فوائد حديث أبي عمير لابن القاص

ابن القاصِّ

§حَدِيثُ ابْنِ الْقَاصِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْعَلَامَةُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُظَفَّرِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ النَّابُلْسِيُّ فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرَوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ الْفَارِقِيُّ الشَّافِعِيُّ رَحْمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِجَازَةً قَالَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الصَّلَاحِ إِجَازَةً، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمَقْدِسِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَامَ أَحَدَ وَسِتِّمِائَةٍ بِالْمَوْصِلِ، أنا الْحَافِظُ أَبُو سَعِيدٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَبِي الرَّجَاءِ ابْنِ أَبِي الْفَتْحِ الرَّارَانِيُّ، أنا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنِي الشَّيْخُ الْخَطِيبُ أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ حَسَّانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَنِيعِيُّ الْمَخْزُومِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ مَرَّاتٍ ثَلَاثًا قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكُمُ الشَّيْخُ أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَجَلِيُّ قَدِمَ عَلَيْكُمْ ثنا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ سَنْدُولَهَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيُّ: نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ قَالَ

: وَأَمَّا قِصَّةُ أَبِي عُمَيْرٍ فَأَنَا ذَاكِرُهَا بِرِوَايَتِهَا، وَمُلَطِّفٌ الْقَوْلَ فِي تَخْرِيجِ مَا فِيهَا مِنْ وُجُوهِ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ وَفُنُونِ الْفَائِدَةِ وَالْحِكْمَةِ؛ لِيَعْلَمَ الزَّارِي عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ بِهِ أَنَّهُمْ بِالْمَدْحِ بِهِ أَوْلَى وَأَنَّ السُّكُوتَ كَانَ بِهِ أَحْرَى، وَذَلِكَ أَنَّ فِيهِ سِتِّينَ وَجْهًا مِنَ الْفِقْهِ، وَسَنَأْتِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ، عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَتَفْصِيلِهِ:

يا أبا عمير، ما فعل النغير

1 - أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَخٍ لَهُ صَغِيرٍ: «§يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»

يا أبا عمير، ما فعل النغير

2 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ -[14]- الْمَوْصِلِيُّ قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ الْبَصْرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْشَانَا وَيُخَالِطُنَا، فَكَانَ مَعَنَا صَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، فَقَالَ: «§يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»

يا أبا عمير، ما فعل النغير

3 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ الْكُوفِيُّ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ -[16]-، نا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَالِطُنَا، وَنَضَحْنَا لَهُ بِسَاطًا لَنَا فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ لِأَخٍ لِي: «§يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»

أبا عمير، ما فعل النغير؟ قال أنس: وما مسست شيئا قط - خزة، ولا حريرة - ألين من كف رسول

4 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ بُنَيٌّ لِأَبِي طَلْحَةَ يُكَنَّى أَبَا عُمَيْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ مَازَحَهُ، فَدَخَلَ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ: «مَا بَالُ أَبِي عُمَيْرٍ حَزِينًا؟» فَقَالُوا: مَاتَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُغَيْرُهُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» قَالَ أَنَسٌ: وَمَا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ - خَزَّةً، وَلَا حَرِيرَةً - أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

كان يأتي أم سليم، وكان إذا مشى يتوكأ، فكان ينام على فراشها - ثم ذكر الحديث بطوله - قال

5 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيُّ، نا وَهْبُ بْنُ -[17]- بَقِيَّةَ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §كَانَ -[18]- يَأْتِي أُمَّ سُلَيْمٍ، وَكَانَ إِذَا مَشَى يَتَوَكَّأُ، فَكَانَ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا» - ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ - قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَفِيمَا رُوِّينَا مِنْ قِصَّةِ أَبِي عُمَيْرٍ سِتُّونَ وَجْهًا مِنَ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ، وَفُنُونِ الْفَائِدَةِ وَالْحِكْمَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ سُنَّةَ الْمَاشِي أَنْ لَا يَتَبَخْتَرَ فِي مِشْيَتِهِ وَلَا يَتَبَطَّأَ فِيهِ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا مَشَى تَوَكَّأَ كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَمِنْهَا أَنَّ الزِّيَارَةَ سُنَّةٌ، وَمِنْهَا الرُّخْصَةُ لِلرِّجَالِ فِي زِيَارَةِ النِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ -[19]-، وَمِنْهَا زِيَارَةُ الْحَاكِمِ الرَّعِيَّةَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا خَصَّ الْحَاكِمُ بِالزِّيَارَةِ وَالْمُخَالَطَةِ بَعْضَ الرَّعِيَّةِ دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَيْلٍ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ لِلْحُكَّامِ ذَلِكَ، 6 - وَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا كَانَ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ تَوَاضُعِ الْحَاكِمِ لِلرَّعِيَّةِ، 7 - وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْحِجَابِ لِلْحُكَّامِ، 8 - وَفِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسِيرَ وَحْدَهُ، 9 - وَأَنَّ أَصْحَابَ الْمَقَارِعِ بَيْنَ يَدَيِ الْحُكَّامِ وَالْأُمَرَاءِ مُحْدَثَةٌ مَكْرُوهَةٌ؛ لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى عَلَى نَاقَةٍ لَهُ لَا ضَرَبَ وَلَا طَرَدَ، وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ، 10 - وَفِي قَوْلِهِ: «يَغْشَانَا» مَا يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ زِيَارَتِهِ لَهُمْ، 11 - وَأَنَّ كَثْرَةَ الزِّيَارَةِ لَا تَخْلُقُ الْحُبَّ وَالْمَوَدَّةَ وَلَا تُنْقِصُهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا طَمَعٌ، -[20]- 12 - وَأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا» كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا رَأَى فِي زِيَارَتِهِ مِنَ الطَّمَعِ؛ لِمَا كَانَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ حَتَّى دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِزْوَدَةٍ، وَكَانَ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهَا إِلَّا أَخَذَ حَاجَتَهُ فَحَصَلَتْ لَهُ الزِّيَارَةُ دُونَ الطَّمَعِ، 13 - وَفِي قَوْلِهِ: «يُخَالِطُنَا» ، مَا يَدُلُّ عَلَى الْأُلْفَةِ بِخِلَافِ النُّفُورِ، وَذَلِكَ مِنْ صِفَةِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ «الْمُؤْمِنُ أَلُوفٌ، وَالْمُنَافِقُ نَفُورٌ» ، 14 - وَمِنْهَا أَنَّ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: «فِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» إِذَا كَانَتْ فِي لُقْيِهِمْ مَضَرَّةٌ لَا عَلَى الْعُمُومِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ أُلْفَةٌ وَمَوَدَّةٌ، فَالْمُخَالَطَةُ أَوْلَى 15 - وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ شَبَابِ النِّسَاءِ وَعَجَائِزِهِنَّ فِي الْمُعَاشَرَةِ، إِذِ اعْتَذَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[21]- إِلَى مَنْ رَآهُ وَاقِفًا مَعَ صَفِيَّةَ وَلَمْ يَعْتَذِرْ مِنْ زِيَارَتِهِ أُمَّ سُلَيْمٍ، بَلْ كَانَ يَغْشَاهُمُ الْكَثِيرَ، 16 - وَفِي قَوْلِهِ: «مَا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مَا يَدُلُّ عَلَى مُصَافَحَتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتِ الْمُصَافَحَةُ دَلَّ عَلَى تَسْلِيمِ الزَّائِرِ، إِذَا دَخَلَ 17 - وَدَلَّ عَلَى مُصَافَحَتِهِ، 18 - وَدَلَّ عَلَى أَنْ يُصَافَحَ الرَّجُلُ دُونَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: فَمَا مَسَسْنَا، وَإِنَّمَا قَالَ: مَا مَسَسْتُ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى النِّسَاءِ وَمُبَايَعَتُهُ، إِنَّمَا كَانَ يُصَافِحُ الرِّجَالَ دُونَهُنَّ، 19 - وَفِي لِينِ كَفِّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَمَّدَ الْمُصَلِّي إِلَى شِدَّةِ الِاعْتِمَادِ عَلَى -[22]- الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ كَمَا اخْتَارَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ؛ لِمَا وَجَدَهُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَمَّدَ إِلَى شِدَّةِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ لِيُؤَثِّرَ عَلَى يَدَيْهِ دُونَ جَبْهَتِهِ، 20 - وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِيَارِ لِلزَّائِرِ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ كَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، 21 - وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي السُّنَّةِ الصَّلَاةُ عَلَى الْبِسَاطِ، وَالْجَرِيدِ وَالْحَصِيرِ، وَقَدْ قِيلَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: إِنَّهُ كَانَ حَصِيرًا بَالِيًا، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَصِيرِ، وَيَنْزِعُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8] ، 22 - وَفِي نَضْحِهِمْ ذَلِكَ لَهُ وَصَلَاتِهِ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فِي الْبَيْتِ صَبِيًّا صَغِيرًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ تَرْكُ التَّقَزُّزِ، 23 - وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يُعْلَمَ يَقِينُ النَّجَاسَةِ. -[23]- 24 - وَفِي نَضْحِهِمُ الْبِسَاطَ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُومَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى أَرْوَحِ الْحَالِ وَأَمْكَنِهَا، لَا عَلَى أَجْهَدِهَا وَأَشَدِّهَا؛ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ الْجَهْدُ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِ الصَّلَاةِ وَخُشُوعِهَا كَمَا أُمِرَ الْجَائِعُ أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّعَامِ قَبْلَ الصَّلَاةِ خِلَافَ مَا زَعَمَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ إِذْ زَعَمَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ لَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى أَجْهَدِ الْحَالِ، كَمَا سُمِعَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ لَبِسُوا الْمُسُحَ إِذَا قَامُوا مِنَ اللَّيْلِ وَقَيَّدُوا أَقْدَامَهُمْ، 25 - وَفِي صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِمْ؛ لِيَأْخُذُوا عِلْمَهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ حَمْلِ الْعَالِمِ عِلْمَهُ إِلَى أَهْلِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ مَذَلَّةٌ، وَأَنَّ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الْعِلْمَ يُؤْتَى وَلَا يَأْتِي إِذَا كَانَتْ فِيهِ لِلْعِلْمِ مَذَلَّةٌ أَوْ كَانَ مِنَ الْمُتَعَلِّمِ عَلَى الْعَالِمِ تَطَاوُلٌ، -[24]- 26 - وَفِيهِ دَلَالَةُ اخْتِصَاصٍ لِآلِ أَبِي طَلْحَةَ إِذْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِمْ، 27 - وَأَخْذُهُمْ قِبْلَةَ بَيْتِهِمْ بِالنَّصِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ الدَّلَائِلِ وَالْعَلَامَاتِ، 28 - وَفِي قَوْلِهِ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ مَازَحَهُ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُمَازِحُهُ كَثِيرًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِي ذَلِكَ شَيْئَانِ 29 - أَحَدُهُمَا أَنَّ مُمَازَحَةَ الصِّبْيَانِ مُبَاحٌ، 30 - وَالثَّانِي أَنَّهَا إِبَاحَةُ سُنَّةٍ، لَا إِبَاحَةَ رُخْصَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إِبَاحَةَ رُخْصَةٍ لَأَشْبَهَ أَنْ لَا يُكْثِرَهَا، كَمَا قَالَ فِي مَسْحِ الْحَصَى لِلْمُصَلِّي: «فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَمَرَّةً» ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً لَا سُنَّةً. -[25]- 31 - وَفِيهِ إِذْ مَازَحَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ التَّكَبُّرِ وَالتَّرَفُّعِ، 32 - وَمَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ، 33 - وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حَالُ الْمُؤْمِنِ فِي الْمَنْزِلِ مِنْ حَالِهِ إِذَا بَرَزَ، فَيَكُونُ فِي الْمَنْزِلِ أَكْثَرَ مِزَاحًا، وَإِذَا خَرَجَ أَكْثَرَ سَكِينَةً وَوَقَارًا إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الرِّيَاءِ، كَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ إِذَا خَلَا بِأَهْلِهِ، وَأَزْمَتِهِمْ عِنْدَ النَّاسِ، 34 - وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا رُوِيَ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ أَنَّهُ يُخَالِفُ سِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى الرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا، وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ، إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ} ، -[26]- 35 - وَفِي قَوْلِهِ: فَرَآهُ حَزِينًا، مَا يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ التَّفَرُّسِ فِي الْوُجُوهِ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ أَهْلِ الْفِرَاسَةِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَأَكْرَهُ الْإِكْثَارَ إِذِ الْغَرَضُ غَيْرُهُمَا، 36 - وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْعِبْرَةِ لِأَهْلِهَا، إِذِ اسْتَدَلَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُزْنِ الظَّاهِرِ فِي وَجْهِهِ عَلَى الْحُزْنِ الْكَامِنِ فِي قَلْبِهِ، حَتَّى حَدَاهُ عَلَى سُؤَالِ حَالِهِ، 37 - وَفِي قَوْلِهِ: «مَا بَالُ أَبِي عُمَيْرٍ؟» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا رَأَيْتَ أَخَاكَ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ حَالِهِ، 38 - وَفِيهِ دَلِيلٌ - كَمَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ - عَلَى حُسْنِ الْأَدَبِ بِالسُّنَّةِ فِي تَفْرِيقِ اللَّفْظِ بَيْنَ سُؤَالَيْنِ، فَإِذَا سَأَلْتَ أَخَاكَ عَنْ حَالِهِ قُلْتَ: مَا لَكَ؟ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟» ، وَإِذَا سَأَلْتَ غَيْرَهُ عَنْ حَالِهِ قُلْتَ: «مَا بَالُ أَبِي فُلَانٍ؟» كَمَا قَالَ -[27]- النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «مَا بَالُ أَبِي عُمَيْرٍ؟» ، 39 - وَفِي سُؤَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ عَنْ حَالِ أَبِي عُمَيْرٍ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، 40 - وَفِيهِ دَلِيل

§1/1