فهرسة اللبلي

اللَّبْلِيُّ

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا قَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه الْعَالم المتفنن الصَّالح أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن يُوسُف بن عَليّ الفِهري اللبلي رَضِي الله عَنهُ وَغفر لَهُ بفضله نحمد الله حمد الشَّاكِرِينَ وصلواته وَسَلَامه على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله خَاتم النَّبِيين وَإِمَام الْمُرْسلين وعَلى آله الطاهرين الطيبين عدد معلوماتك يَا رب الْعَالمين أما بعد فَإِن جمَاعَة من حَملَة الْعلم الشريف وَذَوي الْفضل المنيف مِمَّن يجل قدرهم ويعظم خطرهم رَغِبُوا فِي أَن أصنف لَهُم مجموعا يتَضَمَّن ذكر شيوخي الجلة الْأَعْلَام أَئِمَّة الْهدى ومصابيح الْإِسْلَام الَّذين أخذت عَنْهُم بالبلاد المشرقية والمغربية علم الْأُصُول وَغَيره من الْعُلُوم الدِّينِيَّة على اخْتِلَاف ضروبها وتباين فنونها وتبيين أخذي للتصانيف عَنْهُم رضوَان الله عَلَيْهِم ومغفرته الدائمة لَهُم من قِرَاءَة وَسَمَاع ومناولة وإجازة مَوْصُولا أسانيدها بأصحاب

التصانيف وأرباب الْمذَاهب والتواليف فأجبتهم إِلَى مقصودهم وسارعت إِلَى امْتِثَال مرغوبهم لما رَأَيْت من تشوفهم لطريق الرِّوَايَة وتشوقهم لأسباب الدِّرَايَة وَهَا أَنا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أشرع فِي ذكرهم وتحليتهم بِالصِّفَاتِ اللائقة بهم وأذكر مَا حضرني من معرفَة وفاتهم وولادتهم مستعينا بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَهُوَ خير معِين قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وأبقاه أما علم الْكَلَام وأصول الْفِقْه فَإِنِّي أَخَذتهَا تفقها عَن جمَاعَة كَبِيرَة من الْعلمَاء الْمَشْهُورين وَالْأَئِمَّة المعتبرين وَأَنا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أذكر من أخذت عَنهُ هذَيْن العلمين أَو أَحدهمَا مُتَّصِلا إِسْنَاده بِالْإِمَامِ الرضي أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ واصفا لَهُم بِمَا ثَبت لَدَى من أَحْوَالهم وَبَلغنِي صَحِيحا من أخبارهم فَمِمَّنْ أخذت عَلَيْهِ هذَيْن العلمين بالبلاد المصرية تفقها شَيخنَا شرف الدّين ابْن التلمساني وَأخذ شَيخنَا شرف الدّين عَن شَيْخه المقترح وَأخذ المقترح عَن شَيْخه الطوسي وَأخذ الطوسي عَن شَيْخه الْغَزالِيّ وَأخذ الْغَزالِيّ عَن شَيْخه أبي الْمَعَالِي وَأخذ أَبُو الْمَعَالِي عَن شَيْخه الإسفرايني وَأخذ الإسفرايني عَن شَيْخه الباقلاني وَأخذ الباقلاني عَن شَيْخه الْبَاهِلِيّ وَأخذ الْبَاهِلِيّ عَن شَيْخه الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس فعلى طَرِيق هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة رضوَان الله عَلَيْهِم ومغفرته لديهم المنظومين فِي هَذَا السلك المهتدى بأنوارهم فِي الدياجي الْغَلَس المقتدى بهم

فِي الدّين أَخذ علم أصُول الدّين وَهَا أَنا أذكرهم بحول الله تَعَالَى وقوته إِمَامًا إِمَامًا وعالما عَالما وَاحِد إِثْر وَاحِد على النسق الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَالتَّرْتِيب الَّذِي نظمنه فَنَقُول 1 - شرف الدّين ابْن التلمساني أما شَيخنَا شرف الدّين ابْن التلمساني الْعَالم الْفَاضِل فَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يحيى بن عَليّ الفِهري الْمَشْهُور بِابْن التلمساني فَكَانَ رَحمَه الله نظارا محققا وَفِي علم الْأُصُولِيِّينَ مدققا تخرج بشيخه الإِمَام المقترح وسلك طَرِيقَته وبذ فِيهَا صحابته فَاضلا دينا متواضعا حسن الْخلق كثير الْبشر وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية شرف الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عين الدولة الإسْكَنْدراني شَدِيد الاعتناء بِهِ

والتحفي بجانبه لما لحقه من ديانته وسداد طَرِيقَته أَهله للعدالة بالديار المصرية وَجعله من أوجه عدولها وَكَانَ أخيرا عَاقد الْأَنْكِحَة بهَا وقاضي الْقُضَاة هَذَا الَّذِي أَهله لهَذَا المنصب هُوَ الَّذِي كَانَ يَقُول فِيهِ الْملك الْكَامِل رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَعِنْدِي قاضيان أَفْخَر بهما على مُلُوك الأَرْض شرف الدّين والإسكندراني وجمال الربعِي قَاضِي إسكندرية وَلَقَد حَدثنِي من أَثِق بِهِ فِيمَا يحكيه وأصدقه فِيمَا يخبر بِهِ وَيَرْوِيه أَن قَاضِي الْقُضَاة الإسْكَنْدراني هَذَا بَقِي أَرْبَعِينَ سنة قَاضِيا على الديار المصرية وَأَنه مُدَّة قَضَائِهِ بهَا وتوليه عَلَيْهَا لم يبصر النّيل وَلَا شَاهد المقياس هَذَا مَعَ اتصالهما بِالْمَدَنِيَّةِ وتشوف النُّفُوس إِلَى رُؤْيَتهمَا وَأَنه لما توفّي لم يُوجد لَهُ سوى سَرِير من جريد النّخل ونوخ من الحلفاء ولبد أَبيض كَانَ ينَام عَلَيْهِ على هَذَا كَانَت حَاله إِلَى أَن وافاه حمامه والديار المصرية كلهَا بِيَدِهِ وراجعة إِلَى حكمه وَنَظره قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ ونفعه بِالْعلمِ ونفع بِهِ وَكَانَ شَيخنَا شرف الدّين ابْن التلمساني شَافِعِيّ الْمَذْهَب ذَا معارف كَثِيرَة فِي فنون من الْعُلُوم مُتعَدِّدَة

التصانيف النفيسه والتواليف المفيدة فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَغَيرهمَا فَمن تصانيفه شرح كتاب التَّنْبِيه فِي مَذْهَب الشَّافِعِي تصنيف الإِمَام أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَهَذَا الْكتاب عِنْد الشَّافِعِيَّة بِمَنْزِلَة كتاب التَّفْرِيع عِنْد الْمَالِكِيَّة وَبَينهمَا من البون مَا بَين الْأَبْيَض والجون فأجاد تصنيفه وَأحسن مَا شَاءَ تأليفه وَمِنْهَا شَرحه للمعالمين الْأُصُولِيَّة والدينية اللَّتَيْنِ للْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وتمم شرح الْإِرْشَاد لشيخه المقترح فَإِن المقترح رَحمَه الله لم يكمله وانْتهى فِيهِ إِلَى المعجزات نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتممه شَيخنَا شرف الدّين إِلَى غير ذَلِك من مصنفاته قَرَأت عَلَيْهِ كتاب الْإِرْشَاد بِمصْر المحروسة للْإِمَام أبي

الْمَعَالِي تفقها وَبَعض كتاب الْبُرْهَان فِي أصُول الْفِقْه لإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَيْضا وَبَعض غَايَة الأمل فِي علم الجدل للسيف الْآمِدِيّ وَأذن لي رَحمَه الله أَن أَقْْرِئ ذَلِك وَكتب لي بِخَطِّهِ على نُسْخَتي الَّتِي كنت أقرأها عَلَيْهِ وَهِي عِنْدِي الْآن مَا هَذَا نَصه قَرَأَ عَليّ جَمِيع كتاب الْإِرْشَاد لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمن برهانه فِي أصُول الْفِقْه إِلَى النواهي وَبَعض غَايَة الأمل فِي علم الجدل للآمدي الشَّيْخ الْفَقِيه الإِمَام الْعَالم الأديب النَّحْوِيّ مجد الْعلمَاء وفخر الأدباء الْفَاضِل أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن يُوسُف الفِهري اللبلي نَفعه الله بِالْعلمِ ونفع بِهِ وَأحسن إِلَيْهِ وأجزل نعماه لَدَيْهِ قِرَاءَة بحث واستيضاح وكشف لغوامض ذَلِك قولة تؤذن لفهم مَعَانِيه وَالْوُقُوف على مَا أودع فِيهِ وَقد أَذِنت لَهُ وَفقه الله أَن يقرئ ذَلِك لمن رغب فِيهِ ثِقَة بحذقه وَعلمه وجودة ذهنه وفهمه وَالله تَعَالَى يعصمنا وإياه

من الزلل ويوفقنا لصالح القَوْل وَالْعَمَل كتبه عبد الله بن يحيى بن عَليّ الفِهري هَذَا نَص مَا كتبه بِلَفْظِهِ وَسمعت عَلَيْهِ أَيْضا بعض المعالم الأصوليه والدينية وَبَعض شَرحه لَهَا وَبَعض الْأَسْرَار الْعَقْلِيَّة فِي الْكَلِمَات النَّبَوِيَّة لشيخه المقترح إِلَى غير ذَلِك وَلم يتَحَقَّق لدي تَارِيخ مولده ووفاته حَتَّى أثْبته 2 - المقترح أما المقترح شيخ شَيخنَا شرف الدّين التلمساني فَهُوَ الإِمَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعِزّ مظفر أنظر أهل عصره وأحدهم خاطرا فِي علم الْكَلَام وَغَيره وأقطعهم للخصوم فِي المناظرة وأعرفهم بطرق الْجِدَال فِي المباحثة لَهُ الْعبارَات المهذبة والألفاظ الرشيقة المستعذبة كَلَامه قَلِيل الحشو ومشحون

بالفوائد وَأَلْفَاظه منتظمة مثل الفرائد تفقه بِابْن أبي مَنْصُور وَتخرج بالطوسي وبرع عِنْده وَإِنَّمَا لقب بِهَذَا اللقب أَعنِي المقترح لشدَّة كلفه بِالْكتاب الْمُسَمّى بِهَذَا الِاسْم واعتنائه بِهِ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُفَارِقهُ وقتا من الْأَوْقَات وعَلى حَالَة من الْأَحْوَال لَا يزَال ظَاهرا فِي يَده أَو دَاخِلا فِي كمه إِلَى أَن شهر باسمه وَاسْتحق بمعرفته بِهِ وملازمته لَهُ وسمه بِهِ لَهُ التصانيف الْحَسَنَة والتواليف المستحسنة شرح الْإِرْشَاد لإِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي وَشرح الْبَحْر الْكَبِير وَهُوَ الْمُسَمّى بالمقترح والأسرار الْعَقْلِيَّة فِي الْكَلِمَات النَّبَوِيَّة وَله تَعْلِيق يسير على كتاب الْبُرْهَان لإِمَام الْحَرَمَيْنِ 3 - الطوسي وَأما الطوسي شيخ المقترح فَهُوَ الإِمَام الْعَالم شهَاب الدّين

أَظُنهُ صَاحب التَّعْلِيق المحشو بالتحقيق المبرز فِي علم الْخلاف الْمَشْهُور فِي سَائِر الْبِلَاد والأطراف تخرج بِالْإِمَامِ الْغَزالِيّ وَكَانَ مَوْصُوفا بِحسن النّظر مَعْرُوفا بِقُوَّة الجدل نسخ تَعْلِيقه سَائِر التَّعَالِيق وطار ذكرهَا فِي المغارب والمشارق 4 - الْغَزالِيّ وَأما الإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ شيخ الطوسي فَهُوَ على مَا أخبرنَا بِهِ الإِمَام عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام عَن شَيْخه الْحَافِظ بهاء الدّين أبي مُحَمَّد عَن وَالِده الإِمَام الْحَافِظ مُحدث الشَّام أبي الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن بن هبة الله بن عَسَاكِر الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الْفَارِسِي وَأَخْبرنِي أَيْضا

بِالْقَاهِرَةِ الْحَافِظ الْمُحدث عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي الْمُنْذِرِيّ عَن شَيْخه الْحَافِظ أبي الْحسن عَليّ ابْن الْمفضل الْمَقْدِسِي عَن الْحَافِظ بن عَسَاكِر قَالَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ حجَّة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين إِمَام أَئِمَّة الدّين من لم تَرَ الْعُيُون مثله لِسَانا وبيانا ونطقا وخاطرا وذكاء وطبعا شدا طرفا فِي صباه بطوس من الْفِقْه على الإِمَام أَحْمد الراذكاني ثمَّ قدم نيسابور مُخْتَلفا إِلَى درس أَمَام الْحَرَمَيْنِ فِي طَائِفَة من الشبَّان فِي طوس وجد واجتهد حَتَّى تخرج عَن مُدَّة قريبَة وبذ الأقران وَصَارَ أنظر أهل زَمَانه وَوَاحِد أقرانه فِي أَيَّام إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ الطّلبَة مستفيدين مِنْهُ ويدرس لَهُم ويرشدهم ويجتهد فِي نَفسه وَبلغ الْأَمر بِهِ إِلَى أَن أَخذ فِي التصنيف وَكَانَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي مَعَ علو دَرَجَته وسمو عِبَارَته وَسُرْعَة جريه فِي النُّطْق وَالْكَلَام لَا يصغي نظره إِلَى الْغَزالِيّ سترا لإنافته عَلَيْهِ فِي سرعَة الْعبارَة وَقُوَّة الطَّبْع وَلَا يطيب

لَهُ تصديه للتصانيف وَإِن كَانَ متخرجا بِهِ منتسبا إِلَيْهِ كَمَا لَا يخفى من طبع الْبشر وَلكنه يظْهر التبجح بِهِ والاعتداد بمكانه ظَاهرا خلاف مَا يضمره ثمَّ بَقِي كَذَلِك إِلَى انْقِضَاء أَيَّام الإِمَام فَخرج من نيسابور وَصَارَ إِلَى الْعَسْكَر واحتل من مجْلِس نظام الْملك مَحل الْقبُول وَأَقْبل عَلَيْهِ الصاحب لعلو دَرَجَته وَظُهُور اسْمه وَحسن مناظرته وجري عِبَارَته وَكَانَت تِلْكَ الحضرة محط رحال الْعلمَاء ومقصد الْأَئِمَّة والفصحاء فَوَقَعت للغزالي اتفاقات حَسَنَة من الاحتكاك بالأئمة وملاقاة الْخُصُوم ومناظرة الفحول ومبارزة الْكِبَار فَظهر اسْمه فِي الْآفَاق حَتَّى أدَّت الْحَال إِلَى أَن رسم الْمسير إِلَى بَغْدَاد للْقِيَام بتدريس الْمدرسَة الميمونة النظامية بهَا فَصَارَ إِلَيْهَا وأعجب الْكل بتدريسه ومناظرته وَمَا لَقِي مثل نَفسه وَصَارَ بعد إِمَامَة خُرَاسَان إِمَام الْعرَاق ثمَّ نظر فِي علم الْأُصُول وَكَانَ قد أحكمها فصنف فِيهَا تصانيف وجدد الْمَذْهَب فِي الْفِقْه فصنف فِيهِ تصانيف وسبك الْخلاف فحرر فِيهِ أَيْضا تصانيف وعلت

حشمته ودرجته فِي بَغْدَاد حَتَّى كَانَ يغلب حشمه الأكابر والأمراء وَدَار الْخلَافَة وانقلب الْأَمر من وَجه آخر وَظهر عَلَيْهِ بعد مطالعته للعلوم الدقيقة وممارسته الْكتب المصنفة فِيهَا وسلك طَرِيق التزهد والتأله وَترك الحشمة وَطرح مَا نَالَ من الدرجَة والاشتغال بِأَسْبَاب التَّقْوَى وَزَاد الْآخِرَة فَخرج عَمَّا كَانَ فِيهِ وَقصد بَيت الله تَعَالَى وَحج ثمَّ قصد الشَّام وَأقَام فِي تِلْكَ الديار قَرِيبا من عشر سِنِين يطوف ويزور الْمشَاهد المعظمة وَأخذ فِي التصانيف الْمَشْهُورَة الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا مثل إحْيَاء عُلُوم الدّين والكتب المختصرة مِنْهَا مثل الْأَرْبَعين وَغَيرهَا من الرسائل الَّتِي من تأملها علم مَحل الرجل من فنون الْعلم وَأخذ فِي مجاهدة النَّفس وتعمير الْأَخْلَاق وتحسين الشَّمَائِل وتهذيب المعاش فَانْقَلَبَ شَيْطَان الرعونة وَطلب الرِّئَاسَة والجاه والتخلق بالأخلاق الذميمة إِلَى سُكُون النَّفس وكرم الْأَخْلَاق والفراغ عَن الرسوم والتزينات والتزيي بزِي المصلحين وَقصر الأمل ووقف الْأَوْقَات على هِدَايَة الْخلق ودعائهم إِلَى مَا يعينهم من أَمر الْآخِرَة وتبغيض الدُّنْيَا والاشتغال بهَا عَن السالكين والاستعداد للرحيل إِلَى الدَّار الْبَاقِيَة والانقياد لكل من يتوسم فِيهِ أَو يشم مِنْهُ رَائِحَة الْمعرفَة والتيقظ لشَيْء من أنوار

الْمُشَاهدَة حَتَّى تمرن على ذَلِك ولان ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه لَازِما بَيته مشتغلا بالتفكر ملازما للْوَقْت مَقْصُودا نفيسا وذخرا للقلوب وَلكُل من يَقْصِدهُ وَيدخل عَلَيْهِ إِلَى أَن أَتَى على ذَلِك مُدَّة وَظَهَرت التصانيف وكتبت الْكتب وَلم تبد فِي أَيَّامه مناقضة لما كَانَ فِيهِ وَلَا اعْتِرَاض لأحد على مَا أَثَره حَتَّى انْتَهَت نوبَة الوزارة إِلَى الْأَجَل فَخر الْملك جمال الشُّهَدَاء تغمده الله برحمته وتزينت خُرَاسَان بحشمه ودولته وَقد سمع وَتحقّق مَكَانا للغزالي ودرجته وَكَمَال فَضله وحالته وصفاء عقيدته ونقاء سَرِيرَته فتبرك بِهِ وحضره وَسمع كَلَامه فاستدعى مِنْهُ أَلا تبقى أنفاسه وفوائده عقيمه لَا استفادة مِنْهَا وَلَا اقتباس من أنوارها وألح عَلَيْهِ كل الإلحاح وتشدد فِي الاقتراح إِلَى أَن أَجَابَهُ إِلَى الْخُرُوج وَحمل إِلَى نيسابور وَكَانَ اللَّيْث غَائِبا عَن عرينه وَالْأَمر خافيا فِي مَسْتُور قَضَاء الله ومكنونه فأشير عَلَيْهِ بالتدريس فِي الْمدرسَة الميمونه النظامية عمرها الله

فَلم يجد بدا من الإذعان للولاة وَنوى بِإِظْهَار مَا اشْتغل بِهِ هِدَايَة الشداة وإفادة القاصدين دون لرجوع إِلَى مَا انخلع عَنهُ وتجدد عزوفه عَن طلب الجاه ومماراة الأقران ومكابرة المعاندين وَكم قرع عَصَاهُ بِالْخِلَافِ والوقوع فِيهِ والطعن فِيمَا يذره ويأتيه والسعاية بِهِ والتشنيع عَلَيْهِ فَمَا تأثر بِهِ وَلَا اشْتغل بِجَوَاب الطاعنين وَلَا أظهر استيحاشا بغميزة المخلطين وَلَقَد زرته مرَارًا وَمَا كنت أجد من نَفسِي مَعَ مَا عهدته فِي سالف الزَّمَان عَلَيْهِ من الزعارة وإيحاش النَّاس وَالنَّظَر إِلَيْهِم إِلَّا بِعَين الازدراء وَالِاسْتِخْفَاف بهم كبرا وخيلاء واعتزازا بِمَا رزق من البسطة فِي النُّطْق والخاطر والعبارة وَطلب الجاه والعلو فِي الْمنزلَة ثمَّ إِنَّه صَار على الضِّدّ وتصفى عَن تِلْكَ الكدورات وَكنت أَظن أَنه متلفع بجلباب التَّكَلُّف متنمس بِمَا صَار إِلَيْهِ فتحققت بعد السبر والتنقير أَن الْأَمر على خلاف المظنون وَأَن الرجل أَفَاق بعد الْجُنُون وَحكى لنا فِي لَيَال فِي كَيْفيَّة أَحْوَاله من ابْتِدَاء مَا ظهر لَهُ

وسلوك طَرِيق الْعَالم وَغَلَبَة الْحَال عَلَيْهِ بعد بتحره فِي الْعُلُوم واستطالته على الْكل بِكَلَامِهِ والاستعداد الَّذِي خصّه الله بِهِ فِي تَحْصِيل أَنْوَاع الْعُلُوم وتمكنه من الْبَحْث وَالنَّظَر حَتَّى تبرم من الِاشْتِغَال بالعلوم الْعرية عَن الْمُعَامَلَة وتفكر فِي الْعَاقِبَة وَمَا يجدي وينفع فِي الْآخِرَة فَانْتَفع بِصُحْبَتِهِ الفارمذي وَأخذ مِنْهُ استفتاح الطَّرِيقَة وامتثل كل مَا كَانَ يُشِير عَلَيْهِ من الْقيام بوظائف الْعِبَادَات والإمعان فِي النَّوَافِل واستدامة الْأَذْكَار وَالْجد وَالِاجْتِهَاد طلبا للنجاة إِلَى أَن جَازَ تِلْكَ العقبات وتكلف تِلْكَ المشاق وَمَا تحصل على مَا كَانَ يطْلب من مَقْصُوده ثمَّ حكى أَنه رَاجع الْعُلُوم وخاض الْفُنُون وعاود الْجد وَالِاجْتِهَاد فِي كتب الْعُلُوم الدقيقة والتقى بأربابها حَتَّى

انْفَتح لَهُ أَبْوَابهَا وَبَقِي مُدَّة فِي الوقائع وتكافؤ الْأَدِلَّة وأطراف الْمسَائِل ثمَّ حكى أَنه فتح عَلَيْهِ بَاب من الْخَوْف بِحَيْثُ شغله عَن كل شَيْء وَحمله على الْإِعْرَاض عَمَّا سواهُ حَتَّى سهل ذَلِك وَسكن إِلَى أَن ارتاض كل الرياضة وَظَهَرت لَهُ الْحَقَائِق وَصَارَ مَا كُنَّا نظن بِهِ ناموسا وتخلقا طبعا وتحققا وَأَن ذَلِك أثر السَّعَادَة الْمقدرَة لَهُ من الله تَعَالَى ثمَّ سألناه عَن كَيْفيَّة رغبته فِي الْخُرُوج من بَيته وَالرُّجُوع إِلَى مَا دعِي إِلَيْهِ من أَمر نيسابور فَقَالَ معتذرا عَنهُ مَا كنت أجوز فِي ديني أَن أَقف عَن الدعْوَة وَمَنْفَعَة الطالبين بالإفادة وَقد حق عَليّ أَن أبوح بِالْحَقِّ وأنطق بِهِ وأدعو إِلَيْهِ وَكَانَ صَادِقا فِي ذَلِك ثمَّ ترك ذَلِك قبل أَن يتْرك وَعَاد إِلَى بَيته وَاتخذ فِي جواره مدرسة لطلبة الْعلم وخانقاه للصوفية وَكَانَ قد وزع أوقاته على وظائف الْحَاضِرين من ختم لِلْقُرْآنِ ومجالسة أهل الْقُلُوب وَالْقعُود للتدريس بِحَيْثُ لَا تَخْلُو لَحْظَة من لحظاته ولحظات من مَعَه من فَائِدَة إِلَى أَن أَصَابَهُ عين الزَّمَان وضن الْأَيَّام بِهِ عَن أهل عصره فنقله الله تَعَالَى إِلَى كريم جواره بعد مقاساة أَنْوَاع من الْقَصْد والمناوأة من الْخُصُوم وَالسَّعْي بِهِ إِلَى الْمُلُوك وكفاية الله تَعَالَى وَحفظه وصيانته عَن أَن تنوشه أَيدي النكبات أَو ينهتك ستر دينه بِشَيْء من الزلات وَكَانَت خَاتِمَة أمره إقباله على حَدِيث الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومطالعة الصَّحِيحَيْنِ

للْبُخَارِيّ وَمُسلم اللَّذين هما حجَّة الْإِسْلَام وَلَو عَاشَ لبز الْكل فيذلك الْفَنّ بِيَسِير من الْأَيَّام يستفرغه فِي تَحْصِيله وَلَا شكّ أَنه سمع الْأَحَادِيث فِي الْأَيَّام الْمَاضِيَة واشتغل فِي آخر عمره بسماعها وَلم تتفق لَهُ الرِّوَايَة وَلَا ضَرَر فَمَا خَلفه من الْكتب المصنفة فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَسَائِر الْأَنْوَاع يخلد ذكره ويقرر عَنهُ المطالعين المصنفين المستفيدين مِنْهَا أَنه لم يخلف مِثَاله بعده وَمضى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى يَوْم الِاثْنَيْنِ الرَّابِع عشر من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخَمْسمِائة وَدفن بِظَاهِر قَصَبَة طَابَ ران وَالله تَعَالَى يَخُصُّهُ بأنواع الْكَرَامَة فِي أَخَّرته كَمَا خصّه بفنون الْعلم فِي دُنْيَاهُ بمنه وَلم يعقب إِلَّا الْبَنَات وَكَانَ لَهُ من الْأَسْبَاب إِرْثا وكسبا مَا يقوم بكفايته وَنَفَقَة أَهله وَأَوْلَاده فَمَا كَانَ يباسط أحدا فِي الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة وَقد عرضت عَلَيْهِ الْأَمْوَال فَمَا قبلهَا وَأعْرض عَنْهَا وَاكْتفى بِالْقدرِ الَّذِي يصون بِهِ دينه وَلَا يحْتَاج مَعَه إِلَى التَّعَرُّض لسؤال من غَيره قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقى الله حَيَاته وَأما نسبته إِلَى الغزال الْغَزالِيّ فعلى عَادَة أهل خوارزم وجرجان فَإِنَّهُم

ينسبون إِلَى الغزال الْغَزالِيّ وَإِلَى الْقصار القصاري كَذَا ذكر الشَّيْخ الْفَقِيه شمس الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خلكان فِي تَارِيخه وَقَالَ عَن السَّمْعَانِيّ وَقيل إِنَّه غزالي بِالتَّخْفِيفِ وَهَذِه النِّسْبَة إِلَى غزالة وَهِي قَرْيَة من قرى طوس من أَعمال خُرَاسَان قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس وَذكر ابْن خلكان أَن الإِمَام أَبَا حَامِد ولد سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة وَأَنه توفّي كَمَا ذكرنَا سنة خمس وَخَمْسمِائة 5 - أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَأما الإِمَام أَبُو

الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ النَّيْسَابُورِي فَهُوَ على مَا ذكره الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر بسندي الْمُتَقَدّم عَنهُ قَالَ عبد الْملك بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ أَبُو الْمَعَالِي ابْن ركن الْإِسْلَام أبي مُحَمَّد إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَخر الْإِسْلَام إِمَام الْأَئِمَّة على الْإِطْلَاق حبر الشَّرِيعَة الْمجمع على إِمَامَته شرقا وغربا الْمقر بفضله السراة والحداة عجما وعربا من لم تَرَ الْعُيُون مثله قبله وَلَا ترى بعده رباه حجر الْإِمَامَة وحرك ساعد السَّعَادَة مهده وأرضعه ثدي الْعلم والورع إِلَى أَن ترعرع فِيهِ ويفع أَخذ من الْعَرَبيَّة وَمَا يتَعَلَّق بهَا أوفر حَظّ وَنصِيب فَزَاد فِيهَا على كل أديب ورزق من التَّوَسُّع فِي الْعبارَة وعلوها مَا لم يعْهَد من غَيره حَتَّى أنسى بذلك سحبان وفَاق فِيهَا الأقران وَحَملَة الْقُرْآن وأعجز الفصحاء اللد وَجَاوَزَ الْوَصْف وَالْحَد وكل من سمع خَبره أَو رأى أَثَره فَإِذا شَاهد أقرّ بِأَن خَبره يزِيد كثيرا على الْخَبَر ويمر على مَا عهد من الْأَثر وَكَانَ يذكر دروسا يَقع كل وَاحِد مِنْهَا فِي أطباق وأوراق لَا يتلعثم فِي كلمة وَلَا يحْتَاج

إِلَى اسْتِدْرَاك عَثْرَة مرا فِيهَا كالبرق الخاطف بِصَوْت مُطَابق كالرعد القاصف ينزف فِيهِ المبرزون وَلَا يدْرك شأوه المتشدقون المتفيهقون وَمَا يُوجد مِنْهُ فِي كتبه من الْعبارَات الْبَالِغَة كنه الفصاحة غيض من فيض مَا كَانَ على لِسَانه وغرفة من أمواج مَا كَانَ يعْهَد من بَيناهُ فتفقه فِي صباه على وَالِده ركن الْإِسْلَام فَكَانَ يرضى بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وكياسة غريزته لما يرى فِيهِ من المخايل فخلفه فِيهِ من بعد وَفَاته وأتى على جَمِيع مصنفاته يقلبها ظهرا لبطن وَتصرف فِيهَا وَخرج الْمسَائِل بَعْضهَا على بعض ودرس سِنِين وَلم يرض فِي شبابه بتقليد وَالِده وَأَصْحَابه حَتَّى أَخذ فِي التَّحْقِيق وجد واجتهد فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف ومجالس النّظر حَتَّى ظَهرت نجابته ولاحت عَلَيْهِ مخايل أَبِيه وفراسته وسلك طَرِيق المباحثة وَجمع الطّرق بالمطالعة والمناظرة والمنافثة حَتَّى أربى على الْمُتَقَدِّمين وأنسى تَصَرُّفَات الْأَوَّلين وسعى فِي دين الله سعيا يبْقى أَثَره إِلَى يَوْم الدّين وَمن ابْتِدَاء أمره أَنه لما توفّي أَبوهُ كَانَ سنة دون الْعشْرين أَو قَرِيبا مِنْهُ فَأقْعدَ مَكَانَهُ للتدريس فَكَانَ يُقيم الرَّسْم فِي

درسه وَيقوم مِنْهُ وَيخرج إِلَى مدرسة الْبَيْهَقِيّ حَتَّى حصل الْأُصُول وأصول الْفِقْه على الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي الْقَاسِم الإسكاف الإسفرايني وَكَانَ مواظبا على مَجْلِسه وَقد سمعته يَقُول فِي أثْنَاء كَلَامه كنت علقت عَلَيْهِ فِي الْأُصُول أَجزَاء مَعْدُودَة وطالعت فِي نَفسِي مائَة مُجَلد وَكَانَ يصل اللَّيْل بِالنَّهَارِ فِي التَّحْصِيل حَتَّى فرغ مِنْهُ ويبكر كل يَوْم قبل الِاشْتِغَال بدرس نَفسه إِلَى مَسْجِد الْأُسْتَاذ أبي عبد الله الْخَبَّازِي يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن ويقتبس من كل نوع من الْعُلُوم مَا يُمكنهُ من مواظبته على التدريس وَينْفق مَا وَرثهُ وَمَا كَانَ لَهُ من الدخل على إِجْرَاء المتفقهة ويجتهد فِي ذَلِك ويواظب على المناظرة إِلَى أَن ظهر التعصب بَين الْفَرِيقَيْنِ واضطربت الْأَحْوَال والأمور فاضطر إِلَى السّفر وَالْخُرُوج عَن الْبَلَد فَخرج مَعَ الْمَشَايِخ إِلَى الْعَسْكَر وَخرج إِلَى بَغْدَاد يطوف مَعَ الْعَسْكَر ويلتقي بالأكابر من الْعلمَاء ويدارسهم ويناظرهم

حَتَّى تهذب فِي النّظر وشاع ذكره ثمَّ خرج إِلَى الْحجاز وجاور بِمَكَّة أَربع سِنِين يدرس ويفتي وَيجمع طرق الْمَذْهَب وَيقبل على التَّحْصِيل إِلَى أَن اتّفق رُجُوعه بعد مُضِيّ نوبَة التعصب فَعَاد إِلَى نيسابور وَقد ظهر نوبَة ولَايَة السُّلْطَان ألب أرسلان وتزين وَجه الْملك بِإِشَارَة نظام الْملك واستقرت أُمُور الْفَرِيقَيْنِ وَانْقطع التعصب فَعَاد إِلَى التدريس وَكَانَ بَالغا فِي الْعلم نهايته مستجمعا أَسبَابه فبنيت الْمدرسَة الميمونة النظامية وأقعد للتدريس فِيهَا واستقامت أُمُور الطّلبَة وَبَقِي على ذَلِك قَرِيبا من ثَلَاثِينَ سنة غير مُزَاحم وَلَا مدافع مُسلم لَهُ الْمِحْرَاب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس التَّذْكِير يَوْم الْجُمُعَة والمناظرة وهجرت لَهُ الْمجَالِس وانغمر غَيره من الْفُقَهَاء بِعِلْمِهِ وتسلطه وكسدت الْأَسْوَاق فِي جنبه ونفق سوق الْمُحَقِّقين من خواصه وتلامذته وَظَهَرت تصانيفه وَحضر درسه الأكابر وَالْجمع الْعَظِيم من الطّلبَة وَكَانَ يقْعد بَين يَدَيْهِ كل يَوْم نَحْو من ثَلَاثمِائَة رجل من الْأَئِمَّة وَمن الطّلبَة وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة والفحول وَأَوْلَاد الصُّدُور حَتَّى بلغُوا مَحل التدريس فِي زَمَانه وانتظم بإقباله على الْعلم ومواظبته على التدريس والمناظرة والمباحثة أَسبَاب ومخايل ومجامع وإمعان فِي طلب الْعلم وسوق نافقة لأَهله لم تعهد قبله واتصل بِهِ مَا يَلِيق بمنصبه من الْقبُول عِنْد السُّلْطَان والوزير والأركان ووقور الحشمة عِنْدهم بِحَيْثُ لَا يذكر غَيره فَكَانَ

الْمُخَاطب والمشار إِلَيْهِ فالمقبول من قبله والمهجور من هجره والمصدر فِي الْمجَالِس من ينتمي إِلَى خدمته والمنظور أليه من يغترف فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع من طَرِيقَته وَاتفقَ مِنْهُ تصانيف برسم الحضرة النظامية مثل النظامي والغياثي وإنفاذها إِلَى الحضرة ووقوعها موقع الْقبُول ومقابلتها بِمَا يَلِيق بهَا من الشُّكْر وَالرِّضَا وَالْخلْع الفائقة والمراكب الثمينة والهدايا والمرسومات وَكَذَلِكَ إِلَى أَن قلد زعامة الْأَصْحَاب ورياسة الطَّائِفَة وفوض أليه أُمُور الْأَوْقَاف وَصَارَت حشمته وزر الْعلمَاء وَالْأَئِمَّة والقضاة وَقَوله فِي الْفَتْوَى مرجع العظماء والأكابر والولاة واتفقت لَهُ نهضة فِي أَعلَى مَا كَانَ من أَيَّامه إِلَى أَصْبَهَان بِسَبَب مُخَالفَة بعض من الْأَصْحَاب فلقي بهَا من الْمجْلس النظامي مَا كَانَ اللَّائِق بمنصبه من الاستبشار والإعزاز وَالْإِكْرَام بأنواع المبار وَأجِيب بِمَا كَانَ فَوق مَطْلُوبه وَعَاد مكرما إِلَى نيسابور وَصَارَ أَكثر عنايته مصروفا إِلَى تصانيف الْمَذْهَب الْكَبِير الْمُسَمّى ب نِهَايَة الْمطلب فِي دراية الْمَذْهَب حَتَّى حَرَّره وأملاه وأتى فِيهِ من الْبَحْث والتقرير والسبك والتنقير والتدقيق وَالتَّحْقِيق بِمَا شفى الغليل وأوضح السَّبِيل وَنبهَ على

قدره وَمحله فِي علم الشَّرِيعَة ودرس ذَلِك للخواص من التلامذة وَفرغ مِنْهُ وَمن إِتْمَامه فعقد مَجْلِسا لتتمة الْكتاب حَضَره الْأَئِمَّة والكبار وَختم الْكتاب على رسم الْإِمْلَاء والاستملاء وتبجح الْجَمَاعَة بذلك ودعوا لَهُ وأثنوا عَلَيْهِ فَمَا صنف فِي الْإِسْلَام قبله مثله وَلَا اتّفق لأحد مَا اتّفق لَهُ وَمن قَاس طَرِيقَته بطريقة الْمُتَقَدِّمين فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وأنصف أقرّ بعلو منصبه ووفور تَعبه ونصبه فِي الدّين وَكَثْرَة سهره فِي استنباط الغوامض وَتَحْقِيق الْمسَائِل وترتيب الدَّلَائِل قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الإِمَام الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر لقد قَرَأت فصلا ذكره عَليّ بن الْحسن بن أبي الطّيب فِي كتاب دمية الْقصر مُشْتَمِلًا على حَاله وَهُوَ فقد كَانَ فِي عصر الشَّبَاب غير مُسْتَكْمل مَا عهدناه عَلَيْهِ من اتساق الْأَسْبَاب فَتى الفتيان وَمن أَنْجَب بِهِ الفتيان وَلم يخرج مثله المفتيان عنيت النُّعْمَان بن ثَابت وَمُحَمّد بن

إِدْرِيس فالفقه فقه الشَّافِعِي وَالْأَدب أدب الْأَصْمَعِي وَحسن بَصَره بالموعظ لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ وَكَيف مَا هُوَ فَهُوَ إِمَام كل إِمَام والمستعلي بهمته على كل همام والفائز بالظفر على إرغام كل ضرغام إِذا تصدر للفقه فالمزني من مزنته قَطْرَة وَإِذا تكلم فالأشعري من وفرته شَعْرَة وَإِذا خطب ألْجم الفصحاء بالعي شقاشقه الهادرة ولثم البلغاء بِالصَّمْتِ حقائقه البادرة وَلَوْلَا سَده مَكَان أَبِيه بسده الَّذِي أفرغ على قَطْرَة قطر تأبيه لأصبح مَذْهَب الحَدِيث حَدِيثا وَلم يجد المستغيث مِنْهُم مغيثا قَالَ أَبُو الْحسن هَذَا وَهُوَ وَحقّ الْحق فَوق مَا ذكره وَأَعْلَى مِمَّا وَصفه فكم فصل مُشْتَمل على الْعبارَات الفصيحة الْعَالِيَة فِي المحافل مِنْهُ سمعناه وَكم من مسَائِل فِي النّظر شهدناه ورأينا مِنْهُ إفحام الْخُصُوم وحمدناه وَكم من مجْلِس فِي التَّذَكُّر للعوام مسلسل الْمسَائِل مشحون بالنكت المستنبطة من مسَائِل الْفِقْه مُشْتَمِلَة على حقائق الْأُصُول مبكية فِي التحذير مفرحة فِي التبشير مختومة بالدعوات وفنون الْمُنَاجَاة حضرناه وَكم من مجْلِس للتدريس حاو للكبار من الْأَئِمَّة وإلقاء

الْمسَائِل عَلَيْهِم والمباحثة فِي غورها رَأَيْنَاهُ وحصلنا بعض مَا أمكننا مِنْهُ وعلقناه وَلم نقدر مَا كُنَّا فِيهِ من نَضرة أَيَّامه وزهرة شهوره وأعوامه حق قدره وَلم نشكر الله تَعَالَى عَلَيْهِ حق شكره حَتَّى فقدناه وسلبناه وسمعته يَقُول فِي أثْنَاء كَلَام أَنا لَا أَنَام وَلَا آكل عَادَة وَإِنَّمَا أَنَام إِذا غلبني النّوم لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا وآكل إِذا اشْتهيت الطَّعَام أَي وَقت كَانَ وَكَانَ لذته ولهوه وتنزهه فِي مذاكرة الْعلم وَطلب الْفَائِدَة من أَي نوع كَانَ وَلَقَد سَمِعت الشَّيْخ أَبَا الْحسن عَليّ بن فضال بن عَليّ الْمُجَاشِعِي النَّحْوِيّ القادم علينا سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة يَقُول وَقد قبله الإِمَام فَخر الْإِسْلَام وقابله بالإكرام وَأخذ فِي قِرَاءَة النَّحْو عَلَيْهِ والتلمذة لَهُ بعد أَن كَانَ إِمَام الْأَئِمَّة فِي وقته وَكَانَ يحملهُ فِي كل يَوْم إِلَى دَاره وَيقْرَأ عَلَيْهِ كتاب إكسير الذَّهَب فِي صناعَة الْأَدَب من تصنيفه فَكَانَ يَحْكِي يَوْمًا وَيَقُول مَا رَأَيْت عَاشِقًا للْعلم أَي نوع كَانَ مثل هَذَا الإِمَام فَإِنَّهُ يطْلب الْعلم للْعلم وَكَانَ كَذَلِك

وَمن حيمد سيرته أَنه مَا كَانَ يستصغر أحدا حَتَّى يسمع كَلَامه شاديا كَانَ أَو متناهيا فَإِن أصَاب كياسة فِي طبع أَو جرى على منهاج الْحَقِيقَة اسْتَفَادَ مِنْهُ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا وَلَا يستنكف عَن أَن يعزي الْفَائِدَة المستفادة إِلَى قَائِلهَا وَيَقُول إِن هَذِه الْفَائِدَة مِمَّا استفدته من فلَان وَلَا يحابي أَيْضا فِي التزييف إِذا لم يرض كلَاما وَلم كَانَ أَبَاهُ أَو أحدا من الْأَئِمَّة الْمَشْهُورين وَكَانَ من التَّوَاضُع لكل أحد بِمحل يتخيل مِنْهُ الِاسْتِهْزَاء لمبالغته فِيهِ وَمن رقة الْقلب بِحَيْثُ يبكي إِذا سمع بَيْتا أَو تفكر فِي نَفسه سَاعَة وَإِذا شرع فِي حِكَايَة الْأَحْوَال وخاض فِي عُلُوم الصُّوفِيَّة فِي فُصُول مجالسه بالغدوات أبكى الْحَاضِرين ببكائه وقطر الدِّمَاء من الجفون بزعقاته ونعراته وإشاراته لاحتراقة فِي نَفسه وتحققه بِمَا يجْرِي من دقائق الْأَسْرَار هَذِه الْجُمْلَة نبذ مِمَّا عهدناه مِنْهُ إِلَى انْتِهَاء أَجله فأدركه قَضَاء الله الَّذِي لَا بُد مِنْهُ بَعْدَمَا مرض قبل ذَلِك مرض اليرقان وَبَقِي فِيهِ أَيَّامًا ثمَّ برأَ مِنْهُ وَعَاد إِلَى الدَّرْس والمجلس وَأظْهر النَّاس من الْخَواص والعوام السرُور بِصِحَّتِهِ وإبلاله من علته فَبعد ذَلِك بِعَهْد قريب مرض المرضة الَّتِي كَانَت تَدور فِي طبعه إِلَى أَن ضعف وَحمل إِلَى بشتنقان لاعتدال الْهَوَاء

وخفة المَاء فَزَاد الضعْف وبدت مخايل الْمَوْت وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بعد صَلَاة الْعَتَمَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر من سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَنقل فِي اللَّيْلَة إِلَى الْبَلَد وَقَامَ الصياح من كل جَانب وجزع الْفرق عَلَيْهِ جزعا لم يعْهَد مثله وَحمل بَين الصَّلَاتَيْنِ من يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى ميدان الْحُسَيْن وَلم تفتح الْأَبْوَاب فِي الْبَلَد وَوضعت المناديل عَن الرُّءُوس عَاما بِحَيْثُ مَا اجترأ أحد على ستر رَأسه من الرُّءُوس والكبار وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الإِمَام أَبُو الْقَاسِم بعد جهد جهيد حَتَّى حمل إِلَى دَاره من شدَّة الزحمة وَقت التطفيل وَدفن فِي دَاره وَبعد سِنِين نقل إِلَى مَقْبرَة الْحُسَيْن وَكسر منبره فِي الْجَامِع المنيعي وَقعد النَّاس للعزاء أَيَّامًا عزاء عَاما وَأكْثر الشُّعَرَاء المراثي فِيهِ وَكَانَ الطّلبَة قَرِيبا من أَرْبَعمِائَة نفر يطوفون فِي الْبَلَد نائحين عَلَيْهِ مكسرين المحابر والأقلام مبالغين فِي الصياح والجزع وَكَانَ مولده ثامن عشر الْمحرم سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن تسع وَخمسين سنة رَحمَه الله سمع الحَدِيث الْكثير فِي صباه من مَشَايِخ مثل الشَّيْخ أبي حسان وَأبي سعيد بن عَلَيْك وَأبي سعيد النضروي وَمَنْصُور بن

رامش وَجمع لَهُ كتاب الْأَرْبَعين فسمعناه مِنْهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَقد سمع سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من أبي سعيد بن عَلَيْك وَكَانَ يعْتَمد تِلْكَ الْأَحَادِيث فِي مسَائِل الْخلاف وَيذكر الْجرْح وَالتَّعْدِيل مِنْهَا فِي الروَاة وظني أَن آثَار جده واجتهاده فِي دين الله تَعَالَى تدوم إِلَى قيام السَّاعَة وَإِن انْقَطع نَسْله من جِهَة الذُّكُور ظَاهرا فنشر علمه يقوم مقَام كل نسب ويغنيه عَن كل نشب مكتسب وَالله تَعَالَى يسْقِي فِي كل لَحْظَة جَدِيدَة تِلْكَ الرَّوْضَة الشَّرِيفَة عزالى إِلَى رَحمته وَيزِيد فِي ألطافه وكرامته بفضله ومنته إِنَّه ولي كل خير وَمِمَّا قيل عِنْد وَفَاته (قُلُوب الْعَالمين على المقالي ... وَأَيَّام الورى شبه اللَّيَالِي) (أيثمر غُصْن أهل الْفضل يَوْمًا ... وَقد مَاتَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي) 6 - أَبُو الْقَاسِم الإسفرايني وَأما الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الإسفرايني شيخ الإِمَام أبي الْمَعَالِي فَهُوَ على مَا ذكره الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم فِيهِ قَالَ

عبد الْجَبَّار بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حسكان الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم الْمُتَكَلّم الإسفرايني الْأَصَم الْمَعْرُوف بالإسكاف شيخ كَبِير جليل من أفاضل الْعَصْر ورءوس الْفُقَهَاء والمتكلمين من أَصْحَاب الْأَشْعَرِيّ إِمَام دويرة الْبَيْهَقِيّ لَهُ اللِّسَان فِي النّظر والتدريس والقدم فِي الْفَتْوَى مَعَ لُزُوم طَريقَة السّلف من الزّهْد والفقر والورع كَانَ عديم النظير فِي وقته مَا رئي مثله قَرَأَ عَلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْأُصُول وَتخرج بطريقته عَاشَ عَالما عَاملا وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن وَالْعِشْرين من صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة 7 - أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَأخذ أَيْضا إِمَام

الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي عَن وَالِده الإِمَام أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَهُوَ على مَا أخبرنَا بِهِ الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام الدِّمَشْقِي عَن شَيْخه الْحَافِظ أبي مُحَمَّد الْقَاسِم عَن وَالِده الإِمَام الْحَافِظ مُحدث الشَّام أبي الْقَاسِم عَليّ بن الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن عَسَاكِر قَالَ كتب إِلَيّ الشَّيْخ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي قَالَ عبد الله بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن حيوية الْجُوَيْنِيّ ثمَّ النَّيْسَابُورِي أَبُو مُحَمَّد الإِمَام ركن الْإِسْلَام الْفَقِيه الأصولي الأديب النَّحْوِيّ الْمُفَسّر أوحد زَمَانه تخرج بِهِ جمَاعَة من أَئِمَّة الْإِسْلَام وَكَانَ لصلابة ديانته مهيبا مُحْتَرما بَين التلامذة وَلَا يجْرِي بَين يَدَيْهِ إِلَّا الْجد والحث والتحريض على التَّحْصِيل لَهُ فِي الْفِقْه تصانيف كَثِيرَة الْفَوَائِد مثل التَّبْصِرَة والتذكرة ومختصر الْمُخْتَصر وَله التَّفْسِير الْكَبِير الْمُشْتَمل على عشر ة أَنْوَاع فِي كل آيَة توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَلم يخلف مثله فِي استجماعه وَسمعت خَالِي الإِمَام أَبَا سعيد يَعْنِي عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم الْقشيرِي يَقُول كَانَ أَئِمَّتنَا فِي عصره والمحققون من أَصْحَابنَا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ من الْكَمَال وَالْفضل والخصال

الحميدة أَنه لَو جَازَ أَن يبْعَث الله تَعَالَى نَبيا لما كَانَ إِلَّا هُوَ من حسن طَرِيقَته وزهده وورعه وديانته فِي كَمَال فَضله 8 - أَبُو بكر الباقلاني وَأما القَاضِي أَبُو بكر بن الطّيب الباقلاني فَهُوَ على مَا أخبرنَا بِهِ شَيخنَا الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام بِالْقَاهِرَةِ عَن شَيْخه الْحَافِظ بهاء الدّين أبي مُحَمَّد عَن وَالِده الإِمَام الْحَافِظ أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَخْبرنِي بِالْقَاهِرَةِ أَيْضا شَيخنَا الْحَافِظ الْمُحدث زكي الدّين بن عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي الْمُنْذِرِيّ عَن شَيْخه الْحَافِظ أبي الْحسن عَليّ بن الْمفضل الْمَقْدِسِي عَن الْحَافِظ الإِمَام أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عَليّ بن أَحْمد بن مَنْصُور الغساني الْفَقِيه وَأَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن

عبد الْملك بن خيرون قَالَا قَالَ لنا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب وَأَخْبرنِي بِدِمَشْق شَيخنَا شرف الدّين أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن الأرملي وَشَيخنَا الإِمَام الْعَالم علم الدّين الْقَاسِم بن أَحْمد بن الْمُوفق اللوري وبمصر الشَّيْخ الْفَقِيه الْجَلِيل الْمُحدث الصَّالح أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى بن عَليّ بن عبد الله الْقرشِي الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بالرشيد الْعَطَّار كلهم عَن الشَّيْخ الإِمَام أبي الْيمن زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ عَن أبي مَنْصُور الشَّيْبَانِيّ عَن الْحَافِظ أبي بكر الْخَطِيب وَأَخْبرنِي شَيخنَا شرف الدّين أَيْضا عَن شَيْخه أبي الطَّاهِر بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الخشوعي عَن أبي مُحَمَّد هبة الله بن الْأَكْفَانِيِّ عَن الْحَافِظ أبي بكر الْخَطِيب وَأَخْبرنِي أَيْضا بإسكندرية الشَّيْخ الْفَقِيه الراوية المعمر الْعَلامَة أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن مكي الإسكندري سبط الإِمَام الْحَافِظ السلَفِي عَن الْحَافِظ الإِمَام أبي الطَّاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد السلَفِي قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس كل مَا أحدث بِهِ عَن الْحَافِظ أبي بكر الْخَطِيب فبهذه الْأَسَانِيد وَلَا أحتاج إِلَى ذكرهَا لِئَلَّا يطول الْكتاب قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب مُحَمَّد بن الطّيب بن

مُحَمَّد أَبُو بكر القَاضِي الْمَعْرُوف بِابْن الباقلاني الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ من أهل الْبَصْرَة سكن بَغْدَاد وَسمع بهَا الحَدِيث من أبي بكر بن مَالك وَأبي مُحَمَّد بن ماسي وَأبي أَحْمد الْحُسَيْن بن عَليّ النَّيْسَابُورِي خرج لَهُ مُحَمَّد بن أبي الفوارس يَعْنِي الْحَنْبَلِيّ وَحدثنَا عَنهُ القَاضِي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد السماني وَكَانَ ثِقَة فَأَما علم الْكَلَام فَكَانَ أعرف النَّاس بِهِ وَأَحْسَنهمْ خاطرا وأجودهم لِسَانا وأوضحهم بَيَانا وأصحهم عبارَة وَله التصانيف الْكَثِيرَة المنتشرة فِي الرَّد على الْمُخَالفين من الرافضة والمعتزلة والجهمية والخوارج وَغَيرهم وَحدثنَا أَن ابْن الْمعلم شيخ الرافضة ومتكلمها حضر بعض مجَالِس النّظر مَعَ أَصْحَاب لَهُ إِذْ أقبل الشَّيْخ القَاضِي أَبُو بكر الْأَشْعَرِيّ فَالْتَفت ابْن الْمعلم إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ لَهُم قد جَاءَكُم الشَّيْطَان فَسمع القَاضِي كَلَامه وَكَانَ بَعيدا من الْقَوْم فَلَمَّا جلس أقبل على ابْن الْمعلم وَأَصْحَابه وَقَالَ لَهُم قَالَ الله تَعَالَى {أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزا} مَرْيَم 83 أَي إِن كنت شَيْطَانا فَأنْتم كفار وَقد أرْسلت عَلَيْكُم

قَالَ أَبُو بكر ابْن ثَابت حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن بن أبي عُثْمَان الدقاق وَغَيره أَن الْملك الملقب بعضد الدولة كَانَ قد بعث القَاضِي أَبَا بكر بن الباقلاني فِي رِسَالَة إِلَى ملك الرّوم فَلَمَّا ورد مدينته عرف الْملك خَبره وَبَين لَهُ مَحَله من الْعلم وموضعه فافكر الْملك فِي أمره وَعلم أَنه لَا يكفر لَهُ إِذا دخل عَلَيْهِ كَمَا جرى رسم الرّعية أَن تقبل الأَرْض بَين يَدي الْملك ثمَّ نتجت لَهُ الفكرة أَن يضع سَرِيره الَّذِي يجلس عَلَيْهِ وَرَاء بَاب لطيف لَا يُمكن أحد ان يدْخل مِنْهُ إِلَّا رَاكِعا ليدْخل القَاضِي مِنْهُ على تِلْكَ الْحَال فَيكون عوضا من تكفيره بَين يَدَيْهِ فَلَمَّا وضع سَرِيره فِي ذَلِك الْموضع أَمر بِإِدْخَال القَاضِي من الْبَاب فَسَار حَتَّى وصل إِلَى لمَكَان فَلَمَّا رَآهُ تفكر فِيهِ ثمَّ فطن بالقصة فأدار ظَهره وحنى رَأسه رَاكِعا وَدخل من الْبَاب وَهُوَ يمشي إِلَى خَلفه وَقد اسْتقْبل الْملك بدبره حَتَّى صَار بَين يَدَيْهِ ثمَّ رفع رَأسه وَنصب ظَهره وأدار وَجهه حِينَئِذٍ إِلَى الْملك فَعجب من فطنته وَوَقعت لَهُ الهيبة فِي نَفسه وَقَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر أَخْبرنِي الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم بن

نصر بن عَليّ فِي كِتَابه إِلَيّ عَن القَاضِي أبي الْمَعَالِي عزيزي بن عبد الْملك قَالَ وَقيل إِنَّه دخل إِلَيْهِ يَوْمًا فَرَأى عِنْده بعض بطارقته ورهبانيته فَقَالَ لَهُ مستهزئا بِهِ كَيفَ أَنْت وَكَيف الْأَهْل وَالْأَوْلَاد فتعجب الرُّومِي مِنْهُ وَقَالَ لَهُ ذكر من أرسلك فِي كتاب الرسَالَة أَنَّك لِسَان الْأمة ومتقدم على عُلَمَاء الْملَّة أما علمت أَنا ننزه هَؤُلَاءِ عَن الْأَهْل وَالْأَوْلَاد فَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر أَنْتُم لَا تنزهون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن الْأَهْل وَالْأَوْلَاد وتنزهونهم فَكَأَن هَؤُلَاءِ عنْدكُمْ أقدس وَأجل وَأَعْلَى من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَوَقَعت هيبته فِي نفس الرُّومِي قَالَ الْحَافِظ الإِمَام ابْن عَسَاكِر وَبَلغنِي أَن طاغية الرّوم قَالَ لَهُ وَقصد توبيخه أَخْبرنِي عَن قصَّة عَائِشَة زوج نَبِيكُم وَمَا قيل فِيهَا فَقَالَ لَهُ القَاضِي أَبُو بكر هما اثْنَتَانِ قيل فيهمَا مَا قيل وزج نَبينَا وَمَرْيَم بنت عمرَان فَأَما زوج نَبينَا فَلم تَلد وَأما مَرْيَم فَجَاءَت بِولد تحمله على كتفها وكل قد برأها الله تَعَالَى مِمَّا رميت بِهِ وَانْقطع الطاغية وَلم يحر جَوَابا قَالَ الإِمَام مُحدث الشَّام أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وأنبأني

أَبُو الْقَاسِم الْوَاعِظ عَن القَاضِي أبي الْمَعَالِي عزيزي بن عبد الْملك أَيْضا قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا الْقَاسِم بن برهَان النَّحْوِيّ يَقُول من سمع مناظرة القَاضِي أبي بكر لم يستلذ بعْدهَا بِكَلَام أحد من الْمُتَكَلِّمين وَالْفُقَهَاء والخطباء والمترسلين وَلَا الأغاني أَيْضا من طيب كَلَامه وفصاحته وَحسن نظامه وإشارته لَهُ التصانيف الْكَثِيرَة فِي الرَّد على الْمُخَالفين من الْمُعْتَزلَة والرافضة والخوراج والمرجئة والمشبهة والحشوية وَذكر الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب أَنه قَالَ سَمِعت أَبَا الْفرج مُحَمَّد بن عمرَان الْخلال يَقُول كَانَ ورد القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن الطّيب فِي كل لَيْلَة عشْرين ترويحة مَا تَركه فِي حضر وَلَا سفر قَالَ وَكَانَ كل لَيْلَة إِذا صلى الْعشَاء وَقضى ورده وضع الدواة بَين يَدَيْهِ وَكتب خمْسا وَثَلَاثِينَ ورقة تصنيفا من حفظه وَكَانَ يذكر أَن كتبه بالمداد أسهل عَلَيْهِ من الْكتاب بالحبر وَإِذا صلى الْفجْر دفع إِلَى بعض أَصْحَابه مَا صنفه فِي ليلته وَأمره بقرَاءَته عَلَيْهِ وأملى عَلَيْهِ الزِّيَادَة فِيهِ

قَالَ أَبُو الْفرج وَسمعت أَبَا بكر الْخَوَارِزْمِيّ يَقُول كَانَ مُصَنف بِبَغْدَاد إِنَّمَا ينْقل من كتب النَّاس إِلَى تصانيفه سوى القَاضِي أبي بكر فَإِن صَدره يحوي علمه وَعلم النَّاس قَالَ أَبُو بكر بن الْخَطِيب نَا عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن الْحَرْبِيّ الْمَالِكِي قَالَ كَانَ القَاضِي أَبُو بكر الْأَشْعَرِيّ يهم بِأَن يختصر مَا يصنفه فَلَا يقدر على ذَلِك لسعة علمه وَكَثْرَة حفظه قَالَ وَمَا صنف أحد خلافًا إِلَّا احْتَاجَ أَن يطالع كتب الْمُخَالفين غير القَاضِي أبي بكر فَإِن جَمِيع مَا كَانَ يذكر خلاف النَّاس فِيهِ صنفه من حفظه قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب وحَدثني القَاضِي أَبُو حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي عَمْرو الاستوائي قَالَ كَانَ أَبُو مُحَمَّد عبد الْبَاقِي يَقُول لَو أوصى رجل بِثلث مَاله أَن يدْفع إِلَى أفْصح النَّاس لوَجَبَ أَن يدْفع إِلَى أبي بكر الْأَشْعَرِيّ وَقَالَ مُحدث الشَّام الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر أَخْبرنِي الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم نصر بن نصر فِي كِتَابه إِلَيّ عَن القَاضِي أبي الْمَعَالِي بن عبد الْملك قَالَ ذكر الشَّيْخ أَبُو حَاتِم مَحْمُود بن الْحُسَيْن الْقزْوِينِي أَن مَا كَانَ يضمره القَاضِي

أَبُو بكر الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ من الْوَرع والديانة والزهد والصيانة أَضْعَاف مَا كَانَ يظهره فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا أظهر مَا أظهره غيظا للْيَهُود وَالنَّصَارَى والمعتزلة والرافضة والمخالفين لِئَلَّا يستحقروا عُلَمَاء الْحق وَالدّين وأضمر مَا أضمره فَإِنِّي رَأَيْت آدم عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ جلالته نُودي عَلَيْهِ بذوقة وَدَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بنظرة ويوسف عَلَيْهِ السَّلَام بهمة وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخطرة صلى الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ قَالَ القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي وروى الإِمَام أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي قَالَ لما قدم القَاضِي الإِمَام أَبُو بكر الْأَشْعَرِيّ بَغْدَاد دَعَاهُ الشَّيْخ أَبُو الْحسن التَّمِيمِي الْحَنْبَلِيّ رحمهمَا الله إِمَام عصره فِي مذْهبه وَشَيخ مصره فِي رهطه وَحضر الشَّيْخ أَبُو عبد الله بن مُجَاهِد وَالشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سمعون وَأَبُو الْحسن الْفَقِيه فجرت مَسْأَلَة الِاجْتِهَاد بَين القَاضِي أبي بكر وَبَين أبي عبد الله بن مُجَاهِد وَتعلق الْكَلَام بَينهمَا إِلَى أَن انفجر عَمُود الصُّبْح وَظهر كَلَام القَاضِي عَلَيْهِ رحمهمَا الله وَكَانَ أَبُو الْحسن التَّمِيمِي الْحَنْبَلِيّ يَقُول لأَصْحَابه تمسكوا بِهَذَا الرجل فَلَيْسَ للسّنة عَنهُ غنى أبدا قَالَ وَسمعت الشَّيْخ أَبَا الْفضل التَّمِيمِي الْحَنْبَلِيّ رَحمَه الله وَهُوَ عبد الْوَاحِد بن أبي الْحسن بن عبد الْعَزِيز بن

الْحَارِث يَقُول اجْتمع رَأْسِي وَرَأس القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن الطّيب على مخدة وَاحِدَة سبع سِنِين قَالَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله وَحضر الشَّيْخ أَبُو الْفضل التَّمِيمِي يَوْم وَفَاته العزاء حافيا مَعَ إخْوَته وَأَصْحَابه وَأمر أَن يُنَادي بَين يَدي جنَازَته هَذَا نَاصِر السّنة وَالدّين هَذَا إِمَام الْمُسلمين هَذَا الَّذِي كَانَ يذب عَن الشَّرِيعَة أَلْسِنَة الْمُخَالفين هَذَا الَّذِي صنف سبعين ألف ورقة ردا على الْمُلْحِدِينَ وَقعد للعزاء مَعَ أَصْحَابه ثَلَاثَة أَيَّام فَلم يبرح وَكَانَ يزور تربته كل يَوْم جُمُعَة فِي الدَّار قَالَ أَبُو بكر الْحَافِظ حَدثنِي عبد الصَّمد بن سَلامَة الْمُقْرِئ عَن القَاضِي أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْبَيْضَاوِيّ قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي دخلت مَسْجِدي الَّذِي أدرس فِيهِ فَرَأَيْت رجلا جَالِسا فِي الْمِحْرَاب وَآخر يقْرَأ عَلَيْهِ وَيَتْلُو تِلَاوَة لَا شئ أحسن مِنْهَا فَقلت من هَذَا الْقَارئ وَمن هَذَا الَّذِي يقْرَأ عَلَيْهِ فَقيل لي أما الْجَالِس فِي الْمِحْرَاب فَهُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما الْقَارئ عَلَيْهِ فَهُوَ أَبُو بكر الْأَشْعَرِيّ يدرس عَلَيْهِ الشَّرِيعَة قَالَ القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي ابْن عبد الْملك عَن أبي بكر

الْخَطِيب مَاتَ القَاضِي أَبُو بكر الْأَشْعَرِيّ يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بداره بنهر طابق وَقَالَ عَن غير الْخَطِيب ثمَّ نقل إِلَى بَاب حَرْب وَدفن فِي تربة بِقرب قبر الإِمَام أبي عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ وأرضاه ومنقوش على علم عِنْد رَأس تربته مَا هَذِه نسخته هَذَا قبر الإِمَام السعيد فَخر الْأَئِمَّة ولسان الْأمة وَسيف السّنة عماد الدّين نَاصِر الْإِسْلَام أبي بكر مُحَمَّد بن الطّيب الْبَصْرِيّ قدس الله روحه وألحقه بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه ويزار ويستشفى ويتبرك بِهِ وَذكر أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ أَنْشدني أَبُو نصر عبد السَّيِّد ابْن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْفَقِيه لبَعْضهِم يرثي القَاضِي أَبَا بكر بن الطّيب (أنظر إِلَى جبل يمْضِي الرِّجَال بِهِ ... وَانْظُر إِلَى الْقَبْر مَا يحوي من الصلف) (وَانْظُر إِلَى صارم الْإِسْلَام منغمدا ... وَانْظُر إِلَى درة الْإِسْلَام فِي الصدف)

قَالَ أَبُو بكر بن الْخَطِيب وأنشدني أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن دالان قَالَ أَنْشدني أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى السكرِي لنَفسِهِ يمدح القَاضِي أَبَا بكر مُحَمَّد بن الطّيب من قصيدة أَولهَا (يَا عتب هَل لتعتبي من معتب ... أم هَل لديك لراغب من مرغب) إِلَى أَن قَالَ (أَنا من علمت فَلَا تظني غَيره ... صَعب على خطب الزَّمَان الأصعب) (لكنني طوع لكل خريدة ... رَود الشَّبَاب وكل خود خرعب) (من كل ساجية الجفون كَأَنَّمَا ... ترنو إِذا نظرت بعيني ربرب)

(بَيْضَاء أخلصها النَّعيم كَأَنَّمَا ... يجلو مجردها حشاشة مقضب) (ملكت محبات الْقُلُوب ببهجة ... مخلوقة من عفة وتحبب) (فَكَأَنَّهَا من حَيْثُ مَا قابلتها ... شيم الإِمَام مُحَمَّد بن الطّيب) (اليعربي فصاحة وبلاغة ... والأشعري إِذا اعتزى للْمَذْهَب) (قَاض إِذا الْتبس الْقَضَاء على الحجى ... كشفت لَهُ الأراء كل مغيب) (لَا يستريح إِذا الشكوك تخالجت ... إِلَّا إِلَى لب كريم المنصب) (وصلته همته بأبعد غَايَة ... أعيا المريد لَهَا سلوك الْمطلب)

(مَا زَالَ ينصر دين أَحْمد صادعا ... بِالْحَقِّ يهدي للطريق الأصوب) (وَالنَّاس بَين مضلل ومضلل ... ومكذب فِيمَا أَتَى ومكذب) (حَتَّى انجلت تِلْكَ الضَّلَالَة واهتدى ... الساري وأشرق جنح ذَاك الغيهب) (لمحاسن لم تكتسب بتكلف ... لكنهن سجية لمهذب) (وبديهة تجني الصَّوَاب وَإِنَّمَا ... تجنى الْفَوَائِد من لَبِيب مسهب) (شرفا أَبَا بكر وَقدرا صاعدا ... يختب فِي شَرق العلى وَالْمغْرب) (متنقلا من سؤدد فِي سؤدد ... ومرددا من منقب فِي منقب) (حييت بك الآمال بعد مماتها ... والغيث خصب للمكان المجدب)

(فَإِذا رعين رعين أخصب مرتع ... وَإِذا وردن وردن أعذب مشرب) (وَإِذا صدرن صدرن أَحْمد مصدر ... من خير منتجب لأكرم منجب) (أنصبت نَفسك للثناء فحزته ... إِن الثَّنَاء عَدو من لم ينصب) (وَإِذا الْكَلَام تطاردت فرسانه ... وتحامت الأقران كل مجرب) (ألفيته من لبه وجنانه ... وَلسَانه وبنانه فِي مقنب) (ذُو مجْلِس فلك تضئ بِرُوحِهِ ... عَن كل أَزْهَر كالصباح الْأَشْهب) (متوقد إِلَّا لديك ضياؤه ... وَالشَّمْس تمنع من ضِيَاء الْكَوْكَب) (يَا سيدا زرع الْقُلُوب مهابة ... تسقى بِمَاء محبَّة لم تنضب) (آنستني فأنست مِنْك بشيمة ... بَيْضَاء فأنس بالثناء الأطيب)

(فعجزت فِي وصفيك غير مقصر ... ونطقت فِي مدحيك غير مكذب) (فَاسْلَمْ سلمت من الزَّمَان وَصَرفه ... فلأنت أمرع من ربيع مخصب) (فَإِذا سلمت لنا فأية نعْمَة ... لم نعطها وبلية لم تسلب) قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ نقلت من خطّ شَيْخي الْأُسْتَاذ الإِمَام النَّحْوِيّ أبي عَليّ عمر بن مُحَمَّد بن عمر الْأَزْدِيّ الْمَشْهُور بالشلوبين مَا هَذَا نَصه وَقع فِي ديوَان عضد الدولة ذكر تَقْلِيد الْقَضَاء للْقَاضِي أبي بكر ابْن الطّيب رَضِي الله عَنهُ هَذَا كتاب تَقْلِيد الْقَضَاء للْقَاضِي قَاضِي الْقُضَاة الإِمَام الأوحد إِمَام الْإِسْلَام سيف السّنة ولسان الْأمة حبر الْملَّة عماد الدّين وقامع الْمُلْحِدِينَ عَالم أَمر الْمُؤمنِينَ أبي بكر مُحَمَّد بن الطّيب الْبَصْرِيّ الربعِي الْأَشْعَرِيّ إقليم فَارس وكرمان وَأَرْض شيراز وَمَا والاها وخراسان وأعمالها وأهوارها وكورها وجزائر الْعَرَب كلهَا وَأَرْض موصل بأجمعها وديار بكر ومدتها أَن تكون فِي حكمه وَتَحْت أمره وَنَهْيه مِمَّا يتَعَلَّق بِأَحْكَام الْإِسْلَام والحسبة والخطابة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَمَا يتَعَلَّق بِجَمِيعِ صَلَاح الْمُسلمين

9 - أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وَأخذ أَيْضا الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الإسفرايني الْمَعْرُوف بالإسكاف وَشَيخ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي عَن الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق الإسفرايني ذكره الْحَاكِم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ على مَا أخبرنَا بِهِ شَيخنَا الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام عَن الْحَافِظ بهاء الدّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم عَن وَالِده الإِمَام مُحدث الشَّام أبي الْقَاسِم عَليّ بن عَسَاكِر قَالَ كتب إِلَيّ الشَّيْخ أَبُو نصر عبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن قَالَ أَنا أَبُو بكر أَحْمد بن حُسَيْن الْبَيْهَقِيّ أَنا الْحَاكِم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ وَأَخْبرنِي بِهِ أَيْضا بإسكندرية الشَّيْخ الْفَقِيه الصَّالح الراوية الْعَلامَة أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن عَليّ سبط الْحَافِظ السلَفِي عَن الْحَافِظ أبي الطَّاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد السلَفِي عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن ... ... الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي عَن الْحَاكِم قَالَ

إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه الأصولي الْمُتَكَلّم والمتقدم فِي هَذِه الْعُلُوم أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني الزَّاهِد انْصَرف من الْعرَاق بعد الْمقَام بهَا وَقد أقرّ لَهُ أهل الْعلم بالعراق وخراسان بالتقدم وَالْفضل فَاخْتَارَ الوطن إِلَى أَن خرج بعد الْجهد إِلَى نيسابور وَبني لَهُ الْمدرسَة الَّتِي لم يبن بنيسابور قبلهَا مثلهَا ودرس فِيهَا وَحدث سمع بخراسان الشَّيْخ أَبَا بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وأقرانه بالعراق أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله الشَّافِعِي وَأَبا مُحَمَّد دعْلج بن أَحْمد السجْزِي وأقرانهما وَذكر الإِمَام مُحدث الشَّام أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر قَالَ كتب إِلَيّ الشَّيْخ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي قَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مهْرَان الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني أحد من بلغ حد الِاجْتِهَاد من الْعلمَاء لتبحره فِي الْعُلُوم واستجماعه وشرائط الإمامية من الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه وَالْكَلَام وَالْأُصُول وَمَعْرِفَة الْكتاب وَالسّنة وَكَانَ من الْمُجْتَهدين فِي الْعِبَادَة المبالغين فِي الْوَرع والتحرج ذكره الْحَاكِم فِي التَّارِيخ لعلو مَنْزِلَته وَكَمَال فَضله وَذكر انه حمل

إِلَى نيسابور استدعاء وإكراها للاحتياج إِلَيْهِ وانتخب عَلَيْهِ الْحَاكِم أَبُو عبد الله عشرَة أَجزَاء وَقَالَ أَبُو صَالح الْمُؤَذّن سَمِعت أَبَا حَازِم العبدوي الْحَافِظ يَقُول كَانَ الإِمَام يَقُول لي بَعْدَمَا رَجَعَ من إسفراين أشتهي أَن يكون موتِي بنيسابور حَتَّى يُصَلِّي عَليّ جمع نيسابور فَتوفي بعد هَذَا الْكَلَام بِنَحْوِ من خَمْسَة أشهر يَوْم عاشورا سنة ثَمَانِي عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام الْمُوفق وَحكى لي من أَثِق بِهِ أَن الصاحب بن عباد كَانَ إِذا انْتهى إِلَى ذكر الباقلاني وَابْن فورك والإسفرايني وَكَانُوا متعاصرين من أَصْحَاب الْأَشْعَرِيّ قَالَ لأَصْحَابه ابْن الباقلاني بَحر مغرق وَابْن فورك صل مطرق والإسفرايني نَار محرق وَكَأن روح الْقُدس نفث فِي روعه حَيْثُ أخبر عَن حَال هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة بِمَا هُوَ حَقِيقَة الْحَال فيهم وفوائد هَذَا الإِمَام وفضائله وَأَحَادِيثه وتصانيفه أَكثر وَأشهر من أَن تستوعب فِي مجلدات فضلا عَن أطباق وأوراق

10 - أَبُو الْحسن الْبَاهِلِيّ وَأما الْبَاهِلِيّ الشَّيْخ أَبُو الْحسن شيخ القَاضِي أبي بكر ابْن الطّيب الباقلاني وَشَيخ الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإسفرايني فقد ذكره الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبُو بكر بن فورك فَقَالَ وَمِمَّنْ تخرج بالشيخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ مِمَّن اخْتلف إِلَيْهِ واستفاد مِنْهُ الْمَعْرُوف بِأبي الْحسن الْبَاهِلِيّ وَكَانَ إماميا فِي الأولى محسنا مقدما فانتقل عَن مذْهبه بمناظرة جرت لَهُ مَعَ الشَّيْخ أَبى الْحسن الْأَشْعَرِيّ ألزمهُ فِيهَا الْحجَّة حَتَّى بَان لَهُ الْخَطَأ فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ من مَذَاهِب الإمامية فَتَركهَا وَاخْتلف إِلَيْهِ وَنشر علمه بِالْبَصْرَةِ واستفاد مِنْهُ الْخلق الْكثير قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وَذكر أَيْضا الشَّيْخ أَبَا الْحسن الْبَاهِلِيّ الْحَافِظ مُحدث الشَّام أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ أَبُو المظفر أَحْمد بن الْحسن بن مُحَمَّد الشعيري ببسطام أَنا جدي لأمي أَبُو الْفضل

مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد السماكي قَالَ حكى لي وَاحِد من أهل الْعلم والتصوف عَن القَاضِي أبي بكر ابْن الباقلاني رَحمَه الله قَالَ كنت أَنا والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني والأستاذ ابْن فورك رحمهمَا الله مَعًا فِي درس الشَّيْخ أبي الْحسن الْبَاهِلِيّ تلميذ الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ قَالَ القَاضِي أَبُو بكر كَانَ الشَّيْخ الْبَاهِلِيّ يدرس لنا فِي كل جُمُعَة مرّة وَاحِدَة وَكَانَ منا فِي حجاب يُرْخِي السّتْر بَيْننَا وَبَينه كي لَا نرَاهُ قَالَ وَكَانَ من شدَّة اشْتِغَاله بِاللَّه تَعَالَى مثل واله أَو مَجْنُون لم يكن يعرف مِقْدَار درسنا حَتَّى نذكرهُ ذَلِك قَالَ وَكُنَّا نسْأَل عَن سَبَب النقاب وإرسال الْحجاب بَينه وَبَين هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كاحتجابه عَن الْكل فَأجَاب بِأَنَّهُم يرَوْنَ السوقة وهم أهل الْغَفْلَة فيروني بِالْعينِ الَّتِي يرونهم قَالَ وَكَانَت لَهُ جَارِيَة تخدمه وَكَانَ حَالهَا أَيْضا كَحال غَيرهَا مَعَه من الْحجاب بإرخاء السّتْر قَالَ أَبُو المظفر وَسمعت جدي يَقُول سَمِعت سُفْيَان الْمُتَكَلّم الصُّوفِي رَحمَه الله يَقُول سَمِعت أَحْمد

الفرغاني رَحمَه الله يَقُول سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا إِسْحَاق الإسفرايني يَقُول كنت أَنا فِي جنب الشَّيْخ أبي الْحسن الْبَاهِلِيّ كقطرة فِي جنب الْبَحْر وَسمعت الشَّيْخ أَبَا الْحسن الْبَاهِلِيّ يَقُول كنت أَنا فِي جنب الشَّيْخ الْأَشْعَرِيّ كقطرة فِي جنب الْبَحْر 11 - أَبُو عبد الله بن مُجَاهِد الْبَصْرِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَأخذ أَيْضا القَاضِي الإِمَام أَبُو بكر الباقلاني علم الْأُصُول عَن الشَّيْخ الإِمَام أبي عبد الله بن مُجَاهِد الْبَصْرِيّ رَحمَه الله وَهُوَ على مَا أخبرنَا بِهِ الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام بِالْقَاهِرَةِ عَن شَيْخه الْحَافِظ بهاء الدّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم عَن وَالِده الإِمَام الْحَافِظ مُحدث الشَّام أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن مَنْصُور الغساني الْفَقِيه بِدِمَشْق وَأَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الْملك بن خيرون الْمقري بِبَغْدَاد قَالَ أَنا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب الْحَافِظ الْبَغْدَادِيّ قَالَ مُحَمَّد بن احْمَد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن مُجَاهِد أَبُو

عبد الله الطَّائِي الْمُتَكَلّم صَاحب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ من أهل الْبَصْرَة سكن بَغْدَاد وَعَلِيهِ درس القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن الطّيب الْكَلَام وَله كتب حسان فِي الْأُصُول وَذكر لنا غير وَاحِد من شُيُوخنَا عَنهُ أَنه كَانَ ثخين السّتْر حسن التدين جميل الطَّرِيقَة وَكَانَ أَبُو بكر البرقاني يثني عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا وَقد أدْركهُ بِبَغْدَاد فِيمَا أَحسب وَالله أعلم قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر أَبُو بكر البرقاني هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن غَالب الْخَوَارِزْمِيّ شيخ الْخَطِيب وَكَانَ فَقِيها جَامعا متقنا 12 - أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وَأما أَبُو الْحسن

الْأَشْعَرِيّ الإِمَام رَضِي الله عَنهُ شيخ أبي الْحسن الْبَاهِلِيّ وَشَيخ عبد الله بن مُجَاهِد الْمَذْكُور وَغَيرهمَا فَهُوَ صَاحب الْمَذْهَب الَّذِي اتَّخذهُ أهل الحَدِيث وَالْفِقْه من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة إِمَامًا حَتَّى نسب مَذْهَبهم إِلَيْهِ فنسب من تعلق لمَذْهَب أهل السّنة وتفقه فِي معرفَة أصُول الدّين من بَين سَائِر الْمذَاهب إِلَى الْأَشْعَرِيّ لحسن تصانيفه وَصِحَّة مذْهبه واعتقاده فَكثر الِاسْتِعْمَال لَهَا والاشتغال بهَا ولسنا ننسب بمذهبنا فِي التَّوْحِيد إِلَيْهِ على معنى أَنا نقلده فِيهِ ونعتمد عَلَيْهِ وَلَكنَّا نوافقه فِيمَا صَار إِلَيْهِ من التَّوْحِيد لقِيَام الْأَدِلَّة على صِحَّته لَا مُجَرّد التَّقْلِيد وَإِنَّمَا ينتسب منا من انتسب إِلَى مذْهبه ليتميز عَن المبتدعة الَّذين لَا يَقُولُونَ بِهِ من أَصْنَاف الْمُعْتَزلَة والجهمية والمجسمة والكرامية المشبهة السالمية وَغَيرهم من سَائِر الطوائف المبتدعة وَأَصْحَاب

المقالات الْفَاسِدَة لِأَن الْأَشْعَرِيّ هُوَ الَّذِي انتدب للرَّدّ عَلَيْهِم حَتَّى قمعهم وَأظْهر لمن لم يعرف الْبدع بدعهم وَلم يكن أول مُتَكَلم بِلِسَان أهل السّنة إِنَّمَا جرى على سنَن غَيره وعَلى نصْرَة مَذْهَب مَعْرُوف فَزَاد الْمَذْهَب حجَّة وبيانا وَلم يبتدع مقَالَة اخترعها وَلَا مذهبا انْفَرد بِهِ أَلا ترى أَن مَذْهَب أهل الْمَدِينَة يُقَال لَهُ مالكي وَمَالك رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا جرى على سنَن من كَانَ قبله من الْعلمَاء وَكَانَ كثير الِاتِّبَاع لَهُم إِلَّا أَنه زَاد الْمَذْهَب بَيَانا وبسطا وَحجَّة وشرحا وَألف كِتَابه الْمُوَطَّأ وَمَا أَخذ عَنهُ من الأسمعة والفتاوى فنسب الْمَذْهَب إِلَيْهِ لِكَثْرَة بَسطه وَله وَكَلَامه فِيهِ فَكَذَلِك الإِمَام أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ لَا فرق وَلَيْسَ فِي الْمَذْهَب أكبر من بَسطه وَشَرحه وتواليفه فِي نصرته وَمن وقف على تصانيفه على مَا سنذكرها إِن شَاءَ الله تَعَالَى علم أَن الله تَعَالَى قدمده بمواد توفيقه وأقامه لنصرة الْحق والذب عَن طَرِيقه وَكَانَ فِي مذْهبه شافعيا وَحكى بَعضهم أَنه كَانَ مالكيا وَالْأول هُوَ الْمَعْرُوف فَتخرج من أَصْحَابه خلق كثير بالمشرق تفَرقُوا فِي الْبِلَاد أَكْثَرهم بالعراق وخراسان كَالْإِمَامِ أبي عبد الله بن مُجَاهِد وَالشَّيْخ أبي الْحسن الْبَاهِلِيّ وَقد ذكرناهما وَأبي الْحسن بنْدَار بن الْحُسَيْن ذكره الْحَافِظ

أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيره وأثنوا عَلَيْهِ كثيرا وَأبي سهل الصعلوكي ذكره الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَغَيره وأثنوا عَلَيْهِ ثَنَاء كثيرا وَأبي زيد الْمروزِي ذكره أَيْضا الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأثْنى عَلَيْهِ وَأبي عبد الله بن خَفِيف ذكره الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ وَأثْنى عَلَيْهِ وَأبي الْحُسَيْن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف بالدمل ذكره مُحدث الشَّام الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأثْنى عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة رضوَان الله عَلَيْهِم من جلة أَصْحَاب الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ هم مَشْهُورُونَ بِالْأَخْذِ عَنهُ والاستفادة مِنْهُ وَقد ذكرهم الْأَئِمَّة الْحفاظ الثِّقَات الْأَثْبَات أَبُو عبد الله الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي والحافظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ والحافظ أَبُو بكر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ والحافظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَقد أَشرت إِلَى مَا ذكره كل وَاحِد مِنْهُم

فناهيك من يذكرهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة أَئِمَّة السّنة ويثني عَلَيْهِ بِالْعلمِ وَالْفضل وَالدّين عُلَمَاء الْأمة وَقد جعل مُحدث الشَّام صدر الْحفاظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر الْحَاكِم أَبَا عبد الله الْحَافِظ والحافظ أَبَا نعيم الْأَصْبَهَانِيّ من الطَّبَقَة الثَّانِيَة الَّذين هم أَصْحَاب الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ مِمَّن سلك مسلكه فِي الْأُصُول وَكَذَلِكَ جعل الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر الْحَافِظ أَبَا بكر الْخَطِيب من الطَّبَقَة الرَّابِعَة المستبصرة بتبصير الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ والإقتداء بِهِ والمتابعة لَهُ فِي مذْهبه وَأما الْحَافِظ شيخ السّنة أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ النَّيْسَابُورِي فَلَا تخفى نصرته لمَذْهَب الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَكَثْرَة تصانيفه فِي ذَلِك وسأذكر إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَن قريب كَلَامه فِيهِ وثناءه عَلَيْهِ وَقد ذكر الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر الْحَافِظ أَبَا بكر الْبَيْهَقِيّ وَجعله من الطَّبَقَة الثَّالِثَة مِمَّن لَقِي أَصْحَاب الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأخذ الْعلم عَنْهُم وَأما الْحَافِظ الإِمَام الثِّقَة شيخ الْإِسْلَام مُحدث الشَّام نَاصِر السّنة قامع الْبِدْعَة أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن عَسَاكِر فَإِنِّي أَقُول فِيهِ مَا قَالَه إِمَام

الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ فِي الْحَافِظ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ الْمُتَقَدّم الذّكر فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ حِين ذكره مَا من شَافِعِيّ إِلَّا وَللشَّافِعِيّ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَّا الْحَافِظ أَبَا بكر الْبَيْهَقِيّ فَإِن لَهُ على الشَّافِعِي مِنْهُ لتصانيفه فِي نصْرَة مذْهبه وأقاويله أَو كَمَا قَالَ وَكَذَا أَقُول أَنا فِي الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر مَا من أشعري إِلَّا وللأشعري عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَّا الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فَإِن لَهُ على الْأَشْعَرِيّ مِنْهُ لانتصاره لَهُ ورده على من خَالف مذْهبه وباين اعْتِقَاده رَضِي الله عَنهُ مَعَ كَونه إِمَامًا من أَئِمَّة الْمُحدثين وحافظا من حفاظ الْمُسلمين فَكفى الإِمَام أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ فضلا أَن لفضله وَفضل أَصْحَابه أتباعا كَمَا ذَكرْنَاهُ على مذْهبه واعتقاده مثل هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وحسبه فخرا أَن يثني عَلَيْهِ وَيكون على مذْهبه الأماثل من عُلَمَاء الْأمة وَلَا يضرّهُ قدح من قدح فِيهِ وَلَا تَقول عَلَيْهِ كذي المعايب والمخازي الْحسن بن عَليّ الْأَهْوَازِي فَإِنَّهُ بَالغ فِي ذمّ الإِمَام أبي الْحسن

الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه وأغري لفرط جَهله وَسُوء عقده فِي شتمهم وَتقول عَلَيْهِم فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب الْبَيَان المشحون بِالْكَذِبِ والبهتان مَا لم يقولوه وَنسب إِلَيْهِم من الْمذَاهب الْفَاسِدَة مَا لم يذهبوا إِلَيْهِ وَلَا ذَكرُوهُ وَقد تصدى لنقضه ورده وإبدء عواره وكشف سره الإِمَام أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر بتصنيف جليل سَمَّاهُ تَبْيِين كذب المفتري فِيمَا نسب إِلَى الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَلَو لم يكن لِلْحَافِظِ ابْن عَسَاكِر من الْمِنَّة على الْأَشْعَرِيّ إِلَّا هَذَا الْكتاب لكفى بِهِ فَإِنَّهُ مَلأ كِتَابه هَذَا ثَنَاء عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه وَجعل أَئِمَّة الحَدِيث الَّذين ذكرت قبل وَغَيرهم من الْأَئِمَّة على مذْهبه وَقد ذكر الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي تَارِيخه اللعين الْأَهْوَازِي هَذَا فَقَالَ عَنهُ أَبُو عَليّ الْأَهْوَازِي المعري كَذَّاب فِي الحَدِيث وَالْقُرْآن جَمِيعًا فناهيك بِمن يشْهد بكذبه فِي كتاب الله تَعَالَى وَسنة نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل هَذَا الإِمَام وَذكره أَيْضا الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فَقَالَ كَانَ أَبُو عَليّ الْأَهْوَازِي فِي اعْتِقَاده سالميا مشبها مجسما حشويا وَمن وقف

على كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الْبَيَان فِي شرح عُقُود أهل الْإِيمَان الَّذِي صنفه فِي أَحَادِيث الصِّفَات واطلع على مَا فِيهِ من الْآفَات وَرَأى مَا ذكر من الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة وَالرِّوَايَات المستكرهة المدفوعة وَالْأَخْبَار الْوَاهِيَة الضعيفة والمعاني المتنافية السخيفة كَحَدِيث ركُوب الْجمل وعرق الْخَيل قضى الله تَعَالَى عَلَيْهِ فِي اعْتِقَاده بِالْوَيْلِ قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَلست أعجب من الْأَهْوَازِي فِيمَا أَتَى بِهِ من الْجَهْل لِأَنَّهُ الليق بِهِ لسوء العقد وَعدم الْفضل وَإِنَّمَا أعجب مِمَّن سَمِعُوهُ مِنْهُ وحكوه وَمن جهال كتبوه عَنهُ وَرَوَوْهُ وَلَكِن لكل سَاقِطَة لاقطة وعَلى قدر الْوَجْه تكون الماشطة قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وَكَذَلِكَ اللعين الْمَعْرُوف بالسجزي فَإِنَّهُ تصدى أَيْضا للوقوع فِي أَعْيَان

الْأَئِمَّة وَشرع الْأمة بتأليف تَالِف وَهُوَ على قلَّة مِقْدَاره وَكَثْرَة عواره ينْسب أَئِمَّة الْحَقَائِق وأحبار الْأمة وبحور الْعُلُوم إِلَى التلبيس والمراوغة والتدليس وَهَذَا الرزل الخسيس أَحْقَر من أَن يكترث بِهِ ذُو لب وَلَا يُغير الْبَحْر الخضم ولغة كلب (مَا يضر الْبَحْر أَمْسَى زاخرا ... أَن رمى فِيهِ غُلَام بِحجر) ففما ذكر هَذَا المائق الحايد لجهله عَن الْحَقَائِق قَالَ إِن من مَذْهَب الأشعرية أَن النبوءة عرض من الْأَعْرَاض وَالْعرض لَا يبْقى زمانين وَإِذا مَاتَ النَّبِي زَالَت نبوءته وانقطعت دَعوته وَهَذَا من جملَة حكاياته الكاذبة وتقولاته المستبعدة الْبَارِدَة فَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي عبد الْملك بن الإِمَام أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا فِي رد هَذَا المتخرص على الْأَئِمَّة رضوَان الله عَلَيْهِم مَا كنت أَظن أَن هَذَا الْجَاهِل يبلغ بحمقه وخرقه هَذَا الْمبلغ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ لم يقل بِهِ قَائِل وَلم يَنْقُلهُ قبله ناقل وَلَو سُئِلَ هَذَا الأحمق عَن النبوءة وحقيقتها وَمَعْنَاهَا لتلبد فِي غيه وَتردد فِي عيه وَلم يتَمَسَّك إِلَّا بدهش الْحيرَة كَمَا نسب إِلَيْهَا غَيره فَلَيْسَتْ النبوءة عرضا من الْأَعْرَاض بِاتِّفَاق من الْمُحَقِّقين وإطباق من المحصلين ثمَّ شرع فِي الِاسْتِدْلَال على أَن النبوءة لَيست عرضا ثمَّ قَالَ بعد

ذكر الدَّلِيل على ذَلِك فَبَطل الْمصير إِلَى أَن النبوءة عرض وَوَجَب الْقَضَاء بِأَن النبوءة هِيَ حكم الله تَعَالَى برسالة رَسُول وإخباره عَن سفارته وَأمره إِيَّاه بتبليغ الشَّرَائِع وَشرع الْأَحْكَام وَقد حكم الله تَعَالَى بنبوءة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي حياتهم وَبعد مماتهم وكونهم مرسلين وَعلم ذَلِك مِنْهُم فِي السَّابِقَة وَالْعَاقبَة فَهَذَا مَذْهَب أهل الْحق وَدينهمْ فعلى من يقرفهم بِغَيْر ذَلِك لعنة الله ولعنة الْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله فَهَذَا إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي رَضِي الله عَنهُ إِمَام أَئِمَّة الأشعرية أهل السّنة وَمن مقدميهم وَمن المعتبرين فيهم قد أنكر مَا تَقوله اللعين السجْزِي على أهل السّنة وتبرأ مِنْهُ وَلعن مَا قَالَه واعتقده فَتبين بذلك كذب السجْزِي واختراصه على الْأَئِمَّة وافتراؤه عَلَيْهِم وَكَذَلِكَ رَأَيْت أَبَا مُحَمَّد بن حزم قد حكى فِيمَا أَلفه من القبائح الَّتِي لقبها ب النصائح وَفِي كِتَابه الْفَصْل بَين النَّحْل

والملل هَذِه الْمقَالة عَن الأشعرية ونسبها إِلَيْهِم وشنعها على عَادَته الذميمة عَلَيْهِم وأظن أَنه رَآهَا لهَذَا المفتري السجْزِي وَلم يقف على كَلَام الْأَئِمَّة فِي حَقِيقَة النبوءة الَّذِي لَيْسَ بَينهم خلاف فِي أَنَّهَا لَيست عرضا وَأَنَّهَا رَاجِعَة إِلَى خطاب الله تَعَالَى كَمَا تقدم من كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَضِي الله عَنهُ فلعن الله قَائِلهَا ومعتقدها وَمن تَقُولهَا عَلَيْهِم واخترعها وَإِن كَانَ ابْن حزم كثيرا مَا يتقول على الأشعرية وعَلى غَيرهم ويحكي عَنْهُم مَا لَا يَقُولُونَهُ وينسب إِلَيْهِم مَا يتبرأون مِنْهُ وينكرونه لقُصُور مَعْرفَته لعلومهم وَكَونه غير بَصِير بِشَيْء من كَلَامهم لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَرَأَ كتبهمْ وَحده على مَا ذكره الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن طَلْحَة فِي كِتَابه مِمَّا توهم بعقله عَلَيْهِم قَالَ هَكَذَا أَرَادوا وَهَذَا غير سديد وَمَا يَنْبَغِي لأحد أَن يتَكَلَّم فِي مَذْهَب أحد حَتَّى يقْرَأ عَلَيْهِم ويفسر لَهُ كَلَامهم فالعلوم غوامض لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يتجاسر عَلَيْهَا بعقله ولجهله بمذاهب الْقَوْم صدر مِنْهُ مَا صدر وَلَا يشك فِي أَن الرجل حَافظ إِلَّا أَنه إِذا شرع فِي تفقه مَا يحفظه لم يوفق فِيمَا يفهمهُ لِأَنَّهُ قَائِل بِجَمِيعِ مَا يهجس لَهُ وَمِمَّا يدل على صِحَة مَا أقوله أَن من عِنْده أدنى مسكة من عقل يَقُول إِن الْقُدْرَة

الْقَدِيمَة تتَعَلَّق بالمحال فَيجوز عِنْده اجْتِمَاع الضدين فِي مَحل وَفِي زمن وَاحِد فَيكون الشَّيْء أسود أَبيض فِي حَالَة وَأُخْرَى وَيكون الْجِسْم الْوَاحِد فِي مكانين متباينين فَيكون الْإِنْسَان فِي الْمشرق فِي الزَّمن الْوَاحِد الَّذِي يكون فِيهِ فِي الْمغرب إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يَقُوله مِمَّا لَا يصدر تجويزه من عَاقل فالعلم باستحالة هَذِه الْأُمُور أَو تجويزها يعرف الْفرق بَين الْعَاقِل وَالْمَجْنُون والبهيمة وَالْإِنْسَان فَمن جوزها خرج عَن الْعُقَلَاء الملكلفين وَلحق بالبهائم والمجانين وَتكلم فِي كِتَابه الْفَصْل عَن الْمحَال وأصدر فِي مَنْطِقه وأحال وَالَّذِي أوقعه فِي بحور هَذِه الأوهام واعتقاده مثل هَذَا البرسام أَنه اعْتقد أَنه إِن لم يَقُول بِهَذِهِ الْجَهَالَة وَإِلَّا يُؤَدِّي إِلَى الْعَجز من جِهَة أَن الْمقدرَة إِن لم تكن عَامَّة التَّعَلُّق بِالْوَاجِبِ والجائز والمستحيل وَإِلَّا يُؤَدِّي إِلَى الْعَجز وَلَو عرف حَقِيقَة الْوَاجِب والمحال وَمعنى تعلق الْقُدْرَة بالمقدور لما ارْتكب من الهذر والمحظور مَا لَا يرتكبه عَاقل وَلَا يقل بِهِ قَائِل ومدار هَذِه الْمَسْأَلَة على حرف وَهُوَ أَن هَذِه المعلومات الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ الْوَاجِب والجائز والمحال هَل هِيَ كلهَا مُتَعَلقَة للقدرة أم بَعْضهَا فَزعم ابْن حزم أَنَّهَا كلهَا مُتَعَلقَة للقدرة وَإِن

لم تتَعَلَّق الْقُدْرَة جَمِيعهَا فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْعَجز وَصَارَ كل من ارتسم بِالْعقلِ إِلَى أَنَّهَا لَيست كلهَا مُتَعَلقَة للقدرة وَإِنَّمَا الْمُتَعَلّق للقدرة مِنْهَا هُوَ الْجَائِز فَقَط وَلَا يُؤَدِّي مَعَ هَذَا الِاقْتِصَار على الْبَعْض إِلَى الْعَجز كَمَا زَعمه ابْن حزم ويتبين ذَلِك بِذكر حَقِيقَة هَذِه المعلومات فَنَقُول قد تقدم أَن المعلومات كلهَا محصورة فِي ثَلَاثَة وَهُوَ الْوَاجِب والجائز والمحال فَأَما الْوَاجِب فَهُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَو فرض مَعْدُوما لزم عَنهُ لذاته الْمحَال والمحال هُوَ مَا لَو فرض مَوْجُودا لزم عَنهُ لذاته الْمحَال والممكن هُوَ مَا لَو فرض مَوْجُودا أَو مَعْدُوما لم يعرض عَنهُ محَال والمحال هُوَ مَالا يتَصَوَّر وجوده والجائز هُوَ مَا يُمكن وجوده وَعَدَمه فَإِذا ثَبت هَذَا فالقدرة لَا تتَعَلَّق بِالْوَاجِبِ لِأَنَّهُ مَوْجُود ثَابت فوجود الله تبَارك وَتَعَالَى لَا تتَعَلَّق بِهِ الْقُدْرَة وَلَا تُؤثر فِيهِ وَلَا فِي شَيْء من صِفَاته لثُبُوت وجوده وَقدمه واستحالة مُجَرّد وجوده فَهُوَ غير مُتَعَلق للقدرة وَإِذا كَانَ غير مُتَعَلق للقدرة انْتقض قَول ابْن حزم فِي عُمُوم تَعْلِيق الْقُدْرَة بالمعلومات الثَّلَاثَة إِذْ مِنْهَا مَا هُوَ غير مُتَعَلق لَهَا وَهُوَ الْوَاجِب وَهُوَ لَا تتَعَلَّق بِهِ الْقُدْرَة كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَكَذَلِكَ الْمحَال لَا تتَعَلَّق الْقُدْرَة بِهِ أَيْضا إِذْ الْمحَال كَمَا تقدم فِي حَقِيقَته هُوَ مَا لَا يتَصَوَّر وُقُوعه وَمعنى تعلق الْقُدْرَة بالمقدور هُوَ أَن تخرجه من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود والمحال لَا يتَصَوَّر خُرُوجه إِلَى الْوُجُود فَلَا يتَصَوَّر وُقُوعه وَإِذا لم يتَصَوَّر وُقُوعه فَلَا يكون مُتَعَلقا للقدرة وَإِذا لم يكن مُتَعَلقا للقدرة انْتقض قَول ابْن حزم أَيْضا فِي عُمُوم تعلق الْقُدْرَة بالمعلومات الثَّلَاث الْمُتَقَدّمَة فَلم يبْق إِلَّا الْجَائِز وَهُوَ الَّذِي تتَعَلَّق بِهِ الْقُدْرَة فترجح جَانب الْوُجُود على الْعَدَم

أَو بِالْعَكْسِ بعد اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ أَعنِي الْوُجُود والعدم وَإِنَّمَا يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر بِالْقُدْرَةِ فَخرج من هَذَا أَن الْقُدْرَة لَا تتَعَلَّق إِلَّا بالممكن فَقَط وَلَا يُؤَدِّي الِاقْتِصَار عَلَيْهِ إِلَى الْعَجز كَمَا زعم ابْن حزم لِأَن الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْعَجز إِنَّمَا هُوَ الَّذِي يَصح تعلق الْقُدْرَة بِهِ وَهُوَ الْمُمكن فَإِذا تعلّقت بِهِ الْقُدْرَة وَلم توقعه فَحِينَئِذٍ يُوصف من قَامَت بِهِ الْقُدْرَة بِالْعَجزِ كالجائز الَّذِي يُمكن أَن يكون وَيُمكن أَلا يكون فَإِذا تعلّقت الْقُدْرَة بِهِ وَلم يتَرَجَّح جَانب الْوُجُود على جَانب الْعَدَم فَحِينَئِذٍ يكون من اتّصف بهَا عَاجِزا فالعجز إِنَّمَا يَصح عَمَّا يقدر عَلَيْهِ مَالا يَصح أَن يقدر عَلَيْهِ كالمحال وَالْوَاجِب فَلَا يُوصف بِالْعَجزِ عَنهُ كَمَا لَا يُوصف بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ إِذْ الْعَجز وَالْقُدْرَة ضدان يتَعَلَّق كل وَاحِد مِنْهُمَا بالضد مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ الآخر فَمَا لَا يَصح تعلق الْقُدْرَة بِهِ لَا يَصح الْعَجز عَنهُ وَهَذَا من الْبَيَان والظهور بِحَيْثُ لَا يخفى على ذِي لب سليم فَمن يكون هَذَا مبلغه من الْعلم ومقداره من الْفَهم يتَصَوَّر مِنْهُ الْإِقْدَام على أَعْلَام الْأَئِمَّة بتخطئتهم وَالرَّدّ لأقوالهم والتعرض مَعَ ذَلِك لأعراضهم لَكِن من كَلَام النبوءة وَإِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت وَمن وقف على مَا أَلفه من القبائح شَاهد فِيهَا وَفِي غَيرهَا من سبّ الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَغَيره من الْأَئِمَّة وَالسَّلَف رضوَان الله عَلَيْهِم وإدخالهم فِي جملَة أهل الْبدع

وَالتَّصْرِيح بِأَن مذاهبهم كفر مَا لَا يصدر عَن متمسك بِالشَّرْعِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وببطلان هَذِه الْقَاعِدَة يبطل كل مَا بنى عَلَيْهِ ابْن حزم من أَقْوَاله الْفَاسِدَة الشنيعة كَقَوْلِه تقدس الله عَن وَصفه بذلك إِن الله تَعَالَى عَن قَوْله يقدر أَن يكذب وعَلى أَن يظلم وعَلى أَن يجور وَلَا يعدل وعَلى أَن يتَّخذ زَوْجَة لَهُ وَولدا وإلها مثله هَذَا اعْتِقَاد ابْن حزم فِي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الله الْعَظِيم عَمَّا نسبه ابْن حزم لله جلا وَعلا وَوَصفه بِهِ {تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدا أَن دعوا للرحمن ولدا وَمَا يَنْبَغِي للرحمن أَن يتَّخذ ولدا} (مَرْيَم 90 - 99) فَأَما قَول الله تَعَالَى {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا لاتخذناه من لدنا} الْأَنْبِيَاء 17 فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب لِأَن هَذِه الْآيَة خرجت على وَجه الرَّد على بعض النَّصَارَى فِي قَوْلهم فِي مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام إِنَّهَا صَاحِبَة لله تَعَالَى وَأَن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام ابْنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَ تَعَالَى {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا لاتخذناه من لدنا} وَاللَّهْو الْمَرْأَة فِي لُغَة الْحجاز فِيمَا ذكره

الْعلمَاء وَقَوله تَعَالَى {من لدنا} أَي من أهل السَّمَاء وَلم نتخذه من أهل الأَرْض وَلَيْسَ فِي الْآيَة مَا يدل على أَن ذَلِك جَائِز عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى أَن يبين لَهُم وَجه فَسَاد قَوْلهم وَأَنه لَو فعل ذَلِك وَجَاز عَلَيْهِ لَكَانَ أهل السَّمَوَات أولى بِهِ وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} الْأَنْبِيَاء 22 وَلم يرد الْإِخْبَار عَن جَوَاز ذَلِك وَلَا عَن صِحَّته وَلَا عَن حُصُول كَونه وَهَذَا وَاضح وَالَّذِي يغلب على الظَّن أَن مَا يصدر من ابْن حزم هَذَا الْكفْر الْعَظِيم وَمَا يَقُوله من الهذيان ويحكيه عَن الْأَئِمَّة من التخرص والبهتان انه مَا يكون فِي حَال سَلامَة من عقله وَصِحَّة من ذهنه وَأَنه رُبمَا يهيج عَلَيْهِ اخلاط يعجز عَن مداواتها سقراط وبقراط فتصدر مِنْهُ هَذِه الحماقات ويهذي بِهَذِهِ المحالات (جنونك مَجْنُون وَلست بواجد ... طَبِيبا يداوي من جُنُون جُنُون) وَلَيْسَ هَذَا الْمَجْمُوع مَوْضُوعا لتسمع كَلَامه وَالرَّدّ على الْفَاسِدَة أقوله وسأفرد لذَلِك تصنيفا مَخْصُوصًا بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَقد اشْتَدَّ نَكِير ابْن حزم فِي كِتَابه المجلى وَغَيره من كتبه على الْأَئِمَّة المقتدى بهم مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وَغَيرهم من عُلَمَاء الشَّرِيعَة فِي قَوْلهم بِالْقِيَاسِ ونسبهم إِلَى مُخَالفَة أَمر الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ فِي رِسَالَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الَّتِي فِيهَا واعرف الْأَشْبَاه والأمثال إِنَّهَا مَوْضُوعَة وَلم يروها إِلَّا عبد الْملك بن عبد الْوَاحِد بن معدان عَن أَبِيه وَهُوَ سَاقِط بِلَا خلاف قَالَ وَأَبوهُ أسقط مِنْهُ أَو هُوَ مثله فِي السُّقُوط وَقَالَ فِي حَدِيث معَاذ الَّذِي فِيهِ أجتهد رَأْيِي لَا يَصح لِأَنَّهُ لم يروه أحد إِلَّا الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول لَا يدرى من

هُوَ عَن رجال من أهل حمص لم يسمهم غير معَاذ وَاعْتمد فِي إبِْطَال القَوْل بِالْقِيَاسِ بآيَات وأخبار لَيْسَ لَهُ فِي وَاحِد مِنْهَا متمسك وَلَوْلَا أَن هَذَا الْمَجْمُوع لَيْسَ مَوْضُوعا لهَذَا الْمَعْنى لأفردت كل مَا اسْتدلَّ بِهِ من الْآيَات وَالْأَخْبَار وبينت أَنه لَيْسَ لَهُ فِي وَاحِد مِنْهَا مَا يعْتَمد عَلَيْهِ لأننا أرجأنا ذَلِك إِلَى الْموضع الليق بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِمَّا اعْتقد بِهِ وعول عَلَيْهِ فِي إبِْطَال القَوْل بِالْقِيَاسِ الحَدِيث الْمَذْكُور فِيهِ سَتَفْتَرِقُ أمتِي على بضع وَسبعين فرقة الحَدِيث قَالَ ابْن حزم حَدثنَا أَحْمد بن قَاسم حَدثنَا أبي قَاسم بن مُحَمَّد بن قَاسم حَدثنَا جدي قَاسم بن أصبغ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن خويز بن عُثْمَان عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير عَن أَبِيه عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَفْتَرِقُ أمتِي على بضع وَسبعين فرقة أعظمها فتْنَة على أمتِي قوم يفسرون الْأُمُور برأيهم فيحلون الْحَرَام ويحرمون الْحَلَال قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي اعْتمد عَلَيْهِ ابْن حزم يَدُور على نعيم بن حَمَّاد وَقد قَالَ

الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب بِهَذَا الحَدِيث سقط نعيم بن حَمَّاد عِنْد كثير من أهل الحَدِيث قَالَ إِلَّا أَن يحيى بن معِين لم يكن ينْسبهُ إِلَى الْكَذِب بل كَانَ ينْسبهُ إِلَى الْوَهم وَقَالَ النَّسَائِيّ أَبُو عبد الله نعيم بن حَمَّاد لَيْسَ بِثِقَة وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس نعيم بن حَمَّاد روى أَحَادِيث لشاكر عَن الثِّقَات وَقَالَ أَبُو زرْعَة قلت يحيى بن معِين فِي حَدِيث نعيم من هَذَا وَسَأَلَهُ عَن صِحَّته فَأنكرهُ قلت لَهُ من أَيْن يُؤْتى قَالَ شبه لَهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمْزَة الْمروزِي سَأَلت يحيى بن معِين عَن هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث عَوْف بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفترق أمتِي قَالَ لَيْسَ لَهُ أصل قلت فنعيم بن حَمَّاد قَالَ نعيم ثِقَة قلت كَيفَ يحدث ثِقَة بباطل قَالَ شبه لَهُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ هَذَا كَلَام أَئِمَّة الحَدِيث فِي الحَدِيث الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ ابْن حزم وَاعْتمد عَلَيْهِ بنى أَيْضا على هَذَا الْقَاعِدَة الْفَاسِدَة من نفي الْقيَاس رد كَلَام الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وعلماء الْمُسلمين رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ

13 - تَرْجَمَة عارضة للْإِمَام ابْن فورك وَكَذَلِكَ رَأَيْت ابْن حزم قد ذكر عَن الإِمَام ابْن فورك رَضِي الله عَنهُ أَنه قتل على الْمقَالة الْمُتَقَدّمَة وَأَن أَبَا الْوَلِيد الْبَاجِيّ أخبرهُ بذلك وَأَن قَاتله على تِلْكَ الْمقَالة مَحْمُود بن سبكتكين وَمَا ذكره لَا يعرج عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت أليه وَهَذِه الْحِكَايَة لعمري من الْكَذِب الْبَارِد وإيراد مثلهَا يدل على الْعقل الْفَاسِد معَاذ الله أَن يَقُول هَذَا الْفَقِيه الإِمَام أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَالْإِمَام ابْن فورك أجل قدرا وَأعظم فِي الدّين وَالْعلم خطرا من أَن ينْسب هَذَا إِلَيْهِ وَله من الرَّد على أَصْنَاف الْمَلَاحِدَة والنقض لمقالات أَصْحَاب العقائد الْفَاسِدَة والكشف عَن تمويهات الْفرق الجاحدة مَا يدل على هَذِه الكذبة

الْبَارِدَة فَلم يمت رَحمَه الله مقتولا كَمَا تخرص عَلَيْهِ ابْن حزم وَأَنا إِن شَاءَ الله أشرع فِي ذكر مَا وَصفه الْأَئِمَّة الَّذين لَا مطْعن لأحد فِي قَوْلهم وَنَذْكُر سَبَب مَوته عَنْهُم فَأَقُول أخبرنَا بإسكندرية المحروسة الشَّيْخ الْفَقِيه الْمُحدث الصَّالح الْفَقِيه الْعَلامَة شرف الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي الْفضل السّلمِيّ عَن الشَّيْخ الإِمَام أبي الْفَتْح مَنْصُور بن عبد الْمُنعم حفيد الإِمَام أبي عبد الله الْقَرَوِي الصاعدي عَن جده الإِمَام أبي عبد الله عَن أبي الْحسن عبد الغافر بن مُحَمَّد بن عبد الغافر الْفَارِسِي عَن الإِمَام الْحَافِظ أبي بكر أَحْمد بن الْحسن الْبَيْهَقِيّ الْحَافِظ قَالَ أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ الْحَاكِم وَأخْبرنَا أَيْضا بِالْقَاهِرَةِ شَيخنَا الإِمَام عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام عَن شَيْخه الْحَافِظ بهاء الدّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم عَن وَالِده الإِمَام الْحَافِظ مُحدث الشَّام أبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر وَأَخْبرنِي أَيْضا بِالْقَاهِرَةِ شَيخنَا الْحَافِظ الْمُحدث زكي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي أبي عبد الله الْمُنْذِرِيّ عَن الشَّيْخ الْحَافِظ أبي الْحسن عَليّ بن الْمفضل الْمَقْدِسِي عَن الْحَافِظ الإِمَام أبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر قَالَ قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر عبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم إجَازَة أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد

ابْن عبد الله الْحَافِظ الْحَاكِم قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك الأديب الْمُتَكَلّم الأصولي الْوَاعِظ النَّحْوِيّ أَبُو بكر الْأَصْبَهَانِيّ أَقَامَ أَولا بالعراق إِلَى أَن درس بهَا على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ ثمَّ لما ورد الرّيّ سعت بِهِ المبتدعة فعقد أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الثَّقَفِيّ مَجْلِسا فِي مَسْجِد رجا وَجمع أهل السّنة وتقدمنا إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدولة أبي الْحسن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم والتمسنا مِنْهُ المراسلة فِي تَوْجِيهه إِلَى نيسابور فَفعل وَورد نيسابور فَبنى لَهُ الدَّار والمدرسة من خانكاه أبي الْحسن البوشنجي وَأَحْيَا الله تَعَالَى بِهِ فِي بلدنا أنواعا من الْعُلُوم لما استوطنها وَظَهَرت بركته على جمَاعَة من المتفقهة وتخرجوا بِهِ سمع عبد الله بن جَعْفَر الْأَصْبَهَانِيّ وَكثر سَمَاعه بِالْبَصْرَةِ وبغداد وَحدث بنيسابور قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ هَذَا كَلَام الْحَافِظ أبي عبد الله الْحَاكِم فِي الإِمَام ابْن فورك وثناؤه عَلَيْهِ وَالْحَاكِم الْحَاكِم وَبِالسَّنَدِ الْمُتَقَدّم إِلَى ابْن عَسَاكِر قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل فِي كِتَابه إِلَيّ من نيسابور قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا صَالح أَحْمد بن عبد الْملك الْحَافِظ يَقُول كَانَ الْأُسْتَاذ أوحد وقته أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ الدقاق

يعْقد الْمجْلس وَيَدْعُو للحاضرين والغائبين من أَعْيَان الْبَلَد وأئمتهم فَقيل لَهُ قد نسيت ابْن فورك وَلم تدع لَهُ فَقَالَ أَبُو عَليّ كَيفَ أَدْعُو لَهُ وَكنت أقسم على الله تَعَالَى البارحة بأيمانه أَن يشفي غلتي وَكَانَ بِهِ وجع الْبَطن تِلْكَ اللَّيْلَة قَالَ مُحدث الشَّام ابْن عَسَاكِر عَن عبد الْغفار الْفَارِسِي مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك أَبُو بكر بلغ من تصانيفه فِي أصُول الدّين وأصول الْفِقْه ومعاني الْقُرْآن قَرِيبا من الْمِائَة توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ قد دعِي إِلَى غزنة وَجَرت لَهُ بهَا مناظرات وَكَانَ شَدِيد الرَّد على أَصْحَاب أبي عبد الله يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل وَلما عَاد من غزنة سم فِي الطَّرِيق وَمضى إِلَى رَحْمَة الله وَنقل إِلَى نيسابور وَدفن بِالْحيرَةِ ومشهده الْيَوْم ظَاهر يستشفى بِهِ وَيُجَاب الدُّعَاء عِنْده قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فَهَذَا كَلَام الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات فِيهِ وَفِي سَبَب مَوته وَمَا ذَكرُوهُ فبعض مناقبه لَا مَا ذكره ابْن حزم فَإِنَّهُ قدح لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَكذب لَا يعرج عَلَيْهِ وَقد ذكره أَيْضا إِمَام الْحَرَمَيْنِ الأماخم أَبُو الْمَعَالِي عبد الْملك بن الإِمَام أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ فِي بعض مصنفاته فَقَالَ الإِمَام ركن الْإِسْلَام أَبُو بكر بن فورك مِمَّن يفتخر بِهِ الْأَنَام ويتزين بِهِ أهل الْإِسْلَام وَقد تلفع من جلابيب الْمَعَالِي

بأسبغها وأوفاها ورقي فِي بقاع المكرمات إِلَى ذراها وَجمع إِلَى التبحر فِي عُلُوم الدّين جملَة قسم الصَّالِحين من الْوَرع والزهد والتشمير لمرضاة الله تَعَالَى فأقصى الْمجِيد وتجويد كنه الْقَصْد وَلم ير إِلَّا معلما أَو عابدا وَلم يسمع مِنْهُ مصاحبوه إِلَّا كلَاما صاعدا وَكَانَ لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وَلم يزل مجاهرا بِالْحَقِّ فيا عظم مُصِيبَة الْإِسْلَام يتَكَلَّم فِي مثل هَذَا الإِمَام رذل مَلْعُون مَعْرُوف من الْعُيُوب بِكُل الْفُنُون وينسبه إِلَى قلَّة الْحيَاء وَلَكِن لنا فِي الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكمل العزاء وَقد قرفه الأرجاس وَتعرض الأنجاس فَرَجَعت دَائِرَة الباس وَمن نكد الدُّنْيَا أَن يتَكَلَّم كل سَاقِط خامل عَن التَّحْقِيق عري عاطل فِي الْأَئِمَّة الفواضل وَلَا يكترث ذَوُو الْأَلْبَاب بنباح الْكلاب وَلَيْسَ لقصر نأمتها إِلَّا الأثلب وَالتُّرَاب قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس وَأما قَول ابْن حزم رحم الله مَحْمُودًا وَحمد لَهُ ذَلِك فَهَذَا من قلَّة التَّحْصِيل شان الإِمَام

تتمة ترجمة أبي الحسن الأشعري

بَان فورك وترحم على ابْن سبكتكين جهلا وجرأة وَقد ذكر الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر قَالَ ذكر لي الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ عَمَّن أدْركهُ من شُيُوخ أَصْبَهَان أَن السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين لما استولى على أَصْبَهَان ولى عَلَيْهَا واليا من قبله ورحل عَنْهَا فَوَثَبُوا عَلَيْهِ وقتلوه فَرجع مَحْمُود إِلَيْهِم وأمنهم حَتَّى اطمأنوا ثمَّ قصدهم يَوْم الْجُمُعَة فِي الْجَامِع فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فعلى من فعل هَذِه الفعلة الشنيعة يترحم ابْن حزم ويلعن من بَقِي عمره فِي نصْرَة الدّين وَالرَّدّ على المبتدعة الْمُلْحِدِينَ تَتِمَّة تَرْجَمَة أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَجعْنَا إِلَى الْمَقْصُود وَهُوَ ذكر الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ فَنَقُول وَأما الإِمَام أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ إِمَام الْأمة وناصر السّنة وقامع الْبِدْعَة فَذكر الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب فَقَالَ عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن أبي بشر واسْمه إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله مُوسَى بن بِلَال بن أبي بردة وبن أبي مُوسَى أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ

الْمُتَكَلّم صَاحب الْكتب والتصانيف فِي الرَّد على الملحدة وَغَيرهم من الْمُعْتَزلَة والرافضة والجهمية والخوارج وَسَائِر أَصْنَاف المبتدعة وَهُوَ بَصرِي سكن بَغْدَاد إِلَى أَن توفّي بهَا وَكَانَ يجلس أَيَّام الْجُمُعَات فِي حَلقَة أبي إِسْحَاق الْمروزِي الْفَقِيه من جَامع الْمَنْصُور وَقَالَ بعض الْبَصرِيين ولد أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَات سنة نَيف وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَذكر لي أَبُو الْقَاسِم عبد الْوَاحِد بن عَليّ الْأَزْدِيّ أَن الْأَشْعَرِيّ مَاتَ بِبَغْدَاد بعد سنة عشْرين وَقبل سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَدفن فِي مشرعة الروايا فِي تربة إِلَى جَانبهَا مَسْجِد وبالقرب مِنْهَا حمام وَهِي عَن يسَار الْمَار من السُّوق إِلَى دجلة وَذكر أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم الأندلسي أَن أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ مَاتَ فِي سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة قَالَ وَله خَمْسَة وَخَمْسُونَ تصنيفا حَدثنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله بن بانيال يَقُول سَمِعت بنْدَار بن الْحسن يَقُول وَكَانَ خَادِم أبي الْحسن على بن إِسْمَاعِيل بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ كَانَ عَيْش أبي الْحسن من

غلَّة ضَيْعَة وَقفهَا جده بِلَال بن أبي برده بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ على عقبه وَكَانَت نَفَقَته فِي كل سنة سَبْعَة عشر درهما حَدثنِي مُحَمَّد بن عَليّ الصُّورِي قَالَ سَمِعت عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْحَافِظ يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن يزِيد يَقُول سَمِعت أَبَا بكر ابْن الصَّيْرَفِي يَقُول كَانَت الْمُعْتَزلَة قد رفعوا رؤوسهم حَتَّى أظهر الله تَعَالَى الْأَشْعَرِيّ فجحرهم فِي أقماع السمسم انْتهى مَا ذكره الإِمَام الْحَافِظ أَب برك الْخَطِيب من نسب الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وتصانيفه ورده على المبتدعة ومولده ووفاته وقوته وَقدر نَفَقَته رضوَان الله عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَذكره أَيْضا شيخ السّنة الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ على مَا أخبرنَا بِهِ الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام الدِّمَشْقِي عَن شَيْخه الْحَافِظ بهاء الدّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم عَن وَالِده الإِمَام الْحَافِظ مُحدث الشَّام أبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ الْحَافِظ قَالَ أما بعد فَإِن بعض أَئِمَّة الْأَشْعَرِيين

رَضِي الله عَنْهُم ذاكرني بمتن الحَدِيث الَّذِي أخبرناه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب عَن إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق عَن وهب بن جرير وَأَبُو عَامر الْعَقدي قَالَا حَدثنَا شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب عَن عِيَاض الْأَشْعَرِيّ قَالَ لما نزلت {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} الْمَائِدَة 54 أَوْمَأ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ هم قوم هَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَذَلِكَ لما وجد فِيهِ من الْفَضِيلَة الجليلة والمرتبة الشَّرِيفَة للْإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ فَهُوَ من قوم أبي مُوسَى وَأَوْلَاده الَّذين أُوتُوا الْعلم ورزقوا الْفَهم مَخْصُوصًا من بَينهم بتقوية السّنة وقمع الْبِدْعَة بِإِظْهَار الْحجَّة ورد الشُّبْهَة وَالْأَشْبَه أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل قوم أبي مُوسَى من قوم يُحِبهُمْ الله وَيُحِبُّونَهُ لما علم من صِحَة دينهم وَعرف من قُوَّة يقينهم فَمن نحا فِي علم الْأُصُول نحوهم وَتبع فِي نفي

التَّشْبِيه مَعَ مُلَازمَة الْكتاب وَالسّنة قَوْلهم جعل من جُمْلَتهمْ وعد من حسابهم بِمَشِيئَة الله تَعَالَى وإذنه أعاننا الله على ذَلِك بمنه وَختم لنا بالسعادة وَالشَّهَادَة بجوده وليعلم الْمنصف من أَصْحَابنَا صنع الله تَعَالَى فِي تَقْدِيم هَذَا الأَصْل الشريف لما ذخره لِعِبَادِهِ من هَذَا الْفَرْع المنيف الَّذِي أَحْيَا بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة وَجعله خلف حق لسلف صدق قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَمِمَّا يدل أَيْضا على شرف أَصله وَالْإِشَارَة إِلَى مَا يظْهر من علمه وَكبر مَحَله حَدِيث الْأَعْمَش عَن جَامع بن شَدَّاد عَن صَفْوَان بن مُحرز عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعقلت نَاقَتي بِالْبَابِ ثمَّ دخلت فَأَتَاهُ نفر من بني تَمِيم فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بني تَمِيم قَالُوا فبشرتنا فَأَعْطِنَا فجَاء نفر من أهل الْيمن فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أهل الْيمن إِذْ لم يقبلهَا إخْوَانكُمْ من بني تَمِيم قَالُوا قبلنَا يَا رَسُول الله أَتَيْنَاك لنتفقه فِي الدّين ونسألك عَن أول هَذَا الْأَمر كَيفَ كَانَ قَالَ كَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره وَكَانَ عَرْشه على المَاء ثمَّ كتب فِي الذّكر كل شَيْء ثمَّ خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَالَ ثمَّ أَتَانِي رجل فَقَالَ أدْرك نَاقَتك قد ذهبت فَخرجت فَوَجَدتهَا يَنْقَطِع دونهَا السراب وأيم الله لَوَدِدْت أَنِّي كنت تركتهَا قَالَ الإِمَام الْحَافِظ

أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الحَدِيث خرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح من أوجه عَن الْأَعْمَش وَأخرج أَوله فِي بَاب قدوم الْأَشْعَرِيين وَأهل الْيمن وَفِي سُؤَالهمْ دَلِيل على أَن الْكَلَام فِي علم الْأُصُول وَحدث الْعَالم مِيرَاث لأولادهم عَن أجدادهم وَقَوله وَكَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره وَيدل على أَنه لم يكن شَيْء غَيره لَا المَاء وَلَا الْعَرْش وَلَا غَيرهمَا فَجَمِيع ذَلِك غير الله تَعَالَى وَقَوله {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} هود يَعْنِي ثمَّ خلق المَاء وَخلق الْعَرْش على المَاء ثمَّ كتب فِي الذّكر كل شَيْء قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وثنا شيخ السّنة الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي تصانيف كَثِيرَة وَهُوَ على مذْهبه وناهيك بِهِ وَقد أفرد للثناء عَلَيْهِ كلَاما مِنْهُ رسَالَته إِلَى العميد يَقُول فِي فصل مِنْهَا وَكَأَنَّهُ خَفِي عَن الشَّيْخ العميد أَقَامَ الله عزه حَال شَيخنَا أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله عَلَيْهِ ورضوانه وَمَا يرجع إِلَيْهِ من شرف الأَصْل وَكبر الْمحل فِي الْعلم وَالْفضل وَكَثْرَة الْأَصْحَاب من الخنفية والمالكية وَالشَّافِعِيَّة الَّذين رَغِبُوا فِي علم الْأُصُول وأحبوا معرفَة دَلَائِل الْعُقُول وفضائل الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ومناقبه أَكثر

من أَن يُمكن ذكرهَا فِي هَذِه الرسَالَة لما فِي الإطالة من خشيَة الملالة لكني أذكر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى من شرفه بآبائه وأجداده وفضله بِعِلْمِهِ وَحسن اعْتِقَاده وَكبر مَحَله بِكَثْرَة أَصْحَابه مَا يحملهُ على الذب عَنهُ وَعَن أَتْبَاعه فَليعلم الشَّيْخ العميد أدام الله سيادته أَن أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله من أَوْلَاد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ أَبُو الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى وَأَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس بن سليم الْأَشْعَرِيّ ينْسب إِلَى الْجمَاهِر بن الْأَشْعر والأشعر من أَوْلَاد سبأ الَّذين كَانُوا بِالْيمن فَلَمَّا بعث الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَاجر أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَعَ إخوانه فِي بضع وَخمسين من قومه إِلَى أَرض الْحَبَشَة فأقاموا مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ حَتَّى قدمُوا جَمِيعًا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين افْتتح خَيْبَر ثمَّ ذكر من فضل أبي مُوسَى بعض مَا عدمته بأسانيده إِلَى أَن قَالَ ورزق من الْأَوْلَاد والأحفاد من الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وَالرِّعَايَة مَا يكثر نشره وأساميهم فِي التواريخ مثبتة ومعرفتهم عِنْد أهل الْعلم بالرواية مَشْهُورَة إِلَى أَن بلغت النّوبَة إِلَى شَيخنَا أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله فَلم يحدث فِي

دين الله حَدثا وَلم يَأْتِ فِيهِ ببدعة بل أَخذ أقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة فِي أصُول الدّين فنصرها بِزِيَادَة شرح وتبيين وَأَن مَا قَالُوهُ وَجَاء بِهِ الشَّرْع فِي الْأُصُول صَحِيح فِي الْعُقُول خلاف مَا زَعمه أهل الْأَهْوَاء من أَن بعضه لَا يَسْتَقِيم فِي الآراء فَكَانَ فِي بَيَانه تَقْوِيَة مَا لم يدل عَلَيْهِ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ونصرة أقاويل من مضى من الْأَئِمَّة كَأبي حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ من أهل الْكُوفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيره من أهل الشَّام وَمَالك وَالشَّافِعِيّ من أهل الْحَرَمَيْنِ وَمن نحا نَحْوهمَا من أهل الْحجاز وَغَيرهَا من سَائِر الْبِلَاد وكأحمد بن حَنْبَل وَغَيره من أهل الحَدِيث وَاللَّيْث بن سعد وَغَيره وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَأبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي إمامي أهل الْآثَار وحفاظ السّنَن الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الشَّرْع رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَذَلِكَ دأب من تصدر من الْأَئِمَّة فِي هَذِه الْأمة وَصَارَ رَأْسا فِي الْعلم من أهل السّنة فِي قديم الدَّهْر وَحَدِيثه وَبِذَلِك وعد سيدنَا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته فِيمَا روى عَنهُ أَبُو هُرَيْرَة أَنه قَالَ يبْعَث لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة من يجدد لَهَا دينهَا وهم هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الَّذين قَامُوا فِي كل عصر من أعصار أمته بنصرة شَرِيعَته وَمن قَامَ بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَحين نزل قَول الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على}

الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم) الْمَائِدَة 54 أَشَارَ الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبي مُوسَى وَقَالَ قوم هَذَا فوعد الله شَيْئا مُعَلّقا بِشَيْء وَخص النَّبِي الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ قوم أبي مُوسَى فَكَانَ خَبره حَقًا ووعد الله صدقا وَحين خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَين أمته وَقَبضه الله تَعَالَى إِلَى رَحمته ارْتَدَّ نَاس من الْعَرَب فجاهدهم أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بأصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو مُوسَى وَقَومه حَتَّى عَاد أهل الرِّدَّة إِلَى الْإِسْلَام كَمَا وعد رب الْأَنَام وَحين كثرت المبتدعة فِي هَذِه الْأمة وَتركُوا ظَاهر الْكتاب وَالسّنة وأنكروا مَا ورد بِهِ من صِفَات الله عز وَجل نَحْو الْحَيَاة وَالْعلم وَالْقُدْرَة والمشيئة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وجحدوا مَا دلا عَلَيْهِ من الْمِعْرَاج وَعَذَاب الْقَبْر وَالْمِيزَان وَأَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان وَأَن أهل الْإِيمَان يخرجُون من النَّار وَمَا لنبينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحَوْض والشفاعة مَا لأهل الْجنَّة من الرُّؤْيَة وَأَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة كَانُوا محقين فِيمَا قَامُوا بِهِ من الْولَايَة وَزَعَمُوا أَن شَيْئا من ذَلِك لَا يَسْتَقِيم على الْعقل وَلَا يَصح فِي الرَّأْي أخرج الله عز

وَجل من نسل أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِمَامًا قَامَ بنصرة دين الله تَعَالَى وجاهد بِلِسَانِهِ وَبَيَانه من صدعن سَبِيل الله وَزَاد فِي التَّبْيِين الْأَهْل الْيَقِين أَن مَا جَاءَ بِهِ الْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سلف هَذِه الْأمة مُسْتَقِيم على الْعُقُول الصَّحِيحَة والاراء تَصْدِيقًا لقَوْله وتحقيقا لتخصيص رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قوم أبي مُوسَى بقوله {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} هَذَا وَالْكَلَام فِي علم الْأُصُول وحدوث الْعَالم مِيرَاث أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ عَن أجداده وأعمامه الَّذين قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لم يثبت عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن وَفْدًا من الْوُفُود وفدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ عَن علم الْأُصُول وَحدث الْعَالم إِلَّا وَفد الْأَشْعَرِيّ من أهل الْيمن ثمَّ ذكر حَدِيث عمرَان بن الْحصين حِين أَتَاهُ نفر من بني تَمِيم وَقد ذكرته قبل بِإِسْنَادِهِ ثمَّ قَالَ فَمن تَأمل هَذِه الْأَحَادِيث وَعرف مَذْهَب شَيخنَا أبي الْحسن فِي علم الْأُصُول وَعلم تبحره فِيهِ أبْصر صنع الله عزت قدرته فِي تَقْدِيم هَذَا الأَصْل الشريف لما ذخره لِعِبَادِهِ من هَذَا الْفَرْع المنيف الَّذِي أَحْيَا بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة وَجعله خلف حق لسلف صدق

قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فَهَذَا كَلَام هَذَا الإِمَام الْعَظِيم الْقدر شيخ السّنة الْحَافِظ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ فِي الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وثناؤه عَلَيْهِ وَكَونه على مذْهبه واعتقاده وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر كتب إِلَيّ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم نصر بن نصر بن عَليّ بن يُونُس بن العكبري الْوَاعِظ من بَغْدَاد يُخْبِرنِي عَن القَاضِي أبي الْمَعَالِي عزيزي بن عبد الْملك قَالَ سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي قَالَ سَمِعت الإِمَام أَبَا الْحُسَيْن يَعْنِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن سمعون قَالَ سَمِعت أَبَا عمرَان مُوسَى بن أَحْمد بن عَليّ الْفَارِسِي الْفَقِيه قَالَ سَمِعت أبي يَقُول خدمت الإِمَام أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ بِالْبَصْرَةِ سِنِين وعاشرته بِبَغْدَاد إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله فَلم أجد أحدا أورع مِنْهُ وَلَا أَغضّ طرفا وَلم أر شَيخا أَكثر حَيَاء مِنْهُ فِي أُمُور الدُّنْيَا وَلَا أنشط مِنْهُ فِي أُمُور الْآخِرَة قَالَ القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي فأظهر الْحق ونشره وأدحض

مصنفات أبي الحسن الأشعري

الْبَاطِل وزجره وَأَعْلَى معالم الدّين وَأقَام دعائم الْيَقِين وصنف كتبا هِيَ فِي الْآفَاق مَشْهُورَة مَعْرُوفَة وَعَن الْمُخَالف والمؤالف مبثوثة مَوْصُوفَة فَلم تزل وُجُوه الدّين بجانبه مكشوفة القناع وأيدي الشَّرِيعَة بنصرته مبسوطة الباع وَكلمَة الْبدع منقمعة الْأَمر وَشبه الْبَاطِل منقصمة الظّهْر إِلَى أَن مَاتَ رضوَان الله عَلَيْهِ وبسندي الْمُتَقَدّم إِلَى الإِمَام الْحَافِظ أبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو المظفر بن أبي الْعَبَّاس الشعيري الصُّوفِي أَنا الإِمَام أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن الْحُسَيْن البسطامي جدي لأمي قَالَ سَمِعت عَليّ بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ الْمُتَكَلّم قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن السُّوسِي الْفَاضِل فِي الْكَلَام يَقُول كَانَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن يَعْنِي الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله قَرِيبا من عشْرين سنة يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح بِوضُوء الْعَتَمَة وَكَانَ لَا يَحْكِي عَن اجْتِهَاده شَيْئا إِلَى أحد مصنفات أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وَلَو تتبعنا ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ لطال الْكَلَام فاقتصرنا مِنْهُ على هَذِه الْقدر فَذكر الْحَافِظ

الْخَطِيب عَن أبي مُحَمَّد بن عَليّ بن سعيد بن حزم الأندلسي عدَّة تصانيفه وَأَنَّهَا خَمْسَة وَخَمْسُونَ تصنيفا وَمَا ذكره بعض تصانيفه وَقد ذكرهَا على التَّمام الإِمَام الْحَافِظ مُحدث الشَّام أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر فلنذكرها بجملتها على نَحْو مَا ذكرهَا فَنَقُول فَأَما أسامي كتب الشَّيْخ أبي الْحسن مِمَّا صنفه إِلَى سنة عشْرين وثلاثمائة فَإِنَّهُ ذكر فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الْعمد فِي الرُّؤْيَة أسامي أَكثر كتبه فَمن ذَلِك أَنه صنف كتابا سَمَّاهُ الْفُصُول فِي الرَّد على الْمُلْحِدِينَ والخارجين عَن الْملَّة كالفلاسفة والطبائعيين والدهريين وَأهل التَّشْبِيه والقائلين بقدم الدَّهْر على اخْتِلَاف مقالاتهم وأنواع مذاهبهم ثمَّ رد فِيهِ على البراهمية وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَهُوَ كتاب كَبِير يشْتَمل على اثْنَي عشر كتابا أول الْكتاب إِثْبَات النّظر وَحجَّة الْعقل وَالرَّدّ على من أنكر ذَلِك ثمَّ ذكر علل الْمُلْحِدِينَ والدهريين مِمَّا احْتَجُّوا بهَا فِي قدم الْعَالم وَتكلم عَلَيْهَا وَاسْتوْفى مَا ذكره ابْن الراوندي فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بِكِتَاب التَّاج وَهُوَ الَّذِي نصر فِيهِ القَوْل بقدم الْعَالم وَذكر بعده الْكتاب الَّذِي سَمَّاهُ كتاب الموجز وَذَلِكَ يشْتَمل على اثْنَي عشر كتابا على حسب تنوع مقالات

الْمُخَالفين من الخارجين عَن الْملَّة والداخلين فِيهَا وَآخره كتاب الْإِمَامَة تكلم فِي إِثْبَات إِمَامَة الصّديق رَضِي الله عَنهُ وأبطل قَول من قَالَ بِالنَّصِّ وَأَنه لَا بُد من إِمَام مَعْصُوم فِي كل عصر قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن وألفنا كتابا فِي خلق الْأَعْمَال نقضنا فِيهِ اعتلالات الْمُعْتَزلَة والقدرية فِي خلق الْأَعْمَال وكشفنا عَن تمويههم فِي ذَلِك قَالَ وألفنا كتابا كَبِيرا فِي الإستطاعة على الْمُعْتَزلَة نقضنا فِيهِ استدلالاتهم على أَنَّهَا قبل الْفِعْل ومسائلهم وجواباتهم قَالَ وألفنا كتابا كَبِير فِي الصِّفَات تكلمنا على أَصْنَاف الْمُعْتَزلَة والجهمية الْمُخَالفين لنا فِيهَا فِي نفهيم علم الله وَقدرته وَسَائِر صِفَاته وعَلى أبي الْهُذيْل وَمعمر والنظام والفويطي وعَلى من قَالَ بقدم الْعَالم وَفِي فنون كَثِيرَة من فنون الصِّفَات فِي إِثْبَات الْوَجْه لله تَعَالَى وَالْيَدَيْنِ وَفِي استوائه على الْعَرْش وعَلى النَّاشِئ فِي مذْهبه فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات قَالَ وألفنا كتابا فِي جَوَاز رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار نقضنا فِيهِ جَمِيع اعتلالات الْمُعْتَزلَة فِي نَفيهَا وإنكارها وإبطالها

قَالَ وألفنا كتابا آخر كَبِيرا ذكرنَا فِيهِ اخْتِلَاف النَّاس فِي الْأَسْمَاء وَالْأَحْكَام وَالْخَاص وَالْعَام قَالَ وألفنا كتابا فِي الرَّد على المجسمة وألفنا كتابا آخر فِي الْجِسْم نرى أَن الْمُعْتَزلَة لَا يُمكنهُم أَن يجيبوا عَن مسَائِل الجسمية كَمَا يمكننا ذَلِك وَبينا لُزُوم مسَائِل الجسمية على أصولهم قَالَ وألفنا كتابا سميناه إيضاحا الْبُرْهَان فِي الرَّد على أهل الزيغ والطغيان جَعَلْنَاهُ مدخلًا إِلَى الموجز تكلمنا فِيهِ فِي الْفُنُون الَّتِي تكلمنا فِيهَا فِي الموجز وألفنا كتابا لطيفا سميناه كتاب اللمع فِي الرَّد على أهل الزيغ والبدع وألفنا كتابا سميناه اللمع الْكَبِير جَعَلْنَاهُ مدخلًا إِلَى أيضاح الْبُرْهَان وألفنا كتاب اللمع الصَّغِير جَعَلْنَاهُ مدخلًا إِلَى اللمع الْكَبِير والفنا كتابا سميناه كتاب الشَّرْح وَالتَّفْصِيل فِي الرَّد على أهل الْإِفْك والتضليل جَعَلْنَاهُ للمبتدئ ومقدمة ينظر فِيهَا قبل كتاب اللمع وَهُوَ كتاب يصلح للمتعلمين وألفنا كتابا مُخْتَصرا جَعَلْنَاهُ مدخلًا إِلَى الشَّرْح وَالتَّفْصِيل

وألفنا كتابا كَبِيرا نقضنا فِي الْكتاب الْمَعْرُوف ب الْأُصُول على مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الجبائي كشفنا عَن تمويهه فِي سَائِر الْأَبْوَاب الَّتِي تكلم فِيهَا من أصُول التَّنْزِيه وَذكرنَا للمعتزلة من الْحجَج فِي ذَلِك مَا لم يَأْتِ بِهِ ونقضناه بحجج الله الزاهرة وبراهينه الباهرة يَأْتِي كلامنا عَلَيْهِ فِي نقضه على جَمِيع مسَائِل المعتزله وأجوبتها فِي الْفُنُون الَّتِي اخْتَلَفْنَا نَحن وهم فِيهَا قَالَ وألفنا كتابا كَبِيرا نقضنا فِيهِ الْكتاب الْمَعْرُوف ب نقض تَأْوِيل الْأَدِلَّة على الْبَلْخِي فِي أصُول الْمُعْتَزلَة وأبنا عَن شبهه الَّتِي أوردهَا بأدلة الله الْوَاضِحَة وأعلامه اللائحة وضممنا إِلَى ذَلِك نقض مَا ذكره من الْكَلَام فِي الصِّفَات فِي عُيُون الْمسَائِل والجوابات وألفنا كتابا فِي مقالات الْمُسلمين يستوعب جَمِيع اختلافاتهم ومقالاتهم وألفنا كتابا فِي جمل مقالات الْمُلْحِدِينَ وجمل أقاويل الْمُوَحِّدين سميناه كتاب جمل المقالات وألفنا كتابا كَبِيرا فِي الصِّفَات وَهُوَ أكبر كتبنَا فِيهَا سميناه كتاب الجوابات فِي الصِّفَات عَن مسَائِل أهل الزيغ والشبهات نقضنا فِيهِ كتابا كُنَّا ألفناه قَدِيما فِيهَا على تَصْحِيح

مَذْهَب الْمُعْتَزلَة لم يؤلف لَهُم كتاب مثلَة ثمَّ أبان الله سُبْحَانَهُ لنا الْحق فرجعنا عَنهُ فنقضناه وأوضحنا بُطْلَانه وألفنا كتابا على ابْن الراوندي فِي الصِّفَات وَالْقُرْآن وألفنا كتابا نقضنا فِيهِ كتابا للخالدي أَلفه فِي الْقُرْآن وَالصِّفَات قبل أَن يؤلف كِتَابه الملقب ب الملخص وألفنا كتابا نقضنا بِهِ كتابا للخالدي فِي إِثْبَات حدث إِرَادَة الله تَعَالَى وَأَنه شَاءَ مَا لم يكن وَكَانَ مَا لم يَشَأْ وأوضحنا بطلَان قَوْله فِي ذَلِك وسميناه القامع لكتاب الخالدي فِي الْإِرَادَة وألفنا كتابا نقضنا فِيهِ كتابا للخالدي فِي المقالات سَمَّاهُ الْمُهَذّب سمينا نقضه فِيمَا نخالفه فِيهِ من كِتَابه الدامغ للمهذب ونقضنا كتابا للخالدي يَنْفِي فِيهِ رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار وألفنا على الخالدي كتابا نقضنا فِيهِ كتابا أَلفه فِي نفي خلق الْأَفْعَال وتقديرها عَن رب الْعَالمين وألفنا كتابا نقضنا بِهِ على الْبَلْخِي كتابا ذكر أَنه أصلح بِهِ غلط ابْن الراوندي فِي الجدل وألفنا كتابا فِي الإستشهاد أرينا فِيهِ كَيفَ يلْزم الْمُعْتَزلَة

على حججهم فِي الاستشهاد بِالشَّاهِدِ على الْغَائِب أَن يثبتوا علم الله تَعَالَى وَقدرته وَسَائِر صِفَاته وألفنا كتابا سميناه الْمُخْتَصر فِي التَّوْحِيد وَالْقدر فِي أَبْوَاب من الْكَلَام مِنْهَا الْكَلَام فِي إِثْبَات رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار وَالْكَلَام فِي سَائِر الصِّفَات وَالْكَلَام فِي أَبْوَاب الْقدر كلهَا وَفِي التولد وَالتَّعْدِيل والتجوير وسألناهم فِيهِ عَن مسَائِل كَثِيرَة ضاقوا بِالْجَوَابِ عَنْهَا ذرعا وَلم يَجدوا إِلَى الانفكاك عَنْهَا بِحجَّة سَبِيلا وألفنا كتابا فِي شرح أدب الجدل وألفنا كتابا سميناه كتاب الطبريين فِي فنون كَثِيرَة من الْمسَائِل وألفنا كتابا سميناه جَوَاب الخراسانية فِي ضروب من الْمسَائِل كَثِيرَة وألفنا كتابا سميناه جَوَاب المجانين فِي أَبْوَاب مسَائِل الْكَلَام وألفنا كتابا سميناه جَوَاب السيرافيين فِي أَجنَاس من الْكَلَام وألفنا كتابا سميناه جَوَاب العمانيين فِي أَنْوَاع من الْكَلَام وألفنا كتابا سميناه جَوَاب الجرجانيين فِي مسَائِل كَانَت تَدور بَيْننَا وَبَين الْمُعْتَزلَة

وألفنا كتابا سميناه جَوَاب الدمشقيين فِي لطائف من الْكَلَام وألفنا كتابا سميناه جَوَاب الرامهرمزيين وَكَانَ بعض الْمُعْتَزلَة من رامهرمز كتب إِلَيّ يسألني الْجَواب عَن مسَائِل كَانَت تَدور فِي نَفسه فأجبت عَنْهَا وألفنا كتابا سميناه الْمسَائِل المنثورة البغدادية وَفِيه مجَالِس درات بَيْننَا وَبَين أَعْلَام الْمُعْتَزلَة وألفنا كتابا سميناه المنتخل من الْمسَائِل المنثورات البصريات وألفنا كتابا سميناه كتاب الْعُيُون فِي الرَّد على الْمُلْحِدِينَ وألفت كتاب النَّوَادِر فِي دقائق الْكَلَام وألفت كتابا سميته كتاب الْإِدْرَاك فِي فنون من لطائف الْكَلَام وألفت نقض الْكتاب الْمَعْرُوف ب اللَّطِيف على الإسكافي وألفت كتابا نقضت فِيهِ كَلَام عباد بن سُلَيْمَان فِي دقائق الْكَلَام وألفت كتابا نقضت فِيهِ كتابا على عَليّ بن عِيسَى من تأليفه

وألفت كتابا فِي ضروب من الْكَلَام سميناه المخترف ذكرنَا فِيهِ مسَائِل للمخالفين لم يسألونا عَنْهَا وَلَا سطروها فِي كتبهمْ وَلم يتجهوا للسؤال وأجبنا عَنْهَا بِمَا وفقنا الله لَهُ وألفنا كتابا فِي بَاب شَيْء وَأَن الْأَشْيَاء هِيَ أَشْيَاء وَإِن عدمت رَجعْنَا عَنهُ ونقضناه فَمن وَقع إِلَيْهِ فَلَا يعولن عَلَيْهِ وألفنا كتابا فِي الإجتهاد فِي الْأَحْكَام وألفنا كتابا فِي أَن الْقيَاس يخص ظَاهر الْقُرْآن وألفنا كتابا فِي المعارف لطيفا وألفنا كتابا فِي الْأَخْبَار وتخصيصها وألفنا كتابا سميناه كتاب الْفُنُون فِي أَبْوَاب من الْكَلَام غير كتاب الْفُنُون الَّذِي ألفناه على الْمُلْحِدِينَ وألفنا كتابا سميناه جوابات المصريين أَتَيْنَا فِيهِ على كثير من أَبْوَاب الْكَلَام وألفنا كتابا فِي أَن الْعَجز عَن الشَّيْء غير الْعَجز عَن ضِدّه وَأَن الْعَجز لَا يكون إِلَّا عَن الْوُجُود نصرنَا فِيهِ من قَالَ من أَصْحَابنَا بذلك

وألفنا كتابا فِيهِ مسَائِل على أهل التَّثْنِيَة سميناه كتاب الْمسَائِل على أهل التَّثْنِيَة وألفنا كتابا مُجَردا ذكرنَا فِيهِ جَمِيع اعْتِرَاض الدهريين فِي قَول الْمُوَحِّدين أَن الْحَوَادِث أَولا فِي أَنَّهَا لَا تصح وَأَنَّهَا لَا تصح إِلَّا من مُحدث وَفِي أَن الْمُحدث وَاحِد وأجبناهم عَنهُ بِمَا فِيهِ إقناع للمسترشدين وَذكرنَا فِيهِ أَيْضا اعتلالاتهم فِي قدم الْأَجْسَام وَهَذَا الْكتاب غير كتبنَا الْمَذْكُورَة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي صدر كتَابنَا هَذَا وَهُوَ مَوْسُوم بالإستقصاء لجَمِيع اعْتِرَاض الدهريين وَسَائِر أَصْنَاف الْمُلْحِدِينَ وألفنا كتابا على الدهريين فِي اعتلالهم فِي قدم الْأَجْسَام بِأَنَّهَا لَا تَخْلُو لَو كَانَت محدثة من أَن يكون أحدثها لنَفسِهِ أَو لعِلَّة وألفنا كتابا نقضنا بِهِ اعتراضا على دَاوُد بن عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ قي مَسْأَلَة الإعتقاد وألفنا كتاب تَفْسِير الْقُرْآن رددنا فِيهِ على الجبائي والبلخي مَا حرفا من تَأْوِيله وألفنا كتاب زيادات النَّوَادِر وألفنا كتابا سميناه جوابات أهل فَارس

وألفنا كتابا أجبنا فِيهِ عَن اعتلال من زعم أَن الْموَات يفعل بطبعه ونقضنا عَنْهُم اعتلالهم وأوضحنا عَن تمويههم وألفنا كتابا فِي الرُّؤْيَة نقضنا بِهِ اعتراضات اعْترض بهَا علينا الجبائي فِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة من كتب جمعهَا مُحَمَّد بن عمر الصَّيْمَرِيّ وحكاها عَنهُ فأبنا عَن فَسَادهَا وأوضحناه وكشفناه وألفنا كتابا سميناه الْجَوْهَر فِي الرَّد على أهل الزيغ وَالْمُنكر وألفنا كتابا أجبنا فِيهِ عَن مسَائِل الجبائي فِي النّظر وَالِاسْتِدْلَال وشرائطه وألفنا كتابا أسميناه أدب الجدل وألفنا كتابا فِي مقالات الفلاسفة خَاصَّة وألفنا كتابا فِي الرَّد على الفلاسفة يشْتَمل على ثَلَاث مقالات ذكرنَا فِيهِ نقض علل ابْن قيس الدهري وتكلمنا فِيهِ على الْقَائِلين بالهيولى والطبائع ونقضنا فِيهِ علل ارسطوطاليس فِي السَّمَاء والعالم وَبينا مَا عَلَيْهِم فِي قَوْلهم بِإِضَافَة الْأَحْدَاث إِلَى النُّجُوم وَتَعْلِيق أَحْكَام السَّعَادَة والشقاوة بهَا قَالَ الإِمَام الْحَافِظ مُحدث الشَّام أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن فورك هَذَا هُوَ أسامي كتبه

الَّتِي ألفها إِلَى سنة عشْرين وثلاثمائة سوى أَمَالِيهِ على النَّاس والجوابات المتفرقة على الْمسَائِل الْوَارِدَة من الْجِهَات المختلفات وَسوى مَا أمْلى على النَّاس مِمَّا لم يذكر أساميه هَهُنَا وَقد عَاشَ بعد ذَلِك إِلَى سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة وصنف فِيهَا كتبا مِنْهَا كتاب نقض المضاهاة على الإسكافي فِي التَّسْمِيَة بِالْقدرِ وَكتاب الْعمد فِي الرُّؤْيَة وَكتاب فِي مَعْلُومَات الله تَعَالَى ومقدوراته أَنه لَا نِهَايَة لَهَا على أبي الْهُذيْل وَكتاب على حَارِث الْوراق فِي الصِّفَات فِيمَا نقض على ابْن الراوندي وَكتاب على أهل التناسخ وَكتاب فِي الرَّد فِي الحركات على أبي الْهُذيْل وَكتاب على أهل الْمنطق ومسائل سُئِلَ عَنْهَا الجبائي فِي الْأَسْمَاء وَالْأَحْكَام ومجالسات فِي خبر الْوَاحِد وَإِثْبَات الْقيَاس وَكتاب فِي أَفعَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتاب فِي الْوُقُوف والعموم وَكتاب متشابه الْقُرْآن جمع فِيهِ بَين الْمُعْتَزلَة والملحدين فِيمَا يطعنون بِهِ فِي متشابه الحَدِيث وَنقض كتاب التَّارِيخ على ابْن الراوندي وَكتاب فِيهِ بَيَان مَذْهَب الْبَصْرِيّ وَكتاب فِي الْإِمَامَة وَكتاب فِيهِ الْكَلَام على النَّصَارَى مِمَّا يحْتَج بِهِ عَلَيْهِم من سَائِر الْكتب الَّتِي يعترفون بهَا وَكتاب فِي النَّقْض على ابْن الراوندي فِي إبِْطَال التَّوَاتُر وَفِيمَا يتَعَلَّق بِهِ الطاعنون على التَّوَاتُر ومسائل فِي

إِثْبَات الْإِجْمَاع وَكتاب فِي حكايات الْمذَاهب المجسمة وَمَا يحتجون بِهِ وَكتاب نقض شرح الْكتاب وَكتاب فِي مسَائِل جرت بَينه وَبَين أبي الْفرج الْمَالِكِي فِي عِلّة الْخمر وَنقض الْآثَار العلوية على أرسطوطاليس وَكتاب فِي جوابات مسَائِل لأبي هَاشم استملاها ابْن أبي صَالح الطَّبَرِيّ وَكتابه الَّذِي أملاه سَمَّاهُ الاحجاج وَكتاب الاخبار الَّذِي على الْبُرْهَان وَذَلِكَ آخر مَا بلغنَا من أسامي تصانيفه وَله كتاب فِي دَلَائِل النُّبُوَّة مُفْرد وَكتاب آخر فِي الْإِمَامَة مُفْرد قَالَ مُحدث الشَّام الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر هَذَا آخر مَا ذكره أَبُو بكر ابْن فورك من تصانيفه وَقد وَقع إِلَيّ أَشْيَاء لم يذكرهَا فِي تَسْمِيَة تواليفه فَمِنْهَا رِسَالَة فِي الْحَث على الْبَحْث ورسالة فِي الْإِيمَان وَمَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْخلق وَجَوَاب مسَائِل كتب بهَا إِلَى أهل الثغر فِي تَبْيِين مَا سَأَلُوهُ عَنهُ من مَذْهَب أهل الْحق وَأَخْبرنِي الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم بن نصر الْوَاعِظ فِي كِتَابه عَن أبي الْمَعَالِي بن عبد الْملك القَاضِي قَالَ سَمِعت من أَثِق بِهِ

قَالَ رَأَيْت تراجم كتب الإِمَام أبي الْحسن فعددتها أَكثر من ثَمَانِينَ وثلاثمائة مُصَنف وَفِي ذَلِك مَا يدل على سَعَة علمه وينبئ الْجَاهِل عَن غزارة فهمه قَالَ الْحَافِظ وكل ذَلِك مِمَّا يدل على نبله وَكَثْرَة علمه وَظُهُور فَضله فجزاه الله على جهاده فِي دينه بِلِسَانِهِ الْحسنى وأحله بإحسانه فِي مُسْتَقر جنانه الْمحل الْأَسْنَى قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وَلَوْلَا خوف الإطالة وخشية السَّآمَة لأوردت من كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ وثنائهم عَلَيْهِ وَذكرت من هُوَ منتسب من الْعلمَاء إِلَيْهِ وَمن هُوَ على أَئِمَّة قادة مذْهبه لَكِن اقتصرت على هَذَا النزر الْيَسِير فِي ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ فِي علمه وزهده وورعه واجتهاده فِي عِبَادَته وتصدية للرَّدّ على المبتدعة وعَلى الخارجين من الْملَّة وَعدد مصنفاته نَاقِلا ذَلِك من كَلَام الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات أَئِمَّة الْهدى مصابيح الدجى فصححوا الْآثَار وَنَفَوْا التحريف وَالْكذب عَن الْأَخْبَار الَّذِي لَا ريب فِي عدالتهم وَلَا نزاع فِي أمانتهم كَالْإِمَامِ الْحَافِظ أبي عبد الله النَّيْسَابُورِي إِمَام أهل الحَدِيث فِي عصره وكالحافظ أبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ مُصَنف حلية الْأَوْلِيَاء وطبقة الأصفياء وَغَيرهمَا من مصنفاته وكالإمام الْحَافِظ شيخ السّنة أبي بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الببيهقي مُصَنف كتاب معرفَة السّنَن والْآثَار وَغَيرهَا وكالإمام الْحَافِظ أبي بكر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ صَاحب كتاب تَارِيخ بَغْدَاد وَغَيره

وكالأمير الْحَافِظ أبي نصر عَليّ بن هبة الله بن مَاكُولَا وكالإمام الْحَافِظ فَخر الْحفاظ شيخ الْإِسْلَام مُحدث الشَّام نَاصِر السّنة قامع الْبِدْعَة أبي الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن بن هبة الله بن عَسَاكِر الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي وَغَيرهم من الْأَئِمَّة مِمَّن هُوَ مَذْكُور فِي أثْنَاء هَذَا الْمَجْمُوع فَعَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات نقلت مَا أوردته من أَخْبَار الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ وَأَصْحَابه لِئَلَّا يَقع شكّ أَو يتخالج فِي مَا نورد من أخبارهم ريب وَعند هَذَا يظْهر أَن مَا افتراه ابْن حزم على الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَغَيره مِمَّن عَادَته الافتراء على الْأَئِمَّة وثلبهم وَالِاخْتِلَاف عَلَيْهِم وسبهم مَعَ ثَنَاء هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الَّذين ذكرتهم على الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه غير مَقْبُول وَأَن مَا يخرصون عَلَيْهِم كذب وزور 14 - الخسروشاهي قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَأخذت أَيْضا

علم الْأُصُول الدِّينِيَّة والفقهية على الخسروشاهي وَأَن الخسروشاهي أَخذ عَن الإِمَام ابْن الْخَطِيب وَأخذ ابْن الْخَطِيب عَن وَالِده وَأخذ وَالِده عَن الإِمَام سلمَان بن نَاصِر الْأنْصَارِيّ وَأخذ سلمَان عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيّ وَقد تقدم عَمَّن أَخذ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أما الخسروشاهي فَهُوَ الإِمَام الأوحد الْعَالم الْفَاضِل شمس الدّين عبد الحميد الخسروشاهي كَانَ رَحمَه الله وحيد عصره وفريد دهره فِي الْعُلُوم النظرية الدِّينِيَّة والحكمية غير مُنَازع فِيهَا وَلَا مساهم عَلَيْهَا من أجلهَا تعْمل إِلَيْهِ الركاب وبسببها تحط بفنائه الرّحال مَعَ مَا رزق من حسن الْخلق وَطيب الْخلق وَالْوَقار وَحسن السمت وَكَانَ معيدا للْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَإِذا ذكره يَقُول قَالَ مَوْلَانَا بِلِسَان التَّعْظِيم والتوقير وَسَأَلَهُ يَوْمًا أخي الْفَقِيه أَبُو الْحسن بِدِمَشْق وَأَنا حَاضر فَقَالَ لَهُ أخي أَي الْإِمَامَيْنِ أفضل الْغَزالِيّ أم ابْن الْخَطِيب فَأَجَابَهُ الخسروشاهي بِأَن شَيْخه ابْن الْخَطِيب أفضل من الإِمَام أبي حَامِد فِي المعقولات ويفضله الْغَزالِيّ فِي المنقولات قَرَأت عَلَيْهِ وَسمعت بِالْقَاهِرَةِ وبدمشق فمما قَرَأت عَلَيْهِ كتاب الْخمسين لشيخه الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ الْمَعْرُوف

بِابْن الْخَطِيب وَكتاب الْأَرْبَعين لشيخه الإِمَام ابْن الْخَطِيب أَيْضا من أول الْكتاب إِلَى أَوله فِي الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثِينَ فِي إِثْبَات نبوءة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاعْلَم أَن معجزات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَثِيرَة ولنكتف هَاهُنَا بِهَذَا الْقدر فَتوفي رَحمَه الله عِنْد غرُوب الشَّمْس من يَوْم الِاثْنَيْنِ الرَّابِع وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة وَدفن بالصالحية مِنْهَا وَحَضَرت جنَازَته وَكَانَ يَوْمًا كثير الثَّلج وَسمعت عَلَيْهِ أَيْضا تفقها كتاب المحصل فِي علم الْكَلَام إِلَّا يَسِيرا من آخِره فَإِنَّهُ توفّي رَحمَه الله قبل أَن أكمله ومعظم كتاب الْمَحْصُول فِي أصُول الْفِقْه وكل دلك من تواليف شَيْخه الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وحَدثني بِجَمِيعِ ذَلِك عَنهُ وَكَانَ رَحمَه الله يُؤَكد عَليّ فِي الاعتناء بِكِتَاب نهايات الْعُقُول وَيَقُول لي لم يؤلف مثله وَصدق رَحمَه الله وَلَيْسَ فِي مصنفاته كتاب يفوقه هُوَ أحسن كتبه وَكتب عدَّة وَسبب ذَلِك أَنه صنفه فِي عنفوان شبابه وقصده فِي نِهَايَة من اجْتِهَاده قبل أَن تقبل عَلَيْهِ الدُّنْيَا ويشتغل بهَا فَلهَذَا كَانَ أحسن تصانيفه وحَدثني بِكِتَاب الْمفصل للزمخشري عَن شَيْخه المطرزي عَن الْخَطِيب أبي الْمُؤَيد موفق بن أَحْمد الْمَالِكِي عَن الزَّمَخْشَرِيّ

15 - تَرْجَمَة عارضة للمطرزي قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله والمطرزي هَذَا هُوَ أَبُو الْفَتْح نَاصِر بن أبي المكارم عبد السَّيِّد بن عَليّ المطرزي النَّحْوِيّ الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْخَوَارِزْمِيّ كَانَ رَحمَه الله ذَا علم بالنحو واللغة وَالشعر وَالْفِقْه وَهُوَ صَاحب شرح المقامات وَله تصانيف فِي الْفِقْه وَشعر جيد يقْصد فِيهِ التَّجْنِيس قَالَ شَيخنَا شمس الدّين لخسروشاهي وللمطرزي شَيخنَا كتاب فِي اللُّغَة سَمَّاهُ ب الْمغرب ثمَّ اختصاره وَسَماهُ بالمعرب قَالَ وَله كتاب فِي النَّحْو صَغِير من نَحْو سِتّ كراريس قَالَ وَكَانَ مُعظما لكتب أبي عَليّ الْفَارِسِي كثير المطالعة لَهَا وَأَخْبرنِي أَنه قَالَ حفظ عَلَيْهِ الْمفصل ثَلَاثمِائَة فَقِيه قَالَ وَأما من حفظ نصفه أَو أقل فَأكْثر من خَمْسمِائَة فَقِيه

العودة إلى ترجمة الخسروشاهي

وَقَالَ لي كَانَ شَيخنَا المطرزي إِذا أَرَادَ أَن ينَام يتكئ على رُكْبَتَيْهِ وينام وَمَا وضع جنبه على الأَرْض نَحوا من أَرْبَعِينَ سنة وَأَخْبرنِي عَنهُ أَنه قَالَ لَهُ لي أَرْبَعِينَ سنة مَا قعدت بِغَيْر وضوء قَالَ لي وَكَانَ فِي مَذْهَب الاعتزال مثل شيخ شَيْخه الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَولد المطرزي فِي الْعَاشِر من رَجَب سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بجرجانية خوارزم وجرجانية هِيَ قَصَبَة خوارزم قَالَ ياقوت الْحَمَوِيّ فِي كتاب الْبلدَانِ يُقَال لَهَا بلغتهم كركانج فعربت فَقيل لَهَا الجرجانية وَهِي على شاطئ جيحون والمطرزي هَذَا كَمَا يُقَال خَليفَة الزَّمَخْشَرِيّ فَإِنَّهُ ولد فِي السّنة الَّتِي توفّي فِيهَا الزَّمَخْشَرِيّ وَتُوفِّي المطرزي هَذَا يَوْم الثُّلَاثَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من جمادي الْآخِرَة من سنة عشر وسِتمِائَة العودة إِلَى تَرْجَمَة الخسروشاهي قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وَسمعت أَيْضا على شَيخنَا الخسروشاهي بعض كتاب نِهَايَة السُّؤَال وَبَعض كتاب الْأَحْكَام فِي أصُول الْفِقْه للسيف الْآمِدِيّ قَالَ شَيخنَا

وَالله مَا جرى قطّ على خاطري السَّيْف الْآمِدِيّ أَن كتبه تقْرَأ عَليّ وَلَا أعتقد ذَلِك يَعْنِي أَنه يعظمه ويكبره عَن تِلْكَ الْمنزلَة لجلالة قدره عِنْده وَعند غَيره وَسمعت أَيْضا عَن شَيخنَا الخسروشاهي بعض كتاب الْوَجِيز للغزالي وَكَانَ قد قَرَأَهُ بالموصل على الإِمَام الأوحد كَمَال الدّين بن يُونُس وَكتاب الْمَعْقُول 16 - تَرْجَمَة عارضة للفخر الرَّازِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَأما ابْن الْخَطِيب شيخ شَيخنَا الخسروشاهي على مَا ذكره فِي تَارِيخه الشَّيْخ الْفَقِيه شمس الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن خلكان قَالَ الإِمَام فَخر الديي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر بن أبي الْحُسَيْن ابْن الْحسن بن عَليّ الْبكْرِيّ الطبرستاني الأَصْل الرَّازِيّ المولد الْمَعْرُوف بِابْن الْخَطِيب كَانَت وِلَادَته فِي خَامِس عشْرين من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَقيل ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بِالريِّ وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ وَكَانَ عيد الْفطر سنة سِتّ وسِتمِائَة

بِمَدِينَة هرات من أَعمال خُرَاسَان وَدفن آخر النَّهَار فِي الْجَبَل المصاقب لقرية مزدخان رَحمَه الله وَقَرَأَ على الشَّيْخ فَخر الدّين الْحَنْبَلِيّ وَقَالَ أَبُو الْفَضَائِل ابْن عبد الحميد بن مُحَمَّد الْقزْوِينِي إِن الإِمَام فَخر الدّين أَخذ الْأُصُول عَن وَالِده وَأخذ وَالِده عَن أبي الْقَاسِم سلمَان بن شاطر الْأنْصَارِيّ وَقد ذكر لي شَيخنَا الخسروشاهي بِدِمَشْق كَيفَ كَانَ أمره فِي قِرَاءَته وَوصف من ورعه فِي ابْتِدَاء أمره وَمن اجْتِهَاده فِي طلبه وَمَا كَانَ يتَّفق وَلَاء من نسخه مَا يعجز عَنهُ وَخرج جَمِيع ذَلِك عني وَأَخْبرنِي الْفَقِيه ابْن الطباخ بِالْقَاهِرَةِ أَن بَعضهم كَانَ يحضر بدرس الإِمَام ابْن الْخَطِيب وَيقْعد بَعيدا من الْحلقَة فَقَالَ لَهُ الإِمَام ابْن الْخَطِيب لأي شَيْء تبعد عَنَّا وَلَا تشاركنا فِي الْجُلُوس قَالَ مجلسك الْبَحْر وَإِنِّي نهر وَلَا أحسن أسبح فأخشى الْغَرق فأدناه قربه وأنشدني بِدِمَشْق الخسروشاهي لبَعْضهِم فِي الإِمَام ابْن الْخَطِيب (رحلت إِلَى خورزم بَين عِصَابَة ... عطاش من التَّحْقِيق أخطأها الرّيّ) (فساق إِلَيْنَا الله ... ... مدحته ... إِمَامًا كفيض النَّهر أخرجه الرّيّ) وَأَخْبرنِي بِالْقَاهِرَةِ الْفَقِيه ابْن الطباخ أَن الإِمَام ابْن الْخَطِيب كَانَ يقْرَأ علم النَّحْو على نحوي يعرف بِابْن السكاك فَكَانَ ابْن

الْخَطِيب إِذا فرغ من مَجْلِسه أَتَى مَكَانَهُ وَقعد إِلَيْهِ فَكَانَ يعظم على ابْن السكاك مَجِيئه إِلَيْهِ وَيَقُول لَهُ أَنْت إِمَام وحقك أَن يُؤْتى إِلَيْك فَيَقُول الإِمَام ابْن الْخَطِيب هَذَا الَّذِي أَفعلهُ هُوَ الْوَاجِب قَالَ ابْن السكاك فَكَانَ الإِمَام يبْحَث معي فِي كتاب الْمفصل فَكَانَ فِي الْجُزْء الأول رُبمَا يكون مثلي أَو دوني يَسِيرا وَأما فِي الْجُزْء الثَّانِي فَكَانَ يحل لي المشكلات الَّتِي كَانَت تعتاص عَليّ قَالَ لي الْفَقِيه ابْن الطباخ وَكَانَ الإِمَام ابْن الْخَطِيب على فَضله شِيعِيًّا يرى محبَّة أهل الْبَيْت قَالَ وَكَذَا كَانَ التَّاج الأرموي 17 - الْخَطِيب الرَّازِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَأما الإِمَام السعيد عمر بن الْحُسَيْن الْخَطِيب الرَّازِيّ وَالِد الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَشَيْخه فَلم يثبت لدي من إخْبَاره إِلَّا مَا أثْبته مِنْهَا وَلَعَلَّ ذَلِك يَقع إِلَيّ فاستدركه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ فَخر الدّين الْحَنْبَلِيّ

18 - أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وَأما أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ فَهُوَ على مَا ذكره ابْن عَسَاكِر عَن الشَّيْخ أبي الْحُسَيْن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل قَالَ سلمَان بن نَاصِر بن عمرَان ابْن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق بن يزِيد بن زِيَاد أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ الإِمَام الدّين والورع الزَّاهِد فريد عصره فِي فنه وَكَانَ لَهُ معرفَة بالطريقه وَقدم فِي الصوفيه وَنظر دَقِيق وفكر فِي المعامله وتصاون فِي النَّفس وعفاف فِي الْمطعم وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة دَقِيق النّظر وَاقِفًا على مسالك الْأَئِمَّة وطرقهم فِي علم الْكَلَام بَصيرًا بمواضع الْإِشْكَال مَعَ قُصُور فِي عباراته وَكَانَت مَعْرفَته فَوق نطقه وَمَعْنَاهُ أوفر من ظَاهره وفحواه وعاش عَيْش الْأَبْرَار على سيرة السّلف الصَّالِحين وَتُوفِّي فِي صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة

19 - فصل الْعِزّ ابْن عبد السَّلَام وَأما تصانيف السَّيْف الْآمِدِيّ فيحدثني بهَا عَنهُ الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام الدِّمَشْقِي وَعز الدّين هَذَا شَيخنَا ولد بِدِمَشْق ثمَّ انْتقل إِلَى الْقَاهِرَة إِلَى أَن مَاتَ بهَا لأمور يطول ذكرهَا وَأَصله من الْمغرب هُوَ من أَعْيَان الْعلمَاء ومشاهير الْفُضَلَاء مَعَ مَا رزق بعد صِحَة العقيدة من السجايا الْكَرِيمَة والخصال الحميدة من قلَّة المراءاة لأبناء الدُّنْيَا وَعدم المبالاة بذوي الرُّتْبَة الْعليا والإقبال على إرشاد الْخلق وبذل النَّفس فِي نصْرَة الْحق والصلابة فِي الدّين وَإِظْهَار صِحَة الْيَقِين عَالما بالتفسير وَالْأُصُول وَالْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وَكَانَ أجرأ أهل زَمَانه قَلما بالفتوى وأغزرهم علما مَعَ التَّوَاضُع وَقلة الدَّعْوَى وجيها عِنْد مُلُوكهَا مُعظما فِي أَهلهَا مُحْتَرما بَين الْعلمَاء فِي الْبِلَاد المصرية وَغَيرهَا لَقيته بِالْقَاهِرَةِ سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة ولازمته سنتَيْن وَأخذت عَنهُ من تصاينفه وَمن

غَيرهَا كثيرا وَأَجَازَ لي إجَازَة عَامَّة وَأول مَا لَقيته قَالَ لي خير مقدم إِن شَاءَ الله فَقلت لَهُ بسعادتك فَقَالَ لي علام ينْتَصب خير مقدم فأجبته بِأَن سِيبَوَيْهٍ ذكر هَذَا الْمِثَال فِي المنصوبات وَأَجَازَ فِيهِ وَجْهَيْن النصب وَالرَّفْع وَذكرت لَهُ مَا يُمكن أَن يُقَال فِي الْمَسْأَلَة ثمَّ سَأَلَني عَن مسَائِل كَثِيرَة مُتعَدِّدَة فأجبته فِيهَا كلهَا على حسب مَا وفْق الله تَعَالَى بفضله فصرف وَجهه لمحيي الدّين بن سراقَة وَقَالَ هَذَا نمط عَال وَقَالَ ادن فدنوت وَهُوَ يقربنِي حَتَّى لصقت بِهِ وآنسني وعاملني بِالْبرِّ وَالْإِكْرَام بِمِقْدَار مَا يَلِيق بِهِ رَحمَه الله واقترح عَليّ بعد ملازمتي إِيَّاه أَن أصنف لَهُ كتابا فِي مستقبلات الْأَفْعَال فصنفت لَهُ الْكتاب الْمُسَمّى ب بغية الآمال فِي معرفَة النّظر بِجَمِيعِ مستقبلات الْأَفْعَال الَّذِي لم يؤلف فِي فنه مثله فاستجاده وَاسْتَحْسنهُ وَأَطْنَبَ فِي وَصفه وسَمعه عَليّ وَكَذَلِكَ سمع عَليّ مَعَ جلالة قدره وإمامته شرحي لكتاب الفصيح الْمُسَمّى ب تحفة الْمجد الصَّرِيح فِي شرح كتاب الفصيح بِقِرَاءَة ابْنه الْفَقِيه أبي مُحَمَّد عبد اللَّطِيف وَكنت إِذا دخلت عَلَيْهِ وتصانيفه تقْرَأ عَلَيْهِ يَقُول وَالله سر سر وَيُشِير عَليّ بِأَن أَقرَأ

عَلَيْهِ شرحي لأبيات الْجمل الْمُسَمّى وشي الْحلَل فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَهُوَ مجلدان وَيَقُول لم يؤلف فِي حسن ترتيبه وَجمعه مثله وَتُوفِّي رَحمَه الله بِالْقَاهِرَةِ 20 - السَّيْف الْآمِدِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَأما شَيْخه السَّيْف الْآمِدِيّ فَهُوَ الإِمَام أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي عَليّ الْمُتَكَلّم الْمَشْهُور بِالسَّيْفِ الْآمِدِيّ كَانَ رَحمَه الله مقدما فِي الْعُلُوم النظرية وخصوصا فِي علم الجدل فَإِنَّهُ كَانَ فِي نِهَايَة من الْمعرفَة حَتَّى قيل إِنَّه كَانَ يحفظ عشْرين تصنيفا فِي الجدل وَله التصانيف المفيدة فِي علم الْكَلَام وَفِي أصُول الْفِقْه وَفِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة وَكَانَ عذب الْكَلَام مليح الْعبارَة أجرأ من شوهد لِسَانا وجنانا وَأَكْثَرهم فِيمَا يُورِدهُ إعرابا وإحسانا وأحضرهم عِنْد السُّؤَال جَوَابا وأسلسهم عِنْد الْإِيرَاد خطابا وَلما وصل إِلَى اسكندرية اجْتمع بهَا مَعَ الْفَقِيه الأبياري فِي جَامعهَا الْأَعْظَم فَلم يقدر الأبياري مَعَه على شَيْء وَكَذَلِكَ اجْتمع مَعَ المقترح وَظهر عَلَيْهِ أَيْضا السَّيْف

الْآمِدِيّ وَتُوفِّي رَحمَه الله بِدِمَشْق يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث صفر عَام إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله تَعَالَى وَرَضي الله عَنهُ ولنقصر على ذكر من أخذت عَنهُ على ذكر هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وَإِلَّا فقد أخذت عَن غَيرهم شرقا وغربا

§1/1