلحقوه وردوه، فلما رآه قام إليه وتلقاه وقال: يا أخي عجلت علينا، وما كنا نقتصر على ذلك وإنما بعثت إليك نفقة، وعولنا على ما يتلوها، واعتذر إليه، ثم أعطاه حتى أرضاه، فقال بكر بن النطاح يمدحه: فتىّ جاد بالأموال من كل جانبٍ ... وأنهبها في عوده وبداته فلو خذلت أمواله جود كفّه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته فإن لم يجد في العمر قسمة باذلٍ ... وجاز له الإعطاء من حسناته

الصابوني

لجاد بها من غير كفرٍ بربه ... وشاركهم في صومه وصلاته وقال أيضاً: كريمٌ إذا ما جئت طالب فضله ... حباك بما تحوي عليه أنامله ولو لم يكن في كفّه غير نفسه ... لجاد بها فليتّق الله سائله ومن شعره: بيضاء تسحب من قيام فرعها ... وتغيب فيه وهو جثلٌ أسحم فكأنها فيه نهارٌ ساطعٌ ... وكأنه ليلٌ عليها مظلم وله أيضاً: ملأت يدي من الدنيا مراراً ... فما طمع العواذل في اقتصادي وما وجبت عليّ زكاة مالٍ ... وهل تجب الزكاة على جواد؟ وتوفي بكر بن النطاح في حدود المائتين. 81 - (1) الصابوني بكر بن علي الصابوني؛ قال ابن رشيق في الأنموذج: كان شيخاً معمراً شاعراً مطبوعاً صاحب نوادر هجاء خبيثاً، وأقدر الناس على بديهة، وكان نقي الشيبة والثياب، حسن الصمت والخطاب، وكان مولعاً بأذى أبي بكر الوسطاني، وضرب بينه وبين القاضي محمد بن عبد الله بن هاشم عداوة، وكان سبب خروجه من القيروان ناجياً بروحه إلى مصر، وكان قد صنع قبل ذلك قصيدة أولها:

_ (1) لم يرد منها في المطبوعة إلا شيء يسير؛ وانظر الوافي ومسالك الأبصار 11: 358.

أمرض بالوعظ القلوب الصّحاح ... ما قاله الهاتف عند الصباح أيقظني (1) من نومتي في الدجى ... شخصٌ سمعت القول منه كفاح يقول: كم ترقد يا غافلاً ... والدهر إن لم يغد بالموت راح تركن للدنيا كأن لا براح ... منها وتغدو لاهياً في مزاح ما الدهر والأيام في مرّها ... إلاّ كبرقٍ خاطفٍ ثم راح مدح فيها عبد الله بن محمد الكاتب بعد مواعظ كثيرة، وهجا ابن الوسطاني أقبح هجاء، وذكر أنه يستتر بالعزائم والرقى، ويسر الفسق والزنا، وأنشده إياها حذاء باب السلام بحضرة أشياخ الدولة، وكان الراي الشاعر حاضر (2) ، وله عناية بابن الوسطاني، فقال: أتيت بشعر غيرك تسفه به على أهل الرتب بين يدي الملوك، والله إنك مستحق العقوبة، فقال: أما قولك تسفه فسفه منك وقلة أدب لأني جئت محتسباً فيما يعلمه الله والقاضي وجماعة المسلمين. وأما قولك أهل الرتب فتلك الرتبة التي اشتكينا بما سمعت، لأنها رتبة مصحفة، وأما قولك شعر غيرك فإن أذن لي أبو محمد عرفتك أنه شعري، فقال عبد الله للراي: ما ترى؟ فقال: إيذن له، فقال: شأنك، فأنشد كأنه يحفظه: سألتك بالقمر الأزهر ... وبالعين والحاجب الأنور وبالسيد الماجد المرتجى ... لدفع المظالم والمنكر حسام الخلافة وابن الحسام ... ومنصورنا جوهر الجوهر أجرني من الناقص الأعور ... فلولاك في النّاس لم يذكر هو النّحس حلّ به نحسه ... فلا خلق أنحس من أعور إذا رام خيراً وما رامه ... أبته شيمة البربر فقال الراي: قد انتقصت بسيدنا العزيز بالله لأنه من البربر، فقال بكر:

_ (1) ص: أيقضني. (2) كذا في ص.

لحا الله ناقصه بيننا ... وإن كنت ذاك ولم تشعر وفي أي شيء تنقصته ... وقد حلّ في (1) البيت من حمير فكأنما ألقمه حجراً. ودخل إلى صاحب قيان، فوجد جماعة من أصحابه يشربون، منهم أبو (2) حفص الكاتب، ورأى برذونه قائماً في السقيفة، فقال: كم لكم ها هنا فقالوا: كذا وكذا يوم، فشرب نهاره أجمع وليلته، وأراد الانصراف من الغد، فافتقد رداه ودراهم كانت معه، وسأل القوم فما وقع على عين ولا أثر، فقال لابن أبي حفص: سألتك بالله إلا ما نزلت إلى هذا العبد الصالح، فاستوهب لنا منه بأن يفضح الله سارقنا، أو يجمع علينا ما راح منا، فإنه صائم النهار قائم الليل، قال: أي عبد يكون هذا؟ قال: هو برذونك يا سيدي. فضحك الجماعة وخرج وهو يقول: وغرفةٍ نكّس أعلاها ... للفسق والعصيان أنشاها قد وضع الميزان في وسطها ... وكنت من أول قتلاها من يعرف الله فلا يأتها ... فما بها من يعرف الله ومن هجائه: أذاب والٍ بسوسة مخّي ... يعرف بين الأنام بالفرخ يزعم عبد العزيز والده ... وأير عبد العزيز مسترخي وتوفي سنة تسع وأربعمائة، وقد زاحم المائة، رحمه الله تعالى وإيانا.

_ (1) ص: من. (2) ص: أبي.

ابن قوام

82 - (1) ابن قوام أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام بن منصور بن معلى البالسي، أحد مشايخ الشام؛ كان شيخاً زاهداً عابداً قانتاً لله، عديم النظير (2) كثير المحاسن، وافر النصيب من العلم والعمل، صاحب أحوال وكرامات. ولد بصفين سنة أربع وثمانين وخمسمائة، ونشأ ببالس، وكان حسن الأخلاق لطيف الصفات، وافر الأدب والعقل، دائم البشر، كثير التواضع، شديد الحياء، متمسك (3) بالآداب الشرعية، تخرج به غير واحد من العلماء والمشايخ، وتتلمذ له خلق كثير، وقصد بالزيارة. قال: كنت في بدايتي تطرقني الأحوال كثيراً، فأخبر شيخي بها فينهاني عن الكلام فيها ويقول: متى تكلمت في هذا ضربتك بهذا الصوط، ويقول: لا تلتفت إلى شيء من هذه الأحوال، إلى أن قال لي: سيحدث لك في هذه الليلة أمر عجيب فلا تجزع، فذهبت إلى أمي وكانت ضريرة، فسمعت صوتاً من فوق فرفعت رأسي، فإذا نور كأنه سلسلة متداخلٌ بعضه في بعض، فحمد الله تعالى وقبلني بين عينيّ وقال: الآن تمت عليك النعمة يا بني، أتعلم ما هذه السلسلة؟ قلت: لا، قال: هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذن لي في الكلام حينئذ. قال حفيده: حدثني الشيخ الإمام شمس الدين الخابوري قال: سألت الشيخ

_ (1) الوافي وعبر الذهبي 5: 250 والشذرات 5: 295 والدارس 2: 208. (2) ص: النضير. (3) كذا في ص.

عن قوله " إنكم وما تعبدون من دون الله حَصَبُ جهنم " الأنبياء فقد عبد عيسى وعزير، فقال: تفسيرها " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " الأنبياء فقلت له: يا سيدي، لا تعرف تكتب ولا تقرأ، من أين لك هذا؟ قال: يا أحمد، وعزة المعبود لقد سمعت الجواب فيها كما سمعت سؤالك. وبعث إليه الملك الكامل على يد فخر الدين خمسة عشر ألف درهم، فما قبلها وقال: لا حاجة لنا بها، أنفقها في جند المسلمين. وجاءته امرأة وقالت: عندي دابة قد ماتت، ومالي من يخرجها عني، قال: امضي وحصلي حبلا حتى أبعث من يجرها، فمضت وفعلت، فجاء بنفسه وجر الدابة، فجاء الناس وجروها عنه. وكان لا يدع أحد (1) يقبل يديه ويقول: من أمكن من تقبيل يده نقص من حاله شي. وتوفي بقرية علم سنة ثمان وخمسين وستمائة ودفن بها، فأوصى أن يدفن في تابوت، وقال لابنه: يا بني لا بد أن أنقل إلى الأرض المقدسة، فنقل بعد اثنتي (2) عشرة سنة إلى دمشق سنة سبعين ودفن بزاويته أسفل عقبة دمر، رحمه الله تعالى.

_ (1) كذا في ص. (2) ص: اثني.

الملك الأمجد

83 - (1) الملك الأمجد بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب، السلطان الملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر، صاحب بعلبك؛ ولي بعلبك بعد أبيه، وكان أديباً فاضلاً شاعراً، له ديوان شعر موجود بأيدي الناس. أخذت منه بعلبك سنة سبع وعشرين وستمائة، أخذها منه الأشرف موسى، وسلمها إلى أخيه الصالح إسماعيل، فقدم الأمجد إلى دمشق، وأقام بها قليلاً، وقتله مملوك له مليح في أوائل سنة ثمان وعشرين وستمائة، ودفن بتربة والده على الشرف الشمالي، وكان سبب قتله أنه كان له غلام محبوس في خزانة الدار، فجلس ليلة يلهو بالنرد، فولع الغلام برزة الباب فقلعها، وهجم على الأمجد وهو غافل مشتغل باللعب فقتله وهرب، ورمى بنفسه من السطح فمات، وقيل لحقه المماليك عند وقعته فقطعوه بالسيوف. وقيل رآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: كنت من ذنبي على وجلٍ ... زال عنّي ذلك الوجل أمنت نفسي بوائقها ... عشت لما متّ يا رجل ومن شعره: دعوت بماء في إناء فجاءني ... غلامٌ بها صرفاً فأوسعته زجرا فقال: هو الماء القراح وإنما ... تجلّى لها خدّي فأوهمك الخمرا وكتب إليه الشيخ تاج الدين الكندي:

_ (1) الوافي والزركشي: 79 وابن خلكان 2: 452 ومرآة الزمان: 666 - 668 وعبر الذهبي 5: 110 والشذرات 5: 126 والنجوم الزاهرة 6: 275 والبداية والنهاية 13: 131 ومرآة الجنان 4: 65.

لا تضجرنكم كتبي وإن كثرت ... فإن شوقي أضعاف الذي فيها والله لو ملكت كفّي مسالمة ... من اللّيالي التي حظّي يحاكيها لما تصرّم لي في غير داركم ... عمرٌ ولا متّ إلاّ في نواحيها فأجابه الأمجد: إنا لتتحفنا بالأُنس كتبكم ... وإن بعدتم فإن الشوق يدنيها وكيف نضجر منها وهي مذهبة ... من وحشة البين لوعاٍ نعانيها فإن وصفتم لنا فيها اشتياقكم ... فعندنا منكم أضعاف ما فيها سلو نسيم الصبا يهدي تحيتنا ... إليكم فهو يدري كيف يهديها ومن شعره: طوبى لقيّمنا أحنى على قمرٍ ... يجلو براحته عن وجهه الكلفا أو درة كمنت في خدرها فغدا ... يفض باللطف عن أنوارها الصّدفا وأورد له القوصي في معجمه: أمّا هواك وإن تقادم عهده ... فشفيع وجهك ما يزال يجدّه لا تحسبنّ على التقاطع والنّوى ... ينساك مشتاقٌ تعاظم وجده يهواك ما هبّ النسيم وحبّذا ... نفح النسيم الحاجريّ وبرده ما كان يكلف بالرياح صبابةً ... لولا تجنّيه ولولا بعده تسري إليه بنفحةٍ من عقده ... إنّ المنى يما تضمن عقده ماذا الملام مع الغرام وفي الحشا ... منه لهيب هوىً تضرم وقده؟ أيروم عاذله المضلّل ردّه ... عن رأيه؟ هيهات خيّب قصده ماذا عليه إذا تضاعف ما به ... حتى يعود وقد تناهى حده إنّ الهوى طمع يولد داءه ... أملٌ يقوّيه الهوى ويمده فلكم تملك رقّ حر عنوة ... أمسى وأصبح وهو فيه عبده وبأيمن الوادي غزال أراكةٍ ... أصبو إليه وإن تزايد صده

يختال والأغصان تعطفها الصبا ... فيغار منه إذا تمايل قدّه والأقحوان إذا تبسّم ثغره ... والورد مطلول الجوانب خدّه قد كان شوّفني الوصال وليته ... من بعد مطل أن ينجّز وعده وله أيضاً: قولوا لجيران العقيق والنّقا ... حتّام تهدون إلينا القلقا يا ساكني قلبي عسى مبشرٌ ... يخبرني متى يكون الملتقى ما لبقائي بعد بعدي عنكم ... معنىً، فإن لقيتكم طاب البقا أشقاني الدّهر فإن أسعدني ... بجمع شملي بكم زال الشقا أهواكم أتّقي، وقلّما ... يجمع ما بين الغرام والتّقى حبكم سفينة ركبتها ... مأمونة فكيف أخشى الغرقا حاشا لمن أصبح يرجو الوصل أن ... يمسي بنار هجركم محترقا وله أيضاً: يميناً لقد بالغت يا خلّ في العذل ... وما هكذا فعل الأخلاء بالخلّ إذا أنت لم تسعد خليلك في الهوى ... فذره لقد أمسى عن العذل في شغل ولا تحسبنّ اللوم يذهب وجده ... فلومك بالمحبوب يغري ولا يسلي وما كنت ممن يذهب الوجد حزمه ... لعمرك لولا أسه الأعين النجل 84 (1) بهلول المجنون بهلول بن عمرو، أبو وهيب الصيرفي المجنون، من أهل الكوفة؛ حدث

_ (1) له ترجمة في الوافي للصفدي.

عن أيمن بن نابل وعمرو بن دينار وعاصم بن أبي النجود، وكان من عقلاء المجانين ووسوس، وله كلام مليح ونوادر وأشعار، واستقدمه الرشيد أو غيره من الخلفاء ليسمع كلامه. توفي في حدود التسعين والمائة. قال الأصمعي: رأيت بهلولاً قائماً ومعه خبيص، فقلت له: أيش معك؟ قال: خبيص، فقلت: أطعمني، قال: هو ليس لي، قلت: لمن هو؟ قال: هو لحمدونة ابنة الرشيد بعثته لي آكله لها. وقال محمد بن أبي إسماعيل ابن أبي فديك: رأيت بهلولاً في بعض المقابر وقد أدلى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب، فقلت: ما تصنع ها هنا؟ قال: أجالس أقواماً لا يؤذوني وإن غبت لا يغتابوني، فقلت: قد علا السعر مرة، فهل تدعو الله فيكشف عن الناس؟ فقال والله ما أبالي، ولو كان حبة بدينار، لله علينا أن نعبده كما أمرنا، وعليه أن يرزقنا كما وعدنا، ثم صفق يده وأنشأ يقول: يا من تمتّع بالدنيا وزينتها ... ولا تنام عن اللذات عيناه شغلت نفسك فيما لست تدركه ... تقول لله ماذا حين تلقاه وقال الحسن بن سهل: رأيت الصبيان يرمون بهلولاً بالحصى، فأدمته حصاة فقال: حسبي الله توكّلت عليه ... من نواصي الخلق طرّاً بيديه ليس للهارب في مهربه ... أبداً من راحة إلاّ إليه ربّ رام لي بأحجار الأذى ... لم أجد بدّاً من العطف عليه فقلت له: تعطف عليهم وهم يرمونك؟ فقال: اسكت لعل الله يطلع على غمي ووجعي وشدة فرح هؤلاء فيهب بعضنا لبعض. وقال عبد الله بن عبد الكريم: كان لبهلول صديق قبل أن يجن، فلما أصيب بعقله فارقه صديقه، فبينما بهلول يمشي في بعض طرقات البصرة إذ رأى صديقه، فلما رآه صديقه عدل عنه، فقال بهلول:

ادن منّي ولا تخافنّ غدري ... ليس يخشى الخليل غدر الخليل إنّ أدنى الذي ينالك مني ... ستر ما يتّقى وبثّ الجميل قال الفضل ابن سليمان: كان بهلول يأتي سليمان ابن علي فيضحك منه ساعة ثم ينصرف، فجاءه يوماً، فضحك منه ساعة ثم قال: عندك شيء نأكل؟ فقال لغلامه: هات لبهلول خبزاً وزيتوناً، فأكل ثم قام لينصرف وقال لسليمان: يا صاحب إن جئنا إلى بيتكم يوم العيد يكون عندكم لحم؟ فخجل سليمان. وجاء إلى بعض أشراف الكوفة وقال له: أشتهي آكل عسل بسرقين، فدعا بهما، فأكل من العل وأمعن فيه، فقال له الرجل: لم لا تأكل السرقين كما قلت؟ قال: العسل وحده أطيب. وعبث به الصبيان يوماً ففر منهم والتجأ إلى دار بابها مفتوح فدخلها، وصاحب الدار قائم له ضفيرتان (1) ، فصاح به: ما أدخلك داري؟ فقال: " يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض " الكهف. وسأله يوماً علي بن عبد الصمد البغدادي: هل قلت شيئاً في رقة البشرة، فقال: اكتب: أضمر أن أضمر حبي له ... فيشتكي إضمار إضماري رقّ فلو مرّت به ذرّةٌ ... لخضبته بدمٍ جاري فقال: أريد أرق من هذا، فقال: أضمر أن يأخذ المراة لكي ... يبصر وجهاً له فأدناها فجازوهم الضمير منه إلى ... وجنته في الهوى فأدماها فقال: أريد أرق من هذا أيها الأستاذ، فقال: نعم وما أظنه، اكتب: شبّهته قمراً إذ مرّ مبتسماً ... فكاد يجرحه التشبيه أو كلما

_ (1) ص: ضفيرتان.

الفرنسيس الإفرنجي

ومرّ في خاطري تقبيل وجنته ... فسيّلت فكرتي في وجنتيه دما فقال: أريد أرق من هذا، فقال: يا ابن الفاعلة أرق من هذا كيف يكون؟ رويدك لأنظر إن كان قد طبخ في المنزل حريرة أرق من هذا، رحمه الله تعالى. 85 - (1) الفرنسيس الإفرنجي بولش الافرنجي المعروف بالفرنسيس؛ أجل ملوك الافرنج وأعظمهم قدراً وأكثرهم عساكر (2) وأموالاً وبلاداً، قصد الديار المصرية واستولى على طرف منها، وملك دمياط سنة سبع وأربعين وستمائة، واتفق موت الملك الصالح نجم الدين أيوب، وتملك المعظم توران شاه الآتي ذكره في موضعه وأسر الفرنسيس فبقي في أيدي المسلمين مدة، ثم أطلق بعد تسليم دمياط إلى المسلمين، وتوجه إلى بلاده وفي قلبه النار مما جرى عليه من ذهاب أمواله وقتل رجاله وأسره، فبقيت (3) نفسه تحدثه بالعود إلى مصر لأخذ ثأره، فاهتم بذلك اهتماماً عظيماً في مدة سنين، إلى سنة ستين وستمائة، فقصد مصر، فقيل له: إن قصدت مصر ربما يجري لك مثل النوبة الأولى، والصواب أن تقصد تونس، وكان ملكها

_ (1) تصحف عليه الاسم إلى بولش، وهو ((لويس)) التاسع المعروف لدى قومه بالقديس لويس، ويدعى في المصادر العربية ((ريد افرنس)) أي ملك افرنس وتجد وصفاً مفصلاً للحملة الصليبية التي قادها لويس ضد مصر في السلوك للمقريزي 1/ 2: 333 وما بعدها وتاريخ أبي الفدا 3: 178 والوافي، وكذلك عند أبي شامة والعيني في عقد الجمان وخطط المقريزي 1: 219 وانظر ((لويس التاسع في الشرق الأوسط)) لجوزيف نسيم و ((حملة لويس التاسع)) لمحمد مصطفى زيادة، 1961: وهذه الترجمة موجزة في المطبوعة. (2) ص: عساكراً. (3) ص: فيقت.

محمد بن يحيى الملقب بالمستنصر، فإنك إن ظفرت به تمكنت من قصد مصر في البر والبحر، فقصد تونس وكاد يستولي عليها، ومعه جماعة من الملوك، فأوقع الله في عسكره وباء عظيماً (1) ، فهلك افرانسيس سنة إحدى وستين وستمائة، ورجع من بقي من عسكره إلى بلادهم ووصلت البشرى بذلك إلى الملك الظاهر. ولما أسر الفرنسيس نوبة دمياط تسلمه الطواشي جمال الدين صبيح المعظمي ووضع في رجليه قيد، وسجنه في الدار التي كان فيها فخر الدين ابن لقمان كاتب الإنشاء، فلذلك قال الصاحب جمال الدين ابن مطروح لما بلغ المسلمين عودة الفرنسيس في المرة الثانية: قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال حق من مقول فصيح آجرك الله على ما جرى ... من قتل عبّاد يسوع المسيح أتيت مصر تبتغي ملكها ... تزعم أن الزمر يا طبل ريح فساقك الحين إلى أدهمٍ ... ضاق به عن ناظريك الفسيح وكل أصحابك أوردتهم ... بسوء أفعالك بطن الضّريح خمسون ألفاً لا يرى (2) منهم ... إلاّ قتيل أو أسير جريح وفقك الله لأمثالها ... لعلّ عيسى منكم يستريح إن كان باباكم بذا راضياً ... فربّ غش قد أتى من نصيح وقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لقصد صحيح دار ابن لقمانٍ على حالها ... والقيد باقٍ والطواشي صبيح واشتهرت هذه الأبيات وسارت بها الركبان، خصوصاً البيت الأخير فلهذا قال بعض المغاربة لما قدم الفرنسيس تونس: يا فرنسيس هذه أخت مصرٍ ... فتيقّن لما إليه تصير لك فيها دار ابن لقمان قبرٌ ... وطواشيك منكر ونكير

_ (1) ص: عظيم. (2) ص: ترى.

الحبيس الراهب

وقال آخر في المعنى الأول أيضاً: قل للفرنسيس إنّ كلاًّ ... له من المسلمين شاكر لأنّه محسنٌ إلينا ... بقوده نحونا العساكر ساق إلى مصر ما اقتناه ... أمة عيسى من الذخائر وأورد الجمع بحر حربٍ ... مصدره بالمنون آخر أركبهم أدهماً خضمّاً ... ورابح الشرّ فهو خاسر ورام باباهم أموراً ... فأخلفت ظنّه المقادر وأذهل القوم هول حربٍ ... تشخص من خوفه النواظر لم تعم أبصارهم ولكن ... قد عميت منهم البصائر ولم يفد وفق فيلسوف (1) ... طلّسمه كاهنٌ وساحر فإن يعد طالباً لثارٍ ... من أرض دمياط فليبادر فذلك البحر تعرفوه ... والسيف ماض والجيش حاضر أعاده الله عن قريب ... لمثلها؛ إنّه لقادر بحيث لا يبق للنصارى ... من بعد كسر الصليب جابر ويستريح المسيح منهم ... من كلّ علجٍ وكل كافر 86 (2) الحبيس الراهب بولص الراهب المعروف بالحبيس؛ كان كاتباً أولاً، ثم ترهب وانقطع

_ (1) ص: فيلسوفاً. (2) له ترجمة في الوافي (كما جاء في التجريد) والشذرات 5: 322.

في جبل حلوان بالديار المصرية؛ يقال إنه ظفر بمال دفين في مغارة، فواسى به الفقراء من كل ملة، وقام عن المصادرين بجملة وافرة. وكان أول ظهور أمره أنه وقعت نار (1) بحارة الباطلية (2) سنة ثلاث وستين وستمائة فأحرقت ثلاثاً وستين دار (3) جامعة، ثم كثر الحريق بعد ذلك حتى أحرقت ربع فرج (4) ، وكان وقفاً على أشراف المدينة، والوجه المطل على النيل من ربع العادل، واتهم بذلك النصارى، فعزم الملك الظاهر على استئصال النصارى واليهود، وأمر بوضع الحلفا والأحطاب في حظيرة كانت في القلعة وأن تضرم النار فيها ويلقى فيها اليهود والنصارى، فجمعوا حتى لم يبق منهم إلا من هرب، وكتفوا ليرموا فيها، فشفع فيهم الأمرا، فأمر أن يشتروا أنفسهم، فقرر عليهم في كل سنة خمسمائة ألف دينار، وضمنهم الحبيس المذكور، وحضر موضع الجباية منهم، فكان كل من عجز عما قرر عليه وزن الحبيس عنه، سواء إن كان يهودياً أو نصرانياً، وكان يدخل الحبوس ومن كان عليه ديناً (5) وزنه عنه، وسافر إلى الصعيد وإلى الاسكندرية ووزن عن النصارى ما قرر عليهم وكان للناس به رفق وكان الناس قد عرفوه، فكان بعض الناس يتحيل عليه، فإذا رآه قد دخل المدينة أخذ معه اثنين صورة أنهما من رسل القاضي أو المتولي، وأخذا يضربانه ويجذبانه، فيستغيث به: يا أبونا يا أبونا، فيقول: ما باله؟ فيقولان: عليه دين واشتكت عليه زوجته، فيقول: على كم؟ فيقال: على ألفين، أو أقل أو أكثر، فيكتب له على شقفة أو غيرها إلى بعض الصيارف بذلك المبلغ، فيقبضه منه. وقيل إن مبلغ ما وصل إلى السلطان وما واسى به الناس في مدة سنتين ستمائة ألف دينار مضبوطة بقلم الصيارف الذي كان يجعل عندهم المال، وذلك

_ (1) ص: ناراً. (2) انظر خبر حريق الباطلية في خطط المقريزي 2: 8. (3) كذا في ص. (4) ص: فرح. (5) كذا في ص.

الملك الظاهر

خارجاً عن ما كان يعطي من يده. وكان لا يأكل من هذا المال ولا يشرب، بل النصارى يتصدقون عليه بمؤنته، فلما كان سنة ست وستين وستمائة أحضره الملك الظاهر بيبرس، وطلب منه المال أن يحضره أو يعرفه من أين وصل إليه، فجعل يغالطه ويدافعه ولا يفصح له عن شي، فعذبه حتى مات ولم يقر بشي، وأخرج من قلعة الجبل ورمي ظاهرها على باب القرافة، وكانت قد وصلت إلى الظاهر فتاوى فقهاء إسكندرية بقتله، وعللوا ذلك بخوف الفتنة من ضعفاء النفوس من المسلمين. 87 - (1) الملك الظاهر بيبرس بن عبد الله، السلطان الأعظم الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح الصالحي؛ قال عز الدين محمد بن علي بن إبراهيم بن شداد: أخبرني الأمير بدر الدين بيبرس أن مولد الملك السلطان الظاهر بأرض القبجاق سنة خمس وعشرين وستمائة تقريباً، وكانت الغيارة قد أغارت على القبجاق فأسروا جماعة، وكنت أنا والظاهر فيمن أسر، فبيع فيمن بيع وحمل إلى سيواس، فاجتمعت به في سيواس، ثم افترقنا (2) ، واجتمعت به في حلب بخان ابن قليج ثم افترقنا، وحمل إلى القاهرة، فشراه الأمير علاء الدين ايدكين البندقدار وبقي عنده، فلما قبض عليه الملك

_ (1) الوافي والزركشي: 81 والنجوم الزاهرة 7: 94 وحسن المحاضرة 2: 95 وبدائع الزهور 1؛ 98، 112 وتاريخ ابن الوردي 2: 223 والدارس 1: 394 والسلوك 1: 436 - 641 وتاريخ أبي الفدا 3: 207 وعقد الجمان للعيني وعيون التواريخ لابن شاكر وسيرة الملك الظاهر لابن شداد (مخطوط سليمية رقم 2306) والبداية والنهاية 13: 274؛ وليس من اليسير حصر مصادر أخباره. (2) ص: افترقا.

الصالح نجم الدين أيوب أخذ الملك الظاهر في جملة ما استرجعه، وقدمه على طائفة من الجمدارية (1) ، فلما مات الصالح وملك بعده المعظم وقتل وولوا عز الدين أيبك التركماني، وقتل الفارس أقطاي الجمدار، ركب الظاهر والبحرية وقصدوا القلعة فلم ينالواً مقصوداً، فخرجوا من القاهرة مجاهرين بالعداوة للتركماني مهاجرين إلى الملك الناصر صاحب الشام، وكان مع الظاهر بلبان الرشيدي وأزدمر السيفي وسنقر الأشقر وبيسري الشمسي، وقلاون الألفي وبلبان المستعرب وغيرهم، فأكرمهم الملك الناصر، وأطلق للظاهر ثلاثين ألف درهم وثلاث قطر بغال وثلاث قطر جمال وخيل وملبوس (2) ، وفرق في البقية الأموال والخلع، وكتب إليه المعز أيبك يحذره منهم، فلم يصغ إليه، وعين للظاهر إقطاع بحلب، فسأله العوض عن ذلك بزرعين وجينين، فأجابه، فتوجه إليهما، ثم خاف الناصر فتوجه بمن معه من خوشداشيته (3) إلى الكرك، فجهز صاحبها معه عسكر إلى مصر فخرج إليهم عسكر من مصر فكسروهم، ونجا الظاهر وبيليك الخزندار إلى الكرك، وتواترت إليه كتب المصريين يحرضونه على قصد مصر، وجاء إليه جماعة من عسرك الناصر، وخرج عسكر مصر مع الأمير سيف الدين قطز وفارس الدين أقطاي المستعرب، فلما وصل المغيث صاحب الكرك والظاهر إلى غزاة انعزل إليهما من عسكر مصر أيبك الرومي وبلبان الكافري وسنقرشاه العزيزي وبدر الدين ابن خان بغدي وأيبك الحموي وهارون القيمري، واجتمعوا فقويت شوكة الظاهر، وتوجهوا إلى الصالحية، والتقيا بعسكر مصر سنة ست وخمسين، واستظهروا عليهم، ثم انكسر الظاهر والمغيث وهربا، وأسر جماعة وقتلوا صبراً ممن ذكرته أولاً.

_ (1) الجمدار: الذي يحمل البقجة خلف السلطان في الموكب (سيرة الملك الظاهر 2: 171) . (2) كذا دون إعراب، وأبقيته على حاله، وكذلك ما أشبهه في هذه الترجمة. (3) النجوم: خشداشيته؛ والخوشداشية مماليك ينتمون إلى سيد واحد، فأصبحوا زملاء على مر الزمن (انظر معجم شتاينجاس الفارسي تحت مادة: خواجاتاش) .

ثم حصل بين الظاهر والمغيث وحشة ففارقه، وعاد إلى الناصر على أن يقطعه خبز (1) مائة فارس، من جملتها نابلس وجينين وزرعين، فأجابه إلى ذلك، ومعه جماعة حلف لهم الناصر: منهم بيسري الشمسي وأوتامش السعدي وطيبرس الوزيري وأقوش الرومي الدوادار (2) وكشتغدي الشمسي، ولاجين الدرفيل وأيدغمش الحلبي وأيبك الشيخي وخاص ترك الصغير وبلبان المهراني وسنجر الاسعردي (3) ، وسنجر الهمامي وجماعة، فأكرمهم ووفى لهم، فلما قبض قطز على أستاذه (4) حرض الملك الظاهر الملك الناصر على قصد مصر فلم يجبه، فسأله أن يقدمه على أربعة آلاف فارس، أو يقدم غيره ليتوجه إلى شط الفرات ليمنع التتار من العبور، فلم يمكنه، ففارقه وتوجه إلى الشهرزورية وتزوج منهم، ثم جهز إلى المظفر قطز من استحلفه له، وعاد إلى القاهرة ودخلها سنة ثمان وخمسين فخرج المظفر إلى لقائه وأنزله في دار الوزارة، وأقطعه قصبة قليوب لخاصته، فلما خرج المظفر للقاء التتار جهز الظاهر في عسكر لكشف أخبارهم، فأول ما وقعت عينه عليهم ناوشهم القتال. ولما انقضت الوقعة بعين جالوت: تبعهم الظاهر يقتص آثارهم إلى حمص، وعاد فوافى المظفر بدمشق. ولما عاد المظفر إلى مصر اتفق الظاهر مع الرشيدي وبهادر المعزي وبكتوت الجوكنداري (5) وبيدغان الركني وبلبان الهاروني وأنس (6) الأصفهاني، على قتل المظفر، فقتلوه على الصورة التي تذكر في ترجمته إن شاء الله،

_ (1) زدتها من النجوم الزاهرة. (2) الدوادار: هو الذي يقرأ للسلطان كتب الأسرار الواردة عليه من الملوك وهو الذي يجيب عنها، ويسفر بينه وبين وزرائه وكتابه (سيرة الملك الظاهر 2: 171) وانظر صبح الأعشى 4: 19. (3) النجوم: الباشقردي (أو الباشغردي) . (4) النجوم: حتى قبض الأمير قطز على ابن أستاذ الملك المنصور علي وتسلطن ... الخ. (5) النجوم: وبكتوت الجوكندار المعزي؛ والجوكندار: الذي يحمل الجوكان للسلطان، وهو المحجن الذي يلعب به ويضرب الكرة (صبح الأعشى 5: 458) . (6) النجوم: وأنص.

وساقوا إلى الدهليز، فبايع الأمير فارس الدين أتابك للملك الظاهر وحلف له، ثم الرشيدي ثم الأمراء، وركب معه الأتابك وبيسري وقلاون وجماعة من خواصه، ودخل قلعة الجبل سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين، وجلس في إيوان القلعة، وكتب إلى الأشرف صاحب حمص، وإلى المنصور صاحب حماة، وإلى مظفر الدين صاحب صهيون، وإلى الإسماعيلية، وإلى علاء الدين ابن صاحب الموصل نائب حلب، وإلى من بالشام، يعرفهم ما جرى، وأفرج على من في الحبوس من أصحاب الجرائم. وأقر الصاحب زين الدين ابن الزبير على الوزارة؛ وكان قد تلقب بالملك القاهر، فقال له الصاحب زين الدين: ما لقب أحد بالملك القاهر فأفلح، لقب به القاهر ابن المعتضد، فلم تطل أيامه ثم خلع وسمل عينيه، ولقب به الملك القاهر ابن صاحب الموصل فسم ولم تطل أيامه. فأبطل ولقب بالظاهر. وزاد إقطاعات من رأى استحقاقه من الأمراء وخلع عليهم، وسير أقوش المحمدي بتواقيع الأمير علم الدين الحلبي فوجده قد تسلطن بدمشق، فشرع الظاهر في استفساد من عنده، فخرجوا عليه ونزعوه من السلطنة، وتوجه إلى بلعبك فأحضروه منها وتوجهوا به إلى مصر؛ وصفا الملك بالشام للملك الظاهر وضبط الأمور وساس الملك أتم سياسة، وفتح الفتوحات وباشر الحروب بنفسه. وكان جباراً في الأسفار والحصارات والحروب، وخافه الأعادي من التتار والفرنج وغيرهم، لأنه روعهم بالغارات والكبسات، وخاض الفرات بنفسه فألقت العساكر بأنفسها خلفه، ووقع على التتار فقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر مائتي نفس، وفي ذلك قال محيي الدين ابن عبد الظاهر: تجمّع جيش الشرك من كل فرقة ... وظنوا بأنا لا نطيق لهم غلبا وجاءوا إلى شاطي الفرات وما دروا ... بأن جياد الخيل تقطعها وثبا وجاءت جنود الله في العدد التي ... تميس لها الأبطال يوم الوغى عجبا فعمنا بسدٍّ من حديدٍ سباحةً ... إليهم، فما اسطاع العدو له نقبا

وقال بدر الدين يوسف بن المهمندار (1) : لو عاينت عيناك يوم نزالنا ... والخيل تطفح في العجاج الأكدر وقد اطلخمّ الأمر واحتدم الوغى ... ووهى الجبان وساء ظنّ المجتري لرأيت سدّاً من حديد ما يرى ... فوق الفرات وفوقه نار تري طفرت وقد منع الفوارس مدّها ... تجري ولولا خيلنا لم تطفر ورأيت سيل الخيل قد بلغ الزُّبى ... ومن الفوارس أبحراً في أبحر لما سبقنا أسهماً طاشت لنا ... منهم إلينا بالخيول الضّمّر لم يفتحوا للرمي منهم أعيناً ... حتى كحلن بكلّ لدنٍ أسمر فتسابقوا هرباً ولكن ردهم ... دون الهزيمة رمح كلّ غضنفر ما كان أجرى خيلنا في إثرهم ... لو أنها برؤوسهم لم تعثر كم قد فلقنا صخرةً من صخرةٍ ... ولكم ملأنا محجراً من محجر وجرت دماؤهم على وجه الثرى ... حتى جرت منها مجاري الأنهر والظاهر السلطان في آثارهم ... يذري الرؤوس بكلّ عضب أبتر ذهب الغبار مع النجيع بصقله ... فكأنّه في غمده لم يشهر وقال ناصر الدين حسن ابن النقيب: ولمّا تراءينا الفرات بخيلنا ... سكرناه منّا بالقوى والقوائم فأوقفت التيار عن جريانه ... إلى حيث عدنا بالغنى والغنائم وقال الحكيم موفق الدين عبد الله بن عمر المعروف بالورن: الملك الظاهر سلطاننا ... نفديه بالمال وبالأهل اقتحم الماء ليطفي به ... حرارة القلب من المغل

_ (1) المهندار هو الذي يتلقى الرسل والعربان الواردين على السلطان وينزلهم دار الضيافة ويتحدث في القيام بأمرهم (ومهمن تعني الضيف بالفارسية) (صبح الأعشى 4: 22، 5: 459) .

وقال الشيخ شهاب الدين محمود من قصيدة: لما تراقصت الرؤوس وحركت ... من مطربات قسيّك الأوتار خضت الفرات بسابح أقصى منى ... هوج الصبا من نعله الآثار حملتك أمواج الفرات ومن رأى ... بحراً سواك تقلّه الأنهار وتقطعت فرقاً ولم يك طودها ... إذ ذاك إلاّ جيشك الجرار رشّت دماؤهم الصعيد فلم يطر ... منهم على الجيش السعيد غبار شكرت مساعيك المعاقل والورى ... والترب والآساد والأطيار هذي منعت وهؤلاء حميتهم ... وسقيت تلك وعمّ ذي الإيثار وعمر الجسور الباقية إلى اليوم بالساحل والأغوار، وأمن الناس في أيامه. فلما عاد من وقعة البلستين (1) أقام بالقصر الأبلق في دمشق، فأحس في نفس توعكاً، فشكا ذلك إلى الأمير شمس الدين سنقر السلحدار، وكان قد شرب قمز (2) ، فأشار عليه بالقيء، فاستدعاه فاستعصى عليه، فلما كان ثاني يوم وهو يوم الجمعة ثاني عشرين المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ركب من القصر إلى الميدان على عادته والألم يقوى عليه، فلما أصبح اشتكى حرارة في باطنه، فصنعوا له دواء فشربه فلم ينجع، فلما حضروا الأطباء أنكروا استعماله الدواء وأجمعوا على أن يسقوه مسهلاً، فسقوه فلم ينجع، فحركوه بدواء آخر فأفرط الإسهال به ودفع دماً محتقناً، فتضاعفت حماه وضعفت قواه، فتخيل خواصه أن كبده تتقطع وأن ذلك عن سم شربه، فعولج بالجوهر، وذلك يوم عاشره، ثم أجهده المرض إلى أن توفي يوم الخميس ثامن عشرين المحرم سنة ست وسبعين وستمائة، فأخفوا موته، وحمل إلى القلعة ليلاً، وغسلوه وحنطوه وصبروه، وكفنه

_ (1) السلوك (1: 625) الأبلستين؛ وتسمى اليوم البستان، وهي قريبة من إفس. (2) نبيذ يعمل من لبن الخيل (راجع ملحق دوزي) .

مهتاره (1) الشجاع عنبر، والفقيه كمال الدين المعروف بابن المنبجي وعز الدين الأفرم، وجعلوه في تابوت وعلقوه في بيت من بيوت البحرة بقلعة دمشق، وكتب الأمير بدر الدين بيليك الخزندار مطالعة بيده إلى ولده الملك السعيد. وركب الأمراء يوم السبت ولم يظهروا الحزن، وكان الظاهر قد أوصى أن يدفن على السابلة قريباً من داريا وأن يبنى عليه هناك، فرأى الملك السعيد أن يدفنه داخل الصور فابتاع دار العقيقي بثمانية وأربعين ألف درهم، وأمر أن تبنى مدرسة للشافعية والحنفية ودار حديث وقبة للدفن، ولما نجزت حضر الأمير علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص، والطواشي صفي الدين جوهر الهندي إلى دمشق لدفن الملك الظاهر، وكان النائب عز الدين أيدمر، فعرفاه ما رسم به الملك السعيد، فحمل تابوته ليلاً ودفن خامس شهر رجب الفرد من السنة، فقال محيي الدين ابن عبد الظاهر: صاح هذا ضريحه بين جفن ... يّ فزوروا من كل فج عميق كيف لا وهو من عقيق جفوني ... دفنوه منها بدار العقيقي وفي سنة سبع وسبعين عملت أعزيته بالديار المصرية، ونصبت الخيام العظيمة وصنعت الأطعمة الفاخرة واجتمع الخاص والعام وحضر القراء والوعاظ، وخلع عليهم وأجيزوا بالجوائز السنية. ذكر أولاده رحمه الله تعالى: الملك السعيد ناصر الدين بركة، وأمه بنت حسام الدين بركة خان الخوارزمي، والملك نجم الدين خضر، وأمه أم ولد، والملك بدر الدين سلامش، وله من البنات سبع من بنت سيف الدين دماجي التتري (2) .

_ (1) المهتار: لقب واقع على كبير كل طائفة من غلمان البيوت، كمهتار الشراب خاناه، ومهتار الطست خاناه، ومهتار الركاب خاناه (مه بالفارسية كبير، وتار أفعل تفضيل) صبح الأعشى 5: 470. (2) يستفاد من السيرة أن بناته سبع، اثنتان منهن من بنت دماجي.

ذكر فتوحاته: قيسارية. أرسوف. صفد. طبرية. يافا. الشقيف. أنطاكية. بغراس. القصير. حصن الأكراد. حصن عكار. القرين، صافيتا. مرقبة حلبا (1) . وناصف الفرنج على: المرقب وبليناس (2) وبلاد أنطرسوس، وعلى سائر ما بقي في أيديهم من البلاد والحصون. وولى في نصيبه الولاة والعمال، واستعاد من صاحب سيس: دربساك، ودركوش، وبليس، وكفردنين، ورعبان، والمرزبان. وملك من المسلمين: دمشق وبعلبك وعجلون وبصرى وصرخد والصلت وحمص وتدمر والرحبة وزلبيا وتل باشر وصهيون وبلاطنس وبرزيه وحصون الإسماعيلية والشوبك والكرك وشيزر والبيرة. وفتح الله عليه بلاد النوبة ودنقلة وغيرها. ذكر عمائره رحمه الله تعالى: عمر بقلعة الجبل دار الذهب، وبرحبة الحبارج قبة عظيمة محمولة على اثني عشر عمود من الرخام الملون، وطبقتين مطليتين على رحبة الجامع، وعمر برج الزاوية المجاور لباب السر، وأخرج منه رواشن وبنى عليه قبة، وأنشأ جواره طباق للمماليك، وأنشأ برحبة القلعة دار كبيرة لولده الملك السعيد، وأنشأ دور كثيرة للأمراء ظاهر القاهرة مما يلي القلعة، وإصطبلات، وأنشأ حماماً بسوق الخيل لولده، والجسر الأعظم، والقنطرة الذي على الخليج والميدان. وجدد الجامع الأقمر والجامع الأزهر، وبنى جامع العافية بالحسينية، أنفق عليه ألف ألف درهم، وزاوية للشيخ خضر (3) ، وحماماً وطاحوناً وفرناً وقبة على المقياس مزخرفة، وعدة جوامع في الأعمال المصرية، وجدد قلعة الجزيرة،

_ (1) السلوك 1: 628 ومرقبة وحلبا. (2) السلوك: وباقياس. (3) ستجيء ترجمته في حرف الخاء.

وقلعة العمودين ببرقة، وقلعة السويس، وعمر جسراً بالقليوبية، وجدد الجسر الأعظم على بركة الفيل، وأنشأ القنطرة المعروفة بقنطرة السباع التي أخربها الملك الناصر بن قلاون بعده، وقنطرة على بحر ابن منجى لها سبعة أبواب، وقنطرة بمنية الشيرج، وقنطرة عند القصير بسبعة أبواب، وستة عشر قنطرة تسلك منها إلى دمياط، وقنطرة على خليج القاهرة للمرور عليها إلى الميدان، وقنطرة عظيمة على خليج الإسكندية، وحفر خليج الإسكندرية وكان ارتدم، وحفر بحر أشموم وكان قد عمي، وحفر ترعة الصلاح وخور سرسخا (1) ، وحفر المحايري والكافوري وترعة كيساد وزاد فيها قصبة، وحفر بحر الصمصام وحفر بحر السردوس وحفر في ترعة أبي الفضل ألف قصبة، وتمم عمارة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل منبره، وأحاط بالضريح درابزيناً، وذهب سقفه وبيضه، وجدد البيمارستان بالمدينة، ونقل إليه سائر المعاجين والأكحال والأشربة، وبعث إليه طبيباً من الديار المصرية، وجدد قبة الخليل عليه السلام ورمم شعثه وأصلح أبوابه وميضأته وبيضه، وزاد في راتبه المجرى عليه وعلى قوامه ومؤذنيه، ورتب له من مال البلد ما يجري على الواردين عليه والمقيمين به، وجدد بالقدس الشريف ما كان تداعى من قبة الصخرة، وجدد قبة السلسلة وزخرفها، وأنشأ خاناً للسبيل، وبنى به مسجداً وطاحوناً وبستاناً وفرناً، وبنى على قبر موسى عليه السلام قبة ومسجداً، وهو عند الكثيب الأحمر، ووقف عليه وقفاً، وبنى على قبر أبي عبيدة رضي الله عنه مشهداً بعمتا من الغور ووقف عليه وقفاً، وجدد بالكرك برجين كانا صغيرين فهدمهما وكبرهما وعلاهما، ووسع مشهد جعفر الطيار، ووقف عليه وقفاً زيادة على وقفه، وعمر جسر دامية بالغور، ووقف عليه وقفاً برسم ما عساه يتهدم من عمارته، وأنشأ جسور كثيرة بالساحل والغور، وعمر قلعة قاقون، وبنى بها جامعاً ووقف عليه وقفاً،

_ (1) كذا في ص.

وبنى حوض السبيل، وجدد جامع الرملة وأصلح مصالحها، وأصلح جامع زرعين وما عداه من جميع البلاد الساحلية، وجدد باشورة (1) لقلعة صفد، بنى بربضها جامعاً حسناً، وكانت الشقيف قلعتين مجاورتين فجمع بينهما، وبنى بها جامعاً وحماماً ودار نيابة، وجدد عمارة قلعة الصبيبة (2) بعدما خربها التتار، وكان التتار هدموا شراريف قلعة دمشق ورؤوس أبراجها فجدد ذلك، وبنى الطارمة (3) التي على سوق الخيل، وبنى حمام خارج باب النصر، وجدد ثلاث إصطبلات على الشرف الأعلى، وبنى القصر الأبلق بالميدان، ولم يكن مثله، وجدد مشهد زين العابدين بجامع دمشق، وجدد رؤوس الأعمدة والأساطين وذهبها، وجدد باب البريد وفرشه بالبلاط، ورم شعث مغارة الدم، وجدد دور الضيافة للرسل والمترددين مجاورة للحمام، وجدد ما تهدم من قلعة صرخد وجامعها ومساجدها، وكذلك فعل ببصرى وبعجلون والصلت، وجدد ما تهدم من قلعة بعلبك، وجدد قبر نوح عليه السلام، وجدد أسوار حصن الأكراد، وعقد قلعتها حنايا، وحال بينها وين المدينة بخندق، وبنى عليها أبرجة بطلاقات، وجدد من حصن عكار ما كان استهدم وزاد الأبرجة، وبنى خان المحدثة، وعمل به الخفرا، وبنى من القصير إلى المناخ إلى قارا إلى حمص أعمدة أبرجة فيه الحمام والخفرا، وكذلك من دمشق إلى تدمر والرحبة إلى الفرات، وجدد سفح قلعة حمص والدور السلطانية بها، وقلعة شميمس (4) أنشأها بجملتها، وأصلح قلعة شيزر وقلعتي الشغر وبكاس وقلعة بلاطنس، وبنى قلاع الإسماعيلية الثمان، وبنى ما تهدم من قلعة عين تاب والراوندان، وبنى بأنطاكية جامعاً مكان الكنيسة وكذلك ببغراس، وأنشأ قلعة البيرة، وبنى بها الأبرجة ووسع

_ (1) الباشورة: سد من التراب يمنع وصول الخيالة أو غيرهم إلى موضع المحاربين (انظر ملحق دوزي) . (2) هي قلعة بانياس. (3) الطارمة: بيت من خشب، سقفه على هيئة قبة يجلس فيه السلطان (ملحق دوزي) . (4) السلوك (1: 446) شميميش، وهي إحدى بلاد كورة حمص.

خندقها وجدد جامعها، وأنشأ الميدان الأخضر شمالي حلب مسطبة كبيرة مرخمة، وأنشأ الجسر للقلعة، وبنى في أيامه ما لم يبن في أيام غيره. وكانت العساكر بالديار المصرية في أيام غيره عشرة آلاف فارس فضاعفها أربعة أضعاف، وكانوا الملوك قبله مقتصدين في النفقات والعدد، وعسكره بالضد من ذلك، وكانت كلف المطبخ الصالحي النجمي ألف رطل لحم بالمصري كل يوم فضاعفها عشر مرات، فكانت في الأيام الظاهرية كل يوم عشرة آلاف رطل، وتوابلها عشرون ألف درهم، ويصرف من خزانة الكسوة كل يوم عشرون ألف درهم، ويصرف في ثمن القرط (1) لدوابه ودواب من يلوذ به كل سنة ثمانمائة ألف درهم، ويقوم بكلف الخيل والجمال والبغال والحمير كل يوم خمس عشر ألف عليقة عنها ستمائة إردب، ويصرف للمخابز للجرايات خلا ما يصرف لأرباب الرواتب لمصر خاصة كل شهر عشرون ألف إردب. وكان رحمه الله تعالى قد منع الخمر والحشيش وجعل الحد على ذلك السيف، فأمسك ابن الكازروني وهو سكران، فصلب وفي حلقه جرة خمر، فقال الحكيم شمس الدين ابن دانيال رحمه الله: لقد كان حدّ السكر من قبل صلبه ... خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي: ... ألا تب فإن الحد قد جاوز الحدا وقال القاضي ناصر الدين ابن المنير: ليس لإبليس عندنا طمعٌ ... غير بلاد الأمير مأواه منعته الخمر والحشيش معاً ... أحرمته ماءه ومرعاه وقال ناصر الدين ابن النقيب الفقيسي: منع الظاهر الحشيش مع الخم ... ر فولّى إبليس من مصر يسعى

_ (1) القرط: البرسيم.

قال مالي وللمقام بأرضٍ ... لم أمتّع فيها بماء ومرعى وقال الحكيم شمس الدين ابن دانيال: نهى السلطان عن شرب الحميّا ... وصيّر حدّها حدّ اليماني فما جسرت ملوك الجن خوفاً ... لأجل الخمر تدخل في القناني وقال آخر: الخمر يا إبليس إن لم تقم ... وتوسع الحيلة في ردها لا نفقت سوق المعاصي ولا ... أفلحت يا إبليس من بعدها ولما أراد الظاهر أن يقرر القطيعة (1) على البساتين بدمشق واحتاط عليها وعلى الأملاك والقرى وهو نازل على الشقيف قال له القاضي شمس الدين ابن عطا الحنفي: هذا ما يحل ولا يجوز لأحد أن يتحدث فيه، وقام مغضباً وتوقف الحال، وصقعت (2) البساتين تلك السنة وعدمت الثمار جملة كافية، فقال في ذلك مجد الدين ابن سحنون خطيب النيرب رحمه الله: واهاً لأعطاف الغصون وما الذي صنعته أيدي البرد في أثوابها صبغت خمائلها الصّبا وكأنها قد ألبست أسفاً على أربابها وقال نور الدين ابن مصعب: لهفي على حلل الغصون تبدلت من بعد خضرة لونها بسواد وأظنّها حزنت لفرقة أهلها فلذاك قد لبست ثياب حداد وظن الناس أن السلطان يرحمهم لذلك، فلما أراد التوجه إلى مصر أحضر العلماء، وأخرج فتاوى الحنفية باستحقاقها، بحكم أن دمشق فتحها عمر بن

_ (1) القطيعة: الضريبة. (2) صقعت: أصيبت بالصقيع.

الخطاب رضي الله عنه عنوة، ثم قال: من كان معه كتاب عتيق أجريناه، وإلا فنحن فتحنا هذه البلاد بسيوفنا، ثم قرر عليهم ألف ألف درهم، فسألوه تقسيطها فأبى، وتمادى الحال، فعجلوا له أربعمائة ألف درهم بواسطة فخر الدين الأتابك وزير الصحبة، ثم أسقط الباقي عنهم بتوقيع قرىء على المنبر، رحمه الله تعالى.

فراغ

حرف التاء

حرف التاء

فراغ

الأمير تنكز نائب الشام

88 - (1) الأمير تنكز نائب الشام تنكز الأمير الكبير المعظم المهيب، سيف الدين نائب السلطنة بالشام؛ جلب إلى مصر وهو حدث فنشأ بها، وكان أبيض إلى السمرة، رشيق القد مليح الشعر خفيف اللحية قليل الشيب حسن الشكل، جلبه الخواجا علاء الدين السيواسي، فاشتراه الأمير حسام الدين لاجين، فلما قتل في سلطنته صار من خاصكية السلطان الملك الناصر، وشهد معه وادي الخزندار، ثم وقعة شقحب. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي في تاريخه: أخبرني القاضي شهاب الدين ابن القيسراني قال، قال لي: أنا والأمير سيف الدين طينال من مماليك الأشرف أمره الملك الناصر عشرة قبل توجهه إلى الكرك، وكان قد سلم إقطاعه إلى الأمير صارم الدين صاروجا المظفري، فكان على مصطلح الترك آغا له، ولما توجه السلطان إلى الكرك كان في خدمته، وجهزه إلى دمشق رسولاً إلى الأفرم، فاتهمه أن معه كتباً إلى أمراء الشام، فحصل له منه مخافة شديدة، وفتش وعرض عليه العقوبة، فلما عاد إلى السلطان عرفه ما جرى له فقال له: إن عدت إلى الملك فأنت نائب دمشق، فلما عاد إلى المملكة جعل الملك سيف الدين أرغون الدوادار نائب مصر بعد إمساك الجوكندار الكبير، وقال لتنكز ولسودي: احضرا كل يوم عند أرغون وتعلما منه النيابة والأحكام، فبقيا كذلك سنة يلازمانه، فلما مهرا جهز سيف الدين سودي إلى حلب نائباً، وسيف الدين تنكز إلى دمشق

_ (1) الوافي والدرر الكامنة 2: 55 والسلوك 2/ 2: 506 والنجوم الزاهرة 9: 145، 327.

نائباً، فحضر إليهما على البريد هو والحاج سيف الدين أرقطاي وحسام الدين طرنطاي البشمقدار (1) ، فكان وصولهم إليها في شهر ربيع الأول سنة اثني عشرة وسبعمائة، وتمكن في النيابة، وسار بالعساكر إلى ملطية فافتتحها، وعظم شأنه، وهابه الأمراء بدمشق ونواب الشام، وآمن الرعايا، ولم يمكن أحداً من الأمراء ولا أرباب الجاه يقدر يظلم أحد ذمياً أو غيره، خوفاً من بطشه وشدة إيقاعه، ولم يزل في ارتفاع علو درجة يتضاعف إقطاعه وإنعامه وعوائده من الخيل والقماش والطيور والجوارح حتى كتب له: أعز الله أنصار المقر الكريم العالي الأميري وفي الألقاب: الأتابكي الزاهدي العابدي وفي النعوت: معز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين؛ وهذا لم يكتب عن سلطان لنائب ولا غير نائب على اختلاف الوظائف (2) . وكان السلطان لا يفعل شيء في الغالب حتى يسير يشاوره فيه، وقلما كتب إلى السلطان في شيء فرده، وكل ما قرره من إمرة ونيابة وإقطاع وقضاء أو غير ذلك ترد التواقيع السلطانية بإمضاء ذلك. وكان قد اعتمد شيئاً ما سمع عن غيره، وهو أنه كان له كاتب ليس له شغل ولا عمل إلا حساب ما يدخل خزانته من الأموال وما يستقر له، فإذا حال الحول عمل أوراقاً بما يجب صرفه من الزكاة، فيأمر بإصرافه إلى ذوي الاستحقاق. وزادت أمواله وأملاكه. وعمر الجامع المعروف به بحكر السماق بدمشق، وأنشأ إلى جانبه تربة وحماماً، وعمر تربة إلى جانب الخواصين لزوجته، وعمر داراً للقرآن إلى جانب داره دار الذهب، وأنشأ بالقدس رباطاً، وعمر القدس وساق إليه الماء وأدخله الحرم، وعمر به حمامين وقيسارية مليحة إلى الغاية، وعمر بصفد البيمارستان المعروف به، وجدد القنوات بدمشق، وكانت مياهها قد تغيرت، وجدد عماير المساجد والمدارس، ووسع الطرقات بها واعتنى بأمرها، وله في

_ (1) النجوم (9: 147) البشمقدار - بالباء الموحدة - هو الذي يحمل نعل السلطان أو الأمير. (2) ص: الوظايف.

سائر الشام أملاك وعمائر وآثار. ولم يكن عنده دهاء ولا له باطن، ولا يحتمل شيئاً ولا يصبر على أذى، ولم يكن عنده مداراة للأمراء ولا يرفع بهم راساً، وكان الناس في أيامه آمنين على أموالهم ووظائفهم (1) ، وكان في كل سنة يتوجه إلى الصيد بالعسكر إلى نواحي الفرات، وعدى بعض السفرات الفرات وأقام في ذلك البر خمسة أيام يتصيد، وكان الناس يجفلون قدامه إلى بلاد توريز والسلطانية، وكان ما قصده غير الحق والعمل به ونصرة الشرع. خلا أنه كان به سوداء يتخيل بها الأمر فاسداً ويبني عليه، فهلك بذلك أناس، ولا يقدر أحد من مهابته يوضح له الصواب، ولا يقول له الحق فيما يفعله، وكان إذا غضب لا سبيل له إلى الرضى ولا العفو، وإذا بطش بطش بطش الجبارين، ويكون الذنب يسيراً فلا يزال يكبره ويزيده ويوسعه إلى أن يخرج فيه عن الحد. وكان الشيخ حسن ابن دمرتاش قد أهمه أمره وخافه، فيقال إنه تمم عليه عند السلطان وقال له إنه قصد الحضور إلى عندي والمخامرة عليك، فتنكر السلطان، وكان في ذلك الأيام قد عزم السلطان على أن يجهز الأمير بشتاك ويلبغا اليحياوي وعشرين أمير من الخاصكية ليحضروا عرس أولاده، ويجهز معهم بنات السلطان، فبعث يقول: يا خوند، إيش الفايدة في حضور هؤلاء الأمراء الكبار إلى دمشق، والبلاد الساحلية في هذا العام ممحلة، ويحتاج العسكر إلى كلفة كثيرة، أنا أحضر بأولادي إلى الباب ويكون الدخول هناك، فجهز إليه السلطان طاجار الدوادار وقال له: السلطان يسلم عليك ويقول لك: إنه ما بقى يطلبك إلى مصر، ولا يجهز إليك أمير كبير حتى لا تتوهم، فقال تنكز: أنا أتوجه بأولادي إليه، فقال طاجار: لو وصلت إلى بلبيس ردك، وأنا أكفيك هذا المهم، وبعد ثمانية أيام أكون عندك بتقليد جديد وإنعام جديد، فلبثه بهذا الكلام، ولو كان

_ (1) ص: ووضايفهم.

توجه إلى السلطان كان خيراً له، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وكان أهل دمشق في تلك المدة قد أرجفوا بأنه قد عزم على التوجه إلى بلاد التتار، فوقع هذا الكلام في سمع طاجار الدوادار، وكان قد عامله تنكز في هذه المرة معاملة لا تليق به، فتوجه من عنده مغضباً، وكأنه حرف الكلام، والله أعلم، فتغير السلطان تغيراً عظيماً، وجرد عشرة آلاف فارس من مصر، وجهز بريدي إلى الأمير طشتمر حمص أخضر نائب صفد، وأمره بالتوجه إلى دمشق لمسك تنكز، وكتب إلى الحاجب وإلى الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري وإلى الأمراء بالقبض عليه وقال: إن قدرتم على تعويقه فهو المراد، والعساكر تصل إليكم من مصر، فوصل الأمير سيف الدين طشتمر الظهر إلى المزة، وجهز إلى الأمير سيف الدين الفخري، وكان دواداره قد وصل بكرة النهار واجتمع بالأمراء فاتفقوا، وتوجه اللمش الحاجب إلى القابون ووعر الطريق ورمى الأخشاب فيها وأحمال التبن، وقال للناس: إن غريم السلطان يعبر الساعة عليكم فلا تمكنوه، وركب الأمراء واجتمعوا على باب النصر. هذا كله وهو في غفلة عما يراد به، ينتظر ورود طاجار الدوادار، وكان قد خرج ذلك النهار إلى القصر الذي بناه في القطايع، فتوجه إليه الأمير سيف الدين قرشي وعرفه بوصول طشتمر، فبهت لذلك وسقط في يده. وقال: ما العمل؟ قال: تدخل إلى دار السعادة، فحضر ودخل إلى دار السعادة، وغلقت أبواب المدينة، وأراد اللبس والمحاربة. ثم علم أن الناس ينهبون ويعمل السيف في البلد، فآثر إخماد الفتنة وأن لا يجرد سلاح، فجهز إلى الأمير سيف الدين طشتمر وقال له: في أي شيء جيت؟ قال: أنا جيتك رسول من عند أستاذك، فإن خرجت إلي قلت لك ما قال لي، وإن رحت إلى مطلع الشمس تبعتك، ولا أرجع إلا إن مات أحدنا، فخرج إليهم واستسلم، وأخذ سيفه وقيد خلف مسجد القدم، وجهز إلى السلطان وجهز معه الأمير ركن الدين بيبرس السلاح دار، ثالث عشرين ذي الحجة سنة أربعين وسبعمائة، وتأسف أهل دمشق عليه ويا طول أسفهم؛

فسبحان مزيل النعم الذي لا يزول ملكه ولا يتغير عزه ولا تطرأ عليه الحوادث! واحتيط على حواصله، وأودع طغاي وجنغاي (1) مملوكاه في القلعة، وبعد مدة يسيرة حضر الأمير سيف بشتاك وطاجار الدوادار والحاج أرقطاي وتتمة عشرة أمرا، ونزلوا القصر الأبلق، وحال وصولهم حلفوا الأمراء، وشرعوا في عرض حواصله، وأخرجوا ذخايره وودايعه، وتوجه بشتاك إلى مصر ومعه من ماله ثلثمائة ألف وستة وثلاثون ألف دينا مصرية، وألف ألف وخمسمائة ألف درهم، وجواهر وبلخش، وأقطاع مثمنة، ولولو غريب الحب. وطرز زركش، وكلوتات (2) زركش، وحوايص ذهب، بحامات (3) مرصعة، وأطلس وغيره من القماش ما كان جملته ثمانمائة حمل، وأقام بعده برسبغا، وتوجه في أثره بعد ما استخلص من الناس ومن بقايا أموال تنكز، ومعه أربعون ألف دينار وألف ألف ومائة ألف درهم، وأخذ مماليكه وجواريه وخيله المثمنة إلى مصر، وأما هو فإنه جهز إلى اسكندرية وحبس بها مدة دون الشهر، ثم قضى الله تعالى فيه أمره. يقال: إن المقدم ابن صابر توجه إليه، وكان ذلك آخر العهد به، ومات وصلى عليه أهل اسكندرية: فكأنّه برقٌ تألّق بالحمى ... ثمّ انثنى فكأنه لم يلمع ثم ورد مرسوم السلطان بتقويم أملاكه، فعمل ذلك بالعدول وأرباب الخبرة، وحضرت محاضر (4) إلى ديوان الإنشاء لتجهز إلى الأبواب السلطانية. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي (5) : فنقلت منها ما صورته: دار الذهب بمجموعها وإسطبلاتها ستمائة ألف درهم، دار الزمرد مائتا ألف درهم، دار

_ (1) ص: وجنغاي. (2) الكلوتة: غطاء للرأس يلبس وحده أو بعمامة (ملحق دوزي) . (3) كذا في ص؛ وفي المطبوعة ولجامات. (4) ص: محاظر. (5) نقل صاحب النجوم الزاهرة هذا النص أيضاً (9: 154) .

الزردكاش وما معها مائتا ألف وعشرون ألف درهم، الدار التي بجوار جامعه بدمشق مائة ألف درهم، الحمام التي بجوار الجامع مائة ألف أدرهم، خان العرصة مائة ألف وخمسون ألف درهم، إسطبل حكر السماق عشرون ألف درهم، الطبقة التي بجوار حمام ابن يمن أربعة آلاف وخمسمائة درهم، قيسارية المرحليين مائتا ألف وخمسون ألف درهم، الفرن والحوش (1) بالقنوات من غير أرض عشرة آلاف درهم، حوانيت التعديل ثمانية آلاف درهم، الأهراء من إصطبل بهادراص عشرة آلاف درهم، خان البيض وحوانيته مائة ألف وعشرة آلاف درهم، حوانيت باب الفرج خمسة وأربعون ألف درهم، حمام القابون عشرون ألف درهم، حمام القصير العمري ستة آلاف درهم، الدهيشة (2) والحمام مائتا ألف وخمسون ألف درهم، بستان العادل مائة ألف وثمانون ألف درهم، بستان النجيبي والحمام والفرن مائة ألف وثلاثون ألف درهم، بستان الجبلي (3) بحرستا أربعون ألف درهم، الحدائق بحرستا مائة ألف وخمسة وأربعون ألف درهم، بستان القوصي بحرستا ستون ألف درهم، بستان الدردور بزبدين خمسون ألف درهم، الجنينة المعروفة بالحمام بزبدين سبعة آلاف درهم، بستان الرزار خمسة وثلاثون ألف درهم، الجنينة وبستان عبرتهما (4) ثمانون ألف درهم، مزرعة البوقي والعنبري مائة ألف درهم، الحصة بالدفوف القبلية بكفر بطنا ثلثاها ثلاثون ألف درهم، بستان السقلاطوني بالمنيحة خمسة وسبعون ألف درهم، حقل البيطارية بها خمسة عشر ألف درهم، الفاتكيات والرشيدي والكروم بزملكا مائة ألف وثمانون ألف درهم، مزرعة المرفع بالقابون مائة ألف وعشرة آلاف درهم، الحصة من غراس غيطة الأعجام عشرون ألف درهم، نصف الغيطة المعروفة

_ (1) النجوم: والحوض. (2) النجوم: الدهشة. (3) النجوم: الحلبي. (4) عبرتهما: دخلهما.

الأملاك التي بمدينة حمص:

بزرنبه خمسة آلاف درهم، غراس قايم جواردار الجالق ألفا درهم، النصف من غراس الهامة ثلاثون ألف دهرم، الحوانيت التي قبالة الجامع مائة ألف درهم، الإسطبلات التي عند الجامع ثلاثون ألف درهم، بيدر زبدين ثلاثة وأربعين ألف درهم، أرض خارج باب الفرج ستة عشر ألف درهم، القصر وما معه خمسمائة ألف درهم وخمسون ألف درهم، ربع ضيعة القصرين مائة وعشرون ألف درهم، نصف البيطارية مائة ألف وثمانون ألف درهم، حصة من البويضا مائة ألف وخمسة وثمانون ألف درهم، نصف بوابة مائة وثمانون ألف درهم، العلانية بعيون الفاسرتا ثمانون ألف درهم، حصة دير ابن عصرون خمسة وسبعون ألف درهم، حصة دوير اللبن ألف وخمسمائة درهم، الدير الأبيض خمسون ألف درهم، التنورية اثنان وعشرون ألف درهم، العزيل مائة ألف وثلاثون ألف درهم، حوانيت داخل باب الفرج أربعون ألف درهم. الأملاك التي بمدينة حمص: الحمام خمسة وعشرون ألف درهم، الحوانيت سبعة آلاف درهم، الربع ستون ألف درهم، الطاحون الراكبة على العاصي ثلاثون ألف درهم، زور قبجق خمسة وعشرون ألف درهم، الخان مائة ألف درهم، الحمام الملاصقة للخان ستون ألف درهم، الحوش الملاصق له ألف وخمسمائة درهم، المناخ ثلاثة آلاف درهم، الحوش المجاور للفندق ثلاثة آلاف درهم، حوانيت العريضة ثلاثة آلاف درهم، الأراضي المحتكرة سبعة آلاف درهم. الأملاك ببيروت: الخان مائة وخمسة وثلاثون ألف درهم، الحوانيت والفرن مائة وعشرون ألف درهم، المصبنة بآلاتها عشرة آلاف درهم، الحمام عشرون ألف درهم، المسلخ عشرة آلاف درهم، الطاحون خمسة آلاف درهم، قرية زلايا خمسة وأربعون ألف درهم. القرى بالبقاع: مرج الصفا سبعمائة ألف درهم، التل الأخضر مائة ألف وثمانون ألف درهم، المباركة خمسة وسبعون ألف درهم، المسعودية مائة ألف

وعشرون ألف درهم. الضياع الثلاثة المعروفة بالجوهري أربعمائة ألف وسبعون ألف درهم، السعادة أربعمائة ألف درهم، أبروطيا ستون ألف درهم، نصف يبرود والصالحة والحوانيت أربعمائة ألف درهم، الناصرية مائة ألف درهم. رأس الماء بيم الروس سبعة وخمسون ألف درهم، حصة من خربة ورق: اثنان وعشرون ألف درهم، رأس الماء والدلي بمزارعها خمسمائة ألف درهم، حمام صرخد خمسون ألف درهم، طاحون الفوار ثلاثون ألف درهم، السالمية سبعة آلاف وخمسمائة درهم، طاحون المغار عشرة آلاف درهم، قيسارية أذرعات اثنا عشر ألف درهم، قيسارية عجلون مائة ألف وعشرون ألف درهم. الأملاك بقارا: الحمام خمسة وعشرين ألف درهم، الهري ستمائة ألف درهم، الصالحية والطاحون والأراضي مائة ألف وخمسة وعشرون ألف درهم، راسليثا ومزارعها مائة وخمسة وعشرين ألف درهم، القصيبة أربعون ألف درهم، القريتين المعروفة إحداهما بالمزرعة والأخرى بالبينسية تسعون ألف درهم. هذا جميعه خارج عما له من الأملاك في وجوه البر بصفد وعجلون والقدس الشريف ونابلس والرملة وجلجولية والديار المصرية. ولما كان في أوائل شهر رجب سنة أربع وأربعين وسبعمائة حضر تابوته من الإسكندرية إلى دمشق، ودفن في تربته جوار جامعه المعروف بإنشائه، رحمه الله تعالى، فقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: في نقل تنكز سرّ ... أراده الله ربّه أتى به نحو أرضٍ ... يحبّها وتحبّه رحمه الله تعالى وعفا عنه، بمنه وكرمه.

توبة ابن الحمير

89 - (1) توبة ابن الحمير توبة بن الحمير الخفاجي، أحد المتيمين، صاحب ليلى الأخيلية ويأتي ذكرها في حرف اللام إن شاء الله تعالى؛ كان يهوى ليلى فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه، وزوجها في بني الأولغ فكان يكثر زيارتها، فشكوه إلى قومه فلم يقلع فشكوه إلى السلطان فأهدر دمه إن أتاهم، فعلمت بذلك ليلى، ثم إن قومها كمنوا له في الموضع الذي يلقاها فيه، فلما جاء خرجت إليه سافرة حتى جلست في طريقه، فما رآها سافرة فظن لما أرادت فركض فرسه ونجا، وقال قصيدته التي منها: وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها ثم إن توبة قتلته بنو (2) عوف بن عقيل في حدود الثمانين من الهجرة، رحمه الله تعالى، فقالت ليلى ترثيه: نظرت ودوني من عماية (3) منكب ... وبطن الركاء أيّ (4) نظرة ناظر منها: وتوبة أحيى من وفاة حيية ... وأجرأ من ليث بخفّان خادر

_ (1) الأغاني 10: 63، 4: 192 والشعر والشعراء: 356 وأمالي القالي 1: 86 والسمط: 119 والخزانة 3: 31 والعيني 1: 569، 2: 47، 4: 53 والمؤتلف: 68، 93 وأسماء المغتالين: 250 والمحاسن والأضداد: 125. (2) ص: بني. (3) ص: غمامة. (4) ص: وبطن الردى من أي.

ونعم فتى الدنيا وإن كان فاجراً ... ونعم الفتى إن كان ليس بفاجر وهي قصيدة طويلة أوردها صاحب الأغاني، ولها فيها مراث (1) أخر. ثم إن ليلى أقبلت من سفر فمرت بقبر توبة وهي في هودج ومعها زوجها، فقالت: والله لا أبرح حتى أسلم على توبة، فجعل الزوج يمنعها وهي تأبى إلا أن تلم به، فتركها فصعدت أكمةً عليها قبر توبة، فقالت: السلام عليك يا توبة، ثم حولت وجهها نحو القبر وقالت: ما عرفت له كذبة قط، فقالوا: وكيف ذلك؟ قالت: أليس هو القائل: ولو أن ليلى الأخيليّة سلّمت ... عليّ ودوني جندلٌ وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدىً من جانب القبر صائح وأُغبط من ليلى بما لا أناله ... ألا كلّ ما قرّت به العين صالح فما باله لم يسلم علي كما قال؟ وكان إلى جانب القبر بومة كامنة، فلما رأت الهودج واضطرابه فزعت وطارت في وجه الجمل، فنفر ورمى بليلى على رأسها فماتت من وقتها ودفنت إلى جانبه. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: ما كذب بعد موته؛ لأنه قال: أو زقا إليها صدى من جانب القبر والصدى هو ذكر البوم، وهذا من عجائب الاتفاق، رحمها الله تعالى.

_ (1) ص: مراثي.

تقي الدين التكريتي

90 - (1) تقي الدين التكريتي توبة بن علي بن مهاجر بن شجاع بن توبة، الصاحب تقي الدين توبة التكريتي المعروف بالبيع؛ ولد يوم عرفة بعرفة سنة عشرين وستمائة وتعانى التجارة والسفر، وتعرف بالسلطان حسام الدين لاجين لما كان أمير، وعامله وخدمه، فلما صار سلطان ولاه وزارة الشام مدة ثم عزله، وصودر غير مرة، ثم يسلمه الله تعالى. وكان مع ظلمه وعسفه فيه مروة وحسن إسلام وتقرب إلى أهل الخير وعدم خبث وهمة عالية وسماح، وحسن خلق ومزاح، واقتنى الخيل المسومة والدور الحسنة، واقتنى المماليك الملاح، وعمر لنفسه تربة حسنة تصلح لملك، وبها دفن لما مات سنة ثمان وتسعين وستمائة، وحضر جنازته ملك الأمراء والقضاة. يقال عنه إنه كان عنده مملوك مليح اسمه أقطوان، فخرج ليلة وأقطوان خلفه إلى وادي الربوة، فمروا على مسطول وهو نائم، فلما أحس بوقع حوافر الخيل فتح عينيه وقال: يا الله توبة؟ فقال له: والك يا قواد، إيش تعمل بتوبة؟ شيخ نحس مقلع الأسنان قول: يا الله أقطوان. ويقال إنه أتى إليه رجل من تكريت وقال له: يا مولانا الصاحب أشتهي منك شفاعة إلى شيخ الخانقاه الشميصاتية حتى ينزلني فيها، فدعا بنقيبه وقال له: روح مع هذا إلى شيخ الخانقاه، وسلم عليه من جهتي، وقولي له يقبل شفاعتي في هذا وينزله في الخانقاه، فلما جاء إلى شيخ الشيوخ وأدى

_ (1) انظر صفحات متفرقة من السلوك (ج؟: 1) والنجوم الزاهرة 8: 185 والوافي والعبر 5: 386 والدارس 2: 237 والشذرات 5: 441.

الرسالة قال له: قول للصاحب: هذا ما هو صوفي ولا ينزل عمره في خانقاه، وهذه الخانقاه شرطها أنه لا ينزل فيها إلا صوفي مربى يعرف آداب القوم، فجاء إليه الرجل باكي وقال: يا سيدي لم يسمع من رسالتك، فغضب وسير خلف الشيخ فلما دخل عليه قال: يا مولانا، لأي معنى ما تنزل هذا؟ قال: مولانا هذا ما هو صوفي، فقال الصاحب للرجل: ما تعرف تاكل أرز مفلفل؟ قال: بلى والله، قال: ما تعرف ترقص في السماع؟ قال: بلى، قال: ما تعرف تلوط على المليح، قال: بلى والله، قال: صوفي أنت من عمرك. ولشمس الدين ابن منصور موقع غزة فيه، وقد أعيد إلى الوزارة: عتبت على الزمان وقلت مهلاً ... أقمت على الخنا ولبست ثوبه نفاق في التجاهل والتعامي ... وعاد إلى التقى وأتى بتوبه ولعلاء الدين الوداعي الكندي فيه، وقد سقط عن حصان: فديناك لا تخش من وقعةٍ ... فإنّ وقوعك للأرض فخر سقوط الغمام بفصل الربيع ... ففي البرّ برٌّ وفي البحر درّ وله أيضاً فيه رحمه الله تعالى: إني حلفت يميناً ... لم آت فيها بحوبه مذ أقعدتني الليالي ... لا قمت إلاّ بتوبه

توران شاه

91 - (1) توران شاه توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل الكبير، الملك المعظم غياث الدين؛ لما توفي الملك الصالح والده جمع فخر الدين ابن الشيخ الأمراء وحلفوا له، وكان بحصن كيفا، وسيروا إليه الفارس أقطاي (2) فساق على البريه لا يعترض عليه أحد من الملوك، فكاد يهلك عطشاً، حتى قدم دمشق ودخل بأبهة السلطنة في أواخر رمضان، ونزل القلعة وأنفق الأموال، وأحبه الناس، ثم سار إلى مصر بعد عيد الأضحى، فاتفق كسرة الإفرنج خذلهم الله تعالى عند قدومه، ففرح الناس وتيمنوا بوجهه، لكن بدت منه أمور نفرت الناس عنه: منها أنه كان فيه خفة وطيش، وكان والده الصالح يقول: ولدي ما يصلح للملك، وألح عليه يوماً الأمير حسام الدين ابن أبو علي، وطلب إحضاره من حصن كيفا، فقال: أجيبه لكم حتى تقتلوه؟ فكان الأمر كما قال أبوه. وقال سعد الدين بن حيمويه: لما قدم المعظم طال لسان كل من كان خاملاً في أيام أبيه، ووجدوه مختل العقل سيء التدبير، دفع خبز فخر الدين شيخ الشيوخ بحواصله إلى جوهر الخادم، وانتظر الأمراء أن يعطيهم كما أعطى أمرا دمشق فلم يكن لذلك أثر، وكان لا يزال يحرك كتفه الأيمن مع نصف وجهه، وكثيراً ما يولع بلحيته، ومتى سكر ضرب الشمع بالسيف وقال: هكذا أفعل بمماليك أبي، ويتهدد الأمرا بالقتل، فشوش قلوب الجميع ومقتوه، وصادف بخله.

_ (1) الوافي ومرآة الزمان: 781 والنجوم الزاهرة 6: 364 والعبر 5: 199 وذيل الروضتين: 185 والشذرات 5: 241. (2) ص: أقطايا (في هذا الموضع وحده) .

قال سبط ابن الجوزي: بلغني أنه كان يكون على السماط بدمشق، فإذا سمع فقيهاً يقول مسألة يقول: لا نسلم، ويصيح بها. ومنها أنه احتجب عن أمر الناس وانهمك على اللذات والفساد مع الغلمان، على ما قيل، ويقال إنه تعرض لحظايا أبيه. ومنها أنه قدم الأراذل وأخر خواص أبيه، وكان قد وعد الفارس أقطاي لما جاء إليه إلى حصن كيفا أن يؤمره، فما وفى له فغضب. وكانت شجر الدر زوجة أبيه قد ذهبت من المنصورة إلى القاهرة، فجاء هو إلى المنصورة وأرسل إليها يتهددها ويطالبها بالأموال، فعاملت عليه، فلما كان اليوم السابع من المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة ضربه بعض البحرية وهو على السماط، فتلقى الضربة بيده فذهبت بعض أصابعه، فقام ودخل البرج الخشب الذي هناك وصاح: من جرحني؟ فقالوا: بعض الحشيشية، قال: لا والله إلا البحرية، والله لأفنينهم، وخاط المزين جرحه وهو يتهددهم، فقالوا: تمموه وإلا أبادنا، فدخلوا عليه فهرب إلى أعلى البرج، فرموا النار في البرج، ورموه بالنشاب، فرمى بنفسه وهرب إلى النيل وهو يقول: ما أريد ملكاً، دعوني أرجع إلى حصن كيفا، يا مسلمين ما فيكم من يصطنعني؟ فما أجابه أحد، فتعلق بذيل الفارس أقطاي فما أجاره، ونزل في البحر إلى حلقه، فقتلوه وبقي ملقىً على جانب النيل ثلاثة أيام حتى شفع فيه رسول الخليفة فواروه. وكان الذي باشر قتله أربعة، فلما قتل خطب على منابر الشام ومصر لأم خليل شجر الدر. ثم تسلطن الملك المعز أيبك التركماني. وكان المعظم توران شاه قوي المشاركة في العلوم حسن البحث ذكياً. قال ابن واصل: لما دخل المعظم دمشق قام الشعراء، فابتدأ العدل تاج الدين ابن الدجاجية فقال: كيف كان القدوم من حصن كيفا ... حين أرغمت للأعادي أنوفا فأجابه المعظم في الوقت:

توفيق الطرابلسي

الطريق الطريق يا ألف نحس ... تارة آمنا وطوراً (1) مخوفا وقال الصاحب جمال الدين ابن مطروح يرثيه: يا بعيد الليل من سحره ... دائماً يبكي على قمره خلّ ذا واندب معي ملكاً ... ولت الدنيا على أثره كانت الدنيا تطيب لنا ... بين باديه ومحتضره سلبته الملك أسرته ... واستووا غدراً على سرره حسدوه حين فاتهم ... في الشباب الغضّ من عمره وفيه يقول نور الدين ابن سعيد: ليت المعظّم لم يسر من حصنه ... يوماً ولا وافى إلى أملاكه إن العناصر إذ رأته مكملاً ... حسدته فاجتمعت على إهلاكه واتفق يوم خروجه من دمشق مطر عظيم، فقال نور الدين ابن سعيد: إنّ المعظّم خير أملاك الورى ... سرّت به الدّنيا وتعذر فيه أوما رأيت دمشق يوم قدومه ... ضحكت ويوم وداعه تبكيه 92 (2) توفيق الطرابلسي توفيق بن محمد بن الحسين النحوي الطرابلسي؛ كان جده الحسين بن محمد ابن زريق يتولى الثغور من قبل الطائع، وولد توفيق بطرابلس، وسكن

_ (1) ص: وتاوراً. (2) لم ترد هذه الترجمة في المطبوعة، وانظر معجم الأدباء 7: 138 وبغية الوعاة: 209 والزركشي: 81

دمشق، وكان أديباً فاضلاً شاعراً. قال ياقوت: وكان يتهم بقلة الدين والميل إلى مذهب الأوائل، توفي في صفر سنة ست عشرة (1) وخمسمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس، وكان نحوياً، أقرأ العربية، وله معرفة بالحساب والهندسة. ومن شعره، رحمه الله تعالى: وجلنار كأعراف الديوك على ... خضرٍ تميس كأذناب الطواويس مثل العروس تحلّت يوم زينتها ... حمر الحليّ على خضر الملابيس في مجلس بعثت أيدي السرور به ... لدى عريشٍ يحاكي عرش بلقيس سقى الحيا أربعاً تحيا النفوس بها ... ما بين مقرى إلى باب الفراديس

_ (1) ص: سنة عشر.

حرف الثاء

حرف الثاء

فراغ

ثابت قطنة

93 - (1) ثابت قطنة ثابت بن كعب أخو بني أسد بن الحارث بن العتيك، ويعرف بثابت قطنة لأنه أصابه سهم في عينه في بعض حروب الترك فذهبت، فجعل موضعها قطنة؛ وهو شاعر شجاع، وكان في صحابة يزيد بن المهلب، ولي عملاً في خراسان، فلما صعد المنبر يوم الجمعة رام الكلام فتعذر عليه وحصر، فقال: سيجعل الله بعد عسر يسراً، وبع عي بياناً، وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال، ثم أنشأ: وإلاّ أكن فيكم خطيباً فإنني ... بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب فقال بعض الشعراء يهجوه بذلك (2) : أبا العلاء لقد لقيّت معضلةً ... يوم العروبة من كربٍ وتخنيق أما القران فلم تخلق لمحكمه ... ولم (3) تسدّد من الدنيا بتوفيق لما رمتك عيون الناس هبتهم ... وكدت تشرق لما قمت بالريق تلوي اللسان وقد رمت الكلام به ... كما هوى زلقٌ من شاهق النيق ولما ولي سعيد بن عبد العزيز خراسان جلس يعرض الناس، فرأى ثابتاً، وكان تام السلاح جميل الهيئة، فسأل عنه فقيل: هذا ثابت قطنة، وهو فارس

_ (1) الأغاني 14: 247 والشعر والشعراء: 526 والخزانة 4: 184 والطبري 2: 1480؛ وقد سقطت هذه الترجمة من المطبوعة. (2) هو حاجب الفيل، كما في الأغاني. (3) ص: فيه ولم.

أبو البقاء التفليسي

شجاع، فأمضاه وأجاز على اسمه، فلما انصرف قال رجل: هذا الذي يقول: إنّا لضرابون في حمس الوغى (1) ... رأس الخليفة إن أراد صدودا فقال سعيد: عليّ به، فلما أتاه قال له: أنت القائل: إنا لضرابون ... ؟ فقال: نعم أنا القائل: إنّا لضرابون في حمس الوغى (2) ... رأس المتوّج إن أراد صدودا عن طاعة الرحمن أو خلفائه ... أو رام إفساداً ولجّ عنودا فقال له سعيد: أولى لك، لولا أنك خرجت منها لضربت عنقك، وأخباره مستوفاة في كتاب الأغاني، رحمه الله تعالى. 94 - (3) أبو البقاء التفليسي ثابت بن تاوان بالتاء المثناة من فوق وبعد الألف واو وألف ونون الإمام نجم الدين أبو البقاء التفليسي الصوفي؛ كان له معرفة بالفقه والأصول والعربية والأخبار والأشعار والسلوك، وله رياضات ومجاهدات، وهو من كبار أصحاب الشيخ شهاب الدين السهروردي، وأذن له أن يصلح ما رآه في تصانيفه من الخلل وقدم مصر رسولاً من الديوان، وهو مليح الكتابة كتب الأجزاء، وتوفي سنة إحدى (4) وثلاثين وستمائة، ووقف كتبه على الخانقاه الشميصاتية.

_ (1) ص: الورى. (2) ص: الورى. (3) موجزة كثيراً في المطبوعة؛ وانظر الزركشي: 81. (4) ص: أحد.

قال شهاب الدين القوصي، أنشدني لنفسه: شرّ مالٍ حزته ذاك الذي ... حزت حدّ العلم في استحقاقه اكتسبت الإثم في تحصيله ... وحرمت الأجر في إنفاقه وأنشدني أيضاً لنفسه: إن شام طرفي عنك بارق سلوة ... طفق الغرام إلى هواك يحثّه أو كاد يبدي ضرّه قال الهوى ... لا كان من يشكو الهوى ويبثه وقال أيضاً: اغتنم يومك هذا ... إنّما يومك ضيف وانتهب فرصة عمرٍ ... حاضرٍ فالوقت سيف لا تضيّع هذه الأن ... فاس فالتضييع حيف عدّ عن سوف أو ال ... ساعة أو أين وكيف رحمه الله تعالى وعفا عنه.

فراغ

حرف الجيم

حرف الجيم

فراغ

جابر بن حيان

95 - (1) جابر بن حيان جابر بن حيان، أبو موسى الطرسوسي؛ ألف كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمن رسائل جعفر الصادق في الكيمياء، وهي خمسمائة رسالة. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وأنا أنزه جعفر الصادق رضي الله عنه عن الكيمياء، وإنما هذا الشيطان أراد الإغواء بكونه عزا ذلك إلى جعفر الصادق لتتلقاه النفوس بالقبول، ورأيته إذا ذكر الحجر يقول بعد ما يرمزه: وقد أوضحته في الكتاب الفلاني، فيتعب الطالب حتى يظفر بذلك المصنف المشوم، فيجده قد قال: وقد بينته في الكتاب الفلاني، فلا يزال يحيل على شيء بعد شيء. ووجدت بعض الفضلاء قد كتب على بعض تصانيفه: هذا الذي بمقاله ... غرّ الأوائل والأواخر ما أنت إلاّ كاسرٌ ... كذب الذي سمّاك جابر وتصانيفه في هذا الفن كثيرة وليس تحتها طائل، وكانت وفاته في حدود التسعين والمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.

_ (1) لم ترد هذه الترجمة في المطبوعة؛ وانظر الفهرست: 354 وسيزكن 4: 132 - 270، 330 - 331، وفيه عرض لمؤلفاته بالاعتماد على دراسات كراوس وروزكا؛ وللكتور زكي نجيب محمود مؤلف لطيف عنه (سلسلة أعلام العرب) .

الحطيئة الشاعر

96 - (1) الحطيئة الشاعر جرول بن أوس بن مالك، الحطيئة الشاعر؛ لقب بالحطيئة لقربه من الأرض، فإنه كان قصيراً. وهو من فحول الشعراء وفصحائهم، وكان ذا شر، ونسبه متدافع بين القبائل كان ينتمي إلى كل واحدة منها إذا غضب على الأخرى، وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم ثم ارتد وقال: أطعنا رسول الله إذ كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبي بكر أيورثها بكرٌ إذا مات بعده ... وتلك لعمر الله قاصمة الظهر وقال يهجو أمه: تنحّي فاجلسي عني بعيدا ... أراح الله منك العالمينا أغربالاً إذا استودعت سراً ... وكانونا على المتحدّثينا حياتك ما علمت حياة سوءٍ ... وموتك قد يسرّ الصالحينا والتمس يوماً إنساناً يهجوه فلم يجد، فضاق عليه ذلك فقال: أبت شفتاي اليوم إلاّ تكلما ... بشرٍّ فما أردي لمن أنا قائله وجعل يدور هذا البيت في حلقه ولا يرى إنساناً، فاطلع في حوض ماء فرأى وجهه فيه فقال: أرى لي وجهاً قبّح الله خلقه ... فقبّح من وجهٍ وقبح حامله

_ (1) الأغاني 1: 41، 16: 38 والوافي والخزانة 1: 408 والعيني 1: 473 والإصابة 2: 63 وطبقات ابن سلام: 93 والشعر والشعراء: 238، وقد نشر ديوانه بتحقيق الأستاذ نعمان أمين طه (القاهرة: 1058) ، وقد استوفت المطبوعة معظم هذه الترجمة.

وقدم المدينة في سنة مجدبة، فجمع أشرافها له من بينهم شيئاً (1) إلى أن تكمل له أربعمائة دينار وأعطوه إياها، فلما كان يوم الجمعة استقبل الإمام ونادى: من يحملني على نعلين كفاه الله كبة جهنم. قال الأصمعي: كان الحطيئة سؤولاً ملحفاً دنيء النفس كثير الشر قليل الخير، بخيلاً قبيح المنظر رث الهيئة مغموز النسب فاسد الدين. وهجا الزبرقان بن بدر بالأبيات التي منها: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فاستعدى عليه الزبرقان إلى (2) عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فرفعه عمر إليه واستنشده، وقال لحسان: أتراه هجاه؟ قال: نعم، وسلح عليه، فحبسه في بئر وأبقى عليه شيئاً، فقال: ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمةٍ ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقت إليك مقاليد النهى البشر لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الاثر فأخرجه وقال: إياك وهجاء الناس، قال: إذن تموت عيالي جوعاً، هذا مكسبي ومنه معاشي، قال: إياك والمقذع، قال: وما المقذع؟ قال: أن تخاير بين الناس فتقول: فلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان، قال: فأنت والله أهجى مني، فقال عمر رضي الله عنه: لولا أن تكون سنة لقطعت لسانه، ولكن اذهب فأنت له يا زبرقان، فألقى الزبرقان في رقبته عمامته واقتاده بها، فعارضته غطفان وقالت له: يا أبا شذرة (3) إخوتك وبنو عمك فهبه لهم، فوهبه لهم.

_ (1) ص: شيء. (2) كذا في ص: والأصوب حذف ((إلى)) . (3) ص: سدرة.

وقيل إن عمر لما أطلقه اشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، ليؤكد الحجة عليه. ولما حضرت الحطيئة الوفاة واجتمع إليه القوم، فقالوا: يا أبا مليكة، أوص، فقال: ويل للشعراء من رواة السوء، فقالوا له: أوص يرحمك الله، فقال: من هو الذي يقول (1) : إذا أنبض الرامون عنها ترنمت ... ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز فقالوا: أوص ويحك بما ينفعك، فقال: أبلغوا امرأ القيس أنه أشعر العرب حيث يقول (2) : فيا لك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل فقالوا: اتق الله ودع عنك هذا، فقال: أبلغوا الأنصار أن شاعرهم أشعر العرب حيث يقول (3) : يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل فقالوا: إن هذا لا يغني عنك شيئاً، فقل غير ما أنت فيه، فقال: الشعر صعبٌ وطويلٌ سلّمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلّت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه (4) فيعجمه فقالوا: هذا مثل ما كنت فيه، فقال: قد كنت أحياناً شديد المعتمد ... وكنت ذا غربٍ على الخصم الألد فوردت نفسي وما كادت ترد ...

_ (1) البيت للشماخ بن ضرار، ديوانه: 191. (2) البيت من معلقة امرئ القيس، ديوانه: 19. (3) لحسان بن ثابت، ديوانه: 74. (4) ص: يعرفه.

فقالوا: يا أبا مليكة، ألك حاجة؟ قال: لا، ولكنني أجزع على المديح الجيد يمدح به من ليس له أهلاً، فقالوا: من أشعر الناس؟ فأومأ بيده إلى فيه، وقال: هذا إذا طمع في خير، واستعبر باكياً، فقالوا له: قل لا إله إلا الله، فقال: قالت وفيها حيدةٌ وذعر ... عوذٌ بربي منكم وحجر 1 قالوا: ما تقول في عبيدك وإمائك؟ قال: هم عبيد قن، ما عاقب الليل النهار، قالوا: فأوص للفقراء بشيء، قال: أوصيهم بالإلحاح في المسألة، واست المسئول أضيق، قالوا: فما تقول في مالك؟ قال: للأنثى مثل حظ الذكر، قالوا: ليس هكذا قضى الله عز وجل، قال: لكني هكذا قضيت، قالوا: فما توصي لليتامى؟ قال: كلوا أموالهم وافعلوا بأمهاتهم، قالوا 2: فهل تعهد غير هذا؟ قال: نعم، احملوني 3 على أتان وتتركوني راكباً حتى أموت، فإن الكريم لا يموت على فراشه، والأتان مركب لم يمت عليه كريم قط، فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون حتى مات، وهو يقول: لا أحدٌ ألأم من حطيّه ... هجا بنيه وهجا المريّه من لؤمه مات على فريّه ... الفرية: الأتان. وتوفي في حدود الثلاثين للهجرة.

شعر الزنج

97 - (1) شعر الزنج أبو الجعد المعروف بشعر الزنج؛ وكان وقاداً ببغداد، قصته طويلة وأمره عجيب، اقتضت (2) به الحال في تصرفاته إلى أن صار وقاداً في أتون حمام: عشق غلاماً من أبناء بغداد، وقال الشعر فجوده، واشتد كلفه بالغلام، وكان الغلام ظريفاً مغرماً بالتفاح لا يكاد يفارقه في أوانه، فجاء يوماً شعر الزنج فقعد بإزاء الغلام، وبيد الغلام تفاحة وهو يقلبها تارة ويشمها تارة، ويدنيها من خده تارة ومن فيه تارة، فقال شعر الزنج: تفاحة أكرمها ربها ... يا ليتني لو كنت تفاحه تقبل الحب ولا تستحي ... من مسكه بالكف نفاحه تجري على خديه جوّالةً ... نفسي إلى شمك مرتاحه فلما سمع الغلام ذلك رمى بها في الطريق، فأخذها شعر الزنج، واشتد كلفه بالغلام واشتد إعراض الغلام عنه، فعمد شعر الزنج إلى تفاحة حمراء عجيبة فكتب عليها بالذهب: أني لأعذركم في طول صدكم ... من راقب الله أبدى بعض ما كتما لكن صدودكم يؤذي لمن علقت (3) ... به الصبابة حتى ترجع الكلما ورمى بالتفاحة إلى الغلام، فقرأ ما فيها ثم قام ودخل بيته فأبطأ وعاد

_ (1) الوافي والزركشي: 82. (2) كذا في ص، والأصوب: أفضت. (3) ص: عقلت.

فرمى بها إلى شعر الزنج، فأخذها وهو يظن أنه قد رق له، وإذا هو قد كتب بالأسود تحت كل سطر: نصدّ عنكم صدود المبغضين (1) لكم ... فلا تردّوا إلينا بعدها كلما وما بنا الناس لو أنّا نريدكم ... فاصبر فؤادك أو مت هكذا ألما فاشتعلت نيران شعر الزنج وتضاعف وجده، ثم ظن أن الغلام يستوضع حرفته بالوقادة فتركها وصار ناطوراً يحفظ البساتين، وقصد بساتين التفاح التي لا يوجد في بغداد أكثر منها تفاحاً، فأتى إلى صاحب له ومعه تفاح كثير وقال: أحب أن تهدي هذا التفاح إلى الغلام، وتعمد المكتوب (2) منه، فنظر وإذا هو قد كتب على بعضه ببياض لما كان في شجره، من جملتها تفاحة حمراء مكتوب عليها ببياض: جودوا لمن هيّمه ... حبكم فهاما وصار ضوء يومه ... من حزنه ظلاما وكتب على أخرى: مهجة نفسك أتتك مرتاحه ... تشكو هواها بلفظ تفاحه فأهدى ذلك التفاح إليه، فلما قرأ ما عليه قام وقد خجل، وصار شعر الزنج يختار أكبر التفاح ويكتب عليه الشعر، ويحتال بصنوف الحيل في إيصاله إلى الغلام. قال الحاكي: فإني يوماً لجالس أنا والغلام إذ اجتاز بنا بائع فاكهة جل ما معه تفاح، فأجلسه الغلام وابتاع منه التفاح بما أراد دون مماكسة، وسر الغلام برخص التفاح، وجعل يقلبه ويعجب من حسنه، وإذا هو بتفاحة صفراء مكتوب عليها بالأحمر: تفاحة تخبر عن مهجة ... أذابها الهجر وأضناها

_ (1) ص: المغضبين. (2) ص: المكتوم.

يا بؤسها ماذا بها ويلها ... أبعدها الحب وأقصاها ففطن حينئذ وغالطني وقال: ما ترى ما يكتبون الناس على التفاح طلباً للمعاش؟! فتغافلت عنه، وكان شعر الزنج قد دفع التفاح إلى البائع وقال له: تلطف في إيصاله إلى الغلام وبعه إياه بما أراد. ثم إن شعر الزنج أهدى إلي يوماً تفاحاً كثيراً: أحمر كالشقائق، وأبيض كالفضة، وأصفر كالذهب، منه ما كتب عليه ببياض في حمرة، وبحمرة في بياض، وعلى أحدها: نبتّ في الأغصان مخلوقةً ... من قلب ذي شوق وأحزان صفرني سقم الذي لونه ... يخبر عن حالي وأشجاني وعلى أخرى بأحمر: تفاحةٌ صيغت كذا بدعةً ... صفراء في لون المحبينا زيّنها ذو كمدٍ مدنف ... بدمعه إذ ظل محزونا فامنن فقد جئت له شافعاً ... وقيت من بلواه آمينا وعلى أخرى: كتبت لما سفكت مهجتي ... بالدم كي ترحم بلوائي رفعت هذي قصتي أشتكي ال ... هجر فوقّع لي بإغفائي قال: فرحمته وأدركتني رقة له، فحفظت التفاح جميعاً، وعملت دعوة ودعوت الغلام وإخوته، واجتمعنا على مجلس أنس، وأحضرت التفاح، فيما أحضرته فرأوا منه شيئاً لم يروا مثله، ثم تعمدت وضع التفاح المكتوب بين يدي الغلام، فعجب منه وقرأ ما عليه وقال لي خفية: ترى من كتب هذا الذي عليه؟ قال: فقلت: الذي كتب على ذلك التفاح الذي (1) ابتعته ذلك اليوم، قال:

_ (1) ص: إلي.

ومن كتبه؟ قلت: شعر الزنج، قال: فخجل، ثم استهدانيه فقلت (1) : لا تستهده فإنه لك عمل ومن أجلك حضر، ثم أخذت في رياضته على الحضور مع شعر الزنج للفكاهة، فوجدته شديد النفور منه والبغض فيه، فتركته وعدلت إلى أبيه وقلت له: هل أنا عندك متهم في ولدك؟ فقال: حاش لله ولا في أهلي، فحكيت له خبر شعر الزنج مع ولده من أوله إلى آخره، وقلت له: إن هذا الأمر إن تمادى ظهر حاله واشتهر ولدك وصار أحدوثة للخاص والعام، وأنا أرى أن اجتماعه به في منزلي بمحضر من أهله سواك مما يكف لسانه ويستر أمره، فقال: افعل ما تراه مصلحة فأنت ممن لا يتهم، قال: فعرفت شعر الزنج بما جرى وقلت له: إذا كانت ليلة كذا وكذا فاحضر وادخل بلا استئذان كأنا لم نشعر بك، واجلس إلى أن نومىء إليك بالقيام، ثم دعوت الغلام وإخوته في الليلة المحدودة، واجتمعنا في مجلس أنس وشربنا، فلم نشعر إلا وشعر الزنج داخل علينا، فلما رآه الغلام خجل واستوحش وهم بالخروج فمنعناه، وكان بحضرتنا تفاح كثير أحمر والفتى يكثر شمه والعبث به والتنقل منه في أثناء شربه، فجعل شعر الزنج يتأمل الغلام ثم قال: يا قمراً في سعد أبراجه ... وبيت أحزاني وأتراحي ويا قضيباً ماثلاً مائلاً ... أكثر في حبي له اللاحي أبصرته في مجلسٍ ساعةً ... والليل في حلة أمساح في فتيةٍ كلهم سيّدٌ ... صالت عليهم سطوة الراح يعضّ تفاحاً (2) بتفّاحةٍ ... ويشرب الراح على الراح فخجل الغلام واحمر، فقال شعر الزنج عدة مقاطيع والغلام يزداد خجلاً وتوريداً، فقلنا لشعر الزنج: يكفيك قد أخجلت الفتى، فأومأنا إليه بالقيام على

_ (1) ص: فقال. (2) ص: تفاح.

المقتدر بالله

الوفق الذي كان بيننا، فوثب وهو يبكي، وانصرف وقد انهار الليل، فلم نزل في ذكره بقية ليلتنا إلى الصباح، رحمه الله تعالى وعفا عنه. 98 - (1) المقتدر بالله جعفر بن محمد، أبو الفضل المقتدر بالله أمير المؤمنين ابن المعتضد ابن العباس ابن أبي أحمد طلحة بن المتوكل؛ بويع بعد أخيه المكتفي بالله سنة خمس وتسعين ومائتين، وعمره ثلاث (2) عشرة سنة، ولم يل (3) أمر الأمة قبله أصغر منه، ولهذا انخرم النظام في أيامه، وجرت تلك العظائم، وخلع في أول خلافته، وبويع عبد الله بن المعتز، فلم يتم الأمر، وقتل ابن المعتز وأعيد المقتدر إلى الخلافة، ثم خلع في سنة سبع عشرة (4) ، وكتب خطه لهم بالخلع نفسه، وبايعوا أخاه القاهر بالله محمداً، ثم أعيد بعد ثلاثة أيام وجددت له البيعة. وكان ربعة جميل الوجه أبيض مشرباً بحمرة، قد عاجله الشيب بعارضيه، وكان له يوم قتل ثمان وثلاثون سنة. قال المحسن التنوخي: كان جيد العقل صحيح الذهن، ولكنه كان مؤثراً للشهوات؛ لقد سمعت أبا الحسن علي بن عيسى يقول: ما هو إلا أن يترك هذا

_ (1) انظر تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير ومروج الذهب للمسعودي وتاريخ اليعقوبي والوافي، والمنتظم 6: 243 والروحي: 60 والفخري: 233 وتاريخ الخلفاء: 408 والنجوم الزاهرة 3: 233 وتاريخ الخميس 2: 345 وتاريخ بغداد 7: 213؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: ثلاثة. (3) ص: يلي. (4) ص: سبعة عشر.

جعفر العلوي

الرجل يعني المقتدر خمسة أيام، وكان ربما يكون في أصالة الرأي كالمأمون والمعتضد. رماه بربري بحربة فقتله في شوال سنة عشرين وثلثمائة، وكانت قتلته في الموكب، رماه البربري غلام بليق، وولي الخلافة من أولاده ثلاثة: الراضي والمقتفي والمطيع؛ وكذلك المتوكل (1) قتل وولي من أولاده ثلاثة: المستنصر والمعتز والمعتمد؛ والرشيد ولي من أولاده ثلاثة: الأمين والمأمون والمعتصم؛ وأما عبد الملك بن مروان فولي من أولاده أربعة: الوليد ويزيد وهشام وسليمان؛ والملك العادل ولي من أولاده أربعة: الكامل والأشرف والمعظم والصالح إسماعيل. قلت: والملك الناصر بن قلاون ولي من أولاده: المنصور أبو بكر والأشرف كجك والناصر أحمد والصالح إسماعيل والكامل شعبان والمظفر حاجي والناصر حسن. 99 - (2) جعفر العلوي جعفر بن أحمد العلوي، الأديب المصري؛ قال شهاب الدين القوصي في معجمه أنشدني الشريف جعفر المذكور لنفسه في مهندس مليح الصورة: وذي هيئة يزهى بحسن وصنعة ... أموت به في كل يوم وأبعث محيط بأشكال الملاحة وجهه ... كأنّ به إقليدساً يتحدث فعارضه خطّ استواء وخاله ... به نقطة والصدغ شكل مثلث

_ (1) ص: للمتوكل. (2) الوافي والزركشي: 82؛ وقد سقط من المطبوعة أجزاء كثيرة من هذه الترجمة.

أبو الفضل الدمشقي

وأعاد هذه الأبيات النفيس القطرسي (1) . قال القوصي: وأنشدني لنفسه في مليح مغني بيده طار: غنّى بطارٍ طار قلبي له ... بأنملٍ كالأنجم الخمس كأنّه والطار في كفّه ... بدر الدجى يعلب بالشمس قال وأنشدني لنفسه: وافيت نحوكم لأرفع مبتدا ... شعري وأنصب خفض عيش أخضرا حاشاكم أن تقطعوا صلة الذي ... أو تصرفوا من غير شيءٍ جعفرا قال: وأنشدني لنفسه في طفاءة القناديل: طفاءةٌ تنفث في ... وسط القناديل الهبا لأنّها نعامة ... تلقط منها لهبا توفي بعد الستمائة، رحمه الله تعالى. 100 - (2) أبو الفضل الدمشقي جعفر بن عبيد الله أبو الفضل الأنصاري الدمشقي؛ كتب عنه ببغداد أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي وأبو الوفا أحمد بن الحسين، وتوفي سنة تسع

_ (1) ص: القرطسي، وانظر فيما يلي ترجمة جلدك التقوي رقم 108 حيث عرفت بالنفيس القرطسي، وهذه الأبيات قد أوردها ابن خلكان نقلاً عن السلفي لجلدك التقوي كما وردت في عقود الجمان لابن الشعار 1: 152 منسوبة للنفيس القطرسي، وأوردها ابن العديم في بغية الطلب 9: 237 ونسبها لابن الملثم ولد الوزير عز الدين الملم وزير الملك الأفضل علي. (2) الوافي والزركشي: 85؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

وتسعين وأربعمائة، ومولده سنة أربع وعشرين وأربعمائة. من شعره: شربت على زهر البنفسج قهوةً ... بجنح الدياجي وهي في الكاس مقباس توهّمتها في الكاس وهماً (1) فخلتها ... لرقّتها نوراً (2) يلوح به الكاس وقبّلتها أحسو لذيذ شرابها ... فقلت فمي المشكاة والراح نبراس ومنه: لله يوم سرورٍ قد نعمت به ... فيه على الراح والريحان معتكف والكاس كالبدر في ليل الكسوف إذن ... قد انجلى بعضه والبعض منكشف 101 (3) قمر الدولة ابن دواس جعفر بن علي بن دواس، أبو طاهر الكتامي المعروف بقمر الدولة، من أهل مصر؛ نشأ بطرابلس الشام، وكان شاعراً رشيق الألفاظ عذب الإيراد لطيف المعاني، وله في الغنا وضرب العود طريقة حسنة بديعة. قدم بغداد وأقام بها مدة في خدمة قسيم الدولة البرسقي، وكان نديماً له، وتوفي بعد الخمسمائة. من شعره: إن صار مولاي ذا يسار ... فإنّني ذلك المقلّ

_ (1) ص والزركشي: وهمى. (2) ص والزركشي: فور. (3) الخريدة (قسم مصر) 2: 218 وذكر المحقق أنه له ترجمة في الوافي للصفدي (وكذلك هو في التجريد) .

كالشمس إن زيدت ارتفاعاً ... يقصر فيءٌ لها وظلّ وقال: لما رأيت المشيب في الشّعر الأس ... ود قد لاح صحت واحزني هذا وحقّ الإله أحسبه ... أول خيطٍ سدّي من الكفن وقال: أنا ممّن إذا أتى ... صاحب البيت للكرا تتجافى جنوبهم ... كلّ وقتٍ عن الكرى وقال: لا يظنّ العدوّ أنّ انحنائي ... كبراً عند ما عدمت شبابي ضاع منّي أعزّ ما كان منّي ... فأنا ناظرٌ (1) له في التراب أرشق من هذا قول القائل: وعهدي بالصبا زمناً وقدي ... حكى ألف ابن مقلة في الكتاب فقد أصبحت منحنياً كأني ... أفتش في التراب على شبابي ومن شعر قمر الدولة: تعجبت درّ من شيبي فقلت لها ... لا تعجبي فطلوع البدر في السدف وزادها عجباً أن رحت في سمل ... وما درت درّ أن الدر في الصدف وله: قلت لمن نادمني ليلةً ... عند التداني نحّ قمصانك فامتثل المرسوم من وقته ... فقلت عند الصبح قم صانك

_ (1) ص: ناظراً.

جعفر بن قدامة

102 - (1) جعفر بن قدامة جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب؛ ذكره الخطيب فقال: هو أحد مشايخ الكتاب وعلمائهم، وكان وافر الأدب حسن المعرفة، وله مصنفات في الكتابة وغيرها؛ حدث على أبي العيناء وحماد بن إسحاق الموصلي والمبرد وغيرهم، وروى عنه أبو الفرج الأصفهاني. قال ياقوت (2) : قرأت في كتابي المحاضرات لأبي حيان قال: قلت للعروضي: أراك منخرطاً في سلك ابن (3) قدامة ومنصباً إليه ومتوفراً عليه، وكيف يتفق بينكما وتأتلفان ولا تختلفان؟ فقال: اعلم أن الزمان وقت الاعتدال، والرجل كما تعرفه في غاية البرد والغثاثة، وأنا كما تعرفني وتثبتي (4) ، فاعتدلنا إلى أن يغير الزمان، ثم نفترق ونختلف ولا نتفق، ثم أنشأ يقول: وصاحب أصبح من برده ... كالماء في كانون أو في شباط ندمانه من ضيق أخلاقه ... كأنهم في مثل سمّ الخياط نادمته يوماً فألفيته ... متصل الصمت قليل النشاط حتى لقد أوهمني أنّه ... بعض التماثيل التي في البساط ومن شعره: تسمع متّ قبلك بعض قولي ... ولا تتسلّلن (5) مني لواذا

_ (1) الوافي والزركشي: 85 وتاريخ بغداد 5: 425 ومعجم الأدباء 7: 177؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) معجم الأدباء 7: 181. (3) ص: أبو. (4) ياقوت: وتثبتني. (5) ص: تسألا.

المتوكل العباسي

نعم (1) أسقمت بالهجران جسمي ... ومتّ بغصتي، فيكون ماذا؟ وكانت وفاة ابن قدامة في سنة ثمان وثلثمائة (2) ، رحمه الله تعالى. 103 - (3) المتوكل العباسي جعفر بن محمد، المتوكل على الله بن المعتصم بن الرشيد؛ بويع له بالخلافة بعد موت أخيه هارون الواثق، وذلك في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقتل سنة سبع وأربعين ومائتين. وكان أسمر مليح العينين نحيف الجسم خفيف العارضين إلى القصر أقرب، وأمه أم ولد اسمها شجاع، ولما استخلف أظهر السنة وتكلم بها في مجلسه وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وإظهار السنة وبسط أهلها ونصرهم. وقال إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق رضي الله عنه قاتل أهل الردة حتى استجابوا، وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بني أمية، والمتوكل محا البدع وأظهر السنة. وقال محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب: إني جعلت دعائي في المشاهد

_ (1) ياقوت: إذا. (2) عند ياقوت أن وفاته كانت سنة 319. (3) تراجع ترجمته في كتب التاريخ العامة؛ وانظر تاريخ الخلفاء: 373 والروحي: 53 والفخري: 215 وتاريخ الخميس 2: 337 وتاريخ بغداد 7: 165 وابن خلكان 1: 350، وهي من مزيدات الطبعة البيروتية، وقد وردت أيضاً في طبعة وستنفيلد، وربما لم تكن من شرط المؤلف، ابن خلكان.

كلها للمتوكل، وذلك أن عمر بن العزيز جاء الله به لرد (1) المظالم، وجاء بالمتوكل لرد الدين. وقال يزيد المهلبي، قال المتوكل يوماً: يا مهلبي، إن الخلفاء كانت تغضب على الرعية لتطيعها، وأنا ألين لهم ليحبوني ويطيعوني. يقال إنه سلم عليه بالخلافة ثمانية كل منهم ابن خليفة: منصور بن المهدي، والعباس بن الهادي، وأبو أحمد بن الرشيد، وعبد الله بن الأمين، وموسى ابن المأمون، وأحمد بن المعتصم، ومحمد بن الواثق، وابنه المستنصر بن المتوكل. وكان جواداً ممدحاً، يقال ما أعطى خليفة ما أعطى المتوكل. وبايع بولاية العهد لولده المستنصر، ثم أراد عزله وتولية أخيه المعتز لمحبته لأمه، وكان يتهدده ويشتمه ويحط منزلته لأنه سألته النزول فأبى، واتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لأنه صادر وصيفاً وبغا فاتفقوا مع المستنصر على قتل أبيه، فدخلوا عليه في مجلس لهوه وقتلوه. رآه بعضهم في النوم فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بقليل من السنة أحييتها؛ ورؤي أيضاً كأنه بين يدي الله تعالى، فقيل له: ما تصنع ها هنا؟ قال: أنتظر محمداً ابني أخاصمه إلى الله الحكيم الكريم العليم. وقيل كان له أربعة آلاف سرية وطىء الجميع. ودخل دمشق، وعزم على المقام بها لأنها أعجبته، ونقل دواوين الملك إليها وأمر بالبناء بها، فغلت عليه الأسعار وحال الثلج بين السابلة والميرة، فأقام بها شهرين وأياماً (2) ثم رحل إلى سامرا، وكان قد بني بأرض داريا قصر عظيم، ووقعت من قلبه بالموافقة. وكان المتوكل قد أمر في سنة ست وثلاثين ومائتين بهدم قبر الحسين رضي الله عنه، وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل مزارع ويحرث، ومنع الناس من

_ (1) ص: يرد. (2) ص: وأيام.

ابن حنزابة

زيارته، وبقي صحراء، وكان معروفاً بالنصب، فتألم المسلمون (1) لذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان، وهجاه الشعراء (2) دعبل وغيره، وفي ذلك يقول يعقوب بن السكيت، وقيل هي للبسامي: تالله إن كانت أُمية قد أتت ... قتل ابن بنت نبيها مظلوما فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ... هذا لعمرك قبره مهدوما أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا ... في قتله فتتبّعوه رميما 104 (3) ابن حنزابة جعفر ابن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الحصن ابن الفرات، الوزير المحدث أبو الفضل بن حنزابة بكسر الحاء المهملة وسكون النون وبعدها زاي وبعد الألف باء، وهي المرأة القصيرة الغليظة البغدادي نزيل مصر. وزر أبوه للمقتدر في السنة التي قتل فيها المقتدر، وتقلد أبو الفضل وزارة كافور الإخشيدي بمصر، قال الخطيب: كان يذكر أنه سمع من أبي القاسم البغوي، وكان يملي الحديث بمصر، وبسببه خرج الدارقطني إلى هناك، وكان ابن حنزابة يريد يصنف مسنداً، فأقام عنده مدة وحصل بسببه له مال كثير، وروى عنه الدارقطني أحاديث. وولد ابن حنزابة سنة ثمان وثلثمائة، وتوفي

_ (1) ص: المسلمين. (2) ص: الشرعاء. (3) الوافي والزركشي: 85 ومعجم الأدباء 7: 163 وتاريخ بغداد 5: 275 والنجوم الزاهرة 4: 203 وحسن المحاضرة 1: 352 والمغرب (قسم مصر) : 251 وابن خلكان 1: 346 وعلى هذا فهو ليس من المستدرك على الوفيات.

سنة إحدى وتسعين وثلثمائة. ومن شعره رحمه الله تعالى: من أخمل النفس أحياها وروّحها ... ولم يبت طاوياً منها على ضجر إن الرياح إذا اشتدت عواصفها ... فليس تقصف إلاّ عالي الشجر قال السلفي: كان ابن حنزابة من الثقات مع جلالة ورياسة. ولما مات كافور وزر لأبي الفوارس أحمد بن الإخشيد، فقبض على جماعة من أرباب الدولة، وصادر يعقوب بن كلس، فهرب إلى الغرب ووزر لبني (1) عبيد، وكان قد أخذ منه أربعة آلاف دينار، ثم إن ابن حنزابة لم يقدر على رضى الإخشيد، فاختفى مرتين ونهبت داره، ثم قدم أمير الرملة الحسن بن عبيد الله ابن طغج وغلب على الأمور، فصادر الوزير ابن حنزابة وعذبه، فنزح إلى الشام، سنة ثمان وخمسين ثم إنه بعد ذلك رجع إلى مصر. وممن روى عنه الحافظ عبد الغني ابن سعيد. وكان الوزير في أيامه ينفق على أهل الحرمين من الأشراف وغيرهم، واشترى داراً إلى جانب المسجد من أقرب الدور إلى القبر الشريف (2) ليس بينها وبينه إلا حائط، وأوصى أن يدفن فيها، وقرر عند الأشراف ذلك، فأجابوه، فلما مات حمل تابوته من مصر إلى الحرمين، وخرج الأشراف من مكة وحملوه وسعوا به وطافوا ووقفوا به بعرفة، ثم ردوه (3) إلى المدينة، ودفنوه في الدار التي اشتراها، وحضر جنازته القاضي الحسين ابن علي بن النعمان وقائد القواد وسائر الأكابر. وقال المسبحي: لما غسل جعل في فيه ثلاث شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم كان ابتاعها بمال عظيم، وكانت عنده في درج مختوم الأطراف

_ (1) ص: أبي. (2) لم ترد في ص. (3) ص: رده.

بالمسك، وأوصى أن تجعل في فيه إذا مات، ففعل ذلك. وقال الشريف محمد بن أسعد بن الجواني المعروف بالنحوي (1) : كان الوزير يهوى النظر إلى الحشرات من الأفاعي والحيات والعقارب وأم أربعة وأربعين وما يجري في هذا المجرى، وكان في داره التي تقابل دار الشكالي (2) قاعة لطيفة موجهة (3) فيها تلك الحيات، ولها قيم وفراش وحاوي مستخدمون برسم نقل سلل الحيات وحطها، وكان كل حاوي في مصر يصيد ما يقدر عليه من الحيات، ويتناهون في ذوات العجب من أجناسها، وفي الكبار وفي الغريب منها، وكان يثيبهم على ذلك أجل ثواب ويبذل لهم الجزيل حتى يجتهدوا في تحصيلها، وكان له وقت يجلس فيه على دكة مرتفعة، ويدخل المستخدمون والحواة فيخرجون ما في تلك السلل، ويطرحونه على ذلك الرخام، ويحرشون بين الهوام، وهو يتعجب من ذلك ويستحسنه، فلما كان ذات يوم أنفذ خلف ابن المدبر الكاتب، وكان من كتاب أيامه ودولته، وهو عزيز عنده ويسكن جواره، فأنفذ يقول فيه في رقعة: إنه لما كان البارحة وعرض علينا الحواة الحشرات الجاري بها العادات، انساب منها الحية البتراء وذات القرنين الكبرى والعقربان الكبير وأبو صوفة وما حصلوا لنا بعد عناء طويل ومشقة وجملة بذلناها للحواة، ونحن نأمر الشيخ وفقه الله تعالى بالتوقيع إلى حاشيته بصونه ما وجد منها إلى أن ينفذ الحواة بردها إلى سللها. فلما وقف ابن المدبر عليها قلب الرقعة وكتب: أتاني أمر سيدنا الوزير أدام الله تعالى نعمته وحرس مدته بما أشار إليه من أمر الحشرات، والذي أعتمد عليه في ذلك أن الطلاق يلزمه ثلاثاً (4) إن بات هو أو أحد من أولاده في الدار، والسلام.

_ (1) ياقوت: بابن النحوي. (2) ياقوت: الشنتكاني، وفي المطبوعة السكاكي. (3) ياقوت: مرخمة. (4) ص: ثلاثة.

ابن ورقاء الشيباني

105 - (1) ابن ورقاء الشيباني جعفر بن محمد بن ورقاء بن محمد بن ورقاء الشيباني؛ كان من بيت إمرة وتقدم وأدب، ولد بسامرا سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وتوفي في شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة؛ وكان المقتدر يجريه مجرى بني حمدان، وتقلد عدة ولايات، وكان شاعراً كاتباً جيد البديهة والروية كان يأخذ القلم ويكتب ما أراد من نثر ونظم كأنه عن حفظه، وكان بينه وبين سيف الدولة مكاتبات بالشعر والنثر مشهورة؛ ومن شعره: ولمّا عبثن بأوتارهن ... قبيل التبلّج أيقظني جسسن البموم (2) وأتبعنها ... بنقر المثاني فهيجنني عمدن لإصلاح أوتارهنّ ... فأصلحنهنّ وأفسدنني وله: هززتك لا أني علمتك ناسيا ... لحقّي ولا أني أردت التقاضيا ولكن رأيت السّيف من بعد سلّه ... إلى الهزّ محتاجاً وإن كان ماضيا ومنه: قالوا تعزّ لقد أسرفت في جزعٍ ... فالموت كأسٌ عميمٌ مرّ مشربه فقلت إن غرامي والفقيه معاً ... بانا فما أنا مشغول بمطلبه قالوا فعينك أجممها فقد رمدت ... من فيض دمع ملثّ القطر مسكبه

_ (1) الوافي والزركشي: 85. (2) البموم: جمع بم، وهو أحد أوتار العود.

فقلت ما لي فيها بعده أرب ... هل يحفظ المرء شيئاً ليس من أربه (1) ما كنت أذخرها إلاّ لرؤيته ... وللبكاء عليه إن فجعت به 106 (2) جعفر ابن عبد العزيز جعفر بن محمد بن عبد العزيز بن أبي القاسم بن عمر بن سليمان بن إدريس ابن يحيى، وأوصل الشيخ أثير الدين نسبه إلى الحسين ابن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما، وأنشد للمذكور: لا تلمنا إن رقصنا طريا ... لنسيمٍ هبّ من ذاك الخبا طبّق الأرض بنشرٍ عاطرٍ ... فيه للعشاق سرٌّ ونبا يا أهيل الحيّ من كاظمة ... قد لقينا من هواكم نصبا قلتم جز لترانا بالحمى ... وملأتم حيّكم بالرّقبا ليس أخشى الموت في حبكم ... ليس قتلي في هواكم عجبا إنما أخشى على عرضكم ... أن يقول الناس قولاً كذبا: استحلّوا دمه في حبّهم ... فاجعلوا وصلي لقتلي سببا توفي بعد الثمانين وستمائة تقريباً، رحمه الله تعالى.

_ (1) في القافية اختلاف عن قوافي سائر الأبيات. (2) الزركشي: 86.

جعيفران الموسوس

107 - (1) جعيفران الموسوس جعيفران الموسوس ابن علي بن أصفر بن السري بن عبد الرحمن الأنباري من ساكني سامرا، ومولده ببغداد، وكان أبوه من أبناء جند خراسان، وظهر لأبيه (2) أنه يختلف إلى بعض سراريه فطرده، وحج تلك السنة، وشكا ولده إلى موسى بن جعفر الكاظم، فقال له موسى: إن كنت صادقاً (3) عليه (4) فليس يموت حتى يفقد عقله، وإن كنت قد تحققت ذلك عليه فلا تساكنه في منزلك، ولا تطعمه شيئاً من مالك في حياتك، وأخرجه عن ميراثك، وسأل الفقهاء عن حيلة تخرجه عن ميراثه، فدلوه على الطريق في ذلك، فأشهد عليه أبا يوسف القاضي. فلما مات أبوه أحضر القاضي الوصي وسأل جعيفران عن نسبه وتركة أبيه وأقام بينة عدولاً فأحضر الوصي بينة عدولاً تشهد على أبيه بما كان احتال على منعه ميراثه، فلم ير (5) أبو يوسف ذلك، وعزم على أن يورثه، فقال الوصي: أنا أدفع هذا عن الميراث بحجة واحدة، فأبى أبو يوسف أن يسمع منه، وجعيفران يقول: قد ثبت عندك أمري فلا تدفعني، فاستمهل الوصي إلى غد، وكتب في رقعة خبره وما قاله موسى ابن جعفر، ودفعها لمن دفعها إلى القاضي، فلما قرأها دعا الوصي فاستحلفه على ذلك، فحلف باليمين الغموس، فقال: تعال غداً

_ (1) الوافي وطبقات ابن المعتز: 382 والأغاني 20: 146 وتاريخ بغداد 7: 163. (2) ص: لأبوه. (3) ص: صادق. (4) ص: عطيه (دون إعجام للياء) . (5) ص: يرى.

مع صاحبك فحضرا إليه، فحكم أبو يوسف للوصي، فلما أمضى الحكم وسوس جعيفران واختلط، وكان إذا ثاب إليه عقله قال الشعر الجيد. وعن عبد الله بن سليمان الكاتب عن أبيه قال: كنت ليلة أشرف من سطح داري على دار جعيفران، وهو فيها وحده، وقد تحركت عليه السوداء، وهو يدور في الدار طول ليله ويقول: طاف به طيفٌ من الوسواس ... نفّر عنه لذّة النعاس فما يرى يأنس بالأناس ... ولا يلذّ عشرة الجلاّس فهو غريبٌ بين هذي الناس ... ولم يزل يرددها حتى أصبح، ثم سقط كأنه بقلة ذابلة. وعنه قال: غاب عنا أياماً وجاءنا عريان، والصبيان خلفه، وهم يصيحون به: يا جعيفران يا خرا في الدار، فلما بلغ إلي وقف عندي، وتفرقوا عنه، فقال يا أبا عبد الله: رأيت الناس يدعوني ... بمجنونٍ على حال ولكن قولهم هذا ... لإفلاسي وإقلالي (1) ولو كنت أخا وفرٍ ... رخيّ ناعم البال رأوني حسن العقل ... أحلّ المنزل الغالي وما ذاك على خبرٍ ... ولكن هيبة المال قال: فأدخلته منزلي فأكل، وسقيته أقداحاً، ثم قلت له: تقدر على أن تغير تلك القافية؟ قال: نعم، ثم قال بديهة: رأيت الناس يرمون ... ي أحياناً بوسواس ومن يضبط يا صاح ... مقال الناس في الناس؟

_ (1) ص: لإقلالي وإفلاسي.

فدع ما قاله الناس ... ونازع صفوة الكاس فتى حراً 1 صحيح الود ... ذا برٍّ وإيناس وإنّ الخلق مغرورٌ ... بأمثالي وأجناسي ولو كنت أخا مالٍ ... أتوني بين جلاّسي يحيّوني ويحبون ... على العينين والراس ويدعوني عزيزاً غي ... ر أنّ الذلّ إفلاسي ثم قال 2 ليبول، فقال بعض من حضر: أي معنى في عشرتنا لهذا المجنون العريان؟ والله ما نأمنه وهو صاح، فكيف وهو سكران؟ وفطن جعيفران لقوله فخرج وهو يقول: وندامى أكلوني ... إذ تغيّبت قليلا زعموا أنّي مجنو ... ن أرى العري جميلا كيف لا أعرى وما أُب ... صر في الناس منيلا إن يكن قد ساءكم قر ... بي فخلوا لي السّبيلا وأتموا يومكم سرّ ... كم الله طويلا قال: فرفقنا به واعتذرنا إليه، والله ما نلتذ إلا بقربك، وأتيناه بثوب لبسه، وأتممنا يومنا ذلك معه.

جلدك والي دمياط

108 - (1) جلدك والي دمياط جلدك بن عبد الله المظفري التقوي شجاع الدين والي دمياط؛ قال شهاب الدين القوصي في معجمه: أنشدني شجاع الدين جلدك لنفسه: خذوا حذركم من ساحر الطرف أغيد ... فكم قتل العشاق عمداً ولا يدي ولا تردوا ماءً بمدين حبّه ... فليس بها ما ينقع (2) الهائم الصّدي ولمّا نزلنا وادي الودّ لم أزل ... أبلّ ثراه لاثماً بتودّد ونادى كليم الشوق مولاه ربه ... فلمّا تجلّى دكّ طور تجلّدي وخرّ فؤادي صاعقاً لم أفق لما ... بدا من سنا ذاك الجمال المحمدي سألتكما يا أهل نجدٍ وحاجرٍ ... على جمرات الوجد من هو منجدي وكم ليلةٍ أفنيت بالرشف ثغره ... وجرت على ذاك الشتيت المنضد وبات كما شاء اختياري على المنى ... وبت وإيّاه كحرفٍ مشدّد وسمع جلدك كثيراً من الحديث النبوي على الحافظ السلفي وروى عنه وعن مولاه تقي الدين عمر بن شاهنشاه. ولي نيابة الإسكندرية ودمياط، وشد مصر، وذكر أنه نسخ بيده أربعاً وعشرين ختمة، وكان سمحاً جواداً، محباً للعلماء مكرماً لهم يساعدهم بماله وجاهه، وله غزوات مشهورة ومواقف مذكورة، ومدح بالشعر، وبنى بحماة

_ (1) الوافي الزركشي: 86 والشذرات 5: 127 والجزء الأول من السلوك للمقريزي، وانظر ابن خلكان 1: 167 (في ترجمة النفيس القطرسي) . (2) ص: ينفع.

جنكزخان

مدرسة. قال النفيس أحمد القطرسي (1) يمدحه بقصيدة منها: أحرقت يا ثغر الحبيب حشاي لما ذقت بردك ... أتظنّ غصن البان يعجبني وقد عاينت قدك ... أو خلت آس عذارك المخضرّ يحمي منك وردك ... يا قلب من لانت معاطفه علينا ما أشدّك ... أتظنني جلد القوى أو أن لي عزمات جلدك ... وتوفي في شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة، رحمه الله تعالى. 109 - (2) جنكزخان جنكزخان طاغية التتار وملكهم الأول الذي خرب البلاد، وقتل العباد، ولم يكن للتتار قبله ذكر، إنما كانوا ببادية الصين، فملكوه عليهم، وأطاعوه طاعة أصحاب نبي لنبيهم، وكان مبدأ ملكه سنة تسع وتسعين وخمسمائة، واستولى على بخارى وسمرقند سنة ست عشرة (3) ، واستولى على مدن خراسان سنة ثمان عشرة (4) ، ولما رجع من حرب السلطان جلال الدين خوارزم شاه على نهر السند

_ (1) ص: القرطسي؛ وهو أبو العباس أحمد بن عبد النبي القرطسي المعروف بالنفيس (انظر ابن خلكان 1: 164 وعقود الجمان 1: 149 وبغية الطلب 1: 234 والوافي 7: 72) وقد ضبط ابن خلكان القرطسي، وقال إنها نسبة إلى جده قطرس. (2) الوافي والنجوم الزاهرة 6: 268 والخطط 2: 221 والبداية والنهاية 13: 117 ولعلاء الدين الجويني كتاب في سيرته. (3) ص: ست عشر. (4) ص: عشر.

وصل إلى مدينة تنكث من بلاد الخيطا، فمرض بها ومات في رابع شهر رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة، فكانت أيام مملكته خمساً وعشرين سنة، وكان اسمه قبل أن يلي الملك تمرحين، ومات على دينهم وكفرم، وخلف من الأولاد ستة، وفوض الأمير إلى أركتاي أحدهم بعدما استشار الخمسة الباقين، فلما هلك امتنع أركتاي من الملك وقال: في إخوتي وأعمامي من هو أكبر مني، فلم يزالوا به بعد أربعين يوماً (1) حتى تملك عليهم، ولقبوه القان الأعظم، ومعناه الخليفة فيما قيل، وبعث جنوده وفتح الفتوحات وطالت أيامه، وولي بعده موتكوكا وهو القان الذي هولاكو من بعض مقدميه، وولي بعده أخوه قبلاي، وطالت أيام قبلاي، وبقي في الأمر إلى سنة أربع وسبعمائة، ومات بمدينة خان بالق. يقال إنه لما كان السلطان خوارزم شاه يغزو هؤلاء التتار ويقتلهم ويسبي ذراريهم وأولادهم ويمنعهم من الخروج عن حدود بلادهم اجتمعوا التتار وشكوا ما يلاقوا من خوارزم شاه وما هم فيه من الضيق والبلاء، فقال لهم جنكزخان: إن ملكتموني عليكم والتزمتم لي بالطاعة واتباع اليسق (2) الذي أضع لكم شرعه رددت خوارزم شاه عنكم، فالتزموا له بذلك. وكان مما وضعه لهم أنه قال: كل من أحب امرأة، بنتاً كانت أو غيرها، لا يمنع من التزوج بها ولو كان زبالاً والامرأة بنت ملك، وكان غرضه أن يتناكحوا بشهوة شديدة، ويتضاعف نسلهم ويكثر عددهم، فلما تقرر ذلك دخلوا على خوارزم شاه، وعقدوا مهادنته عشرين سنة، فما جاءت العشرون سنة إلا وهم أمم لا يحصون ولا يحصرون. وكان من جملة ما قرره أنه إذا حرم القان على أحد شيئاً فلا يحل له أن يأتيه

_ (1) ص: يوم. (2) النسق؛ وقال ابن تغري بردي (النجوم 6: 268) هو صاحب ((التورا)) و ((اليسق)) والتورا: باللغة التركية هو المذهب، واليسق: الترتيب، وأصل كلمة اليسق: ((سي يسا)) ومعناه التراتيب الثلاث.

جوبان القواس

إلى الممات، وقرر لهم: من رعف وهو يأكل قتل كائناً من كان، وقرر لهم أن كل من لم يمض حكم اليسق ولم يعمل به قتل أيضاً، وأراد أن يذهب الكبار الذين فيهم لعلمه أنه يداخلهم الحسد له ويستصغرونه، فتركهم يوماً وهم على سماطه ورعف نفسه، فلم يجسر أحد أن يمضي فيه حكمه لمهابته وجبروته، فتركوه ولم يطالبوه بما قرره وهابوه في ذلك، فتركهم أياماً وجمعهم وقال: لأي شيء ما أمضيتم حكم اليسق فيّ وقد رعفت وأنا آكل بينكم؟ فقالوا: لم نجسر على ذلك، فقال: لم تعملوا باليسق ولا أمضيتم أمره، وقد وجب قتلكم، فقتل أكابرهم واستراح منهم. والترك يزعمون أنه ولد الشمس، لأن في صحاريهم أماكن فيها غاب، وذلك الغاب لا يقربه أحد من الذكران، وأن أمة أعتقت فرجها وراحت إلى ذلك الغاب وغابت فيه مدة وأتتهم وقالت: هذا من الشمس؛ لأن الشمس دخلت في فرجي في بعض الأيام وأنا أغتسل، فحملت بهذا، ويقال إنه كان حداداً، والله أعلم. 110 - (1) جوبان القواس جوبان بن مسعود بن سعد الله، أمين الدولة الدنيسري القواس التوزي؛ كان من أذكياء العالم، وكان له النظم الجيد، وقال شمس الدين الجزري: اسمه رمضان وجوبان، ولم يكن يعرف الخط ولا النحو، وكانت كتابته من جهة التتويز (2) في غاية القوة بحيث إنه استعار من القاضي عماد الدين ابن الشيرازي درجاً

_ (1) الوافي والزركشي: 86. (2) التتويز: تغطية القوس بلحاء شجر التوز، وهو لحاء رقيق كورقة البردي يستعمل لتزيين القوس أو جعلها أشد ملاسة، ويبدو من قول المؤلف هنا أن الكتابة على هذا النوع من اللحاء كانت ممكنة.

بخط ابن البواب ونقل ما فيه إلى درج بورق التوز وألزق التوز على خشب وأوقف عليه ابن الشيرازي فأعجبه، وشهد له أن في بعض ذلك أشياء أقوى من خط ابن البواب، واشتهر بذلك في دمشق، وبقي الناس يقصدونه يتفرجون عليه، وكان له ذهن خارق، وتوفي في حدود الثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى. ومن شعره: إذا افترّ جنح الليل عن مبسم الفجر ... ولاح به ثغرٌ من الأنجم الزهر وفاحت له من عابق الروض نكهةٌ ... رشفنا به برد الرضاب من الخمر وعهدي بوجه الأرض مبتسماً فلم ... تغرغر فيها الدمع من مقل الغدر إذا أرجف الماء النسيم لوقته ... كساه شعاع الشمس درعاً من التبر وبحر الرياض الخضر بالزهر مزبدٌ ... كأنّا به في فلك مجلسنا نسري ومن شهب الكاسات بالنجم نهتدي ... إذا تاه ساري العقل في لجة السكر نصون الحميّا في القناني وإنما ... نصون الفناني بالحميّا ولا ندري ولما حكى الراووق في العين شكله ... وقد علق العنقود في سالف الدهر تذكّر عهداً بالكروم فكلّه ... عيون (1) على أيام عهد الصبا تجري عجبت له والراح تبكي به فلم ... غدت بحباب الكاس باسمة الثغر إذا ما أتاني كأسها غير مترعٍ ... تحققت عين الشمس في هالة البدر يناولنيها مخطف الخصر أغيدٌ ... فلله ذاك الأغيد المخطف الخصر ينادمنا نظماً ونثراً ولفظه ... ومبسمه يغني عن النظم والنثر فلم يسقني كأس المدامة دون أن ... سقاني بعينيه كؤوساً (2) من السحر وقال وفرط السكر يثني لسانه ... إلى غير ما يرضى التّقى وهو لا يدري ردوا من رضابي ما يعيض عن الطلا ... إذا كان وجهي فيه يغني عن الزهر

_ (1) ص: عيوناً. (2) ص: كؤوس.

ومن كان لا تحوي ذراعاه مئزري ... فدون الذي تحوي أنامله خصري وقال أيضاً: أصغي إلى قول الوشاة بجملتي ... مستفهماً عنه بغير ملال لتلقطي زهرات ورد حديثكم ... من بين شوك ملامة العذال وقال على طريقة الصوفية والتهكم بهم: متّ في عشقي ومعشوقي أنا ... ففؤادي من فراقي في عنا غبت عنّي فمتى أجمعني ... أنا من وجدي مني في فنا أيها السامع تدري ما الذي ... قلت والله ولا أدري أنا وقال أيضاً: ألذّ العشق ما قتلا ... وأشقى الناس من عذلا إذا جار الحبيب على ... محبّيه فقد عدلا أحاول أن يقال قضى ... وأحذر أن يقال سلا ويمكن أن أموت جوىً ... وأما أن أحول فلا وبي قمرٌ يقامرني ... على اللحظات إن غفلا فما لاحظته إلاّ ... تضرّج خدّه خجلا وإن طالبته بالعد ... ل في حكم الهوى عدلا وقال في البان: نفّش غصن (1) البان أذنابه ... واهتزّ عند الصبح عجباً وفاح وقال من في الروض مثلي وقد ... تعزى إلى غصني قدود الملاح فحدّق النرجس يهزا (2) به ... وقال حقّاً قلته أو مزاح

_ (1) ص: غصون. (2) ص: يهزوا.

بل أنت بالطول تحامقت يا ... مقصوف عدواً بالدعاوى القباح قال له البان: أما تستحي ... ما هذه إلاّ عيونٌ وقاح وقال أيضاً: إذا كبرت نفس الفتى قلّ عقله ... وأمسى وأضحى ساخطاً متعتبا وإن جاء يستقضي من الناس حاجةً ... يرى أنها حقٌّ (1) عليهم مرتبا وإن طالبوه الناس يوماً بحقهم ... لوى وجهه غيظاً عليهم وقطّبا يرى أن كلّ الناس قد خلقوا له ... عبيداً وفي كلّ القلوب محبّبا فلا يرتضي إن لم يكن تحت أمره ... من الكون يجري ما أراد وما أبى وقال أيضاً: لاح الهلال ابن يوميه فذكّرني ... شرب المدامة تجلى في يد الساقي كأنه شفقٌ للكاس قد نقصت ... بالميل، والخمر شفاف عن الباقي وقال في شبابة: وناطقةٍ بأفواه ثمانٍ ... تميل بعقل ذي اللب العفيف لكلّ فمٍ لسانٌ مستعار ... يخالف بين تقطيع الحروف تخاطبنا بلفظٍ لا يعيه ... سوى من كان ذا طبع لطيف فضيحة عاشق ونديم راع ... وهيبة موكب ومدام صوفي وقال في طاسة: ومعشوقةٍ تسقي المحبّ رضابها ... بلثمٍ هنيّ الرشف غير ممنّع إذا استودعت ردت بغير خيانةٍ ... وإن ضربت أنّت بغير توجع مبذلة (2) لم تحم عن لثم لاثم ... وصاحبها في غبطة بالتمتع

_ (1) ص: حقاً. (2) ص: مبدلة.

تجود بما تحوي فتحيي ببذلها ... وتنقل ما تملا وتحفظ ما تعي تقبّلها الأفواه من كلّ جانبٍ ... فما خص منها موضع دون موضع وقال في منكورس: ظبيٌ من الأتراك لا يتركني ... أقطف بالمقلة ورد خدّه نصف اسمه الأول منك لم يزد ... وعكس باقيه شبيه قدّه وقال أيضاً: اربح وخذ بنسيئةٍ ... واشرب وكل وامطل ودافع فأحقّ ما أكل المحا ... لي مال أرباب المطامع وقال في حمام: جئت أريد الحمام يوماً ... فغرني النقش والحصير حتى إذا جزت نلت ريحاً ... كأنّما تنبش القبور والناس عند الصدور فيها ... قد يبست منهم الصدور يغرف هذا من جرن هذا ... وقد علا منهم الهرير أنقل خوف الوقوع رجلي ... فيها كما ينقل الضرير جنهم لا يصاب فيها ... وهج بل الكل زمهرير قد عرفت فالحديث عنها ... بنحس أوصافها يسير وكلّما جاءها زبونٌ ... قلنا ألم يأتكم نذير وقال أيضاً: حمانا الترك وانتهكوا حمانا ... ولن (1) يفي التواصل بالصدود حمونا بالصوارم والعوالي ... وجاروا باللواحظ والقدود وقال أيضاً:

_ (1) ص: ولا.

عذولٌ لا يملّ ولا يميل ... ووجدٌ لا يقلّ ولا يقيل ومحبوبٌ يلذّ له عذابي ... وإن لم أرضه فأنا الملول فجسمي مثل موثقه ضعيف ... وليلي مثل موعده طويل يميل عليّ كلّ الميل ظلماً ... وبعض البعض ودي لا يميل أراق دمي بناظره وألوى ... ألا يرضى وقد رضي القتيل وقال مواليا: تغيب وتبطي أقول اسّا تجي وأقوم ... أحرد عليها وامسّيها مسا ميشوم تجي ومعها الشّوا والنقل والمشموم ... أسكت، ومن هون قال الناس: ذا مطعوم وقال: أفارقه وأقول اني قد انسلّيت ... ورحت قلبي وزال الهمّ واتخيلت واذكر مساويه في حقي إذا وليت ... وإذا رجع جاء نسيت الكلّ وانحلّيت وقال ذوبيت: جاءت سحراً تشق بحر الغلس ... كالطيف توارت في ظلال الخلس ما أطيب ما سمعت من منطقها ... لا تسأل ما لقيته من حرسي وقال: يمشي مرحاً بتيهه والعجب ... كالريم إذا خاف لحاق السرب ما يسرع في المشية إلاّ حذراً ... أن ترسم عيني شخصه في قلبي وقال: زارت سحراً تراقب السمارا ... رعياً وتراعي بالبيوت النارا بالمهجة أفدي خاطراً عنّ لها ... حتى ركبت من أجلي الأخطارا

وقال: لا أستمع الحديث من غيركم ... من لذة فكري واشتغالي بكم ألوي نظري كأنّني أفهمه ... من قائله وخاطري عندكم وقال: في وجنته من مهج العشاق ... ما قام دليله على الإهراق والسالف قد دبّ على حمرتها ... فالورد يرى من خلل الأوراق

فراغ

حرف الحاء

حرف الحاء

فراغ

عرقلة الدمشقي

111 - (1) عرقلة الدمشقي حسان بن نمير، أبو الندى الكلبي، الدمشقي؛ النديم الخليع المطبوع، المعروف بعرقلة؛ كان من أهل دمشق، وكان السلطان صلاح الدين قد وعده لما كان بدمشق في أول أمره، وهو أمير من أمراء نور الدين، أنه إن ملك مصر أعطاه ألف دينار، فلما ملك مصر بعث إليه عرقلة يقول: قل للصلاح معيني عند إعساري ... يا ألف مولاي أين الألف دينار أخشى من الأسر إن وافيت (2) أرضكم ... وما تفي جنّة الفردوس بالنار فجد بها عاضديّات موفّرةً (3) ... من بعض ما خلف الطاغي أخو العار حمراً كأسيافكم غراً كخيلكم ... عتقاً ثقالاً كأعدائي وأطماري فسير له ألفاً وأخذ من إخوته مثلها، فجاءه الموت فجأة ولم ينتفع بفجأة الغنى، وكانت وفاته في سنة سبع وستين وخمسمائة، وقد قارب الثمانين؛ وكان أعور، رحمه الله تعالى. ومن شعره (4) : أمّا دمشق فجنّاتٌ مزخرفةٌ ... للطالبين بها الولدان والحور

_ (1) الوفي والزركشي: 88 والخريدة (قسم الشام) 1: 178 والشذرات 4: 220 والنجوم الزاهرة 6: 64. (2) الخريدة: حاولت. (3) الخريدة: مسطرة. (4) الخريدة: 1: 204.

ما صاح فيها على أوتاره قمرٌ ... إلاّ وغناه قمريٌّ وشحرور يا حبّذا ودروع الماء تنسجها ... أنامل الريح إلاّ أنها زور وقال (1) : ترى عند من أحببته لا عدمته ... من الشوق ما عندي وما أنا صانع جميعي إذا حدثت عن ذاك أعينٌ ... وكلي إذا نوجيت عنه مسامع وقال (2) : كتم الهوى فوشت عليه دموعه ... من حرّ جمرٍ تحتويه ضلوعه صبٌّ تشاغل بالربيع وزهره ... زمناً وفي وجه الحبيب ربيعه يا لائمي في من تمنّع وصله ... عن صبّه أحلى الهوى ممنوعه كيف التخلص إن تجنّى أو جنى ... والحسن شيء لا يردّ شفيعه شمسٌ ولكن في فؤادي حرّها ... قمرٌ ولكن في القباء طلوعه قال العواذل ما الذي استحسنته ... منه وما يسبيك؟ قلت: جميعه وقال: يا معشر الناس حالي بينكم عجبٌ ... وليس يعلم إلاّ الله كيف أنا أحبّ سمر القنا من أجل مشبهها ... لوناً وأحسد حتى من به طعنا تنام أجفانه المرضى وقد زعموا ... بأنّ كلّ مريضٍ يألف الوسنا يهوى خلافي كما أهوى رضاه فإن ... دنوت منه تناءى أو نأيت دنا وقال من أبيات: أنا السموأل في حفظ الوفاء لهم ... وهم إذا وعدوا بالوصل عرقوب ما في الخيام وقد سارت حمولهم ... إلاّ محب له في الركب محبوب

_ (1) الخريدة 1: 212. (2) الخريدة 1: 183.

كأنّما يوسف في كلّ راحلةٍ ... والحي في كل بيت منه يعقوب وقال: بروق الغوادي أم بروق المباسم ... أشاقك وهناً أم هديل الحمائم؟ كأنّ بك الوجد الذي بي من الأسى ... وقد عيل صبري بين واش ولائم تؤرّق ورق الغوطتين لواحظي ... وينحل جسمي حبّ غزلان جاسم أأحبابنا إن كنتم قد عزمتم ... على البعد من أطلالكم والمعالم فلا ترسلوا برقاً إلى غير ساهرٍ ... ولا تبعثوا طيفاً إلى غير نائم وقال: حيّ بالحيّ من قباب المصلّى ... منزلاً مونقاً وماء وظلا فقرى جلّق فباب الفرادي ... س فباب البريد، عيشاً تولى قال لي طيفهم سلوات هوانا ... قلت لا والذي دنا فتدلى قال بل قلّ ما عهدناك فيه ... قلت لا والذي لموسى تجلى كل شيء يملّ منه إذا زا ... د وحاشا هواكم أن يملاّ لو رآني مجنون ليلى إذا ما ... جنّ ليلي لصام شكراً وصلى أتقلّى من القلى ولعمري ... أي صبّ من القلى ما تقلّى وقال أيضاً (1) : ميلوا إلى الدار من ذات اللمى ميلوا ... كحلا وما جال في أجفانها ميل هذا بكائي عليها وهي حاضرةٌ ... لا فرسخٌ بيننا يوماً ولا ميل كأنما قدّها رمح ومبسمها ... صبحٌ وحسبك عسّالٌ ومعسول في كلّ يومٍ بعينيها ومبسمها ... دمي ودمعي على الأطلال مطلول إنّي لأعشق ما يحويه برقعها ... ولست أبغض ما يحوي السراويل

_ (1) انظر الخريدة 1: 220.

وقال في المروحة (1) : ومحبوبة في القيظ لم تخل من يد ... وفي البرد (2) تقلوها أكفّ الحبائب إذا ما الهوى المقصور هيّج عاشقاً ... أتت بالهوا الممدود من كلّ جانب وقال رحمه الله تعالى (3) : دمشق حيّيت من حيّ ومن ناد ... وحبّذا حبّذا واديك من وادي يا رائحاً غادياً عرّج على بردى ... وخلّني من حديث الرائح الغادي كم قد شربت به من ماء داليةٍ (4) ... في ظلّ دالية تنبيك عن عاد في جنب ساقيةٍ من كفّ ساقية ... كادت (5) تثنّى بقدّ غير مياد لها بعيني إذا ماست معاطفها ... جمال ميّاسة في عين مقداد وقال (6) : قال قومٌ بدا عذار وهيبٍ ... فاسل عنه فقلت لا كيف أسلو أنا جلدٌ على لقا أُسد عيني ... هـ أأخشى عذاره وهو نمل وقال: كثر الخؤون وقلّت الإخوان ... فاليوم لا حسنٌ ولا إحسان يا ليت شعري أين كنت من الدّنا ... والنّاس ناسٌ والزمان زمان وقال: عارضاها إن تبدت عارضاها ... وسلاها عن فؤادٍ ما سلاها

_ (1) الخريدة: 186. (2) ص: وفي الصيف. (3) الخريدة: 198. (4) الخريدة: في ظل دالية. (5) الخريدة: قامت. (6) الخريدة: 219.

بأبي جارية جائرة ... ما شفت غلة قلبي شفتاها أتمنّى قبلةً من يدها ... وسوائي ملّ من تقبيل فاها وقال وكان أعور وله معشوق طويل (1) : لي حبيب قدّه ق ... دّ من السمر الرقاق من رآه ورآني ... قال ذا غير اتفاق أعور الدجال يمشي ... خلف عوج بن عناق وقال في قوم مدحهم فأعطوه شعيراً (2) : يقولون لم أرخصت شعرك في الورى ... فقلت لهم إذ مات أهل المكارم أُجاز على الشعر الشعير وإنّه ... كثير إذا خلّصته (3) من بهائم وقال أيضاً: عسى من ديار الظاعنين بشير ... ومن جور أيام الفراق مجير لقد عيل صبري بعدهم وتكاثرت ... همومي ولكنّ المحبّ صبور وكم بين أكناف الثغور متيّمٌ ... كئيبٌ غزته أعينٌ وثغور سقى الله من سطرى ومقرى منازلاً ... بها للندامى نضرة وسرور ولا زال ظلّ النيربين فإنّه ... طويلٌ وعيش المرء فيه قصير فيما بردى لا زال ماؤك بارداً ... عسى شبم من حافتيك نمير أبى العيش إلاّ بين أكناف جلّق ... وقد لاح فيها نضرة (4) وسرور وكم بحمى جيرون سرب جآذر ... حبائلهنّ المال وهي نفور ولكن سأحويه إذا كنت قاصداً ... إلى بلدٍ فيه الصلاح أمير

_ (1) الخريدة: 217. (2) ص: شعير؛ وانظر: 1: 182. (3) الخريدة: استخلصته. (4) ص: نظرة.

أبو علي القرمطي

وقال وقد تولى صلاح الدين يوسف شحنكية دمشق في الأيام النورية (1) : رويدكم يا لصوص الشآم ... فإنّي لكم ناصحٌ في المقال أتاكم سميّ النبيّ الكريم ... يوسف ربّ الحجى والجمال فذاك يقطّع أيدي النساء ... وهذا يقطّع أيدي الرجال وقال أيضاً (2) : عندي إليكم من الأشواق والبرحا ... ما صيّر الجسم من فرط الضّنى شبحا أحبابنا لا تظنّوني سلوتكم ... الحال ما حال والتبريح ما برحا لو كان يسبح صبٌّ في مدامعه ... لكنت أول من في دمعه سبحا أو كنت أعلم أن البين يقتلني ... ما بنت عنكم ولكن فات ما ذبحا 112 (3) أبو علي القرمطي الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي القرمطي، مولده بالأحساء، توفي بالرملة سنة ست وستين وثلثمائة. غلب على الشام، وكان كبير القرامطة، واستناب على دمشق وشاح بن عبد الله، وقدم إلى دمشق، وكسر جيش المصريين وقتل دعفر بن فلاح، ثم توجه إلى مصر وحاصرها شهوراً (4) ، وكان يظهر طاعة أمير المؤمنين الطائع.

_ (1) الخريدة 1: 222. (2) الخريدة 1: 182. (3) الوافي وتهذيب ابن عساكر 4: 148 وتاريهخ أخبار القرامطة: 95 (نقلا عن المقفى للمقريزي) وهو المعروف بالأعصم. (4) ص: شهورها.

ابن جكينا البغدادي

قال القاشي في كتابه الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار: إن أبا علي القرمطي قال في بعض الليالي لكاتبه أبي نصر بن كشاجم: ما يحضرك في هذه الشموع؟ فقال: إنما نحضر مجلس السيد لنسمع كلامه، ونستفيد من أدبه، فقال الفرمطي بديهاً: ومجدولةٍ مثل صدر القناة ... تعرّت وباطنها مكتسي لها مقلةٌ هي روحٌ لها ... وتاجٌ على هيئة البرنس إذا غازلتها الصّبا حركت ... لساناً من الذّهب الأملس وإن رنّقّت لنعاسٍ عرا ... وقطّت من الرأس لم تنعس وتنتج في وقت تلقيحها ... ضياء يجلّي دجى الحندس فنحن من النور في أسعدٍ ... وتلك من النّار في أنحس وكنيته أبو محمد، وقيل أبو علي، وسيأتي ذكر جده الحسن بن بهرام القرمطي أصل القرامطة إن شاء الله تعالى. 113 - (1) ابن جكينا البغدادي الحسن بن أحمد بن محمد بن جكينا الشاعر البغدادي، كان من ظراف الشعراء الخلعاء، وأكثر أشعاره مقطعات، وذكره العماد الكاتب وقال: أجمع

_ (1) الوافي والزركشي: 90 والخريدة (قسم العراق) 2: 230 ومختصر ابن الدبيثي: 275 والشذرات 4: 88 والنجوم الزاهرة 6: 197، وجكينا وردت بالجيم وبالحاء المهملة، وقد ضبطها صاحب التاج (9: 183) بالحاء المهملة وكذلك أثبتها الكتبي هنا؛ غير أنها ثبتت بخط ابن خلكان نفسه بالجيم (انظر فهرست وفيات الأعيان) .

أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعراء لطافة شعره، توفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. من شعره: لافتضاحي في عوارضه ... سببٌ والناس لوّام كيف يخفى ما أكابده ... والذي أهواه نمام وقال: تزايد القول فيه أنّ له ... ورداً جنيّاً في صفحة الخدّ فنكرشت عارضاه تشعر (1) ... أنّ الشوك لا بدّ منه للورد وقال: لما بدا خط العذا ... ر يزين خدّيه بمشق وظننت أنّ سواره ... فوق البياض كتاب عتقي فإذا به من سوء حظ ... ي عهدةٌ كتبت برقّي وقال: ولائمٍ لام في اكتحالي ... يوم استباحوا دم الحسين فقلت دعني، أحقّ عضوٍ ... ألبس فيه السواد عيني أحسن منه قول أبي (2) الحسين الجزار: ويعود عاشوراء يذكرني ... رزء الحسين فليت لم يعد يا ليت عيناً (3) فيه قد كحلت ... لشماتةٍ لم تخل من رمد ويداً به لمسرّةٍ خضبت ... مقطوعة من زندها بيدي

_ (1) ص: بشعر. (2) ص: أبو. (3) ص: عين.

أبو نصر الفارقي

أمّا وقد قتل الحسين به ... فأبو الحسين أحقّ بالكمد ولابن جكينا في الشريف ابن الشجري صاحب الأمالي (1) : يا سيدي والذي يعيذك من ... نظم قريض يصدا به الفكر ما فيك من جدّك النبيّ سوى ... أنك لا ينبغي لك الشّعر 114 (2) أبو نصر الفارقي الحسن بن أسد بن الحسن بن الفارقي، أبو نصر؛ شاعر رقيق حواشي النظم كثير التجنيس، كان في أيام نظام الملك والسلطان ملك شاه، شمله منهما الجاه بعد أن قبض عليه لأنه تولى آمد وأعمالها باستيفاء مالها، فخلصه الكامل الطبيب، وكان نحوياً رأساً وإماماً في اللغة، وصنف في الآداب تصانيف، وله شرح اللمع الكبير. كتاب الإفصاح في العويص وكتاب الألغاز. اتفق أنه كان شاعر من العجم يعرف بالغساني وفد على أحمد بن مروان، وكانت عادته إذا وفد عليه يكرمه وينزله، ولا يستحضره إلا بعد ثلاثة أيام، واتفق أن الغساني لم يكن أعد شعراً (3) يمدحه به ثقةً بنفسه، فأقام ثلاثة أيام ولم يفتح عليه شيء، فأخذه قصيدة من شعر ابن أسد ولم يغير منها غير الاسم، فغضب الأمير وقال: هذا العجمي يسخر منا، وأمر أن يكتب بذلك (4) إلى ابن أسد،

_ (1) ابن خلكان 6: 46. (2) الوافي والزركشي: 90 ومعجم الأدباء 8: 54 وأنباء الرواة 1: 294 وبغية الوعاة: 218 والشذرات 3: 280 وروضات الجنات: 220 والبلغة: 54. (3) ص: شعر. (4) ص: ذلك.

فأعلم الغساني بعض الحاضرين بذلك، فجهز الغساني غلاماً له جلداً إلى ابن أسد يدخل عليه ويعرفه العذر، فوصل الغلام إلى ابن أسد قبل وصول قاصد ابن مروان، فلما علم ذلك كتب الجواب إلى ابن مروان أنه لم يقف على هذه القصيدة أبداً، ولم يرها إلا في كتابه، فلما وقف ابن مروان على الجواب أساء إلى الساعي وسبه وقال: إنما تريد إساءتي بين الملوك، ثم أحسن إلى الغساني وأكرمه غاية الإكرام، وعاد إلى بلاده؛ فلم يمض على ذلك مدة حتى اجتمع أهل ميافارقين ودعوا ابن أسد على أن يؤمروه عليهم، وإقامة الخطبة للسلطان ملك شاه وإسقاط اسم ابن مروان، فأجابهم إلى ذلك، وحشد ابن مروان، ونزل على ميافارقين فأعجزه أمرها، فسير إلى نظام الملك والسلطان يستمدهما، فأنفذا (1) إليه جيشاً ومدداً مع الغساني الشاعر، وكان قد تقدم عند السلطان، فصدقوا الحملة على ميافارقين، فملكوها عنوة وقبض على ابن أسد، وجيء به إلى ابن مروان فأمر بقتله، فقام الغساني وجرد العناية في الشفاعة حتى خلصه وكفله بعد عناء شديد، ثم اجتمع به وقال: أتعرفني؟ قال: لا والله، ولكن أعرف أنك ملك من السماء من الله علي بك لبقاء مهجتي، فقال: أنا الذي ادعيت قصيدتك وسترت علي، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، فقال ابن أسد: ما سمعت بقصيدة جحدت فنفعت صاحبها إلا هذه، فجزاك الله خيراً؛ وانصرف الغساني من حيث جاء، وأقام ابن أسد مدة، وتغيرت حالة وجفاه إخوانه وعاداه أعوانه، ولم يقدر أحد على مرافدته، حتى أضر به العيش، فنظم قصيدة مدح بها ابن مروان، فلما وقف عيها غضب وقال: ما يكفيه أن يخلص منا رأساً برأس حتى يريد منا الرفد؟ لقد أذكرني بنفسه، اصلبوه، فصلب سنة سبع وثمانين وأربعمائة. ومن شعره: أريقاً من رضابك أم رحيقا ... رشفت فلست من سكري مفيقا

_ (1) ص: فأنفذ.

وللصّهباء أسماء ولكن ... جهلت بأنّ في الأسماء ريقا ومنه: ولرب دانٍ منك يكره قربه ... وتراه وهو عشاء عينك والقذى فاعرف وخلّ مجرباً هذا الورى ... واترك لقاءك ذا كفافاً والق ذا وقال: يا من جلا ثغره الدرّ النظيم ومن ... تخال أصداغه السود العناقيدا اعطف على مستهام ضيم من أسفٍ ... على هواك وفي حبل العنا قيدا وقال: لا يصرف الهمّ إلاّ شدو محسنةٍ ... أو منظرٌ حسنٌ تهواه أو قدح والراح للهمّ أنفاها فخذ طرفاً ... منها ودع أمةً في شربها قدحوا بكرٌ تخال إذا ما المزج خالطها ... سقاتها أنهم زنداً بها قدحوا وقال: تراك يا متلف جسمي ويا ... مكثر إعلالي وإمراضي من بعد ما أضنيتني ساخط ... عليّ في حبّك أم راضي وقال: قد كان قلبي صحيحاً كالحمى زمناً ... فمذ أبحت الهوى منه الحمى مرضا فلم سخطت على من كان شيمته ... وقد أتحت له فيك الحمام رضى يا من إذا فوقت سهماً لواحظه ... أضحى لها كلّ قلبٍ قلّب غرضا أنا الذي إن يمت حبا (1) يمت أسفاً ... وما قضى فيك من أغراضه غرضا ألبست ثوب سقام فيك صار له ... جسمي لدقته من سقمه عرضا وصرت وقفاً على هم تجاذبني ... أيدي الصبابة فيه كلما عرضا

_ (1) ص: حياً.

ناصر الدين ابن النقيب

ما إن قضى الله شيئاً في خليقته ... أشدّ من زفرات الحبّ حين قضى فلا قضى كلفٌ نحباً فأوجعني ... إن قيل إن المحب المستهام قضى 115 (1) ناصر الدين ابن النقيب الحسن ابن شاور بن طرخان بن الحسن. هو ناصر الدين بن النقيب الكناني المعروف بالفقيسي (2) . قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: جالسته بالقاهرة مراراً وكتبت عنه، وكان نظمه حسناً؛ وتوفي سنة سبع وثمانين وستمائة. روى عنه الدمياطي والشيخ فتح الدين وغيره، وله كتاب سماه منازل الأحباب ومنازه الألباب ذكر فيه المجاراة التي دارت بين أدباء عصره وبينه، وهو في مجلدين، وله ديوان مقاطيع في مجلدين، وشعره جيد عذب منسجم فيه التورية الرائقة اللائقة المتمكنة، وهو أحد فرسان تلك الحلبة الذين كانوا من شعراء مصر في ذلك العصر، ومقاطيعه جيدة إلى الغاية، رحمه الله. فمن شعره: يا من أدار بريقه مشمولةً (3) ... وحبابها الثغر النقيّ الأشنب تفاح خدّك بالعذار ممسّك ... لكنه بدم القلوب مخضّب وقال:

_ (1) الوافي والزركشي: 92 والشذرات 5: 400 وذكره السيوطي في حسن المحاضرة 1: 569 باسم ((محمد بن الحسن بن شاور)) ؛ وانظر النجوم الزاهرة 7: 376. (2) النجوم: بابن الفقيسي. (3) النجوم: سلافة من ريقه

يا مالكي ولديك ذلي شافعي ... ما لي سألت فما أُجيب سؤالي فوخدّك النعمان إن بليّتي ... وشكيتي من طرفك الغزّالي وقال: وما بين كفّي والدراهم عامرٌ ... ولست بها دون الورى ببخيل وما استوطنتها قطّ يوماً وإنّما ... تمرّ عليها عابرات سبيل وقال: ما كان عيباً لو تفقّدتني ... وقلت هل أتهم أو أنجدا فعادة السادات من قبل أن (1) ... يفتقدوا الأتباع والاعبدا هذا سليمان على ملكه ... وهو بأخبارٍ له يقتدى تفقّد الطّير وأجناسها ... فقال مالي لا أرى الهدهدا وقال: أراد الظبي أن يحكي التفاتك ... وجيدك قلت لا يا ظبي فاتك وفدّى الغصن قدّك إذ تثنّى ... وقال: الله يبقي لي حياتك ويا آس العذار فدتك نفسي ... وإن لم أقتطف بفمي نباتك ويا ورد الخدود حمتك عني ... عقارب صدغه فأمن جناتك ويا قلبي ثبتّ على التّجنّي ... ولم يثبت له أحد ثباتك وقال: أقول لنوبة الحمى اتركيني ... ولا يك منك لي ما عشت أوبه فقالت كيف يمكن ترك هذا ... وهل يبقى الأمير بغير نوبه وقال: حدّثت عن ثغره المحلّى ... فمل إلى خده المورّد

_ (1) ما بين معقفين سقط من ص.

خدٌّ وثغر فجلّ ربّ ... بمبدع الخلق قد تفرّد هذا عن الواقديّ يروي ... وذاك يروي عن المبرّد وقال: أنا العذريّ فاعذرني وسامح ... وجرّ عليّ بالإحسان ذيلا ولمّا صرت كالمجنون عشقاً ... كتمت زيارتي وأتيت ليلا وقال: وجردت مع فقري وشيخوختي التي ... تراها فنومي عن جفوني مشرّد فلا يدّعي غيري مقامي فإنني ... أنا ذلك الشيخ الفقير المجرّد وقال: أعملت نفسي في السماء وقد بدا ... فيها هلالٌ جسمه منهوك فكأنما هي شقّةٌ ممدودةٌ ... وكأنه من فوقها مكّوك وقال: قالوا فلانٌ ناظرٌ فأجبت ما ... هو ناظرٌ إلاّ إلى أعطافه لم يدر مسح الأرض قلت أزيدكم ... أُخرى: ولا مسحٌ على أطرافه وقال: الصبّ من بعدكم مفردٌ ... ودمعه النيل وتغليقه وخدّه ممّا بكاكم دماً ... مقياسه والدمع تخليقه وقال: وما بي سوى عين نظرت لحسنها ... وذاك لجهلي بالعيون وغرّتي وقالوا به في الحبّ عين ونظرة ... لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي وقال: قالوا قد احترقت بالنار راحته ... وهي الغمام ومنها الوابل الغدق

وقال قومٌ وما ضلّوا وما وهموا ... بأنها النيل قلت النيل يحترق وقال: أبلمٌ قلّدوه أمر الرعايا ... وهو في حلية الوزارة عطل فهو بالبوق في الوزارة طبلٌ ... وهو في الدّست حين يجلس سطل وقال: يا غائباً لو قضيت من أسفٍ ... من بعده ما قضيت ما يجب ما ترك السقم بعد بعدك لي ... والله جنباً عليه أنقلب وقال: يقول جسمي لنحولي وقد ... أفرط بي فرط ضنىً واكتئاب فعلت بي يا سقم ما لم يكن ... تلبس والله عليه الثياب وقال: لا تأسفنّ على الشّباب وفقده ... فعلى المشيب وفقده يتأسّف هذاك يخلفه سواه إذا انقضى ... ومضى وهذا إن مضى لا يخلف وقال: عجبت للشيب كنت أكرهه ... فأصبح القلب وهو عاشقه وكنت لا أشتهي أراه فقد ... أصبحت لا أشتهي أفارقه وكتب إلى السراج الوراق تصحيف (1) : ما زلت مذ غبت عنك في بلدي ... حتى إذا ما أزحت علّتها أقمت أجرانها على عجلٍ ... وبعد هذا خزنت غلّتها وكتب إليه ابن سعيد المغربي:

_ (1) كذا في ص.

أيا ساكني مصرٍ غدا النيل جاركم ... فأكسبكم تلك الحلاوة في الشعر وكان بتلك الأرض سحرٌ، وما بقي ... سوى أثرٍ يبدو على النظم والنثر فأجابه ابن النقيب: ولمّا حللت الثغر زاد حلاوةً ... وخليته أغلى من الشذر والدر فرحت وبي شوق (1) وما كنت شيّقاً ... لملثم ذاك الثغر لولاك في الثغر فلا تطلبن سحر البيان بأرضنا ... فكم فيه موسى مبطلاً آية السحر ولا رقّة الشعر الذي كان أولاً ... وكيف رقيق الشعر مع قسوة الدهر وكتب ابن النقيب إلى السراج الوراق: يا ساكن الروضة أنت المشتهى ... من هذه الدنيا وأنت المقتضى ويا سرور النفس بين الشعرا ... أنت الرضيّ فيهم والمرتضى ويا سراجاً لم تزل أنواره ... تعيد مسودّ الليالي أبيضا ما لي أراك قاطعاً لواصلٍ ... ومعرضاً عن مقبلٍ ما أعرضا فأجابه السراج: يا سهم عتبٍ جاء من كنانةٍ ... أصبت من سواد قلبي الغرضا لكن أسوت ما جرحته بما ... أعقبته من العتاب بالرضا يا ابن النقيب ما أرى منقبةً ... إلاّ وأولتك الثناء الأبيضا إنّ ولائي حسنٌ في حسن ... إذ ما أرى لعمرٍ أن يرفضا وقال: قلّدت يوم البين جيد مودّعي ... درراً نظمت عقودها من أدمعي وحدا بهم حادي المطيّ فلم أرى ... قلبي ولا جلدي ولا صبري معي ودّعتهم ثمّ انثنيت بحسرةٍ ... تركت معالم معهدي كالبلقع

_ (1) ص: شوقاً.

ورجعت لا أدري الطريق ولا تسل ... رجعت عداك المبغضون (1) كمرجعي وأشدّ ما بي في القضيّة شامتٌ ... قد جاءني في صورة المتوجّع يا صاحبي أنصت لأخبار الهوى ... حاشا لمثلك أن أقول ولا يعي إني أحدث في الهوى بعجائب ... وغرائب حتى كأني الأصمعي يا نفس قد فارقت يوم فراقهم ... طيب الحياة ففي البقا لا تطمعي هيهات يرجع شملنا بالأجرع ... وتعود أحبابي الذي كانوا معي ما كان أحسننا وهم جيراننا ... والشمل ملتئمٌ بتلك الأربع بحياتكم جودوا عليّ تكرّماً ... فعسى خيالكم يلمّ بمضجعي فلقد عدمت الصبر يوم فراقكم ... وتضرمت نار الأسى في أضلعي يا نازحين فهل لكم من عودةٍ ... نزح التفرق ما بقي من مدمعي إن لم تعودوا للديار وترجعوا ... لهلكت من شوقي وفرط توجّعي أترى يعود الدهر يجمع بيننا ... ويلذّ طيب حديثكم في مسمعي ويقرّ قلبٌ (2) قد أطيل خفوقه ... وتنام عينٌ بعدكم لم تهجع وقال: نحن إلاّ قطاعة الأجناد ... وبراوات غزّ هذا النادي (3) نحن إلاّ حكايةٌ وخيالٌ ... وحديثٌ لحاضرٍ ولبادي نحن إلاّ غسالة لمرقدا ... ر (4) قدورٍ تفرغت وزبادي نحن إلاّ زبالةً ضمها الزب ... ال من فوق الكوم للوقاد جرّدونا فما قطعنا فردو ... نا وقد أحسنوا إلى الأغماد

_ (1) ص: المبغضين. (2) ص: قلباً.... عيناً. (3) القطاعة: الرغوة؛ والبرادة: ما تبقى من قطعة الصابون بعد الاستعمال. (4) المرقدار: هو الذي يتصدى لخدمة ما يحوز المطبخ وحفظه، سمي بذلك لكثرة معاطاته لمرق الطعام عند رفع الخوان ونحو ذلك (صبح الأعشى 5: 470) .

وعرضنا على براذين جيش ... ما استعدّت لحملةٍ وطراد وأتينا من القماش إليهم ... بخليعٍ مرقّعٍ وكداد (1) وسروجٍ تطاير الجلد عما ... كان من تحتها من الأعواد قد تبرّت منها مياثرها اللب ... د وخان البداد عهد الوكاد (2) كشف الله ذلك الستر عنها ... فرأينا عوراتهنّ بوادي ورماحٍ لم تعتقل لطعانٍ ... وسيوفٍ ما جردت لجلاد صدئت في الجفون من كثرة اللب ... ث وملت بها لطول الرقاد فهي لا فرق في يد الفارس ال ... كشحان (3) منّا أو في يد (4) الحداد أترى من يكون في هذه الحا ... ل مطيقاً بيكار (5) تلك البلاد ويخوض الفرات في شهر كانو ... ن وكانون مصعب في القياد ودعوني بمفردي وماذا ... لك إلاّ لوحدتي وانفرادي (6) الرختي (7) على قطارات بختٍ ... أم وشاقيتي (8) لجرّ الجياد كيف أقوى على الجهاد وخبزي ... ما أراه يكفي لسفرة زادي وقال رحمه الله: إذا صرصر البازي فلا ديك صادحٌ ... ولا فاختٌ في أيكةٍ يترنم وما الموت إلاّ طيبٌ طعمه إذا ... تدايك فروجٌ وزبزب حصرم

_ (1) كذا في ص، ولعلها: وكراد: وهو القطعة من البساط. (2) البداد: لبد يشد على الدابة الدبرة، والوكاد: سير يشد به القربوس. (3) الكشحان: القرنان أو الديوث. (4) ص: يدي. (5) البيكار: ميدان القتال. (6) ص: وكانون صعب القياد. (7) الرخت: لفظة فارسية تعني المتاع. (8) الوشاقية: جمع وشاقي وهو الوصيف (ملحق دوزي) .

وقال: قالوا رأينا العلق ينفق مسرفاً ... والعلق لا شيءٌ لديه ولا معه فأجبتهم إنفاقه من سرمه ... قالوا صدقت لذاك ينفق من سعه وقال: يا ناظري ما خلت أنك هكذا ... عوناً عليّ وأنت من أعدائي أرميتني وفعلت بي والله ما ... لا تفعل الأعداء بالأعداء فإذا ابتلاك الله يوماً بالبكا ... والسهد فاعلم أنّه بدعائي وقال: كم تجنّيت أمرداً وتألي ... ت وكم تهت بالملاحة زائد ثم زال الجميع إذ صرت ألحى ... وبقي وجنا ووجهك واحد وقال: يا قفل باب الرزق يا ذا الذي ... ما زال عند الفتح قفلاً عسر أفرطت في العسر ولا بدّ أن ... تنفشّ أو تندقّ أو تنكسر وقال: ألا يا أمير الملاح اتئد ... فقد ذلّ من بالجمال انتصر ولا بدّ تعزل عمّا قليلٍ ... إذا قام عارضك المنتظر وقال: قالت بماذا قصّرت شعراً ... من أسود الرأس والعذار فقلت: إن تسألي فهذي ... قصارة اللّيل والنّهار

ابن أبي حصينة

116 - (1) ابن أبي حصينة الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة، الأمير أبو الفتح؛ توفي في حدود الخمسمائة، رحمه الله تعالى. من شعره يمدح أسد الدولة عطية بن صالح بن مرداس (2) : سرى طيف هندٍ والمطيّ بنا تسري ... فأخفى دجى ليلي (3) وأبدى سنا فجري منها: خليليّ فكّاني من الهمّ واركبا ... فجاج الموامي الغبر في النّوب الغبر إلى ملكٍ من عامر لو تمثّلت ... مناقبه أغنت عن الأنجم الزهر إذا نحن أثنينا عليه تلفّتت ... إليه المطايا مصغيات إلى جبر (4) وفوق سري الملك من آل صالحٍ ... فتىً ولدته أمّه ليلة القدر فتى وجهه أبهى من البدر منظراً ... وأخلاقه أشهى من الماء والخمر منها: أبا صالحٍ أشكو إليك نوائباً ... عرتني كما يشكو النبات إلى القطر لتنظر نحوي نظرةً لو نظرتها ... إلى الصخر فجّرت العيون من الصخر وفي الدار خلفي صبيةٌ قد تركتهم ... يطلّون إطلال الفراخ من الوكر جنيت على روحي جنايةً ... فأثقلت ظهري بالذي خفّ من ظهري

_ (1) الوافي ومعجم الأدباء 10: 90 (الحسين) وتهذيب ابن عساكر 3: 187، 305 وتاريخ ابن الوردي 1: 365 وله ديوان شرح بعضه أبو العلاء المعري (دمشق 1956) . (2) الديوان 1: 350 نقلاً عن الفوات. (3) ص: ليلى. (4) ص: قبر (دون إعجام الباء) وعند ياقوت: الشكر.

فهب هبةً يبقى عليك ثناؤها ... بقاء النجوم الطالعات التي تسري قال الأمير أسامة بن مرشد: فلما فرغ من إنشاده أحضر الأمير أسد الدولة القاضي والشهود، وأشهد على نفسه بتمليك ابن أبي حصينة ضيعةً من ملكه لها ارتفاع كثير، وأجازه وأحسن إليه، فأثرى وتمول. ولما امتدح نصر ابن صالح بحلب قال له: تمن، قال: أتمنى أن أكون أميراً، فجعله أميراً يجلس مع الأمراء، ويخاطب بالأمير، وقربه وصار يحضر مجلسه في زمرة الأمراء، ثم وهبه أيضاً مكاناً بحلب قبلي حمام الواساني، فعمرها داراً، وزخرفها وقرنصها وتمم بناءها وكمل حالها، ونقش على دائرة الدرابزين (1) : دارٌ بنيناها وعشنا بها ... في دعةٍ من آل مرداس قوم محوا بؤسي ولم يتركوا ... عليّ في الأيام من ناس قل لبني الدنيا ألا هكذا ... فليفعل الناس مع الناس (2) ولما تكامل عمل الدار عمل دعوةً، وأحضر إليها نصر ابن صالح، فلما أكل الطعام ورأى حسن بناء الدار ونقوشها وقرأ الأبيات قال: يا أمير، كم خسرت على بناء الدار (3) ؟ قال: يا مولانا ما لي علم، بل هذا الرجل تولى عمارتها، فسأل ذلك المعمار فقال: غرم عليها ألفي دينار مصرية، فأحضر من ساعته ألفي دينار مصرية وثوب أطلس وعمامة مذهبة وحصاناً بطوق ذهب وسرفسار (4) ذهب، وقال له: قل لبني الدنيا ألا هكذا ... فليصنع الناس مع الناس وبعد أيام حضر رجل من أهل المعرة ينبز بالزقوم كان من أراذلها وفيه

_ (1) الديوان 1: 360 نقلاً عن الفوات. (2) ص: بالناس. (3) يا أمير ... الدار: مكرر في ص. (4) من الفارسية: سر افسار، وهو مقبض اللجام.

شيخ الأكراد

رجلة، فطلب خبز جندي فأعطي ذلك، وجعل من أجناد المعرة، فلما وصل نظم أحمد بن محمد الدويدة المعري (1) : أهل المعرة تحت أقبح خطّةٍ ... وبهم أناخ الخطب وهو جسيم لم يكفهم تأمير إبن حصينةٍ ... حتى تجند بعده الزقوم يا قوم قد سئمت لذاك نفوسنا ... يا قوم أين الترك أين الروم فاشتهرت الأبيات بالمعرة وحلب، وسمعها الأمير أبو الفتح، فعبر على باب ابن الدويدة وسلم عليه، وقال: والك يا ابن الدويدة هجوتني، والله ما بي هجوي، مثل ما بي من كونك قرنتني إلى الزقوم، فضحك ابن الدويدة وقال: الآن والله كان عندي الزقوم وقال: والله ما بي من الهجو ما بي من كونك قرنتني بابن حصينة، فقال له: قبحك الله؛ وهذا هجو ثان. 117 - (2) شيخ الأكراد الحسن ابن عدي بن أبي البركات بن صخر بن مسافر، الملقب بتاج العارفين شمس الدين أبو محمد شيخ الأكراد، وجده أبو البركات هو أخو الشيخ عدي (3) رحمه الله؛ وكان شمس الدين من رجال العلم رأياً ودهاء، وله فضل وأدب وشعر وتصانيف في التصوف، وله أتباع ومريدون يبالغون فيه.

_ (1) انظر ترجمة ابن الدويدة في الخريدة (قسم الشام) 2: 53 ودمية القصر 1: 152 وابن خلكان 4: 440 (في ترجمة محمد بن سلطان، ابن حيوس) . (2) الوافي وعبر الذهبي 5: 183 والشذرات 5: 229. (3) عدي بن سافر الهكاري الذي تنسب إليه الطائفة العدوية، توفي سنة 555 أو 557 (انظر ابن خلكان 3: 254 وفي الحاشية مصادر أخرى لترجمته) .

قال الشيخ شمس الدين الذهبي: وبينه وبين الشيخ عدي من الفرق، كما بين القدم والفرق، وقد بلغ من تعظيم العدوية له أنه قدم عليه واعظ فوعظه حتى رق قلبه وبكى وغشي عليه، فوثب الأكراد على الواعظ فذبحوه، ثم أفاق الشيخ حسن فرآه يخبط (1) في دمه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: وإلا إيش هذا من الكلاب حتى يبكي سيدنا الشيخ؟ فسكت حفظاً لدسته وحرمته. وخاف منه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فقبض عليه وحبسه، ثم خنقه بوتر بقلعة الموصل خوفاً من الأكراد لأنهم كانوا يشون الغارات على بلاده، فخشي لا يامرهم بأدنى إشارة فيخربون بلاد الموصل. وفي الأكراد طوائف إلى الآن يعتقدون أن الشيخ لا بد أن يرجع، وقد تجمعت عندهم زكوات ونذور ينتظرون خروجه، وما يعتقدون أنه قتل. وكانت قتلته سنة أربع وأربعين وستمائة، وله من العمر ثلاث وخمسون سنة. ومن تصانيفه: كتاب محك الإيمان والجلوة لأرباب الخلوة وهداية الأصحاب وله ديوان شعر فيه شيء من الاتحاد، من ذلك: وقد عصيت اللواحي في محبتها ... وقلت كفّوا فهتك الستر أليق بي في عشق غانيةٍ في طرفها حورٌ ... في ثغرها شنب، وجدي من الشنب فنيت عني بها يا صاح إذ برزت ... وغبت إذ حضرت حقاً ولم تغب وصرت فرداً بلا ثان أقوم به ... وأصبح الكلّ والأكوان (2) تفخر بي وكلّ معناي معناها وصورتها ... كصورتي وهي تدعى إبنتي وأبي وله ذوبيت: الحكمة أن تشرب من الحانات ... خمراً قرنت بسائر اللذات من كفّ مهفهفٍ متى ما تليت ... آيات صفاته بدت من ذاتي

_ (1) المطبوعة: يتشحط، وهي قراءة جيدة. (2) ص: والأكحوان.

الهمام العبدي

وله: سطا وله في مذهب الحبّ أن يسطو ... ملحٌ له في كلّ جارحةٍ قسط ومن فوق صحن الخدّ للنقط غايةٌ ... تدلّ على ما يفعل الشكل والنقط 118 (1) الهمام العبدي الحسن ابن علي بن نصر بن عقيل، أبو علي العبدي الواسطي البغدادي المنعوت بالهمام؛ مدح طائفة بالشام والعراق وأقام بدمشق، وكان شيعياً، روى عنه القوصي، واتصل بخدمة الأمجد صاحب بعلبك. توفي سنة ست وتسعين وخمسمائة ذكره العماد الكاتب في الخريدة. ومن شعره: ذمّا معي قلبي وليلي في الهوى ... فكلاهما بالطّيف نمّ وأخبرا ذا أيقظ الرقباء فرط وجيبه ... بين الضلوع وذاك أشرق إذ سرى وله أيضاً: أين من ينشد قلباً ... ضاع يوم البين مني؟ تاه لمّا راح يقفو ... أثر الظّبي الأغنّ سكن البيد فعلمي ... فيهما لا رجم ظن أن هذا في لظى حز ... ن وذا في روض حسن نح معي شوقاً إلى البا ... نة يا ورق وغنّي كلّنا قد علم الح ... بّ بنا عاشق غصن

_ (1) الوافي والزركشي: 94.

المهذب ابن الزبير

119 - (1) المهذب ابن الزبير الحسن ابن علي بن إبراهيم بن الزبير، أبو محمد الملقب بالقاضي المهذب، وهو أخو القاضي الرشيد؛ توفي القاضي المهذب المذكور في ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة بمصر وكان كاتباً مليح الخط، جيد العبارة، مليح الألفاظ، وكان أشعر من أخيه الرشيد واختص بالصالح ابن رزيك، ويقال إن أكثر الشعر الذي في ديوان الصالح إنما هو شعر المهذب، وحصل له من الصالح مال جم، وكان القاضي عبد العزيز بن الجباب هو الذي قدمه عند الصالح. ولما مات ابن الجباب شمت به المهذب ومشى في جنازته بثياب مذهبة، فاستقبح الناس فعله ونقص بهذا السبب، ولم يعش بعده إلا شهراً واحداً. وصنف المهذب كتاب الأنساب وهو أكثر من عشرين مجلدة، كل مجلد عشرون كراسة؛ قال ياقوت: رأيت بعضه فوجدته مع تحققي بهذا العلم وبحثي عن كتبه لا مزيد عليه. وكان المهذب قد مضى رسولاً إلى اليمن عن بعض ملوك مصر واجتهد هناك في تحصيل كتب النسب وجمع منها ما لم يجتمع عند أحد، رحمه الله تعالى؛ ومن شعره: لقد طال هذا الليل بعد فراقه ... وعهدي به قبل الفراق قصير وكيف أرجّي الصبح بعدهم وقد ... تولّت شموسٌ بعدهم وبدور ومنه:

_ (1) الوافي والزركشي: 95 والخريدة (قسم مصر) 1: 204 ومعجم الأدباء 9: 47 وابن خلكان 1: 161 والطالع السعيد: 100 والنكت العصرية: 35؛ وقد أخلت المطبوعة بأجزاء كثيرة من هذه الترجمة.

أقصر فديتك عن لومي وعن عذلي ... أو لا فخذ لي أماناً من ظبا المقل من كلّ طرف مريض الجفن ينشدني ... يا رب رام بنجد من بني ثعل (1) إن كان فيه لنا وهو السقيم شفاً ... فربما صحت الأجسام بالعلل (2) وله في رفاء: بليت برفاءٍ لواحظ طرفه ... بنا فعلت ما ليس يفعله النصل يجور على العشاق والعدل دأبه ... ويقطعني ظلماً وصنعته الوصل ومنه: ولئن ترقرق دمعه يوم النوى ... في الطّرف منه وما تناثر عقده فالسيف أقطع ما يكون إذا غمدا ... متحيّراً في صفحتيه فرنده وقال يرثي صديقاً له وقع المطر يوم موته: بنفسي من أبكى السموات فقده ... بغيثٍ ظننّاه نوال يمينه فما استعبرت إلاّ أسىً وتأسفاً ... وإلاّ فماذا القطر في غير حينه ومنه: لا ترج ذا نحس وإن أصبحت ... من دونه في الرتبة الشّمس كيوان أعلى كوكبٍ موضعاً ... وهو إذا أنصفته نحس وله أيضاً: إذا أحرقت في القلب موضع سكناها ... فمن ذا الذي من بعد يكرم مثواها وإن نزفت ماء الدموع بهجرها ... فمن أيّ عينٍ تأمل العيس سقياها وما الدمع يوم البين إلاّ لآلىء ... على الرسم في رسم الديار نثرناها وما أطلع الزهر الربيع وإنما ... رآى الدمع أجياد الغصون فحلاها

_ (1) الخريدة: ألحاظه رب رام من بني ثعل؛ وهو يشير إلى بيت شعر لأمرئ القيس. (2) عجز بيت للمتنبي وصدره: لعل عتبك محمود عواقبه.

ولمّا أبان البين سرّ صدورنا ... وأمكن فيها الأعين النجل مرماها عددنا دموع العين لمّا تحدرت ... دروعاً من الصبر الجميل نزعناها ولمّا وقفنا للوداع وترجمت ... لعيني عمّا في الضمائر عيناها بدت صورةً في هيكلٍ فلو انّنا ... ندين بأديان النصارى عبدناها وما طرباً صغنا القريض وإنما ... جلا اليوم مرآة القرائح مرآها وليلة بتنا في ظلام شبيبتي ... سراي وفي ليل الذوائب مسراها تأرج أرواح الصّبا كلّما سرى ... بأنفاس ريّا آخر الليل رياها ومهما أدرنا الكأس باتت جفونها ... من الراح تسقينا الذي قد سقيناها منها: ولو لم يجد يوم الندى في يمينه ... لسائله غير الشبيبة أعطاها فيا ملك الدنيا وسائس (1) أهلها ... سياسة من ساس الأمور وقاساها ومن كلّف الأيام ضدّ طباعها ... وعاين أهوال الخطوب وعاناها عسى نظرة تجلو بقلبي وخاطري ... صداه فإني دائماً أتصدّاها وله: فيا صاحبي سجن الخزانة خليا ... نسيم الصبا ترسل إلى كبدي نفحا وقولا لضوء الصبح هل أنت عائدٌ ... إلى ناظري أم لا أرى بعدها صبحا ولا تأيسا من رحمة الله أن أرى ... سريعاً بفضل الكامل العفو والصفحا فإن تحبساني في التخوم تجبّراً ... فلن تحبسا منّي له الشكر والمدحا ومنه: وما لي إلى ماء سوى النيل غلّةٌ ... ولو أنه أستغفر الله زمزم كان القاضي المهذب، رحمه الله تعالى، لما جرى لأخيه الرشيد ما جرى من

_ (1) ص: وسائر.

اتصاله بصلاح الدين ابن أيوب قبض شاور على المهذب وحبسه، فكتب إليه يستعطفه فلم ينفع فيه، فالتجأ غل ولده الكامل شجاع وكتب إليه أشعاراً كثيرة من جملتها هذه التي قدمناها، فقام بأمره واصطنعه وضمه إليه بعد أن أمر أبوه شاور بصلبه. ومن شعر المهذب: أعلمت حين تجاور الحيّان ... أن القلوب مواقد النّيران وعلمت أن صدورنا قد أصبحت ... في القوم وهي مرابض الغزلان وعيوننا عوض العيون أمدّها ... ما غادروا فيها من الغدران ما الوخد (1) هزّ قناتهم بل هزها ... قلبي لما فيه من الخفقان وتراه يكره أن يرى أظعانهم (2) ... وكأنّما أصبحت في الأظعان (3) ومنه القصيدة التي كتبها إلى الداعي لما قبض على أخيه باليمن يستعطفه على أخيه الرشيد فأطلقه، وهي: يا ربع أين ترى الأحبة يمموا ... هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا نزلوا من العين السواد وإن نأوا ... ومن الفؤاد مكان ما أنا أكتم رحلوا وفي القلب المعنّى بعدهم ... وجدٌ على مرّ الزمان مخيم رحلوا وقد لاح الصباح وإنما ... تسري إذا جنّ الظلام الأنجم وتعوضت بالأنس روحي وحشةً ... لا أوحش الله المنازل منهم إني لأذكركم إذا ما أشرقت ... شمس الضحى من نحوكم فأسلم لا تبعثوا لي في النّسيم تحيّةً ... إني أغار من النسيم عليكم إني امرؤ قد بعت حظي راضياً ... من هذه الدنيا بحظّي منكم

_ (1) ص: الوجد، والتصويب عن الخريدة. (2) ص: أضعانعم. (3) ص: الأضعان.

فسلوت إلاّ عنكم وقنعت إل ... اّ منكم وزهدت إلاّ فيكم ما كان بعد أخي الذي فارقته ... ليبوح إلاّ بالشكاية لي فم هو ذاك لم يملك علاه مالكٌ ... كلاّ ولا وجدي عليه متمم أقوت مغانيه وعطّل ربعه ... ولربما هجر العرين الضيغم ورمت به الأهوال همة ماجدٍ ... كالسيف يمضي غربه ويصمم يا راحلاً بالمجد عنّا والعلا ... أترى يكون لكم علينا مقدم يفديك قومٌ (1) كنت واسط عقدهم ... ما إن لهم مذ غبت شملٌ ينظم جهلوا فظنّوا أن بعدك مغنمٌ ... لمّا رحلت وإنما هو مغرم ولقد أقرّ العين أنّ عداك قد ... هلكوا ببغيهم وأنت مسلّم منها: أقيال بأسٍ خير من حمل القنا ... وملوك قحطان الذين هم هم متواضعين ولو ترى ناديهم ... ما اسطعت (2) من إجلالهم تتكلم وكفاهم شرفاً ومجداً أنّهم ... أن أصبح الداعي المتوج منهم هو بدر تمّ في سماء علائهم ... وبنو أبيه بنو زريعٍ أنجم ملكٌ حماه جنّةٌ لعفاته ... لكنّه للحاسدين جهنّم منها: مع أنّني سيرت فيك شوارداً ... كالدرّ بل أبهى لدى من يفهم تغدو وهوج الذاريات رواكدٌ ... وتبيت تسري والكواكب نوّم

_ (1) ص: قوماً. (2) ص: استطعت.

أبو البدر الإسكافي

120 - (1) أبو البدر الإسكافي الحسن بن علي بن سالم المعمر بن عبد الملك بن باهوج الاسكافي الأصل البغدادي المولد والدار، أبو البدر ابن أبي منصور، أحد الكتاب المتصرفين في خدمة الديوان الإمامي، هو وأبوه، وكان فيه فضل، وله أدب بارع وعربية، ويكتب خطاً حسناً على طريقة ابن مقلة قل نظيره فيه، ولقي المشايخ، وصنف عدة تصانيف في الأدب، وتنقل في الولايات، وصحب أبا محمد ابن الخشاب النحوي مدة، وقرأ عليه، وعلق عنه تعاليق، وحج وجاور بمكة، ثم صار إلى الشام وأقام بحلب مدة، ثم انتقل إلى مصر وسكنها إلى أن مات سنة ست وتسعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. وطول ياقوت ترجمته. ومن شعره: خليليّ هل تشفي من الوجد وقفة ... بخيف منىً والسّامرون هجوع وهل للييلات المحصّب عودةٌ ... وعيشٍ مضى بالمأزمين رجوع وهل سرحة بالسفح من أيمن الصفا ... رعت من عهودي ما أضاع مضيع وهل قوّضت خيمٌ على أبرق الحمى ... وما ذاك من غدر الزمان بديع وهل تردن ماءً بشعب ابن عامرٍ ... حوائم لو يقضى لهنّ شروع وما ذاك إلاّ عارض من طماعةٍ ... له بقلوب العاشقين ولوع وإني متى أعصي التجلد والأسى ... فللشوق منّي والغرام مطيع فيا جيرتي إذ للزمان نضارةٌ ... وعودي نضارٌ والخيام جميع بنعمان والأيّام فينا حميدةٌ ... ووادي الهوى للنازلين مريع

_ (1) الوافي والزركشي: 96 ومعجم الأدباء 9: 70 وفي نسبه ((ناهوج)) وبغية الوعاة: 325، ولم ترد الترجمة في المطبوعة.

الحسن الساسكوتي

كفى حزناً أنّي أبيت وبيننا ... من البيد معروض الفجاج وسيع أعالج نفساً قد تولّى بها الأسى ... وطرفاً (1) يجفّ المزن وهو مريع 121 (2) الحسن الساسكوتي الحسن ابن علي بن حسن بن علي بن كثير بن علي العامري الساسكوتي الحموي الشاعر، توفي بعد الستمائة، رحمه الله تعالى. من شعره: أيروم هذا القلب برء جراحه ... وسيوف لحظك تنتضى لكفاحه يا مستبيح دم المتيّم عامداً ... أنسيت يوم البعث حمل جناحه نظري الذي في الحبّ قد أفسدته ... إفساده في الحبّ عين (3) صلاحه حتام تطرف طرف عيني بالبكا ... وإلام طرفي مولع بطماحه يا ويح مودع سرّه في جفنه ... فلقد أراد الستر من فضّاحه ليت الحبيب غداة أثمر خدّه ... لم يحم عن عيني جنى تفّاحه يا لائم المشتاق يبغي نصحه ... مره بهم لتكون من نصاحه أو فانظر الرشأ الذي خلخاله ... لو شاء صيره مكان وشاحه يفترّ عن شبمٍ تلألأ نوره ... كالروض لاح لديك نور أقاحه ويدير ناظره فيسكرنا فقل ... برشاً ينوب بعينه عن راحه

_ (1) ص: وطرف. (2) الوافي والزركشي: 96. (3) ص: غير.

منها في المديح: ملكٌ إذا رتج العدا أبوابهم ... كانت مفاتحها رؤوس رماحه يرجى ويخشى فالمنية والمنى ... مقرونتان بصفحه وصفاحه سمحٌ لوانّ الغيث كلم قبله ... بشراً لعنفه لفرط سماحه هو بحر جودٍ فابتعد عن لجّه ... لا يغرقنّك وادن من ضحضاحه يعلو وينزل للرعية فضله ... كالطّود يدفع ماءه لبطاحه وقال يمدح زين الدين أتابك: أعن لؤلؤ رطب تبسّمت أم ثغر ... ومن ريقة أسكرتني أم من الخمر وعطفك تيهاً ماس أم خوط بانةٍ ... وطرفك أم هاروت ينفث بالسحر فعنك نهاني لائمي ولو أنه ... يحاول نصحي بدّل النهي بالأمر وها أنذري إن كنت ناذرةً دمي ... لديك ويا شوقي إلى ذلك النذر وإنّي لأهوى أن تبوئي بقتلتي ... ليبعثني خصماً لك الله في الحشر وقال أيضاً بهجو عروضياً نحوياً: لا تنكروا ما ادّعى فلان من ال ... شعر إذا قيل إنّه شاعر فالنحو ثمّ العروض قد شهدا ... له على الشّعر أنّه قادر يقصر ممدوده ويرفعه ... في الجر نصب الغرمول في الآخر يريك وهو البسيط دائرةً ... تجمع بين الطويل والوافر وقال في طراة فيروز (1) أخضر: أنا أرضٌ تغار منّي السّماء ... إذ يطاني بأخمصيه البهاء فاض من كفه المنى فاستدارت ... في حواشيه روضةٌ غنّاء وقال وقد ناوله مليح خاتماً فصّه عقيق ولوزاته فضة:

_ (1) ص: بيروز.

بدر الدين ابن هود

وأهيفٍ ناولني خاتماً ... فخلته ناولني فاه كأنما الفصّ ولوزاتهم ... لسانه بين ثناياه وفضل فيه أنه خاتم ... من فضةٍ صيّاغه الله 122 (1) بدر الدين ابن هود الحسن بن علي بن عضد الدولة أبي الحسن، أخي المتوكل على الله ملك الأندلس ابن يوسف بن هود الجذامي. قال الشيخ أثير الدين: رأيته بمكة وجالسته، وكان يظهر منه الحضور مع من يكلمه، ثم لا تظهر الغيبة منه، وكان يلبس نوعاً من الثياب مما لم يعهد لبس مثله بهذي البلاد، وكان يذكر أنه يعرف شيئاً (2) من علوم الأوائل، وكان له شعر منه: خضت الدجنّة حتى لاح لي قبس ... وبان بان الحمي من ذلك القبس فقلت للقوم هذا الربع ربعهم ... وقلت للسمع لا تخلو من الحرس وقلت للعين غضّي عن محاسنه ... وقلت للنطق هذا موضع الخرس وقال الشيخ شمس الدين: هو الشيخ الزاهد الكبير أبو علي بن هود، المرسي، أحد الكبار في التصوف على طريقة الوحدة؛ مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمرسية، وكان أبوه نائب السلطنة بها، حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا، وسكرة عن ذاته وغفلة عن نفسه، فسافر وترك الحشمة، وصحب ابن سبعين واشتغل بالطب والحكمة وزهديات الصوفية (3) ، وخلط هذا بهذا، وحج

_ (1) الوافي والزركشي: 97 والشذرات 5: 446 (وفيات سنة 699) وكذلك عبر الذهبي 5: 397: حسن بن علي بن يوسف بن هود. (2) ص: شيء. (3) ص: الصوفة.

ودخل اليمن وقدم الشام. وكان ذا هيبة ووقار وشيبة (1) وسكون وفنون، وتلامذة وزبون، وكان على راسه قبع كشف (2) ، وعلى جسده دلق (3) ؛ كان غارقاً في الفكرة عديم اللذة متواصل الأحزان، فيه انقباض عن الناس، وحمل مرة إلى والي البلد وهو سكران، أخذوه من حارة اليهود، فأحسن الوالي به الظن وأطلقه وقال: سقاه اليهود خبثاً منهم ليغضوا عنه (4) بذلك، وكان قد نالهم منه أذى، وأسلم على يده جماعة: منهم سعيد وبركات. وكان يحب الكوارع المغمومة (5) ، فدعوه إلى بيت واحد منهم وقدموا له ذلك، فأكل ثم غاب ذهولاً على عادته، فأحضروا الخمر فلم ينكر حضورها، فأداروها ثم ناولوه منها قدحاً، فاستعمله تشبيهاً بهم، فلما سكر أخرجوه على تلك الحال، وبلغ الخبر الوالي فركب وحضر إليه وأردفه خلفه، وبقي الناس خلفه يتعجبون من أمره، وهو يقول لهم بعد كل فترة أي وايش قد جرى؟! ابن هود يشرب العقار؟ يعقد القاف كافاً في كلامه. وكان يشتغل اليهود عليه في كتاب الدلالة وهو مصنف في أصول دينهم للريس موسى (6) . قال الشيخ شمس الدين: قال شيخنا عماد الدين الواسطي: أتيت إليه وقلت له: أريد أن تسلكني، فقال: من أي الطرق؟ من الموسوية أو العيسوية أو المحمدية؟ وكان إذ طلعت الشمس يستقبلها ويصلب على وجهه. وصحبه العفيف عمران الطبيب والشيخ سعيد المغربي وغيرهما، ولا صلى

_ (1) ص: وشبه. (2) القبع: غطاء الرأس (ملحق دوزي) ، ولم يتضح لي معنى قوله ((كشف)) وفي الشذرات: قبع لباد. (3) الدلق: فروة أو ثوب يتميز بلبسه المتصوفة. (4) كذا في ص، والصواب ((منه)) . (5) في محيط المحيط أن ((الغمة)) هي الرأس، وهي لفظة ما تزال تستعمل في لبنان للدلالة على أكلة الموارع والرأس وما يلحق بها. (6) يعني موسى بن ميمون وكتابه هو ((دلالة الحائرين)) ؛ وسيترجم الكتبي له.

عليه قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، ودفن بسفح قاسيون سنة تسع وتسعين وستمائة. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي (1) : كان بعض الأيام يقول لتلميذه سعيد: أرني فاعد النهار، فيأخذه بيده ويصعد إلى سطح فيقف باهتاً إلى الشمس نصف نهار (2) ، وكان يمشي في الجامع باهت الطرف ذاهل العقل، وهو رافع إصبعه السبابة كالمتشهد، وكان يوضع في يده الجمر فيقبض عليه ذهولاً عنه، فإذا أحرقه رجع إلى حسه وألقاه من يده، وكان تحفر له الحفر في طريقه فيقع فيها ذهولا وغيبة. ومن شعره عفا الله عنه وتجاوز: فؤادي من محبوب قلبي لا يخلو ... وسري على فكري محاسنه يجلو ألا يا حبيب القلب يا من بذكره ... على ظاهري من باطني شاهد عدل تجلّيت لي مني عليّ فأصبحت ... صفاتي تنادي: ما لمحبوبنا مثل أورّي بذكر الجزع عنه وبانةٍ ... ولا البان مطلوبي ولا قصدي الرمل وأذكر سعدى في حديثي مغالطاً ... بليلى ولا ليلى مرادي ولا جمل ولم أر في العشاق مثلي لأنّني ... تلذ لي البلوى ويحلو لي العذل سوى معشرٍ حلّوا النظام ومزقوا الثي ... اب فلا فرضٌ عليهم ولا نفل مجانين إلاّ ذلّ جنونهم ... عزيزٌ على أعتابهم يسجد العقل وله قصيدة أولها: علم قومي بي جهل ... إنّ شاني لأجلّ منها: أنا عبدٌ أنا ربّ ... أنا عزّ أنا ذل

_ (1) كرر هنا في ص لفظة ((قال)) . (2) نصف نهار: مكررة في ص.

بدر الدين ابن المحدث

أنا دنيا أنا أخرى ... أنا بعضٌ أنا كلّ أنا معشوقٌ لذاتي ... لست عني الدهر أسلو فوق عشر دون تسعٍ ... بين خمسٍ لي يحلّ وهي طويلة جداً. والله أعلم بحاله. 123 - (1) بدر الدين ابن المحدث الحسن بن علي، الشيخ بدر الدين ابن المحدث، الكاتب المجود؛ كان فاضلاً ينظم وينثر، وله كتاب برا باب الجابية بدمشق، وكان يكتب العصر بالأمينية، كتب عليه جماعة، وكتب هو على الشيخ نجم الدين ابن البصيص. توفي في سنة اثنتين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وقد ناهز السبعين. كان الملك الأوحد له معه صحبة، فتحدث له مع الأفرم أن يدخل ديوان الإنشاء بدمشق، فرسم له بذلك فأبى فلامه الملك الأوحد على ترك ذلك، فقال: أنا إذا دخلت إلى الديوان ما يرتب لي أكثر من خمس الدراهم (2) كل يوم، وما يجلسوني فوق بني فضل الله، ولا بني القلانسي، ولا بني القيسراني، ولا فوق بني غانم، وما يجلسوني إلا دونهم، ولو تكلمت قالوا: ابصر المصفعة واحد كان فقيه كتاب يريد يقعد فوق السادة الموقعين، وإن جا سفر ما يخرجون غيري، وإن تكلمت قالوا: ابصر المصفعة قال يحتشم على السفر في ركاب

_ (1) الزركشي: 100 والدرر الكامنة 2: 109 ((الحسن بن علي بن محمد بن عدنان بن شجاع الحمداني)) . (2) كذا في ص، وقد أبقيت كل ما هو خارج عن حكم الأعراب على حالة هذه الترجمة.

أبو الجوائز الواسطي

ملك الأمراء، وها أنا كل يوم أحصل من المكتب الثلاثون درهماً والأكثر والأقل، وأنا كبير هذه الصناعة، وأحكم في أولاد الرؤسا والمحتشمين. ومن شعره في فرحة بنت المخايلة المغنية: ما فرحتي إلاّ إذا واصلت ... فرحة بين الكسّ والكاس لا أن أراها وهي في مجلسٍ ... ما بين طبّاخٍ وهرّاس ومن شعره: وقد عنفوني في هواه بقولهم ... ستطلع منه الدقن (1) فاصبر على الحزن فقلت لهم: كفوا فإنّي واقع ... وحقكم بالوجد فيه إلى الدقن 124 (2) أبو الجوائز الواسطي الحسن ابن علي بن محمد الكاتب، أبو الجوائز الواسطي؛ أقام ببغداد زمناً طويلاً، وذكره الخطيب في تاريخه (3) وقال: علقت عنه أخباراً وحكايات وأناشيد وأمالي عن ابن سكرة الهاشمي وغيره، ولم يكن ثقة، فإنه ذكر لي أنه سمع من ابن سكرة وكان يصغر عن ذلك، وكان أديباً شاعراً. ومن شعره: دع الناس طرّاً واصرف الودّ عنهم ... إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح ولا تبغ من دهرٍ تظاهر رنقه ... صفاء بنيه فالطباع جوامح وشيئان معدومان في الأرض: درهمٌ ... حلالٌ، وخلٌّ (4) في المودّة ناصح

_ (1) أبقيتها كما هي في ص. (2) وفيات الأعيان 2: 111 وتبدو الترجمة وكأنها ملخصة عن ابن خلكان. (3) تاريخ بغداد 7: 393. (4) ص: وخلا.

أبو العالية الشامي

ومن شعره: يا خجلتي من قولها ... خان عهودي ولها وحقّ من صيّرني ... وقفاً عليها ولها ما خطرت بخاطري ... إلاّ كستني ولها وقال أيضاً: براني الهوى بري المدى وأذابني ... صدودك حتى صرت أنحل من أمس فلست أرى حتى أراك وإنّما ... بين هباء الذرّ في ألق الشمس وكانت وفاته في سنة ستين وأربعمائة، رحمه الله 125 - (1) أبو العالية الشامي الحسن بن مالك، أبو العالية الشامي، مولى للعميين وبنو العم: قوم من فارس نزلوا البصرة في بني تميم أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وغزوا مع المسلمين فحمدوا بلاءهم وقالوا لهم: انتم وإن تكونوا من العرب إخواننا وأهلنا، وأنتم الأنصار وبنو العم، فلقبوا بذلك. ونزل أبو العالية البصرة ثم قدم بغداد، فأدب العباس ابن المأمون وكان أديباً شاعراً راوية من أصحاب الأصمعي، وكان إذا جالس الأصمعي أو غيره وتكلم معه انتصف منه وزاد عليه. ومن شعره: ولو أنني أعطيت من دهري المنى ... وما كل من يعطى المنى بمسدّد

_ (1) ذكره ابن خلكان مرتين مرة باسم الحسن (3: 176) ومرة باسم (أحمد 7: 243) وله ترجمة في الوافي للصفدي.

ابن الخل الشاعر

لقلت لأيّامٍ مضين ألا ارجعي ... وقلت لأيّام أتين ألا ابعدي حدث المبرد قال، قال الجماز لأبي العالية: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت على غير ما يحب الله وغير ما أحب أنا وغير ما يحب إبليس؛ لأن الله عز وجل يحب أن أطيعه ولا أعصيه ولست كذلك، وأنا أحب أن أكون على غاية الجدة والثروة ولست كذلك، وإبليس يحب أن أكون منهمكاً في المعاصي واللذات ولست كذلك. ومن شعره أيضاً: أذم بغداد والمقام بها ... من بعد ما خبرة وتجريب ما عند سكّانها لمختبطٍ ... رفد ولا فرجةٌ لمكروب قومٌ مواعيدهم مطرزة ... بزخرف القول والأكاذيب خلوا سبيل العلى لغيرهم ... ونازعوا في الفسوق والحوب يحتاج راجي النوال عندهم ... إلى ثلاثٍ من غير تكذيب كنوز قارون أن تكون له ... وعمر نوحٍ وصبر أيّوب وكانت وفاته بعد الأربعين والمائتين، رحمه الله تعالى وعفا عنه. 126 - (1) ابن الخل الشاعر الحسن بن المبارك بن محمد بن الخل الفقيه أبو الحسين الشاعر أخو أبي (2) الحسن

_ (1) قد ترجم فيما مضى لمن اسمه ((أحمد بن المبارك)) أخي ابن الخل الفقيه (انظر رقم: 43) وذكر أن وفاته كانت سنة 552 أيضاً، ومعنى ذلك أن اللبس في الاسم (بين حسن وأحمد) جعل الكتبي يترجم له مرتين وكذلك فعل الصفدي، وانظر الوافي والزركشي: 97. (2) ص: ابو.

محمد ابن الخل الفقيه؛ كان شاعراً ظريفاً رشيق القول مليح المعاني، مدح وهجا وتنوع في قول الشعر، وقال الذوبيت. قال محب الدين ابن النجار: روى شعره أبو بكر ابن كامل الخفاف وأبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله الدمشقي في معجم شيوخهما، وكلهم سماه الحسن، وسماه ابن السمعاني أحمد، ورأيت بخطه وكتب الحسن. وتوفي فجأة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة. ومن شعره رحمه الله: روّحا روحي براح ... عوض الماء القراح وادركاني بالأغاني ... قبل إدراك الصباح فهو يومٌ قد بدت في ... هـ أمارات الفلاح يوم لهوٍ وفنونٍ ... من محونٍ ومزاح سيّما والغيم قد أق ... بل من كلّ النّواحي واستغاث الماء في دج ... لة من جور الرّياح ودعا عذلكما لي ... في فسادي أو صلاحي ففساد العقل أن أب ... صر في ذا اليوم صاحي وقال أيضاً: زار طيف الخيال نضو خيال ... زورةً ما تموهت بالوصال غير أنّ المحبّ يرضى بطيفٍ ... أو بوعدٍ منغّصٍ بمطال وعلى أنّه يسرّ ولكن ... حين يسري عنّي يزيد خبالي (1) آه من قلة التجلّد والصب ... ر وويلي من كثرة العذال وبنفسي ذاك الغزال وحاشا ... حسنه أن أقيسه بالغزال والبديع الذي إذا بلبل الأص ... داغ أعدى القلوب بالبلبال

_ (1) ص: خيالي.

الوزير المهلبي

ومحيّاه كالهلال إذا أق ... مر في تمه ولا كالهلال وقال أيضاً: قلت لها لا تقتلي مدنفاً ... هواك قد هيّج بلباله ما زال يرجو منك وصلاً إلى ... أن قطع الهجران أوصاله فابتسمت تيهاً وقالت وكم ... قد قتلت عيناي أمثاله 127 (1) الوزير المهلبي الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون، أبو محمد الوزير المهلبي، من ولد المهلب ابن أبي صفرة؛ كان كاتب معز الدولة ابن بويه، ولما مات الصيرمي قلده معز الدولة الوزارة مكانه سنة تسع وثلاثين وثلثمائة، وقربه وأدناه واختص به وعظم جاهه عنده، وكان يدبر أمر الوزارة للمطيع من غير تسمية الوزارة، ثم جددت له الخلع من دار الخلافة بالسواد والسيف والمنطقة، ولقبه المطيع بالوزارة، ودبر الدولتين. وكان ظريفاً نظيفاً (2) ، قد أخذ من الأدب بحظ وافر، وله همة كبيرة وصدر واسع، وكان جماعاً لخلال الرياسة صبوراً على الشدائد. وكان أبو الفرج الأصبهاني وسخاً في ثوبه ونفسه وفعله، فواكل الوزير المهلبي على مائدة، وقدمت سكباجة وافقت من أبي الفرج سعلة، فندرت من

_ (1) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان 2: 124 وانظر المنتظم 7: 9 واليتيمة 2: 224 ومعجم الأدباء 9: 118 والشذرات 3: 9؛ وهذه الترجمة ليست من المستدرك على ابن خلكان. (2) ص: نضيفاً.

فمه قطعة بلغم وقعت في وسط الصحن، فقال المهلبي: ارفعوا هذا وهاتوا من هذا اللون في غير هذا الصحن، ولم يبن في وجهه استكراه، ولا دال أبا الفرج حياء ولا انقباض. وكان من ظرف (1) الوزير المهلبي إذا أراد أكل شيء من أرز بلبن وهرايس وحلوى دقيق وقف إلى جانبه الأيمن غلام معه نحو من ثلاثين ملعقة زجاجاً مجروداً، فيأخذ الملعقة من الغلام الذي على يمينه ويأكل بها لقمة واحدة ثم يدفعها إلى الغلام الذي على يساره لئلا يعيد الملعقة إلى فيه مرة ثانية. ولما كثر على الوزير استمرار ما يجري من أبي الفرج جعل له مائدتين إحداهما كبيرة عامة، والأخرى لطيفة خاصة يواكله عليها من يدعوه إليها. وعلى صنعه بأبي الفرج ما كان يصنعه ما خلا من هجوه، فإن أبا (2) الفرج قال: أبعين مفتقر إليك نظرتني ... فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم أنا الملوك لأنّني ... أنزلت آمالي بغير الخالق ويروى هذان البيتان (3) للمتنبي، رواهما (4) له تاج الدين الكندي، والله أعلم لمن هما. وكان قبل وزارته قد سافر مرة ولقي في سفره مشقة شديدة، واشتهى اللحم فلم يقدر عليه، وكان معه رفيق يقال له أبو عبد الله الصوفي، فقال المهلبي ارتجالاً: ألا موتٌ يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه

_ (1) ص: طرف. (2) ص: أبو. (3) ص: هذين البيتين. (4) ص: رواها.

إذا أبصرت قبراً من بعيدٍ ... وددت لو انّني ممّا يليه ألا موت لذيذ الطعم يأتي ... يخلّصني من الموت الكريه إلاّ رحم المهيمن نفس حرٍّ ... تصدق بالوفاة على أخيه فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما (1) وطبخه وأطعمه، وتفارقا، وتنقلت الأحوال بالمهلبي وولي الوزارة، وضاقت الأحوال برفيقه الصوفي، فقصده وكتب إليه: ألا قل للوزير فدته نفسي ... مقال مذكّر ما قد نسيه أتذكر إذ تقول لضيق عيشٍ ... ألا موت يباع فأشتريه فلما قرأ الأبيات تذكره، وأمر له في الحال بسبعمائة درهم، ووقع له في رقعته " مَثَلُ الّذينَ يُنفِقُونَ أموالهمْ في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبّة " البقرة ثم دعا به وخلع عليه وقلده عملاً يليق به. ولما ترقت به الحال قال: رقّ الزمان لفاقتي ... رثى لطول تقلقي فأنالني ما أرتجي ... هـ وحاد عمّا أتقي فلأصفحن عمّا جناه ... من الذّنوب السّبّق حتى جنايته بما ... فعل المشيب بمفرقي ومن شعره: قال لي من أُحبّ والبين قد ج ... دّ وفي مهجتي لهيب الحريق ما الذي في الطريق تصنع بعدي؟ ... قلت أبكي عليك طول الطريق

_ (1) ص: لحم.

قال أبو إسحاق الصابي: كنت يوماً عند الوزير المهلبي، فأخذ ورقة وكتب فيها، فقلت بديهاً: له يدٌ أبدعت (1) جوداً بنائلها ... ومنطقٌ دره في الطّرس ينتثر فحاتم كامنٌ في بطن راحته ... وفي أناملها سحبان يستتر ومن شعره: الجود طبعي ولكن ليس لي مال ... وكيف يصنع من بالقرض يحتال فهاك خطي فخذه معك تذكرةً ... إلى اتّساعٍ فلي في الغيب آمال (2) ومنه: أتاني في قميص اللاذ يسعى ... عدوٌّ لي يلقّب بالحبيب فقلت له فديتك كيف هذا ... بلا واشٍ أتيت ولا رقيب فقال الشمس أهدت لي قميصاً ... كلون الشمس في شفق الغروب فثوبي والمدام ولون خدي ... قريبٌ من قريبٍ من قريب ومنه: تطوى بأوتارها الهموم كما ... يطوى دجى اللّيل بالمصابيح ثمّ تغنّت فخلتها سمحت ... بروحها خلعةً على روحي كان أبو النجيب شداد بن إبراهيم الجزري الواعظ الملقّب بالظاهر (3) كثير الملازمة للوزير المهلبي، فاتفق أن غسل ثيابه، فأنفذ الوزير يدعوه فاعتذر، فلم يقبل، وألح في استدعائه، فكتب إليه: عبدك تحت الحبل عريان ... كأنه لا كان شيطان يغسل أثواباً كأن البلى ... فيها خليط وهي أوطان

_ (1) ص: ابرعت. (2) بهامش ص نصويب: فهاك خطي إلى أيام ميسرتي: ديناً عليّ ... (3) سيترجم له المؤلف، انظر رقم: 163.

ابن كسرى المالقي

أرقّ من ديني وإن كان لي ... دين كما للناس أديان كأنها حالي من قبل أن ... يصبح عندي لك إحسان يقول من يبصرني معرضاً ... فيها وللأقوال برهان هذا الذي قد نسجت فوقه ... عناكب الحيطان إنسان فأنفذ إليه جبة وقميصاً وعمامة وسراويل وخمسمائة درهم، وقال: أنفذت إليك ما تلبسه، ومتا تدفعه إلى خياط، فإن كنت غسلت التكة واللالكة (1) عرفني لأنفذ لك عوضهما. ومن شعر الوزير المهلبي: تصارمت الأجفان لما هجرتني ... فما تلتقي إلاّ على (2) عبرة تجري وطول ياقوت ترجمته. وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة، بطريق واسط، وحمل إلى بغداد، رحمه الله تعالى. 128 - (3) ابن كسرى المالقي الحسن بن محمد بن علي الأنصاري، أبو علي المالقي المعروف بابن كسرى؛ قال ابن الأبار في تحفة القادم (4) ؛ توفي سنة أربع وستمائة، رحمه الله. ومن

_ (1) اللالكة: نوع من النعال، وتكتب أحياناً ((لا لجة)) . (2) بهامش ص: صوابه: إلا وعبرتها تجري. (3) التكلمة: 264 وانظر نفح الطيب 3: 399 حيث ورد اسمه ((ابن كسرين)) . وبغية الوعاة: 229 والزركشي 1: 98. (4) التحفة: 91.

أبو الفضائل الصاغاني

شعره في طفل قبله فاحمرت وجنته: وا بأبي رائق الشباب ويا (1) ... بهجة خدّيه ما أُميلحها كأنّني عندما أقبلها ... أنفخ في وردةٍ لأفتحها وقال: وخالق بنقصانٍ جميع الورى تسد ... فيا سوء ما تلقاه إن كنت فاضلا ألم تر أنّ البدر يرقب ناقصا ... ويترك منسيّاً إذا كان كاملا وقال في ابن خلدون: يا شاعراً يتسامى ... وجدّه خلدون لم يكف أنك خلٌّ ... حتى بأنك دون 129 (2) أبو الفضائل الصاغاني الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي، العلامة رضي الدين أبو الفضائل القرشي العدوي العمري، المحدث الفقيه الحنفي اللغوي النحوي الصاغاني؛ وصاغان من بلاد ما وراء النهر. قال ياقوت: قدم العراق وحج، ثم دخل اليمن ونفق له بها سوق، وله تصانيف في الأدب منها تكملة العزيزي وكتاب في التصريف ومناسك الحج

_ (1) في ص: دنا، وقد صوبت في الخامش بخط مختلف. (2) معجم الأدباء 9: 189 وبغية الوعاة: 229 والشذرات 5: 250 (وفيات سنة 650) وعبر الذهبي 5: 205 والنجوم الزاهرة 7: 26 والوافي للصفدي؛ ومعظم هذه الترجمة لم يرد في المطبوعة.

ختمه بأبيات قالها وهي: شوقي إلى الكعبة الغرّاء قد زادا ... فاستحمل القلص الوخّادة الزادا أراقك الحنظل العاميّ منتجعاً ... وغيرك انتجع السعدان وارتادا أتعبت سرحك حتى آض عن كثبٍ ... نيافها رزّحاً والصعب منقادا فاقطع علائق ما ترجوه من نسبٍ ... واستودع الله أموالاً وأولادا وكان يقرأ عليه بعدن معالم السنن للخطابي، وكان معجباً به وبكلام مصنفه. ويقول: إن الخطابي جمع لهذا الكتاب جراميزه (1) . وقال لأصحابه: احفظوا غريب أبي عبيد القاسم بن سلام، فمن حفظه ملك ألف دينار، فإني حفظته فملكتها، وأشرت على بعض أصحابي بحفظه فحفظه وملكها. قال ياقوت: وفي سنة ثلاث عشرة (2) وستمائة كان بمكة، وقد رجع من اليمن، وهو آخر العهد به. وقال الشيخ شمس الدين في حقه: هو صاحب التصانيف، ولد بمدينة لوهور سنة سبع وسبعين وخمسمائة، ونشأ بغزنة، ودخل بغداد سنة خمس عشرة وستمائة، وذهب منها بالرسالة الشريفة إلى ملك الهند سنة سبع عشرة (3) وأقام بها مدة، ثم رجع وقدم سنة أربع وعشرين، ثم أعيد إليها بالرسالة، ثم رجع إلى بغداد سنة سبع وثلاثين، وسمع بمكة واليمن والهند وببغداد، وكان إليه المنتهى في علم اللغة ومعرفة اللسان العربي، صنف كتاب مجمع البحرين في اللغة اثنا عشر مجلد، والعباب الزاخر عشرين مجلد، ولم يكمل، رأيته بدمشق بخطه، وأبيع في سوق الكتب، وله كتاب الشوارد في اللغات وكتاب توشيح الدريدية وكتاب التراكيب وكتاب فعال وكتاب فعلان

_ (1) جمع جراميزاه كناية عن الاستعداد والتشمير. (2) ص: ثلثة عشر. (3) ص: سبعة عشر.

وكتاب الانفعال وكتاب يفعول (1) وكتاب الأضداد وكتاب العروض وكتاب أسماء العادة وكتاب أسماء الأسد وأسماء الذئب وكتاب في علم الحديث ومشارق الأنوار في الجمع بين الصحيحين ومصباح الدجى والشمس المنيرة وشرح البخاري في مجلد ودر السحابة في وفيات الصحابة وكتاب الضعفاء والفرائض وشرح أبيات المفصل وغير ذلك. قال الدمياطي: كان شيخاً صالحاً صموتاً عن فضول الكلام، صدوقاً في الحديث، إماماً في اللغة والفقه والحديث، قرأت عليه وحضرت دفنه بداره بالحريم الظاهري ثم نقل بعد خروجي من بغداد إلى مكة ودفن بها، وكان قد أوصى بذلك، وأعد خمسين ديناراً لمن يحمله. وتوفي سنة خمسين وستمائة (2) . قال العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي: حكى لي الشيخ شرف الدين الدمياطي أن الصاغاني كان معه ولد، وقد حكم فيه بموته في وقت، وكان يترقب ذلك الوقت، فحضر ذلك اليوم وهو معافى قائم ليس به علة، فعمل لأصحابه وتلامذته طعاماً شكران ذلك، وفارقناه، وعديت الشط فلقيني من أخبرني بموته، فقلت له: الساعة فارقته، فقال: والساعة وقع الحمام بخبر موته فجأة، أو كما قال، رحمه الله تعالى، وعفا عنه وعنا وعن جميع المسلمين بمنه وكرمه.

_ (1) نشره الدكتور إبراهيم السامرائي بمجلة كلية الآداب بجامعة البصرة (العدد الخامس) وصدره بمقدمة عن الصاغاني ومؤلفاته. (2) ص: وثلثمائة، وهو سهو حتماً، وقد صوب في الحاشية بخط مختلف.

أبو علي السهواجي

130 - (1) أبو علي السهواجي الحسن ابن محمد السهواجي أبو علي؛ قال ياقوت: أديب شاعر لبيب مشهور مذكور، وسهواج من قرى مصر، صنف كتاب القوافي. وتوفي بمصر سنة أربعمائة، رحمه الله؛ ومن شعره: وقد كنت أخشى الحبّ لو كان نافعي ... من الحبّ أن أخشاه قبل وقوعه كما حذر الإنسان من نوم عينه ... ونام ولم يشعر أوان هجوعه ومنه: قوم كرامٌ إذا سلوا سيوفهم ... في الرّوع لم يغمدوها في سوى المهج إذا دجا الخطب أو ضاقت مذاهبه ... وجدت عندهم ما شئت من فرج ومنه: كرام المساعي في اكتساب محامدٍ ... وأهدى إلى طرق المعالي من القطا وأبوابهم معمورةٌ بعفاتهم ... وأيديهم ما تستريح من العطا ومنه: ذكرت إلفها فحنّت إليه ... فبكينا من الفراق جميعا

_ (1) معجم الأدباء 10: 160 وفيه ((الحسين)) ؛ والزركشي: 98 والوافي للصفدي، ونسبته بالشين في ص.

العز الإربلي الضرير

131 - (1) العز الإربلي الضرير الحسن بن محمد بن أحمد بن نجا الإربلي، الفيلسوف عز الدين الضرير؛ كان بارعاً في العربية والأدب، رأساً في علوم الأوائل، وكان بمنزله بدمشق منقطعاً، ويقرىء المسلمين وأهل الكتاب والفلاسفة، وله حرمة وافرة، وكان يهين الرؤساء وأولادهم بالقول، وكان مخلاً بالصلوات يبدو منه ما يشعر بانحلاله، وكان يصرح بتفضيل علي على أبي بكر، وكان حسن المناظرة، له شعر خبيث الهجو، روى عنه من شعره وأدبه الدمياطي وابن أبي الهيجا، وتوفي سنة ستين وستمائة. ولما قدم القاضي شمس الدين بن خلكان ذهب إليه فلم يحتفل به، فأهمله القاضي وتركه. قال عز الدين بن أبي الهيجا: لازمت العز الضرير يوم موته، فقال: هذه البنية قد تحللت، وما بقي يرجى بقاؤها. واشتهى أرز بلبن فعمل له وأكل منه، فلما أحس بشروع خروج الروح منه قال: قد خرجت الروح من رجلي ثم قال: قد وصلت إلى صدري، فلما أراد المفارقة بالكلية تلا هذه الآية " ألا يعلمُ مَنْ خلق وهو اللطيفُ الخبير " الملك ثم قال: صدق الله العظيم، وكذب ابن سينا، ثم مات في ربيع الآخر، ودفن بسفح قاسيون، ومولده بنصيبين سنة ست وثمانين وخمسمائة. قال الشيخ شمس الدين: وكان قذراً زري الشكل قبيح المنظر، لا يتوقى

_ (1) الوافي والزركشي: 98 ونكت الهميان: 142 والشذرات 5: 301 (حسين) وعبر الذهبي 5: 259 وذيل الروضتين: 216 وذيل مرآة الزمان 2: 165.

النجاسات، ابتلي مع العمى بقروح وطلوعات، وكان ذكياً جيد الذهن. ومن شعره ذوبيت: لو كان لي الصبر من الأنصار ... ما كان عليك هتكت أستاري ما ضرّك يا أسمر لو بتّ لنا ... في دهرك ليلةً من السّمّار ومنه: لو ينصرني على هواه صبري ... ما كنت ألذ فيه هتك السّتر حرّمت على السمع سوى ذكرهم ... ما لي سمرٌ سوى حديث السّمر ومن شعره في العماد ابن أبي زهران: تعمّم بالطرف من طرفه ... وقام خطيباً لندمانه وقال السلام على من زنى ... ولاط وقاد لإخوانه فردوا جميعاً عليه السلام ... وكلٌّ يترجم عن شانه وقال يجوز التداوي بها ... وكلّ عليل بأشجانه وله فيه، وقد تلقب بالعماد وكان يلقب أولاً بالشجاع: شجاع الدين عمّدتا ... فهلاّ كنت شمّستا خطيباً قمت سكرانا ... وبالزّكرة عمّمنا وقال: توهم واشينا بليلٍ مزاره ... فهمّ ليسعى بيننا بالتباعد فعانقته حتى اتحدنا تعانقاً ... فلما أتانا ما رأى غير واحد قال قاضي القضاة كمال الدين ابن العديم لما سمع هذين البيتين: مسكه مسكة أعمى. وهذا المعنى تداوله الشعراء ولهجوا به، قال سيف الدين المشد:

ولمّا زار من أهواه ليلاً ... وخفنا أن يلمّ بنا مراقب تعانقنا لأخفيه فصرنا ... كأنّا واحد في عقد كاتب وقال خالد الكاتب (1) : كأنني عانقت ريحانة ... تنفست في ليلها البارد فلو ترانا في قميص الدجى ... حسبتنا في جسدٍ واحد وقال نفطويه النحوي: ولمّا التقينا بعد بعدٍ بمجلسٍ ... نغازل فيه أعين النرجس الغضّ جعلت اعتمادي ضمّه وعناقه ... فلم نفترق حتى توهمته بعضي وقال غرس الدين أبو بكر الإربلي: همّ الرقيب ليسعى في تفرقنا ... ليلاً وقد بات من أهواه معتنقي عانقته فاتّحدنا والرقيب أتى ... فمذ رأى واحداً ولّى على حنق ومن شعر العز الإربلي ذوبيت: إن أجف تكلّفاً وفى لي طبعا ... أو خنت عهوده عهودي يرعى يبغي لي في ذاك دوام الأسر ... هذا ضررٌ يحسبه لي نفعا ومنه: وكاعبٍ قالت لأترابها ... يا قوم ما أعجب هذا الضرير هل تعشق العينان (2) ما لا ترى ... فقلت والدمع بعيني غزير إن كان طرفي لا يرى شخصها ... فإنها قد صوّرت في الضمير وقال:

_ (1) لم يرد البيتان في المطبوعة. (2) ص: العينين.

ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى ... وتغيّرت أحواله وتنكّرا وسلوت حتى لو سرى من نحوكم ... طيفٌ لما حياه طيفي في الكرى وقال (1) : قم يا نديم إلى الإبريق والقدح ... هات الثلاث وسل ما شئت واقترح وغنّ إن غادرتني الكاس مطّرحاً ... وأنت يا صاح صاحٍ غير مطّرح عليك سقي ثلاث غير مازجها ... وما عليك إذن منّي ومن فرحي إني لأفهم في الأوتار ترجمةً ... ما ليس تفهمه النسّاك في السبح وقال: قالوا عشقت وأنت أعمى ... ظبياً كحيل الطرف ألمى وحلاه ما عاينتها ... فتقول قد شغفتك وهما وخياله بك في المنا ... م فما أطاف ولا ألمّا من أين أرسل للفؤا ... د ولم تراه العين سهما فأجبت: إني موسويّ ... العشق إنصاتاً وفهما أهوى بجارحة السّما ... ع ولا أرى ذات المسمّى وشعر العز الإربلي كله جيد، عفا الله عنه. 132 - (2) قوام الدين ابن الطراح الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الكريم ابن أبي سعيد الصاحب قوام الدين

_ (1) لم ترد هذه الأبيات في المطبوعة. (2) الوافي والزركشي: 99.

ابن الطراح؛ قال أثير الدين: هو من بيت رياسة وحشمة وعلم وحديث، وله معرفة بنحو ولغة ونجوم وحساب وأدب وغير ذلك، وكان فيه تشيع يسير، وكان حسن الصحبة والمحاورة، وكان لأخيه فخر الدين المظفر بن محمد تقدم عند التتار؛ قدم علينا قوام الدين إلى القاهرة ثم سافر إلى الشام، ثم كر منها راجعاً إلى العراق مع غازان وكنت سألته أن يوجه لي شيئاً من أخباره وشيئاً من شعره، فوجه إلي بذلك، وكتب لي من شعره بخطه: غدير دمعي في الخدّ يطّرد ... ونار وجدي في القلب تتّقد ومهجةٌ في هواك أتلفها ال ... شوق وقلبٌ أودى به الكمد وعدك لا ينقضي له أمدٌ ... ولا الليل المطال منك غد ومنه: لقد جمعت في وجهه لمحبّه ... بدائع لم يجمعن في الشمس والبدر حبابٌ وخمر في عقيقٍ ونرجسٍ ... وآسٌ وريحان وليل على فجر وقال: كتب إلي أخي أبو محمد المظفر يعاتبني على انقطاعي عنه، وهو الذي رباني وكفلني (1) بعد الوالد، فقال: لو كنت يا بن أخي حفظت إخائي ... ما طبت نفساً ساعةً بجفائي وحفظتني حفظ الخليل خليله ... ورعيت لي عهدي وحسن وفائي خلّفتني قلق المضاجع ساهراً ... أرعى الدجى وكواكب الجوزاء ما كان ظني أن تحاول هجرتي ... أو أن يكون البعد منك جزائي فكتبت إليه الجواب: إن غبت عنك فإن ودي حاضرٌ (2) ... رهنٌ بمحض محبتي وولائي

_ (1) ص: وكلفني. (2) ص: حاظر.

الحسن بن وهب

ما غبت عنك لهجرةٍ تعتدها ... ذنباً عليّ ولا لضعف وفائي لكنني لمّا رأيت يد النوى ... ترمي الجميع بفرقة وتنائي أشفقت من نظر الحسود لوصلنا ... فحجبته عن أعين الرقباء 133 (1) الحسن بن وهب الحسن بن وهب بن سعيد بن عمرو بن حصين الكاتب؛ كان يذكر أنه من ولد الحارث بن كعب، وهو معروف في الكتابة، فآباؤه وأجداده كلهم كتبة في الدولتين: الأموية والعباسية، وكان الحسن يكتب بين يدي محمد بن عبد الملك ابن الزيات، ثم إنه ولي ديوان الرسائل، وولي بعض الأعمال بدمشق، وبها مات وهو يتولى البريد آخر أيام المتوكل. ومولده سنة ست وثمانين ومائة. قال المرزباني: بنو وهب كلهم كتاب، وأصلهم نصارى من جند سابور، تعلقوا بنسب في اليمن في بني الحارث بن كعب، وكان عبيد الله وابنه القاسم يدفعان ذلك. وكتب الحسن إلى أخيه سليمان وقد نكبه الواثق: اصبر أبا أيوب صبراً يرتضى (2) ... فإذا عجزت عن الخطوب فمن لها الله يفرج بعد ضيقٍ كربها (3) ... ولعلّها أن تنجلي ولعلّها وكان الحسن قد جعل على نفسه أنه لا يذوق طيباً ولا يشرب شراباً حتى

_ (1) الأغاني 22: 523 وسيط اللآلي: 506 وابن خلكان 2: 15 - 18 وتهذيب ابن عساكر 4: 252؛ والترجمة أجزاء كثيرة أخلت بها المطبوعة. (2) الأغاني: خطب أبا أيوب جل محله. (3) الأغاني: فأصبر لعل الصبر يفتق ما ترى.

يتخلص أخوه سليمان، ووفى بذلك. ومن شعر الحسن: جرّاك (1) عفوي على الذنوب فما ... تخاف عند الذنوب إعراضي أشدّ يومٍ (2) أكونه غضباً ... عليك فالقلب ضاحك راضي أنت أميرٌ عليّ مقتدر ... حكمك في قبض مهجتي ماضي والخصم لا يرتجى الفلاح له ... يوماً إذا كان خصمه القاضي وقال: أبكي فمن أيسر ما في البكا ... لأنّه للوجد تسهيل وهو إذا أنت تأمّلته ... حزنٌ على الخدين محلول وزارته يوماً بنات جارية ابن حماد، وكان يهواها، وشرطت عليه أن تنصرف وقت أذان العشاء، فلما أقبل الليل كتب إلى مؤذن محلته: قل لداعي الصلاة أخّر قليلا ... قد قضينا حقّ الصلاة طويلا ليس في ساعةٍ تؤخّرها إث ... مٌ تجازى به، وتحيي قتيلا وتراعي حقّ المودّة فينا ... وتعافى من أن تكون ثقيلا فحلف المؤذن أنه لا يؤذن العشاء شهراً. قال الصولي في أخباره: كان أبو تمام يعشق غلاماً خزرياً للحسن بن وهب، وكان الحسن يعشق غلاماً رومياً لأبي تمام، فرآه يعبث بغلامه فقال: والله لئن سرت (3) إلى الرومي لأسيرن إلى الخزري، فقال له الحسن: لو شئت حكمتنا واحتكمت، فقال أبو تمام: أنا أشبهك بداود عليه السلام وأشبهني بخصمه، فقال له الحسن: لو كان منظوماً، فقال أبو تمام من أبيات (4) :

_ (1) ص: جزاك. (2) ص: يوماً. (3) ص: لا سرت. (4) ديوان أبي تمام 4: 463 - 464 وأخبار أبي تمام: 194 مع اختلاف في بعض الرواية.

أذكرتني أمر داود وكنت فتىً ... مصرّف القلب في الأهواء والفكر أعندك الشمس تزهى في مطالعها ... وأنت مشتغل الأفكار بالقمر إن أنت لم تترك السير الحثيث إلى ... جآذر الروم أعنقنا إلى الخزر وربّ أمنع منه جانباً وحمىً ... أمسى وتكته مني على خطر جردت فيه جيوش العزم فانكشفت ... عنه غياهبها عن نيكة هدر أنت المقيم فما تغدو رواحله ... وأيره أبداً منه على سفر وقيل لأبي تمام (1) : غلامك أطوع للحسن ابن وهب من غلامه لك، قال: أجل؛ لأن يعطي غلامي مالاً، وأنا أعطي غلامه قيلاً وقالاً. وكان (2) قد وقف ابن الزيات على ما يجري بينهما، فاتفق أن عزم غلام أبي تمام على الاحتجام، فكتب إلى الحسن بن وهب يعلمه بذلك ويستهديه مطبوخاً، فوجه إليه بمائة دن مطبوخ ومائة دينار، وكتب إليه: ليت شعري يا أملح الناس عندي ... هل تداويت بالحجامة بعدي دفع الله عنك لي كلّ سوء ... باكرٍ رائحٍ وأن خنت عهدي قد كتمت الهوى بأبلغ جهدي ... فبدا منه غير ما كنت أبدي وخلعت العذار إذ علم النّا ... س بأني إياك أصفي بودي فليقولوا بما أحبوا إذا كن ... ت وصولاً ولم ترعني بصد واتفق أنه وضع الرقعة تحت مصلاه، وبلغ محمد بن الزيات خبرها، فوجه إلى الحسن من شغله بالحديث، وأمر من جاءه بتلك الورقة ففكها وقرأها، وكتب فيها على لسان أبي تمام الطائي: ليت شعري عن ليت شعرك هذا ... أبهزلٍ تقوله أم بجدّ

_ (1) أخبار أبي تمام: 196. (2) المصدر نفسه.

المستضيء بالله أمير المؤمنين

فلئن كنت في المقال مجدّا ... يا ابن وهب لقد تطرّفت بعدي لا أحبّ الذي يلوم وإن كا ... ن حريصاً على صلاحي وزهدي بل أحبّ الأخ المشارك في الح ... بّ وإن لم يكن به مثل وجدي كنديمي أبي علي وحاشا ... لنديمي من مثل شقوة جدّي إنّ مولاي عند غيري ولولا ... شؤم جدّي لكان مولاي عندي وقال: ضعوا الرقعة مكانها، فلما رآها الحسن قال: إنا لله، افتضحنا عند الوزير، وأعلم أبا تمام بما جرى ووجه إليه بالرقعة، فلقيا محمد بن عبد الملك، فقالا له: إنما جعلنا هذين الغلامين سبباً لمكاتبتنا بالأشعار، فلا يظن بنا الوزير أعزه الله تعالى إلا خيراً، فقال: ومن يظن غير هذا بكما؟ وكان هذا الكلام أشد عليهما. ولما مات الحسن بن وهب رثاه البحتري بأبيات منها (1) : أصاب الدهر دولة آل وهبٍ ... ونال الليل منهم والنّهار أعارهم رداء العزّ حتى ... تقاضاهم فردّوا ما استعاروا وقد كانوا وجوههم بدور ... لمختبطٍ وأيديهم بحار 134 (2) المستضيء بالله أمير المؤمنين الحسن بن يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الله، أمير المؤمنين المستضيء

_ (1) ديوان البحتري: 961 وفي الديوان أنه قال هذه القصيدة لما نكب الواثق آل وهب. (2) ابن الأثير 13: 459 وابن خلدون 3: 528 ومرآة الزمان: 356 وتاريخ الخميس 2: 366 والروحي: 67 والفخري: 282 وتاريخ الخلفاء: 476 والعبر 4: 223 والشذرات 4: 250 والوفي.

بالله ابن المستنجد ابن المقتفي ابن القائم ابن القادر ابن إسحاق ابن المقتدر ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور. بويع بالخلافة بعد وفاة والده المستنجد يوم الأربعاء العاشر من ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة، وعمره يومئذ عشرون سنة وتسعة أشهر ويومان، ومولده سحرة يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وأمه أم ولد أرمنية اسمها غضة. كان حليماً رحيماً شفوقاً ليناً، سهل الأخلاق، كريماً جواداً معطاء، كثير الصدقة والمعروف، شديد البحث عن الفقراء وأحوالهم وتفقدهم بالبر والعطاء، وكانت أيامه مشرقة بالعطاء والعدل. وتوفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة وكان له من الولد أحمد وهو الإمام الناصر، وهاشم أبو منصور. ولما تولى المستضيء بالله نادى برفع المكوس ورد المظالم الكثيرة، وفرق مالاً عظيماً على الهاشميين والعلويين والمدارس والربط، وكان دائم البذل للمال، وخلع على أرباب الدولة ألفا (1) وثلثمائة قباء إبريسم لما استخلف، وحرر (2) سبعة عشر مملوكاً، ثم احتجب عن الناس ولم يركب إلا مع الخدم، ولم يدخل عليه غير قايماز. وفي أيامه زالت دولة العبيدية بمصر، وضربت السكة باسمه، وجاء البشير إلى بغداد، وغلقت الأسواق، وعملت القباب، وصنف ابن الجوزي في ذلك كتاب النصر على مصر وخطب له بمصر وأسوان (3) والشام واليمن وبرقة، ودانت الملوك لطاعته. وكان يطلب ابن الجوزي ويأمره بعقد مجلس الوعظ ويجلس حيث يسمع. ووزر له عضد الدين ابن رئيس الرؤساء، وأبو الفضل زعيم الدين ابن جعفر،

_ (1) ص: ألف. (2) ص: وأمر. (3) ص: وأسواق.

ابن الجصاص

ومحمد بن محمد بن عبد الكريم الأنباري، ومات في الوزارة ظهير الدين ابن العطار. وكان على قضائه أبو الحسن علي بن الدامغاني، وحاجبه مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب وأبو سعد محمد بن المعوج، وقال فيه الحيص بيص: يا إمام الهدى علوت عن الجو ... د بمالٍ وفضّةٍ ونضار فوهبت الأعمار والمدن والبلدا ... ن في ساعةٍ مضت من نهار فبماذا أثني عليك وقد جا ... وزت فضل البحور والأمطار إنّما أنت معجز مستقل ... خارقٌ للعقول والأبصار جمعت نفسك الشريفة بالبأ ... س وبالجود بين ماء ونار 135 (1) ابن الجصاص الحسين بن عبد الله بن الحسين، أبو عبد الله ابن الجصاص الجوهري؛ كان من أعيان التجار، ذو الثروة الواسعة، ولما بويع لعبد الله ابن المعتز وانحل أمره وتفرق جمعه وطلبه المقتدر واختفى عند ابن الجصاص هذا، فوشى به خادم صغير لابن الجصاص فصادره المقتدر على ستة آلاف ألف دينار. قال ابن الجوزي: أخذوا منه ما مقداره ستة عشر ألف ألف دينار عيناً وورقاً وقماشاً وخيلاً، وبقي له بعد المصادرة شيء كثير إلى (2) الغاية من دور

_ (1) المنتظم 6: 211 (وفيات: 315) وأخبار الحمقى والمغفلين 50 - 58 وله قصص كثيرة في نشوار المحاضرة، انظر مثلاً 1: 25 - 37، 2: 36، 39، 312 - 317؛ وفي البصائر للتوحيدي وجمع الجواهر للحصري والهفوات النادرة للصابي وقد جمع أبو سعد الآبي في ((نثر الدر)) كثيراً من نوادره. (2) ص: شيئاً كثيراً.

وقماش وأموال وبضائع وضياع. قال أبو القاسم علي بن المحسن ابن علي التنوخي عن أبيه قال (1) : حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعلان، قال: حدثني أبو علي أحمد بن الحسين بن عبد الله بن الجصاص الجوهري قال: قال لي أبي: كان بدء يساري أني كنت في دهليز حرم أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وكنت وكيله في ابتياع الجوهر وغيره مما يحتاجون إليه، وما كنت أفارق الدهليز لاختصاص به، فخرجت إلي قهرمانة لهم في بعض الأيام، ومعها عقد جوهر فيه مائتا حبة، لم أر قبله أفخر ولا أحسن منه، تساوي كل حبة منه مائة ألف دينار عندي، قالت: نحتاج أن تخرط هذه حتى تصغر فتجعل في آذان اللعب وفي قلائدهم، فكدت أطير، وأخذتها وقلت: السمع والطاعة، وخرجت في الحال مسروراً، وجمعت التجار، ولم أزل أشتري ما قدرت عليه، إلى أن جمعت مائة حبة أشكالاً في النوع الذي طلبته وأرادته، وجئت عشياً وقلت: إن خرط هذا يحتاج إلى زمان وانتظار، وقد خرطت اليوم ما قدرنا عليه، وهو هذا، ودفعت إليها المجتمع وقلت: الباقي يخرط في أيام، فقنعت بذلك وأعجبها الحب؛ وخرجت، فما زلت أياماً (2) في طلب الباقي حتى اجتمع فحملته إليهم، وقامت عليّ المائتا حبة بدون المائة ألف درهم، وأخذت منهم جوهراً (3) بمائتي ألف ألف دينار، ثم لزمت دهليزهم، وأخذت لي غرفة كانت فيه فجعلتها مسكني، وكان يلحقني من هذا أكثر مما يحصى، حتى كثرت النعمة وانتهيت إلى ما استفاض خبره. وحكى ابن الجصاص قال: كنت يوم قبض عليّ المقتدر جالساً في داري وأنا ضيق الصدر، وكانت عادتي إذا حصل لي مثل ذلك أن أخرج جواهر (4)

_ (1) نشوار المحاضرة 2: 312. (2) ص: أيام. (3) ص: جوهر. (4) ص: جواهراً.

كانت عندي في درج معدة لمثل هذا من ياقوت أحمر وأصفر وأزرق وحباً كباراً (1) ودراً فاخراً ما قيمته خمسون ألف دينار، وأضعه في صينية وألعب به فيزول قبضي، فاستدعيت بذلك الدرج فأتي به بلا صينية، ففرغته في حجري وجلست في صحن داري في بستان في يوم بارد طيب الشمس، وهو مزهر بصنوف الشقائق والمنثور، وأنا ألعب بذلك إذ دخل الناس بالزعقات والمكروه، فلما رأيتهم دهشت ونفضت جميع ما كان في حجري من الجوهر بين ذلك الزهر في البستان فلم يروه، وأخذت وحملت وبقيت مدة في المصادرة والحبس، وانقلبت الفصول على البستان وجف ما فيه، ولم يفكر أحد فيه، فلما فرج الله عني وجئت إلى داري ورأيت المكان الذي كنت فيه ذكرت الجوهر، فقلت: ترى بقي منه شيء؟ ثم قلت: هيهات! وأمسكت، ثم قمت بنفسي ومعي غلام يثير البستان بين يدي، وأنا أفتش ما يثيره، وآخذ منه الواحده بعد الواحدة، إلى أن وجدت الجميع، ولم أفقد منه شيئاً. وكان ينسب إلى الحمق والبله فمما يحكى عنه أنه قال في دعائه يوماً: اللهم اغفر لي من ذنوبي ما تعلم وما لا تعلم. ودخل يوماً على ابن الفرات الوزير فقال: يا سيدي عندنا في الحويرة كلاب لا يتركونا ننام من الصياح، فقال الوزير: احسبهم جراء، فقال: أيها الوزير لا تظن ذلك، كل كلب مثلي ومثلك. ونظر يوماً في المرآة فقال لرجل آخر: انظر ذقني هل كبرت أو صغرت؟ فقال له: إن المرآة بيدك، فقال: صدقت، ولكن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب. ورؤي وهو يبكي وينتحب، فقيل له: ما لك؟ فقال: أكلت اليوم مع الجواري المخيض بالبصل فآذاني، فلما قرأت في المصحف: ويسألونك عن المخيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المخيض فقلت: ما أعظم قدرة الله!

_ (1) ص: كبار.

قد بين كل شيء حتى أكل اللبن مع الجواري! وأراد مرة أن يدنو من بعض جواريه فتمنعت عليه، فقال: أعطي عهداً لله لا أقربك إلى سنة لا أنا ولا أحد من جهتي. وقال مرة: قد جربت يدي لو غسلتها ألف مرة ما تنظف (1) أو أغسلها مرتين. وماتت أم أبي إسحاق الزجاج، فاجتمع الناس عنده للعزاء، فأقبل ابن الجصاص وهو يضحك ويقول: يا أبا إسحاق، والله سرني هذا، فدهش أبو إسحاق والناس وقال بعضهم: يا هذا كيف سرك غمه وغمنا؟ قال: بلغني أنه هو الذي مات، فلما صح عندي أنها أمه سرني ذلك، فضحك الناس. وكان يكسر يوماً لوزاً فطفرت لوزة وأبعدت، فقال: لا إله إلا الله، كل الحيوان يهرب من الموت حتى اللوز. وقال يوماً في دعائه: اللهم إنك تجد من تعذبه سواي، وأنا أجد من يرحمني سواك، فاغفر لي. وقال يوماً: اللهم امسخني واجعلني حورية وزوجني بعمر بن الخطاب، فقالت له زوجته: سل الله أن يزوجك من النبي صلى الله عليه وسلم إن كان لا بد لك أن تبقى حورية، فقال: ما أحب أن أصير ضرة لعائشة رضي الله عنها. وأتاه يوماً غلامه بفرخ وقال: انظر هذا الفرخ ما أشبهه بأمه؛ فقال: أمه ذكر أو أنثى؟ وبنى ابنه داراً وأتقنها ثم أدخل أباه ليراها وقال له: انظر يا أبه، هل فيها عيب (2) ؟ فطاف بها ودخل المستراح واستحسنه وقال: فيه عيب، وهو أن بابه ضيق لا تدخل منه المائدة. وكتب إلى وكيل له أن يحمل إليه مائة من (3) قطناً، فلما حملها إليه حلجها

_ (1) ص: تنضف. (2) ص: عيباً. (3) ص: منا.

ابن رواحة الحموي

فاستقل المحلوج؛ وكتب إليه: هذا لم يجىء منه إلا الربع، فلا يزرع بعدها قطن إلا بغير حب، ويكون محلوجاً (1) . وقال يوماً لصديقه: وحياتك الذي لا إله إلا هو. وانبثق له كنيف فقال لغلامه: بادر أحضر من يصلحه لنتغدى به قبل أن يتعشى بنا. وطلب يوماً من البستاني الذي له بصلاً بخل، فأحضر إليه بصلاً (2) بلا خل، فقال: لأي (3) شيء ما تزرعه بخل؟ والصحيح أنه كان يتظاهر بذلك ليرى الوزراء منه هذا التغفيل فيأمنوه على أنفسهم إذا خلا بالخلفاء. وتوفي بعد العشرين والثلثمائة تقريباً، عفا الله عنه ورحمه. 136 - (4) ابن رواحة الحموي الحسين بن عبد الله بن رواحة، أبو علي الأنصاري الفقيه الشافعي الشاعر، ابن خطيب حماة؛ ولد سنة خمس عشرة (5) وخمسمائة، وتوفي سنة خمس وثمانين وخمسمائة. سمع بدمشق من أبي المظفر الفلكي وأبي الحسن علي بن سليمان المرادي، والصائن هبة الله وجماعة، ووقع في أسر الفرنج وبقي عندهم مدة، وولد له بجزائر البحر عز الدين عبد الله، وقدم به إلى الاسكندرية، وأسمعه الكثير من السلفي، وكان قد سافر في البحر إلى الغرب فأسر وخلصه الله تعالى،

_ (1) ص: محلوج. (2) ص: بصل. (3) ص: لا. (4) الوافي والزركشي: 107 ومعجم الأدباء 10: 46. (5) ص: خمس عشر.

سعد الدين الطيبي

وحصلت له الشهادة على عكا. ومن شعره رحمه الله تعالى: يا قلب دع عنك الهوى قسرا ... ما أنت منه حامداً أمرا أضعت دنياي بهجرانه ... إن نلت وصلاً ضاعت الأخرى ومنه: لاموا عليك وما دروا ... أن الهوى سبب السعاده إن كان وصلاً فالمنى ... أو كان هجراً فالشهاده ومنه: إن كان يحلو لديك قتلي ... فزد من الهجر في عذابي عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب 137 (1) سعد الدين الطيبي الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن بكر بن شبيب الطبي أبو عبد الله الكاتب، سعد الدين؛ كان من الأعيان الفضلاء المشهورين بالأدب وكمال الظرف، اختص بالإمام المستنجد بالله ومنادمته؛ ولي الإشراف بالمخزن أيام المستضيء بالله، ولما عزل ابن العطار عن نظر المخزن تولى سعد الدين مكانه أيام الإمام الناصر سنة خمس وسبعين، ثم عزل في سنته (2) . دخل يوماً على المستنجد فقال له: ابن شبيب؟ فقال له: عندك يا أمير

_ (1) الوافي والزركشي: 107 ومعجم الأدباء 10: 126 وفيه ((النصيبي)) بدل ((الطيبي)) . (2) ولي الأشراف.. سنته: لم في المطبوعة.

المؤمنين، فأعجبه هذا التصحيف منه. وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال: ابن شبيب، حلو التشبيب، رقيق نسيم النسيب. ومن شعره في المستنجد بالله: أنت الإمام الذي يحكي بسيرته ... من ناب بعد رسول أو خلفا أصبحت لبّ بني العباس كلّهم ... إن عدّدت بحروف الجمّل الخلفا المستنجد هو الثاني والثلاثون من الخلفاء، ولب جمل حروفها اثنان وثلاثون. ولد ابن شبيب سنة خمسمائة وتوفي سنة ثمانين وخمسمائة، ودفن بمقبرة معروف الكرخي، رحمه الله تعالى وإيانا. ومن شعره: وأغيد لم تسمح لنا بوصاله ... يد الدهر حتى دبّ في عاجه النمل تمنّيت لمّا اختطّ فقدان ناظري ... ولم أر إنساناً تمنّى العمى قبل ليبقى على مرّ الزمان خياله ... حيالي، وفي عيني لمنظره شكل وله: سرى والدجى تصبي غدائره الجون ... نسيمٌ على سرّ الأحبّة مأمون فراحت قدود البان من سكر راحه ... نشاوى فقد كادت تميد الميادين وشقّ له ورد الشقائق جيبه ... من الوجد وارتاحت إليه الرياحين وغنّت له الورقاء بين مورّق ... تجاوبها من جانبيه الوراشين فبلّغ من سرّ التحايا لطائماً ... فهاج غرامٌ بالأضالع مكنون تهادى به طيف البخيلة واهتدى ... ومن دوننا البين المشتّ أو البين عليه من الظّلماء ريطٌ ممسّكٌ ... وفي جيده من لؤلؤ الطلّ موضون وما استيقظ الواشون إلاّ بنشره ... فقالوا، وما قالوه حدسٌ وتخمين وعرّج عنّا يجعل الليل مركباً ... له، وقمير الفجر في الشرق عرجون صباً أذكرت عهد الصبا وصبابتي ... بأسماء إذ دار الأحبّة دارين

سرى حيث لا تسري الشمول ودونه ... هوى وافرٌ بين الجوانح مدفون وبحر الهوى حامي الغوارب مزبد ... مخوفٌ وفلكي بالصبابة مشحون مشارع للعشّاق فيها مناسكٌ ... لدين التصابي والنّفوس قرابين صحا القلب إلاّ عن هواها فانني ... بها بعد هجران الغواية مفتون إذا جنّ ليلي جنّ قلبي صبابة ... بهم وليالي العاشقين بحارين وقد ظنّ خالٍ من جوى الحب أنما ... يخصّ به الماضون قيس وميمون لعمرك كم للعامريات من به ... جنونٌ وكم للدارميات مسكين وكم لأمير المؤمنين صنائعٌ ... هي الرمل ما ضمت زرود ويبرين وله أيضاً: إذا حلّ تشرين فاحلل أوانا (1) ... فإن لكلّ سرورٍ أوانا فهذا الربيع صفا ظلّه ... ورقّ النّسيم سحيراً ولانا منها: وقد سكنت نزوات العقار ... وبان الوقار عليها وآنا وصهباء لم تبتذلها اليهود ... ولا دوّستها النصارى امتهانا تأنق في عصرها المسلمون ... بأيمانهم يملأون الدنانا فمازج نشوتها عزّة ... فصالت على العقل حتى استكانا فقد حرّموها لأنّ الوضيع ... من جهله بالشريف استهانا وندبٍ ندبنا لتحصيلها ... فما حسر الصبح حتى أتانا فجاء بها عطراً نشرها ... فأهدت على السفح رنداً وبانا وقمنا نقبّل تيجانها ... ونشكر من باعها واشترانا أهنّا الكرائم في مهرها ... ولن يكرم المرء حتى يهانا وطاف بها وبضرّاتها ... غزالٌ إذا صدق الوعد مانا

_ (1) أوان: من نواحي دجيل بغداد (ياقوت) .

فما درّة شدخت بالضيا ... نهاراً وما جبت عنها الصوانا تراءت فكفّر غواصها ... لديها وأسجدت المرزبانا بأحسن ممّن أدار المدام ... فورّست الكاس منه البنانا قوله: فمازج نشوتها عزة ... البيتين، يشبه قول الحيص بيص: لا تضع من عظيم قدر وإن كن ... ت مشاراً إليه بالتعظيم فالشريف الرفيع يسقط قدراً ... بالتجري على الشريف العظيم ولع الخمر بالعقول رمى الخم ... ر بتنجيسها وبالتحريم (1) وكان ابن شبيب مقداماً على حل الألغاز، ولا يكاد يتوقف عما يسأل عنه، فتفاوض أبو غالب ابن الحصين هو وأبو منصور محمد بن سليمان بن قتلمش في أمر ابن شبيب هذا وما هو عليه من حل اللغز، فقال أبو منصور: تعال حتى نعمل لغزاً محالاً ونسأل عنه، فنظم أبو منصور: وما شيء له في الرأس رجلٌ ... وموضع وجهه منه قفاه إذا غمضت عينك أبصرته ... وإن فتّحت عينك لا تراه ونظم أيضاً: وجارٍ وهو تيار ... ضعيف العقل خوار بلا لحمٍ ولا ريشٍ ... ولكن هو طيّار بطبعٍ باردٍ جدّاً ... ولكن كلّه نار وأنفذا اللغزين إليه، فكتب على الأول: هو طيف الخيال، وكتب على الثاني: هو الزئبق، فجاءا إليه وقالا: هب اللغز الأول هو طيف الخيال، والبيت الثاني يساعدك عليه، فكيف تعمل في البيت الأول؟ فقال: لأن المنامات تفسر بالعكس؛ لأن من بكى يفسر له بالضحك، ومن مات فسر له بطول العمر.

_ (1) ابتداء من القصيدة النونية حتى هذا الموضع لم يرد في المطبوعة.

أبو عبد الله ابن ممويه

وقوله في الثاني هو طيار: أرباب صنعة الكيمياء يرمزون الزئبق بالطيار والفرار والآبق وما أشبه ذلك، لأنه يناسب صفته، وأما برده فظاهر، ولإفراط برده ثقل جرمه، وكله نار لسرعة حركته وتشكله في افتراقه والتئامه، وعلى كل حال ففي ذلك تسامح يجوز في مثل هذه الأشياء الباطلة إذا نزلت على الحقائق. وقد ذكر ابن شرف القيرواني في كتابه أبكار الأفكار عن رجل يعرف بأبي علي التونسي أنه وضع ألغازاً (1) من هذه المادة التي لا حقيقة لها، وأنشده إياها، فيجيب عنها على الفور وينزلها على حقائق، من ذلك أنه وضع لغزاً (2) ، وهو: ما طائرٌ في الأرض منقاره ... وجسمه في الأفق الأعلى ما زال مشغولاً به غيره ... ولا يرى أن له شغلا فقال للوقت والساعة: هو الشمس، وأخذ يتكلم على شرح ذلك، وذكر عدة ألغاز صنعها له، وهو ينزلها على حقائق، ويذكر لها مناسبات لائقة بذلك، وسرد جميع ذلك في أبكار الأفكار، والله أعلم. 138 - (3) أبو عبد الله ابن ممويه الحسين بن علي بن محمد بن ممويه، أبو عبد الله، المعروف بابن قم؛ ولد بزبيد، وكتب رسالته المشهورة عنه إلى أبي حمير سبأ بن أبي السعود أحمد ابن المظفر بن علي الصليحي اليماني، بعد انفصاله عنه، رواها الحافظ أبو طاهر

_ (1) ص: ألغاز. (2) ص: لغز. (3) الخريدة (قسم الشام) 3: 74 ومعجم الأدباء 10: 132 والوافي للصفدي.

السلفي عنه سنة اثنتين (1) وستين وخمسمائة، والرسالة المذكورة: كتب عبد حضرة السلطان الأجل، مولاي ربيع المجدبين، وقريع المتأدبين، جلاء (2) الملتبس، وذكاء (3) المقتبس، شهاب المجد الثاقب، ونقيب ذوي المناقب، أطال الله بقاءه، وأدام علوه وارتقاءه، ما أجابت العادية المستغير (4) ، ولزمت الياء التصغير، وجعل رتبته في الأولية وافرة السهام، كحرف الاستفهام، وكالمبتدأ لأنه وإن تأخر في البنية، فإنه مقدم في النية، ولا زالت حضرته للوفود مزدحماً، ومن الحوادث حمىً، حتى يكون في العلا، بمنزلة حروف (5) الاستعلا، فإنهن (6) لحروف اللين حصون، وما جاورهن عن الإمالة مصون، ولا زال عدوه كالألف، في أن حالها تختلف، فتسقط في صلة الكلام، لا سيما مع اللام، ولا تكون أولاً بحال، وإن تقدم همز فاستحال، لأنه أدام الله علوه أحسن إلي ابتداء، ونشر عليّ من فضله رداء، أراد إخفاءه، فكشف خفاءه، ومن شرف الإحسان، سقوط ذكره عن اللسان، كالمفعول رفع رفع الفاعل الكامل، لما حذف من الكلام ذكر العامل، يهدي إليه سلاماً، ما الروض، ضاحكه النوض (8) ، غرس وحرس، وسقي ووقي، وغيث وصيب، فأخذ من كل نو بنصيب، زهاه الزهر، وسقاه النهر، جاور (9) الأضا، فحسن وأضا، رتعت فيه الفور (10) ،

_ (1) ياقوت: ثمان. (2) ياقوت: جلوة. (3) ياقوت: وجذوة. (4) ياقوت: ما قدمت العارية للمستعير. (5) ص: حرف. (6) ص: فإنهم. (8) النوض: البرق، أو سرب الماء. (9) ص: جاوز. (10) الفور: الظباء.

ومرح العصفور، فاطلع من التمراد (1) ، وقد ظفر بالمراد، فنظر إلى أقاحيه، تفتر في نواحيه، وإلى البهار، يضاحك شمس النهار، فجعل يلثم من وروده خدودا، ويهصر من أغصانه قدودا، ويقتبس النار، من الجلنار، ويلتمس العقيق، من الشقيق، فغرد ثملاً، وغنى خفيفاً ورملاً، بأطيب من نفحته المسكية، وأعطر من رائحته الذكية، مع أني وإن أهديته في كل أوان، عن أداء ما يجب عليّ غير وان، أعد نفسي السكيت اللاحق (2) ، لما يجب عليّ من الحق، فعثرت (3) ، وجهدت فما أثرت، فأنا بحمد الله في حال خمول وقنوع، وجناب عن غير الغير ممنوع، فارقت المتوج بأزال (4) ، ولزمت الخمول والاعتزال، سعيي سعي الجاهد، وعيشي عيش الزاهد، ببلد: الأديب فيه غريب، والأريب كالمريب، إن تكلم استثقل، وإن سكت استقلل، منازله كبيوت العناكب، ومعيشته كعجالة الراكب، فهو كما قال أبو تمام حيث قال (5) : أرض الفلاحة لو أتاها جرولٌ ... أعني الحطيئة لاغتدى حرّاثا لم آتها من أيّ بابٍ جئتها ... إلاّ حسبت بيوتها أجداثا تصدا بها الأفهام بعد صقالها ... وتردّ ذكران العقول إناثا أرضٌ خلعت اللهو خلعي خاتمي ... فيها وطلقت السرور ثلاثا وأما حال عبده بعد فراقه في الجلد، فما حال أم تسعة من الولد؟ ذكور، كأنهم عقبان وكور، اخترم منهم ثمانية، وهي على التاسع حانية، نادى النذير في البادية: يا للعادية يا للعادية، فلما سمعت الداعي، ورأت الخيل وهي سواعي، جعلت تنادي ولدها الأناة الأناة، وهو ينادي القناة القناة:

_ (1) التمراد: بيت صغير يجعل في بيت الحمام لمبيضه. (2) ياقوت: السكيت في السابق. (3) ياقوت: أثرت فعثرت. (4) ياقوت: فارقت المثول ولا أزال؛ وأزال هي صنعاء. (5) ديوان أبي تمام 1: 325.

بطلٌ كأنّ ثيابه في سرحة (1) ... يحذى نعال السّبت ليس بتوأم (2) فحين رأته يختال في غضون الزرد المصون، أنشأت تقول (3) : أسدٌ أضبط يمشي ... بين طرفاء وغيل لبسه من نسج داو ... د كضحضاح (4) المسيل فعرض له في العادية أسد هصور، كأن ذراعه مسد مضفور (5) : فتطاعنا وتواقفت خيلاهما ... وكلاهما بطل اللقاء مقنّع (6) فلما سمعت صياح الرعيل، برزت من الصرم (7) بصبر قد عيل، فسألت عن الواحد، فقيل لها: لحده اللاحد: فكّرت تبتغيه فصادفته ... على دمه ومصرعه السّباعا (8) عبثن به فلم يتركن إلاّ ... أديماً قد تمزق أو كراعا بأشد من عبدك تأسفاً، ولا أعظم كمداً ولا تلهفاً، وإنه ليعنف نفسه دائماً، ويقول لها لائماً: لو فطنت لقطنت، ولو عقلت لما انتقلت، ... (9) لندمت ولو رجعت (10) ، لما هجعت:

_ (1) ص: ثباته في سرجه. (2) البيت لعنترة من معلقته، ديوانه: 212. (3) ص: أنشأ يقول؛ وانظر التاج (ضبط) ؛ والأضبط: الأسد يعمل بساره كما يعمل بيمينه. (4) ص: كضحاح. (5) ص: محصور. (6) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين 1: 38 ورواية الديوان ((مخدع)) . (7) ياقوت: الخدر. (8) الشعر للقطامي، ديوانه: 41، وفي الراوية اختلاف عما هنا. (9) هنا سقطت لفظة وليس في ص بياض؛ وفي ياقوت: ولو قنعت لرجعت وما هجعت؛ ولعل الصواب ((ولو قنعت لما ندمت)) . (10) ورد البيت الأول في الحماسة (المرزوقي: 1133)) لإياس بن القائف.

يقيم الرجال الموسرون بأرضهم ... وترمي النّوى بالمقترين المراميا وما تركوا أوطانهم عن ملالة ... ولكن حذاراً من شمات الأعاديا أيها السيد، أمن العدل والإنصاف، ومحاسن الشيم والأوصاف، إكرام المهان، وإذالة جواد الرهان؟ يشبع في ساجوره كلب الزبل، ويسغب في خيسه أبو الشبل: إذا حلّ ذو نقصٍ محلة فاضلٍ ... وأصبح ربّ الجاه غير وجيه فإنّ حياة المرء غير شهيةٍ ... إليه وطعم الموت غير كريه أقول لنفسي الدنية: هبي طال نومك، واستيقظي لا عز قومك، أرضيت بالعطاء المنزور، وقنعت بمواعيد الزور؟ يقظة، فإن الجد قد هجع، ونجعة، فمن أجدب انتجع، أعجزت في الإباء، عن خلق الحرباء، أدلى لساناً كالرشاء، وتسنم أعلى الأشياء (1) ، ناط همته بالشمس، مع بعدها عن اللمس، أنف من ضيق الوجار، ففرخ في الأشجار، فهو كالخطيب، على الغصن الرطيب: وإن صريح الحزم والرأي لامرىءٍ ... إذا بلغته الشمس أن يتحوّلا (2) وقد أصحب عبده هذه الأسطر شعراً يقصر فيه عن واجب الحمد، وإن بنيت قافيته على المد، وما يعد نفسه إلا كمهدي جلد السبنتى (3) الأنمر، إلى الديباج الأحمر، أين در الحباب، من ثغور الأحباب؟ وأين الشراب من السراب؟ والركي البكي، من الواد ذي المواد؟ أتطلب الصباحة من العتم، والفصاحة من الغتم؟ غلط من رأى الآل في القي (4) ، فشبهه بهلهال الدبيقي (5) ؛ هيهات! إن

_ (1) ياقوت: السماء. (2) البيت لأبي تمام، ديوانه 3: 106. (3) السبتي: النمر. (4) القي: الأرض القفر. (5) ص: بالدبيقي.

مناسج الرياط، تسبق تنيس ودمياط؛ لا أقول كما (1) قال القائل: من يساجلني بساجل ماجداً ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب بل أضع نفسي في أقل المواضع، وأقول لمولاي قول الخاضع: فأسبل عليها ستر معروفك الذي ... سترت به قدماً على عوراتي وها هي هذه (2) : فيك برّحت بالعذول إباء ... وعصيت اللّوام والنصحاء فانثنى العاذلون أخيب مني ... يوم أزمعتم الرحيل، رجاء من مجيري من فاتر اللحظ ألمى ... جمع النار خدّه والماء فيه لليل والنّهار صفاتٌ ... فلهذا سرّ القلوب وساء لازمٌ شيمة الخلاف فإن لن ... ت قسا أو دنوت منه تناءى يا غريب الصفات حقٌّ (3) لمن كا ... ن غريباً أن يرحم الغرباء ... من صدوده وتجنّي ... هـ وإشماته بي الأعداء وإذا ما كتمت ما بي من الوج ... د أذاعته مقلتاي بكاء كعطايا سبا بن أحمد يخفي ... ها فتزداد شهرةً ونماء أريحيٌّ يهزه المدح للجو ... د وإن لم تمدحه جاد ابتداء ألمعيّ يكاد ينبيك عمّا ... كان في الغيب فطنةً وذكاء وإذا أخلف السماء بأرض ... أخلفت راحتاه ذاك السماء بندى يخجل الغيوث انهمالاً ... وجدىً (4) ينهل الرماح الظماء ما أبالي إذ أحسن الدّهر فيه ... أحسن الدّهر بالورى أم أساء أيها الطالب الغنى زره تظفر ... بعطايا تخجّل الأنواء

_ (1) ص: إلا كما. (2) حدث اضطراب في بعض أبيات القصيدة في ص، فأعدت ترتيبها بما يناسب المعنى. (3) ص: حقاً. (4) ص: وشذى.

تلق منه المهذب الماجد النّد ... ب الكريم السميدع (1) الأبّاء راحةٌ في الندى تنيل نضاراً ... وحسامٌ في الروع يهمي دماء إن سطا أرهب الضراغم في الآ ... جام أو جاد بخّل الكرماء شيم من أبيه أحمد لا ين ... فكّ عنها تتبّعاً واقتفاء قد تعاطى في المجد شأوك قومٌ ... عجزوا واحتملت فيه العناء شرفاً شامخاً ومجداً منيفاً ... عدمليّاً وعزّةً قعساء يا أبا حميرٍ دعوتك للدّه ... ر فكنت امرءاً تجيب الدعاء فأبى البخل أن يكون أماماً ... وأبى الجود أن يكون وراء أنا أشكو إليك جور زمانٍ ... دأبه أن يعاند الأدباء أهملتني صروفه وكأنّي ... ألف الوصل ألغيت إلغاء مال عنّي بما أؤمل فيه ... كلما قلت سوف يأسو أساء رهن بيت لو استقرّ به الير ... بوع لم يرضه له نافقاء (2) نقصتني نقص المرخّم حتى ... خلتني في فم الزمان نداء منعتني من التصرف منع ال ... علل التسع صرفها الأسماء يا أبا حميرٍ وحرمة إحسا ... نك عندي ما كان حبي رياء ما ظننت الزمان يبعدني عن ... ك إلى أن أفارق الأحياء غير أني فدتك نفسي من السو ... ء وإن قلّ أن تكون فداء ضاع سعيي وخبت، خابت أعاد ... يك ومن يبتغي لك الأسواء واحتملت الزمان والنقص والإب ... عاد والذلّ والعنا والجفاء وتجملت واصطبرت فما أب ... قى على عودي الزمان لحاء أعلى هذه المصيبة صبر؟ ... لا، ولو كنت صخرةً صمّاء ولو اني لم أعتمد دون غيري ... لتأسيت أن أموت وفاء

_ (1) ص: الصميدع. (2) سقط من ص.

الحسين ابن مطير

غير أن التصريح ليس بخافٍ ... عند من كان يفهم الإيماء غير أنّي مثنٍ عليك وما لم ... ت على ما لقيت إلاّ القضاء وسيأتيك في البعاد وفي الق ... رب مديحٌ يجمّل الشعراء فبشكرٍ رحلت عنك وألقا ... ك به إن قضى الإله لقاء ليس يبقى في الدهر غير ثناء ... فاكتسب ما استطعت ذاك الثناء وكانت وفاته سنة إحدى وثمانين وخمسمائة (1) . 139 - (2) الحسين ابن مطير الحسين بن مطير الأسدي تصغير مطر من فحول الشعراء، مدح الدولتين وله مدائح في المهدي، وتوفي في حدود السبعين ومائة. قال صاحب الأغاني: هو مولى بني سعد بن مالك من بني أسد، وهو يذهب مذهب الأعراب، وكان من ساكني زبالة، ومن شعره (3) : لقد كنت جلدا قبل أن يوقد الهوى ... على كبدي ناراً بطيئاً خمودها وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي ... إذا قدمت أيامها وعهودها فقد جعلت في حبّة القلب والحشا ... عهاد الهوى تولي بشوقٍ يعيدها (4)

_ (1) سقط من ص، واعتمدنا فيه على ياقوت. (2) طبقات ابن المعتز 114 والأغاني 15: 331 ومعجم الأدباء 10: 166 وتهذيب ابن عساكر 4: 362 والوافي للصفدي وقد جمع ديوانه مرتين: مرة بعناية الدكتور حسين عطوان (مجلة معهد المخطوطات: 1969) ومرة بعناية الدكتور محسن غياض (بغداد: 1971) وسأعتمد في الإشارة إلى شعراء على الأول. (3) ديوانه: 156. (4) ص: بعيدها.

بسود نواصيها وحمر أكفها ... وصفر تراقيها وبيض خدودها مخصّرة الأوساط زانت عقودها ... بأحسن ممّا زينتها عقودها يمنّيننا حتّى ترفّ قلوبنا ... رفيف الخزامى بات طلٌّ يجودها منها: وكنت أذود العين أن ترد البكا ... فقد وردت ما كنت عنه أذودها خليليّ ما بالعيش عتبٌ لو انّنا ... وجدنا لأيّام الحمى من يعيدها ولي نظرةٌ بعد الصدود من الجوى ... كنظرة ثكلى قد أصيب وليدها هل الله عافٍ عن ذنوبٍ تسلفت ... أم الله إن لم يعف عنها يعيدها وقال يرثي معن ابن زائدة (1) : ألمّا على معن فقولا لقبره: ... سقتك الغوادي مربعاً ثم مربعا فيا قبر معنٍ أنت أول حفرة ... من الأرض خطّت للسماحة مضجعا ويا قبر معنٍ كيف واريت جوده ... وقد كان منه البرّ والبحر مترعا بلى قد وسعت الجود والجود ميتٌ ... ولو كان حيّاً ضقت حتى تصدّعا فتىً عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا أبى ذكر معن أن تموت فعاله ... وإن كان قد لاقى حماماً ومصرعا ولما مضى معنٌ مضى الجود وانقضى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا ومن شعره (2) : فيا عجباً للناس يستسرفونني ... كأن لم يروا بعدي محباً ولا قبلي يقولون لي اصرم يرجع العقل كله ... وصرم حبيب النفس أذهب للعقل ويا عجبا من حب من هو قاتلي ... كأني أجزيه المودّة من قتلي ومن بينات الحب أن كان أهلها ... أحبّ إلى قلبي وعيني من أهلي

_ (1) ديوانه: 172. (2) ديوانه: 182.

ابن عبدل الشاعر

140 - (1) ابن عبدل الشاعر الحكم بن عبدل الأسدي ثم الغاضري الكوفي؛ شاعر مشهور مجيد القول هجاء، نفاه ابن الزبير من العراق لما نفى عمال بني أمية، وقدم دمشق وكان له من عبد الملك بن مروان موضع. وقال ابن ماكولا: هو الشاعر الأعرج، كوفي مشهور، قال: كان يأتي بشر بن مروان فيقول له بشر: أخمسمائة أحب إليك العام أم ألف في قابل؟ فيقول: ألف في قابل، وإذا أتى إليه في قابل قال له: ألف أحب إليك العام أم ألفان من قابل؟ فيقول: ألفان من قابل؛ قال: فلم يزل كذلك حتى مات بشر ولم يعطه شيئاً. وقال صاحب الأغاني: كان أعرج أحدب لا تفارقه العصا، فترك الوقوف بباب الملوك، وكان يكتب على عصاه حاجته، ويبعث بها مع رسوله، فلا يحبس له رسول ولا تؤخر له حاجة، فقال في ذلك يحيى بن نوفل: عصا حكمٍ في الدار أول داخلٍ ... ونحن على الأبواب نقصى ونحجب وكانت عصا موسى لفرعون آيةً ... فهذي لعمر الله أدهى وأعجب تطاع ولا تعصى ويحذر سخطها ... ويرغب في المرضاة منها ويرهب وشاعت هذه الأبيات بالكوفة وضحك منها الناس، فكان الحكم يقول

_ (1) الأغاني 2: 360 وتهذيب ابن عساكر 4: 396 والمؤتلف والمختلف: 242 ومعجم الأدباء 10: 228 والوافي للصفدي، وله تجمة في ابن خلكان هي من مزيدات طبعة بيروت وهو ليس من شرط ابن خلكان لأنه لا يعرف سنة وفاته على التحديد. وقد أخلت المطبوعة بأجزاء متفرقة من هذه الترجمة.

ليحيى: يا ابن الزانية ما أردت من عصاي حتى صيرتها ضحكة، واجتنب أن يكتب عليها كما كان يفعل أولاً. وكان له صديق أعمى يدعى أبا علية، وكان ابن عبدل قد أقعد، فخرجا ليلة من منزلهما إلى منزل بعض إخوانهما، والحكم يحمل وأبو علية يقاد، فلقيهما صاحب العسس بالكوفة وأخذهما فحبسهما، فلما استقرا في الحبس نظر الحكم إلى عصاه موضوعة في الحبس بجنب عصا أبي (1) علية، فضحك الحكم وقال: حبسي وحبس أبي علي ... ة من أعاجيب الزمان أعمى يقاد ومقعدٌ ... لا الرجل منه ولا اليدان هذا بلا بصرٍ هنا ... ك وبي يخبّ الحاملان يا من يرى ضبّ الفلا ... ة قرين حوتٍ في مكان طرفي وطرف أبي علي ... ة دهرنا متوافقان من يفتخر بجواده ... فجوادنا عكّازتان طرفان لا علفاهما (2) ... يشرى ولا يتصاهلان وقال أيضاً من أبيات: ففي حالتينا عبرة وتفكّر ... وأعجب منه حبس أعمى ومقعد كلانا إذا العكاز فارق كفّه ... يخرّ صريعاً أو على الوجه يسجد فعكازه يهدي إلى السبل أكمهاً ... وأخرى مقام الرجل قامت مع اليد وكان بالكوفة امرأة موسرة، وكان لها على الناس ديون بالسواد، فاستغاثت بابن عبدل في دينها وقالت: إني لست بزوج، وجعلت تعرّض أنها تزوجه بنفسها، فقام ابن عبدل في دينها حتى اقتضاه، فلما طالبها بالوفاء كتبت إليه شعراً:

_ (1) ص: أبو. (2) ص: علقاهما.

سيخطيك الذي حاولت مني ... فقطّع حبل (1) وصلك من حبالي كما أخطاك معروف ابن بشر ... وكنت تعدّ ذلك رأس مال وضرب الحجاج البعث على المحتملين ومن أنبت من الصبيان الصغار، وكانت المرأة تجيء إلى ابنها فتضمه إليها وتقول: يا ابني، جزعاً عليه، فسمي ذلك الجيش جيش يبني، وأحضر ابن عبدل فجرد، فوجد أحدب أعرج، فأعفي من ذلك فقال: لعمري لئن جربتني فوجدتني ... كثير العيوب سيء المتجرّد فأعفيتني لما رأيت زمانتي ... ووفقت مني للقضاء المسدّد ولست بذي شيخين يلتزمانه ... ولكن يتيمٌ ساقط الرجل واليد وخرج ليلة وهو سكران محمول في محفة فلقيه صاحب العسس فقال له: من أنت؟ فقال: يا بغيض، أنت أعرف بي من أن تسأل عني، اذهب إلى شغلك فإن اللصوص لا يخرجون في الليل في محفة، فضحك منه وانصرف. وكانت له جارية سوداء فولدت له ابناً أسود، وكان أعرم الصبيان فقال فيه: يا ربّ خالٍ لك مسودّ القفا ... لا يشتكي من رجل مسّ الحفا كأن عينيه إذا تشوّقا ... عينا غرابٍ فوق نيقٍ أشرفا وأخباره في الأغاني وشعره كثير؛ وكانت وفاته في حدود المائة، رحمه الله.

_ (1) ص: حبال.

الحكم الربضي

141 - (1) الحكم الربضي الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، ملك الأندلس؛ ولي الأمر بعد والده، وامتدت أيامه وأقام في الأمر بعده سبعاً وعشرين سنة وشهراً، ولقب نفسه بالمرتضى، وكان فارساً شجاعاً فاتكاً جباراً ذا حزم ودهاء، كان يمسك أولاد الناس الملاح فيخصيهم ويمسكهم لنفسه. وتوفي سنة ست ومائتين، وهو ابن خمسين سنة، وقام بعده ولده أبو المطرف عبد الرحمن. وله شعر فمنه: قضبّ من البان ماست فوق كثبان ... وليّن عني وقد أزمعن هجراني ملكنني ملكاً ذلّت عزائمه ... للحبّ ذلّ أسير موثقٍ عاني من لي بمغتصبات الروح من بدني ... يغصبنني في الهوى عزي وسلطاني وكان له ألفا فرس مرتبطة على شاطىء النهر، وكان يعرف بالربضي لأنه قتل أهل الربض القبلي، وهو من جانب شقندة في العدوة الأخرى من قرطبة وراء الوادي، وهدم ديارهم وخربها فأصبحت فدادين بعد حرب عظيم، ويظهر في ذلك بشجاعة وبسالة، وقال في ذلك: رأبت (2) صدوع الأرض بالسيف راقعا ... وقدماً لأمت الشعب مذ كنت يافعا فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرةٌ ... أبادرها مستنضي السّيف دارعا وشافه على الأرض الفضاء جماجماً ... كأقحاف منثور الهبيد لوامعا

_ (1) البيان المغرب 2: 68 - 80 والحلة السيراء 1: 43 والمعجب: 44 وأعمال الأعلام: 14 وصفحات متفرقة من نفح الطيب، والوافي للصفدي. (2) ص: رأيت.

حمدة الوادياشية

تنبّئك أنّي لم أكن في قراعهم ... بوان، وقدماً كنت بالسيف قارعا وهل زدت أن وفيتهم صاع قرضهم (1) ... فوافوا منايا قدّرت ومصارعا فهاك سلاحي انني قد تركتها ... مهاداً ولم أترك عليها منازعا (2) وكان قد تظاهر في صدر ولايته بالخمور والفسق، فقامت الفقهاء والكبار وخلعوه سنة تسع وثمانين ثم أعادوه لما تنصل وتاب، فقتل طائفة من الكبار وصلبهم بإزاء قصره، قيل بلغوا سبعين نفساً، وكان يوماً فظيعاً (3) فمقتته النفوس وأضمروا له السوء، وأسمعوه الكلام المر، فتحصن واستعد، وجرت له أمور يطول شرحها. قال أبو محمد بن حزم: وكان من المجاهرين بالمعاصي سفاكاً للدماء. 142 - (4) حمدة الوادياشية حمدة بنت زياد بن بقي العوفي؛ قال ابن الأبار في تحفة القادم: كانت من المتأدبات المصرفات المتغزلات المتعففات حدثت عن أبي الكرم جودي ابن عبد الرحمن الأديب. قال ابن الأبار أنشدني القاسم بن البراق، قال: أنشدتني حمدة بنت زياد العوفية وقد خرجت متنزهة بالرملة من وادياش فرأت ذات

_ (1) ص: قرصهم. (2) وكان له ... منازعاً: لم يرد في المطبوعة. (3) ص: فضيعاً. (4) الوافي والزركشي: 107 والتكلمة (رقم: 2120) والإحاطة 1: 498 والتحفة: 162 والمطرب: 11 والسيوطي: 48 والذيل والتكلمة (الجزء الأخير - مخطوط) ونفح الطيب 4: 287، وقد سقط من المطبوعة أجزاء من هذه الترجمة.

حمزة بن بيض

وجه وسيم أعجبها، فقالت: أباح الدمع أسراري بوادي ... له للحسن آثار بوادي فمن نهرٍ يطوف بكلّ روضٍ ... ومن روض يطوف بكل وادي ومن بين الظباء مهاة رملٍ ... سبت لبي وقد ملكت قيادي لها لحظ ترقّده لأمرٍ ... وذاك اللحظ يمنعني رقادي إذا سدلت ذوائبها عليها ... رأيت البدر في جنح الدآدي كأن الصبح مات له شقيق ... فمن حزنٍ تسربل بالحداد قال: وأنشدني الكاتبان: أبو جعفر بن عبيد الأركشي وأبو إسحاق ابن الفقيه الجياني قالا: أنشدنا القاضي أبو يحيى عتبة بن محمد بن عتبة الجراوي الحمدة هذه: ولمّا أبى الواشون إلاّ فراقنا (1) ... وما لهم عندي وعندك من ثار وشنّوا على أسماعنا كلّ غارةٍ ... وقلّت حماتي عند ذاك وأنصاري غزوتهم من مقلتيك وأدمعي ... ومن نفسي بالسيف والسيل والنار وعاصرت حمدة هذه نزهون بنت القليعي الغرناطية، الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى في حرف النون؛ وكانت وفاة حمدة في.... 143 - (2) حمزة بن بيض حمزة بن بيض بكسر الباء الموحدة وسكون الياء والضاد المعجمة الحنفي

_ (1) ص: قتالنا. (2) معجم الأدباء 10: 280 وأخبار الحمقى والمغفلين: 43 والوافي للصفدي والأغاني 16: 142.

أحد بني بكر بن وائل؛ كوفي شاعر مجيد سائر القول كثير المجون، كان منقطعاً إلى المهلب بن أبي صفرة وولده، ثم إلى بلال بن أبي بردة، حصلت له أموال كثيرة إلى الغاية من ذهب وخيل ورقيق، قيل إنه حصل ألف ألف درهم، وتوفي سنة عشرين ومائة. أتى بلال بن أبي بردة، وكان كثير المزاح معه، فقال لحاجبه: استأذن لحمزة بن بيض الحنفي، فدخل الحاجب وخرج وقال: يقول لك: حمزة بن بيض، ابن من؟ فقال: ادخل وقل (1) له: الذي جئت إليه إلى سبار الحمام وأنت أمرد تسأله أن يهبك طائراً، فأدخلك السبار وناكك وأعطاك طائراً (2) ، فشتمه الحاجب فقال: ما أنت وذا؟ بعثك برسالة فأبلغه الجواب، فدخل الحاجب وهو مغضب، فلما رآه بلال ضحك وقال: ما قال لك، قبحه الله؟ فقال: ما كنت لأخبر الأمير بما قال، فقال: يا هذا أنت رسول، فأد الجواب، فأبى فأقسم عليه، فأخبره بقوله، فضحك حتى فحص برجليه، وقال: قل له قد عرفنا العلامة فادخل، فدخل فأكرمه وسمع مديحه، وأحسن صلته. وأراد بلال بقوله ابن من قول الشاعر فيه: أنت ابن بيض لعمري لست أنكره ... فقد صدقت ولكن من أبو بيض وقدم على مخلد بن المهلب، وعنده الكميت، فأنشده: أتيناك في حاجةٍ فاقضها ... وقل مرحباً يجب المرحب ولا. لا تكلنا إلى معشر ... متى وعدوا عدةً يكذبوا فإنك في الفرع من أسرةٍ ... لهم خضع الشرق والمغرب بلغت لعشرٍ مضت من سنيك ... ما يبلغ السيّد الأشيب فهمّك فيه جسام الأمور ... وهمّ لداتك أن يلعبوا

_ (1) ص: قول. (2) ص: طائر.

وجدت فقلت: ألا سائلٌ ... فيعطى ولا راغب يرغب فمنك العطيّة للسّائلين ... وممّن ينوبك أن يطلبوا فأمر له بمائة ألف درهم، فأخذها، وسأله عن حوائجه فأخبره، فقضاها جميعاً. وأودع حمزة عند ناسك ثلاثين ألف درهم، ومثلها عند رجل نباذ، فأما الناسك فبنى بها داره وزوج بناته وأنفقها وجحده، وأما النباذ فأدّى إليه الأمانة في ماله، فقال حمزة: ألا لا يغرّك ذو سجدةٍ ... يظلّ بها دائماً يخدع كأنّ بجبهته جلبةً ... تسبح طوراً وتسترجع وما للتقى لزمت وجهه ... ولكن ليغترّ مستودع فلا تنفرنّ من أهل النبيذ ... وإن قيل يشرب لا يقلع فعندي علمٌ بما قد خبرت ... إن كان علمٌ بهم ينفع ثلاثون ألفاً حواها السجود ... فليست إلى أهلها ترجع بنى الدار من غير ما ماله ... فأصبح في بيته يرتع مهائر من غير مالٍ حواه ... يقاتون أرزاقهم جوّع وأدى أخو الكاس ما عنده ... وما كنت في ردّها أطمع وكان عبد الملك بن مروان يعبث به، فوجه إليه ليلة رسولاً وقال: جئني به على أي حالة وجدته، فهجم عليه فوجده داخلاً إلى بيت الخلاء، فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: ويحك! أكلت كثيراً وشربت نبيذاً حلواً وقد أخذني بطني، فقال: لا سبيل إلى مفارقتك، ثم أخذه وأتى به إلى عبد الملك، فوجده قاعداً في طارمة، وعنده جارية جميلة يتحظاها وهي تسجر العود وتبخر أمير المؤمنين، فجلس يحادثه ويعالج ما هو فيه من داء بطنه، فعرضت له ريح فسيبها ظناً أن يسترها البخور. قال حمزة: فوالله لقد غلب ريحها ريح البخور والند

فقال: ما هذا يا حمزة؟ قال: فقلت: عليّ عهد الله والمشي إلى بيت الله والهدي إن كنت فعلتها، وما فعلها إلا هذه الجارية، قال: فغضب وخجلت الجارية وما قدرت على الكلام، ثم جاءتني أخرى فسرحتها، وسطع والله ريحها، فقال: ما هذا ويلك؟ أنت والله الآفة، فقلت: امرأتي طالق إن كنت فعلتها، فقال: وهذه اليمين لازمة لي إن كنت فعلتها، ثم قال للجارية: ويلك، ما قصتك؟ قومي إلى الخلاء إن كنت تجدين (1) شيئاً، وطمعت فيها فسرحت الثالثة فسطع ريحها ما لم يكن في الحساب، فغضب عبد الملك حتى كاد أن يخرج من جلده، ثم قال: يا حمزة، خذ بيد هذه الجارية الزانية فقد وهبتها لك، وامض فقد نغصت عليّ ليلتي، فأخذت بيدها وخرجت، فلقيني خادم فقال: ما تريد أن تصنع؟ فقلت: أمضي بها، فقال: والله لئن فعلت ليبغضنك بغضاً لا تنتفع به بعده، وهذه مائتا دينار، فخذها ودع هذه الجارية، فقلت: والله لا نقصتك من خمسمائة دينار، فقال: ليس إلا ما قلت لك، فأخذتها منه وأخذ الجارية، فلما كان بعد ثلاث دعاني عبد الملك، فلقيني الخادم فقال: هذه مائة دينار أخرى وتقول ما لا يضرك ولعله ينفعك؟ فقلت: ما هو؟ فقال: إذا دخلت إليه تدعي عنده أن تلك الفسوات الثلاث أنت فعلتهن، فقلت: هاتها، فلما دخلت وقفت بين يديه وقلت: الأمان يا أمير المؤمنين، فقال: قل، فقلت: أرأيت تلك الليلة ما جرى من الفسوات؟ قال: نعم، قلت: عليّ وعليّ إن كان فساهن غيري، فضحك حتى سقط على قفاه وقال: فلم ويلك ما أخبرتني؟ فقلت: أردت خصالاً، منها أن قمت وقضيت حاجتي، ومنها أخذت جاريتك، ومنها أني كافأتك على أذاك بمثله، حيث منعني رسولك من دفع أذاي، قال: وأين الجارية؟ قلت: ما خرجت من دارك، وأخبرته الخبر. فسر بذلك، وأمر لي بمائتي دينار أخرى، وقال: هذه لجميل فعلك، وتركك أخذ الجارية. وأخبار حمزة كثيرة وكلها طرف.

_ (1) ص: تجدي.

حرف الخاء

حرف الخاء

فراغ

خالد الكاتب

144 - (1) خالد الكاتب خالد بن يزيد، أبو الهيثم الكاتب البغدادي، أصله من خراسان، وكان أحد كتاب الجيش، ولاه ابن الزيات الإعطاء ببعض الثغور، فخرج فسمع في طريقه منشداً ينشد: من كان ذا شجنٍ بالشام يطلبه ... ففي سوى الشام أمسى الأهل والوطن فبكى حتى سقط مغشياً عليه، ثم أفاق واختلط عقله، واتصل به ذلك إلى الوسواس وبطل، وكان مغرماً بالمرد وينفق عليهم كل ما يفيده، فهوي غلاماً يقال له عبد الله، وكان أبو تمام بهواه، فقال فيه خالد: قضيب بانٍ جناه ورد ... تحمله وجنة وخدّ (2) لم أثن طرفي إليه إلاّ ... مات عزاء وعاش وجد ملّك طوع النفوس حتى ... علّمه الحسن كيف يبدو واجتمع الصّدّ فيه حتى ... ليس لخلقٍ سواه صدّ فبلغ ذلك أبا تمام فقال: شعرك هذا كلّه مفرطٌ ... في برده يا خالد البارد

_ (1) الوافي والزركشي: 108 وتاريخ بغداد 8: 308 والأغاني 20: 234 والمنتظم 5: 35 وطبقات ابن المعتز: 405 ومعجم الأدباء 11: 47 ووردت له ترجمة في ابن خلكان 2: 232 وهي من مزيدات طبعة بيروت، ولبست من شرط ابن خلكان؛ وانظر بغية الطلب 6: 121. (2) ص: جنة وورد.

فعلقها الصبيان وما زالوا يصيحون به: يا خالد البارد، حتى وسوس، وهجا أبا تمام فقال: يا معشر المرد إنّي ناصحٌ لكم ... والمرء في القول بين الصدق والكذب لا ينكحنّ حبيباً منكم أحدٌ (1) ... فداء وجعائه أعدى من الجرب لا تأمنوا أن تعودوا بعد ثالثةٍ ... فتركبوا عمداً ليست من الخشب ومن شعره: عش فحبيك سريعاً قاتلي ... والهوى إن لم تصلني واصلي ظفر الشّوق بقلبٍ دنفٍ ... فيك والسقم بجسم ناحل فهما ما بين وجدٍ وضنىً ... تركاني كالقضيب الذابل وبكى العاذل لي من رحمة ... فبكائي لبكاء العاذل ومنه: عشية حيّاني بورد كأنّه ... خدودٌ أضيفت بعضهنّ إلى بعض وراح فعل الراح في حركاته ... كفعل النسيم الرطب في الغصن الغضّ ومنه: رقدت ولم ترث للسّاهر ... وليل المحبّ بلا آخر ولم تدر بعد ذهاب الرقاد ... ما فعل الدمع بالنّاظر وتوفي خالد في حدود السبعين والمائتين، رحمه الله تعالى.

_ (1) ص: حبيب ... أحداً.

الزين خالد

145 - (1) الزين خالد خالد بن يوسف بن سعد بن الحسن بن مفرج بن بكار، الحافظ المفيد زين الدين، أبو البقاء النابلسي ثم الدمشقي، ولد بنابلس سنة خمس وثمانين وخمسمائة. وتوفي سنة ثلاث وستين وستمائة. قدم دمشق ونشأ بها، وسمع من القاسم ابن عساكر ومحمد بن الخصيب وابن طبرزد وحنبل وطائفة، وسمع ببغداد من ابن الأخضر وابن منينا، وكتب وحصل الأصول النفيسة، ونظر في اللغة والعربية، وكان إماماً ذكياً فطناً ظريفاً حلو النادرة حلو المزاح، وكان يعرف قطعة كبيرة من الغريب والأسماء والمختلف والمؤتلف، وله حكايات متداولة بين الفضلاء، وكان الملك الناصر يحبه ويكرمه. روى عنه محيي الدين النواوي والشيخ تاج الدين الفزاري وأخوه الخطيب شرف الدين وتقي الدين ابن دقيق العيد. وكان ضعيف الكتابة جداً، ويعرج من رجله. حدث الشرف الناسخ أنه كان يحضره الناصر بن العزيز، فأنشد شاعر قصيدة يمدحها بها، فخلع الزين خالد سراويله وخلعه على الشاعر، فضحك الناصر وقال: ما حملك على هذا؟ قال: لم يكن معي ما أستغني عنه غيره، فعجب منه ووصله. وولي مشيخة النورية، وكان قصيراً شديد السمرة ويلبس قصيراً؛ ومن شعره، رحمه الله تعالى: أبا حسن إني إليك وإن نأت ... ركابي إلى بغداد ما عشت تائق ولو عنت الأقدار قبلي لعاشق ... لمّا عاقني عنك العشية عائق

_ (1) الوافي والزركشي: 110 وعبر الذهبي 5: 273 والشذرات 5: 313 وذيل الروضتين: 233 وتذكرة الحفاظ: 1447 والدارس 1: 106 والبداية والنهاية 13: 246.

سبط ابن الحمامية

ومنه: يا ربّ بالمبعوث من هاشم ... وصهره والبضعة الطّهر لا تجعل اليوم الذي لا ترى ... عيني تاج الدين من عمري 146 (1) سبط ابن الحمامية خسرو شاه بن سعد بن عبد السيد، أبو شجاع سبط ابن الحمامية، ويسمى محمد أيضاً؛ كان أديباً فاضلاً له شعر، وتوفي سنة أربع وخمسمائة. ومن شعره: وليلةٍ جعلت في أرضها فلكاً ... يديره عبث القينات بالوتر فشمسه الراح والمصباح كوكبه ... وبدره شادن من أحسن الصور فسعدها بتمام اللّيل متصل ... ونحسها فرقة تأتي مع السحر 147 (2) الشيخ خضر العدوي الشيخ خضر بن أبي بكر بن موسى المهراني العدوي، الشيخ المشهور، شيخ الملك الظاهر؛ كان صاحب حال ونفس قوية، وكان له حال كاهني، أخبر الظاهر بسلطنته قبل وقوعها، فلهذا كان يعظمه وينزل إلى زيارته ويطلعه على غوامض أسراره ويستصحبه في أسفاره؛ سأله وهو محاصر أرسوف: متى

_ (1) الوافي والزركشي: 111؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) الوافي وعبر الذهبي 5: 309 (وفيات سنة 676) والشذرات 5: 351.

تؤخذ؟ فعين له اليوم، فوافق ذلك، وكذلك صفد وقيسارية. ولما عاد إلى الكرك سنة خمس وستين استشاره في قصدها، فأشار عليه أن لا يقصدها ويتوجه إلى مصر، فخالفه وتوجه فوقع عند بركة زيزا وانكسرت فخذه. وقال في بعلبك والظاهر على حصن الأكراد: يأخذه السلطان بعد أربعين يوم، فوافق ذلك. ولما توجه السلطان إلى الروم كان الشيخ خضر في الحبس، فأخبر أن السلطان يظفر ويعود إلى دمشق، وأموت ويموت بعدي بعشرين يوماً، فاتفق ذلك. وكان السلطان قد نقم عليه وأحضر من حاققه على أمور لا تصدر من مسلم، فأشاروا بقتله، فقال هو للسلطان: أجلي قريب من أجلك، وبيني وبينك أيام يسيرة، فوجم لها السلطان وتوقف في قتله وحبسه وضيق عليه، لكنه يرسل إليه الأطعمة الفاخرة والملابس، وكان حبسه في شوال سنة إحدى وسبعين. ولما وصل الظاهر من الروم إلى دمشق كتب إلى مصر بإخراجه، فوصل البريد بعد موته. وكان قد بنى له عدة زوايا في عدة بلاد. وكان كل أحد يتقي جانبه، حتى الصاحب بهاء الدين ابن حنا وبيليك الخزندار. وإذا كتب ورقة يقول فيها: من خضر نياك الحمارة. وأخرج من السجن ميتاً وحمل إلى الحسينية ودفن بزاويته. قال الشيخ تقي الدين: الشيخ خضر مسلم صحيح العقيدة، لكنه قليل الدين باطولي له حال شيطاني، وكانت وفاته سنة ست وسبعين وستمائة، وكان قد بنى له زاوية بالحسينية على الخليج محاذية لأرض الطبالة، ووقف عليها أحكاراً يجيء منها في السنة ثلاثون ألف درهم، وبنى له بالقدس زاوية، وبالمزة بدمشق زاوية، وبظاهر بعلبك زاوية، وبحماة زاوية، وبحمص زاوية، وهدم بدمشق كنيسة اليهود وكنيسة المصلبة التي للنصارى بالقدس، وقتل قسيسها بيده وعملها زاوية

الأشرف خليل

وهدم بالإسكندرية كنيسة الروم وبناها مدرسة وسماها الخضراء. وكان واسع الصدر يعطي الفضلة والذهب. ويعمل الأطعمة في قدور مفرطة الكبر يحمل القدر جماعة عتالين، وفي ملازمته الظاهر يقول الشريف (1) الناسخ. ما الظاهر السلطان إلاّ مالك ال ... دنيا بذاك لنا الملاحم تخبر ولنا دليلٌ واضحٌ كالشمس في ... وسط السماء بكلّ عين تبصر لمّا رأينا الخضر يقدم جيشه ... أبداً علمنا أنه الإسكندر 148 (2) الأشرف خليل خليل بن قلاوون، السلطان الملك الأشرف صلاح الدين ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، جلس على تحت الملك في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة، بعد موت والده، واستفتح الملك بالجهاد، وسار فنازل عكا وافتتحها، ونظف (3) الشام كله من الفرنج، ثم سار في السنة الثانية فنازل قلعة الروم وحاصرها خمسة وعشرين يوماً وافتتحها، ثم في السنة الثالثة جاءته مفاتيح قلعة بهسنا من غير قتال إلى دمشق، ولو طالت مدته ملك العراق وغيرها، فإنه كان شجاعاً مقداماً مهيباً عالي الهمة يملأ العين ويرجف القلب. وكان ضخماً سميناً كبير الوجه بديع الحمال مستدير اللحية، على صورته رونق الحسن وهيبة السلطنة، وكان إلى جوده وبذله الأموال في أغراضه المنتهى، تخافه الملوك في أقطارها؛

_ (1) مر في ص 403: الشرف. (2) الوافي والزركشي 1: 111 والنجوم الزاهرة 8: 3 - 27 والسلوك 1: 756 وما بعدها والبداية والنهاية 13: 334 والشذرات 5: 422 وعبر الذهبي 5: 377. (3) ص: ونضف.

أباد جماعةً من كبار الدولة، وكان منهمكاً على اللذات؛ لا يعبأ بالتحرز على نفسه لشجاعته. توجه من القاهرة ثالث المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة (1) هو والوزير شمس الدين بن السلعوس وأمراء دولته، وفارقه وزيره من الطرانة (2) إلى الإسكندرية، وعسف وظلم وصادر الناس، ونزل الأشرف بأرض الحمامات للصيد، وأقام إلى يوم السبت ثالث عشر المحرم، فلما كان العصر وهو بتروجة حضر نائب السلطنة بيدرا وجماعة من الأمراء، وكان الأشرف أمره بكرةً أن يتقدم بالدهليز ليتصيد هو ويعود عشية، فاحتاطوا به وليس معه إلا شهاب الدين ابن الأشل أمير شكارة، فابتدره بيدرا فضربه بالسيف قطع يده، فصاح حسام الدين لاجين عليه وقال: من يريد السلطنة تكون هذه ضربته؟ وضربه على كتفه حله، فسقط السلطان إلى الأرض، ولم يكن معه سيف، بل كان وسطه مشدود بالبند، ثم جاء سيف الدين بهادر رأس نوبة (3) ، فأدخل السيف من أسفله وشقه إلى حلقه، وتركوه طريحاً في البرية، والتفوا على بيدرا وحلفوا له، وساق تحت العصايب يطلب القاهرة، وتسمى بالملك الأوحد، وبات تلك الليلة، وأصبح يسير، فلما ارتفع النهار إذا بطلب كبير قد أقبل يقدمه زين الدين كتبغا وحسام الدين أستاذدار (4) يطلبون بيدرا بدم أستاذهم، ودلك بالطرانة، فحملوا عليه فتفرق عنه أكثر من معه، وقتل في الحال وحمل راسه على رمح وجاءوا

_ (1) زيادة لابد منها. (2) قرية صغيرة على الشاطئ الغربي لفرع رشيد بمديرية البحيرة. (3) وظيفة من وظائف أرباب السيوف، موضوعها الحكم على المماليك السلطانية والأخذ على أيديهم (صبح الأعشى 4: 18) . (4) وظيفة الأستاذ دارية هي التحدث في أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ والشر ابخاناء والحاشية والغلمان، والأستاذ دار هو الذي يمشي لطلب السلطان ويحكم في غلمانه وباب، وله تصرف تام في كل ما يحاتجه بيت السلطان من النفقات والكساوي (صبح الأعشى 4: 20 وانظر 5: 457) .

به إلى القاهرة، فلم يمكنهم الشجاعي من التغدية، وكان نائب السلطنة في تلك السفرة، فأمر بالشواني كلها فربطت إلى الجانب الآخر، ونزل الجيش على الجانب الغربي. ثم مشت بينهم الرسل على أن يقيموا الملك الناصر محمد أخا الأشرف، فتقرر ذلك، وأجلسوه على التخت يوم الاثنين رابع عشر المحرم، وصار أتابكه كتبغا ووزيره الشجاعي، واختفى حسام الدين لاجين وقراسنقر المنصوري وغيرهما ممن شارك في قتله. قال الشيخ شمس الدين الجزري رحمه الله تعالى: حدثني الأمير سيف الدين المحفدار (1) قال: كان السلطان رحمه الله قد نفذني بكرة إلى بيدرا بأن يتقدم بالعساكر، فلما قلت له ذلك نفر فيّ وقال: السمع والطاعة، كم تستعجلني! ثم إني حملت الزردخاناه (2) والثقل الذي لي وركبت، فبينما أنا ورفيقي الأمير صارم الدين الفخري وركن الدين أمير جندار عند الغروب وإذا بنجاب قد أقبل فقلنا له: أين تركت السلطان؟ فقال: يطول الله أعماركم فيه؛ فبهتنا، وإذا بالعصايب قد لاحت، وأقبل الأمراء وبيدرا في الدست، فجينا وسلمنا، وساق معه ركن الدين أمير جندار، وقال له: يا خوند هذا الذي تم كان بمشورة الأمرا؟ قال: نعم أنا قتلته بمشورتهم وحضورهم، وها هم حضور وكان من جملتهم حسام الدين لاجين وبهادر رأس نوبة وقرا سنقر وبدر الدين بيسري؛ ثم إن بيدرا شرع يعدد ذنوبه وإهماله لأمور المسلمين واستهتاره بالأمرا وتوزيره لابن السلعوس، ثم قال: رأيتم الأمير زين الدين كتبغا؟ فقلنا: لا، فقال له أمير جندار: عنده علم من هذه القضية؟ قال: نعم، هو أول من أشار بها، فلما كان من الغد جاء كتبغا في طلب نحو من ألفين من

_ (1) المحفدار: هو الذي يتصدى لخدمة المحفة ومعناه ممسك المحفة (صبح الأعشى 5: 470) . (2) يقال لها أيضاً ((السلاح خاناه)) وتشتمل على أنواع السلاح، وصانع السلاح يسمى الزرد كاش (صبح الأعشى 4: 11 - 12) .

الخاصكية (1) وغيرهم، ثم قال كتبغا لبيدرا: أين السلطان؟ ورماه بالنشاب، ورموا كلهم بالنشاب وقتلوه، وتفرق جمعه، فلما رأينا ذلك التجأنا إلى جبل، واختلطنا بالطلب الذي جاء، فعرفنا بعض أصحابنا، فقال لنا: شدوا بالعجلة مناديلكم (2) في أرقابكم إلى تحت الإبط، يعني شعارهم. قال ابن المحفدار: وسألت شهاب الدين ابن الأشل: كيف كان قتل السلطان؟ قال: جاء إليه بعد رفع الدهليز أن بتروجة طيراً كثيراً، فقال لي: امش بنا حتى نسبق الخاصكية، فركبنا وسرنا، فرأينا طيراً كثيراً، فرمى بالبندق وصرع كثيراً، ثم قال: أنا جيعان، فهل معك شيء تطعمني؛ فقلت: ما معي سوى فروجة ورغيف في سولقي (3) ، فقال: هاته، وناولته فأكله، ثم قال: امسك فرسي حتى أبول، ثم نزل وجعل يريق (4) الماء ويمازحني ثم ركب، وإذا بغبار عظيم، فقال: سق واكشف الخبر، فسقت، وإذا ببيدرا والأمراء فسألتهم عن سبب مجيهم فلم يردوا علي، وساقوا إلى السلطان وقتلوه كما ذكرنا. ثم إن بعد يومين طلع والي تروجة وغسلوه وكفنوه ووضعوه في تابوت، وسيروا من القاهرة الأمير سعد الدين كوجبا الناصري فأحضر التابوت ودفن في تربة والدته، وذلك في المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وكان من أبناء الثلاثين أو أقل، رحمه الله تعالى. ذكر فتوحاته: عكا وصور وصيدا وبيروت وقلعة الروم وبهسنا، وجميع الساحل في أقرب مدة.

_ (1) الخاصكية: هم الذي يدخلون على السلطان في أوقات خلواته وفراغه ويركبون لركوبه ليلاً ونهاراً ويتميزون بسيوفهم وملابسهم الطرز المزركش (زبدة كشف الممالك: 115) . (2) ص: مناديكم (دون إعجام للياء) . (3) السولق - بالسين والصاد - مخلاة من جلد يضمها الشخص في حزامه من الجهة اليمنى. (4) ص: يرق.

وكان مدة ملكه ثلاث سنين وشهر وخمسة أيام. وكان كرمه زائداً وإطلاقه عظيم، وكانت واقعته تسمى وقعة الأيدي والأكتاف، لأن جميع من وافق عليه قطعت أيديهم أولاً، وفيهم من سمر، وفيهم من أحرق، وفيهم من قتل، ولم يجدد في زمانه مظلمة، ولا استجد ضمان مكس. وكان يحب الشام وأهله، وفيه يقول شمس الدين ابن غانم: مليكان قد لقّبا بالصلاح ... فهذا خليلٌ وذا يوسف فيوسف لا شكّ في فضله ... ولكن خليلٌ هو الأشرف وكان مغرى بالهدم، لأنه هدم أماكن، وفيه يقول علاء الدين الوداعي لما أمر بهدم الأماكن المجاورة للميدان بدمشق، ووزع عمارته على الأمراء: إن أمر السلطان في جلقٍ ... بهدم ما جاور ميدانه فإنه قد غار لمّا رأى ... غير بيوت الله جيرانه وقال أيضاً: أرى الأمراء قد جدوا وجادوا ... وشدّوا في بنائهم وشادوا وهم متسابقون ولا عجيبٌ ... ففي الميدان تستبق الجياد وقال أيضاً جزيتم أيها الأمراء خراً ... على إتقانكم هذه البنيّه فلا تخشوا على الميدان شيئاً ... سوى سيل العطايا الأشرفيه ولما افتتح السلطان عكا امتدحه القاضي شهاب الدين محمود بقصيدته البائية المشهورة، وهي (1) : الحمد لله دلّت دولة الصّلب ... وعزّ بالترك دين المصطفى العربي

_ (1) انظر هذه القصيدة في تاريخ ابن الفرات 8: 115.

هذا الذي كانت الآمال لو طلبت ... رؤياه في النوم لاستحيت من الطلب ما بعد عكا وقد هدّت قواعدها ... في البحر للشرك عند البر من أرب عقيلةٌ ذهبت أيدي الخطوب بها ... دهراً وشدّت عليها كفّ مغتصب لم يبق من بعدها للكفر مذ خربت ... في البرّ والبحر ما ينجي سوى الهرب كانت تخيلنا آمالنا فنرى ... أن التفكّر فيها غاية العجب أما الحروب فكم قد أنشأت فتناً ... شاب الوليد بها هولاً ولم تشب سوران: برٌّ وبحرٌ حول ساحتها ... دار وأدناهما أنأى من القطب مصفّح بصفاح حولها أكمٌ ... من الرماح وأبراجٌ من اليلب مثل الغمائم تهدي من صواعقها ... بالنبل أضعاف ما تهدي من السحب كأنما كلّ برجٍ حوله فلكٌ ... من المجانيق يرمي الأرض بالشهب ففاجأتها جنود الله يقدمها ... غضبان لله لا للملك والنّشب كم رامها ورماها قبله ملكٌ ... جمّ الجيوش فلم يظفر ولم يجب (1) لم ترض همّته إلاّ الذي قعدت ... للعجز عنه ملوك العجم والعرب ليث أبى أن يردّ الوجه عن أُممٍ ... يدعون ربّ العلى سبحانه بأب لم يلهه ملكه، بل في أوائله ... نال الذي لم ينله الناس في الحقب فأصبحت وهي في بحرين ماثلة ... ما بين مضطرمٍ ناراً ومضطرب جيش من الترك ترك الحرب عندهم ... عار (2) ، وراحتهم ضرب (3) من الضرب خاضوا إليها الردى والهجر فاشتبه ال ... أمران واختلفا في الحال والسبب تسنّموها فلم يترك تسنّمهم ... في ذلك الأفق برجاً غير منقلب أتوا حماها فلم تمنع وقد وثبوا ... عنها مجانيقهم شيئاً ولم يثب يا يوم عكا لقد أنسيت ما سبقت ... به الفتوح وما قد خطّ في الكتب

_ (1) ابن الفرات: ولم يصب. (2) ص: عاراً. (3) ص: ضرباً.

لم يبلغ النطق حدّ الشكر منك فما ... عسى يقوم به ذو الشعر والخطب كانت تمنّى بك الأيام مبعدةً ... فالحمد لله نلنا ذاك عن كثب أغضبت عبّاد عيسى إذ أبدتهم ... لله أي رضىً في ذلك الغضب وأطلع الله جيش النصر فابتدرت ... طلائع النصر بين السّمر والقضب وأشرف المصطفى الهادي البشير على ... ما أسلف الأشرف السلطان من قرب فقرّ عيناً بهذا الفتح وابتهجت ... بفتحه الكعبة الغراء في الحجب وسار في الأرض سير الريح سمعته ... فالبرّ في طربٍ والبحر في حرب وخاضت البيض في بحر الدماء وما ... أبدت من البيض إلاّ ساق مختضب وغاص زرق القنا في زرق أعينهم ... كأنها شطنٌ تهوي إلى قلب توقدت وهي غرقى في دمائهم ... فزادها الطفح منها شدّة اللهب وذاب من حرها عنهم حديدهم ... فقيدتهم بها ذعراً يد الرّهب كم أبرزت بطلاً كالطّود قد بطلت ... حواسه فغدا كالمنزل الخرب أجرت إلى البحر بحراً من دمائهم ... فراح كالراح إذ غرقاه كالحبب تحكمت وسطت فيهم قواضبنا ... قتلاً وعفّت لحاويها عن السلب كأنّه وسنان الرمح يظلبه ... برجٌ هوى ووراه كوكب الذّنب بشراك ما ملك الدنيا لقد شرفت ... بك الممالك واستعلت على الرتب ما بعد عكا وقد لانت عريكتها ... لديك شيءٌ تلاقيه على تعب فانهض إلى الأرض فالدنيا بأجمعها ... مدت إليك فواصلها (1) بلا نصب كم قد دعت وهي في أسر العدا زمناً ... صيد الملوك فلم تسمع ولم تجب أتيتها يا صلاح الدن معتقداً ... بأن داعي صلاح الدين لم يخب أسلت فيه كما سالت دماؤهم ... من قبل إحرازها بحراً من الذهب أدركت ثأر صلاح الدين إذ غصبت ... منه لسرٍّ طواه الله في اللقب

_ (1) ابن الفرات: نواصيها.

وجئتها بجيوشٍ كالسيول على ... أمثالها بين آجامٍ من القضب وحطتها بالمجانيق التي وقفت ... إزاء جدرانها في جحفل لجب مرفوعة نصبوا أضعافها فغدا ... للكسر والحطم منهم كلّ منتصب ورضتها بنقوبٍ ذللت شمماً ... منها وأبدت محياها بلا نقب وغنّت البيض في الأعناق فارتقصت ... أبراجها لعباً منهنّ باللعب وخلقت بالدم الأسوار (1) فانفغمت ... طيباً ولولا دماء الخبث لم تطب وأبرزت كلّ خودٍ كاعبٍ نثرت ... رؤوسهم حين زفّوها بلا طرب باتت وقد جاورتنا ناشزاً وغدت ... طوع الهوى في يدي جيرانها الجنب بل أحرزتهم ولكن للسيوف لكي ... لا يلتجي أحد (2) منهم إلى الهرب أضحت أبا لهب تلك البروج وقد ... كانت بتعليقها حمالة الحطب وتمت النعمة العظمى وقد كملت ... بفتح صور بلا حصر ولا نصب وجارت النار في أرجائها وعلت ... فأطفأت ما بصدر الدين من كرب وأفلت البحر منهم من يخبّر من ... يلقاه من قومه بالويل والحرب أختان في أن كلا منهما (3) جمعت ... صليبة الكفر لا أختان في النسب لما رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الخراب لها أعدى من الجرب الله أعطاك ملك البحر إذ جمعت ... لك السعادة ملك البرّ والعرب من كان مبدأه عكا وصور معاً ... فالصين أدنى إلى كفيه من حلب علا بك الملك حتى إنّ قبته ... على البرايا غدت ممدودة الطنب فلا برحت قرير العين مبتهجاً ... بكلّ فتح مبين المنح مرتقب وقال أيضاً يمدحه عند فتح القلعة الروم سنة إحدى وتسعين وستمائة:

_ (1) ص: الأصوار. (2) ص: أحداً. (3) ص: كل منهم.

لك الراية الصفراء يقدمها النصر ... فن كيقباذٌ إن رآها وكيخسرو إذا خفقت في الأرض هدب بنودها ... هوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الثغر وإن نشرت مثل الأصائل في وغىً ... جلا النقع من لألاء طلعتها البدر وإن يممت زرق العدا سار تحتها ... كتائب خضر تحتها البيض والسمر كأنّ مثار النّقع ليلٌ، وخفقها ... بروق، وأنت البدر، والفلك البحر (1) لها كلّ يوم أين سار لواؤها ... هديّة تأييدٍ يقدّمها الدهر وفتح أتى في إثر فتح كأنّما ... سماءٌ بدت تترى كواكبها الزهر فكم وطئت طوعاً وكرهاً معاقلٌ ... مضى الدّهر عنها وهي عانسة بكر فإن رمت حصناً سابقتك كتائبٌ ... من الرعب أو جيشٌ (2) يقدمه النصر ففي كلّ قطرٍ للعدى وحصونهم ... من الخوف أسياف تجرد أو حصر فلا حصن إلاّ وهو سجنٌ لأهله ... ولا جسدٌ إلاّ لأرواحهم قبر وما قلعة الروم التي حزت فتحها ... وإن عظمت إلاّ إلى غيرها جسر محجّبةٌ بين الجبال (3) كأنها ... إذا ما تبدّت في ضمائرها سر تفاوت وصفاها فللحوت فيهما ... مجالٌ وللنّسرين بينهما وكر (4) فبعضٌ رسا حتى جرى الماء فوقه ... وبعضٌ سما حتى همى دونه القطر يحيط بها نهران تبرز فيهما ... كما لاح يوماً في قلائده النحر تخاض متون السّحب فيها كأنها ... إذا ما استدارت حول أبراجها نهر على هضب صمٍّ يكلّم صخرها ال ... حديد وفيها عن إجابته وقر لها طرق (5) كالوهم أعيا سلوكه ... على الفكر حتى ما يخيّله الفكر

_ (1) ص: الجتر. (2) ص: جيشاً. (3) ص: الخيال. (4) ص: ذكر. (5) ص: طرقاً.

إذا خطرت فيها الرياح تعثّرت ... أو الذرّ يوماً زلّ (1) عن متنه الذر يضلّ القطا فيه ويخشى عقابها ال ... عقاب ويهفو في مراقبها النسر فصبّحتها بالجيش كالرّوض بهجةً ... صوارمه أنهاره والقنا الزهر وأبدعت بل كالبحر والبيض موجه ... وجرد المذاكي السفن والخوذ الدر وأغربت بل كالليل، عوج سيوفه ... أهلته، والنّبل أنجمه الزهر وأخطأت لا بل كالنّهار فشمسه ... جيوشك، والآصال راياتك الصفر ليوثٌ من الأتراك آجامها القنا ... لها كلّ يومٍ في ذرى ظفر ظُفر فلا الريح تسري بينهم لاشتباكها ... عليهم ولا ينهلّ من فوقهم قطر يرى الموت معقوداً بهدب نبالهم ... إذا ما رماها القوس والنظر الشزر ففي كلّ سرجٍ غصن بانٍ مهفهف ... وفي كلّ قوس مدّ ساعده بدر إذا صدموا صمّ الجبال تزلزلت ... وأصبح سهلاً تحت خيلهم الوعر ولو وردت ماء الفرات خيولهم ... لقيل هنا قد كان فيما مضى نهر أداروا بها سوراً (2) فأضحت كخنصرٍ ... لدى خاتم أو تحت منطقةٍ خصر وأجروا إليها من بحار أكفّهم ... سحاب ردىً لم يخل من قطره قطر كأنّ المجانيق التي قمن (3) حولها ... رواعد سخطٍ وبلها (4) النار والصخر فأحرزتها بالسيف قهراً، وهكذا ... فتوحك فيما قد مضى كلّه قسر غدت بشعار (5) الأشرف الملك الذي ... له الأرض دار وهي من حسنها قصر وأضحت بحمد الله ثغراً ممنّعاً ... تبيد اللّيالي والعدا وهو مفترّ وكانت قذىً في ناظر الدين فانجلى ... وذخراً لأهل الشرك فانعكس الأمر

_ (1) ص: زال. (2) ص: سور. (3) ص: قمت. (4) ص: نبلها. (5) ص: بشفاء.

فراغ

حرف الدال

حرف الدال

فراغ

الملك الناصر داود

149 - (1) الملك الناصر داود داود بن عيسى بن محمد بن أيوب، الملك الناصر صلاح الدين أبو المفاخر ابن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل الكبير ابن أيوب؛ ولد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة بدمشق، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة؛ سمع ببغداد من القطيعي وغيره، وبالكرك من ابن اللتي، وأجاز له المؤيد الطوسي؛ وكان حنفي المذهب عالماً فاضلاً مناظراً ذكياً، له اليد البيضاء في الشعر والأدب، لأنه حصل طرفاً جيداً من العلوم في دولة أبيه، وولي السلطنة سنة أربع وعشرين بعد والده، وأحبه أهل دمشق، وسار عمه الكامل من مصر ليأخذ دمشق منه، فاستنجد بعمه الأشرف، فجاء لنصرته، ونزل بالدهشة، ثم تغير عليه ومال لأخيه الكامل، وأوهم للناصر أنه يصلح قضيته، فاتفقا عليه وحاصراه أربعة أشهر وأخذا دمشق منه، وسار إلى الكرك وكانت لوالده، وأعطي معها الصلت ونابلس وعجلون وأعمال القدس؛ وعقد نكاحه على بنت عمه الكامل، ثم إن الكامل تغير عليه، ففارق ابنته قبل الدخول، ثم إن الناصر قصد الإمام المستنصر بالله، وقدم له تحف ونفائس، وسار إليه على البرية ومعه فخر القضاة ابن بصاقة وشمس الدين الخسروشاهي والخواص من مماليكه وألزامه، وطلب الحضور بين يديه كما فعل بصاحب إربل، فلم يأذن له، فنظم قصيدته البائية وأولها:

_ (1) الوافي والزركشي: 112 وعبر الذهبي 5: 229 والشذرات 5: 275 وابن خلكان 3: 496 وذيل مرآة الزمان 1: 126 والنجوم الزاهرة 7: 61 ونفح الطيب 2: 407 والسلوك ومفرج الكروب، والقسم الأعظم من هذه الترجمة لم يرد في المطبوعة.

دان ألّمت بالكثيب ذوائبه ... وجنح الدجى وحفٌ تجول غياهبه تقهقه في تلك الربوع رعوده ... وتبكي على تلك الطلول سحائبه أرقت له لمّا توالى بروقه ... وحلّت عزاليه وأسبل ساكبه إلى أن بدا من أشقر الصبح قادمٌ ... يراع له من أدهم الليل هاربه وأصبح ثغر الأقحوانة ضاحكاً ... تدغدغه ريح الصبا وتداعبه تمرّ على نبت الرياض بليلة ... تجمّشه طوراً وطوراً تلاعبه وأقبل وجه الأرض طلقاً وطالما ... غدا مكفهرّاً موحشاتٍ جوانبه وكساه الحيا وشياً من النبت فاخراً ... فعاد قشيباً غوره وغواربه كما عاد بالمستنصر ابن محمّدٍ ... نظام المعالي حين قلّت كتائبه إمامٌ تحلّى الدين منه بماجدٍ ... تحلّت بآثار النبيّ مناكبه هو العارض الهتّان لا البرق مخلفٌ ... لديه ولا أنواره وكواكبه إذا السنة الشّهباء شحّت (1) بطلها ... سخا وابلٌ منه وسحّت سواكبه فأحيا ضياء البرق ضوء جبينه ... كما نحلت جود الغوادي مواهبه له العزمات اللائي لولا نضالها ... تزعزع ركن الدين وانهدّ جانبه بصيرٌ بأحوال الزمان وأهله ... حذورٌ فما تخشى عليه نوائبه بديهته تغنيه عن كلّ مشكلٍ ... وإن حنّكته في الأمور تجاربه حوى قصبات السبق مذ كان يافعاً ... وأربت على زهر النجوم مناقبه تزيّنت الدنيا به وتشرّفت ... بنوها فأضحى خافض العيش ناصبه لئن نوهّت باسم الإمام خلافةٌ ... ورفّعت الزاكي المنار مناسبه فأنت الإمام العدل والعرق الذي ... به شرفت أنسابه ومناصبه وأغنيت حتى ليس في الأرض معدمٌ ... يجور عليه دهره ويحاربه ومن جدّه عمّ النبيّ وخدنه ... إذا صارمته أهله وأقاربه

_ (1) ص: سحت.

جمعت شتيت المجد بعد انفراقه ... وفرّقت جمع المال فانهال كاثبه (1) ألا يا أمير المؤمنين ومن غدت (2) ... على كاهل الجوزاء تعلو مراتبه أيحسن في شرع المعالي ودينها ... وأنت الذي تعزى إليه مذاهبه بأني أخوض الدوّ والدوّ مقفرٌ ... سبارته مغبرّةٌ وجوانبه وأرتكب الهول المخوف مخاطراً ... بنفسي ولا أعبا بما أنا راكبه وقد رصد الأعداء لي كلّ مرصدٍ ... فكلّهم نحوي تدبّ عقاربه وآتيك والعضب المهنّد مصلتٌ ... طويرٌ شابه فاتناتٌ ذوائبه وأترك آمالي ببابك راجياً ... بواهر جاه يبهر النّجم ثاقبه فتقبل منّي عبد رقً فيغتدي ... له الدهر عبداً (3) طائعاً لا يغالبه وتنعم في حقّي بما أنت أهله ... وتعلي محلي فالسّها لا يقاربه وتلبسني من نسج ظلّك حلّةً ... تشرّف قدر النيّرين جلاببه وتركبني نعمى أياديك مركباً ... على الفلك الأعلى تسير مواكبه وتسمح لي بالمال والجاه بغيتي ... وما الجاه إلاّ بعض ما أنت واهبه ويأتيك غيري من بلادٍ قريبة ... له الأمن فيها صاحب لا يجانبه (4) وما اغبّر من جوب الفلا حرّ وجهه ... ولا اتصلت بالسير فيها ركائبه فيلقى دنوّاً منك لم ألق مثله ... ويحظى ولا أحظى بما أنا طالبه وينظر من لألاء قدسك نظرةً ... فيرجع والنور الإماميّ صاحبه ولو كان يعلوني بنفسٍ ورتبة ... وصدق ولاءٍ لست فيه أصاقبه ولكنّه مثلي ولو قلت إنّني ... أزيد عليه لم يعب ذاك عائبه ولا بالذي يرضيه دون نصيره ... ولو أُنعلت بالنيّرات مراكبه

_ (1) ص: كاتبه. (2) ص: عدت. (3) ص: عبد. (4) ص: تجانبه.

لكنت أُسلّي النّفس عمّا أرومه ... وكنت أذود العين عمّا تراقبه وما أنا ممّن يملأ المال عينه ... ولا بسوى التقريب تقضى مآربه ومن عجبٍ أني لدى البحر واقف ... وأشكو الظّما والبحر جمٌّ عجائبه وغير ملومٍ من يؤمل قاصداً ... إذا عظمت أغراضه ومآربه وقد رضت مقصودي فتمت صدوره ... ومنك ترجّى أن تتمّ عواقبه فلما وقف الخليفة عليها أعجبته كثيراً، فاستدعاه سراً بعد مضي شطر من الليل، فدخل من باب السر إلى إيوان فيه ستر مضروب، فقبل الأرض، فأمر بالجلوس، فجعل الخليفة يحدثه ويؤنسه، ثم أمر الخدام فرفعوا الستر، فقبل الأرض وقبل يده، فأمر بالجلوس فجلس، وجاراه في أنواع من العلوم وأساليب الشعر، وأخرجه ليلاً وخلع عليه خلعة سنية: عمامة مذهبة سوداء وجبة سوداء مذهبة، وخلع على أصحابه ومماليكه خلعاً جليلة، وأعطاه مالاً جزيلاً، وبعث في خدمته رسولاً مشربشاً (1) من أكبر خواصه إلى الكامل يشفع فيه في إخلاص النية له وإبقاء ملكه عليه والإحسان إليه، وبلغ الكامل فخرج إلى تلقيهما إلى القصر، وأقبل على الناصر إقبالاً كثيراً، ونزل الناصر بالقابون وجعل رنكه (2) أسود (3) انتماءً إلى الخليفة، وكان الخليفة زاد في ألقابه بالوالي المهاجر مضافاً إلى لقبه، وتوجه من دمشق والرسول معه ليرتبه في الكرك، وذلك سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.

_ (1) مشرشباً: يلبس شربوشاً وهو قلنسوة طويلة تلبس بدل العمامة، وكانت شارة للأمراء (ملحق دوزي) . (2) الرنك لفظ فارسي معناه اللون، وهو يستعمل بمعني الشعار الذي يتخذه الأمير لنفسه عند تأمير السلطان له علامة على وطيفة الإمارة التي يعين عليها (حاشية السلوك 1: 672 رقم: 4، وانظر صبح الأعشى 4: 61 - 62) . (3) ص: أسوداً.

رجع الكلام

ولما كان الناصر ببغداد حضر في المستنصرية وبحث واستدل، والخليفة في روشن يسمع، وقام يومئذ الوجيه القيرواني ومدح الخليفة بقصيدة منها: لو كنت في يوم السقيفة حاضراً ... كنت المقدّم والهمام الأروعا فقال له الناصر: كذبت، قد كان العباس جد أمير المؤمنين حاضراً (1) ، ولم يكن المقدم إلا أبو بكر رضي الله عنه، فخرج الأمر بنفي (2) الوجيه، فذهب إلى مصر وولي تدريس مدرسة ابن شكر. رجع الكلام ثم وقع بين الكامل والأشرف، وأراد كل منهما أن يكون الناصر معه، فمال إلى الكامل، وجاء في الرسلية القاضي الأشرف ابن الفاضل، وسار الناصر إلى الكامل فبالغ في تعظيمه وأعطاه الأموال والتحف، ثم اتفق موت الأشرف والكامل، والناصر بدمشق في دار أسامة، فتشوف إلى السلطنة، ولم يكن يومئذ أميز منه، ولو بذل المال لحلفوا له، فتسلطن الجواد، فخرج الناصر من دمشق إلى القابون وسار إلى عجلون، ثم حشد وجاء، فخرج الجواد بالعساكر، ووقع المصاف بين نابلس وجينين، فانكسر الناصر وأخذ الجواد خزائنه، وكانت على سبعمائة جمل، فافتقر الناصر. ولما ملك الصالح نجم الدين أيوب دمشق وسار لقصد مصر، جاء عمه الصالح إسماعيل وملك دمشق، فتسحب جيش نجم الدين عنه، وبقي في نابلس في جماعة قليلة، فجهز الناصر عسكراً (3) من الكرك فأمسكوه وأحضروه إلى الكرك، فاعتقله عنده مكرماً. ونزل الناصر عند موت الكامل من الكرك على القلعة التي عمرها الفرنج

_ (1) ص: حاضر. (2) ص: بنفا. (3) ص: عسكر.

بالقدس وحاصرها وملكها وطرد من بالقدس من الفرنج وفي ذلك يقول ابن مطروح: المسجد الأقصى له عادة ... سارت فصارت مثلاً سائرا إذا غدا للكفر مستوطناً ... أن يبعث الله له ناصرا فناصرٌ طهّره أولاً ... وناصرٌ طهّره آخرا ثم إنه اتفق مع الصالح نجم الدين أيوب في أنه إن ملك مصر ما يفعل، فقال الصالح: أنا غلامك، وشرط عليه أشياء وأطلقه، فلما ملك مصر وقع التسويف منه والمغالطة، فغضب الناصر ورجع فبعث الصالح عسكراً (1) واستولوا على بلاد الناصر، ثم إن ابن الشيخ نازله في الكرك وحاصره أياماً ورحل، فقل ما عند الناصر من الذخائر والأموال واشتد عليه الأمر، فجهز الشيخ شمس الدين الخسروشاهي ومعه ولده إلى الصالح وقال: تسلم مني الكرك وعوضني الشوبك وخبزا بمصر فأجابه، فرحل إلى مصر مريضاً. ثم إن الأمر ضاق عليه فترك ولده المعظم نائباً في الكرك، وأخذ ما يعز عليه من الجواهر ومضى إلى حلب مستجيراً بصاحبها، فأكرمه، ثم توجه قاصداً بغداد، وأودع ما معه من الجواهر عند الخليفة، وكانت قيمتها أكثر من مائة ألف دينار، ولم يصل بعد ذلك إليها. وكان له ولدان: الظاهر والأمجد، وهما من بنت الملك الأمجد ابن العادل، فأمهما بنت عمه، وأم المعظم بنت عمه الصالح، فاتفقا مع أمهما على القبض على المعظم فقبضاه، واستولوا على الكرك. ثم سار الأمجد إلى المنصورة فأكرمه الصالح، فكلمه في الكرك وتوثق منه لنفسه وإخوته وأن يعطيه خبزاً بمصر، فأجابه، وسير الطواشي بدر الدين الصوابي إلى الكرك نائباً، وأقطع أولاد الناصر إقطاعات جليلة، وفرح بالكرك؛ وبلغ الناصر الخبر وهو بحلب فعظم ذلك عليه. فلما مات الصالح وتملك ابنه المعظم توران شاه وقتل عمه الطواشي الصوابي وأخرج

_ (1) ص: عسكر.

المغيث عمر ابن العادل ابن الكامل من حبس الكرك وملكه الكرك والشوبك، وجاء صاحب حلب فملك دمشق، ومعه الصالح إسماعيل والناصر داود، فقيل له ان الناصر يسعى في السلطنة، فقبض عليه وحبسه بحمص، ثم أفرج عنه بشفاعة الخليفة، فتوجه إلى الخليفة فلم يؤذن له في الدخول إلى بغداد، فطلب وديعته فلم تحصل له، فرد إلى دمشق، ثم سافر إلى بغداد لأجل الوديعة، فنزل بمشهد الحسين بكربلا، وسير قصيدة إلى الخليفة يمدحه ويسأله في رد الوديعة ويتلطف، فلم يرد عليه جواب، فحج وأتى المدينة وقام بين يدي الحجرة النبوية، وأنشد قصيدته التي أولها: إليك امتطينا اليعملات رواسماً ... يجبن الفلا ما بين رضوى ويذبل ثم أحضر شيخ الحرم والخدام، ووقف بين يدي الضريح مستسمكاً بسجف الحجرة وقال: اشهدوا أن هذا مقامي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد دخلت عليه مستشفعاً به إلى ابن عمه أمير المؤمنين في رد وديعتي، فأعظم الناس هذا وبكوا، وكتبوا بصورة ما جرى إلى الخليفة؛ ولما كان الركب في الطريق خرج عليهم أحمد بن حجي بن يزيد من آل مرى فوقع القتال، وكادوا يظفرون بأمير الحاج، فشق الناصر الصفوف، وكلم أحمد بن حجي، وكان أبوه صاحبه، فترك الركب ونزل الناصر بالحلة، فقرر له راتب يسير، ولم ينل مقصوداً (1) ، فجاء إلى قرقيسيا، ومنها إلى تيه بني إسرائيل، وانضم إليه عربان، فخاف المغيث منه وراسله وخدعه إلى أن قبض عليه وعلى من معه، وحبسه بطور هارون، فبقي ثلاثة أيام. واتفق أن المستعصم دهمه أمر التتار فكتب إلى صاحب الشام يستمده ويطلب منه جيشاً يكون مقدمه الناصر داود، فطلبه من المغيث فأخرجه، وقدم إلى دمشق ونزل بقرية البويضا قرب البلد، وأخذ يتجهز للمسير، فجاءت الأخبار بما جرى على بغداد من التتار، وعرض طاعون بالشام عقيب واقعة التتار،

_ (1) ص: مقصود.

فطعن الناصر في جنبه وتوفي ليلة الثامن والعشرين (1) من جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة، وركب السلطان إلى البويضا، وأظهر التأسف عليه وقال: هذا كبيرنا وشيخنا، ثم حمل إلى تربة والده بسفح قاسيون. وكان رحمه الله تعالى معتنياً بتحصيل الكتب النفيسة، ووفد عليه راجح الحلي ومدحه فوصل إليه منه ما يزيد على أربعين ألف درهم، وأعطاه على قصيدة أخرى ألف دينار. وكتب الملك الناصر داود إلى وزيره فخر القضاة ابن بصاقة: يا ليلة قطّعت عمر ظلامها ... بمدامةٍ صفراء ذات تأجّج بالساحل النامي روائح نشره ... عن روضه المتضوّع المتأرج واليمّ زاهٍ قد جرى تيّاره ... من بعد طول تقلّقٍ وتموج طوراً يدغدغه النّسيم وتارةً ... يكرى فتوقظه بنات الخزرج والبدر قد ألقى سنا أنواره ... في لجّه المتجعّد المتدبّج فكأنّه إذ قدّ صفحة متنه ... بشعاعه المتوقد المتوهج نهرٌ تكوّن من نضارٍ يانعٍ ... يجري على أرضٍ من الفيروزج ومن شعره: صبحاني بوجهه القمريّ ... واصبحاني بالسلسبيل الرويّ بدر ليلٍ يسعى بشمس نهارٍ ... فشهيٌّ ينتابنا بشهيّ واعجبا لاجتماع شمس وبدر ... في سنائي سنا كمال بهيّ إن تبدّت بوجهها ذهبيّاً ... قلت هذا من وجهه الفضيّ يا ولوعاً بالنبل أصميت قلبي ... بسهام من لحظك البابليّ رشقته من حاجبيك سهامٌ ... منتضاةٌ أحسن بها من قسي ومنه:

_ (1) ص: والعشرون.

لو عاينت عيناك حسن معذبي ... ما لمتني ولكنت أول من عذر عين الرشا قدّ ردف النّقا ... شعر الدجى شمس الضحى وجه القمر ومما ينسب إليه وهو غاية: بأبي أهيفٌ إذا رمت منه ... لثم ثغرٍ يصدّني عن مرامي قد حمى خدّه بسور عذارٍ ... مقلتاه أضحت عليه مرامي وله أيضاً: تراخيت عني حين جدّ بي الهوى ... وجربت صبري عندما نفد الصبر فلو عاينت عيناك في الليل حالتي ... وقد هزني شوقي وأقلقني الفكر رأيت سليماً في ثياب مسلم ... ومستشعراً قد ضمّ شرسوفه الشعر وله: إذا عاينت عيناي أعلام جلّقٍ ... وبانت من القصر المشيد قبابه تيقنت أن البين قد بان والنّوى ... نأى شحطها والعيش عاد شبابه وله أيضاً: طرفي وقلبي قاتلٌ وشهيد ... ودمي على خديك منه شهود يا أيها الرشأ الذي لحظاته ... كم دونهنّ صوارمٌ وأسود من لي بطيفك بعدما منع الكرى ... عن ناظريّ البعد والتّسهيد وأما وحبّك لست أضمر توبةً ... عن صبوتي ودع الفؤاد يبيد وألذّ ما لاقيت فيك منيّتي ... وأقلّ ما بالنفس فيك أجود ومن العجائب أن قلبك لم يلن ... لي والحديد ألانه داود وعلى الجملة إنه لم يكن مسعود الحركات، لأنه قضى عمره في أسوأ حال، مشرداً (1) عن الأوطان معكوس المقاصد، وقيل: إنه كان إذا دخل في الشراب

_ (1) ص: مشرد.

الملك المؤيد هزبر الدين

وأخذ السكر منه يقول: أشتهي أن أرى فلاناً طائراً في الهوا، فيرمى ذلك المسكين في المنجنيق ويراه وهو في الهواء، فيضحك ويسر به ويقول: أشتهي أشم روايح فلان وهو يشوى، فيحضر ذلك المعثر ويقطع لحمه ويشوى، وهو يضحك من فعلهم بذلك المسكين، وله من هذه الأفعال الردية أنواع كثيرة. وفيه يقول جمال الدين ابن مطروح: ثلاثة ليس لهم رابع ... عليهم معتمد الجود الغيث والبحر وعزّزهما ... بالملك النّاصر داود رحمه الله تعالى وعفا عنه وعن جميع المسلمين. 150 - (1) الملك المؤيد هزبر الدين داود بن يوسف بن عمر بن رسول التركماني، الملك المؤيد هزبر الدين، ملك اليمن نيفاً وعشرين سنة، ومات في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. وكان قد تفنن وحفظ كفاية المتحفظ ومقدمة ابن باب شاذ، وبحث التنبيه وطالع وسمع من المحب الطبري وغيره، واشتملت خزانته على مائة ألف مجلد، وكان محباً للخير يزور الصالحين، وقدم عليه عز الدين الكولمي ومعه من المسك والحرير الصيني ما أدى عليه ثلثمائة ألف درهم، وأنشأ المؤيد قصراً بديع الحسن عديم المثال.

_ (1) الوافي والشذرات 6: 55 وعبر الذهبي 6: 120 والدرر الكامنة 2: 190 والنجوم الزاهرة 9: 253.

ولما مات تولى ابنه المجاهد، واضطرب ملك اليمن مدة، وتمكن الملك الظاهر ابن المنصور وقبضوا على المجاهد، ثم مات المنصور وكان ديناً رحيماً، فثار أمراء مع المجاهد، واستولى على قلعة تعز، ثم قوي أمره وأباد أضداده. وقال الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليماني يمدح المؤيد وقد ركب فيلاً: الله أولاك يا داود مكرمة ... ورتبةً ما أتاها قبل سلطان ركبت فيلاً وظلّ الفيل ذا رهج ... مستبشراً وهو بالسلطان فرحان لك الإله أذلّ الوحش أجمعه ... هل أنت داود فيه أم سليمان وقال يمدحه وقد بنى قصراً (1) بظاهر زبيد: يا ناظم الشعر في نعمٍ ونعمان ... وذاكر العهد من لبنى ولبنان ومعمل الفكر في ليلى وليلتها ... بالسفح من عقدات الضال والبان قصر فيا لعلوّ من زبيد (2) علا ... عالي المنار عظيم القدر والشّان به التغزّل أحلى ما يرى بهجاً ... فدع حديث لويلاتٍ بعسفان قصرٌ بناه هزبر الدين مفتخراً ... وشاد ذلك بانٍ أيما بان هذا الخورنق بل هذا السّدير أتى ... في عصر داود لا في عصر نعمان أنسى بإيوانه كسرى فلا خبرٌ ... من بعد ذلك عن كسرى لإيوان سامى النجوم علاء فهي راجعة ... عن ... ذاك لإيوان ابن حسان تودّ فيه الثريا لو بدت سرجاً ... مثل الثريا به في بعض أركان يحفه دوح زهرٍ كلّه عجبٌ ... كم فيه من فنن زاه بأفنان

_ (1) ص: قصر. (2) ص: من وادي زبيد.

ولم يوجد شيئاً " كذا " على حرف الذال المعجمة تم الجزء الأول من المجموع المسمى ب؟ " فوات الوفيات والذيل عليها " من خط جامعه محمد بن شاكر بن أحمد الكتبي عفا الله عنه وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين. ويتلوه في الجزء الثاني ترجمة راجح بن إسماعيل بن أبي القاسم الحلي الأسدي. والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حرف الراء

حرف الراء

فراغ

راجح الحلي

151 - (1) راجح الحلي راجح بن إسماعيل بن أبي القاسم الحلي الأسدي؛ دخل الشام وجال في بلادها ومدح ملوكها ونادمهم، وكان فاضلاً جيد النظم عذب الألفاظ حسن المعاني، وتوفي بدمشق سنة سبع وعشرين وسبعمائة، ومولده سنة تسعين وخمسمائة؛ ومن شعره: ألا هبوا فقد أرج الخزامى ... وغنى الطير وانتشت (2) النعامى أتتنا من جبال الثلج سكرى ... تنفض عن معاطفها الغماما كأن مطارح الحانات باتت ... تثج (3) على معاطفها المداما ورب معقرب الأصداغ ألمى ... سقيم الجسم ألبسني السقاما تفرد بالملاحة فاستمدت ... سوالف خده ألفاً ولاما وخط البدر هالته عليه ... فأطلعه بها بدراً تماما يفتت قلب عاشقه إذا ما ... زوى جفنيه أو هز القواما بروحي من تملكني هواه ... وأسهرني على ولهي وناما فيا لله ليلتنا بسلعٍ ... وقد أرقت بالنوح الحماما تجلى بالخيام الزرق وهناً ... فبت لأجله أرعى الخياما

_ (1) بغية الطلب 7: 2 وابن خلكان 4: 10 (في ترجمة ممدوحه الملك الظاهر) والنجوم الزاهرة 6: 275 والشذرات 5: 123 وعبر الذهبي 5: 108 والزركشي: 114؛ وقد أخلت المطبوعة بالقسم الأعظم من هذه الترجمة. (2) ص: وانتشب؛ والنعامي: ريح الجنوب، وقد فسر انتشاءها في البيت التالي. (3) ص: تبخ.

سقاني الراح من يده وفيه ... فما برد الغليل ولا الأواما عقدت على ذوائبه يميني ... وملت إليه ضماً والتزاما ومن شعره يمدح الملك الناصر داود رحمه الله: أمنكم خطرت مسكية النفس ... صباً تلقيت منها برء منتكس نمت بما استودعت والفجر جمرته (1) ... ما دب إيقادها في فحمة الغلس ردت على مقلتي طيب الرقاد فها (2) ... إنسانها بلذيذ النوم في أنس فيا لها نفحةً خالست نسمتها ... لما تيقنت أن العيش في الخلس وللنسيم إشارات إذا التبست ... فسرها عند مثلي غير ملتبس فما قعودك بي عن بنت دسكرة ... يغنيك لألاؤها في الليل عن قبس يديرها ثمل الأعطاف قامته ... لو مثلت لغصون البان لم تمس سعى بها والدجى من حلي أنجمه ... عارٍ ولكن بأنوار الكؤوس كُسي والسحب تضحك ثغر النور أدمعها ... والجو في مأتم والأرض في عرس ظبي وقائع طرفي في محبته ... بين اللمى وفتور الجفن واللعس نبهته ونجوم الليل تسبح في ... بحر الظلام فمن طافٍ ومنغمس فقام يمسح مافي الجفن من سنةٍ ... وقد تمشى الكرى في الأعين النعس فسكنت سورة الصهباء شرته ... واستودعت بعض مافي الخلق من شرس فما ضممت الذي في العطف من هيفٍ ... حتى استكن الذي في الوطف (3) من شوس فلا عدمت طلا صادته كأس طلى ... فما ثنى عطفه عن نيل ملتمس هذا وركب عفاة قد عدلت بهم ... إلى مغاني الغنى عن أربع درس عافوا ورود وعود الباخلين فما ... أجروا مطالبهم منها على يبس

_ (1) ص: حمرته (2) ص: بها. (3) ص: العطف.

فقلت نصوا ركاب الحمد واخدةً ... إلى مقر العلى في أرض نابلس إلى مقرٍ تناجيني جلالته ... كأنني واقف في حضرة القدس وقال أيضاً: صاح قد أسفر الصباح المنير ... وتغنت على الغصون الطيور وأعاد النسيم أنفاس روضٍ ... كسد المسك عنده والعبير وبرود الربيع تضفو (1) فتصفو ... غدر (2) في خلالها ونهور وعلى الأرض للرياض سماء ... مثل زهر النجوم فيها الزهور وكأن الغمام والبرق نقع ... شهرت فيه مرهفات ذكور أو ستور ترخى على الأرض دكن ... كتبت بالنضار فيها سطور زمن صح للنديم سرور ... فيه واعتل للنسيم مرور فأجب داعي الصبوح فديك ال؟ ... صبح يدعو إليه والصع (3) وشموس المدام في شهب الكا ... سات يسعى بها علينا بدور كل بدرٍ سماؤه من قباء ... وعليه من فرعه ديجور رشأ للعيون منه نعيم ... حين يبدو وللقلوب سعير حاكم جائر الكؤوس عسوف ... مستطيل على الندامى أمير جاءنا بالكبار منها ونادى ... إنما يشرب الصغار الصغير فتناولت من يده عقاراً ... تترك الهم وهو منها عقير بنت دن شمطاء من عهد عيسى ... أودعتها كنائس وديور أكل الدهر ما تكاثف منها ... فهي في لطفها تكاد تطير قد خلعت العذار فيها وإني ... في هواها بخلعه لجدير

_ (1) ص: تصفوا. (2) ص: عذر. (3) سقط من ص، ولعل الصواب ((والعصفور)) .

وأزلت الوقار والنسك حتى ... لا أبالي بما إليه أصير ودعاني داعي التصابي فلبي؟ ... ت ونادى فلم اجبه النذير وحداني على الخلاعة علمي ... أن ربي لكل ذنب غفور فلذا كل حانةٍ أنا ثاوٍ ... يزدهيني بم هناك وزير راكعاً ساجداً إلى بيت حانٍ ... لا صلاة فيه ولا تكبير هاتفاً في الصباح حي على الرا ... ح وقد قام للفلاح بشير قهوة كالحياة في كل يومٍ ... لي موت بكاسها ونشور كم نعتني القيان بين رياضٍ ... أنا فيهن ملحد مقبور أنستني الولدان فيها إذا ما ... أوحش الميت منكر ونكير وإذا أرهق الزمان بنيه ... وغدا الخطب وهو صعب عسير فيغازي ابن يوسف الملك (1) الظا ... هر من جور صرفه أستجير (2) وقال أيضاً: ماء الجمال بوجهه مذ أشرقا ... كم ناظرٍ بدموعه قد أشرقا رشأ يفوق عن قسي حواجب ... نبلاً بغير مقاتلي لا يتقى ثمل المعاطف لم يزر قباؤه ... إلا على مثل القضيب وأرشقا أنا من تمادى هجره في مأتمٍ ... فاعجب لخدي بالدموع تخلقا (3) كالبدر يسري في نجوم قلائد ... متبلجاً من فوق غصنٍ في نقا لم يكف ضعف الخصر عن أردافه ... حتى اغتدى بعيوننا متمنطقا أجرى على عاداته دمعي ولو ... كشف الظلامة رد ذاك المطلقا

_ (1) ص: المال. (2) هو صاحب حلب أبو الفتح وأبو منصور غازي السلطان صلاح الدين؛ كان ملكاً مهيباً متيقظاً كثير الإطلاع على أحوال رعيته، توفي سنة 623 (ابن خلكان 4: 6 وفي الحاشية ذكر لمصادر ترجمته وذكر لمصادر أخرى في الملحقات 7: 325) (3) يشير إلى أن الذي في مأتم لا يستعمل خلوقاً، لأن الخلوق للزينة.

ورأى دليل جنون قلبي إنه ... بسلاسل الأصداغ أضحى موثقا (1) جعل الغرام قرى ملاحته فكم ... ثارٍ أثار وكم دمٍ قد أهرقا عبثت ثناياه بخمر رضابه ... حتى صفا في كأس فيه مروقا وبدت لنا آيات حسن لم يقم ... برهانها إلا وكنت مصدقا فبلحظه وبوجنتيه وثغره ... راح سكرت بنشرها مستنشقا كتب العذار على صحيفة خده ... بالمسك في الكافور سطراً ملحقا أمعنف العشاق وهو من الهوى ... خالي الحشا لا مت حتى تعشقا فزها بنفسجه الجني وقد غدا ... بالورد في روض الملاحة محدقا إني لأظمأ ما أكون إذا جرى ... ماء الحياة بوجهه وترقرقا قمر سقيم الطرف عقرب صدغه ... يثني عزائمنا ويهزأ بالرقى يا مثرياً من حسنه عطفاً على ... قلبٍ يبيت من التصبر مملقا ها قد رأيت خضوع سائل أدمعي ... أفكان عاراً (2) أن ترى متصدقا سل عن سوى جلدي فإني لم أدع ... تعليله حتى قضى، فلك البقا ما بات قلبي للصبابة ممسكاً ... حتى غدا جفني لدمعي منفقا سكن الضنى جسمي سكون مقيدٍ ... ومشى الغرام إلى فؤادي مطلقا ففداك قلب قد ملكت قياده ... لم يرج من رق الصبابة معتقا لو كان قلبك مثل عطفك لينا ... لرثى ورق لفيض دمعٍ ما رقا ماذا تعد لمن تعاديه إذا ... ما طرفك اغتال المحب المشفقا وقال أيضاً: لمن رسوم ما كدت أعرفها ... أوحش محتلها ومألفها قضت علينا آثار ساكنها ... أن المطايا يطول موقفها

_ (1) كان من عادتهم ربط المجنون بالسلاسل. (2) ص: عار.

أنفقت فيها الدموع عن ثقةٍ ... أن دواعي الحنين تخلفها أعباء شوقٍ أعبا تحملها ... فابتدرت أدمعي تخففها سقياً لها والظباء سانحة ... بجوها والرماح تكنفها حيث القدود الرشاق أقتلها ... لأنفس (1) العاشقين أهيفها منعمات الأعطاف ميدها ... مختصرات الخصور نحفها تلك خصور ما زال مختطفاً ... لب فؤاد الحليم مخطفها فمن معيني على غريم هوى ... يلوي ديوني ولا يسوفها نهيت قلبي عن حبه فأبت ... أن ترعوي صبوة أعنفها يظما إلى خمر عذب ريقته ... فمي وعود الأراك يرشفها فآه من زفرةٍ أرددها ... فيه ومن عبرةٍ أكفكفها مرهف قضب العيون أكحلها ... مضعف نبل الجفون أوطفها يا مشرقي بالدموع بل صدى ... حشاشة لا يبل مدنفها دمي على وجنتيك تثبته ... شهود دمعٍ ما زلت أقذفها فكيف ترجى النجاة من مقلٍ ... أفتكها بالقلوب أضعفها والنفس مذ كابدت هواك أبت ... عنه انحرافاً فكبف أصرفها فهات قل لي يا من لواحظه ... تشقي قلوباً (2) منا وتشغفها أهذه قامة يرنحها ... تيهك أم صعدة يثقفها وأعين أم قواضب الملك الظ؟ ... اهر يوم الهياج يرهفها وقال من أبيات: لي الله قلباً لا تزال تشوقه ... طلائع أحلامٍ تغر وتخدع إذا صبوة عنها أمالته سلوة ... تعرض زور من خيالٍ فترجع

_ (1) ص: الأنفس. (2) ص: تشفي قلوب.

خليلي هبا فانظرا لي جذوةً ... سما نحوها طرفي أم البرق يلمع فإن كان برقاً فاستميحاه وقفةً ... لعل شآبيب الحيا منه تهمع فإن جاد قبل الدمع مدرجة اللوى ... فتلك لعمري منة لا تضيع ولا تبخلا أن تتبعا الظعن نظرةً ... فلي خلف تلك العيس قلب مروع وما أخذوه عنوةً غير أنه ... تأخر عني حين راح يودع وأرقني بالأبرق الفرد بارق ... وورق غدت في مورق البان تسجع (1) ترخم صوتاً أعجمياً ومقلتي ... تترجم عنها حين تدمي وتدمع وعن أيمن السعدي يا سعد أربع ... لقلبي إليها لفتة وتطلع يرنحني تذكرها فكأنما ... يدار علي البابلي المشعشع فيا حبذا ظل النخيل وجرعة ... تبل غليلي لا كثيب وأجرع ليالي أغصان المعاطف تنثني ... علي ومن لعس المراشف أكرع وقال من قصيدة: ولرب ليلة موعدٍ كصدوده ... لا تهتدي فيها النجوم لمطلع نازلتها بالأبلجين: جبينه ... وسلاف كاس يمينه المتشعشع ودعوت حي على الشمول فلم يكن ... متأبياً عن شربه لما دعي فسقيته كاساً توهم أنها ... معصورة من خده أو أدمعي وأخذت في شكوى الغرام مردداً ... حرقي فرق لأنتي وتوجعي واستنزعت منه الكؤوس نزاقة ... ما كان لولا نزعها بالطيع لو كنت شاهد ما نبث من الجوى ... لعجبت من مرأىً هناك ومسمع راضت شمائله الشمول وطالما ... قد بت ألقى عزه بتخضعي فسخا بقبلته (2) وجاد بجيده ... لما انتشى وأباح كل ممنع

_ (1) ص: تشجع. (2) ص: بقللته.

وقال يعارض قصيدة ابن زريق: أخفى الغرام فأبداه توجعه ... وترجمت عن مصون الحب أدمعه صب بعيد مرامي الصبر ما برحت ... تحنى على برحاء الشوق أضلعه به لواعج شوق لو تحملها ... رضوى لهدته أو كادت تضعضعه ما بات أخيب خلق الله منه سوى ... مفندٍ ظن أن العذل يخدعه يا عذب الله قلبي كم يجن هوىً ... بجني عليه ويرعى من يروعه وشى عليه بما أخفاه من شجنٍ ... فرط الحنين الذي أمسى يرجعه وما أعاد الهوى إلا ليخجله ... لما توهم أن الصبر ينفعه واهاً لغرٍ خلا مما يكابده ... مسهد الطرف صب القلب موجعه ظبي توهم نومي حيلةً نصبت ... لصيده فهو بالهجران يقطعه أجرى دماً دمع عيني وهو مورده ... وأسكن النار قلبي وهو مرتعه ويلاه من شرس الأخلاق يعذب لي ... فيه العذاب ويحلو لي تمنعه وليلةٍ بت أسقى من مراشفه ... سلاف خمرٍ ثناياه تشعشعه يرنو ويعلم أن الطرف يصرعني ... وقد تيقنت أن السكر يصرعه حتى إذا أخذت الكؤوس منه ثنى ... إلي جيداً يغير الظبي أتلعه وبات قلبي الذي ما زال يؤيسه (1) ... يسمو إلى غاية الآمال مطمعه ولان بعد شماسٍ كنت أعهده ... منه وأصغى إلى شكواي مسمعه ولا تسل (2) كيف بت الليل من سهري ... لما اطمأن بعيد النوم مضجعه ولما تسلم الكامل دمياط وجاءوا الملوك إلى خدمته وهو بالمنصورة، فجلس مجلساً عظيماً، ومد سماطاً عظيماً، وأحضر ملوك الفرنج، ووقف المعظم عيسى والأشرف موسى والملوك في خدمته، فقام راجح الحلي بين السماطين وأنشد:

_ (1) ص: يؤسيسه. (2) ص: تسال.

أبو حكيمة الكاتب

هنيئاً فإن السعد راح مخلداً ... وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا حبانا إله العرش فتحاً بدا لنا ... مبيناً وإنعاماً وعزاً مؤيدا تهلل وجه الدهر بعد قطوبه ... وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا ولما طغى البحر الخضم بأهله ال ... طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا أقام لهذا الدين من سل سيفه ... صقيلاً كما سل الحسام مجردا فلم ينج إلا كل شلوٍ مجدل ... ثوى منهم أو من تراه مقيدا ونادى لسان الكون في الأرض رافعاً ... عقيرته في الخافقين ومنشدا أعباد عيسى إن عيسى وحزبه ... وموسى جميعاً يخدمون محمدا وله غير ذلك، وشعره كله جيد، وكانت وفاته بدمشق في شهور سنة سبع وعشرين وستمائة - كما ذكرنا ودفن خارج باب الصغير جوار قبة القلندرية (1) ، رحمه الله تعالى. 152 - (2) أبو حكيمة الكاتب راشد بن إسحاق بن راشد أبو محمد الكاتب الأنباري، يلقب أبا حكيمة - بضم الحاء - شاعر أديب أفنى عامة شعره في مراثي متاعه. قال ابن المرزبان: يقال إنما كان يقول ذلك لتهمة لحقته من عبد الله بن طاهر أيام خدمته له في خادم لعبد الله؛ ومن شعره: ولي خادم يرنو بطرف غزال ... يدل بحسنٍ فائقٍ وجمال

_ (1) ص: القلقندرية؛ والقلندرية: طائفة من الصوفية. (2) معجم الأدباء 11: 122 والزركشي: 117 وطبقات ابن المعتز: 389.

دعاني إلى ما يستحل ابن أكثم ... وقد يستحل الشيخ غير حلال ولما بدا لي ما يريد اجتنبته ... وقلت له إني لذلك قالي وقلت له: حاولت ما لست قادراً ... عليه ولو غاليت فيه بمالي بليت بأير لا يخف إلى الوغى ... إذا ما التقى الزحفان يوم قتال ويجبن عن حل الإزار وتحته ... مواضع مستنٍ له ومجالي (1) فأصبح لا تسمو إلى اللهو نفسه ... ولا تخطر اللذات منه ببال تدلدل فوق الخصيتين كأنه ... رشاء على رأس الركية بالي ولو قام لم أسعفك فيما طلبته ... أحق بأيري منك أم عيالي وقال أيضاً في المعنى: أيا أير قد صرت أحدوثةً ... لمن في البلاد من العالم ألم تك فيما مضى منعظاً ... تشبه بالوتد القائم وقد كنت تملأ كف الفتاة ... فأصبحت تدخل في خاتم وقال في المعنى: دعيت إلى شادنٍ أدعج ... يشبه بالقمر الأبلج فألفيت أيرك مستحذراً ... وقد يحرم المرء ما يرتجي ترى تركه أيما حسرة ... وأنت به مستهام شجي وصرت تحرج من نيكه ... ولو قام أيرك لم تحرج (2) سواء عليك إذا ما رنوت ... إلى مثله جئت أو لم تجي وقال أيضاً: نام أيري والنوم ذل وهون ... واعتراه بعد الحراك سكون

_ (1) ص: ومجال. (2) ص: تخرج ... تخرج.

بات نضواً وبت أبكي عليه ... إن همي بهمه مقرون كيف يلتذ عيشه آدمي ... بين رجليه صاحب محزون دب فيه البلى فماتت قواه ... وهو حي لم تخترمه المنون أيها الأير لم تخني ولكن ... غالني فيك ريب دهرٍ خؤون طالما قمت كالمنارة تهتز ... اهتزازاً تسمو إليه العيون رب يومٍ رفعت فيه قميصي ... فكأني في مشيتي مجنون سلبتك الأيام لذة عيشٍ ... يقصر الوصف دونها والظنون كانت الحادثات تنكل منه ... وخطوب الزمان فيها تهون فتخليت من مجون التصابي ... وتخلى منك الصبا والمجون أين إقدامك الشديد إذا ما ... شمرت بالكماة حرب زبون فقت أبطالها طعناً وضرباً ... ولكل الأشياء فوق ودون كم صدوق اللقاء دارت عليه ... في غمار الوغى رحاك الطحون وحصون لما وردت عليها ... أيقنت بالبلاء تلك الحصون وصريع أبحت منه مكاناً ... كان يحميه مرةً ويصون وشديد المراس أنفذت فيه ... طعنةً يستلذها المطعون تركته بعد المخافة منها ... وهو صب بحسنها مفتون فحنى قوسك الزمان وأفنت ... ك خطوب تفنى عليها القرون لم يدع منك حادث الدهر إلا ... جلدةً كالرشاء فيها غصون يتثنى كانه صولجان ... أو كما عوجت من الخط نون فإذا أبصرت خزاياك عيني ... شرقت بالدموع مني الجفون فمتى أنت مفلح بعد هذا ... أترى ذاك في حياتي يكون وقال أيضاً في المعنى: إذا وصفت من كل أير شجاعة ... أبى جبن ايري أن يحيط به وصف

يفر حذار الزحف من رأس فرسخٍ ... فكيف تراه حين يقرب بي (1) الزحف ويكسل بين الغانيات عن الذي ... يتم لإخوان السرور به القصف ينام على كف الفتاة وتارةً ... له حركات ما تحس به الكف كما يرفع الفرخ ابن يومين رأسه ... إلى أبويه ثم يدركه الضعف تطوق فوق الخصيتين كأنه ... رشاء على رأس الركية ملتف تقول سليمى حين غيره البلى ... وأعقبه من صرف أيامه صرف لئن دق واسترخى لقد كان مرةً ... له مقبض في كف لامسه يجفو (2) صبيحة يغدو للنطاح بهامةٍ ... من الصخر لا قرنان فيها ولا قحف إذا شئت لاقاني بمتنٍ مقومٍ ... ومشحوذة مثل السنان لها حرف فمالي أراه ضارباً بجرانه ... كذي سكرة مالت به الخمرة الصرف يعز عليه أن يقوم لحاجة ... ولو قام لم يتبعه عضو ولا عطف تكرد عيشي مذ رأيت انحناءه ... وللدهر أحداث تكدر ما يصفو وقال: ومنتبهٍ بين الندامى رأيته ... وقد رقد الندمان دب إلى الساقي فأولج فيه مثل أسود سالخٍ ... أصم من الحيات ليس له راقي فلما انتحى فيه تحرك واتكا ... وأطرق عند الرهز أحسن إطراق فقلت له لا تلفين مقصراً ... ولا مشفقاً في غير موضع إشفاق أجد تحت (3) خصييه فإن سكوته ... سكوت فتىً صب إلى النيك مشتاق فلو لم يكن يقظان ما قام أيره ... ولا لف عند النيك ساقاً إلى ساق وقال:

_ (1) ص: في. (2) ص: تخفو. (3) ص: نحت.

الأقطع أمير العرب

كأن أيري من رخو مفصله ... خريطة قد خلت من الكتب أو حية أرقم مطوقة ... قد جعلت رأسها إلى الذنب وقال في مرضه الذي مات فيه وهو بطريق مكة: أطبقت للنوم جفناً ليس ينطبق ... وبت والدمع في خديك يستبق لم يسترح من له عين مؤرقة ... وكيف يعرف طعم الراحة الأرق وددت لو تم لي حجي ففزت به ... ما كل ما تشتهيه النفس يتفق وكانت وفاته بطريق مكة بعد الأربعين ومائتين، رحمه الله تعالى. 153 - (1) الأقطع أمير العرب رافع بن حسين ابن حماد بن مقن - بالقاف المفتوحة - أبو المسيب، الأقطع المعروف بظاهر الدولة أمير العرب بنواحي بغداد؛ كان فيه فروسية وأدب، ويقول الشعر؛ وأمه علوية ابنة المقلد بن جعفر بن عمرو؛ كانت فاضلة كريمة معمرة، وكان فيه شح وإمساك، وكانت تعيبه بذلك، وإذا جرى في ضيافاته تقصير تممته من بيوتها، وكانت تقول: واغوثاه، ما عرفت العشرات والخمسات إلا منكم في هذا الزمان، وما كنا نعرف إلا الألوف والمئات، وكان لها رأي جيد في الحروب وغيرها. وكان سبب قطع يده أنه كان يشرب ومعه بعض أولاد بني عمه، فجرت بين اثنين منهم خصومة، وتجالدا بالسيوف، فخلص بينهما، فضرب أحدهما يده بالسيف قطعها غلظاً فذهبت هدراً، وكان يلبس كفاً يمسك به العنان ويقاتل

_ (1) الزركشي: 117 وتاريخ ابن الأثير 9: 451.

فلا يثبت له أحد. وكان عظيم الغيرة على حرمه وإمائه. وكانت مملكته البوازيج والسن (1) وتكريت والقادسية. وتوفي سنة سبع وعشرين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. ومن شعره (2) : لها ريقة أستغفر الله إنها ... ألذ وأشهى في النفوس من الخمر وصارم طرفٍ لا يزايل جفنه ... ولم أر سيفاً قبل في جفنه يبري منها: فقلت لها والعيس تحدج للنوى ... أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر سأنفق ريعان الشبيبة آنفاً ... على طلب العلياء أو طلب الأجر أليس من الخسران أن ليالياً ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري؟ ومنه: إن ابن حربٍ ما يحارب مهجةً ... إلا انتضى من مقلتيه سلاحا يا دهر إنك أنت نابذ ريقه ... خمراً وغارس خده تفاحا وغزلت من غزل شباك جفونه ... ونصبتها فتقنصت أرواحا

_ (1) البوازيج: بلد قرب تكريت، والسن على دجلة فوق تكريت (ياقوت) . (2) وردت الأبيات (3 - 5) في ابن خلكان 2: 173 منسوبة للوزير المغربي، وكذلك هي في معجم الأدباء 9: 88.

رتن الهندي

154 - (1) رتن الهندي قال الشيخ علاء الدين علي بن المظفر الكندي، حدثنا القاضي الأجل العالم جلال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن إبراهيم الكاتب من لفظه بدمشق بدار السعادة سنة إحدى عشرة وسبعمائة قال: أخبرنا قاضي القضاة نور الدين أبو الحسن علي بن أبي عبد الله محمد الحسين الحسيني الأثري الحنفي من لفظه عام إحدى وسبعمائة بالقاهرة، قال: أخبرني جدي الحسين بن محمد قال: كنت في زمن الصبا - وأنا ابن سبع عشرة سنة (2) أو ثمان عشرة - قد سافرت مع عمي من خراسان إلى بلد الهند في تجارة، فلما بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من ضياع الهند، فعرج أهل القفل نحو الضيعة ونزلوا بها وضج أهل القافلة، فسألنا عن الخبر فقالوا: هذه ضيعة الشيخ رتن المعمر، فلما نزلنا الضيعة رأينا شجرةً عظيمة تظل خلقاً كثيراً (3) ، وتحتها جمع عظيم من أهل الضيعة، فتبادروا الكل نحو الشجرة ونحن معهم، فرأينا زنبيلاً عظيماً معلقاً في بعض أغصان الشجرة، فسألنا عن ذلك فقالوا: هذا الزنبيل فيه الشيخ رتن الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم وما يروى عنه، فتقدم شيخ من أهل الضيعة إلى الزنبيل، وكان ببكرة، فأنزله وإذا هو مملوء (4) قطناً، والشيخ في وسط القطن، ففتح رأس الزنبيل، وإذا بالشيخ فيه كالفرخ، فوضع فمه على أذنه وقال: يا جداه، هؤلاء قوم قدموا من خراسان، وفيهم شرفاً من أولاد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سألوا أن

_ (1) الإصابة 2: 225 - 232 ولسان الميزان 2: 450 وميزان الاعتدال 2: 45. (2) ص: أحد عشر؛ سبع عشر؛ ثمان عشر. (3) ص: خلق كثير. (4) ص: مملوأ

تحدثهم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا قال لك؛ فعندها تنفس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية، ونحن نسمع ونفهم كلامه، فقال: سافرت مع أبي وأنا شاب من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة، فلما بلغنا بعض أودية مكة، وكان المطر قد ملأ الأودية بالسيل، فرأيت غلاماً أسمر اللون حسن الكون رائع الجمال وهو يرعى إبلاً في تلك الأودية، وقد حال السيل بينه وبين إبله، وهو يخشى من خوض السيل لقوته، فعلمت حاله فأتيت إليه وحملته وخضت به السيل إلى عند إبله، فلما وضعته عند إبله نظر إلي وقال لي بالعربية: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، فتركته ومضيت إلى سبيلي، إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما كنا أتينا له من أمر التجارة وعدنا إلى الوطن، فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه، وكانت ليلة البدر، فنظرنا إليه وقد انشق نصفين، فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب، ساعة زمانية، وأظلم الليل، ثم طلع النصف من المشرق والنصف الآخر من المغرب، وسارا إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أول مرة، فعجبنا من ذلك غاية العجب، ولم نعرف لذلك سبباً، وسألنا الركبان عن خبر ذلك، فأخبرونا أن رجلاً هاشمياً ظهر بمكة، وادعى أنه رسول الله تعالى إلى كافة الخلق، وأن أهل مكة سألوه معجزة كمعجزة سائر الأنبياء، وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في الغرب ونصفه في الشرق ثم يعود إلى ما كان عليه، ففعل ذلك بقدرة الله تعالى، فلما سمعنا ذلك من السفار اشتقت إلى أن أراه، فتجهزت في تجارة وسافرت إلى أن دخلت مكة، وسألت عن الرجل الموصوف فدلوني عليه، فأتيت إلى منزله واستأذنت عليه، فأذن لي فدخلت عليه، فوجدته جالساً في صدر المنزل، والأنوار تتلألأ في وجهه، وقد استنارت محاسنه وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى، فلم أعرفه، فلما سلمت عليه رد علي السلام وتبسم في وجهي وقال: ادن مني، وكان بين يديه طبق فيه رطب، وحوله جماعة من أصحابه

كالنجوم يعظمونه ويبجلونه، فقال كل من هذا الرطب، فجلست وأكلت معه من الرطب، وناولني بيده المباركة ست رطبات من سوى ما أكلت بيدي، ثم نظر إلي وتبسم وقال لي: ألم تعرفني؟ فقلت: كأني غير أني ما أتحقق، فقال: ألم تحملني في عام كذا وجاوزت بي السيل حين حال السيل بيني وبين إبلي؟ قال: فعند ذلك عرفته بالعلامة وقلت: بلى والله يا صبيح الوجه، فقال امدد إلي يدك، فمددت يدي اليمنى فصافحني وقال لي: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقلت كذا كما علمني، فسر بذلك وقال لي عند خروجي من عنده بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، فودعته وأنا مستبشر بلقائه وبالإسلام، فاستجاب الله تعالى دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وبارك في عمري بكل دعوة مائة سنة، وها عمري اليوم نيف وستمائة سنة، وجميع من في هذه الضيعة العظيمة أولاد أولادي وأولادهم، وفتح الله علي وعليهم بكل خير وبكل نعمة ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. وذكر عبد الرحمن القارئ الصوفي أنه توفي في حدود سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. وذكر النجيب عبد الوهاب أنه سمع من الشيخ محمود خادم رتن وأنه بقي إلى سنة تسع وسبعمائة وأنه قدم عليهم شيراز، وذكر أنه ابن مائة وست (1) وسبعين سنة، وأنه تأهل ورزق أولاداً (2) . قال الشيخ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى: من صدق بهذه الأعجوبة وآمن ببقاء رتن فما لنا فيه طب، وليعلم أني أول من كذب بذلك، وهذا شيخ مفترٍ (3) دجال، كذب كذبة ضخمة لكي تنصلح خابية الصباغ وأتى بفضيحة كبيرة، قاتله الله تعالى أنى يؤفك؛ وقد أفردت جزءاً فيه أخبار هذا الضال، وسميته كسر وثن رتن. وقال الشيخ علم الدين البرزالي: هو من أحاديث الطرقية (4) .

_ (1) ص: وستة. (2) ص: أولاد. (3) ص: معثر. (4) الطرقية: المشعوذون المحتالون الذين يبيعون الأدوية في الأماكن العامة (ملحق ذوزي) .

فراغ

حرف الزاي

حرف الزاي

فراغ

قتيل الريم

155 - (1) قتيل الريم زاكي بن كامل بن علي القطيعي، أبو الفضائل الهيتي، يلقب بالمهذب ويعرف بأسير الهوى قتيل الريم؛ كان أديباً فاضلاً، وكانت وفاته في سنة ست وأربعين وخمسمائة، رحمه الله ومن شعره: لي مهجة كادت بحر كلومها ... للناس من فرط الجوى تتكلم لم يبق منها غير أرسم أعظمٍ ... متجردات (2) للهوى تتظلم ومنه: عيناك لحظهما أمضى من القدر ... ومهجتي منهما أضحت على خطر يا أحسن الناس لولا أنت أبخلهم ... ماذا يضرك لو متعت بالنظر جد بالخيال وإن ضنت يداك به ... لا تبتلي مقلتي بالدمع والسهر يا من تملك نفسي في محبته (3) ... كم قد حذرت فما وقيت من حذر زود بتقبيلةٍ أو وقفةٍ فعسى ... تحيي بها نضو أشواق على سفر ومنه: سيدي ما عنك لي عوض ... طال لي في حبك المرض كم بلا ذنبٍ تهددني ... فجفوني ليس تغتمض أبغير الهجر تقتلني ... لا أبالي، هجرك الغرض

_ (1) الزركشي: 120 والشذرات 4: 140 ومعجم الأدباء 11: 151. (2) ص والزركشي: متجددات. (3) ياقوت: يا من تمكن في قلبي الغرام له.

أبو عمرو بن العلاء

ورضائي في رضاك فقل ... ما تشاه لست أعترض أنت لي داء أموت به ... كم أداويه وينتقض 156 (1) أبو عمرو بن العلاء زبان بن العلاء بن عمرو بن عبد الله بن الحصين التميمي المازني المقرئ النحوي، أحد القراء السبعة، وقيل اسمه العريان، وقيل غير ذلك. اختلف في اسمه على عشرين (2) قولاً: الزبان، العريان، يحيى، محبوب، جنيد، عيينة، عثمان، غنار، جبر، خير، جزء، حميد، حماد، عقبة، عمار، فايد، محمد، أبو عمرو، قبيصة، والصحيح زبان - بالزاي -. قرأ القرآن على سعيد بن جبير ومجاهد وقيل على أبي العالية الرياحي وعلى جماعة سواهم، وكان لجلالته لا يسأل عن اسمه، وكان نقش خاتمه: وإن امرءاً دنياه اكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور ولا يروى له من الشعر إلا قوله (3) : وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا

_ (1) طبقات الزبيدي: 28، 176 والمعارف: 531، 540، وأخبار النحويين البصريين: 22 ومراتب النحويين: 13 ونور القبس: 25 ونزهة الألباء: 15 ومعجم الأدباء 11: 156وان خلكان 3: 466 وغاية النهاية 1: 288 وعبر الذهبي 1: 223 والشذرات 1: 237 وبغية الوعاة: 367 وورود ترجمته في ابن خلكان يجعل هذه الترجمة خارجة عن باب المستدرك. (2) ياقوت: أحد وعشرين. (3) هذا مما زاده في شعر الأعشى.

زياد الأعجم

وحدث عن أنس بن مالك وأبي صالح لسمان وعطاء بن أبي رباح وطائفة سواهم، وكان رأساً في العلم في أيام الحسن البصري. قال أبو عبيدة: أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات والعربية والشعر وأيام العرب وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها، وكان من أشراف العرب ووجوهها، مدحه الفرزدق وغيره. وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس به بأس. وقال الشيخ شمس الدين الذهبي: أبو عمرو قليل الرواية للحديث، وهو صدوق حجة في القراءة، وقد استوفيت أخباره في طبقات القراء، انتهى. قال الأصمعي: كان لأبي عمرو كل يوم فلسان: فلس يشتري به ريحاناً وفلس يشتري به كوزاً، فيشم الريحان يومه ويشرب من الكوز يومه، فإذا أمسى تصدق بالكوز، وأمر الجارية أن تجفف الريحان وتدقه في الأشنان، ثم يستجد غير ذلك. وتوفي سنة أربع وخمسين ومائة، رحمه الله تعالى. 157 - (1) زياد الأعجم أبو أمامة زياد الأعجم، مولى عبد القيس، ولقب الأعجم لعجمة كانت في لسانه، أدرك أبا موسى الأشعري وعثمان بن أبي العاص، وشهد معهما فتح اصطخر وحدث عنهما، ووفد على هشام وشهد وفاته بالرصافة. وعده ابن

_ (1) الأغاني 15: 307 والشعر والشعراء: 343 ومعجم الأدباء 11: 168 والمؤتلف: 131 والخزانة 4: 192 والكامل 2: 226، وانظر معاهد التنصيص 2: 173 وقد أخلت المطبوعة بمعظم هذه الترجمة.

سلام في الطبقة السابعة من شعراء الإسلام، وطال عمره، ودخل على عبد الله بن جعفر يسأله في خمس ديات، فأعطاه، ثم دعا فسأله في عشر ديات فأعطاه، فقال: سألناه الجزيل فما تلكا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا وأحسن ثم أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عدت له فعادا مراراً ما أعود إليه إلا ... تبسم ضاحكاً وثنى الوسادا وكان المغيرة بن المهلب أبرع ولده وأوفاهم وأعفهم وأسخاهم، فلما مات رثاه زياد (1) الأعجم بقصيدته التي يقول فيها (2) : مات المغيرة بعد طول تعرض ... للموت بين أسنةٍ وصفائح إن السماحة والمروءة ضمنا ... قبراً بمرو على الطريق الواضح فإذا مررت بقبره فاعقر به ... كوم الهجان وكل طرف سابح وانضح جوانب قبره بدمائه ... فلقد يكون أخا دمٍ وذبائح قال محمد بن عباد المهلبي، قال لي المأمون: أي قصيدة أرق؟ قلت: يا أمير المؤمنين أنت أعلم، قال: قصيدة زياد الأعجم التي قالها في المغيرة بن المهلب؛ ثم قال: أتحفظها؟ فقلت: نعم، فقال: خذها علي، فأنشدنيها حتى أتى على آخرها وترك منها بيتاً، قلت: يا أمير المؤمنين تركت منها بيتاً، قال: وما هو؟ قلت: هلا أتته وفوقه بزاته ... يغشى الأسنة فوق نهدٍ قارح فقال: هاه هاه، يتهدد المنية، ألا أتته ذلك الوقت، هذا أجود بيت فيها،

_ (1) ص: زيادة. (2) راجع هذه القصيدة في ذيل الأمالي: 8 وانظر كذلك ترجمة زياد في الأغاني، وفي أمالي اليزيدي: 1 - 7 وابن العديم 8: 38 وابن خلكان 5: 354.

زياد بن أبيه

ثم استعاده حتى حفظه. وكان يلبس قباء ديباج تشبهاً بالعجم فأنكر ذلك عليه المغيرة بن المهلب ومزق عليه ثيابه، فقال زياد (1) : لعمرك ما الديباج مزقت وحده ... ولكنما مزقت جلد المهلب ومن شعره: وكائن ترى من صامت لك معجبٍ ... زيادته أو نقصه في التكلم لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم تبق إلا صورة اللحم والدم وكانت وفاته في حدود المائة للهجرة النبوية، رحمه الله تعالى. 158 - (2) زياد بن أبيه زياد بن أبيه، واسم أبيه عبيد، وادعاه معاوية أنه أخوه والتحق به فعرف زياد بن أبي سفيان، واستشهد معاوية بجماعة فشهدوا على إقرار أبي سفيان بذلك. وكانت أمه سمية جارية الحارث بن كلدة الثقفي، فزوجها الحارث غلاماً له رومياً اسمه عبيد، وجاء أبو سفيان إلى الطائف في الجاهلية فوقع على سمية، فولدت له زياداً (3) على فراش عبيد، وأقر أبو سفيان أنه من نطفته، فلهذا قيل

_ (1) انظر ابن خلكان 5: 356. (2) أخباره في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير ومروج الذهب للمسعودي، والعقد لابن عبد ربه، وتاريخ اليعقوبي وابن خلدون، وانظر ابن خلكان 6: 356 والكتب الأدبية كالأغاني والكامل والبيان والتبيين ... الخ، ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) ص: زياد.

ما قيل. ويقال له زياد بن أبيه لما وقع في أبيه من الشك، ويقال له أيضاً زياد بن سمية، ويكنى أبا المغيرة؛ ولد هو والمختار سنة إحدى من الهجرة فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، وسمع عمر بن الخطاب، واستكتبه أبو موسى الأشعري في إمرته على البصرة، وكتب لعبد الله بن عامر ولابن عباس وللمغيرة بن شعبة، وولاه معاوية المصرين وهو أول من وليهما جميعاً. وقدم دمشق، وروى عنه ابن سيرين والشعبي وأبو عثمان النهدي وغيرهم، وأبو بكرة أخوه لأمه. وكان زياد أولاً من شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان عامله على فارس، ثم إنه بعد موت علي صالح معاوية، وادعاه وصار من شيعته، واشتد على شيعة علي، وهو الذي أشار على معاوية بقتل حجر بن عدي وأصحابه، وأغلظ للحسن بن علي رضي الله عنهما في كتاب كتبه له، فرد عليه معاوية أقبح رد. وكان قتالاً سفاكاً للدماء من جنس ابنه والحجاج، ولكنه كان خطيباً فصيحاً. وبعثه أبو موسى رسولاً، ففتشه عمر فرآه عالماً بالقرآن وأحكامه وفرائضه، وسأله ما صنعت بأول عطائك؟ فأخبر أنه اشترى به أمه فأعتقها، فسر عمر منه بذلك. وتكلم عند عمر بوصف فتح جلولاء فقال عمر: هذا الخطيب المصقع، ثم رده إلى أبي موسى ووصاه به. ولم يشهد الجمل واعتذر من شكوى كانت به. وكان يشتو بالبصرة ويصيف بالكوفة؛ وقال الأصمعي: مكث زياد على العراق تسع سنين ما وضع لبنة على لبنة. وهو أول من جلس على المنبر في العيدين وأذن فيهما، وأول من أحدث الفتح على الإمام. وعن أبي مليكة قال: كنت أطوف مع الحسن بن علي، فقيل له: قتل زياد، فساءه ذلك، فقلت: وما يسوءك؟ قال: القتل كفارة لكل مؤمن.

زيادة الله بن الأغلب

وبلغ ابن عمر أن زياداً (1) كتب إلى معاوية: إني قد ضبطت العراق بشمالي، ويميني فارغة، يسأله أن يوليه الحجاز واليمامة والبحرين، فكره ابن عمر أن يكون في ولايته فقال: اللهم إنك تجعل القتل كفارة لمن شئت من خلقك، فموتاً لابن سمية لا قتلاً، قال: فخرج في إبهامه طاعونة، فما أتت عليه جمعة حتى مات سنة ثلاث وخمسين، وبلغ ابن عمر موته فقال: إليك يا ابن سمية، لا الدنيا بقيت (2) عليك ولا الآخرة أدركت. وهو معدود من دهاة العرب؛ قال ابن حزم في الفصل: وقد امتنع زياد - وهو فقعة القاع لا عشيرة له ولا نسب ولا سابقة ولا قدم - فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة حتى أرضاه وولاه. 159 - (3) زيادة الله بن الأغلب زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن الأغلب أبو منصور ابن أبي العباس التميمي صاحب القيروان، وكان أبوه وجده ومحمد أخو جده وجد أبيه كلهم قد ولي افريقية، وكان هذا قد دخل في طاعة المكتفي، وأهدى إليه هدايا من جملتها عشرة آلاف درهم، في كل درهم عشرة دراهم، وألف دينار في كل دينار عشرة دنانير، وكتب إلى الدرهم في أحد (4) وجهيه:

_ (1) ص: زياد. (2) ص: بقت. (3) بغية الطلب 8: 26 وتهذيب ابن عساكر 5: 395 والحلة السيراء 1: 175 وابن خلكان 2: 193 والبيان المغرب 1: 134 - 149 وصفحات متفرقة من رسالة افتتاح الدعوة للقاضي النعمان وأعمال الأعلام 3: 37. وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة. (4) ص: إحدى.

يا سائراً نحو الخليفة قل له ... ها قد كفاك الله أمرك كله بزيادة الله بن عبد الله سيف (1) ... الله من دون الخليفة سله وعلى الجانب الآخر: ما ينبري (2) لك بالشقاق مخالف ... إلا استباح حريمه وأذله من لا يرى لك طاعةً فالله قد ... أعماه عن طرق الهدى وأضله قال الصولي: وابن الأغلب هذا من ولد الأغلب بن عمرو المازني، وكان من أهل البصرة، ولاه الرشيد الغرب بعد أن مات ادريس بن عبد الله بن حسن، فما زال بالمغرب إلى أن توفي وخلفه ابنه ثم أولاده، إلى أن صار الأمر إلى زيادة الله هذا، وذكر أنه أقام بمصر شهوراً ثم توفي. قال الحافظ بن عساكر: بلغني أنه توفي بالرملة في جمادى الأولى سنة أربع وثلثمائة. ودفن بالرملة فساخ به قبره فسقف عليه وتركه مكانه. وكان له غلام يدعى خطاباً فسخط عليه وقيده بقيد ذهب، فدخل عليه صاحبه على البريد عبد الله بن الصايغ، فلما رأى الغلام مقيداً تأخر وعمل بيتين، وكتب بهما إلى زيادة الله وهما: يا أيها الملك الميمون طائره ... رفقاً فإن يد المعشوق فوق يدك كم ذا التجلد والأحشاء راجفة ... أعيذ (3) قلبك أن يسطو على كبدك فأطلق الغلام ورضي عنه، وأعطى عبد الله بن الصايغ القيد. ولزيادة الله هذا أخبار حسان في الجود، ولكنه أكثر من شرب الخمر والمجون والفساد، واتخذ ندامى يتصافعون قدامه ويتخذون مثانات الغنم منفوخة

_ (1) ص: بن سيف. (2) ص: ينبغي، والتصويب عن الحلة السيراء. (3) ص: أعيذك.

زيد بن زين العابدين

تحت البسط، فإذا دخل عليه الرجل الجليل وجلس قدامه انشقت، ويظهر لها صوت (1) فيخجل الرجل ويضحك أصحابه، ففسدت حاله واختل ملكه ومال الناس إلى السعي عليه، وآل أمره إلى أن أجلي عن مدينة رقادة وانقرضت دولة بني الأغلب على يده وكان لها مائة سنة واثنتا عشرة (2) سنة وهرب من مدينة رقادة في شهر رجب سنة ست وتسعين ومائتين. 160 - (3) زيد بن زين العابدين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسين الهاشمي؛ روى عن أبيه وأخيه محمد بن علي وأبان بن عثمان، وروى عنه جعفر الصادق والزهري وشعبة وغيرهم، ووفد على هشام بن عبد الملك، فرأى منه جفوة، فكانت سبب خروجه وطلبه الخلافة، وسار إلى الكوفة فقام إليه منها شيعة، فظفر به يوسف بن عمر الثقفي فقتله وصلبه وحرقه، وعده ابن سعد في الطبقة الثالثة. وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى زيد بن حارثة وبكى وقال: " إن المظلوم من أهل بيتي سمي هذا، والمقتول في الله والمصلوب من أمتي سمي هذا ".

_ (1) ص: صوتاً. (2) ص: واثنى عشر. (3) أخباره في المصادر التاريخية كتاريخ الطبري والكامل لابن الأثير ومروج الذهب وتاريخ اليعقوبي وتاريخ ابن خلدون والأخبار الطوال للدينوري وفتوح ابن أعثم ... الخ؛ وانظر طبقات المعتزلة: 17 وابن خلكان 5: 122، 6: 110 وتهذيب التهذيب 3: 419 والحور العين: 188 والشهرستاني 1: 138. والفرق بين الفرق: 30 - 37 ومختصره: 33 وتهذيب ابن عساكر 6: 15.

وذكره جعفر الصادق يوماً فقال: يرحم الله عمي، كان والله سيداً، والله ما ترك فينا لدنيا ولا آخرة مثله. وسأل زيد بن علي بعض أصحابه عن قوله تعالى: " والسابقون السابقون أولئك المقربون " الواقعة قال: أبو بكر وعمر، ثم قال: لا أنالني الله شفاعة جدي إن لم أوالهما. وقال: أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت مثل ما حكم به أبو بكر في فدك. وقال أيضاً: الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة. وسئل عيسى بن يونس عن الرافضة والزيدية فقال: أما الرافضة فأول ما ترفضت جاءوا إلى زيد بن علي حين خرج وقالوا له: تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نكون معك، قال: بل أتولاهما، قالوا: إذن نرفضك، فسميت الرافضة. والزيدية قالوا: نتولاهما ونتبرأ ممن تبرأ منهما وخرجوا مع زيد فسميت الزيدية. وقال الزبير بن بكار، حدثني عبد الرحمن ابن عبد الله الزهري قال: دخل زيد بن علي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار من باب السوق، فرأى سعد بن إبراهيم في جماعة من القرشيين قد حان قيامهم فقاموا، فأشار إليهم وقال: يا قوم، أنتم أضعف من أهل الحرة؟ قالوا: لا، قال: وأنا أشهد أن يزيد ليس شراً من هشام (1) ، فمالكم؟ فقال سعد لأصحابه: مدة هذا قصيرة، فلم يلبث أن خرج فقتل. وقال الوليد بن محمد: كنا على باب الزهري، فسمع جلبة فقال: ما هذا يا وليد؟ فنظرت فإذا رأس زيد بن علي يطاف به، فأخبرته فبكى ثم قال: أهلك أهل هذا البيت العجلة. وصلبوه بالكناسة سنة ثلاث وعشرين ومائة، وله أربع وأربعون سنة، ثم أحرقوه بالنار، ولم يزل مصلوباً إلى سنة ست وعشرين ثم أنزل بعد أربع سنين.

_ (1) ص: هاشم.

وقيل كانوا يوجهون (1) وجهه إلى ناحية العراق، فيصبح وقد دار إلى القبلة، مراراً. ونسجت العنكبوت على عورته، وكان قد صلب عرياناً. وقال الموكل بخشبته: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقف على الخشبة وقال: " هكذا يصنعون بولدي من بعدي؟ يا بني، يا زيد، قتلوك قتلهم الله، صلبوك صلبهم الله "، فخرج هذا في الناس، فكتب يوسف بن عمر إلى هشام: أن عجل إلى العراق فقد فتنوا، فكتب إليه هشام: أن أحرقه بالنار. قال جرير بن حازم: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسنداً ظهره إلى خشبة زيد بن علي وهو يبكي، ويقول: هكذا يفعلون بولدي. ذكر هذا كله الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق. وقال ابن أبي الدم في الفرق الإسلامية: الزيدية أصحاب زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كان زيد قد آثر تحصيل علم الأصول، فتتلمذ لواصل بن عطاء رأس المعتزلة، فقرأ عليه واقتبس منه علم الاعتزال، وصار زيد وجميع أصحابه معتزلة في المذهب والاعتقاد، وكان أخوه محمد الباقر يعيب عليه كونه قرأ على واصل بن عطاء وتتلمذ له واقتبس منه، مع كونه يجوز الخطأ على جده علي بن أبي طالب بسبب خروجه إلى حرب الجمل والنهروان، ولأن واصلاً (2) كان يتكلم في القضاء والقدر على خلاف مذهب أهل البيت. وكان زيد يقول: علي أفضل من أبي بكر الصديق ومن بقية الصحابة، إلا أن أبا بكر فوضت إليه الخلافة لمصلحة رآها الصحابة وقاعدة دينية راعوها من تسكين الفتنة وتطيب قلوب الرعية، وكان يجوز إمامة المفضول مع قيام الأفضل للمصلحة. فلما قتل زيد في خلافة هشام قام بالأمر بعده ولده يحيى ومضى إلى

_ (1) ص: يوجهوا. (2) ص: واصل.

خراسان، فاجتمع بها عليه خلق كثير وبايعوه، ووعدوه بالقيام معه ومقابلة (1) أعدائه، وبذلوا له الطاعة، فبلغ ذلك جعفر بن محمد الصادق فكتب إليه ينهاه عن ذلك، وعرفه أنه مقتول كما قتل أبوه، وكان كما أخبر الصادق، فإن أمير خراسان قتله بجوزجان. ثم تفرقت الزيدية ثلاثة فرق: جارودية وسليمانية وبترية، أما الجارودية فأصحاب أبي الجارود، وكان من أصحاب زيد بن علي، زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بن أبي طالب بالنص دون التسمية، وأن الناس كفروا بنصب أبي بكر إماماً، ثم ساقوا الإمامة بعد علي إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم إلى علي بن الحسين ثم إلى زيد بن علي. وأما السليمانية فيأتي ذكرهم في ترجمة سليمان بن جرير. وأما البترية فيأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى في ترجمة كثير الأبتر. ومن شعر زيد: ومن فضل الأقوام يوماً برأيه ... فإن علياً فضلته المناقب وقول رسول الله والحق قوله ... وإن زعمت منه الأنوف الكواذب بأنك مني يا علي معالناً ... كهارون من موسى أخ لي وصاحب دعاه ببدرٍ فاستجاب لأمره ... فبادر في ذات الإله يضارب

_ (1) كذا في ص، ولعلها: ومقاتلة.

حرف السين

حرف السين

فراغ

أبو العباس الشاعر الأعمى

161 - (1) أبو العباس الشاعر الأعمى لسائب أبو العباس الأعمى الشاعر المكي، وهو والد العلاء، سمع عبد الله بن عمر، وأخذ عنه عطاء وعمرو بن دينار وحبيب بن أبي ثابت، وثقة أحمد، وروى له الجماعة، وتوفي في حدود المائة. قال المرزباني في معجمه في حقه: هو ابن فروخ مولى لبني حذيفة بن عدي، وكان هجاء خبيثاً فاسقاً مبغضاً لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مائلاً إلى بني أمية مداحاً لهم، وهو القائل لأبي طفيل عامر بن واثلة وكان شيعياً: لعمرك إنني وأبا طفيل ... لمختلفان والله الشهيد لقد ضلوا ببغض أبي تراب ... كما ضلت عن الحق اليهود وقال مسلم بن الوليد، سمعت يزيد بن مزيد يقول، سمعت هارون الرشيد يقول، سمعت المهدي يقول، سمعت المنصور يقول: خرجت أريد الشام في أيام مروان بن محمد، فصحبني في الطريق رجل ضرير، فسألته عن مقصده فقال: إني أريد مروان بشعر أمتدحه به، فاستنشدته إياه فأنشدني: ليت شعري أفاح رائحة المس ... ك وما إن إخال بالخيف إنسي حين غابت بنو أمية عنه ... والبهاليل من بني عبد شمس خطباء على المنابر فرسا ... ن عليها وقالة غير خرس لا يعابون صامتين وإن قا ... لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس

_ (1) الأغاني 16: 228، والزركشي: 120 ومعجم الأدباء 11: 179 ونكت الهميان: 153، وقد أخلت بمعظم هذه الترجمة.

عبد بني الحسحاس

بحلومٍ إذا الحلوم استخفت ... ووجوه مثل الدنانير ملس قال المنصور: فوالله ما فرغ من إنشاده حتى توهمت أن العمى أدركني، وافترقنا، فلما أفضت إلي الخلافة خرجت حاجاً، فنزلت أمشي بجبلي زرود، فبصرت بالأعمى ففرقت من كان حولي ثم دنوت منه وقلت: أتعرفني؟ فقال لا، فقلت: أنا رفيقك وأنت تريد الشام أيام مروان، فقال: أوه: آمت نساء بني أمية منهم ... وبناتهم بمضيعةٍ أيتام نامت جدودوهم وأسقط نجمهم ... والنجم يسقط والجدود تنام خلت المنابر والأسرة منهم ... فعليهم حتى الممات سلام فقلت: ما كان مروان أعطاك، بأبي أنت؟ فقال: أغناني أن أسأل أحداً بعده، فهممت بقتله، فذكرت الاسترسال والصحبة فأمسكت، وغاب عن عيني، ثم بدا لي فأمرت بطلبه، فكأنما الأرض ابتلعته. 162 - (1) عبد بني الحسحاس سحيم عبد بني الحسحاس ابن هند بن سفيان بن نوفل بن عصاب بن كعب بن سعد بن عمرو بن مالك بن ثعلبة بن مروان بن أسد بن خزيمة، يكنى أبا عبد الله. وهو زنجي أسود فصيح، توفي في حدود الأربعين للهجرة، وهو القائل (2) :

_ (1) الأغاني 22: 326 والإصابة 3: 163 والشعر والشعراء: 320 وطبقات ابن سلام: 156 والسمط: 720 وأسماء المغتالين: 272 والخزانة 1: 271 وشرح شواهد المغني: 112 والزركشي: 121، وقد نشر ديوانه بتحقيق الميمني (القاهرة: 1950) . (2) ديوانه: 55.

أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... عند الفخار مقام الأصل والورق إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً ... أو أسود اللون إني أبيض الخلق عن ابن سلام قال: أتي عثمان بن عفان رضي الله عنه بسحيم فأعجب به، فقيل له: إنه شاعر، وأرادوا يرغبوه فيه فقال: لا حاجة لي به، إن (1) الشاعر لا حريم له، إن شبع شبب بنساء أهله وإن جاع هجاهم، فاشتراه غيره، فلما رحل به قال في طريقه، وكان الذي اشتراه رجلاً (2) من نجد والذي باعه مالك الحسحاسي (3) : وما كان ظني مالكي أن يبيعني ... بمال ولو أضحت أنامله صفرا (4) أشواقاً ولم تمض (5) لنا غير ليلةٍ ... فكيف إذا سار المطي بنا عشرا أخوكم ومولى ما لكم وربيبكم ... ومن قدر بي معكم (6) وعاشركم دهرا فلما بلغهم شعره رقوا له واشتروه، فأخذ حينئذ يشبب بنسائهم ويذكر أخت مولاه، فمن قوله فيها وكانت مريضة (7) : ماذا يريد السقام من قمرٍ ... كل جمالٍ لوجهه تبع ما يرتجي خاب من محاسنها ... أما له في القباح متسع غير من لونها وصفرتها ... فارتد فيه الجمال والبدع لو كان يبغي الفداء قلت له ... ها أنا دون الحبيب يا وجع وعن المدائني قال: كان سحيم يسمى حية، وكانت لسيده بنت بكر،

_ (1) ص: إذن. (2) ص: رجل. (3) ديوانه: 56. (4) الديوان: وما خفت سلاماً على أن يبيعني بشيء.... (5) ص: يمضي تنا. (6) الديوان: أخوكم ومولى خيركم وحليفكم، ومن قد ثوى فيكم ... (7) ديوانه: 54.

فأعجبه جمالها وأعجبته، فأمرته أن يتمارض ففعل، وعصب رأسه، فقالت للشيخ: اسرح أيها الشيخ بإبلك لا تكلها إلى العبد، فكان فيها أياماً، ويجتمعان، ثم إن سيده قال له: كيف أنت؟ قال: صالح، قال: فاخرج (1) في إبلك العشية، فراح فيها، فقالت الجارية لأبيها: ما أحسبك إلا قد ضيعت إبلك إذ وكلتها إلى حية! فخرج في آثار إبله، فوجده مستلقياً على قفاه في ظل شجرة، وهو يقول (2) : يا رب شجوٍ لك في الحاضر ... تذكرها وأنت في الصادر من كل بيضاء لها كعثب (3) ... مثل سنام البكرة المائر فقال الشيخ: إن لهذا شأناً، وانصرف فقال لقومه: اعلموا أن هذا قد فضحكم، وأنشدهم شعره فقالوا: اقتله فنحن طوعك، فلما جاء وثبوا عليه فقالوا له: قلت وفعلت، فقال لهم: يا أهل الماء والله ما فيكم امرأة إلا أصبتها إلا فلانة فإني على موعد منها، فلما قدموه ليقتل قال (4) : شدوا وثاق العبد لا يفلتكم ... إن الحياة من الممات قريب فلقد تحدر من جبين فتاتكم ... عرق على جنب الفراش وطيب فقتلوه. وكان سحيم في لسانه عجمة.

_ (1) ص: صالحاً.. فخرج. (2) الديوان: 34. (3) ص: كثعب. (4) الديوان: 60.

الظاهر الجزري

163 - (1) الظاهر الجزري سداد بن إبراهيم، أبو النجيب الجزري الملقب بالظاهر؛ شاعر مدح المهلبي وزير معز الدولة ومدح عضد الدولة، وكانت وفاته في حدود الأربعمائة. روى عنه علي بن المحسن التنوخي. قال محب الدين بن النجار: رأيت اسمه بالسين بخط أبي الحسين هلال ابن المحسن ابن الصابي، وأورده له: قلت للقلب ما دهاك أبن لي ... قال لي بائع الفراني فراني ناظراه فيما جنت ناظراه ... أو دعاني أمت بما أودعاني وأورد له: أفسدتم نظري علي فما أرى ... مذ غبتم حسناً إلى أن تقدموا فدعوا غرامي ليس يمكن أن ترى ... عين الرضى والسخط أحسن منكم وأورد له: أرى جيل التصوف شر جيلٍ ... فقل لهم وأهون بالحلول أقال الله حين عشقتموه ... كلوا أكل البهائم وارقصوا لي

_ (1) هو بالظاء المعجمة ((الظاهر)) كما ورد بخط المؤلف من قبل (انظر الترجمة رقم 127 في الجزء الأول) ولكنه كتبه هنا بالطاء المهملة؛ وقد ورد بالمعجمة بخط ابن العديم (بغية الطلب 8: 221) وضبطه ابن ماكولا كذلك (الاكمال 5: 420) ، ولكنه بالمهملة عند ابن خلكان (5: 265) وتتمة اليتيمة 1: 46 ودمية القصر 1: 126، وقال ابن العديم اسمه سداد بن إبراهيم، وقيل ابو السداد، وقيل في اسمه شداد، وكذلك ضبطه السلفي، وورد بالشين المعجمة في معجم الأدباء 11: 270 (وانظر ملحقات وفيات الأعيان 7: 341) .

ابن الدجاجي الواعظ

164 - (1) ابن الدجاجي الواعظ سعد الله بن نصر بن سعيد بن أبي علي ابن الدجاجي، أبو الحسن الواعظ؛ قرأ بالروايات على محمد بن أحمد الخياط وأبي الخطاب علي بن عبد الرحمن ابن الجراح، وقرأ الفقه لأحمد بن حنبل على أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني وبرع فيه، وكان من أعيان الفقهاء الفضلاء وشيوخ الوعاظ النبلاء (2) وكان يخالط الصوفية ويحضر معهم السماعات. وتوفي سنة أربع وستين وخمسمائة، رحمه الله؛ ومن شعره: ملكتم مهجتي بيعاً ومقدرةً ... فأنتم اليوم أغلالي وأغلى لي علوت فخراً ولكني ضنيت هوىً ... فحبكم هو اعلالي وأعلى لي أوصى لي البين أن أشقى بحبكم ... فقطع البين أوصالي وأوصى لي ومن شعره: لي لذة في ذلتي وخضوعي ... وأحب بين يديك سفك دموعي وتضرعي في رأي عينك راحةً ... لي من جوى قد كن بين ضلوعي ما الذل للمحبوب في شرع الهوى ... عار ولا جور الهوى ببديع هبني أسأت فأين عفوك سيدي ... عمن رجاك لقلبه الموجوع جد بالرضى من عطف لطفك واغنه ... بجمال وجهك عن سؤال شفيع

_ (1) الزركشي: 121 والشذرات 4: 212. (2) قرأ بالروايات.. الوعاظ النبلاء: ولم يرد في المطبوعة.

سعد الدين الفارقي

165 - (1) سعد الدين الفارقي سعد الله بن مروان بن عبد الله بن خير، الصدر الأديب سعد الدين الفارقي الموقع؛ كان بليغاً منشئاً شاعراً محسناً، سمع من ابن كريمة وابن رواحة وابن خليل وجماعة، وحدث بمصر ودمشق، وبها توفي كهلاً في سنة إحدى وتسعين وستمائة، ودفن في سفح قاسيون، رحمه الله تعالى. ومن شعره: قف بي على نجد فإن قبض الهوى ... روحي فطالب خد ليلى بالدم وإذا دجا ليل الوصال فناده ... يا كافراً حللت قتل المسلم ومنه: تاه على عاشقه واستطال ... مذ قصر الحسن عليه وطال كأن شمس (2) حسنه أشرقت ... فليتها ما أشرفت للزوال قد فصل الشعر على خده ... ثوب حدادٍ حين مات الجمال ومنه أيضاً: يقولون قد وافى البشير بقربهم ... فعفرت خدي في ثرى الأرض لائما فلا أخروا عن منزل فخره به ... ولا قدموا إلا على السعد قادما وكتب إلى ولده عز الدين من طريق الحجاز: من بعد بعدك يا محمد شاقني ... برق إلى أسرار وجهك ساقني وحياة وجهك ما تجلى في الدجى ... قمر حكى معناك إلا شاقني

_ (1) الزركشي: 121 وعبر الذهبي 5: 372 والشذرات 5: 418. (2) ص: سما.

سعدون المجنون

كلا ولا سامرت ذكرك في الدجى ... إلا طربت بظاهري وبباطني لو كنت أحسب أن بينك صانع ... بي ما وجدت لما تحرك ساكني فعليك مني ما حييت تحية ... تلهي المقيم بطيب ذكر الظاعن وكتب إلى الصاحب بهاء الدين بن حنا: يمم علياً فهو بحر الندى ... وناده في المضلع المعضل فرفده مجدٍ على مجدبٍ ... ووفده مفضٍ إلى مفضل 166 (1) سعدون المجنون سعدون المجنون؛ يقال إن اسمه سعيد وكنيته أبو عطاء ولقبه سعدون، من أهل البصرة؛ كان من عقلاء المجانين وحكمائهم، له أخبار ملاح وكلام سديد ونظم ونثر يستحسن، وطوف البلاد، ودونت أخباره. استقدمه المتوكل وسمع كلامه، وكان من المحبين لله عز وجل، صام ستين سنة فجف دماغه، فسماه الناس مجنوناً. قال عطاء السلمي: احتبس علينا القطر بالبصرة فخرجنا نستسقي، وإذا بسعدون المجنون، فلما أبصرني قال: يا عطاء إلى أين؟ قلت: خرجنا نستسقي، قال: بقلوب سماوية أم بقلوب أرضية؟ قلت: بقلوب سماوية، قال: لا تبهرج فإن الناقد بصير، قلت: ما هو إلا ماحكيت لك، فاستسق لنا، فرفع رأسه إلى السماء وقال: أقسمت عليك إلا سقيتنا الغيث، ثم أنشأ يقول: أيا من كلما نودي أجابا ... ومن جلاله ينشي السحابا

_ (1) طبقات الشعراني 1: 79 (ط. بولاق) .

ويا من كلم الصديق موسى ... كلاماً ثم ألهمه الصوابا ويا من رد يوسف بعد ضرٍ ... على من كان ينتحب انتحابا ويا من خص أحمد واصطفاه ... وأعطاه الرسالة والكتابا اسقنا؛ فأرسلت السماء شآبيب كأفواه القرب، فقلت: زدني، قال ليس ذا الكيل من ذا البيدر، ثم أنشأ يقول (1) : سبحان من لم يزل له حجج ... قامت على خلقه بمعرفته قد علموا أنه مليكهم ... يعجز وصف الأنام عن صفته وقال عطاء: رأيت سعدون المجنون ذات يوم يتفلى (2) في الشمس، فانكشفت عورته، فقلت له: استرها يا أخا الجهل، فقال: من لك مثلها فاستر. ثم مر بي يوماً وأنا آكل رماناً في السوق، فعرك أذني وقال (3) : أرى كل إنسان يرى عيب غيره ... ويعمى عن العيب الذي هو فيه وما خير من تخفى عليه عيوبه ... ويبدو له العيب الذي لأخيه وكيف أرى عيباً وعيبي ظاهر ... وما يعرف السوءات غير سفيه وقال عبد الله بن سويد: رأيت سعدون المجنون وبيده فحمة وهو يكتب بها على قصر خراب: يا خاطب الدنيا إلى نفسه ... إن لها في كل يوم خليل ما أقبح الدنيا بخطابها ... تقتلهم عمداً قتيلاً (4) قتيل تستنكح البعل وقد وطنت ... في موضعٍ آخر منه البديل

_ (1) من أول الأبيات البائية حتى هذا الموضع سقط من المطبوعة. (2) ص: يتقلى. (3) ورد البيتان الأولان في الإشارات الإلهية للتوحيدي: 384 (دون نسبة) . (4) ص: قتيل.

ابن مكي النيلي المؤدب

إني لمغتر وإن البلى ... يعمل في نفسي قليلاً قليل تزودا للموت زاداً فقد ... نادى مناديه الرحيل الرحيل وقال الفتح بن سالم: كان سعدون سياحاً لهجاً بالقول، فرأيته يوماً بالفسطاط قائماً على حلقة ذي النون المصري وهو يقول: يا ذا النون، متى يكون القلب أميراً بعد أن كان أسيراً؟ فقال ذو النون: إذا اطلع الخبير على الضمير فلم ير في الضمير إلا الخبير، قال: فصرخ سعدون، ثم خر مغشياً عليه، ثم أفاق وهو يقول: ولا خير في شكوى إلى غير مشتكى ... ولابد من شكوى إذا لم يكن صبر ثم قال: أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: يا أبا الفيض، إن من القلوب قلوباً تستغفر قبل أن تذنب، قال: نعم، تلك قلوب تثاب قبل أن تطيع، أولئك قوم أشرقت قلوبهم بضياء روح اليقين. وكانت وفاة سعدون بعد الخمسين والمائتين، رحمه الله تعالى. 167 - (1) ابن مكي النيلي المؤدب سعيد بن أحمد بن مكي النيلي المؤدب؛ له شعر، وأكثره مديح في أهل البيت، رضي الله عنهم. قال العماد الكاتب: كان غالياً في التشيع، حالياً بالتورع، عالماً بالأدب، معلماً في المكتب، مقدماً في التعصب، ثم أسن حتى جاوز حد الهرم، وذهب بصره وعاد وجوده شبيه العدم، وأناف على التسعين، وآخر

_ (1) الزركشي: 122 ومعجم الأدباء 11: 190 وفيه (سعد) . والشذرات 4: 309 والخريدة 1/4: 203.

الناجم الشاعر

عهدي به في درب صالح ببغداد سنة اثنتين وتسعين (1) وخمسمائة؛ ومن شعره: قمر أقام قيامتي بقوامه ... لم لا يجود لمهجتي بذمامه ملكته كبدي فأتلف مهجتي ... بجمال بهجته وحسن كلامه وبمبسم عذبٍ كأن رضابه ... شهد مذاب (2) في عبير مدامه وبناظر غنجٍ وطرفٍ أحورٍ ... يصمي القلوب إذا رنا بسهامه وكأن خط عذاره في حسنه ... شمس تجلت وهي تحت لثامه فالصبح يسفر من ضياء جبينه ... والليل يقبل من أثيث ظلامه والظبي ليس لحاظه كلحاظه ... والغصن ليس قوامه كقوامه قمر كأن الحسن يعشق بعضه ... بعضاً فساعده على قسامه فالحسن عن تلقائه وورائه ... ويمينه وشماله وأمامه ويكاد من ترفٍ لدقة خصره ... ينقد بالأرداف عند قيامه 168 (3) الناجم الشاعر سعيد بن الحسن بن شداد المسمعي، أبو عثمان المعروف بالناجم؛ كان يصحب ابن الرومي ويروي أكثر شعره وله معه أخبار، وكان أديباً فاضلاً شاعراً روى عنه أبو علي الحسن بن محمد بن الأعرابي وأبو بكر محمد بن يحيى الصولي؛ وتوفي سنة أربع عشرة وثلثمائة.

_ (1) الخريدة: اثنتين وستين. (2) ص: شهداً مذاقاً. (3) الزركشي: 123 ومعجم الأدباء 11: 193 باسم ((سعد)) ؛ وقد خلط البكري (السمط: 525) بين هذا الناجم صديق ابن الرومي وبين الناجم المصري (المحمدون من الشعراء: 353) واسمه محمد بن سعيد المصري.

أبو عثمان الخالدي

قال له ابن الرومي يخاطبه في علته التي مات فيها: أبا عثمان أنت عميد قومك ... وجودك للعشيرة دون لومك تمتع من أخيك فما أراه ... يراك ولا تراه بعد يومك ومن شعر الناجم: يأتيك في جبة مخرقةٍ ... أطول أعمار مثلها يوم وطيلسانٍ كالآل يلبسه ... على قميص كأنه غيم وله أيضاً: قالوا اشتكت نرجستا وجهه ... قلت لهم أحسن ما كانا حمرة ورد الخد أعدتهما ... والصبغ قد ينفذ أحيانا وله أيضاً: لئن كان عن عيني أحمد غائباً ... لما هو عن عين الضمير بغائب له صورة في القلب لم يقصها النوى ... ولم تتخطفها أكف النوائب إذا ساءني منه نزوح زيارةٍ ... وضاقت علي في نواه مذاهبي عطفت على شخص له غير نازح ... محلته بين الحشا والترائب 169 (1) أبو عثمان الخالدي سعيد بن هشام بن وعلة بن عرام بن يزيد بن عبد الله، ينتهي إلى عبد القيس،

_ (1) اليتيمة 2: 183 ومعجم الأدباء 11: 208 وفيه سعد بن هاشم، والزركشي: 123؛ وانظر مقدمة التحف والهدايا، ومقدمة الأشباه والنظائر (حماسة الخالديين) ؛ وقد نشر ديوان الخالديين بتحقيق الدكتور سامي الدهان (دمشق 1969) .

أبو عثمان الخالدي أحد الخالديين، وستأتي ترجمة أخيه أبي بكر محمد في حرف الميم إن شاء الله تعالى. قال محمد بن إسحاق النديم: قال لي الخالدي، وقد تعجبت من كثرة حفظه: أنا أحفظ ألف سمر، كل سمر مائة ورقة، وكان (1) هو وأخوه مع ذلك إذا استحسنا شيئاً غصباه صاحبه حياً كان أو ميتاً، لا عجزاً منهما على قول الشعر، ولكن كذا كان طبعهما، وقد عمل أبو عثمان شعره وشعر أخيه قبل موته، ولهما تصانيف منها حماسة شعر المحدثين. كتاب أخبار الموصل. كتاب أخبار أبي تمام ومحاسن شعره. اختيار شعر ابن الرومي. اختيار شعر البحتري. اختيار شعر مسلم بن الوليد وأخباره. الأشباه والنظائر وهو جيد. الهدايا والتحف. الديارات. ومن شعره (2) : ومن نكد الدنيا إذا ما تعذرت ... أمور وإن عدت صغاراً (3) عظائم إذا رمت بالمنقاش نتف أشاهبي ... أتيحت له من بينهن الأداهم فأنتف ما أهوى بغير إرادتي ... وأترك ما أقلي وأنفي راغم وله أيضاً (4) : دموعي فيك أنواء غزار ... وجنبي ما يقر له قرار وكل فتىً علاه ثوب سقمٍ ... فذاك الثوب مني مستعار وله أيضاً (5) :

_ (1) ص: وكانا. (2) الديوان: 147. (3) ص: صغار. (4) ديوانه: 125 ولم يردا في المطبوعة. (5) ديوانه: 126 وسقطا من المطبوعة.

يا هذه إن رحت في ... سملٍ فما في ذاك عار هذي المدام هي الحيا ... ة قميصها خزف وقار وله أيضاً (1) : هتف الصبح بالدجى فاسقنيها ... قهوةً تترك الحليم سفيها لست ادري من رقةٍ وصفاء ... هي في كاسها أم الكأس فيها وقال أيضاً (2) : بنفسي حبيب بان صبري لبينه ... وأودعني الأشجان ساعة ودعا وأنحلني بالهجر حتى لو أنني ... قذى بين جفني أرمد ما توجعا وقال يصف غلامه رشأ، وهي بديعة في الحسن (3) : ما هو عبد لكنه ولد ... خولنيه المهيمن الصمد وشد أزري بحسن خدمته ... فهو يدي والذراع والعضد صغير سنٍ كبير معرفةٍ ... تمازج الضعف فيه والجلد في سن بدر الدجى وصورته ... فمثله يصطفى ويعتقد معشق الطرف كحله كحل ... مغزل الجيد حليه الجيد وورد خديه والشقائق وال ... تفاح والجلنار منتضد رياض حسن زواهر أبدا ... فيهن ماء النعيم مطرد وغصن بان إذا بدا وإذا ... شدا فقمري بانةٍ غرد أنسي ولهوي وكل مأربتي ... مجتمع فيه لي ومنفرد ظريف مزح مليح نادرة ... جوهر حسن شرارة تقد ومنفق مشفق إذا أنا أس ... رفت وبذرت فهو مقتصد

_ (1) ديوانه: 150 وسقطا من المطبوعة. (2) ديوانه: 139. (3) ديوانه: 120.

مبارك الوجه مذ حظيت به ... حالي رخي وعيشتي رغد مسامري إذا دجا الظلام فلي ... منه حديث كأنه الشهد خازن ما في يدي وحافظه ... فليس شيء لدي يفتقد يصون كتبي فكلها حسن ... يطوي ثيابي فكلها جدد وأبصر الناس بالطبيخ فكال ... مسك القلايا والعنبر الثرد وهو يدير المدام إن جليت ... عروس دنٍ نقابها الزبد يمنح كأسي يداً أناملها ... تنحل من لينها وتنعقد ثقفه كيسه فلا عوج ... في بعض أخلاقه ولا أود وصيرفي القريض وزان دي ... نار المعاني الجياد منتقد ويعرف الشعر مثل معرفتي ... وهو على أن يزيد مجتهد وكاتب توجد البلاغة في ... ألفاظه (1) والصواب والرشد وواجد بي من المحبة وال ... رأفة أضعاف ما به أجد إذا تبسمت فهو مبتهج ... وإن تنمرت فهو مرتعد ذا بعض أوصافه وقد بقيت ... له صفات لم يحوها أحد وللشيخ شهاب الدين محمود رحمه الله تعالى في غلام له عكساً في هذا المعنى، وأبدع: ما هو عبد كلا ولا ولد ... إلا عناء تضنى به الكبد وفرط سقم أعيا الأساة فلا ... جلد عليه يبقى ولا جلد أقبح ما فيه كله فلقد ... تساورت الروح منه والجسد أشبه شيء بالقرد فهو له ... إن كان للقرد في الورى ولد وجنته مثل صبغة الورس ... ولكن ذلك صاف ولونها كمد يقطر سما فضحكه أبدا ... شر بكاء وبشره حرد

_ (1) ص: ألفاظها.

ذو مقلة حشو جفنها عمص (1) ... تسيل دمعاً وما بها رمد كأنما الخد في نظافته (2) ... قد أكلت فوق صحته غدد يجمع كتفيه من مهانته ... كأنه في الهجير مرتعد يطرق لا من حيا ولا خجل ... كأنه للتراب منتقد ألكن إلا في الشتم ينبح كال ... كلب ولو كان خصمه الأسد يشتمني الناس حين يشتمهم ... إذ ليس يرضى بسبه أحد كسلان إلا في الأكل فهو إذا ... ما حضر الأكل جمرة تقد كالنار يوم الرياح في الحطب ... اليابس يأتي على الذي يجد يرفل في حلة منبتة ... من قمله رقم طرزها طرد أجمل أوصافه النميمة والكذ ... ب ونقل الحديث والحسد كل عيوب الورى به اجتمعت ... وهو بأضعاف ذاك منفرد إن قلت ما يدري ما أقول وإن ... قال كلانا في الفهم متحد كأن مالي إذا تسلمه ... مني ماء وكفه سرد حملته لي دويةً حسنت ... كنت عليها في الظرف أعتمد كمثل زهر الرياض ما وجدت ... عيني لها شبهها ولا أجد فمر يوماً بها على رجل ... لديه علم اللصوص ينتقد أودعها عنده ففر بها ... وما حواه من بعدها بلد فجاء يبكي فظللت أضحك من ... فعلي وقلبي بالغيظ منتقد وقال لي لا تخف فحليته ... مشهورة الوصف حين يفتقد عليه ثوب وعمة وله ... وجه وذقن وساعد ويد وقائلٍ بعه قلت خذه ولا ... وزن تجازى به ولا عدد

_ (1) ص: غمص. (2) ص: نضافته.

أبو الربيع الأربلي

ففي الذي قد أضاعه عوض ... وهو علي أن يزيد مجتهد وكانت وفاة الخالدي في حدود الأربعمائة. 170 - (1) أبو الربيع الأربلي سليمان بن بنيمان بن أبي الجيش بن عبد الجبار الأديب شرف الدين، أبو الربيع الهمذاني ثم الإربلي؛ شاعر محسن سائر القول، له شعر ونوادر وزوائد ومزاح حلو؛ كان أبو صائغاً وكذلك هو، جاء إليه مملوك من مماليك الأشرف موسى وقال له: عندك خاتم مليح على قدر إصبعي؟ قال: لا، إلا عندي إصبع مليح على قدر خاتمك؛ ذكره أبو البركات مستوفي إربل في تاريخه؛ وتوفي سنة ست وثمانين وستمائة، وله تسعون سنة أو أزيد. ولما قامر الشهاب التلعفري (2) بثيابه وخفافه قال ابن بنيمان، وأنشدها للملك الناصر بن العزيز: يا مليكاً فاق الأنام جميعاً ... منه جود كالعارض الوكاف والذي راش بالعطايا جناحي ... وتلافى بعد الإله تلافي ما رأينا ولا سمعنا بشيخٍ ... قبل هذا مقامر بالحفاف وبها كم يدق في كل يومٍ ... في قفاه والرأس والأكتاف أسود الوجه أبيض الشعر لكن ... في سحيم وقبحه وخفاف

_ (1) الزركشي: 124 وابن الشعار 3: 80 والنجوم الزاهرة 7: 372 وفيه ((سليمان ابن بليمان)) وشذرات الذهب 5: 395 (وهو باللام أيضاً) . (2) محمد بن يوسف بن مسعود، وسيترجم له المؤلف في حرف الميم.

يدعي نسبه إلى آل شيبا ... ن وتلك القبائل الأشراف مثل نجد لو استطاعت لقالت ... ليس هذا الدعي من أكنافي فابسط العذر في هجاء رقيع ... عادل عن طرائق الإنصاف فلما سمع التلعفري هذه الأبيات قال: أنا ما أنا جندي أقامر بخفافي، قال: بخفاف امرأتك، فقال: مالي امرأة، فقال: لك مقامرة من بين الحجرين إما بالخفاف وإما بالثقال. ولما وقع ابن بنيمان من على بغلته انكسرت رجله ومشى بين خشبتين، سمع بعض الناس يقول: ما يضرب الله بعصاتين، فقال: بلى لابن بنيمان. ورؤي راكباً على حمارة، فسألوه عن ذلك فقال: نزلت عن البغلة وأصبحت أقدم على الجحشة. ونظم فيه الشهاب التلعفري: سمعت لابن بنيمان وبغلته ... عجيبة خلتها إحدى قصائده قالوا رمته وداست بالنعال على ... قفاه قلت لهم ذا من عوائده لأنها فعلت في حق والدها ... ما كان يفعله في حق والده ومن شعر ابن بنيمان: اشرب فشربك هذا اليوم تحليل ... وانف الهموم فقد وافاك أيلول أما ترى الشمس وسط الكاس طالعةً ... منيرةً ونطاق البدر محلول والأرض قد كسيت بالغيث حلتها ... وناظر الروض بالأزهار مكحول وله أيضاً (1) : أتاني كتاب منك لما فضضته ... مروىً من الإحسان صادٍ من الخنا فخيل لي ما أنت أنت لكثرة ال ... تواضع والإحسان أو ما أنا أنا

_ (1) سقطت من ص.

سليمان القرمطي

وقال: خليلي كم أشكو إلى غير راحم ... وأجعل عرضي عرضة للوائم وأسحب ذيل الذل بين بيوتكم ... وأقرع في ناديكم سن نادم هبوني ما استوجبت حقاً عليكم ... أما تعتريكم هزة للمكارم كأن المعالي ما حللن لديكم ... وقد أصبحت معدودةً في المحارم 171 (1) سليمان القرمطي سليمان بن الحسن بن بهرام، القرمطي - بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم بعدها طاء مهملة - الجنابي رئيس القرامطة؛ ذكر ابن الأثير في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين، قال (2) : في هذه السنة تحرك قوم بسواد الكوفة يعرفون بالقرامطة، ثم بسط القول في مبدأ أمرهم وحاصله أن رجلاً أظهر العبادة والزهد والتقشف وكان يسف الخوص ويأكل من كسبه، وكان يدعو الناس إلى إمام من (3) أهل البيت. وأقام على ذلك مدة، فاستجاب له خلق كثير، وجرت له أحوال وأوجبت حسن العقيدة فيه، وانتشر بسواد الكوفة ذكره. ثم قال في سنة ست وثمانين ومائتين (4) : وفي هذه السنة ظهر رجل يعرف بالحسن

_ (1) هو المعروف بأبي طاهر الجنابي ولد أبي سعيد (الحسن بن بهرام) الجنابي؛ انظر أخباره في تاريخ ابن الأثير وتاريخ أخبار القرامطة، والروض المعطار (مادة جنابا والزرادة) والمسالك والممالك للبكري (مخطوطة كوبريللي) وصلة عريب: 110 - 164 والنجوم الزاهرة 3: 225؛ وقد أورد ابن خلكان أكثر ما جاء به المؤلف هنا (الوفيات 2: 147) وما بعدها) . (2) تاريخ ابن الأثير 7: 444. (3) سقطت من ص. (4) ابن الأثير 7: 493.

الجنابي بالبحرين، واجتمع إليه جماعة من الأعراب والقرامطة وقوي أمره، وأن غلامه الصقلبي قتله سنة إحدى وثلثمائة، وقام بعده أبو طاهر ابنه؛ وفي سنة إحدى عشرة وثلثمائة قصد أبو طاهر البصرة وملكها بغير قتال، بل صعدوا إليها بسلالم شعر، فلما أحسوا بهم ساروا إليهم،، فقتلوا والي البلد ووضعوا السيف في الناس، فهرب منهم من هرب، وأقاموا فيه سبعة عشر يوماً، ونهب القرمطي جميع ما فيها وعاد إلى بلده، ولم يزل يعيث في البلاد ويكثر فيها الفساد، من القتل والسبي والحريق والنهب، إلى سنة سبع عشرة (1) وثلثمائة، فحج الناس، وسلموا في طريقهم. ثم إن القرمطي وافاهم بمكة يوم التروية فنهب أموال الحاج وقتلهم حتى في المسجد الحرام وفي البيت نفسه، وقلع الحجر الأسود وأنفذه إلى هجر، فخرج إليه أمير مكة في جماعة من الأشراف فقاتلوه فقتلهم أجمعين، وقلع باب الكعبة، وأصعد رجلاً ليقلع الميزاب فسقط ومات، وألقى القتلى في بئر زمزم وترك الباقي في المسجد الحرام، وأخذ كسوة البيت وقسمها بين أصحابه، ونهب دور أهل مكة، فلما بلغ ذلك المهدي عبيد الله صاحب إفريقية، كتب إليه ينكر عليه ويلومه ويلعنه ويقول: حققت على شيعتنا ودعاة دولتنا الكفر واسم الإلحاد بما فعلت، وإن لم ترد على أهل مكة والحاج ما أخذت منهم، وترد الحجر الأسود إلى مكانه، وترد الكسوة، وإلا فأنا بريء منك في الدنيا والأخرة، فلما وصل هذا الكتاب إليه أعاد الحجر الأسود وما أمكنه من أموال أهل مكة، وقال: أخذناه بأمر ورددناه بأمر، وكان بجكم التركي أمير العراق وبغداد قد بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يردوه (2) . قال ابن الأثير: ردوه إلى الكعبة لخمس خلون من ذي القعدة سنة تسع

_ (1) ص: سبعة عشر. (2) استدرك ابن خلكان هنا على ابن الأثير، بقوله: إن كتاب المهدي غلى القرمطي لا يستقيم لأن المهدي توفي سنة 322 وكان رد الحجر سنة 399.

وثلاثين وثلثمائة في خلافة المطيع، وأنهم لما أخذوه تفسخ تحته ثلاثة (1) جمال قوية من ثقله، ولما أعادوه حملوه على جمل واحد ووصل سالماً. قال ابن أبي الدم في الفرق الإسلامية: إن الخليفة راسل أبا طاهر في ابتياعه، فأجابه إلى ذلك، فباعه من المسلمين بخمسين ألف دينار، وجهز الخليفة إليهم عبد الله بن عكيم المحدث، وجماعة معه، فأحضر أبو طاهر شهوداً ليشهدوا على نواب الخليفة بتسليمه، ثم أخرج لهم أحد الحجرين المصنوعين، فقال لهم عبد الله بن عكيم: إن لنا في حجرنا علامة: إنه لا يسخن بالنار، وثانية أنه لا يغوص في الماء، فأحضروا ماء وناراً (2) ، فألقاه في الماء وغاص، ثم ألقاه في النار فحمي وكاد يتشقق، فقال: ليس هذا بحجرنا، ثم أحضر الحجر الثاني المصنوع، وقد ضمخه بالطيب وغشاه بالديباج يظهر كرامته، فصنع به عبد الله كما صنع بالأول وقال: ليس هذا بحجرنا، فأحضر الحجر الأسود بعينه، فوضعه في الماء فطفا ولم يغص، وجعله في النار فلم يسخن، فقال: هذا حجرنا، فعجب أبو طاهر، وسأله عن معرفة طريقه، فقال عبد الله بن عكيم: حدثنا فلان عن فلان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحجر الأسود يمين الله تعالى في أرضه، خلقه الله تعالى من درة بيضاء في الجنة، وإنما اسود من ذنوب الناس، يحشر يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان يتكلم به، يشهد لكل من استلمه أو قبله بالإيمان، وأه حجر يطفو على الماء ولا يسخن بالنار إذا أوقدت عليه فقال أبو طاهر: هذا دين مضبوط بالنقل. وقال صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى في تاريخه: قال بعضهم: إن القرامطة أخذوا الحجر الأسود مرتين، فيحتمل أن المرة الأولى رده بكتاب المهدي، والثانية رده لما اشتري منه، أو بالعكس، والله أعلم. وقصد القرامطة أطراف الشام، وفتحوا سلمية وبعلبك، وقتلوا غالب من

_ (1) ص ثلاث. (2) ص: ماء ونار.

المستعين الأموي

بهما من المسلمين، وخرج المكتفي بنفسه في جيش عظيم لما عزموا على حصار دمشق، وكثر الضجيج بمدينة السلام، وسار حتى نزل بالرقة، وبث الجيوش بين حلب وحماة وحمص، وعادت القرامطة تقصد حصار حلب، فالتقى الجمعان بتمنع، موضع بينه وبين حماة اثنا عشر ميلاً، وكان ذلك سنة إحدى وتسعين ومائتين أيام والده أبي سعيد، فانهزم جميع القرامطة وتبعوهم المسلمون وأفنوا عامتهم. ثم قام القرامطة أيضاً وكثر حربهم، ولم يزالوا إلى أن مات أبو سعيد، وقام أبو طاهر ابنه. وقيل إنه ملك دمشق وقتل جعفر بن فلاح نائب المصريين؛ ثم بلغ عسكر القرامطة إلى عين شمس، وهي على باب القاهرة، وظهروا عليهم، ثم انتصر أهل مصر عليهم فرجعوا عنهم، ولم يزل الناس معهم في شدة وبلاء إلى أن قتل أبو طاهر في سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة. 172 - (1) المستعين الأموي سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر عبد الرحمن الأموي، الملقب بالمستعين؛ خرج قبل الأربعمائة والتف عليه خلق كثير من جيوش البربر بالأندلس، وحاصر قرطبة وأخذها، ثم إن متولي سبتة خرج عليه وجهز لحربه جيشاً، فالتقوا وانهزم جيش المستعين، فدخل قرطبة وهجم على المستعين وذبحه صبراً وذبح أباه، وذلك في سنة سبع وأربعمائة؛ وملك قرطبة مرتين، وكانت

_ (1) الذخيرة 1/1: 24 وجذوة المقتبس: 19 والبيان والمغرب 3: 91 والمعجب: 90 وصفحات متفرقة من النفح؛ ولم يرد في المطبوعة من هذه الترجمة إلا القليل.

مدة ملكه في المرتين ست سنين وعشرة أشهر، وكانت مشحونة بالشدائد، معروفة بالمنكر والفساد، نفرت القلوب عنه، وبسبب ذلك تملك ملوك الطوائف. ولما كانت سنة خمس وأربعمائة شاع الخبر أن مجاهد العامري أقام خليفة يعرف بالفقيه المعيطي، فاستعظم ذلك إلى أن بلغه ظهور علي بن حمود الفاطمي بسبتة، فسقط في يد المستعين، فجاءه الفاطمي في جموعه فهزمه، ونبش خيران العامري القبر الذي ذكر له أن هشاماً به، فشهد أنه هشام، وجعل المستعين يبرأ من دمه وهو الذي قتله بعد أن استولى على قرطبة في المرة الثانية، فلم يفد ذلك، وظهر منه جزع عظيم لما رأى السيف. وكان المستعين من الشعراء المجيدين، ومن شعره: عجباً يهاب الليث حد سناني ... وأهاب سحر فواتر الأجفان وأقارع الأهوال لا متهيباً ... منها سوى الإعراض والهجران وتملكت روحي ثلاث كالدمى ... زهر الوجوه نواعم الأبدان ككواكب الظلماء لحن لناظري ... من فوق أغصانٍ على كثبان حاكمت فيهن السلو إلى الصبا ... فقضى بسلطانٍ على سلطاني فأبحن من قلبي الحمى، وتركنني ... في عز ملكي كالأسير العاني لا تعذلوا ملكاً تذلل للهوى ... ذل الهوى عز وملك ثان ما ضر أني عبدهن صبابةً ... وبنو الزمان وهن من عبداني إن لم أطع فيهن سلطان الهوى ... كلفاً بهن فلست من مروان

أبو الوليد الباجي

173 - (1) أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث، أبو الوليد الباجي الأندلسي القرطبي صاحب التصانيف؛ أصله من بطليوس، وانتقل آباؤه إلى باجة، ولد في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة، وتوفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة. سمع ورحل. أخذ الفقه عن أبي الطيب الطبري وأبي إسحاق الشيرازي، وأقام بالموصل سنة يأخذ علم الكلام عن أبي جعفر السمناني، وبرع في الحديث وبرز على أقرانه، وتقدم في علم الكلام والنظم، ورجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة (2) سنة بعلوم كثيرة، وروى عنه الخطيب وابن عبد البر، وهما أكبر منه. وصنف المنتقى في الفقه والمعاني في شرح الموطأ عشرين مجلداً لم يؤلف مثله، وكان قد صنف كتاباً كبيراً جامعاً بلغ في الغاية سماه كتاب الاستيفاء وكتاب الإيماء في الفقه والسراج في الخلاف، لم يتم، مختصر المختصر في مسائل المدونة واختلاف الموطآت والجرح والتعديل والتسديد إلى معرفة التوحيد والإشارة في أصول الفقه. أحكام الفصول في أحكام الأصول والحدود وشرح المنهاج وسنن الصالحين وسنن العابدين وسبل المهتدين وفرق الفقهاء وتفسير القرآن لم يتم. وسنن المنهاج وترتيب الحجاج.

_ (1) الذخيرة (القسم الثاني) : 38 والقلائد: 188 والصلة: 197 وبغية الملتمس رقم: 777 والمغرب 1: 404 ومعجم الأدباء 11: 246 والديباج المذهب: 120 وتذكرة الحفاظ: 1178 وتهذيب ابن عساكر 6: 248 والشذرات 3: 334 وقضاة النباهي: 95 والنفح 2: 67 والزركشي: 125 ومرآة الجنان 3:108 ووفيات الأعيان 2: 408 وعلى هذا فليست مما فات ابن خلكان مما فات ابن خلكان؛ وقد أخلت المطبوعة بمعظمها. (2) ص: ثلاثة عشر.

أسد الدين ابن موسك

وتوفي بالمرية في الأندلس. ولما تكلم أبو الوليد في حديث البخاري ما تكلم من حديث المقاضاة يوم الحديبية، وقال بظاهر لفظه، أنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصايغ وكفره باجازته الكتابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي وأنه تكذيب للقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أطلقوا عليه الفتنة وقبحوا عند العامة فعله، وتكلم به خطباؤهم في الجمع، ونظموا فيه القصائد التي منها: برئت ممن شرى دنيا بآخرةٍ ... وقال إن رسول الله قد كتبا فصنف أبو الوليد رسالة فيها إن ذلك لا يقدح في المعجزة، فرجع عنه بها جماعة. ومن شعر أبي (1) الوليد: إذا كنت أعلم علماً يقينا ... بأن جميع حياتي كساعه فلم لا أكون ضنيناً بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه وله أيضاً: إذا كنت تعلم أن لا محيد ... لذي الذنب عن هول يوم الحساب فأعص الإله بمقدار ما ... تحب لنفسك سوء العذاب 174 (2) أسد الدين ابن موسك سليمان بن داود بن موسك، الأمير أسد الدين بن الأمير عماد الدين بن

_ (1) ص: أبو. (2) الزركشي: 125.

عون الدين ابن العجمي

الأمير الكبير عز الدين الهذباني؛ ولد في حدود الستمائة بالقدس وتوفي سنة سبع وستين وستمائة، وكانت له يد في النظم، وعنده فضيلة، وترك الخدم وتزهد ولبس الخشن، وجالس العلماء، وأذهب معظم نعمته واقتنع. وكان أبوه أخص الأمراء بالأشرف ابن العادل، وجده الأمير عز الدين موسك ابن خال السلطان صلاح الدين. ومن شعر أسد الدين سليمان قوله: ما الحب إلا لوعة وغرام ... فحذار أن يثنيك عنه ملام العشق للعشاق نار حرها ... برد على أكبادهم وسلام تلتذ فيه جفونهم بسهادها ... وجسومهم إذا شفها الأسقام ولهم مذاهب في الغرام وملة ... أنا في شريعتها الغداة إمام ولهم وللأحباب في لحظاتهم ... خوف الوشاة رسائل وكلام لطفت إشارتهم ودقت في الهوى ... معنىً فحارت دونها الأفهام وتحجبت أنوارها عن غيرهم ... وجلت لهم أسرارها الأوهام فإليك عن عذلي فإن مسامعي ... ما للملام بطرقها إلمام أنا من يرى حب الحسان حياته ... فإلام في حب الحياة ألام 175 (1) عون الدين ابن العجمي سليمان بن عبد المجيد بن حسن بن عبد الله بن الحسن، الأديب البارع عون الدين ابن العجمي الحلبي الكاتب؛ ولد سنة ست وستمائة، وتوفي سنة ست

_ (1) الزركشي: 127 وابن الشعار 3: 11 وابن خلكان 6: 251.

وخمسين وستمائة بدمشق، وشيعه الأعيان والسلطان. سمع من الافتخار الهاشمي وجماعة، وسمع منه الدمياطي وفتح الدين بن القيسراني ومجد الدين العقيلي، وكان كاتباً مترسلاً وشاعراً، ولي الأوقاف بحلب وتقدم عند الملك الناصر وحظي عنده وولي نظر الجيوش بدمشق، وكان متأهلاً للوزارة كامل الرياسة لطيف الشمائل؛ ومن شعره: لهيب الخد حين بدا لعيني ... هوى قلبي عليه كالفراش فأحرقه فصار عليه خالاً ... وها أثر الدخان على الحواشي وحضر يوماً مجلس مخدومه الملك الناصر، وأدار ظهره إلى الطراحة، فقال له أستاذ الدار: السدة وراءك، فقال له الملك الناصر: سلمان (1) من أهل البيت، فقال: رعى الله ملكاً ما له من مشابهٍ ... يمن على العاني ولم يك منانا لإحسانه أمسيت حسان مدحه ... وكنت سليماناً فأصبحت سلمانا ومن شعر عون الدين: يا سائقاً يقطع البيداء معتسفاً ... بضامر لم يكن (2) في سيره واني إن جزت بالشام شم تلك البروق ولا ... تعدل - بلغت المنى - عن دير مران واقصد علالي قلاليه تلاق بها ... ما تشتهي النفس من حور وولدان من كل بيضاء هيفاء القوام إذا ... ماست فيا خجلة المران والبان وكل أسمر قد دان الجمال له ... وكمل الحسن فيه فرط إحسان ورب صدغ بدا في الخد مرسله ... في فترة فتنت من سحر أجفان فليت ريقته وردي ووجنته ... وردي ومن صدغه آسي وريحاني

_ (1) غير اسمه من سليمان إلى سلمان ليطابق في ذلك نص الحديث ((سلمان منا أهل البيت)) . (2) ص: لم يك.

سليمان ابن عبد الملك الخليفة

وعج على دير متى ثم حي به ال ... ربان بطرس، فالربان رباني فهمت منه إشاراتٍ فهمت بها ... وصنت منشورها في طي كتمان واعبر بدير حنينا وانتهز فرص ال ... لذات ما بين قسيسٍ ومطران واستجل راحاً بها تحيا النفوس إذا ... دارت براح شماميس ورهبان حمراء صفراء بعد المزج كم قذفت ... بشهبها من همومي كل شيطان كم رحت في الليل أسقيها وأشربها ... حتى انقضى ونديمي غير ندمان سألت توماس عن من كان عاصرها ... أجاب رمزاً ولم يسمح بتبيان وقال: أخبرني شمعون ينقله ... عن ابن مريم عن موسى بن عمران بأنها سفرت بالطور مشرقةً ... أنوارها فكنوا عنها بنيران وهي المدام التي كانت معتقة ... من عهد هرمس من قبل ابن كنعان وهي التي عبدتها فارس فكنى ... عنها بشمس الضحى في قومه ماني سكرت منها فلا صحو وجدت بها ... على الندامى وليس الشح من شاني وسوف أمنحها أهلاً وأنشده ... ما قيل فيها بترجيع وألحان ؟؟ حتى تميل لها أعطافه طرباً ... وينتشي الكون من أوصاف نشوان خير الملوك صلاح الدين ليس له ... في الجود ثان ولا عن جوده ثاني 176 (1) سليمان ابن عبد الملك الخليفة سليمان بن عبد الملك بن مروان؛ كان من خيار ملوك بني أمية، ولي الخلافة في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين بعد الوليد، بالعهد من أبيه، وكانت

_ (1) أخباره في المصادر التاريخية المشهورة؛ وقد ترجم له ابن خلكان 2: 420 وهي مما انفردت به إحدى النسخ، وليست من شرط المؤلف.

داره موضع سقاية جيرون، وكان فصيحاً مفوهاً، مؤثر العدل، يحب الغزو؛ ومولده سنة ستين، وتوفي عاشر صفر سنة تسع وتسعين بمرج دابق عرضت عليه سعلة وهو يخطب، فنزل وهو محموم، فما جاءت الجمعة الأخرى حتى مات، وولي عمر بن عبد العزيز. وكان جميل الوجه، وعزل عمال الحجاج، وأخرج من في سجون العراق، وهم بالإقامة في القدس، وحج سنة سبع وتسعين، وقال لعمر بن عبد العزيز لما رأى الناس في الموسم: أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصى عددهم إلا الله تعالى، ولا يسع رزقهم غيره؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء اليوم رعيتك وغداً خصماؤك، فبكى بكاء شديداً ثم قال: بالله أستعين. وكان من الأكلة، قال ابنه: أكل أبي أربعين دجاجة تشوى على النار، وأكل أربعاً وثمانين (1) كلوة بشحمها وثمانين جرذقة، وأكل سبعين رمانة وخروفاً وأتى بمكوك زبيب طائفي فأكله أجمع. وقيل إنه جلس في بيت أخضر، وتحته وطاء أخضر، عليه ثياب خضر، ثم نظر في المرآة فأعجبته نفسه وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم نبياً، وكان أبو بكر صديقاً، وكان عمر فاروقاً، وكان عثمان حيياً، وكان معاوية حليماً، وكان يزيد صبوراً، وكان عبد الملك سائساً، وكان الوليد جباراً، وأنا الملك الشاب، فما دار عليه الشهر حتى مات. وقال سعيد بن عبد العزيز: إن سليمان ولي وهو إلى الشباب والترف ما هو، فقال لعمر بن عبد العزيز: يا أبا حفص إنا قد ولينا ماترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به يكتب، فكان من ذلك عزل عمال الحجاج، وإخراج من في سجون العراق، وكان يسمع من عمر بن عبد العزيز جميع ما يأمر به.

_ (1) ص: أربعة وثمانون.

سليمان بن علي الهاشمي

وقدم عليه موسى بن نصير من ناحية المغرب. ومسلمة بن عبد الملك، فبينا هو على ذلك إذ جاءه الخبر أن الروم خرجت على ساحل حمص فسبت امرأة وجماعةً، فغضب سليمان وقال: والله لأغزونهم غزوة أفتح بها القسطنطينية أو أموت دون ذلك، فأغزى جماعة أهل الشام والجزيرة والموصل في البر في نحو مائة وعشرين ألفاً، وأغزى أهل مصر وإفريقية في البحر في ألف مركب، وعلى جماعة الناس مسلمة بن عبد الملك، وأغزى داود بن سليمان في جماعة من أهل بيته، وقدم سليمان من القدس إلى دمشق، ومضى حتى نزل مرج دابق، فأمضى البعث وأقام بالمرج. قال عبد الغني: وسمي سليمان بن عبد الملك مفتاح الخير لأنه استخلف عمر بن عبد العزيز. وقال ابن سيرين: رحم الله سليمان بن عبد الملك، افتتح خلافته بخير وختمها بخير، افتتح خلافته بإحياء الصلاة لمواقيتها، وختمها بأن استخلف عمر بن عبد العزيز، رحمهما الله تعالى. 177 - (1) سليمان بن علي الهاشمي سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، أحد أعمام السفاح والمنصور حدث عن أبيه وعكرمة، وولي الموسم في خلافة السفاح وولي البصرة له وللمنصور، ولد سنة اثنين وثمانين، وتوفي سنة اثنين وأربعين ومائة. وكان سليمان كريماً جواداً، مر برجل يسأل قد تحمل عشر ديات، فحملها عنه، وكان يعتق في

_ (1) صفحات متفرقة من تاريخ الطبري وأخبار الدولة العباسية وتهذيب ابن عساكر 6: 281 وتهذيب التهذيب 4: 211.

معين الدين البرواناه

كل موسم عشية عرفة مائة نسمة، وبلغ عطاؤه في الموسم على قريش والأنصار خمسة آلاف ألف درهم، رحمه الله تعالى. 178 - (1) معين الدين البرواناه سليمان بن علي، الصاحب معين الدين، البرواناه؛ كان أبوه مهذب الدين علي بن محمد أعجمياً سكن الروم، وكان يقرأ القرآن، فتوصل حتى صار يقرأ أولاد مستوفي الروم. ثم ناب عنه، ثم ولي موضعه في أيام السلطان علاء الدين، وظهرت كفايته فاستوزره، ثم وزر لولده غياث الدين إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين، فعظم أمره إلى أن استولى على ممالك الروم، وصانع التتار، وعمرت البلاد به، وكاتب الملك الظاهر، ثم نقم عليه أبغا، ونسبه إلى أنه هو الذي جسر الظاهر على بلاد الروم، وحصل ما وقع من قبل أعيان المغل، فبكت الحواتين وشقت الثياب بين يدي أبغا، وقالوا: البرواناه هو الذي قتل رجالنا ولا بد من قتله، فقتله. وكان من دهاة العالم وشجعانهم، له إقدام على الأهوال، وخبرة بجمع الأموال، قطعت اربعته وهو حي وألقي في مرجل وسلق وأكل المغل لحمه من غيظهم، وقتلوا معه من الروم خلائق، وذلك سنة ست وأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى.

_ (1) السلوك 1: 621 - 647 والشذرات 5: 312.

العفيف التلمساني

179 - (1) العفيف التلمساني سليمان بن علي بن عبد الله بن علي، الشيخ الأديب البارع عفيف الدين التلمساني؛ كان كوفي (2) الأصل، وكان يدعى العرفان ويتكلم على اصطلاح القوم. قال قطب الدين اليونيني: رأيت جماعة ينسبونه إلى رقة الدين والميل إلى مذهب النصيرية. وكان حسن العشرة كريم الأخلاق، له حرمة ووجاهة، وخدم في عدة جهات. وقال الجزري في تاريخه: إنه عمل ببلاد الروم أربعين خلوة، يخرج من واحدة ويدخل في أخرى، وله في كل عام تصنيف، وشرح الأسماء الحسني وشرح منازل السائرين وشرح مواقف النفري. وحكى بعضهم قال: طلعت يوم قبض فقلت له: كيف حالك؟ قال: بخير، من عرف الله كيف يخافه؟ والله منذ عرفته ما خفته، وأنا فرحان بلقائه. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وحكى لي الشيخ ابن طي الحافي قال: كان عفيف الدين يباشر استيفاء الخزانة بدمشق، فحضر الأسعد بن السديد الماعز إلى دمشق صحبة السلطان الملك المنصور، قال له يوماً؛ يا عفيف الدين، أريد منك أن تعمل لي أوراقاً بمصروف الخزانة وحاصلها، قال: نعم، وطلبها منه مرة أخرى ومرة وهو يقول: نعم، فقال له في الآخر: أراك كلما اطلب منك الأوراق

_ (1) الزركشي: 128 والنجوم الزاهرة 8: 29 والبداية والنهاية 13: 326 والشذرات 5: 412؛ وبعض أجزاء هذه الترجمة سقطت من المطبوعة. (2) كذا هو أيضاً بخط المؤلف؛ وعلق الأستاذ الزركلي في الأعلام (3: 193 الحاشية رقم: 2) أنه خطأ، وأن الصواب ((كومي)) - بالميم - نسبة إلى كومة، وهي قبيلة صغيرة منازلها بساحل البحر من أعمال تلمسان.

تقول لي نعم، وأغلظ له في القول، فغضب الشيخ عفيف الدين وقال له: والك لمن تقول هذا الكلام؟ يا كلب يا ابن الكلب يا خنزير، وهذا من عجز المسلمين وإلا لو بصقوا عليك بصقة لأغرقوك، ثم شق ثيابه وقام يهم بالدخول على السلطان، فقام الناس إليه وقالوا: هذا ما هو كاتب وهذا الشيخ عفيف الدين التلمساني، وهو معروف بالجلالة والإكرام بين الناس، ومتى دخل إلى السلطان آذاك، فسألهم دره وقال له: يا مولانا ما بقيت أطلب منك لا أوراقاً ولا غيرها. وقال الشيخ أثير الدين: المذكور أديب ماهر جيد النظم، تارة يكون شيخ صوفية وتارة كاتب وتارة مجرد، قدم علينا بالقاهرة، ونزل بخانقاه سعيد السعداء عند صاحبه شيخها الشيخ شمس الدين الأيكي، وكان متنجلاً في أقواله وأفعاله طريقة ابن العربي؛ انتهى قول أثير الدين. وتوفي الشيخ عفيف الدين بدمشق في شهور سنة تسعين وستمائة، ودفن بمقابر الصوفية؛ ومن نظمه: وقفنا على المغنى قديماً فما أغنى ... ولا دلت الألفاظ منه على معنى وكم فيه أمسينا وبتنا بربعه ... حيارى وأصبحنا حيارى كما بتنا ثملنا وملنا والدموع مدامنا ... ولولا التصابي ما ثملنا ولا ملنا فلم نر للغيد الحسان بهم سنا ... وهم من بدور التم في حسنها أسنى نسائل بانات الحمى عن قدودهم ... ولا سيما في لينها البانة الغنا ونلثم ترب الأرض أن قد مشت بها ... سليمى ولبنى لا سليمى ولا لبنى فوا أسفا فيه على يوسف الحمى ... ويعقوبه تبيض أعينه حزنا وليس الشجي مثل الخلي لأجل ذا ... به نحن نحنا والحمام به غنى ينادي مناديهم ويصغي إلى الصدى ... فيسألنا عنهم بمثل الذي قلنا وله أيضاً:

ندى في الأقحوانة أم شراب ... وطل في الشقيقة أم رضاب فتلك وهذه ثغر وكأس ... لذا ظلم وفي هذي شراب وخضر خمائل كجسوم غيدٍ ... قد انتشقت فراق بها الخضاب يريك بها الشقيق سواد هدبٍ ... وحمرة وجنةٍ فيها التهاب وورق حمائم في كل فنٍ ... إذا نطقت لها لحن صواب لها بالطل أزرار حسان ... وأطواق ومن ورقٍ ثياب كأن النهر سيف مشرفي ... له في كف صيقله اضطراب تجرده يمين الشمس طوراً ... وطوراً بالظلال له قراب يعاب السيف إذا في جانبيه ... فلول وهو منها لا يعاب فإن قلت الحباب انساب ذعراً ... ورمت الرقش صدقك الحساب وللأغصان هينمة تحاكي ... حبائب رق بينهما العتاب وله من أبيات: وفي الحي هيفاء المعاطف لو بدت ... مع البان كان الورق فيها تغنت عجبت لها في حسنها إذ تفردت ... لأية معنىً بعد ذاك تثنت وله أيضاً: أفدي التي ابتسمت وهناً بكاظمة ... فكان منها هدى الساري بنعمان وواجهتها ظباء الرمل فاكتسبت ... منها محاسن أجياد وأجفان يسري النسيم بعطفيها فيصحبه ... لطفاً يميل غصون الرند والبان مرت على جانب الوادي وليس به ... ماء ففاض بدمعي الجانب الثاني موهت عنها بسلمى واستعرت لها ... من وصفها فاهتدى الشاني إلى شاني تجني علي وما أحلى أليم هوىً ... في حبها حين ألجاني إلى الجاني وقال أيضاً: إن كان قتلي في الهوى يتعين ... يا قاتلي فبسيف طرفك أهون

حسبي وحسبك أن تكون مدامعي ... غسلي وفي ثوب السقام أكفن عجباً لخدك وردةً في بانةٍ ... والورد فوق البان ما لا يمكن أدنته لي سنة الكرى فلثمته ... حتى تبدل بالشقيق السوسن ووردت كوثر ثغره فحسبتني ... في جنةٍ من وجنتيه أسكن ما راعني إلا بلال الخال فو ... ق الخد في صبح الجبين يؤذن فنشرت من خوف الصباح ذؤابة ... هي كالدجى وظللت فيها أكمن يا نظرة كم رمت أسرق أختها ... من مقلةٍ هي للنعاس معيدن وقال أيضاً: رياض بكاها المزن فهي بواسم ... وناحت لغير الحزن فيها الحمائم وأودعت الأنواء فيهن سرها ... فنمت عليهن الرياح النواسم يبيت الندى في أفقها وهو ناثر ... ويضحي على أجيادها وهو ناظم كأن الأقاحي والشقيق تقابلا ... خدود جلاهن الصبا ومباسم كأن بها للنرجس الغض أعيناً ... تنبه منها البعض والبعض نائم كأن ظلال القضب فوق غديرها ... إذا اضطربت تحت الرياح أراقم كأن غناء الورق ألحان معبدٍ ... إذا رقصت تلك القدود النواعم كأن نثار الشمس تحت غصونها ... دنانير في وقتٍ ووقت دراهم كأن ثماراً (1) في غصون توسوست ... لعارض خفاق النسيم تمائم كأن القطوف الدانيات مواهب ... ففي كل غصن ماسن في الدوح حاتم وقال أيضاً: أشتاق من ساكني ذاك الحمى سكنا ... عليه خفق فؤادي قط ما سكنا ولي غرام وصبر في محبته ... هذا أقام بأحشائي وذا ظعنا أطلعتم يا أهيل المنحى قمراً ... بدا على الكون منه بهجة وسنا

_ (1) ص: ثمار.

سبى عيون محبيه الكرى فلذا ... أجفانه لم تزل مملوءةً وسنا إن قلت غصن تجلى وجهه قمراً ... أو قلت بدر (1) تثنى قده غصنا نادى ضنى خصره من يشتري سقماً ... مني ليفنى به في الحب قلت أنا فيا غني جمالٍ بات مفتقراً ... لحسنه البدر مالي عن هواك غنى وقال أيضاً: أسكرت بان الحمى يا نسمة السحر ... فهل أتيت عن الأحباب بالخبر نعم مررت بذاك الحي فالتبست ... ذيول بردك ريا نشره العطر يا نوق روحي بروحي للحمى وقفي ... به فديتك بين الضال والسمر ففي بيوت الحمى سمراء قد حجبت ... بالسمر عنا وبالهندية البتر شمس ومطلعها ذاتي ومغربها ... بين السوادين من قلبي ومن بصري تبدي معالم مغناها محاسنها ... فيكتسي الروض بالغدران والزهر وقال: لا تلم صبوتي فمن حب يصبو ... إنما يرحم المحب المحب كيف لا يوقد النسيم غرامي ... وله في ديار ليلى مهب ما اعتذاري إذا خبت لي نار ... وحبيبي أنواره ليس تخبو وشعره جيد إلى الغاية، رحمه الله تعالى وعفا عنه وعنا وعن جميع المسلمين.

_ (1) ص: وإن قلت بدراً.

الزين الحافظي

180 - (1) الزين الحافظي سليمان بن علي، زين (2) الدين ابن المؤيد، خطيب عقربا (3) الحافظي؛ قال ابن أبي أصيبعة: اشتغل بالطب على الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي الدخوار، وحصل العلم والعمل، وأتقن الفصول والجمل، وخدم بالطب الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه ابن أبي بكر بن أيوب، وكان يومئذ صاحب قلعة جعبر، وأقام في خدمته وتميز عنده، وأجزل رفده، وخوله في دولته واشتمل عليه. وكان زين الدين يعاني الأدب والشعر والكتابة الحسنة، وكان يعاني الجندية، وداخل أولاد الملك الحافظ، وصار حظياً مكيناً في دولتهم. ولما مات الملك الحافظ وتسلم الملك الناصر بن العزيز صاحب حلب قلعة جعبر بمراسلات، كان فيها الزين الحافظي، وانتقل الزين إلى حلب وصارت له عند الملك الناصر يد ومنزلة رفيعة، وتزوج زين الدين بابنة رئيس حلب، واقتنى أموالاً كثيرة. ولما ملك الناصر دمشق وصل معه إلى دمشق، وصار مكيناً في دولته. ولما جاءت رسل التتار يطلبون البلاد ويشترطون ما يحمل إليهم من المال فبعث الملك الناصر زين الدين رسولاً إلى هولاكو، فأحسن إليه واستماله، فصار من جهته، ومازج التتار، وتردد في المراسلات مرات، وأطمع التتار في البلاد، وهول على الملك الناصر أمرهم وعظم شأنهم، ووصف عساكرهم

_ (1) عيون الأنباء 2: 189 - 190. (2) ص: بن زين. (3) عقرباً: اسم مدينة الجولان.

وصغر شأن الناصر ومن معه من العساكر حتى أوقفه على الحرب (1) ؛ فلما جاءت التتار إلى حلب ونازلها هولاكو، هرب الناصر من دمشق إلى مصر، وخرجت عساكر مصر وملكها قطز، فانكسر الناصر وملكت التتار دمشق، وصار زين الدين يأمر بها وينهى، وبقي معه جماعة، حتى كانوا يدعونه الملك زين الدين. ولما كسر التتار على عين جالوت وانهزم ملك التتار ومن معه من دمشق، توجه زين الحافظي معهم خوفاً على نفسه من المسلمين (2) . قال الرشيد الفارقي: كنت أقابل معه صحاح الجوهري، فلما أمروه قلت: قيل لي الحافظي قد أمروه ... قلت ما زال بالعلاء جديرا وسليمان من خصائصه المل ... ك فلا غرو أن يكون أميرا أحضره هولاكو بين يديه وقال له: ثبت عندي خيانتك وتلاعبك بالدول: خدمت صاحب بعلبك ثم خدمت صاحب حعبر وصاحب دمشق وخنت الجميع، وانتقلت إلي فأحسنت إليك، فشرعت تكاتب صاحب مصر، وعدد ذنوبه ثم قتله، وقتل أولاده وأقاربه وكانوا نحواً من خمسين نفراً (3) ، وكان سبب ذلك كتب بعثها إلى الظاهر، وذلك سنة اثنتين وستين وستمائة.

_ (1) ابن أبي أصيبعة: ويصغر شأن الملك الناصر ومن عنده من العساكر، وكان الملك الناصر مع ذلك جباناً متوقفاً عن الحرب. (2) إلى هنا ينتهي النقل - بإيجاز وتصرف - عن عيون الأنباء. (3) ص: نحو ... نفر.

ابن الطراوة المالقي

181 - (1) ابن الطراوة المالقي سليمان بن محمد بن عبد الله، أبو الحسين بن الطراوة المالقي النحوي؛ أخذ عن أبي الحجاج الأعلم وأبي مروان بن سراج، حمل عنهم كتاب سيبويه، وكان عالم الأندلس بالنحو في زمانه، وله كتاب المقدمات على سيبويه، وأخذ عنه أئمة العربية بالأندلس، وتوفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. ومن شعره: وقائلةٍ أتهفوا للغواني ... وقد أضحى بمفرقك النهار فقلت لها حثثت على التصابي ... أحق الخيل بالركض المعار وقال في فقهاء مالقة: إذا رأوا جملاً يأتي على بعدٍ ... مدوا إليه جميعاً كف مقتنص إن جئتهم فارغاً لزوك في قرنٍ ... وإن رأوا رشوةً أفتوك بالرخص ومنه وقد خرجوا يستسقون (2) على آثار قحط في يوم غامت سماؤه، فزال ذلك الغيم عند خروجهم (3) . خرجوا ليستسقوا وقد نشأت ... بحريةٍ قمن بها السح

_ (1) المقتضب من تحفة القادم: 11 وأدباء مالقة: 188 والمغرب 2: 208 وبغية الملتمس: 290 والتكملة (رقم 1979) وبغية الوعاة: 262 وصفحات متفرقة من أخبار وتراجم أندلسية ومن نفح الطيب والزركشي: 129؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة. (2) ص: يستسقوا. (3) انظر ابن خلكان 4: 160.

أبو الربيع بن سالم

حتى إذا اصطفوا لدعوتهم ... وبدا لأعينهم بها نضح كشف الغمام إجابةً لهم ... فكأنما خرجوا ليستصحوا قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وقد سبقه إلى معناها أبو علي المحسن ابن أبي القاسم التنوخي صاحب كتاب الفرج بعد الشدة في قوله: خرجنا لنستسقي بيمن دعائه ... وقد كاد هدب الغيم أن يلحق الأرضا فلما ابتدا يدعو تقشعت السما ... فما تم إلا والغمام قد ارفضا 182 (1) أبو الربيع بن سالم سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي الأندلسي البلنسي الحافظ الكبير؛ ولد في شهر رمضان سنة خمس وخمسين، وتوفي سنة أربع وثلاثين وستمائة، رحمه الله تعالى. كان بقية أعلام الحديث ببلنسية، عني أتم عناية بالتقييد والرواية، وكان إماماً حافظاً عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدم أهل زمانه في ذلك؛ وكان الخط الذي يكتبه لا نظير له في الإتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والاشتهار في البلاغة، فرداً في الرسائل مجيداً (2) في النظم،

_ (1) التكلمة رقم: 1991 والذيل واتكلمة 4: 83 وقضاة النباهي: 119 وبرنامج الرعيني: 66 والمقتضب من التحفة: 129 واعتاب الكتاب: 249 والديباج: 122 وتذكرة الحفاظ 1417 والنفح (صفحات متفرقة) والمغرب 2: 316 والنجوم الزاهرة 6: 298 والزركشي: 130 والشذرات 5: 164 وانظر مقدمة الاكتفاء؛ وأخلت المطبوعة بالقسم الأكبر من هذه الترجمة. (2) ص: مجيد.

وكان هو المتكلم عن الملوك في مجالسهم، والمبين عنهم لما يريدونه في المحافل على المنابر. وله تصانيف مفيدة في عدة فنون، ألف الاكتفا في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الثلاثة في أربع مجلدات، وله كتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وكتاب مصباح الظلم يشبه الشهاب وكتاب في أخبار البخاري وسيرته وكتاب الأربعين سوى ما صنف في الحديث والأدب والخطب. ومن شعره: أشجاه ما فعل العذار بخده ... قلبي شجا وهواي فيه هيجا ما رابه والحسن يمزج ورده ... آساً ويخلط بالشقيق بنفسجا ولقد علمت بأن قلبي صائر (1) ... كرة لصدغيه غداة تصولجا ومنه: ولما تحلى خده بعذاره ... تسلو وقالوا ذنبه غير مغفور وهل تنكر العين اللجين منيلاً ... أو المسك مذروراً على صحن كافور ومنه: قالوا اكتست بالعذار وجنته ... هل في الذي قلتموه من باس؟ أكلف بالورد وهو منفرد ... فكيف أسلو إذ شيب بالآس؟ ومنه: رياض كالعروس إذا تجلت ... وقل لها مشابهة العروس فمن زهرٍ ضحوك السن طلق ... لجهمٍ من سحائبه عبوس وقضب تحسب الأرواح سقت ... معاطفها سلافة خندريس ونهر مثل هنديٍ صقيلٍ ... تجرد فوق موشيٍ نفيس تولت نسجه السحب الغوادي ... وحاكت وشيه أيدي الشموس

_ (1) ص: صائراً.

أبو الفضل الحوراني

183 - (1) أبو الفضل الحوراني سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح، الشيخ الإمام الفقيه المفتي القدوة الزاهد العابد القاضي الخطيب، صدر الدين أبو الفضل القرشي الجعفري الحوراني الشافعي صاحب النواوي؛ ولد سنة اثنتين وأربعين بقرية بصرى (2) من السواد (3) ؛ توفي سنة خمس وعشرين وسبعمائة. قدم دمشق مراهقاً وحفظ القرآن بمدرسة أبي عمر على الشيخ نصر بن عبيد، ورجع إلى البلاد، ثم قدم بعد سبع سنين وتفقه بالشيخ تاج الدين وبالشيخ محيي الدين، وأتقن الفقه وأعاد بالناصرية، وناب في القضاء لابن صصرى مدة ولم يغير ثوبه القطني ولا عمامته الصغيرة. وتحكى عنه حكايات في رفقه بالخصوم، يقال إنه كان إذا علم أن الغريم ضعيف يعجز عن أجرة رسول القاضي قام مع الغريم، ومشى إلى بيت الغريم أو حانوته. وكان خيراً متواضعاً، وكان يمشي إلى بعض العدول ليؤدي عنده الشهادة، وولي خطابة العقيبة (4) واكتفى بها. وعينه الأمير سيف الدين تنكز للاستسقاء بالناس سنة تسع عشرة فسقوا. وكان خطيباً بدارياً يدخل إلى دمشق على بهيم ضعيف. وكان لا يدخل حماماً ولا يتنعم؛ وحدث عن أبي اليسر والمقداد القيسي، وناب عن ابن الشريشي في دار الحديث، وشيع جنازته خلق عظيم، رحمه الله.

_ (1) الدرر الكامنة 2: 260 وطبقات السبكي 6: 106 والدارس 1: 465 ومرآة الجنان 4: 274 وذيل العبر: 142 والشذرات 6: 67. (2) ص: بسرى. (3) يعني بالسواد هنا المنطقة القريبة من البلقاء. (4) بالعقيبة جامع يسمى جامع التوبة (الدارس 2: 426) وانظر في خبرة ترجمة ابن الزويتينة الرحبي.

تقي الدين المقدسي الجماعيلي

184 - (1) تقي الدين المقدسي الجماعيلي سليمان بن حمزة بن أحمد بن الشيخ أبي عمر، الإمام المفتي شيخ المذهب مسند الشام تقي الدين، أبو الفضل المقدسي الجماعيلي الأصل، الدمشقي الصالحي الحنبلي؛ ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وتوفي سنة خمس عشرة وسبعمائة؛ وسمع الصحيح حضوراً في الثالثة من ابن الزبيدي، وسمع صحيح مسلم وما لا يوصف كثرة من الحافظ ضياء الدين، ربما عنده منه ستمائة جزء، وسمع حضوراً من جده الجمال أبي حمزة وابن المقير وسمع من ابن اللتي وجعفر الهمداني وابن الجميزي وكريمة الميطورية، وتفقه بالشيخ شمس الدين وصحبه مدة، وبرع في المذهب، وتخرج به الأصحاب، وله معرفة بتواليف الشيخ موفق الدين وأقرأ المقنع (2) وغيره، ودرس بالجوزية؛ ولي القضاء عشرين سنة، ومن تلامذته ولده قاضي القضاة عز الدين وقاضي القضاة ابن مسلم والإمام عز الدين محمد بن العز والإمام شرف الدين أحمد بن القاضي وطائفة. وسمع منه المزي والواني وابن تيمية وابن المحب والعلائي وابن رافع وعدد كثير. وعزل سنة تسع عن القضاء بالقاضي شهاب الدين ابن الحافظ، عزله الجاشنكير، ثم أعيد لما جاء الناصر من الكرك واجتمع به فولاه، وكان إذا أراد أن يحكم قال: صلوا على رسول الله، فإذا صلوا حكم؛ رحمه الله تعالى وإيانا وجميع المسلمين.

_ (1) الدرر الكامنة 2: 241 والبداية والنهاية 1: 75 والدارس 1: 52 ودول الإسلام 2: 171 وذيل العبر: 85 وذيل طبقات الحنابلة 2: 364 والنجوم الزاهرة 9: 231 والشذرات 6: 35 - 36، وفي المطبوعة جزء يسير من هذه الترجمة. (2) المقنع في فروع الحنبلية لموفق الدين عبد الله بن قدامة الحنبلي (- 620)

سهل بن هارون

185 - (1) سهل بن هارون سهل بن هارون بن راهيون الدستميساني، أبو عمر؛ انتقل إلى البصرة واتصل بخدمة المأمون وتولى خزانة الحكمة له، وكان حكيماً فصيحاً شاعراً، فارسي الأصل شعوبي المذهب شديد التعصب على العرب، وله مصنفات كثيرة تدل على بلاغته وحكمته، مثل كتاب ثعلة وعفرة على مثال كليلة ودمنة، وغير ذلك من الكتب. وكان نهاية في البخل، وله فيه حكايات، قال دعبل: كنا عنده فأطلنا القعود حتى كاد يموت جوعاً، ثم قال: ويحك يا غلام! غدنا، فأتى بقصعة فيها ديك مطبوخ، فتأمله ثم قال: أين الرأس؟ قال: رميت به، فقال: والله إني لأمقت من يرمي برجليه فكيف برأسه، ولو لم أكره ما صنعت إلا للطيرة والفأل لكرهته، أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء، ومنه يصدح المثل في الصفاء فيقال: شراب كعين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم نر (2) عظماً أهش تحت الأسنان منه، وهل ظننت أني لا آكله أن العيال لا يأكلونه،

_ (1) الفهرست: 120 ومعجم الأدباء 11: 266 وسرح العيون: 132 وله أخبار في البيان والتبيين ومروج الذهب والعقد، وشرح البسامة: 152؛ وقد نشر الأستاذ عبد القاهر المهيري (حولية الجامعة التونسية، العدد الأول 1964) مقتطفات من كتاب منسوب إليه بعنوان ((النمر والثعلب)) هناك دراسات حديثة عنه في أمراء البيان، والفن ومذاهبه في النثر العربي ... الخ، ويميل الدارسون إلى أن يعدوا الرسالة في البخل التي أوردها الجاحظ في البخلاء من إنشاء سهل، وهذا أمر يصعب إثباته. (2) ص: ير.

وإن كان قد بلغ من نبلك أنك لا تأكله فعندنا من يأكله؛ أوما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن رأس العنق، انظر لي أين هو، فقال: والله ما أدري أين هو، ولا أين رميت به، فقال: أنا أدري أين رميت به، في بطنك قاتلك الله! وعمل كتاباً في البخل ومدحه، وبعثه إلى الحسن بن سهل يستمنحه، فوقع إليه الحسن بن سهل: لقد مدحت ما ذم الله وحسنت ما قبح، وما يقوم لفساد معناك صلاح لفظك، وقد جعلنا ثوابك قبول قولك، فما نعطيك شيئاً. ومن شعره: تقاسمني همان قد كسف بالي ... وقد تركا قلبي محلة بلبال هما أذريا دمعي ولم تذر عبرتي ... ربيبة خدر ذات قرط وخلخال ولا قهوة لم يبق منها على المدى ... سوى أن تحاكي النور في رأس ذبال ولكنني أبكي بعين سخينةٍ ... على حدثٍ تبكي له عين أمثالي فراق خليل مثله يبعث الأسى ... وخلة خل لا يقوم بها مالي فوا أسفا حتى متى القلب موجع ... بفقد خليل أو تعذر إفضال فما العمر إلا أن تجود بنائلٍ ... وإلا لقاء الأخ ذي (1) الخلق العالي ومن تصانيفه: ديوان رسائله. كتاب النمر والثعلب كتاب اسبايوس (2) في اتخاذ الاخوان كتاب أدب أسد (3) بن أسل كتاب شجرة العقل كتاب تدبير الملك والسياسة. كتاب إلى عيسى بن أبان في القضاء كتاب الضرس كتاب الغزالين كتاب بدود لدود ودود (4) كتاب الواص والعنة (5) . وكانت وفاته بعد المائتين (6) .

_ (1) ص: ذا. (2) وردت دون إعجام في ص؛ الفهرست: اسباسيوس. (3) الفهرست: أسل. (4) الفهرست ندود وودود ولدود. (5) كذا ولعله المذكور في الفهرست باسم ((الوامق والعذراء)) . (6) ومن تصانيفه ... المائتين: لم يرد في المطبوعة.

سلار الصالحي المنصوري

186 - (1) سلار الصالحي المنصوري سلار الأمير، سيف الدين التتري (2) الصالحي المنصوري؛ كان أولاً من مماليك الصالح علاء الدين علي بن المنصور قلاون، فلما مات الصالح صار من خاصة المنصور، ثم اتصل بخدمة الأشرف وحظي عنده وتأمر، وكان عاقلاً تاركاً للشر، ينطوي على دهاء وخبرة بالأمور، وفيه دين بالجملة، وكان صديق السلطان حسام الدين لاجين ونائبه منكوتمر، ندبوه الأمراء لإحضار السلطان الملك الناصر من الكرك، فسار إليه وأحضره، وركن إلى عقله وأيمانه فاستنابه وقدمه على الجميع فخضعوا له، ونال سلار من سعادة الدنيا ما لا يوصف، وجمع من الذهب قناطير مقنطرة، حتى اشتهر على ألسنة الناس أنه كان يدخله كل يوم مائة ألف درهم، واستمر في دست النيابة إحدى عشرة سنة وكان إقطاعه بضعة وثلاثون طبلخاناه (3) . ولما توجه الملك الناصر إلى الكرك وتملك الجاشنكير استمر به في النيابة، وازداد عظمة وسعادة، وأقاما على ذلك تسعة أشهر، فلما عاد السلطان من الكرك تلقاه سلار إلى أثناء الرمل، ولما دخل مصر أعطاه الشوبك، فتوجه إليها هو

_ (1) الدرر الكامنة 2: 276 والنجوم الزاهرة: (صفحات متفرقة من ج؟: 9) والسلوك 1/2: 97 والشذرات 6: 19 وذيل العبر: 53؛ وسيجد القارئ أن بعض الفاظ والتعبيرات في هذه الترجمة مخالف للقواعد المعروفة في الأعراب. (2) ص: التشتري؛ وسماه في ذيل العبر: ((المغلي)) . (3) الطبلخاناه (بيت الطبل) يحكم عليها أمير من أمراء العشرات يعرف بأمير علم، ولها مهتار متسلم لحواصلها بمهتار الطبلخاناه وله رجال تحت يده: ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين (صبح الأعشى 4: 13، 15) .

وجماعته، وتشاغل السلطان عنه، ونزح سلار عن الشوبك ودخل البرية، وسير يطلب الأمان على أنه يقيم بالقدس يعبد الله عز وجل، فأجابه السلطان إلى ذلك، ودخل القاهرة بعد أن بقي أياماً في البرية مردداً بين العرب ينوبه كل يوم ألف درهم وأربعين غرارة شعير، فلما جاء عاتبه السلطان واعتقله ومنعه الزاد حتى مات جوعاً. قيل إنه أكل سرموزته (1) ، وقيل خفه، وقيل إنهم دخلوا عليه وقالوا له: عفا السلطان عنك، فقام من الفرح ومشى خطوات وسقط ميتاً. وكان أسمر لطيف القد، أسيل الخد لحيته في حنكه سودا، وهو من التتار الأويراتية، مات في أوائل الكهولة في سنة عشر وسبعمائة، ولعله ما بلغ الكهولة، رحمه الله تعالى؛ وأذن السلطان للجاولي أن يتولى جنازته ودفنه، فدفن بتربته (2) عند الكبش بالقاهرة. وكان ظريفاً في لبسه، اقترح أشياء في الملبس وهي إليه منسوبة (3) ، وكذلك في المناديل وفي قماش الخيل وفي آلة الحرب. قال شمس الدين الجزري: قيل إنه أخذ له ثلثمائة ألف ألف دينار وشيء كثير من الجواهر والحلي والحلل والسلاح والغلال مما لا يكاد يحصر. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: وهذا مستحيل؛ لأن ذلك يجيء وقر عشرة آلاف (4) بغل. قال الشيخ شمس الدين الجزري: نقلت من ورقة بخط علم الدين البرزالي قال: دفع إلي المولى جمال الدين ابن الفويرة ورقة بتفصيل بعض أموال سلار وقت الحوطة عليه في أيام متعددة (5) :

_ (1) سرموزته أو سرموجته (في النجوم: 18) نوع من الأحذية؛ وفي ص قد تقرأ اللفظة رزموزته. (2) تربة سنجر الجاولي بين القاهرة ومصر (الخطط 2: 398) . (3) ذكر ابن تغري بردي (20) لباس السلاري، نسبة إليه، ولم يصفه. (4) النجوم: خمسة آلاف. (5) نقل هذا النص صاحب النجوم الزاهرة عن الجزري، وفيه اختلاف عما ورد هنا.

يوم الأحد: تسعة عشر رطل بالمصري زمرد، ياقوت رطلان، بلخش رطلان ونصف، صناديق ستة ضمنها جواهر وفصوص ألماس وغيره، لؤلؤ كبار مدور من زنة درهم إلى مثقال، ألف ومائة وخمسون حبة ذهب مائتان ألف وأربعون ألف مثقال، دراهم أربعمائة ألف وسبعون ألف درهم. يوم الاثنين: ذهب مائة ألف وخمسون ألف دينار، وألف ألف درهم وخمسون ألف، فصوص رطلان ونصف، مصاغ عقود وأساور وزنود وحلق أربع قناطير بالمصري، وفضيات أواني وطاسات وهواوين وأطباق وغير ذلك ستة قناطير. يوم الثلاثا: خمسة وأربعون ألف دينار، وثمانية آلف ألف، براجم وأهلة وسناجق ثلاث قناطير. يوم الأربعاء: ذهب ألف ألف دينار، وثمانمائة ألف درهم، أقبية ملونة بفرو قاقم (1) ثلاثمائة قباء، أقبية سنجاب أربعمائة قباء، سروج مزركشة مائة سرج. ووجد عند صهره الأمير موسى ثمان صناديق كان من جملة ما فيها عشر جواشن مجوهرة سلطانية، وتركاش (2) ما يقوم، ومائة ثوب طرد وحش (3) ، وحضر صحبته من الشوبك خمسون ألف دينار وخمسمائة ألف درهم وثلثمائة خلعة وخركاه (4) أطلس معدني مبطنة بأزرق وبابها زركش، وثلثمائة فرس ومائة وعشرين قطار بغال ومثلها جمال، كل هذا سوى الغلال والأنعام والجواري والغلمان والأملاك والعدد والقماش. ذكروا أنه عوقب كاتبه، فأقر أنه كان يحمل إليه كل يوم ألف دينار ما يعلم

_ (1) القاقم: حيوان كالسنجاب، فروه يشبه الفنك. (2) التركاش: جعبة السهام. (3) طرد وحش: نوع من القماش الحرير مزين بصور الصيد والطرد (ملحق دوزي) . (4) الخركاء: الخيمة.

بها غيره؛ وقيل إن مملوكاً دلهم على كنز له مبني في داره، فوجد فيه أكياساً وفتحوا بركة فوجدوها مملوءة أكياساً، ثم مات البائس يتحسر على الخبز اليابس. قال الشيخ شمس الدين: وحدثني شيخنا فخر الدين أن إنساناً حدثه قال: دخل العام شونة (1) سلار ستمائة ألف أردب، والله أعلم.

_ (1) الشونة وجمعها شون: مخزن الغلة.

فراغ

حرف الشين

حرف الشين

فراغ

سبط ابن عبد الظاهر

187 - (1) سبط ابن عبد الظاهر شافع بن علي بن عباس بن إسماعيل بن عساكر الكناني العسقلاني المصري، سبط القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، الإمام الأديب ناصر الدين؛ ولد سنة تسع وأربعين وستمائة، وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة. كان يباشر الإنشاء بمصر زماناً إلى أن أضر، لأنه أصابه سهم في نوبة حمص الكبرى سنة ثمانين وستمائة في صدغه، فعمي وبقي ملازم بيته إلى أن توفي، رحمه الله. روى عن الشيخ جمال الدين بن مالك وغيره، وروى عنه الشيخ أثير الدين أبو حيان والشيخ علم الدين البرزالي وغيره من الطلبة، وله النظم الكثير والنثر الكثير، وكتب االمنسوب، وكان جماعة للكتب، خلف ثمانية عشر خزانة مملوءة كتباً نفيسة أدبية، وكانت زوجته تعرف ثمن كل كتاب، وبقيت تبيع منها إلى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. وكان إذا لمس الكتاب وجسه قال: هذا الكتاب الفلاني وملكته في الوقت الفلاني، وكان إذا أراد أي مجلد كان قام إلى خزانته، وتناوله كأنه الآن وضعه بيده. ومن شعره: قال لي من رأى صباح مشيبي ... عن شمالي من لمتي ويميني

_ (1) الزركشي: 130 والدرر الكامنة 2: 281 ونكت الهميان: 163 والسلوك 2: 327 والنجوم الزاهرة 9: 285 وحسن المحاضرة 1: 571 وبحث لمصطفى جواد في مجلة المجمع العلمي العراقي 2: 116 - 125؛ وقد أبقيت في هذه الترجمة كل ما هو مخالف للأعراب على حاله إلا أن يكون في الشعر.

أي شيء هذا؟ فقلت مجيباً: ... ليل شك محاه صبح يقين وقال: تعجبت من أمر القرافة إذ غدت ... على وحشة الموتى لها قلبنا يصبو فألفيتها مأوى الأحبة كلهم ... ومستوطن الأحباب يصبو له القلب وقال: شكا لي صديقي حب سوداء أغريت ... بمص لسانٍ لا تمل له وردا فقلت له دعها تلازم مصه ... فماء لسان الثور يصلح للسودا وقال في مليح وسطه مشدود ببند (1) أحمر: وبي قامة كالغصن حين تمايلت ... وكالرمح في طعنٍ تقد وفي قد جرى من دمي بحر (2) بسهم فراقه ... فخضب منه ما على الخصر من بند أحسن منه قول ابن قرناص المعروف بالدوباش: من مجيري من شادن بهواه ... لي شغل عن حاجرٍ والعقيق خصره تحت أحمرالبند يحكي ... خنصراً (3) فيه خاتم من عقيق وقال شافع: لقد فاز بالأموال قوم تحكموا ... وكان لهم مأمورها وأميرها تقاسمهم أكياسها شر قسمةٍ ... ففينا غواشيها وفيهم صدورها وقال في سجادة خضراء: عجبوا إذا رأوا بديع اخضرارٍ ... ضمن سجادةٍ بظل مديد ثم قالوا: من أي ماء تروى؟ ... قلت: ماء الوجوه عند السجود

_ (1) البند: الشريط او الزنار. (2) ص: بحراً. (3) س: خنصر.

وقال في ممسحة القلم: وممسحةٍ تناهى الحسن فيها ... فأضحت في الملاحة لا تبارى ولا نكر على القلم الموافي ... إذا في ضمنها (1) خلع العذارا وكتب إليه السراج الوراق يستشفع به عند فتح الدين ابن عبد الظاهر: أيا ناصر الدين انتصر لي فطالما ... ظفرت بنصر منك في الجاه والمال وكن شافعي (2) فالله سماك شافعاً ... وطابقت أسماء بأحسن أفعال وقدرك لم تجهله عند محمدٍ ... لأن ابن عباس من الصحب والآل وكتب إليه أيضاً في المعنى: سيدي اليوم أنت ضيف كريم ... فاق معناً (3) في جوده بمعان لو رأى الفتح سؤدد الفتح هذا ... ما انتمى بعده إلى خاقان أو رآه فتح المغارب حلى ... بعلاه قلائد العقيان وكأني أراكما في مجارا ... ة المعاني بحرين يلتقيان وتطارحتما مذاكرةً يف ... تن منها أزاهر الأفنان فإذا مر للصنائع ذكر ... " فاجعلاني من بعض من تذكران " (4)

_ (1) في المطبوعة ((ضمها)) وهي قراءة جيدة. (2) ص: شافع. (3) ص: معن. (4) عجز بيت للمعري، وصدره: ((أن تذكرتما وداد أناس)) .

أبو اليسر كاتب نور الدين

188 - (1) أبو اليسر كاتب نور الدين شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله، الرئيس أبو اليسر التنوخي المعمري الدمشقي كاتب الإنشاء؛ كان أديباً فاضلاً جليلاً ذكياً شاعراً، كتب الإنشاء لنور الدين الشهيد، وتوفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. قرأ الأدب على جده القاضي أبي المجد محمد بن عبد الله بحماة، وسمع من أبي عبد الله الحسين ابن العجمي وغيره، وحدث؛ وولد سنة ست وتسعين وأربعمائة؛ وسمع منه الحافظ أبو القاسم بن عساكر مع تقدمه، وهو جد تقي الدين إسماعيل، رحمهم الله تعالى وإيانا والمسلمين. 189 - (2) شبل الطائي شبل بن الخضر بن هبة الله بن أبي الهجام الطائي، الشاعر ابن الشاعر؛ مدح الخليفة والوزراء والأعيان، وذكره العماد الكاتب في خريدة القصر، وتوفي سنة تسعين وخمسمائة، وكان متديناً حسن الطريقة، رحمه الله. ومن شعره: أبغير حبكم يطيب غرامي ... كلا، وانتم صحتي وسقامي

_ (1) تعريف القدماء (الأنصاف والتحري) : 504 - 505 والخريدة (قسم الشام) 2: 35 وله ترجمة في تاريخ ابن عساكر والوافي للصفدي وتاريخ ابن العديم؛ ولقبه ((تقي الدين)) ؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة. (2) الزركشي: 132؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

أحبابنا هل وقفة نشكو بها ... ألم الهوى ونفض كل ختام ومن العجائب أن سمحت بمهجتي ... لغريرة بخلت برد سلامي هيفاء حرمت الوصال فلم رأت ... دمي الحرام السفك غير حرام منها: أصبو إليك وللوقار زواجر ... تقتادني عن صبوةٍ بزمام وتقول لي ما المجد شرب مدامةٍ ... وسماع غانيةٍ ووصل غلام واعلم بأن الفضل ليس بنافع ... حتى يناط بجرأة الإقدام والشعر ما لم يأت فيه فصاحة ... فكأنه ضرب من البرسام والمدح في غير الوزير محمدٍ ... ذي الفضل مأثمة من الآثام وقال أيضاً: أتانا يرينا من مقبله رصفا ... غزال سقانا الخمر من فمه صرفا من الهيف خط الحسن في نور وجهه ... حروف جمالٍ لا أقيس بها حرفا فعرق نوني حاجبيه براعةً ... وصف بحذقٍ سين طرته صفا أتى يحتذي لي القضيب قوامه ... ولم يعتمد لياً لوعدي ولا خلفا تأود غصناً ناضر (1) العطف ناعماً ... فبت أفديه وأسأله عطفا ولما (2) جنيت الورد من وجناته ... تغنمتها لثماً وأحللتها قطفا بدا بدر تمٍ وانثنى خيزرانةً ... وماج كثيباً أهيلاً ورنا خشفا وعاطيته مشمولةً بابليةً ... يرى لسنا لألاء بارقها خطفا فراح ولون الراح يصبغ كفه ... ووجنته الحمراء من لونها أصفى

_ (1) ص: ناظر. (2) ص: وما.

تقي الدين الطيب

190 - (1) تقي الدين الطيب شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن محمود، الأديب الفاضل الطبيب الكحال تقي الدين أبو عبد الرحمن، نزيل القاهرة، أخو الشيخ نجم الدين شيخ الحنابلة؛ ولد بعد العشرين وستمائة وتوفي سنة خمس وتسعين وستمائة. سمع ابن روزبة وكتب عنه الدمياطي، وكان فيه شهامة وقوة نفس، وله أدب وفضائل، وعارض بانت سعاد بقصيدة (2) منها: إلى النبي رسول الله إن له ... مجداً تسامى فلا عرض ولا طول مجداً كبا الوهم عن إدراك غايته ... ورد عقل البرايا وهو معقول مطهر شرف الله العباد به ... وساد فخراً به الأملاك جبريل طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى ... له بطيب ثراها الجعد تقبيل قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: عرض علي ديوانه فانتخبت منه ما قرأته عليه، فمن ذلك قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا مقام محمد والمنبر ... فاستجل أنوار الهداية وانظر والثم ثرى ذاك الجناب معفراً ... في مسك تربته خدودك وافخر واحلل على حرم النبوة واستجر ... بحماه من جور الزمان المنكر فهناك من نور الإله سريرة ... كشفت غطاء الحق للمستبصر وجلت دجى ظلم الضلال فأشرقت ... أفق الهداية بالصباح المسفر

_ (1) الزركشي: 132 والشذرات 5: 428 وحسن المحاضرة 1: 543 وذكر أن صاحب العبر ترجم له؛ ويبدو أنه سقط من المطبوع، إذ لم يرد فيه وفيات 595، 596، 597. (2) زيادة من المطبوعة.

نور تجشم فارتقى متجاوزاً ... شرفاً على الفلك الأثير الأكبر وقال أيضاً: انهض فزند الصباح قد قدحا ... وامزج لنا من رضابك القدحا فالزهر كالزهر في حدائقه ... والطير فوق الغصون قد صدحا في روضة نقطت عرائسها ... بدر قطر نظمنه سبحا وصفق الماء في جداوله ... ورقص الغصن طيره فرحا والزق بين السقاة تحسبه ... أسود مستسقياً وقد ذبحا فعاطني قهوةً معتقةً ... تذهب كأسي وتذهب الترحا بكر إذا عرس النديم بها ... وافتضها الماء تنتج الفرحا من كف رخص البنان معتدلٍ ... لو لامس الماء خده جرحا يسعى بخمر الدلال مغتبقاً ... ومن سلاف الشباب مصطبحا قد تلف القلب من سوالفه ... وجداً إذا جد بالهوى مزحا كم لي بسفح العقيق من كلفي ... عقيق دمعٍ عليه قد سفحا وقال في سوداء: وبديعة الحركات أسكن حبها ... حب القلوب لواعج البرحاء سوداء بيضاء الفعال وهكذا ... حب النواظر خص بالأضواء (1) أسرت محاسنها العقول فأطلقت ... أسرى المدامع ليلة الاسراء فلئن جننت بحبها لا بدعة ... أصل الجنون يكون بالسوداء وقال: أقام عذري العذار فيه ... واحتج لي قده القويم وصح وجدي عليه لما ... أسقمني طرفه السقيم

_ (1) سقط من ص.

ابن أسد المصري

فكم بنعمان من كئيب ... فارقه بعده النعيم يزيده لوعةً وشوقاً ... حديث أيامه القديم وقال (1) : ولقد شهدت الراح يقدح نورها ... للمدلجين النار من قدحيها في روضة ضحكت ثغور أقاحها ... من طول ما بكت العيون عليها والطير تخطب في منابر دوحه ... شمخت فخر الماء بين يديها وقال: ومهفهفٍ قسم الملاحة ربها ... فيه وأبدعه بغير مثال فلخده النعمان روض شقائق ... ولثغره النظام عقد لآلي ولطرفه الغزال إحياء الهوى ... وكذلك الإحياء للغزالي يشبه قول محيي الدين بن عبد الظاهر: يا من رأى غزلان رامة هل رأى ... بالله فيهم مثل طرف غزالي أحيا عيون العاشقين بلحظه ال ... غزال والإحياء للغزالي 191 (2) ابن أسد المصري شرف بن أسد المصري؛ شيخ ماجن متهتك ظريف خليع، يصحب الكتاب ويعاشر الندماء، ويشبب في المجالس على القيان.

_ (1) هذه القطعة لم ترد في المطبوعة. (2) الدرر الكامنة 2: 286، والكتبي ينقل أيضاً عن الوافي للصفدي.

قال صلاح الدين: رأيته غير مرة بالقاهرة، وأنشدني له شعراً كثيراً من البلاليق والأزجال والموشحات وغير ذلك، وكان عامياً مطبوعاً قليل اللحن، يمتدح الأكابر ويستعطي الجوائز، وصنف عدة مصنفات في مشاشاة الخليج والزوائد التي للمصريين والنوادر والأمثال، ويخلط ذلك بأشعاره، وهي موجودة بالقاهرة عند من كان يتردد إليهم. وتوفي رحمه الله تعالى بعد ما تمرض زماناً في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. قال وأنشدني لنفسه: رمضان كلك فتوه ... وصحيح دينك عليه وأنا ذا الوقت معسر ... واشتهي الإرفاق بيه حتى تروى الأرض بالنيل ... ويباع القرط بدري واعطك الدرهم ثلاثة ... وأصوم شهرين وما ادري وإن طلبتني في ذا الوقت ... فأنا أثبت عسري فامتهل واربح ثوابي ... لا تربحني خطية وتخليني أسقف ... طول نهاري لا عشية لك ثلاثين يوم عندي ... أصبر أعطي المثل مثلين وإن عسفتني ذي الأيام ... ما اعترف لك قط بالدين وأنكرك وأحلف واقل لك ... أنت من أين وأنا من إين واهرب أقعد في قمامه ... أو قلالي بولشيه (1) وأجي في عيد شوال ... واستريح من ذي القضيه

_ (1) اللام في ص قصيرة تلتبس بالياء أو النون (دون إعجام) ؛ والقمامة: هي الكنيسة التي ببيت المقدس، وتسمى عند الجمهور ((القيامة)) ؛ والقلالي: الصوامع المتصلة بالدير، والبولشية نسبة إلى بولش (بولس) - حسب تقديري للقراءة -.

والا خذ مني نقيده ... في المعجل نصف رحلك صومي من بكره إلى الظهر ... وأقاسي الموت لأجلك وأصوم لك شهر طوبه ... ويكون من بعض فضلك إيش أنا في رحمة الله ... من أنا من بين البريه أنا إلا عبد مقهور ... تحت أحكام المشيه من زبونٍ نحس مثلي ... رمضان خذ ما تيسر أنت جيت في وقت لو كان ... الجنيد في مثله أفطر هون الأمور ومشي ... بعلي ولا تعسر وخذ ايش ما سهل الله ... ما الزبونات بالسويه الملي خذ منه عاجل ... وامهل المعسر شويه ذي حرور تذوب القلب ... ونهار أطول من العام وأنا عندي أي من صام ... رمضان في هاذي الأيام ذاك يكون الله في عونه ... ويكفر عنو الآثام وجميع كلامي هذا ... بطريق المصخرية (1) والله يعلم ما في قلبي ... والذي لي في الطويه قال الشيخ صلاح الدين حرسه الله تعالى: ووضع حكاية حكاها لي بالقاهرة المحروسة ونحن على الخليج بشق الثعبان سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وهي: اجتاز بعض النحاة ببعض الأساكفة فقال له: أبيت اللعن واللعن يأباك، ورحم الله أمك وأباك، وهذه تحية العرب في الجاهلية قبل الإسلام، لكن عليك أفضل السلام والسلام والسلام، ومثلك من يعز ويكرم، قرأت القرآن، والتيسير (2)

_ (1) ص: المصخركيه. (2) كتاب في القراءات لأبي عمرو الداني.

والعنوان والمقامات الحريرية، والدرة الألفية، وكشاف الزمخشري، وتاريخ الطبري، وشرح اللغة والعربية، على سيبويه ونفطويه، والحسن ابن خالويه، والقاسم بن كميل، والنضر بن شميل، وقد دعتني الضرورة إليك، وتمثلت بين يديك، لعلك تتحفني من بعض حكمتك، وحسن صنعتك، بنعل يقيني الحر، ويدفع عني الشر، وأعرب لك عن اسمه حقيقا، لأتخذك رفيقا، فيه لغات مؤتلفة، من لقبه بالقدم، وأهل شهرتوزة، سموه بالسارموزة (1) ، وإني أخاطبك بلغات هؤلاء القوم، ولا إثم علي في ذلك ولا لوم، والثالثة به أولى، وأسألك أيها المولى، أن تتحفني بسارموزة، أنعم من الموزة، أقوى من الصوان، وأطول عمراً من الزمان، خالية البواشي، مطبقة الحواشي، لا يتغير على وشيها، ولا يروعني مشيها، لا تنقلب إن وطئت بها جروفا، ولا تنفلت إن طحت بها مكاناً مخسوفا، لا تتلوق من أجلي، ولا يؤلمها ثقلي، ولا تتمزق من زحلي، ولا تتعوج ولا تتلقوج، ولا تنبعج ولا تنفلج، ولا تقب تحت الرجل، ولا تلزق بخبز الفجل، ظاهرها كالزعفران، وباطنها كشقائق النعمان، أخف من ريشة الطير، شديدة البأس على السير، طويلة الكعاب، عالية الأجناب، لا يلحق بها التراب، ولا يغرقها ماء السحاب، تصر صرير الباب، وتلمع كالسراب، وأديمها من غير جراب (2) ، جلدها من خالص جلود المعز، ما لبسها ذليل إلا افتخر بها وعز، مخروزة كخرز الخردفوش، وهي أخف من المنقوش، مسمرة بالحديد منطقة، ثابتة في الأرض الزلقة، نعلها من جلد الأفيلة الخمير لا الفطير، وتكون بالنزر الحقير. فلما أمسك النحوي من كلامه، وثب الإسكافي على أقدامه، وتمشى وتبختر، وأطرق ساعة وتفكر، وتشدد وتشمر، وتحرج وتنمر،

_ (1) كذا كتبها المؤلف، ومرت من قبل دون ألف ((سرموزة)) . (2) ص: حراب.

شعيب المغربي

ودخل حانوته وخرج، وقد داخله الحنق والحرج، فقال له النحوي: جئت بما طلبته؟ قال: لا بل بجواب ما قلته، فقال: قل وأجز، وسجع ورجز، فقال (1) : أخبرك أيها النحوي أن البشر سابخروى شطبطاب المتفرقل، والمتقبقب من جانب الشرشنكل، والديوك تصل كنهيق زقازيق الصولجانات، والحرفرف الفرياح ببيض القرقنطق والزعربرجر احلبنبوا يا حيز من الطيز بحبح بشمردلو خاط الركبكو شاع الجبربر بجفر الترتاح بن يبسوشاح على لوي بن شمندوخ، على لسان القروان مازلوخ، أنك أكيت أرس برام المستلطخ بالشمردكند مخلوط، والزيبق بحبال الشمس مربوط، علعل بشعلعل، مات الكركندوس أدعوك في الوليمة، يا تيس، تش يا حمار يا بهمية، أعيذك بالزحواح، وأبخرك بحصى لبان المستراح، وارقيك برقوات مرقات قرقرات البطون، لتخلص من داء البرسام والجنون. ونزل من دكانه، مستغيثاً بجيرانه، وقبض لحية النحوي بكفيه، وخنقه باصبعيه، حتى خر مغشياً عليه، وبربر في وجهه وزمجر، ونأى بجانبه واستكبر، وشخر ونخر، وتقدم وتأخر، فقال النحوي: الله أكبر الله أكبر، ويلك ما هذا العفان، قال من ذلك الهذيان. والسلام. 192 - (2) شعيب المغربي شعيب بن محمد بن محمد بن محمد بن ميمون، المري المغربي الأصل؛ قال الشيخ أثير الدين: نشأ المذكور بالقاهرة، ومولده بساحل بر الحجاز بموضع يسمى

_ (1) قد أثبت صورة ما جاء في ص؛ وهو نوع من الهذيان، وليس من اليسير ضبطه. (2) الزركشي: 133.

شقيق البلخي

قبر عنبر ثاني عشر القعدة سنة ستين وستمائة. وأنشدنا من نظمه: هزوا الغصون معاطفاً وقدودا ... وجلوا من الورد الجني خدودا وتقلدوا فترى النجوم مباسماً ... وتبسموا فترى الثغور عقودا وغدا الجمال بأسره في أسرهم ... فتقاسموه طارفاً وتليدا فإذا سفرن أهلة وإذا سرح ... ن جآذراً وإذا حملن أسودا وإذا لووا زرد العذار على النقا (1) ... جعلوا اللوى فوق العقيق زرودا رحلوا عن الوادي فما لنسيمه ... أرج ولم أر في رباه الغيدا وذوت غصون البان فيه فلم تمس ... طرباً ولم أسمع به تغريدا فكأنما هم بانه وغصونه ... وظبا رباه وظله ممدودا نصبوا على ماء العذيب خيامهم ... فلأجلهم عذب العذيب ورودا وتحملت ريح الصبا من عرفهم ... مسكاً يضوع به النسيم وعودا 193 (2) شقيق البلخي شقيق بن إبراهيم الأزدي البلخي الزاهد، أحد شيوخ التصوف، صاحب إبراهيم بن أدهم؛ توفي سنة أربع وتسعين ومائة. له كلام في التوكل معروف، حدث عن إبراهيم بن أدهم وأبي حنيفة وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وغيرهم، وروى عنه حاتم الأصم وابنه محمد بن شقيق ومحمد بن أبان البلخي مستملي وكيع وغيرهم، وهو من أشهر شيوخ خراسان في التوكل، ومنه وقع

_ (1) ص: القنا. (2) حلية الأولياء 8: 58 وتهذيب ابن عساكر 6: 327 وطبقات السلمي: 61 وميزان الاعتدال 2: 279 وابن خلكان 2: 475.

أهل خراسان إلى هذا الطريق. قال له إبراهيم بن أدهم بمكة: ما بدء أمرك الذي بلغك إلى هذا؟ فذكر أنه رأى في بعض الفلوات طائراً (1) مكسور الجناحين، أتاه طائر (2) صحيح الجناح، في منقاره جرادة، فتركت التكسب واشتغلت بالعبادة، فقال له إبراهيم: ولم لا تكون أنت الطائر الصحيح الذي أطعم الطائر المكسور حتى تكون أفضل منه؟ أما سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اليد العليا خير من اليد السفلى ". ومن علامة المؤمن: أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلها، حتى يبلغ منازل الأبرار، فأخذ شقيق يد إبراهيم فقبلها وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق. وقال حاتم: كنا مع شقيق في مصافٍ نحارب الترك في يوم لا ترى إلا رؤوس تطير ورماح تقصف وسيوف تقطع، فقال لي: كيف ترى نفسك يا حاتم في هذا ليوم؟ تراه مثل ما كنت في الليلة التي زفت إليك امرأتك؟ قال: لا والله، قال: لكنني والله أرى نفسي هذا اليوم مثل ما كنت تلك الليلة، ثم نام بين الصفين، ودرقته تحت رأسه حتى سمعت غطيطه. ومات في غزوة كوملان سنة أربع وتسعين ومائة. قال أبو سعيد الخراز: رأيت شقيقاً (3) البلخي في النوم، قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، غير أننا لا نلحقكم، قلت: ولم ذاك؟ قال: لأنا توكلنا على الله بوجود الكفاية وتوكلتم بعدم (4) الكفاية، قال: فسمعت الصراخ: صدق صدق، فانتبهت وأنا أسمع الصراخ.

_ (1) ص: طائر. (2) ص: طائراً. (3) ص: شقيق. (4) ص: بعد.

أبو الهيجاء بن أبي الفوارس

194 - (1) أبو الهيجاء بن أبي الفوارس شهفيروز بن سعد بن عبد السيد بم منصور، أبو الهيجاء بن أبي الفوارس، الشاعر ابن بنت أبي علي بن الحمامية المستعمل، ويسمى أحمد أيضاً؛ كان أديباً فاضلاً شاعراً، أنشأ مقامات أدبية، وسمع من أبي جعفر محمد بن أحمد بن مسلمة وعبد الواحد بن محمد بن أحمد الحمامي، وحدث باليسير، توفي في سنة ثلاثين وخمسمائة ومن شعره: وساقٍ بت أشرب من يديه ... مشعشعةً بلون كالنجيع فحمرتها وحمرة وجنتيه ... ونور الكأس في نار الشموع ضياء حارت الأبصار فيه ... بديع في بديعٍ في بديع ومنه: وليلة بتنا والسواعد بيننا ... وساد ومن خمر الثغور لنا عل وقد نم في جنح الدجى جرس حليها ... ونادى بأعلى صوته القلب والحجل فضضت ختاماً عن عقيق كأنه ... على اللؤلؤ المنظوم من فمها قفل فللنظم ما يجلو من الدر ثغرها ... وللظلم ما يجني من العسل النحل وقال: وأنت التي (2) زينت في عيني الهوى ... وحببت يا سلمى إلى نفسي الحبا ولولاك لم يخطر على قلبي الجوى ... ولم أدع مابين الورى الهائم الصبا

_ (1) معجم الأدباء 11: 272 (شفهفيروز) وقد أخلت المطبوعة بقسم كبير من هذه الترجمة. (2) ص: الذي.

ضياء الدين القناوي

195 - (1) ضياء الدين القناوي شيث بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة القناوي النحوي اللغوي العروضي، أبو الحسن ضياء الدين. قال شهاب الدين القوصي: أنشدنا ضياء الدين القناوي سنة تسعين وخمسمائة قصيدته اللغوية التي نظمها ووسمها باللؤللؤة المكنونة واليتيمة المصونة في الأسماء المذكرة وهي: وصفت الشعر من يفهم ... يخبرني بما يعلم يخبرني بألفاظٍ ... من الإعراب ما الدهثم وما الإقليد والتقلي ... د والتهنيد والأهتم وما النهاد والأهدا ... م والأسمال والعيهم وما الالغاد والإخرا ... د والأقراد والمكدم وما الدفراس والمردا ... س والقداس والأعلم وما الأوحاص والأدرا ... ص والقراص والأترم وما اليعضيد واليعقي ... د والتدمين والأرقم وما الإنكال والأنكا ... ث والعلام والأفضم وما الأوغال والأوغا ... د والأوغاب والأفصم

_ (1) معجم الأدباء 11: 277 وانباه الرواة 2: 73 وبغية الوعاة: 267 والطالع السعيد: 262 والديباج المذهب: 127 ونكت الهميان: 168 وحسن المحاضرة 1: 454 والبلغة للفيروزبادي: 95؛ وقد نقلت هذه الترجمة من موضعها إلى حرف الضاد ((ضياء الدين)) في المطبوعة؛ قلت: ولم أحقق ألفاظ قصيدته التي جاءت هنا، فإن عدم وجود أصل مضبوط لها يجعل تحقيق الألفاظ ضرباً من التقدير التحكمي.

وما المنهوس والملسو ... س والملهوس والأثلم وما الأوقاش والأوشا ... ب والأوباش والضيهم وما الإيهات والرمي ... ت والضفنان والأورم وما الجرفاس والدروا ... س والبرشاع والموصم وما الأدمار والعوا ... ر والمسعاد والأدلم وما الضربان والقدما ... ن والميدان والديلم وما اليؤيؤ والضئضى ... ء والهلباجة الخوعم وما المعرور والقدمو ... س والعتراد والأرشم وما الإذعان والإفرا ... ن والأفدان والمنهم وما الذيفان والمأفو ... ن والذيال والأريم وما الإعداق والاعذا ... ق والأوزام والضرغم وما الشماذ واللوا ... ذ والملاذ والجهضم وما الهدام والأسدا ... م والأرزام والأدسم وما الأخطال والأكرا ... ز والأشراط والأدرم وما الزعرور والمنزو ... ر والشعرور والأعصم وما الدقرور والصعرو ... ر والقيدور والميتم وما التعريس والتغوي ... ر والشنتير والأشرم وما الإذعاف والإترا ... ف والقعدود والمصرم وما الحيطان والبدا ... ن والصيران والمرزم وما الدعداع والمذيا ... ع والاقذاع والخلجم وما الإصرام والأخلا ... م والأوخام والميلم وما الصردان والصرفا ... ن والصرغان والأسحم وما الأعشار والتقصا ... ر والأشصار والأقرم وما الأعفاج والأمرا ... ص والشريان والأطخم

وما الأرماس والأكرا ... س والعسقد والمنجم وما الصريع والتمرا ... د والشملال والأرثم وما الغضروف والشرسو ... ف والهليوف والغيلم وما الأنداح والقلا ... ص والإكراء والمقرم وما الدلفاء والقمدا ... ء والحلفاء والأخطم وما الساعور والصاقو ... ر والأشروع والأضجم وما الإبداء والاعدا ... ء والأكناف والأهيم وما الظنبوب والعلجو ... م والجعبوب والأشيم وما الزعراء والطخيا ... ء والفوهاء والديسم وما اللخصاء والخوصا ... ء والخيصاء والمرزم وما الحوقاء والحلجا ... ء والعضباء والأختم وما الهلباء والسكا ... ء والكبساء والأصلم وما المرطاء والمعطا ... ء والحصاء والأغتم وما النزعاء والوطبا ... ء والهدباء والمخدم وما الدعجاء والملجا ... ء والشجراء والميسم وما اللمياء والحوا ... ء والقماء والقهقم وما الجلهاء والجلا ... ء والجلحاء والشجعم وقد أنبأت في شعري ... بألفاظي الذي تفحم فعارضت السجستاني ... في قولي ولم أعلم فضاعفت قوافيه ... على مثل الذي نظم على أني امتطيت الصع ... ب في قولي ولم أحجم رحلت العيس في البيدا ... أقول الشعر في القطلم فإن كنت الذي في قو ... له يأتي بما يزعم فأخبرني بأوصافي ... عساني منك أن أعلم

فهذا الشعر لا يدريه ... إلا عالم همم يرم الرث إن يحبب ... وإن شا ينقض المبرم وختم هذه الأبيات بأبيات غزلية على وزنها وهي: رصفت الشعر في خلٍ ... وحبل الود لم يصرم وقلب الأسد مجروح ... به شوقاً ولم يكلم له قد كقد الغص ... ن في كل الورى يعدم إذا ما رمت لثم الخ ... د أو تقبيل ذاك الفم غزال يفتن النسا ... ك في حسن وما يعلم وفي أحشاء من يهوا ... هـ وهج النار إذ يضرم له وجه شعاعي ... حكى في الحسن بدر التم جنيت الورد من خدي ... هـ ذقت الشهد إذ يبسم وسرد القوصي في معجمه شرح هذه القصيدة عقيب كل بيت. وتوفي ضياء الدين المذكور سنة تسع وتسعين وخمسمائة بعدما أضر رحمه الله. وله تصانيف في العربية منها كتاب الإشارة في تسهيل العبارة والمعتصر من المختصر وتهذيب ذهن الواعي في إصلاح الرعية والراعي صنفه للملك صلاح الدين يوسف بن أيوب، رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين.

فراغ

حرف الصاد

حرف الصاد

فراغ

صاعد الطبيب

196 - (1) صاعد الطبيب صاعد بن هبة الله بن توما النصراني، من أهل بغداد، كان من الأطباء المتميزين، وكان طبيب نجاح الشرابي، وارتقت به الحال إلى أن صار وزيره وكاتبه، ثم دخل على الخليفة الناصر، وكان يشارك من يحضر من أطبائه أوقات أمراضه، وحظي عنده، وسلم إليه عدة جهات يخدم بها، وقتل سنة عشرين (2) وستمائة، حضر إليه جماعة من الأجناد الذين كانت أرزاقهم تحت يده، فخاطبهم ببعض ما فيه مكروه، فكمن له اثنان منهم ليلاً وقتلاه بالسكاكين. وأمر الناصر يحمل ما في خزانته من الأموال إلى الخزانة، وببقاء القماش والأملاك لولده، وكان الذي حمل من خزانته ثمانمائة ألف وثلاثة عشر ألف دينار، وبقي الأثاث والأملاك بما يقارب تتمة الألف ألف دينار. وكان من ذوي المروات، حسن الوساطة جميل المحضر، قضيت على يده حاجات. وقال ابن القفطي: إن الإمام الناصر حصل له ضعف في بصره وسهو في بعض الأوقات، لأحزان توالت على قلبه، ولما عجز عن النظر في القصص استحضر امرأة من النساء تعرف بست نسيم، وكان خطها قريباً من خطه، وجعلها بين يديه تكتب الأجوبة في الرقاع، وشاركها في ذلك الخادم تاج الدين رشيق، ثم تزايد الأمر بالناصر، فصارت المرأة تكتب بما تراه، فمرة تصيب ومرة

_ (1) تاريخ الحكماء: 212 صاعد بن يحيى بن هبة الله، وكنيته أبو الكرم، وابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء 1: 302 صاعد بن هبة الله بن توما أبو الفرج؛ وابن العبري: 241. (2) زيادة لابد منها؛ والا تناقض المؤلف، فقد ذكر في نهاية الترجمة أن صاعداً قتل سنة 620.

صالح ابن عبد القدوس

تخطىء، ويشاركها رشيق في ذلك، فاتفق أن الوزير مؤيد الدين القمي كتب مطالعة، فعاد جوابها وفيه اختلال بين، فأنكر الوزير ذلك، فعرفه صاعد المذكور ما الخليفة عليه من عدم البصر والسهو الطارىء عليه في أكثر أوقاته وما تعتمده المرأة والخادم في الأجوبة، فتوقف الوزير عن العمل بأكثر الأمر، وتحقق المرأة والخادم ذلك، وحدثا أن الطبيب هو الذي دل على ذلك، فقرر الخادم مع رجلين من الجند (1) أن يغتالا الحكيم ويقتلاه، وكانت قتلته سنة عشرين وستمائة، وأمسك قاتلاه وصلبا. 197 - (2) صالح ابن عبد القدوس صالح بن عبد القدوس؛ استقدمه المهدي من دمشق. قال المرزباني: كان حكيم الشعر زنديقاً متكلماً يقدمه أصحابه في الجدال عن مذهبهم، وقتله المهدي على الزندقة شيخاً كبيراً في شهور سنة ... وهو القائل: ما تبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه قال أبو أحمد بن عدي: صالح ابن عبد القدوس بصري، ممن كان يعظ الناس بالبصرة ويقص عليهم، وله كلام حسن في الحكمة، فأما في الحديث فليس بشيء، كما قال ابن معين، ولا أعرف له من الحديث إلا الشيء اليسير. ومن شعره:

_ (1) هما رجلان يعرفان بولدي قمر الدولة من الأجناد الوساطية. (2) تاريخ بغداد 9: 303 ومعجم الأدباء 12: 6 ونكت الهميان: 181 والزركشي: 136وتهذيب ابن عساكر 6: 371 وميزان الاعتدال 2: 297 وابن خلكان 2: 492 وهي ترجمة انفردت بها إحدى النسخ، وربما لم تكن من أصل ابن خلكان.

أبو البحر صفوان

يا صاح لو كرهت كفي منادمتي ... لقلت إذ كرهت كفي لها بيني لا أبتغي وصل من لا يبتغي صلتي ... ولا أبالي حبيباً لا يباليني وله: أنست بوحدتي ولزمت بيتي ... فتم العز لي ونما السرور وأدبني الزمان فليت أني ... هجرت فلا أزار ولا أزور ولست بقائل ما دمت حياً ... أقام الجند أم نزل الأمير وقال: لا يعجبنك من يصون ثيابه ... حذر الغبار وعرضه مبذول ولربما افتقر الفتى فرأيته ... دنس الثياب وعرضه مغسول وضربه المهدي بيده بالسيف فجعله نصفين، وعلق ببغداد. وقال أحمد بن عبد الرحمن: رأيت ابن عبد القدوس في المنام ضاحكاً فقلت له: ما فعل الله بك؟ وكيف نجوت مما كنت ترمى به؟ قال: إني وردت على ربٍ ليس تخفى عليه خافية، وإنه استقبلني برحمته وقال: قد علمت براءتك مما كنت ترمى به، رحمه الله. 198 - (1) أبو البحر صفوان صفوان بن إدريس أبو بحر الكاتب البليغ؛ كان من جلة الأدباء وأعيان

_ (1) التكملة رقم: 1231 والذيل والتكملة 4: 140 والمغرب 2: 260 ومعجم الأدباء 12: 10 والمقتضب من التحفة: 82 وشرح مقصورة حازم 1: 57 وصفحات متفرقة من نفح الطيب، ومقدمة زاد المسافر والزركشي: 137، وكانت وفاته سنة 598.

الرؤساء، فصيحاً جليل القدر، له رسائل بليغة، وكان من الفضل والدين بمكان، توفي وله سبع وثلاثون سنة، رحمه الله تعالى. ومن تصانيفه كتاب بداهة المتحفز وعجالة المتوفز وكتاب زاد المسافر الذي عارضه ابن الأبار بكتاب تحفة القادم ومات معتبطاً ولم يبلغ الأربعين، وتولى أبوه الصلاة عليه (1) . ومن شعره: يا حسنه والحسن بعض صفاته ... والسحر مقصور على حركاته بدر لو أن البدر قيل له اقترح ... أملاً لقال أكون من هالاته والخال ينقط في صحيفة خده ... ما خط حبر الصدغ من نوناته وإذا هلال الأفق قابل وجهه ... أبصرته كالشكلفي مرآته عبثت بقلب محبه لحظاته ... يا رب لا تعتب على لحظاته ركب المآثم في انتهاب نفوسنا ... فالله يجعلهن من حسناته ما زلت أخطب للزمان وصاله ... حتى دنا والبعد من عاداته فغفرت ذنب الدهر منه بليلةٍ ... غطت على ما كان من زلاته غفل الرقيب فنلت منه نظرةً ... يا ليته لو دام في غفلاته ضاجعته والليل يذكي تحته ... نارين من نفسي ومن وجناته بتنا نشعشع والعفاف نديمنا ... خمرين من غزلي ومن كلماته حتى إذا ولع الكرى بجفونه ... وامتد في عضدي طوع سناته أوثقته في ساعدي لأنه ... ظبي خشيت عليه من فلتاته فضممته ضم البخيل لماله ... يحنو عليه من جميع جهاته عزم الغرام علي في تقبيله ... فنقضت أيدي الطوع في عزماته وأبى عفافي أن يقبل (2) ثغره ... والقلب مطوي على جمراته

_ (1) ومن تصانيفه ... عليه: سقط من المطبوعة. (2) التحفة: أقبل.

فاعجب لملتهب الجوانح غلةً ... يشكو الظما والماء في لهواته وقال من قصيدة: حكمتم (1) زمناً لولا اعتدالكم ... في حكمكم لم يكن في الحكم يعتدل فإنما أنتم في أنفه شمم ... وإنما أنتم في طرفه كحل منها: يرى اعتناق العوالي في الوغى غزلاً ... لأن خرصانها من فوقها مقل وقال أيضاً: أحمى الهوى قلبه وأوقد ... فهو على أن يموت أو قد وقال عنه العزول سالٍ ... قلده الله ما تقلد وباللوى شادن عليه ... جيد غزالٍ ووجه فرقد علله ريقه بخمر ... حتى انثنى (2) طرفه وعربد لا تعجبوا لانهزام صبري ... فجيش أجفانه مؤيد أنا له كالذي تمنى ... عبد، نعم عبده وأزيد له علي امتثال أمرٍ ... ولي عليه الجفاء والصد إن بسملت عينه لقتلي ... صلى فؤادي على محمد وعارضها شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري - الآتي ذكره في حرف العين إن شاء الله تعالى - بقصيدة بديعة وهي: ويلاه من غمضي المشرد ... فيك ومن دمعي المردد يا كامل الحسن ليس يطفي ... ناري سوى ريقك المبرد يا بدر تم إذا تجلى ... لم يبق عذراً لمن تجلد

_ (1) ص: حليتم. (2) التحفة: انتشى؛ وهو أجود.

أبديت من حالي المورى ... لما بدا خدك المورد رفقاً بولهان مستهامٍ ... أقامه وجده وأقعد مجتهداً في رضاك عنه ... وأنت في إثمه المقلد ليس له منزل بأرضٍ ... عنك ولا في السماء مصعد قيدته في الهوى فتمم ... واكتب على قيده مخلد بان الصبا عنه فالتصابي ... أنشأ أطرابه فأنشد من لي بطفل حديث سحر ... بابل عن ناظريه يسند شتت عني نظام عقلي ... تشتيت ثغرٍ له منضد لو اهتدى لائمي عليه ... ناح على نفسه وعدد أكسبني نشوةً بطرفٍ ... سكرت من خمره فعربد لا سهم لي في سديد رأي ... يحرس من سهمه المسدد غصن نقاً حل عقد صبري ... بلين خصرٍ يكاد يعقد فمن رأى ذلك الوشاح الص ... ائم صلى على محمد خير نبي نبيه قدر ... عودي إلى المدح فيه أحمد ومن ها هنا خلص إلى مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن شعر صفوان: والسرحة الغناء قد قبضت بها ... كف النسيم على لواء أخضر وكأن شكل الغيم منجل فضةٍ ... يرمي على الآفاق رطب الجوهر وقال: وكأنما أغصانها أجيادها ... قد قلدت بلآلئ الأنوار ما جاءها نفس الصبا مستجدياً ... إلا رمت بدارهم الأزهار وقال في مليح يرمي نارنجاً في بركة: وشادنٍ ذي غنجٍ دله ... يروقنا طوراً وطوراً يروع

يقذف بالنارنج في بركة ... كلاطخ بالدم سرد الدروع كأنها أكباد عشاقه ... يقذفها في لج بحر الدموع وقال: أولع من طرفه بحتفي ... هل يعجب السيف للقتيل تهيبوا بالحسام قتلي ... فاخترعوا دعوة الرحيل

فراغ

حرف الضاد

حرف الضاد

فراغ

وجيه الدين المناوي

199 - (1) وجيه الدين المناوي ضيا بن عبد الكريم، وجيه الدين المناوي؛ قال الشيخ العلامة أثير الدين أبو حيان إنه كان عنده علم بالطب والأدب، وكان أصم، رأيته بالقاهرة وجالسته بالمشهد، وأنشدي من شعره مقطعات، فمن ذلك قوله: بروحي معبود الجمال فما له ... شبيه ولا في حبه لي لائم تثنى فمات الغصن من حسدٍ به ... ألم تره ناحت عليه الحمائم وله: من كان يشكو في الفؤاد حرارة ... فعليه بالعطار غير مقصر في ثغره ماء اللسان مروق ... عطر وفي وجناته الورد الطري وله: لا غرو أن صاد قلبي ... هذا الغزال الربيب أشراك جفنيه هدب ... بها تصاد القلوب وفيه أوصاف حسنٍ ... يروق فيها النسيب فطرفه المتنبي ... بالسحر وهو حبيب وله أيضاً: قربت كأس الراح من خده ... أزف معطاراً لمعطار قال لي الندمان هذا الذي ... يسعى إلى الجنة بالنار

_ (1) الزركشي: 138.

وله أيضاً: سألت الغصن لم تعرى شتاءً ... وتبدو في الربيع وأنت كاسي فقال لي الربيع على قدوم ... خلعت على البشير به لباسي وقال: قد دبق القلب بدبوقه ... وجن منها قهو مفتون واعجبا للحب من فعله ... بشعرةٍ قيد مجنون وقال: جاء من لحظه بسحرٍ مبين ... بفتور من جفنه وفنون وثنى قده الصبا في تثني ... هـ فوا خجلة القنا والغصون قمر بعت في هواه رشادي ... بضلالٍ ولست بالمغبون لا عجيب أني ضللت بليل الش ... عر لكن تيهي بصبح الجبين فيه ما تشتهي النفوس من الحس ... ن وتلتذه لحاظ العيون سال دمعي إذ سال في خد من أه ... وى عذار كالمسك للتزيين فعجبنا من سائلين غني ... بنضار وسائلٍ مسكين ويك يا سعد ذر قديم حديثٍ ... عن أناسٍ وخذ حديث شجون كل حسن النام دون الذي أه ... وى وكل العشاق في الحب دوني قسماً بالقدود مالت من التي ... هـ وما في أغصانها من لين وسهام الألحاظ ترمي بها الأص ... داغ عن قوس حاجبٍ كالنون ودلال الحبيب والوصل والتي ... هـ وحكم الهوى بها من يمين لا تناسيت بالملام عهوداً ... أحكمت عقدها علي يميني لو تناسيتها لضاق مجالي ... في اعتذاري إلى وفاء ودين

حرف الطاء

حرف الطاء

فراغ

أبو سعيد المستنجدي

200 - (1) أبو سعيد المستنجدي طاشتكين، الأمير الكبير مجد الدين أبو سعيد المستنجدي، ثم صار لولده المستضيء؛ ولي إمرة ركب العراق سنين عديدة، وولي الحلة المزيدية، وولي تستر وخوزستان، وكان سمحاً كريماً حسن السيرة وافر الحشمة شجاعاً حليماً، وكان شيعياً، وتوفي سنة اثنتين وستمائة. وكان قليل الكلام يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم، استغاث إليه رجل يوماً فلم يكلمه، فقال الرجل: الله كلم موسى، فقال له: وأنت موسى؟ فقال الرجل وأنت الله؟ فقضى حاجته؛ والتقاه رجل فاستغاث إليه من بوابه فلم يجبه، فقال له الرجل (2) : أحمار أنت؟ فقال طاشتكين: لا، قال ابن التعاويذي: وأمير على البلاد مولى ... لا يجيب الشاكي بغير السكوت كلما زاد رفعةً حطنا الل ... هـ بتغفيله إلى اليهموت وقام يوماً إلى الوضوء (3) فحل حياصته وتركها موضعه، وكانت تساوي خمسة (4) آلاف دينار، فسرقها فراش وهو يشاهده، فقال أستاذ داره: اجمعوا الفراشين وهاتوا المعاصير، فقال طاشتكين: لا تعاقب أحد (5) فإن الذي أخذها

_ (1) النجوم الزاهرة 6: 190 والبداية والنهاية 13: 45 والشذرات 5: 8 ومرآة الزمان: 527. (2) زيادة من مرآة الزمان، لازمة للتميز بين الحكايتين. (3) ص: الضو. (4) ص: خمس. (5) كذا في ص؛ وهو مطابف للغة الحوار حينئذ.

جمال الدين الاربلي

ما يردها، والذي رآه ما يغمز عليه، فلما كان بعد مدة رأى على ذلك الفراش ثياب (1) جميلة وبزةً ظاهرة، فاستدعاه سراً وقال: بحياتي هذا من تلك؟ فخجل، فقال: لا بأس عليك، فاعترف، فلم يعارضه. وكان طاشتكين قد جاوز تسعين سنة، فاستأجر أرضاً وقفاً مدة ثلثمائة سنة على جانب دجلة ليعمرها داراً، وكان في بغداد رجل محدث (2) في الحلق يسمى فتيحة (3) ، فقال: يا أصحابنا نهنيكم، مات ملك الموت، فقالوا: وكيف ذلك؟ فقال: طاشتكين عمره تسعين سنة، وقد استأجر أرض ثلثمائة سنة، فلو لم يعلم أن ملك الموت قد مات ما فعل هذا، فتضاحكوا الناس. وتوفي بتستر وأمر أن يحمل إلى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويدفن هناك. 201 - (4) جمال الدين الاربلي طه بن إبراهيم بن أبي بكر، الشيخ جمال الدين أبو محمد الإربلي الفقيه الشافعي؛ ولد بإربل سنة بضع وتسعين وخمسمائة، وقدم مصر شاباً، وسمع محمد بن عمار وغيره، وحمل الناس عنه، وله شعر، وروى عنه الدمياطي

_ (1) كذا في ص. (2) ص: رجلاً محدثاً. (3) مرآة الزمان: قبيح. (4) الزركشي: 139 والشذرات 5: 357 (وفيات 677) ولقبه: كمال الدين، والأسنوي 1: 153 والبداية والنهاية 13: 282 والنجوم الزاهرة 7: 281 والسلوك 1: 651 وابن الفرات 7: 120 وحسن المحاضرة 1: 417؛ والترجمة موجزة في المطبوعة.

البديع الدمشقي

والداوداري وغيرهم، وتوفي سنة تسع وسبعين وستمائة، وقد جاوز الثمانين رحمه الله. ومن شعره: البيض أقتل في الحشا ... وبمهجتي منها الحسان والسمر إن قتلت فمن ... بيضٍ يصاغ لها السنان وله أيضاً: دع النجوم لطرقي يعيش بها ... وانهض بعزم صحيح أيها الملك إن النبي وأصحاب النبي نهوا ... عن النجوم وقد عاينت ما ملكوا 202 (1) البديع الدمشقي طراد بن علي بن عبد العزيز، أبو فراس السلمي الدمشقي الكاتب المعروف بالبديع؛ مات متولياً بمصر سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وكان آية في النظم والنثر. قال السلفي: علقت عنه شعراً، ومدح تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان، ومن شعره قصيدة مدح بها الوزير أبا الليث فأجازه ألف دينار، أولها: من كان يغرب في القريض ويبدع ... فلذا المكان من القوافي موضع (2) ومن شعره: يا نسيماً هب مسكاً عبقا ... هذه أنفاس ريا جلقا

_ (1) الزركشي: 139 وتهذيب ابن عساكر 7: 51 ومعجم الأدباء 12: 19 وبغية الوعاة 273 والخريدة (قسم مصر) 2: 105 وسماه ((البديع بن علي)) . (2) قال السلفي ... موضع: سقط من المطبوعة.

كف عني والهوى، ما زادني ... برد انفاسك إلا حرقا ليت شعري نقضوا أحبابنا ... يا حبيب النفس ذاك الموثقا يا رياح الشوق سوقي نحوهم ... عارضاً من سحب عيني أغدقا وانثري عقد دموع طالما ... كان منظوماً بأيام اللقا واشتهرت هذه الأبيات وغنى بها المغنون - قال بعضهم: مررت يوماً ببعض شوارع القاهرة، وقد ظهرت جمال كثيرة حمولها تفاح فتحي من الشام، فعبقت روائح تلك الحمول، فأكثرت التلفت لها، وكانت أمامي امرأة سائرة، ففطنت لما داخلني من الاعجاب بتلك الرائحة، فأومأت إلي وقالت: هذه أنفاس ريا جلقا ... ومن شعره: هكذا في حبكم أستوجب ... كبد حرى وقلب يجب وجزا من سهرت أجفانه ... حجة تمضي وأخرى تعقب زفرات في الحشا محرقة ... وجفون دمعها ينسكب قاتل الله عزولي ما درى ... أن في الأعين أسداً تثب لا أرى لي عن حبيبي سلوةً ... فدعوني وغرامي واذهبوا وقال وقد جلس في آخر مجلس: قيل لي لم جلست في آخر القو ... م فأنت البديع رب القوافي قلت: إخترته لأن المنادي ... ل يرى طرزها على الأطراف وقال من قصيدة يمدح بها أبا النصر بن النصر قاضي الصعيد: هل البين أيضاً مغرم يعشق البانا ... فيأخذ قضباناً ويدفع نيرانا أيا عاذلي اللاحيين صدعتما ... فؤادً بأنواع الكآبة ملآنا أيجمل بالسالي يفند عاشقاً ... أيحسن بالصاحي يعاتب سكرانا

أبو المعالي الواعظ

فراق الفتى أحبابه مثل موته ... فليت الردى من قبل فرقتهم كانا أيا دهر لا تسفك دمي إن ناصري ... أبو النصر فاعلم أنه دم عثمانا (1) وقال فيه: حاكمكم بهيمة ... ليست تساوي العلفا وليس فيه مضغة ... طيبة إلا القفا فأمر القاضي بسجنه فقال: أصبحت بين مصائبٍ ... من كيد ذات حر سمين أنا يوسف أمرت بسج ... ني زوجة القاضي المكين 203 (2) أبو المعالي الواعظ طغرل شاه بن محمد بن الحسين بن هاشم الكاشغري، أبو المعالي بن أبي جعفر الواعظ من أهل هراة، سمع جماعة وكان له معرفة بالتفسير والأدب، وكان حسن الوعظ كثير المحفوظ، جوالاً في البلاد، ومولده سنة تسعين وأربعمائة، وتوفي سنة ستين وخمسمائة، رحمه الله. ومن شعره: خطرات ذكرك تستثير مودتي ... فأحسن منها في الفؤاد دبيبا لا عضو لي إلا وفيه محبة ... فكأن أعضائي خلقن قلوبا

_ (1) لم يرد في ص، وزدته من المطبوعة. (2) الزركشي: 140، وقد اختطت هذه الترجمة في المطبوعة بترجمة طلحة النعماني (رقم: 205) فتنبه لذلك.

طلحة الطلحات

204 - (1) طلحة الطلحات طلحة بن عبد الله بن خلف، أبو المطرف الخزاعي المعروف بطلحة الطلحات؛ أحد الأجواد الأسخياء المفضلين المشهورين، كان أجود أهل البصرة في زمانه؛ سمع عثمان بن عفان، وكان أبوه مع عائشة يوم الجمل، وكان أبوه كاتب عمر ابن الخطاب بالمدينة. قال الأصمعي: المعرفون (2) بالكرم طلحة بن عبد الله بن عثمان التيمي وطلحة بن عمرو بن عبيد الله بن معمر التيمي، وهو طلحة الجود، وطلحة بن عبد الله بن عوف وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو طلحة الندى، وطلحة بن الحسين بن علي، وهو طلحة الخير وطلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعي، وهو طلحة الطلحات، وسمي بذلك لأنه كان أجودهم. وقال ابن دريد: إن أم طلحة ابنة الحارث بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، فلذلك سمي طلحة الطلحات. دخل كثير عزة عليه عائداً فقعد عند رأسه، فلم يكلمه لشدة ما به، فأكثر كثير الثناء عليه، ففتح طلحة عينه وقال: ويحك يا كثير ما تقول؟ فقال (3) : يا ابن الذوائب من خزاعة والذي ... لبس المكارم واغتدى ببجاد حلت بساحتك الوفود من الورى ... فكأنما كانوا على ميعاد

_ (1) المحبر: 156، 356 وخزانة الأدب 3: 394 وابن خلكان 3: 88 وله أخبار مبثوثة في الكتب الأدبية الأخرى؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: المعروفين. (3) انظر ديوان كثير: 311 وقد ورد هناك البيت الثالث من الأبيات الواردة هنا، وأن كثيراً قال ذلك عندما دخل على عبد العزيز بن مروان وهو مريض.

طلحة النعماني

لتعود سيدنا وسيد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعواد فاستوى جالساً وامر له بعطية سنية وقال: هي لك في كل سنة إن عشت. وكان هذا طلحة الطلحات أموياً، وكان بنو أمية يكرمونه، وفي سنة ثلاث وستين بعث زياد بن مسلم طلحة الطلحات والياً على سجستان، وبها توفي بعد قليل، ولذلك قال الشاعر (1) : رحم الله أعظماً دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات 205 (2) طلحة النعماني طلحة بن محمد بن طلحة النعماني أبو محمد، من أهل النعمانية (3) ؛ كان فاضلاً عارفاً باللغة والأدب والشعر، ورد إلى بغداد وخرج منها إلى خراسان وأقام ببلادها مدة. قال ياقوت في معجم الأدباء (4) : سمعت أبا عمرو عثمان ابن البقال بخوارزم يقول: كنت أنا والشيخ أبو محمد طلحة نمشي ذات يوم في السوق، فاستقبلنا عجلة عليها حمار ميت يحمله الدباغون إلى الصحراء ليسلخوا جلده، فقلت أنا:

_ (1) هو عبيد الله بن قيس الرقيات، ديوانه: 20. (2) الزركشي: 140 ومعجم الأدباء 12: 26 وانباه الرواة 2: 93 وبغية الوعاة: 273 ونزهة الألباء: 267 وخريدة القصر 2: 3 - 51 وعيون التواريخ وطبقات ابن قاضي شهبة. (3) بلدة بين بغداد وواسط. (4) لم يرد هذا النص في الكتاب المذكور.

يا حاملاً صرت محمولاً على عجله ... وافاك موتك منتاباً على عجله (1) ومضت على ذلك أيام قلائل، فلقيني السيد أبو القاسم الفخر ابن محمد الزيدي فحكيت له هذه القصة، ففكر ساعة وقال: والموت لا تتخطى الحي رميته ... ولو تبطأ عنه الحي أزعج له ومن شعر النعماني: ألقت قناع الحسن بعد شماس ... ورنت بناظرتي مهاة كناس عبث الدلال بعطفها فتمايلت ... عبث النسيم بناعم مياس فرأيت غصن البان يثنيه الصبا ... من فوق حقف الرملة الميعاس منها في المديح: الجاعل الأموال جنة عرضه ... والمستعان به على الإفلاس عرفت فضائله بعرف نجاره ... والزند يعرف من سنا المقباس وأورد له محب الدين ابن النجار في تاريخه: صد بعد اللقا وأبدى القطيعة ... من غدا قلب كل صبٍ مطيعه شادن مقلتاه غربا حسامٍ ... جفنه الجفر والحجاج القبيعه (2) كل وقت تبدي اللواحظ منه ... غارةً في القلوب جد فظيعه (3) كم أسالت من جفن صب محب ... حين أصمته دمعه ونجيعه خدعة حربه تراه إذا را ... م قلوب العشاق أبدى الخديعه أظمأ الخصر منه ردف ثقيل ... ضامن أن يذيبه ويجيعه لفع الحسن وجهه وكساه ... حلةً زان وشيها تلفيعه

_ (1) في انباه الوراة أن قائل الشطر الثاني هو طلحة النعماني صاحب الترجمة. (2) ص: القميعة. (3) ص: فضيعة.

طويس المغني

كم نهيت الدموع في ساعة التو ... ديع أن تظهر الهوى وتذيعه كان يدني الخيال والليل قد ج ... ر إلى الصبح قطعه وهزيعه يا بديع الجمال في كل يومٍ ... فعلة منك بالقلوب بديعه تنفث السحر إن نظرت بطرف ... لا يداوي الدرياق عجز (1) اللسيعه أقسمت مقلتاك (2) بالغنج منها ... أنها لا تقيل قط صريعه رب ليلٍ قطعته بك لهواً ... آمناً من تفرقٍ وقطيعه غار بدر السماء لما رآني ... لاثماً شبه وجهه وضجيعه قال العماد الكاتب: ورد طلحة هذا إلى البصرة في زمان الحريري صاحب المقامات، وكتب إليه رسالته السينية نظماً ونثراً، وكانت وفاته بعد العشرين والخمسمائة، رحمه الله تعالى وإيانا. 206 - (3) طويس المغني طويس بن عبد الله، أبو المنعم (4) المدني المغني؛ يضرب به المثل في الحذق بالغناء، وكان أحول مفرطاً في الطول، ويضرب به المثل في الشؤم، لأنه ولد يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفطم يوم وفاة أبي بكر رضي الله عنه، وختن يوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتزوج يوم مقتل عثمان

_ (1) كذا في ص. (2) ص: ناظراك. (3) الأغاني 3: 27 والصحاح للجوهري: 942 والمعارف: 322 والميداني 1: 173 وسرح العيون: 212 والشذرات 1: 99 ونهاية الأرب 4: 246 وابن خلكان 3: 506 تحت اسم ((عيسى بن عبد الله)) فهذه الترجمة ليست مما استدرك على الوفيات. (4) ابن خلكان: ابو عبد المنعم.

ابن عفان رضي الله عنه، وولد له يوم مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وكانت وفاة طويس سنة اثنتين وتسعين للهجرة. وهو أول من غنى في الإسلام بالمدينة، وأول من هزج الأهزاج، ولم يكن يضرب بالعود، بل كان ينقر بالدف المربع، وكان يسمع الغناء من سبي فارس والروم فتعلم منهم، وكان يضحك الثكلى لحلاوة لسانه وظرفه، وكان مخنثاً فأسقطه خنثه عن طبقة المغنين الفحول، أول صوت غني به في الإسلام صوت غنى به طويس على عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو: كيف يأتي من بعيد ... وهو يخفيه القريب نازح بالشام عنا ... وهو مكسال هيوب قد براني الحب حتى ... كدت من وجدي أذوب وكان من شؤمه يقول: يا أهل المدينة ما دمت بين أظهركم فتوقعوا خروج الدابة والدجال، وإن مت فأنتم آمنون. حكى أبو الحسن المدائني قال: صعد طويس يوماً على جبل حراء فأعيا وسقط كالمغشي عليه تعباً، فقال: يا جبل ما أصنع بك؟ أشتمك لا تبالي، أضربك ما يوجعك، ولكن يا شماتتي بك يوم تبقى كالعهن المنفوش.

حرف الظاء

حرف الظاء

فراغ

شرف الدين ابن هبيرة

207 - (1) شرف الدين ابن هبيرة ظفر بن يحيى بن محمد بن هبيرة، أبو البدر بن الوزير أبي المظفر عون الدين ابن هبيرة؛ كان يلقب شرف الدين، ناب عن والده في الوزارة، وكان شاباً ظريفاً نظيفاً أديباً فاضلاً، ينظم الشعر. امتحن بالحبس أيام والده سنين بقلعة تكريت ثم خلص. ولما توفي الوزير اتصل بالخليفة أنه عزم على الخروج من بغداد مختفياً، فقبض عليه وحبسه، ولم يزل إلى سنة اثنين وستين وخمسمائة (2) ، فخرج من الحبس ميتاً ودفن عند أبيه، رحمه الله؛ ومن شعره: طل دم بالعتاب مطلوب ... وطاح دمع في الركب مسكوب وذل قلب أمسى الغرام به ... وهو بأيدي الغواة منهوب يركب في طاعة الهوى خطراً ... تضرم من دونه الأنابيب إذا ادلهم الدجى أضاء له ... من زفرات الضلوع ألهوب لا موعد مطمع ولا أمل ... ولا لقاء في العمر محسوب مقتنعاً من وصاله بمنى ... أصدق ما عندها الأكاذيب ما بعد دمعي دمع يراق ولا ... فوق عذابي لديك تعذيب لم يبق للناصحين من أملٍ ... في ولا للعذال تأنيب

_ (1) الخريدة (قسم العراق) 1: 101 والمنتظم 10: 220 والبداية والنهاية 12: 234 وانظر ابن خلكان 6: 242 حيث ورد اسمه شرف الدين ابو الوليد مظفر (وفي الحاشية في بعض أصول الوفيات: أبو البدر ظفر) . (2) ص: اثنتين وخمسين وستمائة، وهو سبق قلم دون ريب، ولذلك أقدمت على تصويبه لأن بقاءه كذلك في المتن قد يكون مضللاً للقارئ.

وقال (1) : أضاءت له بالأبرقين بروق ... نواقل منها كاذب ومشوق يذعن لنا من أهل وجرة ريبةً (2) ... يخف إليها السمع وهو فروق وما كل مطوي من السر منكر (3) ... ولا كل منشور الحديث يروق أبارق ذاك الشعب هل أضمر النوى ... تفرقهم أم ضمهن وسيق وهل حرجات (4) الحي بدلن أدمعاً ... عن السحب لم ترقع لهن خروق لعمرك ما البرق اليماني وامق ... ولا ذلك الشعب الرحيب مشوق وهل تزع الأشجان خفقة لامع ... وقد علقت بالجانحات علوق لي الله يوماً بالثنية أشرفت ... علينا بأقصى أرض وجرة نوق إذا حثحث الحادي بهن أطعنه ... جوافل أدنى سيرهن عنيق كأن توالي الظعن (5) والآل دونها ... سفين بمستن الفرات غريق إذا أفلت شمس الأصيل بدت لنا ... شموس لها فوق الخدود شروق وقال يعارض مهيارا الديلمي في قوله: بكر العارض تحدوه النعامى ... فسقيت الري يا دار أماما فقال (6) : أخلف الغيث مواعيد الخزامى ... فقف الأنضاء تستسق الغماما وخذ اليمنة من أعلى الحمى ... تلق بالغور جميماً وجماما وأبحني ساعةً من عمري ... أملأ الدار شكاةً وسلاما

_ (1) لم ترد هذه القصيدة في المطبوعة، وهي في الخريدة: 107. (2) ص: رتبة، والتصويب عن الخريدة. (3) ص: منكراً. (4) ص: حركات. (5) ص: الضعن. (6) الخريدة: 110.

أصف الأشواق في تلك الربى ... وأعاطي الترب سوفاً والتثاما أي حلم خف في حبهم ... وعقولٍ رفضت فيه الملاما ودموع كلما كفكفها ... زاجر العذل أبت إلا انسجاما يا ولاة الغدر ما دينكم ... أحرام (1) فيه أن تقضوا الذماما قد رضينا إن رضيتم بالأذى ... وعزيز بعزيز أن يضاما خطرت بي يا زميلي سحراً ... نسمة أحسبها ريح أماما خطرت والعين تقري طيفها ... والكرى يمزح للركب المداما فارجع الطرف وقل لي في خفاً ... أهضاباً تتراءى أم خياما ما صنيعي بمهاةٍ كلما ... زودتني لثمةً زدت أواما أهيام أم لظى في كبدي ... لفحت حتى انثنى الظلم ضراما ليس إلا فرط وجدي بهم ... ظعن العاذل عني أم أقاما أنا من أسر الهوى في ربقةٍ ... حكمت للحر فيها أن يُساما

_ (1) ص: أحراماً.

فراغ

حرف العين

حرف العين

فراغ

المعتضد عباد

208 - (1) المعتضد عباد عباد بن إسماعيل بن عباد، المعتضد أبو عمرو صاحب إشبيلية وابن قاضيها، أبو القاسم، لما توفي أبوه تولى (2) المعتضد بعده، وهو أبو المعتمد، وكان شهماً صارماً وخوطب بأمير المؤمنين، دانت له الملوك؛ اتخذ خشباً في قصره وجللها برؤوس ملوك وأعيان ومقدمين، وكان تشبه بأبي جعفر المنصور. وكان ابنه ولي عهده إسماعيل قد هم بقبضه، فلم يتم له ذلك، وضرب أبوه (3) عنقه، وطالت أيامه إلى أن توفي في شهر رجب سنة أربع وستين وأربعمائة؛ يقال إن ملك الإفرنج سمه في ثياب بعثها إليه. قال فيه الحجاري: وهذا الرؤوف العطوف، الدمث الأخلاق الألوف، ما مات حتى قبض أرواح ندمائه وخواصه بيده، ولم يكلهم إلى غيره، ولم يحوجهم إلى أحد بعده، فجزي عنهم بما هو أهله، وكان قد عرف منه ذلك واشتهر، فصار الأدباء يتحامونه. ولما وفد أبو عبد الله ابن شرف القيرواني على الأندلس تطلعت إليه همم ملوكها لبعد صيته، فكان ممن استدعاه المعتضد بن عباد، وكان ابن شرف قد امتلأت مسامعه من أخباره الشنيعة، فجاوبه بقوله:

_ (1) الصواب في اسمه: عباد بن محمد بن إسماعيل؛ انظر البيان المغرب 3: 204 - 285 وتاريخ بني عباد (من جمع دوزي) والمعجب: 151 وما بعدها والشذرات 3: 316 والحلة السيراء 2: 39 والذخيرة (القسم الثاني) . (2) زيادة لازمة، او ما هو بمعناها. (3) ص: أبيه.

أأنت صيدت غيري صيد طائرة ... أوسعتها الحب حتى ضمها القفص حسبتني فرصةً أخرى ظفرت بها ... هيهات ما كل حين تمكن الفرص لك الموائد للقصاد مترعة ... تروي وتشبع لكن بعدها الغصص (1) ومن شنيع ما روي عنه: أن غلاماً دون البلوغ دخل عليه بغير استئذان فقطع رأسه، فسمع جارية تقول: والله القبر أحسن من سكنى هذا القصر، فقال: والله لأبلغنك ما طلبتيه، وأمر بها فدفنت حية. وتعجب الناس من وزيره ابن زيدون كيف انفرد بالسلامة منه، فقال: كنت كمن يمسك بأذني الأسد يتقي سطوته، تركه أو مسكه، وفيه يقول عند موته: لقد سرنا أن الجحيم موكل ... بطاغيةٍ قد حم منه حمام تجانب صوب المزن عن ذلك الصدى ... ومر عليه الغيث وهو جهام وللمعتضد شعر (2) مدون فمنه: كأنما ياسميننا (3) الغض ... كواكب في السماء تنقض والطرق الحمر في جوانبه ... كخد عذراء مسه عض ومنه: اشرب على وجه الصباح ... وانظر إلى نور الأقاحي واعلم بأنك جاهل ... إن لم تقل بالإصطباح والدهر شيء بارد ... إن لم تسخنه براح ومنه: شربنا وجفن الليل يغسل كحله ... بماء صباحٍ والنسيم رقيق

_ (1) ولما وفد ... الغصص: سقط من المطبوعة. (2) من هنا حتى آخر الترجمة لم يرد في المطبوعة. (3) ص: ياسمينا، والتصويب عن الحلة 2: 49.

عبادة بن ماء السماء

معتقةً صفراء (1) أما نجارها ... فضخم وأما جرمها فرقيق 209 (2) عبادة بن ماء السماء عبادة بن عبد الله بن ماء السماء شاعر الأندلس ورأس الشعراء في الدولة العامرية؛ توفي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وقيل سنة تسع عشرة. قال ابن بسام في الذخيرة: كان في ذلك العصر شيخ الصناعة، وأحكم الجماعة، سلك إلى الشعر مسلكاً سهلاً، فقالت غرائبه مرحباً وأهلاً. وكانت صنعة التوشيح التي نهج أهل الأندلس طريقتها، ووضحوا حقيقتها، غير مرقومة البرود، ولا منظومة العقود، فأقام عبادة هذا منآدها، وقوم ميلها وسنادها، فكأنها لم تسمع بالأندلس إلا منه، ولا أخذت إلا عنه، واشتهر بها اشتهاراً غلب على ذاته، وذهب بكثير من حسناته. وأول من صنع أوزان هذه الموشحات محمد بن محمود القبري الضرير، وقيل إن ابن عبد ربه صاحب العقد أول من سبق إلى هذا النوع من الموشحات، ثم نشأ يوسف بن هارون الرمادي، ثم نشأ عبادة هذا، فأحدث التضفير، وذلك أنه اعتمد مواضع الوقف في المراكز. ومن شعر عبادة المذكور: لا تشكون إذا عثر ... ت إلى صديقك (3) سوء حالك فيريك أنواعاً (4) من ال ... إذلال لم تخطر ببالك

_ (1) الحلة: كالتبر. (2) جذوة المقتبس: 274 (وبغية الملتمس رقم: 1123) والذخيرة 1/2: 1 والصلة: 426، وله مقطعات شعرية متعددة في كتاب ((التشبيهات من أشعار أهل الأندلس)) . (3) الذخيرة: خليط. (4) الذخيرة: الواناً.

إياك أن تدري يمي ... نك ما يدور على شمالك واصبر على نوب الزما ... ن وإن رمت بك في المهالك وإلى الذي أغنى وأق ... نى اضرع وسله صلاح حالك وقال (1) : أجل المدامة فهي خير عروس ... تجلو كروب النفس بالتنفيس واستغنم اللذات في عهد الصبا ... وأوانه، لا عطر بعد عروس وقال: وهل ترى أحسن من أكؤس ... يقبل الثغر (2) عليها اليدا يقول لي الساقي اغثني بها ... وخذ لجيناً وأعد عسجدا أغرق فيها الهم لكن طفا ... حبابه (3) من فوقها مزبدا وقال: دارت دوائر صدغه فكأنما ... حامت على تقبيل نقطة خاله رشأ توحش من ملاقاة الورى ... حتى توحش من لقاء خياله فلذاك صار خياله لي زائراً ... إذ كنت في الهجران من أشكاله ولقد هممت به ورمت حرامه ... فحماني الإجلال (4) دون حلاله وقال (5) : اشرب فعهد الشباب مغتنم ... وفرصة في فواتها ندم وعاطنيها من كف ذي غيد ... ألحاظه في النفوس تحتكم كأنها صارم الأمير وقد ... خضب حديه من عداه دم

_ (1) القطعتان التاليتان لم تردا في المطبوعة. (2) سقط من ص، واستكملته من الذخيرة. (3) ص: حبابها. (4) ص: الاحلال. (5) هذه القطعة لم ترد في المطبوعة.

ومن موشحات عبادة المذكور (1) : من ولي في أمة أمراً ولم ... يعزل إلا لحاظ الرشإ الأكحل جرت في ... حكمك في قتلي يا مسرف فانصف ... فواجب أن ينصف المنصف وارأف ... فإن هذا الشوق لا يرأف علل قلبي بذاك البارد السلسل ... ينجلي ما بفؤادي من جوى مشعل إنما ... تبرز كي توقد نار الفتن صنما ... مصوراً في كل شيء حسن إن رمى ... لم يخط من دون القلوب الجنن كيف لي تخلص من سهمك المرسل ... فصل واستبقني حياً ولا تقتل يا سنا ... الشمس ويا أبهى من الكوكب يا منى ... النفس ويا سؤلي ويا مطلبي ها أنا ... حل بأعدائك ما حل بي عذلي من ألم الهجران في معزل ... والخلي في الحب لا يسأل عمن بلي أنت قد ... صيرت بالحسن من الرشد غي لم أجد ... في طرقي حبك ذنباً علي فاتئد ... وإن تشأ قتلي شيئاً فشي أجمل (2) ووالتي منك يد المفضل ... فهي لي من حسنات الزمن المقبل ما اغتذى ... طرفي إلا بسنا ناظريك وكذا ... في الحب ما بي ليس يخفى عليك ولذا ... أنشد والقلب رهين (3) لديك

_ (1) أورد الصفدي هذه الموشحة (الوافي 3: 189) ونسبها لمحمد بن عبادة المعروف بابن القزاز. (2) ص: أجملي. (3) ص: رهيناً.

يا علي سلطت جفنيك على مقلتي ... فابق لي قلبي وجد بالفضل يا موئلي وله أيضاً: حب المها عباده ... من كل بسام السراري قمر يطلع ... من حسن آفاق الكمال حسنه الأبدع لله ذات حسن ... مليحة المحيا لها قوام غصن ... وشنفها الثريا والثغر حب مزن ... رضابه الحميا من رشفه سعاده ... كأنه صرف العقار جوهر رصع ... يسقيك من حلو الزلال طيب المشرع رشيقة المعاطف ... كالغصن في القوام شهدية المراشف ... كالدر في نظام دعصية الروادف ... والخصر ذو انهضام جوالة القلاده ... محلولة عقد الإزار حسنها أبدع ... من حسن ذياك الغزال أكحل المدمع ليلية الذوائب ... ووجهها نهار مصقولة الترائب ... ورشفها عقار أصداغها عقارب ... والخد جلنار ناديت وافؤاده ... من غادةٍ ذات اقتدار لحظها أقطع ... من حد مصقولة النصال من الفتى الأشجع سفرجل النهود ... في مرمر الصدور يزهى على العقود ... من لذة النحور ومقلة وجيد ... من غادة سفور

عبادة المخنث

حبي لها عباده ... أعوذ من ذاك الفخار برشاً يرتع ... في روض أزهار الجمال كلما أينع عفيفة (1) الذيول ... نقية الثياب سلابة العقول ... أرق من شراب أضحى بها نحولي ... في الحب من عذابي في النوم لي شراده ... أو حكمها حكم اقتدار كلما أمنع ... منها فإن طيف الخيال زارني أهجع وكانت وفاة عبادة بمالقة في التاريخ المذكور، ضاعت له مائة مثقال ذهباً فاغتم لذلك ومات، رحمه الله تعالى. 210 - (2) عبادة المخنث عبادة - بتشديد الباء وفتح العين - المخنث؛ كان صاحب نوادر ومجون، كان ببغداد، وتوفي في حدود الخمسين ومائتين. دخل على المأمون وقد امتحن الناس بخلق القرآن فقال: يا أمير المؤمنين، يعظم الله أجرك، قال: فيمن؟ قال: في القرآن، فمن بقا يصلي بالناس التراويح، فقال: ويحك، القرآن يموت؟ فقال: أليس قال أمير المؤمنين إنه

_ (1) ص: عقيلة. (2) كذلك ضبطه ابن ماكولا (الاكمال 6: 28) بفتح العين وتشديد الباء، وقال: كان ينادم المتوكل، له نوادر ومضاحيك؛ قلت: ونوادره مبثوثة في كتب الأدب، انظر مثلاً البصائر والذخائر للتوحيدي.

ابن المؤدب

مخلوق؟! فقال أخرجوه عني قبحه الله تعالى. ولما قتل المتوكل كان حاضراً، فلما هجموا على المتوكل وهو على شرابه وقطعوه بالسيوف قام الفتح بن خاقان وألقى نفسه عليه وقال: يا أمير المؤمنين، لا حياة لي بعدك، فقطعوه بالسيف أيضاً، فلما رأى ذلك عبادة انزوى وقال: يا أمير المؤمنين إلا أنا، إن لي بعدك أدواراً وأنزالاً أشربها، فضحكوا منه وتركوه. 211 - (1) ابن المؤدب عبد الله بن إبراهيم بن مثنى الطوسي المعروف بابن المؤدب، أصله من المهدية وكان شاعراً مذكوراً مشهوراً قليل الشعر، مفرطاً في حب الغلمان مجاهراً بذلك، بعيد الغور ذا حيلة ومكيدة، مغرى بالسياحة والكيمياء والأحجار، معسراً مقتراً عليه متلافاً إذا أفاد. خرج مرة يريد صقلية فأسره الروم، وأقام عندهم مدة إلى أن هادن ثقة الدولة ملك الروم وبعث إليه بالأسرى، وكان المؤدب من جملتهم، فمدح ثقة الدولة، ورام صلته فلم يصله بما أرضاه، فتكلم فيه فبلغ ذلك ثقة الدولة فطلبه فاختفى، وطالت المدة، فخرج وهو سكران بعض الليالي ليشتري نقلاً، فما شعر إلا وقد قيد وحمل إلى بين يدي ثقة الدولة، فقال له: ما الذي بلغني عنك؟ قال للحال يا سيدنا، قال: من الذي يقول: والحر ممتحن بأولاد الزنا ...

_ (1) مسالك الأبصار 11: 347 (والمكتبة الصقلية: 654) وابن خلكان 6: 157 (في ترجمة يحيى ابن أكثم) والنقل فيه وفي المسالك - كما هو هنا أيضاً - عن ((الأنموذج)) لابن رشيق.

قال: الذي يقول: وعداوة الشعراء بئس المقتنى ... فتنمر ساعة ثم أمر له بمائة رباعي وأمر بإخراجه من المدينة، كراهية أن تقوم عليه نفسه فيعاقبه، فخرج، ثم مدح ثقة الدولة بقصيدة منها: أبيت أراعي النجم في دار غربةٍ ... وفي القلب مني نار حزن مضرم أرى كل نجم في السماء محله ... ونجمي أراه في النجوم المنجم سأحمل نفسي في لظى الحرب جملة ... تبلغها من خطبها كل معظم فإن سلمت عاشت بعز وإن تمت ... إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم وقال وهو في الأسر: لا يذكر الله قوماً (1) ... حللت فيهم بخير جاهدت بالسيف جهدي ... حتى أسرت وغيري والآن لست أطيق ال ... جهاد إلا بأيري فهات من شئت منهم ... لو كان صاحب دير وكان صديقاً لعبد الله بن رشيق، وهو يؤدب بعض أولاد تجار القيروان، وكان حسناً، وكان ابن المؤدب يزوره، فعلق بالغلام، وخرج ابن رشيق للحج، فكلما أتي بمعلم لم يقم عنده إلا أسبوعاً ويدعي الغلام أنه راوده، فذكر ابن المؤدب لوالده فأحضره، فما كان إلا ساعة جلوسه في المسجد ودخول الغلام إليه فأغلق باب الصحن وقام فبلغ أربه منه، وخرج الغلام إلى أبيه مبادراً فأخبره فقال أبوه: الآن تقرر عندي أنك كاذب وكذبت على من كان قبله، وصرفه إلى المكتب، فأقام على تلك الحال مدة طويلة وقال: وظبي أنيسٍ عالجته حبائلي ... فغادرنه قبل الوثوق صريعا

_ (1) ص: قوم.

ابن الخشاب

وكان رجال حاولوه ففاتهم ... سباقاً ولكني خلقت سريعا فتكت به إن شاء في بيت ربه ... وإن لم يشأ مستصعباً ومطيعا ليعلم أهل القيروان بأنني ... إذا رمت أمراً لم أجده منيعا فيا لغزال ألجأته كلابه ... إلى أسد ضارٍ وصادف جوعا وكان قد اشتهر في محبة غلام علمه، فتذمم أبوه أن يقتله جهاراً، وخرجوا يتصيدون، فأمر من حل حزام دابته سراً، وتبعوه طرداً، فسقط وانكسرت فخذه حتى ظهر مخه وعظمه؛ ومات سنة أربع عشرة وأربعمائة. 212 - (1) ابن الخشاب عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب، أبو محمد بن أبي الكرم النحوي، كان أعلم أهل زمانه بالنحو، حتى يقال إنه كان في درجة أبي علي الفارسي.

_ (1) لم يكمل المؤلف هذه الترجمة، وترك بياضاً بمقدار أربعة أسطر، ويبدو أنه أدرك أن هذه الترجمة في أصل ابن خلكان (3: 102 - 104) فعدل عن إثباتها؛ وابن الخشاب المذكور توفي سنة 567؛ راجع في ترجمته انباه الرواة 2: 99 ومعجم الأدباء 12: 47 وذيل طبقات الحنابلة 1: 316 والمنتظم 10: 238 وبغية الوعاة: 276 والنجوم الزاهرة 6: 65 ومرآة الجنان 3: 381 وذكر محقق الانباه مصادجر أخرى في ترجمته.

القائم بأمر الله

213 - (1) القائم بأمر الله عبد الله بن أحمد، أمير المؤمنين أبو جعفر القائم بأمر الله بن القادر بالله؛ ولد في نصف ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلثمائة، وبويع بالخلافة بمدينة السلام يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وكان أمره مستقيماً إلى أن خرج البساسيري، وقصته مشهورة؛ وتوفي القائم ليلة الخميس ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة، فكانت دولته خمساً وأربعين سنة، وبويع بعده المقتدي. وكان القائم كثير الحلم والحياء فصيح اللسان، أديباً خطيباً شاعراً، تقلبت به الأحوال ورأى العجائب، وفي أيامه انقرضت دولة الديلم من بغداد بعد طول مدتها، وقامت دولة السلجوقية، وكان آخرهم الملك الرحيم من ولد عضد الدولة؛ دخل عليه بغداد طغرل بك السلجوقي، وهو أول السلجوقية، فقبض عليه وقيده، فقال له الملك الرحيم: ارحمني أيها السلطان، فقال له: لا يرحمك من نازعته في اسمه المختص به، مشيراً إلى الله تعالى، فبلغ ذلك القائم فقال: قد كنت نهيته عن هذا الاسم فأبى إلا لجاجاً أورده عاقبة سوء اختياره. وخلصه طغرل بك من حبسه أعني القائم بأمر الله وأعاده إلى دار خلافته، ومشى طغرل بك بين يديه إلى أن وصل عتبة باب النوبي فقبلها شكراً لله تعالى، وصارت سنة بعده. ومن شعره (2) :

_ (1) راجع أخباره في المصادر التاريخية العامة؛ وانظر المنتظم 8: 289 والخريدة (قسم العراق) 1: 22 والروحي: 64 والفخري: 259 وتاريخ الخلفاء: 448 والزركشي: 142 وخلاصة الذهب المسبوك: 264. (2) وردت هذه المقطعات في الخريدة 1: 230 24.

موفق الدين ابن قدامة

يا أكرم الأكرمين العفو عن غرق ... في السيئات له ورد وإصدار هانت عليه معاصيه التي عظمت ... علماً بأنك للعاصين غفار فامنن علي وسامحني وخذ بيدي ... يا من له العفو والجنات والنار وله: سهرنا على سنة العاشقين ... وقلنا لما يكره الله نم وما خيفتي من ظهور الورى ... إذا كان رب الورى قد علم وله: قالوا الرحيل فأنشبت أظفارها ... في خدها وقد اعتلقن خضابا فاخضر تحت بنانها فكأنما ... غرست بأرض بنفسج عنابا وله: جمعت علي من الغرام عجائب ... خلفن قلبي في إسارٍ موحش خل يصد وعاذل متنصح ... ومعارض يؤذي ونمام يشي 214 (1) موفق الدين ابن قدامة عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن قدامة بن مقدم بن نصر، شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب التصانيف؛ ولد بجماعيل (2) في شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وتوفي سنة عشرين

_ (1) مرآة الزمان: 627 والبداية والنهاية 13: 99 وشذرات الذهب 5: 88 وذيل طبقات الحنابلة 2: 133 وذيل الروضتين: 139 وعبر الذهبي 5: 79 ومعجم البلدان (جماعيل) . (2) جماعيل: من قرى نابلس بفلسطين.

ابن البيطار

وستمائة، وهاجر فيمن هاجر مع أبيه وأخيه، وحفظ القرآن، واشتغل في صغره، وارتحل إلى بغداد صحبة ابن خالته الحافظ عبد الغني (1) ، وسمع بالبلاد من المشايخ. وكان إماماً حجة مصنفاً متفنناً محرراً متبحراً في العلوم كبير القدر، ومن تصانيفه البرهان جزءان مسألة العلو جزءان الاعتقاد جزء ذم التأويل جزء، المتحابين في الله تعالى جزءان فضل عاشوراء جزء فضائل العشر. ذم الوسواس. مشيخته جزء ضخم، وصنف المغني في الفقه في عشر مجلدات، والكافي أربع مجلدات، والمقنع والعمدة مجلد لطيف، والتوابين مجلد صغير، والرقة والبكاء مجلد صغير. مختصر الهداية مجلد التبيين في نسب القرشيين مجلد، الاستبصار في نسب الأنصار مجلد كتاب قنعة الأريب في الغريب مجلد، الروضة في أصول الفقه مجلد، مختصر العلل للخلال، مجلد ضخم. وكان إماماً في علم الخلاف والفرائض والأصول والفقه والنحو والحساب، والنجوم السيارة والمنازل، واشتغل الناس عليه مدة بالخرقي والهداية، واشتغلوا عليه بتصانيفه، وطول الشيخ شمس الدين ترجمته في سبع ورقات، رحمهما الله تعالى وإيانا. 215 - (2) ابن البيطار عبد الله بن أحمد، الحكيم العلامة ضياء الدين ابن البيطار الأندلسي المالقي النباتي الطبيب، مصنف كتاب الأدوية المفردة ولم يصنف مثله. وكان ثقة

_ (1) كانت رحلته إلى بغداد سنة 561 وأقام فيها نحو أربع سنين. (2) ابن أبي اصيبعة 2: 123 ونفح الطيب 2: 691 وحسن المحاضرة 1: 542.

فيما ينقله حجة، وإليه انتهت معرفة النبات وتحقيقه وصفاته وأسماؤه وأماكنه، لا يجاري في ذلك، سافر إلى بلاد الأغارقة وأقصى بلاد الروم وأخذ فن النبات عن جماعة، وكان ذكياً فطناً. قال الموفق بن أبي أصيبعة: شاهدت معه (1) كثيراً من النبات في أماكنه بظاهر دمشق، وقرأت عليه تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدوس، فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته شيئاً كثيراً، وكان لا يذكر دواء إلا ويعين في أي مكان هو من كتاب ديسقوريدوس وجالينوس، وفي أي عدد هو من الأدوية المذكورة في تلك المقالة، وكان في خدمة الملك الكامل، وكان يعتمد عليه في الأدوية المفردة والحشائش، وجعله مقدماً في أيامه حظياً عنده. وتوفي بدمشق في شعبان سنة ست وأربعين وستمائة. وكان بمصر رئيساً على سائر العشابين وأصحاب البسطات، ثم إنه خدم بعد الكامل الصالح وحظي عنده، وله كتاب المغني في الطب، وهو مجيد مرتب على مداواة الأعضاء، وكانت الأفعال الغريبة والخواص العجيبة والإبانة والإعلام على ما في المنهاج من الخلل والأوهام وكتاب الأدوية المفردة (2) ؛ رحمه الله تعالى.

_ (1) كان اجتماع ابن أبي أصيبعة به بدمشق سنة 633. (2) طبع هذا الكتاب ببولاق (1291) في أربعة أجزاء.

تقي الدين ابن تمام الحنبلي

216 - (1) تقي الدين ابن تمام الحنبلي عبد الله بن أحمد بن تمام، الشيخ الإمام الأديب تقي الدين الصالحي الحنبلي، أخو الشيخ القدوة محمد بن تمام الآتي ذكره إن شاء الله تعالى؛ كان فاضلاً زاهداً ورعاً معرضاً عما أغري به الناس من الرياسة، وكان حسن البزة مع الزهد والقناعة، خيراً نزهاً محبوباً إلى الفضلاء، مليح المحاسن حسن العشرة، سمع من أبي قميرة والمرسي والبلداني، وله أشعار رائقة وترسل، وكان بينه وبين الشهاب محمود أنس عظيم واتحاد كثير، كتب إليه الشهاب محمود رحمه الله تعالى من الديار المصرية وأرسلها إليه إلى جبل الصالحية: هل عند من عندهم برئي وأسقامي ... علم (2) بأن نواهم أصل آلامي وأن قلبي وجفني بعد بعدهم ... ذا دائم وجده فيهم وذا دامي بانوا فبان رقادي يوم بينهم ... فلست أطمع من طيف بإلمام كتمت شأن الهوى يوم النوى فنما ... بسره من جفوني أي نمام كانت ليالي بيضاً في دنوهم ... فلا تسل (3) بعدهم عن حال أيامي ضنيت وجداً بهم والناس تحسب بي ... سقماً فأبهم (4) حالي عند لوامي وليس أصل ضنى جسمي النحيل سوى ... فرط اشتياقي إلى لقيا ابن تمام

_ (1) الزركشي: 143 وذيل طبقات الحنابلة 2: 371 (ولد سنة 635 وتوفي سنة 718) والدرر الكامنة 2: 346 والشذرات 6: 48؛ وتشترك النسخة ر مع ص في جانب من هذه الترجمة. (2) ص والزركشي: علماً. (3) ص: تسال. (4) ص؛ فأبهم عن.

مولىً متى أخل من برؤ برؤيته ... خلوت منه بأشجان وأسقام نأى ورؤيته عندي أحب إلي ... قلبي من الماء عند الحائم الظامي وصد عني ولم يسأل بجفوته ... عن هائم دمعه من بعده هامي يا ليت شعري ألم يبلغه أن له ... أخاً بمصر ضعيف الجسم مذ عام ما كان ظني هذا في مودته ... ولا الحديث كذا عن ساكن (1) الشام يا غائباً داره قلبي ولو هجعت ... عيني لأدنته مني رسل أحلامي أصبحت بعد اشتطاطي في الحقيقة من ... لقياك أخدع آمالي بأوهام هذا ولم يبق لي في لذة أرب ... إلا اجتماعي بأصحابي (2) وألزامي وإن هم خلفوني مفرداً ونأوا ... وافيت أسهر أجفاني لنوام وأين نيل مرامي من لقائهم ... ضاق الزمان وهياً سهمه الرامي ولت بشاشة أيامي فلو عرضت ... علي أعرضت عنها غير مستام هل بعد سبعين لي إلا التأهب من ... أجل الرحيل بإسراج وإلجام الناس يرجون ما قد قدموا لغدٍ ... والخوف من سوء ما قدمت قدامي ولست أرجو سوى عفو الإله وأن ... ألقى السلامة في الأخرى بإسلامي بلى وحب الذي أرجوه يشفع لي ... غداً إذا جئته أسعى بآثامي فاذكر أخاك بظهر الغيب وادعوا له ... فأنت في نفسه من خير أقوام لعل يجمعنا في دار رحمته ... من عفوه فوق إسرافي وإجرامي عليك مني سلام الله ما ابتسمت ... أزاهر الروض من دمع الحيا الهامي فأجابه الشيخ تقي الدين رحمهما الله تعالى: يا ساكني مصر فيكم ساكن الشام ... يكابد الشوق من عام إلى عام الله من رمقٍ أودى السقام به ... كم ذا يعلل فيكم نضو أسقام

_ (1) الزركشي: ساكني. (2) الزركشي: واصحابي.

ما ظنكم ببعيد الدار منفردٍ ... حليف هم وأحزانٍ وآلام يا نازحين متى تدنو النوى بكم ... حالت لبعدكم حالي وأيامي كم أسأل الطرف عن طيف يعاوده ... وما لجفني من عهدٍ بأحلام أستودع الله قلباً في رحالكم ... عهدته منذ أزمانٍ واعوام وما قضى بكم من حبكم أرباً ... ولو قضى فهو من وجد بكم ظامي (1) من ذا يلوم أخا وجدٍ يحبكم ... فأبعد الله عذالي ولوامي في ذمة الله قوماً ما ذكرتهم ... إلا ونم بوجدي مدمعي الدامي قوم أذاب فؤادي فرط حبهم ... وقد الم بقلبي أي إلمام ولا تخذت سواهم منهم بدلاً ... ولا نقضت لعهدي عقد إبرام ولا عرفت سوى حبي لهم ابداً ... حباً يعبر عنه جفني الهام يا واحداً أعربت عنه فضائله ... وسار في الكون سير الكوكب السامي في نعت فضلك حار الفكر من دهشٍ ... وكل ظام روي من بحرك الطامي لا يرتقي نحوك الساري على فلكٍ ... فكيف من رام أن يسعى بأقدام منك استفاد بنو الآداب مانظموا ... وعنك ما حفظوا من رقم أقلام أنت الشهاب الذي سامى السماك علاً ... وفيض فضلك فينا فيض إلهام لما رأيت كتاباً أنت كاتبه ... وأضرم الشوق عندي أي إضرام أنشدت قلبي هذا منتهى أربي ... أغاد عهد حياتي بعد إعدام يا ناظري خذا من خده قبلاً ... فهو الجدير بتقبيلٍ وإكرام ثم اسرحا في رياضٍ من حدائقه ... وقد زها زهرها الزاهي بأكمام من ذا يوفيه في در الجواب له ... عذراً إليه ولو كنت ابن بسام يا ساكناً بفؤادي وهو منزله ... محل شخصك في سري وأوهامي حقاً أراك بلا شك مشاهدةً ... ما حال دونك إنجادي وإتهامي

_ (1) ص والزركشي: ضامي.

ولذ عتبك لي يا منتهى أربي ... وفي العتاب حياة بين أقوام (1) حوشيت من عرض يشكي ومن ألمٍ ... لكن عبدك أضحى حلف آلام ولو شكا سمحت منه شكايته ... إن الثمانين تستبطي يد الرامي وحيد دار فريد في الأنام له ... جيران عهدٍ قديم بين آكام طالت به شقة الأسفار ويحهم ... أغفوا وما نطقوا من تحت أرجام أبلى محاسنهم مر الجديد بهم ... وأبعد العهد منهم بعد أيام فلا عداهم من الرحمن رحمته ... فهي الرجاء الذي قدمت قدامي وكم رجوت إلهي وهو أرحم لي ... وقل عند رجائي قبح آثامي فطال عمرك يا مولاي في دعةٍ ... ودام سعدك في عز وإنعام ولا خلت مصر يوماً من سناك بها ... ولا نأى نورك الضاحي عن الشام وقال أيضاً رحمه الله تعالى: أسكان المعاهد من فؤادي ... لكم في كل جارحةٍ سكون أكرر فيكم أبداً حديثي ... فيحلو والحديث بكم شجون وأنظمه عقوداً من دموعي ... فتنثره المحاجر والجفون وأبتكر المعاني في هواكم ... وفيكم كل قافيةٍ تهون وأسأل عنكم النكباء سراً ... وسر هواكم عندي المصون وأعتنق (2) النسيم لأن فيه ... شمائل من محاسنكم تبين وكم لي في محبتكم غرام ... وكم لي في الغرام بكم فنون وقال من أبيات: بيض الوجوه إذا افترت مباسمهم ... فاللؤلؤ الرطب حلو حين يتسق تقسم الحسن عنهم في الأنام كما ... تجمع الفضل فيهم وهو مفترق

_ (1) عجز بيت، وصدره: ((أبلغ أبا مسمع مني مغلغلة)) . (2) لم تعجم النون في ص.

كم زرتهم وغصون الفضل دانية ... أجني الثمار بها عفواً وارتزق هم الأولى إن دعوني عبدهم صدقوا ... لما استرقوا وكم منوا وما عتقوا تحلو الأحاديث عنهم كلما ذكرت ... فكيف إذا شافهوا يوماً بما نطقوا إني لأشكر ما أولوه من نعمٍ ... شكراً عليه قلوب الخلق تتفق وقال رحمه الله تعالى: أما والهوى إن شط ربعكم عنا ... فأنتم نزول بالقلوب إذن منا وإن حجبت اشباحكم عن عيوننا ... فلم يحجب البين المشت لكم معنى ولا نظرت عيناي إلا جمالكم ... ولطفكم الموصوف والحسن والحسنى أحن إليكم في التداني وفي النوى ... ولا عجب للصب إن أن أو حنا ويشتاقكم طرف وأنتم سواده ... فما أبعد المشتاق منكم وما أدنى لحا الله دهراً راعني بفراقكم ... وأفقرني فيمن احب وما استغنى وقال أيضاً: يا ناق إن جئت الحمى سالمةً ... فعفري خديك في تلك الربى وبلغي أهيلها تحيتي ... فإن في تبليغهم لي أربا عساهم أن يبعثوا جوابها ... في طي أنفاس نسيمات الصبا فإنها أكتم للسر ولا ... يخشى عليها من عيون الرقبا فإن فعلت فهي عندي منة ... من أجلها أحمل عنك التعبا أحبابنا مذ غبتم عن حيكم ... محبكم عن صبره قد غلبا قد بلغ الشوق بكم غايته ... وفي جواه (1) بلغ السيل الزبى لا يستطيع باللسان شرح ما ... لو شق عنه القلب أبدى العجبا وكلما سمت فؤادي سلوةً ... عنكم ينادي عنهم لا مذهبا وكم أنادي في الديار بعدكم ... واحربا من بعدهم واحربا

_ (1) ص: جوابه؛ الزركشي: جواب.

وقال أيضاً: وقالوا صبا بعد المشيب تعللاً ... وفي الشيب ما ينهى عن اللهو والصبا نعم قد صبا لما رأى الظبي آنساً ... يميل كغصن البان مالت به الصبا أدار التفاتاً حالي الجيد عاطلاً ... وفي لحظه معنى به الصب قد صبا ومزق أثواب الدجى وهو طالع ... واطلع بدراً بالجمال محجبا جرى حبه في كل قلبٍ كأنما ... تصور من ارواحنا وتركبا وقال أيضاً: أكاتبكم وأعلم أن قلبي ... يذوب إذا ذكرتكم حريقا وأجفاني تسح الدمع سيلاً ... به أمسيت في دمعي غريقا أشاهد من محاسنكم محياً ... يكاد البدر يشبهه شقيقا وأصحب من جمالكم خيالاً ... فأنى سرت يرشدني الطريقا ومن سلك السبيل إلى حماكم ... بكم بلغ المنى وقضى الحقوقا وقال أيضاً: تبدى فهو أحسن من رأينا ... وألطف من تهيم به العقول وأسفر وهو في فلك المعاني ... وعنه لطرف ناظره كليل له قد يميل إذا تثنى ... كذاك الغصن من هيف يميل وخد ورده الجوري غض ... وطرف لحظه سيف صقيل وخال قد طفا في ماء حسنٍ ... فراق بحسنه الخد الأسيل تخال الخد من ماء وخمرٍ ... وفيه الخال نشوان يجول وكم لام العذول عليه جهلاً ... وآخر ماجرى عشق العذول وقال أيضاً رحمه الله تعالى: يا عاذلي حكم الهوى ... وكلفت بالرشإ الكحيل

ريان من ماء الصبا ... جذلان يلعب بالعقول راقت محاسنه التي ... جليت على الوجه الجميل وعلى مثقفٍ قده ... بدر يجل عن الأفول والخال عم جماله ... في سالف الخد الأسيل زعم العذول بأنه ... يلهي الخليل عن الخليل يا طالما نصح العذو ... ل وما قبلت من العذول ولبست ثوب خلاعتي ... وخلعت أثواب الخمول وقال أيضاً رحمه الله تعالى: لله ليلتنا التي نظمت لنا ... شمل المسرة والوشاة رقود جادت بأهيف كالغزال لحاظه ... يسطو بها بين الجفون أسود ريان يعتنق النسيم لطافةً ... ويميل من مر الصبا ويميد لم أنسه إذ زار يخترق الدجى ... وعليه من درر النجوم عقود في صورة القمر المنير وحسنه ... لكنه حسناً عليه يزيد يا ناظري تمتعا بجماله ... فالحسن حيث ترى العيون ترود واستقصيا نظراً إليه فإنه ... كالطيف يدنو والمزار بعيد وإذا رنا بلحاظه فتعرضا ... فاللحظ يقتل والقتيل شهيد كم بت من سهري عليه مسهداً ... وعليه يحلو في الهوى التسهيد يا من أعار البدر نوراً باهراً ... قسماً لقد راقت عليك سعود أنا في هواك إذا دعيت صبابةً ... يا واحد الحسن البديع وحيد وقال أيضاً: راق المدام وثغر الكأس يلتهب ... وللكؤوس ثغور حليها الحبب فقل لكاسك في الندمان حي على ... شمس المدام وروح الراح تستلب أما ترى الشمس تجلى في سنا قمر ... كأنه بالنجوم الزهر ينتقب

والطير تسجع بالألحان صادحةً ... كأن ألحانها الأوتار تصطخب والروض يضحك في أكمامه خجلاً ... من الغمام ودمع الغيث ينسكب وللزجاجة معنى رقة وسناً ... كأنها الزهر الغراء ترتقب لله ندمان ذاك الحي من نفرٍ ... قوم دعاهم إلى حاناتها الطرب فلا تقل حجبوا عني محاسنهم ... فليس تمنعها الأستار والحجب بالله يا مهجتي لا تبتغي بدلاً ... منهم وإن سلبوا قلبي وقد سلبوا ويا غرامي لي في صبوتي حرق ... أودى وحقك بي من حرها اللهب حسبي وقد علموا حالي بحبهم ... وعندهم (1) زفرات الشوق تحتسب إن بلغ الله آمالي مآربها ... وقد قضيت هوىً لم يبق لي أرب وأين مني ديار القوم إذ وقفت ... بي الركاب وحثت تحتهم نجب ولا تقل شقة الأسفار تبعدني ... إذا عزمت فذاك البعد يقترب لا اشتكي أبداً بعداً لدارهم ... ولا أرى غيرهم في الكون لا حجبوا يحلو لي الصد منهم حيث يعذب لي ... مر العتاب فلا صدوا ولا عتبوا وأرتضي كل ما فيه رضىً لهم ... وقد ألفت الرضى منهم فلا غضبوا فاستجل لمحة برق من محاسنهم ... ولا تقل عندها الأرواح تنتهب لا تنح في الدهر يوماً غيرهم أبداً ... فنحوهم وإليهم ينتهي الطلب تحلو الأحاديث عنهم كلما ذكروا ... وفيهم تعذب الأشعار والخطب لا تعجبن لوصفي في محاسنهم ... فكل معنى لهم في وصفه عجب

_ (1) ص: وعندي.

أبو مسلم الخولاني

217 - (1) أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، أبو مسلم الخولاني الزاهد المشهور سيد التابعين؛ أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وهو معدود في كبار التابعين، وكان فاضلاً ناسكاً عابداً، وله كرامات وفضائل. روى عنه أبو إدريس الخولاني وجماعة من تابعي الشام. ولما تنبأ الأسود باليمن بعث إلى أبي مسلم، فلما جاءه قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، فردد ذلك عليه، وهو يقول كما قال أولاً، فأمر بنار عظيمة فأحميت، ثم ألقى فيها أبا مسلم فلم يضره ذلك، فقيل للأسود: أخرجه وإلا أفسد عليك من اتبعك، فأمره بالرحيل، فأتى أبو مسلم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأناخ راحلته بباب المسجد وقام يصلي إلى سارية، وبصر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام إليه وقال: ممن الرجل؟ قال: من أهل اليمن، قال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذلك عبد الله بن ثوب، قال: أنشدك الله أأنت هو؟ قال: اللهم نعم، فاعتنقه عمر وبكى، ثم أجلسه بينه وبين أبي بكر رضي الله عنهم، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني رجلاً (2) من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فعل به كما فعل بإبراهيم الخليل عليه السلام. وتوفي أبو مسلم سنة اثنتين وستين للهجرة؛ وروى له مسلم والأربعة، ودفن بداريا من ضياع دمشق، رحمه الله تعالى.

_ (1) حلية الأولياء 2: 122 وتهذيب ابن عساكر 7: 314 وتذكرة الحفاظ: 49 وتهذيب التهذيب 12: 235 والبداية والنهاية 8: 146. (2) ص: رجل.

عبد الله بن جعفر

218 - (1) عبد الله بن جعفر عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الجواد؛ له صحبة ورواية، ولد بالحبشة من أسماء بنت عميس (2) . يقال إنه لم يكن بالإسلام أسخى منه، وروى عن أبويه وعن عمه علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، سكن المدينة، وتوفي سنة ثمانين للهجرة؛ وهو أول مولود ولد في الإسلام بالحبشة، وكان يسمى بحر الجود. وكان لا يرى بسماع الغناء بأساً، وكان إذا قدم على معاوية أنزله داره وأكرمه وكان ذلك يغيظ فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل زوجة معاوية، فسمعت ليلة غناء عند عبد الله بن جعفر، فجاءت إلى معاوية، فقالت: تعال فاسمع ما في منزل هذا الرجل الذي جعلته بين لحمك ودمك، فجاء فسمع وانصرف، فلما كان آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله بن جعفر، فأنبه فاختة وقال: اسمعي مكان ما أسمعتني. ويقولون: إن أجواد (3) العرب في الإسلام عشرة، فأجواد أهل الحجاز: عبد الله بن جعفر، وعبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وأجواد أهل الكوفة: عبد الله بن عتاب بن ورقاء (4) أحد بني رباح بن يربوع، وأسماء بن خارجة بن حصن الفزاري، وعكرمة بن ربعي

_ (1) الاستيعاب: 880 وأسد الغابة 3: 133 وافصابة 4: 48 وتهذيب التهذيب 5: 170 والبداية والنهاية 9: 43، واخباره مبثوبة في الكتب الأدبية كالعقد والأغاني والكامل ... الخ. (2) ص: عميش. (3) ص: أجود. (4) الاستيعاب: عتاب بن ورقاء.

عبد الله بن الزبير

الفياض أحد بني تيم الله بن ثعلبة، وأجواد أهل البصرة: عمر بن عبيد الله بن معمر، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي وهو طلحة الطلحات، وعبيد الله ابن أبي بكرة، وأجواد أهل الشام: خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وليس في هؤلاء كلهم أجود من عبد الله بن جعفر. عوتب في ذلك فقال: إن الله عز وجل عودني عادة، وعود الناس عادة، فأخاف إن قطعتها قطعت عني؛ وأخباره في الجود كثيرة، رحمه الله تعالى. 219 - (1) عبد الله بن الزبير عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن قصي القرشي الأسدي، يكنى أبا بكر؛ هو أول مولود ولد بالإسلام بالمدينة، روى عن أبيه وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ شهد وقعة اليرموك والقسطنطينية والمغرب وله مواقف مشهورة، وكان فارس قريش في زمانه. بويع له بالخلافة سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر وخراسان والعراق، وأكثر السند. وولد سنة اثنتين من الهجرة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين وأربعة أشهر، خرجت أسماء أمه حين هاجرت حبلى، فنفست بعبد الله في قبا، قالت أسماء: ثم جاء بعد سبع سنين ليبايع

_ (1) راجع أخباره في كتب الصحابة كطبقات ابن سعد والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة، وفي كتب التاريخ الكبرى كالطبري والمسعودي والدينوري وابن الأثير وابن خلدون وابم كثير والسيوطي وتهذيب والتهذيب 5: 213 وأنساب الأشراف (ج؟ 4، 5 والعقد الثمين 5: 141 وفي المصادر المتعلقة بفتح إفريقية (ابن عذاري، رياض النفوس، جغرافية البكري.. الخ) أخبار عن بطولاته في ذلك الفتح. وقد وردت له ترجمة عند ابن خكان 3: 71 وهي من المزايدات التي انفردت بها إحدى النسخ من وفيات اعيان، وليس من المرجح أن تكون أصلاً في وفيات الأعيان.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره بذلك الزبير، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلاً ثم بايعه. ولما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا اليهود، فكان أول مولود بعد الهجرة، فكبر المسلمون تكبيرةً واحدةً حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له في أذنيه بالصلاة. وكان عارضاه (1) خفيفين فما اتصلت لحيته حتى بلغ ستين سنة. وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله، اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما غاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال له: ما صنعت بالدم؟ قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت فجعلته فيه، قال: لعلك شربته؟ قال: نعم، قال: ولم شربت الدم؟ ويل للناس منك، وويل لك من الناس! وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قتل عبد اله بن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، كلما دخل عليه قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينما هو على هذه الحال إذ جاءته شرفة من شرفات المسجد في رأسه فصرعته فوقع وهو يقول: أسماء يا أسماء لا تبكيني ... لم يبق إلا حسبي وديني وصارم لاثت به يميني ... وقال سهل بن سعد: سمعت ابن الزبير يقول: ما أراني اليوم إلا مقتولاً، رأيت الليلة كأن السماء فرجت لي فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها. وقال عمرو بن دينار: كان ابن الزبير يصلي في الحجر والمنجنيق يصيب طرف ثوبه فما يلتفت إليه، وكان يسمى حمامة المسجد. وقال ابن إسحاق: ما رأيت أحداً أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير.

_ (1) ص: عارضيه.

وجاء الحجاج إلى مكة فنصب المنجنيق عليها، وكان ابن الزبير قد نصب فسطاطاً عند البيت، فاحترق فطارت شرارة إلى البيت فاحترق واحترق قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل يومئذ، ورمى الحجاج المنجنيق على ابن الزبير وعلى من معه في المسجد، وجعل ابن الزبير بيضة على الحجر الأسود ترد عنه - يعني خوذة - ودام الحصار ستة أشهر وسبع عشرة (1) ليلة، وخذل ابن الزبير أصحابه (2) ، وخرجوا مع الحجاج، ثم إن الحجاج أخذه وصلبه منكساً. وكان آدم نحيفاً ليس بالطويل، بين عينيه أثر السجود؛ قيل إنه بقي مصلوباً سنة، ثم جاء إذن عبد الملك أن يسلم إلى أسماء ولدها، فأنزلوه فحنطته وكفنته وصلت عليه وحملته فدفنته بالمدينة في دار صفية بنت حيي، ثم زيدت دار صفية في المسجد، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وكان كثير الصلاة كثير الصيام شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات؛ وقال علي بن زيد الجدعاني: إلا أنه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة، لأنه كان بخيلاً، ضيق العطن، سيء الخلق حسوداً كثير الخلاف، اخرج محمد بن الحنفية، ونفى عبد الله بن العباس إلى الطائف. وقال: لما كان قبل قتله بعشرة أيام دخل على أمه وهي شاكية، فقال: كيف أنت (3) يا أمه؟ قالت: ما أجدني إلا شاكية، فقال لها، إن في الموت لراحة، قالت: لعلك تمنيته لي، ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك، إما قتلت فأحتسبك، وإما ظفرت بعدوك فقرت عيني، قال عروة: فالتفت إلي وضحك، فلما كان اليوم الذي قتل فيه دخل عليها، فقالت: يا بني لا تقبل منهم خطة عليك فيها الذل مخافة القتل، فوالله لضربة سيف في عز خير من ضربة

_ (1) ص: عشر. (2) ص: وأصحابه. (3) ص: أنتي.

سوط في مذلة، قال: فخرج وقد جعل له مصراع عند الكعبة، وكان تحته، فأتاه رجل من قريش فقال: ألا نفتح لك باب الكعبة فتدخلها، فقال ابن الزبير: إن حرمة المسجد كحرمة البيت، والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة قتلوكم، ثم قال: ولست بمبتاع الحياة بسبةٍ ... ولا مرتقٍ من خشية الموت سلما ثم شد عليه أصحاب الحجاج فقال: أين أهل مصر؟ فقال: هم هؤلاء من هذا الباب، فقال لأصحابه: اكسروا أغماد سيوفكم ولا تميلوا عني، فإني في الرعيل، ففعلوا ثم حمل فحملوا معه، وكان يضرب بسيفين، فضرب رجلاً فقطع يده، وانهرقوا فجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، فجعل رجل أسود يسبه، فقال له: اصبر يابن حام، ثم حمل عليه فصرعه. ثم دخل أهل حمص من باب بني شيبة، فشد عليهم وجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ورجع وهو يقول: لو كان قرناً واحداً كفيته ... أوردته الموت وقد ذكيته ثم دخل عليه أهل الأردن من باب آخر، فجعل يضربهم حتى أخرجهم من المسجد وهو يقول: لا عهد لي بغارةٍ كالسيل ... لا ينجلي قتامها (1) لليل وجاءه حجر من ناحية الصفا فوقع بين عينيه، فنكس رأسه وهو يقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه حتى قتل. ولما قتل كبر أهل الشام فقال ابن عمر: المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين (2) عليه يوم قتل. وقتل

_ (1) ص: قياسها. (2) ص: المكبرون.

معه مائة وأربعون رجلاً منهم من سال دمه في جوف الكعبة. قال ابن عبد البر: رحل عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان فسأله في إنزاله من الخشبة، فأمر بإنزاله. قال ابن مليكة: كنت ممن تولى غسله، فجعلنا لا نتناول عضواً إلا جاء معنا فنغسله ثم نضعه في أكفانه ونتناول العضو الذي يليه فنغسله ونضعه في أكفانه (1) حتى فرغنا منه، فقامت أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق فصلت عليه، وكانت قبل ذلك تقول: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بجثته، فما أتى عليها بعد ذلك جمعة حتى ماتت. ويقال إنه لما جيء به إليها وضعته في حجرها فحاضت ودر ثديها. وقيل إن الحجاج حلف أن لا ينزله من الخشبة حتى تشفع فيه أمه، فبقي سنة، ثم مرت تحته فقالت: أما آن لهذا الراكب أن ينزل، فيقال إن هذا الكلام قيل للحجاج إن معناه شفاعة فيه، فأنزله. وكان قتله سنة ثلاث وسبعين للهجرة. ويقال إن الحجاج ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان قبل قتل ابن الزبير: أعط ابن الزبير الأمان، وحكمه في الولاية، واستنزله عن الخلافة، فشاور ابن الزبير أصحابه فأشاروا عليه بأن يفعل، فقال: لا خلعها إلا الموت، ثم قال: الموت أكرم من إعطاء منقصةٍ ... إن لم نمت عبطة فالغاية الهرم اصبر فكل فتىً لا بد مخترم ... والموت أسهل مما أملت جشم

_ (1) ما بين معقفين لم يرد في ص.

أبو القاسم الصقلي

220 - (1) أبو القاسم الصقلي عبد الله بن سليمان بن يخلف الصقلي أبو القاسم الكلبي، أحد الأدباء المجيدين والشعراء المعدودين، وله تأليفات ومصنفات في الرد على العلماء. ومن مختار شعره من أبيات: فليت ليالي الصدود الطوال ... فداء ليالي الوصال القصار زماناً أبيت طليق الرقاد ... وأغدو خلياً خليع العذار ولم يكن الهجر مما أخاف ... ولا العاذل الفظ ممن أداري أسابق صحبي بصبح الدنان ... وأصرف ليلي بصرف العقار ألا رب يوم لنا بالمروج ... بخيل الضياء جواد القطار كأن الشقيق بها وجنة ... بآخرها لمعة من عذار وسوسنها مثل بيض القباب ... بأوساطها عمد من نضار ترى النرجس الغض فوق الغصون ... شبيه المصابيح فوق المنار أقمنا نسابق صرف الزمان ... بداراً إلى عيشنا المستعار تجيب لصوت القناني القيان ... إذا ما أجابت غناء القماري وتصبح عيداننا في اصطخابٍ ... تلذ وأطيارنا في اشتجار نشم الخدود شميم الرياض ... ونجني النهود اجتناء الثمار ونسقى على النور مثل النجوم ... ومثل البدور اعتلت (2) للمدار

_ (1) لم ترد هذه الترجمة في المطبوعة؛ وقد وردت ترجمته ص: 126 من عنوان الأريب نقلاً عن مختار ابن الصيرفي في الدرة الخطيرة. وهي أول ترجمة في المنتخل، وانظر المكتبة الصقلية: 154. (2) ص: اعلت، والتصويب عن المنتخل.

عقار هي النار في نورها ... فلولا المزاج زمت بالشرار إذا ما لقيت الليالي بها ... فأنت على صرفها بالخيار نعمنا بها وكأن النجوم ... دراهم من فضةٍ في نثار وقال أيضاً: شربت على الرياض النيرات ... وتغريد الحمام الساجعات معتقة ألذ من التصابي ... وأشرف في النفوس من الحياة تسير إلى الهموم بلا ارتياع ... كما سار الكمي إلى الكماة وتجري في النفوس شفاء داء ... مجاري الماء في أصل النبات كأن حبابها شبك مقيم ... لصيد الألسن المتطايرات لنا من لونها شفق العشايا ... ومن اقداحها فلق الغداة كأن الأقحوان فصوص تبرٍ ... تركب في اللجين موسطات ونارنج على الأغصان يحكي ... كؤوس الخمر في أيدي السقاة وله أيضاً: أرحت النفس من هم براح ... وهان على إلحاح اللواحي وصاحبت المدام وصاحبتني ... على لذاتها وعلى سماحي فما تبقي على طرب مصونٍ ... ولا أبقي على مالٍ مباح ثوت في دنها ولها هدير ... هدير الفحل (1) ما بين اللقاح وصفتها السنون ورققتها ... كما رق النسيم مع الرواح إلى أن كشفت عنها الليالي ... ونالتها يد القدر المتاح فأبرزها بزال الدن صرفاً ... كما انبعث النجيع من الجراح

_ (1) ص: النحل.

أبو القاسم الدينوري الكاتب

221 - (1) أبو القاسم الدينوري الكاتب عبد الله بن عبد الرحمن الدينوري أبو القاسم؛ من رؤساء الأدباء والكتاب ووجوه العمال بخراسان، قيل إنه من أولاد العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، له مصنفات وشعر رائق، منه في صفة الخمر: كأنها في يد (2) الساقي المدير لها ... عصارة الخد في ظرف (3) من الآل لم تبق منها الليالي في تصرفها ... إلا كما أبقت الأيام من حالي (4) وله من أبيات يسترجع بها كتاباً معاراً: آن (5) أشكو إليك فقد نديمٍ ... قد فقدت السرور منذ تولى كان لي مؤنساً يسلي همومي ... بأحاديث من منى النفس أحلى عن أبي حاتم عن ابن قريب (6) ... واليزيدي كل ما كان أملى وهو رهن يشكو إليك ويبكي ... ويغني: قد آن لي أن أخلى فتفضل به علي لأني ... لست إلا بمثله أتسلى وقال: بأبي أنت وقد طب ... ت لنا ضماً وشماً ضاق فوك العذب والعي ... ن وشيء لا يسمى

_ (1) الزركشي: 147. (2) ص: يدي. (3) ص والزركشي: طرف. (4) ووجوه العمال ... حالي: سقط من المطبوعة. (5) الزركشي: أنا. (6) ابن قريب هو الأصمعي.

محيي الدين بن عبد الظاهر

222 - (1) محيي الدين بن عبد الظاهر عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر بن نجدة الجذامي المصري، المولى القاضي محيي الدين ابن القاضي رشيد الدين، الكاتب الناظم الناثر، شيخ أهل الترسل، ومن سلك طريق الفاضلية في إنشائه، وهو والد (2) القاضي فتح الدين محمد صاحب دواوين الإنشاء. سمع من جعفر الهمداني وعبد الله بن إسماعيل بن رمضان ويوسف بن المخيلي وجماعة، وكتب عنه البرزالي وابن سيد الناس وأثير الدين والجماعة؛ وكان بارع الكتابة له (3) في قلم الرقاع طريقة غريبة حلوة، وكان ذا مروة وعصبية، ولد في المحرم سنة عشرين وستمائة، وتوفي بالقاهرة سنة اثنتين وتسعين وستمائة. ومن إنشائه كتاب (4) كتبه إلى الأمير شمس الدين آقسنقر جواباً عن كتاب كتبه بفتح بلاد النوبة: " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " (الاسراء:12) أدام الله نعمة المجلس، ولا زالت عزائمه مرهوبة، وغنائمه

_ (1) الزركشي: 147 والنجوم الزاهرة 8: 38 وابن الفرات 8: 162 والبداية والنهاية 13: 334 والشذرات 5: 421 وحسن المحاضرة 1: 570، وهو صاحب ((سيرة الملك الظاهر)) و ((تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور)) وقد نشر الثاني بعناية مراد كامل (مصر 1961) وفيه مقدمة درس المحقق فيها جوانب من حياة ابن عبد الظاهر ومؤلفاته وأورد مجموعة من رسائله وشعره. (2) ص: ولد. (3) سقطت من ص والزركشي وفيه: وكان بارع الكتابة في قلم الرقاع ذا مروة.. الخ. (4) ص: كتاباً.

مجلوبة ومجنوبة، وسطاه وخطاه هذه تكف النوب (1) وهذه تكفي النوبة، ولا برحت وطأته على الكفار مشتدة، وآماله لإهلاك الأعداء كرماحه ممتدة، ولا عدمت الدولة بيض سيوفه التي يرى (2) بها الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس تثني على عزائمه التي (3) واتت على كل أمرٍ رشيد، واتت على كل جبار عنيد، وحكمت بعدل السيف في كل عبد سوء " وما ربك بظلام للعبيد " فصلت: حيث شكرت الضمر الجرد وحمدت العيس، واشتبه يوم النصر بأمسه بقيام حروف العلة مقام بعض فأصبح غزو كنيسة سوس كغزو سيس (4) ، ونفهمه أنا علمنا (5) أن الله بفضله طهر البلاد، من رجسها وأزاح العناد، وحسم مادة معظمها الكافر وقد كاد وكاد، وعجل عيد النحر بالأضحية بكل كبش حرب يبرك في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد، وتحققنا النصر الذي شفى النفوس وأزال البوس، ومحا آية الليل بخير الشموس، وخرب دنقلة بجريمة سوس، وكيف لا يخرب شيء يكون فيه سوس، فالحمد لله الذي صبحتهم عزائم المجلس بالويل، وعلى أن أولج النهار من السيف منهم في الليل، وعلى أن رد حرب حرابهم (6) إلى نحورهم، وجعل تدبيرهم في تدميرهم، وبين خيط السيف الأبيض من الخيط الأسود من فجر فجورهم، واطلع على مغيبات النصر ذهن المجلس الحاضر (7) ، وأورث سليمان

_ (1) سقطت من ص. (2) سقطت من ص. (3) ص: الذي. (4) سوس بالنوبة وكان داود ملك النوبة يزعم أنه يتلقى من كنيستها ما يؤديه، وقد خربت في الحملة المشار إليها وأخذ ما فيها؛ أما سيس فإنها من الثغور الشامية، وقد غزاها الملك الظاهر أيضاً. (5) ص: أن أعلمنا. (6) ص: خرب خرابهم. (7) ص: الحاظر.

المؤمن ملك داود (1) الكافر، وقرن النصر بعزم المجلس الأنهض، وأهلك العدو الأسود بميمون طائر النصر الأبيض، وكيف لا وآقسنقر هو الطائر الأبيض، وأقر لأهل الصعيد كل عين، وجمع شملهم فلا يرون من عدوهم بعدها غراب بين، ونصر ذوي السيوف على ذوي الحراب، وسهل صيد ملكهم على يد المجلس وكيف يعسر على السنقر صيد الغراب، والشكر لله على إذلال ملكهم الذي لان وهان، وأذاله لباسه الذي صرح به بسر كل منهم في قناله فأمسى وهو عريان، وازهاقهم الأسنة التي غدا طعنها كفم الزق غدا والزق ملآن (2) ، ودق أقفيتهم بالسيف الذي انطق الله بفألهم الطير فقال دق قفا السودان، ورعى الله جهاد المجلس الذي قوم هذا الحادث المنآد، ولا عدم الإسلام في هذا الخطب سيفه الذي قام خطيباً وكيف لا وقد ألبسه منهم السواد، وشكر له عزمه الذي استبشر به وجه الزمن بعد القطوب، وتحققت بلاد الشمال به صلاح بلاد الجنوب، وأصبحت بهم سهام الغنائم في كل جهة تسهم، ومتون الفتوحات تمتطي فتارة يمتطي السيف منها كل سيس وتارة كل ادهم، وحمد شجاعته التي ما وقف لصدمتها السواد العظم، ولله المنة على أن جعل ربع العدو بعزائم المجلس حصيداً كان لم يغن بالأمس، وأقام فروض الجهاد بسيوفه المسنونة وأنامله الخمس، وقرن ثباته بتوصيل الطعن لنحور الأعداء ووقت النحر قيد رمح من طلوع الشمس، ونرجو من كرم الله تعالى إدراك داود المطلوب، ورده على السيف بعيب هربه والعبد الأسود إذا هرب يرد بعيب الهروب.

_ (1) كان داود ملكاً للنوبة وقد حضر ابن أخته واسمه متظلماً منه، فجرد الملك الظاهر جيشاً ضده (674) وكانت النتيجة أن فر داود واسر أخوه شنكو وأقيم مشكد في المملكة وألبس التاج مكان داود (السلوك 1: 622) . (2) في هذا نثر لقول الفند الزماني: فلما صرح الشر ... وأمسى وهو عريان بطعن كفم الزق ... غدا والزق ملآن

وفي هذه الغزاة قال ابن النقيب الفقيسي: يا يوم دنقلة وقتل عبيدها ... في كل ناحية وكل مكان كم فيه زنجي يقول لأمه ... نوحي فقد دقوا قفا السودان وكتب في محضر قيم حمام الصوفية (1) جوار خانقاه سعيد السعداء اسمه يوسف: يقول الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن عبد الظاهر: إن أبا الحجاج يوسف ما برح لأهل الصلاح قيماً، وله جودة صناعة استحق بها أن يدعي قيماً، كم له عند جسم من من جسيم، وكم أقبل مستعملوه تعرف في وجوههم نضرة النعيم، وكم تجرد مع شيخ صالح في خلوه، وكم قال ولي الله يا بشراي إنه ليوسف حين أدلى دلوه، كم خدم من العلماء والصلحاء إنساناً، وكم ادخر بركتهم لدنياً وأخرى فحصل من كل منهم شفيعين مؤتزراً وعرياناً (2) ، كم حرمة خدمة له عند أكابر الناس، وكم له يد عند جسه (3) ومنة على راس، كم شكرته أبشار البشر، وكم حك رجل صالحٍ فتحقق هناك أن السعادة لتلحظ الحجر، قد ميز بخدمة الفضلاء والزهاد أهله وقبيله، وشكر على ما يعاب به غيره من طول الفتيلة، تتمتع الأجساد بتطييبه لحمامه بظل ممدود وماء مسكوب، وتكاد كثرة ما يخرجه من المياه أن تكون كالرمح أنبوباً على أنبوب. وكتب إلى بعض أصحابه يستدعيه إلى حمام: هل لك - أطال الله بقاءك إطالةً تكرع بها (4) من منهل النعيم، وتتملى

_ (1) ص: الصوفة. (2) من قول الفرزدق: ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزراً ... مثل الشفيع الذي يأتيك عرياناً (3) في المطبوعة: ((جسد)) وهي قراءة جيدة. (4) سقطت من ص.

بالسعادة تملي الزهر بالوسمي والنظر بالحسن الوسيم - في المشاركة في حمام (1) جمع بين جنة ونار، وأنواء وأنوار، وزهر وأزهار، قد زال فيه الاحتشام فكل عارٍ، ولا عار، نجوم سمائه لا يعتريها أفول، وناجم رخامه لا يعتريه ذبول، تنافست العناصر على خدمة الحال به، تنافساً احسن كل التوصل فيه إلى بلوغ أربه، فأرسل البحر ما جسده جسده من زبده، لتقبيل أخمصه إذ قصرت همته عن تقبيل يده، ولما لم ير التراب له في هذه الخدمة مدخلاً، تطفل وجاء وما علم أن التسريح لمن جاء متطفلاً، والنار رأت أن عين مباشرتها يستقل، وأنها بفرض من خدمته لا تخل، ولأن لها حرمة هداية الضيف في السرى، وبها يدفع (2) القر ويقع القرى، فأعلمت ضدها الماء فدخل وهو حار الأنفاس، وغلت مراجله فلأجل ذلك داخله من صوت تساكبه الوسواس، والهوا أنه قصر عن مطاولة هذا المبار، فأمسك متهيباً ينظر ولكن من خلف زجاجة إلى تلك الدار، ثم إن الأشجار رأت أنها لا مشاركة (3) لها في هذه الحظوة، ولا مساهمة في تلك الخلوة، فأرسلت في الأمشاط أكفاً أحسنت بها تدعو إليه الفرق، ومرت على سواد العذار الفاحم كما يمر البرق، وذلك بيد قيم قيمٍ بحقوق الخدمة، عامل بما يعامل به أهل النعيم أهل النعمة، خفيف اليد مع الأمانة، موصوف بالمهابة عند أهل تلك المهانة، لطف أخلاقاً حتى كأنها عتاب بين جحظة والزمان، وحسن صنعةً فلا يمسك يداً إلا بمعروف ولا يسرح تسريحاً إلا بإحسان، أبداً يرى مع طهارته وهو ذو صلف، ويشاهد مزيلاً لكل أذىً حتى لو خدم البدر لأزال عن وجهه الكلف، بيده موسى كأنه صباح ينسخ ظلاماً، أو نسيم ينفض عن الزهر كماماً، إذا أخذ صابونه أوهم من يخدمه بما يمره على جسده أنه

_ (1) سقطت من ص. (2) ص: دفع. (3) ص: لانشآئه.

بحر عجاج، وانه يبدو منها زبد الأعكان التي هي أحسن من الأمواج، فهلم إلى هذه اللذة، ولا تعد الحمام أنها دعوة أهل الحراف فربما كانت هذه من بين تلك الدعوات فذة، ولعل سيدنا يشاهد ما لا يحسن وصفه قلمي، واستحسن وصفها ليدي وفمي، إذا جمح عناني فأقول، وإذا ترامت بي الخلاعة أخلع ما تستر به ذوو العقول: لدي - أبهجك الله - غصون قد هزها الحسن طرباً، رماح لغير كفاح قد نشرت من الشعور عذباً، وبدور أسدلت من الذوائب غيهباً، قد جعلت بين الخصور والروادف من المآزر برزخاً لا يبغيان، وعلمنا بهم أننا في جنة تجري من تحتها الأنهار وتطوف علينا بها الولدان، يكاد الماء إذا مر على أجسادهم يجرحها بمره، والقلب يخرج إلى مباشرتها من الصدر وعجيب من مباشر لأمر لا يلتقيه بصدره، إذا أسدل ذوائبه ترى ماء عليه ظل يرف، وجوهراً (1) من تحت عنبر يشف، يطلب كل منهم السلام وكان الواجب طلب السلامة، وكيف لا وقد غدا كل منهم أمير حسن (2) وشعره المنشور وخاله العلامة، إذا قلب بأصفر الصفر ماء على الحضار، قلت هذا بدر بيده نجم تقسم منه أشعة الأنوار، وإن أخذ غسولاً وأمره على جسمه مفركاً، لم يبق عضو إلا واكتسب منه لطافة وراح مدلكاً، فما عذرك في انتهاز الفرص، واقتناص هذه الشوارد التي يجب على مثلك أن يغدو لها وقد اقتنص، والله تعالى يولي إليك المسار، ويجعلها لديك دائمة الاستقرار. ومن شعره: كم قلت لما بت أرشف ريقه ... وأرى نقي الثغر دراً منتقى بالله يا ذاك اللمى متروياً ... كرر علي حديث جيران النقا

_ (1) ص: وجوهر. (2) سقطت من ص.

وقال أيضاً: قيل للعين طيف إلفك ساري ... فتباهي له ولو بعواري فتهيت لقربه وتهادت ... من دموعٍ إليه بين جواري يتسابقن خدمةً فتراهن ... لديها كالدر أو كالدراري ثم لما تحقق الطيف أن تل ... ك دموع خشي جوار البحار بات جاري ودمع عيني جاري ... فتحيرت بين جارٍ وجاري يا لقومي مابين هذا وهذا ... كيف يبقي السلو حسن اصطباري مفرد في جماله إن تبدى ... خجلت منه جملة الأقمار كيف أرجو الوفاء منه وعامل ... ت غريماً من طرفه ذا انكسار ذو حواش تبدي لنا قلم ال ... ريحان من خده فجل الباري فيه وجدي محقق، وسلوي ... وكلام العذول مثل الغبار ولساني في حبه قلم الشع ... ر ورقي المكتوب بالطومار كم أكني عنه وأكتم وجدي ... وأرى الحب هاتك الأستار وقال في الشبابة: وناطقةٍ بالروح عن أمر ربها ... تعبر عما عندنا وتترجم سكتنا وقالت للنفوس فأطربت ... فنحن سكوت والهوى يتكلم وقال أيضاً: نسب الناس للحمامة حزناً ... وأراها في الحزن ليست هنالك خضبت كفها وطوقت الجي ... د وغنت وما الحزين كذلك وقال أيضاً: لئن جاد لي بالوصل طيف خياله ... وأصبح محروماً رقيب ولائم ألا إنها الأقدار تحرم ساهراً ... وآخر يأتي رزقه وهو نائم

وقال أيضاً: لا نقل الروض أحاديثه ... عن عين نمام غدت خافيه فإنه ينقل أخباره ... إلي عين عنده صافيه وقال: يا قاتلي بلحاظٍ ... قتيلها ليس يقبر إن صبروا عنك قلبي ... فهو القتيل المصبر وقال: لا واخذ الله بندك ... فكم وشى بي عندك وقال عني بأني ... شبهت بالغصن قدك وأنت تعظم عندي ... أن يصلح البدر عبدك ولست والله ترضى ... أن يحكي الورد خدك فقاتل الله طرفي ... فكم به نلت قصدك ولا رعى الله قلبي ... فكم رعى لك عهدك فمن ترى أنا حتى ... جعلت قتلي وكدك وكم أطعتك جهدي ... وكم تجنيت جهدك وأنت تخلف وعدي ... ولست أخلف وعدك وما عشقتك وحدي ... بلى عشقتك وحدك وبعد هذا وهذا ... وذاك لا ذقت فقدك وقال متغزلاً: ما خلت أني من سلوي مملق ... حتى غدوت من المدامع أنفق كلا ولا خلت اصطباري كاسداً ... حتى رأيت مصون دمعي يطلق يا للرجال نصيحةً من عاشقٍ ... بين النفوس وبينكم أن تعشقوا علقته غصناً ببدرٍ مثمراً ... لكن أخضر عارضيه مورق

لو لم تكن كالرمح قامته لما ... أمسى عليه لواء قلبي يخفق قمر له الوجه الذي هو جنة ... أمسى بها يتنعم المتعشق فعذاره من سندس ورضابه ... من كوثرٍ وخدوده إستبرق وقال أيضاً: كم عاشقٍ ظنه لما بدا وثنا ... حتى لوى عطفه من تيهه وثنى رخيم دلٍ إذا ما قال واصفه ... للظبي نفرته قلنا نعم ولنا كم قد رمى أسهماً من لحظ مقلته ... فحير الناس لما أن رمى ورنا كم لي أحاديث عشق لست أسندها ... إلا بحدثنا عنه وأخبرنا (1) قالت جفوني لما لاح عارضه ... أهلاً به عارض قد لاح ممطرنا الصبح غرته والليل طرته ... والقلب لا يلتقي من ذا وذا سكنا إن قيل من هو عبد للحبيب أقل ... لو لم أكن أنا عبد الله قلت أنا أو قلت بدر قضيب دمية رشأ ... لقال والله بي عما ذكرت غنى دع ما هناك من الأوصاف مفترقاً ... ودونك الكل مجموعاً لدي هنا كم قلت واشيك يا ما كان أوحشه ... وغاب عنا فما والله أوحشنا فيا حبيباً به قد صرت من زمني ... أشكو وكنت عليه أشكر الزمنا أشبهت يوسف في حسن وزدت على ... شاريه بالبخس (2) يا من قد غلا ثمنا ملأت عيني نوراً مشرقاً وسناً ... فلم يسع جفنها من ذا وذا وسنا أقسمت بالصفو من ودي ومن شيمي ... ما إن عصيتك لا سراً ولا علنا كم قلت عندك لي في الحب مسألة ... فيها افتنا يا مليحاً حسنه فتنا هل عنك يعتاض قلبي يا حشاشته ... وليس من قد نأى عنه كمن كمنا وقال أيضاً من أبيات:

_ (1) ص: تحدثنا ... وتخبرنا. (2) ص: بالنخس.

ذو قوامٍ يجور (1) منه اعتدال ... كم قتيل به من العشاق سلب القضب لينها فهي غيظاً ... واقفات تشكوه بالأوراق وقال أيضاً: بحق ما بينكم وبيني ... لا تذكروا لي حديث بين فأنتم لي بياض حظي ... وأنتم لي سواد عيني وقال أيضاً: رب روض أزرته بدر تم ... حيث غال في تيهه والتجري فرأيت الأغصان ذلاً لديه ... وا قفات والعين للدمع تذري كان ظني أن يفضح القد بالغص ... ن وأن الزلال بالريق يزري ثم لما ثنى العنان عن النه ... ر غدا في ركابه وهو يجري وله أيضاً: صح الصحيح وأي شيء يختفي ... بي أهيف وفديته من أهيف كلفي ببدرٍ قد سما بكماله ... في الأرض عن بدر السماء الأكلف ظبي من الأتراك إلا أنه ... فيه من الأعراب ترك تصلف من جنة المأوى بدا وعلى سوى ... أصداغه أوراقها لم تخصف رشأ حريري الخدود وإنما ... قلبي مريد عذاره المتصوف ما أبصرته مقلة ثم انثنت ... إلا تقول لها ملاحته قفي من قال ريقته الشهية قرقف ... للريق لم يعرف ولا للقرقف الغصن لما مال قال تهتكاً ... فضح التكلف شيمة المتكلف من ردفه وقوامه كم صرعةٍ ... لمحبه بمثقلٍ ومخفف كم مزقت ألحاظه من مهجةٍ ... بسوى الرضى من قلبه لم ترتفي

_ (1) ص: يحوز.

وبليتي هيف القدود فإنها ... جاءت إلي بفتنةٍ لم توصف أهوى من الأحقاف غصناً فصلت ... زمراً حياصته بأحسن زخرف فحوى جواميم النساء ووجهه ... أيضاً حوى ميم اللمى من مرشف فهو المعوذ من عيون حواسدٍ ... برقى ملاحته وتلك بها كفي كم بت منتظراً عذاريه عسى ... أسلو فزاد بها عليه تأسفي كم قال لي لما أشرت لمهجتي ... في ناظريك أنا فقلت له وفي فوحق وجنته أما خيلانها ... تحكي لنا الأعشار جنب المصحف ووحق سورة يوسفٍ ما وجهه ... إلا كما قد قيل صورة يوسف وجه حكى الدينار إلا أنه ... عن خاطري ونواظري لم يصرف كم قلت فيه لعاذلي كن عاذري ... ما كنت ممن عذلي بي تشتفي كم رمت أحلف لا عشقت مهفهفاً ... وتقول لي أعطافه لا تحلف وكتب إلى ولده فتح الدين: إن شئت تنظرني وتنظر حالتي ... قابل إذا هب النسيم قبولا تلقاه مثلي رقةً ولطافةً ... ولأجل قلبك لا أقول عليلا فهو الرسول إليك مني ليتني ... كنت اتخذت مع النسيم رسولا وقال أيضاً: أيها الصائد باللحظ ومن ... هو من بين الورى مقتنصي لا تسم طائر قلبي هرباً ... إنه من أضلعي في قفص وقال أيضاً: لقد قال لي إذ رحت من خمر ريقه ... أحث كؤوساً من ألذ مقبل بلثم شفاهي أو برشف شفاهها ... تنقل فلذات الهوى في التنقل وقال أيضاً:

ولم أنسه إذ قال قم نودع الدجى ... ذخائر وصلٍ فالظلام كتوم فما مثله حرز حريز لأنه ... تبيت عليه للنجوم ختوم وقال أيضاً: ألا ليت ليلاتٍ مضين رواجع ... وهل ما مضى من سالف لدهر يرجع ليالٍ مواضٍ كم قطعت بها منىً ... ولا شك في أن المواضي تقطع وقال أيضاً: أنا في العالم طرفه ... من أشد الناس حرفه إن أجد فعلاً فعيلاً (1) ... كان في الفضة خفة أو أجد هذا وهذا ... لم أجد في الحال غرفه أو أجدهن جميعاً ... كان في الآلة وقفه فتراني طول دهري ... تائباً من غير عفه وقال في دمشق: لا تلوموا (2) دمشق إن جئتموها ... فهي قد أوضحت لكم ما لديها إنها في الوجوه تضحك بالزه ... ر لمن مر في الربيع عليها وتراها بالثلج تبصق في لح ... ية من جاء في الشتاء إليها وقال في منزلة القطيفة: هذي القطيفة التي ... لا تشتهى نقلاً وعقلا حشيت ببردٍ يابسٍ ... فلأجل ذاك الحشو تقلى وقال موالياً: لك طرف حمى حسنك من السرحه ... كم قد أغار على العشاق في صبحه

_ (1) كذا في ص والزركشي، وهو كناية؛ وفي المطبوعة: ردفاً ثقيلاً. (2) ص: تلموا.

لما علمت بأنه (1) سابق اللمحة ... عليه قد خفت شطبله (2) على صحه وقال ملغزاً في شبرية: وهنديةٍ موطوءةٍ (3) غير أنها ... إذا افترشت أغرتك بالبيض والسمر تعانق من أعطافها خيزرانةً ... وتلمح من أزرارها طلعة (4) البدر على أربعٍ أمست تنام وإن تقم ... تفوتك طولاً وهي تعزى إلى الشبر وقال أيضاً: وكم قال قوم (5) بالمجالس خوطبوا ... وذاك دوا جهالهم في التنافس فقلت لهم ما ذاك بدع وإنه ... لعند الدوا يدعى الخرا بالمجالس وقال أيضاً في أعور: وأعور العين ظل يكشفها ... بلا حياءٍ منه ولا خيفه وكيف تلقى الحياء عند فتىً ... عورته لا تزال مكشوفه وقال ذوبيت: لله ليالٍ أقبلت بالنعم ... في ظل بناءٍ شاهقٍ كالعلم بالجيزة والنيل بدا أوله ... في مقبل الشباب عند الهرم

_ (1) ص: بآبه. (2) ص: شظيله؛ واللام بصورة الكاف. (3) ص: موطوفة. (4) ص: ازرار طلعتها. (5) ص: قوماً.

عبد الله بن علي العباسي

223 - (1) عبد الله بن علي العباسي عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، عم المنصور والسفاح، أحد دهاة الأرض، وكان من الشجعان الأبطال، وهو الذي انتدب لحرب مروان الحمار ولج (2) في طلبه، وطوى الممالك حتى بلغ دمشق ونازلها وحاصرها وفتحها بالسيف وعمل على الثأر، وأسرف في قتل بني أمية، ولم يرقب فيهم (3) إلاً ولا ذمة. ولما مات السفاح وهو بالشام دعا إلى نفسه فبايعه أهل الشام بالخلافة، فجهز المنصور إليه أبا مسلم الخراساني، فالتقيا بنصيبين، وكان الظفر لأبي مسلم. وقصد عبد الله بن علي البصرة فأخفاه أخوه عنده، ثم لم يزل المنصور عليه حتى ظفر به وسجنه في بيت كان قد بناه وعمل أساسه ملحاً، وأرسل عليه الماء فوقع عليه فمات، وذلك سنة سبع وأربعين ومائة. وقيل إن المنصور قال يوماً لجلسائه أخبروني عن ملك جبار أول اسمه عين قتل ثلاثة أول اسمهم عين، فقال أحد من حضر: عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الأشعث، قال فخليفة آخر أول اسمه عين فعل كذلك، فقال: أنت يا أمير المؤمنين قتلت ابا مسلم واسمه عبد الرحمن وقتلت عبد الجبار وسقط البيت على عمك عبد الله بن علي، فضحك المنصور فقال: ويحك، وما ذنبي أن سقط عليه البيت؟ فقال: أتعرفون عين بن عين بن عين قتل ميم بن ميم بن ميم، قال

_ (1) أخباره في الطبري وابن الأثير ومروج الذهب ... الخ، ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: ولح. (3) ص: فيه.

صفي الدين بن شكر

رجل: نعم، عمك عبد الله بن علي بن عبد الله قتل مروان بن محمد ابن مروان. ولعبد الله بن علي ذكر في ترجمة ابن المقفع. 224 - (1) صفي الدين بن شكر عبد الله بن علي بن الحسين بن عبد الخالق بن الحسين بن منصور الصاحب صفي الدين بن شكر، المصري الدميري المالكي. ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وتوفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة، سمع من السلفي وجماعة، وحدث بدمشق ومصر، وروى عنه الزكي المنذري والشهاب القوصي، وكان مؤثراً لأهل العلم والصالحين كثير البر لهم، لا يشغله ما (2) هو فيه من كثرة الأشغال عن مجالستهم ومباحثتهم، وأنشأ مدرسة قبالة داره بالقاهرة (3) ، وبنى مصلى العيد بدمشق، وبلط الجامع الأموي، وعمر الفوارة، وعمر جامع المزة وجامع حرستا. وكان حلو اللسان، حسن الهيئة، ذا (4) دهاء مفرط، فيه هوج (5) وخبث وطيش ورعونة مفرطة وحقد لا تخبو ناره، ويظن أنه لا ينتقم فيعود وينتقم،

_ (1) الزركشي: 149 والبداية والنهاية 13: 106 وشذرات الذهب 5: 100 وذل الروضتين: 115 وعبر الذهبي 5: 90 والخطط 2: 371. (2) ص: عما. (3) هي المدرسة الصاحبية بالقاهرة في سويقة الصاحب (الخطط 2: 371) . (4) ص: ذو. (5) ص: هرج.

لا ينام عن عدوه ولا يقبل له معذرة، ويجعل الرؤساء كلهم أعداءه، ولا يرضى لعدوه بدون الهلاك، لا تأخذه في نقماته رحمة، استولى على العادل ظاهراً وباطناً، ولم يمكن أحداً من الوصول إليه حتى الطبيب والفراش والحاجب عليهم عيون فلا يتكلم أحد (1) منهم كلمة، ولا يأكل من الدولة فلساً، فإذا لاح له مال عظيم احتجنه، وعملت (2) له قبسة العجلان فأمر كاتبه أن يكتبها ويردها، وقال: لا نستحل أن نأخذ منك ورقاً، وكان له في كل بلد من بلاد السلطان ضيعة أو أكثر في مصر والشام إلى خلاط، وبلغ مجموع مغله مائة ألف وعشرين ألف دينار، وكان يكثر الإدلال على العادل ويسخط أولاده وخواصه، وكان العادل يترضاه بما أمكنه، وتكرر ذلك منه، إلى أن غضب منه على حران، فأقره العادل على الغضب وأعرض عنه، وظهر له منه فساد (3) ، فنفاه عن مصر والشام، فسكن آمد وأحسن إليه صاحبها، فلما مات العادل عاد إلى مصر ووزر للكامل، وأخذ في المصادر، وكان قد عمي، مات أخوه ولم يتغير ومات أولاده وهو على حاله، وكان يحم حمى قوية ويأخذه النافض وهو في مجلسه ينفذ الأشغال ولا يلقي جنبه إلى الأرض، وكان يقول: ما في قلبي حسرة إلا ابن البيساني، وما تمرغ على عتباتي - يعني القاضي الفاضل - وكان يحضر عنده وهو يشتمه فلا يتغير، وداراه أحسن مداراة، وبذل له أموالاً جمة. وعرض له إسهال وزحير (4) أنهكه حتى انقطع ويئس الأطباء منه، فدعا من حبسه عشرة (5) شيوخ من كبار العمال والكتاب وقال: أنتم تشمتون بي، وركب عليهم المعاصير وهو يزحر وهم يصيحون إلى أن أصبح وقد خف ما به، وركب في ثالث يوم. وكان يقف على بابه الرؤساء

_ (1) ص: أحداً. (2) ص: وعلمت. (3) ص: فساداً. (4) ص: اسهالاً وزخيراً. (5) ص: عشر.

من نصف الليل ومعهم المشاعل والشمع ويركب عند الصباح فلا يراهم ولا يرونه إما أن يرفع طرفه إلى السماء، وإما يعرج إلى طريق أخرى، وفيه يقول ابن عنين (1) : ضاع شعري وقل في الناس قدري ... من وقوفي باب اللئيم ابن شكر (2) لو أتته حوالة بخراه ... قال سدوا بلحيتي باب جحري وفيه يقول أيضاً (3) : ونعمة جاءت إلى سفلةٍ ... أبطره الإثراء لما ثرا فالناس من بغض له كلما ... مروا عليه لعنوا شاورا (4) تباً لمصر ولها دولةً ... ما رفعت في الناس إلا خرا وكان السبب في انحرافه عن الفاضل رحمه الله تعالى ما قاله الفاضل وهو: وأما ابن شكر فهو من لا يشكر، وإذا ذكر الناس فهو الشيء الذي لا يذكر، فقيل للقاضي الفاضل: ما هو الشيء الذي لا يذكر؟ قال: الشيء الذي لا يذكر؛ وتوفي الفاضل رحمه الله تعالى وقد عصمه الله منه ولم يمكنه منه. وفي ابن شكر يقول ابن شمس الخلافة: مدحتك ألسنة الأنام مخافة ... وتقارضت لك في الثناء الأحسن أترى الزمان مؤخراً في مدتي ... حتى أعيش إلى انطلاق الألسن وقيل إنه عاش بعده وأطلق لسانه، ثم تمنى أن لا يكون قد عاش إلى انطلاق الألسن.

_ (1) ديوانه: 241 (عن الفوات) . (2) لم يرد في ص. (3) ديوانه: 241 (عن الفوات) . (4) يعني شاور بن مجير السعدي وزير العاضد.

تقي الدين السروجي

ولشعراء عصره فيه أمداح طنانة مليحة إلى الغاية، فممن امتدحه ابن الساعاتي وابن سناء الملك وابن نفادة وابن نبيه وابن عنين وغيرهم، والأمداح موجودة في دواوينهم. 225 - (1) تقي الدين السروجي عبد الله بن علي بن منجد بن ماجد بن بركات، الشيخ تقي الدين السروجي قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: كان رجلاً خيراً عفيفاً تالياً للقرآن، عنده حظ جيد من النحو واللغة والآداب، متقللاً من الدنيا، يغلب عليه حب الجمال مع العفة التامة والصيانة، نظم كثيراً وغنى بشعره المغنيون، وكان يكرر على المفصل والمتنبي والمقامات، ويستحضر حظاً كثيراً من صحاح الجوهري، وكان مأمون الصحبة طاهر اللسان، يتفقد أصحابه، لا يكاد يظهر إلا يوم الجمعة، وكان يكره أن يخبر أحد باسمه، لأنه كان يقول: لي مع الأصحاب ثلاث رتب: أول ما اجتمع بهم يقولون: جاء التقي راح التقي صبرت عليهم، وعلمت أنهم قد أخذوا في الملل، فإذا قالوا: جاء السروجي راح السروجي، فذلك آخر عهدي بهم. وقال الشيخ شهاب الدين محمود: كان يكره مكان تكون فيه امرأة، ومن دعاه قال: شرطي معروف أن لا تحضر امرأة، وكنا يوم في دعوة فأحضر شوا، فأدخل إلى النسا يقطعوه ويجعلوه في الصحون فلم يأكل منه،

_ (1) الزركشي: 150 وتشترك النسخة ر مع النسخة ص في جانب يسير من هذه الترجمة؛ وقد حافظة على النص كما ورد لأنه يمثل لهجة العصر حينئذ.

وقال: أفيه لمسوه بأيديهم!! وكان مولده سنة سبع وعشرين وستمائة بسروج، وتوفي بالقاهرة رابع رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة. قال أبو حيان: ولما توفي قال أبو محبوبة: والله ما أدفنه إلا في قبر ولدي، لأنه كان يهواه، وما أفرق بينهما، لما كان يعتقده من دينه وعفافه، رحمه الله تعالى. ومن شعره: أنعم بوصلك لي فهذا وقته ... يكفي من الهجران ما قد ذقته أنفقت عمري في هواك وليتني ... أعطي وصولاً بالذي أنفقته يا من شغلت بحبه عن غيره ... وسلوت كل الناس حين عشقته كم جال في ميدان حبك فارس ... بالصدق فيك إلى رضاك سبقته أنت الذي جمع المحاسن وجهه ... لكن عليه تصبري أنفقته (1) قال (2) الوشاة قد ادعى بك نسبةً ... فسررت لما قلت قد صدقته بالله إن سألوك عني قل لهم ... عبدي وملك يدي وما أعتقته أو قيل مشتاق (3) إليك فقل لهم ... أدري بذا وأنا الذي شوقته يا حسن طيفٍ من خيالك زارني ... من فرحتي بلقاه ما حققته فمضى وفي قلبي عليه حسرة ... لو كان يمكنني الرقاد لحقته وقال أيضاً: دنيا المحب ودينه أحبابه ... فإذا جفوه تقطعت أسبابه وإذا أتاهم في المحبة صادقاً ... كشف الحجاب له وعز جنابه (4)

_ (1) سقط من ص وثبت في ر والزركشي. (2) ر ص: قالوا. (3) ص: مشتاقاً. (4) وقع هذا البيت بعد الذي يليه في ص.

ومتى سقوه شراب أنس منهم ... رقت معانيه وراق شرابه وإذا تهتك ما يلام لأنه ... سكران عشقٍ لا يفيد عتابه بعث السلام مع النسيم رسالةً ... فأتاه في طي النسيم جوابه قصد الحمى وأتاه يجهد في السرى ... حتى بدت أعلامه وقبابه ورأى لليلى العامرية منزلاً ... بالجود يعرف والندى أصحابه فيه الأمان لمن يخاف من الردى ... والخير قد ظفرت به طلابه قد أشرعت بيض الصوارم والقنا ... من حوله فهو المنيع حجابه وعلى حماه جلالة من أهله ... فلذالك طارقة العيون تهابه كم قلبت فيه القلوب على الثرى ... شوقاً إليه وقبلت أعتابه كم أخصبت منه الأباطح والربى ... للزائرين وفتحت أبوابه وقال أيضاً: بالجانب الأيمن من خدها ... نقطة مسكٍ أشتهي شمها حسبته لما بدا خالها ... وجدته من حسنه عمها وقال أيضاً: معاملة الأحباب بالوصل والوفا ... فدع يا حبيبي عنك ذا الصد والجفا وإن كان لي ذنب بجهلي فعلته ... فمثلي من أخطأ ومثلك من عفا أيا بدر تم حان منه طلوعه ... ويا غصن بانٍ آن أن يتعطفا كفى ما جرى من دمع عيني بالبكا ... وعشقي على قلبي جرى منه ما كفى فإن كنت لا تدري وتعرف ما الهوى ... فقصدي أن تدري بذاك وتعرفا أعد ذلك الفعل الجميل تجملاً ... وإن لم يكن طبعاً يكون تكلفا فما أقبح الإعراض عمن تحبه ... وما أحسن الإقبال منه وألطفا تقدم شوقي يسبق الدمع جارياً ... إليك ولكن عنك صبري تخلفا فديتك محبوباً على السخط والرضى ... وعذرك مقبول على الغدر والوفا

وقال رحمه الله: يا ساعي الشوق الذي مذ جرى ... جرت دموعي فهي أعوانه خذ لي جواباً عن كتابي الذي ... إلى الحسينية عنوانه فهي كما قد قيل وادي النقا ... وأهلها في الحسن غزلانه امش (1) قليلاً وانعطف يسرةً ... يلقاك درب طال بنيانه واقصد بصدر الدرب دار الذي ... بحسنه تحسن جيرانه سلم وقل يخشى مسن كي مسن ... أشت حديثاً طال كتمانه (2) كنكلم كزم ساوم إشى أط كبي ... فحبه أنت وأشجانه واسأل لي الوصل فإن قال يوق ... فقل أوات قد طال هجرانه (3) وكن صديقي واقض لي حاجةً ... فشكر ذا عندي وشكرانه أنشدني القاضي علم الدين ابن إبراهيم مستوفي الشام رحمه الله تعالى، بسوق الكتب في شهور سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة في معنى أبيات السروجي: قصة الشوق سر بها يا رسولي ... نحو من قربه مناي وسولي عند باب الفتوح حارة بهاء ال ... دين تحت الساباط قف يا خليلي فإذا ما حللت تلك المغاني ... قف بتلك الطول غير مطيل وتأمل هناك تلق غرير ال ... طرف يرمي بالنبل (4) كل نبيل ألفي القوام قد ألف الهج ... ر دلالاً على المحب الذليل فإذا ما رأيته من بعيدٍ ... يتثنى عجباً بتلك الطول قبل الأرض ثم قدم إليه ... قصة ترجمت بشرحٍ طويل فإذا قال اوزمي بختك در سلام بر ... كيف حال المضنى الكئيب العليل

_ (1) ص: امشي. (2) في هذا البيت والذي يليه ألفاظ تركية، لم أهتد إلى حلها. (3) يوق: لا، بالتركية؛ أوات: نعم. (4) ص: بنبال الجفون، ولا يصح به الوزن.

قل قلن خش دا كل تلاماس دن ... باذن ألاسن (1) بلا تطويل (2) جد لمن في هواك قد شفه الوج ... د فأضحى حلف الضنى والنحول (3) عدنا إلى شعر السروجي وقال أيضاً: قلت لمحبوبي وقد زارني ... إلي يا محبوب قلبي إلي قد عشق الناس وقد واصلوا ... ما وقع الإنكار إلا علي وقال أيضاً: يا ريس الحب أدركني فقد وحلت ... مراكب الحب بي في بحر أشواقي ولي بضاعة صبر ضاع أكثرها ... وقد علانا الهوى يستغرق الباقي وله أيضاً: تفقهت في عشقي لمن قد هويته ... ولي فيه بالتحرير قول ومذهب وللعين تنبيه به طال شرحه ... وللقلب منه صدق ود مهذب وقال أيضاً (4) : عندي هوىً لك طال عمر زمانه ... لم يبق لي صبر على كتمانه قد ضل قلبي عن طريق سلوه ... فدليله لا يهتدي لمكانه يا صاحب القلب الذي أفراحه ... تلهيه عن قلبي وعن أحزانه عيني لفقدك قد بدا إنسانها ... وجفا الكرى شوقاً إلى إنسانه يا من بدا في حسنه متلطفاً ... فعشقته وطمعت في إحسانه

_ (1) ص: بادن الأسنى. (2) في هذا البيت والذي قبله ألفاظ تركية، ولست واثقاً من صحة كتابتها. (3) عند هذا الحد وقع خرم في ص ضاعت بسببه أوراق؛ وهذا البيت لم يرد في ص وهو في المطبوعة. (4) أوردها الزركشي أيضاً.

كان اعتقادي أن أفوز بوصله ... فحرمته ورزقت من هجرانه كان الرقاد لصيد طيفك حيلتي ... فسلبته وفجعتني بعيانه ومنعتني أن أجتني من وصله ... ثمراً يطيب جناه قبل أوانه ضمن التلطف منك وصلي في الهوى ... لكن أطال وما وفى بضمانه خوف الفراق إلى حماك يسوقني ... فمتى أفوز من اللقا بأمانه وقال أيضاً: مد إلي من أحب حبل صدودٍ ... حين أوهى تجلدي واصطباري ثم قال امش لي عليه سريعاً ... كيف أمشي وما أنا باختياري وقال أيضاً: أرى المشتري في روضة الحسن قد بدا ... على رصد المعشوق فالقلب واجد وحقك ما السبع الوجوه إذا بدت ... بمغنيةٍ عن وجهه وهو واحد وقال أيضاً: خدمت لذاك الوجه للثغر ناظراً ... لعلي أمسي والياً من ولاته وأصل حسابي ضبط حاصل وصله ... وتقبيله مستخرج من جهاته وقال أيضاً: لي حبيب منه أرى وجه بدرٍ ... لم يزل داخلاً بباب السعاده هو للحسن جامع حاكمي ... فلهذا عشاقه في الزياده وقال أيضاً: نديمي ومن حالي من الوجد حاله ... ومن هو مثلي عن مناه بعيد أعد ذكر من أهوى فإني مدرس ... لذكراه من شوقي وأنت معيد وقال أيضاً:

ألا هل لجمع الشمل ممن أحبه ... دعوتك ملهوفاً وأنت سميع فلم يبق لي مما تشوقت مهجة ... ولم يبق لي مما بكيت دموع وله أيضاً غفر الله له: أفدي رئيساً كل فعل له ... يحبه العبد ويرضاه ومثله خادمه محسن ... والعبد من طينة مولاه وقال أيضاً (1) : يا مرحباً بقدوم جيران النقا ... كمل السرور بهم وطاب الملتقى أنست بقربهم المنازل واغتدى ... وجه الزمان بهم منيراً مشرقا ولطيب نشرهم تعطرت الصبا ... وأرى على الدنيا بذلك رونقا فتهن يا قلبي تهن وطالما ... قد بت نحوهم كئيباً شيقا يا ناظري، ولك البشارة، طالما ... أبكاك من ألم البعاد وأرقا فلمثل هذا اليوم كنت مؤملاً ... وإليه كنت على المدى متشوقا يا جيرةً صفت الحياة بقربهم ... وغدا بهم روض المسرة مونقا لا تحسبوا أني سررت بغيركم ... مذ كان شمل وصالنا متفرقا وحياتكم ما لي سواكم مرتجى ... أبداً ولست بغيركم متعلقا لكنني أخشى على أسراركم ... دمعاً غدا متدافعاً متدفقا قد عبرت عبراته عن كل ما ... أخفى بطول بكائها لا منطقا أحببتكم وأشعت حب سواكم ... إذ كنت حذراناً عليكم مشفقا ولقد وجدت لبينكم يا سادتي ... ما أزعج القلب المشوق وأقلقا وقال أيضاً: سأودعك السر الذي قد كتمته ... وأعلمك الأمر الذي قد علمته

_ (1) انظر الزركشي: 151.

وأفهمك المعنى اللطيف من الهوى ... واشرحه حتى تقول فهمته فعندي حديث منك سوف أقوله ... إذا ما خلونا ساعة الوصل قلته وتقرً من شوقي كتاباً مترجماً ... بدمعي على خدي إليك كتبته وبي منك داء أصله كان نظرةً ... عدمت اصطباري عنك لما وجدته سألت طبيب الحي ماذا دواؤه ... فرق لما أشكوه لما سألته أراني إذا أبصرت شخصك مقبلاً ... تغير مني الحال عما عهدته وقال جليسي ما لوجهك أصفراً ... فقلت له بالرغم مني صبغته ومد إلى قلبي يداً وهو خافق ... فغالطته عنه وقلت فقدته وقال لمن تهوى فقلت أهابه ... ويشرقني دمعي إذا ما ذكرته وقال وقد رأى زفة مليحٍ ليلة عرسه (1) : عاينت في بارحتي زفةً ... قضيت فيها كل أوطاري وشمعها مثل نجوم الدجى ... محيطة بالقمر الساري ما زلت مذ عاينتها قائلاً ... يا ليتها كانت إلى داري فلما سمع والد العروس هذه الأبيات حمل ولده طبق حلوى وأتى به إلى باب الشيخ تقي الدين، لما كان يعتقده فيه. وقال أيضاً وهو عليل (2) : بالله إن حضرت لديك منيتي ... وشهدت من روحي الغداة حمامها فكن الوفي لها فأنت قتلتها ... وتمش خلف جنازتي وأمامها فلعل منكراً أو نكيراً يبلغا ... روحي بأنك قد وفيت ذمامها وقال أيضاً رحمه الله موشحاً:

_ (1) انظر الزركشي: 152/أ. (2) انظر الزركشي: 152/ب.

بالروح أفديك يا حبيبي ... إن كنت ترضى بها فداك فداوني اليوم يا طبيبي ... فالجسم قد ذاب من جفاك يا طلعة البدر إن تجلى ... وإن تثنى فغصن بان بالوصل طوبى لمن تملى ... ونال من قربك الأمان قل لي نعم قد ضجرت من لا ... وضاع مني بها الزمان فارجع إلى الله من قريب ... فبعض ما حل بي كفاك من دمع عيني ومن نحيبي ... وادي الحمى أنبت الأراك والله ما كنت في حسابي ... وإنما عشقق اتفاق وما أنا من ذوي التصابي ... فلم دمي في الهوى يراق وكلت بي تبتغي عذابي ... بالصد والبين والفراق ثلاثة قد غدت نصيبي ... يا ليتها لا عدت عداك وإن تكن ترضى الذي بي ... فإن كل المنى رضاك إن طال شوقي وزاد وجدي ... فإنني عاشق صبور اسمع حديثي بقيت بعدي ... أنا وحق النبي غيور ما أشتهي أن يكون ضدي ... يمشي حواليك أو يدور كأنما لحظه رقيبي ... ملازم عندما أراك يسعى إلى الناس في مغيبي ... يقول هذا يحب ذاك جميع ما تشتهي وترضى ... علي إحضاره إليك وذاك شيء أراه فرضا ... بالله قل لي وما عليك أنفق وخذ ما تريد نضا ... فحاصلي أمره لديك فأنت يا نزهتي طبيبي ... عن صحبتي ما لك انفكاك

ولا ابن عمي ولا نسيبي ... يرى إلى مهجتي سواك إن كنت تهوى مقام شربٍ ... قم نغتبق ثم نصطبح تعال حتى تزيل عتبي ... وبعد ذا العتب نصطلح والحقد في القلب لا تغبي ... وروح الهم تسترح فالعيش للعاشق الكئيب ... يطيب للأنس في حماك في خلسة المنظر العجيب ... تجيبه كلما دعاك وقال أيضاً موشحاً رحمه الله: يا لائمي في الهوى كفاني ... فعد عن بعض ذا الملام لم لا تلوم الذي جفاني ... وصد عن مقلتي المنام هواه من أشكل المسائل ... كم حار في وصفه فقيه وفيه ما تنفع الوسائل ... أخشاه جهدي وأتقيه وكم عتابٍ وكم رسائل ... أعدها حين ألتقيه يهتز من نشوة الدنان ... كأنما لحظه مدام وتعتري سكتة اللسان ... يعود لا يفصح الكلام أقسام هجرانه لعشقي ... ماضٍ ومستقبل وحال خاطرت في حبه بنطقي ... إذ قلت لا بد من وصال أخلصت عزمي به وصدقي ... وقد تعرضت للسؤال عسى بعين الرضا يراني ... من غير عجب ولا احتشام يبدل البعد بالتداني ... ويعقب الهجر بالتئام سكرت من حبه بشمس ... من فوق عطفيه تطلع وفيه يومي مضى وأمسي ... وشملنا ليس يجمع

جمال الدين بن غانم

عسى غداة اللقاء أمسي ... قد ضمنا فيه موضع وانهب العيش من زماني ... بالضم من ذلك القوام وأبلغ القصد والأماني ... بلثم ما قد حوى اللثام مالي عذول عليه لكن ... لسوء حظي له رقيب يكون في أبعد الأماكن ... تلقاه من جمعنا قريب وفي فؤادي هواه ساكن ... وما لدائي به طبيب في حسنه كامل المعاني ... كأنه البدر في التمام وإنما نقصه اعتراني ... وذاب قلبي من الغرام إذا تخلصت من غرامي ... أتوب منه ولا أعود ولا أقاسي على الدوام ... من لم يزل ينقض العهود أجفان عيني به دوامي ... من طول ما يخلف الوعود أراه بالطيف إن أتاني ... وليس في وصله مرام وعن كلامي به تواني ... حتى ولا لفظة السلام رحمه الله تعالى وتجاوز عنا وعنه وعن جميع لمسلمين آمين يا رب العالمين. 226 - (1) جمال الدين بن غانم عبد الله بن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل، جمال الدين بن الشيخ علاء الدين بن غانم، الكاتب الناظم الناثر الفاضل المترسل؛ كان شاباً حسن

_ (1) الزركشي: 153 والدرر الكامنة 2: 282.

الشكل مليح الوجه، جيد الكتابة في الدرج، مع قوة وأصالة وتسرع في الإنشاء، يكتب من رأس قلمه، وله غوص في نثره ونظمه. مولده في شوال سنة إحدى عشرة وسبعمائة. وتوفي في آخر شوال سنة أربع وأربعين وسبعمائة، رحم الله تعالى شبابه، ويسر حسابه، مرض في مدة عمره مرضاً حاداً مرة ونجاه الله تعالى منه، ثم إنه حصلت له سعلة قرحت منها قصبة الرئة، وبقي متمرضاً من ذلك، يصح آونة ويعتل أخرى، إلى أن قضى نحبه. وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي - حرسه (1) الله تعالى - يرثيه: تبكي الطروس عليك والأقلام ... وينوح فيك على الغصون حمام يا من حواه اللحد غصناً يانعاً ... وكذا كسوف البدر وهو تمام يا وحشة الديوان منك إذا غدت ... فيه مهمات البريد ترام من ذا يوفيها مقاصدها على ... ما يقتضيه النقض والإبرام هيهات كنت له جمالاً باهراً ... فعليه بعدك وحشة وظلام أسفي على الإنشاء وهو بجلقٍ ... نشاؤه قد مات والنظام كم من كتابٍ سار عنك كأنه ... برد أجاد طرازه الرقام إن كان في شر فقد رد الردى ... وبه ترفه ذابل وحسام لم لا يرد البأس ما ألفاته ... مثل القنا واللام منه لام أو كان في خير فكل كلامه ... در يؤلف بينهن نظام وكأنما تلك السطور إذا بدت ... كأس ترشف راحها الأفهام يهتز عطف أولي النهى لبيانه ... فكأن هاتيك الحروف مدام كم فيه وجه سافر مثل الضحى ... وعليه من ليل السطور لثام ولكم كتبت مطالعاتٍ خدها ... قانٍ وثغر فصولها بسام

_ (1) في المطبوعة: رحمه؛ وأصلحته بحسب ما جرى عليه المؤلف من قبل.

وكأنما ألفاتها قضب اللوى ... وكأنما همزاتهن حمام صلى وراءك كل من عاصرته ... علماً بأنك في البيان إمام وكأن قبرك للعيون إذا بدا ... قصر عليه تحية وسلام (1) لما تغيب في التراب جمالهم ... قعدوا لهولٍ عاينوه وقاموا ما كنت إلا فارس الكتب التي ... فيها تعرق صنعها الأقلام ما محنة نزلت بعترة غانمٍ ... هانوا وهم في العالمين كرام يا قبره لا تنتظر سقيا الحيا ... حزني ودمعي بارق وغمام لي فيك خل كم قطعت بقربه ... أيام أنسٍ والخطوب نيام لذت فلذت بظلها فكأنها ... لقياد لذات الزمان زمام أسفي على صحب مضى عمري بهم ... وصفت بقربي منهم الأيام ثم انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأننا وكأنهم أحلام (2) بالرغم مني أن أفارق صاحباً ... لي بعده ضر النوى وغرام يا من تقدمني وسار لغايةٍ ... لابد لي منها وذاك لزام قد كنت أحسبه يرثيني فقد ... عكست قضيته معي الأحكام أنا ما أراك على الصراط لأنه ... بيني وبينك في الأنام زحام إذ قد سبقت خفيف ظهرٍ لا كمن ... قد قيدت خطواته الآثام فاز المخف وقد تقدم سابقاً ... وشفيعه لإلهه الإسلام فاذهب فأنت وديعة الرحمن لي ... يلقاك منه البر والإكرام ويجود قبرك منه غيث سماحةٍ ... بالعفو صيب ودقها سجام ولقد قضيتك حق ودك بالرثا ... والحر من يرعى لديه ذمام خلقتني رهن التندم والأسى ... تعتادني الأحزان والآلام

_ (1) صدر بيت لأشجع السلمي، وتمامه ((خلعت عليه جمالها الأيام)) . (2) من شعر أبي تمام.

ومن شعر جمال الدين المذكور، ما كتبه إلى الشيخ صلاح الدين الصفدي وهو بالديار المصرية: ذكرت قلبي حين شط مزارهم ... بهم فناب عن الهوى تذكارهم وبكى فؤادي وهو منزل حبهم ... وأحق من تبكي الأحبة دارهم وبجلق الجفن الهمول كأنما ... لمحته عند مرورهم أنوارهم تذري الدموع عليهم وكأنهم ... زهر الربى وكأنها أمطارهم وبكين من حالي العواذل رحمةً ... لما بكيت وما الأنين شعارهم ويح المحبين الذين بودهم ... قرب المزار ولو نأت أقطارهم فقدوا خليلهم الحبيب فأذكيت ... بالشوق ما بين الأضالع نارهم مولىً تقلص ظل أنسٍ منه عن ... أصحابه فاستوحشت أفكارهم كم راقهم يوماً برؤية وجهه ... ما لا يروقهم له دينارهم ولكم بدت أسماعهم في حليةٍ ... من لفظه وكذا غدت أبصارهم كانوا بصحبته اللذيذة رتعاً ... بمسرةٍ ملئت بها أعشارهم يتنافسون على دنو مزاره ... وكأنما بلقاه كان فخارهم لا غيب الرحمن رؤية وجهه ... عن عاشقيه فإنها أوطارهم وجلا ظلام بلادهم من نوره ... فلقد تساوى ليلهم ونهارهم فكتب الشيخ صلاح الدين إليه الجواب: أفدي الذين إذا تناءت دارهم ... أدناهم من دارهم تذكارهم في جلق الفيحاء منزلهم وفي ... مصرٍ بقلب الصب تضرم نارهم قوم بذكرهم الندامى أعرضوا ... عن كأسهم وكفتهم أخبارهم وإذا الثناء على محاسنهم أتى ... طربوا له وتعطلت أوتارهم وإذا هم نظروا بحسن وجوههم ... لم تبق أنجمهم ولا أقمارهم فهم النجوم إذا ادلهم ظلامهم ... وهم الشموس إذا استنار نهارهم

دنت النجوم تواضعاً لمحلهم ... وترفعت من فوقها أقدارهم وبكفهم وبوجههم كم قد همت ... أنواؤهم وتوقدت أنوارهم أهدى جمالهم إلي تحيةً ... منها يدار على الأنام عقارهم لك يا جمال الدين سبق في الوفا ... حتى تقر لصفوه أكدارهم يا ابن الكرام الكاتبين فشأنهم ... صدق المودة والوفا شعارهم قوم إذا جاءوا إلى شأو العلا ... سبقوا إليه ولم يشق غبارهم صانوا وزانوا باليراع ملوكهم ... أسوارهم من كتبهم وسوارهم ما مثلهم في جودهم فلذاك قد ... عزت نظائرهم وهان نضارهم فتعلم الشيمات من أخلاقهم ... وتذوب عن زهر الربى أشعارهم وحماهم يحمي النزيل بربعه ... من جور ما يخشى ويرعى جارهم بالرغم مني أن بعدت ولم أجد ... ظلاً تفيئه علي ديارهم لو كان يمكنني وما أحلى المنى ... ما غاب عني شخصهم ومزارهم ويح النوى شمل الأحبة فرقت ... فمتى يفك من البعاد إسارهم واجتمع يوماً هو وجمال الدين ابن نباتة في غياض السفرجل فقال جمال الدين بن نباتة: قد أشبه الحمام منزل لهونا ... فالماء يسخن والأزاهر تحلق فلذاك جسمي منشد ومصحف ... عرق على عرقٍ ومثلي يعرق فقال جمال الدين بن غانم: ما أشبه الحمام منزل لهونا ... إلا لمعنى راق فيه المنطق فالدوح مثل قبابه والزهر كال ... جامات فيه وماؤه يتدفق

الورن

227 - (1) الورن عبد الله بن عمر بن نصر الله، الفاضل الحكيم موفق الدين الأنصاري المعروف بالورن، كان قادراً على النظم وله مشاركة في الطب والوعظ والفقه، وكان حلو النادرة لا تمل مجالسته، أقام ببعلبك مدة، وخمس مقصورة ابن دريد ومرثية في الحسين بن علي عليه السلام، وتوفي سنة سبع وسبعين وستمائة. ومن شعره رحمه الله تعالى: أنا أهوى حلو الشمائل ألمى ... مشهد الحسن جامع الأهواء آية النمل قد بدت فوق خدي ... هـ فهيموا يا معشر الشعراء وكتب أيضاً إلى بعض الكتاب: أيا ابن السابقين إلى المعالي ... ومن في مدحه قالي وقيلي لقد وصل انقطاعي منك وعد ... فمن قطع الطريق على الوصول وقال أيضاً: من لي بأسمر في سواد جفونه ... بيض وحمر للمنايا تنتضى كيف التخلص من لواحظه التي ... بسهامها في القلب قد نفذ القضا أو كيف أجحد صبوةً عذريةً ... ثبتت بشاهد قده العدل الرضا وقال أيضاً: تجور بجفن ثم تشكو انكساره ... فواعجبا تعدو علي وتستعدي

_ (1) الزركشي: 135 (المعروف: بالوزن) والشذرات 5: 358 والنجوم الزاهرة 7: 282.

أحمل أنفاس القبول سلامها ... وحسبي قبولاً حين تسعف بالرد تثنت فمال الغصن شوقاً مقبلاً ... من الترب ما جرت به فاضل البرد وقال أيضاً: يا سعد إن لاحت هضاب المنحنى ... وبدت أثيلات هناك تبين عرج على الوادي فإن ظباءه ... للحسن في حركاتهن سكون وقال أيضاً: لله أيامنا والشمل منتظم ... نظماً به خاطر التفريق ما شعرا والهف نفسي على عيشٍ ظفرت به ... قطعت مجموعة المختار مختصرا وقال أيضاً: أرى غدير الروض يهوى الصبا ... وقد أبت منه سكوناً يدوم فؤاده مر تجف للنوى ... وطرفه مختلج للقدوم وقال أيضاً: حار في لطفه النسيم فأضحى ... رائحاً نحوه اشتياقاً وغادي مذ رأى الظبي منه طرفاً وجيداً ... هام وجداً عليه في كل وادي وقال أيضاً: يذكرني نشر الحمى بهبوبه ... زماناً عرفنا كل طيبٍ بطيبه ليالٍ سرقناها من الدهر خلسةً ... وقد أمنت عيناي عين رقيبه فمن لي بذاك العيش لو عاد وانقضى ... وسكن قلبي ساعةً من وجيبه ألا إن لي شوقاً إلى ساكن الغضا ... أعيذ الغضا من حره ولهيبه أحن إلى ذاك (1) الجناب ومن به ... ويسكرني ذاك الشذا من جنوبه

_ (1) الزركشي: لذياك.

أخا الوجد إن جاوزت رمل محجر ... وجزت بمأهول الجناب رحيبه دع العيس تقضي وقفةً بربى الحمى ... ودع محرماً يجري بسفح كثيبه وقل لغريب الحسن ما فيك رحمة ... لمفرد وجدٍ (1) في هواك غريبه متى غرد الحادي سحيراً على النقا ... أمال الهوى العذري عطف طروبه وإن ذكرت للصب أيام حاجرٍ ... هناك يقضي (2) نحبه بنحيبه وقال أيضاً: رق النسيم لطافةً فكأنما ... في طيه للعاشقين عتاب وسرى يفوح معطراً وأظنه ... لرسائل الأحباب فيه (3) جواب وقال أيضاً: يا ليالي الحمى بعهد الكثيب ... إن تناءيت فارجعي من قريب أي عيشٍ يكون أطيب من عي ... ش محب يخلو بوجه الحبيب يقطع العمر بالوصال سروراً ... في أمانٍ من حاسدٍ ورقيب يتجلى الساقي عليه بكأسٍ ... هو منها ما بين نورٍ وطيب كلما أشرقت ولاح سناها ... آذنت من عقولنا بغروب خلت ساقي المدام يوشع لما ... رد شمساً بالكأس بعد المغيب نغمات الراووق يفقهها الكأ ... س ويوحي بسرها للقلوب فلهذا يميل من نشوة الكا ... س طروباً من لم يكن بطروب يا نديمي أشمأل أم شمول ... رق منها وراق لي مشروبي أم قدود السقاة مالت فملنا ... طرباً بين واجدٍ وسليب أم نسيم من حاجرٍ هب وهناً ... فسكرنا بطيب ذاك الهبوب أم سرى في الأرجاء من عنبر الج ... وأريج بالبارق المشبوب

_ (1) الزركشي: حزن. (2) الزركشي: هنالك يقضي. (3) المطبوعة: فهو، والتصويب عن الزركشي.

ما ترى الركب قد تمايل سكراً ... وأمالوا مناكباً لجنوب لست أبكي على فوات نصيبٍ ... من عطايا دهري وأنت نصيبي وصديقي إن عاد فيك عدوي ... لا أبالي ما دمت لي يا حبيبي وقال أيضاً: لا غرو إن سلبت بك الألباب ... وبديع حسنك ما عليه حجاب يا من يلذ على هواه تهتكي ... شغفاً ويعذب لي عليه عذاب حسبي افتخاراً في هواك بأن لي ... نسباً له تسمو به الأنساب أحبابنا وكفى عبيد هواكم ... شرفاً بأنكم له أحباب يا سعد مل بالعيس حلة منزلٍ ... أضحى لعزة ساكنيه يهاب ربع تود به الخدود إذا مشت ... فيه سليمى أنها أعتاب كم في الخيام أهلة هالاتها ... تبدو لعينك برقع ونقاب وشموس حسن أشرقت أنوارها ... أفلاكهن مضارب وقباب شنوا على العشاق غارات الهوى ... فإذا القلوب لديهم أسلاب من كل هيفاء القوام إذا انثنت ... هز الغصون بقدها الإعجاب تهب الغرام لمهجتي في أسرها ... فجمالها الوهاب والنهاب وغدت تجر على الكثيب برودها ... فإذا العبير لدى ثراه تراب وقال أيضاً: طرفي على سنة الكرى لا يطرف ... وبخيلة بخيالها لا تسعف وأضالعي ما تنطفي زفراتها ... إلا وتذكيها الدموع الذرف شمت الحسود لأن ضنيت وما درى ... أني بأثواب الضنى أتشرف يا غائبين وما ألذ نداهم ... وحياتكم قسمي وعز المصحف إن بشر الحادي بيوم قدومكم ... ووهبته روحي فما أنا منصف قد ضاع في الآفاق نشر خيامكم ... وأرى النسيم بعرفها يتعرف

السفاح

228 - (1) السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أمير المؤمنين السفاح، أول خلفاء بني العباس، ولد بالحميمة، مولده سنة ثمان ومائة، وتوفي في سنة ست وثلاثين ومائة بالجدري، وعاش ثمانية وعشرين سنة وبويع له بالكوفة سنة إحدى وثلاثين ومائة، وهو ابن أربع وعشرين سنة، وقد كانت ولايته أربع سنين وثمانية أشهر. ولما صعد المنبر خطب قائماً، فقال الناس: يا ابن عم رسول الله أحييت السنة، وكانت بنو أمية تخطب قعوداً، ولم يحج في خلافته. وصل عبد الله ابن حسن بن الحسن بألفي ألف درهم، وهو أول خليفة وصل بهذه الجملة، ولما تولى الخلافة وأصعده أبو مسلم المنبر أرتج عليه فقال: فإن لم أكن فيكم خطيباً فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى الخطيب وأخذ سيفه في يده ونزل، فعجب الناس من بلاغته وإصابته المعنى. وهو أول من نزل العراق من خلفاء بني العباس، بنيت له المدينة الهاشمية إلى جانب الأنبار، وبها قبره، وهي المعروفة الآن الأولى درست. وكان من أكرم الناس في المعاشرة وأسمحهم بالمال، ومن شعره قوله في بني أمية: تناولت ثأري من أمية عنوةً ... وحزت بثأري اليوم من سلفي قسرا

_ (1) تراجع أخباره في المصادر التاريخية الكبرى كالطبري والمسعودي واليعقوبي وابن الأثير وابن خلدون وأخبار العباس وولده (بيروت 1971) وأنساب الأشراف ونبذة من كتاب التأريخ لمؤلف مجهول، (موسكو 1960) .

المنصور

وألقيت ذلا من مفارق هاشمٍ ... وألبستها عزاً وأعليتها قدرا ومن كلامه: ما أقبح الدنيا بنا إذا كانت لنا، وأولياؤنا خالون من حسن آثارها. وقال: الأناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة. ولما وقع في النزع كان آخر كلامه: إليك يا رب لا إلى النار. 229 - (1) المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين، ولد سنة خمس وتسعين، وكان قبل الخلافة يقال له عبد الله الطويل، وصرف الآفاق إلى الحيرة والعراق وأصبهان وفارس، أتته الخلافة وهو بمكة، عهد إليه أخوه السفاح. وكان أسمر طويلاً نحيفاً خفيف العارضين، مفرق الوجه رحب الجبهة، يخضب بالسواد، كأن عينيه لسانان ناطقان، يخلط أبهة الملك بزي النساك، تقبله القلوب وتتبعه العيون، وكان من أفراد الدهر حزماً ودهاء وجبروتاً حريصاً على جمع المال، وكان يلقب أبا الدوانيق لمحاسبته الكتاب والعمال على الدوانيق، وكان شجاعاً مهيباً تاركاً للهو واللعب كامل العقل، قتل خلقاً كثيراً حتى ثبت الأمر له ولولده، وكان فيه عدل وله حظ من صلاة وعلم وفقه؛ توفي محرماً على باب مكة في سادس ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، ودفن ما بين الحجون وبئر ميمون.

_ (1) انظر المصادر المشار إليها في الترجمة السابقة وأخبار الخلفاء: 282 والفخري: 141.

الاحوص

وكان فحل بني العباس، وكان بليغاً فصيحاً، ولما مات خلف في بيوت الأموال تسعمائة ألف ألف دينار وخمسين ألف ألف درهم. وقال (1) : رأيت كأني في الحرم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة، وبابها مفتوح. فنادى منادٍ: أين عبد الله؟ فقام أخي أبو العباس السفاح حتى صار على الدرجة فأدخل، فما لبث أن أخرج ومعه لواء أسود على قفاه قدر أربعة أذرع. ثم نودي أين عبد الله؟ فقمت إلى الدرجة، فصعدت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وبلال، فعقد لي وأوصاني بأمته وعممني بعمامته وكان كورها ثلاثة وعشرين، وقال: خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة. وعاش أربعاً وستين سنة، وتوفي ببئر ميمون من أرض الحرم، وكان يقول حين دخل في الثلاث وستين: هذه تسميها العرب القاتلة والحاصدة. وكان نقش خاتمه الحمد لله. ومن شعره قوله لما قتل أبا مسلم الخرساني: زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاكتل بما كلت أبا مجرم واشرب كؤوساً كنت تسقي بها ... أمر في الحلق من العلقم حتى متى تضمر بغضاً لنا ... وأنت في الناس بنا تنتمي 230 (2) الاحوص عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري أبو محمد، المعروف

_ (1) قارن بما في تاريخ الخلفاء: 283 - 284. (2) الأغاني 4: 228، 6: 240، 15: 234، 21: 108 وشرح شواهد المغني: 260 والمؤتلف والمختلف: 48 وطبقات ابن سلام: 534 والسمط: 73 والشعر والشعراء: 424 والخزانة 1: 231. وقد سقط أول هذه الترجمة لضياع أوراق من ص، واستدركت ما به يتم المعنى؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة؛ وقد جمع شعر الأحوص مرتين: مرة بعناية الدكتور إبراهيم السامرائي (النجف 1969) ومرة بعناية عادل سليمان جمال (القاهرة: 1970) .

بالأحوص، لحوص كان في عينيه، كان جده عاصم يقال له حمي الدبر، وأمه أثيلة بنت عمير بن مخشي، عده ابن سلام في الطبقة السادسة من شعراء الإسلام مع ابن قيس الرقيات ونصيب وجميل، قال صاحب الأغاني: والأحوص لولا ما وضع به نفسه من دنيء الأخلاق والأفعال أشد تقدماً منهم عند جماعة أهل الحجاز وأكثر الرواة؛ قدم دمشق في خلافة يزيد بن عبد الملك ومات فيها سنة خمس ومائة. وكان الأحوص ينسب بنساء ذوات أخطار من أهل المدينة ويتغنى في شعره معبد ومالك ويشيع ذلك في الناس فنهي فلم ينته، فشكي إلى عامل سليمان ابن عبد الملك على المدينة، فكتب فيه العامل إلى الخليفة فأمره بضربه مائة سوط وأن يصيره إلى دهلك. ثم ولي عمر بن عبد العزيز فأتاه رجال من الأنصار فكلموه فيه وسألوه أن يقدمه، فقال لهم عمر: فمن الذي يقول: فما هو إلا أن أراها فجاءةً ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب قالوا: الأحوص؛ قال فمن الذي يقول: أدور ولولا أن أرى أم جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور وما كنت زواراً ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بد أن سيزور قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول: كأن لبني صبير غادية ... أو دمية زينت بها البيع الله بيني وبين قيمها ... يفر مني بها وأتبع قالوا: الأحوص؛ قال: بل الله بينه وبين قيمها، فمن الذي يقول:

المقتدي بأمر الله

سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ... سريرة حبٍ يوم تبلى السرائر قالوا: الأحوص، قال: إن الفاسق عنها يومئذٍ لمشغول، والله لا أرده ما دام لي سلطان؛ فمكث هناك بقية أيام عمر وصدراً من ولاية يزيد بن عبد الملك، فبينما يزيد وجاريته ليلة على سطح وهي تغنيه بشعر من شعر الأحوص فقال لها: من يقول هذا؛ قالت: وعيشك لا أدري، فاستخبر عنه فعرفوه أنه الأحوص وأنه قد طال حبسه، فأمر له بمائة دينار وكسوة وأطلقه. 231 - (1) المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين، أبو القاسم بن ذخيرة الدين أبي العباس ابن الإمام القائم بأمر الله؛ بويع له بالخلافة في ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة، وهو ابن تسعة عشرة سنة، وتوفي أبوه الذخيرة والمقتدي حمل؛ وقال ابن النجار: ظهر في أيامه خيرات كثيرة وآثار حسنة في البلاد، وتوفي فجأة في تاسع عشر المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة؛ وكان قد أحضر إليه تقليد السلطان بركياروق ليعلم عليه، فقرأه وعلم عليه، ثم تغدى وغسل يديه وعنده جاريته شمس النهار، فقال لها: هؤلاء الأشخاص قد دخلوا بغير إذن، قالت: فالتفت فلم أر شيئاً، ورأيته قد تغير حاله، واسترخت يداه، فظننت أنه قد غشي عليه، فقلت لجارية عندي: ليس هذا وقت البكاء، واستحضرت الوزير وأخبرته الخبر، فأخذ البيعة لولده المستظهر بالله أحمد.

_ (1) الزركشي: 154 والمنتظم 9: 84 والروحي: 65 والفخري: 263 وتاريخ الخلفاء 453 وخلاصة الذهب المسبوك: 268 والنجوم الزاهرة 5: 139 والبداية والنهاية 12: 111 وتاريخ الخميس 2: 259 وسائر المصادر التاريخية الكبرى.

الخفاجي

وكانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة والحرمة وافرة، وكان محباً للعلوم مكرماً لأهلها، وله شعر منه: أردت صفاء العيش مع من أحبه ... فحاولني عما أريد مريد وما اخترت بت الشمل بعد اجتماعه ... ولكنه مهما يريد (1) أريد وله أيضاً: أما والذي لو شاء غير ما بنا ... فأهوى بقومٍ في الثريا إلى الثرى وبدلنا من ظلمة الجور بعدما ... دجا ليلها صبحاً من العدل مسفرا وكانت خلافته عشرين سنة وأشهراً (2) ، وأمه أم ولد، كان أبيض أشهل، رحمه الله. 232 - (3) الخفاجي عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان، أبو محمد الشاعر الأديب؛ أخذ الأدب عن أبي العلاء المعري وأبي نصر المنازي، وتوفي بقلعة عزاز مسموماً، وحمل إلى حلب، وصلى عليه الأمير محمود بن صالح، وكانت وفاته في سنة ست وستين وأربعمائة. وكان يرى رأي الشيعة الامامية، وكان قد عصى بقلعة عزاز من أعمال حلب، وكان بينه وبين أبي نصر ابن النحاس الوزير لمحمود بن صالح مودة مؤكدة، فأمر محمود أبا نصر ابن النحاس أن يكتب إلى الخفاجي كتاباً يستعطفه

_ (1) ص: تريد. (2) ص: واشهر. (3) الزركشي: 154 والنجوم الزاهرة 5: 96 واللباب (الخفاجي) ودمية القصر 1: 142.

ويؤنسه، وقال: إنه لا يؤمن إلا إليك ولا يثق إلا بك، فكتب إليه كتاباً، فلما فرغ منه وكتب إن شاء الله تعالى شدد النون من إن، فلما قرأه الخفاجي خرج من عزاز قاصداً (1) حلب، فلما كان في الطريق أعاد النظر في الكتاب، فلما رأى التشديد على النون أمسك رأس فرسه، وفكر في نفسه، وان ابن النحاس (2) لم يكتب هذا عبثاً، فلاح له أنه أراد " إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك " القصص: فعاد إلى عزاز، وكتب الجواب أنا الخادم المعترف بالأنعام، وكسر الألف من انا وشدد النون وفتحها، فلما وقف أبو نصر على ذلك سر به وعلم انه قصد به " إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها " المائدة: وكتب الجواب يستصوب رأيه، فكتب إليه الخفاجي: خف من أمنت ولا تركن إلى أحدٍ ... فما نصحتك إلا بعد تجريب إن كانت الترك فيهم غير وافيةٍ ... فما تزيد على غدر الأعاريب تمسكوا بوصايا اللؤم بينهم ... وكاد أن يدرسوها في المحاريب واستدعى محمود بأبي نصر ابن النحاس وقال له: أنت أشرت علي بتولية الخفاجي وما أعرفه إلا منك، ومتى لم تفرغ بالي منه قتلتك وألحقت بك جميع من بينك وبينه (3) صلة وحرمة، قال: مرني بأمر أمتثله، قال: تمضي إليه وصحبتك ثلاثون فارساً، فإذا قاربته (4) عرفه بحضورك فإنه يلتقيك، فإذا حضرك وسألك النزول عنده والأكل معه فامتنع وقل (5) له: إني حلفتك أن لا تاكل زاده، ولا تحضر مجلسه حتى يطيعك في الحضور عندي، وطاوله في الحديث حتى يقارب الظهر، ثم ادع أنك جعت وأخرج هذه الخشكنانجتين،

_ (1) ص: قاصد. (2) ص: النجار. (3) سقطت من ص. (4) ص: رايته. (5) ص: وقول.

فكل أنت هذه واطعمه هذه، فإذا استوفى أكلها فعجل الحضور إلي فإن منيته فيها، ففعل ما أمره به، ولما أكلها الخفاجي رجع أبو نصر إلى حلب ورجع الخفاجي إلى عزاز، ولما استقر بها وجد مغصاً شديداً ورعدة مزعجة، وقال: قتلني والله أخي أبو نصر، ثم أمر بالركوب خلفه ورده، ففاتهم، ووصل إلى حلب، وأصبح من الغد عند محمود فجاءه من اعزاز من أخبره أن الخفاجي في السياق ومات وحمل إلى حلب. وللخفاجي من المصنفات كتاب سر الفصاحة. كتاب الصرفة. كتاب الحكم بين النظم والنثر صغير. كتاب عبارة المتكلمين في أصول الدين. كتاب في رؤية الهلال. كتاب حكم منثورة. كتاب العروض مجدول (1) . ومن شعره رحمه الله تعالى: وقالوا قد تغيرت الليالي ... وضيعت المنازل والحقوق فأقسم ما استجد الدهر خلقاً ... ولا عدوانه إلا عتيق أليس يرد عن فدكٍ علي ... ويملك أكثر الدنيا عتيق وله أيضاً: بقيت وقد شطت بكم غربة النوى ... وما كنت أخشى أنني بعدكم أبقى وعلمتموني كيف أصبر عنكم ... وأطلب من رق الغرام بكم عتقا فما قلت يوماً للبكاء عليكم ... رويداً ولا للشوق بعدكم رفقا وما الحب إلا أن أعد قبيحكم ... إلي جميلاً والقلى منكم عشقا وقال: هل تسمعون شكايةً من عاتب ... أو تقبلون إنابةً من تائب أم كل ما يتلو الصديق عليكم ... في جانبٍ وقلوبكم في جانب

_ (1) وللخفاجي.. مجدول: سقط من المطبوعة.

أما الوشاة فقد أصابوا عندكم ... سوقاً ينفق كل قولٍ كاذب فمللتم من صابرٍ ورقدتم ... عن ساهرٍ وزهدتم في راغب وأقل ما حكم الملال عليكم ... سوء القلى وسماع قول العاتب وقال: ما على محسنكم لو أحسنا ... إنما نطلب شيئاً هينا قد شجانا اليأس من بعدكم ... فأدركونا بأحاديث المنى وعدوا بالوصل من طيفكم ... مقلةً تعرف (1) فيكم وسنا لا وسحرٍ بين أجفانكم ... فتن الحب به من فتنا وحديثٍ من مواعيدكم ... تحسد العين عليه الأذنا ما رحلت العيس عن أرضكم ... فرأت عيناي شيئاً حسنا وقال من أبيات (2) : وعلى الغضا إن كنت من جيرانه ... نار تقسم حرها العشاق ومحلأون عن المناهل بعدما ... شرقت بجمة مائها الطراق ومشتت العزمات ينفق عمره ... حيران لا ظفر ولا إخفاق أمل يلوح اليأس في أثنائه ... وغنىً يشف وراءه الإملاق يمري غفافه ثروةٍ لو أنها ... نوم لما شعرت به الأحداق وقال أيضاً: سلا (3) ظبية الوعساء هل فقدت خشفا ... فإنا لمحنا (4) من مرابعها طرفا وقولا لخوط البان فليمسك الصبا ... عليها فإنا قد عرفنا بها عرفا

_ (1) في المطبوعة: تنكر؛ وهي أجود. (2) لم ترد في المطبوعة. (3) ص: سلوا. (4) ص: المنحني.

سرت من هضاب (1) الشام وهي مريضة ... فما ظهرت إلا وقد كاد أن تخفى عليلة أنفاس تداوى بها الجوى ... وضعفى ولكن قد وجدنا بها ضعفا وهاتفة في البان تملي غرامها ... وتتلو علينا من صبابتها صحفا عجبت لها تشكو الفراق جهالةً ... وقد جاوبت من كل ناحيةٍ إلفا ويشجي قلوب العاشقين حنينها ... وما فهموا مما تغنت به حرفا ولو صدقت فيما تقول من الأسى ... لما لبست طوقاً ولا خضبت كفا أجارتنا أذكرت من كان ناسياً ... وأضرمت ناراً للصبابة لا تطفا وفي جانب الماء الذي تردينه ... مواعيد لا ينكرن لياً ولا خلفا ومهزوزة للبان فيها تمايل ... جعلن لها في كل قافية وصفا لبسنا عليها بالثنية ليلةً ... من السود لم يطو الصباح لها سجفا لعمري لئن طالت علينا فإننا ... بحكم الثريا قد قطعنا لها كفا رمينا بها في الغرب وهي ضعيفة ... ولم نبق للجوزاء عقداً ولا شنقا كأن الدجى لما تولت نجومه ... مدبر حربٍ قد هزمنا له صفا كأن عليه للمجرة روضةً ... مفتحة الأنوار أو نثرةً زغفا كأنا وقد ألقى إلينا هلاله ... سلبناه جاماً أو فصمنا له وقفا كأن السها إنسان عينٍ غريقةٍ ... من الدمع يبدو كلما ذرفت ذرفا كأن سهيلاً فارس (2) عاين الوغى ... ففر ولم يشهد طراداً ولا زحفا كان سنا المريخ شعلة قابسٍ ... تخطفها عجلان يقذفها قذفا كأن أفول النسر طرف تعلقت ... به سنة ما هب منها ولا أغفى

_ (1) ص: هضام. (2) ص: فارساً.

العطار

233 - (1) العطار عبد الله بن محمد الأزدي المغربي المعروف بالعطار؛ قال ابن رشيق في الأنموذج: شاعر حاذق نقي اللفظ جداً، لطيف الإشارات، مليح العبارات، صحيح الاستعارات، على شعره ديباجة ورونق يمازج النفس ويملك الحس، وفيه مع ذلك قوة ظاهرة. قال: ولم أر عطاردياً مثله، لا ترى عينه شيئاً إلا صنعته يده. وكان الأمير حسين بن ثقة الدولة قد أراده للكتابة فأبى، وكانت له عند عبد الله بن حسن بمدينة طرابلس الغرب حال شريفة، وجراية ووظيفة (2) ، إلى أن نازعته نفسه إلى الوطن، وكانت وفاته بعد الخمسمائة. ومن شعره (3) : أعرضن لما أن عرضن فإن يكن ... حذراً فأين تلفت الغزلان عطرن جيب الريح ثم بعثنها ... طرب الشجي ورائد الغيران وكأنما أسكرنها فترنمت ... بحليهن ترنم النشوان يا بنت ملتحف العجاج كأنه ... قبس يضيء سناه تحت دفان (4) إذ ينشر الطعن الكماة كأنما ... يتراجم (5) الفرسان بالفرسان وله أيضاً وهو غريب:

_ (1) الزركشي: 155. (2) ص: ووضيفة. (3) لم ترد هذه المقطوعة في المطبوعة. (4) كذا في ص والزركشي، والدفان: ما يتدفن بعضه ويحتجب؛ ولعل الصواب: دخان. (5) الزركشي: يتزاحم.

شكوت إليه جفوته (1) ... ومن خاف الصدود شكا فأجرى في العقيق الد ... ر واستبقاه فامتسكا فقلت مخاطباً نفسي ... أرق للوعتي فبكى فقالت ما بكت عينا ... هـ لكن خده ضحكا وقال أيضاً: مهفهف القامة ممشوقها ... مستملح الخطرة معشوقها في طرفه من سحر أجفانه ... دعوى وفي جسمي تحقيقها وقال (2) : وكأنما المريخ يتلو المشتري ... بين الثريا والهلال المعتم ملك وقد بسطت له يد معدمٍ ... فرمى بدينارٍ إليه ودرهم وقال: لله وجنته يا ما أميلحها ... كم بت مشتملاً منها على حرق أودعت صبري عند الشوق مختبراً ... ما تحتها وخبأت النوم في الأرق حتى إذا زال صبح الخد عنه بدا ... ليل تزين في أعلاه بالشفق كدوحة الورد رواها الحيا فبدا ... نوارها وتوارى الشوك بالورق وله أيضاً (3) : يا رب كاس مدامةٍ باكرتها ... والصبح يرشح من جبين المشرق والليل يعثر بالكواكب كلما ... طردته رايات الصباح المشرق

_ (1) ص: جفونه. (2) لم ترد في المطبوعة. (3) لم يرد البيتان في المطبوعة.

ابن البغدادي المغربي

234 - (1) ابن البغدادي المغربي عبد الله بن محمد من أهل قفصة، كان أبوه ظريفاً فلقب بالبغدادي؛ قال ابن رشيق في الأنموذج: وطريق ابن البغدادي في الشعر خارجة عن طرقات أهل العصر، لأنه كان جاهلي المرمى، ملوكي المنتمى، يخاله السامع فحلاً يهدر، أو أسداً (2) يزأر، وله أمثال واستعارات على حدة من الكلام وفي جهة من البلاغة، وكانت له من عبد الله بن حسن مكانة (3) ، ثم تغير عليه فداجاه إلى أن تخلص منه إلى مدينة صقلية، ثم ورد الحضرة، ثم انتقل إلى طرابلس الغرب، ثم انتقل إلى مصر سنة أربعمائة. وكانت له بمصر وقعات، فخرج منها مترقباً ثم عاد إلى الحضرة، وبها توفي سنة عشرين وأربعمائة، وقد قارب الستين. وقال وقد سار إلى مصر وكتب بها إلى أبيه: ليت شعري هل ساءك البعد لما ... قلت مثلي، من حرقةٍ، ليت شعري وبرغم المراد أزعجني المق ... دار قسراً وكان للقسر قصري قل لمن جاء زائري عند أهلي ... سار عنهم وصار من أهل مصر غير أني سلوت عن لذة الرا ... ح على طيب مخبري عند سكري أيها الدهر قد تبينت صبري ... فاصطنعني حتى ترى كيف شكري ومن شعره: ما كل من عرف التغزل باسمه ... يجد الذي أدنى إلي خلوبا

_ (1) الزركشي: 156 والمسالك 11: 339، ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: أسد. (3) ص: مكاناً.

ابن أبي الدنيا

أعطيت فضل زمام قلبي أحمر ال ... خدين مكحول الجفون ربيبا ويطيب لي حل الغدائر عابثاً ... بيدي وحكي (1) بينهن الطيبا فإذا العيون أردن قتل متيمٍ ... كسبنه (2) بجفونهن ذنوبا ولكم جريت مع الزمان وما جرى ... ومشيت في حلق الكبول دبيبا ورأيت ماء المزن بين شبا القنا ... والبيض في قعب الوليد حليبا وإذا أرابني الزمان بصرفه ... أخرجت من أخلاقه التأديبا والسيف أجمل ما تراه مضرجاً ... والمرء أخيب ما يكون هيوبا والليل صاحب كل ليثٍ باسلٍ ... ولقد أكون له وكنت صحوبا وكأنه سيف الزمان مجرداً ... للنائبات ولا يزال خضيبا وكأنني لتلاعب الأيام بي ... رجل لبست ثيابها مقلوبا 235 (3) ابن أبي الدنيا عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس القرشي، مولى بني أمية، يعرف بابن أبي الدنيا؛ توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين، ومولده سنة ثمان ومائتين، وكان يؤدب المكتفي بالله في حداثته، وهو أحد المصنفين للأخبار والسير، وله كتب كثيرة تزيد على مائة كتاب؛ كتب إلى المعتضد وابنه المكتفي، وكان مؤدبهما:

_ (1) ص: وحلي، والتصويب عن الزركشي. (2) الزركشي: أكسبته. (3) الفهرست: 185 وتهذيب التهذيب 6: 12 وتاريخ بغداد 10: 89 وطبقات الحنابلة 1: 192 وفهرست ابن خير: 282؛ كنيته أبو بكر، وورد في الفهرست أنه ((عبيد الله)) .

الزوزني

إن حق التأديب حق الأبوه ... عند أهل الحجى وأهل المروة وأحق الأنام أن يعرفوا ذا ... ك ويرعوه أهل بيت النبوة قال: وكنت أؤدب المكتفي، فأقرأته يوماً كتاب الفصيح فأخطأ فقرصت خده قرصة شديدة وانصرفت، فلحقني رشيق الخادم فقال: يقال لك ليس من التأديب سماع المكروه، فقلت: سبحان الله! أنا لا أسمع المكروه غلامي ولا أمتي، قال: فخرج إلي ومعه كاغذ وقال: يقال لك صدقت يا أبا بكر، وإذا كان يوم السبت تجيء على عادتك، فلما كان يوم السبت جئت فقلت: أيها الأمير، تقول عني ما لم أقل؟ قال: نعم يا مؤدبي، من فعل ما لم يجب قيل عنه ما لم يكن. وسمع من المشايخ وروى عنه جماعة، قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وكان صدوقاً، وكان إذا جالسه أحد إن شاء أضحكه وإن شاء أبكاه، وآخر من روى حديثه بعلو فخر الدين ابن البخاري. 236 - (1) الزوزني عبد الله بن محمد بن يوسف، أبو محمد الزوزني الأديب؛ توفي سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وهو رجل مشهور من الشعراء، حسن الكلام غزير العلم كثير الحلم، سمع الحديث، وكان خفيف الروح كثير النوادر والمضاحك سريع الجواب، قصير القامة لا يزيد على ذراعين، كث اللحية نحيف الجسم، إلا أن وجهه بهي، وكان يكتحل إلى قريب من أذنيه فيصير شهرة

_ (1) الزركشي: 157.

المستعصم بالله

مضحكة، وكان ملوك خراسان يصطفونه لمنادمتهم وتعليم أولادهم. ومن شعره: يا سيدي نحن في زمانٍ ... أبدلنا الله منه غيره كل خسيسٍ وكل نذلٍ ... متع بالطيبات أيره وكل ذي فطنة وكيسٍ ... يجلد من فقره عميره وله أيضاً: لما رأيت الزمان نكساً ... وليس في الصحبة انتفاع كل رئيس به ملال ... وكل رأسٍ به صداع وكل نذلٍ به ارتفاع ... وكل حرٍ به اتضاع لزمت بيتي وصنت عرضاً ... به عن الذلة امتناع أشرب مما (1) ادخرت راحاً ... لها على راحتي شعاع لي من قواريرها (2) ندامى ... ومن قراقيرها سماع وأجتني من ثمار قومٍ ... قد أقفرت منهم البقاع 237 (3) المستعصم بالله عبد الله بن منصور بن محمد بن أحمد بن الحسن، أمير المؤمنين أبو احمد المستعصم

_ (1) ص: ما. (2) ص: قوايرها. (3) النجوم الزاهرة 7: 63 وابن خلدون 3: 536 وتاريخ الخميس 2: 372 والروحي: 68 والفخري: 294 وتاريخ الخلفاء: 497 وخلاصة الذهب المسبوك: 289 وصفحات متفرقة من الحوادث الجامعة، والبداية والنهاية 13: 204.

بالله بن المستنصر بالله بن الظاهر بن الناصر بن المستضيء البغدادي، آخر خلفاء بني العباس ببغداد؛ كان ملكهم من سنة اثنتين وثلاثين ومائة إلى سنة ست وخمسين وستمائة. مولده سنة تسع وستمائة، وبويع له بالخلافة لما توفي والده في العشين من شهر جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة، وكانت مدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأياماً، وتقدير عمره سبعاً وأربعين (1) سنة. وكان متديناً متمسكاً بمذهب أهل السنة والجماعة، على ما كان عليه والده وجده رحمهم الله تعالى، ولم يكن على ما كانوا عليه من التيقظ والهمة، بل كان قليل المعرفة والتدبير والتيقظ نازل الهمة، محباً للمال مهملاً للأمور يتكل فيها على غيره، ولو لم يكن فيه إلا ما فعله مع الملك الناصر داود في الوديعة (2) لكفاه ذلك عاراً وشناراً، والله لو كان الناصر من الشعراء، وقد قصده وتردد عليه على بعد المسافة، ومدحه بعدة قصائد، كان يتعين عليه أن ينعم عليه بقريب من قيمة وديعته من ماله، فقد كان في أجداد المستعصم بالله من استفاد منه آحاد الشعراء أكثر من ذلك، إلى غير ذلك من الأمور التي كانت تصدر عنه، مما لا يناسب منصب الخلافة، ولم يتخلق بها الخلفاء قبله، فكانت هذه الأسباب كلها (3) مقدمات لما أراد الله تعالى بالخليفة والعراق وأهله، وإذا أراد الله تعالى أمراً هيأ أسبابه. واختلفوا كيف كان قتله، قيل إن هولاكو لما ملك بغداد أمر بخنقه، وقيل رفس إلى أن مات، وقيل غرق، وقيل لف في بساط وخنق، والله أعلم بحقيقة الحال. وكانت واقعة بغداد، وقتل الخليفة من أعظم الوقائع، قال الشيخ شمس الدين الكوفي الواعظ - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - يذكر خراب بغداد وقتل الخليفة:

_ (1) ص: وأربعون. (2) انظر الخبر عن هذه الوديعة في ترجمة الناصر داود. (3) ص: لها.

عندي لأجل فراقكم آلام ... فإلام أعذل فيكم والام من كان مثلي للحبيب مفارقاً ... لا تعذلوه فالكلام كلام نعم المساعد دمعي الجاري على ... خدي إلا أنه نمام ويذيب روحي نوح كل حمامة ... فكأنما نوح الحمام حمام إن كنت مثلي للأحبة فاقداً ... أو في فؤادك لوعة وغرام قف في ديار الظاعنين (1) ونادها ... يا دار ما صنعت بك الأيام (2) أعرضت عنك لأنهم مذ أعرضوا ... لم يبق فيك بشاشة تستام يا دار أين الساكنون وأين ذي ... اك البهاء وذلك الاعظام يا دار أين زمان ربعك مونقاً ... وشعارك الإجلال والإكرام يا دار مذ أفلت نجومك عمنا ... والله من بعد الضياء ظلام فلبعدهم قرب الردى ولفقدهم ... فقد الهدى وتزلزل الإسلام فمتى قبلت من الأعادي ساكناً ... بعد الأحبة لا سقاك غمام يا سادتي أما الفؤاد فشيق ... قلق وأما أدمعي فسجام والدار مذ عدمت جمال وجوهكم ... لم يبق في ذاك المقام مقام لا حظ فيها للعيون وليس لل ... أقدام في عرصاتها إقدام وحياتكم إني على عهد الهوى ... باقٍ ولم يخفر لدي ذمام فدمي حلال إن أردت سواكم ... والعيش بعدكم علي حرام يا غائبين وفي الفؤاد لبعدهم ... نار لها بين الضلوع ضرام لا كتبكم تأتي ولا أخباركم ... تروى ولا تدنيكم الأحلام نغصتم الدنيا علي وكلما ... جد النوى لعبت بي الأسقام ولقيت من صرف الزمان وجوره ... ما لم تخيله لي الأوهام يا ليت شعري كيف حال أحبتي ... وبأي أرض خيموا وأقاموا

_ (1) ص: الضاعنين. (2) لأبي نواس وعجزه: ضامتك والأيام ليس تضام.

مالي أنيس غير بيت قاله ... صب رمته من الفراق سهام والله ما اخترت الفراق وإنما ... حكمت علي بذلك الأيام ومن الاتفاقات العجيبة: أن أول الخلفاء من آل أبي سفيان معاوية وآخرهم اسمه معاوية، وأول الخلفاء من آل الحكم بن العاص اسمه مروان وآخرهم اسمه مروان، وأول الخلفاء الفاطميين بالمغرب والديار المصرية اسمه عبد الله وآخرهم اسمه عبد الله، وأول الخلفاء من بني العباس عبد الله السفاح وآخرهم عبد الله المستعصم، وعددهم سبعة (1) وثلاثون خليفة، ومدة ملكهم خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة، فسبحان من لا يزول ملكه. وقال القاضي جمال الدين بن واصل رحمه الله تعالى: أخبرني من أثق بنقله يوم ورود الخبر بتملك التتار بغداد أنه وقف على كتاب عتيق فيه ما صورته: إن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، جد الخلفاء العباسيين، بلغ بعض خلفاء بني أمية عنه أنه يقول: إن الخلافة تصير إلى ولده، فأمر به فضرب وحمل على جمل وطيف به وهم ينادون عليه: هذا جزاء من يفتري ويقول: إن الخلافة تصير إلى ولده، فكان يقول: إي والله لتكونن الخلافة في ولدي ولا تزال فيهم إلى أن يأتيهم العلج من خراسان فينزعها منهم، فوقع مصداق ذلك وهو ورود هلاكو من خراسان وإزالة ملك بني العباس. قال الشيخ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى: توفي الخليفة في أواخر المحرم سنة ست وخمسين وستمائة، وما أظنه دفن، وكان الأمر أعظم من أن يوجد فيؤرخ موته أو يوارى جسده، وراح تحت السيف أمم لا يحصيهم إلا الله تعالى، فيقال إنهم أكثر من ألف ألف، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وخلت بغداد من أهلها، وتشتت من بقي منهم في البلاد. قال الشيخ شمس الدين الكوفي الواعظ المقدم ذكره يذكر واقعة بغداد ويرثي أهلها ويذكر خرابها:

_ (1) ص: سبعاً.

إن لم تقرح أدمعي أجفاني ... من بعد بعدكم فما أجفاني إنسان عيني مذ تناءت داركم ... ما راقه نظر إلى إنسان يا ليتني قد مت قبل فراقكم ... ولساعة التوديع لا أحياني ما لي وللايام شتت صرفها ... حالي وخلاني بلا خلان ما للمنازل أصبحت لا أهلها ... أهلي ولا جيرانها جيراني وحياتكم ما حلها من بعدكم ... غير البلى والهدم والنيران ولقد قصدت الدار بعد رحيلكم ... ووقفت فيها وقفة الحيران وسألتها لكن بغير تكلمٍ ... فتكلمت لكن بغير لسان ناديتها يا دار ما صنع الأولى ... كانوا هم الأوطار في الأوطان أين الذين عهدتهم ولعزهم ... ذلا تخر معاقد التيجان كالوا نجوم من اقتدى فعليهم ... يبكي الهدى وشعائر الإيمان قالت غدوا لما تبدد شملهم ... وتبدلوا من عزهم بهوان كدم الفصاد يراق أرذل موضعٍ ... أبداً ويخرج من أعز مكان أفنتهم غير الحوادث مثلما ... أفنت قديماً صاحب الإيوان لما رأيت الدار بعد فراقهم ... أضحت معطلةً من السكان ما زلت أبكيهم وألثم وحشةً ... لجمالهم مستهدم الأركان حتى رثى لي كل من لا وجده ... وجدي ولا أشجانه أشجاني أترى تعود الدار تجمعنا كما ... كنا بكل مسرة وتهاني إذ نحن نغتنم الزمان ونجتني ... بيد الأمان قطوف كل أماني والدهر تخدمنا جميع صروفه ... والوقت يعدينا على العدوان والعيش غض والدنو ممزق ... بيد الوصال ملابس الهجران هيهات قد عز اللقاء وسددت ... طرق المزار طوارق الحدثان مالي أردد ناظري ولا أرى ال ... أحباب بين جماعة الإخوان والهفي واوحدتي واحيرتي ... واوحشتي واحر قلبي العاني

أمير المؤمنين المأمون

سرتم فلا سرت النسيم ولا زها ... زهر ولا ماست غصون البان مالي أنيس بعدكم إلا البكا ... والنوح مالحسرات والأحزان يا ليت شعري أين سارت عيسكم ... أم أين موطنكم من البلدان 238 (1) أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون أمير المؤمنين أبو العباس المأمون بن الرشيد بن المهدي؛ ولد سنة سبعين ومائة، وتوفي سنة ثماني عشرة ومائتين، وكانت خلافته عشرين سنة وستة أشهر. قرأ العلم في صغره وسمع من هشيم وعباد بن العوام ويوسف بن عطية وأبي معاوية الضرير وطبقتهم، وروى عنه يحيى بن أكثم وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي والأمير عبد الله بن طاهر، وبرع في الفقه والعربية وأيام الناس، ولما كبر عني بعلوم الأوائل ومهر في الفلسفة، فجره ذلك إلى القول بخلق القرآن، وكان من رجال بني العباس حزماً وعزماً وعلماً وحلماً ورأياً ودهاء وشجاعة وسؤدداً وسماحة. قال ابن أبي الدنيا: كان أبيض ربعة حسن الوجه تعلوه صفرة، وقد خطه الشيب، أعين طويل اللحية. ولما خلعه الأمين غضب ودعا إلى نفسه بخراسان فبايعه الناس، وأمه أم

_ (1) راجع أخباره في الطبري والمسعودي واليعقوبي وابن الأثير وعيون الحدائق وابن خلدون وابن كثير ... الخ وانظر الزركشي: 156 والروحي: 51 وتاريخ الخلفاء: 231 والفخري: 197 وخلاصة الذهب المسبوك: 186 وتاريخ بغداد 10: 183 وتاريخ الخميس 2: 334 والبدء والتاريخ 6: 112.

ولد اسمها مراجل، ماتت أيام نفاسها به. وادعى المأمون الخلافة أخوه حي في أخر سنة خمس وتسعين ومائة إلى أن قتل الأمين، فاجتمع الناس عليه ببغداد في أول سنة ثمان. وكان فصيحاً مفوهاً، كان يقول: معاوية بعمره، وعبد الملك بحجاجة، وأنا بنفسي. كان يختم كل رمضان ثلاثين ختمة. قال يحيى بن أكثم، قال المأمون: أريد أن أحدث، فقلت: ومن أولى بهذا من أمير المؤمنين؟ فقال: ضعوا لي منبراً، ثم صعد فأول ما حدث: حدثنا هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفع الحديث قال: امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار، ثم حدث بنحو ثلاثين حديثاً، ثم نزل فقال لي: كيف رأيت يا يحيى مجلسنا؟ فقلت: أجل مجلس يفقه (1) الخاصة والعامة قال: ما رأيت لكم (2) حلاوة، وإنما المجلس لأصحاب الخلقان والمحابر. وروى محمد بن عون عن ابن عيينة أن المأمون جلس فجاءته امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين مات أخي وخلف ستمائة دينار، فأعطوني ديناراً وقالوا: هذا نصيبك، فقال المأمون: هذا خلف أربع بنات؟ قالت نعم، قال: لهن أربعمائة دينار، وخلف والدة؟ قالت: نعم، قال: لها مائة دينار، وخلف زوجة لها خمسة وسبعون ديناراً (3) ، بالله ألك اثنا عشر أخاً؟ قالت: نعم، قال: لكل واحد ديناران ولك دينار واحد. وقال المأمون: لو عرف (4) الناس حبي للعفو لتقربوا إلي بالجرائم. ويروى أن ملاحاً مر فقال لمن معه: أتراكم تظنون أن هذا ينبل في عيني وقد قتل أخاه الأمين؟ قال: فسمعه المأمون فتبسم وقال: ما الحيلة حتى أنبل

_ (1) ص: نفقه. (2) كذا ولعل الصواب: ((له)) . (3) ص: وسبعين دينار. (4) ص: عرفوا.

في عين هذا السيد الجليل؟! وكان المأمون بخراسان قد بايع بالعهد لعلي بن موسى الرضا ونوه باسمه، وغير لبس آبائه من لبس السواد وأبدله بالخضرة، فغضب بنو العباس بالعراق لهذين الأمرين فخلعوه وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي ولقبوه المبارك، فحاربه الحسن بن سهل، فهزمه إبراهيم وألحقه بواسط، وأقام إبراهيم بالمدائن، ثم سار جيش الحسن وعليه حميد الطوسي وعلي بن هشام فهزموا إبراهيم، فاختفى ولم يظهر خبره إلا في وسط خلافة المأمون، فعفا عنه على ما ذكره قاضي القضاة ابن خلكان في ترجمة إبراهيم بن المهدي (1) . وتقدم إلى المأمون رجل غريب بيده محبرة وقال: يا أمير المؤمنين، رجل من أهل الحديث منقطع به، فقال: ما تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر فيه شيئاً، فما زال المأمون يقول: حدثنا هشيم وحدثنا يحيى وحدثنا حجاج، حتى ذكر الباب، ثم سأله عن باب آخر، فلم يذكر فيه شيئاً، فقال المأمون: حدثنا فلان وحدثنا فلان، ثم قال لأصحابه: يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيام ثم يقول: اعطوني أنا من أهل الحديث، أعطوه ثلاثة دراهم. ومع ذلك كان مسرف الكرم جواداً ممدحاً، فرق في ساعة ستة وعشرين ألف ألف؛ ومدحه أعرابي مرة فأجازه بثلاثين ألف دينار. وقال أبو معشر: كان أماراً بالعدل ميمون النقيبة فقيه النفس، يعد مع كبار العلماء. وأهدى إليه ملك الروم تحفاً سنية منها مائة رطل مسك، ومائة حلة سمور، فقال المأمون: أضعفوها له، ليعلم عز الإسلام وذل الكفر. وقال يحيى بن أكثم: كنت عند المأمون، وعنده جماعة من قواد خراسان، وقد دعا إلى القول بخلق القرآن، فقال لهم: ما تقولون في القرآن؟ فقالوا:

_ (1) انظر ابن خلكان 1: 39.

كان شيوخنا يقولون ما كان فيه من ذكر الجمال والبقر والخيل والحمير فهو مخلوق، وما سوى ذلك فهو غير مخلوق، فأما إذ قال أمير المؤمنين هو مخلوق فنحن نقول كله مخلوق، فقلت للمأمون: أتفرح بموافقة هؤلاء؟ وقال ابن عرفة: أمر المأمون منادياً ينادي في الناس ببراءة الذمة ممن ترحم على معاوية أو ذكره بخير، وكان كلامه في القرآن سنة اثنتي عشرة (1) ، فكثر المنكر لذلك وكاد البلد يفتتن، ولم يلتئم له ما أراد فكف عنه إلى بعد هذا الوقت. وقال النضر بن شميل: دخلت على أمير المؤمنين فقلت: إني قد قلت اليوم: أصبح ديني الذي أدين به ... ولست منه الغداة معتذرا حب علي بعد النبي ولا ... أشتم صديقه ولا عمرا وإبن عفان في الجنان مع ال ... أبرار ذاك القتيل مصطبرا وعائش الأم لست أشتمها ... من يفتريها فنحن منه برا ونادى مناديه بإباحة متعة النساء فلم يزل به يحيى بن أكثم وروى له حديث الزهري عن أبي الحنفية عن أبيهما محمد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، فلما صحح له الحديث رجع إلى الحق وأبطلها. وأما مسألة القرآن فلم يرجع عنها، وصمم عليه في سنة ثمان عشرة (2) ومائتين، وامتحن العلماء، فعوجل ولم يمهل - توجه غازياً إلى أرض الروم فلما وصل إلى البدندون مرض أوصى بالخلافة إلى أخيه المعتصم، ثم توفي بالبدندون، فحمله ابنه العباس إلى طرسوس، ودفنه بها في دار خاقان

_ (1) ص: عشر. (2) ص: ثمانية عشر.

ابن المعتز

خادم أبيه، رحمه الله. ومن شعر المأمون: لساني كتوم لأسراركم ... ودمعي نموم لسري يذيع فلولا دموعي كتمت الهوى ... ولولا الهوى لم تكن لي دموع وله أيضاً: أنا المأمون والملك الهمام ... ولكني بحبك مستهام أترضى أن أموت عليك وجداً ... ويبقى الناس ليس لهم إمام ومن شعره: بعثتك مرتاداً ففزت بنظرةٍ ... واغفلتني حتى أسأت بك الظنا وناجيت من أهوى وكنت مقارباً ... فيا ليت شعري عن ذنوبك ما أغنى فيا ليتني كنت الرسول وكنتني ... فكنت الذي يقصى وكنت الذي أدنى 239 (1) ابن المعتز عبد الله بن جعفر بن محمد بن هارون بن العباس، ابن المعتز بن المتوكل ابن المعتصم (2) بن الرشيد بن المهدي بن المنصور، الأديب صاحب الشعر البديع

_ (1) الزركشي: 157 وتاريخ بغداد 10: 9 والأغاني 10: 286 والمنتظم 6: 84 وأشعار أولاد الخلفاء: 107 - 296 وعبر الذهبي 2: 104 والشذرات 2: 221 ومعاهد التنصيص 2: 38 وكتب التاريخ في حوادث (296) ؛ وهي ليست من المستدرك على ابن خلكان إذ وردت ترجمة ابن المعتز 3: 76، كذلك فإنها وقعت من حيث الترتيب هنا متأخرة عن موضعها، ولم يعودنا المؤلف ذلك في سياق كتابه، ولكنها ثابتة في ص بخط المؤلف. (2) سقطت من ص.

والنثر الفائق؛ أخذ الأدب والعربية عن المبرد وثعلب وعن مؤدبه أحمد بن سعيد الدمشقي، مولده في شعبان سنة تسع وأربعين ومائتين، وتوفي في ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين: قامت الدولة، ووثبوا على المقتدر وأقاموا ابن المعتز، فقال: بشرط لا يقتل بسببي مسلم، ولقبوه بالمرتضي بالله، وقيل المنصف بالله، وقيا الغالب بالله، وأقام يوماً وليلة، ثم إن أصحاب المقتدر تخربوا واجتمعوا وتحاربوا هم وأعوان ابن المعتز وشتتوهم وأعادوا المقتدر إلى دسته، واختفى ابن المعتز في دار ابن الجصاص الجوهري، فأخذه المقتدر وسلمه إلى مؤنس الخادم، فقتله وسلمه إلى أهله ملفوفاً في كساءٍ، وقيل إنه مات حتف أنفه، وليس بصحيح، بل خنقه مؤنس، ودفن في خرابة إزاء داره، وقصته مشهورة فيها طول، وهذا خلاصتها. وكان شديد السمرة، مسنون الوجه، يخضب بالسواد، وله من التصانيف كتاب الزهر والرياض. كتاب البديع. كتاب مكاتبات الاخوان بالشعر كتاب الجوارح والصيد. كتاب أشعار الملوك. كتاب السرقات. كتاب الآداب. كتاب حلي الأخيار. كتاب طبقات الشعراء. كتاب الجامع في الغناء. كتاب أرجوزة في ذم الصبوح (1) ، قال فيه ابن بسام يرثيه: لله درك من ميتٍ بمضيعةٍ ... ناهيك في العلم والآداب والحسب ما فيه لو ولا ليت فتنقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب وقال فيه بعض الأدباء: لا يبعد الله عبد الله من ملكٍ ... سامٍ إلى المجد والعلياء مذ خلقا قد كان زين بني العباس كلهم ... بل كان زين بني الدنيا حجىً وتقى أشعاره زيفت بالشعر أجمعه ... فكل شعر سواها بهرج ولقى

_ (1) التصانيف التي عدها هنا لم ترد في المطبوعة.

قال بعض من كان يخدمه: إنه خرج يوماً يتنزه ومعه ندماؤه، وقصد باب الحديد وبستان الناعورة، وكان ذلك آخر أيامه، فأخذ خزفةً وكتب بالجص: سقياً لظل زماني ... وعيشي المحمود ولى كليلة وصلٍ ... قدام يوم صدود قال: وضرب الدهر ضرباته، ثم عدت بعد قتل ابن المعتز فوجدت خطه خفياً، وتحته مكتوب: أفٍ لظل زماني ... وعيشي المنكود فارقت أهلي وإلفي ... وصاحبي وودودي يا رب موتاً وإلا ... فراحةً من صدود وكان ابن المعتز حنفي المذهب، لقوله من أبيات: فهات عقاراً في قميص زجاجةٍ ... كياقوتةٍ في درةٍ تتوقد وقتني من نار الجحيم بنفسها ... وذلك من إحسانها ليس يجحد وكان سني العقيدة منحرفاً عن العلويين، ولهذا قال في قصيدته البائية التي أولها (1) : ألا من لعين وتسكابها ... تشكى القذى وبكاها بها (2) منها: نهيت بني رحمي لو وعوا ... نصيحة (3) برٍ بأنسابها وراموا قريشاً (4) أسود الشرى ... وقد نشبت بين أنيابها

_ (1) انظر أشعار أولاد الخلفاء: 147 حيث ورد بعض هذه القصيدة. (2) الصولي: نشكى القذى وهواها بها. (3) ص: بصحة. (4) ص: قريش.

قتلنا أمية في دارها ... فكنا أحق بأسلابها وكم عصبة قد سقت منكم ... الخلافة صاباً بأكوابها إذا ما دنوتم تلقتكم ... زبونا وفرت بحلابها ولما أبى الله أن تملكوا ... دعينا إليها فقمنا بها وما رد حجابها وافداً (1) ... لنا إذ وقفنا بأبوابها كقطب الرحى وافقت أختها ... دعونا بها وعلينا بها ونحن ورثنا ثياب النبي ... فكم تجذبون بأهدابها لكم رحم يا بني (2) بنته ... ولكن بنو العم أولى بها به نصر الله محل الحجاز ... وأبرأها بعد أوصابها ويوم حنين قد اعيتكم (3) ... وقد أبدت الحرب عن نابها فمهلاً بني عمنا إنها ... عطية رب حبانا بها وأقسم أنكم تعلمون ... أنا لها خير أربابها وقد أجابه صفي الدين الحلي في وزنها ورويها، وهو قوله (4) : ألا قل لشر عبيد الإله ... وطاغي قريش وكذابها وباغي العناد وناعي العباد ... وهاجي الكرام ومغتابها أأنت تفاخر آل النبي ... وتجحدها فضل أحسابها بكم باهل المصطفى أم بهم ... فرد العداة بأوصابها أعنكم نفى الرجس أم عنهم ... لطهر النفوس وألبابها أما (5) الرجس والخمر من دأبكم ... وفرط العبادة من دابها

_ (1) ص: وافد. (2) ص: بنو. (3) ص: فداعيكم. (4) ديوان الحلي: 92. (5) ص: أم.

وقلتم ورثنا ثياب النبي ... فكم تجذبون بأهدابها وعندك لا تورث الأنبياء ... فكيف حظيتم بأثوابها فكذبت نفسك في الحالتين ... ولم تعلم الشهد من صابها أجدك يرضى بما قلته ... وما كان يوماً بمرتابها وكان بصفين في حزبهم (1) ... لحرب الطغاة وأحزابها وقد شمر الموت عن ساقه ... وكشرت الحرب عن نابها فأقبل يدعو إلى حيدرٍ ... بإرغابها وبإرهابها وآثر أن يرتضيه الأنام ... من الحكمين لإسهابها (2) ليعطي الخلافة أهلاً لها ... فلم يرتضوه لإيجابها وصلى مع الناس طول الحياة ... وحيدر في صدر محرابها فهلا تقمصها (3) جدكم ... إذا كان إذ ذاك أحرى بها وإذ جعل الأمر شورى لهم ... فهل كان من بعض أربابها أخامسهم كان أم سادساً ... وقد جليت بين خطابها وقولك: أنتم بنو بنته ... ولكن بنو العم أولى بها بنو البنت أيضاً بنو عمه ... وذلك أدنى لأنسابها فدع في الخلافة فضل الخلاف ... فليست ذلولاً لركابها وما أنت والفحص عن شأنها ... وما قمصوك بأثوابها وما شاورتك (4) سوى ساعةٍ ... فما كنت أهلاً لأسبابها وكيف يخصوك يوماً بها ... ولم تتأدب بآدابها وقلت: بأنكم القاتلون ... أسود أمية في غابها

_ (1) ص: حربهم. (2) الديوان: لأسبابها. (3) ص: تقضها. (4) الديوان: ساورتك.

كذبت وأسرفت فيما ادعيت ... ولم تنه نفسك عن عابها فكم حاولتها سراة لكم ... فردت على نكص أعقابها ولولا سيوف أبي (1) مسلمٍ ... لعزت على جهد طلابها وذلك عبد (2) لهم لا لكم ... رعى فيكم قرب أنسابها وكنتم أسارى بطون الحبوس ... وقد شفكم لثم أعتابها فأخرجكم وحباكم بها ... وقمصكم فضل جلبابها فجازيتموه بشر الجزاء ... لطغوى النفوس وأعجابها فدع ذكر قومٍ رضوا بالكفاف ... وجاءوا الخلافة من بابها هم الزاهدون هم العابدون ... هم العالمون بآدابها هم الصائمون هم القائمون ... هم الساجدون بمحرابها هم قطب مكة دين الإله ... ودور الرحاء بأقطابها (3) عليك بلهوك بالغانيات ... وخل المعالي لأصحابها ووصف العذار وذات الخمار ... ونعت العقار بألقابها وشعرك في مدح ترك الصلاة ... وسعي السقاة بأكوابها فذلك شأنك لا شأنهم ... وجري الجياد بأحسابها ومن قول ابن المعتز في هذه المادة: فأنتم بنو بنته دوننا ... ونحن بنو عمه المسلم ومن شعر ابن المعتز قوله في الهلال والثريا: قد انقضت دولة الصيام وقد ... بشر سقم الهلال بالعيد يتلو الثريا كفاغرٍ شرهٍ ... يفتح فاه لأكل عنقود

_ (1) ص: أبو. (2) ص: عبداً. (3) الديوان: ودور الرحى حول أقطابها.

وقال أيضاً: في ليلة اكل المحاق هلالها ... حتى تبدى مثل وقف العاج والصبح يتلو المشتري فكأنه ... عريان يمشي في الدجى بسراج ومنه في وصف روضة: تضاحك الشمس أنوار الرياض بها ... كأنما نشرت فيها الدنانير وتأخذ الريح من دخانها عبقاً ... كأن تربتها مسك وكافور ومنه (1) : أطال الدهر في بغداد همي ... وقد يشقى المسافر أو يفوز ظللت بها على كرهي مقيماً ... كعنينٍ تعانقه عجوز وقال: كأن بكأسها ناراً تلظى ... ولولا الماء كان لها حريق كان غمامةً بيضاء بيني ... وبين الراح تخرقها البروق وقال: أهلاً بفطر قد أتاك هلاله ... الآن فاغد على المدام وبكر وانظر إليه كزورقٍ من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر وقال: يا رب إن لم يكن في قربه طمع ... وليس لي فرج من طول جفوته فابري (2) السقام الذي في غنج مقلته ... واستر محاسن خديه بلحيته وما أحسن قول الأمير أسامة بن منقذ في هذا المعنى (3) :

_ (1) ديوانه 3: 99. (2) يريد: فأبرئ. (3) ديوان أسامة: 48.

تاج الدين اليمني

يا رب خذ بيدي من ظلم مقتدرٍ ... علي قد لج في ظلمي وعدواني لين قساوته لي أو فيسر لي ... صبراً لأحظى بوصل أو بسلوان أو فاطف جمرة خديه وأيقظ (1) جف ... نيه اللذين أراقا ماء أجفاني ومن شعر ابن المعتز عفا الله عنه: يا رب ليلٍ سحر كله ... مفتضح البدر عليل النسيم لم أعرف الإصباح في ضوءه ... لما بدا إلا يسكر النديم 240 (2) تاج الدين اليمني عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله، تاج الدين اليمني المخزومي المكي؛ ولد بمكة في شهر رجب سنة ثمانين وستمائة، وتوفي في أواخر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، ورد إلى دمشق أيام الأفرم وأقام فيها متصدراً بالجامع يقرئ الطلبة المقامات الحريرية والعروض وغير ذلك من علوم الأدب، وقرر له على ذلك مائة درهم في كل شهر على مال الجامع الأموي، ثم توجه إلى اليمن وكتب الدرج لصاحب اليمن وربما وزر له، ثم لما مات الملك المؤيد صادره ولده وأخذ منه ما حصله، ثم ورد إلى مصر سنة ثلاثين وسبعمائة، وفوض إليه تدريس المشهد النفيسي وشهادة البيمارستان المنصوري، ثم ورد إلى دمشق سنة إحدى وثلاثين ورتب مصدراً بالحرم في القدس، فأقام به مدة، وتردد إلى دمشق، ثم باع

_ (1) ص: وانفظ. (2) الزركشي: 161 والدرر الكامنة 2: 423 والعقود اللؤلؤية 1: 362 والشذرات 6: 138 والبدر الطالع 1: 317 (وجعل وفاته سنة 744) ؛ وقد أخلت المطبوعة بقسم كبير من هذه الترجمة.

وظائفه (1) وتوجه إلى القاهرة وبها توفي، رحمه الله. وكان شيخاً طوالاً حسن الشكل والعمة حلو الوجه، قادراً على النظم والنثر، وكان ضنيناً بنفسه، يعيب كلام القاضي الفاضل وغيره ويظن أن كلامه خير من كلام الفاضل، ويفضل ابن الأثير عليه، وكان خطه جيد قوي، عمل تاريخاً للنحاة، وذيل تاريخ ابن خلكان بذيل قصير جداً رايته لم يبلغ به ثلاثين رجلا، وكان يعظم نفسه ويمدحها، ولكلامه وقع في النفوس إذا أطنب في وصف فضائله، فمن شعره: تجنب أن تذم بك الليالي ... وحاول أن يذم لك الزمان ولا تحفل إذا كملت ذاتا ... أصيت العز أم حصل الهوان ومنه: بخلت لواحظ من رأينا مقبلا ... برموزها ورموزهن سلام فعذرت نرجس مقلتيه لأنه ... يخشى العذار فإنه نمام أخذ هذا المعنى من قول الأول، وهو أحسن وأكمل: لافتضاحي في عوارضه ... سبب والناس لوام كيف يخفى ما أكابده ... والذي أهواه نمام وقال في حمار وحش: حمار وحشٍ نقشه مبدع ... فلا يضاهى حسنه في الملاح فمذ غدا في حسنه أوحدا (2) ... تشاركا فيه الدجى والصباح وقال يهجو مدينة عدن: عدن إذا رمت المقام بأرضها ... فلقد أقمت على لهيب الهاويه بلد خلا عن فاضلٍ وصدوره ... أعجاز نخلٍ إذ تراها خاويه

_ (1) ص: وضايقه. (2) ص: أوحد.

وقال: لا أعرف النوم في حالي جفا ورضى ... كأن جفني مطبوع من السهد فليلة الوصل تمضي كلها سمراً ... وليلة الهجر لا أغفي من الكمد وقال: لو لم تكن وجرة منشا عفرها ... ما طاب وصف نورها وغفرها (1) منازلاً (2) لولا الصبا ما شاقني ... نور أقاحيها وظل سدرها إن المغاني كالغواني لم تزل ... معشوقةً تصبي بحسن ذكرها علام أهوى منزلاً ما عطرت ... فجاجه سلمى بنشر عطرها ولا غدت تسحب ذيل مرطها (3) ... فيه ولا مدت حبال خدرها مرت على الوادي فمال نحوها ... أراكه يبغي ارتشاف ثغرها وراعها منه الحصى فسيرت ... يمينها تكشف عقد نحرها غزالة إن سفرت لناظرٍ ... رأيت ليلي في فروع شعرها تملي على خلخالها شكايةً ... من ردفها مرفوعةً عن خصرها يا حبذا منها أصيل وصلها ... لو لم ينغصه هجير هجرها سارت بها فوارس من وائلٍ ... قد أطلعت كواكباً من سمرها وخلقتني في الديار نادباً ... أبكي طلول رسمها وعقرها أعملت في طلابها رواحلاً ... بوخدها تفري أديم قفرها والليل مثل غادةٍ زنجيةٍ ... قد زانها عشاقها بدرها وصفحة الأفق كمثل روضةٍ ... تبدو لنا أنوارها من زهرها وقال أيضاً:

_ (1) ر: روضها وعفرها؛ ص: وعقرها. (2) ر: منازل. (3) ص: مطرها.

ابن وهبون المرسي

لعل رسولاً من سعاد يزور ... فيشفي ولو أن الرسائل زور يخبرنا عن غادة الحي هل ثوت ... وهل ضربت بالرقمتين خدور وهل سنحت في الروض غزلان عالجٍ ... وهل أثله بالساريات مطير ديار لسلمى حاكها واكف الحيا ... إذا ذكرت خلت الفؤاد يطير كأن غنا الورقاء من فوق دوحها ... قيان وأوراق الغصون (1) ستور تمايل فيها الغصن من نشوة الصبا ... كأن عليه للسلاف مدير متى أطلعت فيه الغمائم أنجماً ... تلوح ولكن بالأكف تغور إذا اقتطعتها الغانيات رأيتها ... نجوماً جنتها في الصباح بدور وفي الكلة الوردية اللون غادة ... أسير (2) لديها القلب حيث تسير بعيدة مهوى القرط أما أثيثها ... فضافٍ وأما خطوها فقصير من العطرات العرب (3) ما زان فرقها ... ذرور ولا شاب الثياب بخور حمتها كماة من فوارس عامرٍ ... ضراغمة يوم الهياج ذكور فما الحب إلا حيث تشتجر القنا ... وللأسد في أرجائهن زئير 241 (4) ابن وهبون المرسي عبد الجليل بن وهبون، أبو محمد، الملقب بالدمعة المرسي. قال ابن بسام في ترجمته: شمس الزمان وبدره، وسر الإحسان وجهره،

_ (1) ص: الفنان؛ وأثبت ما في ر. (2) ص ر: اسيراً. (3) العرب: سقطت من ر. (4) القلائد: 242 والذخيرة (القسم الثاني) والمطرب: 118 والزركشي: 162 وصفحات متفرقة من نفح الطيب وبدائع البدائه، وبغية الملتمس (رقم: 1101) .

ومستودع البيان ومستقره، أحد من فراغ في وقتنا فنون المقال، في قالب السحر الحلال، وقيد شوارد الألباب، بأرق من ملح العتاب، وأروق من غفلات الشباب، اجتاز بالمرية، في بعض رحله الشرقية، وملكها يومئذ أبو يحيى بن صمادح فاهتز لعبد الجليل واستدعاه، وعرض له بجملة وافرة، فلم يعرج على ذلك، وارتحل عن بلده وقال: دنا العبد لو تدنو به كعبة المنى ... وركن المعالي من ذؤابة يعرب فيا أسفا للشعر ترمى جماره ... ويا بعد ما بين النقا والمحصب ومن عجيب ما اتفق أن عبد الجليل وأبا اسحاق بن خفاجة تصاحبا في طريق مخوف، فمرا بعلمين وعليهما رأسان، كأنهما بسر متناجيان، فقال ابن خفاجة: ألا رب رأسٍ لا تحاور (1) بينه ... وبين أخيه والمزار قريب أناف به صلد الصفا فهو منبر ... وقام على أعلاه فهو خطيب فقال عبد الجليل: يقول حذار الإغترار فطالما ... أناخ قتيل بي ومر سليب قال: فما تم كلامهما حتى لاح قتام ساطع، كأن السيوف فيه برق لامع، فما تجلى إلا وعبد الجليل قتيل وابن خفاجة سليب، فكأنما كشف له فيما قال ستر الغيب. ومن شعره يمتدح المعتمد بن عباد (2) : بيني وبين الليالي همة جلل ... لو نالها البدر لاستخذى (3) له زحل من أين أبخس لا في ساعدي قصر ... عن المساعي ولا في همتي خطل

_ (1) ر ص: تجاوز. (2) لم ترد في المطبوعة. (3) ص ر: لاستجدى.

ذنبي إلى الدهر إن أبدى تعنته ... ذنب الحسام إذا ما أحجم البطل وهي طويلة جداً. ومن شعره في النيلوفر: وبركة تزهو بلينوفرٍ (1) ... نسيمه يشبه ريح الحبيب حتى إذا الليل دنا وقته ... ومالت الشمس لحين المغيب أطبق جفنيه على إلفه ... وغاص (2) في الماء حذار الرقيب وقال: زعموا الغزال حكاه قلت لهم نعم ... في صده عن عاشقيه وهجره قالوا الهلال شبيهه فأجبتهم ... إن كان قيس إلى قلامة ظفره وكذا يقولون المدام كريقه ... يا رب لا علموا مذاقة ثغره وقال أيضاً: يعز على العلياء أني خامل ... وأن أبصرت مني خمود شهاب وحيث ترى زند النجابة وارياً ... فثم ترى زند السعادة كابي وقال في مغنية لابسة حلياً: إني لأسمع شدواً لا أحققه ... وربما كذبت في سمعها الأذن متى رأى أحد قبلي مطوقةً ... إذا تغنت بلحنٍ جاوب الفنن وقال: بنفسي وإن كنت لا نفس لي ... فقد سلبتها لحاظ المقل عذار وخد كما يحتوي ... سواد القلوب بياض الأمل

_ (1) كذا في الأصلين، وهو صواب أيضاً. (2) ص: وغاض.

وأنشد (1) المعتمد بن عباد يوماً قول المتنبي: إذا ظفرت منك العيون بنظرةٍ ... أثاب لها معيي المطي ورازمه فجعل المعتمد يردده استحساناً له فقال عبد الجليل: لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما ... تجيد العطايا واللهي تفتح اللها تنبأ عجباً بالقريض ولو درى ... بأنك تروي شعره لتألها وجلس يوماً المعتمد وبين يديه جارية تسقيه، فلمع البرق فارتاعت، فقال: روعها البرق وفي كفها ... برق من القهوة لماع عجبت منها وهي شمس الضحى ... كيف من الأنوار ترتاع وأنشد الأول لعبد الجليل فاستجازه، فقال: ولن ترى أعجب من آنسٍ ... من مثل ما يمسك يرتاع ومن شعر عبد الجليل: غزال يستطاب الموت فيه ... ويعذب في محاسنه العذاب يقبله اللثام هوىً وشوقاً ... ويجني ورد خديه النقاب وقال: سقى فسقى الله الزمان من اجله ... بكأسين من لميائه (2) وعقاره وحيا فحيا الله دهراً أتى به ... بأطيب من ريحانه وعراره وكان للمعتمد خادم (3) يسمى خليفة، فأمره أن يأتي بنبيذ، فأخذ وعاء يسمى

_ (1) ص: وأنشدني. (2) ص: لمياه. (3) ص: خادماً.

عبد الحق ابن سبعين

القمصال (1) وأتى إليهم فعثر ووقع القمصال فانكسر، ومات خليفة، فأخبر المعتمد بذلك فقال: أنأمن والحياة لنا مخيفه ... ونفرح والمنون بنا مطيفه فقال ابن عمار (2) : وفي يوم وما أدراك يوم ... مضى قمصالنا ومضى خليفه فقال ابن وهبون (3) : هما فخارتا راحٍ وريحٍ ... تكسرتا فأشقاف وجيفه 242 (4) عبد الحق ابن سبعين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن سبعين، الشيخ قطب الدين أبو محمد المرسي الصوفي، كان صوفياً على قواعد الفلاسفة، وله كلام كثير في العرفان وتصانيف، وله أتباع ومريدون يعرفون بالسبعينية. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: ذكر شيخنا قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق

_ (1) القمصال: آنية خزفية، والجمع قماصل (انظر ملحق دوزي) . (2) أورد المقري هذه القصة في النفح 3: 243 ووقع فيها ابن زيدون موضع ابن وهبون. (3) سقط من ص، وهو ثابت في ر. (4) النجوم الزاهرة 7: 232 والشذرات 5: 329 ولسان الميزان 3: 392 والبداية والنهاية 13: 261 وعبر الذهبي 5: 291 (وفيات سنة 669) وعنوان الدراية 139 والإحاطة: 317 (النسخة الكتانية) ونفح الطيب 2: 196 وفيه نقل عن ((درة الأسلاك)) وله ترجمة في المنهل الصافي وفي الوافي (راجع مقدمة رسائله بتحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوي؛ القاهرة 1956) .

العيد قال: جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاماً تعقل مفرادته ولا تعقل مركباته. قال الشيخ شمس الدين: واشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعاً بقوله لا نبي بعدي، فإن كان ابن سبعين قال هذا فقد خرج به من الإسلام، مع أن هذا الكلام هو أخف وأهون من قوله في رب العالمين: إنه حقيقة الموجودات، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وحدثني فقير صالح أنه صحب فقراء (1) من السبعينية، وكانوا يهونون له ترك الصلاة وغير ذلك، قال: وسمعت عن ابن سبعين أنه فصد يديه، وترك الدم يخرج حتى تصفى، ومات بمكة في ثامن عشرين شوال سنة ثمان وستين وستمائة، وله من العمر خمس وخمسون سنة. قال الشيخ صفي الدين الهندي: حججت سنة ست وستين، وبحثت مع ابن سبعين في الفلسفة، فقال لي: لا ينبغي لك المقام بمكة، فقال له: فكيف تقيم أنت بها؟ قال: انحصرت القسمة في قعودي بها، فإن الملك الظاهر يطلبني بسبب انتمائي إلى أشراف مكة، واليمن صاحبها له (2) في عقيدة ولكن وزيره حشوي يكرهني. قال صفي الدين: وكان ابن سبعين قد داوى صاحب مكة من مرض كان به فبرىء، فصارت له عنده مكانة، يقال: إنه نفي من المغرب بسبب كلمة كفر صدرت عنه وهي قوله: لقد حجر ابن آمنة كما مر في ترجمته. ويقال: إنه كان يعرف السيمياء (3) والكيمياء، وإن أهل مكة كانوا يقولون إنه أنفق فيهم ثمانين ألف دينار، وإنه (4) كان لا ينام كل ليلة حتى يكرر على ثلاثين سطراً من كلام غيره، فإنه لما خرج من وطنه كان ابن ثلاثين سنة، وخرج معه جماعة من الطلبة والأتباع

_ (1) ص: فقيراص، وأثبت ما في ر. (2) ر: لي. (3) ر: السيما. (4) ر: وإن.

فيهم الشيوخ، ولما أبعدوا بعد عشرة أيام أدخلوه الحمام ليزيل وعثاء السفر، ودخلوا في خدمته، وأحضروا له قيماً، فأخذ القيم يحك رجليه ويسألهم عن وطنهم لما استغربهم، فقالوا له من مرسية، قال: من البلد الذي ظهر فيه (1) هذا الزنديق ابن أبي (2) سبعين؟ فأومأ إليهم أن لا يتكلموا (3) وقال: نعم، فأخذ يسبه ويلعنه، وابن سبعين يقول له: استقص في الحك، وذلك القيم يزيد في اللعن والشتم، إلى أن فاض أحدهم غضباً (4) وقال له: ويلك هذا الذي تسبه قد جعلك الله تحك رجليه وأنت في خدمته أقل غلام تكون، فسكت خجلاً وقال: أستغفر الله. ويحكون عنه أشياء في الرياضة، وكلامه مفحل محشو بقواعد الفلاسفة، وله كتاب البد يعني لابد للمعارف منه وكتاب الإحاطة ومجلدة صغيرة في الجوهر، وغير ذلك، وله عدة رسائل بديعة (5) المعنى فصيحة الألفاظ، منها رسالة العهد وهي: يا هذا هل عمرك إلا كلمح (6) ، أو عطاء مكدٍ (7) لا سمح. وآصالك لهو وعطل (8) ، واسحارك سهو وعلل؛ وهي على هذا الأسلوب؛ وكانت وفاته كما تقدم ذكره (9) .

_ (1) ر: البلد التي ظهر فيها. (2) هذه زيادة في ص ر، ولعل إثباتها يدل على جهل قيم الحمام. (3) ص ر: أن لا يتكلمون. (4) ر: غيظاً. (5) ر: بليغة. (6) ص: كلح؛ ر: كملح. (7) ص: ملد. (8) ر: وعلل. (9) ر: كما ذكرنا في سنة ثمان وستين وستمائة.

ابن عطية المفسر

243 - (1) ابن عطية المفسر عبد الحق بن غالب بن عبد الملك بن غالب بن تمام بن عطية، الإمام الكبير قدوة المفسرين، أبو محمد ابن الحافظ الناقد الحجة أبي بكر المحاربي الغرناطي القاضي؛ حدث عن أبيه وغيره، وكان فقيهاً عارفاً بالأحكام والحديث والتفسير بارعاً في الأدب، ذا ضبط وتقييد وتجويد وذهن سيال، ولو لم يكن له إلا التفسير لكفى. ولد سنة ثمانين وأربعمائة، وتوفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحصن لورقة. 244 - (2) عبد الحق الاشبيلي عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين بن سعيد، أبو محمد الأزدي الإشبيلي ويعرف بابن الخراط؛ روى عن شريح بن محمد، وأبي الحكم بن برجان وغيرهم، وأجاز له ابن عساكر، ونزل بجاية وقت فتنة الأندلس، فبث بها علمه وصنف التصانيف وولي الخطبة والصلاة بها.

_ (1) معجم شيوخ الصدفي: 259 وقضاة النباهي: 109 وبغية الملتمس (رقم: 1103) والصلة: 376 والقلائد: 211 ونفج الطيب 1: 679 (وصفحات أخرى في ج؟: 2) وبغية الوعاة 295؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) عنوان الدراية: 20 والتكملة، رقم: 1805 والشذرات 4: 271 وعبر الذهبي 4: 243.

شمس الدين الخسروشاهي

وكان فقيهاً حافظاً عالماً بالحديث وعلله ورجاله، موصوفاً بالخير والصلاح والزهد والورع والتقلل من الدنيا، مشاركاً في الأدب وقول الشعر، وصنف في الأحكام نسختين كبرى وصغرى، وجمع بين الصحيحين وبوبه، وجمع الكتب الستة، وله كتاب في المعتل من الحديث وله كتاب الزهد وكتاب العاقبة في ذكر الموت وكتاب الرقائق ومصنفات أخر، وله كتاب حافل في اللغة ضاهى به كتاب الهروي، وتوفي بعد محنة نالته من قبل الولاية؛ روى عنه أبو الحسن المعافري، وكانت وفاته سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ومن شعره: إن في الموت والمعاد لشغلاً ... وادكاراً لذي النهى وبلاغا فاغتنم خطتين قبل المنايا ... صحة الجسم يا أخي والفراغا 245 (1) شمس الدين الخسروشاهي عبد الحميد بن عيسى بن عمويه (2) بن يونس بن خليل، الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو محمد الخسروشاهي (3) ؛ ولد سنة ثمانين وخمسمائة بخسروشاه، وتوفي بدمشق سنة اثنتين وخمسين وستمائة (4) . اشتغل بالعقليات على الإمام

_ (1) طبقات السبكي 5: 60 وابن أبي أصيبعة 2: 173 وعبر الذهبي 5: 211 والشذرات 5: 255 والنجوم الزاهرة 7: 32 والأسنوي 1: 503 وقال أن الذهبي ذكره في التاريخ؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة. (2) الأسنوي: عمر. (3) نسبة إلى خسروشاه وهي قرية قريبة من تبريز. (4) قال ابن أبي أصيبعة: ولما وصل إلى دمشق اجتمعت به فوجدته شيخاً حسن السمت مليح الكلام قوي الذكاء محصلاً للعلوم.

فخر الدين بن خطيب الري، وسمع من المؤيد الطوسي، وبرع في الكلام وتفنن في العلوم ودرس وأقرأ، واشتغل عليه زين الدين ابن المرحل خطيب دمشق والد الشيخ صدر الدين وغيره، ودفن بقاسيون، واختصر المهذب لأبي إسحاق، واختصر الشفا لابن سينا، وتمم الآيات البينات التي للإمام فخر الدين الرازي، وهذه الآيات البينات غير النسخة الصغيرة التي هي عشرة أبواب. وكتب إليه سعد الدين محمد بن عربي: يميناً لقد أحييت علم أفاضلٍ ... مضوا فرأيناه لديك جميعا ولو لم أكذب قلت إنك منهم ... فليت لقولي سامعاً ومطيعا لأنك أنت الشمس والشمس إن تغب ... فإن لها بعد المغيب طلوعا ورثاه عز الدين الضرير الاربلي الغنوي (1) بقوله: بموتك شمس الدين مات الفضائل ... وأقفر في ذكر العلوم المحافل أصاب الردى شمس الورى عندما استوت ... وأودى ببدر الفضل والبدر كامل فتىً عالم بالحق، بالخير عامل ... وما كل ذي علمٍ من الناس عامل فتى بذ كل العالمين (2) بصمته ... فكيف إذا وافيته وهو قائل فربع الحجى من بعده اليوم قد خلا ... وجيد المعالي من حلى الفضل عاطل أتدري المنايا من رمت بسهامها ... وأي فتى أودى وغال الغوائل رمت أوحد الدنيا وبحر علومها ... ومن قصرت في الفضل عنه الأوائل ورثاه الصاحب نجم الدين ابن (3) اللبودي بأبيات منها: أيا ناعياً عبد الحميد تصبرن (4) ... علي فإن العلم أدرج في كفن

_ (1) ص: العنوى. (2) ابن أبي أصيبعة: القائلين. (3) ابن: لم ترد في عيون الأنباء. (4) ص: تصبراً.

عز الدين ابن أبي الحديد

مضى مفرداً في فضله وعلومه ... وعدت فريد الوجد والهم والحزن فيا عين سحي بالدموع لفقده ... فما حسن صبري اليوم من بعده حسن تلقته أصناف الملائك بهجةً ... بمقدمه الأسى على ذلك السنن تقول له أهلاً وسهلاً ومرحباً ... بخير فتىً وافى إلى ذلك الوطن 246 (1) عز الدين ابن أبي الحديد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد، عز الدين المدائني المعتزلي الفقيه الشاعر أخو موفق الدين، ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وتوفي سنة خمس وخمسين وستمائة، وهو معدود في أعيان الشعراء، وله ديوان مشهور، وروى عنه الدمياطي، ومن تصانيفه الفلك الدائر على المثل السائر صنفه في ثلاثة عشر يوماً، وكتب إليه أخوه موفق الدين: المثل السائر يا سيدي ... صنفت فيه الفلك الدائر لكن هذا فلك دائر ... أصبحت فيه المثل الثائر ونظم فصيح ثعلب في يوم وليلة، وشرح نهج البلاغة في عشرين مجلد (2) ، وله تعليقات على كتاب المحصل والمحصول للإمام فخر الدين.

_ (1) الزركشي: 163 وذيل مرآة الزمان 1: 62 وابن الشعار 4: 213 وابن خلكان 5: 392 والبداية والنهاية 13: 199 وقال فيه ابن الشعار: ((خدم في عدة أعمال سواداص وحضرة آخرها كتابة ديوان الزمام، تأدب على الشيخ أبي البقاء العكبري ثم على أبي الخير مصدق ابن شبيب الواسطي، واستغل بفقه الإمام الشافعي وقرأ الأصول، وكان أبوه يتقلد قضاء المدائن)) قلت: راجع أيضاص صفحات متفرقة من الحوادث الجامعة ومقدمة شرح نهج البلاغة (تحقيق الأستاذ أبو الفضل إبراهيم) . (2) كذا في ص ر.

ومن شعره: وحقك لو أدخلتني النار قلت لل ... ذين بها قد كنت ممن يحبه وأفنيت عمري في دقيقق علومه ... وما بغيتي إلا رضاه وقربه هبوني مسيئاً أوتغ الحلم جهله ... وأوبقه دون البرية ذنبه أما يقتضي شرع التكرم عفوه ... أيحسن أن ينسى هواه وحبه أما رد زيغ ابن الخطيب وشكه ... وتمويهه في الدين إذ عز خطبه أما كان ينوي الحق فيما يقوله ... ألم تنصر التوحيد والعدل كتبه وغاية صدق الصب أن يعذب الأسى ... إذا كان من يهوى عليه يصبه فرد عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى بقوله: علمنا بهذا القول أنك آخذ ... بقول اعتزال جل في الدين خطبه فتزعم أن الله في الحشر ما يرى ... وذاك اعتقاد سوف يرديك غبه وتنفي صفات الله وهي قديمة ... وقد أثبتتها عن إلاهك كتبه وتعتقد القرآن خلقاً ومحدثاً ... وذلك داء عز في الناس طبه وتثبت للعبد الضعيف مشيئةً ... يكون بها ما لم يقدره ربه وأشياء من هذه الفضائح جمة ... فأيكما داعي الضلال وحزبه ومن ذا الذي أضحى قريباً إلى الهدى ... وحامى عن الدين الحنيفي ذبه وما ضر فخر الدين قول (1) نظمته ... وفيه شناع مفرط إذ تسبه وقد كان ذا نور يقود إلى الهدى ... إذا طلعت في حندس الشك شهبه ولو كنت تعطي قدر نفسك حقه (2) ... لأخمدت جمراً بالمحال تشبه وما أنت من أقرانه يوم معركٍ ... وما لك يوماً بالإمام تشبه ومن شعره:

_ (1) ص ر: قولا. (2) ص: حقها.

لولا ثلاث لم أخف صرعتي ... ليست كما قال فتى العبد أن أنصر التوحيد والعدل في ... كل مكان باذلاً جهدي وأن أناجي الله مستمتعاً ... بخلوةٍ (1) أحلى من الشهد وأن أتيه الدهر كبراً على ... كل لئيم أصعر الخد لذاك لا أهوى فتاةً ولا ... خمراً (2) ولا ذا (3) ميعة نهد قوله ليست كما قال فتى العبد هو طرفة بن العبد حيث يقول وقد سئل عن لذات الدنيا، فقال: مركب وطي، وثوب بهي، ومطعم شهي، فسئل امرؤ القيس فقال: بيضاء رعبوبة، بالشحم مكروبة، بالمسك مشبوبة، وسئل الأعشى فقال: صهباء صافية، تمزجها ساقية، من صوب غادية، قال العكوك: فحدثت بذلك أبا دلف فقال: أطيب الطيبات قتل الأعادي ... واختيالي على متون الجياد ورسول يأتي بوعد حبيب ... وحبيب يأتي بلا ميعاد وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى يعارض ابن أبي الحديد (4) : لولا ثلاث هن أقصى المنى ... لم أهب الموت الذي يردي تكميل ذاتي بالعلوم التي ... تنفعني إن صرت في لحدي والسعي في رد الحقوق التي ... لصاحبٍ نلت به قصدي وأن أرى الأعداء في صرعةٍ ... لقيتها من جمعهم وحدي فبعدها اليوم (5) الذي حم لي ... قد استوى في القرب والبعد

_ (1) ص: بجلوة. (2) ص ر: خمر. (3) ص ر: ذي. (4) وقعت هذه القطعة في آخر الترجمة في ر. (5) ص: لليوم.

وقال حميد الطوسي (1) : ولولا ثلاث هن من لذة الفتى ... وحقك لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبقي العاذلات بشربةٍ ... كميتٍ متى ما تعل بالماء تزبد وكري إذا نادى المضاف محنباً (2) ... كسيد الغضا نبهته المتورد وتقصير يوم الدجن والدجن ممكن ... ببهكنةٍ تحت الخباء المعمد رجعنا إلى حديث ابن أبي الحديد: وقال: عن ريقها يتحدث المسواك ... أرجاً فهل شجر الأراك أراك ولطرفها خنث الجبان فإن رنت ... باللحظ فهي الضيغم الفتاك شرك القلوب ولم أخل من قبلها ... أن القلوب تصيدها الأشراك (3) يا وجهها المصقول ماء شبابه ... ما الحتف لولا طرفك الفتاك أم هل أتاك حديث وقفتها ضحىً ... وقلوبنا بشبا الفراق تشاك لا شيء أفظع من نوى الأحباب أو ... سيف الوصي كلاهما سفاك

_ (1) ر: وحدثت بذلك حميد الطوسي فقال؛ والمعروف أن هذه الأبيات من معلقة طرفة. انظر السبع الطوال: 194، وديوانه: 28. (2) ص: المصاف مجانباً؛ والمضاف: الذي أدرك وتم اللحاق به؛ محنباً، فرساً ناتئ العظام؛ والسيد: الذئب، وذئب الغضا أخبث الذئاب. (3) ص: الأتراك.

الشيخ تاج الدين الفركاح

247 - (1) الشيخ تاج الدين الفركاح عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضيا، العلامة الإمام المفتي فقيه الشام، تاج الدين الفزاري البدري المصري الأصل، الدمشقي الشافعي، ولد في شهر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة، وتوفي سنة تسعين وستمائة. سمع من ابن الزبيدي وابن المنجا وابن اللتي ومكرم بن أبي الصقر وابن الصلاح والسخاوي وتاج الدين ابن حموية، وخرج له البرزالي مشيخة عشرة أجزاء صغار عن مائة نفس، وسمع منه ولده الشيخ برهان الدين وابن تيمية والمزي والقاضي ابن صصرى وكمال الدين ابن الزملكاني وابن العطار وكمال الدين ابن قاضي شهبة وعلاء الدين المقدسي وزكي الدين زكرى وغيرهم، وخرج من تحت يده جماعة من القضاة والمدرسين والمفتين (2) . درس وناظر وصنف، وانتهت إليه رياسة المذهب كما انتهت إلى ولده، وكان ممن بلغ رتبة الاجتهاد، ومحاسنه كثيرة، وكان يلثغ بالراء غينا، وكان لطيف الجثة، قصيراً أسمر، حلو الصورة، ظاهر الدم، مفركح الساقين، وكان يركب البغلة ويحف بها أصحابه، ويخرج معهم إلى أماكن النزهة ويباسطهم، وكان مفرط الكرم. وله تصانيف تدل على محله من العلم وتبحره، وكانت له يد في النظم والنثر؛ تفقه في صغره على الشيخ عز الدين ابن عبد السلام والشيخ تقي الدين ابن الصلاح

_ (1) طبقات السبكي 5: 60 والأسنوي 2: 287 والزركشي: 163 وعبر الذخبي 5: 368 والشذرات 5: 413 والبداية والنهاية 13: 325 ومرآة الزمان 4: 218 والدارس 1: 28 والنجوم الزاهرة 8: 41. (2) ص ر: والمفتيين.

وبرع في المذهب وهو شاب، وجلس للاشغال وله بضع وعشرون سنة، ودرس في سنة ثمان وأربعين، وكتب في الفتاوى وقد كمل الثلاثين، ولما قدم النواوي (1) من بلده أحضروه ليشتغل عليه، بعث به إلى الرواحية ليحصل له بها بيت ويرتفق بمعلومها (2) ، وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار، وإذا سافر إلى القدس يترامى أهل البر على ضيافته، وكان أكبر من الشيخ محيي الدين النواوي بسبع سنين، وقيل إنه كان يقول: إيش قال النواوي في مزبلته؟ يعني الروضة وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يسميه الدويك لحسن بحثه، وقرأ عليه ولده برهان الدين وكمال الدين ابن الزملكاني وكمال الدين الشهبي وزكي الدين زكرى، وكان قليل المعلوم كثير البركة، ولم يكن له إلا تدريس الباذرائية مع ما له من المصالح. دفن بمقابر باب الصغير، وشيعه الخلق وتأسفوا عليه؛ عاش ستاً وستين سنة وثلاثة أشهر. وله الإقليد في شرح التنبيه وهو جيد، وكشف القناع في حل السماع، رحمه الله. ومن شعره لما انجفل (3) الناس سنة ثمان وخمسين: لله أيام جمع الشمل ما برحت ... بها الحوادث حتى أصبحت سمرا ومبتدا الحزن من تاريخ مسألتي ... عنكم فلم ألق لا عيناً ولا أثرا يا راحلين قدرتم فالنجاء لكم ... ونحن للعجز لا نستعجز القدرا وقال: يا كريم الآباء والأجداد ... وسعيد الإصدار والإيراد كنت سعداً لنا بوعد كريمٍ ... لا تكن في وفائه كسعاد

_ (1) ر: النووي (حيثما وقعت) . (2) المعلوم: الدخل أو المرتب. (3) ص: ان جفل.

أبو سليمان الداراني

وكتب إلى عون الدين بن العجمي ملغزاً في اسم بيدرا (1) : يا سيداً ملأ الآفاق قاطبةً ... بكل فن من الألغاز مبتكر ما اسم مسماه بدر وهو مشتمل ... عليه في اللفظ إن خففت مبتدر (2) وغن تكن مسقطاً ثانيه مقتصراً ... عليه (3) في الحذف أضحى واحد البدر فكتب إليه الجواب: يا أيها العالم الحبر الذي شهدت ... له فضائله في البدو والحضر مقلوب خمسي مسمى أنت ملغزه ... يطوف ظاهره (4) نصاً على البشر وما بقي منه وحشي مصحفه ... من بعد قلبٍ بعكسٍ عند ذي البصر هذا اسم من صار سلطان الملاح وقد ... حلاه وصفك إذ حلوه بالدرر ومن شعره ذوبيت (5) : ما أطيب ما كنت من الوجد لقيت ... إذ أصبح بالحبيب صباً وأبيت واليوم صحا قلبي من سكرته ... ما أعرف في الغرام من أين أتيت 248 (6) أبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن أحمد، السيد القدوة أبو سليمان الداراني العنسي - بالنون -

_ (1) لم ترد هذه المقطوعة والتي تليها في المطبوعة. (2) كذا في ص ر. (3) ص: علي. (4) ص: طاهر. (5) ذوبيت: سقطت من ر. (6) تاريخ بغداد 10: 248 وحلية الأولياء 9: 254 وطبقات السلمي: 75 والأنساب 5: 271 واللباب (الداراني) وصفة الصفوة 4: 197 والنجوم الزاهرة 2: 179 والبداية والنهاية 10: 255؛ وقد ترجم له ابن خلكان 3: 131 فليست هذه الترجمة مما فاته إثباته ليعيدها الكتبي، كذلك فإن تاريخ وفاته محط خلاف فقد قال ابن خلكان: وكانت وفاته سنة خمس ومائتين وقيل سنة خمس عشر ومائتين، وهذا هو الكتبي يجيء هنا بقول ثالث.

أبو حبيب المغربي

أصله من واسط، قال أحمد بن أبي الحواري: تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني في النوم، فرأيته بعد سنة فقلت له: يا معلم الخير، ما فعل الله بك؟ قال: يا أحمد، دخلت من باب الصغير، فلقيت جمل شيحٍ، فأخذت منه عوداً تخللت به ثم رميت به، فأنا في حسابه من سنة؛ مات سنة خمس وعشرين ومائتين، رحمه الله تعالى (1) . 249 - (2) أبو حبيب المغربي عبد الرحمن بن أحمد، أبو حبيب؛ قال ابن رشيق: ولد بالمحمدية وتأدب بالأندلس، وخالط أشراف الناس وأهل الأقدار، برز في الأدب وصناعة الشعر وعلم الشروط، فصار صدراً مذكوراً في كل واحد منها؛ ومن شعره: أضحى عذولي فيه من عشاقه ... لما بدا كالبدر في إشراقه وغدا يلوم ولومه لي غيرة ... منه عليه ليس من إشفاقه قمر تنافست الجوانح والصبا ... في حبه لتفوز عند عناقه في خده نور تفتح ورده ... ألحاظه منعته من عشاقه عرض الوصال وظل يعرض دونه ... وتخلق المعسول من أخلاقه

_ (1) الترحم في ص وحدها، ولم يرد في ر وذلك مطرد في الترجمات التالية، ولذلك أكتفي بهذه الإشارة إليه. (2) الزركشي: 164 والمسالك 11: 330.

الصدفي مؤرخ مصر

وغدا محاق البدر موعد بينه ... ورحيله فمحقت قبل محاقه وقال: وإني على شوقي إليه وصبوتي ... أغار عليه في دجى الليل إذ يسري فبت ودمعي مزج فيض دموعه ... أقبل ما بين الترائب والنحر إذا هم أن يمضي جذبت بثوبه ... وأطبقت من خوفي على مقلتي شفري وكم ليلةٍ هانت علي ذنوبها ... بما بات يرويني من الريق والخمر أقبل منه الورد في غير حينه ... وألثم بدر التم في غيبة البدر إلى أن بدا نور التبلج في الدجى ... كنور جبينٍ لاح في ظلمة الشعر (1) وهبت نسيم للصباح كأنها ... تهب بريح المسك أو خالص العطر وقد نبه الساقي الندامى لقهوةٍ ... كشعلة مصباحٍ خلا أنها تجري وقال: مجري جفوني دماءً وهو ناظرها ... ومتلف القلب وجداً وهو مرتعه إذا بدا حال دمعي دون رؤيته ... يغار مني عليه فهو برقعه 250 (2) الصدفي مؤرخ مصر عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى، الصدفي المصري الحافظ المؤرخ، أبو سعيد مؤرخ مصر؛ ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين، وتوفي سنة

_ (1) إلى هنا تشترك ر مع ص في هذه الترجمة. ثم ينقطع النص لضياع أوراق. (2) الزركشي: 163 وتذكرة الحفاظ: 898 وعبر الذهبي 2: 276 والشذرات 2: 375 وحسن المحاضرة 1: 351، 553 والرسالة المستطرقة: 133 وليست هذه الترجمة مستدركة على ابن خلكان فقد ترجم له 3: 137، وقد أخلت المطبوعة ببعض أجزائها.

سبع وأربعين وثلثمائة، وكان غماماً في علم التاريخ روى عنه ابن مندة وعبد الواحد بن محمد البلخي وجماعة من الرحالة، وله كلام في الجرح والتعديل يدل على بصره بالرجال ومعرفته بالعلل، وعمل لمصر تاريخين: أحدهما (1) - وهو الأكبر - يختص بأهل مصر، والثاني يختص بذكر الغرباء الواردين على مصر، وقد ذيلهما أبو القاسم يحيى بن علي الحضرمي، وهو حفيد يونس بن عبد الأعلى صاحب الشافعي. ولما مات رثاه أبو عيسى عبد الرحمن بن إسماعيل الخشاب النحوي العروضي بقوله (2) : بثثت علمك تشريقاً وتغريباً ... وعدت بعد لذيذ العيش مندوبا أبا سعيد وما يألوك (3) إن نشرت ... عنك الدواوين تصديقاً وتصويبا ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه ... حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا أرخت موتك في ذكري وفي صحفي ... لمن يؤرخه إن كنت محسوبا نشرت عن مصر من سكانها علماً ... مبجلاً لجمال القوم منصوبا كشفت عن فخرهم للقوم (4) ما سجعت ... ورق الحمام على الأغصان تطريبا إن المكارم للإحسان موجبة ... وفيك قد ركبت يا عبد تركيبا حجبت عنا وما الدنيا بمظهرةٍ ... شخصاً وإن جل إلا عاد محجوبا كذلك الموت لا يبقي على أحدٍ ... مدى الليالي من الأحباب محبوبا قوله: ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه ... حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا

_ (1) ر: أحدها. (2) أوردها ابن خلكان، كما وردت عند القفطي في انباه الرواة 2: 159 في ترجمة عبد الرحمن ابن إسماعيل الخشاب (- 366) . (3) ابن خلكان والقفطي: نألوك. (4) ابن خلكان والقفطي: للناس.

أبو شامة

مأخوذ من خبر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أنه كان رجل مجنون في زمانه يمشي أمام الجنائز وينادي: الرحيل الرحيل، لا تكاد جنازة تخلو منه، فمرت يوماً جنازة بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولم يره أمامها، ولم يسمع نداءه، فسأل عنه فقيل له: هو هذا الميت، فقال: لا إله إلا الله: ما زال يصرخ بالرحيل منادياً ... حتى أناخ بابه الجمال وقال الأصمعي: حدثني أبي قال: رأيت رجلاً على قصر أويس أيام الطاعون وبيده كوز يعد الموتى فيه بالحصى، فعد في أول يوم ثمانين ألفاً، وعد في الثاني مائة ألف، فمر (1) قوم فرأوا على الكوز رجلاً (2) غيره، فسألوا عنه فقال: وقع في الكوز. ومثل هذا قول التهامي (3) : بينا يرى الإنسان فيها مخبراً ... حتى يرى خبراً من الأخبار 251 (4) أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، الإمام العلامة ذو الفنون

_ (1) ص: فمروا. (2) ص ر: رجل. (3) ديوان التهامي: 47. (4) ذيل الروضتين: 37 وطبقات السبكي 5: 61 والبداية والنهاية 13: 250 وغاية النهاية 1: 365 والدارس 1: 23 وبغية الوعاة: 297 والزركشي: 101 والسلوك 1: 563 وعبر الذهبي 5: 280 وتذكرة الحفاظ: 1460 والأسنوي 2: 118 وقد عرف بأبي شامة لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر.

شهاب الدين أبو شامة المقدسي الأصل، الدمشقي الشافعي الفقيه المقرئ النحوي؛ ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة بدمشق، وكانت وفاته سنة خمس وستين وستمائة، ودفن بمقابر باب كيسان. قرأ القرآن وله دون العشر، وجمع القراءات كلها سنة ست عشرة (1) على الشيخ علم الدين السخاوي، وسمع بالإسكندرية من الشيخ أبي القاسم عيسى ابن عبد العزيز وغيره، وحصل له سنة بضعٍ وثلاثين عناية بالحديث، وسمع أولاده، وقرأ بنفسه، وكتب الكثير من العلوم، وأتقن الفقه ودرس وأفتى، وبرع في العربية، وصنف شرحاً نفيساً للشاطبية، واختصر تاريخ دمشق مرتين: الأول في عشرين مجلد والثاني في عشرة، وشرح القصائد النبوية للسخاوي في مجلد، وله كتاب الروضتين في أخبار الدولتين: النورية والصلاحية وكتاب الذيل عليها، وكتاب شرح الحديث المقتفى في مبعث المصطفى وكتاب ضوء القمر الساري إلى معرفة الباري والمحقق في علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول وكتاب البسملة الأكبر في مجلد، وكتاب البسملة الأصغر وكتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث وكتاب السواك وكشف حال بني عبيد والأصول في الأصول ومفردات القراء ومقدمة نحو ونظم المفصل للزمخشري، وشيوخ البيهقي، وغير ذلك. وذكر أنه حصل له الشيب وعمره خمس وعشرون (2) سنة، وولي مشيخة الاقراء بالتربة الأشرفية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية (3) ، وكان متواضعاً مطرحاً للكلف، أخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين حسين الكفري والشهاب

_ (1) ص ر: عشر. (2) ص: وعشرين. (3) نسبة إلى الملك الأشرف موسى بن الملك العادل، وكانت هذه التربة شمال الكلاسة (الدارس 2: 291 وما بعدها) .

أحمد اللبان وزين الدين أبو بكر بن يوسف المزي وجماعة، وقرأ عليه شرح الشاطبية الشيخ شرف الدين الفزاري الخطيب. دخل عليه اثنان جبليان إلى بيته الذي بآخر المعمور من طواحين الأشنان ومعهم فتوى، فضرباه ضرباً مبرحاً كاد يتلف منه، ولم يدر به أحد ولا أغاثه. وتوفي رحمه الله تعالى في تاسع عشر رمضان، ودفن بباب الفراديس، وقيل بباب كيسان. قال رحمه الله تعالى (1) : جرت لي محنة بداري بطواحين الأشنان فألهم الله الصبر ولطف، وقيل لي اجتمع بولاة الأمر، فقلت: أنا قد فوضت أمري إلى الله تعالى وهو يكفينا، وقلت في ذلك: قلت لمن قال أما تشتكي ... ما قد جرى فهو عظيم جليل يقبض الله تعالى لنا ... من يأخذ الحق ويشفي الغليل إذا توكلنا عليه كفى ... وحسبنا الله ونعم الوكيل ومن نظمه في السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام محب ناشئ متصدق ... وباكٍ مصل خائف سطوة الباس يظلهم الله الجليل بظله ... إذا كان يوم العرض لا ظل للناس أشرت بألفاظٍ تدل عليهم ... فيذكرهم بالنظم من بعضهم ناسي وقال في المعنى: وقال النبي المصطفى إن سبعةً ... يظلهم الله العظيم بظله محب عفيف ناشيء متصدق ... وباكٍ مصلٍ والإمام بعدله

_ (1) زيادة من ر.

وضاح اليمن

252 - (1) وضاح اليمن عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال الحميري الخولاني المعروف بوضاح اليمن؛ قيل إنه من الفرس الذين قدموا اليمن مع وهرز لنصرة سيف بن ذي يزن على الحبشة، وكان من حسنه يتقنع في المواسم مخافة العين، وكان يهوى امرأة من اليمن اسمها روضة ويشبب بها في شعره، فمن ذلك قوله: قالت ألا لا تلجن دارنا ... إن أبانا رجل غائر قلت فإني طالب غرةً ... وإن سيفي صارم باتر قالت فإن القصر من دوننا ... قلت فإني فوقه طائر قالت فإن البحر من دوننا ... قلت فإني سابح ماهر قالت فحولي أخوة سبعة ... قلت فإني لهم حاذر قالت فليث رابض دوننا ... قلت فإني أسد عاقر قالت فإن الله من فوقنا ... قلت فربي راحم غافر قالت فقد أعييتنا حجةً ... فأت إذا ما هجع السامر واسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناهٍ ولا آمر وهذه الأبيات عدها أرباب البديع في المراجعة؛ وأما هذا المعنى - قوله واسقط علينا كسقوط الندى - فقد اشتهر ونظم الشعراء في معناه كثيراً، وأصله لامرئ القيس حيث قال: سموت إليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال

_ (1) الأغاني 6: 198 وتهذيب ابن عساكر 7: 295 والنجوم الزاهرة 1: 226.

وما أحسن قول صر در في قصيدته التي أولها (1) : عسى (2) رائح يأتي بأخبار من غدا (3) ... وهو: وحي طرقناه على غير (4) موعدٍ ... فما إن وجدنا عند نارهم هدى وما غفلت أحراسهم غير أننا ... سقطنا عليهم مثل ما يسقط (5) الندى ولما وقف بعض الظرفاء على قصيدة وضاح اليمن ووصل إلى قوله: قلت فربي راحم غافر كتب على الحاشية: هذا نياك بالدبوس ما يرجع. ولما استأذنت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان الوليد بن عبد الملك في الحج أذن لها وهو خليفة، وهي زوجته، وكتب الوليد يتوعد الشعراء جميعاً أن يذكرها أحد منهم، أو يذكر أحداً (6) ممن معها، فقدمت مكة وتراءت الناس، وتصدى لها أهل الغزل والشعراء، ووقعت عينها على وضاح اليمن فهويته، وأنفذت إلى كثير عزة وإلى وضاح اليمن أن انسبا بي، فكره ذلك كثير وشبب بجاريتها غاضرة، وذلك في قوله (7) : شجا أظعان غاضرة الغوادي ... وأما وضاح اليمن فإنه صرح، فبلغ ذلك الوليد فقتله.

_ (1) ديوان صر در: 38 - 39 وهي في مدح زعيم الدولة بركة بن مقلد العقيلي. (2) الديوان: ترى. (3) عجزه: وهل يكتم الأنباء من قد تزودوا. (4) الديوان: زور. (5) الديوان: سقط. (6) ص ر: أحد. (7) ديوان كثير: 219 وعجز البيت: بغير مشورة عرضاً فؤادي؛ والرواية في ص ر: سقى أظغان ... وهو وهم. وفي ص ر: أضعان.

وقيل إنه مدح الوليد، فوعدته أم البنين أن تساعده وتعينه على رفده، فقدم على الوليد وأنشده: صبا قلبي إليك ومال ميلا ... وأرقني خيالك يا أثيلا يمانية تلم بنا فتبدي ... دقيق محاسنٍ وتكن غيلا وهي أبيات مشهورة، فأحسن رفده، ثم نما إليه أنه يشبب بأم البنين، فجفاه وحجبه ودبر في قتله، واختلسه ودفنه في داره. وقيل إن أم البنين كانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها، فإذا خافت وارته في صندوق عندها، فأهدي إلى الوليد جوهر فأعجبه، ودعا خادماً وبعث به إلى أم البنين، فدخل عليها مفاجأة ووضاح عندها، فرآه وقد وارته في الصندوق، فقال لها: يا مولاتي هبي لي منه حجراً، فقالت: يا ابن اللخناء: لا كرامة (1) فرجع الخادم إلى الوليد وأخبره الخبر، فقال له: كذبت، وأمر به فوجئت عنقه، ثم أتى أم البنين وهي تمشط في بيتها (2) ، وقد وصف له الخادم الصندوق، فجاء فجلس عليه وقال لها: يا أم البنين ما أحب إليك هذا البيت من دون البيوت، فلم تختارينه (3) ؟ قالت: أختاره لأنه يجمع حوائجي كلها، فأتناولها منه من قريب على ما أريد، قال لها: هبي لي صندوقاً من هذه الصناديق، فقالت: كلها لك يا أمير المؤمنين، فقال: ما أريد كلها وإنما أريد واحداً منها، فقالت: خذ أيها شئت، قال: هذا الذي جلست عليه، قالت: غيره خذ فإن لي فيه أشياء أحتاج إليها قال: ما أريد غيره، قالت: خذه، فدعا بالخدم، وأمرهم بحمله حتى انتهى به إلى مجلسه، وحفر بئراً عميقاً (4) في المجلس إلى أن وصل إلى الماء، ووضع الصندوق على شفير البئر، ودنا منه وقال: يا صندوق إنه بلغنا شيء، فإن كان حقاً فقد

_ (1) كذا في ص ر؛ والأشهر أن يقال: لا ولا كرامة. (2) ص: بنتها (دون إعجام للباء) . (3) ص ر: تختاريه. (4) الصواب: عميقة.

الرشيد النابلسي

كفيناك ودفناك وقطعنا ذكرك إلى آخر الدهر، وغن كان باطلاً فإنما دفنا الخشب وما أهون ذلك، ثم قذف به في البئر وهال عليه التراب، وسويت الأرض، ورد البسط إلى حاله، وجلس الوليد، وما رأى الوليد ولا أم البنين في وجه واحد (1) منهما أثراً حتى فرق الدهر بينهما. 253 - (2) الرشيد النابلسي عبد الرحمن بن بدر بن الحسن ابن المفرج بن بكار، رشيد الدين النابلسي الشاعر المجيد؛ مدح الناصر وأولاده وأولاد العادل، وهو عم الحافظ شرف الدين يوسف بن الحسن النابلسي. قال شهاب الدين القوصي في معجمه: أنشدني رشيد الدين النابلسي، وقد رأى مليحاً بديع الصورة بين أسودين قبيحي الصورة: لله من عاينت عيني محاسنه ... يوماً فعوذته بالله من عيني

_ (1) ص: واحداً. (2) الزركشي: 101 وابن الشعار 3: 377 وقال فيه: ((كثير الشعر نبيه الذكر ذو نظم مستجاد أحسن إنشائه وأجاد، يجمع السهولة والمتانة والعذوبة والرصانة، امتدح الملوك من بني أيوب ملوك الشام، وأكرموه بفضل أدبه غاية إكرام، ثم غيرهم من الأمراء والقضاة والوزراء والولاة، تأدب على أبي اليمن الكندي وقرأ عليه كثيراص من مسموعاته واستغل في صباه على فتيان الشاغوري، ورحل إلى بغداد وقرأ المقامات الحريرية على أبي الفضل منوجهر البغدادي الكاتب، واتصل بأخرته بالملك المعظم شرف الدين عيسى صاحب دمشق ولم يزل منقطعاص إليه إلى أن توفي؛ وكان شغوفاً بشرب الخمر إلى حين مماته، وكان نزقاص مر المذاق شرس الأخلاق جافي الطباع، وديوان شعره يدخل في مجلدين)) اه؟. قلت وانظر ابن خلكان 5: 366 وهو عنده عبد الرحمن ابن محمد بن بدر، ولقبه مدلويه.

يختال كالغصن تيهاً في شمائله ... ما بين عبدين لون الليل علجين فقلت والشوق يطويني وينشرني ... لم ألق قبلك صبحاً بين ليلين فمر يضحك من قولي وقال بلى ... كم قد رأى الناس سعداً بين نحسين وأنشدني لنفسه: يا من عيون الأنام ترقبه ... رقبة شهر الصيام والفطر وإنما يرقب الهلال فلم ... ترقب بعد الكمال يا بدري ومن شعره قصيدة لها أربع قوافي: كم الحشا معذب ... موجع على المدى صب الفؤاد مغرم بناره يلتهب ... ملذع ما خمدا أواره والضرم حكم فيه أشنب ... ممنع من الفدا فهو الأسير المسلم مبتعد مجتنب ... مودع تعمدا وهو القريب الأمم زمانه تعتب ... وولع قد أكمدا من عز فهو يحكم ما الحب إلا لهب ... ومدمع تجددا ولوعة وسقم يا هل إليه سبب ... ممتع يولي يدا من لبه مخترم ما أنا إلا أشعب ... وأطمع فيما عدا فما إليه سلم ومن شعره: مالك والورق على أوراقها ... تعجم ما تعرب (1) عن أشواقها دعها وما هيجها فإنها ... أوالف تفرق في فراقها وإنما يريب ذا الوجد بها ... ملبسها الحلي في أطواقها أفدي الأولى فارقتهم فمهجتي ... لا تطمع الأساة في إفراقها (2)

_ (1) ص: يعرب. (2) الأساة: الأطباء، والأفراق: الابلال من مرض.

ابن أبي العاص الأموي

سروا بدوراً (1) في دجى غدائرٍ ... أعاذها الرحمن من محاقها غوارباً أفلاكها غوارب ... تزري بضوء الشمس في إشراقها تساق للبين المشت عيسها ... وأنفس العشاق في سياقها فكم حشاً يطوي على حريقه ... وأدمعٍ تنشر في آماقها وقال أيضاً: هز لدناً من قده سمهريا ... ومن اللحظ صارماً مشرفيا شادن أرسل الجفون سهاماً ... حين أبدى من حاجبيه قسيا من بنى الترك ما رنا ورمى حب ... ة قلب إلا وأصمى الرميا مخطف الخصر والسهام وما أر ... شق في الرمي راشقاً تركيا فهو شاكي السلاح ما زال من قت ... ل محبيه يركب المنهيا وكانت وفاة الرشيد في شهور سنة تسع عشرة (2) وستمائة، ودفن بمقابر باب الصغير، رحمه الله. 254 - (3) ابن أبي العاص الأموي عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص الأموي أخو مروان؛ شاعر محسن شهد يوم الدار، وتوفي في حدود السبعين للهجرة، وكان حاضراً عند يزيد بن

_ (1) ص ر: بدور. (2) ص: عشر. (3) لم ترد هذه الترجمة في المطبوعة؛ وانظر الأغاني 15: 81، 13: 260 قال أبو الفرج: شاعر إسلامي متوسط الحال في شعراء زمانه، وكان يهاجي عبد الرحمن بن حسان؛ وانظر أيضاً ابن خلكان 6: 359.

معاوية وقد جيء إليه برأس الحسين ووضع بين يديه في طست، فبكى عبد الرحمن وقال: أبلغ أمير المؤمنين فلا تكن ... كموتر قوسٍ ثم ليس لها نبل لهام بجنب الطف أدنى قرابةً ... من ابن زياد الوغد ذي الحسب الرذل سمية أمسى نسلها عدد الحصى ... وبنت رسول الله ليس لها نسل قال: فصاح يزيد، اسكت يا ابن الحمقاء، ما لك ولهذا؟ وقال لما ادعى معاوية زياداً (1) : ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلةً من القرم الهجان أتغضب أن يقال أبوك عف ... وترضى أن يقال أبوك زاني فأشهد أن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان وأشهد أنها ولدت زياداً ... وصخر من سمية غير داني فبلغ ذلك معاوية فحلف لا يرضى عنه حتى يرضى عنه زياد، فخرج عبد الرحمن إلى زياد، فلما دخل عليه قال: إيه يا عبد الرحمن، أنت القائل: ألا أبلغ معاوية بن حربٍ ... الأبيات؟ قال: أيها الأمير، ما قلت هذا ولكني قلت: ألا من مبلغ عني زياداً ... مغلغلةً من الرجل الهجان من ابن القرم قرم بني قصي ... أبي العاص ابن آمنة الحصان حلفت برب مكة والمصلى ... وبالتوراة أحلف والقران

_ (1) وردت في الأغاني 13: 266 منسوبة إليه ووردت عند ابن خلكان (6: 350) منسوبة لابن مفرغ، ثم قال ابن خلكان (6: 359) وفيها خلاف هل هي ليزيد بن مفرغ أم لعبد الرحمن بن الحكم، فمن رواها لابن مفرغ روى البيت الأول هكذا: ألا أبلغ معاوية بن صخر ... مغلفة عن الرجل اليماني ومن رواها لعبد الرحمن روى البيت الأول: ألا أبلغ معاوية بن صخر ... لقد ضاقت بما تأتي اليدان

قاضي القضاة ابن بنت الاعز

لأنت زيادة في آل حرب ... أحب إلي من وسطى بناني (1) سررت بقربه وفرحت لما ... أتاني الله منه بالبيان وقلت اني (2) أخو ثقة وعم ... بعون الله في هذا الزمان كذاك أراك والأهواء شتى ... فما أدري بغيبٍ ما تراني فرضي عنه زياد وكتب إلى معاوية برضاه عنه. فلما وصل إلى معاوية قال: أنشدني ما قلته (3) لزياد، فأنشده، فتبسم وقال: قبح الله زياداً (4) فما أجهله، لما قلت الله لأنت زيادة في آل حرب ... البيت، شر من الأول ولكنك خدعته فجازت خديعتك عليه. 255 - (5) قاضي القضاة ابن بنت الاعز عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خليفة بن بدر، قاضي القضاة تقي الدين أبو القاسم، ابن قاضي القضاة تاج الدين العلامي المصري الشافعي، المعروف بابن بنت الأعز؛ كان جده لأمه يعرف بالقاضي الأعز؛ وزير الملك الكامل بن أبي بكر بن أيوب، وعلامة - بالفتح والتخفيف - قبيلة من لخم.

_ (1) ص ر: بنان. (2) الأغاني: له. (3) ر والأغاني: قلت. (4) ص: زياد. (5) البداية والنهاية 13: 346 وطبقات السبكي 5: 64 والأسنوي 1: 151 والزركشي: 166 والنجوم الزاهرة 8: 82 والشذرات 5: 431 ورفع الأصر 2: 327.

سمع من الرشيد العطار وغيره، وتفقه على ابن عبد السلام وعلى والده، وكان فقيهاً إماماً مناظراً بصيراً بالأحكام، جيد العربية، ذكياً كاملاً نبيلاً رئيساً، شاعراً محسناً فصيحاً مفوهاً، وافر العقل كامل السؤدد، روى عنه الدمياطي في معجمه شيئاً من نظمه؛ توفي كهلاً سنة خمس وتسعين وستمائة. وولي الوزارة مع القضاء ثم استعفى من الوزارة، وتولى القضاء بعده الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد، امتحن في الدولة الأشرفية على يد شمس الدين ابن السلعوس ثم نجاه الله تعالى منه، ويقال: لما حكم بتعزيره نهره ابن السلعوس وأقامه، فقالوا له: هذا تعزير مثل هذا، فقال: لابد من زيادة، فقالوا: ينزل من القلعة إلى باب زويلة ماشياً، ولم ينله منه مكروه بعد عزله من القضاء أكثر من هذا، وسكن القرافة، وتولى التدريس بالمدرسة المجاورة لضريح الشافعي، ثم سافر إلى الحج فقضى الفريضة وزار مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنشد بها القصيدة البليغة من نظمه وهي: الناس بين مرجزٍ ومقصد ... ومطول في مدحه ومجود ومخبر عمن روى ومعبر ... عما رآه من العلا والسؤدد منها: ما في قوى الأذهان حصر صفاتك ال ... عليا ومالك من كريم المحتد ومن المحيط بكنه معنىً مدهشٍ ... بهر العقول بمصدر وبمورد فإذا البصائر فيه تنفذ أدركت ... منه معاني حسنها لم ينفد ورأتك في مرآتها شمس الضحى ... طلعت بكل تنوفة وبفدفد فأفادت البصر الصحيح إنارة ... تقوى على البصر الضعيف الأرمد وأخو الهوى في طرفه وفؤاده ... مرض يصد عن الطريق الأرشد جحد الظهيرة نورها واهاً له ... حرم السعادة كلها إن (1) يجحد

_ (1) ص ر: لن.

حظ الموفق أن يتابع دائما ... أخلاقك الغر الكرام ويقتدي منها في الإسراء: لم ترتفع لله عن خفضٍ ولم ... تقرب إليه من مكان مبعد لكن أرى محبوبه ملكوته ... حتى يشاهد فيه ما لم يشهد وأراه كيف تفاضل الأملاك وال ... رسل الكرام وكان غير مقلد ورأت له الأملاك في ملكوته ... جاهاً وقدراً مثله لم يوجد منها: هل جاء قبلك مرسل بخوارقٍ ... إلا وجئت بمثله أو أزيد فعصا الكليم تبدلت أعراضها ... وكذا عصاك تبدلت بمهند نبعت عيون الماء من حجر لنا ... والنبع في الأحجار كالمتعود إن البعيد من العوائد كلها ... نبع بدا بين الأصابع في اليد هذي هي الكف التي قد أصبحت ... بحراً إذا مدحوا لنا الكف الندي منها: ومحبة المولى هي الأصل الذي ... لم يثن عزمك فيه رأي مفند ومن الذي يجلى عليه جهرة ... ذاك الجمال فلم يخر ويسجد صلوات ربك والسلام عليك ما ... حييت من متوجه متعبد منها: وجرى ذكرك لفظه في وقفة ... لخطابه أو جلسة المتشهد وإذا مررت على القلوب فكنت كال ... أرج الذكي يرد روح المكمد وعلى صحابتك الكرام وآلك ال ... برءا من قول الجهول المفسد وعلى ضجيعيك اللذين تشرفا ... بالقرب منك بمقعدٍ وبمرقد لمكانةٍ في الدين ما خفيت على ... متبصر (1) قرأ العلوم مسدد

_ (1) ص: متبصراً.

ابن المسجف

قاما بنصرك في الحياة عبادةً ... وجلادةً أزرت على المتجلد وتكفلا بعد الممات بنصرة ال ... دين الحنيف على الكفور الملحد وتقلدا الأمر العظيم فأصبحا ... حججاً على كل امرىءٍ متقلد تالله قد جدا وما ونيا ولا اخ ... تارا الأخف على الأشق الأجهد (1) وكلاهما بزلال فضلك يرتوي ... وبفضل بردٍ من شعارك يرتدي كانا سعادة كل عبدٍ صالح ... وشقاوة الباغي الجهول المعتدي 256 (2) ؟؟؟؟؟؟ ابن المسجف عبد الرحمن بن أبي القاسم بن غنائم بن يوسف، الأديب بدر الدين الكناني العسقلاني ابن المسجف الشاعر؛ ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وتوفي سنة خمس وثلاثين وستمائة. كان أديباً ظريفاً خليعاً، توفي فجأة، وخلف خمسمائة ألف درهم فأخذها الجواد صاحب دمشق، وله أخت عمياء فقيرة، فمنعها حقها من ميراثها. وكان بدر الدين يتجر، وله رسوم على الملوك، وأكثر شعره في الهجو. قال القوصي في معجمه: كان الشريف شهاب الدين ابن الشريف فخر الدولة ابن أبي الجن الحسيني رحمه الله تعالى لما ولاه السلطان الملك الناصر أعزه الله تعالى النقابة على الطالبيين من الأشراف اجتمع في داره للتهنية جماعة الولاة والقضاة والصدور، وسألني الجماعة إنشاء خطبة تقرأ أمام قراءة المنشور، فذكرت خطبة على البديهة جمعت فيها بين فضل أهل البيت عليهم السلام وبين شكر السلطان على توليته

_ (1) ص: الأحمد. (2) الزركشي: 167 وابن الشعار 3: 479.

وما أولاه من الإحسان، فحضر بدر الدين ابن المسجف رحمه الله تعالى المجلس وأنشد هذه الثلاثة الأبيات لنفسه: دار النقيب حوت بمن قد حلها ... شرفاً يقصر عن مداه المطنب أضحت كسوق عكاظ في تفضيلها ... وبها شهاب الدين قس يخطب الفاضل القوصي أفصح من غدا ... عن فضله في العصر يعرب معرب (1) وأنشدني المذكور لنفسه في الشرف الحلي الشاعر (2) : يقولون لي ما بال حظك ناقصاً ... لدى راجح رب الفهاهة والجهل فقلت لهم إني سمي ابن ملجم ... وذلك إسم لا يقول به حلي وأنشدني لنفسه هذين البيتين، وكان قد قالهما ببغداد وقد جاء مطر كثير (3) يوم عاشوراء، وكان فصل صيف: مطرت بعاشورا وتلك فضيلة ... ظهرت فما للناصبي المعتدي والله ما جاد الغمام وإنما ... بكت السماء لرزء آل محمد وأنشدني لنفسه يمدح الكمال القانوني: لو كنت عاينت الكمال وجسه ... أوتار قانونٍ له في المجلس لرأيت مفتاح السرور بكفه ال ... يسرى وفي اليمنى حياة الأنفس وأنشدني لنفسه: ولقد مدحتهم على جهلٍ بهم ... وظننت فيهم للصنيعة موضعا ورجعت بعد الإختيار أذمهم ... فأضعت في الحالين عمري أجمعا ومثل هذا قول سبط التعاويذي (4) :

_ (1) ص: يعرب. (2) هو راجح الحلي، وقد تقدمت ترجمته في حرف الراء. (3) ص ر: مطراً كثيراً. (4) الأصوب: سبط ابن التعاويذي؛ وانظر ديوانه: 368.

قضيت شطر العمر في مدحكم ... طناً بكم أنكم أهله وعدت أفنيه هجاءً لكم ... فضاع عمري فيكم كله ولابن المسجف: يا رب كيف بلوتني بعصابةٍ ... ما فيهم فضل ولا إفضال متنافري الأوصاف يصدق فيهم ال ... هاجي وتكذب فيهم الآمال غطى الثراء على عيوبهم وكم ... من سوءةٍ غطى عليها المال جبناء ما استنجدتهم لملمة ... لؤماء ما استرفدتهم بخال فوجوههم عوذ (1) على أموالهم ... وأكفهم من دونها أقفال هم في الرخاء إذا ظفرت بنعمة ... آل وهم عند الشدائد آل وقال: أنا في جيلٍ خسيسٍ ... وقبيلٍ وزمان أمدح السلطان كي يص ... بح مالي في أمان هكذا كان أبو تما ... م قبلي وابن هاني وقال: قالوا تلقب بدر الدين مفتخراً ... نجل الجنوبي من قد زين الأمنا فقلت لا تعجبوا منه فذا لقب ... وقف على كل نحسٍ والدليل أنا وقال: ثلاثة أشياء ثقلن بجلق ... على كل قلب بالدليل المحقق تزهد قاضينا الخويي وطرحة ال ... شهاب وإسلام الحكيم الموفق وقال ابن القصار الفارقي: وغريرٍ كأنه غصن تين ... أحول المقلتين مر لماه

_ (1) ص ر: عوذاً.

قلت ما الإسم قد أطال عنائي ... قال مسعود قلت من لا يراه وقال في جماعة بدمشق: تسعة رهطٍ في جلق جمعوا ... ليس لهم في الفساد من عاشر الأعور التاج والشقيشقة الصفا ... ر وابن الخطيب والكافر .... ... ....والفسوة الشاعر (1) .... ... يخفي بغاءً دليله ظاهر وقال يخاطب الملك العادل، وقد أمر بنزح الماء من الخندق لأجل عمارة البرج: أرح من نزح ماء البرج قوما (2) ... فقد أفضى إلى تعبٍ وعي مر القاضي بوضع يديه فيه ... وقد أضحى كرأس الدولعي وقال في جماعة حول الملك الأشرف: وخمسة عند موسى لا خلاق لهم ... ما فيهم أبداً نفع لمخلوق ابن المحور والدخوار والفلك ال ... مصري وابن جرير وابن مرزوق وقال يخاطب الملك المعظم لما طولب بالزكاة: أيا ملكاً حوى علماً وجوداً ... وحاز لكل مكرمةٍ وفضل ومن هو كالمسيح اسماً وفعلاً ... ونصباً للحياة وجزم محل يكلفني البهاء زكاة مالٍ ... حرام كله من غير حل وكيف يقوم بالزكوات من لا ... يصوم ولا يحج ولا يصلي فجد (3) بهبات ذلك لي فإني ... أجل زكاتكم عن مال مثلي

_ (1) كذا، بياض في هذين البيتين في كل من ص ر، ولم ترد ابيات عند الزركشي. (2) ص: قوم. (3) ص: فخذ.

وقال: قالوا علام رفضت الشعر مطرحاً ... فقلت من قلة الإنصاف في زمني لا المدح يورثني مالاً أسر به ... ولا الهجاء إلى سؤلي يقربني حتى يقال أديب شاعر فطن ... حرام كل أديب شاعرٍ فطن وقال محيي الدين ابن الجوزي رسول الخليفة وكان يتردد إلى الملوك في الرسائل فمات منهم جماعة متقاربون (1) يخاطب الخليفة المستنصر: يا إمام الهدى أبا جعفر المنصو ... ر يا من له الفخار الأثيل ما جرى من رسولك الشيخ محيي ال ... دين في هذه البلاد قليل جاء والأرض بالسلاطين تزهو ... فغدا والقصور منهم طلول أقفر الروم والشآم ومصر ... أفهذا مغسل أم رسول وقال في جماعة بدمشق: خمس تيجان لا يساوون نعلاً ... رث في قيمة ولا مقدار الشحيرير والأعيور والقصا ... ر وابن المصري وابن الحواري وقال في ابن الزكي والجمال يونس المصري: يقيسون يحيى بالفعال بيونسٍ ... وهذا على ضد القياس المؤسس وكيف يصح الحكم والحوت بالع ... لذاك، وهذا بالع حوت يونس ومن شعره في الغرز خليل والي دمشق: ما خليل بخليل لا ولا ... صحبه (2) أهل صلاح بل فساد لقبوه الغرز لا جهلاً به ... صدقوا لكنه غرز جراد وقال يمدح الملك الكامل:

_ (1) ص: متقاربين. (2) ص: أصحابه.

ابن أبي حاتم

إذا لبس الدرع مستلئماً ... وكرسيه صهوة الصاهل ترى الأرض محمرةً بالدما ... ومخضرة اللون بالنائل وقال على لسان بنت الملك الأشرف في دار السعادة: قالت مليكة: هذي الدار حين ثوى ... من شيد الدار بعد الملك بالترب لا تحسدوني على دار السعادة بل ... دار السعادة كانت في زمان أبي وصل ابن المسجف في بعض سفراته إلى الموصل بما معه من التجارة، فباع الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ الأتابكي متملك الموصل شيئاً معه، ومدحه، فتقدم إلى نائبه الأمير أمين الدين لؤلؤ (1) عتيقة بقضاء أشغال له، فتوقف في أمره، فقال له بعض أصحاب الباب: لو طاب قلب أمين الدين مشى الحال، وحصل المقصود، فقال: يقولون لو طاب قلب الأمين ... رجعت بدر نفيس ثمين فقلت أعود بلا حبةٍ ... ولا طيب الله قلب الأمين 257 (2) ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران، أبو محمد ابن أبي حاتم التميمي الحنظلي، الإمام ابن الإمام الحافظ ابن الحافظ؛ سمع أباه وغيره. قال ابن منده: صنف ابن أبي حاتم المسند في ألف جزء،

_ (1) كذا في ص ر. (2) تذكرة الحفاظ: 829 وطبقات الحنابلة 2: 55 والبداية والنهاية 11: 191 والنجوم الزاهرة 3: 265 والشذرات 2: 308 وعبر الذهبي 2: 208.

ابن منده

وكتاب الزهد وكتاب الكنى والفوائد الكبير وفوائد (1) الرازيين وتقدمة الجرح والتعديل وصنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمطار، وله الجرح والتعديل في عدة مجلدات تدل على سعة حفظه وإمامته، وكتاب الرد على الجهمية في مجلد كبير، وله تفسير كبير سائره آثار مسندة في أربع مجلدات. قال أبو يعلى الخليلي (2) : كان يعد من الأبدال، وقد أثنى عليه جماعة بالزهد والورع التام والعلم والعمل، وتوفي في المحرم سنة سبع وعشرين وثلثمائة، رحمه الله تعالى. 258 - (3) ابن منده عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده، واسم منده إبراهيم، بن الوليد، أبو القاسم ابن الحافظ أبي عبد الله العبدي الأصبهاني؛ كان كبير الشأن جليل القدر، حسن الخط واسع الرواية، له أصحاب وأتباع، وهو أكبر الإخوة، والإجازة كانت عنده قوية، وله تصانيف كثيرة وردود جمة على أهل البدع. قال السمعاني: سمعت الحسن بن محمد الرضا العلوي يقول، سمعت خالي أبا طالب بن طباطبا يقول: كنت أشتم عبد الرحمن بن منده إذا سمعت ذكره أو جرى ذكره في محفل، فسافرت إلى جرداباقان فرأيت أمير المؤمنين عمر بن

_ (1) ص: والفوائد. (2) هو الخليل بن عبد الله صاحب كتاب ((الإرشاد)) في معرفة علماء الحديث. (3) طبقات الحنابلة 2: 242 والذيل عليها 1: 34 والنجوم الزاهرة 5: 105 وابن الوردي 1: 379 والبداية والنهاية 12: 118 والشذرات 3: 137 وعبر الذهبي 3: 274 وتذكرة الحفاظ: 1165.

فخر الدين ابن عساكر

الخطاب رضي الله عنه في المنام ويده في يد رجل عليه جبة زرقاء وفي عينه نكتة، فسلمت عليه فلم يرد علي السلام وقال: لم تشتم هذا إذا سمعت ذكره؟ فقيل لي في المنام: هذا عمر بن الخطاب، وهذا ابن منده، فانتبهت ثم رجعت إلى أصبهان وقصدت الشيخ عبد الرحمن، فلما دخلت عليه ورأيته صادفته على النعت الذي رأيته في المنام وعليه جبة زرقاء، فلما سلمت عليه قال: وعليك السلام يا أبا طالب، وقبل ذلك ما رآني ولا رأيته، وقال لي قبل أن أكلمه: ما حرمه الله ورسوله (1) ، يجوز لنا أن نحله؟ فقلت له: اجعلني في حل، ونشدته الله وقبلت بين عينيه، فقال عبد الرحمن لي: جعلتك في حل مما يرجع إلي. وتوفي ابن منده سنة سبعين وأربعمائة، رحمه الله. 259 - (2) فخر الدين ابن عساكر عبد الرحمن بن محمد بن الحسن (3) بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، الإمام المفتي فخر الدين أبو منصور الدمشقي الشافعي، ابن عساكر شيخ الشافعية؛ تولى تدريس الجاروخية (4) ثم تدريس التقوية (5) ، وكان يقيم بالقدس أشهراً وبدمشق أشهراً، وولي تدريس الصلاحية بالقدس، وكان عنده بالتقوية فضلاء الشام حتى كانت تسمى

_ (1) حرمه الله ورسوله: مكررة في ص. (2) طبقات السبكي 5: 66 وذيل الروضتين: 136 وعبر الذهبي 5: 81 ومرآة الزمان: 630 والشذرات 5: 92 وطبقات ابن قاضي شهبة: 161 والأسنوي 2: 219 والدارس 1: 82 وليست هذه الترجمة مما فات ابن خلكان فقد وردت عنده 3: 135. (3) ص: الحسين. (4) بناها جاروخ التركماني وكانت شمالي الجامع الأموي وقد درست (الدارس 1: 225) . (5) التقوية نسبة إلى تقي الدين عمر بن شاهنتاه بن أيوب وكانت شرقي الظاهرية (الدارس 1: 216) .

الفراسي المغربي

نظامية الشام، وهو أول من درس بالعذراوية، وكان يتورع من المرور في رواق الحنابلة لئلا يأثموا بالوقيعة فيه؛ لأن عوامهم يبغضون بني (1) عساكر لأنهم شافعية أشاعرة، وعرضوا عليه ولايات ومناصب فتركها، وصنف في الفقه والحديث مصنفات. وتوفي سنة عشرين وستمائة، ومولده سنة خمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 260 - (2) الفراسي المغربي عبد الرحمن بن محمد الفراسي - بالفاء وبعد الراء الف وسين - وهي قرية تعرف ببني فراس جوار تونس، إلا أن مستقره تونس وبها تأدب؛ كان شاعراً ماجناً خليعاً شريراً، كثير المهاجاة قليل المداراة خبيث اللسان، توفي بمدينة سوسة، سقط من سطح وهو سكران فتردى، وذلك سنة ثمان وأربعمائة، وقد نيف على الثلاثين. لما ولي القاضي (3) عبد الرحمن بن محمد النحوي قضاء تونس قال الفراسي: يقول فراسي هذا الزمان ... وما زال في قوله يعدل متى يملك الأرض دجالها ... فقد صار قاضينا أحول فبلغ ذلك القاضي فأحفظه (4) ، ودعاه إليه رجل خاصمه، فلما مثل بين يديه سمع

_ (1) ص: ابن، والتصويب عن ر. (2) مسالك الأبصار 11: 246 ومعجم البلدان (مادة: فراس) . (3) ص: القضا. (4) ص ر: فأخفضه.

الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر

دعوى خصمه، ثم سأله فأقر فألزمه أداء الحق فامتنع وقال: علي يمين أن لا أؤديه (1) إلى وقت كذا، فأطرق القاضي ساعة وقضى عنه ما وجب لغريمه عليه، فلما خرج قيل له ما صنعت؟ قال: أردت أن أستحل عرضه فحرمه علي، ونظم: من كان عندي له مطالبة ... فإن بيني وبينه القاضي قاضٍ قضى عني الحقوق على ... بعدي منه وفرط إعراضي أباح لي ماله ليمنعني ... من عرضه وهو ساخط راضي فيا لها رقيةً مسكنةً ... لحيةٍ ساورته نضناض وجلس يوماً إلى شيخ تونس، وكان نهاية في المجون، فاجتاز بهما رجل يسأل عن دار ابن عبدون، فقال له الشيخ: هي تلك الرائقة حيث يقوم أيرك، قال الفراسي: والله لأنظمنه فما رأيت كهذا المعنى، وقال من ساعته: إن شئت أن تعرف عن صحةٍ ... دار الذي يعزى لعبدونه فامش فإن أيرك أبصرته ... قام فإن الباب من دونه 261 (2) الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة، شيخ الإسلام وبقية الأعلام، شمس الدين أبو محمد ابن القدوة الشيخ أبي عمر، المقدسي الجماعيلي الصالحي الحنبلي الخطيب الحاكم؛ ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، بالدير المبارك بسفح

_ (1) ص: أدبه. (2) ذيل طبقات الحنابلة 2: 304 والنجوم الزاهرة 7: 358 والبداية والنهاية 13: 302 والشذرات 5: 376 وعبر الذهبي 5: 338.

أبو البركات ابن الأنباري

قاسيون، وتوفي سنة اثنتين وثمانين وستمائة. سمع حضوراً من ست الكتبة بنت الطراح، ومن أبيه وعمه، وعليه تفقه، وعرض عليه المقنع وشرحه في عشر مجلدات، وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وابن الحرستاني وابن كامل والقاضي أسعد بن المنجا وابن البنا وابن ملاعب والبكري والجلاجلي والشمس والبخاري وجماعة كثيرة، وطلب بنفسه، وكتب وقرأ على الشيوخ - قرأ على ابن الزبيدي وجعفر الهمداني والضياء المقدسي، وسمع بمكة من أبي المجد القزويني وابن باسويه، وبالمدينة من أبي طالب عبد المحسن بن أبي العميد الخفيفي، وأجاز له أبو الفرج ابن الجوزي وأبو جعفر الصيدلاني، وروى عنه الأئمة: أبو بكر المناوي وأبو الفضل بن قدامة الحاكم وابن تيمية والحارثي وابن العطار والمزي والشيخ برهان الدين وإسماعيل الحراني والبرزالي وخلق كثير، وإليه انتهت رياسة المذهب في عصره، وكان عديم النظير علماً وحلماً وزهداً، وولي القضاء أكثر من اثنتي (1) عشرة سنة، ولم يأخذ عليه رزقاً ثم تركه، ولما توفي رثاه شمس الدين الصائغ والشيخ علاء الدين ابن غانم، وتقي الدين ابن تمام، وشهاب الدين محمود، رحمه الله تعالى. 262 - (2) أبو البركات ابن الأنباري عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله، أبو البركات النحوي كمال الدين ابن

_ (1) ص: اثني عشر. (2) ليست هذه الترجمة من المستدرك على ابن خلكان فقد وردت في الوفيات 3: 139 وانظر انباه الرواة 2: 169 وطبقات السبكي 4: 248 ومرآة الجنان 3: 408 والنجوم الزاهرة 6: 90 والأسنوي 1: 20 وطبقات ابن قاضي شهبة: 143 والزركشي: 168 والشذرات 4: 258 وذكر محقق الانباه أن له ترجمة في الوافي للصفدي؛ ولم يرد في المطبوعة من هذه الترجمة إلا أسطر معدودات، ومقطوعته السينية.

الأنباري؛ قدم بغداد في صباه وقرأ الفقه بالمدرسة النظامية على ابن منصور سعيد بن الرزاز وعلى من بعده حتى برع وحصل طرفاً من الخلاف، وصار معيداً بالنظامية، وكان يعقد مجلس الوعظ، ثم قرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي ولازم الشريف ابن الشجري حتى برع وصار من المشار إليهم في النحو، وتخرج به جماعة، وسمع من ابن خيرون وعبد الوهاب ابن الأنماطي ومحمد بن حبيب العامري وغيرهم، وحدث وروى الكثير من كتب الأدب. وكان إماماً ثقة صدوقاً غزير العلم، ورعاً زاهداً تقياً عفيفاً لا يقبل من أحد شيئاً، وكان خشن العيش خشن المأكل لم يتلبس من الدنيا بشيء، توفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وله من المصنفات: هداية الذاهب في معرفة المذاهب. الداعي إلى الإسلام في علم الكلام. النور اللائح في اعتقاد السلف الصالح. اللباب المختصر. منشورالعقود في تجريد الحدود. التنقيح في مسلك الترجيح. الجمل في علم الجدل. الاختصار في الكلام على ألفاظ تدور بين النظار. نجدة السوال في عمدة السوال. الإنصاف في مسائل الخلاف. أسرار العربية. عقود الإعراب. حواشي الإيضاح. منثور الفوائد. مفتاح المذاكرة. كتاب لو. كتاب ما. كتاب كيف. كتاب الألف واللام. كتاب حلية العربية. كتاب لمع الأدلة. الإعراب في علم الإعراب. شفاء السائل في بيان رتبة الفاعل. الوجيز في التصريف. البيان في جمع أفعل أخف الأوزان. المعتبر في الفرق بين الوصف والخبر. المرتجل في إبطال تعريف الجمل. جلاء الأوهام وجلاء الأفهام في متعلق الظرف في قوله تعالى: " أحل لكم ليلة الصيام ". غريب إعراب القرآن. رتبة الأنساب. المسائل الخرسانية. مقترح السائل في ويل أمه. كتاب الزهرة في اللغة. الأسمى في شرح الأسما. كتاب حيص بيص. حلية العقود في الفرق

بين المقصور والممدود. كتاب ديوان اللغة. زينة الفضلاء في الفرق بين الضاد والظاء. البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث. كتاب النوادر. كتاب الأضداد. كتاب فعلت وأفعلت. الألفاظ الجارية على لسان الجارية. قبسة الأديب في أسماء الذيب. الفائق في أسماء المائق. البلغة في أساليب اللغة. قبسة الطالب في شرح خطبة أدب الكاتب. تفسير غريب المقامات الحريرية. شرح ديوان المتنبي. شرح الحماسة. شرح السبعة الطوال. شرح مقصورة ابن دريد. المقبوض في العروض. الموجز في القوافي. اللمعة في صنعة الشعر. نزهة الالبا في طبقات الأدبا. الجوهرة في نسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه العشرة. تاريخ الأنبار. نكت المجالس في الوعظ. نقد الوقت. نغبة الوارد. التفريد في كلمة التوحيد. أصول الفصول في التصوف. نسمة العبير في التعبير. ومن شعره: إذا ذكرتك كاد الشوق يقتلني ... وأرقتني أحزان وأوجاع وصار كلي قلوباُ فيك داميةً ... للسقم فيها وللآلام إسراعي فإن نطقت فكلي فيك ألسنة ... وإن سمعت فكلي فيك أسماع ومنه: دع فؤادي من ذكر دعدٍ وهند ... وبكائي مغنى العقيق ونجد وادكاري أطلال رامة والجز ... ع فذكر الأطلال ما ليس يجدي وارتياحي إلى الحمى والأثيلا ... ت وما فيه من عرارٍ ورند واشتياقي إلى الأراك وما ض ... م حماه من المها والربد ودعاني بذكر من سكن الخي ... ف فخيفي خوفي ونجدي وجدي سوق (1) شوق الحبيب يحدو بقلبي ... نحو سوق الشوق المبرح وحدي

_ (1) ص: شوق.

الداوودي

غيرةً أن يحل فيه سواه ... أو يرى فيه ذكر مولى وعبد هو أنسي إذا تباعد أنسي ... وجليسي إذا ذكرت وعندي جل في الذات والصفات عن الح ... د وفي الطول أن يحد بحد (1) عد عني ذكر الغواني وهندٍ ... والمغاني والجزع بالله عدي ومنه: العلم أوفى حلية ولباس ... والعقل أوقى جنة الأكياس كن طالباً للعلم تحي فإنما ... جهل الفتى كالموت في الأرماس وصن العلوم عن المطامع كلها ... لترى أن العز عز (2) الياس والعلم ثوب والعفاف طرازه ... ومطامع الانسان كالأدناس والعلم نور يهتدى بضيائه ... وبه يسود الناس فوق الناس 263 (3) الداوودي عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن احمد بن معاذ بن سهل ابن الحكم بن شيرزاذ، أبو الحسن بن أبي طلحة الداوودي جمال الإسلام وشيخ خراسان، راوي البخاري عن السرخسي؛ كان من الأئمة الكبار في معرفة المذهب والخلاف والأدب، مع علو الإسناد، وله حظ من النظم والنثر. قرأ الفقه

_ (1) ص: بمجد. (2) ص: عن. (3) طبقات السبكي 3: 228 والأنساب 5: 295 واللباب (الداوودي) والمنتظم 8: 496 والأسنوي 1: 525 والزركشي: 168 والبداية والنهاية 12: 112 والنجوم الزاهرة 5: 99.

على القفال المروزي وسهل الصعلوكي وأبي طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، وأبي بكر الطوسي، وأبي سعيد يحيى بن منصور، وصحب الأستاذ أبا علي الدقاق وأبا عبد الرحمن السلمي وفاخر السجزي الضرير ويحيى بن عمار، وقدم بغداد وقرأ على أبي حامد الإسفراييني حتى برع في المذهب والخلاف، وعاد إلى بوشنج، وأخذ في التدريس والفتوى والتصنيف، وعقد مجالس التذكير ورواية الحديث، إلى أن توفي إلى سنة سبع وستين وأربعمائة، وكان مولده سنة أربع وسبعين وثلثمائة. ومن شعره: كان اجتماع الناس فيما مضى ... يورث البهجة والسلوة فانقلب الأمر إلى ضده ... فصارت السلوة في الخلوة وقال أيضاً رحمه الله تعالى (1) : كان في الاجتماع من قبل نور ... فمضى النور وادلهم الظلام فسد الناس والزمان جميعاً ... فعلى الناس والزمان السلام وقال: إن شئت عيشاً طيباً ... يغدو بلا منازع فاقنع بما أوتيته ... فالعيش عيش القانع

_ (1) زيادة من ر.

ابن دوست

264 - (1) ابن دوست عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عزيز بن يزيد الحاكم، أبو سعيد ابن دوست، ودوست لقب جده محمد، أحد الأعيان الأئمة بخراسان في العربية سمع الدواوين وحصلها، وصنف التصانيف المفيدة، واقرأ الناس الأدب والنحو، وله رد على الزجاجي فيما استدركه على ابن السكيت في إصلاح المنطق. وكان زاهداً عارفاً ورعاً، وعنه أخذ الواحدي اللغة، وتوفي سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. وكان أطروشاً لا يسمع شيئاً، وكان يقرأ على الحاضرين مجلسه بنفسه. وكان أوجه من قرأ اللغة على الجوهري صاحب الصحاح. ومن شعره: ألا يا ريم خبرني ... عن التفاح من عضه وحدث بأبي عن حب ... ك البكر من افتضه وختم الله بالورد ... على خدك من فضه لقد أثرت العض ... ة في وجنتك الغضة كما يكتب بالعنب ... ر في جامٍ من الفضة ومن شعره: وشادنٍ نادمت في مجلسٍ ... قد عطلت فيه أباريقه

_ (1) يتيمة الدهر 4: 425 وابن خلكان 1: 129 وانباه الرواة 2: 167 ودمية القصر: 186 (ط. الطباخ) ، وذكر محقق الانباه أن له ترجمة في الوافي للصفدي؛ وانظر بغية الوعاة: 302 والزركشي: 169.

ابن السنينيرة

طلبت ورداً فأبى خده ... ورمت راحاً فأبى ريقه ومنه: وشادنٍ قلت له ... هل لك في المنادمة فقال: كم من عاشقٍ ... سفكت بالمنى دمه ومنه: عليك بالحفظ دون الجمع في كتبٍ ... فإن للكتب آفاتٍ تفرقها الماء يغرقها والنار تحرقها ... والفار يخرقها واللص يسرقها 265 (1) ابن السنينيرة عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عمر بن أبي القاسم، جمال الدين الواسطي المعروف بابن السنينيرة - تصغير سنورة - الشاعر المشهور؛ ولد سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وتوفي سنة ست وعشرين وستمائة، طاف البلاد، ودخل حلب، ومدح الظاهر، وجرى قضية يجيء ذكرها إن شاء الله تعالى في ترجمة ابن خروف علي بن محمد بن يوسف. وكان عسر (2) الأخلاق صعب الممارسة كثير الدعاوى، لا يعتقد في أحد

_ (1) ابن الشعار 3: 467 وابن خلكان 1: 215 وقال ابن الشعار: ((شاهدته بمدينة الموصل سنة اثنتين وعشرين وستمائة وهو شيخ كبير وسألته عن ولادته فذكر أنه ولد بواسط سنة سبع أو تسع وأربعين وخمسمائة. وكان ينتجع الناس بأشعاره ويطوف البلاد، وكان من عوام الشعراء قليل البضاعة في صناعة القريض، ذا بضاعة في الأدب مزجاة إلا أن له طبعاً يعينه في إنشاء الشعر لا غير؛ وأقام في إربل مدة وقصد صدرها ابن المستوفي)) . (2) ر: حسن.

من أقرانه من الشعراء - مثل الأبله وابن المعلم وغيرهما - شيئاً، ويقول: أنا أسحب ذيلي عليهم فضلاً ومزية. ومدح الملك الظاهر غازي بقصيدة يذكر فيها القناة التي أجراها بحلب، وهي: دون الصراة بدت لنا صور الدمى ... لا أدم صيران الصريم ولا الحمى غيد هززن من القدود ذوابلاً ... لدنا ورشن من النواظر أسهما عنت وكم دون الحريم أحل من ... دم عاشق عانٍ وكان محرما فنبهن أنقاء الصريم روادفاً ... ووهبن إيماض البروق تبسما وأعرن أنفاس النسيم من الصبا ... أرجاً أبت أسراره أن تكتما وعلى أوانا كم ونى يوم النوى ... جلد وعهد هوىً وهى وتصرما أأميم لولا فرط صدك لم أهم ... ظمأً ولا ألماً إلى رشف اللمى ولما وقفت بسفح سلمى منشداً ... أمحلتي سلمى بكاظمة اسلما خلفتني بين التجني والقلى ... لا ممعناً هرباً ولا مستسلما وتركتني تفني الزمان تعللاً ... نفسي بذكر عسى وسوف وربما ولكم طرقتك زائراً فجعلت لي ... دون الوسادة والمهاد المعصما ومنحتني ظلماً ولثماً لم يكن ... حوض (1) العفاف بورده متهدما فاليوم طيفك لو ألم لبخله ... للصب في سنة الكرى ما سلما يا سعد إن حلاوة العيش التي ... قد كنت تعهدها استحالت علقما سر بي فلي في السرب قلب (2) سار في ... أثر الفريق مقوضاً ومخيما قد فاز بالقدح المعلى من أتى ... نهر المعلى زائراً ومسلما لو لم تكن تلك القباب منازلاً ... ما قابلت فيها البدور الأنجما يا ساكني دار السلام عليكم ... مني التحية معرقاً أو مشئما

_ (1) ص: خوض. (2) ص: قلباً.

ابن المنجم الواعظ المعري

وعلى حمى حلبٍ فإن مليكها ... ما زال صباً بالمكارم مغرما قرم ترى في الدرع منه لدى الوغى ... ذا لبدةٍ قرماً وصلاً أرقما ويضم منه الدست في يوم الوغى ... بحراً طمى كرماً وطوداً أيهما روى ثرى حلب فعادت روضةً ... أنفاً وكانت قبله تشكو الظما أحيا رفات عفاتها فكأنه ... عيسى بإذن الله أحيا الأعظما لا غرو أن أجرى القناة جداولاً ... فلطالما بقناته أجرى الدما وبكفه للآملين أنامل ... منها العباب أو السحاب إذا طما 266 (1) ابن المنجم الواعظ المعري عبد الرحمن بن مروان بن سالم بن المبارك، أبو محمد التنوخي المعري المعروف بابن المنجم الواعظ؛ قدم بغداد وعليه مسح على هيئة الوعاظ السياح، فصار له ناموس عظيم، وعقد مجلس الوعظ بدار السلطان، وحضر السلطان مجلسه، وصار له الجاه التام، ونفذه الخليفة رسولاً إلى الموصل، واشتهر ذكره ونما خبره. وكان مشتهراً بتزوج الأبكار، واكثر من ذلك حتى قيل فيه الأشعار، وصار له جوار يقين عليهن، وخرج من بغداد هارباً من أيدي الغرماء، ودخل الشام وأقام بدمشق إلى أن توفي سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وقد جاوز السبعين. وكان يعظ بدمشق ونفق سوقه بها، وكان يعظ في الأعزية؛ أتاه يوماً صغير (2)

_ (1) الزركشي: 169 والشذرات 4: 178 والخريدة (قسم الشام) 2: 92 ويلقب بشمس الدين، وجعل العماد وفاته سنة 560؛ وذكر محقق الخريدة أن له ترجمة فيما لم يطبع من تهذيب ابن عساكر. (2) ص ر: صغيراً.

ليتوب على يده، فحمله على كتفه فقال: هذا صغير ما أتى كبيرةً ... فهل كبير ركب الكبائرا فضج أهل المجلس بالبكاء. وكان يظهر لكل طائفة أنه منهم حرصاً على التحصيل، وعمل عزاء أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله في الجامع الأموي بدمشق، فقام في التعزية ورثاه بأبيات، فخلع عليه صدر المجلس ثوبه، فذكر عادته في الكدية، وخرج عما كان فيه من التعزية إلى استدعاء موافقة الحاضرين، فخلع عليه بعضهم فقال: أنا المعري لا المعري. ومن شعره: حبيب لست أنظره بعيني ... وفي قلبي له حب شديد أريد وصاله ويريد هجري ... فأترك ما أريد لما يريد وقال: جارة قد أجارها ال ... حسن من كل جانب فهي بين النساء كال ... بدر بين الكواكب وقال: وشاربٍ مثل نصف الصاد صاد به ... قلبي رشاً ثغره أنقى من البرد (1) كأنما خاله من فوق وجنته ... سواد عينٍ بدا في حمرة الرمد

_ (1) ص: الدرر؛ وهو سهو فيما يبدو.

ملك الأندلس الداخل

267 - (1) ملك الأندلس الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي الداخل إلى الأندلس، وهو أول من ملك الأندلس من بني أمية، وتفلت من بين يدي بني العباس وأبعد إلى المغرب. أقام ببرقة (2) خمس سنين، ودخل بدر مولاه يتجسس له الأخبار، فقال للمضرية: لو وجدتم رجلاً من أهل الخلافة أكنتم تبايعونه؟ فقالوا: وكيف لنا بذلك؟ فقال بدر: هذا عبد الرحمن بن معاوية، فأتوا إليه فبايعوه، فولي عليها ثلاثاً وثلاثين سنة، وكان دخوله الأندلس سنة تسع وثلاثين ومائة (3) . وكان يوسف الفهري أول من قطع الدعوة عنهم، فلما دخل عبد الرحمن قاتل يوسف واستولى على البلاد، وبقي ملك الأندلس بيد أولاده إلى رأس الأربعمائة. وكان عبد الرحمن من أهل العلم على سيرة جميلة من العدل في قضاياه، وكانوا يقولون: ملك الدنيا ابنا بربريتين، يعنون المنصور وعبد الرحمن، وكان المنصور إذا ذكر له عبد الرحمن قال: ذلك صقر قريش، دخل المغرب وقد قتل قومه، فلم يزل يضرب العدنانية بالقحطانية حتى تملك. قال ابن حزم: خطب عبد الرحمن لأبي جعفر المنصور أعواماً (4) ، ثم ترك

_ (1) لم ترد هذه الترجمة في المطبوعة؛ وانظر في أخبار الداخل: البيان المغرب 2: 40 وأخبار مجموعة: 50 والحلة السيراء 1: 35 وابن خلدون 4: 120 ونفح الطيب 3: 27 والزركشي: 169 والنويري 22: 1 (الباب الخامس) وابن القوطية: 45. (2) في المصادر أنه كان بنوحاي إفريقية (انظر مثلاً الحلة) إذ أن أخواله بنو نفزة. (3) الحلة: في غرة شهر ربيع الأول سنة 138. (4) كذا. وعند ابن الأبار أنه فعل ذلك أشهراً دون السنة.

الخطبة ولم يتعرض لبني العباس ولا تعرضوا له. وكان بقرطبة جنة اتخذها عبد الرحمن، وكان فيها نخلة تولدت منها كل نخلة بالأندلس. وتوفي في جمادى الأولى في سنة اثنتين وسبعين ومائة. وقيل إن رجلاً من أهل العلم رأى فيه علائم فقال له إن أمر الأندلس صائر إليك، فهو الذي حثه على الدخول إلى الأندلس، وبويع له بقرية من قرى اشبيلية، وطلب قناة تعقد له فيها راية فلم توجد، فعقدوا له ملحفة في قصبة؛ وكانت الأندلس غفلاً من سمة الملك، فدون الدواوين وجند الأجناد وفرض الأعطية أقام للملك أبهة وشعاراً. ومن شعره: غنيت عن روضٍ وقصرٍ شاهق ... بالقفر والايطان والسرادق (1) فقل لمن نام على النمارق ... إن العلا شدت بهم طارق وقال: أيها الراكب الميمم أرضي ... أقر مني السلام بعضي لبعضي (2) إن جسمي كما علمت بأرض ... وفؤادي ومالكيه بأرض قدر البين بيننا فافترقنا ... وطوى البين عن جفوني غمضي قد قضى الله بالفراق علينا ... فعسى باجتماعنا سوف يقضي

_ (1) الحلة: بالسرادق. (2) الحلة: أقر من بعضي السلام لبعضي.

الزكي القوصي

268 - (1) الزكي القوصي عبد الرحمن بن وهيب بن عبد الله، زكي الدين القوصي الكاتب؛ كان فاضلاً في نظمه ونثره متقناً للكتابة، توفي بحماة مخنوقاً بعد الأربعين وستمائة (2) ، بعد وزارته للمظفر صاحب حماة وصحبته له دهراً طويلاً، وكان المظفر قد وعده أنه متى ملك حماة أعطاه ألف دينار، فلما ملكها أنشده: مولاي هذا الملك قد نلته ... برغم مخلوقٍ من الخالق والدهر منقاد لما شئته ... وذا أوان الموعد الصادق فأقام معه مدة، ولزمته أسفار أنفق فيها المال الذي أعطاه، ولم يحصل بيده زيادة عليه فقال: ذاك الذي أعطوه لي جملةً ... قد استردوه قليل (3) قليل فليت لم يعطوا ولم يأخذوا ... وحسبي الله ونعم الوكيل فبلغ ذلك المظفر فأخرجه من دار كان قد أنزله بها، فقال: أتخرجني من كسر بيتٍ مهدم ... ولي فيك من حسن الثناء بيوت فإن عشت لم أعدم مكاناً يكنني (4) ... وأنت فتدري ذكر من سيموت

_ (1) الطالع السعيد: 287 والزركشي: 170 وسماه الأذفوي: ((عبد الرحمن بن عبد الوهاب ابن علي أبو القاسم الكاتب المنعوت بالزكي المعروف بابن وهيب)) وقال إن المنذري ذكره في التكلمة لوفيات النقلة، كما أن ابن سعيد ذكره (لعله في المشرق من حلى المشرق) . (2) عند الأدفوي أنه توفي سنة 631، ولا بد أن يكون هذا أصح لاعتماده على المنذري. (3) كذا في ص ر، وحقه النصب كما في الزركشي والأدفوي. (4) الأدفوي والزركشي: يضمني.

فحبسه المظفر فقال: ما ذنبي؟ فقال: وحسبي الله ونعم الوكيل، وأمر بخنقه، فلما أحس بذلك قال: أعطيتني الألف تعظيماً وتكرمةً ... يا ليت شعري أم أعطيتني ديني وكان قد أنشده قصيدةً قبل أن يتملك حماة حين وعده بالألف دينار منها: متى أراك ومن تهوى وأنت كما ... تهوى على رغمهم روحين في بدن هناك أنشد والآمال حاضرة: ... هنيت بالملك والأحباب والوطن قال شهاب الدين القوصي في معجمه: أنشدني زكي الدين القوصي لنفسه: تبدت فهذا البدر من كلفٍ بها ... وحقك مثلي في دجى الليل حائر وما مست فشق الغصن غيظاً جيوبه ... ألست ترى أوراقه تتناثر فأجازهما يوسف بن عبد العزيز المرصص بقوله: وفاحت فألقى العود في النار نفسه ... كذا نقلت عنه الحديث (1) المجامر وقالت فغار الدر واصفر لونه ... كذلك ما زالت تغار الضرائر وكتب إلي وأنا بالديار المصرية: أوحشتني والله يا سيدي ... وزاد شوقي وغرامي إليك إن غبت عن عيني برغمي فقد ... أقام في الحضرة قلبي لديك وإن شممت الريح مسكيةً ... فذاك من طيب ثنائي عليك وكتب إلي: سيدي سيدي كتابك أحلى ... من زلالٍ على فؤادي الصادي خلت فيه قميص يوسف لما ... ألصقته أناملي بفؤادي كرر اللثم يا فمي وترشف ... منه آثار فضل تلك الأيادي

_ (1) ص ر: حديث.

القاضي نجم الدين ابن البارزي

وقال في المعين الهيتي، وقد أمر بنفيه من مصر إلى الشام: لا تحسب الهيتي يفلح بعدها ... ونحوسه يتبعنه (1) أني سلك قد غلقت أبواب مصرٍ دونه ... بغضاً لطلعته وقالت هيت لك وقال: فلان والجماعة عارفوه ... وظاهره التنسك والزهادة يموت على الشهادة وهو حي ... إلهي لا تمته على الشهاده 269 (2) القاضي نجم الدين ابن البارزي عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة الله بن حسان، القاضي نجم الدين الجهني الحموي الشافعي المعروف بابن البارزي قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها؛ ولد بحماة سنة ثمان وستمائة، وتوفي سنة ثلاث وثمانين وستمائة. كان إماماً فاضلاً فقيهاً أصولياً حبراً (3) ، له خبرة بالعقليات ونظر في الفنون، سمع من القاسم بن رواحة وغيره، وحكم في حماة (4) بحكم النيابة عن والده ثم ولي بعده ولم يأخذ على القضاء رزقا، وعزل قبل موته بأعوام، وكان مشكور الأحكام وافر الديانة، محباً للفقراء والصالحين، درس وأفتى وصنف وأشغل وخرج الأصحاب في المذهب؛ توجه إلى الحج فأدركته منيته، وحمل إلى المدينة ودفن

_ (1) ص ر: تتبعنه. (2) طبقات السبكي 5: 71 وابن الفرات 8: 13 والزركشي: 172 والأسنوي 1: 279 والنجوم الزاهرة 7: 362 والشذرات 5: 381 وعبر الذهبي 5: 343. (3) كرر في ص لفظة ((فاضلاً)) هنا. (4) ص: جماعة، والتصويب عن ر.

بالبقيع، رحمه الله تعالى. ومن شعره في القلم: ومثقف للخط يحكي فعل سم ... ر الخط إلا هذا أصفر في رأسه المسود إن أجروه في ال ... مبيض للأعداء موت أحمر ومن شعره وهو تشبيه سبعة أشياء بسبعة: يقطع بالسكين بطيخةً ضحى ... على طبق في مجلس لأصحابه كبدرٍ ببرق قد شمساً أهلةً ... لدى هالةٍ في الأفق بين كواكبه وهذا يشبه قول بعضهم: ولما بدا ما بيننا منية النفس ... يحزز بالسكين صفراء كالورس توهمت بدر التم قد أهلةً ... على أنجمٍ بالبرق من كرة الشمس والأصل في هذا لابن قلاقس الإسكندري حيث قال: أتاني الغلام ببطيخةٍ ... وسكينة قد أجيدت صقالا فقطع بالبرق شمس الضحى ... وأهدى إلى كل بدرٍ هلالا ولبعضهم يقول: خلناه لما حزز البطيخ في ... أطباقه بصقيلة الصفحات بدر (1) يقد من الشموس أهلةً ... بالبرق بين الشهب في الهالات وأول من سبق إلى هذا الباب العسكري حيث قال (2) : وجامعة لأصناف المعاني ... صلحن لوقت إكثار وقله فمن أدمٍ وريحانٍ ونقلٍ ... فلم ير مثلها سداً لخله فمنها ما تشبهه بدوراً ... فإن قطعتها رجعت أهله

_ (1) كذا في ص ر، وحقه النصب. (2) ديوان المعاني 2: 42.

ومن شعر القاضي نجم الدين ابن البارزي ما كتبه إلى الملك المنصور صاحب حماة: خدمتك في الشباب وها مشيبي ... أكاد أحل منه اليوم رمسا فراغ لحرمتي عهداً قديماً ... وما بالعهد من قدمٍ فينسى ومنه: إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا ... فلا أضلعي تهدا ولا عبرتي ترقا وإن ناح فوق البان ورق حمائم ... سحيراً فنوحي في الدجى علم الورقا فرقوا لقلبٍ في ضرام غرامه ... حريق وأجفانٍ بأدمعها غرقى سميري من سعد خذا نحو أرضهم ... يميناً ولا تستبعدا نحوها الطرقا وعوجا على أفقٍ توشح شيحه ... بطيب الشذا المسكي أكرم به أفقا فإن به المغنى الذي بترابه ... وذكراه يستشفى (1) لقلبي ويسترقى ومن دونه عرب يرون نفوس من ... يلوذ بمغناهم حلالاً (2) لهم طلقا بأيديهم بيض بها الموت أحمر ... وسمر لدى هيجائهم تحمل الزرقا وقولا محب بالشآم غدا لقى ... لفرقة قلبٍ بالحجاز غدا ملقى تعلقكم في عنفوان شبابه ... ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى وكان يمني النفس بالقرب فاغتدى ... بلا أملٍ إذ لا يؤمل أن يبقى

_ (1) ر: يتشتى؛ والزركشي: يتشفى. (2) ص ر: حلال؛ والتصويب عن الزركشي.

ابن الاخوة

270 - (1) ابن الاخوة عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم ابن الإخوة، العطار أبو الفضل؛ سمع أبا الفوارس طراد الزينبي وأبا الخطاب نصر بن البطر وغيرهم (2) ، وسافر إلى خراسان في طلب الحديث، وسمع بنيسابور والري وطبرستان وبأصبهان وقرأ بنفسه، ونسخ مالا يدخل تحت الحصر، وكان يكتب خطاً مليحاً، وكان سريع القراءة والكتابة. قال محب الدين ابن النجار: رأيت بخطه كتاب التنبيه في الفقه لأبي إسحاق الشيرازي وقد ذكر في آخره أنه كتبه في يوم واحد، وكانت له معرفة بالحديث والأدب، وله شعر وكان يقول: كتبت بخطي ألف مجلدة. وتوفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بشيراز، رحمه الله. ورمي بأنه كان يقرأ معجم الطبراني ويقلب ورقتين ويترك حديثاً وحديثين، رواه السمعاني عن يحيى بن عبد الملك بن أبي المسلم المكي وكان شاباً صالحاً. ومن شعر ابن الإخوة: ما الناس ناس فسرح إن خلوت بهم ... فأنت ما حضروا في خلوةٍ أبدا ولا يغرنك أثواب لهم حسنت ... فليس حاملها من تحتها أحدا القرد قرد وإن حليته ذهباً ... والكلب كلب وإن سميته أسدا

_ (1) الزركشي: 172 وله ترجمة في الخريدة (قسم العراق) انظر الحاشية 1: الصفحة 126 من الجزء الأول. (2) كذا، وحقه التثنية.

أبو القاسم القشيري

ومنه: أنفقت شرخ شبابي في دياركم ... فما حظيت ولا أحمدت إنفافي وخير عمري الذي ولى وقد ولعت ... به الهموم فكيف الظن بالباقي ومنه: ولما التقى للبين خدي وخدها ... تلاقى بهار ذابل وجنى ورد ولفت يد التوديع عطفي بعطفها ... كما لفت النكباء مائستي رند وأذرى النوى دمعي خلال دموعها ... كما نظم الياقوت والدر في عقد وولت بي من لوعة الوجد ما بها ... كما عندها من حرقة البين ما عندي ومنه: الدهر كالميزان يرفع ناقصاً ... أبداً ويخفض زائد المقدار وإذا انتحى الإنصاف عادل عدله ... في الوزن بين حديدةٍ ونضار 271 (1) أبو القاسم القشيري عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري من أهل نيسابور؛ كان من أئمة الدين وأعلام المسلمين، قرأ الأصول على والده وتفسير القرآن والوعظ،

_ (1) تبيين كذب المفتري: 308 والبداية والنهاية 12: 187 وطبقات السبكي 4: 249 وتاريخ عبد الغافر (الموجز الثاني، الورقة: 93) وابن خلكان 3: 207 (في ترجمة والده) ومرآة الجنان 3: 210 وعبر الذهبي 4: 33 والمنتظم 9: 220 وطبقات الحسيني: 73 والزركشي: 173 والأسنوي 2: 302 وراجع أخبار ما جرى له مع الحنابلة في تاريخ ابن الأثير وانظر مقدستي على طبقات الفقهاء للشيرازي.

ورزق في ذلك وافر الحظ، ولازم إمام الحرمين ودرس عليه المذهب والخلاف وبرع في ذلك وجاوز أقرانه، وقرأ الأدب ونظم ونثر، وعقد مجلس الوعظ ببغداد، وظهر له القبول العظيم، وأظهر مذهب الأشعري، وقامت سوق الفتنة بينه وبين الحنابلة وثار العوام إلى المقاتلة، وكوتب الوزير نظام الملك بأن يأمره بالرجوع إلى وطنه، فأحضره وأكرمه وأمره بلزوم وطنه، فأقام يدرس ويعظ ويروي الحديث إلى أن توفي سنة أربع عشرة وخمسمائة. كتب إليه فتوى وهي: يا إماماً حوى الفضائل طراً ... طبت أصلاً وزادك الله قدرا ما على عاشق (1) رأى الحب مختا ... لاً كغصن الأراك يحمل بدرا فدنا نحوه يقبل خدي ... هـ غراماً به ويلثم ثغرا وعليه من العفاف رقيب ... لا يداني في سنة الحب غدرا فأجاب رحمه الله تعالى: ما على من يقبل الحب حد ... غير أني أراه حاول نكرا امتحان الحبيب باللثم حيف ... لو تعففت كان ذلك أحرى لا تشرف للثم خدٍ وثغرٍ ... فتلاقى من لحظ نفسك مرا واخش منه إذا تسامحت فيه ... غائلات تجر إثماً ووزرا قمعك النفس دائماً عن هواها ... لك خير فألزم النفس صبرا من بلاه إلهه بهوى الخل ... ق فقد سامه هواناً وصغرا فاجتنبهم وراقب الله سراً ... فهو أولى بنا وأعظم أجرا ذا جواب لابن القشيري فاسمع ... إن أردت السداد سراً وجهرا ومن شعره:

_ (1) ص ر: عاشقاً.

جمال الدين ابن شيث

ليالي وصالٍ قد مضين كأنها ... لآلي عقودٍ في نحور الكواعب وأيام هجرٍ أعقبتها كأنها ... بياض مشيبٍ في سواد الذوائب ومن شعره: تقبيل ثغرك أشتهي (1) ... أمل إليه أنتهي لو نلت ذلك لم أبل ... بالروحي مني أن تهي دنياي لذة ساعةٍ ... وعلى الحقيقة أنت هي 273 (2) جمال الدين ابن شيث عبد الرحيم بن علي بن الحسين بن شيث، القاضي الرئيس جمال الدين الأموي الأسنائي القوصي، صاحب ديوان الإنشاء للملك المعظم عيسى؛ ولد بأسنا سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وتوفي سنة خمس وعشرين وستمائة، نشأ بقوص وتفنن بها وقرأ الأدب، وكان ورعاً ديناً حبراً حسن النظم والنثر، ولي الديوان بقوص ثم بالإسكندرية ثم بالقدس، ثم ولي كتابة الإنشاء للمعظم، وكان يوصف بالمروة وقضاء الحاجة، وكانت وفاته بدمشق، ودفن بقاسيون بتربته. وكانت بينه وبين المعظم مداعبات. كتب إليه مرة أنه لما فارقه ودخل منزله طالبوه أهله بما حصل له من بر السلطان فقال لهم: ما أعطاني شيئاً، فقاموا إليه بالخفاف وصفعوه، وكتب بعد ذلك:

_ (1) ص: أشهى. (2) الزركشي: 174 وصبح الأعشى 6: 352 والطالع السعيد: 305.

وتخالفت بيض الأكف كأنها ال ... تصفيق عند مجامع الأعراس وتطابقت سود الخفاف كأنها ... وقع المطارق من يد النحاس فرمى المعظم الرقعة إلى فخر القضاة بن بصاقة وقال: أجبه عنها، فكتب إليه نثراً، وفي آخره: فاصبر على أخلاقهن ولا تكن ... متخلقاً إلا بخلق الناس واعلم إذا اختلفت عليك بأنه ... ما في وقوفك ساعةً من باس (1) ومن شعره: ما لقبي إلى السلو طريق ... أنا من سكرة الهوى لا أفيق ضحكوا يوم بينهم وبكينا ... فتراءت سحائب وبروق لو ترانا وللمطالب إخفا ... ق إلينا وللقلوب خفوق لرأيت الدليل حيران منا ... كلما لاح للهلال شروق وسهام اللحاظ قد فوقت لي ... فلها كلما رمقت مروق لست أدري إذ ضرم اللثم وجدي ... أحريق رشفته أم رحيق ليدعني أهل الرشاد وشأني ... ليس يدري ما بالأسير الطليق أقفرت دار من أحب وكم ور ... قاء كانت بها وغصن وريق وهفا ثوبها الصفيق وللري ... ح عليها من حسرةٍ تصفيق دار لهوي وللهوى في مغاني ... ها عروق تنمى ووجد عريق أي روحٍ وفت هناك لجسمٍ ... عندما فارق الديار الفريق أشبهتني تلك الديار فجسمي ... دار ميٍ ودمع عيني العقيق وكأن الثياب لفظ وجسمي ... فيه معنى من المعمى دقيق ورشيق القوام يرشق باللح ... ظ ولا يستقل منه الرشيق

_ (1) صدر بيت لأبي تمام وتتمته ((نقضي ذمام الأربع الأدراس)) .

لحظه قاطع وما فارق الجف ... ن وفي جفنه عن السيف ضيق مشقت نون حاجبيه فأبدى ... ألف الحسن قده الممشوق ولماه في صدغه لامه وال ... ميم فوه والرق منه الريق فغدا خط حسنه وهو منشو ... ر وأخلاقه عليه خلوق أحدق الحسن بالحدائق من خد ... يه لما آذاهما التحريق مسحة للجمال مسح بركني ... ها وخد له الشقيق شقيق وكأن الخال الذي لاح في لج ... ة خديه وهو طافٍ غريق طابق الحسن فيه فهو إذا (1) يش ... عر فيه التجنيس والتطبيق مردف الردف وهو مختصر الخص ... ر فذا مفعم وهذا دقيق فاتك الطرف باتك الظرف عمداً ... وهو في كل حالةٍ معشوق يا خليلي إن العدو كثير ... فاحذرنه وأين أين الصديق والرفيق الذي يؤمل منه ال ... رفق قاسٍ فما رفيق رفيق وبسوق الهوان يبتذل الفض ... ل فما للفروع فيه بسوق فسد الناس والزمان ولا ... بد بحقٍ أن يخلق المخلوق فالكريم الذي يغيث يغوث ... واللئيم الذي يعق يعوق غير أن الملك المعظم فردٌ ... فاق فضلاً وخصه التوفيق وكان هذا ابن شيث قد رمي من ابن عنين بالداء العضال فإنه هجاه مرات، منها قوله (2) : الله يعلم يا ابن شي ... ث ما حصلت من الكتابة إلا على الداء الذي ... خصت به تلك العصابة وقال فيه أيضاً (3) :

_ (1) ص ر: إن، والتصويب عن الزركشي. (2) ديوان ابن عنين: 237. (3) ديوانه: 147.

الدخوار الطبيب

أنا وابن شيث والرشيد (1) ثلاثة ... لا يرتجى فينا لخلقٍ فائده من كل من قصرت يداه عن الندى ... يوم الندى وتطول عند المائدة فكأننا واو بعمرٍو ألحقت ... أو إصبع بين الأصابع زائدة ومن شعر ابن شيث: وشمعةٍ في المنجني ... ق وهي فيه تشرق كأنها من تحته ... شمس علاها شفق ومنه فيها: وأنيسة باتت تساهر مقلتي ... تبكي وتوري فعل صبٍ عاشق سرقت دموعي والتهاب جوانحي ... فغدا لها بالقط قطع السارق 273 (2) الدخوار الطبيب عبد الرحيم بن علي بن حامد الشيخ مهذب الدين الطبيب الدخوار، شيخ الأطباء ورئيسهم بدمشق؛ وقف داره بالصاغة العتيقة مدرسةً للطب (3) ، ومولده سنة خمس وستين وخمسمائة، وتوفي سنة سبع وعشرين وستمائة (4) ، ودفن بتربته بقاسيون فوق الميطور.

_ (1) يعني رشيد الدين عبد الرحمن النابلسي، وقد تقدمت ترجمته. (2) ابن أبي أصيبعة 2: 239 وذيل الروضتين: 159 والنجوم الزاهرة 6: 277 والبداية والنهاية 13: 130 والدارس 2: 127 والشذرات 5: 127 وعبر الذهبي 5: 111. (3) سميت المدرسة الدخوارية (الدارس 2: 127) . (4) عند الذهبي أنه توفي سنة 627.

وكان أعرج، روى عنه القوصي شعراً، وتخرج به جماعة كثيرة من الأطباء، وصنف كتباً منها اختصار الحاوي ومقالة في الاستفراغ (1) ، وتعاليق، ومسائل في الطب، وشكوك وأجوبة، ورد على شرح ابن أبي صادق لمسائل حنين، ورسالة يرد بها على يوسف الاسرائيلي في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة، ونسخ كتباً كثيرة بخطه المنسوب أكثر من مائة مجلد في الطب، واختصر الأغاني الكبير، وقرأ العربية على تاج الدين الكندي، وقرأ الطب على الرضي الرحبي (2) ، ثم لازم ابن المطران، وأخذ عن الفخر المارديني وخدم العادل، ولازم ابن شكر، وكانت جامكيته جامكية الموفق عبد العزيز فإنه نزل عليها بعده مائة دينار في الشهر، ومرض الكامل فحصل له من جهته اثنا عشر ألف دينار وأربع عشرة (3) بغلة بأطواق ذهب، وخلع أطلس، وغير ذلك، وولاه السلطان رياسة الأطباء في ذلك الوقت بمصر والشام. وكان خبيراً بكل ما يقرأ عليه، ولازم السيف الآمدي وحصل معظم مصنفاته، ونظر في الهيئة والنجوم، ثم طلبه الأشرف فتوجه إليه، فأقطعه ما يغل في السنة ألفاً (4) وخمسمائة دينار، ثم عرض له ثقل في لسانه واسترخاء، فجاء إلى دمشق لما ملكها الأشرف فولاه رياسة الطب بها، وزاد ثقل لسانه حتى إنه لم يفهم كلامه، وكان الجماعة يبحثون بين يديه ويجيب هو، وربما كتب لهم ما أشكل في اللوح، واجتهد في علاج نفسه واستفرغ مرات واستعمل المعاجين الحارة

_ (1) ألفها بدمشق في شهر ربيع الأول سنة 622. (2) كذا سماه أيضاً في عيون الانباه، وذكر صاحب الشذرات (5: 147) أنه ((الرخي)) نسبة إلى الرخ ناحية بنيسابور؛ وهذا وهم من صاحب الشذرات تابعه عليه محقق العبر الذهبي فغير ((الرحبي)) إلى ((الرخي)) . وقد ترجم ابن أبي أصيبعة له (2: 192) وقال إنه ولد بجزيرة ابن عمر ونشأ بها وأقام أيضاً بنصيبين وبالرحبة سنين، وقال أيضاً إن والده من بلد الرحبة؛ وابن أبي أصيبعة أعرف بذلك لأنه لقي الرحبي وعرفه وتحدث إليه، وأخذ عنه. (3) ص: وأربع عشر. (4) ص: ألف.

فعرضت له حمى قوية فأضعفت قوته، وظهرت به أمراض قوية كثيرة، وأسكت، وسالت عينيه. واتفق له في مبادي خدمته للعادل أشياء قربته من خاطره وأعلت محله عنده، منها: أنه اتفق له مرض شديد، وعالجه الأطباء وهو معهم فقال يوماً لابد من الفصد فلم ير (1) الأطباء به، فقال: والله لئن لم يخرج دماً ليخرجن بغير اختياره، فاتفق أن رعف السلطان وبرئ؛ ومنها: أنه كان يوماً على باب دور السلطان، فخرج إليهم خادم ومعه قارورة، فرأوها ووصفوا لها علاجاً، فأنكر هو ذلك العلاج وقال: ليس هذا داء، يوشك (2) أن يكون هذا من حناء اختضبت به، فاعترف الخادم لهم بذلك. ومن شعره ما كتب به إلى الحكيم رشيد الدين أبي خليفة (3) في مرضةٍ مرضها شعراً: حوشيت من مرض تعاد لأجله ... وبقيت ما بقيت لنا أعراض إنا نعدك جوهراً في عصرنا ... وسواك إن عدوا فهم أعراض وقال ابن خروف يهجو الدخوار: لا ترجون من الدخوار منفعةً ... فلو شفى علتيه العجب والعرجا طبيب إذا رأى المطبوب طلعته ... لا يرتجي صحة منها ولا فرجا إذا تأمل في دستوره سحراً ... وقال: أين فلان؟ قيل: قد درجا فشربة دخلت مما يركبه ... جسم العليل وروح منه قد خرجا وقال فيه: إن الأعيرج حاز الطب أجمعه ... أستغفر الله، إلا العلم والعملا

_ (1) ص: يرى. (2) ر: ويوشك. (3) ص ر: حليقة؛ ورشيد الدين هذا هو عم مؤلف عيون الأنباء (2: 246) .

ابن الزويتينة

وليس يجهل شيئاً من غوامضه ... إلا الدلائل والأمراض والعللا في حيلة البرء قلت عنده حيل ... بعد اجتهاد ويدري للردى حيلا الروح يسكن جثمان العليل على ... علاته فإذا ما طبه رحلا وقال فيه: طبع المهذب طبه ... سيفاً وصال على المهج باب السلامة لا يرى ... منه ولا باب الفرج 274 (1) ابن الزويتينة عبد الرحيم بن علي، جمال (2) الدين ابن الزويتينة - تصغير زيتونة - الرحبي؛ وصل إلى مصر رسولاً من عند صاحب حمص، وكانت وفاته بعد الخمسين وستمائة لما بنى الشرف جامع التوبة بالعقيبة، وكان حانةً فيما مضى (3) ، وكان لمدرسة ست الشام إمام يعرف بالجمال السبتي، وكان في صباه على ما قيل يلعب بالجغانة (4) ، ثم لما كبر حسنت طريقته وعاشر العلماء وأهل الصلاح، فذكر للملك الأشرف

_ (1) ابن خلكان 5: 335 - 336 (في ترجمة الملك الأشرف موسى) والزركشي: 175 والشذرات 5: 148. (2) ص: بن جمال. (3) قال ابن خلكان (5: 334) وكان بالعقيبة ظاهر دمشق خان يعرف بابن الزنجاري قد جمع أنواع أسباب الملاذ ويجري فيه من الفسوق والفجور ما لا يحد ولا يوصف ... فهدمه (الأشرف) وعمره جامعاً غرم عليه جملة مستكثرة وسماه الناس جامع التوبة. (4) لم يضبط ابن خلكان هذه اللفظة وإنما عرفها بأنها ((شيء من الملاهي)) وفي معجم اشتاينجاس أن ((جغان)) أداة موسيقية، وأن ((جفانه)) عصا تشبه الصولجان يثبت فيها أجراس صغيرة، وتحرك فتحدث نوعاً من الموسيقى مصاحباً لآلة أخرى.

ابن الفوطي

فولاه خطابة الجامع المذكور، ثم لما توفي رتب مكانه العماد الواسطي الواعظ، وكان متهماً باستعمال الشراب، فنظم ابن الزويتينة هذه الأبيات وكتب بها إلى الصالح عماد الدين إسماعيل: يا مليكاً أوضح ... الحق لدينا وأبانه جامع التوبة قد قل ... دني منه أمانه قال قل للملك الصالح أعلى الله شانه ... يا عماد الدين يا من ... حمد الناس زمانه كم إلى كم أنا في ... ضر وبؤس وإهانة لي خطيب واسطي ... يعشق الخمر ديانه والذي قد كان من ... قبل يغني بالجغانة فكما كنت وما زل ... نا ولا أبرح حانه ردني للنمط الأو ... ل واستبق ضمانة 272 (1) ابن الفوطي عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الصابوني، الشيخ الإمام المحدث المؤرخ الأخباري الفيلسوف، المعروف بابن الفوطي صاحب التصانيف؛ ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة. ذكر أنه من ولد معن بن زائدة الشيباني، أسر في واقعة بغداد، وصار للنصير

_ (1) الدرر الكامنة 2: 474 والشذرات 6: 60 والبداية والنهاية 14: 106 ولسان الميزان 4: 10 والنجوم الزاهرة 9: 260 وذيل العبر: 128 وطبقات السبكي 5: 175 والسلوك 2: 252 ومقدمة مجمع الآداب.

أبو طالب المأموني

الطوسي، فاشتغل عليه بعلوم الأوائل، وبالآداب والنظم والنثر، ومهر في التاريخ، وله يد بيضاء في ترصيع التراجم، وذهن سيال، وقلم سريع، وخط بديع إلى الغاية، قيل إنه يكتب من ذلك الخط الفائق الرائق أربع كراريس، ويكتب وهو نائم على ظهره، وله بصر بالمنطق وفنون الحكمة. باشر خزانة الرصد أكثر من عشرة أعوام بمراغة ولهج بالتاريخ، واطلع على كتب نفيسة، ثم تحول إلى بغداد وصار خازن كتب المستنصرية، فأكب على التصنيف وسود تاريخاً كبيراً جداً وآخر دونه سماه مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب في خمسين مجلداً، وألف كتاب درر الأصداف في غرر الأوصاف مرتب على وضع الوجود من المبتدأ إلى المعاد، يكون عشرين مجلداً، وكتاب تلقيح الأفهام في المؤتلف والمختلف مجدولاً، والتاريخ على الحوادث من آدام إلى خراب بغداد، والدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة وله شعر كثير بالعربي والعجمي رحمه الله تعالى وعفا عنه. 276 - (1) أبو طالب المأموني عبد السلام بن الحسين، أبو طالب المأموني (2) ، من أولاد المأمون؛ توفي سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة، ورد الري وامتدح الصاحب بن عباد بقصائد، فأعجبه نظمه وتقدم عنده، فدبت عقارب الحسد له، ورماه ندماء الصاحب بالدعوة في بني العباس، وبالغوا في النصب واعتقاد كفر الشيعة والمعتزلة وبهجاء الصاحب، وينتحلون عليه الشعر ويحلفون انه له، حتى سقطت منزلته عند الصاحب، وقال

_ (1) يتيمة الدهر: 161 والزركشي: 175. (2) ص: المأموني.

قصيدته الغراء وطلب الإذن للرحيل، وأولها: يا ربع لو كنت دمعاً فيك منسكبا ... قضيت نحبي ولم أقض الذي وجبا لا ينكرن ربعك البالي بلى جسدي ... فقد شربت بكأس الحب (1) ما شربا ولو أفضت دموعي حسب واجبها ... أفضت من كل عضو مدمعاً سربا عهدي بربعك للذات مرتبعاً ... فقد غدا لغوادي السحب منتحبا فيا سقاك أخو جفني السحاب حياً ... يحبو ربي الأرض من نور الرياض حبا ذو بارق كسيوف الصاحب انتضيت (2) ... ووابلٍ كعطاياه إذا وهبا منها: وعصبةٍ بات فيها الغيظ متقداً ... إذ شدت لي فوق أعناق العلا رتبا فكنت يوسف والأسباط هم وأبو ال ... أسباط أنت ودعواهم دماً كذبا (3) ومن يرد ضياء الشمس إن شرقت ... ومن يسد طريق الغيث إن سكبا قد ينبح الكلب ما لم يلق ليث شرى ... حتى إذا ما رأى ليثاً مضى هربا أرى مآربكم في نظم قافيةٍ ... وما أرى لي في غير العلا أربا عدوا عن الشعر إن الشعر منقصة ... لذي العلاء وهاتوا المجد والحسبا فالشعر أقصر من أن يستطال به ... أكان مبتدعاً أم كان مقتضبا ومنها: أسير عنك ولي في كل جارحة ... فم بشكرك يحوي منطقاً ذربا إني لأهوى مقامي في ذراك كما ... تهوى يمينك في العافين أن تهبا لكن لساني يهوى السير عنك لأن ... يطبق الأرض مدحاً فيك منتخبا أظنني بين أهلي والأنام هم ... إذا ترحلت عن مغناك مغتربا

_ (1) ص: الحي. (2) ص: انتضت. (3) وقع هذا البيت متأخراً كثيراً عن هذا الموضع في اليتيمة.

وكان يمني نفسه أن يقصد بغداد ويدخلها في جيش ينضم إليه من خراسان، وتسمو همته إلى الخلافة، فاعتل بالاستسقاء، وتوفي كما ذكرنا في سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة، رحمه الله. ومن شعره: فلست وإن حكت القريض بشاعر ... فأعطى على (1) ما قلته القل والكثرا ولكن بحر العلم بين أضالعي ... طمى فرمى من دره النظم والنثرا ولو كان لي مال بذلت رقابه ... لمن يعتفيكم أو يذيع لكم شكرا فقد قنعت والحمد لله همتي ... وفزت وما أبغي بمدحكم أجرا وما طلبي إلا السرير وإنما ... سريت إليكم أبتغي بكم النصرا وقال: ما ترى النار كيف أسقمها الق ... ر فأضحت تخبو وحيناً تسعر وغدا الجمر والرماد عليه ... في قميصين مذهبٍ ومعنبر وقال أيضاً: وحمامٍ له حر الجحيم ... ولكن شابه برد النسيم قذفت به ثواباً في عقابٍ ... وزرت به نعيماً في جحيم

_ (1) على: سقطت من ر.

ابن برجان

277 - (1) ابن برجان عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، أبو الحكم اللخمي الإفريقي الإشبيلي الصوفي العارف المعروف بابن برجان. سمع وحدث، وله تواليف مفيدة: منها تفسير القرآن العظيم لم يكمله، وشرح أسماء الله الحسنى؛ وكانت وفاته سنة ست وثلاثين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 278 - (2) مجد الدين ابن تيمية عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي، الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبو البركات ابن تيمية الحراني، جد الشيخ تقي الدين؛ ولد في حدود التسعين وخمسمائة، وتوفي سنة اثنتين وخمسين وستمائة. تفقه في صغره على عمه الخطيب فخر الدين، ورحل إلى بغداد (3) وهو ابن بضع عشرة (4) سنة في صحبة ابن عمه السيف (5) ، وسمع بها وبحران، وروى

_ (1) لسان الميزان 4: 13 والاستقصا 2: 76 والتكلمة رقم: 1797 وابن خلكان 4: 236 (في ترجمة ابن الزكي) وأعمال الأعلام: 248 والشذرات 4: 113. (2) غاية النهاية 1: 385 وذيل الطبقات الحنابلة 2: 249 وعبر الذهبي 5: 212 والشذرات 5: 257. (3) كانت رحلته إلى بغداد سنة 603. (4) ص ر: بضعة عشر. (5) هو سيف الدين عبد الغني بن محمد بن القاسم بن محمد بن يتمية (- 639) انظر ذيل طبقات الحنابلة (2: 222) .

عبد السلام الحنبلي

عنه الدمياطي وولده عبد الحليم وجماعة. وكان إماماً حجة بارعاً في الفقه والحديث، وله يد طولى في التفسير ومعرفة تامة في الأصول والاطلاع على وذاهب الناس، وله ذكاء مفرط، ولم يكن في زمانه مثله. وله المصنفات النافعة كالأحكام، وشرح الهداية وصنف أرجوزة في القراءات وكتاباً في أصول الفقه. قال الشيخ شمس الدين الذهبي، قال لي الشيخ تقي الدين: كان الشيخ جمال الدين ابن مالك يقول: ألين للشيخ مجد الدين الفقه كما ألين لداود الحديد. وشيخه في الفرائض والعربية أبو البقاء، وشيخه في القراءات عبد الواحد، وشيخه في الفقه أبو بكر بن غنيمة صاحب ابن المني. توفي يوم عيد الفطر بحران. وحكى البرهان المراغي أنه اجتمع به فأورد نكتة عليه، فقال مجد الدين: الجواب عنها من مائة وجه (1) : الأول كذا، والثاني كذا، وسردها إلى آخرها، ثم قال للبرهان: قد رضينا منك الإعادة، فخضع له وانبهر، رحمه الله تعالى وإيانا. 279 - (2) عبد السلام الحنبلي عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي، أبو منصور الفقيه الحنبلي البغدادي؛ قرأ الفقه على أبيه، ودرس بمدرسة جده الشيخ عبد القادر بعد وفاة والده، ودرس بالمدرسة الشاطبية، وولى النظر بالرباط الناصري مدة،

_ (1) ذيل الطبقات: من ستين وجهاً. (2) ذيل طبقات الحنابلة 2: 71 ومرآة الزمان: 571 والشذرات 5: 45 وذيل الروضتين: 88 وتاريخ ابن الأثير 12: 305.

أبو محمد التكريتي

ثم ظهر له أشياء كتبها بخطه من العزائم وتبخير الكواكب ومخاطبتها وأنها المدبرة للخلق فأحضر بدار الخلافة وأوقف على ذلك، فاعترف أنه إنما كتبه تعجباً منه لا معتقداً له، فأخرجت تلك الكتب وأحرقت بعد صلاة الجمعة، وكان يوماً مشهوداً. وتوفي سنة إحدى عشرة وستمائة. وكان قد رتب بعد تلك الواقعة عميداً ببغداد مستوفياً للمكوس والضرائب، فشرع في ظلم الناس وارتكاب ما نهى الله عنه من سفك الدماء وضرب الأبشار وأخذ الأموال بغير حق، ولم يزل كذلك حتى عزل واعتقل بالمخزن، ثم أطلق ومكث خاملاً، وعمل وكيلاً للأمير أبي الحسن علي ابن الإمام الناصر، ولم يزل كذلك حتى مات، وكان دمث الأخلاق لطيفاً ظريفاً. ومن شعره في مليح لابس أحمر: قالوا ملابسه حمر فقلت لهم ... هذي الثياب ثياب الصيد والقنص ترمي بسهم لحاظ طالما أخذت ... أسد القلوب فتلقيها لدى قفص فاللون في الثوب إما من دما (1) منهج ... أو انعكاس شعاع الخد بالقمص 280 (2) أبو محمد التكريتي عبد السلام بن يحيى بن القاسم بن المفرج، أبو محمد التكريتي أخو عبد

_ (1) ص: وما المهج، والتصويب عن ر. (2) ترجم السبكي (5: 149) ليحيى بن القاسم بن المفرج التكريتي (- 616) وهو فيما يبدو والد عبد السلام المذكور هنا، وانظر الاسنوي 1: 313 والحاشية؛ ولم أجد ذكراً لعبد السلام هذا.

الجماهيري

الرحمن، وهو الأكبر؛ تفقه على والده وحفظ القرآن وقرأ الأدب وبرع فيه، وله النظم والنثر والخطب والمكاتبات والمصنفات الأدبية، ولد سنة سبعين وخمسمائة، وتوفي سنة ... (1) وستمائة رحمه الله تعالى. ومن شعره: متى يفيق من الأشواق سكران ... ويرتوي من شراب الوصل عطشان ويرجع العيش غضاً بعد ما يبست ... منه بطول الجفا والصد أغصان أفنى اصطباري صدوح غاب واحدها ... فكم لها في فروع الأيك ألحان باتت تنوح على غصن تميل به ... ريح الصبا وكأن الغصن نشوان حزينة الصوت تشجو قلب سامعها ... قريحة قلبها المفجوع حنان تبكي بغير دموع والبكا خلق ... بالدمع لي وكذاك الوجد ألوان آهاً على عيشنا الماضي ولذته ... إذ غصنه باجتماع الشمل فينان وقال: أمني فؤادي (2) ساعةً بعد ساعة ... لقاكم ولولا ذاك كنت أطيش فما العيش إلا عيش من نال وصلكم ... وهيهات من فارقتموه يعيش 281 (3) الجماهيري عبد السلام بن يوسف بن محمد بن مقلد النحوي الدمشقي، أبو الفتوح الجماهيري؛ بغدادي المولد والدار، أسمعه أبوه في صباه من محمد بن عبد الملك بن خيرون

_ (1) بياض في ر ص. (2) ص: قلبي. (3) الزركشي: 176 وهو ممن يتوقع المرء أن يكون له ترجمة في الخريدة (قسم العراق) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

ومحمد بن السلال الوراق والحافظ ابن ناصر وغيرهم. وقرأ هو بنفسه الكثير على ابن البطي وأبي محمد بن التعاويذي، وكتب بخطه كثيراً، وكان شيخاً برباط زاخي (1) يعظ على المنابر، وكان صالحاً متديناً، ولم نظم ونثر، وتوفي سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، ودفن بسفح قاسيون، كان قدم دمشق يسترفد صلاح الدين فأعطاه ذهباً. ومن شعره: أظن الصبا النجدي فيه رسالة ... أرى العيس قد حنت وقد طرب الركب وقد مال غصن البان مصغٍ كأنه ... يسائلها بالوهم ما فعل الركب فحطا عن الأكوار رحلي وانزلا ... إلى أين ترحالي وقد نزل القلب وقال: على ساكني بطن العقيق سلام ... وإن أسهرونا بالفراق وناموا حظرتم علينا النوم وهو محلل ... وحللتم التعذيب وهو حرام إذا غبتم عن حاجرٍ وحجرتم ... على السمع أن يدنو إليه سلام فلا ميلت ريح الصبا فرع بانةٍ ... ولا سجعت فوق الغصون حمام ولا قهقهت فيه الرعود ولا بكت ... على حافتيه بالعشي غمام

_ (1) كذا في ص ر.

أمين الدين ابن عساكر

282 - (1) أمين الدين ابن عساكر عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد ابن عساكر، الإمام المحدث الزاهد أمين الدين أبو اليمن، الدمشقي الشافعي نزيل الحرم؛ سمع من جده ومن الشيخ الموفق ومن ابن البن وأبي القاسم ابن صصرى وابن الزبيدي وابن غسان والقاضي أبي نصر ابن الشيرازي، وأجاز له المؤيد الطوسي وأبو روح الهروي وطائفة، وحدث بالحرمين بأشياء، وكان عالماً فاضلاً جيد المشاركة في العلوم، وله نظم، وهو صاحب عبادة، كل من يعرفه يثني عليه. ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وتوفي سنة سبع وثمانين وستمائة؛ وكان شيخ الحجاز في وقته، وله تواليف في الحديث. قال الشيخ علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود العطار قدس الله روحه: لما ودعت الشيخ الإمام العالم العلامة الزاهد محيي الدين النواوي رحمه الله تعالى بنوى حين أردت السفر إلى الحجاز حملني رسالة في السلام عنه للامام جار الله أبي اليمن عبد الصمد ابن عساكر، فلما بلغته سلامه رد عليه السلام وسألني عنه أين تركته، فقلت: ببلده نوى، فأنشدني بديهاً: أمخيمين على نوى أشتاقكم ... شوقاً يجدد لي الصبابة والجوى وأروم قربكم لأني مرتجي ... يا سادتي قرب المقيم على نوى وكتب إليه الشيخ العلامة شهاب الدين محمود وأرسلها إليه إلى مكة:

_ (1) الزركشي: 177 والشذرات 5: 395 والعقد الثمين 5: 422 (وجعل وفاته سنة 686) وفيه نقل عن ذيل تاريخ بغداد لابن رافع وعن تاريخ شمس الدين الجزري؛ وقال: ذكره ابن رشيد في رحلته.

أترى يرجع عهد العلم ... وزمان الوصل في ذي سلم وعهودي بالحمى روى الحمى ... مدمع المشتاق قبل الديم زمن هيج أشواقي به ... وعهودي فيه طول القدم كلما أملت تجديداً به ... عقل الحظ مطايا هممي وحقيق أنا بالسعي ولو ... ناب طرفي في السرى عن قدمي طالما قد مر لي عيش به ... كان أحلى من دوام النعم في حمى من إضمٍ من حله ... راجياً أو لاجياً لم يضم نمت في البعد ولولا أملي ... أن أراه في الكرى لم أنم وبرغمي بعد طول الوصل أن ... صرت أرجو زورةً في الحلم صرت أبكي خيم الوادي وقد ... عشت دهراً بين تلك الخيم فحنيني دام إذ فارقتها ... ونعيمي بعدها لم يدم جيرة الوادي وحبي لكم ... فهو عندي من أبر القسم وليالٍ بمنىً كانت لنا ... بسناكم مشرقات الظلم والتزام العهد فيما بيننا ... بين ذاك الركن والملتزم وأحاديث رضىً كانت إذا ... مرض القلب شفاء السقم ما ذكرت العهد إلا سفحت ... نار شوقي عوض الدمع دمي إن قلبي سار في الركب الذي ... بالسرى قد أمكم من أمم عارض النوق بشوقٍ لم تطق ... حمل شيء منه حمر النعم سار في ذمة إحسانكم ... مستجيراً بأهيل الذمم ندمي إذ بعت أيام الحمى ... أترى يرجع بيعي ندمي فهنيئاً لكم إحرامكم ... كلما شئتم بذاك الحرم وجوار أنتم الآن به ... شرفاً أهل الصفا والعلم ليتكم أن تذكروا من خصكم ... دونه السعد بأوفى القسم أو تنادوا قلبه المضنى عسى ... أن يلبي بعد طول الصمم

عبد الصمد ابن المعذل

وإذا لم يك أهلاً فعسى ... عطفكم يجعله في الخدم واشركوه معكم جوداً ومن ... هو أولى منكم بالكرم 283 (1) عبد الصمد ابن المعذل عبد الصمد بن المعذل بن غيلان بن الحكم بن البحتري بن المختار، كان شاعراً فصيحاً من شعراء الدولة العباسية، بصري المولد والمنشأ، وكان هجاء خبيث اللسان شديد العارضة، لا يسلم منه من مدحه من الهجو فضلاً عن غيره، توفي في حدود الأربعين ومائتين، وله ذكر في ترجمة أخيه أحمد، وهما طرفا نقيض. ومن شعره: استبق قلبك لا يموت صبابةً ... حذراً لبين أخ له يتوقع إن حان بينهم وقلبك بائن ... فبأي قلبٍ بعد ذلك تجزع ومنه: إن العيون إذا أمكن من رجلٍ ... يفعلن بالقلب مالا تفعل الأسل وليس بالبطل الماشي إلى بطلٍ ... في الحرب تخمد أحياناً وتشتعل لكنه من لوى قلباً إذا رشقت ... فيه العيون فذاك الفارس البطل ومنه: برعت محاسنه فجل بها ... عن أن يقوم بوصفها لفظ

_ (1) طبقات ابن المعتز: 368 والأغاني 13: 228 والسمط: 325 والموشح: 528 والزركشي: 177.

سيدوك الواسطي

نطق الجمال بعذر عاشقه ... للعاذلات فأخرس الوعظ ما للقلوب إذا التبسن به ... منه سوى حسراتها حظ ما ضر من رقت محاسنه ... لو كان رق فؤاده الفظ 284 (1) سيدوك الواسطي عبد العزيز بن حامد بن الخضر، أبو طاهر الشاعر من أهل واسط، كان يعرف بسيدوك، روى عنه شعره أبو القاسم بن كردان وأبو الجوائز الواسطيان؛ توفي سنة ثلاث وستين وثلثمائة، رحمه الله. ومن شعره: تاركتي (2) في الهوى حديثاً ... بكثرة الدمع بين صحبي هبك تجنبت لاجتنابٍ ... طيفك يجفو لأي ذنب؟ خذي حياتي بلا مكاسٍ ... يا نور عيني ونار قلبي وقال: شربنا في شعانين النصاري ... على وردٍ كأردية العروس تغنينا بنات الروم فيه ... بألحان الرهابن والقسوس فيا ليل نعمنا في دجاه ... بحاجات تردد في النفوس رياضك والمدامة والتداني ... شموس في شموس في شموس وقال:

_ (1) اليتيمة 2: 372 والزركشي: 177. (2) ص: تاركي.

الجليس ابن الجباب

إن داء العداة (1) أبرح داء ... وطبيبي سريرة ما تبوح تحسبوني إذا تكلمت حياً ... ربما طار طائر (2) مذبوح وله البيتين المشهورة التي (3) لم يعمل مثلهما في طول الليل وقصره، وهي: عهدي بنا ورداء الوصل يجمعنا ... والليل أطوله كاللمح بالبصر والآن ليلي مذ غابوا فديتهم ... ليل الضرير فصبحي غير منتظر 285 (4) الجليس ابن الجباب عبد العزيز بن الحسين بن الجباب - بالجيم والباء الواحدة المشددة وبعد الألف باء (5) - الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس أبو المعالي (6) ؛ قال ابن نقطة: سمي الجليس لأنه كان يعلم الظافر وأخويه أولاد الحافظ القرآن الكريم والأدب، وكانت عادتهم يسمون مؤدبهم الجليس؛ وقال العماد الكاتب: مات سنة إحدى وستين وخمسمائة، وقد أناف على السبعين، وتولى ديوان الإنشاء للفائز مع الموفق بن الخلال.

_ (1) ر: النداة. (2) ص: طائراً. (3) كذا في ص ر؛ وصوابه: وله البيتان المشهوران اللذان؛ ولم أر ضرورة لتغييره. (4) الخريدة (قسم مصر) 1: 189 والنكت العصرية: 43 والنجوم الزاهرة 5: 292، 371 والزركشي: 178. (5) هذا الضبط لم يرد في المطبوعة؛ وبه يتأكد الوجه الصواب لهذا الأسم، وقد ورد في الخريدة ((الحباب)) بالحاء المهملة، وأثبته في وفيات الأعاين 7: 223 بالجيم وقلت هنالك: والشكل الذي أثبته هنا بخط المؤلف (اي ابن خلكان) (6) ابو المعالي ... الكاتب: سقط من المطبوعة.

ومن شعره: ومن عجبي أن الصوارم والقنا (1) ... تحيض بأيدي القوم وهي ذكور وأعجب من ذا أنها في أكفهم ... تأجج ناراً والأكف بحور ومنه: حيا بتفاحة مخضبةٍ ... من شفني حبه وتيمني فقلت ما إن رأيت مشبهها ... فاحمر من خجلةٍ فكذبني ومنه (2) : وأصل بليتي من قد غزاني ... من السقم الملح بعسكرين طبيب طبه كغراب بينٍ ... يفرق بين عافيتي وبيني أتى الحمى وقد شاخت وباخت ... فعاد لها الشباب بنسختين ودبرها بتدبيرٍ لطيفٍ ... حكاه عن سنانٍ أو حنين وكانت نوبةً في كل يومٍ ... فصيرها بحذقٍ نوبتين ومنه: يا وارثاً عن أب وجد ... فضيلة الطب والسداد وحاملاً (3) رد كل نفس ... همت عن الجسم بالبعاد أقسم لو قد طببت دهراً ... لعاد كوناً بلا فساد ومنه: قد أهملت كل الأمور فما ... يعنى بمصلحة ولا يغنى بسداد مختلفين ما لهما ... إلا فساد أمورنا معنى

_ (1) الخريدة: أن السيوف لديهم. (2) من قطعة في مرضه يشكو طبيباص يقال له ابن السديد المداعبة (الخريدة 1: 192) . (3) الخريدة: وكاملا.

يأتي فيكتب ذا ويكشط ذا ... فنعود بعدهما كما كنا وقال: رب بيضٍ (1) سللن باللحظ بيضاً ... مرهفات جفونهن جفون وخدود للدمع فيها خدود ... وعيون قد فاض فيها عيون وقال: حبذا متعة الشباب التي يع ... ذر في حبها الخليع العذار إذ بذات الخمار أمتع ليلى ... وبذات الخمار ألهو نهاري والغواني لا عن وصالي غوانٍ ... والجواري إلى جواري جواري وكان القاضي الجليس ابن الجباب كبير الأنف، وكان الخطيب أبو القاسم هبة الله ابن البدر المعروف بابن الصياد (2) مولعاً بأنفه وهجائه، وذكر أنفه في أكثر من ألف مقطوع، فانتصر له أبو الفتح ابن قادوس (3) الشاعر فقال (4) : يا من يعيب أنوفنا ال ... شم التي ليست تعاب الأنف خلقة ربنا ... وقرونك الشم اكتساب وقال الجليس يرثي والده وقد مات غريقاً في البحر لريح عصفت: وكنت أهدي مع الريح السلام له ... ما هبت الريح في صبح وإمساء احدى ثقاتي عليه كنت أحسبها ... ولم أخل أنها من بعض أعدائي وقال: ألمت بنا والليل يزهى بلمة ... دجوجية لم يكتهل (5) بعد فوداها

_ (1) ص: بيضاً. (2) انظر ترجمته في الخريدة (قسم مصر) 1: 242. (3) هو محمود بن إسماعيل بن حميد الفهري (- 551) انظر الخريدة 1: 226. (4) الخريدة 1: 245. (5) الخريدة: لم يكتمل، وما هنا أصوب.

الصفي الحلي

فأشرق ضوء الصبح وهو جبينها ... وفاحت أزاهير الربى وهي رياها إذا ما اجتنت من وجهها العين روضة ... أسالت (1) خلال الروض بالدمع أمواها وإني لأستسقي السحاب لربعها ... وإن لم تكن إلا ضلوعي مأواها إذا استعرت نار الأسى بين أضلعي ... نضحت على حر الحشا برد ذكراها وما بي أن يصلى الفؤاد بحرها ... ويضرم لولا أن في القلب سكناها 286 (2) الصفي الحلي عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أبي القاسم بن أحمد بن نصر بن أبي العز بن سرايا، هو الإمام العلامة البليغ المفوه، الناظم الناثر، شاعر عصرنا على الإطلاق، صفي الدين الطائي السنبسي الحلي، شاعر أصبح به راحج الحلي ناقصاً، وكان سابقاً فعاد على كعبه ناكصا، أجاد القصائد المطولة والمقاطيع، وأتى بما أخجل زهر النجوم في السماء فما قدر زهر الأرض في الربيع، تطربك ألفاظه المصقولة، ومعانيه المعسولة، ومقاصده التي كأنها سهام راشقة وسيوف مسلولة. مولده يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وستمائة، دخل إلى مصر في سنة ست وعشرين وسبعمائة، واجتمع بالقاضي علاء الدين ابن الأثير كاتب السر ومدحه، ومدح السلطان الملك الناصر بقصيدة وازى بها قصيدة المتنبي التي أولها: بأبي الشموس الجانحات غواربا ...

_ (1) الخريدة: سفحت. (2) الدرر الكامنة 2: 379 والنجوم الزاهرة 10: 138 والزركشي: 178 وبدائع الزهور 1: 173، 210.

وهي (1) : أسبلن من فوق النهود ذوائبا ... فجعلن حبات القلوب ذوائبا وجلون من صبح الوجوه أشعةً ... غادرن فود الليل منها شائبا بيض دعاهن الغبي كواعباً ... ولو استبان الرشد قال كواكبا سفهن رأي المانوية عند ما ... أسبلن من ظلم الشعور غياهبا وسفرن لي فرأين شخصاً حاضراً ... شدهت بصيرته وقلباً غائبا أشرقن في حلل كأن أديمها ... شفق تدرعه الشموس جلاببا وغربن في كللٍ فقلت لصاحبي ... بأبي الشموس الجانحات غواربا ومعربد اللحظات يثني عطفه ... فيخال من مرح الشبيبة شاربا حلو التعتب والدلال يروعه ... عتبي ولست تراه (2) إلا عاتبا عاتبته فتضرجت وجناته ... وازور ألحاظاً وقطب حاجبا فأراني الخد الكليم وطرفه ... ذو النون إذ ذهب الغداة مغاضبا ذو منظر تغدو القلوب بحسنه ... نهباً وإن منح العيون مواهبا لا غرو (3) أن وهب اللواحظ حظوةً ... من نوره ودعاه قلبي ناهبا فمواهب السلطان قد كست الورى ... نعماً وتدعوه القساور سالبا الناصر الملك الذي خضعت له ... صيد الملوك مشارقاً ومغاربا ملك يرى تعب المكارم راحةً ... ويعد راحات الفراغ متاعبا لم تخل أرض من ثناه وإن خلت ... من ذكره ملئت قناً وقواضبا بمكارم تذر السباسب أبحراً ... وعزائمٍ تذر البحار سباسبا ترجى مواهبه ويرهب بطشه ... مثل الزمان مسالماً ومحاربا

_ (1) ديوانه: 95. (2) الديوان: أراه. (3) الديوان: لا بدع.

فإذا سطا ملأ القلوب مهابة ... وإذا سخا ملأ العيون مواهبا كالغيث يبعث من عطاه نائلاً ... سبطاً ويرسل من سطاه حاصبا كالليث يحمي غابه بزئيره ... طوراً وينشب في القنيص (1) مخالبا كالسيف يبدي للنواظر منظراً ... طلقاً ويمضي في الهياج مضاربا كالسيل تحمد منه عذباً واصلاً ... ويعده قوم (2) عذاباً واصبا كالبحر يهدي للنفوس نفائساً ... منه ويبدي للعيون عجائبا فإذا نظرت ندى يديه ورأيه ... لم تلق إلا صيباً أو صائبا أبقى قلاوون الفخار لولده ... إرثاً ففازوا بالثناء مكاسبا قوم إذا سئموا الصوافن صيروا ... للمجد أخطار الأمور مراكبا عشقوا الحروب تيمناً بلقا العدا ... فكأنهم حسبوا العداة حبائبا وكأنما ظنوا السيوف سوالفاً ... واللدن قداً والقسي حواجبا يا أيها الملك العزيز ومن له ... شرف يجر على النجوم ذوائبا أصلحت بين المسلمين بهمة ... تذر الأجانب بالوفود (3) أقاربا ووهبتهم زمن الأمان فمن رأى ... ملكاً يكون له الزمان مواهبا ومنها: فأقمت تقسم للوحوش وظائفاً ... فيها وتصنع للنسور مآدبا وجعلت هامات الكماة منابراً ... وأقمت حد السيف فيها خاطبا وبذلت للمداح صفو خلائقٍ ... لو أنها للبحر طاب مشاربا فرأوك في جنب النضار (4) مفرطاً ... وعلى صلاتك والصلاة مواظبا أوليتني فيك (5) المديح عنايةً ... وملأت عيني هيبةً ومواهبا

_ (1) ص: القميص. (2) ص ر: قوماً. (3) الديوان: بالوداد. (4) ص: النضائر. (5) الديوان: قبل؛ وهي قراءة أجود من المثبتة.

ورفعت قدري في الأنام وقد رأوا ... مثلي لمثلك خاطباً ومخاطباً في مجلسٍ ساوى الخلائق في الندى ... وترتبت فيه الملوك مراتبا وافيته في الفلك أسعى جالساً ... رغماً (1) على من قال أمشي راكبا وسقتني الدنيا غداة وردته ... رياً وما مطرت علي مصائبا فطفقت أملاً من ثناك وشكره (2) ... حقباً وأملأ من نداك حقائبا أثني فتثنيني صفاتك مظهراً ... عياً وكم أعيت صفاتك خاطبا لو أن أعضانا جميعاً ألسن ... تثني عليك لما قضينا (3) الواجبا وأنشده الصاحب شمس الدين ابن السنيدي أبيات سليم الهوى النيلي المصغرة ألفاظها التي أولها: بريق بالأبيرق في الفجير ... وذكر أن ناظمها نظمها غزلاً لصاحب الديوان علاء الدين الجويني ولم يمكنه نظم بيت واحد (4) مديحاً؛ إذ شأن المدح التعظيم، فنظم صفي الدين الحلي (5) : نقيط من مسيكٍ في رويدٍ ... خويلك أم وشيم في خديد وذياك اللويمع في الضحيا ... وجيهك أم قمير في سعيد وجيه شويدنٍ فيه شكيل ... أدق معينياتٍ من خويد ظبي بل صبي في قبي ... مريهيب السطيوة كالأسيد معيشيق الحريكة والمحيا ... مميشيق السويلف والقديد

_ (1) الديوان: فخراً. (2) الديوان: ونشره. (3) الديوان: قضين. (4) ص: بيتاً واحداً. (5) صفي الدين الحلي.

معيسيل اللمي له ثغير ... رويقته خمير في شهيد ظبي في مقيلته نبيل ... مويقعه أفيلاذ الكبيد شويمي اللفيظ فما أحيلى ... عذيب قويله لي يا سويدي تريكي اللحيظ له جسيم ... تريف لمسه لين الزبيد مجيديل القديد له خصير ... يجاذبه كفيل كالطويد فويق صليته لوفيرتيه ... لييل من فويحمه الجعيد رويدك يا بني فلي قليب ... مسيليب النجيدة والجليد جفيني من هجيرك في سهير ... أطيول من مطيلك للوعيد ولست حويذراً (1) لصريف دهري ... رويب حويدث يضني جسيدي صريف الدهر يعجز عن عبيد ... سنيد ظهيره نجل السنيدي نزلت جويره فقضى حقيقي ... وصار جوينبي ورعى عهيدي وراش جنيحي وحمى ظهيري ... وزاد حريمتي وبنى مجيدي وحن على كسير من قليبي ... كما حن الأبي على الوليد رويقده مقيلة وافديه ... كأنهم طفيل في مهيد نظرت حويسديه وهم نويس ... منيظرهم سميعك (2) بالمعيدي دوينك يا أهيل الجود مني ... نظيماً في وصيفك كالعقيد أحيسن من قصيد من قبيلي ... وأسبق من نظيمٍ من بعيدي أريشق من غزيلهم مديحي ... وأحلى من هزيلهم جديدي حسيب مكينتي وعلى قديري ... ووسع طويقتي وقوى جهيدي وقال (3) :

_ (1) ص: حويذر. (2) ر ص: كسمعك. (3) الديوان: 394.

ترى سكرت عطفاه من خمر ريقه ... فمالت به أم من كؤوس رحيقه مليح يغير الغصن عند اهتزازه ... ويخجل بدر التم عند شروقه فما فيه شيء ناقص غير خصره ... ولا فيه شيء بارد غير ريقه ولا ما يسوء النفس غير نفاره ... ولا ما يروغ القلب غير عقوقه عجبت له يبدي القساوة عندما ... يقابلني من خده بريقه ويلطف بي من بعد إعمال لحظه ... وكيف يرد السهم بعد مروقه يقولون لي والبدر في الأفق مشرق ... بذا أنت صب؟ قلت بل بشقيقه فلا تنكروا قتلي بدقة خصره ... فإن جليل الخطب دون دقيقه وليلة عاطاني المدام ووجهه ... يرينا صبوح الشرب حال غبوقه بكأسٍ حكاها ثغره في ابتسامه ... بما ضمه من دره وعقيقه لقد نلت إذ نادمته من حديثه ... من السكر ما لا نلته من عتيقه فلم أدر من أي الثلاثة سكرتي ... أمن لحظه أم لفظه أم رحيقه لقد بعته قلبي بخلوة ساعةٍ ... فأصبح حقاً ثابتاً من حقوقه وأصبحت ندماناً على خسر صفقتي ... كذا من يبيع الشيء في غير سوقه وقال أيضاً (1) : غيري بحبل سواكم يتمسك ... وأنا الذي بترابكم أتمسك أضع الخدود على ممر نعالكم ... فكأنني بترابها أتبرك ولقد بذلت النفس إلا أنني ... خادعتكم وبذلت ما لا أملك شرطي بأن حشاشتي رق لكم ... والشرط في كل المذاهب أملك قد ذقت حبكم فأصبح مهلكي ... ومن المطاعم ما يذاق فيهلك لا تعجلوا قبل اللقاء بقتلتي ... وصلوا فذلك فائت يستدرك ولقد بكيت لدهشتي بقدومكم ... وضحكت قبل وهجركم لي مهلك

_ (1) الديوان: 396.

ولربما أبكى السرور إذا أتى ... فرطاً وفي بعض الشدائد يضحك زعم الوشاة بأن هويت سواكم ... يا قوتل الواشي فأنى يؤفك عار علي بأن أكون مشرعاً ... دين الهوى ويقال إني مشرك وقال (1) : جل الذي أطلع شمس الضحى ... مشرقةً في جنح ليلٍ بهيم وقدر الخال على خده ... ذلك تقدير العزيز العليم بدر ظننا وجهه جنةً ... فمسنا منها عذاب أليم ينفر كالريم ألا فانظروا ... إلى بخيل وهو عندي كريم لما انحنى حاجبه وانثنى ... يهز للعشاق قداً قويم عجبت من فرط ضلالي وقد ... بدا لي المعوج والمستقيم داو حبيبي يا طبيب الهوى ... وخلني إني بحالي عليم فخصره واهٍ وأجفانه ... مريضة واللحظ منه سقيم وقال (2) : رعى الله من لم يرع لي حق صحبةٍ ... وسلم من لم يسخ لي بسلامه وفي ذمة الرحمن من ذم صحبتي ... ولم أك يوماً ناقضاً لذمامه وإني على صبري على فرط هجره ... وقرب مغانيه وبعد مرامه يحاول طرفي لحظة من خياله ... ويشتاق سمعي لفظةً من كلامه ويوم وقفنا للوداع وقد بدا ... بوجه يحاكي البدر عند تمامه شكوت الذي ألقى فظل مقابلاً ... بكاي وشكوى حالتي بابتسامه بدمع يحاكي لفظه في انتثاره ... وعتبٍ يحاكي ثغره في انتظامه فما رق من شكواي غير خدوده ... ولا لان من نجواي غير قوامه

_ (1) الديوان: 396. (2) الديوان: 397.

وقال في غلام كفله صغيراً ورباه فحسد عليه (1) : هويته تحت أطمار مشعثةً ... وطالب الدر لا يغتر بالصدف وخبرتني معانٍ في مراسمه ... به كما خبر العنوان بالصحف ولاح لي من أمارات الجمال به ... ما كان عن لحظ غيري بالخمول خفي فظلت أرحض (2) ما يبديه من درن ... به وأدحض ما يخفيه من جنف حتى إذا تم معنى حسنه وبدا ... كالبدر في التم أو كالشمس في الشرف ولاح كالصارم المصقول أخلصه ... تتبع القين من شين ومن كلف وجال في وجهه ماء الحياء كما ... يجول ماء الحيا في الروضة الأنف وولد الحسن في أحداقه حوراً ... وضاعف الدل ما بالجسم من ترف أضحت به حدق الحساد محدقةً ... ترنو إليه بطرف غير منطرف وظل كل صديق يرتضي سخطي ... فيه وكل شقيق يرتجي تلفي يا للرجال أما للحب منتصر ... لضعف كل محب غير منتصف ما أطيب العشق لولا أن سالكه ... يمسي لأسهم كيد الناس كالهدف وقال (3) : يا رب أعطي (4) العاشقين بصبرهم ... في الخلد غايات النعيم المطلق وأذقهم برد السرور فطالما ... صبروا على حر الغرام المقلق حتى يرى الجبناء عن حمل الهوى ... غايات عزمهم التي لم تلحق وقال (5) :

_ (1) الديوان: 398. (2) ص ر: أرخص. (3) الديوان: 399. (4) ص: أعطى. (5) الديوان: 401.

حرضوني على السلو وعابوا ... لك وجهاً (1) به يعاب البدر حاش لله ما لعذري وجه ... في التسلي وما لوجهك عذر وقال (2) : قلوبنا مودعة عندكم ... أمانة نعجز (3) عن حملها إن لم تصونوها بإحسانكم ... ردوا الأمانات إلى أهلها وقال (4) : أقول للدار إذ مررت بها ... وعبرتي في عراصها تكف وما بال وعد السحاب أخلف مغ ... ناك فقالت في دمعك الخلف وقال (5) : يا من حكت شمس النهار بحسنها ... وبعاد منزلها وبهجة نورها هلا عدلت كعدها إذ صيرت ... للناس غيبتها بقدر حضورها وقال (6) : قيل إن العقيق قد يبطل السح ... ر بتختيمه لسر حقيقي فأرى مقلتيك تنفث سحراً ... وعلى فيك خاتماً من عقيق وقال (7) : الوجه منك عن الصواب يضلني ... وإذا ضللت فإنه يهديني

_ (1) ص: وجه. (2) الديوان: 407. (3) النون غير معجمة في ص. (4) الديوان: 413. (5) الديوان: 420. (6) الديوان: 425. (7) الديوان: 427.

وتميتني الألحاظ منك بنظرة ... وإذا أردت بنظرة تحييني وكذاك من مرض الجفون بليتي ... وإذا مرضت فإنها تشفيني فلذاك أشري الوصل منك بمهجتي ... وأبيع دنيائي بذاك وديني وقال (1) : ما يقول الفقيه في عبد رق ... لحبيب لم يرض منه بعتق زاره في الصيام يوماً وأولا ... هـ جميلاً من بعد بعد وسحق فإذا ضم قده وعصى الشه ... وة فيه من غير نية فسق (2) هل عليه في لثم فيه جناح ... إن غدا مضمراً محبة صدق وقال (3) : شكوت إلى الحبيب أنين قلبي ... إذا جن الظلام فقال إنا " من الأنين " فقلت له أظنك غير راضٍ ... بما كابدت فيك فقال إنا " بمعنى نعم " فقلت أترضى أن ناء قلبي ... باثقال الغرام فقال إنا " بمعنى حمل " فقلت فإنكم لولاة أمرٍ ... على أهل الغرام فقال إنا " إن واسمها " وقال (4) : قلبي لكم بشروعه وشروطه ... وسروبه ملك لكم وحقوقه حر تحيط به حدود أربع ... فيها تعين رحبه ومضيقه

_ (1) الديوان: 428. (2) سقط هذا البيت من الديوان. (3) الديوان: 427. (4) الديوان: 428.

الود ألها وثانيها الوفا ... والثالث العهد السليم وثيقه والرابع المسلوك صدق محبي ... لكم فيه بابه وطريقه قال: حسدت الشعر منه وقد تدلى ... على كفل له كالطود عبل وقلت له أيا من طاب عيشاً ... بما استوجبت ذلك منه قبلي وأنت شبيه حظي منه لوناً ... ولست على الحقيقة رب فضل فقال يكون ذا منه نصيبي ... وتزعم أن حظك منه مثلي وقال (1) : للترك ما لي ترك ... ما دين حبي شرك أخلصت دين هواهم ... فحبهم لي نسك خاطرت بالنفس فيهم ... ومسلك العيش ضنك قنعت بالود منهم ... إن القناعة ملك وبي أغن غرير ... ملا متي فيه إفك بحاجبيه وعنيي ... هـ للمحبين هتك (2) حواجب وعيون ... لها بقلبي فتك (3) كالقوس تصمي وهذي ... تشكي المحب وتشكو وقال: وذي مرح عارضته في طريقه ... فلما رآني قال غمض لشانكا فقلت له فأل سعيد مبشر ... بتصحيفه أني أمص لسانكا

_ (1) الديوان: 430. (2) في الأصل: فتك. (3) لعل هذا البيت كان تعديلاً لسابقه.

وقال (1) : إن غبت عن عياني ... يا غاية الأماني فالفكر في ضميري ... والذكر في لساني ما حال عنك عهدي ... ولا انثنى عناني شوقي إليك باقٍ ... والصبر عنك فاني وقال: خلياني من فترة النسوان ... وانعشاني بنشطة الغلمان أبدلاني من نفحة المسك والند ... بريح الكيمخت والزعفران ذاك عطري ما زال يعبق في بر ... دي من موزةٍ ومن قفطان ليس يصبو لربة القلب قلبي ... بل لرب الأقراط حن جناني فاخليا من فلانة خرت سمعي ... واملأا مسمعي بذكر فلان واتركا الفتنة التي قيل عنها ... إنها من حبائل الشيطان أين مني ذات الخمار بحما ... م وفي موكبٍ وفي بستان فلهذا لا أرتضي العيش إلا ... مع حبيبٍ تراه حيث تراني إن رآه ذوو البصائر قالوا: ... غير مستحسن وصال الغواني (2) فلو اني فوضت في جنة الخل ... د وصرفت في نعيم الجنان لم أكن مائلاً إلى طيب وصل ال ... حور إلا مع عزة الولدان وقال: بأبي قدار منك وابن زرارة ... أدنيت حتف المستهام العاني

_ (1) الديوان: 433. (2) صدر بيت، وعجزه ((بعد ستين حجة وثمان)) ، وهو مطلع قصيدة للشريف أبي إبراهيم، بعث بها إلى أبي العلاء المعري فأجابه عنها بقصيدته: عللاني فإن بيض الأماني ... فنيت والظلام ليس بفان

فلو ان إسم أبي معاذٍ قلبه ... ما كان في البلوى أبا حسان (1) وقال (2) : بعثت بآيات الجمال فآمنت ... بحسنك أبصار لنا وبصائر وأبديت حسناً باللحاظ ممنعاً (3) ... فلا خاطر إلا وفيك يخاطر ولما بدت زهر الثغور وتاهت ال ... خواطر وامتدت إليك النواظر ختمت على در الثنايا بخاتمٍ ... عقيق وتحت الختم تخبا الجواهر وقال أيضاً (4) : إلى محياك ضوء البدر يعتذر ... وفي محبتك العشاق قد عذروا وجنة الخلد في خديك مونقة ... ونار حبك لا تبقي ولا تذر يا من يهز دلالاً غصن قامته ... الغصن هذا فأين الظل والثمر ما كنت أحسب أن الوصل ممتنع ... وأن وعدك برق ما به مطر خاطرت فيك بغالي النفس أبذلها ... إن الخطير عليه يسهل الخطر لما رأيت ظلام الشعر منك بدا ... خضت الظلام ولكن غرني القمر وقال من الموشح المضمن، وهو من مخترعاته التي لم يسبق إليها، والأبيات المضمنة منحولة إلى أبي نواس (5) : وحق الهوى ما حلت يوماً عن الهوى ... ولكن نجمي في المحبة قد هوى ومن كنت أرجو وصله قتلتي نوى ... وأضنى فؤادي بالقطيعة والنوى

_ (1) قد شرحت الكنايات في هذين البيتين (ووضعت في درج الكلام في ص وفوق الأسطر في ر) ، فقدار تعني (سالف) وابن زرارة (حاجب) وأبو معاذ (جبل) وأبو حسان (ثابت) .. (2) الديوان 438. (3) ص ر: ممتعاً. (4) الديوان: 439. (5) الديوان: 453.

ليس في الهوى عجب ... إن أصابني النصب حامل الهوى تعب ... يستفزه الطرب أخو الحب لا ينفك صباً متيما ... غريق دموع قلبه يشتكي الظما لفرط البكا قد صار جلداً وأعظما ... فلا عجب أن يمزج الدمع بالدما الغرام أنحله ... إذ أصاب مقتله إن بكى يحق له ... ليس ما به لعب ألا قل لذات الخال يا ربة الذكا ... ومن بيضاء الوجه فاقت على ذكا شكوت غرامي لو رثيت لمن شكا ... وأطلقت دمعي لو شفى الدمع من بكى فانثنيت ساهيةً ... والقلوب واهيةً تضحكين لاهيةً ... والمحب ينتحب أسرت فؤادي حين أطلقت عبرتي ... وبدلتني من منيتي بمنيتي ولما رأيت السقم أنحل مهجتي ... تعجبت من سقمي وأنكرت قتلي صرت إذ بدا ألمي ... عندما أرقت دمي تعجبين من سقمي ... صحتي هي العجب تحجبت عن عيني فأيقنت بالشقا ... وآيسني فرط الحجاب من البقا فلما أميط الستر وارتحت للقا ... غضبت بلا ذنب وغادرتني لقى حين ترفع الحجب ... منك يصدر الغضب كلما انقضى سبب ... منك عاد لي سبب وقال في الزنبق والورد (1) : قد نشر الزنبق أعلامه ... وقال كل الزهر في خدمتي

_ (1) الديوان: 554.

لو لم أكن في الحسن سلطانه ... ما رفعت من دونه رايتي فقهقه الورد به هازياً ... وقال ما تحذر من سطوتي؟ وقال للسوسن ماذا الذي ... يقوله الأشيب في حضرتي؟ فامتعض الزنبق من قوله ... وقال للأزهار يا رفقتي يكون هذا الجيش بي محدقا ... ويضحك الورد على شيبتي؟ وقال أيضاً، وفيها ستة (1) تشبيهات طي ونشر (2) : خلياني أجر فضل برودي ... راتعاً في رياض عين البرود (3) كم بها من بديع زهرٍ أنيقٍ ... كفصولٍ منظومةٍ وعقود زنبق بين قضب آسٍ وبانٍ ... وأقاحٍ وعبهرٍ وورود كجبينٍ وعارضٍ وقوام ... وثغورٍ وأعينٍ وخدود وقال (4) : ولم أنس إذ زار الحبيب بروضةٍ ... وقد غفلت عنا وشاة ولوام وقد فرش الورد الخدود ونشرت ... لقدمه للسوسن الغض أعلام أقول وطرف النرجس الغض شاخص ... إلينا وللنمام حولي إلمام أيا رب حتى في الحدائق أعين ... علينا؟ وحتى في الرياحين نمام؟ وقال في مليح راقص (5) : جاء وفي قده اعتدال ... مهفهف ما له عديل قد خففت عطفه شمال ... وثقلت جفنه شمول

_ (1) ص: ست. (2) الديوان: 556. (3) عين البرود: إحدى ضياع ما ردين. (4) الديوان: 559. (5) الديوان: 480.

الشيخ عز الدين ابن عبد السلام

ثم انثنى راقصاً بقد ... تثنى إلى نحوه العقول يجول ما بيننا بوجه ... فيه مياه الحيا تجول فرنح الرقص منه عطفاً ... حف به اللطف والدخول (1) فعطفه داخل خفيف ... وردفه خارج ثقيل وقال في مليح قلع ضرسه (2) : لحا الله الطبيب فقد تعدى ... وجاء لقطع ضرسك بالمحال أعاق الظبي في كلتا يديه ... وسلط كلبتين على غزال وديوانه الذي دونه بنفسه ثلاث مجلدات وكله جيد. وبلغنا وفاته في أوائل سنة خمسين وسبعمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنه وعنا، بمنه وكرمه. (3) 287 الشيخ عز الدين ابن عبد السلام عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن، شيخ الإسلام وبقية الأعلام الشيخ عز الدين السلمي الدمشقي الشافعي؛ ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة وتوفي سنة ستين وستمائة. سمع من الخشوعي وعبد اللطيف بن إسماعيل الصوفي والقاسم ابن عساكر

_ (1) ص: والذحول. (2) الديوان: 475. (3) طبقات السبكي 5: 80 والنجوم الزاهرة 7: 208 وذيل الروضتين: 216 والسلامي: 104 والبداية والنهاية 13: 235 والأسنوي 2: 197 وعبر الذهبي 5: 260 والشذرات 5: 301 ورفع الأصر 2: 350 وحسن المحاضرة 1: 314، 2: 161.

وابن طبرزد وحنبل وابن الحرستاني وغيرهم، وخرج له الدمياطي أربعين حديثاً عوالي. روى عنه الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد والدمياطي وأبو الحسين اليونيني وغيرهم. وتفقه على الإمام فخر الدين ابن عساكر، وقرأ الأصول والعربية، ودرس وأفتى وصنف، وبرع في المذهب، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من البلاد، وتخرج به أئمة، وله الفتاوى السديدة (1) . وكان ناسكاً ورعاً، أماراً بالمعروف نهاء عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم؛ ولي خطابة دمشق بعد الدولعي، فلما تملك الصالح إسماعيل دمشق وأعطى الفرنج صفد والشقيف، نال ابن عبد السلام منه على المنبر وترك الدعاء له، فعزله وحبسه ثم أطلقه، فنزح إلى مصر، فلما قدمها تلقاه الصالح نجم الدين أيوب وبالغ في احترامه، واتفق موت قاضي القضاة شرف الدين ابن عين الدولة، فولي بدر الدين السنجاري قضاء القاهرة، وولي ابن عبد السلام قضاء مصر والوجه القبلي مع خطابة جامع مصر. ثم إن معين الدين ابن الشيخ بنى بيتاً على سطح مسجد بمصر، وجعل فيه طبل خاناه معين الدين، فأنكر ذلك ابن عبد السلام، ومضى بجماعته وهدم البنيان، وعلم السلطان والوزير يغضبان، فأسقط عدالة الوزير، وعزل نفسه عن القضاء، فعظم ذلك على السلطان، وقيل له اعزله عن الخطابة وإلا شنع عليك على المنبر كما فعل في دمشق، فعزله فأقام في بيته يشغل الناس. وكان مع شدته فيه حسن محاضرة (2) بالنادرة والشعر، وكان يحضر السماع ويرقص ويتواجد. وأرسل إليه السلطان لما مرض وقال: عين مناصبك لمن تريد من أولادك، فقال: ما فيهم من يصلح، وهذه المدرسة الصالحية تصلح للقاضي تاج الدين، ففوضت إليه. ولما مات شهد الظاهر جنازته والخلائق، رحمه الله.

_ (1) ص: الشديدة. (2) ص: محاظرة.

الرفيع الجيلي

واختصر نهاية المطلب وله القواعد الكبرى والقواعد الصغرى ومقاصد الرعاية وغير ذلك؛ والناس تقول في المثل: ما أنت إلا من العوام، ولو كنت ابن عبد السلام. ويقال إنه لما حضر بيعة الملك الظاهر قال له: يا ركن الدين، أنا أعرفك مملوك البندقدار، فما بايعه حتى جاء من شهد له بالخروج عن ملكه إلى الملك الصالح، وعتقه، رحمه الله تعالى ورضي عنه. ولما كان بدمشق سمع من الحنابلة أذى (1) كثيراً. 288 - (2) الرفيع الجيلي عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل، قاضي القضاة بدمشق، رفيع الدين الجيلي الشافعي، الذي فعل بالناس تلك الأفاعيل (3) ؛ كان فقيهاً مناظراً متكلماً متفلسفاً، قدم الشام وولي القضاء ببعلبك أيام صاحبها الصالح إسماعيل ووزيره أمين الدولة السامري (4) ، فلما ملك الصالح دمشق ولاه القضاء بدمشق، فاتفق هو والوزير المذكور في الباطن (5) على المسلمين، وكان عنده شهود زور ومن يدعي زوراً، فيحضر الرجل المتمول إلى مجلسه، ويحضر المدعى عليه

_ (1) ر: اذاء. (2) ابن أبي أصيبعة 2: 171 (وذكر أنه توفي سنة 641) والنجوم الزاهرة 6: 350 ومرآة الزمان: 749 والبداية والنهاية 13: 162 والشذرات 5: 214 والدارس 1: 188 وعبر الذهبي 5: 172 وذيل الروضتين: 173. (3) سيشرح المؤلف بعض تلك الأفاعيل في ما يلي. (4) أمين الدولة أبو الحسن الطبيب الوزير كان سامرياً ببعلبك، قتل سنة 648 (انظر عبر الذهبي 5: 199) . (5) ثبت في ر وحدها.

بألف دينار أو ألفين فينكر، فيحضر الشهود فيلزمه ويحكم عليه، فيصالح غريمه على النصف، أو أكثر أو أقل، فاستبيحت أموال الناس. قال أبو المظفر ابن الجوزي: حدثني جماعة أعيان أنه كان فاسد العقيدة دهرياً مستهتراً بأمور الشرع، يجيء إلى الصلاة سكران، وأن داره كانت مثل الحانة. قال الشيخ شمس الدين: بلغني أن الناس استغاثوا إلى الصالح، فخاف الوزير وعجل بهلاكه ليمحو التهمة عنه؛ وقيل إن السلطان كان عارفاً بالأمور، والله أعلم. وقبض على أعوان الرفيع وكبيرهم حسين بن الرواس الواسطي، وسجنوا وعذبوا بالضرب والعصر والمصادرة، ولم يزل ابن الرواس في العذاب إلى أن فقد. وفي ثاني عشر الحجة سنة اثنتين وأربعين وستمائة أخرج الرفيع من داره، وحبس بالمقدمية، ثم أخرج ليلاً وسجن في مغارة في نواحي البقاع (1) ، وقيل ألقي من شاهق، وقيل بل خنق. قال ابن واصل: حكى لي ابن صبح بالقاهرة أنه ذهب بالرفيع إلى شقيف أرنون: فعرف أني أريد أرميه، فقال: بالله عليك دعني أصلي ركعتين، فأمهلته حتى صلاهما ثم رميته فهلك. ولما كثرت الشكاوى عليه أمر الوزير بكشف ما حمل إلى الخزانة، وكان الوزير لا يحمل إلى الخزانة إلا القليل، فقال الرفيع: الأمور عندي مضبوطة، فخافه الوزير، وخوف السلطان من أمره ومن عاقبته، فقال: أنت جيت به وأنت تتولى أمره، فأهلكه الوزير. وقال ابن أبي أصيبعة: كان من الأكابر والمتميزين في الحكمة والطبيعي

_ (1) يقال لها مغارة افقه (وتصفحت في مرآة الزمان إلى: افته) .

شيخ الشيوخ عبد العزيز

والطب وأصول الدين والفقه. وحكى بعض الذين باشروه أنه لما أرموه في تلك الهوة تحطم في نزوله، وكأنه تعلق في بعض جوانبها بثيابه، فبقينا نسمع أنينه نحو ثلاثة أيام، وكلما مر يوم يضعف ويخفى حتى تحققنا موته ورجعنا عنه، نسأل الله تعالى حسن العاقبة. 289 - (1) شيخ الشيوخ عبد العزيز عبد العزيز بن محمد بن عبد (2) المحسن بن محمد بن منصور بن خلف، الإمام العلامة الأديب الشاعر، شيخ الشيوخ شرف الدين ابن القاضي أبي عبد الله الأنصاري الأوسي الدمشقي الشافعي الحموي الصاحب، ابن قاضي حماة؛ ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة بدمشق، وتوفي سنة اثنتين وستين وستمائة. رحل به والده وسمعه جزء ابن عرفة من ابن كليب، وسمعه المسند كله من عبيد الله بن أبي المجد الحربي، وقرأ كثيراً من كتب الأدب على الكندي، وسمع من جماعة، وبرع في العلم والأدب، وكان من الأذكياء المعدودين (3) ، وله محفوظات كثيرة، وسكن بعلبك مدة، وسكن دمشق مدة ثم سكن حماة، وكان صدراً كبيراً نبيلاً معظماً وافر الحرمة كبير القدر؛ روى عنه الدمياطي وأبو الحسين اليونيني وابن الظاهري وقاضي القضاة بدر

_ (1) عبر الذهبي 5: 268 والشذرات 5: 309 والنجوم الزاهرة 7: 214 وطبقات السبكي 5: 108 والزركشي: 183 والمؤلف ينقل عن الوافي للصفدي، كما أن ابن تغري بردي أشا إلى أنه أفاض في ترجمته في المنهل الصافي، وانظر عقود الجمان لابن الشعار 4: 20. (2) عبد: سقطت من ر. (3) ص: المعدومين.

الدين ابن جماعة، وجماعة كثيرة. قال الشيخ صلاح الدين حرسه الله تعالى: لا أعرف في شعراء الشام بعد الخمسمائة وقبلها من نظم أحسن منه ولا أجزل ولا أفصح ولا أصنع ولا أسرى ولا أكثر، فإن له لزوم ما لا يلزم مجلد كبير، وما رأيت له شيئاً العذب واللفظ الفصيح والمعنى البليغ، فمن ذلك قوله: غدوت فكنت شمسي في صباحي ... ورحت فكنت بدري في مسائي وجدتك إذ عدمت وجود نفسي ... فأهلاً بالفراق وباللقاء فإن أغفيت كان عليك وقفي ... أو استيقظت كان بك ابتدائي فيا سعدي إذا ما دام سكري ... علي وإن صحوت فيا شقائي وقلت لصاحبي لما لحاني: ... عليك بما عناك ولي عنائي أصمك سوء فهمك عن خطابي ... وأعماك الضلال عن اهتدائي وهنت فكنت في عيني صبياً ... أخاطبه بألفاظ الهجاء فلو أصبحت ذا حاء وسين ... لما عنفت في حاء وباء وقال: ما لم يغير عكسه لفظه ... مثاله قد نبل البندق وما إذا صحف معكوسه ... عاد إلى صيغته فستق وقال: لائمي في العشق مخطي ... وعلى العشق محطي ما لكم يا من لحوني ... رمتم باللوم صبطي لا تحطوني إلى أب ... جد قد جاوزت حطي

كم شرحتم ما أعمي ... وكشفتم ما أغطي وتهددتم وقلتم ... إن أمري ليس يبطي خبروني هل أخذتم ... عملي من تحت إبطي قد تخليت عن العق ... ل فخلوني وخبطي شفني أغيد، قلبي ... منه في قبضٍ وبسط وحياتي ومماتي ... في رضىً منه وسخط ولحاني في هواه ... كل واهي العقل زطي يشهر اللحظ يماني (1) ... ويهز القد خطي زين الخد بخالٍ ... وعذارٍ هو شرطي أبدع الحسن به ما ... شاء من شكلٍ ونقط مد أطراف بنانٍ ... حسنها يقطع وسطي ثم عاطاني (2) سلافاً ... مثلها من فيه يعطي عتقت عند شيوخ ... من شيوخ الدير شمط فلها بذلي ومنعي ... ولها حلي وربطي خلني أفسد مالي ... في الذي يصلح (3) خلطي مذهبي هذا الذي أف ... تي به صحبي ورهطي وبه فاشهد على نط ... قي وخذ إن شئت خطي وقال: أرقت لبارق مزنٍ أضا ... على الأثلات بذات الأضا كما نبض العرق ثم انبرى ... كإدمان رامٍ إذا أنبضا

_ (1) ص ر والزركشي: يمان. (2) ص والزركشي: أعطاني. (3) الزركشي: التي تصلح.

فأذكرني بالغضا جيرةً ... تولوا وأصليت جمر الغضا أضاء الدجى لي لما دنوا ... وبانوا فضاق علي الفضا وطول في حبهم لائمي ... فعرض قلبي لما عرضا رأى النار في كبدي تلتظي ... وفي جوفه الماء ما خضخضا بروحي غزال بألحاظه ... وعود بألحاظنا تقتضي سقاني من ريقه خمرةً ... شفاني بها وبها أمرضا رنا وانثنى فقضى حسنه ... علي ولي وطر ما انقضى فمن قده ذابل مشرع ... ومن لحظه صارم منتضى أبثك وجداً كساني الضنى ... فأعجزني السقم أن أنهضا وعمم فودي بوخط المشيب ... فسود حالي بما بيضا بعيني أقيك فنم وداعاً ... وإن كان جفني ما أغمضا فزدني صدوداً أزد صبوةً ... وفي حالة السخط لا في الرضى (1) أعد نظراً منك في أمر من ... إليك مقاليده فوضا وفاض على خده دمعه ... فذهبه بعدما فضضا وعاود أطرابه بعد ما ... نضا من شبيبته ما نضا وقال: قرأت خط عذاريه فأطمعني ... بواو عطفٍ ووصلٍ منه عن كثب وأعربت لي نون الصدغ معجمةً ... بالحاء عن نجح مقصودي ومطلبي حتى رنا فسبت قلبي لواحظه ... " والسيف أصدق أنباء من الكتب " وقال: حيث ترامت بي الجهات ... فلي إلى وجهك التفات

_ (1) ناظر إلى قول الشاعر: وفي حالة السخط لا في الرضى ... يبين المحب من المبغض

جيراننا باللوى أجيروا ... ولهان أودى به الشتات إليكم هجرتي وقصدي ... وفيكم الموت والحياة أمنت أن توحشوا فؤادي ... فأنسوا مقلتي ولا تو وقال: نفحات معنبره ... عن رياضٍ محبره (1) وغمام معربد ... ببروقٍ وزمجره ترك الروض ناظراً (2) ... بعيونٍ مخضره وقال أيضاً: كبد تلتظى ودمع غريق ... هكذا هكذا يكون المشوق نفسوا عن خناق نفس كئيبٍ ... كلفت بالغرام ما لا تطيق ما لنا في الهوى حقوق عليكم ... بل لكم سادتي علينا الحقوق مثلكم في جمالكم ليس يلقى ... وغرامي بغيركم لا يليق عقني لؤلؤ المدامع فيكم ... ووفى لي دمع حكاه العقيق فبعيني أفدي سيوف جفون ... لدمي من جفون عيني تريق (3) يا حبيباً له بصدري وداد ... رحب صدر الفضاء عنه يضيق دق معناي فيك مذ كنت طفلاً ... لست أدري بكم يباع الدقيق إنني رب غلظةٍ لعذولي ... ولداعي هواك عبد رقيق بهرت منك مقلتي عين شمس ... يتهادى بها قضيب وريق فبتعريق حاجبيك افتتاني ... كلما ماس قدك الممشوق وبتعليق ذا العذار اشتغالي ... عن دروسي والضرب (4) والتعليق

_ (1) ر: مخبره. (2) ر ص: ناظراً. (3) ص: بريق. (4) ص: والظرب.

وقال: أفنيت عمري في دهرٍ مكاسبه ... نطيع أهواءنا فيه وتعصينا تسعاً وعشرين مد الدهر شقتها ... حتى توهمتها عشراً وتسعينا وقال: أكملت ستاً وأربعين بها ... أخلت همومي من راحتي ربعي وجزت في السبع خائفاً وجلاً ... كأنني جائز (1) على السبع وقال: مررت وبدره في عقربيه ... فصد فبان لي صدق النجامه فديتك لو رأيت لهيب قلبي ... إذن لرحمت دمعي وانسجامه وخدك في العذار بديع حسنٍ ... وأحسن منه ساقك في الحجامه وقال: ست عيونٍ من تأتت له ... كانت له شافيةً كافيه العلم والعلياء والعفو وال ... عزة والعفة والعافية وقال: سألته من ريقه شربةً ... أطفي بها من ظمأي (2) حره فقال أخشى يا شديد الظما ... أن تتبع الشربة بالجره وقال: إن قوماً يلحون في حب سعدى ... " لا يكادون يفقهون حديثا " سمعوا وصفها ولاموا عليها ... " أخذوا طيباً وأعطوا خبيثا "

_ (1) ص ر: جائزاً، وقد وردت صحيحة عند الزركشي. (2) الزركشي: ظمأ.

وقال: زعموا أنني هويت سواكم ... كذبوا ما عرفت إلا هواكم قد علمتم بصدق مرسل دمعي ... فسلوه إن كان قلبي سلاكم قال لي عذلي متى تبصر الرش ... د وتسلو فقلت يوم عماكم حاولوا سلوتي بلومي فأغرو ... ني فمن ذا بصدكم أغراكم لا تحيلوا قلبي على حسن صبري ... أحسن الله في اصطباري عزاكم وقال أيضاً (1) : شرحت لوجدي في محبتكم صدرا ... وصبرني صحبي فلم أستطع صبرا ومن ظن سلواني من البر والتقى ... فإني إلى الرحمن من ذنبه (2) أبرا فيا يوسف الحسن الذي مذ علقته ... بسيارةٍ من فكرتي قلت يا بشرى لقد حل من قلبي بوادٍ مقدسٍ ... ليقبس من قلبي الكليم به جمرا لئن خوفتني من تجنيه عذل ... فإن مع العسر الذي زعموا يسرا وقلت لعذالي ألم (3) تعرفوا الهوى ... لقد جئتم شيئاً بعذلكم نكرا لعمري لقد طاوعت زائد لوعتي ... عليكم وما طاوعت زيداً ولا عمرا شفينا غليل الشوق منه بنزلةٍ ... فطوبى لمن يحظى به نزلةً أخرى (4) فلا تعجبوا للسيل والسيف واعجبوا ... لأجفانه الوسنى ومقلتي العبرى وإن بان ذلي وانكساري لبينه ... فمن قيصر عند الوصال ومن كسرى وأي عذول كان في الحب عاذري ... فذاك الذي قد يسر الله (5) لليسرى خليلي ها سقط اللوى قد بدا لنا ... فلا تقطعاه بل قفا نبك من ذكرى

_ (1) قال الزركشي: وأنشد لنفسه في ((تذكار الواجد)) يمدح الملك الناصر. (2) ص: دونه؛ ر: ذمه؛ والتصويب عن الزركشي. (3) ص: إلى كم. (4) وقع هذا البيت عند الزركشي بعد قوله ((خليلي ها سقط اللوى)) وهو أكثر ملاءمة للسياق. (5) الزركشي: فذلك ممن يسر الله.

بدا فاسترق العالمين جماله ... فمن أجل هذا جل بالعين أن يشرى وأذكر آيات الخليل عذاره ... لجنته الخضراء في ناره الحمرا تباعد مسرى شامنا من حجازه ... وقد زارنا ليلاً فسبحان من أسرى وقال أيضاً: طاوعتكم فعصيتم أمري ... وحفظتكم فأذعتم سري وشغلت قلبي واللسان بكم ... في الحب عن زيد وعن عمرو لم تخف أشجاني ولا ظهرت ... فضنيت بين السر والجهر جودوا على مقدار فضلكم ... وذروا مكافاتي على قدري لا تعرضوا عني بلطفكم ... من ذا بحالي غيركم يدري منها: ما في صباحي والمساء سناً ... لولاك يا شمسي ويا بدري وقف الهوى بي حيث أنت فلي ... وقفاً (1) عليك مدامع تجري ذرني ووجدي يا عذول (2) بمن ... كاونتهم (3) مذ كنت في الذر أفنيت عمري في محبتهم ... فلئن سلوتهم فواعمري إن بيع بالأرواح وصلهم ... فقد اشتريت بذلك السعر وقال (4) : لا حظ في الدنيا لمستيقظٍ ... يلمحها بالفكرة الباصره إن كدرت مشربه ملها ... وإن صفت كدرت الآخرة وقال أيضاً:

_ (1) ص ر: وقف. (2) ص ر والزركشي: عذولي. (3) ر: كاويتهم؛ وكاونتهم يريد بها أنه كان معهم في وقت واحد. (4) لم يرد البيتان في المطبوعة.

خذ في وقارك واتركني ووسواسي ... فليس في ولهي في الحب من باس إن أنت لم تقف إثري في الغرام فقف ... عني لأجري إلى اللذات أفراسي ولا تقسني على من لا يشاكلني ... فإن أمري شيء غير منقاس منها: قضيب آس تبدى مثمراً قمراً ... وجدي القديم به أطرى من الآس لها معاطف تغريني برقتها ... ولينها أن أقاسي قلبها القاسي باتت موسدةً رأسي على يدها ... عطفاً وكانت يدي منها على راسي وقال أيضاً: أأسود غيلٍ أم ظباء كناس ... هدمت تقاي وأسست وسواسي وتغزلي من بينها بغزيلٍ ... خلس النفوس بطرفه الخلاس أشكو إليه وأين عز جماله ... من ذلتي وغناه من إفلاسي ماذا ترى أذنبت في شرع الهوى ... حتى بليت بكل قلبٍ قاسي مولاي تذكر إذ زماني (1) قائم ... فيما أمرت وأنت من جلاسي حوشيت من نسيان عهدٍ لم يزل ... ينسيني الإيحاش بالإيناس ولئن غدرت لقد وفت لك عبرتي ... والدمع منه خاذل ومواسي إن لم تزر فإذا مررت فقف بنا ... ما في وقوفك ساعةً من باس يا صاح لا تخدع فما لصحاتنا ... شبه سوى الأموات في الأرماس فإذا السرور عصى عليك ولم يطع ... فخذ المدام ودع كلام الناس لا تكذبن فلست أترك شربها ... في الدير بين القس والشماس عنفتني فيما مضى وعذرت (2) إذ ... نادمتني وشربت فضلة كاسي وهذا ولو أدركت فضلة نشوتي ... قبلت رجلي أو حلفت براسي

_ (1) ص: رماني. (2) ص: وغدرت.

الزكي ابن أبي الإصبع

وقال أيضاً: أقسمت ما خده القاني من الخجل ... أرق من دمعي الجاري ولا غزلي غزال إنسٍ غضيض الطرف ناظره ... خلو من الكحل مملوء (1) من الكحل لاهٍ عدلت إليه بالهوى وله ... جور علي بقد منه معتدل فماس غصناً ولكن غير مهتصرٍ ... واهتز رمحاً ولكن غير معتقل يا نظرةً ما جلت لي حسن طلعته ... حتى انقضت وأدامتني على وجل عاتبت (2) إنسان عيني في تسرعه ... فقال لي خلق الإنسان من عجل يا عاذلي ليس مثلي من تخادعه ... وليس مثلك مأموناً (3) على عذلي ما دمت خلواً فما تنفك متهماً ... اعشق وقولك مقبول علي ولي وقال أيضاً: سألت سوارها المثري فنادى ... فقير وشاحها: الله يفتح لها طرف يقول الحرب أولى ... ولي قلب يقول الصلح أصلح 290 (4) ؟ الزكي ابن أبي الإصبع عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن عبد الله بن محمد، الأديب أبو محمد ابن

_ (1) ص ر: مملواً. (2) الزركشي: عاينت. (3) ص ر: مأمون. (4) ابن الشعار 4: 199 والنجوم الزاهرة 7: 37 والشذرات 5: 265 وحسن المحاضرة 1: 567 والزركشي: 191 ومقدمة كتابه ((تحرير التحبير)) ، ومقدمة ((بديع القرآن)) .

أبي الإصبع العدواني المصري الشاعر المشهور الإمام في الأدب؛ له تصانيف حسنة في الأدب، وشعره رائق، عاش نيفاً وستين سنة، وتوفي بمصر في ثالث وعشرين شوال سنة أربع وخمسين وستمائة، رحمه الله. ومن شعره: تصدق بوصلٍ إن دمعي سائل ... وزود فؤادي نظرةً فهو راحل جعلتك بالتمييز نصباً لناظري ... فلم لا رفعت الهجر والهجر فاعل وقال: فديت التي (1) إذ ودعتني أودعت ... من اللفظ سمعي ساعة البين جوهرا فلما التقينا رد دمعي لنحرها ... وديعتها فهي اللآلي التي ترى بكت ورنت نحوي فجرد لحظها ... من الجفن سيفاً بالدموع مجوهرا وقال: من يذم (2) الدنيا بظلم فإني ... بطريق الإنصاف أثنى عليها وعظتنا بكل شيء لو أنا ... حين جادت بالوعظ من مصطفيها نصحتنا فلم نر (3) النصح نصحاً ... حين أبدت لأهلها ما لديها أعلمتنا أن المآل يقيناً ... للبلى حين جددت عصريها كم أرتنا مصارع الأهل والأح ... باب لو نستفيق بين يديها ولكم مهجةٍ بزهرتها اغت ... رت فأدمت ندامةً كفيها أتراها أبقت على سبإٍ من ... قبلنا حين بدلت جنتيها يوم بؤسٍ لها ويوم رخاء ... فتزود ما شئت من يوميها وتيقن زوال ذاك وهذا ... تسل عن ما تراه من حادثيها

_ (1) ص ر: والزركشي: الذي. (2) ص: يضم. (3) ص ر والزركشي: نرى.

دار زادٍ لمن تزود منها ... وغرورٍ لمن يميل إليها مهبط الوحي والمصلى التي كم ... عفرت صورة بها خديها متجر الأولياء قد ربحوا الجن ... ة فيها وأوردوا عينيها رغبت ثم رهبت ليرى ... كل لبيبٍ عقباه من حالتيها فإذا أنصفت تعين ان يث ... ني عليها ألبر من ولديها وقال: انتخب للقريب لفظاً رقيقاً ... كنسيم الرياض في الأسحار فإذا اللفظ رق شف عن المع ... نى فأبداه مثل ضوء النهار مثلما شفت الزجاجة جسماً ... فاختفى لونها بلون العقار وقال في قيم حمام: وقيمٍ كلمت جسمي أنامله ... بغير ألسنةٍ تكليم خرصان إن أمسك اليد مني كاد يكسرها ... أو سرح الشعر من فودي أدماني فليس يمسك إمساكاً بمعرفة ... ولا يسرح تسريحاً بإحسان وقال رحمه الله تعالى: أراني لا ينفك نجمي هابطاً ... نراه براه ربنا حسب للرجم جفتني الليالي فاغتديت كأنني ... أفتش دهري في التراب على نجمي فصرت إذاً قوساً وعقلي رامياً ... ورأيي الذي أصمي الرمايا به سهمي وقال: وساقٍ إذا ما ضاحك الكأس قابلت ... فواقعها من ثغره اللؤلؤ الرطبا خشيت وقد أمسى ضجيعي على الدجى ... فأسلبت دون الصبح من ثغره حجبا وقسمت شمس الطاس بالكاس أنجماً ... ويا طول ليل شمسه قسمت شهبا وقال:

الحافظ زكي الدين المنذري

إذا ما سقاني ريقه وهو باسم ... تذكرت ما بين العذيب وبارق ويذكرني من قده ومدامعي ... مجر عوالينا ومجرى السوابق (1) وقال: أيا عبلة الأرداف لحظك عنتر ... وما لي على غاراته في الحشا صبر نعم أنت يا خنساء خنساء عصرنا ... وشاهد قولي أن قلبك لي صخر وقال: رأيت بفيه إذ تبسم أدمعاً ... فقلت رثي لي إذ بكى فمه حزنا اجاد له في النظم شاعر ثغره ... ولكنه من مقلتي سرق المعنى وقال: تبسم لما أن بكيت من الهجر ... فقلت ترى دمعي فقال أرى ثغري فديتك لما أن بكيت تنظمت ... بفيك لآلي الدمع عقداً من الدر فلا تدعي يا شاعر الثغر صنعةً ... فكاتب دمعي قال ذا النظم من نثري 291 (2) الحافظ زكي الدين المنذري عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعيد، الحافظ الإمام زكي الدين أبو محمد المنذري المصري الشافعي؛ ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، غرة شعبان بمصر، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة؛ قرأ القرآن على الأرتاحي،

_ (1) قد ضمن في البيتين مطلع قصيدة للمتنبي. (2) طبقات السبكي 5: 108 والبداية والنهاية 13: 212 والنجوم الزاهرة 7: 63 والشذرات 5: 277 والأسنوي 2: 332 وانظر دراسة عنه للأستاذ بشار عواد معروف (النجف 1968) .

جمال الدين التبريزي

وتفقه على أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي، وتأدب على أبي الحسين ابن يحيى النحوي، وسمع من عبد المجيد ابن زهير وإبراهيم بن البتيت ومحمد بن سعيد المأموني والمطهر ابن أبي بكر البيهقي والحافظ ربيعة اليمني وأبي الجود غياث ابن فارس والحافظ ابن المفضل، وبه تخرج وهو شيخه؛ وبمكة من يونس الهاشمي وأبي عبد الله بن البناء، وخرج لنفسه معجماً كبيراً مفيداً. روى عنه الدمياطي وأبو الحسين اليونيني وإسماعيل ابن عساكر وعلم الدين الدواداري وتقي الدين ابن دقيق العيد وخلق كثير؛ ودرس بالجامع الظافري بالقاهرة مدة؛ ثم ولي مشيخة دار الحديث الكاملية وانقطع بها نحواً (1) من عشرين سنة، رحمه الله تعالى. 292 - (2) جمال الدين التبريزي عبد القاهر بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن موسى، القاضي الخطيب جمال الدين التبريزي الحراني الدمشقي الشافعي؛ مولده في نصف شعبان سنة ثمان وأربعين وستمائة بحران، واشتغل ونشأ بدمشق وتفقه. قال الشيخ شمس الدين، ذكر لي قال: ماتت أمي ابنة عشرين سنة، وكان أبي تاجراً ذا مال، فقدم بي إلى دمشق وأنا ابن ست سنين، فملت وكفلني عمي عبد الخالق، ورجع بي إلى حران، وباع أملاكنا بثمانين ألفاً، ورد بي (3) إلى دمشق، فقال لي يوماً: امض بنا نتفرج، فمضى بي نحو ميدان الحصى

_ (1) ص ر: نحو. (2) الدرر الكامنة 3: 7 والزركشي: 196، والكتبي ينقل أيضاً عن الصفدي. (3) كذا، ولعله: وردني أو وورد بي.

وعرج بي ثم نهض علي فخنقني فغشي علي، فرماني في حفرة وطم علي المدر والحجارة، فبقيت كذلك ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الرابع مر رجل صالح كان برباط الإسكاف عرفته بعد ثلاثين سنة، نزل من الصالحية ومر بجسر ابن شواش وهو يتلو، ثم إلى القطائع، فجلس يبول، وأنا أحرك رجلي، فرأى المدر يتحرك فظنه حية، فقلب الحجر فبدت رجلي في خف بلغاري، فاستخرجني فقمت أعدو إلى الماء فشربت من شدة عطشي، ووجدت في خاصرتي فزراً من الحجارة وفي رأسي فتحاً، وأراني أثر ذلك، ودخلت البلد إلى إنسان أعرفه، فمضى بي إلى ابن عم لنا وهو الصدر الخجندي، وكان مختفياً بالصالحية، وله غلامان ينسخان ويطعمانه، اختفى لأمور بدت منه أيام هولاكو، فأقمت مدة لا أخرج، وبلغت وحفظت القرآن، فمررت بعد مدة بالديماس، فرآني عمي فقال: ها، جمال؟ امش بنا إلى البيت، فما كلمته وتغير لوني، وكان معي رفيقان فقالا لي: مابك؟ فسكت وأسرعت، ثم رأيته مرة أخرى بالجامع، ثم خاف من عاقبتي فأخذ أموالي ودخل إلى اليمن وتقدم عند صاحبها ووزر له، ومات في تلك البلاد عن أولاد، وأما أنا فإني جودت الختمة على الزواوي، وتفقهت على النجم الموغاني، وترددت إلى الشيخ تاج الدين، ثم وليت القضاء عن ابن الصائغ، انتهى كلام الشيخ شمس الدين. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: هذا القاضي جمال الدين جاء إلينا إلى صفد قاضياً من جهة جمال الدين الزرعي، وأقام أشهراً، فلما تولى قاضي القضاة جلال الدين عزله، ثم توصل ودخل عليه فولاه ثم عزله وقرر له مرتباً يأخذه ولا يتولى الأحكام، فلما توجه قاضي القضاة جلال الدين إلى الشام وتولي عز الدين ابن جماعة ولاه قضاء دمياط، فلم يزل بها حاكماً إلى أن مات في سنة أربعين وسبعمائة. وكان فصيح العبارة، مليح الشكل، أحمر الوجه مستديره، منور الشيبة، عذب الكلام، ينظم نظماً عذباً منسجماً، وعمل مجلدة خطب، رحمه الله.

أبو بكر الجرجاني

ومن شعره في الشبابة: وناطقةٍ بأفواه ثمانٍ ... تميل بعقل ذي (1) اللب العفيف لكل فمٍ لسان مستعار ... يخالف بين تقطيع الحروف تخاطبنا بلفظٍ لا يعيه ... سوى من كان ذا طبع لطيف فضيحة عاشقٍ ونديم راع ... وعزة موكبٍ ومدام صوفي وقال: جاءت تهز اختيالاً ... قد القضيب المنعم تجر إثر خطاها ... أذيال مرطٍ مسهم قد أنجد الردف والخص ... ر غار لطفاً وأتهم يا ويح خصرٍ شقي ... من جور ردفٍ منعم وبات بدري بصدري ... حتى إذا الصبح أنجم ودعته وهو يبكي ... ويمزج الدمع بالدم في موقفٍ لو ترانا ... لكنت ترثي وترحم 293 (2) أبو بكر الجرجاني عبد القاهر بن عبد الرحمن، أبو بكر الجرجاني النحوي المشهور؛ أخذ النحو عن أبي الحسين محمد بن علي الفارسي، وكان من كبار أئمة العربية،

_ (1) ص ر: ذا. (2) طبقات السبكي 3: 242 والأسنوي 2: 491 والنجوم الزاهرة 5: 108 ونزهة الألباء: 248 وانباه الرواة 2: 188 وبغية الوعاة: 310 والشذرات 3: 340 ومرآة الجنان 3: 101 والبلغة: 126 والزركشي: 197.

الاستاذ أبو منصور

صنف المغني في شرح الإيضاح في نحو ثلاثين مجلداً، والمقتصد في شرح الإيضاح أيضاً في ثلاث مجلدات، وإعجاز القرآن وكتاب عروض، والعوامل المائة والمفتاح وشرح الفاتحة في مجلد، وله العمدة في التصريف والجمل والتلخيص شرحه، وكان شافعي المذهب أشعري الأصول، مع دين وسكون؛ توفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، رحمه الله. ومن شعره: لا تأمن النفثة من شاعرٍ ... ما دام حياً سالماً ناطقا فإن من يمدحكم كاذباً ... يحسن أن يهجوكم صادقا وله أيضاً: كبر على العقل يا خليلي ... ومل إلى الجهل ميل هائم وكن حماراً تعش بخير ... فالسعد في طالع البهائم وله أيضاً: أرخ باثنين وخمسينا ... فليت شعري ما قضى فينا نسر بالحول إذا ما انقضى ... وفي تقضيه تقضينا 294 (1) الاستاذ أبو منصور عبد القاهر بن محمد بن عبد الله التميمي، أبو منصور الفقيه

_ (1) طبقات السبكي 3: 238 وتبيين كذب المفتري: 253 وانباه الرواة 2: 185 والحسيني: 47 والأسنوي 1: 194 والبداية والنهاية 12: 44 ومرآة الجنان 3: 52 والموجز الأولمن سياق تاريخ نيسابور: 55 والزركشي: 55 والزركشي: 197 وابن قاضيشهبة: 94 وليست هذه الترجمة من المستدرك على ابن خلكان فقد وردت أصيلة هنالك، انظر 3: 203.

الشافعي؛ ولد ببغداد ونشأ بها، وسافر مع أبيه (1) إلى خراسان، وسكنا بنيسابور إلى أن ماتا. تفقه أبو منصور على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الاسفراييني، وقرأ عليه أصول الدين، وكان ماهراً في فنون عديدة، خصوصاً في علم الحساب، وله فيه تواليف نافعة: منها كتاب التكملة وكان يدرس في سبعة وعشرين فناً، وكان عارفاً بالفرائض والنحو والشعر، وكان ذا مال وثروة، ولم يكتسب بعلمه مالاً، وأربى على أقرانه في الفنون، وجلس بعد أستاذه أبي إسحاق للإملاء في مسجد عقيل فأملى سنين، واختلف إليه الأئمة فقرأوا عليه، مثل ناصر المروزي وزين الإسلام القشيري؛ وتوفي سنة عشرين وأربعمائة (2) ، بمدينة اسفرايين، ودفن إلى جانب شيخه، رحمهما الله تعالى. ومن شعره: طلبت من الحبيب زكاة حسنٍ ... على صغرٍ من الحسن البهي فقال: وهل على مثلي زكاة ... على قول العراقي الزكي؟ فقلت: الشافعي لنا إمام ... وقد فرض الزكاة على الصبي وهذا مثل قول الأمير أبي الفضل الميكالي: أقول لشادنٍ في الحسن فردٍ ... يصيد بلحظه قلب الكمي ملكت الحسن أجمع في نصابٍ ... فأد زكاة منظرك البهي وذاك بأن تجود لمستهامٍ ... برشفٍ من مقبلك الشهي فقال: أبو حنيفة لي إمام ... وعندي لا زكاة على الصبي

_ (1) ص: أبوه. (2) أكثر المصادر على أن وفاته كانت سنة 429.

وتممها سيدنا ومولانا قاضي القضاة تقي الدين السبكي أدام الله أيامه بقوله: فقال اذهب إذن فاقبض زكاتي ... برأي الشافعي من الولي فقلت له فديتك من فقيهٍ ... أيطلب بالوفا سوى الملي؟ نصاب الحسن عندك ذو امتناع ... بلحظك والقوام السمهري فإن أعطيتنا طوعاً وإلا ... أخذناه بقول الحنبلي (1) ومن شعر أبي منصور: شبابي وشيبي دليلا رحيلي ... فسمعاً لذاك وذا من دليل وقد مات من كان لي من عديلٍ ... وحسبي دليلاً رحيل العديل ومنه أيضاً: يا سائلي عن قصتي ... دعني أمت في غصتي المال في أيدي الورى ... واليأس منه حصتي ومن تصانيفه: تفسير القرآن. تأويل متشابه الأخبار. فضائح المعتزلة الكلام في الوعد والوعيد. الفاخر في الأوائل والأواخر. إبطال القول بالتولد. فضائح الكرامية. معيار النظر. تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر. الإيمان وأصوله. الملل والنحل. والتحصيل في أصول الفقه. الفرق بين الفرق. بلوغ المدى في أصول الهدى. نفى خلق القرآن. الصفات.

_ (1) ص: الشافعي.

الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي

295 - (1) الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي عبد القادر بن أبي صالح بن جنكي دوست، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما، الشيخ أبو محمد الجيلي الحنبلي المشهور الزاهد، صاحب المقامات والكرامات وشيخ الحنابلة، رحمه الله تعالى؛ قدم بغداد، وتفقه على القاضي أبي سعد، وسمع الحديث، وكان يأكل من عمل يده، وتكلم في الوعظ وظهر له صيت، وكان له سمت وصمت. قال الشيخ شمس الدين: ولد بجيلان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وتوفي سنة إحدى وستين وخمسمائة؛ وقدم بغداد شاباً، وتفقه على أبي سعد المخرمي، وسمع من أبي بكر أحمد بن المظفر بن سوسن ومن غيره، وروى عنه أبو سعد السمعاني وعمر بن علي القرشي وولداه عبد الرزاق وموسى والحافظ عبد الغني والشيخ الموفق ويحيى بن سعد الله التكريتي وغيرهم. وكان إمام زمانه وقطب عصره وشيخ شيوخ الوقت بلا مدافعة. قال أبو الحسين اليونيني: سمعت الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول: ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتواتر، إلا الشيخ عبد القادر. وكان الشيخ عبد القادر قد لازم الأدب على أبي زكريا التبريزي، واشتغل

_ (1) المنظم 10: 219 ومرآة الزمان: 264 والنجوم الزاهرة 5: 271 والشذرات 4: 198 وعبر الذهبي 4: 175 وتاريخ ابن الأثير 11: 323 وطبقات الشعراني 1: 108 وذيل طبقات الحنابلة 1: 290 ونسبه عنده ((عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله بن جمكي دوست بن أبي عبد الله بن عبد الله الجيلي)) وقال ابن رجب: ((قد جمع المقرئ أبو الحسن الشطنوفي المصري في أخبار الشيخ عبد القادر ومناقبه ثلاث مجلدات وكتب فيها الطم والرم)) . وأورد مؤلف الأعلام نسبه على النحو التالي ((عبد القادر بن موسى بن عبد الله بن جنكي دوست)) .

بالوعظ إلى أن برز فيه، ثم لازم الخلوة والرياضة والسياحة والمجاهدة والسهر والمقام في الخراب والصحراء، وصحب الشيخ أحمد الدباس (1) وأخذ عنه علم الطريق، ثم إن الله أظهره للخلق وأوقع له القبول العظيم، وعقد المجلس سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وأظهر الله الحكمة على لسانه، ثم جلس في مدرسة أبي سعد للتدريس والفتوى سنة ثمان وعشرين، وصار يقصد بالزيارة، وصنف في الفروع والأصول، وله كلام على لسان أهل الطريق. قال: طالبتني نفسي بشهوة، فكنت أضاجرها (2) وأدخل في درب وأخرج إلى درب أطلب الصحراء، فبينما أنا أمشي إذ رأيت رقعة ملقاة فإذا فيها: ما للأقوياء والشهوات؟ إنما خلقت الشهوات للضعفاء يتقوون (3) بها على طاعتي، فلما قرأتها خرجت تلك الشهوة من قلبي. وقال: كنت أقتات بخرنوب الشوك وورق الخس من جانب النهر؛ وكان يقول: الخلق حجابك عن نفسك ونفسك حجاب عن ربك. ما دمت ترى الخلق لا ترى نفسك، وما دمت ترى نفسك لا ترى ربك؛ وكان يقول: الدنيا أشغال (4) ، والآخرة أهوال، والعبد فيما بين الأشغال حتى يستقر قراره إما (5) إلى جنة وإما إلى نار؛ وكان يقول: الأولياء عرائس الله، لا يطلع عليهم إلا ذا محرم؛ وكان يقول: فتشت الأعمال كلها فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام، أود لو أن الدنيا بيدي فأطعمها الجياع. وقال عبد الرزاق ولده: ولد لوالدي تسعة وأربعون ولداً (6) سبعة وعشرون ذكراً والباقي إناث.

_ (1) سماه في مرآة الزمان حماد الدباس. (2) ابن رجب: أدافعها. (3) ص: يتقووا؛ وعند ابن رجب: ليتقووا. (4) ص: اشتغال. (5) سقطت من ص. (6) ص: سبع.

الطائع لله

296 - (1) الطائع لله عبد الكريم بن الفضل بن جعفر بن أحمد، أمير المؤمنين الطائع لله ابن المطيع ابن المقتدر ابن المعتضد؛ تولى الخلافة في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وقبضوا عليه في شعبان سنة إحدى وثمانين، وكانت خلافته سبع عشرة (2) سنة وتسعة أشهر وستة أيام. قال أبو علي ابن شاذان: رأيته رجلاً مربوعاً، كبير الأنف أبيض أشقر، وفي أنفه يقول ابن الحجاج: خليفة في وجهه روشن ... خربشته قد ظلل العسكرا عهدي به يمشي على دجلة ... وأنفه قد صعد المنبرا وكان الطائع شديد الحيل، في خلقه حدة، خلعه بهاء الدولة ابن عضد الدولة بإشارة الأمراء ومعونتهم وسملوا عينيه، ولما جلس القادر في الخلافة أسكنه معه في زاوية من قصره رقة له، وكان يحسن إليه ويحتمل غلظة كلامه، ويقضي معظم ما يستقضيه من الحوائج، وكلفه يوماً حاجةً لم يقدر عليها واعتذر إليه بأن الديلم غالبون على الأمر، فلما توسط النهار وقدم الطعام أتوه بعدس مطبوخ فلمسه وقال: ما هذا؟ قالوا: عدسية، قال: أمن هذا أكل أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم، قال: إذا كان هذا أكله، وجاهه ما رأيناه أول النهار، كان الأولى به أن يقعد

_ (1) تاريخ بغداد 11: 79 وتاريخ ابن الأثير 9: 79 ونكت الهميان: 196 وتاريخ الخميس 2: 354 وتاريخ الخلفاء: 437 والروحي: 63 والفخري: 258 وخلاصة الذهب المسبوك: 258. (2) ص: سبعة عشر.

الرافعي

في البطيحة، ولا يتعنى ولا يتكلف مشقة الخلافة، فضحك القادر وقال: منعناه من راحة البصر فلا نمنعه من راحة اللسان. وكان الطائع قد استعرض جارية فأعجبته وأمر بشراها، فنظرت إليه ورأت عظم أنفه فقالت: ما يقدم على أن يباع عندكم إلا من يوطن نفسه على المرابطة في سبيل الله، فضحك الطائع وقال: اشتروها فإن لم يكن عندها أدب الملوك فعندها نوادر الظرفاء. وتوفي، رحمه الله تعالى ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة، وصلى عليه القادر وكبر خمساً، وحمل إلى الرصافة، وشيعه الأكابر، ورثاه الشريف الرضي بقصيدة موجودة في ديوانه (1) . 297 - (2) الرافعي عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم (3) بن الفضل، الإمام العلامة إمام الدين أبو القاسم الرافعي (4) القزويني، صاحب الشرح الكبير؛ ذكره ابن الصلاح وقال: ما أظن في بلاد العجم مثله، وكان ذا فنون، حسن السيرة، صنف

_ (1) ديوان الرضي 2: 197. (2) طبقات السبكي 5: 119 والشذرات 5: 108 وعبر الذهبي 5: 94 والنجوم الزاهرة 6: 266 وطبقات المفسرين: 21 ومرآة الجنان 4: 56 والحسيني: 83 والأسنوي 1: 571. (3) ص: بن عبد بن عبد الكريم. (4) قال الأسنوي، الرافعي: نسبة إلى رافعان من بلاد قزوين ثم أضاف نقلاً عن جلال الدين القزويني: ليس بنواحي قزوين بلدة يقال لها رافعان بل هو منسوب إلى جد يقال له رافع، وقيل إلى رافع ابن خديج.

كريم الدين الكبير

شرح الوجيز في اثني عشر مجلد (1) لم يشرح الوجيز بمثله. وقال الشيخ محيي الدين النواوي: الرافعي من الصالحين المتمكنين، كانت له كرامات كثيرة ظاهرة. وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفراييني في الأربعين تأليفه: هو شيخنا إمام الدين وناصر السنة، كان أوحد عصره في العلوم الدينية أصولاً وفروعاً وكان له مجلس بقزوين في التفسير الحديث، صنف شرحاً لمسند الشافعي، وأسمعه، وصنف شرحاً للوجيز ثم صنف آخر أوجز منه، وكان زاهداً ورعاً متواضعاً، وتوفي بقزوين، رحمه الله، سنة ثلاث وعشرين وستمائة. 298 - (2) كريم الدين الكبير عبد الكريم بن هبة الله بن السديد المصري القاضي الجليل النبيل المدبر، كريم الدين الكبير، ابن العلم، وكيل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون وناظر خواصه ومدبر دولته؛ بلغ فوق ما يبلغه الوزراء، ونال فوق ما يناله الكتاب من الوجاهة والحرمة والتقدم، أسلم كهلاً أيام الجاشنكير وكان كاتبه، وكان لا يصرف على السلطان شيء إلا بقلمه، ويقال إن السلطان طلب مرة إوزة، ولم يكن كريم الدين حاضر، فلم يصرف. ولما هرب الجاشنكير وأخذ الخزاين معه ورد السلطان من الكرك تطلب كريم الدين أشد طلب.

_ (1) كذا في ص. (2) الدرر الكامنة 3: 15 والبداية والنهاية 14: 116 والشذرات 6: 63 والنجوم الزاهرة 9: 75 (وصفحات أخرى من هذا الجزء) وأخباره في السلوك (ج؟:2) وفي الدر الفاخر في سيرة الملك الناصر الدواداري، والكتبي ينقل عن الصلاح الصفدي؛ وقد أبقيت هذه الترجمة صورة أمينة لما في ص.

قال الشيخ صلاح الدين الصفدي، حكى لي فتح الدين ابن سيد الناس قال: جاء كريم الدين إلى الأمير علم الدين الجاولي وقال: قد جيت إليك فقال: ما في يدي لك فرج، ولكن للسلطان مملوك يقال له طغاي الكبير، وهو لا يخالفه، فأريد أجتمع به وأعرفك ما يكون، ثم اجتمع به فقال: أحضره، وقام دخل على السلطان وهو يضحك وقال له: إن حضر كريم الدين إيش تعطيني؟ ففرح وقال: عندك هو؟ أحضره، فخرج وقال للأمير علم الدين: أحضره، فأحضره، فقال له: مهما قال لك السلطان قول نعم، ودعني أنا أدبر أمرك، ودخل به عليه، فلما رآه استشاط غيظاً وقال له: احمل الساعة ألف ألف دينار فقال: نعم، وخرج، فقال: لا، كثير، احمل خمسمائة ألف دينار، فقال: السمع والطاعة، فقال: لا، كثير، احمل ثلثمائة ألف دينار، فقال: السمع والطاعة، وخرج، فقال له سيف الدين طغاي: لا تسقع دقنك وتحضر الجميع، ولكن هات الآن منها عشرة آلاف دينار، فأتى بها ودخل بها على السلطان، فسكن غضبه، وبقي كل يومين وثلاثة يحمل ثلاثة آلاف دينار ورمة ألفين ومرة ألفاً، ولم يزل طغاي والقاضي فخر الدين ناظر الجيش يصلحان أمره حتى رضي عنه السلطان وولاه ناظر الخاص (1) ، وهو أول من باشر هذه الوظيفة ولم تكن تعرف أولاً، ثم تقدم عنده وأحبه محبة لم يحبها الآخر مثله، وكان يخلع عليه أطلس أبيض، والفوقاني بطرز، والتحتاني بطرز، والقبع (2) زركش على ما استفاض، وكانت الخزاين جميعها عنده في بيته، وإذا أراد السلطان شيء نزل إليه مملوك إلى بيته واستدعى منه ما يريده فيجهزه، وكان يخلع على أمراء الطبلخانات الكبار من عنده. وقيل إن السلطان نزل يوماً من الصيد وقال له: يا قاضي كريم الدين، اعرض أنت صيود الأمراء فإن لي ضرورة، ودخل الدهليز، ووقف القاضي كريم الدين

_ (1) ناظر الخاص هو الذي ينظر في خاص أموال السلطان (صبح الأعشى 5: 465 وما بعدها) . (2) القبع والجمع أقباع: غطاء الرأس (ملحق دوزي) .

على باب الدهليز (1) ، وكان الأمراء يحضرون صيودهم على طبقاتهم بين يديه وهو يخلع عليهم. وحج هو والخوندة طغاي زوجة السلطان واحتفل بأمرها، وكان كل سماط في الغدا والعشاء يحضر لها البقولات طرية والجبن المقلي سخن، أخذ معه البقر الحلابات وحمل الخضر في مزارعها بترابها على ظهور الجمال، وكان يخدم كل أحد من الأمراء الكبار المشايخ والخاصكية الكبار وأرباب الوظايف (2) والجمدارية الصغار حتى الأوشاقية (3) في الإصطبل. وكان في أول الأمر ما يخرج القاضي فخر الدين ويتغدى عنده، ويحضر من داره مخفيتين لا يعود إليه شيء من ماعونهما الصيني أبداً؛ وكان يركب في عدة مماليك أتراك تقارب السبعين مملوكاً أو أكثر بكنابيش الزركش والطرز الذهب، وقيل إنه طلبه السلطان يوماً إلى الدور، فدخل وبقيت الخزندارة تروح مرات فيما تطلبه الخوندة طغاي، فقال له السلطان: يا قاضي إيش حاجة لهذا التطويل؟ بنتك ما تختبي منك، ادخل إليها أبصر ما تريده افعله، فقام ودخل إليها وسير السلطان يقول لها: أبوك هنا أبصري له ما ياكل، فأخرجت له طعاماً، وقام السلطان بروحه إلى كرمة في الدار وقطع منها قطف عنب وأحضره وهو ينفخه من الغبار وقال: يا قاضي كل من عنب دورنا.

_ (1) ر: الدين. (2) ص: الوضايف. (3) قد مر من قبل شرح الجمدارية والأوشاقية.

وكان السلطان إذا أراد أن يعمل سو ويراه قد أقبل يقول: جاء القاضي وما يدعنا نعمل ما نريد، فيحدثه في إبطال ما كان هم به من الشر، ومدة حياته لم يقع من السلطان إلا خير. وأما مكارمه فإليها المنتهى، قيل إنه حضرت إليه امرأة رفعت قصة تطلب منه إزاراً، فوفع لها بثمانمئة درهم، فلما رأى الصيرفي القصة أنكر ذلك، وحضر إليه، وقال: يا سيدي هذه سألت إزار ما ثمنه هذا المبلغ، فقال: صدقت، وأخذ القصة وقال: هذه متاع الله، وزادها ثمانين درهم وقال: ما أردت إلا ثمانين ولكن الله أراد الثمانية، فوزن الصيرفي للمرأة ثمان مئة وثمانين. وقيل إنه كان له صير في يستدعي منه ما يصرفه لمن سأله شيئاً، وإن الصيرفي: أحضر له مرة وصولات عديدة ليست بخطه فأنكرها، فقال الصيرفي: هذا في كل وقت يحضر مثل هذه الوصولات، فقال: إذا حضر فأمسكه وأحضره، فلما جاء أمسكه وأحضره إلى بابه، فقيل له إن الصيرفي وقع بالمزور، فقال: سيبوه مالي وجه أراه، ثم قال: علي به، فلما حضر بين يديه قال له: ما حملك على هذا؟ قال: الحاجة، قال له: كلما احتجت إلى شيء اكتب به خطك على عادتك لهذا الصيرفي، وارفق فإن علينا كلفاً كثيرة، وقال للصيرفي: كلما جاء إليك خطه شيئاً فاصرفه إليه. وقيل إنه قبل إمساكه ضيع بعض بابية (1) مماليك بكتمر الساقي حياصة ذهب، فقال صاحبها للأمير، فقال الأمير: إن لم يحضر الحياصة وإلا روحوا به إلى الوالي ليقطع يده، فنزلوا بذلك البابا. فوجد القاضي كريم الدين آخر النهار طالع إلى القلعة، فوقف له وشكا إليه حاله، فقال: أخروا أمره إلى غد، ولما نزل إلى داره قال لعبده: خذ معك غداً حياصة ذهب لتعطيها لذلك البابا المسكين، فلما

_ (1) البابية: جماعة العمال في الطشت خاناه الذين يقومون بغسل الملايس وصقلها (صبح الأعشى 5: 470) .

أصبح وطلع إلى القلعة أمسك واشتغل الناس بأمره، وطلب البابا، وجهز إلى الوالي فقال له رفقاه: ما كان القاضي كريم الدين وعدك؟ روح إليه، فقال: يا قوم إنسان قد أمسك وصودر أروح إليه؟ فقالوا له: روح إليه فراح إليه، وكان قد أمر له بالمقام في القرافة، فلما دخل عليه شكا إليه حاله، فقال له: يا ابني جيت لي وأنا في هذه الحال؟ ثم رفع جنب المقعد وقال: خذ هذه الدراهم استعين بها، وكانت قريب الألفين، فلما أخذها وخرج قال لذلك العبد: ما كنت قد أعطيتك حياصة لهذا البابا؟ قال: نعم، فها هي، فقال: هاتها، فأخذها ودفعها إلى البابا وقال: هذه الحياصة أعطيهم إياها، والدراهم أنفقتها عليك، فطلع بالحياصة وأعطاها للمملوك، فدخل بها إلى الأمير سيف الدين بكتمر، فأحضره وقال: قول لي أمر هذه الحياصة، فحكى له ماجرى له مع كريم الدين، فقيل إن بكتمر الساقي لطم على وجهه وقال: يا مسلمين، مثل هذا يمسك؟ وكان قد أمسك بغير رضاه. وقيل إن علاء الدين ابن عبد الظاهر ونجم الدين ابن الأثير قعدا يوماً على باب القلعة، وأجريا ذكر كريم الدين ومكارمه، فقال علاء الدين: ما مكارمه إلا لمن يخافه فهو يصانع عن نفسه، فما كان بعد يومين أو ثلاث حتى احتاج نجم الدين إلى رصاص يجعله قدور حمام، فكتب ورقة إلى كريم الدين يسأله بيع جملة من الرصاص بديوان الخاص، فحمل إليه جملة كثيرة فضلةً عما طلب بثلاثون قنطاراً، ولم يأخذ له ثمن. وأما علاء الدين ابن عبد الظاهر فإنه تركه يوماً وهو في بستانه وانحدر إليه في البحر، فلم يشعر به إلا وقد أرست حراقته على زربية (1) علاء الدين، فنزل إليه وتلقاه واندهش لقدومه، فحلف أنه ما يأكل ما يحضره إليه من

_ (1) وردت في المصادر: رزيبة - بتقديم الياء المثناة - ولا أستبعد أن يكون هذا الشكل للفظة خطأ وأن الصواب ما أورده المؤلف، وعلى هذا فإن الزربية هي التي ذكرها دوزي (في مادة زريبة) وعرفها بأنها كوخ جدرانه من جرائد النخل، يتخذه المرء مأوى يرتاح فيه (يبدو أنها كانت تتخذ على النيل) .

خارج البستان، وإلا مهما كان طعام ذلك اليوم يحضره، فأحضر له ما اتفق حضوره له وقال: يا مولانا أنا ما أعلمتك بمجيئي، ولكن أنا مثل اليوم ضيفك، ولكن لا ألتقي هذه العمارة على هذه الصورة وشرع رتبها على ما أراد، وراح من عنده، فلم يشعر علاء الدين إلا بالمهندسين والصناع والفعول والمراكب قد أرست على زربيته بأنواع الأخشاب وآلات العمارة من الطوب وأفلاق النخل والجبس وكل ما يحتاج إليه، وأخذوا في هدم ذلك المكان وشرعوا في بنائه على ما قاله، ولم يأتي خمسة أيام إلا وقد تكمل ورخم وزخرف وفرغ منه، فلما كان قبل الميعاد بيوم جاء إليه مركب موسق بأنواع الغنم والإوز والدجاج الفائق والسكر والأرز وغيره وجميع ما يطبخ حتى المخافة والماعون الصيني والجبن ومن يقليه، فعمل الطعام الفايق المختلف، ومد السماط العظيم، ونزل كريم الدين ومعه من يختاره، فلما حضر مد السماط فأكل هو ومن معه، وأحضر أنواع الفاكهة والحلوى والمشروب. ولما فرغ من ذلك أحضر كريم الدين بقجة كبيرة، وأخرج منها ما يصلح للنساء من القماش الإسكندراني وغيره، وما يصلح لملبوس علاء الدين، وقال: هذه خمسة آلاف درهم يكسو بها مولانا عبيدة وجواره (1) على ما يراه، وهذا توقيع تصدق به مولانا السلطان على مولانا فيه زيادة معلوم دراهم وغلة وكسوة ولحم وجراية، ونزل ليركب، فنزل معه علاء الدين، فلما ركب وفارقه قال له: والله يا مولانا علاء الدين هذه الأشياء أفعلها طبعاً، وأنا لا أرجوك ولا أخافك، وكان قد صدق أخبار البرامكة. ومن رياسته أنه كان إذا قال نعم فهي نعم وإذا قال لا فهي لا، وهذا تمام الرياسة. قدم من الثغر نوبة حريق القاهرة، ونسب إلى النصارى، فغوث به الغوغاء ورجموه، فغضب السلطان وقطع أيدي أربعة، ثم إنه مرض في ذلك العام الماضي قبل الواقعة، ولما عوفي زينت القاهرة وتزاحم الخلق واختنق رجل.

_ (1) كذا في ص ر، ولعل المقصود ((وجواريه)) .

صدر الدين الخجندي

وكان قد ولي نظر البيمارستان المنصوري، فكان إذا دخل إليه تصدق بعشرة آلاف درهم. وقيل شرب مرة دواء، فجمع كل ورد في القاهرة وحمل إلى داره، وبسط إلى كراسي بيت الماء، وداس الناس ما داسوه وأخذ ما فضل فأباعه الغلمان بثلاثة آلاف درهم. وكان وقوراً عاقلاً ذا هيبة، جزل الرأي بعيد الغور، عمر بالزربية جامعاً وميضأة، وعمر في طرق الرمل البيارات، وأصلح الطرق، وعمر جامع القبيبات والقابون، ووقف عليهما؛ ثم انحرف عليه السلطان ونكبه، وأقام في بيت الأمير سيف الدين أرغون النايب ثلاثة أيام، وكان الأمير سيف الدين قجليس يروح إليه ويجي في الرسائل عن السلطان، ثم رسم بنزوله إلى القرافة، ثم أخرج إلى الشوبك ثم إلى القدس، ثم طلب إلى مصر وجهز إلى أسوان، وبعد قليل أصبح مشنوقاً بعمامته. وكان يحترم العلماء، وسمع البخاري، وقيل إنه لما أحس بقتله صلى ركعتين وقال: هاتوا، عشنا سعدا، ومتنا شهدا. وكان الناس يقولون: ما عمل أحد ما عمل السلطان مع كريم الدين، أعطاه الدنيا والآخرة، رحمه الله تعالى؛ وكانت واقعته سنة أربع وعشرين وسبعمائة. 299 - (1) صدر الدين الخجندي عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف بن ثابت بن الحسن الخجندي، أبو القاسم صدر الدين؛ كان يتولى الرياسة بأصبهان على قاعدة أجداده، وكانت له المكانة

_ (1) الأسنوي 1: 491 والزركشي: 198.

عند السلاطين والملوك والعوام، وكان فقيهاً فاضلاً أديباً شاعراً صدراً مهيباً جليلاً نبيلاً حسن الأخلاق متواضعاً، سمع من أبي القاسم غانم بن خالد بن عبد الواحد التاجر وأبي الوقت عبد الأول السجزي وغيرهم. قدم بغداد حاجاً في عددٍ كثير من أتباعه وأشياعه، وعقد مجلس الوعظ وأحسن وأجاد، وخلع عليه من الديوان، ولما عاد من الحج وصل إلى همذان (1) ودخل الحمام (2) فأصابه فالج في الحمام فمات في الحال وحمل إلى أصبهان ودفن بها، سنة ثمانين وخمسمائة، رحمه الله. ومن شعره: بالحمى دار سقاها مدمعي (3) ... يا سقى الله الحمى من مربع ليت شعري والأماني ضلة ... هل إلى وادي الحمى من مرجع أذنت علوة للواشي بنا ... ما على علوة لو لم تسمع أو تحرت رشداً فيما وشى ... أو عفت عني فما القلب معي وقال: رمانا يوم رامة طرف غاده ... تعود قتلنا والخير عاده فذكرنا الصبا والعود رطب ... وثغر العيش يبسم عن (4) رغاده يشوش طيب عيشٍ كنت فيه ... رعى الله المشوش لو أعاده روت عيني وقد كحلت بشوك ... أحاديث الصبابة عن قتاده بطرفك والسقام وبي سقام ... ولكن لا علاج ولا عياده (5)

_ (1) ر ص: همدان. (2) ر: ودخل همدان ودخل الحمام. (3) ص: أدمعي، والتصويب عن ر والزركشي. (4) ر: من. (5) ر: إعادة.

موفق الدين عبد اللطيف

(1) 300 موفق الدين عبد اللطيف عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن سعد، العلامة موفق الدين البغدادي الشافعي النحوي اللغوي المتكلم الطبيب الفيلسوف المعروف بابن اللباد؛ لقبه تاج الدين الكندي بالجدي المطجن لرقة وجهه وتجعده ويبسه. ولد ببغداد في أحد (2) الربيعين سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتوفي ببغداد سنة تسع وعشرين وستمائة. سمعه أبوه من ابن البطي وأبي زرعة المقدسي وشهدة وجماعة، وروى عنه جماعة: المنذري والضياء وابن النجار والقوصي، وحدث بمصر والقدس ودمشق وحران وبغداد، وكان أحد الأذكياء المضلعين (3) من الآداب والطب وعلم الأوائل، إلا أن دعاويه كانت أكثر من علومه، وكان دميم (4) الخلقة نحيلاً قليل لحم الوجه، وكان يتنقل في البلاد. ومن كلامه: اللهم أعدنا من جموح الطبيعة، وشموس النفس الردية (5) ، وسلس لنا مقار (6) التوفيق، وخذ بنا في سواء الطريق، يا هادي العمي، يا مرشد

_ (1) طبقات السبكي 5: والأسنوي 1: 273 وابن أبي أصيبعة 2: 201 وانباه الرواة 2: 193 والشذرات 5: 132 وعبر الذهبي 5: 115 وحسن المحاضرة 1: 541 وبغية الوعاة: 311 وانظر ((مقالتان في الحواس)) (ط. الكويت 1972) حيث احتوى إلى جانب عدد من رسائله دراسة وتعريفاً به وبمؤلفاته وذكراً لعدد من الدراسات الحديثة التي تناولته، ويذكر ابن خلكان (6: 76 - 77) أنه طلع على سيرة لعبد اللطيف كتبها لنفسه وقد أورد ابن أبي أصيبعة طرفاً منها. (2) ص: إحدى. (3) كذا في ص ر. (4) ص ر: ذميم. (5) زيادة من عيون الأنباء. (6) ابن أبي أصيبعة: مقاد.

الضلال، يا محيي القلوب الميتة بالإيمان، خذ بأيدينا من مهواة الهلكة، ونجنا من ردغة الطبيعة، وطهرنا من درن الدنيا الدنية بالإخلاص لك والتقوى، إنك مالك الدنيا والآخرة، سبحان من عم بحكمته الوجود، واستحق بكل وجه أن يكون هو المعبود، تلألأت بنور وجهك الآفاق، وأشرقت شمس معرفتك على النفوس إشراقاً وأي إشراق. ومن تصانيفه: غريب الحديث، والمجرد منه، الواضحة في إعراب الفاتحة. كتاب الألف واللام. شرح بانت سعاد. ذيل الفصيح. خمس مسائل نحوية. شرح مقدمة ابن بابشاذ. شرح الخطب النباتية. شرح سبعين حديثاً. شرح أربعين حديثاً طبية. الرد على فخر الدين الرازي في تفسير سورة الإخلاص. وشرح نقد الشعر لقدامة. قوانين البلاغة (1) . الإنصاف بين ابن بري وابن الخشاب في كلامهما على المقامات. مسألة أنت طالق في شهر قبل ما بعد (2) رمضان. كتاب قبسة العجلان في النحو. اختصار العمدة لابن رشيق مقدمة حساب. اختصار كتاب البيان (3) . اختصار كتاب الحيوان (4) . واختصر كتباً كثيرة في الطب، كتاب أخبار مصر الكبير. الإفادة في أخبار مصر. تاريخ يتضمن سيرته. مقالة في الرد على اليهود والنصارى. مقالة في النفس مقالة في العطش. مقالة في السقنقور. كتاب في العلم الإلهي. كتاب الجامع الكبير في المنطق والطبيعي والالهي زهاء عشر مجلدات. شرح الراحمون يرحمهم الرحمن. اختصار الصناعتين للعسكري. اختصار مادة البقاء للتميمي. كتاب بلغة الحكيم. مقالة في الماء. مقالة في الحركات المعتاصة. مقالة في العادات. الكلمة في الربوبية. مقالة في حقيقة الدواء والغذاء.

_ (1) عمله بحلب سنة 615 (عيون الأنباء) . (2) ابن أبي أصيبعة: ما بعد قبله. (3) ر وابن أبي أصيبعة: النبات. (4) كتاب الحيوان لارسططاليس وله أيضاً كتاب الحيوان للجاحظ.

مقالة في التأذي بصناعة الطب. مقالة في الرواند. مقالة في الحنطة. مقالة في البحران. مقالة رد فيها على ابن رضوان في اختلاف جالينوس وأرسطو. كتاب يعقب حواشي ابن جميع على القانون. مقالة في الحواس. مقالة في الكلمة والكلام. كتاب السبعة. كتاب تحفة الآمل. كتاب الحكمة العلائية. كتاب الدرياق. حواشي على كتاب البرهان للفارابي. حل شيء من شكوك الرازي على كتب جالينوس. مقالة في ميزان الأدوية والأدواء من جهات الكيفيات. مقالة في تعقب أوزان الأدوية. مقالة أخرى في المعنى. مقالة في النفس والصوت والكلام. مقالة في تدبير الحرب. جواب مسألة سئل عنها في ذبح الحيوان وقتله وهل ذلك سائغ في الطبع وفي العقل كما هو سائغ في الشرع. مقالتان في المدينة الفاضلة. مقالة في العلوم الضارة. رسالة في الممكن. مقالة في الجنس والنوع. الفصول الأربعة المنطقية. تهذيب كلام أفلاطون. مقالة في كيفية استعمال النطق. مقالة في القياس. كتاب في القياس كبير يدخل في أربع مجلدات. السماع الطبيعي مجلدان. شرح الأشكال البرهانية مقالة في تزييف الشكل الرابع. مقالة في تزييف ما يعتقده ابن سينا. مقالة في القياسات المختلطات. مقلة في تزييف المقاييس الشرطية. مقالة في إبطال الكيمياء. عهد إلى الحكماء. كتاب القولنج. مقالة في البرسام. مقالة في الرد على ابن الهيثم. مقالة في اللغات وكيفية تولدها. مقالة في القدر. أقام موفق الدين عبد اللطيف بمصر مدة، فلما توفي الملك العزيز توجه إلى القدس وأقام به مدة يشغل الناس بالجامع الأقصى، ثم توجه إلى دمشق ونزل بالعزيزية سنة أربع وستمائة، وكان يأتيه خلق كثير يشتغلون عليه في أصناف من العلوم، ثم سافر إلى حلب وقصد بلاد الروم وأقام بها سنين كثيرة في خدمة الملك علاء الدين داود بن بهرام، وكان له منه الجامكية الوافرة والصلات المتواترة، وصنف باسمه

ابن عبدون

عدة مصنفات، ثم توجه إلى ملطية وعاد إلى حلب وتوفي ببغداد في التاريخ المذكور أول ترجمته، رحمه الله. 301 - (1) ابن عبدون عبد المجيد بن عبدون، أبو محمد الفهري؛ روى عن أبي عاصم بن أيوب وأبي مروان بن سراج والأعلم الشنتمري، وتوفي سنة عشرين وخمسمائة، رحمه الله تعالى، وكان أديباً شاعراً كاتباً مترسلاً، عالماً بالخبر والأثر ومعاني الحديث، أخذ الناس عنه، وله مصنف في الانتصار لأبي عبيد علي ابن قتيبة. ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى بها ملوك بني الأفطس وذكر فيها من أباده الحدثان، من ملوك كل زمان، وهي: الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصور أنهاك أنهاك لا آلوك معذرةً ... عن نومةٍ بين ناب الليث والظفر فلا يغرنك (2) من دنياك نومتها ... فما صناعة عينيها سوى السهر تسر بالشيء لكن كي تغر به ... كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر والدهر حرب وغن أبدى مسالمة ... والسود والبيض مثل البيض والسمر ما لليالي أقال الله عثرتنا ... من الليالي وغالتها يد الغير هوت بدارا وفلت غرب قاتله ... وكان غضباً على الملاك ذا أثر

_ (1) الصلة: 382 والقلائد: 145 والذخيرة (القسم الثاني) والمغرب 1: 374 والمطرب: 27، 180 وصلة الصلة: 42، وله أخبار في المعجب للمراكشي ونفح الطيب، والزركشي: 298 وانظر شرح البسامة لابن بدرون، وهو شرح لهذه القصيدة الرائية التي أثبتها المؤلف. (2) ص: يغرينك.

واسترجعت من بني ساسان ما وهبت ... ولم تدع لبني يونان من أثر واتبعت أختها طسماً وعاد على ... عادٍ وجرهم منها ناقض المدر وما أقالت ذوي (1) الهيآت من يمنٍ ... ولا أجارت ذوي الغايات من مضر ومزقت سبأ (2) في كل قاصية ... فما التقى رائح منهم بمبتكر وأنفذت في كليب كلمها ورمت ... مهلهلاً (3) بين سمع الأرض والبصر ودوخت آل ذبيان وجيرتهم ... لخماً وعضت بني بدر على النهر وما أعادت على الضليل صحته ... ولا ثنت أسداً عن ربها حجر وألحقت بعدي بالعراق على ... يد ابنه أحمر العينين والشعر وبلغت يزد جرد الصين واختزلت ... عنه سوى الفرس جمع الترك والخزر ولم تكف مواضي رستم وقنا ... ذي حاجب عنه سعداً في انتها العمر ومرغت جعفراً بالبيض واختلست ... من غيله جمرة الظلام للجزر وأشرفت بخبيب فوق قارعةٍ ... والصقت طلحة الفياض بالعفر وخضبت شيب عثمان دماً وخطت ... إلى الزبير ولم تستحي من عمر ولا رعت لأبي اليقظان (4) صحبته ... ولم تزوده غير الضيح في الغمر واجزرت سيف أشقاها أبا حسن ... وأمكنت من حسين راحتي شمر وليتها إذ فدت عمراً بخارجه ... فدت علياً بمن شاءت من البشر وفي ابن هندٍ وفي ابن المصطفى حسنٍ ... أتت بمعضلة الألباب والفكر فبعضنا قائل ما اغتاله أحد ... وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر وأردت ابن زيادٍ بالحسين ولم ... يبؤ بشسعٍ له قد طاح أو ظفر وعممت بالظبا فودي أبي أنس ... ولم ترد الردى عنه قنا زفر

_ (1) ص: ذوو. (2) ص: بسبا. (3) ص: مهلهل. (4) ص: اليقضان؛ وأبو اليقظان هو عمار بن ياسر.

وأنزلت مصعباً من رأس شاهقة ... كانت به مهجة المختار في وزر ولم تراقب مكان ابن الزبير ولا ... رعت عياذته بالبيت والحجر ولم تدع لأبي الذبان قائمةً ... ليس اللطيم لها عمرو بمنتصر وأظفرت بالوليد ابن اليزيد ولم ... تبق الخلافة بين الكاس والوتر ولم تعد قضب السفاح نابية (1) ... عن رأس مروان أو أشياعه الفجر وأسبلت دمعة الروح الأمين على ... دم بفخ لآل المصطفى هدر وأخفرت في الأمين العهد وانتدبت ... لجعفر في ابنه والأعبد الغدر وأشرقت جعفراً والفضل ينظره ... والشيخ يحيي بريق الصارم الذكر ولا وفت بعهود المستعين ولا ... بما تأكد للمعتز من مرر وأوثقت في عراها كل معتمد ... وأشرقت بقذاها كل مقتدر وروعت كل مأمون ومؤتمن ... وأسلمت كل منصور ومنتصر بني المظفر والأيام ما برحت ... مراحلا (2) والورى منها على سفر سحقاً ليومكم يوماً ولا حملت ... بمثله ليلة في سالف (3) العمر من للأسرة أو من للأعنة أو ... من للسماحة أو للنفع والضرر أو دفع كارثةٍ أو قمع رادفة ... أو ردع حادثة تعيي على القدر ويح السماح وويح البأس لو سلما ... وحسرة الدين والدنيا على عمر سقت ثرى الفضل والعباس هامية ... تعزى إليهم سماحاً لا إلى المطر ومر من كل شيء فيه أطيبه ... حتى التمتع بالآصال والبكر أين الجلال الذي غضت مهابته ... قلوبنا وعيون الأنجم الزهر أين الإباء الذي أرسوا قواعده ... على دعائم من عز ومن ظفر أين الرواء الذي أصفوا شرائعه ... فلم يرد أحد منها على كدر

_ (1) ص: نائية. (2) ص: مراحل. (3) شرح البسامة: مقبل.

على الفضائل إلا الصبر بعدهم ... سلام مرتقبٍ للأجر منتظر يرجو عسى وله في أختها طمع ... والدهر ذو عقبٍ شتى وذو غير وقد سلك مسلك هذه القصيدة أبو جعفر الأعيمي فقال قصيدة أولها: قفا حدثاني عن فلٍ وفلان ... لعلي أرى باقٍ على الحدثان وهي مذكورة في ترجمته (1) . ومن شعر ابن عبدون: وافاك من فلق الصباح تبسم ... وانساب من غسق الظلام تهجم والليل ينعى بالأذان وقد شدا ... بالأيك طير البانة المترنم ودموع طل الليل تخلق أعيناً ... يرنو بها من ماء دجلة أرقم وقال أيضاً (2) : مضوا يظلمون الليل لا يلبسونه ... وإن كان مسكي الجلابيب ضافيا يؤمون بيضاً في الأكنة لم تزل ... قلوبهم حباً عليها أداحيا وأغربة الظلماء تنفض فيهم ... قوادمها مسلولة والخوافيا إذا مرقوا من بطن ليل رقت بهم ... إلى ظهر يوم عزمة هي ما هيا وإن زعزعتهم روعة زعزعوا الدجى ... إليها كماةً (3) والرياح مذاكيا ولو أنها صلت لكان إمامها ... ثنا عمر في فحمة الليل هاديا همام أقام الحرب وهي قعيدة (4) ... وروى القنا فيها وكانت صواديا شريف المطاوي تحت ختم ضلوعه ... تميمة تقوى ردت الدهر صاديا إذا قرئت لا بالنواظر طابقت ... سرى أختها ذات البروج مساعيا

_ (1) انظر الترجمة رقم: 40 في ما تقدم. (2) من هنا حتى آخر القصيدة الحائية لم يرد في المطبوعة. (3) ص: كماتاً. (4) ص: فقيدة.

وهدي لو استشفى المحب (1) بروحه ... لما كان بالوجد المبرح صاليا ورقة طبعٍ لو تحلى بها الهوى ... لأعدى على عصر الشباب البواكيا إليك أكلت الأرض بالعيس ثائراً ... وقد أكلت منها الذرى والحواميا حوافي لا ينعلن والبعد آذن ... على نفسه إلا الوجى والدياجيا فجاءته لم تبصر سوى البشر هاديا ... إليه (2) ولم تسمع سوى الشكر حاديا ألكني ألكني والسيادة بيننا ... إلى مولعٍ بالحمد يشريه غاليا إلى آمر في الدهر ناهٍ إذا قضى ... على كل من فيه أطاعوه قاضيا وحيوه لا راجين منه تحيةً ... وإن كان جواداً لا يخيب راجيا إليك ابن سيفي يعرب زف خاطري ... عقائل لا ترضى البروج مغانيا وإني لأستحيي من المجد أن أرى ... علي لمأمول سواك أياديا وإني وقد أسلفتني قبل وقته ... من البر ما جازت خطاه الأمانيا وأيقظت من قدري وما كان نائماً ... وأبعدت من ذكري وما كان دانيا ولكن نبا من جنس ذكرك في يدي ... أظن حساماً لم يجد فيه نابيا ولو لم يكن ما خفت لا خفت لم أجد ... على غير ما أخدمتنيه اللياليا إلى من إذا لم تشكني أنت والعلا ... أكون لما ألقى من الدهر شاكيا وأنت على رفعي ووضعي حجة ... فكن بي على أولاهما بك جازيا وكون مكاني من سمائك عاطلاً ... ولولا مكاني الدهر ما كان خاليا فرد المنى خضراً ترف غصونها ... بمبسوطةٍ تندى ندىً وعواليا (3) عوالٍ إذا ما الطعن هز جذوعها ... تساقطت الهيجا عليك معاليا وعاون على استنجاز طبعي بهبة ... ترقص في ألفاظهن المعاليا وعز على العلياء أن تلقي العصا ... مقيماً بحيث البدر ألقى المراميا

_ (1) بياض في ص. (2) ص: وسله. (3) ص: وغواليا.

ابن حمود الحلبي

ومن قام رأي ابن المظفر بينه ... وبين الليالي نام عنهن لاهيا وقال أيضاً: سقاها الحيا من مغانٍ فساح ... فكم لي بها من معانٍ فصاح وحلى أكاليل تلك الربى ... ووشى معاطف تلك البطاح فما أنس لا أنس عهدي بها ... وجري فيها ذيول المراح (1) فكم لي في اللهو من طيرةٍ ... إليها بأجنحة الإرتياح ونوم على حبرات الرياض ... تجاذب بردي أيدي الرياح وليلٍ كرجعة طرف المريب ... لم أدره شفقاً من صباح كعمر عداتك يوم الندى ... وعمر عداتك يوم الكفاح إليك رمى أملي بي ولا ... هوي مصفقةٍ بالرياح إذا عمر هطلت كفه ... فلا حملت سحب من رياح وقال أيضاً: وما انس بين النهر والقصر وقفةً ... نشدت بها ما ضل من شارد الحب رميت بلحظي دمية سنحت به ... فلم أنتبه إلا ومحرابها قلبي 302 (2) ابن حمود الحلبي عبد المحسن بن حمود بن عبد المحسن ابن علي، أمين الدين التنوخي

_ (1) ص: المزاح. (2) الزركشي: 198 والنجوم الزاهرة 6: 353 والشذرات 5: 420 وابن الشعار 4: 104 وعبر الذهبي 5: 177.

الحلبي الكاتب المنشء البليغ؛ ولد سنة سبعين وخمسمائة، وتوفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة. رحل وسمع بدمشق من حنبل وابن طبرزد والكندي وغيرهم، وعني بالأدب، جمع كتاباً في الأخبار والنوادر في عشرين مجلد (1) روى فيه بالسند، وله ديوان شعر، وديوان ترسل، وكتاب مفتاح الأفراح في امتداح الراح وكتب لصاحب صرخد عز الدين أيبك ووزر له، وكان ديناً خيراً كامل الأدوات، ومن شعره: اشتغل بالحديث إن كنت ذا فه ... م ففيه المراد والإيثار وهو العلم معلم وبه بي ... ن ذوي الدين تحسن الآثار إنما الرأي والقياس ظلام ... والأحاديث للورى أنوار كن بما قد علمته عاملاً فال ... علم دوح منهن تجنى الثمار وإذا كنت عالماً وعليماً ... بالأحاديث لن تمسك نار وقال يعاتب صديقاً له: سألتك حاجةً ووثقت فيها ... بقول نعم وما في ذاك عاب ولم أعلم بأني من أناسٍ ... ظموا قبلي وغرهم السراب وقال في المعنى: ظننت به الجميل فجئت أرضا (2) ... إليه كهمتي طولاً وعرضا فلما جئته ألفيت شخصاً ... حمى عرضاً له وأباح عرضا وقال أيضاً: كأنما نارنا وقد خمدت ... وجمرها بالرماد مستور

_ (1) كذا في ر ص، ووردت صحيحة في الزركشي. (2) الزركشي: أرضي.

دم جرى من فواختٍ ذبحت ... من فوقه ريشهن منثور وقال أيضاً: أتانا بكانون يشب ضرامه ... كقلب محب أو كصدر حسود كأن احمرار النار من تحت فحمه ... خدود عذارى في معاجر سود وقال في غلام جميل الصورة لابس أصفر: قد قلت لما أن بصرت به ... في حلة صفراء كالورس أو ما كفاه أنه قمر ... حتى تدرع حلة الشمس وقال: أقول لنفسي حين نازل لمتي ... مشيبي ولما يبق غير رحيلي أيا نفس قد مر الكثير فأقصري ... ولا تحرصي لم يبق غير قليل ولا تأملي طول البقاء فإنني ... وجدت بقاء الدهر غير طويل وقال: بالله هل يا ملول ... إلى الوصال وصول؟ أم هل إلى سلسبيلٍ ... من ريق فيك سبيل صلني فماذا التجافي ... من ذا الجمال جميل حالت (1) لبعدك حالي ... ولست عنك أحول قضى اعتدالك فينا ... أن ليس عنك عدول ما مال قدك إلا ... علي ظلماً يميل فهل شمائل ريح ... مرت به أم شمول إن كنت تنكر أني ... بمقلتيك قتيل فها دمي كاد من خد ... ك الأسيل يسيل

_ (1) ص ر: سالت، والتصويب عن الزركشي.

تقي الدين الاسنائي

وذا الدلال على ما ... بي من هواك دليل لكن يهون على الغم ... ر في الهوى ما يهول 303 (1) تقي الدين الاسنائي عبد الملك بن الأعز بن عمران الثقفي (2) الأسنائي؛ كان أديباً شاعراً، قرأ النحو والأدب على الشمس الرومي، وله ديوان شعر. قال كمال الدين جعفر الأذفوي: اجتمعت به كثيراً، وكان متهماً بالتشيع، وتوفي باسنا سنة سبع وسبعمائة، ومن شعره رحمه الله (3) : جفوني ما تنام ... إلا لعلي أن أراك فزر قد براني الشوق ... يا غصن الأراك وطرفي ما رأى مثلك ... وقلبي قد حواك فهو لك لم يزل مسكن ... فسبحان الذي (4) أسكن وحسنك كم به أفتن ... وما قصدي سواك حبيبي آه ما أحلى ... هواني في هواك فخلي الصد والهجران ... ولا تسمع ملام وصلني يا قضيب البان ... ففي قلبي ضرام

_ (1) لقبه ((تقي الدين)) ثبت في العنوان في حاشية كل من ص ر؛ وانظر ترجمته في الزركشي: 200 والطالع السعيد: 341 والدرر الكامنة 3: 29. (2) اعتقد أن ((الثقفي)) يجب أن تقرأ ((التقي)) كما في الطالع، وهذا هو لقبه، وإلا فلا معنى لورود اللقب في الهامش وعدم الإشارة إليه في المتن. (3) هذه القصيدة لا بد أن تقرأ ملحونة. (4) ص: من.

وجد للهائم الولهان ... يا بدر التمام وزر يا طلعة البدر ... ودع يا قاتلي هجري وأرفق قد فني صبري ... وعد ايام وفاك واسمح أن أقبل يا ... مليح بالله فاك إذا ما زاد بي وجدي ... ولا ألقى معين وصار دمعي على خدي ... كما الماء المعين أفكر ألتقيك عندي ... يطيب قلبي الحزين لأنك نزهة الناظر ... وشخصك في الضمير حاضر وحبي فيك بلا آخر ... وقولي قد كفاك فجد واعدل وصل واوصل ... رضائي من رضاك جبينك يشبه الاصلاح ... بنور قد هدى وريقك من رحيق الراح ... به يروى الصدى وخدك يبهر التفاح ... مكلل بالندى سباني لونه القاني ... فخلاني كئيب عاني تجافى النوم أجفاني ... فهل عيني تراك فذاك اليوم فيه خدي ... أعفر في ثراك عذولي لا تطل واقصر ... ودع صب كئيب تأمل من هويت وابصر ... إلى وجه الحبيب وكن يا صاح مستبصر ... ترى شيئاً عجيب ترى من حسنه مبدع ... كبدر التم إذ يطلع تحير لم تدر ما تصنع ... ولا تعرف هداك وتبقى مفتكر حيران ... إلا إن هداك

عبد الملك ابن صالح

304 - (1) عبد الملك ابن صالح عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أبو عبد الرحمن الأمير؛ ولي المدينة والصوائف للرشيد، ثم ولي الشام والجزيرة للأمين وتوفي سنة ست وتسعين (2) ومائة، وحدث عن أبيه ومالك بن أنس. وكان أفصح الناس وأخطبهم، ولم يكن في عصره مثله في فصاحته وصيانته وجلالته، قيل ليحيى بن خالد البرمكي وقد ولى الرشيد عبد الملك المدينة: كيف ولاه المدينة من بين أعماله؟ قال: أحب أن يباهي به قريشاً، ويعلمهم أن في بني العباس مثله. ودخل على الرشيد يوماً وقد توفي له ولد وجاءه ولد، فقال: يا أمير المؤمنين، سرك الله فيما ساءت، ولا ساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه، جزاء للشاكر، وثواباً للصابر. وقيل له إن أخاك عبد الله يزعم أنك حقود، فقال: إذا ما امرؤ لم يحقد الوتر لم تجد ... لديه لدى النعما (3) جزاءً ولا شكرا ووجه إلى الرشيد فاكهة في أطباق الخيزران وكتب إليه: أسعد الله أمير المؤمنين وأسعد به، دخلت إلى بستان لي أفادنيه كرمك، وعمرته لي نعمك، قد أينعت أشجاره، وآنت ثماره، فوجهت إلى أمير المؤمنين من

_ (1) أخباره في تاريخ الطبري والمسعودي وابن الأثير وابن خلدون ... الخ؛ وانظر النجوم الزاهرة 2: 90، 151 وزبدة الحلب 1: 64 وابن خلكان 6: 30. (2) ص ر: وسبعين. (3) ر ص: النعماء.

كل شيء شيئاً على الثقة والإمكان، في أطباق القضبان، ليصل إلي من بركة دعائه، مثل ما وصل إلي من كثرة عطائه. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، لم أسمع بأطباق القضبان، فقال الرشيد: يا أبله، إنه كنى عن الخيزران إذ كان اسماً لأمنا. ولما ودعه الرشيد وقد توجه (1) إلى الشام، قال له الرشيد: ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، بيني وبينك بيت يزيد بن الطثرية (2) حيث يقول: فكوني على الواشين لداء شغبةً ... كما أنا للواشي ألد شغوب ثم إن الرشيد جعل ابنه القاسم في حجر عبد الملك بن صالح، فقال عبد الملك يحض (3) الرشيد على أن يوليه العهد بعد أخويه الأمين والمأمون: يا أيها الملك الذي ... لو كان نجماً كان سعدا للقاسم اعقد بيعةً ... وأقد له في الملك زندا الله فرد واحد ... فاجعل ولاة العهد فردا فجعله الرشيد ثالثهما. ثم وشى به بعد ذلك الناس، وتتابعت الأخبار عنه بفساد نيته للرشيد، فدخل عليه في بعض الأيام وقد امتلأ قلب الرشيد فقال له: أكفراً بالنعمة وغدراً بالإمام؟ فقال عبد الملك: قد بؤت إذاً بأعباء الذم (4) واستحلال (5) النقم، وما ذاك يا أمير المؤمنين إلا بغي حاسدٍ نافسٍ فيك وفي تقديم الولاية ومودة

_ (1) ر: وجهه. (2) ص ر: يزيد بن الدثنية، والبيت منسوب ليزيد بن الطثرية عند ابن سلام: 590 وورد في الأغاني 4: 269 (دار الثقافة) منسوباً لكثير عزة، وانظر ديوانه: 523. (3) ص ر: يحظ. (4) ص: الذم؛ ر: النقمة. (5) ص: واستحال؛ ر: استحلال.

القرابة؛ يا أمير المؤمنين إنك خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، وأمينه على عترته، لك عليها فرض الطاعة وأداء النصيحة، ولها عليك العدل في حكمها والتثبت في حادثها، فقال الرشيد: هذا قمامة كاتبك يخبر بفساد نيتك وسوء سيرتك، ثم أمر بإحضاره، وقال له الرشيد: تكلم غير خائف ولا هائب، فقال: أقول: إنه عازم على الغدر بك يا أمير المؤمنين والخلاف عليك، فقال عبد الملك: وكيف لا يكذب علي من خلفي من يبهتني في وجهي؟ فقال الرشيد: فهذا عبد الرحمن ابنك يقول بقول كاتبك ويخبر عن سوء ضميرك وفساد نيتك، وأنت لو أردت أن تحتج بحجة لم تجد أعدل من هذين فقال: يا أمير المؤمنين، عبد الرحمن بين مأمورٍ أو عاق، فإن كان مأموراً فمعذور، وغن كان عاقاً فهو عدو أخبر الله بعداوته وحذر منها فقال جل ثناؤه في محكم كتابه: " إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم " فنهض الرشيد فقال: أما أمرك فقد وضح، ولكن لا أعجل حتى أعلم ما الذي يرضي الله فيك فإنه الحكم بيني وبينك، فقال عبد الملك: رضيت الله حكماً وبأمير المؤمنين حاكماً، فإني أعلم أنه يؤثر كتاب الله على هواه، وأمر الله على رضاه. ثم إنه دخل عليه في مجلس آخر وسلم فلم يرد عليه الرشيد، فلم يزل يعتذر ويحتج لنفسه بالبراءة حتى اقبل عليه بوجهه وقال: ما أظن الأمر إلا كما قلت يا أبا عبد الرحمن، فأنت محسد، وأمير المؤمنين يعلم أنك على سريرة صالحة غير مدخولة ولا خسيسة. ثم دعا عبد الملك بشربة ماء، فقال له الرشيد: ما شرابك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: سحيق الطبرزد بماء الرمان، فقال: بخ بخ عضوان لطيفان يذهبان الظمأ ويلذان المذاق، فقال عبد الملك: صفتك لهما يا أمير المؤمنين ألذ من فعلهما. ثم إن الرشيد تنكر له بعد ذلك فحبسه عند الفضل بن الربيع، ولم يزل محبوساً حتى توفي الرشيد، فأطلقه الأمين وعقد له بالشام، وجعل للأمين

عهد الله وميثاقه لئن قتل وهو حي لا يعطي للمأمون طاعة، فمات قبل قتل الأمين ودفن في دار الإمارة بالرقة، فلما خرج المأمون يريد الروم أرسل إلى ابن عبد الملك: حول أباك من داري، فنبشت عظامه وحولت. وكتب إلى الرشيد وقد تغير عليه (1) : أخلاي لي شجو وليس لكم شجو ... وكل امرئ من شجو صاحبه خلو من أي نواحي الأرض أبغي رضاكم ... وأنتم أناس ما لمرضاتكم نحو فلا حسن نأتي به تقبلونه ... ولا إن أسأنا كان عندكم عفو فلما وقف عليها قال: والله إن كان قالها فقد أحسن، وإن كان رواها فقد أحسن: وكتب إليه من السجن: قل لأمير المؤمنين الذي ... يشكره الصادر والوارد يا واحد الأملاك في فضله ... ما لك مثلي في الورى واحد إن كان لي ذنب ولا ذنب لي ... حقاً كما قد زعم الحاسد فلا يضق عفوك عني فقد ... فاز به المسلم والجاحد ومن شعره وهو في السجن: لئن ساءني سجني لفقد أحبتي ... وأني فيهم لا أمر ولا أحلي لقد سرني عزي بترك لقائهم ... وما أتشكى من حجابي ولا ذلي ولما أخرجه الأمين من السجن دفع إليه كاتبه وابنه، فقتل كاتبه، وهشم وجه ابنه بعمود، رحمه الله تعالى.

_ (1) مناه بيت في الإشارات الإلهية: 26.

عبد الملك بن مروان

305 - (1) عبد الملك بن مروان عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، أمير المؤمنين؛ بويع بعهد من أبيه في خلافة ابن الزبير، وبقي على مصر والشام وابن الزبير على باقي البلاد مدة سبع سنين، ثم غلب عبد الملك على العراق وبقية البلاد، وقتل ابن الزبير، واستوسق الأمر له. كان عابداً ناسكاً بالمدينة، وشهد يوم الدار مع أبيه وهو ابن عشر سنين. قال ابن سعد: واستعمله معاوية على المدينة وهو ابن ست عشرة سنة (2) ، وسمع عثمان وأبا هريرة وأبا سعيد وأم سلمة وابن عمر ومعاوية؛ وأول من سمي عبد الملك في الإسلام عبد الملك ابن مروان. قال أبو الزناد: فقهاء المدينة: سعيد بن المسيب وعبد الملك بن مروان (3) وعروة ابن الزبير وقبيصة بن ذؤيب. وعن ابن عمر قال: ولد الناس أبناء، وولد مروان آباء (4) . وقال يحيى بن سعيد: أول من صلى في المسجد ما بين الظهر والعصر عبد الملك ابن مروان. وقال ابن عائشة: أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره، فأطبقه وقال: هذا فراق بيني وبينك (5) .

_ (1) مصادر الترجمة وأخباره في كتب تاريخية وأدبية تعز على الحصر. (2) ص: ستة عشر. (3) عن مقام عبد الملك في الفقه انظر طبقات الفقهاء للشيرازي: 62. (4) ص: ابناً ... أباً. (5) هذا من قبيل الأخبار التي تصور كراهية الأتقياء للتحول من حياة الفقه والعلم إلى ممارسة السياسة.

وكان له سبعة عشر ولداً (1) ، ومات في شوال سنة ست وثمانين (2) للهجرة. وكان يلقب برشح الحجر لبخله، وكان ربعة أبيض، ليس بالبادن ولا النحيف، مقرن الحاجبين كبير العينين مشرف الأنف كثير الشعر مفتوح الفم مشبك الأسنان بالذهب، أبخر، كان يلقب أبا الذبان يزعمون أن الذبانة إذا مرت بفيه ماتت لشدة بخره. ولد يوم بويع (3) عثمان بن عفان، وكان مدة ملكه إحدى (4) وعشرين سنة، ولما مات صلى عليه ابنه الوليد. وفي أيامه حولت الدواوين إلى العربية، ونقشت الدنانير والدراهم بالعربية سنة ست وسبعين، وكان على الدنانير قبل ذلك كتابة بالرومية، وعلى الدراهم كتابة بالفارسية. كتب إلى الحجاج مرة: قد بلغني عنك إسراف في القتل وتبذير في المال وهاتان خلتان لا أحتمل عليهما أحداً، وقد حكمت عليك في العمد بالقود، وفي الخطأ بالدية، وفي الأموال أن تردها إلى مواضعها، وكتب في آخرها: وإن تر مني غفلةً قرشيةً ... فيا ربما قد غص بالماء شاربه وإن تر مني غضبةً أمويةً ... فهذا وهذا كل ذا أنا صاحبه سأملي لذي الذنب العظيم كأنني ... أخو غفلة عنه وقد جب غاربه فإن كف لم أعجل عليه وإن أبى ... وثبت عليه وثبةً لا أراقبه ولما قتل عمر بن سعيد بن العاص خطب الناس فقال بعد حمد الله والثناء عليه: أما بعد، فلست بالخليفة المستضعف، ولا الخليفة المداهن، ولا الخليفة المأفون، ألا وإن من كان قبلي من الخلفاء كانوا يأكلون ويطعمون من هذه

_ (1) ص: ولد. (2) ص: إحدى وستين. (3) زيادة لتمام المعنى. (4) ص: أحد.

الأموال، ألا وإني لا أداهن هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم، تكلفوننا (1) أعمال المهاجرين الأولين ولا تعملون من أعمالهم، فلن تزدادوا إلا اجتراحاً ولن تزدادوا إلا عقوبة، وهذا حكم السيف بيننا وبينكم، هذا عمرو بن سعيد قرابته وموضعه موضعه قال برأسه هكذا فقلنا بالسيف هكذا، ألا وإنا نحتمل كل شيء إلا وثوباً على منبر أو نصب راية، ألا وإن الجامعة (2) التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي، والله لا يفعل أحد فعله غلا جعلتها في عنقه، ثم لا تخرج نفسه إلا صعداً. وزادوا فيها: والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه، ثم نزل فركب ناقة وأخذ بزمامها وقال: فصحت ولاشلت وضرت عدوها ... يمين أراقت مهجة ابن سعيد قيل إن صحت هذه الزيادة التي في هذا الخبر فعبد الملك بم مروان أول من نهى عن المعروف في الإسلام، وهو أول من غدر في الإسلام، لأن والده عهد لعمرو بن سعيد بن العاص فقتله عبد الملك، وأول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء، وكان الناس قبله يراجعون الخلفاء ويعترضون عليهم فيما يفعلون، وهو أول خليفة بخل.

_ (1) ر ص: تكلفونا. (2) الجامعة: القيد.

أبو الفضل ابن النطروني

306 - (1) أبو الفضل ابن النطروني عبد المنعم بن عبد العزيز بن أبي بكر بن عبد المؤمن، أبو الفضل القرشي العبدري المعروف بابن النطروني الإسكندري؛ قدم بغداد وأقام بها، ومدح الإمام الناصر بعدة قصائد، وكان فقيهاً مالكياً أديباً حسن الشيبة حسن السمت، ورتب شيخا برباط العميد بالجانب الغربي ثم نفذ رسولاً من الديوان إلى يحيى ابن غانية الميورقي فأقام هناك مدة طويلة، وولده عبد العزيز ينوبه، ثم عاد وقد حصل له مال طائل، ورتب ناظر البيمارستان العضدي، وتوفي سنة ثلاث وستمائة، رحمه الله. ومن شعره: باتت تصد عن الكرى (2) ... وتقول: كم تتغرب إن الحياة مع القنا ... عة والمقام لأطيب فأجبتها: يا هذه ... غيري بقولك يخلب إن الكريم مفارق ... أوطانه أو يجدب والبدر حين يشينه ... نقصانه يتغيب لا يرتقي درج العلا ... من لا يجد ويتعب وقال أيضاً: يا ساحر الطرف ليلي ما له سحر ... وقد أضر بجفني بعدك السهر

_ (1) الزركشي: 200 والغصون اليانعة: 89 وتاريخ ابن الأثير 12: 258 وابن الشعار 4: 140. (2) كذا في ص ر؛ وفي الزركشي ((النوى)) وهي أوفق للسياق.

يكفيك مني إشارات بعين ضنى (1) ... لم يبق مني به عين ولا أثر أعاذك الله من شر الهوى فلقد ... أذكى على كبدي ناراً لها شرر غررت فيه بروحي بعدما علمت ... أن السلامة من أسبابه غرر وكان عذباً عذابي في بدايته ... فصار في الصبر طعماً دونه الصبر ولست أدري وقد مثلت شخصك في ... قلبي المشوق أشمس أنت أم قمر ما صور الله هذا الحسن في بشرٍ ... وكان يمكن أن لا تعبد الصور من لي برد غدياتٍ بذي سلمٍ ... حيث النسيم عليل والثرى عطر والنور يضحك في وجه السحاب إذا ... أبدى عبوساً وأبكى جفنه المطر والورق تدرع الأوراق إن نظرت ... سهام قطر بذاك القطر تنحدر وللغصون مناجاة (2) إذا سمعت ... من النسيم أحاديثاً (3) لها خطر ما كنت أحسب أن العيش يخلف ما ... قد كان من صفوه فيما مضى كدر ولا تخيلت أن الساكنين ربى ... نجدٍ تغيرهم من بعدنا الغير ما حرموا غير وصلي في محرمهم ... وحان (4) في صفرٍ ما بيننا سفر واحر قلباه إن لم يدن لي وطن ... عما قليل وإن لم يقض لي وطر لو كنت يا بين تدري ما صنعت بنا ... لكنت في عاجل الأحوال تعتذر

_ (1) ص: رضى. (2) ص ر: مناجات. (3) ص ر: أحاديث. (4) ص: وخان.

الجلياني

307 - (1) الجلياني عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن أحمد بن خضر بن مالك بن حسان، أبو الفضل حكيم الزمان الجلياني الغساني الأندلسي؛ كان أديباً فاضلاً طبيباً حاذقاً، له معرفة بعلوم الباطن، وكلام على طريق القوم، وكان مليح السمت حسن الأخلاق، رحل من الأندلس ودخل بغداد، وروى عنه محب الدين ابن النجار، ومدح السلطان صلاح الدين الكبير؛ مولده سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وتوفي سنة اثنتين وستمائة بدمشق، رحمه الله. قال ابن أبي أصيبعة: كان علامة زمانه في صناعة الطب والكحل، بارعاً في الأدب وصناعة الشعر، وعمر طويلاً، وكان له حانوت في اللبادين لصناعة الطب، وكان السلطان صلاح الدين برى له ويحترمه، وله فيه مدائح كثيرة، وصنف له كتباً، وكان يعاني صناعة الكيمياء، وله عشرة (2)

_ (1) صلة الصلة: 15 والتكملة: رقم 1815 والذيل والتكملة 5: 57 والمقتضب من التحفة: 90 وابن أبي أصيبعة 2: 257 وابن الشعار 4: 126 والزركشي: 201 ومعجم البلدان (جليانة) ؛ وترجم له صاحب النفح ثلاث مرات: أبو محمد عبد المنعم بن عمر بن حسان المالقي (2:614) عبد المنعم بن عمر الغساني الوادي آشي (2: 614) وباسمه كما أورده الكتبي هنا (2: 635) ؛ وجليانة التي ينسب إليها عبد المنعم من عمل وادي آش، وهذا كله غير بعيد عن مالقة. ولكن ابن سعيد ترجم في الغصون اليانعة لعبد المنعم بن مظفر الغساني الجلياني (104 - 108) وجعل وفاته 603 وذكر أنه ولد بجليانة، ولكن المادة التي أوردها تنطبق على حكيم مغربي آخر هو عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي، أصله من المرية وقد ولد باليمن (ترجم له ابن أبي أصيبعة 2: 144 وابن خلكان 3: 123) وهذا الثاني توفي سنة 549 وقد ذكره العماد في خريدته وابن الديبثي، وليس له علاقة بصلاح الدين، ولا أدري كيف وقع ابن سعيد في هذا الخلط. (2) ص: عشر.

دواوين: الأول ديوان الحكم ومنثور الكلم، الثاني ديوان المشوقات إلى الملأ الأعلى، الثالث ديوان أدب السلوك، الرابع ديوان نوادر الحي، الخامس تحرير النظر، السادس سر البلاغة وصناعة البديع، السابع ديوان المبشرات، الثامن ديوان الغزل والنسيب والموشحات والذوبيت، السابع ديوان تشبيهات وألغاز ورموز وأحاجي وأوصاف وخمريات، العاشر ديوان ترسل ومخاطبات، وله أيضاً كتاب منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر في خصائص الملك الناصر. ومن شعره: كليني لكر الخيل يا أم مالكٍ ... فما الأين (1) إلا في متون الصواهل فبحر الوغى لولا السوابح صادرت ... بنا لجة لم نحظ منها بساحل فلا تخطبي يا هند لي غادةً سبت ... بنطق وشاح أو بصمت خلاخل (2) فليست ذيول فوق حجلٍ تروقني ... ولكن خيول تحت سحب قساطل فلا هلك إلا في نحور نواهد ... ولا ملك إلا في صدور عوامل ولا ملك يأتي كيوسف (3) آخراً ... كما لم يجىء مثل له في الأوائل فتىً ركب الأهوال خيلاً سروجها ... عزائم شدت للثبات بكاهل ومنه: فأبخس شيء (4) حكمة عند جاهل ... وأهون شيء فاضل عند ظالم فلو زفت الحسناء للذئب لم يكن ... يرى قربها إلا لأكل المعاصم ومنه: أؤمل لقياكم وإن شطت النوى ... وأزجر قرباً في مرور السوانح

_ (1) كذا في ص ر. وفي المطبوعة: ((الأمن)) . (2) سقط البيت من ص، وثبت في ر. (3) يوسف: صلاح الدين الأيوبي. (4) ص ر: شيئاً.

شرف الدين الدمياطي

ويذكي اشتياقي زند تذكار عهدكم ... وما الشوق إلا بعض نار الجوانح ومنه: قالوا: نرى نفراً عند الملوك سموا ... وما لهم همة تسمو ولا ورع وأنت ذو همةٍ في الفضل عالية ... فلم ظمئت وهم في الجاه قد عركوا؟ فقلت: باعوا نفوساً واشتروا ثمناً ... وصنت نفسي فلم أخضع كما خضعوا قد يكرم القرد إعجاباً بخسته ... وقد يهان لفرط النخوة السبع وقال أيضاً: بذلت وقتاً للطب كي لا ... ألقى بني الملك بالسؤال وكان وجه الصواب في أن ... أصون نفسي بلا ابتذال لا بد للجسم من قوامٍ ... فخذه من جانب اعتدال واقرب من (1) العز في اتضاع ... واهرب من الذل في المعالي 308 (2) شرف الدين الدمياطي عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف، الشيخ الإمام البارع الحافظ

_ (1) ص: في. (2) الدرر الكامنة 3: 30 وطبقات السبكي 6: 132 والنجوم الزاهرة 8: 212 والأسنوي 1: 552 والبداية والنهاية 14: 40 وتذكرة الحفاظ: 1477 والسلامي: 120 وغاية النهاية 1: 372 وحسن المحاضرة 1: 357، 421 والشذرات 6: 12 والدارس 1: 22 وكر ابن تغري بردي أن له ترجمة في المنهل الصافي؛ وكان الدمياكي يعرف بابن الجامد، وكان جميل الصورة جداً حتى كان أهل دمياط إذا الغوا في وصف العروص قالوا كأنها ابن الجامد (ومعجم شيوخه في أربع مجلدات.

النسابة المجود الحجة، علم المحدثين عمدة النقاد، شرف الدين الدمياطي الشافعي، صاحب التصانيف؛ مولده بتونة قرية من عمل تنيس، ولد عام ثلاثة عشر وستمائة، ووفاته في خامس عشر ذي القعدة سنة خمس وسبعمائة، ودفن بمقبرة باب النصر خارج القاهرة (1) . وكان منشؤه بدمياط، وتميز في المذهب وقرأ القرآن وطلب الحديث وقد صار له ثلاث وعشرون سنة، فسمع بالإسكندرية في سنة ست وثلاثين من أصحاب السلفي، ثم قدم القاهرة وعني بهذا الشأن رواية ودراية، ولازم الحافظ زكي الدين حتى صار معيده، وحج سنة ثلاث وأربعين وسمع بالحرمين، وارتحل إلى الشام سنة خمس وأربعين، وارتحل إلى الجزيرة والعراق مرتين، وكتب العالي والنازل، وصنف وحدث وأملى في حياة كبار مشايخه، وكان مليح الهيئة، حسن الأخلاق بساماً فصيحاً نحوياً لغوياً مقرئاً سريع القراءة، جيد العبارة كثير التفنن، جيد الكتب مكثراً مفيداً، حسن المذاكرة حسن العقيدة، كافاً عن الدخول في الكلام. سمع من ابن المقير ويوسف بن عبد المعطي المخيلي والعلم ابن الصابوني وابن العليق وابني قميرة وموهوب ابن الجواليقي وهبة الله بن محمد بن مفرج الواعظ وشعيب ابن الزعفراني وابن رواج وابن رواحة وابن الجميزي والرشيد ابن سلمة ومكي (2) بن علان، وسمع من أصحاب السلفي وشهدة وابن عساكر وخلق من أصحاب ابن شاتيل والقزاز وابن بري النحوي وابن كليب وأصحاب ابن طبرزد وحنبل والبوصيري والخشوعي. وكتب عنه طائفة منهم الصاحب كمال الدين ابن العديم وأبو الحسين اليونيني والقاضي علم الدين الاخنائي والشيخ علاء الدين القونوي والشيخ أثير الدين أبو حيان وفتح الدين ابن سيد الناس والمزي

_ (1) لم يرد هذا في ص، وأبقيته اعتماداً على المطبوعة وهو موافق لما في المصادر. (2) ص: ومكه.

صفي الدين المغني

وقاضي القضاة تقي الدين السبكي وفخر الدين النويري وخلق كثير من الرحالين، وطال عمره وتفرد بأشياء، وحمل عن الصغاني عشرين مجلداً من تصانيفه في الحديث واللغة، وسكن دمشق مدة وأفاد أهلها، وتحول إلى مصر ونشر بها علمه، وكان موسعاً عليه في الرزق، وله حرمة وجلالة، وولي مشيخة الظاهرية بين القصرين. ومن تصانيفه: كتاب الصلاة الوسطى مجلد لطيف، كتاب الخيل مجلد. قبائل الخزرج مجلد. العقد المثمن فيمن اسمه عبد المؤمن مجلد. الأربعون المتباينة. الإسناد في حديث أهل بغداد مجلد. مشيخة تشهد له بالحفظ والعلم. مختصر السيرة النبوية. وما زال يسمع الحديث إلى أن مات فجأة في ذي القعدة، وصلي عليه بدمشق غائباً، رحمه الله تعالى. 309 - (1) صفي الدين المغني عبد المؤمن بن فاخر، صفي الدين؛ قال العز الإربلي الطبيب: كان كثير الفضائل، ويعرف علم كثير (2) منه العربية ونظم الشعر، وعلم الإنشاء كان في غاية، وعلم التاريخ وعلم الخلاف وعلم الموسيقى، ولم يكن في زمانه من يكتب المنسوب مثله، وفاق فيه الأوائل والأواخر، وبه تقدم عند الخليفة، وكانت آدابه كثيرة وحرمته وافرة وأخلاقه حسنة، واجتمعت به في مدينة

_ (1) هو صاحب دائرة البحور والأوزان، ومنه نسخة مصورة بدار الكتب (رقم 509/4 فنون جميلة) وإذا كان هو الأرموي، فهو أيضاً صاحب ((الدر النقي في فن الموسقي)) وغيره من الرسائل في فن الموسيقى. (2) كذا في ص.

تبريز في سنة تسع وثمانين وستمائة، وأخبرني قال: وردت بغداد صبياً، وأثبت فقيهاً بالمستنصرية شافعياً أيام المستنصر، واشتغلت بالمحاضرات والأدب والعربية وتجويد الخط، لكني اشتهرت بالخط، ولم أعرف بغيره في ذلك الوقت، ثم إن الخلافة وصلت إلى المستعصم فعمر خزانة كتب وأمر أن يختار لها كاتبان يكتبان ما يختاره، ولم يكن في ذلك الوقت أفضل من الشيخ زكي الدين وكنت دونه في الشهرة، فرتبنا في ذلك، ولم يعلم الخليفة أنني أحسن ضرب العود، وكان ببغداد مغنية تعرف بلحاظ فائقة الجمال تغني جيداً، فأحبها الخليفة وأجزل لها العطاء، فكثر خدامها وجواريها وأملاكها، فاتفق أن غنت يوماً بين يديه بلحن طيب غريب، فسألها عنه، فقالت: هذا لمعلمي صفي الدين، فقال: علي به، فأحضرت بين يديه وضربت بالعود فأعجبه، وأمرني بملازمة مجلسه، وأمر لي برزق وافر جزيل، غير ما كان ينعم به علي، وصرت أسفر بين يديه وأقضي للناس الحوائج، وكان لي مرتب في الديوان كل سنة خمسة آلاف دينار يكون عنها دراهم مبلغ ستين ألف درهم، وأحصل في قضاء أشغال الناس مثلها وأكثر. وحضرت بين يدي هولاكو وغنيته، فأضعف ما كان لي في أيام المستعصم، واتصلت بخدمة علاء الدين عطا ملك الجويني وأخيه شمس الدين ووليت في أيامها كتابة الإنشاء ببغداد، ورفعاني (1) إلى رتبة المنادمة وضاعفا علي الإنعام والإحسان، وبعد موت علاء الدين وقتل شمس الدين زالت سعادتي، وتقهقرت إلى ورا في رزقي وعمري وعيشي، وعلتني الديون، وصار لي أولاد وأولاد أولاد، وكبرت سني وعجزت عن السعي. قال الشريف صفي الدين ابن الطقطقي: مات صفي الدين عبد المؤمن محبوساً على دين لمجد الدين غلام ابن الصباغ مبلغه ثلثمائة دينار، وكانت وفاته

_ (1) ص: ورفعناني.

ابن الفقيه الموصلي

ثامن عشرين صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة، رحمه الله، وكان ينفق ماله على الملاذ، ويبالغ في عمل الحضرات البديعة، وكان يكون ثمن الفاكهة والخضرة أربعمائة درهم، وكان يتنعم كثيراً، عفا الله عنه (1) . 310 - (2) ابن الفقيه الموصلي عبد الواحد بن إبراهيم بن الحسن بن نصر الله بن عبد الواحد، أبو منصور المعروف بابن الفقيه؛ ولد بالموصل سنة إحدى وستين وخمسمائة، وتوفي سنة ست وثلاثين وستمائة، سمع من أبي (3) الفضل ابن الطوسي حضوراً، وكتب الخط المليح وقال الشعر، وروى عنه محب الدين ابن النجار، وأورد له، رحمه الله تعالى: نفسي الفداء لمن سميري ذكره ... وحشاشتي في أسره ووثاقه رشأ لو أن البدر قابل وجهه ... في تمه لكساه ثوب محاقه ينآد ليناً قده فكأن ... غصن الأراك يميس في أوراقه فمعاطف الأغصان في أثوابه ... ومطالع الأقمار من أزياقه في ريقه طعم السلاف ولونها ... في خده واللطف في أخلاقه غفل الرقيب فزارني فوشى به ... في ليل طرته سنا إشراقه يشكو إلي غرامه وأبثه ... وجدي وما لاقيت من اشواقه حتى إذا ما الليل مد رواقه ... وقضى يجمع الشمل بعد فراقه

_ (1) ر: رحمه الله تعالى. (2) الزركشي: 201 وابن الشعار 4: 156. (3) ص: أبو.

ابن برهان النحوي

هجم الصباح على الدجى بحسامه ... فظننت أن الصبح من عشاقه وأورد له أيضاً: ما هب من أرض العراق نسيم ... إلا دعاني للغرام غريم فإلام ويك تلوم جهلاً بالهوى ... قصر فإفراط الملامة لوم أنى يحل العذل من سمعي وفي ... قلبي لتكرار الكلام كلوم؟ يا أيها القمر الذي لم يخل من ... يهواه من لاحٍ عليه يلوم (1) إن العذول على هواك أعده ... من حاسدي ولا أقول رحيم فإلام أحمل ثقل هجرك والهوى ... والهجر حامل ثقله مرحوم وإلى متى أرعى النجوم تعللاً ... حتى كأني للنجوم نديم ومن العجائب أن قلبي يشتكي ... شوقاً إليك وأنت فيه مقيم 311 (2) ابن برهان النحوي عبد الواحد بن علي بن عمر بن إسحاق بن إبراهيم بن برهان، أبو القاسم الأسدي العكبري النحوي، صاحب العربية واللغة والتواريخ وأيام العرب؛ قرأ على عبد السلام البصري، وكان أول أمره منجماً فصار نحوياً، وكان

_ (1) سقط هذا البيت من المطبوعة. (2) الزركشي: 202 والبداية والنهاية 12: 317 وتاريخ ابن الأثير وتاريخ الإسلام (وفيات 456) وانظر ابن خلكان 3: 443 - 444، 5: 359 ودمية القصر: 309 (ط. اللباخ) والشذرات 3: 297 ولسان الميزان 4: 82 ومرآة الجنان 3: 78 وميزان الاعتدال 2: 675 والنجوم الزاهرة 4: 75 ونزهة الألباء: 243.

حنبلياً فصار حنفياً (1) ، وكانت فيه شراسة على من يقرأ عليه، ولم يكن يلبس سراويل (2) ولا على رأسه غطاء، وتوفي في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وأربعمائة، ببغداد. وكان قد سمع من ابن بطة كثيراً وصحبه، وكان إذا ذكر المتنبي يعظمه، وكان يخرج من داره وقد اجتمع على بابه من أولاد الرؤساء جماعة، فيمشي وهم معه، ويلقي على ذا مسألة وعلى ذا مسألة، وكان يتكبر على أولاد الأغنياء، وإذا رأى الطالب غريباً أقبل عليه، وكان يعجبه الباذنجان ويقول في تفضيله: إن الناس يأكلونه ثمانية أشهر في العام، وهم أصحاء ولو أكلوا الرمان أربعة أشهر فلجوا. ولما ورد الوزير عميد الملك الكندري إلى بغداد استحضر ابن برهان، وأعجبه كلامه، وأمر له بمالٍ فأبى أن يقبله، فأعطاه مصحفاً بخط ابن البواب وعكازاً مليحة حملت إليه من بلاد الروم، فأخذهما وعبر إلى منزله، فدخل عليه أبو علي بن الوليد المتكلم، فأخبره بالحال، فقال له: أنت تحفظ القرآن وبيدك عصاً تتوكأ عليها، فلم تأخذ شيئاً (3) فيه شبهة؟ فنهض ابن برهان ودخل على قاضي القضاة أبي عبد الله بن الدامغاني وقال له: قد كدت أهلك لولا نبهني أبو علي بن الوليد، وهو أصغر مني سناً، وأريد أن تعيد هذه العكازة وهذا المصحف على عميد الملك، فما يصاحباني، فأخذهما وأعادهما إليه. وكان مع ذلك يحب المليح مشاهدة، وإذا حضر أولاد الأمراء والأتراك وأرباب النعم يقبلهم بمحضر من آبائهم، ولا ينكرون عليه ذلك لعلمهم بدينه وورعه. وكان يقول: لو كان علم الكيمياء حقاً لما احتجنا إلى الخراج، ولو كان

_ (1) ص: حنيفياً. (2) ص: سراويلاٍ. (3) ص: شيء.

أبو الرضى المعري

علم الطلاسم حقاً لما احتجنا إلى الجند، ولو كان علم النجوم حقاً لما احتجنا إلى الرسل والبريد. وكان يحضر حلقته فتى مليح الوجه، فانقطع عنه، فسأل عنه فقيل له إن عميد الملك اعتقل والده، فانحدر إلى باب المراتب، فصادف الكندري جالساً، فحين رآه أقبل عليه مسلماً والناس من حوله، فقال له ابن برهان: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم ... فوجم الكندري، وسأل عن من في حبسه، فأخبر بالرجل، وأن ولده يغشى مجلس الشيخ للاقتباس، فأطلقه ووهبه ما كان عليه، وكان ثمانية عشر ألف دينار. ومن شعر ابن برهان، رحمه الله تعالى: أحبتنا بأبي أنتم ... وسقياً لكم أينما كنتم أطلتم عذابي بإبعادكم ... وقلتم تزوروا وما زرتم فإن لم تجودوا على عبدكم ... فإن المعزى به أنتم 312 (1) أبو الرضى المعري عبد الواحد بن الفرج بن نوت، أبو الرضى المعري، توفي في حدود الثمانين وأربعمائة؛ ذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال: كان مغفلاً صاحب بديهة،

_ (1) لم ترد هذه الترجمة في المطبوعة؛ وانظر في ترجمة أبي الرضا هذا؛ الخريدة (قسم الشام) 2: 68 وذكر المحقق أن له ترجمة في الوافي؛ وراجع الزركشي: 202.

مجد الدين ابن سحنون

وأورد له عدة مقاطيع، فمن ذلك انه مر على قرية يقال لها سياث من أعمال المعرة وفيها دار تنقض فقال (1) : مررت (2) بربع من سياث فراعني ... به زجل الأحجار تحت المعاول تناولها رحب الذراع كأنما ... رمى الدهر فيما بينها حرب وائل فقلت له شلت يمينك خلها ... لمعتبرٍ أو زاهدٍ أو مسائل منازل قوم حدثتنا حديثهم ... ولم أر أحلى من حديث المنازل وقال من أبيات: نسري فنغدو من نعال جيادنا ... قبس يضيء الليل وهو بهيم فكأن مبيض النعال أهلة ... وكأن محمر الشرار نجوم (3) 313 (4) مجد الدين ابن سحنون عبد الوهاب بن احمد بن سحنون، الحكيم البارع الخطيب مجد الدين، خطيب النيرب؛ روى عن خطيب مراد، وله شعر وأدب وفضائل، وكان من فضلاء الحنفية، درس بالدماغية (5) ، وعاش خمساً وسبعين سنة، وتوفي

_ (1) نسبها ياقوت (سياث) للقاضي أبي يعلى عبد الباقي بن أبي حصين المعري، ونسبها ابن العديم في الانصاف والتحري: 494 إلى أبي الهيثم عبد الواحد أخي العلاء. (2) الخريدة: عبرت. (3) الخريدة: رجوم. (4) الزركشي: 203 والشذرات 5: 426 وعبر الذهبي 5: 383. (5) نسبة إلى منشئتها زوجة شجاع الدين ابن الدماغ مضحك العادل، كانت للشافعية والحنفية بحضرة باب الفرج (للدارس 1: 236) .

سنة أربع وتسعين وستمائة. وكان طبيب مارستان (1) الجبل رحمه الله؛ من شعره: لا تجزعن فما طول الحياة سوى ... روحٍ تردد في سجنٍ من البدن ولا يهولك أمر الموت تكرهه ... فإنما موتنا عود (2) إلى الوطن وسمع قول مجير الدين ابن تميم في تفضيل الورد: من فضل النرجس وهو الذي ... يرضى بحكم الورد إذ يغرس أما ترى الورد غدا جالساً ... إذ قام في خدمته النرجس (3) فأجاب من غير روية: ليس جلوس الورد في مجلس ... قام به نرجسه يوكس وإنما الورد غدا باسطاً ... خداً تمشي فوقه النرجس وقال في مشاعلي: بأبي غزال جاء يحمل مشعلاً ... يكسو الدجى بملاء ثوبٍ أصفر فكأنه غصن عليه باقة ... من نرجسٍ أو زهرة من نوفر وقال وقد أهدى نرجساً: لما تحجبت عن عيني وأرقني ... بعدي ولم تحظ عيني منك بالنظر أرسلت مشبهها من نرجسٍ عطرٍ ... كيما أراك بأحداقٍ من الزهر وقال: لله حسن الياسمين يلوح فو ... ق الورد للجلساء والندمان مثل الثنايا والخدود نواضراً ... أو كالفراش هوى على النيران

_ (1) ص: مرستان. (2) ص: عوداً. (3) سقط من المطبوعة.

القاضي عبد الوهاب

وقال: وورد أبيض (1) قد زاد حسناً ... فعند الصد (2) للخجل احمرار يمثله النديم إذا رآه ... مداهن فضة فيها نضار وقال: يا حسنه (3) نيلوفراً في مائه ... طافٍ وفي أحشاه نار تسعر يحكي أنامل غادةٍ مضمومةً ... جمعت وزينها خضاب أخضر 314 (4) القاضي عبد الوهاب عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد، القاضي أبو محمد البغدادي المالكي؛ سمع وروى، وكان شيخ المالكية في عصره وعالمهم. وقال الخطيب في تاريخه: كتبت عنه، وكان ثقة لم ألق أفقه منه، ولي القضاء بباذرايا، وخرج آخر عمره إلى مصر، فمات بها في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. وقيل هو من أولاد مالك ابن طوق صاحب الرحبة، وصنف التلقين وهو مع صغره من خيار الكتب، وله المعرفة في شرح الرسالة، وله عيون

_ (1) ص: وورداً أبيضاً. (2) ص: الضد. (3) ص: حسن. (4) تاريخ بغداد 11: 31 والزركشي: 202 والنجوم الزاهرة 4: 276 والشذرات 3: 223 ومرآة الجنان 3: 41 وطبقات الشيرازي: 168 وتبيين كذب المفتري: 249 وترتيب المدارك 4: 691 والديباج المذهب: 159 وقضاة النباهي: 40 والبداية والنهاية 12: 32؛ وليست هذه الترجمة مستدركة على ابن خلكان إذ قد ترجم للقاضي عبد الوهاب، انظر 3: 219 وله ترجمة في القسم الأخير من الذخيرة الخاص بالغرباء.

المسائل والنصرة لمذهب مالك وكتاب الأدلة في مسائل الخلاف وشرح المدونة. وخرج إلى مصر في آخر عمره لإملاق به، وفي ذلك يقول: بغداد دار لأهل المال طيبة ... وللمفاليس دار الضنك والضيق ظللت حيران أمشي في أزقتها ... كأنني مصحف في دار زنديق واجتاز في طريقه بمعرة النعمان، وأضافه أبو العلاء المعري، وفي ذلك يقول (1) : والمالكي ابن نصر زار في سفرٍ ... بلادنا فحمدنا النأي والسفرا إذا تفقه أحيا مالكاً جدلاً ... وينشر الملك الضليل إن شعرا ومن شعر القاضي عبد الوهاب: سلام على بغداد في كل موطنٍ ... وحق لها مني سلام مضاعف فوالله ما فارقتها عن قلىً لها ... وإني بشطي جانبيها لعارف ولكنها ضاقت علي بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف فكانت كخل كنت أرجو دنوه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف وقال (2) : متى تصل العطاش إلى ارتواءٍ ... إذا استقت البحار من الركايا ومن يثني الأصاغر عن مراد ... وقد جلس الأكابر في الزوايا وإن ترفع الوضعاء يوماً ... على الرفعاء من إحدى الرزايا إذا استوت الأسافل والأداني ... فقد طابت منادمة المنايا وقال أيضاً: ونائمةٍ قبلتها فتنبهت ... وقالت تعالوا فاطلبوا اللص بالحد

_ (1) شروح السقط: 1740. (2) قال ابن خلكان: وكان على خاطري أبيات لا أعرف لمن هي، ثم وجدتها في عدة مواضع للقاضي عبد الوهاب المذكور.

شرف الدين ابن فضل الله

فقلت لها إني فديتك غاصب ... وما حكموا في غاصب بسوى الرد خذيها وكفي عن أثيم ظلامةً ... وإن أنت لم ترضي فألفاً على العد فقالت قصاص (1) يشهد العقل أنه ... على كبد الجاني ألذ من الشهد فباتت يميني وهي هميان خصرها ... وباتت يساري وهي واسطة العقد فقالت ألم أخبر بأنك زاهد ... فقلت لها ما زلت أزهد في الزهد 315 (2) شرف الدين ابن فضل الله عبد الوهاب بن فضل الله، القاضي شرف الدين، يمين الملوك والسلاطين، القرشي العمري - وقد ذكرنا تمام نسبه في ترجمة ابن أخيه شهاب الدين؛ مولده في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وستمائة؛ كان كاتباً أديباً مترسلاً كتب المنسوب الفائق ومتع بحواسه لم يفقد منها شيئاً ولم تتغير كتابته، ومات وهو جالس ينفذ بريد (3) إلى بعض النواحي، وكان مخادميه يحترمونه ويعظمونه، مثل حسام الدين لاجين والملك الأشرف والملك الناصر والأمير سيف الدين تنكز، كان كل وقت يذكره، وكان كاملاً في فنه، ما كتب عن ملوك الأتراك أحد مثله. رآه الملك الأشرف مرة وقد قام ومشى يلقى أميراً، فلما حضر عنده قال: رأيتك قمت من مكانك وخطوت خطوات، فقال: يا خوند كان الأمير سيف الدين بيدرا النائب قد جاء وسلم علي فقال: لا تعد تقم لأحد أبداً،

_ (1) ص: قصاصاً. (2) الزركشي: 204 والدرر الكامنة 3: 42 والنجوم الزاهرة 9: 240 والشذرات 6: 46 وذيل العبر: 94 والسلوك 2: 179. (3) كذا في ص ر.

أنت تكون قاعداً عندي وذاك واقف. وحكي أنه كان يوماً بالمرج يقرأ على تنكز كتاب بريد جاء من السلطان، والمماليك قد رموا جلمة على عصفور، فاشتغل تنكز بالنظر إليها، فبطل شرف الدين القراءة وأمسكه وقال: يا خوند إذا قرأت عليك كتاب السلطان اجعل بالك كله مني، ويكون ذهنك عندي، لا تشتغل بغيري أبداً، وافهمه لفظة لفظة. وما رأى أحد ما رآه من التعظيم في النفوس؛ وكان في مبدأ أمره يلبس القماش الفاخر ويأكل الأطعمة الشهية ويعمل السماعات، ويعاشر الفضلاء مثل بدر الدين بن مالك وابن الظهير وغيرهم (1) ، ثم انسلخ من ذلك كله لما داخل الدولة، وقتر (3) على نفسه واختصر في ملبسه وانجمع عن الناس انجماعاً كلياً، ولما مات خلف نعمة طائلة. وكان الملك الناصر قد نقله من مصر إلى الشام عوضاً عن أخيه محيي الدين؛ لأن السلطان كان قد وعى القاضي علاء الدين ابن الأثير لما كان معه بالكرك بالمنصب، فأقام بدمشق إلى سنة سبع عشرة (3) وسبعمائة، وتوفي في رمضان رحمه الله تعالى. ورثاه شهاب الدين محمود وهو بمصر وكتب بها إلى القاضي محيي الدين أخيه: لتبك المعالي والنهى الشرف الأعلى ... وتبكي الورى الإحسان والحلم والفضلا وتنتحب الدنيا لمن لم تجد له ... وإن جهدت في حسن أوصافه مثلا ومن أتعب الناس اتباع طريقه ... فكفوا وأعيتهم طريقته المثلى لقد أثكل الأيام حتى تجهمت ... وإن كانت الأيام لا تعرف الثكلا وفارق منه الدست صدراً معظماً ... رحيباً يرد الحزن تدبيره سهلا

_ (1) كذا في ص ر. (3) ر ص: عشر. (3) ر ص: عشر.

فكم حاط بالرأي الممالك فاكتفت ... له أن تعد الخيل للصون والرجلا وكم جردت أيدي العدا نصل كيدهم ... فرد إلى أعناقهم ذلك النصلا وكم جل خطب لا يحل انعقاده ... فأعمل فيه صائب الرأي فانحلا وكم جاء أمر لا يطاق هجومه ... فلما تولى أمر تدبيره ولى وكم كف محذوراً وكم فك عانياً ... وكم رد مكروهاً وكم قد جلا جلى وقد كان للاجين ظلاً فقلصت ... يد الموت عدوا عنهم ذلك الظلا سأندبه دهري وأرثيه جاهداً ... واكثر فيه من بكائي وإن قلا ولم لا وقد صاحبته جل مدتي ... أراه أباً براً ويعتدني نجلا ولم يرنا في طول مدتنا امرؤ ... فيحسبنا إلا الأقارب والأهلا وكم أرشدتني في الكتابة كتبه ... ولو زل عن إرشادها خاطري ضلا وكم (1) مشكلاتٍ لم تبن لمحدقٍ ... إليها جلاها فانجلت عند ما أملى فمن هذه حالي وحالته معي ... أيحسن أن أبكي على فقده أم لا وعهدي به لا أبعد الله عهده ... وأقلامه أنى جرت نشرت عدلا لقد كان لي أنس به وهو نازح ... كان التنائي لم يفرق لنا شملا وقد زال ذاك الأنس واعتضت بعده ... دموعاً إذا أنشأتها أنشت الوبلا فلا مدمعي الهامي يجف ولا الأسى ... يخف جواه إن أقل لهما مهلا ولا حرقي تخبو وإن يطف وقدها ... بماء دموعي صار فيها غضاً جزلا إلى الله أشكو فقد صحب رزئتهم ... وفقد ابن فضل الله قد عدل الكلا ولم يترك الموت الذي حم منهم ... حميماً ولا خلى الردى منهم خلا وعمهم داعي الحمام فأسرعوا ... جميعاً وألغى قولنا فيهم إلا وكم يرجئ الساري النوى عن رفاقه ... إذا ركبهم يوماً بدارهم (2) حلا

_ (1) ص: ومن. (2) ص: بدارهم.

أيطمع من قد جاز معترك الردى ... بإبطائه عمن تقدمه؟ كلا ولا سيما من عاود الداء جسمه ... يعاوده بدءاً إذا ظنه ولى عزاءك محيي الدين في الذاهب الذي ... قضى إذ قضى فرض المناقب والنفلا فمثلك من يلقى الخطوب بكاهلٍ ... يقل الذي تعيا الجبال له حملا وفي الصبر أجر أنت تعرف فضله ... وآثاره الحسنى فلا تدع الفضلا وسلم لأمر الله وارض بحكمه ... تحز منه فضلاً ما برحت له أهلا ولا زال صوب المزن والعفو دائماً ... يؤمانه حتى إذا وصلا انهلا ومن شعر شرف الدين يمدح الملك المنصور قلاوون الألفي: تهب الألوف ولا تهاب لهم ... ألفاً إذا لاقيت في الصف ألف وألف في ندى ووغىً ... فلأجل ذا سموك بالألفي ومنه لما ختن الملك الناصر: لم يروع له الختان جناناً ... قد أصاب الحديد منه حديدا مثل ما تنقص المصابيح بالقط ... فتزداد في الضياء وقودا وقال: كتبت والشوق يدنيني إلى أملٍ ... من اللقاء ويقصيني عن الدار والحب يضرم فيما بين ذاك وذا ... بين الجوانح أجزاءً من النار

المثقال

(1) 316 المثقال عبد الوهاب بن محمد الأزدي المعروف بالمثقال؛ قال ابن رشيق في الأنموذج: شاعر مطبوع قليل التكلف سهل القافية، خبيث اللسان ماجن، لا يمدح أحداً، كان يألف غلاماً نصرانياً خماراً واشتهر بحبه، أقام ببابه في الحانة ثلاث سنين، ويدخل معه الكنيسة في الآحاد والأعياد طول هذه المدة، حتى حفظ كثيراً من الإنجيل وشرائع أهله؛ وهجره مرة فاستعان عليه وتحيل فلم يجد له عليه سبيلاً (2) ، وزعم أن عليه قسماً شديداً (3) أن لا يكلمه إلى شهر، فدعا بالفاصد وفصد إحدى يديه، ثم دعا بفاصد آخر وفصد الأخرى، ودخل داره وأغلق بابه وحل الفصادين، فما شعر أهله إلا بالدم يدفع من سدة الباب، وبلغ الغلام أنه يدعي أنه قتله فصالحه خوفاً على نفسه. ومن شعره: خيالك زائري من غير وعدٍ ... واكثر منك بي براً وحبا فلما أن رآك أطلت بعدي ... ولم تمنح محبك منك قربا سرى وهناً فقبلني وآلى ... يمين الله لا عذبت صبا فأحيا مهجةً بلغت غراماً ... وقلباً لم يفق دنفاً وكربا وكان الطيف أرأف منك نفساً ... والين منك أعطافاً وقلبا وقال:

_ (1) الزركشي 2: 203. (2) ص: سبيل. (3) ص: شديد.

هم بالوجوه من البدو ... ر وبالقدود من الغصون ودروعهم صبغ الحيا ... وسيوفهم لحظ العيون وقال: لما تناهى وكمل ... وتم لي فيه الأمل أعرض واستبدل بي ... كذلك الدنيا دول وقال: قد زارني طيف من أهوى يعللني ... عند الصباح وخيط الفجر قد طلعا فطرت شوقاً لعلمي (1) أن قبلته ... في النوم تحدث لي في وصله طمعا وقال ابن رشيق: أنشدته من قصيدة لي: والثريا قبالة البدر تحكي ... باسطاً كفه ليأخذ جاما فاستطرفه، وأنشدته أيضاً لي: رأيت بهرام والثريا ... والمشتري في القران كره كراحةٍ خيرت فحارت ... ما بين ياقوتةٍ ودره فأنشدني: يا ساقي الراح سق صحبي ... وواسني إنني أواسي وانظر إلى حيرة الثريا ... والليل قد شد باندماس ما بين بهرامها الملاحي ... وبين برجيسها المواسي كأنها راحة أشارت ... لأخذ تفاحةٍ وكاس وقال: أهدي إلي مدامة ... صفراء صافيةً حميا

_ (1) ص والزركشي: لعلي.

فكأنها وحبابها ... بدر تكلل بالثريا فشربتها من كفه ... وسكبت فاضلها عليا وقال: طاف بالراح حبيبي ... قائلاً بين صحابي هاك خذها يا فتى الفت ... يان واسمع من خطابي فهي من خدي ولحظي ... ونسيمي ورضابي وقال وقد مات محبوبه النصراني بالإسكندرية: أخي بودادٍ لا أخي بديانةٍ ... ورب أخٍ في الود مثل نسيب وقالوا أتبكي اليوم من لست صاحباً ... غداً؟ إن هذا فعل غير لبيب فقلت لهم هذا أوان تلهفي ... وشدة إعوالي وفرط كروبي ومالي لا أبكي حبيباً فقدته ... إذا خاب منه في المعاد نصيبي؟ فيا ناصحي مهلاً فلست بمرشدٍ ... ويا لائمي أقصر فغير مصيب وسلمان أودى حيث لا أنا حاضر ... أعلله يوما بوصف طبيب وأجعل كفي تحت جبيبٍ مكرم ... علي وخدٍ بالنحول خضيب وكانت وفاة (1) المثقال بعد الخمسمائة.

_ (1) ص: وفاته.

أبو الفضل الميكالي

(1) 317 أبو الفضل الميكالي عبيد الله بن أحمد بن علي بن إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال ابن عبد الواحد بن جبريل بن القاسم بن بكر بن سور بن سور بن سور بن سوار، أربعة من الملوك؛ ابن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور، أبو الفضل الميكالي؛ مات يوم عيد الأضحى سنة ست وثلاثين وأربعمائة، كان أوحد خراسان في ذلك العصر أدباً وفضلاً ونسباً؛ حسن الخلق مليح الوجه والشمائل؛ كثير القراءة دائم العبادة سخي النفس؛ سمع بخراسان من الحاكم أبي أحمد الحافظ وأبي عمرو بن حمدان؛ وعقد له مجلس للإملاء؛ وأبوه أمير مشهور جليل القدر. سمع قول الصاحب: لئن هو لم يكفف عقارب صدغه ... فقولوا له يسمح بدرياق ريقه فقال: لدغت عينك قلبي ... إنما عينك عقرب لكن المصة من ري ... قك درياق مجرب وله من التصانيف كتاب المنتحل. كتاب مخزون البلاغة (2) . ديوان رسائله. ديوان شعره. كتاب " ملح الخواطر ومنح الجواهر ".

_ (1) اليتيمة 4: 354 والزركشي: 205 واللباب 3: 202 وثمار القلوب (صفحات متفرقة، ويشير إليه باسم السيد أحياناً إذ خدم بهذا الكتاب خزانته) . (2) أورد الثعالبي في اليتيمة فصولاً من هذا الكتاب.

ومن شعره، رحمه الله تعالى: إذا ما جاد بالأموال ثنى ... ولم تدركه في الجود الندامة وإن هجست خواطره بجمعٍ ... لريب حوادثٍ قال الندى مه وقال: مبدع في شمائل المجد خيماً ... ما اهتدينا لأخذه واقتباسه فهو فيض بالمال وقت نداه ... وجواد بالعفو في وقت باسه وقال: ألا رب أعداءٍ لئامٍ قريتهم ... متون سيوفٍ أو صدور عوال إذا كلبهم يوماً عوى لي رميتهم ... بكلبٍ إذا عاوى الرجال عوى لي وقال: عجبت لوغدٍ قد جذبت بضبعه ... فأصبح يلقاني بتيه وبيسما (1) يريد مساماتي ومن دونها السما ... وكيف يباريني سمواً وبي سما وقال: لقد راعني بدر الدجى بصدوده ... ووكل أجفاني برعي كواكبه فيا جزعي مهلاً عساه يعود لي ... ويا كبدي صبراً على ما كواك به وله: صل محباً أعياه وصف هواه ... فضناه ينوب عن ترجمانه كلما راقه سواك تصدت ... مقلتاه بدمعه ترجمانه وله:

_ (1) أي: وبئس ما يلقاني.

يا ذا الذي أرسل من طرفه ... علي سيفاً قدني أو فرى شفاء نفسي منك تجميشة ... تغرس في خدك نيلوفرا وقال: أما حان أن تشفي المستهام ... بزورة وصلٍ وتأوي له يجمجم عن سؤله هيبةً ... ويعلم علمك تأويله وقال: سقياً لدهر مضى والوصل يجمعنا ... ونحن نحكي عناقاً شكل تنوين فصرت إذا علقت نفسي حبائلكم ... بسهم هجرك ترمي ثم تنويني وقال: إن كنت تأنس بالحبيب وقربه ... فاصبر على حكم الرقيب وداره إن الرقيب إذا صبرت لحكمه ... بواك في مثوى الحبيب وداره وقال: شكوت إليه ما ألاقي فقال لي: ... رويداً ففي حكم الهوى أنت موتلي فلو كان حقاً ما ادعيت من الهوى ... لقل بما تلقى إذاً أن تموت لي قال: ومعشوقٍ يتيه بوجه عاج ... شبيه الصدغ منه بلام زاج إذا استسقيته راحاً سقاني ... رضاباً كالرحيق بلا مزاج وقال: ظبي يحار البرق في بريقه ... غنيت عن إبريقه بريقه فلم أزل أرشف من رحيقه ... حتى شفيت القلب من حريقه وقال:

إن لي في الهوى لساناً كتوماً ... وجناناً يخفي حريق جواه غير أني أخاف دمعي عليه ... ستراه يفشي الذي ستراه وقال: تفرق (1) قلبي في هواه فعنده ... فريق وعندي شعبة وفريق إذا ظمئت نفسي أقول له اسقني ... وإن لم يكن راحا لديك فريق (2) وقال: أهدت جفونك للفؤا ... د من الغرام بلابلا فالشوق منه بلا مدى ... والوجد فيه بلا بلى وقال أبو القاسم الكرخي: كنت ليلةً عند الصاحب ابن عباد ومعنا أبو العباس الضبي وقد وقف على رؤوسنا غلام كأنه فلقة قمر، فقال الصاحب: أين ذاك الظبي أينه؟ ... فقال أبو العباس: شادن في وصف قينه ... فقال الصاحب: بلسان الدمع تشكو ... أبداً عيني عينه فقال أبو العباس: لي دين في هواه ... ليته أنجز دينه فقال الميكالي: لا قضى الله ببينٍ ... أبداً بيني وبينه

_ (1) ص: لفرط. (2) سقط من ص، وزدته من المطبوعة.

وأنشد بعض الحاضرين: أحسن من روضة حزن ناضره ... قد فتح النرجس فيها ناظره فقال الميكالي: طلعة معشوقٍ لدينا حاضره ... ناضرةً تجلو العيون الناظره ومن شعره: روض يروض هموم قلبي حسنه ... فيه لكاس اللهو (1) أي مساغ وإذا بدت (2) قضبان ريحانٍ به ... حيت بمثل سلاسل الأصداغ وقال: تصوغ لنا كف الربيع بدائعاً (3) ... كعقد عقيقٍ بين سمط لآل وفيهن أنوار الشقائق قد حكت ... خدود عذارى نقطت بغوال وقال في اقتران الزهرة والهلال: أما ترى الزهرة قد لاحت لنا ... تحت هلالٍ لونه يحكي اللهب ككرةٍ من فضةٍ مجلوةٍ ... أوفى عليها صولجان من ذهب وقال في طلوع الفجر: أهلاً بفجرٍ قد نضا ثوب الدجى ... كالسيف جرد من سواد قراب أو غادةٍ شقت إزاراً (4) أزرقا ... ما بين ثغرتها إلى ألأقراب وقال:

_ (1) اليتيمة: الحسن. (2) في ص: إن، وبعدها بياض، وصوبته اعتماداً على اليتيمة. (3) اليتيمة: حدائقاً. (4) اليتيمة: صداراً.

يا مهدياً لي بنفسجاً أرجاً ... يرتاح قلبي له وينشرح بشرني عاجلاً مصحفه ... بأن ضيق الأمور ينفسح وقال في ذمه: يا مهدياً لي بنفسجاً سمجاً ... وددت لو أن أرضه سبخ بشرني (1) عاجلاً مصحفه ... بأن عقد الحبيب ينفسخ وقال: ومدامةٍ زفت إلى سلسال ... تختال بين ملابسٍ كالآل قد نالها (2) حتى إذا ما اقتضها ... بالمزج أمهرها عقود لآلي وقال: لنا صديق إن رأى ... مهفهفاً لاطفه فإن يكن في دهرنا ... ذو ابنةٍ لاط فهو وقال: لنا صديق يجيد لقماً ... راحتنا في أذى قفاه ما ذاق من كسبه ولكن ... أذى قفاه أذاق فاه

_ (1) اليتيمة: ينذرني. (2) اليتيمة: فبنى بها؛ وقد تقرأ في ص: فدنا لها.

عبيد الله الوزير

(1) 318 عبيد الله الوزير عبيد الله بن سليمان بن وهب، أبو القاسم الكاتب الوزير، وزير المعتضد، مولده سنة ست وعشرين ومائتين، ووفاته سنة ثمان وثمانين ومائتين، وكانت مدة وزارته للمعتضد عشر سنين، وهو الذي قال فيه ابن المعتز: قد استوى الناس ومات الكمال ... وقال صرف الدهر: أين الرجال هذا أبو العباس (2) في نعشه ... قوموا انظروا كيف تسير الجبال ولما دخل ابن المعتز على ابنه القاسم بن عبيد الله قال (3) : إني معزيك لا أني على ثقة ... من الخلود ولكن سنة الدين فما المعزى بباقٍ بعد صاحبه ... ولا المعزي ولو عاشا إلى حين ولما حمل على أعناق الرجال قال ابن المعتز (4) : وما كان ريح المسك ريح حنوطه ... ولكنه هذا الثناء المخلف وليس صرير النعش ما تسمعونهل ... ولكنه أصلاب قومٍ تقصف ولما تقدم القاسم للصلاة عليه قال ابن المعتز: قضوا ما قضوا من أمره ثم قدموا ... إماماً لهم والنعش بين يديه

_ (1) الوزراء والكتاب: 252 وابن خلكان 3: 121، 122 (في ترجمة عبيد الله بن عبد الله ابن طاهر) والفخري: 230 وتاريخ ابن الأثير (ج؟: 7) وصفحات كثيرة من الوزراء للصابي ومن نشوار المحاضرة للتنوخي. (2) كذا في ص، وكنية المرثي أبو القاسم، انظر الديوان 4: 163. (3) لم ترد هذه القطعة والتي تليها في الديوان. (4) الديوان: 182.

فصلوا عليه خاشعين كأنهم ... وقوف (1) خضوع للسلام عليه ولما استتر عند ابن أبي عون التاجر دخل عليه يوماً فقام له، فقال له ابن أبي عون: يا سيدي اخبأ لي هذا القيام إلى وقت أنتفع به، فما كان إلا قليل حتى ولي الوزارة، فاستدعاه، فصار إليه وهو في مجلسه بخلعته والناس عنده، فقام إليه وعانقه وقال: هذا وقت ينتفع بقيامي، وأجلسه معه على طرف الدست، فما مضت ساعة حتى استدعاه المعتضد، فدخل عليه وغاب، ثم حضر وأخذ بيده إلى مكان خلوة وقال له: الخليفة طلبني بسببك، لأنه كوتب بخبرنا وأنكر علي وقال: تبذل مجلس الوزراء لتاجر، ولو كان ملك أو ولي عهد كان كثيراً، فقلت: يا أمير المؤمنين لم يذهب علي حق المجلس ولكن لي عذر، وأخبرته خبري معك فقال: أما الأن فقد عذرتك، ثم قال لي إني قد شهرتك شهرة أن لم يكن معك مائة ألف دينار معدة للنكبة هلكت، فيجب أن نحصلها لك لهذه الحالة فقط، ثم نحصل لك نعمة بعدها، ثم قال: هاتم فلاناً (2) الكاتب، فجاء، فقال: أحضر الساعة التجار وسعر مائة ألف كر من غلات السلطان بالسواد عليهم، فخرج وعاد وقال: قد قررت معهم ذلك، فقال: بع على أبي عبد الله هذه الغلة بنقصان دينار مما (3) قررت السعر مع التجار، وبعه له عليهم بالسعر الذي قررته معهم، وطالبهم الساعة بفضل ما بين السعرين، وأخرهم بالثمن إلى أن يتسلموا الغلال، واكتب إلى النواحي بتقبيضهم ذلك، فقام ابن أبي عون من المجلس وقد حصل له مائة ألف دينار، فقال له الوزير: اجعل هذه أصلاً لنعمتك، ولا يسألنك أحد من الخلق شيئاً إلا أخذت رقعته ووافقته على أجرة ذلك، وخاطبني فيه. وكان يعرض عليه في كل يوم ما يصل إليه بما فيه ألوف دنانير ويدخل في المكاسب الجليلة، وكان

_ (1) الديوان: قيام. (2) ص: فلان. (3) ص: بما.

الوراق التميمي

ربما قال له في بعض الرقاع: كم قرروا لك على هذه؟ فيقول: كذا، فيقول الوزير: هذه تسوى أكثر من ذلك، ارجع إليهم ولا تفارقهم إلا بكذا. وكان ممن خدمه في أيام نكبته رجل يعرف بيعقوب الصايغ، وكان عامياً ساقطاً، فقلده لما ولي الوزارة حسبة الحضرة، فعزم الوزير في بعض الأوقات على السفر، فجلس للنظر فيما يحمل معه من خزانته ومن يسافر معه من أصحابه وخدمه، ويعقوب حاضر، فأمر الوزير بما يحمل معه، فلما انتهى إلى فصل قال يعقوب بغباوته وعاميته: ويحمل أيضاً معه كفن وحنوط، فتطير الوزير من ذلك وأعرض عنه، وأخذ يأمر وينهى، ولما انتهى إلى فصل من كلامه كرر يعقوب ذلك القول، فأعرض عنه ضجراً، وفعل ذلك ثالثاً، فقال الوزير: يا هذا أتخاف علي إن أنا مت أن أصلب أو أطرح على قارعة الطريق بغير كفن؟ إن تعذر الكفن لفوني في ثيابي، رحمه الله تعالى وعفا عنه. 319 - (1) الوراق التميمي عتيق بن محمد، أبو بكر الوراق التميمي؛ قال ابن رشيق: دخلت الجامع فوجدته في حلقة يقرأ الرقائق والمواعظ، ويذكر أخبار السلف الصالحين وممن بعدهم من التابعين، وقد بدا خشوعه وترققت دموعه، فما كان إلا أن جئته عشية ذلك اليوم إلى بيته فوجدته وفي يده طنبور وعن يمينه غلام مليح، فقلت له: ما أبعد ما بين حاليك في مجلسيك! فقال: ذلك بيت الله، وهذا بيتي، أصنع في كل واحد منهما ما يليق به وبصاحبه، فأمسكت عنه. ومن شعره يصف شاذرواناً:

_ (1) الزركشي: 205.

كأنه فلك غصت كواكبه ... وجه المعز المعلى بينها قمر إذا بدا فيه قرن الشمس قارنه ... كأنها منه أو منه بها أثر مذ زاحم الجو فاحتل السحاب به ... فليس يفقد في أرجائه مطر فرحمة الله عنه غير نازحةٍ ... ونعمة الله ما فيها به قصر ترى الغمائم بيضاً تحته بكراً ... مثل الكواكب فوق الأرض تنتثر وقال: كلما أذنب أبدى وجهه ... حجةً فهو ملي بالحجج كيف لا يفرط في إجرامه ... من متى شاء من الذنب خرج؟ وقال: بدر له إشراق شمسٍ على ... غصنٍ سبا قلبي بنوعين يكاد من لينٍ ومن دقةٍ ... في خصره ينقد نصفين إدباره ينسيك إقباله ... كأنما يمشي بوجهين وقال ووزنه خارج عن أبحر العروض: أورد قلبي الردي ... لام عذار بدا أسود كالغي في ... أبيض مثل الهدى وقال: تعبي راحتي وأنسي انفرادي ... وشفائي الضنى ونومي سهادي لست أشكو بعاد من صد عني ... أي بعد وقد ثوى في فؤادي؟ هو يختال بين عيني وقلبي ... وهو ذاك الذي يرى في سوادي وقال في الهجاء وبالغ: لو أن أكفانهم من حر أوجههم ... قاموا إلى الحشر منها مثل ما رقدوا خزر العيون إذا ما عوتبوا، وإذا ... ما عوتبوا أنفذوا باللحظ ما قصدوا

ابن خمارتاش الهيتي

(1) 320 ابن خمارتاش الهيتي عثمان بن خمارتاش بن عبد الله، أبو القاسم، من أهل هيت؛ كان أديباً فاضلاً مليح الشعر، لطيف الطبع، كيساً طيب العشرة ظريفاً. قال محب الدين ابن النجار: كان متهاوناً في الأمور الدينية، عفا الله عنه، وتوفي سنة تسع عشرة وستمائة. ومن شعره: المال أفضل ما ادخرت فلا تكن ... في مريةٍ ما عشت من تفضيله ما صنف الناس العلوم بأسرها ... إلا لحيلتهم على تحصيله وله لما تزوج: كان رأيي أن لا يكون الذي كا ... ن فيا ليتني تركت برائي لا يزال الإنسان يخدمه السع ... د إلى أن يقول بيت حمائي وقال: شيئان لم يبلغهما واصف ... فيما مضى بالنظم والنثر مدح ابنة العنقود في كأسها ... وذم أفعال بني الدهر وقال: قالوا هداك الشيب يا ليتني ... دام ضلالي وعدمت الهدى وقال (2) : ولي قلب لشقوته ألوف ... ينغص عيشتي طول الليالي

_ (1) الزركشي: 206 وابن الشعار 4: 274. (2) سقط البيتان من المطبوعة.

عثمان الطفيلي

فلو أني ألفت الهجر يوماً ... بكيت عليه في زمن الوصال وقال: لا تخضعن ولو بدت ... زرق الأسنة منك حمرا لا بد من ورد الحما ... م فمت كريم النفس حرا وقال: إني لأعجب من ضراعة سائلٍ ... في جود مقتدرٍ على الإحسان كيف استمالهما خداع رذيلة ... وكلاهما عما قليلٍ فاني 321 (1) عثمان الطفيلي عثمان بن دراج الطفيلي؛ كان في زمن المأمون؛ قال أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني: كان فيه أدب وله شعر صالح، قيل له يوماً: إن فلاناً اشترى رؤوساً ودخل بستاناً مع جماعة، فخرج إليهم فوجدهم قد لوحوا العظام، فوقف ينظر إليها ثم استعبر باكياً، وتمثل بقول الرقاشي: آثار ربعٍ قدما ... أعيا جوابي صمما كان لسعدى علما ... فصار وحشاً رمما وقيل له: ما هذه الصفرة التي في لونك؟ قال: من الفترة بين القصعة ومن خوفي من نفاد الطعام قبل أن أشبع. ومن شعره:

_ (1) الأغاني 16: 186.

معين الدين ابن تولوا

لذة التطفيل دومي ... وأقيمي لا تريمي أنت تشفين غليلي ... وتسلين همومي وقيل له يوماً: كيف تصنع بالعرس إذا لم يدخلك أصحابه؟ فقال: أنوح على بابهم فيتطيرون من ذلك، فيدخلوني. وقيل لهم أتعرف بستان فلان؟ فقال: إي والله وإنه للجنة الحاضرة في الدنيا، قيل له: فلم لا تدخل إليه وتأكل من ثماره وتجلس تحت أشجاره وتسبح في أنهاره؟ فقال: لأن فيه كلباً لا يتمضمض إلا بدم عراقيب الرجال. وقال يوماً: مررت بجنازة ومعي ابني، ومع الجنازة إمرأة تبكي وتقول: يذهبون بك إلى بيت لا فراش فيه ولا وطاء، ولا ضياء (1) ولا غطاء، ولا خبر ولا ماء، فقال ابني: يا أبت إلى بيتنا والله يذهبون به. 322 - (2) معين الدين ابن تولوا عثمان بن سعيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن تولوا، الأديب معين الدين الفهري المصري؛ ولد بتنيس سنة خمس وستمائة، وتوفي سنة خمس وثمانين وستمائة (3) . قال الشيخ شمس الدين: أنشدنا عنه أبو الحسين اليونيني وغيره، وتوفي

_ (1) الأغاني: ضيافة. (2) الزركشي: 206 والنجوم الزاهرة 7: 369 والشذرات 5: 392 وعبر الذهبي 5: 354 وحسن المحاضرة 1: 568. (3) زارد في الزركشي: سمع القاضي أبا نصر ابن الشيرازي وغير، وقفت على ديوانه بخطه واخترت منه مقاطيع عدة.

بالقاهرة، وعليه تخرج الحكيم شمس الدين ابن دانيال وبه تأدب، وله معه حكايات، كان يسخر به ويضحك منه الناس؛ ومن شعره: جمعك بين الكثيب والغصن ... فرق بين الجفون والوسن يا فتنة ما وقيت صرعتها ... مع حذري دائماً من الفتن باللفظ واللحظ كم ترى أبداً ... تسخر بي دائماً وتسحرني وقد ألفت الغرام فيك كما ... فرقت بين الحياة والبدن وقال: أما السماح فقد أقوت معالمه ... فما على الأرض من ترجى مكارمه فلا يغرنك من يلقاك مبتسماً ... فطالما غر برق أنت شائمه لا تتعب النفس في استخلاص راحتها ... من باخلٍ لؤمه في الجود لائمه آخى المذلة إعزازاً (1) لدرهمه ... ويصحب الذل من عزت دراهمه ماذا أقول لدهرٍ عاش جاهله ... غنىً ومات بسيف الفقر عالمه قد سالم النقص حتى ما يحاربه ... وحارب الفضل حتى ما يسالمه وقال: يا أهل مصرٍ وجدت أيديكم ... عن بسطها بالنوال منقبضه فمذ عدمت الغذاء عندكم (2) ... أكلت كتبي كأنني أرضه

_ (1) ص: إعزاز. (2) بياض في ص؛ وأكملته من الزركشي.

ابن أبي عمامة

(1) 323 ابن أبي عمامة عثمان بن علي بن المعمر بن أبي عمامة، أبو المعالي البقال، أخو أبي سعد المعمر بن علي الواعظ؛ قرأ الأدب على عبد الواحد بن برهان، وأبي محمد الحسن بن الدهان، وكان غير مرضي السيرة، يخل بالصلوات ويرتكب المحظورات، روى عنه أبو المعمر الأنصاري وأبو طاهر السلفي. وتوفي سنة سبع (2) عشرة وخمسمائة. ومن شعره: أرى شعرةً بيضاء في الخد نابته ... لها لوعة في صفحة الصدر ثابته ومن شؤمها أني إذا رمت نتفها ... نتفت سواها وهي تضحك شامته وقال (3) : أيا جمال الدولة المرتجى ... لكل خيرٍ كم أناديكا ما بي على أني أخفي الذي ... ما بي وبالخير أباديكا أجلس في الحمام من شقوتي ... أغسل أثوابي المراديكا والديك في دارك ذو بسطةٍ ... يروح عنها ويغاديك فكلم البواب في الإذن لي ... مقرباً أو كشكش الديك وعش كما تؤثر في نعمةٍ ... تكبت بالذل أعاديكا

_ (1) لم أجد له ترجمة في مصدر آخر. (2) ص: سبعة. (3) لم ترد هذه المقطوعة في المطبوعة.

أبو الفتح البلطي

(1) 324 أبو الفتح البلطي عثمان بن عيسى بن هيجون (2) ، أبو الفتح البلطي الأديب النحوي؛ له شعر ومجاميع في الأدب، وكان طويلاً ضخماً كبير اللحية، ويلبس عمامة كبيرة وثياباً كثيرة في الحر، تصدر بالجامع العتيق بمصر وروى؛ وتوفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة. وبلط: بليدة قريبة من الموصل. وكان قد أقام بدمشق مدة يتردد إلى الزبداني للتعليم، ولما ملك الملك الناصر مصر انتقل إليها وحظي بها، ورتب له صلاح الدين على جامع مصر جارياً يقرئ به النحو والقرآن، ولما كان في آخر سنة الغلاء توفي، وبقي في بيته ثلاثة أيام ميتاً، لأنه كان يحب الانفراد والخلوة، وكان يتطيلس ولا يدير الطيلسان على عنقه بل يرسله، وكان إذا دخل فصل الشتاء اختفى ولم يكد يظهر، وكانوا يقولون له: أنت في الشتاء من حشرات الأرض، وإذا دخل الحمام يدخل وعلى رأسه مزدوجة مبطنة بقطن، فإذا صار عند الحوض كشف رأسه بيده الواحدة وصب عليه الماء الحار الناضج بيده الأخرى، ثم يغطيه إلى أن يملأ السطل ثم يكشفه ويصب عليه ثم يغطيه، يفعل ذلك مراراً ويقول: أخاف من الهواء. وكان إماماً نحوياً مؤرخاً شاعراً. وله العروض الكبير نحو ثلثمائة ورقة، وكتاب العروض الصغير وكتاب العظات الموقظات وكتاب النير في العربية وكتاب أخبار المتنبي وكتاب المستزاد على المستجاد في فعلات

_ (1) معجم الأدباء 12: 141 والزركشي: 207 وبغية الوعاة: 323 ومعجم البلدان (بلط) . (2) الزركشي ومعجم البلدان والبغية: منصور

الأجواد وكتاب علم أشكال الخط وكتاب التصحيف والتحريف وكتاب تعليل العبادات. وحضر يوماً عند البلطي بعض المطربين، فغناه صوتاً أطربه، فبكى البلطي وبكى المغني، فقال له البلطي: أما أنا فإني طربت، فأنت علام بكيت؟ قال: تذكرت والدي فإنه كان إذا سمع هذا الصوت بكى، فقال له البلطي: فأنت والله إذن ابن أخي، وخرج فأشهد على نفسه جماعةً من عدول مصر بأنه ابن أخيه ولا وارث له سواه، ولم يزل ذلك المطرب يعرف بابن أخي البلطي. وكان البلطي ماجناً خليعاً خميراً متهتكاً منهمكاً على الشراب واللذات ومن شعره: دعوه على ضعفي يجور ويشتط ... فما بيدي حل لذاك ولا ربط ولا تعتبوه فالعتاب يزيده ... ملالاً وإني لي اصطبار (1) إذا يسطو تنازعت الآرام والدر والمها ... له شبهاً والغصن والبدر والسقط فللريم منه اللحظ واللون والطلا ... وللدر منه اللفظ واللحظ والخط وللغصن منه القد، والبدر وجهه ... وعين المها عين بها أبداً يسطو وللسقط منه ردفه فإذا مشى ... بدا خلفه كالموج يعلو وينحط ومدح القاضي الفاضل بموشحة، وهي: ويلاه من راوغ ... بجوره يقضي ظبي بني يزداذ ... منه الجفا حظي قد زاد وسواسي ... مذ زاد في التيه لم يلق في الناس ... ما أنا لاقيه من قيم قاسي ... بالهجر يغريه أروم إيناسي ... به ويثنيه

_ (1) ص: ولي اصطباراً، ر: اصطباراً.

إذا وصال ساغ ... بقربه يرضى أبعده الأستاذ ... لا حيط بالحفظ وكل ذا الوجد ... بطول إبراقه مضرج الخد ... من دم عشاقه مصارع الأسد ... في لحظ أحداقه لو كان ذا ود ... رق لعشاقه شيطانه النزاغ ... علمه بغضي واستحوذ استحواذ ... بقلبه الفظ دع ذكره واذكر ... خلاصة المجد الفاضل الأشهر ... بالعلم والزهد والطاهر المئزر ... والصادق الوعد وكيف لا أشكر ... مولى له عندي نعمى لها إسباغ ... صائنة عرضي من كف كاسٍ غاذ ... والدهر ذو عظ منة مستبق ... ضاق بها ذرعي قد أفحمت نطقي ... واستنفدت وسعي وملكت رقي ... لمكمل الصنع دافع عن رزقي ... في موطن الدفع لما سعى ابياغ ... دهري في خفضي أنفذني إنفاذ ... من همه حفظي ذو المنطق الصائب ... في حومة الفضل

ذكاؤه الثاقب ... يجل عن مثل (1) فهو الفتى الغالب ... كل ذوي النبل من عمرو والصاحب ... ومن أبو الفضل؟ لا يستوي الافراغ ... بواحد الأرض أين من الآزاذ ... نفاية المنظ (2) يا أيها الصدر ... فت الورى وصفا قد مسني الضر ... والحال ما يخفى وعبدك الدهر ... يسومني خسفا وليس لي عذر ... ما دمت لي كهفا من صرف دهر طاغ ... أنى له أغضي من بك أمسى عاذ ... لم يخش من بهظ وقال من أبيات حصر قوافيها، ومنع أن يزاد فيها: بأبي من تهتكي فيه صون ... رب وافٍ لغادر فيه خون بين ذل المحب في طاعة الحب ... وعز الحبيب يا قوم بون أين مضنىً يحكي البهارة لوناً ... من غرير له من الورد لون لي حبيب ساجي اللواحظ أحوى ... مترف زانه جمال وصون يلبس الوشي والقباطي جون ... فوق جون ولون حالي جون إن رماني دهري فإن جمال ... الدين ركني وجوده لي عون عنده للمسيء صفح وللأسرار ... مستودع وللمال هون

_ (1) ص ر: مثلي. (2) الأزاد: نوع جيد من التمر؛ والمنظ: كذا في ص ر - بالنون - ولعلها ((المظ)) وهو الرمان البري.

عروة بن حزام

زانه نائل وحلم وعدل ... ووفاء جم ورفق وأون أنا في ربعه الخصيب مقيم ... لي من جوده لباس ومون لا أزال الإله عنه نعيماً ... وسروراً ما دام للخلق كون 325 (1) عروة بن حزام عروة بن حزام العذري، أحد متيمي العرب ومن قتله الغرام، ومات عشقاً في حدود الثلاثين للهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهو صاحب عفراء التي كان يهواها، وكانت ترباً له يلعبان معاً، فألف كل واحد منهما بصاحبه، وكان عمه عقال يقول لعروة: أبشر فإن عفراء امرأتك إن شاء الله تعالى، فلم يزالا إلى أن التحق عروة بالرجال وعفراء بالنساء، وكان عروة قد رحل إلى عم له باليمن ليطلب منه ما يمهر به عفراء لأن أمها سامته كثيراً في مهرها، فنزل بالحي رجل ذو يسار ومالٍ من بني أمية فرأى عفراء فأعجبته، فبذل لها كثيراً (2) من المال، فلم تزل أمها بأبيها إلى أن زوجها منه، فلما أهديت إليه قالت: يا عرو إن الحي قد نقضوا ... عهد الإله وحالفوا الغدرا وارتحل الأموي بعفراء إلى الشام، وعمد أبو عفراء إلى قبر فجدده وسواه وسأل أهل الحي كتمان أمرها، ثم وفد عروة بعد أيام فنعاها أبوها إليه، وذهب به إلى ذلك القبر، وبقي مدة يختلف إليه، فأتته جارية من الحي فأخبرته بالقصة

_ (1) الشعر والشعراء: 519 والأغاني 23: 300 وذيل الأمالي 3: 37 والخزانة 1: 533 ومواضع متفرقة من مصارع العشاق؛ وقد جمع شعره الدكتوران: إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب (مجلة كلية الآداب - جامعة بغداد، العدد الرابع 1961) . (2) ص: كثير.

فرحل الرجل إلى الشام وقصد الرجل وانتسب له في عدنان فأكرمه، وبقي عنده أياماً (1) ، فقال لجارية عفراء: هل لك في يد تولينيها؟ قالت: وما هي؟ قال: هذا الخاتم تدفعينه (2) إلى مولاتك، فأبت عليه، فعرفها وقال: اطرحي هذا الخاتم في صبوحها فإن أنكرته قولي: إن ضيفك اصطبح قبلك، ووقع من يده، فلما فعلت الجارية ذلك عرفت عفراء الخبر، فقالت لزوجها: إن ضيفك ابن عمي، فجمع بينهما وخرج وتركهما وأوقف من يسمع ما يقولانه، فتشاكيا وتباكيا طويلاً، ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه فقال: والله ما دخل جوفي حرام قط ولا ارتكبته وأنت حظي من الدنيا، وقد ذهبت مني وذهبت منك فما أعيش بعدك، وقد أجمل هذا الرجل الكريم وأنا مستحي منه ولا أقيم بمكانه بعد علمه بي، وإني لأعلم أني أرحل إلى منيتي، ثم بكى ويكت، وجاء زوجها فأخبره الخادم بما جرى بينهما فقال لها: يا عفراء امنعي ابن عمك من الرحيل، قالت: لا يمتنع، فدعاه وقال: يا أخي اتق الله في نفسك فقد عرفت خبرك، وإن رحلت تلفت، ووالله ما أمنعك من الاجتماع بها أبداً، وإن شئت فارقتها، فجزاه خيراً وقال: كان الطمع فيها آفتي، والآن فقد صبرت نفسي ويئست منها، واليأس يسلي، ولي أمور ولا بد من الرجوع إليها، فإن وجدت بي قوة لذلك، وإلا عدت إليكم وزرتكم حتى يقضي الله في أمري ما يشاء، فزوده وأكرموه، وأعطته عفراء خماراً لها، فلما سار عنها نكس بعد صلاحه وأصابه غشي وخفقان، وكان كلما أغمي عليه ألقى عليه غلامه ذلك الخمار فيفيق، فلقيه في الطريق ابن مكحول عراف اليمامة، فجلس عنده وسأله عما به، وهل هو خبل أم جنون؟ فقال له عروة: ألك علم بالأوجاع؟ قال: نعم، فأنشأ عروة يقول (3) : أقول لعراف اليمامة داوني ... فإنك إن داويتني لطبيب

_ (1) ص: أيام. (2) ص: تدفعيه. (3) ديوانه: 29.

فوا كبدا أمست رفاتاً كأنما ... يلذعها بالموقدات لهيب عشية لا عفراء منك قريبة ... فتسلو ولا السلوان منك قريب فوالله ما أنساك ما هبت الصبا ... وما أعقبتها في الرياح جنوب عشية لا خلفي مكر ولا الهوى ... أمامي ولا يهوى هواي غريب وإني لتغشاني لذكراك فترة ... كأن لها بين الضلوع دبيب قال الأخباريون: ومات في سفرته تلك قبل أن يصل إلى حيه بثلاث ليال، وبلغ عفراء خبره فجزعت جزعاً شديداً، وقالت ترثيه: ألا أيها الركب المخبون ويحكم ... أحقاً نعيتم عروة بن حزام فلا يهنأ الفتيان بعدك لذة ... ولا رجعوا من غيبةٍ بسلام وقل للحبالى لا يرجين غائباً ... ولا فرحاتٍ بعده بغلام (1) ولم تزل تنشد الأشعار وتندبه وتبكيه إلى أن ماتت بعده بأيام قلائل. وعن أبي صالح قال: كنت مع ابن عباس يعرفه، فأتاه فتيان يحملون فتى لم يبق إلا خياله، فقالوا: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله تعالى له، قال: وما به؟ فقال الفتى (2) : بنا من جوى الأحزان في الصدر لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب ولكنما أبقى حشاشة معولٍ ... على ما به عود هناك صليب قال: ثم خفت في أيديهم فإذا هو قد مات، فما رأيت ابن عباس سأل الله تعالى في عيشته إلا العافية مما ابتلي به ذلك الفتى، قال: وسألت عنه فقيل لي: هذا عروة بن حزام.

_ (1) روايته في الديوان: 37 - 38: فلا وضعت أنثى تماماً بمثله ... ولا فرحت من بعده بغلام وقد سقط البيت من المطبوعة. (2) الديوان: 31.

ومن شعر عروة (1) : خليلي من عليا هلال بن عامر ... بصنعاء عوجا اليوم وانتظراني ولا تزهدا في الأجر (2) عندي وأجملا ... فإنكما بي اليوم مبتليان ألما عن عفراء إنكما غداً ... بوشك النوى والبين معترفان فيا واشيي عفراء ويحكما بمن ... ومن وإلى من جئتما تشيان بمن لو أراه (3) عانياً لفديته ... ومن لو رآني عانياً لفداني متى تكشفا عني القميص تبينا ... بي السقم من عفراء يا فتيان فقد تركتني لا أعي لمحدثٍ ... حديثاً وإن ناجيته ودعاني جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجدٍ إن هما شفياني فما تركا من حيلةٍ يعلمانها ... ولا شربة إلا وقد سقياني ورشا على وجهي من الماء ساعةً ... وقاما مع العواد يبتدران وقالا: شفاك الله، والله ما لنا ... بما ضمنت منك الضلوع يدان فويل على عفراء ويل كأنه ... على الصدر والأحشاء حد سنان أحب ابنة العذري حباً وإن نأت ... ودانيت منها حيثما تريان إذا رام قلبي هجرها حال دونه ... شفيعان من قلبي لها جدلان (4) إذا قلت لا قالا بلى ثم أصبحا ... جميعاً على الرأي الذي يريان تحملت من عفراء ما ليس لي به ... ولا للجبال الراسيات يدان فيا رب أنت المستعان على الذي ... تحملت من عفراء منذ زمان كأن قطاةً علقت بجناحها ... على كبدي من شدة الخفقان

_ (1) الديوان: 9 وما بعدها. (2) الديوان: الذخر. (3) ص: أراني. (4) ص: شقيقان ... خدلان.

عروة بن أذينة

(1) 326 عروة بن أذينة عروة بن أذينة الليثي الشاعر الحجازي المشهور؛ سمع ابن عمر، وروى عنه مالك في الموطأ وكان من فحول الشعراء. وتوفي في حدود الثلاثين ومائة رحمه الله. ومن شعره (2) : لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى إليه فيعييني تطلبه ... وإن قعدت أتاني لا يعنيني فإن حظ امرىءٍ غيري سيبلغه ... لا بد لا بد أن يختاره دوني لا خير في طمع يدني لمنقصة ... وغفة من كفاف (3) العيش تكفيني كم من فقير غني النفس تعرفه ... ومن غني فقير النفس مسكين ومن عدو رماني لو قصدت به ... لم آخذ النصف منه حين يرميني ومن أخٍ لي طوى كشحاً فقلت له ... إن انطواءك عني سوف يطويني إني لأنظر فيما كان من أربي ... وأكثر الصمت فيما ليس يعنيني لا أبتغي وصل من يبغي مقاطعتي ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني أتى هو وجماعة من الشعراء إلى هشام بن عبد الملك فتبينهم، فلما عرف عروة قال له: ألست القائل (4) :

_ (1) الشعر والشعراء: 483 والأغاني 18: 240 والمؤتلف: 54 والسمط: 236 والزركشي: 208 وله مقطعات في أمالي المرتضى والزهرة، وقصائد في منتهى الطلب؛ وقد جمع شعره الدكتور يحيى الجبوري (بغداد: 1970) . (2) ديوانه: 385. (3) ص: وعفة من عفاف. (4) ص: البيت.

الصاحب علاء الدين الجويني

لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... قال عروة: نعم، قال: فهلا قعدت في بيتك حتى يأتيك رزقك؟ وغفل عنه هشام فخرج عروة من وقته وركب راحلته ومضى منصرفاً، فافتقده هشام فلم يره (1) ، وقيل له: رجع إلى الحجاز، فأتبعه بجائزته وقال للرسول: قل له أردت أن تكذبنا وتصدق نفسك، فلحقه وأبلغه الرسالة ودفع إليه الجائزة، فقال: قل له: صدقني الله وكذبك. 327 - (2) الصاحب علاء الدين الجويني عطا ملك بن محمد بن محمد، الأجل علاء الدين الجويني صاحب الديوان الخراساني، أخو الصاحب الكبير شمس الدين؛ كان إليهما الحل والعقد في دولة أبغا (3) ، ونالا من الجاه والحشمة ما يتجاوز الوصف. وفي سنة ثمانين قدم بغداد مجد الملك العجمي (4) ، فأخذ صاحب الديوان وغله وعاقبه، وأخذ أمواله وأملاكه، وعاقب سائر خواصه. ولما عاد منكوتمر (5) من الشام مكسوراً حمل علاء الدين معهم إلى همذان وهناك

_ (1) ص: يراه. (2) ترد أخباره وأخبار أخيه شمس الدين في جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الهمذاني (الجزء الثاني، القسم الأول والثاني) . (3) أبغا (آباقاخان) هو الابن الأكبر والأرشد لهولاكوخان، وقد أصبح ابنه أرغون سلطاناً من بعده. (4) مجد الملك اليزدي كان أبوه يدعى صفي الملك، وكان يقيم بالخدمة عند أتابكة يزد، وقد اتصل بشمس الدين الجويني فرعاه ووكل إليه مهام الأمور ثم دب التحاسد بينهما (راجع رشيد الدين 2/2: 73 وما بعدها) . (5) منكوتمر (منكوتيمور) هو الابن الحادي عشر لهولاكوخان من زوجته أولجاي خاتون.

المؤيد الآلسي

مات أبغا ومنكوتمر، فلما ملك أرغون ابن أبغا طلب الأخوين فاختفيا، وتوفي علاء الدين بعد الاختفاء بشهر سنة إحدى وثمانين وستمائة، ثم أخذ ملك اللور أماناً لشمس الدين من أرغون، وأحضره إليه، فغدر به وقتله، ثم فوض أمر العراق إلى مجد الملك العجمي ومجد الدين ابن الأثير والأمير علي بن جكيبان (1) ، ثم قتل أرق (2) وزير أرغون الثلاثة بعد عام. وكان علاء الدين وأخوه فيهما كرم وسؤدد وخبرة بالأمور وعدل ورفق بالرعية وعمارة البلاد، وبالغ بعض الناس فقال: كانت بغداد أيام الصاحب علاء الدين أجود ما كانت أيام الخليفة، وكان الفاضل إذا عمل كتاباً ونسبه إليهما يكون جائزته ألف دينار، وكان لهما إحسان إلى العلماء والفضلاء، ولهما نظر في العلوم الأدبية والعقلية. ومن شعر علاء الدين: أبادية الأعراب عني فإنني ... بحاضرة الأتراك نيطت علائقي وأهلك يا نجل العيون فإنني ... بليت بهذا الناظر المتضايق 328 (3) المؤيد الآلسي عطاف بن محمد علي، أبو سعيد الآلسي الشاعر المعروف بالمؤيد؛ ولد بآلس قريةٍ بقرب الحديثة، سنة أربع وتسعين وأربعمائة، وتوفي سنة سبع وخمسين

_ (1) رشيد الدين: علي جكيبان (انظر 2/2: 98) . (2) هو آورق بن بوقان في جامع التواريخ. (3) ليس هذا من المستدرك على ابن خلكان، فقد ترجم له باسم ((المؤيد بن محمد الألوسي)) (5: 346) وذكر أن ابن النجار ترجم له باسم ((عطاف بن محمد)) . وانظر معجم الأدباء 19: 207 والشذرات 4: 185، وقد ترجم له العماد في الخريدة (قسم العراق) 2 172 وفاتني ذكر ذلك عند تحقيق ابن خلكان؛ والآلسي كما ثبت بخط المؤلف، أو الألوسي نسبة إلى القرية المعروفة باسم آلس أو آلوسة أو ألوس؛ ووقعت في المطبوعة مصحفة إلى ((بالس)) .

وخمسمائة. وكان قد نشأ بدجيل ودخل بغداد، وصار جاويشاً في أيام المسترشد، ونظم الشعر وعرف به ومدح وهجا، ولجأ إلى خدمة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاة، وتفسح في ذكر الإمام المقتفي وأصحابه بما لا ينبغي، فقبض عليه وسجن بعد ما كان أثرى واقتنى عقاراً وأملاكاً، وأقام في السجن عشر سنين إلى أن عشي بصره من ظلمة السجن، وأخرج في زمان المستنجد، وكان زيه زي الأجناد، ثم سافر إلى لموصل وتوفي بعد خروجه بثلاث سنين. وكان قبل خروجه عرض على المقتفي قصة فوقع عليها يفرج عن هذا وكان ضاحي نهار، فأفرج عنه ومضى إلى بيته واجتمع بزوجته، وبرز العصر توقيع الخليفة ينكر الإفراج عنه والقبض على صاحب الخبر، فإنه الذي عرض القصة، وأعيد بعد العصر إلى المطمورة، وجاءه ولد (1) يدعى محمداً كان قد علقت به امرأته في ذلك اليوم عند حضوره إليها من الحبس. ومن شعره (2) : لعتبة من قلبي طريف وتالد ... وعتبة لي حتى الممات حبيب وعتبة أقصى منيتي وأعز من ... علي وأشهى من إليه أثوب غلامية الأعطاف تهتز للصبا ... كما اهتز من ريح الشمال قضيب تعلقتها طفلاً صغيراً ويافعاً ... كبيراً وها رأسي بها سيشيب وصيرتها ديني ودنياي لا أرى ... سوى حبها إني إذاً لمصيب وقد أخلقت أيدي الحوادث جدتي ... وثوب الهوى ضافي الدروع قشيب

_ (1) ص: ولداً. (2) ذكر العماد 2: 174 هذه القصيدة وقال أنها من الأبيات السائرة التي يعنى بها.

العمي الشاعر

سقى عهدها صوب العهاد بجوده ... ملث كتيار الفرات سكوب وليتنا والغرب ملق جرانه ... وعود الهوى داني القطوف رطيب ونحن كأمثال الثريا يضمنا ... رداء (1) على ضيق المكان رحيب إلى أن تقضى الليل وامتد فجره ... وعاود قلبي للفراق وجيب فيا ليت دهري كان ليلاً جميعه ... وإن لم يكن لي فيه منك نصيب أحبك حتى يبعث الله خلقه ... ولي منك في يوم الحساب حسيب وألهج بالتذكار باسمك دائماً ... وإني إذا سميت لي لطروب فلو كان ذنبي أن أديم لودكم ... حياتي بذكراكم فلست أتوب إذا حضرت هاجت وساوس مهجتي ... وتزداد بي الأشواق حين تغيب فوا أسفا لا في الدنو ولا النوى ... أرى عيشتي يا عتب منك تطيب بقلبي من حبيبك نار وجنة ... ولي منك داء قاتل وطبيب فأنت التي لولاك ما بت ساهراً ... ولا عاودتني زفرة ونحيب ومنه: لنا صديق يغر الأصدقاء ولا ... نراه مذ كان في ود له صدقا كأنه البحر طول الدهر تركبه ... وليس تأمن منه الخوف والغرقا 329 (2) العمي الشاعر عكاشة بن عبد الصمد العمي؛ كان من فحول الشعراء، وكان يهوى جارية

_ (1) ص: ودار. (2) الزركشي: 209 والأغاني 3: 242، والعمي نسبة إلى بني العم وهم قوم نزلوا ببني تميم بالبصرة أيام عمر فأسلموا وحسن بلاؤهم فقيل لهم أنتم إخواننا وأهلنا وبنو العم، فلقبوا بذلك وصاروا في جملة العرب.

لبعض الهاشمين تدعى نعيماً، وكان لا يراها إلا في الأحيان، وربما اجتمع بها مع صديقه حميد بن سعيد فيشربون وتغنيهم وتنصرف، إلى أن قدم قادم من بغداد فاشتراها ورحل بها عن البصرة إلى بغداد، فعظم أسف عكاشة وجزعه عليها، واستحالت صورته وطبعه، وكان ينوح عليها بأشعاره ويبكي. ومن شعره: ألا ليت شعري هل يعودن ما مضى ... وهل راجع ما فات من صلة الحبل وهل أجلسن في مثل مجلسنا الذي ... نعمنا به يوم السعادة بالوصل عشية صبت لذة الوصل طيبها ... علينا وأفنان الحياة جنى النحل (1) وقد دار ساقينا بكأس رويةٍ ... ترحل أحزان الكئيب مع العقل وشجت شمول (2) بالمزاج فطيرت ... كألسنة الحيات خافت من القتل فبتنا وعين الكاس سح دموعها ... بكل فتىً يهتز للمجد كالنصل وقينتنا كالظبي تحتج (3) للهوى ... وبث تباريح الفؤاد على رسل إذا ما حكت بالعود رجع لسانها ... رأيت لسان العود من كفها يملي فلم أر كاللذات أمطرت الهوى ... ولا مثل يومي ذاك صادفه مثلي ومن شعره: وجاءوا إليه بالتعاويذ والرقى ... وصبوا عليه الماء من ألم النكس وقالوا به من أعين الجن نظرة ... ولو صدقوا قالوا به أعين الإنس وقال من قصيدة طويلة (4) : هذا وكم من مجلسٍ لي مونقٍ ... بين النعيم وبين عيشٍ دان

_ (1) الأغاني: البذل. (2) الأغاني: وشج شمولا. (3) الأغاني: تسمح؛ واقرأ ((تجنح)) . (4) من هنا حتى آخر الترجمة لم يرد في المطبوعة.

نازعته أردانه فلبستها ... مع ظبية في (1) عيشنا الفينان تنسي الحليم من الرجال معاده ... بين الغناء وعودها الحنان حتى يعود كأن حبة قلبه ... مشدودة بمثالث ومثاني ظلت تغنيني وتعطف كفها ... بالعود بين الراح والريحان فسمعت ما أبكى وأضحك سامعاً ... فسكرت من طرب ومن أشجان ومشيت في لجج الهوى متبختراً ... ومشى إلي الموت (2) في ألوان فعلمت أن قد عاد قلبي عائد ... من بين عودٍ مطرب وبنان ومنه: إذ نحن نسقاها شمولاً قرقفاً ... تدع الصحيح بعقله مرتابا حمراء مثل دم الغزال وتارةً ... بعد المزاج تخالها زريابا من كف جارية كأن بنانها ... من فضةٍ قد قمعت عنابا تزداد (3) حسناً كاسها في كفها ... ويطيب منها نشرها أحقابا وإذا المزاج علا فشج جبينها ... بقيت بألسنة المزاج حبابا وتخال ما جمعت فأحدق سمطه ... بالطوق ريق جنادبٍ (4) ورضابا والعود متبع غناء خريدة ... غرداً (5) يقول كما تقول صوابا وكأن يمناها إذا نطقت به ... تلقي على يدها الشمال حسابا وكانت وفاته بعد المائتين، رحمه الله تعالى.

_ (1) ص: طيبة في؛ ر: طيبة من. (2) الأغاني: اللهو. (3) ص: يزداد. (4) الأغاني: حبائب. (5) غزراً؛ ر: عرراً، والتصويب عن الأغاني.

علوان الأسدي

(1) 330 علوان الأسدي علوان بن علي بن مطارد الأسدي الضرير؛ سمع منه سلمان الشحام، وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. ومن شعره: أوجهك أم شمس النهار أم البدر ... وثغرك أم در وريقك أم خمر وقدك أم غصن ترنحه الصبا ... وغنج أراه حشو جفنك أم سحر تبدى لنا والليل ملقٍ جرانه ... فعاد نهاراً قبل أن يطلع الفجر أعاذلتي ما أقتل الحب للفتى ... إذا كان من يهواه شيمته الغدر ويا معشر العشاق ما أعجب الهوى ... يرى مرة عذباً وأعذبه مر ولم أنس حالي يوم زمت ركابهم ... أقام بجسمي الضر وارتحل الصبر فما للنوى لا ألف الله شملها ... وما لغراب البين لا ضمه وكر وليلٍ كيوم الحشر معتكر الدجى ... طويل المدى لا يستبين له فجر أراعي نجوماً ليس يلفى زوالها ... ولا مؤنس إلا التسهد والفكر أرى أسهم الأيام تقصد مهجتي ... كأن صروف الدهر عندي لها وتر ألا أيها الدهر المكدر عيشتي ... رويدك مثلي لا يروعه ذعر أتحسب أن ألفى لغدرك ضارعاً ... فأنى وفخر الدين لي في الورى ذخر ومنه في غلام أسود: سواد عيني فدى أسودٍ ... في داخل القلب له نقطه

_ (1) نكت الهميان: 203 والزركشي: 229.

الباز الأشهب

البدر ما استكمل في حسنه ... حتى اكتسى من لونه خطه مخطط بالحسن لكنما ... قلبي في الخطة في خطه 331 (1) الباز الأشهب علوي بن عبد الله بن عبيد، الشاعر الحلي المعروف بالباز الأشهب؛ كان أديباً متفنناً مليح الإيراد للشعر، توفي سنة ست وتسعين وخمسمائة ببغداد، رحمه الله تعالى. ومن شعره: سل البانة الغناء هل مطر الحمى ... وهل آن للورقاء أن تترنما وهل عذبات الرند نبهها الصبا ... لذكر الصبا قدماً فقد كنا نوما وإن تكن الأيام قصت جناحها ... فقد طالما مدت بناناً ومعصما بكتها الغوادي رحمةً فتنفست ... وأعطت رياض الحزن سراً مكتما وشقت ثياباً كن ستراً لأمرها ... فلما رآها الأقحوان تبسما خليلي هل من سامعٍ ما أقوله ... فقد منع الجهال أن أتكلما عرفت المعالي قبل تعرف نفسها ... ولا سفرت وجهاً ولا فغرت فما وأوردتها ماء البلاغة منطقاً ... فصارت لجيد الدهر عقداً منظما وكانت تناجيني بألسن حالها ... فأدرك سر الوحي منها توهما فما لليالي لا تقر بأنني ... خلقت لها منها بدوراً وأنجما ورب جهولٍ قال لو كان صادقاً ... لأمكنت الأيام أن يتقدما

_ (1) الزركشي: 229.

ابن سعد الخير

ولم يدر أني لو أشاء حويتها ... ولكن صرفت (1) النفس عنها تكرما أبى الله أن ألقى بخيلاً بمدحه ... وقد جعل الشكوى إلى المدح سلما إذا المرء لم يحكم على النفس قادراً ... يمت غير مأجورٍ ويحيى مذمما سلام على الماء الذي طاب مورداً ... وإن صيرته وقفة الذل علقما فقد كنت لا أبغي سوى العز مطعماً ... ولا أرتضي ماءً ولو بلغ الظما وكنت متى مثلت للنفس حاجةً ... أرى وجه إعراضي ولو كان أينما وأحسب أن الشيب غير حالتي ... وصير حلي الغانيات محرما 332 (2) ابن سعد الخير علي بن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن سعد الخير، أبو الحسن الأنصاري البلنسي؛ كان مع تقدمه في العربية وتفننه في الآداب منسوباً إلى غفلة تغلب عليه، وله رسائل بديعة وتواليف: منها كتاب الحلل في شرح الجمل للزجاجي، وكتاب جذوة البيان وفريدة العقيان وكتاب القرط على الكامل؛ وتوفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. ومن شعره (3) : ألا سائل الركبان هل ظل لعلع ... كما كان مطول الصائل سجسجا وهل وردوا ماء العذيب مناهلاً ... اذا صافحت كف النسيم تأرجا

_ (1) ر: صدفت. (2) الزركشي: 230 وزاد المسافر: 103 والمقتضب من التحفة: 51 والتكملة رقم: 1867 والذيل والتكملة 5: 187 والمغرب 2: 317 ونفح الطيب 3: 602، 604. (3) لم ترد هذه القطعة في المطبوعة.

وعن جزعات الحي مالي وما لها ... تجدد لي شوقاً إذا الركب عرجا وعن أثلات الجزع هل مال ظلها ... وهل تخذت ريح الصبا منه مدرجا لئن ظمئت نفسي إليها فطالما ... وردت بمغناهن أشنب أفلجا بحيث يشف الستر عن ماء مبسمٍ ... أرى باب صبري عنه أبهم مرتجا وقال: بأبي من بني الملوك غرير (1) ... قد ترديت فيه برد التصابي ضاعفت حسنه ضفيرة شعرٍ ... هي منه طراز برد الشباب تتلوى على الرداء مراحاً ... كحبابٍ ينساب فوق حباب وقال في سحابة: وساريةٍ سحبت ذيلها ... وهزت على الأفق أعطافها تسل البروق بأرجائها ... كما سلت الزنج أسيافها وقال: بدا البدر في أفقه لابساً ... ثياباً من الشفق الأحمر فشبهته والدجى حائل ... عروساً تزف إلى أسمر وقال في رمانة مفتحة: وساكنة من ظلال الغصون ... بخدر تروق أفنانه تضاحك أترابها عندما ... غدا الجو تدمع أجفانه كما فتح الليث فاه وقد ... تضرج (2) بالدم أسنانه وقال في إبرة في لباد أحمر:

_ (1) ص: غزيز؛ ر: غزير. (2) ص: تضرم.

ومخيطٍ ضاق عنه وصفي ... يعجز عن فعله اليماني يكمن في لبدة ويبدو ... كالعرق في باطن اللسان وقال في حقلة كتان اصطفت بها غربان (1) : ومخضرة الأرجاء قد طلها الندى ... وقابلها أنف الصبا بتنفس (2) تبدى بها سطراً دقيقاً (3) كما بدت ... ضفيرة شعرٍ (4) فوق بردة سندس وقال: لله دولاب يفيض بسلسلٍ ... في روضة قد أينعت أفنانا قد طارحته بها الحمائم شجوها ... فيجيبها ويرجع الألحانا فكأنه دنف يدور بمعهدٍ ... يبكي ويسأل فيه عن من كانا ضاقت مجاري جفنه عن دمعه ... فتفتحت أضلاعه أجفانا وقال في مليح أرمد، وقد لبس ثياباً حمراً (5) : ومهفهفٍ يجري بصفحة خده ... ولماه من ماء الحياة عبابه ما زال يهتك باللحاظ قلوبنا ... حتى تضرج طرفه وثيابه فبدا بحمرة ذا وحمرة هذه ... كالسيف يدمى حده وقرابه

_ (1) ر: غزلان. (2) ص: يتنفس. (3) دقيقاً: سقطت من ر ص. (4) ص: ظفيرة شعره. (5) ص: حمر.

ابن الثردة الواعظ

(1) 333 ابن الثردة الواعظ علي بن إبراهيم بن علي بن معتوق بن عبد المجيد بن وفا، المعروف بابن الثردة الواعظ الواسطي الأصل البغدادي المنشأ؛ سألته عن مولده فقال: بكرة الإثنين ثاني عشرين شعبان سنة سبع وتسعين وستمائة. قدم إلى دمشق مرات ووعظ بها بالجامع الأموي، ثم حصل له خلط سوداوي فتغير حاله، وكان يدعي في هذه الحالة أنه كانت له ببغداد كتب تقدير ألفي مجلدة، وأن جماعة من التجار الذين قدموا دمشق اغتصبوها وقدموا بها دمشق وأباعوها، وكان ذلك كله من مخيلة السوداء، فساءت حاله وأضرت به، والتحق بعقلاء المجانين، وكان يتخذ كارة (2) يحملها تحت إبطه لا يفارقها ليلاً ولا نهاراً، بحيث أنه كان إذا دخل الحمام أو الطهارة يكون جالساً وهي تحت إبطه، وكلما وجد خيطاً أو حبلاً شدها به، فلا تزال في نمو وزيادة وهو حاملها، وكان يقول: لو دفع لي فيها ملك مصر ما أبعتها، ويقول: هي أشهى إلي من خاتمة الخير، والله لو خيرت بين دخول الجنة بلا كارتي أو دخول النار وكارتي معي اخترت دخول النار على دخول الجنة. وكان ينظم الشعر الجيد في هذه الحالة، وكان إذا دفع إليه أحد شيئاً من دراهم أو غيرها لا يقبل منه، ويقول: من أنت؟ أظن عندك شيء من كتبي فأنت تبرطلني على ذلك، ولا يقبل لأحد شيئاً إلا بعد الجهد؛ وكانت وفاته بمارستان ابن سويد في أوائل سنة خمسين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.

_ (1) الزركشي: 230 والدرر الكامنة 3: 76 وفي نسبة ((يعقوب)) بدل ((معتوق)) والفردة بدل ((الثردة)) ؛ وصاحب الدرر ينقل عن الصفدي. (2) الكارة: مكيال للدقيق أو وعاء.

ولما توفي فتحت كارته فما وجد فيها سوى جزاز بخطه وكراريس وعظيات وشعر تغزل وغيره (1) . أنشدني لنفسه: أضحى جمالك للورى أعجوبة ... كل الورى قد قيدوا بقياده فوحق من سواك يا بدر الدجى ... ما أنت إلا فتنة لعباده وقال: لي حبيب خياله نصب عيني ... أينما كنت وجهه (2) مرآتي يتجلى لطور سيناء قلبي ... فتراني أخر من صعقاتي ليتني ما عدمته من حبيب ... أتراءاه من (3) جميع جهاتي وإذا لاح أو تجلى لعيني ... كدت أقضي من شدة الحسرات هو ناري وجنتي ومماتي ... وحياتي في السر والخلوات لست مهما حييت أنساه أصلا ... لا ولا ساعةً من الساعات وأنشدني لنفسه: سبحان من أبدى جمالك للورى ... عجباً يحار العقل في تصويره وصفوك غاية وصفهم لكنهم ... لم يدركوا مقدار عشر عشيره لو كان يوسف في زمانه فقته ... حسناً وكنت تكون فوق سريره اعطف على عبدٍ ملكت قياده ... فالعبد لم يرحمه غير أميره وأنشدني لنفسه: يا دار علوة لا عداك غمام ... مني عليك تحية وسلام

_ (1) بعد هذا في ر: رحمه الله تعالى وعفا عنه. (2) ر: ووجهه. (3) ر: في.

فلقد تقضت لي بربعك عيشة ... زمن الصبا إذ لست فيك ألام مع فتية حلوا ببطحاء الحمى ... ولهم بقلبي مربع ومقام يحمون بالبيض النزيل حمية ... ومن استجار بهم فليس يضام انظر إليهم كيف تضرم نارهم ... للطارقين إذا ألم ظلام ترهم إذا ما الليل جن عليهم ... وهم سجود في الدجى وقيام لولاهم ما كان يعرف ما الهوى ... كلا ولا بيع النفوس يسام وقال أيضاً عفا الله عنه: بالجامع الأموي ظبي أهيف ... ما في الملاح كحسنه وجماله هو بدر تم والقلوب بروجه ... يخفي البدور بنور عز جلاله وإذا تثنى مائساً في مشيه ... فضح الغصون بلينه ودلاله وقال: ولما تجلى من أحب لناظري ... خررت من الأشواق صعقا إلى الأرض وإني لأتلو ذكره وحديثه ... وسمعي به يلتذ في النفل والفرض وقال مواليا: لك وجه يحكي فتات السكر المصري ... وقد يشبه (1) قضيب البان لي يمري وردف ما ريت مثله قط في عصري ... يا ليته حظ علي بن الثردة المقري وأنشدني لنفسه من موشح: أيها النائم كم هذا الرقاد ... انتبه كم نوم انتبه من ذا الكرى يا ذا الجماد ... تلتحق بالقوم وتأهب لغدٍ يوم المعاد ... يا له من يوم

_ (1) شبه.

وافعل الخير لتحظى بالنجاح ... لا تكن كسلان واجتهد فالمجتهد يلقى الفلاح ... ويرى الإحسان قد تقضى العمر دع لهو الصبا ... أيها الغافل لا تكن ممن إلى الجهل صبا ... تعس الجاهل كل شيء تهب الدنيا هبا ... ليس بالطائل كم حريص خلف الدنيا وراح ... لابس الأكفان وأخو الفقر توفي فاستراح ... قلبه التعبان

المكتفي بالله

334 - (1) المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى ... فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له ... صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني ... من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً:

_ (1) الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

الحريري شيخ الطائفة

تلطف في رسولك يا أميري ... فإني من رسولك في غرور (1) أحمله رسالاتي فينسى ... ويبلغك القليل مع الكثير وأرسل من إذا لحظته عيني ... حكى لي طرفه ما في ضميري إذا كان الرسول كذا بليداً ... تقطعت الجوانح في الصدور وفي المكتفي هذا يقول ابن المعتز: قايست بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي والله لا كلمتها لو أنها ... كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفي وما أحسن قول ابن سناء الملك (2) : وملية بالحسن يسخر وجهها ... بالبدر، يهزأ ريقها بالقرقف لا أرتضي بالشمس في تشبيهها ... والبدر، بل لا أكتفي بالمكتفي 335 (3) الحريري شيخ الطائفة علي بن الحسن بن منصور، الشيخ أبو الحسن الحريري؛ قال الشيخ شمس الدين: شيخ الفقراء الحريرية أولي الطيبة والسماعات والشاهد، كان له شأن عجيب ونبأ غريب، وهو حوراني من عشيرة يقال لهم " بنو الزمان " بقرية بسر (4) ، وقدم

_ (1) ر: غروري. (2) ديوان ابن سناء الملك: 477. (3) ذيل الروضتين: 180 والبداية والنهاية 13: 173 والشذرات 5: 231 وعبر الذهبي 5: 186 والنجوم الزاهرة 6: 360؛ ووردت في ر. (4) بسر: من قرى حوران.

دمشق صبياً ونشأ بها، وذكر هو أنه من قوم يعرفون ببني قرقر، وكانت أمه دمشقية من ذرية الأمير قرواش بن المسيب العقيلي، وكان خاله صاحب دكان في الصاغة؛ توفي والده وهو صغير، ونشأ في حجر عمه، وتعلم صناعة العتابي وبرع فيها حتى فاق الأقران، ثم صحب الشيخ أبا علي المغربل خادم الشيخ رسلان. قال الحافظ سيف الدين ابن المجد: علي الحريري وطئ أرض الجبل ولم يمكنه المقام به، والحمد لله، كان من أفتن شيء وأضره على الإسلام، تظهر منه الزندقة والاستهزاء بأوامر الشرع ونواهيه، بلغني من الثقات عنه أشياء يستعظم ذكرها من الزندقة والجرأة على الله تعالى، وكان مستخفاً بأمر الصلاة وانتهاك الحرمات. ثم قال: حدثني رجل أن شخصاً دخل الحمام، فرأى الحريري في الحمام ومعه صبيان حسان بلا ميازر، فجاء إليه وقال: ما هذا؟ فقال: كأن ليس سوى هذا، وأشار إلى أحدهم: تمدد على وجهك، فتمدد، فتركه الرجل وخرج هارباً مما رأى. قال الشيخ شمس الدين: رأيت جزءاً (1) من كلامه من جملته: إذا دخل مريدي بلد الروم فتنصر وأكل لحم الخنزير وشرب الخمر كان في شغلي. وسأله رجل: أي الطرقات أقرب إلى الله حتى أسير فيه؟ فقال له: اترك السير وقد وصلت، وهذا مثل قول العفيف التلمساني: فلسوف تعلم أن سيرك لم يكن ... إلا إليك إذا بلغت المنزلا وقال لأصحابه: بايعوني على أن نموت يهود ونحشر إلى النار حتى لا يصاحبني أحد لعلة؛ وقال: ما يحسن بالفقير أن ينهزم من شيء، وإذا خاف من شيء قصده؛ وقال: لو قدم علي من قتل ولدي وهو بذلك طيب كنت أطيب منه. ومن شعره في ذلك الجزء:

_ (1) ر: جزء.

أمرد يقدم مداسي ... أخير من رضوانكم وربع قحبه عندي ... أحسن من الولدان قالوا أنت تدعى صالح ... دع عنك هذه الخندقة قلت السماع يصلح لي ... بالشمع والمردان ما أعرف لآدم طاعه ... إلا سجود الملايكه وما أعرف آدم عصى الله ... يعظم الرحمن وله: إن كنت أقجي (1) تقدم ... وإن كنت رماح انتبه وإن كنت حشو المخده ... اخرج ورد الباب أو ذا اشتهي قبل موتي ... أعشق ولو صورة حجر أنا مثكل محير ... والعشق بي مشغول ومن شعره: كم تتعبني بصحبة الأجساد ... كم تسهرني بلذة الميعاد جد لي بمدامة تقوي رمقي ... والجنة جد بها على الزهاد وكان يلبس الطويل والقصير والمدورة والمفرج والأبيض والأسود، والقلنسوة وحدها، وثوب المرأة، والمطرز والملون. وذكر بهاء الدين يوسف بن أحمد بن العجمي أن القاضي مجد الدين ابن العديم حدثه عن أبيه قال: كنت أكره الحريري وطريقه، فاتفق أن حججت وحج الحريري ومعه جماعة ومردان، فأحرموا وبقوا تبدو منهم في الإحرام أمور منكرة، فحضت يوماً عند أمير الحاج، فجاء الحريري، واتفق حضور إنسان بعلبكي

_ (1) أوقجي (بالتركية) : رامي السهام.

ومعه ملاعق، ففرق علينا كل واحد ملعقتين ملعقتين، وأعطى الشيخ علي الحريري واحدة، فأعطاه الجماعة ملاعقهم تكرمة له، وأما أنا فلم أعطه ملعقتي، فقال لي: يا كمال الدين، لم لا توافق الجماعة؟ فقلت: ما أعطيك شيئاً، فقال: الساعة نكسرهما (1) ، قال: والملعقتان على ركبتي، قال: فنظر إليهما وإذا بهما قد انكسرتا كل واحدة شقفتين، فقلت: ومع هذا فلا أرجع عن أمري فيك، وهذا من الشيطان، أو قال: هذا حال شيطاني. وذكر النسابة في تعاليقه قال: وفي سنة ثمان وعشرين وستمائة أمر الصالح بطلب الحريري واعتقاله، فهرب إلى بسر، وسببه أن ابن الصلاح وابن عبد السلام وابن الحاجب أفتوا بقتله لما اشتهر عنه من الإباحة وقذف الأنبياء والفسق وترك الصلاة، وقال الملك الصالح: أعرف منه أكثر من هذا. وسجن الوالي جماعة من أصحابه، وتبرأ منه أصحابه وشتموه، ثم طلب وحبس بعزتا (2) ، فجعل أناس يترددون إليه، فأنكر الفقهاء ذلك، وسألوا الوزير ابن مرزوق أن يعلم الواجب فيه، وإلا قتلناه نحن، وكان ابن الصلاح يدعو عليه في أثناء كل صلاة بالجامع جهراً، وكتب جماعة من أصحابه بالبراءة عليه منه. ولما مات سنة خمس وأربعين وستمائة سن أصحابه المحيا (3) في شهر رمضان كل ليلة سبعة وعشرين، وهي من ليالي القدر، فيحيون تلك الليالي الشريفة بالدفوف والشبابات والملاح بالرقص إلى السحر، وفي ذلك يقول علاء الدين الوداعي (4) : حاز الحريري فضلاً ... لميت ما تهيا

_ (1) ر: نكسرها. (2) كذا وردت في ر، وكذلك هي عند ابن كثير وقال إنها قلعة عزتا. (3) المحيا: أصبح اسماً لكل ليلة تحييها جماعة من الناس، فهي عند الشيعة في 27 من رجب (انظر دوزي) . (4) هو علي بن المظفر بن إبراهيم وسيترجم المؤلف له (أنظر رقم: 362) .

في كل ليلة قدر ... يرى له الناس محيا وفيه يقول سيف الدين المشد (1) : سمعت بأن حبركم علياً (2) ... حباه الله منه بالحبور إذا حضر السماع يتيه عجباً ... بما أوتيه من عزم الأمور فلا تولوه تعنيفاً ولوماً ... فما تدرون أسرار الصدور ومن ذا في السماع له مقام ... إذا سمعت مقامات الحريري ورثاه النجم ابن إسرائيل بقصيدته التي أولها: خطب كما شاء الإله جليل ... ذهلت لديه بصائر وعقول ومصيبة كسفت لها شمس الضحى ... وهفا ببدر المكرمات أفول وكبا زناد المجد وانفصمت عرى ال ... علياء واغتال الفضائل غول وتنكرت سبل المعارف واغتدت ... غفلاً وأقفر ربعها المأهول ومضت بشاشة كل شيء وانقضت ... فالوقت قبض والزمان عليل وعلا ملاحات الوجوه سماجة ... وخفيف تلك الكائنات ثقيل والروض أغبر والمياه أواجن ... ومعاطف الأغصان ليس تميل والشمع والألحان لا نور ولا ... طرب وليس على الشهود قبول خطب ألم بكل قطر نعيه ... كادت له شم الجبال تزول فعلى المعاني والعلوم كآبة ... وعلى الحقائق ذلة وخمول والسالكون سطت عليهم حيرة ... وغوى لهم نهج، وضل (3) سبيل والعارفون تنكرت أحوالهم ... فحجاب عين قلوبهم مسدول ودنان خمر الحب قد ختمت وبا ... ب ألحان مهجور الفنا مملول

_ (1) هو علي بن عمر بن قزل التركماني، وستأتي ترجمته (رقم: 345) . (2) ر: خيركم علي. (3) ر: وظل.

ما كنت أعلم والحوادث جمة ... والناس فيهم عالم وجهول أن الدجى ليس الحداد توقعاً ... لمصابه قدماً وذاك قليل أو أن صوب المزن حين همى على ... عفر الثرى دمع عليه يسيل أو أن صوت الرعد حنة فاقد ... فقد العلا فله عليه عويل أو أن قلب البرق يحقق روعة ... لسماع ما ناعي علاه (1) يقول أإمامنا يا أوحد العصر الذي ... ما إن له فيمن نراه عديل يا سيداً ملك القلوب فكلها ... عن حق طاعة أمره مسئول من يبرد المهج الحرار ومن لها ... ببلوغ آمال الوصال كفيل أمن يدل السالكين إلى حمى ... ليلى وقد ضل (2) السبيل دليل أمن يقول الحق لا متخوفاً ... حيث النفوس على السيوف تسيل أمن يحل المشكلات بلفظة ... يرضى بها المنقول والمعقول أمن يفي بضمان حان مدامة ... حبل النجاة بدنها موصول أمن يبيح المفلسين سلافهاً ... ويجول بين دنانها ويصول أمن يهيم الجمال به صبابة ... فكأنما رب الجمال جميل يصبوا إليه قلب من هو عند أر ... باب القلوب معشق مقبول من كل فتاك اللواحظ ما رنا ... إلا تشحط في الدماء قتيل نشوان عساك المعاطف فاتر ال ... أجفان خمر رضابه معسول بهواه لا يصغي لقول مفند ... أبداً ولا يثنيه عنه عذول وغريرة الألحاظ ناعمة الصبا ... ريا الإزار وخصرها مهزول حوراء مائسة المعاطف طرفها ... سيف على عشاقها مسلول كل يهيم بحبه، وكذاك من ... ملك الإرادة أمره المفعول

_ (1) ر: عليه. (2) ر: ظل.

المسعودي صاحب التاريخ

مولاي دعوة من دعته مصيبة ... غطت عليه فعقله معقول حاشا علاك من الممات وإنما ... هي نقله فيها المنى والسول ناداك من أحببته فأجبته ... وأتاك منه بالقبول رسول وحننت نحو حماك حنة صادق ... لم يقتطعه عن حماك بديل فخلعت هيكلك السعيد مطهراً ... تبدو عليه نضرة (1) وقبول جسد خلا وحلا وخف كأنما ... قد ضم منه الحامل المحمول حتى حللت محلك الأعلى الذي ... ما بعده بعد ولا تحويل فهناك عرس للوصال مجدد ... وسعادة تبقى وليس تزول جادت ثراك من السحاب ثرة ... وكفت دموع قد وكفن همول وتعاهدتك تحية وكرامة ... منه يروح بها صباً وقبول وعدت علينا من حماك تحية ... وبحسبنا من تربك التقبيل واتفق أن ليلة وفاته كانت شاتية مثلجة، فقال ابن إسرائيل: بكت السماء عليه ساعة دفنه ... بمدامع كاللؤلؤ المنثور وأظنها فرحت بمصعد روحه ... لما سمت وتعلقت بالنور أو ليس دمع الغيث يهمي بارداً ... وكذا تكون مدامع المسرور 336 (2) المسعودي صاحب التاريخ علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن المسعودي المؤرخ، من ذرية عبد الله

_ (1) ر: نظرة. (2) لسان الميزان 4: 224 والفهرست: 154 ورجال النجاشي: 178 ومعجم الأدباء 13: 90 وطبقات السبكي 2: 307 والنجوم الزاهرة 3: 315 وانظر بروكلمان 3: 57 (الترجمة العربية) ؛ وقد وردت الترجمة في ر.

ابن هندو

ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال الشيخ شمس الدين: عداده في البغداديين، وأقام بمصر مدة، وكان إخبارياً علامة صاحب غرائب وملح ونوادر، مات سنة ست وأربعين وثلاثمائة. وله من التصانيف كتاب " مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحف الأشراف وملوك " وكتاب " ذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور " وكتاب " الرسائل والاستذكار لما مر في سالف الأعصار " وكتاب " التاريخ في أخبار الأمم من العرب والعجم " وكتاب " التنبيه والإشراف " وكتاب " خزائن الملك وسر العالمين " وكتاب " المقالات في أصول الديانات " وكتاب " أخبار الزمان ومن أباده الحدثان " وكتاب " البيان في أسماء الأئمة " وكتاب " الخوارج ". 337 - (1) ابن هندو علي بن الحسين بن هندو، أبو الفرج الكاتب الأديب الشاعر، له رسائل مدونة، وكان أحد كتاب الإنشاء في ديوان عضد الدولة، وكان متفلسفاً، قرأ كتب الأوائل على أبي الحسن العامري بنيسابور، ثم على أبي الخير بن الخمار، وكان يلبس الدراعة على رسم الكتاب؛ وكانت وفاته بجرجان في سنة عشرين وأربعمائة. وكان به ضرب من السوداء، وكان قليل القدرة على شرب النبيذ، فاتفق أنه

_ (1) اليتيمة 3: 397 وابن أبي أصيبعة 1: 323 وتتمة اليتيمة 1: 134 والزركشي: 231؛ ووردت في ر.

كان يوماً عند أبي الفتح بن أحمد كاتب قابوس، فتناشدوا الأشعار، وحضر الغداء فأكلوا وانتقلوا إلى مجلس الشراب، فلم يطق ابن هندو المساعدة على ذلك، فكتب في رقعة ودفعها إليه: قد كفاني من المدام شميم ... صالحتني النهى وتاب الغريم هي جهد العقول سمي راحاً ... مثل ما قيل للديغ سليم إن تكن جنة النعيم ففيها ... من أذى السكر والخمار جحيم فلما قرأها ضحك، وأعفاه من السكر. ومن شعره: أرى الخمار ناراً والنفوس جواهراً ... فإن شربت أبدت طباع الجواهر فلا تفضحن النفس يوماً بشربها ... إذا لم تثق منها بحسن السرائر وقال (1) : عابوه لما التحى فقلنا ... عبتم وغبتم عن الجمال هذا غزال ولا عجيب ... تولد المسك في الغزال وقال (2) : حللت وقاري في شادن ... عيون الأنام به تعقد غدا وجهه كعبة للجمال ... ولي قلبه الحجر الأسود وقال (3) : ضعت بأرض الري في أهلها ... ضياع حرف الراء في اللثغة صرت بها بعد بلوغ المنى ... أجهد أن تبلغ بي البلغه قال (4) :

_ (1) اليتيمة 3: 398. (2) التتمة 1: 137. (3) التتمة 1: 142. (4) اليتيمة 3: 397 - 398.

لا يؤيسنك (1) عن مجد تباعده ... فإن للمجد تدريجاً وترتيبا (2) إن القناة التي شاهدت رفعتها ... تنمي وتنبت (3) أنبوباً فأنبوبا وقال: وساق تقلد لما أتى ... حمائل زق ملاه شمولا فلله درك من فارس ... تقلد سيفاً يقد العقولا وقال: كل ما لي فهو رهن، ما له ... من فكاك في مساء وابتكار ففؤادي أبداً رهن هوى ... وردائي أبداً رهن عقار فدع التفنيد يا صاح لنا ... إنما الربح لأصحاب الخسار لو ترى ثوبي مصبوغاً بها ... قلت ذميماً تبدى في غيار ولقد أمرح في شرخ الصبا ... مرح المهرة في ثني العذار وقال: كفى فؤادي عذاره حرقه ... وكف عين بدمعها غرقه ما خط حرف من العذار به ... إلا محي من جماله ورقه وقال (4) : يا من محياه كاسمه حسن ... إن غاب عني فليس لي وسن قد كنت قبل العذار في محن ... حتى تبدى فزادت المحن يا شعرات جميعها فتن ... يتيه في وصف كنهها الفطن ما غيروا من عذاره سفهاً ... قد كان غصناً فأورق الغصن

_ (1) اليتيمة: يوحشنك؛ ر: يوسنك. (2) اليتيمة: وتدريباً. (3) اليتيمة: فتصعد. (4) التتمة 1: 138.

وقال: أوحى لعارضه العذار فما ... أبقى على روعي ولا نسكي وكأن نملاً قد دببن به ... غمست أكارعهن في مسك وقال: قولوا لهذا القمر البادي ... مالك إصلاحي وإفسادي زود فؤاداً راحلاً قبلة ... لا بد للراحل من زاد وقال: قالوا اشتغل عنهم يوماً بغيرهم ... وخادع النفس إن النفس تنخدع قد صيغ قلبي على مقدار حبهم ... ما لحب سواه فيه متسع قال الثعالبي (1) : قد اتفق لي معنى بديع لم أقدر أني سبقت إليه، وهو: قلبي وجداً مشتعل ... على الهموم مشتمل وقد كست جسمي الضنى ... ملابس الصب الغزل إنسانة فتانة ... بدر السما منها خجل إذا زنت عيني بها ... فبالدموع تغتسل حتى أنشدت لابن هندو: يقولون لي ما بال عينك إذ رأت ... محاسن هذا الظبي أدمعها هطل فقلت: زنت عيني برؤية وجهه ... فكان لها من صوب أدمعها غسل أخذ هذا المعنى ابن الساعاتي فقال (2) : جفني الذي يرد الكرى متأسناً ... كلف بفاتر جفنه المتوسن

_ (1) اليتيمة 3: 398. (2) لم يرد البيتان في المطبوعة، وانظر ديوان ابن الساعاتي 1: 251.

ولقد زنت عيني برؤية وجهه ... جهلاً ورجم الدمع حد المحصن وما أحسن ما استعمل السراج هذا المعنى فقال: ودموع في إثرهن دماء ... كانسكاب الولي بعد الوسمي يتراكضن بين شهب وحمر ... والغواني يبكين حولي بدهم وزناء العيون تطهيره من ... شهب الدمع في الظلام برجم وقال الشريف العقيلي (1) : اقتض حمرة خده ... باللحظ طرفي إذ رنا فجلدته بدموعه ... والحد يلزم من زنى وقال سيف الدين المشد: تنبأ دمعي في ضلالة شعره ... ألم تره في فترة الجفن يرسل إذا ما زنى إنسان عيني بنظرة ... إلى حسنه يوماً فبالدمع يغسل وقال السراج الوراق: يا نازح الطيف مر نومي يعاودني ... فقد بكيت لفقد النازحين دماً أوجبت غسلاً على عيني بأدمعها ... فكيف وهي التي لم تبلغ الحلما وقال العفيف التلمساني: قالوا أتبكي من بقلبك داره ... جهل العواذل داره بجميعي لم أبكه لكن لرؤية حسنه ... طهرت أجفاني بفيض دموعي والأصل في هذا قول مجنون ليلى (2) : يقول رجال الحي: تطمع أن ترى ... بعينيك ليلى مت بداء المطامع

_ (1) دبوان العقيلي: 275. (2) ليس في ديوانه.

الشريف العقيلي

وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ... سواها وما طهرتها بالمدامع؟ ولابن هندو من المصنفات كتاب " مفتاح الطب " و " المقالة المشوقة في المدخل إلى علم الفلك ". كتاب " الكلم الروحانية من الحكم اليونانية " و " الوساطة بين الزناة واللاطة " هزلية، وديوان شعره. 338 - (1) الشريف العقيلي علي بن الحسين بن حيدرة بن محمد بن عبد الله بن محمد العقيلي، ينتهي إلى عقيل ابن أبي طالب، وذكره ابن سعيد في كتاب " المغرب " وساق له قطعة كبيرة من شعره، وله أرجوزة طويلة ناقض فيها ابن المعتز في أرجوزته التي ذم فيها الصبوح ومدح الغبوق. ومن شعره (2) : استجل بكراً عليها ... من الزجاج رداء فوجه يومك فيه ... من الملاحة ماء ومنه (3) : قم فانحر الراح يوم النحر بالماء ... ولا تضح ضحى إلا بصهباء أدرك حجيج الندامى قبل نفرهم ... إلى منى قصفهم مع كل هيفاء

_ (1) المغرب (قسم مصر) 1: 205 واليتيمة 1: 431 والزركشي: 231 وخطط المقريزي 2: 163 والخريدة (قسم مصر) 2: 62 وله ترجمة في الوافي، وقد نشر ديوانه الدكتور زكي المحاسني رحمه الله (ط. البابي الحلبي، القاهرة، دون تاريخ) ووردت الترجمة في ر. (2) الديوان: 42 والمغرب: 208. (3) الديوان: 42 والمغرب: 207.

وعج على مكة الروحاء مبتكراً ... وطف بها حول ركن العود والناء وقال (1) : وقائل: ما الملك؟ قلت: الغنى ... فقال: لا بل راحة القلب وصون ماء الوجه عن بذله ... في نيل ما ينفذ عن قرب وقال (2) : قم هاتها وردية ذهبية ... تبدو فتحسبها عقيقاً ذابا أو ما ترى حسن الهلال كأنه ... لما تبدى حاجباً قد شابا وقال (3) : وبركة قد أفادنا عجبا ... ما ماج من مائها وما انسكبا من حول فوارة مركبة ... قد انحنى ظهر مائها تعبا وقال (4) : ولما أقلعت سفن المطايا ... بريح الوجد في لجج السراب جرى نظري وراءهم إلى أن ... تكسر بين أمواج الهضاب وقال (5) : وهات زواهر (6) الكاسات ملأى ... إلى الحافات بالذهب المذاب فكير الجو يوقد نار برق ... إذا خمدت تدخن بالضباب

_ (1) الديوان: 50 والمغرب: 209. (2) الديوان: 55 والمغرب: 210. (3) الديوان: 49 والمغرب: 209. (4) الديوان: 65 والمغرب: 211. (5) الديوان: 65 والمغرب: 210. (6) الديوان: فهات بواتق.

وقال (1) : يا من يدلس بالخضاب مشيبه (2) ... إن المدلس لا يزل مريبا هب ياسمين الشيب عاد بنفسجاً ... أيعود عرجون القوام قضيبا وقال (3) : أذهبت فضة خده بعتابي ... ونثرت در دموعه بخطابي ظبي جعلت كناسه قلبي فلم ... أعقل لصيد سواه قبل طلابي فزها علي ومر يسحب ذيله ... بين التكبر منه والإعجاب فحلفت أني إن ظفرت بخده ... لأرصعن مدامه بحباب وقال (4) : اشرب على ذهبية ... صفراء كالذهب المذاب فالجلنار خلوقه ... قد غاب في مسك الضباب وقال (5) : أعتق من الهم رق قلبي ... بعاتق ثوبها (6) الزجاج بين رياض مزخرفات ... للماء في خلجها اختلاج فليس يدنو إليك غصن ... بمفرق ليس فيه تاج وقال (7) :

_ (1) الديوان: 54 والمغرب: 209. (2) الديوان والمغرب: شيبه بخضابه. (3) الديوان: 66 والمغرب: 212. (4) الديوان: 67. (5) الديوان: 91 والمغرب: 216. (6) الديوان: حشوها. (7) الديوان: 108 والمغرب: 221.

يا ذا الذي يبسم عن مثل ما ... لائحة يلمع في عقده ومن له خد (1) غدا حائزاً ... شقائق النعمان من ورده اثن عنان الهجر عن عاشق ... قد طال ركض الدمع في خده وقال (2) : سوالف سوسن وخدود ورد ... وأعين نرجس وجباه غدر محاسن ليس ترضى عن نديم ... إذا لم يقض واجبها بشكر وقال (3) : قد أوقد الزهر مصابيحه ... وصير القضب فوانيسا فأغن بالراح ندامى غدوا ... من المسرات مفاليسا ما دام قد صار نعام الربى ... من نعم السحب طواويسا وقال (4) : أهيف يستعطف لحظ القنا (5) ... إن كان غضبان بأعطافه إذا التثني عصفت ريحه ... تلاطمت أمواج أردافه وقال (6) : والأقحوان غصونه ... بيض النواصي والمفارق ومراود الأمطار قد ... كحلت بها حدق الحدائق

_ (1) ر: خداً. (2) الديوان: 175: والمغرب: 229. (3) الديوان: 183 والمغرب: 229. (4) الديوان: 215 والمغرب: 230. (5) الديوان والمغرب: الفتى. (6) الديوان:215 والمغرب: 230.

وقال (1) : منعم حلية اللحاظ إذا ... أقبل تجري إليه في طلق كأنما وجهه لكثرة ما ... فيه من الحسن موسم الحداق وقال (2) : أنر بصبح الوصل عيشي فقد ... صيره ليل القلى مظلما وارث لمن أفلاك أجفانه ... تطلع من أدمعه أنجما وقال (3) : ألذ مودات الرجال مذاقه ... مودة من إن ضيق الدهر وسعا فلا تلبس الود الذي هو ساذج ... إذا لم يكن بالمكرمات مرصعا وقال (4) : ناحت فواخت سحب وكرها الفلك ... بكاؤها لطواويس الربى ضحك وأنجم النبت تجلى في ملابسها ... جيد السماء التي أقمارها البرك والورد ما بين أنهار مدرجة ... كأنه شفق من حوله حبك فسقنا من عصير الكرم صافية ... كأنها الذهب الإبريز منسبك يبدي المزاج على حافاتها حبباً ... كأنه من حرير أبيض شبك وقال (5) : رشأ تنعم العيون بما في ... خده من شقائق النعمان ما التقى حسنه بنا قط إلا ... ردنا عن محجة السلوان

_ (1) الديوان: 215 والمغرب: 233. (2) الديوان: 260 والمغرب: 240. (3) الديوان: 199. (4) الديوان: 231 والمغرب: 234. (5) الديوان: 272 والمغرب: 245.

نجم الدين القحفازي

وقال (1) : جعلت مهجتي الفداء لغصن ... إن تثنى تثنى القلوب إليه كلما لاح وجهه في مكان ... كثرت زحمة العيون عليه وقال (2) : قطع قلبي بمدية التيه ... وذر من ملح صده فيه ولفه في رقاق جفوته ... وقطع البقل من تجنيه وقال لي كل فقلت آكل ما ... أمرض قلبي به وأوذيه؟! وقال (3) : نحن المحاسن في الدنيا إذا سفرت ... حتى إذا ابتسمت كنا ثناياها عصابة ما رأى جيد الزمان له ... قلائداً هي أبهى من سجاياها لم يخلق الله شيئاً قط أكثر من ... حاجات قصادها إلا عطاياها 339 (4) نجم الدين القحفازي علي بن داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جبارة بن عبد الملك، ينتهي نسبه إلى الزبير بن العوام، الشيخ الإمام الفريد الكامل، نجم الدين أبو الحسن ابن

_ (1) الديوان: 293 والمغرب: 248. (2) المغرب: 249. (3) المغرب: 249. (4) الزركشي: 232 والدرر الكامنة 3: 116 وبغية الوعاة: 337 والبداية والنهاية 14: 214 والدارس 1: 548 وذيل العبر: 245 (وفيات 245) وتاريخ أبي الفدا 4: 142 (القحفيزي) ؛ ووردت في ر.

القاضي عماد الدين القرشي القحفازي، شيخ أهل دمشق في عصره خصوصاً في العربية؛ قرأ عليه الطلبة وانتفع به الجماعة، وله النظم والنثر والكتابة المليحة الفائقة، وله التنديب الحلو والنوادر الظريفة والحكايات المطبوعة. سمعته يوماً يقول لمنصور الكتبي رحمه الله تعالى: يا شيخ منصور، هذا أوان الحجاج، اشتري لك منهم مائتي جراب وارميها خلف ظهرك إلى وقت موسمها تكسب فيها جملة، فقال: والله الذي يشتغل عليك في العلم يحفظ حرافاً قدره عشر مرات. وأنشد يوماً للجماعة الذين يشتغلون عليه لغزاً وهو: يا أيها الحير الذي ... علم العروض به امتزج أبن لنا دائرة ... فيها بسيط وهزج ففكر الجماعة زماناً، فقال واحد منهم: هذه الساقية، فقال: دورت فيها زماناً حتى ظهرت لك، يريد أنه ثور يدور في الساقية. وقيل إنه لما عمر الأمير سيف الدين تنكز، رحمه الله تعالى، الجامع الذي له بدمشق المحروسة عينوا له شخصاً من الحنفية يلقب بالكشك ليكون خطيباً، فلما كان يوماً وهو يمشي في الجامع أجروا له ذكر الشيخ نجم الدين القحفازي وذكر فضائله، وأنه في الحنفية مثل الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني في الشافعية، فأحضره وتحدثا، ثم قال له وهم في الجامع يمشون: إيش تقول في هذا الجامع، فقال: مليح وصحن مليح، ولكن ما يليق أن يكون فيه كشك؛ فأعجب ذلك الأمير سيف الدين تنكز ورسم له بخطابة الجامع المذكور، ثم بعد مدة رسم له بتدريس الركنية فباشرها مديدة ثم نزل عنها وقال: لها شرط لا أقوم به، ومعلومها في الشهر جملة، تركه تورعاً. وكان يعرف الاسطرلاب جيداً ويحل التقاويم، وكان فريد عصره، وكان يشغل في مذهب الحنفي، وفي " مختصر ابن حاجب " وفي " الحاجبية " و " المقرب "

ويعرفهما جيداً إلى الغاية، وفي " ضوء المصباح " وغيره من كتب المعاني والبيان. مولده ثالث عشر جمادى الأولى سنة ثمان وستين وستمائة، ووفاته في شهور سنة أربع وأربعين وسبعمائة؛ ومن شعره في جارية اسمها قلوب: عاتبني في حبكم عاذل ... يزعم نصحي وهو فيه كذوب وقال ما في قلبك اذكره لي ... فقلت في قلبي المعنى قلوب وقال في مليح نحوي: أضمرت في القلب هوى شادن ... مشتغل في النحو لا ينصف وصفت ما أضمرت يوماً له ... فقال لي المضمر لا يوصف ولما ظفر قازان سنة تسع وتسعين وستمائة ثم جاء في سنة اثنتين وسبعمائة فكسر، وقازان اسم القدر، فقال الشيخ نجم الدين: لما غدا قازان فخاراً بما ... قد نال بالأمس وأغراه البطر جاء يرجي مثلها ثانية ... فانقلب الدست عليه فانكسر وقال عند قدوم الحاج، وأنشدت بدار الحديث الأشرفية: يا نياق الحجيج لا ذقت سهداً ... بعدها ولا شممت خدا لا فدينا سواك بالروح منا ... أنت أولى من بات بالروح يفدى يا بنات الذميل كيف تركتن ... شعاب الغضا وسلع ونجدا مرحباً مرحباً وأهلاً وسهلاً ... بوجوه رأت معالم سعدى ولم ذهب بدر الدين ابن بصخان (1) مع الجفال إلى مصر أقام هناك فكتبت إليه:

_ (1) المطبوعة: نصحاف، وفي السلوك (2: 638) : والمقرئ بدر الدين محمد بن أحمد بن نصحان الدمشقي شيخ القراء بها توفي سنة 743 عن خمس وسبعين سنة؛ وأثبته الجزري (2: 57) بصخان، وقال إنه كان ممن انجفل بعد قازان سنة سبعمائة إلى مصر وأقام بها ست سنين؛ وضبطه الصفدي (الوافي 2: 159) بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة وبعد الخاء المعجمة ألف ونون، وله ترجمة في بغية الوعاة: 8 والدرر الكامنة 3: 398، وورد الاسم صحيحاً في ر. 2 كذا في ر.

ابن ظافر الأزدي

غائباً قد كنت أحسب قلبه ... بسوى دمشق وأهلها لا يعلق إن كان صدك نيل مصر عنهم ... لا غرو فهو لنا العدو الأزرق وكان في فقهاء الشافعية شخص يسمى شهاب الدين التعجيزي وينظم شعراً في زعمه، فعمل أبياتاً في شخص كان يحبه وكتبها إلي أولها: أيها المعرض لا عن سببا ... أصلحك الله وصالي الأربا وفي هذا ما يعني عن باقيها، فكتبت إليه: يا شهاباً أهدى إلي قريضاً ... خالياً عن تعسف الألغاز جاءني مؤذناً برقة طبع ... حين رشحته بباب المجاز إن تكن رمت عنه من جزاء ... فأقلني فلست ممن أجازي ومن شعر شهاب الدين المذكور: يا سن يا شيع (1) إني بينكم وسط ... مذبذباً لا وإلى هولي (2) ولا ثمت وفي القيامه على الأعراف منقعد ... وأنتظر منكم من يدخل الجنت فإن دخلتم فإني داخل معكم ... وإن صفعتم فإني قاعد سكت 340 (3) ابن ظافر الأزدي علي بن ظافر بن حسين الفقيه، الوزير جمال الدين أبو الحسن الأزدي المصري

_ (1) يريد: يا سنة يا شيعة. (2) هولي: عامية ((هؤلاء)) . (3) الزركشي: 209 وابن الشعار 4: 403 ومعجم الأدباء 13: 264؛ وانظر مقدمة غرائب التنبيهات على عجائب التشبيهات، تحقيق الدكتورين سلام والجويني (القاهرة 1971) ومقدمة الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم على بدائع البدائه.

ابن العلامة أبي منصور، ولد سنة سبع وستين وخمسمائة، وتفقه على والده؛ وتوفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة (1) . قرأ الأدب وبرع فيه، وقرأ على والده الأصول، وبرع في علم التاريخ وأخبار الملوك، وحفظ في ذلك جملة وافرة، ودرس بمدرسة المالكية بمصر بعد أبيه، وترسل إلى الديوان العزيز، وولي وزارة الملك الأشرف، ثم انصرف عنه ودخل مصر، وولي وكالة بيت المال مدة، وكان متوقد الخاطر طلق العبارة، ومع تعلقه بالدنيا له ميل كثير إلى أهل الآخرة، محباً لأهل الدين والصلاح. أقبل في آخر عمره على مطالعة الأحاديث النبوية وأدمن النظر فيها؛ روى عنه القوصي وغيره، وله تواليف: منها " الدولة المنقطعة " وهو كتاب مفيد جداً في بابه، و " بدائع البدائة " والذيل عليه، و " أخبار الشجعان " و " أخبار الملوك السلجوقية " و " أساس السياسة " و " نفائس الذخيرة " ولم يكمل ولو كمل ما كان في الأدب مثله، وكتاب " التشبيهات "، وكتاب " من أصيب " وابتدأ بعلي رضي الله عنه، وغير ذلك. ومن شعره: إني لأعجب من حبي أكتمه ... جهدي وجفني بفيض الدمع يعلنه وكون من أنا أهواه وأعشقه ... يخرب القلب عمداً وهو يسكنه وأعجب الكل أمراً أن مبسمه ... من أصغر الدر جرماً وهو أثمنه وله أيضاً: كم من دم يوم النوى مطلول ... بين رسوم الحي والطلول (2)

_ (1) في ياقوت سنة 613 ويبدو أنه أصوب. (2) ر: والطول.

بانوا فلا جسم ولا ربع لهم ... إلا رماه البين بالنحول يا راحلين والفؤاد معهم ... مسابق في أول الرعيل ردوا فؤادي إنه ما باعكم ... إياه إلا طرفي الفضولي ورب ظبي منكم يخاف من ... سطوة عينيه أسود الغيل أنار منه الوجه حتى كدت أن ... أقول، لولا الدين، بالحلول ينقص بالعلة كل كامل ... في الحسن غير لحظه العليل وقال في " بدائع البدانة " (1) : اجتمعنا ليلة من ليالي رمضان بالجامع، فجلسنا بعد انقضاء الصلاة للحديث، وقد وقد فانوس السحور، فاقترح بعض الحضور (2) على الأديب أبي الحجاج يوسف بن علي المعروف (3) بالنعجة أن يصنع قطعة من فانوس السحور، وإنما طلب بذلك إظهار عجزه، فصنع: ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه ... ولكنه دون الكواكب لا يسري ولم أر نجم قط قبل طلوعه ... إذا غاب ينهي الصائمين عن الفطر فقلت له: هذا التعجب لا يصح؛ لأنا قد رأينا نجوماً لا تدخل تحت الحصر ولا تحصى بالعدد إذا غارت تنهي (4) الصائمين عن الفطر وهي نجوم الصباح، فأسرف الجماعة في تقريعه، وأخذوا في تمزيق عرضه وتقطيعه، فصنع أيضاً: هذا لواء سحور يستضاء به ... وعسكر الشهب في الظلماء جرار والصائمون جميعاً يهتدون به ... كأنه علم في وسطه نار ولما أصبحنا سمع من كان غائباً من أصحابنا ما جرى بيننا، فصنع الرشيد

_ (1) انظر بدائع البدائه: 272. (2) بدائع: الحاضرين. (3) بدائع: المنبوز. (4) ر: نهي.

أبو عبد الله محمد بن منانو (1) رحمه الله تعالى: أحبب بفانوس غدا صاعداً ... وضوؤه دان من العين يقضي بصوم وبفطر معاً ... فقد حوى وصف الهلالين وصنع الفقيه أبو محمد العقيلي (2) : وكوكب من ضرام الزند مطلعه ... تسري النجوم ولا يسري إذا رقبا يراقب الصبح خوفاً أن يفاجئه ... فإن بدا طالعاً في أفقه غربا كأنه عاشق وافى على شرف ... يرعى الحبيب فإن لاح الرقيب خبا ثم إني صنعت بعد ذلك: ألست ترى شخص المنار وعوده ... عليه لفانوس السحور لهيب كحامل منظوم الأنابيب اسمر ... عليه سنان بالدماء خضيب ترى بين زهر الزهر منه شقيقة ... لها العود غصن والمنار كثيب وتبدو كخد أحمر والدجى لمى ... بدا فيه ثغر للنجوم شنيب كأن لزنجي الدجى من لهيبه ... ومن خفقه قلب عراه وجيب تراه يراعي الشهب ليلاً فإن دنا ... طلوع صباح حان منه غروب فهل كان يرعاها لعشق ففر إذ ... درى أن رومي الصباح رقيب وقلت في اختصار المعنى الأول من هذه القطعة: انظر إلى المنار وال ... فانوس فيه يرفع كحامل رمحاً (3) سنا ... نه خضيب يلمع وقلت:

_ (1) بدائع: متانو. (2) بدائع: القلعي. (3) ر: رمح.

ألست ترى حسن المنار ونوره (1) ... يرفع من جنح الدجنة أستارا " تراه إذا جن الظلام مراقباً ... له مضرماً في قلب فانوسه نارا " (2) كصب نجود من بني الزنج سامها ... وصالاً وقد أبدى لترغب دينارا وقلت: وليلة صوم قد سهرت بجنحها ... على أنها من طيبها تفضل الدهرا حكى الليل فيها سقف ساج مسمراً ... من الشهب قد أضحت مساميره تبرا وقام المنار المشرق اللون حاملاً ... لفانوسه والليل قد أظهر الزهرا كما قام رومي بكأس مدامة ... وحيا بها زنجية وشحت درا وحين صنعت هذه القطع صنع شهاب الدين يعقوب: رأيت المنار وجنح الظلام ... من الجو يسدل أستاره وحلق في الجو فانوسه ... فذهب بالنور أقطاره فقلت المحلق قد شب في ... ظلام الدجى للقرى ناره وخلت الثريا يداً والنجوم ... ورقاً غدا البدر قسطاره وخلت المنار وفانوسه ... فتى قام يصرف ديناره وأنشدني كمال الدين ابن نبيه لنفسه (4) : حبذا في الصيام مئذنة الجا ... مع والليل مسبل أذياله خلتها والفانوس إذ رفعته ... صائداً واقفاً لصيد الغزاله وأنشدني أبو القاسم نفطويه لنفسه:

_ (1) بدائع: رضوءه. (2) لم يرد البيت في ر. (4) لم يرد في ديوانه.

يا حبذا رؤية الفانوس في شرف ... لمن يريد سحوراً وهو يتقد كأنما الليل والفانوس مرتفع ... في الجو أعور زنجي به رمد وله أيضاً: نصبوا لواء للسحور وأوقدوا ... من فوقه ناراً لمن يترصد فكأنه سبابة (1) قد قمعت ... ذهباً فأومت في الدجى تتشهد وأنشدني أبو يحيى السلولي (2) لنفسه: وليلة ملئت أسدافها لعساً ... واستوضحت غرر (3) من زهرها شنبا ولاح كوكب فانوس السحور على ... إنسان مقلتها النجلاء واشتهبا حتى كأن دجاها وهو ملتهب ... زنجية حملت في كفها ذهبا وصنع أبو العز مظفر الأعمى: أرى علماً للناس في الصوم ينصب ... على جامع ابن العاص أعلاه كوكب وما هو في الظلماء إلا كأنه ... على رمح زنجي سنان (4) مذهب ومن عجب أن الثريا سماؤها ... مع الليل تلهي كل من يترقب فطوراً تحييه بباقة نرجس ... وطوراً يحييها بكأس تلهب وما الليل إلا قانص لغزالة ... بفانوس نار نحوها يتطلب ولم أر صياداً على البعد قبله ... إذا قربت منه الغزالة يهرب ومن شعر ابن ظافر: وقد بدت النجوم على سماء ... تكامل صحوها في كل عين

_ (1) ر: شبابة. (2) بدائع: المستولي. (3) ر: غرراً. (4) ر: سناناً.

تقي الدين ابن المغربي

كسقف أزرق من لازورد ... بدت فيه مسامر من لجين ومنه: والليل فرع بالكواكب شائب ... فيه مجرته كمثل المفرق ولربما يأتي الهلال ببحره ... متصيداً حوت النجوم بزورق حتى إذا هبت على الماء الصبا ... وألاح نور تمامه بالمشرق أبدى لنا علماً بهيجاً مذهباً ... قد لاح في تجعيد كم أزرق وحكى برادة عسجد قد رام صا ... نعها يؤلف بينها بالزئبق 341 (1) تقي الدين ابن المغربي علي بن عبد العزيز بن علي بن جابر، الفقيه الأديب البارع، تقي الدين ابن المغربي البغدادي الشاعر المالكي؛ كان من أظرف خلق الله تعالى، وأخفهم روحاً (2) ، وله القصيدة الدبدبية المشهورة التي أولها " يا دبدبة تدبدبي "؛ وكانت وفاته ببغداد سنة أربع وثمانين وستمائة، ومن شعره يصف مجلساً تقضى له بالمحول: يا مغاني اللهو والطرب ... بأبي أفدي ثراك وبي لا تعداه الغمام ولا ... حاد عنه صيب السحب

_ (1) الزركشي: 209 والبدر السافر: 17 وقال فيه: سمع الحديث من عبد الصمد بن أبي الجيش وأبي طالب بن الأنجب الساعي وأبي الفضل بن محمد وأبي عبد الله محمد بن الكتار وغيرهم وتفقه على السراج الشار مساحي المالكي ونظر في اللغة والعربية؛ وكان حسن الشكل حسن الأخلاق؛ وانظر الحوادث الجامعة: 447؛ ووردت الترجمة في ر. (2) ر: روح.

حبذا دار عهدت بها ... كل معسول اللمى شنب حيث كانت قبل فرقتنا ... فلكاً يجري على شهب ونصيبي من وصالهم ... واصلاً نحوي بلا نصب في بساتين المحول لا ... في قفار الجزع واللبب بين أشجار تفوق على ... شجرات الضال والكثب منها: صفعوني لا عدمتهم ... وأضاعوا حرمة الأدب فعلوا بالرأس ما فعلوا ... وأحالوني على الذنب كأن في رأسي وأسفلهم ... شبه من حكة الجرب وقال يصف حال المستنصرية والفقهاء، وكان قد قيل لهم: من يرضى بالخبز وحده وإلا فما عندنا غيره: حاشا لست المدارس ... ومن بها يضرب المثل تهون من بعد ذاك ... التعظيم والتشريف مستنصرية سبيكه ... قد كنت في عصر الصبا واليوم قد صرت بهرج ... مزيفه تزييف ما زال نخلك يرجم ... حتى فني الرطب الجني وما بقي في قراحك ... غير الكرب والليف ذكرت بيتاً ظريف (1) ... من كان وكان (2) البغادده

_ (1) الزركشي: ظريفاً. (2) كان وكان: فن زجلي اخترعه البغداديون، له وزن واحد وقافية واحدة (من عروض المجتث) ولكن الشطر الأول من البيت أطول من الشطر الثاني ولا تكون قافيته إلا مردفة قبل حرف الروي بأحد حروف العلة، وكان أولاً مقصوراً على الحكايات والخرافات ثم توسعوا فيه فنظموا فيه المواعظ والزهديات والأمثال والحكم (العاكل الحالي: 148 - 149) .

وكل معنى يندر ... من الظريف ظريف أي ست ما أكثر زبونك ... ما أخلى فراشك من العشي ذي زحمة الباقلاني ... وكلهم برغيف وقال " في " شخص اسمه علوان وينعت بالصفي: علوان لا شك اسمك ... وأنت تنعت بالصفي فإن سئلت عن اسمك ... قول الصفي علوان وقال زجل في الخلاعة والمجون: الوقت يا نديمي ... قد طاب واعتدل والشمس مذ ليالي ... قد حلت الحمل فانهض إلى الحميا ... واستنهض الصحاب فالبدر والثريا ... الكاس والحباب والوقت قد تهيا ... ومجلس الشراب فيه كل ما تريده ... فانهض على عجل ما قد بقي يعوزه ... غيرك وقد كمل انهب زمان وصلك ... وانه الذي نهاك واسعد بقرب خلك ... وابلغ منه مناك فبعد يوم لعلك ... لا تستطيع ذاك والتذ فالليالي ... ما بيننا دول لقمة تكون حنظل ... وأخرى تكون (1) عسل مالك كدى (2) محير ... لا تهتدي الطريق

_ (1) الزركشي: تكون. (2) ر: كذى.

هل أدخل الصغير ... أو قال ما أطيق ادفع ولا تفكر ... تا يزعق الحريق دع يشتكي لعمه ... دع يفعل إيش فعل ما رأيت قط لوطي ... مصلوب على دقل (1) من أين للعروس ... مثل (2) ذا العذار لمنية النفوس ... ودرة البحار زها على الشموس ... مذ تم واستدار فاترك كلام سفله ... بحرفته (3) اشتغل وادي العروس عنده ... أشرف من الجبل لا تهو من أضاعك ... لا كان ولا استكان واعتز باقتناعك ... إن الهوى هوان كن عبد من أطاعك ... لا تنتظر فلان فالوقت سيف مجرد ... قاطع بيد بطل والعاقل المجرب ... يبطش بمن حصل لا تغفلوا يا ولدي ... عن طيب العناق واوصوا بذاك بعدي ... لساير الرفاق المغربي جدي ... وأنا من العراق وقد علمت أني ... في صنعة الزجل مثل الذي يجهله ... يبخر لزحل

_ (1) الدقل: صاري السفينة. (2) الزركشي: شبيه. (3) هذه هي القراءة عند الزركشي، وفي ر: بحرقته.

ما لفت العمايم ... إلا على العقول نعشق وأنت نايم ... وتدعي الفضول قم واسمع الحمايم ... فإنها تقول يا من دنا حبيبه ... انهض بلا كسل واشف الغليل منو ... بالضم والقبل وقال أيضاً: لا بد نظهر بين الناس ... قلندري (1) محلوق الراس نلبس عوض الكتان ... جلنك (2) من صوف الخرفان أو دلق (3) أو نصبح عريان نغدو ندروز (4) مع أجناس ... محلقين الروس أكياس ما يعرفوا إلا الخضره (5) ... والبنك (6) لا شرب الخمرة مثقالها بألفي جره وعندهم منها أكياس ... دانق يقاوم سبعين كاس من قبل ما نغدو مسطول ... نهتم في أمر المأكول ونطلع السوق بالكجكول (7) نطلب على الله من رواس ... وباقلاني مع هراس (8)

_ (1) القلندرية أو القرندلية: طائفة من الصوفية. (2) الجلنك (من التركية) : زينة فضية توضع في العمامة تمييزظاً للمحارب، وفي الفارسية مادة حريرية تطرز بالذهب أو الفضة أو لا تطرز، وكلا المعنيين لا يحدد ما يعنيه الرجال، إذ هو يقصد فروة من الصوف أو ما أشبه. (3) الدلق: ضرب من الرداء طويل مؤلف من خرق الجوخ المختلفة الألوان وهو مما يلبسه القرندلية (انظر قاموس الملابس لدوزي، الترجمة العربية 150 - 152) . (4) الدروزة: احتراف الطواف من أجل الكدية. (5) ر: الحضرة، والخضره (الخضراء) يعني بها الحشيشة. (6) أقدر أنه نوع من الحشيشة، وهو الذي لا يزال يعرف في السودان باسم ((البنقو)) (7) تكتب أيضاً: الكشكول. (8) الرواس: بائع الرؤوس، والهراس: بائع الهريسة.

لمن لقينا قلنا أي جان ... خره بدي كي درويشان همه غريبان سركردان (1) يدعون لك وقت الإغلاس (2) ... فهم صحيحين الأنفاس وننقد العالم جيد ... نقول لذي المال يا سيد نريد كرامه للمسجد رطيل شيرق (3) في الجلاس (4) ... لنشعله بين الجلاس كأنكم بي يا خلان ... وأنا مجرد كالشيطان فقد قوي عندي ذا الشان وقد فشر (5) في أذني الخناس ... حتى ملا صدري وسواس فلا تقولوا يا فقوس ... نرى جميع أمرك معكوس المغربي خلف منحوس ما خلف إلا اغلب دعاس ... والشبل من نسل الهرماس لكنني (6) أصلي سمقون ... كشيح (7) كالدر المكنون وقد صرت في عشقه مجنون وهل على مثلي من باس ... إن هام بالقد المياس مثل القمر أبيض أزهر ... بعارض كالآس أخضر من تاه في عشقه يعذر لو باس قارون ذاك الآس ... هون على قلبو الإفلاس دعنا نلذ العيش دعنا ... مع رفقة جازوا المعنى فأعقل الناس من غنى كش البهار (8) واصمي (9) بالطاس ... ولا تقف مع قول الناس

_ (1) المعنى: نقول لمن لقينا: يا سيدي أعط الدراويش من نورك فإنهم غرباء هائمون على وجوههم. (سر كردان مستذلون، أفاقون، هائمون) . (2) ر: الاعلاس، والمعنى وقت الغلس. (3) الشيرق: زيت الشيرج (السيرج) . (4) ر: الحلاس؛ والجلاس: القنديل (دوزي أخذ سيرج للجلاس وزيت للسراج) . (5) كذا في ر؛ وفي المطبوعة: فسا، وهو أنسب للمعنى. (6) كذا في ر؛ وفي المطبوعة: اسمي. (7) كشيح: لعله يعني أهيف الكشح. (8) في المطبوعة: النهار. (9) الصمي: الشرب؛ وفي القصيدة الساسانية (اليتيمة 3: 359) وما ننفك من صمي.

وأما قصيدته الدبدبية فإنها غاية وهي طويلة جداً ذكر فيها فنون وأولها: أي دبدبه تتدبدبي ... أنا علي بن المغربي تأدبي ويحك في ... حق أمير الأدب وأنت يا بوقاته ... تألفي تركبي وأنت يا سناجقي ... يوم الوغى ترتبي وأنت يا عساكري ... يوم اللقا تأهبي ها قد ركبت للمسي ... ر في البلاد فاركبي ها قد برزت فاركبي ... في ألف ألف مقنب أنا الذي أسد الشرى ... في الحرب لا تحفل (1) بي إذا تمطيت وفرقع ... ت عليهم ذنبي أنا الذي كل الملو ... ك ليس تخشى غضبي فمن رأى للهذيا ... ن موكباً كموكبي أنا امرؤ أنكر ما ... يعرف أهل الأدب ولي (2) كلام نحوه ... لا مثل نحو العرب لكنه منفرد ... بلفظه المهذب يصافع الفراء في ال ... نحو بجلد ثعلب ويقصد التثليث في ... نتف سبال قطرب وإن سألت مذهبي ... فمذهبي المجرب آكل ما يحصل لي ... ورغبتي في الطيب (3) وأشرب الماء ولا ... أرد ماء العنب

_ (1) ر: تجفل، وأثبت ما ورد عند الزركشي. (2) ر: مولى، والتصويب عن الزركشي. (3) الزركشي: الطلب.

الاربلي الشاعر

وألبس القطن ولا ... أكره لبس القصب (1) وإن ركبت دابة ... وإلا (2) فنعلي مركبي وكل قصدي خلوة ... تجمعني وللصبي في البيت أو في روضة ... أزهارها كالشهب ونجتلي بنت الكرو ... م أو بني القنب ونبتدي نأخذ في ال ... شكوى وفي التعتب حتى إذا ما جاء لي ... برشف ذاك الشنب حكمته في الرأس إذ ... حكمني في الذنب 342 (3) الاربلي الشاعر علي بن عثمان بن علي بن سليمان، أمين الدين السليماني الإربلي الصوفي الشاعر؛ كان من أعيان شعراء الناصر ابن العزيز، وكان جندياً فتصوف وصار فقيراً، توفي بالفيوم وهو في معترك المنايا سنة سبعين وستمائة؛ ومن شعره قصيدة في كل بيت نوع من البديع، وهي: بعض هذا الدلال والإدلال حال بالهجر والتجنب حالي " الجناس اللفظي " حرت إذا حزت ربع قلبي وإذ لا لي صبر أكثرت من إذلالي " الجناس الخطي "

_ (1) ر الزركشي: القضي. (2) في المطبوعة: أو لا. (3) الزركشي: 214 وفي نسبه الليماني (بدل السليماني) وحدد وفاته في العشر الأخير من جمادى الأولى سنة 670؛ وانظر ابن الشعار 5: 144؛ والترجمة في ر.

رق يا قاس الفؤاد لأجفان ... قصار أسرى ليال طوال " الطباق " شارحات بدمعها مجمع البحرين في حب مجمع الأمثال " الاستعارة " نفت النوم في هواك قصاصاً ... حيث أدى منها خداع الخيال " المقابلة " أنا بين الرجاء والخوف في حبك ما بين صحة واعتلال " التفسير " لست أنفك في هواك ملوماً ... في معاد يسومني وموال " التقسيم " عمر ينقضي وأيامي الأيا ... م بالهجر والليالي الليالي " الإشارة " ليس ذنبي سوى مخالفة اللا ... حين فيه، واخيبة العذال " الإرداف " سالباً بزتي وما هي إلا ال ... عمر رفقاً بهذه الأسمال " المماثلة " طلب دونه منال الثريا ... وهوى دونه زوال الجبال " الغلو " وغرام أقله يذهل الآ ... ساد في خيسها عن الأشبال " المبالغة " أنا أخفي هواك صوناً وإن ب ... ت طعين القنا جريح النبال " الكناية والتعريض " فشمالي لم تستعن بيميني ... ويميني لم تستعن بشمالي " العكس " لذ طول المطال منك ولولا ال ... حب ما لذ منك طول المطال " التذييل "

خنت عهدي فدام وجهي يك ... بت ضدي يوماً بطيب الوصال " الترصيع " لك ألحاظ مقلتين شباهاً ... كالحسام الهندي غب الصقال " الإيغال " كملت وصفها بمدح علي ... في علي رب الحجى والكمال " التوشيح " ماجد بعض فضله بذله الما ... ل، وقل الذي يجود بالمال " رد العجز على الصدر " يفعل المكرمات طبعاً فإن ج ... ود أفنى رغائب الآمال " التعميم والتكميل " طال شكري نداه حتى لقد أف ... حم فضل، لا زال ذا إفضال " الالتفات " هو ما لم يزل وذلك أبقى ... عصمة المرملين ذي (1) الأطفال " الاعتراض " ذو وداد للأصفياء بعيد ... عن زوال وهل به من زوال " الرجوع " أفترب الأنواء تخصب منه ال ... أرض أم سيب جوده الهطال " تجاهل العارف " جاد حتى للمكتفين فأثروا ... فنداه كالماء في سيمال " الاستطراد " جامع العلم والفصاحة والحل ... م وحسن الأخلاق والأفعال " جمع المؤتلف والمختلف " لا يعد الفعل الجميل لدنيا ... هـ ولكن (2) يعده للمال " السلب والإيجاب "

_ (1) ر: المؤملين ذا. (2) ر: ولكنه.

ليس فيه عيب يعدده الحس ... اد إلا العطاء قبل السؤال " الاستثناء " عالم أن من يعيش كمن زا ... ل وإن دام والورى في زوال " المذهب الكلامي " يجتلى وجهه الكريم من الح ... رب ويغضى عنه من الإجلال " التشطير " أيها الصاحب الذي نلت منه ... ما أرجي فاليوم حالي حال " المحاورة " عاين الناظمون شعري ولا يذ ... هب فضل المعنى بلبس النصال (1) " الاستشهاد والاحتجاج " هي آل للمدح في مجدك السا ... مي المعاني وغيرها لمع آل " التعطف " آب يوم الهناء بالخير في رب ... عك يحكي نوالك المتوالي " المضاعف " فلك المدح دائماً ولشاني ... ك القطوعان منصلي ونصالي " التطريز " أعجز الواصفون (2) فضلك فاجعل ... شين شكري فيه كشين بلال " التلطف " وقال وهو حسن بديع: أضيف الدجى معنى إلى ليل شعره ... فطال ولولا ذاك ما خص بالجر وحاجبه نون الوقاية ما وقت ... على شرطها فعل الجفون من الكسر وقال: وتعجبني حاجب نونها ... دلالاً مع الجمع لا تنفتح

_ (1) كذا في ر. (2) كذا في ر والمطبوعة.

عفيف الدين ابن عدلان

وقال: تموج تحت الخصر أسود شعره ... فإياك والحيات في كثب الرمل ولو لم يقم بالحسن مرسل صدغه ... لما نزلت في سورة النمل وقال: وما غرني في حبكم لمع خافق ... لآل ولكن برد ماء لآلي شموس وعودي بالوصال لديكم ... تعلقت من مكذوبها بحبال وقال: بدر تم له على الخد خال ... في احمرار ينشق منه الشقيق كتب الحسن بالمحقق معنا ... هـ ولكن عذاره تعليق وقال: يعذلني عاذلي عليك ولا ... يحصل مني إلا على العتب فعاذلي ظل في هواك كمن ... يقرأ تبت على أبي لهب 343 (2) عفيف الدين ابن عدلان علي بن عدلان بن حماد بن علي، الإمام العلامة عفيف الدين أبو الحسن الربعي الموصلي النحوي المترجم؛ ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وتوفي سنة ست وستين وستمائة، سمع ببغداد وأخذ عن أبي البقاء وغيره،

_ (2) الزركشي: 215 وابن الشعار 5: 116 وبغية الوعاة: 343؛ والترجمة في ر.

وسمع من ابن الأخضر وابن منينا وجماعة، وسمع منه ابن الظاهري والدمياطي والشريف عز الدين والدوادري، وأقرأ العربية وزماناً وتصدر بجامع الصالح بالقاهرة، وكان علامة في الأدب من أذكياء بني آدم، انفرد بحل المترجم والألغاز، وله في ذلك تصانيف: منها كتاب " عقلة المجتاز في حل الألغاز "، ومصنف في حل المترجم للملك الأشرف. وكتب إلى علم الدين السخاوي بدمشق باللبادين، قول الحسين بن عبد السلام في المعمى (1) : ربما عالج القوافي رجال ... في القوافي فتلتوي وتلين طاوعتهم عين وعين وعين ... وعصتهم نون ونون ونون فحلهما ابن الحاجب، فقال: قوله " عين وعين وعين " يعني نحو غد ويد ودد، لأنها عينات مطاوعات في القوافي، مرفوعة كانت أو منصوبة أو مجرورة؛ لأن وزن غد فع، ووزن يد فع، ووزن دد فع، وقوله " وعصتهم نون ونون ونون " الحوت يسمى نون (2) ، والدواة لأنها تسمى نوناً، والنون الذي هو الحرف، وكلها نونات غير مطاوعة في القوافي؛ إذ لا يلتئم واحد منها مع الآخر. ونظم ابن الحاجب: أي غد مع يد دد ذو حروف ... طاوعت في الروي " وهي عيون " ودواة والحوت والنون نونا ... ت عصتهم وأمرها مستبين وقال عفيف الدين: أنشدني إسماعيل المسمول الذي ينسب إلى صلاح الدين الإربلي: وما بيت له في كل عضو ... عيون ليس تنكرها العقول

_ (1) انظر أخبار وتراجم أندلسية: 47 وابن خلكان 3: 249 والغيث 1: 34. (2) كذا في ر.

إذا بسطوه تلقاه قصيراً ... وإن قبضوه تبصره طويل فقلت: هذه شبكة صياد طيور، فأخذ يباهت، فقلت: قد نزلته، ولا يلزمني أكثر من هذا، فأخذ في المباهتة، فقلت: هذا في خركاه، فاعترف أنه هو. وكتب إليه ناصر الدين ابن النقيب ملغزاً في سيف: يا عفيف الدين يا من ... دق في الفهم وجلا والذي سموه في النا ... س علياً وهو أعلى يا أخا الفضل الذي في ... هـ لنا القدح المعلى أي شيء طعمه م ... ر وإن كان محلى وهو شيخ لا يصلي ... ولكم بالضرب صلى ما له عقل وكم من ... هـ استفاد الناس عقلا جفنه من غير سهد ... ما يذوق النوم أصلا وهو ما يحسن قولاً ... ولقد يحسن فعلا وهو إن تعكسه قي ... س فصحفه وإلا وهو مطبوع نحيف ... عند ما يلقاك سلا ولكم بدد جمعاً ... ولكم شتت شملا ولكم قد سبق العذ ... ل وكم قطع وصلا فأبن عنه بأجلى ... منه في اللفظ وأحلى وابق في إيوان عز ... وبناء ليس يبلى فكتب عفيف الدين الجواب: ناصر الدين الذي فا ... ق جميع الناس فضلا والذي وافق في الإس ... م الذي وافق فعلا والذي أشعاره أش ... هى من الحلي (1) وأحلى

_ (1) ر: الحل.

هو حلو في فم النا ... س وفي العينين يجلى إن تسلني عن رقيق ... لك يجلى حين يجلى هو أنثى في زمان ... ويرى في ذاك فحلا يشرب الماء ولا يأ ... كل إلا اللحم أكلا والندى يؤذيه والنا ... ر له إلف فيصلى وهو يعمي العين لا ش ... ك متى ما كان كحلا محرم في كل وقت ... ما رآه الناس حلا أعجمي وفصيح ... جمع الوصفين كلا وهو كالمرآة يبدي ... مثل رأي الشكل شكلا ولموع برقه الخل ... ب لا يمطر وبلا وعليه أبد الده ... ر ذباب ما تولى وهو مثل الناس في النش ... أة مذ قد كان طفلا ويرى شرخاً وشيخاً ... بعد ما كان كهلا سبق التصحيف ذا الش ... ئ وشنف الأذن حلا (2) قلت لما جاءني: أه ... لاً بذا اللغز وسهلا لغز كالشمس قد دق ... ت معانيه وجلا

_ (2) ر: جلى.

ابن الزقاق البلنسي

344 - (1) ابن الزقاق البلنسي علي بن عطية بن مطرف، أبو الحسن اللخمي البلنسي الشاعر المشهور، المعروف بابن الزقاق؛ أخذ عن ابن السيد، واشتهر ومدح الأكابر، وجود النظم، وتوفي وله دون الأربعين في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، ومن شعره (2) : كلما مال سكر الصبا ... مال بي سكر هواها والتصابي أشعرت في عبراتي خجلاً (3) ... إذ تجلت فتغطت بالنقاب كذا كاء الدجن مهما هطلت ... عبرة المزن توارت بالحجاب وقال (4) : وأغيد طاف بالكؤوس ضحى ... فحثها والصباح قد وضحا والروض يبدي لنا شقائقه ... وآسه العنبري قد نفحا قلنا وأين الأقاح؟ قال لنا ... أودعته ثغر من سقى القدحا فظل ساقي المدام يجحد ما ... قال فلما تبسم افتضحا وقال (5) :

_ (1) الزركشي: 216 والتكملة رقم 1844 والذيل والتكملة 5: 265 والمطرب: 101 والمغرب: 2: 323 وصفحات متفرقة من نفح الطيب، وقد نشر ديوانه بتحقيق الآنسة عفيفة ديراني (دار الثقافة - بيروت 1964) ؛ وهذه الترجمة مما ورد في ر. (2) الديوان: 87. (3) الديوان: بخلا. (4) الديوان: 124. (5) الديوان: 129.

ألمت فبات الليل في قصر بها ... يطير وما غير السرور جناح وبت وقد زارت بأنعم ليلة ... يعانقني حتى الصباح صباح على عاتقي من ساعديها حمائل ... وفي خصرها من ساعدي وشاح وقال (1) : وحببت يوم السبت عندي أنني ... ينادمني فيه الذي كنت أحببت ومن أعجب الأشياء أني مسلم ... حنيف ولكن خير أيامي السبت وقال أيضاً (2) : بذلت لها من أدمع العين جوهراً ... وقدماً حكاها في الصيانة والستر فقالت وأبدت مثله إذ تبسمت ... غنيت بهذا الدر عن ذلك الدر وقال (3) : سقتني بيمناها وفيها فلم أزل ... يجاذبني من ذاك أو هذه سكر ترشفت فاها إذ ترشفت كأسها ... فلا والهوى لم أدر أيهما الخمر وقال (4) : وشهر أدرنا لارتقاب هلاله ... عيوناً إلى جو السماء موائلا إلى أن بدا أحوى المدامع أحور ... يجر لأبراد الشباب ذلاذلا فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً ... ببدر حوى طيب الشمول شمائلا أتطلبك الأبصار في الجو ناقصاً ... وأنت كذا تمشي على الأرض كاملا وقال (5) :

_ (1) الديوان: 113. (2) الديوان: 161. (3) الديوان: 178. (4) الديوان: 238. (5) الديوان: 274.

وساق يحث الكأس حتى كأنما ... تلألأ منها مثل ضوء جبينه سقاني بها صرف الحميا عشية ... وثنى بأخرى من رحيق جفونه هضيم الحشا ذو وجنة عندمية ... تريك جني (1) الورد في غير حينه فأشرب من يمناه ما فوق خده ... وألثم من خديه ما في يمينه وقال (2) : أديراها على الزهر المندى ... فحكم الصبح في الظلماء ماض وكأس الراح تنظر عن حباب ... تنوب لنا عن الحدق المراض وما غربت نجوم الأفق لكن ... نقلن من السماء إلى الرياض وقال (3) : وعشية لبست رداء شقيق ... تزهى بلون للخدود أنيق لو أستطيع شربتها كلفاً بها ... وعدلت فيها عن كؤوس رحيق أبقت بها الشمس المنيرة مثل ما ... أبقى الحياء بوجنة المعشوق وقال (4) : يفضح البدر كمالاً إن بدا ... والدمى العفر جمالاً إن رمق أطلعت خجلته في خده ... شفقاً في فلق تحت غسق وقال (5) : ومهفهف أحوى اللمى ذي مقلة ... تزري ظباها بالكمي الفارس فعلت شمائله العذاب بمهجتي ... فعل النعامى بالقضيب المائس

_ (1) الديوان: قطاف. (2) الديوان: 197. (3) الديوان: 206. (4) الديوان: 208. (5) الديوان: 192.

كالغصن هز على كثيب أهيل ... كالصبح أطلع تحت ليل دامس وقال (1) : ومقلة شادن أودت بنفسي ... كأن السقم لي ولها لباس يسل اللحظ منها مشرفياً ... لقتلي ثم يغمده النعاس وقال (2) : كم زورة لي بالزوراء خضت بها ... عباب بحر من الليل الدجوجي وكم طرقت قباب الحي مرتدياً ... بصارم مثل عزمي هندواني والليل يسترني غربيب سدفته ... كأنني خفر في خد زنجي وقال (3) : زارت على شحط المزار متيماً ... بالرقمتين ودارها تيماء في ليلة كشفت ذوائبها بها ... فتضاعفت بعقاصها الظلماء والطيف يخفى في الظلام كما اختفى ... في وجنة الزنجي منه حياء وقال في حمام (4) : رب حمام تلظى ... كتلظي كل وامق ثم أذرى عبرات ... دمعها (5) بالوجد ناطق فغدا منه ومني ... عاشق في جوف عاشق وقال، وأوصى أن تكتب على قبره، وهي آخر شعر قاله، رحمه الله تعالى (6) :

_ (1) الديوان: 190. (2) الديوان: 280. (3) الديوان: 63. (4) الديوان: 215. (5) الديوان: صوبها. (6) الديوان: 205.

سيف الدين المشد

أإخواننا والموت قد حال دوننا ... وللموت حكم نافذ في الخلائق سبقتكم للموت والعمر طيه ... وأعلم أن الكل لا بد لاحقي بعيشكم أو باضطجاعي في الثرى ... ألم نك في صفو من العيش رائق فمن مر بي فليمض بي مترحماً ... ولا يك منسياً وفاء الأصادق 345 (1) سيف الدين المشد علي بن عمر بن قزل بن جلدك التركماني الياروقي، الأمير سيف الدين المشد صاحب الديوان المشهور؛ ولد بمصر سنة اثنتين وستمائة، وتوفي بدمشق سنة ست وخمسين وستمائة، ودفن بقاسيون. اشتغل في صباه، وقال الشعر الرائق، وتولى شد الدواوين بدمشق للناصر يوسف بن العزيز مدة، وكان ظريفاً طيب العشرة تام المروءة، وهو ابن أخي فخر الدين عثمان أستاذ دار الملك الكامل، ونسيب الأمير جمال الدين ابن يغمور، روى عنه الدمياطي والفخر ابن عساكر، وكانت وفاته يوم تاسوع فقال الكمال العباسي (2) : أيا يوم عاشورا جعلت مصيبة ... لفقد (3) كريم أو عظيم مبجل وقد كان في قتل الحسين كفاية ... فقد جل بالرزء المعظم في علي

_ (1) الزركشي: 217 والبدر السافر: 200 وكانت وفاته عشية الأحد تاسع المحرم وقيل يوم عاشوراء من السنة في ترجمته؛ وانظر البداية والنهاية 13: 197 والنجوم الزاهرة 7: 64 وعير الذهبي 5: 233 والشذرات 5: 280؛ والترجمة ثابتة في ر. (2) البدر السافر: الكمال ابن عبد الرحمن القيمي. (3) البدر: لقصد.

وقال تاج الدين ابن حواري يرثيه: أأخي أي دجنة أو أزمة ... كانت بغير السيف عنا تنجلي نبكي عليه وليس ينفعنا البكا ... نبكي على فقد الجواد المفضل من للقوافي والمعاني بعده ... من للمواضي والرماح الذبل من ذا لباب العلم غير عليه ال عالي المحل ومن لحل المشكل عاشور يوم قد تعاظم ذنبه ... إذ حل فيه كل خطب معضل لم يكفه قتل الحسين وما جرى ... حتى تعدى بالمصاب على علي ومن شعر سيف الدين المشد رحمه الله تعالى: باكر كؤوس المدام واشرب ... واستجل وجه الحبيب واطرب ولا تخف للهموم داء ... فهي دواء له مجرب من يد ساق له رضاب ... كالمسك لا بل جناه أطيب يعجبني خال وجنتيه ... والمسك في الجلنار أعجب وقال في مليح معذر: وأغيد لما لاح خط عذاره ... على خده ازددت منه تعجبا رأيت به التفاح أنبت سوسناً ... فأصبح مسكياً وكان مخضبا وقال أيضاً: غرامي بكم أحلى من الأمن في القلب ... وودي لكم أصفى من المنهل العذب وشوقي إليكم كل يوم وليلة ... يزيد على حال التباعد والقرب وإني وإن شطت بي الدار عنكم ... تقلبني الأشواق جنباً إلى جنب أأحبابنا إن قرب الله داركم ... نذرت بأني لا أعود إلى العتب ذكرت زماناً كان يجمع بيننا ... ففاضت دموعي واستطار له قلبي فواهاً له لو عاد للوصل مرة ... وأعطيه ما أبقى التفرق من لبي

وكم (1) ليلة هبت من الغور نفحة ... برياكم طيباً فقلت لها هبي عليكم سلام الله مني تحية ... شذا عرفها كالمسك والمندل الرطب وقال: لئن تفرقنا ولم نجتمع ... وزادت الفرقة عن وقتها فهذه العينان مع قربها ... لا تنظر العين إلى أختها وقال: أقصى مرادي في الهوى ... بأن تحلوا ساحتي وراحتي في قدح ... أنظره في راحتي وقال: لعبت بالشطرنج مع أهيف ... رشاقة الأغصان من قده أحل عقد البند من خصره ... وألثم الشامات من خده وقال في أرمد: وشادن هممت فيه وجدا ... لما غدت مقلتاه رمدا لم ينتقص حسنه ولكن ... نرجس عينيه صار وردا وقال: يا جيرة الحي من جرعاء كاظمة ... طرقي لبعدكم ما التذ بالنظر لا تسألوا عن حديث الدمع كيف جرى ... فقد كفى ما جرى منه على بصري وقال في مليح نصراني: وبي غرير يحاكي الظبي ملتفتاً ... أغن أغيد (2) عقلي فيه قد حارا

_ (1) الزركشي: فكم. (2) الزركشي: أحور.

يصبو الحباب إلى تقبيل مبسمه ... وتكتسي الراح من خديه أنوارا من آل عيسى يرى بعدي يقربه ... ولم يخف من دم العشاق أوزارا لأجله (1) أصبح الراووق منعكفاً ... على الصليب وشد الكاس زنارا وقال لغزاً في رمح: أي شيء يكون مالاً وذخراً ... راق حسناً عند اللقاء ومخبر أسمر القد أزرق السن وصفاً ... إنما قلبه بلا شك أحمر وقال لغزاً في هاروت: ما اسم إذا صحفته ... فهو نبي مرسل وهو إذا عكسته ... كتابه المنزل وقال: أساود شعره لسبت فؤادي ... وأمست بين أحشائي تجول كأن الشعر يطلبني بدين ... فكم يجفو علي ويستطيل وقال: الحمد لله في حلي ومرتحلي ... على الذي نلت من علم ومن عمل بالأمس كنت إلى الديوان منتسباً ... واليوم أصبحت والديوان ينسب لي وقال: فصل كأن البدر فيه مطرب ... يبدو وهالته لديه طاره والشمس في أفق السماء خريدة ... والجو ساق والأصيل عقاره وكأن قوس الغيم جنك مذهب ... وكأنما صوب الحيا أوتاره وقال في مليحة عمياء، وهو بديع:

_ (1) الزركشي: من أجله.

علقتها نجلاء مثل المها ... فخان فيها الزمن الغادر أذهب عينيها فإنسانها ... في ظلمة لا يهتدي حائر تجرح قلبي وهي مكفوفة ... وهكذا قد يفعل الباتر والنرجس الغض غدا ذابلاً ... واحسرتا لو أنه ناضر (1) ولبعضهم في عمياء وقد أحسن: قالوا تعشقتها عمياء قلت لهم ... ما شانها ذاك في عيني ولا قدحا بل زاد وجدي فيها أنا أبداً ... لا تنظر الشيب في فودي إذا وضحا إن يجرح السيف مسلولاً فلا عجب ... وإنما اعجب لسيفٍ مغمد جرحا كأنما هي بستان خلوت به ... ونام ناطوره سكران قد طفحا تفتح الورد فيه من كمائمه ... والنرجس الغض فيه بعد ما انفتحا ومن شعر المشد: سري بألسنة الدموع علانيه ... وشحوب جسمي في الغرام علانيه أخفي الهوى ويذيعه يوم النوى ... حرق عن الواشين ليست خافيه يا نازحين عن الهوى خلفتم ... جسداً بكم مضنى ونفساً باليه وسكنتم غور الحشا فمدامعي ... تجري شرائعها وعيني داميه وأنا الفداء لحاضرين بمهجتي ... أبداً وأشواقي إليهم بادية لي وقلة إنسانها في حبهم ... رفض الكرى ودموعها متواليه وبمهجتي من وجنتاه (2) جنة ... وقطوف صدغيه عليها دانيه ما بعت روحي في هواه رخيصة ... إلا لكون عذاره من غاليه وقال: لو كان قلبك مثل عطفك لينا ... ما كنت أقنع من وصالك بالمنى

_ (1) ر: ناظر. (2) ر: جنتاه.

دبيران

لكن خصرك مثل جسمي ناحل ... فكلاهما متحالفان على الضنا يا هاجري ظلماً بغير جناية ... ما هكذا شرط المودة بيننا قيدت طرفي مذ تسلسل دمعه ... وحبست نومي فالأسير إذاً أنا لا تحم قدك عن حنايا أضلعي ... كم لذة بين الحمى والمنحنى علمتني كيف الغرام ولم أكن ... أدري الهوى فرأيت صعباً هينا وقال من أبيات: بدر يريني ثغره دائماً ... برقاً له في كل قلب وميض تلاعب الشعر على ردفه ... أوقع قلبي في الطويل العريض وقال: في كل يوم لأرباب الهوى شان ... وجد قديم وتبريح وأشجان دموعهم كالغوادي وهي هاملة ... وفي حشاياهم للحب نيران يبكون الوصل خوف الهجر من شغف ... فكل أوقاتهم هم وأحزان لا يعرفون سلواً يهتدون به ... هيهات أين مع العشاق سلوان وقال ذوبيت: كم قلت لقاتلي الذي تيمني ... إذ قال أنا نبي هذا الزمن هل معجزة فقال من شاعته ... من ينظرني لوقته يعشقني 346 (1) دبيران علي بن عمر بن علي، العلامة نجم الدين الكاتبي، دبيران - بفتح الدال

_ (1) تاريخ مختصر الدول: 287 وتاريخ الفلك: 36؛ والترجمة في ر.

المنشئ الإربلي

وكسر الباء الموحدة وسكون الياء وبعدها راء وألف ونون - القزويني المنطقي الحكيم صاحب التصانيف؛ توفي في شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة، ومولده في رجب سنة ستمائة. ومن تصانيفه " العين " في المنطق، و " الشمسية " و " جامع الدقائق " و " حكمة العين " (1) ، وله كتاب جمع فيه الطبيعي والرياضي وأضافه إلى العين ليكون حكمة كاملة، وله غير ذلك. 347 - (2) المنشئ الإربلي علي بن عيسى بن أبي الفتح، الصاحب بهاء الدين ابن الأمير فخر الدين الإربلي المنشي الكاتب البارع؛ له شعر وترسل، كان رئيساً، كتب لمتولي إربل ابن صلايا ثم خدم ببغداد في ديوان الإنشاء أيام علاء الدين صاحب الديوان (3) ، ثم إنه فتر سوقه في دولة اليهود، ثم تراجع بعدهم وسلم ولم ينكب، إلى أن مات سنة اثنتين وتسعين وستمائة. وكان صاحب تجمل وحشمة ومكارم، وفيه تشيع، وكان أبوه والياً بإربل. ولبهاء الدين مصنفات أدبية مثل " المقامات الأربع " (4) و " رسالة الطيف " المشهورة، وغير ذلك (5) ، وخلف لما مات تركة عظيمة بنحو ألفي ألف

_ (1) طبع بقازان سنة 1319 ومعه شرحه لميرك البخاري. (2) الزركشي: 219 والبدر السافر: 21 وقال: وكان شيعياً إلا أنه متأدب مع علماء السنة ويوافقهم في عقائدهم، وكان كريماً متواضعاً وله مجلس ببغداد يجلس فيه طرفي النهار ويجتمع عنده الفضلاء وتجري بينهم بحوث في أنواع من العلوم؛ وهذه الترجمة ثابتة في ر. (3) يعني علاء الدين الجويني. (4) هي البغدادية والدمشقية والحلبية والمصرية. (5) ورد في البدر السافر من مؤلفاته: ((كشف الغمة في معرفة الأثمة)) .

درهم تسلمها ابنه أبو الفتح ومحقها ومات صعلوكاً. ومن شعر بهاء الدين: أيا هاجري من غير جرم جنيته ... ومن دأبه ظلمي وهجري فديته أجرني رعاك الله من نار جفوة ... وحر غرام في البعاد اصطليته وكن مسعدي فيما ألاقي من الأسى ... فهجرك يا كل المنى ما نويته أأظما غراماً في هواك ولوعة ... ولي دمع عين كالسحاب بكيته وحقك يا من تهت فيه صبابة ... ووجداً ومن دون الأنام اصطفيته وحقك لا أنسى العهود التي مضت ... قديماً ولا أسلو زماناً قضيته ومنه: كيف خلاصي من هوى شادن ... حكمه الحسن على مهجتي بعاده ناري التي تتقى ... وقربه لو زارني جنتي ما اتسعت طرق الهوى فيه لي ... إلا وضاقت في الجفا حيلتي ليت ليالي وصله عدن لي ... يا حسرتا أين الليالي التي وقال: وجهه والقوام والشعر الأس ... ود في بهجة الجبين النضير بدر تم على قضيب عليه ... ليل دجن من فوق صبح منير وقال: حثه سائق الغرام فحنا ... وجفا منزلاً وخلف مغنى ودعاه الهوى فلبى سريعاً ... وكذا شيمة المحب المعنى رام صبراً فلم يطعه غرام ... غادر القلب بالصبابة رهنا وجفا لذة الكرى في رضى الحب ... فأرضى قلباً وأسخط جفنا أسهرت مقلتيه في طاعة الوج ... د عيون على المحصب وسنى

كل ظامي الوشاح ريان من ما ... ء التصابي أضنى المحب وعنى ما على الدهر لو أعاد زماناً ... سلبته أيدي الحوادث منا وعلى من أحب لو شفع الحس ... ن الذي قيد العيون بحسنى وبروحي أفدي رشيق قوام ... لاح بدراً وماس إذ ماس غصنا يتجنى ظلماً فيحدث لي وج ... داً إذا صد عاتباً أو تجنى ما ثناني عنه العذول وهل يث ... ني غرامي وقده يتثنى كيف أسلو بدراً يشابهه البد ... ر سناء يصبي الحليم وسنا لي معنى فيه وفي صاحب الدي ... وان إذا رمت مدحه ألف معنى وقال: طاف بها والليل وحف الجناح ... بدر الدجى يحمل شمس الصباح وفاز بالراحة عشاقه ... لما بدا في كفه كأس راح ظبي من الترك له قامة ... يزري تثنيها بسمر الرماح عارضه آس وفي خده ... ورد نضير والثنايا أقاح أطعت فيه صبوتي والهوى ... طوعاً وعاصيت النهى واللواح عاطيته صهباء مشمولة ... تحكي سنا الصبح إذا الصبح لاح فسكنت سورته وانتشى ... فظل طوعي بعد طول الجماح فبت لا أعرف طيب الكرى ... وبات لا ينكر طيب المزاح فهل على من بات صباً به ... وإن نضا ثوب وقار جناح وقال أيضاً: غزال النقا لولا ثناياك واللمى ... لما بت صباً مستهاماً متيما ولولا معان (1) فيك أوجبن صبوتي ... لما كنت من بعد الثمانين مغرما

_ (1) ر: معاني.

أبو القاسم التنوخي

أيا جنة الحسن الذي (1) غادر الحشا ... بفرط التجافي والصدود جهنما جريت على رسم من الجور واضح ... أما آن يوماً أن ترق وترحما أمالك رقي كيف حللت جفوتي ... وعدت لقتلي بالبعاد متمما وحرمت من حلو الوصال محللا ... وحللت من مر الجفاء محرما بحسن التثني رق لي من صبابة ... أسلت بها دمعي على وجنتي دما ورفقاً بمن غادرته غرض الردى ... إذا زار عن شحط بلادك سلما كلفت بساجي الطرف أحوى مهفهف ... يميس فينسيك القضيب المنعما يفوق الظبا والغصن طرفاً وقامة ... وبدر الدجى والبرق وجهاً ومبسما فناظره في قصتي ليس ناظراً ... وحاجبه في قتلتي قد تحكما ومشرف صدغ ظل في الحكم جائراً ... وعامل قد بات أعدى وأظلما وعارضه لم يرث لي من شكاية ... فنمت دموعي حين لاح منمنما 348 (2) أبو القاسم التنوخي علي بن المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم، أبو القاسم التنوخي؛ ولد يوم الثلاثاء نصف شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وتوفي في شهور سنة سبع وأربعين وأربعمائة؛ وكان شيعياً معتزلياً، وكان ساكناً وقوراً، وكان يدخله من نيابة القضاء ودار الضرب وغيرهما كل شهر مائتا (3)

_ (1) ر والزركشي: التي. (2) الزركشي: 220 وابن خلكان 4: 162 وتاريخ بغداد 12: 115 وشروح السقط 1593؛ ووردت الترجمة في ر. (3) ر: مائتين.

دينار فيمر الشهر وليس معه شيء، كان ينفق على أصحاب الحديث، وكان الخطيب والصولي (1) وغيرهما يبيتون عنده، وكان ثقة في الحديث متحفظاً (2) في الشهادة، محتاطاً صدوقاً، وتقلد قضاء عدة نواح منه المدائن وأعمالها وأذربيجان والبردان وقرميسين. وكان ظريفاً نبيلاً جيد النادرة، اجتاز يوماَ في بعض الدروب فسمع امرأة تقول لأخرى: كم عمر بنتك يا أختي؟ فقالت: رزقتها يوم صفع القاضي وضرب السياط، فرفع رأسه إليها وقال: يا بظراء صار صفعي تاريخك، ما وجدت تاريخاً غيره! ! وكان أعمش العينين لا تهدأ جفونه من الانخفاض والارتفاع والتغميض والانفتاح، وفيه يقول ابن بابك: إذا التنوخي انتشى ... وغاص ثم انتعشا أخفى عليه إن مشي ... ت وهو يخفى إن مشى فلا أراه قلة ... ولا يراني عمشا ودفع إليه رجل رقعة وهو راكب، فلما فضها وجد فيها: إن التنوخي به أبنة ... كأنه يسجد للفيش له غلامان ينيكانه ... بعلة الترويح في الخيش فقال: ردوا زوج القحبة، فردوه فقال له: يا كشخان يا قرنان يا زوج ألف قحبة، هات زوجتك وأختك وأمك إلى داري وانظر ما يكون مني، وبعد ذلك احكم بما يكون مني، قفاه!! فصفعوه. وكان يوماً نائماً، فاجتاز واحد غث وأزعجه مما يصيح: شراك النعال

_ (1) ر: والصوري. (2) ر: محتفظاً.

القليوبي الكاتب

شراك النعال، فقال لغلامه: اجمع كل نعل في البيت وأعطها (1) لهذا يصلحها ويشتغل بها، ثم نام، وأصلحها الإسكافي واشتغل بها إلى آخر النهار ومضى لشأنه، فلما كان في اليوم الثاني فعل كذلك ولم يدعه ينام، فقال للغلام: أدخله، فأدخله فقال له: يا ماص بظر أمك، أمس أصلحت كل نعل عندنا، واليوم تصيح على بابنا، هل بلغك أننا نتصافع بالنعال ونقطعها؟ ! قفاه قفاه، فقال: يا سيدي أتوب ولا أعود أدخل إلى هذا الدري أبداً. وهذا أبو القاسم من أهل بيت كلهم فضلاء، ذكر ابن خلكان أباه (2) المحسن وجده القاضي التنوخي الكبير، رحمه الله تعالى وعفا عنهم. 349 - (3) القليوبي الكاتب علي بن محمد بن أحمد بن حبيب القليوبي الكاتب؛ قال ابن سعيد المغربي: وصفه ابن الزبير في كتاب " الجنان " بالإجادة في التشبيهات، وغلا في ذلك إلى أن قال: إن أنصف لم يفضل عليه ابن المعتز، وذكر أنه أدرك العزيز العبيدي ومدح قواده وكتابه، وتوفي في أوائل دولة الظاهر العبيدي. ومن شعره: وصافية بات الغلام يديرها ... على الشرب في جنح من الليل أدعج كأن حباب الماء في وجناتها ... فرائد در في عقيق مدحرج ولا ضوء إلا هلال كأنما ... تفرق منه الغيم عن نصف دملج

_ (1) ر: وأعطيها. (2) ر: أبوه. (3) الزركشي: 220 والبدر السافر: 22.

وقد حال دون (1) المشتري من شعاعه ... وميض كمثل الزئبق المترجرج كأن الثريا في أواخر ليلها ... تحية (2) ورد فوق زهر بنفسج وقال أيضاً: في ليلة أنف كأن هلالها ... صدع تبين في إناء زجاج كفل الزمان لأختها بزيادة ... في نورها (3) فبدا كوقف العاج وكأنما كيوان نقرة (4) فضة ... وكأنما المريخ ضوء سراج تتطاول الجوزاء تحت جناحه ... وكأنها من نورها في تاج ليل كمثل الروض فتح جنحه ... زهر الكوكب في ذرى الأبراج أحييته حتى رأيت صباحه ... من لونه يختال في دواج والشمس من تحت الغمام كأنها ... نار تضرم خلف جام زجاج وقال: وكأن السماء مصحف قار ... وكأن النجوم رسم عشور أو كأن النجوم زهر رياض ... قد أحاطت من بدرها بغدير وقال: نجمت نجوم الزهر إلا أنها ... في روضة فلكية الأنوار وكأنما الجوزاء منها شارب ... وكأنما المريخ كأس عقار وقال: ألا فاسقنيها قد قضى الليل نحبه ... وقام لشوال هلال مبشر

_ (1) البدر السافر: وقد جال نحو. (2) البدر: نجية. (3) في ر والمطبوعة: نورهد، والتصويب عن البدر والزركشي. (4) في ر والمطبوعة: ثغرة؛ والتصويب عن البدر السافر.

بدا مثل عرق السام واسترجعت له ... صروف الليالي فرصة (1) وهو قمر إلى أن رأيناه ابن سبع كأنما ... على الأفق منه طيلسان مقور وقال: وصفراء من ماء الكروم كأنما ... دجى الليل منها في رداء معصفر كأن حباب الماء في وجناتها ... من الدر إكليل على تاج يعصر (2) قطعت بها ليلاً كأن نجومه ... إذا اعترضتها العين نيران عسكر تراها بآفاق السماء كأنما ... مطالعها منها معادن جوهر ومنطقة الجوزاء تبدو كأنها (3) ... وسائط در في قلائد عنبر وباتت بعيني الثريا كأنما ... على الأفق منها غصن ورد منور فبت أراعي النجم (4) حتى تشمرت ... ذيول الدجى عن مائه المتفجر 350 (5) ابن حريق البلنسي علي بن محمد بن أحمد بن سلمة بن حريق، أبو الحسن المخزومي البلنسي الشاعر؛ كان متبحراً في اللغة والأدب، حافظاً (6) لأشعار العرب وأيامها،

_ (1) الزركشي: قرضه. (2) في حاشية الزركشي: صوابه: قيصر. (3) ر والزركشي: كأنما. (4) الزركشي: الفجر. (5) الزؤركشي: 221 وابن الشعار 4: 366 والبدر السافر: 23 والتكملة رقم: 1895 وزاد المسافر: 64 وشرح مقصورة حازم: 142 وصفحات متفرقة في النفح، والذيل والتكلمة 5: 275والمغرب 2: 318 ومولد ابن حريق سنة 551؛ والترجمة في ر. (6) ر: حافظ.

اعترف له بالسبق بلغاء وقته؛ قال ابن الأنباري: توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة. ومن شعره في مليح أعور: لم يشنك الذي بعينك (1) عندي ... أنت أعلى من أن تعاب وأسنى لطف الله رد سهمين سهماً ... رأفة بالعباد فازددت حسنا ولشمس الدين محمد بن العفيف التلمساني - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - في مثله: كان بعينين فلما طغى ... سحرهما (2) رد إلى عين وذاك من لطف بعشاقه ... ما يضرب الله بسيفين ومن شعر ابن حريق: وكاتب ألفاظه وكتبه ... بغيضة إن خط أو تكلما ترى أناساً يتمنون العمى ... وآخرين يحمدون الصمما وقال وقد زاره محبوبه فجاء مطر وسيل منه من العود: يا ليلة جادت الأماني ... فيها على رغم أنف دهري للقطر فيها علي نعمى ... يقصر عنها طويل شكري إذ بات في منزلي حبيبي ... وقام في أهله بعذر يا ليلة السيل في الليالي ... لأنت خير من ألف شهر وقال: يا صاحبي وما البخيل بصاحبي ... هذي الخيام فأين تلك الأدمع أنمر بالعرصات لا نبكي بها ... وهي المعاهد منهم وهي الأربع

_ (1) ر: بعينيك. (2) ر: بسحرها.

يا سعد ما هذا القيام وفد نأوا ... أتقيم من بعد القلوب الأضلع؟ هيهات لا ريح اللواعج بعدهم ... رهو ولا طير الصبابة وقع (1) وأبى الهوى إلا الحلول بلعلع ... ويح المطايا، أين منها لعلع لم أدر أين ثووا فلم أسأل بهم ... ريحاً تهب ولا بريقاً يلمع وكأنهم في كل مدرج ناسم ... فعليه مني رقة وتضرع فإذا منحتهم السلام تبادرت ... تبليغه عني الرياح الأربع 351 (2) ابن نبيه الشاعر علي بن محمد بن الحسن بن يوسف بن يحيى، الأديب الشاعر البارع كمال الدين ابن النبيه المصري، صاحب الديوان المشهور؛ مدح بني أيوب، واتصل بالملك الأشرف موسى وكتب له الإنشاء، وسكن بنصيبين، وتوفي بها في حادي وعشرين جمادى الأولى (3) سنة تسع عشرة وستمائة؛ وهذا ديوانه المشهور هو انتقاه من شعره، لأنه كله منقى منقح، الدرة وأختها، وإلا فما هذا شعر من لا نظم إلا هذا الديوان الصغير. ومن شعره ما ذكره القوصي في مليح يشتغل بعلم الهندسة (4) :

_ (1) البدر: يرفع. (2) النجوم الزاهرة 6: 243 والشذرات 5: 85 وحسن المحاضرة 1: 566 والزركشي: 221 وابن الشعار 4: 305؛ وانظر مقدمة ديوانه تحقيق الدكتور عمر أسعد (بيروت: 1969) ؛ والترجمة في ر. (3) ر: الأول. (4) الديوان: 472.

وبي هندسي الشكل يسبيك لحظه ... وخال وخد بالعذار مطرز ومذ خط بيكار الجمال عذاره ... كقوس علمنا أنما الخال مركز وقال (1) : تعلمت علم الكيمياء بحبه ... غزال بجسمي ما بجفنيه من سقم فصعدت أنفاسي وقطرت أدمعي ... فصح بذا التدبير تصفيرة الجسم وقال في مليح يهودي رآه بدمشق فأحبه (2) : من آل إسرائيل علقته ... أسقمني بالصد والتيه قد انزل السلوى على قلبه ... وأنزل المن على فيه وقال (3) : بدر تم له من الشعر هاله ... من رآه من المحبين هاله قصر الليل حين زار ولا غر ... وغزال غارت عليه الغزاله يا نسيم الصبا عساك تحمل ... ت لنا من سكان نجد رساله كل معسولة المراشف بيضا ... ء حمتها سمر القنا العاسله عانقتني كصارمي وأدارت ... معصميها في عاتقي (4) كالحماله إن بالرقمتين ملعب لهو ... بسطت دوحه علينا ظلاله معلم معلم وشى بسطه الزه ... ر وحاكته ديمة هطاله وكأن الحمام فيه قيان ... أعربت (5) لحنها على غير آله وكأن القضيب شمر للرق ... ص سحيراً عن ساقه أذياله

_ (1) الديوان: 390. (2) الديوان: 389. (3) الديوان: 473. (4) ر: عانقي. (5) ر: عربت.

إن خوض الظلماء أطيب عندي ... من مطايا أمست تشكي (1) كلاله فهي مثل القسي شكلاً ولكن ... هي في السبق أسهم لا محاله تركتها الحداة بالخفض والرف ... ع حروفاً في جرها عماله ولشهاب الدين التلعرفي قصيدة في هذا الوزن وهي: أي دمع من الجفون أساله ... إذ أتته من النسيم رساله حملته الرياض أسرار عرف ... أودعتها السحائب الهطاله منها: يا خليلي وللخليل حقوق ... واجبات الأحوال في كل حاله سل عقيق الحمى وقل إذ تراه ... خالياً من ظبائه المختاله أين تلك المراشف العسليا ... ت وتلك المعاطف العساله وليال قضيتها كلآل ... بغزال تغار منه الغزاله بابلي اللحاظ والريق والأل ... فاظ، كل مدامة سلساله وطويل الصدود والشعر والمط ... ل، ومن لي بأن يديم مطاله وسقيم الجفون والعهد والخص ... ر فكل تراه يشكو اعتلاله ونقي الجبين والخد والثغ ... ر فطوبى لمن حسا جرياله من بني الترك كلما جذب القو ... س رأينا في وسطه بدر هاله يقع الوهم حين يرمي فلا ند ... ري يداه أم عينه النباله قلت لما لوى ديوان وصالي ... وهو مثر وقادر لا محاله بيننا الشرع قال سر بي فعندي ... من صفاتي لكل دعوى دلاله وشهودي من خال خدي ومن قد ... ي شهود معروفة بالعداله أنا وكلت مقلتي في دما الخل ... ق فقالت قبلت هذي الوكاله

_ (1) الديوان: باتت بكل.

ومن شعر ابن نبيه (1) : رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا ... فما أكثر القتلى وما أرخص الأسرى خذوا حذراً من خارجي عذاره ... فقد جاء زحفاً في كتيبته الخضرا غلام أراد الله إطفاء فتنة ... بعارضه فاستأنفت فتنة أخرى فزرفن بالأصداغ جنة خده ... وأرخى عليها من ذؤابته (2) سترا أخوض عباب الموت من دون ثغره ... كذاك يخوض البحر من طلب الدرا غزال رخيم الدال في يوم سلمه ... وليث له في حربه البطشة الكبرى دري يحمل الكأس في يوم لذة ... ولكن بحمل السيف يوم الوغى أدرى أهيم به في عقده أو نجاده ... فلا بد في السراء منه وفي الضرا وصامتة (3) الخلخال أن وشاحها ... فهذا قد استغنى وذاك اشتكى (4) الفقرا لها معصم لولا السوار عنه بحبها ... إذا حسرت أكمامها لجرى نهرا دعتني إلى السلوان عنه بحبها ... فما كنت أرضى بعد إيماني الكفرا بأي اعتذار ألتقي حسن وجهه ... إذا شغلتني عنه غانية عذرا وقال (5) : باكر صبوحك أهنا العيش باكره ... فقد ترنم فوق الأيك طائره والليل تجري الدراري في مجرته ... كالروض تطفو على نهر أزاهره وكوكب الصبح نجاب على يده ... مخلق تملأ الدنيا بشائره فانهض إلى ذوب ياقوت لها حبب ... تنوب عن ثغر من تهوى جواهره حمراء في وجنة الساقي لها شبه ... فهل جناها مع العنقود عاصره؟

_ (1) الديوان: 287. (2) الديوان: عوارضه. (3) ر: وظامئه. (4) الديوان: وذا يشتكي. (5) الديوان: 91.

ساق تكون من صبح ومن غسق ... فابيض خداه واسودت غدائره مفلج الثغر معسول اللمى غنج ... مؤنث الجفن فحل اللحظ شاطره مهفهف القد يندى جسمه ترفاً ... مخصر الخصر عبل الردف وافره بيض سوالفه لعس مراشفه ... نعس نواظره خرس أساوره تعلمت بانة الوادي شمائله ... وزورت سحر عينيه جآذره كأنه بسواد الصدغ (1) مكتحل ... وركبت فوق خديه محاجره نبي حسن أظلته ذوائبه ... وقام في فترة الأجفان ناظره فلو رأت مقلتاً هاروت آيته ال ... كبرى لآمن بعد الكفر ساحره قامت أدلة صدغيه لعاشقه ... على عذول أتى فيه يناظره خذ من زمانك ما أعطاك مغتنماً ... وأنت ناه لهذا الدهر آمره فالعمر كالكاس تستحلى أوائله ... لكنه ربما مجت أواخره وقال (2) : طاب الصبوح لنا فهاك وهات ... واشرب هنيئاً يا أخا اللذات كم ذا التواني والشباب مطاوع ... والدهر سمح والحبيب مواتي قم فاصطبح من شمس طاسك (3) واغتبق ... بكواكب طلعت من الكاسات صفراء صافية توقد بردها ... فعجبت للنيران في الجنات ينسل من قار الظروف (4) حبابها ... والدر مجتلب من الظلمات عذراء واقعها المناج أما ترى ... منديل عذرتها بكف سقاة يسعى بها عبل الروادف أهيف ... خنث الشمائل شاطر الحركات يهوي فتسبقه أساود شعره ... ملتفة كأساود الحيات

_ (1) الديوان: الليل. (2) الديوان: 123. (3) الديوان: كاسك. (4) ر: الضروف.

يدري منازل نيرات كؤوسه ... ما بين منصرف وآخر آتي وقال أيضاً (1) : أماناً أيها القمر المطل ... ففي جفنيك أسياف تسل يزيد جمال وجهك كل يوم ... ولي جسد يذوب ويضمحل وما عرف السقام طريق جسمي ... ولكن دل من أهوى يدل يميل بطرفه التركي عني ... صدقتم إن ضيق العين بخل إذا نشرت ذوائبه عليه ... ترى ماء يرف عليه ظل وقال أيضاً (2) : حديث دمعي عن غرامي شجون ... تنقله عني رواة الجفون عجبت من صحة أخبارها ... وقد تجرحن بدمع هتون بمهجتي أحور قد جمعت ... جفونه المرضى فنون الفتون مغنيطس الخال على خده ... يجذب بالحسن حديد العيون ساومته في فمه (3) قبلة ... فقال هذا أبداً لا يكون أدر دنانير فقد نثرت ... دراهم النور بنان الغصون عوذ جناني من جنون الهوى ... من لام صدغيه بقاف ونون وقال أيضاً (4) : صن ناظراً مترقباً (5) لك أن يرى ... فلقد كفى من دمعه ما قد جرى يا من حكى في الحسن صورة يوسف ... آهاً لو أنك مثل يوسف تشترى

_ (1) الديوان: 255. (2) الديوان: 473. (3) الديوان: سألته يمنحني. (4) الديوان: 247. (5) ر: لكي.

تعشو العيون لخده فيردها ... ويقول ليست هذه نار القرى يا قاتل الله الجمال فإنه ... ما زال يصحب باخلاً متجبرا يا غصن بان في نقا رمل لقد ... أبدعت غذ أثمرت بدراً نيرا ما ضر طيفك أن أكون مكانه ... فقد اشتبهنا في السقام فما نرى أترى لأيامي بوصلك عودة ... ولو أنها في بعض أحلام الكرى زمناً شربت زلال وصلك صافياً ... وجنيت روض أخضر مثمرا ملكتك فيه يدي فحين فتحتها ... لم ألق إلا حسرة وتفكرا وقال (1) : لماك والخد النضر ... ماء الحياة والخضر أخذتني يا تاركي ... أخذ عزيز مقتدر أحلت سلواني على ... ضامن قلب منكسر ونمت عن ذي أرق ... إذا غفا النجم سهر وماء عيني التقى ... فيك لأمر قد قدر ما نصبت أشراك أل ... حاظك إلا للحذر قلبي على الترك به ... ذا البدوي يفتخر ولي عهد البدر وإن ... غاب فإني منتظر خلعت إذ بايعته ... عذار من لا يعتذر في خلقه وخلقه ... طبع الغزال والنمر نزهة (2) أحداق الورى (3) ... فحيثما سار تسر إن طريق ناظري ... إلى محياه خطر

_ (1) الديوان: 422. (2) الديوان: ترعاه. (3) الديوان: القنا.

علاء الدين الباجي

وقال (1) : قم يا غلام ودع مقالة من نصح ... فالديك قد صدع الدجى لما صدح خفيت (2) تباشير الصباح فسقني ... ما طل في الظلماء من قدح القدح صهباء ما لمعت بكف مديرها ... لمقطب إلا تهلل وانشرح هي صفوة الكرم " الكريم " (3) فما سرت ... سراؤها في باخل إلا سمح من كف فتان القوام بوجهه ... عذر لمن خلع العذار أو اطرح (4) ولي بشعر كالظلام إذا دجا ... وأتى بوجهه كالصباح إذا وضح يهتز كالغصن الرطيب على النقا ... ذا خف في طي الوشاح قد اتضح (5) النرجس الغض استحى من طرفه ... وبخده زهر الأقاح قد اتضح فكأنه متبسم بعقوده ... أو بالثنايا قد تقلد واتشح وديوان شعره كله من هذا الأسلوب، وهو موجود في أيدي الناس سامحه الله تعالى. 352 - (6) علاء الدين الباجي علي بن محمد بن خطاب، الشيخ علاء الدين الباجي المغربي الأصولي

_ (1) الديوان: 208. (2) ر: حفت، وفي المطبوعة: لاحت؛ وأثبت ما في الديوان. (3) سقطت من ر. (4) الديوان: أو اتفضح. (5) ر: اتقح. (6) البدر السافر: 24 والدرر الكامنة 3: 176 وطبقات السبكي 6: 227 والشذرات 6: 34 وحسن المحاضرة 1: 544 والأسنوي 1: 286؛ والترجمة في ر.

المصري؛ ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وتوفي سنة أربع عشرة وسبعمائة؛ ختصر كتاب " المحرر " و " علوم الحديث " و " المحصول " في أصول الفقه و " الأربعين ". وكان عمدة في الفتوى، وتخرج به الأصحاب، وممن أخذ عنه العلامتان قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأثير الدين أبو حيان، وكان ديناً صيناً وقوراً، ومن شعره: رثى لي عذلي (1) إذ عاينوني ... وسحب مدامعي مثل العيون وراموا كحل عيني قلت كفوا ... فأصل بليتي كحل العيون وقال ذوبيت: بلبل والهزار والشحرور ... يسبي طرباً قلب الجشي المغرور فانهض عجلاً وانهب من اللذة ما ... جادت كرماً به يد المقدور 353 (2) أبو سعد ابن خلف علي بن محمد بن خلف، أبو سعد الكاتب النيرماني - ونيرمان قرية من قرى الجبل بالقرب من همذان -؛ كان من جلة الكتاب الفضلاء، والرؤساء النبلاء، وكان يخدم في ديوان بني بويه ببغداد، وصنف لبهاء الدولة " المنثور البهائي " في مجلدة، وهو نثر كتاب " الحماسة "؛ وتوفي

_ (1) البدر: عودي. (2) الزركشي: 223 (وهو ينقل أيضاً عن ابن النجار في الذيل) واليتيمة 3: 224 والتتمة 1: 126 ومعجم البلدان (نيرمان) وورد فيه ((أبو سعيد محمد بن علي بن خلف)) ؛ والترجمة في ر.

سنة أربع عشرة وأربعمائة. ومن شعره القصيدة المشهورة وهي: خليلي في بغداد هل أنتما ليا ... على العهد مثلي أم غدا العهد باليا وهل ذرفت يوم النوى مقلتاكما ... علي كما أمسي وأصبح باكيا وهل أنا مذكور بخير لديكما ... إذا ما جرى ذكر لمن كان نائيا وهل فيكما من إن تنزل منزلاً ... أنيقاً وبستاناً من النور حاليا أجد له طيب المكان وحسنه ... منى يتمناها فكنت الأمانيا (1) كتاب عن شوق شديد إليكما ... كأن على الأحشاء منه مكاويا وعن أدمع منهلة، فتأملا ... كتابي تبن آثارها في كتابيا ولا تيأسا أن يجمع الله بيننا ... كأحسن ما كنا عليه تصافيا " فقد يجمع الله الشتيتين بعد ما ... يظنان كل الظن أن لا تلاقيا " (2) ولما تفرقنا تطيرت أن أرى ... مكانك مني لا خلا منك خاليا فضمنته ورداً كرياك ريحه ... يذكرني منك الذي لست ناسيا ولا تطلبا صوني إذا ما تغنتا ... تسر وفوز جادتا لي الأغانيا " وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا " " فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا " (3) فدى لك يا بغداد كل مدينة ... من الأرض حتى خطتي ودياريا فقد سرت في شرق البلاد وغربها ... وطوفت خيلي بينها وركابيا فلم أر فيها مثل بغداد منزلاً ... ولم أر فيها مثل دجلة واديا

_ (1) البيت والذي قبله من قول الشاعر: (2) للمجنون، ديوانه: 293. (3) البيت والذي قبله للمجنون، ديوانه: 293، 300.

الصاحب بهاء الدين ابن حنا

ولا مثل أهليها أرق شمائلاً ... وأعذب ألفاظاً وأحلى معانيا وكم قائل لو كان ودك صادقاً ... لبغداد لم ترحل وكان جوابيا " يقيم الرجال الموسرون بأرضهم ... وترمي النوى بالمقترين المراميا " وأورد له ابن النجار في تاريخه: يا ظالمي قسماً عليك بحرمة ال ... إيمان وهي نهاية الأيمان لا تسفكن دمي فإني خائف ... جداً عليك عقوبة العدوان وإذا مررت على زرود فلا تغر ... بالمشي فيه تمايل الأغصان بالله واستر ورد خدك فيه لا ... ينشق قلب شقائق النعمان وأورد له أيضاً: عجباً لضرسك كيف يشكو علة ... وبجنبه من ريقك الدرياق هذا نظير سقام ناظرك الذي ... عافاك وابتليت به العشاق أو عقربي صدغيك إذ لدغا الورى ... وحماك حمتيهما الخلاق 354 (1) الصاحب بهاء الدين ابن حنا علي بن محمد بن سليم، الصاحب الوزير الكبير بهاء الدين ابن حنا المصري، أحد رجال الدهر حزماً وعزماً ورأياً ودهاء وتصرفاً، استوزره الظاهر وفوض إليه الأمور، ولم يكن على يده يد، وقام بأعباء المملكة، وكان واسع الصدر عفيفاً نزهاً لا يقبل لأحد شيئاً إلا أن يكون من الصلحاء

_ (1) تاريخ ابن الفرات 7: 125 وعبر الذهبي 5: 315 والشذرات 5: 358 والسلوك 1: 649؛ والترجمة في ر.

والفقراء، وكان قائلاً بهم: يحسن إليهم ويحترمهم ويدر عليهم الصلات، وقد قصده غير واحد بالأذى فلم يجدوا ما يتعلقون به عليه، ووزر بعد الظاهر لابنه السعيد، وزادت رتبته، وله مدرسة وبر وأوقاف. ابتلي بفقد ولديه: فخر الدين ومحيي الدين فصبر وتجلد، وعاش أربعاً وسبعين سنة، وتوفي سنة سبع وسبعين وستمائة. وحكي أن من جملة سعادته أول وزارته أنه نزل إلى دار الوزير الفائزي ليتبع ودائعه وذخائره، فوجد ورقة فيها أسماء من أودع عنده أمواله، فعرف الحاضرون كل من سمي في الورقة، وطلب وأخذ المال منه، وكان في جملة الأسماء مكتوب: الشيخ ركن الدين أربعون ألف دينار، فلم يعرف الحاضرون من هو الشيخ ركن الدين، ففكر الصاحب زماناً وقال: احفروا هذا الركن، وأشار إلى ركن الدار، فحفروه فوجدوا الذهب. وكان ينتبه قبل الأذان للصبح، ويشرب قدحاً فيه ثماني أواق شراب بالمصري، ويأكل طيري دجاج مسلوقة، فإذا أذن صلى الصبح وركب إلى القلعة، وأقام طول نهاره لا يأكل شيئاً في المباشرة ويظن أنه صائم، وهو في الحقيقة صائم لا يحتاج إلى غداء مع ذلك الشراب والدجاج، وكان الملك الظاهر يعظمه ويدعوه يا أبي. وحكي أن الأمراء الكبار اشتوروا فيما بينهم أنهم يخاطبون الملك الظاهر في عزل الصاحب بهاء الدين، وكانوا قد قرروا أن ابن بركة خان هو الذي يفتح الباب في ذلك، والأمراء يراسلونه، فبلغ السلطان ذلك، وكانوا قد عزموا على مخاطبته في بكرة ذلك النهار في الخدمة، فلما جاءوا ثاني يوم ادعى السلطان أنه أصبح به مغس منعه عن الجلوس للخدمة، فجلس الأمراء إلى أن تعالى النهار ثم خرج إليهم جمدار وقال لهم: باسم الله ادخلوا، فدخلوا يعودون السلطان، فوجدوه متقلق، فجلسوا عنده ساعة، فجاءه خادم وقال: خوند كان مولانا السلطان قد دفع إلي في وقت قعبة صيني

علاء الدين ابن غانم

فيها حلاوة يقطين وقال لي: دعها عندك فإن هذه أهداها لي رجل صالح، وهي تنفع من الأمراض، فقال السلطان: نعم، أحضرها، فأحضرها، فأكل منها شيئاً قليلاً، وادعى أنه سكن ما يجده من الألم، ففرح الأمراء وسروا بذلك، فقال: يا أمراء تعرفون الذي أهدى إلي هذه الحلاوة؟ فقالوا: لا، قال: هذا أبي الصاحب بهاء الدين، فسكتوا، فلما خرجوا قال بعضهم لبعض: إذا كان يعتقد أن طعامه يشفي من المرض أي شيء تقولون فيه؟! 355 - (1) علاء الدين ابن غانم علي بن محمد بن سلمان بن حمائل، الشيخ الفاضل البليغ الكاتب الشاعر، صدر الشام بقية الأعيان، الشيخ علاء الدين ابن غانم - تقدم تمام نسبه في ترجمة أخيه الشيخ شهاب الدين (2) -؛ توفي بتبوك سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وله ست وثمانون سنة. كان حسنة من حسنات الزمان، وبقية مما ترك الأعيان، ذا مروءة فاتت الواصف، وجود أخجل الغمام الواكف، تأذى من الدولة مرات، وما رجع عما له في الخير والعصبية من كرات. قال الشيخ صدر الدين ابن الوكيل: ما أعرف أحداً في الشام إلا ولعلاء

_ (1) الزركشي: 223 والدرر الكامنة 3: 178 والشذرات 6: 114 والبداية والنهاية 14: 178 والسلوك 2: 426 وذيل العبر: 195؛ ووردت الترجمة في ر. (2) انظر الترجمة رقم: 50.

الدين ابن غانم في عنقه منة قلدها بصنيعه أو جاهه أو ماله، وكان الشيخ كمال الدين الزملكاني يكرهه (1) ويقول: ما أدري ما أعمله بهذا علاء الدين ابن غانم؟ إني من أردت أن أذكره عنده بسوء يقول: ما في الدنيا مثل علاء الدين ابن غانم. " وكانت كراهته له بسبب، وهو أنه شغر منصب القضاء بدمشق، فكتب جمال الدين الأفرم نائب السلطنة مطالعة يذكر فيها من يصلح للقضاء، فعين الشيخ صدر الدين ابن الوكيل وابن الزملكاني وابن الشريشي وغيرهم، وكتب في الجملة نجم الدين ابن صصرى، وكان بين ابن صصرى وابن غانم تودد عظيم وإدلال وعشرة عظيمة، وكان عند الأفرم حجرة عربية ليس لها نظير، وكان يحبها، وكان سلار والجاشنكير كل منهما قد طلبها وهو يدافع عنها، ولا تسمح نفسه بفراقها، فأخذ ابن غانم علامة الأفرم وكتب عليها كتاباً بخطه يقول لسلار: أحب أن تجعل ولاية قضاء القضاة لابن صصرى وشكرانه، ولك الحجرة التي طلبتها، وسير المطالعة، فلم يشعر إلا وتقليد ابن صصرى قد كتب، ولم يكن في ظن أحد ذلك، فتغيظ ابن الزملكاني وابن الوكيل لذلك وعز عليهما، وباشر ابن صصرى القضاء، ثم بعد ذلك طلبت الفرس وقيل له: قد أجبنا سؤالك إلى ما أردت، وسير لنا ما ذكرت من الفرس، فقال: أنا لم أعلم بذلك ولا لي غرض، فسيروا إليه المطالعة فوجدت بخط ابن غانم، فرسم إليه في الغد برايه ليقطع في بكرة النهار يده، وشاع ذلك، فلما كان سحر ذلك اليوم طلبه الأفرم وقال له: من أول الليل إلى آخره كلما أردت النوم يأتيني شخص في يده رمح - قال أو حربة - ويقول: لا تعرض لابن غانم بسوء وإلا قتلتك بهذه الحربة، وقال له: ما حملك على ذلك؟ قال: حبي لابن صصرى، ولا عدت إلى مثلها،

_ (1) ر: يكرمه.

فعفا عنه وخلع عليه، وكمد عداه لذلك، واستقل ابن صصرى بالقضاء، وعظمت منزلة ابن غانم عند ابن صصرى مع عظمها قبل ذلك، وكان زائد الإدلال عليه وتضاعف إدلاله، وكان ابن صصرى إذا عزل لا يولي، وإذا ذاكر في أمر لا يرجع عنه، واتفق أن قاضي نوى كان له أعداء تكلموا فيه بسوء، جرحوه بالباطل وتحاملوا عليه عند قاضي القضاة نجم الدين، فاستحضره وعزله وانتهره في المجلس، وخرج من بين يديه منكسر الخاطر، وكان علاء الدين ابن غانم يقرأ بين المغرب والعشاء في السبع بالحائط الشمالي، عند باب النظامين، فقيل لذلك الرجل: ما لك إلا علاء الدين ابن غانم فله إدلال عظيم على القاضي، وأعلموه أنه بين العشاءين يقرأ في السبع المذكور، فاتفق أن ذلك الرجل جاء إلى علاء الدين ولم يكن يعرفه، فسأله عن علاء الدين وقال: لي إليه حاجة فدلني عليه، فقال علاء الدين: قل لي حاجتك، فإن كان يمكن قضاؤها تحدثت لك مع ابن غانم فهو ما يخالفني إن شاء الله تعالى، فقال له: يا مولانا أنا والله فقير الحال ولي عائلة، ورجل كبير، والله ما معي درهم ولا ما أتعشى به وبكى وقال: أنا قاض من قضاة البر، وكأن بعض من يحسدني وشى عنده ونقل إليه بأنني أرتشي، وحمله علي فاستحضرني وعزلني، والله ما لي درهم واحد ولا دابة أحضر عليها أهلي، وقصدت أن أجلس بين الشهود فما مكنني، فقيل لي: إن علاء الدين ابن غانم واسطة خير، وله عليه إدلال عظيم، ودلوني إلى هذا المكان، وبكى، فقال له: اقعد هنا لأكشف لك خبر ابن غانم، وأرجو من الله إصلاح أمرك، فأجلسه وانطلق من وقته فدخل على ابن صصرى وكلمه بإدلاله بحيث قال له: أنت قاسي القلب، وأنت أنت، فقال له: ما الخبر؟ فقال: هذا القاضي الفلاني، أي شيء ذنبه حتى عزلته؟ فقال: من صفته كذا وكذا وقيل عنه كذا وكذا، فقال: والله كذب عليه، وأنا والله ما أعرفه، ودل علي، وحلف أنه ما ارتشى قط ولا له ما يتعشى

به، ورق قلبي له، ووالله العظيم لا خرجت من عندك حتى توليه وظيفته، وتكتب تقليده وتكبت عدوه فقال: هذا ما يمكن، وما لي عادة إذا عزلت أحداً أعود إليه، فقال: والله ما أخرج حتى توليه، وإن لم تسمع مني لا عدت أكلمك أبداً، فلم يزل حتى ولاه من ساعته، وكتب تقليده وأشهد عليه بذلك، فقال: وتعطيه عمامتك وفرجيتك خلعة عليه، فلم يمكنه مخالفته، ثم قال: وتكتب له عن الصدقات خمسمائة درهم، ففعل ذلك جميعه، وأتى إلى منزله فأخذ ثوباً ودلقاً له ووضع الجميع في بقجة وأتى إليه وهو ينتظره، فحين رآه قال له: إيش قال لك ابن غانم؟ فأخرج التوقيع، وكان في ذهنه أن يسعى له في الجلوس بين الشهود، فلما قرأ التوقيع كاد يموت فرحاً، ثم أعطاه العمامة والفرجية والخمسمائة وقال: هذا من قاضي القضاة، وهذا الدلق والغلالة مني، فأكب على يديه يقبلهما، فلم يمكنه وقال: أنا والله ما عملت معك هذا إلا لله تعالى، فابتهل بالدعاء له. وله من هذا وأشباهه ما لا يكاد ينضبط، ولو بسطت مناقبه لطال الفصل " (1) . وكان وقوراً مليح الهيبة منور الشيبة، ملازم الجماعة مطرح الكلف؛ حدث عن ابن عبد الدايم والزين خالد وابن النشبي وجماعة؛ وكان بيته رحمه الله تعالى مأوى كل غريب، وبابه مقصد كل ملهوف. وله النظم والنثر، ومدحه شعراء عصره؛ وكان آخر ما بقي من رؤساء دمشق. كتب إلى العلامة شهاب الدين محمود: لقد غبت عنا والذي غاب محسود ... وأنت على ما اخترت من ذاك محمود (2) حللنا محلاً بعد بعدك ممحلاً ... به كل شيء ما خلا الشر مفقود به الباب مفتوح إلى كل شقوة ... ولكن به باب السعادة مسدود

_ (1) ما بين معقفين لم يرد في ر والزركشي، وهو في المطبوعة. (2) ر: مجهود.

فكتب إليه شهاب الدين محمد الجواب: أأحبابنا بنتم وشط مزاركم ... برغمي وحالت دون وصلكم البيد وروعتم روض الحمى بفراقكم ... فشابت نواصي بانه وهو مولود ومن لم تهجه الورق وجداً عليكم ... توهم أن النوح في الدوح تغريد وكتب إليه السيخ نجم الدين الصفدي: شنف الأسماع بالنظم الذي ... قد حكى الأنجم في ظلمائها وبدا كالشمس إلا أنه ... زاد في النور على لألائها فأجاب: ليس للملوك إلا مدحه ... في معاليك وفي آلائها وبحار الفضل تجري منك لي ... فمقالي قطرة من مائها وقال رحمه الله تعالى: عتبني شهاب الدين محمود وهو صاحب الديوان وقال: بلغني أن جماعة كتاب الإنشاء يذمونني وأنت حاضر ما ترد غيبتي، فكتبت إليه: ومن قال إن القوم ذموك كاذب ... وما منك إلا الفضل يوجد والجود وما أحد إلا لفضلك حامد ... وهل عيب بين الناس أو ذم محمود فأجاب بأبيات منها: علمت بأني لم أذم بمجلس ... وفيه كريم القوم مثلك موجود ولست أزكي النفس إذ ليس نافعي ... إذا ذم مني الفعل والاسم محمود وما يكره الإنسان من أكل لحمه ... وقد آن أن يبلى ويأكله الدود قال: ولم يكن " بعد " ذلك إلا أيام قلائل حتى توفي، رحمه الله تعالى، وأكله الدود.

ومن شعر علاء الدين ابن غانم لما أمسك كراي المنصوري نائب الشام (1) : أنا راض بحالتي لا مزيد ... وبأن لا أزال عبد الحميد لي (2) في أمر كافل الملك بالشا ... م عظات للحازم المستفيد جاءه بالتقليد أرغون بالأم ... س وولى وعاد بالتقييد ومنه: وكم سرحة لي بالربى زمن الصبا ... أشاهد مرأى حسنها متمليا ويسكرني عرف الشذا من نسيمها ... فأقضي هوى من طيبه حتف أنفيا وأسأل فيها مبسم الروض قبلة ... فيبرز من أكمامه لي أيديا فلله روض زرته متنزهاً ... فأبدى لعيني حسن مرأى بلا ريا غدا الغصن فيه راقصاً ونسيمه ... يكر على من زاره متعديا ترجلت الأشجار والماء خر إذ ... نسيم الصبا أضحى به متمشيا تغني لديه الورق والغصن راقص ... فيعرق وجه الأرض من كثرة الحيا وقال: فعد نفسك من أهل القبور بها ... فعن قليل إليها سوف تنتقل واذكر مصارع قوم قد قضوا ومضوا ... كأنهم لم يكونوا بعد ما رحلوا يا ليت شعري ما قالوا وقيل لهم ... وما الذي قد أجابوا عندما سئلوا ومن نثره في صفة قلعة ذات أودية ومحاجز: لا تراها العيون لبعد مرماها إلا شزرا، ولا ينظر ساكنها العدد الكثير إلا نزرا، ولا يظن ناظرها إلا أنها طالعة بين النجوم بما لها من الأبراج، ولها من الفرات خندق (3)

_ (1) كان الأير سيف الدين كراي المنصوري حتى سنة 699 مستقراً في نيابة صفد؛ ولما تواترت الأخبار بنزول غازان على الشام وجه مع آخرين لمواجهته، ويبدو أن القبض عليه تم بعد ذلك. (2) ر: أنا. (3) ر: خندقاً

ابن خروف النحوي

يحفها كالبحر إلا أن هذا فرات وهذا ملح أجاج، ولها واد لا يقي لفحة الرمضاء ولا حر الهواجر، وقد توعرت مسالكه فلا يداس فيه إلا على المحاجر، وتفوت ما بين مرآه العلي وبين قراره العميق، ويقتحم راكبه الهول في هبوطه فكأنما خر من السماء أو تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق. 356 - (1) ابن خروف النحوي علي بن محمد بن خروف، نظلم الدين أبو الحسن ابن خروف الأندلسي؛ حضر من إشبيلية، وكان إماماً في العربية، محققاً مدققاً ماهراً مشاركاً في علم الأصول، صنف شرحاً لكتاب سيبويه جليل الفائدة، حمله إلى صاحب الغرب فأعطاه ألف دينار، وشرحاً للجمل، وكتاباً (2) في الفرائض، وله رد على أبي زيد السهيلي وعلى جماعة في العربية. أقرأ النحو بعدة بلاد،

_ (1) الزركشي: 224 والبدر السافر: 29 وابن العشار 4: 409 وصلة الصلة: 114 والتكلمة رقم: 1894 وزاد المسافر رقم: 6 وممالك الأبصار 11: 480 والذيل والتكلمة 5: 396 ونفح الطيب 2: 640؛ وهذا ابن خروف هو علي بن محمد بن يوسف قرطبي هاجر إلى المشرق، وأقام بحلب وفيها توفي متردياً في بئر حوالي سنة 620؛ وهناك ابن خروف آخر وهو علي بن محمد ابن علي، اشبيلي، وهو الإمام المشهور بالنحو؛ وقد خلط الكتبي بينهما هنا، إذ أن هذا النحوي الذي شرح كتاب سيبويه وتوفي سنة 609 وقد وردت ترجمته في صلة الصلة: 122 والتكلمة رقم: 1884 وبرنامج الرعيني: 81 ومعجم الأدباء 15: 75 وابن خلكان 3: 335: وهذا الخلط الذي وقع فيخ الكتبي وقع فيه أيضاً ابن الساعي في الجامع المختصر: 306 والسيوطي في البغية: 354؛ قلت: وهذه الترجمة في ر. (2) ر: وكتاب.

وأقام في حلب مدة، واختل عقله بأخرة حتى مشى في الأسواق عرياناً بادي العورة مكشوف الرأس، وتوفي سنة تسع وستمائة. ومن شعره في كاس: أنا جسم للحميا ... والحميا لي روح بين أهل الظرف أغدو ... كل يوم وأروح وقال في صبي مليح حبسه القاضي: أقاضي المسلمين حكمت حكماً ... أتى وجه الزمان به عبوسا حبست على الدراهم ذا جمال ... ولم تحبسه إذ سلب النفوسا وكتب إلى قاضي القضاة محيي الدين ابن الزكي يستقيله من مشارفة مارستان نور الدين، وكان بوابه يسمى السيد، وهو في اللغة الذئب: مولاي مولاي أجرني فقد ... أصبحت في دار الأسى والحتوف وليس لي صبر على منزل ... بوابه السيد وجدي خروف ودعاه نجم الدين ابن اللهيب إلى طعامه فلم يجبه، وكتب إليه: ابن اللهيب دعاني ... دعاء غير نبيه إن سرت يوماً إليه ... فوالدي في أبيه وقال فيه: يا ابن اللهيب جعلت مذهب مالك ... يدعو الأنام إلى أبيك ومالك يبكي الهدى ملء الجفون وإنما ... ضحك الفساد من الصلاح الهالك وقد قال فيه أيضاً: لابن اللهيب مذهب ... في كل غي قد ذهب يتلو الذي يبصره ... " تبت يدا أبي لهب "

وكتب إلى القاضي بهاء الدين بن شداد يطلب منه فروة قرض (1) : بهاء الدين والدنيا ... ونوء المجد والحسب طلبت مخافة الأنوا ... ء من نعماك جلد أبي وفضلك عالم أني ... خروف بارع الأدب حلبت الدهر أشطره ... وفي حلب صفا حلبي وقال في نيل مصر: ما أعجب النيل ما أحلى شمائله ... في ضفتيه من الأشجار أدواح من جنة الخلد فياض على ترع ... تهب فيها هبوب الريح أرواح ليست زيادته ماء كما زعموا ... وإنما هي أرزاق وأرواح وقال: واشربوا كل صباح لبناً ... واشربوا كل أصيل عسلا واعلسوا (2) ذاك إلى أعدائكم ... من قسي النبل أو رقش الفلا وقال: لا ترجون لمثلي ... من هذه الراحة توبه فإنما هي ليلى ... وإنما أنا توبه قال القوصي: وقع ابن خروف في جب يحلب ليلاً فمات، وذلك في سنة تسع وستمائة، رحمه الله تعالى.

_ (1) انظر ابن خلكان 7: 94. (2) علس: أطعم أو شوى.

مجد العرب

357 - (1) مجد العرب علي بن محمد بن غالب، أبو فراس العامري المعروف بمجد العرب؛ شاعر جال ما بين العراق والشام ومدح الملوك والأكابر، ولبس أخيراً لبس الأتراك، وتوفي بالموصل سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. ومن شعره: أمتعب ما رق من جسمه ... بحمل السيوف وثقل الرماح علام تكلفت حملانها ... وبين جفونك أمضى سلاح وقال أيضاً: فارق تجد عوضاً عمن تفارقه ... في الأرض وانصب تلاق (2) الرشد في النصب فالأسد لولا فراق الغاب ما فرست ... والسهم لولا فراق القوس لم يصب 358 (3) ابن الأعمى علي بن محمد بن المبارك، الأديب كمال الدين ابن الأعمى الشاعر، صاحب المقامة التي في الفقراء المجردين، وكان شيخاً كبيراً من بقايا شعراء

_ (1) الزركشي: 225؛ والترجمة في ر. (2) ر والزركشي: تلاقي. (3) الزركشي: 225 والشذرات 5: 421؛ والترجمة ثابتة في ر.

الدولة الناصرية، انقطع في آخر عمره بالقليجية (1) ، وكان مقرئاً بالتربة الأشرفية، ووالده الشيخ ظهير الدين الأعمى كان خطيب القدس؛ وكانت وفاة كمال الدين سنة اثنتين وتسعين وستمائة. ومن شعره: أنا في حالة النوى والتداني ... لست أثني عن الغرام عناني لا يروم السلو قلبي ولا يف ... تر عن ذكر من أحب لساني وسواء إذا المودة دامت ... نظري بالعيان أو بالجنان فاقترب الديار لفظ وقرب ال ... ود معنى، فاسلك سبيل المعاني لست ممن يرضى بطيف خيال ... قانعاً في هواهم بالهوان إن طيف الخيال دل على أن ... الكرى قد يلم بالأجفان غير أني تشتاق عيني إلى من ... حل من مهجتي أعز مكان وبروحي ظبياً تغار غصون ال ... بان منه ويخجل النيران ذو قوام يغنيه عن حمله الرم ... ح وجفن وسنانه كالسنان كتب الحسن فوق خديه بين ال ... ماء والنار فيهما جنتان حرس الورد منهما نرجس اللح ... ظ فلم سيجوه بالريحان عارض عوذته ياسين لما ... أن تبدى كالنمل أو كالدخان يلبس الحسن كل وقت (2) جديداً ... فلهذا أخلقت ثوب التواني يا خليلي خلياني ووجدي ... وامزجا لي بذكره واسقياني وإذا ما قضيت سكراً من الوج ... د فلا تحزنا ولا تدفناني فأيادي ذا الناصر الملك تحيي ... ني كإحيائها الندى وهو فاني وقال يذم دار سكناه ويبالغ فيها:

_ (1) المدرسة القليجية: كانت داخل البابين الشرقي وباب توما، بناها مجاهد الدين بن قليج محمد، وقد ضاعت معالمها (الدارس 1: 434) . (2) ر: وقتاً.

دار سكنت بها أقل صفاتها ... أن تكثر الحسرات من حشراتها الخير عنها نازح متباعد ... والشر دان من جميع جهاتها من بعض ما فيها البعوض عدمته ... كم أعدم الأجفان طيب سناتها وتبين تسعدها براغيث متى ... غنت لها رقصت على نغماتها رقص بتيقيظ (1) ولكن قافه ... قد قدمت فيه على أخواتها وبها ذباب كالضباب يسد عي ... ن الشمس ما طربي سوى غناتها أين الصوارم والقنا من فتكها ... فينا وأين الأسد من وثباتها وبها من الخطاف ما هو معجز ... أبصارنا عن حصر كيفياتها تعشي العيون بمرها ومجيئها ... وتصم سمع الخلد من أصواتها وبها خفافيش تطير نهارها ... مع ليلها ليست على عاداتها شبهتها بقنافذ مطبوخة ... نزع الطهاة بنضجها شوكاتها شوكاتها فاقت على سمر القنا ... في لونها وتمامها وشياتها وبها من الجرذان ما قد قصرت ... عنه العتاق الجرد في حملاتها فترى أبا غزوان منها هارباً ... وأبا الحصين يروغ عن طرقاتها وبها خنافس كالطنافس أفرشت ... في أرضها وعلت على جنباتها لو شم أهل الحرب منتن فسوها ... أردى الكماة الصيد عن صهواتها وبنات وردان وأشكال لها ... مما يفوت العين كنه ذواتها متزاحم متراكم متحارب ... متراكب في الأرض مثل نباتها وبها قراد لا اندمال لجرحها ... لا يفعل المشراط مثل أداتها أبداً تمص دماءنا فكأنها ... حجامة لبدت على كاساتها وبها من النمل السليماني ما ... قد قل ذر الشمس عن ذراتها لا يدخلون مساكناً بل يحطمو ... ن جلودنا؛ فالعقر (2) من سطواتها

_ (1) في المطبوعة: بتنغيص. (2) ر: فالعفو.

ما راعني شيء (1) سوى وزغاتها ... فنعوذ بالرحمن من نزعاتها سجعت على أوكارها فظننتها ... ورق الحمام سجعن في شجراتها وبها زنابير تظن عقارباً ... لا برء للمسموم من لدغاتها فكأنما حيطانها كغرابل ... أطلعن أرؤسهن من طاقاتها كيف السبيل إلى النجاة ولا نجا ... ة ولا حياة لمن رأى حياتها السم في نفثاتها والمكر في ... فلتاتها والموت في لفتاتها منسوجة بالعنكبوت سماؤها ... والأرض قد نسجت ببزاقاتها ولقد رأينا في الشتاء سماؤها ... والصيف لا تنفك من صعقاتها فضجيجها كالرعد في جنباتها ... وترابها كالوبل في خشباتها والبوم عاكفة على أرجائها ... والآل يلمع في ثرى عرصاتها والنار جزء من تلهب حرها ... وجهنم تعزى إلى لفحاتها قد رممت من قبل أن يلقى لآدم ... أمنا حواء في عرفاتها شاهدت مكتوباً على أرجائها ... ورأيت مسطوراً على عتباتها لا تقربوا منها وخافوها ولا ... تلقوا بأيديكم إلى هلكاتها أبداً يقول الداخلون ببابها ... يا رب نج الناس من آفاتها قالوا إذا ندب الغراب منازلاً ... تتفرق السكان من ساحاتها وبدارنا ألفا غراب ناعق ... كذب الرواة فأين صدق رواتها صبراً لعل الله يعقب راحة ... للنفس إذ غلبت على شهواتها دار تبيت الجن تحرس نفسها ... فيها وتنذر باختلاف لغاتها كم بت فيها مفرداً والعين شو ... قاً للصباح تسح من عبراتها وأقول: يا رب السموات العلى ... يا رازقاً للوحش في فلواتها

_ (1) ر: شيئاً.

أسكنتني بجهنم الدنيا ففي ... أخراي هب لي الخلد في جناتها واجمع بمن أهواه شملي عاجلاً ... يا جامع الأرواح بعد شتاتها وكتب إلى الملك الحافظ (1) يستهدي نطعاً: يا ملكاً قد خلقت كفه ... للفرق بين الضر والنفع وملكاُ صيرني عبده ... إحسانه في القول والصنع وماجداً أنوار أسيافه ... مشرقة في ظلم النقع نحن بحمد الله في عيشة ... مرضية بالعقل والشرع إذا شبعنا بعد طول الطوى ... ليس لنا نقل سمى الصفع والشغل قد دار على رسمه ... والوقت محتاج إلى النطع وله في حمام ضيق شديد الحر ليس فيه ماء بارد: إن حمامنا الذي نحن فيه ... قد أناخ العذاب فيه وخيم مظلم الأرض والسما والنواحي ... كل عيب من عيبه يتعلم حرج بابه كطاقة سجن ... شهد الله من يجز فيه يندم وله مالك غدا خازن النا ... ر بلى مالك أرق وأرحم كلما قلت قد أطلت عذابي ... قال لي اخسأ فيه ولا تتكلم قلت لما رأيته يتلظى ... ربنا اصرف عنا عذاب جهنم وأهدى إليه صاحب صحن حلاوة ولم يكن جيداً، فكتب إليه: إن في صحنك المسمى حلاوه ... رقة تورث القلوب قساوه كم حفرنا فلم نجد غير أرض ال ... صحن يبساً كمثل أرض السماوه لست أدري من سكر كان أم من ... عسل حين لم تشبه نداوه غير أني رأيت صحناً صغيراً ... ما عليه من النعيم طلاوه

_ (1) هو محمد بن شاهنشاه بن بهرام شاه الأيوبي أبو عبد الله غياث الدين، توفي بدمشق سنة 693 (ابن الفرات 8: 189) .

ابن بسام البغدادي

شبهته العيون حين أتانا ... وجه مولودة عليه غشاوه لا تكن تحسب الصداقة هذا ... ليس هذا صداقة بل عداوة 359 (1) ابن بسام البغدادي علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام، أبو الحسن البغدادي، أحد الشعراء، ابن أخت ابن حمدون النديم، وله هجاء خبيث، استفرغ شعره في هجاء والده، وهجا جماعة من الوزراء كالقاسم بن عبيد الله و " أبي " جعفر ابن الزيات. وتوفي سنة اثنتين وثلاثمائة. وهو من بيت كتابة، وله من الكتب كتاب " أخبار عمر بن أبي ربيعة " وكتاب " المعاقرين " وكتاب " مناقضات الشعراء " وكتاب " أخبار الأحوص " وديوان رسائله. ومن شعره في وزارة بني الفرات: إذا حكم النصارى في الفروج ... وتاهوا بالبغال وبالسروج فقل للأعور الدجال هذا ... أوانك إن عزمت على الخروج وقال: كنت أتعشق غلاماً لخالي أحمد بن حمدون، فقمت ليلة الأدب

_ (1) ليست هذه الترجمة مستدركة على ابن خلكان، فقد وردت عنده 3: 363 ((علي بن محمد ابن منصور بن نصر)) وانظر الفهرست: 150 ومعجم المرزباني: 154 وتاريخ بغداد 12: 163 ومعجم الأدباء 14: 139 واللباب (البسامي) والهدايا والتحف: 139 واعتاب الكتاب: 188 ومروج الذهب 4: 297 والزركشي: 225؛ وقد وردت الترجمة في ر.

علاء الدين ابن الكلاس

عليه، فلما قربت منه لسبتني عقرب، فصرخت فانتبه خالي وقال: ما تصنع هاهنا؟ فقلت: جئت لأبول، صدقت، في است غلامي فقلت لوقتي: ولقد سريت على الظلام لموعد ... حصلته من غادر كذاب فإذا على ظهر الطريق معدة ... سوداء قد عرفت أوان ذهابي لا بارك الرحمن فيها عقرباً ... دبابة دبت على دباب فقال خالي: قبحك الله، لو تركت المجون يوماً لتركته في هذا الحال. وقال: كنت أتقلد البريد في أيام عبيد الله بن سليمان بن وهب، والعامل بها أبو عيسى أحمد بن محمد بن خالد، فأهدى إلي ليلة عيد الأضحى بقرة، فاستقللتها ورددتها وكتبت إليه: كم من يد لي إليك سالفة ... وأنت بالحق غير معترف نفسك أهديتها لأذبحها ... فصنتها عن مواقع التلف 360 (1) علاء الدين ابن الكلاس علي بن محمد، علاء الدين الدواداري، يعرف بابن الريس وابن الكلاس؛ كان جندياً بدمشق، رأيته بسوق الكتب غير مرة؛ كان فاضلاً أديباً ناظماً ناثراً، له تعاليق ومجامع تدل على حسن اختياره فيها على فضله (2) ؛ توفي بحطين

_ (1) الزركشي: 226 والجواهر المضية 2: 306 والدرر الكامنة 3: 197؛ وعند الزركشي أنه توفي سنة 728 وذكر أنه دخل في الجندية وحصل له اقطاع جيد بحلقة دمشق، قال: بلغني أن له تاريخاً؛ وهذه الترجمة في ر. (2) كذا وردت العبارة في ر.

- قرية من قرى صفد - في سنة ثلاثين وسبعمائة. ومن شعره: خليلي ما أحلى الهوى وأمره ... وأعلمني بالحلو منه وبالمر بما بيننا من حرمة هل رأيتما ... أرق من الشكوى وأقسى من الهجر وقال أيضاً: تقدمت فضلاً من تأخر مدة ... بوادي الحيا طل عقباه وابل وقد جاء وتراً في الصلاة مؤخراً ... به ختمت تلك الشفوع الأوائل وقال: فكرت في الأمر الذي أنا قاصد ... تحصيله فوجدته لا ينجح وعلمت من نصف الطريق بأن من ... أرجوه يقضي حاجتي لا يفلح وقال لغزاً في رغيف: ومستدير الوجه كالترس ... يجلس للناس على كرسي يدخل مثل البدر حمامه ... وبعدها يخرج كالشمس يوصل السلطان في دسته ... واللص في هاوية الحبس لو غاب عن عنترة ليلة ... وهت قوى عنترة العبسي وقال: من مبلغ غربيل (1) أن رحيله ... جلب السرور وأذهب الأحزانا والناس من فرط الشماتة خلفه ... كسروا القدور وأوقدوا النيرانا وقال: وأهيف تحكي البدر طلعة وجهه ... وإن لم يكن في حسن صورته البدر

_ (1) الزركشي: غبريل.

علاء الدين الشاعر المنجم

خلوت به ليلاً يدير مدامة ... وجنح الدجى دون الرقيب لنا ستر فلما سرت كأس الحميا بعطفه ... ومالت به تيهاً ورنحه السكر هممت بلثم (1) الثغر منه فصدني ... عذار له في منع تقبيله عذر حمى ثغره المعسول نمل عذاره ... ومن عجب نمل يصان به ثغر 361 (2) علاء الدين الشاعر المنجم علي بن محمود بن حسن بن نبهان بن سند، علاء الدين أبو الحسن اليشكري الربعي البغدادي الأصل البصري المولد، الشاعر المنجم؛ ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وتوفي سنة ثمانين وستمائة. سمع بدمشق من ابن طبرزد والكندي، أخذ عنه الدمياطي وغيره، وسمع منه البرزالي، وكانت له يد طولى في علم الفلك وحل التقاويم، مع النظم وحسن الخط، وكانت وفاته بدمشق. ومن شعره: ولما دهاني الخطب من كل جهة ... وأصبح حالي حائلاً متبدلاً (3) عكفت على الأفلاك أرجو معونة ... بها أو بسعد للكواكب يجتلى فخاطب منها المشتري بعد زهرة ... فما ازددت إلا حيرة وتقلقلا أما والعلا لو كنت خاطبت عاقلاً ... لأصغى إلى ما قلته وتأملا

_ (1) الزركشي: برشف؛ ر: بلم. (2) الزركشي: 226 والشذرات 5: 367 والنجوم الزاهرة 7: 350 وابن الشعار 5: 58؛ ووردت الترجمة في ر. (3) ر: متبذلاً.

ولكن خطابي أطلساً (1) غير سامع ... مقالي له " ... " (2) فلا فلك التدوير للقول يرعوي ... ولا الكوكب الدري يفهم مقولا وليس سوى الخلاق جل جلاله ... أوجه وجهي نحوه متوسلا (3) وقال: إني أغار من النسيم إذا سرى ... بأريج عرفك خيفة من ناشق وأود لو سهدت لا من علة ... خوفاً عليك من الخيال الطارق وقال: من لي بمقتبل العذار كأنه ... مسك بوردة خده مفتوت وتخال جمر الخد يحرق خاله الن ... دي إلا أنه ياقوت وقال أيضاً: وسرب من الغيد الحسان عرضن لي ... فخلت ظباء بالصريم نوافرا تكحلن سحراً واعتجزن دياجياً ... ولحن صباحاً وابتسمن جواهرا وأقبلن في خضر الحلى فكأنما ... سلبن غصوناً أو لبسن مرائرا نصبت لها أشراك عيني طماعة ... وقد رفعت خمراً وجرت غدائرا فغادرن قلبي في الحبائل واقعاً ... وإن كان لبي بالصبابة طائرا وقال في صبي لعب وعرق وأخذ المرآة ينظر وجهه فيها: لما غدا تعباً وكل ... ل وجهه عرق المراح أخذ المراءة فاجتلى ... في الورد نوار الأقاح لا بل حباب قد طفا ... من وجنتيه فوق راح

_ (1) ر: أطلس. (2) بياض في ر؛ وفي المطبوعة: ما ساعني متأهلاً؛ ولا معنى له؛ والبيت ساقط من الزركشي. (3) ر: مترسلا.

وقال: ولما أتاني (1) العاذلون عدمتهم ... وما منهم إلا للحمي قارض وقد بهتوا لما رأوني شاحباً ... وقالوا به عين فقلت وعارض وقال: أشممت من عرف الصبا المتضوع ... طيباً تأرج عن ظباء الأجرع وافى يقص علي أخبار الغضا ... ففهمت من رياه ما لم أسمع رقصت قدود الدوح عند هبوبه ... وترنمت ورق الحمام السجع وسرى عليلاً إذ براه هواهم ... من لم يطق حمل الهوى يتوجع فسقى حيا جفني إذا ضن (2) الحيا ... داراً (3) لهم بين العذيب ولعلع أوطان لهو قد قضت أوطارنا ... غفلات أيام لنا لم ترجع وبمهجتي قاس علي وإنه ... ليميله نفس النسيم المولع جذلان مقتبل الشباب بطرفه ... نظر الأبي وكسرة المتخضع متمنع لما سألت وصاله ... واذلتي من عزه المتمنع لقضيتي في الحب سقم شاهد ... لو تسمع الشكوى ودمع مدعي وقال: ومعذر غاض الجمال بوجهه ... من بعد ما قد كان ليس بغائض وعذاره بالنتف يصبح واقعاً ... فكأن عارضه أصيب بعارض وقال: لا تضع بالفصاد من دمك الطي ... ب واستبقه فما ذاك رشد فهو إن حال ريقه كان خمراً ... وإذا جال في الخدود فورد

_ (1) ر: أتوني. (2) ر: ظن. (3) ر: دار.

علاء الدين الوداعي

وقال ذوبيت: يا ليلة وصلنا سقتك السحب ... عودي فعسى يقر هذا القلب إذا طاب عتابنا فيا فوزي لو ... أكثرت ذنوباً كي يطول العتب وقال أيضاً: أهوى قمراً تحار منه الحور ... كالصبح سناً وفرعه ديجور يزور مقطباً إذا أبصرني (1) ... كالكأس إذا عاينها المخمور وقال: قم نشربها فقد أضاء الشرق ... والصبح فقد بدا لنا ينشق قم نسلب روح الزق حتى نحيا ... سكراً ويموت بالفراق الزق 362 (2) علاء الدين الوداعي علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر بن زيد، الأديب البارع المقرئ المحدث الكاتب المنشئ، علاء الدين الكندي المعروف بالوداعي كاتب ابن وداعة؛ ولد سنة أربعين وستمائة تقريباً، وتوفي سنة ست عشرة وسبعمائة. تلا بالسبع على القاسم الأندلسي، وطلب الحديث ونسخ الأجزاء، وسمع من الخشوعي والكفرطابي والصدر والبكري وعثمان ابن خطيب

_ (1) ر: انصرني. (2) الزركشي: 227 والدرر الكامنة 3: 204 وانجوم الزاهرة 9: 235 والشذرات 6: 39 والبداية والنهاية 14: 78 ولسان الميزان 4: 263 ودول الإسلام 2: 169 وذيل العبر: 87 والدارس 1: 114؛ ووردت الترجمة في ر.

القرافة والنقيب ابن أبي الجن وابن عبد الدايم وغيرهم، ونظر في العربية، وحفظ كثيراً من أشعار العرب، وكتب المنسوب، وخدم موقعاً بالحصون، وتحول إلى دمشق، وهو صاحب " التذكرة الكندية " الموقوفة بالسميساطية في خمسين مجلد (1) بخطه، فيها عدة فنون، وتوفي ببستانه عند قبة المسجف، وكان شيعياً، وكان شاهداً بديوان الجامع الأموي، وولي مشيخة النفيسية (2) وكانت له ذؤابة بيضاء إلى أن مات. ومن شعره فيها: يا عائباً مني بقاء ذؤابتي ... مهلاً فقد أفرطت في تعييبها قد واصلتني في زمان شبيبتي ... فعلام أقطعها زمان مشيبها؟ وقال: من زار بابك لم تبرح جوارحه ... تروي محاسن ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة ... والقلب عن جابر والأذن عن حسن وقال: وذي دلال أحور أهيف ... أصبح في عقد الهوى شرطي طاف على القوم بكاساته ... وقال ساقي قلت في وسطي وقال: ولم أرد الوادي ولا عدت صادراً ... مع الركب إلا قلت يا حادي النوق فديتك عرج بي وعرس هنيهة ... لعلي أبل الشوق من آبل السوق وقال:

_ (1) كذا في ر. (2) نسبة إلى النفيس إسماعيل بن محمد الحراني وقفها داراً للحديث؛ وقد درس فيها الوداعي عشر سنين إلى أن مات (انظر الدارس 1: 114) .

لا أرى لقط عارضيه قبيحاً ... يا عذولاً (1) عن حبه ظل ينهى وجهه روضة وغير عجيب ... أنه يلقط البنفسج منها وقال أيضاً: أتيت إلى البلقاء أبغي لقاءكم ... فلم أركم فازداد شوقي وأشجاني فقالت لي الأقوام من أنت راصد ... لرؤياه قلت الشمس قالوا بحسبان وقال: لنا صاحب قد هذب الشعر طبعه ... فأصبح عاصيه على فيه طيعا إذا خمس الناس القصيد لحسنه ... فحق لشعر قاله أن يسبعا وقال: قل للذي بالرفض أتهم ... ني أضل (2) الله قصده أنا رافضي ألعن ... الشيخين أباه وجده وقال: قالوا حبيبك قد دامت ملاحته ... وما أتاه عذار إن ذا عجب فقلت خداه تبر والعذار صدا ... وقد زعمتم بأن لا يصدأ الذهب وقال: رو بمصر وبسكانها ... شوقي وجدد عهدي البالي وصف لي القرط وشنف به ... سمعي وما العاطل كالحالي وارو لنا يا سعد عن نيلها ... حديث صفوان بن عسال فهو مرادي لا يزيد ولا ... ثورا وإن رقا وراقا لي وقال في مليح سمين كثير الشعر: تعشقت فلاحاً بنيرب جلق ... ففي حسنه لا في الرياض تفرجي

_ (1) ر: عذول. (2) ر: أظل.

وقالوا اسل عنه فهو عبل ومشعر ... وما هو إلا من جبال البنفسج وقال: سمعت بأن الكحل للعين قوة ... فكحلت في عاشور مقلة ناظري لتقوى على سح الدموع على الذي ... أذاقوه دون الماء حر البواتر وقال: سئل الورد عندما استقطروه ... لم كذا عذبوك بالنيران قال ما لي جناية غير أنني ... جئت بعض السنين في رمضان وقال: لا نال من وصلك ما يسومه ... إن كان قد أصغى لمن يلومه حاشا حشاه أن يبيت ليلة ... مقفرة من الهوى رسومه واوحشة الصب الذي أنيسه ... أنينه ودمعه حميمه النوم لا يلوي على جفونه ... وصبره يلوي به غريمه هذا وما يشكو سوى عذوله ... فكم بما (1) يسوءه يسومه وكيف يسلو عن غزال دمعه ... عقيقه ووده صريمه إن لم يكن في الحسن عن بدر الدجى ... خليفة فإنه قسيمه قباؤه سماؤه عذاره ... هالته أزراره نجومه كالأقحوان والبروق ثغره ... أشمه إن شيت أو أشيمه طوبى بمن يسعده زمانه ... وذاك في نديه نديمه وقال: كلما دغدغت أكف الجنوب ... خصر نهر وعطف غصن رطيب انثنى الغصن ضاحكاً بالأزاهي ... ر وزاد الغدير في التقطيب

_ (1) ر: لما.

وإذا هم أن يقبل خد ال ... ورد شوقاً ثغر الأقاح الشنيب خلال أن النيلوفر الغض والنر ... جس أذن الواشي وعين الرقيب وقال: ويوم لنا بالنيربين رقيقة ... حواشيه خال من رقيب يشينه وقفنا على الوادي نحييه بكرة (1) ... فردت علينا بالرؤوس غصونه وقد هب علوي النسيم فلم تزل ... تغازلنا من كل نهر عيونه ومالت بنا الجرد العتاق إلى رشاً ... جديد العذار رائقات فنونه من الترك تقري الطارقين جفانه ... وتفري قلوب العاشقين جفونه يرنحه سكر الدلال فينثني ... فينهضه من شعره زرجونه إذا تاهت الأبصار في ليل شعره ... هداهن من فرق الصباح جبينه وقال: ليس لي بالصدود منك يدان ... لا ولا طاقة على السلوان وإذا ما أردت كتمان وجدي ... نم دمعي وكان شاني شاني حر قلبي من برد قلبك عني ... وسهادي من طرفك الوسنان وعذولي لما رأى منك إعرا ... ضاً رثى لي وإن أطلت رثاني وغرامي هو العذاب وما في ... ض دموعي إلا حميم آن ودماء سقت (2) سماء خدودي ... فغدت وهي وردة كالدهان فتكرم بعطفة والتفات ... مثل باقي الغصون والغزلان وقال: الزهر في الأكمام راح مقطباً ... والريح قد خطرت عليه بذيلها وغدت تبشره بإقبال الحيا ... حتى تبسم ضاحكاً من قولها

_ (1) الدرر الكامنة: وقفنا فسلمنا على الدوح غدوة. (2) ر: شقت.

ابن سعيد المغربي

وقال: إن أسرع العارض في وجنته ... فأسرعت تعيبه اللوائم فما نبات خده أول من ... قد دخل الجنة وهو ظالم وقال: هيهات ما أنا بالمفيق من الهوى ... ما دام يسكرني بحسن فائق متناسب في حسنه متجانس ... برشيق قامته وطرف راشق سقياً لوادي النيربين فكم لنا ... من صابح فيه الغداة وغابق أيام ليس لنا عدو أزرق ... غير البنفسج والخزامى العابق كلا ولا للغانيات مشاقق ... في حمرة الوجنات غير شقائق والغصن يلحفنا (1) بظل ساكن ... والنهر يلقانا بقلب خافق 363 (2) ابن سعيد المغربي علي بن موسى بن سعيد المغربي الغماري الأديب نور الدين، ينتهي نسبه إلى عمار بن ياسر؛ ورد من الغرب وجال في الديار المصرية والعراق والشام، وجمع وصنف ونظم، وهو صاحب كتاب " المغرب في أخبار المغرب " و " المشرق في أخبار المشرق " و " المرقص والمطرب "

_ (1) الزركشي: يلحظنا. (2) المغرب 2: 178 واختصار القدح: 1 والديباج المذهب: 208 وتاريخ السلامي: 145 وبغية الوعاة: 357 ومسالك الأبصار 8: 382 والذيل والتكلمة 5: 411 والنفح 2: 262 والزركشي: 228 والبدر السافر: 35؛ وهذه الترجمة وردت في ر.

و " ملوك الشعر "؛ توفي بدمشق في شعبان سنة ثلاث وسبعين وستمائة (1) . حكي أنه كان يوماً في جماعة " من " شعراء عصره المصريين، وفيهم أبو الحسين الجزار، فمروا في طريقهم بمليح نائم تحت الشجرة، وقد هب الهوا فكشف ثيابه عنه فقالوا: قفوا بنا لينظم كل منا في هذا شيئاً، فابتدر الأديب نور الدين فقال: الريح أقود ما يكون لأنها (2) ... تبدي خفايا الردف (3) والأعكان وتميل الأغصان عند هبوبها ... حتى تقبل أوجه الغدران فلذلك العشاق يتخذونها ... رسلاً (5) ، إلى الأحباب والأوطان فقال أبو الحسين: ما بقي أحد منا يأتي بمثل هذا. وقال: لله من أقطار جلق روضة ... راقت لنا حيث السحاب يراق وتلونت أزهارها فكأنما (5) ... نزلت بها الأحباب والعشاق وقال: أنا من علمت بشوقه ذكر الحمى ... وتساق روحي والركاب تساق أخلصت في حبي وكم من عاشق ... في ما ادعاه من الغرام نفاق يدعو الحمام وترقص الأغصان من ... طرب بهم وتصفق الأوراق وحدي جمعت من الهوى مثل الذي ... جمعوا كذاك تقسم الأرزاق وقال أيضاً: في جلق نزلوا حيث النعيم غدا ... مطولاً وهو في الآفاق مختصر

_ (1) الأرجح أن وفاة ابن سعيد تأخرت عن هذا التاريخ، وإنها كانت في حدود 685، فقد ترجم له ابن رشيد في رحلته (الورقة 169 من نسخة الاسكوريال رقم 1737) وذكر أنه لقب بتونس؛ وهذا يجعل وفاته متأخرة عن التاريخ الذي ذكره المؤلف. (2) الزركشي: رأيت فإنها. (3) الزركشي: الصدر. (5) ر: فكأنها. (5) ر: فكأنها.

فكل واد به موسى يفجره ... وكل روض على حافاته الخضر وقال: يا غصن روض سقته أدمعي مطراً ... وليس لي منه لا ظل ولا ثمر طال انتظاري لوعد لا وفاء له ... وإن صبرت فقد لا يصبر العمر وقال في جزيرة مصر (1) : تأمل لحسن الصالحية إذ بدت ... وأبراجها مثل النجوم تلالا ووافى إليها النيل من بعد غاية ... كما زار مشغوف يروم وصالا وعانقها من فرط شوق محبها ... فمد يميناً نحوها وشمالا وقال: إن للجبهة في قلبي هوى ... لم يكن عندي للوجه الجميل يرقص الماء بها من طرب ... ويميل الغصن للظل الظليل وتود الشمس لو باتت بها ... فلذا تصفر أوقات الأصيل وقال: إذا الغصون غدت خفاقة العذب ... فاسجد هديت إلى الكاسات واقترب وطارح الورق في أوراقها طرباً ... ومل إذا مالت الغصون من طرب وانهض إلى أم أنس بنت دسكرة ... تجلى عليك بإكليل من الذهب وانظر إلى زينة الدنيا وزخرفها ... في روضة رقمتها أنمل السحب وللأزاهر أحداق محدقة ... قد كحلتها يمين الشمس بالذهب وقال أيضاً: أسكان مصر جاور النيل أرضكم ... فأكسبكم تلك الحلاوة في الشعر وكان بتلك الأرض سحر وما بقي ... سوى أثر يبدو على النظم والنثر

_ (1) النفح 2: 269.

صاحب شذور الذهب

وقال (1) : يا واطئ النرجس ما تستحي ... أن تطأ الأعين بالأرجل قابل جفوناً بجفون ولا ... تبتذل الأرفع بالأسفل وقال: انظر إلى الغيم كيف يبدو ... وقد أتى مسبل الإزار والبرق في جانبيه يذكي ... أنفاسه وهو كالشرار ما طاب هذا النسيم إلا ... والجو من عنبر ونار وقال: أتى عاطل الجيد يوم النوى ... وقد حان موعدنا للفراق فقلدته بلآلي الدموع ... ووشحته بنطاق العناق 364 (2) صاحب شذور الذهب علي بن موسى بن علي بن موسى بن محمد بن خلف، أبو الحسن الأنصاري الأندلسي الجياني نزيل فاس؛ ولي خطابة فاس، وهو صاحب كتاب " شذور الذهب في صناعة الكيمياء " توفي سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. لم ينظم أحد في الكيمياء مثل نظمه بلاغة معاني وفصاحة ألفاظ وعذوبة تراكيب، حتى قبل فيه: إن لم يعلمك صنعة الذهب، علمك صنعة الأدب،

_ (1) النفح 2: 269، 271. (2) يعرف بابن النقرات، وقال ابن عبد الملك (5: 412) إنه كان حياً سنة خمس وتسعين؛ وانظر التكلمة رقم: 1877 والنفح 3: 605.

وقيل هو شاعر الحكماء وحكيم الشعراء، وقصيدته الطائية أبرزها في ثلاث مظاهر: مظهر غزل، ومظهر قصة موسى، والمظهر الذي هو الأصل في صناعة الكيمياء، وهذا دليل على القدرة والتمكن، وأولها: بزيتونة الدهن المباركة الوسطى ... غنينا فلم نبدل بها الأثل والخمطا صفونا فآنسنا من الطور نارها ... تشب لنا وهناً ونحن بذي الأرطى فلما أتيناها وقرب صبرنا ... على السير من بعد المسافة ما اشتطا نحاول منها جذوة ما ينالها ... من الناس من لا يعرف القبض والبسطا هبطنا من الوادي المقدس شاطئاً ... إلى الجانب الغربي نمتثل الشرطا وقد أرج الأرجاء منها كأنها ... لطيب شذاها تحرق العود والقسطا (1) وقمنا فألقينا العصا في طلابها ... إذا هي تسعى نحوها حية رقطا وثار لطيف النقع عند اهتزازها ... وأظلم من نور الظهيرة ما غطى ومد إليها الفيلسوف يمينه ... فجاذبها أخذاً وأوسعها ضغطا فصارت عصاً في كفه وأحبها ... فأخرجها بيضاء تجلو الدجى كشطا فلم أر ثعباناً أذل لعالم ... سواها، ولا منها على جاهل أسطى هي المركب الصعب المرام وإنها ... ذلول ولكن لا لكل من استمطى فأعجب بها من آية لمفكر ... يقصر عن إدراكها كل من أخطا وتفجيرها من صخرة عشر أعين ... وثنتين تسقس كل واحدة سبطا وتفليقها رهواً من البحر فاستوى ... طريقاً فمن ناج ومن هالك غمطا فتلك عصانا لا عصا خيزرانة ... على أنها في كف ممسكها ألطا وقد كان للزيتون فيها قساوة ... ولكن لين الدهن صيرها نقطا تسيل بماء الخد أبيض صافياً ... إذا ما شرطناها على ساقها شرطا ومن قبل ما أغوى أبانا بذوقها ... جذاذاً فأخطا والقضاء فما أخطا

_ (1) عند هذا البيت ينتهي ما بقي من القصيدة والترجمة في ر.

قطفت جناها واعتصرت مياهها ... فجمدت ما استعلى وذوبت ما انحطا ولينة الأعطاف قاسية الحشا ... إذا نفثت في الصخر تصدعه هبطا كأن عليها من زخاريف جلدها ... رداء من الوشي المفوف أو مرطا توصل إبليس بها في هبوطه ... إلى الأرض من عدن ففارقها سخطا أمت بها حياً وسودت أبيضاً ... وأسرفت في قلع السواد فما أبطا وأحييت تلك الأرض من بعد موتها ... بري وكانت تشتكي الجدب والقحطا كأن العيون الثابتات بخصرها ... عقدن نطاقاً أو على جيدها سمطا كأن من البدر المنير مشابهاً ... ومن أنجم الجوزاء في أذنها قرطا كأن من الصدغ الذي فوق خدها ... على ورده نوناً ومن خاله نقطا ظفرت بها بالنفس من جسم أمها ... كما ظفرت بالقلب في صدره لقطا وأرضعتها بالدر من ثدي بنتها ... فعاشت وكانت قبل ماتت به عبطا فحلت به روح الحياة كأنما ... مزجت لها في ذلك الدر إسفنطا وصيرتها بنتاً وصيرت بنتها ... لها مرضعاً فاعجب لمرضعة شمطا فحالت هناك البيت والأم فضة ... فتى لم يزاحمه العذر ولا خطا له منظر كالشمس يعطي ضياءه ... وليس كمثل البدر يأخذ ما أعطى فهذا الذي أعيا الأنام فأضمروا ... لمن وضع الأرماز في علمه سخطا وهذا هو الكنز الذي وضعوا له ... برابي إخميم وخصوا بها قفطا وتخليصه سهل بغير مشقة ... لمن عرف التطهير والعقد والخلطا أبا جعفر خذها إليك يتيمة ... تورع لوقا أن يورثها قسطا ولكنني لما رأيتك أهلها ... سمحت بها لفظا وأثبتها خطا ومن شعره أيضاً في الصناعة: لقد قلبت عيناي عن عينه قلبي ... بلينة الأعطاف قاسية القلب يهيم الفتى الشرقي منها بغادة ... تشوق إلى شرق وترغب عن غرب

ابن عصفور

هي الشمس إلا أنها قمرية ... هي البدر إلا أنه كامن الشهب إذا الفلك الناري أطلع شهبها ... على الذروة العليا من الغصن الرطب تراءت عروساً برزة الوجه تبتغي ... رفاقاً وكانت خلف ألف من الحجب فزوجها بكراً أخاها لأمها ... أبوها رجاء في المودة والقرب فعاد بها حياً وكان فراقها ... له سبباً إذ مات من شقة الحب فجن هوى لما استجنت بنفسه ... وطار فقالت بعد جهد له حسبي ولما ثنته عن طبيعته التي ... بدت عنه إلا أن تناهبها قلبي تعالى عن الأشباه لوناً وجوهراً ... وجل فلم ينسب إلى طينة الترب 365 (1) ابن عصفور علي بن مؤمن بن محمد بن علي، العلامة ابن عصفور النحوي الحضرمي الإشبيلي حامل لواء العربية بالأندلس؛ أخذ عن الأستاذ أبي الحسن الدباج، ثم عن الأستاذ أبي علي الشلوبين، وتصدى للاشتغال مدة، ولازم الشلوبين عشر سنين إلى أن ختم عليه كتاب سيبويه، وكان أصبر الناس على المطالعة لا يمل ذلك، وأقرأ بإشبيلية وشريش ومالقة ولورقة ومرسية. قال ابن الزبير (2) : لم يكن عنده ما يؤخذ عنه سوى العربية ولا تأهل

_ (1) الذيل والتكملة 5: 413 وصلة الصلة: 142 وبغية الوعاة: 357 والزركشي: 233 وله ترجمة مسهبة في رحلة ابن رشيد (الورقة: 91 من نسخة الإسكوريال رقم: 1737) ؛ وقال ابن عبد الملك إنه توفي سنة 659؛ وقال ابن الزبير: إنه توفي في عشر السبعين وستمائة؛ ولعل تعيين وفاته سنة 669 أدق؛ وما ورد عند ابن عبد الملك سهو. (2) في المطبوعة: ابن الأثير، والتصويب عن الزركشي، والنص موجود في صلة الصلة.

ابن ماكولا

لغير ذلك، قال: وكان يخدم الأمير أبا عبد الله محمد بن أبي بكر الهنتاني. ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وتوفي سنة تسع وستين وستمائة، بتونس؛ ولم يكن بذلك الورع، كان الشيخ تقي الدين ابن تيمية يدعي أنه لم يزل يرجم بالنارنج في مجلس الشراب إلى أن مات. ومن تصانيفه كتاب " الممتع " وكتاب " المفتاح " وكتاب " الهلال " وكتاب " الأزهار " وكتاب " إنارة الدياجي " وكتاب " مختصر الغرة " وكتاب " مختصر المحتسب " وكتاب " السالف والعذار " وكتاب " شرح الجمل " وكتاب " المقرب " (1) في النحو، يقال: إن حدوده كلها مأخوذة من الجزولية، وكتاب " البديع " شرح الجزولية و " شرح المتنبي " و " سرقات الشعراء " و " شرح الأشعار الستة " و " شرح المقرب " و " شرح الحماسة " وهذه الشروحات لم يكملها، وله غير ذلك. ومن شعره: لما تدنست بالتخليط في كبري ... وصرت مغرى برشف الراح واللعس رأيت أن خضاب الشيب أستر لي ... إن البياض قليل الحمل للدنس 366 (2) ابن ماكولا علي بن هبة الله بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن القاسم بن

_ (1) نشر بتحقيق الأستاذ الجواري والجبوري (الجزء الأول، بغداد 1971) وبتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة (حلب) . (2) ليست هذه الترجمة من المستدرك على ابن خلكان فقد وردت ترجمة ابن ماكولا في الوفيات (3: 305) وانظر المنتظم 9: 5 ومعجم الأدباء 15: 102 وتذكرة الحفاظ: 1201 وابن الأثير 10: 128 وعبر الذهبي 3: 317 والشذرات 3: 318 والرسالة المستطرقة: 116 والزركشي: 234 ومقدمة الإكمال؛ والمشهور في نسبه علي بن هبة الله بن علي بن جعفر.

عيسى، المعروف بابن ماكولا؛ كان أبوه وزير جلال الدولة بن بويه، وكان عمه أبو عبد الله الحسين بن جعفر (1) قاضي القضاة ببغداد، وكان عالماً حافظاً متقناً، وكان يقال عنه: الخطيب الثاني. قال ابن الجوزي: سمعت شيخنا عبد الوهاب يقدح فيه ويقول: يحتاج إلى دين (2) . صنف كتاب " المختلف والمؤتلف " جمع فيه بين كتاب الدارقطني وعبد الغني والخطيب وزاد عليهم زيادات كثيرة، وله كتاب " الوزراء ". وكان نحوياً مجوداً شاعراً صحيح النقل، ما كان في البغداديين في زمانه مثله؛ سمع أبا طالب ابن غيلان وأبا بكر بن بشران وأبا القاسم بن شاهين وأبا الطيب الطبري، وسافر إلى الشام والسواحل وديار مصر والجزيرة والثغور والجبال، ودخل بلاد خراسان وما وراء النهر، وجال في الآفاق. ولد بعكبرا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وتوفي سنة خمس وثمانين وأربعمائة؛ قال الحميدي: خرج إلى خراسان ومعه غلمان له ترك، فقتلوه بجرجان وأخذوا ماله وهربوا، وطاح دمه هدراً. ومن شعره: ولما تفرقنا تباكت قلوبنا ... فممسك دمع عند ذاك كساكبه فيا نفسي الحرى البسي (3) ثوب حسرة ... فراق الذي تهوينه قد كساك به وقال أيضاً: فؤاد ما يفيق من التصابي ... أطاع غرامه وعصى النواهي

_ (1) ابن خلكان: الحسين بن علي بن جعفر. (2) كذا وردت العبارة عند الزركشي؛ وفي معجم الأدباء: ((العلم يحتاج إلى دين)) . (3) في المطبوعة: اكتسي؛ وما اثبته موافق للزركشي ومعجم الأدباء.

نجم الدين الحلي

وقالوا لو تصبر كان يسلو ... وهل صبر يساعد والنوى هي وقال أيضاً: علمتني بهجرها الصبر عنها ... فهي مشكورة على التقبيح وأرادت بذاك قبح صنيع ... فعلته فكان عين المليح وقال أيضاً: أقول لقلبي قد سلا كل واحد ... ونفض أثواب الهوى عن مناكبه وحبك ما يزداد إلا تجلداً ... فيا ليت شعري ذا الهوى من مناك به وقال أيضاً: تجنبت أبواب الملوك لأنني ... علمت بما لم يعلم الثقلان رأيت سهيلاً لم يحد عن طريقه ... من الشمس إلا من مقام هوان 367 (1) نجم الدين الحلي علي بن يحيى بن بطريق، بجم الدين أبو الحسن الحلي الكاتب؛ كتب بالديار المصرية أيام الدولة الكاملية، ثم اختلت حاله فعاد إلى العراق ومات ببغداد سنة اثنتين وأربعين وستمائة؛ وكان فاضلاً أصولياً. قال القوصي: أنشدنا لنفسه بدمشق وكتب بها إلى ابن عنين، وكان به جرب انقطع بسببه في داره: مولاي لا بت في همي وفي نصبي ... ولا لقيت الذي ألقى من الجرب

_ (1) الزركشي: 234.

" ابن الذروي "

هذا زماني (1) أبو جهل وذا جربي ... أبو معيط وذا قلبي أبو لهب وأنشدني لنفسه وقد بلغه أن الملك الأشرف أعطى الحلي سيفاً محلى فتقلد به وتشبه بالحيص بيص: تقلد راجح الحلي سيفاً ... محلى واقتنى سمر الرماح وقال الناس فيه فقلت كفوا ... فليس عليه في ذا من جناح أيقدر أن يغير على القوافي ... وأموال الملوك بلا سلاح وقال أيضاً: لي على الريق كل يوم ركوب ... في غبار أغص منه بريقي أقصد القلعة السحوق كأني ... حجر من حجارة المنجنيق فدوابي تحفى وجسمي يضني ... هذه قلعة على التحقيق 368 (2) " ابن الذروي " علي بن يحيى، القاضي الوجيه المعروف بابن الذروي؛ شاعر مجيد، وكانت وفاته بالديار المصرية سنة " ... " (3) ومن شعره: جن به العاذل لما رآه ... وعاد يستعذر مما جناه

_ (1) في المطبوعة: زمان، والتصويب عن الزركشي. (2) الخريدة (قسم مصر) 1: 187 وذكر المحقق هنالك أن له ترجمة في المغرب لابن سعيد (قسم مصر) 2: 170 (من نسخة دار الكتب المصرية) وابن سعيد ينقل عن كتاب السيل والذيل للعماد وعن ديوان ابن الذروي، وانظر كتاب الروضتين 2: 27 والزركشي: 234 وصفحات متفرقة من بدائع البدائه؛ وبقي جزء يسير من هذه الترجمة في ر. (3) بياض في المطبوعة، وكذلك عند الزركشي، وذكر محقق الخريدة أنه توفي سنة 577.

أتاه كي يهدي إلى سلوة ... عنه فضل العقل منه وتاه وهل يطيع القلب تقييده ... وقد عصى لما نهته نهاه الحب بالكتمان عقل فإن ... تجد به وشاه قول الوشاه وما على العاذل من مغرم ... شفاؤه ما ضمنته الشفاه هويته كالروض في حسنه ... إذا رضيت بالوصف مني حلاه ينور وجهاً وابتساماً، فما ... نعرف منه الثغر لولا لماه إن لم يكن بدراً على بانه ... فإن بين المنظرين اشتباه أنكر من قتلي ألحاظه ... منه دماً تعرفه وجنتاه وشفني سقماً فما ضره ... لو أبرأ السقم الذي قد براه وقال أيضاً: ألم وطرف النجم قد كاد يغمض ... خيال إذا دب الكرى يتعرض سرى لي من أقصى الشآم وبيننا ... فياف على الساري تطول وتعرض هدته من الأشواق نار دخانها ... هموم عليه صبغة الليل تنفض وأداه للعشاق دمع تقطرت ... مرائرنا في مائه فهي عرمض له الله من طيف متى ذقت هجعة ... أتتني به خيل الأماني تركض يواصلني عمن هو الدهر هاجر ... ويقبل لي عمن هو الدهر معرض وما شاقني إلا تألق بارق ... أرقت له والجو بالصبح يحرض وللغيم مسك في ذرانا مطبق ... وللطل كافور لدينا مرضرض وقد أشرب الصهباء من كف شادن ... حلاه على شرب المدام تحرض يروقك خد منه للثم أحمر ... ويصيبك (1) ثغر منه للرشف أبيض فللحسن من هذا شقيق مذهب (2) ... وللطيب من ذا أقحوان مفضض

_ (1) المطبوعة: نصيبك، والتصويب عن الزركشي. (2) المطبوعة: مهذب، وما أثبته عن الزركشي.

وندمان صدق قد بلوت وكلهم ... لودك يصفي أو لنصحك يمحض وقال أيضاً: يا بان إن كان سكان الحمى بانوا ... ففيض شاني له في إثرهم شان ويا حمائم إن سجعت مسعدة ... فلي على دوحة الأشواق ألحان أبكي الأحبة أو أبكي منازلهم ... فإن مضى ذكر نعمى قلت نعمان قد كان في تلك أوطار نعمت بها ... ولت كما كان من هاتيك أوطان من لي بأقمار أنس في دجى طرر ... أفلاكها العيس والأبراج أظعان تلك القدود مع الأرداف إن خطرت ... ما القضب قضب ولا الكثبان كثبان سقوا من الحسن ماء واحداً فبدا ... منهم لنا غير صنوان وصنوان يا يوم توديعهم ماذا به ظفرت ... عيني من الحسن لو والاه إحسان جئنا فولى بها الإعراض من حذر ... فكيف لم تتلفت وهي غزلان من كل قانية الخدين ناهدة ... لو كان للضم أو للثم إمكان يدل على وجنتيها الجلنار على ... أن الذي حاز منها الصدر رمان كم طرت شوقاً إليها في الرياح صنى ... فظن بلقيس وافاها سليمان وقال أيضاً: ما بين وجهك والهلال سوى ... أن الأهلة لا تميت هوى لله منظر من كلفت به ... ماذا من الحسن البديع حوى والنجم منه إذا هوى وروى ... ما ضل مثلي عاشق وغوى ما الغصن هزته الجنوب إذا ... ما السكر هز قوامه ولوى لام العذول وقد رآه وكم ... عاو على البدر المنير عوى يا من غدا بنواه يوعدني ... ليكن عقابك لي بغير نوى انظر إلى جسمي يذوب ضنى ... وانظر تجد قلبي يفت جوى وقال من أبيات:

أنت المنى والمنايا للأنام فإن ... أردت آمن قلوب الناس أو أخف قال العواذل كم تعنى به أسفاً ... فقلت: يا أسفي إن حلت عن أسف يا من تعطفت الصدغان منه على ... ذلي وما قلبه القاسي بمنعطف إن كان عندك عدوى كل ذي جنف ... فإن كان عندي بلوى كل ذي دنف أقول والفجر قد لاحت بشائره ... والجو قد كاد (1) يكسى حلة السدف والليل خلف عصا الجوزاء من خور ... فذاك في عمره للشيب والخرف راهنت يا نجم جفني في السهاد وقد ... بدا بأجفانك التسهيد فاعترف ودخل الوجيه ابن الذروي إلى الحمام ومعه ابن وزير الشاعر، فقال ابن وزير (2) : لله يومي بحمام نعمت بها (3) ... والماء ما بيننا من حوضها جاري كأنه فوق شفاف الرخام ضحى ... ماء يسيل على أثواب قصار فقال ابن الذروي: وشاعر أوقد الطبع الذكي (4) له ... فكاد يحرقه من فرط إذكاء أقام يعمل أياماً قريحته (5) ... وشبه (6) الماء بعد الجهد بالماء ولابن الذروي في الحمام: إن عيش الحمام أطيب عيش (7) ... غير أن المقام فيه قليل

_ (1) المطبوعة: كان؛ والتصويب عن الزركشي. (2) انظر بدائع البدائه: 259 - 260؛ وابن خلكان وابن وزير هو النجيب هبة الله بن وزير؛ الخريدة - قسم مصر - 2: 143. (3) البدائع: به. (4) البدائع: الذكاء. (5) البدائع: يجهد ... رويته. (6) البدائع: وفسر. (7) البدائع: عيش هني.

" ابن القفطي "

فهي مثل المليك (1) يصفي لك الو ... د ولكن وده مستحيل جنة تكره (2) الإقامة فيها ... وجحيم يطيب فيه الدخول فكأن الغريق فيها كليم ... وكأن الحريق فيها خليل وفيه يقول ابن المنجم: لا تحسبن الوجيه حين كسا ... بردته للغلام من غلطه والله ما لفه ببردته ... إلا لأخذ القضيب من وسطه 369 (3) " ابن القفطي " علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى، وزير حلب، القاضي الأكرم الوزير جمال الدين أبو الحسن ابن القفطي، أحد الكتاب المشهورين، وكان أبوه القاضي الأشرف كاتباً أيضاً؛ ولد بقفط من الصعيد الأعلى بالديار المصرية وأقام بحلب، وكان يقوم بعلوم من اللغة والنحو والفقه والحديث وعلوم القرآن والأصول والمنطق والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل؛ ولد سنة ستين (4) وخمسمائة وتوفي سنة ست وأربعين وستمائة.

_ (1) ر: لملوك. (2) ر: يكره. (3) الزركشي: 234 وابن الشعار 5: 1 ومعجم الأدباء 15: 175 ومرآة الجنان 4: 116 وبغية الوعاة: 358 والشذرات 5: 236 والطالع السعيد: 436 وحسن المحاضرة 1: 554 ومعجم البلدان (فقط) . والنجوم الزاهرة 6: 361 والحوادث الجامعة: 237 وانظر مقدمة المحقق على إنباه الرواة؛ وقد وردت هذه الترجمة في ر. (4) معجم الأدباء: ثمان وستين.

وكان صدراً محتشماً كامل السؤدد، جمع من الكتب ما لا يوصف وقصد بها من الآفاق، وكان لا يحب من الدنيا سواها، ولم يكن له دار ولا زوجة، وأوصى بكتبه للناصر صاحب حلب وكانت تساوي خمسين ألف دينار، وله حكايات غريبة في غرامه بالكتب، وهو أخو المؤيد ابن القفطي. ومن شعره (1) : ضدان عندي قصرا همتي ... وجه حيي ولسان وقاح إن رمت أمراً خانني ذو الحيا ... ومقول يطمعني في النجاح فأنثني في حيرة منهما ... لي مخلب ماض وما من جناح شبه جبان فر من معرك ... خوفاً وفي يمناه عضب الكفاح وله من التصانيف كتاب " الضاد والظاء " وهو ما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى والخط. كتاب " الدر الثمين في أخبار المتيمين ". كتاب " من ألوت الأيام عليه فرفعته ثم التوت عليه فوضعته ". كتاب " أخبار المصنفين وما صنفوه ". كتاب " أخبار النحويين " كبير. كتاب " أخبار مصر من ابتدائها إلى أيام صلاح الدين ". ست مجلدات. كتاب " تاريخ المغرب ". كتاب " تاريخ اليمن ". كتاب " المحلى في استيعاب وجوه كلا ". كتاب " إصلاح خلل صحاح الجوهري ". كتاب " الكلام على الموطأ " لم يتم. كتاب " الكلام على صحيح البخاري " لم يتم. " تاريخ محمود بن سبكتكين وبيته (2) ". " كتاب تاريخ السلجوقية ". كتاب " الإيناس في أخبار آل مرداس ". كتاب " الرد على النصارى وذكر مجامعهم ". كتاب " مشيخة تاج الدين الكندي ". كتاب " نهزة الخاطر ونزهة الناظر، في أحاسن ما نقل من ظهور الكتب ".

_ (1) معجم الأدباء 179 - 180. (2) معجم الأدباء: وبنيه.

ابن الصفار المارديني

370 - (1) ابن الصفار المارديني علي بن يوسف بن شيبان، جلال الدين المارديني المعروف بابن الصفار؛ مولده بماردين سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ومات مقتولاً، قتلته التتار لما دخلوا ماردين سنة ثمان وخمسين وستمائة. خدم بكتابة الإنشاء الملك المنصور ناصر الدين أرتق صاحب ماردين، وتولى كتابة أشراف دنيسر ثماني عشرة (2) سنة؛ كان شاعراً مجيداً، وله فضل وأدب، وصنف كتاباً يحتوي على آداب كثيرة وسماه كتاب " أنس الملوك " وله شعر رائق منه من قصيدة: أنا ما سلوت وبرق فيه خلب ... أسلو وعارضه أمامي سائل؟! يسعى بإبريقين: ذا من ثغره ... يحيي وذا من مقلتيه قاتل فمتى تقوم قيامتي بوصاله ... ويضم شملينا معاد شامل؟ وأكون من أهل الخطايا: خده ... ناري وصدغاه علي سلاسل وقال أيضاً: مشوق إذا ما ارتاح هيجه الحب ... وصب لوبل الدمع في خده صب إذا نفحته من صبا الشوق نفحة ... صبا نحوها والمدنف الصب قد يصبو بروحي ريم قد رمتني جفونه ... بأسهم لحظ كان برجاسها القلب نضا عضب جفنيه علي عذاره ... فمن مهجتي جفن ومن لحظه عضب يعذب قلبي ظالماً عذب ظلمه ... ولكن تعذيبي لمرشفه عذب

_ (1) الزركشي: 235 والنجوم الزاهرة 7: 252 وابن الشعار 5: 259. (2) ر والزركشي: ثمانية عشر.

نصبت لضيف الطيف منه حبائلاً ... من النوم لما عز في اليقظة القرب وما كنت أدري أنه رافض الهوى ... ينفره عن زورتي ذلك النصب تجمعت الأضداد فيه ولم يكن ... ليجتمع الإيجاب في الشيء والسلب ففي خده نار وفي الثغر جنة ... وفي لفظه سلم وفي حلظه حرب وفي قده لين وفي القلب قسوة ... وفي خصره جدب وفي ردفه خصب وقال أيضاً: إذا نظرت عيني وجوه حبائبي ... فتلك صلاتي في ليالي الرغائب منها: تبدت لنا عند الصباح طليعة ... من الترك مرد فوق جرد سلاهب بأيديهم سمر طوال كأنما ... أسنتها تبغي التقاط الكواكب تثنوا غصوناً في السروج وأطلقوا ... سهام لحاظ من قسي الحواجب والقوا القنا المران عنهم وقوموا ... قدوداً أعدوها لقرع الكتائب ولو كشفوا بيض العوارض في الوغى ... لأغنتهم عن سل بيض القواضب ترى كل عين منهم عين فتنة ... تنادي أسود الحرب: هل من محارب؟ فظلت موالينا أسارى محاسن ... من القوم صرعى لا أسارى المضارب فما ملك إلا أسير لمالك ... ولا حاجب إلا أسير لحاجب وقال أيضاً: هل اختط فانآد غصناً وريقا ... غرير (1) حكى الكأس ثغراً وريقا أم الصدغ لما صفا خده ... تمثل فيه خيالاً دقيقا رنا فرمى أسهماً وانثنى ... رشيقاً فراح كلانا رشيقا وأبدع فيه فمالي أرى ... له الخال وهو فريد (1) شقيقا

_ (1) ر والزركشي: غريراً. (1) ر والزركشي: غريراً.

وما بال مبسمه ميسماً ... وما ملكته يمين رقيقا وهبه ارتوى من نمير الصبا ... فكيف استحال بفيه رحيقا فأجرى لنا من فم أولاً ... وثغر جديد كميتاً عتيقا حججت إلى كعبة الحسن منه ... ووجهت وجهي إليها مشوقا وقبلته فوردت العذيب ... وجزت الثنايا وجئت العقيقا وقال: برق بدا أم ثغرك المنعوت ... أم لؤلؤ قد ضمه ياقوت وظبا سيوف جردت من لحظك ال ... فتاك أم هاروت أم ماروت يا للنصارى برقعوا شماسكم ... قبل الضلال فإنه طاغوت ما قام أقنوم الجمال بوجهه ... إلا وفي ناسوته لاهوت أحسن فإن الحسن وصف زائل ... واصنع جميلاً فالجمال يفوت واستبق أبناء الغرام فإنهم ... سيقلدوك دماهم ويموتوا وقال: مذ عقربت صدغاه واستجمع ال ... نمل على شهد اللمى الأشنب (1) تقدم الحاجب للعارض أن ... يكتب بالأدهم في الأشهب وقام في جيش الهوى معلناً ... وصاح والعشاق في الموكب يا أمراء الحسن لا تركبوا ... القمر (2) الأرضي في العقرب وقال في غلام مليح غرق في الماء (3) : يا أيها الرشأ المكحول ناظره ... إني أعيذك من نار بأحشائي (4)

_ (1) عند هذا الحد تنقطع الترجمة في ر. (2) الزركشي: فالقمر. (3) الزركشي: وله في غلام اسمه الشمس يعوم. (4) الزركشي: بالسحر، حسبك قد أحرقت أحشائي.

إن انغماسك في التيار حقق أن ... الشمس تغرب في عين من الماء وقال أيضاً: ويوم قر برد أنفاسه ... يمزق الأوجه من قرصها يوم تود الشمس من برده ... لو جرت النار إلى قرصها أخذه من قول القاضي الفاضل: في ليلة جمد خمرها، وخمد جمرها، إلى يوم تود البصلة لو ارتدت إلى قمصها، والشمس لو جرت النار إلى قرصها. وقال أيضاً: ما برحت يوم وداعي لها (1) ... تضمني ضمة مستأنس حتى تثنى الغصن فوق النقا ... وانتثر الطل على النرجس وقال أيضاً: تعشقته أمي (2) حسن فماله ... أتى بكتاب ضمنه سورة النمل ومالي أنا المجنون (3) فيه وشعره ... إذا مر بالكثبان خط على الرمل وهو مثل لقول آخر: وتركي نقي الخد ألمى ... بقد ماس كالغصن الرطيب له شعر حكى مجنون ليلى ... يخط إذا مشى فوق الكثيب وقال أيضاً: إذا هب النسيم بطيب نشر ... طربت وقلت إيه يا رسول سوى أني أغار لأن فيه ... شذاك وأنه مثلي عليل

_ (1) المطبوعة: لهم، والتصويب عن الزركشي. (2) المطبوعة: زاهي، والتصويب عن الزركشي. (3) المطبوعة: ومالي والمجنون، والتصويب عن الزركشي.

علية بنت المهدي

وقال أيضاً: وأعجب شيء أن ريقك ماؤه ... يولد دراً وهو عذب مروق وأنك صاح وهو فيك مسكر ... وأنت جديد الحسن وهو معتق وقال أيضاً " ذوبيت ": لا تعتقدوا شامته في الخد ... قد زخرفها تعمداً بالقصد ذا خالقه لما بدا حاجبه ... نوناً جعل النقطة فوق الخد 371 (1) علية بنت المهدي علية بنت المهدي العباسية، أخت أمير المؤمنين هارون الرشيد؛ كانت من أحسن خلق الله وجهاً، وأظرف النساء (2) وأعقلهن، ذات صيانة وأدب بارع، تزوجها موسى بن عيسى العباسي، وكان الرشيد يبالغ في إكرامها واحترامها، ولها ديوان شعر. عاشت خمسين سنة، توفيت سنة عشر ومائتين، وكان سبب موتها أن المأمون سلم عليها وضمها إلى صدره، وجعل يقبل رأسها ووجهها مغطى، فشرقت من ذلك وحمت، وماتت لأيام يسيرة، وكانت تتغزل في خادمين: أحدهما طل والآخر رشاً. فمن قولها في طل وصحفت اسمه: أيا سروة البستان (3) طال تشوقي ... فهل لي إلى ظل لديك سبيل

_ (1) الأغاني 10: 171 والزركشي: 236 ونزهة الجلساء: 80 وفيه نقل عن الحصري من كتاب ((النورين)) ؛ وبعض الترجمة ورد في ر سقط جزء من أولها. (2) في المطبوعة: الناس، والتصويب عن الزركشي. (3) في المطبوعة: الفتيان، والتصويب عن الزركشي.

متى يلتقي من ليس يقضي خروجه ... وليس لمن يهوى إليه وصول وقالت فيه أيضاً: سلم على ذاك الغزا ... ل الأغيد الحسن الدلال سلم عليه وقله له: ... يا غل ألباب الرجال خليت جسمي ضاحياً ... وسكنت في ظل الحجال وبلغت مني غاية ... لم أدر منها ما احتيالي فبلغ الرشيد ذلك فحلف أنها لا تذكره، ثم تسمع عليه يوماً فوجدها وهي تقرأ في آخر سورة البقرة حتى بلغت قوله تعالى: فإن لم يصبها وابل فما نهى عنه أمير المؤمنين، فدخل الرشيد وقبل رأسها وقال لها: قد وهبت لك طلاً لا منعتك بعد هذا عما تريدين. وكانت من أعف الناس: كانت إذا طهرت لازمت المحراب، وإذا لم تكن طاهرة غنت. ولما خرج الرشيد إلى الري أخذها معه، فلما وصلت إلى المرج نظمت قولها: ومغترب بالمرج يبكي لشجوه ... وقد غاب عنه المسعدون على الحب إذا ما أتاه الركب من نحو أرضه ... تنشق يستشفي برائحة الكرب وغنت بهما، فلما بلغ الرشيد الصوت علم أنها قد اشتاقت إلى العراق وأهلها، فأمر بردها. ومن شعرها: إني كثرت عليه في زيارته ... فمل والشيء مملول إذا كثرا ورابني منه أني لا أزال أرى ... في طرفه قصراً عني إذا نظرا وقالت: كتمت اسم الحبيب عن العباد ... ورددت الصبابة في فؤادي

فواشوقي إلى ناد خلي ... لعلي باسم من أهوى أنادي وقالت: خلوت بالراح أناجيها ... آخذ منها وأعاطيها نادمتها إذ لم أجد صاحباً ... أرضاه أن يشركني فيها وهذا يشبه قول أبي النواس: على مثلها مثلي يكون منادمي ... وإن لم يكن مثلي خلوت بها وحدي وقالت: بني الحب على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج ليس يستحسن في حكم الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج وقليل الحب صرفاً خالصاً ... هو خير من كثير قد مزج وقالت عريب المغنية: أحسن يوم (1) مر بي في الدنيا وأطيبه يوم اجتمعت فيه مع إبراهيم بن المهدي وأخته علية، وعندهم أخوهم يعقوب، وكان من أحذق الناس بالزمر، فبدأت علية فغنتهم من صنعتها في شعرها، وأخوها يعقوب يزمر عليها: تحبب (2) فإن الحب داعية الحب ... وكم من بعد الديار متوجب القرب تبصر فإن حدثت أنا أخا هوى ... نجا سالماً فارج النجاة من الحب وأطيب أيام الفتى يومه الذي ... يروع بالهجران فيه وبالعتب إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرسائل والكتب وغنى إبراهيم وزمر عليه يعقوب:

_ (1) ر: يوماً. (2) ر: تجنب.

كمال الدين ابن العديم

لم ينسنيك سرور لا ولا حزن ... وكيف لا كيف ينسى (1) وجهك الحسن ولا خلا منك قلبي ولا جسدي ... كلي بكلك مشغول ومرتهن وحيدة الحسن مالي منك مذ كلفت ... نفسي بحبك إلا الهم والحزن نور تولد من شمس ومن قمر ... حتى تكامل فيه (2) الروح والبدن فما سمعت مثل ما سمعت منهما قط، وأعلم أني لا أسمع مثله أبداً. ولدت سنة ستين ومائة وتوفيت سنة عشر ومائتين، رحمها الله تعالى. 372 - (3) كمال الدين ابن العديم عمر بن أحمد بن هبة الله ابن أبي جرادة، الصاحب العلامة رئيس الشام، كمال الدين العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم؛ ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وتوفي سنة ست وستين وستمائة، وسمع من أبيه ومن عمه أبي غانم محمد وابن طبرزد والافتخار والكندي والحرستاني، وسمع جماعة كثيرة بدمشق وحلب والقدس والحجاز والعراق، وكان محدثاً حافظاً مؤرخاً صادقاً فقيهاً مفتياً منشئاً بليغاً كاتباً مجوداً، درس وأفتى وصنف، وترسل عن الملوك، وكان رأساً في الخط المنسوب لا سيما النسخ الحواشي. أطنب الحافظ شرف الدين الدمياطي في وصفه وقال: ولي قضاء حلب خمسة من آبائه متتالية، وله الخط

_ (1) ر: ننسى. (2) ر: فيها. (3) البدر السافر: 37 والزركشي: 237 ومعجم الأدباء 16: 5 والجواهر المضية 1: 386 والنجوم الزاهرة 7: 208 ومرآة الجنان 4: 158 والشذرات 5: 303 وتاريخ ابن الوردي 2: 215؛ واكثر المصادر على أن وفاته كانت سنة 660؛ والترجمة ثابتة في ر.

البديع والحظ الرفيع، والتصانيف الرائقة منها " تاريخ حلب " أدركته المنية قبل إكمال تبييضه، روى عنه الدواداري وغيره ودفن بسفح المقطم بالقاهرة؛ انتهى. قال ياقوت (1) : سألته لم سميتم ببني العديم؟ فقال: سألت جماعة من أهلي عن ذلك فلم يعرفوه، وقال: هو اسم محدث، ولم يكن في آبائي القدماء من يعرف به، ولا أحسب إلا أن جدي القاضي أبا الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى ابن زهير بن " أبي " جرادة - مع ثروة واسعة ونعمة شاملة - كان يكثر في شعره من ذكر العدم وشكوى الزمان، فسمي بذلك، فإن لم يكن هذا سببه فما أدري ما سببه. ولكمال الدين من المصنفات كتاب " الدراري في ذكر الذراري (2) " صنفه للملك الظاهر غازي وقدمه له يوم ولده الملك العزيز، وكتاب " ضوء الصباح في الحث على السماح " صنفه للملك الأشرف، وكتاب " الأخبار المستفادة في ذكر بني أبي جرادة ". كتاب في الخط وعلومه وآدابه ووصف طروسه وأقلامه، وكتاب " دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري " وكتاب " تبريد حرارة الأكباد في محفة تشد له بين بغلين ويجلس فيها ويكتب، وقدم إلى مصر رسولاً وإلى بغداد، وكان إذا قدم إلى مصر يلازمه أبو الحسين الجزار، فقال فيه بعض أهل العصر: يا ابن العديم عدمت كل فضيلة ... وغدوت تحمل راية الإدبار ما إن رأيت ولا سمعت بمثلها ... تيس يلوذ بصحبة الجزار ومن شعر الصاحب كمال الدين (3) :

_ (1) معجم الأدباء 16: 6. (2) ر: الدراري. (3) معجم الأدباء 16: 51.

وأهيف معسول المراشف خلته ... وفي وجنتيه للمدامة عاصر يسيل إلى فيه اللذيذ مدامة ... رحيقاً وقد مرت عليه الأعاصر فيسكر منه عند ذاك قوامه ... فيهتز تيهاً والعيون فواتر كأن أمير النوم يهوى جفونه ... إذا هم رفعاً خالفته المحاجر خلوت به من بعد ما نام أهله ... وقد غارت الجوزاء والليل ساتر فوسدته كفي وبات معانقي ... إلى أن بدا ضوء من الصبح سافر فقام يجر البرد منه على تقى (1) ... وقمت ولم تحلل لإثم مآزر كذلك أحلى الحب ما كان فرجه ... عفيفاً ووصلاً (2) لم تشبه الجرائر وقال: فواعجباً من ريقه (3) وهو طاهر ... حلال وقد أضحى علي محرما هو الخمر لكن أين للخمر طعمه ... ولذته مع أنني لم أذقها وقال: بدا يسحر الألباب بالحسن والحسنى ... هلم إليه إنه المقصد الأسنى وزر بين (4) أزرار القميص ترائباً ... وضم إليك الدعص والغصن اللدنا وقال، وكتب بها إلى نور الدين ابن سعيد: يا أحسن الناس نظماً غير مفتقر ... إلى شهادة مثلي مع توحده إن كان خطي كسا خطاً كتبت له ... إلي حسناً بدا في لون أسوده فقد أتت منك أبيات (5) تعلمني ... نظم القريض الذي يحلو لمنشده

_ (1) ر: نقا. (2) ياقوت: ووصل. (3) ياقوت: ريقها. (4) الزركشي: وزر من. (5) ر: أبياتاً.

رشيد الدين الفارقي

أرسلتها تقتضيني ما وعدت به ... والحر حاشاه من إخلاف موعده وما نسيت ولكن عاقني ورق ... يجيد خطي فآتيه بأجوده وسوف أسرع فيه الآن مجتهداً ... حتى يوافيك بدراً في مجلده بأحرف حسنت كالوجه دار به ... مثل الحواشي عذار (1) في مورده وكتب إلى ولده قاضي القضاة مجد الدين: هذا كتابي إلى من غاب عن نظري ... وشخصه في سواد القلب والبصر ولا يمن بطيف منه يطرقني ... عند المنام ويأتيني على قدر ولا كتاب له يأتي فأسمع من ... أنبائه عنه فيه أطيب الخبر حتى الشمال التي تسري على حلب ... ضنت علي فلم تخطر ولم تسر أخصه بتحياتي وأخبره ... أني سئمت من الترحال والسفر أبيت أرعى نجوم الليل مكتئباً ... مفكراً في الذي ألقى إلى السحر وليس لي أرب في غير رؤيته ... وذاك عندي أقصى السول والوطر 373 (2) رشيد الدين الفارقي عمر بن إسماعيل بن مسعود بن سعد بن سعيد بن أبي الكاتب، الأديب العلامة رشيد الدين أبو حفص الربعي الفارقي الشافعي، ولد سنة ثمان وتسعين " وخمسمائة " وتوفي سنة تسع (3) وثمانين وستمائة.

_ (1) ر والزركشي: عذاراً. (2) الزركشي: 238 وبغية الوعاة: 360 وفيه نقل عن الذهبي؛ وذكر أن وفاته كانت سنة 689 وكذلك هو في عبر الذهبي 5: 363 والشذرات 5: 409 والأسنوي 2: 286 والدارس 1: 351؛ ووردت الترجمة في ر. (3) في ر والمطبوعة: سبع، وصوبناه اعتمادا على المصادر.

سمع من الزبيدي وابن باقا وغيرهما (1) ، وبرع في النظم، وكتب في ديوان الإنشاء، وله يد طولى في التفسير والبديع واللغة، وانتهت إليه رياسة الأدب، وأفتى وناظر، ودرس بالظاهرية وانقطع بها، وله في النحو مقدمتان كبرى وصغرى، وكان حلو المناظرة مليح النادرة يشارك في الأصول والطب وغير ذلك، ودرس بالناصرية مدة قبل الظاهرية. روى عن الدمياطي وابن دبوقا والمزي والبرزالي وآخرون، وكتب المنسوب، وانتفع به جماعة، وخنق في بيته بالظاهرية وأخذ ذهبه، وشنق الذي خنقه على باب الظاهرية، ودرس بالظاهرية بعده علاء الدين ابن بنت الأعز. من شعره ما كتبه إلى جمال الدين علي بن جرير إلى قرية القاسمية على يد راجل اسمه علي أيضاً: حسدت علياً على كونه ... توجه دوني إلى القاسميه وما بي شوق إلى قرية (2) ... ولكن مرادي ألقى سميه وكتب إلى شيخ الشيوخ عماد الدين ابن حمويه: من غرس نعمته وناظم مدحه ... بين الورى وسميه ووليه يشكو ظماه إلى السحاب لعله ... يرويه من وسميه ووليه وقال: خوذ تجمع فيها كل مفترق ... من المعاني التي تستغرق الكلما عطت غزالاً سطت ليثاً خطت غصناً ... فاحت عبيراً رنت نبلاً بدت صنما وقال وكتب بها إلى الوزير ابن جرير وقد سوغه سكنى المنيبع بدمشق: فديت بناناً أراني الندى ... عياناً وكان الندى يسمع وكفاً حكى البحر جوداً ومن ... أنامله صح لي المنبع

_ (1) ر: وغيرهم. (2) الشذرات: قربه.

ابن الحسام الذهبي

وقال ملغزاً في خيمة: ما اسم إذا نصبته ... رفعت ما ينصب به ولا يتم نصبه ... إلا بجر سببه وقال ملغزاً في سبسب: ما اسم إذا عكسته ... فلذلك اسم للفلا وإن تركت عكسه ... فهو المسمى أولا وقال، وكتب بها إلى المكرم محمد بن بصاقة: يا جواداً جود راحته ... أغنت الدنيا عن الديم ووفياً من سجيته ... رعي أهل الود والذمم إني أصبحت ذا ثقة ... بكريم غير متهم خص بالحمد اسمه وغدا ال ... نعت مشتقاً من الكرم وقال بيتين ولا يؤتى لهما بثالث: ومخطفة تسبي القلوب وتخطف ال ... عقول كأن السحر من جفنها يوحى رنت وسطت ظبياً وليثاً وأسفرت ... صباحاً وفاحت عنبراً وبدت يوحا 374 (1) ابن الحسام الذهبي عمر بن الحسام أقوش؛ هو الشاعر زين الدين أبو حفص الشبلي الدمشقي الذهبي الشافعي الافتخاري، سألته عن مولده فقال: سنة أربع وثمانين

_ (1) الدرر الكامنة 3: 231 والزركشي: 238؛ ووردت في ر.

" وستمائة " وكانت وفاته في شهر رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة. اجتمعت به غير مرة، وأنشدني كثيراً من شعره، وفيه تودد كثير وحسن صحبة وطهارة لسان، أنشدني من لفظه لنفسه: قد أثقلتني الخطايا ... فكيف أخلص منها يا رب فاغفر ذنوبي ... واصفح بفضلك عنها وقال أيضاً: يا من عليه اتكالي ... ومن إليه مآبي جد لي بعفوك عني ... إذا أخذت كتابي وقال: يا سائلي كيف حالي في مراقبتي ... وما العقيدة في سري وإعلاني أخاف ذنبي وأرجو العفو عن زللي ... فانظر فبين الرجا والخوف تلقاني وقال: ولما اعتنقنا للوداع عشية ... وفي القلب نيران لفرط غليله بكيت وهل يعني البكا عند هائم ... وقد غاب عن عينيه وجه خليله؟ وقال أيضاً: يا سيد الوزراء دعوة قائل ... من بعد إفلاس وبيع أثاث أبطت حوالتكم علي كأنها ... تأتي إذا ما صرت في الأجداث فإذا أتت من بعد موتي فاحسنوا ... بوصولها للأهل في ميراثي وقال، وكتب بها إلى الصاحب شرف الدين يعقوب ناظر طرابلس يشكو من أيوب: بليت بالضر من أيوب حين غدا ... ينكد العيش في أكل ومشروب

أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز

وزاد يعقوب في حزني لغيبته ... فضر أيوب لي مع حزن يعقوب وقال: إذا ما جئتم لغناء فقري ... تقول ابشر إذا قدم الأمير وقد طال المطال وخفت يأتي ... أميركم وقد مات الفقير 375 (1) أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، أمير المؤمنين أبو حفص الأموي رضي الله عنه، ولد بالمدينة سنة ستين للهجرة عام توفي معاوية، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، روى عن أنس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ويوسف بن عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والربيع ابن سبرة وطائفة. وكان أبيض رقيق الوجع جميلاً، نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين، بجبهته أثر حافر دابة، ولذلك سمي " أشج بني أمية "، وخطه الشيب؛ قيل إن أباه لما ضربه الفرس وأدماه جعل يسمح الدم ويقول: إن كنت أشج بني مروان إنك لسعيد. بعثه أبوه من مصر إلى المدينة ليتأدب بها، فكان يختلف إلى عبد الله بن عبيد الله يسمع منه، ولما مات أبوه عبد العزيز طلبه عمه عبد الملك إلى دمشق وزوجه

_ (1) مصادر أخباره تكاد تعز على الحصر، وقد طبعت سيرته من تأليف ابن كثير (القاهرة) وسيرة أخرى ألفها ابن الجوزي (القاهرة 1331) وسيرة ألفها ابن عبد الحكم (دمشق 1954) وفي المصادر التاريخية الكبرى والموجزة أخبار كثيرة عنه، وانظر تهذيب التهذيب 7: 475 وصفة الصفوة 2: 62 وحلية الأولياء 5: 253 والأغاني 9: 254؛ والترجمة ر.

بابنته فاطمة، وكان قبل الإمرة يبالغ في التنعم، ويفرط في الاختيال في المشية. قال أنس رضي الله عنه: ما صليت خلف إمام أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، عمر بن عبد العزيز. وقال زيد بن أسلم: كان يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود. سئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر، فقال: هو نجيب بني أمية، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال عمر بن ميمون بن مهران عن أبيه: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة. وقال نافع: بلغنا عن عمر أنه قال: إن من ولدي رجلاً بوجهه شين يملأ الدنيا عدلاً، فلا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز. ولما طلب للخلافة كان في المسجد، فسلموا عليه بالخلافة، فعقر به فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه، فأصعدوه المنبر فجلس طويلاً لا يتكلم، فلما رآهم جالسين قال: ألا تقوموا فتبايعوا أمير المؤمنين، فنهضوا إليه فبايعوه رجلاً رجلاً. وروى حماد بن زيد عن أبي هاشم أن رجلاً جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله، فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه جالس، فقال لك: يا عمر إذا عملت فاعمل بعمل هذين، لأبي بكر وعمر؛ وقيل إن عمر هو الذي رأى هذا المنام. وقد عمل له ابن الجوزي سيرة، مجلد كبير. وكانت وفاته بدير سمعان لعشر بقين من شهر رجب سنة إحدى ومائة، سقاه بنو (1) أمية السم لما شدد عليهم وانتزع كثيراً مما في أيديهم، وصلى عليه يزيد بن عبد الملك، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة شعر يوماً، ونقش خاتمه " عمر يؤمن بالله " وهو الذي بنى الجحفة، واشترى ملطية من الروم بمائة ألف أسير وبناها، وروى له الجماعة.

_ (1) ر: بني.

أبو حفص الشطرنجي

وفي عمر بن عبد العزيز يقول الشريف الرضي (1) : يا ابن عبد العزيز لو بكت ... العين فتى من أمية لبكيتك غير أني أقول إنك قد طبت ... وإن لم يطب ولم يزك بيتك أنت نزهتنا عن السب والقذ ... ف فلو أمكن الجزاء جزيتك ولو أني رأيت قبرك لاستح ... ييت من أن أرى وما حييتك دير سمعان فيك مأوى أبي ... حفص فودي لو أنني آويتك أنت بالذكر بين عيني وقلبي ... إن تدانيت منك أو إن نأيتك وعجيب أني قليت بني مر ... وان طراً وأنني ما قليتك قرب العدل منك لما نأى الجو ... ر بهم فاجتويتهم واجتبيتك فلو أني ملكت دفعاً لما نا ... بك من طارق الردى لافتديتك 376 (2) أبو حفص الشطرنجي عمر بن عبد العزيز، أبو حفص الشطرنجي، مولى بني العباس؛ كان أبوه أعجمياً من موالي المنصور، ونشأ عمر في دار المهدي ومع أولاد مواليه فكان كأحدهم، وتأدب، وكان مشغوفاً بالشطرنج ولعبه، ولما مات المهدي انقطع إلى علية وخرج معها لما تزوجت، وعاد معها لما عادت إلى القصر، وكان يقول لها الأشعار فيما تريده من الأمور بينها وبين إخوتها وبني أخيها من الخلفاء فتنتحل بعض ذلك وتترك بعضه.

_ (1) ديوان الشريف 1: 215. (2) الأغاني 22: 50 والسمط: 517 والزركشي: 239؛ ووردت الترجمة في ر.

وقال محمد بن الجهم البرمكي: رأيت أبا حفص الشطرنجي فرأيت إنساناً يلهيك حضوره عن كل غائب، وتسليك مجالسته عن كل الهموم والمصائب، قربه عرس، وحديثه أنس، وجده لعب، ولعبه جد، دين ماجن، إن لبسته على ظاهره لبست موموقاً لا تمله، وإن تتبعه لتنظر خبرته وقفت على مروءة لا تطور (1) الفواحش بجنباتها، وكان من علمته أقل ما فيه الشعر، وهو القائل (2) : تحبب فإن الحب داعية الحب ... وكم من بعيد الدار مستوجب القرب إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرسائل والكتب ففكر فإن حدثت أن أخا الهوى ... نجا سالماً فراج النجاة من الحب وأطيب أيام الهوى يومك الذي ... تروع بالهجران (3) فيه وبالعتب ومن شعره: وقد حسدوني قرب داري منكم ... وكم من قريب الدار وهو بعيد دخولك من باب الهوى إن أردته ... يسير ولكن الخروج شديد وقال له الرشيد: يا حبيبي، لقد أحسنت ما شئت في بيتين قلتهما، فقال: ما هما يا سيدي؟ فمن شرفهما استحسانك، فقال: قولك: لم ألق ذا شجن يبوح بحبه ... إلا حسبتك ذلك المحبوبا حذراً عليك وإنني بك واثق ... أن لا ينال سواي منك نصيبا فقال: يا أمير المؤمنين ليسا لي، هما للعباس بن الأحنف، فقال: صدقك والله أعجب لي، ولك والله أحسن منهما حيث تقول:

_ (1) ر: تتطور؛ والتصويب عن الأغاني. تطور: تقرب. (2) وردت هذه الأبيات في ترجمة علية. (3) الأغاني: بالتحريش.

قطب الدين الشارعي

إذا سرها أمر وفيه مساءتي ... قضيت لها فيما تريد على نفسي وما مر يوم (1) أرتجي فيه راحة ... فأذكره إلا بكيت على أمسي قيل غضب الرشيد على علية بنت المهدي، فأمرت أبا حفص الشطرنجي شاعرها بأن يقول شعراً يعتذر فيه عنها، ويسأله الرضى عنها، فقال: لو كان يمنع حسن الفعل صاحبه ... من أن يكون له ذنب (2) إلى أحد كانت علية أبرا (3) الناس كلهم ... من أن تكافا بسوء آخر الأبد ما لي إذا غبت لم أذكر بواحدة ... وإن سقمت فطال السقم لم أعد ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه ... قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي فغنت عليه لحناً وألقته على جماعة من جواري الرشيد، فغنينه إياه في أول مجلس جلس فيه، فطرب طرباً شديداً وسأل عن القصة فأخبرته بذلك، فأحضر علية وقبلت رأسه واعتذرت إليه، وسألها إعادة الصوت فغنته فبكى وقال: لا غضبت عليك ما عشت أبدا. وكانت وفاة أبي حفص في خلافة المعتصم. 377 - (4) قطب الدين الشارعي عمر بن عوض بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب الشارعي، يعرف بابن قليلة ويدعى قطب الدين؛ كانت وفاته بعد السبعمائة.

_ (1) ر: يوماً. (2) ر: ذنباً. (3) الأغاني: أربى. (4) الزركشي: 239 والدرر الكامنة 3: 258؛ والترجمة في ر.

مجير الدين ابن اللمطي

من شعره، وقيل هي لابن خلكان (1) : ألا يا سائراً في قفر عمر (2) ... يقاسي في السرى (3) حزناً وسهلا بلغت نقا المشيب وجزت عنه ... وما بعد النقا إلا المصلى وله: عزمت على تزويج بكر مدامة ... بماء قراح والليالي تساعد فأمهرتها در الحباب وإنه ... إذا جليت ليلاً عليها قلائد وجاءت رياحين البساتين عرفت ... فطابت بذاك النفس واللوز عاقد وكان حضور النبق فألاً مهنئاً ... لنا بالبقا في العقد والورد شاهد 378 (4) مجير الدين ابن اللمطي عمر بن عيسى بن نصر بن محمد بن علي بن أحمد بن محمد بن حسن بن حسين التيمي، مجير الدين ابن اللمطي؛ قال العلامة أثير الدين أبو حيان: رأيته بقوص وكتبت عنه شيئاً من شعره، قدم علينا " مصر " (5) وسكنها أيام القاضي تقي الدين ابن دقيق العيد، واشتغل عنده أوقات، وكان قد نظر في العربية، وأنشدني لنفسه بمدرسة الأفرم سنة ثمانين وستمائة (6) :

_ (1) ورد البيتان منسوبين لابن خلكان في ترجمته، وعند الزركشي: 54. (2) الدرر: بطن قفر. (3) الدرر: ليقطع في الفلا. (4) الطالع السعيد: 448 والزركشي: 239،وأطال الأدفوي في رفع نسبته؛ وهذه الترجمة في ر. (5) زيادة ضرورية من الزركشي. (6) أورد الأدفوي أبياتاً كثيرة منها (انظر الصفحة: 453) .

أبى الدمع إلا أن يفيض وأن يجري ... على ما مضى من مدة النأي من عمري وما لي إن كفكفت ماء محاجري ... وقد بعدت دار الأحبة من عذر أما إنه لولا اشتياقي لذكراهم ... ولا شوق إلا ما يهيج بالذكر لما شاقني نظم القريض ولا صبا ... فؤادي على البلوى إلى عمل الشعر وكان لمثلي عن أفانين منطقي ... هنالك ما يلهي عن النظم والنثر وأنشدني أيضاً: جفن قريح بالبكاء موكل ... فعلت به العبرات ما لا يفعل وجوانح مني على شحط النوى ... أضحت تمزق في الهوى وتوصل عجباً لحكم الحب في، فليته ... يوماً يجور به ويوماً يعدل إني وإن أمسى يحملني الهوى ... من ثقله في الحب ما لا يحمل فلقد حلت منه مرارات الجوى ... عندي وخف لدي ما يستثقل لا يطمع اللوام في ترك الهوى ... إن كثروا من لومهم أو قللوا لهفي على زمني بمنعرج اللوى ... والشمل مجتمع وجدي مقبل ما كان أهنا العيش فيه فليته ... لو دام منه ريثما أتأمل وقال: وزهدني في الخل أن وداده ... لرهبة جاه أو لرغبة مال فأصبحت لا أرتاح منه لرؤية ... ولا أرتجي نفعاً لديه بحال ولما توفي قاضي القضاة ابن دقيق العيد ترك ما ولاه من نظر رباع الأيتام وتوجه إلى قوص، وأقام بها إلى أن توفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وله من العمر ثلاث وثمانون سنة. وله شعر جيد، وكان صحيح الود حافظ العهد حسن الصحبة، رحمه الله.

السراج الوراق

379 - (1) السراج الوراق عمر بن محمد بن حسن، سراج الدين الوراق الشاعر المشهور والأديب المذكور؛ ملكت ديوان شعره، وهو في سبعة أجزاء كبار ضخمة بخطه إلى الغاية، هذا الذي اختاره لنفسه وأثبته، فلعل الأصل كان من حساب خمسة عشر مجلداً، وكل مجلد يكون مجلدين، فهذا الرجل أقل ما يكون ديوانه لو ترك جيده ورديه في ثلاثين مجلداً، وخطه في غاية الحسن والقوة والأصالة. وكان حسن التخيل جيد المقاصد صحيح المعاني عذب التركيب، قاعد التورية والاستخدام، عارف (2) بالبديع وأنواعه، وكان أشقر أزرق العين، وفي ذلك يقول: ومن رآني والحمار مركبي ... وزرقتي للروم عرق قد ضرب قال وقد أبصر وجهي مقبلاً: ... لا فارس الخيل ولا وجه العرب وكان يكتب الدرج للأمير سيف الدين أبي بكر ابن أسباسلار والي مصر، وتوفي في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى، وقد قارب التسعين أو جاوزها بقليل، وأكثر شعره في اسمه، فمن ذلك: وكنت حبيباً إلى الغانيات ... فألبسني الشيب بغض الرقيب وكنت سراجاً بليل الشباب ... فأطفأ نوري نهار المشيب وقال: بني اقتدى بالكتاب العزيز ... وراح لبري سعياً وراجا

_ (1) الزركشي: 240 والنجوم الزاهرة 8: 83 والشذرات 5: 431 وهذه الترجمة ثابتة في ر. (2) كذا في ر.

فما قال لي أف مذ كان لي ... لكوني أباً ولكوني سراجا وقال: وقالت يا سراج علاك شيب ... فدع لجديده خلع الغذار فقلت لها نهار بعد ليل ... فما يدعوك أنت إلى النفار فقالت قد صدقت، وما علمنا ... بأضيع من سراج في نهار وقال: إلهي قد جاوزت تسعين حجة ... فشكراً لنعماك التي ليس تكفر وعمرت في الإسلام فازددت بهجة ... ونوراً، كذا يبدو السراج المعمر وعمم نور الشيب رأسي فسرني ... وما ساءني أن السراج منور وقال: طوت الزيارة إذ رأت ... عصر المشيب طوى الزياره ثم انثنت لما انثنت ... بعد الصلابة كالحجاره وبقيت أهرب وهي تس ... أل جارة من بعد جاره وتقول: يا ستي استرح ... نا لا سراج ولا مناره وقال: كم قطع الجود من لسان ... قلد من نظمه النحورا فها أنا شاعر سراج ... فاقطع لساني أزدك نورا وقال أيضاً: أثنى علي الأنام أني ... لم أهج خلقاً ولو هجاني فقلت لا خير في سراج ... إن لم يكن دافئ اللسان وقال: رب سامح أبا الحسين وسامح ... ني فشأني وشأنه في الإسلام

فذنوب الوراق كل جريح ... وذنوب الجزار (1) كل عظام " وقال: واخجلتي وصحائفي قد سودت ... وصحائف الأبرار في إشراق وفضيحتي لمعنف لي قائل: ... أكذا تكون صحائف الوراق (2) " وقال: وباخل يشنأ الأضياف حل به ... ضيف من الصفع نزال على القمم سألته ما الذي يشكو فأنشدني ... " ضيف ألم برأسي غير محتشم (3) " وقال: وضاع خصر لها ما زلت أنشده ... أو رق لي ورثى للسقم من بدني وقال لي بلسان من مناطقه: ... " لولا مخاطبتي إياك لم ترني (4) " وقال أيضاً: رأت حالي وقد حالت ... وقد غال الصبا فوت فقالت إذ تشاجرنا ... ولم يخفض لنا صوت فلا خير ولا مير ... ولا أير فذا موت وقال: أصبحت أعجن إذ أقوم وشر ما ... وقعت عليه العين شيخ عاجن (5) وإذا أردت أدق شيئاً لم أجد ... عندي يداً والبيت فيه الهاون

_ (1) ر: السراج. (2) ما بين معقفين لم يرد في ر، وهو ثابت في المطبوعة. (3) صدر بيت للمتنبي، وعجزه: السيف أحسن فعلاً منه باللمم. (4) عجز البيت للمتنبي، وصدره: ((كفى بجسمي نحولاً أنني رجل)) . (5) عجن: نهض على الأرض معتمداً بجمعه، وهو دلالة الشيخوخة.

وقال: قام فلما دنوت منها ... نام، وما مثل تلك خجله وكل كفي لفرط جذبي ... له وما للجبان حمله فزرجنت (1) وانثنت وقالت: ... قوموا انظروا عاشقاً بوصله فقلت هذا لفرط حبي ... قالت دع الترهات بالله قلت أقيم الدليل قالت ... لو قام ما احتجت للأدله وقال في أقرع (2) : أبدا لنا لما بدا قرعة ... يحار في تشبيهها القلب قالوا فهل تشبه يقطينة ... فقلت لو كان لها لب وقال: ما كنت أعرف في فلان حالة ... تدعو لحب الأسود الغربيب حتى رأيت محل سعد عنده ... فرأيت كل غريبة وغريب ورأيته فرحاً به في غاية ... ومقطباً لي غاية التقطيب فسألت بعض الحاضرين فقال لي ... حاشاك يغرب عنك فهم أديب أوليس سعد أسوداً (3) غض الصبا ... أولست أبيض في خليع مشيب فأجبته حتى كلامي عنده ... يلغى وسعد (4) لم يكن بأديب وكلامه المسموع قال أطلت ما ... المسموع عند الشيخ إلا النوبي وقال: دع الهوينا وانتصب للتقى ... واكدح فنفس المرء كداحه

_ (1) الزرجنة: الخب والخديعة. (2) سقط من البيتان من المطبوعة. (3) ر: سعداً أسود. (4) ر: وسعداً.

وكن عن الراحة في معزل ... فالصفع موجود مع الراحة وقال: وقائل قال لي لما رأى قلقي ... لطول وعد وآمال تعنينا عواقب الصبر فيما قال أكثرهم ... محمودة قلت أخشى أن تخرينا (1) وقال: هززته بالمدح جهدي فما اه ... تز ونادى إلياس كم تتعب فقلت أرجو زبدة قال لي ... فاتك: أين اللبن الطيب وقال: لي حرمدان كاتب قد تهرا ... وتخلى عني ومني تبرا أبكي وتبكي وما لنا سبب ... يدخل في كسها ولا كيسي وقال: سألتهم وقد حثوا المطايا ... قفوا نفساً فساورا حيث شاءوا وما عطفوا علي وهم غصون ... وما التفتوا إلي وهم ظباء وقال: ما حل عزمي مثل عقد قبائه ... بدراً يعد البدر من رقبائه مرح المعاطف تائه بجماله ... واه لصب تائه في تائه

_ (1) يشير إلى أن ((المحودة)) اسم نبات يتخذ للاسهال.

يحلو (1) مقبله وبرد رضابه ... " كالأقحوان غداة غب سمائه " (2) في شعره وجبينه لي موقف ال ... حيران بين ظلامه وضيائه يتشبه الغصن النضير بقده ... يا غصن حسبك لست من نظرائه وقال: شمت برقاً من ثغرها الوضاح ... والدجى نسره مهيض الجناح فتمارى شكي به ويقيني ... هل تجلى الصباح قبل الصباح فأجابت متى تبسم صبح ... عن حباب أو لؤلؤ أو أقاح ومتى كان للصباح لمى كالمس ... ك أو نكهة كصرف الراح سل بثغري المسواك تسأل خبيراً ... باغتباق من خمره واصطباح قلت ما لي وللسكارى فقالت ... أنت أيضاً من الهوى غير صاح حجة من مليحة قطعتني ... هكذا كل حجة للملاح لا ولحظ كفترة النرجس ... الغض وخد كحمرة التفاح ما تيقنت بل ظننت وما في ال ... ظن يا هذه كبير جناح وكثيراً شبهت بالبدر والشم ... س وسامحت فارجعي للسماح واجعلي ذا من ذاك واطرحي القو ... ل اطرحي عليك قول اللاحي وقال: أحسن ما سطر في صفحة ... عذار من أهوى على خده يا قلم الريحان سبحان من ... خطك بالآس على ورده وقال: جاء عذار الذي أهيم به ... فجرد الوجد أي تجريد وظنه آخر الغرام به ... مفند جاهل بمقصودي

_ (1) ر: يجلوا. (2) من بيت للنابغة الذبياني وتتمته: جفت أعاليه وأسفله ندي.

السراج المحار

وما درى أن لام عارضه ... لام ابتداء أو لام توكيد وقال (1) : يا نازح الطيف مر نومي يعاودني ... لقد بكيت لفقد النازحين دما أوجبت غسلاً على عيني بأدمعها ... فكيف وهي التي لم تبلغ الحلما وقال: ومهفهف عني يميل ولم يمل ... يوماً إلي فقلت من ألم الجوى لم لا تميل إلي يا غصن النقا ... فأجاب كيف وأنت من جهة الهوى وقال: أقول وكفي في خصرها ... يدور وقد كاد يخفى علي أخذت عليك عهود الهوى ... وما في يدي منك يا خصر شي 380 (2) السراج المحار عمر بن مسعود الأديب، سراج الدين المحار، الحلبي الكناني صاحب الموشحات، والأزجال الرائقة؛ توفي بدمشق في سنة " إحدى عشرة و " سبعمائة (3) ؛ فمن شعره: رأيته في المنام معتنقي (4) ... يا ليت ما في المنام لو كانا

_ (1) مر البيتان للوراق في ترجمة ابن هندو. (2) الزركشي: 241 والدرر الكامنة 3: 270 وقال: مات سنة 711 أو 712 وفي توشيع التوشيح عدد من موشحاته؛ وهذه الترجمة في ر. (3) في ر والزركشي بياض قبل ((وسبعمائة)) . (4) المطبوعة: ضاجعني، والتصويب عن الزركشي.

ثم انثنى معرضاً فواعجبي ... يهجوني نائماً ويقظانا وقال في مليح نجار بالمعرة: قالوا المعرة قد غدت من فضلها ... يسعى إلى أبوابها وتزار وجبت زيارتها علينا عندما ... شغف القلوب حبيبها النجار وقال في أحدب: وأحدب أنكروا عليه وقد ... سمي حساماً وغير منكور ما لقبوه الحسام عن سفه ... لو لم يروا قده القلاجوري (1) وقال: بعثت نحوي المشط يا مالكي ... فكدت أن تسلبني روحي وكيف لا تسلب روحي وقد ... بعثت منشوراً لتسريحي وقال: أرى لابن سعد لحية قد تكاملت ... على وجهه واستقبلت غير مقبل ودارت على أنف عظيم كأنه ... " كبير أناس في بجاد مزمل " (2) وقال: يا حبذا وادي حماة وطيبه (3) ... وطلاوة العاصي بها والجوسق فاقت منارة جلق فلحسنها ال ... شقراء تكبو خلفها والأبلق (4) وقال في إبريق فخار: يا حبذا شكل إبريق تميل له ... منا القلوب وتصبو نحوه الحدق

_ (1) قلاجوري (بالفارسية) : السيف اللامع. (2) عجز بيت لأمرئ القيس وصدره: ((كأن أباناً في عرانين وبله)) . (3) المطبوعة: جادي حماة وطيبها، والتصويب عن ر والزركشي. (4) المطبوعة: والجوسق.

يروق لي حين أجلوه، ويعجبني ... منه طلاوة ذاك الجسم والعنق كم قد شربت له ماء الحياة، ولن ... ينالني منه لا غص ولا شرق حتى غدا خجلاً مما أقبله ... فظل يرشح من أعطافه العرق وقال في قنديل: يا حسن بهجة قنديل خلوت به ... والليل قد أسلت منا ستائره أضاء كالكوكب الدري متقداً ... فراق باطنه نوراً وظاهره تزيده ظلمة الليل البهيم سناً ... كأنما الليل طرف (1) وهو باصره وقال في مليح معالج: بروحي أفدي في الأنام معالجاً ... معاطفه أزهى من الغصن الغض يكلف عطفيه العلاج فيبسط ال قلوب إلى حبيه في ساعة القبض إذا ما امتطى لطفاً مقيرة له ... وأقعدها واحمر سالفه الفضي رأيت محياه وما في يمينه ... كشمس تجلت دونها كرة الأرض وقال أيضاً رحمه الله تعالى: ما بث شكواه لولا مسه الألم ... ولا تأوه لولا شفه السقم ولا توهم أن الدمع مهجته ... أذابها الشوق حتى سال وهو دم صب له مدمع صب يكفكفه ... فتستهل غواديه وتنسجم فطرفه بمياه الدمع في غرق ... وقلبه بلهيب الشوق يضطرم أراد إخفاء ما يلقاه من كمد ... حتى لقد عاد بالسلوان يتهم يبدي التجلد والأجفان تفضحه ... كالبرق تبكي (2) الغوادي وهو يبتسم سقته أيدي النوى كأساً مدعدعة ... فما نداماه إلا الحزن والندم

_ (1) ر: طرفاً. (2) ر: يبكي.

يمسي ويصبح لا صبراً ولا جلد ... ولا قرار ولا طيف ولا حلم لولا (1) يؤمل إلماماً بجيرته ... لكاد يعتاده مما به لمم قال (2) الوشاة تسلى عن محبتهم ... يا ويحهم جهلوا فوق الذي علموا أنى يميل إلى السلوان مكتئب ... باق على الود والأيام تنصرم قضى بحبهم عصر الشباب وما ... خان الوداد وهذا الشيب والهرم أنا المقيم على ما يرتضون به ... مصغ إذا نطقوا راض بما حكموا متى دعاني هواهم جئت معتذراً ... أسعى على الرأس إن لم يسعد القدم ومن موشحاته: جسمي ذوى بالكمد والسهر ... والوصب من جاني ذي شنب كالبرد كالدرر ... كالحبب جماني بي غصن بان نضر ... يسبيك منه الهيف يرتع فيه النظر ... فزهره يقتطف الخد منه خفر ... والجسم منه ترف قد جاءنا يعتذر ... عذاره المنعطف ثم التوى كالزرد معبقري ... معقرب ريحاني في مذهب مورد مدنر ... مكتب سوساني ظبي له مرتشف ... كالسلسبيل البارد بدر علاه سدف ... من ليل شعر وارد غصن نقا منعطف ... من لين قد مائد مقرطق مشنف ... يختال في القلائد

_ (1) ر: لو لم (2) ر: قالوا.

بين اللوى وثهمد كجؤذر ... في ربرب غزلاني من كثب ذي جيد ذي حور ... ذي هدب وسنان أما وحلي جيده ... ورنة الخلاخل والضم من بروده ... قد قضيب مائل والورد من خدوده ... إذ نم في الغلائل لا كنت من صدوده ... مستمعاً لعاذل نار الجوى واستعري ... وكذبي سلواني وانسكبي واطردي وانهمري ... كالسحب أجفاني مولاي جفني ساهر ... مؤرق كما ترى فلا خيال زائر ... يطرقني ولا كرى إني عليك صابر ... فما جزا من صبرا إن سح دمعي الهامر ... فلا تلمه إن جرى جال الهوى خلدي ومضمري ... أضر بي كتماني مؤنبي اتئد لا تفتري ... وجنب عن عاني وقال أيضاً (1) : ترى دهر مضى بكم يؤوب منيبا ... يضحي روض آمالي الجديب خصيبا عسى صب تملكه هواه ... يعاود جفن مقلته كراه ويبلغ من وصالكم مناه ... ويرجع دهرنا عما جناه ويجمع شملنا حسن وطيب قريبا ... ويصبح حيث أدعوه الحبيب مجيبا أرى أمد الصدود بكم تمادى ... وكم لمت الفؤاد فما أفادا وتأبى عبرتي إلا اطرادا ... ونار صبابتي إلا اتقادا

_ (1) هذه الموشحة وردت في توشيع التوشيح: 63.

فخدي رده الدمع السكوب خضيبا ... وقلبي كاد أشواقاً يذوب لهيبا وبي رشأ بناظره يصول ... حسام من ضرائبه العقول على وجناته لدمي دليل ... ولكن ما إلى قود سبيل حبته من ضمائرها القلوب نصيبا ... فكان لها وإن كره الرقيب حبيبا غزال وهو في المعنى هلال ... قريب وصله ما لا ينال وغصن راح يعطفه الدلال ... كذا الأغصان تثنيها الشمال إذا مالت بعطفيه الجنوب هبوبا ... تثنى في غلائله القضيب رطيبا كلفت بحبه حلو المعاني ... أعاني في هواه ما أعاني أراه وإن تباعد عن عياني ... كبدر التم قاص وهو داني يرينا حين تطلعه الجيوب عجيبا ... جمالاً لا يكلفه الغروب مغيبا وقال أيضاً (1) : من دون رملة عالج ... لربة الخال دار حلت عليها السحائب ... منا الدموع الغزار همت عليها دموع ... لها السحاب شؤون فاخضل منها النقيع ... ومسن فيها الغصون حدث فتلك الربوع ... حديثهن شجون في القلوب لواعج ... من ذكرها وأوار ونار فقد الحبائب ... زنادها الإدكار لم أنس يوم تولى ... حادي المطي وسارا شطر أول ... شطر ثاني خلى المحبين قتلى ... كما ترى وأسارى

_ (1) توشيع التوشيح: 67 وأوردها أيضاً الزركشي.

ودون رامة خلى ... منا العقول حيارى لأن بين الهوادج ... أقمار تم تحار منها بدور الغياهب ... لم يخفهن سرار حكوا البروق ابتساماً ... والسمهريات لينا أغصان بان إذا ما ... مالت تغير الغصونا كم خلفت مستهاماً ... ملقى لديها طعينا مذ أعينعت في الدمالج ... لها البدور ثمار أوراقهن الذوائب ... حق (1) الغصون تغار سفرن بين الستور ... هيف دقاق الخصور عن أوجه كالبدور ... في جنح ليل الشعور تقلدوا في النحور ... بمثل ما في الثغور يحكين غزلان ضارج ... شعارهن النفار فليس يدنو لطالب ... من طيفهن مزار هل للحياة سبيل ... وقد دهتنا العيون وسل منها نصول ... لها الجفون جفون قضب علينا تصول ... شفارهن المنون فكيف للهم فارج ... أو للمحب اصطبار وفي الجفون قواضب ... لها المنون شفار وقال أيضاً (2) : أيخفى غرامي والدموع السوافح ... تنم بما تطوى عليه الجوانح

_ (1) المطبوعة: حتى. (2) أوردها الزركشي (الورقة: 243) .

وقلبي في واد من الشوق هائم ... حزين وغاد في الغرام ورائح صب هيمان بعد الخلان ... نامي الأشجان بادي الأحزان كتمت الهوى العذري بين أضالعي ... وأخفيته لولا وشاة مدامعي وحاولت سلواناً فلم ألق سلوة ... فقلت لقلبي مت بداء المطامع سلواني بان وسري بان ... فلا سلوان ولا كتمان تملكني حلو الشمائل أهيف ... مليح التثني ناحل الخصر مخطف أغض من الغصن الرطيب شمائلاً ... وأحسن مرأى في العيون وأظرف يثني ريان قد فينان ... فاق الأغصان أغصان البان أعار قضيب البان هزة عطفه ... ورق على نشر النسيم بلطفه وزاد على البدر المنير بوجهه ... سناً وعلى الظبي الغرير بطرفه ما للغزلان معنى أجفان ... طرف وسنان صاحي نشوان تقوى على ضعفي برقة خصره ... وأضرم أشواقي إلى لثم ثغره فقلت لقلبي عندما صد مغضباً ... وزاد إلى عدوانه طول هجره كم ذا العدوان بذا الهجران ... ترى ما آن يرضى الغضبان؟ أجرني من الهجران يا غاية المنى ... وجد لي بوصل منك إن كان ممكنا وعدني إذا لم يمكن الوصل زورة ... وزدني من الحسنى فلا زلت محسنا وأحسن إن كان تلقى إمكان ... إن الإنسان عبد الإحسان ظفرت بمحمود الوصال حميده ... حباني به المحبوب بعد صدوده فقلت لقلبي بين آس عذاره ... ونرجس عينيه وورد خدوده قم يا جنان وايش ذا النسيان ... واجني ريحان هذا البستان

رشيد الدين الفهري

381 - (1) رشيد الدين الفهري عمر بن مظفر بن سعيد، القاضي رشيد الدين أبو حفص الفهري الفوي المصري الشاعر الكاتب؛ تنقل في الخدم الديوانية ومدح الملوك والوزراء، وكان كثير الحفظ، روى عنه المنذري، وعاش خمساً وسبعين سنة، وتوفي سنة ثمان وثلاثين وستمائة. قال شهاب الدين القوصي: أنشدني المذكور بدمشق عند قدومه إليها زائراً عقيب انفصاله من الخدمة الملكية الكاملية هذه الأبيات في النسيان: أفرط بي النسيان في غاية ... لم يترك النسيان لي حسا وكنت مهما عرضت حاجة ... مهمة أودعتها الطرسا فصرت أنسى الطرس في راحتي ... وصرت أنسى أنني أنسى وأنشدني: قد نسيت الذي حفظت قديماً ... من معان غر وحسن بيان غار مني قليب قلبي فذهني ... شارب من بلاذر النسيان وأنشدته قول ابن سناء الملك (2) : خاصمني من سكت عنه ... فظن أن ليس لي لسان فقلت ما أنت لي بخصم ... وإنما خصمي الزمان فأنشدني لنفسه:

_ (1) الزركشي: 243 وابن الشعار 5: 282؛ ووردت هذه الترجمة في ر. (2) ديوان ابن سناء الملك: 848.

ملك بطليوس

سكت إذ سبني من لا خلاق له ... فقيل لي خفت منه إنه لسن فقلت: والله ما عياً سكت ولا ... ذا النحس خصمي ولكن خصمي الزمن وأنشدته قول ابن الخيمي: أأبناء هذا الجبل طراً أكلكم ... يعوق وما فيكم يغوث ولا ود لقد طال تردادي إليكم فلم أجد ... سوى رب شأن منكم شانه الرد فأنشدني لنفسه: لأصنام الزمان عبدت دهراً ... وقد أسلمت واتسع المضيق فما فيهم يغوث أقول هذا ... ولكن كل من فيهم يعوق 382 (1) ملك بطليوس عمر بن المظفر بن الأفطس ملك بطليوس؛ هو المتوكل، من قبيلة من البربر يعرفون بمكناسة، ورث الملك ببطليوس من أبيه، وأبوه هو الذي كان يحارب المعتضد بن عباد، وكان المتوكل ببطليوس كالمعتمد بإشبيلية، آل أمره إلى أن حصره الملثمون، وحصل في أيديهم فقتلوه صبراً وقتلوا ولديه (2) قبله وهو ينظر إليهما، وفيه قال ابن عبدون قصيدته المشهورة التي أولها: الدهر يفجع بعد العين بالأثر ...

_ (1) المعجب: 127 وأعمال الأعلام: 185 والقلائد: 36 والمغرب 1: 364 والذخيرة (القسم الثاني) والحلة السيراء 2: 96؛ والمظفر لقب لا اسم، واسمه محمد بن عبد الله؛ وورد بعض هذه الترجمة في ر. (2) ر: ولداه.

ومن شعره ما خطب به وزيره أبا غانم (1) : انهض أبا غانم إلينا ... واسقط سقوط الندى علينا فنحن عقد من غير وسطى ... ما لم تكن حاضراً (2) لدينا وقال، وقد ذكر في مجلس أخيه المنصور بسوء: وما بالهم لا أنعم الله بالهم ... ينوطون بي ذماً وقد علموا فضلي يسيئون (3) لي في القول جهلاً وضلة ... وإني لأرجو أن يسوءهم فعلي وكيف وراحي درس كل فضيلة (4) ... وورد التقى شمي وحرب العدا نقلي فإن كان حقاً ما أذاعوا فلا مشت (5) ... إلى غاية العلياء من بعدها رجلي ولم ألق أضيافي بوجه طلاقة ... ولم أسخ للعافين (6) في الزمن المحل ولي خلق في السخط كالشوك (7) طعمه ... وعند الرضى أحلى جنى من جنى النحل فيا أيها الساقي أخاه على النوى ... كؤوس القلى جهلاً رويدك بالعل لتطفئ ناراً أضرمت في نفوسنا ... فمثلي لا يقلى ومثلك لا يقلي وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكياً ... فقل لي لمن أشكو صنيعك بي قل لي فبادر إلى الأولى وإلا فإنني ... سأشكوك يوم الحشر للحكم العدل

_ (1) في الحلة: أبو طالب ابن غانم، وهو يخاطبه بقوله ((انهض أبا طالب)) . (2) ر: حاضر. (3) في المطبوعة: يسوؤن، والتصويب عن الحلة والقلائد. (4) الحلة والقلائد: غريبة. (5) الحلة: خطت. (6) الحلة والقلائد: ولم أمنح العافين. (7) الحلة والقلائد: كالشري؛ وهي أجود.

" زين الدين ابن الوردي "

383 - (1) " زين الدين ابن الوردي " عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس، القاضي الأجل، الإمام الفقيه، الأديب الشاعر، زين الدين ابن الوردي المعري الشافعي أحد فضلاء العصر وفقهائه، وأدبائه وشعرائه، تفنن في العلوم، وأجاد في المنثور والمنظوم، نظمه جيد إلى الغاية، وفضله بلغ النهاية. ومن شعره: مليح ردفه والساق منه (2) ... كبنيان القصور على الثلوج خذوا من خده القاني نصيباً ... فقد عزم الغريب على الخروج وقال: جاءنا مكتتماً ملتثما ... فدعوناه لأكل وعجبنا (3) مد في السفرة كفا ترفا ... فحسبنا أن في السفرة جبنا وكتب إلى القاضي فخر الدين ابن الخطيب جبرين قاضي حلب، وقد عزله وعزل أخاه: جنبتني وأخي تكاليف القضا ... وشفيتنا في الدهر من خطرين يا حي عالم دهرنا أحييتنا ... فلك التحكم (4) في دم الأخوين

_ (1) الزركشي: 243 والدرر الكامنة 3: 272 وقال ان الصفدي ذكره في أعيان العصر؛ وبغية الوعاة: 365 والنجوم الزاهرة 10: 240 وطبقات السبكي 6: 243 وابن إياس 1: 198؛ وله ديوان طبع بمطبعة الجوائب سنة 1300 تالياً لشرح لامية العرب وشرح مقصورة ابن دريد. (2) في المطبوعة: مليح ساقه والردف منه، والتصويب عن الديوان: 259. (3) في المطبوعة: وعجنا، والتصويب عن الديوان: 144. (4) الديوان: 256 - التصرف.

وقال: قلت وقد عانقته ... عندي من الصبح فلق (1) قال وهل يحسدنا ... قلت نعم قال انفلق وقال أيضاً: جبرت يا عائدتي بالصله ... فتممي الإحسان تنفي الوله وهذه قد حسبت زورة ... مالك بالفيئة (2) مستعجله وقال: بالله يا معشر أصحابي ... اغتنموا علمي وآدابي فالشيب قد حل برأسي وقد ... أقسم لا يرحل إلا بي وقال أيضاً: رامت وصالي فقلت لي شغل ... عن كل خود تريد تلقاني قالت كأن الخدود كاسدة ... قلت كثيراً لقلة القاني وقال أيضاً: لا تقصد القاضي إذا أدبرت ... دنياك واقصد من جواد كريم كيف ترجي الرزق من عند من ... يفتي بأن الفلس مال عظيم وقال أيضاً: وكنت إذا رأيت ولو عجوزاً ... يبادر بالقيام على الحراره فأصبح لا يقوم لبدر تم ... كأن النحس قد ولي الوزاره وقال أيضاً:

_ (1) الزركشي: قلق. (2) الزركشي: يا لعبة.

أنت ظبيي أنت مسكي ... أنت دري أنت غصني في التفات وثناء ... وثنايا وتثني وقال: لما شتت عيني ولم ... ترفق لتوديع الفتى أدنيتها من خده ... والنار فاكهة الشتا وقال أيضاً: من كان مردوداً بعيب فقد ... ردتني الغيد بعيبين الرأس واللحية شابا معاً ... عاقبني الدهر بشيبين أنشدني الشيخ جمال الدين ابن نباته أمتع الله بفوائده ورضي عنه: لا حبذا شيب برأسي ولا ... شيب بقلبي، أقذيا (1) عيني ما كنت بالتائب من صبوتي ... أصلاً (2) فقد تبت بشيئين ومن شعر ابن الوردي رحمه الله: دهرنا أمسى ضنينا ... باللقا حتى ضنينا يا ليالي الوصل عودي ... واجمعينا أجمعينا وقال: أنتم أحباي وقد ... فعلتم فعل العدا حتى تركتم خبري ... في العالمين مبتدا وقال: سبحان من سخر لي حاسدي ... يحدث لي في غيبتي ذكرا

_ (1) المطبوعة: أخزيا. (2) الزركشي: طوعاً.

لا أكره الغيبة من حاسد ... يفيدني (1) الشهرة والأجرا وقال: وتاجر شاهدت عشاقه ... والحرب فيما بينهم ثائر (2) قال: علام اقتتلوا هكذا؟ ... قلت: على عينك يا تاجر وقال: إني عدمت صديقاً ... قد كان يعرف قدري دعني لقلبي ودمعي ... عليه أحرق (3) وأذري ومن مصنفاته " البهجة الوردية في نظم الحاوي " فوائد فقيه منظومة. " شرح ألفية ابن مالك ". " ضوء الدرة على ألفية ابن مطي ". قصيدة " اللباب في علم الإعراب " وشرحها. اختصار " ملحة الإعراب " نظماً. " مذكرة الغريب " نظماً وشرحها. " المسائل المذهبة في المسائل الملقبة ". " أبكار الأفكار ". " تتمة تاريخ صاحب حماة ". و " أرجوزة في تعبير المنامات ". أرجوزة في خواص الأحجار " و " منطق الطير " نظماً. وبلغنا وفاته في الطاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وهو في عشر السبعين، رحمه الله تعالى.

_ (1) المطبوعة يفيد في (والقافية مكسورة) والتصويب عن الديوان: 255. (2) في المطبوعة: سائر، والتصويب عن الزركشي. (3) كذا هو أيضاً في الديوان: 258 لأنه يضمن المثل ((احرق وأذري)) .

" عمر الأشدق "

384 - (1) " عمر الأشدق " عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس؛ كان أحد الأشراف الأمويين، ولي المدينة ليزيد بن معاوية، وكان يسمى الأشدق، سمي بذلك لأنه كان أفقم مائلاً إلى الذقن، ولهذا سمي " لطيم الشيطان "، وقيل: إنما سمي الأشدق لتشادقه في الكلام، وكان مروان ابن الحكم قد ولاه العهد بعد ابنه عبد الملك، فقتله عبد الملك، فقيل أنها كانت أول غدرة كانت في الإسلام، وقال ابن الزبير لما بلغه قتله: إن أبا الذبان قتل لطيم الشيطان، " وكذلك نولي بعض الظالمين بما كانوا يكسبون " " الأنعام: 129 " وقال يحيى بن الحكم أخو مروان يرثيه: أعيني جودا بالدموع على عمرو ... عشية سددنا الخلافة بالخير كأن بني مروان إذ يقتلونه ... بغاث من الطير اجتمعن على صقر غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل ... ومثلكم يبني البيوت على غدر فرحنا وراح الشامتون بنعشه ... كأن على أكتافنا فلق الصخر وكان عمرو قد رام الخلافة وغلب على دمشق، وكانت قتلته في سنة سبعين من الهجرة. وقد روى له مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي، رحمه الله تعالى.

_ (1) أخباره في كتب التاريخ (حوادث سنة 70) وانظر تهذيب التهذيب 8: 37.

" عوف بن ملحم الخزاعي "

3851 - " عوف بن ملحم الخزاعي " عوف بن ملحم الخزاعي، أحد العلماء الأدباء الرواة الفهماء الندماء الظرفاء الشعراء الفصحاء؛ كان صاحب أخبار ونوادر ومعرفة بأيام الناس، اختصه طاهر بن الحسين لمنادمته ومسامرته، فلا يسافر إلا وهو معه، فيكون زميله وعديله. قال محمد بن داود: إن سبب اتصاله به أنه نادى على الجسر أيام الفتنة بهذه الأبيات، وطاهر منحدر في حراقة له بدجلة، وأنشده إياها، وهي هذه 2: عجبت لحراقة ابن الحسي ... ن كيف تعوم ولا تغرق وبحران من تحتها واحد ... وآخر من فوقها مطبق وأعجب من ذاك عبدانها ... وقد مسها كيف لا تورق فضمه طاهر إليه وبقي معه ثلاثين سنة لا يفارقه، وكلما استأذنه في الانصراف إلى أهله ووطنه لم يأذن له، فلما مات طاهر ظن أنه قد تخلص، وأنه يلحق بأهله، فقربه عبد الله بن طاهر، وأنزله منزلته من أبيه، وأفضل عليه حتى كثر ماله وحسنت حاله، وتلطف بجهده أن يأذن له بالعودة، فاتفق أن خرج عبد الله بن طاهر إلى خراسان فجعل عوفاً عديله، فلما شارف الري سمع صوت عندليب يغرد بأحسن تغريد، فأعجب ذلك عبد الله والتفت إلى عوف وقال: يا ابن محلم، هل سمعت بأشجى من

هذا؟ فقال: لا والله، " فقال عبد الله ": قاتل الله أبا كبير حيث يقول: ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح؟ أفق لا تنح من غير شيء فإنني ... بكيت زماناً والفؤاد صحيح ولوعاً فشطت عربة دار زينب ... فها أنا أبكي والفؤاد قريح فقال عوف: أحسن والله أبو كبير، إنه كان في الهذليين مائة وثلاثون شاعراً ما فيهم إلا مفلق، وما كان فيهم مثل أبي كبير، وأخذ عوف يصفه، فقال له عبد الله: أقسمت عليك إلا عارضت قوله، فقال عوف: قد كبر سني وفني ذهني وأنكرت كل ما أعرف، فقال له عبد الله: بتربة طاهر إلا فعلت، فقال عوف رحمه الله: أفي كل عام غربة ونزوح ... أما للنوى من ونية فتريح لقد طلح (1) البين المشت ركائبي ... فهل أرين البين وهو طريح وأرقني بالري نوح حمامة ... فنحت وذو البث الغريب ينوح على أنها ناحت ولم تذر دمعة ... ونحت وأسراب الدموع سفوح وناحت وفراخها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه قيح ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح؟ عسى وجود عبد الله أن يعكس النوى ... فيلقي (2) عصا التطواف وهي طليح فإن الغنى يدني الفتى من صديقه ... وعدم الفتى بالمعسرين طروح فاستعبر عبر الله ورق له وجرت دموعه، وقال له: والله إني ضنين بمفارقتك شحيح على الفائت من محاضرتك، ولكن والله لا أعلمت معي خفاً ولا حافراً إلا راجعاً إلى أهلك، وأمر له بثلاثين ألف درهم، فقال له عوف:

_ (1) في المطبوعة: ظلع، والتصويب عن طبقات ابن المعتز وياقوت. (2) الطبقات: فتضحي.

يا ابن الذي دان له المشرقان ... وألبس (1) الأمن به المغربان إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان وبدلتني بالشطاط انحنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان وقاربت مني خطى لم تكن ... مقاربات وثنت من عنان فأنشأت بيني وبين الورى ... عنانة من غير نسج العنان ولم تدع في لمستمتع ... إلا لساني وبحبسي اللسان أدعو بالله وأثني على ... صنع الأمير المعصبي الهجان وهمت بالأوطان وجداً بها ... لا بالغواني أين مني الغوان؟ فقرباني بأبي أنتما ... من وطني قبل اصفرار البنان وقبل منعاي إلى نسوة ... أوطانها حران والرقتان (2) سقى قصور الشاذياخ الحيا ... من بعد عهدي وقصور الميان فكم وكم من دعوة لي بها ... أن تتخطاها صروف الزمان وكر راجعاً إلى أهله فلم يصل إليهم، ومات في حدود العشرين ومائتين. ومن شعر عوف بن محلم رحمه الله تعالى (3) : وكنت إذا صحبت رجال قوم ... صحبتهم ونيتي الوفاء فأحسن حين يحسن محسنهم ... وأجتنب الإساءة إن أساءوا وأنظر ما يسرهم بعين ... عليها من عيونهم غطاء وقال: وصغيرة علقتها ... كانت من الفتن الكبار بلهاء لم تعرف لغر ... تها يميناً من يسار كالبدر إلا أنها ... تبقى على ضوء النهار

_ (1) في المطبوعة: وأكثر؛ والتصويب عن الطبقات. (2) الطبقات: فالقرمتان. (3) انظر الطبقات: 191.

" النقاش البغدادي "

386 - (1) " النقاش البغدادي " عيسى بن هبة الله بن عيسى، أبو عبد الله البغدادي النقاش؛ كان ظريفاً صاحب نوادر خفيف الروح، له شعر، روى عنه التاج الكندي كتاب " الكامل " للمبرد؛ وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة. ومن شعره رحمه الله تعالى: إذا وجد الشيخ في نفسه ... نشاطاً فذلك موت خفي ألست ترى أن ضوء السراج ... له لهب قبل أن ينطفي ومنه: رزقت يساراً فوافيت من ... قدرت به حين لم يرزق وأملقت من بعد فاعتذرت ... إليه اعتذار أخ مملق فإن كان يشكر فيما مضى ... يداً لي يعذر فيما بقي وقال أيضاً: كيف السلو وقد تمل ... ك مهجتي من غير أمري قمر تراه إذا استسر ... كمثل (2) أربعة وعشر يرنو بنجلاوين يس ... قم من يشا بهما (3) ويبري وإذا تبسم في دجى ... ليل شهدت له بفجر ولذاك تظلمه إذا ... شبهت ريقته بخمر

_ (1) الزركشي: 244. (2) في المطبوعة: لمثل، وأثبت ما عند الزركشي. (3) في المطبوعة: يشابه، وهو خطأ واضح؛ وفي الزركشي من يشا (ء) بها.

ولورد وجنته وحس؟ ... ن عذاره قد قام عذري وكان نقاشاً للحلي ثم صار بزازاً، وكان يمتنع من الرواية ويقول: ما أنا أهل ذلك. قال ابن شجاع: لقيته امرأة يوماً فقالت له: يا سيدي، النظر منا بقيراط ونصف، كم لي بقيراط وحبة؟ فحل منديلاً كان بيده وأعطاها قطعة، وقال: مري إيش أعطوك فقد أنصفوك. وقال: كان في دربنا شخص أبغضه لا لسبب، فاتفق أني خرجت يوم عيد وعلي ثياب العيد، فلقيني شخص في الظلمة وفي يده دستيجة ملأى شيرجاً، فصدمني بها فانكسرت على ثيابي وصيرني شهرة، قال: فأمسكته وأخرجته إلى الضوء، فلما رأيته قلت: هو ذا أنت؟ لهذا كنت أبغضك، مر، الله معك.

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

حرف الغين

حرف الغين 387 - (1) أبو الهندي الشاعر غالب بن عبد القدوس بن شبث بن ربعي، أبو الهندي؛ كان شاعراً مطبوعاً أدرك الدولتين الأموية والعباسية، وكان جزل الشعر سهل الألفاظ لطيف المعاني، وإنما أخمله وأمات ذكره بعده من العرب ومقامه بسجستان وخراسان ومعاقرة الشراب، وكان يتهم بفساد الدين، واستفرغ شعره في وصف الخمر، وهو أول من وصفها من شعراء الإسلام، فمن ذلك قوله (2) : سقيت أبا المطوع إذ أتاني ... وذو الرعثات منتصب يصيح شراباً يهرب الذبان منه ... ويلثغ حين يشربه الفصيح وقال (3) : نبهت ندماني وقلت له اصطبح ... يا ابن الكرام من الشراب الأصهب صفراء تنزو في الزجاج كأنها ... حدق الجرادة أو لعاب الجندب وقال (4) :

_ (1) طبقات ابن المعتز: 136 والشعر والشعراء: 572 والأغاني 20: 293 والسمط: 168، 208 والزركشي: 245 وقد اختلف في اسمه، فهو عند ابن قتيبة: عبد المؤمن، وقيل عبد الملك وقيل أزهر وقيل عبد السلام وقيل غالب؛ وفي نسبة " شبث " ووقع بالياء عند الزركشي والنسخة ر حيث وردت ترجمته، وترجم له الصفدي في الوافي (ج: 9) باسم: أشعث وورد عنده " شيث " بالياء في نسبه؛ وقد جمع ديوانه الأستاذ عبد الله الجبوري (بغداد 1970) . (2) الديوان: 23. (3) الديوان: 15 - 16. (4) الديوان: 30.

مفدمة قزاً كأن رقابها ... رقاب بنات الماء تفزع للرعد جلتها الجوالي حين طاب مزاجها ... وطينتها بالمسك والعنبر والورد تمج سلافاً في الأباريق خالصاً ... وفي كل كأس في يدي حسن قد تضمنها زق أزب كأنه ... صريع من سودان ذو شعر جعد اشتهى أبو هندي الصبوح يوماً فدخل الخمارة فأعطى الخمار ديناراً وجعل يشرب حتى سكر ونام، وجاء قوم يسلمون عليه فوجدوه نائماً، فقالوا للخمار: ألحقنا به، فسقاهم حتى سكروا، وانتبه أبو الهندي فسأل عنهم فعرفه الخمار حالهم، فقال: يا هذا الآن وقت السكر والآن طاب، ألحقني بهم، فسقاه حتى سكر، وانتبهوا فقالوا للخمار: ويحك هو نائم إلى الآن؟ فقال: لا، انتبه وعرفته خبركم وسكر ونام، فقالوا ألحقنا به، فسقاهم حتى سكروا، ولم يزل على ذلك دأبه ودأبهم ثلاثة أيام، ولم يلتقوا وهم في موضع واحد، ثم تركوا الشرب عمداً حتى أفاق فلقوه، وفي ذلك يقول (1) : ندامى بعد ثالثة تلاقوا ... يضمه بكوه زيان راح وقد باكرتها فتركت منها ... قتيلاً ما أصابتني جراح فقالوا أيها الخمار من ذا؟ ... فقال أخ تخونه اصطباح فقالوا: هات راحك ألحقنا ... به، وتعللوا ثم استراحوا فما إن لبثتهم أن رمتهم ... بحد سلاحها ولها سلاح وحان تنبهي فسألت عنهم ... فقال أتاحهم قدر متاح رأوك مجدلاً واستخبروني ... فحركهم إلى الشرب ارتياح فقلت بهم فألحقني فهبوا ... فقالوا هل تنبه حين راحوا فقال نعم، فقالوا ألحقنا ... به قد لاح للرائي صباح

_ (1) الديوان: 20.

فما إن زال ذلك الدأب منا ... ثلاثاً تستهب وتستباح نبيت معاً وليس لنا التقاء ... ببيت ما لنا منه براح قال صدقة بن إبراهيم البكري: كاب أبو الهندي يشرب معنا، وكان إذا سكر يتقلب تقلباً قبيحاً في نومه، فكنا كثيراً ما نشد رجليه لئلا يسقط، فسكرنا ليلة في سطح، وشددنا رجله بحبل طويل ليهتدي على القيام لبوله، فتقلب فسقط من السطح فأمسكه الحبل، فبقي معلقاً منكساً، فأصبحنا فوجدناه ميتاً، فمررت على قبره بعد حين فوجدت عليه مكتوباً (1) : اجعلوا إن مت يوماً كفني ... ورق الكرم وقبري المعصره إنني أرجو من الله غداً ... بعد شرب الراح حسن المغفره وكان الفتيان يجيئون إلى قبره فيشربون ويصبون القدح إذا وصل إليه على قبره. ومن شعره (2) : إذا صليت خمساً كل يوم ... فإن الله يغفر لي فسوقي ولم أشرك بري الناس شيئاً ... فقد أمسكت بالحبل الوثيق وجاهدت العدو ونلت مالاً ... يبلغني إلى البيت العتيق فهذا الحق ليس به خفاء ... دعوني من بنيات الطريق وكانت وفاته في حدود الثمانين والمائة، سامحه الله تعالى.

_ (1) الديوان: 33. (2) الديوان: 45.

الغضنفر أبو تغلب

388 - (1) الغضنفر أبو تغلب الغضنفر أبو تغلب ابن ناصر الدولة، صاحب الموصل وابن صاحبها؛ حارب عضد الدولة ابن بويه، وفر إلى الرحبة ثم هرب منها خوفاً من ابن عمه سعد الدولة صاحب حلب، فأنفذ كاتبه إلى العزيز العبيدي يستنجد به، ثم نزل بحوران، وفارقه ابن عمه الغطريف، وجاءه الخبر من كاتبه بأن يقدم على العزيز، فخاف وتوقف، ثم إنهم حاربوه وأسروه، وقتله مفرج صبراً وبعث برأسه إلى العزيز سنة ثمان وستين وثلاثمائة؛ وكان يرجع إلى فضل وأدب، وله شعر. حكي أنا أبا الهيجاء ابن عمران بن شاهين صاحب البطيحة قال (2) : كنت أساير معتمد الدولة أبا المنيع قرواش بن المقلد ما بين سنجار ونصيبين، فاستدعاني وقد نزل يقصر هناك مطل على بساتين ومياه كثيرة يعرف بقصر العباس ابن عمرو الغنوي (3) ، فدخلت عليه وهو قائم في القصر يتأمل كتابة على الحائط، فلما دخلت قال: اقرأ ما هنا، فقرأت فإذا على الحائط مكتوب هذه الأبيات: يا قصر عباس بن عم ... رو كيف فراقك ابن عمرك قد كنت تغتال الدهو ... ر فكيف غالك ريب دهرك

_ (1) ابن الأثير 8: 692 - 699 والنجوم الزاهرة 4: 136، ولقبه عند ابن الأثير فضل الله، واسم أبيه ناصر الدولة: ((الحسن)) ؛ وهذه الترجمة في ر. (2) انظر هذا الخبر عند ابن خلكان 5: 261. (3) العباس بن عمرو الغنوي من أهل تل بني سيار بين الرقة ورأس عين، وقد جعله المعتضد قائداً للجيش الذي أرسله لحرب القرامطة، فأسر ثم اطلق، وكانت وفاته سنة 350 (ابن خلكان: 262) .

واهاً لعزك بل لجو ... دك بل لمجدك بل لفخرك وتحت الأبيات مكتوب: وكتب علي بن عبد الله بن حمدان بخطه في سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وتحتها مكتوب: يا قصر ضعضعك الزما ... ن وحط من علياء قدرك ومحا محاسن أسطر ... شرفت بهن متون جدرك واهاً لكاتبها الكري ... م وفخره الموفي بفخرك وتحتها مكتوب: وكتب الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

حرف الفاء

حرفُ الفَاء 389 - (1) الفتح بن خاقان الفتح بن خاقان بن أحمد بن غرطوج وزير المتوكل؛ كان شاعراً فصيحاً مفوهاً محسناً موصوفاً بالشجاعة والكرم والرياسة والسؤدد، وكان المتوكل لا يصبر عنه، قدمه واستوزره وأمره على الشام، وأمره أن يستنيب عنه، وللفتح أخبار في الجود والمكارم والظرف، وكان معادلاً للمتوكل على جمازة لما قدم إلى دمشق. قال أبو العيناء: دخل المعتصم يوماً على خاقان يعوده، فرأى ابنه الفتح صغيراً لم يثغر، فمازحه وقال: أيما أحسن دارنا أو داركم؟ فقال الفتح: دارنا أحسن إذا كان أمير المؤمنين فيها، فقال المعتصم: والله لا أبرح حتى أنثر عليه مائة ألف درهم. قتل هو والمتوكل معاً في مجلس أنس - على ما تقدم في ترجمة المتوكل - وكان ذلك سنة سبع وأربعين ومائتين. وكانت له خزانة كتب جمعها علي بن يحيى المنجم، لم ير (2) أعظم منها كثرة وحسناً، وكان يحضر داره فصحاء الأعراب وعلماء البصرة والكوفة. قال أبو هفان: ثلاثة لم أر (3) قط ولا سمعت بأكثر محبة للكتب والعلوم منهم: الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسماعيل القاضي.

_ (1) معجم الأدباء 16: 174 والفهرست: 116 وصفحات متفرقة من مروج الذهب (ج: 7) والزركشي: 245 وانظر أيضاً كتاب " الترك في مؤلفات الجاحظ " للدكتور زكريا كتابجي (ط. دار الثقافة: 1972) ؛ ووردت هذه الترجمة في ر. (2) ر: يرى. (3) ر: أرى.

وكان الفتح يحضر لمجالسة المتوكل، فإذا أراد القيام لحاجة أخرج كتاباً (1) من كمه أو خفه وقرأه إلى حين عودة المتوكل. وللفتح من التصانيف كتاب " البستان " وكتاب " الصيد والجوارح "؛ قال ياقوت: ومن شعر الفتح: لست مني ولست منك فدعني ... وامض عني مصاحباً بسلام وإذا ما شكوت ما بي قالت ... قد رأينا خلاف ذا في المنام لم تجد علة تجنى بها الذن ... ب فصارت تعتل بالأحلام قال البحتري: قال لي المتوكل: قل في شعراً وفي الفتح، فإني أحب أن يحيا معي ولا أفقده فيذهب عيشي ولا يفقدني، فقل في هذا المعنى، فقلت (2) : سيدي كيف أنت أخلفت وعدي ... وتثاقلت عن وفاء بعهدي وقلت فيها: لا أرتني الأيام فقدك يا فت ... ح ولا عرفتك ما عشت فقدي أعظم الرزء أن تقدم قبلي ... ومن الرزء أن تؤخر بعدي حسداً أن تكون إلفاً لغيري ... إذ تفردت بالهوى فيك وحدي فقال: أحسنت يا بحتري، جئت بما في نفسي، وأمر لي بألف دينار. قال البحتري: فقتلا معاً، وكنت حاضراً، وربحت هذه الضربة، وأومأ إلى ضربة على ظهره. ومن شعر الفتح بن خاقان:

_ (1) ر: كتاب. (2) ديوان البحتري: 522 وذكر أنها في غلامه نسيم، ولهذا وجدت اختلافات في الروايتين، وانظر أخبار البحتري: 85.

المسترشد بالله

وإني وإياها لكالخمر والفتى ... متى يسطع منها الزيادة يزدد إذا ازددت منها وجداً بقربها ... فكيف احتراسي من هوى متجدد ومنه: أيها العاشق المعذب صبراً ... فخطايا أخي الهوى مغفوره زفرة في الهوى أحط لذنب ... من غزاة وحجة مبروره 390 (1) المسترشد بالله الفضل بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق ابن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أمير المؤمنين المسترشد بالله ابن المستظهر ابن المقتدي؛ بويع بالخلافة ليلة الخميس الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، بايعه سبعة من أولاد الخلفاء، وكان المسترشد أشقر أعطر أشهل خفيف العارضين، وجلس للناس جلوساً عاماً، وكان المتولي للبيعة قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني، وبايع الناس إلى الظهر، ثم أخرجت جنازة المستظهر، وكان عمره لما بويع سبعاً وعشرين سنة؛ لأن مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة، وكان يتنسك في أول زمانه ويلبس الصوف وينفرد في بيت العبادة، وختم القرآن وتفقه، وكان مليح الخط، لم يكن قبله في الخلفاء من كتب أحسن منه، وكان يستدرك على

_ (1) المنتظم 10: 53 وابن الأثير 11: 27 والزركشي: 245 والفخري: 267 والروحي: 66 وتاريخ الخلفاء: 463 وخلاصة الذهب المسبوك: 272 وتاريخ الخميس 2: 361 ومرآة الزمان: 156؛ وهذه الترجمة في ر.

كتابة أغاليطهم، وكان ابن الأنباري يقول: أنا وراق الإنشاء ومالك الأمر يتولى ذلك بنفسه الشريفة. وكان ذا هيبة وإقدام وشجاعة، وضبط الخلافة ورتبها أحسن ترتيب وأحيا رميمها، وشيد أركان الشريعة، ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش من المخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته، إلى أن خرج الخرجة الأخيرة فكسر وأسر وقتلته الملاحدة، جهزهم عليه السلطان مسعود، فهجموا عليه " في " مخيمه بظاهر مراغة سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وكانت خلافته سبع عشرة (1) سنة وثمانية أشهر وأياماً، وكان عمره خمساً وأربعين سنة. ومن شعره لما كسر وأشير عليه بالهزيمة: قالوا تقيم وقد أحا ط بك العدو ولا تفر فأجبتهم المرء ما ... لم يتعظ بالوعظ غر ولا نلت خيراً ما حيي ... ت ولا عداني الدهر شر إن كنت أعلم أن غي ... ر الله ينفع أو يضر ومن شعره: أقول لشرخ الشباب اصطبر ... فولى ورد قضاء الوطر فقلت قنعت بهذا المشيب ... وإن زال غيم فهذا مطر فقال المشيب أيبقى الغبار ... على جمرة ذاب منها الحجر وقال لما أسر: ولا عجباً للأسد إن ظفرت بها ... كلاب الأعادي من فصيح وأعجم فحربة وحشي سقت حمزة الردى ... وموت علي من حسام ابن ملجم وقال:

_ (1) ر: سبعة عشر.

أنا الأشقر الموعود بي في الملاحم ... ومن يملك الدنيا بغير مزاحم ستبلغ أقصى الروم خيلي وتنتضى ... بأقصى بلاد الصين بيض صوارمي واتفق أن المسترشد رأى فيما يرى النائم في الأسبوع الذي استشهد فيه كأن على يده حمامة مطوقة، فأتاه آت وقال له: خلاصك في ذلك، فلما أصبح حكى لابن سكينة الإمام ما رآه، فقال: ما أولته يا أمير المؤمنين؟ فقال: أولته ببيت أبي تمام الطائي: هن الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهن فإنهن حمام وخلاصي في حمامي، وليت من يأتيني فيخلصني مما أنا فيه من الذل والحبس. فقتل بعد المنام بأيام وكان قد خرج للإصلاح بين السلجوقية واختلاف الأجناد، وكان معه جمع كثير من الأتراك، فغدر أكثرهم به ولحقوا بالسلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه، ثم التقى الجمعان فلم يلبثوا إلا قليلاً وانهزموا عن المسترشد، وقبض على المسترشد وعلى خواصه، وحملوا إلى قلعة بقرب همذان وحبسوا بها، وكان ذلك في شهر رمضان، وبقي إلى النصف من القعدة، وحمل مع مسعود إلى مراغة، وأنزل بناحية من العسكر، فدخل عليه جماعة من الباطنية من خلف الخيمة وتعلقوا به وضربوه بالسكاكين، فوقعت الصيحة، وقتل معه جماعة منهم أبو عبد الله ابن سكينة وابن الجزري، وخرج جماعة وأمسكوا وقتلوا وحرقوا، وبقيت يد أحدهم لم تحترق، ففتحوا يده فإذا فيها شعرات من كريمة المسترشد، فأخذها السلطان مسعود وجعلها في تعويذ ذهب، ثم جلس السلطان للعزاء، وخرج الخادم ومعه المصحف وعليه الدم، وخرج أهل مراغة وعليهم المسوح وعلى وجوههم الرماد، وهم يستغيثون ويبكون، ودفنوه في مدرسة أحمدك، وبقي العزاء بمراغة أياماً.

وخلف من الأولاد منصور الراشد وأبا العباس أحمد وأبا القاسم عبد الله وإسحاق توفي في حياته، رحمه الله تعالى. 391 - (1) المطيع لله الفضل بن جعفر، أمير المؤمنين المطيع لله ابن المقتدر ابن المعتضد. بويع له بعد المستكفي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ومولده سنة إحدى وثلاثمائة، وتوفي سنة أربع وستين وثلاثمائة؛ قال ابن شاهين: وخلع نفسه غير مكره في ذي القعدة سنة ثلاث وستين، ونزل عن الخلافة لولده أبي بكر عبد الكريم، ولقبوه الطائع لله، وسنه يومئذ ثمان وأربعون سنة، ومات المطيع وفي المحرم سنة أربع وستين. وكان أبيض تعلوه صفرة، أقنى جميل الوجه، وكانت خلافته تسعاً وعشرين (2) سنة، وفي أيامه أعيد الحجر الأسود إلى البيت من القرامطة، ومن شعره يمدح سيف الدولة ابن حمدان: تخيرت سيفاً من سيوف كثيرة ... فلم أر فيها مثل سيف الدولة (3) أرى الناس في وسط المجالس يشربوا ... وذاك بثغر الشام يحفظ دولتي (4)

_ (1) ابن الأثير 8: 637 وتاريخ الخميس 2: 353 ومروج الذهب 9: 31 والروحي: 63 والفخري: 258 وتاريخ الخلفاء: 429 وخلاصة الذهب المسبوك: 257؛ والترجمة ثابتة في ر. (2) ر: تسع وعشرون. (3) ر: لدولتي. (4) في المطبوعة: بيضتي، وما اثبته رواية ر.

الرقاشي الشاعر

392 - (1) الرقاشي الشاعر الفضل بن عبد الصمد الرقاشي البصري، من فحول الشعراء، ومدح الخلفاء الكبار، وبينه وبين أبي نواس مهاجاة ومباسطة، وتوفي في حدود المائتين؛ وكان مولى رقاش، وهو من ربيعة. قال أبو الفرج صاحب " الأغاني ": قيل إنه كان في العجم من أهل الري ومدح الرشيد، وأجازه، إلا أن انقطاعه كان إلى بني برمك، فأغنوه عمن سواهم، وكان كثير التعصب لهم، ولما صلب جعفر جاز به الرقاشي وهو على الجذع فبكى أحر بكاء وقال الأبيات التي منها: على اللذات والدنيا جميعاً ... ودولة آل برمك السلام وقد ذكرها ابن خلكان في ترجمة جعفر البرمكي (2) ، فكتب أصحاب الأخبار إلى الرشيد، فأحضره وقال: ما حملك على رثاء عدوي؟ فقال: يا أمير المؤمنين كان إلي محسناً، فلما رأيته على هذا الحال حركني إحسانه، فما ملكت نفسي حتى قلت الذي قلت، قال: فكم كان يجري عليك؟ قال: ألف دينار في كل سنة، قال: فإني قد أضعفتها لك. قال ابن المعتز (3) : حدثني أبو مالك قال، قال الفضل بن الربيع للرقاشي: ويلك يا رقاشي، ما أردت بوصيتك إلا الخلاف على الصالحين، فقال له: جعلت فداك لو علمت أني أعافى من علتي ما أوصيت بها، فإنها من

_ (1) طبقات ابن المعتز: 226 وتاريخ بغداد 12: 345 والأغاني 16: 180 والزركشي: 245؛ والترجمة وردت في ر. (2) انظر وفيات الأعيان 1: 340. (3) اطبقات: 226 وفي النص هنا بعض اختلاف.

الذخائر النفيسة التي (1) تدخر للممات. ووصيته هذه أرجوزة مزدوجة يأمر فيها باللواط وشرب الخمر والقمار والنقار بين الديكة والهراش بين الكلاب، وهو يزعم لتهتكه وخلاعته أنها من الفوائد التي (2) تدخر للوصية عند الموت، أولها: أوصى الرقاشي إلى إخوانه ... وصية المحمود في أخدانه وهي مشهورة موجودة. ولما قال أبو دلف قصيدته التي يقول فيها: ناولني الدرع قد طا ... ل عن الحرب فطامي (3) أجابه الرقاشي فقال: جنبيني الدرع قد طا ... ل عن القصف جمامي واكسري البيضة والمط ... رد وابدي بالسهام (4) واقذفي في لجة البح ... ر بقوسي وسهامي وبترسي وبرمحي ... وبسرجي ولجامي واعقري مهري أصاب ... الله مهري بالصدام أنا لا أطلب أن يع ... رف في الحرب مقامي وبحسبي أن تراني ... بين فتيان كرام سادة نغدو مجدي ... ن على حرب المدام واصطفاق العود والنا ... يات في جوف الظلام نهزم الراح إذا ما ... هم قوم بانهزام

_ (1) ر: الذي. (2) ر: الذي. (3) الطبقات: جمامي. (4) الطبقات: بالحسام، وهو أصوب، لأنه سيذكر السهام في البيت التالي.

فضل الشاعرة

ونخلي الضرب والطع ... ن لأشلاء وهام لشقي قال قد طا ... ل عن الحرب فطامي 393 (1) فضل الشاعرة فضل جارية المتوكل، الشاعرة؛ كانت من مولدات اليمامة (2) ، ولم يكن في زمانها امرأة أفصح منها ولا أشعر، توفيت سنة ستين ومائتين. قال لها يوماً علي بن الجهم (3) : لاذ بها يشتكي إليها ... فلم يجد عندها ملاذا فقال لها المتوكل: أجيزي، فقالت: ولم يزل ضارعاً إليها ... تهطل أجفانه رذاذا فعاتبوه فزاد عشقاً ... فمات وجداً فكان ماذا وقال ابن المعتز (4) : كانت تهاجي الشعراء، ويجتمع عندها الأدباء، ولها في الخلفاء والملوك مدائح كثيرة، وكانت تتشيع وتتعصب لأهل مذهبها وتقضي حوائجهم بجاهها عند الملوك والأشراف. وعشقت سعيد بن حميد، وكان من أشد الناس نصباً وانحرافاً عن آل البيت رضي الله عنهم، وكانت

_ (1) طبقات ابن المعتز: 426 والمنتظم 5: 6 والأغاني 19: 257 والزركشي: 246؛ والترجمة في ر. (2) الأغاني: من مولدات البصرة، وكانت أمها من مولدات اليمامة. (3) الأغاني: 271. (4) الطبقات: 426 ولم يذكر أنها كانت تهاجي الشعراء.

فضل نهاية في التشيع، فلما هويته انتقلت إلى مذهبه، ولم تزل على ذلك إلى أن توفيت، ومن قولها فيه (1) : يا حسن الوجه سيء الأدب ... شبت وأنت الغلام في الأدب ويحك أن القيان كالشرك ال ... منصوب بين الغرور والكذب بينا تشكى إليك إذ خرجت ... من لحظات الشكوى إلى الطلب فلحظ هذا ولحظ ذاك وذا ... لحظ محب بعين مكتسب قال أبو الفرج الأصفهاني (2) : حدثني جعفر بن قدامة قال، حدثني سعيد ابن حميد قال: قلت لفضل الشاعرة أجيزي: من لحب أحب في صغره ... فقالت غير متوقفة: فصار أحدوثة على كبره ... فقلت: من نظر شفه وأرقه ... فقالت: وكان مبدا هواه من نظره ... لولا الأماني لمات من كمد ... مر الليالي يزيد في فكره ليس له مسعد يساعده ... بالليل في طوله وفي قصره ومن شعرها: قد بدا شبهك يا مو ... لاي في جنح الظلام

_ (1) قالت هذه الأبيات عندما بلغها أن سعيد بن حميد عشق إحدى القيان. (2) لم ترد هذه الرواية في ترجمة ((فضل)) في الأغاني.

فانتبه نقض لبانا ... ت اعتناق والتثام قبل أن تفضحنا عو ... دة أرواح النيام وألقى عليها يوماً أبو دلف العجلي: قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطي إلي ما لم يركب " كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة ... من بين حبة لؤلؤ لم تثقب " (1) فقالت تجيبه: إن المطية لا يلذ ركوبها ... ما لم تذلل بالزمام وتركب والحب ليس بنافع أربابه ... ما لم يؤلف بالنظام ويثقب قال علي بن الجهم (2) : كنت يوماً عند فضل، فلحظتها لحظة استرابت بها فقالت: يا رب رام حسن تعرضه ... يرمي ولا يشعر أني غرضه فقلت مجيباً لها: أي فتى لحظك ليس يمرضه ... وأي عقد محكم لا ينقضه فضحكت وقالت: خذ في غير هذا. ويوم أهديت إلى المتوكل قال لها: أشاعرة أنت؟ فقالت: كذا يزعم من باعني واشتراني، فضحك المتوكل وقال: أنشدينا شيئاً من شعرك فأنشدته: استقبل الملك إمام الهدى ... علم ثلاث وثلاثينا خلافة أفضت إلى جعفر ... وهو ابن سبع بعد عشرينا إنا لنرجو يا إمام الهدى ... أن تملك الدنيا ثمانينا لا قدس الله امرءا لم يقل ... عند دعائي لك آمينا

_ (1) لم يرد في ر. (2) الأغاني 19: 262 وديوان ابن الجهم: 153.

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

حرف القاف

حرف القاف

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

ابن الطوابيقي

394 - (1) ابن الطوابيقي القاسم ابن الحسين، أبو شجاع ابن الطوابيقي البغدادي الشاعر؛ سافر إلى الموصل ومدح الملوك بها وبديار بكر، روى عنه عثمان البلطي النحوي شيئاً من شعره، وتوفي سنة ست وتسعين وخمسمائة. ومن شعره: لي بيت تموت فيه السناني ر هزالاً والفأر في الأسراب أنا فيه فوق التراب وخير ... لي منه لو كنت تحت التراب ومنه (2) : قامت تهز قوامها يوم النقا ... فتساقطت خجلاً غصون البان وبكت فجاوبها البكا من مقلتي ... فتمثل الإنسان في إنساني منها: وأحبكم وأحب حبي فيكم ... وأجل قدركم على إنسان وإذا نظرتكم بعين خيانة ... قام الغرام بشافع عريان وإن لم يخلصني الوصال بجاهه ... سأموت تحت عقوبة الهجران منها: أصبحت تخرجني بغير جناية ... من دار إعزار لدار هوان

_ (1) البدر السافر: 52 والزركشي: 246 والخريدة (قسم العراق) 2: 318 وذكر إن وفاته كانت سنة تسع وستين (وخمسمائة) وكذلك قال صاحب البدر السافر؛ وهذه الترجمة في ر. (2) وردت الأبيات في الخريدة: 321.

قاسم الواسطي

كدم الفصاد يراق أرذل موضع ... أبداً ويخرج من أعز مكان 395 (1) قاسم الواسطي القاسم بن عمر بن منصور، أبو محمد الواسطي؛ مولده بواسط سنة خمسين وخمسمائة، وتوفي بحلب سنة ست وعشرين وستمائة؛ كان أديباً نحوياً لغوياً فاضلاً مصنفاً، قرأ النحو بواسط على الشيخ مصدق ابن شبيب، وقرأ اللغة على عميد الرؤساء هبة الله بن أيوب، والقراءات على الشيخ أبي بكر الباقلاني وعلى الشيخ علي بن هياب الجماجمي، وسمع كثيراً من كتب النحو واللغة على جماعة يطول ذكرهم. ومن تصانيفه " شرح اللمع " لابن جني. " شرح التصريف الملوكي " له. كتاب " فعلت وأفعلت بمعنى " على حروف المعجم. كتاب في اللغة لم يتم. كتاب " شرح المقامات " على حروف المعجم. شرح آخر على ترتيب المقامات. شرح آخر على ترتيب آخر، كتاب خطب، كتاب رسالة فيما أخذ على الرشيد ابن النابلسي في قصيدة نظمها في الإمام الناصر (2) . ومن شعره: ديباج خدك (3) بالعذار مطرز ... برزت محاسنه وأنت مبرز وبدت على حسن (4) الصبا روضة ... والغصن ينبت في الرياض ويغرز

_ (1) الزركشي: 246 ومعجم الأدباء 16: 296 وبغية الوعاة: 380 وابن الشعار 5: 574؛ والترجمة في ر. (2) أورد ياقوت مقدمة هذه الرسالة. (3) ياقوت: وجهك. (4) ياقوت: غصن.

وجنت على وجنات خدك حمرة ... خجل الشقيق بها وحار القرمز لو كنت مدعياً نبوة يوسف ... لقضى القياس بأن حسنك معجز ومنه: زهرة الحسن فوق زهر الرياض ... منه للغصن حمرة في بياض قد حمى ورده ونرجسه الغ ... ض سيوف من الجفون مواض فإذا ما اجتنيت باللحظ فاحذر ... ما جنت صحة العيون المراض فلها في القلوب قتلة باغ ... رويت عنه فتكة البراض (1) وإذا فوقت سهاماً من الهد ... ب رمين السهام بالأغراض منها: واجل من جوهر الدنان عروساً ... نطقت عن جواهر الأعراض كلما أبرزت أرتك لها وج ... هـ انبساط يعطيك وجه انقباض فعلى الأفق للغمام ملاء ... طرزتها البروق والإيماض وكأن الرعود إرزام نوق ... فصلت دونها بنات المخاض أو صهيل الجياد للملك الظا ... هر تسري بالجحفل النهاض وقال يهجو الرشيد النابلسي الشاعر: لا تعجبن لمدلوي ... هـ إذا بدا شبه المريض قد ذاب من بخر بفي ... هـ نما (2) من الخلق البغيض وتكسرت أسنانه ... بالعض في جعس (3) القريض وتقطعت أنفاسه ... عرضاً بتقطيع العروض

_ (1) البراض بن قيس الكناني يضرب به المثل في الفتك إذ قتل عروة الرحال حين أجار إحدى اللطائم. (2) ياقوت: بدا. (3) ر: جبس.

وله فيه: يا من تأمل مدلوي ... هـ وشك فيما يسقمه انظر إلى بخر بفي ... هـ وما أظنك تفهمه لا تحسبن بأنه ... نفس يغيره فمه لكنما أنفاسه ... نتنت بشعر ينظمه وقال يهجو جماعة: ويبدون الطلاقة من وجوه ... كما يبدو لك الحجر الصقيل إذا قاموا لمجد أقعدتهم ... مسالك ما لهم فيها سبيل وإن طلبوا الصعود فمستحيل ... وإن لزموا النزول فما يزولوا (1) كذاك السجل (2) في الدولاب يعلو ... صعوداً والصعود له نزول وقال: لنا صديق فيه انقباض ... ونحن بالبسط نستلذ لا يعرف الفتح من يديه ... إلا إذا ما أتاه أخذ فكفه " أين " حين تعطي ... شيئاً (3) وبعد العطاء " منذ " وقال: لا ترد من خيار دهرك خيراً ... فبعيد من السراب الشراب رونق كالحباب يعلو على الكأ ... س ولكن تحت الحباب الحباب عذبت في النفاق ألسنة القو ... م وفي الألسن العذاب العذاب وقال: أفي البان إن بان الخليط مخبر ... عسى ما انطوى من عهد لمياء ينشر

_ (1) ياقوت: يزول. (2) ر: السخل. (3) ر: شيء.

نعم حركات في اعتدال سكونها ... أحاديث يرويها النسيم المعطر يود ظلام الليل وهو ممسك ... لذاذاتها والصبح وهو مزعفر أحاديث لو أن النجوم تمتعت ... بأسرارها لم تدر كيف تغور يموت بها داء الهوى وهو قاتل ... ويحيا بها ميت الجوى وهو مقبر فيا لنسيم صحتي في اعتلاله ... وصحوي إذا مر بي وهو مسكر كأن به مشمولة بابلية ... صفت وهي من غض الشمائل تعصر إذا نشأت مالت بلبك نشوة ... كما مال مهزوز يماح (1) ويمطر وقال: في زهرة وطيب ... بستاني من أوجه ملاح أجلو على القضيب ... ريحاني والورد والأقاح ما روضة الربيع ... في حلة الكمال تزهى (2) على ربيع ... مرت به شمال (3) في الحسن كالبديع ... بالحسن والجمال ناهيك من حبيب ... نشوان بالدل وهو صاح إن قلت والهيبي ... حياني من ثغره براح كم بت والكؤوس ... تجلى من الدنان كأنها عروس ... زفت من الجنان تبدو لنا الشموس ... منها على البنان لم أخش من رقيب ... ينهاني ألهو إلى الصباح مع شادن ربيب ... فتان زندي له وشاح

_ (1) ر: يماح، وأثبت ما عند ياقوت. (2) ياقوت: تزهو. (3) ياقوت: الشمال.

علم الدين البرزالي

خيل الصبا بركضي ... تجري مع الغواه في سنتي وفرضي ... ما أبتغي سواه وحجتي لعرضي ... ما تنقل الرواه عن عاقل لبيب ... أفتاني أن الهوى مباح والرشف من شنيب ... ريان ما فيه من جناح 396 (1) علم الدين البرزالي القاسم بن محمد بن يوسف، الشيخ الإمام الحافظ المحدث المؤرخ، علم الدين أبو محمد ابن العدل بهاء الدين ابن الحافظ زكي الدين البرزالي الإشبيلي ثم الدمشقي الشافعي؛ ولد في جمادى الأولى سنة خمس وستين وستمائة، وحفظ القرآن " والتنبيه " ومقدمة ابن الحاجب، وسمع سنة ثلاث وسبعين من أبيه ومن القاضي عز الدين ابن الصائغ، ولما سمع " صحيح البخاري " من الإربلي بعثه والده فسمعه سنة سبع، وأحب الحديث ونسخ الأجزاء ودار على الشيوخ، وسمع من ابن أبي الخير وابن أبي عمر وابن علان وابن شيبان والمقداد والفخر، وجد في الطلب، وذهب إلى بعلبك، وارتحل إلى حلب سنة خمس وثمانين، وفيها ارتحل إلى مصر، وأكثر عن العز الحراني وطبقته، وكتب بخطه الصحيح المليح كثيراً وخرج لنفسه

_ (1) طبقات السبكي 6: 246 والأسنوي 1: 292 والدرر الكامنة 3: 321 والدارس 1: 112 والبداية والنهاية 14: 185 والنجوم الزاهرة 9: 319 والشذرات 6: 122 وتاريخ ابن الوردي 2: 327والبدر الطالع 2: 51 والذيل على طبقات الحفاظ: 18 وذيل عبر الذهبي: 209 والزركشي: 248 والرد الوافر: 119؛ ووردت الترجمة في ر.

وللشيوخ شيئا ًكثيراً، وجلس في شبيبته مدة مع أعيان الشهود، وتقدم في معرفة الشروط، ثم اقتصر على جهات تقوم به، وورث من أبيه جملة، وحصل كتباً جيدة وأجزاء في أربع خزائن، وبلغ ثبته أربعاً وعشرين مجلداً، وأثبت فيه من كان يسمع معه، وله تاريخ بدأ فيه من عام مولده الذي توفي فيه الإمام أبو شامة فجعله صلة لتاريخ أبي شامة في خمس مجلدات، وله مجاميع وتعاليق كثيرة، وعمل في فن الرواية عملاً قل من يبلغ إليه، وبلغ عدد مشايخه بالسماع أثر من ألفين، وبالإجازة أكثر من ألف، رتب كل ذلك وترجمهم في مسودات متقنة، وكان رأساً في صدق اللهجة والأمانة، صاحب سنة واتباع ولزم الفرائض، خيراً متواضعاً حسن البشر عديم الشر، فصيح القراءة مع عدم اللحن، قرأ ما لا يوصف كثرة وروى، وكان عالماً بالأسماء والألفاظ، وكان فيه حلم وصبر وتودد ولا يتكثر بفضائله ولا يتنقص بفاضل بل يوفيه فوق حقه، يلاطف الناس وله ود في القلوب وحب في الصدور. احتسب عدة أولاد: منهم محمد، تلا بالسبع وحفظ كتباً، وعاش ثمان عشرة (1) سنة، ومنهم فاطمة، عاشت نيفاً وعشرين سنة، وكتبت صحيح البخاري وأحكام مجد الدين وأشياء. وللشيخ علم الدين إجازات عالية عام مولده من ابن عبد الدايم وإسماعيل ابن عزون والنجيب، وحدث في أيام شيخه ابن البخاري، وكان حلو المحاضرة قوي المذاكرة عارفاً بالرجال، لا سيما أهل زمانه وشيوخهم، لم يخلف بعده مثله. حج سنة ثمان وثمانين وأخذ عن مشيخة الحرمين، ثم حج أربعاً بعد ذلك، وكان باذلاً لكتبه وأجزائه سمحاً في كل أموره، مؤثراً متصدقاً. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: وهو الذي حبب إلي طلب الحديث،

_ (1) ر: ثمانية عشر.

صاحب الموصل

قال لي: خطك يشبه خط المحدثين، فأثر قوله في وسمعت وتخرجت به في أشياء؛ ولي دار الحديث الأشرفية مقرئاً فيها، وقرأ بالظاهرية سنة ثلاث عشرة (1) وسبعمائة، وحضر المدارس وتفقه بالشيخ تاج الدين عبد الرحمن وصحبه وأكثر عنه وسافر معه، وجود القراءة على رضي الدين ابن دبوقا، وتولى مشيخة دار الحديث النورية ومشيخة النفيسية، ووقف كتبه وعقاراً جيداً على الصدقات؛ وتوفي بخليص (2) بكرة الأحد الرابع من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة عن أربع وسبعين سنة ونصف، وتأسف الناس عليه، رحمه الله تعالى. 397 - (3) صاحب الموصل قرواش بن مقلد بن المسيب بن رافع، الأمير أبو المنيع معتمد الدولة ابن الأمير حسام الدولة العقيلي صاحب الموصل؛ وقد خطب في بلاده للحاكم ثم رجع عن ذلك وخطب للقادر العباسي، فجهز صاحب مصر جيشاً لحربه، ووصل إلى الموصل ونهبوا داره وأخذوا له من الذهب مائتي ألف دينار، فاستنجد عليهم بدبيس بن صدقة واجتمعا على حربهم فنصرا عليهم، وقتلا منهم خلقاً كثيراً.

_ (1) ر: ثلاثة عشر. (2) خليص: حصن بين مكة والمدينة (ياقوت) . (3) ابن خلكان 5: 263 (في ترجمةوالده المقلد بن المسيب) ودمية القصر 1: 31 والشذرات الأثير؛ وقرواش بكسر القاف وسكون الراء، وضبطه ابن تغري بردي بفتح القاف، ومعناه بالتركية: ((عبد أسود)) ؛ وهذه الترجمة وردت في ر.

وكان (1) ظريفاً شاعراً نهاباً وهاباً، وجمع بين أختين فلاموه فقال: خبروني ما الذي نستعمل من الشرع حتى تتكلموا في هذا الأمر؟ وقبض عليه بركة ابن أخيه وحبسه وتقلب زعيم الدولة، فلم تطل دولته، فقام بعده أبو المعالي قريش بن بدران بن مقلد ابن أخيه، فأول ما ملك أخرج عمه قرواشاً وذبحه صبراً، وقيل بل مات في سجنه سنة أربع وأربعين وأربعمائة. وفي قرواش يقول الظاهر الجزري (2) : وليل كوجه البرقعيدي ظلمة ... وبرد أغانيه وطول قرونه سريت ونومي فيه نوم مشرد ... كعقل سليمان بن فهد ودينه على ألق فيه مضاء كأنه ... أبو جابر في طيشه وجنونه إلى أن بدا وجه الصباح كأنه ... سنا وجه قرواش وضوء جبينه وكانت إمارة قرواش خمسين سنة. حكى أبو الهيجاء ابن عمران بن شاهين قال (3) : كنت أساير معتمد الدولة قرواشاً ما بين سنجار ونصيبين، فنزل ثم استدعاني بعد الزوال وقد نزل هناك بقصر العباس بن عمرو الغنوي، وهو مصل على بساتين ومياه كثيرة، فدخلت عليه فوجدته قائماً يتأمل كتابة في الحائط، فقرأتها فإذا هي: يا قصر عباس بن عم ... رو كيف فارقك ابن عمرك؟ قد كنت تغتال الدهو ... ر فكيف غالك ريب دهرك؟ واهاً لعزك بل لجو ... دك بل لمجدك بل لفخرك وتحت الأبيات مكتوب: وكتب علي بن عبد الله حمدان سنة إحدى

_ (1) انظر ابن خلكان 5: 266. (2) قد مرت ترجمته، وانظر ابن خلكان 5: 265. (3) ابن خلكان 5: 261.

وثلاثين وثلاثمائة، وهذا الكاتب هو سيف الدولة ابن حمدان، وتحت ذلك مكتوب: يا قصر ضعضعك الزما ... ن وحط من علياء قدرك (1) ومحا محاسن أسطر ... شرفت بهن متون جدرك واهاً لكاتبها الكري ... م وقدره الموفي بقدرك وتحت الأبيات: وكتبه الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان بخطه في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وتحت ذلك مكتوب: يا قصر ما فعل الأولى ... ضربت خيامهم بعقرك؟ أخنى الزمان عليهم ... وطواهم تطويل نشرك آهاً لقاصر عمر من ... يختال فيك وطول عمرك وتحت ذلك مكتوب: وكتب المقلد بن المسيب بن رافع بخطه سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وهذا هو حسام الدولة أبو قرواش المذكور، وتحت ذلك مكتوب: يا قصر ما فعل الكرا ... م الساكنون قديم عصرك عاصرتهم فبذذتهم ... وشأوتهم طراً بصبرك ولقد أثار تفجعي ... يا ابن المسيب رقم سطرك وعلمت أني لا حق ... بك دائباً (2) في قفو إثرك وتحت ذلك مكتوب: وكتبه قرواش بن المقلد بن المسيب سنة إحدى وأربعمائة. قال الراوي: فعجبت لذلك، وقلت له: الساعة كتبت هذا؟ قال: نعم، ولقد هممت بهدم هذا القصر فإنه مشوم، ودفن الجماعة؛ فدعوت

_ (1) ابن خلكان: فخرك. (2) ابن خلكان: دائب.

المظفر قطز

له بالسلامة، ولم يهدم القصر. وسيأتي ذكر والده المقلد في مكانه من حرف الميم إن شاء الله تعالى. ومن شعر قرواش (1) : لله در النائبات فإنها ... صدأ اللئام وصيقل الأحرار ما كنت إلا زبرة فطبعنني ... سيفاً وأطلق صرفهن غراري ومنه أيضاً: وآلفة للطيب ليست تغبه ... منعمة الأطراف لينة اللمس إذا ما دخان الند من جيبها علا ... على وجهها أبصرت غيماً على شمس 398 (2) المظفر قطز قطز بن عبد الله الشهيد، الملك المظفر سيف الدين المعزي؛ كان من أكبر مماليك المعز أيبك التركماني، وكان بطلاً شجاعاً مقداماً حازماً حسن التدبير يرجع إلى دين وإسلام وخير، وله اليد البيضاء في جهاد التتار. حكى شمس الدين الجزري في تاريخه عن أبيه قال: كان قطز في رق ابن الزعيم بدمشق في القصاعين، فضربه أستاذه فبكى ولم يأكل يومه شيئاً، ثم ركب أستاذه وأمر الفراش يترضاه ويطعمه، فحدثني الحاج علي الفراش قال: جئته فقلت له: ما هذا البكاء من ضربة؟ فقال: إنما بكائي من

_ (1) ورد في الدمية وابن خلكان. (2) النجوم الزاهرة 7: 72 والشذرات 5: 293 وعبر الذهبي 5: 247 وذيل مرآة الزمان 2: 28 - 36؛ ووردت الترجمة في ر.

لعنته أبي وجدي وهما خير (1) منه، فقلت: ومن أبوك؟ واحد كافر، فقال: والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم، أنا محمود بن مودود ابن أخت خوارزم شاه، من أولاد الملوك؛ فترضيته. ولما تملك أحسن إلى الفراش وأعطاه خمسمائة دينار وعمل له راتباً. وحكى الجزري أيضاً في تاريخه قال: حدثني أبو بكر بن الدريهم الإسعردي والزكي إبراهيم الجبيلي أستاذ الفارس أقطاي قال: كنا عند قطز لما تسلطن أستاذه المعز أيبك، وعنده منجم مغربي، فصرف أكثر مماليكه، فأردنا القيام فأمرنا بالقعود، ثم أمر المنجم فضرب الرمل وقال: اضرب لمن يملك بعد أستاذي ومن يكسر التتار؛ فضرب وبقي زماناً يحسب وقال: يا خوند يطلع معي خمس حروف بلا نقط، فقال: لم لا تقول محمود بن مودود؟ فقال؟ يا خوند لا يقع إلى هذا الاسم، فقال: " أنا " هو، وأنا أكسرهم وآخذ بثأر خالي خوارزم شاه، فقلنا: يا خوند إن شاء الله تعالى، فقال: اكتموا هذا، وأعطى المنجم ثلاثمائة درهم. وكان مدبر دولة ابن أستاذه المنصور علي بن المعز أيبك، فلما دهم التتار الشام رأى أن الوقت يحتاج إلى سلطان مهيب، فعزل الصبي وتسلطن، وتم له ذلك في أواخر سنة سبع وخمسين، فلم يبلغ ريقه ولا تهنا بالسلطنة حتى امتلأ الشام تتار (2) ، فتجهز للجهاد وأخذ أهبة الغزو، والتف إليه عسكر الشام وبايعوه، فسار بالجيوش في أوائل رمضان وعمل المصاف مع التتار على عين جالوت، وعليهم كتبغا، فنصره الله عليهم وقتل مقدمهم. وكان قطز شاباً أشقر كبير اللحية، ولما كسر التتار جهز بيبرس - أعني الظاهر - في أثر التتار ووعده بنيابة حلب، فساق وراءهم إلى أن طردهم عن الشام، ثم انثنى عزمه عن إعطائه حلب وولاها علاء الدين

_ (1) ر: خيراً. (2) كذا في ر.

المنصور قلاوون

ابن صاحب الموصل، فتأثر الظاهر من ذلك، ودخل قطز دمشق وأحسن إلى الرعية فأحبوه حباً زايداً، ثم استناب على البلد علم الدين سنجر الحلبي، ورجع بعد شهر إلى القاهرة، فقتل بين الغرابي والصالحية، ودفن بالقصير، رحمه الله تعالى، سنة ثمان وخمسين وستمائة، تولى قتله الظاهر وأعانه جماعة من الأمراء، وبقي ملقى فدفنه بعض غلمانه، وصار قبره يقصد بالزيارة ويترحم عليه ويسب من قتله، فلما كثر ذلك بعث الظاهر من نبشه ونقله إلى مكان لا يعرف ودفنه، وعفى قبره وأثره، وكان قتله في سادس عشر القعدة من السنة. 399 - (1) المنصور قلاوون قلاوون السلطان المنصور سيف الدنيا والدين، أبو المعالي وأبو الفتوح الصالحي النجمي؛ اشتري بألف دينار ولهذا كان يقال له " الألفي "؛ كان من أحسن الناس صورة في صباه وأبهاهم، كان تام الشكل مهيباً مستدير اللحية، قد وخطه الشيب، على وجهه هيبة الملك وعليه سكينة ووقار؛ كان في إمرته إذا دخل دمشق ينزل في دار الزاهر، وعمل نيابة السلطنة للملك العادل سلامش ابن الظاهر عندما خلعوا السعيد وحلفوا لسلامش وهو ابن سبع سنين، وضربت السكة بوجهين: وجه عليه اسم سلامش ووجه عليه اسم قلاوون، وبقي هذا الحال مدة شهرين، وفي رجب سنة

_ (1) النجوم الزاهرة 7: 292 والشذرات 5: 409 وعبر الذهبي 5: 363 والسلوك 1: 663 وكتاب تشريف الأيام والعصور لابن عبد الظاهر هو سيرته (تحقيق الدكتور مراد كامل، القاهرة) ؛ والترجمة في ر.

قيس ابن ذريح

ثمان وسبعين خلعوا العادل سلامش، وبايعوا الملك المنصور قلاوون، واستقل بالملك، وأمسك جماعة أمراء ظاهرية، واستعمل مماليكه على نيابة البلاد. وكسر التتار سنة ثمانين، ونازل حصن المرقب (1) وفتحه سنة أربع وثمانين، وفتح طرابلس، وأنشأ بالقاهرة بين القصرين المدرسة العظيمة والبيمارستان العظيم الذي لم يكن مثله (2) ، وتوفي في سادس القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ظاهر القاهرة، وحمل إلى القلعة وملك بعده ولده الأشرف، فلما كان مستهل سنة تسع أنزل من القلعة في تابوته إلى تربته، وفرق الذهب على القراء، وكان ملكاً عظيماً لا يحب سفك الدماء، إلا أنه كان يحب جمع الأموال، وأبقى الله تعالى الملك في بيته من بنيه ومماليكه وبني بنيه إلى الآن، رحمه الله تعالى. 400 - (3) قيس ابن ذريح قيس بن ذريح - بالذال المعجمة - الكناني صاحب لبنى؛ قال صاحب " الأغاني ": كان رضيعاً للحسن بن علي عليهما السلام، مر بخيام بني كعب والحي خلوف فوقف على خيمة لبنى بنت الحباب، فاستسقى ماء فسقته،

_ (1) كان حصن المرقب بساحل جبلة حينئذ للاسبتارية، وقد أخرجهم قلاوون من ذلك الحصن إلى طرابلس. (2) قال المقريزي (السلوك 1: 716) وفيها (ي سنة 681) اشتريت الدار القطبية بين القصرين من القاهرة من خالص مال السلطان ... وقام الأمير علم الدين ستجر الشجاعي في عمارتها مارستاناً وقية ومدرسة باسم السلطان الملك المنصور قلاوون، فأظهر من الاهتمام في العمارة ما لم يسمع بمثله. (3) الأغاني 9: 174 والمؤتلف: 120 والسمط: 710 والموشح: والنجوم الزاهرة 1: 182 والشعر والشعراء: 524 والزركشي: 248 وصفحات متفرقة من تزيين الأشواق؛ والترجمة في ر.

وكانت امرأة مديدة القامة شهلاء حلوة المنظر والكلام، فلما رآها وقعت في نفسه فشرب الماء، فقالت: انزل فتبرد عندنا، قال: نعم، ونزل، فجاء أبوها فنحر له وأكرمه، وانصرف قيس وفي قلبه النار من لبنى، فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروي، ثم أتاها يوم آخر وقد اشتد وجده بها، فظهرت له فشكا إليها ما يجده من حبها وشكت إليه مثل ذلك، وانصرف إلى أبيه يسأله زواجها فأبى عليه وقال: بنات عمك أحق بك، وكان ذريح كثير المال، فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه به، فاستعان بأمه على أبيه فلم يجد عندها ما يحب، فأتى الحسن بن علي رضي الله عنهما وشكا إليه ما به، فقال: أنا أكفيك، ومشى معه إلى أبي لبنى، فلما رآه أعظمه، فقال له: قد جئتك خاطباً ابنتك لقيس بن ذريح، فقال: يا ابن بنت رسول الله ما كنا لنعصي لك أمراً، وما بنا عن الفتى رغبة، ولكن نحب أن يخطبها أبوه ذريح، فإنا نخاف إن لم يسمح أبوه أن يكون علينا عار وسبة، فأتى الحسن رضي الله عنه ذريحاً وقومه فأعظموه، فقال لذريح: أقسمت عليك إلا خطبت لبنى لقيس، فقال: السمع والطاعة، ثم قام في وجوه القوم وخطبها لابنه وزوجه إياها وزفت إليه، فأقام معها مدة لا ينكر أحد منهم من صاحبه شيئاً. وكان أبر الناس بأبيه، فألهاه عكوفه على لبنى عن ذلك، ووجدت أمه في نفسها فقالت لأبيه: لقد خشيت أن يموت قيس ولم يترك ولداً، وقد حرم الولد من هذه المرأة، وأنت ذو مال فيصير مالك إلى غير ولدك، فزوجه بغيرها لعل الله يرزقه ولداً، وألحت عليه، فأمهل قيس (1) حتى اجتمع قومه وقال له: يا قيس إنك اعتللت هذه العلة فخفت عليك ولا لي ولد سواك، وهذه المرأة ليست بولود فتزوج غيرها من بنات عمك لعل الله يهب لك ولداً تقر به أعيننا،

_ (1) كذا في ر.

فقال قيس: لا أتزوج غيرها أبداً، فقال أبوه: إن في مالي سعة فتسرى بالجواري، قال: ولا أسوؤها بشيء، فقال: أقسمت عليك إلا طلقتها، قال: الموت عندي والله أسهل من ذلك، ولكن أخيرك خصال، قال: ما هي؟ قال: تزوج أنت لعل الله يرزقك ولداً غيري، قال: ما في فضل لذلك، قال: فدعني أرحل عنك بأهلي واصنع ما أنت صانع لو مت في علتي هذه، قال: ولا هذه، قال: فأدع لبنى عندك وأرتحل عنك فلعلي أسلوها فإنها تطيب نفسي أنها في حبالي، قال: ولا هذه، ولا أرضى إلا أن تطلقها، ثم حلف أنه لا يكنه بيت ولا سقف إلا أن تطلق (1) لبنى، وكان يخرج فيقف في الشمس فيجيء قيس ويقف إلى جانبه ويظلل عليه بردائه ويصلى هو بحر الشمس حتى يفيء الفيء، فينصرف عنه فيدخل إلى لبنى فيعانقها ويبكي وتبكي معه وتقول له: يا قيس إياك أن تطيع أباك فتهلك وتهلكني، فيقول: ما كنت لأطيع فيك أحداً أبداً. فيقال إنه مكث كذلك سنة، وقيل بل أربعين يوماً، ثم طلقها، فلما بانت بطلاقها وفرغ من الكلام لم يلبث أن استطير عقله ولحقه مثل الجنون، وأسف وجعل يبكي وينشج، وبلغها الخبر فأرسلت إلى أبيها، فأقبل بهودج على ناقة وإبل تحمل أثاثها، فلما رأى قيس ذلك أقبل على جاريتها وقال: ويلك! ما دهاني فيكم؟ قالت: لا تسألني وسل لبنى، فذهب إلى لبنى ليسلم عليها فمنعه قومها، وأقبلت عليه امرأة من قومه وقالت له: مالك تسأل كأنك جهل أو تتجاهل؟ هذه لبنى ترحل الليلة أو غداً؛ فسقط مغشياً عليه لا يعقل، ثم أفاق وهو يقول: وإني لمفن دمع عيني بالبكا ... حذار الذي قد كان أو هو كائن وقالوا غداً أو بعد ذلك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن وما كنت أخشى أن تكون منيتي ... بكفك إلا أن ما حان حائن

_ (1) كذا في ر.

ورحلت لبنى واشتد مرضه، فسأل أبوه فتيات الحي أن يعدنه ويتحدثن عنده ويعللنه، فأتينه وجلسن عنده، وجاءه طبيب يداويه فقال قيس: عدن (1) قيساً من حب لبنى، ولبنى ... داء قيس، والحب داء شديد فإذا عادني العوائد يوماً ... قالت العين: لا أرى (2) ما أريد ليت لبنى تعودني ثم أقضي ... إنها لا تعود فيمن يعود ويح قيس ماذا تضمن منها ... داء خبل والقلب منه عميد فقال الطبيب: مذ كم وجدت العلة بهذه المرأة؟ فقال: تعلق روحي روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهد فزاد كما زدنا فأصبح نامياً ... وليس إذا متنا بمنفصم العهد ولكنه باق على كل حادث ... وزائرنا في ظلمة القبر واللحد ومن شعره: وفي عروة العذري أن مت أسوة ... وعمرو بن عجلان الذي قتلت هند وبي مثل ما قد نابه، غير أنني ... إلى أجل لم يأتني وقته بعد هل الحب إلا عبرة ثم زفرة ... وحر على الأحشاء ليس برد وفيض دموع تستهل إذا بدا ... لنا علم من أرضكم لم يكن يبدو وشكا أبو لبنى قيساً إلى معاوية، وأعلمه بتعرضه لها بعد الطلاق، فكتب إلى مروان بن الحكم بهدر دمه، وأمر أباها أن يزوجها بخالد بن حلزة من بني غطفان، فلما علم قيس جزع جزعاً شديداً، وقال: فإن يحجبوها أو يحل وصلها ... مقالة واش أو وعيد أمير فلن يمنعوا عيني من دائم البكا ... ولن يذهبوا ما قد أجن ضميري

_ (1) ر: عند. (2) ر: الذي.

مجنون ليلى

وكنا جميعاً قبل أن يظهر النوى ... بأنعم حالي غبطة وسرور فما برح الواشون حتى بدت لنا ... بطون النوى مقلوبة لظهور لقد كنت حسب النفس لو دام وصلنا ... ولكنما الدنيا متاع غرور ولم يزل تارة يتوصل إلى زيارتها بالحيلة عليها، وتارة تزوره وهو نازل على قوم، إلى أن ماتت لبنى، فتزايد ولعه وجزعه وخرج في جماعة قومه حتى وقف على قبرها، وقال: ماتت لبينى فموتها موتي ... هل تنفعن حسرة على الفوت فسوف أبكي بكاء مكتئب ... قضى حياة وجداً على ميت ثم أكب على القبر يبكي حتى أغمي عليه، فرفعه أهله إلى منزله وهو لا يعقل؛ ولم يزل عليلاً لا يفيق ولا يجيب متكلماً حتى مات ودفن إلى جانبها، وكانت وفاتهما في حدود السبعين للهجرة، رحمهما الله. 401 - (1) مجنون ليلى قيس بن الملوح بن مزاحم بن قيس، هو مجنون بني عامر؛ قال صاحب " الأغاني ": لم يكن مجنوناً، ولكن كانت به لوثة مثل أبي حية النميري (2)

_ (1) الشعر والشعراء: 467 والأغاني 2: 5 والخزانة 2: 169 والمؤتلف: 188 ومعجم المرزباني: 292 (معاذ بن كليب) 448 (مهدي بن الملوح) والسمط: 350، وديوانه بتحقيق الأستاذ عبد الستار فراج؛ وبعض هذه الترجمة في ر. (2) اسمه الهيثم بن الربيع، شاعر إسلامي عاصر جريراً والفرزدق، انظر الشعر والشعراء: 658 والأغاني 16: 236 وطبقات ابن المعتز: 143 والخزانة 4: 283.

وكان سبب عشقه لليلى أنه أقبل ذات يوم على ناقة له، وعليه حلتان من حلل الملوك، وكان من أجمل الفتيان، فمر بامرأة من قومه يقال لها كريمة وعندها جماعة من النسوان تحدثهن فيهن ليلى، فأعجبهن جماله فدعونه إلى النزول، فنزل وأمر عبداً كان معه فعقر لهن ناقته، وتحدثن بقية يومه معه، فبينما هم كذلك إذ طلع فتى من الحي يسمى منازل، فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون، فغضب وقام من عندهن وهو يقول (1) : أأعقر من أجل الكريمة ناقتي ... ووصلي مقرون بوصل (2) منازل إذا جاء قعقعن الحلي ولم أكن ... إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل متى ما انتضلنا بالسهام نضلته (3) ... وإن يرم رشقاً عندها فهو ناضلي ولما أصبح لبس حليته وركب ناقة أخرى ومضى متعرضاً لهن، فرأى ليلى قاعدة بفناء بيتها، وكان قد علق قلبه بحبها، وعندها جويريات يتحدثن معها، فوقف المجنون وسلم عليهن فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره؟ فقال: إيه لعمري، ونزل وعقر ناقته، فأرادت ليلى أن تعلم: هل لها عنده مثل ما له عندها، فجعلت تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره، وكان قد شغفته " بحبها واستملحته " (4) واستملحها، فبينما هي تحدثه إذ أقبل فتى من الحي، فدعته ليلى وساررته سراً ثم قالت له: انصرف، ونظرت إلى وجه المجنون وقد تغير وامتقع لونه فقالت: كلانا مظهر للناس بغضاً ... وكل عند صاحبه مكين

_ (1) ديوانه: 229. (2) الديوان: مفروش لوصل. (3) ر: فضلته. (4) لم يرد في ر، وثبت في المطبوعة

تبلغنا العيون بما أردنا ... وفي القلبين ثم هوى دفين فلما سمع البيتين شهق وأغمي عليه فنضحوا الماء على وجهه، فأفاق بعد ساعة وقد تمكن حب كل منهما من قلب الآخر، وانصرفا وقد أصاب المجنون لوثة ولم يزل في جنبات الحي منفرداً عارياً ولا يتكلم، إلا أن يذكروا له ليلى فيثوب إليه عقله. فلما تولى الصدقات عليهم نوفل بن مساحق رأى المجنون يلعب بالتراب عرياناً، فسأل عنه فأخبروه بخبره وحكوا له ما هو فيه، فأراد أن يكلمه فقيل له: ما يكلمك إلا إن ذكرت له ليلى وحديثها، فأقبل عليه وذكرها له فثاب إليه عقله وأقبل يحدثه بحديثه وينشده شعره فيها، فرق له نوفل وقال له: أتحب أن أزوجكها؟ قال: نعم، وكيف لي بذلك؟ فدعا له بثياب فألبسه إياها، وراح معه كأصح ما يكون يحدثه وينشده، فبلغ ذلك رهط ليلى فتلقوه بالسلاح وقالوا: لا والله يا ابن مساحق، لا يدخل المجنون منازلنا وقد أهدر السلطان دمه، فأقبل بهم وأدبر فأبوا، فقال للمجنون: إن انصرافك (1) أهون من سفك الدماء، فانصرف وهو يقول (2) : أيا ويح من أمس يخلس عقله ... فأصبح مذهوباً به كل مذهب خلياً من الخلان إلا معذراً (3) ... يضاحكني من كان يهوى (4) تجنبي إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت ... روائع عقلي من هوى متشعب وقالوا صحيح ما به طيف جنة ... ولا الهم إلا بافتراء التكذب تجنب ليلى أن يلج بك الهوى ... وهيهات كان الحب قبل التجنب ألا إنما غادرت يا أم مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب

_ (1) ر: اصرافك. (2) الديوان: 78. (3) الديوان: معذباً. (4) ر: يلهو.

ثم إن المجنون وأهله وعشيرته اجتمعوا إلى أبي ليلى ووعظوه وناشدوه الرحم وقالوا: إن هذا الرجل هالك، وقد حكمناك في المهر، فأبى وحلف بالطلاق أن لا يزوجها به أبداً وقال: يا قوم أفضح نفسي وعشيرتي!! فانصرفوا عنه، وزوجها رجل من قومه وبنى بها في تلك الليلة، فيئس المجنون وزال عقله جملة، فقالوا لأبيه: احجج به وادع الله له فلعل الله أن يخلصه، فحج به، فلما كان بمنى سمع صارخاً بالليل يصيح " يا ليلى " فصرخ صرخة كادت نفسه تزهق معها ووقع مغشياً عليه، ولم يزل كذلك حتى أصبح فأفاق وهو حائل اللون وجعل يقول (1) : عرضت على قلبي العزاء فقال لي ... من الآن فايأس لا أعزك من صبر (2) إذا بان من تهوى وأصبح نائباً ... فلا شيء أجدى من حلولك في القبر وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائراً كان في صدري دعا باسم ليلى ضلل الله سعيه (3) ... وليلى بأرض عنه نازحة قفر قال العتبي: مر المجنون يوماً بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم بارد، فوقف عليه المجنون ثم أنشأ يقول (4) : بربك هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبلت فاها؟ وهل رفت عليك قرون ليلى ... رفيف الأقحوانة في نداها؟ فقال: اللهم إذ حلفتني فنعم، فقبض المجنون بتلك يديه قبضتين من الجمر فسمع نشيش لحمه وسقط لحم كفيه مع الجمر ووقع مغشياً عليه

_ (1) الديوان: 162 مع اختلاف في ترتيب الأبيات. (2) الديوان: فاجزع لا تمل من الصبر. (3) الديوان: أسخن الله عينه. (4) الديوان: 286.

وقام زوج ليلى متعجباً منه مغموماً عليه. ومن شعر المجنون (1) : أيا جبلي نعمان بالله خليا ... سبيل الصبا يخلص إلي نسيمها أجد بردها أو تشف مني حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت ... على نفس مهموم (2) تجلت همومها ومنه، وبه سمي المجنون (3) : يقول أناس عل مجنون عامر ... يروم سلواً قلت إني لما بيا وقد لامني في حب ليلى أقاربي ... أخي وابن عمي وابن خالي وخاليا يقولون ليلى أهل بيت عداوة ... بنفسي ليلى من عدو وماليا خليلي لا والله لا أملك البكا ... إذا علم من أرض ليلى بدا ليا قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى قضى ليا فسلب عقله. ومن شعره (4) : جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتي غروب وما ذاك إلا حين أيقنت أنه ... يمر بواد أنت منه قريب يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهى ... إليكم تلقى نشركم فيطيب أظل غريب الدار في أرض عامر ... ألا كل مهجور هناك غريب وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى ... إلي وإن لم آته لحبيب ولا خير في الدنيا إذ أنت لم تزر ... حبيباً ولم يطرب إليك حبيب

_ (1) الديوان: 251. (2) الديوان: محزون. (3) الديوان: 306. (4) الديوان: 52.

وقال أيضاً (1) : وأدنيتني حتى إذا ما ملكتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح تناءيت عني حين لا لي حيلة ... وغادرت ما أوريت بين الجوانح وقال أيضاً (2) : أمزمعة للبين ليلى ولم تمت ... كأنك عما قد أظلك غافل ستعلم إن شطت بهم غربة النوى ... وزالوا بليلى أن لبك زائل وقال أيضاً (3) : كأن القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامرية أو يراح قطاه عزها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح ولم يزل المجنون يهيم في كل واد ويتبع الظباء ويكتب ما يقوله على الرمل، ولا يأنس بالناس، حتى أصبح ميتاً في واد كثير الحجارة، وما دل عليه إلا رجل من بني مرة، فحضر أهله وغسلوه وكفنوه، واجتمع حي بني عامر يبكونه أحر بكاء، ولم ير أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم، وذلك في حدود الثمانين من الهجرة، رحمه الله تعالى وعفا عنه، آمين.

_ (1) الديوان: 94. (2) الديوان: 215. (3) الديوان: 90.

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

حرف الكاف

حَرفُ الكاف

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

" ظهير الدين البادرائي "

402 - (1) " ظهير الدين البادرائي " كامل بن الفتح بن ثابت، ظهير الدين الضرير البادرائي (2) الأديب؛ له شعر وترسل، كتب الصاحب كمال الدين ابن العديم عنه (3) ، وتوفي سنة ست وتسعين وخمسمائة، وكان مسكنه ببغداد بباب الأزج، وكان يدخل على الخليفة الناصر ويحاضره ويخلو معه، وعلمه علم الأوائل، وهون عليه الشرائع، والله أعلم. وقال ياقوت: وكان متهماً في دينه؛ ومن شعره من قصيدة: وفي الأوانس من بغداد آنسة ... لها من القلب ما تهوى وتختار سألتها (4) نهلة من ريقها بدمي ... وليس إلا خفي الطرف سمسار عند العذول اعتراضات ولائمة ... وعند قلبي جوابات وأعذار

_ (1) انباه الرواة 3: 41 ومعجم الأدباء 17: 19 ونكت الهميات: 231 وبغية الوعاة: 382 والزركشي: 249. (2) في المطبوعة: البارزي، وأثبت ما عند الزركشي، وقال القفطي وياقوت إنه من بادرايا، فالنسبة الصحيحة هي البادرائي. (3) في المطبوعة: كتب الطلبة عنه، وما أثبته عن الزركشي. (4) الزركشي: ساومتها.

" كتبغا المنصوري "

403 - (1) " كتبغا المنصوري " كتبغا الملك العادل، زين الدين المنصوري المغلي؛ كان أسمر قصيراً رقيق الصوت، له لحية صغيرة من الحنك، أسر حدثاً من عسكر هولاكو نوبة حمص الأولى في آخر سنة ثمان وخمسين وستمائة، وأمره أستاذه الملك المنصور، وكان من أمراء الألوف، ثم إنه عظم في دولة الأشرف، ولما قتل الأشرف التفت الخاصكية عليه، فحمل بهم على بيدرا وقتلوه، ولما تملك السلطان الملك الناصر جعل كتبغا نائبه، ولما تحول الناصر إلى الكرك تسلطن كتبغا ولقب بالعادل، ونهض بأمره لاجين وقراسنقر وطائفة كان قد اصطنعهم في نوبة الأشرف، وتمكن، وقدم دمشق وسار بالجيش إلى حمص ثم رد، ولما كان بأرض بيسان وثب حسام الدين لاجين وشد على بتخاص والأزرق (2) فقتلهما في الحال وكانا عضدي كتبغا، واختبط الجيش وفر كتبغا على فرس النوبة وتبعه أربعة من مماليكه، وساق كتبغا إلى دمشق فتلقاه نائبها مملوكه وفتح له أرجواس القلعة ودقت البشائر، ولم ينتظم له حال، واجتمع كجكن والأمراء وحلفوا لمن هو صاحب مصر وصرحوا لكتبغا في الحال فقال: أنا ما مني خلاف، وخرج من القلعة إلى قاعة صغيرة وبذل الطاعة، فرسم له أن يقيم بقلعة صرخد فأقام بها، وانطوى ذكره إلى بعد نوبة غازان، فأحسن الملك الناصر إليه وأعطاه حماة فمات بها

_ (1) الدرر الكامنة 3: 348 وصفحات متفرقة من النجوم الزاهرة (ج؟: 8) والشذرات 6: 5 وذيل العبر: 22 والبداية والنهاية 14: 27 والسلوك 1: 806 - 947. (2) هما من المماليك العادلية: بدر الدين بكتوت الأزرق العادلي وسيف الدين بتخاص العادلي.

العتابي

سنة اثنتين وسبعمائة. وكان موصوفاً بالديانة والخير والرفق بالرعية، ونقل تابوته إلى تربته بسفح قاسيون بدمشق، وجرى في أيامه الغلاء العظيم بالديار المصرية، وكان يبكي ويقول: هذا بخطيئتي، وفيه يقول الوداعي لما تسلطن وخلع على أهل دمشق: إنما العادل سلطان الورى ... عندما جاد بتشريف الجميع مثل قطر صاب قطراً ماحلاً ... فكسا أعطافه زهر الربيع 404 (1) العتابي كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر؛ أصله من الشام من أرض قنسرين، صحب البرامكة وصحب طاهر بن الحسين، وكان حسن الاعتذار في رسائله وشعره، وهو أديب مصنف له من الكتب " كتاب المنطق " و " كتاب الآداب " و " كتاب فنون الحكم " و " كتاب الخيل " و " كتاب الألفاظ ". وتوفي في حدود العشرين والمائتين. وكان تزهد ومدح الرشيد والمأمون، وكان قد نقل إلى الرشيد عنه ما أهدر به دمه، فخلصه جعفر فقال فيه شعراً:

_ (1) تاريخ بغداد 13: 488 وطبقات ابن المعتز: 261 والشعر والشعراء: 740 ومروج الذهب 4: 14 والأغاني 13: 107 والفهرست: 181 وكتاب بغداد: 69، 87 - 89 ومعجم المرزباني: 251 والوزراء والكتاب: 181 والموشح: 449 والبيان والتبيين 1: 51 ومعجم الأدباء 17: 26 واللباب 2: 118 وابن خلكان 4: 122 (وهو مما انفردت به إحدى النسخ وليس من شرط المؤلف) والزركشي: 249؛ وبقيت من هذه الترجمة في ر بقية يسيرة.

ما زلت في غمرات الموت مطرحاً ... يضيق عني فسيح الرأي من حيلي فلم تزل دائماً تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يدي أجلي وكلم يحيى بن خالد في حاجة بكلمات قليلة فقال له يحيى: لقد نزر كلامك اليوم وقل، فقال: وكيف لا يقل وقد كفيتني ذل المسألة وحيرة الطلب وخوف الرد؟ فقال له يحيى: لئن قل كلامك لقد كثرت فوائده. ومن شعره: ولو كان يستغني عن الشكر حامد ... لعزة ملك أو علو مكان لما أمر الله العباد بشكره ... وقال اشكروا لي أيها الثقلان ولما دخل على المأمون كان عنده إسحاق الموصلي، فسلم عليه فرد عليه وأدناه وقربه حين دخل عليه وقبل يده، وأقبل عليه يسأله عن حاله وهو يجيبه بلسان طلق، فاستظرفه المأمون وأقبل عليه بالمداعبة والمزاح، فظن أنه استخف به فقال له: يا أمير المؤمنين الإيناس قبل الإبساس، فاشتبه على المأمون، وأقبل على إسحاق مستفهماً، فأومأ إليه وغمزه على معناه حتى فهمه، فقال: يا غلام، ألف دينار، فأتي بذلك فدفعها إلى العتابي، ثم غمز المأمون إسحاق الموصلي عليه، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه، فبقي العتابي متعجباً، ثم قال: يا أمير المؤمنين أيذن لي في مسألة هذا الشيخ عن اسمه، فقال: نعم سله، فقال لإسحاق: يا شيخ من أنت؟ وما اسمك؟ فقال: أنا من الناس واسمي كل بصل، فتبسم العتابي، وقال: أما أنت فمعروف وأما الاسم فمنكر، فقال إسحاق: ما أقل إنصافك، أتنكر أن يكون اسمي كل بصل واسمك كل ثوم؟ وما كل ثوم من الأسماء؟ أليس البصل أطيب من الثوم؟ فقال العتابي: لله درك ما أحجك! أيأذن لي أمير المؤمنين أن أصله بما وصلني به؟ فقال: لا بل هو موفر عليك ونأمر له بمثله، فقال إسحاق: أما إذ أقررت فتوهمني أنت، فقال:

ما أظنك إلا إسحاق الموصلي الذي يتناهى إلينا خبره، قال: أنا حيث ظننت، فأقبل عليه بالتحية والسلام، فقال المأمون وقد طال الحديث بينهما: أما إذ اتفقتما فانصرفا متنادمين، فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق وأقام عنده. وقال عمر الوراق: رأيت العتابي يأكل خبزاً على الطريق بباب الشام فقلت له: ويحك أما تستحي؟ فقال: أرأيت لو كنا في دار فيها بقر أكنت تحتشم أن تأكل وهو يراك؟ فقلت: لا، فقال: فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر، ثم قام فوعظ وقص ودعا حتى كثر الزحام عليه، فقال لهم: روي لنا من غير وجه أنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار، قال: فما بقي أحد منهم إلا أخرج لسانه نحو أرنبة أنفه ويقدره هل يبلغها أم لا، فلما تفرقوا قال العتابي: ألم أعلمك أنهم بقر؟ ودخل العتابي على عبد الله بن طاهر، فلما مثل بين يديه أنشده: حسن ظني وحسن ما عود الل ... هـ بسؤلي (1) منك الغداة أتى بي أي شيء يكون أحسن من حس ... ن يقين حدا إليك ركابي فأمر له بجائزة، ثم دخل عليه من الغد فأنشده: ودك يكفينيك في حاجتي ... ورؤيتي كافية عن سؤال وكيف أخشى " الفقر " ما عشت لي ... وإنما كفاك لي بيت مال؟ فأمر له بجائزة، ثم دخل عليه في اليوم الثالث فأنشده: بهجات الثياب يخلقها الده ... ر وثوب الثناء غض جديد فاكسني ما يبيد، أصلحك الل ... هـ فإني أكسوك ما لا يبيد " فأمر له بكسوة وجارية " (2) .

_ (1) ر: سؤالي. (2) زيادة من المطبوعة.

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

حرف اللام

حَرف اللام

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

أبو مخنف

405 - (1) أبو مخنف لوط بن يحيى بن مخنف بن سليمان (2) الأزدي، أبو مخنف - بالميم والخاء المعجمة والنون والفاء - وجده مخنف من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. توفي لوط سنة سبع وخمسين ومائة. وكان راوية أخبارياً صاحب تصانيف، وكان يروي عن جماعة من المجهولين؛ قال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال الدراقطني: أخباري ضعيف. ومن تصانيفه: " كتاب الردة ". " فتوح الشام ". " فتوح العراق ". " كتاب الجمل ". " كتاب صفين ". " كتاب النهروان ". " كتاب الغارات ". " كتاب الخريت بن راشد وبني ناجية ". " كتاب مقتل علي رضي الله عنه ". " كتاب مقتل حجر بن عدي وأصحابه ". " مقتل محمد بن أبي بكر والأشتر ومحمد بن أبي حذيفة ". " كتاب الشورى ". " " كتاب " مقتل عثمان رضي الله عنه ". " كتاب المسور بن علقمة ". " كتاب وفاة معاوية وولاية يزيد ووقعة الحرة ومقتل عبد الله بن الزبير ". " كتاب سليمان بن صرد وعين الوردة ". " كتاب مرج راهط ومقتل الضحاك بن قيس الفهري ". " كتاب مصعب بن الزبير والعراق ". " كتاب مقتل

_ (1) الفهرست: 93 ومعجم الأدباء 17: 41 ورجال النجاشي: 245 ومجمع الرجال 5: 80 - 82؛ وهذه الترجمة في ر. (2) كذا هو عند ياقوت؛ وفي المصادر الأخرى: سالم (أو سليم) .

ليلى الأخيلية

عبد الله بن الزبير ". كتاب حديث وادي الجماجم ومقتل عبد الرحمن ابن الأشعث ". " كتاب نجدة الحروري ". " كتاب الأزارقة ". " كتاب حديث روستقباذ ". " كتاب شبيب الحروري وصالح بن مسرح ". " كتاب المطرف بن المغيرة ". " كتاب يزيد بن المهلب ومقتله بالعقر ". " كتاب خالد القسري ويوسف بن عمر وموت هشام وولاية الوليد ". " كتاب زيد بن علي ويحيى بن زيد ". " كتاب الضحاك الخارجي ". " كتاب الخوارج والمهلب بن أبي صفرة "، وله غير ذلك من الفتوحات. 406 - (1) ليلى الأخيلية ليلى بنت عبد الله الأخيلية الشاعرة المشهورة؛ كانت من أشهر النساء لا يتقدم عليها إلا الخنساء، توفيت في عشر الثمانين للهجرة. وكان توبة بن الحمير يهواها - وقد نقدم ذكره (2) خطبها فأبى أبوها، فكان يزورها. قال لها الحجاج: إن شبابك قد مضى واضمحل أمرك وأمر توبة، فأقسم عليك إلا صدقتيني، هل كانت بينكما ريبة قط أو خاطبك في ذلك؟ قالت: لا والله أيها الأمير، إلا أنه قد قال لي ليلة وقد خلونا كلمة ظننت أنه قد خضع فيها لبعض الأمر، فقلت له: وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل

_ (1) الأغاني 11: 193 والسمط: 119، 281 والخزانة 3: 31 وأمالي القالي 1: 86 وأمالي الزحاجي: 50 وصفحات متفرقة من مصارع العشاق وزهر الآداب، وشرح شواهد المغني: 200 والشعراء والشعر: 359؛ وقد ورد جزء يسير من هذه الترجمة في ر. (2) الترجمة رقم: 89.

لنا صاحب لا نبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وخليل فلا والله ما سمعت بعدها منه ريبة حتى فرق بيننا، فقال لها الحجاج: فما كان منه بعد ذلك؟ قالت: وجه صاحباً له إلى حاضرنا وقال له: اعل شرفاً واهتف بهذا البيت بين أهله: عفا الله عنها هل أبيتن ليلة ... من الدهر لا يسري إلي خيالها فلما فعل ذلك عرفت المعنى، فقلت: وعنه عفا ربي وأحسن حفظه ... يعز علينا حاجة لا ينالها وعن محمد بن الحجاج بن يوسف قال: بينما الأمير جالس إذ استؤذن لليلى، فأذن لها فدخلت امرأة طويلة دعجاء العين حسنة المشية حسنة الثغر، فسلمت عليه، فرحب بها الحجاج وقال لها: ما وراءك؟ ضع لها وسادة يا غلام، فجلست، فقال لها: ما أقدمك إلينا؟ فقالت: السلام على الأمير والقضاء لحقه والتعرض لمعروفه، فقال: كيف خلفت قومك؟ قالت: في حال خصب وأمن ودعة؛ أما الخصب ففي الأموال والكلأ، وأما الأمن فقد أمنهم الله عز وجل، وأما الدعة فقد خامرهم من خوفك ما أصلح بينهم، ثم قالت: ألا أنشدك أيها الأمير؟ قال: إن شئت، فقالت: أحجاج لا يفلل سلاحك إنما ال ... منايا بكف الله حيث يراها إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها سقاها دماء المارقين وعلها ... إذا جمحت يوماً وخيف أذاها أعد لها مصقولة فارسية ... بأيدي رجال يحلبون صراها أحجاج لا تعط العداة مناهم ... أبى الله يعطي للعداة مناها ولا كل خلاف تقلد بيعة ... بأعظم عهد الله ثم شراها

فأمر وكيله أن يعطيها خمسمائة درهم ويكسوها خمسة أثواب كسا خز. وفي خبر آخر أنها وفدت عليه فقال لها: أنشديني بعض شعر في توبة، فأنشدته: لعمرك ما بالموت عار على الفتى ... إذا لم تصبه في الحياة المعاير وما أحد حي وإن عاش سالماً ... بأخلد ممن غيبته المقابر ولا الحي مما أحدث الدهر معتب ... ولا الميت أن لم يصبر الحي ناشر وكل جديد أو شباب إلى بلى ... وكل امرئ يوماً إلى الله صائر قتيل بني عوف فيا لهفتا له ... وما كنت إياهم عليه أحاذر ولكنني أخشى عليه قبيلة ... لها بدروب الشام باد وحاضر فقال الحجاج لحاجبه: اذهب فاقطع عني لسانها، فدعا بالحجام ليقطع لسانها، فقالت: ويحك! إنما قال الأمير: اقطع لسانها بالعطاء والصلة، فارجع إليه فاستأذنه، فرجع إليه فاستأذنه فاستشاط غيظاً، وهم بقطع لسانه، ثم أمر بها فأدخلت عليه، فقالت: كاد وعهد الله يقطع أيها الأمير مقولي، وأنشدته: حجاج أنت الذي ما فوقه أحد ... إلا الخليفة والمستعظم الصمد حجاج أنت شهاب الحرب إذ نهجت ... وأنت للناس نور في الدجى يقد

حرف الميم

حَرف المِيم

المكتفي بالله

3341 - المكتفي بالله علي بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب؛ هو أمير المؤمنين المكتفي بالله ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور، الهاشمي العباسي، ولد سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن الوجه؛ بويع له بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكانت أيامه ست سنين ونصف، ومات شاباً في ذي القعدة، وخلف مائة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها، وثلاثة وستين ألف ثوب وكان يلقب " المترف " لنعمة جسمه وحسنه، وكان نقش خاتمه " اعتمادي على الذي خلقني ". ومن شعره: من لي بأن تعلم ما ألقى فتعرف الصبوة والعشقا مازال لي عبداً وحبي له صيرني عبداً له حقا أعتق من رقي ولكنني من حبه لا آمن العتقا وله أيضاً: الزركشي: 231 والروحي: 59 وتاريخ الخلفاء: 405 والفخري: 232 وخلاصة الذهب المسبوك: 237 وراجع التواريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير ... الخ؛ وقد وردت في ر.

" صاحب الرحبة "

407 - (1) " صاحب الرحبة " مالك بن طوق التغلبي صاحب الرحبة؛ أحد الأشراف والفرسان الأجواد، ولي إمرة دمشق للمتوكل، كان ينادي على باب داره بالخضراء - وكانت دار الإمارة - بعد المغرب: الإفطار يرحمكم الله، قال: والأبواب مفتوحة يدخلها الناس؛ توفي سنة تسع وخمسين ومائتين. وهو الذي بنى الرحبة التي على الفرات وإليه تنسب، وسبب ذلك أن هارون الرشيد ركب على حراقة مع ندمائه في الفرات ومعهم مالك بن طوق، فلما اقترب من الدواليب قال: يا أمير المؤمنين لو خرجت إلى الشط لنجوز هذه الدواليب، قال: أحبك تخاف هذه؟ قال: الله يكفي أمير المؤمنين كل محظور، قال الرشيد: قد تطيرت بقولك، ثم صعد إلى الشط، فلما بلغت الحراقة إلى الدواليب دارت دورة ثم انقلبت بما فيها، فتعجب الرشيد من ذلك وسجد شكراً لله تعالى وتصدق بأموال كثيرة، وقال لمالك: وجبت لك علينا حاجة فسل ما تحب، قال: يعطيني أمير المؤمنين هنا أرضاً أبنيها فتنسب إلي، قال: قد فعلنا وساعدناك بالأموال والرجال، فلما عمرها واستوثقت أموره فيها وتحول الناس فيها أنفذ إليه الخليفة يطلب منه مالاً، فتعلل ودافع ومانع وتحصن وجمع الجيوش، وطالت الوقائع بينه وبين عسكر الرشيد، إلى أن ظفر به صاحب الرشيد وحمله مكبلاً، فمكث في السجن عشرة أيام، ثم أمر بإحضاره في جمع

_ (1) معجم البلدان (رحبة مالك بن طوق) ودول الإسلام 1: 123 والنجوم الزاهرة 3: 20 والشريشي 1: 145.

من الرؤساء وأرباب الدولة، فقبل الأرض ولم ينطلق، فعجب الرشيد من صمته وغاظه ذلك وأمر بضرب عنقه، وبسط النطع وجرد السيف وقدم مالك، فقال الوزير: يا مالك تكلم فإن أمير المؤمنين يسمع كلامك، فرفع رأسه وقال: يا أمير المؤمنين أخرست عن الكلام دهشة، وقد أدهشت عن السلام والتحية، فأما إذ إذن أمير المؤمنين فإني أقول: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة من طين، يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدين، ولم بك شعث الأمة، وأخمد بك شهاب الباطل، وأوضح بك سبيل الحق، إن الذنوب تخرس الألسنة الفصيحة وتصدع الأفئدة، وايم الله لقد عظمت الجريمة وانقطعت الحجة، ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك، ثم أنشأ يقول بعد ما التفت يميناً وشمالاً: أرى الموت بين النطع والسيف كامناً ... يلاحظني من حيث ما أتلفت وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي ... وأي امرئ مما قضى الله يفلت؟ يعز على الأوس بن تغلب وقفة ... يهز علي السيف فيها وأسكت وأي امرئ يد لي بعذر وحجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت وما بي من خوف أموت وإنني ... لأعلم أن الموت شيء مؤقت ولكن خوفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت كأني أراهم حين أنعى إليهم ... وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا فإن عشت عاشوا آمنين بغبطة ... أذود الردى عنهم، وإن مت موتوا فكم قائل لا يبعد الله داره ... وآخر جذلان يسر ويشمت قال: فبكى هارون الرشيد وقال: لقد سكت على همة، وتكلمت على حلم وحكمة، وقد عفوت لك عن الصبوة ووهبتك للصبية؛ فارجع إلى ولدك ولا تعاود، فقال: سمعاً وطاعة، وانصرف.

" مالك بن نويرة "

408 - (1) " مالك بن نويرة " مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد، أبو المغوار اليربوعي أخو متمم؛ كان يلقب بالجفول لكثرة شعره. قتل في الردة؛ قال صاحب " الأغاني " (2) : كان أبو بكر رضي الله عنه لما جهز خالد بن الوليد لقتال أهل الردة قد أوصاهم أنهم إذا سمعوا الأذان في الحي وإقامة الصلاة نزلوا عليهم، فإن أجابوا إلى أداء الزكاة وإلا الغارة، فجاءت السرية حي مالك، وكان في السرية أبو قتادة الأنصاري، وكان ممن شهد أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا، فقبض عليهم خالد وكانت ليلة باردة، فأمر خالد منادياً ينادي " ادفئوا أسراكم " وكان لغة كنانة إذا قالوا " ادفئوا الرجل " يعنون اقتلوه، فقتل ضرار بن الأزور مالكاً، وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد الله أمراً أصابه، فقال أبو قتادة: هذا عملك، فزبره خالد، فغضب ومضى حتى أتى أبا بكر، فغضب عليه أبو بكر حتى كلمه فيه عمر، فلم يرضى إلا أن يرجع إلى خالد ويقيم معه، فرجع إليه ولم يزل معه حتى قدم خالد المدينة، وكان خالد قد تزوج بزوجة مالك، فقال عمر: إن في سيف خالد رهقاً وحق عليه أن تقيده، وأكثر عليه في ذلك، وكان أبو بكر

_ (1) أخباره في المصادر التاريخية التي تتحدث عن أحداث الردة؛ وانظر الشعر والشعراء: 254 وصفحات متفرقة من شرح النقائض وأسماء المغتالين: 244 والمحبر: 126 وطبقات ابن سلام: 170 وخزانة الأدب 1: 236 وسرح العيون: 86 وابن خلكان 6: 13 (في ترجمة وثيمة بن الفرات) ، وراجع مالك ومتمم ابنا نويرة تأليف ابتسام مرهون الصفار وفيه شعرهما مجموعاً (بغداد: 1968) ؛ وقد بقي بعض هذه الترجمة في ر. (2) الأغاني 15: 239 - 249 وانظر: 241 والنقل عن الأغاني بتصرف.

لا يقيد عماله فقال: يا عمر إن خالداً تأول فأخطأ فارفع لسانك عنه، ثم كتب إلى خالد أن يقدم عليه، فقدم وأخبره بخبره فقبل عذره، وعنفه بالتزويج، وقيل إن خالداً كان يهوى امرأة مالك في الجاهلية، وكان خالد يعتذر في قتله فيقول: إنه قال لي وهو يراجعني: ما إخال صاحبكم إلا قد كان يقول كذا وكذا، فقال خالد، أو ما تعده صاحبك؟ ثم قدمه فضرب عنقه. ومما يؤيد خالد وأن (1) مالكاً مات مرتداً أن متمماً لما أنشد عمر مراثيه في مالك قال له عمر: والله لوددت أني أحسن الشعر فأرثي أخي زيداً بمثل ما رثيت أخاك، فقال متمم: لو أن أخي مات على ما مات عليه أخوك ما رثيته، فقال عمر رضي الله عنه ما عزاني أحد عن أخي بأحسن مما عزاني به متمم. وقال الرياشي: صلى متمم بن نويرة مع أبي بكر رضي الله عنه الصبح ثم أنشده: نعم القتل إذا الرياح تناوحت ... تحت الإزار قتلت يا ابن الأزور الأبيات ... ثم بكى حتى سالت عينه العوراء ثم انخرط على سية قوسه مغشياً عليه. وقيل لمتتم: ما بلغ من وجدك على أخيك؟ فقال: أصبت بإحدى عيني فما قطرت منها قطرة عشرين سنة، فلما قتل أخي استهلت فما ترقأ. ويقال في المثل: فتى ولا كمالك، ومرعى ولا كالسعدان، يعنون به مالكاً هذا. وقيل لمتمم: صف لنا مالكاً فقال: كان يركب الجمل الثفال في الليلة القرة يرتمي لأهله بين المزادتين عليه الشملة الفلوات، يقود الفرس الحرون، ثم يصبح ضاحكاً.

_ (1) ر: خالد أن.

ومن شعر متتم في مالك: نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... فوق العضاة قتلت يا ابن الأزور أدعوته بالله ثم غدرته ... بل لو دعاك بذمة لم يغدر لا يلبس الفحشاء تحت ثيابه ... صعب مقادته عفيف المئزر فلنعم حشو الدرع كنت وحاسراً ... ولنعم مأوى الطارق المتنور وقال يرثيه من أبيات: وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا فإن تكن الأيام فرقن بيننا ... فقد بان محموداً أخي يوم ودعا أقول وقد طار السنا في ربابه ... وجون يسح الماء حتى تربعا سقى الله أرضاً حلها قبر مالك ... ذهاب الغوادي المدجنات فأمرعا تحيته مني وإن كان نائياً ... وأمسى تراباً فوقه الأرض بلقعا وقال: وقالوا أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى والدكادك لقد لامني عند القبور على البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك فقلت لهم إن الشجا يبعث الشجا ... دعوني فهذا كله قبر مالك وقال عمر رضي الله عنه لمتمم: أكان مالك يحبك مثل محبتك إياه؟ فقال: أين أنا من مالك؟ والله يا أمير المؤمنين لقد أسرني حي من العرب فشدوني وثاقاً وألقوني بفنائهم، فبلغه خبري فأقبل علي على راحلته حتى انتهى إلى القوم وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إلي أعرض عني وقصد إلى القوم، فعرفت ما أراد، فوقف عليهم فسلم وحادثهم وضاحكهم

مجاهد الخياط

فوالله ما زال حتى ملأهم سروراً، وأحضروا غداءهم فسألوه النزول يتغدى معهم ففعل، ثم نظر إلي وقال: ليقبح بنا أن نأكل ورجل ملقى بين أيدينا لا يأكل معنا، وأمسك عن الطعام، فقاموا القوم إلي وصبوا الماء على قدي حتى لان وحلوني، ثم جاءوا بي وأجلسوني معهم على الغداء، فلما أكلنا قال لهم: ما ترون تحرم هذا بنا وأكله معنا، وإنه لقبيح بكم أن تردوه إلى القيد، فخلوا سبيلي وأطلقوني بغير فداء؛ وكان مقتل مالك في حدود سنة " اثنتي عشرة " (1) . 409 - (2) مجاهد الخياط مجاهد بن سليمان بن مرهف بن أبي الفتح المصري التميمي الأديب، المعروف بالخياط، ويعرف بابن " أبي " (3) الربيع؛ كان من كبار أدباء العوام، لكنه قرأ النحو وفهم، وكان قد سلطه الله تعالى على أبي الحسين الجزار شاعر الديار المصرية؛ وتوفي مجاهد سنة اثنتين وسبعين وستمائة (4) : ومن شعره (5) : أب الحسين تأدب ... ما الفخر بالشعر فخر

_ (1) بياض في ر. (2) البدر السافر: 62 والزركشي: 249 والنجوم الزاهرة 7: 242 وذكر محقق النجوم أن له ترجمة في ذيل مرآة الزمان وعيون التواريخ والمنهل الصافي وانظر المغرب (قسم مصر) 1: 293 حيث سماه ((مجاهد طناش الخياط)) وسيذكر المؤلف في ترجمة الجزار بعض أهاجي الخياط فيه؛ وهذه الترجمة في ر. (3) زيادة من البدر السافر. (4) في يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من جمادى الآخرة بالقرافة ودفن بها. (5) زاد الزركشي: في الجزار.

ما تبللت منه ... بقطرة وهو بحر وإن أتيت بيت ... وما لبيتك قدر ولم تأت بالبيت إلا ... عليه للناس حكر وكان ناصر الدين ابن النقيب قد وعده بإردب قمح، فجهز له ويبتين وتأخر له أربعة (1) ، فكتب إلى ابن النقيب: ما ماجداً بالقمح قد جاد لي ... ماذا الذي ألجاك أن تمنعه وقد شكا لي نقصه فرقة ال ... باقي عسى مولاي أن يجمعه أأبعث الثنتين من حاصلي ... إليك أو تبعث لي الأربعة فكتب إليه ابن النقيب الجواب: تا الله ما أخرتها مانعاً ... لها ولا في ذاك من مطمعه وإنما أخرتها خيفة ... من كفك المتلفة المضيعة وما عسى مقدارها عندكم ... والألف مع مثلك مستودعة وإنها أجود ما يقتنى ... وإنك الميشوم بالأربعه ومن شعره: أعد يا برق ذكر أهيل نجد ... فإن لك اليد البيضاء عندي أشيمك بارقاً فيضل (2) عقلي ... فواعجباً تضل وأنت تهدي ويبكيك السحاب وأنت ممن ... تحمل بعض أشواقي ووعدي بعثت مع النسيم لهم سلاماً ... فما عطفوا علي له برد وقال: وظبي تظلمت من خده ... لقلبي عليه حقوق ودم أخذت القصاص بتعضيضه ... ولم يجر بعد عليه القلم

_ (1) كذا في ر. (2) ر: فيظل؛ وهو صواب عند الزركشي.

ابن مواهب البغدادي

410 - (1) ابن مواهب البغدادي محمد بن محمد بن مواهب، أبو العز ابن الخراساني الشاعر البغدادي صاحب العروض ومصنف النوادر، المنسوب إلى حدة الخاطر؛ قرأ الأدب على الجواليقي، وله ديوان شعر في خمسة عشر مجلداً. قال العماد الكاتب: ومدح الخلفاء والوزراء، وله مصنفات أدبية، وتغير ذهنه آخر عمره، وتوفي سنة ست وسبعين وخمسمائة، وله اثنتان (2) وثمانون سنة، وأورد له ابن النجار ما يكتب على كمران (3) : أنا محسود من النا ... س على أمر عجيب أنا ما بين قضيب ... يتثنى وكثيب وقال: أنا راض منكم بأيسر شيء ... يرتضيه لعاشق معشوق بسلام على الطريق إذا ما ... جمعتنا بالاتفاق الطريق وقال: إن شئت أن لا تعد غمرا ... فخل زيدا معاً وعمرا واستغن بالله في أمور ... ما زلن طول الزمان امرا

_ (1) الوفي 1: 150 والزركشي: 250 ومعجم الأدباء 19: 46 والشذرات 5: 257 وبغية الوعاة: 101؛ وقد وردت هذه الترجمة في ر ما عدا البيتين الأخيرين؛ وعند هذا الحد تنتهي التراجم التي وردت في النسخة المذكورة. (2) ر: اثنان. (3) الكسران: المنطقة أو الحزام.

القاضي نجم الدين الطبري

ولا تخالف مدى الليالي ... لله حتى الممات أمرا واقنع بما راج من طعام ... والبس إذا ما عريت طمرا 411 (1) القاضي نجم الدين الطبري محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، القاضي نجم الدين ابن جمال الدين الطبري؛ كان فقيهاً جيداً فيه كرم وحسن أخلاق، وله نظم منه: أشبيه البدر التمام إذا بدا ... حسناً وليس البدر من أشباهك مأسور حبك إن يكن متشفعاً ... فإليك بالحسن (2) البديع بجاهك وأساه قد (3) أعيا الأساة دواؤه ... وشفاه يحصل بارتشاف شفاهك فصليه واغتنمي بقاء حياته ... لا تقطعيه جفاً بحق إلهك قال تاج الدين اليمني: توفي نجم الدين الطبري سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة (4) ، ومولده سنة ثمان وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.

_ (1) الوافي 1: 228 والزركشي: 250 والدرر الكامنة 4: 210 والشذرات 6: 94 والعقد الثمين 2: 271 وذيل العبر: 165. (2) الوافي: في الحسن. (3) الوافي: أشفى أسى. (4) عند الذهبي أنه توفي سنة 730.

الوأواء الدمشقي

412 - (1) الوأواء الدمشقي محمد بن أحمد - وقيل هو ابن محمد - أبو الفرج الوأواء الغساني الدمشقي؛ شاعر مطبوع منسجم العبارة حسن جيد التشبيه، بنى الحريري مقامة (2) على قوله: وأمرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ... ورداً وعضت على العناب بالبرد ومن شعره (3) : وليل كفكري في صدود معذبي ... وإلا كأنفاسي عليه من الوجد وإلا كعمر الهجر فيه لأنه ... إذا قسته بالوصل كان بلا حد وقال أيضاً (4) : اسقياني ذبيحة الماء في الكأ ... س وكفا عن شرب ما تسقياني إنني قد أمنت بالأمس إذ م ... ت بها أن أموت موتاً ثاني قهوة تطرد الهموم إذا ما ... سكنت في (5) مواطن الأحزان نثرت راحة المزاج عليها ... حدقاً ما تدور في الأجفان فهي تجري من اللطافة في الأر ... واح مجرى الأرواح في الأبدان

_ (1) اليتيمة 1: 272 والوافي 2: 52 والزركشي: 250 والمحمدون: 54 وانظر مقدمة ديوانه؛ وقد نشر ديوانه بتحقيق الدكتور سامي الدهان (دمشق 1950) . (2) هي المقامة الثانية. (3) ديوانه: 87. (4) الديوان: 241. (5) الديوان: مكنت من.

يتهادى بكأسها من هدايا ... هـ إلينا طرائف الأشجان ما رأينا ورداً كورد بخدي ... هـ بدا طالعاً على غصن بان زارني والصباح في ساعد الأف ... ق كبحر (1) في نصفه نصف جان وغدا والهلال في شرك الفج ... ر شريكي في قبضة الارتهان ويمين الجوزاء تبسط باعاً ... لعناق الدجى بغير بنان وكأن الإكليل (2) إذ رمي الغر ... ب به شعله من النيران وكأن النجوم أحداق روم ... ركبت في محاجر السودان رشأ تشره النفوس إلى ما ... في ثناياه من رحيق اللسان لا وما احمر من تورد خدي ... هـ وما اصفر من شموس الدنان لأطيل (3) السجود في قبلة الكأ ... س بتسبيح ألسن العيدان كم صلاة على فتى مات سكراً ... قد أقيمت فينا بغير أذان أيها الرائح الذي راحتاه ... بخضاب الكؤوس مخضوبتان عج بضحك الأقداح في رهج القص ... ف إذا ما بكت عليها القناني واسقني القهوة التي تنبت الور ... د إذا شئت في خدود الغواني لا تدغدغ صدر المدام بأيدي ال ... مزج ما دغدغت صدور المثاني كتبتها أيدي السحاب بأقلا ... م دموع على طروس المغاني ألفات مؤلفات ولاما ... ت تكون من ضمير المعاني في رياض تريك بالليل منها ... سرجاً من شقائق النعمان انظر إلى ما في هذه القصيدة من جودة التشبيه وصحته ولطف الاستعارات ورشاقة ألفاظها؛ ومن شعره (4) :

_ (1) الوافي: كنحر. (2) الديوان: المريخ، وكذلك في الوافي. (3) الوافي: لأطلت؛ الديوان: سأطيل. (4) الديوان: 203.

وجلا الثريا في ملا ... ءة نوره البدر التمام فكأنها كأس ليش ... ربها (1) الدجى والبدر جام وكأن زرق نجومها ... حدق مفتحة نيام وقال أيضاً (2) : سقياً ليوم غدا الغمام به ... والشمس مشرقة والبرق خلاس كأنه قوس رام والبروق له ... رشق السهام وعين الشمس برجاس وقال أيضاً (3) : والبدر أول ما بدا متلثماً ... يبدي الضياء لنا بخد مسفر وكأنما هو خوذة من فضة ... قد ركبت في هامة من عنبر وله أيضاً (4) : لست أنسى قلبي وقد راح نهباً ... بين بين مبرح وصدود وسماء العيون إذ ذاك تسقي ... بسحاب الدموع (5) روض الخدود وقال، وهو لطيف عذب (6) : بالله ربكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعل العتب يعطفه وعرضاه بي وقولا في حديثكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه؟ فإن تبسم قولا في ملاطفة ... ما ضر بوصال منك تسعفه؟ وإن بدا لكما في وجهه غضب ... فغالطاه وقولا ليس نعرفه

_ (1) الديوان: يدير بها. (2) الديوان: 131. (3) الديوان: 108. (4) الديوان: 82. (5) الديوان: الجفون. (6) الديوان: 146.

وقال آخر في المعنى (1) : ألا يا نسيم الريح بلغ رسالتي ... سليمى وعرض بي كأنك مازح فإن أعرضت عني فموه مغالطاً ... بغيري وقل ناحت بذاك النوائح أخذه القائل فنظمه ذوبيت: باللطف إذا لقيت من أهواه ... عاتبه وقل له الذي ألقاه إن أغضبه الوصال غالطه به ... أو رق فقل عبدك لا تنساه وقال الآخر موالياً: بحرمة العهد إن جزت النقا يا سعد ... أبصرت ذاك المحيا والأثيث الجعد عرض بذكري وغالطها وقل يا دعد ... إذ لم تجودي بوصلك فاسمحي بالوعد وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي من أبيات: ويا رسولي إليهم صف لهم أرقي ... وأن طرفي لطيف الضيف مرتقب واسأل مواهبهم للعين بعض كرى ... لعل أن يهبوا لي بعض ما نهبوا ولطف القول لا تسأم مراجعة ... عند الهوى والنوى قد ينجح الطلب عرض بذكري فإن قالوا أتعرفه ... فاسأل لي الوصل وانكرني إذا غضبوا ومن قول الوأواء الدمشقي في سيف الدولة (2) : من قاس جدواك بالغمام فما ... أنصف في الحكم بين اثنين أنت إذا جدت ضاحك أبداً ... وهو إذا جاد دامع (3) العين وقال أيضاً (4) : أيا ملزمي ذنب الدموع وقد جرت ... فأبدت من الأسرار كل مصون

_ (1) وردت هي وما بعدها من قطع في الوافي. (2) الديوان: 222. (3) الديوان: 236. (4) المطبوعة: باكي.

أعني على تأديب دمعي فإنه ... يتوب إذا ما كنت أنت معيني وقال أيضاً وهو لطيف جداً (1) : إذا اشتد ما ألقى جلست حذاءه ... ونار الهوى قد أضرمت بين أوصالي أقبل من فيه نسيم كلامه ... إذا مر بي صفحاً بأفواه آمالي وقال أيضاً (2) : يا من بزرقة سيف اللحظ طل دمي ... والسيف ما فخره إلى بزرقته علمت إنسان عيني أن يعوم فقد ... جادت سباحته في ماء مقلته (3) وقال أيضاً (4) : ولما وقفنا ساعة البين لم نطق (5) ... كلاماً تناجينا بكسر الحواجب نناجي بإضمار الهوى ظاهر الهوى ... بأطيب من نجوى الأماني الكواذب وقال أيضاً (6) : رعى الله من لم يرع لي حق صحبتي ... وإن كان في كف المنية مودعي فيا أسفي زدني عليه تأسفاً ... ويا كبدي وجداً عليه تقطعي وإني لمشتاق إلى من أحبه ... فلا معه شوقي ولا صبره معي وقال أيضاً (7) : تنفست الغداة وقد تولت ... ركائبهم معارضة طريقي

_ (1) الديوان: 183. (2) الديوان: 65. (3) الديوان: دمغته. (4) الديوان: 25. (5) المطبوعة: ننادي. (6) الديوان: 142. (7) الديوان: 162 مع اختلاف في الرواية.

محيي الدين ابن سراقة

تنادت بالحريق فظلت أبكي ... فنادت بالحريق وبالغريق وقال في جرب معشوقه من أبيات (1) : دب في كفيه ما من ... حبه دب مقلتي فهو يشكو حر حب ... واشتكائي حر حب وكانت وفاة الوأواء في عشر التسعين والثلاثمائة تقريباً، رحمه الله تعالى. 413 - (2) محيي الدين ابن سراقة محمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سراقة، محيي الدين الأنصاري الأندلسي الشاطبي؛ ولد في رجب سنة اثنتين وتسعين (3) وخمسمائة بشاطبة، وتوفي سنة اثنتين وستمائة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم. سمع الكثير، وولي مشيخة دار الحديث البهائية بحلب، ثم قدم إلى الديار المصرية ولي مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى حين وفاته، وكان أحد الأئمة المشهورين بغزارة الفضل وكثرة العلم والجلالة " والنبل "، وأحد المشايخ المعروفين بطريق القوم، وله في ذلك إشارات لطيفة، مع ما جبل عليه من مكارم الأخلاق واطراح التكليف ورقة الطبع ولين الجانب، وله شعر منه: إلى كم أمني النفس ما لا تناله فيذهب عمري والأماني لا تقضى

_ (1) الديوان: 57. (2) الوافي 1: 208 (وكنيته أبو بكر) والزركشي: 251 وابن الشعار 7: 78 والنجوم الزاهرة 6: 216 والشذرات 5: 310 ونفح الطيب 2: 63 وذيل الروضتين: 230. (3) المطبوعة: وسبعين.

نصير الدين الطوسي

وقد مر لي خمس وعشرون حجة ... ولم أرض فيها عيشي فمتى أرضى وأعلم أني والثلاثون مدتي ... وخير مغاني اللهو أوسعها ركضا فماذا عسى في هذه الخمس أرتجي ... ووجدي (1) إلى أوبٍ من العشر قد أفضى وقال أيضاً: وصاحب كالزلال يمحو ... صفاؤه الشك باليقين لم يحص إلا الجميل مني ... كأنه كاتب اليمين وهذا عكس قول المنازي: وصاحب خلته خليلاً ... وما جرى غدره ببالي لم يحص إلا القبيح مني ... كأنه كاتب الشمال وكان محيي الدين من أبناء القضاة، حفظ القرآن العظيم وتفقه على مذهب مالك، رحمه الله. 414 - (2) نصير الدين الطوسي محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدين الطوسي الفيلسوف صاحب علم الرياضي؛ كان رأساً في علم الأوائل، لا سيما في الأرصاد والمجسطي فإنه فاق الكبار، قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي وغيره،

_ (1) الوافي: ووحدي. (2) الوافي 1: 179 وأمل الآمل 2: 299 وروضات الجنات: 578 وعبر الذهبي 6: 300 والشذرات 5: 339 والبداية والنهاية 13: 267 وابن الوردي 2: 223 وتراث العرب العلمي: 356 - 364 وصفحات متفرقة من علم الفلك لنلينو.

وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو، وكان يطيعه فيما يشير به عليه، والأموال في تصريفه، وابتنى بمراغة قبة ورصداً عظيماً، واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد، وقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة، وجعل له الأوقاف (1) ، وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضل. حكي أنه لما أراد العمل للرصد رأى هولاكو ما يغرم عليه، فقال له: هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فايدته؟ أيدفع ما قدر أن يكون؟ فقال: أنا أضرب لك مثلاً: يأمر القان من يطلع إلى هذا المكان، ويرمي من أعلاه طشت نحاس كبير من غير أن يعلم به أحد، ففعل ذلك، فلما وقع كانت له وقعة عظيمة هائلة روعت كل من هناك، وكاد بعضهم يصعق، وأما هو وهولاكو فإنهما ما حصل لهما شيء لعلمهما بأن ذلك يقع، فقال له: هذا العلم النجومي له هذه الفائدة، يعلم المتحدث فيه ما يحدث فلا يحصل له من الروعة ما يحصل للذاهل الغافل عنه، فقال له: لا بأس بهذا، وأمره بالشروع فيه، أو كما قيل. ومن دهائه ما حكي أنه حصل لهولاكو غضب من علاء الدين الجويني (2) - صاحب الديوان - فأمر بقتله، فجاء أخوه إلى النصير وذكر له ذلك، فقال النصير: هذا القان إن أمر بأمر لا يمكن رده، خصوصاً إذا برز إلى الخارج، فقال له: لا بد من الحيلة في ذلك، فتوجه إلى هولاكو وبيده عكاز وسبحة ثم اصطرلاب، وخلفه من يحمل مبخرة وبخوراً وناراً، فرآه خاصة هولاكو الذين على باب المخيم، فلما وصل أخذ يزيد في البخور ويرفع الاصطرلاب ناظراً فيه ويضعه، فلما رأوه يفعل ذلك دخلوا على

_ (1) الوافي: وجعل لهم الجامكية. (2) مرت ترجمته رقم: 327.

هولاكو وأعلموه، ثم خرجوا إليه فقال لهم: القان أين هو؟ قالوا له: جوا، قال: طيب معافى موجود في صحة؟ قالوا: نعم، فسجد شكراً لله تعالى، ثم قال لهم: طيب في نفسه؟ قالوا: نعم، وكرر ذلك مراراً وقال: أريد أرى وجهه بعيني، فدخلوا فأعلموه، وكان في وقت لا يجتمع " فيه " به أحد، فقال: علي به، فلما دخل ورآه سجد وأطال السجود، فقال له: ما خبرك؟ قال: اقتضى الطالع في هذا الوقت أن يكون على القان أمر فظيع (1) عظيم إلى الغاية، فقمت وعملت هذا وبخرت بهذا البخور ودعوت بأدعية أعرفها أسأل الله تعالى صرف ذلك عن القان، وينبغي الآن أن القان يكتب إلى سائر ممالكه بإطلاق من في الاعتقال والعفو عمن له جناية لعل الله عز وجل يصرف هذا الحادث العظيم، ولو لم أر وجه القان ما صدقت، فأمر في تلك الساعة هولاكو بما قال، وانطلق علاء الدين صاحب الديوان في جملة الناس، ولم يذكره النصير الطوسي، وهذا غاية في الدهاء بلغ به مقصده ودفع عن الناس أذاهم. ومما وقف له عليه أن ورقة حضرت إليه من شخص من جملة ما فيها: يا كلب " يا " ابن الكلب، فكان الجواب: أما قوله يا كذا فليس بصحيح؛ لأن الكلب من ذوات الأربع، وهو نابح طويل الأظفار، وأما أنا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الأظفار ناطق ضاحك، فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص، وأطال في نقض كل ما قاله، هكذا رد عليه بحسن طوية (2) وتأن غير منزعج، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة. ومن تصانيفه: " كتاب المتوسطات بين الهندسة والهيئة " وهو جيد

_ (1) في أصل الوافي: ((قطع)) وهو من مصطلحات المنجمين؛ وغيره المحقق إلى ((فظع)) وهو خطأ؛ ولعل ما كان في أصل الفوات: أمر قطع عظيم. (2) الوافي: برطوبة.

إلى الغاية، و " مقدمة في الهيئة " واختصر " المحصل " للإمام فخر الدين وهذبه وزاد فيه، وشرح " الإرشادات " ورد على الإمام فخر الدين في شرحه، وقال: هذا جرح وما هو شرح وقال فيه: إني حررته في عشرين سنة، وناقض فخر الدين كثيراً، ومن تصانيفه " التجريد في المنطق " و " أوصاف الأشراف " و " قواعد العقائد " و " التخليص (1) في علم الكلام " و " العروض " بالفارسية، و " شرح الثمرة (2) " لبطليموس، و " كتاب المجسطي " و " جامع الحساب في التخت والتراب " و " الكرة والاسطرلاب " و " المغطيات " و " الظاهرات " و " المناظ (3) ر " و " الليل والنهار " و " الكرة المتحركة " و " الطلوع والغروب " و " " تسطيح الكرة " " و " " المطالع " و " تربيع الدائرة " و " المخروطات " و " الشكل المعروف بالقطاع " و " الجواهر " و " الاسطوانة " و " الفرائض على مذهب أهل البيت " و " تعديل المعيار في نقض (4) تنزيل الأفكار " و " بقاء النفس بعد بوار البدن " و " الجبر والمقابلة " و " إثبات العقل الفعال " و " شرح مسألة العلم " و " رسالة الإمامة " و " رسالة إلى نجم الدين الكاشي (5) في إثبات واجب الوجود " و " الحواشي على كليات القانون " و " الزيج الإيلخاني " و " رسالة ثلاثون فصلاً في معرفة التقويم " و " كتاب أكر مانالاوس " و " أكر ثاوذوسيوس (6) " وله شعر كثير بالفارسية. وقال شمس الدين ابن المؤيد العرضي: أحذ النصير العلم عن كمال الدين ابن يونس الموصلي ومعين الدين سالم بن بدران المصري المعتزلي، وكان

_ (1) الوافي: التلخيص. (2) في المطبوعة: الهمزة، والتصويب عن الوافي. (3) في المطبوعة: والمناظرات والمساطير. (4) المطبوعة: بعض؛ الوافي: نقد. (5) الوافي: الكاتبي. (6) في المطبوعة: والثريا

منجماً " لأبغا " (1) بعد أبيه، وكان يعمل الوزارة لهولاكو من غير أن يدخل يده في الأموال، واحتوى على عقله حتى إنه لا يركب ولا يسافر إلا في وقت يأمره به، ودخل عليه مرة ومعه كتاب مصور في عمل الدرياق الفاروق، فقرأه عليه وعظمه عنده وذكر منافعه وقال: إن كمال منفعته أن تسحق مفرداته في هاون ذهب، فأمر له بثلاثة آلاف دينار لعمل هاون، وولاه هولاكو جميع الأوقاف في سائر بلاده، وكان له في كل بلد نائب يستغل الأوقاف ويأخذ عشرها ويحمل إليه ليصرفه في جامكيات المقيمين بالرصد ولما يحتاج إليه من الأعمال بسبب الأرصاد، وكان للمسلمين به نفع خصوصاً الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم، وكان يبرهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقافهم، وكان مع هذا كله فيه تواضع وحسن ملتقى. قال شمس الدين الجزري، قال حسن بن أحمد الحكيم صاحبنا: سافرت إلى مراغة وتفرجت في الرصد ومتوليه علي بن الخواجا نصير الدين الطوسي، وكان شاباً فاضلاً في التنجيم والشعر بالفارسية، وصادفت شمس الدين " ابن " المؤيد العرضي وشمس الدين الشرواني والشيخ كمال الدين الأيكي وحسام الدين الشامي، فرأيت فيه من آلات (2) الرصد شيئاً كثيراً، منها ذات الحلق وهي خمس دوائر متخذة من نحاس: الأولى دائرة نصف النهار، وهي مركوزة في الأرض، ودائرة معدل النهار، ودائرة منطقة البروج، ودائرة العرض، ودائرة الميل، ورأيت الدائرة الشمسية التي يعرف بها سمت الكواكب، وأخبرني شمس الدين العرضي أن نصير الدين أخذ من هولاكو بسبب عمارة هذا الرصد ما لا يحصيه إلا الله تعالى (3) خارجاً عن الجوامك والرواتب التي للحكماء والقومة.

_ (1) زيادة من الوافي. (2) المطبوعة: آيات. (3) في الوافي بعده: وأقل ما كان يأخذ بعد فراغ الرصد لأجل الآلات وإصلاحها عشرون ألف دينار.

وقال نصير الدين في الزيج الإيلخاني: أنني جمعت لبناء الرصد جماعة من الحكماء: منهم المؤيد العرضي من دمشق، والفخر المراغي " الذي " (1) كان بالموصل، والفخر الخلاطي الذي كان بتفليس، ونجم الدين القزويني، وقد ابتدأنا في بنائه في سنة سبع وخمسين وستمائة بمراغة، والأرصاد التي بنيت قبل وعليها كان الاعتماد دون غيرها هو رصد برجس (2) ، وله مذ بني ألف وأربعمائة سنة، وبعده رصد بطليموس، وبعده في ملة الإسلام رصد المأمون ببغداد، وله أربعمائة سنة وثلاثون سنة، والرصد البناني (3) في حدود الشام، والرصد الحاكمي بمصر، ورصد بني (4) الأعلم ببغداد وله مائتان وخمسون سنة، وقال الأستاذون: إن أرصاد الكواكب " السبعة " (5) لا تتم في أقل من ثلاثين سنة، لأن فيها يتم دوران هذه السبعة، فقال هولاكو: اجهد في أن رصد هذه السبعة يتم في اثنتي عشرة سنة، قلت: أجتهد (6) في ذلك. وكان النصير قد قدم من مراغة إلى بغداد ومعه كثير من تلامذته وأصحابه، فأقام بها مدة أشهر ومات، وخلف من الأولاد صدر الدين علي والأصيل حسن والفخر أحمد، وولي صدر الدين بعد أبيه غالب مناصبه، فلما مات ولي بعده الأصيل حسن، وقدم الشام مع غازان، وحكم في أوقاف الشام تلك الأيام وأخذ منها جملة، ورجع مع غازان، وولي نيابة بغداد فأساء السيرة، فعزل وصودر وأهين، فمات غير حميد، وأما الفخر أحمد فقتله غازان لكونه أكل أوقاف الروم وظلم.

_ (1) زيادة من الوافي. (2) في المطبوعة: ابن جبس. (3) المطبوعة: البيساني. (4) الوافي: ابن. (5) زيادة من الوافي. (6) الوافي: أجهد.

مؤيد الدين ابن العلقمي

ومولد النصير بطوس سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وتوفي في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وستمائة ببغداد، وشيعه صاحب الديوان والكبار، وكانت جنازته حفلة، ودفن في مشهد الكاظم، رحمه الله تعالى آمين. 415 - (1) مؤيد الدين ابن العلقمي محمد بن محمد بن علي، أبو طالب الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي البغدادي الرافضي، وزير المستعصم؛ ولي الوزارة أربع عشرة سنة فأظهر الرفض قليلاً، وكان وزيراً كافياً خبيراً بتدبير الملك، ولم يزل ناصحاً لأصحابه وأستاذه حتى وقع بينه وبين الدوادار لأنه كان متغالياً (2) في السنة، وعضده ابن الخليفة، فحصل عنده من الضغن ما أوجب سعيه في دمار الإسلام وخراب بغداد على ما هو مشهور؛ لأنه ضعف جانبه وقويت شوكة الدوادار بحاشية الخليفة حتى قال في شعره من ذلك: وزير رضي (3) من بأسه وانتقامه ... بطي رقاع حشوها النظم والنثر كما تسجع الورقاء وهي حمامة ... وليس لها نهي يطاع ولا أمر وأخذ يكاتب التتار إلى أن جر هولاكو وجرأه على أخذ بغداد، وقرر

_ (1) الوافي 1: 184 والحوادث الجامعة 196، 340 (وصفحات أخرى) وعبر الذهبي 5: 225 والفخري: 299 والشذرات 5: 272 والبداية والنهاية 13: 212 وتاريخ الخميس 2: 377 ومرآة الجنان 4: 147 والنجوم الزاهرة 7: 20 وأورده مؤلف الأعلام تحت اسم ((محمد بن أحمد)) وذكر مصادر أخرى لترجمته. (2) الوافي: يتغالى. (3) في المطبوعة: له، ولا تلائم سياق المعنى، إذ هو يسخر من أنه ((رضي بطي رقاع ... )) .

مع هولاكو أموراً انعكست عليه، وندم حيث لا ينفعه الندم، وكان كثيراً ما يقول بعد ذلك: وجرى القضاء بعكس ما أملته لأنه عومل بأنواع الهوان من أراذل التتار والمرتدة؛ حكي أنه كان جالساً بالديوان، فدخل عليه بعض التتار ممن ليس له وجاهة راكباً فرسه، فسار (1) إلى أن وقف بفرسه على بساط الوزير وخاطبه بما أراد، وبال الفرس على البساط وأصاب الرشاش ثياب الوزير، وهو صابر لهذا الهوان يظهر قوة النفس وأنه بلغ مراده. وقال له بعض أهل بغداد: يا مولانا أنت فعلت هذا جميعه حمية، وحميت الشيعة، وقد قتل من الأشراف الفاطميين خلق لا تحصى، وارتكبت الفواحش مع نسائهم، فقال: بعد أن قتل الدوادار ومن كان على رأيه لا مبالاة بذلك. ولم تطل مدته حتى مات غماً وغيظاً في أوائل سنة سبع وخمسين وستمائة. بعث إليه المستعصم شدة أقلام، فكتب إليه: قبل الملوك الأرض شكراً للإنعام عليه بأقلام قلمت أظافر الحدثان، وقامت له في حرب الزمان، مقام عوالى المران، وأجنته ثمار الأوطار من أغصانها، وحازت له قصبات المفاخر بيوم (2) رهانها، فيا لله كم عقد زمام في عقدها، وكم بحر سعادة أصبح جارياً من مدادها ومددها، وكم منآد (3) خط استقام بمثقفاتها، وكم صوارم فل مضاربها مطرر (4) مرهفاتها.

_ (1) الوافي: فساق. (2) الوافي: يوم. (3) في المطبوعة: سنان؛ وأثبت ما في أصل الوافي. (4) الوافي: بمطرور.

لم يبق لي أمل إلا وقد بلغت ... نفسي أقاصيه براً بي وإنعاما لأفتحن بها والله يقدر لي ... مصانعاً (1) أعجزت من قبل بهراما تعطي الأقاليم من لم يبد مسألة ... له فلا عجب إن تعط أقلاما وكان قد طالع المستعصم في شخص من أمراء الجبل يعرف بابن شرف شاه وقال في آخر كلامه " وهو مدبر " فوقع المستعصم له: ولا تساعد أبداً مدبراً ... وكن مع الله على المدبر فكتب ابن العلقمي أبياتاً في الجواب منها: يا مالكاً أرجو بحبي له ... نيل المنى والفوز في المحشر أرشدتني لا زلت لي مرشداً ... وهادياً من رأيك الأنور أبنت لي بيت هدى (2) قلته ... عن شرف من بيتك الأطهر فضلك فضل ما له منكر ... ليس لضوء الشمس من منكر أن يجمع العالم في واحد ... ليس على الله بمستنكر اشتغل بالحلة على عميد الرؤساء أيوب، وعاد إلى بغداد وأقام عند خاله عضد الدين أبي نصر المبارك ابن الضحاك، وكان أستاذ الدار. ولما قبض على مؤيد الدين القمي - وكان أستاذ الدار - فوضت (3) الأستاذ دارية إلى شمس الدين ابن الناقد، ثم عزل وفوضت الأستاذ دارية إلى ابن العلقمي، فلما توفي المستنصر بالله وولي الخليفة المستعصم وتوفي ابن الناقد وزر ابن العلقمي، وكان قد سمع الحديث واشتغل على أبي البقاء العكبري. وحكي أنه لما كان يكاتب التتار تحيل إلى أن أخذ رجلاً وحلق رأسه

_ (1) الوافي: مصاعباً. (2) المطبوعة: بيتاً متى. (3) المطبوعة: فرضت، وهو خطأ.

تاج الدين ابن حنا

حلقاً بليغاً وكتب ما أراد عليه بالإبر (1) ، ونفض عليه الكحل وتركه عنده إلى أن طلع شعره وغطى ما كتب، فجهزه وقال: إذا وصلت مرهم بحلق رأسك ودعهم يقرأون ما فيه، وكان آخر الكلام " اقطعوا الورقة " فضربت عنقه، وهذا غاية في المكر والخزي. 416 - (2) تاج الدين ابن حنا محمد بن محمد بن علي بن محمد بن سليم المصري، الصاحب تاج الدين ابن الصاحب فخر الدين ابن الوزير بهاء الدين ابن حنا؛ ولد سنة أربعين وستمائة، وتوفي سنة سبع وسبعمائة، وسمع من سبط السلفي ومن الشرف المرسي، وبدمشق من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر، وانتهت إليه رياسة عصره بمصره، وكان ذا تصون وسؤدد ومكارم أخلاق وشكل حسن وبزة فاخرة إلى الغاية، يتناهى (3) في المطاعم والملابس والمساكن، ومع ذلك صدقاته كثيرة وتواضعه وافر، ومحبته في الفقراء والصلحاء زائدة، وهو الذي اشترى الآثار النبوية - على ما قيل - بستين ألف درهم وجعلها في مكانه بالمعشوق، وهو المكان المنسوب إليه بالديار المصرية، وهي قطعة من العنزة (4) ومرود ومخصف وملقط من فضة، ورأى من العز والرياسة

_ (1) الوافي: بوخز الإبر. (2) الوافي 1: 217 والنجوم الزاهرة 8: 228 والدرر الكامنة 4: 322 وفي البدر السافر: 157 ترجمة لمحمد بن محمد بن علي بن محمد بن سليم ولقبه فخر الدين أنه ابن الصاحب بهاء الدين ومولده ووفاته كالذي ذكره هنا. ويبدو أن في البدر خطأ. (3) المطبوعة: يتباهى. (4) العنزة: العصا.

والوجاهة ومن السيادة ما لا رآه جده الصاحب بهاء الدين. حكى الشيخ شهاب الدين محمود رحمه الله تعالى أن الصاحب فخر الدين " ابن " (1) الخليلي لما لبس خلعة (2) الوزارة توجه من القلعة بالخلعة إلى دار الصاحب تاج الدين، وجلس بين يديه وقبل يده، فأراد أن يجبره ويعظم قدره، فالتفت إلى بعض غلمانه وطلب منه توقيعاً يختص بذلك الشخص، فأخذه وناوله لابن الخليلي وقال: مولانا يعلم على هذا التوقيع، فأخذه وقبله ووضعه على رأسه وكتب عليه قدامه؛ وكان فتح الدين ابن سيد الناس إذا حكى هذه الحكاية يقول: وهذه الحركة من الصاحب تاج الدين بمنزلة الإجازة والإمضاء لوزارة ابن الخليلي. ومن أحسن حركة اعتمدها ما حكاه الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى في تاريخه، قال: حكى لي القاضي شهاب الدين ابن فضل الله رحمه الله تعالى قال: اجتزت بتربته، فرأيت إلى جانبها (3) مكتباً للأيتام وهم يكتبون القرآن في ألواحهم، فإذا أرادا مسحها غسلوا الألواح وسكبوا ذلك على قبره، فسألت عن ذلك فقيل لي: هذا شرط الواقف (4) ، وهذا قصد حسن وعقيدة صحيحة. وكان الصاحب بهاء الدين يؤثره على أولاده لصلبه ويعظمه، وكتب له عليه حجة بمبلغ ستين مثقال (5) مصرية؛ ومن وجاهته وعظمه في النفوس أنه لما نكب على يد الشجاعي جرده من ثيابه وضربه مقرعة واحدة فوق قميصه، ولم يدعه الناس يصل إلى أكثر من ذلك، مع جبروت

_ (1) زيادة من الوافي. (2) الوافي: تشريف. (3) الوافي: في داخلها. (4) الوافي: هكذا شرط في هذا الوقف. (5) الوافي: دينار.

الشجاعي وعتوه وتمكنه من السلطان. وكان له شعر حسن، فمن ذلك ما كتبه إلى الشراج الوراق في حمار سقط في بئر فمات: يفديك جحشك إذ مضى متردياً ... وبتالد يفدى الأديب وطارف عدم الشعير فلم يجده ولا رأى ... تبناً وراح من الظما كالتالف ورأى البويرة غير خاف ماؤها ... فرمى حشاشة نفسه لمخاوف فهو الشهيد لكم بوافر فضلكم ... هذي المكارم لا حمامة خاطف (1) قوم يموت حمارهم عطشاً لقد ... أزروا بحاتم في الزمان السالف وأجابه الوراق بقصيدة على وزنها في غاية الحسن، أولها: أدنت ثمار قطوفها (2) للقاطف ... وثنت بأنفاس النسيم معاطفي ومنها في ذكر الحمار: ولكم بكيت عليه عند مرابع ... ومراتع رشت بدمعي الذارف يمشي على عسري ويسري صابراً ... بمعازف (3) تلهيه دون معالف وقد استمر على القناعة يقتدي ... بي وهي في ذا الوقت جل وظائفي ودعاه للبئر الصدى فأجابه ... واعتاقه صرف الحمام الآزف وهو المدل بألفة طالت وما ... أنسي حقوق مرابعي ومآلفي ومواقفي في كل ما حاولته ... في الدهر غير مواقفي ومخالفي دوران ساقية لطاحون ونق ... ل الماء في شات ويوم صائف

_ (1) قال الصفدي: قوله لاحمامة خاطف، أشار إلى أبيات ابن عنين التي مدح بها الإمام فخر الدين الرازي، وقد جاءت حمامة فدخلت حجره هرباً من جارح كان خلفها؛ قلت: وذلك في قول ابن عنين: (2) الوافي: قطوف ثمارها. (3) الوافي: بمعارف.

لكن بماء البئر راح بنقله ... قتلته شا مات (1) بموت جارف وبعث الصاحب تاج الدين إلى السراج، وقد ولد له ولد، صلة وثلثاً حريرياً، وكتب مع ذلك أبياتاً خمسة أولها: بعثت بها وبالثلث الرفيع ... فأجابه الوراق بأبيات أولها: سرت من جانب العز الرفيع ... إلي بطيب أنفاس الربيع مصرعة كأني اليوم منها ... ولجت على حبيب والصريع دعونا الخمسة الأبيات ستاً ... لسبع علقت فوق الجميع فدينا من هباتك مذهبات ... كأن بحوكها (2) قطع الربيع تزيد بلمس كفك حسن وشي ... كحسن الروض بالغيث المريع (3) بها أحييت للنفساء نفساً ... ولي معها وللطفل الرضيع وقد سمنت كيسي بعد ضعف ... به التقت الضلوع مع الضلوع وحكي أنه أضاف جده يوماً ووسع في الضيافة، فلما عاد جده إلى بيته أخذ الناس يتعجبون من همته وكرم نفسه؛ فقال الصاحب بهاء الدين: ليس ما ذكرتموه بعجيب، لأنه نفسه " كريمة ومكنته " (4) متسعة، والعجيب العجيب كونه طول هذا النهار وما أحضره من المشروب والمأكول من الطعام والفاكهة والحلوى وغير ذلك على اختلاف الأنواع ما قام من مكانه، ولا دعا خادماً " فأسر إليه " ولا أشار إليه بيده ولا طرفه. وقيل إن الناس تعجبوا على كثرتهم من شربهم الماء المبرد في كيزان عامة نهارهم، فسئل عن ذلك فيما بعد

_ (1) المطبوعة: شومات؛ والمراد، شاه مات، حسب ما يقال في لعب الشطرنج. (2) الوافي: محوكها. (3) الوافي: الهموع. (4) زيادة من الوافي.

الأثير ابن بنان

فقال: اشترينا خمسمائة كوز، وبعثنا إلى الجيران قليلاً قليلاً بردوا ذلك في الباذهنجات (1) التي لهم. ولا شك أنه كان عالي الهمة ممجداً مسوداً. واعتكف في مئذنة عرفات بجامع مصر ثلاثة أيام، فكتب إليه السراج الوراق: ثلاثة أيام قطعت لطولها ... ثلاث شديدات من السنوات حجبن محيا الصاحب ابن محمد ... لتجمع بين الحسن والحسنات وما كاد قلبي أن يقر قراره ... لأني بمصر وهو في عرفات وقال الحكيم شمس الدين ابن دانيال (2) يهجوه: يحتاج ذا التاج من يرصعه ... بدره تحت دالها كسره فمن رأى عنقه الطويل ولا ... ينزل فيه يموت بالحسره 417 (3) الأثير ابن بنان محمد بن محمد " بن محمد " (4) بن بنان الأنباري، أبو طاهر بن أبي الفضل الكاتب؛ من أهل مصر وأصله من الأنبار؛ قرأ الأدب وسمع الحديث، وكان شيخاً جليلاً مهيباً عالماً أديباً كاملاً بليغاً، يكتب الخط الحسن ويقول

_ (1) الباذهانج: انبوب يشبه ذلك الذي يستعمل للتهوية (دوزي) . (2) الوافي: ناصر الدين ابن النقيب. (3) الوافي 1: 281 والزركشي 252 والشذرات 4: 327 وعبر الذهبي 4: 294 ومختصر الدبيثي 1: 123 وحسن المحاضرة 1: 375. (4) زيادة من الوافي والزركشي.

ابن عروس الكاتب

الشعر الجيد ويترسل، وفيه مفاكهة (1) ودماثة أخلاق. قدم بغداد رسولاً مع قافلة من مكة من جهة سيف الإسلام طغتكين أخي صلاح الدين من اليمن، فأنزل بباب الأزج وأكرم مثواه، وحدث بكتاب " الصحاح في اللغة " للجوهري، وبالسيرة النبوية. ولد سنة سبع وخمسمائة " بمصر " (2) وتوفي بها سنة ست وتسعين وخمسمائة، ودفن بالقرافة وله كتاب " تفسير القرآن المجيد " وكتاب " المنظوم والمنثور " في مجلدين، ومن نظمه في صاحب له توفي: عجباً لي وقد مررت بآثا ... رك كيف اهتديت نهج الطريق أتراني نسيت عهدك فيها ... صدقوا ما لميت من صديق وكتب الكثير بخطه المليح، وتولى ديوان النظر في الدولة المصرية، وتنقلت به الخدم في الأيام الصلاحية بتنيس وإسكندرية، وكان القاضي الفاضل ممن يغشى بابه (3) ويمدحه ويفتخر بالوصول إليه. 418 - (4) ابن عروس الكاتب محمد بن محمد بن عروس الشيرازي، الكاتب الشاعر نزيل سامرا؛ له نظم، وتوفي في سنة ثمانين (5) ومائتين.

_ (1) المطبوعة: فاكهة. (2) زيادة لازمة من الوافي. (3) في المطبوعة: أبوابه، وأثبت ما في الوافي والزركشي. (4) الوافي 1: 128 والزركشي: 252 ومعجم الشعراء: 390 وطبقات ابن المعتز: 419. (5) كذلك هو أيضاً عند الزركشي، وفي الوافي: في عشر الثمانين.

ومن شعره: ولقد تأملت الحيا ... ة بعيد فقدان التصابي فإذا المصيبة بالحيا ... ة هي المصيبة بالشباب وله أيضاً في أبي العيناء: طرف أبي العيناء معلول (1) ... ودينه لا شك مدخول وليس ذا علم بشيء ولا ... له إذا حصلت محصول ما هو إلا جملة غثة ... وليس للجملة تفصيل قال محمد بن عروس: اجتمعت أنا وعلي بن الجهم في سفينة، ونحن غير متعارفين فتذاكرنا ووجدت له مذاكرة حلوة، فكان في بعض ما قاله: أنا أشعر الناس، قلت: بماذا؟ قال: بقولي (2) : سقى الله ليلاً ضمنا بعد هجعة ... وأدنى فؤاداً من فؤاد معذب فبتنا جميعاً لو تراق زجاجة ... من الخمر فيما بيننا لم تسرب فقلت: والله قد أحسنت، ولكنني أشعر منك، قال: بأي شيء؟ قلت: بقولي: لا والمنازل من نجد وليلتنا ... بفيد إذ جسدانا بيننا جسد كم رام فينا الكرى من لطف مسلكه ... نوماً فما انفك لا خد ولا عضد فقال: أحسنت، ولكن بما صرت أشعر مني؟ قلت: لأنك منعت دخول جسد بين جسدين، وأنا منعت دخول عرض بين جسدين، قال: من أنت؟ قلت (3) : أنا ابن عروس فمن أنت؟ قال: أنا علي بن الجهم.

_ (1) الوافي: معسول. (2) ديوان ابن الجهم: 95. (3) في الوافي: فقلت بل تقول أنت أولاً، قال أنا علي بن الجهم قلت: وأنا ابن عروس؛ وما ورد هنا مماثل لما أورده الزركشي.

أبو الحسن البصروي

419 - (1) أبو الحسن البصروي محمد بن محمد بن أحمد، أبو الحسن البصروي، وبصرى قرية بدجيل دون عكبرا؛ كان شاعراً فصيحاً مطبوعاً له نوادر، منها أنه قال " له " (2) رجل: لقد شربت البارحة كثيراً فاحتجت للقيام للبول كل ساعة كأني جدي، فقال: لم تصغر نفسك يا سيدي؟ وتوفي ببغداد في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة؛ ومن شعره: ترى الدنيا وزهرتها فتصبو (3) ... وما يخلو من الشبهات صب (4) فضول العيش أكثره هموم ... وأكثر ما يضرك ما تحب فلا يغررك زخرف ما تراه ... وعيش لين الأطراف رطب إذا ما بلغه جاءتك عفواً ... فخذها فالغنى مرعى وشرب إذا حصل القليل وفيه سلم ... فلا ترد الكثير وفيه حرب وله غير ذلك، رحمه الله.

_ (1) الوافي 1: 120 والنجوم الزاهرة 5: 52 ومعجم البلدان (بصرى) . (2) زيادة من الوافي. (3) الوافي: نرى.. فنصبو. (4) الوافي: قلب.

ابن الجنان الشاطبي

420 - (1) ابن الجنان الشاطبي محمد بن سعيد بن هشام بن الجنان - بتشديد النون - الشيخ فخر الدين أبو الوليد الشاطبي الحنفي؛ ولد سنة خمس عشرة وستمائة بشاطبة، وقدم الشام وصحب الصاحب كمال الدين ابن العديم وولده قاضي القضاة مجد الدين، فاجتذباه ونقلاه من مذهب مالك إلى مذهب أبي حنيفة، ودرس بالإقبالية (2) وكان أديباً فاضلاً وشاعراً محسناً، وكان يخالط الأكابر وفيه حسن عشرة ومزاج؛ وتوفي سنة خمس وسبعين وستمائة. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى: أخبرني الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس قال: أخبرني والدي قال: كنا عند القاضي شمس الدين ابن خلكان وهو ينوب في الحكم بالقاهرة، والشيخ فخر الدين حاضر وهو إلى جانبي، فأنشد: عرف النسيم بعرفكم يتعرف ... وأخو الغرام بحبكم يتشرف شرف المتيم في هواكم أنه ... طوراً ينوح (3) وتارة يتلهف لطفت معانيه فهب مع الصبا ... فرقيبه بهبوبه لا يعرف وإذا الرقيب درى به فلأنه ... أخفى عليه من النسيم وألطف

_ (1) الوافي 1: 175 والبدر السافر: 103 واختصار القدح: 206 والمغرب 2: 833 ونفح الطيب 2: 120 وبغية الوعاة: 45 والزركشي: 256؛ وقال أثير الدين أنه محمد بن محمد. (2) نسبة إلى إقبال خادم نور الدين أو صلاح الدين وبه سميت مدرستان الإقبالية الكبيرة للشافعية والإقبالية الصغيرة للحنفية؛ وقال ابن كثير إن الإقبالية أنشئت في ذلك العام ونسبت إلى إقبال الشرابي (الدارس 1: 158 وما بعدها) . (3) الوافي: يبوح.

ولأنه يعد (1) والنسيم ديارهم ... وله على تلك الربوع توقف فقال القاضي شمس الدين: يا شيخ فخر الدين لطفته لطفته إلى أن عاد لا شيء، فالتفت وقال بلسانه: الكاضي (2) حمار (3) ما له دوك شيء، يعني القاضي حمار ما له ذوق. قال أبو حيان: أنشدني فخر الدين ابن الجنان: أفناني القبض عني ... حتى تلاشى وجودي وجاءني البسط يحيي ... روحي بالنفس جودي فقلت للنفس شكراً ... كذاك (4) بالنفس جودي وقمت أشطح سكراً ... فغبت عن ذا الوجود وقال أيضاً: ذكر العذيب فمال من سكر الهوى ... صب على صحف الغرام قد انطوى يبكي على وادي العقيق بمثله ... ويميل من طرب بمنعطف اللوى وجهت وجهي نحوهم فبوجههم (5) ... لا أبتغي غيراً ولا أرجو سوى وبمهجتي معبود حسن منهم ... فلذا على عرش القلوب قد استوى أوحى إلى قلبي الذي أوحى له ... فعجبت كيف نطقت فيه عن الهوى وقال أيضاً: عليك من ذاك الحمى يا رسول ... بشرى (6) علامات الرضى والقبول

_ (1) المطبوعة: يغدو. (2) المطبوعة: القاضي. (3) الوافي: حمار هوس. (4) الوافي: لذاك. (5) الوافي: فوحقهم. (6) المطبوعة: تسري، وما أثبته ورد في الوافي والنفح والزركشي والبدر السافر.

جئت وفي عطفيك منهم شذاً ... يسكر من خمر هواه العذول يكفيك تشريفاً رسول الرضى ... أنك للعشاق فيهم رسول حللتم قلبي وهو الذي ... يقول في دين الهوى بالحلول وقال أيضاً: وأبيك لم يخفق حشاي وإنما ... طرباً بأودية العقيق يصفق بالله قولوا من أكون لديهم ... حتى أرى بهواهم أتعشق نطق الغرام بحالهم لما رأى ... أن اللسان بحاله لا ينطق لا يدعي فيه الفؤاد خفوقه ... فوشاح من أهوى لعمري أخفق وقال أيضاً: ودوح بدت معجزات له ... تبين عليه وتدعو إليه جرى النهر حتى سقى غصنه ... فمال يقبل شكراً يديه وكف الصبا ضيعت (1) حليه ... فأضحى الحمام ينادي لديه كساه الأصيل ثياب الضنى ... فحل طبيب الدياجي لديه وجاء النسيم له عائداً ... فقام له لاثماً معطفيه وقال أيضاً (2) : خبر بأنفاس النسيم معطر ... وافى إلي فظلت منه أسكر لله ما أحلى شمائله التي ... جاء النسيم بعرفها يتبختر وافى وما في القوم من يدري به ... إلا فتى في حبه متنكر تتلى أحاديث الغرام بقلبه ... ولسانه عما به يستخبر حتى إذا غنى له الحادي بهم ... وسرى له من نشر ليلى العنبر

_ (1) المطبوعة: صبغت، والتصويب عن الوافي. (2) من هنا حتى نهاية الترجمة لم يرد في الوافي.

هز المعاطف ثم راح مولهاً ... نشوان في ذيل الصبا يتعثر متهتكاً في العاشقين كما ترى ... يبدي الذي يخفيه منه ويضمر سلطان حبي فيك أرسل أدمعاً ... أمست بأخبار الغرام تخبر فقرأت منها في صحيفة وجنتي ... ما لا وعينك باللسان تعبر نزلوا حديقة مقلتي أو ما ترى ... أغصان أهدابي بدمعي تزهر؟ لا أقفرت تلك المنازل منهم ... أبداً وربع الصبر منهم مقفر وقال أيضاً: يا رعى الله عيشنا روض ... حيث مال السرور فيه نميل تحسب النهر عنده يتثنى ... وتخال الغصون فيه تسيل وقال أيضاً: أهيل الحي هل علم الفريق ... بأني فيكم صب مشوق نعم علموا وذاك لأن دمعي ... غداة البين سال به الطريق أتأتون الحجاز وما علمتم ... بأن القلب بيتكم العتيق؟ وألفاظي العذيب وفي ضلوعي ال ... حمى ودموع مقلتي العقيق وقال أيضاً: لي حبيب عن حبه لا أحول ... إن شرح الغرام فيه يطول قال لي عاذلي: تناس هواه ... قلت: أنسى يا عاذلي ما تقول ولعمري لقد نسيت فقل لي ... أنت فيه مساعد أم عذول؟ لو ضللنا في فترة من هواه ... لهدانا من مقلتيه رسول وقال أيضاً: قم فاسقنيها وجيش الليل منهزم (1) ... والصبح أعلامه محمرة العذب

_ (1) أورد في النفح روايتين: وثغر الصبح مبتسم (وهذه رواية الزركشي) وليل الهم منهزم.

سعد الدين ابن عربي

والسحب قد نثرت في الروض لؤلؤها ... فضمها الشمس في ثوب من الذهب (1) وقال أيضاً: حديث ذاك الحمى روحي وريحاني ... فكيف يصبر عن هذين جثماني فمن هواك لذاك الحسن راح به ... في الحي كل خلي القلب يهواني ثم انثنيت وبي من سكرة طرب ... أهز عطفي به تيهاً وأرداني وحقهم لو ملكت الكون أجمعه ... وهبته طمعاً في وصل هجراني وقال أيضاً: بروحي وقلبي مبسمه الذي ... أبان لنا زهراً بأرض عقيق وخاف بأن يسري النسيم بعطره ... فأصبح يخفيه بستر شقيق 421 (2) سعد الدين ابن عربي محمد بن محمد بن علي بن العربي الطائي الحاتمي، سعد الدين ابن الشيخ محيي الدين ابن العربي، الأديب الشاعر؛ ولد بملطية في رمضان سنة ثمان عشرة وستمائة، سمع الحديث ودرس، وكان شاعراً مجيداً وله ديوان مشهور؛ وتوفي بدمشق سنة ست وثمانين وستمائة (3) ، ودفن عند قبر أبيه بسفح قاسيون في تربة بني الزكي.

_ (1) ورد في النفح مرة بهذه الرواية، ومرة أخرى على النحو الآتي: (2) الوافي 1: 186 ونفح الطيب 2: 170 والشذرات 5: 283 والزركشي: 258. (3) كذلك أيضاً في الزركشي، وفي الوافي والشذرات: ست وخمسين وستمائة.

ومن شعره في مليح رآه بالزيادة بدمشق: يا خليلي في الزيادة ظبي ... سلبت مقلتاه جفني رقاده كيف أرجو السلو عنه وطرفي ... ناظر حسن وجهه في الزيادة وقال في مليح قاض: ورب قاض لنا مليح ... يعرب عن منطق لذيذ إذا رمانا بسهم لحظ ... قلنا له دائم النفوذ وقال في مليح قواس: قلت لقواس له طلعة ... من رام عنها الصبر لم يقدر يا من له وجه كبدر الدجى ... بكم تبيع القوس للمشتري وله أيضاً: لما تبدى عارضاه في نمط ... قيل ظلام بضياء اختلط وقيل نمل فوق عاج سقط ... وقال قوم إنها اللام فقط وقال أيضاً (1) : فاتر الطرف فاتك ... لدم الصب سافك هاجر لي مواصل ... آخذ لي وتارك وعلى كل حالة ... فهو مولى ومالك قد أراني الدجى ضحى ... وجهه وهو ضاحك يا سليماً من الأسى ... أنا والله هالك لي حال كمثل شع ... رك يا بدر حالك كم صبا فيك عابد ... ولكم ضل ناسك

_ (1) من هنا حتى آخر الترجمة لم يرد في الوافي.

لك والله منظر ... قل فيه المشارك (1) إن يوماً أراك في ... هـ ليوم مبارك وقال: أسباك نرجس مقلتيه المضعف ... يا للهوى غلب القوي الأضعف فتكت بقلبك مرهفات جفونه ... سله على م عليه سل المرهف ويروقني الورد الجني بخده ... واهاً له لو كان مما يقطف إن سامني فيه الهوان فإنني ... أبداً بعشق جماله أتشرف يثنيه عن وصلي العفاف وطرفه ... أبداً يريق دمي ولا يتعفف أمعنفي قسماً بمن قسم الهوى ... وقضى بأنك في الغرام تعنف ما أبصرت عيناك أحسن منظراً ... من وجهه لو كنت ممن ينصف قال الحبيب وقد رآني مبدياً ... فرط التأسف لو أفاد تأسف مالي أراك لفرك حبك حاكياً ... يعقوب؟ قلت له: لأنك يوسف وقال أيضاً: أن بالأحبة لا أزال مولها ... إن لم أكن أنا للصبابة من لها جاء البشير بهم فلولا أنني ... عبد لهم لبذلت نفسي كلها شرفت بهم منا القلوب وإنما ... شرف المنازل بالذي قد حلها آه على أيامنا بطويلع ... ما كان أطيبها لنا وأجلها لاحت منازلهم بأعلى المنحنى ... قف بي لألثم حزنهن وسهلها يا سادة ملكوا النفوس لأنهم ... كانوا أحق بها وكانوا أهلها وقال أيضاً في مليح يسمى بابن الفويرة: زعموا بأن المسك فارته اغتدت ... تجنى من الظبي الغرير وتجلب

_ (1) هذا البيت والذي يليه ورداً في النفح: 171.

نسبوا الفويرة للغزال وما دروا ... أن الغزال إلى الفويرة ينسب وقال أيضاً في مليح سمين: وقالوا من كلفت به سمين ... وذلك لا يخف على القلوب فقلت لهم نحول الجسم وصف ال ... محب وليس من وصف الحبيب وقال أيضاً في مليح ضعيف: قيل لي جسم من تحب نحيل ... وهو مما يشينه فاسل عنه قلت ما ذاك من سقام ولكن ... خفة الروح أعدت الجسم منه وقال أيضاً: ألا يا سائلي عن شرح حالي ... سؤال المشفق البر الرحيم فأما الجسم فهو كما تراه ... سقيم مثل ناظرك السقيم وأما حال قلبي يا حبيبي ... فلا تسأل عن أصحاب الجحيم وقال أيضاً ذوبيت: قد طارحني الحديث في ناديه ... بدر حسن جميع ما يبديه يا مهدي در لفظه من فيه ... شرفت مسامعي فإيه إيه وقال أيضاً: يا للهوى ما لي من راحم ... يأخذ حقي منك يا ظالمي لو لم تكن في مهجتي حاكماً ... ما غبت عني غيبة الحاكم وقال أيضاً ذوبيت: صبرت فؤادي عنهم إذ جاروا ... في الحب وأرباب الهوى أطوار نادوني كم تظهر عنا جلداً ... في قلبك غيرنا؟ فقلت: النار وقال أيضاً: أليلة وصل كنت أم ليلة القدر ... سقى عهدك الماضي سلاف من الخمر

النور الإسعردي

لئن كان ذاك العهد ولى ولم يدم ... فإني له إني له دائم الذكر أآمل أن الدهر يسخو برده ... فوا أسفاً ما ذاك من شيم الدهر (1) وبي رشأ أهوى رشاقة قده ... إذا ما انثنى يا خجلة الغصن النضر أيا صنم الحسن الذي فتن الورى ... وبرهان قولي أن قلبك من صخر سباني ثغر منك كالدر نظمه ... ويا من رأى دراً يشبه بالبدر أشاهد ريقاً منه كالشهد طعمه ... وما ذقته يوماً ولكنني أدري 422 (2) النور الإسعردي محمد بن محمد - " وقيل محمد " (3) ابن عبد العزيز - ابن عبد الصمد بن رستم الإسعردي نور الدين الشاعر؛ ولد سنة تسع عشرة وستمائة، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة؛ كان من كبار شعراء الملك الناصر وله به اختصاص، وله ديوان شعر، وغلب عليه المجون، وأفرد هزلياته من شعره وجمعها وسماها " سلافة الزرجون في الخلاعة والمجون " وضم إليها أشياء من نظم غيره، وكان ماجناً (4) خليعاً يجلس (5) تحت الساعات؛ حضر ليلة عند الملك

_ (1) بعده في الزركشي: (2) الوافي 1: 188 والزركشي: 259 والشذرات 5: 284 ونكت الهميان: 255 والبداية والنهاية 13: 212 ومطالع البدور 1: 55. (3) زيادة من الوافي. (4) كذلك هو عند الزركشي؛ وفي الوافي: شاباً. (5) الوافي: جلس؛ ويبدو أن قوله هنا ((يجلس تحت الساعات)) تكرار غير ضروري، لأنه سيرد بعد قليل؛ وقد تكرر في الوافي والزركشي.

الناصر في مجلس أنس، فخلع عليه قباء وعمامة بطرف (1) ذهب، فأتى بهما من الغد وجلس تحت الساعات. ومن شعره: ولقد بليت بشادن أن لمته ... في قبح ما يأتيه ليس بنافع متبذل في خسة وجهالة ... ومجاعة كشهود باب الجامع وحضر ليلة عند الناصر في مجلس أنس، وكان في شرف الدين ابن الشيرجي، وكان ألحى، فقام ابن الشيرجي فقضى شغله وعاد، فأشار إليه السلطان بصفع النور الإسعردي فصفعه، فلما فعل نزلت ذقنه على كتف النور، فقبض عليها وأنشد في الحال: قد صفعنا في ذا المحل الشريف ... وهو إن كنت ترتضي تشريفي فارث للعبد من مصيف صفاع ... يا ربيع الندى وإلا خري في قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: ما أحسن ما أتى بياء المنادى هنا لتشريح التورية بين الربيع والخريف، وقوله " وإلا خري في " من أحسن التورية (2) بقرينة إمساكه ذفن ابن الشيرجي، وقد ظرف غاية. وأضر قبل موته فقال: قد كنت من قبل في أمن وفي دعة ... طرفي يرود لقلبي روضة الأدب حتى تلقبت نور الدين فانعمشت ... عيني وحول ذاك النور للقب (3) وقال أيضاً: سألت الله يختم لي بخير ... فعجل لي ولكن في عيوني

_ (1) المطبوعة: وطوق، والتصويب عن الوافي والزركشي. (2) الوافي: الإشارة. (3) المطبوعة: للقلب، وهو خطأ.

وقال أيضاً: يا سائلي لما رأى حالتي ... والطرف منى ليس بالمبصر لست أحاشيك ولكنني ... سمحت بالعينين للأعور وقال أيضاً: قلت إذ راح ناعساً ثم أبدى (1) ... ضرطة آذنت لشملي بجمع " فاتني أن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمعي " (2) وقال مضمناً قول المتنبي: سباني معسول المراشف عاسل ال ... معاطف مصقول السوالف مائد يروم على أردافه الخصر مسعداً ... " إذا عظم المطلوب قل المساعد " وقال أيضاً: قلت يوماً للصدر (3) هل تثبت الب ... عث وتنفي إنكارهم للحشر قالت أثبت ذقنك في استي ... قال أنفي فقلت في وسط حجري وقال أيضاً يفضل حشيش الفقراء (4) : لك الخير لا تسمع كلام المفند ... ودونك في فتياك غير مقلد سألت عن الخضراء والخمر فاسمتع ... مقالة ذي رأي مصيب ومسدد وحقك ما بالخمر بعض صفاتها ... أتشرب جهراً في رباط ومسجد؟ عليك بها خضراء غير مبالغ ... بأبيض ورق أو بأحمر عسجد ولكن على رغم المدام هدية ... تنزه عن بيع بغير التزهد

_ (1) الوافي: قلت إذ نام من أحب وأبدى؛ وما هنا شبه لما عند الزركشي. (2) مضمن من شعر الشريف الرضي. (3) الوافي: للزين، والرواية عند الزركشي كما هو مثبت في المتن. (4) من هنا حتى آخر الترجمة لم يرد في الوافي.

رياضية يحكي الجنان اخضرارها ... وخمرهم كالمارج المتوقد مدامهم تنسي المعاني وهذه ... تذكر أسرار الجمال الموحد هي السر ترقى الروح فيها إلى ذرى ال ... معالم في معراج فهم مجرد بل الروح حقاً لا يحل بربعها ... هموم ولا يحظى بها غير مهتدي ولا داسها العصار عمداً ودنس ال ... دنان بمختوم من القار أسود ولا تتعب الأبدان عند نزالها ... وفي القيء إذ تبدو كزق ممدد ولا تستخف الناس عقلك بينهم ... لعمري ولا تدعى لديهم بمفسد وفي طرف المنديل يوماً وعاؤها ... ويعتاض عن حمل الزجاجة باليد وتخلص من إثم وحد ولا ترى ... ذليلاً وتنجو من نديم معربد وتشربها في العسر واليسر دائماً ... ولا تتقي فيها ليالي التعبد وتأمن كبسات الحماة وكيدهم ... وتسلم من جور الولاة ولا تدي وتغدوا ذكياً فاضلاً ذا نباهة ... ظريفاً ولا يغشاك فرط تبلد وتصبح عند الناس غير مبغض ... وتمنح من كل بحسن التودد وإن ذاقها المعشوق وافاك خلسة ... من الحاسد الواشي على غير موعد ومن فضلها في الطب جودة هضمها ... وهيهات يحصى فضلها لمعدد ولا سيما إن كان فيها منادمي ... غزال كغصن البانة المتأود ينادم بالشعر اللطيف وتارة ... يغني فيزري بالحمام المغرد يغازلني سراً بعيني غزالة ... ويبسم عن ثغر كدر منضد فلا تستمع فيها مقالة عاذل ... يصدك عنها واعص كل مفند وقال أيضاً يفضل الخمر على الحشيش: فديتك نور الحق قد لاح فاهتد ... نديمي وكن في اللهو غير مقلد أترضى بأن تمسي شبيه بهيمة ... بأكل حشيش يابس غير أرغد فدع رأي قوم كالدواب ولا تدر ... سوى درة كالكواكب المتوقد

مدام إذا ما لاح للركب نورها ... وقد ضل ليلاً عاد بالنور يهتدي حشيشتهم تكسو المهيب مهانة ... فتلقاه مثل القاتل المتعمد ويبدو على خديه مثل اخضرارها ... فيضحي بوجه مظلم اللون أربد وتفسد من ذهن النديم خياله ... فينظر مبيض الصباح كأسود وخمرتنا تكسو الذليل مهابة ... وعزاً فتلقى دونه كل سيد وتجلى فتجلو هم كل منادم ... ويروى بها من شربها قلبه الصدي وتبدو فيبدو سره وتسره ... فيشبهها لوناً بخد مورد وفيها على رغم الحشيش منافع ... فقل في معانيها وصفها وعدد وفي غيرها للناس كل مضرة ... فحدث بكل السوء عن وصفها الردي وحقك ما ذاق الحشيش خليفة ... ولا ملك فاق الأنام بسؤدد ولا جد في وصف لها قط شاعر ... بتنميق ألفاظ كألحان معبد ولم تضرب الأوتار في مجلس لها ... وما ذاك إلا للشراب المورد أتخضب من غير المدامة راحة ... إذا ما بدت في الكأس تجلى على اليد بها ينثني المعشوق نشوان مائلاً ... بقد كغصن البانة المتأود يعاطيك راحاً مثلها في رضابه ... ومبسمه مثل الحباب المنضد وينعم بالوصل الذي كان باخلاً ... به ثم ينسى كل ما كان في الغد أعن مثلها يا صاح يصبر عاقل ... لقد كنت في تركي لها غير مهتدي ولولا فضول الناس ما بت صاحياً ... ولم أستمع فيها مقال المفند فخذها ولا تسمع مقالة لائم ... وإن حرمت يوماً على دين أحمد تأمل هاتين القصيدتين وكيف ناقض بينهما، وبهذا يعرف حذق الشاعر فإنه يمدح الشيء ويذم ضده، ثم يعكس فيميل الطباع إلى ما مدح، ويصرفها على ما ذم، من غير أن يغير حقيقة هذا ولا هذا. وقال أيضاً:

شهاب الدين ابن تمرداش

أيا حبذا دوح حللنا ظلاله ... فطاب لنا فيه مقيل ومسرح سرينا إليه خلسة كنسيمة ... وعدنا كأغصان به تترنح وقال وهو ببستان البهاء ابن سيدة: ألا يا بهاء الدين ليس بنادم ... نديمك بل تسدي إليه المكارم خرينا وبلنا إذ سكرنا بنهركم ... " ووجهك وضاح وثغرك باسم " وقال في أحول لائط: يا ظريفاً يكاد يقطر من عط ... فيه ماء اللواط في كل واد عش هنيئاً فإن عينيك يغني ... حول فيهما عن القواد وقال أيضاً: ولي صاحب قال نلت المنى ... بمن هو دون الورى منيتي فقلت أتى زائراً قال لا ... ولكن جلدت ولي نيتي 423 (1) شهاب الدين ابن تمرداش محمد بن محمد بن محمود بن تمرداش، شهاب الدين أبو عبد الله؛ كان في أول مرة جندياً، وخدم بحماة وصحب صاحبها الملك المنصور، ثم أبطل

_ (1) الوافي 1: 232 والزركشي: 260 والدرر الكامنة 5: 3، وقد كتب الزركشي ((تمرداش)) وفي الوافي جاء هذا الاسم بصورتين: ((دمرتاش)) و ((دمرداش)) وفي نسبه بعد محمود ((بن سكي بن عيسى)) ، وكانت وفاته سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، في خامس صفر، ودفن بسفح قاسيون، وكانت ولادته سنة 638 وهو من بيت إمرة وحشمة، قال الصفدي: وأظنه كان مخلا من إحدى عينيه.

ذلك ولبس زي العدول وجلس في مركز الرواحية بدمشق، وبها ولد وتوفي. ومن شعره: أقول لمسواك الحبيب لك الهنا ... برشف فم ما ناله ثغر عاشق فقال وفي أحشائه حرقة الجوى ... مقالة صب للديار مفارق تذكرت أوطاني فقلبي كما ترى ... أعلله بين العذيب وبارق قال الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى: ما أحلى قول محيي الدين ابن قرناص: سألتك يا عود الأراكة إن تعد ... إلى ثغر من أهوى فقبله مشفقا ورد من ثنيات العذيب منيهلاً ... تسلسل ما بين الأبيرق والنقا ولابن تمرداش: ولما التقينا بعد بعد وفي الحشا ... لواعج شوق في الفؤاد تخيم أراد اختباري بالحديث فما رأى ... سوى نظر فيه الجوى يتكلم وقال أيضاً: ومهفهف الأعطاف معسول اللمى ... كالغصن يعطفه النسيم إذا سرى قال اسقني فأتيته بزجاجة ... ملئت قراحاً وهو لاه لا يرى وتأرجت برضابه وأمدها ... من نار وجنته شعاعاً أحمرا ثم انثنى ثملاً وقد أسكرته ... برضابه وبوجنتيه وما درى وقال أيضاً: قال لي ساحر اللواحظ صف لي ... هيفي قلت يا رشيق القوام لك قد لولا جوارح جفني ... ك لغنت عليه ورق الحمام وقال أيضاً:

حتام لا تصل المدام وقد أتت ... لك في النسيم من الحبيب وعود والنهر من طرب يصفق من فرحة ... والغصن يرقص والرياض تميد وقال أيضاً: قد صنت سر هواكم ضناً به ... إن المتيم بالهوى لضنين فوشت به عيني ولم أك عالماً ... من قبلها أن الوشاة عيون ومن شعر ابن تمرداش: لقد لذ لي من بعد طول تنسكي ... غرامي بمعسول اللمى وتهتكي وأصليت قلبي في جحيم صدوده ... وإن كان في توحيده غير مشرك ولم أنس إذ ودعته وحشاشتي ... تقابل جيش الشوق في كل معرك فلو يسمع الشكوى حسود لراعه ... غريب الهوى من حيث أشكي ويشتكي ولما سرت من نحوه نسمة الصبا ... يفوح شذاها كالعبير الممسك علمت يقيناً أن نار ذكائه ... أعارت نسيم الريح من عرفها الذكي وقال أيضاً في خياط: رأيت في السوق خياطاً محاسنه ... تزهو على البدر إذ يبدو من الأفق إن قرض الخيط في فيه وألصقه ... إلى ثنايا كنظم الدر في النسق تكسوه نوراً ثناياه فتحبسه ... على المراشف خيط الصبح في الشفق وقال أيضاً: أراه بعيداً وهو في نفسي أدنى ... إلي وألقاه إذا غاب بالمعنى وتشتاقه شوق الرياض إلى الحيا ... عيوني وإن أضحى فؤادي له مغنى تشرد نومي إذ جفاني لأجله ... وسال من الصبر إلى المقلة الوسنى " كذا " وكيف يلام النوم في عشق مقلة ... لواحظها تلقاك بالحسن والحسنى يلوم عليه الحاسدون وبينناً ... من الود ما يفني الزمان وما يفنى

إذا قطعت العمر في ظل عشقه ... فلله ما أحلاه عيشاً وما أهنا وله أيضاً: قسماً بظبي ليس فيه نفور ... إني بعشق عذاره معذور قمر يميس به كما شاء الصبا ... غصن يسر الناظرين نضير يرنو إلي بناظر فيه الرضى ... فيغور في قلبي الجوى ويغير وتزيدني ألطافه شغفاً به ... وقليل إحسان الحبيب كثير وإذا أتاني زائراً وافى وفي ... ديباجتيه نضرة وسرور لا يعتريه تكلف أنى سرى ... سراً ولا يرزوه حين يزور وقال أيضاً: ولرب ليل سرت فيه والدجى ... يدعى لفرط ظلامه بالكافر طوراً أضل عن الطريق وأهتدي ... طوراً بنجم من هلال الحافر وقال أيضاً ذوبيت: أخفيت هواك عن جميع البشر ... ضناً بحديث سرك المستتر فانصان وكاد يخفى قمري ... عن فرط ذكا مثلك لولا نظري وله أيضاً: كلما زادني اللواحي ملاما ... في هوى من أحب قلت سلاما أنا من معشر إذا استمعوا العذ ... ل تجافوا عنه ومروا كراما لي سمع للمنطق العذب إلا ... أنه لا يعي سواه كلاما يصبح العاذلون في الهرج والمر ... ج وقلبي لا يستفيق غراما وجفاني الذي أحب وأجفا ... ني يبيتون سجداً وقياما وقال أيضاً: طرب الدوح من غناء الحمام ... وتثنى سكراً بغير مدام

وسقته سحب الغوادي فأضحى ... باسم النور من بكاء الغمام باسماً في كمامه وابتسام ال ... عجب يخفي للحسن في الأكمام كيف لا يزدهيه عجب وقد أص ... بح يحكيك يا رشيق القوام يا حمام الأراك لا تعرب اللح ... ن فحسبي ما فيك من إعجام لا تبح بالذي تجن فتلقى ... ما ألاقي من كثرة اللوام وقال أيضاً: ولقد قطعت العيش في زمن الصبا ... قطع امرئ عن غيه لا يرجع أيام ألقى الحادثات بمثلها ... بأساً وأنف الخطب عني أجدع والآن قد ولى الشباب وأقبل ال ... شيب الملم وخطبه لا يدفع وقال أيضاً: تقضت شهور بالبعاد وأحوال ... جرت بعدكم فيها أمور وأحوال فإن يسر الله التلاقي ذكرتها ... وإلا فلي في هذه الأرض أمثال وقال أيضاً: يا قمري إن جزت وادي الأراك ... وقبلت أغصانه الخضر فاك أرسل إلى عبدك من بعضها ... فإنني والله ما لي سواك وقال أيضاً: روى دمع عيني عن غرامي فأشكلا ... ولكنه ورى الحديث فأشكلا وأسنده عن واقدي أضالعي ... فأضحى صحيحاً بالغرام معللا وله أيضاً: وافى النسيم وقد تحمل منكم ... لطفاً يقصر فهمه عن علمه وشكا السقام وما درى ما قد جرى ... وأنا أحق من الرسول بسقمه وقال أيضاً:

إن طال ليلي بعدكم فلطوله ... عذر وذاك لما أقاسي منكم لم تسر فيه نجومه لكنها ... وقفت لتسمع ما أحدث عنكم وقال أيضاً: عجباً لمشغوف يحدث عنكم (1) ... ماذا يقول وما عساه يمدح والكون إما صامت فمعظم ... حرماتكم أو ناطق فمسبح وقال أيضاً: من لأسير أمست أنيسته (2) ... في الدوح عن حاله تسائله فهو يغني مبدى الحزين (3) لها ... وهي بأوراقها تراسله وقال أيضاً: حتى إذا رق جلباب الدجى وسرت ... من تحت أذياله مسكية النفس تبسم الصبح إعجاباً بخلوتنا ... ووصلنا الطاهر الخالي من الدنس وقال أيضاً: جيادك يا من طبق الأرض عدله ... وحاز بأعلى الجد أعلى المناصب إذا سابقتها في المهبة (4) غرة ... رياح الصبا عادت لها كالجنائب ولو لم يكن في ظهرها كعبة المنى ... لما شبهت آثارها بالمحارب وقال أيضاً: يا سيدي أوحشت قوماً ما لهم ... عن حسن منظرك الجميل بديل وتعللت شمس النهار فما لها ... من بعد بعدك بكرة وأصيل

_ (1) الوافي: يفوه بمدحكم. (2) الوافي: قرينته. (3) في المطبوعة: الحزن. (4) الوافي: المهامه.

وبكى السحاب مساعداً لتفجعي ... من طول هجرك والنسيم عليل وقال أيضاً: يقولون شبهت الغزال بأهيف ... وهذا دليل في المحبة واضح ولو لم يكن لحظ الغزال كلحظه اح ... وراراً لما تاقت إليه الجوارح سبقه إلى هذا شمس الدين محمد بن دانيال فقال " (1) : بي من أمير شكار (2) ... وجد يذيب الجوانج لما حكى الظبي حسناً (3) ... حنت إليه الجوارح وقال أيضاً: انظر إلى الأزهار تلق رؤوسها ... شابت وطفل ثمارها ما أدركا وعبيرها قد ضاع من أكمامها ... وغدا بأذيال الصبا متمسكا وقال أيضاً: ولما أشارت بالبنان وودعت ... وقد أظهرت للكاشحين تشهدا طفقنا نبوس الأرض نوهم أننا ... نصلي الضحى عليها من العدا وقال أيضاً: ما أبطأت أخبار من أحببته ... عن مسمعي بقدومه ورجوعه إلا جرى قلبي إليه خافقاً ... وشكا إليه تشوقي بدموعه وقال أيضاً: يقول لي الدولاب راض حبيبك ال ... ملول بما يهوى الخير والنفع

_ (1) ما بين معقفين زيادة من الوافي، وقد ورد البيتان الحاثيان في المطبوعة بعد. (2) في المطبوعة: تشكى. (3) الوافي: جيداً.

ابن الحداد الأندلسي

فإني من عود خلقت وها أنا ... إذا مال عني الغصن أسقيه من دمعي وقال أيضاً ذوبيت: الصب بك المتعوب والمعتوب ... والقلب بك المسلوب والملسوب يا من طلبت لحاظه سفك دمي ... مهلاً ضعف الطالب والمطلوب قيل إن الشيخ صدر الدين ابن الوكيل كان يقول: وددت لو أخذ شعري كله وأعطاني هذين البيتين. وله غير ذلك وكل شعره مليح، رحمه الله تعالى وعفا عنه. 424 - (1) ابن الحداد الأندلسي محمد بن أحمد بن عثمان، أبو عبد الله القيسي الأندلسي، ابن الحداد الشاعر؛ له ديوان كبير، وكتاب في العروض، اختص بالمعتصم ابن صمادح وتوفي سنة ثمانين وأربعمائة. ومن شعره قوله من قصيدة: بعيشكما ذات اليمين فإنني ... أراح بشم (2) الروح من عقداتها فقد عبقت ريح النعامى كأنما ... سلام سليمى فاح من نفحاتها وتيماء للقلب المتيم منزل ... فعوجا بتسليم على سلماتها مشاعر تهيام وكعبة فتنة ... فؤادي من حجاجها ودعاتها

_ (1) الوافي 2: 86 والزركشي: 262 والمحمدون: 99 والمطمح: 80 والذخيرة 1/ 2: 201 والإحاطة 2: 250 والمسالك 11: 400 والمغرب 2: 143 والنفح 3: 502 وأخبار وتراجم أندلسية: 17 والذيل والتكملة 6: 10. (2) الوافي: لشم.

ابن الصابوني الإشبيلي

فكم صافحتني من (1) مناها يد المنى ... وكم هب عرف اللهو في عرفاتها عهدت بها أصنام حسن عهدتي ... هوى عبد عزاها وعبد مناتها أهل بأشواقي إليها وأتقي ... شرائعها في الحب حق تقاتها وله أيضاً: هم في ضميرك خيموا أو قوضوا ... ومنى جفونك أقبلوا أم أعرضوا وهم رضاك من الزمان وأهله ... سخطوا كما زعمت وشاتك أو رضوا أهواكم وإن استمر قلاهم ... ومن العجائب أن يحب المبغض وله أيضاً: وقد هوت بهوى نفسي مها سبإ ... فهل درت (2) مضر من تيمت سبأ كأن قلبي سليمان وهدهده ... طرفي وبلقيس ليلى والهوى النبأ 425 (3) ابن الصابوني الإشبيلي محمد بن أحمد ابن الصابوني الصدفي، من أهل إشبيلية؛ قال ابن الأزبار: ذهبت البدائع (4) بذهابه، وختمت الأندلس شعراءها به، ذهب إلى المشرق فتوفي بالإسكندرية وهو طالب مصر سنة أربع " وثلاثين " (5) وستمائة.

_ (1) الوافي: في. (2) في المطبوعة: فهددت. (3) الوافي 2: 99 والزركشي: 262 والبدر السافر: 76 والمقتضب من التحفة: 161 واختصار القدح: 69 والمغرب 1: 263 وصفحات متفرقة من نفح الطيب. (4) في المطبوعة: الآداب، والتصويب عن الوافي والزركشي. (5) زيادة من المقتضب؛ ولم ترد في الوافي أيضاً؛ وفي البدر السافر: سنة أربع وقيل ست وثلاثين وستمائة.

ومن شعره من قصيدة، رحمه الله تعالى: أقسم فرق الليل عن سنة الضحى ... واهبط خصر القاع من كفل الدعص إلى أن أرى برقاً إذا شمت وجهه ... رأيت جبين البدر مكتمل القرص وقال أيضاً: لقد حجبت زج الحواجب سلوتي ... ومن لحظ هذا (1) سميت بالحواجب وواوات أصداغ أقارب نسبة ... لنوناتها تدعى بوصف عقارب وميم فم تحت صاد لشارب ... سلافاً حواها ختم صاد لشارب وله أيضاً: أما وعذار فوق خديك إنه ... لأنكأ فعلي مقلتيك لفاعل وما خيلت نفسي إلي بأنه ... ستفعل أفعال السيوف الحمائل وله أيضاً: رأيت في خده عذاراً ... خلعت في حبه عذاري قد كتب الحسن فيه سطراً ... " ويولج الليل في النهار " وله أيضاً: يسقي الرحيق المختوم من يده (2) ... ختامة من عذاره مسك أسبل دمعي من صده درراً ... جسمي لفرط الضنا لها سلك (3)

_ (1) الوافي والزركشي: فهل لحظ وصف. (2) الوافي: فمه. (3) المطبوعة: بها مسك.

أبو نصر الأواني

426 - (1) أبو نصر الأواني محمد بن أحمد بن الحسين الفروخي (2) ، أبو نصر الكاتب الأواني (3) ؛ كان كاتباً على أعمال السواد من قبل الوزير ابن هبيرة، وكان شيخاً فاضلاً نبيلاً أديباً حاذقاً، وصنف عدة رسائل: منها " رسالة في الربيع "؛ وتوفي سنة سبع وخمسين وخمسمائة. ومن شعره (4) : ما لعين جنت على القلب ذنب ... إنما يرسل اللحاظ القلب والهوى قائد القلوب فإن سل ... ط جيش الغرام فالقلب نهب أحياة بعد التفرق يا قل ... ب فأين الهوى وأين الحب كان دعوى ذاك التأوه للبي ... ن ولم ينصدع لشملك شعب إن موت العشاق من ألم الفرق ... ة في الحب سنة تستحب وعلاج الهوى عذاب المحبي ... ن ولكنه عذاب عذب وقال أيضاً: يا رب عفوك إنني في معشر ... لا أبتغي منهم سواك ملاذا هذا ينافق ذا وذا يغتاب ذا ... ويسب هذا ذا ويشتم ذا ذا

_ (1) الوافي 2: 109 والزركشي: 262 ومعجم البلدان (أوانا) ومختصر الدبيثي 1: 5 والمحمدون: 56. (2) المطبوعة: الفدوخي، وهو خطأ. (3) المطبوعة: الأوابي؛ والأواني نسبة إلى أوانا من نواحي دجيل بغداد. (4) في مدح جمال الدين محمد علي الأصبهاني، وقد أورد منها أبياتاً كثيرة في ((المحمدون)) .

فتح الدين ابن سيد الناس

وقال أيضاً: قالت وقد عاينت حمرة كفها ... لا تعتبن فالعهد غير مضيع ما إن تعمدت الخطاب وإنما ... زفرات حبك أوقدت في أضلعي فبكيت من شوقي دماً فمسحته ... بأناملي فتخضبت من أدمعي وله ترسل مليح، رحمه الله تعالى. 427 - (1) فتح الدين ابن سيد الناس محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس، الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدث، فتح الدين أبو الفتح ابن الفقيه أبي عمرو ابن الحافظ أبي بكر اليعمري؛ كان حافظاً بارعاً أديباً بليغاً مترسلاً، حسن المحاورة لطيف العبارة، فصيح الألفاظ كامل الأدوات لا تمل محاضرته، كريم الأخلاق زائد الحياء (2) ، حسن الشكل والعمة، وهو من بيت رياسة وعلم، سمع وقرأ وارتحل وكتب وحدث وأجاز. أجاز له عبد اللطيف وكناه بأبي الفتح، وسمع حضوراً سنة خمس وسبعين من القاضي شمس الدين ابن القسطلاني (3) وقرأ على أصحاب ابن طبرزد وأصحاب الكندي وأصحاب الحرستاني،

_ (1) الوافي 1: 289 والزركشي: 263 والدرر الكامنة 4: 330 والبدر السافر: 152 والشذرات 6: 108 والنجوم الزاهرة 9: 303 والسلوك 2: 376 ومرآة الجنان 4: 291 والبداية والنهاية 14: 169 وذيل العبر: 182 ودول الإسلام 2: 183. (2) الوافي: الاحتمال. (3) المطبوعة: العسقلاني.

وارتحل إلى دمشق سنة تسعين فكاد يدرك الفخر بن البخاري (1) ففاته (2) بليلتين، قال الشيخ شمس الدين: ولعل مشيخته تقارب الألف. ونسخ بخطه، واختار وانتقى شيئاً كثيراً، ولازم الشهادة مدة؛ وكان عنده كتب كبار وأمهات جيدة: منها مصنف ابن أبي شيبة، ومسنده، والمحلى، والتمهيد، وجامع عبد الرزاق، وتاريخ أبي خيثمة، والاستيعاب، والاستذكار، وتاريخ الخطيب، والمعاجم الثلاثة للطبراني، وطبقات ابن سعد، وتاريخ المظفري وغير ذلك. وصنف " عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير " (3) و " النفخ الشذي في شرح الترمذي " ولم يكمل، وكتاب " بشرى (4) اللبيب بذكر الحبيب " و " منح المدح ". وشعره رقيق سهل التركيب منسجم الألفاظ عذب النظم بلا كلفة، وكتب بالمغربي طبقة كما كتب بالمشرقي. فن شعره قوله: عهدي به والبين ليس يروعه ... صباً براه نحوله ودموعه لا تطلبوا في الحب ثأر متيم ... فالموت من شرع الغرام وشروعه عن ساكن الوادي سقته مدامعي ... حدث حديثاً طاب لي مسموعه أفدي الذي عنت البدور لوجهه (5) ... إذ حل معنى الحسن فيه جميعه البدر من كلف به كلف به ... والغصن من عطف عليه خضوعه لله (6) معسول المراشف واللمى ... حلو الحديث ظريفه مطبوعه دارت رحيق لحاظه فلنا بها ... سكر يجل عن المدام صنيعه

_ (1) في المطبوعة: القمر بن السخاوي؛ وفي الوافي: الفخر بن الفخاري. (2) المطبوعة: فعاقه. (3) طبع في جزءين، بمصر سنة 1356 بعناية حسام الدين القدسي. (4) المطبوعة: سمر؛ والتصويب عن الوافي والزركشي. (5) المطبوعة: الوجوه لحيه، والتصويب عن الوافي والزركشي. (6) اثبت في الوافي والزركشي؛ وفي المطبوعة: أهواه.

يجني فأضمر عتبه فإذا بدا ... فجماله مما جناه شفيعه وقال أيضاً: قضى ولم يقض من أحبابه أربا ... صب إذا مر خفاق النسيم صلبا راض بما صنعت أيدي الغرام به ... فحبسه الحب ما أعطى وما سلبا لا تحسبن قتيل الحب مات ففي ... شرع الهوى عاش للإخلاص (1) منتسبا في جنة من معاني حسن قاتله ... لا يشتكي نصبا فيها ولا وصبا ما مات من مات في أحبابه كلفاً ... وما قضى بل قضى الحق الذي وجبا فالسحب تبكيه بل تسقيه هامية ... وكيف تبكي محباً نال ما طلبا فطوقت جيدها الورقاء واختضبت ... له وغنت على أعوادها طربا ومالت الدوحة (2) الغناء راقصة ... تصبو وتنثر من أوراقها ذهبا والغصن نشوان يثنيه الغرام به ... كأنه من حميا وجده شربا والروض حمل أنفاس النسيم شذا ... أزهاره راجياً من قربه سببا فراقه الورد فاستغنى به وثنى ... عطفاً إليه ومن رجع الجواب أبى ففارقت روضها الأزهار واتخذت ... نحو الرسول سبيلاً وابتغت سربا (3) وحين وافته نادت عند رؤيته ... لمثل هذا حبيباً فلتحل (4) حبا تهللت (5) وجنات الورد من فرح ... وأعين النرجس انهلت له نغبا (6) سقته واستوسقت من عرفه أرجاً ... أذكى وأعطر أنفاساً إذا انتسبا

_ (1) كذا أيضاً في الزركشي؛ الوافي: للأحباب. (2) رواية الزركشي والوافي؛ وفي المطبوعة: الروضة. (3) المطبوعة: سبباً (4) المطبوعة والوافي: فليحل. (5) الوافي: اخضلت. (6) المطبوعة: لغبا؛ الزركشي: تعبا.

وأملت لمحة من حسن قاتله (1) ... فأجفلت رهباً إذ لم تطق هربا (2) أما درى حين جد الوجد أن لها ... من دمعها ولها من حسنه حجبا وبانة الشيح جادتها سحائبها ... أوفت وفاء ولفت (3) حولها عذبا عرارها وخزاماها وما حملت ... من البشام سقاه الغيث منسكبا والعاذلون لووا أكتافهم حزناً ... والكاشحون ثنوا أعطافهم حربا لم يبق عذل ولا لوم يؤنبه ... سيان إن بعد اللاحي (4) وإن قربا ولم يكن قبل ذا يصغي لهم أذناً ... ولا تخوف يوماً أعين الرقبا وربما طاف شيطان السلو به ... فأرسل الشوق من آماقه شهبا أفديه من حافظ للعهد إذ نقضوا ... عهداً ومن صادق في الحب ما كذبا راض الصبابة واستحلى لواعجها ... حتى استلان له منها الذي صعبا تراه منقبضاً (5) للوصل مقتضياً ... طوراً ومكتئباً للبين مرتقبا يستخبر الركب هل شط المزار بهم ... والرسم أعجم أنى خاطب العربا بالله يا نسمات الريح هل خبر ... عنهم يعيد لي العيش الذي ذهبا بانوا فأي فؤاد لم يذب أسفاً ... وأي قلب غداة البين ما وجبا ناديت بالسفح قلباً في ضيافتهم ... لا يذكر السفح إلا حن مغتربا غير أن تصرعه الذكرى إذا خطرت ... والريح إن نسمت والدمع إن نضبا يرتاع للقضب إن ماست معاطفها ... ليناً وكان يروع السمر والقضبا شوقاً إلى غصن بان مثمر قمراً ... على كثيب نقاً بالحسن منتقبا تضرم الماء في جنات وجنته ... ناراً وأضرم في أحشائنا لهبا

_ (1) كذا عند الزركشي والوافي؛ وفي المطبوعة: قاتلها. (2) هنا ينتهي ما أورد الصفدي من القصيدة. (3) المطبوعة: وكفت، والتصويب عن الزركشي. (4) المطبوعة: اللاهي؛ وما أثبته عن الزركشي هو الصواب. (5) المطبوعة: منتقضاً.

ولم يكن بابلي الريق مبسمه ... لما اكتسى ثغره من دره حببا للأقحوانة مما فيه منظرها ... ولم تنل مثله عرفاً ولا ضربا والبرق يخفق لما شام بارقه ... فالمزن تبكي له أن أعوز الشنبا من لي وللكبد الحرى ومقلتي العبرى (1) ... استهلت وسحت دمعها سحبا ومن لمضنى إذا لج السقام به ... والحب لم يرض إلا روحة سلبا ما زال يتعبه حتى استراح به ... وإنما يألف الراحات من تعبا وقال أيضاً: ما شروط الصوفي في عصرنا اليو ... م (2) سوى ستة بغير زيادة وهي نيك العلوق والسكر والسط ... لة والرقص والغنا والقيادة وإذا ما اهتدى وأبدى اتحاداً ... وجميلاً من خلوة وأعاده وأتى المنكرات عقلاً وشرعاً ... فهو شيخ الشيوخ ذو السجادة وقال أيضاً: يا كاتم الشوق إن الدمع مبديه ... حتى يعيد زمان الوصل مبديه أصبو إلى البان بانت عنه (3) هاجرتي ... تعللاً بليالي وصلها فيه عصر مضى وجلابيب الصبا قشب ... لم يبق من طيبه إلا تمنيه وقال أيضاً: صرفت الناس عن بالي ... فحبل ودادهم بالي وحبل الله معتصمي (4) ... به علقت آمالي فمن يسلو الورى طراً ... فإني ذلك السالي

_ (1) المطبوعة: الضرا. (2) المطبوعة: قطعاً، وأثبت رواية الزركشي. (3) المطبوعة: عند. (4) المطبوعة: يعصمني، وأثبت ما عند الزركشي.

فار وجهي لذي جدة ... ولا ميلي لذي مال وقال أيضاً: فقري لمعروفك المعروف يغنيني ... يا من أرجيه والتقصير يرجيني إن أوثقتني الخطايا عن مدى شرف ... نجا بإدراكه الناجون من دوني وغض من أملي ما ساء من عملي ... فإن لي حسن ظن فيك يكفيني وقال أيضاً: عذيري من دهري تصدى معاتباً ... لمستمنح العتبى (1) فأقصد من قصد رجوت به وصل الحبيب فعندما ... تبدى له المعشوق قابله الرصد وقال أيضاً: يا بديع الجمال شكر جمالك ... أن توافي عشاقه بوصالك لنت (2) عطفاً لهم وقلبك قاس ... فهم يأخذون من ذا لذلك غير أن الكمال أولى بذا الحس ... ن ومن للبدور مثل كمالك قابلت وجهك السماء فشكل ال ... بدر ما مرآتها من خيالك مثلته لكن رسوم صداها ... كلفته فقصرت عن مثالك وقال أيضاً: إن غض من فقرنا قوم منحوا ... فكل حزب بما أوتوه قد فرحوا إن هم أضاعوا لحفظ المال دينهم ... فإن ما خسروا أضعاف ما ربحوا وكانت وفاة الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس حادي عشر شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ومولده رابع عشر ذي القعدة سنة إحدى وستين وستمائة، رحمه الله.

_ (1) المطبوعة: لمستبهج الغنى، وهو مضطرب، والتصويب عن الزركشي والوافي. (2) المطبوعة: كنت، والتصويب عن الوافي.

أبو اليسر ابن الصايغ

428 - (1) أبو اليسر ابن الصايغ محمد بن محمد بن عبد القادر الأنصاري، الشيخ الإمام المفتي بركة الوقت بدر الدين أبو اليسر ابن قاضي القضاة عز الدين ابن الصايغ الدمشقي الشافعي، مدرس الدماغية (2) والعمادية (3) ؛ ولد سنة ست وسبعين وستمائة؛ وسمع كثيراً من أبيه وابن شيبان والفخر علي وبنت مكي، وحضر على ابن علان، وحدث بصحيح البخاري عن اليونيني، وكان يلازم حلقة الشيخ برهان الدين، وعرض عليه قاضي القضاة فامتنع واستعفى وصمم، فاحترمه الناس وأحبوه لتواضعه ودينه، وعظمه تنكز (4) نائب دمشق واعتقد فيه، وحج غير مرة، وتولى خطابة القدس مدة مديدة وتركها، وكان مقتصداً في لباسه وأموره، زار القدس فتعلل هناك ونقل إلى دمشق فمات بها شهور سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، ودفن عند أبيه بسفح قاسيون، وشيعه الخلائق وحمل على الرؤوس، رحمه الله تعالى وعفا عنه.

_ (1) الوافي 1: 248 (هامش) والزركشي: 265 والشذرات 6: 123 ومرآة الجنان 4: 301 والدارس 1: 238 وقضاة دمشق: 76 وذيل العبر: 206. (2) في المطبوعة: الدامغة؛ وقد نسبت إلى منشئتها جدة فارس الدين ابن الدماغ، زوجة شجاع الدين ابن الدماغ اعادلي في سنة 638 واسمها عائشة، وجعلتها للشافعية والحنفية (الدارس 1: 236) . (3) العمادية كانت لصيق الدماغية وهي منسوبة إلى بانيها عماد الدين إسماعيل بن نور الدين (الدارس 1: 406) . (4) المطبوعة: شكر؛ وهو خطأ.

الشيخ بهاء الدين ابن النحاس الحلبي

429 - (1) الشيخ بهاء الدين ابن النحاس الحلبي محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر، الإمام العلامة حجة العرب، بهاء الدين ابن النحاس الحلبي النحوي، شيخ العربية بالديار المصرية؛ ولد في سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وستمائة بحلب، وتوفي سنة ثمان وتسعين وستمائة بالقاهرة. سمع ابن اللتي (2) والموفق ابن يعيش وأبا القاسم ابن رواحة وابن خليل، وقرأ القرآن على أبي عبد الله الفاسي وأخذ عن جمال الدين ابن عمرون، ودخل مصر لما خربت حلب وأخذ عن بقايا شيوخها، ثم جلس للإفادة وتخرج به جماعة من الأئمة، وكان من أذكياء بني آدم، وله خبرة بالمنطق وإقليدس، مشهوراً بالدين والصدق والعدالة، مع اطراح الكلفة، يمشي في الليل بين القصرين بقميص وطاقية على رأسه فقط، وكان حسن الأخلاق فيه ظرف النحاة وانبساطهم، وكان له صورة كبيرة في صدور الناس، معروفاً بحل المشكلات، واقتنى كتباً نفيسة، ولم يتزوج قط، وكانت له أوراد من العبادة. قال قطب الدين عبد الكريم: كان كثير التلامذة كثير الذكر كثير الصلاة، ثقة حجة، يسعى في مصالح الناس، وكان لا يدخر شيئاً، وكان عنده من أصحابه ومن الطلبة من يأكل على مائدته، وكان لا يكلم أحداً في حل النحو إلا بلغة العوام لا يراعي الإعراب.

_ (1) الوافي 2: 10 والزركشي: 65 والشذرات 5: 442 وبغية الوعاة: 6 والبلغة: 200 وغاية النهاية 2: 46 والبدر السافر: 69. (2) المطبوعة: المثنى؛ وهو خطأ.

وقال الشيخ أثير الدين: كان الشيخ بهاء الدين والشيخ محيي الدين محمد ابن عبد العزيز المازوني (1) المقيم بالإسكندرية شيخي الديار المصرية، ولم ألق أحداً أكثر سماعاً لكتب الأدب من الشيخ بهاء الدين، وانفرد بسماع " الصحاح " للجوهري، وكان كثير العبادة والمروءة والترحم (2) على من يعرفه، لا يكاد يأكل شيئاً وحده، وكان ينهى عن الخوض في العقائد، وله تودد إلى من ينتمي إلى الخير. ولي التدريس بجامع ابن طولون بالقبة المنصورية، وله تصدير بمصر (3) ، ولم يصنف شيئاً إلى إملاء على كتاب " المقرب " لابن عصفور من أول الكتاب إلى باب الوقف أو نحوه. توفي يوم الثلاثاء سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين. وكنت أنا وأياه نمشي بين القصرين، فعبر علينا صبي يسمى بجمال، وكان مصارعاً، فقال الشيخ بهاء الدين: ينظم كل منا في هذا المصارع، فنظم الشيخ بهاء الدين: مصارع تصرع الآساد سمرته ... تيهاً فكل مليح دونه همج لما غدا راجحاً في الحسن قلت لهم ... عن حسنه حدثوا عنه ولا حرج ونظم الشيخ أثير الدين أبو حيان: سباني جمال من مليح مصارع ... عليه دليل للملاحة واضح لئن عز منه المثل فالكل دونه ... وإن خف منه الخصر فالردف راجح قال الشيخ أثير الدين: وسمع الشيخ شهاب الدين العزازي (4) نظمنا فنظم: هل حكم ينصفني من هوى ... مصارع يصرع أسد الشرى مذ فر مني الصبر في حبه ... حكى عليه مدمعي ما جرى

_ (1) المطبوعة: الماروني، بالراء المهملة؛ وهو خطأ. (2) المطبوعة: والرحم. (3) الوافي: وله تصدير في الجامع الأقمر وتصادير بمصر. (4) المطبوعة: الفزاري، وما أثبته من الوافي والزركشي.

أباح قتلي في الهوى عامداً ... وقال كم من عاشق في الورى رميته في أسر حبي ومن ... أجفان عينيه أخذت الكرى وقال الشيخ أثير الدين: أنشدني بهاء الدين يخاطب رضي الدين الشاطبي وقد كلفه أن يشتري له قطراً: أيها الأوحد الرضي الذي طا ل علاء وطاب في الناس نشرا أنت بحر لا غرو إن نحن وافي ناك راجين من نداك القطرا وأنشدني لنفسه ما كتب على منديل: ضاع مني خصر الحبيب نحولاً ... فلهذا أضحي عليه أدور لطفت خرقتي وودقت فجلت ... عن نظير كما حكتها الخصور أكتم السر عن رقيب لهذا ... بي يخفي دموعه المهجور وأنشدني لنفسه أيضاً: أني تركت لذا (1) الورى دنياهم ... وظللت أنتظر الممات وأرقب وقطعت في الدنيا علائق (2) : ليس لي ... ولد يموت ولا عقار يخرب وله أيضاً في مليح شرطوه: قلت لما شرطوه وجرى ... دمه القاني على الخد اليقق (3) ليس بدعاً ما أتوا في فعلهم ... هو بدر ستروه (4) بالشفق وكتب الخط الفائق المنسوب، وقرأ عليه جماعة من أهل عصره ومصره،

_ (1) المطبوعة: لدى. (2) الوافي: العلائق. (3) المطبوعة: النقي، والتصويب عن الوافي والزركشي. (4) هذه رواية الوافي والزركشي؛ وفي المطبوعة: مشرق.

البدر ابن جماعة

وقرأ عليه الشيخ شمس الدين الذهبي، وكان يحفظ ثلث " صحاح " الجوهري، رحمه الله تعالى وعفا عنه. 430 - (1) البدر ابن جماعة محمد بن إبراهيم بن سعد بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر، قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله الكناني الحموي الشافعي؛ ولد بحماة سنة تسع وثلاثين وستمائة، وسمع سنة خمسين من شيخ الشيوخ " الأنصاري، وبمصر من الرضي ابن البرهان والرشيد العطار وإسماعيل " (2) ابن عزون وغيره (3) ، وبدمشق من الواني بن أبي اليسر وابن عبد الله وطائفة، وحدث بالشاطبية عن ابن عبد الوارث صاحب الشاطبي، وحدث بالكثير وتفرد في وقته، وكان قوي المشاركة في علم الحديث والفقه والأصول والتفسير، خطيباً تام الشكل، ذا تعبد وأوراد، وحج، وله تصانيف، درس وأفتى وأشغل (4) ؛ ولي خطابة القدس، ثم طلبه الوزير ابن السلعوس فولاه قضاء مصر، ورفع شأنه، ثم حضر إلى الشام قاضياً وولي خطابة الجامع الأموي مع القضاء، ثم طلب لقضاء مصر بعد ابن دقيق العيد وامتدت أيامه إلى أن شاخ وأضر وثقل سمعه،

_ (1) الوافي 2: 18 وأعيان العصر والنجوم الزاهرة 9: 298 والشذرات 6: 105 والدرر الكامنة 3: 367 ونكت الهميان: 235 والأنس الجليل 2: 48 والبداية والنهاية 14: 163 وقضاة دمشق: 82 وذيل العبر: 178 وطبقات السبكي 5: 230 ودول الإسلام 2: 183 ومرآة الجنان 4: 287 وذيول تذكرة الحفاظ: 107. (2) سقط من المطبوعة، وزدته من الوافي. (3) الوافي: وعدة. (4) المطبوعة: واشتغل.

أبو العبر

فعزل بقاضي القضاة جلال الدين القزويني سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وكثرت أمواله، وباشر آخراً بلا معلوم على القضاء، ولما رجع السلطان من الكرك صرفه وولى جمال الدين الزرعي، فاستتم (1) نحو السنة، ثم أعيد بدر الدين ابن جماعة وولي مناصب كباراً، وكان يخطب من إنشائه، وصنف في علوم الحديث وفي الأحكام، وله " رسالة في الكلام على الاسطرلاب " وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله. 431 - (2) أبو العبر محمد بن أحمد الهاشمي، كنيته أبو العباس، فصيرها " أبا العبر " ثم إنه كان يزيدها كل سنة حرفاً فمات وهو أبو العبر طرد طبك طلياري بك بك بك (3) . وكان شاعراً ترك الجد وعدل إلى الهزل، حبسه المأمون (4) وقال: هذا عار على بني هاشم، فصاح في الحبس: نصيحة لأمير المؤمنين، فأخبروه، فاستحضره وقال: هات نصيحتك، فقال: الكشكية أصلحك الله لا تطيب إلا بكشك، فضحك منه وقال: أرى أنه مجنون، فقال أبو العبر: إنما امتخطت حوت، فقال: ويحك! ما معنى قولك؟ فقال: أصلحك الله زعمت أنني مججت نون، وإنما

_ (1) الوافي: فاستمر. (2) الوافي 2: 41 والزركشي: 266 ومعجم الأدباء 17: 122 وأشعار أولاد الخلفاء: 323 والأغاني 23: 76 وطبقات الشعراء: 342 وتاريخ بغداد 5: 40. (3) هذه الصورة التي وردت للقبه عند الزركشي؛ وفي الوافي: طزد طبك طلبري ... )) وفي المطبوعة: وطيك طنكندي ... وهناك صور أخرى منها أيضاً، انظر الأغاني: 80. (4) هكذا في الزركشي أيضاً؛ وقال الصفدي: حبسه إسحاق بن إبراهيم الطاهري، وكذلك هو في الأغاني.

امتخطت (1) حوت، فأطلقه وقال: أظنني في حبسك مأثوم، قال: لا ولكنك في ماء بصل (2) ، فقال: أخرجوه عني ولا تقم في بغداد فهذا عار علينا. وكان في مبدأ أمره صالح الشعر مع توسط، لا ينفق مع أبي تمام والبحتري وأضرابهما، فعمد إلى الحمق وكسب بذلك أضعاف ما كسبه كل شاعر بالجد. ومن قوله الصالح: لا أقول الله يظلمني ... كيف أشكو غير متهم وإذا ما الدهر ضعضعني ... لم تجدني كافر النعم قنعت نفسي بما ظفرت ... وتناهت في العلا هممي قال عبد العزيز ابن (3) أحمد: كان أبو العبر يجلس في مجلس يجتمع إليه المجان فكان يجلس على سلم وبين يديه بالوعة فيها ماء وحمأة وقد سد (4) مجراها، وبيده قصبة طويلة، وعلى رأسه خف وفي رجليه قلنسوتان، ومستمليه في جوف بئر، وحوله ثلاثة يدقون بالهواوين، حتى تكثر الجلبة ويقل السماع (5) ، ويصيح مستمليه من البئر، ثم يملي عليهم، فإن ضحك أحد (6) ممن حضر قاموا فصبوا على رأسه من البالوعة إن كان وضيعاً، وإن كان ذا مروءة رشوا عليه بالقصبة من مائها، ثم يحبس (7) في الكنيف (8) إلى

_ (1) الوافي والزركشي: أمتخط. (2) في المطبوعة والزركشي: بل ماء بصل؛ وأثبت ما في الأغاني والوافي. (3) المطبوعة: أبو. (4) المطبوعة سهل؛ وأثبت ما في الأغاني والوافي. (5) المطبوعة: حتى تكثر الجلبة للسماع. (6) زاد بعدها في المطبوعة: منهم. (7) المطبوعة والوافي: يجلس؛ ورواية الأغاني أدق. (8) المطبوعة: ذلك.

أن ينقضي المجلس، فلا يخرج (1) منه حتى يغرم درهمين. ومن شعره الصالح: أيها الأمرد المولع بالهج ... ر أفق ما كذا سبيل الرشاد فكأني بحسن وجهك قد أل ... بس في عارضيك ثوب حداد وكأني بعاشقيك وقد أب ... دلت فيهم من خلطة ببعاد حيث تغضي العيون عنك كما ين ... قبض السمع من حديث معاد فاغتنم قبل أن تصير إلى كا ... ن وتضحي من جملة الأضداد وقال أيضاً: رأيت من العجائب قاضيين ... هما أحدوثة في الخافقين هما اقتسما العمى نصفين عمداً ... كما اقتسما قضاء الجانبين هما فأل الزمان بهلك (2) يحيى ... إذ افتتح القضاء بأعورين وتحسب منهما من هز رأساً ... لينظر في مواريث ودين كأنك قد جعلت عليه دناً ... فتحت بزاله من فرد عين وكان المتوكل يرمي به في المنجنيق إلى البركة، فإذا علا في الهواء يقول: الطريق، جاءكم المنجنيق، حتى يقع في البركة، فيطرح عليه الشباك ويصطاد، ويخرج وهو يقول: ويأمر بي ذا الملك " فيطرحوني في البرك " ويصطادني بالشبك، كأني بعض السمك، ويضحك لي هك هك. قال بعضهم: رأيته ببعض آجام سامرا وهو عريان لا يواريه شيء، على يده اليمنى باشق وبيده اليسرى قوس، وعلى رأسه قطعة رثة من حبل (3)

_ (1) زاد بعدها في المطبوعة: أحد. (2) المطبوعة: الدمار بملك؛ ولا معنى له. (3) المطبوعة: رقة حبك.

الشيخ مجد الدين ابن الظهير الإربلي

مشدود بأنشوطة (1) ، وفي ذكره شعر مفتول فيه شص (2) قد ألقاه لصيد السمك، وعلى شفته دوشاب ملطخ، فقلت له: خرب بيتك ما تصنع؟ قال: أصطاد بجميع جوارحي. وفي كتاب " نثر الدر " (3) باقي نوادره؛ وكانت وفاته بعد الأربعين ومائتين، رحمه الله تعالى وعفا عنه. 432 - (4) الشيخ مجد الدين ابن الظهير الإربلي محمد بن أحمد بن عمرو بن أحمد بن أبي شاكر، الشيخ مجد الدين أبو عبد الله ابن الظهير الإربلي الحنفي الأديب؛ ولد بإربل في ثاني صفر سنة اثنتين وستمائة، وسمع ببغداد في الكهولة من أبي بكر ابن الخازن والكاشغري، وبدمشق من السخاوي وكريمة وتاج الدين ابن حمويه وتاج الدين ابن أبي جعفر، وقيل إنه سمع من ابن اللتي. روى عنه أبو شامة والدمياطي وأبو الحسين اليونيني وشهاب الدين محمود، وعليه تدرب وبه تخرج، وابن العطار وابن الخباز والشيخ جمال الدين المزي وجماعة، وكان من كبار الحنفية، ودرس بالقيمازية (5) ، وكان ذا رأي منتقى، وهو من أعيان شيوخ الأدب

_ (1) المطبوعة: بالشوطة. (2) المطبوعة: شعر.. (3) أورد أبو سعد الآبي نوادر أبي العبر في الكتاب السابع من ((نثر الدر)) . (4) الوافي 2: 123 والبدر السافر: 77 والجوهر المضية 2: 401 والزركشي: 266 والدارس 1: 574 والبداية والنهاية 13: 282 والشذرات 5: 359 وعبر الذهبي 5: 316 وابن الفرات 7: 127، 137. (5) المدرسة القيمازية (أو القايمازية كما وردت عند الصفدي) منسوبة إلى منشئها صارم الدين قايماز النجمي المتوفي سنة 596 (الدارس 1: 572) .

وفحول المتأخرين في الشعر، له ديوان شعر في مجلدين. وكانت وفاته سنة سبع وسبعين (1) وستمائة بدمشق، ودفن بمقابر الصوفية، ورثاه الشيخ شهاب الدين محمود بقصيدة أولها: تنكر ليلي واطمأنت كواكبه ... وسدت على صبحي الغداة مذاهبه " منها " (2) : بكته معاليه ولم ير قلبه ... كريم مضى والمكرمات نوادبه ولا غرو أن تبكي المعالي بشجوها ... على المجد إذ أودى وهن صواحبه فأي إمام في الندي وفي الهدى ... تماثله (3) آدبابه ومآدبه أظن الردى نسر السماء (4) وأنه ... علا فوقه فاستنزلته مخالبه وهي من قصيدة طويلة مليحة. وهي من شعر الشيخ مجد الدين: حيث الأراكة والكثيب الأوعس ... واد يهيم به الفؤاد مقدس يحمى بأطراف الرماح طرافه ... عزاً وبالبيض المواضي يحرس وتكاد أنفاس النسيم إذا سرت ... من خيفة الغيران لا تتنفس وبجو (5) ذاك الشعب أنفس مطلب ... أمست تذوب أسى عليه الأنفس وبكل خدر منه ليث مخدر ... أفغابة ذاك الحمى أم مكنس يا جيرة الحي المظلل بالقنا ... هل ناركم بسوى الأضالع تقبس أضرمتموها للنزيل ودونها ... غير أن فتاك الحفيظة أشوس

_ (1) في المطبوعة: وتسعين، وهو خطأ. (2) زيادة في الوافي. (3) الوافي: في الهدى والندى غدت لآمله. (4) في المطبوعة: ارتقى ... السحاب؛ ولا معنى له. (5) المطبوعة: وبجنب؛ وأثبت ما في الوافي والزركشي.

وقال أيضاً: غش المفند كامن في نصحه ... فأطل وقوفك بالغوير وسفحه واخلع عذارك في محل ريه ... برذاذ دمع العاشقين وسفحه وإذا سرى سحراً طليح نسيمه ... مالت به سكراً ذوائب طلحه جهل الهوى قوم فراموا شرحه ... جل الهوى وجنابه (1) عن شرحه أفدي الذي يغنيه فاتر طرفه ... عن سيفه وقوامه عن رمحه ذو وجنة شرقت بماء نعيمها ... كالورد أشرقه نداه برشحه وكأن طرته ونور جبينه ... ليل تألق فيه بارق صبحه " منها " (2) : قلبي وطرفي ذا يسيل دماً وذا ... بين الورى أنت العليم بقرحه وهما بحبك شاهدان وإنما ... تعديل كل منهما في جرحه والقلب منزلك القديم فإن تجد ... فيه سواك من الأنام فنحه وقال أيضاً: أواصل فيه لوعتي وهو هاجر ... ويؤنسني تذكاره وهو نافر ويغري هواه ناظري بأدمعٍ ... يوردها ورد له وهو ناظر (3) ويفتن في تيه الملاحة خاطراً ... فكل خلي في هواه مخاطر ويزور سخطاً ثاني العطف معرضا ... فلا عطفه يرجى ولا الطيف زائر محياه زاه بالملاحة زاهر ... فقلبي وطرفي فيه ساه وساهر يجيل على القد (4) معجباً ... حبالة شعر كم بها صيد شاعر

_ (1) المطبوعة: وحياته؛ وما هنا رواية الوافي والزركشي. (2) زيادة من الوافي لم ترد في الزركشي. (3) الوافي: ورد بخديه ناضر؛ وما هنا موافق للزركشي. (4) المطبوعة: الخد.

جلا طلعة كالروض دبجة الحيا ... ترف بماء الحسن فيه أزاهر وشهر خداً بالعذار مطرزاً ... فما الفؤاد لم يهم في عاذر فإن صاد قلبي طرفه فهو جارح (1) ... وإن فتنت آياته فهو ساحر (2) إذا كان صبري في الصبابة خاذلاً ... فمالي سوى دمعي على الشوق ناصر على أن يفيض الدمع لم يرو غلة ... من الوجد أذكتها العيون الفواتر وقال أيضاً يتشوق إلى دمشق (3) : لعل سنا برق الحمى يتألق ... على النأي أو طيفاً لأسماء يطرق فلا نارها تبدو لمرتقب ولا ... وعود الأماني الكواذب تصدق وعل رياح الهوج تهدي لنازح ... عن الشام عرفاً كاللطيمة يعبق ديار قضينا العيش فيها منعماً ... وأيامنا تحنو علينا وتشفق سحبنا بها برد الشباب وشربنا ... لذيذ كما شئنا مصفى مصفق مواطن فيها السهم سهمي فكلنا ... نحث مطايا اللهو فيه ونعنق كلا جانبيه معلم متجعد ... من الماء في أطلاله يتدفق إذا الشمس حلت متنه (4) فهو مذهب ... وإن حجبتها دوحه فهو أزرق وإن فرج الأوراق جادت بنورها ... فرقم أجادته الأكف منمق أطل عليه الشمس قبل غروبها ... وترجف إجلالاً له حين تشرق وتصفر من قبل الأصيل كأنها ... محب من البين المشتت مشفق وفي النيرب المرموق للب سالب ... من المنظر الزاهي وللطرف مونق بدائع من صنع القديم ومحدث ... تألق فيه المحدث المتأنق

_ (1) المطبوعة: ساحر؛ وأثبت ما عند الزركشي والوافي في هذه القراءة والتي تليها. (2) المطبوعة: فاتر. (3) لم ترد هذه القصيدة في الوافي والزركشي. (4) المطبوعة: بينه.

رياض كوشي البرد تزهو بحسنها ... جداولها والنور بالماء يشرق فمن نرجس يخشى فراق فريقه ... ترى الدمع في أجفانه يترقرق ومن كل ريحان مقيم وزائر ... تضاعف رياه الرياح فيعبق كأن قدود السرو فيه موائساً ... قدود عذارى ميلها يترقرق إذا ما تداعت للتعانق صدها ... عيون من النور المفتح ترمق وقصر يكل الطرف عنه كأنه ... إلى النسر نسر في السماء محلق زها ببديع الوشي حسناً كأنما ... مدبج روض في نواحيه ملصق وكم جدول جار يطارد جدولاً ... وكم جوسق عال يوازيه جوسق وكم بركة فيه تضاحك بركة ... كم قسطل في الماء للماء يدفق وكم منزل يعشي العيون كأنما ... تألق فيه بارق يتألق وفي الربوة الشماء للقلب جاذب ... وللسمع إصمات وللعين مرمق فهام بها الوادي ففاضت عيونه ... فكل قرار منه بالدمع يملق تكفل من دون الجداول شربها ... يزيد يصفيه لها ويصفق إذا أشرف الولدان من شرفاتها ... رأيت بدوراً في بروج تألق وفي بردى معنى يشوق ومنظر ... يروق ومأوى للسرور ومطرق إذا أنت من أعلاه أشرفت ناظراً ... تجيل عنان الطرف فيه وتطلق رأيت به بحراً من الدوح مزبداً ... وغدرانه حيتانه منه ترمق تميل مع الأفنان فيه كأنها ... نشاوى وما دار الرحيق المعتق وتعطف أعطاف الغصون حمامة ... إذا ما تغنت والغدير يصفق وتجمع فيه كل حسن مفرق ... وشمل الأسى عن حاضريه مفرق كأن رياض الغوطتين جنوده ... يقسم فيها جوده ويفرق وبالمزة الفيحاء دام نعيمها ... جنان تأنى أهلها وتأنقوا حدائقها من ريها ذات بهجة ... بها الراح والريحان والورد محدق وفي كنفي سطرى ومقرى معالم ... تعلم أسباب الهوى كيف تعلق

عليلة أنفاس النسيم رياضها ... كأن سراها فأر مسك مفتق إذا ما تغنت في ذرى الدوح ورقها ... غدا كل عود منه كالعود يخفق وإن جمشت أنهارها نسمة الصبا ... تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق جنيت بها ما شئت من ثمر المنى ... وغازلني فيها الغزال المقرطق وفي بيت أبيات (1) مصايد للنهى ... خيول الهوى واللهو فيهن سبق فكم من كئيب نال فيها ترفقاً ... بمن كان لا يحنو ولا يترفق وكم من خلي لازم طوقه الهوى ... ينوح كما ناح الحمام المطوق وفي ساحة الميدان أثواب سندس ... لها بهجة تجلو العيون ورونق كأن شعاع الشمس في كل وجهة ... يفر إذا الغزلان فيه تفرقوا من الترك لا عانيهم يبلغ المنى ... ولا هو منون عليه فيعتق عيونهم المرضى ومرضى عهودهم ... تؤكد أسباب الهوى وتوثق أكفهم ترمي ولا دم طائح ... وألحاظهم تصمي القلوب وترشق إذا أرسلوا سود الذوائب خلتها ... محاسنها من جنة الخلد تسرق تؤلف شمل الماء بعد شتاته ... وتجمع شمل الأنس وهو مفرق ومن جسر جسرين إلى تل راهط ... ظلال عنان الأنس فيهن مطلق فكم من غياض في رياض وجنة ... بها كوثر من مائها يتدفق حدائقها لا ظلها قالص ولا ... مجال خيول اللهو فيهن ضيق رعى الله من ودعت والوجد قابض ... عنان لساني والمدامع تنطق وفارقتهم لا عن ملال ولا رضى ... وغربت عنهم غير قال وشرقوا لئن حالت الأيام دون لقائهم ... فما حال لي العهد ولا انحل موثق أجيراننا بالغوطتين عليكم ... سلام مشوق قد براه التشوق

_ (1) لعل الصواب: بيت أبيار (أو بيت آبار) .

له كل يوم ثوب وجد مجدد ... وصبر كما شاءت نواكم ممزق أعاتب دهراً صرفه غير معتب ... أصرف فيه كنز عمري وأنفق نأت بي ولم تسمع خطابي خطوبه ... فدام زفيري والحنين المؤرق وبدلت عن تلك الظلال وطيبها ... منازل صافي العيش منها مرنق أظل نجي الشوق لا نار لوعتي ... تبوح ولا شمل الأسى يتفرق وكم ليلة شاب الفؤاد بطولها ... وما شاب للظلماء فود ومفرق وإن غيبتني غشية توهم الكرى ... يواصل طيف الهم فيها ويطرق ويمزج ماء النيل عند وروده ... بدمعي أشواق إليكم فأشرق فيا ليت شعري هل تلوح لمقلتي ... منازل ظني باللقاء محقق وهل شائم برق الثنية ناظري ... على القرب يخفى تارة ثم يخفق وهل بارد من ماء باناس مبرد ... لظى كبد حرى لها الشوق محرق وهل زمني بالصالحية عائد ... يبلغني أقصى المنى ويحقق وهل يجمعني والأحبة موقف ... لنشكو جميعاً ما لقيت وما لقوا وهل لي إلى باب البريد وقد نأى ... بريد به فيما يبلغ موثق دمشق أذاقتني الليالي فراقها ... وقد كنت أخشى منه قدماً وأفرق هي الغرض الأقصى ورؤيتها المنى ... وسكانها ودي لهم متوثق ولو لم تكن ذات العماد لما غدت ... وليس لها مثل على الأرض يخلق حنيني إليها ما حييت مرجع ... وقلبي أسير الشوق والدمع مطلق عليها تحياتي غواد روائح ... بها الريح تجري والركائب تخفق لجامعها المعمور بالذكر بهجة ... ومرأى يسر الناظرين ورونق محاسنه بكر الزمان فصرفه ... علينا مدى الأيام حان ومشفق به زجل التسبيح عال بهيجه ... حنين إلى ذاك الحمى وتشوق وللعلم فيه والعبادة معلم ... جديد على أمر الجديدين مونق وفيه لأرباب التلاوة لذة ... إذا أخذوا في شأنهم وتحلقوا

كأن مجاج النحل في لهواتهم ... إذا رجعوا الأصوات فيها وأطلقوا وكم فيه من مثوى نبي ومشهد ... بنسبته يسمو محلاً ويسمق وكم قائم لله فيه تهجداً ... بدعوته نكفى المخوف ونرزق مصابيحه تجلو الظلام كأنها ... مصابيح في جو السماء تألق وقبته مأوى الهلال وبرجه ... وفي كل أفق منه للحسن مشرق وقد جاوز الجوزاء فيه مآذن ... بأكنافها نور الجلالة محدق فواحدها منه الهلال سوارة ... وأخرى لها الجوزاء قرط معلق وأخرى ترى الإكليل في غسق الدجى ... يزان بها منها جبين ومفرق إذا ما بدا قوس السحاب لناظر ... فمنها له في الجو سهم مفوق وقد نازع النسر العنان كأنه ... إلى أخويه نازع متشوق أحاطت به الأمواه من كل جانب ... وأمثالها في أرضه تتخرق فمن بركة فيحاء يدعج ماؤها ... ومن جدول ريان كالسهم يمرق وفوارة يحكي سبيكة فضة ... تلألؤها أو بارقاً يتألق فإن تنجز الأيام وعداً بقربها ... فإني موفى الحظ منها موفق وإن أرض طوعاً أرض مصر وحرها ... بديلاً فإني فائل الرأي أخرق سقاها فروى كل منفصم العرى ... من الدلو دان مرعد السحب مبرق إذا أثقلت حملاً رواعد مزنه ... حسبت عشار النوق للرعد تطلق وإن شهرت سيفاً من البرق كفها ... رأيت بخديه دم المحل يرهق على أنه أضحى الكفيل بريها ... وإن ضن غيثاً ماؤها المتدفق وكان قد وعده الشيخ شهاب الدين محمود وفخر الدين ابن الجنان فأخلفا، فكتب إلى الشيخ شهاب الدين محمود: مواعد الفخر والشهاب ... أكذب من لامع السراب أحسنت بالسيدين ظناً ... فكان نقباً على خراب

كم أخلفاني فخلفاني ... إذ كنت غراً على التراب بما تكلفت من أمور ... ما كن من عادتي ودابي خرجت فيهن من قشوري ... فأفقراني من اللباب راغا وزاغا وليس هذا ال خداع من شيمة الصحاب لو أنصفاني بفرط شوقي ... لوافياني بلا طلاب أو عدلاً في الوداد عادا ... بعد عدول إلى الصواب هل أمن الصعب من ملامي ... والمؤلم المر من عقابيي فأجابه شهاب الدين: أبارق لاح في صباح ... أم نظم الدر في سخاب أم أسطر فر جيش همي ... حين تسارعن في طلابي لم ير من قبلها محب ... كتائباً سرن في كتاب أرسلها سيد نداه ... يهزأ بالزاخر العباب إلى غريبين لو يزالا ... لها مدى الدهر في ارتقاب لم يخلفا الوعد بل أقاما ... ليأخذ الجوع في التهاب ويستطيلا بكل ناب ... كالصارم العضب غير نابي ويصبح الفخر وهو جاث ... ينقض للأكل كالشهاب فلما زاره كتب إلى الأمير ناصر الدين الحراني متولي حرب دمشق: تفضل فخر الدين مثل شهابه ... وزارا محل العبد وامتثلا الأمرا وجاءا بجمع ضامرين من الطوى ... فما تركوا عندي لباباً ولا قشرا فأوسعتهم بالرغم مني كرامة ... وإن كنت بالتحقيق ضقت بهم صدرا وقالوا جميعاً يخلف الله قلت إن ... تقبل منكم كان في السنة الأخرى وقال أيضاً (1) :

_ (1) وردت هذه القصيدة في الزركشي.

قطب الدين القسطلاني

أدار عقيقاً في إناء من الدر ... فعاينت شمس الراح في راحة البدر وأبدت سماء الكأس زهر نجومها ... فيا حسن يوم حف بالأنجم الزهر غدت كعبة الأفراح إذ طاف ناحراً ... بها لهم مصقول الترائب والنحر غزال له من أخته البعد والسنا ... وليس لها در القلائد والثغر أغارت على أسرار أرواح شربها ... وأنقذت الأفراح من قبضة الأسر غرير من الأتراك زنجي خاله ... كقلبي مقيم من هواه على جمر إذا ازور سخطاً أو تلفت راضياً ... أمات وأحيا بالقطوب وبالبشر وإن سل سيف اللحظ أو هز عطفه ... فيا خجلة البيض القواضب والسمر تمتع بأيام الصبا واغد جامعاً ... لشمل صبا الأيام باللذة بالبكر فما العيش إلا وصل كأس بأختها ... وجارية تسقي وساقية تجري وداو بحسن الظن بالله كل ما ... جنيت فعفو الله يجلو دجى الوزر 433 (1) قطب الدين القسطلاني محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن ميمون، الإمام الزاهد قطب الدين القسطلاني التوزري الأصل المصري ثم المكي، ابن الشيخ الزاهد أبي العباس؛ ولد " بمصر " (2) سنة أربع عشرة وستمائة، ونشأ بمكة (3) ، وسمع من ابن البناء والسهروردي وابن الزبيدي وجماعة، وقرأ

_ (1) الوافي 2: 132 والزركشي: 268 والبدر السافر: 73 والشذرات 5: 397 والنجوم الزاهرة 7: 373 وطبقات السبكي 5: 18 والمغرب (قسم مصر) 1: 269 وحسن المحاضرة 1: 419 وتاريخ علماء بغداد: 173 والأسنوي 2: 326. (2) زيادة ضرورية من الوافي. (3) في المطبوعة: ونشأ بها.

العلم ودرس وأفتى ورحل في طلب الحديث؛ وسمع ببغداد ومصر والشام والموصل، وكان شيخاً عالماً زاهداً عابداً كريم النفس كثير الإيثار حسن الأخلاق قليل المثال؛ طلب من مكة إلى القاهرة وولي مشيخة دار الحديث بالدار الكاملية إلى أن مات، وله شعر مليح. وروى عنه الدمياطي والمزي والبرزالي وخلق كثير. وكان يتوجه إلى أبي الهول الذي عند أهرام مصر، وهو رأس الصنم الذي هناك، ويعلو رأسه ويضربه باللالكة، ويقول: يا أبا الهول، افعل كذا، افعل كذا، لأن جماعة من أهل مصر يزعمون أن الشمس إذا كانت في الحمل وتوجه أحدهم إلى أبي الهول، وبخر بشكاعى وباذاورد، ووقف عليه وقال ثلاثاً وثلاثين (1) مرة كلمات يحفظونها، وقال معها: يا أبا الهول افعل كذا، فزعموا أن ذلك يتفق وقوعه، وكان الشيخ قطب الدين يفعل ذلك إهانة لأبي الهول وعكساً لذلك المقصد الفاسد؛ لأن تلك الكلمات ربما تكون تعظيماً له ضرورة. وتوفي الشيخ قطب الدين سنة ستمائة وست وثمانين؛ ومن شعره: إذا كان أنسي في التزامي لخلوتي ... وقلبي عن كل البرية خالي فما ضرني من كان في الدهر قالياً (2) ... وما سرني من كان في موالي وقال أيضاً: ألا هل لهجر العامرية إقصار ... فتقضى من الوجد المبرح أوطار عسى ما مضى من خفض (3) عيشي في الحمى ... يعود ولي فيه نجوم وأقمار عدمت فؤادي إن تعلقت غيرها ... وإن زين السلوان لي فهو غدار

_ (1) الوافي: ثلاثاً وستين. (2) البدر السافر: من كان لي الدهر جافياً. (3) المطبوعة: طيب؛ وأثبت ما في الزركشي والوافي.

ولي من دواعي الشوق في السخط والرضى ... على الوصل والهجران ناه وأمار أأسلو وفي الأحشاء من لاعج الجوى ... لهيب أسأل الروح فالصبر منهار وقال أيضاً: لما رأيتك مشرقاً في ذاتي ... بدلت من حالي ذميم صفاتي وتوجهت أسرار فكري سجداً ... لجميل ما واجهت من لحظاتي وتلوت من آيات حسنك سورة ... وسارت محاسنها لجمع (1) شتاتي وبلوت أحوالي فخلت معبراً ... في الصحو عن سكري بصدق ثباتي وتحولت أحوال سري في العلا ... فعلت على (2) محو وعن إثبات وتوحدت صفتي فرحت مروحاً ... نظراً لما أشهدت من آيات لا أشتهي أن أشتهي متنزهاً (3) ... بل أنتهي عن غفلة الشهوات أنا إن ظهرت فعن ظهور بواطن ... شهدت بنطق كان من سكتاتي من كان يجهل ما أقول عذرته ... فالشمس تخفى في دجى الظلمات فدع المعنف والعذول وقل له ... الحق أبلج فاستمع كلماتي لا تيأسن بذاهب من حاضر ... أو غائب يدعو إلى الغفلات لا تنظرن لغير ذاتك واسترح ... عن كل ما في الكون من طلبات نزه مصادر وردها عن كل ما ... يلقي بها في ظلمة الشبهات

_ (1) الوافي: بجمع. (2) هذا ما في الوافي والزركشي؛ وفي المطبوعة: إذ غبت عن. (3) المطبوعة: مستنزهاً.

قاضي القضاة الخويي

434 - (1) قاضي القضاة الخويي محمد بن أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر، قاضي القضاة ذو الفنون شهاب الدين ابن قاضي القضاة شمس الدين الخويي (2) الشافعي، قاضي دمشق وابن قاضيها؛ ولد في سنة ست وعشرين وستمائة ونشأ بدمشق، وقد اشتغل في صغره، ومات والده وله إحدى عشرة سنة فبقي منقطعاً بالعادلية، ثم أدمن الدرس والسهر والتكرار مدة بالمدرسة، وحفظ عدة كتب وعرضها، وتميز على أقرانه، وسمع في صغره من ابن اللتي، وابن المقير والسخاوي وابن الصلاح، وأجاز له خلق من أصبهان وبغداد ومصر والشام، ولازم الاشتغال في كبره. وصنف كتاباً كبيراً يحتوي على عشرين علماً، وشرح " الفصول " لابن معطي، ونظم " علوم الحديث " لابن الصلاح و " الفصيح " لثعلب، و " كفاية المتحفظ "، وشرح من أول " الملخص " للقابسي خمسة عشر حديثاً في مجلد. قال الشيخ شمس الدين: ثم انجفل إلى القاهرة فولي قضاء القاهرة والوجه البحري خاصة، اقتطع له من ولاية الوجيه البهنسي، وأقام البهنسي على قضاء مصر والوجه القبلي؛ ولما مات القاضي بهاء الدين ابن الزكي بدمشق نقل الخويي

_ (1) الوافي 2: 137 والبدر السافر: 76 والزركشي: 269 والأنس الجليل 2: 466 والبداية والنهاية 13: 327 والدارس 1: 237 وبغية الوعاة: 10 والشذرات 5: 423 والعبر 5: 379 وحسن المحاضرة 1: 543 والاسنوي: 501. (2) توفي شمس الخويي سنة 637 (انظر ابن خلكان 4: 258) وابن العدجيم 1: 80 وابن قاضي شهبة: 168 وابن الشعار 1: 297 والسبكي 5: 8 والذيل على الروضتين: 167 والاسنوي 1: 500 وذكر محقق الأسنوي عدداً من مصادر الترجمة.

الشيخ محمد ابن تمام

إليها. وسمع منه المزي والبرزالي والنابلسي والختني وعلاء الدين المقدسي. وتوفي في بستان صيف فيه بالسهم يوم الخميس خامس عشرين (1) رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وصلي عليه بالجامع المظفري ودفن عند والده بتربته بالجبل. كان يعرف من العلوم التفسير والأصولين والفقه والنحو والخلاف والمعاني والبيان والحساب والفرائض. ومن شعره رحمه الله تعالى: بخفي لطفك كل سوء أتقي ... فامنن بإرشادي إليه ووفق أحسنت في الماضي وإني واثق ... بك أن تجود علي فيما قد بقي أنت الذي أرجو فما لي والورى (2) ... إن الذي يرجو سواك هو الشقي وقال أيضاً: أما سواك فبابه لا أطرق ... حسبي كريم جوده متدفق ما إن يخافك بظل بابك واقف ... ظمأ وبحر نداك طام مغدق بحبال جودك لا يزال تعلقي ... ما خاب يوماً من بها يتعلق بشرى لمن أضحى رجاؤك كنزه ... وله الوثوق بأنه لا يملق 435 (3) الشيخ محمد ابن تمام محمد بن أحمد بن تمام الصالحي الحنبلي الخياط؛ هو الشيخ البركة أخو الشيخ تقي الدين ابن تمام، ولد بطريق الحج سنة إحدى وخمسين وستمائة،

_ (1) المطبوعة: خامس عشر؛ وأثبت ما في الوافي والبدر السافر. (2) المطبوعة: في الورى. (3) الوافي 2: 152 والدرر الكامنة 3: 400 وذيل العبر: 220 وذيل ابن رجب 2: 433 والبداية والنهاية 14: 189.

الحافظ شمس الدين الذهبي

وسمع سنة ست وخمسين من عمره بن عوة التاجر وتمام السروري (1) وابن عبد الدايم وعبد الوهاب بن محمد، وسمع منه خلق كثير. واشتهر بالصلاح والتواضع، وقد طال عمره، وكان يرتزق من خياطة الخام ومما يفتح عليه، ويطعم ويؤثر. وكان مليح الوجه بساماً لين الكلمة أماراً بالمعروف، له وقع في القلوب ومحبة في الصدور، نشأ في تصون وعفاف وقناعة، وتفقه قليلاً وصحب الأخيار مثل الشيخ شمس الدين ابن الكمال، ورافق ابن مسلم والشيخ علي بن نفيس. وكان الأمير سيف الدين تنكز يكرمه ويزوره، ويذهب هو إليه ويشفع عنده، وتمتع بحواسه وأبطأ مشيبه. وتوفي ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى أربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 436 - (2) الحافظ شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي، حافظ لا يجارى، ولافظ (3) لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأبان الإبهام في تواريخهم والإلباس، جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف، وقف الشيخ كمال الدين ابن

_ (1) المطبوعة: السروري. (2) الوافي 2: 163 والزركشي: 270 والدرر الكامنة 3: 426 وطبقات السبكي 5: 216 وذيول تذكرة الحفاظ: 34 والشذرات 6: 153 والبداية والنهاية 14: 225 والنجوم الزاهرة 10: 182 وتاريخ ابن الوردي 2: 349 وذيل العبر: 268 والدارس 1: 78 وغاية النهاية 2: 71. (3) المطبوعة: ولاحظ.

الزملكاني رحمه الله تعالى على تاريخه الكبير المسمى بتاريخ الإسلام جزءاً بعد جزء إلى أن أنهاه مطالعة، هذا كتاب علم (1) . ومن تصانيفه: كتاب " تاريخ الإسلام " عشرين مجلداً، وكتاب " تاريخ النبلاء " عشرين مجلداً، و " الدول الإسلامية " و " طبقات القراء " و " طبقات الحفاظ " مجلدان، و " ميزان الاعتدال " ثلاث مجلدات و " المشتبه في الأسماء والأنساب " مجلد. " نبأ الدجال " مجلد. " تذهيب التهذيب " اختصار تهذيب الكمال ثلاث مجلدات. " اختصار كتاب الأطراف " مجلدان. " الكاشف ". اختصار " التذهيب " مجلد. " اختصار سنن البيهقي " خمس مجلدات. " تنقيح أحاديث التعليق " لابن الجوزي. " المستحلى اختصار المحلى ". " المقتنى في الكنى ". " المغني في الضعفاء ". " العبر في خبر من غبر " مجلدان. " أختصار المستدرك للحاكم " مجلدان. " اختصار تاريخ ابن عساكر " عشر مجلدات. " اختصار تاريخ الخطيب " مجلدان. " اختصار تاريخ نيسابور " مجلد. " الكبائر " جزآن. " تحريم الإدبار " جزآن. " أخبار السد ". " أحاديث مختصر ابن الحاجب ". " توقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق " مجلد. " نعم السمر في سيرة عمر " مجلد. " التبيان في مناقب عثمان " مجلد. " فتح المطالب في أخبار علي بن أبي طالب " مجلد. " معجم أشياخه " وهم ألف وثلاثمائة شيخ. " اختصار كتاب الجهاد لابن عساكر " مجلد. " ما بعد الموت " مجلد. " اختصار كتاب القدر للبهيقي " ثلاثة أجزاء. " هالة البدر في عدد أهل البدر ". " اختصار تقويم البلدان " لصاحب حماة. " نفض الجعبة في أخبار شعبة ". " قض نهارك بأخبار ابن المبارك ". " أخبار أبي مسلم الخراساني ". وله في تراجم الأعيان لكل واحد منهم مصنف قائم الذات، مثل الأئمة الأربعة، ومن يجري مجراهم، لكنه أدخل الكل " في تاريخ النبلاء " (2) .

_ (1) المطبوعة: كتاب جليل. (2) المطبوعة: تاريخ العلماء والنبلاء.

المنتصر بالله

وكان مولده في ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وتوفي في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. ومن شعره: إذا قرأ الحديث علي شخص ... وأخلى موضعاً لوفاة مثلي فمات جازى بإحسان لأني ... " أريد حياته ويريد قتلي " وله أيضاً: لو أن سفيان على حفظه ... في بعض همي نسي الماضي نفسي وعرسي ثم ضرسي سعوا ... في غربتي والشيخ والقاضي وقال أيضاً: العلم قال الله قال رسوله ... إن صح والإجماع فاجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين الرسول وبين رأي فقيه 437 (2) المنتصر بالله محمد بن جعفر أمير المؤمنين المنتصر " بالله " (3) ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور؛ كان أعين أقنى أسمر مليح الوجه جسيماً

_ (2) الوافي: 289 والزركشي: 270 وتاريخ بغداد 2: 119 ومعجم الشعراء: 400 والأغاني 9: 293 والروحي: 55 والفخري: 217 وتاريخ الخلفاء: 385 وخلاصة الذهب المسبوك: 227 وانظر المصادر التاريخية الكبرى: الطبري وابن الأثير واليعقوبي والمسعودي ... الخ. (3) زيادة من الوافي.

مهيباً، وكان وافر العقل راغباً في الخير قليل الظلم محسناً إلى العلويين. وكان يقول: يا بغا أين أبي؟ من قتل أبي؟ ويسب الأتراك ويقول: هؤلاء القتلة الخلفاء، فدسوا للطبيب ابن طيفور ثلاثين ألف دينار عند مرضه فأشار بفصده بريشة مسمومة فمات. ويقال إن ابن طيفور نسي وقال لغلامه: افصدني، ففصده بتلك الريشة فمات أيضاً. وقيل مات بالخوانيق، وقيل سم في كمثراة بإبرة، وقال عند موته: يا أماه، ذهبت مني الدنيا والآخرة، عاجلت أبي فعوجلت. ولم يتمتع بالخلافة لأنه ولي في شوال سنة سبع وأربعين ومائتين، ومات في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين، وعاش ستاً وعشرين سنة، وقال عند الموت: فما متعت نفسي بدنيا أصبتها ... ولكن إلى الرب الكريم أصير وما كان ما قدمته رأي فلتة ... ولكن بفتياها أشار مشير وقال أيضاً: متى ترفع الأيام من قد وضعته ... وينقاد لي دهر علي جموح أعلل نفسي بالرجاء وإنني ... لأغدو على من ساءني وأروح وله فيما نسب إليه من قتل أبيه: لو يعلم الناس نالني ... فليس لي عندهم عذر كان إلي الأمر في ظاهر ... وليس لي في باطن الأمر قال سبط ابن الجوزي في " المرآة ": كان المتوكل قد أراد أن ينقل العهد من ابنه المنتصر لابنه المعتز لمحبته لأمه، وسام المنتصر أن ينزل عن ولاية العهد فأبى، وكان يحضره ويتهدده بالقتل، فأحضره ليلة وشتمه شتماً قبيحاً وشتم أمه، فقام المنتصر وهو يقول: والله لو أنها جارية لبعض سواسك لمنعت من ذكرها ولوجب عليك صيانتها، فغضب المتوكل وقال للفتح بن

المعتز بالله

خاقان: وحق قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن لم تلطمه لأقتلنك، فقام الفتح ولطمه، وقال المتوكل: اشهدوا علي، إنني قد خلعته من الخلافة، فبقيت هذه الأشياء في قلبه، وعمل ما عمل مما هو مذكور في ترجمة المتوكل والله أعلم. 438 - (1) المعتز بالله محمد بن جعفر، أمير المؤمنين المعتز بالله ابن المتوكل ابن المعتصم؛ ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ولم يل الخلافة قبله أصغر منه، بويع له بالخلافة عند عزل المستعين بالله وهو ابن تسع عشرة سنة، وكانت خلافته ثلاث سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوماً، ومات عن أربع وعشرين سنة. وكان مستضعفاً مع الأتراك، اجتمع إليه الأتراك وقالوا له: أعطنا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصيف، وكان يخافه، فطلب من أمه مالاً لنفقة الأتراك فأبت، ولم يكن في بيوت الأموال شيء، فاجتمعوا هم وصالح واتفقوا على خلعه، وجروه برجله وضربوه بالدبابيس وأقاموه في الشمس في يوم صائف، فبقي يرفع قدماً ويضع أخرى وهم يلطمون وجهه ويقولون: اخلع نفسك، ثم أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب والشهود وخلعوه، ثم أحضروا محمد بن الواثق من سامرا فسلم عليه المعتز بالخلافة وبايعه، ولقبوه المهتدي، ثم إنهم أخذوا المعتز بعد خمسة أيام وأدخلوه الحمام وعطشوه،

_ (1) الوافي 2: 291 والزركشي: 271 والأغاني 9: 298 وتاريخ بغداد 2: 121 ومعجم الشعراء: 400 والديارات: 106 والروحي: 56 والفخري: 220 وتاريخ الخلفاء: 388 وخلاصة الذهب المسبوك: 230 والمصارد التاريخية الكبرى.

وطلب الماء فمنعوه من ذلك حتى أغمي عليه، فأخرجوه وسقوه ماء فشربه وسقط ميتاً. وقال سبط ابن الجوزي في المرآة: لما أوقفوه في الشمس طلب نعلاً فلم يعطوه، فأسبل سراويله على رجليه، وقيل أنهم نزعوا أصابع يديه ورجليه ثم خنقوه، وقيل أدخلوه سرداباً مجصصاً جديداً فاختنق، ولم يعذب خليفة بمثل ما عذب على صغر سنه؛ وتوفي يوم السبت لست خلون من رمضان (1) سنة خمس وخمسين ومائتين، ودفن إلى جانب أخيه المنتصر. وكان أبيض جميل الوجه، على خده الأيسر خال أسود، وصلى عليه المهتدي. وأمه رومية، وكان نقش خاتمه " المعتز بالله " وهو ثالث خليفة خلع من بني عباس، ورابع خليفة قتل منهم. قال البحتري: كنت صاحباً لأبي معشر المنجم، فتضايقنا مضايقة شديدة، فدخلنا على المعتز وهو محبوس قبل أن يلي الخلافة، فأنشدته أبياتاً كنت قلتها (2) : جعلت فداك الدهر ليس بمنفك ... من الحادث المشكو والنازل المشكي وما هذه الأيام إلا منازل ... فمن منزل رحب إلى منزل ضنك وقد هذبتك الحادثات وإنما ... صفا الذهب الإبريز قبلك ضنك أما في رسول الله يوسف أسوة ... لمثلك محبوساً على الظلم والإفك أقام جميل الصبر في السجن برهة ... فآل به الصبر الجميل إلى الملك فدفع الورقة إلى خادم على رأسه وقال: احتفظ بها فإن فرج الله تعالى ذكرني لأقضي حاجتهم، وكان أبو معشر قد أخذ له طالعاً لمولده فحكم له بالخلافة بمقتضى الطالع، فلما ولي الخلافة أعطى كل واحد منا ألف دينار، وأجرى له في كل شهر مائة دينار.

_ (1) الوافي: من شعبان، وقيل في اليوم الثاني من رمضان. (2) ديوان البحتري: 1567 وكان البحتري قد قال هذه الأبيات في أبي سعيد الثغري.

الراضي بالله

وقال الزبير بن بكار: دخلت على المعتز فقال لي: يا عبد الله، قد قلت أبياتاً في مرضي هذا، وقد أعيا علي إجازة بعضها، وأنشدني: إني عرفت علاج القلب من وجعي ... وما عرفت علاج الحب والهلع جزعت للحب والحمى صبرت لها ... فليس يشغلني عن حبكم وجعي " قال الزبير: فقلت " (1) : وما أمل ببيتي ليلتي أبداً ... مع الحبيب ويا ليت الحبيب معي 439 (2) الراضي بالله محمد بن جعفر بن أحمد، الراضي بالله أمير المؤمنين ابن المقتدر ابن المعتضد؛ كان سمحاً واسع النفس، أديباً شاعراً كريم الأخلاق، محباً للعلماء مجالس لهم، ختم الخلفاء في أمور عدة: منها أنه آخر خليفة له شعر مدون، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش والأموال، وآخر خليفة جالس الندماء، وآخر خليفة كانت عطاياه ونفقاته وجوائزه تجري على ترتيب الخلفاء الأول؛ وقع حريق في الكرخ فأطلق خمسين ألف دينار لعمارة ما احترق. قال الصولي: دخلت عليه وهو جالس على آجرة قبالة الصانع، وكنت أنا وجماعة من الجلساء، فأمر بالجلوس، فأخذ كل واحد منا آجرة وجلس عليها، واتفق أني قد أخذت أنا آجرتين ملتصقتين فجلست عليهما، فلما

_ (1) سقط هذا من المطبوعة. (2) الوافي 2: 297 والزركشي: 271 وتاريخ بغداد 2: 142 وكتاب أخبار الراضي والمتقي للصولي؛ ومعجم الشعراء: 430 والبداية والنهاية 11: 196 والروحي: 62 والفخري: 251 وتاريخ الخلفاء: 421 وخلاصة الذهب المسبوك: 252 والمصادر التاريخية الكبري.

قمنا أمر أن توزن كل آجرة ويدفع إلى صاحبها بوزنها دنانير، قال الصولي: فتضاعفت جائزتي عليهم. وقد حكي عنه أنواع من الكرم. ومن شعره وقد تكلم الناس في إنفاقه الأموال: لا نقد في (1) كرمي على الإسراف ... ربح المحامد متجر الأشراف أجري كآبائي الخلائف سابقاً ... وأشيد ما قد أسست أسلافي إني من القوم الذين أكفهم ... معتادة الإتلاف والإخلاف وقال أيضاً: يصفر وجهي إذا تأمله ... طرفي ويحمر وجهه خجلا حتى كأن الذي بوجنته ... من دم جسمي إليه قد نقلا وقال أيضاً: قد أفصحت بالوتر الأعجم ... وأفهمت من كان لم يفهم جارية تحسب (2) من لطفها ... مخاطباً ينطق لا من فم جست من العود مجاري الهوى ... جس الأطباء مجاري الدم وقال أيضاً عند موته: كل صفو إلى كدر ... كل أمر إلى حذر ومصير الشباب لل ... موت فيه أو الكبر أيها الآمل الذي ... تاه في لجة الغرر أين من كان قبلنا ... درس الشخص والأثر رب إني ادخرت عن ... دك أرجوه مدخر أنني مؤمن بما ... بين الوحي في السير قيل إنه مرض وتقيأ في يومين أربعة عشر رطل دم، وقيل إنه استسقى وأصابه

_ (1) الوافي: لا تعذلي. (2) الوافي: تحضن.

ابن حمدون صاحب التذكرة

ذرب عظيم، وكان عظم آفاته كثرة الجماع؛ توفي ببغداد منتصف ربيع الآخر سنة تسع (1) وعشرين وثلاثمائة، وهو ابن إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر، وكانت خلافته ستة سنين وعشرة أيام، ولم يوجد له حنوط لأن الخزائن ختمت عند موته، فاشتروا له حنوطاً من بعض العطارين، وحمل إلى الرصافة في طيار ودفن في تربة عظيمة له أنفق عليها أموال كثيرة. قال ابن الجوزي: درست الآن، ولم يبق لها عين ولا أثر. كان قصيراً أسمر نحيفاً في وجهه طول، رحمه الله تعالى عفا عنا وعنه. 440 - (2) ابن حمدون صاحب التذكرة محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون، أبو المعالي ابن أبي سعد، الكاتب المعدل كافي الكفاة بهاء الدين البغدادي؛ من بيت فضل ورياسة، وكان ذا معرفة بالأدب والكتابة، سمع وروى وصنف كتاب " التذكرة " في الأدب والنوادر والتواريخ، وهو كتاب كبير يدخل في اثني عشر مجلداً، اختص بالمستنجد يجتمع به وينادمه (3) ، وولاه ديوان الزمام، وكان أولاً عارض جيش المقتفي. وكان كريم الأخلاق حسن العشرة، وقف المستنجد على حكايات له رواها في " التذكرة " توهم غضاضة على الدولة، فأخذ من دست منصبه

_ (1) المطبوعة: سبع. (2) الوافي 2: 357 والزركشي: 271 والخريدة (قسم العراق) 1: 184 والمنتظم 10: 221 والنجوم الزاهرة 5: 374 والشذرات 4: 206 وليست هذه الترجمة من المستدرك على ابن خلكان فقد ترجم له (4: 380) . (3) الوافي: ويذكراه.

ابن الأردخل

وحبس، ولم يزل في سجنه إلى أن رمس؛ توفي محبوساً سنة اثنتين وستين وخمسمائة. ومن شعره: يا خفيف العقل والرأس معاً ... وثقيل الروح أيضاً والبدن تدعي أنك مثلي طيب ... طيب أنت ولكن بلبن (1) وقال أيضاً: وحاشا معاليك أن تستزاد ... وحاشا نوالك أن يقتضى ولكنما أستزيد الحظوظ ... وإن أمرتني النهى بالرضى 441 (2) ابن الأردخل محمد بن " أبي " الحسن بن يمن، أبو عبد الله الأنصاري الموصلي، المعروف بابن الأردخل الشاعر، نديم صاحب الموصل، ونديم صاحب ميافارقين؛ كان من الشعراء المجيدين، مدح الأشرف موسى وغيره، والأردخل هو المجيد في البناء (3) توفي سنة ثمان وعشرين (4) وستمائة.

_ (1) علق الصفدي على ذلك بقوله: يريد أنه قرع. (2) الوافي 2: 358 والزركشي: 271 وابن خلكان 5: 236 ووقع في بعض نسخ ابن خلكان ((محمد بن ابي الحسين)) ؛ وفي الزركشي: محمد بن الحسن. (3) هكذا قال الصفدي أيضاً والزركشي، والكلمة سريانية بفتح الهمزة، وتعني ((البناء الحاذق)) ، وذكر صاحب التاج لها معنى آخر، وحقق ذلك مؤلف الأعلام (6: 316) فانظره. (4) عند الزركشي والمطبوعة: وخمسين؛ وهو خطأ، وقول ابن خلكان هو المعتمد هنا، وقد وافقه الصفدي في ذلك.

ومن شعره رحمه الله: ولقد رأيت على الأراك حمامة ... تبكي فتسعدني على أحزاني تبكي على غصن وأندب قامة ... فجميعنا يبكي على الأغصان صرع الزمان وحيدها فتعللت ... من بعده بالنوح والأحزان تخشى من الأوتار وهي مروعة ... منها فلم غنت على العيدان وقال أيضاً: أير أنام الليل وهو يقوم ... حامي الإهاب كأنه محموم مغرى بحرف الجر إلا أنه ... ما زال مفتوحاً به المضموم وله أيضاً: أفي كل يوم لي من الدهر صاحب ... جديد ولي حاد إلى بلد يحدو أروح وأغدو للغنى غير مدرك ... ويدركه من لا يروح ولا يغدو وقال أيضاً: وذكرها ماء بدحلة لائم ... فلم تتمالك أن جرت عبراتها فلله عين ما عتبت دموعها ... صمتن وإقرار الجواري صماتها وله أيضاً: ما على من وصاله الصبح لو قص ... ر من ليل هجره ما أطاله ألفي القوام عني أمالو ... هـ فقلبي مكسور تلك الإمالة وقال: واهاً على عيش مضت سنواته ... فكأنما كانت هي الساعات والراح ترجم كل هم طالع ... بكواكب أفلاكها الراحات قابلت بالساقي السماء فأطلعت ... بدراً علي كأنها مرآة الخضر عارضه وواضح ثغره ... عين الحياة وصدغه الظلمات

الشمس الصايغ

وله أيضاً: يا قريباً عصيت فيه التنائي ... وعزيزاً أطعت فيه الهوانا أخذت وصف قدك الورق عني ... فأحبت لحبه (1) الأغصانا 442 (2) الشمس الصايغ محمد بن الحسن بن سباع، شمس الدين الصايغ العروضي؛ أقام بالصاغة زماناً يقرئ الناس العربية والعروض والأدب، وكان يألف بقطب الدين ابن شيخ السلامية، ورأيته " غير " مرة. توفي سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة تقريباً، وكان له نظم ونثر، وشرح " ملحة الإعراب " وشرح الدريدية في مجلدين كبيرين، رأيته بخطه، وديوانه مجلدين كبيرين، واختصر " صحاح " الجوهري وجرده من الشواهد، وله قصيدة تائية على وزن الهيتية التي لشيطان العراق (3) وتزيد على ألفي (4) بيت، وله المقامة الشهابية عملها للقاضي شهاب الدين الخويي. ومن نظمه: إن جزت بالموكب يوماً فلا ... تسأل عن السيارة الكنس فثم آرام على ضمر ... لله ما تفعل بالأنفس فقل لذي الهيئة يا ذا الذي ... ينقل ما ينقل عن هرمس

_ (1) المطبوعة: فأمالت بلحنها. (2) الوافي 2: 361 والزركشي: 272 والدرر الكامنة 4: 40 وبغية الوعاة: 34. (3) المطبوعة: التائية التي لسلطان العارفين. (4) الوافي: الألف؛ وما هنا موافق للزركشي.

قولك هذا خطل (1) باطل ... أما ترى الأقمار في الأطلس أخذ هذا المعنى من سيف الدين المشد ونقضه فإنه قال: زعم الأوائل أنما ... تبدو الذوائب للكواكب وتوهموا الفلك المعظ م أطلساً ما فيه ثاقب أتراهم لم ينظروا ... ما في الزمان من العجائب كم من هلال قد بدا ... في أطلس وله ذوائب وقال وهو بمصر يتشوق إلى دمشق: لي نحو ربعك دائماً يا جلق ... شوق أكاد به جوى أتمزق وهمول دمع من جوى بأضالع ... ذا مغرق عيني وهذا محرق أشتاق منك منازلاً لم أنسها ... أنى وقلبي في ربوعك موئق طلل به خلقي تكون أولاً ... وبه عرفت بكل ما أتخلق وقف عليه لدى التأسف والبكا ... قلبي الأسير ودمع عيني المطلق أدمشق لا بعدت ديارك عن فتى ... أبداً إليك بكله يتشوق أنفقت في ناديك أيام الصبا ... حباً وذاك أعز شيء ينفق ورحلت عنك ولي إليك تلفت ... ولكل جمع صدعة وتفرق فاعتضت عن أنسي بظلك وحشة ... منها وهي جلدي وشاب المفرق فلبست ثوب الشيب وهو مشهر ... وخلعت (2) ثوب الشرخ وهو معتق ولكم أسكن عنك قلباً طامعاً ... بوعود قربك وهو شوقاً يخفق ولكم أحدث عنك من لاقيته ... وجميع من سمع الحديث يصدق والأرض في عرض وطول دائماً ... لم يحو مثلك غربها والمشرق لله وادي النيربين (3) وظله ... لا الرقمتان ورامة والأبرق

_ (1) المطبوعة: خطأ. (2) الوافي: ونزعت. (3) المطبوعة: النيرين؛ وهو خطأ.

وسقى ديار الصالحية وابل ... يهمي على تلك المنازل مغدق والسهم لا افترت ثغور أقاحه ... إلا ودمع سحابه يترقرق كم فيه من قصر منيف مشرف ... يبدو به قمر منير مشرق وببيت لهيا لا تعداه الحيا ... طلل عليه من النضارة رونق هو منزل آثاره مشهورة ... ولأهله عهد علي وموثق وحباك يا أطلال جوبر (1) واصلاً ... غيث مريع مستهل مشفق لله سرحه ذلك الربع الذي ... قلبي يهيم به وذاك الجوسق (2) والوادي الشرقي لا برحت به ... ديم تسح ووبلها يتدفق فغياضه ورياضه كعيونه ... هذا يعوم به وهذا يغرق ولكم قطعت به زماناً لم أزل ... أشتاقه ما دمت حياً أرزق في سكر زبدين إلى جسرين كم ... حيا الحيا حياً عليه رونق بالواديين (3) كلاهما الغربي والشر ... قي نزهة من برفق يرمق أنى اتجهت رأيت دوحاً ماؤه ... متسلسل يعلو عليه جوسق والقصر والشرفات والشقراء وال ... ميدان عشقاً للذي لا يعشق فلكم حوت تلك المنازل صورة ... فيها الجمال مجمع ومفرق فمخضب ومؤزر ومعمم ... ومزنر ومبرقع ومقرطق كم من غزال بالنفوس متوج ... وقضيب بان بالعيون ممنطق والريح تكتب والجداول أسطر (4) ... خط له نسخ الربيع (5) محقق والطير يقرأ والنسيم مردد ... والغصن يرقص والغدير يصفق (6)

_ (1) المطبوعة: حوبر؛ وهو خطأ أيضاً. (2) المطبوعة: الجولق؛ والتصويب عن الزركشي. (3) المطبوعة: فالواديان، والتصويب عن الزركشي. (4) الوافي: في الجداول أسطراً. (5) الوافي: النسيم. (6) المطبوعة: مصفق، وأثبت ما عند الزركشي والوافي.

ومعاطف الأغصان غنتها (1) الصبا ... طرباً فذا عار وهذا مورق وكأن زهر اللوز أحداق إلى ال ... زوار من خلل الغصون تحدق وكأن أشجار الرياض سرادق ... في ظلها من كل لون نمرق والورد بالألوان يجلو منظراً ... ونسيمه عطر كمسك يعبق فبلابل منها تهيج بلابلاً ... وكذاك (2) أثواب الشقيق تشقق وهزاره يصبو إلى شحروره ... ويجاوب القمري فيه مطوق وكأنما في كل عود صادح ... عود حلا مزمومه والمطلق والورق في الأوراق يشبه شجوها ... شجوي وأين الخلي (3) الموثق تتلو على الأغصان أخبار الهوى ... فيكاد ساكن كل شيء ينطق يا سائراً والريح تعثر دونه ... والبرق يبسم إذ به يتألق إن جزت من وادي دمشق منازلاً ... لي نحوها حتى الممات تشوق بالجبهة الغراء والوجه (4) الذي ... يزهو (5) به القصر المنيف الأبلق ورأيت ذلك الجامع الفرد الذي ... في الأرض طراً مثله لا يخلق قل للفتى عبد الرحيم (6) فإنني ... أبداً بحسن وداده أتحقق إن كنتم عرضتم بتشوق ... وحياتكم إني إليكم أشوق أشتاقكم من أرض مصر وبيننا ... بيد تخب لها المطي وتعنق قفر يحار به (7) الدليل ودونه ... رمل تكاد به المطايا تغرق لم أستطع فيه المسير كأنه ... لتوقد الرمضاء نار تحرق

_ (1) المطبوعة: أثنتها. (2) الوافي: بلابل ولذاك. (3) الوافي: الطليق. (4) الزركشي: والنهر؛ ولم يرد هذا البيت وسائر الأبيات حتى آخر القصيدة في الوافي. (5) الزركشي: يزهي. (6) هو الشيخ كمال الدين عبد الرحيم. (7) المطبوعة: بها.

شمس الدين ابن دانيال الحكيم

فارقتكم لا عن رضى فلبعدكم ... عني علي الرحب ضنك ضيق وقنعت حتى صرت أرجو منكم ... من بعد ذاك القرب طيفاً يطرق ولقد عطفت على الزمان معاتباً ... فرأيت كفي عنه صبراً أليق يمضي النهار وفيه قلبي مفكر ... والليل طرفي بالبعاد مؤرق فعليكم مني التحية ما بدا ... صبح به وجه الغزالة مشوق 443 (1) شمس الدين ابن دانيال الحكيم محمد بن دانيال بن يوسف الموصلي الحكيم الفاضل الأديب، شمس الدين صاحب النظم الحلو والنثر العذب والطباع الداخلة والنكت الغريبة والنوادر العجيبة؛ قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: هو ابن حجاج عصره، وابن سكرة مصره، وضع كتاب " طيف الخيال " فأبدع طريقه، وأغرب فيه فكان هو المطرب والمرقص على الحقيقة؛ أخبرني الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس قال: كان الحكيم شمس الدين ابن دانيال له دكان كحل داخل باب الفتوح، فاجتزت عليه أنا وجماعة من أصحابه، فرأينا عليه زحمة ممن يكحله، فقالوا: تعالوا نخايل على الحكيم، فقلت لهم: لا تشاكلوه تخسروا (2) معه، فلم يسمعوا وقالوا: يا حكيم تحتاج إلى عصيات؟ يعنون أن هؤلاء الذين يكحلهم يعمون ويحتاجون إلى العصا، فقال بسرعة: لا، إلا إن كان فيكم من يقود لله تعالى، فمروا خجلين؛ وله من هذا النوع غرائب

_ (1) الوافي 3: 51 والزركشي: 273 والبدر السافر: 92 والنجوم الزاهرة 9: 215 والجواهر المضية 1: 55 والدرر الكامنة 4: 54 (وذكر أن وفاته سنة 710) . (2) المطبوعة: تخروا.

ينقلها المصريون عنه. وكانت وفاته بالديار المصرية في شهور سنة عشر وسبعمائة (1) فمن نظمه، قال لغزاً في سرموزة: وجارية هيفاء ممشوقة القد ... لها وجنة أبهى احمراراً من الورد من اليمنيات التي حر وجهها ... يفوق صقالاً صفحة الصارم الهندي وثيقة حبل الوصل منذ صحبتها ... فلست أراه قط منتقض العهد وفي وصلها أمسى الشقاء ميسراً ... وجاوز في تيسيره غاية الجهد ولم أر وجهاً قبلها كل ساعة ... على الترب ألقاها معفرة الخد ومن عجبي أني إذا ما وطئتها ... تئن أنيناً دونه أنة الوجد مباركة عندي ولا برحت إذاً ... مدورة الكعبين شؤماً على ضد وقال أيضاً: قلت لمولاي السني ... المحسن المستحسن من قال إنك ما تنا ... فإن عبدك ما يني وقال أيضاً: ولرب ليل بالخليج قطعته ... إذ بت منه ساهراً بالشاطي أمسى الضياء منادمي وحشاه لي (2) ... محشوه بغرائب الأخلاط ولشقوتي بتنا معاً في مضجع ... مترديين على الثرى ببساط عصفت علي رياحه فوجدتها ... أقوى هبوباً من رياح شباط قد كنت أنعس لانتشاق فسائه ... غشياً فيوقظني بصوت ضراط ما زلت أنشق منه ريحاً منتناً ... حتى استحال إلى الخراء مخاطي يا أيها المفتوق (3) من أرياحه ... هذي النصيحة فيك للخياط

_ (1) في المطبوعة: ثمان وستمائة؛ ولا أدري كيف وقع هذا الخطأ. (2) المطبوعة: وحشاشتي؛ والتصويب عن الزركشي. (3) المطبوعة: المفتون.

وقال أيضاً في فرسه: قد كمل الله برذوني لمنقصة ... وشانه بعد ما أعماه بالعرج أسير وهو يعرج بي ... كأنه ماشياً ينحط من درج فإن رماني على ما فيه من عرج ... فما عليه إذا مت من حرج وقال في الشيخ ابن ثعلبة وقد ترك الغناء واللهو وتصوف في المشتهى من روضة مصر: لطمت بعدك الخدود الدفوف ... وتحاملت تلك الصروف الكفوف وتساوى عند الرقاق وقد ما ... ت لدينا ثقيلها والخفيف وعلت ضجة المواصل حزناً ... والندامى على السرور عكوف وجرت أدمع الرواويق حتى ... عاد منها النزيف وهو نزيف وبدا الشمع وهو من سيلان ال ... دمع إنسان عينه مطروف يا إمام الملاح دعوة قاض ... في قضايا المجون ليس يحيف كيف ذقت الخشوع هل هو حلو ... يا حريفي بالله أو حريف تبت لله توبة الشيخ إن ال ... زهد لا يحتوي عليه الضعيف لا تكن راسب المقر فما ير ... سب في المستقر إلا الكثيف وإذا قمت للصلاة فقم ثع ... لبة ناشقاً فأنت نظيف وإذا ما خلوت في خلوة المس ... جد قل للمريد عندي ضيوف وإذا ما أخرجت كيسك بالمع ... لوم قل للحضور هذا سفوف حبذا زهدك التليد فما أن ... ت به في الشيوخ إلا ظريف قسماً يا قلبة البين إني ... قرم الشوق للقا ملهوف أترجى منك الرجوع قريباً ... طمعاً فيك والمحب عطوف وقال أيضاً: أصبحت أفقر من يروح ويغتدي ... ما في يدي من فاقة إلا يدي

في منزل لم يحو غيري قاعداً ... فإذا رقدت رقدت غير ممدد لم يبق فيه سوى رسوم حصيرة ... ومخدة كانت لأم المهتدي ملقى على طراحة في حشوها ... قمل كمثل السمسم المتبدد والفأر يركض كالخيول تسابقت ... من كل جرداء الأديم وأجرد هذا وكم ناشر طاوي الحشا ... يبدو كمثل الفاتك المتردد هذا ولي ثوب تراه مرقعاً ... من كل لون مثل ريش الهدهد وقال أيضاً: قد عقلنا والعقل أي وثاق ... وصبرنا والصبر مر المذاق كل من كان فاضلاً كان مثلي ... فاضلاً عند قسمة الأرزاق وقال أيضاً: ما عاينت عيناي في عطلتي ... أدبر (1) من حظي ولا بختي قد بعت عبدي وحماري وقد ... أصبحت لا فوقي ولا تحتي وقال أيضاً: يا سائلي عن حرفتي في الورى ... وضيعتي فيهم وإفلاسي ما حال من درهم إنفاقه ... يأخذه من أعين الناس وقال أيضاً (2) : رأيت سراج الدين للصفع صالحاً ... ولكنه في علمه فاسد الذهن أستره بالكف خوف انطفائه ... وآفته في طفئه كثرة الدهن (3) وقال وقد صلبوا ابن الكازروني وفي عنقه جرة خمر في الأيام الظاهرية: لقد كان حد الخمر من قبل صلبه ... خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا

_ (1) الوافي: أقل. (2) الوافي: وقال في الشمس الجرواني؛ الغيث 2: 205 السراج الحوراني. (3) المطبوعة: كبر الذقن.

فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي ... ألا تب فإن الحد قد جاوز الحدا وقال أيضاً: لقد منع الإمام الخمر فينا ... وصير حدها حد اليماني فما جسرت ملوك الجن خوفاً ... لأجل الخمر تدخل في القناني وقال أيضاً: كم قيل لي إذ دعيت شمساً ... لا بد للشمس من طلوع فكان ذاك الطلوع داء ... سما (1) إلى السطح من ضلوعي وقال أيضاً: يا رشاً لحظه الصحيح العليل ... كل صب بسيفه مقتول لك ردف غادرته رهن خصر ... وهو رهن كما علمت ثقيل وقال أيضاً: يا لائمي في العذار مهلاً ... فأنت بالعذل لي مهيج الحسن قد زادني غراماً ... إذ رقم الورد بالبنفسج وكل ديباج خد ظبي ... إن لم يكن معلماً فدحرج وقال أيضاً: يقولون سيف الدين من أجل علقه ... جفاك فلا تأمن غوائل حقده فقلت ألا يا قوم ما أنا جاهل ... فأدخل بين السيف عمداً وغمده

_ (1) الزركشي: يرقى.

وقال وقد أبطلت المنكرات في أيام حسام الدين لاجين: احذر نديمي أن تذوق المسكرا ... أو أن تحاول قط أمراً منكرا لا تشرب الصهباء صرفاً قرقفاً ... وتزور من تهواه إلا في الكرى أنا ناصح لك إن قبلت نصيحتي ... اشرب إذا ما رمت سكراً سكرا والرأي عندي ترك عقلك سالماً ... من أن تراه بالمدام تغيرا ذي دولة المنصور لاجين الذي ... قهر الملوك وكان سلطان الورى إياك تأكل أخضراً في عصره ... يا ذا الفقير يصير جسمك (1) أحمرا والمزر يا مسعود دعه جانباً ... واشرب من اللبن المخيض مبكرا وبني حرام احفظوا أيديكم ... فالوقت سيف والمراقب قد درى توبوا وصلوا داعيين لملكه ... فيه تنالون النعيم الأكبرا وقال أيضاً وقد دعي إلى عرس: دعوتني للعرس يا سيدي ... فكدت أن أحضر من أمس وها أنا الليلة في داركم ... فالكلب ما يهرب من عرس وقال في برهان الفاحشة وقد صفع وهو أرمد: صفع البرهان وما رجما ... فبكى من بعد الدمع دما قد كان شكا رمداً صعباً ... فازداد بذاك الصفع عمى ورمى النوروز أخادعه ... حتى باتت تشكو ورما أدماه القوم بآخرة ... كانت حوراً لا بل أدما نزلوا سحراً في ساحله ... فرأى الإصباح بهم ظلما من كل فتى بالنطع بدا ... مثل القصار إذا احتزما فسقاه بها صرفاً سبعاً ... وسقاه بها سبعين بما

_ (1) الزركشي: جنبك.

وقال أيضاً: في وصف حسنكم تكل الألسن ... وجمالكم فهو الجمال الأحسن يا سادة غابوا فمات تصبري ... وبكيتهم حتى بكاني المسكن لي فيكم ظبي ذكرت لحسنه ... عين الجنان أجم أحور أعين قاسي الفؤاد علي ولكن عطفه ... مثلي على غمز الصبابة لين باد ولكن في الضمير محجب ... سهل ولكن بالرماح محصن حلفوا بأن الورد زهرة خده ... صدق الوشاة وعارضاه سوسن متلون الميثاق لكن وجهه ... بسوى الحياء الطلق لا يتلون في خط عارضه ونقطة خاله ... شكل يصادر في الهوى ويبرهن وقال أيضاً في شرح حاله وشكوى زوجته: قل لقاضي الفسوق والإدبار ... عضد البله عمدة الفجار والذي قد غدا سفينة جهل ... وله من قرونه كالصواري بك أشكو من زوجة صيرتني ... غائباً بين سائر الحضار غيبتني عني بما أطعمتني ... فأنا الدهر مفكر في انتظار غبت حتى لو أنهم صفعوني ... قلت كفوا بالله عن صفع جاري فنهاري من البلادة ليل ... في التساوي والليل مثل النهار دار رأسي عن باب داري فبالله ... أخبروني يا سادتي أين داري ملكتني عيارة وعياراً ... حتى زادت بالدردبيس عياري أين مخ الجمال من طبع مخي ... في التساوي وأين مخ الحمار غفر الله لي بما رحت للبح ... ر من البرد أصطلي بالنار وتجردت للسباحة في الآ ... ل لظني به الزلال الجاري ولكم قد عصبت رجلي برؤيا ... أوطأتني حلماً على مسمار ولكم رمت قلع ضرسي ضروب ... بعد ما ضر غاية الإضرار

فإذا بي قلعت بعد عنائي ... واجتهادي القوي من أوزاري ورحى حزتها لطحن فما زل ... ت ظلالاً أدور حول المدار وأنادي وقد سئمت من الرك ... ض إلى أين منتهى مضماري أنا أختار لو قعدت من الجه ... د ولكن أمشي بغير اختيار أنا أنسى أني نسيت فلا يخ ... شى سميري إذاعة الأسرار أنا سطل الشرائحي بما أو ... دعت من عجة ومن أبزار ولكم قد رأيت في الماء شيخاً ... وهو جاث في الجب كالعيار شيخ سوء كالثلج ذقناً ولكن ... وجهه في سواده كالقار أشبه الناس بي وقد يشبه التي ... س أخاه في حومة الجزار فاعتراني رعب وناديت ما كن ... ت إخال اللصوص في الأزيار أين ترسي وأين درعي الحقيني ... أم عمرو بصارمي البتار إن أمت كنت في الغزاة شهيداً ... أو أعش كنت شاطر الشطار ثم أثخنت ذلك الزير ضرباً ... بحسامي حتى هوى لانكسار وجرى الماء فاختشيت وإلا ... كدت أقفو الآثار في التيار أنا كالبان في قوامي وإن أف ... ردتني كنت في التهارش ضاري أنا مثل الخروف قرناً وإن أس ... قط فإني أعد في الأقذار أنا لو رمت للعلاج طبيباً ... ما تعديت دكة البيطار بعد ما كنت من ذكائي أدري ... أن بابي من صنعة النجار أحزر البيض قبل ما يكسروه ... أن فيه البياض فوق الصفار وبعيني نظرت كوز نحاس ... كان عندي أقوى من الفخار وكثير مني على شيب رأسي ... حفظ هذي الأشياء مثل الكبار وقال موشحاً يعارض به أحمد الموصلي: غصن من البان مثمر قمرا ... يكاد من لينه إذا خطرا يعقد

بديع حسن سبحان خالقه ... مسك ذكي الشذا لناشقه ... أبيض ثغر يبدي لعاشقه ... نمل عذار يحير الشعرا ... وفوق شعر يستوقف النهرا أسود (1) يا بأبي شادن فتنت به ... يهواه قلبي على تقلبه ... مذ زاد في التيه من تجنبه ... أحرمني النوم عند ما نفرا ... حتى لطيف الخيال حين سرى قيد جوى أذاب الحشا فحرقني ... ونيل دمعي جرى فغرقني ... لكنه بالدمع خلقني ... فرحت أمشي في الدمع منحدرا ... ذاك لأني غدوت منكسرا مفرد وأما موشح أحمد الموصلي فإنه قوله (2) : بي رشأ عندما رنا وسرى ... باللحظ للعاشقين إذ أسرا قيد بما بأجفانه من الوطف ... وما بأعطافه من الهيف ... وما بأردافه من الترف ... ذا الأسمر اللدن ردني سمرا ... وفي فؤادي من قده سمرا أملد السحر من لحظه ومقلته ... والرشد من فرقه وغرته ... والغي من صدغه وطرته ...

_ (1) هذا القفل والغصن الذي جاء قبله هما آخر الموشحة في الوافي. (2) هذه الموشحة أيضاً تخالف في ترتيبها الصورة التي وردت لها عند الصفدي.

بدر لصبح الجبين قد سترا ... بليل شعر فانظر له سترى أسود إن قلت بدراً فالبدر ينخسف ... أو قلت شمس فالشمس تنكسف ... أو قلت غصن فالغصن ينقصف ... وسنان جفن سما عن النظرا ... وكل طرف إليه قد نظرا سهد يزهو بثغر كالدر والشهب ... والطلع والأقحوان والحبب ... رصع شبه اللجين في الذهب ... حوى الثريا من ثغره أثراً ... له الذي أدمعي به نثرا نضد حاجبه مشرف على شغفي ... عارضه شاهد على أسفي ... ناظره عامل على تلفي ... به غرامي قد شاع واشتهرا ... وسيفه في الحشا إذا شهرا يغمد عذاره النمل في الفؤاد سعى ... والنحل من ثغره الأقاح رعى ... ويوسف أيدي النسا قطعا ... بالنور من وجهه سبا الشعرا ... وردني بالجفا وما شعرا مكمد

أبو علي بن الشبل

444 - (1) أبو علي بن الشبل محمد بن الحسين بن عبد الله بن الشبل، أبو علي الشاعر الحكيم البغدادي؛ توفي في المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، ودفن بباب الحرب؛ كان شاعراً مجيداً وله ديوان، وكان ظريفاً نديماً مطبوعاً، ومن شعره: لا تظهرن لعاذل أو عاذر ... حاليك في السراء والضراء فلرحمة المتوجعين حرارة ... في القلب مثل شماتة الأعداء وقال أيضاً: يفني (2) البخيل بجمع المال مدته ... وللحوادث والأيام (3) ما يدع كدودة القز ما تبنيه يهدمها ... وغيرها بالذي تبنيه ينتفع وقال أيضاً يرثي أخاه بقصيدة أولها: غاية الحزن والسرور انقضاء ... ما لحي من بعد ميت بقاء لا لبيد بأربد مات حزناً ... وسلت عن شقيقها الخنساء مثل ما في التراب يبلى الفتى فال ... حزن يبلى من بعده والبكاء غير أن الأموات مروا وأبقوا ... غصصاً لا تسيغها الأحياء

_ (1) الوافي 3: 11 والزركشي: 275 والمنتظم 8: 328 وابن أبي أصيبعة 1: 247 (الحسين بن عبد الله) وكذلك معجم الأدباء 10: 23؛ وانظر تكلمة المنذري 1: 71 والمحمدون: 270 والبدر السافر: 91 وابن خلكان 4: 393 والنجوم الزاهرة 5: 111 ودمية القصر 1: 352 والبداية والنهاية 12: 121 واسم والده (0الحسين)) في معظم المصادر، وكان في المطبوعة: ((الحسن)) فغيرته. (2) المطبوعة: يعني البخيل. (3) المحمدون: والوراث.

إنما نحن بين ظفر وناب ... من خطوب أسودهن ضراء نتمنى وفي المنى قصر العم ... ر فنغدو كما نسر نساء صحة المرء للسقام طريق ... وطريق الفناء هذا البقاء بالذي نغتدي نموت ونحيا ... أقتل الداء للنفوس الدواء ما لقينا من غدر دنياً فلا كا ... نت ولا كان أخذها والعطاء صلف تحت راعد وسراب ... كرعت فيه مومس خرقاء راجع جودها عليها فمهما ... تهب الصبح يسترد المساء ليت شعري حلماً تمر بنا الأيام ... أم ليس تعقل الأشياء من فساد يكون في عالم الكو ... ن فما للنفوس منه اتقاء وقليلاً ما يصحب المهجة الج ... سم ففيم الشقا وفيم العناء قبح الله لذة لشقانا ... نالها الأمهات والآباء نحن لولا الوجود لم نألم الفق ... د فإيجادنا علينا بلاء ومن شعره: بربك أيها الفلك المدار ... أقصد ذا المسير أم اضطرار مدارك قل لنا في أي شيء ... ففي أفهامنا عنك انبهار فطوق في المجرة أم لآل ... هلالك أم يد فيها سوار وفيك الشمس رافعة شعاعاً ... بأجنحة قوادمها قصار ودنيا كلما وضعت جنيناً ... عراه من نوائبها طوار هي العشواء ما خبطت هشيم ... هي العجماء ما جرحت جبار فكم من بعده عفر وعقر ... يضير وما تلا ليلاً نهار لقد بلغ العدو بنا مناه ... وحل بآدم وبنا الصغار وتهنا ضائعين كقوم موسى ... ولا عجل أضل ولا خوار فيا لك أكلة ما زال فيها ... علينا نقمة وعليه عار

نعاقب في الظهور وما ولدنا ... ويذبح في حشا الأم الحوار ونخرج كارهين كما دخلنا ... خروج الضب أخرجه الوجار وكانت أنعماً لو كان كوناً ... نشاور قبله أو نستشار وما أرض عصته ولا سماء ... ففيم يغول أنجمها انكدار ومثل هذه للبحتري (1) : أناة أيها الفلك المدار ... أنهب ما تطرف أم جبار ستفنى مثل ما تفني وتبلى ... كما تبلي فيدرك منك ثار وما أهل المنازل غير ركب ... مطاياهم رواح وابتكار لنا في الدهر آمال طوال ... نرجيها وأعمار قصار وأهون بالخطوب على خليع ... إلى اللذات ليس لها عذار فآخر يومه سكر تجلى ... غوايته وأوله خمار ومن شعر أبي علي ابن الشبل: وكأنما الإنسان في غيرة ... متكوناً (2) والحسن فيه معار متصرف وله القضاء مصرف ... ومكلف وكأنه مختار طوراً تصوبه (3) الحظوظ وتارة ... حظ تحيل صوابه الأقدار تعمى بصيرته وتبصر بعدما ... لا يسترد الفائت استبصار فتراه يؤخذ قلبه من صدره ... ويرد فيه وقد جرى المقدار فيظل يضرب بالملامة نفسه ... ندماً إذا لعبت به الأفكار لا يعرف التفريط في إيراده ... حتى يبينه له الإصدار وقال أيضاً:

_ (1) ديوان البحتري: 959. (2) المطبوعة: متلوناً. (3) المطبوعة: به تصبو، وأثبت ما في الوافي.

إن تكن تجزع من دم ... عي إذا فاض فصنه أو تكن أبصرت يوماً ... سيداً يعفو فكنه أنا لا أصبر عمن ... شطر ثاني شطر أول ... لا يحل الصبر عنه كل ذنب في الهوى يغ ... فر لي ما لم أخنه وقال أيضاً: قالوا القناعة عز والكفاف غنى ... والذل والعار حرص النفس والطمع صدقتم من رضاه سد جوعته ... إن لم يصبه بماذا عنه يقتنع وله: قالوا وقد مات محبوب فجعت به ... وبالصبا وأرادوا عنه سلواني سواه في الحسن موجود فقلت لهم ... من أين لي للهوى الثاني صباً ثاني وقال أيضاً: بنا إلى الدير من درنا صبابات ... فلا تلمني فلا تجدي الملامات لا تبعدن وإن طال الزمان بها ... أيام لهو عهدناها وليلات فكم قضيت لبانات الشباب بها ... غنماً وكم بقيت عندي لبانات ما أمكنت دولة الأفراح مقبلة ... فانعم ولذ فإن العيش تارات قبل ارتجاع الليالي وهي عارية ... وإنما لذة الدنيا إعارات قم فاجل في فلك الظلماء وشمس ضحى ... بروجها الدهر كاسات وطاسات لعله إن دعا داعي الحمام بنا ... نقضي وأنفسنا منها رويات بم التعلل لولا ذاك من زمن ... أحياؤه باعتياد الهم أموات دارت تحيي فقابلنا تحيتها ... وفي حشاها لقرع المزج روعات عذراء أخفى مزاج الماء صورتها ... لم يبق من روحها إلا حشاشات مدت سرادق برق من أبارقها ... على مقابلها منها ملاءات فلاح في أذرع الساقين أسورة ... تبراً وفوق نحور الشرب جامات

ابن فروجة

قد وقع الدهر سطراً في صحيفته ... لا فارقت شارب الخمر المسرات خذ ما تعجل واترك ما وعدت به ... فعل اللبيب فللتأخير آفات وللسعادة أوقات ميسرة ... تعطي السرور وللأحزان أوقات 445 (1) ابن فروجة محمد بن حمد بن فروجة - بالفاء المضمومة وبعد الواو والراء (2) جيم مشددة - البروجردي؛ قال الثعالبي في " التتمة " من شعره: كأن الأيك توسعنا نثاراً ... من الورق المكسر والصحاح تميد كأنما علت براح ... وما شربت سوى الماء القراح كأن غصونها شرب نشاوى ... تصفق كلها راح براح وقال في الفستق المملوح: أعجب إلي بفستق أعددته ... عوناً على العادية الخرطوم مثل الزبردج في حرير أخضر ... في حق عاج في غلاف (3) أديم وقال أيضاً: فلو ترى نقلي وما أبدعت ... فيه بماء الملح أيدي (4) الصنع

_ (1) الوافي 3: 24 والزركشي: 275 وتتمة اليتيمة 1: 123 ومعجم الأدباء 18: 188 وبغية الوعاة: 39 والبلغة: 74 (وسماه: حمد بن محمد) وانباه الرواة 1: 334. (2) المطبوعة: والزاي؛ وهو وهم، وكل المصادر، تورده بالراء المهملة؛ والضبط الذي أثبته ورد في الوافي والزركشي. (3) التتمة: غشاء. (4) التتمة: كف.

أبو طاهر البغدادي

قلت حمامات على منهل ... شحت مناقير تسيغ الجرع وأكمل منه قول المشتهي أبي الفضل جعفر بن المحسن الدمشقي حيث يقول: انظر إلى الفستق المملوح حين بدا ... مشققاً في لطيفات الطيافير (1) والقلب ما بين قشريه يلوح لنا ... كألسن الطير ما بين المناقير وقال ابن فروجة: أما ترون إلى الأصداغ كيف جرى ... لها نسيم فوافت خده قدرا كأنما مد زنجي أنامله ... يريد قبضاً على جمر فما قدرا قال ياقوت: مولد (2) ابن فروجة بنهاوند في ذي الحجة سنة ثمانين وثلاثمائة. وله " التجني على ابن جني " و " الفتح على أبي الفتح " والكتابان يرد فيهما على أبي الفتح ابن جني في شعر المتنبي، رحمه الله تعالى وعفا عنه. 446 - (3) أبو طاهر البغدادي محمد بن حيدر، أبو طاهر " البغدادي " (4) الشاعر المشهور؛ توفي سنة سبع عشرة وخمسمائة ومن شعره:

_ (1) المطبوعة: الطوافير. (2) هكذا هو في الوافي؛ وفي المطبوعة: وفاة؛ وهو خطأ لا محالة؛ وذكر بهامش الزركشي أنه توفي بالري سنة أربع وأربعين وأربعمائة، نقلاً عن انباه الرواة للقفطي. (3) الوافي 3: 32 والزركشي: 275 والمحمدون: 195 (وفيه نقل عن الخريدة) والنجوم الزاهرة 5: 372. (4) زيادة من الزركشي.

مرحباً بالتي بها قتل الهم ... وعاشت مكارم الأخلاق هي في رقة الصبابة والشو ... ق وفي قسوة النوى والفراق لست أدري أمن خدود الغواني ... سفكوها أم أدمع العشاق وقال أيضاً: خطرت فكاد الورق يسجع فوقها ... إن الحمام لمغرم بالبان من معشر نشروا على هام الربى ... للطارقين ذوائب النيران أورد له محب الدين ابن النجار في تاريخه قصيدة، وهي: من كل ذات روادف ... كالرمل رجرجة ولينا منطقن بالتحف (1) الخصو ... ر وصن بالترف البطونا وأقمن من تلك العيو ... ن على خواطرنا عيونا " منها " (2) : يا من يلوم على البكا ... كلفاً يزيد به جنونا الآن قد كان الذي ... قد كنت أحذر أن يكونا (3) وتفرق الشمل الذي ... قد كنت أعهده مصونا مني تعلمت الحما ... م النوح والإبل الحنينا والسحب من عيني تعلم ... كيف يحتلب الشؤونا ومنها: ورأيت منك قبيح ما ... ظن الوشاة بنا يقينا

_ (1) الوافي: بالنحف. (2) زيادة من الوافي. (3) ورد هذا البيت في الوافي بعد لفظة ((منها)) التالية، برواية مختلفة.

السابق المعري

حتى كأنك كنت بال ... هجران للواشي ضمينا طولت أنفاسي فلم ... قصرت عن وسني الجفونا 447 (1) السابق المعري محمد بن الخضر بن الحسن بن القاسم، أبو اليمن بن أبي المهزول التنوخي المعروف بالسابق، من أهل المعرة؛ قال ابن النجار: كان شاعراً مجيداً مليح القول، حسن المعاني رشيق الألفاظ، دخل بغداد، وجالس ابن ناقيا (2) والأبيوردي والخطيب التبريزي وأنشدهم شعره، ودخل الري وأصفهان ولقي ابن الهبارية الشاعر، وعمل رسالة لقبها " تحية (3) الندمان " أتى فيها بكل معنى غريب تشتمل على عشر كراريس، وأورد له في مليح قد حلق شعره: وجهك المستنير قد كان بدراً ... فهو شمس لنفي (4) صدغك عنه ثبتت أية النهار عليه ... إذ محا القوم أية الليل منه وأحسن منه قول ابن بلول (5) الكاتب:

_ (1) الوافي 3: 39 والزركشي: 276 والخريدة (قسم الشام) 2: 125 (وذكر المحقق أن له ترجمة في ابن عساكر) وابن خلكان 5: 132 والمحمدون: 310 والشذرات 4: 117. (2) المطبوعة والوافي: باقيا، وذلك خطأ، فقد ترجم ابن خلكان لأبي القاسم عبد الله وقيل عبد الباقي ابن محمد بن ناقيا - وضبط الاسم بالنون المفتوحة (انظر 3: 98 - 99 ومصادر ترجمته في الحاشية) . (3) المطبوعة: تحفة. (4) المطبوعة: لفيء، واثبت ما في الزركشي والوافي. (5) الوافي: قول بلول.

حلقوك تقبيحاً لحسنك رغبة ... فازداد وجهك بهجة وضياء كالخمر فك ختامها فتشعشعت ... كالمشع قط ذباله فأضاء ومن شعر السابق المعري: وأغيد واجه المرآة زهواً ... فحرق بالصبابة كل نفس وليس من العجائب أن تأتى ... حريق بين مرآة وشمس وقال أيضاً: ولقد عصيت عواذلي وأطعته ... رشأ يقتل عاشقيه ولا يدي ولقد عصيت شوك (1) اللوم فيه مسامعي ... فبما جنت من ورد وجنته الندي وقال أيضاً: وراح أزاحت ظلام الدجى ... فأبدى الفراش إليها فطارا رآها (2) توقد في كأسها ... فيممها يحسب النور نارا وما زلت أشربها قهوة ... تميت الظلام وتحيي النهارا وقال أيضاً: حلمت عن السفيه فزاد بغياً ... وعاد فكفه سفهي عليه وفعل الخير من شيمي ولكن ... أتيت الشر مدفوعاً إليه قال محب الدين ابن النجار: قال لنا أبو عبد الله " ابن " (3) الملحي: كنت عند السابق قبل موته فقال لي: قد وصف صديقنا أبو نصر ابن الحكيم (4)

_ (1) المطبوعة: شر؛ والتصويب عن الوافي. (2) المطبوعة: يراها. (3) زيادة من الوافي. (4) الوافي: حليم.

السنبسي الشاعر

سماقية، فتقدم من يطبخها وأنفذها إلي، فقلت: نعم، وانصرفت، فتقدمت إلى تعجيل ما اقترحه، وعدت إلى منزلي عاجلاً، فوردت علي رقعة من السابق بخطه المليح الفائق: يا سيدي، كانت السماقية ممسكة، فصارت ممسكة، وأظن سماقها ما نبت، والسكين عن ذبح شاتها نبت. فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها ... ولا علت كف ملقي كفه فيها (1) فكتبت في ظهر الرقعة وأنفذتها قرين السماقية: بل كل ولا حرج منه عليك ودع ... عنك التمثل بالأشعار تهديها ولا تعن لتشقيق الكلام ولا ... قصد المعاني تنقاها وتبنيها وكانت وفاته بعد الخمسمائة، رحمه الله تعالى. 448 - (2) السنبسي الشاعر محمد بن خليفة بن حسين، أبو عبد الله النميري العراقي الشاعر المعروف بالسنبسي؛ أصله من هيت، أقام بالحلة عند سيف الدولة صدقة بن مزيد،

_ (1) هذا البيت للبحتري كتبه إلى من وعده بمزورة (اي حساء للمريض) ومطلة ولم يرسلها اليه؛ انظر ديوان البحتري: 2426 وابن خلكان 6: 28. (2) الوافي 3: 48 والزركشي: 276 ومختصر ابن الدبيشي 1: 45 والبدر السافر: 92 والمحمدون: 303 والخريدة (قسم العراق) : 4/ 1: 209، وفي المطبوعة: السنبستي، وهو خطأ. وذكر صاحب البدر السافر انه ليس من سنبس، وإنما أم جده الحسين منها ونزل عندهم فلما عاد الى منزله قيل له السنبسي.

وكان شاعره وشاعر ولده دبيس، وروى عنه السلفي؛ توفي سنة خمس عشرة وخمسمائة. أورد له ابن النجار في تاريخه قوله: قم فاسقنيها على صوت النواعير ... حمراء تشرق في ظلماء ديجور كانت سراج أناس يهتدون بها ... في أول الدهر قبل النار والنور فأصبحت بعد ما أفنى ذبالتها مر السنين وتكرار الأعاصير تهتز في الكأس من ضعف ومن كبر ... كأنها قبس في كف مقرور ونرجس خضل تحكى نواظره ... أحداق تبر على أجفان كافور زرق الأسنة في لون وتقدير وقال أيضاً: نفض ختاماً عن حديث كأنه ... وإن مل من أسماعنا لم يردد فإما لأمر عاجل يستجده ... وإما لأمر (1) فات أو ذكر موعد وقال أيضاً: وخمارة من بنات المجوس ... لا تطعم النوم إلا غرارا طرقت على عجل والنجوم ... في الجو معترضات حيارى وقد برد الليل فاستخرجت ... لنا في الظلام من الدن نارا وقال أيضاً: فوالله ما أنسى عشية ودعوا (2) ... ونحن عجالى بين غاد وراجع وقد سلمت بالطرف منها فلم يكن ... من النطق إلا رجعنا بالأصابع ورحنا وقد روى السلام قلوبنا ... ولم منا في خروق المسامع

_ (1) الوافي: لهجر. (2) الخريدة: ومن ينس لا أنسى عشية بيننا.

الشيخ محمد الأكال

ولم يعلم الواشون ما دار (1) بيننا ... من السر لولا ضجرة في المدامع أنشدت هذه الأبيات في مجلس سيف الدولة فطرب طرباً شديداً، وما ارتضاها مقدار " بن " المطاميري، فقال له سيف الدولة: ويلك يا مقيدير، ما تقول؟ قال: أقول أنا خيراً منه، قال: إن خرجت من عهدة دعواك وإلا ضربت عنقك، فقال وهو سكران ملتخ (2) : ولما تناجوا للفراق غدية ... رموا كل قلب مطمئن برائع وقمنا فمبد حنة إثر أنة ... خروق الكرى إنسانها غير هاجع أمنا بها الواشين أن يلهجوا بنا ... فلم نتهم إلا وشاة المدامع فطرب سيف الدولة وأمره بالجلوس عنده. 449 - (3) الشيخ محمد الأكال محمد بن خليل بن عبد الوهاب بن بدر، المعروف بالأكال، من جبل بني هلال، ومولده بقصر حجاج دمشق سنة ستمائة، وتوفي سنة ثمان وخمسين وستمائة في شهر رمضان. كان رجلاً صالحاً كثير الإيثار، وحكاياته في أخذ الأجرة على ما يأكله

_ (1) الخريدة: ما كان. (2) المطبوعة: يتلجلج؛ الوافي: ملتج؛ وكل ذلك خطأ، وهو من قولهم ((سكران ملتخ)) اي طافح سكراً. (3) الوافي 3: 49 والثذرات 5: 403.

ابن الخمسي

وما يقبله من بر الأمراء والكبراء مشهورة، ولم يسبقه إلى ذلك أحد ولا اقتفى أثره غيره، وجميع ما يتحصل له يصرفه في وجوه البر ويتفقد به المحابيس والمحاويج والأرامل، وكان بعض الناس ينكر على من يعامله بهذه المعاملة، فإذا اتفق ذلك معه انفعل له ودفع ما يرضاه على الأكل، وكلما تناهى الإنسان له في المطعم زاد هو في الاشتراط عليه، وكان مع ذلك حلو الشكل والحديث مليح العبارة، له قبول تام بين سائر الناس. وعاش تسعاً وخمسين سنة رحمه الله تعالى. 450 - (1) ابن الخمسي محمد بن الخمسي الإسكندري؛ توفي في حدود الخمسمائة. ومن شعره رحمه الله في إنسان بنعت بعين الملك: ألا إن ملكاً أنت تدعى بعينه ... جدير بأن يمسي ويصبح أعورا فإن كنت عين الملك حقاً كما ادعوا ... فان (2) له العين التي دمعها جرى ومن شعره أيضاً: قال لي العاذل في حبه ... قوله زور وبهتان ما وجه من أحببته قبلة ... قلت ولا قولك قرآن

_ (1) الوافي 3: 50 الزركشي: 276، وفي المطبوعة ((الخمشي)) . (2) الوافي: فأنت.

ابن الجراح الكاتب

451 - (1) ابن الجراح الكاتب محمد بن داود بن الجراح الكاتب؛ كان كاتباً عارفاً بأيام الناس وأخبارهم ودول الملك، له في ذلك مصنفات، كان مع ابن المعتز فلما انحل أمر ابن المعتز وقتل اختفى ابن داود. قال أبو عمر بن محمد بن يوسف القاضي: لما جرت واقعة ابن المعتز حبست أنا وأبو المثنى ومحمد بن داود بن الجراح، فكنا في دار في ثلاثة بيوت متلاصقات، وبيتي في الوسط، وإذا جننا الليل تحدثنا من وراء الجدار، وأوصى بعضنا إلى بعض، فلما كان في بعض الليالي دخل أناس بشموع إلى بيت محمد بن داود وأخرجوه وأضجعوه للذبح فقال: يا قوم ذبحاً كالشاة، أين المصادرات؟ أين أنتم من الأموال؟ أنا أفدي نفسي بكذا وكذا. فلم يسمعوا منه وذبحوه وأخذوا رأسه وألقوه (2) في البئر، ثم أخرجوا أبا المثنى بعدما ذهبوا وعادوا وقالوا: يا عدو الله، يقول لك أمير المؤمنين بم استحللت نكث بيعتي؟ فقال: لعلمي أنه لا يصلح، فذبحوه وأخذوا رأسه وألقوا جثته في البئر، ومضوا وعادوا وأخرجوني وقالوا: يقول لك أمير المؤمنين: يا فاعل، ما الذي حملك على نكث بيعتي؟ قلت: الشقاوة، وقد أخطأت وأنا تائب إلى الله تعالى، فحملوني إلى دار الخلافة وابن الفرات جالس، فوبخني فتنصلت واعتذرت، فقالوا: وهب لك أمير المؤمنين ذنبك، واشتريت

_ (1) الوافي 3: 61 والزركشي: 276 وتاريخ بغداد 5: 255 والمصادر التاريخية (حوادث 296) والفهرست: 128 وصفحات متفرقة من تحفة الوزراء للصابي، وانظر مقدمة كتاب الورقة: 14 - 16. (2) الوافي: وألقوا جثته.

الشريف الناسخ

دمك وجرمك (1) بمائة ألف دينار، فقلت: والله ما رأيت بعضها مجتمعاً قط، فغمزني الوزير، فأديت البعض وسومحت بالباقي. وكانت وفاة ابن الجراح سنة ست وتسعين ومائتين. ومن شعر ابن الجراح: قد ذهب الناس فلا ناس ... وصار بعد الطمع الياس وساس أمر القوم أدناهم ... وصار تحت الذنب الراس وقال أيضاً: أعين أخي أو صاحبي في مصابه ... أقوم له يوم الحفاظ وأقعد ومن يفرد الأقوام فيما ينوبهم ... تبته (2) الليالي مرة وهو مفرد ومن تصانيفه كتاب " الورقة " سماه بذلك لأنه في أخبار الشعراء ولا يزيد في خبر الشاعر الواحد على ورقة، ولهذا سمى الصولي كتابه في أخبار الوزراء ب " الأوراق " لأنه أطال في أخبار كل واحد بأوراق؛ وله " الشعر والشعراء " لطيف. كتاب " من سمى عمراً من الشعراء في الجاهلية والإسلام ". كتاب " الوزراء ". 452 - (3) الشريف الناسخ محمد بن رضوان، السيد الشريف العلوي الحسيني الدمشقي الناسخ؛ توفي في ربيع الأول سنة إحدى وستمائة، عن تسع وستين سنة.

_ (1) الوافي: وحرمك. (2) الوافي: تنبه. (3) الوافي 3: 70 والزركشي: 277.

كان يكتب خطاً متوسط الحسن والمنسوب (1) ، وله يد في النظم والنثر والأخبار وعنده مشاركة في العلوم، وكتب الكثير وجمع، وكان مغرى بتصانيف ابن الأثير الجزري، مثل " المثل السائر " و " الوشي المرقوم " فكتب (2) منها كثيراً. ومن شعره ما ذكر الشيخ قطب الدين اليونيني أنه سمعه منه: يا من يعيب تلوني ... ما في التلون ما يعاب إن السماء إذا تلو ... ن وجهها يرجى السحاب وقال أيضاً: كرر على الظبي حديث الهوى ... على سماه بعد صحو تغيم ولا تخف أن له نفرة ... فطالما أونس ظبي الصريم ولا تقل إن له صحبة ... مع غيرنا دهراً وعهداً قديم (3) فالماء ربى الغصن في حجره ... ومال عنه برسول النسيم وقال أيضاً: عقد الربيع على الشتاء مآتماً ... لما تقوض للرحيل خيامه لطم الشقيق خدوده فتضرجت ... حزناً وناح على القضيب حمامه والدهر منفتح العيون إلى خيو ... ط المزن حيث تفتقت أكمامه وقال من أبيات: تجلى لنا ليلاً فلم ندر وجهه ... أم القمر الوضاح واتضح (4) الشك صعقت له لما استنار جماله ... فطور فؤادي مذ تجلى له دك

_ (1) الوافي: في المنسوب. (2) الوافي: يكتب. (3) المطبوعة: مقيم، وأثبت ما في الوافي والزركشي. (4) الوافي: واعترض.

زين الدين ابن الرعاد

طما بحر أجفاني فيا نوح غفلتي ان ... تبه فلهذا البحر تصطنع الفلك وقال في مليح يلقب بالجدي: رأيت في جلق أعجوبة ... ما إن رأينا مثلها في بلد جدي له من صدغه عقرب ... وفي مطاوي الجفن منه أسد وخلقه سنبلة تطلب ال ... ميزان لا ترضى بأخذ العدد وقال في حسين (1) الصواف وكان يلازم رجلاً مقدسياً: يهنيكم الصواف أصبح عابداً ... للرب غير مداهن ومدلس طويت له الأرض الفسيحة فاغتدى ... تحت المهامه في ظلام الحندس فهو المقيم بجلق وركوعه ... وسجوده أبداً ببيت المقدس " ي " وقال أيضاً: عانقته عند الوداع وقد جرت ... عيني دموعاً كالنجيع القاني ورجعت عنه وطرفه في فترة ... يملي علي " مقاتل الفرسان " 453 (2) زين الدين ابن الرعاد محمد بن رضوان بن إبراهيم بن عبد الرحمن، المعروف بابن الرعاد، يدعى زين الدين؛ قال الشيخ أثير الدين: كان المذكور خياطاً بالمحلة من الغربية، وله مشاركة في العربية وله أدب لا بأس به، وكان في غاية الصيانة

_ (1) المطبوعة: حسن. (2) الوافي 3: 72 والزركشي: 277 وبغية الوعاة: 41 والبدر السافر: 95 وقال: كان نحوياً ... أخذ النحو عن العلامة أبي عمرو ابن الحاجب.

والترفع عن أهل الدنيا والتودد إليهم، واقتنى من صناعة الخياطة كتباً نفيسة، وابتنى داراً حسنة بالمحلة، وتوفي بالمحلة. ومن شعره في الشيخ بهاء الدين " ابن " النحاس: سلم على المولى البهاء وصف له ... شوقي إليه وأنني مملوكه أبداً يحركني إليه تشوقي ... جسمي به مشطوره منهوكه لكن نحلت لبعده فكأنني ... ألف وليس بممكن تحركه وقال أيضاً: رأيت حبيبي في المنام معانقي ... وذلك للمهجور مرتبة عليا وقد رق لي من هجر وقسوة ... وما ضر إبراهيم لو صدق الرؤيا وقال أيضاً: نار قلبي لا تقري لهبا ... وامنعي أجفان عيني أن تناما فإذا نحن التقينا فارجعي ... نار إبراهيم برداً وسلاما وقال أيضاً: قالوا وقد شاهدوا نحولي ... إلام في ذا الغرام تشقى فنيت أو كدت فيه تفنى ... وأنت لا تستفيق عشقا فقلت لا تعجبوا لهذا ... ما كان لله فهو يبقى

شمس الدين المقدسي

454 - (1) شمس الدين المقدسي محمد بن سعد بن عبد الله بن مفلح بن هبة الله بن نمير، شمس الدين الأنصاري الحنبلي المقدسي؛ نشأ بقاسيون على الخير والصلاح، وقرأ القرآن والعربية وسمع الكثير، وكان ديناً ورعاً، وبرع في الأدب وحسن الخط، وكتب للصالح إسماعيل وللناصر داود، وطال عمره وروى عنه الدمياطي وغيره، وتوفي سنة خمسين وستمائة. ومن شعره رحمه الله ما كتبه إلى الصالح إسماعيل: يا مالكاً لم أجد لي من نصيحة ... بداً وفيها دمي أخشاه اسمع نصيحة من أوليته نعماً ... يخاف كفرانها إن كف أو تركا والله لا امتد ملك مد مالكه ... على رعيته من ظلمه شبكا ترى الحسود به مستبشراً فرحاً ... مستغرباً من بوادي أمره ضحكا وزيره ابن غزال والرفيع له ... قاضي القضاة ووالي حربه ابن بكا وثعلب وفضيل من هما وهما ... أهل المشورة فيما ضاق أو ضنكا جماعة بهم الآفات قد نشرت ... والشرع قد مات والإسلام قد هلكا ما راقبوا الله في سر وفي علن ... وإنما يرقبون النجم والفلكا إن كان خيراً ورزقاً واسعاً فلهم ... أو كان شراً وأمراً سيئاً فلكا

_ (1) الوافي 3: 91 والزركشي: 278 ومرآة الزمان: 523 وذيل ابن رجب 2: 248 والثذرات 5: 251 وعبر الذهبي 5: 206.

ابن شرف القيرواني

455 - (1) ابن شرف القيرواني محمد بن " أبي " سعيد بن أحمد بن شرف القيرواني الجذامي، أحد فحول شعراء الأندلس والغرب؛ كان أعور، وله تصانيف منها " أبكار الأفكار " وهو كتاب حسن في الأدب يشتمل على نظم ونثر من كلامه، وتوفي سنة ستين وأربعمائة (2) . وكان بينه وبين ابن رشيق مهاجاة ومعاداة جرى الزمان بها كعادته بين المتعاصرين، ولابن رشيق فيه عدة رسائل يهجوه فيها ويذكر أغلاطه وقبائحه، منها رسالة " ساجور الكلب " ورسالة " قطع الأنفاس " ورسالة " نجح الطب " ورسالة " رفع الإشكال ودفع المحال " وكتاب " فسخ الملح، ونسخ اللمح " (3) . ومن شعر ابن شرف وهو تشبيه متمكن (4) : كأنما حمامنا فقحة ... ألنتن والظلمة والضيق كأنني في وسطها فيشة ... ألوطها والعرق الريق فبلغ ذلك ابن رشيق فقال مجيزاً:

_ (1) الوافي 3: 97 والزكشي: 278 والذخيرة 4/ 1: 133 ومعجم الأدباء 19: 37 والخريدة (قسم المغرب) 2: 224 والمغرب 2: 230 والصلة: 545 والمطرب: 71 ومسالك الأبصار 11: 43 وبغية الوعاة: 47 وورد في الزركشي والمطبوعة ((محمد بن سعيد)) وهو مخالف لبقية المصادر؛ وانظر أيضاً معالم الأيمان 3: 39 وعنوان الأريب 1: 56، وبعض أشعاره جمعه الأستاذ الميني في ((النتف من شعر ابن رشيق وابن شرف)) (القاهرة: 1343) . (2) زاد الصفدي: أو فيما قبلها. (3) الوافي: نسخ ... وفسخ. (4) النتف: 50 والخريدة.

وأنت أيضاً أعور أصلع ... فصادف التشبيه تحقيق وهذا في غاية الحسن وعجيب الاتفاق. ومن شعر ابن شرف من أبيات (1) : ولقد نعمت بليلة جمد الحيا ... بالأرض فيها والسماء تذوب جمع العشاءين المصلي وانزوى ... فيها الرقيب كأنه مرقوب والكأس كاسية القميص كأنها ... لوناً وقدراً معصم مخضوب هي وردة في خده وبكأسها ... تحت القناني عسجد مصبوب مني إليه ومن يديه إلى يدي ... فالشمس تطلع بيننا وتغيب ومما سار له وطار وملأ الأقطار قوله (2) : جاور علياً ولا تحفل بحادثة ... إذا ادرعت فلا تسأل عن الأسل فالماجد السيد الحر الكريم له ... كالنعت والعطف والتوكيد والبدل سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد ... ملء المسامع والأفواه والمقل وقال أيضاً (3) : لا تسأل الناس عن خبر ... هما يبثانك الأخبار تطفيلا ولا تعاتب على نقص الطباع أخاً ... فإن بدر السما لم يعط تكميلا وقال أيضاً (4) : احذر محاسن أوجه فقدت محا ... سن أنفس ولو أنها أقمار سرج تلوح إذا نظرت فإنها ... نور يضيء وإن مسست فنار

_ (1) النتف: 91. (2) النتف: 109. (3) النتف: 106. (4) النتف: 99.

وقال أيضاً (1) : قالوا تصاهلت الحمي ... ر فقلت من عدم السوابق خلت الدسوت من الرخا ... خ ففرزنت فيها البياذق وقال في عود، والمعنى مشهور (2) : سقى الله أرضاً أنبتت عودك الذي ... زكت منه أغصان وطابت مغارس تغنى عليها الطير وهي رطيبة ... وغنت عليها الناس والعود يابس وقال (3) : إذا صحب الفتى جد وسعد (4) ... تحامته المكاره والخطوب ووافاه الحبيب بغير وعد ... طفيلياً وقاد له الرقيب وعد الناس ضرطته غناء ... وقالوا إن فسا قد فاح طيب وقال في مليح اسمه عمر (5) : يا أعدل الناس (6) إسماً كم تجور على ... فؤاد مضناك بالهجران والبين أظنهم سرقوك القاف من قمر ... فأبدلوها بعين خيفة العين

_ (1) النتف: 106. (2) النتف: 103. (3) النتف: 91. (4) المطبوعة: وسعي. (5) النتف: 114. (6) الوافي: الأمة.

شرف الدين البوصيري

456 - (1) شرف الدين البوصيري محمد بن سعيد بن حماد بن " محسن بن " عبد الله بن صهناج بن ملال الصهناجي؛ كان أحد أبويه من أبو صير والآخر من دلاص، فركبت له نسبة منهما وقيل الدلاصيري، لكنه اشتهر بالبوصيري. كان يعاني صناعة الكتابة والتصرف، وباشر الشرقية ببلبيس، وله تلك القصيدة المشهورة التي نظمها في مباشري الشرقية التي أولها (2) : فقدت (3) طوائف المستخدمينا ... فلم أر فيهم رجلاً أمينا فقد عاشرتهم ولبثت فيهم ... مع التجريب من عمري سنينا فكتاب الشمال هم جميعاً ... فلا صحبت شمالهم اليمينا فكم (4) سرقوا الغلال وما عرفنا ... بهم فكأنما سرقوا العيونا ولولا ذاك ما لبسوا حريراً ... ولا شربوا خمور الأندرينا ولا ربوا من المردان مرداً (5) ... كأغصان يقمن (6) وينحنينا

_ (1) الوافي 3: 105 والزركشي: 278 (ولقب شرف الدين في العنوان مأخوذ عنه) والبدر السافر: 97 والشذرات 5: 432، وقال الصفدي: وأظن وفاته كانت في سنة ست وتسعين أو سبع وتسعين وستمائة أو ما حولها، وانظر مقدمة ديوانه الذي نشر بعناية الأستاذ سيد كيلاني (القاهرة: 1955) . (2) ديوانه: 218. (3) المطبوعة: نقدت، الديوان: ثكلت. (4) الديوان: فقد. (5) الديوان: قوماً. (6) المطبوعة: يملن، والتصويب عن الديوان والوافي.

وقد طلعت لبعضهم ذقون ... ولكن بعد ما نتفوا (1) ذقونا وأقلام الجماعة جائلات ... كأسياف بأيدي لاعبينا وقد ساوقتهم (2) حرفاً بحرف ... وكل اسم يخطوا منه سينا أمولاي (3) الوزير غفلت عما ... يتم من اللئام الكاتبينا (4) تنسك (5) معشر منهم وعدوا ... من الزهاد والمتورعينا وقيل لهم دعاء مستجاب ... وقد ملأوا من السحت بالطونا تفقهت القضاة فخان كل ... أمانته وسموه الأمينا وما أخشى على أموال مصر ... سوى من معشر يتأولونا يقول المسلمون لنا حقوق ... بها ولنحن أولى الآخذينا وقال القبط نحن ملوك مصر ... وإن سواهم هم غاصبونا (6) وحللت اليهود بحفظ سبت ... لهم مال الطوائف أجمعينا وما ابن قطيبة (7) إلا شريك ... لهم في كل ما يتخطفونا أغار على قرى فاقوس منه ... بجور يمنع النوم الجفونا وصير عينها حملاً ولكن ... لمنزلة وغلتها خزينا وأصبح شغله تحصيل تبر ... وكانت راؤه من قبل نونا وقدمه الذين لهم وصول ... فتمم نقصه صلة الذينا وفي دار الوكالة (8) أي نهب ... فليتك لو نهبت الناهبينا

_ (1) المطبوعة: حلقوا، وأثبت ما في الديوان والوافي. (2) المطبوعة: ساوفتهم. (3) الديوان: أمولانا. (4) الديوان: الكلاب الخائنينا. (5) الديوان: تورع. (6) الديوان: وقال القبط إنهم بمصر الملوك ومن سواهم غاصبونا. (7) الديوان: قطية، وهي بلدة في مديرية الشرقية. (8) الديوان: الولاية.

فقام بها يهودي خبيث (1) ... يسوم المسلمين أذى وهونا إذا ألقى بها موسى عصاه ... تلقفت القوافل والسفينا وشاهدهم إذا اتهموا يؤدي ... عن الكل الشهادة واليمينا وهي طويلة إلى الغاية، وقد اختصرت من أبياتها كثيراً، وله فيهم غير ذلك وشعره في غاية الحسن واللطافة عذب الألفاظ منسجم التركيب وقال فيمن اسمه عمر وعلى عينه فص (2) : سموه غمرا فصحفنا اسمه عمرا ... فبين الدهر منا موضع الغلط فأصبحت عينه غيناً بنقطتها ... وطال ما ارتفع التصحيف بالنقط وقال فيه من قصيدة أولها (3) : أهوى والمشيب قد حال دونه ... والتصابي بعد المشيب رعونه أبت النفس أن تطيع وقالت ... إن جني لا يدخل القنينه كيف أعصي الهوى وطينة قلبي ... بالهوى قبل آدم معجونه سلبته الرقاد بيضة خدر ... ذات حسن كالدرة المكنونه سمتها قبلة تسر بها النف ... س فقالت كذا أكون حزينه قلت لابد أن تسيري إلى الدا ... ر فقالت عسى أنا مجنونه قلت سيري فإنني لك خير ... من أب راحم وأم حنونه أنا نعم القرين إن كنت تبغي ... ن حلالاً وأنت نعم القرينه قالت اضرب عن وصل مثلي صفحاً ... واضرب الخل أو تصير طحينه لا أرى أن تمسني يد شيخ ... كيف أرضى به لطستي مسينه قلت إني كثير مال فقالت ... هبك أنت المبارز القارونه

_ (1) الوافي: فثم بها؛ الديوان: وما فرعون فيها غير موسى. (2) ليسا من أصل الديوان، انظر: 228. (3) الديوان: 228 وليست من أصل الديوان.

" منها ": سيدي لا تخف علي خروجاً ... في عروضي ففطنتي موزونه كل بحر إن شئت فيه اختبرني ... لا تكذب فإنني يقطينه وقال من قصيدة أولها (1) : يا أيها المولى الوزير (2) الذي ... أيامه طائعة أمره ومن له منزلة في العلا ... تكل عن أوصافها الفكره إليك نشكو حالنا إننا ... حاشاك من قوم أولي عسره (3) في قلة نحن ولكن لنا ... عائلة في غاية الكثره أحدث المولى الحديث الذي ... جرى لهم بالخيط والإبره صاموا مع الناس ولكنهم ... كانوا لمن أبصرهم عبره إن شربوا فالبئر زير لهم ... ما برحت والشربة الجره لهم من الخبيز مصلوقة ... في كل يوم تشبه النشره أقول مهما اجتمعوا حولها ... تنزهوا في الماء والخضره وأقبل العيد وما عندهم ... قمح ولا خبز ولا فطره فارحمهم إن عاينوا (4) كعكة ... في كف طفل أو رأوا تمره تشخص أبصارهم نحوها ... بشهقة تتبعها زفره كم قائل يا أبتا منهم ... قطعت عنا الخير (5) في كره ما صرت تأتينا بفلس ولا ... بدرهم ورق ولا نقره وأنت في خدمة قوم فهل ... تخدمهم يا أبتي سخره

_ (1) الديوان: 117. (2) يخاطب الوزير بهاء الدين ابن حنا. (3) سقط هذا الشطر والذي يليه من الديوان، ووقع الشطران الباقيان معاً. (4) الديوان: أبصروا. (5) الديوان: الخبز.

ويوم زارت أمهم أختها ... والأخت في الغيرة كالضره وأقبلت تشكو لها حالها ... وصبرها مني على العشره (1) قالت لها كيف تكون النسا ... كذا مع الأزواج يا عره قومي اطلبي حقك منه بلا ... تخلف منك ولا فتره وإن تأبى فخذي ذقنه ... وانتفيها (2) شعرة شعره قالت لها ما هكذا عادتي ... فإن زوجي عنده ضجره أخاف إن كلمته كلمة ... طلقني؛ قالت لها: بعره وهونت قدري في نفسها ... فجاءت الزوجة محتره فقاتلتني (3) فتهددتها ... فاستقبلت رأسي بآجره وحق من حالته هذه ... أن ينظر المولى له نظره وقال وقد كتب بها إلى بعض الأصحاب (4) : قل لعلي الذي صداقته ... على حقوق الإخوان مؤتمنه أخوك قد عودت طبيعته ... بشربة في الربيع كل سنه والآن قد عفنت عليه وقد ... هدت قواه وجففت بدنه وعاودت يومها زيارته ... وما اعتراها من قبل ذاك سنه وعاد عند القيام يحملها ... براحتيه كأنها زمنه جئت بها للطبيب مشتكياً ... ودمعتي كالعوارض الهتنه فقال عد لي إذا احتميت وكل ... في كل يوم دجاجة دهنه كيف وصولي إلى الدجاجة وال ... بيضة عندي كأنها بدنه جزاك ربي إذا انسهلت بما ... شربت عن كل خرية حسنه

_ (1) الديوان: العسرة. (2) الوافي: وخلصيها؛ الديوان: ثم أنتفيها. (3) الديوان: فاستقبلتني. (4) أثبتها في الديوان نقلا عن الفوات.

قال الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس: كانت له حمارة استعارها منه ناظر الشرقية فأعجبته فأخذها وجهز له ثمنها مائتي درهم، فكتب على لسانها إلى الناظر: المملوكة حمارة البوصيري " تنشد " (1) : يا أيها السيد الذي شهدت ... ألفاظه (2) لي بأنه فاضل ما كان ظني يبيعني أحد ... قط ولكن سيدي جاهل (3) لو جرسوه علي من سفه ... لقلت غيظاً عليه يستاهل أقصى مرادي لو كنت في بلدي ... أرعى بها في جوانب الساحل (4) وبعد هذا فما يحل لكم ... أخذي (5) لأني من سيدي حامل فردها الناظر إليه ولم يأخذ الدراهم منه. وقال في من على عينه بياض (6) . انظر تجد لله في ... عينيه سراً أي سر طمس اليمين بكوكب ... وسيطمس اليسرى بفجر وقال في الشيخ زين الدين ابن الرعاد (7) : لقد عاب شعري في البرية شاعر ... ومن عاب أشعاري فلا بد أن يهجى

_ (1) الديوان: 189. (2) المطبوعة: أخلاقه. (3) الديوان: (4) الديوان: (5) الديوان: ملكي؛ الوافي: بيعي. (6) الوافي: أمجد. (7) أثبتهما في الديوان: 229 واللذين بعدهما نقلا عن الفوات.

وشعري بحر لا يوافيه ضفدع ... ولا يقطع الرعاد يوماً له لجا وللبوصيري في مديح النبي صلى الله عليه وسلم قصائد طنانة، منها قصيدة مهموزة أولها: كيف ترقى رقيك الأنبياء (1) ... وقصيدة على وزن بانت سعاد وأولها (2) : إلى متى أنت باللذات مشغول ... وأنت على كل ما قدمت مسؤول وقصيدته المشهورة بالبردة التي أولها (3) : أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم قال البوصيري: كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما كان اقترحه علي الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير، ثم اتفق أن أصابني فالج أبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة فعملتها، واستشفعت به إلى الله تعالى في أن يعافيني، وكررت إنشادها وبكيت ودعوت وتوسلت، ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى علي بردة فانتبهت، ووجدت في نهضة فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحد، فلقيني بعض الفقراء فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أيها؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله لقد سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمايل وأعجبته

_ (1) الديوان: 1؛ الوافي: ليس ترقي. (2) الديوان: 172. (3) الديوان: 190.

ابن قتلمش الحاجب

وألقى على من أنشدها بردة، فأعطيته إياها، وذكر الفقير ذلك وشاع المنام إلى أن اتصل بالصاحب بهاء الدين ابن حنا، فبعث إلي وأخذها وحلف أن لا يسمعها إلا قائماً حافياً مكشوف الرأس، وكان يحب سماعها هو وأهل بيته. ثم إنه بعد ذلك أدرك سعد الدين الفارقي الموقع رمد أشرف منه على العمى فرأى في المنام قائلاً يقول له: اذهب إلى الصاحب وخذ البردة واجعلها على عينيك فتعافى بإذن الله عز وجل، فأتى إلى الصاحب وذكر منامه فقال: ما أعرف عندي من أثر النبي صلى الله عليه وسلم بردة، ثم فكر ساعة وقال: لعل المراد قصيدة البردة التي للبوصيري، يا ياقوت افتح الصندوق الذي فيه الآثار وأخرج القصيدة للبوصيري، وأت بها، فأتى بها، فأخذها سعد الدين ووضعها على عينيه فعوفي، ومن ثم سميت البردة، والله أعلم. 457 - (1) ابن قتلمش الحاجب محمد بن سليمان بن قتلمش، أبو منصور السمرقندي، ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وبرع في الأدب، وولي حجبة (2) الباب للخليفة. وتوفي سنة عشرين وستمائة، ودفن في الشونيزية. ومن شعره: سئمت تكاليف هذي الحياة ... وكر الصباح بها والمساء

_ (1) الوافي 3: 125 والزركشي: 280 وابن الشعار 6: 161 ومعجم الأدباء 18: 205 وبغية الوعاة: 47 والشذرات 5: 93. (2) الوافي: حجب.

وقد صرت كالطفل في عقله ... قليل الصواب كثير الهذاء (1) أنام كنت في مجلس ... وأسهر عند دخول الغناء (2) وقصر خطوي قيد المشيب ... وطال على ما عناني عنائي وما جر ذلك غير البقا ... فكيف ترى سوء فعل البقاء وقال أيضاً: تقول حليلتي لما رأتني ... وقد أزمعت عن وطني غدوا أقم واطلب مرامك من صديق ... فقلت لها يصير إذاً عدوا وقال أيضاً: لا والذي سخر قلبي لها ... عبداً كما سخر لي قلبها ما فرحي في حبها غير أن ... تبيح لي من هجرها قلبها وقال أيضاً: ومهفهف غض الشباب أنيقه ... كالبدر غصني (3) الشباب وريقه نازعته مشمولة فأدارها ... من وجنتيه ومقلتيه وريقه وقال أيضاً: يا قوم ما بي مرض واحد ... لكن بي عدة أمراض ولست أدري بعد ذا كله ... أساخط مولاي أم راضي وقال أيضاً: ومقرطق وجدي عليه كردفه ... وتجلدي والصبر عنه كخصره نادمته في ليلة من شعره ... أجلو محاسنه بشمعة ثغره

_ (1) الوافي: الهراء. (2) المطبوعة: الفناء؛ وهو خطأ. (3) المطبوعة: غضي.

ابن أبي الربيع الهواري

وقال أيضاً: لي في هواك وإن عذبتني أرب ... شطر ثانيينفي السلو ولو قطعت آرابا لا أطلب الروح من كرب الغرام ولو ... صبت علي سماء الحب أوصابا ولست أبغي ثواب الصبر عنك ولو ... ألبستني من سقام الجسم أثوابا وشقوتي بك لا أرضى النعيم بها ... وساعة منك تسوى النار أحقابا وكان مغرى بالقمار والنرد لا يكاد يفارقهما إلا إذا لم يجد من يساعده على ذلك. 458 - (1) ابن أبي الربيع الهواري محمد بن سليمان بن عبد الله بن يوسف، جمال الدين الهواري - بتشديد الواو وبعد الألف راء - المالكي المعروف بابن أبي الربيع؛ كان فاضلاً أديباً، قال قطب الدين اليونيني: قال ابن خلكان: أنشدني جمال الدين لنفسه: لولا التطير بالخلاف وأنهم ... قالوا مريض لا يعود مريضا لقضيت نحبي خدمة بفنائكم ... لأكون مندوباً قضى المفروضا ومن شعره: أحباب قلبي إن تحكمت النوى ... في بيننا وجرى القضاء بما جرى فلقد غضضت عن الورى من بعدكم ... طرفاً يرى من بعدكم أن لا يرى

_ (1) الوافي 3: 127 والزركشي: 280، وكانت وفاته بالقاهرة في شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وستمائة.

شمس الدين ابن العفيف التلمساني

وقال أيضاً: سريت من السواد إلى السويدا ... مسير البدر في طرفي وقلبي قضيت من النوى وطراً وها قد ... قضيت - لك البقا - في البعد نحبي وقال في موسى بن يغمور (1) : لك الله يا موسى فأنت محمد ال ... صفات وفكري فيك حسان مدحه إذا ما دجا ليل من الخطب مظلم ... فمن يداك البيضاء إسفار صبحه وكتب إلى صديق له يدعى الصدر: ما زلت في بعد وقرب ... صباً إليك وأي صب حزت القلوب بأسرها ... والصدر موضع كل قلب وقال أيضاً " فيه ": وتوسوست باشتياقي إلى الصد ... ر وما زال موضع الوسواس 459 (2) شمس الدين ابن العفيف التلمساني محمد بن سليمان بن علي، شمس الدين ابن الشيخ عفيف الدين التلمساني؛ قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله في حقه: نسيم سرى، ونعيم جرى،

_ (1) المطبوعة: يوسف بن يعفور؛ وهو خطأ. (2) الوافي 3: 129 والزركشي: 280 والشذرات 5: 405 والبداية والنهاية 13: 326 والنجوم الزاهرة 8: 29 وقد نشر ديوانه مرات، والاشارة هنا إلى طبعة النجف 1967 بعناية الأستاذ شاكر هادي شكر؛ وهذه الترجمة من التراجم القليلة التي فارق فيها المؤلف الاعتماد على الوافي.

وطيف لا بل أخف موقعاً منه في الكرى، لم يأت إلا بما خف على القلوب، وبرئ من العيوب، رق شعره فكاد أن يشرب، ودق فلا غرو للقضب أن ترقص والحمام أن يطرب، ولزم طريقة دخل فيها لا استئذان، وولج القلوب ولم يقرع باب الآذان، وكان لأهل عصره ومن جاء على آثارهم افتتان بشعره وخاصة أهل دمشق فإنه بين غمائم حياضهم ربي، وفي كمائم رياضهم حبي، حتى تدفق نهره، وأينع زهره، وقد أدركت جماعة من خلطائه لا يرون عليه تفضيل شاعر، لا يروون له شعراً إلا وهم يعظمونه كالمشاعر، لا ينظرون له بيتاً إلا كالبيت، ولا يقدمون عليه سابقاً حتى لو قلت ولا امرأ القيس لما باليت، ومرت له ولهم بالحمى أوقات لم يبق من زمانها إلا تذكره، ولا من إحسانها إلا تشكره، وأكثر شعره لا بل كله رشيق الألفاظ، سهل على الحفاظ، لا يخلو من الألفاظ العامية، وما تحلو به المذاهب الكلامية، فلهذا علق بكل خاطر، وولع به كل ذاكر، وعاجله أجله فاخترم، وحرم أحباه لذة الحياة وحرم. فمن شعره (1) : بلا غيبة للبدر وجهك أجمل ... وما أنا فيما قلته متجمل ولا عيب عندي فيك لولا صيانة ... لديك بها كل امرئ يتبذل لحاظك أسياف ذكور فما لها ... كما زعموا مثل الأرامل تغزل وما بال برهان العذار مسلماً ... ويلزمه دور وفيه تسلسل وعهدي أن الشمس بالصحو آذنت ... فما بال سكري من (2) محياك يقبل كأنك لم تخلق لغير نواظر ... تسهدها وجداً وقلباً تعلل حبيبي ليهن الحسن أنك حزته ... ويهن فؤادي أنه لك منزل

_ (1) الديوان: 199. (2) الوافي: وسكري أراه في.

إذا كنت ذا ود صحيح فلم يكن ... يضرني العذال حيث تقولوا رأوا منك حظي في المحبة آخراً ... لذا حرفوا عني الحديث وأولوا وقال أيضاً (1) : بعينيك هذي الفاترات التي تسبي ... يهون علي اليوم يا حبي إذا ما رأت عيني جمالك مقبلاً ... وحقك يا روحي سكرت بلا شرب وإن هز عطفيك الصبا متمايلاً ... أضاع الهوى نسكي وغيبت عن لبي فدعني وهذا الخد أعصر في فمي ... عناقيد صدغيه وحسبي به حسبي لو أن تجار اللؤلؤ الرطب شاهدوا ... ثناياك ما عنوا على اللؤلؤ الرطب أيا ساقي الكاس الذي زاده خده ... عليها احمراراً عد بالكاس عن صحبي وما ذاك بخلاً بالمدام وإنما ... إذا حلت لم آمن عليهم من السلب وبالله قل لي أيها الظبي كيف قد ... تعلمت صيد الأسد في شرك الهدب وماذا الذي قد بعت فاسترهنت به ... لديك الربى رهناً كثيباً من الكثب فخذ قصة الشكوى من الأعين التي ... نفيت لذيذ النوم عنها بلا ذنب ولا تعتبن صباً تهتك ستره ... عليك فهتك الستر أليق بالصب وقال أيضاً (2) : أعز الله أنصار العيون ... وخلد ملك هاتيك الجفون وضاعف بالفتور لها اقتداراً ... وإن تك أضعفت عقلي وديني (3) وأبقى دولة الأعطاف فينا ... وإن جارت على القلب الطعين وأسبغ ظل ذاك الشعر يوماً ... على قد به هيف الغصون وصان حجاب هاتيك الثنايا ... وإن ثنت الفؤاد إلى شجون

_ (1) الديوان: 71: (2) الديوان: 277. (3) الديوان: وجدد نعمة الحسن المصون.

وقال أيضاً (1) : أسير ألحاظ لخد (2) أسيل ... كليم أحشاء لطرف كليل في حب من حظي كشعر له ... لكن قصير ذا وهذا طويل ليس خليلاً لي ولكنه ... أضرم (3) في الأحشاء نار الخليل يا ردفه جرت على خصره ... رفقاً به ما أنت إلا ثقيل وقال أيضاً (4) : في غزلي من لحظ ذاك الغزال ... أخبار صب قتلته النبال غصن سقته أدمعي ثم ما ... أثمر لما مال إلا الملال حل ثلاثاً يوم حمامه ... ذوائباً تعبق منها الغوال فقلت والقصد ذؤاباته ... يا سهري في ذي الليالي الطوال وقال أيضاً (5) : لم أنس لما زارني مقبلاً ... أولاني الوصل وما ألوى وقعت بالرشف على ثغره ... وقع المساطيل على الحلوى (6) وقال أيضاً (7) : رأى رضاباً عن تسل ... يه أولو العشق سلوا ما ذاقه وشاقه ... هذا وما وكيف لو

_ (1) الديوان: 235. (2) الوافي: أجفان بخد؛ الديوان: بخد. (3) الوافي: يضرم. (4) الديوان: 234. (5) الديوان: 286. (6) الوافي: حلوى. (7) الديوان: 287 نقلاً عن الفوات.

وقال (1) : يا من أطال التجني ... وقد أسا في التوخي أسرفت تيهاً وعجباً ... وكثرة الشد يرخي وقال أيضاً (2) : بحق هذي الأعين الساحرة ... وحسن هذي الوجنة الزاهره خف في الهوى إثمي يا قاتلي ... فاليوم دنيا وغداً آخره قلبي مصر لك ما باله ... قد ذاب من أخلاقك القاهره وقال أيضاً (3) : أحلى من الشهد من هويت وكم ... شقت (4) به في الهوى مرارات وكيف لا تستطاب ريقته ... وثغره سكر سنينات وقال أيضاً (5) : يا خاله خضرة بعارضه ... حرستها عن متيم مغرى كف عن العاشقين مقتصرا ... هل أنت إلا حويرس الخضرا وقال أيضاً (6) : مثل الغزال نظرة ولفتة ... ممن ذا رآه مقبلاً ولا افتتن أعذب خلق الله ثغراً وفماً ... إن لم يكن أحمق بالحسن فمن

_ (1) الديوان: 89 عن الفوات والوافي. (2) الديوان: 128. (3) الديوان: 75. (4) الوافي: فتت. (5) الديوان: 125. (6) الديوان: 280.

في ثغره وخده وشكله (1) ... الماء والخضرة والوجه الحسن وقال أيضاً (2) : حللت بأحشاء لها منك قاتل ... فهل أنت فيها نازل أو منازل أرى الليل مذ حججت ما حال لونه ... على أنه بيني وبينك حائل أيسعدني يا طلعة البدر طالع ... ومن شقوتي خط بخديك نازل شطر ولو أن قساً واصف منك وجنة ... لأعجزه نبت بها وهو باقل على كل أمر منك عون فربما يعين الذي أبلى بما أنت فاعل وبي ساحر باللحظ للخد حارس ... وذابل أعطاف لدمعي نازل وشعر كليلي كان طولاً فما له ... قصير كحظي هل لذاك دلائل نعم قد تناهى في الغرام تطاولاً ... " وعند التناهي يقصر المتطاول " وقال أيضاً (3) : ما بين هجرك والنوى ... قد ذبت فيك من الجوى وحياة وجهك لا سلا ... عنك المحب ولا نوى يا فاتني بمعاطف ... سجدت لها قضيب اللوى يا من حكى بقوامه ... قد القضيب إذا التوى ما أنت عندي والقضي ... ب اللدن في حال سوا هذاك حركه الهوا ... ء وأنت حركت الهوى وقال أيضاً (4) : تمشى بصحن الجامع اليوم شادن ... على قده أغصان بان النقا تثني

_ (1) الوافي: وصدغه. (2) الديوان: 200. (3) الديوان: 285. (4) الديوان: 276.

فقلت ولد لاحت عيه حلاوة ... ألا فانظروا هذي الحلاوة في الصحن وقال أيضاً (1) : بدا وجهه من فوق أسمر قده ... وقد لاح من ليل الذوائب في جنح فقلت عجيباً كيف لم يذهب الدجى ... وقد طلعت شمس النهار على رمح وقال أيضاً (2) : وهل فيه من شيء أن طرفه ... لكل فؤاد في البرية صائد وأن محياه إذا قابل الدجى ... أضاء به جنح من الليل راكد فكم يتجافى خصره وهو ناحل ... وكم يتحالى ريقه وهو بارد وكم يدعي صوناً وهذي جفونه ... بفترتها للعاشقين مواعد وقال أيضاً (3) : للعاشقين بأحكام الغرام رضى ... فلا تكن في الهوى بالعذل معترضا روحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا ... عهد الوفي الذي للعهد ما نقضا قف واستمع سيرة الصب الذي قتلوا ... فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا رأى فحب فرام (4) الوصل فامتنعوا ... فرام صبراً فأعيا نيله فقضى وقال أيضاً موشح (5) : بدر عن الوصل في الهوى عدلا ... مالي عنه إن جار أو عدلا مذهب مترك اللحظ لفظه خنث ...

_ (1) الديوان: 86. (2) الديوان: 91. (3) الديوان: 158. (4) الديوان: فسام. (5) الديوان: 293.

إليه تصبو الحشا وتنبعث ... أشكو إليه وليس يكترث ... دعا فؤادي بأن يذوب قلى ... الموت والله إذ دعا وقلى أقرب لم يبق لي مقلة ولا كبد ... والقلب فيه أودى به الكمد ... وليس يلفى لهجره أمد ... لا تعجبوا أن غدوت محتملا ... لكن قلبي إن كان عنه سلا أعجب بالحسن كل العقول قد نهبا ... والحزن كل القلوب قد وهبا ... شمس ولكنني لديه وهبا ... فانظر لذاك القوام كيف جلا ... غصن وكم بالجمال منه جلا غيهب وقال ذوبيت (1) : قاسيت بك الغرام والهجر سنين ... ما بين بكاء وأنين وحنين أرضيك ولا تزداد إلا غضباً ... الله كما أبلى بك القلب يعين وقال أيضاً (2) : يا من بفؤادي نار وجدي غادر ... من قاس إليك حسنه من فاخر لا تخش إذا ما قيل هذا حسن ... عن غيرك فالشيخ غداً شيء آخر وقال أيضاً (3) :

_ (1) الديوان: 280. (2) الديوان: 145. (3) الديوان: 284.

يا من غدت القلوب في حكم (1) يديه ... ذا صبك كم تهدي تجنيك إليه عذل وتسهيد ووجد وقلى ... ما تم على الكلاب (2) ما تم عليه وقال أيضاً (3) : لا تعتقدوا عذاره الفتان (4) ... قد وشح ورد الخد بالريحان ذا خالقه قد خط في وجنته ... لاماً كتبت بالقلم الريحاني وقال أيضاً (5) : يا ممرض جسم صبه بالتيه (6) ... أوردت فؤاده بحار التيه لا يطلب مضنى مغرم فيه سوى ... إبلاغ حويجة له في فيه وقال أيضاً (7) : كم يشمت بي في حبك العذال ... كم يكثر فيك القيل بي والقال والصبر بكل حالة أليق بي ... أحتاج أداريك ويمشي الحال وقال أيضاً (8) : إن صد وراح (9) للجفا يعتمد ... أو زال وداده الذي أعتقد فالأمر له وما عليه حرج ... لا يدخل بينه وبيني (10) أحد

_ (1) الديوان: طوع. (2) الديوان: العشاق. (3) الديوان: 274. (4) كذا هو أيضاً في الديوان. (5) الديوان: 283 (6) الديوان: يا ممرض ضبه بكثر التيه. (7) الديوان: 211. (8) الديوان: 92. (9) الديوان: وأضحى. (10) المطبوعة: بيني وبينه.

وقال أيضاً (1) : وقد أصبح آخر الهوى أوله ... فالعاذل في هواك ما لي وله بالله عليك خل ما أوله ... وارحم دنفاً حشو حشاه وله وكانت وفاة شمس الدين المذكور في شهور سنة ثمان وثمانين وستمائة بدمشق، وكان مولده بالقاهرة في عاشر جمادى الآخرة سنة إحدى وستين وستمائة. ورثاه والده الشيخ عفيف الدين وذكر أخاه أيضاً (2) : ما لي بفقد المحمدين يد ... مضى أخي ثم بعده الولد يا نار قلبي وأين قلبي أو ... يا كبدي لو يكون لي كبد يا بائع الموت مشتريه أنا ... فالصبر ما لا يصاب والجلد أين البنان التي إذا كتبت ... وعاين الناس خطها سجدوا أين الثنايا التي إذا ابتسمت ... أو نطقت لاح لؤلؤ نضد ما فقدتك الإخوان (3) يا ولدي ... وإنما شمس أنسهم (4) فقدوا محمد يا محمد عدداً ... وما لما ليس ينتهي عدد " منها " (5) : ماذا على الغاسلين إذ قرب الأم لاك منه لو أنهم بعدوا قد حملت نفسه العلوم إلى ال فردوس والنعش فوقه الجسد أبكيت خالاتك الضواحك من قبل وما صفاتك النكد بي كبر مسنى وأمك قد شاخت فمن أين لي يرى ولد وهبه قد كان لي فمثلك لا يرجى وأين الزمان والأمد

_ (1) الديوان: 281. (2) الوافي: 135. (3) الوافي: الأقران. (4) الوافي: أفقهم. (5) زيادة من الوافي.

ابن النقيب المفسر

" منها ": يا ليتني لم أكن أباً لك أو ... يا ليت ما كنت أنت لي ولد قيل: إنه عمل مرة جماعة سماعاً حسناً وكان فيه جماعة ملاح، فبعثوا منهم مليحاً إلى شمس الدين يطلبونه من والده، فلما جاء الرسول كتب والده على يده: أرسلتما لي رسولاً في رسالته ... حلو المراشف والأعطاف والهيف وقدتما ويسير ذاك أنكما ... وقدتما النار في بادي الضنا (1) دنف فلما حضر ولده وبلغته الواقعة واطلع على مجيء الرسول كتب إلى والده: مولاي كيف انثنى عنك (2) الرسول ولم ... تكن لوردة خديه بمرتشف جاءتك من بحر ذاك الحسن لؤلؤة ... فكيف ردت بلا ثقب إلى الصدف؟ 460 (3) ابن النقيب المفسر محمد بن سليمان بن الحسن بن الحسين، العلامة الزاهد جمال الدين أبو عبد الله البلخي الأصل المقدسي الحنفي، المعروف بابن النقيب أحد الأئمة؛ ولد سنة إحدى عشرة وستمائة، ودخل القاهرة ودرس بالعاشورية ثم تركها

_ (1) المطبوعة: في وسط الحشا. (2) المطبوعة: كيف أتى لك، وهو خطأ، والبيتان في الديوان: 183 نقلاً عن الوافي والفوات. (3) الوافي 3: 136 والجواهر المضية 2: 57 والبدر السافر: 107 والشذرات 5: 442 والأنس الجليل 2: 556 والسلوك 1: 881.

وأقام بالجامع الأزهر مدة. وكان صالحاً زاهداً متواضعاً عديم (1) التكلف، وكان الأكابر يترددون إليه ويسألونه الدعاء، وصرف همته إلى التفسير وصنف تفسيراً حافلاً جمع فيه خمسين مصنفاً وذكر في أسباب النزول والقراءات والإعراب واللغات والحقائق وعلم الباطن، قيل إنه في خمسين مجلدة. وتوفي سنة ثمان وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى. 461 - (2) نجم الدين ابن إسرائيل محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل بن الحسن بن علي ابن الحسين، نجم الدين أبو المعالي الشيباني الشاعر المشهور؛ ولد بدمشق سنة ثلاث وستمائة، وتوفي بها سنة سبع وسبعين وستمائة، ودفن داخل قبة الشيخ رسلان. صحب الشيخ علي الحريري ولبس الخرقة من الشيخ شهاب الدين السهروردي وسمع عليه وأجلسه في ثلاث خلوات. وكان قادراً على النظم مكثراً منه، مدح الرؤساء والقضاة وغيرهم، وتجرد وسافر " إلى " البلاد على قدم الفقر (3) وقضى الأوقات الطيبة، وكان ريحانة المشاهد وديباجة السماعات. وحضر بعض الليالي وقتاً وفيه نجم الدين ابن الحكيم الحموي فغنى المغني من شعر ابن إسرائيل قوله:

_ (1) في المطبوعة: عظيم، وهو خطأ واضح. (2) الوافي 3: 143 والزركشي: 282 والبدر السافر: 107 وابن الفرات: 7: 131 والشذرات 5: 359 ولسان الميزان 5: 195 وعبر الذهبي 5: 316 والبداية والنهاية 13: 283. (3) الوافي: الفقراء.

وما أنت غير الكون بل أنت عينه ... ويفهم هذا السر من هو ذائق فقال " ابن " الحكيم: كفرت كفرت، فقال ابن إسرائيل: لا ما كفرت ولكن أنت ما تفهم؛ وتشوش الوقت. ومن شعره: وفى لي من أهواه جهراً بموعدي ... فأرغم عذالي عليه وحسدي وزار على شحط المزار تطولاً ... على مغرم بالوصل لم يتعود فيا حسن ما أبدى لعيني جماله ... ويا برد ما أهدى إلى قلبي الصدي ويا صدق أحلامي ببشرى وصاله ... ويا نيل آمالي ويا نجح مقصدي نديمي من سعد أريحا ركائبي ... فقد أمنت من أن تروح وتغتدي ولا تلزمني النسك فالحب شاغلي ... ولا تذكرا لي الورد فالراح موردي ولا تقفا بي في الرسوم التي عفت ... فقد طال حبسي بين نؤي وموقد ومرا علي حي بمنعرج اللوى ... وقولا لغزلان الصريم ألا ابعدي ولا تسعداني بعدها لكما البقا ... فما في بعد اليوم فقر لمسعد أمن بعد ما قد برق الشوق غلتي ... وزار الكرى أجفان طرفي المسهد وهامت بي الصهباء وجداً فكل من ... سقاها له طرف إلى رؤيتي صدي وأمسيت والكاسات شمسي وأصبحت ... عروس حميا الحان تجلى على يدي وأضحت ظباء الحي صيد خلاعتي ... وإن صدن من أهل النهى كل أصيد ذراني وعزمي والدجى ومزاره ... فقد أبت العلياء إلا تفردي ولا تأيسا من روحه وتأسيا ... فكم معرض في اليوم يقبل في غد ففي الحي صب باع مهجة نفسه ... لجيرة ذاك الحي نقداً بموعد هو الحب إما منية أو منية ... ودون العلا حد الحسام المهند ألم تريا أني وجدت تلذذي ... برؤياه عقبى حيرتي وتلددي وقد عشت دهراً والزمان يهزني ... وتطربني الألحان من كل منشد

فأغدو وفي ليل الغدائر دائباً ... أضل ومن صبح المباسم أهتدي ويسقم جسمي كل جفن وتارة ... يورد دمعي كل خد مورد فطوراً أرى في الربع يبدو تولهي ... وطوراً وراء الظعن يوهى تجلدي أحن للمع النار شب ضرامها ... بنعمان في ظل الأراك المعمد وأصبو متى هبت صباحاً جرية ... تخبرني عن منجد غير منجدي وتخجل أجفاني السحاب بوبلها ... متى لاح لي برق ببرقة ثهمد وقال في غلام جميل الصورة حياه بتفاحة: لله تفاحة وافى به سكني ... فسكنت لهباً في القلب يستعر كفرصة المسك وافاني الغزال بها ... وغرة النجم حياني بها القمر حمراء في صورة المريخ عاطرة ... يزري بنشر الحميا نشرها العطر أتى بها قاتلي نحوي فهل أحد ... قبلي تمشى إليه الغصن والثمر وقال أيضاً: عسى الطيف بالزوراء منك يزور ... فقد نام عنه كاشح وغيور وكيف يزور الطيف صباً مسهداً ... له النجم بعد الظاعنين سمير سروا في ضياء من شموس خدورهم ... كأن سراهم في الظلام منير ظعائن تغزوا الجيش وهي رديفة ... عليهن من سمر الرماح ستور إذا نزلوا أرضاً تولت محولها ... وأضحت وفيه روضة وغدير وإن فارقوا أرضاً غدت ورمالها ... من الطيب مسك والتراب عبير أأحبابنا النائين أدعو وبيننا ... سهول عسير قطعها ووعور سقى أبرق الحنان حيث مصيفكم ... من المزن داني الهيدبين مطير ودار لكم بالبان عن أيمن الحمى ... يلوح عليها نضرة وسرور قريبة عهد بالخليط رسومها ... مواثل ما محت لهن سطور كأن مواطي الخيل فيها أهله ... وآثار أخفاف المطي بدور

وقال أيضاً: في ذمة الله من أهوى وإن بانا ... وإن أسر الغدر الذي بانا وفي سبيل الهوى عهداً تحمله ... قلب يرى حفظه الأيمان إيمانا يا ظاعناً لم أكن من قبل فرقته ... أهوى ربوعاً ولا أشتاق أوطانا لم يبق بينك عندي يا منى أملي ... للشوق قلباً ولا للدمع أجفانا وقال أيضاً في كحال كحل محبوبه: يا سيد الحكماء هذي سنة ... مسنونة في الطب أنت سننتها أو كلما كلت سيوف جفون من ... سفكت لواحظه الدماء (1) سننتها وقال أيضاً: يا من يشير إليهم المتكلم ... وإليهم يتوجه المتظلم وعليهم يحلو التأسف والأسى ... ويلذ لوعات الغرام المغرم هذا الوجود وإن تعدد ظاهراً ... وحياتكم ما فيه إلا أنتم وشغلتم كلي بكم وجوارحي ... وجوانحي أبداً سمعت فمنكم أو عنكم وإذا نطقت ففي صفات جمالكم ... وإذا سألت الكائنات فعنكم وإذا سكرت فمن مدامة حبكم ... وبذكركم في سكرتي أترنم إذا نظمت تغزلاً في صورة ... فلأجل حسنكم المحجب أنظم أنتم حقيقة كل موجود بدا ... ووجود هذي الكائنات توهم أنا في وجودكم غريب بائس ... وغريبكم ما باله لا يرحم وقال أيضاً: وأهيف القامة عذب اللمى ... يقر عينيه دوام السهر

_ (1) الزركشي: أجرى دماء العاشقين.

وما رأينا قبل أجفانه ... من نرجس يذبل وقت السحر وقال أيضاً: إن أم سمراً أو أراك ... فإنما مقصدهم أن أراك وإن ترنمت بذكر الحمى ... فإنما عقد ضميري حماك وإن دعا غيرك داع فما ... أحسب إلا أنه قد دعاك وإن بكا صب حبيباً فما ... أحسب إلا أنه قد بكاك يا جملة الحب وتفصيله ... أجملت إذ فرغتني من سواك ويا غنياً عن غرامي به ... من لي بأن يرحم فقري غناك ملأت كل الكون عشقاً فما ... أعرف قلباً خالياً من هواك وقال أيضاً: إلى كم، رعاك الله، تنأى وأقرب ... وأرضى بما تجني علي وتغضب فلا أنت مشك إن شكوت فيشتفي ... فؤادي وإن أعتب فما أنت معتب تكلفت لي ذاك الوداد فلم يدم ... وكل وداد بالتكلف يصعب ومن يتكلف ضد ما هو طبعه ... تعد نفسه للطبع، والطبع أغلب يقولون هند لا تدوم وزينب ... على العهد، كل الناس هند وزينب تطلبت وداً لا يكون لعلة ... فأعوزني وجدان ما أتطلب وحاولت من يوفي بعهد فلم أجد ... كأن الذي حاولت عنقاء مغرب تلطف فإن اللطف منك سجية ... تعطف فإن العطف منك مجرب وإن كان لا بداً من الهجر فاتئد ... لعل رحيلي عن جنابك يقرب سأرحل عنك اليوم لا متلفت ... بوجهي كأني خائف مترقب وأما ودادي فهو باق وإن من ... بقاء ودادي أنني أتعتب وقال أيضاً: يا غزالاً قد سبانا حسنه ... وهلالاً لاح في غصن لجين

قمر العقرب (1) خوفت؛ فمن ... منصفي من قمر في عقربين وقال أيضاً: ما أحسن الجامع في ليلة الن ... صف وقد لاح عليه السرور وأشبهت زهر قناديله ... كاسات راح للندامى تدور وقارن النسر الثريا به ... وقابل البدر هناك البدور وقال أيضاً: ما مثل جامعنا ومثل وقيده ... كضياء طلعة شاهدي ومواصلي وكأن ذاك الوجه قنديل يرى ... ومن العذار معلق بسلاسل وقال أيضاً في مروحة: ومحبوبة في القيظ لم تخل من يد ... وفي القر تجفوها أكف الحبائب إذا ما الهوى المقصور هيج عاشقاً ... أتت بالهوى الممدود من كل جانب وقال في مليح مغن: وأهيف إن غنى فقمري بانة ... وإن ماس من عجب فبعض غصونها تحرك خلف الدف حتى تحركت ... شطر ثانيقلوب رجال فجعت بسكونها وقال أيضاً: هل عهد ليلى بالكثيب عائد ... أم طيفها لسقم جسمي عائد حوراء حار العقل في صفاتها ... لها الجمال عاشق وحاسد فكل عضو فيه بدر طالع ... وكل عطف فيه غصن مائد فعطفها وحسن صبري ناقص ... وحسنها وفرط وجدي زائد يا كعبة الحسن التي أحجها ... فؤاد مضناك عليك وافد قد سقت في الهوى إليك مهجتي ... والدم دمع لغرامي شاهد

_ (1) قمر العرب، والتصويب عن الزركشي.

وطفت في مغناك حتى ملني ... من أرضك الرسوم والمعاهد ولم أقصر فيك عن حفظ الهوى ... شطر ثانيوالحر من يحفظ من يعاهد وربما يجمع جمع شملنا ... بكم وتصفو عندك الموارد وعلنا نقضي منانا يمنى ... وتنقضي من وصلنا المواعد أو لا فموتي فيكم شهادة ... علي فيها بالرضى شواهد وحكى لي الشيخ عز الدين الدربندي المؤذن بالجامع الأموي، رحمه الله تعالى، قال: أخبرني نجم الدين ابن إسرائيل قال: أضقت في بعض الأوقات إضاقة شديدة، فقلت في نفسي: والله لا مدحت غير الله تعالى، فقلت القصيدة السينية التي أولها: يا ناق ما دون الأثيل معرس ... جدي فصبحك قد بدا يتنفس واستصحبي عزماً يبلغ الحمى ... لتظل تغبطك الجواري الكنس قال: فجاءت اثنين وستين بيتاً، وكان لي عادة أن أنظم القصيدة وأنقحها فيما بعد، فعرضت القصيدة فلم أر فيها ما يحذف، فنمت ليلتي، فلما كان وقت السحر وإذا بالباب يدق، فقمت فوجدت قاصداً من مصر ومعه كتاب من الأمير جمال الدين " ابن " يغمور، وصحبته صرة ذهب، وقال: الأمير يسلم عليك، وهذه برسم النفقة، فعددت الذهب فكان اثنين وستين ديناراً، أو كما قال، رحمه الله تعالى.

شرف الدين ابن الوحيد

462 - (1) شرف الدين ابن الوحيد محمد بن شريف بن يوسف، الكاتب شرف الدين بن الوحيد صاحب الخط الفائق والنظم والنثر؛ كان تام الشكل حسن البزة موصوفاً بالشجاعة متكلماً بعدة ألسن، يضرب المثل بحسن كتابته. توفي سنة إحدى عشرة وسبعمائة وقد شاخ. سافر إلى العراق واجتمع بياقوت المجود، وكان قد اتصل بخدمة بيبرس الجاشكنير، وكتب له أجزاء ختمة في سبعة أجزاء بليقة ذهب بقلم الثلث في قطع البغدادي (2) ، دخل فيها جملة من الذهب أعطاها له الجاشكنير (3) ألف وستمائة دينار أو ألف وأربعمائة دينار، دخل الختمة ستمائة دينار وأخذ الباقي، فقيل له في ذلك فقال: متى يعود آخر مثل هذا يكتب مثل هذه الختمة؛ وزمكها (4) صندل المذهب، وهي وقف في جامع الحاكم. وكتب السبعة أقلام طبقة، وخدم بديوان الإنشاء بالقاهرة، ومن نظمه في تفضيل الحشيش: وخضراء لا الحمراء تفعل فعلها ... لها وثبات في الحشا وثبات تؤجج ناراً في الحشا وهي جنة ... وتبدي مرير الطعم وهي نبات وقال أيضاً: جهد المغفل في الزمان مضيع ... وإن ارتضى أستاذه وزمانه

_ (1) الوافي 3: 150 والزركشي: 283 والبدر السافر: 108 والدرر الكامنة 4: 73. (2) الوافي: بليقة ذهبية قلم الأشعار ثلث كبير قطع البغدادي. (3) زاد في الوافي: برسم الليقة لا غير. (4) زمك: وضع حاشية ضيقة (للثواب أو لغيره) .

كالثور في الدولاب يسعى وهو لا ... يدري الطريق فلا يزال مكانه وكان ناصر الدين شافع قد وقف على شيء من نظمه فأثنى عليه وشكره فلما بلغ ابن الوحيد ذلك قال: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وكان ناصر الدين شافع قد عمي، فلما بلغه قوله كتب إليه أبياتاً يهجوه: نعم نظرت ولكن لم أجد أدباً ... يا من غدا واحداً في قلة الأدب عيرتني بعمى أصبحت تذكره (1) ... والعيب في الرأس دون العيب في الذنب وكان الواقع " عظيماً " (2) بينه وبين محيي الدين ابن البغدادي، و " ابن البغدادي " (3) عمل له ذلك المنشور الذي أقطعه فيه قائم الهرمل وابن عروة وأبو عروق وما أشبه هذه الأماكن. ورأيت كتاب " خواص الحيوان " وفيه مكتوب ذكر الضبع: من خواص شعرها أنه من تحمل بشيء منه حدث له البغاء، وقد كتب ابن البغدادي على الهامش: أخبرني الثقة شريف الدين ابن الوحيد الكاتب أنه جرب ذلك فصح معه، أو كما قال.

_ (1) الوافي: جازيت مدحي وتقريظي بمييرة. (2) زيادة عن الوافي. (3) وابن عروة: لم ترد في الوافي.

العلوي

463 - (1) العلوي محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن ابن علي بن أبي طالب؛ حمله المتوكل من البادية سنة أربعين ومائتين في من طلبه من آل أبي طالب، فحبس ثلاث سنين ثم أطلق، فأقام بسامرا ثم عاد إلى الحجاز. وكان راوية أديباً شاعراً، وهو القائل في الحبس من أبيات: وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق بالحمى لمعانه يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنع أركانه فدنا لينظر أين لاح فلم يجد (2) ... نظراً إليه وصده سجانه فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه 464 (3) عماد الدين الدنيسري محمد بن عباس بن أحمد بن صالح، الحكيم البارع عماد الدين الدنيسري؛ ولد بدنيسر سنة خمس وستمائة (4) ، وقرأ الطب حتى برع فيه، وساد (5)

_ (1) الوافي 3: 154 ومعجم الشعراء: 380 والأغاني 16: 282. (2) الوافي: يطق. (3) الوافي 3: 200 والزركشي: 284 وابن أبي أصيبعة 2: 267 والشذرات 5: 397 والبدر السافر: 119. (4) الوافي: خمس أو ست وستمائة. (5) في المطبوعة: وقد سافر.

وسمع الحديث بالديار المصرية، وصحب البهاء زهيراً مدة وتخرج به في الأدب والشعر، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي، وصنف " المقالة المرشدة في درج الأدوية المفردة " و " أرجوزة في الدرياق الفاروق "، ونظم " مقدمة المعرفة " (1) لبقراط وغير ذلك، وسكن الشام، وخدم بالقلعة في الدولة الناصرية ثم خدم بالبيمارستان الكبير، وكان أبوه خطيباً بدنيسر. سمع منه قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى والبرزالي. وتوفي سنة ست وثمانين وستمائة. ومن شعره، رحمه الله تعالى: وقلت شهودي في هواك كثيرة ... وأصدقها قلبي ودمعي مسفوح فقال شهود ليس يقبل قولهم ... فدمعك مقذوف وقلبك مجروح وقال أيضاً: عشقت بدراً مليحاً ... عليه في الحسن هاله مثل الغزال ولكن ... تغار منه الغزاله فقلت أنت حبيبي ... ومالكي لا محاله جسمي يذوب وجفني ... دموعه هطاله بعثت من نار وجدي ... مني إليه رساله ولي عليك شهود ... معروفة بالعداله وقال أيضاً: إذا رفع العود تكبيره ... ونادى على الراح داعي الفرح رأيت سجودي لها دائماً ... ولكن عقيب ركوع القدح وقال أيضاً:

_ (1) الوافي: تقدمة المعرفة.

بدر الدين ابن الفويرة

كلفت بالمعسول من ريقه ... وهمت بالعسال من قده بدر إذا أبصرته مقبلاً ... أبصرت بدر التم في سعده يجرح قلبي لحظه مثلما ... يجرحه لحظي في خده قلت لعذالي على حبه ... والقلب موقوف على وجده من يده في الما إلى زنده ... يعرف حر الماء من برده وقال أيضاً: ولقد سألت وصاله فأجابني ... عنه الجمال إشارة عن قائل في نون حاجبه وعين جفونه ... مع ميم مبسمه جواب السائل 465 (1) بدر الدين ابن الفويرة محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن حفاظ، بدر الدين السلمي الحنفي الدمشقي، ابن الفويرة؛ تفقه على الصدر سليمان، وبرع في المذهب ودرس وأفتى، وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدين ابن مالك ونظر في الأصول، وقال الشعر الفائق، وكان ذا مروءة ودين ومعروف، وهو والد القاضي جمال الدين ابن الفويرة. ومن شعره: وشاعر يسحرني طرفه ... ورقة الألفاظ من شعره

_ (1) الوافي 3: 235 والجواهر المضية 2: 82 والزركشي: 285 والشذرات 5: 347 وعبر الذهبي 5: 306 والنجوم الزاهرة 7: 253 وضبط الفويرة بكسر الراء المهملة، وكانت وفاة ابن الفويرة سنة 675 في جمادى الأولى منها.

أنشدني نظماً بديعاً له ... أحبب بذاك النظم من ثغره وقال أيضاً: عاينت حبة خاله ... في روضة من جلنار فغدا فؤادي طائراً ... فاصطاده شرك العذار وقال: كانت دموعي حمراً قبل بينهم ... فمذ نأوا قصرتها لوعة الحرق قطفت باللحظ ورداً من خدودهم ... فاستقطر البين (1) ماء الورد من حدقي وقال أيضاً: ورياض كلما انعطفت ... نثرت أوراقها ذهبا تحسب الأغصان حين شدا ... فوقها القمري منتحبا ذكرت عصر الشباب وقد ... لبست أبراده القشبا فانثنت في الدوح راقصة ... ورمت أثوابها طربا (2) وقال أيضاً: والروض مثل العروس قد خطرت ... أعطافه في ملابس قشب وريقه الطل قد طفت درراً ... على كؤوس الشقيق كالحبب في أعين النور كالدموع وفي ... مباسم الأقحوان كالشنب وقال أيضاً: ألا رب غصن أثمر البدر طالعاً ... وأورق ليلاً من عذاريه أليلا محياه روض نرجس اللحظ زهره ... وقد سال فيه عارض الخد جدولا

_ (1) الوافي: البعد. (2) إلى هنا تنتهي الترجمة في الوافي.

وقال أيضاً: ألمت بنا والليل زهر نجومه ... كأحداق زهر فتحتها الحدائق وأبدت محياها لنا وتبسمت ... وهل مع شروق الشمس يلمع بارق وقال أيضاً: تأمل إلى الروض الأنيق وحسنه ... وبهجة ذاك النور بين الحدائق وقد نثرت أيدي السماء لآلئاً ... نظمن حباباً في كؤوس الشقائق وقال يمدح الملك الناصر يوسف بن عبد العزيز: أذاع لسان الدمع يوم النوى سري ... وحلت أكلف البين في عرى صبري وطلت على الأطلال (1) أسياف نأيهم ... دمي واغتدى قلبي أسيراً مع السفر وعطل نادي الأنس من حلي حسنهم ... فحليته من أدمع العين (2) بالدر رعى الله ليلات تقضت بوصلهم ... فقد كن كالخيلان في وجنة الدهر وحيا رياضاً بالحمى كنت منهم ... أنال المنى في ظل أغصانه الخضر وأركض طرف اللهو في حلبة الهوى ... فأعثر في ذيل المسرة بالسكر ولله ليل زارني في ظلامه ... غزال رشيق القد كالغصن النضر شربت مياه الحسن من روض وجهه ... براحة طرفي والدجى مسبل الستر وبتنا وثوب الوصل ينشر بيننا ... إلى أن طوت برد الظلام يد الفجر فقام كبدر التم في غسق الدجى ... يدير شموس الراح في الأنجم الزهر وطاف علينا بالكؤوس ضحى وقد ... تمايل عطف الروض في الحلل الخضر تعانق قد الغصن أيديه تارة ... ويلثم طوراً ثغره وجنة النهر وألقت عليه الشمس ثوب شعاعها ... لتمسح دمع الطل من أعين الزهر وفاح نسيم يعبث في الربى ... بديباج روض حاكه واكف القطر

_ (1) المطبوعة: اطلاق، والتصويب عن الزركشي. (2) المطبوعة: أعين الدمع، وصوبته عن الزركشي.

شهاب الدين الباجربقي

وينساب منها الماء بين شقائق ... بدت كالغواني في غلائلها الحمر كما لمعت أسياف يوسف في الوغى ... مخضبة أطرافها من دم الكفر ومنها في المديح أيضاً: يشيد بنيان المعالي لمجده ... ويرفل في ثوب المكارم والفخر هو البحر يسطو في غدير مفاضة ... بجدوله الماضي على الجحفل المجر ويغرس في لباتهم سوسن القنا ... فينبت ورد الطعن من ساحة الصدر ولو لم تكن يمناه غيثاً لما بدا ... بها لامعاً برق المهندة البتر ولا أورقت بالنضر في موقف الوغى ... وقد جال أغصان المثقفة السمر ويا عجباً من كفه كيف أضرمت ... شرار حروب وهي أندى من البحر ورقصت في ليل المداد عقيلة ... تناغي بألفاظ أرق من الخمر وقد قلدت من بحر علياك جيدها ... بنظم لآل هذبته يد الفكر تغالي ملوك الأرض في مهر مثلها ... وها هي قد جاءت إليك بلا مهر 466 (1) شهاب الدين الباجربقي محمد بن عبد الرحيم بن عمر الباجربقي (2) الجزري، الشيخ الزاهد ابن المفتي الكبير جمال الدين؛ تحول جمال الدين بولديه بعد الثمانين

_ (1) الوافي 3: 249 والدرر الكامنة 4: 130 والشذرات 6: 64 وذيل العبر: 134 ودول الاسلام 2: 177 والنجوم الزاهرة 9: 258 والبداية والنهاية 14: 15. (2) المطبوعة: عبد الرحمن بن عمر الباجريقي، وهو خطأ. والباجربقي: نسبة إلى باجريق، قرية من قرى بين النهرين (ياقوت) .

وستمائة إلى دمشق، فسمعهما من ابن البخاري، وجلس للإفادة والإفتاء ودرس ومات وقد شاخ بعد الستمائة، فتزهد ولده محمد المذكور وحصل له حال وكشف، فانقطع فصحبه جماعة من الرذالة، وهون لهم أمر الشرائع وأراهم بوارق شيطانية، وكان له قوة تأثير، فقصده جماعة من الفضلاء قلدوا الشيخ صدر (1) الدين ابن الوكيل في تعظيمه، وكان ممن قصده الشيخ مجد الدين التونسي النحوي، فسلكه على عادته، فجاء إليه في اليوم الذي قال له تعود إلي فيه فقال له: ما رأيت؟ قال: وصلت في سلوكي إلى السماء الرابعة، فقال: هذا مقام موسى بن عمران بلغته في أربعة أيام، فرجع الشيخ مجد الدين إلى نفسه وتوجه إلى القاضي وحكى له ما جرى، وتاب إلى الله تعالى وجدد إسلامه، فطلب الباجربقي وحكم بإراقة دمه فاختفى، وتوجه إلى مصر وانقطع بالجامع الأزهر وتردد إليه جماعة، وكان الشيخ صدر الدين يتردد إليه " وهو بدمشق " ويجلس بين يديه ويحصل له بهت في وجهه، ويضع يده تحت ذقنه ويخلل ذقنه بأصابعه وينشد: عجب من عجائب البر والبح ... ر وشكل فرد ونوع غريب وشهد عليه مجد الدين التونسي وخطيب الزنجيلية والشيخ أبو بكر ابن شرف (2) بما أبيح به دمه، وحكي عنه التهاون بالصلاة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم باسمه من غير تعظيم ولا صلاة عليه، حتى يقول: ومن محمد هذا؟ فحكم القاضي جمال الدين الزواوي المالكي بإراقة دمه، فاختفى وسافر إلى العراق، وسعى أخوه بحماية بيبرس العلائي إلى الحنبلي، فشهد نحو العشرين بأن الستة الذين شهدوا عليه بينهم وبينه عداوة، فحقن الحنبلي دمه، فغضب المالكي وجدد الحكم بقتله، وجاء بعد مدة ونزل بالقابون على باب دمشق، ولم

_ (1) الوافي: نصر الدين. (2) الوافي: مشرف.

شمس الدين الرسعني

يزل مختفياً إلى أن مات، وله ستون سنة، سنة أربع وعشرين وسبعمائة. وكان يقول: إن لرسل طولت على الأمم الطريق (1) إلى الله تعالى. 467 - (2) شمس الدين الرسعني محمد بن عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني (3) ، العدل شمس الدين المحدث الحنبلي نزل دمشق؛ كان شيخاً أبيض مليح الشكل، ولد سنة عشر (4) وستمائة، وسمع من ابن روزبه وابن بهروز وابن القبيطي وكريمة وجماعة، وأم بالمسجد الكبير بالرماحين، وسافر إلى مصر في شهادة، ولما عاد دخل الشريعة يسقي فرسه فغرق ولم يظهر له خبر، وذلك سنة تسع وثمانين وستمائة. كتب إليه بهاء الدين " ابن " الأرزني (5) : أحن إلى تلك السجايا وإن نأت ... حنين أخي ذكرى حبيب ومنزل وأهدي إليها من سلامي مشاكلاً ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل فأجابه شمس الدين المذكور: على فترةٍ جاء الكتاب معطراً ... بمسكٍ سحيقٍ لا بريا القرنفل

_ (1) الوافي: الطرق. (2) الوافي 3: 251 والزركشي: 286 والبدر السافر: 112 والشذرات 5: 410 وعبر الذهبي 5: 364 وذيل ابن رجب 2: 324. (3) في المطبوعة: الرسعيني، وكذلك هو في الوزركشي، والمشهور ما أثبته، ولعل ((الرسعيني)) نسبة شائعة. (4) الوافي: في بضع عشرة. (5) المطبوعة: الأزدي، والتصويب عن الوافي.

أمير المؤمنين المهدي

فأذكرني ليلات وصل تصرمت ... بدار حبيب لا بدارة جلجل شكوت إلى صبري اشتياقاً فقال لي ... ترفق ولا تهلك أسى وتجمل فقلت له إني عليك معول ... وهل عند رسم دارس من معول ومن شعره أيضاً: ولو أن إنسان يبلغ لوعتي ... ووجدي وأشجاني إلى ذلك الرشا لأسكنته عيني ولم أرضها له ... ولولا لهيب القلب أسكنته الحشا وقال أيضاً: أأحبابنا إن جادت المزن أرضكم ... فما هي إلا من دموعي تمطر (1) وإن لاح برق فهو برق أضالعي ... وإن ناح ورقعن أنيني (2) يخبر وإن نسمت ريح الصبا وتأرجت ... فمن طيب أنفاسي بكم تتعطر وإن رنحت أغصان دجلة فانثنت ... فعني بإبلاغ النسيم تخبر (3) ومن عجب أني أكتم لوعة ... وأودعها طي الصبا وهي تنشر 468 (4) أمير المؤمنين المهدي محمد بن عبد الله، أمير المؤمنين المهدي ابن المنصور، ثالث خلفاء

_ (1) البدر السافر: تقطر. (2) البدر: حنيني. (3) البدر: تبشر. (4) الوافي 3: 300 والزركشي: 287 والشذرات 1: 266 والروحي: 47 والفخري: 161 وتاريخ الخلفاء: 296 وخلاصة الذهب المسبوك: 90 ودول الإسلام 1: 86 والبدء والتاريخ 6: 95 وتاريخ بغداد 5: 391 وابن الساعي: 23 وانظر المصادر التاريخية الكبرى (كالطبري واليعقوبي والمسعودي وابن الأثير وابن خلدون ... الخ) .

بني العباس؛ مولده سنة سبع وعشرين ومائة؛ كان جواداً ممدحاً، مليح الشكل محبباً إلى الرعية، قصاباً (1) للزنادقة، وكان ملكه عشر سنين وشهراً ونصفاً، مات في سنة تسع وستين ومائة، وعاش ثلاثاً وأربعين سنة، وصلى عليه ولده هارون الرشيد. ومن شعره: أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود أما يكفيك أنك تملكني ... وأن الناس كلهم عبيدي وأنك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الرضى أحسنت زيدي وكتب إلى جاريته الخيزران وهو في منتزه له: نحن في أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتم السرور عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غبتم ونحن حضور فأغذوا المسير بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع النسيم فطيروا دخل ابن الخياط المكي عليه فقبل يده ومدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم، فلما قبضها فرقها على الناس وقال: لمست بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فضيعت ما عندي وبلغ المهدي ذلك فأعطاه بكل درهم ديناراً. وجلس المهدي جلوساً عاماً فدخل عليه رجل وبيده منديل فيه نعل، فقال: يا أمير المؤمنين، هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهديتها لك، فأخذها منه وقبلها ووضعها على عينيه وأعطاه عشرة آلاف درهم، فلما خرج قال لجلسائه: ما ترون؟ إني أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها فضلاً عن أن يكون قد لبسها، ولو كذبناه لقال للناس:

_ (1) المطبوعة: قصاصاً، وأثبت ما في الوافي والزركشي.

أبو الشيص الشاعر

أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها علي، وكان من يصدقه أكثر ممن يكذبه، إذ كان من شأن العامة الميل إلى أشكالها، والنصرة للضعيف على القوي وإن كان ظالماً، فاشترينا لسانه وقبلنا هديته وصدقنا قوله، وكان الذي فعلناه أرجح وأنجح. 469 - (1) أبو الشيص الشاعر محمد بن عبد الله بن رزين، الشاعر المشهور الملقب بأبي الشيص، وهو ابن عم دعبل الخزاعي؛ توفي سنة ست وتسعين ومائة، وقد كف بصره. قال أبو الشيص وهو مشهور عنه (2) : وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة ... حباً لذكرك فليلمني اللوم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم وأهنتني فأهنت روحي عامداً ... ما من يهون عليك ممن يكرم فأخذ بعض المغاربة هذا المعنى فقال: هددت بالسلطان فيك وإنما ... أخشى صدودك لا من السلطان أجد اللذاذة في الملام فلو درى ... أخذ الرشا مني الذي يلحاني

_ (1) الوافي 3: 302 والزركشي: 287 والأغاني 16: 319 والشعر والشعراء: 721 وتاريخ بغداد 5: 401 والسمط: 506 وطبقات ابن المعتز: 72 ونكت الهميان: 257 وجمع شعره الاستاذ عبد الله الجبوري (بغداد 1967) . (2) الديوان: 92.

محمد ابن طاهر

ولأبي الشيص (1) : لا تنكري صدي ولا إعراضي ... ليس المقل عن الزمان براض شيئان لا تصبو النساء إليهما ... حلي المشيب وحلة الإنفاض حسر المشيب قناعه عن رأسه ... فرمينه بالصد والإعراض ولربما جعلت محاسن وجهه ... لجفونها غرضاً من الأغراض 470 (2) محمد ابن طاهر محمد بن عبد الله بن طاهر بن لحسين الخزاعي الخراساني، الأمير أبو العباس؛ كان جواداً ممدحاً أديباً شاعراً، مألفاً لأهل الفضل والأدب " من بيت الأدب " (3) والإمرة والتقدم، ولاه المتوكل على بغداد، وعظم سلطانه في دولة المعتز إلى أن مات بالخوانيق سنة ثلاث وخمسين ومائتين، ومن شعره ما كتبه إلى جارية له: ماذا تقولين في من شفه سقم ... من جهد حبك حتى صار حيرانا فأجابته: إذا رأينا محباً قد أضر به ... جهد الصبابة أوليناه إحسانا وقال في حسن العشرة:

_ (1) الديوان: 72. (2) الوافي: 3: 304 والزركشي: 287 وتاريخ بغداد 5: 418 ومعجم الشعراء: 383 والديارات: 81. (3) زيادة من الوافي.

أبو عبد الله ابن الأبار

أواصل من هويت على خلال ... أذود بهن ليات المقال وأحفظ سره والغيب منه ... وأرعى عهده في كل حال وفاء لا يحل به انتكاث ... وود لا تخونه الليالي وأوثره على عسر ويسر ... وينفذ حكمه في سر مالي وأغفر نبوة الإدلال منه ... إذا ما لم يكن غير الدلال وما أنا بالملول ولا بجاف ... ولا الغدر المذمم من فعالي وقال في الأترنج: جسم لجين قميصه ذهب ... ركبت فيه بديع تركيب فيه لمن شمه وأبصره ... لون محب وريح محبوب 471 (1) أبو عبد الله ابن الأبار محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن، الحافظ العلامة أبو عبد لله القضاعي البلنسي، الكاتب الأديب المعروف بابن الأبار؛ ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة. عني بالحديث وجال في الأندلس وكتب العالي والنازل، وكان بصيراً بالرجال عالماً بالتاريخ إماماً في العربية، فقيهاً مفنناً (2) أخبارياً فصيحاً، له يد في البلاغة والإنشاء، كامل الرياسة، ذا رياسة

_ (1) الوافي 3: 355 والزركشي: 287 والبدر السافر: 120 والذيل والتكملة 6: 253 واختصار القدح: 191 (وعنه النفح 3: 303 وانظر أيضاً 2: 589) ورحلة ابن رشيد وعنوان الدراية: 309 وأزهار الرياض 3: 204 والمغرب 2: 309 والشذرات 5: 275 وعبر الذهبي 5: 249 ولعبد العزيز عبد المجيد مؤلف عنه (تطوان 1951) . (2) الوافي: مقرئاً.

وافية وأبهة (1) وتجمل وافر. وله من المصنفات " تكملة الصلة " لابن بشكوال. كتاب " تحفة القادم " وكتاب " إيماض البرق ". قتل مظلوماً بتونس على يد صاحبها لأنه تخيل منه الخروج وشق العصا، وقيل إن بعض أعدائه ذكر عند صاحب تونس أنه ألف تاريخاً وأنه تكلم فيه جماعة، فلما طلب وأحس بالهلاك قال لغلامه: خذ البغلة وامض بها حيث شئت فهي لك، وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة. ومن شعره: مرقوم (2) الخد مورده ... يكسوني السقم مجرده شفاف الدر له جسد ... بأبي ما أودع مجسده في وجنته من نعمته ... جمر بفؤادي موقده ريم يرمي عن أكحله ... زرقاً تصمي من يصمده متداني الخطوة من ترف ... أترى الأحجال تقيده ولاه الحسن وأمره ... وأتاه السحر يؤيده وقال أيضاً: ونهر كما ذابت سبائك فضة ... حكى بمحانيه انعطاف الأراقم إذا الشفق استولى عليه احمراره ... تراءى خضيباً (3) مثل دامي الصوارم وقال أيضاً (4) :

_ (1) الوافي: ذا جلالة وأبهة. (2) المطبوعة: منظوم. (3) المطبوعة: قضيباً، والتصويب عن الوافي: تبدي خضيباً. (4) ليست هذه القصيدة لأبي عبد الله بن الأبار وإنما هي لأبي جعفر أحمد بن محمد الخولاني ويعرف أيضاً بابن الأبار، وقد نسبها لهذا الثاني ابن بسام في الذخيرة وابن خلكان في الوفيات 1: 141 وفي ترجمة ابن الأبار هذا انظر الذخيرة 2: 52 والمغرب 1: 253 والجذوة: 107 وبغية الملتمس رقم: 364 ومسالك الأبصار 11: 18 وقد أخطأ الزركشي أيضاً في نسبتها لابن الأبار المؤرخ؛ أما الصفدي فلم يقع في هذا الوهم.

لم تدر ما خلدت عيناك في خلدي ... من الغرام ولا ما كابدت كبدي أفديك من رائد رام الدنو فلم ... يسطعه من فرق في القلب متقد خان العيون فوافاني على عجل ... معطلاً جيده إلا من الجيد عاطيته الكأس فاستحيت مدامتها ... من ذلك الشنب المعسول والبرد حتى إذا غازلت أجفانه سنة ... وصيرته يد الشهباء طوع يدي أردت توسيده خدي وقلت له ... فقال كفك عندي أفضل الوسد فبات في حرم لا غدر يذعره ... وبت ظمآن لم أصدر ولم أرد بدر ألم وبدر الأفق ممتحق ... والجو محلولك الأرجاء من حسد تحير الليل فيه أين مطلعه ... أما درى الليل أن البدر طوع يدي وقال أيضاً (1) : زارني خيفة الرقيب مريبا ... يتشكى القضيب منه الكثيبا رشأ راش لي سهام المنايا ... من جفون تصمي بهن القلوبا قال لي: ما ترى الرقيب مطلاً ... قلت ذره أتى (2) المكان الرحيبا واسقنيها بخمر (3) عينيك صرفاً ... واجعل الكأس منك ثغراً شنيبا عاطني أكؤس الرضاب دراكاً ... وأدرها علي كوباً فكوبا ثم لما أن نام من بعد نعسٍ (4) ... وتلقى الكرى سميعاً مجيبا قال لابد أن تدب إليه ... قلت أبغي رشاً وآخذ ذيبا

_ (1) هذه القصيدة أيضاً ثابتة النسب لابن الأبار الخولاني (انظر الحاشية السابقة) وقد وردت في ترجمته في الذخيرة والنفح 3: 477. (2) المطبوعة: أين، والتصويب عن النفح. (3) النفح: من خمر. (4) النفح: من نتقيه.

الشيخ جمال الدين ابن مالك

قال فابدأ بنا وثن عليه ... قلت عمري لقد وقعت (1) قريبا فوثبنا على الغزال وثوباً ... ودببنا إلى الرقيب دبيبا فهل أبصرت أو سمعت بصب ... ناك محبوبه وناك الرقيبا 472 (2) الشيخ جمال الدين ابن مالك محمد بن عبد الله " بن عبد الله " بن مالك، الإمام العلامة الأوحد جمال الدين الطائي الجياني الشافعي النحوي نزيل دمشق؛ ولد سنة ستمائة (3) وسمع بدمشق وتصدر بحلب لإقراء العربية، وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وأربى على المتقدمين، وكان إماماً في القراءات وعللها، صنف فيه قصيدة دالية مرموزة في قدر الشاطبية، وأما اللغة فكان إليه المنتهى فيها، وكان إماماً في العادلية فكان إذا صلى فيها يشيعه قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان إلى بيته تعظيماً له، وأما النحو والتصريف فكان فيهما بحراً لا يشق لجه (4) ، وأما اطلاعه على أشعار العرب التي يستشهد بها على النحو فكان أمراً عجيباً، وكان الأئمة الأعلام يتحيرون في أمره، وأما الاطلاع على الحديث فكان فيه غاية (5) ، وكان أكثر ما يستشهد بالقرآن، فإن كان ما فيه

_ (1) المطبوعة: كلا لقد رفعت؛ النفح: لقد أتيت. (2) الوافي 3: 359 والزركشي: 288 ونفح الطيب 2: 222 وغاية النهاية 2: 180 وبغية الوعاة: 53 والبلغة: 299 والسلوك 1: 613 ومرآة الجنان 4: 172. (3) الوافي: سنة إحدى " وستمائة ". (4) المطبوعة: لججه. (5) الوافي: آية.

شاهد عدل إلى الحديث فإن لم يكن " فيه " شيء عدل إلى أشعار العرب، هذا مع ما هو عليه من الدين والعبادة وكثرة النوافل وحسن السمت وكمال العقل، وانفرد عن المغاربة بشيئين: الكرم والمذهب الشافعي، وأقام بدمشق مدة يصنف ويشغل (1) بالجامع وبالتربة العادلية، وتخرج به جماعة، وكان نظم الشعر عليه سهلاً، وصنف كتاب " تسهيل الفوائد ". مدحه سعد الدين ابن عربي بأبيات مليحة إلى الغاية وهي هذه: إن الإمام جمال الدين جمله ... رب العلا ولنشر العلم أهله أملى كتاباً له يسمى الفوائد لم ... يزل مفيداً لذ لب تأمله فكل مسألة في النحو يجمعها ... إن الفوائد جمع لا نظير له ومن تصانيفه " سبك المنظوم وفك المختوم " وكتاب " الكافية الشافية " ثلاثة آلاف بيت، وشرحها و " الخلاصة " و " هي " " مختصر الشافية " و " إكمال الإعلام بمثلث الكلام " و " فعل وأفعل " و " المقدمة الأسدية " وصنفها باسم ولده الأسد، و " عدة اللافظ وعمدة الحافظ " و " النظم الأوجز فيما يهمز " و " الاعتضاد في الظاء والضاد " و " إعراب مشكل البخاري ". وكانت وفاته سنة اثنتين وسبعين وستمائة. قال شرف الدين الحصني يرثيه بأبيات، رحمه الله تعالى: يا شتات الأسماء والأفعال ... بعد موت ابن مالك المفضال وانحراف الحروف من بعد ضبط ... منه في الانفصال والاتصال مصدراً كان للعلوم بإذن الل ... هـ من غير شبهة ومحال عدم النعت والتعطف والتو ... كيد مستبدلاً من الإبدال ألم اعتراه أسكن منه أسكن منه ... حركات كانت بغير اعتلال يا لها سكنة لهمز قضاء ... أورثت طول مدة الانفصال

_ (1) المطبوعة: ويشتغل.

حافي رأسه النحوي

رفعوه في نعشه فانتصبا ... نصب تمييز كيف سير الجبال صرفوه يا عظم ما فعلوه ... وهو عدل معرف بالجمال أدغموه في الترب من غير مثل ... سالماً من تغير الانتقال وقفوا عند قبره ساعة الدف ... ن وقوفاً ضرورة الامتثال ومددنا الأكف نطلب قصراً ... مسكناً للنزيل من ذي الجلال آخر الآي من سبا حظنا من ... هـ حظه جاء أول الأنفال يا لسان الأعراب يا جامع الإ ... عراب يا مفهماً لكل مقال يا فريد الزمان في النظم والنث ... ر وفي نقل مسندات العوالي كم علوماً بثثتها في أناس ... علموا ما بثثت عند الزوال 473 (1) حافي رأسه النحوي محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر، العلامة جمال الدين التلمساني؛ محيي الدين النحوي (2) المعروف بحافي رأسه. كان من أئمة العربية، وكان يحفظ " الإيضاح " للفارسي، ويقرئ بداره. ولد بتلمسان سنة ست وستمائة وسمع من ابن رواج (3) وجماعة، وتصدر للاشتغال زماناً، أخذ عنه تاج الدين الفاكهاني وجماعة.

_ (1) الوافي 3: 364 والزركشي: 289 والبدر السافر: 117 (وقال فيه: الزناتي المازوني) وبغية الوعاة: 57 والبلغة: 230 (وفي نسبته: الزناتي الكملاني) ؛ وذكر صاحب البدر السافر أنه توفي سنة 691. (2) المطبوعة: النووي، وهو خطأ واضح. (3) المطبوعة: رواحة.

ولقب بحافي رأسه لحفرة كانت في رأسه (1) ، وقيل لأنه كان في أول أمره مكشوف الرأس، وقيل رآه رئيس في الثغر فأعطاه ثياباً جدداً لبدنه فقال: هذا لبدني ورأسي حافي!؟ فأمر له بعمامة، فلقب بحافي رأسه. ومن شعره: ومعتقد أن الرياسة في الكبر ... فأصب ممقوتاً بها وهو لا يدري يجر ذيول الكبر طالب رفعة ... ألا فاعجبوا من طالب الرفع بالجر وقال أيضاً: يا منكراً من بخل الثغر ما ... عرف الورى أنكرت ما لا ينكر أقصر فقد صحت نتانة أهله ... ومن الثغور كما علمت الأبخر وقال أيضاً: ومعلمي الصبر الجميل بهجره ... فثنى فؤاداً عنه لم يك ينثني لا بد من أجر لكل معلم ... وإلى السلو ثواب ما علمتني وكتب إلى الأمير نور الدين علي بن مسعود الصوابي: شكوت إليك نور الدين حالي ... وحسبي أن أرى وجه الصواب " ي " وكتبي بعتها ورهنت حتى ... بقيت من المجوس بلا كتاب وتوفي سنة ثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنا وعنه.

_ (1) زاد الصفدي أيضاً: وقيل كان في رأسه شيء يشبه ح.

ابن حواري الحنفي

474 - (1) ابن حواري الحنفي محمد بن عبد المنعم بن نصر الله بن جعفر بن أحمد بن حواري، الشيخ تاج الدين أبو المكارم التنوخي المعري الأصل الدمشقي الحنفي، ويعرف بابن شقير، الأديب الشاعر؛ ولد سنة ست وستمائة، وهو أخو المحدث الأديب نصر الله، وكانت وفاة تاج الدين سنة تسع وستين وستمائة. ومن شعره: ما ضر قاضي الهوى العذري حين ولي ... لو كان في حكمه يقضي علي ولي وما عليه وقد صرنا رعيته ... لو أنه مغمد عنا ظبا المقل يا حاكم الحب لا تحكم بسفك دمي ... إلا بفتوى فتور الأعين النجل ويا غريم الأسى الخصم الألد هوى ... رفقاً علي فجسمي في هواك بلي أخذت قلبي رهناً يوم كاظمة ... على بقايا دعاو للهوى قبلي ورمت مني كفيلاً بالأسى عبثاً ... وأنت تعلم أني بالغرام ملي وقد قضى حاكم التبريج مجتهداً ... علي بالوجد حتى ينقضي أجلي لذا قذفت شهود الدمع فيك عسى ... أن الوصال بجرح الجفن يثبت لي لا تسطون بعسال القوام على ... ضعفي فما آفتي إلا من الأسل هددتني بالقلى حسبي الجفا وكفى ... " أنا الغريق فما خوفي من البلل " وقال أيضاً: أما الوفاء فشيء ليس يتفق ... من بعد ما خنت يا قلبي بمن أثق أغراك طرفي بما أغراك من فتن ... حتى سبتك القدود الهيف والحدق

_ (1) الوافي 4: 47 والزركشي: 290 والجواهر المضية 2: 85 والنجوم الزاهرة 7: 233.

وقد تشاركتما في فتح باب الهوى ... سدت على سلوتي من دونه الطرق سعيتما في دمي بغياً فيا لكما ... لفرط بغيكما التبريح والأرق حتام لا ترعوي يا قلب ذب كمداً ... فحسبك المزعجان الشوق والقلق (1) تبيت (2) صباً كئيباً نهب جند هوى ... لا قاتلي بك طول الدهر معتلقي طوراً بنجد وأحياناً بكاظمة ... وتارة لك يبدو بالحمى علق وكل يوم تعنيني إلى أمل ... من دونه المرهفات البيض تمتشق أبكي لكي تنطفي من أدمعي حرقي ... وكلما فاض دمعي زادت الحرق وكنت أشكو ولي صبر ولي رمق ... فكيف حالي ولا صبر ولا رمق وقال أيضاً: وغزال سبا فؤادي منه ... ناظر راشق وقد رشيق ريقه رائق السلافة والثغ ... ر حباب وخده الراووق حل صدغيه ثم قال أفرق ... بين هذين؟ قلت فرق دقيق وقال أيضاً: واحيرة القمرين منه إذا بدا ... وإذا انثنى يا خجلة الأغصان كتب الجمال ويا له من كاتب ... سطرين من خديه بالريحان " ي " وكان تاج الدين يلقب بالهدهد، فأعطاه الملك الناصر ضيعة على نهر ثورا (3) ، فحسده جماعة وسعوا على إخراجها من يده، فكتب إلى الملك الناصر: ما قدر داري في البناء فسعيهم ... في هدمها قد زاد في مقدارها

_ (1) المطبوعة: والأرق. (2) المطبوعة: لقيت. (3) المطبوعة: نورا؛ وهو خطأ.

شهاب الدين ابن الخيمي

هب أنها إيوان كسرى رفعة ... أو ما بجودك كان أصل قرارها فاكتب بأني لا أعارض كاتب ... عصب يضن علي في إنكارها (1) فالنص جاء عن النبي محمد ال ... هادي: " أقروا الطير في أوكارها " وقال أيضاً ذوبيت: أقسمت برشق المقلة النباله ... قلبي وبلين القامة العساله ما ألبسني حلة وضنى ... يا هذه سوى جفونك القتاله 475 (2) شهاب الدين ابن الخيمي محمد بن عبد المنعم بن محمد، شهاب الدين " ابن " الخيمي الأنصاري، اليمني الأصل، المصري الدار؛ حدث بجامع الترمذي عن ابن البناء المكي، وحدث بكثير من مروياته، روى عن الصقلي (3) وابن منير وابن الظاهري، وكان هو المقدم على شعراء عصره مع المشاركة في كثير من العلوم، وشعره في الذروة، وكان يعاني الخدم الديوانية، وباشر وقف مدرسة الشافعي ومشهد الحسين، وفيه أمانة ومعرفة، وكان معروفاً بالأجوبة المسكتة، ولم يعرف عنه غضب، عاش اثنتين وثمانين سنة، وكانت وفاته بالقاهرة سنة خمس وثمانين وستمائة.

_ (1) في المطبوعة: فاكتب فإني لا أعارض، فكتب: (2) الوافي 4: 50 والزركشي: 291 والبدر السافر: 129 والشذرات 5: 393 وعبر الذهبي 5: 354 والنجوم الزاهرة 7: 339 وابن الفرات 8: 42 وحسن المحاضرة 1: 569 وانظر ابن خلكان 2: 106. (3) في الوافي: الدمياطي.

اتفق أن نجم الدين ابن إسرائيل حج، فرأى ورقة ملقاة فيها القصيدة التي لابن الخيمي البائية المشهورة فادعاها. قال قطب الدين اليونيني في تاريخه: إن ابن إسرائيل وابن الخيمي اجتمعا بعد ذلك بحضرة جماعة من الأدباء، وجرى الحديث، فتحاكما إلى شرف الدين ابن الفارض فقال: ينبغي لكل واحد منكما أن ينظم أبياتاً على هذا الوزن والروي، فنظم ابن الخيمي: لله قوم بجرعاء الحمى غيب ... القصيدة ... ونظم ابن إسرائيل: لم يقض من حقكم بعض الذي يجب ... القصيدة ... فلما وقف عليهما ابن الفارض قال لابن إسرائيل: لقد حكيت ولكن فاتك الشنب ... وحكم بالقصيدة لابن الخيمي، واستجاد بعض الحاضرين أبيات ابن إسرائيل وقال: من ينظم مثل هذا ما الحامل له على (1) ادعاء ما ليس له؟ فابتدر ابن الخيمي وقال: هذه سرقة عادة لا سرقة حاجة، وانفصل المجلس وسافر ابن إسرائيل لوقته من الديار المصرية، وطلب ابن خلكان وهو نائب الحكم بالقاهرة الأبيات من ابن الخيمي، فكتبها له وذيل في آخرها أبياتاً، وسأله الحكم بينه وبين من ادعاها: والقصيدة المدعاة هي هذه: يا مطلباً ليس لي في غيره أرب ... إليك التقصي وانتهى الطلب " وما طمحت لمرأى أو لمستمع ... إلا المعنى إلى علياك ينتسب " وما أراني أهلاً أن توصلني ... حسبي علواً بأني فيك مكتئب لكن ينازع شوقي تارة أدبي ... فأطلب الوصل لما يضعف الأدب

_ (1) المطبوعة: الحاجة ... إلى.

ولست أبرح في الحالين ذا قلق ... نام وشوق له في أضلعي لهب ومدمع كلما كفكفت صيبه (1) ... صوناً لذكراك يعصيني وينسكب ويدعي في الهوى دمعي مقاسمتي ... وجدي وحزني ويجري وهو مختضب كالطرف يزعم توحيد الحبيب ولا ... يزال في ليلة للنجم يرتقب يا صاحبي قد عدمت المسعدين فسا ... عدني على وصبي لا مسك الوصب بالله إن جزت كثباناً بذي سلم ... قف بي عليها وقل لي هذه الكثب ليقضي الخد من أجراعها وطراً ... في تربها ويؤدي بعض ما يجب ومل إلى البان من شرقي كاظمة ... فلي إلى البان من شرقيها أرب (2) وخذ يميناً لمغنى تهتدي بشذا ... نسيمه الرطب إن ضلت بك النجب حيث الهضاب (3) وبطحاها يروضها ... دمع المحبين لا الأنداء والسحب أكرم به منزلاً تحميه هيبته ... عني وأنواره لا السمر والقضب دعني أعلل نفساً عز مطلبها ... فيه وقلباً لغدر ليس ينقلب ففيه عانيت قدماً حسن من حسنت ... به الملاحة واعتزت به الرتب أحيا إذا مت من شوق لرؤيته ... بأنني لهواه فيه منتسب ولست أعجب من جسمي وصحته ... في حبه إنما سقمي هو العجب والهف نفسي لو أجدي تلهفها ... غوثاً وواحربا لو ينفع الحرب يمضي الزمان وأشواقي مضاعفة ... يا للرجال ولا وصل ولا سبب يا بارقاً بأعالي الرقمتين بدا ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب ويا نسيماً سرى من حي كاظمة ... بالله قل لي كيف البان والعذب وكيف جيرة ذاك الحي (4) هل حفظوا ... عهداً أراعيه إن شطوا إن قربوا

_ (1) الوافي: أدمعه. (2) الوافي: طرب. (3) المطبوعة: الرضاب. (4) الوافي: الجو.

أم ضيعوا ومرادي منك ذكرهم ... هم الأحبة إن أعطوا وإن سلبوا إن كان يرضيهم إبعاد عبدهم ... فالعبد منهم بذاك البعد مقترب والهجر إن كان يرضيهم بلا سبب ... فإنه من لذيذ الوصل محتسب وإن هم احتجبوا عني فإن لهم ... في القلب مشهود وحسن ليس يحتجب قد نزه اللطف والإشراق بهجته ... عن أن تمنعها الأستار والحجب ما ينتهي نظري منهم إلى رتب ... في الحسن إلا ولاحت فوقها رتب وكلما لاح معنى من جمالهم ... لباه شوق إلى معناه منتسب أظل دهري ولي من حبهم طرب ... ومن أليم اشتياقي نحوهم حرب وكان الذي نظمه ابن إسرائيل: لم يقض في حبكم بعض الذي يجب ... صب متى ما جرت ذكراكم يجب أحبابنا والمنى تدني زيارتكم ... وربما حال من دون المنى الأدب قاطعتمون فأحزاني مواصلة ... وحلتم فحلا لي فيكم التعب ما رابكم من حياتي بعد بعدكم ... وليس لي في حياة بعدكم أرب رحتم بقلبي وما كادت لتسلبه ... لولا قدودكم الخطية السلب يا بارقاً ببريق الحزن لاح لنا ... أأنت أم أسلمت أقمارها النقب ويا نسيماً سرى والعطر يصحبه ... أجزت حيث مشين الخرد العرب أقسمت بالمقسمات الزهر تحجبها ... سمر العوالي والهندية القضب لكدت تشبه برقاً من ثغورهم ... يا در دمعي لولا الظلم والشنب والقصيدة التي نظمها ابن الخيمي ثانياً مع ابن إسرائيل: لله قوم بجرعاء الحمى غيب ... جنوا علي ولما أن جنوا عتبوا يا رب هم أخذوا قلبي فلم سخطوا ... وإنهم غصبوا عيشي فلم غضبوا هم العريب بنجد مذ عرفتهم ... لم يبق لي معهم مال ولا نشب شاكون للحرب لكن من قدودهم ... وفاترات اللحاظ السمر والقضب

فما ألموا بحي أو ألم بهم ... إلا وغادروا على الأبيات وانتهبوا عهدت في دمن البطحاء عهد الهوى ... إليهم وتمادت بيننا حقب فما أضاعوا قديم العهد بل حفظوا ... لكن لغيري ذاك العهد قد نسبوا من منصفي من لطيف منهم غنج ... لدن القوام لإسرائيل ينتسب مبدل القوم ظلماً لا يفي بموا ... عيد الوصال ومنه الذنب والغضب تبين لثغته بالراء نسبته ... والمين منه بزور الوعد والكذب موحد فيرى كل الوجود له ... ملكاً ويبطل ما يأتي به النسب فعن عجائبه حدث ولا حرج ... ما ينتهي في المليح المطلق العجب بدر ولكن هلالاً لاح إذ هو بال ... وردي من شفق الخدين منتقب في كل كأس مبسمه من حلو ريقته ... خمر ودر ثناياه لها حبب فلفظه أبداً سكران يسمعنا ... من معرب اللحن ما ينسى به الأدب تجني لواحظه فينا ومنطقه ... جناية يجتنى من مرها الضرب حلو الأحاديث والألحاظ ساحرها ... تلقى (1) إذا نطق الألواح والكتب لم تبق (2) ألفاظه معنى يرق لنا ... لقد شكت ظلمه الأشعار والخطب فداؤه ما جرى في الدمع من مهج ... وما جرى في سبيل الحب محتسب ويح المتيم شام البرق من إضم ... فهزه كاهتزاز البارق الحرب وأسكن البرق من وجد ومن كلف ... في قلبه فهو في أحشائه لهب وكلما لاح منه بارق بعثت ... ماء المدامع من أجفانه سحب وما أعادت نسيمات الغوير له ... أخبار ذي الأثل إلا هزه الطرب واهاً له أعرض الأحباب عنه وما ... أجدت رسائله الحسنى ولا القرب ونظم الشيخ عفيف الدين التلمساني: لولا الحمى وظباء بالحمى عرب ... ما كان في البارق النجدي لي أرب

_ (1) الوافي: تلغى. (2) المطبوعة: لم تنف.

حلت عقود اصطباري دونه حلل ... خفوقها كارتياحاتي لها تجب وفي رياض بيوت الحي من إضم ... ورد جني ومن أكمامه النقب يسقي الأقاحي منها قرقف فإذا ... لاح الحباب عليها فاسمه الشهب (1) يقضي بها لعيون الناظرين على ... كل القلوب قضاء ما له سبب إلا تمارض أجفان إذا سلبت (2) ... فمقتضى همها المسلوب لا السلب وبي لدى الحلة الفيحاء غصن نقاً ... يهفو فيجذبه حقف فينجذب لا تقدر الحجب أن تخفي محاسنه ... وإنما في سناه الحجب تنحجب أعاهد الراح أني لا أفارقها ... من أجل أن الثنايا شبهها الحبب وأرقب البرق لا سقياه من أربي ... لكنه مثل خديه له لهب يا سالماً في الهوى مما أكابده ... رفقاً بأحشاء صب شفه الوصب فالأجر يا أملي إن كنت تكسبه ... من كل ذي كبد حراء يكتسب يا بدر تم تجافى في زيارته ... ما آن أن تنجلي عن أفقك السحب صحا السكارى وسكري دام (3) فيك أما ... للسكر لا سبب يروى ولا نسب قد آيس الصبر والسلوان أيسره ... وعاقت الصب عن آماله الوصب وكلما لاح يا عيني وميض سناً ... تهمي وإن هب يا قلبي صباً تجب " وقال العفيف التلمساني أيضاً: أينكر الوجد أني في الهوى شجب ... ودون كل دخان ساطع لهب وما سلوت كما ظن الوشاة ولا ... أسلو كما يترجى الواله الوصب " (4) فإن بكى لصباباتي عذول الهوى ... فلي بما منه يبكي عاذلي طرب ناشدتك الله يا روحي اذهبي كلفاً ... بحب قوم عن الجرعاء قد ذهبوا

_ (1) المطبوعة: الحبب. (2) المطبوعة: سبلت. (3) المطبوعة: ومن رام؛ وبه ينكسر الوزن. (4) زيادة ضرورية من الوافي.

لا تسأليهم ذماماً في محبتهم ... فطالما قد وفى بالذمة العرب هم أهل ودي وهذا واجب لهم ... وإنما ودهم لي فهو لا يجب هم ألبسوني سقاماً من جفونهم ... أصبحت أرفل فيه وهو ينسحب وصيرت أدمعي حمراً خدودهم ... فكيف أجحد ما منوا وما وهبوا هل السلامة إلا أن أموت بهم ... وجداً وإلا فبقيائي هي العطب إن يسلبوا البعض مني والجميع لهم ... فإن أشرف جزأي الذي سلبوا لو تعلم العذبات المائسات بمن ... قد بان عنها إذن ما اخضرت العذب ولو درى منهل الوادي الذي وردوا ... من وارد ماءه لاهتزه الطرب إني لأكظم أنفاسي إذا ذكروا ... كيلا يحرقهم من زفرتي اللهب أسائل البان عن ميل النسيم بهم ... سؤال من ليس يدري فيه ما السبب وتلك آثار لين في قدودهم ... جرت (1) بها الريح فاهتزت بها القضب تصحو السكارى ولا أصحو ظماً بكم ويسكر من بعض الذي شربوا ونظم الشيخ شهاب الدين محمود رحمه الله في هذه المادة: قضى وهذا الذي في حبهم يجب ... في ذمة الوجد تلك الروح تحتسب ما كان يوم رحيل الحي عن إضم ... لروحه في بقاء بعدهم أرب صب بكى أسفاً والشمل مجتمع ... كأنه كان للتفريق يرتقب نأوا فذابت عليهم روحه كمداً ... ما كان إلا النوى في حتفه سبب لم يدر أن قدود السمر مشبهة ... للبيض لو لم يكن أسماءها القضب وظن كأس الهوى يصحو الشريد بها ... إذ أوهمته الثنايا أنها الحبب طوبى له لم (2) يبدل دين حبهم ... بل مات وهو إلى الإخلاص ينتسب لو لم يمت فيهم ما عاش عندهم ... حياته من وفاة الحب تكتسب

_ (1) الوافي: مرت. (2) الوافي: لمن لم.

بانوا وفي الحي ميت ناح بعدهم ... له الحمام وسحت دمعها السحب وشق غصن النقا من أجله حزناً ... جيوبه وأديرت حوله العذب وشاهد الغيث أنفاساً يصعدها ... فعاد والبرق في أحشائه لهب يا بارق الثغر لو لاحت ثغورهم ... وشمت بارقها ما فاتك الشنب ويا حياً جادهم إن لم تكن كلفاً ... " ما بال عينك منها الماء ينسكب " (1) ويا قضيب النقا لو لم تجد خبراً ... عند الصبا منهم ما هزك الطرب بالله يا نسمات الريح أين هم ... وهل نأوا أم دموعي دونهم حجب بالله لما استقوا عن ديارهم ... أحنت الدار من شوق أم النجب وهل وجدت فؤادي في رحالهم ... فإنه عندهم من بعض ما سلبوا نأوا غضاباً وقلبي في إسارهم ... يا ليتهم غصبوا روحي وما غضبوا طوبى لقلب غدا في الركب عندهم ... كأنه عندهم ضيف وهم عرب وإن رجعت إليهم فاذكري خبري ... إني شرقت بدمع العين مذ غربوا ثم اذكري سفح دمعي في معاهدهم ... لا يذكر السفح إلا حن مغترب عساك أن تعطفي نحوي معاطفهم ... فالغصن بالريح ينأى ثم يقترب ومن شعر الشيخ شهاب الدين الخيمي (2) : كلفت ببدر في مبادي الدجى بدا ... فعاد لنا ضوء الصباح كما بدا وحجب عنا حسنه نور حسنه ... فمن ذلك الحسن الضلالة والهدى فيا عاذلي دعني ونار صبابتي ... عليه فإني قد وجدت بها (3) هدى وهاك يدي إني على ترك حبه ... مدى الدهر لا أعطيك يا عاذلي يدا فما العيش إلا أن أبيت مواصلاً ... لبدري أو في حب بدري مسهدا

_ (1) صدر بيت لذي الرمة، وعجزه: كأنه من كل مقربة سرب. (2) من هنا حتى آخر الترجمة لم يرد في الوافي. (3) المطبوعة: لها؛ وأثبت ما عند الزركشي.

فيا نار قلبي حبذا أنت مصطلى ... ويا دمع عيني حبذا أنت موردا ويا سقمي في الحب أهلاً ومرحباً ... ويا صحة السلوان شأنك والعدا وقال أيضاً: سلام على بعد المزار وقربه ... سلام فتى ما زال عن عهد حبه يعلله إن فاته طيب وصلكم ... لذيذ هواكم في سويداء قلبه ويلقى بخديه النسيم لأنه ... بمغناكم قد جر ذيلاً بثوبه (1) ويعترض الركبان على مبشراً ... بقربكم يقضي بتفريج كربه وقال أيضاً: هل لي إلى برد الثنايا من سبيل ... لمشوق ذاب من حر الغليل أو إلى الوصل وصول خلسة ... لمحب بين واش وعذول تعب الواشي ولو شاء اكتفى ... بوشاة من دموعي ونحولي وبواش من كثير الطيب إن ... سمح المحبوب بالوصل القليل وعذول لج في عذلي إذ ... لم ير الخال على الخد الأسيل لو رأى وجه حبيبي عاذلي ... لتفارقنا على وجه جميل حبذا وجه حبيبي جنة ... ذات ظل مد بالصدع ظليل لم يرق قلبي خليل غيره ... إنه خير حبيب وخليل خده الناظر برد ناره ... وسلام إنها نار الخليل أنا مقتول (2) كما شاء الهوى ... بالقوام اللدن والطرف الكحيل مت بالحب شهيداً فعسى في ... جنان الخلد أن يقضى دخولي وقال وهو محموم: صاح قل للطبيب ما هي حمى ... تلك نار اشتياق قلبي إليهم

_ (1) المطبوعة: بتربه، وأثبت ما عند الزركشي. (2) المطبوعة: وأنا المقتول؛ والتصويب عن الزركشي.

وخروج المياه من جسمي المض ... نى بكا أعين المسام لديهم ما شفاني بكاء عيني حتى ... ساعدني عيون جسمي عليهم وقال أيضاً: إني سلوت عن الحبيب ولم يكن ... هذا لأني في الهوى غدار لكنه اختار السلو وقال لي ... إني علي من المحب أغار فأطعته وسلوته إذ بيننا ... في العهد أن أختار ما يختار وقال أيضاً: أيا من سلوا عنا ومالوا إلى الغدر ... وما لزموا أخلاق أهل الهوى العذري وبعد حلاوات التواصل والهوى ... جنوا مر طعم الهجر من علقم الصبر إذا ما رجعتم عن محبتكم لنا ... مشاة رجعنا عن محبتكم نجري وإن كنتم في الجهر عنا صددتم ... ففي سرنا عنكم نصد وفي الجهر سكنتم فؤادي مرة ورحلتم ... فأصبح منكم خالياً خالي السر وقال لي العذال هل أنت راجع ... إذا رجعوا عن غدرهم قلت لا أدري وقال أيضاً (1) : ألام على الخلاعة إذ شبابي ... ورونق جدتي ذهبا جميعا ومن ذهبت بجدته الليالي ... فلا عجب إذا أضحى خليعا وقال أيضاً: رأيت على قد (2) المليح ذؤابة ... فعيني غراماً بالذؤابة تهمع وقال لي الواشون مالك باكياً ... فقلت بعيني شعرة فهي تدمع وقال أيضاً:

_ (1) زاد في الزركشي: ويروي للوراق أو للجزار. (2) المطبوعة: خد، وما أثبته متابع للزركشي.

يا صاح يا صاح البدار البدار ... فالشرق قد أضحى وصاح الهزار وهب مسكي نسيم الصبا ... فانهض نباكر زمن (1) الابتكار وقم بنا نحي (2) ابنة الكرم أم ... الزهر زوج الماء أخت النهار (3) ثم اجلها عذراء من ذاتها ... صيغت حلاها والحباب النثار صهباء خمر قرقف سلسل ... مدامة وراح سلاف عقار كوجنة الساقي فلا غرو أن ... يخلع إذ تجلى عليها العذار صفراء لا أملك في حبها ... مالاً ولا أملك عنها اصطبار ولا أخاف النار من شربها ... لأنني أشربها وهي نار وما أضعت المال فيها وقد ... بعت لها، وهي النضار، العقار تملأ أعطافي وسمعي بها ... سكراً ووقراً عن حديث الوقار تشربها قبل فمي مقلتي ... شطرففي جفوني قبل سكري انكسار ما أذهبت عقلي ولكن أطا ... رته إلى أفق المعالي فطار فعاطني يا صاح كاساتها ... وسقني واشرب نهاراً جهار وهات في يمناي من صرفها ... كأساً وأخرى هاتها في اليسار دعني بها أقطع ليلي فما ... أطوله بعد الليالي القصار إذ كان ربع بلوى الجزع لي ... داراً وكان الحب في فيه جار ما كان أحلى ذلك العيش من ... عيش وأحلى الدار بالجزع دار وقال لغزاً في الملعقة: وممدودة كيد المجتدي ... بكف على ساعد مسعد ترى بعضها في فمي كاللسان ... وجملتها في يدي كاليد

_ (1) الزركشي: فانهض لباكر آية؛ وفي المطبوعة: فانهض شكوراً (2) المطبوعة: نحو. (3) المطبوعة: الهزار.

صريع الدلاء

وقال في سبحة سوداء: وسبحة مسودة لونها ... يحكي سواد القلب والناظر كأنني عند اشتغالي بها ... أعد أيامك يا هاجري 476 (1) صريع الدلاء محمد بن عبد الواحد، الملقب بصريع الدلاء وقتيل الغواشي (2) ؛ كان شاعراً ماجناً غلب على شعره الهزل والمجون، عارض مقصورة ابن دريد بمقصورة يقول فيها: من لم يرد أن تنتقب نعاله ... يحملها في كفه (3) إذا مشى ومن أراد أن يصون رجله ... فلبسه خير له من الحفا من دخلت في عينه مسلة ... فاسأله من ساعته عن العمى من أكل الفحم يسود (4) فمه ... وراح صحن خده مثل الدجى من صفع الناس ولم يدعهم ... أن يصفعوه فعليهم اعتدى

_ (1) ليست هذه الترجمة من المستدرك على ابن خلكان فقد ترجم لصريع الدلاء تحت اسم ((علي بن عبد الواحد)) (3: 382) وقال: ورأيت في نسخة من ديوان شعره أنه أبو الحسن محمد بن عبد الواحد القصار البصري والله أعلم بالصواب؛ وكذلك ورد اسمه في تتمة اليتمية 1: 14 وعبر الذهبي 3: 110 والزركشي: 294 والوافي 4: 61 أما صاحب شدرات الذهب 3: 197 فقد لخص ترجمته عن ابن خلكان، وكذلك ابن كثير 12: 13 وحسن المحاضرة 1: 562. (2) قال الصفدي: في الغواشي ما في الدلاء من المعنى المراد وهي تقابل ((الغةواني)) في لقب مسلم بن الوليد. (3) الوافي: كمه. (4) الوافي: تسود.

من ناطح الكبش يفجر (1) رأسه ... وسال من مفرقه شبه الدما من أكل الكرش ولا يغسله ... سال على شاربه منه الخرا (2) من طبخ الديك ولا يذبحه ... طار من القدر إلى حيث يشا من شرب المسهل في فعل الدوا ... أطال ترداداً إلى بيت الخلا من مازح السبع ولا يعرفه ... مازحه السبع مزاحاً بجفا من فاته العلم وأخطاه الغنى ... فذاك والكلب على حد سوا والدرج يلفى بالغشاء ملصقاً ... والسرج لا يلزق إلا بالغرا والذقن شعر في الوجوه نابت ... وإنما الاست التي تحت الخصا فاستمعوها فهي أولى لكم ... من زخرف القول ومن طول المرا يقول في آخرها مشيراً إلى ابن دريد: فتلك كالدر يضيء لونها ... وهذه في وزنها مثل الحذا ومن شعره يمدح فخر الملك من قصيدة: كيف تلقى بؤساً ودولة فخر ال ... ملك فينا نعم بالإنعام (3) هكذا (4) ما بقي الجديدان تبقى ... للتهاني مملكاً ألف عام كل يوم لنا بنعماك عيد ... لا خلت منه سائر الأيام فله الأنعم الجسام اللواتي ... هن مثل الحياة في الأجسام لم يزل يطلب المحامد والعل ... ياء بين السيوف والأقلام فلقد نال بالعزائم مجداً ... لم ينل مثله بحد الحسام أدرك المجد قاعداً وسواه ... عاجز أن يناله من قيام

_ (1) الوافي: تعجر. (2) المطبوعة: ذاك الدوا. (3) كان البيت مضطرباً في المطبوعة فصوبته كما جاء في الوافي. (4) المطبوعة: هذه.

الحافظ ضياء الدين المقدسي

لم يزل جوده يعطعط بالإف ... ضال مذ كان في قفا الإعدام فهو من حبه المكارم والجو ... د يرى الآملين (1) في الأحلام قد كفتنا غيوث كفيه أن نب ... سط كفاً إلى سؤال الغمام ورضعنا لديه (2) در الأماني ... ونظمنا لديه (3) در الكلام وكانت وفاة صريع الدلاء في شهور اثنتي عشرة وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 477 - (4) الحافظ ضياء الدين المقدسي محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل، الحافظ الحجة الإمام ضياء الدين أبو عبد الله السعدي " المقدسي " الدمشقي الصالحي صاحب التصانيف؛ ولد بالدير المبارك سنة تسع وستين وخمسمائة، ولزم الحافظ عبد الغني وتخرج به، وحفظ القرآن وتفقه، ورحل أولاً إلى مصر سنة خمس وتسعين، وسمع، ورحل إلى بغداد بعد موت ابن كليب، وسمع من ابن الجوزي وغيره، ودخل همذان ثم رجع إلى دمشق بعد الستمائة، ثم رحل إلى أصفهان " فأكثر بها وتزيد وحصل شيئاً كثيراً من المسانيد

_ (1) المطبوعة: الكاملين. (2) المطبوعة: ورصصنا إليه. (3) المطبوعة: إليه. (4) الوافي 4: 65 والزركشي: 294 والنجوم الزاهرة 6: 354 والبداية والنهاية 13: 169 والشذرات 5: 224 وتذكرة الحفاظ: 1405 وذيل ابن رجب 2: 236 وعبر الذهبي 5: 179.

والأجزاء ورحل إلى نيسابور " (1) فدخلها ليلة وفاة الفراوي، ورحل إلى مرو وعاد إلى حلب وسمع بها وبحران والموصل، وعاد إلى دمشق بعلم كثير، وحصل أصولاً نفيسة فتح الله بها عليه هبة وشراء ونسخاً، وسمع بمكة، وأكب على الاشتغال لما رجع والتصنيف والنسخ، وأجازه السلفي وشهدة وابن بري وخلق كثير، قال الشيخ شمس الدين: سمعت الشيخ جمال الدين المزي يقول: الحافظ ضياء الدين أعلم من الحافظ عبد الغني. ومن تصانيفه كتاب " الأحكام " ثلاث مجلدات (2) . " فضائل الأعمال " مجلد. " الأحاديث المختارة " تسعين جزءاً. " فضائل الشام " ثلاثة أجزاء. " فضائل القرآن " جزء. " صفة الجنة والنار " (3) . " مناقب أصحاب الحديث ". " النهي عن سب الصحابة ". " سير المقادسة " كالحافظ عبد الغني والشيخ أبي عمر وغيرهم في عدة مجلدات؛ وله تصانيف كثيرة في أجزاء عديدة. وبنى مدرسة على باب الجامع المظفري وأعانه عليها أهل الخير (4) ، وجعلها دار حديث ووقف عليها كتبه وأجزاءه، وفيها من وقف الموفق والبهاء عبد الرحمن والحافظ عبد الغني وابن الحاجب وابن سلام وابن هائل (5) والشيخ علي الموصلي، وقد نهبت في نكبة الصالحية نوبة غازان (6) وراح منها شيء كثير. وكانت وفاة الشيخ الضياء سنة ثلاث وأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى.

_ (1) زيادة من الوافي. (2) الوافي: يعوز قليلا ثلاث مجلدات. (3) الوافي: كتاب الجنة. كتاب النار. (4) ذيل ابن رجب: وقال غير الذهبي ولم يقبل من أحد فيها شيئاً تورعاً. (5) الوافي: هامل. (6) غازان (أو قازان) ملك المغول، وكان نهب الصالحية سنة 699 (السلوك 1: 891) .

شمس الدين الحنبلي

478 - (1) شمس الدين الحنبلي محمد بن عبد الوهاب بن منصور، العلامة شمس الدين أبو عبد الله الحراني الحنبلي، كان إماماً بارعاً أصولياً من كبار الأئمة في الفقه والأصول والخلاف، تفقه على القاضي نجم الدين راجح الحنبلي والشيخ مجد الدين ابن تيمية، وقدم دمشق فقرأ الأصول والعربية على الشيخ علم الدين (2) القاسم، ودخل مصر ولازم درس الشيخ عز الدين ابن عبد السلام وناب في القضاء عن تاج الدين ابن بنت الأعز، فلما جعلت القضاة أربعة ناب في القضاء عن الشيخ شمس الدين ابن العماد، ثم قدم دمشق وانتصب للإفادة. وكان حسن العبارة طويل النفس في البحث، أعاد بالجوزية مدة، وناب في إمامة محراب الحنابلة، ثم ابتلي بفالج أبطل نصفه الأيسر وثقل لسانه حتى لا يفهم من كلامه إلا القليل، وبقي كذلك أربعة أشهر ومات سنة خمس وسبعين (3) وستمائة. وكان من أذكياء الناس، روى عن ابن اللتي والموفق عبد اللطيف وجماعة، ومات في عشر السبعين (4) ، وكان يقرأ تائية ابن الفارض ويبكي. ومن شعره ما ذكره الشيخ شهاب الدين محمود أنه أنشده إياه لغزاً في شبابة: منقبة مهما خلت مع محبها ... يزودها لثماً وينظرها (5) شزرا

_ (1) الوافي 4: 75 والزركشي: 294 والشذرات 5: 348 وذيل ابن رجب 2: 287. (2) المطبوعة: نجم الدين. (3) المطبوعة: وتسعين. (4) كذا، وقد ذكر سنة وفاته قبل قليل. (5) الوافي: ويوسعها.

ابن أبي كدية

وتصحيفها في كف من شئت فلتقل ... إذا شئت في اليمنى وإن شئت في اليسرى وقال أيضاً رحمه الله تعالى: طار قلبي يوم ساروا فرقا ... وسواء فاض دمعي أو رقا حار في سقمي من بعدهم ... كل من " في " الحي داوى أو رقى بعدهم لا ظل وادي المنحنى ... وكذا بان الحمى لا أورقا 479 (1) ابن أبي كدية محمد بن عتيق أبي بكر " بن محمد " (2) بن أبي نصر، التميمي (3) القيرواني الأشعري المتكلم، المعروف بابن أبي كدية؛ درس الأصول بالقيروان على أبي " عبد الله " الحسين (4) بن حاتم الأزدي صاحب ابن الباقلاني، وسمع بمصر من القضاعي، وقدم الشام وأخذ عنه أبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، ودخل العراق وأقرأ الكلام (5) بالنظامية، وكان صلباً في الاعتقاد، وسمع ابن عبد البر بالأندلس، وتوفي ببغداد سنة اثنتي عشرة؛ وخمسمائة. سمع يوماً قائلاً ينشد أبيات أبي العلاء المعري: ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة وحق لسكان البسيطة أن يبكوا

_ (1) الوافي 4: 79 والزركشي: 205 والنجوم الزاهرة 5: 217 وغاية النهاية 2: 195. (2) زيادة من الوافي. (3) المطبوعة: اليمني. (4) المطبوعة: الحسن. (5) المطبوعة: العلوم.

ابن حسول الهمذاني

تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد له سبك فقال رحمه الله يرد عليه: كذبت وبيت الله حلفة صادق ... سيسبكنا بعد الثرى (1) من له الملك ونرجع أجساماً صحاحاً سليمة ... تعارف في الفردوس ما عندنا شك ومن شعره أيضاً: كلام إلهي ثابت لا نفارقه ... وما دون رب العرش فالله خالقه ومن لم يقل فقد صار ملحداً ... وصار إلى قول النصارى يوافقه ودفن عند الأشعري، قال ابن الجوزي (2) : كان يحفظ كتاب سيبويه. 480 - (3) ابن حسول الهمذاني محمد بن علي بن حسول - بالحاء المهملة والسين المهملة وبعد الواو لام - الكاتب الهمذاني؛ كان صدراً نبيلاً له النظم والنثر، وسمع من الصاحب ابن عباد ومن ابن فارس صاحب " المجمل "، توفي سنة خمسين وأربعمائة (4) . ومن شعره في أمرد علوي: وأزهر من بني الزهراء يرنو ... إلي كما رنا الظبي الكحيل

_ (1) الوافي: النوى. (2) يريد سبط ابن الجوزي في ((مرآة الزمان)) . (3) الوافي 4: 132 والزركشي: 295 وتتمة اليتيمة 1: 107 المحمدون: 367. (4) زاد في الوافي: أو ما دونها.

نهاني الدين والإسلام عنه ... فليس إلى مقبله سبيل إذا أرسلت ألحاظي إليه ... نهاني الله عنه والرسول ومن شعره أيضاً: تقعد فوقي لأي معنى ... للفضل للهمة النفيسه (1) إن غلط الدهر فيك يوماً ... فليس في الشرط أن تقيسه كنت لنا مسجداً ولكن ... قد صرت من بعده كنيسه كم فارس أفضت الليالي ... به إلى أن غدا فريسه فلا تفاخر بمن (2) تقضى ... كان الخرا مرة هريسه ومن شعره أيضاً: دخلت على الشيخ مستأنساً ... به وهو في دسته الأرفع وقد دخل الناس مثل الجراد ... فمن ساجدين ومن ركع فهش ولكن لمردانه ... وقام ولكن على أربع وأرسل في كمه مخطة ... بدت لي على (3) صورة الضفدع فهوعني ما تأمتله ... وزعزع روحي م أضلعي وأعرض إعراض مستكبر ... تصدر مثلي ومستبدع فأقبلت أضرط من خيفة ... وأفسو على السيد الأروع وقمت وجددت فرض (4) الوضوء ... وكنت قعدت وطهري معي ورام الخضوع الذي رامه ... أبي من أبيه (5) فلم أخضع

_ (1) الوافي: الرئيسه. (2) الوافي: بما. (3) المطبوعة: تدب على. (4) المطبوعة: فضل. (5) قال الصفدي: يعني آدم وإبليس.

وكيف أقبل كف امرئ ... إذا صنع الخير لم يصنع فيقبضها عند بذل اللهى ... ويبسطها في الجدا الرضع وإني وإن كنت ممن يهون ... عليه تكبر (1) مستوضع ليعجبني نتف شيب السبال ... وصفع قمحدوة الأصلع خراها ولو أنه ابن الفرات ... وحرها ولو أنه الأصمعي وقال يهجو بعض المتكبرين: دخلت على الشيخ فيمن دخل ... فغربل عصعصه وانتخل وأظهر من نخوة الكبرياء ... ما لم أقدر وما لم أخل فقلت له مؤثراً نصحه ... وقد يقبل النصح ممن بخل إذا كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل فقال اغتفر زلتي منعماً ... فإني نغل بزيت وخل وكم من وزير كبير عراه ... عند قضاء الحقوق البخل وقال يداعب ابن الحنان (2) وكان يخضب سني كسن أديب ال ... عراق زين الظراف ست وستون عاماً ... ما بيننا من خلاف لكن شيبي باد ... وشيبه في غلاف

_ (1) المطبوعة: الكبر، ولا يستقيم به الوزن. (2) الوافي: ابن الحبان.

ابن حباب الصوري

481 - (1) ابن حباب الصوري محمد بن علي بن محمد بن حباب الصوري الشاعر؛ كان فصيحاً، توفي في طرابلس وقد نيف على السبعين، وكانت وفاته سنة ثلاث وستين وأربعمائة. ومن شعره، رحمه الله تعالى: صب جفاه حبيبه ... فحلا له تعذيبه فالنار تضرم في الجوا ... نح والغرام يذيبه حتى بكاه (2) لما دها ... هـ بعيده وقريبه وتآمروا في طبه ... كيما يخف لهيبه فأتى الطبيب وما دروا ... الطبيب حبيبه 482 (3) أبو بكر القصار المؤدب محمد بن علي بن محمد الدينوري، أبو بكر " القصار " المؤدب؛ سكن درب الدواب ببغداد، وله أشعار في الزهد والغزل، توفي سنة أربع عشرة وخمسمائة.

_ (1) الوافي 4: 135 والنجوم الزاهرة 5: 89 والزركشي: 295. (2) المطبوعة: بكى. (3) الوافي 4: 149 والزركشي: 295 وقال الصفدي: ولم يكن يعرف النحو واللغة، والصفدي ينقل عن ابن النجار.

أبو سعد الكاتب الكرماني

ومن شعره: ومشمر الأذيال في ممزوجة ... متتوج (1) تاجاً من العقيان بالجاشرية ظل يهتف سحرة ... ويصيح من طرب إلى الندمان ويا طيب لذة هذه دنياكم ... لو أنها أبقت على الإنسان أصبو إلى شرب الخمور وإنما ... لصبوحكم لا للصلاة أذاني طلعت شموس (2) الراح من أيديهم ... مثل النجوم وغبن في الأبدان 483 (3) أبو سعد الكاتب الكرماني محمد بن علي بن محمد بن المطلب، أبو سعد الكرماني الكاتب؛ ولد ببغداد، وقرأ طرفاً صالحاً من الأدب وأخبار الأوائل، وسمع الحديث من ابن بشران وابن شاذان، وكان كاتباً سديداً مليح الشعر، إلا أنه كان قليله، كثير الهجاء دقيق الفكر فيه، قال ابن النجار: يشبه هجوه هجو ابن الرومي. ومن شعره: عزلت وما خنت فيما وليت ... وغيري يخون فلا يعزل فهذا يدل على أن من ... يولي (4) ويعزل لا يعقل وكتب إلى الوزير أبي نصر ابن جهير:

_ (1) المطبوعة: متبرجاً. (2) الوافي: كؤوس، وما هنا ثابت عند الزركشي. (3) الوافي 4: 150 والزركشي: 296. (4) المطبوعة: تولى.

الشيخ محيي الدين ابن عربي

هبني كما زعم الواشون لا زعموا ... أخطأت حاشاي أو زلت بي القدم وهبك ضاق (1) عليك العذر من حرج ... لم أجنه أيضيق العفو والكرم ما أنصفتني في حكم الهوى أذن ... تصغي لواش وعن عذري بها صمم ومن شعره: يا حسرتا مات حظي من قلوبكم ... وللحظوظ كما الناس آجال إن مت شوقاً ولم أبلغ بكم أملي (2) ... كم تحت هذي القبور الدرس (3) آمال توفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ودفن بمقابر قريش، رحمه الله. 484 - (4) الشيخ محيي الدين ابن عربي محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله، الشيخ محيي الدين أبو بكر الطائي الحاتمي الأندلسي، والمعروف بابن عربي، صاحب التصنيفات في التصوف وغيره، ولد في شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية، ذكر أنه سمع بمرسية من ابن بشكوال، وسمع ببغداد ومكة ودمشق،

_ (1) المطبوعة: ضاقت. (2) هذه هي رواية الصدر عند الزركشي أيضاً، وفي الوافي: تصرم العمر لم أحظى بقربكم. (3) الوافي: الخرس. (4) الوافي 4: 173 والزركشي: 296 والبداية والنهاية 13: 156 والشذرات 5: 190 وعبر الذهبي 5: 198 والنفح 2: 161 والتكملة: 652 والذيل والتكملة 6: 493 وعنوان الدراسة: 97 (156) والنجوم الزاهرة 6: 339 ومرآة الزمان: 736 ولسان الميزان 5: 311 وهناك دراسات كثيرة عنه، منها دراسة للمستشرق آسين بلاثيوس (ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي، القاهرة 1965) .

وسكن الروم، ركب له (1) يوماً صاحب الروم فقال: هذا تذعر له الأسود (2) ، فسئل عن ذلك فقال: خدمت بمكة بعض الصلحاء فقال يوماً: الله يذل لك أعز خلقه، أو كما قال: وقيل إن صاحب الروم أمر له بدار تساوي مائة ألف درهم على ما قيل، فلما كان يوماً قال له بعض السؤال: شيء لله، فقال: ما لي غير هذه الدار خذها لك. قال ابن مسدي في جملة ترجمته: كان ظاهري المذهب في العبارات، باطني النظر في الاعتقادات، " وكتب لبعض الولاة " ثم حج ولم يرجع إلى بلده، وروى عن السلفي بالإجازة " العامة "، وبرع في علم التصوف، وتواليف جمة في العرفان، ولولا شطحه في الكلام لم يكن له بأس، ولعل ذلك وقع منه حال سكره وغيبته فيرجى له الخير. وقال الشيخ قطب الدين اليونيني في ذيله على المرآة: وكان يقول أنا أعرف اسم الله الأعظم، وأعرف الكيمياء؛ وكانت وفاته في دار القاضي محيي الدين ابن الزكي، وغسله الجمال ابن عبد الخالق ومحيي الدين، وكان عماد الدين ابن النحاس يصب عليه، وحمل إلى قاسيون ودفن بتربة بني الزكي. وكان مولده في سنة ستين وخمسمائة (3) بمرسية من الأندلس، ووفاته في الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة. ومن تصانيفه " الفتوحات المكية " عشرون مجلداً، و " التدبيرات

_ (1) الوافي: ركبة. (2) الوافي: هذا بدعوة الأسود. (3) قد تقدم ذكر ذلك.

الإلهية والتنزيلات الموصلية " و " فصوص الحكم " وعمل ابن سودكين (1) شرحاً عليها سماه " نقش الفصوص " وهو من تلك المادة، " والإسرا إلى المقام الأسرى " نظماً ونثراً، و " شرح (2) خلع النعلين " و " الأجوبة المسكتة عن سؤالات الحكيم الترمذي " و " تاج الرسائل ومنهاج الوسائل " و " كتاب العظمة " و " كتاب السبعة " وهو كتاب الشان (3) ، و " الحروف الثلاثة التي انعطفت أواخرها على أوائلها " و " التجليات " و " مفاتيح الغيب " و " كتاب (4) الحق " و " مراتب علوم الوهب " و " الإعلام بإشارات أهل الإلهام " و " العبادة والخلوة " و " المدخل إلى معرفة الأسماء " و " كنه ما لا بد " للمريد " منه " و " النقباء " و " حلية الأبدال " و " الشروط فيما يلزم أهل طريق الله تعالى من الشروط " و " أسرار الخلوة " و " عقيدة أهل السنة " و " المقنع في إيضاح السهل الممتنع " و " إشارات القرآن " (5) و " كتاب الهو " و " الأحدية " و " الاتحاد العشقي " و " الجلالة " و " الأزل " و " القسم " و " عنقاء مغرب في ختم (6) الأولياء وشمس المغرب " و " الشواهد " و " مناصحة النفس " و " اليقين " و " تاج التراجم " و " القطب والإمامين " و " رسالة الانتصار " و " الحجب " و " الأنفاس العلوية في المكاتبة " و " ترجمان الأشواق " و " الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق " و " مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار " والعلوم " "، و " المواعظ (7) الحسنة " و " المبشرات " و " خطبة ترتيب العالم " و " الجلال

_ (1) المطبوعة: سويد كين؛ وهو خطأ. (2) لم ترد لفظة ((شرح)) في الوافي. (3) المطبوعة: البيان. (4) الوافي: ونسخة. (5) المطبوعة: القولين. (6) المطبوعة: وختم. (7) الوافي: الموعظة.

والجمال " و " مشكاة الأنوار فيما روي عن الله عز وجل من الأخبار " و " شرح الألفاظ التي اصطلحت عليها الصوفية " و " محاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار " خمس مجلدات، وغير ذلك. قال الشيخ محيي الدين ابن عربي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله، أيما أفضل الملك أو النبي؟ فقال: الملك، فقلت: يا رسول الله أريد على هذا برهان دليل إذا ذكرته عنك أصدق فيه، فقال: ما جاء عن الله تعالى أنه قال " من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ". وعلى الجملة فكان رجلاً صالحاً عظيماً، والذي نفهمه من كلامه حسن، والمشكل علينا نكل أمره إلى الله تعالى، وما كلفنا اتباعه ولا العمل بما قاله، وقد عظمه الشيخ كمال (1) الدين ابن الزملكاني، رحمه الله تعالى، في مصنفه الذي عمله في الكلام على الملك والنبي والصديق والشهيد، وهو مشهور، فقال في الفصل الثاني في فضل الصديقية: قال الشيخ محيي الدين ابن العربي البحر الزاخر في المعارف الإلهية، وذكر من كلامه جملة، ثم قال في آخر الفصل: إنما نقلت كلامه وكلام من يجري مجراه من أهل الطريق لأنهم أعرف بحقائق هذه المقامات وأبصر بها لدخولهم فيها وتحققهم بها ذوقاً، والمخبر عن الشيء ذوقاً مخبر عن اليقين، فاسأل به خبيراً؛ انتهى. ومن شعر الشيخ محيي الدين: إذا حل ذكركم خاطري ... فرشت خدودي مكان التراب وأقعدني الذل في بابكم (2) ... قعود الأسارى لضرب الرقاب وقال (3) :

_ (1) المطبوعة: جمال. (2) المطبوعة: وأقعد في الذل على بابكم. (3) ترجمان الأشواق: 152.

نفسي الفداء لبيض خرد عرب ... لعبن بي عند لثم الركن والحجر ما أستدل إذا ما تهت خلفهم ... إلا بريحهم من طيب الأثر غازلت من غزلي فيهن واحدة ... حسناء ليس لها أخت من البشر إن أسفرت عن محياها أرتك سناً ... مثل الغزالة إشراقاً بلا غير (1) للشمس غرتها لليل طرتها ... شمس وليل معاً من أحسن الصور وقال (2) في كتاب ترجمان الأشواق (3) : سلام على سلمى ومن حل بالحمى ... وحق لمثلي رقة أن يسلما وماذا عليها أن ترد تحية ... علينا ولكن لا احتكام على الدمى سروا وظلام الليل أرخى سدوله ... فقلت لها صباً غريباً متيما فأبدت ثناياها وأومض بارق ... فلم أدر من شق الحنادس منهما وقالت أما يكفيه أني بقلبه ... يشاهدني من كل وقت أما أما وقال فيه أيضاً (4) : درست عهودهم (5) وإن هواهم ... أبداً جديد في الحشا ما يدرس هذي طلولهم وهذي الأدمع ... ولذكرهم أبداً تذوب الأنفس ناديت خلف ركابهم من حبهم ... يا من غناه الحسن ها أنا مفلس يا موقداً ناراً رويداً هذه ... نار الصبابة شأنكم فلتقبسوا وقال أيضاً (6) :

_ (1) الوافي: عثر. (2) ما تبقى من الترجمة لم يرد في الوافي. (3) ترجمان الأشواق: 25. (4) ترجمان الأشواق: 35. (5) ترجمان: ربوعهم. (6) ترجمان الأشواق: 48.

ناحت مطوقة فحن حزين ... وشجاه ترجيع لها وحنين جرت الدموع من العيون تفجعاً ... لحنينها فكأنهن عيون طارحتها ثكلى (1) بفقد وحيدها ... والثكل من فقد الوحيد يكون بي لاعج من حب رملة عالج ... حيث الخيام بها وحيث العين من كل فاتكة اللحاظ مريضة ... أجفانها لظبا اللحاظ جفون (2) ما زلت أجرع دمعتي من غلتي ... أخفي الهوى عن عاذلي وأصون حتى إذا صاح الغراب ببينهم ... فضح الفراق صبابة المحزون (3) وصلوا السرى قطعوا البرى فلعيسهم ... تحت المحامل رنة وأنين عاينت أسباب المنية عندما ... أرخوا أزمتها وشد وضين إن الفراق مع الغرام لقاتل ... صعب الغرام مع اللقاء يهون ما لي عذول في هواها إنها ... معشوقة حسناء حيث تكون وقال أيضاً: ليت شعري هل دروا ... أي قلب ملكوا وفؤادي لو درى ... أي شعب سلكوا أتراهم سلموا ... أم تراهم هلكوا حار أرباب الهوى ... في الهوى وارتبكوا

_ (1) ترجمان: ثكلا. (2) المطبوعة: تكون؛ والتصويب عن الديوان والزركشي. (3) كذا ورد البيت على الأقواء في ترجمان الأشواق والزركشي.

مهذب الدين ابن الخيمي

485 - (1) مهذب الدين ابن الخيمي محمد بن علي بن علي، الأديب الكامل مهذب الدين " ابن " الخيمي الحلي، العراقي الشاعر؛ شيخ معمر فاضل، قال ابن النجار: كتبت (2) عنه بالقاهرة، وله مصنفات كثيرة، سمع وروى، وتوفي سنة اثنتين وأربعين وستمائة. ومن شعره: أأصنام هذا الجيل طراً أكلكم ... يعوق أما فيكم يغوث ولا ود لقد طال تردادي إليكم فلم أجد ... سوى رب شان في الغنى شانه الرد ومن شعره: جننت فعوذني بكتبك إن لي ... شياطين شوق لا تفارق مضجعي إذا استرقت أسرار وجدي تمرداً ... بعثت عليها في الدجى شهب أدمعي ومن شعره الأبيات المشهورة، وهو ما كتبه لابنه لما عصر: عصروك أمثال اللصو ... ص ولم تفد تلك الأمانه فإذا سلمت فخنهم ... إن السلامة في الخيانه وافعل كفعل بني سنا ... ء الملك في مال الخزانه يقال إن هذه الأبيات لما شاعت أمسك بنو سناء الملك وصودروا بسبب هذه الأبيات.

_ (1) الوافي 4: 181 والزركشي: 298 وبغية الوعاة: 78 وابن الشعار 6: 417 والبدر السافر: 133 وابن خلكان 1: 211، 309؛ 2: 340 - 342 ووقع عند ابن خلكان (2: 342) ابن التامغاز في نسبه - ولكن الصفدي ضبطه بالقاف والراء (القامغار) . (2) المطبوعة؛ كتب.

الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد

وقال ابن خلكان (1) : أنشدني مهذب الدين الخيمي، وأخبرني أنه كان بدمشق قد رسم السلطان بحلق لحية شخص له وجاهة بين الناس، فحلق نصفها، وحصل فيه شفاعة، فعفي عنه في الباقي، فعمل فيها أبياتاً ولم يصرح باسمه: زرت ابن آدم لما قيل حلقوا ... جميع لحيته من بعد ما ضربا فلم أر النصف محلوقاً فعدت له ... مهنئاً بالذي منها له وهبا فقام ينشدني والدمع يخنقه ... بيتين ما نظما ميناً ولا كذبا إذا أتتك لحلق الذقن طائفة (2) ... " فاخلع ثيابك منها ممعناً هربا " " وإن أتوك وقالوا إنها نصف ... فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا " 486 (3) الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد محمد بن علي بن وهب بن مطيع، الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح ابن دقيق العيد القشيري المنفلوطي المصري المالكي الشافعي، أحد الأعلام وقاضي القضاة؛ ولد سنة خمس وعشرين وستمائة بناحية ينبع وتوفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة اثنتين وسبعمائة.

_ (1) انظر ابن خلكان 6: 56. (2) أصل هذا الشطر: لا تنكحن عجوزاً إن أثبت بها؛ ثم ضمن سائر البيتين، انظر الحماسية رقم: 870 من شرح المرزوقي. (3) الوافي 4: 193 والزركشي: 299 والشذرات 6: 5 والنجوم الزاهرة 8: 206 والدرر الكامنة 4: 210 وتذكرة الحفاظ: 1481 ودول الإسلام 2: 158 ومرآة الجنان: 4: 236 وطبقات السبكي 6: 2 والبداية والنهاية 14: 27 والديباج المذهب: 324 والسلوك 1: 929 والطالع السعيد: 567 والبدر الطالع 2: 229. وللأستاذ علي صافي حسين دراسة عنه (دار المعارف بمصر 1960) وقد ذيلها بمجموعة من شعره.

سمع من ابن المقير وابن رواج وابن الجميزي والبسط، وسمع من ابن عبد الدايم والزين خالد، وله التصانيف البديعة ك " الإمام " و " الإلمام " و " علوم الحديث " و " شرح عمدة الأحكام " و " شرح مقدمة المطرز في أصول الفقه " وجمع " الأربعين في الرواية عن رب العالمين "، وشرح بعض مختصر ابن الحاجب. وكان إماماً متفنناً محدثاً مجوداً فقيهاً مدققاً أصولياً أديباً شاعراً نحوياً، ذكياً غواصاً على المعاني، مجتهداً وافر العقل كثير السكينة بخيلاً بالكلام، تام الورع شديد التدين، مديم السهر مكباً على المطالعة والجمع، قل أن ترى العيون مثله. وكان سمحاً جواداً، وكان قد قهره الوسواس في أمر المياه والنجاسات، وله في ذلك حكايات ووقائع كثيرة. وكان كثير التسري والتمتع، وله عدة أولاد ذكور بأسماء الصحابة العشرة. تفقه بأبيه وبالشيخ عز الدين ابن عبد السلام، واشتهر اسمه في حياة مشايخه، وكان مالكياً ثم صار شافعياً؛ ومن شعره، رحمه الله تعالى (1) : الحمد لله كم أسعى بعزمي في ... نيل العلا وقضاء الله ينكسه كأنني البدر أبغي الشرق والفلك ال أعلى يعارض مسعاه فيعكسه وقال أيضاً (2) : أأحباب قلبي والذين بذكرهم ... وترداده طول الزمان تعلقي لئن غاب عن عيني بديع جمالكم ... وجار على الأبدان حكم التفرق فما ضرنا بعد المسافة بيننا ... سرائرنا تسري إليكم فنلتقي وقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) :

_ (1) صافي: 161. (2) صافي: 161. (3) صافي: 139.

يا سائراً نحو الحجاز مشمرا ... اجهد فديتك في المسير وفي السرى وإذا سهرت الليل في طلب العلا ... فحذار ثم حذار من خدع الكرى فالقصد حيث النور يشرق ساطعاً ... والطرف حيث ترى الثرى متعطراً قف بالمنازل والمناهل من لدن ... وادي قباء إلى حمى أم القرى وتوخ آثار النبي فضع بها ... متشرفاً خديك في عفر الثرى وإذا رأيت مهابط الوحي التي ... نشرت على الآفاق نوراً أنورا فاعلم بأنك ما رأيت شبيهها ... مذ كنت في ماضي الزمان ولا ترى ولقد أقول إذا الكواكب أشرقت ... وترفعت في منتهى شرف الذرى لا تفخري زهواً فإن محمداً ... أعلى علاً منها وأشرف جوهرا نلنا به ما قد رأينا من علا ... مع ما نؤمل في القيامة أن نرى فسعادة أزلية سبقت وما ... هو ثابت أزلاً فلن يتغيرا وسيادة بارى الأنام بها ولا ... سيما إذا قدموا عليه المحشرا وبديع لطف شمائل من دونها ... ماء الغمامة والنسيم إذا سرى مع سطوة لله في يوم الوغى ... تعنو لشدة بأسها أسد الشرى شوقي لقرب جنابه وصاحبه ... شوق يجل يسيره أن يذكرا أفنى كنوز الصبر من أشواقه ... وجرى على الأحشاء منه ما جرى إن لاح صبح كان وجد مقلق (1) ... أو جن ليل كان هماً مسهرا ومن شعره (2) : تهيم نفسي طرباً عند ما ... أستملح البرق الحجازيا ويستخف الوجد عقلي وقد ... لبست أثواب الحجى زيا يا هل أقضي حاجتي من منى ... وأنحر البزل المهاريا

_ (1) الوافي: وجداً مقلقاً. (2) صافي: 154.

وأرتوي من زمزم فهي لي ... أرق من ريق المها ريا وقال أيضاً (1) : تمنيت أن الشيب عاجل لمتي ... وقرب مني في صباي مزاره فآخذ من عصر الشباب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره وقال أيضاً (2) : عطيته إذا أعطى سرور ... فإن سلب الذي أعطى أثابا فأي النعمتين أعد فضلاً ... وأحمد عند عقابها إيابا أنعمته التي كانت سروراً ... أم الأخرى التي جلت ثوابا وقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) : لم يبق لي أمل سواك فإن يفت ... ودعت أيام الحياة وداعا لا أستلذ لغير وجهك منظراً ... وسوى حديثك لا أريد سماعا وقال أيضاً (4) : أتعبت نفسك بين لذة كادح ... طلب الحياة وبين حرص مؤمل وأضعت نفسك لا خلاعة ماجن ... حصلت فيه ولا وقار مبجل وتركت حظ النفس في الدنيا وفي ال ... أخرى ورحت عن الجميع بمعزل وقال أيضاً (5) : لعمري لقد قاسيت بالفقر شدة ... وقعت بها في حيرة وشتات

_ (1) صافي: 156. (2) صافي: 155. (3) صافي: 156. (4) صافي: 156. (5) صافي: 158.

فإن بحت بالشكوى هتكت مروءتي ... وإن لم أبح بالصبر خفت مماتي وأعظم به من نازل بملمة ... يزيل حيائي أو يزيل حياتي وقال أيضاً ذوبيت (1) : الجسم تذيبه حقوق الخدمه ... والقلب عذابه علو الهمه والعمر بذاك ينقضي في تعب ... والراحة ماتت فعليها الرحمه وقال أيضاً (2) : يا عصر شبيبتي ولهوي أرأيت ... ما أسرع ما انقضيت عني ومضيت قد كنت مساعدي على كيت وكيت ... واليوم فلو رأيت حالي لبكيت وقال أيضاً (3) : أفكر في حالي وقرب منيتي ... وسيري حثيثاً في مصيري إلى القبر فينشئ لي فكري سحائب للأسى ... تسح هموماً دونها وابل القطر إلى الله أشكو من وجودي فإنني ... تعبت به مذ كنت في مبتدا العمر نروح ونغدو والمنايا فجائع ... تكدره والموت خاتمة الأمر وله أيضاً (4) : سحائب فكري لا يزال هامياً ... وليل همي لا أراه راحلا قد أتعبتني همتي وفطنتي ... فليتني كنت مهيناً جاهلا وقال أيضاً (5) :

_ (1) صافي: 157. (2) صافي: 169. (3) صافي: 174. (4) صافي: 181. (5) صافي 159 - 160.

كم ليلة فيك وصلنا السرى ... لا نعرف الغمض ولا نستريح وكلت العيس وجد الهوى (1) ... واتسع الكرب وضاق الفسيح وكادت الأنفس مما بها ... تزهق والأرواح منا تطيح واختلف الأصحاب ماذا الذي ... يزيل من شكواهم أو يريح فقيل تعريسهم ساعة ... وقلت بل ذكراك وهو الصحيح وقال أيضاً (2) : يا معرضاً عني ولست بمعرض ... بل ناقضاً عهدي وليس بناقض أتعبتني بخلائق لك لم يفد ... فيها وقد جمحت رياضة رائض أرضيت أن تختار رفضي مذهباً ... فتشنع الأعداء أنك رافضي وقال أيضاً (3) : قد جرحتنا يد أيامنا ... وليس غير الله من آس فلا ترج الخلق في حاجة ... ليسوا بأهل لسوى الياس ولا تزد شكوى إليهم فلا ... معنى لشكواك إلى قاس وإن تخالط منهم معشراً ... هويت في الدين على الراس يأكل بعض لحم بعض ولا ... يخاف (4) في الغيبة من باس لا ورع في الدين يحميهم ... عنها ولا حشمة جلاس فاهرب من الناس إلى ربهم ... لا خير في الخلطة بالناس وقال أيضاً (5) :

_ (1) المطبوعة: السرى. (2) صافي: 177. (3) صافي: 175. (4) الوافي: يحسب. (5) صافي: 173.

إذا كنت في نجد وطيب نسيمها ... تذكرت أهلي باللوى فمحجر وإن كنت فيهم ذبت شوقاً ولوعة ... إلى ساكني نجد وعيل تصبري وقد طال ما بين الفريقين قصتي ... فمن لي بنجد بين أهلي ومعشري وقال أيضاً نظماً في بعض الوزراء (1) : مقبل مدبر بعيد قريب ... محسن مذنب عدو حبيب عجب من عجائب البر والبح ... ر ونوع فرد وشكل غريب وقال أيضاً (2) : ذروا في السرى نحو الجناب الممنع ... لذيذ الكرى واجفوا له كل مضجع وأهدوا إذا جئتم إلى خير مربع ... تحية مضنى هائم القلب موجع سريع إلى داعي الصبابة طيع ... يقوم بأحكام الهوى ويقيمها ... فكم ليلة قد نازلته همومها فسامرها حتى تولت نجومها ... له فكرة فيمن يحب يديمها وطرف إلى اللقيا كثير التطلع ... وكم ذاق في أحواله طعم محنة ... وكم عارضته من مواقف فتنة وكم أنة يأتي بها بعد أنة ... تنم على سر له في أكنة وتخبر عن قلب له متقطع ... ففي صبره شوق أقام ملازما ... وحب يحاشي أن يطيع اللوائما وجفن يرى أن لا يرى الدهر نائما ... وعقل ثوى في سكره الحب دائما وأقسم أن لا يستفيق ولا يعي ... أقام على بعد المزار متيما ... وأبكاه برق بالحجاز تبسما

_ (1) صافي: 167. (2) سمى الزركشي هذه المخمسة ((موشحاً)) وهو وهم، وانظرها في صافي علي: 147.

وشوقه أحبابه نظر الحمى ... دعوه لأمر دونه تقطر الدما فيا ويح نفس الصب ماذا له دعي ... له عند ذكر المنحنى سفح عبرة ... وبين الرجا والخوف موقف عبرة فحيناً يوافيه النعيم بنظرة ... وحيناً ترى في قلبه نار حسرة يجيء إليه الموت من كل موضع ... سلام على صفو الحياة وطيبها ... إذا لم تفز عيني بلقيا حبيبها ولم تحظ من إقباله بنصيبها ... ولا استعطفته عبرتي بصبيبها ولا وقعت شكواي منه بموقع ... موكل طرفي بالسهاد المؤرق ... ومجري دموعي كالحيا المتدفق وملهب وجد في فؤادي محرق ... " بعينك ما يلقى الفؤاد وما لقي " (1) وعندك ما تحوي وتخفيه أضلعي ... أضرب بي البلوى وذو الحب مبتلى ... يعالج داء بين جنبيه معضلا ويثقله من وجده ما تحملا ... وتبعثه الشكوى فيشتاق منزلا به يتلقى راحة المتودع ... مقر الذي دل الأنام بشرعه ... على أصل دين الله حقاً وفرعه به انضم شمل الدين من بعد صدعه ... لنا مذهب العشاق في قصد ربعه نقيم به رسم البكا والتضرع ... تحل به الأنوار ملء رحابه ... ومستودع الأسرار عند صحابه هداية من يحتار تأميل بابه ... وتشريف من يختار قصد جنابه بتقبيله وجه الثرى المتضوع ...

_ (1) أصله: لعينك، وهو للمتنبي.

أقام لنا شرع الهدى ومناره ... وألبسنا ثوب التقى وشعاره وجنبنا جور العمى وعثاره ... سقى الله عهد الهاشمي وداره سحاباً من الرضوان ليس بمقلع ... بني العز للتوحيد من بعد هذه ... وأوجب ذل المشركين بجده عزيز قضى رب السماء بسعده ... وأيده عند اللقاء بجنده فأورده للنصر أعذب مشرع ... أقول لركب سائرين ليثرب ... ظفرتم بتقريب النبي المقرب فبثوا إليه كل شكوى ومتعب ... وقصوا عليه كل سؤال ومطلب فأنتم بمرأى للرسول ومسمع ... أما والذي آتاه مجداً مؤثلا ... لقد كان كهفاً للعفاة ومعقلا يبوئهم ستراً من الحلم مسدلا (1) ... ويمطرهم غيثاً من الجود مسبلا وينزع في إكرامه كل منزع ... لقد شرف الدنيا قدوم محمد ... وألقى بها أنوار حق مؤبد يزين به وراثة كل مشهد ... فهم بين هاد للأنام ومهتدي ومثبت أصل في الهدى ومفرع ... سلام على من شرف الله قدره ... سلام محب عمر الدهر سره له مطلب أفنى تمنيه عمره ... وحاجات نفس لا تجاوز صدره أعد لها جاه الشفيع المشفع ... وقال أيضاً (2) : ... شطر ثاني آه من حيرة الفراق ويا حس ... رة من خاب بعد ما قد تمنى ليت شعري أكان هجري لمعنى ... عند أهل العقيق أم لا لمعنى

_ (1) الزركشي: مسبلا. (2) صافي: 160.

الشمس الدهان

487 - (1) الشمس الدهان محمد بن علي بن عمر المازني الدهان، الشيخ شمس الدين الدمشقي الشاعر؛ كان يعمل صناعة الدهان وينظم الشعر الرقيق ويدري الموسيقى ويعمل الشعر ويلحنه ويغني به المغنون (2) . وكان يلعب القانون. توفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وكان قد ربى مملوكاً وهذبه وأحبه حباً مفرطاً، فمات فأسف عليه أسفاً عظيماً ورثاه بشعر كثير، غنى به ونقله المغنون، من ذلك: تيم قلبي وزادني أسفا ... بدر به البدر قد غدا كلفا مهفهف القد لين قامته ... علم غصن الأراكة الهيفا يا راحلاً أودع الحشا حرقاً (3) ... كدت بها أن أشارف التلفا بعدك دمعي قد كاد يغرقني ... وكلما قلت قد كفى وكفا وقال أيضاً موشح: يا أبي غصن بانة حملا ... بدر دجى بالجمال قد كملا أهيف فريد حسن ما ماس أو سفرا ... إلا أغار القضيب والقمرا ... يبدي لنا بابتسماه دررا ...

_ (1) الوافي 4: 209 والزركشي: 302 والدرر الكامنة 4: 196 والنجوم الزاهرة 9: 252؛ ولم يرد أكثر هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: المغنيون. (3) حرقاً: لم ترد في المتن؛ وإنما هي ترجيح من الحاشية، وهي كذلك عند الزركشي.

في شهد لذ طعمه وحلا ... كأن أنفاسه نسيم طلا قرقف مورد الخد فاتر المقل ... يفوق ظبي الكناس بالحمل ... وينثني كالقضيب في الميل ... من حمل ردف مثل الكثيب علا ... نيط بحصر كأضلعي نحلا مخطف ظبي من الترك يقنص الأسدا ... مقرطق قد أذابني كمدا ... حاز بديع الجمال فانفردا ... واهاً لون لو أجار أو عدلا لمستهام ... بهجره نحلا مدنف غزال سرب جمال شرك ... ستر اصطباري عليه منهتك ... لكل قلب هواه منتهك ... علم قلبي الولوع والغزلا ... طرف له بالفتور قد كحلا أوطف لله يوم به الزمان وفى ... إذ من بالوصل بعد طول جفا ... حتى إذا ما اطمأن وانعطفا ... أسفر عنه اللثام ثم جلا ... ورداً بغير اللحاظ من فلا يقطف فظلت من فرط شدة البرح (1) ... ذا زارني والرقيب لم يلح ... ألثم أقدامه من الفرح ... وقلت إذ عن صدوده عدلا ... أهلاً بعد جفوة وقلى أسعف

_ (1) الوافي: الترح.

كمال الدين ابن الزملكاني

(1) 488 كمال الدين ابن الزملكاني محمد بن علي بن عبد الله الواحد، الشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة ذو الفنون جمال الإسلام، كمال الدين ابن الزملكاني (2) الأنصاري السماكي الدمشقي، كبير الشافعية في عصره؛ ولد في شوال سنة سبع وستين وستمائة، وسمع من ابن علان والفخر علي وابن الواسطي وابن القواس، وطلب الحديث وقرأه، وكان فصيحاً متشرعاً (3) ، وكان بصيراً بالمذهب وأصوله، قوي العربية، قد أتقنها ذكاء ودربها، ذكياً صحيح الذهن صائب الفكر، تفقه على الشيخ تاج الدين، وأفتى وله نيف وعشرون (4) سنة، وكان يضرب بذكائه المثل، وقرأ العربية على الشيخ بدر الدين ابن مالك وقرأ على قاضي القضاة شهاب الدين الحويي وقاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي وعلى شمس الدين الأيكي وصفي الدين الهندي، وحفظ " التنبيه " و " المنتخب " في أصول الفقه، و " المحصل " في أصول الدين، وغير ذلك، وكتب المنسوب. وكان شكله حسناً ومنظره رائعاً وتجمله في بزته وهيئته غاية، وشيبته منورة بنور الإسلام يكاد الورد يلقط من وجنتيه، وعقيدته صحيحة متمكنة أشعرية،

_ (1) الوافي 4: 214 والبدر السافر: 134 وطبقات السبكي 5: 251 والزركشي: 303 والدرر الكامنة 4: 192 والأسنوي 2: 13 والدارس 1: 31 والبداية والنهاية 14: 131 والشذرات 6: 78 والنجوم الزاهرة 9: 270 وذيل العبر: 154؛ وهذه الترجمة مستوفاة في المطبوعة. (2) الزملكاني: نسبة إلى قرية تسمى ((زملكا)) بغوطة دمشق. (3) الوافي: متسرعاً. (4) ص: وعشرين.

وفضائله عديدة، وفواضله ربوعها مشيدة، وكان كريم النفس عالي الهمة، حشمته وافرة. صنف أشياء: منها " رسالة في الرد على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة الطلاق " و " رسالة في الرد علي في مسألة الزيارة " (1) ورسالة سماها " رابع أربعة " نظماً ونثراً، وشرح قطعة جيدة من " المنهاج " (2) . وتخرج به الأصحاب وانتفع به الطلبة، ودرس بالشامية البرانية والظاهرية والرواحية، وولي نظر ديوان الأفرم ونظر الخزانة ووكالة بيت المال، وكتب في ديوان الإنشاء ووقع في الدست، وله الإنشاء الجيد والتواقيع المليحة. نقل إلى قضاء (3) القضاة بحلب ومدارسها فأقام بها أكثر من سنتين واشتغلوا عليه الحلبيين (4) ، ثم إن السلطان طلبه من حلب ليوليه قضاء دمشق لما نقل قاضي القضاة جلال الدين القزويني إلى مصر، وفرح الناس بذلك، فمرض في الطريق وأدركه الأجل في بلبيس في سادس عشر شهر رمضان سنة سبع وعشرين وسبعمائة، قيل إنه سم في الطريق، وعند الله تجتمع الخصوم. وحكى ولده تقي الدين أن والده الشيخ كمال الدين قال له: يا ولدي، أنا والله ميت ولا أتولى لا مصر ولا غيرها، وما بقي بعد حلب ولاية أخرى لأنه في الوقت الفلاني حضر إلى دمشق فلان الصالح فترددت إليه وخدمته وطلبت منه التسليك، فأمرني بالصوم مدة، ثم أمرني بصيام ثلاثة أيام أفطر فيها على الماء واللبان الذكر، وكان آخر ليلة في الثلاث ليلة النصف من

_ (1) هي ((العمل المقبول في زيارة الرسول)) (البدر السافر) . (2) له كتاب سماه ((بمجالة الراكب)) وكتاب في أصول الفقه؛ وأما المنهاج فهو تصنيف الشيخ أبي زكريا النووي. (3) ص: قضى. (4) كذا هو في ص.

شعبان، فقال لي: الليلة تجي إلى الجامع تتفرج أو تخلو بنفسك؟ فقلت: أخلو بنفسي، فقال جيد، ولا تزال تصلي حتى أجي إليك، فخلوت بنفسي أصلي ساعة جيدة، فلما كنت في الصلاة إذا به قد أقبل، فلم أبطل الصلاة، وإذا قد خيل لي قبة عظيمة بين السماء والأرض، وظاهرها معارج ومراقي، والناس يصعدون فيها من الأرض إلى السماء، فصعدت معهم، فكنت أرى على كل مرقاة مكتوباً: نظر الخزانة، وعلى أخرى وأخرى وأخرى: وكالة بيت المال، التوقيع، المدرسة الفلانية، قضا حلب، فلما وصلت إلى هذه المرقاة أشفقت (1) من تلك الحالة، ورجعت إلى حسي، وبت ليلتي، فلما اجتمعت بالشيخ قال: كيف كانت ليلتك؟ جيت إليك وما قصرت لأنك ما اشتغلت بي، والقبة التي رأيتها هي الدنيا، والمراقي هي المراتب والوظايف (2) والأرزاق، وهذا الذي رأيته كله تناله والله يا عبد الرحمن؛ كل شيء قد رأيته نلته، وكان آخر الكل قضا حلب، وقد قرب الأجل. وكان الشيخ كمال الدين كثير التخيل شديد الاحتراز، يتوهم أشياء بعيدة ويبني عليها، وتعب بذلك وعودي وحسد وعمل عليه، ولطف الله به، رحمه الله. ومن نظمه قصيدة يذكر فيها الكعبة المعظمة، ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم: أهواك يا ربة الأستار أهواك ... وإن تباعد عن مغناي مغناك وأعمل العيس والأشواق ترشدني (3) ... عسى يشاهد معناكي معناك تهوي بها البيد لا تخشى الضلال وقد ... هدت ببرق الثنايا الغر مضناك

_ (1) الوافي: استفقت. (2) ص: والوضايف. (3) البدر السافر: تحملني.

تشوقها نسمات الصبح سارية ... تسوقها نحو رؤياك برياك يا ربة الحرم العالي الأمين لمن ... وافاه من أين هذا الأمن لولاك إن شبهوا الخال بالمسك الذكي فه ... ذا الحال من رؤية المحكي والحاكي أفدي بأسود قلبي نور أسوده ... من لي بتقبيله من بعد يمناك إني قصدتك لا ألوي على بشر ... ترمي النوى بي سراعاً نحو مرماك وقد حططت رحالي في حماك عسى ... تنحط أثقال أوزاري (1) بلقياك كما حططت بباب المصطفى أملي ... وقلت للنفس بالمأمول بشراك محمد خير خلق الله كلهم ... وفاتح الخير ما حي كل إشراك سما بأخمصه فوق السماء فكم ... أوطا أسافلها من علو أفلاك ونال مرتبة ما نالها أحد ... من أنبياء ذوي فضل وأملاك يا صاحب الجاه عند الله خالقه ... ما رد جاهك إلا كل أفاك أنت الوجيه على رغم العدا أبداً ... أنت الشفيع لفتاك ونساك يا فرقة الزيغ لا لقيت صالحة ... ولا سقى الله يوماً قلب مرضاك ولا حظيت بجاه المصطفى أبداً ... ومن أعانك في الدنيا ووالاك يا أفضل الرسل يا مولى الأنام ويا ... خير الخلائق من إنس وأملاك ها قد قصدتك أشكو بعض ما صنعت ... بي الذنوب وهذا ملجأ الشاكي قد قيدتني ذنوب من بلوغ مدى ... قصدي إلى الفوز منها فهي أشراكي فاستغفر الله لي واسأله عصمته ... فيما بقي وغنى من غير إمساك عليك من ربك الله الصلاة كما ... منا عليك السلام الطيب الزاكي وعمل على هذه القصيدة كراريس وسماها " عجالة الراكب " (2) .

_ (1) ص: أوزار أثقالي، ورجح في الحاشية ما أثبته، وكذلك هو في الوافي، وعند الزركشي كما في ص. (2) قال الصفدي: وعمل على هذه القصيدة - فيما أظن - أو على قصيدة ميمية، أو عليهما كراريس ... الخ؛ والمؤلف يسقط ما يورده الصفدي من ظن أو ترجيح، في هذه الترجمة.

ومن شعره: يا سائق الظعن قف بي هذه الكثب ... عساي أقضي بها ما للهوى يجب فثم حي حياتي في خيامهم ... فالموت إن بعدوا والعيش إن قربوا لي فيهم قمر في القلب منزله ... لكن طرفي له بالعبد يرتقب لدن القوام رشيق القد ذو هيف ... شطر ثاني شطر أول ... تغار من لينه الأغصان والقضب حلو المقبل معسول مراشفه ... يجول فيها رضاب طعمه الضرب لا غرو إن راح نشواناً (1) ففي فمه ... خمر ودر ثناياه لها حبب ولائم لامني في البعد عنه وفي ... قلبي من الشوق نيران لها لهب فقلت إن صروف الدهر تصرفني ... عما أروم فمالي في النوى سبب ومذ رماني زماني بالبعاد ولم ... يرحم خضوعي ولما يبق لي نشب ولما توفي إلى رحمة تاريخ رثاه الشيخ جمال الدين ابن نباتة بقصيدة أولها (2) : بلغا القاصدين أن الليالي ... قبضت جملة العلا بالكمال وقفا في مدارس العقل والنق؟ ... ل ونوحاً معي على الأطلال سائلها عسى يجيب صداها ... أين ولي مجيب أهل السؤال أين ولي بحر العلوم وأبقى ... بين أجفاننا الدموع لآلي أين ذاك الذهن الذي قد ورثنا ... عنه ما في الحشا من الاشتعال (3) أين تلك الأقلام يوم انتصار ... كعوالي الرماح يوم النزال ينقل الناس عن حديث هداها ... طرق العلم عن متون العوالي وتفيد الجنى من اللفظ حلواً ... حين كانت نوعاً من العسال

_ (1) ص: نشوان. (2) ديوان ابن نباتة: 405. (3) ص: الاشتغال.

المنصور صاحب حماة

(1) 489 المنصور صاحب حماة محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، السلطان الملك المنصور ابن الملك المظفر تقي الدين ابن الأمير نور الدولة، صاحب حماة وابن صاحبها؛ سمع الحديث بالإسكندرية من السلفي، وكان شجاعاً، يحب العلماء، وجمع تاريخاً على السنين في عدة مجلدات، فيه فوائد. قال شهاب الدين القوصي: قرأت عليه قطعة من كتابه " مضمار الحقائق وسر الخلائق " (2) وهو كبير نفيس يدل على فضله، لم يسبق إلى مثله وله كتاب " طبقات الشعراء " (3) يكون في عشر مجلدات، وجمع من الكتب ما لا مزيد عليه، وكان في خدمته ما يناهز مائتي متعمم من الفقهاء والأدباء والنحاة والمشتغلين بالحكمة والمنجمين والكتاب. وأقامت دولته ثلاثين سنة؛ وتوفي سنة " سبع " (4) عشرة وستمائة، رحمه الله. ومن شعره: سحا الدموع فإن القوم قد بانوا ... وأقفر الصبر لما أقفر البان وأسعداني بدمع بعد بينهم ... فالشان لما نأوا عني له شان

_ (1) الوافي 4: 259 والزركشي: 304 والسلوك 1: 205 وابن الشعار 6: 301 وتاريخ أبي الفدا 3: 125 والنجوم الزاهرة 6: 250 وذيل الروضتين: 124 والشذارت5: 77 وعبر الذهبي 5: 71؛ والترجمة مستوفاة في المطبوعة. (2) نشرت قطعة من هذا الكتاب بتحقيق الدكتور حسن حبشي (القاهرة: 1968) (3) اسمه ((أخبار الملوك ونزهة المالك والمملوك في طبقات الشعراء المتقدمين من الجاهلية والمخرمين والإسلاميين والمحدثين ... )) (ومنه نسخة بمكتبة ليدن رقم 639. Or) (4) زيادة من الوافي؛ وفي الزركشي ((توفي سنة عشرة وستمائة)) كما هو في ص.

الشيخ صدر الدين ابن الوكيل

لا تبعثوا في نسيم الريح نشركم ... فإنني من نسيم الريح غيران سقاهم الغيث من قبلي كاظمة ... سحاً وروى ثراهم أينما كانوا وقال: ادعني باسمها فإني مجيب ... وادر أني مما تحب قريب حكم الحب أن أذل لديها ... نخوة الملك، والغرام عجيب وقال: أربي راح وريحا ... ن ومحبوب وشادي والذي ساق لي المل ... ك له دفع الأعادي 490 (1) الشيخ صدر الدين ابن الوكيل محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد، الشيخ الإمام العالم العلامة ذو الفنون، البارع صدر الدين ابن المرحل، ويعرف في الشام بابن الوكيل (2) ، المصري الأصل العثماني الشافعي، أحد الأعلام وفريد أعاجيب الزمان في الذكاء والحافظة والذاكرة؛ ولد في شوال سنة خمس وستين بدمياط، وتوفي بالقاهرة سنة ست عشرة (3) وسبعمائة. رثاه جماعة من شعراء مصر

_ (1) الوافي 4: 264 والبدر السافر: 142 وطبقات السبكي 6: 23 والدرر الكامنة 4: 234 والأسنوي 2: 459 والبداية والنهاية 14: 80 والنجوم الزاهرة 9: 233 والدارس 1: 27 والزركشي: 304 والشذرات 6: 40 وذيل العبر: 90 والسلوك 1: 167 ودول الإسلام 2: 170؛ وأكثر هذه الترجمة ورد في المطبوعة (2) يعني ابن وكيل بيت المال. (3) ص: عشر.

والشام وحصل التأسف عليه، وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية لما بلغه وفاته: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين. نشأ بدمشق وتفقه بوالده وبالشيخ شرف الدين المقدسي. وأخذ الأصول عن صفي الدين الهندي وسمع من القاسم الإربلي والمسلم بن علان وجماعة، وكان له عدة محفوظات، قيل إنه حفظ " المفصل " في مائة يوم ويوم، و " المقامات الحريرية " في خمسين يوماً، و " ديوان المتنبي " على ما قيل في جمعة واحدة، وكان من أذكياء زمانه، فصيحاً مناظراً، لم يكن أحد من الشافعية يقوم بمناظرة الشيخ تقي الدين ابن تيمية غيره، وتخرج به الأصحاب والطلبة، وكان بارعاً في العقليات. وأما الفقه وأصول الفقه فكانا قد بقيا له طباعاً لا يتكلفهما. أفتى (1) ودرس وبعد صيته؛ ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية سبع سنين وجرت له أمور وتنقلات، وكان مع اشتغاله يتنزه ويعاشر، ونادم الأفرم نائب دمشق، ثم توجه إلى مصر وأقام بها إلى أن عاد السلطان من الكرك سنة تسع وسبعمائة، فجاء بعد ما خلص من واقعة الجاشنكير، فإنه نسب إليه منها أشياء، وعزم الصاحب فخر الدين ابن الخليلي على القبض عليه تقرباً إلى خاطر السلطان، فلما أحس بذلك فر إلى السلطان على طريق البدرية ودخل على السلطان وهو بالرمل، فعفا عنه، وجاء إلى دمشق وتوجه إلى حلب وأقرأ بها ودرس وأقبل عليه الحلبيون إقبالاً زائداً، وعاشرهم، وكان محظوظاً (2) ، لم يقع بينه وبين أحد من الكبار إلا وعاد من أحب الناس فيه. وكان حسن الشكل تام الخلق حسن البزة حلو المجالسة طيب المفاكهة، وعنده كرم مفرط، كل ما يحصل له ينفقه بنفس متسعة ملوكية، وكان يتردد إلى الصلحاء ويلتمس دعاءهم ويطلب بركتهم.

_ (1) قال في البدر السافر: ((أفتى وهو ابن اثنتين وعشرين سنة)) . (2) الوافي والزركشي: محفوظاً.

قيل (1) إنه وقف له فقير - وكانت ليلة عيد - وقال له: شي لله، فالتفت إلى غلامه، وقال: إيش معك؟ قال: مائتا درهم، قال: ادفعها إلى هذا الفقير، فقال له: يا سيدي الليلة العيد وما معنا شي ننفقه غداً، فقال: امضي إلى القاضي كريم الدين وقول له: الشيخ يهنيك بالعيد، فلما راى كريم الدين غلام الشيخ قال: كأن الشيخ يعوز نفقة في هذا العيد، ودفع له ألفين درهم وثلثمائة للغلام، فلما حضر إلى الشيخ قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسنة بعشرة، مائتان بألفين. وكان له مكارم كثيرة ولطفاً زايداً (2) وحسن عشرة؛ وأما أوائل عشرته فما كان لها نظير، لكنه ريما يحصل عنده ملل في آخر الحال، حتى قال فيه القائل: وداد ابن الوكيل له شبيه ... بلبادين جلق في المسالك فأوله حلي ثم طيب ... وأخره زجاج مع لوالك (3) وشعره مليح إلى الغاية، وكان ينظم الشعر والموشح والذوبيت والمخمس والزجل والبليق؛ ومن تصانيفه ما جمعه في سفينة وسماه " الأشباه والنظائر "، يقال إنه شيء غريب، وعمل مجلدة في السؤال الذي حضر من عند أسندمر نائب طرابلس في الفرق بين الملك والنبي والشهيد والولي والعالم. ومن شعره قصيدة بائية أولها: ليذهبوا في ملامي أية ذهبوا ... في الخمر (4) لا فضة تبقى ولا ذهب لا تأسفن على مال تمزقه ... أيدي سقاة الطلا والخرد العرب

_ (1) أبقيت هذه الحكاية على حالها، وفيها صورة من اللهجة الدارجة حينئذ؛ وقارن بما في الوافي. (2) كذا ظن. (3) اللوالك: جمع لالكة، وهي نوع من النعال. (4) ص: فالخمر؛ وأثبت ما في الحاشية ترجيحاً، وهو كذلك عند الصفدي.

فما كسوا راحتي من راحها حللاً ... إلا وعروا فؤادي الهم واستلبوا راح بها راحتي في راحتي حصلت ... فتم عجبي بها وازداد لي العجب إذ ينبع الدر من حلو مذاقته ... والتبر منسبك في الكأس منسكب وليست الكيميا في غيرها وجدت ... وكل ما قيل في أبوابها كذب قيراط خمر على القنطار من حزن ... يعود في الحال أفراحاً وينقلب عناصر أربع في الكأس قد جمعت ... وفوقها الفلك السيار والشهب ماء ونار هواء أرضها قدح ... وطوقها فلك والأنجم الحبب ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل ... بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب شججت بالماء منها الرأس موضحة ... فحين أعقلها بالخمس لا عجب وما تركت بها الخمس التي وجبت ... وإن رأوا تركها من بعض ما يجب ولن أقطب وجهاً حين تبسم لي ... فعند بسط الموالي يحسن (1) الأدب عاطيتها من بنات الترك عاطية ... لحاظها للأسود الغلب قد غلبوا هيفاء جارية للراح ساقية ... من فوق ساقية تجري وتنسرب2 شطر ثاني من وجهها وتثنيها وقامتها ... تخشى الأهلة والقضبان والقضب يا قلب أردافها مهما مررت بها ... قف بي عليها وقل لي هذه الكثب وإن مررت بشعر فوق قامتها ... بالله قلي لي كيف البان والعذب تريك وجنتها ما في زجاجتها ... لكن مذاقته للريق تنتسب تحكي الثنايا الذي أبدته من حبب ... " لقد حكيت ولكن قاتك الشنب " (3) وقال أيضاً: وعارض قد لام في عارض ... وطاعن يطعن في سنه

_ (1) الوافي: يحفظ. (3) مضمن من قول الخيمي، وصدره: ((يا بارقاً بأعالي الرقمتين بدا)) .

وقال لي قد طلعت ذقنه (1) ... فقلت لا أفكر في ذقنه وقال وهو في غاية الحسن: شب وحدي بشائب ... من سنا البدر أوجه كلما شاب ينحني ... بيض الله وجهه وقال أيضاً: ولما جلا فصل الخريف (2) محاسناً ... وصف ماء النهر إذ غرد القمري أتاه النسيم الرطب رقص دوحه ... فنقط وجه الماء بالذهب المصري وقال أيضاً: عيرتني بالسقم طرفك مشبهي ... وتحول جسمي مثل خصرك ناحلا (3) وأراك تشمت إذ أتيتك سائلاً ... لا بد أن يأتي عذارك سائلا وقال في مليح به يرقان: رأيت في طرفه اصفراراً ... سبا فؤادي فقلت مهلا أيا مليك الأنام حسناً ... العفو من سيفك المحلى وهذا يشبه قول الوداعي (4) : قال قوم قد شانه يرقان ... قلت أخطأتم وحاشا وكلا إنما الخد واللواحظ منه ... مصحف مذهب وسيف محلى وقال أيضاً (5) :

_ (1) ص: دقنه. (2) الوافي: الربيع. (3) الوافي: وكذاك خصرك مثل جسمي ناحلا. (4) هذا البيتان تأخرا عن موضعهما في المطبوعة. (5) لم يرد البيتان التاليان في المطبوعة.

أقصى مناي أن أمر على الحمى ... ويلوح نور رياضه ويفوح حتى أري سحب الحمى كيف البكا ... وأعلم الورقاء كيف تنوح وقال أيضاً: بعيشك خل عاذلتي تلمني ... ومنها في ملامتها ومني فإن نجحت فلا نجحت طريقي ... وأدركت المنية لا التمني وإن خابت فلا خابت طريقي ... وإن كان الهو ثانيه عني فيا غصن النقا ويجل قدراً ... قوامك ان أشبهه بغصن لحاظك بالمها فتكت عناداً ... ولا تسأل عن الظبي الأغن وعطفك قد كسا الأغصان وجداً ... فمالت بالهوى لا بالتثني ورقت ورقها فبكت عليها ... وفي الأفنان أبدت كل فن وقد طارحتها شجناً فلما ... بكيت صبابة أخذت تغني وقال أيضاً في مليح اسمه خليل: تلك المعاطف أم غصون البان ... لعبت ذوائبها على الكثبان وتضرحت تلك الحدود فوردها ... قد شق قلب شقائق النعمان ما يفعل الموت المبرح في الورى ... ما تفعل الأحداق في الأبدان أخليل قلبي وهو يوسف عصره ... قلبي الكليم رميت في النيران قطعته مذ كان قلباً طائراً ... ودعوته فأتى بغير توان يا نور عيني لا أراك وهكذا ... إنسان عيني لا يراه عياني وقال أيضاً: أخفيت حبك عن جميع جوانحي ... فوشت عيوني والوشاة عيون ووددت أن جوانحي وجوارحي ... مقل تراك وما لهن جفون وودت دمع الخافقين لمقلتي ... حتى عزيز الدمع فيك يهون يا ليت قيساً في زمان صبابتي ... حتى أريه العشق كيف يكون

وقال أيضاً في مليح يلقب بالحامض: وبديع الجمال معتدل القا ... مة كالغصن والقنا الأملود لقبوه بحامض وهو حلو ... قول من لم يصل إلى العنقود وقال: يا وجنة هي جنة قد زخرفت ... ورداً ومن آس العذار تخضرت عين بنور جمال وجهك متعت ... وسوى جمالك أبصرت، لا أبصرت وقال ذوبيت (1) : يا غاية منيتي ويا معشوقي ... من بعدك لم أمل إلى مخلوق يا خير نديم كان لي يؤنسني ... من بعدك صلبت على الراووق وقال أيضاً: في خدك خط مشرف الصدغ سطور ... والشاهد ناظر على الفتك يدور يا عارضه بالشرع لا تقتلني ... الشاهد فاتك وذا خطك زور وقال: تغنت في ذرى الأوراق ورق ... ففي الأفنان من طرب فنون وكم بسمت ثغور الزهر عجباً ... وبالأكمام كم رقصت غصون وقال أيضاً: وبي من قسا ولان معاطفاً ... إذا قلت أدناني بضاعف تبعيدي أقر برق إذا أقول أنا له ... وكم قالها أيضاً ولكن لتهديدي وقال: إذا قلت ثغرك صن باللثام ... يقول: سيحيميه صارم جفني

_ (1) لم يرد هذا الدوبيت في المطبوعة.

وإن قلت قد صار من فتكه ... كليلاً يقول عذاري مسني وقال ذوبيت: كم قال معاطفي حكتها الأسل ... والبيض سرقن ما حوته المقل الآن أوامري عليهم حكمت ... البيض تحد والقنا تعتقل وقال: عانقت وبالعناق يشفى الوجد ... حتى شفي الصب ومات الضد (1) من أخمصه لثماً إلى وجنته ... حتى اشتكت القضب وضج الورد وقال موضح يعارض به السراج المحار: ما أخجل قده غصون البان ... بين الورق إلا سلب المها مع الغزلان ... حسن الحداق قاسوا غلطاً من حاز حسن البشر ... بالبدر يلوح في دياجي الشعر ... لا كيد ولا كرامة للقمر ... الحب جماله مدى الأزمان ... معناه بقي وازداد سناً وخص بالنقصان ... بدر الأفق الصحة والسقام في مقلته ... والجنة والجحيم في وجنته ... من شاهد يقول من دهشته ... هذا وأبيك فر من رضوان ... شطر تحت الغسق للأرض يعيذه من الشيطان ... رب الفلق قد أنتبه الله ... نباتاً حسناً

_ (1) الوافي: الصد.

وازداد على المدى بهاء وسنا ... من جاد له بروحه ما غبنا ... قد زين حسنه مع الإحسان حسن الخلق ... لو رمت لحسنه شبيهاً (1) ثاني لم يتفق ... في نرجس لحظه وزهر الثغر ... روض نضر قطافه بالنظر ... قد دبج خده بنبت الشعر ... كالورد حواه ناعم الريحان بالطل سقي ... والقد يميل ميلة الأغصان للمعتنق ... أحيا وأموت في هواه كمدا ... من مات جوى في حب قد سعدا ... يا عاذل لا أترك وجدي أبدا ... لا تعذلني فكلما تلحاني زادت حرقي ... يستأهل من يهم (2) بالسلوان ضرب العنق ... القد وطرفه قناة وحسام ... والحاجب واللحاظ قوس وسهام ... والثغر مع الرضاب كأس ومدام ... والدر منظم مع المرجان في فيه نقي ... قد رصع فوقه عقيق قان نظم النسق ... وأما موشحة السراج المحار فهي: مذ شمت سنا الروق من نعمان ... باتت حدقي

_ (1) ص: شبيه. (2) ص: يهيم.

تذكي بمسيل دمعها الهتان ... نار الحرق ما أومض بارق الحمى أو خفقا ... إلا وأجد لي الأسى والحرقا ... هذا سبب لمحنتي قد خلقا ... أمسي لوميضه بقلب عاني ... بادي القلق لا أعلم في الظلام ما يغشاني ... غير الأرق أضني جسدي فراق إلف نزحا ... أفنى جلدي دمع عيني نزحا ... كم صحت وزند لوعتي قد قدحا ... لم تبق يد السقام من جثماني ... غير الرمق ما أصنع والسلو مني فاني ... والوجد بقي أهوى قمراً حلو مذاق القبل ... لم يكحل طرفه بغير الكحل ... تركي اللحظات بابلي المقل ... زاهي الوجنات زائد الإحسان ... حلو الخلق عذب الرشفات ساحر الأجفان ... ساجي الحدق ما حط لثامه وأرخى شعره ... أو هز معاطفاً رشاقاً نضره ... إلا ويقول كل راء نظره ... هذا قمر بدا بلا نقصان ... تحت الغسق أو شمس ضحى في غصن فينان ... غض الورق ما أبدع معنى لاح في صورته ... إيناع عذاره على وجنته ...

لما سقي الحياة من ريقته ... فاعجب لنبات خده الريحاني ... من حيث سقي يضحي ويبيت وهو في النيران ... لم يحترق والسراج المحار عارض بهذا موشح أحمد الموصلي، وهو: مذ غردت الورق على الأغصان ... بين الورق أجرت دمعي وفي فؤادي العاني ... أذكت حرقي لما برزت في الدوح تشدو وتنوح ... أضحى دمعي بساحة السفح سفوح ... والفكر نديمي في غبوق وصبوح ... قد هيجت الذي به أضناني ... منه قلقي والقلب له من بعد صبري الفاني ... الوجد بقي ما لاح بريق رامة أو لمعا ... إلا وسحاب عبرتي قد همعا ... والجسم على المزمع هجري مزمعا ... بالنازح والنازح عن أوطاني ... ضاقت طرقي ما أصنع قد حملت من أحزاني ... ما لم أطق قلبي لهوى ساكنه قد خفقا ... والوجد حبيس واصطباري طلقا ... والصامت من سري بدمعي نطقا ... في عشق منعم من الولدان ... أصبحت شقي من جفوته، ولم يزر أجفاني ... غير الأرق فالورد مع الشقيق من خديه ...

قد صانهما النرجس من عينيه ... والآس هو السياج من صدغيه ... واللفظ وريق الأغيد الروحاني ... عند الحدق حلوان على غصن من المران ... غض رشق الصاد من المقلة من حققه ... والنون من الحاجب من عرقه ... واللام من العارض من علقه ... قد سطره بالقلم الريحاني ... رب الفلق بالمسك على الكافور كالعنوان ... فوق الورق ما أبدع وضع الخال في وجنته ... خط الشكل الرفيع من نقطته ... قد حير إقليدس في هيئته ... كالعنبر في نار الأسيل القاني ... للمنتشق فاعجب لعبير وهو في النيران ... لم يحترق ومن موشحات الشيخ صدر الدين قوله: صاح صاح الهزار ... قم نحث الكووس قد تجلى النهار ... فاجل بنت القوس ما علينا جناح ... إن فصل المصيف قد تولى وراح ... وتولى الخريف قم فذات الجناح ... ذات رمز لطيف في اقتلاع الوقار ... من طروس الضروس وانتهاب العقار ... وسرور النفوس

زوج الما براح ... يا شبيه القمر والشهود الملاح ... والولي المطر والمغاني الفصاح ... ساكنات الشجر وهي بكر تدار ... والسقاة الشموس والحباب النثار ... فوق وجه العروس إن عيشي الرغيد ... حين ألقى الصديق وعذار جديد ... وسلاف عتيق ثم ألقى شهيد ... بسيوف الرحيق كم كذا ذا الفشار ... وخيوط الرؤوس طاح عمري وطار ... في سماع الدروس وكان الشيخ صدر الدين عارفاً بالطب علماً لا علاجاً، فاتفق أن شكا إليه الأفرم سوء هضم، فركب له سفوفاً وأحضره، فلما استعمله أفرط في الإسهال (1) جداً، فأمسكه ممالكيه ليقتلوه، وأحضروا أمين الدين الحكيم لمعالجة الأفرم، فعالجه باستفراغ تلك المواد التي اندفعت وأعطاه أمراق الفراريج، ثم أعطاه الممسكات حتى صلح حاله، فلما صلحت حاله سأل الأفرم عن الشيخ صدر الدين فأخبروه المماليك ما فعلوا به، فأنكر ذلك عليهم ثم أحضره وقال له: يا صدر الدين، جيت تروحني غلطاً، فقال له سليمان الحكيم: يا صدر الدين اشتغل بفقهك ودع الطب، فغلط المفتي يستدرك وغلط الطبيب ما يستدرك، فقال الأفرم: صدق لك، لا تخاطر، ثم قال لمماليكه: مثل صدر الدين ما يتهم، والله الذي جرى عليه منكم أصعب مما جرى عليّ، وما أراد والله إلا الخير، ثم سير له

_ (1) الوافي: أفرط به الإسهال.

جملة دراهم وقماش. ولما أنكر البكري استعارة البسط والقناديل من الجامع العمري بمصر لبعض كنائس القبط في بعض مهماتهم، ونسب هذه الفعلة إلى كريم الدين، فطلع البكري إلى حضرة السلطان وكلمه في ذلك وأغلظ له في القول، وكاد يجوز ذلك على السلطان لو لم يحل بعض القضاة الحاضرين على البكري، وقال: ما قصر الشيخ، كالمستهزيء به، فحينئذ أغلظ السلطان له وأمر بقطع لسانه، فأتى الخبر إلى الشيخ صدر الدين وهو في زاوية السعودي، فطلع إلى القلع على حمار فاره اكتراه للسرعة، فرأى البكري وقد أخذ ليمضي فيه ما أمر، فلم يملك دموعه أن تساقطت على خده، واستمهل الشرطة، ثم صعد الأيوان والسلطان جالس به، وتقدم إلى السلطان من غير استئذان وهو باك، فقال له السلطان: خير يا صدر الدين فزاد بكاؤه ونحيبه ولم يقدر على مجاوبة السلطان، فلم يزل السلطان يرفق به ويقول له: خير، ما بك؟ إلى أن قدر على الكلام، فقال له: هذا البكري من العلماء الصلحاء، وما أنكر إلا في موضع الإنكار، ولكنه لم يحسن التلطف، فقال له السلطان: إي والله أنا أعرف أنه حطبة، وانفتح الكلام، ولم يزل الشيخ صدر الدين يرفق بالسلطان ويلاطفه حتى قال: خذه وروح وانصرف، هذا كله جرى والقضاة حضور وأمراء الدولة ملء الإيوان، وما فيهم من أعانه. وكان إذا فرغ مما هو فيه مع أصحابه وعشراه قام وتوضأ وصلى ومرغ وجهه على التراب وبكى حتى يبل ذقنه بالدموع، ويستغفر الله تعالى ويسأله التوبة، رحمه الله تعالى.

ابن اللبانة

(1) 491 ابن اللبانة محمد بن عيسى بن مح، أبو بكر اللخمي الأندلسي، الشاعر المشهور بابن اللبانة، وله كتاب " مناقل الفتنة " و " نظم السلوك في وعظ الملوك " و " سقيط الدرر ولقيط الزهر " في شعر بني عباد، وتوفي بميورقة في سنة سبع وخمسمائة. من شعره: هلا ثناك علي قلب مشفق ... لترى فراشاً في فراش يحرق أصبحت كالرمق الذي لا يرتجي ... وبقيت كالنفس الذي لا يلحق وغرقت في دمعي عليك وعمني ... طوف فهل سبب به أتعلق أو خدعة بتحية مقبولة ... في جنب موعدك الذي لا يصدق أنت المنية والمنى، فيك استوى ... ظل الغمامة والهجير المحرق لك قد ذابلة الوشيج ولونها ... لكن سنانك أكحل لا أزرق ويقال إنك أيكة حتى إذا ... غنيت قيل هو الحمام الأورق لو في يدي سحر وعندي نفثة ... لجعلت قلبك بعض يوم يعشق لتذوق ما قد ذقت من ألم الهوى ... وترق لي مما تراه وتشفق وقال أيضاً يمدح المعتمد بن عابد: بكت عند توديعي فما علم الركب ... أذاك سقيط الطل أم لؤلؤ رطب

_ (1) الوافي 4: 297 والزركشي: 306 وقلائد العقيان: 245 وبغية الملتمس رقم: 213 والذخيرة (القسم الثالث: 209) والمغرب 2: 409 والمعجب: 208 والمطرب: 178 والتكملة: 410 والخريدة (قسم المغرب والأندلس) 2: 107 (ط. تونس) والمسالك 11: 270 وله موشحات في صفحات متفرقة من نفح الطيب ودار الطراز وجيش التوشيح؛ وهذه الترجمة مستوفاة في المطبوعة.

وتابعها سرب وإني لمخطيء ... نجوم الدياجي لا يقال لها سرب لئن وقفت شمس النهار ليوشع ... لقد وقفت شمس الهوى لي والشهب هفا بين عصف الريح والموج مثلما ... هفا بين أضلاعي يكوي به القلب كأني قذى في مقلة وهو ناظر ... بها والمجاذيف التي حولها هدب منها في المديح: حوى قصبات السبق (1) عفواً ولو سعى ... لها البرق خطفاً جاء من دونها يكبو ويرتاح عند الجود (2) حتى كأنه ... وحاشاه نشوان يلذ له الشرب سألت أخاه البحر عنه فقال لي ... شقيقي إلا أنه البارد العذب وقال موشح (3) : في نرجس الأحداق ... وسوسن الأجياد نبت الهوى مغروس ... بين القنا المياد وفي نقا الكافور ... والمندل الرطب والهودج المزرور ... بالوشي والعصب قضب من البلور ... حمين بالقضب نادى بها المهجور ... من شدة الحب أذابت الأشواق ... روحي على أجساد أعارها الطاووس ... من ريشه أبراد كواعب أتراب ... تشابهت قداً

_ (1) الوافي: السعي. (2) الوافي: الحمد. (3) هي الموشحة رقم: 41 في جيش التوشيح.

عضت على العناب ... بالبرد الأندا (1) أوصت بي الأوصاب ... وأغرت الوجدا وأكثر الأحباب ... أعدى من الأعدا تفتر عن أعلاق ... لآليء أفراد فيه اللمى (2) محروس ... بألسن الأغماد من جوهر الذكرى ... أعطى (3) نحور الحور وقلد الدرا ... سلالة المنصور جاوز به البحرا ... واخرق حجاب النور وقال له شعرا ... بفضلك المشهور جمعت في الآفاق ... تنافر الأضداد فأنت ليث الخيس ... وأنت بدر الناد خرجت مختالا ... أبغي سنا البرق (4) أقطع أميالا ... غرباً إلى شرق مؤملاً حالا ... يكون من وفقي فقال من قالا ... وفاه بالصدق دع قطعك الآفاق ... يا أيها المرتاد واقصد إلى باديس ... خير بني عباد يا من رجاله ثقات الظلا ... وأمل التعريس

_ (1) ص: والاندا (2) ص: اللقا. (3) ص: عطل. (4) جيش التوشيح: الرزق.

إن شئت أن تحلى ... بطائل التأنيس لا تعتمد إلا ... على علا باديس من قومه أعلى ... قدراً من البرجيس مواطن الأرزاق ... أولئك الأمجاد (1) فاحطط رحال العيس ... وانفض بقايا الزاد وقال أيضاً: شق النسيم كمامه ... عن زاهر يتبسم فلا تطع لملامه ... واشرب على الزير والبم حيا النسيم بمندل ... عن طيب زهر أنيق ونرجس الروض تخجل ... منه خدود الشقيق فانهض إلى الدن واقبل ... منه سؤال (2) الرحيق وفض منه ختامه ... عن مثل مسك مختم تكاد منه المدامه ... للشرب أن تتكلم حاكت على النهر درعا ... ريح الصبا في الأصايل وأسبل القطر دمعا ... على جيوب الخمايل (3) فاسمع من العود سجعا ... تشق منه الغلايل ما رنمته حمامه ... من فوق غصن منعم ولا ادعته كرامه ... بنت الحسين بن مجذم (4)

_ (1) جيش التوشيح: الأنجاد. (2) الوافي: سوار. (3) ص: الأصايل. (4) الوافي: مخدم.

أما علي فإني ... ممن سمعت بذكره والود يشهد عني ... بما أبوح بفخر وقد رأيت التمني ... يختال في ثوب بره (1) في حلة من أسامه ... بظاهر الحسن معلم متوج بالكرامه ... وبالسماح مختم حيا النسيم تلمسان ... بواكف القطر هطال فقد قضت كل إحسان ... بجودها بابن شملال وقصرت كل إنسان ... ما حواه من إجلال ندب يذل همامه ... ربيعة بن مكدم وما حواه أسامه ... في عصره المتقدم قد جاءك المتنبي ... يا سيف هذا الزمان يختال في ثوب عجب ... بما حوى من معان يشدو ارتجالاً فيسبي ... كل الوجوه الحسان هذا المليح في العمامه ... لو أنه يتلثم لقلت هذي غمامه ... غطت على قمر التم

_ (1) الوافي: بشره.

ماني الموسوس

(1) 492 ماني الموسوس محمد بن القاسم، أبو الحسن المعروف بماني الموسوس؛ من أهل مصر قدم بغداد أيام المتوكل، وكان من أظرف الناس وألطفهم. توفي سنة خمس وأربعين ومائتين. ومن شعره: زعموا أن من تشاغل بال؟ ... لذات عمن يحبه يتسلى كذبوا والذي تقاد له البد ... ن ومن عاذ بالطواف وصلى أن نار الهوى أحر من الجم؟ ... ر على قلب عاشق يتقلى وقال: دعا طرفه طرفي فأقبل مسرعاً ... وأثر في خديه فاقتص من قلبي شكوت إليه ما لقيت من الهوى ... فقال على رس فمت فما ذنبي وقال: ذنبي إليه خضوعي حين أبصره ... وطول شوقي إليه حين أذكره وما جرحت بدمع العين وجنته ... إلا ومن كبدي يقتص محجره نفسي على بخله تفديه من قمر ... وإن رماني بذنب ليس يغفره وعاذل باصطبار القلب يأمرني ... فقلت: من أين لي قلب فأهجره وذكر صاحب " الأغاني " أن محمد بن عبد الله بن اهر عزم على

_ (1) الوافي 4: 346 وتاريخ بغداد 3: 169 والأغاني 23: 55 ومعجم المرزباني: 387 وطبقات ابن المعتز: 383 والزركشي: 307؛ وقد وردت هذه الترجمة مكتلمة في المطبوعة.

الصبوح، وعنده الحسن بن محمد بن طالوت، فقال له محمد: نحتاج أن يكون معنا من نأنس به ونلتذ بمنادمته، فمن ترى أن يكون؟ فقال له ابن طالوت: قد خطر ببالي من ليس علينا بمنادمته ثقل، قد خلا من إبرام المجالسين، وبريء من ثقل المؤانسين، خفيف الوطأة إذا أدنتيه، سريع الوثبة إذا أمرته، قال: من هو؟ قال: ماني الموسوس، فتقدم إلى صاحب الشرطة بطلبه وإحضاره، فلم يكن بأسرع من أن قبض عليه ووافى به باب محمد، فلا مثل بين يديه وسلم رد عليه السلام وقال له: ما آن لك أن تزورنا مع شوقنا إليك؟ فقال له ماني: أز الله الأمير، الشوق شديد، والود عتيد، والحجاب صعب، ولو سهل لي الأذن لسهلت علي الزيارة، فقال له محمد: لقد لطفت في الاستئذان، وأمره بالجلوس فجلس، وكان قد أطعم قبل أن يدخل، وأدخل الحمام وأخذ من شعره وألبس ثيباً نظافاً وأتى محمد بن عبد الله بن طاهر بجارية كان يحب السماع منها، فكان أول ما غنته: ولست بناس إذ غدوا وتحملوا ... دموعي على الخدين من شدة الوجد وقولي وقد زالت بعيني حمولهم ... بواكر تحدى: لا يكن آخر العهد فقال ماني إيذن لي أيها الأمير، قال: في ماذا؟ قال: في استحسان ما اسمع، قال: نعم، قال: أحسنت فإن رأيت أن تزيدي في هذا الشعر هذين البيتين: وقفت أناجي الربع والدمع حائر ... بمثلة موقوف عليه السلام الضر والجهد ولم يعدني هذا الأمير بعدله ... على ظالم قد لج في الهجر والصد فقل له محمد: ومن أي شيء استعديت ياماني؟ قال: لا من ظلم أيها الأمير، ولكن تحرك شوق وكان ساكناً. ثم غنت: حجبوها عن الرياح لأني ... قلت للريح بلغيها السلاما

لو رضا بالحجاب هان ولكن ... منعوها يوم الرياح الكلام فطرب محمد وشرب، فقال ماني: أيها الأمير ما على قائل هذين البيتين لو أضاف إليهما: فتنفست ثم قلت لطيفي ... ويك لو زرت طيفها إلماما حيها بالسلام سراً وإلا ... منعوها لشقوتي أن تناما فقال محمد: أحسنت يا ماني. ثم غنت: يا خليلي ساعة لا تريما ... وعلى ذي صبابة فأقيما ما مرننا بدار زينب إلا ... فضح الدمع سرنا المكتوما فقال ماني: لولا هيبة الأمير لأضفت إلى هذين البيتين بيتين لا يردان على سمع ذي لب فيصدران إلا عليه السلام استحسان لهما، فقال له محمد: الرغبة في حسن ما تأتي به حائلة عن (1) كل رهبة، فهات ما عندك، فقال: ظبية كالهلال لو تلحظ الصخ ... ر بطرف لغادرته هشيما وإذا ما تبسمت خلت ما يب ... دو من الثغر لؤلؤاً منظوما وفي الخبر طول وهذا يكفي منه.

_ (1) ص: على.

الملك الناصر

493 - (1) الملك الناصر محمد بن قلاوون، السلطان الملك الناصر، ناصر الدين أبو الفتح محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاون؛ ولد الملك الناصر سنة أربع وثمانين وستمائة، وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ودفن بالمدرسة المنصورية بين القصرين، على والده؛ وكان ملكاً عظيماً دانت له البلاد وملك الأطراف بالطاعة. لما قتل الأشرف خليل وقع الاتفاق أن يكون السلطان الملك الناصر أخوه هو السلطان، وزين الدين كتبغا هو النائب، والشجاعي وزير، واستقر الأمر على ذلك سنة، ثم تسلطن كتبغا (2) وتسمى بالعادل، وخطب له بمصر والشام وزينت له البلاد، ثم تسلطن لاجين وتسمى بالملك المنصور وقتل في سنة ثمان وتسعين، فحلفوا الأمراء للملك الناصر، وأحضروه من الكرك، وهذه سلطنته الثانية، وعمره يومئذ خمس عشرة سنة، فأقام إلى سنة ثمان وسبعمائة، وذهب إلى الكرك متبرماً من سلار والجاشنكير وحجرهم عليه ومنعهم له من التصرف، وأعرض عن مصر، فوثب الجاشنكير على السلطنة وتسلطن. وفي سنة تسع وسبعمائة خرج السلطان من الكرك وطلب دمشق ودخل من باب السر إلى قلعة دمشق، وجاء الخبر بنزول الجاشنكير عن الملك

_ (1) الوافي 4: 353 والدرر الكامنة 4: 161 والسلوك 2: 523 والشذرات 6: 134 والنجوم الزاهرة 8: 115 وتاريخ أبي الفدا 4: 30 والرد الفاخر في سيرة الملك الناصر (وهو ج: 9 من كنز الدرر) للدواداري؛ وقد جاءت هذه الترجمة مكتملة في المطبوعة (2) حدث ذلك في 11 محرم سنة 694.

الحافظ ابن النجار

وهروبه وهروب سلار، ورحل الملك الناصر طالب مصر فدخلها، فلا استقر بها - وهي سلطنته الثالثة - ومد السماط، قبض على اثنين وثلاثين أمير وأمر غيرهم، وصفا له الوقت إلى حين وفاته، رحمه الله تعالى. 494 - (1) الحافظ ابن النجار محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن، الحافظ الكبير محب الدين ابن النجار البغدادي صاحب التاريخ؛ ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، سمع الحديث من ابن كليب وابن الجوزي وأصحاب ابن الحصين وجماعة. وله الرحلة الواسعة إلى الشام ومصر والحجاز وأصبهان وخراسان ومرو وهراة ونيسابور، وسمع الكثير وحصل الأصول والمسانيد، وصنف التاريخ الذي ذيل به على تاريخ الخطيب واستدرك فيه على الخطيب فجاء في ثلاثين مجلداً، دل على تبحره في هذا الشأن وسعة حفظه. وكان إماماً ثقة حجة مقرئاً مجوداً (2) حسن المحاضرة كيساً متواضعاً، اشتملت مشيخته على ثلاثة (3) آلاف شيخ، ورحل سبعاً وعشرين سنة. يقال إنه حضر مع تاج الدين الكندي في مجلس المعظم عيسى أو الأشرف موسى لأنه ذكره وأثنى عليه، فقال له الأشرف: أحضره، فسأله السلطان عن وفاة الشافعي

_ (1) الوافي 5: 9 وطبقات الشافعية 5: 41 والبدر السافر: 166 والشذرات 5: 226 والحوادث الجامعة: 205 وتذكرة الحفاظ: 1428 والأسنوي 2: 502 ومعجم الأدباء 19: 49 ومرآة الجنان 4: 111 والبداية والنهاية 13: 169 وعبر الذهبي 5: 180، وكنيته أبو عبد الله؛ ولم تخل المطبوعة بشيء من هذه الترجمة. (2) ص: موجودااً. (3) ص: ثلث.

ومتى كانت، فبهت، وهذا من التعجيز لمثل هذا الحافظ الكبير القدر، فسبحان من له الكمال. وله كتاب " القمر المنير في المسند الكبير " ذكر كل صحابي وما له من الحديث، وله كتاب " كنز الإمام في معرفة السنن والأحكام " و " المختلف والمؤتلف " ذيل به على ابن ماكولا، و " المتفق والمفترق " و " نسب المحدثين على الآباء والبلدان ". " كتاب عواليه ". " كتاب معجمه ". " جنة الناظرين في معرفة التابعين ". " الكمال في معرفة الرجال ". " العقد الفائق في (1) عيون أخبار الدنيا ومحاسن تواريخ الخلائق ". " الدرة الثمينة في أخبار المدينة ". " نزهة الورى في أخبار أم القرى ". " روضة الأوليا في مسجد إيليا ". " الأزهار في أنواع الأشعار ". " سلوة الوحيد ". " غرر الفوائد " ست مجدلدات. " مناقب الشافعي ". ووقف كتبه بالنظامية (2) ، و " الزهر (3) في محاسن أهل العصر ". كتاب نحا فيه نحو " نشوار المحاضرة " مما التقطه من أفواه الرجال. " نزهة الطرف في أخبار أهل الظرف ". " أخبار المشتاق إلى أخبار العشاق ". " الشافي " في الطب. قال ياقوت في " معجم الأدباء ": أنشدني لنفسه: وقائل قال يوم العيد لي ورأى ... تململي ودموع العين تنهمر مالي أراك حزيناً باكياً أسفاً ... كأن قلبك فيه النار تستعر فقلت إني بعيد الدار عن وطني ... ومملق الكف والأحباب قد هجروا ونظر إلى غلام تركي حسن الصورة فرمد باقي يومه فقال: وقائل قال قد نظرت إلى ... وجه مليح فاعتادك الرمد فقلت إن الشمس المنيرة قد ... يعشى بها الناظر الذي يقد

_ (1) ص: القانوني. (2) هذه العبارة في غير موضعها، وحقها أن تقع بعد الانتهاء من ذكر مؤلفاته كما أوردها الصفدي. (3) الوافي: أنوار الزهر.

شمس الدين الأصفهاني

495 - (1) شمس الدين الأصفهاني محمد بن محمود بن محمد بن عبد الكافي، العلامة شمس الدين الأصفهاني الأصولي؛ قدم الشام بعد الخمسين وستمائة، وناظر الفقهاء، واشتهرت فضيلته، وانتهت إليه الرياسة في معرفة الأصول، وشرح " المحصول " للإمام فخر الدين شرحاً كبيراً حافلاً، وصنف كتاب " القواعد " مشتملاً على أصول الدين والفقه والمنطق والخلاف، وهو أحسن تصانيفه، وله " غاية الطلب في المنطق " وله معرفة جيدة بالعربية والأدب والشعر، ولكنه كان قليل البضاعة في الفقه والسنة. ولي قضاء منبج في أيام الناصر، ثم دخل مصر وولي قضاء قوص، ثم قضاء الكرك، ورجع إلى مصر وولي تدريس الصاحبية وتدريس مشهد الحسين، وأعاد وأفاد، ثم ولي تدريس الشافعي، وتخرج به خلق ورحل إليه الطلبة؛ كتب عنه علم الدين البرزالي وغيره. مولده بأصبهان سنة ست عشرة، وتوفي سنة ثمان وثمانين وستمائة.

_ (1) الوافي 5: 12 وطبقات السبكي 5: 41 والشذرات 5: 406 والزركشي: 308 والأسنوي 1: 155 والبداية والنهاية: 13 ومرآة الجنان 4: 208 والنجوم الزاهرة 7: 382 وعبر الذهبي 5: 359؛ وقد جاءت هذه الترجمة كاملة في المطبوعة.

ابن المكرم

496 - (1) ابن المكرم محمد بن مكرم - بتشديد الراء - ابن علي بن أحمد الأنصاري الرويفعي ثم المصري، القاضي جمال الدين ابن المكرم، من ولد رويفع بن ثابت الأنصاري؛ ولد أول سنة ثلاثين وستمائة، وكان فاضلاً، وعنده تشيع بلا رفض مات في شعبان سنة إحدى عشرة (2) وسبعائة، خدم في الإنشاء بمصر، ثم ولي نظر طرابلس، وكان كثير الحفظ (3) ، اختصر كتباً كثيرة، وله نظم ونثر، فمن شعره: ضع كتابي إذا أتاك إلى الأر ... ض وقلبه في يديك لماما فعلى ختمه وفي جانبيه ... قبل قد وضعتهن (4) تؤاما كان قصدي بها مباشرة الأر ... ض وكفيك بالتثامي إذا ما وقال: الناس قد أثموا فينا بظنهم ... وصدقوا بالذي أدري وتدرينا ماذا يضرك في تصديق قولهم ... بأن نحقق ما فينا يظنونا حملي وحملك ذنباً واحداً ثقة ... بالعفو أجمل من إثم الورى فينا وقال: توهم فينا الناس أمراً وصممت ... على ذاك منهم أنفس وقلوب

_ (1) الوافي 5: 54 ونكت الهميان: 275 والزركشي: 307 والشذرات 6: 26 والدرر الكامنة 5: 31 والبدر السافر: 167، وقد جاءت هذه الترجمة مستوفاة في المطبوعة. (2) ص: عشر. (3) ص: الحظ؛ وفي الوافي: وكان كثير النسخ، فلعل الصواب ((الخط)) . (4) البدر السافر: بعثتهن.

ابن الدجاجية

وظنوا وبعض الظن إثم وكلهم ... لأقواله فينا عليه ذنوب تعالي نحقق ظنهم لنريحهم ... من الإثم فينا مرة ونتوب أخذه من قول القائل حيث يقول: قم بنا تفديك نفسي ... نجعل الشك يقينا فإلي كم يا حبيبي ... يأثم القائل فينا؟ وأخذه هذا من قول الأول: ما أنس (1) لا أنس قولها بمنى ... ويحك إن الوشاة قد علموا ونم واش بنا (2) فقلت لها ... هل لك يا هند في الذي زعموا قالت لماذا ترى فقلت لها ... كيلا تضيع الظنون والتهم ومن شعر ابن المكرم (3) : بالله إن جزت بوادي الأراك ... وقبلت أغصانه الخضر فاك أبعث إلى المملوك من بعضه ... فإنني والله مالي سواك 497 (4) ابن الدجاجية محمد بن مكي بن محمد بن حسن بن عبد الله، القرشي الدمشقي العدل

_ (1) ص: لا أنس. (2) ص: بها. (3) مر البيتان 3: 280 منسوبين لابن تمرداش. (4) الوافي 5: 58 والزركشي: 308 والشذرات 5: 289 والنجوم الزاهرة 7: 71 والترجمة مستوفاة في المطبوعة.

الأديب، بهاء الدين ابن الدجاجية، كان يجيد النظم، روى عنه الدمياطي، ومن شعره: ما راح عندكم النسيم ولا غدا ... إلا ليأخذ عند عبدكم يدا أحباب قلبي ذلك القلق الذي ... قد كاد يأخذني عليكم ما هدا كدرتم بعد الصفا وغدرتم ... بعد الوفا وبخلتم بعد الجدا وجعلتم الريان منزل حيكم ... ولكم محب مات فيه من الصدا وقال: من أين لقدك ذا الهيف ... قد حار الواصف ما يصف الرمح الأسمر يحسده ... والغصن الأخضر والألف فتبارك من أنشاك لقد ... في الخلق تفاضلت النطف يا أحسن بل يا أظرف من ... زينت بذؤابته الكتف " وقاك الله تعالى العي ... ن وعن أعطافك تنصرف " (1) كل الأقمار ببلدتنا ... بضياء جبينك قد خسفوا " فاحكم فلأنت أميرهم ... فيهم فببابك قد وقفوا " راقت أخلاقك للغربا ... ء فكيف بمن بك قد ألفوا قسماً بهواك وما أحلى ... قسم العشاق إذا حلفوا وبمن خاضوا غمرات منى ... وحصى الجمرات بها حذفوا لا حلت عن الميثاق ولو ... أودى بحشاشتي التلف يلحاني قوم ما فهموا ... ما شاني فيك ولا عرفوا وقال أيضاً: إلى سلم الجرعاء أهدى سلامه ... فماذا على من قد لحاه ولامه تجلد حتى لم يدع معظم الجوى ... لرائيه إلا جلده وعظامه

_ (1) ما بين معقفين لم يرد في ص او الوافي، وهو ثابت في المطبوعة.

شرف الدين القدسي

وقال أيضاً: غرته غرته لما سرى ... ظن بأن الصبح قد أسفرا أقبل يسعى خفراً خائفا ... على ذمام الوعد أن يخفرا يحق يا قوم لمن قده ال ... خطار أن لا يرهب الخطرا ضممته إذ نام سماره ... كما يضم البطل الأسمرا بتنا وما في ليلنا من كرى ... كأنما النوم غدا منكرا وقال ذوبيت: ما عذر فتى ما مد للهو يدا ... والدوح قد اكتسى ثياباً جددا مالت طرباً أغصانه راقصة ... لما صدح الطير عليها وشدا وكانت وفاته في شهور سنة سبع وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى. 498 - (1) شرف الدين القدسي محمد بن موسى الكاتب، شرف الدين القدسي؛ كان كاتب أمير سلاح ثم كتب الإنشاء بقلعة الجبل. كان حسن الأخلاق كريم العشرة محتملاً (2) ، فيه كرم وله خط حسن ونظم كثير ونثر. قال أبو حيان: جالسته مراراً وكتبت عنه وقرأ علينا من نظمه، وخمس " شذور الذهب " تخميساً حسناً، أنشدني من لفظه:

_ (1) الوافي 5: 93 والدرر الكامنة 5: 39 والشذرات 6: 32 والنجوم الزاهرة 9: 223 والزركشي: 309 والبدر السافر: 172؛ والترجمة ثابتة كلها في المطبوعة. (2) ص: محتمل.

تبسم فاستبكى ببارق ثغره ... سحائب جفن ما أحلت بعارض مليح أصبناه بعين ونظرة ... فمن أجل هذا قد أصيب بعارض وقال أيضاً: بي فرط ميل إلى الغزلان والغزل ... فكيف لا يقصر العذال عن عذلي مالوا علي ولاموا في الهوى عبثاً ... من لم يمل سمعه مذ كان للملل أضحى الغرام غريمي في هوى رشإ ... يغنيه عن كحله ما فيه من كحل فالبدر من حسنه قد راح ذا كلف ... والورد من خده قد راح في خجل تشاغل الناس في الأسمار بي وبه ... وإنني عن حديث الناس في شغل وقال أيضاً في مليح اسمه سالم: وأهيف تهفو نحو بانة قده ... قلوب تبث الشجو فهي حمائم عجبت له إذ دام توريد خده ... وما الورد في حال على الغصن دائم وأعجب من ذا أن حية شعره ... تجول على أعطافه وهو سالم ومن شعره قصيدة بديعة البيت معناها (1) وهي: ما ملت عنك لجفوة وملال ... يوماً، ولا خطر السلو ببالي يا مانحاً جسمي السقام ومانعاً ... طرفي المنام وتاركي كالآل عمن أخذت جواز (2) نعي ريقك ال؟ ... معسول يا ذا المعطف العسال عن شعرك الفحام أم عن ثغرك ال؟ ... نظام أم عن طرفك الغزالي فأجابني: أنا مالك أهل الهوى ... والحسن أضحى شافعي وجمالي وشقائق النعمان أضحى نابتاً ... في وجنتي وحماه رشق نبالي والصبر أجمل للمحب إذا ابتلي ... في الحب من محن الهوى بسؤال وعلى أساري " الحب " (3) في سجن الهوى ... بين الملاح عرفت بالقفال

_ (1) الوافي: والناس ينسبون إلى محيي الدين ابن عبد الظاهر. (2) ص: جوار. (3) زيادة من الوافي.

وقتلت معتزلي في شرع الهوى ... وطرقت بالتنبيه عين السالي وتفقه العشاق في فكل من ... نقل الصحيح أجزته بوصالي والجوهري غدا بثغري ساكنا ... يحمي الصحاح بقدي الميال وشهود حسني (1) لو نظرت إليهم ... بين الأنام عجبت من أفعالي جرح البكاء عيونهم وقلوبهم ... وزكوا لقذف الدمع في الأطلال والشاهد المجروح عندي صادق ... هل في قضاة العاشقين مثالي وعلى رحيق الثغر صارم مقلتي ... وليته ولك ثغر والي وعلى مقامات الغرام شواهد ... جسمي الحريري والبديع مقالي ولبست من حلل الجمال مفصلاً ... حسن الملابس مذهب (2) الغزالي ولحسني الكشاف في جمل الضيا ... لمعاً لإيضاح الفصيح مقالي وأتى المطرز نحو خدي راقماً ... طرز العذار وحار في أشكالي والواقدي بنار هجري والجفا ... وكلته فلكل سال صالي وبلفظي الفراء يفري قلب من ... وافى يناظر ناظري بنصال ومصارع العشاق بين خيامنا ... ومقاتل الفرسان يوم نزال ورفضت يوم العاشقين فكل من ... ذكر الفراق فدمعه متوال ولدي سلوان المطاع سفاهة ... لمتيم أوثقته بحبالي وخصصت إخوان الصفا برسائلي ... ولهم صفا ودي وهم آمالي والبيهقي بوجه كل معنف ... في موقف التوديع والترحال وبوجهي النقاش راح مفسراً ... سور الملاحة من دليل دلالي ورقيبي الكلبي قد أخسأته ... بوقوفه في باب ذل سؤال ومجاهد أضحى علي مقاتلاً ... خوفاً من الرقباء والعذال " (3)

_ (1) ص: حسي. (2) الوافي: مدهش. (3) ما بين معقفين زيادة من الوافي، لم يرد في ص وهو في المطبوعة.

" وأبو نعيم منعم في حليتي ... إذ بات يمليها على النقال " ومحاسني قوت القلوب كرما ... ومناقب الأبرار حسن فعالي وبطلعتي (1) زاد المسير ومبسمي ال ... ضحاك والمنثور حسن لآلي " وبخدي الزهري جنات المنى ... أضحى بها الثوري من عمالي وبمنطقي قس الفصاحة واعظ ... في فترة الأجفان للضلال وقميص حسني قد من قبل الهوى ... بيدي اليمين وتارة بشمالي والثعلبي رأى الوجوه بجهده ... وحلا له في النقل وجه الحالي وعلى أبي الجود استغلت ونافع ... علمي كثير عاصم متوالي " (2) ولحسني الأنساب يرويها عن ال ... عدل الزكي بصحة النقال فيراه للتمييز نصباً واجباً ... ورفعت عنه الهجر من أفعالي ولي الخلافة في الملاح فلحظي الس ... فاح والمنصور في أقوالي وعلى محلي بالجمال رواية ... في راية نشرت ليوم جدال ومدينة العلم السخاوي أصبحت ... في راحتي فعرفت بالبذال قال (3) الأوائل ما رأينا مثله ... غصن رطيب مثمر بهلال قد عمه الحسن الغريب وخاله ... ما في البرية منه قلب خال فوصلت عشاقي فلام معنفي ... فأجبته هذا الذي يبقى لي القوم أبناء السبيل وعندنا ... تعطى زكاة الحسن كالأموال قد طال ما نقلوا حديث محاسني ... فهم عدو لي صحة ورجالي هذي القصيدة بالأئمة شرفت ... قدري وفقت بها على أمثالي فكأنها العقد النظيم وهم بها ال ... در الثمين (4) مكللاً (5) بلآلي

_ (1) الوافي: وتطلعي. (2) لم يرد هذا البيت في ص والوافي، وإنما هو مما يثبت في المطبوعة. (3) ص: قالوا. (4) الوافي: الثمين ... النظيم. (5) ص: فكلا.

أمير المؤمنين الأمين

499 - (1) أمير المؤمنين الأمين محمد بن هارون، أمير المؤمنين الأمين ابن أمير المؤمنين الرشيد ابن المهدي؛ كان ولي العهد بعد أبيه، وكان من أحسن الشباب صورة، أبيض طويلاً ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة وفصاحة وأدب وبلاغة، ولكنه كان سيء الرأي، كثير التبذير أرعن؛ عاش سبعاً وعشرين سنة، وآخر أمره خلع ثم أسر، وقتل صبراً في المحرم سنة تسع وتسعين ومائة، وطيف برأسه، لأنه في سنة خمس وتسعين خلع أخاه (2) المأمون وعقد لعلي ابن عيسى بن ماهان على الجبال ونهاوند وقم وقاشان، وأمر له بمائتي دينار، وأعطى لجنده مالاً عظيماً، وفرق على أهل بغداد ثلاثة آلاف " ألف " (3) درهم، وسارت العساكر لملتقى المأمون وعليهما ابن ماهان، فلقيهم طاهر بن الحسين من قبل المأمون، وهو في أقل من أربعة آلاف فارس، فكسرهم وقتل ابن ماهان. ولما وصل الخبر إلى الأمين قال: دعوني فإن كوثر الخادم صاد سمكتين وأنا " ما صدت " سمكة (4) . وقيل إن جيش ابن ماهان كان أربعين ألف فارس. وندم الأمين

_ (1) الوافي 5: 135 وتاريخ بغداد 3: 336 ومعجم المرزباني: 362 والروحي: 49 وتاريخ الخميس 2: 333 وتاريخ الخلفاء: 296 والفخري: 161 وخلاصة الذهب المسبوك: 90 والمصادر التاريخية الكبرى: كالمسعودي واليعقوبي والطبري وابن الأثير وابن خلدون ... الخ؛ وقد وردت هذه الترجمة كاملة في المطبوعة. (2) ص: أخيه. (3) سقطت من ص. (4) الوافي: وأنا إلى الآن ما صدت شيئاً.

على خلع المأمون، ثم جهز عبد الرحمن بن جبلة الأنباري في أربعين ألف فارس، فسار إلى همذان فلقيه طاهر فقتله وكسر جيشه بعد حروب عظيمة، وسار طاهر وقد خلت البلاد وتقدم إلى الأهواز، ثم تقدم ونزل بباب الأنبار، ثم سار وأحاط بمدينة المنصور، فخرج الأمين في حراقة هارباً، فلما سمع طاهر بذلك خرج إليه ورماه بالنشاب فانكفأت الحراقة وغرق الأمين ومن كان معه، فسبح حتى صار إلى بستان موسى، فعرفه محمد ابن حميد، فصاح بأصحابه، ثم أخذ برجله، وحمل على برذون إلى بين يدي طاهر فأمر بقتله وقطع رأسه ونصبه على حائط بستان، ونودي عليه: هذا رأس محمد المخلوع، ثم بعث به وبالبردة والقضيب والمصلى مع ابن عمه محمد بن المصعب إلى المأمون، وقال: قد بعثت إليك بالدنيا وهو رأس محمد الأمين وبالآخرة وهي البردة والقضيب، فأمر المأمون لمحمد بن مصعب بألف ألف درهم، ولما رأى رأس الأمين سجد. وكان قتله سنة تسع (1) وتسعين ومائة، وخلافته أربع سنين، وكان الرشيد يعرف بالفراسة ما يجري بن الأمين والمأمون، فكان ينشد: محمد لا تبغض أخاك فإنه ... يعود عليك البغي إن كنت باغيا فلا تعجلن فالدهر فيه كفاية ... إذا مال بالأقوام لم يبق باقيا وفي الأمين يقول أبو الهول الحميري: ملك أبوه وأمه من نبعة ... منها سراج الأمة الوهاج شربوا بمكة في ذرى بطحائها ... ماء النبوة ليس فيه مزاج يريد أن أباه وأمه من هاشم. ومن شعر الأمين:

_ (1) ص: سبع.

أمير المؤمنين المعتصم

ما يريد الناس من ص ... ب من يهوى كئيب كوثر ديني ودنيا ... ي وسقمي وطبيبي أحمق الناس الذي يل ... حى محباً (1) في حبيب 500 (2) أمير المؤمنين المعتصم محمد بن هارون، أبو إسحاق المعتصم بن الرشيد؛ ولد سنة ثمانين ومائة، وأمه أم ولد اسمها ماردة، بويع بعد المأمون بعهد منه إليه في رابع عشر رجب سنة ثمان عشرة ومائتين. وكان أبيض أصهب اللحية طويلها ربع القامة، ذا شجاعة وقوة وهمة عالية؛ وكان يقال له " المثمن " لأنه ثامن خلفاء بني العباس، وملك ثمان سنين وثمانية أشهر، وفتح ثمانية (3) فتوح، وقتل ثمانية أعداء: بابك وباطيش ومازيار والأفشين وعجيف وقاروت (4) وقائد الرافضة ورئيس الزنادقة. وخلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار، ومن الدراهم مثلها، ومن الخيل ثمانين ألف فرس. وثمانية آلاف ملوك، وثمانية آلاف جارية، وبني ثمانية قصور.

_ (1) ص: محب. (2) الوافي 5: 139 وتاريخ بغداد 3: 197 والبدء والتاريخ 6: 114 والفخري: 209 والروحي: 52 وتاريخ الخلفاء: 360 وخلاصة الذهب المسبوك: 221 والمصادر التاريخية الكبرى (انظر الترجمة السابقة) ؛ وهذه الترجمة كاملة في المطبوعة. (3) ص: ثمان. (4) الوافي: وقارون.

وكان عرياً من العلم، كان معه ملوك يتعلم في الكتاب، فقال له أبوه: مات يا محمد غلامك، فقال: نعم واستراح من الكتاب، فقال له أبوه: إن كان الكتاب ليبلغ منك هذا، دعوه ولا تعلموه. وغزا عمورية وفتحها وقتل ثلاثين ألفاً وسبى مثلهم. وكان من أهيب الخلفاء، وامتحن العلماء في القول بخلق القرآن. وقال أحمد بن أبي دواد: كان المعتصم يخرج يده إلي ويقول عض ساعدي بأكبر قوتك، فأقول: ما تطيب نفسي، فيقول: إنه لا يضرني، فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنان. وقبض يوماً على جندي أخذ ابناً لامرأة فأمره برده فأبى، فقبض عليه فسمعت صوت عظامه، ثم أطلقه فسقط، وكان ذلك في حياة المأمون. وجعل زند رجل بين إصبعيه فكسره. وكان موته في شهور سنة سبع وعشرين ومائتين، وصلى عليه ابنه الواثق. ولكثرة عسكره وضيق بغداد عليه بني سامراً وانتقل إليها بعسكره، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين، وعلق له خمسون ألف مخلاة، ولما احتضر قال: ذهبت الحيلة، ولم يزل يكررها حتى صمت؛ رحمه الله تعالى. ومن شعره ما أورده ابن المرزبان في " المعجم " (1) : قرب النحام واعجل يا غلام ... واطرح السرج عليه واللجام أعلم الأتراك أني خائض ... لجة الموت فمن شاء أقام وقال: لم يزل بابك حتى ... صار للعالم عبره

_ (1) انظر معجم المرزباني: 364 ويروى البيتان الأولان لغيره.

أمير المؤمنين المهتدي

ركب الفيل ومن ير ... كب فيلاً فهو شهره وقال في غلامه عجيب: إني هويت عجيباً ... هوى أراه عجيبا طبيب ما بي من الح؟ ... ب لا عدمت الطبيبا الوجه منه كبدر ... والقد يحكي القضيبا 501 (1) أمير المؤمنين المهتدي محمد بن هارون أمير المؤمنين الخليفة الصالح المهتدي ابن الواثق المعتصم ابن الرشيد؛ ولد في خلافة جده سنة بضع (2) عشرة ومائتين، وبويع له بالخلافة وله بضع وثلاثون (3) سنة. وكان أسمر رقيقاً مليح الوجه، ورعاً متعبداً عادلاً قوياً في أمر الله، بطلاً شجاعاً، لكنه لم يجد ناصراً ولا معيناً على الخير. وكان يلبس في الليل جبة صوف وكساء ويصلي فيهما، ويفطر في رمضان على خبز وملح وزيت وخل، ويقول: فكر بأنه كان في بني أمية عمر ابن عبد العزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغنا فغرت على بني هاشم، وأخذت نفسي بذلك. وكان قد اطرح الملاهي وحرم الغناء وحسم

_ (1) الوافي 5: 144 وتاريهخ الخميس 2: 341 وتاريخ بغداد 3: 347 ومعجم المرزباني: 401 والروحي: 57 والفخري: 222 وتاريخ الخلفاء: 389 وخلاصة الذهب المسبوك: 231 وانظر أيضاً المسعودي واليعقوبي ... الخ؛ وهذه الترجمة مستوفاة في المطبوعة. (2) ص: بضعة. (3) ص: وثلاثين.

أصحاب السلطان عن الظلم، وكان شديد " الإشراف " (1) على الدواوين فخرجوا عليه الأتراك فحاربهم بنفسه، وجرح فأسروه وخلعوه وقتلوه سنة ست وخمسين ومائتين. قال العمراني: إن الأتراك عصروا خصاه حتى مات وبايعوا أحمد بن المتوكل ولقبوه المعتمد على الله، وذلك في سادس عشر رجب سنة ست وخمسين، وكانت خلافة المهتدي سنة إلا خمسة (2) عشرة يوماً. جلس يوماً للمظالم فاستعداه (3) رجل على ابن له، فأحضره وحكم عليه ورد الحق للرجل، فقال الرجل: أنت والله يا أمير المؤمنين كما قال الأعشى: حكمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر لا يقبل الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر فقال المهتدي: أما أنت فجزاك الله خيراً، وأما أنا فإني والله ما جلست حتى قرأت قوله تعالى: " ونضع الموازين القس ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها، وكفى بنا حاسبين " " الأنبياء: 47 " قال الإسكافي: فما رأيت باكياً أكثر من ذلك اليوم. ومدحه البحتري بقصيدة منها (4) : هجرت الملاهي خشية وتفردا ... بآيات ذكر الله يتلى حكيمها وما تحسن الدنيا إذا هي لم تعن ... بآخرة حسناء يبقى نعيمها وخلف من الولد سبعة عشر ذكراً وست بنات، وأولاده أعيان أهل بغداد، وهم الخطباء بالجوامع والعدول ولم يبق ببغداد أكثر من ولده.

_ (1) زيادة من الوافي. (2) ص: خمس. (3) ص: فاستعدى. (4) ديوان البحتري: 2025 وما بعدها.

الخالدي الشاعر

502 - (1) الخالدي الشاعر محمد بن هاشم بن وعلة بن عثمان بن بلال الخالدي مضى ذكر أخيه سعيد في حرف السين؛ كانا شاعرين اشتركا في كثير من الشعر ونسب إليهما معاً، وكلاهما من خواص سيف الدولة بن حمدان. والخالدية: قرية من قرى الموصل. توفي سنة ثمانين وثلثمائة تقريباً. وكانا خزنة كتب سيف الدولة، وقد اختارا من الدواوين كثيراً، وجمعا مجاميع أدبية؛ ومن شعر محمد المذكور من أبيات (2) : وصبغ شقائق النعمان يحكي ... يواقيتاً نظمن على اقتران وأحياناً نشبهها خدوداً ... كستها الراح ثوباً أرجواني شقائق مثل أقداح ملاء ... وخشخاش كفارغة القناني وإما غازلتها الريح خلنا ... بها جيشي وغى يتقاتلان تخال به ثغوراً باسمات ... إذا ما أفتر نور الأقحوان وآذريونه قد شبهوه ... بتشبيه صحيح في المعاني بكأس من عقيق فيه مسك ... وهذا الحق أيد بالبيان (3)

_ (1) الوافي 5: 149 والزركشي: 310 واليتيمة 2: 183، وانظر سائر المصادر المذكورة في ترجمة أخيه ((سعيد بن هاشم)) ؛ والترجمة مستوفاة في المطبوعة. (2) ديوان الخالديين: 99. (3) ص: بالبنان.

أبو الوليد ابن حزم

503 - (1) أبو الوليد ابن حزم محمد بن يحيى بن حزم من شعراء " الذخيرة "؛ قال ابن بسام: أحلى الناس شعراً، لا سيما إذا عاتب أو عتب، وهو ابن عم الفقيه أبي (2) محمد بن حزم، وكنتيه أبو الوليد. ومن شعره: أتجزع من دمعي وأنت أسلته ... ومن نار أحشائي ومنك لهيبها وتزعم أن النفس غيرك علقت ... وأنت، ولا من عليك، حبيبها إذا طلعت شمس عليك بسلوة ... أثار الهوى بين الضلوع غروبها ومن شعره من قصيدة: والشمس ترمق من محاجر أرمد ... والظل يركض في النسيم الواني والراح تأخذ من معاطف أغيد ... أخذ الصبا من عطف غصن البان ملنا نؤمل غير ذلك منزلاً ... والراح يقصر خطوه فيداني ثم اعتنقنا والوشاة بمعزل ... وقد التقت في جفنه سنتان والبدر يرميني بمقلة حاسد ... لو يستطيع لكان حيث يراني وله أيضاً: وكم ليلة عاقرت (3) في ظلها المنى ... وقد طرفت من أعين الرقباء وفي ساعدي حلو الشمائل مترف ... لعوب بيأسي تارة ورجائي

_ (1) الوافي 5: 194 والذخيرة (القسم الثاني) : 226 والزركشي: 311؛ والترجمة مستوفاة في المطبوعة. (2) ص: أبو. (3) الوافي: ظافرت.

مجير الدين ابن تميم

أطارحه حلو العتاب وربما ... تغاضب فاسترضيته ببكائي وفي لفظه الناس سورة الراح فترة ... تمت إلى ألحاظه بولاء (1) وقد عابثته الراح حتى رمت به ... لقى بين ثنيي بردتي وردائي على حاجة في النفس لو شئت نلتها ... ولكن حمتني عفتي وحيائي وقال أيضاً: وكم ليلة بات (2) الهوى يستفزني ... ولا رقبة دون الأماني ولا ستر وفي ساعدي بدر على غصن بانة ... يود مكاني بين لباته البدر وفي لحظه كالسكر لا عن مدامة ... ولولا اعتراض الشك قلت هو السكر فلم يك إلا ما أباح لي التقى ... ولم يبقى إلا أن تحل لي الخمر وقال أيضاً: كم ليلة ضمت عليه ساعدي ... والمسك يأخذ منه ما يعطيه والبدر من حسد يجمجم قوله ... ما ضر مجدك لو شركتك فيه توفي بعد الخمسمائة، رحمه الله تعالى. 504 - (3) مجير الدين ابن تميم محمد بن يعقوب بن علي، مجير الدين ابن تميم الإسعردي، وهو سبط

_ (1) ص: بولائي. (2) الذخيرة: كاد. (3) الوافي 5: 228 والزركشي: 311 والشذرات 5: 389 والنجوم الزاهرة 7: 367 والترجمة كاملة في المطبوعة.

فخر الدين ابن تميم؛ سكن حماة وخدم الملك المنصور، وكان جندياً محتشماً شجاعاً مطبوعاً كريم الأخلاق، بديع النظم رقيقه لطيف التخيل. توفي بحماة سنة أربع وثمانين وستمائة. وهو في التضمين الذي عاناه في فضلاء المتأخرين آية، وفي صحة المعاني والذوق اللطيف غاية؛ لأنه يأخذ المعنى الأول ويحل تركيبه، وينقله بألفاظه إلى معنى ثاني، حتى كأنّ الناظم الأول إنما أراد به المعنى الثاني، وقد أكثر من ذلك حتى قال: أطالع كل ديوان أراه ... ولم أزجر عن التضمين طيري أضمن كل بيت فيه معنى ... فشعري نصفه من شعر غيريه ومنه قوله يرثي قدحاً: أيا قدحاً قد صدع الدهر شمله ... فأصبح بعد الراح قد جاور التربا سأبكيك في وقت الصبوح وإنني ... سأكثر في وقت الغبوق لك الندبا وإن قطبت شمس المدام فحقها ... " لأنك كنت الشرق للشمس والغربا " ومنه: أهديته قدحاً فإن أنصفته ... أوسعته بجماله تقبيلا نظمت به الصهباء در حبابها ... " حتى تصير لرأسه إكليلا " ومنه قوله: لو أنك إذ شربناها كؤوساً ... ملئن من المدام الأرجواني حسبت سقاتها دارت علينا ... " بأشربة وقفن بلا أواني " ومنه قوله أيضاً: إن كان راووق المدامة عندما ... تاب (1) الأمير بكى بدمع قاني

_ (1) الوافي: مات.

فاليوم ينشد وهو يبكي عند ما ... شرب المدامة من يد السلطان " يا عين صار الدمع عندك عادة ... تبكين في فرح وفي أحزان " ومنه قوله: قالوا فلان تولى نتف عارضه ... ليصبح الحسن عنه غير منتقل فقلت سد طريق الشعر يعجزه ... " ومن يسد طريق العارض الهطل " وقال يهجو كحالا: دعوا الشمس الناس كحل العيون فكفه ... تسوق إلى الطرف الصحيح الدواهيا فكم ذهبت من ناظر بسواده ... " وخلت بياضاً خلفها ومآقيا " وقال أيضاً: لو كنت في الحمام والحنا على ... أعطافه ولجسمه لألاء لرأيت ما يسبيك منه بقامة ... " سال النضار بها وقام الماء " وقال في مليح كان عند خصي فانتقل إلى غيره: يقول ويبدي للخصي اعتذاره ... برغبته في غيره واجتنابه رأيتك مخصياً فملت إلى الذي ... " له فضلة عن جسمه في إهابه " وقال في فوارة: لقد نزهت عيني أنابيب (1) بركة ... تقابلني أمواجها بالعجائب أنابيب لجت ف يعلو كأنما ... " تحاول ثأراً عند بعض الكواكب " وقال في عوادة: جاءت بعود كلما لعبت به ... لعبت بي الأشجان والتبريح " غنت فجاوبها ولم يك قبلها ... شجر الأراك مع الحمام ينوح "

_ (1) ص: في أنابيب.

وقال: يا ليلة قصرت بزورة غادة ... سفرت فأغنى وجهها عن بدرها حتى إذا خافت هجوم صباحها ... " نشرت ثلاث ذوائب من شعرها " وقال أيضاً: وأهيف مثل البدر غصن قوامه ... عليه قلوب العاشقين تطير يدور عذاراه لتقبيل وجنة ... " على مثلها كان الخصيب يدور " وقال أيضاً: ولم أنس قول الورد والنار قد سطت ... عليه فأمسى دمعه يتحدر " ترفق فما هذي دموعي التي ترى ... ولكنها روحي تذوب فتقطر " وقال في جارية تحمل فانوساً: يقول لها الفانوس لما بدت له ... وفي قلبه نار من الوجد تسعر خذي بيدي ثم اكشفي الثوب وانظري ... ضنى جسدي لكنني أتستر " وقال في مليح يشرب من بركة: أفدي الذي أهوى بفيه شارباً ... من بركة راقت وطابت مشرعاً أبدت لعيني وجهه وخياله ... " فأرتني القمرين في وقت معا " وقال أيضاً: طوبى لمرآة الحبيب فإنها ... حملت براحة غصن بان أينعا " واستقبلت قمر السماء بوجهها ... فأرتني القمرين في وقت معاً " وقال أيضاً: وليلة بت أسقى في غياهبها ... راحاً تسل شبابي من يد الهرم ما زلت أشربها حتى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم

وقال أيضاً: ألا رب يوم (1) قد تقضى ببركة ... أقمت به فيما جرى متفكرا بعيني رأيت الماء فيها وقد هوى ... على رأسه من شاهق فتكسرا وقال أيضاً: تأمل إلى الدولاب والنهر إذ جرى ... ودمعهم بين الرياض غزير كأن نسيم الروض قد ضاع منهما ... فأصبح ذا يبكي (2) وذاك يدور وقال أيضاً: ونهر حالف الأهواء حتى ... غدا طوعاً لها في كل أمر إذا سرقت حلى الأغصان ألقت ... إليه بها فيأخذها ويجري وقال أيضاً: لم أنس قول الورد حين جنيته ... ودموعه خوف الحريق تراق لا تعجلوا في أخذ روحي واصبروا ... " فإليكم هذا الحديث يساق " وقال أيضاً: سيقت إليك من الحديقة وردة ... وافتك قبل أوانها تطفيلا طمعت بلثمك إذ رأتك فجمعت ... " فمها إليك كطالب تقبيلا " وقال أيضاً: كيف السبيل للثم من أحببته ... في روضة للزهر فيها معرك ما بين منثور وناضر نرجس ... مع أقحوان وصفه لا يدرك هذا يشير بإصبع وعيون ذا ... ترنو إليه وثغر هذا يضحك

_ (1) ص: يوماً. (2) الوافي: يجري.

وقال أيضاً: أيا حسنها من روضة ضاع نشرها ... فنادت عليه في الرياض طيور ودولابها كادت تعد ضلوعه ... لكثرة ما يبكي بها ويدور وقال أيضاً: لو كنت تشهدني وقد حمي الوغى ... في موقف ما الموت عنه بمعزل لترى أنابيت القناة على يدي ... تجري دماً من تحت ظل القسطل وقال أيضاً: راقبت غفوة من أحب ولم أكن ... أدري بأن الريح من رقبائه حتى هممت بأن أقبل خده ... هبت وغطت وجهه بقبائه (1) وقال في بستانه: لي بستان كبير ... نجده أصبح غورا دارت الأيام حتى ... كبشه قد صار ثورا وقال أيضاً: زار الحمى فتعطرت أنفاسه ... شغفاً بمن تصبو إليه الأنفس وأحب رؤيته فأنبت نرجساً ... إن الرياض عيونهن النرجس وقال أيضاً: قالوا رأيناك كل وقت (2) ... تهيم بالشرب والغناء فقلت إني فتى قنوع ... أعيش بالماء والهواء وقال أيضاً:

_ (1) ص: بفنائه. (2) ص: قالوا راينا في كل، والتصويب من هامش النسخة.

لو كان فيض الدمع يرجع من نأى ... عني بكيت بسائر الأعضاء قلبي له قبر وتلك عجيبة ... أن تقبر الأموات في الأحياء وقال وقد اجتاز ليلة بدرا بعض أصحابه معه شمعة فطفئت، وأوقدها من داره: يا أيها المولى الشريف ومن له ... فضل يفوق به على أهل الأدب لما أزرتك شمعتي لتنيرها ... جاءت تحدث عن سراجك بالعجب وافته حاسرة فقبل رأسها ... وأعادها نحوي بتاج من ذهب وقال أيضاً: إن تاه ثغر الأقاحي في تشبهه ... بثغر حبي واستولى به الطرب فقل له عندما يحكيه مبتسماً ... " لقد حكيت ولكن فاتك الشنب " وقال في مليح يطيل حمل الكأس: قالوا الذي تهواه يحبس كاسه ... في كفه من غير ذنب موجب فأجبتهم كفوا الملام فإنه ... قمر ينزه طرفه في كوكب وقال أيضاً: تركت بمصر يوسفاً وهو أمرد ... وقلت لخل قاصد مصر يا فتى لك الحمد بالرحمن عرج بيوسف ... لتخبرني عن نمل خديه هل أتى وقال يافخر بني السماء والأرض: يا جاعل الأفق مثل الأرض حجته ... بالشمس إذ بزغت والبدر حين وضح كم من شموس وأقمار إذا سرحت ... في الأرض طرت إليها خفة وفرح فلا تقل قزح (1) في الجو زينه ... في كل غصن ترى في الأرض قوس قزح

_ (1) ص: قزحاً.

وقال في مليح ينظر في المرآة: وأهيف ظل بالمرآة مغرى ... يواظب رؤية الوجه المليح يقول طلبت معشوقاً جميلاً ... فلما لم أجده عشقت روحي وقال في رثاء مليح: وكم ساعدتني مذ دفنت قوامه ... حمامة أيك بالغرام تبوح فكنت وإياها لأجل قوامه ... كلانا على الغصن الرطيب ينوح وقال يهجو: أنت بين اثنتين يا نجل داو ... د وكلتاهما مقر السياده ليس تنفك راكباً أير عبد ... مسبطراً أو حاملاً خف غاده أي ماء لحر وجهك يبقى ... بين ذلك البغا وذل القياده؟ وقال أيضاً: لمن أبوح بشعري حين أنظمه ... أم من أخص بما فيه من الزبد أما جهول فلا يدري مواقعه ... أو فاض فهو لا يخلوا من الحسد وقال أيضاً: حاذر أصابع من ظلمت فإنه ... يدعو بقلب في الدجى مكسور فالورد ما ألقاه في جمر الغضا ... إلا الدعا بأصابع المنثور وقال أيضاً: رعى الله وادي النيربين فإنني ... قطعت به يوماً لذيذاً من العمر درى أنني قد جئته متنزهاً ... فمد لأقدامي بساطاً من الزهر وأخدمني الماء الزلال فحيثما ال ... تفت رأيت الماء في خدمتي يجري وقال أيضاً:

التلعفري الشاعر

مذ لاحظ المنثور طرف النرجس ال؟ ... مزور قال وقوله لا يدفع فتح عيونك في سواي فإنما ... عندي قبالة كل عين إصبع وقال: ومدامة كاساتها ... تعطي المان من الزمان قد أحكمت علم النجو ... م وأتقنت سحر البيان فإذا حساها الشاربو ... ن وأوقعتهم في الأماني بدأت بإخراج الضم؟ ... ير وبعده عقد اللسان 505 (1) التلعفري الشاعر محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الأديب البارع شهاب الدين الشيباني التلعفري، الشاعر المشهور؛ ولد بالموصل سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، واشتغل بالأدب، ومدح الملوك والأعيان، وكان خليعاً معاشراً امتحن بالقمار، وكلما أعطاه الملك الأشرف شيئاً قامر به، فطرده إلى حلب، فمدح العزيز فأحسن إليه وقرر له رسوماً، فسلك معه ذلك المسلك، فنودي في حلب: أي من قامر مع الشهاب التلعفري قطعت يده، فضاقت عليه الأرض فجاء إلى دمشق. ولم يزل يستجدي ويقامر حتى بقي في أتون حمام، وفي الآخر نادم صاحب حماة. توفي سنة خمس وسبعين وستمائة.

_ (1) الوافي 5: 255 والزركشي: 313 والبدر السافر: 177 (وقال: كنيته أبو المكارم وفي مصادر أخرى: ابو عبد الله) . وابن الشعار 7: 21 وابن خلكان 7: 40، 45، وتاريخ ابن الفرات 7: 76 والشذرات 5: 349 والنجوم الزاهرة 7: 255، وقد طبع ديوانه ببيروت سنة 1910، واستوفت المطبوعة هذه الترجمة.

ومن شعره (1) : أقلعت إلا عن العقار ... وتبت إلا من القمار فالكاس والفص ليس يخلو ... منهم يميني ولا يساري وقال الشيخ شهاب الدين ابن غانم رحمه الله تعالى: أنشدني التلعفري لنفسه (2) : جريت بحمراء الكميت إلى الشقرا ... مقر الهوى حسناً وأعرضت عن مقرى (3) ولم أخل بالخلخال من كأسها يدي ... وأثبت في تاريخ ما سرني سطرا (4) وأبصرت ما بين الميادين سائلاً ... فلم أر إلا أن أقابله نهرا ولا سيما والروض من حوله له ... بساط وقد مد النسيم له نشرا فلله أيام تولت بجانبي ... يزيد (5) فقد كانت ببهجتها العمرا وما كان مقصودي يزيد وبرده ... ولكن قصدي كان أن أنظر الزهرا وقال أيضاً (6) : أيطرق في الدجى منكم خيال ... وطرفي ساهر؟ هذا محال سقت أيامنا بأراك حزوي ... وهاتيك الربى سحب ثقال منازل للصبا ما زال شملي ... له فيها بمن أهوى اتصال دموعي بعدها دال وميم ... على خدي له ميم ودال وقال من أبيات (7) :

_ (1) الديوان: 18. (2) الديوان: 18. (3) مقرى: من قرى دمشق. (4) سطرا: من قرى دمشق، وفيه هنا تورية. (5) يزيد: نهر بدمشق. (6) الديوان: 35. (7) الديوان: 16.

وإذا الثنية أشرقت وشممت من ... أرجائها (1) أرجاً كنشر عبير سل هضبها المنصوب أين حديثه (3) ال ... مرفوع عن ذيل الصبا المجرور وقال أيضاً (3) : حتام أرفل في هواك وتغفل ... وإلام أهزل من جفاك وتهزل يا مضرماً في مهجتي بصدوده ... حرقاً يكاد لهن يذبل يذبل القلب دل عليك أنك في الدجى ... قمر السماء لأنه لك منزل هب أن خدك قد أصيب بعارض ... ما بال صدغك راح وهو مسلسل قسماً بحاجبك الذي لم ينعقد ... إلا أراني السبي وهو محلل وبماء ثغرك من سلافة ريقة ... عذبت فقيل هي الرحيق السلسل لولا مقبلك المنظم عقده ... ما بات من يهواك وهو مقبل حزني وحزنك إن لغا من لامني ... ونحوت هجري مجمل ومفصل لو كنت في شرع المحبة عادلاً ... يا ظالمي ما كنت عني تعدل يا آمري من نصحه بسلوه ... إن السلو كما تقول لأجمل لكن يعز خلاص قلب متيم ... تركته أيدي الهجر وهو مبلبل هيهات كلا لا نجاة لمن غدا ... من جسمه في كل عضو مقتل وقال أيضاً: أرأيت غيرك يا حياة الأنفس ... من يحرس الورد الجني بنرجس أم هل سمعت بشمس أفق أشرقت ... من قبل وجهك في ظلام الحندس يا من يدير بمقلتيه ووجنتي ... هـ وراحتيه لنا ثلاثة أكؤس

_ (1) الوافي: نفس الحمى؛ الديوان: وتيممت أرجاؤها. (3) الديوان: 36. (3) الديوان: 36.

ما زاغ عن نهج الصواب مشبه ... منك الجبين بشمعة في المجلس أنسيت ليلتنا وقد أخذ السكري ... بزمام هاتيك العيون النعس إذ قلت أين الراح قلت مغالطاً ... يغنيك عنها رشف ثغري الألعس فضممت منك إلي عصناً لم يكن ... دون الغلائل بالحمائل مكتسي يا حسنها من ليلة ما شانها ... إلا تبلج صبحها المتنفس فوقت للرقباء فيها أسهماً ... من مقلتيك لها حواجبك القسي " ما كنت أطمع قبلها في مثلها ... فأعدتني من مثلها لم أيأس " (1) وقال رحمه الله تعالى: تولهي بك شيء عنك غير خفي ... فراقب الله في الهجران لي وخف واعدل عن الظلم واعدل في النفوس ولا ... تجر على المستهام المغرم الدنف يا رائشاً أسهماً من لحظ ناظره ... فوق فغير فؤادي ليس من هدف سبحان معطيك خصراً غير مختصر ... لي في العذاب وعطفاً غير منعطف إذا شكوت لترثي لي وترحم ما ... تراه من جسمي المضنى ومن كلفي يردني آيساً من ذاك عارضك ال ... لامي والمنثني من قدك الألفي أحبابنا بنواحي الغوطتين سقى ... ربوعكم وابل من أدمعي الذرف قد كنت قبل النوى أشكو الصدود فوا ... لهفي على الصد يومي ذا ويا أسفي ملاعب كم بها من شادن غنج ... حلو الشمائل معسول اللمى ترف محجب بالتجني والدلال رخي؟ ... م اللفظ أحور مطبوع على صلف بخده كل ما بالورد من ضرج ... وقده كل ما بالبان من هيف وقال أيضاً:

_ (1) لم يرد في ص، وهو ثابت في المطبوعة والزركشي.

يذكرني برق الحمى المتألق ... زماناً تولى بالحمى وهو مونق ويرتاح قلبي للنسيم إذا سرى ... ويطربني ذاك الحمام المطوق سقى بانة الجرعاء إن أخلف الحيا ... وضن حياً من عبرتي يتدفق ولا حاد عن تلك المعاطف صيب ... من المزن أو من مقلة الصب مغدق منازل تصبيني إليها نسيمة ... لها أرج أرجاؤها منه تعبق عدمت عذولي كم يعنف في الهوى ... حليف غرام نال منه التشوق إذا لامني أنشدته متمثلاً ... " بودي لو يهوى العذول ويعشق " كلفت بأحوى من بني الترك أحور ... له غصن قد بالذوائب مورق رشيق التثني والمعاطف ألعس ال ... مراشف يصمي طرفه حين يرمق حمى بحسام اللحظ خداً مورداً ... غدت عنه أكمام الشقيق تشقق له ناظر في ضمنه وهو أسود ... عدو لأرباب الصبابة أزرق وقال أيضاً: ألم بي طيفه إلمام مختلس ... فأشرقت بسناه ظلمة الغلس جلا على بعده لي منه بدر دجى ... على قضيب بغير الدل لم يمس طيف غنيت به عن شيم بارقة ... وعن تلقي صباً مسكية النفس أراحني من مواعيد مزخرفة ... أجريت منهن آمالي على يبس فبت في نعمة لليل سابغة ... ممتعاً باللمى والثغر واللعس أردد الطرف في خد نضارته ... وقف على مستق منها ومقتبس خد متى قلت إن الورد يشبهه ... قل الجمال تأمل ذا وذا وقس شققت أكمام صون عن شقائقه ... بالرغم من نرجس في الأعين النعس فيا لها زورة ما كان لي طمع ... فيها لعلمي بخلق الزائر الشرس بات الغرام بها في مأتم وأنا ... بمنة عظمت للطيف في عرس وافى بمن لم أخل أني أفوز به ... لما على طرفه دوني من الحرس

فلا عدمت الكرى من محسن أخذ ... الأيمان بالأنس لي من إلي يسي وقال من أبيات، رحمه الله تعالى (1) : في ثغره والقوام اللدن ألف غنى ... عن أبرق الحزن بل عن بانة الوادي سبحان مطلع بدر التم منه على ... غصن رطيب من الأغصان مياد سكرت من نشوة في مقلتيه صحا (2) ... منها وزاد ضلالي وجهه الهادي ما ضرني ما أقاسي فيه من سقم ... ومن ضنى لو غدا من بعض عوادي وقال أيضاً (3) : أي دمع من الجفون أساله ... إذ أتته مع النسيم رساله حملته الرياض (4) أسرار عرف ... أودعتها السحائب الهطاله يا خليلي وللخليل حقوق ... واجبات الداء في كل حاله سل عقيق الحمى وقل إذ تراه ... خالياً من ظبائه المختاله أين تلك المراشف العسليا ... ت وتلك المعاطف العساله وليال قضيتها كلآل ... بغزال تغار منه الغزالة بابلي اللحاظ والريق والأل ... فاظ كل مدامة سلساله ونقي الجبين والخد والثغ؟ ... ر فطوبى لمن حسا جرياله وطويل الصدود والشعر والمط ... ل ومن لي بأن يديم مطاله من بني لاترك كلا جذب القو ... س رأينا في وسطه (5) بدر هاله يقع الوهم حين يرمي فلا ند ... ري (6) يداه أم عينه النباله

_ (1) الديوان: 12. (2) ص والديوان: ضحاً، والتصويب من الزركشي. (3) الديوان: 34. (4) الوافي: الرياح؛ الديوان: النسيم. (5) الديوان: كفه. (6) ص: ندر، الوافي: يدري، الديوان: فلم ندر.

قلت لما لوى ديون وصالي ... وهو مثر وقادر لا محاله بيننا الشرع قال سر بي فعندي ... من صفاتي لكل دعوى دلاله وشهودي من خال خدي ومن قد ... ي شهود (1) معروفة بالعداله أنا وكلت مقلتي في دما الخل؟ ... ق فقالت قبلت هذي الوكاله وكتب إليه الأديب شهاب الدين العزازي بهذه الموشحة يمدحه بها: بات طرفي يتشكى الأرقا ... وتوالت أدمعي لا ترتقي ليت أيامي ببانات اللوى ... غفلت عنها لويلات النوى عاذلاتي باعتلاقي بالهوى ... كيف سلواني وقلبي والجوى أقسما في الحب لن يفترقا ... وجفوني أقسمت لا تلتقي ولقد همت بذي قد نضر ... قامة البانة منه تنهصر ذي رضاب بارد اللظم خصر ... في فؤادي منه نار تستعر رشأ قلبي به قد علقا ... جل من صوره من علق سال من سالفه المسك فنم ... وشذا المسك أبى أن يكتتم " أحور صحح عينيه السقم " (2) ... مذ تبدي وتثغ وابتسم خلته بدراً على غصن نقا ... باسماً عن أنفس الدر نقي ساد بالدل وفرط الخفر ... سانحات الظبيات العفر مثل ما فاق فتى التلعفري ... قالة الشعر بوشي الحبر أريحي خص لما خلقا ... بسخا النفس وحسن الخلق شيمة أصفى من الراح الشمول ... همة أوفت على العلياء طول

_ (1) الوافي: وقدي فشهود. (2) سقطت من ص، وزدتها من الوافي.

نبعة جرت على النجم الذيول ... دوحة طابت فروعاً وأصول سح جوداً في ذراها ورقا ... فكساها يانعات الورق شاعر فاق فحول الشعرا ... بقواف مثل أطراف الكرى (1) باسمات تجتلي منها الورى ... يغراً يبسم أو زهراً (2) يرى كلما لاح سناها مشرقا ... سجد الغرب لنور المشرق أيها الموفي على عهد الزمن ... كرماً محضً وفضلاً ومنن جاءك الخادم من غير ثمن ... جالب الوشي لصنعاء اليمن فاستمعها زادك الله بقا ... مدحة لم يحكها إبن بقي فأجابه شهاب الدين التلعفري رحمهما الله: ليس (3) يروي ما بقلبي من ظما ... غير برق لائح من إضم إن تبدي لك بان الأجرع ... وأثيلات النقا من لعلع يا خليلي قف على الدار معي ... وتأمل كم بها من مصرع واحترز واحذر فأحداق الدمى ... كم أراقت في رباها من دم حظ قلبي في الغرام الوله ... فعذولي فيه ما لي وله حسبي الليل فما أطوله ... لم يزل آخره أوله البيت في هوى أهيف معسول اللمى ... ريقه كم قد شفى من ألم سائلي عن أحمد مما حوى ... من خلال هي للداء دوا ما سواه وهو يا صاح سوى ... نار من كل فن ما انطوى بحر آداب وفضل قد طما ... فاخش من آذيه الملتطم

_ (1) وقع هذا الدور قبل سابقه في الوافي. (2) ص: زهر (3) الوافي: كيف.

العزازي الشهاب الثاقب ... شكره فرض علينا واجب فهو إذ تبلوه (1) نعم الصاحب ... سهمه في كل فن صائب جائل في حلبة الفضل كما ... جال في يوم الوغى شهم كمي شاعر أبدع في أشعاره ... ومتى أنكرت قولي باره لو جرى مهيار في مضماره ... والخوارزمي في آثاره قلت عودا وارجعا من أنتما ... ذا امرؤ القيس إليه ينتمي وكان بالقاهرة قد عشق صبياً يلقب بالنجم، فسافر، ووجد عليه حزن (2) ، فكتب إليه عز الدين ابن أمسينا بهذه الأبيات يسأله عن حالة ويسليه: يا خليلي حد ثاني بعلم ... كيف حال الشهاب بعد النجم واقصصا لي حديثه فلقد قل ... اصطباري وزاد فكري وهمي فمن المستحيل بعد رواح ال ... روح عند الورى بقاء الجسم ثم قولا له مقال أخ ب ... ر شفيق بغير ظن ووهم يا شهاباً أنوار بهجته الغرا ... ء تجلو عنا دياحي الظلم إن ناءى فلال فلا من الإل ... مام شوقاً من الديار برسم واصرف الهم عن فؤادك إن أم ... كن تصريفه بإبنة كرم فأجابه الشهاب التلعفري (3) : بأبي أنت يا خليلي وأمتي ... أنت قوسي إذا رميت وسهمي أنت والله لي حسام جراز (4) ... فيه للنائبات أعظم حسم

_ (1) ص وأصل الوافي: يتلوه، وأثبت ما في المطبوعة. (2) كذا في ص. (3) الديوان: 38. (4) ص: جرار.

أثير الدين أبو حيان

كيف أخشى ذل ولي منك عز ... ما ترقت إليه همة نجم نظمت فيك للمعالي عقود ... معجزات جميع نثري ونظمي سيدي ما يطيق عبدك يشكو ... ما يقاسي الناس فرط وجد وغم مذ تولى نجمي علمت بأني ... هابط في جميع أمري ونجمي الليالي عندي ظلام وظلم ... بعد ذاك اللمى وذاك الظلم جملة المر أن لي بعده دم؟ ... عاً كجدواك في انسكاب وسجم وقال (1) : ما لي ولمصر لا سقاها ربي ... غيثاً غدقاً من ساريات السحب بالروح دخلتها وبالقلب فلا ... بالروح خرجت لا ولا بالقلب 506 (2) أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان، الشيخ الإمام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وإمام النحاة، أثير الدين أبو حيان الغرناطي؛

_ (1) الديوان: 7. (2) الوافي 5: 267 ونكت الهميان: 280 والبدر السافر: 178 والزركشي: 315 والدرر الكامنة 5: 70 ونفح الطيب 2: 535 - 584 (وفيه نقل عن أعيان العصر وغيره) والكتيبة الكامنة: 81 وبغية الوعاة: 121 وطبقات الشافعية 6: 31 وغاية النهاية 2: 285 والبلغة: 203 والشذرات 6: 145 وذيل العبر: 243 والنجوم الزاهرة 10: 111 وذيول تذكرة الحفاظ: 23 والأسناوي 1: 457 وللكتورة خديجة الحديثي دراسة عنه (بغداد 1966) كما نشر ديوانه بعناية الدكتور أحمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي (بغداد 1969) ؛ وجاءت الترجمة بكاملها في المطبوعة.

قرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية (1) وثغر الإسكندرية وبلاد مصر والحجاز، وحصل الإجازات من الشام والعراق وغير ذلك، واجتهد وطلب وحصل وكتب، وله إقبال على الطبلة الأذكياء وعنده تعظيم لهم. نظم ونثر، وله الموشحات البديعة، وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله، عارف باللغة ضابط لألفاظها، وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما، وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم وتقييد أسمائهم، خصوصاً المغاربة، على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم، وهو الذي جسر الناس على مصنفات جمال الدين ابن مالك ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض بهم لحجها وفتح لهم مقفلها، والتزم أن لا يقريء أحداً إلا أن كان في سيبيويه أو " التسهيل " لابن مالك أو في مصنفاته. ولما قدم من البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس رحمه الله تعالى وأخذ عنه كتب الأدب. وكان حسن العمة مليح الوجه، ظاهر اللون مشرباً بحمرة منور الشيبة؛ مولده بغرناطة في شهور سنة أرب وخمسين وستمائة، وتوفي بالديار المصرية في أوائل سنة خمس وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. ومن نظمه (2) : سبق الدمع بالمسيل (4) المطايا ... إذ نوى من أحب عني نقله وأجاد السطور في صفحة الخد ... ولم لا يجيد وهو ابن مقله؟ وقال أيضاً (4) :

_ (1) ص: ببلاد الأندلس وجزيرة أفريقية. (2) الديوان: 473. (4) الديوان: 418. (4) الديوان: 418.

يقول لي العذول ولم أطعه ... تسل فقد بدا للحب لحيه تخيل أنها شانت حبيبي ... وعندي أنها زين وحليه وقال أيضاً (1) : شوقي لذاك المحيا الزاهر الزاهي ... شوق شديد وجسمي الواهن الواهي أسهرت طرفي ودلهت الفؤاد هوى ... والطرف والقلب مني الساهر الساهي نهب قلبي وتنهى أن يبوح (2) بما ... يلقاه وأشوقه للناهب الناهي لهجت بالحب لما أن لهوت به ... عن كل شيء فويح اللاهج اللاهي وقال أيضاً (3) : راض حبيبي عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض وظن قوم (4) أن قلبي سلا ... والأصل لا يعتد بالعارض وقال أيضاً (5) : تعشقته شيخاً كأن مشيبه ... على وجنتيه ياسمين على ورد أخا الفضل (6) يدري ما يراد من النهي ... أمنت عليه من رقيب ومن ضد وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى ... لسود اللحى ناس وناس إلى المرد ألا إنني لو كنت أصبو لمرد ... صبوت إلى هيفاء مائسة القد وسود اللحى أبصرت فيهم مشاركاً ... فأحببت أن أبقى بأبيضهم وحدي

_ (1) الديوان: 403. (2) ص: تبوح. (3) الديوان: 252. (4) ص: قوماً. (5) الديوان: 439. (6) الوافي: العقل.

وقال في مليح أحدب (1) : تعشقته أحدباً (2) كيساً ... يحاكي نجيباً حنين اليغام إذا كدت أسقط من فوقه ... تعلقت من ظهره بالسنام وقال أيضاً (3) : عداتي لهم فضل علي ومنة ... فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا وقال أيضاً (4) : رجاؤك فلساً قد غاد في حبائلي ... قنيصاً رجاء للنتاج من العقم أأتعب في تحصيله وأضيعه ... إذاً كنت معتاضاً من البرء بالسقم وقال في مليح فحام (5) : وعلقته مسود عين ووفرة ... وثوب يعاني صنعة الفحم عن قصد كأن خطوط الفحم في وجناته ... لطاخة مسك في جني من الورد وقال موشحة (6) : إن كان ليل داج ... وخاننا الإصباح فنورها الوهاج ... يغني عن المصباح سلافة تبدو ... كالكوكب الأزهر

_ (1) الديوان: 475. (2) ص: أحدب. (3) الديوان: 415. (4) الديوان: 479. (5) الديوان: 440. (6) الديوان: 491.

مزاجها شهد ... وعرفها عنبر يا حبذا الورد ... منها وإن أسكر قلبي بها قد هاج ... فما تراني صاح عن ذلك المنهاج ... وعن هوى يا صاح وبي رشا أهيف ... قد لج في بعدي بدر فلا يخسف ... منه سنا الخد بلحظه المرهف ... يسطو على الأسد كسطوة الحجاج ... في الناس والسفاح فما ترى من ناج ... من لحظه السفاح علل بالمسك ... قلبي رشاً أحور منعم المسك ... ذو (1) مبسم أعطر رياه كالمسك ... وريقه سكر (2) غصن على رجراج ... طاعت له الأرواح فحبذا الآراج ... إن هبت الأرواح مهلاً أبا القاسم ... على أبي (3) حيان ما إن له عاصم ... من لحظك الفتان وهجرك الدائم ... قد طال بالهيمان (4) فدمعه أمواج ... وسره قد لاح

_ (1) ص: ذي. (2) الوافي: كوثر. (3) ص: ابن. (4) ص: بالهميان.

لكنه ما عاج ... ولا أطاع اللاح (1) يا رب ذي بهتان ... يعذل في الراح وفي هوى الغزلان ... دافعت بالراح وقلت لا سلوان ... عن ذاك يا لاحي سبع الوجوه والتاج ... عن ذاك يا لاحي فاختر لي يا زجاج ... قمصال (2) وزوج أقداح وقال يعارض موشح ابن العفيف التلمساني رحمهما الله تعالى (3) : عاذلي في الأهيف الأنس ... لو رآه كان قد عذرا رشأ قد زانه الحور ... غصن من فوقه قمر قمر من سحبه الشعر ... ثغر في فيه أم درر جال بين الدر واللعس ... خمرة من ذاقها سكرا رجة بالردف أم كسل ... ريقة بالثغر أم عسل وردة بالخد أم خجل ... " كحل بالعين أم كحل " (4) يا لها من أعين نعس ... جلبت للناظر السهرا (5) مذ نأى عن مقلتي سني ... ما أذيقا لذة الوسن طال ما ألقاه من شجني ... عجباً ضدان في بدني بفؤادي جذوة القبس ... وبعيني الماء منفجرا

_ (1) ص: للاح. (2) القمصال: وعاء يستعمل للشرب، وفي ص: ممصال وكذلك في أصل الوافي. (3) الديوان: 495. (4) موضع هذا الشطر بياض في ص، وهو ثابت في الوافي. (5) الوافي: لناظري سهرا.

قد أتاني الله بالفرج ... إذ دنا مني أبو الفرج قمر قد حل بالمهج ... كيف لا يخشى من الوهج غيره لو صابه نفسي ... ظنه من حره شرراً نصب العينين لي شركا ... فانثنى والقلب قد ملكا أنت جيت من أرض اندلس ... نحو مصر تعشق القمرا؟ والموشحة التي لشمس الدين محمد بن العفيف التلمساني في هذا الوزن وهي: قمر يجلو دجى الغلس ... بهر الأبصار مذ ظهرا آمن من شبهة الكلف ... ذبت في حبيه بالكلف لم يزل يسعى إلى تلف ... بركاب الدل والصلف آه لولا أعين الحرس ... نلت منه الوصل مقتدرا يا أميراً جار مذ وليا ... كيف لا ترثي لمن بليا فبثغر منك قد جليا ... قد حلا طعماً وقد حليا وبما أوتيت من كيس ... جد فما أبقيت مصطبرا بدر تم في الجمال سني ... ولهذا لقبوه سني قد سباني لذة الوسن ... بمحيا باهر حسن هو خشفي وهو مفترسي ... فارو عن أعجوبتي خبرا لك خد يا أبا الفرج ... زين بالتوريد والضرج وحديث عاطر الأرج ... كم سبى قلباً بلا حرج لو رآك الغصن لم يمس ... أو رآك البدر لاستترا

يا مذيباً مهجتي كمدا ... فت في الحسن البدور مدى يا كحيلاً كحله اعتمدا ... عجباً أن تبريء الرمدا وبسقم الناظرين كسي ... جفنك السحار فانكسرا ومدحه محيي الدين ابن عبد الظاهر بقوله: قد قيل لما الناس سمعت مباحثاً ... في الذات قررها أجل مقيد هذا أبو حيان قلت صدقتم ... وبررتم (1) هذا هو التوحيدي وأما ما صنفه فهو: " البحر المحيط " في تفسير القرآن العظيم. " إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب ". " كتاب الأسفار الملخص من كتاب الصفار ". " شرح سيبويه ". " كتاب التجريد لأحكام سيبويه ". " كتاب التذييل والتكميل في شرح التسهيل ". " كتاب التنخيل من شرح التسهيل ". كتاب " التذكرة ". كتاب " المبدع في التصريف ". كتاب " الموفور ". كتاب " التقريب ". كتاب " الندريب ". كتاب " غاية الإحسان ". كتاب " النكت الحسان ". كتاب " الشذا في مسألة كذا ". كتاب " الفصل في أحكام الفصل ". كتاب " اللمحة ". كتاب " الشذرة ". كتاب " الارتضاء في الفرق بين الضاد والظاء "، كتاب " عقد اللآلي ". كتاب " نكت الأمالي ". كتاب " النافع في قراءة نافع ". " الأثير في قراءة ابن كثير ". " المورد الغمر في قراءة أبي عمرو ". " الروض الباسم في قراءة عاصم ". " المزن (2) الغامر في قراءة ابن عامر ". " الرمزة في قراءة حمزة ". " النائي (3) في قراءة الكسائي ". " النير الجلي في قراءة زيد بن علي ". " الوهاج في اختصار المنهاج ". " النور الأجلى في اختصار المحلى ". " الحلل الحالية

_ (1) ص: وبرزتم. (2) الوافي: الهامر. (3) الوافي: تقريب النائي.

محمود الوراق

في أسانيد القرآن العالية ". " الإعلام بأركان الإسلام ". " نثر الدرر (1) ونظم الزهر ". " قطر الحبي في جواب أسولة الذهبي ". " نوافث السحر في دمائث الشعر ". " تحفة الندس في نحاة الأندلس ". " الأبيات الوافية البيت علم القافية ". " مشيخة ابن أبي المنصور ". " الإدراك للسان الأترك ". " زهو الملك فينحو الترك ". " نفحة المسك في سيرة الترك ". " الأفعال في لسان الأتراك ". " منطق الخرس في لسان الفرس ". ومما ليم يكمل تصنيفه: كتاب " مسلك الرشد في تجريد مسائل نهاية ابن رشد ". " منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك ". نهاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب " رجز. " مجاني الهصر في شعراء العصر " (2) . " المخبور في لسان اليحمور " (3) . رحمه الله تعالى. 507 - (4) محمود الوراق محمود بن الحسن الوراق؛ أكثر شعره في المواعظ والحكم، روى عنه ابن أبي الدنيا، وتوفي في خلافة المعتصم في حدود الثلاثين والمائتين. ومن شعره: ما إن بكيت زماناً ... إلا بكيت عليه ولا ذممت صديقاً ... إلا رجعت إليه

_ (1) الوافي: نثر الزهر. (2) الوافي: في آداب وتواريخ لأهل العصر. (3) الوافي: اليخمور؛ البدر السافر: اليشمور. (4) الزركشي: 317 وطبقات ابن المعتز: 367 وتاريخ بغداد 13: 87.

وقال: وما صاحب السبعين والعشر بعدها ... بأقرب ممن حنكته القابل ولكن آمالاً يؤملها الفتى ... وفيهن للراجين حق وباطل وقال أيضاً: يا ناظراً يرنو بعيني راقد ... ومشاهداً للأمر غير مشاهد تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درك الجنان بها وفوز العابد ونسيت أن الله أخرج آدماً ... منها إلىالدنيا بذنب واحد وقال أيضاً: أليس عجيباً بأن الفتى ... يصاب بنقص الذي في يديه فمن بين باك له موجع ... وبين معز معز إليه ويسلبه الشيب شرخ الشباب ... فليس يعزيه خلق عليه وقال أيضاً: سقياً لأيام خلت ... وكأن أوجهها رياض أيام يحيينا الهوى ... وتميتنا الحدق المراض وقال أيضاً: أي جهل يكون أبين من جه؟ ... ل أراني أضحي عليه وأمسي أبغض الناس إن ظننت على الظن ... وأنسى اليقين من علم نفسي وقال أيضاً: إذا أعطاك قتر حين يعطي ... وإن لم يعط قال أبى القضاء يبخل ربه سفهاً وظلماً ... ويعذر نفسه فيما يشاء وقال أيضاً: الدهر لا يبقى على حالة ... لكنه يقبل أو يدبر

فإن تلقاك بمكروهه ... فاصبر فإن الدهر لا يصبر وقال أيضاً: تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع وقال أيضاً: دار الصديق إذا استشاط تغضباً ... فالغيظ يخرج كامن الأحقاد ولربما كان التغضب باحثاً ... لمثالب الآباء والأجداد وقال أيضاً (1) : تعز بحسن الصبر عن كل هالك ... ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم إذا أنت لم تسل اصطباراً وحسبة ... سلوت على الأيام مثل البهائم وقال أيضاً: لبست صروف الدهر كهلاً وناشئاً ... وجربت حاليه على العسر واليسر فلم أر بعد الدين خيراً من الغنى ... ولم أر بعد الكفر شراً من الفقر وقال أيضاً: أيا رب قد أحسنت عوداً وبدأة ... إلي فلم ينهض بإحسانك الشكر فمن كان ذا عذر لديك وحجة ... فعذري إقراري بأن ليس لي عذر

_ (1) بهامش الزركشي: كذب، بل هي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

شهاب الدين محمود

508 - (1) شهاب الدين محمود محمود بن سلمان بن فهد، الإمام العلامة البارع البليغ الكاتب الحافظ، شهاب الدين أبو (2) الثناء محمود الحلبي الدمشقي الحنبلي؛ ولد بدمشق سنة أربع وأربعين وستمائة، وتوفي في شهور سنة خمس وعشرين وسبعمائة. كتب المنسوب ونسخ الكثير، وتفقه على ابن المنجا وغيره، وتأدب على ابن مالك، ولازم الشيخ مجد الدين ابن الظهير وسلك طريقته في النظم وأربى عليه، وحذا حذوه في الكتابة. ونقله الوزير شمس الدين بن السلعوس إلى مصر، وتقدم ببلاغته وبديع كتابته وإنشائه وسكونه وتواضعه؛ وأقام بالديار المصرية إلى توفي القاضي شرف الدين بن فضل الله، فجهز إلى دمشق صاحب ديوان إنشائها، فأقام على المنصب ثمانية أعوام، وتوفي رحمه الله تعالى، وصلى عليه الأمير سيف الدين تنكز، ودفن في تربته بسفح قاسيون، وله من التصانيف: " مقامة العشاق "، وكتاب " منازل الأحباب "، و " حسن التوسل في صناعة (3) الترسل "، و " أسنى المنائح في أسنى المدائح ". وكان ممن أتقن الفنين المنظوم والمنثور. كتب إليه السراج الوراق ملغزاً في سجادة: يا إماماً ألفاظه الغر في الأس؟ ... ماع تزري بالدر في الأسماط

_ (1) الزركشي: 318 والبدر السافر: 191 والدرر الكامنة 5: 92 والنجوم الزاهرة: 9: 264 وذيل العبر: 140 والشذرات 6: 69؛ وقد جاء اسمه في الزركشي ومصادر أخرى ((محمود بن سليمان)) ، وقد أخلت المطبوعة بعدد غير قليل من المختارات الشعرية في هذه الترجمة. (2) ص: أبي. (3) الزركشي: صنعة، والكتاب مطبوع باسمه كما أثبته الكتبي (القاهرة 1315) .

وشهاباً يجاوز الشهب قدراً ... فغدت عن علاه ذات انحطاط أي أنثى وطئت منها حلالاً ... مستبيحاً ما لا يباح لواطي لم أحاول تقبيلها غير خمس ... حال زهدي فيها وحال اغتباطي وهي مملوكة وعند أناس ... هي ست على اختلاف التعاطي وهي في صورة خماسية ما ... فهقت لا ولا دنت للبواطي وتصيب الإيمان يسعى إليها ... طالب الله وهو عبد خاطي وأرى أن تحلها بيمين ... ويسار فقد غدت في رباط فكتب إليه الجواب: يا سراجاً لما سمت باسمه الشم؟ ... س غدا البدر دونها في انحطاط أنت بحر نداك موج وألفا ... ظك در وصنع يمناك شاطي لا تلمني إذا نظمت معاني ... ك فمن در فيك كان التقاطي أنت ألغزت في اسم ذات رقاع ... لم تجاهد وكم غدت في رباط خمساها عشر وللعشر فيها ... خطوات براحة وانبساط حازها تابع المجلي فحاز ال ... سبق من دونه بغير اشتراط مذ علاها في أول الصف أضحى ... كسليمان فوق متن البساط ومن شعره: أسروا إلى ليلى سراهم فما انجلى ... وبات كطرفي نجمه وهو حيراني كلانا غريق في المدامع والدجى ... كأن دموع العين والليل طوفان وقال: عريب سبوا نومي ولم تدر مقلتي ... كما سكنوا قلبي ولم تشعر الأعضا وطلقت نومي والجفون حوامل ... فمن أجل ذا في الخد أبقت لها فرضا وقال:

تثنى وأغصان الأراك نواضر ... ونحت وأسراب من الطير عكف فعلم بانات اللوى كيف تنثني ... وعلمت ورقاء الحمى كيف تهتف وقال: رأتني وقد نال مني النحول ... وفاضت دموعي على الخد فيضا فقالت بعيني هذا السقام ... فقلت صدقت، وبالخصر أيضا يشبه هذا قول الأرجاني: غالطتني إذ كست جسمي الضنى ... كسوة عرت من اللحم العظاما ثم قالت أنت عندي في الهوى ... مثل عيني صدقت لكن سقاما ومن هذه المادة قول جمال الدين ابن نباتة (1) : وملولة في الحب (2) لما أن رأت ... أثر السقا بعظمي المنهاض قالت تغيرنا فقلت لها نعم ... أنا بالسقام (3) وأنت بالإعراض وقال أيضاً: رق العذول لما ألقى بكم ورثي ... لما رأى صدكم عن صبكم عبثا نكثتم حبل ودري بعد قوته ... وطالما قلتم لا كان من نكثا أين الوفاء الذي كنا نظن وما ... هذا الجفاء الذي من بعده حدثا؟ فاه نفثة مصدور بهجركم ... ومن يذق هجر من يشتاقه نفثا رجوت يوم نواه لو تلبث لي ... لأشتكي بعض ما ألقى فما لبثا وكم شكوت الذي ألقاه منه فما ... أوى لذلي ولا ألوي ولا اكترثا وكم حلفت بأني لا أعاتبه ... ولست أول صب في الهوى حنثا ويح المحب متى صدت حبائبه ... يوماً قضى وإذا ما واصلوا بعثا قضى فناحت عليه الورق من حزن ... فسجعها بين أثناء النشيد رثا

_ (1) ديوان ابن نباتة: 282. (2) ص: ومملوكة؛ الديوان: وملولة الأخلاق. (3) الديوان: بالصدود.

وقال أيضاً: أفدي الذي بالأمس ودعني ... فقضى اصطباري بعده نحبا وسرت به في البحر جارية ... سوداء يسبق سيرها الشهبا لوأن حكم البحر طوع يدي ... لأخذت كل سفينة غصبا وقال مضمناً: قل لي عن الحمام كيف دخلتها ... يا صاحبي لتسر خ مشفقا أدخلتها وأولئك الأقوام قد ... شدوا المآزر فوق كثبان النقا وقال أيضاً: رأيت في بستان خل لنا ... بدر دجى يغرس أشجار فقلت إن أنجب هذا الذي ... يغرسه أثمر أقمارا وقال أيضاً: ورأيته في الماء يسبح مرة ... والشعر قد رفت (1) عليه ظلاله فظننت أن البدر قابل وجهه ... وجه الغدير فلاح فيه خياله وقال وكتب به إلى فتح الدين ابن عبد الظاهر: هل البدر إلا ما حواه لثامها ... أو الصبح إلا ما جلاه ابتسامها أو النار إلا ما بدا فوق خدها ... سناها وفي قلب المحب ضرامها أقامت بقلبي إذ أقام بحبها ... فدارتها قلبي وداري خيامها مهاة نقاً لو يستطاع اقتناصها ... وكعبة حسن لو يطاق استلامها إذا ما نضت عنها اللثام وأسفرت ... تقشع من شمس النهار غمامها نهاية حظي أن أقبل تربها ... وأيسر حظ للثام التثامها تريك محيا الشمس في ليل شعرها ... على قيد رمح وجهها وقوامها

_ (1) ص: رقت.

وتزهى على البدر المنير فإنها ... مدى الدهر لا يخشى السرار تمامها تغني على أعطافها ورق حليها ... إذا ناح في هيف الغصون حمامها تردد بين الخمر والسحر لحظها ... وحازها والدر أيضاً كلامها كلانا نشاوي غير أن جفونها ... مدام المعنى والدلال مدامها وليلة زارت والثريا كأنها ... نظاماً وحسناً عقدها وابتسامها وحيت فأحيت ما أمات صدودها ... وردت فرد الروح في سلامها وقالت بعيني ذا السقام (1) الذي أرى ... فقلت وهل بلواي إلا سقامها فأبدت ثناياها فقل في خميلة ... بدا نورا وانشق عنها كمامها وأبعدت لا بل سمط در تصونه ... بأصداف ياقوت لماها ختامها وقالت وما للعين عهد بطيفها ... ولا النوم مذ صدت وعز مرامها: لقد أتعبت عيني جفونك في الدجى ... فقلت سلي جفنيك أين منامها وما علمت أن الرقاد وقد جفت ... كمثل حياتي في يديها زمامها وكم ليلة سامرت فيها نجومها ... كأني راع ضل (2) عنه سوامها كأن الثريا والهلال ودارة ... حوته وقد زان الثريا التئامها حباب طفا من حول رفرف فضة ... بكف فتاة (3) طاف بالراح جامها كأن نجوماً في المجرة خرد ... سواق رماها في غدير زحامها كأن رياضاً قد تسلسل ماؤها ... فشقت أقاحيها وشاق خزامها كأن سنا الجوزاء إكليل جوهر ... أضاءت لآليه فراق انتظامها كأن لدى النسرين في الجو غلمة ... رماة رمى ذا دون هذا سهامها كأن سهيلاً والنجوم وراءه ... صفوف صلاة قام فيها إمامها كأن الدجى هيجاء جرت نجومه ... أسنتها والبرق فيها حسامها

_ (1) الزركشي: الغزال. (2) ص: ظل. (3) ص: قناة، وأثبت ما في الزركشي.

كأن الرجوم الهاديات فوارس ... تساقط ما بين الأسنة هامها كأن سنا المريخ شعلة قابس ... تلوح على بعدويخفى ضرامها كأن السها صب سها نحو إلفه ... يراعي الليالي جفنه لا ينامها كأن خفوق القلب قلب متيم ... رأى بلدة الأحباب أقوى مقامها كأن ثريا أفقه في انبساطها ... يمين كريم لا يخاف انضمامها كأن بفتح الدين في جوده اقتدت ... فروى الروابي والأكام انركامها وقال في أبيات: والطل في أعين النوار تحسبه ... دمعاً (1) تحير لم يرقأ ولم يكف كلؤلؤ ظل عطف الغصن متشحاً ... بعقده وتبدي منه في شنف يضم من سندس الأوراق في صور ... خضر ويجني من الأزهار في صدق والشمس في طفل الأمساء تنظر من ... طرف غدا وهو من خوف الفراق خفي كعاشق سار عن أحبابه وهفا ... به الهوى فتراءاهم على شرف وقال يرثي شاباً جميلاً فقد: إن من تهواه قد ظعنا (2) ... فاندب الأطلال والدمنا واخدع القلب الذي صحبوا ... وخداع النافرين عنا واسل عن طيب الحياة فقد ... صرت لا قلباً ولا سكنا لا تقل أرجو الإياب فكم ... نازح بعد البعاد دنا فهو دهر كان ملتهياً ... عنكم والآن قد فطنا جيرة والله بعدهم ... لم أجد حسناً ولا حسنا سلبوا روحي فليتهم ... عوضوني عودهم ثمنا ودروا أني أموت بهم ... فكسوني بالضنا كفنا ما على الحادي العجول بهم ... حرج لو يحبس البدنا

_ (1) ص: دمع. (2) ص: ضعنا.

فعسى روح معلقة ... بهم أن تذكر الوطنا قلت للبدر المنير وقد ... غاب من أربى عليه سنا: غب أو اطلع إن أردت فما ... فيك لي عن من فقدت غنى (1) أنبأتني الشمس عنه وعن ... بدرها إذ غاب واقترنا نحن كنا إخوة شرفاً ... فأصاب الدهر أحسننا وسألت الدوح بعدهم ... هل أمالت نسمة غصنا أو تمشت في خمائله ... ذات طوق تبعث الشجنا أو سقاه الطل مضطجعاً ... فلوى أعطافه وثنى قال لي ذاك النسيم نأى ... مذ تناءوا والغمام ونى وعيون النور قد رمدت ... وغناء الورق عاد عنا فإذا ملنا فلا طرب ... بل لأن الورق نحن لنا سادتي هل بعد بعدكم ... ترجع الأيام تجمعنا أرتجي واليأس يهزأ بي ... أن يضم الدهر ألفتنا وضلال الحب غادر ... لي فيكم بعد المنون منى إن قضى صب يهيم علي ... فقد أحباب نأوا فأنا فسقاكم كل سارية ... من دموعي تخجل المزنا وقال أيضاً: يا من أضاف إلى الجمال جميلا ... لا كنت إن طاوعت فيك عذولا عوضتني من نار هجرك جنة ... فسكنت ظلاً من رضاك ظليلاً وحللت من أحشاي ربعاً دارساً ... فغدا بقربك عامراً مأهولا ومننت حين منحتني سقماً به (2) ... أشبهت خصرك رقة ونحولا

_ (1) ص: عنا. (2) ص: بسقامه.

وكففت لحظك بالفتور تلطفاً ... كيلا أبيت بحده (1) مقتولا وسلكت بي في الحب أحسن مسلك ... لم يبق لي نحو السلو سبيلا ولرب ليل مثل وجهك بدره ... ودجاه مثل مديد شعرك طولا أرسلت لي فيه الخيال فكان لي ... دون الأنيس مؤانساً وخليلا إن لم أجد للوجد فيك بمهجتي ... لا نال قلبي من وصالك سولا وقال أيضاً: تقضي زماني في انتظار وصاله ... ومات اصطباري والغرام بحاله قضيب نقا قد كنت أرجو انعطافه ... فرحت لحيني آيساً من خياله أعرض من وجد بعسال قده ... ومعسول فيه بالعذيب وضاله أليس من التبريج أن مزاره ... قريب ونيل الشهب دون مناله لئن عمه بالحسن ياقوت خده ... فقد خصه بالصون عنبر خاله إذا ما شكوت الوجد قال أخو الهوى ... صبابته تغنيه عن شرح حاله وإن رمت وصلاً قال لي أنت مدع ... فأعرض عنه خيفة من جداله وما ذاك عياً غير أن دليله ... علي عليه شاهد من دلاله وقال أيضاً: نم بأسرار الحمى نسيمه ... فذاع من سر الهوى مكتومه روى حديثاً عن أهيل رامة ... جدد ما أبلى الهوى قديمه إلى كئيب دنف عذابه ... في حب جيران النقا نعيمه روم أن يعطف من ذاك الحمى ... عليه من بعد الصدود ريمه يا صناً مقلته صاد له ... والحاجب النون وفوه ميه طوبى لمن في راحتيك راحه ... وأنت يا كل المنى نديه إن تاه في معوج صدغيك فقد ... هداه من فرقك مستقيمه

_ (1) ص والزركشي: بخده.

آنس قلبي نار طور خده ... فهو كما شاء الهوى كليمه وقال يعاتب محبوباً: غدرتم ولولا الغدر ما كان لي عذر ... فجاء على قصدي وقصدتم الأمر وجدتم مجالاً للقلى وكذا أنا ... فما ضاق لي يوماً ولا لكم صدر فلا أشتكي منكم ملالاً لأنكم ... هجرتم بحمد الله إذ طاب لي الهجر فإن تدعوا عنا اصطباراً فهكذا ... أتانا بلا دعوى كما نشتهي الصبر وإن تشكروا حكم البعاد فللنوى ... علينا إياد لا يقوم بها الشكر وكنت أظن الصبر مراً مذاقه ... فمذ ذقته أيقنت أن الهوى المر فكونوا كما شئتم فإنا كما نشا ... صحونا جميعاً وانجلى ذلك السكر فكم تهت من قد هناك وطلعة ... بغصن ولا غصن وبدر ولا بدر وإن كان زيد صدكم عن وصالنا ... فلم تخطئوا شيئاً كذا صدنا عمرو وإن كنتم أنسيتم العهد فاسألوا ... ليخبركم هل مر يوماً له ذكر تقضي الهوى منا ومنكم فكلنا ... سواء ولكن منكم بدأ الشر ولا شر في أمر عرفنا به الذي ... لنا عندكم حتى استوى السر والجهر فلا مقلة عبرى بأجفانها قذى ... ولا كبد حرى بأثنائها جمر ولا زادنا حب جوى كل ليلة ... ولا سلوة الأيام موعدها الحشر (1) وكنا كما شاء الغرام كأننا ... لفرط امتزاج بيننا الماء والخمر فكم ليلة ما شاب إظلامها دجى ... وكم ليلة بالهجر ما شابها فجر فأعقبكم ذاك الوفاء ملالة ... فلا بأس هذا الغدر شيمته الغدر وإني وإن ألفيت في ذاك راحة ... وباتت يدي منكم وراحتها صفر لمثن ولكن لا يقابل هجركم ... سوى الهجر لا عتب يمض ولا هجر وقال أيضاً:

_ (1) فيه إشارة إلى قول أبي الصخر الهذلي: فيا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر

ما ضر من شفع الصدود ببعده ... لو علل الكلف المشوق بوعده أو لو شفاه بزورة بعد النوى ... ليرى الذي فعل البعاد بعبده ظبي من الأتراك خال باله ... من حال ملآن الفؤاد بوجده ريان من ماء الشباب إذا مشى ... تثني الغصون على تثني قده ما كنت أشكو من قساوة قلبه ... لو أنه أعدته رقة خده أبكي ويضحكه التدلل عن نقا ... برد شفاء محبه في برده وأمير حسن ناظري والقلب من ... أعوانه أبداً علي وجنده علماً بأن اللحظ منه صارم ... عضب وما حذرا مواقع حده لو زارني لفضضت ختم رضابه ... ما بغيتي في ورده أو ورده وأجلت كفي في مجال نطاقه ... في غوره وكففتها عن نجده قالوا به سقم فقلت لعله ... في جفنه أو خصره أو عهده يا سالبي طيب الرقاد وإنما ... أسفي علي فقد الخيال كفقده لولا انتظار الطيف يطرق في الطرى ... ما راح دمعي سائلاً في رده وقال أيضاً: أيا رشأ بت من حبه ... فقيد الكرى قلق المضجع ومن أصبحت نار وجدي به ... تؤججها في الحشا أدمعي " ومن إن تدم مقلتي لحظها ... إلى وجهه تدم أو تدمع " ومن غير ذكراه لم يحل في ... لساني ولا حل في مسمعي ومن حاز قلبي طوعاً لديه ... متى يدعه لحظه يتبع دمي لك فارفع شبا السيف من ... لحاظك عن مهجتي أو ضع وحكم حياتي في راحتيك ... فخذها إن اخترتها (1) أو دع فصن ذا المحيا الذي في سناه ... دليل على قدرة المبدع

_ (1) ص: اخترها.

فما ربة الخدر إن أسفرت ... بأحوج منك إلى البرقع ولاح يعنفني في الغرام ... وهل يسمع اللوم من لا يعي وأنكر ما يدعي من هواه ... وسقمي يثبت ما يدعي رآك فساعدني في الحنين ... وأضحى على من لحاني معي وقال أيضاً: خليلي هذا البرق أسيافه تنضي ... فهيا عسى حتف الظلام به يقضى فليس لنا بالصبح عهد (1) لأننا ... عهدناه من قبل التفرق مبيضاً ولا بالكرى علم وهل كان لامرئ ... نأى عنه من يهواه أن يعرف الغمضا هم هجروا برد الظلال وإنما ... حشاي، وحاشاهم، أقامت على الرمضا مضوا فاسترد الدهر أنسي الذي مضى ... كأن له عندي بقربهم قرضا وبانوا فآلى (2) البان لا بان بعدهم ... ولا عانقت أغصانه بعضها بعضا عريب سبوا نومي ولم تدر مقلتي ... كما سلبوا قلبي ولم تشعر الأعضا (3) فليتهم عادوا وقلبي فداهم ... وأرضي بأن تضحي خدودي لهم أرضا وقال أيضاً: أعلي في حب الديار ملام ... أم هل تذكرها علي حرام أم هل أذم إذا ذكرت منازلاً ... فارقتها ولها علي ذمام دار الأحبة والهوى وشبيبة ... ذهبت وجيران علي كرام فارقتها فأرقت من وجدي بهم ... أفهل لهم أو للكرى إلمام كانوا حياتي وابتليت بفقدهم ... فعليهم وعلى الحياة سلام أشتاقها شوق الغريب مزاره ... سفهاً، وإلا أين مني الشام وتروقني خدع المنى منها وقد ... بعد المدى وتمادت الأيام

_ (1) ص: عهداً. (2) ص: فألا. (3) مر البيت ص: 83.

وتلذ لي سنة السكرى لا رغبة ... في النوم بل لتعيدها الأحلام وتمثل الأوهام لي أني بها ... ثاو (1) ولذات الهوى أوهام فكأن ربع تشوقي وخيالها ... دمن ألم بها فقال سلام ليس الغرام بها لأن نسيمها ... وان وثغر رياضها بسام بل للديار إذ (2) الشباب مطاوع ... فيها وأيام الزمان وسام إذ لا نخاف بها الوشاة وحولنا ... فيها العيون وعندنا النمام الورد خد والبنفسج عارض ... والنور ثغر والقضيب قوام والراح ريق أو حديث رائق ... والنقل لثم والقيان حمام ولقد نقلت إلى الأجل وإنما ... عصر الصبا أيامه الأيام لو عاد لي عصر الشباب رأيتها ... بعيون صب ماؤهن غرام وقال أيضاً: يا ليلة بات ثغر الكأس معتنقي ... فيها فداك سواد القلب والحدق إن كنت أنشر صباً ميتاً فلقد ... أمات فقدك ما أبقيت من رمقي سمحت لي برشاً أدري الوشاة به ... جبينه والشذا من نشره العبق في روضة كلما ماست معاطفه ... فيها تسترت الأغصان بالورق وبات يطفيء بالعذب المبرد من ... لماه ما أضرمت خداه من حرقي وبت حاوي بدر التم إذ بيدي ... طوقت اسود ذاك الشعر في عنقي وجاء يسعى بها حمراء قبالها ... بوجهه فبدت شمسين في أفق بكر حبتها ثناياه الحباب كما ... خداه ألقت عليها حمرة الشفق وقال دونكها إن شئت من قدحي ... أو من لمى شفتي اللعساء أو حدقي كل مدام وإن شككت ها شفتي ... وهذه الكأس فاختر ما تشا وذق

_ (1) ص: ثاوي. (2) ص: إذا.

فيا لها ليلة قضيتها عجباً ... الشمس مغتبقي والبدر معتنقي وكتب إليه علاء الدين ابن غانم من حصن صهيون: إليك شهاب الدين نشكو متاعباً ... فأنت الذي ما زلت ترثي لمن شكا إلى الله نشكو حصن صهيون إننا ... إلى الرفق فيها لم نجد قط مسلكا لتغييره وجه الوجود مقطب ... عليه وعين الشمس زالت من البكا أصم صراخ الرعد فيه مسامع ال ... برايا وستر البرق وجداً تهتكا فأجابه شهاب الدين رحمهما الله تعالى: ألم يكفني شوق إليه وأدمع ... عليه إذا ما جادت الغيث أمسكا وأني مذ فارقت - لا ذقت بعده - ... محياه لم أصحب حميماً سوى البكا إلى أن شكا حالاً غدوت لحملها ... أكابد من همي به فوق ما شكا وحرك أشجاني على أن في الحشا ... لها باعثاً (1) من نفسها ومحركا فيا نازحاً أودى بقلبي ولم يزل ... بإخلاصه في حبه متمسكا وحقك لو عاينت ما في جوانحي ... لساءك أو ما في ضميري لسركا جوى لو غدا في حصن صهيون بعضه ... تزلزل أو أخني عليه تدكدكا وتوحيد وجد لو تقسم لم تجد ... على الأرض في دين المودة مشركا فصبراً، على أني وقد غبت رمته ... فلم ألق نحو الصبر بعدك مسلكا فهل هو إلا البرق أومض موهناً ... لديك ليحكي نار وجدي فما حكى أو القطر يهمي وهو مذ شطت النوى ... رأى عبرتي تجري فمثلها لكا أو الشمس أخفت وجهها عنك كي ترى ... وقد غبت عني وحشة الأفق بعد كا عساك ترى الرأي الموفق بعدها ... فإن الذي أغراك من قبل غركا وكتب إلى الشيخ علاء الدين ابن غانم:

_ (1) ص: باعث.

سيدي قربك عندي ... منتهى سولي وقصدي أنت أحلى في فؤادي ... من دنو بعد بعد (1) فلم اخترت فراقي ... وأنا الليلة وحدي كن جوابي تغنم الوا ... فر من شكري وحمدي وتكن أكرم مولى ... قد تمشي نحو عبد فأجابه علاء الدين ابن غانم: لم أغب عنك بودي ... يا أعز الناس عندي لكن الحرمان يقصي؟ ... ني ويدنيني سعدي أنا للخدمة ".... " ... كل وقت متصدي لا على رجلي أسعى ... بل على رأسي وخدي وقال رحمه الله تعالى: أيها المنزل الذي كان فيه ... لتجلي شموسهم إشراق والذي كان فيه بدر المسرا ... ت تماماً لا يعتريه محاق أوحشوني مذ فارقوني فهل أص ... بحت مثلي إليهم تشتاق فابك لي مسعداً عليهم فلا يأ ... س إذا ما تساعد العشاق وقال أيضاً: وبمهجتي من سل صارم لحظه ... فحمى رياض خدوده أن تجتنى لو أن رقة خده أو لفظه ... أو ريقه في قلبه نلت المنى وقال أيضاً: قبلت رجل حبيبي ... فازور واحمر خدا وقال تلثم رجلي ... لقد تنازلت جدا

_ (1) ص: بعدي.

فقلت لم آت ذنباً ... ولا تعديت حدا رجل سعت بك نحوي ... حقوقها لا (1) تؤدي وقال في مليح حراث: عشقت حراثاً مليحاً غدا ... في يده المساس ما أجمله كأنه الزهرة قدامه ال ... ثور يراعي مطلع السنبله وكتب إليه علاء الدين ابن غانم لغزاً في أحمد: نصف اسم من أهواه في قلبه ... أمر لغير الفائت القاني ونصفه الأول معكوسه ... في العكس حرف وهو حرفان فأجابه رحمهما الله تعالى: كتم اسم من همت غراماً به ... أحمد من كشف وإعلان فإن نأى فابك على فقده ... بالعكس من نصف اسمه الثاني وإن تصحف عكس نصف اسمه ... أمنت من صد وهجران وقال: يا حياتي من حياتي بعدما ... بنت عنهم والنوى أقتل شي ليتهم لو عاينوني ليروا ... ميتاً من بعدهم في زي حي

_ (1) ص: إلاّ.

غازان المغلي

509 - (1) غازان المغلي محمود بن أرغون المغلي الجنكزخاني صاحب العراقين وخراسان وفارس وأذربيجان والروم؛ كان شاباً عاقلاً شجاعاً مهيباً مليح الشكل، ملك سنة ثلاث وتسعين وستمائة فحسن له نائبه توزون الإسلام فأسلم سنة أربع وتسعين، وفشا الإسلام في التتار. وطرق الشام وغلب عليه بعد أن قل (2) العساكر الإسلامية. وكان يعف عن الدماء لا عن المال، ومات بقرب همذان (3) سنة ثلاث وسبعمائة في شوال، ولم يتكهل، ونقل إلى تبريز، ودفن بتربيه؛ واشتهر أنه سم في منديل تمسح به بعد الجماع، فتعل ومات، وقام بعده أخوه خربندا (4) . وكان له خبرة بسياسة الأمور وتدبيرالملك، وكان قد التحق في أفعاله بجده الأكبر هولاكو، ولم يكن فيه ما يشينه غير أنه كان بخيلاً، لكن كانت هيبته قوية ورعيته في زمانه آمنة، ولما توفي كتب نائب البيرة مطالعة إلى السلطان الملك الناصر يخبره فيها بوفاته بخط علاء الدين الوداعي، وكانت الأخبار قد اختلفت بوفاته كثيراً: قد مات قازان بلا مرية ... ولم يمت في الحجج الماضيه بل شنعوا عن موته فانثنى ... حياً ولكن هذه القاضيه

_ (1) الدرر الكامنة 3: 292 والنجوم الزاهرة 8: 212 ودول الإسلام 2: 160 وذيل العبر: 26؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) كذا في ص، ولعلها: فل. (3) ص: همدان. (4) ص: خر نبدا.

صفي الدين القرافي

فكتب جواب المطالعة الشيخ شهاب الدين محمود بخطه إلى الأمير سيف الدين طوغان نائب البيرة: ووقفنا على البيتين اللذين نظما في وصف حال قازان وتحقق موته بعد اختلاف الأخبار فيه، والجواب عنهما: مات من الرعب وإن لم تكن ... بموته أسيافنا راضيه وإن يفتها فأخوه إذا ... رأى ظباها كانت القاضيه 510 (1) صفي الدين القرافي محمود بن محمد بن حامد بن ابي بكر، الشيخ الإمام العالم المحدث المتقن المفيد صفي الدين القرافي الصوفي أخو الشيخ المعمر شهاب الدين الصوفي؛ ولد سنة سبع وأربعين وستمائة، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة. قرأ مسند الإمام أحمد على أبي الغنائم بن علان، وكتب العالي والنازل، وكان فصيح العبارة عذب القراءة، ديناً صيناً؛ حصل له لما تكهل يبس وسوداء، فاستوحش ولازم الوحدة، وبقي يحدث نفسه ولكنه جمع ونسخ وتعب، وخلط " صحاح " الجوهري والأزهري و " المحكم " في ديوان واحد، ووقف كتبه بالخانقاه الشميصاتية، وبها توفي رحمه الله تعالى.

_ (1) الزركشي: 321 والدرر الكامنة 5: 103 ودول الإسلام 2: 176 والبداية والنهاية 14: 108 وذيل العبر: 130، ولم ترد الترجمة في المطبوعة.

" كشاجم "

511 - (1) " كشاجم " محمود بن الحسين، أبو الفتح الكاتب المعروف بكشاجم؛ هو من أهل الرملة من نواحي فلسطين، هو لقب نفسه " كشاجم " فسئل (2) عن ذلك فقال: الكاف من كاتب والشين من شاعر والألف من أديب والجيم من جواد والميم من منجم. وقال بعضهم: كشاجم طخ، وزاد الطاء من طباخ والخاء من خراء. وكان من شعراء أبي الهيجاء " ... " (3) عبد الله بن حمدان والد سيف الدولة. وله من التصانيف كتاب " أدب النديم ". " كتاب المصايد والمطارد ". " كتاب الطبيخ ". وكانت وفاته في حدود الخمسين وثلثمائة. ومن شعره (4) : بأبي وأمي زائر متنقب ... لم يخف ضوء الشمس تحت قناعه لم أستتم عناقه لقدومه ... حتى ابتدأت عناقه لوداعه وهو من قول العكوك (5) :

_ (1) الزركشي: 322 والديارات: 167 والشذرات 3: 37 (وفيات: 360) وحسن المحاضرة 1: 560 (وفيه محمود بن محمد بن الحسين) والفهرست: 139، وقد طبع ديوانه غير مرة، ولكني أشير هنا إلى مخطوطة دار الكتب رقم: 597 أدب، ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: فسأل. (3) هناك بياض في ص، ولا أظن أنه سقط شيء في هذا الموضع. (4) الديوان: 72. (5) هو علي بن جبلة، شاعر عباسي كان ضريراً، توفي سنة 213 راجع الأغاني 19: 287 والشعر والشعراء: 742 وتاريخ بغداد 11: 359 وطبقات ابن المعتز: 171 وابن خلكان 3: 350 ونكت الهميان: 209؛ وجمع شعره الدكتور حسين عطوان (دار المعارف 1972) .

" ابن قادوس "

راقب الخلوة حتى أمكنت ... ورعى (1) السامر حتى هجعا كابد الأهوال في زورته ... ثم ما سلم حتى ودعا ومن شعر كشاجم يصف النار (2) : كأنما الجمر والرماد وقد ... كاد يواري من نورها نورا ورد جني القطاف أحمر قد ... ذرت عليه الأكف كافورا وقال أيضاً (3) : جاءت بوجه كأنه قمر ... على قوام كأنه غصن غنت فلم تبق في جارحة ... إلا تمنت بأنها أذن وقال أيضاً (4) : أرى وصالك لا يصفو لآمله ... والهجر يتبعه ركضاً على الأثر كالقوس أقرب سهميها إذا عطفت ... عليه أبعدها من منزع الوتر 512 (5) " ابن قادوس " محمود بن إسماعيل بن قادوس القاضي، أبو الفتح المصري الكاتب

_ (1) ص: ودعا، والتصويب عن ابن خلكان والديوان: 76. (2) الديوان: 107. (3) لم يردا في الديوان. (4) لم يردا في الديوان. (5) الزركشي: 322 والخريدة (قسم مصر) 1: 226 وحسن المحاضرة 1: 563 وأخبار مصر لابن ميسر 2: 97 وقال الزركشي: ((وقع ديوانه في مجلدين لطيفين)) وقد أكثر من الاختيار له؛ ولم ترد هذه النرجمة في المطبوعة.

صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية؛ أصله من دمياط، قيل إن القاضي الفاضل كان ممن اشتغل عليه، وكان يعظمه ويشميه " ذو البلاغتين "، وكان لا يتمكن من اقتباس فوائده غلاباً إلا في ركوبه من القصر إلى منزله ومن منزله إلى القصر، فيسايره ويجاريه في فنون الإنشاء والأدب. توفي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة؛ ومن شعره: وفاتر النية عنينها ... يواصل الرعدة والهزه مكبراً سبعين في مرة ... كأنما صلى على حمزه يشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قتل عمه حمزة رضي الله عنه كان يقدمه (1) كلما صلى على قتيل قتل يوم أحد. ومن شعره: ديباج خديه بسن؟ ... دس عارضيه مفروز وبخده خال لدا ... ئرة الملاحة مركز ومنه أيضاً: من عاذري من عاذل (2) ... يلوم في حب رشا إذا جحدت (3) حبه ... قال كفى بالدمع شا يعني كفى بالدمع شاهداً (4) . وقال أيضاً (5) : مداده في الطرس لما بدا ... قبله الصب ومن يزهد كأنما قد حل فيه اللمى ... أو ذاب فيه الحجر الأسود

_ (1) ص: يقدمونه. (2) ص: عاذلي. (3) الخريدة: نكرت. (4) ص: شاهد. (5) يصف كتاباً.

" شمس الدين الكوفي "

513 - (1) " شمس الدين الكوفي " محمود بن أحمد بن عبد الله بن داود بن محمد بن علي الهاشمي الحنفي، شمس الدين الكوفي؛ كان أديباً فاضلاً عالماً شاعراً ظريفاً كيساً دمث الأخلاق. ولي التدريس بالمدرسة التشيشية، وخطب في جامع السلطان، ووعظ في باب بدر. توفي في شهور سنة خمس وسبعين وستمائة، ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة، فمن شعره: ملابس الصبر نبليها وتبلينا ... ومدة الهجر نفنيها وتفنينا شوقاً إلى أوجه متنا بفرقتها ... حزناً وكانت تحيينا فتحيينا أحزاننا بهم لا تنقضي ولنا ... شوق إلى ساكني يبرين يبرينا يا دهر قد مسنا من بعدهم حرق ... من الفراق إلى التكفين تكفينا وعدتنا بالتلاقي ثم تخلفنا ... فكم نرى منك تلوينا وتلوينا ديارهم درس من بعد ما درست ... نفسي بها من تلاقينا تلاقينا متعت فيها إلى حين فوا أسفا ... إذ عشت حتى رأيت الحين والحينا كنا جميعاً وكان الدهر يسعدنا ... والكائنات بكأس الأمن تسقينا فالآن قرت عيون الحاسدين بنا ... بما جرى واشتفت منا أعادينا فصار يرحمنا من كان يأملنا ... وعاد يبعدنا من كان يدنينا وبات يخذلنا من كان ينصرنا ... وصار يرخصنا من كان يغلينا واليوم ألطف كل العالمين بنا ... من عن أحبتنا أضحى يعزينا

_ (1) الزركشي: 324 محمود بن عابد، وبهامشه أن الصواب في اسمه ((محمد)) ؛ ولم يرد أكثر هذه الترجمة في المطبوعة.

ليت العذول يرى من فيه يعذلنا ... لعله إذ يرى عيناً يراعينا إلى متى نحمل البلوى وعاذلنا ... بغير ما هو يعنينا يعنينا ما ضر عذالنا لو أنهم رفقوا ... فعذلهم ليس يسلينا ويسلينا حمائم الدوح في الأغصان نائحة ... كما تنوح فنحكيها وتحكينا تشجو وتندب من شوق لمن فقدت ... ومن فقدنا فنشجيها وتشجينا قد نسرت يا أحبانا جرائحنا ... وما لنا غير لقياكم يداوينا أمراضنا من كلام الشامتين بنا ... فهل زمان يشفينا ويشفينا؟ إنا عطاش إلى أخباركم فمتى ... يأتي رسول يروينا ويروينا؟ بنا إلى عزكم فقر ومسكنة ... فهل بشير يغنينا فيغنيا؟ وقال رحمه الله تعالى: ارفق بصب لا يريد سواكا ... قد صار من فرط السقام سواكا أسكنته ربع الغرام فيا له ... من ساكن لا يستطيع حراكا بالله (1) من أفتاك في سفك الدما ... حتى تسلط طرفك الفتاكا كم لي بأكناف (2) الأجيرع وقفة ... علي وادي الأراك أراكا كم صامت بالوجد بنطق حاله ... هذا وكم شاك فؤادي شاكا ضرب الغرام على النفوس سراداً ... والحسن مد على العقول شباكا كيف الخلاص من الحمى وبربعه ال ... غزلان تنصب للأسود شراكا وارحمتا لذوي الوى من جاهل ... متعقل ومغفل يتذاكى قالوا هلكت بحبه فرحمت من ... من جهله عد النجاة هلاكا كفوا فما أحلى عذابي في الهوى ... عندي إذا كان المعذب ذاكا يا صاحبي عرج بجرعاء الحمى ... فهناك رؤية من تراه هناكا

_ (1) الزركشي: يا بدر. (2) ص: باصناف.

عرب يعز المحتمي بجنابهم ... والعرب ما زالت تعز كذاكا وقال أيضاً: ما للقلوب سوى الحبيب أنيس ... هو للفؤاد منادم وجليس جبذ القلوب إلى هواه جماله ... فكأنه للخلق مغناطيس لا يردك المعقول لطف جمال من ... أهوى فكيف يناله المحسوس كم قد كتبت إليه قصة غصتي ... بمداد دمعي والخدود طروس لم يبق دمعي وجنتي إلا عسى ... يوماً لها قدم الحبيب تدوس دمعي بذكرك مطلق ومسلسل ... وصبابتي وقف عليك حبيس الناس عشاق وأنت حبيبهم ... والكون ماشطة وأنت عروس وحماك كم نحرت نحو دونه ... وتطايرت عند الدنو رؤوس أيقال لي أتلفت نفسك في الهوى ... عجبي وهل للعاشقين نفوس جردت نفسي ذلك علمت بأنه ... لا يستقيم الكيس لي والكيس وعكست حال يفي العيون كأنه ... نقش الفصوص صوابه المعكوس كما قال قوم والحديث تعلة ... وادي العروس وما هناك عروس قد غرهم آل التوهم مثلما ... غرت بصرح قبلهم بلقيس يا من دعا أرواحنا فتبادرت ... سبقاً وحن إلى النفيس نفيس سارت إليك بنا أيانقنا (1) فلا ال ... تقبيل يعجبها ولا التعريس ومتى وصلن إليك يا كل المنى ... ذهب العنا عنا وزال البوس العيس تشتاق العقيق لساكن ... لولاه ما حنت إليه العيس وقال أيضاً: جلا الدجى إذ جلا فينا محياه ... فكم أمات به صباً وأحياه ممنع تعشق الأكوان بهجته ... بدر بلى ما لبدر التم معناه

_ (1) ص: أذيفنا.

أشتاقه وسواد القلب منزله ... ولبدر ما زال برج القلب مأواه أكني بليلى ولبنى حين أذكره ... صوناً له وبحالي يعلم الله بالحب يعرفنا حقاً ونعرفه ... مكمل الظرف يهوانا ونهواه أدير عيني في الدنيا وزهرتها ... فما يروق لها في الخلق إلا هو يسوغ لي العذل إذ يشدو العذول به ... لولاه ما ساغ عندي العذل لولاه لو شاهد القوم ما شاهدت من قمري ... بالعذل ما نطقوا فيه ولا فاهوا قالوا تسل عن المحبوب قلت لهم ... حاشا لمثلي أن يسلو وحاشاه أما رأى حسنه من فيه يعذلني ... يا قوم ما أجهل اللاحي وأغباه يا عز من أنت يا مولاي سيده ... يا ذل من لست يا مولاي مولاه أهيم إن رمز الحادي بذكر حبي ... ب القلب أو هو سماه وكناه هيجت وجدي بذكرى من كلفت به ... كرر على مسمعي بالله ذكراه أعد فأن حديث الحب في أذني ... والله أطيب مسموع وأحلاه وقال أيضاً رحمه الله: شهود غرامي في هواك عدول ... سهاد ودمع سائل ونحول وشوقي إلى لقياك شوق مبرح ... ولي شرح حال في الغرام يطول لقد فضح الصب الحمول ركائب ... سرين وأقمار السماء حمول سرت وفؤادي موبق موثق بها ... تميل به الأشواق حيث تميل وهمت ولكن ما وهمت بحب من ... محاسنه ما إن لهن مثيل حبيب تجني ظالما ًفاحتملته ... وكل محب للحبيب حمول تجني بلا ذنب علي وملني ... وعن له عما عهدت يحول ومال على ضعفي ومال إلى العدا ... وأقبل يصغي والعذول يقول ولم لم ينزه سمعه عن مقالة ... بها كم أتاني كاشح وعذول ترى هل لنا بعد الفراق تآلف ... وهل لي إلى طيب الوصال وصول

لأشكو إليه ما لقيت وما الذي ... جرى البيت ودمعي شاهد ودليل فو الله ما يشفي المشوق راسلة ... ولا يشتكي شكوى المحب رسول وقال موشح: قد صفا الوقت وقد رق النسيم ... قم بنا نربح قد خلا السمت ومن نهوى نديم ... حقنا نفرح في طوى قد شمت جنات النعيم ... أبداً تفتح فاختلس من صرف دهر ورقيب ... ساعة الإمكان فالتواني بعد أن يدنو الحبيب ... غاية الخسران في الصبا قد جاء في حال الهيوب ... خبر لي راق وراد أظهر لي ما في الغيوب ... هيج الأشواق قد تجلى الآن معشوق القلوب ... معشر العشاق ها حبيب القلب قد أمسى قريب ... أيها الندمان من له من قربه أدنى نصيب ... لا يكن ندمان تسكر الألباب كاسات الصبا ... عند وقت السحر حين تهوى نشر رايات الربى ... وأريج الزهر وترانا نتثنى طربا ... لبلوغ الوطر احسدينا في التثني إذ نطيب ... يا غصون البان أبداً لا يستوي " غصن " رطيب ... وفتى نشوان قد تعرضت بسكان اللوى ... وحمى الأجرع اين من يعرف قانون الهوى ... قم ولا تجزع وائتمر لي واتبعني في الجوى ... وانطبع واسمع

هذه النيران عن يمنى (1) الكثيب ... تضرم النيران ما ينال الفوز منها ويطيب ... أبداً كسلان يا عذولي ليس ذا وقت العتاب ... فأنا مشغول أنا ابغي الآن مع كشف الحجاب ... أبلغ المأمول إن تقل أنت قتيل فالجواب ... رضي المقتول خلني يا عاذل الصب الكئيب ... كان ما قد كان فحبيبي نصب عيني لا يغيب ... من ضميري دان وقال أيضاً: تعالوا نعيد الوصل لا كان من وشى ... فحر اشتياقي بعدكم قد حشا الحشا وبي رشأ ما في البرية لائم ... نهى روحه والمال زال الرشا رشا على سخا بالوصل من بعد شحه ... ومن بعد ما قد كان نعش أنعشا وشى باسمك الواشي إلي فسرني ... وسمعي يا مولاي لما وشى وشا حديثك سرح يملأ القلب نشوة ... وعبدك يا بدر الدجى إن تشا انتشا وقال في خطلوشاه مملوك علاء الدين الجويني: آه ولا أعذل إن قلت آه ... قد قتلتني مقلتا خطلشاه فعارضاه واشرحا قصتي ... له وما قد فعلا عارضاه لم يفتن من لا رأى حسنه ... ولا سبي يا قوم من لا سباه خاطرت بالروح لذكري له ... غاية له في الباب دقوا قفاه بلغت هذه البيات علاء الدين الجويني فكتب إليه: حرمة الشيب والآداب تمنعنا عن غاية ما في الباب، وقد رسمنا لمملوكك خطلو شاه يأتي إليك كل نهار كرتين.

_ (1) ص: يمين.

ابن الملحي الواعظ

514 - (1) ابن الملحي الواعظ محمود (2) بن القاسم بن أبي البدر المحلي (3) ؛ هو الشيخ العالم الفاضل الكامل شمس الدين ابن الملحي الواعظ الواسطي. توفي آخر جمعة في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى، وقد ناهر السبعين؛ فمن شعره: رعى الله ربعاً كنتم فيه جيرتي ... وعيشاً تقضي معكم يا أحبتي وحيا زماناً كان يجمع بيننا ... ونحن جميعاً في سرور ولذة ولا غيرت أيدي الزمان منازلاً ... نزلتم رباها يا أهيل مودتي ولا أقفرت تلك الديار التي بها ... تقضت ليالي أنسنا وتولت إذا ما جرى تذكاركم في مسامعي ... جرى دمع عيني فوق صفحة وجنتي فلله ما أحلى قديم حديثكم ... وأطيبه عندي عشاي وغدوتي أحبة قلبي أين أنسي بقربكم ... لقد هدني من بعدكم طول وحشتي تعجلتم بالبعد لما عرفتكم ... فما وقع التعريف إلا لشقوتي أحن إليكم كلما هبت الصبا ... على أثلات الرقمتين ورقت ويطلبكم قلبي على البعد والنوى ... وأين سبيلي بعدكم، أين حيلتي نظرت إلى الأحباب يوم وداعهم ... فكانت من الأحباب آخر نظرتي وناديتهم (4) هذا الرحيل، متى اللقا ... ألا خبروني كم على الصبر مدتي؟

_ (1) الزركشي: 326 والدرر الكامنة 4: 260 (وفيه محمد بن القاسم كما في ص) ؛ ومعظم الترجمة ثابت في المطبوعة. (2) ص: محمد، وصوبنا عن الزركشي. (3) الدرر: المليحي. (4) ص: وناديتم.

وقلت لهم قلبي لديكم وديعة ... يسافر معكم فاحفظوا لي وديعتي عسى تسمح الأيام تجمع بيننا ... وترجع أوطاري ولذاتي التي ويطرب سمعي من لذيذ حديثكم ... وتنظر عيني أنجمي وأهلتي وقال أيضاً: أنوح إذا الحادي بذكركم غنى ... وأبكي إذا ما البرق من نحوكم عنا وكيف شكا قلبي تداويت باسمكم ... ونعم الدوا أنتم على قلبي المضنى بكم ولهي لا بالعذيب ولا النقا ... وأنتم مرادي لا سعاد ولا لبنى لقد عاش من أنتم من العمر حظه ... ومات الذي في غيركم عمره يفنى يلد لي الليل الطويل بذكركم ... فما أطيب الليل الطويل إذا جنا أحبتنا أين المواثيق بيننا ... زمان خلونا الحمى وتعاهدنا ظنناكم للعمر ذخراً وعدة ... فيا قرب ما خيبتم بكم الظنا سمعتم من الأعدء قولهم بنا ... ومن أجل ما قالوا تغيرتم عنا تغيرتم عنا بصحبة غيرنا ... وأظهرتم الهجران، ما هكذا كنا واقسمتم أن لا تحولوا عن الوفا ... فحلتم عن العهد القديم وما حلنا أأحبابنا ما كان أهنأ عيشنا ... ولكنه ولى كطيف بدا وهنا مررنا على أوطانكم بعد بعدكم ... فمذ نحن شاهدنا أماكنكم نحنا ولما تخيلنا جمالكم بها ... وقفنا على تلك الديار وسلمنا سلام على العيش الذي بكم مضى ... فما كان أشهاه لدي وما أهنا ليالي كان الدهر معنا موافقا ... فلما نأيتم ما رأيت له معنى لئن عاد ذاك العيش يا سادتي بكم ... وعدنا إلى تلك الديار كما كنا غفرت لأيامي جميع ذنوبها ... وقلت لك الإنعام عندي والحسنى وقال أيضاً: بدا البرق من حزوي فهاج حنينه ... وهبت صبا نجد فزاد أنينه

وغنى له الحادي بأيام حاجر ... ففاضت بأمطار الدموع جفونه وذكره العيش الذي كان وانقضى ... فكاد جوى يطرا عليه جنونه غريب بعيد الدار فارق أهله ... كئيب وحيد بان عنه قرينه مريض إذا هب النسيم من الحمى ... يطيب له خفاقه وسكونه تحمل أثقال الغرام وماله ... معين على حمل الغرام يعينه وصان الهوى في قلبه كل جهده ... فلما نأى الأحباب بان مصونه وظن بأن الدهر يجمع شمله ... بمن يتمناهم فخابت ظنونه أهيل الحمى بنتم فدمعي مطلق ... وقلبي قد ضاقت عليه شجونه أهيل الحمى لا أوحش الربع منكم ... لقد كنتم للربع زيناً يزينه مررت على الوادي وكان زمانكم ... بلابله تشدو وتجري عيونه فأبصرته من بعدكم وهو قد عفا ... وأقفر منه سهله وحزونه فناديته أين الذين عهدتهم ... هنا وغدير العيش صاف معينه؟ فقل لي الوادي نأو وترحلوا ... وهذا فؤادي للتنائي حزينه فقلت فهل يسخو الزمان بعودهم ... فقال لعل الدهر يسخو خؤونه إلى أن يعود الماء في النهر جاريا ... تموت به أطياره وغصونه وكم مات صب (1) بالتوقع والمنى ... ولم تقض من خصم الزمان ديونه وقال أيضاً: هنيئاً لمن أمسى وأنت حبيبه ... ولو أن نيران الغرام تذيبه وطوبى لقل أنت ساكن سره ... ولو بان عنه إلفه وقريبه وواهاً (2) لمطرود عن الباب مبعد ... لقد ضاق في هذا الوجود رحيبه وحقك ما من ذاق وصلك ميت ... " يحق عليه ندبه ونحيبه " (3)

_ (1) ص: صباً. (2) ص: وواه، وهو صحيح عند الزركشي. (3) اضطرت هذا البيت مع الذي يليه في ص، والتصويب عن الزركشي.

" أيا غاية الآمال من أنت أنسه " ... فكل بلاء عنده يستطيبه ومن أنت راض عنه في طي غيبه ... فما ضره والله من يستغيبه وما ضر صباً أن يبيت وما له ... نصيب من الدنيا وأنت نصيبه عبيدك في باب التطفل واقف ... إذا لم تجبه أنت من ذا يجيبه غريب عن الأوطان يبكي لذلة ... وهل ذاق طعم الذل إلا غريبه فقير من الأعمال أنت غناؤه ... مريض من الآثام أنت طبيبه تقضت لياليه وفات زمانه ... ولم يدر حتى لاح منه مشيبه غدا خاسراً فالعار يكفيه والعنا ... وقد أن من ضوء النهار مغيبه وقال أيضاً: سلام عليم هل تراكم علمتم ... بما نال قلبي منذ ساعة بنتم وهل عندكم ما عند قلبي من الأسى ... وهل مثل وجدي للفراق وجدتم أيا سادتي والله عهدي بلذتي ... وطيب حياتي منذ كنت وكنتم ليالي كانت كالنهار منيرة ... سهرت بها من طيبها وسهرتم فلا كان يوم (1) كان آخر عهدكم ... وقد أسرع الحادي سحيراً وسرتم ولا كان يوم فيه خلفت بعدكم ... ونحن بوقفات الوداع نسلم ترحلت عنكم كارهاً غير طائع ... أؤخر أقداماً وأخرى أقدم وودعتكم والقلب يأبى وداعكم ... وفي كبدي نار الأسى تتضرم علمت من الأيام كل كريهة ... ولكن هذا البعد ما كنت أعلم حرمتم جفوني أن ترى غير شخصكم ... كما للذيذ النوم عنها حرمتم وعيني حرمتم أن تراكم كأنما ... لقاؤكم طيب وجفني محرم ربيعي جمادى حيث سمعي لغيركم ... به رجب منكم ونومي محرم ولما حدا حادي الفراق بشملنا ... وأنجدت سراً والأحبة أتهموا

_ (1) ص: يوماً.

وأصبح منكم منزل الأنس خالياً ... تبين عليه وشحة وهو مظلم وأضمرت (1) توديعاً له وهو ساكت ... ولكن لسان الحال منه يكلم وقالت لي الأوطان هل عودة بكم ... فقلت لها ربي بذلك يعلم وقال موشح: نشرت ريح الصبا روح الصباح ... فصبا المشتاق وبكى عصر الصبا الماضي وناح ... من جوى الإشفاق قدحت في العود نسمات الربيع ... لهب الأزهار وانثنت ترقم بالوشي البديع ... جاري الأنهار فكست عن برده البرد الخليع ... خلع النوار وبدت في خضرة الماء القراح ... صفرة الأوراق كطراز مذهب فوق وشاح ... صنعة الخلاق مثل الورد على الماء المعين ... مثل الإنسان زهرة العمر له في الأربعين ... وبدا النقصان ولقد يعجله بعض السنين ... يكسر الأغصان فافهم الجد فما المعنى مزاح ... وافتح الآماق وادخر ما اسطعت من فعل الصلاح ... قيل أن تعتاق مثل الدنيا كبيت العنكبوت ... أمره موهون من بها أيامه سهواً تفوت ... فهو المحزن فسعيد الناس عن الهم استراح ... وابتغى ما راق وإذا حف من الطير الجناح ... أدرك السباق

_ (1) ص: وأضمر.

ما لأهل النوم في الليل نصيب ... من لقا المحبوب لا ولا تلقى بعيداً كالقريب ... يدرك المطلوب وكذا من لا يرى وجه الحبيب ... إنه مكروب فدع النوم فصبح الشيب لاح ... مسفر الإشراق وانقضى ليل الصبا الداجي وراح ... مثل ركب ساق أين أهل الأرض من أيام عاد ... أين أهل الأرض وقرون ملأوا هذي البلاد ... طولها والعرض سيعود الكل في يوم المعاد ... إذ يقوم العرض كلهم يسعى إذ ما الصور صاح ... شاخص الأحداق فلكم من أوجه ثم صباح ... حظها الإحراق سيمور الفلك الأعلى المحيط ... من علا الأفلاك ويضيق الخرق من هذا البسيط ... وترى الملاك عندها كل خليل وخليط ... قلبه ينساك وترى الأعين تجري بانسفاح ... دمعها الدفاق زائدات فوقأواه البطاح ... تبلغ الأعناق أرتجي ربي ويكفيني الرجا ... فهو الغفار والنبي المصطفى بدر الدجا ... أحمد المختار من على سنته سار نجا ... من لهيب النار مرشد الخلق إلى سبل النجاح ... طاهر الأعراق ذا الندى بحر العطايا والسماح ... طيب الأخلاق وقال أيضاً: ما غردت الورق مع الإشراق ... فوق الورق

إلا وحلمت من جوى الأشواق ... ما لم أطق ما نسمت الصبا صباحاً وسرت ... إلا بمسيرها لروحي أسرت بالله ولا ذكرت أيامكم ... إلا ومدامعي من الشوق جرت أصبو فإذا ما التهبت بي ناري ... ظلت حدقي تبكي أسفاً لعل دمعي الجاري ... يطفي حرقي أيامكم قضيت عيشاً رغدا ... بنتم فبقيت بعدكم منفردا ما أوحش دنياي إذا لم أركم ... لا أوحشني الزمان منكم أبدا يا مصطبحي الصفو عن الأكدار ... يا مغتبقي من بعدكم غرقت في تيار ... بحر الغرق من يوم عدمتكم عدنت الفرحا ... واعتضت بغصة الجوى والبرحا والقلب ساقه دهره بعدكم ... كأسا وإلى الآن فما عاد صحا سكران من الغرام والتذكار ... بادي القلق ظمآن إلى أهيله والجار ... حلف الأرق ودعتكم وعبرتي تندفق ... والقلب بنار وجده يحترق ناديت قفوا بالله كي أنظركم ... هيهات نعود بعدها نتفق قد كان تبقى لي من أوطاري ... بعض الرمق فاسترجع مني بيد الأقدار ... ما كان بقي ما أشوقني إلى قدوم الغياب ... ما أتوقني إلى وجوه الأحباب إن عاد لي الزمان يوماً (1) بهم ... لم يبق على الزمان والله عتاب أو إن أمنت بقربهم أسراري ... بعد الفرق

_ (1) ص: يوم.

حدثتهم بكل ضيم طاري ... القلب لقي وقال أيضاً: كل من يبكي على إلف جفاه ... أو حبيب مات وأنا أبكي على طيب الحياه ... وزمان فات أين عمري، وعلى عمري وآه ... خلف الحسرات زار كالطيف وولى بسلام ... حامل الأوزار لم يكن إلا كطيف في المنام ... أو كطير طار كلما أفكر في عمر الشباب ... ونزول الشيب وفعال لي أحصاها (1) الكتاب ... كم بها من عيب كدت أن أحثو (2) على رأسي التراب ... وأشق الجيب وأنادي من يعزي المستهام ... فاقد الأوطار وقته فات وما نال المرام ... وكفاه العار كلما قلت عسى قلبي الشقي ... يبلغ الآمال وأنال الخير فيما قد بقي ... وتجود الحال حطني الدهر فكم ذا أرتقي ... والمدى قد طال وكأن قد جاءني داعي الحمام ... بلغ الإنذار فانثنت بعدي أغاريد الحمام ... تندب الآثار بان من كانوا لقلبي مؤنسين ... من جميع الناس رحلوا فاليوم لي قلب حزين ... دائم الوسواس

_ (1) ص: أحصاه. (2) ص: أحثي.

فتراني خضاعاً للشامتين ... مطرقاً (1) بالراس غائصاً في بحر فكر وغرام ... موجه زخار لا أبالي من رحل أو من أقام ... من جوى الأفكار أين من كانوا لضيمي (2) مشتكي ... ولأسراري أين من كانوا لظهري متكا ... أين أنصاري بينما هم مثل بستان زكا ... نهره جاري هب فيهم عاصم الموت الزؤام ... بهوا الإعصار فإذا النبت به عصف حطام ... نهره قد غار جز بأطلال خلت بعد السكن (3) ... واندب الأطلال أين سكانك يا هذي الدمن ... والعلا والمال إنها إن لم يكن فيها سكن ... ليقول الحال ها هنا كنا جميعاً بانتظام ... في الذي نختار أصبحت دارهم بعد الزحام ... ما بها ديار أيها الخاطي بليل الخاطئين ... لاح ضوء الفجر انتبه قبل لحاق الأولين ... ومضيق الحجر واصطبر فالله يجزي الصابرين ... بعظيم الأجر فبيوم وبشهر وبعام ... تنقضي الأعمار وجزاء الخلق في يوم القيام ... جنة أو نار ليس لي غير إلهي ذي (4) الكرم ... غافر الزلات

_ (1) ص: مطرق. (2) ص: لظيمي. (3) ص: السكون. (4) ص: ذا.

والنبي المصطفى بدر الظلم ... صاحب الآيات أحمد الهادي الرسول المحتشم ... سيد السادات بدر حق يخجل البدر التمام ... مشرق الأنوار الذي كان تغشاه الغمام ... وهو في الأسفار سلم الله عليه وعلى ... آله الأعيان وعلى صديقه تاج العلا ... سابق الإيمان وعلى الفاروق مأمون الملا ... والرضا عثمان وعلي فارس الجيش الهمام ... الفتى الكرار وعلى أولاده الزهر الكرام ... خيرة الأخيار وقال كان وكان: دع عنك شرب الهليلج ... يا من فؤاده به حمى واترك ذنوبك أي من ... ما يحمل التعذيب أهوال يوم القيامة ... حدث عن البحر ولا حرج أقل ما في النوبة ... الطفل فيه يشيب القبر قال نبيك ... أول منازل الآخره من أول الدن دردري ... والله الأخير عجيب من بالأمل يتمسك ... مثل الذي يقبض الهوا ومن من الثلج بيتو ... لا يأمن التخريب من الغراب دليله ... أي المنازل يسكنو ومن لإبليس يبتع ... يبصر لايش يصيب من تاب عن ذنب واحد ... وذنب آخر عاد فعل كم هرب من رشقه ... قعد حذا مزريب

على الطبيب النسخه ... وما عليه المزوره من أهلكه تخليطه ... ما يلتزم بو طبيب إن كنت فحل ثابت ... نما تميل مع الهوى الفحل للقلع آمن ... وما يخاف الهيب خليت أرض الجنه ... ما فيها نخله واحده واخترت أرض الدنيا ... جريب خلف جريب فدرب دينار تعبر ... نسيت درب المقبره لو جزت في درب صالح ... عرفت درب حبيب عاملت دنياك مده ... فعامل الله مثلها إن ريت أنك تخسر ... فارجع وقل تجريب إذا خلوت بنفسك ... فعلت ما لا ينبغي أي من خلا أين تخلو ... والحق منك قريب ترمي ليوسف قلبك ... في منقلب جب الهوى وعند يعقوب تبكي ... تقول أكله الذيب أفنيت بندق عمرك ... في رمي عصفور الهوى وللجليل ما عرفته ... لإيش بقيت تصيب تدب فوقك نمله ... تمد إيدك ترضها يا من يرض النمله ... كم في التراب دبيب تم العمل يا شبيطر ... لا تتبع نسر الأمل وأي عقاب المظالم ... القوس في التعقيب تسف في قربانك ... سحت الحرام ولا تسل هم يوم تصرع وتخرج ... من الجميع سليب

حلوان قولك وسمتك ... لكن مراغه داخله مالك إلى الحق موصل ... فكيف تصل لطبيب قل للفقيه المهذب ... قلبك يكن فيه تبصره فإن تنبيه قلبك ... تتمة التهذيب لا بد ذي حركاتك ... بعد التصرف تتجزم وواو جمعك وحيتك ... تخرج بلا ترتيب اذخر لنفسك ذخيره ... عسى تراها في غدا نمى تعذب وغيرك ... بما جمعت يطيب لا بد لك أن تفلس ... ولا يغرك ذا الغنى ولو ورثت الدنيا ... بالفرض (1) والتعصيب أي من بشوطو واقف ... في منصف العمر انتبه وأسرع فشمس حياتك ... بقي القليل وتغيب شرفك النفس ما هو ... بالنقش والنفش والنسب قد قال: سلمان منا ... ولم يكن بنسيب من خاط ثوب المعالي ... بلا جميل يحمله أصبح وستره شهره ... وبان وفيه وريب واسط مقام الفصاحه ... بغداد دار الأذكيا وأنا فقير حصل لي ... من كل أرض نصيب فصار معجون قلبي ... يشفي القلوب من المرض ولا يشوبه مراره ... لأن فيه تركيب

_ (1) ص: بالقرض.

وأنشده شخص هذين البيتين: أيامنا بالحمى حييت أياما ... وزادك الله إجلالاً وإكراماً بالأمس قد كنت أحلى ما بأنفسنا ... فما أصابك حتى صرت أحلاما وسأله أن يزيد عليها (1) فقال: يا سادة جرحوا قلبي ببينهم ... وحملوه على الآلام آلاما لله ليلات أنس كن لي بكم ... عصيت فيهن عذالاً ولواما كانت لنا من عطيات الزمان فما ... دامت علينا ولا المعطي لها داما وقال ذوبيت: لما رأت العين بياض الشعرات ... فاضت أسفاً وقرحتها العبرات ثم التفتت إلى الصبا وهي تقول ... قف صل على العمر صلاة الأموات وقال أيضاً: ما يلمع بارق بذات العلمين ... إلا وبعين كل عين لي عين تالله ولا أنظر يوماً حسناً ... إلا ويقول خاطري أين وأين وقال أيضاً: في أي بطالة وفي أي زمان ... أستبدل في الهوى فلاناً بفلان أرجو بدلاً هيهات ولى عمري ... قد كان من الصبا ومني ما كان

_ (1) كذا في ص.

تاج الدين الصرخدي

515 - (1) تاج الدين الصرخدي محمود بن عابد (2) بن حسين بن محمد، الشيخ تاج الدين أبو (3) الثنا التميمي الصرخدي النحوي الشاعر المشهور الحنفي؛ ولد بصرخد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وتوفي بدمشق سنة أربع وسبعين وستمائة، وكان فقيهاً صالحاً، نحوياً بارعاً، شاعراً محسناً ماهراً، متففاً خيراً متواضعاً دمث الأخلاق، كبير القدر وافر الحرمة. وكان سكنه بالمدرسة النورية؛ ومن شعره قوله: عجباً لقدك ما ترنح مائلا ... إلا وقد سلب الغصون شمائلا ولسقم جفنك كيف صح بكسرة ... فيه وأصبح باللواحظ نابلا ولناظر حاز الولاية فاغتدى ... من غير عزل للمعاطف عاملا وإذا علمت بأن ثغرك منهل ... في روضة فعلام تحرم نائلا في بحر خدك راح صدغك زورقاً ... فلحبسه مد العذار سلاسلا وأظن موج الحسن يقذف عنبراً ... أضحى له نبت السوالف ساحلا ومن العجائب أن سائل أدمعي ... قد جاء يستجدي عذارك سائلا وقال أيضاً: ما للفؤاد إذا ذكرتك يخفق ... والدمع من عيني يسح ويدفق

_ (1) الزركشي: 326 وعبر الذهبي 5: 302 والشذرات 5: 344 وقال الزركشي: ((ووقفت على المفصل للزمخشري وعليه خط الإمام زين الدين ابن معطي النحوي وذكر أن الصرخدي هذا قرأه عليه قراءة بحث وإتقان عظيم)) ؛ وأكثر هذه الترجمة لم يرد في المطبوعة. (2) ص: عايد، ولا إعجام عند الزركشي. (3) ص: أبي.

وإذا رأيتك فاللسان مهابة ... خرس ودمعي بالصبابة ينطق ما ذاك إلا أن قلبي موثق ... بالأسر منك وأن دمعي مطلق لا غرو أن خفق الفؤاد فإنه ... في العطف من غصن القوام معلق وبمهجتي بدر له من قده ... رمح عليه من الذؤابة سنجق أضحى بقلبي ساكناً ووشاحه ... أبداً كمسكنه يجول ويقلق يا قاطعاً نومي ولم يسرق له ... حسناً وليس النوم ممن يسرق عيني التي سرقت نصاب الحسن من ... وجه عليه من الملاحة رونق قالوا انتظر منه زيارة طيفه ... فلسوف يأتيك الخيال ويطرق فأجبتهم (1) والقلب من أشجانه ... مثر ومن حسن التصبر ملق مالي وللطيف الطروق وإنما ... كلفي به وله أحب وأعشق وقال أيضاً: تأنوا ففي طري النسيم رسائل ... وميلوا فإن البان بالسفح مائل وما مال إلا للسؤال وعنده ... حديث هوى فاستخبروه وسائلوا روى خبراً عن بان نعمان مرسلاً ... وأسند عنه ما حكته الشمائل فعلل معتلاً وحرك ساكناً ... من الوجد أضحى وهو في الحال عامل خذوا عن يمين البان قد بلغ الهوى ... أواخر لم تبلغ لهن أوائل وقصوا غرامي للنسيم فإنه ... غريمي إذا ما هيجتني البلابل وميلوا إلى رمل الحمى عل سربه ... تلاحظكم غزلانه وتغازل سقى دمنة الوادي بمنعرج اللوى ... من المزن محلول النطاقين هاطل ففيها ضفت (2) عند المقيل ظلالها ... ومنها صفت عند الورود المناهل وإن سؤالي للنسيم علالة ... كما أن دمعي للمنازل سائل

_ (1) ص: فأجبته. (2) ص: صفت.

" المختار الثقفي "

516 - (1) " المختار الثقفي " المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي؛ قال ابن عبد البر: لم يكن بالمختار، كان أبوه من جلة الصحابة؛ ولد المختار عام الهجرة وليست له صحبة ولا رواية، وأخباره غير مرضية حكاها عنه ثقات مثل سويد ابن غفلة والشعبي وغيرها. كان معدوداً في أهل الفضل والخير يتراءى بذلك ويكتم الفسق، إلى أن فارق ابن الزبير وطلب الإمارة؛ وكان المختار يتستر بطلب دم الحسين رضي الله عنه؛ يقال إنه كان خارجياً ثم صار زبيرياً ثم صار رافضياً. وكان يضمر بغض علي ويظهر منه أحياناً لضعف عقله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون البيت ثقيف كذاب ومبير، وكان الكذاب المختار كذب على الله تعالى وادعى أن ألوحي يأتيه من الله تعالى؛ والمبير الحجاج بن يوسف. وقتل المختار في رمضان سنة سبع وستين، قتله مصعب بن الزبير. والفرقة المختارية من الرافضة إليه تنتسب، كان يقول بإمامة محمد بن الحنفية بعد علي رضي الله عنه، وتبرأ منه محمد بن الحنفية لما بلغه من محارمه، لأنه اتخذ كرسياً غشاه بالديباج وزينه بأنواع الزينة وقال: هذا من ذخائر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو عندنا بمنزلة التابوت الذي كان في بني

_ (1) تجد أخباره في المصادر التاريخية (حوادث سنة 65 - 67) وانظر أيضاً أنساب الأشراف والمصادر الخاصة بالفرق افسلامية؛ وقد ترجمت له بعض الكتب الخاصة بتراجم الصحابة؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

أبو الفوارس ابن منقذ

إسرائيل فيه السكينة؛ واتخذ حمام (1) أبيض طيرها في الهوا وقال لأصحابه: إن الملائكة تنزل عليكم في صورة حمامات بيض. وألف أسجاعاً باردة، وادعى النبوة. 517 - (2) أبو الفوارس ابن منقذ مرهف بن أسامة بن منقذ، الإمام العالم مقدم الأمراء أبو الفوارس ابن الأمير الكبير الأديب مؤيد الدولة أسامة، الكناني الشيزري أحد أمراء مصر؛ ولد بشيزر وسمع من أبيه وغيره، وكان مسناً معمراً شاعراً كوالده، وجمع من الكتب شيئاً كثيراً، وتوفي سنة ثلاث عشرة (3) وستمائة؛ ومن شعره: رحلتم وقلبي بالولاء مشرق ... لديكم وجسمي للعناء مغرب وما أدعي شوقاً فسحب مدامعي ... تترجم عن شوقي إليكم وتعرب ووالله ما اخترت التأخير عنكم ... ولكن قضاء الله ما منه مهرب وقال أيضاً: سمحت بروحي في رضاك ولم تكن ... لتعجزني لولا رضاك المذاهب

_ (1) كذا في ص. (2) الزركشي: 329 والخريدة (قسم الشام) 1: 571 ومعجم الأدباء 5: 243 (وفي ترجمة أسامة) وذيل الروضتين: 93؛ وقال ياقوت: ((واسع الخلق شائع الكرم)) وذكر أنه باع أربعة آلاف مجلد من كتبه في نكبة لحقته فلم يؤثر ذلك فيها، ومولده سنة 520؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) ص: عشر.

" مروان بن الحكم "

وهانت لجراك (1) العظائم كلها ... علي وقد جلت لدي النوائب (2) فمهلاً فلي في الأرض عن منزل القلى ... مسار إذا أحرجتني ومسارب وإن كنت ترجو طاعتي بإهانتي ... وقسري فإن الرأي عنك لعازب وكان قد أقعد لا يقدر على الحركة إلا أنه صحيح العقل والذهن والبصر، غير أن سمعه ثقل؛ وكان السلطان صلاح الدين قد أقطعه ضياعاً بمصر وأجراه أخوه العادل على ذلك، وكان الكامل ابن العادل يحترمه ويعرف حقه، رحمه الله تعالى. 518 - (3) " مروان بن الحكم " مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي أبو عبد الله، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، توجه إلى الطائف مع أبيه حين نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم معه في خلافة عثمان رضي الله عنه، واستكتبه واستولى عليه إلى أن قتل عثمان. ونظر إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوماً فقال له: ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك. وكان مروان يقال له " خيط باطل " وفيه يقول عبد الرحمن " ابن "

_ (1) ص: لمجراك. (2) هذا البين وقع ثالثاً في ص، وآثرت الترتيب الوارد عند الزركشي وياقوت. (3) أخباره في المصادر التاريخية الكبرى كالطبري والمسعودي واليعقوبي وابن الأثير ... الخ وانظر الروحي: 21 والفخري: 109 والإصابة واسد الغابة وتهذيب التهذيب 10: 91 والبدء والتاريخ 6: 19 وتاريخ الخميس 2: 306؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة.

أخيه لما بويع: فو الله ما أدري وإني لسائل ... حليلة مضروب القفا كيف تصنع لحى الله قوماً حكموا خيط باطل ... على الناس يعطي من يشاء ويمنع وولاه معاوية مكة والمدينة والطائف ثم عزله وولى سعيد بن العاص ثم ولاه ثم عزله بالوليد بن عقبة؛ فلما مات معاوية وتولى يزيد ثم مات يزيد وتولى ابنه معاوية ومات معاوية وثب عليها مروان وقال: إني أرى فتنة تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا ثم التقى هو والضحاك بن قيس بمرج راهط وقتل الضحاك. وكان مروان قد تزوج أم خالد بن يزيد ليضع منه، فوقع بينه وبين خالد كلام، فأغلظ له مروان في القول وقال له: اسكت يا ابن الرطبة؛ فدخل خالد على أمه وقال لها: هكذا أردت يقول لي مروان على رؤوس الناس!! فقالت: اسكت فو الله لا ترى بعدها منه شيئاً تكرهه، وسأقرب عليك ما بعد، فلما نام مروان تلك الليلة قامت إليه مع جواريها وغمته حتى مات. وكانت خلافته تسعة أشهر، وكانت وفاته في رمضان سنة خمس وستين للهجرة، ومات وله أربع وستون سنة، وصلى عليه ابنه عبد الملك، وكان مولده ليلة بدر لسنتين من الهجرة، رحمه الله.

مروان الحمار

519 - (1) مروان الحمار مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية الملقب " الحمار " و " الجعدي " نسبة إلى مؤدبه الجعد ابن درهم؛ كان لا يجف له لبد في محاربة الخوارج، ولد بالجزيرة سنة اثنتين (2) وسبعين وقتل سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وكان مشهوراً بالفروسية والإقدام والدهاء (3) ؛ بويع له في نصف صفر سنة سبع وعشرين ومائة. أدخل عليه يزيد بن خالد القسري وكان قد حاربه قبل أن يلي الخلافة فلف منديلاً على إصبعه ثم أدخلها في عين يزيد فقلعها واستخرج الحدقة ثم أدار يديه فاستخرج الحدقة الأخرى، وما سمع من يزيد كلمة. وسار مروان لحرب بني العباس في مائة وخمسين ألفاً (4) حتى نزل قريباً (5) من الموصل، فالتقى وعبد الله بن علي عم المنصور في جمادى الآخرة (6) سنة اثنتين وثلاثين ومائة فانكسر مروان؛ وتقرب عبد الله من الشام وملك دمشق، وهرب مروان ودخل مصر وعبر الصعيد، فوجه عبد الله أخاه صالحاً في طلبه، وعلى طلائعه عمرو بن اسماعيل، فساق عمرو في أثره

_ (1) أخباره في المصادر التاريخية الكبرى كالطبري واليعقوبي والمسعودي وابن الأثير وابن خلدون وتاريخ الإسلام للذهبي ... الخ؛ وتاريخ الخلفاء: 278 والروحي: 28 والفخري: 123؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: اثنين. (3) ص: والدما. (4) ص: وخمسون ألف. (5) ص: قريب. (6) ص: الآخر.

فلحقه بقرية بوصير فقلته وله من العمر اثنتان (1) وستون سنة. وكان أشقر أزرق، فقدم عليه شخص أول ولايته فرآه على هذه الصورة فلوى وجهه وقال: ما خلق الله هذه الصورة لأن يضع فيها خيراً أبداً، فبلغه كلامه فأحضره وقال: أنت القائل كذا؟ والله لأكذبنك، ثم أمر له بجملة وافرة وصرفه، فانصرف الرجل وهو يقول: صورة شر ما نفع الله عندها إلا بالشر. ولما وصل إلى بوصير قطع لسان قائد (2) من قواده اتهمه مكاتبة بني العباس، فاختطفته هرة فأكلته، وفي عشية ذلك اليوم وصل عسكر عبد الله بن علي ودخلوا الدار التي فيها مروان فسلوا لسانه من قفاه ورموا به على الأرض، فجائت تلك الهرة بعينها فأكلت لسانه. ومن شعر مروان قوله من قصيدة: أبلغ نزاراً (3) وعرب الشام قاطبة ... وبالجزيرة واخصص قيس غيلانا من ذا الذي يرتجي بعدي مودتكم ... وأن تكونوا له في الناس أعوانا وكان يلقب بالحمار لثباته في الحرب.

_ (1) ص: اثنان. (2) ص: قائداص. (3) ص: نزار.

أبو الشمقمق

520 - (1) أبو الشمقمق مروان بن محمد؛ هو أبو (2) الشمقمق الشاعر، له في الجد والهزل أشياء؛ توفي في حدود الثمانين ومائة، وكان يهجو الشعراء الكبار مثل بشار بن برد وغيره من أهل عصره، وكانوا يصانعونه بالمال وله عليهم رسم في كل سنة، ومن شعره (3) : شرابك في السحاب إذا عطشنا ... وخبزك عند منقطع التراب وما روحتنا لتذب عنا ... ولكن خفت مرزئة الذباب وقال (4) : إذا حججت بمال أصله دنس ... فما حججت ولكن حجت العير لا يقبل الله إلا كل طيبة ... ما كل حج ببيت الله مبرور وشخص أبو الشمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد وقد تقلد الموصل، فلما مر ببعض الدروب اندق اللواء، فاغتم خالد لذلك وتطير منه، فقال أبو الشمقمق (5) :

_ (1) الزركشي: 329 وطبقات ابن المعتز: 126 وتاريخ بغداد 13: 146 وابن خلكان 6: 335 وقد جمع شعره غرونباوم (شعراء عباسيون: 130 - 157) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: ابن. (3) شعراء عباسيون: 131 وهي في هجاء جعفر بن أبي زهير. (4) شعراء عباسيون: 137. (5) شعراء عباسيون: 147.

" والد أسامة "

ما كان مندق اللواء لطيرة ... تخشى ولا شر يكون معجلا لكن هذا العود أضعف متنه ... صغر الولاية فاستقل الموصلا فسري عن خالد، وكتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون فزاده ديار ربيعة، فأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم. 521 - (1) " والد أسامة " مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ، والد أسامة؛ قال السمعاني: رأيت مصحفاً بخطه بماء الذهب ما أظن الرائين رأوا مثله. وتقدم بحسن تدبيره على رهطه، وأسن وعمر، وله الأولاد الأمجاد النجباء، ولد سنة خمسين وأربعمائة، وتوفي بشيزر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة؛ وكتب بخطه سبعين ختمة. ومن شعره (2) : ظلوم أبت (3) في الظلوم إلا تماديا ... وفي الصد والهجران إلا تناهيا شكت هجرنا والذنب في ذاك ذنبها ... فيا عجباً من ظالم جاء شاكيا وطاوعت الواشين (4) في وطالما ... عصيت عذولاً في هواها وواشيا

_ (1) الزركشي: 329 والخريدة (قسم الشام) 1: 558 وابن خلكان 1: 199 والنجوم الزاهرة 5: 260 والروضتين 1: 111 ومعجم الأدباء 5: 227 (وفي الترجمة أسامة) ، ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) الأبيات في الخريدة 1: 560 والزركشي ومعجم الأدباء. (3) ص: أنت. (4) ص: الواشون.

مزبد المدني

ومال بها تيه الجمال إلى القلى ... وهيهات أن أمسي لها الدهر قاليا ولا ناسياً ما استودعت من عهودها ... وإن هي أبدت جفوة وتناسيا منها (1) : وقلت أخي يرعى بني وأسرتي ... ويحفظ فيهم عهدتي وذماميا ويجزيهم ما لم أكلفه (2) فعله ... لنفسي فقد أعددته من تراثيا فأصبحت صفر الكف مما رجوته ... أرى اليأس قد غطى سبيل رجائيا فمالك لما أن حنى الدهر صعدتي ... وثلم مني صارماً كان ماضيا تنكرت حتى صار برك قسوة ... وقربك منهم جفوة وتنائيا على أنني ما حلت عما عهدته ... ولا غيرت هذي النون وداديا فلا زعزعتك الحادثات فإنني ... أراك يميني والأنام شماليا 522 (3) مزبد المدني مزبد بالزاي والباء المشددة المكسورة ودال مهملة أبو إسحاق المدني؛ كان كثير المجون حلو النادرة، له أخبار كثيرة في البخل، فإنه كان مبخلا إلى الغاية؛ قيل إنه صب عليه الماء يوماً، فسألته امرأته عن ذلك فقال: جلدت عميرة، ثم إنه رآها بعد أيام تصب عليها الماء، فسألها عن ذلك فقالت: جاءت عميرة فجلدتني.

_ (1) كان أخوه ((سلطان)) كثير الحسد له على أولاده فهو يعاتبه في هذه الأبيات. (2) ص: أكلف. (3) نوادره في الحيوان والبيان والتبيين للجاحظ والبصائر للتوحيدي وثمار القلوب: 470 ومحاضرات الراغب.

وأحضره بعض ولاة المدينة، وقد اتهمه بشرب الخمر، فاستنكهه فلم يجد له رائحة، فقال: قيئوه، فقال: ومن يضمن عشائي أصلحك الله؟ وقيل له هل لك في الخروج إلى قبا والعقيق، وأخذ ناحية قبور الشهداء، فإن يومنا كما ترى طيباً (1) ؟ فقال: اليوم الأربعاء ولست أبرح من منزلي، قالوا: وما تكره من يوم الأربعاء، وفيه ولد بيونس ابن متى؟ فقال: بأبي أنتم وأمي فقد التقمه الحوت، قالوا: فهو اليوم الذي نصر الله فيه النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب، قال: أجل ولكن بعد إذ " زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون " " الأحزاب: 10 ". وهبت يوماً ريح شديدة فصاح الناس: القيامة، القيامة، فقال مزبد: هذه القيامة على الريق بلا دابة الأرض ولا الدجال ولا يأجوج ومأجوج!!. ومرض مرة فقال له الطبيب: احتم (2) ، قال: يا هذا أنا ما أقدر على شيء إلا على الأماني، أفأحتمي منها؟! ورآه إنسان وهو بالرها وعليه جبة خز فقال: هب لي هذه الجبة، فقال: ما أملك غيرها، فقال الرجل: فإن الله تعالى يقول: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " " الحشر: 9 "، فقال: الله أرحم بعباده من أن ينزل هذه الآية بالرها في كانون، وإنما أنزلت بالحجاز في حزيران وتموز وآب. ونظر يوماً إلى امرأته وهي تصعد في سلم فقال لها: أنت طالق إن صعدت، وأنت طالق إن نزلت، وأنت طالق إن وقفت، فرمت بنفسها إلى الأرض، فقال لها: فداك أبي وأمي، إن مات مالك احتاج الناس إليك لأحكامهم.

_ (1) كذا في ص. (2) ص: احتمي.

واشترى يوماً جارية فسئل (1) عنها فقال: فيها خلتان من خلال الجنة: البرد والسعة. وقيل له: ما بال حمارك يتبلد إذا رجع إلى منزله؟ قال: لأنه يعلم سوء المنقلب. وقيل له: أيولد لابن ثمانين ولد؟ قال: نعم، إذا كان له جار ابن ثلاثين سنة. وسمع رجلاً (2) يقول: عن ابن عباس أنه قال: من نوى حجة فعاقه عنها عائق كتبت له، فقال مزبد: ما خرج كرى أرخص من ذا العام. وطلب منه بعض جيرانه ملعقة، فقال: ليت لنا ما نأكله بالأصابع. وهبت بالمدينة ريح صفراء أنكرها الناس وفزعوا، فجعل مزبد يدق أبواب جيرانه ويقول: لا تعجلوا بالتوبة، فإنما هي وحياتكم زوبعة، والساعة تنكشف. وكان مرة نائماً في المسجد، فدخل إنسان فصلى وقال: يا رب أنا اصلي وهذا نائم، فقال: يا بارد، سل حاجتك ولا تحرشه علينا. وصلى يوماً، فلما فرغ دعا، فقالت امرأته: اللهم أشركني في دعائه، فسمعها، فقال: اللهم اصلبني. وغضب يوماً عليه بعض الولاة، فأمر الحجام بحلق لحيته، فقال له الحجام: انفخ شدقك حتى أتمكن من الحلاقة، فقال: الوالي أمرك بحلق لحيتي أو تعلمني الزمر؟! وقيل له: كيف حبك لأبي بكر وعمر؟ فقال: ما ترك الطعام في قلبي حباً لأحد. ودخل يوماً على بعض العلويين، فجعل يعبث به ويؤذيه، فتنفس

_ (1) ص: فسأل. (2) ص: رجل.

ابن قسيم الحموي

الصعداء وقال: صلوات الله على عيسى بن مريم فإن أمته معه في راحة لم يخلف عليهم من يؤذيهم. وباع جارية على أنها تحسن تطبخ، فلم تحسن شيئاً، فطلب إلى القاضي وطولب بأن يحلف على أنها تحسن الطبيخ، فاندفع وحلف أيماناً مغلظة أنه دفع إليها مرة جرادة فعملت منها خمسة ألوان من الطعام وفضل منها شريحة للقديد، سوى الجنب فإنها عملته جوذابة، فضحك من حضر وبئس الخصم من الوصول إلى شيء منه، فخلى سبيله. وجمع مرة في بيته بين متعاشقين، فتعاتبا ساعة، ثم إن العشيق مد يده إليها فقالت: دع هذا ليس هذا موضعه، فسمعها مزبد فقال: يا زانية، فأين موضعه؟ بين الركن والمقام؟ والله ما بنيت هذه الدار إلا للقحاب والقوادين، ولا اشتري خشبها إلا من دراهم القمار، فأي موضع أحق بالزنا منها؟ ونوادره كثيرة، عفا الله عنا وعنه وسامحنا بمنه وكرمه. 523 - (1) ابن قسيم الحموي مسلم بن الضر بن المسلم بن قسيم، أبو المجد التنوخي الحموي من شعراء نور الدين الشهيد رحمه الله تعالى؛ توفي سنة إحدى (2) وأربعين وخمسمائة.

_ (1) الزركشي: 330 والخريدة (قسم الشام) 1: 433 (وأشار المحقق غلى ترجمته في الوافي) وقال الزركشي: وقفت على ديوان شعره في مجلد، ثم أورد مختارات أنفرد في أكثرها عما جاء به المؤلف؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: أحد.

يقال إنه كان له خادم وعبد، فدخل بعض الأيام داره فوجد العبد فوق الخادم، فضربه وخرج، فرأى بعض أصحابه فسأله عن غيظه فقال: هذا العبد النحس ناك الخويدم الصغير، فقال: مولانا المخدوم الكبير. ومن شعر ابن قسيم: كأن خمرته إذ قام بمزجها ... من خده عصرت أو من ثناياه النرجس الغض عيناه، وطرته ... بنفسج، وجني الورد خداه وقال يصف المطر على النهر: ولنا إذا انبجست أهاضيب الحيا ... يوم تغاث به البلاد وتمطر وتظل مفعمة أكف بروقه ... تطوى بها حلل الغمام وتنشر والغيث منسكب كأن حبابه ... درر تبث على المياه وتنثر فحسبت أن الروض منه منور ... والأرض غرقى والغدير مجدر وقال يصف زهر الباقلا: لله في زمن الربيع وصائف ... حيت (1) بزهرة باقلاء مبهجه ولوت بمفرقها عصابة لؤلؤ ... وكأن شمساً بالنجوم متوجه وكأن أنملها حبتك بدرة ... بيضاء مطبقة علي فيروزجه

_ (1) الخريدة: حفت.

" صريع الغواني "

524 - (1) " صريع الغواني " مسلم بن الوليد، أبو الوليد مولى الأنصار المعروف بصريع الغواني، أحد فحول الشعراء؛ قيل إنه كان في أول أمره خاملاً أجير فران، فانقاد له الشعر وجوده وكسب به الأموال العظيمة، ثم اتصل بابني سهل: الحسن والفضل فولوه جرجان، فمات وهو واليها. مدح الرشيد وآل برمك وسار شعره. لقبه الرشيد بصريع الغواني لقوله (2) : وتغدو صريع الكاس والأعين النجل ... توفي في حدود المائتين. وقصيدته التي قالها في يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني مشهورة جيدة، وهي (3) : أجررت حبل خليع في الصبا غزل ... وشمرت همم العذال في عذلي هاج البكاء على العين الطموح هوى (4) ... مفرق بين توديع ومرتحل كيف السلو لقلب بات (5) مختبلاً ... يهذي بصاحب قلب غير مختبل لولا مراعاة (6) دمع العين لانكشفت ... مني سرائر لم تظهر ولم تخل

_ (1) الزركشي 331 وطبقات ابن المعتز: 235 والشعر والشعراء: 712 وتاريخ بغداد 13: 96 والأغاني 18: 315 ومعجم المرزباني: 372 والنجوم الزاهرة 2: 186 وقد جمع شارح ديوانه أخباره من المصادر وألحقها بالديوان (351 - 452) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ديوانه: 43 وصدر البيت: ((هل العيش إلا أن أروح مع الصبا وأغدو.....)) . (3) ديوانه 1 - 23. (4) ص: بها. (5) الديوان: راح (6) الديوان: مداراة.

أما كفى البين أن أرمي بأسهمه ... حتى رماني بلحظ الأعين النجل مما جنت (1) لي وإن كانت منى صدق (2) ... صبابة خلس التسليم بالمقل ماذا على الدهر لو لانت عريكته ... أو رد (3) في الرأس مني سكرة الغزل جرم الحوادث عندي أنها اختلست ... مني غذاء بنات الكرم (4) والكلل ورب يوم من اللذات مختصر (5) ... قصرته بلقاء الراح والحلل وليلت خلست للعين من سنة ... هتكت فيها الصبا عن بيضة الحجل عن غادة مثل قرن الشمس ناعمة ... فعم مخلخلها مرتجة الكفل (6) قد كان دهري وما بي اليوم من كبر ... شرب المدام وعزف القينة الفضل (7) إذا شكوت إليها الحب خفرها ... شكواي واحمر خداها من الخجل فكم قطعت (8) وعين الدهر راقدة ... أيامه بالصبا في اللهو والغزل وطيب الفرع أصفاني (9) مودته ... كافأته بمديح فيه منتخل وبلدة لمطايا الركب منضية ... أنضيتها بوجيف الأينق الذلل فيم (10) المقام وهذا البحر (11) معترضاً ... دنا النجاء وحان السير فارتحل يا مائل (12) الرأس إن الليث مفترس ... ميل الجماجم والأعناق فاعتدل

_ (1) الديوان: جنى. (2) الديوان: صدقت. (3) الديوان: ورد. (4) الديوان: بنات غذاء الكرم، ص: عدا نبات الكرم. (5) الديوان: محتضر. (6) لم يرد هذا البيت في الديوان. (7) الديوان: العطل. (8) الديوان: كم قد قطعت. (9) ص: صفاني. (10) ص: فقيم. (11) الديوان: النجم. (12) ص: مالك.

حذار من أسد ضرغامة شرس ... لا يولغ السيف إلا هامة البطل لولا يزيد لأضحى الملك مطرقا (1) ... أو مائل الرأس (2) أو مسترخي الطول حاط الخلافة سيف (3) من بني مطر ... أقام قائمه من كان ذا ميل كم صائل في ذرى تمهيد مملكة ... لولا يزيد بني شيبان لم يصل ناب الإمام الذي يفتر عنه إذاً ... ما افترت الحرب عن أنيابها العصل كفاكم يا بني العباس أن لكم ... سيفاً بكم غير ما نكس ولا وكل (4) سد الثغور يزيد بعد ما انفرجت ... بقائم السيف لا بالختل والحيل (5) من كان يختل قرناً عند موقفه ... فإن جار (6) يزيد غير مختتل (7) كم قد أذاق (8) حمام الموت من بطل ... حامي الحفيظة لا يؤتي من الوهل أغر أبيض يغشي البيض أبيض لا ... يرضى لمولاه يوم الروع بالفشل يغشى الوغى وشهاب الموت في يده ... يرمي الفوارس والأبطال بالشعل يفتر عند افترار الحرب مبتسماً ... إذا تغير وجه الفارس البطل موف على مهج في يوم ذي رهج ... كأنه أجل يسعى إلى أمل ينال بالرفق ما يعيا الرجال به ... كالموت مستعجلاً يأتي على مهل يغشي المنايا المنايا ثم يفرجها ... حين النفوس (9) مطلات على الهبل إن شيم بارقه حالت خلائقه ... بين العطية والإمساك والعلل لا يرحل الناس إلا نحو حجرته ... كالبيت يضحي إليه ملتقى السبل

_ (1) الديوان: مطرحاً. (2) الديوان: السمك. (3) الديوان: سل الخليفة سيفاً. (4) لم يرد هذا البيت في الديوان. (5) ص: بالخيل والخيل. (6) الديوان: قرن. (7) ص: مختبل. (8) ص: أراق. (9) الديوان: عن النفوس.

يقري المنية أرواح الكماة كما ... يقري الوحوش (1) شحوم الكوم والبزل يكسو السيوف نفوس (2) الناكثين به ... ويجعل الهام تيجان القنا الذيل يغدو فتغدو المنايا في أسنته ... شوارعاً تتحدى الناس بالأجل إذا طغت فئة عن غب طاعتها ... عبى لها الموت بين البيض والأسل قد عود الطير عادات وثقن بها ... فهن يتبعته في كل مرتحل تراه في الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل جافي الجفون صحيح الطرف (3) همته ... فك العناة وأسر الفاتك الحطل لا يعبق الطيب عينيه ومفرقه ... ولا يمسح عينيه من الكحل إذا انتضى سيفه كانت مسالكه ... مسالك الموت في الأبدان والقلل وإن خلت بحديث النفس فكرته ... حي الرجاء ومات الخوف من وجل كالليث إن هجته فالموت راحته ... لا يستريح إلى الأيام والدول إنا لحوادث لما رمن هضبته ... أزمعن عن جار شيبان بمنتقل والدهر يغبط أولاه أواخره (4) ... إذا لم يكن كان في أعصاره الأول لا تكذبن فإن المجد معدنه ... وراثة في بني شيبان لم يزل إذا الشريكي (5) لم يفخر على أحد تكلم ... الفخر عنه غير منتحل الزائديون (6) قوم في رماحهم ... خوف المخيف وأمن الخائف الوجل سلوا السيوف فأغشوا من يحاربهم ... خبطاً بها غير تعذير ولا وكل (7) كبيرهم لا تقوم الراسيات له ... حلماً وطفلهم في هدي مكتهل

_ (1) الديوان: الضيوف. (2) الديوان: دماء. (3) الديوان: صافي العيان طموح العين. (4) ص: وآخره. (5) الشريكي: المسنوب إلى شريك وهو أحد أجداد الممدوح. (6) ص: الزائدون. (7) الديوان: غير ما نكل ولا وكل.

إسلم يزيد فما في الدين من أود ... إذا سلمت وما في الملك من خلل أثبت سوق بني الإسلام في صعد (1) ... يوم الخليج وقد قامت على زلل لولا دفاعك بأس الروم إذ مكرت ... عن بيضة الدين (2) لم تأمن الثكل ويوسف البرم (3) قد صبحت عسكره ... بعسكر يلفظ الأقدار ذي زجل غافصته (4) يوم عبر النهر مهلته ... وكان محتجزاً في الحرب بالمهل والمارق ابن طريف قد دلفت له ... بعارض للمنايا مسبل هطل لما رآك مجداً في منيته ... وإن دفعك لا يسطاه (5) بالحيل سام النزال فأبرزت (6) اللقاء له ... مقدم الخطو فيها غير منتكل (7) ماتوا وأنت غليل في صدورهم ... وكان سيفك يستشفى من الغلل لو أن غير شريكي أطاف بها ... فاز الوليد بقدح الناضل الخصل (8) وقمت بالدين يوم الرس فاعتدلت ... منه دعائم القوم قد أوفت على خزل (9) ما كان جمعهم لما لقيتهم ... إلا كمثل نعام ريع منجفل تابوا ولو لم يتوبوا من ذنوبهم ... لآب جيشك بالأسرى وبالنفل كم آمن لك نائي الدار ممتنع ... أخرجته من حصون الملك والخول ومارقين غواة (10) من بيوتهم ... لا ينكلون ولا يؤتون من نكل (11)

_ (1) الديوان: فاطأدت. (2) الديوان: إذ بكرت عن عثرة الدين. (3) ص: اليوم. (4) ص: عاصفته. (5) ص: يستطاع. (6) الديوان: شام ... فأبرقت. (7) الديوان: متكل. (8) ص: الناظل الخضل. (9) الديوان: ميل. (10) الديوان: غزاة. (11) نكل: كتبها في ص، وكتب بعدها ((وكل)) .

خلفت أجسادهم والطير عاكفة ... فيها وأقفلتهم هاماً مع القفل يأبى لك الذم في يوميك إن ذكرا ... عضب حسام وعرض غير مبتذل فافخر فما لك في شيبان من مثل ... كذاك ما لبني شيبان من مثل كم مشهد لك لا تحصى مآثره ... قسمت فيه كرزق الجن (1) والخبل لله من هاشم في أرضه (2) جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل قد أعظموك فما تدعى لهينة ... إلا لمعضلة تستن بالعضل يا رب مكرمة أصبحت واحدها ... أعيت صناديد راموها فلم تنل تشاغل الناس بالدنيا وزخرفها ... وأنت من بذلك المعروف في شغل أقسمت ما ذدت (3) عن جدواك طالبها ... ولا دفعت (4) اعتزام الجد بالهزل بأبي لسانك منع الجود سائله ... فما يلجلج بين الجود والبخل صدقت ظني وصدقت الظنون به ... وحط جودك عقد الرحل عن جملي صنع هذه القصيدة لما أشخصه إليه إلى الرقة، فأخذه وأدخله على الرشيد، فأنشده شعره فيه، فأمر له بمائتي ألف درهم؛ ثم إن يزيد الممدوح بعث إليه بمائة وتسعين ألف درهم وقال: لا تكون عطيتي لك بمثل عطية أمير المؤمنين؛ قال مسلم: وأقطعني إقطاعات تبلغ ألف درهم؛ ثم أفضت الأمور بعد ذلك إلى أن أغضبتني، فهجوته، فشكاني إلى الرشيد، فدعاني وقال: أتبيعني عرض يزيد؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: برغيف، فغضب حتى خفته على نفسي، وقال: قد كان رأيي أن أشتريه منك بمال جسيم، ولست أفعل ولا كرامة، وأنا بريء من أبي، ووالله والله، إن بلغني أنك هجوته لأنزعن لسانك من بين فكيك؛ قال: فأمسكت

_ (1) الديوان: الأنس؛ والخبل: الجن أو طائفة منهم. (2) ص: في ... من أرضه. (3) الديوان: ذب. (4) ص: رفعت.

عنه بعد ذلك ولم أذكره. ومن شعر صريع الغواني (1) : لا يمنعنك خفض العيش في دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان تلقى بكل بلاد إن حللت بها ... أرضاً بأرض وجيراناً بجيران وقال أيضاً (2) : وليلة ناب الهم إلا بقية ... تداركها طيف ألم فسلما جمعنا معاذير العتاب برقدة ... مشت بيننا نطوي الحديث المكتما وقال أيضاً (3) : وخندريس لها شعاع ... ابنة خمسين ألف عام كأنها كوكب منير ... والبدر في ليلة التمام لو قرنت بالظلام يوماً ... لانجاب عنا دجى الظلام تكسب شرابها سروراً ... فما يراعون باهتمام تضحك عن لؤلؤ شتيت ... ألفه الماء البيت النظام ما ذقتها قط غير أني ... أمنحها الود بالكلام حلت لي الكاس حين دارت ... علي في سكرة المنام

_ (1) ديوانه: 342. (2) لم يردا في ديوانه. (3) لم ترد في ديوانه.

مصعب ابن الزبير

525 - (1) مصعب ابن الزبير مصعب بن الزبير بن العوام؛ استعمله أخوه عبد الله على البصرة، وقتل المختار بن أبي عبيد، وحارب بالعراقين عبد الملك بن مروان، إلى أن قتل سنة إحدى وسبعين للهجرة. قال الشعبي: ما رأيت أميراً على منبر أحسن من مصعب. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد (2) عن أبيه، قال: اجتمع في الحجر عبد الله ومصعب وعروة بنو الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنوا؛ فقال عبد الله: الخلافة؛ وقال عروة: يؤخذ عني العلم؛ وقال مصعب: إمرة العراق، وأجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين، وقال ابن عمر: المغفرة؛ فنالوا ما تمنوا. أتي مصعب يوماً بأساري من أصحاب المختار، فأمر بقتلهم بين يديه، فقام إليه أسير منهم فقال له: أيها الأمير، ما أقبح بي يوم القيامة أن أقوم إلى صورتك هذه المليحة الحسنة، ووجهك هذا الذي يستضاء به، فأتعلق بك وأقول: أي رب، سل مصعباً هذا فيم قتلني، فاستحيا مصعب وأمر بإطلاقه، فقال: أيها الأمير، اجعل ما وهبت لي في خفض ودعة من العيش، قال: قد أمرت لك بثلاثين ألف درهم؛ فقال: اشهدني أيها الأميرأن شطر هذا المال لعبد الله بن قيس الرقيان، قال: ولم ذلك؟ قال: لقوله فيك:

_ (1) ترجمته وأخباره في المصادر التاريخية الكبرى، وانظر بخاصة أنساب الأشراف للبلاذري وطبقات ابن سعد (ج؟: 5) ؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة. (2) ص: الزياد.

أبو العرب الصقلي

إنما مصعب شهاب (1) من الل؟ ... ؟؟ هـ تجلت عن وجهه الظلماء فضحك مصعب وقال: احفظ ما أمرنا لك به، ولابن قيس عندنا مثله. فما شعر عبد الله بن قيس الرقيات، إلا وقد وافاه المال. 526 - (2) أبو العرب الصقلي مصعب بن عبد الله بن أبي الفرات، أبو العرب القرشي العبدري الصقلي الشاعر المشهور؛ دخل الأندلس عند تغلب الروم على صقلية، وحظي عند المعتمد بن عباد، وديوانه بأيدي الناس. روى عن ابن عبد البر، أخذ عنه أبو علي ابن غريب " أدب الكاتب " لابن قتيبة، وتوفي بميورقة سنة ست وخمسمائة. ومن شعره: إلام اتباعي للأماني الكواذب ... وهذا طريق المجد بادي المذاهب أهم ولي عزمان: عزم مشرق ... وآخر يثني همتي في المغارب ولا بد لي أن أسأل العيس حاجة ... تشق على أخفافها والغوارب إذا كان أصلي من تراب فكلها ... بلادي وكل العاملين أقاربي وما ضاق عني في البسيطة جانب ... وإن جل إلا اعتضت عنه بجانب إذا كنت ذا هم فكن ذا عزيمة ... فما غائب نال النجاح بغائب ومن شعره من أخرى:

_ (1) ص: شهاباً. (2) الزركشي: 332 والخريدة (قسم المغرب والأندلس) 2: 102 وصفحات متفرقة من المكتبة الصقلية؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

مطيع بن إياس

كأن فجاج الأرض يمناك إن يسر ... بها خائف تجمع عليها الأناملا فأين يفر المرء عنك بجرمه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا وهو من قول النابغة: فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأي عنك واسع 527 (1) مطيع بن إياس مطيع بن إياس الكناني أبو سلمى؛ قيل إنه من الديل (2) . كان شاعراً من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. كان خليعاً ماجناً حلو النادرة متهماً في دينه مأبوناً، ومولده ومنشأه بالكوفة، وكان إذا حضر ملك، وإذا غاب عنك شاقك، وإذا عرفت به فضحك. وكان يجتمع هو ويحيى بن زياد (3) الحارثي وحماد الراوية وابن المقفع ووالبة ابن الحباب ويتنادمون لا يفترقون ولا يستأثر أحد منهم على صاحبه بمال. وكان يرمي الجميع بالزندقة. ولام الناس مطيعاً على ما يرمى به من الأبنة، وقالوا: أنت في أدبك وسؤددك ترى هذه الفاحشة، فلو أقصرت (4) عنها، فقال: جربوه أنتم ثم دعوه إن كنتم صادقين، فقالوا: قبح الله تعالى فعلك، وانصرفوا عنه. وقدم بغداد رجل يقال له الفهمي، مغن محسن، فدعاه مطيع ودعا

_ (1) طبقات ابن المعتز: 94 وتاريخ بغداد 13: 226 والأغاني 13: 275 وقد جمع شعره غرونباوم (شعراء عباسيون: 30 - 76) ؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: دبك (دون اعجام للباء) . (3) ص: وناد. (4) ص: قصرت.

جماعة من إخوانه، وكتب إلى يحيى بن زياد يدعوه بهذه الأبيات (1) : عندنا الفهمي مس؟ ... رور وزمار مجيد ومعاذ وعياذ ... وعمير وسعيد وندامى يعملون ال؟ ... قلز والقلز شديد بعضهم ريحان بعض ... فهم مسك وعود القلز بالقاف واللام والزي: البدال. فاتاهم يحيى وأقام عندهم. وبلغت الأبيات المهدي، فضحك منها وقال: تنايك القوم ورب الكعبة. وخرج مطيع بن غياس ويحيى بن زياد حاجين، فقدما أثقالهما وقال أحدهما للآخر: هل لك أن نصير إلى زرارة فنقصف عنده ليلتنا ثم نلحق أثقالنا؟ فقال: نعم، فما زال ذلك دأبهما حتى انصرف الناس من مكة، فركبا بعيرين وحلقا رؤوسهما ودخلا مع الحاج، فقال مطيع (2) : ألم ترني ويحيى إذ حججنا ... وكان الحج من خير التجاره خرجنا طالبي خير وبر ... فمال بن الطريق إلى زراره فعاد الناس قد غنموا وحجوا ... وأبنا موقرين من الخساره ومن شعر مطيع (3) : ويوم ببغداد نعمنا صباحه ... على وجه حوراء المدامع تطرب ببيت ترى فيه الزجاج كأنه ... نجوم الدجى بين الندامى تقلب يصرف ساقينا ويقطب (4) تارة ... فيا طيبها مقطوبة حين تقطب علينا سحيق الزعفران وفوقنا ... أكاليل فيها الياسمين المذهب

_ (1) شعراء عباسيون: 46. (2) شعراء عباسيون: 57. (3) شعراء عباسيون: 37. (4) ص: تصرف ... ونقطب.

فما زلت أسعى بين صنج ومزهر ... من الراح حتى كادت الشمس تغرب وسقط لمطيع حائط فقال له بعض أصحابه: أحمد الله على السلامة، فقال: أحمده أنت الذي لم ترعك هدته، ولم يصل إليك غباره، ولم تغرم أجرة بنائه. هو الذي يقول في نخلتي حلوان (1) : أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من ريب هذا الزمان واعلما أن ريبه لم يزل يف ... رق بين الألاف والأقران ولعمري لو ذقتما ألم الفر ... قة أبكاكما الذي أبكاني أسعداني وأيقنا أن نحساً ... سوف يلقاكما فتفترقان فلما خرج هارون الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان، فوصف له الحكيم أكل جمار النخل، فلم يكن بحلوان إلا تلك النخلتان اللتان في العقبة، فقطعوا له رأس إحداهما وأتي به إليه، فأكل منه، فلما بلغ إلى العقبة نظر إلى القائمة وإذا عليها مكتوب هذه الأبيات، فاغتم لذلك وبكى وقال: والله لو سمعت بهذا الشعر ما قطعتها ولو قتلني الدم، ويعز علي أن أكون النحس الذي فرق بينهما. وقال إبراهيم بن القاسم الكاتب المعروف بالرقيق النديم في كتاب " قطب السرور " (2) : إن مطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحماد عجرد كانوا (3) يجتمعون عند أبي الأصبغ المقين، وكان له عدة جوار قيان، وكان فتيان الكوفة يألفون منزله وينفقون عنده، وكان هؤلاء الأدباء يغشون منزله

_ (1) شعراء عباسيون: 69. (2) وردت هذه القصة في الأغاني 13: 327. (3) ص: كانا.

لجارية يقال له حوذانة (1) مليحة الغناء حسنة الوجه بارعة الظرف والأدب، وكان لأبي الأصبغ ابن يقال له الأصبغ ولم يكن بالعراق أحسن منه، وكان غالب أهل بغداد (2) يتعشقونه ولا يقدرون عليه، وكان يحيى بن زياد كثير الإفضال على أبي الأصبغ. وعزم أبو الأصبغ على أن يصطبح يوماً مع يحيى ابن زياد، فاهدي إليه يحيى من الليل جداء ودجاجاً وفراخاً وفاكهة وشراباً، وقال أبو الأصبغ لجورايه: إن يحيى يزورنا فأصلحن له ما يشبه مثله، فلما فرغ من الطعام لم يجد رسولاً يرسله إلى يحيى لأنه وجه بغلمانه في حوائجه، فوجه ابنه الأصبغ وقال له: لا تبرح أو تجيء بيحيى معك، فلماجاء الأصبغ قال يحيى للغلام: أدخله وتنح أنت وأغلق الباب وإن أراد الخروج فامنعه. فلما دخل إليه أصبغ وأدى الرسالة راوده عن نفسه فامتنع، فاروه يحيى فصرعه ورام حل تكته فل يقدر على ذلك فقطعها وقضى غرضه منه، فلما فرغ أعطاه أربعين ديناراً فأخذها، وقال له يحيى: امض وأنا في أثرك، فخرج أصبغ من عنده، فاغتسل يحيى وجلس يتزين ويتبخر، فدخل إليه مطيع بن إياس فرأى ما هو فيه، فقال له: كيف أصبحت؟ فلم يجبه وشمخ بأنفه وقطب حاجبيه وتعظم، فقال له: أراك تتبخر وتتزين فإلى أين عزمت؟ فلم يجبه وازداد قطوباً وتعظماً (3) ، فقال له: ويحك، نزل عليك الوحي؟ كلمتك الملائكة؟ بويع لك بالخلافة؟ وهو يوميء برأسه: لا، لا؛ فقال له: فما خبرك؟ قد تهت فلا تتكلم كأنك قد نكت الأصبغ، قال: أي والله الساعة نكته وأعطيته أربعين ديناراً قطعت تكته، قال له: فإلى أين تمضي؟ قال إلى دعوة أبيه، قال مطيع: فامرأته طالق ثلاثاً إن فارقتك أو أقبل أيرك، فأبداه له يحيى حتى قبله، ثم قال له: كيف

_ (1) ص: حوذاته. (2) كذا هو، ولعل الصواب ((الكوفة)) لأن الحديث قد تقم عن فتيان الكوفة. (3) ص: وتعظيماً.

قدرت عليه؟ فحدثه حديثه، وقام يمضي إلى منزل أبي الأصبغ، واتبعه مطيع، فقال له: ما تصنع معي والرجل لم يدعك (1) وإنما يريد الخلوة؟ قال: أشيعك إلى بابه ونتحدث، فمضى معه، ودخل يحيى ورد الباب في وجهه، فصبر مطيع ساعة ثم دق الباب واستأذن، فخرج إليه الرسول وقال: يقول لك أنا عنك مشغول اليوم في شغل لا أتفرغ منه لك فتعذر، فقال له مطيع: فابعث لي بدواة وقرطاس، فبعث له فكتب (2) : يا أبا الأصبغ لا زلت على ... كل حال ناعماً متبعا (3) لا تصيرني من الود كمن ... قطع التكة قطعاً شنعا وأتى ما يشتهي لم يثنه ... خيفة أو خفض حق ضيعا لو ترى الأصبغ ملقى تحته ... مستكيناً خجلاً قد خضعا وله دفع عليه عجل ... شبق ساءك ما قد صنعا فادع بالأصبغ واعرف حاله ... سترى أمراً قبيحاً فظعا (4) قال، فقال أبو الأصبغ ليحيى: فعلتها يا ابن الزانية؟! قال: لا والله، فضرب بيده إلى تكة ابنه فوجدها مقطوعة فأيقن بالفضيحة، فقال يحيى: قد كان الذي كان، وسعى مطيع ابن الزانية إليك، وهذا ابني هو والله أفره من ابنك وأما عربي ابن عربي وأنت نبطي ابن نبطية، فنك ابني عشر مرات مكان المرة الواحدة التي نكت لابنك، فتكون قد ربحت الدنانير والوحدة بعشر، فضحك أبو الأصبغ وضحك الجواري، وقال لابنه: هات الدنانير يا ابن الفاعلة، فرمى بها إليه وقام خجلاً، فقال يحيى: والله لا دخل

_ (1) ص: يدعوك. (2) شعراء عباسيون: 76. (3) الشابشتي: 165 عالياً ممتنعاً. (4) ص: فضعاً.

" مظفر الذهبي "

مطيع ابن الزانية، فقال أبو الأصبغ وجواريه: ليدخلن إلينا، فقد نصحنا وغشيتنا (1) ، فأدخل وجلس يشرب معهم ويحيى يشتمه بكل لسان، ومطيع يضحك. ونوادر مطيع كثيرة في كتاب " الأغاني "؛ وتوفي سنة تسع وستين ومائة. 528 - (2) " مظفر الذهبي " مظفر بن محاسن بن علي؛ هو تاج الدين الموصلي الأصل الدمشقي المولد الذهبي، مولده في العشر الأول من الحجة سنة سبع وستمائة، وتوفي سنة ست وثمانين وستمائة. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: استعرت ديوانه منه وكتبت منه كثيراً مما اخترته وقرأته عليه، فمن ذلك قوله: إذا شرفت نفس الفتى وتلطفت ... طفت فتراها بالهوا تتعلق وتقعد بالفدم الغبي كثافة ... تجاذبه نحو الحضيض فيغرق وساق لشمس الراح في فيه مغرب ... لأن لها من أفق خديه مشرق إذا ما سعى بالكاس كان مبشراً ... بكسر جيوش الهم وهو مخلق تعاهدني أعطافه ثم تنثني ... ويطعن رمح القد قلبي فيصدق بخصر يرى مثل السراب ممنطقاً ... وردف تخال الموج فيه يصفق

_ (1) الأصوب: وغششتنا. (2) الزركشي: 32؛ ولم يرد منها في المطبوعة إلا شيء يسير.

وقال: أمن وصحة جسم ... وكسر بيت وكسره نهاية العيش فاقنع ... وشره حيث تشره وقال أيضاً: راحت تدير بمقلتيها الراحا ... فغبقت من أحداقها أقداحا (1) وجلت لنا من تحت ليل غدائر ... قبل الصباح من الجبين صباحا ناديتها رفقاً بصب مدنفق ... قد مال من سكر الغرام وطاحا قد مسه قرح الصدود فبرؤه ... لو كان يرشف من لماك قراحا فتبسمت دلا وقالت هكذا ... يلفي (2) ملحاً من أحب ملاحا قم فاهصر الغصن الرطيب وكسر ال؟ ... رمان فيه وعضض التفاحا وقال أيضاً: سن الظبا من لحظه الوسنان ... ورنا فراش سهامه ورماني وبدا فذاب البدر من حسد له ... فلذاك ما ينفك في نقصان ماء النعيم يرف من وجناته ... يسقي رياض شقائق النعمان قالت عقود نهوده لقوامه ... من أنبت الرمان في المران وقال: زمرذ شاربه الأخضر ... ينم على ثغره الجوهري وريق اللمى طعمه سكر ... وذاك النبات من السكر وقال: لقد خاب من يرجو رجوع شبابه ... بصبغة نيل تنتهي وتحول

_ (1) ص: الراحا، والتصويب عن الزركشي. (2) ص: يلقى.

كأن بقاياها بصفحة خده ... سهام المنايا والنصول نصول وقال: من منصفي من ساحر ساخر ... يزيد من ذل لديه اعتزاز مذ وشحت خداه بالعارض ال ... مرقوم قال الناس: دار الطراز وقال: وأمرد ضاق عن معاملتي ... أودعت فاه خفيف ديار فقال: بهرجت ذا الخفيف لنا ... فقلت: والضرب خارج الدار وكان تاج الدين الذهبي يكتب جيداً، ويذهب أجود، ويصور في نهاية الحسن؛ ودخل السلطان الملك الناصر ابن العزيز عليه وهو بقلعة دمشق يذهب في دار رضوان، فقال له: ما تصنع يا تاج؟ قال: يا خوند أنا بالنهار أذهب (1) إلثنا، وفي الليل أذهب الثنا، وقال شعر (2) : يا حاتم الجود بل يا يوسف الثاني ... اشفع فديتك إحساناً باحسان ماذا أقول وعكس الحال صيرني ... يا مالكي أحرقتني دار رضوان وقال: كلفت بتصوير الدمى في شبيبتي ... وأتقنتها إتقان حبر مهذب وحاولت عنها رجعة ومدحتكم ... فلم أخل من تزويق زور مكذب ولابن صابر المنجنيقي (3) في هذه المادة (4) :

_ (1) الزركشي: أهذب. (2) كذا في ص. (3) هو أبو يوسف يعقوب بن صابر بن بركات، نجم الدين المنجنيقي، توفي ببغداد سنة 626 (انظر ابن خلكان 7: 35 والبدر السافر: 237 والزركشي: 364 وابن الشعار 10: 144 والحوادث الجامعة: 8 - 11 والبداية والنهاية 13: 125) . (4) البيتان عند ابن خلكان 7: 37.

كلفت بعلم المنجنيق ورميه ... لهدم الصياصي وافتتاح المرابط وعدت إلى نظم القريض لشقوتي ... فلم أخل في الحالي من قصد حائط وكتب إليه ناصر الدين ابن النقيب يعتذر إليه: منعتني من أن أراك خيول ... ضاق صدري بها وضاق السبيل هي ما بيننا تحول وما ين ... كر تصحيف من يقول تحول منظر مثلما رأيت مروع ... وسماع كما علمت مهول مقنب خلف مقنب متوال ... ورعيل يقفوه ثم رعيل وجمال محملات وقد قا ... بلها مثلها عليها حمول وبغال تأتي بزبل فتلقا ... ها بغال غشم عليها طبول ودواب الحلفاء والماء والطي ... ن وقوم ترمي وقوم تشيل وروايا مؤثرات من الآثا ... ر ما لا يمحي وما لا يزول كاع فيها الغسال من كثرة الغس ... ل وضاع الصابون والغاسول وجباة الأسواق بالقرد والد ... ب، وسبع من آخرين وفيل وصراخ وغاغة وصياح ... وبغيض وغائظ وثقيل وشحيج (1) مستنكر ونهاق ... ورغاء مزعزع وصهيل وكسير على يد متوك ... وعلى الكتف آخر محمول وثياب تخرقت بالمهامي ... ز وباللجم، رفوها مستحيل ومواعين من غضار وفخا ... ر على أهلها الغضار تسيل فتراها وقد رجعن شقافاً ... ولأصحابها عليها عويل وسقوط الأطفال من زحمة الخي ... ل وللأمهات عنها ذهول ولكم أزمنت حوافرها خل ... قاً كثيراً وكم لهن قتيل وعليها من لا يخاف علينا ... وإذا قال لا نطيق نقول

_ (1) ص: وخخيش.

وهو من تيهه بلفظة إيا ... ك وحاشاك أو تنح بخيل " ما الذي عنده تدار المنايا ... كالذي عنده تدار الشمول " (1) فلك العذر أيها الخل إن لم ... آت أو يأت من جهاتي رسول فكتب إليه الجواب مظفر ابن الذهبي: سيدي من زيارتي أنت معفى ... وعلينا مزاركم والمثول أنا أسعى إليك سعي محب ... ومحق بفعله ما يقول لو غدت داركم بنجد أتينا ... لم ترعنا حزونها والسهول والصخور الكبار بالعجل العا ... جل والخيل إذ تراها جفول ورحال (2) يحملن ما سلخ الجزار ... منه الدماء سحاً تسيل ومكال ملئن من وسخ المس ... لخ وافين وانتفضن غليل ولكم رابني وعيد سرير ... من جريد به النواظر حول وقميصي من قطع بنتكة (3) الفوا ... ل شلت يمينه مشلول ثم سقا يرش بالقربة الس ... وق أيضاً: سريعاً ذيلي به مبلول وزحام والجرح فيكتف المن ... بل يجري ونصله مسلول وحمير التراس إذ زجروها ... حيث أنا عن صدمهن غفول ودفوف المزكلشين (4) وللنا ... س عليهم تزاحم ودخول وجمال الأجناد إذ تجلب الأح ... طاب والسيروان (5) فدم جهول

_ (1) مضمن، وهو للمتنبي. (2) ص: ورجال. (3) لم أهتد إلى وجه الصواب في هذه اللفظة. (4) المزكلشون: الذين ينشدون الزكالش المصرية، وهي فيما أقدر نوع من الأزجال. (5) السيروان: من سروان بالفارسية وهو الجمال.

وطبالي الشوء مع بطة (1) الزي ... ات لم ينق طبعها الغاسول وبرجلي معالج صخرة إن هـ ... ي زلت علي أني قتيل ولوأن البليغ يستوعب الأن ... كاد فيها لكان شرحاً يطول فأجابه الحكيم شمس الدين ابن دانيال: يا خليلي أنتما المأمول ... ومنائي من الورى والسول بكما راقت الفضائل وانسا ... غت بطيب كما تساغ الشمول عجباً منكما صديقين صدقاً ... لكما عن مزار كل عدول لا يصد الخليل عن زورة الخ ... ل إذا ما أتاه أمر مهول لا ولا زحمة الخلائق في الأس ... واق كل عليه جهلاً يميل وحمير البلاط والجبس تجري ... والورى في الزحام عنها غفول وحمار الزبال يعثر بالزب ... ل أمامي والريح ريح قبول وغبار النحات والسبل ال ... منكي ودمعي إذ قابلتني همول ولكم قد وقعت من طعنة القب ... ان حيث الوزان فدم هول ومنادي السيوف أرهبه حي ... ث ينادي وسيفه مسلول ولقدر الشرائحي سخام ... في ثيابي بالغسل لا يستحيل وكذاك الأمراق من مطبخ السل ... طان يجري بها الغلام العجول وزحام المجذمين مع البر ... ص بقلبي من لمسهن غليل ووقوع المياه من دار قوم ... فوق رأس بالوه أو لم يبولوا ولكم سلحة من الطاق ترمي ... ها فتاة إذ طفلها مسهول وبراسي منها علامة ذم ... ي كأني أبو العلا شمويل وحمار مطرمذ (2) عجل إن ... نال ظهري إني إذاً لقتيل

_ (1) البطة: وعاء للزيت وما شابهه. (2) المطرمذ: العجل النفاج.

أبو المظفر الأنباري

وسراب الحمام يحفر إذ ضا ... ق ففيض المياه منه تسيل وسقوط الأحجار من كل هدم ... وذراعي من وقعها مشلول ورجال قد زاحموني بأثقا ... ل لهم عند عتلها ترتيل والذي يذبح الدجاج ويرمي ... هن والدم سائح مطلول وارتياعي إذا المجرس وافى ... مقبلاً مدبراً به تنكيل وعصاة الضرير تجرح كعب ... ي وذيلي بطينها مبلول كل ذا هين على صاحب الشو ... ق وإكثاره عليه قليل فذرا أيها الخليلان عذراً ... هو عندي إن زرتما مقبول وخذاه نظماً حكى البرد وشياً ... ولأهدابه عليه فضول 529 (1) أبو المظفر الأنباري مفلح بن علي بن يحيى بن عباد، أبو المظفر الأنباري؛ أقام ببغداد وكان يؤدب الصبيان، ثم اتصل بخدمة الوزير ابن هبيرة واختص به سفراً وحضراً، ولما توفي الوزير نقل عنه أنه نظم شعراً يعرض (2) فيه ببعض الصدور، فأخذ وحبس في حبس الجرائم وعوقب مراراً، ومكث في الحبس سنة، ثم أخرج منه ميتاً سنة إحدى وستين وخمسمائة. وكان حافظاً لكتاب الله تعالى حسن القراءة عالماً بالفقه والأصول أديباً مليح العبارة، سمع الكثير بنفسه وقرأ على الشيوخ وحدث بالسير (3) ، رحمه الله؛ ومن شعره:

_ (1) الزركشي: 333 والخريدة (قسم العراق) 4: 301؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: تعرض. (3) كذا ولعله: باليسير.

وكنت قنعت في الدنيا بشخص ... يكون لراحتي ولكبت ضدي تؤانسه مفاكهتي وقربي ... وتؤلمه مفارقتي وبعدي فما سمحت به الأيام إلا ... يسيراً والمنون إليه تخدي فما فرت به عيناي حتى ... توخاه الردى وبقيت وحدي وقال: سقى ربوعاً أقوت على حاجر ... واهي العزال مجلجل ماطر وجاد ماذان والعقيق إلى ... غمرة دان وسميه باكر يثير سلكاً من الرذاذ علي ... بان قرورا وروضها الزاهر بكت بها شجوها فأضحكها ... بالنور دمع السحائب (1) الماطر كأنما الطل في ذوائبه ... والشمس صبحاً تنسل من كافر عقد فتاة ألقى جواهره ... سلك خؤون لضعفه خائر إذا تغنى حمامه (2) طرقاً ... كان له من هديله سامر كأنه شارب معتقة ... كان لها قس إيليا عاصر من عهد كسرى وقيصر ختمت ... ما فضها شارب ولا تاجر يا خالياً من غرام مكتئب (3) ... ويا رقوداً عن ليله الساهر وناصحي والنصيح متهم ... إن لم تكن مسعداً فكن عاذر وعدتني منك وقفة (4) أمماً ... أين وفاء الميعاد يا غادر قف ساعة بي على معاهدهم ... ولا تكن للمطي بالزاجر أما تراها تحن مرزمة ... ودمعها في جفونها حائر قد أيقنت أنني أخو كلف ... بأربع لا ترق للذاكر

_ (1) ص: للحايب. (2) ص: حماه. (3) ص: مكتئباً. (4) ص: وقفاً.

مقدار المطاميري

قد كنت جلداً فخانني جلدي ... أهجر من مل أو غدا هاجر ومدمعي جامداً فمذ رحلوا ... عن ارض نجد لم يرق لي ناظر حجر علي البكاء في طلل ... وإن شجاني إلا على حاجر ومخطف الخصر أغيد علقت ... بالقلب منه كنفثة الساحر يعقد أزراره على غصن ... وبدر تم يعشي (1) له الناظر بمهجتي رمت وصله فأبى ... وعدت منه بصفقة الخاسر رمى فأصمى عن قوس حاجبه ... فالسهم لا طائش ولا عاثر ما خامر القلب قط فيه ولا ... جالت بنات السلو في خاطر له على القلب من جلالته ... رقبة ناه من غيرة آمر بغيب ذهي إذا تذكره ... وهو بقلبي مخيم حاضر حن فؤادي إلى معذبه ... فيا لهيم حنت إلى الزاجر 530 (2) مقدار المطاميري مقدار بن المختار، أبو الجزائز بن المطاميري الشاعر التكريتي؛ توفي سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة؛ من شعره: لو أن وقفة ليل ذي الأثل ... رجعت علي بذاهب الوصل

_ (1) ص: يغشى. (2) الزركشي: 334 والخريدة (قسم العراق) 2: 195 وفيها (مقدار بن بختيار)) والمطاميري: نسبة إلى المطامير، وهي ضيعة بحلوان العراق؛ ووصفه العماد بأنه كان شاعر الدولتين المستظهرية والمسترشدية ومدح صدقة، وكان يحب الخمول، ولم يزل خلق الثياب؛ قلت: ولم ترد الترجمة في المطبوعة.

أو عاود الإلمام طيفكم ... لقضى ديون الحب ذو مطل كانت ليالي وصلكم خلساً ... جادت بها مألوفة البخل تثني اللثام على حصى برد ... تشفي مذاقته من الخبل وتدير نجلاوين زانهما ... كحل لقد أغنى عن الكحل ويهز منها الخطو معتدلاً ... نشوان من ترف ومن دل كقوام خوط البان رنحه ... ولع النسيم بذي نقا سهل يا صاحبي سري اللذين هما ... أدنى محافظة من الأهل بباله هل آنستما أحداً ... شغف الغرام فؤاده مثلي ليت الحلول سهول كاظمة ... لم يستحلوا في الهوى قتلي جحدوا دمي وعلى أكفهم ... نضح يقوم بشاهد عدل وقال (1) : ولما تنادوا (2) بالفراق غدية ... رموا كل قلب مطمئن برائع وقمنا فمبد (3) حنة إثر أنة ... تقوم بالأنفاس عوج الأضالع مواقف تدمي كل عبراء (4) ثرة ... صدوف الكرى إنسانها غير هاجع أمنا بها الواشين أن يلهجوا بنا ... فلم نتهم إلا وشاة المدامع

_ (1) انظر الأبيات ومناسبتها في الخريدة 2: 200 - 201. (2) الخريدة: تناجوا. (3) الخريدة: وقفنا ومنا. (4) الخريدة: عشواء.

أبو سعد الآبي

531 - (1) أبو سعد الآبي منصور بن الحسين، الأستاذ أبو سعد الآبي؛ تقلد الوزارة بالري، وكان يلقب بالوزير الكبير ذي المعالي زين الكفاة؛ كان أديباً ماهراً ناظماً عالي الهمة شريف النفس، ذكره الثعالبي في كتاب " اليتيمة " (2) واثنى عليه، وله كتاب " نثر الدر " لم يجمع مثله، سبع مجلدات، كل مجلد بخطبة، وكل مجلد فيه أبواب، لم يجمع أحد في المنثور مثله. وله كتاب " نزهة الأدب " وله كتاب " الأنس والعرس "، وكان يتشيع. ولما ورد السلطان إلى الري سنة إحدى (3) وعشرين وأربعمائة ولاه القيام باستيفاء الأموال. ومن شعره: على التلعات البيض من أبرق اللوى ... تلألأ برق مثلما ابتسمت سعدى واتلع إن ماس الأراكة لم يدع ... لها فنناً سبطاً ولا ورقاً جعدا إذا وردت ماء العذيب ركائبي ... فقد اعشبت مرعى وقد أعذبت وردا يرف (4) عليها الأقحوان غدية ... وقد عله طل كدمعي أو أندى هنالك قوم كلما زرت حيهم ... لقيت أبا سعد به الطائر السعدا عقائله يفرشن بالورد طرقه ... ليوطئه إن جئته الفرس الوردا

_ (1) الزركشي: 334 وتتمة اليتيمة 1: 100 ودمية القصر 1: 467 (وفيه منصور بن الحسن) ؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) الصواب: تتمة اليتيمة. (3) ص: أحد. (4) ص: يرق.

وقال: إذا الليل أسبل أستاره ... وضم أبا حسن والحسن فإني بريء من المصطفى ... لئن كنت أعلم من ناك من وقال: أزور بمهجتي العلمين دارا ... يناغي الأقحوان به العرارا أناشد لامع البرق اليماني ... وأستسقي لكاظمة القطارا واسأل عن نار كل دار ... وما تغني مساءلتي الديارا سلام إن يكن قولي سلام ... يليح (1) الوصل أو يدني المزارا سلام فتى يحن إلى هنات ... صحا من سكرها إلا ادكارا ودون المنحني بالجزع حي ... عزيز أن يزور وأن يزارا ألا يا صاحبي عرج قليلاً ... فقد آنست من وهبين (2) نارا ألا يا ناذريه دمي رويداً ... أراقته عقيلتكم جبارا فربت ليلة سهرت ونمتم ... قطعناها عتاباً واعتذارا وما حدرت لمحظور (3) نقاباً ... ولا وضعت لفاحشة خمارا وليلة زرتها والأفق سود ... حوافيه (4) وأنجمه حيارى

_ (1) ص: مليح. (2) ص: وهنين. (3) ص: لمحضور. (4) ص: خوافيه.

أمير العرب بهاء الدولة

532 - (1) أمير العرب بهاء الدولة منصور بن دبيس بن علي بن مزيد، أبو كامل بهاء الدولة الأسدي؛ كان أديباً فاضلاً، شاعراً فارساً، شجاعاً كريماً جواداً ذا رأي وحسن تدبير، وكان حفظة لأخبار المتقدمين وسير الأوائل وأشعار الجاهلية والإسلام. قرأ الأدب على عبد الواحد بن علي بن برهان، وكان حسن السيرة عادلاً في رعيته؛ ولد سنة خمس وعشرين وأربعمائة، وتوفي سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وكانت أيامه بالعراق أربع سنين وشهوراً. ولما دخل على عميد الملك الكندري وزير طغرلبك أسيراً قال له الأمير: أين فروسيتكم وشجاعتكم؟ فأنشده: فإن نهزم فهزامون قدماً ... وإن نهزم فغير مهزمينا (2) وما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا وقال أيضاً: أقول لزياد ولا ستر دونه ... ونحن بشاطي المسرقان (3) جنوح وقد عاد للدولاب رجع كأنه ... حنين مطايا مسهن طلوح تبصر خليلي هل ترى ضوء بارق ... على نشز نحو العراق يلوح فقال وقد طال التشوق ما أرى ... سوى زفرات في الفؤاد تفوح

_ (1) الزركشي: 334 وابن خلدون 4: 280 وابن الأثير 10: 150؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: مهزمونا. (3) ص: المشرفان؛ الزركشي: المشرفات؛ والمسرقان: نهر بخوزستان.

رعى الله سكان العراق فإنني ... عليهم وإن شط المزار شحيح ولازال من نوء السماك عليهم ... ونوء الثريا العشي دلوح وقال أيضاً: ما لامني فيك أعدائي وعذالي ... إلا لغفلتهم عني وعن حالي لا طيب الله لي عيشاً أفوز به ... إن دب سكر التسلي عنك في بالي وقال أيضاً: ولما رأيتك ضراعة ... تزين الخداع مقالاً جميلا تسليت عنك بمن لا أريد ... فدب السلو قليلاً قليلا وقال من أبيات: أولئك قومي إن أعد الذي لهم ... كرم وإن أفخر بهم لا أكذب هم ملجأ الجاني إذا كان خائفاً ... ومأوى الصريخ والفقير المعصب بطاء عن الفحشاء لا يحضرونها ... سراع إلى داعي الصباح (1) المثوب مناعيش للمولى مساميح للقرى ... مصاليت تحت العارض المتلهب وجدت أبي فيهم وخالي كليهما ... يطاع ويؤتى أمره وهو محتبي فلم أتعمد للسيادة فيهم ... ولكن أتتني وادعاً غير متعب

_ (1) ص: الصياح.

النمري الشاعر

533 - (1) النمري الشاعر منصور بن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم؛ كان من شعراء الدولة العباسية، وهو تلميذ العتابي، والعبابي هو الذي وصفه للفضل بن يحيى بن خالد حتى أقدمه من الجزيرة واستصحبه وأوصله للرشيد، ومنصور هو راوية العتابي وعنه أخذ ومن بحره استقى، وجرت بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة فتهاجرا وتناقضا وسعى كل واحد منهما على هلاك صاحبه. وعرف منصور النمري (2) مذهب الرشيد في الشعر ومقصده في نفي الإمامة عن آل أبي طالب والطعن عليهم، لما كان يبلغه عن مروان بن أبي حفصة، فسلك مذهب مروان ونحا نحوه ولم يصرح بالهجاء كما كان يفعل مروان، وكان شديد العداوة للطالبيين. وتوفي منصور النمري في حدود العشر والمائتين، ولما دخل على الرشيد (3) أنشد: أمير المؤمنين إليك خضنا ... غمار الموت من بلد شطير (4) بخوص كالأهلة خافقات ... يلبن (5) على السرى " وعلى الهجير " (6)

_ (1) الزركشي: 334 والأغاني 13: 140 والشعر والشعراء: 736 وتاريخ بغداد 13: 65 وطبقات ابن المعتز: 242وابن خلكان 6: 336، وكنية منصور ((أبو الفضل)) وأصله من رأس العين؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: النميري، حيثما وقع؛ وهو من النمر بن قاسط. (3) ص: المنصور. (4) ص: ولد سطير، والتصويب عن الأغاني؛ والشطير البعيد. (5) ص: يلين، الأغاني: تلين. (6) سقط من ص، وأكملته من الأغاني.

حملن إلي آملاً ثقالا ... ومثل الصخر والدر النثير فقد وقفوا (1) المديح بمنتهاه ... وغايته فصار إلى مصير إلى من لا تشير إلى سواه ... إذا ذكر الندى كف المشير فقال مروان بن أبي حفصة: وددت والله أنه أخذ جائزتي وسكت. وقال في هذه القصيدة: يد لك في رقاب بني علي ... ومن ليس بالمن الصغير مننت على ابن عبد الله يحيى ... وكان من الهلاك (2) على شفير فإن شكروا فقد أنعمت فيهم ... وإلا فالندامة للكفور وإن قالوا بنو (3) ابنته فحق ... وبروا والمناسب للذكور وما لبني بنات من تراث ... مع الأعمام في ورق الزبور ولابن المعتز هذا المعنى حيث يقول: فأنتم بنو بنته دوننا ... ونحن بنو عمه المسلم وهذا في غاية الفخر والحسن لأن العباس رضي الله عنه مات مسلماً وأبا طالب مات كافراً. ودخل يوماً على الرشيد وأنشده قوله: ما تنقضي حسرة مني ولا جزع ... إذا ذكرت شباباً ليس يرتجع بأن الشباب وفاتتني بلذته ... صروف دهر وأيام لها خدع ما كنت أوفى شبابي كنه غربته ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع فقال الرشيد: أحسن والله، لا يتهنا أحد بعيش (4) حتى يخطر في رداء

_ (1) الأغاني: وقف. (2) الأغاني وابن المعتز: الحتوف. (3) ص: بني. (4) ص: أحداً يعيش.

الشباب؛ ومن القصيدة في المديح: أي امريء بات من هارون في سخط ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع (1) إذا رفعت امرءاً فالله يرفعه ... ومن وضعت من الأقوام يتضع نفسي فداؤك والأبطال معلمة ... يوم الوغى والمنايا بينها قرع فأمر الرشيد له بمائة ألف درهم. وكان محمد البيذق ينشد الرشيد أشعار المحدثين، وكان إنشاده يطرب أكثر من الغناء، فأنشده يوماً هذه القصيدة، فلما بلغ هذه الأبيات كان بين يديه خوان فرمى به من يديه وقال: هذا أطيب من كل طعام ومن كل شيء، وبعث إلى منصور النمري بسبعة آلاف دينار، قال البيذق: فلم يعطني منها ما يرضيني، وشخص إلى رأس عين فأغضبني فأنشدت هارون قوله: شاء من الناس راتع هامل (2) ... يعللون النفوس بالباطل حتى بلغت قوله: إلا مساعير يغضبون لها ... بسلة البيض والقنا الذابل فقال هارون: أراه يحرض علي. ابعثوا إليه من يأتيني برأسه، فكلمه فيه الفضل بن الربيع فلم يفده. وتوجه إليه الرسول فوافاه في اليوم الثاني الذي مات فيه منصور، فأمر ينبشه وإحراقه، فشفع فيه الفضل ولم يزل إلى أن كف عنه. ومن مديح قصيدته العينية في الرشيد قوله:

_ (1) الأغاني: تتسع. (2) ص: رايع هايل.

إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع قيل إن العتابي استقبل منصوراً النمري يوماً فوجده واجماً كثيباً فقال له: ما خبرك؟ قال: تركت امرأتي تطلق وقد عسرت عليها الولادة، وهي يدي ورجلي والقيمة بأمري، فقال له العتابي: اكتب على فرجها " هارون "، قال: ولم ذلك؟ قال: لتلد ويتسع المكان، قال: وكيف ذلك؟ قال: لقولك كذا وكذا وأنشده البيت، فقال: يا كشخان، والله لئن تخلصت امرأتي لأذكرن ذلك للرشيد؛ فلما ولدت امرأة منصور اخبر الرشيد الواقعة، فغضب وطلب العتابي، فاستتر عند الفضل بن الربيع حتى شفع له فأمره بإحضاره فأحضره فقال له: ويلك تقول كذا وكذا للنمري، فاعتذر له حتى قبل ذلك، فقال العتابي: ما حمله على الكذب علي إلا وقوفي على ميله إلى العلوية، وأنشده قصيدته اللامية التي أولها: شاء من الناس راتع هامل ... فغضب وقال للفضل: احضره الساعة، فستره الفضل عنده، ولم يزل الرشيد يتطلبه إلى أن قال يوماً للفضل: ويحك يفوتني النمري؟! قال: يا أمير المؤمنين، قد حصلته وهو عندي، قال: فجئني به؛ وكان الفضل قد أمره أن يلبس فروة مقلوبة ويباشر الشمس ليشحب ويسوء حاله، ففعل، فلما أرد إدخاله عليه علمه ما يقول، فلما وقعت عين الرشيد عليه قال: السيف، فقال الفضل: يا أمير المؤمنين ومن هو هذا الكلب حتى نأمر بقتله بحضرتك؟ قال: أليس هو الذي يقول: إلا مساعير يغضبون لنا ... بسلة البيض والقنا الذابل فقال منصور: لا يا سيدي، ما أنا الذي قلت هذا ولقد كذب علي، ولكني الذي أقول:

الراشد بالله

يا منزل الحي ذا المغاني ... أنعم صباحاً على بلاكا منها: هارون يا خير من يرجى ... لم يطع الله من عصاكا في خير دين (1) وخير دنيا ... من اتقى الله واتقاكا فأمر بإطلاقه وتخلية سبيله، فقال منصور يمدح الفضل: رأيت الملك مذ آزر ... ت قد قامت محانيه (2) هو الأوحد في الفضل ... فما يعرف ثانيه (3) 534 الراشد بالله منصور بن الفضل بن أحمد بن عبد الله، أبو جعفر الإمام الراشد بالله أمير المؤمنين ابن المسترشد بالله ابن المستظهر؛ ولد ليلة الجمعة ثالث عشر شهر رمضان سنة اثنتين وخمسمائة، ويقال إنه لم يكن له مخرج، فأحضر الأطباء وأشاروا بأن يفتح له مخرج بآلة من ذهب، ففعل به ذلك واستقام أمره. وخطب لوالده بولاية العهد سنة ثلاث عشرة (4) وخمسمائة، وبويع

_ (1) ص: ديناً. (2) ص: أحانيه. (3) الكامل لابن الأثير 11: 62 وتواريخ آل سلجوق: 178 ومرآة الزمان: 158، 167 وتاريخ الخلفاء: 467 والفخري: 273 والروحي: 66 وخلاصة الذهب المسبوك: 273 والخريدة (قسم العراق) 1: 32؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (4) ص: ثلاثة عشر.

" المستنصر بالله "

له بالخلافة سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. وكان مليحاً أبيض شديد الأيد شجاعاً حسن السيرة جيد الطوية، يؤثر العدل ويكره الشر، وكان فصيحاً أديباً شاعراً سمحاً جواداً، ولم تطل أيامه، خلعه السلطان مسعود وبايع عمه الإمام المتقي وعمره أربعون سنة، وخرج الراشد بالله إلى نواحي أصبهان فقتله الفراشون بالسكاكين في خركاته وبني له هناك تربة. يحكى أنه كان ببستان الخلافة إيل عظيم الخلقة اعترضه في بعض الميادين، فهرب الخدم عنه، فهجم عليه بنفسه ومسك قرنيه فقلعهما بيده فوقع ميتاً؛ ومن شعره رحمه الله تعالى: سأقتضي من زمني ديوني ... إن أخرتني ريب المنون ولست بالراشد إن لم أنتخي ... لهاشم عن حسبي وديني (1) 535 " المستنصر بالله " منصور بن محمد بن أحمد، الإمام المستنصر بالله ابن الإمام الظاهر ابن الإمام الناصر؛ ولد في ثالث عشر صفر سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، بويع له بالخلافة يوم الجمعة لعشر خلون من الحجة سنة أربعين وستمائة، وبويع بعده لولده الأكبر أبي أحمد المستعصم.

_ (1) تاريخ الخميس 2: 370 والسلوك 1: 311 وابن خلدون 3: 536 وتاريخ أبي الفدا 3: 171 وتاريخ الخلفاء: 460 والروحي: 68 والفخري: 292 وخلاصة الذهب المسبوك: 285 والحوادث الجامعة: 155؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة.

ولما استقر الإمام المستنصر نشر العدل وبث المعروف وزاد أبواب الخيرات، وقرب أهل العلم والزهاد والصالحين، وبنى المدارس والمساجد والربط والمشاهد ودور الضيافة والبيمارستانات، وكف الفتن واعتنى بطرق الحاج وإصلاح آبارها، وبنى بالمدينة ومكة دوراً (1) للمرضى وأرسل إليها (2) ما تحتاج من العقاقير والمركبات من الأدوية؛ وجمع العساكر وقام بأمر الجهاد، وأذعنت لطاعته ملوك الأرض، وبيعت كتب العلم في أيامه بأغلى الأثمان لميله إلى اقتنائها ورغبته في تحصيلها وإكبابه على مطالعتها ووقفها على أهل الفضل. وصنف الفضلاء في دولته بدائع المصنفات في فنون العلم تقربوا باهدائها إليه. وكان أبيض أشقر الشعر ضخماً قصيراً، وكان جده الإمام الناصر يقربه ويسميه " القاضي " لعقله وهديه وإنكاره المنكر. قال ابن واصل: وبنى على دجلة من الجانب الشرقي فيما يلي دار الخلافة مدرسة ما بني على وجه الأرض مثلها، وهي بأربع مدرسين على المذاهب الأربعة، وعمل فيها بيمارستاناً كبيراً، ورتب فيها مطبخاً ومزملة للفقراء، ورتب لهم حماماً وبالحمام قومة، واستخدم عساكر عظيمة تزي على مائة ألف وعشرين ألف فارس، وهزم التتار. وكان قد بلغ ارتفاع وقف المستنصرية نيفاً وسبعين ألف مثقال. ولما اهتم رضي الله عنه بجمع الجند من أقطار الأرض لدفع التتار اتفق جماعة من التجار وجمعوا مالاً خطيراً وسألوا الإنعام عليهم بقبوله وانفاقه على الغزاة ودفعوا المال إلى الدوادار، فأمر بأن يرد عليهم المال وقال: جزاكم الله الخير، يكفينا منكم الدعاء، وفي خزائننا ما يغني عن ذلك. وكان له جارية يحبها اسمها " فضة "، فمن شعره فيها:

_ (1) ص: دور. (2) ص: إليه.

النيري الواسطي

قالوا أمثل أمير المؤمنين له ... عقل يقسم بين الملك والغزل فقلت ما جئت بدعاً في الغرام ... أخذت إلا بخط من حلى الرسل وما يضيع الهوى عقلاً يكون له ... فضلاً إلى الرأس والتدبير للدول وحكي أن محيي الدين ابن الجوزي حضر عنده بعض الصالحين وشكا إليه أمر دين لزمه وعجز عن قضائه، فهم ابن الجوزي أن يقضي دينه، ثم رأى أن يؤثر المستنصر بالله بهذه المثوبة لما يعلم من صلاح الرجل ورغبة المستنصر في الخير، فطالعه بذلك، فبعث إلى ابن الجوزي من المال مقدار دين الرجل، وبعث مع ذلك مائتي دينار وقال: هذه لنفقته لأنه إذ قضى دينه لم يبق له ما ينفقه، وبعث إلى ابن الجوزي خمسمائة دينار وقال: هذه عوض إيثارك لنا بهذه المثوبة، رحمه الله تعالى. (1) 536 النيري الواسطي منصور بن محمد بن علي، أبو نصر الخباز المعروف بالنيري (2) من أهل واسط؛ كان أمياً لا يحسن الكتابة، وكان له خاطر جيد في النظم. لو أراد أن لا يتكلم في خطابه إلا بالشعر لفعل ذلك، ولم يزل يجتمع بالناس ويهذب شعره إلى أن أجاد النظم، ومات سنة خمسين وأربعمائة؛ فمن شعره رحمه الله تعالى: ولرب يوم بت أخلف شمسه ... والروض قد نثرت محاسن برده بمدامة صفراء كلل تاجها ... كف المزاج بلؤلؤ من عقده

_ (1) الزركشي: 334؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) قد تقرأ الكلمة ((النيربي)) .

ومليحة تحدو (2) الهموم إذا شدت ... ومهفهف يسبي القضيب بقده هذاك منتقش العذار كأنما ... غرس البنفسج في منابت ورده ويد الفتاة خضيبة فكأنما ... غمست أديم وصالها في صده غنت فأطربت الغزال بشدوها ... فجنى أناملها بخضرة زنده ودنا يقبلها فمن رقبائها ... سخطت عليه وأسرفت في رده لطمت عوارضه بغير جناية ... منه فأثر نقشها في خده ومنه: الكأس بن معصفر ومخلق ... والحب بين مزنر ومقرطق والماء في زبد الصراة كأنه ... ورد اللجين على قباء فستقي وترى الهلال لليلتين كأنه ال ... خلخال يلمع تحت ذي أزرق ومنه: كأن نجوم الليل أحداق فضة ... بأجفان تبر لم يصغهن صائغ ونجم الثريا شبه كاس مرصع ... بكف حبيب رده وهو فارغ وقال أيضاً: حبيبي ما (2) يفارقك الرقيب ... ولا لي منك يا سكني نصيب ولا تخلوا وأخلوا معك يوماً ... فأملي من حديثك ما يطيب أحب لا أحب سواك خلقاً ... وتبغضني وذا شيء عجيب إذا كان المحب قليل حظ ... فما حسناته إلا ذنوب وقال أيضاً: وتبرية جاءتك في ثوب فضة ... بكف خماسي القوام رشيق أتت بين طعمي عنبر وسلافة ... بأنفاس مسك في شعاع حريق

_ (2) الزركشي: لا. (2) الزركشي: لا.

الخليفة الهادي

كأن حباب المزج في جنباتها ... كواكب در في سماء عقيق وقال أيضاً: سقاني وقد نام الرقيب مدامة ... على فرق والليل عسكرهزنج وطير عقلي حين تاه بنظرة ... على واضح من تحتها أعين دعج وفي يده تفاحة شبه خده ... مضرجة كالنار ليس لها وهج عقيقية الأثواب درية الحشا ... فظاهرها نار وباطنها ثلج وقال أيضاً: الخد بين مطرز ومدبج ... والثغر بين منظم ومفلج وكأنما وجناته بلورة ... وعذاره والصدغ من فيروزج وكأنا والكاس تجمع شملنا ... والروض بني مجلل وممزج من طرفه والخد ثم عذاره ... في نرجس وشقائق وبنفسج 537 (1) الخليفة الهادي موسى بن محمد، أمير المؤمنين الهادي ابن المهدي ابن المنصور؛ كان أبيض جسيماً طويلاً مولده بالري سنة سبع وأربعين ومائة، وتوفي ليلة الجمعة لثلاث عشرة (2) بقيت من ربيع الول سنة سبعين ومائة، وله خمس وعشرون (3) سنة وشهور، وصلى عليه أخوه الرشيد، ودفن

_ (1) تاريخ بغداد 13: 21 وابن الساعي: 24 والبدء والتاريخ 6: 99 والروحي: 48 والفخري: 171 وخلاصة الذهب المسبوك: 103 وتاريخ الخلفاء: 305؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: لثلثة عشر. (3) ص: وعشرين.

بالقصر الأبيض الذي كان عمله. وكانت خلافته سنة وشهراً واحداً (1) وعشرين يوماً. وأمه أم ولد يقال لها الخيزران. وكان شجاعاً بطلاً أديباً جواداً صعب المرام، يلهو ويلعب ويركب حماراً فارهاً، ولا يقيم أبهة الخلافة وكان فصيحاً قادراً على الكلام تعلوه هيبة وله سطوة. أعطى لإبراهيم الموصلي سبعمائة ألف درهم. يقال إن أمه الخيزران سمته لأنه طالب أخاه الرشيد أن يخلع نفسه من العهد ويقدم ولده، وكان موسى قد سماه الناطق بالحق، فامتنع، فهم بقتله مرراً، فكانت أمهما الخيزران تدافع عنه، ولعظمها في دولة المهدي كان كبراء الدولة يغشون بابها للحوائج، فأغضب الهادي ذلك وقال لها: ما هذه المواكب التي تغدو لبابك وتروح؟! إنما للمرأة بيتها ومغزلها وسجادتها وسبحتها، ثم أنفذ لها أرزاً مسموماً، ففطنت له ولم تأكله وأخذت في الاحتيال عليه وسمته، فمات، وفي ليلة مات ولد خليفة وولي خلفية: توفي الهادي وولي الرشيد وولد المأمون. وهو أول من وصل بمائة ألف درهم لأنه أعطى سلم الخاسر مائة ألف درهم، وكان أسمح بني العباس بالمال. وحكي أنه كان في بستان له يتفرج وهو راكب حماراً (2) ، فجيء إليه برجل قد وجب عليه القتل وشرطيان يمسكانه عن يمينه ويساره، فأفلت منهما واخترط سيف أحدهما وأقبل به على الهادي، فصاح الهادي وقد أيقن بالموت: ويلك، اضرب عنقه يوهم أن وراءه أحداً (3) ، فلوى عنقه، فوثب من حماره عليه وضرب به الأرض وأخذ السيف من يده

_ (1) ص: وشهر واحد. (2) حمار. (3) ص: أحد.

الرئيس موسى القرطبي

وذبحه به، وعاد الشرطيان وأصحابه الذين كانوا قد هربوا فلم يعتبهم بحرف واحد. وقتل جاريتين بلغه عنهما ما أوجب ذلك عنده، وشاع عنه ما فعل بهما، وكثر الكلام في ذلك: يلومني من جهل الأمرا ... فكيف إن لم يسمع العذرا يزعم أني آثم والذي ... فعلته أرجو به الأجرا من كان ذا صبر على مثل ذا ... فلست منه أملك الصبرا 538 (1) الرئيس موسى القرطبي موسى بن ميمون، الرئيس أبو عمران القرطبي اليهودي، الطبيب المفتن في العلوم؛ كان رئيساً على اليهود بمصر، وكان أوحد أهل زمانه في الطب، وكان السلطان صلاح الدين يستطبه، وكذلك ولده الأفضل. ويقال إنه كان قد أسلم بالمغرب وحفظ القرآن واشتغل بالفقه؛ ولما قدم من الغرب صلى بمن في المركب التراويح في شهر رمضان، وجاء إلى الديار المصرية، وجاء إلى دمشق، فاتفق للقاضي محي الدين ابن الزكي مرض خطر، فعالجه الرئيس موسى وبالغ في نصحه؛ فرأى له القاضي ذلك وأراد مكافأته على ذلك، فحلف أيماناً مغلظة أنه ما يأخذ شيئاً أبداً. ثم بعد مدة اشترى داراً وسأل من القاضي تقديم التاريخ إلى خمس سنين متأخرة، فما بخل القاضي عليه بمثل ذلك، ولم يعلم أن في ذلك مفسدة، ثم إنه أثبت ذلك؛ وبعد مدة توجه إلى الديار المصرية، وخدم القاضي الفاضل، فجاء من كان في

_ (1) ابن أبي أصيبعة 2: والبحر المحيط 7: 472 وأخبار الحكماء: 317؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

" المؤمل المحاربي "

المركب وقالوا: جاء معنا من الغرب وصلى بنا التراويح في السنة الفلانية، فأنكر ذلك وأخرج المكتوب وقال: أنا كنت في دمشق قبل هذه السنة بمدة واشتريت داراً، وهذا خط القاضي بذلك؛ فلما رأى الفاضل خط محيي الدين ابن الزكي بالثبوت ما شك فيه واندفعت القضية بخبث هذا الشيطان. وعلى الجملة فكان فاضلاً، وله كتاب " الدلالة " في أصول دينهم. وهو جيد إلى الغاية على قواعدهم. وكانت له مشاركة في كل فن، وفيه يقول ابن سناء الملك (1) : أرى طب جالينوس للجسم وحده ... وطب أبي عمران للعقل والجسم فلو كان بدر التم من يستطبه ... لتم له ما يدعيه من التم وداواه يوم التم من كلف به ... وأبراه في يوم السرار من السقم وله مقالة في معالجة الحدبة، صنفها للقاضي الفاضل، ومقالة في السموم و " تنقيح الفصول " وهو من أجل كتب الطب. وتوفي سنة عشر (2) وستمائة. 539 - (3) " المؤمل المحاربي " المؤمل بن أميل المحاربي الكوفي؛ كان شاعراً محسناً، مدح المهدي، فأجازه عشرة آلاف دينار، وتوفي في حدود التسعين والمائة، وهو القائل

_ (1) لم ترد في ديوانه. (2) ص: عشرة. (3) الأغاني 22: 255؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

في امرأة كان يهواها من أهل الحيرة: شف المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر فيقال إنه رأى رجلاً في المنام قد أدخل إصبعيه في عينيه فأخرجهما وقال: هذا ما تمنيت، فأصبح أعمى. ومن هذه القصيدة: يكفي المحبين في الدنيا عذابهم ... والله لا عذبتهم بعدها (1) سقر وامتدح المهدي، وهو ولي العهد، فأعطاه عشرين ألف درهم، فبلغ المنصور ذلك فكتب إليه يلومه ويقول: إنما كان ينبغي أن تعطيه أربعة آلاف درهم بعد أن يقيم ببابك سنة؛ وأجلس قائداً (2) من قواده على جسر النهروان يتصفح وجوه الناس حتى مر به المؤمل، فأخذه ودخل به على المنصور فسلم فقال: من أنت؟ قال: المؤمل بن أميل، فقال: أتيت إلى غلام غر خدعته؟! فقال: نعم، أصلح الله أمير المؤمنين، أتيت غلاماً كريماً فخدعته فانخدع، فكأن ذلك أعجب المنصور (3) ، فقال: أنشدني ما قلت فيه، فأنشده القصيدة، ومنها: هو المهدي إلا أن فيه ... مشابهة من (4) القمر المنير تشابه ذا وذا فهما إذا ما ... أنارا مشكلان على البصير فهذا في الظلام سراج ليل ... وهذا في النهار ضياء نور ولكن فضل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير وبالملك العزيز فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير وبعض الشهر ينقص ذا وهذا ... منير عند نقصان الشهور

_ (1) ص: لا عذبتها بعدهم. (2) قائد. (3) ص: فكان.... للمنصور. (4) الأغاني: مشابه صورة.

فيا ابن خليفة الله المصفى ... به تعلو مفاخرة الفخور لئن فت الملوك وقد توافوا ... إليك من السهول والوعور لقد سبق الملوك أبوك حتى ... بقوا من بين كاب أو حسير وجئت مصلياً تجري حثياً ... وما بك حين تجري من فتور فقال الناس ما هذان إلا ... كما بني الخليق إلى الجدير لئن سبق الكبير (1) فأهل سبق ... له فضل الكبير على الصغير وإن بلغ الصبي مدى كبير ... فقد خلق الصغير من الكبير فقال: والله لقد أحسنت ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم، فأين المال؟ قال: ها هوذا، فقال: يا ربيع، امض معه فأعطه أربعة آلاف درهم وخذ الباقي منه، ففعل؛ فلما ولي الخلافة المهدي، ولى أبا ثوبان المظالم، فكان يجلس بالرصافة، فإذا ملأ كساءه رقاعاً دفعها إلى المهدي، فرفع المؤمل رقعة ذكر فيها واقعته، فلما نظر إليها المهدي ضحك وقال: ردوا إليه عشرين ألف ردهم، فردت إليه. وقال محمد بن حذيفة الطائي، حدثني أبي قال: رأيت المؤمل شيخاً كبيراً أعمى نحيفاً، فقلت له: لقد صدقت في قولك: وقد زعموا لي أنها نذرت دمي ... وما لي بحمد الله لحم ولا دم برى حبها لحمي ولم يبق لي دم (2) ... وإن زعموا أني صحيح مسلم فلم أر مثل الحب صح سقيمه ... ولا مثل من لا يعرف الحب يسقم ستقتل جلداً بالياً فوق أعظم ... وليس يبالي القتل جلد وأعظم (3) فقال: نعم، فديتك، ما كنت لأقول إلا حقاً.

_ (1) ص: الكثير. (2) الأغاني: ولم يبق لي دماً. (3) ص: جلداً ولا دم.

حرف النون

حرف النون

فراغ

البديهي الشاعر

540 - (1) البديهي الشاعر ناشب بن هلال بن ناشب بن نصير الحراني، أبو منصور المعروف بالبديهي؛ كان أديباً فاضلاً يقول الشعر بديهاً ويعظ في التعازي وغيرها، وسمع أبا القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين وأبا القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي وابن كادش وغيرهم، وحدث باليسير. ولد سنة أربع عشرة (2) وخمسمائة، وتوفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، ومن شعره رحمه الله تعالى: لا تحقرنّي وإن أبصرتني حدثاً ... فالشبل يصغر حيناً ثم يأتسد إني وإن صغرت سنّي فقد فقهت ... خواطري غرراً ما نالها أحد ومنه: يحسدني كل من رآني ... أركب في موكب الأمير والناس لا يعلمون أني ... تبيت خيلي بلا شعير وقال: قصدت ديار بكر مكتسباً بالوعظ، فلما نزلت قلعة ماردين دعاني صاحبها تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق للإفطار عنده في شهر رمضان، فحضرت عنده فلم يرفع مجلسي ولا أكرمني، وقال بعد الإفطار لغلام عنده: آتينا بكتاب، فجاء به، فقال: ادفعه إلى الشيخ ليقرأ فيه، فازداد غيظي لذلك وفتحت الكتاب وإذا هو ديوان امرىء القيس، وإذا في أوله: ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي

_ (1) الزركشي: 334؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: عشر.

المطرزي شارح المقامات

فقلت في نفسي: أنا ضيف وغريب وأستفتح ما أقرأه على سلطان كبير وقد مضى هزيع من الليل: ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي!! ... فقلت: ألا عم مساءً أيها الملك العالي ... ولا زلتَ في عزّ يدوم وإقبال ثم أتممت القصيدة، فتهلل وجه السلطان لذلك ورفع مجلسي وأدناني إليه، وكان ذلك سبب حظوتي عنده، رحمهما الله تعالى. 541 - (1) المطرزي شارح المقامات ناصر بن عبد السيد بن علي، أبو الفتح المطرزي الأديب الخوارزمي؛ من أعيان مشايخ خوارزم في علم الأدب، قرأ على والده وبرع في معرفة النحو واللغة وصار أوحد زمانه، وصنف كتباً حساناً، وكان شديد التعصب داعية إلى الاعتزال. مولده سنة ست وثلاثين وخمسمائة ووفاته سنة عشر وستمائة، وصنف شرحاً للمقامات الحريرية وكتاب " المعرب " وتكلم فيه على الألفاظ (2) التي يستعملها الفقهاء الحنفية، وهو لهم مثل الأزهري للشافعية، ومقدمة في

_ (1) الزركشي: 334 ومعجم الأدباء 19: 212 وابن خلكان 5: 369 (فهو ليس من المستدرك على الوفيات) وانباه الرواة 3: 339 والجواهر المضية 2: 190 وبغية الوعاة: 402 ومرآة الجنان 4: 20؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) بياض في ص، وهو ثابت عند الزركشي وابن خلكان.

النحو والإقناع في اللغة ومختصر إصلاح المنطق. ولما مات رثي بثلاثمائة قصيدة بالعربي وبالعجمي، وكان يقال هو خليفة الزمخشري، وكان سائر الذكر مشهور السمعة، وانتفع الناس به وأخذو عنه. ومن شعره رحمه الله تعالى: تعامى زماني عن حقوقي (1) وإنه ... قبيح على الزرقاء تبدي تعاميا فإن تنكروا فضلي فإن دعاءه ... كفى لذوي الأسماع منكم مناديا ومن أبيات: وإني لأستحيي من الله أن أرى ... حليف غوان أو أليف أغاني قال ياقوت في معجم الأدباء (2) : أنشدني المطرزي ببغداد لنفسه: يا خليلي اسقياني بالزجاج ... حلب الكرمة من غير مزاج أنا لا ألتذ سمعاً باللجاج ... فاسقنيها قبل تغريد الدجاج قبل أن يؤذن صبحي بانبلاج (3) ... إن أردت الراح فاشربها صباحا ... بعد أن تصحب أتراباً ملاحا جمعوا حسناً وأنساً ومزاحا ... وغدوا كالبحر علماً وسماحا فهم مفتاح باب الإبتهاج ...

_ (1) ص: حقوق. (2) لم يرد هذا في نعجم الأدباء المطبوع. (3) ص: بابتلاج.

ابن صورة الكتبي

542 - (1) ابن صورة الكتبي ناصر بن علي بن خلف، الوجيه المعروف بابن صورة الكتبي؛ كان سمساراً في الكتب بمصر وله في ذلك حظ كبير، وكان يجلس في دهليز داره لذلك ويجتمع الناس عنده يوم الأحد والأربعاء من أعيان الرؤساء والفضلاء ويعرض عليهم الكتب التي تباع، ولا يزالون عنده إلى انقضاء وقت السوق. توفي سنة سبع وستمائة بمثر ودفن بالقرافة؛ وكان له دار مليحة موصوفة بالحسن فاحترقت، فقال في ذلك نشو الملك أبو الحسن علي بن المنجم، وقد تقدم ذكره: أقول وقد عاينت دار ابن صورة ... وللنار فيها مارج يتضرم كذا كل مال أصله من مهاوش ... فعما قليل في نهابر يعدم وما هو إلا كافر طال عمره ... فجاءته لما استبطأته جهنم وقال ابن المنجم أيضاً لما وقعت الأرضة في دار ابن صورة: قالوا بدار ابن صورة سعت ... الأرضة حتى أتت على الخشب من أعلم الأرضة المشومة ... أن الدار مسروقة من الكتب وفيه يقول ابن الساعاتي وقد غدر به في كتاب: يا خائناً ما كنت أحس ... به يخف إلى الخيانه أصبحت في سلب القلوب ... وذاك من عدم الديانه

_ (1) ابن خلكان 1: 197 وانظر كذلك ترجمة نشو الملك في البدر السافر: 205 فقد ذكرت فيها ابيات الميمية؛ ولم تردج هذه الترجمة في المطبوعة.

ابن الشقيشقة الصفار

كفتى زبيد في العما ... رة وابن صورة في الأمانه فامرر عليه وقل له ... في الستر منه والصيانه يا ريشكون (1) غدرت بي ... إن كنت تحسن بالرطانه 543 (2) ابن الشقيشقة الصفار نصر الله بن مظفر بن أبي طالب بن عقير بن حمزة، نجيب الدين أبو الفتح الشيباني الدمشقي الصفار المعروف بابن الشقيشقة، المحدث الشاهد؛ ولد سنة نيف وثمانين وخمسمائة، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة. سمع وعني بالحديث، وكان يعقد الأنكحة تحت الساعات، وفيه يقول البهاء ابن الحوط: جلس الشقيشقة الشقي ليشهدا ... بأبيكما ماذا عدا مما بدا هل زلزل الزلزال أم هل أخرج الد ... جال أم عدم الرجال ذوو الهدى عجباً لمحلول العقيدة جاهل ... بالشرع قد أذنوا له أن يعقدا وقف قاعته التي بدرب البانياسي دار حديث، وتولى مشيختها الشيخ جمال الدين المزي؛ قال الشيخ شمس الدين: ولم يكن بالعدل في دينه.

_ (1) ص: ريش كون؛ وريش كن بالفارسية تعني من ذهب جهده سدى؛ والأقرب أن تكون ريش كاو: وهو البليد أو الجشع. (2) الزركشي: 335 وذيل الروضتين: 201؛ وابن الشعار 9: 85؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

ابن حواري الحنفي

544 - (1) ابن حواري الحنفي نصر الله بن عبد المنعم بن نصر الله بن أحمد بن جعفر بن حواري، الشيخ شرف الدين أبو الفتح التنوخي الدمشقي الحنفي الأديب، ويعرف بابن شقير أيضاً؛ ولد في سنة أربع وستمائة، وتوفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة. سمع البكري وابن ملاعب، وروى عنه الدمياطي وابن الجناز والدواداري وقاضي القضاة ابن صصرى وآخرون. وخطه أسلوب غريب، كتب كثيراً، وملكت من ذلك عدة مجلدات؛ وكان أديباً فاضلاً حسن المحاضرة حفظة للنوادر والأخبار، حسن البزّة، كريما مجملاً. عمّر في آخر عمره مسجداً عند طواحين الأشنان، وتأنق في عمارته، ودفن لما مات بمغارة الجوع؛ وصنف كاب إيقاظ الوسنان في تفضيل دمشق وذكر محاسنها وما مدحت به في ثلاث مجلدات، وهو عندي بخطه. وكان مقامه بالعادلية الصغيرة. ولما ولي القاضي شمس الدين ابن خلكان وفوض إليه أمر الأوقاف جميعها طلب الحسابات من أربابها، ومن شرف الدين هذا عن وقف المدرسة، فعمل له الحساب وكتب وريقة فيها: ولم أعمل لمخلوق حساباً ... وها أنا قد عملت لك الحسابا فقال له القاضي: خذ أوراقك ولا تعمل لنا حساباً ولا نعمل لك، وكان له خلق حاد وفيه تسرع؛ وهو أخو تاج الدين المقدم ذكره، رحمهما الله.

_ (1) الزركشي: 336؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

فخر القضاة ابن بصاقة

545 - (1) فخر القضاة ابن بصاقة نصر الله بن هبة الله بن محمد بن عبد الباقي، فخر القضاة أبو الفتح ابن بصاقة الغفاري المصري الحنفي الناصري الكاتب؛ شاعر كاتب ماهر، كان خصيصاً بالمعظم عيسى ثم بابنه الناصر داود، وتوجه معه إلى بغداد. ولد بقوص سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وتوفي بدمشق سنة خمسين وستمائة. ومن شعره لغزاً في المحفة المحمولة على البغال، رحمه الله تعالى: وحاملة محمولة غير أنها ... إذا حملت ألقت سريعاً جنينها وأكثر ما تحويه يوماً وليلة ... وتضجر منه أن يدوم قرينها منعمة لم ترض خدمة نفسها ... فغلمانها من حولها يخدمونها لها جسد ما بين روحين يغتدي ... فلولاهما كان الترهب دينها وقد شبهت بالعرش في أن تحتها ... ثمانية من فوقهم يحملونها وقال أيضاً لغزاً في البيضة: ومولودة لا روح فيها وإنها ... لتقبل نفخ الروح بعد ولادها وتسمو على الأقران في حومة الوغى ... ولكن سمواً لم يكن بمرادها إذا جمعت فالنقص يعرو حروفها ... ولكنها تزداد عند انفرادها وقال أيضاً في السيف:

_ (1) الزركشي: 336 والبدر السافر: 207 والشذرات 5: 252 والسلوك 1: 385 والطالع السعيد: 676 والبداية والنهاية 13: 184 وابن الشعار 9: 69؛ وورد من هذه الترجمة في المطبوعة شيء يسير.

وأبيض وضاح الجبين صحبته ... فأحسن حتى ما أقوم بشكره إذا خذلتني أسرتي وتقاعدت ... أخلاي عن نصري حباني بنصره يواصلني في شدتي منه قاطع ... يخفف عني في رخائي بهجره شددت يدي منه على قائم بما ... أكلفه يلقى الأعادي بصدره صبور (1) على الشكوى فلو دست خده ... على رقة فيه وثقت بصبره إذا نابني خطب جليل ندبته ... فيهتز منه مستقل بأمره يخف غداة الروع مهما نهرته ... فيغرق في بحر العجاج بنهره ويمضي إذا أرسلته في مهمة ... فما يتلقاني مقيماً لعذره غدا فاخراً بين الأنام بحده ... وراح أبيّاً عن أبيه بفخره فغص خلفه إن كنت تؤثر كشفه ... ولا تدّعِ (2) التقصير عن طوا بحره فها أنا عنه قد كشفت لأنني ... حلفت له أن لا أبوح بسره وقال في الرمح: ولي صاحب قد كمّل الله خلقه ... وليس به نقص يعاب فيذكر عصي ثقيل إن أطيل عنانه ... مطيع خفيف الكل حين يقصر يسابقني يوم النزال إلى العدا ... فإن لم أوخره فما يتأخر ويؤمن منه الشر ما دام قائماً ... ولكن إذا ما نام يخشى ويحذر أنال به في الروع مهما اعتقلته ... مراماً إذا أطلقته يتعذر تعدى على أعدائه متنصلاً ... إليهم وما أبدى اعتذاراً فيعذر ترى منه أميّاً إلى الخط ينتمي ... ومعرىً بغزو الروم وهو مزنّر عجبت له من صامت وهو أجوف ... ومن مستطيل الشكل وهو مدور ومن طاعن في السنَ ليس بمنحن ... ومن أرعن مذ عاش وهو موقر

_ (1) ص: صبوراً. (2) ص: تدعي.

ففكر إذا ما رمت إفشاء سره ... فها أنا قد أظهرته وهو مضمر وقال في الخيمة: ومرفوعة منصوبة قد نصبتها ... ولكنه رفع يؤول إلى خفض تعين على حر الزمان وبرده ... بلا حسب زاك ولا كرم محض وتصبح للاجي إليها وقاية ... لبعض الأذى الطاري على الجسم لا العرض تقوم على رجلين طوراً وتارة ... تقوم على رجل بلا عرج منض إذا حضرت كانت عقيلة خدرها ... وإن تبد لم تلزم مكانا على الأرض قصدت كريما (1) خيمه ليبينها ... وقصد الكريم الخيم من جملة الفرض يا رافع لواء الأدباء، ودافع لأواء الغرباء، هذا اللغز ممهد موطا، مكشوف لا مغطى، وقد سطر مفردا ومجموعاً، وذكر مقيسا ومرفوعا، إلا أنه قد استخفى وهو مظهر، وأسر وهو مجهر، وتعامى وهو بصير، وتطاول وهو قصير، وتصامم وهو سميع، وتعاصى وهو مطيع، ومثل مولاي من عرف وكره، ولم يعمل فكره، والأمر له علي أمره، وأطال للأولياء عمره. وقال أيضاً: ومليح جاءنا يش ... طح في صدر نهار وهو في مبدأ سكر ... وعقابيل خمار فسقيناه إلى أن ... أظلم الليل لسار وجذبنا في لبان ... ودفعنا بمداري فصبحناه بكاسٍ ... وغبقناه بعار وقال في جمع سواك:

_ (1) ص: كريم.

أيا سيداً ما رام جدواه الله طالب ... فعاد ولم يظفر بأقصى مطالبه أبن لي عن الجمع الذي إن ذكرته ... تخاطب من خاطبته بمعايبه وكتب إلى ركن الدين قرطاي ببغداد وهو ساكن عند نهر عيسى: أمولاي إني مذ رأيتك ساكناً ... على نهر عيسى لم أزل دائم الفكر لأنك بحر بالمكارم زاخر ... ومن عجب أن يسكن البحر في النهر ولما كان ببغداد خرج للشعراء من عند المستنصر ذهب على أيدي الحجاب ولم يخرج إليه شيء، فكتب إلى الخليفة المستنصر: لما مدحت الإمام أرجو ... ما نال غيري من المواهب أجدت في مدحه ولكن ... عدت بجدي العثور خائب فقال لي مادحوه لما ... فازوا وما فزت بالرغائب لم أنت فينا بغير عين ... قلت لأني بغير حاجب وقال: وعلق ٍ نفيسٍ تعلقته ... قزار على خلوة وارتياع ولم يبق في الرمد إلا كما ... يقال على أكلة والوداع فعاجلته عن دخول الكنيف ... بشحّ مطاع ورأي مضاع فغرقني منه نوء البطين ... ورواه مني نوء الذرع وقال: على ورد خديه وآس عذاره ... يليق بمن يهواه خلع عذاره وأبذل جهدي في مداراة قلبه ... ولولا الهوى يقتادني لم أداره أرى جنةً في خده غير أنني ... أرى جل ناري شب من جلناره كغصن النقا في لينه واعتداله ... وريم الفلا في جيده ونفاره سكرت بكأس من رحيق رضابه ... ولم أدر أن الموت عقبى خماره

وقال: لو شرحت الذي وجدت من الوج ... د (1) عليكم أمللتكم ومللت فلهذا خففت عنكم من الكت ... ب ولو شيت أن أطيل (2) أطلت غير أن العبيد تحمل عن قل ... ب الموالي وهكذا قد فعلت وقال في مليح نحوي: بليت بنحويّ يخالف رأيه ... أواناً فيجزيني على المدح بالمنع تعجبت من واو تبدت بصدغه ... ولم يحظني منها بعطف ولا جمع ومن ألف من قده قد أمالها ... عن الوصل لكن لم يملها عن القطع وقال أبو الحسين الجزار يمدحه: عفا الله عما قد جنته يد الدهر ... فقد بذل المجهود في طلب العذر أيحسن أن أشكو الزمان الذي غدت ... صنائعه عندي تجل عن الشكر لقد كنت في أسر الخمول فلم يزل ... بتدريجه حتى خلصت من الأسر فشكراً لأيامٍ وفت لي بوعدها ... وأبدت لعيني فوق ما جال في فكري وكم ليلة قد بتها معسراً ولي ... بزخرف آمالي كنوزٌ من اليسر أقول لقلبي كلما اشتقت للغنى ... إذا جاء نصر الله تبت يد الفقر منها: وإن جئته بالمدح يلقاك باللها ... فكم مرة قد قابل النظم بالنثر ويهتزّ للجدوى إذا ما مدحته ... كما اهتز، حاشا وصفه، شارب الخمر منها: ولو أنني وافيت غيرك مادحاً ... لتممت نقصي بالحماقة والفشر

_ (1) الطالع: كتمت من السر. (2) ص: أطلت.

أبو صالح الجيلي

وأعطيت نفسي عنده فوق حقها ... من الكبر لكن ليس ذا موضع الكبر وكل امرىء لا يحسن العوم غارق ... إذا ما رماه الجهل في لجة البحر 546 (1) أبو صالح الجيلي نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر، أبو صالح الجيلي الشافعي (2) ؛ تفقه في صباه، ثم صحب محمد بن علي النوقاني الفقيه الشافعي، وقرأ عليه الخلاف والأصول وبرع في ذلك، وتولى التدريس في مدرسة جده بباب الأزج وبالمدرسة الشاطئية عند باب المراتب، وبنيت له دار بجامع القصر للمناظرة، وعقد مجلس الوعظ في مدرسته، وكان له قبول عظيم. وأذن له في الدخول في كل جمعة على الأمير أبي نصر محمد ابن الإمام الناصر لسماع مسند مسلم فحصل له به أنس، فلما بويع له بالخلافة ولقب بالإمام الظاهر قلده قضاء القضاة في يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وخلع عليه السواد وقرىء عهده في جوامع مدينة السلام، فسار السيرة المرضية وأقام ناموس الشرع ولم يحاب أحداً (3) في دين الله. وكان يملي الحديث في مجلس حكمه ويكتب الناس عنه، ولم تغيّره

_ (1) الزركشي: 336 والحوادث الجامعة: 86 (نصر بن أبي بكر بن عبد الرزاق ولعل الصواب: أبي بكر عبد الرزاق) وذل ابن رجب 2: 189، ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) قال في الحوادث الجامعة: وقلد قضاء القضاة في خلافة الظاهر بأمر الله ولم يقلد حنبلي سواه، وورد ترجمته في ذيل ابن رجب يؤكد ذلك، وقد ردد الزركشي أنه شافعي. (3) ص: أحد.

الولاية عن أخلاقه، وأقام على القضاء مدة أيام الظاهر، وتولّى المستنصر بالله فأقره على ذلك أربعة أشهر وأياماً وعزله. وكان له رسم في رجب من الصدقة الناصرية يأخذه من البدرية، فاتفق تفرقته في بعض السنين في يوم الأربعاء، وكان قد توجه لزيارة قبر أحمد بن حنبل، فلما عاد من الزيارة وجد الناس قد قبضوا رسومهم وانفصلوا، وقيل له: إن رسمك قد رفع إلى الحكيم ابن توما النصراني فامض إليه، فقال: والله لا أمضي إليه ولا أطلب رزقي من كافر، وعاد إلى منزله متوكلاً على الله تعالى وقال: نفس ما عن ديننا من بدل ... فدعي الدنيا وخلي جدلي ما تساوي أننا نمضي إلى ... مشرك إذ ذاك عين الزلل إن يكن دين علينا فلنا ... خالق يقضيه، هذا أملي ولم يزل ذلك الذهب عند الحكيم النصراني إلى أن مات وأخذ من تركته وحمل إلى القاضي. ومولده في شهور سنة أربع وستين وخمسمائة، ووفاته سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وكانت جنازته عظيمة، ودفن إلى جانب قبر الإمام أحمد بن حنبل، وقيل بل دفن معه، تولى ذلكالرعاع والعوام، وقبض على من فعل ذلك وعوقب وحبس، ونبش بعد ثلاثة أيام ونقل وعفي قبره ولم يعلم أين دفن. ورثاه الشيخ يحيى الصرصري رحمه الله تعالى بقوله: أبا صالح ما العيش بعدك صالح ... نزحت ففيك الحزن للدمع نازح وما مقل ضنت عليك بمائها ... غداة النوى إلا عيون شحائح نأيت وصعب الدمع بعدك بالأسى ... ذلول ومطواع التصبر جامع على مثلك اليوم البكاء لذي الحجى ... مباح وفيك القلب بالحزن نائح وما عذر عين لا تفيض دموعها ... عليك وآماق المعالي سوافح

أبو طاهر الحلي الشاعر

على صفحات المكرمات كآبة ... لفقدك لما غيبتك الصفائح فالله قبر ضم فضلك إنه ... لقبر بعيد قطره متفاسح به الروح والريحان والنور عاكف ... وفوق ثراه فأرة المسك فائح لئن ذقت كأساً ذاقها أحمد الرضا ... وقد ذاقها من قبل هود وصالح لما مات ما أحييت من سنن الهدى ... بعلمك فليرغم حسود وكاشح سقى جدثاً أصبحت فيه مخيماً ... من السلسبيل العذب غاد ورائح علوت بقرب من إمامك ذروةً ... تسنّمتها إذ أنت عنه تنافح وما كنت إلا سر جدك، ميتاً ... وحياً، فميزان العلا بك راجح وكنت عماد الدين معنى وصورة ... وغيرك عن ألقابه متنازح سموت بمجد سابق ثم لاحق ... فقصّر في الأوصاف ناع ومادح وكنت لرأس المجد تاجاً مكللاً ... وخلّفت تاجا فوقه الفخر لائح فلا زال في العلياء بيتك سامياً ... تزول به عنا الخطوب الفوادح (1) 547 (2) أبو طاهر الحلي الشاعر نصر بن الفتح بن أبي المعمر بن أسد بن الحسن، ينتهي إلى طاهر بن الحسين، أبو طاهر الطاهري الشاعر، من الحلة السيفية؛ كان شيخاً فاضلاً أديباً شاعراً، دخل الشام ومدح الملوك والأعيان. قال محب الدين ابن النجار: لقيناه بالشام وكتبناه عنه شيئاً من شعره، وكانت وفاته بعد سنة خمس وعشرين وستمائة، ومولده سنة إحدى وخمسين

_ (1) ص: القوادح. (2) الزركشي: 337؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة.

وخمسمائة (1) ؛ ومن شعره: ما بين رامة والعقيق ديار ... كانت وكان بها الهوى ونوار درست على مر الزمان كأنما ... آثارها من ريطه آثار لم تبق إلا من أوارٍ، ما بدت ... إلا بدا فوق القلوب أوار عهدي بها قبل الشباب، وما غدت ... من أهلها للغاديين قفار والدهر ما صدع الجميع وظلنا ... ضال النقا وضياؤها (2) السمار والأرض قد حكت السماء بأنجم ... في روضة نجمت بها الأزهار والطل يستبكي الربيع جفونه ... فإذا بكى يتضاحك النوار والدوح تهصره الصبا بعليلها ... فإذا أمادت ورقه الأوكار تشدو وتنشدنا القيان مناسباً ... بفم الكران ويصحب المزمار فتصفق الأغصان ما بين الغنا ... بيد النسيم وترقص الأشجار وشرابنا كرميّة الأعراق بل ... كرمية (3) الأخلاق بل بكر الحيا المدرار كالتبر قد نثر اللجين فويقه ال ... ياقوت بل ماء عليه نار راح بها روح القلوب وبرؤها ... من عقر سيف الهم وهي عقار يغدو بها عبل الروادف ما انثنى ... إلا ثنى الأكباد وهي حرار قمر على غصن على دعص وهل ... هذي الصفات تحوزها الأقمار لبس العذار فظل يخلع دائماً ... فيه العذار وتلبس الأعذار يجري غرار السيف منه إذا بدا ... وأسيل خد سال فيه عذار ورد على طلع وخيط بنفسج ... متنطق بنضيده ومدار كم شد زناراً (4) لديه مسلم ... ولهاً ولم يحلل له زنار

_ (1) كانت في الأصل: وستمائة ثم غيرت بغير خط الأصل. (2) ص: وطلنا ... وضيايها. (3) ص: كريمة. (4) ص: زنار.

أبو سعد الدينوري

فسقى لييلات مضين بهذه ال ... أوطان كم قضيت بها أوطار ديم تديم الإنسكاب كأنها ... نعم يجود بها الغياث غزار 548 (1) أبو سعد الدينوري نصر بن يعقوب، أبو سعد الدينوري مصنف كتاب التعبير المعروف ب " القادري "؛ ذكره الثعالبي في من ورد من نيسابور وقال: تعقد عليه الخناصر بخراسان في الكتابة والصناعة والبراعة (2) ، وله في الأدب تقدم محمود وفي المروة قدم مشهورة، وشهادة الصاحب ابن عباد له في الفضل، يسجل بها حكام العدل. وله تصانيف منها كتاب " روائع التوجيهات في بدائع التشبيهات " وكتاب " ثمار الأنس في تشبيهات الفرس ". كتاب " الجامع الكبير في التعبير " وهو القادري. كتاب " الأدعية " كتاب " حقّه الجوهر " (3) . ومن شعره: أبى لي أن أبالي بالليالي ... وأخشى صرفها في من يبالي حلولي في ذرى ملك كطود ... رفيع مشرق الأعلام عالي إلى شمس الشتاء إلى ظلال ال ... مصيف إلى الغمام إلى الهلال إذا ما جاءه المذعور يوماً ... وحلّ ببابه عقد (4) الرحال تبوأ من ذراه خير دار ... فلم يخطر لمكروه ببال

_ (1) الزركشي: 337 واليتيمة 4: 389؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) اليتيمة: والبراعة في الصناعة. (3) اليتيمة: حقة الجواهر في المفاخر. (4) ص: عند.

نصيب الأكبر

" ومنها عند ذكر القصيدة " (1) : بودّي لو نهضت بها ولكن ... ضعفت عن الحراك لضعف حالي ومنه: اسقني كاساً كلون الذهب ... وامزج الريق بماء العنب فقد ارتجت بنا الأرض ضحى ... كارتجاج الزئبق المنسرب وكأنّ الأرض في أرجوحة ... وكأنا فوقها في لولب 549 (2) نصيب الأكبر نصيب بن رباح مولى عبد العزيز بن مروان؛ كانت أمه سوداء فوقع عليها أبوه فجاءت بنصيب، فوثب إليه عمه بعد وفاة أبيه فباعه، وكان شاعراً فحلاً مقدّماً في النسيب والمديح، ولم يكن له حظ في الهجاء، وكان عفيفاً؛ توفي في حدود العشرين والمائة. قال نصيب: كنت أرعى غنماً - أو قال إبلاً - فضلّ (3) منها بعير فخرجت في طلبه حتى قدمت مصر وبها عبد العزيز بن مروان فقالت: ما بعد عبد العزيز أحد أعتمده، ولم أكن بعد قد (4) مدحت أحداً (5) ، فحضرت

_ (1) زيادة من اليتيمة. (2) طبقات ابن سلام: 544 والشعر والشعراء: 322 والأغاني 1: 305 والسمط: 291 ومعجم الأدباء 19: 229 والعيني 1: 537 والزركشي: 337. جمع شعره الدكتور داود سلوم (بغداد: 1968) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) ص: فطل. (4) ص: بعد ذلك. (5) ص: أحد.

بابه مع الناس فرأيت رجلاً على بغلة، حسن البزة يؤذن له إذا جاء، فلما انصرف إلى منزله اتبعته أماشي بلغته فقال: ما شأنك؟ فقلت: أنا رجل شاعر من أهل الحجاز، وقد مدحت الأمير وأتيت إليه راجياً معروفه، قال: فأنشدني، فأنشدته فأعجبه وقال: ويحك هذا شعرك؟ إياك أن تنتحل فإن الأمير راوية عالم (1) بالشعر وعنده رواة، فلا تفضحني وتفضح نفسك، فقلت: والله ما هو إلا شعري، فقال: ويحك، قل أبياتاً تذكر فيها حوف (2) مصر وفضلها على غيرها والقني بها غداً، فغدوت عليه فأنشدته (3) : سرى الهم حتى بيّتتني (4) طلائعه ... بمصر وبالحوف اعترتني روائعه وبات وسادي ساعد قلّ لحمه ... عن العظم حتى كاد تبدو أشاجعه وذكر الغيث فقال: وكم دون ذاك العارض البارق الذي ... له اشتقت من وجه أسيل مدامعه تمشي به أبناء (5) بكر ومذحج ... وأبناء عمرو فهو خصب مراتعه بكل (6) مسيل من تهامة طيب ... دميث الربى تسقي البحار دوافعه أعنّي على برق أريك وميضه ... تضيء دجنّات الظلام لوامعه إذا اكتحلت عينا محبّ بضوئه ... تجافت به حتى الصباح مضاجعه قال: أنت والله شاعر، احضر الباب فإني أذكرك، قال: فجلست على الباب ودخل فدعاني فدخلت فسلمت على عبد العزيز، فصعد فيّ بصره

_ (1) ص: عالماً. (2) ص: خوف. (3) ديوانه: 103. (4) الأغاني: تشنيني إليك. (5) الأغاني: أفناء. (6) الأغاني: فكل.

وصوّب وقال: أشاعر ويلك أنت؟ قلت: نعم أيها الأمير، قال: فأنشدني، فأنشدته (1) : لعبد العزيز على قومه ... وغيرهم نعم غامره فبابك ألين أبوابهم ... ودارك مأهولة عامره وكلبك (2) آنس بالمعتفين ... من الأم بالابنة الزائرة وكفك حين ترى السائلين ... أندى من الليلة الماطره فمنك العطاء ومنا الثناء ... كلّ محبرة سائره فقال: أعطوه أعطوه، قلت: إني مملوك، فدعا الحاجب قال: اخرج فابلغ قيمته، فدعا المقوّمين فقال: قوّموا غلاماً أسود ليس له عيب، فقالوا: مائة دينار، قال: إنه راعي إبل يحسن القيام بها، قالوا: مائتا دينار، قال أنه يبري القسي والنبل ويريشها قالوا: أربعمائة دينار قال: إنه راوية للشعر، قالوا: ستمائة دينار، قال: إنه شارع لا يلحن، قالوا: الف دينار، قال عبد العزيز: ادفعها إليه، فقلت له: أصلح الله الأمير، ثمن بعيري الذي ضلّ، قال: كم ثمنه؟ قلت: خمسة وعشرون ديناراً (3) ، قال: ادفعوها إليه: قلت: فجائزتي لنفسي عن مديحي إياك، قال: اشتر نفسك ثم عد إلينا. ووفد نصيب على الحكم بن المطلب وهو على صدقات المدينة فأنشده (4) : أبا مروان لست بخارجي ... وليس قديم مجدك بانتحال أغر إذا الرواق انجاب عنه ... بدا مثل الهلال على المثال تراءاه العيون كما تراءى ... عشية فطرها وضح الهلال

_ (1) ديوانه: 99. (2) ص: وكيلك. (3) ص: دينار. (4) ديوانه: 119.

فأعطاه أربعمائة ضائنة ومائة لقحة ومائتي (1) دينار. وقال نصيب: علقت جارية حمراء، فمكثت زماناً تمنيني الأباطيل، فلما ألححت عليها قالت: إليك عني فو الله لكأنك من طوارق الليل، فقلت: والله وأنت لكأنك من طوارق النهار، قال: وما أظرفك يا أسود! فغاظني قولها فقلت لها: أتدرين ما الظرف؟ إنما الظرف العقل، ثم قالت لي: انصرف حتى أنظر في أمرك، فأرسلت إليها بهذا الأبيات (2) : فإن أك أسوداً (3) فالمسك أحوى ... وما لسواد (4) جلدي من دواء ومثلي في رجالكم قليل ... ومثلك ليس يعدم في النساء فإن ترضي فردّي قول راض ... وإن تأبي فنحن على السواء قال: فلما قرأت الشعر تزوجتني. ودخل نصيب على سليمان بن عبد الملك وعنده الفرزدق فأنشده شعراً لم يرضه وكلح في وجهه، وقال لنصيب: قم فأنشد مولاك، فقام فأنشده (5) : أقول لركب صادرين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب قفوا خبروني عن سليمان إنني ... لمعروفه من آل ودّان طالب فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب وقالوا عهدناه وكلّ عشية ... على بابه من طالبي العرف راكب هو البدر والنسا الكواكب حوله ... ولا يشبه البدر المضيء الكواكب فقال: أحسنت يا نصيب، وأمر له بجائزة، ولم يصنع ذلك بالفرزدق،

_ (1) ص: ومائتين. (2) ديوانه: 58 والأغاني: 333. (3) ص: أسود، الأغاني: حالكاً. (4) ص: بسودا. (5) ديوانه: 59.

نصيب الأصغر

فقال الفرزدق: وخير الشعر أكرمه رجالاً ... وشر الشعر ما قال العبيد حدث محمد بن سلام قل: دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك فقال له: حدثني يا نصيب ببعض ما تمّ عليك، قال: نعم يا أمير المؤمنين، علقت جارية حمراء فعيّرتني بالسواد فكتبت إليها (1) : فإن يك من لوني السواد فإنني ... لكالمسك لا يروى من المسك ذائقه وما ضرّ أثوابي سوادي وتحته (2) ... لباس من العلياء بيض بنائقه فلما سمعت الشعر (3) قالت: المال والعقل يأتيان على غيرهما، فتزوجني. 550 - (4) نصيب الأصغر نصيب الأصغر مولى المهدي؛ كان قد نشأ باليمامة فاشتراه المهدي، فلما سمع شعره قال: والله ما هو بدون نصيب مولى بني أمية، وأعتقه وزوجه أمة وكنّاه أبا (5) الحجناء وأقطعه ضيعة بالسواد، وعمر بعده ومدح هارون بقوله: أللبين يا ليلى جمالك ترحل ... ليقطع منا البين ما كان يوصل تعللنا بالوعد ثمت تلتوي ... بموعدها حتى يموت المعلل

_ (1) ديوانه: 110 وأثبت هنا رواية الأغاني. (2) الأغاني: وتحتها. (3) ص: فلما سمع شعر الشعر. (4) الأغاني 22: 400 ومعجم الأدباء 19: 234 وطبقات ابن المعتز: 155 والزركشي: 338؛ ولم يرد من هذه الترجمة في المطبوعة إلا بعضها. (5) ص: أبو.

فلا الحبل من ليلى يواتيك وصله ... ولا أنت تنهى القلب عنها فيذهل خليلي إني ما يزال يشوقني ... قطين الحمى والظّاعن المتحمّل فأقسمت لا أنسى ليالي منعج ... ولا مأسل إذ منزل الحي مأسل أمن أجل أبيات ورسم كأنه ... بقية وحي أو كتاب مفصل فيا أيها الزنجي ما لك والصبا ... أفق عن طلاب البيض إن كنت تقبل (1) فمثلك من أحبوشة الزنج قطعت ... وسائل (2) أسباب بها يتوصل قصدنا أمير المؤمنين ودونه ... مهامه موماة من الأرض مجهل (3) على أرحبيات طوى السير (4) فانطوت ... ثمائلها (5) مما يحلّ ويرحل إذا انبلج البابان (6) والستر دونه ... بدا مثلما يبدو الأغرّ المحجل شريكان فينا منه: عينبصيرة ... كلوء وقلب حافظ ليس يغفل فما فات عينيه رعاه بقلبه ... فآخر ما يرعى سواء (7) وأول وما نازعت فينا أمورك هفوة ... ولا خطل في الرأي والرأي يخطل إذا اشتبهت أعناقه (8) بينت له ... معارف في أعجازه وهو مقبل على ثقة منا تحنّ قلوبنا ... إليك كما كنا أباك نؤمل إذا ما دهتنا من زمان ملمة ... فليس لنا إلا عليك معوّل ووجه المهدي نصيباً إلى اليمن في شراء إبل مهرية، ووجه معه رجلا

_ (1) الأغاني: تعقل. (2) ص: رسائل. (3) ص: مرماة ... تجهل. (4) ص: السر. (5) ص: بمائلها، الأغاني: شمائلها، وهو خطأ. (6) ص: البانان. (7) ص: وآخر ... سواه. (8) ص: أعقابه.

من الشيعة، وكتب معه إلى عامل اليمين بعشرين ألف دينار، فمدّ نصيب يده في الدنانير ينفقها ويشرب بها ويشتري الجواري، فكتب الشيعي بخبره إلى المهدي، فأمر بحمله موثقاً في الحديد، فلما دخل على المهدي أنشده: تأوبني ثقل من الهم موجع ... فأرق عيني والخليّون هجّع هموم توالت لو أطاف يسيرها ... بسلمى لظلت صمّها (1) تتصدّع " ولكنها نيطت فناء بحملها ... جهيز المنايا حائن النفس يجزع " (2) وعادت بلاد الله ظلماء حندساً ... فخلت دجى ظلماءها لا تقشع منها: إليك أمير المؤمنين ولم أجد ... سواك مجيراً " منك " يدني ويمنع تلمست هل من شافع لي فلم أجد ... سوى رحمة أعطاكها الله تشفع لئن جلت الأجرام مني وأفظعت ... لعفوك من جرمي أجلّ وأوسع لئن لم تسعني يا ابن عمّ محمد ... فما عجزت مني وسائل أربع طبعت عليها صنعة (3) ثم لم تزل ... على صالح الأخلاق والدين تطبع تغابيك عن ذي الذنب ترجو صلاحه ... وأنت ترى ما كان يأتي ويصنع وعفوك عمّن لو تكون جزيته ... لطارت به في الجوّ نكباء زعزع وأنك لا تنفكّ تنعش عاثراً ... ولم تعترضه حين يكبو ويخمع وحلمك عن ذي الجهل من بعدما جرى ... به عنق من طائش الجهل أسفع (4) ففيهن لي إمّا شفعن منافع ... وفي الأربع الأولى إليهن أفزع مناصحتي بالفعل إن كنت نائياً ... إذا كان دان منك بالقول يخدع

_ (1) الأغاني: شمها. (2) الأغاني: صبغة. (3) لم يرد في ص، وهو في الأغاني. (4) الأغاني: أشنع.

وثانية ظني بك الخير عادة ... وإن قلت عبد ظاهر الغش مسبع وثالثة أني على ما هويته ... وإن كثر الأعداء فيّ وشنعوا ورابعة أني إليك يسوقني ... ولائي، تولاك (1) الذي لا يضيع وإني لمولاك الذي إن جفوته (2) ... أتى مستكيناً خاضعاً (3) يتضرّع " وإني لمولاك الضعيف فأعفني ... فإني لعفو منك أهل وموضع " (4) فقطع عليه المهدي الإنشاد وقال: ومن أعتقك يا ابن السوداء؟ فأومأ بيده إلى الهادي وقال: الأمير يا أمير المؤمنين، فقال المهدي لولده موسى: أعتقه يا بني؟ قال نعم يا أمير المؤمنين فأمضى المهدي ذلك وأمر بحديده ففك عنه وخلع عليه عدّة من الخلع: الخز والوشي والسواد والبياض، ووصله بألفي دينار وأمر له بجاري يقال لها " جعفرة " جميلة فائقة من روقة الرقيق، فقال له سالم قيم دار الرقيق: لا أدفعها إليك أو تعطيني ألف دينار، فقال قصيدته: أآذن الحيّ فانصاعوا بترحال (5) ... فهاج بينهم شوقي وبلبالي وقام بها بين يدي المهدي، فلما قال: ما زلت تبذل لي الأموال مجتهداً ... حتى لأصبحت ذا أهل وذا مال زوّجتني يا ابن خير الناس جاريةً ... ما كان أمثالها يهدى لأمثالي زوّجتني بضةً بيضاء ناعمةً ... كأنها درة في كف لآل حتى توهمت أنّ الله عجلها ... يا ابن الخلائف لي من خير أعمالي فسالني سالم ألفاً فقلت له ... أنّى لي الألف يا قبّحت من سال

_ (1) الأغاني: فمولاك. (2) ص: جفيته. (3) الأغاني: راهباً. (4) زيادة من الأغاني. (5) ص: بترحالي.

" النصير الحمامي "

هيهات ألفك إلا أن أجيء بها ... من فضل مولى لطيف المنّ مفضال فأمر له المهدي بألف دينار ولسالم بألف درهم. ومرّ نصيب بباب الفضل بن يحيى فقال: ما لقينا من جود فضل بن يحيى ... جعل الناس كلّهم شعراء وكانت وفاته بعد التسعين والمائة، رحمه الله. 551 - (1) " النصير الحمامي " النّصير - بفتح النون - ابن احمد بن علي المناوي الحمّامي؛ قال الحافظ العلامة أثر الدين أبو حيان: كان المذكور أديباً بمصر، كيّس الأخلاق يتحرّف باكتراء الحمامات، وأسنّ وضعف عن ذلك، وكان يستجدي بالشّعر، توفي سنة اثنتي (2) عشرة وسبعمائة، رحمه الله. من شعره: لا تفه ما حييت إلا بخير ... ليكون الجواب خيراً (3) لديكا قد سمعت الصّدى وذاك جماد ... كلّ شيء تقول ردّ عليكا أخذ هذا المعنى من ابن سناء الملك حيث يقول (4) :

_ (1) الزركشي: 338 والبدر السافر: 212 والدرر الكامنة 5: 166 وحسن المحاضرة 1: 569 وفي البدر السافر أن وفاته ظناً سنة 704 وفي الدرر أنه توفي سنة 708، ولم يرد في المطبوعة من هذه الترجمة إلا شيء يسير. (2) ص: اثنا. (3) ص: خير. (4) ديوان ابن سناء الملك: 791.

بان عليها الذل من بعدهم ... وزاد حتى كاد أن لا يبين فإن تقل أين الذين اغتدوا ... يقل صداها لك أين الذين وأخذه ابن سناء الملك من القاضي ناصح الدين الأرجاني حيث قال (1) : سال الصدا عنه وأصغى للصدا ... كيما يقول فقال مثل مقاله ناداه اين ترى محط رحاله ... فأجاب أين ترى محط رحاله ومن شعر النصير: أقول والكأس قد تبدت ... في كف أحوى أغن أحور خربت بيتي وبيت غيري ... وأصل ذا كعبك المدور ومنه أيضاً: إن الغزال الذي هام الفؤاد به ... استأنس اليوم (2) عندي بعد ما نفرا أظهرتها طاهريات وقد ربضت ... فيها الأسود (3) رآها الظبي فانكسرا ومنه أيضاً: قالوا افتضحت بحبه ... فأجبت لي في ذا اعتذار من لي بكتمان الهوى ... وبخده نم العذار وقال أيضاً: ما زال يسقيني زلاب رضابه ... لما خفيت ضنىً وذبت توقدا ويظنني حياً رويت بريقه ... فإذا دعا قلبي يجاوبه الصدا وقال أيضاً: ماذا يضرك لو سمحت بزورةٍ ... وشفعتها لمكارم الأخلاق

_ (1) ديوان الأرجائي: 328. (2) ص: النوم. (3) البدر السافر: بها أسود.

وردعت نفسك حين تمنعك اللقا ... وتقول هذا آخر العشاق وقال: لي منزل معرفوه ... ينهل غيثاً (1) كالسحب أقبل ذا العذر به ... وأكرم الجار الجنب وقال: رأيت فتى يقول بشط مصر ... على درج بدت والبعض غارق متى غطى لنا الدرج استقمنا ... فقلت نعم وتنصلح الدقائق وقال: ومذ لزمت الحمام صرت فتى ... خلا يداري من لا يداريه أعرف حر الأشيا وباردها ... وآخذ الماء من مجاريه قلت: لما كتب أبو الحسين الجزار إلى النصير الحمامي: حسن التأتي مما يعين على ... رزق الفتى والحظوظ تختلف والعبد مذ كان في جزارته ... يعرف من أين تؤكل الكتف كتبت إليه النصير البيتين المذكورين أولاً. وقال النصير أيضاً (2) : رأيت شخصاً آكلاً كرشةً ... وهو أخو ذوقٍ وفيه فطن وقال ما زلت محباً لها ... قلت من الإيمان حب الوطن وقال النصير يوماً للسراج الوراق: قد عملت قصيدة في الصاحب تاج الدين وأشتهي أنك تزهزه لها وتشكرها، وسيرها إلى الصاحب، فلما أنشدت

_ (1) البدر السافر: لها انهمال. (2) مر البيتان في ج؟ 1: 129.

بحضرة السراج قال السراج بعد ما فرغ منها: شاقني للنصير شعر بديع ... ولمثلي في الشعر نقد بصير ثم لما سمعت باسمك فيه ... قلت نعم المولى ونعم النصير فأمر له الصاحب بدراهم وسيرها إليه وقال: قل له هذه مائتا درهم صنجة (1) ، فلما أدى الرسول الرسالة قال النصير: قبّل الأرض بين يدي مولانا الصاحب وقل له: يسأل إحسانك وصدقاتك أن تكون عادة، فلما " بلغ " ذلك الصاحب أعجبه وقال: يكون ذلك عادته. وكتب النصير إلى السراج يتشوقه: وكدرت حمّامي بغيبتك التي ... تكدّر من لذاتها صفو مشربي فما كان صدر الحوض منشرحا بها ... ولا كان قلب الماء فيها بطيّب وكتب أيضاً يستدعي إلى حمامه: من الرأي عندي أن تواصل خلوة (2) ... لها كبد حرّى وفيض عيون تراعي نجوماً فيك من حرّ قلبها ... وتبكي بدمع قارح وحزين غدا قلبها صباً إليك وأنت إن ... تأخرت أضحى في حياض منون وكتب ناصر الدين ابن النقيب إلى النصير وقد حصل له رمد: يقولون لي عين النصير تألمت ... ولازمه في جفنه الحكّ والأكل فقلت أعين الراس أم عين غيره ... فللعلو شيء لا يداوى به السفل فقالوا بل العين التي تحت صلبه ... فقلت لها التشييف (3) عندي والكحل

_ (1) لعله يعني أنها دراهم وازنة اي راجحة في وزنها على المعدل المتعارف؛ والصنجة: هي قطعة محررة بوزن بها عند السبك، ووقد جاء عند ابن بعرة ((فإذا احتجت مائة قيراط تحرر أيضاً بصنجة الماءة تحريراً ثانياً)) (كشف الأسرار العلمية: 75) . (2) كذا، ولعله ((خلة)) أو ((حلة)) . (3) التشييف: معالجة العين بالشيف، وهو نوع من القطرة.

وميل بماء الريق يبتلّ سفله ... فيدخل سهلاً غير صعب وينسل وأغسلها بالبيض واللبن الذي ... عليّ بتقطيري له يجب الغسل فإن شاء وافيت الأديب مداوياً ... ولم أشتغل عنه وإن كان لي شغل فأجابه النصير رحمهما الله تعالى: أيا من له في الطب علم مباشر ... وما كلّ ذي قول له القول والفعل أتيت بطبّ قد حوى البيع والشرا ... تبين لي في ذلك الخرج والدخل وإن كان ذا سهلاً بطبك إنه ... بسقمي صعب ليس هذا به سهل فلا عدم المملوك منك مداوياً ... وما زال للمولى على عبده الفضل وقال النصير ذوبيت: في وجهك للجمال والحسن فنون ... في طرفك للسحر فتور وفتون أنى أسلو هواك يا من باتت ... عيناه تقول للهوى كن، فيكون وقال: إن عجل النوروز قبل الوفا ... عجّل للعالم صفع القفا فقد كفى من دمعهم ما جرى ... وما جرى من نيلهم ما كفى وقال: إني لأكره في الأنام ثلاثة ... ما إن لها في عدها من زائد قرب البخيل وجاهلاً متعاقلاً ... لا يستحي وتودداً من حاسد ومن الرزية والبلية أن ترى ... هذي الثلاثة جمعّ في واحد وكتب النصير إلى السراج الورّاق من أبيات: كنت مثل الغزال والله يكفي ... صرت في وجهه إذا جيت كلبا ولعمري لا ذنب لي غير أني ... تبت لله ظن ذلك ذنبا وهو لو جاءني وقد تبت حتى ... يبتغي حاجة فلن أتأبى

فأجابه السراج الوراق من أبيات: وأتى الظبي مرسلاً منك فاستغ ... ربتُ لما دعوت نفسك كلبا ولكم جيت عادياً خلفه تل ... هث عدواً للصيد بعداً وقربا غير أني نظرت عين صفي ال ... دين كادت أن تشرب الظبي شربا فاترك التوبة التي قد نراها ... لك وزراً كما زعمت وذنبا واجتهد في رضاه عنك وقرّب ... كلّ نائي المدى تنل منه قربا فلكم رضت جامحاً في تراضي ... هـ وذللت بالسفارة صعبا وكتب إلى السراج ملغزاً في نون: ما اسم ثلاثي يرى واحداً ... وقد يعد اثنين مكتوبه يظهر لي من بعضه كله ... إذ كلّ حرف منه مقلوبه أضعف ثمانين إلى ستة ... إن شئت لا يعددك محسوبه اطلبه في البر وفي البحر لا ... فات حجى مولاي مطلوبه فكتب إليه الوراق الجواب: يا سالب الألباب من سحره ... بمعجز أعجز أسلوبه ألغزت في اسم وهو حرف وقد ... يخفى علينا منك محجوبه وهو اسم أنثى مرضع طفلها ... غير لبان الناس مشروبه مطّرد منعكس شكله ... سيان في العين ومقلوبه وكتب النصير إلى الوراق: أتى فصل الخريف عليّ جداً ... بأمراض لواعجها شداد وأعذر عائدي إن لم يعدني ... وربّ مريض قوم لا يعاد فأجابه الورّاق: خلائقك الربيع فليس تخشى ... خريفاً في الجسوم له اعتياد

ولا والله لم أعلمك إلا ... صحيحاً والصحيح فما يعاد وكتب النصير إلى الوراق أيضاً: أيها المحسن الذي وهب الله ... تعالى الحسنى له وزياده ضاع ما كان من وصولات وصلي ... فتصدّق بكتبها لي معاده أين تلك الطروس نظماً ونثراً ... منك تأتي على سبيل الإفاده كلّ طرس يجلى عروساً بدرّ ال ... قول كم من عقد وكم من قلاده كان عيسى إذا أتاك رسول ... منك يحيى خلاّ أمتّ وداده شهد الله ليس لي غير ذكراك ... وإلا خرست عند الشهاده فكتب الورّاق الجواب: لم " يفارق سو " اد عيني حبيب ... حلّ من قلبي المشوق سواده فكأني ولا أذوق له رز ... ءاً جرير وذاك عندي سواده ذو بيان أدنى بلاغته تن ... سيك قساً وعثره وإياده جوهري الألفاظ كم قلد الأج ... ياد عقداً من نظمه وقلاده فعبيد (1) أدنى العبيد لديه ... ولبيد عن نظمه ذو بلاده ولأزجاله ابن قزمان يعنو ... ولتوشيحه يقرّ عباده (2) فات دار الطراز منه خلال ... لو بها للسعيد تمت سعاده يا صديقي الذي غدا راعياً ... فيّ للأصدقاء فيّ زهاده هجروني كأنني مصحف أو ... مسجد قد أقيم أو سجاده دمت نعم النصير لي ما تغنّت ... ساجعات على ذرا ميّاده وكتب النصير إلى السراج ملغزاً في النار:

_ (1) يعني عبيد بن الأبرص. (2) عبادة بن ماء السماء وشاح أندلسي.

وما اسم ثلاثي له النفع والضّرر (1) ... له طلعة تغني عن الشمس والقمر وليس له وجه وليس له قفا ... وليس له سمع وليس له بصر يمد لساناً (2) تختشي الريح بأسه ... ويسخر يوم الضرب بالصارم الذكر يموت إذا ما قمت تسقيه قاصداً ... وأعجب من ذا أن ذاك من الشجر أيا سامع الأبيات دونك شرحها ... وإلا فنم عنها ونبّه لها عمر فكتب إليه الورّاق الجواب: أراك نثير الدين ألغزت في التي ... تعيد لمسك الليل كافورة السحر رأى معشر أن يعشقوها ديانة ... وتا لله لا تبقي عليهم ولا تذر وكل على قلب لهم ران إسمها ... فمسكنهم منها ومأواهم سقر وقد وصفوا (3) الحسناء في بهجة بها ... كما وصفوا الحسناء بالشمس والقمر ولو لم تكن ما طاب خبز لآكل ... ولا لذّ ماء في حماك لمن عبر وكتب " النصير " إلى الورّاق ملغزاً في ديك: أيا من لديه غامض الشعر يكشف ... ومن بدره بادي السنا ليس يكسف عساك هدى لي إنني اليوم ذاهل ... عن الرشد فيما قد أرى متوقف أرى اسماً له في الخافقين ترفّع ... أخا يقظة ذكراً ولا يتعفف رأيت به الأشياء تبدو وضدها ... فكاد لهذا الأمر لا يتكيف فعرّفه ذو السمع وهو منكر ... ونكّره ذو اللبّ وهو معرّف فجاوب لأحظى بالجواب فإنه ... إذا جاوب المولى العبيد يشرّف فكتب إليه الورّاق الجواب عن ذلك:

_ (1) ص: والضر. (2) ص: لسانه. (3) ص: وصفوها.

إليك نصير الدين مني إجابة ... بها أوضح المعنى الخفيّ وأكشف رايتك قد ألغزت لي في متوج ... بتذكاره أسماعنا تتشنّف ينبّه قوماً للصلاة ومعشراً (1) ... عبادتهم آس وكاس وقرقف له كرم قد سار عنه وغيره ... وعرف به من غيره ظلّ يعرف حظيّ تراه وادعاً في ضرائر ... يزينه تاج وبرد مفوّف وفي قلبه كيد ولكنّ صدره ... غدا ضيّقاً مثلي بذلك يوصف وكتب النصير إلى الوراق ملغزاً في نعامة: ومفرد جمعاً يرى ... بحذف بعض الأحرف اسم " نعا " أكثره ... فقال باقيه اكفف تراه يغدو مسرعاً ... في برده المفوّف فكتب الورّاق الجواب: لو قلت في من قد نعى ... مات لصدقتك في فكل باغ كالذي ... تبغي رهين التلف ألغزت في اسم طائر ... في الأرض عنا ما خفي يفحص فافحص عنه يا ... ربّ الفتون تعرف وهو لعمري في السما ... ء يفتضي ويقتفي وكتب النصير إلى الورّاق وعنده أحمد الموصلي الزجال: عندنا من غدا بحبك مغرىً ... وله فيك لوعةٌ وغرام موصليّ يهوى الملاح إذا ما ... جاء صبح اللحى وولّى الظلام فهو لا ينتهي عن الشيب بالش ... يب فماذا تقول يجدي الملام لو تبدّى لعينه ابن ثمانين ... غدا وهو عاشق مستهام

_ (1) ص: ومعشر.

قرّ عيناً وطب فديتك نفساً ... عنده أنت أنت بدر تمام فكتب إليه الورّاق الجواب: حبذا من بنات فكرك عذرا ... ء بها من فتيق مسك ختام خلت ميم الرويّ فاها (1) وقد ض ... اق ومن ذاق قال فيه مدام ولها من عقود فضلك حلي ... لم يحز مثل درّه النظّام أذكرت بالشباب عيشاً خليعاً ... نبت فوديه بعد آس ثمام كيف لا كيف لا ولم أر صعباً ... قط يأتي إلا وأنت زمام وبما فيك من تأتّ ولطف ... أنا شيخ للموصليّ غلام فهو نعم المولى، ونعم النصير ال ... مرتضى أنت صاحباً والسلام وكتب النصير إلى الورّاق ملغزاً في كنافة (2) : يا واحداً في عصره بمصره ... ومن له حسن السناء والسنا تعرف لي اسماً فيه ذوق (3) وذكا ... حلو المحيا والجنان والجنى والحلّ والعقد له في دسته ... ومجلس الصدر وفي الصدر المنى إن قيل يوماً هل لذاك كنية ... فقل لهم لم يخل يوماً من " كنا " فكتب الورّاق الجواب: لبيك يا نعم النصير والذي ... أدنت (4) به المنية لي كلّ المنى عرّفتني الإسم الذي عرفته ... وكاد يخفى سرّه لولا " الكنا " له من الحور الحسان طلعة ... تقابل المرآة منها الأحسنا

_ (1) ص: فواها. (2) قال في البدر السافر: وكتب إلى قاضي القضاة تقي الدين القشيري يطلب منه كنافة فبلغني أنه أرسل إليه عشرين درهماً. (3) البدر السافر: حاز ذوقاً. (4) ص: أذنت.

وخدنه بعض اسمه طيراً غدا ... أصدق شيء إن بلوت الألسنا وهو لسان كله وبعد ذا ... تنظره عند الكلام ألكنا وفي خوان المجد كانا مألفي ... عند الصيام ربّ فاجمع بيننا وكتب النصير إلى الوراق مع ظروف (1) يقطين في فرد (2) : يا من لدفع الردى غدا جنه ... ومن له في قبولها المنه هدية في الإناء تتبعها خير ... ثناء (3) وهكذا السنه فكتب الوراق الجواب: يا من غدا لي من العدا جنه ... ومن بحمامه لنا جنه جاء بها الفرد وهو ممتلىء ... ملء فؤاد الحماة بالكنه وكل ظرف منها بنوه على ال ... فتح فحقق في حبه ظنه وقال النصير يصف حمامه: حمام الأديب العارف ... ما تجري وحال (4) واقف بها اسطول وما فيه اسطال (5) ... والماء يتزن بالقسطال (6) ... والمال رأيته بطال ... والاسكندراني ناشف ...

_ (1) ص: ضروف. (2) فرد: أظنها تعتني الجوالق الضخم، وفي عامية بعض القرى القسطنطينية ((فردة)) ، ولعلها سميت كذلك لأنها أحد شقي الحمل على الجمل أو غيره. (3) ص: حيز نبى، دون إعجام للباء. (4) أي وحالها، ويلاحظ أنه يشير إلى الحمام بالتأنيث، كما يقال لإحدى النعلين ((فردة)) . (5) أي فيها عدد كبير من الناس ((اسطول)) وليس فيها دلاء ((اسطال)) . (6) القسطل: أنبوب من الخزف أو غيره يجري فيه الماء، وقد جعل الفتحة ألفاً للوزن.

وما رأيت فيها بلان (1) ... يسرح لأحد باحسان ... والزبال يعر القوسان ... قال والهاتمه يتصالف ... ذي دونه وقيمها دون ... مبنيه على ميه مجنون ... والما في المجاري مخزون ... والأنبوب معوج تالف ... وتابوت على فسقيه (2) ... قلتو مت بالكليه ... خذو من نصير الديه ... وإلا اثنينا نتناصف ... وكتب النصير إلى الوراق موشح: أهوى رشاً في مهجتي مرتعه ... أفديه ربيب لا بل قمراً في ناظري مطلعه ... لم يدر مغيب حقف وهلال وغزال وغصن ... إن قام وإن رنا وإن لاح وإن ... والمؤمن كيس كما قيل فطن ... قلبي أبداً إلى محياه يحن ... ما أبعده وفي الحشا موضعه ... ناء وقريب

_ (1) البلان: الصبي الذي يخدم في الحمام. (2) الفسقية: مجتمع الماء (شفاء الغليل) .

قد راق به شعري لمن يسمعه ... إذ كان حبيب يا خجلة غصن البان لما خطرا ... يا حيرة بدر التم لما سفرا ... يا غيرة ظبي الرمل لما نظرا ... يا رخص فتيق المسك لما نثرا ... من لؤلؤ نثره لمن يجمعه ... زاه ورطيب ما أسعد ما أغنى فتى يصنعه ... عقداً لتريب (1) دعني فحديث العشق إفك ومرا ... عندي أبد الزمان والحق أرى ... مدحي لسراج الدين نرو الشعرا ... والكاتب عند الأمرا والوزرا ... كم فيه فضيلة له ترفعه ... عن قدر أديب الله بما قد حازه ينفعه ... والله مجيب " ... " (2) وفاق معنا (3) كرما ... تلقاه إذا نحوته في العلما ... ألمفرد في زمانه والعلما ... كن ممتثلا مرسومه إن رسما ... فالفضل إليه كله مرجعه ... والرأي مصيب لولا عمر (4) الفضل عفت أربعه ... أو كان غريب

_ (1) التريب: ما دون النحر من الصدر. (2) بياض في ص. (3) ص: معن، ومعن بن زائدة مشهور بسخائه. (4) يعن السراج الوارق، واسمه عمر.

بالفرع غدت في شفق الحدين ... كالبدر يلوح نوره للعين ... لما رميت من هاجري بالشين ... غنته وقد فارقها يومين ... قد غاب ولي يومين ما أقشعه ... خلوه يغيب لو راح إلى نجد أنا أتبعه ... حتى لو اصيب فأجابه السراج الوراق: البدر على غصن النقا مطلعه ... من فوق كثيب من طرفي والقلب له موضعه ... يبدو ويغيب إنسان عيوني ظل في الدمع غريق ... والقلب بنار البعد والصد (1) حريق ... من يطفئها من مسكر الراح بريق ... والدر بثغر راق لمعاً وبريق ... من يمنحه السؤال لا يمنعه ... ظمآن كئيب أبلاه بما يخفى به موضعه ... عن مس طبيب من فترة جفنه أثار الفتنا ... واستل بها من الجفون الوسنا ... إن ماس وإن أسفر أو عن لنا ... كالغصن وكالبدر وكالظبي رنا ... دع وصفي فالحسن له أجمعه ... من غير ضريب وانظر ملحا أضعاف ما تسمعه ... من كل لبيب

_ (1) ص: والضد.

لم أنس وسكري بين كاس ورضاب ... من فيه، وشكي بين ثغر وحباب ... والليل كما شاب على إثر شباب ... والجو لنا رق كما رق عتاب ... لا بل غزل النصير إذ موقعه ... من كل أديب كالماء من الظمآن إذ يكرعه ... في قيظ أبيب (1) شيخ الأدباء شرقها والغرب ... من كل عروض يمتطي أو ضرب ... أو وصف مقام لذة أو حرب ... كم هز معاطف القنا والقضب ... بالجزل من اللفظ الذي يبدعه ... من كل غريب قد سلم في الشعر له أشجعه ... والشيخ حبيب (2) هذا وإذا جدد خلعاً لعذار ... في وصف رشيق القد أو ذات خمار ... أذكى لك منه الشجر الأخضر نار ... كم قد فتنت وجداً به ذات سوار ... الفته وقالت أي تراها معه ... تأخذ بنصيب مني وإذا زوجي أتى يصفعه ... لو كان شبيب

_ (1) أبيب: الشهر الحادي عشر من الشهور القبطية، ويقع في تموز (يوليه) . (2) يعني أشجع السلمي وحبيب بن أوس (ابا تمام) .

النصير الأذفودي

552 - (1) النصير الأذفودي النصير الأذفودي؛ قال كمال الدين جعفر: لم أجد بأذفو من يعرف اسم أبيه، وكان أديباً شاعراً ينظم الشعر والموشح، وكان في أوائل المائة السابعة، وأظنه مات بعد الخمسين والستمائة؛ أنشدني له والدي في خولي اسمه كستبان: أبي كستبان الرجل أن يحمل الظرفا ... لقد عدم الحسنى كما عدم الظرفا يسمونه الخولي وهو مصحف ... ألا إنه الحولي الذي يأكل الحلفا ومن نظمه هذا الموشح: يا طلعة الهلال ... هلا لي في الحب منتظر يا غاية الآمال ... أما لي (2) من الهوى مفر أما لدائي راقي ... من راق قدراً على الأنام زها بحسن الساق ... والساقي من ريقه المدام به فؤادي باقي ... والباقي في لجة الغرام وسست والخلاق ... أخلاقي بالصبر إذ هجر فلذ للمذاق ... مذاقي في حبه السهر هل من فتى يسعى في ... إسعافي بالقرب من رشا إن مال بالأرداف ... أردى في قلبي مع الحشا

_ (1) الزركشي: 340 والطالع السعيد: 681، ولم ترد في المطبوعة. (2) ص: مالي.

مكمل الأوصاف ... أوصى في قتلي وأدهشا عقلي وحكموا لجافي ... ألجا في ركوبه الغرر فكم من الإسراف ... أسرى في كفيه من خطر أزرى الجبين الحالي ... بالحال ممن قد اعتدى إذ فاق بالكمال ... كما لي أشقى وأنكدا من ابنة الدوالي ... دوا لي قلبي من الردى ومذ بذلت مالي ... أوما لي باللحظ إذ نظر وقال إذ ألوا لي ... الوالي يرفع له الخبر يا غصن بان مائل ... يا مائل عني لشقوتي وارثي (1) لدمعي السائل ... يا سائل عن حال قصتي ولا تطيع العاذل ... يا عاذل ورافق بمهجتي وان تزرني قابل ... في قابل أفوز بالظفر كي ينجلي يا فاضل ... الفاضل من حالي (2) الغير يا منتهى آمالي ... أما لي في الحب من مجير ارثي لجسمي البالي ... يا بالي وارحم فتى أسير فقد بذلت الغالي ... يا غالي في القدر يا أمير وفيك قد ألقى لي ... يا قالي هجرانك الضرر وقطعت أوصالي ... يا صالي بقتلي سقر إن جزت بين السرب ... سر بي عن حيهم قليل ومل بهم وعج بي ... فعجبني قلبي بهم بخيل

_ (1) الطالع: ارث. (2) الطالع: في حالة.

وقف بهم يا صحبي ... وصح بي ابكوا على القتيل وإن تقضى نحبي ... فنح بي في السهل والوعر وانزل بهم والطف بي ... وطف بي في البدو والحضر لم أنس إذ غناني ... أغناني والليل قد هدا وقال إذ حياني ... أحياني روحي لك الفدا واهتز بالأردان ... أرداني إذ قام منشدا وطائر الأفنان ... أفناني إذ ناح في السحر وهاتف الأذان ... آذاني إذ نبه البشر

حرف الهاء

حرف الهاء

فراغ

هارون الرشيد

(1) 553 هارون الرشيد هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أمير المؤمنين الرشيد ابن المهدي ابن المنصور؛ كان شجاعاً كثير الحج والغزو، حج في خلافته ثماني حجج، وقيل تسع، وغزا ثماني غزوات، ولم يحج خليفة بعده، وكان في أيامه فتح هرقلة. وكان طويلا جسيما أبيض قد وخطه الشيب، مولده سنة سبع وأربعين ومائة في نصف شوال بمدينة الري، وبويع له بمدينة السلام في ربيع الأول سنة سبعين ومائة يوم موت الهادي، وكان ولي العهد بعده، وله يومئذ اثنان وعشرون سنة ونصف، وتوفي بطوس في جمادى الآخرة (2) سنة ثلاث وتسعين ومائة، وله ست وأربعون سنة وكانت مدة خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وستة (3) عشر يوماً، وكان يحج سنة ويغزو سنة، ولذل قال فيه القائل: فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور ففي أرض العدو على طمر ... وفي أرض الثنية فوق كور وكان جواداً بالمال، واعتمد على البرامكة في دولته فزينوها إلى أن أكثروا الدالة عليه ففتك بهم، ولكن ساء تدبيره للملك بعدهم وظهر الاختلال في دولته

_ (1) مراجع أخباره كثيرة، وانظر تاريخ بغداد 14: 5 والديارات: 144 وتاريخ الخميس 2: 331 والبداية والنهاية 10: 213 ومعجم المرزباني: 462 والزركشي: 340 والروحي: 48 والفخري: 175 وتاريخ الخلفاء: 307 وخلاصة الذهب المسبوك: 107 وسائر المصادر التاريخية الكبرى ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: الآخر. (3) ص: وست.

بعدهم، وكان يقول: أغرونا بهم حتى إذا هلكوا وجدنا فقدهم ولم يسدوا مسدهم. وكان فصيح المقال، قال لإسحاق بن إبراهيم الموصلي وقد أنشده أبياتاً منها: وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل لله در أبيات (1) تأتينا بها ما أحكم أصولها وأحسن فصولها وأقل فضولها! فقال إسحاق: أخذ الجائزة مع هذا الكلام ظلم. وله شعر جيد منه قوله في جارية صالحها: دعي عد الذنوب إذا التقينا ... تعالي لا نعد ولا تعدي ومنه: ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي أعز مكان مالي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه غلبن أعز من سلطاني ومن شعر الرشيد يرثي جاريته هيلانة: أف للدنيا وللزي ... نة فيها والاناث إذ حثا الترب على هيلا ... ن الناس في الحفرة حاثي فلها تبكي البواكي ... ولها تشجي المراثي خلفت سقماً (2) طويلاً ... جعلت ذاك تراثي وكان من أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا، كان يصلي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان يحب

_ (1) ص: ابياناً. (2) ص: سقمى.

العلم وأهله، ويعظم حرمات الله تعالى؛ ولما مات ابن المبارك جلس للعزاء وأمر الناس أن يعزوه. واجتمع له ما لم يجتمع لغيره: وزراؤه البرامكة، وقاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه العباس بن محمد عم أبيه، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأعظمهم، ومغنيه إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وزوجته زبيدة. قال ابن حزم: كان يشرب الخمر؛ ولما مات صلى عليه ابنه صالح ودفنه بطوس. وذكر الرواة أن الرشيد صنع قسيماً من الشعر وهو: الملك لله وحده ... ثم أرتج عليه فقال: استدعوا من بالباب من الشعراء، فدخل عليه جماعة منهم الجماز (1) فقال الرشيد: أجيزوا، وأنشدهم القسيم، فبدر الجماز فقال: وللخليفة بعده ... فقال الرشيد: زد، فقال الجماز: وللمحب إذا ما ... حبيبه بات عنده فقال الرشيد: أحسنت، لم تعد ما في نفسي، وأجازه بعشرة آلاف درهم، رحمه الله.

_ (1) كان الجماز من شعراء البصرة ومن موالي قريش (انظر طبقات ابن المعتز: 373 وتاريخ بغداد 3: 125) .

" الواثق بالله "

554 - (1) " الواثق بالله " هارون بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن العباس، أمير المؤمنين الواثق بالله ابن المعتصم بالله ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور؛ أمه أم ولد يقال لها قراطيس. كان أبيض إلى الصفرة، حسن الوجه جميل الطلعة جسيماً، في عينه اليمنى نكتة بياض. مولده يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان سنة تسعين ومائة، وبويع له بسامرا يوم الجمعة لإحدى عشرة (2) ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين، وتوفي بسامرا يوم الثلاثاء لخمس بقين من الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام. وكان كاتبه محمد بن عبد الملك الزيات، وحاجبه إيتاخ ومحمد بن حماد ابن نقش ثم محمد بن عاصم؛ وكان يقال له " المأمون الصغير " لشبه أحواله كلها بأحواله، وكان أعلم بني العباس بالغناء، وله أصوات مشهورة من تلحينه. ومن نادر كلامه لشخص كان عاملاً له على عمل، نقل عنه أنه قال لمن شفع إليه في قصته لو شفع لك النبي صلى الله عليه وسلم ما شفعتك: لولا أن في خطأ لفظك إشارة إلى صواب معناك في استعظامك ووضعك رسول الله صلى الله عليه وسلم في غاية التمثيل لمثلت بك. ثم أمر أن يضرب ثمانين سوطاً

_ (1) الزركشي: 340 والأغاني 9: 267 ومعجم المرزباني: 462 وتاريخ بغداد 14: 15 وتاريخ الخلفاء: 367 والروحي: 53 وخلاصة الذهب المسبوك: 223 والفخري: 215 وسائر المصادر التاريخية الكبري؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: عشر.

ويعزل. ورئي الواثق في تلك الحالة وهو يرعد غضباً وقال: والله لا وليت لي عملاً أبداً. وللواثق شعر حسن منه (1) : قالت إذا الليل دجا فأتنا ... فجئتها حين دجا الليل خفي وطء الرجل من حاسد ... ولو درى حل به الويل وله: تنح عن القبيح ولا ترده ... ومن أوليته حسنى فزده ستكفى من عدوك كل كيد ... إذا كاد العدو ولم تكده وكان يحب خادماً أهدي له من مصر، فأغضبه الواثق يوماً فسمعه يقول لبعض الخدم: والله إن الواثق يروم منذ أمس أن أكلمه فلم أفعل، فقال: يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا ... هل أنت إلا مليك جار فاقتدرا (2) لولا الهوى لتجارينا على قدر ... فإن أفق مرة منه فسوف ترى وقال يحيى بن أكثم: ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب ما أحسن إليهم الواثق، ما مات وفيهم فقير. وكان ابن أبي داود قد استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة بالقول بخلق القرآن، ويقال إن الواثق رجع قبل موته عن القول بخلق القرآن. وقال عبيد الله بن يحيى (3) : حدثنا إبراهيم بن ساباط قال: حمل فيمن حمل رجل مكبل بالحديد من بلاده فأدخل، فقال ابن أبي داود: تقول أو أقول؟ قال: هذا من أول جوركم، أخرجتم الناس من بلادهم ودعوتموهم إلى

_ (1) معجم المرزباني: 463. (2) السيوطي: جار إذ قدرا. (3) تاريخ الخلفاء: 368 والرجل الذي جعل من بلاده هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأذرمي.

شيء، لا بل أقول، قال: قل، والواثق جالس، قال: أخبرني عن هذا الرأي الذي دعوتم إليه الناس أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم به فلم يدع الناس إليه أم شيء لم يعلمه؟ قال: علمه، قال: فكان يسعه أن لا يدعو الناس إليه وأنتم لا يسعكم؟! قال: فنبهته، واستضحك الواثق وقام قابضاً على فمه، ودخل بيتاً ومد رجليه وهو يقول: وسع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسكت عنه ولم يسعنا، وأمر أن يعطى ثلاثمائة دينار وأن يرد إلى بلده. وقال رزقان بن أبي داود: أن الواثق لما احتضر قال: الموت فيه جميع الخلق مشترك ... لا سوقة منهم يبقى ولا ملك ما ضر أهل قليل في تفاقرهم (1) ... وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا ثم أمر بالبسط فطويت من تحته وألصق خده بالأرض وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه. وكان في سنة اثنتين ومائتين قد صادر الدواوين وضرب أحمد بن أبي إسرائيل ألف صوط (2) وأخذ منه ثمانين ألف دينار، ومن سليمان بن وهب كاتب الأمير إيتاخ أربعمائة ألف دينار، ومن أحمد بن الخصيب وكاتبه ألف ألف دينار ويقال إنه أخذ من الكتاب في هذه السنة ثلاثة آلاف ألف دينار.

_ (1) السيوطي: تفارقهم، وما هنا أصوب. (2) كذا يكتبها المؤلف.

ابن المصلي الارمنتي

555 - (1) ابن المصلي الارمنتي هارون بن موسى بن محمد، الرشيد المعروف بابن المصلي الارمنتي؛ قال كمال الدين جعفر الأذفوي: اجتمعت به ولم يعلق بذهني منه شيء، وله شعر كثير يأتي من جهة الطبع، ليس يعرف له اشتغال، وكان إنساناً حسناً فيه لطافة. توفي بأرمنت سنة ثلاثين وسبعمائة، وأورد له: حثها الشوق حثيثاً من وراها ... فتراها عانقت ترب ثراها واعتراها الوجد حتى رقصت ... طربا أسكرني طيب شذاها غني يا ساقي الراح بها ... ليس يغني فاقتي إلا غناها منها في ذم الحشيش ومدح الخمر: وامل لي حتى تراني ميتا ... إن موت السكر للنفس حياها ليس في الأرض نبات (2) أنبتت ... فيه سر حير العقل سواها رامت الخضراء تحكي سكرها ... قتلوها بعد تقطيع قفاها وكان قبلي الدمقرات قرية تسمى ببويه (3) وفيها بدوية، فقال الرشيد فيها: بدويه في ببويه ساكنا ... صيرت عندي المحبه ماكنا (4) اسمها ست العرب ... هيجت عندي الطرب أنا قاعد بين جماعه نستريح ...

_ (1) الزركشي: 341 والطالع السعيد: 66، ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: نباتاً. (3) ببويه: كانت الدمقرات وطفنيس وقد اندثرت (رمزي 1: 143) . (4) الطالع: كامناً، وماكنا تعني ((مكينة)) اي ثابتة راسخة.

عبرت وحده لها وجه مليح ... بقوام أعدل من الغصن الرجيح ... في الملاحة زايدا ... ووراها قايدا ... لو تكن لي رايدا ... كنت نعطيها ألف دينار وازنا ... وابن في داخل (1) بيوتي ماذنا وترى مني العجب ... في تصانيف الأدب نفرت مني كما نفر الغزال ... واسفرت لي عن جبين يحكي الهلال ... ودنت أرمت بعينيها نبال ... ثم قالت يا فلان ... خذ من احداقي أمان ... معك في طول الزمان ... فأنا والله مليحه فاتنا ... ومن الحساد ما أنا آمنا والملك (2) وأهل الرتب ... يأخذوا مني الحسب قلت يا ستي أنا هوني نموت ... ادفنوني عندكم جوا البيوت ... والعذارى حولها يمشوا سكوت ... ثم قالوا كلميه ... يا عريبه (3) وارحميه ... ذا غريب لا تهجريه ...

_ (1) الطالع: داخل في. (2) الطالع: والملوك. (3) ص: عربيه.

يشتهر حالك يصير لك كاينا ... يقتلوه أهلك وتبقي ضامنا ذا الحديث فيه العطب ... ليس ذا وقت الغضب قالت امضي لا يكون عندك ضجر ... واصطبر واعمل على قلبك حجر ... ما طريقي سابله من جا عبر ... والعذارى يعرفوك ... ما تراهم يسعفوك ... ظلموني وأنصفوك ... ثم وعاهدني فما أنا خاينا ... وأنا الليلة لروحي راهنا مر وعبي لي الذهب ... فترى عقلك ذهب واعدتني (1) وبقيت في الانتظار ... واورثتني الذل بعد الانكسار ... والدحى قد صار عندي كالنهار ... عندما غاب القمر ... واظلم الليل واعتكر ... جف قلبي وانكسر ... وعريبا في حديثي واهنا ... آمنه في سربها مطامنا والفؤاد مني اضطرب ... ونشف ذاك الطرب صرت نرعى النجم إلى وقت الصباح ... إذ بدا ذي الكوكب الدري ولاح ... فإذا هي قد أتت ست الملاح ...

_ (1) الطالع: عاهدتني.

الجرذ الكاتب

والعذارى في عتاب ... مع عريبه في ضراب ... ثم قالت ذا الكلاب ... ينبحوا تأتي الرجال الظاعنا ... بالسيوف وبالرماح الطاعنا يدركوني في الطلب ... يجعلوا راسي ذنب 556 (1) الجرذ الكاتب هبة الله بن الحسين بن محمد بن هبة الله بن محمد بن علي بن الحسن بن المطلب، أبو المعالي الملقب بالجرذ؛ من بيت الوزارة والتقدم، كان أديباً فاضلاً شاعراً يكتب خطاً حسناً، ونسخ بخطه الكثير للناس، وكان ظريفاً لطيفاً، وجمع في الهزل مجاميع مطبوعة، وأسن وعجز عن الحركة، وتوفي سنة تسعين وخمسمائة، رحمه الله. ومن شعره: فديت من في وجهها سنة ... أشهى إلى قلبي من الفرض تنسى عهوداً سلفت بيننا ... كأنما قد أكلت قرضي أشار إلى أن أكل الطعام الذي أكل منه الفار يورث النسيان فيما يزعمه أصحاب التجارب، وحسن هذا لأن اسمه الجرذ. ومن شعره: ألا قبح الله هذي الوجوه ... وبدلنا غيرها أوجها

_ (1) لم ترد ترجمته في المطبوعة.

الصائن ابن عساكر

فلا أفقها مؤذن بالندى ... ولا بالعلا مؤذن أوجها وقال في ابن دينار كاتب الوزير، وكان أحاله عليه فمطله: مولاي في بابكم كاتب ... يزيد في ظلمي إفراطا مضيع للمال لكنه ... أضحى على شؤمي محتاطا ظن أباه من عطاياك لي ... فليس يعطيني قيراطا وقال في ذم الغيم: ما أقبح الغيم ولو أنه ... يمطرنا دراً وياقوتا فكيف والآفاق مغبرة ... شوهاء لا ماء ولا قوتا وقال: نفض التراب عقوق عن مناكبنا ... لأنه نسب الآباء في القدم 557 (1) الصائن ابن عساكر هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي الشافعي، ابن عساكر أخو الحافظ ابن عساكر؛ كان الأكبر، وكان يعرف بالصائن؛ حفظ القرآن العظيم في صباه، وقرأه بروايات على أبي الوحش سبع بن قيراط وأحمد بن محمد بن خلف بن محرز الأندلسي، وسمع من الشريف أبي القاسم

_ (1) طبقات السبكي 4: 320 والدارس 1: 416 وعبر الذهبي 4: 184 والأسنوي 2: 215 وترجم له ابن خلكان (3: 311) في ترجمة أخيه الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، ووفاته على التحديد 23 شعبان سنة 563؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

أبو الحسين الحاجب

علي بن إبراهيم بن العباس العلوي وأبي طاهر ابن الحنائي (1) وأبي الفرج غيث ابن علي الصوري وغيرهم، وقرأ الفقه على أبي الحسن علي بن المسلم ونصر الله ابن محمد المصيصي. وقدم بغداد سنة عشر وخمسمائة، وقرأ الخلاف على أسعد الميهني، وقرأ أصول الفقه على ابن البرهان، وأصول الدين على أبي عبد الله القيرواني، وسمع هناك على أشياخ العصر، وسمع بالكوفة ومكة بعدما حج، ورجع إلى بغداد ثم عاد إلى دمشق، وصار معيداً لشيخه علي ابن المسلم بالمدرسة الأمينية، ثم إنه درس بالغزالية بالجامع الأموي، وأفتى وحدث واعتنى بعلوم القرآن والنحو واللغة، وحصل النسخ نسخاً وتوريقاً وشراء، وكان فاضلاً ظريفاً كيساً مطبوعاً عشيراً حريصاً على طلب العلم، وكتبه مبذولة للطلبة والمستفيدين والغرباء، ولم يزل يكتب إلى أن مات في سنة " ثلاث وستين " (2) وخمسمائة، رحمه الله تعالى وإيانا. 558 - (3) أبو الحسين الحاجب هبة الله بن الحسن، أبو الحسين الحاجب؛ ذكره كمال الدين ابن الأنباري في " كتاب النحويين " (4) ، ومات فجأة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، كان

_ (1) الحنائي: غير معجمة في ص. (2) بياض في ص، واعتمدت فيه على المصادر المذكورة. (3) الزركشي: 341 (هبة الله بن الحسين) وتاريخ بغداد 14: 71 ونزهة الالبا: 239 وإنباه الرواة 3: 358 ومعجم الأدباء 19: 271، وبغية الوعاة: 407؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (4) الأرجح أنه يعني كتاب ((نزهة الألبا)) .

من أفاضل الشعراء، ومن شعره: يا ليلة سلك الزمان ... بطيبها في كل مسلك إذ أرتقي ردف (1) المسرة ... مدركا ما ليس يدرك والبدر قد فضح الظلام ... فستره فيه مهتك وكأنما زهر النجوم ... بلمعها شعل تحرك والغيم أحيانا يموج ... كأنه ثوب ممسك وكأن تجعيد الرياح ... بدجلة ثوب مفرك وكأن نشر المسك ينفح ... في النسيم إذا تحرك وكأنما المنثور مصفر ... الذرا (2) ذهب مشبك والنور يبسم في الرياض (3) ... فإن نظرت إليه سرك شارطت نفسي أن أقوم ... بشرطها (4) والشرط أملك حتى تولى الليل منهزماً ... وجاء الصبح يضحك واهاً لنا لو أننا ... في ظل طيب العيس نترك والمرء يحسب عمره ... فإذا أتاه الشيب فذلك (5)

_ (1) النزهة: درج. (2) ص: الندى. (3) ص الزركشي: والروض يبسم والرياض. (4) النزهة: بحقها. (5) فذلك: ختم الحساب.

" هشام بن عبد الملك "

559 - (1) " هشام بن عبد الملك " هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أبو الوليد أمير المؤمنين؛ كان أبيض أحول سمينا طويلا أكلف يخضب بالسواد، مولده سنة قتل ابن الزبير - سنة اثنتين وسبعين للهجرة - وتوفي بالرصافة من أرض قنسرين ليلة الأربعاء لست خلون من شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة، وصلى عليه ابنه مسلمة بن هشام، وبويع سنة خمس ومائة، وكانت أيامه تسع عشرة (2) سنة وسبعة أشهر. وهو الذي قتل زيد بن علي بالكوفة سنة إحدى وعشرين ومائة، وكانت داره عند باب الخواصين التي بعضها الآن المدرسة النورية. قال مصعب بن الزبير الزبيري: زعموا أن عبد الملك رأى في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات، فدس من سأل سعيد بن المسيب، وكان يعبر الرؤيا، فقال سعيد بن المسيب: يملك من ولده لصلبه أربعة، فكان آخرهم هشام. وكان يجمع المال ويوصف بالحرص والبخل، وكان حازما عاقلا صاحب سياسة حسنة، وكان يكره الدماء، وما كان أشد عليه ما دخله من قتل زيد ابن علي وابنه يحيى، فإنه (3) دخله من قبلهم أمر شديد، فلما ظهر بنو العباس على بني أمية عمد عبد الله بن علي فنبش هشاما من قبره وصلبه.

_ (1) الروحي: 26 وتاريخ الخلفاء: 269 والفخري: 119 وخلاصة الذهب المسبوك: 26 وتاريخ الخميس 2: 318 وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 170 ومرآة الجنان 1: 261 وسائر المصادر التاريخية الكبرى؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: تسعة عشر. (3) ص: فإن.

وكان هشام رجل بني أمية حزما ورأيا، ولما أتته الخلافة سجد لله شكرا، ورفع رأسه فوجد الأبرش الكلبي واقفا (1) فقال: ما لك لم تسجد معي؟ فقال: يا أمير المؤمنين رأيتك وقد رفعت إلى السماء وأنا مخلد إلى الأرض، فقال: أرأيتك (2) إن رفعتك معي أتسجد؟ قال: الآن طاب السجود، وسجد، فأمر له بالإحسان الكثير وأن يكون جليسه طول مدته. وعوتب في شأنه وقيل له: ما تجالس من هذا الأبرش؟ فقال، حظي منه عقله لا وجهه. وجمع من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبله، فلما مات احتاط الوليد على كل ما تركه فما غسل ولا كفن إلا بالقرض والعارية. والمشهور عنه أنه ليس له من الشعر إلا هذا البيت: إذا أنت لم تعص الهدى قادك الهوى ... إلى كل ما فيه عليك مقال ونسب إليه ابن المعتز أيضا: أبلغ أبا مروان عني رسالة ... فماذا بعيب من وفاء ومن ضر ونحن كفيناك الأمور كما كفى ... أبوك أبانا الأمر في سالف الدهر ونسب إليه أيضا: أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك (3) شر الناس عيبا لصاحب أتبدي (4) له بشراً إذا ما لقيته ... وتلسعه بالغيب لسع العقارب ومن بخله أنه رأى بعض أولاده وبثوبه خرق فقال: أقسمت عليك ألا ما رفوته، وتمثل بقول القائل: قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد

_ (1) ص: واقف. (2) ص: أريتك. (3) ص: فإنك. (4) ص: تبدي.

ملك التتار

(1) 560 ملك التتار هولاكو بن تولي قان (2) بن جنكز خان ملك التتار ومقدمهم؛ كان طاغية من أعظم ملوك التتار، وكان شجاعا مقداما حازما مدبرا ذا همة عالية وسطوة ومهابة وخبرة بالحروب ومحبة في العلوم العقلية من غير أن يتعقل منها شيئا. اجتمع عنده جماعة من فضلاء العالم، وجمع حكماء مملكته وأمرهم أن يرصدوا الكواكب، وكان يطلق الكثير من الأموال والبلاد، وهو على قاعدة الترك في عدم التقيد بدين (3) ، لكن زوجته (4) تنصرت. وكان سعيدا في حروبه، طوف البلاد واستولى على الممالك في أيسر مدة. وفتح بلاد خراسان وفارس وأذربيجان وعراق العجم وعراق العرب والشام والجزيرة والروم وديار بكر، وقتل الخليفة المستعصم وأمراء العراق وصاحب الشام وصاحب ميافارقين. قال الظهير الكازروني، حكى النجم أحمد بن البواب النقاش نزيل مراغة قال: عزم هولاكو على زواج بنت ملك الكرج فأبت حتى يسلم فقال: عرفوني ما أقول، فعرضوا عليه الشهادتين فأقر بهما، وشهد عليه بذلك خواجا نصير الدين الطوسي وفخر الدين المنجم، فلما بلغها ذلك أجابت، فحضر القاضي

_ (1) البداية والنهاية 13: 248 والنجوم الزاهرة 7: 220 وتاريخ أبي الفدا 4: 2 (حوادث سنة 663) والحوادث الجامعة: 353 وانظر القسم الأول من ج؟ 2 من جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله الهمداني ففيه تاريخ تفصيلي لهولاكو؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة. (2) مشيد جامع التواريخ: تولوي خان. (3) ص: التقييد. (4) اسمها ظفر خاتون في المصادر العربية (ولعل الكلمة مصحفة عن طقز، إذ يجيء اسمها عند رشيد الدين: دوقوز خاتون) وهي لم تتنصر وإنما كانت تنتمي إلى قوم مسيحيين في الأصل.

فخر الدين الخلاطي وتوكل لها النصير الطوسي، ولهولاكو الفخر المنجم، وعقدوا العقد باسم ماما خاتون بنت الملك داود إيواني على ثلاثين ألف دينار؛ قال ابن البواب: وأنا كتبت الكتاب في ثوب أطلس أبيض. وتوفي هولاكو بعلة الصرع وأخفوا موته وصبروه وجعلوه في تابوت. وقال: كان ابنه أبغا غائبا فطلبوه المغل وملكوه، وهلك هولاكو وله ستون سنة أو نحوها في سنة أربع وستين وستمائة، وخلف من الأولاد سبعة عشر ولدا سوى البنات، وهم: أبغا وأشموط وتمنين (1) وتكسي (2) وأجاي وتسنتر (3) ومنكوتمر الذي التقى هو والملك المنصور قلاوون على حمص وانهزم جريحاً؛ وباكودر وأرغون ونغاي (4) دمر والملك أحمد (5) . وقد جمع صاحب الديوان (6) كتابا في أخبارهم وهو عندي في مجلد.

_ (1) النجوم: وتشمين. (2) النجوم: وتكشي. (3) النجوم: وتستز. (4) النجوم: وتغاي، وهو الصواب. (5) يلاحظ أنه لم يعد سبعة عشر أسماً؛ وذكر رشيد الدين منهم أربعة عشر ولداً وهم: آبقا أبغا، جومقور، يشموت أشموط، بيكين بيشين (تصحفت: تمنين) ، طرغاي أرغون (؟) توسين تشين تكسي (أو تكشي) ، أجاي أجاي، أحمد (وكان اسمه تاكودار) أحمد بيسودار باكودر، قونقرتاي، منكوتيمور منكوتمر، هولاجو، سياوجي (شيبادجي) ، طغاي تيمور تغاي دمر. (6) يريد علاء الدين الجويني.

أبو حية النميري

561 - (1) أبو حية النميري الهيثم بن الربيع بن زرارة، أبو حية - بالحاء المهملة والياء المشددة - النميري؛ كان من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وكان شاعرا فصيحا من ساكني البصرة، وكان أهوج جبانا كذابا، وقيل إنه كان يصرع، وكان له سيف يسميه لعاب المنية ليس بينه وبين الخشب فرق. حدث جار (2) له قال (3) : دخل إلى بيته كلب في بعض الليالي فظنه لصا، فأشرف عليه وقد انتضى سيفه لعاب المنية، ووقف في وسط الدار وقال: أيها المغتر بنا والمتجرىء علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك: خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعته مشهورة، وضرباته مذكورة، اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، والله إن أدع قيسا إليك لا تقم لها، وما قيس؟ تملأ والله الفضاء خيلا ورجلا، سبحان الله ما أكثرها! فبينما هو كذلك إذا بالكلب قد خرج فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفانا حربا. وقال يوما: إني أخرج إلى الصحراء فأدعو بالغربان فتقع حولي فآخذ منها ما أشاء، فقيل له: يا أبا حية أفرأيت إن خرجنا (4) إلى الصحراء فدعوتها فلم تأتك فماذا تصنع؟ فقال: أبعدها الله إذن.

_ (1) الشعر والشعراء: 658 والأغاني 16: 236 وطبقات ابن المعتز: 143 والسمط: 244 والخزانة 4: 283؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: جاراً. (3) قد روى الجاحظ في الحيوان حكاية مشابهة لهذه، وبطلها هو عروة بن مرثد (انظر الحيوان 2: 231) . (4) ص: اخرجنا.

وحدث يوما قال: عن لي ظبي فرميته فراغ عن سهمي، فعارضه السهم ثم راغ فعارضه السهم، ثم راغ فعارضه السهم، فما زال والله يروغ ويعارضه حتى صرعه. وما أحلى قول ابن قلاقس: عسكري جماله ... بطل ليس يدفع قام عن قوس حاجبي ... هـ الله بعينيه ينزع أسهم كيفما انحرف ... ن الناس إلى القلب تتبع هكذا كنت عن أبي ... حية قبل أسمع وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى: وشادن إن هب عرف الصبا ... شممت منه نشره طيه أميل عنه خوف عشقي له ... وجفنه يتبعني غيه كأنني قدامه ظبية ... وطرفه سهم أبي حيه وفد أبو حية على المنصور وامتدحه بقصيد، وهجا فيه (1) بني حسن، فوصله بشيء دون أمله، فاحتجن لعياله أكثره، وصار إلى الحيرة فشرب عند خمارة، وأعجبه الشرب وكره أن ينفد ما معه، وأحب أن يدوم له ما هو فيه، فسال الخمارة أن تبيعه بنسيئة، وأعلمها أنه مدح الخليفة وأرغبها فشرهت، وكان لأبي حية أير كعنق (2) الظليم، فأبرزه لها فتدلهت، وكانت كلما سقته خطت في الحائط خطا، فقال أبو حية: إذا سقيتني كوزا بخط ... فخطي ما بدا لك في الجدار فإن أعطيتني عينا بعين ... فهاتي العين وانتظري ضماري

_ (1) ص: فيها. (2) ص: كنعق.

خرقت مقدما من حيث يؤتى ... خيال مكان ذاك من الازار فصدت بعدما نظرت إليه ... وقد ألمحتها عنق الحوار وكانت وفاته بعد السبعين والمائة.

حرف الواو

حرف الواو

فراغ

" والبة الأسدي "

562 - (1) " والبة الأسدي " والبة بن الحباب، أبو أسامة الأسدي؛ هو أستاذ أبي نواس، وكان ظريفا غزلا وصافا للغلمان المرد (2) والخمر. قال المهدي لعمارة بن حمزة: من أرق الناس؟ قال: والبة بن الحباب حيث يقول: ولها ولا ذنب لها ... حب كأطراف الرماح في القلب يقدح والحشا ... فالقلب مجروح النواحي قال: صدقت والله، قال: يا أمير المؤمنين فما منعك من منادمته؟ قال: قوله: قلت لساقينا على خلوة ... ادن كذا رأسك من راسي ونم على وجهك لي ساعة ... إني امرؤ أنكح جلاسي أفتريد أن أكون من جلاسه على هذا الشرط؟ قال الدعلجي غلام أبي نواس: أنشدت يوما بين يدي أبي نواس قصيدته: يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم وكان قد سكر فقال: ألا أخبرك بشيء على أن تكتمه؟ قلت: نعم، قال:

_ (1) الزركشي: 341 وطبقات ابن المعتز: 87 والأغاني 18: 43 وتاريخ بغداد 13: 518؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة؛ وهي هنا متابعة لما جاء في الأغاني. (2) ص والزركشي: والمرد.

" أبو حليقة "

أتدري من المعني ب " يا شقيق النفس من حكم "؟ قلت: لا، قال: أنا والله المعني بذلك، والشعر لوالبة بن الحباب، وما علم بهذا غيرك. وحكي عن والبة أنه كشف يوما عن عجز أبي نواس وهو أمرد حسن الوجه مليح الجسم، فلما رأى والبة بياض عجزه قبله، فضرط أبو نواس، فقال له والبة: لم فعلت هذا ويلك؟ قال: كراهية أن يضيع قول القائل: " ما جزاء من قبل الاست إلا ضرطة ". وعن ابن سهل الشاعر قال: كان والبة صديقي وكان ماجنا رقيق الدين فشربت أنا وهو يوما بغمى (1) ، فانتبه من سكره وقال: اسمع ثم أنشد: شربت وفاتك مثلي جموح ... بغمى بالكؤوس وبالبواطي (2) يعاطيني الزجاجة أريحي ... رخيم الدل بورك من معاطي أقول له على طرب ألطني ... ولو بمؤاجر علج نباطي فما خير الشارب بغير فسق ... يتابع بالزناء وباللواط جعلت الحج في غمى وبنى ... وفي قطربل أبدا رباطي فقل للخمس آخر ملتقانا ... إذا ما كان ذاك على الصراط يعني بالخمس: الصلوات. وتوفي في حدود المائتين. 563 - (3) " أبو حليقة " أبو الوحش بن أبي الخير بن داود بن أبي المنى، الحكيم الرشيد أبو

_ (1) ص: بعمى، وغمى اسم موضع. (2) ورد البيت برواية مختلفة في طبقات ابن المعتز؛ وما هنا رواية الأغاني. (3) ابن أبي أصيبعة 2: 123.

حليقة؛ سمي " أبو حليقة " لحلقة كانت في أذنه. كان أوحد زمانه في الطب، وكان له حظ من الأدب. ولد بجعبر سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وتوفي سنة سبعين وستمائة، وخرج من جعبر إلى الرها وربي بها، وخدم الكامل وخدم الصالح وخدم الترك إلى دولة الظاهر، وقرأ الطب على عمه أبي سعيد بدمشق وعلى مهذب الدين الدخوار، وله نوادر في الطب. كان قد أحكم معرفة نبض الكامل حتى إنه أخرج يده يوما إليه من خلف ستارة مع الدور (1) المرضى فقال: هذا نبض مولانا السلطان، وهو بحمد الله صحيح، فعجب منه. ولما طال عليه عمل الدرياق الفاروق لتعذر أدويته عمل درياقا مختصرا توجد أدويته في كل مكان، وقصد بذلك التقرب إلى الله تعالى. وكان يخلص المفلوجين لوقته، وينشىء في العصب زيادة في الحرارة الغريزية ويقويه، ويذيب البلغم في وقته، ويسكن القولنج في وقته. وحصل للسلطان نزلة في أسنانه فآلمه ذلك وداواه الأسعد (2) لاشتغال الرشيد بعمل الدرياق، فلم ينجع وزاد الألم، فطلب الرشيد فقال له: تسوك من الدرياق الذي عملته لك وترى العجب، فلما وصل إلى الباب خرجت ورقة السلطان فيها: يا حكيم استعملته وزال الألم لوقته، وبعث له خلعاً وذهبا. ومر على أبواب القاهر بمفلوج ملقى على جنبه، فأعطاه من درياقه شربة، وطلع إلى القلعة وعاد، فقام المفلوج ملقى على جنبه، فأعطاه من درياقه شربة، وطلع إلى القلعة وعاد، فقام المفلوج يعدو في ركابه ويدعو له. وألف للملك الصالح صلصا يأكل به اليخني، واقترح عليه أن يكون مقويا للمعدة منبها للشهوة ملينا للطبع. فركب من البقدونس جزءا ومن الريحان

_ (1) ابن أبي أصيبعة: الآدر، وهي كناية عن النساء، يقول ((من ذلك أنه مرضت دار من بعض الآدر السلطانية)) . (2) يعني أسعد الدين عبد العزيز بن أبي الحسن (- 635) وترجمته في ابن أبي أصيبعة 2: 132.

الترنجاني (1) جزءا ومن قلوب الاترج المنقعة في الماء والملح جزءا، ثم يغسل بالماء الحلو من كل واحد نصف جزء ويدق في جرن الفقاعي كل واحد بمفرده ويخلط ويعصر عليه ماء الليمون والملح ويعمل في أواني ويختم بالزيت. فلما استعمله السلطان أثنى عليه ثناء كثيرا. وشفى بدرياقه من به حصاة ففتها من ساعته وأراق الماء. ومن نوادره أن امرأة من الريف أتت إليه ومعها ولد أصفر ناحل، فأخذ يده ليعرف نبضه وقال لغلامه: هات الفرجية، فتغير نبض الصبي في يده، فقال لأمه: هذا الصبي عاشق في واحدة اسمها فرجية، فقالت أمه: أي والله يا مولاي، وقد عجزت مما (2) أعذله. فعجب الحاضرون منه. وله كتاب " المختار في ألف عقار " وله مقالة في ضرورة الموت وأن الإنسان تحلله الحرارة التي في داخله وحرارة الهواء، وقال متمثلا: وإحداهما قاتلي ... فكيف إذا استجمعا (3) ومقالة في حفظ الصحة، ومقالة في أن الملاذ الروحانية ألذ من الجسمانية، رحمه الله تعالى.

_ (1) ص: الترجمان. (2) ص: عما. (3) ص: اجتمعا.

ولادة بنت المستكفي

564 - (1) ولادة بنت المستكفي ولادة بنت محمد (2) ، هو المستكفي ابن عبد الرحمن؛ كانت واحدة زمانها المشار إليها في آدابها، حسنة المحاضرة، مشكورة المذاكرة، كتبت بالذهب على طرازها الأيمن: أنا والله أصلح للمعالي ... وأمشي مشيتي وأتيه تيها وكتبت على الجانب الأيسر: وأمكن عاشقي من صحن خدي ... وأعطي قبلتي من يشتهيها وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف، وفيها خلع ابن زيدون عذاره، وله فيها القصائد والمقطعات، منها القصيدة النونية التي أولها: بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقا إليكم ولا جفت مآقينا وكانت لها جارية سوداء بديعة الغناء؛ ظهر لولادة من ابن زيدون ميل إلى السوداء فكتبت إليه: لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا ... لم تهو جاريتي ولم تتخير وتركت غصنا مثمرا بجماله ... وجنحت للغصن الذي لم يثمر (3)

_ (1) الزركشي: 341 قال: وذكرها ابن سعيد في كتابه المسمى بالملتقط من السلك من حلى العروش الأندلسية، والذخيرة 1: 376 والمطرب: 7 والصلة: 657 وسرح العيون: 22 والسيوطي: 101 والنفح 4: 205؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) هو محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر. (3) نقل الزركشي عن صاحب المسهب قوله في التعليق على هذا البيت: ((إنها أثارت معنى غريباً في البيت الثاني لأن عتبة كانت سوداء فلا تظهر منها وردة الخجل ولا زهر البياض فكأنها غصن لم يثمر)) .

ولقد علمت بأنني بدر السما ... لكن ولعت لشقوتي بالمشتري وكان مجلس ولادة بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها ملعبا (1) لجياد النظم والنثر، يتهالك الكتاب والوزراء والشعراء على حلاوة عشرتها وسهولة حجابها. مرت يوما بالوزير أبي عامر ابن عبدوس وهو جالس أمام بركة تتولد من مياه الأمطار، ويسيل إليها شيء من الأوساخ، فوقفت أمامه وقالت بيت أبي نواس في الخصيب والي مصر: أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلاكما بحر فتركته لا يحير جوابا ولا يهتدي صوابا. وطال عمرها وعمر أبي عامر المذكور، حتى أربيا على الثمانين ولم يدعا المواصلة ولا المراسلة. وكانت أولا تهوى الوزير ابن زيدون، ثم مالت عنه إلى الوزير أبي عامر ابن عبدوس، وكان يلقب بالفار، وفي ذلك يقول ابن زيدون (2) : أكرم بولادة علقا لمعتلق ... لو فرقت بين بيطار وعطار قالوا أبو عامر أضحى يلم بها ... قلت: الفراشة قد تدنو من النار أكل شهي أصبنا من أطايبه ... بعضا وبعضا صفحنا عنه للفار وقال فيها (3) أيضا (4) :

_ (1) ص: ملعب. (2) الديوان: 196 وقد زيدت فيه اعتماداً على سرح العيون، وتمام المتون. (3) ص: فيه. (4) الديوان: 195، وليست من أصل الديوان.

قد علقنا سواك علقا نفيسا ... وصرفنا إليه عنك (1) النفوسا ولبسنا الجديد من خلع الحب ... ولم نأل أن خلعنا اللبيسا ليس منك الهوى ولا أنت منه ... اهبطي مصر أنت من قوم موسى اشار ابن زيدون إلى قول أبي نواس (2) : أتيت فؤادها أشكو إليه ... فلم أخلص إليه من الزحام فيا من ليس يكفيها خليل ... ولا ألفا خليل كل عام أظنك من بقية قوم موسى ... فهم لا يصبرون على طعام وكانت ولادة تلقب ابن زيدون بالمسدس، وفيه تقول: ولقبت المسدس وهو نعت ... تفارقك الحياة ولا يفارق فلوطي ومأبون وزان ... وديوث وقرنان وسارق وقالت فيه أيضاً: إن ابن زيدون له فقحة ... تعشق قضبان السراويل لو أبصرت أيراً على نخلة ... صارت من الطير الأبابيل وقالت ترميه بأنه مع فتاه علي على حالة: إن ابن زيدون على جهله ... يعتبني ظلما ولا ذنب لي يلحظني شزرا إذا جئته ... كأنني جئت لأخصي علي وقالت تهجو الأصبحي: يا أصبحي اهنأ فكم نعمة ... جاءتك من ذي العرش رب المنن قد نلت باست ابنك ما لم ينل ... بفرج بوران أبوها الحسن وتوفيت ولادة بعد الخمسمائة، رحمها الله تعالى.

_ (1) ص: عنه. (2) ديوان أبي نواس 2: 83 (تحقيق فاغثر) .

أمير المؤمنين الوليد

565 - (1) أمير المؤمنين الوليد الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين الأموي؛ كان يلقب " النبطي " للحنه؛ عاب (2) عليه أبوه لحنه وقال: كيف تعلو رؤوس المنابر؟ فدخل إلى بيت وأخذ جماعة عنده يتعلم منهم العربية وطين عليه وعليهم الباب وقال: لا أخرج حتى أقيم لساني إعرابا؛ ثم إنه خرج بعد ستة أشهر وأكثر، فلما خطب زاد لحنه على ما كان، فقال له أبوه: لقد أبلغت عذراً. كان أبيض أفطس به أثر جدري، وكان جميلا طويلا، بويع له بدمشق يوم الخميس منتصف شوال سنة ست وثمانين بعهد من أبيه، وتوفي يوم السبت لأربع عشرة (3) ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وله تسع وأربعون سنة، وصلى عليه أخوه سليمان بدير مروان من دمشق، وحمل إلى مقابر باب الصغير ودفن بها. وفي أيامه هلك الحجاج بن يوسف، ويقال إن في أيامه نقلت الدواوين من الفارسية إلى العربية (4) . وكان يتبختر في مشيته. وكان يختن الأيتام ويرتب لهم المؤدبين، ورتب للزمنى والاضراء من يقودهم ويخدمهم لأنه أصابه رمد بعينيه فأقام مدة لا

_ (1) ترجمته وأخباره في المصادر التاريخية كالطبري وابن الأثير وابن خلدون واليعقوبي والمسعودي والبلاذري والعيون والحدائق، وانظر تاريخ الخميس 2: 311 والفخري: 115 والروحي: 23 وتاريخ الخلفاء: 242 وخلاصة الذهب المسبوك: 1؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: أعاب. (3) ص: لأربعة عشر. (4) الأصح أنها نقلت إلى العربية أيام أبيه عبد الملك.

يبصر شيئا فقال: إن أعادهما الله تعالى علي قمت بحقه فيهما، فلما برىء رأى أن شكر هذه النعمة الإحسان إلى العميان، فأمر أن لا يترك أعمى في بلاد الإسلام يسأل بل يرتب له ما يكفيه. ولما حضرته الوفاة قال: ما أبالي بفراق الحياة بعدما فتحت السند والأندلس، وبنيت جامع دمشق. ويكفيه بنيانه جامع دمشق ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورزق الفقراء والعميان، فإن له في ذلك شرفا خالدا وذكرا باقيا. وكان مطلاقا لا يصبر على المرأة إلا القليل ويطلقها، فقيل له في ذلك، فقال: إنما النساء رياحين فإذا ذبلت باقة استأنفت أخرى. وحديثه مع وضاح اليمين ومع زوجته أم البنين مذكورة في ترجمة وضاح اليمن، واسمه عبد الرحمن. ولما مات أبوه عبد الملك، تمثل هشام بقول الشاعر (1) : فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما فقال له الوليد: اسكت، فإنك تتكلم بلسان الشيطان؛ هلا قلت كما قال أوس ابن حجر (2) : إذا مقرم منا ذرا حد نابه ... تخمط فينا ناب آخر مقرم وعيره خالد بن يزيد باللحن فقال: أنا ألحن في القول وأنت تلحن في الفعل.

_ (1) هو عبدة بن الطبيب يرثي قيس بن عاصم، انظر الحماسية رقم: 263 في شرح المرزوقي. (2) ديوانه: 122.

الوليد بن يزيد

566 - (1) الوليد بن يزيد الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين، لقب البيطار وخليع بني مروان والفاتك والزنديق. وكان وسيما جسيما أبيض مشربا بحمرة، ربعة قد وخطه الشيب. ولد سنة تسعين وبويع له سنة خمس وعشرين هو مقيم بالرصافة، وقتل بالبخراء (2) على أميال من تدمر ثامن وعشرين جمادى الآخرة (3) سنة ست وعشرين ومائة وله أربعون سنة وقيل إحدى وأربعون، وكانت أيامه سنة وشهرين. وكان أبوه عهد إليه بعد هشام. وكان قد جعل ولديه عثمان والحكم وليي عهده فحبسا ولم يزالا في الحبس إلى أن ولي مروان الجعدي فقتلهما. وكان الوليد قد انتهك محارم الله تعالى، فرماه الناس بالحجارة، فدخل القصر وأغلقه، فأحاطوا به وقالوا لم ننقم عليك في أنفسنا شيئا لكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله تعالى، وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله تعالى، فقال: حسبكم قد أكثرتم، ودخل الدار وأخذ المصحف وقال: يوم كيوم عثمان، وفتح المصحف يقرأ، فتسوروا عليه، وضربه عبد السلام اللخمي على رأسه، وضربه آخر على وجهه فتلف، وجروه

_ (1) الأغاني 7: 3 - 82 والوزراء والكتاب: 68 والخزانة 1: 328 وتاريخ الخميس 2: 320 وتاريخ الإسلام 5: 173 وتاريخ الخلفاء: 273 والروحي: 27 والفخري: 121 وخلاصة الذهب المسبوك: 44 وسائر المصادر التاريخية الكبرى؛ وديوانه من جمع غابريللي (ط. بيروت 1967) ؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: بالبحرا. (3) ص: الآخر.

وحزوا رأسه وأتي يزيد الناقص بالرأس فسجد، وكان قد جعل لمن يأتيه بالرأس مائة ألف درهم، فنصبه على رمح بعد صلاة الجمعة، فلما رآه أخوه سليمان قال: بعدا له، أشهد أنه كان شروبا للخمر ماجنا فاسقا ولقد راودني عن نفسي. قال الشيخ شمس الدين: ولم يصح عنه كفر، لكنه اشتغل بالخمر واللياطة، فخرجوا عليه لذلك. قال صاحب " الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار ": كان ربما صلى سكرانا. وكان في أيام هشام ينتظر الخلافة يوما فيوما، ففتح يوما المصحف فطلع " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " " إبراهيم: 15 " فجعل المصحف هدفا للسهام وجعل يرمي نحو تلك الآية ويقول (1) : تهدد (2) كل جبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل يا رب (3) مزقني الوليد واستقبل شهر الصوم في خلافته بالمجون والشرب، فوعظ في ذلك فقال (4) : ألا من مبلغ الرحمن عني ... بأني تارك شهر الصيام فقل لله يمنعني شرابي ... وقل لله يمنعني طعامي ولما بلغه أن الناس يعيبون عليه ترك الصلاة والصيام، قال: ما للناس وعيب ما نحن فيه؟ لنا منهم الدعاء والطاعة ولهم منا العدل والإحسان؛ ثم

_ (1) ديوانه: 31. (2) الديوان: أتوعد. (3) الديوان: فقل لله. (4) لم ترد في الديوان.

قال: عجبت لمن يعلم أن الفرح لا يكون إلا بنقصان العقل ولا يجعل درجا هذه الأقداح، وأباح المحارم فأصبح دمه وهو مباح. ومن شعره (1) : لا أسأل الله تغييرا لما صنعت ... نامت وقد أسهرت عيني عيناها فالليل أطول شيء حين أفقدها ... والليل أقصر شيء حين ألقاها وقال صاحب الأغاني (2) : لما أتى نعي هشام إلى الوليد قال: والله لألتقين هذه النعمة بسكرة قبل الظهر، ثم قال: طاب يومي ولذ شرب السلافه ... إذ أتانا نعي من بالرصافه وأتانا الوليد (3) ينعى هشاما ... وأتانا بخاتم للخلافه فاصطبحنا من خمر عانة صرفا ... ولهونا بقينة (4) عزافه ثم حلف لا يبرح من موضعه حتى يغنى في هذا الشعر، فغني له وشرب حتى سكر، ثم دخل فبويع له. وسمع صياحا فقال: ما هذا؟ فقيل له: هذا من دار هشام تبكيه بناته، فقال (5) : إني سمعت بليلي (6) ... ورا المصلى رنه إذا بنات هشام ... يندبن والدهنه يندبن قرما جليلا (7) ... قد كان يعضدهنه

_ (1) الديوان: 20. (2) الأغاني 7: 17. (3) الأغاني: البريد، وهو أصوب. (4) ص: بنتية. (5) الأغاني: 18 والديوان: 71. (6) الأغاني: بليل، الديوان: خليلي. (7) الديوان: شيخاً جليلاً.

أنا (1) المخنث حقا ... إن لم أنيكنهنه (2) وقال لعمر الوادي: غنني فيه، فغناه فشرب أرطالا ثم قال له: والله إن سمعه منك أحد لأقتلنك، فما سمع منه حتى مات.

_ (1) ص: ونا. (2) ص: أنيكهنه.

فراغ

حرف الياء

حرف الياء

فراغ

ياقوت المستعصمي

567 - (1) ياقوت المستعصمي ياقوت بن عبد الله، جمال الدين المستعصمي الكاتب؛ كان أديبا عالما فاضلا شاعرا، بلغ من الخط غاية ما بلغها ابن البواب. كان قد اشتراه الخليفة المستعصم صغيرا، وربي بدار الخلافة واعتنى بتعليمه الخط صفي الدين عبد المؤمن، ثم كتب على ابن حبيب، وكتب عليه أبناء الأكابر ببغداد، وحظي عند علاء الدين ابن الجويني صاحب الديوان، وكتب عليه أولاده وأولاد أخيه. وكان ينظم شعرا رقيقا، فمنه قوله: يا خليلي والمنى كاذبة ... والليالي شأنها أن تسلبا قم بنا ما قعدت حادثة ... نقض من حق الصبا ما وجبا نعص من لام على دين الهوى ... هذه سنة أيام الصبا ومنه أيضا: جاء بوجه مخجل ... شمس النهار المشرقه في أذنه لؤلؤة ... كأنها والحلقه قداحة في وردة ... بالياسمين ملحقه (2)

_ (1) الزركشي: 342 وابن خلكان 6: 118 (هامش أوردته إحدى النسخ منقولاً عن تاريخ الذهبي) والحوادث الدجامعة: 500 والنجوم الزاهرة 8: 187 والشذرات 5: 443 والبداية والنهاية 14: 6 والسلامي: 233؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) الزركشي: ملصقة.

" أبو زكريا النواوي الحافظ "

وقال: صدقتم في الوشاة وقد مضى ... في حبكم زمني وفي تكذيبها وزعمتم أني مللت حديثكم ... من ذا يمل من الحياة وطيبها وقال: رعى الله أياما تقضت بقربكم ... قصارا وحياها الحيا وسقاها فما قلت إيه بعدها لمسامر ... من الناس إلا قال قلبي آها ومن شعر ياقوت: عجبت لدهري إذ جاد لي ... بخط يفوق بأجزائه وأعوزني فيه من نقطة ... تكون على الطاء من خائه (1) ومن شعر ياقوت: وعدت أن تزور ليلا فألوت ... وأتت بالنهار تسحب ذيلا قلت هلا صدقت في الوعد قالت ... هل توهمت أن ترى الشمس ليلا وكانت وفاته في شهور سنة ثمان وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى. 568 - (2) " أبو زكريا النواوي الحافظ " يحيى بن شرف بن مرى بن حسن بن حسين، مفتي الأمة شيخ السلام

_ (1) أي تصبح ((حظ)) بدلا من ((خط)) . (2) تذكرة الحفاظ: 1470 وطبقات السبكي 5: 165 وتاريخ ابن الفرات 7: 108 والسلوك 1: 648 والبداية والنهاية 13: 278 والدارس 1: 24 والأسنوي 2: 476 وعبر الذهبي 5: 312 والشذرات 5: 354 وروضات الجنات: 744؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

محيي الدين أبو زكريا النواوي الحافظ الفقيه الشافعي الزاهد، أحد الاعلام؛ ولد في العشر الأوسط من المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بنوى وتوفي رابع عشرين شهر رجب سنة ست وسبعين وستمائة، رحمه الله تعالى. قال الشيخ محيي الدين: زعم بعض أجدادي أن نسبه إلى حزام والد حكيم رضي الله عنه. ولما كان له تسع عشرة (1) سنة، قدم به والده إلى دمشق فسكن المدرسة الرواحية، وبقي نحو سنتين لا يضع جنبه إلى الأرض. وكان قوته جراية المدرسة. وحفظ " التنبيه " في نحو أربعة أشهر ونصف، وبقي قريب شهرين لما قرا: يجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج، وهو يعتقد أنه قرقرة البطن، ويستحم بالماء البارد كلما قرقر بطنه؛ وحفظ ربع " المهذب " في باقي السنة، وصحح وشرح على شيخه كمال الدين إسحاق بن أحمد المغربي. ثم حج هو ووالده، وكانت وقفة الجمعة، وأقاموا بالمدينة نحوا (2) من شهر ونصف. ولما رحل من نوى كانت الحمى أخذته فلم تفارقه إلى يوم عرفة. وكان يقرأ فيما بعد على المشايخ شرحاً وتصحيحاً: كل يوم اثني (3) عشر درسا، درسين في " الوسيط " ودرسا (4) في " المهذب " ودرسا في " الجمع بين الصحيحين " ودرسا في صحيح مسلم ودرسا في " اللمع " لابن جني ودرسا في " إصلاح المنطق " ودرسا في التصريف ودرسا في أصول الفقه، تارة في " اللمع " لأبي إسحاق وتارة في " المنتخب " للإمام فخر الدين، ودرسا في أسماء

_ (1) ص: تسعة عشر. (2) ص: نحو. (3) ص: اثنا. (4) ص: ودرس.

الرجال ودرسا في أصول الدين. وكان يعلق كل ما يتعلق بذلك من شرح مشكل ووضوح عبارة وضبط لغة. وخطر له الاشتعال في علم الطب، فاشترى " القانون " وعزم على الاشتغال فيه؛ قال: فأظلم على قلبي، وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء. ففكرت في أمري ومن أين دخل علي الداخل، فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطب، فبعت " القانون " واستنار قلبي. وسمع صحيح مسلم من الرضي ابن البرهان، وسمع البخاري ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه وجامع الترمذي ومسند الشافعي وسنن الدارقطني وشرح السنة وأشياء عديدة. وسمع من ابن عبد الدايم والزين خالد وشيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز والقاضي عماد الدين ابن الحرستاني وابن أبي اليسر ويحيى الصيرفي والصدر البكري والشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وطائفة سواهم. وأخذ علم الحديث عن جماعة من الحفاظ، فقرأ كتاب " الكمال " لعبد الغني على أبي البقا خالد النابلسي وشرح مسلم ومعظم البخاري على المرادي. وأخذ الفقه عن القاضي أبي علي الفتح التفليسي (1) ، وتفقه على الإمام كمال الدين إسحاق المغربي والإمام شمس الدين عبد الرحمن ابن نوح وعز الدين عمر بن أسعد الإربلي. وأخذ عنه القاضي صدر الدين سليمان الجعبري خطيب داريا والشيخ شهاب الدين ابن جعوان والشيخ علاء الدين ابن العطار وأمين الدين سالم والقاضي شهاب الدين الاربدي. وروى عنه ابن العطار والمزي وابن أبي الفتح وجماعة. وقد نفع الله المسلمين بتصانيفه واشتهرت وجلبت إلى الأمصار، فمنها " المنهاج " و " شرح مسلم " و " الأذكار " و " رياض الصالحين " و " الأربعين حديثا " و " الإرشاد في علوم الحديث " و " التقريب " و " التيسير "

_ (1) ص: القفليسي.

و " المبهمات " و " تحرير ألفاظ التنبيه " و " العمدة في تصحيح التنبيه " و " الإيضاح في المناسك " و " الإيجاز " في المناسك - وله أربع مناسك أخر - و " التبيان في آداب حملة القرآن " و " الفتاوى " و " الروضة " و " المجموع في شرح المهذب " بلغ فيه إلى باب الربا في خمس مجلدات كبار. وشرح قطعة من البخاري وقطعة من " شرح الوسيط " إلى باب صلاة المسافر وقطعة كبيرة في " تهذيب الأسماء واللغات " وقطعة في " طبقات الفقهاء ". قال علاء الدين ابن العطار: وله مسودات كثيرة، ولقد أمرني مرة ببيع كراريس نحو ألف كراس بخطه وأمرني أن أقف على غسلها في الوراقة، فلم أخالف أمره وفي قلبي منها حسرات. وأخباره في الزهد والورع والكرامات مشهورة. وقد عمل له الشيخ علاء الدين ابن العطار سيرة (1) ذكر فيها من رثاه من شعراء عصره، فمن جملتهم الشيخ مجد الدين ابن الظهير، رحمه الله تعالى، قال فيه: عز العزاء وعم الحادث الجلل ... وخاب بالموت في تعميرك الأمل واستوحشت بعد ما كنت الأنيس لها ... وساءها فقدك الأسحار والأصل وكنت تتلو كتاب الله معتبراً ... لا يعتريك على تكراره ملل قد كنت للدين نورا يستضاء به ... مسدداً فيه منك القول والعمل وكنت في سنة المختار مجتهداً ... وأنت باليمن والتوفيق مشتمل وكنت زينا لأهل العلم مفتخراً ... على جدد كساهم ثوبك السمل وكنت أسبقهم ظلا إذا استغرت ... هواجر الجهل والاضلال ينتقل كساك ربك أثوابا مجملة ... يضيق عن حصرها التفصيل والجمل اسلى كمالك عن قوم مضوا بدلاً ... وعن كمالك لا مسلى ولا بدل

_ (1) ذكر الذهبي أنها في ست كراريس.

فمثل فقدك ترتاع القلوب له ... وفقد مثلك جرح ليس يندمل زهدت في هذه الدنيا وزخرفها ... عزما وحزما فمضروبا بك المثل أعرضت عنها احتقارا غير محتفل ... وأنت بالسعي في أخراك محتفل أسهرت في العلم عينا لم تذق سنة ... إلا وأنت بها في العلم مشتغل يا لهف حفل عظيم كنت بهجته ... وحليه فعراه بعدك العطل وطالبو العلم من دان ومغترب ... نالوا بيمنك فيه فوق ما أملوا حاروا لهيبة هاديهم وضاق بهم ... لفرط حزن عليه السهل والجبل ترى درى تربه من غيبوه به ... أو نعشه من على أعواده حملوا يا محيي الدين كم غادرت من كبد ... حرى عليك وعين دمعها هطل وكم مقام كحد السيف لا جلد ... يقوى على هوله فيه ولا جدل أمرت فيه بأمر الله منتضياً ... سيفاً من العزم لم تصنع له خلل وكم تواضعت عن فضل وعن شرف ... وهمة هامة الجوزاء تنتعل عالجت نفسك والأدواء شاملة ... حتى استقامت وحتى زالت العلل بلغت بالتعب الفاني رضى ملك ... ثوابه في جنان الخلد متصل ضيف الكريم جدير أن يضاف له ... إلى الكرامة من ألطافه النزل فجعت بالأنس ليلا كنت ساهره ... لله والنوم قد خيطت به المقل وحال نور نهار كنت صائمه ... إذا الهجير بنار الشمس مشتعل لا زال مثواك مثوى كل عارفة (1) ... وروضه النضر من سحب الرضى خضل إلى متى بغرور نطمئن ولا ال ... ملوك رد الردى عنهم ولا الرسل ولا حمى من حمام جحفل لجب ... ولا حصون منيعات ولا قلل يا لاهياً لاهياً عن هول مصرعه ... وضاحك السن منه يضحك الأمل لا تخل نفسك من زاد فإنك من ... وقت الولاد مع الانفاس مرتحل وما بقاء مديم السير يتبعه ... إلى محل بلاه سائق عجل

_ (1) ص: غارقة.

ابن أبي طي

569 - (1) ابن أبي طي يحيى بن حميد بن ظافر بن النجار بن علي بن عبد الله الحلبي المعروف بابن أبي طي؛ أحد من تعاطى الأدب والفقه على مذهب الإمامية وأصولهم، وصنف في أنواع من العلوم. قال ياقوت (2) : وقد جعل التصنيف حانوته، ومنه مكسبه وقوته وأكثر تصانيفه قطع فيها الطريق وأخاف السبيل، يأخذ كتابا قد أتعب العلماء فيه خواطرهم فيقدم فيه أو يؤخر أو يزيد قليلا أو يختصر، ويخلق له اسما غريبا وينتحله انتحالا. وقد طول ياقوت ترجمته في " معجم الأدباء ". ومولده بحلب سن خمس وسبعين وخمسمائة، وتوفي حدود الثلاثين والستمائة، وذكر عنه ياقوت أن والده كان لا يعيش له ولد وأنه لما رزقه حملته جارية وصعدت به السطح ليلة الميلاد، وكانت شديد البرد، فأخذه اضطرام وإفحام وابيضت عيناه جميعاً، ولازمه الرمد إلى أن احتلم فتجلت مما كان فيها من البياض. وكان والده نجاراً مقدما على كل نجار بحلب. وقرأ يحيى القرآن على والده واشتغل بفقه الإمامية على رشيد الدين المازندراني. ومن تصانيفه: كتاب " البستان في مجلس الغلمان ". كتاب " معادن الذهب في تاريخ حلب ". كتاب " ملح البرهان في تفسير القرآن ". كتاب " غريب القرآن " " تفسير الفاتحة ". " المجالس الأربعين في مناقب الأئمة الطاهرين ".

_ (1) لسان الميزان 6: 263 وإعلام النبلاء 4: 378؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) لم ترد ترجمته في المطبوع من معجم الأدباء.

كتاب " خلاصة الخلاص في آداب الخواص " عشر مجلدات. كتاب " حوادث الزمان " على حروف المعجم، خمس مجلدات. كتاب " تاريخ العلماء " مجلد. " شفاء الغليل في ذم الصاحب والخليل " مجلد. " شرح نهج البلاغة " ست مجلدات. " تحفة الطائفة الفقهائية في شرح كلماتهم اللغوية ". " التنبيهات في تعبير المنامات. " التنبيهات على صنع النبات ". " الكشف والتبيين في محاسن التضمين ". " العروس في أدب السائس والمسوس ". " مودعة السفيه وموزعة النبيه " في المأخذ على راجح الحلي وسرقاته. " التحقيق في أوصاف الرقيق ". " لروضات البهجات في محاسن القينات ". " اللباب في أسماء الأحباب ". " نسيم الأرواح في ما جاء في التفاح ". " الإيجاز في الألغاز ". " أخبار شعراء الشيعة ". " الاقتصاد في الفرق بين الظاء والضاد ". كتاب " الأضداد ". كتاب " النكت الشاردة والنادرة والفائدة ". " المنتخب في شرح لامية العرب ". " تضوع اللطائم في شرح خطبة فاطمة الزهراء ". " شرح كلام أم سلمة لعائشة رضي الله عنهما ". " نهج البيان في عمل شهر رمضان ". " المشكاة في عويص مسائل النحاة ". " أفراد قراءة أبي عمرو ابن العلاء ". " مختصر في اللغة ". " أفراد مسائل ". " الجمع بين زوائد الصحاح وزوائد المجمل ". " ذخر البشر في معرفة القضاء والقدر ". " كتاب في حكمي كلام الأئمة الاثني (1) عشر ". " الحاوي في المعمول عليه من الفتاوي ". كتاب " سر السرائر ". " فقه أحكام النساء في الفقه ". " ذخر البشر في معرفة الأئمة الاثني عشر ". " مجموع مسائل فقه وأصول ". " شرح غريب ألفاظ المقامات ". " شرح الحماسة ". " أخلاق الصوفية ". " عقود الجواهر في سيرة الملك الظاهر ". " كنز الموحدين في سيرة صلاح الدين ". " ذيل التاريخ الكبير الذي سماه معادن الذهب ". " سلك النظام في تاريخ الشام " أربع مجلدات. " مختار تاريخ

_ (1) ص: الاثنا.

المغرب ". كتاب " تاريخ مصر ". " تهذيب الاستيعاب لابن عبد البر ". " سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه " ثلاث مجلدات. " اشتقاق أسماء البلدان ". " نكت درة الغواص ". " أسماء رواة الشيعة ومصنفيها ". " سيرة ملوك حلب ". " كتاب التصحيف والأحاجي ". ومن شعره رحمه الله: يا أبا جعفر تجاف قليلا ... كم تسامي بمفخر منحوس أنت من معشر كرام ولكن ... أنت فيهم قوائم الطاووس وقال في مديح آل البيت رضي الله عنهم: أنا في إسار غدائر ونواظر ... من كل أبيض ذي قوام ناصر ريان من مرح الصبا فكأنما ... رويت معاطفه بغيث باكر خمري ريق لؤلؤي لواحظ ... مسكي صدغ صارمي محاجر لله ليلتنا بكاظمة وقد ... سمحت به الأيام بعد تهاجر وقد اضطجعنا والنجوم كأنها ... في الأفق لؤلؤ ثغره في ناظري والبدر سار في السماء كأنه ... من وجهه باد بنور باهر والشعريان كأنما أحداقها ... أحداق عاذل حبه المتكاسر وسهيل الوقاد يخفق دائبا ... خفقان أحشائي عليه وخاطري والليل يرفل في فضول غلائل ... رقت كشوقي أو كدمعي القاطر والريح ينشر عرفها بنسيمها ... نشري مديح أخي النبي الطاهر خير الأنام ومن يذل مهابة ... من بأسه قلب الهزبر الخادر صنو النبي وصهره ووزيره ... وظهيره في كل يوم تشاجر

ابن أبي حصينة رضي الدين

570 - (1) ابن أبي حصينة رضي الدين يحيى بن سالم القاضي رضي الدين ابن أبي حصينة؛ من شعراء الديار المصرية، كان أحدب وفيه يقول وجيه الدين ابن الذروي، وهو في غاية التهكم بأحدب: يا أخير كيف غيرتنا (2) الليالي ... وأحالت ما بيننا بالمحال حاش لله أن أصافي خلا (3) ... فيراني في ورده ذا اختلال زعموا أنني نظمت هجاء ... معربا (4) فيك عن شنيع مقال كذبوا إنما وصفت الذي حز ... ت تعالى من الفضل والنهى (5) والكمال لا تظنن حدبة الظهر عيبا ... هي في الحسن (6) من صفات الهلال وكذاك القسي محدودبات ... وهي أنكى من الظبا والعوالي ودناني (7) القضاة وهي كما تع ... لم كانت موصوفة بالجلال وإذا ما علا السنام ففيه ... لقروم الجمال أي جمال

_ (1) الزركشي: 343 وأورد العماد في الخريدة (قسم مصر) 1: 188 ترجمة للوجيه الحسن علي بن يحيى ابن الذروي وذكر قصيدته التي ينهكم فيها بابن أبي حصينة وقال: ((الذي أصله من المعرة)) ثم ترجم (2: 107) لسالم بن مفرج بن أبي حصينة، فهل يحيى هذا ابنه؟ وقد ذكر رضي الدين هذا ابن ظافر في بدائع البدائه: 282 وتصحف الاسم ((حصينة)) فأصبح ((حفصة)) وأورد له هنالك قصيدة عينية. (2) الخريدة: غيرتك. (3) الخريدة: خليلا. (4) الخريدة: أتيت بهجو معرب. (5) الخريدة: النبل والسنا. (6) الخريدة: للحسن. (7) الدنانبة: جمع دنية وهي قلنسوة القاضي.

وأرى الانحناء في منسر البا ... زي ولم يعد مخلب (1) الرئبال كون الله حدبة فيك إن شئ ... ت تعالى من الفضل أو من الافضال فأتت ربوة على طود حلم ... وغدت موجة لبحر نوال ما رأتها النساء إلا تمنت ... لو غدت حلية لكل الرجال وأبو الغصن أنت لا شك فيه ... وهو رب القوام والإعتدال عد إلى ودنا القديم ولا تص؟ ... غ لقيل من الوشاة وقال وتذكر لياليا حين ولت ... أودعت حسنها عقود لآلي أترى بالدعاء يرجع شملي ... أم دعائي مضيع وابتهالي وإذا لم يكن من الهجر بد ... فعسى أن تزورنا (2) في الخيال ومن شعر ابن أبي حصينة: تملك قلبي غادر غير عاذر ... فوجدي لديه أول مثل آخر وجاء بقد عادل فمن الذي ... رأى عادلاً أزرى على كل جائر نصيري دمعي وهو أول خاذل ... فمن منقذي من ساحر الطرف ساخر فبت أسير القلب والدمع مطلق ... أردد طرفي بين ساه وساهر يواصلني دمعي ونومي مهاجري ... فمن واصلي ثب النحول وهاجري ويكثر لوم الجفن في نوم جفنه ... ولا ذنب للمهجور بل للمهاجر (3) ولو زارني طيف قنعت بقربه ... وإن كان من أهواه ليس بزائري فيا عاذلي دعني فلو أن عاذلي ... حوى بعض ما بي كان للوقت عاذري رعى الله ليلا زارني بدر تمه ... ولم يلف قبل اليوم في زي زائر وخاف من الواشين أن يظفروا به ... فأرخى عليه حلقة من ضفائر (4)

_ (1) الخريدة: الكاسر يلقى ومخلب. (2) الخريدة: تزورني. (3) الزركشي: لا بل لهاجر. (4) ص والزركشي: ظفائر.

وظن سواد الليل سترا يجنه ... وما الليل للبدر المنير بساتر وقال أيضا: أودعوا إذ ودعوني الحرقا ... فنعيم العيش لي عاد شقا بذلوا الهجر وصانوا وصلهم ... فاصطباري قال لي أن لا بقا أخذوا نومي وأعطوا مقلتي ... عندما رقوا عليها الأرقا آه من ألحاظ قوم كلما ... فوقوا سهما لقلبي رشقا رمقوا جسمي فما أبقوا به ... بعد هجرانهم لي رمقا وأبوا غلا انتقاما في الهوى ... فقضى الحب على من عشقا يا عذولا لم تذق أفكاره ... من أليم الوجد لي ما ذوقا قل لأحباب نأت دارهم ... مات صبري فلكم طول البقا أظلم الأفق علينا فاطلعوا ... بسماء الود منكم شفقا فالكرى فارق جفني بعدكم ... بعدما قبلكم ما افترقا وقال أيضا: كف الملام فليس شأنك شاني ... إن الشجي إلى الخلي لشاني لو كان يخلص بالملامة مغرم ... ما سلطت مي على غيلان (1) ولما عدت (2) أسد الرجال ويدها ... عند اللقاء لواحظ الغزلان بانت (3) أمامة والغرام مخيم ... عني وبان (4) لبينها سلواني وإذا سطا جيش الغرام على امرىء ... نقل الذي في السر للإعلان أسكنتها قلبي فبان خرابه ... والقلب يخربه أذى السكان

_ (1) غيلان بن عقبة المري الشاعر المشهور ب؟ ((ذي الرمة)) . (2) ص: غدت. (3) ص: باتت. (4) ص: وبات.

ابن مجبر الاشبيلي

تسطو بجفن كل منبت شعرة ... من هدبه محسوبة بسنان وكأنما أجفانها أن حكمت ... في القلب أجفان لكل يماني حسنت فهلا أحسنت بوصالها ... والحسن منتسب إلى الإحسان وكانت وفاته بعد الثمانين والخمسمائة، رحمه الله تعالى. 570 - (1) ابن مجبر الاشبيلي يحيى بن عبد الجليل بن مجبر (2) ، أبو بكر الفهري المرسي ثم الاشبيلي، شاعر الأندلس في وقته؛ توفي بمراكش ليلة عيد النحر سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، رحمه الله تعالى. ومن شعره: أتراه يترك الغزلا ... وعليه شب واكتهلا كلف بالغيد ما علقت (3) ... نفسه السلوان مذ عقلا غير راض عن سجية من ... ذاق طعم الحب ثم سلا أيها اللوام ويحكم ... إن لي عن لومكم شغلا ثقلت عن لومكم أذن ... لم يجد فيها الهوى ثقلا تسمع النجوى وإن خفيت ... وهي ليست تسمع العذلا نظرت عيني لشقوتها ... نظرات وافقت أجلا

_ (1) زاد المسافر: 9 وبغية الملتمس رقم: 93 والنفح 3: 237 وابن خلكان 7: 13 وشعره في النفح وشرح مقصورة حازم والبيان المغرب (ط. تطوان) والحلل الموشية والروض المعطار. (2) ص: مجير. (3) ابن خلكان: عقلت.

غادة لما مثلت لها ... تركتني في الهوى مثلا هي بزتني الشباب فقد ... صار في أجفانها كحلا أبطل الحق الذي بيدي ... سحر عينيها وما بطلا أعرضت دلا فإذ فطنت ... بولوعي أعرضت خجلا وبدا لي أنها وجلت ... من هنات تبعث الوجلا حسبت أني سأحزنها (1) ... إذ رأت رأسي قد اشتعلا يا سراة الحي مثلكم ... يتلافى الحادث (2) الجلللا قد نزلنا في جواركم ... فشكرنا ذلك النزلا ثم واجهنا ظباءكم ... فلقينا الهول والوهلا أضمنتم أمن جيرتكم ... ثم ما أمنتم السبلا وأردتم (3) غصب أنفسهم (4) ... فبثثتم بينها المقلا ليتنا خضنا السيوف ولم ... نلق تلك الأعين النجلا عارضتنا منكم فئة ... أحدثت في عهدنا دخلا ثعليات جفونهم ... وهم لم يعرفوا ثعلا أشرعوا الأعطاف ناعمة ... حين أشرعنا القنا الذبلا واستفزتنا عيونهم ... فخلعنا البيض والأسلا ورمتنا بالسهام فلم ... نر إلا الحلي والحللا نصروا بالحسن فانتبهوا ... كل قلب بالهوى خذلا (5) عطلتني الغيد من جلدي ... وأنا حليتها الغزلا (6)

_ (1) ابن خلكان: سأحرقها. (2) ص: الحادثات. (3) ص: وأردتم. (4) ص: أنفسكم. (5) ابن خلكان: جذلا. (6) ص: العطلا.

أبو الحسين الجزار

حملت نفسي على فتن ... سمتها صبرا فما احتملا ثم قالت سوف نتركها ... سلبا للحب أو نفلا قلت أما وهي قد علقت ... بأمير المؤمنين فلا 571 (1) أبو الحسين الجزار يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علي، الشيخ جمال الدين أبو الحسين الجزار الأديب المصري؛ ولد سنة ثلاث وستمائة تقريباً، وتوفي ثامن عشر شوال سنة تسع وسبعين وستمائة بالفالج، وكان بديع المعاني جيد التورية عذب التركيب فصيح الألفاظ حلو النادرة، صاحب مجون وزوايد، يمدح الملوك والكبار، وكان يتزيا بزي الكتاب، عاش مرتزقا بالشعر، وما هجي أحد (2) من شعراء زمانه ما هجي هو ولا ثلب كما ثلب، وكان يسمى " تعاشير "، وفيه يقول مجاهد الخياط " (3) : ما لتعاشير غلا قيمة ... علي قامت في مواعينه فلا يلمني وليلم نفسه ... إذ هو مذبوح بسكينه والله ما أغضبها فعله ... إلا لتقطيع مصارينه

_ (1) الزركشي: 343 والبدر السافر: 225 والمغرب (قسم مصر) 1: 296 والشذرات 5: 364 والنجوم الزاهرة 7: 345 وحسن المحاضرة 1: والمسالك 12: 166؛ ولم يرد في المطبوعة إلا جزء يسير من هذه الترجمة. (2) ص: وما هجا أحداً. (3) قد مرت ترجمة مجاهد (رقم: 409) وانظر ترجمة له في المغرب (قسم مصر) 1: 293 (وسماه مجاهد طناش الخياط) وفي المسالك 12: 213.

وكان قليل الهجاء متحملا متوددا إلى الناس، حسن التعريض، واحتاج في آخر عمره إلى الاستجداء بغير شعر. وكان كثير التبذير لا تكاد خلته تستد أبدا ولا يغفل طلبه ولكن بأحسن الصور، وكان مسرفا على نفسه. وله كتاب " فوائد الموائد " وعمل بعض الفضلاء عليه " علائم الولائم ". وجمع قطعة من شعره سماها " تقاطيف الجزار " (1) وهذه تسمية حسنة. ولم يكن في عصره من يقاربه في جودة النظم غير السراج الوراق، وهو كان فارس تلك الحلبة ومنه أخذوا وعلى نمطه نسجوا ومن مادته استمدوا. وبينه وبين شعراء عصره مجاراة ومباراة أذكر منها شيئاً. وقيل إنه لما كان صغيرا نظم أبياتا قلائل، وكان أديب ذلك الزمان ابن أبي الإصبع، فأخذه والده وتوجه به إليه وقال: يا سيدي، قد عمل هذا الولد شعرا وأشتهي أن يعرضه عليك، فقال: قل، فلما أنشده قال له: أحسنت والله إنك عوام مليح. فراح هو ووالده. وبعد أيام عمل والده طعاما وحمله إلى ابن أبي الإصبع فقال: لأي شيء فعلت هذا؟ قال: لشكرك لولدي، فقال: أنا ما شكرته، قال: ألم تقل له أحسنت، إنك عوام مليح؟ فقال: ما أردت بذلك إلا أنه خرج من بحر ودخل في بحر، فاستحيا هو ووالده. ثم لم يزل يتهذب حتى فاق أهل عصره وصار من فحول المتأخرين. وقيل إنه اجتمع هو وأصحابه وأرادوا النزهة، فأخرجوا من بينهم دراهم وأخذوا منها عشرة دراهم وجاءوا إلى جزار في باب زويلة، فوقفوا عليه وقالوا له: أتدري من هذا الواقف عليك؟ قال: لا، قالوا: هذا الشيخ جمال الدين أبو الحسين الجزار أديب الديار المصرية وإمامها، فباس الجزار السكين وقدمها لأبي الحسين وقال: يا سيدي والله ما يدخل يقطع هذا اللحم

_ (1) المغرب: تقطيف الجزار، وقال إنه طرزه باسم الصاحب الكبير العالم كمال الدين بن أبي جرادة؛ وكذلك ورد اسم الكتاب عند الزركشي.

إلا أنت، فلما دخل أبو الحسين شرع قطع لهم الرقبة والعرقوب والمراق والعظام والمطاميط، وأصحابه ساكتون لا يكلمونه حتى فرغ، وأخذوا اللحم وقالوا له: أما الرجل فإنه قد خلاه الذم وعداه اللوم لأنه مكنك من اللحم، وأنت فعلت بنا هذا الفعل؟! فقال: بالله اعذروني، فإني لما رأيت نفسي وأنا خلف القرمية والساطور وبيدي السكين جاءتني لأمة الجزارين، وما قدرت أفعل غير ما رأيتم؛ فضحكوا منه. ومما هجي به رحمه الله تعالى: ماذا أقول في فتى ... نشء التيوس والبقر فعاله ذميمة ... وبيته بيت الزفر ومنه: تعصب للأديب علي قوم ... وما كانوا أولئك في حسابي كلاب وهو جزار ولكن ... به قطعت أذناب الكلاب ومنه: قل لوزير الملك لا تطرح ... أمر امرىء أعيا بك العتب وازجر عن الجزار نفسا فقد ... تجني به ذنبا ولا ذنب لا تأمنن ثلب الورى إن يكن ... قربه من بابك الثلب ولا تجالس طرفا نازلا ... قد طالما جالسه الكلب وفيه يقول قطب الدين عمر الواعظ: الشاعر الجزار مات ... فبئس ما ضم التراب قد وافق العقلاء ربهم ... عليه فهم غضاب ولبخله بالعظم ... ما حزنت لموتته الكلاب وقال فيه مجاهد الخياط:

مر بنا ينصب أحبولة ... للرزق أو يدفن أفخاخا وهو إذا سافر مع نحسه ... يحتاج فراشا وطباخا وواحد أعمى إلى جانبي ... ما زال للتاريخ نساخا يقول لي يوحك من ذا الفتى ... أراه صياحا وصراخا فقلت قالوا إنه شاعر ... يأكلها بالشعر أوساخا هذا هو الجزار قال الذي ... قد كان قبل اليوم مراخا (1) فقلت هذا في الصبا قال لي ... وهو بتلك " الحال " لو شاخا وقال مجاهد أيضا فيه بليقة: قد كنت عند الناس بعين ... يا أبو الحسين ... وجبتين ... قالوا غلامك يا حزين ... ناكك على زعمي يقين ... قل المكين؟ ... قالوا الأمين ... فقلت قولوا لي الخبر ... قال زب في شاعر عبر (2) ... قلت البغا جاه في الكبر ... قال مرتين ... طفيت حماقه وامتليت ...

_ (1) ص: صراخا. (2) ص: غبر.

تمشي بمنور ما استحيت ... عليك ظلام ولو مشيت ... بالنيرين ... ربيت صغير (1) في المجزرا ... وفي الكبر جيت مسخرا ... فما نقول إنك خرا ... في الحالتين ... على قذار ما احمقوا ... وما أفشروا وما أنزقوا ... ويلاه على من غرقوا ... بجرتين ... وفيه أشياء كثيرة من هذا النمط، رحمه الله تعالى وعفا عنه. ولما مات رثاه السراج الوراق: أغايتنا لهذا يا فلان ... تأمل ليس كالخير العيان أماني النفوس لها خداع ... وليس من المخوف لها أمان ومن بعد الحراك لها سكون ... وصمت بعدما مزح اللسان ايا من جد للآمال ركضا ... تأن ففي يد الأجل العنان تروقك زهرة الدنيا ومنها ... جنى ثمر الردى إنس وجان وتخدع لامسا (2) منها بلين ... أيؤمن إذ يميس الأفعوان بلغت أبا الحسين مدى إليه ... لمستبق ومسبوق رهان

_ (1) ص: صغيرا. (2) ص: لامس.

وكنت وطالما قد كنت أيضا ... تقول عن الأولى سبقوك كانوا أقول لمن نعاك ولا امتناع ... لأحزاني عليك ولا امتنان إلا عز القوافي (1) اليوم عن من ... بكته البكر منها والعوان لها إيطاء حزن بعد حزن ... وإكفاء لدمع لا يصان وإقواء برفع فوق نعش ... وخفض في اللحود له مكان وناح النحو بعدك، والمعاني ... لها مع كل نائحة جنان فلا بدل لخل عنك يرجى ... ولا عطف لمن غدروا وخانوا ولو نزفت بحور الشعر دمعا ... وكان على الخليل لها ضمان لما وفته لا وأبيه حقا ... ولو بسلوكها نظم الجمان كفاها ذوقه التقطيع فيما ... يجوزه ويأباه الوزان ولجج سالكا في كل بحر ... غنائمه جواهره الحسان فنالت منه فاصلة (2) الرزايا ... ودائرة الحمام ولا اعتنان فيا أسف البديع على بديع ... لكل فنونه منه افتنان إذا التفت استطال على جرير ... وأخرس من فرزدقه اللسان فلا تقسا به سحبان يوما ... ولا قسا إذا ذكر البيان ولو هرم رآه سلا زهيرا ... وكان له عليه ثم شان جمال الدين أنت جميل ظن ... بربك جل ديانا يدان وعفو الله أكثر من ذنوب ... لنا وعلى الشفيع لنا الضمان وكتب أبو الحسين إلى السراج الوراق في يوم نوروز: استعمل العفص بعد الدبغ مقلوبا (3) ... لتغتدي طالبا طورا ومطلوبا

_ (1) ص: القواف. (2) ص: فاضلة. (3) يريد الصفع.

واسكر من الراح (1) وافهم ما أشرت له ... فليس يحتاج لا كاسا ولا كوبا واحمل على القوم واحلم أن هم حملوا ... فأنت ما زلت غلابا ومغلوبا لك الجوادان فاركب ما تشاء ودع ... ما لا تشاء مع الغلمان مجنوبا قد أدبتك نواريز مفرقة ... حتى لقد صرت لا تحتاج تأديبا وطالما استصلح الجزار نحرك في ... يوم الأضاحي ولم يستصلح النيبا أذكرتنا ازدشيرا (2) إذ ركبت وإذ ... أصبحت بالتاج تاج الخوص معصوبا فاستوف غير ضجور بالإمارة ما ... على جبينك " ما " قد كان مكتوبا والق الآيادي واقبل من هديتها (3) ... ما كان من قوص أو إخميم مجلوبا يا شاعرا لم يفته (4) اليوم راوية ... يروي المجون إذا لم يرو تشبيبا لو أنه أدرك الشيخ الصريع فتى ... القصار (5) لم يرو إلا عنك أسلوبا فأجابه الوراق: قتلت يا شيخنا الأشياء تجريبا ... بأكلك العفص بعد القلب تدريبا وصار جلدك مدبوغا به عجبا ... وما طهرت ومن (6) يحصي الأعاجيبا يا مستلذا بأكل الراح هاك يدي ... وخل من يستلذ الراح مشروبا ويا صفيا بعين عندنا أبدا ... لولا تكون بعين كنت محجوبا ركبت أنثى ولم تعتد سوى ذكر ... مالي أراك على المركوب مقلوبا مخالفا قد تبدلت العنان بذي ... ال يظل فويق (7) الأرض مسحوبا

_ (1) يعني الضرب بالراحات. (2) ص: أزدشير. (3) ص: هدتها. (4) ص: تفته. (5) يريد الشاعر صريع الدلاء. (6) ص: من. (7) ص: بذياك ... فوق.

وثم ميم وصاد إن قرأتهمما ... قرأت " مص " وكم فسرت مكتوبا فاجعل لسانك في هذا وذا سببا ... والحش يكفيك إن حاولت مطلوبا واركب بغرة توت (1) ناشرا علما ... يأتي من الطائف النجدي مجلوبا (2) فطالما رفعت ايد (3) إليك به ... حتى نزلت عن المركوب مكروبا أبا الحصين (4) محال أن تروغ وقد ... صوبت ثعلب رمحي اليوم تصويبا ولست ذئبا فأخشى أن تخاتلني ... لكنما أنت شيء يشبه الذيبا وكان الوراق يوما يسرح ذقته، فقال الجزار: لا تعجبوا من لباسي ... فكل أمري لبس والله ما ثم مال ... وإنما ثم تفسو فأجابه الوراق: صدقت ما ثم مال ... وإنما ثم نحس وثم أخرى وأخرى ... فيها وعندك حدس وكتب الجزار إلى الوراق: أيها الفاضل الذي قد حباه ... ذهنه من علومه بكنوز فقت أهل الآداب جداً وهزلا ... فتميز عنهم بذا التمييز كم وكم من رسالة لك قد بر ... زت فيها سبقا على التبريزي أنا والله من رعاياك ما زل ... ت وأنت الأمير في النوروز فأجابه الوراق: كم إلى كم يطيل مادح مثلي ... بكنى قد خبأتها ورموز

_ (1) توت: أول الشهور القبطية. (2) يريد النعال، لأن الطائف مشهورة بالأدم. (3) ص: أيدي. (4) غير كنيته من ((أبو الحسين)) إلى ((أبو الحصين)) تشبيهاً له بالثعلب.

مانحا مثلها المطرز هيها ... ت له ما لديك من تطريز رب يوم ركبت فيه أميراً ... وتركت المخيط للمدروز (1) دخلت منك هيبة لك في قل ... بي ولكن دخولها من طيزي وقال أيضا (2) : قطعت شبيبتي وأضعت عمري ... وقد أتعبت في الهذيان فكري وما لي أجرة فيه ولا لي ... إذا ما تبت (3) يوما بعض أجر قرأت النحو تبيانا وفهما ... إلى أن كعت منه وضاق صدري فما استنبطت منه سوى محال ... يحال به على زيد وعمرو فكان النصب فيه علي نصبا ... وكان الرفع فيه لغير قدري وكان الخفض فيه جل حظي ... وكان الجزم فيه لقطع ذكري وفي علم العروض دخلت جهلا ... وعمت لخفتي في كل بحر فأذكرني به التفصيل بيتا ... تضمن نصفه الشيخ المعري مفاعلتن مفاعلتن (4) فعولن ... " حديث خرافة يا أم عمرو " وكم يوم ببيع اللحم عندي ... يعد من البوار بألف شهر ولما أن غدا لا بيع فيه ... مع الميزان أشبه يوم حشر ودكاني جهنم إذ زبوني ... زبانية بهم تعذيب سري وفيها زفرة من غير لحم ... وقد وضعت سلاسلها بنحري وقد طال العذاب علي فيها ... لما قدمت من نحس ووزر فإن لام العذول أقول دعني ... أنا في ضيعة في وسط عمري

_ (1) ص: المدروز. (2) المغرب: 314 وهي في مدح برهان الدين ابن الفقيه نصر. (3) المغرب: مت. (4) ص: مفاعيلن مفاعيلن.

منها في المديح: وإن الشعر دون علاه قدرا ... ولا سيما إذا ما كان شعري كلاما (1) ما قرأت له صحاحا ... ولا نحوا على الشيخ ابن بري وعيشك لست أدري ما طحاها ... وقد أقررت أني لست أدري وذا خبري ولو كشفت عني ... لصغره بعظم الجهل خبري كأني مثل بعض الناس لما ... تعلم آيتين فصار يقري (2) وقال أيضا (3) : ما زلت في الدنيا من الهم ... طول زماني وافر القسم فالحمد لله الذي حكمه ... قد خر (4) في أفق السماء نجمي أصبحت لحاما وفي البيت لا ... أعرف ما رائحة اللحم جهلته فقرا فكنت الذي ... أضله الله على علم وقال أيضا (5) : حسبي حرافا بحرفتي حسبي ... أصبحت فيها معذب القلب موسخ الثوب والصحيفة من ... طول اكتسابي ذنبا بلا ذنب (6) خلا فؤادي ولي فم وسخ ... كأنني في جزارتي كلبي وقال أيضا (7) :

_ (1) المغرب: لأني. (2) المغرب: مقري. (3) المغرب: 315. (4) المغرب: حير. (5) المغرب: 316. (6) المغرب: بلا كسب. (7) المغرب: 309.

لي من الشمس خلعة صفراء ... لا أبالي إذا أتاني الشتاء ومن الزمهرير إن حدث الغي ... م ثيابي، وطيلساني الهواء بيتي الأرض والفضاء به سو ... ر الرجل مدار وسقف بيتي السماء لو تراني في الشمس والبرد قد أن ... سل جسمي لقلت إني هباء شنع الناس أنني جاهلي ... مانوي وما لهم أهواء أخذوني بظاهري (1) إذ رأوني ... عبد شمس تسوؤني (2) الظلماء آه واحستري لقد ذهب العم ... ر وحظي تأسف وعناء كلما قلت في غد أدرك السو ... ل أتاني غد بما لا أشاء لست ممن يخص يوما بشكوا ... هـ لأن الأيام عندي سواء وقال من أبيات (3) : فاغنني عن سؤال كل لئيم ... قد علا قدره وإن كان سفله معشر ما ظفرت منهم عقيب ال ... قصد عند السؤال إلا بخجله ومتى غبت عنهم عتبوني ... ومتى جئتهم رأوا ذاك ثقله أنا فيهم عار وماش وغيري ... وهو دوني له ثياب وبغله لي نصفية تعد من العم ... ر الرجل سنينا غسلتها ألف غسله لا تسلني عن مشتراها ففيها ... منذ فصلتها نشاء بجمله كل يوم يحوطا العصر وال ... دق مرارا وما تقر بعمله فهي تعتل كلما غسلوها ... ويزيل النشاء تلك العله أين عيشي بها القديم وذاك ال ... رفق (4) فيها وخطرتي والشمله حيث لا في أجنابها رقعة ق ... ط ولا في أكمامها قط وصله

_ (1) المغرب: بظاهر. (2) المغرب: تسوءه. (3) المغرب: 304. (4) ص: الرنق؛ المغرب: التيه.

قال لي الناس حين أطنبت فيها ... بس أكثرت خلها وهي (1) بقله وقال وقد بعث له بعض الرؤساء نصفية (2) : اشكر مولانا ونصفيتي ... تشكره أكثر من شكري أراحها جدواه من كل ما ... تشكوه من دق ومن عصر (3) كم مرة كادت مع الماء إذ ... يغلسها غسالها تجري تموت في الماجور لولا النشا ... يبعثها في ساعة النشر أراحها الدهر وطوبى لمن ... يريحه في آخر العمر وقال وقد منعه البواب من دخوله على بعض الأمراء (4) : أمولاي ما من طباعي الخروج ... ولكن تعلمته من خمولي (5) وصرت أروم لديك الغنى ... فيخرجني الضرب عند الدخول وقال أيضا (6) : أدركوني فبي من البرد هم ... ليس ينسى وفي حشاي التهاب ألبستني الاطماع وهماً فها جس ... مي عار ولي فرا وثياب كلما ازرق لون جسمي من البر ... د تخيلت أنه سنجاب وقال أيضاً: إني لمن معشر سك الدماء لهم ... دأب وسل عنهم إن رمت تصديقي تزداد بالدم إشراقا عراصهم ... فكل أيامهم أيام تشريق

_ (1) المغرب: فهي. (2) المغرب: 310. (3) ص: عصري. (4) المغرب: 318. (5) المغرب: بالخمول. (6) المغرب: 311.

وقال أيضا: قلت لما سكب السا ... قي على الأرض الشرابا غيرة مني عليه ... ليتني كنت ترابا وقال: ولم ألق في بيتي دثارا أعده ... لبرد ولا شيء يرد هجيرا فأنفخ شدقي إن أردت وسادة ... وأفرش ظلي إن أردت حصيرا وقال من أبيات: يلين إلى أن يجرح الوهم خده ... وتغرق في ماء النعيم غلائله إذا ما بدا من شعره في ذوائب ... رأيت غزالا لم ترعه حبائله وقال: وكذبت في نظم مديحي لكم ... والكذب لا ينكر من شاعر واحتجت أن أذكركم خيفة ... بالخير للوارد والصادر فأنتم ألجأتموني إلى ... كذبي في الأول والآخر وقال: لئن قطع الغيث الطريق فبغلتي ... وحاشاك قبقابي وجوختي الدار وإن قيل لي لا تخش فهي عبورة (1) ... خشيت على علمي بأني جزار وقال من أبيات (2) : اسقنيها حتى أقوم ولا أع ... رف سكرا عمامتي من مداسي فزت بالجهل مثلما فاز بالحل ... م وفعل الصنائع البانياسي وغدائي المسلوق في كل يوم ... لا من اللحم بل من القلقاس

_ (1) العبورة: الصغيرة من الغنم، وفيه تورية. (2) المغرب: 343 وأورد منها البيت الأول.

وقال أيضا: أحبابنا ما لليلي بعد فرقتكم ... كأنما هو مخلوق بلا سحر أنفق أيام عمري في محبتكم ... وقد نأيتم فلا أنتم ولا عمري وقال أيضا: وكم وكم قد دق أبوابه ... عليه في الليل نسيم الصبا فقال من؟ قال رسول الشتا ... فقال: لا أهلا ولا مرحبا وقال من قصيدة: وكم قابلت تركيا بمدحي ... فكاد لما أحاول منه يحنق ويلطمني إذا ما قلت: " ألطن " ... ويرمقني إذا ما قلت " برمق " وتسقط حرمتي أبدا لديه ... فلو أني عطشت لقل " بشمق " وقال أيضا: زمن الغضا في القلب بعدك لوعة ... تذكى بنار الشوق لا نار الغضا ما كانت اللذات فيك ولا الهوى ... إلا كبرق في الدجنة أومضا وإذا صبوت لدارسات رسومه ... قال المعيد لدرسها: هذا مضى وقال يمدح فخر القضاة نصر الله ابن بصاقة من أبيات (1) : وكم ليلة قد بتها معسرا ولي ... بزخرف آمالي كنوز من اليسر أقول لقلبي كلما اشتقت للغنى ... إذا جاء نصر الله تبت يد الفقر وإن جئته بالمدح يلقاك بالندى ... فكم مرة قد قابل النظم بالنثر ويهتز للجدوى إذا ما مدحته ... كما اهتز - حاشا وصفه - شارب الخمر وكتب إلى رجل اصطنعه وهو يؤذيه من أبيات:

_ (1) وردت الأبيات في ترجمة ابن بصاقة (رقم: 545) .

طالما كنت قبلها تحفظ الخب ... ز ولكن بالبخل في الصندوق ليت شعري ماذا تقول إذا " ما " ... رمت شتمي، قل لي بأي طريق علم الله ما مضيت رسولا ... قط من عند إبنتي لعشيق لا ولا بت في مكان طفيلي ... اً كغيري في طاعة وفسوق لا ولا جئت بالرجال إلى بي ... تي وكاسرت عنهم في السوق وقال أيضا: ما بال قوادي وعلقي ... قد غلقا أبواب رزقي وتعاهدا وتعاقدا ... وتحالفا أيمان صدق إن تتركاني تائباً ... من فاقتي عن كل فسق وتخلياني مثلة ... للناس في غرب وشرق قد صرت صوفياً لفق ... ري منهما والجلد دلقي وعمامتي رأسي وجم ... جمتي الثرى والكبر خلقي فأنا النذير لمن غدا ... متعرضا يوما لعشق كم ليلة ضيعت في ... ها حرمتي وأضعت ورقي وصفعت حين سكرت من ... كاس بها المحبوب يسقي وإذا سكرت فإنني ... مستهلك مالي وعتقي وقال (1) : يا مالك القلب رفقا إن نارك في ... أضالع الصب لا تبقي ولا تذر فضحت غصن النقا لينا فراح إذا ... ما ماس قدك بالأوراق يستتر ما أنكر الطرف أن الشعر من دجا ... وإنما غر من وجهك القمر إني لأعجب من جفن تدير به ... على نداماك (2) خمرا (3) وهو منكسر

_ (1) المغرب: 338. (2) المغرب: محييك. (3) ص: خمر.

وقال أيضا: لبست بيتي وقد زررت أبوابي ... علي حتى غسلت اليوم أثوابي وقد أزال الشتا ما كان من حمقي ... دعني فمستوقد الحمام أولى بي أنام في الزبل كي يدفا به جسدي ... ما بين جمر به ما بين أصحابي أو فوق قدر هريس بت أحرسها ... مع الكلاب على دكان غلاب ما كنت أعرف ما ضرب المقارع أو ... قاسيت وقع الندى من فوق أجنابي وما تراقصت الأعضاء في جسدي ... إلا وقد صفقت بالبرد أنيابي وقال في زوجة أبيه وكانت طرشاء: تزوج الشيخ أبي شيخة ... ليس لها عقل ولا ذهن لو برزت صورتها في الدجى ... ما جسرت تبصرها الجن كأنها في فرشها رمة ... وشعرها من حولها قطن وقائل قل لي ما سنها ... فقلت ما في فمها سن وقال فيها وقد مات أبوه: أذابت كلى الشيخ تلك العجوز ... وأردته أنفاسها المرديه وقد كان أوصى لها بالصداق ... فما في مصيبته تعزيه لأني ما خلت أن القتيل ... يوصي لقاتله بالديه وأهدى إلى الصاحب كمال الدين ابن العديم سجادة خضراء، وكتب معها: المملوكة سجادة أبي الحسين الجزار: أيها الصاحب الأجل كمال الد ... ين لا زلت ملجأ للغريب كن مجيري لأنني قد تغرب ... ت لكوني وقعت عند الأديب أنا سجادة سئمت من الط ... يب فهب لي نشرا فنشرك طيبي طال شوقي إلى السجود وكم لي ... من شروق في بيته وغروب

أبو زكريا يحيى صاحب إفريقية

وإذا ما أتاه ضيف أراني ... منه عند الصلاة وجه مريب لم يرقه اخضرار لونه وهيها ... ت، وما راعه اسوداد الذنوب فأقل عثرتي ووفر بإحسا ... نك من وجه الكريم نصيبي واجبر اليوم كسر قلبي فلا زل ... ت مدى الدهر جابرا للقلوب إن حسن في الآراء الالية الصاحبية الكمالية أسعدها الله تعالى أن ينصب محرابي إلى القبلة بعد رفعه، ويخفض عيشي بالتسبيح والتقديس بعد جزمه وقطعه، ويجعلني مؤهلة بين يديه لصالح الأعمال، ويؤمنني العث الذي يعتري الصوف لعدم الاستعمال، فعل، جاريا على عوائد اصطناعه، سالكا سبل أخرقه وطباعه، والسلام. وقال أيضا: إذا كنت تعلم ما في الصدور ... وتعلم خائنة الأعين وتعلم صحة فقري إليك ... فإني عن شرح حالي غني أسيء فتحسن لي دائما ... وهل للمسيء سوى المحسن وحقك مالي من قدرة ... على كشف ضرر إذا مسني فلا تلزمني بغير الدعاء ... فذلك ما ليس بالممكن 572 (1) أبو زكريا يحيى صاحب إفريقية يحيى بن عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص عمر الهنتاني، الأمير أبو زكريا

_ (1) الزركشي: 345 وابن خلدون 6 3 280 وصبح الأعشى 5: 127 والتعريف بابن خلدون: 11 والمؤنس: 132 وتاريخ الدولتين: 18 والفارسية: 107 وأزهار الرياض 3: 208؛ وأكثر هذه الترجمة ثابت في المطبوعة إلا أن اضطراباً حدث هناك، فقد انقطعت الترجمة فجأة ص 633 من الجزء الثاني وتتمتها 606 حيث ورد الكلام خطأ تحت اسم ((النصير الأدفوي)) .

صاحب إفريقية وتونس؛ كان أبوه نائبا لآل عبد المؤمن على إفريقية، فلما توفي والده تغلب على إفريقية وتونس وامتدت أيامه، واشتغل عنه بنو عبد المؤمن بأنفسهم؛ وتوفي سنة سبع وأربعين وستمائة، وأصله من برابر مصمودة. وكان يباشر الأمور بنفسه ولا يركن إلى أحد، وكان كثيرا ما يتستر بالليل ويخرج الأموال ويقصد مواضع الفقراء والأيتام، وعم جميع المستحقين بالعطاء، وكان الفقراء يدعون له بكل مكان؛ وفي كل يوم يجلس في مجلس مخصوص وتحضر الأمراء والجند والوافدون، ولا يأنف أن يتكلم في جليل الأمور وحقيرها، ثم يطعم الناس، فإذا حضر وزير الأموال انقلب إلى مكان آخر مع من يشرفه بالحضور من الفضلاء من فقيه وأديب ومنجم وطبيب، فإذا فرغ من هؤلاء دخل إلى داره واستراح لي أذان العصر، فيخرج إلى موضع آخر غير الموضعين الأولين يتفقد فيه الأمور الخاصة بقصره، فإذا أذن المغرب دخل إلى ما هنأه به الله من اللذات. ولم يقطع صلاة الجمعة في الجامع ولا يخل بها، ويجلس يوم السبت في القبة العظمى وحوله أقاربه وشيوخ دولته على مراتبهم، وتقرأ عليه المظالم بحضرة القاضي وغيره، ويجزم الحكم ويفصله، وله في ذلك أخبار ظريفة: ورفع إليه طائفة من الشعراء قصائد فوقع عليها بما رآه، وكان منهم شاعر يعرف بابن المحظية، وكان في قصيدته خطأ فوقع: يعطى أن قصيدته كذا وكذا، فاستحسن البلغاء هذا منه. وكان مرة أصابه ألم في عينيه، فدخل إليه خواصه وفيهم شخص يلقب بالخرا، فقال له وقد كلمه: يا مولانا أبصرتني؟ فقال: لا بل شممتك. ومات بالرعاف وهو نازل بعسكره على بونة آخر مدن إفريقية

رشيد الدين العطار

`رحمه الله. ومن شعره في الجوز: تفضل بطعم له ملبس ... صلابة وجه لئيم حكى إذا بز عن جسمه ثوبه ... أتاك كما يمضغ المصطكى وقال يصف الرمح من قصيدة، وهو معنى غريب: وأسمر غر شيب النقع رأسه ... ألا إنما بعد القشيب مشيب مددت به كفي إليهم كأنه ... رشاء ومن قلب الكمي قليب وقال (1) : أمالكتي قلب الكئيب تعطفا ... بساكنتي ربع الضلوع ترحما على هائم أعياه حمل غرامه ... وأعقبه فرط الغرام تألما فلم يبق فيه البين إلا تنفسا ... ولم يبق فيه الشوق إلا توهما 573 (2) رشيد الدين العطار يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج بن أبي الفتوح، الإمام الحافظ المحدث رشيد الدين أبو الحسن القرشي الأموي النابلسي المصري المالكي العطار؛ ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وتوفي سنة اثنتين وستين وستمائة. روى الكثير وأفاد وانتخب، وكان ثقة ثبتا عارفا بفن الحديث، مليح الخط حسن التخريج، انتهت إليه رياسة الحديث بالديار المصرية (3) ،

_ (1) لم ترد في المطبوعة. (2) الزركشي: 345 والبدر السافر: 231 ونيل الابتهاج: 354 والشذرات 5: 311 وذيل مرآة الزمان 2: 314 وعبر الذهبي 5: 271؛ ولم ترد في المطبوعة. (3) بعد الحافظ زكي الدين المنذري.

أبو جعفر العلوي

ووقف جملة كتبه. روى عنه الدمياطي واليونيني وقاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وخلق كثير. وقال السراج الوراق يرثيه: دمعي على الشيخ الرشيد مرسل ... وحزن قلبي أبدا مسلسل بكى دما جفني القريح بعده ... لو بالجريح يفتدى المعلل أين إمام في الحديث مثله ... تضرب آباطا إليه الإبل ذاد عن السنة كل مفتر ... به جلي الداجي وحل المشكل وكان في علم الرجال أوحدا ... بحيث قال العلم: هذا الرجل أتقنهم معرفة بقول ذا ... مستعمل وقول ذاك مهمل ومن سوى العطار يدري سرهم ... والناس منهم حطب ومندل يا جامع ابن العاص قد أوحشت من ... جارك واستوحش صف أول عهدي بصدر لك منه حاليا ... قد عاد وهو بعده معطل لله ما ضم التراب من حجى ... يطيش رضوى عنده ويذبل ومن عفاف وتقى وكيف لا ... والعلم أس لهما والعمل إن ضجيعي لحده لسنة ال ... هادي الشفيع والكتاب المنزل لمثل ذا فليعمل القوم إذا ... راموا العلا لمثل ذا فليعملوا سقاك يا يحيى حيا مرتجز ... تحدو قطاريه صبا وشمأل 574 (1) أبو جعفر العلوي يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي، أبو جعفر العلوي

_ (1) التكلمة لوفيات النقلة ومرآة الزمان: 581والبداية والنهاية 13: 74؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

البصري؛ كان يتولى النقابة على الطالبين بها. كان أعرف أهل زمانه بأنساب العباسيين والقرشيين وأنساب العرب وأيامها وأشعارها؛ قدم بغداد مرات وأقام بها طويلا، ومدح الإمام الناصر، وقرأ الناس عليه شعره ومن كتب الأدب والأنساب. وكان مليح المجالسة حسن الأخلاق متواضعا شريف النفس دينا، ولم يرو شيئا من الحديث، وكانت به زمانة لا يستطيع أن يقوم على رجليه. توفي ببغداد في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة (1) وستمائة، ومولده سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بالبصرة، ومن شعره: آليت أني لا أطيع عذولي ... وإن اشتملت على جوى وغليل وأرى السلو عن الحبيب وإن جفا ... وأطال في الأعراض غير جميل شرع الهوى دارست فيه عصابة ... أخذوا براي كثير وجميل يا برق حي على العقيق محلة ... حالت وعهد الشوق غير محيل شقت عليها المعصرات جيوبها ... وبكت بدمع لا يجف همول وكأنما وجدت بها لما عفت ... وجدي فأعولت الرعود عويلي لم يبق منها غير أشعث دارس ... مثل على طول الزمان نحيل ورماد أعشار إذا شبهته ... فلقد أصبت بإثمد منخول فوددت من ولهي به وصبابتي ... لو بت منه بناظر مكحول لا عهدها عندي وإن بعد المدى ... عاف ولا شكري لها بقليل فإنها نعم الخليفة أحمد ال ... أسد المخوف العارض المأمول وقال أيضا: تشرين أقبل جامعا أزهاره ... في نصر شوال ليطلب ثاره من شهر نسك لا يزال يمتنا ... جوعا ويمنعنا التقى إفطاره

_ (1) ص: عشر.

الصرصري

أهدى لنا تشرين زهر رياضه ... كرما وفتح وسطها أزهاره وأباحنا، والله يجعل عمره ... عمر الزمان، شميمه وثماره وسرى على أيلول وهو مصمم ... والجو ملتهب فأطفأ ناره فصل تشابه فجره وعشاؤه ... وحكت صدور نهاره أسحاره وعلى السماء قباء غيم أدكن ... سرت الشمال فحللت أزراره وتراه ينثر من ذيول قبائه ... درا (1) أطال على الرياض نثاره فاستجلها حمراء من يد أبيض ... بالمسك خط له الشباب عذاره ممن يرى دين المسيح مهفهف ... كالغصن يشبه خصره زناره فالراح أخت الروح إن مزجت بها ... وقضى الكريم فقد قضى أمطاره 575 (2) الصرصري يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام، جمال الدين الشيخ العلامة الزاهد الضرير، أبو زكريا الصرصري البغدادي الحنبلي اللغوي الأديب الناظم، صاحب المدائح النبوية السارة في الآفاق، لا أعلم شاعرا أكثر من مدائح النبي صلى الله عليه وسلم أشعر منه، وشعره طبقة عالية. وكان فصيحا بليغا، شعره يدخل في ثمان مجلدات، وكله جيد (3) ؛

_ (1) ص: درراً. (2) الزركشي: 345 والبدر السافر: 235 وذيل ابن رجب 2: 262 ونكت الهميان: 308 والشذرات 5: 285 وذيل مرآة الزمان 1: 258 - 332 وعبر الذهبي 5: 237 والبداية والنهاية 13: 211 والنجوم الزاهرة 7: 66 ومرآة الجنان 4: 147؛ والصرصري نسبة إلى صرصر وهي قرية قريبة من بغداد؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) ص: جيدا.

وله قصائد التزم في كل حرف منها طاء، وأخرى في كل كلمة منها ضاد، وأخرى في كل كلمة زاي، وأخرى في كل بيت حروف المعجم، وهذا دليل القدرة والاطلاع والتمكن. ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وتوفي شهيدا في واقعة بغداد سنة ست وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: حكى لنا شيخنا ابن الدباهي، وكان خال أمه، قال: دخل عليه التتار وكان ضريرا فطعن بعكازه بطن واحد فقتله ثم قتل شهيدا. فمن شعره يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوجهك أم ضوء الصباح تبلجا ... أم البدر في برج الكمال جلا الدجى أم الشمس يوم الصحو في برج سعدها ... وفرعك أم ليل المحب إذا سجا وبرق سرى أم نور ثغرك باسما ... ونشرك أم مسك ذكي تأرجا أتتك جنود الحسن طوعا بأسرها ... فصرت مليكا في الجمال متوجا فأضحت أبيات القلوب أسرة ... لديك فلم يملكن عنك معرجا فطوبى لعبد أنت سيده لقد ... سما بين أرباب البصائر والحجى فهل تجلب الأحلام لي منك نظرة ... فتكشف بعض الهم عني وتفرجا فقد نال مني منع طيفك مثلما ... شجاني من البيت المطوح ما شجا حثثنا إليك العيس حتى تبوأت ... لديك مقيلا ناضر (1) الروض مبهجا فما كان أدنى قربنا من بعادنا ... وأقرب أفراح الفؤاد من الشجى فلله قلبي يوم زمت ركابنا ... وفارقت ظلا من جنابك سجسجا رجوت بقرب الدار أن أطفىء الأسى ... فما زاد وقد الشوق إلا تأججا فهل للركاب القود نحوك مرجع ... يجبن بنا وعرا ويطوين مدرجا

_ (1) ص: ناظر.

يحثحثها الحادي العجول مهجرا ... إليك ويطوي شقة البيد مدلجا يخوض بها آل الضحى فكأنما ... يخوض بها البحر الخضم ملججا إذا ما تعالت في الهواجر في السرى ... تخال نعاماً في السباسب هدجا عليها رجال تشتكي ألم الجوى ... كما تشتكي في سيرها ألم الوجى لهم حنة عند الصباح وحنة ... إليك إذا ما الليل غيهبه دجا يؤمون ربعا أفيح الجو زاهراً ... أضاء بوجه منك أزهر أبلجا حمى بك عنا كل مظلمة محا ... وكل رجا منه ثمال لمن رجا رحيب الذرى غض القطاف لمن جنى ... إذا ما نحاه من جنى عائذا (1) نجا إذا لجأ (2) العافي إليه مؤملاً ... جلا ضر معتر إلى بابه لجا إليك رسول الله أهدي مدائحي ... فتكسب من رياك نشرا مؤرجا وتلبسها أوصافك الزهر حلة ال ... بهاء وروضا من حلاك مدبجا أسوت بما بينت داء قلوبنا ... كما كنت تأسو قبل أوسا وخزرجا وكنت نبيا قبل آدم مرتجى ... لتفتح باباً للهداية مرتجا فجئت ورسم الرشد بالغي منهج ... فأوضحت فيه للبرية منهجا وشيدت أعلام الرشاد مجددا ... وكنت كميا في الجهاد مدججا وثقفت سهم الدين حتى أقمته ... وقد كان ملوي المغامز أعوجا فصبح وجه الحق أبلج ظاهرا ... بنورك والبطلان أزور مخدجا وأدخلك الرحمن بالصدق مدخلا ... خرجنا به من دارة الشرك مخرجا فيا خير من زم النياق لحجة ... وألجم خيلا للجهاد وأسرجا ومن إن أحاط الكرب بالناس كلهم ... فعاذوا به ألفوه عنهم مفرجا وإن صلي النار العصاة غدا غدا ... لأمته من هوة النار مخرجا أجرني فقد أصبحت في زمن له ... عرام لأهل الحلم أصبح مزعجا

_ (1) ص: عائداً. (2) الزركشي: إذا ما لجا.

وقد أبلت السبعون برد شبيبتي ... فأضحى بتكرار الأهلة منهجا وعندي حاجات بها الله عالم ... أبيت بها من كارث الهم محرجا ولست أرى خلا معينا أبثه ... شجوني فما أزداد إلا توهجا وما لي في يومي غيرك مسعد ... إذا القلب للخطب الفظيع (1) تلجلجا لأنك عند الله أنجح شافع ... لدفع الملمات الشدائد ترتجى عليك سلام الله ما أظلم الدجى ... وما فلق الصبح المنير تبلجا وعم به أصحبك الزهر ما سرى ... إلى ربعك السامي مشوق وأدلجا وقال أيضا يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذكر العقيق فهاجه تذكاره ... صب عن الأحباب شط مزاره وهفت إلى سلع نوازع قلبه ... فتضرمت بين الجوانح ناره كلف برامة ما تألق بارق ... من نحوها إلا بدا إضماره يشتاق واديها ولولا حبها ... لم يصبه واد زهت أزهاره شغفا بمن ملك الفؤاد بأسره ... وبوده أن لا يفك إساره لولا هواه لما ثنى أعطافه ... بان الحجاز ورنده وعراره يا من ثوى بين الجوانح والحشا ... مني وإن بعدت علي دياره عطفا على قلب بحبك هائم ... إن لم تصله تصدعت أعشاره وارحم كئيبا فيك يقضي نحبه ... أسفا علي وما انقتض أوطاره لا يستفيق من الغرام وكلما ... حجبوك عنه تهتكت أستاره ما اعتاض عن سمر الحمى ظلا ولا ... طابت بغير حديثكم أسماره هل عائد زمن تضوع نشره ... أرجا ورقت بالرضى أسحاره في مربع بقباب سلع مونق ... بالأنس تهتف بالمنى أطياره فاق البسيطة عزة ومهابة ... فسما وعز من البرية جاره

_ (1) ص: الفضيع.

يحمي النزيل وكيف لا يحمي وقد ... حفت بجاه المصطفى أقطاره أضحى ثرى عرصاته إذ حلها ... يشفي من الداء العضال غباره سبحان من جمع المحاسن كلها ... فيه فتم بهاؤه وفخاره جبلت على التشريف طينته فما ... نشأت على غير العلى أطواره وصفت خلائقه وطهر صدره ... فزكا وطاب أديمه ونجاره حملته آمنة الحصان فلم تجد ... ثقلا إلى أن حان منه بداره ورأت قصور الشام حين تشعشعت ... أنواره وتباشرت حضاره وضعته مختونا وأهوى ساجدا ... وكساه حسنا باهرا مختاره لا بالطويل ولا القصير وإن مشى ... بين الطوال سمتهم أنواره وإذا تكلل بالجمان جبينه ... عرقا لأمر عظمت أسراره فلريحه أذكى وأطيب مخبرا ... من ريح مسك فضه عطاره فالشمس بعد الصحو مشرقة السنا ... والبدر في فلك الكمال مداره متقلدا بالسيف ليس مباليا ... بمن التقى عزت به أنصاره حلل السكينة والثبات لباسه ... والبر والإخلاص فيه شعاره وضميره التقوى وأوتي حكمة ... فازداد منها عقله ووقاره والصدق منه والوفاء طبيعة ... والعفو والصفح الجميل دثاره وشريعة الإسلام ملته وبال ... حق المبين إلى الورى إظهاره ختم النبوة فهو درة تاجها ... وطراز حلتها الثمني عباره أبقى بسنته طريقا واضحا ... رحبا سواء ليله ونهاره فخرت به خير القبائل هاشم ... وحوى به المجد الأثيل نزاره زهرت نجوم السعد في بدر به ... وتبلجت يوم الرضى أقماره وشموسه في فتح مكة أشرقت ... فانجاب عن وجه العلاء قتاره سعدت به أولاده ونساؤه ... وصحابه وزكت به أصهاره

وسمت به غلمانه وإماؤه ... وجواده وبعيره وحماره وحوى الفخار سريره وفراشه ... وخيامه وقبابه وجداره وتضوعت أردان بردته به ... طيبا وطاب رداؤه وإزاره شهد الكتاب الموسوي بفضله ... وتحققته وأيقنت أخباره هو شاهد متول ومبشر ... هو منذر متيقن إنذاره أضحى لأميين حرزا مانعا ... وضعت به عن وقته آصاره بالشام دولته ومكة ربه ال ... حرمات مولده وطيبة داره عجبا لذي لب رآه وكيف لم ... ينبت عنه لوقته زناره يا من جلا قتر الضلال ومن إذا ... ما أمه العافي انجلى إقتاره يا من تساوى في المكارم والندى ... كلتا يديه: يمينه ويساره أنت الملي بكشف ضر مخلف ... ذي عسرة بندى يديك يساره جعل الثناء على علاك شعاره ... فحلت به وتعطرت أشعاره يرجو النجاة بفضل جاهك في غد ... في موقف يخشى التوى أبراره وقال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: بين العقيق وبين سلع مربع ... للقلب فيه وللنوظر مرتع عطر الثرى أرج كأن لطيمة ... من مسك دارين به تتضوع بدر السعادة كامل بسمائه ... وببرجه شمس الحقائق تطلع حلو الجنى عذب الموارد عنده ... من كل شرب معنوي منبع يا منزلا فيه لأرباب الهوى ... مرأى يروق من الجمال ومسمع ما بال وردك ماؤه يشفي الصدى ... وأنا المحب وغلتي لا تنقع لي فيك عهد هوى قديم ليس لل ... عذال في الاقلاع عنه مطمع لك أن تزيد على المدى يا جنتي ... عزاً ولي أني أذل واخضع لولا اذكارك لم يهز معاطفي ... برق على شعب الأبارق يلمع

ولما أرقت (1) وهاج شوقي في الضحى ... ورقاء في فنن الأراكة تسجع وكذاك لولا سر قصدك لم أكن ... ألتاع إن ذكر الغوير ولعلع ويعرض الحادي بجرعاء الحمى ... والسفح من وادي الأراك فأجزع كلفي ببانات العقيق وإنما ... وجه اشتياقي بالحجاز مبرقع عجبا لجسم بالعراق مخلف ... وفؤاده مغرى بطيبة مولع ولكيف لا تجف الأضالع نحوها ... شوقا وتذرف في هواها الأدمع وبها رسول الله خير مؤمل ... تخدي الركاب إلى حماه وتوضع أزكى البرية عنصرا وأعزهم ... بيتا وأولى بالفخار وأجمع وأمد كفا بالندى وأتمهم ... حلما وأصدق في المقل وأسرع وأشدهم بأسا إذا التظت الوغى ... والسمهرية بالأسنة تشرع جمعت له غر المناقب فهي كال ... عقد النظيم لديه لا تتوزع هو صفوة ارحم وهو حبيبه ... وله المقامات التي لا تدفع حلاه من أنواره وكساه من ... أسنى المواهب حلة لا تنزع وجلاه في ملكوته وأباحه ... ما كان يطلبه سواه فيمنع يا خير من برأ المهيمن وارتضى ... لبلاغ حجته التي لا تقطع أشكو إليك وأنت تعلم فتنة ... كادت لها الصم الصلاب تصدع فبمن أعزك واصطفاك فأجزل ال ... نعمى عليك فحوض فضلك مترع سل جبر أمتك الكسيرة إنه ... لم يبق في قوس التجلد منزع محقت طغاة الترك أطراف القرى ... فالمال نهب والمنازل بلقع واشفع إلى الرحمن في غفران ما ... هذي عقوبته فأنت مشفع وقال من قصيدة: والمستهام عن المودة لم يحل ... حاشا لذراه من النسيان لو قيل ما تهوى لقال مبادراً ... أهوى زيارتكم على أجفاني

_ (1) ص: رقت.

ويهزه طرب إذا ذكر الحمى ... هز الشمول شمائل النشوان تالله إن سمح الزمان بقربكم ... وحللت منكم بالمحل الداني لأقبلن لأجلكم ذاك الثرى ... وأعفر الخدين بالصوان يا خير من وخدت إليه نجيبة ... من كل مرمى نازح الأحضان يطوي إليك بها السباسب ساهم ... بيد السمائم منهج الدرسان يهفو إذا ذر العقيق فؤاده ... ويبيت من سلع على أشجان شوقاً إلى عرصات حضرتك التي ... نسمت بنشرك أطيب النسمان فيها لحزن سلوة ولخائف ... أمن وللطلاب نيل أماني اشكوا إليك تخلفي عن رفقة ... كانوا على الطاعات من أعواني رحلوا وصدتني الموانع عنهم ... فنكرت قلبي بعدهم وزماني أصبحت في وقت كثير هرجه ... متدارك الآفات والافتان يمسي الفتى فيه يروم زيادة ... ترضى فيصبح وهو في نقصان فبمن كسا عطفيك أحسن حلة ... ليست على ملك ولا إنسان سل في ربك أن يوفق باطني ... لرضاه في سري وفي إعلاني قل رب صل يحيى بن يوسف ال ... مقطوع عنك أضيعف العبدان فلأنت أكرم شافع علقت به ... لمروع يوم النجاة يدان وقال أيضا: أقل عثرتي واعف يا حسن العفو ... عن العمد من مسطور ذنبي والهفو وصف من الأكدار قلبي واهدني ... من البر والتقوى إلى المورد الصفو فكم لي من سوء اجتراح نسيته ... وأحصاه محروس الحفاظ من السهو شقيت به أيام أمرح في الصبا ... وأسحب أذيال البطالة والزهو فيا ملكا زان السماء بأنجم ... على الفلك الأعلى طفت أحسن الطفو وسخر ما بين السماء وأرضه ... سحائب يخفو برقها أحسن الخفو

وأبقى على شمس النهار ضياءها ... وخص بنقص آية الليل بالمحو ولما دحا الأرض اقتدارا وحكمة ... على الماء أرسى الشم في أثر الدحو وأحيا بفضل ميت الأرض بالحيا ... وزينها من بعد ذل بالصحو أغثني بتوفيق ينور باطني ... وينحو إلى الخيرات بي أحسن النحو فإني مقر أنك الله ربنا ... تعاليت عن شرك الطغاة أولي العدو برأت جميع الكائنات بقدرة ... على غير أمثال تضاهى ولا حذو تميت وتحيي والمقادير كلها ... بأمرك في مر الصروف وفي الحلو وأعددت جنات النعيم لأهلها ... لترحمهم والنار أعددت للسطو وأرسلت بالحق المبين محمدا ... أجل الورى من حاضرين ومن بدو وشرفت فضلا آله وصحابه ... فبعدا لقلب من محبتهم خلو فلا تحزني يوم الحساب ونجني ... بفضلك من نار تلظى بلا خبو وقال أيضا: يوم أراك به فلست أصومه ... فالعيد (1) عندي ثابت تحريمه ودجى أماط لنا ثياب ظلامه ... بصباح وصل منك كيف أقومه لكن أرى فضلا علي معينا ... نظري إليك مع الزمان أديمه حتى أروي من جمالك غلتي ... وتزول أثقال الهوى وهمومه فبنور وجهك ينجلي عني صدا ... قلبي ويحيا باللقاء رميمه من لي بوصلك إن وصلك جنتي ... ودوام هجرك للفؤاد جحيمه عالجت فيك من الغرام أمره ... وصبرت حتى قيل: ليسر يرومه وكتمت حتى غال حبك مهجتي ... واشتد شيئا في الهوى مكتومه وسترت حتى نم دمعي بالهى ... وأبر دمع العاشقين نمومه فاعطف على قلب ملكت زمامه ... أنت الشقاء له وأنت نعيمه

_ (1) ص: يوماً ... فالعبد.

لولاك لم يطل العقيق ... ولما شجاني بالغوير نسيمه ولرب خل قال لي وبدا له ... ما ليس يجهل في الهوى معلومه ما لي أراك إلى الأبارق طامحا ... أبدا سنا برق فأنت تشيمه وأرى شمائلك اعتراها نشوة ... أسباك من نفس العرار شميمه فأجبته إني لصب شيق ... بخفي وجد والغرام غريمه وله قديم لا دواء لدائه ... وأرى الهوى يعي الرجال قديمه ومبكر يطوي جلابيب الفلا ... عجلا (1) غدا لا يستقر رسيمه يهوي به في كل خرق مهمه ... فكأنه في جانبيه ظليمه (2) يمسي ومعتل النسيم مدامه ... والنجم في أفق السماء نديمه ناديته إن رمت نورا مشرقا ... تهديك إن حال الدليل نجومه ومقيل أمن واسعا رحبا فلذ ... بجناب من نفق الضلال علومه ماحي الضلال الشاهد المتوكل ال ... ضحاك أسنا من تغث كلومه كنز الفضائل منزل التقوى الذي ... هو في المعاد إمامه وزعيمه جمعت له غرر النهى وتجددت ... بهداه للدين الحنيف رسومه وثوى بتربة أرضه لما ثوى ... فيها الفخار خصوصه وعمومه باب الهدى حصن النجاة محمد ... طابت مناسبه وطاب أديمه يا من لآدم بان سابق فضله ... وسما به في الحشر إبراهيمه يا من له الحوض الروي وشفاعة ... ينجو بها دنس الإهاب أثيمه ولتك من رب السماء صلاته ... وأتاك منه على المدى تسلميه من يستجير بفضل جاهك لائذا ... فمن الذي في العالمين يضيمه فأجير مروعا من خطوب كيدها ... يعيا به في ذا الزمان حليمه وقال أيضا رحمه الله تعالى:

_ (1) ص: نجلا (دون إعجام للنون) . (2) ص: طليمه.

لي بين سلع والعقيق عهود ... يبلى الزمان وذكرهن جديد أيام أرفل في جلابيب الصبا ... وعلي من خلع الوصال برود في مربع رحب الجوانب للرضا ... والروح فيه طائرا غريد حرم به روض المعاني ناضر (1) ... لذوي القلوب وظله ممدود كل الليالي للمحب بجوه ... ليل التمام وكل يوم عيد إن امرءا يمسي ويصبح عاكفا ... بجنابه العطر الثرى لسعيد لولاه لم يعذب بخرق مسامعي ... ذكر العذيب ولم ترقه زرود تدنيه بالآمال أحلام الكرى ... مني وإن مزاره لبعيد وأظل بالأشواق أطوي نحوه ... ما ليس تقطعه الركاب القود واها لأوقات صفت فكأنها ... في جيد أيام الزمان عقود سلفت لنا بين القبب فهل لها ... كزماننا (2) الماضي علي معيد شوقي إلى من حلها شوق إذا ... نقص الوداد على البعاد يزيد إن مت من شغفي بها وصبابتي ... فقتيل أسياف الغرام شهيد كيف اللقاء ودون من أحببته ... وعر الحجاز ومن تهامة بيد سقيا لربع نازح دان حوى ... شرفا على الآباد ليس يبيد أقمار أفلاك المال منيرة ... بسمائه ونجومهن سعود برباه روض المجد ليس مصوحا (3) ... لمن اغتدى للمكرمات يرود غيث المواهب والندى يهيم على ... أفنان غض نباته ويجود جمعت له بمحمد غرر النهى ... وبه استقر النصر والتأييد طود الفضائل فيه رأس راسخ ال ... أركان والشم الرعان تميد فيه الجلالة والمهابة والهدى ... والبر والتقوى وفيه الجود

_ (1) ص: ناضرا. (2) ص: لزماننا. (3) ص: مصوح.

وعليه ألوية السنا معقودة ... حتى يلوح لواؤه المعقود وحياض ينته هني وردها ... حتى يهيا حوضه المورود نعم الرسول بنروه الشرك انجلى ... عنا وصح لنا به التوحيد هو شاهد متوكل ولوصفه ... بين الكرام أولى النهى مشهود يا خير من وخد العذافر نحوه ... وسعت إليه من الفجاج وفود يا من به أضحت قبائل هاشم ... لأسود أبطال الرجال تسود لا زلت مخصوصا بكل تحية ... منا عليها للقبول شهود يأتي بها ملك كريم مبلغ ... ما لا يطيق له البلاغ بريد وقال أيضا: رعى الله بالبطحاء أيامنا التي ... بدت كوميض البرق ثم تولت وحيا قبابا بين سلع إلى قبا ... لعزتها يحلو خضوعي وذلتي نعمت بها لكن كأحلام نائم ... كأن لم تزرها العيس حتى استقلت فلا ما مضى فيها من العيش عائد ... ولا النفس عنها بالبعاد تسلت فهل لي إلى تلك المعاهد عودة ... ولو دونها بيض الصوارم سلت فألثم إجلالا ثراها وأجتلي ... شموسي في أرجائها وأهلتي (1) سق الله ذات الظل من دارة الحمى ... حيا نهلت منه ثراه وعلت وسحت على أعلام سلع مرنة ... غمائم بالنوء الروي استهلت فتلك لعمر الله دار أحبتي ... وسكانها نحو الرشاد أدلتي ألا ليت شعري هل أزور قبابها ... فتحمد فيها العيس شدتي ورحلتي ألا ليت شعري هل أزور متعرضاً ... لمن نظم مدحي فيه تاجي وحليتي ألا يا رسول الله أنت وسيلتي ... إلى الله إن ضاقت بما رمت حيلتي وأنت إذا ما حرت نوري وحجتي ... وأنت إلى التقوى إمامي وقبلتي

_ (1) ص: وأهلة.

وأنت نبيي باتباعك أهتدي ... وملتك الزهراء ديني وملتي وأنت نصيري في خطوب تابعت ... علي وذخري عند فقري وعيلتي وأنت الذي أرجوه يوم نشورنا ... يروي الصدى مني وينقع غلتي فلا تخلني من حسن عطفك واسأل ال ... مهيمن رب العرش في سد خلتي وكن لي في ذا اليوم ثمت في غد ... شفيعا إلى الرحمن في محو زلتي لئن (1) نور الرحمن قلبي بذكره ... غنيت بذاك النور عن نور مقلتي وقال رحمه الله تعالى: خط الربيع بأقلام التباشير ... رسالة كتبت بالنور والنور حيا البقاع الحيا فاهتز هامدها ... لما أتتها يد البشرى بمنشور وانشقت الأرض عن مكنون ما خبأت ... كأنما باكرتها نفخة الصور وزينت بحلي النبت وادرعت ... ملابس الفخر من وشي الأزاهير والطل في عبقري الروض منتشر ... كلؤلؤ من عقود الغيد منثور والبان قد ماس من نفح الصبا طربا ... كأن أغصانه أعطاف مخمور والورق تهتف في الأوراق شاكرة ... إحسان مبتدىء بالفضل مشكور وقد فهمنا لهذا الفصل ترجمة ... إن المهيمن يحي كل مقبور يا طيب فصل الربيع المونق العطر ال ... أرجاء لو كان لا يدهى بتغيير يبيت فينا قليلاً ثم يتركنا ... كزورة الطيف وافت ربع مهجور أو عيشنا بالحمى في حسن رونقه ... ووشك بين على الأحباب مقدور هل الركاب إلى البطحاء عائدة ... يحثها كل رحب الباع شمير تمسي وتصبح في البيداء هاجرة ... طيب الكرى عند إسحار وتبكير حتى تحل على علاتها بحمى ... داني الظلال بروح الأمن معمور فتجتلي البشر من ذات الستور به ... وتجتني تمر (2) حجر غير محجور

_ (1) ص والزركشي: لأن. (2) ص: ثمر.

هناك لا حجر في تقبيلنا حجراً ... يربي على المسك في لون وتعطير منها: يا سيدي يا رسول الله يا أملي ... في موبقات تصاريف المقادير جمعت ما في الكرام الزهر مفترق ... وزدت فضلاً عظيماً غير محصور فأنت سيد أهل الفضل أجمع في ... أصل وفرع وتقديم وتأخير بلغت من شرف المعراج مرتبة ... توفر القرب فيها أي توفير ويوم حشر الورى أنت الشفيع به ... تنجي من النار نفس الهالك البور والفضل بعدك لم يدركه ذو طلب ... في صحبك النجب الشوش المغاوير وقال أيضاً: شواهد قلب الصب لا تقبل الرشا ... فكيف قبول النصح من كاشح وشى أيأمر خلو بالتصبر مغرما ... وآنس ربع الحب أصبح موحشا أما في الهوى العذري عذر لشيق ... إذا لاح برق من تهامة أجهشا ويهتز من وجد إذا نفس الصبا ... سحيراً بأعطاف الخزامى (1) تحرشا متى يرد الماء النمير محلأ ... فينقع من ورد الصفا غلة الحشا وينهل من ماء بطيبة حائم ... يروي فؤاداً نحوها متعطشا سقى حرمي أرض الحجاز حيا روى ... ليحيي ميت الحرتين وينعشا أتى ونبات الأرض بالجدب خامل ... فدر له كاس الغمائم (2) فانتشا فأضحت أزاهير الرياض كأنها ... مطارف وشي زانها صنع من وشى إذا هيمنت فيها النسيم تظنها ... تحبر في الغدران خطاً مرقشا فثم لعمر الله أشرف دارة ... إلى نارها طرف لمستوقد عشا إذا أمها ركب وددت بأنني ... جعلت له خدي على الأرض مفرشا

_ (1) ص: الحزاما. (2) ص: الغمام.

أعظم أخفافا كرائم ترتمي ... إلى الفاتح الختام أكرم من مشى محمد المبعوث بالحق والذي ... لموسى وعيسى في الكتابين أدهشا وحاز من الرهبان سلمان وصفه ... فطاف عليه في البلاد وفتشا وفاز بما أبدى بحيرا وخاب من ... بظلم على كتمان أوصافه ارتشى فبورك حملا واستوى الخير مرضعا ... وباء بأنواع الكرامة مذ نشا ولاحت أمارات النبوة عنده ... لذي نظر ما شاب أوصافه العشا تبشبش وجه الأرض مذ حلها كما ... بطلعته وجه السماء تبشبشا حباه بما يعلو من الوصف ربه ... وعلمه من أشرف العلم ما يشا وجاء بحق مستبين نفى به ... زخارف إفك كان في الناس قد فشا وجاهد حتى شاد بالسيف رافعا ... من الدين ما أوهى الضلال وشوشا حوى الحسن والإحسان والحلم والتقى ... فلم يك صخابا (1) ولا متفحشا ولا عباساً فظاً غليظاً فلم يلم ... حبوشاً على زفن ولا عاب أنجشا (2) حيي جواد زاهد متوكل ... فما اعتد فضلاً من غداء إلى عشا شجاع إذا ما الحرب مدت رواقها ... وأسبل فيها النقع ليلا فأغطشا لا كربها حتى تبين أنه ... لدى الباس منهم كان أقوى وأبطشا له القمر انشق امتثالا لأمره ... وحيته جهراً ظبية فارقت رشا شفاعته للناس عن طول حبسهم ... كما من لظى ينجي بها من تمحشا (3) وفي الحشر يسقي الناس من حوضه الروي ... إذا كان كرب الحشر للناس معطشا وإني لأرجوه إذا اغتالني الردى ... وبؤئت في البيداء قبراً منبشا وفي الموقف الصعب الشديد الذي به ... تخال الجبال الصم عهنا منفشا

_ (1) ص: سخابا. (2) الزفن: الرقص، وقد شهد الرسول الحبش يزفنون فلم ينههم؛ وأنجشة كان حادياً للإبل يتغنى بحداثه، وهو الذي قال له الرسول: ((رفقاً بالقوارير)) في حجة الوداع. (3) تمحش: تحرق.

يعطر شعري ذكره فكأنما ... لشعري بالكافور والمسك قد حشا وقال أيضاً وهي من المجانسات الأواخر: سقى الله ارض الحمى وابلاً ... إذا حل في جوها أمرعا فصم لنا بين أكنافه ... حبيب أأهملنا أم رعى وحيا بساحة وادي العقيق ... جناباً خصيب الربى أوسعا نعمنا به زمنا لم نبل ... بمن هم كيدا بنا أو سعى فلله سر به مودع ... كساه الجلالة من أودعا هناك المآرب مقضية ... لمن رامها صامتا أو دعا فهل لي إلى ربعه عودة ... أجوب الفلا أجرعا أجرعا فأجرع من مائه نهلة ... رواء ومن لي أن أجرعا مواطن تجبر قلب الكسير ... وترفع ذا خفية أوضعا فطوبى لمن نص في قصدها ... الركائب أو نحوها أوضعا وقال أيضا: فيا رب قد عودت وجهي صيانة ... وأهلي غنى والقلب منك تعففا فزدني وأهلي من صنيعك نعمة ... تدوم وصني واكف يا خير من كفى وصلني ولا تقطع بلطف ورحمة ... فلست أبالي إن وصلت بمن جفا وقال رحمه الله تعالى يذكره سيرة نفسه: سلكت طريق الفقر ظنا بأنني ... أضاهي جنيداً أو أناسب معروفا وكنت أديبا قبل ذلك شاعرا ... أروق الورى نظماً ونثراً وتأليفا فهمت أعارض الخليل بن أحمد ... وبرزت في نحوي قياسا وتصريفا وباحثت في الفقه الأئمة برهة ... وأتقنت في القرآن همزا وتخفيفا وطارحت في علم الحساب فنلته ... وبينت في الألفاظ همزا وتصحيفا فصرت نديما لا تمل مجالسي ... حبيبا إلى أعيان عصري مألوفا

إلى أن أملت بي من الفضل نفحة ... فأصبحت عن كل الشواغل مصروفا وفارقت إخوان الصفا متجنبا ... وثقفت نفسي في الرياضة تثقيفا ودمت على حسن العبادة عاكفا ... وأصبح حسن الظن حولي معكوفا فأورثني عزا لدى الناس عفتي ... فصرت بأفواه المحبة مرشوفا فلما أبت إلا النكاح خواطري ... تجشمت أمرا غادر الدمع مذروفا ولم ار بدا من معاشرة الورى ... فعاشرت قوما لا يغيثون ملهوفا فأبغضني من كان منهم يحبني ... وأوسعني لوما شديدا وتعنيفا وأعرض عن ودي حميم وصاحب ... وارجف في (1) الحاسدون الأراجيفا كأني قد أظهرت للناس بدعة ... وأحدثت للدين الحنيفي تحريفا على أنني لم أبد للناس صفحتي ... وما زلت في ثوب الصيانة ملفوفا فما صح لي فقر وما صح لي غنى ... بل ازددت في علم التقلب تعريفا وعدت أجيل الفكر فيمن أعده ... يكون به ما بي من الضيم (2) مكشوفا فلم أر لي كالصالحين وسيلة ... ألذ الورى عرفا وأطيب معروفا رجال إذا ما طبق الأرض حادث ... رموه بصدق العزم فانجاب مكسوفا أتتهم عليات الأمور مطيعة ... وأضحى بهم قلب المكارم مشغوفا هم القوم لا يشقى الجليس لديهم ... ولم يعدموا العافين بشرا وتضييفا هم العروة الوثقى وهم أنجم الهدى ... بهم يحفظ الله المهامه والسيفا أعزاء محروس الجناب فناؤهم ... تخطف من ناواهم الذل تخطيفا إذا ظهروا للدهر أورق عوده ... وأصبح مجني المحاسن مقطوفا وإن هجروا المأنوس أصبح مقفرا ... وإن نزلوا بالقفر تحسبه ريفا إذا وجدوا في الوقت كانوا طرازه ... وقد طرزوا من قبل ذاك التصانيفا صفاتهم أسنى من الشمس في الضحى ... وأحسن من در المراسيل مصفوفا

_ (1) ص: بي في. (2) ص: الظيم.

وقال رحمه الله تعالى يعاتب نفسه: يا قسوة القلب مالي حيلة فيك ... ملكت قلبي فأضحى شر مملوك حجبت عني إفادات الخشوع فلا ... يشفيك ذكر ولا وعظ يداويك وما تماديك من كسب الذنوب ول ... كن الذنوب أراها من تماديك لكن تماديك من كسب نشأت به ... طعام سوء على ضعفي يقويك وأنت يا نفس مأوى كل معضلة ... وكل داء بقلبي من عواديك أنت الطليعة للشيطان في جسدي ... فليس يدخل غلا من نواحيك لما فسحت بتوفير الحظوظ له ... أضحى مع الدم يجري في مجاريك واليته بقبول الزور منك فلن ... يوالي الله إلا من يعاديك ما زلت في أسره تهوين موثقة ... حتى تلفت فأعياني تلافيك يا نفس توبي إلى الرحمن مخلصة ... ثم استقيمي على عزم ينجيبك واستدركي فارط الأوقات واجتهدي ... عساك بالصدق أن تحمي مساويك واسعي إلى البر والتقوى مسارعة ... فربما شكرت يوما مساعيك حب التكاثر في الدنيا وزينتها ... هي التي عن طلاب الخير تلهيك لا تكثري الحرص في تطلابها فلكم ... دم لها بسيوف الحرص مسفوك بل اقنعي بكفاف الرزق راضية ... فكل ما جاز ما يكفيك يطغيك ثم اذكري غصص الموت الفظيع يهن ... عليك أكدار دنيا لا تصافيك وظلمة القبر لا تنسي ووحشته ... عند انفرادك عن خل يوازيك والصالحات ليوم الفاقة ادخري ... في موقف ليس فيه من يواسك وأحسني الظن بالرحمن مخلصة ... فحسن ظنك بالرحمن يكفيك وقال رحمه الله تعالى وقد عاتبه بعض إخوانه على انقطاعه عن زيارته: سكوني في بيتي لقلي راحة ... وستر من الله العظيم لحالي أكف عن الإخوان شرة عثرتي ... وأسلم من قيل وكثرة قال

وأحيا عزيزا لا أرى متعرضا ... ورزقي يأتيني بغير سؤال وإن أنا زرت الناس فالناس فيهم ... نصيح ومذاق وآخر قالي وإن أنا أكثرت المقام فربما ... رماني إخوان الصفا بملال وقلبي كالمرآة إن صنته انجلى ... وإلا فبالأنفاس محو صقالي وقال رحمه الله تعالى: أنا المدنف الجاني وجهل ألجاني ... إليكم فألفاني مكبا (1) على الفاني فهل يا عظيم الشان لي منك عطفة ... فتصلح لي شاني وإن رغم الشاني وقال أيضا: ما بين بعدك والتداني ... يا منيتي يفنى زماني أحيا بقربك تارة ... ويميتني بعد المغاني ما دام لي منك النعي ... م ولا الضنا مني بفاني أطمعتني حتى إذا ... ملك الهوى طوعا عناني أبديت لي منك القلى ... أنى وقد غلقت (2) رهاني بجمال طلعت التي ... أنوارها تحيي جناني ومجال أمواه الحيا ... ة على جبينك كالجمان وبلؤلؤ الثغر الذي ... يفتر عن برق يماني نعم علي بنظرة ... فيها الشفاء لما أعاني ما لي بأثقال الهوى ... إن غبت عن عيني يدان وقال رحمه الله وهي من المجانسات الأواخر: أئمة أهل الحب ما القول في فتى ... يرى حكم من يهواه من حكمه أولى ويرضى بما يقضيه سراً وجهرة ... فهل واجب في شرعكم هجره أو لا

_ (1) ص: مكب. (2) ص: علقت.

في من عن المحبوب ليس بصابر ... نهاراً فهل يقوى على بعده حولا فهل شافع بالوصل منه فلا قوى ... لقلبي بطول الصدر منه ولا حولا أعبر عن أنوار طلع وجهه ... ببرق سرى من نحو كاظمة ليلا وأكني بهند عن هواه ولم أشم ... وميضا ولا أحببت هندا ولا ليلى وقال رحمه الله تعالى: ذهب الشباب وخانني جلدي ... وتمشت الأسقام في جسدي ورمتني الستون من عمري ... فأصاب رشق سهامها كبدي أودى الحمام بمن أحب من ال ... غر الحسان ففت في عضدي وبقيت مسلوب القرين بلا ... عدد أسر به ولا عدد لله ما وارى الثرى وحوى ... من والد بر ومن ولد ومن ابن أم مشفق حدب ... وخليل صدق غير ذي فند كم عاينت عيناي من رجل ... علم لمرتفد ومرتشد شمس إذا ما المشكلات دجت ... غيث ووجه العام غير ندي كانوا الهداة لأهل وقتهم ... سلكا بهم في أوضح الجدد ومضوا وقد خلفت بعدهم ... فرداً أعالج لوعة الكمد يا رب فاختم لي بخاتمه ال ... حسنى وخذ في شدتي بيدي وقال في بحر الذوبيت: يا سامري الدجى بذات السمر ... هل عندكما لناشد من خبر كم يسأل بالحمى ومن يخبره ... عن سر هوى يخفى على ذي نظر من علم ذا الحمام شدو الشجن ... من هز من الغرام عطف الغصن من أي صبابة حنين البدن ... ما ذلك إلا لهوى مستتر يا طالب برء الدنف المشتاق ... هل عندك للديغ من درياق

تا لله لقد أعجز رقي الراقي ... من يسحر لبه نسيم السحر لله فتى مزق ثوب السلوى ... ثم ادرع الصبر لحمل البلوى ما أظهر من شدة وجد شكوى ... قد باع لذاذة الكرى بالسهر ما هز البرق سيفه أو ضحكا ... إلا وتذر الحمى ثم بكى يقفو أثر الغرام أنى سلكا ... إما المأمول أو ذهاب العمر قد لجج في بحر الهوى واقتحما ... واختار على الصحة فيه السقما يرضى بقضاء الحب فيما حكما ... إن جار عليه الحب أو لم يجر يا أعظم منيتي وأقصى أملي ... يا أشهر أدوائي وأخفى عللي فيك اتسع الخرق وضاقت حيلي ... فاجبر بالوصل ما وهي من عمري لا فزت مع الجمع بوادي جمع ... بالقصد وخانني وفي الدمع إن لذ سوى حديثكم في سمعي ... أو راق مال غيركم في بصري قد كف هوام لساني ويدي ... كم أخضع للعدا وأنتم عددي أنتم أصل القرح الذي في كبدي ... والبرء بأيديكم (1) وكشف الضرر (2) أنتم لغزي في كل " ما " أكنيه ... أنتم سر في باطني أخفيه أنتم معنى المعنى الذي أبديه ... أنتم قصدي أشرت أو لم أشر لم آت إلى الموسم كي أذكركم ... كالغائب، بل أردت أن أنظركم ما أصنع بالحج إذا لم أركم ... أنتم حجي وأنتم معتمري ما قصدي في منى وفي دوحتها ... إلا أرج يفوح في ساحتها تالله لقد شممت من نفحتها ... من نشركم ريا نسيم عطر

_ (1) ص: بأيديكم. (2) ص: الضر.

ابن أبي خالد الكاتب الاشبيلي

لولا معنى يلوح بين الخيم ... ما عجت ولا وقفت عند العلم لولا أنتم وحبكم في القدم ... ما سرت على الهول للثم الحجر أخفيت إشاراتي عن العذال ... بالرند وبانة الحمى والضال لما قامت شواهد الأحوال ... أخفيت عبارتي عن المعتبر دق المعنى فحار لب الفهم ... في متضح عن الورى منعجم كم قصر عنه من بعيد الهمم ... لا يدرك (1) بالحسن ووهم الفكر 576 (2) ابن أبي خالد الكاتب الاشبيلي يزيد بن عبد الله بن أبي خالد اللخمي الإشبيلي؛ قال ابن الأبار في " تحفة القادم ": هو صدر من نبهاء إشبيلية وأدبائها، وممن له قدر في منجبيها ونجبائها، وإلى سلفه (3) ينسب المعقل المعروف بحجر أبي خالد، وتوفي بها سنة اثنتي عشرة (4) وستمائة، رحمه الله. وأورد له في فتح المهدية (5) : كم غادر الشعراء من متردم ... ذخرت عظائمه لخير معظم تبعا لمذخور الفتوح فإنها ... جاءت له بخوارق (6) لم تعلم من كل سامية المنال إذا انتمت ... رفعت إلى اليرموك صوت المنتمي

_ (1) ص: تدرك. (2) التحفة: 120 والزركشي: 348 ونفح الطيب 4: 55؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (3) ص: سفله. (4) ص: اثني عشر. (5) كان فتح المهدية سنة 602. (6) ص: بحواري.

وتوسطت في النهروان بنسبة ... كرمت ففازت بالمحل الأكرم وأورد له أيضاً قوله: ويا للجواري المنشآت وحسنها ... طوائر بين الماء والجو عوما إذا انتشرت في الجو أجنحة لها ... رأيت به روضا ونورا مكمما وإن لم تهجه الريح جاء مصافحا ... فمدت (1) له كفا خضيبا ومعصما مجاذف كالحيات مدت رؤوسها ... على وجل في الماء كي تروي الظما كما أسرعت عدا أنامل حاسب ... بقبض وبسط يسبق العين والفما هي الهدب في أجفان أكحل أوطف ... فهل صبغت من عندم أو بكت دما قال ابن الأبار: أجاد ما أراد في هذا الوصف وإن نظر إلى قول أبي عبد الله ابن الحداد يصف أصطول المعتثم بن صمادح: هام صرف الردى بهام الأعادي ... أن سمت نحوهم لها أجياد وتراءت بشركها (2) لعيون ... دأبها ملء جانبيها سهاد ذات هدب من المجاذيف حاك ... هدب باك لدمعه إسعاد حمم فوقها من البيض نار ... كل من أرسلت عليه رماد ومن الخط في يدي كل ذمر (3) ... ألف خطها على البحر صاد قال: وما أحسن قول شيخنا أبي الحسن ابن حريق في هذا المعنى من قصيدة: وكأنما سكن الأراقم جوفها ... من عهد نوح خشية الطوفان فإذا رأي الماء يطفح نضنضت ... من كل خرت حية بلسان

_ (1) ص: فمرت. (2) التحفة والنفح: بشرعها. (3) ص: دمر؛ والتصويب عن التحفة.

قال: ولم يسبقهم إلى الإحسان وإن سبقهم بالزمان علي بن محمد الإيادي التونسي في قوله: شرعوا جوانبها مجاذف أتعبت (1) ... شأو الرياح لها ولما تتعب تنضاع (2) من كثب كما نفر (3) القطا ... طورا وتجتمع اجتماع الربرب والبحر يجمع بينها فكأنه ... ليل يقرب عقربا من عقرب ومن هذه القصيدة الفريدة في ذكر الشراع: ولها جناح يستعار يطيرها (4) ... طوع الرياح وراحة المتطرب يعلو بها حدب (5) العباب مطا ره ... في كل لج زاخر معلولب يتنزل الملاح منه ذؤابة ... لو رام يركبها القطا لم يركب وكأنما رام استراقة مقعد ... للسمع إلا أنه لم يشهب (6) وقال أبو عمر (7) القسطلي (8) : وحال الموج بين بني سبيل ... يطير بهم إلى الغول (9) ابن ماء أغر له جناح من صباح ... يرفرف فوق جنح من سماء أخذه ابن خفاجة فقال (10) :

_ (1) ص: أتبعت، والتصويب عن التحفة. (2) ص والتحفة: تنضاغ. (3) ص: نقر. (4) ص: بطيرها؛ والتصويب عن التحفة. (5) ص: جذب. (6) ص: يسهب. (7) ص: عمرو. (8) أبو عمر القسطلي هو ابن دراج، انظر ديوانه: 323 والنفح 4: 58. (9) ص: القول. (10) ديوان ابن خفاجة: 138 والنفح 4: 58.

" يزيد بن عبد الملك "

وجارية ركبت بها ظلاما ... يطير من الصباح بها جناح قال ابن الأبار: وقد عملت أنا في ذلك: يا حبذا من بنات الماء سابحة ... تطفو لما شب أهل النار تطفئه تطيرها الريح غربانا بأجنحة ال ... حمائم البيض للأشراك ترزؤه من كل أدهم لا يلفى به جرب ... فما لراكبه بالقار يهنؤه يدعى غرابا وللفتخاء سرعته ... وهو ابن ماء وللشاهين جؤجؤه 577 (1) " يزيد بن عبد الملك " يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أمير المؤمنين أبو خالد الأموي الدمشقي؛ ولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز لست بقين من رجب سنة إحدى ومائة، وله سبع (2) وثلاثون سنة وتوفي بأرض البلقاء، وقيل بعمان، لخمس بقين من شعبان سنة خمس ومائة، وله إحدى وأربعون سنة، وكانت أيامه أربع سنين وشهرا. وكان طويلا جسيما مدور الوجه، لم يشب، وكان شديد الكبر عاجزا، وهو صاحب حبابة وسلامة، وهما جاريتان (3) شغف بهما، وماتت حبابة

_ (1) الوزراء والكتاب: 56 وتاريخ الخميس 2: 318 ومرآة الجنان 1: 224 والنجوم الزاهرة 1: 255 وخلاصة الذهب المسبوك: 25 وتاريخ الخلفاء: 268 والروحي: 25 والفخري: 118 والطبري واليعقوبي والمسعودي والبلاذري والأغاني والعيون والحدائق؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: سبعة. (3) ص: جاريتين.

فمات بعدها بيسير أسفا عليها ولما ماتت تركها أياما لم يدفنها، وعوتب في ذلك فدفنها، وقيل إنه دفنها ثم نبشها بعد الدفن؛ وكان يسمى يزيد الماجن. ولما تولى الخلافة أقبل على الشرب والانهماك، وكان يضع حبابة عن يمينه وسلامة عن يساره ثم يشرب إلى أن يسكر وتغنيانه فيطرب ويشق ما عليه ويقول: أطير، أطير؟! فيقولان: إلى من تترك الخلافة؟ فيقول: إليكما. ولما ولي الخلافة قالت له زوجته: هل بقي لك أمل بعد الخلافة؟ قال: نعم، أن تحصل في ملكي حبابة، وفيها يقول: أبلغ حبابة سقى ربعها المطر ... ما للفؤاد سوى ذكراكم وطر إن سار صحبي لم أملك تذكركم ... أو عرسوا بي فأنت الهم والفكر فسكتت عنه، وأنفذت تاجراً اشتراها بمال عظيم وأحضرتها له خلف ستارة وأمرتها بالغناء، فلما سمعها اهتز وطرب وقال: هذا غناء أجد له في قلبي وقعاً فما الخبر؟ فكشفت الستر وقالت: هذه حبابة وهذا غناؤها فدونك وإياها، فغلبت على قلبه من ذلك، ولم ينتفع به في الخلافة. وقال في بعض أيام خلواته: الناس يقولون إنه (1) لم يصف لأحد يوم كامل، وأنا أريد أن أكذبهم في ذلك، ثم أقبل على لذاته وأمر أن يحجب عن سمعه وبصره كل ما يكره، فبينما هو في صفو عيشه إذ تناولت حبابة حبة رمانة فشرقت بها فماتت، فاختل عقله، وتركها ثلاثة أيام لم يدفنها ثم دفنها ثم نبشها من قبرها، وتحدث الناس في خلعه من الخلافة، ولم يعش بعدها إلا خمسة عشر يوما. وفيها يقول رحمهما الله تعالى وعفا عنهما: فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد (2)

_ (1) ص: إن. (2) البيت لكثير عزة، ديوانه: 435.

ابن صقلاب

578 - (1) ابن صقلاب يزيد بن محمد بن صقلاب، أبو بكر الكاتب من أهل المرية؛ قال ابن الآبار: كان غزلا صاحب إبداع في قوله وأسجاع، مع سراوة وسخاوة، وكانت وفاته سنة تسع عشرة (2) وستمائة. واورد له: من الناس من يبقى (3) من اللؤم عرضه ... وإن زانه ثوب عليه جديد ومنهم جواد النفس لو سيل نفسه ... لكان بها طلق الجبين يجود فذاك الذي تبقى مآثر مجده ... وآثارها في العالمين شهود فإن عاش فالآمال خالدة به ... وإن مات فالأمداح فيه خلود وقال أيضاً: أما ورياض من ضميرك ما درت ... غزارة بحر لا ولا بنت راقم ولا رقمت كف الغمامة بردها ... وقد خلعت فيها جلود أراقم فللخاطر السيال فيها سحابة ... وللقلم الجاري بها كف راقم لقد أنعمتني إذ تنسمت عرفها ... على رمق لا يستلين (4) لناقم وإن جاد يوما بالرضى فهو مازج ... على إثره شهد الرضى بالعلاقم مسحت بها حر الجوى عن جوانح ... حوت ضعف ما تحويه حرة واقم

_ (1) الزركشي: 348 والبدر السافر: 236 وتحفة القادم: 127؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: عشر. (3) يبقى: لم يرد منها معجماً سوى القاف. (4) ص: يستليق.

الراضي ابن عباد

وقال أيضا: أنا صب وابن صب ... بالعوالي والمعالي وبناني (1) وجناني ... بهما قد المعالي فهما إن فسح الله ... مدى العمر معا لي 579 (2) الراضي ابن عباد يزيد بن محمد بن عباد (3) ، الراضي ابن المعتمد بن عباد؛ كان قد ولاه أبوه المعتمد الجزيرة الخضراء وعقل رندة إلى أن غلبه الملثمون على الجزيرة ثم حصروه برندة فلم يقدروا عليها لحصانتها، إلى أن حصل أبوه في أسرهم، فحملوه على أن خاطبه (4) بالنزول إليهم اتباعا لرضاه، فنزل برأي أبيه وأخذ منهم عهدا وموثقا، فلما نزل إليهم ذبحوه. وكان ناظما ناثرا، كتب إليه ابن عمار لما كان في حبس أبيه يسأله الشفاعة عند أبيه فأجاب: " ألان الله لك (5) قلبا صيره غليظا عليك، وعطف عليك من غالبت فيه قوة الله وحوله بقوتك وحولك، فجاذبته رداء ملكه، وجهدت جهدك في نثر سلكه؛ تعلم أن سيدي ومولاي المعتمد

_ (1) ص: وبناتي. (2) الزركشي: 348 وقلائد العقيان: 31 (وعنه نفح الطيب 4: 249) والحلة السيراء 2: 70؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) ص: عبد. (4) ص: خاطبوه. (5) كتبت هذه الكلمة في الهامش ولم يبق منها سوى الكاف.

- أيد الله سلطانه - إذا أصرم في شيء فلا يعارض: ومن يسد طريق العارض الهطل ... وطلبت مني الشفاعة إليه فيك، وأنا عنده دون أن أشفع، وذنبك عنده فوق أن يشفع فيه، وبعد: فمن بره الذي أوجب الله علي أن لا أوالي له عدوا، ولا أعادي له وليا: ولا تبغ من فرع زكي مخالفا ... لأصل فإن الأصل يتبعه الفرع أغض جفوني عنك ما غض جفنه ... وإن كنت أطويها فينشرها الدمع وأمنع صدري أن يلم بفكرة ... وفيه لما تشكوه من ألم لذع ومع هذا: فإني أبلغ النفس عذرها في استلطافه لك: ومبلغ نفس عذرها مثل منجح ... ومن شعره: مروا بنا أصلا من غير ميعاد ... فأوقدوا نار قلبي أي إيقاد لا غرو أن زاد في شوقي مرورهم ... فرؤية الماء تذكي غلة الصادي وقال يخاطب أباه وقد نوه بغيره من إخوته: حنانك إن يكن جرمي قبيحا ... فإن الصفح عن جرمي جميل وإن عثرت بنا قدم سفاها ... فإني من عثاري مستقيل ألست بفرعك الزاكي، وماذا ... يرجي الفرع خانته الأصول ووصل أبوه إلى لورقة لمحاربة العدو، وجهز إليه عسكرا وأمر ابنه الراضي أن يتقدم عليه، فاعتذر وأظهر المرض، فتقدم عليه المعتمد بنفسه ولاقى العدو فكانت الدائرة على المعتمد، فحجب عنه وجه رضاه، وكتب إليه بشعر منه:

يزيد بن معاوية

الملك في طي الدفاتر ... فتمثل عن قود العساكر طف بالسرير مسلماً ... وارجع لتوديع المنابر وازحف إلى جيش المعا ... رف (1) تقهر الجد المناظر (2) واضرب بسكين الدوا ... ة مكان ماضي الجد باثر واقعد فإنك طاعم ... كاس وقل هل من مفاخر فأجابه الراضي شعر منه: مولاي قد أصبحت كافر ... بجميع ما تحوي الدفاتر وفللت سكين الدوا ... ة وظلت للأقدام كاسر وعلمت أن الملك ما ... بين الأسنة والبواتر هبني أسأت كما ذكر ... ت أما لهذا العتب آخر هب زلتي لبنوتي ... واغفر فإن الله غافر فقربه وصفح عنه. 580 - (3) يزيد بن معاوية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أمير المؤمنين أبو خالد؛ ولد سنة خمس أو سنة ست وعشرين

_ (1) ص: المعازف. (2) القلائد: المقامر. (3) البدء والتاريخ 6: 6 وتاريخ الخميس 2: 300 والوزراء والكتاب (صفحات متفرقة) والطبري واليعقوبي والمسعودي وابن الأثير ... الخ، وانظر أيضاً الفخري: 105 والروحي 19 وتاريخ الخلفاء: 224.

للهجرة، بويع له بدمشق في شهر رجب سنة ستين للهجرة، وتوفي بدمشق لأربع عشرة (1) ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين، وكان مدة ملكه ثلاث سنين وثمانية أشهر واثنين وعشرين يوما، وصلى عليه ابنه معاوية، وسنه ثماني وثلاثون (2) سنة. وكان ضخما آدم (3) سمينا مجدورا، وله ديوان لا يصح عنه منه إلا القليل، وقد جمع ديوانه (4) الصاحب جمال الدين علي بن يوسف القفطي وأضاف إليه كل من اسمه يزيد. وقال الشيخ شمس الدين الذهبي: لما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، وقتل الحسين رضي الله عنه وإخوته، وأكثر من شرب الخمر وارتكب أشياء منكرة أبغضه الناس وخرج عليه غير واحد ولم يبارك الله تعالى في عمره. سئل الكيا الهراسي (5) عن يزيد بن معاوية فقال إنه لم يكن من الصحابة لأنه ولد في زمن عمر بن الخطاب؛ وأما قول السلف ففيه قولان: تلويح وتصريح، ولنا قول واحد: التصريح دون التلويح (6) ، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالشطرنج والنرد والمتصيد بالفهود ومدمن الخمر؟! قيل إن معاوية في بعض الليالي أنهي إليه أن يزيد ولده يشرب، فأتى إليه ليوقع به فوجده يقول: ألا إن أهنا العيش ما سمحت به ... صروف الليالي والحوادث نوم

_ (1) ص: عشر. (2) ص: ثمانية وثلاثين. (3) ص: آدما. (4) ص: ديوان. (5) تجد هذه الفتوى وفتوى الغزالي عند ابن خلكان 3: 287 وما بعدها، وقد أوجز المؤلف في النقل. (6) ص: التلويح دون التصريح.

رجعنا إلى الأصل:

فقال معاوية: والله لا كنت عليه في هذه الليلة من الحوادث، ثم رجع من حيث أتى. رجعنا إلى الأصل: وكتب الكيا فصلا طويلا ثم قلب الورقة وكتب: " لو " مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل، وكتب فلان ابن فلان. وقد أفتى الغزالي رحمه الله تعالى بخلاف ذلك، فإنه سئل عمن صرح بلعن يزيد: هل يحكم بفسقه؟ فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلا، ومن لعن مسلما فهو الملعون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم ليس بلعان "، وكيف يجوز لعن المسلم ولا يجوز لعن البهائم، وقد ورد النهي عن ذلك، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي صلى الله عليه وسلم؛ ويزيد صح إسلامه، وما صح قتله الحسين رضي الله عنه ولا أمره ولا رضاه بذلك، ومهما لم يصح ذلك منه لا يجوز أن يظن ذلك به، فإن إساءة الظن بالمسلم حرام، وقد قال الله تعالى " اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم " " الحجرات: 12 " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن السوء. ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به فينبغي أن يعلم غاية حمقه (1) ، فإن كان من عصره من الأكابر والوزراء والسلاطين لو أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله أو رضي به أو كرهه لم يقدر على ذلك، وإن كان قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهده، فكيف لو كان في بلد بعيد وزمن بعيد وقد انقضى، فكيف نعلم ذلك في ما انقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد؟ وقد تطرق التعصب في الواقعة فكثرت فيها الأحاديث، فهذا أمر لا تعرف حقيقته أصلا، وإذا لم تعرف وجب إحسان الظن بكل

_ (1) ابن خلكان: يعلم به غاية حماقة.

مسلم، ومع هذا فلو ثبت على مسلم أنه قتل مسلما فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر بل هو معصية، فإذا مات القاتل ربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم تجز لعنته، فكيف بمن تاب عن قتل؟ وكيف نعرف أن قاتل الحسين رضي الله عنه مات قبل التوبة، " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " " الشورى 25 " فإذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقاً عاصياً لله عز وجل ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصياً بالإجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة: لم لم تلعن إبليس، ويقال للاعن: لم لعنت؟ ومن أين عرفت أنه ملعون مطرود؟ والملعون هو المبعود من الله عز وجل، ولك عيب ولا يعرف إلا في من مات كافراً، فإن ذلك علم بالشرع، وأما الترحم عليه فهو جائز، بل هو مستحب، بل هو داخل في قولنا كل صلاة: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنه كان مؤمنا، والله أعلم، كتبه الغزالي. وحكى ابن القفطي أن يزيد كان له قرد يجعله بين يديه ويكنيه أباقيس، ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ، وكان يسقيه النبيذ ويضحك منه، وكان يحمله على أتان، فحمله يوما وجعل يقول: تمسك أبا قيس بفضل عنانها ... فليس عليها إن هلكت ضمان فقد سبقت خيل الجماعة كلها ... وخيل أمير المؤمنين أتان وجاء أبا قيس في ذلك اليوم ريح فمال ميتا والأتان، فحزن عليه وأمر بدفنه بعد أن كفنه، وأمر أهل الشام أن يعزوه فيه وأنشأ يقول: لم يبق قرم (1) كريم ذو محافظة ... إلا أتانا يعزي في أبي قيس شيخ العشيرة أمضاها وأحملها ... له المساعي مع القربوس والديس

_ (1) ص: قرماً.

لا يبعد الله قبرا أنت ساكنه ... فيه الجمال وفيه لحية التيس ومن شعره: شربت على الجوزاء كأسا روية ... وأخرى إذا الشعرى العبور استهلت معتقة كانت قريش تعافها ... فلما استحلوا دم عثمان حلت ومنه: أقول لصحب ضمت الكاس شملهم ... وداعي صبابات الهوى يترنم خذوا بنصيب من نعيم ولذة ... فكل وإن طال المدى يتصرم ولا تتركوا يوم السرور إلى غد ... فرب غد يأتي بما ليس يعلم ألا إن أهنأ العيش ما سمحت به ... صروف الليالي والحوادث نوم لقد كادت الدنيا تقول لأهلها ... خذوا لذة، لو أنها تتكلم وسيارة ضلوا (1) عن القصد بعدما ... تداركهم جنح من الليل مظلم أناخوا على قوم ونحن عصابة ... وفينا فتى من سكره يترنم أضاءت لهم منا على البعد قهوة ... كأن سناها ضوء نار تضرم إذا ما حسوناها أناخوا مطيهم ... وإن مزجت حثوا الركاب ويمموا وقال أيضا: ولقد طعنت الليل في أعجازه ... بالكاس بين غطارف كالأنجم يتمايلون على النعيم كأنهم ... قضب من الهندي لم تتثلم ولقد شربناها بخاتم ربها ... بكرا وليس البكر مثل الأيم ولها سكون في الإناء ودونه ... شغب يطوح بالكمي المعلم وقال أيضا: ولي ولها إذا الكاسات دارت ... رقى سحر يحل عرى الهموم

_ (1) ص: ظلوا.

محادثة ألذ من الأماني ... وبث جوى أرق من النسيم وقال أيضا: وساق أتاني والثريا كأنها ... قلائص قد أعنقن خلف فنيق وناولني كأسا كأن بنانه ... مخلفة من نورها بخلوق وقال اغتنم من دهرنا غفلاته ... فعقد وداد الدهر غير وثيق وإني من لذات دهري لقانع ... بحلو حديث أم بمر عتيق هما ما هما لم يبق شيء سواهما ... حديث صديق أم عتيق رحيق إذا شجها الساقي حسبت حبابها ... نجوما (1) تبدت في سماء عقيق ويقال إنه لما أتي برأس الحسين رضي الله عنه صاح بنات معاوية وعيالهم وسمعهم يزيد فذرفت عيناه وقال: يا صيحة تحمد من صوائح ... ما أهون الموت على النوائح ثم قال: إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، كنا نرضى من أهل العراق بدون قتل الحسين. وعرض عليه في من عرض علي بن الحسين رضي الله عنهما فأراد قتله والأمن من غائلته ثم كف وارعوى وقال: هممت بنفسي همة لو فعلتها ... لكان قليلا بعدها ما ألومها ولكنني من عصبة أموية ... إذا هي زلت أدركتها حلومها ولما تحقق معاوية أن يزيد يشرب الخمر عز عليه ذلك وأنكر عليه وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر، وإنك تقدر على بلوغ لذتك في ستر؛ فتماسك عن الشرب ثم دعته نفسه لما اعتاده، فجلس على شرابه، فلما استخفه الخمر وداخله الطرب قال يشير إلى أبيه:

_ (1) ص: نجوم.

يزيد بن الوليد أمير المؤمنين

أمن شربة من ماء كرم شربتها ... غضبت علي؟! الآن طاب لي السكر سأشرب فاغضب لا رضيت، كلاهما ... حبيب إلى قلبي: عقوقك والخمر 581 (1) يزيد بن الوليد أمير المؤمنين يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان؛ لقب الناقص لأنه نقص الناس من أعطائهم، وقيل لقرب مدته، وقيل غير ذلك. ويقال له: " المعتزلي " و " الضال ". وكان أسمر حسن الوجه نحيف الجسم معتدل القد أعرج، وقال المدائني (2) : ناقص الوركين، ولذلك قيل له الناقص. ولد في الكعبة سنة إحدى وتسعين للهجرة في حياة جده عبد الملك، وبويع له بدمشق يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة (3) سنة ست وعشرين وائة، وله خمس وثلاثون سنة، وكانت خلافته خمسة أشهر ويومين وتوفي في ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، ونبشه مروان بن محمد وصلبه. وكان أبلغ بني أمية، بلغه عن مروان بن محمد أمر فكتب إليه: " أما بعد فإني رأيتك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فاعتمد على أيهما شئت "، فقال له مروان: أنا على لقاء العساكر أقوى مني على لقاء هؤلاء الكلمات؛ ثم أذعن ودخل فيما فيه الجماعة.

_ (1) أخباره في المصادر التاريخية كالطبري واليعقوبي والمسعودي وابن الأثير وابن خلدون ... الخ؛ وانظر البداية والنهاية 10: 11 وتاريخ الخميس 2: 321 والنجوم الزاهرة 1: 126 وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 188 والوزراء والكتاب: 69 وتاريخ الخلفاء: 275 وخلاصة الذهب المسبوك: 45 والروحي: 27 والفخري: 122؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: المدني. (3) ص: الآخر.

يعقوب النيسابوري

ويزيد هذا هو أول من خرج بالسلاح في العيد؛ يقال إنه مات بالطاعون ودفن بين باب الجابية والباب الصغير، وصلى عليه أخوه إبراهيم، رحمه الله تعالى. 582 - (1) يعقوب النيسابوري يعقوب بن أحمد بن محمد النيسابوري اللغوي الأديب الكردي؛ توفي في شهر رمضان سنة أربع وسبعين وأربعمائة، قرأ الأصول على الحاكم أبي سعد ابن دوست، وصحب الأمير أبا الفضل الميكالي، ورأى العميد القهستاني، وقرأ الحديث الكثير على المشايخ، ونسخ الكتب بخطه الحسن، وكان متواضعا يخالط الأدباء وله نظم ونثر وتصانيف وفرائد ونكت وطرف. وذكره العماد الكاتب في " الخريدة " وقال: إن له من الكتب كتاب " البلغة " وكتاب: " جونة الند " وأورد له من الشعر: كم من كتاب قد تصفحته ... وقلت في ذهني صححته ثم إذا طالعته ثانيا ... رأيت تصحيفا فأصلحته ومن شعره: حلاوة أيام الوصال شهية ... ولكن ليالي الهجر أمررن طعمها ولي كبد حرى ونفس عليلة ... كليم تولى كلمها البيض كالمها وقال:

_ (1) الزركشي: 350 وبغية الوعاة: 418 (نقلا عن السياق لعبد الغافر) والبلغة: 286 ودمية القصر: 190 (نشر الطباخ) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

الخازن الشافعي

وقالوا لي: أبو حسن كريم ... فقلت الميم هاء في العباره وما لجلاله أرجوه لكن ... رأيت الكلب يرمى بالحجاره وقال: يرى الناس منه كالمسيح ابن مريم ... وفي ثوبه التمساح أو هو أغدر أغركم منه تقلص ثوبه ... وذلك حب دونه الفخ فاحذروا 583 (1) الخازن الشافعي يعقوب بن سليمان بن داود، أبو يوسف الخازن الإسفراييني؛ سافر " إلى " العراق والشام وسكن بغداد، وتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وكان خازن الكتب بالنظامية، وهو فقيه فاضل حسن المعرفة بالأصول على مذهب الأشعري، وله معرفة بالأدب، وكان يكبت خطا جيدا، وصنف كتاب " المستظهري " في الإمامة وشرائط الخلافة والسير العادلة، وكتاب " سير الخلفاء " و " محاسن الآداب " و " بدائع الأخبار وروائع الأشعار " وتوفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، رحمه الله. ومن شعره: إن الذي قسم المعيشة بيننا ... قد خصني بالسعي في الآفاق متشتتا لا أستقر ببلدة ... في كل يوم أبتلى بفراق ومنه:

_ (1) الزركشي: 350 وطبقات السبكي 5: 359 والأسنوي 1: 96 وذكره السمعاني في الذيل؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة.

أبو البشر البندنيجي

لم بنا وهنا فقال سلام ... خيال لسلمى الرفاق نيام الم وفي أجفان عيني وصارمي ... غراران نوم غالب وحسام أجيراننا بالخيف سقاكم الحيا ... مراضع در ما لهن فطام ظعنتم فسلمتم إلى الوجد مهجتي ... كأن قلوب الظاعنين (1) سلام 584 (2) أبو البشر البندنيجي اليمان بن أبي اليمان، أبو البشر البندنيجي؛ أصله من الأعاجم من الدهاقين، ولد أكمه لا يرى الدنيا في سنة مائتين، وتوفي سنة أربع وثمانين ومائتين: نشأ بالبندنيجين (3) وحفظ هناك أدبا كثيرا وأشعارا كثيرة، قال: حفظت في مجلس واحد مائة وخمسين بيتا من الشعر بغريبه. وخرج إلى بغداد وسر من رأى ولقي العلماء، وقرأ على محمد بن زياد الأعرابي وسمع منه، ولقي أبا نصر صاحب الأصمعي وهو ابن أخته. وكان لأبي بشر ضياع كثيرة وبساتين خلفها أبوه فباعها وأنفقها في طلب العلم، ولقي يعقوب ابن السكيت والزيادي والرياشي وقرأ عليهما من حفظه كتبا كثيرة. ومن تصانيفه كتاب " معاني الشعر " كتاب " العروض " ومن شعره: أنا اليمان بن أبي اليمان ... أشعر من أبصرت في العميان

_ (1) ص: الضاعنين. (2) الزركشي: 350 ونكت الهميان: 312 وبغية الوعاة: 420 ومعجم الأدباء 20: 56؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (3) البندنيجين: بلدة في طرف النهروان من ناحية الجبل كانت تعد من أعمال بغداد (ياقوت) .

إن تلقني تلق عظيم الشان ... تلاقني أفصح من سحبان في العلم والحكمة والبيان ... ومر يوماً بباب الطاق فسمع صوت قمرية من حانوت خباز فبكى بكاء شديدا وقال لقائده: مل بي إليه، فأقامه عليه فقال: يا خباز، أتبيع هذه؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: بعشرة دراهم، ففتح منديله فعد له الدراهم ثم أخذ الحمامة فأطلقها وأنشأ يقول: ناحت مطوقة بباب الطاق ... فجرت سوابق معي المهراق حنت إلى أرض الحجاز بحرقة ... تسبي فؤاد الهائم المشتاق تعس الفراق وجذ حبل وتينه ... وسقاه من سم الأساود ساقي يا ويحه ما باله قمرية ... لم تدر ما بغداد في الآفاق كانت تفرخ في الأراك وربما ... كانت تفرخ في فروع الساق فأتى الفراق بها العراق فأصبحت ... بعد الأراك تنوح في الأسواق إني سمعت حنينها فابتعتها ... وعلى الحمامة جدت بالإطلاق بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي ... من فك أسرك أن يفك وثاقي ومن شعره: فديوان الضياع بفتح ضاد ... وديوان الخراج بغير جيم إذا ولي ابن عباس وموسى ... فما أمر الإمام بمستقيم

الحافظ اليغموري

585 - (1) الحافظ اليغموري يوسف بن أحمد بن محمود بن أحمد، الحافظ جمال الدين اليغموري أبو المحاسن الأسدي الدمشقي؛ ولد في حدود الستمائة، وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وسبعين وستمائة، سمع الكثير بدمشق والموصل ومصر والإسكندرية، وعني بالحديث وتعب وحصل وكتب الكثير من الحدي والأدب، وكان له فهم ومعرفة وإتقان ومشاركة في الآداب والتواريخ، وله مجاميع حسنة. وتوفي عند شهاب الدين ابن يغمور، وكان يصحب والده. كتب شهاب الدين ابن الخيمي إلى الحافظ اليغموري، وكانا أرمدين: أبثك يا خليل أن عيني ... غدت رمداء تجري مثل عين حديث أنت تعرفه يقينا ... لأنك قد رمدت وأنت عيني فأجاب الحافظ: كفاك الله ما تشكو وحيا ... محاسن مقلتيك بكل زين فإني من شفائك ذو يقين ... لأنك قد شفيت وأنت عيني ومن شعر الحافظ: رجع الود على رغم الأعادي ... وأتى الوصل على وفق المراد

_ (1) الزركشي: 351 والبدر السافر: 237 وقال فيه: ((صحب الأمير ابن يغمور ولازمه فقيل له اليغموري، وينعت بالحافظ، سمع الكثير من أحمد بن سلمان بن الأصفر ومسمار بن العويس وجماعة)) وفاته على التحديد بالمحلة ليلة الأربعاء حادي عشرين شهر ربيع الآخر سنة 637؛ وانظر النجوم الزاهرة 7: 247 وذكر أنه يعرف ب؟ ((ابن الطحان)) وهو تكريتي الجد موصلي الأب دمشقي المولد محلي الوفاة؛ وانظر أيضاً ابن خلكان 6: 250 ومقدمة نور القبس؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة.

علم الدين القناوي

ما على الأيام ذم بعدها ... كفر القرب إساءات البعاد وقال: أنا مرآة فإن أبصرتم ... حسنا أنتم بها ذاك الحسن أو تروا ما ليس يرضيكم فقد ... صدئت أن لم تروها من زمن 586 (1) علم الدين القناوي يوسف بن أحمد بن إبراهيم، علم الدين الخطيب القناوي الشافعي الأديب؛ كان من الرؤساء الأعيان الكرماء الأجواد الأذكياء، وكانت له معرفة جيدة بحل الألغاز ونظم منها أشياء كثيرة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، رحمه الله. وله لغز في " لابس " (2) ، البيت الثاني منه: يبين إن صحف مع قول لا ... وهو إذا صحفته " لا يبين " وله لغز في مغني: ما اسم إذا عكسته ... يطرب إن سمعته ينعم بالوصل متى ... صحف ما عكسته وله لغز في زغل: وما لغز إذا فتشت شعري ... تراه مسطرا فيه مسمى

_ (1) الزركشي: 351 والدرر الكامنة 5: 221 والطالع السعيد: 715؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة. (2) ص: لانس.

الحافظ ابن بكار

وإن تعكسه كان من التحري ... إذا حققته في البير يرمي وفاعله إذا نموا عليه ... فيخشى أن تزل يداه حتما 587 (1) الحافظ ابن بكار يوسف بن الحسن بن بدر بن الحسن بن مفرج بن بكار، الحافظ المفيد الإمام السيد شرف الدين النابلسي الأصل الدمشقي الشافعي؛ ولد سنة ثلاثة وستمائة، وتوفي سنة إحدى وسبعين وستمائة. سمع من ابن البن وغيره، ورحل وعني (2) بهذا الشان، ونسخ بنفسه وبالأجرة، وخطه طريقة مشهورة حلوة، وخرج لنفسه " الموافقات " في خمسة أجزاء، وحدث بدمشق والإسكندرية والقاهرة؛ روى عنه الدمياطي وابن الخباز (3) وابن العطار والكندي، وكان ثقة حافظا متقنا جيد المذاكرة جيد النظم حسن الديانة ذا عقل ووقار، ولي مشيخة دار الحديث النورية بدمشق. ومن شعره رحمه الله تعالى: بحق خضوعي في الهوى وتملقي ... وفيض دموعي والضنا وتقلقي وشدة وجدي والغرام ولوعتي ... وفرط هيامي فيكم وتمزقي

_ (1) الزركشي: 351 وعبر الذهبي 5: 297 وتذكرة الحفاظ: 1462 والشذرات 5: 335 والنجوم الزاهرة 7: 239 والدارس 1: 110 ومرآة الجنان 4: 172 والسلامي: 235؛ وقد ورد اسمه في أكثر المصادر ((يوسف بن الحسن)) وفي ص والزركشي يوسف بن الحسين؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: وعين. (3) ص: الجنار.

بعزكم يا سادتي بتذللي ... بعظم حنيني نحوكم وتشوقي بوقفتنا يوم اجتمعنا برامة ... على يمنة الوادي، بعهدي بموثقي أجيروا فؤادي من جفاكم وأسعفوا ... بقرب ولا تصغوا لزور منمق أتاكم به الواشي وما خلت أنه ... غداة سعى بي عندكم بمصدق تعلقكم قلبي قديما من الصبا ... وما حال عن ذاك الهوى والتعلق وها هو يرجو أن يراكم لعله ... يبثكم ماذا لقي حين نلتقي وقال: سلوا عذبات الرند أو نسمة الصبا ... إلى غيركم هل مال قلبي أو صبا فعندهما أخبار كل متيم ... محب لكم ما حال من زمن الصبا يحن إليكم كلما لاح بارق ... ويشتاقكم يا ساكني ذلك الخبا ويرتاح نحو المنحنى وطويلع ... ويهفو إلى تلك المعالم والربى وقال أيضاً: رأى البرق نجديا فجن بمن يهوى ... ولاحت له نار فحن إلى حزوى وهبت له من جانب الغور نفحة ... أتته بريا ساكني السفح من رضوى محب لهم مغرى بهم كلف جو ... إلى اللوم فيهم ما أصاخ ولا ألوى يناجي نسيم الصبح عند هبوبه ... بأخبار ذاك الحي يا طيبها نجوى ويشكو إليه ما يلاقي من الهوى ... كذا كل صب يستريح إلى الشكوى فيا راحة الروح التي شغفت بهم ... ويا منتهى المطلوب والغاية القصوى رويتم حديث الصد عال مسلسل (1) ... فلم ذا أحاديث التواصل لا تروى مرابع ذكراكم بقلبي أواهل ... ومغنى التسلي عن محبتكم أقوى أرى كل خلق يدعيكم وينتمي ... إليكم ولكن من تصح له الدعوى سلام على أهل الغرام جميعهم ... وخفف عنهم ما يلاقوا من البلوى (2)

_ (1) الزركشي: مسلسلا. (2) الصواب: ما يلاقون من بلوى.

عذاب الهوى مستعذب عند أهله ... وغلتهم فيه مدى الدهر لا تروى سكارى وما دارت على القوم خمرة ... سوى أن خمر الحب طرحهم نشوى وقال أيضا: أهيل الحمى والنازلين برامة ... ومن حل تلك الدار بالأجرع الفرد أحن إليكم كل حين ولحظة ... وتطلبكم عيني وإن كنتم عندي وفي القلب ما فيه من الشوق والجوى ... سلام على نجد ومن حل في نجد وأذكركم والدار قد نزحت بنا ... فأسبل دمعي كالجمان على خدي فيا أهل ذياك الحمى وحياتكم ... يمين وفي لا يحول عن العهد هواي الهوى المعهود ليس بزائل ... وإن بعدت داري، ووجدي لكم وجدي مقيم على رعي العهود وحفظها ... فيا ليت علمي كيف حالكم بعدي ترى بعد هذا البعد يرجى لقاؤنا ... ويجمعنا ظل لدى البان والرند وأشرح ما قاسيته ولقيته ... فيا نيل آمالي بذاك ويا سعدي وقال أيضا: شفيعي إليكم ذلتي وخضوعي ... وفرط غرامي فيكم وولوعي وشدة أشواقي إليكم وحرقتي ... عليكم وأنفاسي وفيض دموعي جنابكم لي موطن وحماكم ... ملاذ وأنتم مفزعي ونزوعي تقضى زماني في هواكم فلا أرى ... سواكم إليه موئلي ورجوعي وقال أيضاً: سلام عليكم شطت الدار بيننا ... على أن ذكراكم قريب إلى قلبي إذا العين لم تلقاكم " وتراكم " (1) ... ففكري يلقاكم على البعد والقرب

_ (1) بياض في ص، وأكملته من الزركشي.

جمال الدين الشاعر

588 - (1) جمال الدين الشاعر يوسف بن سليمان بن أبي الحسين (2) بن إبراهيم، الفقيه الأديب الشاعر الخطيب الصوفي الشافعي، جمال الدين؛ سألته عن مولده فقال لي: سنة ثلاث وتسعين وستمائة بنابلس، ونشأ بدمشق وقرأ بها الأدب على الشيخ تاج الدين المني والنحو على الشيخ نجم الدين القحفازي وغيره. وحج سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، ثم حج في سنة سبع وأربعين وسبعمائة عقيب موت ولده سليمان، فإنه حصل له عليه وجد عظيم وألم كثير فما رأى لنفسه دواء غير الحج. وهو شاعر مجيد في المقاطيع يجيد نظمها ومعناها، وله بديهة مطاوعة وارتجال مسرع، لذيذ المفاكهة جميل الود حسن الملقى؛ توفي رحمه الله تعالى في ثامن عشر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة " ولم " ينقطع (3) غير يوم واحد. أنشدني لنفسه: أسر الفؤاد ودم عيني أطلقا ... والوجد جده وصبري مزقا حلو الشمائل ما أمر صدوده ... متنعم قد لذ لي فيه الشقا كملت محاسنه فلو أهدي السنا ... للبدر عند كماله ما أشرقا يا عاذلي أقصر وتب عما مضى ... ما أنت في عذل المحب موفقا يا فاتر الأجفان أحرقت الحشا ... مني فمت صبابة وتشوقا يمضي الزمان وما أزور دياركم ... من خشية الرقباء عند الملتقى

_ (1) الزركشي: 352 والدرر الكامنة 5: 229؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) الزركشي والدرر: الحسن. (3) ينقطع: كتبت في الحاشية، وما قبلها مطموس.

وأريد أسبح في الدموع عليكم ... فأخاف من ضعف القوى أن أغرقا أما غرامي في هواك فإنه ... حي ولكن في السلو لك البقا وله رحمه الله تعالى موشح: زائر بالخيال ... زائل عن قربي باهر بالجمال ... ناهر بالعجب أي غصن نضير ... نزهة للنظر لحظ عيني خفير ... منه ورد الخفر يا له من غرير ... في هواه غرر ساحر بالدلال ... ساخر بالصب فائق في الكمال ... لائق بالحب بشذا المسك فاح ... ثغر هذا الغزال باسم عن أقاح ... أو فريد اللآل رد نور الصباح ... كظلام الليال ريقه حين جال ... في لماه العذب صرت بين الزلال ... والهوى في كرب ذو قوام رطيب ... منه تجني الحرق رام ظلم القضيب ... فاشتكى بالورق فتثنى الحبيب ... ورنا بالحدق سل بيض النصال ... من سواد الهدب والعوالي أمال ... بالقوام الرطب لو رأته القسوس ... حسبته المسيح

وهو يحيى النفوس ... بالكلام الفصيح ما تبين الشموس ... عند هذا المليح خل عنك الغزال ... يرتعي في الكثب ثم قل للهلال ... يحتجب بالغرب ثغره في بريق ... إذ جلاه بريق كل حر رقيق ... للسماه الرقيق خده والشقيق ... ذا لهذا شقيق قد بدا فيه خال ... كسواد القلب إذ غدا في اشتعال ... فوق نار الحب ما لصب صبا ... في هواه نصيب منه قبل الصبا ... قد علاني المشيب يا نسيم الصبا ... جز بأرض الحبيب واجتهد أن تنال ... منه طيب القرب ثم عد بالنوال ... من هدايا حبي جائر قد ظهر ... عدله في القوام في الوجود اشتهر ... مثل بدر التمام فيه يحلو السهر ... ويمر المنام صد تيهاً وقال ... وهو يبغي حربي لحظ عيني نبال (1) ... قلت آه وا قلبي وقال في صفة فرس أدهم: وأدهم اللون فات البرق وانتظره ... فغارت الريح حتى غيبت أثره

_ (1) ص: ينال، والتصويب عن الزركشي.

فواضع رجله حيث انتهت يده ... وواضع يده أني رمى بصره سهم تراه يحاكي السهم منطلقاً ... وما له غرض مستوقف خبره إذا توقل قطب الدين صهوته ... أبصرت ليلاً بهيماً حاملاً قمره وقال أيضاً: قد مضت ليلة الوصال بحال ... قصرت عن محصل الأزمان أخبرتنا أن الزمان جميعاً ... قد تقضي في ليلة الهجران وقال: يعيبون من أهوى بكسرة جفنه ... وعندي بهذا (1) العيب قد تم حسنه فقلت وما قصدي سوى سيف لحظه ... إذا دام فتك السيف يكسر جفنه وقال في دولاب الصاحب شمس الدين: ودولاب يحن بجبس عود ... على وتر يساس بغير حس فلما أن بدت منه نجوم ... حكى فلكاً يدور بسعد شمس وقال أيضاً في زهر الخشخاش: ونوار خشخاش بكرنا نزوره ... وقد دهش الرائي بحسن تغني به الشحرور من فرط شجوه ... فنقط بالياقوت ملء دفوفه وقال: كأن السحاب الغر لما تجمعت ... وقد فرقت عنها الهموم بجمعها نياق ووجه الأرض قعب وثلجها ... حليب ومر الريح حالب ضرعها وقال: كأن ضوء البدر لما بدا ... ونوره بين غضون (2) الغصون

_ (1) ص: هذا. (2) ص: غصون.

وجه حبيب زار عشاقه ... فاعترضت من دونه الكاشحون فقال زين الدين الصفدي رحمه الله تعالى: نظرت في الشهب وقد أحدقت ... بالبدر منها في الدياجي عيون والروض يستحلي سنا نوره ... فتحسد الأرض عليه الغصون وكلما صانته أوراقها ... نازعها الريح فلاح المصون فقلت حتى البدر لم يخله ... ريب الليالي في السما من يعون ونظم الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى: كأنما الأغصان لما انثنت ... أمام بدر التم في غيهبه بنت مليح خلف شباكها ... تفرجت منه على موكبه ونظم أيضاً: وكأنما الأغصان يثنيها الصبا ... والبدر من خلل يولح ويحجب حسناء قد عامت وأرخت شعرها ... في لجة والموج فيها يلعب وكتب الشيخ صلاح الدين الصفدي إلى جمال الدين المذكور ملغزاً في مكوك الحائك: أيا من فاق في الآداب حتى ... أقر بفضله الجم الغفير وأحرز في المنى قصبات سبق ... فدون محله الفلك الأثير وأطلع في سماء النظم زهراً ... يلوح فمن زهير أو جرير قطعت أولي النهى وافضل بحثاً ... فمالك في مناظرة نظير إذا أعربت في الإعراب وجهاً ... فكم ثلجت بما تدبي صدور وإن قيل المعمى والمورى ... فذهنك ناقد فيه بصير وها أنا قد دعوتك للتحاجي ... لأنك في الحجا طب خبير فما ساع يرى في غير أرض ... ولا هو في السما مما يطير

تراه مردداً ما بين طرد ... وعكس قصرت عنه الطيور ويلطم كلما وافى مداه ... ويسحب وهو مغلول أسير وتنزع كل آونة حشاه ... ويلقى وهو للبلوى صبور ويرشف بعد ذلك منه ثغر ... ولا عذب هناك ولا نمير إذا ما سار أثر في خطاه ... طرائق دونها الروض النضير يجر إذا سعى ذنباً طويلاً ... ويفتر حين يعلوه قصور ويسمع منه عند الجري صوت ... له في صدره منه خرير قليل المكث كم قد بات تطوى ... له من شقة لما يسير ويفترش الحرير ويرتديه ... غطاء وهو مع هذا فقير وتظهر في جوانبه نجوم ... وفي أحشائه فلك يدور فأوضح ما ذكرت فغير خاف ... على مجموع فضلك ما أشير ودم في نعمة وسعود جد ... وعز ما سقى روضاً (1) غدير فكتب جمال الدين الجواب: أوجهك لاح أم قمر منير ... وذكرك فاح أم نفح العبير طلعت طلوع شمس الصحو صبحاً ... على فرس حكى فلكاً يسير ويا لله روض ضمن طرس ... زهير في جوانبه جرير رميت به إلي فقلت هذا ... شاع الشمس مأخذه عسير أراني رمزه الوضاح حسناً ... ينبهني على أني حقير وأني ملحق بأقل صنف ... إذا ما حقق الجم الغفير فمذ صحفته فكري مكوك ... ومذ نشرته باعي قصير هو المأسور بالماسور لكن ... له في أسره مرح كثير نشيط أيد ويعاد طوعاً ... بخيط متنه واه طرير

_ (1) ص: روض.

مهمندار العرب

يراع لأن مهجته يراع ... له في الجوف من خوف صفير يحور إلى يمين من شمال ... وما يعيا بذا لكن يخور غدا يسعى بأربعة سراع ... وليس لمشيه بهم نظير يخالف بين رجليه فيجري ... وترفعه يداه فيستطير له نول يسير لكل حي ... وميت منه إحسان كثير إذا أسدى إليه الخير مسد ... جزاه عليه وهو بذا قدير كذاك صفاتك الحسنى ولكن ... بدأت تطولاً وبنا قصور فغفراً ثم ستراً ثم قصراً ... فأين الثمد والبحر الغزير توفي جمال الدين المذكور رحمه الله تعالى " ... " (1) . 589 - (2) مهمندار العرب يوسف بن سيف الدولة بن زماخ بالزاي والميم المشددة والخاء المعجمة بعد الألف الحمداني المهمندار؛ شيخ متجند، قال الشيخ أثير الدين: أنشدني بدر الدين المهمندار المذكور لنفسه: وليلة مثل عين الظبي وهي معي ... قطعتها آمناً من يقظة الرقبا أردفته فوق دهم الليل مختفياً ... والصبح يركض خلفي خيله الشهبا حتى دهاني وعين الشمس فاترة ... وقد جذبت بذيل الليل ما انجذبا

_ (1) كذا وردت هذه العبارة غير تامة، وقد ذكر تاريخ وفاته في أول الترجمة. (2) الزركشي: 354 والبدر السافر: 247 (يوسف بن أبي المعالي بن زماج بن حمدان التغلبي المضصري المنعوت بالبدر؛ وعد من تصانيفه: كتاب في الأنساب. كتاب في البديع سماه ((الايات البينات)) ) والدرر الكامنة 5: 231 وقال إنه مات على رأس القرن.

ما هي بأول عادات الصباح معي ... ليل الشباب بصبح الشيب كم هربا وقال: أنشدني لنفسه: فلا تعجب لحسن المدح مني ... صفاتك أظهرت حكم البوادي وقد تبدي لك المرآة شخصاً ... ويسمعك الصدا ما قد تنادي وقال: أنشدني لنفسه: ما شيمة العرب العرباء شيمتكم ... ولا بهذا عرفن الخرد الغيد كانت سليمى ولبنى والرباب إذا ... أزمعن هجراً أتتهن الأناشيد ودار بينهما فحوى معاتبة ... أرق مما أراقته العناقيد وآفة الصب مثل يأ، يبث جوى ... لمن يحب ولا يثني له جيد وقال لما خاض الملك الظاهر الفرات يمدحه ويصف الوقعة (1) : لو عاينت عيناك يوم نزالنا ... والخيل تطفح في العجاج الأكدر وسنا الأسنة والضياء من الظبا ... كشفا لأعيننا قتام العثير وقد اطلخم الأمر واحتدم الوغى ... وهي الجبان وساء ظن المجتري لرأيت سداً من حديد ما يرى ... فوق الفرات وفوقه نار تري ورأيت سيل الخيل قد بلغ الزبى ... ومن الفوارس أبحراً في أبحر طفرت وقد منع الفوارس مدها ... تجري ولولا خيلنا لم تطفر حتى سبقنا أسهماً طاش لنا ... منهم إلينا بالخيول الضمر لم يفتحوا للرمي منهم أعيناً ... حتى كحلن بكل لدن أسمر فتسابقوا هربً ولكن ردهم ... دون الهزيمة رمح كل غضنفر ملأوا الفضاء فعن قليل لم ندع ... فوق البسيطة منهم من مخبر سدت علينا طرقنا قتلاهم ... حتى جنحنا للمكان الأوعر

_ (1) قد مرت طائفة من هذه الأبيات قبلا في ترجمة الظاهر بيبرس 1: 239.

محيي الدين ابن الجوزي

ما كان أجرى خيلنا في إثرهم ... لو أنها برءوسهم لم تعثر من كل أشهب خاض في بحر الدما ... حتى بدا لعيوننا كالأشقر كم قد فلقنا صخرة من صرخة ... ولكم ملأنا محجراً من محجر وجرت دماؤهم على وجه الثرى ... حتى جرت منها مجاري النهر والظاهر السلطان في آثارهم ... يذري الرؤوس بكل عضب أبتر ذهب العجاج مع النجيع بصقله ... فكأنه في غمده لم يشهر إن شئت تمدحه فقف بازائه ... مثلي غداة الروع وانظم وانثر وكتب إليه ناصر الدين ابن النقيب: أيوسف بدر الدين والحسن كله ... ليوسف يعزي إذ إلى البدر ينسب أتيت أخيراً غير أنك أول ... تعد من الآحاد شعراً وتحسب وأحسن ما في شعرك الحر أنه ... به ليس يستجدي ولا يتكسب توفي المذكور بعد الثمانين والستمائة، رحمه الله تعالى. 590 - (1) محيي الدين ابن الجوزي يوسف بن عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي؛ هو الصاحب العلامة محيي الدين ابن الإمام جمال الدين ابن الجوزي الواعظ البغدادي الحنبلي أستاذ دار أمير المؤمنين المستعصم بالله؛ ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وتوفي مقتولاً

_ (1) الزركشي: 354 وذيل ابن رجب 2: 258 والشذرات 5: 286 وعبر الذهبي 5: 237 وذيل مرآة الزمان 1: 332 والنجوم الزاهرة 7: 66 والبداية والنهاية 13: 203 والدارس 2: 62 وابن خلكان 6: 247؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

سنة ست وخمسين وستمائة. تفقه وسمع الكثير، وكان إماماً كبيراً وصدراً معظماً، عارفاً بالمذهب كثير المحفوظ حسن المشاركة في العلوم، مليح الوعظ حلول العبارة، ذا سمت ووقار وجلالة وحرمة وافرة، درس وأفتى وصنف، ورسول به إلى الملوك، ورأى من العز والإكرام والاحترام من الملوك شيئاً كثيراً، وكان محبباً إلى الناس، ولي الأستاذ دارية بضع عشرة (1) سنة. قال الدمياطي: أجازني جميع مصنفات أبيه، وأجازني بجائزة جليلة من الذهب. قال الشيخ شمس الدين: ضربت عنقه بمخيم التتار هو وأولاده تاج الدين عبد الكريم وجمال الدين المحب وشرف الدين عبد الله في شهر صفر سنة ست وخمسين. وكان محتسب بغداد ومدرس المستنصرية للحنابلة، وكان إذا سافر استناب ولده في التدريس والحسبة؛ توفي والده وله سبع عشرة (2) سنة، فأذن له بالجلوس للوعظ على قاعدة والده، وخلع عليه الخليفة القميص والعمامة، وجعل على رأسه طرحة، وحضر يوم الجمعة في حلقة والده بجامع القصر وعنده الفقهاء للمناظرة، ونودي له في الجامع بالجلوس، فحضره الخلائق وتكلم فأجاد، ثم أذن له في الجلوس بباب بدر الشريف (3) في بكرة كل يوم ثلاثاء، فبقي على ذلك مدة. ولما أقام عسكر الشام في أيام الناصر ابن العزيز على تل العجول قبالة عسكر مصر وتجاوزت مدة إقامتهم السنة، وأشاعوا الناس أن الباذرائي رسول الخليفة واصل يصلح بين الفريقين فأبطأ وكثرت الأقاويل في ذلك، فقال شهاب الدين غازي ابن إياز المعروف بابن المعمار أحد الأجناد المقاردة،

_ (1) ص: بضعة عشر. (2) ص: عشر. (3) الشريف: كذا في ص.

الشيخ جمال الدين المزي

وكان حاجب ابن يغمور: يذكرنا زمان الزهد ذكرى ... زمانه اللهو في تل العجول ونطلب مسلماً يوري حديثاً ... صحيحاً من أحاديث الرسول واختلف الأقاويل أن محيي الدين ابن الجوزي يصل رسولاً من الخليفة وأبطأ حضروه فقال صلاح الدين الأربلي: قالوا الرسول أتى وقالوا إنه ... ما رام يوماً عن دمشق نزوحا ذهب الزمان وما ظفرت بمسلم ... يروي الحديث عن الرسول صحيحا 591 (1) الشيخ جمال الدين المزي يوسف بن الزكي عبد الرحمن (2) بن يوسف بن عبد الملك بن أبي الزهر، الشيخ الإمام العالم العلامة حافظ العصر، ومحدث الشام ومصر، جمال الدين أبو الحجاج القضاعي الكلبي المزي، الحلبي المولد، خاتمة الحفاظ، نافذ (3) الأسانيد والألفاظ. مولده بظاهر حلب في عاشر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة، وطلب الحديث في أول سنة خمس وسبعين وهلم جرا وإلى آخر وقت، لا يفتر ولا يقصر من الطلب والاجتهاد والرواية. توفي في ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، ودفن بمقابر الصوفية.

_ (1) الزركشي: 354 والدرر الكامنة 5: 233 والنجوم الزاهرة 10: 76 وفهرس الفهارس 1: 107 وتذكرة الحفاظ: 1498 والشذرات 6: 136 والرد الوافر: 128 والبداية والنهاية 14: 191 وطبقات السبكي 6: 251 وذيل العبر: 229 والدارس 1: 35 والأسنوي 2: 464؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) ص: الزكي بن عبد الرحمن. (3) كذا في ص.

سمع أصحاب ابن طبرزد والكندي وابن الحرستاني وحنبل، وسمع الكتب الأمهات الستة والمعجم الكبير تاريخ الخطيب والنسب لابن الزبير و " السيرة " و " الموطأ " من طرق، والزهد والمستخرج على مسلم و " الحلية " و " السنن " للبيهقي و " دلائل النبوة " وأشياء يطول ذكرها. ومن الأجزاء ألوفاً، ومشيخته نحو الألف. حفظ القرآن الكريم وعني باللغة وبرع فيها وأتقن النحو والتصريف. ولما ولي دار الحديث الأشرفي تمذهب للشافعي وأشهد عليه بذلك. وكان فيه حياء وسكينة وحلم واحتمال وقناعة واطراح تكلف وترك التجمل والتودد والانجماع عن الناس وقلة الكلام إلا أنه يسأل فيجيب ويجيد، وكلما طالت مجالسة الطالب له ظهر له فضله. وكان لا يتكثر بفضائله، كثير السكوت لا يغتاب أحداً. وكان معتدل القامة مشرباً بحمرة قوي التركيب متع بحواسه وذهنه. وكان قنوعاً غير متأنق في ملبس أو مأكل، يصعد إلى الصالحية وغيرها ماشياً وهو في عشر التسعين. وكان يستحم بالماء البارد في الشتاء. وكان قد امتحن بالمطالب (1) وتتبعها فيعثر به من الشياطين جماعة فيأكلون ما معه، ولا يزال في فقر لأجل ذلك. وأما معرفة الرجال فإليه تشد الرحال، فإنه (2) كان الغاية وحامل الراية. ولما ولي دار الحديث قال الشيخ تقي الدين: لم يل (3) هذه المدرسة من حين بنائها وإلى الآن أحق منه بشرط الواقف، وقد وليها جماعة كبار مثل ابن الصلاح ومحيي الدين النواوي وابن الزبيدي، لأن الواقف قال: فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدم من فيه الدراية؛ قال الشيخ شمس الدين: لم أر أحفظ منه، ولم ير (4) هو مثل نفسه. قال الشيخ شمس الدين:

_ (1) المطالب: الأموال الدفينة من كنوز أو ركاز. (2) ص: فإن. (3) ص: يلي. (4) ص: يرى.

لم يسألني ابن دقيق العيد إلا عنه. وكان قد أغتر في شبيبته وصحب عفيف الدين التلمساني، فلما تبين له مذهبه هجره وتبرأ منه. صنف كتاب " تهذيب الكمال " في أربعة عشر مجلداً، كشف به الكتب القديمة في هذا الشأن، وسارت به الركبان، واشتهر في حياته، وألف كتاب " أطراف الكتب الستة " في تسعة أسفار. قال الشيخ شمس الدين: قرأت بخط الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس: ووجدت بدمشق الحافظ المقدم، والإمام الذي فاق من تأخر وتقدم، أبا الحجاج المزي: بحر هذا العلم الزاخر، القائل من رآه: كم ترك الأوائل للأواخر، أحفظ الناس للتراجم، وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم، لا يخص بمعرفته مصراً دون مصر، ولا ينفرد عليمه بأهل عصر دون عصر، معتمداً آثار السلف الصالح، مجتهداً فيما نيط به البيت حفظ السنة من المصالح، معرضاً عن الدنيا وأشباهها، مقبلاً على طريقته التي أربى بها على أربابها، لا يبالي ما ناله من الأزل (1) ، ولا يخلط جده بشيء من الهزل، وكان بما يضعه بصيراً، وبتحقيق ما يأتيه جديراً، وهو في اللغة إمام، وله بالقريض إلمام. وكنت أحرص على فوائده لأحرز منها " ما " أحرز، وأستفيد من حديثه الذي إن طال لم يملل وإن أوجز وددت أنه لم يوجز، رحمه الله تعالى.

_ (1) الضيق والشدة

سبط ابن الجوزي

(1) 592 سبط ابن الجوزي يوسف بن قزغلي بالقاف والزاي والغين المعجمة واللام الإمام المؤرخ الواعظ شمس الدين، أبو المظفر التركي البغدادي سبط الشيخ الإمام جمال الدين، نزيل دمشق. ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وخمسين وستمائة. سمع من جده، وسمع بالموصل ودمشق من جماعة، وكان إماماً فقيهاً واعظاً وحيداً في الوعظ، علامة في التاريخ والسير، وافر الحرمة، محبباً إلى الناس، حلو الوعظ؛ قدم دمشق وهو ابن نيف وعشرين سنة ونفق على أهلها، وأقبل عليه أولاد الملك العادل، وصنف في الوعظ والتاريخ. وكان والده قزغلي من مماليك الوزير عون الدين ابن هبيرة، وهو صاحب " مرآة الزمان "؛ قال الشيخ شمس الدين: وقد اختصره قطب الدين اليونيني وذيل عليه إلى وقتنا هذا. ولما مات حضر جنازته السلطان ومن دونه. ودرس بالشبلية (2) مدة وبالمدرسة البدرية (3) . وقرأ الأدب على أبي البقاء، والفقه على الحصيري، ولبس الخرقة من عبد الوهاب ابن سكينة. وكان حنبلياً فانتقل وصار حنفياً لأجل الدنيا، وصنف في مناقب أبي حنيفة جزءاً.

_ (1) السلامي: 236 والجواهر المضية 2: 230 وذيل مرآة الزمان 1: 39 والبداية والنهاية 13: 194 وميزان الاعتدال 4: 471 والدارس1: 478 والنجوم الزاهرة 7: 39 والشذرات 5: 266 وعبر الذهبي 5: 220 ومرآة الجنان 4: 136 وابن خلكان 3: 142؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة. (2) المدرسة الشبلية: كانت بسفح جبل قاسيون، بناها شبل الدولة الحسامي سنة 626 (الدارس 1: 530) . (3) كانت قبالة الشبلية، بناها الأمير بدر الدين المعروف بلالا سنة 638 (الدارس 1: 477) .

ابن طملوس المغربي

وله " معادن الأبريز في التفسير " تسعون وعشرون (1) مجلداً، و " شرح الجامع الكبير " في مجلدين. 593 - (2) ابن طملوس المغربي يوسف بن محمد بن طملوس، من أهل جزيرة شقر من عمل بلنسية. كان أحد علمائها الأماثل، وآخر المتحققين بعلوم الأوائل. توفي سنة عشرين وستمائة، واورد له ابن الأبار من شعره: بسمت به الأيام بعد عبوسها ... وتهللت بشراً عيون الناس وتمهدت أراؤهم لما رسا ... ما بينها جبل الملوك الراسي هيهات أين الصبح من لألائه ... أيقاس نور الشمس بالنبراس ملك أبت هماته وهباته ... من أن تجاري في الندى والباس وقال أيضاً: جاد على الجزع بوادي الحمى ... صوب الحيا سكباً على سكب حيث الصبا يهدي نسيم الربى ... طيبة المسرى إلى الغرب تمر بالركب سحيراً فيا ... موقع رياها من الركب وبالكثيب الفرد من لعلع ... غزيل ضل (3) عن السرب أفلت مني واغتدى قانصاً ... قلبي فيا ويحي من قلبي

_ (1) ص: وعشرين. (2) تحفة القادم: 130. (3) ص: أضل.

المستنجد بالله

فسرت أشتد على إثره ... أنشده في ذلك الشعب يا هل رأت عيناك من ناشد ... يسعى بلا قلب ولا لب أحبب به من ملك جائر (1) ... أحكامه تجري على الصب يثنيه من خرم الصبا نشوة ... لعب الصبا بالغصن الرطب يا جائر اللحظ على صبه ... سلطت عيناك على قلبي 594 (2) المستنجد بالله يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن جعفر، أمير المؤمنين المستنجد بالله ابن المقتفي لأمر الله ابن المستظهر ابن المعتمد ابن القائم ابن القادر ابن المقتدر ابن المعتضد ابن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور العباسي. خطب له والده بولاية العهد من بعده مستهل الحجة سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وبويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه ثاني شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمسمائة. مولده سنة ثمان عشرة (3) وخمسمائة، وتوفي ثامن شهر ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة وعمره ثمان وأربعون (4) سنة وولايته إحدى عشرة (5) سنة؛ وكانت أمراضه قولنجية.

_ (1) ص: جائراً. (2) الروحي: 67 والفخري: 279 وخلاصة الذهب المسبوك: 276 وتاريخ الخلفاء 474 وتاريخ الخميس 2: 363 ومرآة الجنان 3: 379 ومرآة الزمان: 284 ومفرج الكروب 1: 193 والزركشي: 355؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة. (3) ص: عشر. (4) ص: وأربعين. (5) ص: عشر.

وكان طويل القامة جسيماً أسمر اللون كثيف اللحية، وكانت أيامه أيام خصب ورخاء وأمن عام، ودولته زاهرة، وسياسته قاهرة، وهيبته رائعة، وسطوته قامعة، ذلت له رقاب الجبابرة في الآفاق، وخضعت له منهم الأعناق، وأشحن بالظلمة الحبوس (1) وأزال الظلم والمكوس، وتمكن تمكن الخلفاء المتقدمين، قلما انتهت إليه حالة مكروهة إلا أزالها، وعثرة إلا أقالها؛ ويقال إنه رأى في منامه مكتوباً (2) في كفه أربع خاءات فعبرها أنه يلي الخلافة سنة خمس وخمسين وخمسمائة. وكتب إليه كمال الدين الشهرزوري قصة لما قدم إلى بغداد رسولاً من قبل نور الدين ابن زنكي مترجمة: " محمد بن عبد الله الرسول "، فوقع عند اسمه " صلى الله عليه وسلم "؛ يقال إن ليلته حانت من ابنة عمه فلما توجه إليها وجد في طريقه بعض حجرات جواريه مفتوح الباب، فدخل إليها، فقالت له الجارية: امض (3) إلى ابنة عمك فإني أخاف أن تعلم بنا فلا آمن شرها، فقال: في ساقها خلخال إذا جاءت عرفت بها. فمضت إليها (4) جارية ووشت بالحال، فرفعت خلخالها إلى أعالي ساقها وقصدت المقصورة، ففاحت روائح الطيب، فنم ذلك عليها، فخرج من المقصورة من الباب الآخر وقال: استكتمت خلخالا ومشت ... تحت الظلام به فما نطقا حتى إذا هبت نسيم صبا ... ملأ العبير بنشرها الطرقا وللشيخ صلاح الدين الصفدي في هذا المعنى:

_ (1) ص: والجيوش. (2) ص: مكتوب. (3) ص: امضي. (4) ص: إليه.

إذا شئت حليك أن لا يشي ... وقد زرت في الحندس المظلم فردي السوار مكان الوشاح ... وخلي وشاحك في المعصم وله أيضاً: قالوا وشى الحي بها إذ مشت ... إليك من قبل ابتسام الصباح فقلت: لا، خلخالها صامت ... ثم تذكرت فضول الوشاح ومن شعر المستنجد: إذا مرضنا نوينا كل صالحة ... وإن شفينا فمنا الزيغ والزلل نرضي الإله إذا خفنا ونغضبه ... إذا أمنا فيما يزكو لنا عمل ومنه أيضاً: عيرتني بالشيب وهو وقار ... ليتها عيرت بما هو عار إن تكن شابت الذوائب مني ... فالليالي تنيرها الأقمار وقال أيضاً: يا هذه إن الخيال يزورني ... لو كان يسعف أو يرد سلاما ما إن رأيت كزائر يعتادني ... يغضي العيون ويقظ النواما وقال أيضاً: وباخل أشعل في بيته ... طرمذة منه لنا شمعه فما جرت من عينها دمعة ... حتى جرت من عينه دمعه وقال أيضاً: وصفراء مثلي في القياس ودمعها ... سجام على الخدين مثل دموعي تذوب كما في الحب ذبت (1) صبابة ... وتحوي حشاها ما حوته ضلوعي

_ (1) ص: دنب.

الملك الناصر صاحب الشام

595 - (1) الملك الناصر صاحب الشام يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذي، السلطان الملك الناصر صلاح الدين ابن الملك العزيز ابن الملك الظاهر ابن الناصر صلاح الدين؛ هو صاحب حلب ثم صاحب الشام. ولد بقلعة حلب في رمضان سنة سبع وعشرين وستمائة وقتل سنة تسع وخمسين؛ تولى الملك عند موت والده العزيز سنة أربع وثلاثين وستمائة، وقام بتدبير دولته الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني والأكرم ابن القفطي وعز الدين ابن المجلي والطواشي جمال الدولة إقبال الخاتوني، والأمر كله لجدته الصاحبة صفية خاتون بنت العادل. ولما توجه القاضي بهاء الدين إلى الكامل بوصية العزيز - وكان قد مات وعمره أربع وعشرون سنة - فلما رآها الكامل بكى وحلف للناصر لأجل أخته صفية خاتون، فلما توفيت سنة أربعين اشتد الناصر وأمر ونهى؛ فلما كانت سنة ست وأربعين، سار من جهته نائبه شمس الدين لؤلو وحاصر حمص، وطلب النجدة من الصالح نجم الدين أيوب فلم ينجده، وغضب، واستمرت حمص في ملك الناصر؛ فلما كان شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين، قدم إلى دمشق وأخذها بلا كلفة. وفي أثناء السنة قصد الديار المصرية، فما تم له ذلك. وفي سنة اثنتين وخمسين دخل على بيت السلطان علاء الدين صاحب الروم.

_ (1) الزركشي: 355 وذيل مرآة الزمان 1: 461، 2: 134 والنجوم الزاهرة 7: 203 ومرآة الجنان 4: 151 وأمراء دمشق: 102 والشذرات 5: 299 وعبر الذهبي5: 256 وابن خلكان 4: 10 (وقال إنه قتل في الثالث والعشرين من شوال سنة 658) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة، وفيها بعض خروج على قواعد اللغة والأعراب.

وكان الناصر سمحاً جواداً حليماً حسن الأخلاق محبباً إلى الرعية، فيه عدل وصفح ومحبة للفضلاء والأدباء، وكان سوق الشعر نافقة في أيامه، وكان يذبح في مطبخه كل يوم أربعمائة راس غنم سوى الدجاج والطيور والأجدية. وكان يبيع الغلمان من سماطه شي كثير عند باب القلعة بدمشق بأرخص الأثمان من المآكل الفاخرة. حكى علاء الدين بان نصر الله أن الناصر جاء إلى داره بغتة؛ قال: فمددت له شيئاً كثيراً في الوقت بالدجاج المحشي بالسكر والفستق وغيره، فقال: كيف تهيأ لك هذا؟ فقلت: هو من نعمتك، اشترتيه من باب القلعة. وكانت نفقته في كل يوم أكثر من عشرين ألف درهم. وكان يحاضر الأدباء والفضلاء، وعلى ذهنه كثير من الشعر والأدب، وله نوادر ونظم، وحسن ظن بالصالحين. وبني بدمشق مدرسة جوا باب الفراديس، وبالجبل رباطاً، وبنى الخان عند المدرسة الزنجيلية (1) . وبلغه عن بعض الفقراء من الأجناد أنه تسمح في حقه فأحضره ليؤدبه، فلما رأى وجله رق له وأرم له بذهب وصرفه ولم يؤاخذه. وكانت تمر له الأيام الكثيرة يجلس فيها من أول النهار إلى نصف الليل يوقع على الأوراق ويصل الأرزاق، وقيل إنه خلع في أقل من سنة أكثر من عشرين ألف خلعة. وكانوا الفرنج قد ضمنوا له أخذ الديار المصرية على أن يسلم إليهم القدس وبلاد أخر، ودار الأمر على أن تعطى لهم أو للمصريين، فبذل ذلك للمصريين اتباعاً لرضى الله عز وجل، وقال: والله لا لقيت الله تعالى وفي صحيفتي إخراج القدس عن المسلمين. ولما بعد عن خزائنه احتاج إلى قرض أرهن أملاكه وضرب أواني الذهب والفضة، وقيل له في أخذ القابض (2) من الأوقاف،

_ (1) يقال لها أيضاً الزنجارية، كانت خارج باب توما، تنسب إلى فخر الدين عثمان بن الزنجيلي، أنشئت في سنة 626 (الدارس 1: 526) . (2) كذا ولعلها: الفائض.

فما مد يده إلى شيء منها بدمشق ولا بحلب. قال ابن العديم: حضر بعض المدرسين إلى العسكر، ورفع على يدي قصة بين يديه تتضمن التضور من قلة معلومه، ويذكر أن عياله وصلوا من مصر وأنه لا يطلب التثقيل على السلطان في مثل هذا الوقت الذي يحتاج فيه إلى الكلف بن يطلب زيادة في المدرسة التي هو بها. فسأل عن شرط الواقف، فقيل: شرطه ما يتناوله الآن، لكن ذكر أنه في كتاب الوقف ما يدل على أن السلطان يزيده إذا رأى في ذلك مصلحة. فأطرق كما هي عادته إذ لم يرى قضاء ما طلب، ولم يرد في ذلك جواباً، ولم يهن عليه رده خائباً، وتورع عن مخالفة الواقف، فقرر له ما طلبه على ديوانه دون الوقف. قال ابن العديم: أنشدني لنفسه، رحمه الله: البدر يجنح للغروب ومهجتي ... لفراق مشبهه أسى تتقطع والشرب قد خاط النعاس جفونهم ... والصبح من جلبابه يتطلع ومن شعره أيضاً: سقى حلب الشهاب كل مرنة (1) ... سحائب غيث نوؤها ليس يقلع فتلك ربوعي لا العقيق ولا الحمى ... وتلك دياري لا زرود ولعلع وقال أيضاً: فو الله لو قطعت قلبي تأسفاً ... وجرعتني كاسات دمعي دما صرفا لما زادني إلا هوى ومحبة ... ولا اتخذت روحي سواك لها إلفا وورد الخبر في منتصف صفر من سنة ثمان وخمسين وستمائة بورود التتار إلى حلب ودخولها بالسيف، فهرب السلطان مع الأمرا الموافقين له، وزال ملكه، ودخل التتار بعده بيوم إلى دمشق، وقري فرمان الملك بأمان

_ (1) ص: مزنة.

أهل دمشق وما حولها حتى وصل السلطان إلى قطيا وتفرق عنه عسكره، فتوجه مع خواصه إلى وادي موسى ثم جاء إلى بركة زيزا فكبسه كتبغا، فهرب وأتى إلى التتار بالأمان، فبقي معهم البيت ذل وهوان. فلما بلغ هولاكوا قتل كتبغا قتله، قيل إنه قتله بالسيف عقيب واقعة عين جالوت، وقيل خصل بعذاب دون أصحابه، وقيل جعل هدفاً للسهام، وقيل جمع له نخلتان وربط بينهما وافترقتا فذهبت كل واحدة بشق منه. قال شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن العجمي: أنشدني الناثر لنفسه: يا برق أنش من الغمام سحابة ... وطفاء هامية على بطياس وأدم على تلك الربوع وأهلها ... غيثاً (1) يرويها مع الأنفاس وعلى ليال بالصفاء قطعتها ... مع كل غانية وظبي كناس فأنشدته ارتجالاً: فلتلك (2) أوطاني ومعهد أسرتي ... ومقر أحبابي ومجمع ناسي ليس (3) الفؤاد وإن تناءت سالياً ... عنها ولا لعهودها بالناسي (4) وكان قتله في الخامس وعشرين من شوال سنة ثمان وخمسين وستمائة، وعمل عزاؤه في سادس وعشرين ربيع الآخر سنة تسع وخمسين بقلعة الجبل من الديار المصرية، رحمه الله تعالى. ورثاه غير واحد من شعراء دولته وغيرهم. فممن (5) رثاه أمين الدين

_ (1) ص: غيث. (2) ص: فتلك. (3) ص: أيس. (4) ص: بالناس. (5) ص: فمن.

السليماني، قال حين توجه الملك الناصر (1) مع التتار وانقطعت أخباره والتبس أمره: بكى الملأ الأعلى على الملك الأعلى ... وأصبحت الدنيا لفقدانه ثكلى تولى صلاح الدين يوسف وانقضت (2) ... محاسنه الحسنى وسيرته المثلى وفارق ملك الشام والشرق عنوة ... فريداً كما جردت من غمده نصلا وأضحى أسيراً في التتار مروعاً ... فبكوا عزيزاً لم يكن يعرف الذلا وأني لأرجو أن يكون كصارم ... يجرده قين ليحكمه صقلا تناقضت الأخبار عنه لبعده ... فيا لحديث ما أمر وما أحلى فيا ليت عيني عاينت كنه حاله ... لقد شفني حزني عليه وقد أبلى أبكيه في الأسرى وأرجو خلاصه ... رجاء بعيد أم أرثيه في القتلى أبن مخبراً: يا يوسف بن محمد ... أحي ترجى أنت أم ميت تسلى ووالله ما يسلوك قلب ابن حرة ... جعلت له من طولك الفرض والنفلا وقال فيه حين بلغه أن التتار قتلوه: رمت الخطوب فأقصدتك نبالها ... والأرض بعدك زلزلت زلزالها أأبا المظفر يوسف بن محمد ... لا قلت بعدك للحوادث يا لها خذلتك أسرتك الذين ذخرتهم ... للنائبات وقد وقفت حيالها تركوك منفرداً بقطية ذاهلاً ... تسفي عليك العاصفات رمالها تبكيك ولولة الحريم حواسراً ... من كل معولة تضم عيالها ومصونة البيت خدرها ما شاهدت ... قبل الرزية ما يروع بالها كيف الخلاص من المنية لامريء ... من بعد ما نصبت عليه حبالها أأبا المظفر يوسف بن محمد ... جرعت نفسي صابها وخبالها

_ (1) ص: النار. (2) ص: وانفضت.

فخر الدين ابن الشيخ

إن الملوك إذا تخاذل بعضها ... عن بعضها ففعالها أفعى لها ذكري مصيبات الملوك تعللاً ... إذ كان حالك في المصية حالها إني لأجتنب المراثي طامعاً ... ببقاء نفسك بالغاً آمالها 596 (1) فخر الدين ابن الشيخ يوسف بن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حموية، الأمير فخر الدين ابن صدر الدين شيخ الشيوخ الحموي الجويني؛ كان أميراً كبير عالي الهمة فاضلاً متأدباً سمحاً جواداً محبوباً إلى الخاص والعام، خليقاً بالملك لما فيه من الأوصاف الجميلة، تعلوه الهيبة والوقار. وكانت أمه ابنة المطهر ابن أبي عصرون قد أرضعت الملك الكامل، فكانوا أولادها الأربعة أخوة الملك الكامل من الرضاعة، وكان يحبهم ويعظمهم، ولم يكن عنده أحد في رتبة الأمير فخر الدين، لا يطوي عنه سراً ويثق به ويعتمد عليه في سائر أموره، ونال الأمير فخر الدين وإخوته من السعادة ما لا ناله غيرهم. ولما ملك الملك الصالح البلاد، أعرض عن الأمير فخر الدين واطرحه ثم اعتقله ثم أفرج عنه وأمره بلزوم بيته. ثم إنه ألجأته الضرورة إلى ندبه للمهمات لما لم يجد من يقوم مقامه، فجهزه إلى بلاد الملك الناصر داوود، فأخذها ولم يترك بيده سوى الكرك، ثم جهزه لحصار حمص، ثم ندبه لقتال الفرنج، فاستشهد.

_ (1) الزركشي: 356 وطبقات السبكي 5: 152 والسلوك (ج؟: 1 في عدة مواضع) ودول الإسلام 2: 116 والشذرات 5: 238 وعبر الذهبي 5: 194 والنجوم الزاهرة 6: 363 والبداية والنهاية 13: 178؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.

وكان أول أمره معمماً، فألزمه الكامل أن يلبس الشربوش وزي الجند، فأجابه إلى ذلك، وأقطعه منية السوادان بالديار المصرية، ثم طلب منه " أن " ينادمه، فأجابه إلى ذلك، فاقطعه شبراً، فقال ابن بطريق: على منية السودان صار مشربشا ... وأعطوه شبراً عندما شرب الخمرا فلو ملكت مصر الفرنج وأنعموا ... عليه ببسوس (1) تنصر للأخرى وقال فيه وفي أخيه عماد الدين، وكان يذكر الدرس بالشافعي (2) رحمه الله: ولدى الشيخ في العلوم وفي الإم ... رة بالمال وحده والجاه فأمير ولا قتال عليه ... وفقيه والعلم عند الله وكان لهم مع الاقطاعات المناصب الدينية، منها مدرسة الشافعي والمدرسة التي إلى جانب مشهد الحسين رضي الله عنه، وخانقاه سعيد السعدا؛ ولم تزل هذه المناصب بأيديهم إلى أن ماتوا. وكان قد قدم دمشق ونزل في دار أسامة، فدخل عليه الشيخ عماد الدين ابن النحاس وقال له يا فخر الدين، إلى كم؟ - يشير إلى تناوله للشراب - فقال له: يا عماد الدين والله لأسبقنك إلى الجنة، فاستشهد على المنصورة في الوقعة سنة سبع وأربعين وستمائة، وتوفي عماد الدين سنة سبع وخمسين فسبقه كما قال إلى الجنة، وحمل إلى القاهرة، وكان دفنه يوماً مشهوداً، وعمل له عزاء عظيم. وكان مولده سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. ومن شعره: صيرت فمي لفيه باللثم لثام ... غصباً ورشفت من ثناياه مدام فاغتاظ وقال أنت في الفقه إمام ... ريقي خمر وعندك الخمر حرام ومن شعره:

_ (1) غير معجمة في ص. (2) يعني بمدرسة الشافعي، وسيذكرها بعد قليل.

" بدر الدين الذهبي "

وتعانقنا فقل ما شيت ... في ماء وخمر وتعاتبنا فقل ما شيت ... في غنج وسحر ثم لما أدبر الليل ... وجاء الصبح يجري قال إياك رقيبي ... بك يدري قلت يدري وقال: في حبك هجرت أمي وأبي ... الراحة للغير وحظي تعبي يا ظالم في الهوى أما تنصفني ... وحدتك في العشق فلم تشرك بي وقال سيف الدين المشد يرثيه: فض فم نهى لنا ... يوم الخميس يوسفا وا أسفا من بعده ... على العلا وا أسفا 597 (1) " بدر الدين الذهبي " يوسف بن لؤلؤ الذهبي الأديب، بدر الدين الدمشقي الشاعر؛ كان والده لؤلؤ عتيق ولدرم الياروقي صاحب تل باشر. له نظم يروق الأسماع، ويعقد (2) على فضله الإجماع، مدح الناصر ابن العزيز والكبار، وكن له بيت في الصادرية جوار جامع بني أمية. عاش ثلاثاً وسبعين سنة وتوفي رحمه الله في شعبان سنة ثمانين وستمائة. فمن شعره: رفقاً أذبت حشاشة المشتاق ... وأسلتها دمعاً من الآماق

_ (1) الزركشي: 357 والبدر السافر: 248. (2) ص: وتعقد.

وأحلته من بعد تسويف على الص ... بر الذي لم يبق منه بواقي وطلبت مني في هواك مواثقاً ... والقلب عندك في أشد وثاق (1) قلب بعين قد أصيب وعارض ... فأعده لي فالدمع ليس براقي أشقيق بدر التم طال وتلهفي ... وأطال فيك العاذلون شقاقي أنفقت من صبر يعليك وإنه ... لرضاك لا لتملق ونفاق وصبا بعثت بها إليك فلم تعد ... وأظنها حالت عن الميثاق وبمهجتي المتحملون عشية ... والركب بين تلازم وعناق وحداتهم أخذت حجازاً (2) عندما ... غنت وراء الظعن في عشاق وتنبهت ذات الجناح بسحرة ... بالواديين فنبهت أشواقي ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن ... يعقوب والألحان عن إسحاق (3) قامت على ساق تطارحني الهوى ... من دون صحبي بالحمى ورفاقي أني تباريني جوى وصبابة ... وكآبة وهوى وفيض مآقي وأنا الذي أملي الجوى من خاطري ... وهي التي تملي من الأوراق ولقد صفحت عن الزمان لليلة ... عدل الحبيب بها وجار الساقي بسلافة الأقداح ذا يسعى وذا ... يعطو بسالفتيه والأحداق وقال يتذكر أيام شبابه وملاعب أترابه ويصف طيور الواجب (4) : هل ذاك برق بالغوير أنارا ... أم أضرموا بلوى المحصب (5) نارا فكلاهما إن لاح من هضب الحمى ... لي شائق ومهيج تذكارا فبم (6) التعلل والشباب منكب ... عني وقد شط الحبيب مزارا

_ (1) ص: وثاقي. (2) ص: حجاز، وهو يشير بذكر حجاز وعشاق إلى نغمتين موسيقيتين. (3) يعني إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وفي ذكر إسحاق مع يعقوب مناسبة. (4) طيور الواجب: فصيلة من الجوارح. (5) ص: المخصب. (6) ص: فبما.

وقد استرد الدهر أثواب الصبا ... وكذاك يرجع ما يكون معارا فارفق بدمعك في الفراق فما الذي ... يبقى ليسقي أربعاً وديارا ودع النسيم يراوح القلب الذي ... أورى زناد الشوق فيه أوارا مع أنني أصبو إلى بان الغضا ... إن شمت برقاً أو شممت عرارا فاليوم لا دار بمنعرج اللوى ... تدنو بمحبوب لنا فتزارا كلا ولا قلبي المشوق بصابر ... عنهم فأندب دمنة وديارا فسقى اللوى لا بل سقى عهد اللوى ... صوب الغمائم هامياً مدرارا ولقد ذكرت على الصراة مرامياً ... تنسي بحسن وجوهها الأقمارا وعلى الحمى يوماً ونحن بلهونا ... نصل النهار ونقطع الأنهارا في فتية مثل النجوم تطلعوا ... وتخيروا صدق المقال شعارا من كل نجم في الدياجي قد لوى ... في كفه مثل الهلال فدارا متعطفاً من حزم داود الذي ... فاق الأنام صناعة وفخارا والآن قد حن المشوق إلى الحمى ... وتذكر الأوطان والأوطارا وصبا إلى البرزات قلب كلما ... طارت به خزر اللغالغ (1) طارا فلأي مرمى أرتميه وليس لي ... قوس رشيق مدمج خطارا وأغن أحوى كالهلال رشيقاً ... بل راشقاً بغروضه (2) سحارا جبل على ضعفي إذا استعطفته ... ألوى علي العنق والدستارا (3) وبوجهه المنقوش أولما بدا ... وبه أقم وأقعد الشطارا وبدا بتجريمي بلا سبب بدا ... مني وأودعه الرماة مرارا يا حسنه من مخلف لكنه ... في الجو عال لا يسف مطارا ويطير عن مقامي عاضداً ... ولشقوتي لا يدخل المقدارا

_ (1) اللغالغ: جمع لغلغ وهو طائر يقال عنه إنه غير اللقلق. (2) الغروض: السهام؛ ص: بفروضه. (3) الدستار (بالفارسية) : منديل أو المنديل الذي يلاث عمامة، ولعله يعني هنا ريش الرأس.

لا بندقي مهما خطوت يناله ... أنى ينال مراوغاً طيارا وسنان من خزر اللغالغ لم يزل ... يرعى الرياض وليس يرعى الجارا لا قادم بل راحل عني إلى ... ماء الفرات يخوض منه غمارا أو ما تراني فاقداً ومنعماً ... في الجو ليلاً (1) خلفه ونهارا دعني فقد برد الهواء وقد أتى ... أيلول يطفيء للهجير مارا ووراءه تشرين جاء برعده ... عجلان يحدو للسحاب قطارا والبارق الهامي على طلل الحمى ... سدى هناك خيوطه وأنارا والفيض (2) طام ماؤه متدفق ... والطير فيه يلاعب التيارا والنهر جن به فراح مسلسلاً ... صب تحير لا يصيب قرارا بهر النواظر حين أنبت شطه ... للناظرين شقائقاً وبهارا والصبح في آفاقه يا سعد قد ... أخفى النجوم وأطلع الغرارا فانهض إلى المرمى الأنيق بنا فقد ... هب الصباح ونبه الأطيارا وتتابعت جفاتها (3) في أفقها ... مثل النعام قوادماً تتبارى من جو زوراء العراق قوادماً ... يا مرحباً بقدومها زوارا فأصخ إلى رشق القسي إذا ارتمت ... مثل الحريق أطار عنه شرارا واطرب إلى نغمات أطيار بدت ... في الجو وهي تجاوب الأوتارا من كل طيار كأن له دماً ... عند الرماة فثار يبغي الثارا هل جاء في طلب القسي لحتفه ... أم جاء يطلب عندها الأوتارا خاض الظلام وعب فيه فسود ال ... رجلين منه وسود المنقارا وأتى يبشر باللقاء فضمخت ... تلك المغارز عنبراً ونضارا والكي (4) كالشيخ الرئيس مزمل ... في بردتيه هيبة ووقارا

_ (1) ص: ليل. (2) الفيض: نهر بالبصرة؛ ص: والقيض. (3) الجفة: الجماعة أو العدد الكثير، والجفجفة: انتفاش الطائر. (4) الكي: الطائر الذي يسمى أبو منجل أو Pelican.

يسطو على الأسماك (1) يوماً كلما ... أذكى له حر الماعة نارا والوز كم قد هاجنا بنغيمه ... ليلاً وكم قد شاقنا أسحارا فإذا بدا ضوء الصباح ثنى له ... عطفاً وصفق بالجناح وطارا وترى اللغالغ تستبيك بأعين ... خزرية صفر الجفون صغرا فكأن ورساً ذيب في أجفانها ... فحكى النضار وحير النظارا وترى الأنيسات الأوانس تنقضي ... بين الرياض كأنهن عذارى يسلبن أرباب العقول عقولهم ... ويرغن منه حيلة ونفارا وترى الحبارج (2) كالقطا أرياشها ... أو كالرياض تفتحت أزهارا هجرت منازلها على برح الظما ... واستبدلت دوية وقفارا والنسر سلطان لها لكنه ... لم يلقها (3) لدمائها مهدارا قد شاب منه رأسه من طول ما ... كرت عليه عصوره الأدورا أرخى جناحيه عليه كجوشن ... لو كان يمنع دونه الأقدارا وإذا العقاب سطا وصال بكفه ... عاينت منه كاسراً جبارا يعطي ومينع غيرة وتكرماً ... ويبيح ممنوعاً ويمنع جارا وترى الكراكي كالرماد وربما ... قرقت فأذكت في القلوب النارا قد سطرت في الجو منها أسطر ... وطوت سجل سخائها أسفارا فإذا انصرعن فلاتكن ذا غفلة ... عن أن تنقط (4) حليهن مرارا وبدت غرانيق لهن ذوائب ... لولا البياض لخلتهن عذاري حمر العيون تدير من أحداقها ... فينا كؤوساً (5) قد ملين عقارا

_ (1) ص: الأسمال. (2) الحبرج: نوع من الحبارى، وقال ابن البيطار (2: 5) : طائر معروف بالديار المثرية مشهور بها. (3) ص: يلفها. (4) ص: تنفط. (5) ص: كؤوس.

والصوغ (1) في أفق السماء محلق (2) ... مثل الغمام إذا استقل وسارا ذو مغرز ذرب (3) فلو يسطو (4) به ... فضح السنان وأخجل البتارا ومرازم بيض وحمر ريشها ... كالورد بين الياسمين نثارا خفقت بأجنحة على محمره ... كمراوح أضرمن منه جمارا وعجبت كيف صبت إلى صلبانها ... تلك الرماة وما هم بنصارى وشبيطر (5) ما إن يحل له دم ... مهما علا شجراً (6) وحل جدارا الشرط فيه إلفه لمنازل ... فاصبر له حتى يفارق دارا وكأنما العناز (7) لما أن بدا ... لبس السواد على البياض غيارا وكأنه قد ضاق عنه مزرراً ... فوق القميص فحلل الأزرارا هل عب في صرف العقار بمغرز ... أم كان خاض من الرماء بحارا خذ مالكي وصف الجليل منقحاً ... يا سعد واقض برمها الوطارا واستغنم اللذات في زمن الصبا ... لا زال كفك للندى مدرارا وقال أيضاً: لو بلغ الشوق هذا البارق الساري ... أو بعض وجدي الذي أخفي وتذكاري ما بت أرعى الدجى شوقاً إلى قمر ... ولا معنى بطيف طارق طاري جيراننا كنتم بالرقمتين فمذ ... بعدتم صار دمعي بعدكم جاري فكم أواري غراماً من جوى وأسى ... زناده تحت أثناء الحشا واري

_ (1) كذا ولعل صوابه ((صرغ)) وهو فيما يبدو معرب جرغ: طائر من أنواع البازي. (2) ص: مخلق. (3) ص: درب. (4) ص: تسطو. (5) الشبيطر: مالك الحزين (دوزي) . (6) ص: شجر. (7) العناز: من الواضح أنه نوع من الطيور، ولم أجد له وصفاً أو تعريفاً.

وكم أداري فؤاداً عز مطلبه ... يوم اللوى وأداري الوجد بالدار أشتاق إن نفحت بالغور ريح صبا ... تهدي شذا شيخه المطلول والغار وقد أنحلتني الغواني غير راحمة ... وعقتني الليالي بعد إبداري وأضرمت أضلعي ناراً مؤججة ... وحيرت أدمعي في العين يا حار (1) فصرت كالسيف يغضي (2) الجفن منه على ... ماء ويطوى الحشا منه على نار ذكرت عيشاً على لبنان جدد لي ... من عهد لبني صباباتي وأوطاري فراجع القلب من أطرابه طرب ... وعاود العين طيف منهم ساري فبت بالدمع كالغدران طافحة ... مني على ناقض للعهد غدار فيا له من غرير غر بي طمعاً ... بموعد من خيال منه غرار بقامة وعذار حول وجنته ... قامت بها وبه في الحب أعذاري ألقى إليه القنا الخطار مقتحماً ... ولا أبالي بأهوال وأخطار أغن ألمى رشيق القد معتدل ... رخص البنان كحيل الطرف سحار قد زنر الخصر منه بالنحول وقد ... أغناه إفراطع عن شد زنار يسعى بشمسية كالشمس دائرة ... على مزاهر قينات وأزهار تكللت بلآل من فواقعها ... وزررت طوقها منه بأزارا صهباء من عهد كسرى حين عتقها ... في دنها وبه كانت بذي قار قد أمطرت راحة الساقي الكؤوس لنا ... فأنتبتتها رياضاً ذات نوار (3) تألفت مثل زهر الروض عن حبب ... فنحن ما بين نوار وأنوار صلى (4) المجوس إليها واصطلوا لهباً ... منها فصلوا لذات النور والنار وسبح القوم لما أن رأوا عجباً ... في أكؤس الراح نواراً على نار

_ (1) ص والزركشي: جار. (2) ص: يقضي. (3) ص: بذيقار. (4) ص والزركشي: صلوا.

في فتية هم أباحوا قتلها بيد ... لكاعب معصر أو رجل عصار على اصطخاب المثاني كان سفكهم ... دماءها بين عيدان وأوتار ثارت لتقتص من قوم فما برحت ... في حث كاس على الوتار والثار فالقوم من بعض قتلاها وما ظلمت ... وإنما أخذت منهم بأوتار فاخلع عذارك والبس من أشعتها ... ولا تكونن من كاس لها عار ولا تطع أمر لاح في هوى رشأ ... وكاس راح فما اللاحي بأمار وقال رحمه الله تعالى: تذكر ربعاً بالشآم ومربعا ... وملهى لأيام الشباب ومرتعا فعاوده داء من الشوق مؤلم ... أصاب حرارات القلوب فأوجعا على حين شطت بالفريق ركائب ... وأسرى بها الحادي الطروب فأسرعا وأتبعهم قلباً مطيعاً على الغضا ... وخليت لي جفناً على السفح أطوعا وساروا يؤمون الكثيب وخلفوا ال ... كئيب المعنى في الديار مضيعا يكابد حر الشوق بعد رحيلهم ... وفرط التشكي والحنين الموجعا (1) وأوجع من هذا وذلك كله ... شباب أراه كل يوم مودعا تولى وأبقى في الجوانح حرقة ... وأودع قلبي حسرة حين ودعا وعاجلني صبح من الشيب قبل أن ... أهوم في ليل الشباب وأهجعا وحجب عني الغانيات كأنه ... بياض على العينين والفود أجمعا فيا ربة الخلخال والخال حفضي ... على مغرم لولا النوى ما تضعضعا ولا تذكريني الواديين ولا تري ... لعيني أطلال الديار فتدمعا فلولاك ما حن المشوق إلى الحمى ... ولا شام برق الشام من سفح لعلعا ولا راح يستسقي سقيط دموعه ... لسقط بنعمان الأراك وأجرعا ومما شجاني في الصباح حمامة ... تحرك بالشجو الأراك المفرعا

_ (1) لعل الصواب: ((المرجعا)) .

تذكرني أيامنا بسويقة ... وليلاتنا اللاتي مضت بطويلعا فقلت لها لا تظهري من لواعج ... فنوناً بأفنان الأراك تصنعا فغصنك قد أضحى عليك منعماً ... وغصني قد أمسى علي ممنعا بلى طارحيني ما شجاك فكلنا ... على غصن نبدي الأسى والتفجعا وذي هيف عذب اللمى زارني وقد ... تلفع خوفاً بالدجى وتدرعا فبت أعاطيه الحديث منمقاً ... وبات يعاطيني العتيق مشعشعا إلى أن دعا داعي الفلاح ولم يكن ... سوى أنه داع على شملنا دعا ولم أدر أن الصبح كان مراقباً ... لنا من وراء الليل حتى تطلعا فقام كظبي الرمل وسنان خائفاً ... يكفكف من خوف التفر أدمعا " فلما تفرقنا كأني ومالكاً (1) ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا " (2) فسحقاً لدهر لم أزل من صروفه ... بنابة في كل يوم مروعا إلى غرضي (3) الأقصى يسدد سهمه ... وعهدي به لم يبق في القوس منزعا فحتام لا أنفك أشكو ليالياً ... ودهراً (4) بتفريق الأحبة مولعا وقد زجرتني الأربعون فلم تدع ... لي الآن في وصل الكواكب مطمعا ومر الشباب الغض مني فمذ نأى ... تتابعه العيش اللذيذ تتبعا وكانت بأحناء الضلوع حشاشة ... فأسبلتها فوق المحاجر أدمعا وقال أيضاً: بدا صدغ من أهواه في ماء خده ... فحيرني لما التوى وتعقربا " وقالوا يصير الشعر في الماء حية ... فكيف غدا في ذلك الخد عقربا " (5)

_ (1) ص: ومالك. (2) البيت مضمن من شعر متمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك. (3) ص: غرض. (4) ص: ودهر. (5) زيادة من الزركشي.

وأنشدني الحاج الدين الذهبي قال، أنشدني بدر الدين لنفسه وقد تواترت الأمطار بدمشق: إن أقام الغيث شهراً هكذا ... جاء بالطوفان والبحر المحيط ما هم من قوم نوح يا سما ... أقلعي عنهم فهم من قوم لوط وقال في مليح بوجهه حب الشباب: تعشقته لدن القوام مهفهفاً ... شهي المى أحوى المراشف أشنبا وقالوا بدا حب الشباب بوجهه ... فيا حسنه وجهاً إلي محببا وقال في النجم العيادي الكحال، وقد كحل غلاماً غدوة ومات النجم في عشية ذلك النهار: يا قوم قد غلط الحكيم وما دري ... في كحله الرشأ الغرير بطبه وأراد أن يمضي نصال جفونه ... ويحدها لتصيبنا فبدت به وقال أيضاً: هلم يا صاح إلى روضة ... يجلو بها العاني صدا همه نسيمها يعثر في ذيله ... وزهرها يرقص في كمه وقال أيضاً: أدر كؤوس الراح في روضة ... قد نمقت أزهارها السحب الطير فيها مغرم شيق ... وجدول الماء بها صب وقال أيضاً: لم لا أهيم إلى الرياض وطيبها ... وأبيت منها تحت ظل ضافي والزهر يلقاني بثغر باسم ... والماء يلقاني بقلب صافي وقال:

أرأيت وادي النيربين، وماؤه ... يبدي لناظرك العجيب الأعجبا يتكسر الماء الزلال على الحصى ... فإذا غدا بين الرياض تشعبا وقال في دولاب: وروضة دولابها ... إلى الغصون قد شكا من حيث ضاع زهرها ... دار عليه وبكى وقال: رب ناعوة روض ... بات يندى ويفوح تضحك الزهار منها ... وهي تبكي وتنوح وقال: رفقاً بصب مغرم ... أبليته صداً وهجرا وافاك سائل دمعه ... فرددته في الحال نهرا وقال: يا عاذلي فيه قل لي ... إذا بدا كيف أسلوا يمر بي كل وقت ... وكلما مر يحلو وقال: باكر إلى الروضة تستجلها ... فثغرها في الصبح بسام والنرجس الغض أعراه الحيا ... فغض طرفاً فيه أسقام وبلبل الدوح فصيح على ال ... أيكة والشحرور تمتام ونسمة الريح على ضعفها ... لها بنا مر وإلمام فعاطني الصهباء مشمولة ... عذراء فالواشون نوام واكتم أحاديث الهوى بيننا ... في خلال الروض نمام وقال أيضاً في معذر:

صدوا وقد دب العذار بخده ... ما ضرهم لو أنهم جبروه هل ذاك غير نبات خد قد حلا ... لكنهم لما حلا هجروه وقال وقد أحيل على ديوان الحشر (1) : أمولاي محيي الدين طال ترددي ... لجائزة قد عيل من دونها صبري وقد كنت قبل الحشر أرجو نجازها ... فكيف وقد صيرتموها إلى الحشر وقال في نجم الدين ابن اسرائيل، وكان النجم قد هوي مليحاً يلقب بالجويرح: قلبك اليوم طائر ... عنك أم في الجوانح كيف يرجى خلاصه ... وهو في كف جارح ثم بلغه أنه تركه فكتب إليه: خلصت طائر قلبك العاني ترى ... من جارح يغدو به ويروح ولقد يسر خلاصه إن كنت قد ... خلصته منه وفيه روح وقال في مليح وراق: خليلي جد الوجد واتصل الأسى ... وضاقت على المشتاق في قصده السبل وقد أصبح القلب المعنى كما ترى ... معنى بوراق وما عنده وصل وقال في زهر اللوز: الزهر أحسن ما رأي ... ت إذا تكاثرت الهموم تحنو علي غصونه ... ويرق لي فيه النسيم وقال فيه أيضاً:

_ (1) ديوان الحشر هو الذي يعني بالمواريث الحشرية وهي تركة من لا وارث له، أوله وارث إلا أنه لا يستغرق الميراث كله (صبح الأعشى 4: 33 وانظر ملحق دوزي ((حشر)) ) .

عرج على الزهر يا نديمي ... ومل إلى ظله الظليل فالزهر يلقاك بابتسام ... والريح تلقاك بالقبول وقال ملغزاً في السرطان: ما اسم إذا ما أنت صحفته ... صار مثنى باعتبارين في الراس والعين يرى دائماً ... وهو بلا راس ولا عين وقال في واقعة: ومعذر قد بيتته جماعة ... ولووا بما وعدوه طول الليل واكتاله كل هناك وما رأى ... منهم سوى حشف وسوء الكيل وقال أيضاً: حلا نبات الخد يا عاذلي ... لما بدا في خده الأحمر فشاقني ذاك العذار الذي ... نباته أحلى من السكر وقال في الشمعة: وذات قد أهيف ... فؤادها قد التهب كصعدة من فضة ... لها سنان من ذهب وقال فيها: وشمعة وقفت تشكو لنا حرقاً ... وأدمعاً لمتزل تهمي سواكبها وحيدة في الدجى من طول ما مكثت ... تكابد الليل قد شابت ذوائبها وكتب إلى صاحب (1) له: شوقي إليك مع البعاد تقاصرت ... عني خطاي وقصرت أقلامي واعتلت النسمات فيما بيننا ... مما أحملها إليك سلامي

_ (1) ص: صاحباً.

وقال في مليح يلقب بالشقيق: يا قامة الغصن الرطيب إذا انثنى ... ولوى معاطفه نسيم الريح أشقيق روض أنت يا بدر الدجى ... بالله قل لي أم شقيق الروح وقال في مليح رفا: وبمهجتي الرفا الذي ... فضح الذوابل لينه لم يرف قلب متيم ... قد مزقته جفونه وقال في مليح اسمه داود: قد كنت جلداً في الخطوب إذا عرت ... لا تزدهيني الغانيات الغيد وعهدت قلبي من حديد في الحشا ... فألانه بجفونه داود وقال في الذهبيات: انظر إلى الأغصان كيف تذهبت ... وأتى الخريف بحمرها وبصفرها تحلو شمائلها إذا ما أدبرت ... وتزيد حسناً في أواخر عمرها وقال في الكاس المصورة: انظر إلى صور الفوراس إذ بدت ... بالخيل في كاس المدامة ترتمي ما بين طاف في المدام وراسب ... كفوارس الهيجاء تسبح في الدم وقال: ورياض وقفت أشجارها ... وتمشت نسمة الصبح إليها طالعت أرواقها شمس الضحى ... بعد أن وقعت الورق عليها وقال: وجنان ألفتها إذ تغنت ... فوقها الورق بكرة وأصيلا نهرها مسرعاً جرى وتمشت ... في رباها الصبا قليلاً قليلا

وقال في مليح يلقب بالشهاب: يا قضيب الأراك عند التثني ... هز عطفيه حين ماس الشباب عجباً كيف ضل فيك المحبو ... ن بليل الأسى وأنت شهاب وقال في مليح أراد تقبيله في فمه فامتنع فجاءت القبلة في خده: منعت ارتشاف الثغر يا غاية المنى ... وزحزحتني منه إلى خدك القاني لئن فاتني منه الأقاحي فإنني ... حصلت على ورد جني وريحان وقال، وكان يبات كثيراً بالجامع الأموي: طال نومي بالجامع الرحب والبر ... د مبيدي وليس منه خلاص كيف أدفا فيه وتحتي بلاط ... ورخام حولي وفوقي رصاص وقال: لا تلحني اليوم في ساق وصهباء ... وسقتني كاسها صرفاً بلا ماء وأنف الهموم بها عني فقد كثرت ... آلامها واشف ما بالقلب من داء عذراء مشمولة تطفو فواقعها ... كأنها أدمع في خد عذراء أبدي الحباب لها خطاً فأحسن ما ... قد كان حرر من ميم ومن هاء قديمة ذاتها في روض جنتها ... كانت وكان لها عرش على الماء وقال يذكر بوعد: إني أذكر مولانا الأمير وما ... أظنه ناسي الوعد الذي ذكرا والدوح يبدي (1) الجنى لكن أغصنه ... لو لم تهز لما ألقت لك الثمرا وقال في مليح نجار: بروحي نجار حكى الغصن قده ... رشيق التثني أحول الطرف وسنان

_ (1) ص: يبدو.

يميل على الأعواد قطعاً بما جنت ... وما سرقت الناس قده وهي أغصان وقال يحذر من صحبة الناس: لا ترم في الدنو وداً من النا ... س وإن كنت عندهم مشكوراً ودهم في الدنو منهم قليل ... فإذا ما بعدت كان كثيراً وكذا الشمس والهلال اصطحاباً ... كلما زاد بعده زاد نورا وقال في مليح يسمى زهر السفرجل: أحن إلى الأزهار ما هبت الصبا ... وما ناح في الأيك الحمام المطوق وأشتاق زهر اللز كل عشية ... وإني إلى زهر السفرجل أشوق وكتب إلى شهاب الدين السنبلي يعرض بطلب فحم: جاء الشتاء الغث يا سيدي ... بل يا شهابي في دجى الهم وفصله البارد قد جاءني ... منه بكانون بلا فحم وقال من قصيدة: وأرقني خيال من حبيب ... تناءت داره حتى نآني فيمن سهري (1) يلم فما أراه ... ومن سقمي يطوف فما يراني وقال أيضاً: أمولاي أشكو إليك الخمار ... وما فعلت بي كؤوس العقار وجور الساقة التي لم تزل ... تريني الكواكب وسط النهار

_ (1) ص: شهري.

" محيي الدين ابن زيلاق "

598 - (1) " محيي الدين ابن زيلاق " يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم، الصدر محيي الدين ابن زيلاق العباسي الهاشمي الموصلي الكاتب الشاعر؛ مولده سنة ثلاث وستمائة، وقتله التتار حين ملكوا الموصل في سنة ستين وستمائة. قال بهاء الدين ابن الفخر عيسى في وصفه: الصاحب محيي الدين يضرب به المثل في العدالة، وله الرتبة العليا في الشرف والأصالة، وكان شاعراً مجيداً فاضلاً حسن المعاني، رحمه الله. فمن شعره ما كتبه إلى بعض أصحابه وهو بدمشق يصفها: أدمشق لا زالت تجودك ديمة ... ينمى بها زهر الرياض ويونق أهوى لك السقيا وإن ضن الحيا ... أغناك عنه ماؤك المتدفق ويسر فلبي لو تصح لي المنى ... أني أنال بك المقام وأرزق وإذا امرؤ كانت ربوعك حظه ... من سائر الأمصار فهو موقف أني التفت فجدول متسلسل ... أو جنة مرضية أو جوسق يبدو لطرفك حيث مال حديقة ... غناء نور النور منها يشرق يشدو الحمام بدوحها فكأنما ... في كل عود منه عود مورق وإذا رأيت الغصن ترقصه (2) الصبا ... طرباً رأيت الماء وهو يصفق لبست جنان النيربين محاسناً ... وقفت عليها كل طرف يرمق

_ (1) الزركشي: 359 وذيل مرآة الزمان 1: 513، 2: 181 والبداية والنهاية 13: 236 والحوادث الجامعة: 348 والشذرات 5: 304 وعبر الذهبي 5: 262؛ وقد أخلت المطبوعة بقسم من هذه الترجمة. (2) ص: يرقصه.

فحمامها غرد ونبت رياضها ... خضل وركب نسميها مترفق وسرت لداريا (1) المعطر تربها ... ريا ذكي المسك منها يعبق وترى من الغزلان في ميدانها ... فرقاً أسود الغيل منها تفرق من كل وسنان الجفون محبه ... سهران من وجد عليه مؤرق حيث الهوى في جانبيه مخيم ... وخيول فرسان الشبيبة تعنق والقاصدون إليه إما شائق ... متنزه أو عاشق متشوق صفان هذا باسم عن ثغره ... عجباً، وهذا بالمامع يشرق هذي المنازل لا أثيلات الحمى ... بعداً لهن ولا اللوى والأبرق لا تخدعن فما اللذاذة والهوى ... ومواطن الأفراح إلا جلق خذه الخدمة - حرس الله مجد المجلس العالي، وجعل السعادة من صحبه، والأيام من حزبه، والمكرمات من كسبه، وأهدى القرة إلى طرفه والمسرة إلى قلبه، وأوجب له لباس الإقبال ولا روعه بسلبه، وعوض عن الوحشة ببعده الإيناس بقربه - نائبة عن مسطرها في تقبيل يده الكريمة، ووصف مسراته النازحة وأحزانه المقيمة، وشكاية ما أجداه البعد من تحرقه وتلهفه، ووفرته الغيبة من تشوقه إلى الحضرة السامية وتشوفه، هذا مع أن الذكرى تمثل شخصه فلا يكاد يغيب، ويناجيه الخاطر وهو بعيد كمناجاته (2) وهو قريب، وبحسن ذلك أورد هذه الخدمة مطولاً، وأفاض فيها مسترسلاً، متأنساً بمفاوضته، ومتذكراً أوقات محاضرته، وراغباً أن يريه دمشق بعين وصفه، ويثبت نعتها لديه فكأنها حيال طرفه، وأول ما يبدأ بوصف الرحلة إليها ويقول: إن الزمان صورها للنظر قبل الإشراف (3) عليها، فقدمناها

_ (1) ص: لدياريا. (2) ص: كما جاءته. (3) ص: الاشراق.

والفصل ربيع، ومنظر الروض بديع، والربى محضرة أكنافها، مائسة أعطافها، تبكي بها عيون السحاب فتتبسم، وتخلع (1) عليها ملابس السباب فتتقمص وتتعمم، فما أتينا على مكان إلا وجدنا غيره أحق بالثناء وأجدر، ولا أفل بدر من الزهر إلا بزغت شمس فقلنا هذا أكبر، حتى إذا بلغت النفس أمنيتها، وأقبلنا على دمشق فقبلنا ثنيتها، رأينا منظراً (2) يقصر عنه المتوهم، ويملأ عين الناظر المتوسم، ظل ظليل، ونسيم عليل، ومغنى (3) بنهاية الحسن كفيل، يطوى الحزن بنشره، ويقف قدر البلدان دون قدره، فيصغر عند صفته شعب بوان، ويغمد في مفاصله سيف غمدان، ويبهت لمباهاته ناظر الإيوان، فالأغصان مائسة في سندسيها، متظاهرة بفاخر حليها، قد ألقحتها الأنهار فأثقلتها بحملها، ولا عبتها الصبا فتلقت كل واحدة بمثلها: لها ثمر تشير إليك منه ... بأشربة وقفن بلا أواني (4) وأمواه يصل بها حصاها ... صليل الحلي في أيدي الغواني فسرنا منها بين جنات، كظهور البزاة، وجداول كبطون الحيات، قد هز الشوق أطيارها فصدحت، وحرك النسيم رباها فنفحت، فحنت عليها أفنانها حنو الوالدات على اليتيم، وحجبت عن معارضتنا حاجب الشمس وأذنت للنسيم، فإذا أصابت شمسها فرجة لاحظتنا ملاحظة الحياء، وألقت فضة الماء شعاعها فصححت صنعة الكيمياء؛ ثم أفضينا إلى فضاء قد أثرى من الروض ثراه، وغني عن منة السحاب ذراه، قد تشابه فيه الشقيقان خداً وزهرا، واقترن به الياسمين أقاحاً وثغراً، وتغاير أخضراه آساً وعذارا،

_ (1) ص: ويخلع. (2) ص: منظر. (3) ص: ومعنى. (4) الشعر للمتنبي.

وأصفراه (1) عاشقاً وبهاراً، فأي هم لا تطرده أنهارها المطردة، وفرح لا تجليه أطيارها المغردة. ولما وصلنا إلى محلها الذي هو مجتمع الأهواء، ومقر السراء، ومقتنص الظباء، واستوطنا وطنها الذي هو للظامي نهلة، وللمستوفز عقلة: أجد لنا طيب المكان وحسنه ... منى فتمنينا فكنت الأمانيا هذا مع إكثاره لا يبلغ اليسير من نعتها، وما نرى آية من الحسن إلا هي أكبر من أختها: وإن دمشقاً وهي في الأرض جنة ... محاسنها للبعد عنك معايب والله تعالى يجمع الشمل على الإيثار، ويملأ أوطان المولى باليسار. تمت. ومن شعر ابن زيلاق، رحمه الله تعالى: إلى الله أشكو هاجري ومعنفي ... عليه فكل جائر في احتكامه حبيب نأى عني الكرى بملاله ... وواش دنا مني الأسى بملامه غريب المعاني قام عذر صبابتي ... بحسن عذاربيه ولين قوامه له هيف الغصن الرطيب ولينه ... ولي من تجنيه بكاء حمامه تفرد قلبي دونه بهمومه ... وشارك جسمي خصره في سقامه سقى الله ليلاً حين جاد بوصله ... وقد كان لا يسخو برد سلامه فطاف كمثل الظبي عند التفاته ... بحمراء مثل الجمر عند اضطرامه كسا المزج (2) أعلاها حباباً كأنه ... ثناياه أبداهن حسن ابتسامه شككنا فلم نعرف أمنظوم عقده ... من الدر أم من ثغره أم كلامه ولم ندر هذا السكر من سحر طرفه ... ومن خده والريق أم من مدامه

_ (1) ص: وصفراه. (2) ص: المزاج.

وقال أيضاً: يفديك جفن بمائه شرق ... جار عليه البكاء والأرق ومهجة لم تزل حشاشتها ... منك بنار الجفاء تحترق يا قمراً أصبحت محاسنه ... تنهب ألبابنا وتسترق تجمعت فيك للورى فتن ... على تلاف النفوس تنفق طرف كحيل ووجنة كسيت ... حمرة دمعي ومبسم يقق جالت على عطفه ذوائبه ... كالغصن زانت فروعه الورق رأوك لي بجنة معجلة ... ما وجدوا مثلها ولا رزقوا هم حسدوني عليك فاختلفوا ... بكل زور عليك واختلفوا سعوا بتفريقنا فلا اجتمعوا ... على وصال يوماً ولا اتفقوا فأين كانوا وأدمعي بدد ... تركض في وجنتي وتستبق ومقلتي حشوها السهاد وأح ... ناء ضلوعي تعتادها الحرق ماذا يضر الوشاة أنهم ... رقوا لقلبي الموجوع أو رفقوا بمن كسا وجنتيك من حلل ال ... حسن رياضاً نسيمها عبق وأطلع البدر من جبينك مح ... فوفاً بصدغ كأنه الغسق لا تثن عطفاً إلى الوشاة فما ... سلاك قلبي لكنهم عشقوا أنت بحالي أدري وحالهم ... قد وضحت في حديثنا الطرق ما كنت يوماً إليك معتذراً ... لو أنهم في مقالهم صدقوا وقال أيضاً: أظهرت حسن معانيه الشمول ... فاختفى اللائم واستحيا العذول وثنت منه الحميا قامة ... علمت بأن الحمى كيف يميل رشأ يفتك في عشاقه ... صارم من لحظه الساجي صقيل أصل وجدي فيه فرع مرسل ... مثل ليلي فاحم اللون طويل

وفم عذب وثغر أشنب ... خصر من برده يشفي الغليل أنا للجفوة منه قابل ... ولأعباء تجنيه حمول وأمور الحب من أعجبها ... أن ترى القاتل يهواه القتيل وقال أيضاً: لك السلامة من وجدي ومن حرقي ... وما تعانيه أجفاني من الأرق أردت فينا كؤوس الشوق مترعة ... وأسكرتنا حمياها فلم نفق يا مظهراً بمحياه وطرته ... فضيلة الجمع بين لاصبح والغسق حملت مهجتي الأسقام فاحتملت ... وزدتها بعده بعداً قلم تطق مهما نسيت فلا أنسى زيارته ... في خفية لابساً ثوباً من الفرق نشوان تستر عطفيه ذوائبه ... كما اكتسى الغصن الميال بالورق يسعى إلي براح من مقبله ... يلذ مصطبحي فيها ومغتقي لا أسأل الليل عن بدر السماء إذا ... رقدت فيه وبدر الأرض معتنقي وقال أيضاً: ثنى مصل قد السمهري ولينه ... وجرد عضباً مرهفاً من جفونه وبات يرينا كيف يجتمع الدجى ... مع الصبح في أصداغه وجبينه وكيف قران الشمس والبدر كلما ... غدا يلثم الكاس التي بيمينه وبت أفديه بنفس بذلتها ... غراماً لمحفوظ الجمال مصونه وأرخص دمع العين وجداً بمبسم ... يقابله من دره بثمينه سقى ذلك الوادي وإن فتكت بنا ... نحور حواريه وأعين عينه ولا زال مبيض الأقاحي ضاحكاً ... به كل منهل الغمام هتونه وقال أيضاً: بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنى ... سهاداً يذود الجفن أن يألف الجفنا وأبرزت وجهاً يخجل البدر طالعاً ... ومست بقد علم الهيف الغصنا

وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلاً ... فحاكاه لكن زاد في دقة المعنى أسمراء إن أطلقت بالهجر عبرتي ... فإن لقلبي من تباريحه سجنا وإن تحجبي بالبيض والسمر فالهوى ... يهون عند العاشق الضرب والطعنا وما الشوق إلا أن أزورك معلناً ... فلا مضمراً خوفاً ولا طالباً إذنا وألقاك لا أخشى الغيور وانثني ... ولو حجبت أسد الشرى ذلك المغني وقال أيضاً: أريقته في الكأس أم صرف خمره ... وهذا حباب المزج أم سمط ثغره يضوع بأيدينا وقد قام ساقياً ... بصنفيه من نشر المدام ونشره له جنة من وجنيته وإنما ... تعارضنا من دونه نار هجره وصبح جبين نعتدي بضيائه ... إذا ما ضلننا في غياهب شعره لئن كان دمعي مطلقاً بجفائه ... ففي أسره قلبي المعنى بأسره وليل طويل العمر أحوى كأنه ... غدائر من أهواه أو يوم غدره إذا خشيت فيه المنى من ضلالها ... هدانا إلى مطلبوها نور بدره وقال أيضاً: بدا لنا من جبينه قمر ... تضل في ليل شعره الفكر ظبي غرير في طرفه سنة ... يلذ فيها للعاشق السهر جديد برد الشباب حف بري ... حان وورد بخده نضر ولا رعت مقلة نبات عذا ... ريه فيحاج عنه تعتذر جوامع الحسن فيه جامعة ... فالقلب وقف عليه والبصر وقال أيضاً: ألم وأعين الرقباء وسنى ... كما تم الهلال سناً وسنا ومال بعطفه مرح التصابي ... كما عطفت نسيم الروض غصنا وخص رياض خديه شقيق ... يلوح عليه خال عم حسنا

وطاف بقهوة لم تبق فيها ... مصاحبة الليالي غير معنى فخلنا الشمس طالعة علينا ... وقد برزت من الراووق وهنا فلا تحفل بأعمال المصلى ... ولا تسأل بها طللاً ومغنى ومل نحو الخلاعة والتصابي ... إذا فن مضى جددت فنا وعاط الكأس أحرو ذا دلال ... أغن يناسب الظبي الأغنا يظن حمامة تشدو بغصن ... إذا ما مال معتدلاً وغنى وقال رحمه الله تعالى، موشح: يا نديمي بالرياض قفا ... فهي لي مذهب وأديراها سلافاً قرقفا (1) ... لونها مذهب خلت فيها الحباب حين صفا ... أنجماً تغرب حجبت بالبهاء والحسن ... عن عيون الشر وبدت في الخفاء كالوهم ... تجتني بالفكر لا تخالف يا منيتي أمري ... وادعني بالرحيق ما ترى صحبتي من السكر ... ليس فيهم مفيق نحن قوم من شيعة الخمر ... ونحب العتيق قد نقضنا (2) غياية (3) الحزن ... بسماع الوتر وحمانا من ناصب الهم ... وعدك المنتظر صاح لا تستمع من اللاحي ... واطرح ما يقول فمن الغبن إن تبت صاحي ... من كؤوس الشمول

_ (1) غير منسجم في الوزن مع سياق الأشطار الأخرى. (2) لعل الصواب ((رفضنا)) ليكون ((الرفض)) مقابلاً ل؟ ((النصب)) . (3) ص: عناية.

فاكس راح النديم بالراح ... واعص قول العذول ما ترى العذل في الصبا يغني ... عن " ... " بنت خدر تشفي من السقم ... فاقض منها وطر حث شمس الكؤس يا بدر ... فالندامى نجوم واستقنيها كأنها تبر ... من بنات الكروم ضحكت في ثغورها الزهر ... ببكاء الغيوم وتغنت بأطيب اللحن ... صادحات الشجر ناطقات بالسن عجم ... طاب شرب السحر حثها بيننا رشاً وسنان ... نلت منه الأمان ناعس الطرف بابلي الأجفان ... باسم عن جمان قد سكرنا من لحظه الفتان ... قبل خمر الدنان رب خمر شربت من جفن ... واجتنيت الزهر من خدود تحمى عن اللثم ... بسيوف الحور وقال أيضاً: أمحل صبوتنا تحية مغرم ... يهدي السلام على البعاد برغمه أثرى ثرى ذاك الجناب من الحيا ال ... غادي ومن لي لو ظفرت بلثمه فبشعب ذاك الحي مثل غزاله ... في غنجه وهلاله في تمه دمعي ومبسمه لكل منهما ... معنى غنيت بنثره وبنظمه والخصر منه والجفون وعهده ... كل كسا جسمي النحول بسقمه متلون أصلي بجمرة حربه ... طوراً وطوراً أستريح بسلمه ويسيء بي فعلاً ويحسن ثغره ... لثماً فيشفع ظلمه في ظلمه وقال أيضاً:

ما وجه عذرك والكؤوس تدار ... ضاقت بمن جهل الصبا أعذار سفرت لك اللذات واتسعت بها ال ... أوقات واجتمعت لك الأوطار ساق يسوق إلى السرور ومطرب ... حسن الغناء وروضة وعقار أو ما ترى حسن الربيع وقد غدا ... يختال في حبراته آذار روض كما يرضي العيون يزينه ... زهر تسر بحسنه الأسرار وجداول نشأت بهن حدائق ... ضحكت خلال فروعها الأنوار وكأنما أشجارهن عرائس ... تجلى ومن در السحاب نثار تشدو حمائمها ويرقص دوحها ... غب الصبا وتصفق الأنهار فأدم لنا أفراحنا بمدامة ... لم تتصل بصفائها الأكدار حمراء تبدو في الكؤوس كأنها ... ذهب عليه من اللجين إزار يسعى عليك بها غرير أهيف ... نوم المحب إذا جفاه غرار وسنان فيه للغزالة وابنها ... وجه وطرف فاتر ونفار رشأ ولكن في القلوب كناسه ... قمر ولكن أفقه الأزرار ظهرت عذاراه فزادت وجهه ... نوراً وتشرق في الدجى الأقمار وأفاك يحمل مثل ما في خده ... ماء به تروي القلوب ونار في مجلس تمت لساكنه (1) المنى ... وتكفلت بسعودها الأقدار وقال أيضاً: سل عن فؤاد بنار الهجر تحرقه ... وناظر بتجنيه تؤرقه ولا ترج سلواً من غريم هوى ... موكل بجديد الصبر يخلقه أهواه معتدل العطاف مائلها ... يجور في إذا ما اهتز مورقه غصن ولكن بماء الحسن منبته ... بدر ولكن من الأزرار مشرقه يجلو الظلام محياه ويعذب مج ... ناه وتحلو ثناياه ومنطقه

_ (1) ص: بساكنه.

ملاحة تسترق القلب رقتها ... ونظم ثغر يروق العين رونقه ثلاثة منه أعداني السقام بها ... مجرى الوشاح وجفناه وموثقه ألقى الرماح بقلب غير مكترث ... وأتقي طرفه الساجي وأفرقه فالأبيض العضب ما تبديه مقلته ... والأسمر اللدن ما يحويه قرطقه وقال أيضاً: قم لا عدمتك فالرياح تغربل ... والرعد يطحن والغمائم تنخل والمسك قد عجن الثرى بسحيقه ... والعود يحرق والحميا تشعل والدن تنور توقد جمرة ال ... صهباء باطنه وفار المبزل هي قوت أرواح عنت بحصادها ال ... أيدي كما اكتنف الدياس الأرجل اللون تبر والحقيقة جوهر ... والريح مسك والمذاقة فوفل والبرد قد ولى فمالك راقداً ... متدثراً (1) يا أيها المزمل؟ أو ما ترى فصل الربيع وحسنه ... والروض يضحك والحيا يتهلل والغيم كالكافور ينثر لؤلؤاً ... والجومسك والغدير مصندل أبدت بدائع زهرها لك جنة ... قد زخرفت فنعيمها متعجل نسجت يدا الإبداع وشي رقومها ... فلأجل ذاك النسج عيني تغزل فمحمر ومصفر ومبيض ... وموطس ومريش ومكلل ومدبج ومكتب ومذهب ... ومفضض باللازورد مكحل جل المكون أعينا ما زانها ... كحل ومبدع صبغة لا تنصل فإذا اجتليت فكل شبر نزهة ... وإذا ظمئت (2) فكل باع منهل فهزارها شحرورها ورشانها ... سمانها دراجها والبلبل هذا يجاوي ذا بأحسن منطق ... فإذا شدا الثاني أعاد الأول

_ (1) ص: راقد متدثر. (2) ص: ضميت.

وتقيم مأتمها الفواخت سحرة ... فكأنهن مفجعات ثكل وعلى الغدير شباك تبر حاكها ... شمس الضحى وسنا دروع تصقل روض ومعشوق وحسن حمائم ... وصفاء ساقية وراح سلسل وظلال غادية فسيف بروقها ... ماض وطيب هوائها مستقبل والشمس تجنح للغروب فثوبها ال ... ذهبي مصفر البقاع مجلل ما للمسرة عن حمانا مخرج ... كلا ولا لأسى علينا مدخل ومحاسن الحدباء مشرقة على ... كل البلاد لها الفخار الأفضل يا حبذا الشرف المطل وديرها ال ... عالي وطيب فضائه والهيكل ورواقه " وبهاؤه " (1) وجواره ... والعيش فيه والهواء الأعدل وعبيره يهدي بطيب نسيمه ... وشموله يبقى فدام الشمأل يا طيب صحته وصحبته ونا ... قوس الصباح على الصبوح يحيعل مغنى أقام به الرشيد وحله ال ... منصور والمأمون والمتوكل يا ساحة الحدباء تربك إثمد ... للناظرين فما الدخول فحومل؟ هبني أحاول غيرها أو أبتغي ... عوضاً عن الأوطان أو أتبدل فعن الذين عهدتهم بفنائها ... أهلي وجيراني بمن أستبدل فيجور أحياناً وطوراً يعدل صبراً فكل ملمة من بعدها ... فرج وكل عسير أمر يسهل وقال أيضاً: وإذا شكوت من الزمن ومسني ... ضيم ونكس صعدتي إعسار وعلمتم أني بكم متعلق ... فعلى علاكم لا علي العار

_ (1) سقط من ص وزدته من المطبوعة.

الملك الجواد

599 - (1) الملك الجواد يونس بن مودود (2) بن محمد بن أيوب، السلطان الملك الجواد مظفر الدين ابن الأمير مظفر الدين ابن الملك العادل أبي بكر؛ كان في خدمة عمه الكامل، فوقع بينهما، فسار إلى عمه المعظم فأقبل عليه، ثم عاد إلى مصر واصطلح مع الكامل، فلما مات الأشرف جاء مع الكامل إلى دمشق، فلما مات الكامل تملك الجواد دمشق. وكان جواداً كلقبه، ولكن كان حوله ظلمة، وكان يحب بالصالحين والفقراء. وتقلبت به الأحوال وعجز عن مملكة دمشق، وكاتب الصالح نجم الدين أيوب، فقدم وسلم إليه دمشق وعوضه سنجار وعانة، وسار إلى الشرق فلم يتم له الأمر، وأخذ منه سنجار وبقى بيده عانة، فسار إلى بغداد وقدم على الخليفة فأكرمه، فأباعه عانة بذهب كثير، ثم سار إلى مصر وافداً على عمه الصالح فهم بالقبض عليه، فتسحب إلى الكرك إلى الملك الناصر داود، فقبض عليه. ثم انفلت منه وقدم على الصالح إسماعيل صاحب دمشق فلم يهش له، فقصد ملك الفرنج الذي بصيدا وبيروت فأكرمه، وشهد مع الفرنج وقعة قلنسوة، وقتل فيها ألف مسلم، ثم بعث إليه الصالح الأمير ناصر الدين ابن يغمور ليحتال عليه بخديعة، فيقال ابن يغمور اتفق معه على مسك الصالح اسماعيل، ثم إن الصالح ظفر بهم فسجن الجواد بقلعة

_ (1) مرآة الزمان: 704 وتاريخ أبي الفدا (وفيات سنة 638) والسلوك 1: 214 والنجوم الزاهرة (ج؟: 6 صفحات متفرقة) ومرآة الجنان 4: 104. (2) ص: ممدود.

غزتا وسجن ابن يغمور بقلعة دمشق، فطلب الفرنج الجواد من الصالح وقالوا: لا بد منه، فأظهر أنه مات، ويقال إنه خنقه، وأخرج من السجن ميتاً، ودفن بقاسيون بتربة المعظم العظم سنة إحدى وأربعين وستمائة، رحمه الله، ويقال إن أمه كانت أفرنجية، والله أعلم.

فراغ

تم المجموع المسمى بفوات الوفيات والذيل عليها في العشر الأول من المحرم سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وحسبنا الله ونعم الوكيل.

§1/1