فن التحرير العربي

محمد صالح الشنطي

المقدمات

المقدمات مقدمة الطبعة الخامسة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:- فهذه مقدمة الطبعة الخامسة لكتاب فن التحرير العربي الذي كان الهدف من تأليفه بيان الأسس التي ينهض عليها فن الكتابة، وقد يسر الله سبحانه وتعالى لهذا الكتاب سبل النشر والانتشار فقرر في عدد من الكليات والجامعات، وقد عمدت إلى معاودة النظر فيه بين الفينة والأخرى؛ فرأيت أن أضيف إليه في هذه الطبعة بعض التطبيقات خصوصًا فيما يتعلق بالإملاء وذلك انسجامًا مع التوجه إلى التركيز على هذا الجانب فيما يتعلق بضوابط الرسم الكتابي، كما ألحقت به صفحات تتصل بالتعبير والإنشاء في مراحل التعليم العام أتت في سياق المنحى التعليمي الجديد الذي يؤكد أهمية إقامة أساليب تدريس هاتين المادتين على قواعد علمية تربوية تنهض بهما وتكرس الاهتمام بوسائل الارتقاء بتدريسهما وتنمية الحس اللغوي ومهارة الكتابة لدى الطلاب في هذه المرحلة من مراحل التعليم. وقد بقي الكتاب بفصوله ومباحثه الأساسية دون تغيير فيما عدا الإضافات التى أشرت إليها، حرصًا مني على أن يظل الكتاب مؤديًا للغرض الرئيس الذي أعد من أجله. والله أسأل أن يسدد خطانا جميعًا على طريق الأداء الأمثل لرسالتنا التعليمية التربوية، واضعين نصب أعينا حقيقة بالغة الأهمية وهى تتمثل في أن الحياة في تطور مستمر وأن المراجعة المستمرة أمرٌ ضَرُورِيٌّ؛ فالمياه الراكدة تأسن، والجمود يؤدي إلى التخلف، وأن علينا أن نطور أداءنا باستمرار، خصوصًا فيما يتعلق بتعليم لغتنا قراءة وكتابة وهى قوام هويتنا الثقافية والإنسانية، ولغة القرآن الكريم كتاب الله العزيز. والله ولي التوفيق د. محمد صالح الشنطي

مقدمة الطبعة الثانية

مقدمة الطبعة الثانية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على نعائمه، وأصلي وأسلم على سيد الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: لم أكن أتوقع -حين أقدمت على إصدار هذا الكتاب- أن يجد الاهتمام الذي قوبل به، وكان في تصوري أنه سيكون عونًا للطلاب والمهتمين بشؤون الكتابة وحافزًا للرجوع إلى الكتب التى أشرت إليها في نهاية كل موضوع عالجته أو عرضت له. وقد سرني أن ينتشر الكتاب وأن أتلقى بعض الملاحظات حوله من بعض الزملاء والمختصين، وهي في جملتها تنصب على تضمين الكتاب مباحث قد لا تكون من صميم مادة التحرير العربي؛ فمنها ما هو أدخل في باب البلاغة، ومنها ما هو ألصق بالنقد الأدبي؛ فباب الفصل والوصل بلاغي في الدرجة الأولي، وموضوع الوحدة والبحث الأدبي ومنهج تحليل النصوص مباحث نقدية، فضلًا عن أن الخطابة والمحاضرة فنون شفاهية في الغالب، والشعر يعتمد على الموهبة. أما الوحدة الفنية فهي ضرورية للكتابة الإبداعية وقد مسستها مسًّا رفيقًا دون تعمق بما يكفى لإعطاء فكرة عنها. أما البحث الأدبي فهو لون من ألوان البحث بمفهومه الواسع وهو فن من فنون التحرير، وفي منهج تحليل ما يمكن أن يعين الطالب على صقل ملكته في الكتابة الأدبية، ولم تعد الخطابة فنًّا مرتجلًا، وكذلك المحاضرة، فكلاهما يحتاج إلى الإعداد الكتابي التحريري، أما الشعر فيحتاج بجانب الموهبة إلى إعداد وتهيئة

وتوجيه شأنه في ذلك شأن القصة التي لم يعترض أحد على اعتبارها من فنون التحرير. ومن هنا كانت الموضوعات المشار إليها من صميم التحرير، وإن لم تكن كذلك؛ فهي لم تخرج من محيطه الرحب. والكتاب في الأصل لم يعد ليكون مسايرًا لمقرر بعينه؛ وإنما قصدت من تأليفه أن يكون شاملًا جامعًا ما استطعت إلى ذلك سبيلًا. وفي الختام أشكر كافة الأخوة الزملاء الذين تفضلوا فأثنوا على هذا المجهود المتواضع، والأخوة الذين كان ثناؤهم مشفوعًا ببعض الملاحظات النافعة التي استفدت منها في تنقيح الكتاب وإعادة النظر فيه مرة أخرى ليخرج بهذه الصورة والله من وراء القصد. د. محمد الشنطي حائل 1/4/1412هـ

مقدمة الطبعة الأولى

مقدمة الطبعة الأولي بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا هذا كتاب في التحرير العربي وهو فن يَتَأَبَّي على غير أهل الذوق والثقافة والنزوع الفطري إلى التعبير عن خلجات النفس وومضات الروح، وليس من شك أن للكلمة سلطانها الذي لا يقاوم، وتأثيرها الذي لا يدافع، وحسبنا أن نشير إلى أن معجزة الإسلام كانت معجزة بيانية قوامها الكلمة؛ ففي البدء كانت الكلمة، وكانت تحديًا غلَّابًا للكافرين والجاحدين يقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23-24] . وإذا كان القرآن الكريم قد شغل أذهان وقلوب العالمين وظل منبعًا ثرَّا للفكر والمعرفة في عطاء متواصل لا ينضب له معين عبر العصور فإنه بقي ملهمًا للقرائح وشاحذًا للعقول ومعلمًا للبلاغة وفن القول. وأي بحث في الكتابة أو التحرير لا بد أن يصدر منه ويرجع إليه. ولعل من الحوافز التي دفعتني إلى إعداد هذا الكتاب؛ إحساسي بأن مجال الحديث في هذا الميدان لا ينتهي، وهو بحاجة إلى إثراء، فمراجعه قليلة، وما كتب فيه حتى الآن -رغم أهميته- ما زال نزرًا يسيرًا، ولعل من أهم مؤلفاته كتاب الدكتور محمد علي أبو حميدة، "فن الكتابة والتعبير"، وكتاب "التحرير العربي" للدكتور أحمد شوقي رضوان والدكتور عثمان صالح الفريح الذي صدر عن جامعة

الملك سعود، و"صناعة الكتابة" للدكتور فيكتور إلك، وكتاب "فن الكتابة الصحيحة" للدكتور غازي براكس وغيرها من الكتب، وعلى الرغم مما تتميز به هذه المؤلفات من دقة علمية؛ فإن بعضها لم يُعْنَ عناية كافية شاملة بفنون التعبير المختلفة والبعض الآخر لم يستوعب الأنواع الأدبية الحديثة، ولم يهتم بالحديث عن ضوابط الكتابة، ولست أزعم أنني في هذه المحاولة قد تلافيت النقص وسددت الثغرات؛ فليس في طاقة باحث فرد أن يفعل ذلك، ولكننى حاولت أن ألم إلمامة موجزة -اعتقدت أنها مفيدة- بضوابط الكتابة، وقد اجتهدت في البحث عنها في مظانها التراثية والحديثة ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، وعمدت إلى دراسة أنماط التحرير دون إسهاب مع بعض النماذج التطبيقية التى يمكن أن تفيد الشادين في هذا المضمار من طلبة الجامعات والكليات، وغيرهم ممن تنازعهم الرغبة إلى الولوج في ساحة الكلمة، وكذلك الذين تضطرهم ظروف عملهم إلى إتقان أنماط من التحرير العملي، وحاولت جهدي أن أوفر لهم مرجعًا قريب المتناول، سهل المأخذ، وقد عمدت إلى كتب التراث التي اهتمت بفنون الكتابة مثل صبح الأعشي للقلقشندي والبيان والتبيين للجاحظ والمثل الثائر لابن الأثير وغيرها، وحاولت أن أستشيرها وأرجع إليها وأدل القارئ عليها دون أن أغفل المراجع الحديثة، وخصوصًا فيما يتعلق بالفنون المستجدة، ولعل الأسباب التى دعتني إلى الخوض في هذا العباب هو رغبتي في أن أفتح عيون القراء على المصادر والمراجع، ولهذا عمدت إلى إثبات أهم المصادر في نهاية كل فصل مع نبذة يسيرة عن كل واحد منها كلما تسير ذلك، ورأيت الحاجة إليه ملحة، وقد قامت خطة الكتاب على أسس أعتقد أنها تلبي الحاجة إلى المعرفة الضرورية بأصول الكتابة وفنونها في صورتها المبدئية دون إيغال في فلسفة هذه الأصول أو تسطيح لها.

والكتاب يتكون من: أولًا: مدخل: يشرح المصطلحات الأساسية الشائعة كالكتابة والتحرير والتعبير والتدوين والتأليف وما إلى ذلك. وإضاءة حول مقومات الكتابة والثقافة.. ثانيًا: الباب الأول: يتناول ضوابط الكتابة مع الإلمام بعناصر البناء التعبيري؛ فقد حرصت على معالجة أدوات الربط المختلفة، وَعَوَّلْتُ على استخدام المصطلحات الأصلية المبثوثة في كتب البلاغة والنحو دون تغيير أو تبديل، كما عملت على تلخيص أهم قواعد الإملاء وعلامات الترقيم لتكون في متناول القارئ دون الحاجة إلى البحث في مواضع أخرى، وعمدت إلى استخلاصها من مظان متعددة وأرشدت القارئ إلى أهمها وإلى مميزات كل منها في نهاية الباب، وقد قسمت هذا الباب إلى فصول ثلاثة: عناصر البناء التعبيري - أدوات الربط - ضوابط الرسم الكتابي. ثالثًا: الباب الثاني: عالجت فيه أنماط التحرير المختلفة في ثلاث فصول: في الفصل الأول درست أنماط التحرير العملي الإجرائي كالتلخيص والتقرير والرسالة الإدارية، ويهمني أن أشير إلى أن هذا التقسيم ليس حاسمًا، ولكنه إجراء تنظيمي؛ فالكتابة -مهما كانت- لا بد أن تحتوي على جانب إبداعي وآخر وظيفي. وفي الفصل الثاني تحدثت عن فنون الكتابة الإبداعية النثرية، كالقصة والرواية والمسرحية والتراجم والسير والخطابة ثم فن الشعر. وفي الفصل الثالث عالجت الكتابة التي تقع بين النمط الإبداعي والوظيفي، كالمقالة والمحاضرة والندوة والتعليق والبحث وتحليل النصوص. وحاولت ما أمكن أن أقدم المادة في أبسط صورة، وقد اجتهدت في بيان بعض ما يتعلق بالفنون التي لم أعثر على مراجع معتمدة لها كالتعليق والندوة من خلال ملاحظاتي الخاصة، وحاولت -جهد الطاقة- أن أقدم نماذج تطبيقية عملية من إعدادي الخاص محاولًا ربطها بالواقع المعاصر، وحرصت على توثيق المادة ما أمكن.

ولا بد أن أشير إلى أنني قد استرشدت بالكثير من المراجع الحديثة وخصوصًا تلك التي أشرت إليها في بداية هذه المقدمة. اللهم اجعل هذا الجهد المتواضع خالصًا لوجهك الكريم، وقربى إليك يا أرحم الراحمين، وجنبني الخطل والزلل واعفُ عَنِّي وَاغْفِرْ لِي يَا قَابِلَ التَّوْبَةِ وغافر الذنب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين د. محمد صالح الشنطي

المدخل

المدخل مفاهيم اصطلاحية "الكتابة والإنشاء والتأليف والتحرير والتعبير" ليس من شك أن تحديد المصطلح أمر بالغ الأهمية، فضلًا عن أنه ضرورة علمية ومنهجية، ولعل من المفيد أن نتعرف على المعنى المعجمي قبل أن نتوقف عند المعنى الاصطلاحي. الكتابة: فالكتابة تعني الجمع والشد والتنظيم، والذي يراجع لسان العرب يعثر إلى جانب هذا المعنى على دلالتين أخريين هما: الاتفاق على الحرية؛ فالرجل يكاتب عبده على مال يؤديه منجمًا أي يتفق معه على حريته مقابل مبلغ من المال، ثم القضاء والإلزام والإيجاب والنابغة الجعدي يقول: يَا بِنْتَ عَمِّي، كِتَابُ اللَّهِ أَخَّرَنِي ... عَنْكُمْ، وَهَلْ أَمْنَعَنَّ كِتَابَ اللَّهِ مَا فَعَلَا كتاب الله -هنا- بمعنى قدر الله سبحانه وتعالى1. والمعنى الاصطلاحي يجمع هذه الدلالات المتنوعة، فالشد والجمع أمر ضروري؛ لأن الكتابة لا تقوم إلا بالصياغة المحكمة، والصياغة في حد ذاتها جمع بين الكلمات وربط لها بعضها ببعض؛ أما معنى الحرية فيتمثل في رغبة الإنسان القائمة في نفسه لتحرير ما بداخله من أفكار ومشاعر وأحاسيس؛ وأما المعنى الثالث الذي يتمثل في الإلزام فالكلمة المكتوبة تلزم صاحبها، وتعتبر شاهدًا على ما قطعه على نفسه.

_ 1 راجع ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف (د. ت) مادة كتب.

هذا يصدق على الكتابة بمعناها المطلق؛ لكن ثمة من يجعل الكتابة درجات ويربطها بالتطور العقلي والحضاري للأمم. التدوين: يرى البعض أن التدوين أول درجات الكتابة؛ فهو وسيلة المعرفة والتثقيف ويرى أصحاب هذا الرأي أن هناك مرحلة أساسية لا بد أن يمرَّ بها المؤلف قبل أن يقوم بعملية التأليف-وهي مرحلة تالية للتدوين- والمقصود بها مرحلة الإنشاء أي عملية بناء الجملة التي تحسن تصوير الفكرة. ومرحلة الإنشاء هذه تشمل دور التعبير الفطري الذي يغلب عليه الإيجاز والبساطة والجزالة، وتتمثل فيها صورة الكتابة العربية في مرحلتها التأسيسية. ثم الدور الثاني من أدوار الإنشاء قبل الدخول في مرحلة التأليف وهو دور التعبير الفني، وفيه ازدادات العبارة تركيبًا نظرًا لثراء المعنى؛ إذ يبدأ الميل إلى التفصيل والرغبة في التحليل فتتعدد وسائل الربط بين العبارات1. التأليف: ولم يكن الإنشاء بأدواره المختلفة بمعزل عن التأليف؛ بل كان ممهدًا له تارة ومسايرًا لارتقائه وتطوره تارة أخرى؛ فقد بدأ مرحلة السماع والتدوين مباشرة فسرعان ما تطورت العلوم وتشعبت مسالكها، وبدأ ظهور التأليف اعتبارًا من المائة الثانية بعد الهجرة، كما ازدهر التصنيف الأدبي الذي يقوم على المختارات المدونة ثم تطور فيما بعد ليصبح تأليفًا منظمًا مبوبًا على يد الجاحظ وأضرابه.

_ 1 راجع الدكتور: مصطفى الشكعة: مناهج التأليف عند العلماء العرب قسم الأدب دار العلم للملايين، بيروت سنة 1974م ص61،ص62.

مما سبق يتبين لنا أن الكتابة معنًى جامع شامل لمراحل وأنواع الإنشاء والتأليف، وأن الإنشاء يأتي بعد التدوين الذي يقتصر على مجرد التسجيل والتقييد، وفيه تبدو عملية التعبير الذاتي المستقل عن الأفكار التي تبدأ بسيطة وجزئية ثم تصبح شاملة وكافية في مرحلة التأليف. مما سبق يتبين لنا أن الكتابة مرت بالأطوار التالية: 1- التدوين. 2- الإنشاء: مر بالدور الفطري - والدور الفني - والدور البديعي. 3- التأليف القائم على الجمع. 4- التأليف المنهجي. 5- التأليف الابتكاري أو الإبداعي. ومن المعروف أن الكتابة الإبداعية ليست مخصوصة بمرحلة معينة، ولكنها تتطور بتطور الخبرة الإنسانية1. والآن ما هو المقصود بالتحرير الذي هو محور هذا البحث؟ إِذَا بَحَثْنَا عَنِ الْجِذْرِ اللغوي لِهَذِهِ الكلمة في المعاجم المعتمدة نجد أنها - في مادتها - الأصلية- تدل على معنيين رئيسيين هما: الشدة على إطلاقها فقد جاء في لسان العرب: واستحر القتل، وحر بمعنى: اشتد. وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن جمع القرآن: "إن القتل قد استحر يوم اليمامية بالقراء، أي اشتد وكثر، وهو استفعل من الحر أي الشدة"2. أما المعنى الثاني فهو العتق من العبودية ففي لسان العرب: حر العبد يحر حرارة بالفتح أي: صار حرًّا، ومنه حديث أبي هريرة: فأنا أبو هريرة المحرر أي المعتق وحديث أبي الدرداء: شراركم الذين لا يعتق محررهم3.

_ 1 راجع: أنيس المقدسي، الفنون الأدبية وأعلامها في النهضة العربية الحديثة، دار العلم للملايين بيروت، 1980م ص 225 وما بعدها. 2، 3 ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف د. ت مادة حرر ص 828 وما بعدها.

ويضيف القاموس المحيط معنًى ثالثًا يُضِيءُ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْمُصْطَلَحِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ الْمُدَقِّقَةُ التي لَا شَوْبَ فِيهَا1. وَالمعاني الثلاثة يفضي بعضها إلى بعض، إذ تشير إلى الكيفية والمنهج في الكتابة؛ فالمقصود بالتحرير الضبط والتقويم وفق قواعد وأسس مقررة، فالشدة هنا مرادفة لمعنى الجدية والحزم وعدم التهاون، ولا تناقض بينهما وبين الحرية نقيض العبودية لأن الكتابة -كما سبق أن أسلفنا- لا تتم إلا حيثما يكون الكاتب حرًّا فيما يكتب فيحرر ما في نفسه من أفكار ومشاعر ويضبطها في سياق مكتوب. فالتحرير أوضح في الدلالة على معنى الدقة والضبط والالتزام من هنا كان ألصق بالمعنى التعليمي الذي يركز على كيفية الكتابة والعمل على ضبطها وفق أصول وقواعد متعارف عليها. أما التعبير: فهو معنى شامل إذ يمكن التعبير بالكلمة أو بالإشارة أو الصوت أو اللون أو النقش ... إلخ، وقد ارتبط التعبير في المعنى الشائع بمادة الإنشاء التي تدرس في مراحل التعليم العام، وتحمل كلمة التعبير خصوصيةً متميزةً إذ ترتبط بمرحلة التدرب على الكتابة في مختلف المجالات، وإعدد التلميذ لكي يكون قادرًا على الكتابة والحديث. ويرى فريق من المحققين المعاصرين وعلى رأسهم الباحث اللغوي الموسوعي أبو تراب الظاهري أنه من الأخطاء الشائعة استعمال كلمة التحرير مكان الكتابة، حيث يستعملون "المحرر" بدل الكاتب. ويقولون: "رئيس التحرير"؛ وإنما هو رئيس الكتاب، فالتحرير إصلاح الخطأ وإقامة الاعوجاج في الكتابة، فهو

_ الفيروز أبادي: القاموس المحيط، مكتب تحقيق التراث، مؤسسة الرسالة "سنة1407 سنة 1987م بيروت ص478".

أشبه بالتصحيح مستدلًا بما جاء في تاج العروس للزبيدي وغيره من المعاجم من أن تحرير الكتاب وغيره تقويمه1. ويرى الفريق الثاني الذي يمثله اللغوي الأديب أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري أن استخدام التحرير بدل الكتابة جائز على سبيل التوسع2 وعلى سبيل الشيوع أيضًا من وجهة نظره؛ فاللغة كائن حي متطور، والاستعمال اللغوي هو الفيصل في تحديد المعنى.

_ 1 راجع: أبو تراب الظاهري، كبوات اليراع، النادي الأدبي الثقافي بجدة 1982م جـ1 ص162 فما بعدها. 2 راجع: أبو عقيل الظاهري، اللغة العربية بين القاعدة والمثال الفنون الصغرى 2، النادي الأدبي بالقصيم.

الكتابة وأنواعها

الكتابة وأنواعها الكتابة مرحلة متقدمة من مراحل تطور الحضارة الإنسانية، فهي تلي مرحلة الحديث الشفوي الذي يتوسل باللغة المحكية؛ لأن الحديث الشفوي يتم -غالبًا- دون طول تأمل أو تفكير؛ فهو عفوي تمليه الحاجة الراهنة تقتضيه متطلبات اللحظة، لذا فإنه يرتبط بقضاء الضروريات الحياتية العاجلة، أو التعبير عن المشاعر التلقائية الفورية، أما الكتابة فتَسْتَلْزِم الروية والتمهل ومداومة التفكير والنظر، ولها قواعدها ومواضعاتها، إذ تعتمد على تنظيم الأفكار بعد بلورتها وصياغتها والتحقق من تماسكها وترابطها، ولغة الكتاب تختلف عن لغة التعبير اليومي فتختفي فيها مظاهر الارتجال والسرعة، وقد واكبت نضج العقل الإنساني وارتقاء إدراكه وتكامل مفاهيمه. والكتابة نوعان: كتابة إجرائية عملية: تتعلق بالمعاملات والتأريخ والتوثيق، وهي ضرورة للمنافع العملية والمكاتبات الرسمية، لها قواعد محددة، وأصول مقننة وتقاليد متعارف عليها، كالتقرير والرسالة الإدارية والبحث العلمي وما إلى ذلك، ولغة هذا النوع من الكتابة منضبطة في قوالب خاصة محددة لا إيحاء فيها ولا ظلال، ودلالات الألفاظ والصيغ في متنها قاطعة باترة لا تحتمل التأويل، ولهذا فهي لا تستلزم موهبة خاصة أو ملكة متميزة، غير أن بعضها قد يقتضي قدرًا من التأثير والإقناع لبيان حاجة وقضاء أمر. وكتابة إبداعية فنية: تحتاج إلى قدرات فطرية مركوزة في النفس وقارة في الوجدان، فهي تعبر عن رؤية متفردة ذات أبعاد شعورية ونفسية وفكرية، تنم عن حساسية خاصة تجاه التجارب الإنسانية، وتقوم على الابتكار.

لا التقليد، ويجب أَن تتوفر في صاحبها استعدادات خاصة، وخبرة فنية ومالية لها جذورها الكامنة في القريحة، تتبلور بالاطلاع والثقافة ومعاناة الحياة، وتبرز إلى الوجود بعد أن تكون قد استكملت مقوماتها، واستحكمت في نفس صاحبها، واستوت ناضجة، وهذه الكتابة الإبداعية تشمل أنواعًا أدبيةً متعددةً: كالشعر والقصة، والمسرحية والمقالة الذاتية، وغيرها. ولكل من هذه الفنون أصول العامة، وقواعده الخاصة، ولكنها جميعًا تخضع للتغيير والتطوير، وليست جامدة محددة، ثم إن الالتزام بها لا يكون على نحو حرفي، بل تتجلى موهبة الفنان وملكته كلما استطاع أن يضيف أو يحور ويعمل من خلال منظوره الخاص وفقًا لما تقتضيه التجربة الخاصة. والكتابة الإبداعية تحتاج إلى دربة ومران وصقل وتوجيه. وقبل أن نتحدث عن فنون الكتابة والتحرير لا بد أن نتوقف عند المقومات العامة للكتابة وهي:

مستلزمات الكتابة

مستلزمات الكتابة أولًا: إتقان الأداة: أداة الكتابة اللغة بعلومها المختلفة، من: نحو وصرف، وبلاغة، وفقه لغة؛ وما يتصل بآدابها في مختلف العصور إبداعًا وتاريخًا، والمقصود بالنحو القواعد العامة والأساسية التي تتعلق بتركيب الجملة، وضبط مفرداتها وموقع كل مفردة في سياقها؛ وأما الصرف فهو يبحث في بناء الكلمة المفردة ومشتقاتها وأصولها، وما اعتراها من تغيير وتبديل من حيث الزيادة على حروفها الأصلية، أو الإعلال والإبدال والحذف، أما البلاغة فتبحث في وسائل تجويد المعنى واللفظ، وفنون التعبير الخيالي والمباشر، واختيار الكلمات والأساليب المناسبة الملائمة للموضوع ولأحوال السامعين دون لبس أو التواء، بحيث تثير في نفس المتلقي الشعور بالتجاوب، والانفعال بالتجربة التي تعبر عنها، ومن شأن البلاغة أن تلمح الفروق الخفية بين الاستعمالات المختلفة للألفاظ والتعابير وتشير إليها.

وفقه اللغة يبحث في أصولها ودقائقها، وأسرارها فيما يتعلق بدلالات الألفاظ وتطورها، والأصيل والدخيل فيها، والمترادف والمتضاد منها، ويعرض لأبنيتها الصوتية ومخارج الحروف، وسلالة اللغة ومجموعاتها ولهجاتها، وقد أصبح علمًا له تقنيته الخاصة التي تستعين بالأساليب العملية الحديثة، كالمعامل الصوتية بأجهزتها المختلفة. وإتقان هذه العلوم وما يتصل بها من وعي تام بأشكال الكتابة ورسومها يعتبر من المبادئ الأساسية للكتابة، والإجادة فيها، غير أن هناك مهارات أخرى تتعلق بإتقان الأداة غير تلك التي أشرنا إليها، وتختص بكل فن من الفنون على حدة، فكتابة الشعر تستلزم معرفة جيدة بعلم العروض والقافية، أي ببحور الشعر وأوزانه، وأسبابه وأوتاده، وزحافاته وعلله، ومصطلحاته المختلفة، وكتابة القصة بأنواعها تحتاج -بالإضافة إلى الموهبة افطرية الخاصة- إلى الإلمام بقواعد القصة وأصولها وأساليبها وكذلك المسرحية وغيرها. هذا هو المقوم الرئيس في فن الكتابة وبدونه لا تستقيم ولا تجود.

التمرس بالأساليب الأدبية الرفيعة

ثانيًا- التمرس بالأساليب الأدبية الرفيعة لا يتأتى هذا الشرط إلا بالمطالعة الغزيرة الواعية للكتب الأدبية المشهورة، وقراءة الآثار النثرية والشعرية المتميزة، بما في ذلك الدواوين الشعرية التي أبدعها شعراء معروفون بموهبتهم وقدراتهم، مع العمل على تذوقها وتمثلها وفهمها. ومن شأن ذلك أن يسهم في تكوين ذائقة لغوية مدربة قادرة على التمييز بين الأساليب، والتمكن من اختيار الألفاظ المناسبة، وليس من شك في أن القاعدة الأساسي التي تبنى عليها القراءة والمطالعة هي دراسة كتاب الله دراسة عميقة، ومداومة الاطلاع على تفاسيره المعتمدة، فالقرآن الكريم هو المصدر والمرجع في فهم اللغة وتذوقها واستيعاب الأساليب وتمثلها، فلغته لغة البيان المعجز ومنهل الفصاحة والبلاغة، والإلمام بآي الذكر الحكيم يربي الذوق

ويصقل اللسان، ويؤسس ملكة الكتابة ويزود الكاتب بمدد لا ينقطع من الحجج والأسانيد، ويأتي الحديث الشريف في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم؛ فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افتخَر بفصاحته حيث جاء في حديث " أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد بن بكر". والحفظ من الضرورات التي لا غنى عنها لمن أراد أن يكون فارسًا مجليًا في ميدان الكتابة والتأليف، والذي يراجع وصايا الأدباء والشعراء للناشئة من المبدعين في كتب الأدب القديم كالعمدة لابن رشيق يقع على سرٍّ هامٍّ من أسرار الكتابة والإبداع، فهم يوصون بحفظ الدواوين والمأثورات فضلًا عن حفظ القرآن الكريم، ومعروف في هذا المقام أن الفرزدق كان قد قيد نفسه حتى حفظ كتاب الله كاملًا، كذلك فإن العديد من شعرائنا القدامى قد استظهروا عشرت الآلاف من أبيات الشعر الجيدة حتى إذا تهيأوا للكتابة، والنظم عملوا على نسيانها والتخلص من سلطانها بعد أن استقامت لغتهم واستوت قرائحهم، فالحفظ لا بد منه لإتقان الكتابة، ولكن للحفظ محاذير ينبغي أن ينتبه إلى خطورتها الكاتب وأهمها: الوقوع في أسر التقليد، والاغتراف من مخزون الذاكرة، والاعتماد عليها في الصياغة والأفكار، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى ضعف القدرة على الإبداع والابتكار والوقوع في حلقة الحصار المحكمة التي تفرضها القوالب التعبيرية المحفوظة، ومن غير المنكور أو المستهجن أن يمر الكاتب في مرحلة التأثر بما يقرأ أو يحفظ فهذه مرحلة لا فكاك منها، ولكن الخطورة تكمن في استمراء هذا المنحى واستسهاله والاستسلام له، من هنا كان لا بد من الاحتراز والوعي باستبعاد المحفوظ، وإطالة التأمل في التجبة، وتمثلها قبل التعبير عنها، فلكل تجربة لغتها الخاصة وأسلوبها المتميز، وكلما انهمك الكاتب في تَمَلِّي تَجْرِبَتِهِ والإحاطة بها من جميع جوانبها كان أقدر على التخلص من حصار التقليد وسلطان النصوص المحفوظة. وقد عقد ابن خلدون -في مقدمته المشهورة- فصلًا كاملًا عن أهمية الحفظ في تنمية ملكة اللسان والكتابة، وهو الفصل الثامن والأربعون تحت

عنوان "في أن حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة المحفوظ". وهو يعني بالملكة هنا ملكية الكتابة والإبداع، وقد أشار ابن خلدون إلى أن شعر الفقهاء والعلماء قاصر في البلاغة نظرًا لأن محفوظهم غني بالقوانين العلمية والعبارات الفقهية الخارجة عن أسلوب البلاغة. من هنا كانت الملكة الناشئة عن هذا المحفوظ غاية في القصور. ويشير ابن خلدون إلى سر تفوق الإسلاميين على الجاهليين في خطبهم ومحاوراتهم فيرى أنه يعود إلى مدارسهم للطبقة العالمية من الكلام من القرآن الكريم والحديث الشريف فقد روض هذا الكلام ملكاتهم وسما بها1. ويرى ابن الأثير أن الطريق إلى تعلم الكتابة على ثلاث شعب. الأولى: الاطلاع على كتابة الأقدمين وتقليدهم. وهذا أدنى الطبقات. الثانية: مزج كتابة المتقدمين باختيار الكاتب الخاص من وسائل تحسين اللفظ والمعنى، ويصف ذلك بأنه الطبقة الوسطى. الثالثة: صرف النظر إلى حفظ القرآن الكريم وجملة مختارة من دواوين فحول الشعراء ومران النفس على المحاولة بالاقتباس والتجربة التي قد تصيب وقد تخطئ، ويصفها بأنها طريق الاجتهاد حيث يستقيم لصاحبها منهجٌ خاصٌّ في الكتابة فيصبح إمامًا في فن الكتابة إلا أنها مستوعرة جدًّا - كما يقول - ولا يستطيعها إلا من أوتي ملكة متميزة وموهبة فذة2. وقد لا يكون الأمر على هذا النحو من التحديد والصرامة فقد استجدت نصوص واستحدثت معارف وألوان من المكاتبات والمخاطبات تحتاج إلى مطالعات أخرى، وتمرس بضروب من فنون القول لم تكن معروفة لدى فحول الشعراء، ولكن في هذا القول لابن الأثير إشارة إلى أسلوب حصيف، وتوجيه لطيف في الحث على التمرس بالنصوص الرفيعة.

_ 1 ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون، الفصل الثامن والأربعون. 2 ضياء الدين بن الأثير: المثل السائر في أدب الكاتب.

الإلمام بالثقافة العصرية الجادة

ثالثًا: الإلمام بالثقافة العصرية الجادة * يشهد عصرنا الراهن انفجارًا معرفيًّا فريدًا، فقد تعددت وسائل الثقافة وتكاثرت سبلها من سمعية وبصرية، ويقوم الحاسب الآلي -الآن- بدور تاريخي في إثراء الثقافة الإنسانية، بما يختزنه من معلومات وما يستثمره من طاقات وخبرات؛ كذلك فن الفيديو والتلفزيون يهيئان للإنسان الكثير من المعارف التي لم تكن ميسرة من قبل، ولكن خطورة هذه الأجهزة تكاد تساوي منافعها أو تزيد؛ فالأقمار الصناعية العالمية سوف تتمكن في وقت قريب من غزو بيوتنا بما تحمله من برامج معدة لبيئةٍ غير بِيئَتِنَا، وَتَنْتَمِي إِلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِنَا، وَثَقَافَةٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ ثَقَافَتِنَا، وَمُجْتَمَعَاتٍ فِيهَا انحلال وفساد، ومع هذا فإن الوعي بشخصيتنا الأساسية المتميزة - وقبل ذلك وبعده - بمعتقداتنا الراسخة وفهم واقعنا وإدراك جوهره لسوف يعصمنا من ضلالات المضلين وفساد المفسدين إن شاء الله. والثقافة في مفهومها العام ليست تحصيل المعلومات واختزانها، وحشو الأدمغة بها؛ وإنما هي تَمَثُّلٌ1 لهذه المعلومات، واستخلاص لما فيها من أوجه النفع، فالثقافة سلوك ورؤية وموقف، من هنا كان المتعلم غير المثقف، فعلاوة على القراءة والاطلاع والتحصيل هناك الخبرة الحياتية التي لا تتأتى إلا لمن عركته الحياة، وسلك فجاجها المختلفة واستفاد من تجاربها، فالرحلة ثقافة لأنها تكسب الإنسان خبرة ومهارة، والكتابة الناضجة المفيدة تحتاج إلى هذه الخبرة، بل إن التجربة مادتها الرئيسية لأن بها تشكل الرؤية ومن خلالها يتخذ الموقف. وللثقافة العامة رَوَافِدُ مُخْتَلِفَةً - كما سبق أن أشرنا- وهي تحتاج إلى بصر بالموضوعات النافعة والكتب المفيدة، وتتطلب حاسة انتقائية مرهفة، وعصرنا الذي نعيش فيه يكتظ بالإصدارات المتعددة من صحف ومجلات وكتب

_ * الثقافة من ثقف "ككرم" ثقفًا وثقافة صار حاذقًا خفيفًا فطنًا فهو ثقف وثقف وثقيف، وثقف، وثقيف 1 التمثل: نشاط عقلي يتجه إلى إدماج موضوع معين أو موقف معين في مخطط نفس أشمل تعريف بباجيه الفرنسي "ص99- قراءة التراث النقدي -عصفور".

وأشرطة متعددة المواد؛ لهذا فإن حسن الاختيار يشكل القاعدة التي توصلنا إلى منافع الثقافة الحقيقة، وعلى الرغم من أننا في عصر التخصص إلا أنه لا بد من الإلمام بشيء من العلوم العصرية ومتابعة ما يستجد فيها، كذلك فإن علينا أن نعي ما يدور حولنا من أحداث في مختلف المجالات وأن تكون آفاقنا متسعة رحبة تستوعب ذلك كله، والثقافة ركن أساسي لا يستغنى عنه عند الشروع في كتابة أي موضوع لأن الموضوعات مترابطة يحيل بعضها إلى بعض، ويستدعي بعضها بعضا، فالكتابة في موضوع اجتماعي - مثلًا - يتطلب معرفة بأنماط العيش في مختلف المجتمعات وقد أشار الكتاب والفقهاء المسلمون إلى ألوان الثقافة المتعددة التي يدخل بعضها في باب فرض العين وبعضها الآخر فرض كفاية، ومنها ما هو مباح. وأوضح سعيد حوى العلوم والمعارف التي تندرج تحت فرض العين قال: جمعها أصلان: معرفة حق الخالق، ومعرفة حق المخلوق على مقتضى الشريعة، ويدخل في ذلك معرفة الله والرسول والإسلام، ويدخل في ذلك معرفة الطريق لإصلاح القلب والنفس وتزكيتهما، ويدخل في ذلك تعلم الفقه المحتاج إليه كفقه الطهارة والصلاة والزكاة لمن يملك نصابًا، والصوم والحج لمن قدر عليه والنكاح والطلاق لمن أراد الدخول في الزواج والبيوع لمن أراد أن يشتغل بها، وكل من اشتغل بشيء وجب عليه علمه، لأن الحلال والحرام من العلوم المفروضة على الإنسان يدخل في ذلك علم الأخلاق محمودها ومذمومها، كالرحمة والإخلاص وكالحسد والغل، ويدخل في ذلك معرفة نواقض الإسلام والشهادتين ويدخل في ذلك معرفة النواحي الأساسية في التربية الإسلامية، ويدخل في ذلك أن يعرف الإنسان حدًّا أدنى من السيرة وحياة الصحابة، ويدخل في ذلك تجويد القرآن لمن يقرأه ويدخل في ذلك التعرف على أحوال المسلمين بقدر المستطاع، وأما العلم المسنون فهو التبحر في العلوم المفروضة فرض عين على كل إنسان، على أن لا يؤثر المندوب على الفريضة1.

_ 1 سَعِيد حَوَّى: الإسلام، مكتبة وهبة، القاهرة،104/3 نقلًا عن د/ عبد الباسط بدر: مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي، دار المنار، جدة سنة 1985 ص35.

وقد أسفر الدرس العلمي عن تصنيف تعريفات الثقافة إلى سبعة أقسام: منها التعريفات الوصفية التي ترى أن الثقافة تشمل المعلومات والمعتقدات، والفن والأخلاق والعرف والعادات، وجميع القدرات الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يكتسبها. وهناك تعرفات تاريخية، فالثقافة تشمل الممارسات والمعتقدات المتوارثة اجتماعيًّا والتي تحدد جوهر حياة الأمة وفقًا لهذا اللون من ألوان التعريف. أما التعريفات المعيارية فتركز على كون الثقافة أسلوب حياة، وعلى أن الثقافة هي القِيَمُ المْاَدِيَّةُ وَالاجْتِمَاعِيَّةُ لشعب ما. والتعرف السيكولوجي يركز على كون الثقافة عملية تكيف وتوافق، وعلى أنها أداة لحل المشكلات وإبراز عنصر التعلم الإنساني باعتبار أن الظاهرة الثقافية تحوي كل أنشطة الإنسان التي يكتسبها عن طريق التعلم. وهناك نوع آخر من التعريف يرى في الثقافة الخاصة بكل مجموعة بشرية نظامًا متكاملًا، أو بنية لها قوانينها ووحداتها الخاصة، فهي نموذج قائم بذاته، وتتمحور حول إشباع الحاجات الإنسانية الأساسية، فهي تنتظم الملاح المادية والمعنوية للنظام الاجتماعي. وهناك نمط من التعريف يرى الجانب التطوري في الثقافة، فيصفها بأنها نتاج التفاعل الإنساني وأنها الأبنية العقلية التي يكتسبه الفرد من محيطه ويتطور بها عبر مراحل حياته. أما المنظور الشامل للثقافة فيتجاوز هذه الجوانب الجزئية لينظر إلى الثقافة على أنها ظاهرة تاريخية تتضمن المنجزات في مجال العلم والفن والأدب والفلسفة والأخلاق والتربية ... إلخ، وهذا المنظور الشامل للثقافة يأخذ طابعًا فكريًّا بحيث يتم تحليله من وجهات نظر متعددة:

فهناك من يرى أن هذه الظاهرة التاريخية تخضع لمعطيات اقتصادية، وهناك من يرى أنها ذات معطًى ثابت وشامل، وما إلى ذلك1. ونحن نرى أن كل معالجة كتابة لموضوع معين تقتضي قدرًا من الثقافة المتخصصة، فضلًا عن الثقافة الشاملة، فضياء الدين ابن الأثير يقول: إن صاحب هذه الصناعة يحتاج إلى التشبث بكل فن من الفنون حتى أنه يحتاج إلى معرفة ما تقوله النادبة بين النساء والماشطة عند جلوة العروس....إلخ2. فالكتابة عن ظاهرة أدبية معينة يقتضي إلمامًا خاصًّا بالأدب ومقوماته، وطرائقه وأساليبه، والكتابة في أي جانب من جوانب الحياة الإنسانية يقتضي إلمامًا خاصًّا بهذا المجال، كذلك فإن معرفة النظام الإسلامي الذي قامت به كثير من المجتمعات، وفي ضوئه تم تنظيم الحقوق والواجبات للأفراد والجماعات يعتبر أمرًا مهمًّا لمن يكتب في هذا المجال، والفكر الاجتماعي متعدد الأبواب والمداخل، فهناك المداخل جميعًا كما أن الإلمام بقواعد السلوك وآدابها، والمعاملات والأسس النفسية السائدة في مجتمعاتنا، والفرق بينها وبين تلك الأسس السائدة في المجتمعات الغربية، من هنا يتبين لنا أن الموضوعات مترابطة، والظواهر متشابكة، يأخذ بعضها برقاب بعض كما قال.

_ 1 راجع: د/ سامية حسن الساعاتي، الثقافة والشخصية بحث في علم الاجتماع الثقافي دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت سنة 1983 من ص25- ص52. 2 ضياء الدين ابن الأثير، المثل السائر ج1 ص73.

تكوين قاعدة فكرية خاصة بالموضوع الذي يراد الكتابة فيه

رابعًا: تكوين قاعدة فكرية خاصة بالموضوع الذي يراد الكتابة فيه لم يعرف مفهوم التحرير قائمًا على جرد الصياغة الإنشائية اللفظية، والبراعة في حشد الكلمات والقوالب، كما كان سائدًا في أوساط الطلبة في مرحلة التعليم العام، إذ لا بد من المعلومات الحقيقية المُنَظَّمَة التي تمد الكاتب العناصر الأساسية للكتابة.

من هنا كان الاطلاع على مظان الموضوع مصادره الأساسية ومراجعه أمرًا بالغ الأهمية قبل الشروع في الكتابة، وذلك لإرساء قاعدة مرجعية ينطلق منها الكاتب، ولا بد من أن يلتزم الأمانة في النقل والإشارة إلى المصادر، ويستحسن أن تصاغ الأفكار المنقولة بأسلوب الكاتب كي تبرز شخصيته الذاتية، لأن إعادة الصياغة تضفي على الفكرة رونقًا خاصًّا وتضيف إليها ظلالًا جديدة. وعلى سبيل المثال فإنه إذا أردنا الكتابة عن الدروس المستفادة من الهجرة النبوية الشريفة نعود أولًا إلى المصادر الأساسية والمراجع الهامة على النحو التالي: 1- الآيات الخاصة بالهجرة النبوية في القرآن الكريم. 2- تفسير الآيات في كتب التفسير المعتمدة. 3- كتب السيرة النبوية المعروفة "سيرة ابن هشام" مثلًا أو "السيرة النبوية" لأبي الحسن الندوي- وكتب فقه السيرة ككتاب عماد الدين خليل في هذا الموضوع والموسوم بـ" فقه السيرة" أو كتاب الشيخ محمد الغزالي المشهور. 4- كتب المعاصرين حول هذا الموضوع مثل كتاب "عشرة أيام في حياة الرسول" لخالد محمد خالد، وعبقريات العقاد خصوصًا "عبقرية محمد" وعبقرية الصديق و"عبقرية عمر" ولا بأس من مراجعة "في منزل الوحي" لمحمد حسين هيكل، و"على هامش السيرة" لطه حسين" وإن كان الأمر يتطلب الحذر فيما يتعلق بالكتابين الأخيرين وغيرهما مما سبق ذكره. 5- إذا أمكن الاطلاع على بعض القصائد للمشاهير من الشعراء، وتلك التي تتغنى بهجرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وجه الخصوص فذلك أمر جيد. وإذا كانت الكتابة جدلية أو وصفية أو تدور حول قضية من القضايا الخلافية أو كانت إبداعية تستلزم قدرًا من معاناة التجربة والتعبير عنها فإن الأمر يختلف بعض الشيء، إذ لا يكتفى بالقاعدة الفكرية، وإنما ينبغي أن تكون هناك مرجعيات أخرى ذت طابع سلوكي، وممارسة اجتماعية ومشاهدة حسية.

ففي الموضوعات الجدلية التي تستثير اهتمام قطاعات عريضة من الرأي العام يصبح الاحتكاك المباشر بالمجتمع والتعرف على وجهات النظر المتباينة فيه أمرًا ضروريًّا بالإضافة إلى معرفة ما كتب عنه ورأي الشرع فيه، كقضية المهور مثلًا، أو قضية عمل المرأة، وما إلى ذلك من أمور اجتماعية. وفي الموضوعات الوصفية المحضة يستلزم الأمر مشاهدة حسية لما يراد وصفه ومعاناة عملية إذا كان الموصوف نسقًا من السلوك أو تجربة إنسانية خاصة؛ فوصف البيئة الطبيعية في مكان عام يحتاج إلى تأمل عياني لهذه البيئة ووصفًا لأثرها في وجدان الكاتب، كما أن الحديث عن معركة من المعارك يقتضي ضربًا من المعاناة بالإضافة إلى الرؤية المباشرة. أما الأعمال الإبداعية فهي تستلزم خبرة أكبر بالأساليب وفنون القول وممارسة أطول للنصوص الإبداعية، فضلًا عن المعاناة الذاتية وجدانيًّا وفكريًّا. وقد تعرض عبد الحميد الكاتب -في رسالته الشهيرة إلى الكتاب- إلى القواعد السلوكية والصفات الثقافية والفكرية التي ينبغي أن تتوفر في الكاتب وكذلك أبو هلال العسكري في الصناعتين، وابن قتيبة في أدب الكاتب1.

_ 1 راجع القلقشندي: صبح الأعشى ج1 ص85 وما بعدها.

إضاءة حول مصادر الثقافة

إضاءة حول مصادر الثقافة: مدخل يفترض فيمن يعد نفسه للكتابة أن يلتمس ينابيع الثقافة ومصادرها، ولهذا ينصح بقراءة كتاب الله العزيز سبحانه وتعالى وحفظ ما تيسر منه، وبقراءة التفاسير المعتدة، وأن يؤخذ بعين الاعتبار ما أشار إليه العلماء من مآخذ على بعضهما البعض، ومن هذه التفاسير: تفسير الطبري وابن كثير والزمخشري وفي ظلال القرآن الذي لا يعتبره البعض تفسيرًا وإنما هو أقرب إلى النظرات المتأملة في كتاب الله بأسلوب مشرق العبارة خطه يراعُ أديب متمكن ومفكر إسلامي محتسب، ومن التفاسير الأدبية: التفسير البياني للدكتورة عائشة عبد الرحمن. وهناك كثير من التفاسير القديمة والحديثة التي يضيق المقام عن حصرها، ولكن لابد من استشارة أهل العلم فيما يرد في بعضها، وأن تكون قراءتها حذرة ممتنعة متيقظة؛ لأنها تتصل بأشرف كتاب على وجه البسيطة هو كتاب الله عز وجل. كذلك لا بد من قراءة كتب الأحاديث الصحيحة وشروحها وحفظ بعض أحاديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومن الضروري للكاتب أن يطلع على كتب الثقافة الإسلامية من أمثال كتاب معالم الثقافة الإسلامية للدكتور عبد الكريم عثمان، وقد طبع ما يقرب من ثلاث عشرة مرة، وقد تحدث فيه عن نظرة الإسلام العامة للوجود والإنسان والكون، وتناول الإيمان بالله والنبوة والوحي وخصائص الرسالة المحمدية والحق والحرية والمساواة والعدل، وخصائص الثقافة الإسلامية وعالمية الإسلام وإنسانيته والعبادة والعمل، والمسئولية والنظام السياسي، والنظام الاقتصادي في الإسلام، والتكال الاجتماعي بما في ذلك النظام العائلي والفرد والمجتمع، والنظام الخلقي وآثار الثقافة الإسلامية، وموقف الإسلام من العلم وانفتاحه للحياة العلمية، وتناول طائفة من أعلام الثقافة الإسلامية بلغ عددهم خمسة وأبعين علمًا.

وقد سجل في نهاية الكتاب كشفًا طويلًا بمصادر الثقافة الإسلامية لعدد كبير من علماء الإسلام ينصح بمراجعته والاطلاع على هذه المصادر لاختيار أهمها والعكوف على قراءتها والاستفادة منها. وفي الصفحات القليلة التالية سأحاول أن أشير إلى أهم الكتب التي اهتمَّتْ بالشعر وبالأدب والثقافة العامة. من المصادر الأساسية للشعر العربي في مختلف العصور الأدبية التي يمكن للشادي في مضمار الأدب، ومن يعد نفسه للكتابة أن يطلع عليها ويحفظ بعض ما جاء فيها من نماذج شعرية رائعة:

المعلقات

أولًا-المعلقات: وهي تحتوي على سبع قصائد لفحول شعراء العصر الجاهلي، حيث ذهب بعض الباحثين ومنهم ابن عبد ربه إلى أن العرب في الجاهلية قد عمدت إلى سبع قصائد تخيرتها، وكتبتها بماء الذهب، وعلقتها على أستار الكعبة، وهذا الأمر موضع خلاف بين الدارسينَ وفيه آراء متعددة: فهناك من يرى أن المعلقات عشر، والمعلقات تعتبر بحق من عيون الشعر العربي، وقراءتها والحفظ منها ضروري للأديب والمتأدب.

المفضليات

ثانيا - المفضليَّات: تُنْسَبُ إلى المفضل الضبي من جيل العلماء الأول، وكان راوية عالمًا بأخبار العرب وأيامها وأشعارها ولغاتها، وقد كان مؤدبًا للمهدي، ولي عهد المنصور، وكان المفضل قد اختَارَ عَدَدًا من القصائد تعتبر من أجود أشعار العرب، أقرها الأصمعي وزاد عليها، وتتضمن المفضليات مائة وثلاثين قصيدة وفقًا لتحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون تزيد أحيانًا. وتنقص أحيانًا أخرى في بعض الطبعات. والقصائد في غالبيتها لشعراء جاهليين، وأقلها لشعراء مخضرمين، وإسلاميين، وأطول قصائدها قصيدة سويد بن أبي كاهل، وعدتها مائة وثمانية أبيات، وقد قام كثير من الشراح بشرح هذه القصائد لأهميتها.

الأصمعيات

ثالثا: الْأَصْمَعِيَّات: تنتسب إلى الأصمعي عبد الملك بن قريب المتوفى عام 123هـ وهو من جلة العلماء والرواة، له مؤلفات كثيرة، وقد ألفت الأصمعيات على نسق المفضليات، وتضم اثنتين وتسعين قصيدة ومقطوعة لواحد وسبعين شاعرًا من الجاهلين والمخضرمين والإسلاميين، ولكن الأصمعيات أقل شهرة من المفضليات.

جمهرة أشعار العرب

رابعًا: جمهرة أشعار العرب: لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي المتوفى سنة 170هـ قسم القرشي مختاراته إلى سبعة أََقسام متدرجًا بها مع طبقات الشعراء، وفقًا لأَهميتها عنده، فالطبقة الأولى تضم المعلقات، والثانية المجمهرات، والثالثة المنتقيات، ثم المذهبات ثم المرائي، ثم المشويات، ثم الملحمات، وهو يرى أن الشعر قد فتح وختم بذي الرمة، وقد اختار لكل شاعر قصيدة فكان عدد القصائد تسعًا وأربعين، وقد طبعت جمهرة أشعار العرب لأول مرة في مطبعة بولاق بمصر سنة1311هـ وحققها علي البجاوي وطبعها عام 1967م.

الحماسة الكبرى

خامسًا-الحماسة الكبرى: لأبي تمام أبرز شعراء التجديد في العصر العباسي: وقد عمد إلى اختيار الشعرِ بِالذي يروقه دون اعتبار لشهرة صاحبه، وكان يستبدل بالألفاظ التي لا تعجبه ألفاظًا جديدة من عنده، ويختلف عن غيره من أصحاب المختارات في أنه لم يختَر قصائد كاملة بل مقطوعات. وأطول مختاراته لا تزيد على اثنين وعشرين بيتًا، وأغلبها يتراوح بين ستة وتسعة، وقد تكون بيتًا واحدًا، وكان يغفل ذكر بعض أصحاب هذه المقطوعات، وضمت أَشعارًا للجاهلِيين والمخضرمين والإسلاميين والمولدين، صنفها تصنيفًا موضوعيًّا وفقًا لأَغراضها، وقد اختار شعرًا للنساء فكان سباقًا في هذا المضمارِ، شرحت الحماسة عدة مرات وكان طلاب الأدب يحفظونها، وقد طبعت لأول مرة عام

1878م. وحققت وطبعت بعد ذلك عدة مرات، وكان ذلك على يد شيخ المحققين عبد السلام هارون وأحمد أمين، وصدرت عن لجنة التأليف والترجمة والنشر في القاهرة في أربعة أجزاء.

حماسة البحتري

سادسًا- حماسة البحتري: وهو الوليد بن عبيد تلميذ أبي تمام توفي عام 284هـ حذا حذوَه في مختاراته، قسمها إلى مائة وأربعة وسبعين بابًا أسقط فنونًا رئيسية: كالنسيب والفخر والمدح والهجاء والوصف من حماسته، ولكنه تتبع المعاني الشعرية المتعلقة بألوان السلوك الإنساني المختلفة- كما يقول الدكتور عز الدين إسماعيل- وقد كان منهجه يقوم على أساس المعاني وليس الموضوعات. تضمنت حماسته مقطعات لخمسمائة وعشرين شاعرًا واقتصر على الشعر الجاهلي والإسلامي والمخضرم ولم يختر لأحد من كبار الشعراء في عصره. وهناك حماسات ومختارات متعددة مثل الحماسة الشجرية، والحماسة البصرية، وحماسة العبيدي، ولكننا نكتفي بهذا القدر لضيق الحال.

أهم المختارات في العصر الحديث

سابعًا- أما أهم المختارات في العصر الحديث فهي مختارات البارودي وهي مجموعة من القصائد عمد إلى انتقائها من عيون الشعر العربي القديم وأرادها أن تكون نموذجًا يحتذى لتلامذته وأتباع مدرسته، كما فعل الشاعر الفرنسي "بوالو" وقد اصطفاها من ثلاثين ديوانًا، وحرص على أن تكون مما رق لفظه، ودق معناه، وخلا من الحشو والتعقيد. من شعر المولدين والعباسيين مرتبة على سبعة أبواب موضوعية مبتدئًا ببشار بن برد ومنتهيًا بابن عنين، وقد علق على هذه المختارات وفسر غريبها.

من المختارات الحديثة

ثامنًا- ومن المختارات الحديثة: ما حواه كتاب الشاعر سليمان العيسى "حب وبطولة" وقد ضم حوالي مائة مقطوعة أو أكثر مختارة بعناية؛ إذ يقول في المقدمة:

كان الصدق والأصالة رائدي في كل قطعة أصطفيها ... لقد أسرعت بالوصول إلى العصر الحديث ... وجُلْتُ الأقطار العربية جولة عجلى ... فإذا أنا أختار باقة من الشعراء.. حرصت ما أمكن أن تتمثل فيهم المراحل التي مر بها الشعر العربي الحديث من البارودي وشوقي إلى السياب ونازك الملائكة ولم أتجاهل التجربة الجديدة التي يطلقون عليها الشعر العربي الحر، فليس يهمني شكل البيت وإنما تهمني النبضة الحية، والروح الشاعرة التي تختلج وراء الأبيات.

دواوين الشعراء الفحول

تاسعًا: دواوين الشعراء الفحول مدخل من أمثال المتنبي وأبي تمام وابن الرومي ومن سبقهم من الشعراء الجاهليين والإسلاميين والأمويين ومن تلاهم من الشعراء المعاصرين كشوقي وحافظ إبراهيم وأحمد رامي وخليل مطران وشعراء مدرسة أبوللو ولا بأس من الاطلاع على شعر الرواد من المجددين كالسياب وعبد الصبور وحجازي وغيرهم وقراءته بوعي وبصيرة. أما أمهات كتب الأدب فهناك كتب جامعة أشبه بالموصوعات الثقافية العامة وإن كان الطابع الأدبي هو الغالب عليها منها: 1- البيان والتبيين للجاحظ، وهو من أشهر كتب الأدب العربي، أَثَّرَ فيمن جاء بعده من الكتاب كابن قتيبة وابن الأثير وغيرهما، يجمع فيه بين الجد والهزل، ويدور الكتاب حول الخطابة والبلاغة والبين والشعر والوصايا والمحاورات والنساك والقصاص من أمثال الحسن البصري. ويتناول الجاحظ بأُسلوب فَكِهٍ بعض الموضوعات ويسخر من بعضِ الطبقات وأصحاب الحرف وفيه قصص طريفة. 2- الحيوان للجاحظ أيضًا وهو موسوعة علمية أدبية يتحدث فيها عن العادات والأغراض والحكم والأشعار والحيوان، وهو حصيلة خبرة واسعة في شتى المجالات ويقوم في جانب منه على الجدل والمحاورة.

البيان والتبيين

1- البيان والتبيين للجاحظ، وهو من أشهر كتب الأدب العربي، أَثَّرَ فيمن جاء بعده من الكتاب كابن قتيبة وابن الأثير وغيرهما، يجمع فيه بين الجد والهزل، ويدور الكتاب حول الخطابة والبلاغة والبين والشعر والوصايا والمحاورات والنساك والقصاص من أمثال الحسن البصري. ويتناول الجاحظ بأُسلوب فَكِهٍ بعض الموضوعات ويسخر من بعضِ الطبقات وأصحاب الحرف وفيه قصص طريفة.

الحيوان

2- الحيوان للجاحظ أيضًا وهو موسوعة علمية أدبية يتحدث فيها عن العادات والأغراض والحكم والأشعار والحيوان، وهو حصيلة خبرة واسعة في شتى المجالات ويقوم في جانب منه على الجدل والمحاورة.

الكتب المفيدة

3- ومن الكتب المفيدة في هذا الميدان كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة وفيه يتحدث عن الحرب والسؤدد والعلم والزهد والإخوان، والحوائج والطعام والنساء والطبائع، وكتاب "أدب الكاتب" لابن قتيبة ايضًا حافل بمختلف المعارف.

كتاب "الكامل"

4- كتاب الكامل لأبي العباس المبرد فهو يحتوي على ألوان من الثقافة وأبواب من الأدب واللغة، وهو أشبه بكتاب البيان والتبيين للجاحظ. ومن كتب الأدب واللغة كتب أبي العباس ثعلب: "قواعد الشعر" و"معاني القرآن" و"المجالس" وغيرها ولكن أشهره هذه الكتب "الفصيح". ومن الكتب أيضًا ما صنفه المرزباني في الأدب والتاريخ والنوادر والثقافة بصفة عامة، وما صنفه أبو منصور الثعالي، ومن أشهر كتبه ثمار القلوب، وخاص الخاص.

كتاب العقد الفريد

5- ومن أشهر كتب الأدب كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه، وهو موسوعة أدبية اجتماعية تاريخية أخبارية، ويتناول فيه الشعر والطابة والنثر والعلم والأدب وقد قسم الكتاب إلى خمسة وعشرين كتابًا، يحمل كل منها اسم درة من درر عقد الجيد كالياقوته، والزمردة، وما إلى ذلك.

الأغاني

6- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: وهو أوسع كتب الأدب العربي شهرة وأوفرها حفظًا من حيث الشيوع والانتشار، وهو مزيج من الموسيقى والأدب فقد جمع الأصوات المائة التي اختارها المغنون للرشيد، وهو مرجع في هذا الباب، والناحية الأدبية أوسع وأشمل من الناحية الموسيقية، ولكن في الكتاب أشعار بذيئة وحكايات مستهجنة، ولهذا لا بد أن يقرأ بحذر بالغ، وقد حاول بعض الكتاب تهذيبه واختصاره وأبرز هذه المختصرات كتاب تهذيب الأغاني للشيخ محمد الخضري.

من كتب الأدب المشهورة

7- من كتب الأدب المشهورة أيضًا- كتب أمالي الزيدي وأمالي أبي علي القالي الذي يعتبر كنزًا ثقافيَّا فريدًا، وكتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، وأمالي الشريف المرتضى، وأمالي ابن الشجري ويلزم الحذر في قراءة هذه الكتب جميعًا.

كتب الطبقات

8- كتب الطبقات مثل كتاب طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي، والشعر الشعراء لابن قتيبة، وطبقات الشعراء لابن المعتز ومعجم الشعراء للمرزباني، وغيرها. والكتب التي ينصح الكاتب بقراءتها كثيرة ومتعددة، ولكن الكتب التي يمكن أن يقوم الطالب بها لسانه فتستقيم عبارته ويسلسل أسلوبه: 1- كتاب مصطفى لطفي المنفلوطي: النظرات، والعبرات، وفي سبيل التاج، والفضيلة، والشاعر، وغادة الكاميليا وغيرها. 2- كتب جبران خليل جبران: مثل الأجنحة المتكسرة، ودمعة وابتسامة، ورمل وزيد والنبي، وغيرها، ويجب أن تكون قراءته واعية ويقظة. وقد عرف هذان الكاتبان المنفلوطي، وجبران باهتمامها بالصورة البيانية والعبارة اللغوية الناصعة. 3- كتاب المقالة: الجيل الرائد عمومًا كمصطفى صادق الرافعي، وأحمد حسن الزيات، وأحمد أمين، وعبد العزيز البشري، وغيرهم. 4- ومن كتاب الرواية: الذين ينتفع بأسلوبهم اللغوي محمد عبد الحليم عبد الله على وجه الخصوص، ولا بأس من قراءة غيره، ولكن ينتبه إلى ما في أساليب بعضها من ضعف أحيانًا وجنوح إلى العامية أحيانًا أخرى، وكتب نجيب محفوظ المختلفة في الرواية والقصة ولكن مع الحذر في الجانب العقدي والديني والخلقي.

ومن الكتب المهمة للشادين في مضمار الكتابة: كتب الأمالي لطائفة من أدبائنا القدامى، كثعلب واليزيدي والقالي وأبي حيان التوحيدي والشريف المرتضى وابن الشجري، وكتب الطبقات لابن سلام وابن قتيبة وابن المعتزل والمرزباني، وكت التراجم لابن النديم والخطي البغدادي وياقوت الحموي، وكتب الموسوعات العربية لابن منظور والنويري في كتابة نهاية الأرب والقلقشندي في صبح الأعشى، ومؤلفات المقريزي، وابن حجر وابن تغري بردي والسخاوي. ولا يتسع المجال للوقوف عند كل كتاب من هذه الكتب، ولكنها في مجملها من أفضل الكتب وأحفلها بالثقافة اللغوية والأدبية العامة والحذر مطلوب في كتب الأدب جميعها.

أوقات الكتابة

أوقات الكتابة مدخل ليس هناك اتفاق على موعد محدد للكتابة، ولكن تخير الوقت المناسب الذي يشعر فيه الكاتب بالراحة الجسدية والنفسية والفكرية مبدأ هام يكاد يجمع عليه الباحثون والكتاب من الشرق والغرب، وربما كان أنسب الأوقات الصباح الباكر بعد الفجر لمن اعتاد على النوم مبكرًا فأخذ قسطًا من الراحة، وبعض الكتاب يمارسون نشاطهم الإبداعي في جوف الليل حيث تتوفر السكينة، ويخلو المرء إلى نفسه فيستصفي زبدة أفكاره ومشاعره، ويتخير لها من العبارات والألفاظ ما يمكنه من التعبير عنها في هدأة السكون! ولكن الأمر ليس سواء لدى الجميع. وقد وضع أحد علمائنا من السلف قواعد هامة في هذا المجال في صحيفة مشهورة هي صحيفة بشر بن المعتمر، وقد عمدت إلى إثبات أهم ما جاء فيها في نهاية هذا البحث. ويرى بعض العلماء أنه لا بد من مرور اثنتي عشر ساعة بين الفراغ من المسودة الأولى، ومحاولة إعادة الكتابة مرة ثانية. ويقرر ابن رشيق القيرواني في كتابه "العمدة" في الفصل الذي عقده لعمل الشعر وشحذ القريحة؛ لأنه لا بد للشاعر وإن كان فحلًا، حاذقًا، مبرزًا من فترة1 تعرض له إما لشغل يسير أو موت قريحة أو نُبو طبع في تلك الساعة أو ذلك الحين. ويؤكد ذلك الفرزدق الشاعر الأموي المعروف إذ يقول: "تمر عليّ الساعة وقلع ضرس من أضراسي أهون علي من عمل بيت من الشعر". 1 الفترة من الفتور أي التراخي والعزوف عن العمل في بعض الأوقات.

وقيل لكُثيّرِ عزة الشاعر العذري الأموي: كيف تصنع إذا عسر عليك الشعر؟ قال: أطوف في الرباع المحيلة: والرياض المعشبة، فيسهل علي أرضه ويسرع إلي أحسنه. وقال الأصمعي الراوية العالم الأديب ما استدعي شارد بمثل الجاري والشرف وقال ابن قتيبة العالم الأديب: وللشعر أوقات يسرع فيها أتيه، ويسمح فيها أبيُّه والمقصود يأتيه ما ينثال على الخاطر والوجدان منه، والأبي المستعصي، منها أول الليل قبل تغشي الكرى قبل النوم ومنها صدر النهار قبل الغداء، ومنها الخلوة في الحبس1. ويشير أبي تمام في بيت مشهور له إلى أنسب أوقات الكتابة فيقول: خذها ابنة الفكر المهذَّب في الدجى ... والليل أسود رقعة الجلباب ويعقب على ذلك بعض الباحثين فيقول: فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى ليكون الليل تهدأ فيه الصوات وتسكن فيه الحركات، فيكون الفكر فيه مجتمعًا ومرآة التهذيب فيه صقيلة، لخلو الخاطر وصفاء القريحة، لاسيما وسط الليل. ومن نصائح أبي تمام للبحتري ما روى عنه البحتري حيث قال: كنت في حداثتي أروم الشعر، وكنت أرجع منه إلى طبع سليم، ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ، ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام، وانقطعت إليه، واتكلت في تعريفه عليه، فكان أول ما قال: "يا أبا عبيدة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم"2.

_ 1 راجع فيما يتعلق بهذه الأقوال: تقي الدين علي بن حجة الحموي، خزانة الأدب وغاية الأرب، شرح عصام شعيتو، دار ومكتبة الهلال، بيروت 1987م. 2 المرجع السابق.

غير أن هذا كله- على الرغم من أهيمته- يصدق على الكتابة الإبداعية في الغالب، أما الكتابة الإجرائية فلا يمكن التحكم في وقت مخصوص لها؛ لأنها عمل وظيفي تدفع إليها الظروف في أي وقت من الأوقات، وهي لا تحتاج إلى استشارة للقرائح، ولا تحريض لملكة الكتابة؛ لأنها تسير وفق قواعد مقررة، وأصول معروفة.

من صحيفة بشر بن المعتمر

من صحيفة بشر بن المعتمر1 خذ من نفسك ساعة نشاطك وفراغ بالك وإجابتها إياك، فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهرًا، وأشرف حسبًا، وأحسن في السماع، وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش الخطأ، وأجلب لكل عين وغرة من لفظ شريف، ومعنى بديع. واعلم أن ذلك أجدى عليك ما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطاولة والمجاهدة، وبالتكالف والمعاودة، ومهما أخطأك لم يخطئك أن يكون مقبولًا قصدًا، وخفيفًا على اللسان سهلًا، وكما خرج من ينبوعه ونجم من معدنه، وإياك والتوعر، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك، ومن أراغ معنى كريمًا، إن حق المعنى الشريف اللظف الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما، وعما تعود من أجله أن تكون أسوأ حالًا منك قبل أن تلتمس إظهارهما، وترتهن نفسك بملابستهما وقضاء حقهما. فكن في ثلاث منازل، فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقًا عذبًا، وفخمًا سهلًا، ويكون معناك ظاهرًا مكشوفًا، وقريبًا معروفًا، أما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت، وإما عند العامة إن كنت للعامة أردت، والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصة، وكذلك ليس يتضح بأن يكون من معاني العامة، وإنما مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة، مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال. وكذلك اللفظ العامي والخاصي، فإن أمكنك أن تبلغ مع بيان لسانك وبلاغة قلمك، ولطف مداخلك، واقتدارك على نفسك إلى أن تفهم العامة معاني الخاصة، وتكسوها الألفاظ الواسطة التي لا تلطف عن الدهماء ولا تجفو عن الأكفاء، "فأنت البليغ التام".

_ 1 الجاحظ: البيان والتبيين ج1. تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخاجي مصر د. ت ص135 وما بعدها.

هذ النص التراثي المتميز يتضمن توجيهات قيمة للكاتب تتمثل في: أولًا: ضرورة اختيار وقت الكتابة في ساعات النشاط وهدوء البال. ثانيًا: البعد عن التكلف والتماس الغرابة؛ لأن ذلك يؤدي إلى التعقيد المستكره. ثالثًا: ضرورة اختيار اللفظ الرشيق البسيط والمناسبة بين المقال والمقام. رابعًا: التوسط والاعتدال، وهو ما يمكن أن نسميه السهل الممتنع.

شروط الكاتب

شروط الكاتب: حرص العلماء العرب القدامى على وضع شروط للكاتب بالإضافة إلى الشروط الموضوعية للكتابة؛ لأنهم وضعوا الكاتب في منزلة سامقة. ومن أشهر من اهتم بهذا الموضوع عبد الحميد الكاتب في رسالته المشهورة للكتاب1، وقد وضع فيها القواعد السلوكية والقوانين الأخلاقية التي يجب أن يتبعها الكاتب وقد جعلهم في المرتبة الثالثة حيث قال: فإن الله عز وجل جعل الناس بعد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين من بعد الملوك المكرمين أصنافًا وإن كانوا في الحقيقة سواء، وصرفهم في صنوف الصناعات وضروب المحاولات إلى أسباب معايشهم، وأبواب أرزاقهم، فجعلهم معشر الكتاب في أشرف الجهات، أهل الأدب والمروءة والدراية. وقد اشترك عبد الحميد الكاتب بالإضافة إلى مكارم الأخلاق: 1- بعد الرؤيا، إذ ينبغي أن يكون الكاتب قادرًا على استشراق آقاق المستقبل من خلال النظرة الثاقبة العميقة. 2- وضع الأمور في نصابها بحسن تقدير مواقعها ومستلزماتها وبالقدرة على التحليل.

_ 1 نص الرسالة منشور في صبح الأعشى للقلقشندي في صناعة الأنشاء المؤسسة المصرية العامة القاهرة، ج1 ص85-89.

ضوابط الكتابة

ضوابط الكتابة عناصر البناء التعبيري الكلمة: هي العنصر الساسي في تكوين النص المكتوب والمنطوق على حد سواء، وهي الوحدة الصغرى من وحدات الكلام، لذا كان الوقوف عندها أمرًا لابد منه، والتعرف على مستوياتها وأبعادها المختلفة ضررة لازمة، وأما مستوياتها فتتمثل في البعد الدلالي للكلمة، ثم البعد البنائي أو الصرفي، ثم البعد الصوتي. أولًا-البعد الدلالي: وهو المستوى الأهم في الكلمة، فالمقصود بالدلالة المعنى وما يكتنفه من إيحاءات وظلال نفسية، ومن المفترض أن يكون الكاتب على وعي بهذه الدلالة حتى يكون اختياره لها قائما على أساس متين، ودلالة الكلمة ليست منفصلة عن سياقها كما هو معروف؛ ولهذا لابد من الإشارة إلى بعدين للدلالة في الكلمة الواحدة سبقت الإشارة إليهما عند أول عالم ألسُني وهو فرديناند دي سوسير. البعد الأول: يتصل بالكلمة المفردة، ولها دلالة تسمى الدلالة الرأسية أو العمودية، بمعنى أنها تستدعي كثيرًا من المعاني، فكلمة مضطرم تعني الاشتغال، والاشتعال يرتبط بالنار والمعاناة والتلظي واحتدام العواطف ... إلخ، مما ستدعي دائرة متسعة من الدلالات.

البعد الثاني: يرتبط بالكلمة في سياق الجملة، فتكتسب الكلمة دلالات أخرى حيث يتفاعل المعنى الرأسي مع المعنى الأفقي؛ لأن سياق الكلام يساعد على تحديد دلالة الكلمة، ولكنه لا يصادر ما يتداعى من معاني رأسية فنحن حينما نقول كان مضطرم الفؤاد حددنا الاضطرام من خلال علاقته بالفؤاد في معنى عاطفي نفسي أى: مشتعل القلب بالحب أو الألم وما إلى ذلك ولكننا لم نوقف تداعيات المعنى من حيث الارتباطات الأخرى بمعنى النار، والاحتدام أي: الحرارة والشدة والفوران فحينما نقرأ العبارة تنثال هذه المعاني وتوسع دائرة الإيحاءات في نفس المتلقي، من هنا كان لابد من استيعاب البعد الدلالي للكلمة المفردة في مستوييها الرأسي والأفقي. ثانيا: البعد البنائي الصرفي: من المعروف أن دلالة الكلمة تتأثر بتغير مبناها وأوجه تصريفها ومع كل زيادة أو تغيير أو تحوير فيها تكتسب دلالات جديدة، وقد يتغير المعنى بشكل جذري، ففي الفعل وثق مثلًا صيغ صرفية متعددة، نقول: وثق واستوثق وتواثق. وكل صيغة من هذه الصيغ لها دلالة تختلف - إلى حد ما- عن غيرها، لذا لابد من الإلمام بالروق الدقيقة بين هذ المباني الصرفية خصوصًا في الكنايات الموضوعية والإجرائية وفي الكتابات الإبداعية أيضًا. ثالثًا: البعد الصوتي: يرتبط البعد الصوتي بالإيقاع، والإيقاع له علاقة مباشرة بالدلالة النفسية والوجدانية، ويتحدد البعد الإيقاعي من خلال التكوين الصوتي للكلمة، ويتأكد عبر توالي حروف معينة ذات مخارج صوتية متناسقة أو متنافرة أو لها وقع خاص.

والإيقاع ليس مجرد تجاوب نغمي يحصل من تآلف الكلمات أو تضافرها في نسق صوتي خاص، بل قد يكون خفيًّا هامسًا، أو بارزًا جهيرًا، أو مستترًا ملحوظًا ينجم عن توالي وحدات صوتية خاصة، على نحو تعاقبي أو تكراري، ونستطيع أن نلمس الإيقاع حين نستعرض بعض الأمثلة والنماذج: ففي سينية البحتري الشهيرة قول الشاعر في مطلعها: صنت نفسي عما يدنس نفسي ... وترفعت عن جدا كل جبس فتوالي السينات وتكرارها على نحو واضح في منظومة صوتية متصلة أدى إلى تكوين إقاع ملمس، يتساوق مع الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر، إذ ينفِّس عن نفسه أثر أزمة ألمت به أن قتل ممدوحه الخليفة المتوكل: وفي قول الشاعر المتنبي عند إصابته بالحمى متحدثًا عن الطبيب: وما في طبِّه أني جَواد ... أضر بجسمه طول الِجمِام إيقاع جهير قوي ناجم عن توالي الحروف المضعفة ذت المخارج المتميزة صوتيًّا، ووجود حروف ذات طابع صوتي جهير كالميمات المتوالية، والياء والدال. فالشاعر يتحدى المرض معتدًّا بنفسه، مفتخرًا بها لذا جاء الإيقاع منسجمًا مع هذه الحالة النفسية التي يصدر عنها الشاعر في قصيدته. والجانب الصوتي والإيقاعي للكلمة لا يقتصر على الشعر بل يتعداه إلى النثر، فطه حسين -مثلًا - معروف بولعه الخاص باستخدام الأحوال والمفاعيل المطلقة والتكرار على نحو خاص مما يكسب أسلوبه سمة متميزة. وينبغي أن ندرك أنه لا يمكن معرفة قيمة الكلمة إلا في ضوء السياق، وهذا ما ألح عليه عبد القاهر الجرجاني في نظرية النظم التي بسطها في كتابه دلائل الإعجاز.

والكلمة هي أصغر عنصر له معنى، وهناك ما هو أصغر منه، ولكنه ليس دالًّا، فالحروف والمقاطع المكونة من أكثر من حرف، والكلمة تتكون من عدة حروف وقد تتكون من مقطع واحد أو أكثر، فكلمة مدرس مثلًا تتكون من مقطع واحد أي بنية لغوية بسيطة، أما كلمة المدرس فهي تتكون من مقطعتين هما أل - مدرس. والكلمة ذات بنيات متعددة، فقد تكون أصلية الحروف أي مجردة من الزوائد، وقد تكون فيها بعض حروف الزيادة التي تضيف إليها دلالة جدية، ولابد للكاتب من معرفة ذلك كله من خلال دراسته لعلم الصرف. وهناك من يفرق بين نوعين من الكلمات: كلمات نشيطة وأخرى خاملة، والمقصود بالنشيطة تلك التي تدخل في دائرة استعمال الكاتب وفي معجمه؛ أما الخاملة فهي التي يكون الإلمام بها ضروريًا لفهم النصوص التراثية حيث لم تعد متداولة أو شائعة الاستعمال كالكلمات التي استخدمت في عصر أدبي قديم، أو الكلمات المتخصصية والاصطلاحية التي تند عن دائرة اهتمام الكاتب ولكن معرفتها جزء من الثقافة العامة التي ينبغي أن يلم بها الكاتب. ولكن هناك بعض الكلمات تنتقل من طور إلى طور وفقًا لمراحل نمو الكاتب وقدرته الاستيعابية، فقد تكون الكلمة الخاملة ذات مستوى أدبي رفيع لا يرقى إلى فهمها الكاتب، وقد تصبح هذه الكلمة نشطة في مرحلة متقدمة من تطور الكاتب ورقيه، والخمول أو النشاط قد يكون وفقًا لدائرة اهتمام الكاتب أو تخصصه كما ألمحنا سابقًا. ويرى فريق من اللغويين أنه يمكن تقسيم الكلمات من منظور آخر إلى قسمين. كلمات ذات محتوى، وكلمات ذات وظيفة، فكلمات المحتوى هي تلك التي

تتضمن دلالة في ذاتها، كالأسماء والأفعال والصفات وكلمات الوظيفة هي التي لا تتضمن دلالة في ذاتها ولكنها تساعد على ترابط المعاني وفهمها مثل الحروف1. وهناك أصول ينبغي أن يراعيها الكاتب في انتقائه الكلمات التي يصوغ منها جملة وفقراته منها: أولًا: البصر بالمترادف والمشترك والمتضاد منها، والحرص على أن يكون السياق الذي ترد فيه الكلمة للدلالة المقصودة والمعنى المبتغى دون لبس، وكتب فقه اللغة - فضلًا عن المعاجم المعتمدة - كفيلة بجلاء ما غمض من شأن هذه الصفات التي تعتبر من ميزات اللغة العربية، وإن كانت حظًّا مشتركًا بين معظم اللغات، ولكنها في العربية أوضح، وهي دليل ثراء وعمق. ما المقصود بالمترادف من الألفاظ؟ الترادف يعني اشتراك مجموعة من الألفاظ في الدلالة على معنى واحد مثل: السيف والمهند والحسام. ولكن هذا لا يعني أن كل لفظة من الألفاظ المترادفة تعطي نفس المعنى على وجه التحديد، إذ أن هناك فروقًا دقيقة في المعنى تتمثل في الظلال النفسية والإيحاءات الشعرية، ولا يتأتى للكاتب التمييز بين هذه المترادفات إلا إذا أوتي ذوقًا لغويًا مدربًا، وقد دفع وجود الفروق الدقيقة في المعنى بعض العلماء إلى إنكار الترادف، ومن الذين أنكروا ذلك أحمد بن فارس إذ يرى أن المترادفات هي صفات لا أسماء, وهذه الصفات تحمل معاني مختلفة ففي قعد معنى ليس في جلس وكذلك الأفعال في مضى وذهب وانطلق2.

_ 1 راجع: د/ محمد علي الخولي: أساليب تدريس اللغة العربية، الرياض سنة 1402 سنة 1982م من ص 89 إلى ص 93. 2 جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرح وتعليق المكتبة العصرية: صيدا أو بيورت سنة 1986م. ص404.

ومن أمثلة المترادفات المشهورة وجود ما يقرب من ثمانين اسمًا للعسل، أوردها صاحب القاموس في كتابه ترقيق الأسل لتصفية العسل وكذلك السيف وما أورده ابن خالويه له من أسماء. ص 410. ما المقصود بالتضداد في الألفاظ؟ قال العالم اللغوي الشهير ابن فارس: من سنن العرب في السماء أن المتضادين باسم واحد، نحو الجون للأسود، والجون الأبيض، والجلل: الشيء الصغير، والجلل: العظيم، الصارخ: المستغيث والمستغاث به ومن المعروف أن هذه الظاهرة قديمة، قد لا تكون منتشرة على نطاق واسع وخصوصًا في العصر الحديث، ومع هذا فإن معرفة الظاهرة وغيرها من الظواهر أمر لازم حتى يزداد الفقيه فقهًا. ما المشترك من الألفاظ وما المقصود به؟ هو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر. ولا يعنينا في هذا الجال تتبع السبب في وجود المشترك فذلك من اختصاص فقه اللغة؛ أما ما يهمنا هو وجود هذه الظاهرة وضررة الوعي بها من قبل الكاتب أو المبدع وتحديدها من خلال السياق فالعم على سبيل المثال يقصد بها أخو الأب والجمع الكثير وقد ورد هذان المعنيان في قول الشاعر: يا عامر بن مالك يا عمًّا ... أفنيت عمَّا وجبرت عمَّا فالعم الأولى: أراد بها صاحب القرابة المعروفة والعم الثانية والثالثة بمعنى الجمع الكثير: أي أفنيت قومًا وجبرت آخرين. وهناك أمثلة كثيرة تحفل بها المعاجم وكتب اللغة. ثانيًا: الوعي بأن دلالات الألفاظ متطورة من عصر لعصر ومختلفة من بيئة لأخرى، من هنا كان لابد من إدراك التطور التاريخي للغة وأخذ البعد الزماني

والبعد المكاني بعين الاعتبار، فمن المعروف لدى كثير من الأمم أن ما كان يستخدم قبل قرن أو أكثر قد تتغير دلالته في الوقت الراهن فلغة شكسبير في الإنجليزية تختلف عن اللغة الإنجليزية المعاصرة من بعض الوجوه، وكذلك لغة ملحمة "الشاهنامة" في الأدب الفارسي، وقس على ذلك لغة العصر الجاهلي واختلافها عن اللغة العربي المعاصرة من حيث تغير بعض الدلالات وتطورها واختفاء بعض الكلمات وظهور غيرها كذلك فإن بعض الألفاظ تشيع في بيئة معينة، وتكون مستساغة ومقبولة في هذه البيئة فيما لا تكون كذلك في بيئة أخرى. ثالثًا: تمييز المبتذل المستهلك من الأصيل المؤثل عند اختيار الألفاظ فالشائع المكرور الذي يتردد على الألسنة كثيرًا لا يثير المتلقي ولا يؤثر فيه، والمهجور المستكره عسير على الفهم، وغير المفهوم غير قادر على الإيحاء أو الإدهاش والتأثير فالبعد عنه أولى. رابعًا: الوعي بما بين الصفة والاسم والظرف من فروق دلالية1: فيا يتعلق بالصفة فإنها أقوى الدلالات على ضبط الأداء-كما يقول العقاد - فالصفات تخصص الموصوفات وتحددها، وتبرز الفروق بينها، أما الأسماء فقد تكون اصطلاحية وليست معنوية؛ بمعنى أن القوم تواضعوا عليها فكلمة كبريت يرجع أصلها إلى قبرص التي كانت أشهر البلاد المنتجة لها، والصفات لابد من المطابقة بينها وبين موصوفاتها، ولذلك فهي تابعة للموصوف في اللغة العربية من حيث الإفراد والجمع والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، وفي مواقف الإعراب. وتظهر دقة اللغة في التسوية بين التذكير والتأنيث فهناك سرُّ خفي وراء هذه القواعد يبعدها عن خلط المصادفة والارتجال.

_ 1 راجع: عباس محمود العقاد 1 أشتات مجتمعات في اللغة والأدب، دار المعارف بمصر د. ت 2 اللغة الشاعرة - مزايا الفنا والتعير في اللغة العربية دار المعارف بمصر د. ت.

ويرى العقاد أن الظروف في اللغة العربية كثيرة كثرة تدلُّ على أن المتكلمين بها يدركون الحوادث على كل صورة من صورها، ويديرون النظر على كل وجه من وجوهه. خامسًا: إدراك مواضع التعريف والتنكير في اللغة: تعتبر اللغة العربية من أدق لغات العالم من حيث التمييز بين مواضع التعريف والتنكير على حسب معانيها، فهذه المواضع تسير على قاعدة معينة تلازمها ملازمة معناها: فالضمائر وأسماء الإشارة وأسماء الموصول والأعلام توجد مميزة في اللغة العربية، الأعلام في اللغة العربية غنية عن أدلة التعريف؛ لأن تمييز الاسم بالعلمية تعريف كاف، والأعلام الجغرافية التي تدخلها الألف واللام في اللغة العربية تلازمها دائمًا. وتتجلى الدقة في التعريف والتنكير في استغناء الأعلام عن أداة التعريف ولكنها تحمل معنى التنكير في بعض المواقع، كذلك فإن الأسماء المنكَّرة إذا سبقت بأداة نداء، وكانت مقصودة لا تحتاج إلى تنوين التنكير؛ لأنها تصبح دالة على معرفة، وقس على ذلك اسم التفضيل. سادسًا: الوعي بشروط الفصاحة في اللفظة كما حددها البلاغيون والنقاد القدامى1. كالمناسبة بين الألفاظ ومعانيها، والخلو من التعقيد وتصنع المحسنات البديعية وتأليف الألفاظ من حروف متباعدة المخارج فكلما كانت الحروف متباعدة المخارج أوقع في السمع على نحو ما قال الشاعر: ضدان لما استجمعا حَسُنا ... والضدُّ يظهر حسنَهُ الضدُّ

_ 1 راجع: ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، دار الكتب العلمية، بيروت 1982 ص58 وما بعدها وراجع أيضًا من كتابات المحدثين: بدوي طبانة، نظرات في أصول الأدب والنقد، عكاظ للنشر والتوزيع جدة 1403.

كذلك فإن الكلمة لا ينبغي أن تكون غريبة غير مألوفة فإن ذلك من قبح التأليف الذي يمجُّه السمع كقول الشاعر: غربًا جرورًا ... وجُلالًا خزخز. "الغرب: الدلو العظيمة، الجلال: البعير العظيم، الخزخز: القوي الشديد" وألا تكون الكلمة عامية، وجارية على العرف العربي الصحيح غير شاذة، فقد عابوا على الشاعر أبي الشيّص قوله: وجناح مقصوص تحيَّف ريشَه ... رَيْبُ الزمان تحيُّف المقراض قالوا: ليس المقراض من كلام العرب. وألَّا تكون الكلمة قد عُبِّر بها عن أمر آخر يكره ذكره، من ذلك قول الشاعر: وكل أناس سوف يدخل بينهم ... دويهيَّة تصفرُّ منها الأنامل فقد روي أن أبا العباس المبرد كان يقول أن التصغير في كلام العرب لم يدخل إلا لنفي التعظيم.

الجملة

الجملة مدخل: هي الوحدة البنائية الثانية في عملية الكتابة، وتمثل الخطوة الأولى التي يخطوها المنشئ، وبناء الجملة بناء صحيحًا خاليًا من الخلل والزلل يستوجب عدة أمور -كشروط مبدئية- ينبغي الوعي بها: أولها: وضوح المضمون المراد التعبير عنه في ذهن الكاتب. وثانيها: إدراك العلاقة بين مفرداتها بما يخدم هذا المعنى من حيث التقديم والتأخير، فهناك خيارات متعددة أمام الكاتب في ترتيب الكلمات، وهذه ليست مسألة نحوية فحسب، ولكنها تتعلق بطاقة التوصيل، أي ما يريد الكاتب أن يتركه من أثر في نفس المتلقي "القارئ أو السامع فالصحة النحوية قد تتوفر في أشكال متعددة من بناء الجملة وترتيب المفردات فيها، ولكنها ليست الفيصل في قدرة الجملة على تحقيق الأثر المطلوب في المتلقي، فعلى سبيل المثال، نقول: تدفقت المياه غزيرة في مجرى النهر، ونقول: أيضًا: المياه تدفقت في مجرى النهر غزيرة، وما إلى ذلك من صيغ وأشكال تتصف جميعها بالصحة النحوية، ولكنها في كل مرة تترك أثرًا مغايرًا -عن المرة السابقة- في نفس القارئ، لأن الجزء المتقدم من الجملة يكون هو المقصود بلفت الانتباه، وهذه مسألة بلاغية ينبغي الوعي بها. وثالثها: فهم السياق الذي ترد فيه الجملة سواء كان هذا السياق لغويًّا محضًا أو نفسيًّا وجدانيًّا أو فكريًّا، فالسياق اللغوي حيث تكون الجملة واردة في إطار متن لغوي معين يؤدي إلى تغيير دلالتها أحيانًا فعلى سبيل المثال: إذا جاءت جملة خبرية في سياق كلام ساخر تنتقي دلالتها الإخبارية المألوفة، وتكتسب معنى جديدًا يتناسب مع هذا السياق، فإذا قال قائل:

"أنت رجل عظيم بحق؛ ولكنك لا تدرك أكثر من مدى أنفك" فالمفهوم من هذا السياق أن المقصود بجملة "أنت رجل عظيم" ليس المدح بل الذم والسخرية في حين أن دلالة الجملة منفصلة عن سياقها تفيد المدح والتعظيم، وهذا أمر لا بد من أن يدركه الكاتب من خلال دراسته لعلوم البلاغة، وقد تتحول الجملة الإنشائية عن معناها إلى معنى آخر جديد تصبح فيه ذات طابع إخباري. تعريف الجملة: أولًا: تعرَّف الجملة في كتب النحو بأنها ما تكوَّن من كلمتين أو أكثر وله معنى مفيد مستقل. وهناك تعريف آخر هو "الجملة مركب إسنادي أفاد فائدة"، والجملة نحويًّا تنقسم إلى اسمية وفعلية كما هو معروف، والاسمية تتكون من مبتدأ وخبر، وفي البلاغة يطلق على المبتدأ اسم "المسند إليه" والخبر هو "المسند"، أما في الجملة الفعلية فإن الفعل هو "المسند", والفاعل هو "المسند إليه" وما زاد على ذلك في الجملة الاسمية أو الفعلية فهو "فضلة". مثال ذلك في الجملة الاسمية: الأصيل أصيل في الشدة والرخاء. المسند إليه: الأصيل. المسند: أصيل. هي الشدة والرخاء: فضلة. وفي الجملة الفعلية: تظهر معادن الرجال في الملمات. المسند: تظهر. معادن الرجال: مسند إليه. في الملمات: فضلة. وتنقسم الجملة بلاغيًّا إلى قسمين: الجملة الخبرية والجملة الإنشائية.

فأمَّا الخبرية فهي تحتمل الصدق أو الكذب، والجملة الإنشائية لا تخضع لهذا المقياس، وهي إما طلبية كالأمر والنهي والاستفهام والنداء، والتمني والعرض والتحضيض؛ وإما غير طلبية كالقسم والترجي والمدح والذم، ولا نريد أن نفيض في الحديث عن ذلك لأنه يدخل في نطاق البلاغة، ولكن لا باس أن نشير إلى ما ذكره ابن قتيبة الدينوري عن أقسام الكلام حيث قال: "الكلام أربعة: أمر وخبر واستخبار ورغبة: ثلاثة لا يدخلها الصدق والكذب وهي الأمر والاستخبار "الاستفهام" والرغبة وواحد يدخله الصدق والكذب وهو الخبر1. ثانيًا: وتعرَّف الجملة في مؤلفات بعض المحدثين2 بأنها طريقة التلفظ التي تكون معنى عامًّا في السياق الذي تكون فيه، ومن ثم فهي الملفوظ بين موقفين من مواقف النفس. وهذا التعريف غير مألوف في الكتب العربية ويقصد به أن الجملة هي التي تفضي بمعنى عام والتي تنحصر بين وقفتين في سياق ممتد، وقد تتكون من أكثر من جملة بالمعنى النحوي، وتعني بالتركيز على التلفظ أي "الحكي". والأصح التركيز على المنطوق وليس على طريقة التلفظ. وتنقسم الجملة وفقًا لذلك إلى عدة أقسام: 1- الجملة ذات البنية الأولية: وهي جملة بسيطة تتضمن فائدة جزئية، ولا تخرج عن التركيب النحوي للجملة وفقًا للنسق الذي أشرنا إليه، كقول رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "الدين المعاملة".

_ 1 ابن قتيبة: أدب الكاتب، تحقيق محمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت ط2 سنة 1986م. 2 محمد علي أبو حمده: فن الكتابة والتعبير، مكتبة الأقصى، عمان عام 1981 ص132. ويعرفها إبراهيم أنيس في كتابه "من أسرار اللغة" أقل قدر من الكلام يفيد معنى مستقلًّا بنفسه سواء تركب هذا القدر من كلمة واحدة أو أكثر "ص 277/276".

2- الجملة ذات البنية المركبة: وهي تلك التي تتكون من أكثر من جملة بسيطة ترتبط فيما بينها بأدوات الربط المعروفة، ولا يكتمل معنى الجملة الأولى إلا ببقية الجمل. والوحدة التي تجمع بين هذه الجمل المتعددة هي الوحدة الفكرية أو المنطقية، فالسياق المعنوي لها واحد، وغالبًا ما تكون دالة على حدث متماسك. ومثال ذلك ما ورد في القرآن الكريم: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44] . 3- الجملة المتداخلة أو المعقدة: حيث تتكون الجملة من عدة جمل بسيطة تدور حول قضية تتداخل فيها الأفكار بحيث لا يكتمل المعنى إلَّا بالربط بيهما في سياق واحد. مثال ذلك قوله الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ، مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205-207] . 4- الجملة الاحترازية: وهي التي لا يتم معناها إلا باكتمال سياقها كله، فإذا حذف منها جزء أدت معنى أخر مغايرًا قد يكون مناقضًا للمعنى المقصود كقول الله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43] . 5- الجملة المفتوحة الفضفاضة: وهي الجملة التي يمكن الإضافة إليها والتقديم والتأخير فيها دون أن يتأثر المعنى، ويكون الرابط الأساسي فيها هو واو العطف.

(الرسول كالبدر وضاؤه في نوره، الإيمان يشع منه، وكالبحر في عطائه الذي لا ينفذ، وكالسيف في مضائه ... إلخ) . دنا ظَبْيًا، وغنى عندليبًا ... ولاح شقائقًا ومشى قضيبا فإنه يمكن أن تجعل الجملة الثانية مكان الرابعة والثالثة مكان الأولى، دون أن يتغير المعنى ولا الوزن. 6- الجملة الاستطرادية: وهي الجملة ذات التفاصيل التي تبدأ بفكرة محورية يتم تفريعها بعد ذلك كقولنا مثلًا: "الجملة كلام مفيد، أما الفائدة، فنسبية تطرد قيمها بأهمية محتوياتها، وتسمى الجملة المجملة، ومنها قول الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران:106] 1. وأما الجملة من حيث طولها أو قصرها فإن الأسلوبيينَ يميزونَ بينَ هذينِ النوعين؛ فمنهم من يميل إلى النوع الثاني، ومنهم من يميل إلى النوع الأول، والجمل الطويلة أنماط عدة منها نمطان رئيسيان هما: النمط المتسلسل: الذي يقدم فيه المسند إليه، ويأتي بعد ذلك الإخبار عنه في سلسلة من الجمل المتصلة بعضها ببعض كقولنا: "ليس الاعتداد بالذات من قبيل الغرور المحض؛ بل هو في حقيقة الأمر ضروب وألوان؛ فالثقة بالنفس نوع من الاعتداد بالذات، ولكنها صفة محمودة تجعل الإنسان قادرًا على مواجهة الأحداث بقوة، لا يتزعزع ولا يهتز".

_ 1 استفدت بشكل أساسي - في هذا المجال "أنواع الجمل" من كتاب: الدكتور محمد علي أبو حمدة: فن الكتابة والتعبير، عمان مكتبة الأقصى سنة 1981م.

فالاعتداد بالنفس في هذه الجملة هو الركن الأساسي "المسند إليه" جاء الأخبار عنه في هذه السلسلة المتصلة من الجمل التي تنبع من بعضها البعض في سياق ممتد متصل. النمط المتصاعد: هو الذي يقدم فيه جزء من أجزاء الجملة، وخصوصًا متمماتها كالظرف والجار والمجرور، ويستبقي أساسها إلى النهاية كقولنا: "في الوقت الذي نجهد فيه أنفسنا في البحث عن السعادة: أين مكمنها؟ ومتى نجدها؟ وما سرها؟ لا نلبث أن ندرك إدراكًا جازمًا أنَّها في طَمْأَنِينَةِ النفس وسكونها التي لا تتأتى إلا بالتقوى والخضوع لله". فالتصاعد هنا يأتي من تعليق الإخبار، واستبطائه حتى النهاية، فنحن لم نجب عن ماهية السعادة إلا في آخر الجملة1. وهناك مقومات ينبغي أن تتوفر الجملة المختارة، وقد أفاضت كُتُبُ البلاغة القديمة في تتبع هذه المقومات ورصدها والتمثيل لها، ولكننا لن نتوقف عندها طويلًا لضيق المقام وسنشير إلى أربعة مقومات تتمثل في: أولًا: الالتزام بقواعد اللغة، وعدم الخروج عليها إلا وفق رؤية محددة لها ما يبررها من حيث الاشتقاق أو تطور الدلالة؛ أما السياق الإعرابي للكلمات فينبغي أن يُلْتَزَمَ، وهذا يندرج فيما سبق أن أشرنا إليه من أن الإعراب فرع المعنى. وهناك انحرافات في التشكيل، وخصوصا في بناء الصورة لها وظيفتها، بل إن هذه الانحرافات في مجملها تمثل نسقًا أسلوبيًّا به تتمايز طرائق التعبير. ثانيًا: مناسبة الجملة لموقعها من النص طولًا أو قصرًا، تشكيلًا أو تنظيمًا، ويستحسن الإيجاز والإحكام في البناء، ولكن بعض السياقات تحتاج إلى جمل طويلة، وخصوصًا إذا تضمنت مادة علمية تحتاج إلى إفاضة في التوضيح والتفصيل.

_ 1 راجع شكري محمد عياد: مدخل إلى علم الأسلوب، دار العلم للطباعة والنشر الرياض، سنة 1403، 1983ص61.

ثالثًا: البعد -ما أمكن- عن الإكثار من أدوات الربط، وإذا كان لا بد منها فمن الضروري أن تكون في موضعها الصحيح، وأن تتوفر فيها دقة المعنى. رابعًا: البعد عن الأنساق العامية في بناء الجملة، كالتراكيب المألوفة في لهجة الحديث اليومي مثل: الجمل المبتورة أو المترهلة، أو الناقصة فكثيرًا ما يحدد الموقف طبيعة الكلام الشفاهي، ويؤثر على طريقة الصياغة، فالنقص تكمله الإشارات أو قسمات الوجه وانفعالاته. خامسًا: أن تتوفر فيها شروط الفصاحة التي أسهبت في الحديث عنها الكتب القديمة، وقد عقد ابن سنان الخفاجي1 لها فصلين كاملين استغرقا نحوًا من مائتي صفحة وقسمها إلى ما ينبغي أن يتوفر في اللفظة الواحدة، وما ينبغي أن يتوفر في التراكيب. وأهم الشروط التي أشار إلى وجوب توفرها في التراكيب: اجتناب تكرار الحروف المتقاربة في تأليف الكلام، وحسن التأليف في السمع بترادف الكلمات المختارة وتواترها، وهذا الشرط مرهون بذوق العصر الذي ألف فيه الكتاب، فلم يعد الترادف هدفًا في حد ذاته فيما يختص بالكتابة المعاصرة، ثم وضع الألفاظ مواضعها حقيقة أو مجازًا لاينكره الاستعمال ولا يبعد فهمه، فلا يكون هناك تقديم أو تأخير يفسد المعنى ويصرفه عن وجهه وإلا تقع الكلمة حشوًا، وهذا يتفق مع المزاج العصري في الإبداع حيث ينكر على الكاتب الترهل في لغته، وألا يكون الكلام شديد المداخلة يركب بعضه بعضًا -على حد تعبير ابن سنان الخفاجي- وهذه هي المعاظلة التي أشار إليه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين وصف زهير بن أبي سلمى بتجنبها فقال: "كان لا يعاظل بين الكلام" ومن المعاظلة قول أوس بن حجر: وذات هدم عارٍ نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جدعا

_ 1 راجع ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، دار الكتب العلمية، بيروت 1982م من ص 58 إلى ص 234.

والهدم: الثوب البالي، والنواشر: عروق باطن الذراع، والجدع سيء الغذاء وقد سمى الشاعر الصبي تولبًا، والتولب ولد الحمار وهذا من قبيل المداخلة وهناك غلط آخر أكثر وضوحًا، حث تتشبث الألفاظ بعضها ببعض، كما في قول أبي تمام: خان الصفاء أخُ خان الزمان أخًا ... عنه فلم يتخون جسمه الكمد لم يتخون: لم ينقص فالكلمة تدخل في تركيب متواتر مع كلمات أخرى تجانسها وتشابهها خان وخان ويتخون وأخ وأخا. والأمثلة على ذلك كثيرة. ومن شروط الفصاحة أيضًا البعد عن الاستطراد غير المبرر، وعدم استخدام ألفاظ المتكلمين والنحو بين العلماء في الشعر والرسائل والخطب، ومن ذلك المناسبة بين الألفاظ في الصياغة كقول المتنبي: وقد صارت الأجفان قرحًا من البكا ... وصار بهارًا في الخدود الشقائق وحين اعترض عليه أبو الفتح ابن جني العالم الغوي الشهير واقترح استبدال كلمة "قرحى" بـ "قرحا" رد عليه المتنبي: إنما قلت قرحًا لأني قلت بهارًا "والبهار زهر أصفر". فهذا مثال على المناسبة من طريق الصياغة فقرحًا تشاكل بهارًا في حين "قرحى" لا تشاكلها وقد أضاف ابن سنان إلى ذلك ضرورة الوضوح واستشهد بقول بشر بن المعتمر في وصيته المشهورة للكاتب: إياك والتوعر في الكلام فإنه يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويمنعك مراميك1، وقد أضاف ضياء الدين ابن الأثير إلى ذلك التعقيد اللفظي والمعنوي وهو متضمن في حديثه عن الغموض2.

_ 1 راجع: أبو محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي: سر الفصاحة، دار الكتب العلمية، بيروت سنة 1982م ص170 ومراميك: مقاصدك. 2 راجع: د/ عبد الواحد حسن شيخ: دراسات في البلاغة عند ضياء الدين بن الأثير مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية.

الفقرة

الفقرة تعريف الفقرة: مجموعة من الجمل المترابطة تدور حول فكرة واحدة وتعالجها تفصيلًا وتطويرًا والأصل اللغوي يفيد شيئًا من هذا المعنى، فالفِقْرَة بكسر الفاء عبارة عن حِلية مصاغة على شكل فقرة من فقرت الظهر1، وكما هو مَعْرُوفٌ فَإِنَّ كل فقرة ترتبط مع غيرها من الفقرات لتؤدي معًا وظائفها المنوطة بها، وتتفاوت الفقرات في الطول وفقًا للفكرة المطروحة لكن من المستحسن أن تتناسق فقرات النص من حيث الطول "تفصيلًا أو إجمالًا". الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الفقرة الجيدة: أولًا: تناسق الفقرة وانسجامها مع الفكرة التي تعالجها والانضباط داخل سياق محدد خالٍ من الاستطراد والتشعب الذي يفضي إلى التشتت والفوضى والتشويش، لذا ينبغي أن تكون كل جملة داخل الفقرة موظفة لخدمة الفكرة الأساسية، وأي جملة زائدة لا تخدم الهدف تهدد وحدة الفقر وتخرج بها عن محورها الأصلي. ثانيًا: أن يكون الهدف من توالي الجمل داخل الفقرة تطوير الفكرة وتنميتها وبلورتها، وليست مجرد تراكم إنشائي أو تداعيات لغوية تؤدي إلى تَرَهُّل الفقرة ومن ثم هلهلتها فكثيرًا ما تكون الجمل داخل الفقرة مجرد إضافات كمية لا تطور الفكرة فتصبح مملة وغير مستساغة.

_ 1 في لسان العرب: فقر: حفر، وفقر الشيء: حزه وأثر فيه، والفقر الحز والشق الْفُقُر االآبار المتناسقة التي ينفذ بعضها إلى بعض.

ثالثًا: الترابط العضوي داخل الفقرة على مستوى الصياغة اللغوية كمقابل للترابط المعنوي، لأن هذين الشكلين من أشكال الترابط متعاضدان، لا يتم أحدهما إلا بالآخر، ويتوفر هذا النوع من الترابط بواسطة أدوات الربط اللفظية والمعنوية على النحو الذي أشرنا إليه. رابعًا: الانتظام الحركي داخل الفقرة بشكل منطقي وطبيعي، مما يوفر نوعًا من السلامة والانسيابية داخل الفقرة، وبذلك بتنظيم الانتقالات الزمانية والمكانية والمعنوية. فعلى المستوى الزماني لا بد من تصور مسبق لسياقه، وتتبدى هذه القضية على نحو شديد الوضوح عند التعرض لكتابة القصة، فليس من الضروري أن تكون النقلات وفقًا للتسلسل الزمني، ولكن وفقًا لتصور الكاتب لرؤيته، أما في الكتابة الإجرائية والموضوعية فلا بد من التسلسل وتنظيمه والسيطرة عليه، وقس على ذلك أيضًا -الترتيب المكاني- وخصوصًا ما يتعلق بالوصف، فإذا كان هذا الوصف في إطار تصور إبداعي معتمد على اختيار الموصوف لتأدية غرض معين فلا قيد عليه على أن يتم ضمن تصور معين، أما إذا كان ضمن موضوع إجرائي، فينبغي المحافظة على التسلسل والترتيب في الانتقال من جزئية إلى أخرى. وفي الكتابة الموضوعة ينبغي مراعاة الانتقال من الخاص إلى العام أو من العام إلى الخاص وفقًا للمنهج الذي يرتضيه الكاتب، فإذا كان المنهج استقرائيًّا يبدأ الكاتب بالخاص متمثلًا بالتتبع للتفصيلات الجزئية وصولًا إلى النتيجة العامة، أما إذا كان المنهج استدلاليًّا بمعنى أنه يعتد على إقرار القاعدة -أولًا- ثم سرد الشواهد والأدلة، فإن الانتقال يكون من العام إلى الخاص. ويدخل في هذا الإطار الانتقال من السؤال إلى الجواب، أو من الفرض إلى السؤال ثم إلى الجواب، فقد يطرح الكاتب سؤالًا لإثارة ذهن القارئ ثم يشرع في الإجابة على السؤال، وقد يكون الغرض سابقًا على السؤال إذ يفترض

الكاتب عدة فروض ثم يثير مجموعة من الأسئلة تكون الإجابة عليها بالموازنة بين هذه الفروض، فتكون حركة الفقرة دائرية محكمة، وكل ذلك يكون في الكتابة الإجرائية عادة. خامسًا: خلو الفقرة من التكرار اللفظي والمعنوي، وقد سبق أن أومأنا إلى ضرورة أن تكون الفقرة محددة، ومتناسقة، والتحديد والتناسق لا يتمان إلا بانتفاء التكرار من الفقرة، لأن التكرار يخل بتوازن الفقرة ويقود إلى الركاكة والضعف، ونستثني من ذلك التكرار البلاغي الذي يخدم غرضًا معينًا. سادسًا: تنظيم حركة الضمائر وفقًا للسياق النحوي والمعنوي بحيث يكون الاقتصاد في ذكر الضمائر من الأمور التي تؤخذ بعين الاعتبار، كما أن الانتقال من ضمير إلى آخر ينبغي أن يتم من خلال تصور يخدم الغرض من الفقرة.

بناء الفقرة تتكون الفقرة من عدة جمل، وهذه الجمل تتفاوت في أهميتها وقدرتها على الإفضاء بالمعنى المحوري في الفقرة، ولهذا رأى بعض الباحثين أن الفقرة تتكون عادة من جملة رئيسية تؤازرها عدة جمل: بعضها أولي يتلوها في الأهمية، والبعض الآخر ثانوي يفصل ما جاء فيها ويوضحه1، ومن أمثلة ذلك قولنا: الخلق عماد الرجولة وهو أنواع متعددة: عملي يتبدى في السلوك والأفعال ونظري قارٌّ في النفس، وهو مناط التقويم، فإذا كان سيئًا يدل على خِسَّةٍ في الطبع وحقارة في التعامل كان صاحبه مجردًا من صفات الرجولة، أما إذاكان دمثًا يدل على النخوة والشهامة اعتبر صاحبه ممن اكتملت فيهم عناصر الرجولة. الجملة الرئيسية في الفقرة هي: الخلق عماد الرجولة: الجملة الداعمة الأولية الأولى: وهو أنواع متعددة، وما بعدها يعتبر من الجمل الداعمة الثانوية. الجملة الداعمة الأولية الثانية: وهي مناط التقويم، وما بعدها جمل داعمة ثانوية. وهكذا فإن هذه الفقرة القصيرة تحتوي على جملة رئيسة هي محور الفكرة التي تدول حولها الفقرة بكاملها، وجملتين داعمتين أوليتين يتفرع إليهما المعنى الرئيسي، وجمل أخرى ثانوية تفصل هذه المعاني وتوضحها. وقد تكون الجملة الرئيسية في أول الفقرة، أو وسطها وفقا للنسق الفكري "المعنوي في الفقرة"وقد تتعدد الجمل الداعمة الأولية، والجمل الداعمة الثانوية حسبما يقتضيه الموقف.

_ 1 راجع لمزيد من التفاصيل: د/ محمد علي الخولي، المهارات المدرسية، عكاظ للنشر والتوزيع، جدة سنة 1401هـ سنة 1981م ص 73.

الأسلوب

الأسلوب الأسلوب في أبسط تعريف له هو المنحى الخاص الذي ينتهجه الكاتب في التعبير عما يريد الإفصاح عنه، ولا يصبح الكاتب أديبًا إلا إذا كان له أسلوبه الخاص، ولكي نلقي مزيدًا من الضوء على معنى الأسلوب لا بد من استعراض مختلف الاتجاهات في تعريفه: يرى فريق من العلماء أن الأسلوب اختيار يقوم به المنشيء لسمات لغوية معينة بغرض التعبير عن موقف، ومجموعة الاختيارات الخاصة بالكاتب هي التي تشكل أسلوبه الذي يمتاز به عن غيره من المنشئين، وليس المقصود بالاختيار هنا الاختيار النفعي الذي يدفع بكاتب معين إلى انتقاء كلمات معينة بهدف الوصول إلى غرض خاص، وإنما المقصود بالاختيار هنا الاختيار النحوي الذي يتعلق بقواعد اللغة بمفهومها الشامل صوتيًّا وصرفيًّا ودلاليًّا ونظميًّا، فالأسلوب خاصة لغوية فردية تمثل نمطًا شخصيًّا من أنماط التشكيل اللغوي كما يقول بعض النقاد1. ويرى فريق آخر أن الأسلوب قوة ضاغطة تتسلط على حساسية القارئ بواسطة إبراز بعض عناصر الكلام، وحمل القارئ على الانتباه إليها2. ويرى فريق ثالث أن الأسلوب هو الاستعمال الأدبي الخاص للغة3. وقد عمد بعض المؤلفين من البلاغيين والنقاد العرب القدامى إلى تعريف الأسلوب فكانت لهم نظراتهم العميقة الصائبة في هذا المجال.

_ 1 د. وليد قصاب، دراسات في النقد الأدبي، دار العلوم، الرياض 1983ص 38. 2 راجع الدكتور سعد مصلوح: الأسلوب - درسة لغوية إحصائية دار الفكر العربي جـ1، سنة 1984. ص 23 وما بعدها. 3 راجع: الدكتور شكري عباد: مدخل إلى علم الأسلوب، دار العلوم، الرياض سنة 1983م ص 40.

يعرِّف ابن خلدون الأسلوب بأنه "صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص، تلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال، ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب والبيان، فيرصها فيه رصًّا كما يفعل في القالب أو النساج في المنوال". أما حازم القرطاجني -وهو من أبرز البلاغيين والنقاد العرب القدامى- فيرى أن الأسلوب هيئة تحصل عن التأليفات المعنوية، والنظم هيئة تحصل عن التأليفات اللفظية. ويرى سيد قطب -رحمه الله- أن الصورة اللفظية الموحية المثيرة للانفعال الوجداني في نفوس الآخرين هي قوام العمل الأدبي، ويعني بالصورة اللفظية الأسلوب الذي يميز العمل الأدبي ويتحدث عما يسميه القيم الشعورية والقيم التعبيرية، وهو ما يقابل التأليفات المعنوية والتأليفات اللفظية عند القرطاجني1. ولعل من المفيد أن نتتبع الجذر اللغوي لمعنى الأسلوب، حيث يقول ابن منظور في "لسان العرب": يقال للسطر من التخيل، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، فالأسلوب الطريق والوجه والمذهب، يقال أنتم في أسلوب سوء ... والأسلوب الطريق تأخذ منه، والأسلوب الفنن يقال أخذ فلان في أساليب من القول، أي في أفانين منه2. أما في اللغات الأوروبية فقد اشتقت كلمة أسلوب من الأصل اللاتيني "Stillus" وهويعني "ريشة" ثم انتقل عن طريق المجاز إلى مدلولات تتعلق بالكتابة فدل على المخطوطات، ثم أصبح يشير إلى صفات اللغة المستعملة من

_ 1 سيد قطب: النقد الأدبي- أصوله ومناهجه، دار الشروق، القاهرة، 5. ت ص7 ثم ص 19 وما بعدها. 2 لسان العرب لابن منظور. مرجع سابق.

قبل الخطباء والبلغاء، وأخذت كلمة "Style" التي هي بمعنى أسلوب تنصرف إلى الخواص البلاغية المتعلقة بالكلام المنطوق، وتشير إلى بعض الخواص الكلامية1. وقد أوجز علماء الأسلوب وهو "جيراد", المقصود بالأسلوب فقال: الأسلوب هو مظهر القول الذي ينجم عن اختيار وسائل التعبير، هذه الوسائل التي تحددها طبيعة ومقاصد الشخص المتكلم أو الكاتب. وقد شحه في خمسة حدود وهي: 1- أ- حدود التعبير، فالتعريفات المتعلقة بالأسلوب تتنوع لتشمل فن الكتابة بالمعنى التقليدي. ب- طبيعة الكاتب، أي الاختيار المعنوي اللاشعوري الذي يعبر عن مزاج الكاتب وتجربته. ج- الموقف الإنساني الكلي ورؤية العالم متجاوزة بذلك الصيغ اللغوية. د- وسائل التعبير بما في ذلك الأبنية النحوية والصوتية والصرفية والمعجمية والتركيبية، وإجراءات التركيب من شعورية وقصصية ومسرحية ووصف وما إلى ذلك، والفكر بشكل شامل من موضوعات ورؤى ومواقف فلسلفية من العالم. 2- طبيعة التعبير كالقيم العقلية والتعبيرية والانطباعية. 3- مصادر التعبير: المصدر الحسي والنفسي طبقًا للأمزجة والحالات النفسية والمصدر الوظيفي أيضًا. 4- مظهر التعبير كشكل التعبير سواء كان موجزًا أو تصويريًّا أو استطراديًّا.

_ 1 انظر: د/ صلاح فضل: علم الأسلوب مبادؤه وإجراءاته، النادي الثقافي بجدة ط3 سنة 1988م ص 106.

وجوهر التعبير سواء كان رقيقًا أو حزينًا أو نشطًا، وشكل المتكلم وموقفه، فهناك أسلوب قديم، وآخر شعري، وثالث حديث، غلى غير ذلك من التصنيفات المختلفة1. صفات الأسلوب الجيد: ليس هناك صفات محددة للأسلوب الجيد فكل تجربة أدبية تستلزم بالضروة نوعًا من الأساليب التي تلائمها، كما أن التجربة الفنية هي التي تحدد نوع الأسلوب المطلوب، فضلًا عن أن المزاج الأدبي السائد في مرحلة من المراحل يقتضي خصائص أسلوبية معينة لها تراكيبها ومنحاها النظمي والصياغي، كما أن الدرس النقدي المعاصر يرى أن القوالب التعبيرية المسبقة لا تلائم ذوق العصر؛ ويذهب إلى أنه بقدر ما يخرج الكاتب في تشكيله للغته على القوالب النمطية السائدة والجاهزة، وينحرف عنها بقدر ما يكون ذلك دالًّا على تميزه بل، وعلى تفوقه أيضًا. وقد حاول بعض الكتاب والدارسين وضع معايير خاصة بالأسلوب الجيد، فذهبوا إلى أن الوضوح هو أول شرط من شروط الأسلوب المتميز، فالأسلوب يجب أن يكون واضحًا مفهومًا، والمصدر الأول للوضوح هو عقل الكاتب فإذا كان متمثلًا لما يريد أداءه تمثلًا جيدًا كان أسلوبه جيدًا، لأن الوضوح صفة عقلية في الدرجة الأولى، والتعبير اللغوي يتطلب من المنشيء ثروة لغوية وقدرة على التصرف في التراكيب والعبارات، وإذا كانت الفكرة غامضة فإن ذلك يرجع إلى قصور الكاتب عن تمثلها وفهمها. وقد يكون المتلقون في مستوى ضعيف من حيث الثقافة والوعي، وهنا تبرز قيمة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، لذلك ينبغي على الكاتب أن يراعي مستوى المتلقي، وهذا موضع خلاف بين الدارسين

_ 1 انظ: دكتور صلاح فضل: علم الأسلوب مبادؤه وإجراءاته النادي الثقافي بجدة، ص 3 صنة 1988م، ص 145 وما بعدها.

والنقاد، فالكثير منهم يرى أن المتلقي لا يوضع في اعتبار الكاتب أثناء العملية الإبداعية، وأن الغموض الشفيف من الضروري أن يكون سمة من سمات الأسلوب، والوضوح التام ضار بالعمل الأدبي لأنه يسلبه القدرة على إحداث الدهشة والإثارة والتفاعل. وهناك خطوتان لازمتان لتحقيق الوضوح في الأسلوب: الخطوة الأولى: تتعلق بالأفكار وهي الدقة في اختيار الكلمات المؤدية للغرض، والاستعانة بالعناصر النحوية والبلاغية الموضحة للمعنى، واستخدام الكلمات المتضادة في المعنى إذا كانت تساعد على ذلك. أما الخطوة الثانية: فهي التلاؤم والتناسب وتتمثل في مطابقة الأسلوب لمستوى إدراك القارئ أو التلقين من هنا يجب أن تكون التراكيب بسيطة شفافهة بعيدة عن التعقيد والتعويص ومراعاة الفصل والفصل، ومواقع حروف الربط، ومواطن الإيجاز الإطناب. واعتبر النقاد أن القوة خصيصة هامة ينبغي أن تتوفر في الأسلوب، بالإضافة إلى الوضوحن والقوة - فيما يرون- صفة نفسية يراد بها إثارة العواطف والتغلغل في النفوس ولا تتأتى إلا بصحة الفهم وصدق المعتقد، وتتمثل القوة في الصورة الفنية، فهي تطلق طاقة الإيحاء والإشعاع وتنتشر الظلال النفسية، وتكون القوة كذلك في التراكيب عن طريق التقديم والتأخير الذي يخدم غرضا فنيا وقد خاض البلاغيون القدامى والمحدثون في هذا الأمر، وتحدثوا عن الحذف والذكر، والتنكير والتعريف، وأثر ذلك في قوة الأسلوب واستدلوا بنصوص من القرآن الكريم والشعر العربي القديم، وأشاروا إلى أن السباق قوة تحريك التركيب فتبعث من إشعاعاته ما يلائم، فالتركيب تختبيء في خصائصه وأحواله إشارت ودلالت مختلفة وأن السياق هو الذي يستخرج من هذه الخصائص مقضياته، وكأن التركيب النفيس أشبه بقطعة من معدن

نفيس يشعُّ ألوانًا متكاثرة كلما أدرتها إدارة جديدة، والسياق هو القوة التي تحرك هذه القطعة لتشيع من ألوانه ما يراد إشعاعه1. أما فيما يتعلق بالإيجاز فقد أوشك أن يجمع النقاد والبلاغيون على أن الأسلوب الموجز المقتضب من أكثر مظاهر القوة وضوحًا. وتظل القوة مصطلحًا عائمًا ليس له صفة التحديد العلمي ما لم يتجسد بتحقيقه في النص من خلال خصائص أسلوبية واضحة، ولا يصلح معيارًا تتحقق به سلامة الأسلوب من حث الجودة أو الرداءة. أما صفة الجمال التي يشترطها البعض كبعد ثالث من أبعاد الجودة في الأسلوب فإن تحديدها أمر غير ممكن، فهناك علم بأكمله يبحث في الجمال هو علم المال "الإستطيقا" وله أصول فلسفية تختلف من مدرسة لأخرى، ومن مرحلة لمرحلة، ومن فن لفن، ومن نوع أدبي لآخر، وليس المقصود بالجمال تلك الزينة اللفظية التي تتحدث عنها كتب البلاغة في باب البديع، أو التي يتناولها البلاغيون في كتبهم، فالجمال يكون بالكشف عن أسرر النفس والتحليق في سماء الخيال عبر وسائل وتقنيات تختلف باختلاف الأنواع الأدبية1. كيف يكون للكاتب أسلوبه الخاص؟؟ ليس هناك خطة جاهزة يمكن بواسطتها الوصول إلى تحقيق هذا المطلب، لأن خصوصية الأسلوب تعني التفردَّ والتميز، وهو ما لم يحظَ به إلا فئة من الكتاب

_ 1 د/ محمد أبو موسى: دلالات التراكيب دراسة بلاغية، مكتبة وهبه، القاهرة، 1979م ص 253 وقد عالج الكاتب التراكيب والسياقات التي تتأتى بها قوة المعنى في كتابه خصائص التراكيب دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، مكتبة وهبه، القاهرة 1980م. 2 تناول أحمد الشايب هذه الصفات الثلاث بشيء من التفصيل وبشكل يوحي بالمعيارية الثابتة، وقد استفدت منه، وعلقت على طروحاته فيما سبق راجع: أحمد الشايب: الأسلوب دراسة بلاغية تحليلية الأصول الأساليب الأدبية الطبعة السابعة، مكتبة النهضة المصرية، مصر سنة 1976م من ص 185 إلى ص 203.

الموهوبين الذين حَبَاهم الله -سبحانه وتعالى- بسطة في العلم، وسعة في الاطلاع، وقيل هذا وذاك موهبة فطرية وملكة إبداعية، ولكن هناك ما يمكن أن يتلمسه المرء من أجل الوصول إلى هذا المقصد. وأول الطريق تكمن فيما يلي: أولًا: تربية ملكة الفهم والتذوق والاستيعاب والتمثل أثناء الاطلاع والقراءة، بحيث لا يقتصر القارئ على مجرد الحفظ والترداد. ثانيًا: يبدأ الكاتب مقلدًا لغيره-عادة- ثم ينفرد بأسلوبه الخاص، فعليه أن يختصر فترة التقليد وأن يبحث عن شخصيته الخاصة، ولا يتم ذلك إلا بالانفعال الصادق بالتجربة والتعبير عنها. ثالثًا: في مرحلة تالية لابد للكاتب من الابتعاد عن اللوازم التعبيرية الشائعة على الألسن، أو الخاصة بكاتب أو أديب معين، بل لابد له من أن يطيل التأهُّل والمعاناة فيختار ما يلمح فيه الجدة والابتكار، ويأتي ذلك بطول التأمل وبالاختيار المتمرس، وبإطلاق العنان للخيال ومداومة النظر في كتب اللغويين والأدباء والقدماء والمحدثين. رابعًا: على الكاتب ألا يتسرع في نشر محاولااته الأولى، بل لا يتعَّجل إذاعة ما يكتب في الناس، وإنما يلتمس المشورة لدى الأدباء والمختصين، وألا يأنف من النقد مهما كان قاسيًا ولا يزورُّ عنه، وتجارب كِبَارِ الْكتاب والأداء تفيد أنهما تعرضوا لانتقادات قاسية في بداياتهم الأولى، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ مزق مئات الصفحات مما كتب قبل أن ينشر حرفًا على الناس1.

_ 1 وخير شاهد على ذلك ما رواه الشاعر إبراهيم طوقان عن تجربته الخاصة إذ يقول: "كنت قد توقفت في قصيدة ملائكة الرحمة، وسمعت كثيرًا من كلمات الإعجاب بها فخيل إلى أن كل قصائدي في المستقبل ستكون مثلها مدعاة للإعجاب! وَأَخَذْت في نظم قصيدة غزلية وأنا مفعم بزهوي وخيلائي، وَأَخْذت أغوص على المعاني وأتفنن في الألفاظ!! وكان يشرف على نشأتي الأدبية اثنان لأسمع إعجابهما وأنتشي به، وَتَلَوْتُ الْقَصِيدَةَ عَلَيْهما، وظفرت بالْإِعْجَابِ، وَتَرَكَانِي، وَعَادَا إِلَيَّ بعد قليل قال أحمد: أخي أنا لا أفهم القصيدة جيدًا حين تتلى علي، أريد أن اقرأها بنفسي، فناولته القصيدة ودنا رأس سعيد من رأس أحمد وشرعا في قراءة صامتة ثم كانت نظرات تبادلاها، أحسست منها بمؤامرة ... وإذا بالقصيدة تُمَزَّق، وإذا بها تنسف في الهواء، قال أحمد هذه قصيدة سخيفة المعنى، ركيكة المبنى، قال سعيد: ليس من الضروري، أن تنظم كل يوم قصيدة. ديوان طوقان، مكتبة المحتسب، عمان، 1984ص8.

خامسًا: ممارسة النقد الذاتي، وعدم الرضا عن النفس أو الاستسلام لبريق الشهرة، أو للثناء المجامل، فالإنسان أدرى بنفسه وبمستواه، والكاتب يستطيع من خلال المراجعة والتمحيص أن يكتشف مكامن التقليد والثغرات في أسلوبه ويعمل على التخلص منها.

وسائل الربط

وسائل الربط الربط الجزئي الربط بين أجزاء الكلام مدخل: الربط بين أجزاء الكلام من المباحث المهمة التي تضع أيدينا على أسرار الكتابة وطرق التجويد فيها، وقد اهتم النقاد والبلاغيون والنحويون بدراسة أدوات الربط ووسائله، فكان مبحث "الفصل والوصل" الذي يعني بمواضع استخدام "الواو" وحذفها بين الجمل، كذلك مباحث حروف العطف وأدوات الربط الأخرى من أهم المباحث في البلاغة العربية والنحو العربي ومبحث الفصل والوصل صعب المسلك، لطيف المغزى، كثير الفائدة غامض السر، لا يوفق للصواب فيه إلا من أوتي خطًّا من حسن الذوق وطبع على البلاغة، فإن سبك الكلام ودقة أسره وشدة تلاحم أجزائه تحتاج إلى صنع صانع، وحذق حاذق ماهر يميز بين أقسام الجمل1. وقد رأيت أن أتناول هذا الموضوع من زاويتين: الأولى: الربط بين الكلمات والجمل والعبارات. والربط بين الكلمات محوره أدوات العطف، أما الربط بين الجمل فقد يكون بأدوات العطف أو بواسطة العبارات وبحروف المعاني المختلفة. ومن المعروف أن كثر استخدام أدوات الربط يوهن العلاقة بين أجزاء الكلام ويخل بتماسكها. لذلك كان لا بد من التنبيه إلى ضرورة الاقتصاد في استخدام هذه الأدوات، وإلى أن خلو الكلام من الحروف الرابطة إنما ينم عن شدة التلاحم بين أجزائه وقوة نظمه. وقد أولى الباحثون من النقاد والمفكرين أهمية كبرى لمسألة النظم هذه، فهي

_ 1 راجع: أحمد مصطفى المراغي، علوم البلاغة، دار القلم بيروت سنة 1984م ص148.

تتناول علاقة الكلمات بعضها ببعض وموقعها في السياق، وكانت نظرية النظم التي صاغها أحد نقادنا وبلاغيينا القدامى الأفذاذ "عبد القاهر الجرجاني" في كتابه (دلائل الإعجاز) من أبرز منجزات الفكر النقدي العربي على مدى العصور. ثانيًا: الربط الكلي: وهو يتجاوز الكلمات والجمل إلى تلاحم الفقرات وتماسكها في نسق كل شامل على مستوى النص، وتحقيق ذلك ليس بالأمر الهين ولا اليسير، والربط الكلي يعالج على مستوت متعددة، فهو مناط الوحدة الفنية في الأجناس الأدبية المختلفة وفقًا للقواعد والأصول لكل فن. الربط بين الكلمات: من الأمور التي شَغَلَتْ أذهان النقاد والأدباء منذ وقت مبكر قضية الربط بين الكلمة وما جاورها في السياق، فكان مما أشاروا إليه الكلمة المتمكنة، والكلمة القلقة النابية، وعابوا على الكلام وهن العلاقة بين مفرداته، ومن أوائل من عالج هذه القضية "الجاحظ" في (البيان والتبيين) حيث قال: "وكذلك حروف الكلام وأَجْزَاءُ البيت من الشعر تَرَاهَا مُتَّفِقَةً ملساء، ولينة المعاطف سهلة، وتراها مختلفة متباينة، ومتنافرة مستكرهة"1. وقد عرض عبد القاهر الجرجاني أحد أئمة البلاغة لهذه المسألة عرضًا مفصلًا فاستحدث نظرية النظم التي أكد فيها أهمية مُلَاءمة معنى المفردة لجاراتها وفضل مؤانستها لأخواتها2 على حد تعبيره. ولكن إدراك ذلك ليس بالأمر السهل على غير الذين ر اضوا صياغة الكلام وتمرسوا بأساليبه، لذلك وقع في المحاذير بعض الشعراء من الفحول، وقد أشار بعض الباحثين إلى أن مرجع ذلك إلى ما يعتري النفس من فتور عند معالجة

_ 1 الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، ج1 ص 89. 2 عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص32.

القول: أمَّا إِذَا كَانَ الْكَاتِب مسيطرًا على خلجاته وخيالاته وهواجسه لا تتنافر ألفاظه، فوصف الكلام بالتماسك والإحكام، والملائمة والسلاسة والتحدر* دلالة على أن الكاتب محتشد مسيطر فلا تتواثب فى خاطره أخلاط* المعاني1، وقد اشترط البلاغيون والنقاد أن تكون المفردات متناسبة ملائمة، سواء عطفت على بعضها البعض أم لم تعطف، فلا يصح أن يقول فلان جسيم وبليغ، إذ لا ملائمة بين الجسامة ضخامة الجسم وبين البلاغة سواء عطف بين الصفتين أم لم يعطف، غير أن ما ورد في بعض أنساق الكلام البليغ مما يوهم التنافر أو التشتت بين الألفاظ إنما هو لغرض يضفي على الأسلوب ظلالًا لا يدرك أسرارها إلا من علا كعبه في فن القول. من أمثلة ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1] العطف هنا للدلالة على مكانة الأرحام عند الله سبحانه وتعالى. من هنا جاء عطفها على الضمير العائد على اسم الجلالة. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] فليس النهي هنا عن أن يتقدموا بين يدي الرسول فحسب وإنما جاء العطف على اسم الجلالة للإيحاء بجسامة الموقف، الأمر الذي يوحي بأن من يتقدم بين يدي الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما هو تقدم بين يدي الله، من هنا كان العطف بالواو ذا إيحاءات تتجاوز مجرد اشتراك المتعاطفين في الحكم الإعرابي، إذ تتبادل الكلمات والظلال ويقوم حوار بين دلالاتها ومضامينها. ومن الأمور التي أثيرت عند معالجة قضية الربط بين الكلمات النهي عن دخول الواو بين الصفة والموصوف لاستحالة عطف الشيء على نفسه، والصفة يمكن أن تحل محل الموصوف، لذا لا يجوز أن نقول شاهدت سعيدًا.

_ * التحدر: الأنساب. * أخلاط المعاني: المعاني غير المتناسقة أو المتناسقة 1 راجع: د/ محمد أبو موسى، دلالات التراكيب، مكتبة وهبة، سنة 1979م ص 291، وما بعدها، وقد استفدت من هذا الكتاب فائدة جلية في باب الربط بين أجزاء الكلام لذا لزم التنويه.

والمجتهد، باعتبار أن المجتهد صفة لسعيد، غير أن بعض البلاغيين أشاروا إلى إمكانية وقوع الواو بين الصفة والموصوف لإفادة تمكن الصفة من الموصوف، وبالذات عندما تكون الصفة جملة، كما في قول الله سبحانه وتعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22] فالواو دخلت على {ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} لتفيد لصوقها بالموصوف ويطلق البلاغيون على هذه الواو "واو الثمانية"، وقد جاءت بعد تردد وحيرة وشك اعترى الصفات السابقة لها، فحين جاءت الواو أكدت الثبات والرسوخ واليقين. وحينما يعطف بين الصفة والموصوف يقصد إلى إبراز معنى "التغاير" والتعدد، إظهارًا لشأن الموصوف وإشارة إلى احتوائه على ما هو ثري ومتعدد، من ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [الأنبياء:48] فالفرقان صفة للكتاب وكذلك الضياء، وذكر للمتقين، ولكن الله -سبحانه وتعالى- أراد أن يشير إلى ثراء هذا الكتاب وعظمته بما اتصف به من صفات كل واحدة منها، قائمة بذاتها، مغايرة لما قبلها أو بعدها، وقد ركز البلاغيون وخصوصًا "الزمخشري" و"عبد القاهر" على معنى التغاير، وقد بدا سر إعجاز النظم في حذف الواو بين الصفات المترادفات، وذكرها بين المتغايرات في قول الله سبحانه وتعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [التحريم:5] فالعطف بين الثيبات والأبكار لتغاير هاتين الصفتين، والصفات المتضادة لا بد من الفصل بينهما كما يرى "العلوي" في "الطراز" -وهو أحد البلاغيين المشهورين- غير أن هذا مردود عليه لقول الله سبحانه وتعالى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ

الْعَلِيمِ، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر:2] فقد جاءت الواو بين صفتين مترادفتين، بينما حذفت بين {قَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} وفي هذا سر معجز من أسرار التعبير القرآني، لا يخضع لقاعدة معينة. الربط بين الجمل بالكلمات أو العبارات: يكون هذا النوع من الربط على شكل كلمات وعبارات تصل بين الجملة وما يليها أو ما يسبقها من جمل، ويساعد على فهم المعاني والوعي بتسلسل الأفكار وإدراك الروابط بينها. ويتمثل في عدة أنواع من العبارات على النحو التالي: أولًا-عبارات التعدد: "أولًا، ثانيًا، في المقام الأول، أخيرًا، السبب الأول، العامل الأول" وهذه العبارات تتعلق بترتيب الأفكار وتنظيمها وتسلسلها وبإحكام الصلة بين المقدمات والنتائج. ثانيًا-عبارات الاستنتاج: "ولهذا، ولذلك، ونتيجة لذلك وهكذا نستنتج أما يلي، والاسنتناج الحاصل هو، والنتيجة هي" ويجب عدم المغالاة في استخدام هذ العبارات، وتكرارها بكثرة وغالبًا ما تستخدم في الكتابة الإجرائية والموضوعية. ثالثًا- عبارات الاستطراد: "فضلًا عما سبق، بالإضافة إلى هذا، يضاف إلى ذلك، كما أن ... إلخ" غالبًا ما تأتي هذه العبارات لإضافة معنى جديد أو تدوين ما تجود به الذاكرة بعد أن استنفد ما بحوزته من معلومات، وهي تقترب من معنى الاستدارك.

خامسًا- عبارات الاستدراك: قد تقتصر على حرف واحد يحمل معنى الاستدراك مثل "لكن" أو على تعبير مركب مثل: "وبالرغم من ذلك، وعلى أي حال، ومهما يكن من أمر"، والاستدراك يكون - في الغالب - دفعًا لمظنَّة توهم أشياء غير مقصودة أو تأكيد حقيقة يخشى أن تكون منسية. سادسًا- السببية: وتأتي للتعليل وبيان الأسباب، وتكون هذه العبارت - في بعض الأحيان- مشتقة من المادة اللغوية لكلمة سبب مثل: وسبب هذا، ويعود السبب إلى، ويعزى الأمر إلى، والسبب هو. سابعًا- العبارات الجوابية: حيث يطرح الكاتب سؤالًا لتوضيح قضية ما، فيكون الربط بين هذا السؤال والجملة التي تليه بعبارة تشير إل الجوانب كقولنا: والجواب على ذلك ... من هنا تسمى هذه الرابطة بالرابطة الجوابية. ثامنًا- عبارات التمثيل: وهي العبارات التي يقصد بها الاستدلال على صحة مسألة من المسائل أو توضيحها، فتكون الجملة مثالًا لما ورد في جملة سابقة على نحو قولنا: ومثال ذلك، وعلى سبيل المثال ... إلخ. تاسعًا- عبارات الاستفهام: حيث تبدو العلاقة هنا عكس العلاقة الجوابية فالجملة موضوع الربط تكون سؤالًا عن الجمل السابقة فتكون عبارة الربط على النحو التالي: والسؤال هو، ولكنا نسأل فنقول ... إلخ.

الربط بين الجمل بالحروف الفصل والوصل الجمل من حيث الموقع الإعرابي نوعان: الأول له محل من الإعراب ولذلك تجري عليه أحكام اللفظة المفردة من حيث العطف فإن جاءت نعتًا أو توكيدًا، أو بدلًا كان الاتصال بينها وبين متبوعها داخليًّا دون أداة عطف، فالتوكيد هو عين المؤكد، وكذلك الصفة هي عين الموصوف فلا داعي للعطف بينهما، فالواو- كما أسلفنا- لا تقع إلا بين المتغايرين وحينما نقول - مثلًا- أَحَبَّ قَيْسٌ لَيْلَى حُبًّا شَدِيًا، لم يجد مع النصح ولا التأنيب تكون الجملة الثانية توكيدًا للأولى، لذا لا وجود لرابط بينهما كالواو على غرار قولنا: جاء محمد نفسه. أما النوع الثاني فهو ما لا محل له من الإعراب، وجمله تخضع في ربطها لأصول وقواعد قررها البلاغيون وعلى رأسهم عبد القاهر الجرجاني. وقد شبه المعاني بالأشخاص، فالواو في المعاني كالوسيط في الرجال فإذا قوت الصلة بين الرجلين لم يحتاجا إلى من يربط بينهما، وإذا اختلفا وتنافرا تنافرًا يبعد الثقة بحيث يصبح الجمع بينهما مستحيلًا أصبح وجود الوسيط بلا طائل، فالوسيط لا يكون إلا في الحالات غير الميؤوس منها حيث يمكن أن يكون وجود الوسيط مجديًا، وهذا-كما يقول أحد الباحثين المحدثين: "واضح في أحوال الناس، وهو كذلك في كلامهم، لأن الكلام في حقيقته تشكيل للسلوك والأمزجة، والعادات والطبائع، وإذا ذهبت تبحث في المشابهات بين تقاليد اللسان، وتقاليد السلوك وجدت متشابهات كثيرة1".

_ د/ محمد أبو موسى: دلالات التراكيب مرجع سابق ص312.

الفصل: وقد أشار النحويون الأقدمون إلى ذلك، فإذا قويت العلاقة بين الجملتين اتصلتا من ذات نفسيهما، وتداخلتا وصارتا كالشيء الواحد، وهذا يحتاج إلى مزيد من التأمل، لهذا لا داعي لوجود الواو إذا كانت الجملتان متصلتين تمام الاتصال وهو ما يعرف في المصطلح البلاغي بكمال الاتصال، ويكون ذلك في المواضع التالية: أولا- إذا كانت الجملة الأولى مؤكَّدةً مِنْ قِبَلِ الجملة الثانية، وإدراك ذلك لا يتأتى إلا بعد طول تأمل لمن صفا ذهنه وسما ذوقه، ومن أمثلة ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] فالجملتان التاليتان مؤكدتان للأولى ولهذا لم يكن ثمة داع للواو. {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} [لقمان:7] . {فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:17] وهذا توكيد لفظي. {مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31] . {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف:40] . ومن أبرز الأمثلة على ذلك آية الكرسي فجملها تجري على هذا النحو من التوكيد ومن أمثلة ذلك قول الشاعر: يهوى الثناء مبرِّز ومقصر ... حب الثناء طبيعة الإنسان فقد جاء الشطر الثاني من البيت بمثابة تعليق يحتوي على حقيقة عامة تؤكد المعنى السابق ومن أمثلة ذلك:

1- إذا هبط الحجَّاج أرضًا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هزَّ القناة سقاها سقاها فرواها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث مال حشاها 2- إنما الدنيا فناء ... ليس للدنيا ثبوت 3- قد ينفع الأدب الأحداث في مهل ... وليس ينفع بعد الكبرة الأدبُ إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولن تلين إذا قوّمتها الخشبُ فجملة "شفاها من الداء" تأكيد لسابقتها وكذلك جملة "سقاها فرواها" وجملة "ليس للدنيا ثبوت" في المثال الثاني مؤكدة للجملة السابقة عليها وفي المثال الثالث فإن الجملة في الشطر الثاني من كل بيت مؤكدة للجملة في الشطر الأول. ومن الواضح أن كل ما عرف بالتذييل في علم المعاني أو التشبيه الضمني في علم البيان يمكن أن يدخل في هذا الباب. ثانيًا- إذا كانت الجملة الثانية بيانًا للأولى أوتفسيرًا لها كما في قول الله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ} [طه:120] فجملة "قال يا آدم" بيان للجملة الأولى وتفسير للمقصود بالوسوسة. {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى

عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف:8] فجملة "قالوا ... " توضح للنداء {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة:49] فما جاء بعد "يسومونكم" توضيح لجملة {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} . ومما جاء في الشعر: كفى زاجرًا للمرء أيام دهره ... تروح له بالواعظات وتفتدي الناس للناس من بدو وحاضرةٍ ... بعض لبعض وإن لم يشعروا خدمُ ذهب الذين يعاش في أكنافهمُ ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب يتأكلون مغالة وخيانة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشجبِ قال زياد بن أبيه: "إني رأيت خلالًا ثلاثًا، نبذت إليكم فيهن النصيحة، رأيت إعظام ذوي الشرف، وإجلال ذوي العلم، وتوقير ذوي الأحلام، ويتدرج في هذا الباب ما عرف في علم المعاني في باب الإطناب بالتفصيل بعد الإجمال والتوضيح بعد الإبهام. ثالثًا- إذا كانت الجملة الثانية بدلًا من الجملة الأولى كما في قول الله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء:133] {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس:20] {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا} الآيتان [المؤمنون:82،81] .

ومن الشعر: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسْلِمَا فائدة: وقد نجد من يصل بين مثل هذه الجمل لغرض في نفس المتكلم ذلك ما جاء شعرًا مثل: أبني إن أهلك فإني ... قد بنيت لكم بنيه1 وجعلتكم أبناء سادا ... ـتٍ زنادكم ورِيَّة2 فجملة "وجعلتكم أبناء سادات" هي في حقيقة الأمر بيان للبني التي بناها، ولو حذفت الواو لجاء الكلام متصلًا، ولكن الشاعر أراد أن يميز هذ المعنى فأدخل الواو لتفيد المغايرة. نصحت لعارضٍ وأصحاب عارض ... ورهط بني السواد والقوم شدي3 فقلت لهم ظنوا بألفي مدَجِّجٍ ... سرتهم في الفارس المسرد4 فجلمة "فقلت لهم" ... لبيان للنصيحة ولكنه أراد أن يبرز مضمون النصيحة وبميزه فجاء بالواو. وجاء في القرن الكريم شواهد عظيمة الدلالة كقول الله تعالى: {وَإِذْ

_ 1 بنية: بناء. 2 سهدي: حضور 3 وريَّة: من ورت النار إذا اشتعلت. 4 المرد: الذي لبس الدرع وحمل السلاح.

أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} [الأحزاب:7] فجملة وأخذنا مهم ميثاقًا غليظًا توكيد للجملة الأولى، ولكن الله سبحانه وتعالى ربطهما بالواو لكي يبرز شأن الميثاق ويفهمه كما لو كان مغايرًا لما سبقه، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} . ولا تذكر الواو بين الجملتين حينما يكون بينهما تغاير تام وهو ما اصطلح على تمسته كمال الانقطاع، وذلك في الأحوال التالية: أ- إذا اختلفت الجملتان خبرًا وإنشاءً، لفظًا ومعنى، نحو ما جاء في قول الله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] فالجملة الأولى إنشائية والثانية خبرية، وفي قول الشاعر: لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد من الخبر وفي قول الشاعر أيضًا: لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا ب- إذا لم تكن بينهما مناسبة في المعنى، ولا ارتباط بين المسند إليه يهما، وبين المسند كقول الشاعر: وإنما المرء بأصغريه ... كل امرئ رهن لما لديه ومن الشواهد على كمال الانقطاع {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة:117] {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام:101] .

فائدة: وأما ما جاء من هذا الباب معطوفًا فالغالب فيه أن الواو للاستئناف لا للعطف كقول الله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ} و"حسبي الله ونعم الوكيل" {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121] {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:22] {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ، وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} الآيتان [21،20] . يجب الفصل بين الجملتين "أي عدم ذكر الواو" حينما لا يكون الاتصال بين الجملتين تامًا، وهو ما يسمى بشبه كمال الاتصال وذلك حينما تبي الجملة الثانية عن معنى تثير الجملة الأولى: قال لي كيف أنت، قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل فكأن المخاطب حين سمع قول الشاعر أنه عليل سأل: وما سبب علتك؟ فكان الجواب: سهر دائم وحزن طويل. وفي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] . وفي قول الشاعر: يرى البخيلُ سبيل المال واحدة ... إن الكريم يرى في ماله سُبُلا

وقول الشاعر: زعم العواذل أنني في غمرة1. ... صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي2. فكأنَّ المتلقي يسأل بعد الجمل الأولى: فما رأيك؟ وفي قول الشاعر: وقال إني في الهوى كاذب ... انتقم الله من الكاذبِ وقد أشار عبد القاهر الجرجاني إلى ما تثير هذه الأساليب في النفس إن الجملة الأولى تبعث الخواطر والهواتف فتأتي الثانية لتجيب عنها، وكأن بذرة الجملة الثانية مضمرة في الأولى، وهكذا يتوالد الكلام وتتناسل الجمل. وقد استشرف البلاغيون العلل والأسباب التي تثيرها الأسئلة في الجملة الأولى فوجدوا أن التساؤل قد يكون عن العلة المطلقة، أي السبب العام كقول المعري: وقد غرضت من الدنيا فهل زمني ... معطٍ حياتي لِغرٍ بعد ما غرضا3 جربتْ دهري وأهليه فما ترَكَتْ ... ليَ الحوادثُ في ود امرئ غرضًا ففي البيت الأول شكوى من الحياة وخصوصًا لمن أوتي حظًا من الحكمة والتعقل، الشاعر يتمنى أن يكون ما تبقى من حياته من نصيب غافل غير مشتاقٍ إلى الدنيا

_ 1 الغمرة: المحنة 2 تنجلي تنكشف تزول 3 عرضت: أصبحت هدفًا والغِر الجاهل

وهذه الشكوى تثير في النفس هواجس وأسئلة لمعرفة السبب فيأتي الجواب في الجملة الثانية. وقد يكون السؤال الذي تثيره الجملة الثانية من علة معينة" سبب خاص" إذ يكون بينها غموض شفيف كما رأينا في الآية الكريمة "وما أبرئ نفسي" فكأن هناك اتهامًا غامضًا للنفس، وهنا يأ تي السؤال عن هذا الاتهام الذي يرجع لسبب خاص: إن النفس لأمارة بالسوء. وقد يكون السؤال الضمني عن وجه من وجوه الدلالة حيث يثير شوق النفس، إلى المزيد كقول الشاعر: اعتاد قلبك من ليلى عوائده ... وهاج اهواءك المكنونة الطلل ربع فؤاد أذاع المعصرات به ... وكل حيران سار ماؤه خَضِلُ فحينما تحدث الشاعر عن الطلل الذي اعتاد قلبه وأهاج كوامن نفسه استثير المتلقي وكأنه يطلب مزيدًا من المعلومات عن هذا الطلل في غير سؤال محدد.. فائدة: ويسمى شبه كمال الاتصال "الاستئناف البياني" ولكنه ليس ابتداء كلام منقطع عن سابقه، وإنما متولد منه وناشيء عنه إذ تتحرك النفس نحو مواقف جديدة تثيره الجملة الأولى، فالمعاني يستدعى بعضها بعضًا حيث تتناسل الأغراض وقد يطول بها الكلام، فالمعاني في الكلام الحي الحافل تتواليد وتطويل وتشتجر، وتلتف، حتى تلتبس وتختلط إلا على بصير بطرائقها، كثير المراجعة1. ويمتنع دخول الواو إذا سبقت جملة بجملتين يصح عظفها على إحداهما ولا يصح عطفها على الأخرى لفساد المعنى فيترك العطف دفعًا لهذا الوهم

_ 1 د. محمد أبو موسى، دلالات التراكيب، مرجع سابق ص 338.

ويسمى هذا "شبه كمال الانقطاع" كقول الشاعر: تظن سلمى أنني أبغي بها ... بدلًا أراها في الضلال تهيم فبين الجملتين مناسبة واضحة، ولكن عطف جمل "أراها" علي وتظن سلمى قد يوهم بأن العطف جاء على جملة "أبغي بها بدلًا" وذلك يؤدي إلى فساد المعنى لذا ترك العطف. الوصل: وقد ذكر الأقدمون المواقع التي يكون فيها الوصل "أي ذكر الواو" بين الجمل على سبيل العطف بينها فقالوا بوجوب المناسبة بين الجملتين المتعاطفتين، وقد عمدوا إلى شرح المناسبة وتحليلها، واستفادوا بعلوم عصرهم في تحليل قوى النفس، وبحث التداعيات العقلية والخالية والوهمية ومعطيات البيئة العامة ومردودات ذات الاهتمامات الفردية على النفس1. ومما يجدر الوقوف عنده - في هذ المجال - هو التركيز على أن المناسبة يجب أن تتوفر في ركني الجملة "دلائل الإعجاز" حين اشترط أن يكون المسند في الجملة الثانية، وأن الخبر في الثانية ينغى أن يشاكل الخبر في الأولى كأن يجري جر التشبيه أو النظر أو النقيض للخبر عن الأولى، وضرب مثالًا بعدم جواز العطف بين زيد طويل القامة، وعمر شاعر، لعدم المناسبة بين طول القامة والشعر، وأشار إلى أن الواجب أن يقال: زيد كاتب وعمر شاعر، وأومأ إلى أن المعاني كالأشخاص2. ويستحسن أن تكون الجملتان المتعاطفتان متشاكلتين في الإسمية والفعلية، ومن أمثلة ذلك النماذج الرائعة التي أوردها القرآن الكريم في قول الله تعالى:

_ 1 راجع دلالات التراكيب مرجع سابق، ص 349. 2 دلائل الإعجاز، ص 147، 148.

{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد:6] "فعليتان". {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14،13] "اسميتان". وقد تنتفي هذه المشاكلة فلا تكون الجملتان المتعاطفتان كذلك لغرض تقضيه الدلالة كقول الله سبحانه وتعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] . فهنا جاءت الجملة الأولى فعلية للدلالة على معنى الحدوث والتغير، وجاءت الجملة الثانية اسمية للدلالة على معنى الثبوت والدوام. ومن الأمثلة الرائعة على التلاؤم والتناسب بين الجمل المتعاطفة: قول علي بن أبي طالب "رضي الله عنه" كفى بالعلم شرفًا أو يدعيه من لا يحنسه، ويفرح به إذا نسب إليه وكفى بالجهل خمولًا أنه يتبرأ منه من هو فيه، ويغضب منه إذا نسب إليه. وقد ركز البلاغيون على ما أسموه بالجامع بين طرفي الكلام المتعاطف، وبذلوا جهدًا كبيرًا لإدراك ما غمض منه مستعينين بألوان شتى من المعارف، ومن أمثلة ذلك ما أشار إليه الزمخشري حين عكف على توضيح المناسبة الخافية بين طرفي الجملتين في قول الله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:6] فأشار إلى أن الشمس والقمر سماويان، النجم والشجر أرضيان، بين القبيلين تناسب من حيث التقابل وأن السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين، وأن جرى الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله، فهو مناسب لسجود النجم والشجر فالرابطة المعنية هنا قوية. والواو تبرز حين تتقارب الجملتان، وتسقط حين تتباعد.

وإذا كان هناك كمال انقطاع بين الجملتين، وأوهم الفصل بينهما معنى المقصود ذكرت الواو كالإجابة على سؤال من يسأل: هل أنت مريض؟ وقولنا "لا وعافاك الله" فلو حذفت الواو هنا لأوهم ذلك الدعاء على السائل. وخلاصة القول: 1- يجب الفصل عدم ذكر الواو في ثلاثة مواضع: حينما يكون بين الجملتين اتحاد تام كأن تكون الجملة الثانية توكيدًا للأولى أو بيانًا لها أو بدلًا لها وحينما يكون بين الجمل انفصال تام بأن تختلفا خبرًا وإنشاء أو بألا تكون بينهما مناسبة ما هوما يسمى بكمال الانقطاع وحينما تكون الجملة الثانية جوابًا عن سؤال يفهم من الأولى وهو ما يسمى بشبه كمال الاتصال. وقد يقتضي المقام مخالفة هذه القواعد. 2- يجب الوصل بالواو إذا قصد إشرك الجملتين في الحكم الإعرابي، وإذا اتفقت الجملتان خبرًا أو إنشاء، وكانت بينهما مناسبة تامة، وإذا اختلفت الجملتان خبرًا وإنشاء وأوهم الفصل خلاف المقصود. وقد يُفْصلُ في موقع الوصل لعلة ما يقتضيها المقام.

الربط بواسطة الحروف بشكل عام

الربط بواسطة الحروف بشكل عام تتعدد أنواع الحروف في اللغة العربية، وتتغاير وظائفها وفقًا لموقعها من الكلام، ولسوف نلجأ إلى دراسة حروف الربط وفقًا لمعانيها، لأن ذلك هو المدخل الملائم لهذا البحث المهم من مباحث الكتابة والتحرير: أولًا: حروف التفسير: وهي "أنْ" و"أيْ"، أمّا "أنْ" فشرطها أن تأتي بعد جملة متضمنة معنى القول، فهي تربط بين ما قبلها وما بعدها ربطًا تفسيريًّا توضيحيًّا، تكشف عما أُجْمِلَ في الجملة السابقة نحو قولنا: ناديته أن احذر النار. أما "أي"، فهي أشمل وأعمُّ لأنها تأتي تفسيرًا للجملة وتفسيرًا للمفرد نحو قولنا: زارني القائد "أي سعيد"، ما بعدها يأتي مطابقًا لما قبلها في حركته، وقد ذهب البعض إلى أنها من حروف العطف، ومن أمثلة تفسيرها للجملة قولنا: "قام محمد بواجبه" أي "أتم كتابة ما طلب منه". ثانيًا: حروف التفصيل: أمَّا: حرف فيه معنى الشرط والتوكيد دائمًا والتفصيل غالبًا الشرط نوع من أنواع الربط بين الجمل، فهو يربط بين جملتين ربطًا معنويًّا قد يستلزم أداة ربط أخرى كالفاء وفقًا للشروط النحوية الخاصة بذلك. وبالنسبة "لأما" فلابد من وجود الفاء في جوابها كقول الله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاًْ} الآية [البقرة:26]

ويتضح معنى التفصيل في الآيات القرآنية الكريمة: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} ... وأما الغلام....وأما الجدار ... [الكهف 80،79،78] . وقد يستغنى عن تكرارها كقول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} [النساء:175] أو يذكر كلام الله بعدها كقول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم. ويجب دخول الفاء على جواب أما، ولا تحذف هذه الفاء إلا إذا دخلت على قول حذف اكتفاء بمقول القول عندئذ يجب حذفها: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران:106] فالمحذوف عبارة فيقال لهم: أكفرتهم ولا تحذف في غير ذلك إلا لضرورة شعرية، وتأتي أو للتقسيم أو التفصيل كقول الله سبحانه وتعالى: {قَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة:35] أي إما هودًا أو نصارى. ثالثًا: حروف الاستئناف: والمقصود بالاستئناف متابعة الكلام من منطلق جديد لا يربط في الحكم الإعرابي بين ما قبل الحرف وما بعده، ومن حروف الاستئناف الواو كقول الله سبحانه وتعالى: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} [الحج:5] . كقول الشاعر: على الحكم المأتي يومًا إذا قضى ... قضيته أن لايجورَ ويقصدُ

فالواو هنا ليست عاطفة، لأنه لو عطف لجعل جملة يقصد شريكًا في النفي الأمر الذي يؤدي إلى التناقض. وتأتي الفاء للاستئناف على قلة، كما في قول الله سبحانه وتعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} بالرفع ما ذكر السيوطي في كتابه الاتقان في علوم القرآن ص "167". رابعًا: حروف العطف: الواو: وهي أكثر حروف الربط أهمية ولذلك اعتبرت مدار الحديث عن الفصل والوصل كما أسلفنا. والواو هي أصل حروف العطف ومعناها "إشراك الثاني فيما دخل فيه الأول" وليس فيها دليل على أيهما كان أولًا، وتأتي بمعنى الفاء أي تفيد الترتيب وذلك في الخبر كقولنا أنت تأتي وتسلم على، وفي الاستفهام إذا استفهمت عن أمرين جميعًا نحو هل يأتي أخي وأراه قد تحدثنا عنها في بحث الفصل والوصل. والفاء: تفيد الترتيب المعنوي كأن نقول دخل محمد فعلي والترتيب الذكري هو عطف مفصل على مجمل كقول الله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة:36] . وكقول الله تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:153] . وتفيد التعقيب وهو في كل شيء بحسبه فقد يكون التعقيب بعد فترة حيث يتراخى الزمن كقولنا: تزوج محمد فوُلِدَ له، أو يكون مباشرة دون فاصل زمني يذكر مثل دخل محمد فسعيد. وتفيد السببيه وذلك في الجملة أو الصفة.

أما الجملة فمثل قول الله سبحانه وتعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص:15] . وفي الصفة: {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ، ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} [الواقعة:54،53] . وحتى نتبين دقة استعمال حروف العطف، وهي أهم أدوات الربط يمكننا أن نتسعرض بعض مواقعها في القرآن الكريم مجلى البلاغة وذروتها: قال تعالى حكاية عن إبراهيم - عليه السلام- يخاطب قومه قال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:75-81] . فيما يتعلق بالواو نجدها في الآيات الكريمة السابقة جاءت عاطفة للسقى علي الطعام لتنفيذ مطلق الجمع، حيث يمكن تقديم الطعام على الشراب أو الشراب على الطعام دون أن يؤثر ذلك في المعنى، أو في دائرته الدلالية، ولكن الفاء جاءت عاطفة للشفاء على المرض لأن الشفاء يعقب المرض مباشرة فأفادت هنا الترتيب والتعقيب وإشارة إلى فضل الله سبحانه وتعالى على المريض. أما ثم فقد استخدمت لعطف الإحياء على الإماتة لأن البعث تالٍ للموت مع مرور وقت بينهما من هنا كانت "ثم" دالة على الترتيب والتراخي، ولو عطفت جميعها بالواو لما كان في ذلك ضير، ولكن هذا النظم الدقيق أليق ببلاغة القرآن الكريم كما يقول ضياء الدين بن الأثير في "المثل السائر". ومنه قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14] .

ويتضح في هذه الآية الكريمة الترتيب الدقيق لمراحل خلق الإنسان من خلال النظم المعجز بواسطة الفاء وثم، فجاء استخدام كل حرف منهما دالًا على المعنى المقصود بدقة، فالتراخي بين خلق الإنسان من الطين وتكوينه على شكل نطفة اقتضى استخدام "ثم" كذلك فإن تحويل العلقة إلى مضغة، فعظام إلى آخر ما جاء في الآية متعلقًا بتكوين الجنين اقتضى استخدام الفاء التي تفيد التعقيب، والدليل على هذه الأحكام واقتضاء بعضه لبعض في حتمية مقدرة من رب العالمين توقع "معاذ بن جبل" لما جاء من تذييل في آخر الآيات حين قال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} حيث ضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن سمع هذه العبارة من معاذ، ولما سأله معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: بها ختمت. من ذلك أيضًا قول الله سبحانه وتعالى في قصة مريم وعيسى - عليهما السلام {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:22-23] . فقد استدل المفسروهن بموقع الفاء بين الحمل والانتباذ والمخاض على أن حملها بعيسى علي السلام ووضعها إياه كانا متقاربين. ومن الأمثلة قول الله تعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:20] . وهناك بعض المواقع التي يلتبس فيها مكان الفاء والواو، لأن ما اصطلح على تسميته بفعل المطاوعة لا يعطف عليه إلا بالفاء، دون الواو تقول: كسرته فانكسر، حيث يكون الفعل الأول متعديًّا والثاني لازمًا- يحدث كاستجابة للفعل الأول، ومن أمثلة ذلك في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى من سورة الكهف: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف:28] .

فقول الله سبحانه وتعالى: {أغفلنا قلبه} في الآية الكريمة أتى بمعنى "صادفناه غافلًا" ولو كان من غفل لكن معطوفًا عليه بالفاء، لذاجاءت الواو لتميز بشكل حاسم بين المعنيين. ومن المواقف اللافتة في استخدام الواو والفاء في القرآن الكريم ما جاء في سورة البقرة [آية35] : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} . وقوله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف [آية:8] {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} . فالمقصود بالسكنى في الآية الكريمة الأولى مطلق الإقامة، ولهذا كان الجمع بين الإقامة والأكل غير مرتبط بترتيب معين، أما في الآية الكريمة الثانية فإن السكنى تدل على معنى اتخاذ مكان السكن، الأكل بعد السكن والاستقرار اقتضى استخدام الفاء للترتيب والتعقيب والإقامة ذات زمن ممتد أما اتخاذ المسكن فلا يستلزم وقتًا طويلًا. ومن أمثلة ذلك أيضًا قول الله تعالى في قصة بني إسرائيل: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:85] . وقد تأتي في الجملة والصفة لمجرد الترتيب {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذاريات:7،6] ونحو قول الله تعالى: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} [الصافات:32،22] . ثم: تفيد التشريك في الحكم، والترتيب، والتراخي مثل قول الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:22،21،20] .

وقد توضع موضع الفاء كقول الشاعر: كهز الرديني تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب فهناك تفيد التعقيب والتريب كالفاء1. وقصة الكسائي مع أبي يوسف الرشيد من الأمثلة الواضحة على دلالة كل حرف من حروف العطف السالفة الذكر، فقد سأل الرشيد أبا يوسف في رجل قال لامرأته أنت طالق طالق قال: واحدة، قال: فإن قال لها: أنت طالق وطالق، قال واحدة، قال: فإن قال له أنت طالق ثم طالق، قال واحدة، قال: فإن قال لها: أنت طالق وطالق وطالق، قال واحدة، قال الكسائي: يا أمير المؤمنين أخطأ يعقوب في اثنتين، وأصاب في اثنيتن، أما قوله: أنت طالق طالق طالق فواحدة، لأن الثنتين الباقيتين توكيد، وأما قوله أن طالق أو طالق أو طالق، فهذا شك؛ فوقعت الأولى التي تتيقن، وأم قوله أنت طالق ثم طالق ثم طالق، فثلاث لأنه نسَّق، وكذلك قوله أنت طالق وطالق وطالق2. وقد رأيت أن أكتفي بهذه الحروف؛ لأهميتها إذ لا داعي للحديث عن الحروف الباقية.

_ 1 راجع فيما يتعلق باستخدام حروف العطف في القرآن الكريم كتاب: الدكتور عبد الفتاح لاشين: من أسرار التعبير في القرآن حروف القرآن عكاظ للنشر والتوزيع، سنة 1403هـ، 1983 من ص 68 إلى ص 93. 2 نزهة الألباب للأنباري، ص 67.

الربط الكلي

الربط الكلي بين أجزاء النص "الوحدة الفنية" إن جوهر العمل الأدبي يتمثل في تماسك أجزائه وترابطها بحيث يكون قائمًا على وحدة عضوية فنية، وهذه الوحدة هي مناط الإبداع والجودة، ولهذا لا يمكن الاعتداد بالنص المفكك غير المترابط، ووسائل تحقيق الوحدة تختلف باختلاف النوع الأدبي، وسواء كان العمل إبداعيًّا أو إجرائيًّا وظيفيًّا فإن الترابط شرط أساسي فيه. والوحدة الفنية تقوم على التنامي والتطور، ولا تبني على التراكم والتكاثر وهي ذات صلة بروح النص الداخلية، وتتجاوز الشكل الخارجي، فالعمل الذي نحس بأن فيه معنى داخليًا متناميًا ندرك للوهلة الأولى مكامن الوحدة والتماسك بين أجزائه. كيف تتحقق الوحدة الفنية: أولًا: إذا كان العمل إبداعيًّا فإن التجربة النفسية والوجدانية تحدد مسار التطور والتنامي في النص إن كان الكاتب موهوبًا متمثلًا لتجربته، فكاتب القصة مثلًا لابد أن يدرك العلاقة الوطيدة بين الحدث والشخصية والموقف فيصوغ الحبكة من هذه الخيوط الثلاثة المجدولة بإحكام، والحبكة هي المحور الذي يستقطب العناصر المختلفة للنص، فإذا كان الكاتب متمثلًا للتجربة صادقًا في التعبير عنها مؤهلًا لكتابة القصة عارفًا بأصولها جاءت قصته متماسكة قادرة على الإفضاء بانطباع كلي موحد، وكذلك الحال بالنسبة للمقالة التي تتنامى فيها الفكرة منذ المقدمة وحتى الخاتمة في تلسلسل منطقي محكم.

أما القصيدة الشعرية فالانفعال العقلي والنفسي والوجداني يتنامى بالقصيدة حتى يصل إلى الذروة، ومن المعروف أن الجانب الوجداني لا يخضع لمسار محدد بل يذعن للحالة الشعورية التي يعيشها الشاعر، أما في الكتابة الإجرائية الوظيفية فإن التسلسل هو جوهر الواحدة والانتقال من فكرة إلى أخرى انتقالًا طبيعيًّا يفضي إليها. ولم يكن أسلافنا من النقاد القدامى بغافلين عن الوحدة الفنية وضرورتها فلقد شبه الحاتمي القصيدة العربية بالإنسان في اتصال أجزائه ببعض ,كذلك العتابي حيث يقول "فإذا قدمت مؤخرًا ثم أخرت مقدمًا، أفسدت الصورة وغيرت المعنى كما لو حول رأس إلى موضوع يد أو يد إلى موضع رجل. ثانيًا: يضاف إلى تمثل التجربة واستيعابها السيطرة على أصول الفن والإلمام بقواعد ومداومة المراجعة للنص، والبعد عن التداعيات اللغوية التي لا داعي لها، فكلما كانت اللغة مركزة وموجزة كلما كان النص متماسكًا. ما الذي ينبغي أن يراعى أثناء الكتابة؟ عملية الكتابة لها أسس وشروط يجب مراعاتها حتى يظهر النص الكتوب وحدة متكاملة تفضي إلى هدف، وهذه الأسس والشرط تعتبر من أبجديات الكتابة ومبادئها الأولية وهي على النحو التالي: أولًا: تقسيم الموضوع إلى فقرات تعبيرية متسلسلة بحيث تحتوي كل فقرة على فكرة مستقلة تشمل أحد عناصر الموضوع، ويبدأ الكاتب الفقرة عادة بترك مسافة أول السطر تتراوح بين "1-2" سم على أن تكون بداية الفقرة التي تليها على نفس المسافة حتى يتوفر عنصر التناسق والتنظيم، وتتكون كل فقرة من عدة جمل مترابطة. ثانيًا: يجب مراعاة قواعد الرسم الكتابي "الإملاء" لأنها قوام العملية الكتابية لا تستقيم إلا بها.

ثالثًا: مراعاة علامات الترقيم جزء من الإلتزام بقواعد الإملاء، لهذا لابد من الإلمام بها، على النحو الموضح في صفحات قادمة. رابعًا: تنظيم الفقرات، وتسلسل جملها يؤدي إلى سهولة الفهم ويكن القارئ من الاستيعاب السريع، كما أن ذلك يريح العين والذهن. خامسًا: عند الاستشهاد بآيات من القرن الكريم لابد من مراجعة نص الآية في المصحف الشريف مراجعة دقيقة متأنية قبل إثباتها مع الإشارة إلى موقعها من السورة ورقم الآية، وكذلك فيما يتعلق بالأحاديث الشريفة فينبغي تخريجها تخريجًا علميًّا. سادسًا: عند الاقتباس من أي مرجع أو مصدر يوضع الكلام المنقول بين علامتي تنصيص وفقًا لقواعد الترقيم، ويشار إلى المصدر والمرجع بالهامش حسب الأصول العلمية المتبعة التي سنشير إليها فيما بعد إن شاء الله. سابعًا: يستحسن أن يكون هناك مسافات كافية بين السطور، وأن يبتعد الكاتب عن كل ما من شأنه تشويه الكتابة، بالشطب والطمس والانحراف عن السطر رداءة الخط وتشابك الكلمات بعضها بعض، إذ لابد من وجود مسافة صغيرة كافية بين الكلمات أيضًا، كما أن الكتابة على وجه واحد من الورقة أفضل؛ لنه يتيح للقارئ فرصة كتابة ملاحظات على الوجه الثاني، كما يمكن للكاتب نفسه من استدراك بعض ما فاته والإشارة إليه. ثامنًا: من الأفضل أن يكون في الورقة هامش لكي تدون فيه بعض المعلومات الخاصة بالمراجع، أو المصادر ولأغراض تنظيمية وجمالية.

ضوابط الرسم الكتابي

ضوابط الرسم الكتابي القواعد الأساسية للإملاء نبذة تاريخية اختلفت الأقوال حول أول من وضع الكتابة العربية فقيل: إنه آدم عليه السلام، وقيل إنه إسماعيل عليه السلام، ورُوِيَ عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله:" أول من خطَّ بالقلم إدريس" وقيل إنهم جماعة من الملوك أسماؤهم:" أبجد هوز حطي كلمن صعفص"؛ فسميت الحروف الهجائية بأسمائهم. وقيل أن أول العرب الذين كتبوا بالعربية حرب بن أمية عبد شمس تعلم من أهل الحيرة الذين تعلموا من أهل الأنبار. وتكاد المراجع العربية تجمع على أن الفضل في وضع الحروف يعود إلى مرامر بن مرة، وأسلم بن حدرة من الأنبار في بلدة "بقة". ويذكر ابن خلدون أن الخط العربي كان ضعيفًا في البداية لبعد العرب عن الصنائع، وأشار إلى أن رسم المصحف لم يكن مستحكم الإجادة في الزمن الأول، ولكن العرب عمدوا إلى تجويد كتابتهم فيما بعد. وهناك ثلاثة يعزى إليهم الفضل في نقط الحروف هم: أبو الأسود الدؤلي، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، إذ كانت الكتابة بالحروف المعجمة غير المنقوطة في مبدأ الأمر. ونقط المصحف على يد أبي الأسود الدؤلي كان بمثابة وضع حركات الإعراب على أواخر الكلمات أي "عمل إعرابي"، أمَّا نصر بن عاصم فقد كان نقْطُهُ نقْطَ إعجامٍ للتمييز بين الباءِ والتاءِ مثلًا أو بين الفاء والقاف، وحينما جاء الخليل بن أحمد وضع الحركات التي نعرفها الآن.

الهمزة

الهمزة تُعرَّفُ الهمزة بأنها الحرف المخصوص الذي يقبل الحركة بخلاف الألف، والهمز النبر أيضا1. ويُعرِّفُ العلماء المحدثون الهمزة بأنها صوت مهموس شديد مرقق ينطلق بإغلاق الأوتار الصوتية إغلاقًا تامًّا يمنع مرور الهواء فينحبس خلفها، ثم تفتح الأوتار فجأة فينطلق الهواء متفجرا. الهمزة والألف: درج عديد من القراء على اعتبار الهمزة التي تكتب على شكل الألف في أول الكلمة ألفا، والمعروف أن الهمزة تنطق وفقًا لحركتها فليس لها شكل ثابت وخصوصا تلك التي تأتي في أول الكلمة، والذين سموها ألفا راعوا في ذلك السكون الذي هو مد الصوت، ولكن الصحيح أن تُسمَّى همزة، لأنها متحركة وليست ساكنة. همزة الوصل وهمزة القطع همزة الوصل: لماذا سميت همزة الوصل بهذ الاسم؟ قيل أن المفروض أن تُسمَّى همزة إيصال لأنها لا تصل ولكن توصل الناطق إلى النطق بالسكون بعدها، ولكنها سميت بالوصل تخفيفا. وهناك من يُعَرِّفُ همزة الوصل بأنها الثابتة ابتداء الساقطة وصلا، أي أنها تلفظ إذا ابتدئ، النطق بها، وتسقط إذا جاءت في سياق متصل بما قبلها وما بعدها، وكان الخليل بن أحمد يسميها "سلم اللسان" والأصل في الهمزة أن تكون في الأفعال لتصرفها وكثرة اعتلالها والأسماء تقاس عليها.

_ 1 رُوِيَ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله لمن ناداه يا نبئ الله: لا تنبر باسمي ... إلخ. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنا معشر قريش لا ننبر".

ترسم الهمزة في أول الكلمة ألفا وهناك من يرسم فوقها "صادًا" للتمييز بينها وبين همزة القطع "ء". همزة الوصل في الأفعال: أولا: أمر الثلاثي: اذهب، اجمع، انقع، ارهب........إلخ. ثانيا: ماضي الخماسي: انصرف، انقطع، ارتبك...........إلخ. أمر الخماسي: انصرفْ، انقطعْ، ارتبكْ.........إلخ ثالثا-ماضي السداسي: استهتر، استثمر، استبشر. أمر السداسي: استهتر، استثمر، استبشر. يقاس على ذلك دائما. همزة الوصل في الأسماء: أولا-قياسا: أي وفق قاعدة مضطردة. أ-مصدر الخماسي: انصراف، انقطاع، ارتباك. ب-مصدر السداسي: استثمار، استهتار، استبشار. ثانيا-سماعا: أي دون قاعدة بل استنادا إلى ما ورد في كلام العرب ويكون ذلك في عشرة أسماء: اسم، است، ابن، ابنه، ابنم، امرأة، امرؤ، اثنان، اثنتان،

وقيل في تعليل ذلك أن همزة الوصل زيدت في أوائل هذه الكلمات لأنها ساكنة؛ والابتداء بالساكن أمر متعذر في النطق فأضيفت الهمزة لتسهل عملية النطق، وقيل - أيضا - أن همزة الوصل أتت في هذه الأسماء عوضا عن حروف العلة التي سقطت من أواخرها. وتنطق همزة الوصل مضمومة في أمر الثلاثي إذا كانت عينها مضمومة أصلا في المضارع، مثل: اقفل، اكتب، وتُكْسَرُ إذا كانت مكسورة مثل: ارم، امض......إلخ. همزة القطع: ويعرفونها بقولهم: هي الثابتة ابتداء ووصلا وموضعها في غير المواقع التي أشرنا إليها في همزة الوصل، وتكون في أول الاسم المفرد والمثنى والجمع، وفي أول مصدر الثلاثي مثل أتى: إتيانا، والرباعي كقولنا أكبر: إكبارا وفي أفعالها الماضية كما تقدم، وتأتي في أول المضارع المبدوء، بهمزة أعوز، وأروح وأعدو. متى تقطع همزة الوصل؟ قد تقطع همزة الوصل لضرورة ما كالضرورة الشعرية على النحو الذي ورد في قول قيس بن الخطيم: إذا جاوز الاثنين سر فإنه ... نبث 1 وتكثير الوشاة قمين2 والأمثلة على ذلك كثيرة. كذلك فإن لفظ الجلالة إذا نودي قطعت همزته نحو يا ألله كذلك فإن الابتداء بهمزة الوصل يعتبر عند البعض مبررا للقطع كقول العباس بن مرداس:

_ 1 النبث ما يستخرج من البئر من التراب، والمقصود بالنبث هنا السر المفضوح. 2 قمين: جدير أي أن السر إذا جاوز الاثنين أصبح أمر افتضاحه مؤكدا.

لا نسب اليوم ولا خلة ... إتسع الخرق على الراقع فقد اعتبر البعض همزة "اتسع" همزة قطع حيث بدأ الشطر الثاني بها فإذا وقفوا ابتدؤا. كتابة الهمزة: 1- في أول الكلمة: ترسم الهمزة في أول الكلمة على ألف، إذا كانت الهمزة مفتوحة أو مضمومة مثل: أقام، أقيم، وترسم تحت الألف إن كانت مكسورة نحو إقامة. 2- في وسط الكلمة: ترسم الهمزة في وسط الكلمة حسب حركتها أو حركة ما قبلها، ويكون ذلك وفقا للحركة الأقوى على النحو التالي: الكسرة فالضمة فالفتحة ثم السكون، ولذلك فإن الهمزة المتوسطة تُكْتَبُ وفقًا لأربع صور: أ- الهمزة على الألف: إذا كانت مفتوحة وما قبلها مفتوح: سأل، تأمل، إذا كانت مفتوحة وما قبلها ساكن: تسأل، فجأة، إذا كانت ساكنة، وما قبلها مفتوح: رأي رأسي. ب- الهمزة على الياء "نبرة": إذا كانت مكسورة أو ما قبلها مكسور: فئة، رئة، بئر، إذا كانت قبلها ياء ساكنة: هيئة. ج- الهمزة على الواو: ترسم الهمزة على واو إذا كانت مضمومة أو ما قبلها مضموم نحو: يؤم، تفاؤل، تثاؤب، أرؤس، سؤال مؤامرة.

د- الهمزة المفردة: إذا كانت مفتوحة، وقبلها سكون: السموءل. إذا كانت مفتوحة وما قبلها ألف مد أو واو مد نحو مروءة. إذا كانت مضمومة وقبلها حرف منفصل: روءف. 3- الهمزة المتطرفة: ترسم الهمزة المتطرفة في آخر الكلمة حسب الحركة التي قبلها فقط، فإذا كان ما قبلها فتحة كُتِبَتْ على ألف نحو: لجأ, ملأ. وإذا كان ما قبلها كسرة كُتِبَتْ على ياء مثل: ناشيء، مقريء وإذا كان ما قبلها ضمة رسمت على واو: لؤلؤ، تباطؤ، وإذا كان ما قبلها سكون أو أي حرف مد تُكْتَبُ مفردة: مثل إملاء، وباء، هدوء، بطيء، بريء، جريء. والهمزة المفردة المتطرفة يعقبها ألف رسمًا إذا كانت منونة، في حالة النصب وتُكْتَبُ على نبرة إذا كان ما قبلها قابلا للوصل: شيئًا، وإذا سبقت الهمزة المنونة بألف قبلها تهمل الألف كتابة مثل: شتاء، هواء. حالات خاصة للهمزة المتوسطة والمتطرفة أولا: الهمزة المتوسطة المفتوحة "إذا كانت الهمزة مسبوقة بحرف علة أو متبوعة بحرف علة". أ- إذا كانت الهمزة المتوسطة مفتوحة ومسبوقة بألف ساكنة، تُكْتَبُ الهمزة مفردة، مثل قراءة، وكذلك إذا كانت مسبوقة بواو ساكنة مثل ضوءه، وإذا كانت مسبوقة بياء ساكنة تُكْتَبُ على نبرة مثل "فيْئه"، "هيئة". ب- إذا كانت مفتوحة ومسبوقة بحرف مفتوح ومتبوعة بألف المد أو التثنية تدمج الهمزة مع الألف وتُكتبان على شكل ألف عليها مدة مثل "مآكل" و"ملجآن"، وإذا كانت مفتوحة ومسبوقة بصحيح ساكن ومتبوعة بألف مد

غير متطرفة تدمج الهمزة مع هذه الألف وتُكتبان على شكل ألف عليها مدة، مثل "ظمآن". ج- إذا كانت الهمزة المتوسطة مفتوحة ومسبوقة بصحيح ساكن ومتبوعة بألف الاثنين تُكْتَبُ الهمزة منفردة إذا كان الحرف الذي قبل الهمزة لا يوصل بما بعده مثل "بدءان"، أو على "نبرة"، إذا كان الحرف الذي قبلها يقبل الوصل بما بعده، مثل "يبطئان". ثانيا- تشذ الهمزة المتوسطة المضمومة عن قاعدة الحركة الأقوى عندما تكون مسبوقة بياء ساكنة، أو واو ساكنة، مثل "فيْئُه" و"ضوْءُه" على التوالي. ثالثا- حالات خاصة لهمزة المتطرفة: * إذا تطرفت الهمزة بعد حرف صحيح ساكن وجاء بعدها تنوين نصب تُكْتَبُ الهمزة على نبرة مثل "دفئًا". * إذا تطرفت الهمزة بعد ياء ساكنة وجاء بعدها تنوين نصب تُكْتَبُ على نبرة مثل جريئًا، وإذا تطرفت بعد صحيح أو ياء ساكنة وجاء بعدها تنوين نصب تُكْتَبُ على نبرة مثل "كفئًا" و"مجيئا" على التوالي1.

_ 1 راجع: د. محمد علي الخولي تعلم الإملاء بنفسك، دار العلوم، الرياض 1982م ص 92 فما بعدها.

أما الهمزة في القرآن الكريم فلا تتغير صورتها وفقًا لهذه القواعد؛ "الهجاء موقوف في كل القرآن" كما ذكر الفراء في "معاني القرآن"، فكتابة المصحف بالرسم العثماني سنة متبعة اقتداء بعثمان وعلي وسائر الصحابة "رضوان الله عليهم" جميعًا وعملا بالإجماع، ويقول الإمام أحمد بن حنبل "تحرم مخالفة عثمان في ياء أو ألف أو واو وغيرها" ورُوِيَ عن عمثان رضي الله عنه قوله "لا تغيروها" وذلك بعد أن عرضت عليه المصاحف. وهناك من يقترح علاج مشكلة تعدد صور الهمزة بكتابتها على صورة واحدة على "ألف" لأن مشكلة الهمزة ناجمة عن تعدد صور الهمزة، الأمر الذي أدى إلى اختلاف موقف العرب القدامى حولها، فالتخفيف والتحقيق والإبدال والحذف والتسهيل، كل ذلك أدى إلى تباين أشكال كتابتها، وقد كان الحجازيون لا يهمزون، وأهل نجد يحققون الهمز "أي يظهرونه" وقد جاء الهمز في القرآن الكريم، وقد أدى اضطراب موقف السلف من كتابتها إلى تعريف الهمزة بأنها حرف لا صورة له في الخط كما فعل ابن درستويه، وقد ذهب المبرد إلى أن الهمزة ليست من جملة الحروف، واستدل على ذلك بأنها لا صورة لها في الخط1. والحقيقة أن العبث بقواعد كتابة الهمزة سيفتح الباب أمام تغيير الكثير من المسلمات الإملائية والنحوية، ويترك المجال مفتوحا أمام المغرضين لتقويض دعائم اللغة باسم التجديد والتسهيل، لأن التغيير لن يقتصر على شكل الكتابة فحسب بل سيمتد إلى صلب اللغة ويجعلها عرضة للاجتهاد لذا فإن ترويض النفس على إجادة قواعدها والحذق فيها أولى وأليق.

_ 1 راجع الدكتور/ شوقي النجار: الهمزة: مشكلاتها وعلاجها، منشورات دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع، المملكة العربية السعودية سنة 1948 ص 75.45.

الزيادة

أولا: الزيادة أ- زيادة الألف: * في أول الكلمة: تزاد في أول الكلمات المبدوءة بهمزة الوصل كما ذكرنا آنفًا. * تزاد في وسط الكلمة: في كلمة "مئة" تمييزا لها عن "فئة" وهذه الزيادة تكون في المثنى وإذا كانت مركبة أيضًا "مائتان" و"ثلاثمائة"، ولا تلفظ. أما مع الجمع فلا تزاد نقول "مئات" و"مئون". *تزاد في آخر الكلمة بعد واو الضمير المتطرفة، نحو: لن يضربوا وتُسَمَّى هذه الألف ألف الفصل أو الألف الفارقة. *تزاد ألف في آخر الاسم المنصوب، وتكون بدلا من تنوينه، فيقال: رأيت زيدًا بدلا من رأيت زيد وتُسَمَّى ألف العوض. *وقد تزاد الألف للتذكر حيث يقول القائل: إن مضر ثم يقف على "مضر" ويقول إن مضرا. مع أن مضر ممنوعة من الصرف ولا تنون أو تلحق بها الألف وتُسَمَّى هذه الألف ألف التعايي. * وتزاد الألف للفصل بين النونين: نون النسوة ونون التوكيد وذلك حتى لا تجتمع ثلاث نونات مثل افعلنانَّ، اذهبنانَّ. * وتزاد الألف لمد الصوت بالمنادى المستغاث به: يا محمدا، يا عجبا. ب- زيادة الهاء: وتُسَمَّى الهاء المزادة هاء السكت أوهاء الاستراحة، أو هاء الوقف. * وتزاد بعد كل متحرك الآخر حركة غير إعرابية لأجل الوقف عليها مثل قه: فالأصل فيها قِ والكسرة حركة غير إعرابية.

هذا في اللفيف المفروق أي الفعل الذي يبدأ بحرف علة وينتهي بحرف علة أيضا يفرق بينهما حرف صحيح فالأصل وقى، يقي. * وتزاد في "ما" الاستفهامية بعد حذف ألفها: كما ورد في حديث أبي ذؤيب قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام فقلت: مَهْ؟ فقيل: هلك رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" "الحديث في شرح الشافية 296/2". وذلك سواء كانت ما مجرورة بالإضافة مثل: بسب مه أتيت؟ أو بإحدى حروف الجر: لمه انصرفت؟ * وتزاد في الاسم المنتهي بحرف علة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة:10] . * وتزاد في الاسم المنتهي بياء المتكلم {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:29-30] . * وتزاد في الاستغاثة والندبه: يا رباه، واولداه، واحر قلباه. وقد تدخل على ثم وهلم إن ثمه، هلمه، إنه، وكذلك في مسمى حروف الهجاء مثل جه. وقال ابن عقيل ويجوز الوقف بهاء السكت على كل متحرك بحركة بناء لازمة لا تشبه حركة إعراب كقولك في كيف: كيفه1. ج- زيادة الواو: أولا: زيادة الواو في الوسط في أولو، أولي، أولات. {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] . {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ

_ 1 شرح ابن عقيل، تحقيق محي الدين عبد الحميد 180/4 وراجع الدكتور/ عبد اللطيف محمد الخطيب، أصول الإملاء دار التراث الكويت 1986 ص 119،118.

لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190] وقد زيدت الواو في "أولي" بمعنى أصحاب للتفريق بينها وبين إلى الجارة، وحُملت حالة الرفع عليها. * أما أولات بمعنى صاحبات في الأمثلة عليها: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] . * أولئك، أولي بالقصر اسم إشارة. {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:5] . * وقد زاد البعض الواو في أخي المصغرة عن أخي للتمييز بينها وبين أخي في المكبّر "همع الهوامع" 328/6 * وقد تزاد الواو في الألفاظ الدخيلة على العربية مثل "أوقيانوس أوكسجين". ثانيا: زيادة الواو في آخر الكلمة كما في كلمة عمرو تمييزا لها عن عمر، وتحذف في النصب لزوال الداعي، فعمر لا تنون لأنها ممنوعة من الصرف فنقول: رأيت عمرا "عمرو" واشترط لهذه الزيادة أن يكون علما، غير مضاف، غير مصغر، غير مقترن بأل، غير منسوب، ليس قافية بيت، وليس منصوبا منونا. تزاد الواو بعد ميم الجمع، ويقال لها واو الصلة مثل ضربتمو ذهبتمو، وقد تزاد بعد الهاء: منهو. وهناك واو تسمى واو التذكر حينما يُنسى الفاعل تلحق واو في آخر الفعل، وذلك لوصل الكلام كقولنا يقومو في مقام زيد إذا نسي زيد. وتزاد واو تسمى واو الإطلاق في القافية من أجل استقامة الوزن كقول الشاعر: أقفر من أهله مَلْحُوبو ... فالقُطبيات فالذُّنوبو

الحذف

الحذف حذف الهمزة: في أول الكلمة في المواضع التالية: إذا دخلت عليها همزة الاستفهام، وكانت همزتها همزة وصل أو همزة المتكلم مثل {اصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات:153] . وإذا دخلت اللام على الاسم المعرف بأل: {إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [سورة البقرة:496] . {لَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ} [الأنعام:32] . يالله للمسلمين. تحذف من "اسم" في "بسم الله الرحمن الرحيم" ولا تحذف الألف في غير البسملة. تحذف من كلمة ابن بعد "يا" الندائية، "يابن آدم" وإذا وقعت بين علمين على ألا تكون صفة أو خبرا لمبتدأ، وأن تكون مفردة وألا تكون في أول السطر وألا يُفصل بينها وبين العلم السابق عليها مثل: "بكر هو ابن محمد" وألا ينون العلم مثلها مثل: "جارية من قيس ابن ثعلبة". حذف التاء: تحذف التاء من كل فعل آخره تاء إذا أسند إلى تاء الفاعل: بِتُّ. وتحذف-أيضا- تاء التأنيث في النسب: فاطمي. وتحذف تاء التأنيث من المؤنث إذا جمع جمعا سالما، عاقلة: عاقلات. حذف اللام: تحذف لام التعريف مما اجتمع فيه ثلاث لامات كراهة.

للبن، للحم، للهو، للعب. تحذف اللام من الأسماء الموصولة التي تكتب بلامين إذا دخل عليه لام مكسورة أو مفتوحة لِلذين، لِلاتي، لِلوائي. وتحذف لام الذي والتي والذين وتكتب بلام واحدة، وحقها أن تكتب بلامين. حذف الميم: تحذف الميم من نعم إذا كسرت عينها، ووصلت بما، وتنوب عنها الشدة، كقول الله تعالى: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء:58] {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا} [البقرة:271] . حذف النون: تحذف نون المثنى ونون جمع المذكر السالم في حالة الإضافة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد:1] {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} [القمر:27] . إذا أسند الفعل المنتهي بنون إلى النون مطلقا فإن النون تحذف منه سواء أُسند إلى نون الإناث مثل: طفن، أمن، زان؛ بان، ظعن، أمن، زن، بن. أو إلى نون الوقاية: أعان: أعني وأُسند الفعل إلى نا التي هي ضمير المتكلمين: من: آمنا، تعاون: تعاونا. تحذف نون "من وعن" إذا دخلتا على "ما أو من": مما، عمَّا، عمَّن، ممَّن، بلحارث، بلعنبر، بلقين، بلجعراء في نبي الحارث، بني العنبر بني الجعراء، بني القين. تحذف من كلمة من جوازا للتخفيف مثل: ملجن "أي: من الجن". تحذف من إن الشرطية إذا وليها "لا" النافية، أو "ما" الزائدة: مثال: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:73] . تكلم بخير وإلا فاسكت.

{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا} [الإسراء:23] . {إِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال:58] . {إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ} [الإسراء:128] . تحذف نون أن المصدرية الناصبة في المواقع التالية: 1- إذا وقع بعدها "ما" الزائدة: أما أنت برا، أما أنت منطلقا. 2- إذا كان بعدها لا سواء كانت زائدة أو نافية {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف:12] ، {لِئِلاَ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد:29] . حذف الواو: في فعل الأمر المنتهي بواو: ادعُ، اغزُ، اتلُ، ارجُ. من المضارع المعتل الآخر بالواو إذاجزم أو اتصلت به واو الجماعة، لم يدع، والرجال يدعون. إذا اتصل بالفعل السابق ياء المخاطبة،: أنت تدعين، تدنين، ترجين. في جمع المذكر السالم إذا أضيفت لياء المتكلم: مؤمني، مسلمي، بني، أهلي، الفعل المثال الواوي في المضارع إذا كان مبنيا للمعلوم: وعد: يعد. ما جاء على وزن مفعول مثل: مقول ومبيع أصلها مقوول ومبيوع. تحذف من داود وطاوس. تحذف من كل كلمة اجتمع فيها ثلاث واوات مثل موءودة، ينوءون. حذف الألف: أولا: حذف الألف من وسط الكلمة: - من لفظ الجلالة "الله" للتخفيف، وحتى لا تلتبس مع اللاه من: لها يلهو- - من كلمة الإله {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة:163] .

- من الرحمن إلا إذا كانت غير مُعَرَّفَةٍ بأل مثل: يا رحمان الدنيا ورحيم الآخرة. - من السلام أحيانا لكثرة الاستعمال. - من لكن ومن السموات إذا ظلت مجموعة أما إذا أفردت فلا تحذف ألفها. وتحذف الألف من كل كلمة وقعت فيها بعد همزة مرسومة ألف مثل: آثر، آمن، مآل، مكافآت، الآن، الآخر. تحذف من الأعلام المشهورة في الاستعمال كثيرا مثل: إبراهيم، إسمعيل، هرون، إسحق، سليمن، عثمن.......إلخ. وتحذف من طه ومن يس. ثانيا: حذف الألف آخر الكلمة: يا الندائية إذا وقعت بعدها كلمة أولها همزة قطع مثل نقول يأهل الكتاب، بإبراهيم يأيها، أيتها أما في مثل آدم وآخر، وآزر فلا تحذف. وتحذف إن جاء بعدها كلمة "ابن". وتحذف الألف إذا وقعت "أنا" بين "ها" التنبيه و"ذا" الإشارية لكثرة استعماله معه: هأنذا. تحذف الألف من "ها" التنبيه إذا دخلت على ضمير مبدوء بالهمزة مثل: هأنا، هأنتم، وإذا دخلت على اسم إشارة، ولم يكن مبدوءا بتاء، ولا هاء، ولا بعد اسم الإشارة مثل هذا، هذه، هؤلاء، خلافا لها هناك، ها ذاك. وتحذف ألف "ها" إذا كانت للقسم وبعدها لفظ الجلالة "ها لله لأفعلنَّ كذا". وتحذف ألف اسم الإشارة إذا اقترن بلام البعد مثل: ذا، ذلك، ذلكم، ذلكن، خلافا لما لم يقترن بلام البعد مثل ذاك، ذاكم، ذاكن. تحذف الألف من "ما" الاستفامية إذا جرت بحرف جر أو مضاف.

مثل: لِمَ، بِمَ، مِمَّ حَتَّام: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات:47] . {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] . {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} [الحجر:54] {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] . تحذف من أما المخففة بمعنى: حقا نحو: أم والله لأفعلنَّ. حذف الياء: تحذف الياء من كل أمر منته بياء خطا ولفظا، "ارمِ -اقضِ" ومن المضارعة إذا جُزم: لم يرمِ. إذا اتصل بواو الجماعة: يرمون، يقضون، وإذا اتصلت بياء المخاطبة أنت ترمين. ومن الماضي المعتل بالياء إذا أسند إلى واو الجماعة رضوا نسوا. وتحذف الياء من المثنى والجمع المذكر السالم إذا أضيفا إلى ياء المتكلم وذلك في حالة من غير حالة الرفع: قاضيّ. تحذف الياء من المنقوص إذا أضيف إلى ياء المتكلم ويعوض عنها بالتشديد، ساعي: ساعي، قاضي: قاضيّ. تحذف- أيضا- من الجمع المذكر السالم المنقوص رفعا ونصبا وجرا. القاضون أصلها القاضيون. وتحذف الياء من المنقوص إذا نون في حالتي الرفع والجر: هذا قاض، ساع. تحذف الياء عند نداء الأبوين: يا أبت، يأمت، فالتاء دخلت بدلا من ياء المتكلم. وكذلك الحال بالنسبة للمنادى المضاف إلى ياء المتكلم فالأجود حذف الياء نحو "يا قوم" ويجوز إثباتها. تحذف الياء من العدد ثماني في الإفراد، وفي ذلك خلاف1.

_ 1 يقولون: عندي ثمان نسوة وثمان عشرة جارية وثمان مائة درهم فيحذفون الياء من ثمان في هذه المواطن الثلاث والصواب إثباتها.

وتحذف ياء المتكلم الساكنة أحيانا وإن كانت في فعل، كقوله تعالى: {رَبِّي أَكْرَمَنِ} {رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:16،15] {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:56] وهذا خاص بالكتابة القرآنية. تحذف الياء - أحيانا - في الفواصل، ويجتزأ عنها بحركة ما قبلها وذلك لمراعاة التجانس والازدواج مثل "والليل إذا يسر" وكذلك الأمر في القوافي. الحذف في حالة التشديد: كل حرف يدغم في مثله أو مخرجه يحذف خطًّا ويعوض عنه بتشديد الحرف الذي أدغم فيه مثل: مد، آمنا.

الوصل والفصل بين الحروف والكلمات

الوصل والفصل بين الحروف والكلمات: هناك قاعدة إملائية تنظم هذه المسألة مفادها: أن ما صح الابتداء به، والوقف عليه وجب فصله عن غيره في الكتابة وذلك لأنه يستسهل بنفسه في النطق، مثل الأسماء الظاهرة والضمائر المنفصلة، والحروف المتصلة، ونوني التوكيد، وعلامة التأنيث، وعلامة التثنية، وعلامة الجمع السالم. وأما ما لا يصح الوقف عليه فيجب وصله أيضا بما بعده، وذلك كحروف المعاني الموضوعة على حرف واحد، كالياء، والثاء واللام والكاف والفاء والسين. والمركب المزجي مثل: بعلبك، وما رُكِّبَ من المئة من الآحاد مثل: أربعمائة، والظروف المضافة إلى "إذ" المنون: كيومئذ وحينئذ وساعتئذ، فإن لم تنون بأن ذكرت الجملة المحذوفة والمعوض عنها بالتنوين، وبالفعل مثل صافحتك حين إذ كنت جالسا، وتوصل "ذا" مع "حب" فيقال حبذا. ومن المواضع التي وصل فيها ما كان يجب في الفصل. 1- ما: أ- ما الاستفهامية إذا اتصلت ببعض حروف الجر: من، إلى، عن، على، في، حتى، الباء، واللام: ممَّ، إلام، علام، فيم، حتَّام، بِمَ، لِمَ، وتوصل

بالاسم المضاف إليها: بمقضام. ب- ما الموصولة التي توصل بمن، وعن وسي، ممَّا، عمَّا، لاسيَّما. ج- ما الموصولة بنعم كقوله تعالى: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء:58] . د- ما النافية والكافة والزائدة والمهيئة والمصدرية:- - الكافة التي تكف عن الرفع مثل: طالما، قلَّما، كثرما فهي تكف هذه الأفعال عن عمل الرفع. -الكافة عن النصب والرفع وتوصل بإن وأخواتها: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] . - الكافة عن الجر تتصل برب، والكاف واللام ومن، كما تتصل بالظروف مثل: حين، بين، مثل، حيث، إذ. هـ:- الزائدة غير الكافة: وتقع بين الجار والمجرور وتوصل بمن وعن وتحذف نونهما مثل عمَّا قليل، {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} ... [نوح:25] . - الواقعة بين المتضايفين مثل: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القصص:28] . - الواقعة بعد كي: كن جادا كيما تفلح. - الواقعة بعد أداة الشرط مثل: إن، أين، أي، كيفما، حيثما. و: المهيئة: وهي التي تُهَيِّءُ رب للدخول على الفعل: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2] . ز-: المصدرية "في المصدر المؤول" ادرس كما درس محمد. توصل - أيضا - بكلمة كل المنصوبة على الظرفية {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} ..... [البقرة:20] . وتوصل بمثل: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْل َمَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23] .

وبريث: ريثما، وحين، "حينما". 2- من الاستفهامية، والشرطية، والموصوفية: الاستفهامية، وتتصل بمن وفي وعن: ممَّن ترجو؟ عمَّن تسأل؟ فيمن تشك؟ - الشرطية: عمَّن ترض أرض. - الموصولية: خذ المشورة عمَّن ينصح. - الموصوفية: التقيت بمن طامع فيك. 3- لا توصل بأن الناصبة للفعل المضارع {لئلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد:29] . - لا الموصولية بأن الشرطية {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة:40] . - كي، وتأتي موصولة ومفصولة {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} ..... [الحديد:23] {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} ..... [الحشر:6] . تفصل ما في الحالات التالية: - إذا كانت شرطية {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة:197] . - إذا كانت تعجبية: ما أحسن الصدق. إذا كانت موصولة بمعنى الذي: إن ما فعلته عجيب. - إذا كانت صفة لما قبلها: "لأمرما جدع قصير أنفه". - إذا سكنت عين نعم فإن ما تفصل عنها: نعم ما يقول الحكيم. - إذا كانت نافية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} ... [آل عمران:144] . - إذا كانت زائدة متصلة بمتى، أيَّان شتَّان: شتَّان ما بين الرجلين ... متى ما تجيء أرحب بك، أيَّان ما تعدل بها الريح تنزل.

- ما الاستفهامية إذا لحقتها ها السكت، وكان حقها الوصل بما قبلها مثل: إلى مه تسعى، وفي مواضع أخرى ... وتفصل من مع "مع" و"كل" و"أي" و"الضمني"، واسم الإشارة وقبل، "من الجارة" وتفصل إذا دخلت على لن وعن "لا" إذا كانت مخففة عن الثقيلة وعن لا إذا كانت تفسيرية وبعد لما التوفيقية {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} .... [يوسف:96] . وبين لو وفعل القسم، وتفصل بل عن لا، وتفصل الكسور عن المئة "ثلث مئة"، وتفصل كلمة عشر المركبة مع غيرها من الأعداد - ثلاث عشرة-، وهناك أراء مختلفة حول بعض المواقع آثرنا تجنب الحديث عنها.

الألف اللينة

الألف اللينة الألف اللينة: وهي الألف الساكنة المفتوح ما قبلها ولا تقبل الحركات وتكون وسط الكلمة أو آخرها. وقد تكون: في حرف مثل لولا، أو في اسم مبني مثل: أنا، وقد تكون في اسم مُعَرَّبٍ أعجمي مثل إيليا، أو في اسم مُعْرَبٍ مثل: الفتى وعصا، وقد تكون في فعل مثل: رمى، نما. وإذا كانت في حرف كتبت ألفا ممدودة ماعدا: إلى، على، بلى، متى. أما في الاسم المبني فتكتب أيضا ألفا ممدودة، مثل أنا، إذا، ما ... إلخ ما عدا خمسة وهي: أتى، متى، لدى، أولى الإشارية والألى الموصولة. وفي الاسم المُعَرَّبِ الأعجمي تكتب ألفا ممدودة مثل لوقا، يهودا، بحيرا، من الثلاثي وغير الثلاثي - يستثنى من ذلك: موسى، وعيسى، كسرى، بخارى، وكمثرى، ومتى التي قد تكتب "متا" أيضا. * إذا كان زائدا على ثلاثة أحرف تكتب الألف مقصورة مثل: أسمى، مغزى، دعوى، ذكرى ... إلخ. وإذا كان قبلها ياء كتبت ألفا ممدودة مثل: دنيا، رؤيا ثُريَّا مُحيَّا، زوايا، عطايا ... إلخ، وقد ترسم مقصورة مثل: يحيى، أما كلا وكلتا فتكتب ألف كل منها ممدودة إذا كانت في حالة الرفع وكان اتصالها بالضمير، أو إذا أضيفت إلى غير الضمير. * إذا كانت الألف ثالثة فإنها تكتب ألفا ممدودة إن كانت منقلبة عن واو،

وتكتب مقصورة إذا كانت منقلبة عن ياء، وإذا كانت مجهولة الأصل فإنها تكتب ألفا ممدودة مثل: الددا؛ "اللهو واللعب"، والخسا؛ "الفرد"، وأما ألف المندوب والمستغاث فتكتب ممدودة مثل: يا غلام، وواولدا ... الخ. أما الألف في الفعل فإنها تكتب ياء إذا جاءت بعد ثلاثة أحرف، مثل زكَّى واستشفى ... إلخ، وتكتب ألفا ممدودة إذا كان ياء مثل: أعيا، أعي، وفي الثلاثي، فإن ما كان منها منقلبا عن واو يكتب ممدودا مثل دعا، عفا وما كان منها منقلبا عن باء يكتب ألفا مقصورة مثل مشى، رمى ... إلخ، ويمكن معرفة أصل الألف عن طريق التثنية، أو الجمع في الأسماء مثل: عصا: عصوان ومها: مهوات، وبرد الجمع إلى المفرد مثل قرى قرية. أما في الأفعال فنرجع بالفعل إلى المصدر مثل: سما - سموًّا. رمى: رميا، أو الإسناد إلى ضمير الرفع المتحرك: مشى، مشيت، خلا، خلوت، ومع ألف الاثنين: وقا وقيا، وباستحضار المضارع، مثل علا: يعلو، ويمكن معرفة أصل الألف إذا افتتحت بواو أو توسطتها الواو، أو افتتحت بهمزة فإنها تكون منقلبة عن ياء مثل: وعى، طوى، أبى.

تاء التأنيث

تاء التأنيث: التاء المربوطة: وتكون للتفرقة بين المذكر والمؤنث، ولتوكيد التأنيث في الجمع الذي على فعال وفعولة مثل: حجارة وخؤولة، وقد تزاد في أسماء الأشخاص مثل حمزة وطلحة، وتدخل لتمييز الواحد من الجنس مثل تمر: تمرة أو لبيان عدد المرات: شربت شربة، وفي جمع التكسير مثل ولاة وقضاة، وتكون للمبالغة مثل: راوية، علامة، وللنسب مثل: أزارقة مناذرة وللدلالة على أن الجمع أعجمي مثل: صيارفة، طيالسة، وتكون عوضا عن الألف المحذوفة مثل إقامة وأصلها: إقوام، وفي مواضع أخرى عديدة، وتكتب التاء مربوطة إذا لفظت هاء عند الوقف.

التاء المفتوحة: وتكون في الاسم الذي تائه مربوطة ثم أضيفت إلى ضمير مثل: سريرة: سريرته، وفي الأسماء المفردة مثل: بنت وأخت وتدخل على الأفعال الماضية: كتبت، أكانت، وتدخل على الأفعال الماضية: كتبت، أكانت، وتدخل على رب ولعل، ولا، وتأتي في جمع التكسير: بيوتات، وفي أسماء الأفعال، هيهات، وتأتي عوضا عن الياء: يا أبت ويا أمت ... الخ. وتكتب التاء مفتوحة إذا لفظت تاء عند الوقف عليها.

علامات الترقيم

علامات الترقيم ما المقصود بعلامات الترقيم؟ علامات الترقيم إشارات وعلامات كتابية تُعِين على تَبَيُّنِ مواضع الوقف، وطريقة الأداء، ومنهج القراءة، وتساعد على توضيح وضع الجملة في الكلام وصلتها به، وتزيل الإبهام واللبس عن موقع العبارة من السياق. وطبقا لهذا التعريف يمكن تقسيم علامات الترقيم إلى أقسام ثلاثة تتداخل فيما بينها أحيانا، فليس هذا التقسيم قاطعا ولا حاسما. أولا: علامات الوصل والوقف وتتمثل في: أ- الفاصلة أو الشولة"،" وتستخدم للدلالة على الوقف الناقص، ويسمى الوقف الحسن، وتسمى "الفاصلة" أيضا، وأبرز معانيها اللغوية "الخرزة" التي تفصل بين الخرزتين في النظام، والفصلة هي؛ النخلة المنقولة المحولة، وفي كتاب الله فواصل بمنزلة قوافي الشعر، وواحدها فاصلة. أما الفصلة كعلامة ترقيم فترسم هكذا "،" ومهمهتا التمييز بين أجزاء الكلام يسكت عندها سكتة خفيفة، وتشير إلى ضرورة أن يتفاوت الصوت بعدها -ولو قليلا -عما تبعها، وأهم مواضعها: 1- بعد لفظة المنادى: "يا بني، إن أباك قد فني وهو حي". 2- بين أنواع الشيء وأقسامه: آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان.

3- بين الجمل الصغرى المعطوفة التي يتركب منها كلام تام، مثل "المعروف قروض، والأيام دول، ومن توانَ عن نفسه ضاع". 4- بين الكلمات المفردة المعطوفة إذا تعلق بها ما يطيلها، قال أبو العباس المبرد: هذا كتاب ألفنَّاه، يجمع ضروبا من الآداب ما بين كلام منثور، وشعر مرصوف، ومَثَلٍ سائر، وموعظة بالغة، ورسالة بليغة. 5- بعد حرف الجواب في أول الجملة: نعم، سرى طيف من أهوى فأرقني - بلى، لقد انتظرت طويلا لا، لا نلحن، ومن المسئول عما آل إليه أمري - كلا، لم أسافر. بين الشرط والجزاء، وبين القسم والجواب، إذا طالت جملة الشرط أوالقسم: إذا كنت في مصر ولم تكن ساكنا على نيلها، فما أنت في مصر. 6- بين لفظ البدل والمبدل منه، كقولنا: جاء السيف القاطع، والخنجر الباتر، بطل الأبطال، خالد بن الوليد. ويمتنع وضع الفاصلة بين ركني الجملة المبتدأ والخبر، كقولنا "أنت، مالك الملك"، أو الفعل والفاعل، كقولنا "انصرف، سعيد". 7- بين جملتين مرتبطتين كأن تكون الثانية صفة أو حالا أو ظرفا للأولى، "كادت السيارة تدوس طفلا، يظهر أنه أصم". ب- الفاصلة المنقوطة: "؛". ويكون بعدها وقف يسمى "الوقف الكافي". وتكون وقفة القارئ عندها أطول قليلا من وقفته عند الفاصلة، وتفيد البيان والشرح والتفصيل أيضا فتدل على اتصال الكلام، وتستخدم في المواضع التالية: 1- بين الجمل الطويلة التي يتألف من مجموعها كلام مفيد، وذلك ليتمكن

القارئ من الاستراحة والتنفس بين هذه الجمل، إذ لا يستطيع أن يستمر في قراءة الجملة الطويلة من بدايتها إلى نهايتها بسبب تباعد ما بين طرفيها. "وجدنا الناس قبلنا كانوا أعظم أجساما؛ وأوفر من أجسامهم أحلاما؛ وأحسن بقوتهم للأمور إتقانا". 2- بين جملتين تكون الثانية فيها سببا في الأولى: فاز الأديب بالجائزة؛ نظرا لتفوقه. أو حينما تكون الأولى سببا في الثانية: بذل الطالب جهودا دائبة من أجل النجاح؛ فكان ترتبيه الأول على أقرانه. 3- بين الجملتين المتصلتين في المعنى، ومثال ذلك: يحب الإنسان وطنه حبا فطريا، فيه نشأ؛ وعلى أرضه ترعرع. وكثيرا ما تحل الفاصلة محل الفاصلة المنقوطة أو النقطة خطأ وذلك لدقة موقعها فتلتبس على الكاتب. ج- النقطة: وتكون دالة على الوقف التام بسكوت المتكلم تماما مع استراحة النفس وتوضع في نهاية الجملة التامة، أو الفقرة أو الموضوع، ويستلزم وجودها وقفة طويلة نوعا ما مثل "مصر كنانة الله في أرضه من أرادها بسوء قصمه الله". د- النقطتان الرأسيتان":": وهما تميزان ما بعدهما عما قبلهما وتستلزمان وقفة يسيرة تعلو معها درجة الصوت في الغالب، وتوضعان في المواضع التالية: 1- بعد كلمة قال مثال: قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] .

2- بين الشيء وأقسامه: اثنان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال. 3- قبل الأمثلة التي توضح قاعدة، بعد كلمة مثل أو مثال ذلك كما أسلفناه. 4- قبل الكلام المنقول أو المحكي، وقد مثلنا للكلام بنصه بعد القول أو شبهه مثل "سأل:" أما المحكي بما معناه كقولنا: سمعت المدرس يقول ما معناه: إياكم والغش. 5- قبل التفصيل، وبعد الإجمال كقولنا: اشتريت لوازم السفر: حقائب، وهدايا ... الخ. هـ- الوصلة أو الشرطة"-": وهي تفيد اتصال الكلام إذا طال أحد ركنيه، وهي من أدوات الربط، وتستلزم وقفة يسيرة قبل استئناف الكلام، وتوضع في المواضع التالية: 1- بين ركني الجملة إذا طال الركن الأول مثل: إذا أصبح المرء سره كعلانيته، وباطنه كظاهره، يخشى الله ويخافه - فإنه من أهل الصلاح إن شاء الله. فقد طالت جملة الشرط، وجاءت الوصلة لتنبه إلى اتصال جملة الجواب بجملة الشرط. 2- بين العدد والمعدود لتصل بينها ولتحدد ضرورة الوقفة قليلا مثل: أولا- ثانيا - ثالثا - ... الخ. 3- في أول السطر للدلالة على بداية فقرة الحوار ونستغني بها عن ذكر المتحاور: - من ربك؟ - الله ربي.

ثانيا- علامات التوضيح وتحديد وضع العبارة في السياق: أ- علامة التنصيص "" "" وتفيد حصر الكلام المنقول بنصه على النحو التالي: 1- الكلام المقتبس حرفيا سواء كان كلام الله سبحانه وتعالى، أو من الأحاديث الشريفة، أو من العبارات المستشهد بها من أي مصدر كان. 2- عند الإشارة لعناوين الكتب أو القصائد أو المقالات أو الموضوعات، أو ذكر علم من الأعلام لأي غرض من الأغراض بقصد الحديث عنه، أو الاستشهاد به، مثل قرأت ذلك في قصيدة "نهج البردة". 3- عند الإشارة إلى مرجع في سياق الكلام، كأن نقول بعد حديثنا عن موضوع بعينه: "انظر كتاب سيبويه ج4 ص 320". 4- عند الحوار حول قضية معينة أو لفظة لمناقشة بناءها الصرفي، أو دلالتها المعنوية وتكررت الإشارة إليها. مثل: إن "ولود" على وزن فعول. ب- علامتا الحصر: "القوسان" أو المعقوفان: والقوسان يراد بهما الحصر والتحديد ويستخدمان في المواضع التالية: 1- عند التحديد والحصر لمعنى سابق مثال ذلك: المصطلحات النقدية "العلمية على وجه الخصوص" لها معاجمها الخاصة، لقد استخدم القوسان هنا لتحديد المقصود بالمصطلحات النقدية ومنها العلمي وغير العلمي، فجاءت العبارة بين القوسين لتحدد نوع المصطلحات النقدية المقصودة. 2- يوضع بينهما الدعاء القصير مثل: الصحابة الأجلاء "رضي الله عنهم أجمعين". 3- يوضع بينهما العبارات المفسرة: الاستطيقا "أي علم الجمال" من العلوم الإنسانية التي شغلت أذهان العلماء والفلاسفة.

4- التمثيل الذي يحدد جوانب من عبارة أو لفظة عامة دون أن يستغرق كل ما يندرج في إطارها، مثل: دول العالم الثالث "دول المشرق العربي وجنوب شرق آسيا مثلا" ما زالت تعيش في مستوى أقل من دول العالم المتقدمة. أما المعقوفان فيحصر فيها الإضافات أو العبارات الساقطة في نص محقق، ويكتبان هكذا [] ويسميان القوسان الركنيان، ويوضع بينها الزيادات التي تضاف إلى كلام مقتبس. جـ- علامات الاعتراض: [-] : وهما وصلتان تحصر بينهما الجمل الاعتراضية والتفسير، وما إلى ذلك مما يفصل بين أركان الجملة الأساسية، ويمكن استخدام القوسين أيضا () بدلا من الوصلتين. ومن الجمل الاعتراضية الدعاء، والتفسير وما إلى ذلك. والأمة العربية - وقاها الله شر أعدائها - ذات تاريخ عريق. ابن خلدون - بفتح وسكون- من علماء الاجتماع المسلمين البارزين. تُوفِّىَّ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عمر يناهز ثلاثا وستين سنة. د- علامة الحذف: وهي ثلاث نقاط متوالية على السطر " ... " وتستخدم في المواضع التالية: 1- ذكر المهم من المقتبس مع إسقاط غير المهم ووضع نقط ... بدلا منه فمثلا حين تقتبس من كتاب الدكتور محمد يوسف نجم "فن المقالة" قوله "أهم ألوان المقالة ... الصورة الشخصية ... مقالة النقد الاجتماعي ... المقالة الوصفية ... إلخ". النقاط الدالة على الحذف وضعت لتشير إلى أن كلاما أسقط من هذه الفقرة المقتبسة لا يعنينا إثباته.

2- للدلالة على استقباح ذكر المحذوف. 3- للدلالة على أن هناك أمثلة كثيرة لم تذكر اكتفاء بما ذكر مثل: من أفعال الخير: إعانة الضعيف ومساعدة الفقير والتلطف مع الآخرين ... ثالثا- علامات تدل على الانفعال: أ- علامة التأثر وترسم هكذا"! ": وتوضع في آخر الجمل التي يعبر بها عن: 1- فرح: يا بشراي فزت بالجائزة! 2- حزن: واأسفاه مات صديقي! 3- تعجب: ما أجمل الكون! 4- استغاثة: الغوث العون! 5- دعاء: اللهم اغفر لنا واهدنا! ب- علامة الاستفهام وترسم هكذا"؟ ": وتوضع في نهاية كل سؤال أو استفسار أو تساؤل، وتقتضي أداء معينا يختلف فيه. 1- السؤال: من أول من ارتاد الفضاء؟ 2- الاستفسار: سافر أخوك؟ 3- التساؤل: أحقا نجحت؟ ج- علامة الاستفهام الإنكاري: علامة استفهام بعدها علامة تعجب "؟! " وتستعمل عندما نجمع في الجملة بين الاستفهام والتعجب أو الإنكار: أحزينا وقد تكللت مساعيك بالنجاح؟! أتلومني وقد أرشدتك إلى الصواب؟!

مثال لعلامات الترقيم: قال السخاوي في مقدمة "الوسيلة إلى كشف العقيلة" المخطوط بدار الكتب ما نصه: "إن الله جعل الكتابة من أجلِّ صنائع البشر وأعلاها؛ ومن أكبر منافع الأمم وأسناها. وهي حرز لا يضيع ما استودع فيه؛ وكنز لا يتغير لديه ما توعيه مما تصطفيه؛ وحافظ لا يخاف عليه النسيان؛ وناطق بالصواب من القول إذا حرَّفه اللسان، ولذلك قال "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ": "قيدوا العلم بالكتابة" وكان عمر بن عبد العزيز "رحمه الله" يصلي بالليل فإذا مرت به آية فهم منها شيئا، سلم من صلاته، وكتب في لوح أعده ليعمل به في غده.

المختصرات ورموزها الكتابية

المختصرات ورموزها الكتابية ش الشرح ص المصنف الش الشارح ض ضعيف أيض أيضا لا يخ لا يخفى الظ الظاهر مم ممنوع مم معتمد الخ إلى آخره اهـ انتهى ثنا حدثنا ثني حدثني أنا أنبأنا ح تحويل السنة في كتب الحديث رض رضي الله عنه وللدلالة على ما لامه واوا. م معروف ع موضع ج جمع ق قرية د بلد س سيبويه ح أبو حنيفة وهناك مختصرات كثيرة تدل على الأعلام المشهورين مثل: حج: ابن حجر الهيثمي م ر: محمد الرملي زي: الزيادي ... الخ.

مكتبة الإملاء

مكتبة الإملاء من الكتب المفيدة في مجال الإملاء: أولا: المفرد العلم في رسم القلم للسيد أحمد الهاشمي1 وقد تناول الكاتب في هذا الكتاب في المقدمة مبادئ علم الرسم. وتحدث عن تعريف الكتابة لغة واصطلاحا، ثم قسم الكتاب إلى ثمانية مباحث رئيسية عالج فيها؛ الهمزة بأنواها، وطرق كتابتها والألف اللينة، وما يجب فصله ووصله، والحروف الزائدة والحروف التي تحذف وحكم تاء التأنيث ونقط الياء وإهمالها، وتناول في الخاتمة الكلمات التي تحذف إشكالًا على فهم السامع. ثم أورد طائفة من الأسئلة على قواعد الإملاء المختلفة مع جملة من النصائح والإرشادات، ويتميز هذا الكتاب بكثرة الأمثلة التطبيقية. ثانيا: كتاب أصول الإملاء للدكتور عبد اللطيف محمد الخطيب2، يعتبر أوفى الكتب وأجمعها لهذا الفن. وقد نهج مؤلفه نهجا علميا قويما، وتتبع المسائل والخلافات فيها تتبعا دقيقا، وقد عكف على كتب اللغة والنحو والصرف يستشيرها في مختلف المسائل، وركز على كتب النحو إيمانا منه بأن كثيرا من قواعد الكتابة مبني على أصول نحوية، ومنهجه يقوم على ذكر القاعدة، ثم إيراد النصوص الموجودة في كتب المتقدمين مع توضيحها بالأمثلة،

_ 1 صدر عن دار القلم ببيروت، لبنان، وطبع عدة طبعات وقد نشرته المكتبة التجارية ط15 سنة 1948م. 2 صدر عن دار التراث، الكويت، سنة 1982 والطبعة الثانية سة 1986م.

ويحرص على الإشارة إلى المراجع وفق طريقة البحث العلمي المعتمدة، ويذكر الخلاف في المسائل الإملائية والرأي الراجح منها، وقد قسم المؤلف كتابه إلى مدخل وستة فصول استوعبت قضايا الإملاء الأساسية، ثم أتبع ذلك بمجموعة من الشواهد والنصوص المختارة: ثالثا: كتاب الإملاء لمؤلفه حسين والي أحد علماء الأزهر، وقد قام بضبطه وتحقيقه الأستاذ محمد الشامي، فصدره بمقدمة طويلة تتبع فيها تاريخ الكتابة والإملاء عند العرب، وتاريخ تعليم الإملاء، والاختلاف بين المشارقة والمغاربة في ترتيب الحروف، وسبب ترتيب الحروف على النسق المعروف، وتحدث عن النقط والشكل وأنواع الخط العربي، ثم عالج موضوعات الإملاء المختلفة بإسهاب ودقة، ويتميز عن كتب الإملاء المختلفة باهتمامه الواضح بالجانب التاريخي، وعنايته بموضوع الشكل "ضبط الكلمات بالحركات". راعبا: الإملاء والترقيم في الكتابة العربية للأستاذ/ عبد العليم إبراهيم، صاحب كتاب الموجه الفني لمدرس اللغة العربية، وهو كتاب متميز في حسن عرضه وأمثلته، صدر عن مكتبة غريب بالقاهرة سنة 1975م. خامسا: قواعد الإملاء للدكتور/ عبد السلام هارون المحقق المعروف، ويتميز ببساطته وإيجازه، فهو كتاب صغير الحجم، ولكنه عالج أهم مشكلات الإملاء مع أمثلة عصرية، وهو موجز ومختصر ومفيد، صدر عن مكتبة الأمل "ط2" سنة 1967م. وصدر أيضا عن مكتبة الخانجي بمصر. سادسا: نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم/ لمصطفى عناني، وهو من الكتب المبكرة في هذا الميدان، صدر عن مطبعة حجازي بالقاهرة سنة 1937م. سابعا: الإملاء الفريد/ لنعوم جرجيس زرازير، صدر عن مطابع النجف "الطبعة الخامسة" سنة 1973م.

ثامنا: سراج الكتبة وشرح تحفة الأحبة في رسم الحروف العربية/ للشيخ مصطفى طحوم، نشرته دار البصائر بدمشق، الطبعة الثانية سنة 1980م. تاسعا: ومن الكتب الحديثة المتميزة كتاب: المرشد في الإملاء للدكتور/ محمود شاكر سعيد، صدر عن مكتبة الأديب بالرياض سنة 1987م، وقد عالج المؤلف في هذا الكتاب قضايا الإملاء بأسلوب سهل موجز، أورد جداول ورسومات يسهل مراجعتها، افتتح كتابه ببحث علامات الترقيم مع أمثلة مُجَدْوَلةٍ، وأتبع مباحث الكتاب المختلفة بفوائد إضافية، ففي حديثه عن علامات الترقيم أورد في الفائدة التي ذيل بها البحث تنبيها إلى ضرورة ترك فراغ في أول الفقرة، وأوضح طريقة التمييز بين همزة القطع وهمزة الوصل بوضع واو قبل نطق الكلمة المبدوءة بالهمزة، وقد انفرد هذا الكتاب ببحث مشكلة الضاد والظاء، ووضح كيفية نطق الضاد، وقد أورد قائمة بالكلمات التي تحتوي على حرف الظاء في القرآن الكريم، ودوَّن منظومة محمد الجزري الشافعي التي تتضمن هذه الكلمات في عشرة أبيات، وسرد عددا كبيرا من الكلمات التي تحتوي على حرف الضاد. وخلا هذا الكتاب من التدريبات، وقد علل المؤلف ذلك بأنه أفرد كتابا كاملا لهذه التدريبات تحت عنوان "القضايا الإملائية وطرائق تدريبها في المرحلة الابتدائية" ويعتبر كتاب المرشد من أفضل الكتب التي ألفت في هذا المجال. ومن كتب الإملاء الحديثة أيضا: عاشرا: تعلم الإملاء بنفسك للدكتور/ محمد علي الخولي، صدر عن دار العلوم بالرياض، سنة 1403هـ وقد حفل بالأمثلة والتمرينات، وعالج مسائل الإملاء، ببساطة وسهولة.

الحادي عشر: تعلم الإملاء وتعليمه للدكتور/ نايف معروف، صدر عن دار النفائس ببيروت سنة 1984م. الثاني عشر: دليل الإعراب والإملاء لأحمد أبو سعد وحسين شرارة، صدر عن دار العلوم للملايين، بيروت "في طبعته الثامنة 1985". الثالث عشر: دليل الإملاء/ فتحي الخولي، ط5، جدة سنة 1402هـ. الرابع عشر: علم الإملاء/ أحمد عبد الجواد، دار الفكر، دمشق سنة 1982م. الخامس عشر: الهداية إلى ضوابط الكتابة/ إبراهيم عبد المطلب: الطبعة السابعة شركة مركز كتب الشرق الأوسط، القاهرة سنة 1972م. المرجع الأساس في علامات الترقيم: الترقيم وعلاماته في اللغة العربية - أحمد زكي باشا. قدم له عبد الرحمن بن إبراهيم بن فوده، صدر عن دار الأندلس للنشر والتوزيع بجدة، طبع للمرة الأولى بالمطابع الأميرية بمصر 1330هـ الموافق 1912م، وطبع في مكتبة التوعية مصر 1408هـ 1988م. استعرض محقق الكتاب في المقدمة تاريخ علامات الترقيم بشكل واف، ثم تحدث عن مؤلف الكتاب، أما المؤلف فقد قسم الكتاب إلى قسمين: في الأول تحدث عن القواعد اللازم مراعاتها في استعمال علامات الترقيم، فأشار إلى قواعد الفصل مبيِّنا أن الكلام العربي من حيث الترقيم ينقسم إلى قسمين كبيرين: القطع، والوقف. فأما القطع فهو فصل العبارات التي يتألف من مجموعها غرض خاص عن عبارات غرض آخر مثله تاما مميزا في فقرات، وأما الوقف فهو ثلاثة أقسام هي: الوقف الناقص والوقف الكافي والوقف التام "عند الشولة والشولة المنقوطة والنقطة بالترتيب".

ثم تحدث عن الوصل بين أجزاء الكلام، وعن العلامات التي تحدد النبرات الصوتية وتميز بين الأغراض الكلامية وتحدث عن مزايا الترقيم، وأتى بأمثلة جامعة من أمهات الكتب. أما القسم الثاني فقد تحدث فيه عن الاصطلاحات الشائعة في كيفية رسم بعض الحروف، ووضع الحركات واختزال بعض الكلمات والجمل الدعائية الشائعة الاستعمال.

أنماط التحرير

أنماط التحرير الكتابة الوظيفية (الإجرائية) التلخيص* ما المقصود بالتلخيص: التلخيص يعني التعبير عن الأفكار الأساسية للموضوع في كلمات قليلة دون إخلال بالمضمون أو إبهام في الصياغة، وتتفاوت نسبة طول الملخص إلى الموضوع الأصلي وفقًا لدرجة تكثيف هذا الموضوع، فقد يكون الأصل مركزًا موجزًا لا تستطيع أن تختصره كثيرًا، وقد يكون حافلًا بالتكرار مستفيضًا بالأمثلة والشروح يمكن تلخيصه في سطور قليلة. أهمية التلخيص: تتمثل أهمية التلخيص في عدة مجالات: أولًا- تعويد القارئ على الاستيعاب والتركيز، وترويض ملكته الذهنية على التقاط العناصر المهمة للموضوع في عصر تعددت فيه مجالات المعرفة، وغزرت مصادرها، وتعويد الطالب على المتابعة الدؤوب لما يستمع إليه من محاضرات، وبلورة الأفكار الرئيسية للاستفادة منها. ثانيًا- التلخيص تدريب عملي على الكتابة، وصياغة المفاهيم، واستكشاف الأسلوب الخاص المتميز، كما أن التلخيص استرجاع منظم للمعلومات التي اختزنها القارئ واختبار لمقدرته الاستيعابية، وتنمية لخبراته الكتابية. ثالثًا- التلخيص ضررة حياتية لاستثمار الوقت وادخار الطاقة، ووسيلة عملية مهمة في مجالات التحرير المختلفة، سواء في الكتابة الرسمية التي تقتضي أقصى قدرة على الاقتضاب والوصول إلى لب الموضوع أو التحرير الإبداعي الذي يستلزم قدرًا من العمق والتركيز.

_ * لخص: لخصًا كان جفن عينه الأعلى لحيمًا لخص الكلام اختصره، بيَّنه وقرَّبه، وهو مأخوذ من اللخص كأنه اللحم الخالص إذا أبرز.

خطوات التلخيص:- أولًا- القراءة الاستكشافية للموضوع الأصلي، ونعني بها القراءة التي تعمل على تبيُّن الأفكار الرئيسية، لذا ينبغي أن يقوم القارئ بوضع خط بالقلم الرصاص تحت السطور المهمة. ثانيًا- القراءة الاستيضاحية، وفيها يقوم الكاتب بمراجعة لما قرأ، وبتسجيل المضامين الأساسية على شكل نقاط في ورقة جانبية. ثالثًا- يعيد القارئ صياغة هذه النقاط في شكل فقرات بأسلوبه الخاص محافظًا على التسلسل الطبيعي لها في الأصل، وفق تصميم ذهني أولي يقوم بإعداد صورته قبل الشروع في الكتابة، ويمكن لكاتب التلخيص الاستغناء عن الاستعانة بما كتبه من ملاحظات وإرشادات إذا أيقن أنه استطاع تمثل الموضوع المراد تلخيصه على نحو جيد. مبادئ أساسية يجب أن تراعى في التلخيص: أولًا- البعد عن التعديل والتحريف في المادة الملخصة بما يشوه الأصل، أو يغير المعنى، أو يحمله ما لا يحتمل من استنتاجات وتأويلات. ثانيًا- القدرة على التمييز بين الرئيسي والثانوي، حيث ينبغي أن يكون وضع الأفكار وفقًا لمراتب ثلاث: الأهم فالمهم فالأقل أهمية. ثالثًا- يجب التخلُّص من الاستطرادات والهوامش والأمثلة المتعددة، ولا يعني هذا حذف جميع الأمثلة لأن؛ بعضها لا يمكن فهم النص بدونه، وكذلك الهوامش التي يمكن اختصارها، وإدماجها في النص الملخص. رابعًا- لا يعني التلخيص تجاهل الإشارات إلى المراجع والأصول التي استعان بها النص الأصلي، وأثبتها في متن النص، ولكن ذلك في حدود الضرورة القصوى.

تلخيص الفقرة: يمكن تلخيص الفقرة عن طريق الاكتفاء بالجملة الرئيسية إذا كان هذا التلخيص يتم في إطار الموضوع ككل؛ أما إذا كان التلخيص مقتصرًا على الفقرة ذاتها، وكانت طويلة فيمكن الاستعانة ببعض الجمل الداعمة كالآتي: مثال تطبيقي: الفقرة المراد تلخيصها "من مقالة للدكتور إبراهيم مدكور" تحت عنوان "الفكر واللغة": "إذا تأملنا الفكر واللغة، وجدنا أن كل واحد منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به؛ فاللغة في نشأتها تخضع إلى مدى بعيد للنشاط الذهني، والميول، والاتجاهات النفسية. وما لغة الأطفال إلا حركات وإشارات، تبعث عليها غرائز واستعدادات، فيدفع الطفل يده إلى الأمام مشيرًا إلى التقدم أو إلى الخلف مشيرًا إلى التراجع، وكل تلك حركات تعبر عن انفعالات وأخيلته، ولا تلبث هذه الحركات أن تتحول إلى إشارات، والإشارات إلى أصوات، والأصوات إلى ألفاظ، وهكذا نشأت اللغة في تدرجها الطبيعي، وتقوم على أساس سيكولوجي". لتلخيص هذه الفقرة لا بد أن نبحث أولًا عن الجملة الرئيسية التي تعتبر محورًا، والتي يمكن أن تصلح عنوانًا لها. والجملة الرئيسية هي: الفكر واللغة، كل واحد منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به. ومن الواضح أننا قمنا بتأليف أجزائها؛ فليس شرطًا أن تكون موجودة في الفقرة نصًا. بعد ذلك نلتقط من الجمل قدرًا يعين على فهمها، ويهمنا هنا تحول الحركات إلى إشارات ثم أصوات وفقًا لدوافع نفسية، ونعيد صياغة الفقرة على النحو التالي: التأثير بين الفكر واللغة متبادل بينهما؛ فمن تَتَبُّعِنا لحركة الأطفال المحكومة بأفكارهم واتجاهاتهم يتضح لنا أن الحركة تتحول إلى إشارة ثم صوت ثم لفظة، ثم جملة، فتنشأ اللغة على أساس نفسي وتدرج ملحوظ.

تلخيص المقالة: أولًا: تحذف الفقرات التي لا تتضمن أفكارًا ذات قيمة. ثانيًا: تلخص الفقرات الباقية وفقًا لما سبق أن تحدثنا عنه في تلخيص الفقرة. ثالثًا: تدمج بعض الفقرات معًا إذا أمكن ذلك. رابعًا: تعاد الصياغة وفقًا للصورة الجديدة مع المحافظة على التسلسل الأصلي.

الرأي والعقيدة نموذج لتلخيص المقال: أولًا- المقال: فرق كبير بين أن ترى الرأي وأن تعتقده، إذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك، وإذا اعتقدته جرى في دمك، وسرى في مخ عظامك، وتغلغل إلى أعماق قلبك. وذو الرأي فيلسوف، يقول إني أرى الرأي صوابًا، وقد يكون في الواقع باطلًا، وهذا ما قامت الأدلة عليه اليوم، وقد تقوم الأدلة على عكسه غدًا، وقد أكون مخطئًا فيه وقد أكون مصيبًا، أما ذو العقيدة فجازم بات لا شك عنده ولا ظن، عقديته هي الحق لا محالة، هي الحق اليوم، وهي الحق غدًا، خرجت عن أن تكون مجالًا للدليل وسمت عن معترك الشكوك والظنون. ذو الرأي فاتر أو بارد، إن تحقق من رأي؛ ابتسم ابتسامة هادئة رزينة، وإن لم يتحقق ما رأى؛ فلا بأس، فقد احترز من قبل بأن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب، وذو العقيدة حار متحمس لا يهدأ إلا إذا حقق عقيدته كيف يعمل لها ويدعو إليها، وهو طلق المحيا، مشرق الجبين، إذا أدرك غايته أو قارب بغيته. ذو الرأي سهل أن يتحول ويتحور، هو عبد الدليل أو عبد المصلحة تظهر في شكل دليل، أما ذو العقيدة فخير مظهر، له ما قاله رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ": "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته". وكما يتجلى في دعاء: "اللهم إيمانًا كإيمان العجائز".

_ 1 من كتاب فيض الخاطر لأحمد أمين.

لقد رووا عن سقراط أنه قال: "إن الفضيلة هي المعرفة". وناقشوه في رأيه وأبانوا خطأه، واستدلوا بأن العلم قد يكون في ناحية والعمل في ناحية، وكثيرًا ما رأينا أعرف الناس بمضار الخمر شاربها، وبمضار القمار لاعبه، ولكن لو قال سقراط أن الفضيلة هي العقيدة، لم أعرف وجهًا للرد عليه، فالعقيدة تستتبع العمل على دفعها لا محالة - قد ترى أن الكرم فضيلة ثم تبخل، والشجاعة خير ثم تجبن، ولكن محال أن تؤمن بالشجاعة والكرم، ثم تجبن أو تبخل. العقيدة حق مشاع بين الناس على السواء، تجدها في السذج وفي الأوساط وفي الفلاسفة، وما الرأي إلا للخاصة الذين يعرفون الدليل وأنواعه والقياس وأشكاله، والناس يسيرون في الحياة بعقيدتهم، أكثر مما يسيرون بآرائهم، والمؤمن يرى بعقيدته ما لا يرى الباحث برأيه، قد منح المؤمن من الحواس الباطنة والذوق ما قصر عن إدراكه القياس والدليل. لقد ضل من طلب الإيمان بعلم الكلام وحججه وبراهينه؛ فنتيجة ذلك كله عواصف في الدماغ أقصى أن تنتج رأيًا، أما الإيمان والعقيدة فموطنها القلب، ورسائلها مد خيوط بين الأشجار والأزهار والبحار والأنهار وبين قلب الإنسان، ومن أجل هذا كانت: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:19،18،17] . أفعل في الإيمان من قولهم "العلم متغير وكل متغير حادث" فالأول عقيدة، والثاني رأي. الناس إنما يخضعون لذي العقيدة، وليس ذوو الرأي إلا ثرثارين، عنوا بظواهر الحجج أكثر مما عنوا بالواقع، لا يزالون يتجادلون في آرائهم حتى يأتي ذو العقيدة فيكتسحهم. قد يجود الرأي، وقد ينفع، وقد ينير الظلام، وقد يظهر الصواب؛ ولكن لا قيمة لذلك كله ما لم تدعمه العقيدة، وقلَّ أن تؤتي أمة من نقص الرأي ولكن

أكثر ما تؤتي من ضعف في العقيدة، بل قد تؤتي من قبل كثرة الآراء أكثر ما تؤتي من قلتها. الرأي جثة هامدة، لا حياة لها ما لم تنفخ فيها العقيدة من روحها، والرأي كهف مظلم لا ينير حتى تلقي عليه العقيدة من أشعتها، والرأي مستنقع راكد يبيض فوقه البعوض، والعقيدة بحر زاخر لا يسمح للهوام الوضيعة أن تتولد على سطحه، والرأي سديم يتكون، والعقيدة نجم يتألق، ذو الرأي يخضع للظالم وللقوي لأنه؛ يرى أن للظالم والقوي رأيًا كرأيه، ولكن ذا العقيدة يأبى الضيم ويمقت الظلم لأنه؛ يؤمن أن ما يعتقده من عدل وإباء هو الحق ولا حق غيره. من العقيدة ينبثق نور باطني يضيء جوانب النفس، ويبعث فيها القوة والحياة، يستعذب صاحبها العذاب، ويستصغر العظائم، ويستخف بالأهوال، وما المصلحون الصادقون في كل أمة إلا أصحاب العقائد فيها. الرأي يخلق المصاعب، ويضع العقبات، ويصغي لأماني الجسد، ويثير الشبهات، ويبعث التردد، والعقيدة تقتحم الأخطار وتزلزل الجبال وتلفت وجه الدهر، وتغير سير التاريخ، وتنسف الشك والتردد، وتبعث الحزم واليقين، ولا تسمح إلا لمراد الروح. ليس ينقص الشرق لنهوضه رأي، ولكن تنقصه العقيدة؟ فلو منح الشرق عظماء يعتقدون ما يقولون لتغير وجهه وحال حاله وأصبح شيئًا آخر. وبعد، فهل حرم الإيمان مهبط الوحي؟

خطوات ثانيًا- تلخيص المقال السابق: في المقال المنشور في الصفحات السابقة للدكتور أحمد أمين تحت عنوان "الرأي والعقيدة" مقدمة في فقرة واحدة عن حقيقة هامة وتقرر وجود فرق بين الرأي والعقيدة يمكن تلخيصها في جملة واحدة، ثم تتوالى فقرات العرض حيث تقوم على التوازن بين الرأي والعقيدة على النحو التالي: الفقرة الأولى: ذو العقيدة جازم أما صاحب الرأي فمتردد. الفقرة الثانية: ذو العقيدة حار متحمس وصاحب الرأي فاتر. الفقرة الثالثة: ذو العقيدة لا يتغير فهو ثابت. أما صاحب الرأي فمتغير. الفقرة الرابعة: مناقشة آراء سقراط. الفقرة الخامسة: العقيدة عامة شاملة والرأي خاص بالصفوة من الفلاسفة والمفكرين. الفقرة السادسة: لا قيمة للرأي دون عقيدة. الفقرة السابعة: الإيمان لا يطلب بعلم الكلام والحجج بل بالتأمل والاستغراق. الفقرة الثامنة: العقيدة حيوية متحفزة والرأي ساكن هامد. الفقرة التاسعة: العقيدة تنير النفس، والرأي ذو طابع حسي عقلي. الخاتمة: حاجة الشرق إلى عقيدة تنقذه مما هو فيه.

ثالثًا- الملخص: هناك فرق بين الرأي والعقيدة، فصاحب الرأي متردد من فاتر متغير، أما ذو العقيدة فجازم حار متحمس ثابت لا يتغير، والعقيدة عامة شاملة، أما الرأي فخاص بالصفوة من الفلاسفة والمفكرين ولا قيمة للرأي دون عقيدة. الإيمان لا يطلب بعلم الكلام وبالحجج المنطقية بل بالتأمل والشفافية الروحية بعكس الرأي، والعقيدة حيوية متحفزة تنير النفس، وحاجة الشرق إليها عظيمة، وما أتي الشرق إلا لكثرة الآراء وتشعبها.

تلخيص الكتاب نموذج تطبيقي: المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها1 للدكتور عبد الرحمن عميرة. نبدأ أولًا بقراءة الكتاب قراءة مستوعبة، ثم نتبين المحاور الرئيسية والفرعية مع إحكام الربط بينهما على النحو التالي: المقدمة: وتتضمن تحديدًا للخطة العامة للكتاب، تتركز حول الموضوعات التالية: الماسونية والوجودية والبهائية والقاديانية ودورها في تخريب العقيدة الإسلامية، والكيد للمسلمين. الأبواب الرئيسية: أولًا-الماوسنية: الماسونية تعني البنَّائين الأحرار، وقد تحدث الكاتب عنها تحت اثني عشر عنوانًا فوضح معناها، وكشف حقيقتها والتناقض بين ظاهرها وباطنها، وسبب تسميتها بالقوة الخفية معتمدًا على عدة مراجع أساسية للدكتور محمد علي الزغبي "حقيقة الماسونية"، ولوليام كار "أحجار على رقعة الشطرنج"، ولأحمد عبد الغفور عطار "المساونية". ويستشهد بأقوال العديد من الكتاب والمؤرخين وينتهي إلى شهادة الدكتور الحاخام "لاكوايز" التي يؤكد فيها أن الماسونية مؤسسة يهودية في تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات

_ 1 صدر عن دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، ط2 سنة 1979م.

السر فيها وفي إيضاحاتها. يتحدث بعد ذلك عن نشأة الماسونية مرجحًا أنها نشأت في بداية القرن الأول الميلادي عندما كان حاخامات اليهودية يتنبؤون بقرب ظهور نبي جديد، ويرى أن الماسونية القديمة وراء شتات المسلمين وفرقتهم، فكعب الأحبار اليهودي وراء الفتنة التي تفجر فيها الخلاف حول الظاهر والباطن، والجبر والاختيار. أما الماسونية الحديثة فقد نشأت عام 1770م، وهو التاريخ الذي قام فيه كبار رجال الماسونية بالاتصال بآدم وآيزهاويت المرتد عن الدين المسيحي، وكلفوه بمراجعة بروتوكلات حكماء صهيون القديمة، وإعادة تنظيمها على أسس حديثة، فوضع مخططًا قائما على المرتكزات التالية: 1- تدمير الحكومات الشرعية وتقويض الأديان السماوية. 2- إثارة المشكلات التي من شأنها بذر الفتنة بين صفوف غير اليهود "الجوييم". 3- إثارة الفتن الطائفية والعرقية، وتقويض الدعائم الأخلاقية والدينية والمادية في بلدان العالم، وقام إثر ذلك بتنظيم المحفل النوراني نسبة إلى الشيطان، ووضع مخططًا لتحقيق الأهداف سالفة الذكر تتمثل في استعمال الرشوة بالمال والجنس، واقتناص المتفوقين عقليًا، والسيطرة على أجهزة الدعاية، والصحافة ثم تأسيس عشرين مجلسًا يختص كل مركز بمنطقة معينة تغطي الكرة الأرضية بكاملها. ووضح الكاتب علاقة الماسونية بالأديان عامة، واليهودية على نحو خاص، وخلص إلى أن الماسونية عملت على تجريد أعضائها من دياناتهم قبل الانضمام إلى المحافل الماسونية. ثم يتحدث عن الماسونية والمرأة واستغلالها بإشهار سلاح الجنس في وجه الآخرين حيث قام "ليون بلوم" أحد زعماء الماسونية بتأليف كتاب أسماه

"الزواج" فطبع منه ملايين النسخ ونشره في أنحاء المعمورة، وهو يعتبر من أقذر كتب الجنس، حيث يقوم على دعوة الشباب لإشباع غرائزهم الجنسية دون قيود، وعلى تهوين أمر العلاقات الزوجية، والسخرية من الأديان والرسل، والتنفير من الحمل والولادة والتربية. يتحدث الكاتب بعد ذلك عن مصادر الفكر الماسوني؛ فيقرر أن التلمود هو أهم مصادر الفكر الماسوني، فالتلمود هو الكتاب الذي يحتوي على التعاليم اليهودية. ثم يستعرض دور الماسونية في إسقاط الحكومات الشرعية، وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية من البلاد المختلفة، كما حصل في فرنسا؛ حيث استطاعت الماسونية تدبير أمر الثورة على لويس السادس عشر عن طريق الشباك التي أوقعوا فيها ميرابو وأورليان ابن عم الملك ثم تخلصت منهما معًا، وكذلك فعلت بحكومة اسكويت الذي رفض التعاون مع اليهود، ومهدت الطريق أمام تشرشل للاستيلاء على الحكم. وهكذا يمكن السير في تلخيص سائر أبوب الكتاب، فمن خلال السطور السابقة الذكر التي تناولت أهم الأفكار في باب الماسونية أمكن تلخيص ما يزيد على مائة صفحة..

التقرير

التقرير ما هو التقرير؟ ضرب من ضروب الكتابة الوظيفية يتضمن قدرًا من الحقائق والمعلومات حول موضوع معين، أو شخص معين، أو حالة معينة، بناء على طلب محدد، أو وفقًا لغرض مقصود. والتقرير لغة: يعني السكينة، قررت بمعنى سكنت، وقرارة القدر ما استقر في القدر بعد إفراغه من محتوياته، ومن معنى الإفراغ، قر الكلام بمعنى فرغه وصبه في أذن السامع، ومن معنى الإيضاح والتبين، تقول أقررت الكلام لفلان بمعنى بينته حتى عرفه كما ورد في لسان العرب لابن منظور1. وهذه المعاني اللغوية الثلاثة ترتبط بالمعنى الاصطلاحي، فمن شأن التقرير أن يفرغ الحقائق والمعلومات بهدوء، وسكينة ويوضحها توضيحًا. مجالات التقرير: والتقرير يتسع ليشمل مناحي مختلفة من الحياة -كما أسلفنا في التعريف السابق- فهو إما أن يتحدث عن موضوع، وهذا الموضوع قد يكون علميًا أو إداريًا أو تاريخيًا أو اجتماعيًا ... إلخ، أو يتناول حالة معينة، وهي إما أن تكون حالة مرضية أو قانونية أو ظاهرة علمية فلسفية......إلخ، أو شخص معين قد يكون موظفًا أو عالمًا أو زعيمًا أو قائدًا؛ فالتقرير يغطي أوجه الحياة المختلفة. الغرض من التقرير: وقد يكتب التقرير بناء على طلب لجهة مسئولة، وهنا ينبغي أن تكون

_ 1 لسان العرب لابن منظور مادة قرَّ.

المعلومات بقدر الطلب، وإجابات لأسئلة محددة، وقد يقصد بالتقرير إثبات وضعية معينة درءًا لشهبة أو تأكيدًا لواقعة، أو بيانًا لإنجاز، أو توثيقًا لحادثة معينة. كيف يكتب التقرير؟ أولًا: ينبغي أن يحدد كاتب التقرير المحاور الأساسية له وفقًا للغرض المقصود من هذا التقرير، وبناء على الطلب المقدم من الجهة التي تطلب التقرير. ثانيًا: لا بد من ترتيب المعلومات بعد جمعها وإحصائها والتحقق من صحتها وتصنيفها تصنيفًا موضوعيًا ثم تحليلها إذا كان هذا التحليل وما يبنى عليه من نتائج مطلوبًا. ثالثًا: عند الشروع في كتابة التقرير لا بد من مدخل أو تمهيد يحدد المنطلقات والمبادئ والمصادر التي اعتمد عليها كاتب التقرير طبقًا لأهميتها وتوثيقها. رابعًا: التقرير عبارة عن عرض لحقائق الموقف، ولذلك لا بد من توخي الدقة والموضوعية، ولا بد من التحقق من صحة وسلامة هذه الحقائق. نموذج تطبيقي: تقرير عن سير الدراسة في مدرسة ثانوية: أولًا: تحدد المحاور الأساسية للتقرير على النحو التالي: أ- الإدارة ودورها في ضبط النظام في داخل المدرسة. ب- هيئة التدريس ودرجة كفاءتها. ج- الطرق التربوية المتبعة في المدرسة. د- الطلاب ومستوى تحصيلهم العلمي. و الأنشطة المدرسية ونوعها ومدى خدمتها للمنهج.

ثانيًا: ترتيب المعلومات بعد جمعها وتصنيفها: أ- فيما يتعلق بالإدارة يتحدث التقرير عن الجهاز الإداري وعدد أفراده، والمهام المنوطة بهم، وقيامهم بهذه المهام كإعداد الجدول الدراسي وفقًا للنظام، والإشراف الطلابي والتربوي، وتنفيذ التعليمات الإدارية الخاصة بالغياب والحضور والإجازات، وترتيب الأرشيف وما إلى ذلك. ب- يتناول الحقائق المتعلقة بالأساتذة وفقًا للمواد التى يدرسونها وكفاءتهم العلمية، شهاداتهم وخبراتهم وتقارير الموجهين عنهم ومدى قدرة كل منهم على إدارة الفصل، والمشاكل، التى يواجهونها. ج- مدى استخدام المناهج التربوية الحديثة، والاستعانة بوسائل الإيضاح وإعدادها، والمختبرات المدرسية وكيفية استخدامها، ثم مدى التزام المدرسين بالطريقة الاستنتاجية أو الإلقائية، والواجبات المنزلية وما إلى ذلك. د- المعلومات المتعلقة بتحصيل الطلاب العلمي من خلال الاطلاع المباشر بمناقشتهم في مختلف المواد، والاطلاع على كراساتهم، وتدوين الحقائق المتعلقة بذلك، وتصنيف هذه المستويات حسب سلم مدروس. هـ- فحص النتائج الفصلية والنهائية، ورصد درجة التقدم، واعتماد الرسم القياسي لقياس النسبة. و الاطلاع على أوجه النشاط المختلفة في المدرسة، وتصنيفها إلى أنشطة ثقافية وفنية ورياضية واجتماعية، واستعراض المنجزات التي تحققت في هذه المجالات. ثالثًا: في المدخل تحدد المنطلقات الأساسية على النحو التالي:

1- رصد الإيجابيات والسلبيات لتنمية الجانب الإيجابي وتلافي الثغرات. 2- الاستفادة من الخبرات والإنجازات التي تحققت لتعميمها على بقية المدارس. 3- التحقق من مدى استفادة المدرسة من الإمكانات المتاحة لديها. 4- تأكيد الحرص على استقاء المعلومات مباشرة من مصادرها الأساسية، وعن طريق السجلات والوثائق، والاتصال الشخصي، والمنهج الإحصائي.

الرسالة

الرسالة مدخل: الرسالة فن عربي قديم ما زال له دوره وأهميته، والرسائل نوعان: شخصية أو إخوانية كما كانت تسمى، ورسمية أو ديوانية، وقد كان للرسائل الديوانية تقليدها ورسومها، وقد عبرت الرسالة الديوانية عند ظهورها عن انعاطفة هامة في تاريخ النثر العربي، ليس هذا فحسب بل أدت إلى ظهور طبقة من الكتاب، نهضت بهذا الفن مثل: عبد الحميد الكاتب الذي يعد بحق صاحب نهج جديد في الكتابة النثرية العربية، إذ يقال بدأت الكتابة بعبد الحميد وانتهت بابن العميد. وقد احتوى كتاب جمهرة رسائل العرب1 على طائفة من الرسائل في مختلف العصور. وتبدو فيه التقاليد الفنية التي تَرَسَّمها المنشئون في هذا الميدان. والرسائل الشخصية تعالج موضعات متعددة كالتهنئة والتعزية والدعوة، ويختلف الأسلوب في هذا النوع من الرسائل من مناسبة إلى أخرى، ففي رسائل التهنئة يعمد الكاتب إلى شيء من الإطناب لأنه؛ مقام الحديث فيه مستحب، أما رسائل التعزية، فالإيجاز فيها مطلوب لأنه موقف يقتضي الاقتضاب والبعد عن الإسهاب. التعريف: ويطلق على فن الرسالة المكاتبات، وتعرف المكاتبة بأنها مخاطبة الغائب

_ 1 أحمد زكي صفوت: جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهية، مكتبة مصطفى الحلبي، القاهرة ط1971م. ويقع الكتاب في أربعة مجلدات يحتوي الأول منها على رسائل العصر الجاهلي وصدر الإسلام، والثاني على رسائل العصر الأموي، والثالث والرابع يختصان برسائل العصر العباسي الأول.

بلسان القلم، ويجب أن يراعى فيها أحوال الكاتب والمكتوب إليه، ونوع العلاقة بينهما، وقد تنبه إلى ذلك القدماء وأوصوا به. مقومات الرسالة: يقول إبراهيم بن محمد الشيباني: إذا احتجت إلى مخاطبة أعيان الناس وأوساطهم أو سوقتهم فخاطب على قدر أبهته وجلالته، وعلو مكانته وانتباهه، وفطنته ولكل طبقة من هذه الطبقات معدن ومذاهب يجب عليك أن ترعاها في مراسلتك، فلا تكتب لمن أصيب في ماله أو في عياله كما تكتب لمن فرغ ووفر ماله1. وقد اشترط في الرسالة الخاصة أن تحتوي على خمس خواص وهي: - السذاجة: التي تجعل الكلام بعيدًا عن التكلف والزخرفة والبهرجة المفتعلة. - الجلاء: "الوضوح" حيث يخلو الكلام من الغموض والتعقيد فيتصف بالوضوح. - الإيجاز: ويعني خلو الكلام من الحشو والتطويل. - الملاءمة: أي التناسب بين الكلام ومنزلة المرسل إليه. - الطلاوة: والمقصود بها العذوبة وجودة العبارة وسلامة المعنى وسلاسة القول. أنواع الرسائل: 1- الرسائل الخاصة2: منها ما هو متبادل بين الأقارب والأصدقاء

_ 1 السيد أحمد الهاشمي: جواهر الأدب في أبيات وإنشاء لغة العرب، منشورات مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان "د. ت" ص44. 2 وكان يطلق عليها الرسائل الإخوانية وهي التي تعبر عن أغراض الاعتذار والعتاب والتهنئة والتعزية، وكانت تتضمن طريف المعاني وبديع الصيغ، كما في رسالة محمد بن زياد الحارثي في الشكر.

وتسمى بالرسائل الأهلية، ومنها ينطلق الكاتب بحرية تامة معبرًا عما في نفسه، فيبسط الكلام دون قيود أو تكلف، ومن أنواعها: رسائل الشوق، والتعرف قبل اللقاء، الهدايا، والاستعطاف. 2- الرسائل الأدبية1: أما النوع الثاني فهو الرسائل الأدبية، وهو الذي عمدنا إلى إيراد نموذج له، وهذ النوع من الرسائل يكون عادة متبادلًا بين الأدباء، ولا يخلو من بحث قضية أدبية أو الإشارة إلى مسألة نقدية أو علمية، وقد يكون هذا النوع مقصورًا على تبادل المشاعر الودية. 3- الرسائل الرسمية2: أما الرسائل الرسمية فهي أنواع مختلفة، منها ما يسمى بالرسالة الإدارية، ومنها رسائل المناسبات، وكان لها في القديم رسوم وقواعد أتى على ذكرها القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى"3 ومنها: براعة الاستهلال أي: الإيحاء في بداية الرسالة بموضوعها، فإذا كانت في التهنئة أتى في المقدمة بما يدل على أنها في هذا الموضوع. ومنها مراعاة مواقع آيات القرآن الكريم، وأبيات الشعر وغيرها من الاستشهادات، وقد أرشد إلى ضرورة وجود مقدمة تخدم الموضوع، إذا كانت الرسالة في المقاصد الجليلة أي: ذات الخطر، أما الموضوعات العادية فلا ضرورة للمقدمات فيها، وقد عني الأدباء والموظفون من أسلافنا بالإشارة إلى ما يجوز فيه4 الكتابة وما لا يجوز. كيف تكتب الرسالة؟ فيما يتعلق بالرسائل الخاصة فإنه ليس ثمة قواعد وأصول يجب اتباعها

_ 1 وكان من أغراضها التفكه والترويح عن النفس، أو الوداد والمحبة بشكل عام كما في رسالة يحيى بن زياد، وفي الرد على ابن المقفع. 2 وكانت تسمى الرسائل الديوانية. 3 الجزء السادس ص 276. 4 ابن عبد ربه: العقد الفريد 2-2114/213.

سوى ما أصبح متعارفًا عليه من استهلال الرسالة بالتحية وإبراز المشاعر الخالصة بعبارة رقيقة مصقولة، ثم تناول الموضوع بعرض بسيط ولغة سهلة مهذبة، وحسن التخلص بين أجزاء الرسالة وصولًا إلى الخاتمة، التي يجب أن تكون مؤثرة، ويشترط أن يكون الأسلوب في الرسالة الخاصة بعيدًا عن التكلف، يهدف إلى عقد أواصر الثقة بين الكاتب والمكتوب إليه، وأن يقترب الكاتب من مطلوبه بتلطف ومودة بعيدًا عن اصطناع الحيلة الممقوتة. أما الرسالة الرسمية فتختلف في طريقة كتابتها باختلاف نوعها، فهناك ما يسمى بالرسالة الإدارية أو المعروض، وهناك الرسائل المتبادلة بين الدوائر الحكومية أو بين المسئولين، وهناك الرسائل التي يتبادلها رؤساء الدول والوزراء والزعماء، وسنتوقف عند الرسالة الإدارية؛ لأن هذا النوع من الرسائل هو ما نحتاجه أكثر في حياتنا العملية، كذلك سنتناول -إن شاء الله- الرسائل الرسمية المتبادلة بين الدوائر الحكومية. والرسالة الإدارية أنماط مختلفة، فقد تكون طلبًا لعمل، أو شكوى، أو خطابًا موجهًا إلى قاض لرفع دعوى ضد شخص معين أو إبلاغًا عن حادثة، أو تقرير واقعة معينة، أو استعطاف لتخفيف الحكم وما إلى ذلك، وقد تكون الرسائل الإدارية متضمنة أشكالًا متعددة من المعاملات التجارية، ومما لاشك فيه أن الرسائل ذات الطابع الإجارئي المحض لا تدخل في باب هذا الفن لأن؛ لها صيغها وقوالبها المعمول بها، ولها نماذجها الخاصة بها التي لا مجال فيها للابتكار أو الإبداع. لهذا كان الوقوف عند الجانب الشكلي منها هو المطلوب في هذه الحالة، أما الرسالة الإدارية الموجهة من الأشخاص أصحاب الحالات الخاصة فهي أحق بالتناول والدرس، وكلما نجح الكاتب في صياغتها صياغة موفية بالغرض كان ذلك أدعى إلى تحقيق غرضه، والوصول إلى مبتغاه. وليس من شك في أن الأصول والقواعد المتبعة في الكتابة عمومًا من ضرورة

المناسبة بين المقام بما يعنيه من أطراف وظروف "أي: المرسل إليه والغرض الذي من أجله كتبت الرسالة" وبين الأسلوب وطريقة التناول هو المطلوب مراعاته في مثل هذا النوع في المكاتبات إذ يجب: أولًا: تخير اللقب المناسب الذي يخاطب به المسئول، أو الجهة ذات الاختصاص. ثانيًا: مراعاة الجانب الشكلي المتعلق بالعنوان والتحية والابتداء، والختام، وهو في الواقع ليس شكليًا على إطلاقه، فالافتتاح بالبسملة أمر يتعلق بالسنة، وكذلك التحية الإسلامية "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، أما العنوان فيجب أن يكتب على الجهة مقابلًا للتوقيع الذي يكون على الجهة اليسرى في نهاية الخطاب. ثالثًا: مراعاة الترتيب المعتمد لأجزاء الرسالة: المقدمة والعروض والخاتمة، ويجب أن تكون المقدمة موحية بالمقصود من الرسالة في إشارات لماحة، والحرص على تهيئة المتلقي ذهنيًا ونفسيًا، بمد جسور من المودة والثقة بينه وبين الكاتب، ولا ينبغي أن تزيد المقدمة عن فقرة قصيرة. أما العرض فيفترض فيه أن يكون مركزًا بلا تطويل وإملال، بعيدًا عن التفصيل الممجوج، والتوسل المكشوف بعبارات مبتذلة، مع التركيز على الجوانب المهمة، واستبعاد الثانوي منها. والخاتمة يشترط فيها أن تترك انبطاعًا حسنًا في نفس المتلقي، إذ يخلص فيها إلى توثيق الصلة التي مهد لها في المقدمة بعبارة مختصرة مؤكدًا من طَرْف خفي أهمية الرد على الرسالة، وانشغال الكاتب بالموضوع دون استعطاف أو تذلل. ويجب أن يكون الأسلوب سهلًا سلسًا لا يخلو من نبرة وجدانية، ولكن دون تكلف، كذلك ينبغي أن يحسن الكاتب التأتي، فينفذ إلى وجدان المتلقي من المدخل المناسب الذي يروقه.

نموذج للرسالة الإدارية: بسم الله الرحمن الرحيم سعادة مدير إدارة البعثات بوزارة المعارف: المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: "والتحية" فإنه ليسعدني أن أحيطكم علما بأنني من أبنائكم المتفوقين في دراستهم، الذين يطمحون إلى خدمة وطنهم، وتلبية نداء الواجب الذي عودتمونا سعادتكم على احترامه وتوقيره، فقد حصلت على تقدير عام ممتاز في امتحان الشهادة الثانوية العامة لهذا العام.. لقد أسعفني الحظ فاطلعت على تعميمكم رقم 4/91/522 بتاريخ 89/5/4 "العرض" الذي تدعون فيه الطلبة الممتازين إلى التقدم بطلبات مشفوعة بالمؤهل العلمي لإدارة البعثات بالوزارة، واستجابة لما ورد في التعميم سالف الذكر أتقدم لسعادتكم بهذا الطلب، وقد أرفقت به صورة عن كشف الدرجات التي حصلت عليها. "الفقرة الأولى" آمل التفضل بالنظر في طلبي هذا، وإلحاقي بالت خصص الذي ترونه مناسبًا، علمًا بأن رغبتي في دراسة هندسة الكمبيوتر قوية. "الفقرة الثانية من العرض" وإنني على يقين تام بأن سعادتكم لن تدخروا وسعًا في إشعاري بما يتقرر بشأن هذا الموضوع في الوقت المناسب حتى لا تضيع علي فرصة الالتحاق بالجامعة في الموعد المحدد. "الختام" لكم خالص تحياتي واحترامي، والله يحفظكم ويرعاكم "التحية" الاسم والتوقيع: محمد عبد الله سعد العنوان: حي المنتزه/ حائل

نموذج للرسالة الأدبية: 1- الرسالة الثانية عشرة:* عزيزتي يا فدوى أنا واثق من أنك لم تنسي هذا الإنسان، الذي يكتب إليك لأنه؛ هو نفسه لم يستطع أن ينساك منذ أن قال لك ذات يوم وداعًا، وأنا واثق من أنك قد تساءلت بينك وبين نفسك عن سر انقطاعه عن القراء منذ أربعة أشهر، حيث كان يلقاهم ويلقاك على صفحات "الآداب".. ألا ما أطولها فترة مرت عليه لأنها؛ كانت حافلة بالألم والعذاب ... وما كان أقسى نهايتها بالنسبة إلى الفكر والشعور ... ؛ لأن هناك عملية جراحية خطيرة تنتظره بعد أيام.. ولم يكن هناك مفر لأنها؛ الأمل الوحيد في الخلاص من عذابه، عذاب الجسم والنفس الذي استمر أربعة أشهر وكأنها أربعة قرون طوال.. وعلى الرغم من هذا كله فإنه مايزال يحتفظ بابتسامته التي تعرفينها عنه، ولولا هذه الابتسامة لانهار كل شيء، وفقد الإيمان بكل شيء ... إن من الأشياء العزيزة عليه والتي ظل مؤمنًا بها حتى هذه اللحظة، ما كان بينك وبينه من صلات الروح.. ولهذا فقد آثر أن يكتب إليك قبل أن يضع مصيره بين يدي الجراح! لقد كتب إليك من قبل، يوم تعرض لمثل هذه المحنة، ولكن بعد أن قدرت له النجاة.. وكم كان يود أن يرجئ هذه الرسالة كما أرجأ تلك حتى لا يزعجك. ولكنه خشى أن يكون في الغيب المجهول ما لا ينتظره ويتوقعه فيحرم من لقائك ولو بين السطور والكلمات.. إنه يعتقد أن دعواتك له لن تذهب هباء؛ لأنها دعوات قلب حزين تركه منذ عام في نابلس، كما ترك دعوات قلب حزين آخر في الريف منذ أيام إنهما قلب أمه وقلبك. والقلوب الحزينة دائمًا هي أقرب ما تكون إلى الله!!

_ * من كتاب رجاء النقاش، صفحات مجهولة من الأدب العربي المعاصر.

أنا في انتظار رسالة منك تطمئنني عليك ... تشرحين لي فيها كل شيء عن حياتك منذ أن خرجت يومًا من حياتك.. أتذكرين قصيدتك "دوامة الغبار"؟ لقد بللتها اليوم بدموعي،أنا الذي لم أبك يوم أن كتبت "من الأعماق" سأحدثك عن وقعها الآن على نفسي في رسالة مقبلة، وسأحدثك كثيرًا عن أشياء كثيرة يوم أن أعود إلى الحياة وسأعود بإذن الله.. سأعود إليك مرة أخرى يا فدوى العزيزة.. ولا يهمني أن أعود إلى الأدب وإلى القراء!. أنا يا فدوى مازلت أبتسم.. وسوف أشعر أنك بجانبي، وأنا تحت مبضع الجراح.. ويكفي هذا الشعور لتزداد ابتسامتي إشراقًا، وستكونين وحدك بجانبي؛ لأنني أخفيت الخبر عن أمي وأخواتي ... وكفاهن ما لقين من أجلي.. لقد قلت لك بالأمس: وداعًا، وأقول لك اليوم: إلى اللقاء. من المخلص أنور المعداوي 1953/10/24م.

الكتابة الإبداعية

الكتابة الإبداعية فنون النثر فن كتابة القصة مدخل إلى فهم المصطلح: من المعروف أن المعنى اللغوي طريق إلى فهم المعنى الاصطلاحي؛ ولهذا لا بد من التعرف على أصل الكلمة في المعاجم اللغوية، كمنطلق ضروري لفهم مدلول هذا الفن، ثم بعد ذلك نعرض للمفهوم الاصطلاحي لدى منظري فن القصة. أولًا- المعنى اللغوي: من تتبع معنى كلمة "قصَّ" في لسان العرب يتضح لنا أن الأصل في القص هو القطع، وهو المعنى الحسي، ومعروف أن الدلالة الحسية تسبق الدلالة المعنوية، ولكنها تنبثق منها، فالقص والقصة بمعنى الخبر، والخبر يقتطع من سياق الأحداث المتصلة في الحياة لأهميته، والقص تتبع الأثر أيضًا1، وهذه المحاور الثلاثة التي أشار إليها لسان العرب تصلح منطلقًا لفهم المصطلح، فالقصة تقوم على القطع، أي: اختيار الحدث الصالح، وفصله عن سياق الأحداث الأخرى، والاختيار هو مناط الفن، ثم تتبع الأثر أي: استقصاء تفاصيله وهذه خطوة تالية ضرورية لتصوير الحدث، ثم الإخبار هو الإبلاغ، أي: عقد الصلة مع المتلقي، فالركائز الثلاث السابقة ضرورية لفن القصة. ثانيًا- المعنى الاصطلاحي: أما مصطلح القصة بالمفهوم الفني فقد ظل عائمًا، وظل الخلط بين القصة بمفهومها العام والقصة بفنونها المختلفة قائمًا، واختلطت مفاهيم القصة بالحكاية بالرواية لدى العديد من الباحثين والنقاد2، وليس من المفيد تتبع هذه

_ 1 راجع مادة "قص" في لسان العرب لابن منظور، دار المعارف بمصر، المجلد السادس ص 3651 وما بعدها. 2 لمزيد من المعلومات حول المفاهيم المختلفة لمصطلحات الفن القصصي راجع بحث عبد الرحيم محمد: أزمة المصطلح في النقد القصصي، مجلة فصول، القاهرة العدد الخاص بقضايا المصلح الأدبي، المجلد السابع العددان الثالث والرابع، سبتمبر 1987، ص 98 وما بعدها.

المفاهيم، ولكن حسبنا أن نشير إلى الشائع منها والذي تكاد تجمع الآراء حوله إذا استقر في أذهان النقاد والأدباء، وسنقف عند مصطلحين اثنين هما: القصة القصيرة والرواية. تعريف القصة القصيرة: هناك طريقان في تعريف القصة القصيرة: - أحدهما كمي أي: ينظر إلى عدد الكلمات، والمدة التي تستغرقها قراءة القصة: فهي تقرأ في مدة تتراوح بين ربع ساعة وخمسين دقيقة كما يقول الكاتب الإنجليزي هـ. ج ويلز1. وتتراوح بين نصف ساعة وساعتين كما يقول إدجار إلان بو أحد روادها ومنظريها2، وهناك من يرى أنها تتراوح بين ألف وثلاثة آلاف كلمة، وهذا التعريف الكمي لا يعتمد به؛ لأنه من الممكن أن يتوفر في القصة، ولا ينطبق عليها المطصلح، فمن المستطاع تلخيص أي رواية بحيث تصبح كلماتها قليلة، ولا تحتاج إلى وقت طويل في القراءة، ولكن المعول على الخصائص الفنية. - الثاني كيفي يشترط أن تحقق القصة القصيرة وحدة الأثر أو الانطباع، لذا لا ينبغي أن تتعدد الشخصيات والأمكنة، وألا تتفرع الحوادث وتتشعب، ومعظم التعريفات التي تحتويها كتب النقد والأدب عامة غير محددة، ولكنها تُجمِع في نهاية المطاف على وحدة الانطباع كخاصية أساسية للقصة القصيرة، وقد حاول الدكتور الطاهر أحمد مكي أن يلخص معظم هذه التعريفات في تعريف شامل، ولكنه لا ينطبق على كل أنواع القصة القصيرة فهو يقول: إنها "حكاية أدبية تدرك لتقص، قصيرة نسبيًا، ذات خطة بسيطة وحدث محوري يدور حول جانب من الحياة لا في واقعها العادي والمنطقي

_ 1 حسين القباني، فن قصة المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء، والنشر، القاهر سنة 1965م. ص11. 2 يوسف الشاروني، القصة القصيرة نظريًا وتطبيقيًا، كتاب الهلال، القاهرة سنة 1977 ص 61.

وإنما طبقًا لنظرية رمزية لا تنمي أحداثًا وبيئات وشخوصًا؛ وإنما توجز في لحظة واحدة حدثًا ذا معنى كبير"، ولكن القصة قد لا تتضمن حكاية بالمفهوم الدقيق، ولهذا لا بد من التمييز بين القصة التقليدية التي تحدَّث عنها رواد القصة القصيرة الأولى، كما هي عند "مويسان وتشيكوف" والقصة الحديثة المعاصرة التي تداخلت فيها الأنواع الأدبية المختلفة والتي ترتكز على الجانب الدرامي "الصراع"، فالقصة التي تنتمي إلى النوع الأول تتوفر فيها عناصر الحكاية والزمان والمكان، ويجاب فيها على الأسئلة التقليدية: من؟ وأين؟ ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟ وماذا؟ أما القصة الدرامية فتركز على اللحظة، وتستبطنها وتحفر رأسيًا في معطياتها، فالإيقاع بمفهومه الأشمل نفسيًا واجتماعيًا ولغويًا هو الأساس فيها. الخصائص البنائية للقصة القصيرة: لا بد أن نميز بين النوعين السابقين حين نتعرض لذكر الخصائص2 الفنية للقصة القصيرة: أولًا- القصة القصيرة التقليدية: الحدث: يجب أن تتصل تفاصيل الحدث وأجزائه في القصة بحيث تفضي إلى معنى أو أثر كلي، وأن يكون له بداية ووسط ونهاية، فالبداية تمثل الموقف الذي ينشأ عنه الحدث وهو أقرب إلى التمهيد الذي تتمثل فيه عناصر الزمان والمكان، أما الوسط فهو يتطور من الموقف، ويترتب عليه ويمثل تعقيدًا له، أما النهاية أو نقطة التنوير فتتجمع فيها كل القوى التي احتواها الموقف وفيها يكتسب الحدث معنى.

_ 1 د/ أحمد مكي: القصة القصيرة "دراسة ومختارات"، دار المعارف القاهرة الطبعة الثانية سنة 1987م ص 76. 2 اعتمدت في تلخيص هذه الخصائص على كتاب الدكتور/ رشاد رشدي: فن القصة القصيرة مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2 سنة 1964م من ص1 إلى ص149.

الشخصية: لكي تتضح الدوافع التي أدت إلى وقوع الحدث لا بد من التعرف على الأشخاص الذين قاموا بالحدث، والحدث في حد ذاته هو تصوير الشخصية وهي تعمل، فلا يمكن الفصل بين الشخصية والحدث. المغزى: إن أي حدث لا يمكن أن يكون خلوًا من المعنى، ولكن المعنى إذا انفصل عن الحدث وقُدم بشكل مجرد يسلب القصة أهميتها، ويحولها إلى شيء آخر لا يمت إلى هذا الفن بصلة؛ لذا لا بد من أن ينحل المعنى في مفاصل الحديث بحيث توحي به القصة إحياء، فهو ركن من الأركان الثلاثة التي يتكون منها الحدث: لهذا لا بد أن يكتمل المعنى باكتمال الحدث نفسه عندما تتجمع كل عناصر الحدث في نقطة واحدة هي نقطة التنوير. لحظة التنوير: قد تنتهي القصة دون أن تفضي إلى معنى، ولكنها في هذه الحالة لا تكون قصة قصيرة، لذلك لا بد من وجود لحظة التنوير، فالقصة بمفهومها الفني تضيء وقفًا معينًا، فهي تصور موقفًا في حياة فرد أو أكثر، لا الحياة بأكملها، تمثل إحدى دوامات النهر، وليس النهر بأكمله على حد تعبير أحد منظري القصة القصيرة. اللغة والأسلوب: يتمثل نسيج القصة في اللغة والوصف والحوار والسرد وهو الذي يبرز الحدث، فلا بد من تنوع اللغة وفقًا لمستوياتها المختلفة، وليس المقصود بذلك التفاضل بين الفصحى والعامية بل هي مسألة أبعد من ذلك بكثير، والتقرير من الأمور التي تخل بنسيج القصة فهو يخبر بالحدث بدلا من أن يصوره، والنسيج والبناء وحدة واحدة لا يمكن الفصل بينهما، فالحدث والشخصيات والمعنى ولحظة التنوير والنسيج كلها تشكل قوام القصة القصيرة. الحقيقة الفنية: والقصة القصيرة بمفهومها لدى الرواد تقوم على الإيهام بالواقع، فهي تعنى بالتتبع الطبيعي المنطقي للحدث، ولهذا فهم يؤمنون بضرورة التمسك بالحقيقة، ولكن الحقيقة الفنية غير الحقيقة المجردة؛ لأن الأولى تقوم على الاختيار وفقًا لرؤية الكاتب، إذ ينتقي من تفاصيل هذا الواقع

ما يخدم هذه الرؤية، والقصة القصيرة طبقا لهذا المفهوم تُعنى بالوصف الخارجي، فالكاتب يأكل العالم بعينيه على حد تعبير أحد النقاد، إذ يقوم بعزل الحدث أولًا، ثم ينكب على وصفه وتشريحه، نرى فيها الشخصيات بكل ماضيها وتكوينها وبيئتها، وتقوم كل كلمة بدورها المحدد في الوصف والإيحاء، وغالبًا ما يكون الهدف من النهاية فيها إحداث صدمة للقارئ، والقصة القصيرة التقليدية تختار موضوعاتها من الواقع، فالحكاية عنصر أساسي فيها، وذلك بعكس القصة القصيرة الحديثة1. ثانيًا: القصة القصيرة الحديثة: ظهر-نتيجة للتغيرات السريعة والمفاجئة في الواقع -جيل من الكتاب الجدد يرفض البناء التقليدي الذي يقوم على التسلسل الزمني وتطور أزمة الشخصية حتى انفراجها أو موتها، ورأوا أن التشابك والتداخل والتعقيد الذي أصبح سمة مميزة لعصرنا لابد أن يكون من صلب التشكيل الفني للقصة فتداخلت أجزاؤها وتشابكت أزمانها: الماضي والحاضر والمستقبل، واختفت الشخصية الواضحة المعالم، والحدث النامي المتطور، والعالم الخارجي بملامحه المكشوفة تحت مجهر الوصف، واتجه الكتاب إلى العوالم الداخلية يرصدون آثار التسارع والانعطاف والتحول الهائل في بواطن النفس، وأصبحت اللغة إما تقريرية جافة خالية من الانفعال، أو شعرية محلقة حسب الموقف النفسي أو الاجتماعي الذي تعرض له، وظهر في القصة القصيرة الحديثة منزع عبثي انعكس على الواقع تشويهًا وتدميرًا، فوظف الكوابيس والأحلام والأساطير والأوهام "الفانتازيا"، وبدا من الصعب فهم رؤية الكتاب، وحل محل الفهم التأثر بالمناخ العام الذي توحي به القصة، ولكن - على الرغم من ذلك - ظلت المقومات التالية الأساسية مناط البناء، في القصة القصيرة، وهي المرتكزات الكيانية لكل قصة، فيكاد يتفق معظم الدارسين على أن وحدة الانطباع ولحظة

_ 1 راجع: نادية كامل، في القصة، فصول، العدد الخاص بالقصة القصيرة، المجلد الثاني، العدد الرابع، سبتمبر 1982 ص 187 فما بعدها.

الاكتشاف واتساق التصميم هي الخصائص الأساسية للقصة القصيرة، وهي خصائص يجب أن تتوفر في القصة التقليدية أيضًا، ولكنها في القصة الحديثة أبرز: أولًا- وحدة الانطباع: وحدة الانطباع وهي الخصيصة البنائية الأولى في القصة القصيرة تنجم عن التكثيف وتآزر العناصر المختلفة، والتخلص من الزوائد والتكرار والاستطراد، وتعدد المسارات الأمر الذي يفضي في النهاية إلى وحدة الأثر النفسي لدى القارئ. ثانيًا- لحظة الاكتشاف: وهي اللحظة التي تتعرض فيها الشخصية أو الحدث للتحولات الحاسمة، وإدراكها، وقد تستغرق حيزًا كبيرًا في القصة لأنها؛ تنجم عن تفاعل حي بين الأزمة والشخصية يؤدي إلى إدراك جوهرها. ثالثًا- اتساق التصميم: ويعني وفقًا للمصطلح القديم "الحبكة" والمقصود به ترتيب الأحداث بالأسلوب الذي يبرز الموقف أو الانطباع، فالقصة تتضمن أحداثًا، وأزمات متعددة، والأحداث أو الوقائع هي المادة الخام التي يعيد كاتب القصة التعامل معها وترتيبها بما يتلائم مع رؤيته الخاصة، وتتابعها يمكن أن يتم بأساليب مختلفة فيثير توقعات واحتمالات متعددة، وهناك أنماط من التتابع على النحو التالي: - التتابع السببي أو المنطقي، ويتم في مسار أفقي تدريجي من المقدمات إلى النتائج، من هنا كان بإمكان القارئ، أن يتنبأ بما سيحدث. - التتابع النوعي أو الكيفي، وهو لا يعتمد على التوقعات المحكومة بالمنطق بل بالحدس والتخمين لأنه؛ يتكئ على الإيماءات والإشارات.

- التتابع التكراري، تنمية القص بإعادته بصورة جديدة دون إخلال بجوهره، ولكن بتوسيع أفقه والإضافة إليه. رابعًا: لغة القصة: تقوم على الجانب الإدراكي التعبيري الذي يُعنى بالتصوير والكشف، والجانب الإيحائي الانفعالي والإيقاع، فالخصائص الصوتية مقوم أساسي من موقمات لغة القصة1. والآن كيف تكتب القصة القصيرة؟ من المعروف أن القصة فن إبداعي، والإبداع الأدبي ينهض على موهبة فطرية، ولكن الموهبة لا بد لها من صقل، وصقلها وتربيتها يكون بمداومة الاطلاع والتمرس بالأساليب والجماليات من خلال قراءة النصوص والنماذج المعروفة والمشهورة لكبار الكتاب والأدباء، ولا بد قبل هذا وذاك من توفر ملكة أساسية هي قوة الملاحظة، وشدة الحساسية لالتقاط ما هو جوهري، والانفعال به، ثم القدرة اللغوية المتمكنة والمخيلة الفسيحة الأفق. وهناك العديد من الكتب التي ألفت، والمقالات التي نشرت عن كيفة كتابة القصة، وما من كاتب قط تعلم الإبداع عن طريق هذه الكتب، ولكن الاسترشاد بها ممكن، فلكل أديب منحاه الخاص وطريقته التي تختلف عن غيره في إنشاء القصة، غير أن ثمة خطوطًا عريضة وقواعد عامة يمكن أن تُعين على كتابة القصة: 1- وأول هذه القواعد: الانفعال بالتجربة أو البحث عن الموضوع، وقد تكون التجربة التي ينفعل بها الكاتب عادية كحادث مأساوي أو تجربة حياتية معينة، أو فكرة رائجة، ولكن لا بد للكاتب من أن يتمثل هذه التجربة

_ 1 راجع: صبري حافظ: الخصائص البنائية للأقصوصة فصول القاهرة: العدد الرابع، المجلد الرابع، يوليو أغسطس، سبتمبر 1982م.

فتتفاعل في نفسه، وتستقطب تداعيات عديدية بحيث تتجمع حولها وتشكل ما يسمى بالمتن الحكائي أي: العناصر الرئيسية التي تبنى عليها القصة، ونضرب لذلك مثلًا قصة "الرغيف" التي اتخذنا منها نموذجًا للقصة القصيرة في هذا المجال، فكاتبها كان قد مر بميدان العتبة الخضراء بالقاهرة فرأى شيخًا عجوزًا يتخبط في دمائه بعد أن داسته عجلات الترام، فانفعل الكاتب بهذا المنظر وتفاعلت في نفسه أصداؤه، وبدأت التداعيات تتوالى فتخيل أن هذا الرجل العجوز من الفقراء المدقعين، وأن له زوجة مقعدة لا تقوى على العمل، وأنهما يسكنان في بيت متواضع، وهكذا بدأت تتوالى عناصر القصة، وتتجمع حول بؤرة شعورية معينة، ومر على هذه التجربة فترة من الزمن تخمرت فيها، وأصبحت مهيأة لأن تخرج إلى حيز الوجود، وأثناء الكتابة تبلورت في صورتها النهائية وفق رؤية الكاتب الذي رأى في مصير هذا الرجل العجوز لونًا من ألوان الاضطهاد الاجتماعي وفقدان التكافل. 2- وأما القاعدة الثانية التي تنهض عليها القصة هي تطوير التجربة بحيث تحتوي على بؤرة مركزية، هذه البؤرة تولد ضربًا من ضروب الصراع سواء أكان هذا الصراع داخليًا ذاتيًا أم خارجيًا موضوعيًا، ففي القصة السابقة كانت المشكلة الأساسية التي قادت إليها عناصر الموقف هي الفقر والعجز عن العمل، وقد جهد الكاتب في تقليب الموقف على وجوهه المتعددة وصولًا إلى تطوير هذا الموقف، حيث افترض أن هذا الشيخ الذي خرج مع أذان الفجر إلى الصلاة، ثم شق طريقه إلى محطة الأتوبيس مدفوعًا بالحاجة إلى العمل بعد أن استدان خمسة قروش هي أجرة المواصلات، وقد قاده ذلك إلى ركوب الدرجة الثانية وسط الزحام، وهنا اغتنم الكاتب الفرصة فعمد إلى وصف هذا المكان وصفًا يخدم الموقف ويسهم في تطويره، وقد صور الكاتب الصراع الذي عانى منه "العم صابر" بطل القصة من أجل الحصول على عمل، وأدار في وجدانه حوارًا داخليًا أفضى من خلاله إلينا

بمزيد من المعلومات التي أسهمت في تطوير الصراع انتهاء به إلى الحل أو لحظة الكشف والتنوير إذ وجد العم صابر نفسه أمام خيار صعب هل يشتري رغيفًا له ولزوجته، ويخاطر بحياته؛ لأنه لن يبقى معه بعد ذلك ما يمكنه من دفع أجرة الأتوبيس، أم يبقى هو وزوجته جائعين ويعود سالمًا؟، ولم يكن أمامه خيار، وهنا كان على الكاتب أن يلجأ إلى الخيار الذي يخدم رؤيته الخاصة فاختار النهاية المأساوية، وبعد أن اختار المشكلة أو المأزق تحرك باتجاه النهاية في عملية تنمية مقصودة صوب النهاية، وعلى الكاتب أن يتنبه إلى أهمية البداية فلا بد أن يختار من جمل الاستهلال ما يشد اهتمام القارئ ويثيره، كذلك فإنه ينبغي أن توفر في القصة عناصر التشويق والمفاجأة. 3- والقاعدة الثالثة التي ينبغي أن يدركها كاتب القصة: هي ضرورة ألا تتحكم المصادفات في تطوير الحدث وتنميته، والبعد عن التهويل، ولذلك نجد كاتب قصة الرغيف ينتبه إلى أهمية التتابع المنطقي؛ فالأمور لا تترك للمصادفة، ولو أعدنا ترتيب الأحداث في أذهاننا لوجدنا أن انطلاق عم صابر إلى العمل وحرصه ناجم عن فقره، وأن ثقة صاحب العمل فيه سبب في بقائه لحراسة "الورشة"، وأن جوعه كان سببًا في تضحيته بما تبقى معه من مال، وأن تسلقه لسطح الترام كان سبب ذلك، ثم إن سقوطه نتيجة لتعبه، وهكذا يبدو السياق المنطقي هو الذي يحكم تطور الحدث وتنميته. ولا بد أن نشير إلى أن الحياة حافلة بالخبرات والتجارب المثيرة القابلة للتطوير والتنمية، وأن هذه الخبرات والتجارب لا تحتاج إلى قوة الملاحظة فقط، فلا بد أن يكون الكاتب ممتلكا للقدرة على التطوير واستغلال التداعيات في قصته. 4- أما القاعدة الرابعة: فهي العمل على رسم الشخصية بحيث لا تكون متناقضة في أقوالها وأعمالها، وألا يعتمد الكاتب في رسمها على التقرير بل على التصوير والحوار.

نصائح موجهة إلى كتَّاب القصة القصيرة من المتبدئين من النصائح التي يوجهها كبار كتاب القصة في العالم للناشئين: أولًا: أن يدركوا أن الكتابة غوص في أعماق الواقع، وأن الكاتب إنما يقدم صورة مختصرة ومترابطة الحياة، وأن الحياة ذات معان متعددة، ومهمة الكاتب البحث عن هذه المعاني واكتشافها، وأن مكمن الطاقة الفنية يتمثل في الاعتقاد بأن ثمة شيئًا فريدًا يريد الكاتب أن يقوله، وأنه وحده المؤهل لقوله، فالأصل في الكتابة الإرادة والحلم، أو قد تكون عملية الكتابة مهيبة، لذا ينصح المبتدئ بأن يكتب أي شيء: يدون مذكراته في كل شيء، وبشكل يومي، فإن الملاحظة التي تسمع صدفة، أو الانفعال العاطفي المفاجئ، أو الشعور بالغضب هي مادة خام صالحة للكتابة. ولكي نكتب لا بد من أن نتعرف على أنفسنا، إن الكتابة محاولة للسيطرة على العالم أو قطعة منه فكيف لا نسيطر على ذواتنا باكتشافها أولًا، اكتشاف المعاني الخافية تحت المظهر الخارجي، ولكن المعنى لا يقدم منفصلًا عن القصة، فالقصة هي المعنى الذي يتسرب في كل تفاصيلها. ثانيًا: القاعدة الذهبية التي ينطلق فيها الأديب هي "لا تكن مضجرًا" وهذا الهدف لا يتحقق بسهولة وإنما يقتضي شيئًا من المعاناة؛ فليس ثمة قواعد ثابتة لكتابة القصة تحدد طبيعتها، فقد تقوم على المبالغات المفرطة والتصغيرات الخيالية والمناظر القصيرة جدًا، والمناظر الطويلة واللمحات السنيمائية والانطباعات والفقرات الاستبطانية، على الكاتب أن يشعر بحريته في الكتابة، تقول إحدى المختصات بالقصة القصيرة "إني أوجه تلاميذي إلى أن يكتبوا عن موضوعاتهم الحقيقية بالبساطة التي يكتبون بها، وبإحساسهم المغمور بالفرحة

والصراع، وبأن يتوقفوا عن الكتابة عندما تكون صعبة عليهم، فالموضوع الحقيقي يكتب نفسه1". ثالثا: أن مهمة كاتب القصة القصيرة الأساسية هي الوصف لا إصدار الأحكام، وعلى الكاتب المبتدئ ألا يلهث وراء تقليد الكبار؛ لأنه سيفشل فروائعهم هي خلاصة لخبرتهم الطويلة، وعلى المبتدئ ألا يجفل في التعبير عن أفكاره الخاصة، فالثقة بالنفس هي الأساس، ولا بد من القراءة، وقراءة أولئك الذين يثيرون العقل والوجدان. رابعًا: كيف يحصل الكاتب المبتدئ على أفكار لقصصه، لا بد من الاتجاه إلى الذات الأحلام والطموحات، نقاط التحول في الحياة، الأزمات الخاصة ووصفها، قضايا الأقارب والأصدقاء، المشكلات الاجتماعية، وعلى الكاتب أن يدرك أنه لا يستطيع أن يدرك المشاكل الكبرى إلا بعد محاولة التعبير عنها وبتفصيل تام لا بد من ملاحظة سلوك الشخصيات وباختصار فإنك لا تستطيع أن تعمل أفضل من أن تكتب ما تعرفه2.

_ 1 راجع: مقالة د. جريس كارول أوتس "طبيعة القصة القصيرة" ترجمة د. مانع حماد الجهني المنشورة في مجلة الحرس الوطني العدد "91"رمضان 1410هـ أبريل 1990 ص101. 2 راجع: مقالة توماس هـ. أوزل ترجمة د. مانع حماد الجهني "كيف تحصل على أفكار للقصة القصيرة"، الحرس الوطني العدد "93"ذو القعدة 1410 هـ يونيه 1990 ص 118.

نموذج تطبيقي على القصة القصيرة "الرغيف"1 خرج عم صابر في الصباح الباكر ... ولم تزل صفرة الفجر الباهتة ... تعكس أضواءها الخافتة على وجهه الأصفر النحيل ... وصدى خطواته المتعبة من أثر نعاس الليل والسنين ترن متقطعة في أزقة سيدنا الحسين فتردد صداها الزوايا المعتمة، فتبعث في أوصاله رعشة خوف وبرودة. - يا فتاح يا عليم ... يا رزاق يا كريم. هتف عم صابر بصوت مرتفع، وهو يتمتم بآية الكرسي، أحس بالراحة والأمان لقد زالت من نفسه رعشة الخوف، ولكن رعشة البرودة لم تفارقه ... ضم أسماله حول رقبته وهو يقوس أكتافه المتهدلة، ويجر خطاه نحو العتبة، وفي ذهنه ترن كلمات زوجته. "الله يخلي ولادك أبو المعاطي، ها قد وجدت عملًا بعد طول انتظار" ... نعم فلولا أبو المعاطي لما وجد إلى العمل سبيلًا ... لقد رجته زوجته حين ذهبت لتغسل لهم قبل أيام، ووعدوها بأن يشتغل عنده بالعمارة التي يبنيها بمصر الجديدة.. وها هو الآن يأخذ طريقه إليها بعد أن استدان من أبي محسن البقال خمسة قروش ثمنًا للغداء وأجرة للطريق. - تذاكر ... تذاكر ... ناوله ورقة الخمسة قروش، وأخذ منه تذكرة بقرشين وهو يفتح يده ينتظر الباقي.

_ 1 هذه القصة للكاتب نزيه أبو نضال، منشورة في مجلة اللغة العربية بكلية آداب جامعة القاهرة، العدد الأول، أكتوبر 1967.

- انتظر لما يصير معي فكة. وغاب الكمساري بين الركاب، وعم صابر يمد جسده النحيل بين الركاب يتابعه بنظرات زائغة ... مر به الكمساري من جديد بدون اكتراث. تمتم عم صابر: - لو سمحت الباقي والله؟ لم يسمعه ووالى شق طريقه بين الركاب. رفع عم صابر صوته فخرج حادا على غير إرادته: لو سمحت الباقي والله؟ رد عليه الكمساري بغضب: قلنا حاضر هي الدنيا طارت؟! وغاب الكمساري بعيدا بين الركاب واشتبك مع امرأة في صراخ حاد: - ياستي خمسين مرة قلنا السلال ممنوعة، كيف سيمر الناس الآن؟ - طيب على مهلك، اتكلم بالذوق، شوف لها مكان أنت؟ وتركها وسار منتصرا يقطع التذاكر لراكبين جدد ... قال رجل للمرأة: - الكمساري لا ذنب عليه هو ينفذ التعليمات. تدخل رجل آخر ... - طيب والناس كيف يشترون حاجياتهم، وبماذا يحملونها؟ تدخل كثير من الركاب في المناقشة، وانقسموا إلى قسمين: بعضهم مع الكمساري والبعض الآخر مع المرأة ... وارتفع صوت الكمساري من جانب السائق: - القانون هو القانون والذي عنده كلام يوفره.

تمتم عم صابر لنفسه: - لا شك أنه نسي الباقي.. تابعه بنظر ملهوف وهو على سلم الدرجة الأولى، ومر ألف عام قبل أن يقترب الكمساري منه من جديد. تمتم بصوت خجل ومرتعش: لو ... سمحت.. الباقي.. والله.. رمقه الكمساري بغضب وتأفف: - تفضل يا سيدي ... واحد..اثنين..ثلاثة ... خدمة تانية؟! وصل إلى مكان العمل مرهقًا، وظل حتى الظهيرة منحنيًا فوق "المجرفة" يخلط أكوام الرمل بالأسمنت مع الماء.. أحس بفقرات ظهره تتصلب، لم يكن باستطاعته أن ينتصب قليلًا ليستريح فمراقب العمال يجلس على كرسي قريب يلاحظ سير العمل، وإذا ظهر منه أي ضعف فلن يدعه يعمل في اليوم الثاني.... وصل أبو المعاطي إلى مكان العمل، ونزل من سيارته الصغيرة، ووقف مع ملاحظ العمال يكلمه عن سير العمل ... رآه عم صابر فازداد سرعة ونشاطًا، عليه أن يثبت لأبي المعاطي قدرته على العمل حتى يشغله معه دائمًا ... رمقه أبو المعاطي وهو يعمل بقوة. - مستريح في الشغل يا عم صابر؟.. شد حيلك. - الشدة على الله يا معلم ... الله يخلي أولادك. وأدار أبو المعاطي وجهه، وأكمل حديثه مع الملاحظ، وعم صابر يبذل جهدًا هائلًا وهو يعتقد أن المعلم يراقبه كيف يعمل.. أحس بتصلب في ظهره وفي عضلات ذراعه حتى أحس أن الذي يعمل رجل آخر وليس هو ... وعندما طلب الملاحظ

من العمال أن يستريحوا للغذاء.. حاول عم صابر بكل طاقته أن يرفع قامته وهو يحس بألم هائل بجسمه، وزحف إلى جدار ليستريح.. وبعد أن استراح قليلًا نهض ليشتري غذاء له رغيفًا بنصف قرش ونصف القرش الآخر اشترى به طعمية، وأكمل ملء معدته بالماء وهو يمسح شفتيه ويحمد الله ويعاود العمل من جديد حتى المساء.. مضيفًا إلى عمره شهورًا بعد السنين. وقف عم صابر بعد انتهاء العمل يغسل يديه في أحد البراميل حين ارتفع صوت أبو المعاطي ... يا عم صابر.. لا تذهب الآن.. ابق هنا لتحرس أدوات الشغل حتى يحضر حارس الليل. وأكمل وهو يركب سيارته ... وكلها قعدة. ولاحقه صوت عم صابر وهو ينطلق بعيدًا.. حاضر يا معلم..حاضر.. وانصرف الجميع وجلس على الأرض وهو يسند ظهره على الجدار، ببرودته الرطبة فيحس ببرودة لذيذة تريح مفاصله المرهقة، ومرت الساعات طويلة وهو ينتظر حارس الليل وقاوم النعاس بالجوع الذي يقرص أمعاءه. أحس بالرضى؛ لأن أبا المعاطي اختاره ليحرس العمارة ... لولا أمانتي لما اختارني من بين جميع العمال.. إنه رجل طيب، لقد قال لي اليوم: شد حيلك يا عم صابر، إنه يذكر اسمي.. رجل أمير حقًا ... أظن أنه سيمنحني غدًا خمسة قروش زيادة سأقبض خمسة وعشرين قرشًا مرة واحدة سأضعها في يد زوجتي، كم ستفرح غدًا.. هل تناولت طعامًا اليوم إنها نادرًا ما تجد غسيلًا هذه الأيام، لقد دبت الشيخوخة فيها هي أيضًا، ولم يعد غسيلها نظيفًا كما كان؛ على الرغم من أنها تنكر ذلك وتقول: إنه يخرج من تحت يديها أنظف غسيل، هي صادقة كذلك لقد ضعف نظرها فما عادت ترى الأشياء كما هي.. أعطاها الله القوة لقد تعبت معي كثيرًا.. .وأنا تعبت كذلك.. وما عاد أحد يطلبني للعمل كالسابق ...

يقولون أنني كبرت ولا أنتج عملًا ... وقد يكون هذا صحيحًا ولكن ماذا أستطيع أن أفعل.. وكيف نعيش. لولا جيراننا فيعلم الله ماذا كان سيحل بنا. في أغلب الأيام يبعثون لنا بقايا طعام نظيف يزيد بعد الفطور أو الغذاء، ويقولون: إنه للفراخ.. لا يريدون أن يجرحونا فيتحججون بالفراخ.. وهي فرخة واحدة هزيلة لا تسمن أبدًا.. جيران طيبون حقًا.. ولكنهم فقراء مثلنا، وفي أيام كثيرة نظل ننتظر طعام الفراخ دون جدوى، وننام كالفراخ بلا طعام.. لقد أكلت اليوم رغيفًا كاملًا وطعمية وقطعة بصل من أحد العمال، قد تكون زوجتي بلا طعام منذ الصباح.. أحس بجوع مضاعف وهو يتحسس القرشين في جيبه ... أجرة الطريق ... وصل حارس الليل متأخرًا ... فنهض عم صابر بتثاقل وجر أقدامه إلى المحطة ومن كشك هناك ارتفع نداء ... فول ... طعمية..كبدة. تسربت الرائحة إلى صدره قوية لا تقاوم. دون أن يفكر كان البائع يقدم له رغيفًا من الفول.. رفعه إلى شفتيه ... رأى امرأة تقطع الجانب الآخر من الطريق..تذكر زوجته..تناول الورقة من البائع ولف بها الرغيف بإحكام وهو يتمتم. سأقتسم الرغيف مع زوجتي في البيت، قد لا تكون أكلت شيئًا منذ الصباح. لقد ضاعت أجرة الطريق، لم يبق معه إلا نصف قرش، مر مترو قريب مزدحم بالركاب ما أسعد هؤلاء الناس سيصلون بيوتهم قريبًا وينامون. في آخر المترو رأى رجلًا يتسلق من الخلف. إنه يركب مجانًا. وقف على المحطة وانتظر مترو آخر، وقبل أن ينطلق كان عم صابر يتعلق به من الخلف وهو يحتضن الرغيف بين ذراعيه.

وسار المترو طويلًا وهو يهتز برتابة، ومرت اللحظات كإبر المورفين تنغرز في جسمه المرهق، ودب الخدر بأعضائه، وتسلل إليه نعاس لا يقاوم ونام، فتراخت يداه وسقط فوق القضبان ... ومر مترو جديد وعلى أضواء الفجر الباهتة تجمع بعض المارة حول الشريط الحديدي وهم ينظرون بذهول: كان رغيف الفول قد شطر إلى قسمين. مكتبة القصة القصيرة: من المراجع الهامة للقصة القصيرة: أولًا- فن القصة القصيرة للدكتور رشاد رشدي، ويتضمن هذا الكتاب دراسة تحليلية لفن كتابة القصة مع أمثلة كاملة مدروسة، وقد تناول فيه بناء القصة القصيرة ونسيجها، من منشورات مكتبة الأنجلو المصرية الطبعة الأولى 1959م. ثانيًا- القصة القصيرة: دراسة ومختارات للدكتور الطاهر أحمد مكي، ويتضمن جزءًا تاريخيًا ودراسة عن أعلام القصة القصيرة وتحديد خصائصها الفنية، وأمثلة ومختارات لأشهر كتاب القصة في العالم العربي، صدرت الطبعة الأولى عن دار المعارف 1977م. ثالثًا- فن القصة للدكتور محمد يوسف نجم، وقد تناول البناء الفني للقصة بأنواعها، صدر عن دار الثقافة بلبنان "د. ت". رابعًا- القصة القصيرة نظريا وتطبيقيا ليوسف الشاروني، دار الهلال. خامسًا- فن كتابة القصة لحسين القباني، المؤسسة المصرية العامة بالقاهرة سنة 1965م.

كيف تكتب الرواية يبدو هذا السؤال غريبًا بعض الشيء؛ لأن الرواية عمل إبداعي لا تنفع معه الوصفات الجاهزة، ولكنها قد ترشد الموهوبين وتدلهم على بعض المبادئ الأولية التي يجب استيعابها من قبل الراغبين في كتابه الرواية. إن معظم كتاب الرواية يؤكدون أن كل رواية جديدة هي في الحقيقة تجربة جديدة، لها طريقتها الخاصة وظروفها التي أملت كتابتها بطريقة مختلفة عن سابقتها، ثمة كاتب يعرف كيف يكتب. غير أنه من المفيد أن نتعرف على بعض المحاولات التي قام بها عدد من الكتاب لإرشاد الروائيين المحتملين من الشباب إلى كيفية كتاب الرواية، ومنها اتباع هذه الخطوات: أولًا- إعداد بطاقات لكل شخصية من شخصيات الرواية بحيث تخصص واحدة للشكل الخارجي للشخصية، وأخرى لصفاته الخلقية، وأخرى لعاداته ... إلخ. ثانيًا- إعداد بطاقات للمشاهد حيث يكون لكل مشهد ملف من هذه البطاقات. ثالثًا- تصنيف هذه البطاقات والاستعانة بها عند الشروع في كتابة الرواية. وكثير من كتاب الرواية يؤكدون أن على كاتب الرواية أن يصارع وقتًا طويلًا سطرًا بعد سطر وصفحة بعد أخرى من أجل استحضار العقدة والشخصيات ذات العمق والتعقيد1. وليس من شك في أن قوة الملاحظة، والقدرة على التقاط أدق الأشياء

_ 1 راجع: لورنس بلوك، كيف تكتب رواية، ترجمة عبد الله بخيت، حلقات منشورة في ملحق الرياض، العدد "6969"وما بعده.

والصفات والمواقف من العقبات التي تعيق كاتب الرواية؛ لهذا نجد كاتبًا روائيًا كيحيى حقي ينصح الكتاب الشباب بأن يجعلوا من أنفسهم آلة تصوير مفتوحة، تسجل كل شيء، وأن يبدؤوا بتجاربهم الذاتية ثم يطلقوا العنان لخيالاتهم في مرحلة متقدمة، وذلك عندما يمتلكون أدواتهم وتستقيم لهم لغتهم، ويؤكد أنه من غير المفيد الالتزام بقواعد الرواية أو التفكير بها أثناء الكتابة. في حين نجد كاتبًا مشهورا كنجيب محفوظ يقول: إنني ما أمسكت القلم لأكتب رواية إلا وكانت متبلورة في ذهني: الشخصيات والأحداث والبداية والنهاية، كل ذلك مسجل في فهرست. ويؤكد يوسف إدريس أنه لا يلجأ إلى التخطيط، ولكنه يبدأ بخلفيه فكرية يتمثلها جيدًا. وهكذا يتضح لنا أنه ليس ثمة خطوات محددة يمكن أن يسلكها المبدع في كتابة الرواية، فلكل كاتب طريقته الخاصة به، ومن استعراضنا لشهادات العديد من كتاب الرواية - سواء من ألف منهم كتبًا في هذا المجال مثل حنا مينا، أو من أدلى بشهادته مكتوبة في المؤتمرات والندوات الخاصة بالرواية - يتبين لنا أن لكل منهجه المتميز عن غيره1. ولعل من المفيد أن نشير إلى تجربة أحد الأساتذة المعروفين في هذا المجال ممن عهد إليهم تدريس منهج الكتابة الإبداعية في الجامعات، حيث يقول: قمت قبل ثماني سنوات بتدريس مادة الكتابة الإبداعية في إحدى الكليات بولاية فرجينيا، وتوصلت إلى نتيجة مفادها: أنه لا يمكن تدريس المادة ... ولم يقتصر الأمر على ذلك ... بل يتحتم عدم القياس بتدريسها.. إذ أن الكتابة الإبداعية عملية شاقة كالصعود إلى أعلى التل حيث يتساقط الضعفاء بينما يواصل الأقوياء بتؤدة كي يصبحوا كتابًا جيدين، ثم يخلص من ذلك كله إلى القول:

_ 1 راجع العدد الخاص من مجلة فصول عن "فن الرواية" 1983. وكولن ولسون: فن الرواية، ترجمة محمد درويش، دار المأمون، بغداد سنة 1986م ص13 إلى ص15.

لقد تبين لي أن المشكلة هي أن أعلم الكاتب أن يسأل نفسه الأسئلة المناسبة، ومن ثم أقدم له تلميحات تساعده على كيفية إيجاد الجواب؛ فالكتابة الإبداعية ليست سرًا مقدسًا بل إنها أساسًا موهبة حل المشكلات، فعلى الكاتب أن يجد الحلول لعدد من المشكلات الفنية البحتة: من أين يبدأ وماذا عليه أن يذكر وماذا عليه أن يترك؟ إن معظم مناهج الكتابة الإبداعية تكرس جزءًا كبيرًا من الوقت لهذه المشكلات الفنية، غير أن ذلك يترك المشكلة الحقيقة: ألا وهي المشكلة الكائنة في صلب الرواية دون حل، ولا بد أن تبدأ الكتابة الإبداعية بهذا النمط الآخر من المشكلة. ولا بد لكاتب الرواية من أن يعي أن الهدف من الرواية تقديم وعي مستوعب للواقع -والحياة، وأن الرواية- كما يقول العديد من المنظرين لها - معادلة للتجربة، وهي شكل من أشكال التجربة الفكرية التي تدرك التعقيد الهائل المثير للعالم1، ولهذا لا بد من الاستعداد الدوؤب لكتابة الرواية، من هنا كان كتاب الرواية يبدؤون عادة بالقصة القصيرة. نصائح إلى كتاب الرواية: من أهم الكتب التي تناولت موضوع الكتابة الروائية كتاب: "فن كتابة الرواية"2 لديان دوات فاير، وهي كاتبة روائية معروفة تدرس فنون الكتابة في الجامعات والمعاهد، وفيما يلي أهم النصائح التي وردت في هذا الكتاب لمؤلفي الروايات: أولًا- فيما يتعلق بالفكرة الأساسية فإنها تبدأ بمشهد بسيط عليك أن تطوره، فالإحساس العميق بجوهر الفكرة يؤدي إلى بناء رواية متميزة، يقول الكاتب الروائي تولستوي: "على المرء أن يكتب فقط حينما يترك قطعة من

_ 1 المرجع السابق ص97/96 2 ديان دوات فير، فن كتابة الرواية، ترجمة د. عبد الستار جواد، الشؤون الثقافية.

لحمه في المحبرة في كل مرة يغطس قلمه فيها" أي: حينما يشعر بعمق شعورًا حقيقيًا. ثانيًا- فيما يتعلق بوجهة النظر فإن هناك؛ عدة أساليب يمكن سرد الأحداث من خلالها، ولكل أسلوب مزاياه الخاصة، فهناك الرواية بضمير الغائب، ومزية هذا الأسلوب القدرة على ملاحظة الشخصيات ملاحظة موضوعية، وهناك الرواية بمضير المتكلم، وهي مناسبة للبوح والاعتراف، وهناك أسلوب الراوي الذي يسرد القصة من قبل الشخص الأول بواسطة شخص لا يرتبط بالحدث بشكل وثيق، فمثلا قد يصف رجل هادئ حياة ابن أخيه العاصفة. ثالثًا- أما التصميم فيختلف من شخص لآخر، إذ قد يعتمد البعض في تخطيط رواياته على أكداس من الملاحظات، وهناك من يعتمد على الذهن، وهناك من يعتمد على العقل الباطن بواسطة التأمل، فعلى الروائي أن يختار الطريقة التي تناسبه. أما عن الحجم فتقول الكاتبة: إن 70-80 ألف كلمة هو المعدل الجيد للرواية. وتصميم كل فصل على حدة غاية في الأهمية حتى لا تختلط الأمور في ذهن الكاتب، وترى الكاتبة أن الرواية يجب أن تكون منسابة منذ البداية مثل رحلة من الاكتشافات مليئة بالمفاجآت. وهي تقول: "اشرع بالكتابة ولا تتخوف منها، فإذا لبثت عند مرحلة التصميم أكثر مما ينبغي فإنك قد لا تبدأ كتابتك على الإطلاق". رابعًا- إن اختيار الأماكن يعتمد على نوعية الشخوص، فالمشهد يجب أن يصمم بحيث يثير مشاعر معينة كالرعب أو الغموض أو الوحدة أو السلام أو العنف أو الحزن، فالمكان يثير الانطباعات، وهذه الانطباعات ينبغي أن تكون بصرية، فيجب أن يطور الروائي طاقة التصوير لديه، ليس هناك قواعد ثابتة تتعلق بأنواع الأمكنة، فقد تقع جميع الحوادث في غرفة واحدة، وتقول الكاتبة

أنصحك بألا تقلق حول ذلك، وما عليك إلا أن تدع قصتك تأخذ مكانها الطبيعي، وتركز على الكتابة بمهارة ودقة". خامسًا- أما فيما يتعلق بالشخوص فإنها تنقل قول الكاتب جون ماستر: "إن مهمة الكاتب الروائي أن يصف الناس على حقيقتهم" فأفضل طريقة -وفقًا لهذه المقولة- هو ابتكار شخصية روائية كاملة بكل كيانها بحيث تكون معروفة لديك معرفة تامة، ويكون كل فعل من أفعاله قائمًا على الصيغة أو الأساس الذي رسمته بنفسك، "امسك شخصيتك بعنان رخو وامنحها الحرية إلى حد، وعليك أن تمسك بالزمام في الوقت الذي تسمح فيه لشخوصك الروائية بالسلوك وفق ما كنت رسمت لهم". سادسًا- فيما يتعلق بالحوار، عليك أن تشذب وتحرر أحاديث شخوصك وتوجهها نحو ما هو أساس في حركة القصة، إن كل سطر من الحوار يجب أن يُفصَّل بدقة على قدر الشخص المقصود. سابعًا- تحتاج الكتابة الروائية المنظمة إلى ساعة واحدة في اليوم على الأقل، وثلاث ساعات قد تكون أفضل، وعليك أن تحدد مقدار الوقت الذي نستطيع توفيره كل يوم، على أن تلتزم بأقصى درجات الانضباط، وحين تشعر بالنشاط؛ اكتب مادة جديدة ودع المراجعة إلى وقت آخر، وعليك حين تترك الكتابة معرفة النقطة التي ستعقب ما وصلت إليه، وحينما تفرغ من كتابة أحد الفصول استطلع الآراء الصادقة لزملائك من الكتاب، ولكن إياك أن تسمح لنفسك باليأس أو التشجيع بسبب ملاحظات أصدقائك غير المختصين، واختر المكان المناسب وزوده باحتياجاتك. ثامنًا- ابدأ روايتك تمامًا عند مشهد كبير فربما لا تصل ذروتها إلا في الفصل الثاني، ولكن يجب أن تجتذب القارئ بسرعة إلى المجرى الرئيسي للقصة لكي يتحسس التطورات الهامة المتوقعة، حاول أن ترتب نوعًا من

الصدام في الفصل الأول على أن تكون هذه المواجهة الصدامية بين الشخصيات وثيقة الارتباط بالفكرة والحبكة الروائية، وإياك أن تبدأ بمشهد لا يرتبط ارتباطًا عميقًا بالرواية بكاملها، وقد تضطر إلى إعادة كتابة الفصل الأول حين يكمل الكتاب فلا بأس من ذلك. تاسعًا- تنشأ الحكبة من الشخوص والصراع، فإذا كانت الشخصية الرئيسية تواجه مشكلة كبيرة في البداية فإنها ستؤسس بناءً للتعرف على طبيعة تكوينها، فالتوترات الناجمة عن ذلك ستؤدي إلى تطور قصة جيدة، وحاول أن تجعل شخوصك في موقف محير بحيث ينتقلون إلى موقف أكثر حيرة، وهذا هو التطور الدرامي الذي يصنع الحبكة، إن الحبكة بالنسبة للعديد من الكتاب المبتدئين تعتبر مشكلة عويصة، ولكن إذا فكرت مليًا بفكرتك الرئيسية، وعرفت شخوصك، وعملت من مشهد لآخر فإنك ستجد الحدث يتطور بسهولة. عاشرًا- تشبه الكاتبة الرواية بشجرة فيكون الجذع بمثابة العمود الفقري للقصة التي تبلغ ذروتها عند أعلى الأغصان، أما الأغصان الجانبية فهي الحبكات الثانوية، ولذلك فإن الشكل يفقد تناسقه إذا ما أصبح أحدها طويلًا أو كثيفًا، الأوراق والثمار هي التفصيلات التي تعطي الضوء والظل واللون، وإذا نما أحد الأغصان أكثر مما يجب؛ عليك أن تشذبه، من هنا كانت عناصر البناء الأساسية في الرواية: أ- التناسق: إذ يجب أن تزال الأشياء الزائدة، وتنقل الكاتبة عن هتشكوك قوله "الدراما تشبه الحياة الواقعية التي أزيلت منها الأجزاء المعتمة" فحاذر أن يغريك الوصف أو الوقائع التي لا لزوم لها. ب- الموازنة بين فترات الهدوء والمواقف الدرامية: فلحظات الهدوء الكبرى يجب أن تعد بتطورات مهمة غير معروفة، أعط القارئ أكثر ما يتوقع.

ج- مسرحة الموقف: فقد يكون الموقف غير متوقع تماما، ولكنه سيكون مقنعا إذا كنت قد مهدت السبيل إليه، والمسرحة تعني تحويل المشهد إلى شيء حي مرئي: د- التشويق: وهذا يتحقق إذا كانت القصة تتكشف تدريجيا بحيث تنشأ كل فقرة من التي سبقتها، تجنب القفزات الكبيرة في الزمان والمكان، وتجنب الإفراط في التوضيح، وحاول قدر الإمكان تقديم الوصف مع السرد، وحين تقدم شخوصك اكشف عن سماتهم الواضحة في البداية. هـ- الختام: إذا قلت ما أردت أن تقوله وحكيت قصتك وأحكمت نهايتها وأوجدت الحل للمشكلة التي أربكت شخصيتك الرئيسية يكون الوقت قد حان لإنهاء الرواية، تجنب النهايات التقليدية، ويمكنك أن تعيد قراءة روايتك قبل أن تنهيها لشد مفصلها الرئيسي وإحكام بنائها وإنهائها بقوة. حادي عشر- أن أهم شيء في الأسلوب هو التلقائية، والمشكلة كيف يشذب المرء عمله ويصوغه دون أن يفقد تلك الحيوية الأولى التي هي غالية جدًا، وتبعث السرور في النفس، وتقول المؤلفة: نصيحتي هي أن تكتب بكل طاقتك أول ما يسنح لك ذلك ثم تعود فيما بعد لتشذيب المادة الفضفاضة بعزيمة لا تكل، وهناك شعار مشهور "لا تستعمل أبدًا كلمة طويلة حين تكون هناك كلمة صغيرة تؤدي دورها" وإياك أن تستعمل كلمة قصيرة تكون الكلمة الطويلة أفضل منها، وتأكد من أن كتابتك منسجمة في جميع الرواية، وأنك اخترت أسلوبك الخاص بك، ولا تقلد مؤلفًا آخر، تجنب التعميمات قدر الإمكان. ثاني عشر- نقح مسودتك بإسقاط المادة الفضفاضة، وتوسع في الكتابة إذا كان ذلك ضروريًا لإعطاء المزيد من الوضوح، أعد ترتيب المشاهد والفصول إذا كان ذلك ضروريًا، تأكد من جميع الحقائق، وتأكد من علامات الوقف والترقيم، أعد المسودة عدة مرات ولا تتردد.

ثالث عشر- العنوان: يعبر العنوان عادة عن الفكرة الرئيسية لذلك اكتب قائمة بكل الكلمات الرئيسية التي تراود ذهنك ثم قلبها إلى أن تجد المجموعة الصحيحة، وقد يكون العنوان اسم الشخصية الرئيسية وقد يكون اسم المكان وقد يكون عبارة دارجة. مكتبة الرواية: من أهم المراجع النظرية التي تفيد في كتابة الرواية: 1- بناء الرواية لإدوين موير ترجمة إبراهيم الصيرفي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة،1971م. 2- عالم القصة لبرناردي فوتو، ترجمة محمد مصطفى هدارة مؤسسة فرانكلين القاهرة. 3- أركان القصة، م. أ. فورسر، ترجمة عياد جاد، الكرنك سنة1960م. 4- نظرية الرواية في الأدب الإنجليزي ترجمة إنجيل بطرس سمعان الهيئة المصرية العامة، القاهرة، سنة 1971م. 5- نحو رواية جديدة، آلان روب جرييه، ترجمة مصطفى إبراهيم مصطفى، دار المعارف، القاهرة التنوير، بيروت. 6- سيزا قاسم، بناء الرواية، التنوير، بيروت. 7- صنعة الرواية، بيرس لوبوك، ترجمة عبد الستار جواد، دار الرشيد بغداد سنة 1981م.

فن المسرحية

فن المسرحية المسرحية قصة حوارية تقوم على الصراع، وتتجسد من خلال التمثيل، ولهذا فإن أكبر منظري الفن المسرحي وهو أرسطو يشير إلى أن المسرحية "المأساة" هي محاكاة لفعل، فالتشخيص والتمثيل والفعل هي المقومات الأساسية للمسرحية1. ولا نريد أن نخوض في أنواع المسرحية وتطورها، ولكن حسبنا أن نشير إلى عناصرها الأساسية التي ترشدنا إلى كيفية كتابتها كفن أدبي، وأهم هذه العناصر هي الشخصيات والحبكة والحوار والمناظر والبناء. الشخصيات: لا بد من التمييز بين أنواع الشخصيات المختلفة في المسرحية وفقًا لنوع الموضوع الذي تعالجه، ولون الصراع الذي يحتدم حوله، فهناك شخصيات نموذجية بمعنى أنها تمثل فئة أو طبقة اجتماعية، وتمتاز عن الشخصية ذات الطابع الفردي في أنها تلخص جوهر الفئة التي تعبر عنها: همومها ومشاكلها وسماتها وملامحها، ولهذا فهي تختلف عن أي فرد من الأفراد العاديين بخصائصها المتميزة، وهناك ما يسمى بالشخصية النوعية التي تمثل أفراد النوع كله سواء كان المقصود بالنوع الحرفة كالتاجر والمحامي والجندي.... إلخ، أو الطبيعة الإنسانية والخلقية العامة كالمخادع والغيور والنمام وما إلى ذلك - ويسمى هذا النوع من الشخصيات بالأنماط، وهناك فارق كبير بين النمط والنموذج، فالنمط له طبيعة ثابتة مكررة؛ أما النموذج فذو طبيعة متغيرة، وهو أكثر ثراء وعمقًا من النمط، وفي كثير من الأحيان يختلط مفهوم النموذج

_ 1 راجع فردب. ميليت وجيرالدا يدس بنتلى، ترجمة صدقي خطاب، دار الثقافة، بيروت ص14.

بالنمط اختلاطًا يصعب معه التمييز بين النوعين، وتكثر الأنماط في المسرحيات الهزلية بكثرة، أما وقد اشار العديد من منظري المسرح إلى ما يسمى بالحديث الجانبي الذي تتفوه به الشخصية على هامش الحوار الرئيسي فتكشف المفارقة بين ما تقوله في العلن وما تضمره في الحقيقة، ولكن هذا النوع من الحديث غير محبذ عند الكثيرين إلا في المسرحيات الهزلية. وتقوم المفاجأة الذاتية بدور مهم في استبطان الشخصية والكشف عن دخائلها، وهي تُعين على التنبؤ بمجريات الحديث، وتمهد له أحيانًا، وقد تستخدم في مستهل المسرحية لاستمالة الجمهور وإيقاظ مشاعره، ويتصل هذا الأسلوب بالكشف عن الجانب النفسي للشخصية. وبناء الشخصية من خلال الفعل هو أهم عنصر في رسمها، فلا بد من تقديمها وهي تعمل، والكشف عن تكوينها عبر الحركة الفاعلة، كما ينبغي أن يكون الفعل الذي تقوم به الشخصية مفهومًا على أساس من الدوافع المعقولة التي تحدو بها إلى القيام بهذا العمل، ويتوقف نجاح الشخصية على إبراز الدافع وتعليله، وهناك تعليل نوعي أي: يكون نمطًا من أنماط السلوك المعروفة للنوع الذي تنتمي إليه الشخصية، ويعتبر من أبسط ألوان الدوافع، أما النماذج والشخصيات المركبة فتحتاج من كاتب المسرحية إلى عناية خاصة في إبراز دوافع سلوكها، وينبغي أن يختار الكاتب المآزق والأزمات التي تدفع الشخصية إل الفعل وتميط اللثام عن مكوناتها الداخلية. ولما كانت المسرحية تقوم على أساس الصراع فلا بد من رسم الشخصية عبر علاقاتها بالآخرين، وليس عبر علاقتها بالواقع فقط، وينبغي أن يكون أساس هذه العلاقات دراميًا يقوم على التقابل والتماثل والمفارقة أي: التضاد والتشابه والتمايز. وإذا كانت الشخصيات المتقابلة غير متكافئة فإن ذلك يفسد عملية التشخيص ويضعف الدوافع الدرامية التي هي أساس الحركة في المسرحية، والعمل على تطوير الشخصية في المواقف المختلفة أمر بالغ الضرورة، ولكن هذا التطور لا بد أن يكون تلقائيًا وطبيعيًا.

ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك اتجاهات مسرحية لم تعد تُعنى برسم الشخصيات، فجاءت فكرة اللاشخصية في المسرح المعاصر التي حطمت النماذج التقليدية كما في المسرح الملحمي للكاتب الألماني الشهير بريخت، كما أن هناك شخصيات تجريدية لا ملامح لها كما في المسرح التعبيري، ولهذا تطلق عليها أسماء عامة بالرجل والسيدة والسيد صفر وهي تجسيد لأفكار ومُثُل معينة1. الحوار2: المسرحية في أساسها فن حواري أي: يقوم على الحوار، فهي في بعدها الأدبي حوار أساسًا؛ لذا فإن عناية الكاتب لا بد أن تتركز حوله، وقبل الحديث عن وظائف الحوار ومهمته يحسن بنا أن نميز بين الحوار والمحادثة وفقًا لوظيفة كل منهما، فالمحادثة لها وظيفة نفعية وأخرى غير نفعية أما النفعية فتتمثل في تصريف الأمور والمعاملات، وغير النفعية في الثرثرة والتسلية والتعبير عن الذات، وهي جميعًا أمور تختلف عن وظائف الحوار المسرحي الذي تكمن وظيفته الأساسية في تطوير الحدث والكشف عن أفكار الشخصيات وعواطفها وطبائعها الأساسية، وفيه جانب المتعة والشاعرية والفكاهة والتندر في بعض المواقف، فالحوار في المسرحية نفعيته تكمن في جمالياته وخدمته للبناء الفني. ومن الطرق التي تطور بها الحبكة عن طريق الحوار: مصاحبة الفعل الذي يدور على المسرح ورواية الفعل الذي لا يمكن تمثيله وعرضه على خشبة المسرح لضيق المجال أو لعدم مناسبته أو لأن؛ هذا الفعل المروي حدث قبل البداية الفعلية

_ 1 راجع عبد الرحمن شلش: مدخل إلى فن المسرحية مطبعة مرامر، الرياض سنة 1983م ص 34 وما بعدها. 2 يرى توفيق الحكيم أن الحوار ملكة، وذلك راجع إلى صفته الضرورية وهي التركيز والإيجاز والإشارة التي تفصح عن الطبائع، واللمحة التي توضح المواقف، وهو كالشعر يميل إلى الاقتضاب فألد أعداء الحوار الإطالة والحشو. راجع: توفيق الحكيم، فن الأدب، المطبعة النموذجية، القاهرة ص148-152.

للمسرحية، وهناك أفعال عنيفة لا تمثل على خشبة المسرح يلجأ كاتب المسرحية إلى روايتها عن طريق الحوار، ولكن هذه الرواية تكون مملة إذا لم يهيء لها بالتشويق وإثارة الاهتمام واختيار المواقف المتوترة. ومن الوظائف الحيوية للحوار الكشف عن جوانب الشخصية كما أسلفنا، أضف إلى ذلك وصف المنظر، والحوار المسرحي لا تقاس جودته بمدى واقعيته لأنه؛ صناعة وحرفة، ولهذا نجد أن جودته ترتبط بعناصر منها قدرته على إبراز المقومات الجوهرية للشخصية؛ فالفن تحويل وليس نقلًا، من هنا تسقط جميع الحجج الواهية حول ازدواجية الحوار؛ لأن من المفترض أن يعتمد الكاتب على سمات أخرى غير عامية اللغة أو فصاحتها، ويستحسن أن تكون الفقرات الحوارية قصيرة مكثفة، وألا تطول بحيث تُفقِد السامع قدرته على المتابعة والتركيز، وقد يكون من الضروري تضمين الحوار المسرحي بعض خصائص الحديث الفعلي للإيهام بواقعيته مثل التفكك والاستطراد والتوقف المفاجئ....إلخ. ومن الأهمية بمكان تنوع مستويات الحديث وفقًا لمستويات الشخصيات وتباين مواقفها وانتماءاتها. وبعد هذا وذاك لا بد للكاتب المسرحي من العناية بالإيقاع، والإيقاع مرتبط بمعدل السرعة في الكلام، وهذه السرعة تخضع لعوامل مختلفة مردها إلى نوعية الكلمات المستخدمة وانسجامها وتآلفها وكيفية الانتقال بين الفقرات المسرحية، ولهذا يحسن بالكاتب أن يقرأ بصوت مسموع أجزاء من مسرحيته ليدرك هذه الخاصية، ويتأكد من انسجام الإيقاع في الحوار المسرحي1. وينبغي الانتباه إلى أهمية تلوين الإيقاع في المواقف المتأزمة والمتوترة، وقد ترق لغته حتى تقترب من لغة الشعر في بعض المواقف، وقد تكون الإفاضة في

_ 1 راجع: روجرم مسفيلد "الابن" في كتابه: فن الكاتب المسرحي للمسرح والإذاعة والتليفزيون والسينما، ترجمة وتقديم دريني خشبة، دار مصر للطبع والنشر - القاهرة ص226. نقلًا عن فن المسرحية لعبد الرحمن شلش ص40.

الحوار ذات وظيفة تكشف عن طبيعة الشخصية، في حين يبدو الاقتضاب والإيجاز ضروريًا في المواقف المتأزمة. وقد يلجأ الكاتب إلى استغلال نجوى النفوس بدلًا من الحوار حيث تفكر الشخصية بصوت مسموع في الأزمات النفسية والمواقف الحادة فتكشف عن مشاعرها وأحاسيسها الداخلية، من هنا كان لا بد لكاتب المسرحية من الاقتصاد في استخدام نجوى النفس، والاقتصار فقط على المواقف شديدة التأزم. وشبيه بذلك الحديث الجانبي؛ بمعنى أن تتحدث الشخصية إلى نفسها، أو إلى شخصية ثانية في حضور شخصيات أخرى يفترض أنها لا تسمع الحديث مع أنه يتم على مسمع منها، وينزع الكاتب إلى استخدام هذه التقنية حين يريد أن يطلع المشاهد على ما تنوي الشخصية أن تتخذه من تدبير في حين يظل ذلك خافيًا على الشخصيات الأخرى، لذلك تنتحي الشخصية جانبًا أو تنفرد بشخصية أخرى فتدلي بهذه المعلومات من خلال حديثها معها، والفرق بين نجوى النفس والحديث الجانبي أن حديث النفس يكشف عن المشاعر؛ بينما الحديث الجانبي يفصح عن نوايا وأفكار1، أما فيما يتعلق بالعامية والفصحى فهي قضية فنية في المقام الأول، والمسرحيات ذات الموضوعات الفكرية لا يناسبها الحوار العامي مطلقًا، ويستحسن تطويع المسرحيات الاجتماعية للفصحى، وتجنب العامية ما أمكن أو تطويرها بحيث تقترب من الفصحى في نهاية الأمر. إن للصمت دورًا في الحوار، فالوقفة المليئة بالمعنى لها قوة درامية كبيرة. الصراع: الصراع هو قوام البناء الدرامي للمسرحية، ولهذا نجد مُنَظِّرا معروفًا من

_ 1 راجع: د. عبد القادر القط: من فنون الأدب "المسرحية" دار النهضة العربية بيروت سنة 1978م ص 38،37.

مُنَظِّري الفن المسرحي وهو ويليام آرجر يقول: إن جزءًا عظيمًا من سر العمارة الدرامية يكمن في كلمة واحدة هي "التوتر"، إن إيجاد حالة من التوتر وصيانتها ورفعها وتعميقها وحلها هو الهدف الرئيسي لصنعة كاتب المسرحية1، والمقصود بالتوتر كما هو واضح الصراع. والصراع لونان رئيسيان: صراع تبدو تجلياته في الحوار وفي الحركة والفعل، وصراع داخلي نفسي يكشف عنه الكاتب في لحظات التأزم والانفعال العميق. وهناك -أيضًا- الصراع الساكن الذي لا يحسم ويظل معلقًا لأن؛ أطرافه لا تقوى على ذلك حيث ينتهي المشهد بما بدأ، والصراع الواثب، وهو الذي يتطور بشكل مفاجئ مثال الانقلاب من موقف إلى آخر كأن تتقلب الصداقة إلى عداوة وهكذا، والتوتر حالة مصاحبة للصراع لذلك يجري الحديث عنها كثيرًا عند الحديث عن الصراع، فالعلاقات بين الأجزاء في المسرحية تقوم على التوتر، والوضع المتوتر ينجم عن الصراع، فالتوتر ينجم عن الوضع والفعل بمعنى أن تكون هناك حالة صراع معينة أي: وضعية تحتاج إلى حسم، هنا لا بد من بروز الفعل أو التصرف إزاء هذه الوضعية، وترقب حدوث الفعل هو الذي يحدث حالة التوتر. قد يكون الصراع بين ما يمليه الواجب وتستدعيه الرغبة، فيظل التوتر قائمًا حتى تتحرك الشخصية للخروج من هذه الحالة القلقة المحيرة. الحدث: يقوم الحدث المسرحي على الاختيار والعزل، ونعني بذلك اختيار موقف معين فيه إمكانات الصراع التي يمكن تطويرها لتفضي إلى ذروة معينة، ثم الإيحاء برؤية ذات بال ومن ثم عزل هذا الموقف عما يمكن أن يفسد هذه الإمكانات.

_ 1 استوارت كريفش: صناعة المسرحية ترجمة د/ عبد الله معتصم الدباغ، دار المأمون بغداد سنة 1986م ص5.

الدرامية، ولا يعني ذلك قطع الموقف عن محيطه الحيوي وخلفيته الواقعية، على أن يتم ذلك من خلال اللسمات والإشارات الدالة، وليس شرطًا أن يكون الحدث من وقائع الحياة الكبرى الهامة، فأهيمته تتمثل فيما قد يفضي إليه من دلالات، ولا بد أن يهتم الكاتب بالوقائع المادية في أيسر جوانبها دون الانسياق وراء تفاصيلها، فالمهم أن تتحول الوقائع المادية إلى وقائع نفسية للكشف عن دخائل النفس، وينبغي البعد عن الإثارة العصبية المقصودة والعنيفة، والمسرحية عادة تشتمل على حدث رئيسي تتفرع منه أحداث ثانوية ترفده دون أن تطغى عليها ... البناء: المقصود به المعمار الفني الذي به يتحدد خط الصراع في المسرحية، وقد تتألف المسرحية من ثلاثة فصول أو خمسة، وقد تكون من فصل واحد، وفي حالة تعدد الفصول فإن الكاتب المسرحي يحرص على تقديم شخصياته في الفصل الأول، والتمهيد للصراع ثم يبلغ ذروته في الثاني إذا كانت المسرحية من ثلاثة فصول وإذا تكونت من خمسة فإن ذروته عادة ما تكون في الثالث ثم ينحدر خط الصراع نحو النهاية، وكل فصل يتكون من عدة مشاهد عادة. مكتبة المسرحية أولًا: عبد القادر القط: من فنون الأدب "المسرحية" دار النهضة العربية، يعتبر هذا الكتاب من أحسن الكتب التي ألفت في هذا المجال إذا عالج الكاتب القيم الفنية للمسرحية وتتبع اتجاهات الكتابة المسرحية مع نماذج مدروسة. ثانيًا: ستوارت كريفش، ترجمة د. عبد الله معتصم الدباغ، دار المأمون، بغداد 1987 وقد عالج فيه الكاتب الفعل المسرحي والتوتر الدرامي، وعنصر التشويق ثم التعقيد وخلق الشخصيات والحوار ودور الصمت، ومهمة المشهد "السيناريو" وما إلى ذلك من قضايا فنية.

ثالثًا: المرشد إلى فن المسرح "الدراما" تأليف لويس فارجاس وترجمة أحمد سلام محمد الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986 ويعالج في الفصل الأول الكتابة المسرحية، ثم يتتبع تاريخ المسرح. رابعًا: مدخل إلى فن المسرحية، مطبعة مرامر، الرياض، 1983. ومراجع أخرى سبق الإشارة إليها في الهوامش.

فن كتابة التراجم والسير

فن كتابة التراجم والسير ما المقصود بالترجمة؟ الترجمة في اللغة التفسير والبيان، والمعنى الاصطلاحي وثيق الصلة بالمعنى اللغوي لأن؛ كاتب الترجمة يوضح ما يتصل بشخصية المترجم له، وينقلها من وضع إلى آخر، حيث يجلو ما علق بها من افتراء أو زيف ويزيل ما ران على بعض جوانبها من غموض، ولكن كلمة التفسير كلمة واسعة الدلالة لا تتصل بأحداث الحياة فحسب بل تتعداها إلى جوانب متعددة ذاتية وموضوعية، بعضها يتصل بشخص المترجم له وبعضها الآخر يتعلق بعصره وواقعه الإنساني والاجتماعي. ما الفرق بين الترجمة والسيرة: يعرف الباحثون الترجمة بأنها ذلك النوع من الأنواع الأدبية الذي يتناول التعريف بحياة رجل أو أكثر، تعريفًا يطول أو يقصر، وتختلف طبيعة الترجمة باختلاف العصر والرجل الذي تدور حوله الترجمة. أما السيرة فهي ضرب من ضرور الترجمة، تنفسح آمادها وتزخر بالحديث الموسع، فالترجمة إذا طالت تسمى سيرة، وكانت كلمة سيرة وثيقة الصلة بما كتب عن الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، لكنها خرجت عن هذا الحيز المخصوص إلى آفاق واسعة حينما ألف أحمد بن يوسف في أواخر القرن الثالث الهجري كتابًا أسماه

"سيرة أحمد بن طولون"1، وقد كان الحس التاريخي هو الأصل في كتابة السيرة، حيث كانت السير جزءًا من التاريخ، وكانت حياة الفرد تمثل جانبًا هامًا من تصور الناس للتاريخ وإيمانهم بأن الفرد هو الذي يصنع التاريخ، ففي أحضان التاريخ كما يقول الدكتور إحسان عباس - نشأت السير وترعرعت-2. ويتسع المصطلح عند العديد من الكتاب فيصبح دالًا على الترجمة بأنواعها، فلا فرق عندهم بين السرة والترجمة، وكلمة ترجمة دخلت إلى العربية من الآرامية، واستخدمها ياقوت الحموي في القرن السابع بمعنى حياة الشخص. "الفرق بين الترجمة وقصة الحياة". إن الذي يهم كاتب الترجمة هو تأمل الأحداث والمواقف واستنطاقها، والكشف عن دلالاتها الخاصة والعامة، ووضعها في سياق فكري فلسفي يُمِيط اللثام عن حقائق الشخصية وعالمها، ويسلط الضوء على المرحلة التاريخية التي عاشت فيها، والمحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه بمختلف الوسائل والأساليب، وليس الهدف من الترجمة مجرد الرصد والتسجيل وجمع المعلومات وتأليفها؛ وإنما ذلك من شأن قصة الحياة التي تعنى بالتسلسل الخطي لحياة الشخصية منذ ولادتها حتى وفاتها. كيف تكتب الترجمة؟ الترجمة نوعان: غيرية أدخل في باب السيرة، وذاتية يكتبها المؤلف عن نفسه، لذا فهي أكثر خصوصية من الغيرية التي تبدو باحثة عن الحقائق الموضوعية، أما الغيرية فهي أكثر موضوعية، وإن لم تغفل الجانب الذاتي الذي يتمثل من خلال وجهة النظر الخاصة بالكاتب.

_ 1 محمد عبد الغني حسن: التراجم والسيرة: دار المعارف، سنة 1955م ص 27. 2 د. إحسان فن السيرة، دار الثقافة، بيروت سنة 1956م ص 9.

أولًا- الترجمة الغيرية: أ- لا بد من البحث عن هيكل بنائي مناسب يتحقق فيه الترابط العضوي ويفضي إلى هدف محدد من كتابة الترجمة؛ لذا من الضروري التركيز على الشخصية وعدم الانسياق وراء أحداث وأشخاص آخرين وعرض أجزاء من حياتهم إلا بما يخدم هذا الغرض الأساسي من بناء الترجمة. وتحقيق الهيكل المعماري العضوي الذي هو جوهر الأعمال الفنية بوجه عام لا يتم إلا بعد جمع الحقائق والوثائق والقرائن وتحقيقها وعدم الاستجابة لمغريات الخيال. ب- إن قوام الفن هو الاختيار والنفي، وإذا كان هذا المبدأ هو القاعدة الأساسية في مختلف الفنون فهو في السيرة ألزم؛ لأنه ينبني على أسس مختلفة، فالنفي أو الإثبات يخضع لمحك الصدق والحقيقة التاريخة، بينما في الفنون الأخرى يخضع لمبدأ آخر يتعلق برؤيا الكاتب، وأصول الفن، وعمل المخيلة، ويعمل الوجدان والنزوع الذاتي كمحركين أساسييين في هذه العملية، وليس من شك في أن الترجمة تقع في منطقة وسط بين جاذبية التحقيق العلمي الذي هو قوام عمل المؤرخ، والاصطفاء الفني وهو أصل العمل الأدبي، ولهذا تتحقق القيمة الفنية للترجمة الذاتية التي هي قوام عمل الفنان، فإذا استطاع أن يحقق ذاته من خلال حساسيته اليقظة لمعنى الأحداث ودلالتها وقدرته على استنطاقها واستخلاص رؤى جديدة في تفسيرها، وفي بناء نسق فكري من خلالها يفضي إلى رؤية جديدة يكون قد اقترب من أصول الفن، فقد يبني الكاتب من الحوادث الصغيرة والشواهد الهامشية رؤية جديدة ذات بعد نفسي أو فكري يتخطى التفاصيل الخارجية وظواهرها الخادعة، ويسلط الضوء على البنية النفسية للشخصية، لذا لا بد لكاتب الترجمة من تتبع التفاصل ذات الدلالالة الموحية.

ج- أن أهم ما ينبغي أن يتنبه إليه كاتب الترجمة ثم يعمل على إبرازه وتعميق الإحساس به هو ما ينتاب الشخصية من تطور ونمو، وما يلم بها من عوامل التبديل والتغيير، ولهذا كان لا بد من رصد أثر الحدث، وخصوصًا ذلك التي يحدث تغييرًا جذريًا في حياة الشخصية، كتجربة العقاد بعد أن دخل السجن مثلًا، أو تجربة ابن تومرت بعد أن لقي الغزالي وما إلى ذلك. د- أن عدة كاتب الترجمة هي المعلومات الغزيرة، وإن لم تكن كلها صالحة للاستغلال، فقد يصدف كاتب الترجمة عن كتابة بعض الحقائق على الرغم من طرافتها لسبب أو لآخر، وقد يعمد إلى استغلال جزئية من الجزئيات المتعلقة بالعادة في المأكل أو الملبس أو المشرب، لذلك فإن للذوق دوره المتميز في بناء السيرة وللذهن الحساس اليقظ فعله في عملية الاختيار والبناء والتطوير، إن التماس المعلومات مهما بدت تافهة من مظانها المختلفة أمر بالغ الضرورة لا بد له من عقلية قادرة على الفرز والترجيح. هـ- وأسلوب العرض الذي ينبغي أن يحشد له كاتب الترجمة مختلف الطرق الشائعة التي تغري بالمتابعة مناط النجاح في التشكيل والبناء؛ لأنها تغني عن الخيال وتعوض الحرية التي تتوفر عند كاتب الرواية. وهناك نقطة مهمة لفت إليها الانتباه بعض الباحثين وهي ضرورة الحذر في الاستعانة بالآثار الأدبية أو الفنية في تشكيل الترجمة، ذلك أن الترجمة تتكئ -عادة- على الحقائق، بينما يعتمد العمل الفني على الخيال ويمزج بينه وبين الواقع على نحو خاص. وقد أشار "توماس هاردي" إلى كاتب سيرته هاتشكوك ووصفه بمجانبة الحقيقة؛ بل بالخطأ وفساد الذوق؛ لأنه اعتمد في ترجمة حياته على قصصه1.

_ 1 راجع: د/ إحسان عباس المرجع السابق ص90/89.

و لكاتب الترجمة الحرية في أن يختار الأسلوب المناسب لعرضها، فقد يختار الطريقة المسرحية الدرامية، وقد مرت بنا الأصول المتبعة في كتابة المسرحية، وقد يختار طريقة القصة التي تعتمد على السرد والحكاية أو طريقة التفسير والشرح والتحليل على نحو ما فعل نعيمة في سيرة جبران خليل جبران، وقد يستعين بهذه الطرق مجتمعة، وقد يعمد كاتب الترجمة إلى التناول التاريخي وفقًا للتسلسل الزماني، وقد يلجأ إلى التقديم والتأخير وفقًا للهدف أو الغاية التي ينشدها. ثانيًا-الترجمة الذاتية: يمكن أن نتبين مفهوم الترجمة من زاويتين: الأولى: النفي: فالترجمة الذاتية ليست هي اليوميات أو المذكرات، فاليوميات تبدو منفصلة لا يجمعها إلا السياق الزمني، والمذكرات تهتم بالشئون الخارجية العامة؛ لأن كاتبها يدونها تحت إلحاح الرغبة في الكشف عن الحقائق والمواقف التاريخية، وتحت ضغط ظروف معينة، وليست هي تلك التداعيات التي يعنى فيها الكاتب بتصوير البيئة الاجتماعية أو الوقائع الكبرى كشاهد عليها أو فاعل فيها، وليست هي الاعترافات التي يظهر فيها الكاتب بمظهر البطل والضحية في آن واحد، وليست هي الرواية التي تستلهم الحياة الخاصة للشخصية؛ لأنها بتحولها إلى رواية تفقد هويتها كترجمة ذاتية، فالترجمة الذاتية لون آخر يعتمد على البناء العضوي المرسوم والشخصية النامية بفعل العوامل الموضوعية التي تصطدم بتحديات تدفعها إلى الأمام وتعمل على تصويرها.

_ 1 راجع د/ يحيى عبد الدايم: الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت سنة 1974م ص4 إلى ص25.

الثانية: الإثبات: حيث يعرف البعض الترجمة الذاتية بأنها ما يكتبه المرء بنفسه عن تاريخ حياته، مسجلًا لأخباره وعارضًا لأعماله وآثاره ذاكرًا أيام طفولته وشبابه وكهولته وما يجري فيها، وقد تقود صاحبها إلى المبالغة وتزييف البطولة وادعائها والزهو بالنفس وإعلاء قيمتها، ولكنها إذا توخت الاعتدال والصدق كانت ذات فائدة عظمى في جلاء الحقائق وتبديد الشكوك1. كيف تكتب الترجمة الذاتية؟ أ- قبل كتابة الترجمة الذاتية لا بد من إدراك الغاية المنشودة والوعي بالهدف المقصود من الترجمة الذاتية، ومن ثم إعداد العدة لتحقيق ذلك. هناك دوافع متعددة لكتابة تاريخ الحياة أبرزها: الدفاع أو الاعتذار كما فعل حنين بن إسحاق، والرغبة في الكشف عن رؤية الكاتب للحياة والوجود بعد طول تأمل ومعاناة كما فعل الرازي في "السيرة السلفية"، والتنفيس عما ألم بالنفس من توتر وكدر كما هو الحال في "الأيام" لطه حسين، والوعظ والإرشاد كما في "الطائف المنن" للشعراني، وتصوير الجانب الفكري وما انتابه من تحول وتطور كما فعل العقاد في "حياة قلم"، وما إلى ذلك من أهداف. ب- استرجاع المنعطفات الهامة في حياة الشخصية وماتستدعيه من تفاصيل، ثم العودة إلى ما دونه الكاتب من مذكرات، وما احتفظ به من وثائق ومقتنيات، وترتيب ذلك في نقاط رئيسية تشكل الهيكل البنائي للسيرة الذاتية. ج- اختيار القالب المناسب لكتابة السيرة الذاتية، فقد أحصى بعض الباحثين ثلاثة قوالب لكتابة الترجمة الذاتية:

_ 1راجع محمد عبد الغني حسن: التراجم والسير، دار المعارف سنة 1955ص 23.

1- القالب الروائي حيث يصور الكاتب حياته في شكل روائي مباشر دون إلغاز أو إخفاء مبينًا السبب الذي حدا به إلى اختيار هذا القالب، وذلك دون انسياق وراء مقتضيات الفن الروائي، وما يستلزمه من تحوير وتعديل. 2- منهج المقالة: يعنى بتقرير الحقائق الخاصة بحياته وشرحها وتفسيرها وتحليلها، وقد يلجأ الكاتب إلى هذا المنهج تحت ضغط الضرورة التي لا تفسح له المجال لاختيار سبيل آخر كرغبته للدفاع عن نفسه وتبرئتها مما نسب إليها. 3- المنهج المزدوج الذي يجمع بين التصوير والتقرير، حيث يلجأ الكاتب إلى أحدهما حين يرى أنه من الأنسب اختيار هذا الأسلوب دون غيره، ومعظم كتاب الترجمة الذاتية يلجؤون إلى هذه الطريقة1. ويستحسن أن يبتعد كاتب الترجمة الذاتية عن امتداح نفسه وتنزيهها والسمو بها على غيرها، كما أن عليه العمل على اجتذاب اهتمام القارئ للتعاطف معه باستخدام أسلوب المصارحة والبوح وتصوير المشاعر الداخلية والتزام الصدق. ولا بد لكاتب الترجمة الذاتية من تخير الوقت المناسب لكتابة الترجمة الذاتية، وذلك حين يحس أن تجربته الحياتية قد نضجت، وأن في التعبير عنها ما يفيد القارئ أو يحق الحق في قضايا معلقة، فبعد أن يكتمل تصور الإنسان لتجربته ويعيد تقييمها يمكنه أن يلجأ إلى التعبير عنها كتابة، وحبذا لو توخى الجانب الروحي النفسي وانصرف إلى بلورته لأن؛ ذلك أوقع في النفس، وأدعى إلى التجاوب والتعاطف والتأثير، وتعتبر ترجمة الغزالي لنفسه في "المنقذ من الضلال" تصويرًا مؤثرًا لتجربته الروحية الثرية.

_ 1 فيما يتعلق بالدوافع والمناهج يمكن مراجعة الدكتور/ يحيى إبراهيم عبد الدايم، المرجع السابق ص 82 وما بعدها.

والسؤال الذي يبرز الآن هو هل ثمة فرق بين الترجمة الذاتية والغيرية؟ اختلف الباحثون حول الإجابة على هذا السؤال، فبعضهم قال: بتشابه الفنين من حيث الغاية والمنهج، والبعض الآخر قال: بأن ثمة تشابهًا في بعض الجوانب وتغايرًا في الجوانب الأخرى، فالترجمة الذاتية تعبير مباشر فيه قدر كبير من الذاتية، والترجمة الغيرية توثيق وتحقيق وضبط واستنتاج فيه قدر كبير من الموضوعية دون غياب للجانب الذاتي، والحقيقة تظل نسبية في كليهما، ولكنها تختلف من عمل لآخر وفقًا لما يتوفر من معلومات وما يتميز به الكاتب من بناء نفسي وعقلي ووجداني، فبعض كتاب الترجمة الذاتية لا يتورعون عن ذكر بعض المعايب والنقائض بل والفضائح أيضًا، والبعض الآخر يلجم قلمه الحياء فلا يقترب من هذه التخوم.

مكتبة التراجم والسير أولًا- الدكتور إحسان عباس، فن السيرة، دار الثقافة، بيروت، سنة1956م. يقع هذا الكتاب في حوالي مائة وست وسبعين صفحة، وقد ذكر المؤلف في المقدمة أنه يبني دراسته على الاختيار، إذ اقتصر على أمثلة يسهل الحصول عليها، ولم يثقل على القارئ بتصنيف المعاجم الخاصة بالسير وكتب الطبقات، ويشير إلى أنه مزج بين العرض التاريخي والتحليل غير المستقصي لبعض النماذج، مقسمًا نظريته في السير بين الأدب العربي والغربي، ويشير إلى أن خط التطور في الأدب العربي أوضح منه في الأدب الغربي، ويرى أن الاتجاه في الحياة المعاصرة أخذ يتشكل نحو الجماعة بخطى سريعة، وهذا يقلل من تقديس الأبطال، ويقر بدور الفرد في الحياة، ويغير مفهومات الناس عن قيمة ذلك الدور، وقد استعرض الكاتب في هذا الكتاب تاريخ السير عند المسلمين وتطوره نحو السيرة الفنية، ويعرض لمقومات السيرة الفنية، ثم يتحدث عن السير الذاتية عند الغرب وعند العرب. ثانيًا- د. يحيى إبراهيم عبد الدايم: الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث، دار النهضة العربية، بيروت سنة 1974م، ويتحدث المؤلف في مقدمته عن الدراسات السابقة على دراسته، ويتناول في الباب مدلول الترجمة الذاتية وتطورها في الأدب العربي والغربي في فصول ثلاثة، ويتحدث في الباب الثاني عن معالم الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث في فصلين، أما الباب الثالث فيتناول الترجمة الذاتية في إطارها السياسي في فصول ثلاثة، وفي الباب الرابع يعرض للترجمة الذاتية في إطارها الفكري، ويتحدث عن العقاد وأحمد أمين وميخائيل نعيمة وطه حسين.

ثالثًا- د. شوقي ضيف: الترجمة الشخصية، دار المعارف سنة 1956م، يعرض فيه الكاتب لصور الترجمة الذاتية عند العرب في عصورهم المختلفة، من العصر العباسي إلى العصر الحديث، ويرى أن التراجم القديمة عند الفلاسفة والعلماء كانت مقيدة من حيث المادة النفسية والاجتماعية، ويعرض للترجمة الشخصية عند المتصوفة، فيرى أنهم عنوا بالحديث عن تجاربهم الروحية وكأنهم يريدون بها جذب الناس إلى طريقهم، وتحدث بعد ذلك عن تراجم الساسة ورجال الحرب، ثم عرض للترجمة الشخصية في العصر الحديث وتطورها بتأثير الترجمات عن الآداب الغربية، حيث مال الكتاب إلى التحدث بصراحة، وأشار إلى كتاب الأيام للدكتور طه حسين، ثم عرض لسيرة أحمد أمين كما كتبها صاحبها.

الخطابة

الخطابة الخطبة لُغويًا - عند العرب - الكلام المنثور المسجع ونحوه، وله أول وآخر كما جاء في لسان العرب، والخطبة اسم وضع موضع المصدر فهو الخطابة1، والخطابة اصطلاحًا فن من فنون الكلام غايته إقناع السامعين واستمالتهم والتأثير فيهم، بصواب قضية أو بخطأ أخرى، وبلوغ موضع الاهتمام من عقولهم2 وموضع التأثير في وجدانهم. ما الفرق بين الخطبة والمحاضرة: الخطبة تتوخى الجانب الوجداني في الدرجة الأولى، فهي تقوم على التأثير، وإن كان عنصر الإقناع أساسيًا فيها، ولكن الخطيب يعمد إلى مختلف المؤثرات العاطفية فيستخدمها ليثير مكامن الاستجابة في السامعين، أما المحاضرة فالمعول فيها على الجانب المعرفي في الدرجة الأولى، والمحاضر يخاطب العقل ويلتمس أيسر السبل لإيصال المعلومات دون أن يلجأ إلى الإثارة، وقد تأثرت الخطبة الحديثة بالمحاضرة فبدأت تنزع إلى العقلانية وتحتشد بأسباب الإقناع، وانحسر-إلى حد ما-ذلك الجانب الأدائي الذي يعول على الإثارة، ولم يكن أمر الإقناع يغيب عن بال القدماء لذلك، نجد المناطقة يعرِّفون الخطبة "بأنها مؤلف من مقدمات مقبولة لصدورها ممن يعتقد فيه لاختصاصه بمزيد من عقل أو تديُّن"3، ولكن قيمة الخطبة الحقيقة تظل كامنة في قدرة الخطيب على "تحويل الأفكار إلى عواطف، فهي في جوهرها تعمد إلى بث حالة نفسية أو يقين وجداني حاسم راغم لا يتمكن المرء من التحرر منه"4، ولهذا تزدهر

_ 1 لسان العرب لابن منظور، دار المعارف، المجلد الثاني ص1195. 2 د. أشرف محمد موسى: الخطابة وفن الإلقاء، مكتبة أخانجي، القاهرة "د. ت" ص7. 3 علي محفوظ: فن الخطابة وإعداد الخطيب، دار الاعتصام سنة 1984م ص 13. 4 راجع: إيليا حاوي، فن الخطابة وتطوره عند العرب، دار الثقافة بيروت، د. ت ص9.

الخطابة في فترات الانعطاف، وفي إبَّان الأزمات الكبرى، ويكون تأثيرها على العامة أكبر من تأثيرها على ذوي الرأي والمفكرين، من هنا بلغت ذروتها في عصور البداوة كما يرى العديد من الباحثين، والخطابة هي أقرب الفنون النثرية لطبيعة الشعر الغنائي. الطريق إلى إتقان فن الخطابة: الخطابة - شأنها في ذلك شأن أغلب فنون القول - ملكة فطرية تُنمَّى بالتحصيل وتطور بالتجربة وتتبلور بالمعاودة والمراجعة والفهم، وقد ينضج الخطيب على نحو مفاجئ تصنعه الأحداث، وتبرزه الحاجة، ويصهره الموقف دون طول إعداد، فالملكات الفطرية في الفن تشرق في النفس دون مقدمات، ومع هذا فإن أصول هذا الفن فيما يرى الباحثون والمنظرون أربعة: 1- الاستعداد الفطري. 2- الإلمام بالأصول والقواعد التي تقوم عليها الخطابة. 3- الاطلاع على النماذج المتميزة من الخطب ودراستها والتعرف على مكامن الإجادة منها. 4- التجربة والمران، فلا بد من التدرب والتمرس، يقول خالد بن صفوان: إنما اللسان عضو؛ إن مرنته مَرن، فهو كاليد تخشنها بالممارسة، وكالبدن تقويه برفع الحجر، والرِّجل إذا عودت المشي مشت، والنسج على منوال الأقدمين له مزالقه، فقد يتمكن الإعجاب بأسلوب المحتذى حتى يصبح الفكاك منه عسيرًا، لذا لا بد من الحذر قدر الإمكان، وإن كان بعض الباحثين يرون الاحتذاء مرحلة لا بد منها قبل أن يصلب عود الخطيب ويشحذ لسانه.

مقومات الخطابة: أولًا- اللغة: امتلاك الأسلوب وإتقان اللغة والقدرة على التصرف في أوجه القول، كل ذلك يعتبر الركيزة الأولى في الخطابة، فلا يمكن أن يكون الخطيب خطيبًا إلا إذا سيطر على زمام القول وأحسن توجيهه وفقًا للموقف. ثانيًا: التسلسل والتنظيم وحسن المعالجة للأفكار: فلا بد أن تكون الأفكار منظمة في ذهن الخطيب، واضحة يسلم بعضها إلى بعض، ومن الضروري أن يحسن الخطيب التعريف بالفكرة من جوانبها المختلفة بما هو حري بالاهتمام، وما هو مناسب للموقف دون إيغال في الاستقصاء، وانسياق وراء التفاصيل. ثالثًا- اختيار الأدلة: العقلية والنقلية المناسبة للأفكار دون غلو في التأويل والتخريج والتطويع، فالأساس في الأدلة أن تكون ظاهرة الدلالة على الفكرة دون اجتراء على الحقيقة أو انحراف بها، وأن تكون أقرب إلى أذهان السامعين وأفهامهم وأن تبدو تلقائية غير متكلفة ولا متعسفة، وأن تقدم في إطار مشوق محبب. رابعًا- المقابلة والتمثيل والتنويع: في التقرير والإنشاء من الأساليب التي تعين على طرد الملل، وتأكيد الأفكار في أذهان السامعين، فمقابلة الأشياء بعضها ببعض في مقارنات وامضة أمر مستحب؛ لأنه ينقل الذهن نقلات مفاجئة منشطة من النقيض إلى النقيض، كذلك فإن التمثيل يربط بين الخطبة والواقع المعاش فيستأنس النفوس ويدجنها، أما التنويع فهو موقظ للحواس وطارد للسأم.

الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الخطيب: أولًا: شروط خلقية كبراءة اللسان من العيوب، وقد تناول الجاحظ في كتابه البيان والتبيين هذه العيوب بتفصيل وإطناب كاللثغة والتمتمة والفأفأة، وبعض هذه العيوب يمكن التغلب عليها بتجنب الحروف التي يتعتع فيها الخطيب ما أمكن كما فعل واصل ابن عطاء حينما تجنب حرف الراء. ثانيًا: شروط ذهنية كسداد الرأي وصحة القول وحضور البديهة وشدة الملاحظة ومراعاة أحوال السامعين وغزارة الفكر. ثالثًا: شروط فنية كالمهارة في إثارة العواطف وتحريك النفوس وحسن الأداء وجهارة الصوت وانطلاقه وتدفقه والتجمل في الشارة والإشارة والملابس والهيئة كما يقال. رابعًا: شروط خلقية، ومنها حسن السيرة حتى يثق الناس به فيستمعون إليه، وخلوص النية؛ لأن خلوص النية تظهر آثاره في الوجه وفي نبرات القول يصاحبه عن التكلف، والتودد إلى الناس والتحلي بالوقار وعزة النفس وعدم التبذل والنفاق وحب الخير ورباطة الجأش وقوة الشخصية لأن؛ الخطيب إذا افتقد الجرأة وهنت عزيمته فلا يقوى على الوقف أمام جمهوره. بناء الخطبة: لا يختلف بناء الخطبة كثيرًا عن بناء المحاضرة والمقالة وما إلى ذلك من فنون التعبير؛ فالمقدمة والعرض والخاتمة هي المكونات الرئيسية للخطبة، ولكن هذه المكونات تحتاج إلى شيء من الدراية ومعرفة الهدف منها وكيفية الانتقال من جزء إلى آخر. أولًا: المقدمة: لا بد للخطيب من استئناس السامعين وشد انتباههم لما يقول من أفكار وإثارة شوقهم لها، لذلك كانت المقدمة أمرًا ضروريًا لأنها؛ تضطلع بهذا العبء،

ولسنا مع ذلك الرأي الذي يقول: إنه لا بد للخطيب من بث الغفلة والذهول في القوى المدركة لجمهور السامعين حتى يتقبلوا ما يريد أن يقول1، فهذا أمر نفعي فيه انتهاز غير مشروع، لا ينسجم مع الغاية النبيلة من الخطابة؛ فليس من شأن المقدمة أن تقوم بهذه المهمة، ولكن وظيفتها الأساسية أن تهيء أذهان الحضور، وتوقظ قواهم المدركة لاستيعاب الأفكار والمعاني. والمقدمة يحددها الموضوع فهي تخضع لطروحاته، ويكون ذلك إما بافتتاح الخطبة بنص بليغ أو بإثارة مجموعة من الأسئلة، وينبغي أن تكون ذات صلة بالموضوع، وإذا كانت الخطبة ذات موضوع عام فمن المستحسن أن تستهل بذكر آية كريمة ذات علاقة بالقضية التي تثيرها أو بحديث شريف، وينصح بعدم إطالة المقدمة والاكتفاء بالتلميح. وقد يستغني الخطيب عن المقدمة تمامًا وخصوصًا إذا كان الموضوع مثيرًا أو إذا كان الخطيب مضطرًا إلى الدخول في صلب الموضوع دون مقدمات. ثانيًا: العرض: يتناول صلب الخطبة فيعالج موضوعها الرئيسي، ويشترط أن يكون العرض حيًا بعيدًا عن الجمود مثيرًا للدهشة والإعجاب وقادرًا على استقطاب أذهان السامعين، وينبغي أن يتوسل الخطيب بما يتناسب مع الموقف من صور وأخيلة وأسلوب فصيح لا يصعب فهمه، ولا يكون ركيكًا مبتذلًا مع الحرص على التلوين والتنويع في الأداء كما أسلفنا، وكلما كانت الأفكار مترابطة ومسلسة كلما كان ذلك أدعى إلى النجاح في عرض الموضوع عرضًا متكاملًا، ولا بأس من الاتكاء على أسلوب القصة أو التمثيل، ولا بأس من الإتيان بالآراء المضادة وتفنيدها، ولا بد أن يتدرج الخطيب في العرض من الأهم فالمهم، ومن العام إلى الخاص.

_ 1 إيليا حاوي في كتابه "فن الخطابة" الذي سبقت الإشارة إليه وذلك ص 19.

ثالثًا: الخاتمة: تشكل خلاصة الخطبة فهي التي تستقر في أذهان السامعين بعد انتهاء الخطبة؛ لذا وجب أن تتضمن الأفكار الرئيسية موجزة مركزة في فكرة شاملة كافية. من هنا كان من الضروري أن تكون عباراتها قوية مثيرة للعاطفة مؤثرة في الوجدان.

فن الشعر

فن الشعر محاولة للتعريف - نظريات في فهم الشعر - كيف تكتب قصيدة الشعر - عناصر الإبداع الشعري ليس من السهل تعريف الشعر، فقد كثرت المحاولات ولكنها لم تفض إلى نتيجة ملموسة، ذلك أن الشعر لغة العواطف والمشاعر والرؤى الممتزجة بالمواقف والأفكار، وهذه اللغة تركيبية تتمازج فيها الألوان والظلال، فهي ليست مجرد أوزان وقواف ولا صور وإيقاعات وألفاظ موحية ذات ظلال، بل هي كل ذلك في تشكيل ذي طابع خاص مؤشر يعيد صياغة التجربة ولا ينقلها. وقد حاول كثير من الباحثين أن يلتمسوا السبل إلى منابع العبقرية الشعرية ولكنهم لم يبلغوا اليقين فوجدنا بعضهم يعزوها إلى الذكاء الفطري، والآخر يرجعها إلى حالة عصابية مرضية، وفريقًا ثالثًا يمزج بينها وبين أحلام اليقظة. ولكنهم جميعًا يعزونها إلى طاقة فطرية كامنة يبلورها الاطلاع، ويفصح عنها المران والدربة ويفتقها الوعي والإدراك. وقد أرجع أرسطو -صاحب أول فكر تنظيري منظم- الدافع الأساسي للشعر إلى علتين أساسيتين هما: غريزة المحاكاة أو التقليد، والثانية غريزة الموسيقى أو الإحساس بالنغم، وينفذ القاضي الجرجاني في كتابه "الوساطة بين المتنبي وخصومه" إلى جوهر الملكة الشعرية وطبيعتها حين يقول: "إن الشعر علم من علوم العرب يشترك فيه الطبع والرواية والذكاء، ثم تكون الدربة مادة له، وقوة لكل واحد من أسبابه"1.

_ 1القاضي الجرجاني: الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق أبي الفضل إبراهيم والبجاوي، القاهرة سنة 1945م ص15،14. راجع محمد خلف الله أحمد: من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده، دار العلوم الرياض سنة 1984م ص44.

وتظل هذه الإشارات في تحليل الموهبة الشعرية والاستعدادت الفطرية والمكتسبة قاصرة عن الغوص إلى مكامن الإبداع الشعري، ولكنها تخلص إلى حقيقة هامة وهي أن الشعر يستلزم وجود الموهبة أساسًا، ثم تنميتها بالقراءة والدربة. وإذا كان النقاد والباحثون قد اختلفوا في تحديد المنابع الأساسية للشعر فقد شجر بينهم الخلاف أيضًا حول مهمة الشعر وغايته وفقًا لاختلاف المدارس والاتجاهات، ولعل أول من أدلى بدلوه في هذا الميدان على نحو واضح من الشعراء العرب المحدثين أحد رموز مدرسة الديوان وهو المازني في كتاب له صدرت الطبعة الأولى منه عام 1915م حيث يقول عن الشعر: " إنه مرآة الحقائق العصرية لأن؛ الشاعر لا قبل له بالخلاص من عصره والفكاك من زمنه، ولا قدرة له على النظر إلى أبعد مما وراء ذلك بكثير فحكمته حكمة عصره، وروحه روح عصره"1. ولا بد من أجل فهم أعمق لتطور النظر إلى فن الشعر من حيث طبيعته وغاياته من تتبع المدارس المختلفة وتعاقبها منذ أرسطو حتى الآن، وهذا أمر يصعب استيعابه ولكننا سنعمد إلى إيجاز القول فيه. أولًا: نظرية المحاكاة: وأول من لفت الأنظار إليها فلاسفة اليونان القدامى خصوصًا أفلاطون الذي يرى أن العالم الحقيقي موجود في ما أسماه عالم المثل، أما العالم المحسوس فهو انعكاس له، والشعر محاكاة للعالم المحسوس فهو يبعد عن الحقيقة مرتين، ولكن أرسطو أشار إلى أن المحاكاة تصوير الشيء كما ينبغي أن يكون، وظلت نظرية المحاكاة هذه أساسية حتى القرن التاسع عشر مع اختلاف في فهم المحاكاة

_ 1 راجع د/ مدحت الجيار/ الشعر غاياته ووسائطه، نص كتاب المازني مع دراسة وتحليل، دار الصحوة للنشر، القاهرة، سنة 1986م ص35.

فهي تارة تُعنى بالأفكار والنماذج، وهي نقل عن الطبيعة تارة أخرى، وهي علاقة بين الفنان وجمهوره تارة ثالثة، وقد تطورت هذه النظرية عند الناقد الألماني "لسنج" الذي يصرح بأن الشعر رسم ناطق. ثانيًا: نظرية التعبير: كانت المحاكاة في طورها الأساسي تعني الصياغة الكلية للقيم الثابتة، فكانت القاعدة النظرية للمذهب الكلاسيكي الذي يعلي من شأن هذه القيم والآثار التي عكفت على تمثلها، حيث أصبحت الكلاسيكية تعني تقليد الأدب الإغريقي والروماني القديم، وقد انتهت نظرية المحاكاة إلى شيء من العقم والجفاف، فحدثت الثورة الرومانتيكية في محاولة للتغلب على الموات الذي انتهت إليه، وظهر المفكر الألماني "هردر" الذي ألح على معاني الولادة والنمو والفناء والبحث عن الأغنية البدائية مبينًا أن الشعر الأصيل هو الذي يعبر عن الشعور، فكانت نظرية التعبير هي الأساس الفلسفي للمدرسة الرومانتيكية. من هنا كان التركيز على العاطفية، واختفى الغرض الوعظي والتعليمي الذي دعت إليه الكلاسيكية، وكان "لفيكو" العالم الاجتماعي دور في التمهيد للرومانتيكية حين اعتبر الشعور والعاطفة اللغة الأولى للعالم، ومن هنا عرَّف "وردزوورث" الشعر بأنه "فيض تلقائي لعاطفة قوية". ثالثًا: نظرية الواقعية: التي وجدت تمثيلًا قويًا لها في الفنون النثرية كالقصة والمسرحية، أما في الشعر فكانت نسبية تتمثل في بعض المظاهر غير الواضحة، وهي ترى أن الشعر، انعكاس للواقع. رابعًا: نظرية الفن للفن: ووجدت هذه النظرية التعبير عنها لدى البرناسيين الذين يعتمدون على

الترابط اللفظي ووقع الكلمات، وكانوا يرون أن الشعر دقة في التصوير، وقوة في الإيقاع، وهم يقتربون به من فن النحت. خامسًا: النظرية الرمزية: وقد مهد لها الشاعر والروائي الأمريكي "إدجار إلان بو" الذي أوضح أن الإنسان منقسم إلى ثلاث قوى: العقل والضمير والنفس، مبينًا أن العقل معني بالحقيقة والضمير بالأخلاق والنفس بالجمال، وهي مسئولة عن الشعر؛ فغاية الشعر الكشف عن الجمال، ولا علاقة به بالحقيقة والأخلاق، واعتبر "بو" آخر منظري الرومانتيكية حيث وصل بها إلى مرحلتها الأخيرة ممهدًا للرمزية، أما الرمزيون فقد ركزوا على الجانب الموسيقي، فقال أحد شعرائهم ومفكريهم: إن مهمة الشعر أن يسترد من الموسيقى ما سلبته منه. كيث تكتب قصيدة الشعر؟ 1 هل يصح أن يوجه هذا السؤال بالفعل؟ وهل يمكن أن نقدم وصفة جاهزة لكتابة القصيدة؟ لا أظن ذلك ممكنًا، لأن؛ الشعر ضرب من ضروب الإبداع، والإبداع ينبثق عن ملكة قارة في النفس، وعن موهبة هي من عطاء الله وفضله، قد تكون هذه الموهبة مخبوءة أو مذخورة كالكنز؛ فهي بحاجة إلى من ينقب عنها ليزيل الركام، ويصقلها، ويبرزها للعيان، وكيفية البحث عن هذا الكنز تكون بجلاء القريحة، وشحذ الملكة هو الذي يمكن أن نلتمس الطريق إليه، ولكن قبل ذلك دعنا نبحث وننقب عن كيفية الإبداع.. كيف تنبثق القصيدة وتولد؟. هل نسلم بالإلهام كتفسير لعملية الإبداع لدى الشعراء؟ إن القول بالإلهام هو أقدم النظريات التي تعلل الإبداع منذ أفلاطون، وإن كان الحدس "وهو

_ 1 هناك فرع خاص من فروع علم النفس هو علم النفس الأدبي يبحث في تفسير ظاهرة الإبداع، وتتركز الأبحاث في هذا الفرع حول عاملين رئيسيين هما الفطرة "هبة الله سبحانه وتعالى" والذكاء العام جزء منها، والدافع ويقوم الإبداع بالإضافة إلى ذلك على قوة الإدراك والتخيل والتصور.

تعبير حديث وأهم من الإلهام" قد حل محله ... فهناك من يرى أن الإلهام صدمة كالانفعال، إذ يصبح الملهم كمن يجذب انتباهه فجأة فيختل توازنه حيث ينقطع سير العمليات الذهنية وينهمر فيض فجائي من الأفكار والصور، من هنا كان الإلهام مصطلحًا يطلق على لحظات الإبداع الفجائية، وهي لحظات تكون مصحوبة بأزمات انفعالية بعيدة عن العقل والشعور. والحدس بشكل عام يشير إلى معنى المعرفة الفجائية، ومهما يكن من أمر فإن التفسير الإلهامي لا يضيء أمامنا الطريق إلى الإبداع خصوصًا، وأنه يعزو هذه العملية برمتها إلى عوامل لا مرئية لا يمكن التحكم فيها أو الوصول إلى منابعها. وحتى في أحسن الأحوال حينما يفسر الحدس بأنه نوع من الاستدلال اللاشعوري الذي يخفي وراءه معارف وخبرات غير مرئية، فإن سبل التحكم فيه أمر خارج عن السيطرة؛ غير أن الأمر يصبح أقرب إلى الضبط والسيطرة حين نسلم مع أولئك الذين يرون أن الإبداع الشعوري ليس إلهامًا أو حدسًا على إطلاقه، ولكن الحدس فيه لحظة معينة من الإبداع من ضمن لحظات متشابكة ومعقدة، إذ تظل الأهمية معلقة على الجانب الواعي الذي يشير إليه بعض المبدعين فيقول: قد تدهش إذا قلت لك: "إني صححت وعدلت وبدلت في كل مخطوطة قمت بتبييضها ونسخها بنفسي أكثر من أربع مرات....أجل ... لكل مخطوطة عندي كبرت أو صغرت، أربع نسخ ... مختلفة بخط يدي"1. إن ثمة جهدًا يبذل أثناء كتابة القصيدة، يؤكد ذلك ما يخلفه الشعراء من مسودات لأعمالهم الإبداعية فهي تكشف عن معاناة مضنية أثناء الكتابة، أما ما يروى عن الشاعر الإنجليزي كولريدج من قصص تتحدث عن قصائد متكاملة ولدت أثناء النوم على شكل أحلام، فينقضه ما هو معروف عن طبيعة الأحلام التي تأتي في نسق غير مترابط، وقد شكك الباحثون في صحة هذه المرويات، فإن الشاعر قد خدع عن الجهد الذي بذله في تنسيق هذا الحلم المضطرب الذي

_ 1 توفيق الحكيم: زهرة العمر، القاهرة ص 246.

جاء على شكل قصيدة؛ فالحلم بما فيه من شطحات وتحولات -كما يقول بعض الدارسين- لا يمكن أن يقود إلى العمل الفني من ألفه إلى يائه؛ فالأداء اليقظ المتمثل في كتابة القصيدة جوهر عملية الإبداع الشعري. وقد كان الفيصل في تتبع عملية الإبداع الشعري هو الاستخبار الذي قام به الدكتور مصطفى سويف حيث وجه مجموعة من الأسئلة لعدد من الشعراء منهم شعراء معروفون مثل: خليل مردم بك، ومحمد بهجت الأثري، ومحمد المجذوب، ومحمد الأسمر، وعادل الغضبان، وأحمد رامي، فكانت النتيجة اتفاق عدد من الإجابات على أن معظم القصائد لا تبزغ فجأة دفعة واحدة دون أن يكون لها مقدمات، وبعضهم أشار إلى نوعين من الإبداع: أحدهما ابن ساعته وهو ما تفيض به النفس إثر حادث يهز النفس، وآخر تعيش فكرته في النفس فترة طويلة قد تبلغ عدة سنوات، والأول أقرب إلى صورة الإلهام، أما الثاني ففيه مجاهدة، وتتفق الإجابات كلها على أن أصحابها لا يكتبون وفقًا لخطة يضعونها ويبدعون أساسها، فمعظم تجاربهم الإبداعية لا تنطلق بطريقة إرادية وإنما بفعل قدرة خفية، وإن بعض المعاني والتراكيب والألفاظ تتوارد على الخاطر أثناء الكتابة. كما يتفق الشعراء على أن خلو المكان يسهم في تدفق العملية الإبداعية، فلا بد من وجود جو خاص يساعد على الاستغراق في هذه العملية الإبداعية، كذلك فإن الاستسلام للهواجس وخطرات النفس يفسح للخيال مجالًا واسعًا، من هنا يبتدئ دور الإلهام في الكتابة الشعرية، ولكنه مرحلة من مراحل متعددة، وقد أفاد الشعراء أيضًا بأن التوتر يشكل عاملًا حيويًا في وحدة القصيدة، وفي لحظة انتهاء التوتر تنتهي القصيدة إلى حدودها المعلومة1.

_ 1 استفدت في هذ المجال بشكل رئيسي من كتاب: الدكتور مصطفى سويف: الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، دار المعارف، القاهرة ط4 سنة 1981م.

وهناك شبه اتفاق على أن العمل الإبداعي الشعري يمر بمراحل ثلاثة: أولًا: الحافز أو المثير الذي قد يكون على شكل تجربة أو موقف اجتماعي أو نفسي حيث تتفاعل في نفس الشاعر أمشاج متباينة. ثانيًا: المرحلة الثانية تتمثل في تأمل التجربة واستيعابها وجدانيًا ونفسيًا وعقليًا، إذ تصبح الشغل الشاغل للشاعر، وهذه ما يطلق عليه مرحلة "الاختمار" وهي تتم بطريقة تلقائية. ثالثًا: المرحلة الثالثة، وهي مرحلة المخاض حيث يعاني الشاعر انبثاق القصيدة، وتحققها أثناء الكتابة. رابعًا: مرحلة التنقيح حيث تخضع القصيدة للمراجعة. وقد حفلت كتب النقد القديم بوصايا متعددة للشادين في هذا المضمار الذين يهيئون أنفسهم ليكونوا شعراء، وهم إذ يقرون بأن الشعر طبع وموهبة، يؤكدون أن الشاعر ينبغي أن يلم بمجموعة من القوانين الأساسية، فالشعر له جانبان متداخلان: جانب فطري مرتبط بالحساسية التي يتميز بها الشاعر والتي تمكنه من إدراك ما لا يدركه الآخرون، وجانب آخر مرتبط بالتعليم والأصول المتعارف عليها، وبدون هذين الجانبين يغدو العلم بالشعر مستحيلًا، وتداخل هذين الجانبين يعني أن جانب التعليم يمكن أن يصحح جانب الطبع، كما أن جانب الطبع يمكن أن يرشد خطى التعليم1. وقد كان القدماء يقرون بضرورة التعليم والتلمذة كسبيل إلى إتقان الصنعة الشعرية، فقد كان كثيرعَزَّة قد تتلمذ على جميل بثينة، وأخذه جميل عن هدبة بن خشرم، وهدبة عن بشر بن أبي خازم، وكان الحطيئة قد أخذ علم الشعر عن زهير، وأخذه زهير عن أوس بن حجر، وكذلك جميع الشعراء العرب المجيدين المشهورين، وقد علق على ذلك حازم القرطاجني وهو من كبار نقادنا القدامى، قال: "فإذا كان أهل ذلك الزمان قد

_ 1 د/ جار عصفور: مفهوم الشعر، دراسة في التراث النقدي، دار التنوير للطباعة والنشر، ط2 سنة 1982م ص135.

احتاجوا إلى التعليم الطويل فما ظنك بأهل الزمان، بل أي نسبة بين الفريقين في ذلك"2. وقد حدد بعض نقادنا القدامى كيفية نظم الشعر على النحو التالي: "فإذا أراد الشاعر بناء قصيدة مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرًا وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ الذي تطابقه، والقوافي التي توافقه، والوزن الذي يسلس له القول عليه.... ثم يتأمل ما قد أداه إليه طبعه، ونتجته فكرته فيستقصي انتقاده ويرم ما وهى منه، ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة لينة. وهذا الفهم للشعر يخالف ما تواضع عليه المحدثون من أن القصيدة في جوهرها تجربة لغوية، فهي في أبسط تصور لها لا تعدو أن تكون مجموعة من الألفاظ مرتبطة ومنسقة على نحو معين، ولكنها حين تكونت على هذا النحو تكون قد اكتسبت شخصية خاصة لها حيويتها وفعاليتها، وهذا الارتباط الخاص للألفاظ هو الذي يشيد العلاقات الجديدة التي تتمثل في صور التعبير المختلفة التي تظهر دائمًا في الكتابة الشعرية، وأعني بصفة خاصة تكوين "الصورة" فالألفلاظ في ارتباطها تكون في القصيدة مجموعة من الصور التي تنقل الشعور أو الفكر. وحتى تبدو عملية إبداع الشعر أكثر وضوحًا لا بد من التعرف على عناصر الإبداع هذه2. أولًا: التجربة الشعرية: على الشاعر أن يتمثل تجربته الشعرية، وعليه أن يقف على إجرائها قبل أن

_ 1 حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة، دار الكتب الشرقية تونس، سنة 1966 ص27. 1 راجع: عز الدين إسماعيل: فنون الأدب، القاهرة سنة 1955م ص115.

يشرع في الكتابة، والتجربة قد تكون ذات طابع نفسي أو اجتماعي أو إنساني، والبعد الفكري عنصر أساسي من عناصر التجربة الشعرية، ولكن للفكر طبيعة مختلفة في الشعر عن الحقائق الموضوعية المجردة؛ فالشعر يحول الحقائق الفكرية إلى حقائق نفسية، ولكن ينبغي أن لا يكون إبراز الفكرة هدفًا أساسيًا في الشعر، يقول ابن رشيق: "والفلسفة وجر الأخبار باب آخر غير الشعر فإن وقع فيه شيء منهما فبقدر، ولا يجب أن يجعلا نصب العين فيكونا متكئًا واستراحة؛ وإنما الشعر ما أطرب وهز النفوس، وحرك الطباع، فهذا هو باب الشعر الذي وضع له، وبني عليه، لا ما سواه"1، والصدق أساس في التجربة الشعرية، ولكن مفهوم الصدق هنا مختلف عما هو معروف خلقيًا، فالمقصود به صدق الشعور والإحساس بالموقف سواء عاناه الشاعر بنفسه أو لاحظه أو تخيله كما في قصيدة العمالقة للشاعر الرمزي "بودلير"، وقد يعبر الشعر عن الشوق إلى المثل العليا، فيكون غارقًا في واقع آسن منحرف، ثم يعبر عن حياة مثالية، فالشعر يعبر عن التطلع المثالي، وقد يكون موضوع الشعر قليل القيمة والأهمية، ومع ذلك يضفي عليه الشاعر من وجدانه وخياله ما يثريه ويبرز مذخوره الإنساني. ولابن الرومي أبيات رائعة في المشاهد العادية كوصفه للخباز مثلًا، وقد تأخذ التجربة الشعرية طابعًا جديًا وهزليًا، فإن ثمة فرقًا بين الجمال الطبيعي والجمال الفني، فقد يستخرج الشاعر مما قبح منظره من معان موحية بأجمل المشاعر فليس هناك موضوعات محددة للشعر، ولا بد أن تكون التجربة الشعورية استجابة لدوافع نفسية ووجدانية قوية، ولا يمكن الفصل بين التجارب الذاتية وإيحاءاتها الإنسانية، فقد ينفذ الشاعر من خلال المعاناة الذاتية إلى ما هو إنساني وواقعي، وقد تقوم التجربة على معاناة فكرة جوهرية ذات قيمة، ولكن الشاعر يقصر في صياغتها وإبرازها لتقوقعه داخل إطارها المجرد، كما نرى في كثير من أشعار العقاد، ويرى بعض علماء الجمال أن على

_ 1ابن رشيق: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، حققه محمد محي الدين، دار الجيل بيروت ط4، سنة 1982 ج1 ص128.

الشعراء أن يتزودوا بالاستسلام وقوة الروح كي يتقبلوا ويتحملوا اللحظات السامية. والمطلوب من الشاعر أن يوجد في قصائده قدرًا من الوحدة العضوية "الفنية" ويمكن الوصول إلى ذلك بالتفكير في منهج القصيدة وفي الأثر الذي يراد إحداثه في سامعيه، وفي الأجزاء التي تتدرج في إحداث هذا الأثر بحيث تتمشى مع بنية القصيدة بوصفها وحدة حية، ثم في الأفكار والصور التي يشتمل عليها كل جزء بحيث تتحرك به القصيدة إلى الأمام لإحداث الأثر المقصود منها، فوحدة التجربة في أبعادها الوجدانية والعاطفية ووحدة الأثر يفضيان بالضرورة إلى وحدة القصيدة، وهذه الوحدة تقتضي ضربًا من التنامي الحيوي وليس التراكم الكمي، لذا ينبغي أن تنمو داخليًا لا أن تكون مجرد سمة خارجية أو رابطة شكلية. ثانيًا: الصياغة والتشكيل: اللغة الشعرية ذات خصائص متميزة، فهي تقوم على مبدأ المغايرة للنمط المعتاد في الكتابة النثرية، وكلما استطاع الشاعر الخروج على المألوف والمعتاد واستثمار خصائص اللغة بوصفها مادة التشكيل حقق التأثير المطلوب، فالجانب اللفظي هو لب العملية الإبداعية في الشعر؛ من هنا كان التفكير في عملية التشكيل والصيغة الميدان الحقيقي لعمل الشاعر، ويدخل في إطار ذلك الصورة التي يعبر عنه بعض النقاد بقولهم: إنها تشبه سلسلة من المرايا الموضوعة في زوايا مختلفة بحيث تعكس الموضوع، وهو يتطور في أوجه مختلفة، وهي لا تعكس الموضوع فقط بل تعطيه الحياة والنبض1. والصورة في الشعر لا تقوم على علاقات عقلية برهانية، لأن؛ البرهان تقرير

_ 1 سيسل دي لويس: الصورة الشعرية، ترجمة د/ أحمد نصيف الجنابي وآخرون، دار الرشيد للنشر، بغداد سنة 1982م.

وتصريح وليس إيحاء، والصورة المجردة تقوم على التوليدات العقلية الجافة غير أن هناك بعض أنماط من الصور ذات الطابع الاحتجاجي تشف عن منازع نفسية عميقة، ووظيفة الصورة في الشعر أنها تحول المشاعر والأحاسيس إلى مرئيات ومحسوسات، غير أنه لا يجوز التوقف عند مظاهر التشابه الشكلي الظاهري بين الأشياء، من هنا كانت الطرافة والمفارقة في الصورة أمرًا مستحبًا. واستخدام الصورة في الشعر يستلزم وضعها في سياق الحركة الفنية والنفسية للتجربة الشعرية في القصيدة بحيث تسهم في تنمية هذه الحركة وتصاعدها، وحتى إذا كانت تعبر عن الانتقالات النفسية المفاجئة فإن هذه الانتقالات تتماشى مع السياق المتصاعد للقصيدة، لذا كان لا بد أن يكون هناك انسجام بين أجزاء القصيدة بحيث لا تبدو مضطربة أو متناقضة، وحينما تتعقد الصورة وتتكاثف، وتغمض - عند بعض الاتجاهات الحديثة - فإنها تكون موظفة في خدمة هذا التشكل المضطرد في اتجاه التطور والتسامي وفق ما يقولون. ثمة خصيصة مهمة للصورة الشعرية وهي كلما كانت الصورة توحي وتنشر ظلالها النفسية؛ كانت أكثر وظيفية في الشعر من الصورة التي تقوم على الجانب الوصفي المحض، والعنصر القصصي مثلًا يوفر ظلالًا إيحائية، ويسهم في أحكام الوحدة الفنية ولا بد - حتى تتضح الصورة فيما يختص بالإبداع الشعري - من الإشارة إلى أن ثمة تيارين سادا في فهم نظرية الشعر، فهناك من يرى أن وظيفة الشعر هي إحداث أبلغ الأثر في نفس المتلقي، وكلما كان وقع هذا الأثر شديدًا كانت القصيدة ناجحة، ثم ما لبثت الحساسية الجمالية أن تغيرت في هذا العصر تبعًا لسنة الله في خلقه فاعتمد الشعراء لونًا جديدًا من ألوان البناء في القصيدة، والفرق بين البناء المألوف في القصيدة القديمة والقصيدة الحديثة أن الأولى تتكئ على تضاريس ثابتة لها نموذج مستقر بإطار مسبق، وهذ ما عمد بعض المحدثين إلى تسميته بالإطار المغلق الذي لا يقبل الزيادة أو النقصان، أما

القصيدة الحديثة فهي مشرعة الأبواب أمام الاجتهادات التقنية والجمالية، فلكل قصيدة أسلوبها وطرائقها في التعبير، فهي أشبه بالمغامرة اللغوية كما يقول أصحاب هذا الاتجاه في بناء القصيدة. ويرى بعض الباحثين أن الفرق بين الاتجاه القديم والاتجاه الحديث في بناء القصيدة يكمن في أن القصيدة القديمة ما إن تشرع في بنائها حتى تتضح لك معالمها الجمالية ونموذجها المتحقق في عدد من القصائد السابقة من حيث البحر والقافية والروي، بينما تشرع في بناء قصيدة من النمط الجديد فلا تتضح معالمها وإطارها وإنما تتشكل وفقًا للتجربة، وتستدعي نهجها الخاص حتى إذا اكتملت؛ برزت تضاريسه وتكاملت، فالقصيدة القديمة لها تصور مسبق جاهز، وأما الجديدة فتسعى إلى الكشف وارتياد المجهول والتغلغل المتصل في باطن الأشياء، ويتلخص هذا النهج فيما سمي بجماليات التوقع في القصيدة القديمة، أي: أنك تستطيع أن تتنبأ بما سيأتي في مراحلها المتعددة، أما جماليات الإدهاش في القصيدة الجديدة فتقوم على مبدأ المفاجأة، فليس ثمة ما يساعد على توقع مراحلها القادمة، فأنت دائم التنبه واليقظة لاستقبال ما هو مفاجئ ومدهش، لهذا كان التطور المتلاحق في المنجزات الفنية في القصيدة الجديدة خلال حقبة زمنية قصيرة فكانت المرحلة الأولى تتسم بالتهيج العاطفي "الميلودراما"، والمرحلة الثانية قفزت إلى آفاق أوسع تمثلت في "الدراما"، وتعدد1 الصوت داخل القصيدة الواحدة، ثم قفزت إلى مرحلة ثالثة في أعقاب نكسة حزيران، ودخلت في عتمة الغموض فانكفأ الشعراء على ذواتهم يستنبطون دواخلهم ويتقوقعون في أقبيتها الكابوسية، ثم انتهت إلى جماليات التجريد حيث كادت تتحول القصيدة إلى مجرد تشكيل فني مقصود لذاته يبرأ من المفاهيم وينشغل بالصنعة في ذاتها ولذاتها.

_ 1 راجع فيما يختص بهذا الأمر المحاضرة التي ألقاها الدكتور، عز الدين إسماعيل في النادي الأدبي بجدة تحت عنوان: جماليات القصيدة في الشعر العربي ص33. المجلد الرابع، كتاب النادي الأدبي الثقافي 48 جدة 1408هـ-1988م.

بين الإبداعي والوظيفي

بين الإبداعي والوظيفي فن كتابة المقالة تعريف المقالة اختلف الباحثون والكتاب في تعريف المقالة، فمنهم من يرى أنها عبارة عن مجموعة من الخواطر والتأملات لا تجري على نسق معين، وليس لها نظام خاص بل يمارس الكاتب حريته كاملة في الطريقة التي يصوغ فيها أفكاره وتأملاته، حيث يعرفها الدكتور جونسون أحد كتاب المقالة في أطوارها المبكرة بأنها نزوة عقلية لا ينبغي أن يكو لها ضابط من نظام، وهي قطعة لا تجري على نسق معلوم، ولم يتم هضمها في نفس كاتبها1. وهذا التعريف ربما يصدق على المقالة في بدايتها الأولى، ولكنه - في ذات الوقت - مؤشر مهم على طبيعة المقالة، ففي اشتقاقها اللغوي الأجنبي والعربي ما يوحي بمثل هذا المعنى، فالدلالات التي تشير إليها المفردات اللغوية المستخدمة للدلالة على المقالة تقترب بالمقالة من هذا المفهوم، إذ تعني في مجملها محاولة أو خبرة أو تطبيقًا مبدئيًا أو تجربة أولية؛ فهي وفقًا لذلك تُبقي الباب مفتوحًا أمام المصطلح ليومئ إلى أشكال متباينة وغير محددة من التعبير، وكذلك الكلمة في اللغة العربية فهي مصدر ميمي بمعنى القول، والقول قد يتشكل في أنماط متعددة وغير محددة. لهذا نجد كاتبًا عربيًا متخصصًا في هذا الميدان يعرف المقالة بأنها "وثبة عقلية لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظام"2 على غرار تعريف جونسون، على الرغم من مرور عشرات السنين على هذا التعريف.

_ "2،1"راجع: د. إبراهيم إمام: دراسات في الفن الصحفي، الأنجلو المصرية، القاهرة "د. ت" ص180.

ويقترب تعريف الدكتور محمد يوسف نجم من مضمون التعريف الذي أوردته الموسوعة البريطانية، ويبدو أكثر شمولًا حيث يقول: "المقالة نص نثري محدود الطول يدور حول موضوع معين تظهر فيه شخصية الكاتب، وله مقومات فنية تتمثل في المقدمة والعرض والخاتمة، وشرطها الأساسي أن تكون صياغتها أدبية سلسة تستهوي القارئ"1. وعلى العموم، فإن ثمة إجماعًا بين الباحثين على أن المقالة فيها شيء من العفوية وقلة التعمق أو الإحاطة والشمول والتنظيم، وخصوصًا ما اصطلح على تسميته بالمقال الصحفي، وإن كان البعض قد أصر على الشبه بين المقالة والبحث. وقد دأب الباحثون على تقسيم المقالة إلى ذاتية وموضوعية، وهي في اعتقادنا عملية غير دقيقة لأنه؛ يفترض أن يكون في المقالة جانب ذاتي بارز، بل هو شرط أساسي؛ كذلك فإن التزام حدود موضوعية معينة يعتبر أصلًا في المقالة مهما كان نوعها؛ لهذا نفضل أن يكون التمييز بين أنواع المقالة قائمًا على أساس آخر، ووفقًا لهذا الأساس يمكن التعرف على طريقة كتابة المقالة، ونرى من الأسلم أن تقسم المقالة إلى نوعين أساسيين هما المقالة الصحفية والمقالة غير الصحفية "المقالة البحثية". أولًا: المقالة الصحفية: وهي عدة أقسام وفقًا للغرض والمنهج ووفقًا للموضوع. أما التقسيم وفقًا للغرض والمنهج فيقضي بأن نميز بين: أ- المقالة الافتتاحية.

_ 1 د. محمد يوسف نجم: فن المقالة، دار الثقافة، بيرو "د. ت" ص94.

ب- العمود الصحفي "الخاطرة". ج- مقال الرأي. والمقالة غير الصحفية هي تلك التي تتخذ طابعا بحثيا وتنشر في كتاب أو دوريات متخصصة، وهو نمط خاص يقترب من البحث. أما المقالة الافتتاحية فيكون كاتبها ذا خط فكري واضح يلتزم بسياسة الجريدة، ويكتبه أصحاب الشأن من المحررين، وقد يكون مقصورا على رئيس التحرير، ويستعين بالوثائق والأرشيف ويلتمس الفكرة المثيرة والحقائق والشواهد المؤكدة للفكرة ويلتزم بالخصائص التالية: 1- الحذر والتحفظ في إبداء الرأي والعمل على بلورته بحيطة ودقة. 2- العمل على إقناع القارئ وتشويقه إلى متابعة القراءة. 3- التماس الموضوعات الطازجة والمسايرة للحدث. 4- النزوع إلى الاستمالة والتوجيه ومخاطبة الرأي العام. ولابد أن يكون كاتب المقال الافتتاحي يقظا شديد الحساسية ملما ذا ذاكرة قوية، قادرة على الربط بين الأحداث والمواقف. أما العمود الصحفي أو الخاطرة فيلتقط كاتبه فكرة أو واقعة، أو ظاهرة يتحدث فيها من وجهة نظره الخاصة انتقادا أو استحسانا أو تحليلا بسيطا، وفي الغالب يكون العنوان ثابتا والكتابة دورية أسبوعية أو يومية، وغالبا ما يتسم أسلوب كاتب العمود الصحفي بخصوصية متميزة، وبإيجاز غير مخل، وربما تكمن خصوصية الأسلوب في السخرية أو في خفة العبارة ورشاقتها. وهناك من يرى أن أهم عناصر الخاطرة أو العمود الصحفي: الفكرة الجوهرية أو الواقعة ثم الشواهد ثم النتيجة، وهذا ليس أمرا مفروضا بالضرورة.

أما النوع الثالث من المقالة الصحفية فهو مقالة الرأي، التي تقترب من المقالة الافتتاحية، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن رأي الجريدة أو المجلة، وخطها الثابت، كما أنها ليست كالمقالة الافتتاحية مقصورة على جوانب سياسية، أو اجتماعية مثار الاهتمام من قبل الرأي العام بل تتناول موضوعات مختلفة، يبدي كاتبها رأيه مدعمًا بالأدلة وفق تسلسل مدروس يفضي إلى نتيجة، وقد يكون تحليلًا مستفيضًا لموقف أو دراسة مستقصية لظاهرة. وفيما يتعلق بالتقسيم الموضوعي فإن طريقة المعالجة هي التي تحدد المجال التصنيفي، فالموضوع في حد ذاته قد يتناوله كاتب صحفي أو باحث متخصص. ما المقصود بالتحقيق الصحفي؟ التحقيق يتناول ظاهرة معينة من جوانب متعددة ووجهات نظر مختلفة أو متباينة، ويتم بأساليب متعددة منها: أولًا: عرض الآراء المختلفة للمختصين أو المهتمين بالظاهرة، أو شهود الواقعة وأطرافها وفقًا لطبيعة الموضوع مع التعقيب أو التحليل والاستنتاج، وأسلوب العرض الموسع المستقصي هو أنسب الأساليب لهذ النمط من التحقيقات. ثانيًا: رواية الحدث من زاوية المتابعة الشخصية مع الرصد الدقيق، ومحاولة النفاذ إلى الخبايا والأسرار، وأسلوب السرد والقصة هو أكثر الأساليب ملاءمة لمثل هذا النوع من التحقيقات، ويعتمد على ذكاء الكاتب وفطنته وإلمامه بالتفاصيل وبنائه للحدث من خلال الجزئيات المتعددة تبعًا لدرجة الإثارة والتشويق فيها. ثالثًا: الاعتماد على الوصف والاستقراء للواقعة أو المشهد، وهذا يناسب استطلاع المشاهد والمواقع والأماكن الأثرية، ويعتمد على موهبة الكاتب في استنطاق التضاريس المكانية أو المشهدية، وتشكيل صورة وصفية حية لها.

رابعًا: أسلوب الاعتراف، ومن خلاله تتبدى حنكة الكاتب في التمهيد لاستدراج الشخص أو المسئول والحصول منه على اعترافات كاملة، ويناسب هذا الأسلوب التحقيقات التي تجرى داخل السجون ومع المتهمين والمعتقلين، ومع المسئولين عن المراكز الحساسة والمؤثرة أحيانًا الذين يكشف النقاب عن تورطهم في أخطاء أو فضائح وما إلى ذلك، ويعتمد على قدرة الكاتب في نقل هذه الاعترافات وصياغتها صياغة دقيقة ومؤثرة ومشوقة. خامسًا: المقابلة أو الحوار الصحفي، ويفترض في الكاتب أن يعد أسئلته بعناية فائقة وفقًا لخلفية متمكنة، تلم بمعلومات وافية عن الشخصية المراد إعداد الحوار معها، وقراءة ما كتب عنها وما كتبته من مؤلفات وما اضطلعت به من أعمال، وما اشتهرت به من مواقف، ويفترض أن يكون الكاتب قادرًا على اشتقاق أسئلة جديدة من الإجابات، وإثارة الشخصية لدفعها إلى الإفضاء بما لديه من أفكار ومعلومات. وعند إعداد الحوار لا بد من حسن اختيار العنوان الذي من شأنه أن يجذب اهتمام القارئ وإبراز المعلومات الجديدة التي يطرحها التحقيق بشيء من العناية والتركيز، مع إثبات الأدلة والشواهد والمصادر بموضوعية، وإثارة غريزة حب الاستطلاع لدى القارئ لمتابعة قراءة التحقيق. خطوات كتابة التحقيق: لا تختلف خطوات التحقيق كثيرًا عن خطوات كتابة المقالة بشكل عام، ولكن صاحبها يتميز بشيء من يقظة الحاسة الصحفية، ويعتمد على جمع الحقائق اللازمة بدلًا من جمع المعلومات النظرية؛ لأن الحقائق في التحقيق الصحفي تختلف نوعيًا عن المعلومات في المقالة، فمصادرها متعددة، وتحتاج إلى سعي دؤوب يتخطى المراجع والكتب.

وإعداد خطة التحقيق يختلف أيضًا عن الإعداد المعروف للكتابة إذ تتنوع أشكال الخطة، فهناك وجهات نظر، وهناك ملاحظات مختلفة المصادر، وهناك استفتاء وأحاديث تُجرى، ورصد خاص، وما إلى ذلك، وكل هذا الخليط لا بد أن يرتب وفقًا لمحاور معينة تأخذ بعين الاعتبار العديد من المبادئ المهنية للصحافة، إذ لا بد أن يخدم التحقيق أهداف معينة تتعلق بالصحيفة وبالفكرة التي يهدف إلى جلائها التحقيق، وما إلى ذلك. كيف تكتب المقال؟ أولًا-اختيار موضوع المقال: يخضع اختيار الموضوع لأسس متعددة منها ما يتصل بالكاتب ومنها ما ليس له دخل فيه؛ فالظروف هي التي تملي هذه الأسس، فإذا كان الكاتب صحفيًا فهو مضطر إلى اختيار موضع يتناسب مع الظرف الراهن ما يتمشى واهتمامات القراء وسياسة الصحيفة التي يكتب فيها، وأما إذا كان الكاتب حرًا في اختيار موضوعه فحالته العقلية والنفسية وتوجهه الفكري يفرض عليه هذا الاختيار، وقد يكون كاتب المقال مكلفًا بكتابة مقال محدد له علاقة بالمادة العملية التي يدرسها، أو في إطار ما يسمى بالنشاط اللاصفي، من هنا كانت عملية التحكم في اختيار الموضوع تخضع لظروف خاصة. ثانيًا- تحديد الهدف من المقال: وهذا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالظروف التي أملت على الكاتب اختيار موضوعه، وتحديد الهدف يدفع إلى اختيار المنهج الملائم لكتابة المقال، فقد يكون الهدف توضيح مقولة ما، أو تزويد القارئ بمعلومات معينة حول مكان أو فكرة أو مسألة خلافية، أو كشفًا عن حقيقة غائبة. ثالثًا- اختيار العنوان أمر بالغ الأهمية؛ لأنه يوجه مسار الكتابة، وكلما كان العنوان دقيقًا دالًا كان المقال واضح المعالم، وأفكاره مرتبة منتظمة، أو إذا

كان العنوان عامًا عائمًا؛ فإن الكتابة تسير في منعطفات لا تفضي إلا إلى مزيد من الاضطراب والتخبط. رابعًا- التصور النظري: ويعني ذلك رسم المعالم الرئيسية وترتيبها في الذهن قبل المباشرة في الكتابة وفق خطة مدروسة تساعد الكاتب على تكثيف جهده وتركيزه في طرح منظم ومؤثر. خامسًا-خطوات التنفيذ: تقسيم الخطة إلى مقدمة تهيِّئ الأذهان، وتكون موجزة مركزة وتشكل مدخلًا له صلة وثيقة بموضوع المقالة، وإلى عرض في عدة فقرات، كل فقرة تتناول فكرة معينة، وتكون الأفكار متسلسلة ومترابطة بحيث يستدل عليها بالأدلة النقلية والعقلية المناسبة، على أن يغلفها الكاتب بانطباعاته الشخصية ووجهة نظره الخاصة، وتفضي في نهاية المطاف إلى الخاتمة. وقد أوردنا في نهاية هذا البحث نماذج تطبيقية يمكن الرجوع إليها. مناهج كتابة المقالة1: أولًا: المنهج التحليلي ... ويقوم على تناول قضية من القضايا أو موضوع من الموضوعات بالدراسة من خلال النظر في عناصره المختلفة بعد فرزها واكتشاف ما بينها من علائق، وفحصها فحصًا دقيقًا تمهيدًا لفهمها أو الحكم عليها وتقييمها، وغالبًا ما يكون في معالجة النظريات والمذاهب الفكرية والنصوص والقضايا الاجتماعية والصفة التحليلية منهجًا وليس موضوعًا. خطوات الكتابة وفقًا لهذا المنهج: 1- الإلمام بالنظرية أو المذهب أو النص أو القضية وجمع المعلومات الكافية عنها.

_ 1 راجع فيما يتعلق بهذا الموضوع كتاب "التحرير العربي" للدكتورين أحمد شوقي رضوان وعثمان الفريح، عمادة شؤون المكتبات، جامعة الملك سعود، الرياض 1404هـ. ص111 فما بعدها.

2- تصنيف المعلومات وترتيبها. 3- اكتشاف عناصر الموضوع وتدوينها تمهيدًا لدراستها. 4- مباشرة الكتابة على النحو التالي: أ- المقدمة حيث يتحدد الهدف من خلالها. ب- العرض: تناول فيه كاتب المقال عناصر الموضوع عنصرًا عنصرًا لتسليط الضوء عليه وبيان صلته بالعناصر الأخرى، وبيان وجهة النظر حوله مدعمة بالأدلة والبراهين. ج- استخلاص الموقف العام من الموضوع في نهاية المقالة.

نموذج تطبيقي الفلسفة الوجودية الطريقة والمنهج: 1- دراسة النظرية من مصادرها عند أشهر الفلاسفة الذين نادوا بها مثل سارتر وكامي وكير كيجارد. 2- من خلال الدراسة والتأمل نستكشف تضاريس المذهب عل النحو التالي: أ- الوجودية تعني قيمة الوجود الفردي، وتؤكد أولوية الوجود على الماهية. ب- الإنسان مجموعة من المتناقضات، والوجوديون يقفون ضد أي محاولة لالتماس مبدأ كلي تندرج تحته الأفعال الأخلاقية. ج- للسيطرة على هذا التناقض لا بد من استجماعه في وحدة شاملة تمضي به إلى اتجاه متناسق. د- تختلف السبل عند الوجوديين في تحقيق هذه السيطرة. هـ- الزعم بوجود ضربين من الوجودية: وجودية عميقة التدين، ووجودية ملحدة.

الكتابة: في المقدمة نحدد الهدف من تحليل الفلسفة الوجودية على النحو التالي: غاية هذه المقالة توعية القراء بحقيقة النظرة الخاطئة إلى الكون والوجود، وتبصير الطليعة المثقفة من الشباب بأهم الاتجاهات التي سادت الفكر الأوروبي الغربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية نتيجة لخيبة الأمل الصاعقة التي أصابت المجتمعات الأوروبية في المبادئ الليبرالية. إن انتقال هذه الاتجاهات إلى المجتمعات العربية والإسلامية قد أحدث شروخًا عميقة في نفوس الشباب، وأحدث نوعًا من البلبلة الفكرية خصوصًا في حقبة الستينيات، وانعكس أثرها عميقًا في الأعمال الإبداعية سواء كانت شعرًا أو نثرًا. العرض: ونتناول فيه العناصر التي تم فرزها "بعد التعرف عليها" في الفلسفة الوجودية. الفقرة الأولى: "العنصر الأول": تؤكد الوجودية قيمة الوجود الفردي، وهذه القيمة تعترف بها الأديان جميعًا، غير أن الوجوديين ينفون وجود جوهر كلي ينظم هذا الوجود، فلا يقرون إلا بالحسي والعياني، في حين أن الجوهر أساس هذا التحقق العياني، فإن الإنسانية كفكرة جوهرية تبرز النظرة الشاملة التي تتخطى الجزئيات وتتجاوز العياني المحدود للأشخاص، وتنتظم في تصور متكامل يفضي إلى استخلاص المبادئ والقيم التي ترتكز عليها الحياة الإنسانية، وإذا كانت الأديان السماوية ودينًا الإسلامي على وجه الخصوص يقر بوجود مظاهر الضعف والخلل في البشر كآحاد، لهم وجودهم المتعين فإنه يكشف عن الجوهر الإنساني الخير ويبرز

القيم والمثل التي من شأنها إصلاح حال الإنسان والارتقاء به وضمان حريته وكرامته، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر} . الفقرة الثانية: "العنصر الثاني": أما فيما يتعلق بالنظر إلى الإنسان كمجموعة من المتناقضات وإنكار مبدأ كلي تندرج تحته الأفعال الأخلاقية فإن ذلك ينتهي بالوجودية إلى رصيف العبث والتشاؤم والسوداوية التي سادت إنتاج الأدباء الوجوديين من أمثال سارتر وكامي، والحقيقة أن المبادئ الأخلاقية الكلية لا يمكن إنكارها بدليل أنها كانت قوام وجود المجتمعات عبر التاريخ، وأن نضال الإنسان المستمر من أجل إرسائها أعطى لوجوده معنى، وقد أثمر هذه المنجزات الرائعة في الحياة وفي الفلسفة والفكر على حد سواء، ومن شأن شيوع هذه الأفكار العبثية أن تبذر بذور الفساد والعدمية وتفقد الحياة معناها. الفقرة الثالثة "العنصر الثالث": السيطرة على التناقض من وجهة نظر سارتر تكون بإطلاق العنان للحرية الفردية بلا ضابط وفقًا لمبدأ الحرية والمسئولية، وهذه الحرية تتمثل في إشباع الرغبات والشهوات دون مبالاة بشيء، وهذا الأمر يقود بالضرورة إلى تفجير التناقضات وتدمير الإنسان، وتحلله من أي انتماء، ولا يسهم ذلك في إعادة التوازن بل يؤدي إلى الانهيار المأساوي؛ لأن التكامل الذي يتم بالتوافق بين عنصري المادة والروح يختل تحت وطأة الرغبات الحسية ويجمح بالإنسان إلى الهلاك. الفقرة الرابعة "العنصر الرابع": وإذا كان سارتر يمثل توجهًا معينًا في إطار الفلسفة الوجودية فإن كامي يمثل الطرف الآخر النقيض، فوجود الفرد عنده يتحقق بمواجهة المخاوف والأخطار

وإبراز الطاقة الكامنة عند الإنسان بمعاناة أقصى درجات القلق والخوف، ويذهب آخرون إلى أن إمكانية تحقق الذات عند الإنسان يمكن أن تتم بمزيد من التعلق بالله سبحانه وتعالى، والتأمل في الكون والوجود. وهكذا يمكن السير في معالجة لهذا الموضوع وفقا للنهج التحليلي في كتابة المقال وصولا إلى الخاتمة. الخاتمة: استخلاص الموقف العام مما سبق يتضح لنا أن الوجودية ليست فلسفة شاملة أو نظرية متكاملة بل هي نزعات متباينة لا ينتظمها إطار كلي، تتشظى في مواقف جزئية متعددة، وأنها جاءت كردة فعل لما ساد الحياة الغربية من انهيار في القيم والمثل، وهي إحدى مظاهر الهزيمة الشاملة التي حاقت بالتطلعات والأماني المرجوه بعد سقوط ملايين البشر في حرب عبثية، وتناحر دموي على موارد الثروة ومناطق النفوذ؛ من هنا كان ينبغي أن يتنبه شبابنا لما في هذه الفلسفات من خطورة تهدد حياتهم ووجودهم. المنهج البياني: يدخل في إطار هذ المنهج كل مقال يعمد كاتبه إلى إيراد المعلومات في شكل مترابط يفضي إلى صورة واضحة عن أي موضوع من الموضوعات، ويدخل في إطار هذا المنهج الأسلوب القائم على التوضيح والعرض أو الوصف والقص، ومثال ذلك المقال التالي: "القرآن الكريم ومناهج التفسير". فيما يتعلق بالاستعداد للكتابة في هذا الموضوع نعمد إلى اتباع الخطوات السابقة الذكر:

أولًا: المقدمة تشير إلى أهمية هذا الموضوع وضرورة الإحاطة به: إن المعارف المتعلقة بالقرآن الكريم تعين على فهم كتاب الله سبحانه وتعالى، والحذر مطلوب من المسلم في تلقيه لكل ما كتب حوله من تفسير أو بيان حتى ينشأ سليم العقيدة نقي الفكرة، من هنا كان لا بد من تناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل. العرض: ويقوم على التركيب بإثبات المعلومات مترابطة متسلسلة حتى تتكامل الصورة. الفقرة الأولى: نزل القرآن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منجمًا في نحو عشرين سنة، وقد جمع عهد أبي بكر الصديق "رضي الله عنه" من الصحف والألواح وصدور الحفاظ، تم تدوينه وجمعه في مصحف واحد في عهد عثمان بن عفان "رضي الله عنه" وكان صحابة رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يتحرجون في تفسيره، ولم يكونوا على مستوى واحد من الفهم، ذلك أن في القرآن الكريم آيات محكمات وأخر متشابهات، والمتشابهات لا يفهمها إلا من أوتي قدرا من العلم. الفقرة الثانية: هناك مناهج متعددة في تفسير القرآن ظهرت في القرنين الأول والثاني للهجرة، منها: التفسير بالنقل، أي: بما ورد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصحابته الأجلاء رضوان الله عليهم أجمعين وتابعيهم من الصفوة الثقات؛ فقد روت كتب الصحاح طائفة لا بأس بها من هذه الروايات عن علي وابن مسعود وابن عباس "رضي الله عنهم" وعن مجاهد وابن جريج ووهب بن منبه، وقد تحرج العديد من الصحابة والتابعين فلم يدلوا بدلوهم في هذا المجال، وخصوصًا سعيد بن المسيب.

الفقرة الثالثة: وأما التفسير بالاجتهاد فقد أخذ أصحابه بأسباب العالم فوثَّقوا معارفهم اللغوية وألموا بأسباب التنزيل وتحروا الفهم الدقيق واستعانوا بما كانوا يحفظونه من شواهد اللغة والتمسوا طرائق العلم الصحيح واستعانوا بالثقات من الصحابة والتابعين فجاءت جهودهم في هذا المجال مثيرة للإعجاب، دالة على قرائح خصبة، وذوق لغوي متميز. الفقرة الرابعة: أما المتأخرون فقد استحدثوا مناهج جديدة في تفسير القرآن الكريم إلى جانب ما سبق ذكره كتفسير القرآن بالقرآن، وإلا بعضهم فاستحدث ما يسمى التفسير العلمي في عصرنا كتفسير طنطاوي جوهري، والتمس البعض الآخر سبل البيان وأوغل في التخريج والتأويل. وهكذا يمكن أن يسير كاتب المقال على هذا النحو فيضيف المزيد من المعلومات حتى يصل إلى الخاتمة التي يستخلص منها صورة واضحة لذلك كله على النحو التالي: الخاتمة: مما سلف يتبين لنا أن الدراسات حول القرآن الكريم نمت وازدهرت في مختلف العصور الإسلامية فكانت حصيلة ذلك ثروة هائلة في هذا المجال، ولكنها تحتاج إلى تمحيص وتحقيق وتوثيق، فلا يؤخذ منها إلا ما برئ من الدس والتزييف، وما خلا من التعارض والتناقض والمطاعن.

المنهج الجدلي في بناء المقالة ويقوم هذا المنهج على استحضار الآراء المتعارضة حول قضية ما ومناقشتها ودفع بعضها ببعض وصولًا إلى الرأي الأصوب. الخاتمة: مثال تطبيقي "العقلية العربية". المقدمة: الإشارة إلى تعدد الآراء حول هذه المسألة على النحو التالي: اختلفت الآراء حول طبيعة العقلية العربية؛ فمن الباحثين من يرى أن العرب ليسوا من النضج العقلي بحيث تكون لهم فلسفة وتراث مدون وهؤلاء هم الشعوبيون، ومنهم من يرى أن العقلية العربية تتفوق على غيرها بسرعة البديهة والفصاحة، ومنهم من يتهم العرب بالمادية الحسية في تفكيرهم ونزوعهم وبالجدب في خيالهم والسطحية في عواطفهم، ومنهم من ينظر إلى الأمر نظرة مغايرة. العرض: فيه استعرض لهذه الآراء وحوار معها ورد عليها: الفقرة الأولى: إن مجمل هذه الآراء لا يصدر عن رؤية علمية راشدة تستهدي بالبحث ومناهجه القويمة، وتأخذ بأسباب التحقق والنظر المتأني، بل إن جلها يصدر عن هوى، ويخبط خبط عشواء، فالشعوبية تكره العرب وتحاول إيجاد ثغرة ما تنفذ منه للحط من قيمتهم، فليس العرب في عقلياتهم وسلوكهم ماديين أو روحيين، ولكنهم مروا بأطوار شأنهم شأن الأمم الأخرى، وهذه سنة الله في

خلقه، فالأمم كالأفراد يمرون بمراحل الولادة والنشأة والشباب والشيخوخة؛ وما يوصف به من العرب من حسية ونزوع مادي يصدق على المراحل الأولى البدائية. الفقر الثانية: وأما من استشهد بآراء ابن خلدون في هذا الصدد فإن كلامه مردود عليه، فوصفه العرب بالتوحش والسلب والنهب والجنوح إلى التخريب؛ يقصد به ابن خلدون شريحة الأعراب ممن جاء وصفهم في القرآن الكريم بأنهم أشد كفرًا ونفاقًا، وأما أولئك العرب الذي حملوا رسالة الإسلام ونشروها في ربوع العالم فهم الذين يمثلون هذا الشعب الوفي الذي اختاره الله سبحانه وتعالى للقيام بهذه المهمة العظيمة السامية. الفقرة الثالثة: وعند النظر إلى هذه القضية من منظور سليم؛ فإنه لا بد من استلهام الواقع الإنساني الذي كانت تعيشه أمة العرب في مراحل حياتها المختلفة قبل الإسلام وبعده، واستعراض الأحداث التاريخية، ووزنها بميزان العدل والإنصاف والدرس العلمي المحايد بعيدًا عن التحيز والتحامل، وبعيدًا عن الهوى، وهذا منهج الإسلام الحق؛ فالأمة العربية كغيرها من الأمم في رقيها ونموها العقلي، بل هي ذات رسالة أدتها خير أداء؛ فلا بد من إنصافها بما تستحق. وهكذا يمكن السير على هذا المنهج في طرح الأفكار ومناقشتها وصولًا إلى الخاتمة التي تلخص زبدة الموضوع. فالمنهج الجدلي يقوم على طرح المقدمات الصحيحة للخلوص إلى نتائج صحيحة وإبطال الآراء المغالية والمغرضة بما يكافئها من حجج وبراهين.

مكتبة المقالة: أولًا: فن المقالة للدكتور محمد يوسف نجم، دار الثقافة ببيروت، يعتبر هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا في المقالة من الناحية النظرية والتطبيقية، فقد تحدث عن نشأة هذا الفن ومقوماته وتاريخه. ثانيًا: دراسات في الفن الصحفي، الأنجلو المصرية، القاهرة، وقد تحدث عن فن المقالة الصحفية ومقوماتها وأنواعها. ثالثًا: التحرير العربي للدكتورين أحمد شوقي رضوان وعثمان الفريح عمادة شؤون المكتبات، جامعة الملك سعود الرياض 1404هـ. رابعًا: فن الكتابة والتعبير، للدكتور محمد علي أبو حمده، الأقصى عمان، وقد تناول الكتابان الأخيران المقالة مع موضوعات أخرى.

المحاضرة

المحاضرة* ما المحاضرة؟ يعرف الباحثون المحاضرة بأنه أسلوب تعليمي يتحدث خلاله المحاضر مباشرة لمستمعيه دون انقطاع لمدة لا تقل عن خمس دقائق، ولا تزيد عن ساعة في الأحوال العادية للتعليم1. والحقيقة أن هذا التعريف ليس جامعًا مانعًا- كما يقول المناطقة - فالمحاضرة ليست أسلوبًا؛ بل هي نص يقدم بأساليب متعددة ومتباينة تختلف باختلاف المادة، والمحاضرة كما سيتضح فيما بعد إن شاء الله، ولهذا لا بد أن نميز بين المحاضرة كنص والمحاضرة كأسلوب في الإلقاء، وقبل أن نشرع في التماس السبل لتحقيق هذه المهمة لا بد أن نميز بين الدرس الذي يؤدى في مراحل التعليم العام وبين المحاضرة. الفرق بين الدرس والمحاضرة: فالدرس عبارة عن أداء تعليمي تربوي لمادة مقررة سلفًا ومعدة في إطار منهج دراسي في كتاب مدرسي، ولا دخل للمعلم في تحديد مادته العلمية، وحقائقه المدونة وتقتصر مهمة المدرس على مجرد الأداء بالأسلوب الذي يراه مناسبًا، أما المحاضرة فتحتاج إلى إعداد علمي وفني، فالمحاضر مسئول مسئولية مباشرة عما يقدمه من معلومات، فهو صاحب النص والأداء على حد

_ 1 راجع: د/ محمد زياد حمدان: المحاضرة الحديثة - مبادؤها وتطبيقاتها التربوية، دار الرياض للنشر والتوزيع، الرياض سنة 1983م ص21. * المحاضرة في اللغة تعني المجالدة والمجاثاة عند السلطان، ومطارحة القول ومجاذبته، وحضر ضد غاب، والحضر ضد البادية.

سواء، وهذا هو الفارق الجوهري بين الدرس والمحاضرة، وقد عمد بعض المؤلفين إلى الخلط بين هذين اللونين المتمايزين، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك حين يقررون أن المحاضرة يمكن أن تطلق على الإلقاء والشرح والقصة والخطبة1. والحقيقة أن هذه الفنون التعبيرية متباينة في طرق الأداء والإعداد وطبيعة المادة. والمحاضرة من الفنون القديمة، قد عرفتها الأمم المختلفة، اليونان والرومان والعرب. أنواع المحاضرة: أولًا: المحاضرات الجامعية: تعريفها: منظومة من الأفكار والقضايا والحقائق والآراء العلمية تدور حول موضوع من المواضع المتعلقة بالمعرفة تعد وفق تصور معين في إطار منهج دراسي محدد من شأنها أن تسهم في بناء الشخصية العلمية للطلاب. وهي تؤدى في مواد محددة، لها أغراض معينة وفقًا لمنهج مدروس، وهذا النوع من المحاضرات يخضع لنظم وقوانين تختلف باختلاف هذه الجامعات والمعاهد والكليات ومجال الابتكار فيها محدود، وإن كانت بعض هذه المحاضرات ذات قيمة علمية إذا كان الأستاذ المحاضر من الأعلام في تخصصاتهم، فهي أشبه بالبحوث التي تقوم على الابتكار وتقديم الجديد، سواء بالكشف عن منابع جديدة للمعرفة في ميدانها، أو في الوصول إلى نتائج غير مسبوقة، أو في تقديم آراء ووجهات نظر مغايرة لما سبقها، وفقًا لبراهين وأسس

_ 1 لاحظنا أن الدكتور محمد زياد حمدان لم يفرق بين المحاضرة والدرس في كتابه السالف الذكر الذي يعتبر مرجعًا هامًا في هذا الموضوع. ص21.

ومناهج مختلفة وتصبح هذه المحاضرات في كثير من الأحيان مرجعًا في مجالها، حيث تنشر في كتب وتوثق، فكثير من المراجع التي بين أيدينا في مجال النقد والأدب كانت في الأصل محاضرات جامعية، فما كتبه الدكتور شكري عياد في "علم الأسلوب" والدكتور القط في "الاتجاه الوجداني في الشعر العربي الحديث" والدكتور يوسف خليف في الأدب العربي القديم أمثلة حية على ذلك، والمحاضرات الجامعية يتلوها - عادة - مناقشات وألوان من النشاط والتقييم. ثانيًا: المحاضرات العامة: وهي التي تلقى في جمع حاشد من الناس في موضوع مثير للاهتمام في مجاله، وهذا النوع من المحاضرات يتضمن آراء جديدة في الغالب ومناقشة آراء قديمة لتفنيدها أو تأييدها، وتهدف إلى التوعية والتثقيف، والمحاضرة العامة قسمان: قسم ذو طابع تثقيفي يهدف إلى التوعية بقضية من القضايا العامة المطروحة على الرأي العام، وقسم ذو طابع تخصصي تحضره صفوة من المهتمين بقضية أدبية أو علمية كتلك التي تلقى في النوادي الأدبية أو الجمعيات الثقافية. ثالثًا: المحاضرات المتخصصة التي تلقى في المؤتمرات وحلقات البحث: وهي عبارة عن عرض لأبحاث علمية أو أدبية تعقبها مناقشات ودراسات، ولها طابع خاص؛ إذ تتكئ على أوراق مطبوعة ومنشورة وتقتصر مهمة المحاضر على عرض الخطوط العامة لبحثه وأهم النتائج التي توصل إليها الدارس، حيث يعقبها تشكيل مجموعات تناقش مختلف جوانب المحاضرة،

فهي تمر بالمراحل التالية: توزيع الورقة على المجتمعين "بحث"، ثم عرض خطوطه الرئيسية من قبل المحاضر ثم المناقشة المتخصصة - ثم النشر والتوزيع. أنواع المحاضرات من حيث الشكل التنظيمي أولًا: المحاضرات الهرمية وأهم أنواعها التصنيفية: وهي أكثر أنواع المحاضرات شيوعًا وتتضمن مجموعة من الحقائق الهامة الرئيسية تندرج تحتها حقائق فرعية تفصيلية، فالعنوان هو رأس الهرم، والحقائق الأساسية بتفريعاتها تشكل جسم الهرم وقاعدته، مثل ذلك محاضرة تحت عنوان "العصور الأدبية".

ثانيًا- المحاضرات المتسلسلة: تتكون من سلسلة متصلة من الأفكار التي يعتمد كل منها على سابقة في المعنى والنتائج، فالفكرة الأولى مثيرة والثانية استجابة للأولى وذلك طبقًا لعلم النفس السلوكي، ويعتمد المحاضر على ركيزتين أساسيتين في محاضرته وهما: التكرار والتلخيص، ويكثر هذا النوع من المحاضرات في التاريخ والرياضيات والتجارب العلمية. مثال "تطور منهج الدعوة الإسلامية في عهد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" 1- الدعوة إلى الله سرًا----2- الدعوة جهرًا---3- المشكلات التي ترتبت على الدعوة الجهرية -----4- الصدام مع المشركين----5- الهجرة الأولى---- 6- الهجرة الثانية--- 7- الغزوات ---8- الصلح "صلح الحديبية"----9- فتح مكة --- 10- عام الوفود ---11--- انتشار الدعوة في الجزيرة..إلخ ثالثًا: المحاضرات المركبة: هي التي تتناول قضايا ذات طبيعة معقدة بعض الشيء وأهم أنواعها المحاضرات التي تقوم على المقارنة: وهي التي يعمد فيها المحاضر إلى الموازنة بين أمرين أو أكثر مثبتًا أوجه التشابه، أو الاختلاف بعد عرض الخصائص والمميزات، ولنأخذ لذلك مثلًا "دعوة ابن تيمية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب". الخصائص والمميزات في الدعوة الأولى: 1- دعوة ابن تيمية في الشام. 2- في بيئة اجتماعية ذات طابع حضري. 3- في عصر الفتن والقلاقل.

4- دعوة إلى التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى. 5- محاربة البدع والخرافات. 6- امتداد لفكر أحمد بن حنبل. 7- لم تسفر عن بناء الدولة الإسلامية. الخصائص والميزات في الدعوة الثانية: 1- دعوة ابن عبد الوهاب في الجزيرة العربية. 2- دعوة ابن عبد الوهاب في بيئة اجتماعية ذات طابع بدوي. 3- دعوة إلى التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى. 4- وجدت دعمًا من سلطة سياسية قوية. 5- محاربة البدع والخرافات. 6- امتداد لفكر السلف الصالح. 7- أسفرت عن بناء الدولة الإسلامية. أوجه التشابه والاختلاف: أولًا: التشابه في مبادئ الدعوة وفي الفكر والمنهج. ثانيًا: الاختلاف في النتائج لاختلاف الظروف.

المحاضرة "الخطوات والمراحل" هناك ثلاث مراحل لتأدية المحاضرة: المرحلة الأولى الإعداد: ويتم وفقًا لثلاثة مستويات للإعداد: المستوى النفسي والمستوى الفكري والمستوى الفني. والإعداد الفكري والفني يسبق الإعداد النفسي بطبيعة الحال؛ لأن الإعداد النفسي يتم قبل تنفيذ المحاضرة وأثناءها، أما المستويان الأولان فيكونان سابقين بزمن ليس باليسير. أولًا- الإعداد الفكري: ويكون بالاطلاع وجمع المعلومات ثم تصنيفها وتنسيقها، وتحديد النقاط الرئيسية والفرعية، وترتيبها وتحضير الأمثلة ووسائل الإيضاح، وتحديد المنهج وإعداد البيانات والنشرات والملخصات وما إلى ذلك. ثانيًا- الإعداد الفني: وهو جزء من الإعداد الفكري، ويتمثل في التفكير في أفضل الطرق التي تؤدى بها المحاضرة، وتحضير الخرائط والوسائل والأسئلة، وإعداد المكان والزمان والمساعدين والأجهزة، وكتابة تفاصيل ذلك كله بما فيه إعداد المحاضرة مكتوبة. ثالثًا-الإعداد النفسي: وهذا الإعداد ذو شقين: الأول يتعلق بالمحاضر نفسه، والثاني يتعلق بالحضور، الأول له أهمية كبيرة إذ لا بد أن تكون لدى المحاضر فكرة تامة عن

المكان والزمان وطبيعة الحاضرين ومستوياتهم حتى لا يفاجأ بنوعية مغايرة لما في تصوره. أما فيما يتعلق بالحضور فلا بد للمحاضر من عقد أواصر الألفة بينه وبينهم باستئناسهم واستمالتهم، وإشاعة جو من البساطة وإظهار المودة لهم والتعاطف والرغبة في إفادتهم، أما وسائل التفاعل والتشويق وإثارة الحيوية في المحاضرة فهي متعددة منها: 1- إشراك الحضور بين الحين والآخر عن طريق الأسئلة أو المشكلات أو الفروض. 2- تلوين طرق الأداء والعرض وفقًا للمواقف المختلفة والاستعانة بالمعروضات. 3- تغيير نبرة الصوت لطرد الرتابة مع شيء من الحماس المعتدل. 4- التحرك بين الحين والحين من مكان الوقوف مع إدخال بعض عناصر التعبير بالحركة عن بعض المواقف وعدم إرباك الحضور بالمشي بين المقاعد الأمر الذي يشتت الأذهان. المرحلة الثانية: التنفيذ وخطواته: أولًا: التمهيد: يختلف باختلاف نوع المحاضرة، ولكنه مهم للغاية، وفي كثير من الأحيان يحدد سير المحاضرة إلى النجاح أو الفشل. ومهمة التمهيد أو المقدمة شد انتباه الحاضرين بعرض خطوطها الرئيسية لإثارة شوقهم لمتابعتها وتوضيح أهدافها وبيان أهميتها. ثانيًا: عرض المحاضرة: "ويطلق على صلب الحاضرة اسم جسم المحاضرة" ومهمة المحاضر في هذه

الخطوة تفريغ النقاط الرئيسية والتمثيل لها في ترابط وتناسق ومراجعة المهم منها بين الحين والآخر وكتابة رؤوس الموضوعات على السبورة وعناصر المحاضرة أولًا بأول مع إعادة التذكير بأهمها قبل الانتقال من فكرة إلى أخرى. وهذا كله يدخل في إطار النسق التنظيمي للمحاضرة. أما الجزء الثاني من العرض فيتعلق بالمنهج التعليمي، وهذا المنهج يخضع لاعتبارات متعددة منها: نوع الموضوع ومستوى الحضور؛ فقد يكون المنهج إلقائيًا أو استقرائيًا أو تمثيليًا؛ ولكن لا بد من استخدام أدوات الوصل والربط بين الأفكار وتحديد نوع العلاقات الواصلة بينهما، كما سبق أن أشرنا في الباب الأول من هذا الكتاب - كذلك لا بد من استقراء القواعد وتدوينها وتوضيحها والتمثيل عليها ومناقشتها والتعليق عليها، ولا بد من مراعاة التدرج بالمحاضرة والربط بين القواعد الكلية والجزئية. ثالثًا: الختام: ويقوم المحاضر فيها بتلخيص النقاط الهامة التي وردت في المحاضرة. المرحلة الثالثة: تقييم المحاضرة: تتحدد قيمة المحاضرة بمدى استجابة الحضور لها واستفادتهم منها، ومدى وضوح أهدافها وعلاقتها بحاجات المستمعين وأثرها فيهم وتنوع مادتها وقدرة المحاضر على التمثيل، ومدى تنظيمه لها، وترابطها ومستوى إشراك الحضور وتوفر الوسائل المعينة، وقدرة المحاضرة على تحويل المعلومات فيها من مجرد تراكم المعرفة إلى وعي ومنهج وقدرة على التحليل. وتقييم المحاضرة أمر مهم بالنسبة للمحاضر حتى يتسنى له تطوير مستواه وتنمية كفاءته وقدراته.

الندوة

الندوة الأصل في الندوة أن تدور حول موضوع أو قضية تشغل أذهان مجموعة من المختصين في مجال معين علمي أو أدبي أو اجتماعي. والندوة - لغويًا - الجماعة، فندوت القوم أندوهم إذا جمعتهم في النادي، وبه سميت دار الندوة بمكة كما جاء في لسان العرب1. فالتجمع هو الأساس في المادة اللغوية. والندوة تقوم على محورين رئيسيين: هما المحاضرة والمحاورة، إذ من المتبع أن يتحدث كل مشارك في الندوة حول جانب من جوانب القضية التي تدور حولها بمشاركة الحضور، ويتميز الحوار بين المشاركين بطرح وجهات النظر المؤيدة أو المعارضة مدعمة بالأدلة والبراهين، ويغلب أن تكون مشاركة الجمهور عن طريق الأسئلة التي توجه إلى أعضاء الندوة حسب اختصاصهم أو الجوانب التي تحدثوا فيها، وهناك أنواع من الندوات منها: أولًا: الندوة المغلقة التي تقتصر على الأعضاء المشاركين، ويكون لها مدير خاص يتولى إدارة الحوار بين الأعضاء، والندوة المغلقة قسمان: أ- الندوة البحثية التي يقدم كل عضو من الأعضاء فيها بحثًا يخضع للمناقشة بعد إلقائه، وفي هذه الحالة يكون كل بحث معدًا سلفًا قبل موعد الندوة بوقت طويل، ويقتصر دور مدير الندوة في هذه الحالة على تنظيم إلقاء البحوث وإدارة الحوار، ويكون موضوع الندوة تخصصيًا يقتصر على المتخصصين تخصصًا دقيقًا في موضوع الندوة، وفي الغالب فإن الذي يدعو إلى الندوة يكون جهة علمية أكاديمية أو مؤسسة ثقافية أو منظمة دولية متخصصة، ويتم نشر الأبحاث عادة بعد انتهاء الندوة.

_ 1 لسان العرب لابن منظور، دار المعارف بمصر، المجلد السابع "د. ت"مادة ندو ص 4389

ب- الندوة الاستجوابية التي تقوم على طرح الأسئلة ومن ثم الإجابة عليها، وفي مثل هذا النوع من الندوات يقوم مدير الندوة بدور رئيسي مشارك، فهو الذي يختار الأسئلة ويصوغها، ويختار أسئلة جديدة، ويثير المشكلات التي تحتاج إلى استيضاح؛ ولهذا فإن المفترض في مدير الندوة أن يكون ممن لهم علاقة تخصصية بموضوع الندوة، ممن تتوفر فيهم مهارة خاصة في إدارة الحوار والسيطرة عليه، وغالبًا ما تكون الندوة في موضوعات عامة تهم الجمهور، ومن هذه الندوات التلفزيونية والإذاعية التي تنتشر في هذه الأيام. ثانيًا: الندوة المفتوحة: وتتميز بالمشاركة الواسعة من جمهور الحضور الذين لا يقتصر دورهم على طرح الأسئلة فقط ولكن يتعدى ذلك إلى التعليق، وطرح وجهات النظر المختلفة؛ ولكن في حدود، وبعد أن ينتهي الأعضاء من طرح وجهات نظرهم حول القضية موضوع الندوة. كيفية إدارة الندوة: إذا كانت الندوة بحثية فلا بد من اختيار أعضائها من بين الأعلام البارزين ومن ذوي الاختصاص المعروفين وإبلاغهم قبلها بوقت كاف حتى يعدوا أبحاثهم إعدادًا كافيًا. كذلك لا بد من اختيار موضوع الندوة بعناية فائقة بحيث يكون ذا أهمية خاصة للإسهام في حل قضية علمية أو طبية أو إشكالية فلسفية أو أدبية نقدية، ولا بد من إعداد العدة لنشر النتائج وإذاعتها في الأوساط المختصة، وتوزيعها على المعاهد العلمية ذات الاهتمام بهذا الموضوع. وإذا كانت الندوة استجوابية فلابد من إعداد المحاور الأساسية للأسئلة التي ستطرح في الندوة، وتوزيعها على الأعضاء المشاركين حتى يهيئوا أنفسهم للإجابة عليها ويكشفوا عن دقائقها فلا يفاجؤون بأسئلة دقيقة لا يملكون الإجابة

عنها، وبالتالي يكون ذلك سببًا في إحراجهم، ولا بد لمدير الندوة من إعداد أسئلته بعناية ودقة وبأسلوب لا يحتمل التأويل أو يخلو من اللياقة؛ إذ لا بد من توفر الذوق والأدب ونبذ التعالم ومحاولة إظهار المقدرة العلمية والاستبداد بالحديث أو التركيز على مشارك دون آخر، أو تعمد إحراج أحد المشاركين أو إهماله، ولا بد من تحديد الوقت وتوزيعه بشكل عادل، وعدم مقاطعة المنتدين أو تفريع الموضوع والدخول في متاهات تؤدي إلى تمييع القضية موضوع الندوة. وفي الندوات المفتوحة لا بد من السيطرة على زمام الموقف، وضبط الأمور لاتساع دائرة الحوار والمحافظة على النظام ومراعاة أسباب الذوق واللياقة في التخاطب، وإيقاف المتحدثين الذي يجنحون للإساءة إلى أحد المشاركين أو تسفيه رأيه أو السخرية به.

التعليق

التعليق محاولة للتعريف: ما المقصود بالتعليق؟ هو عبارة عن نص نثري موجز يتضمن وجهة نظر معينة حول موقف أو موضوع أو مشكلة أو حدث أو طلب مقدم أو قضية مثارة. والتعليق يقتضي إلمامًا عميقًا بالموضوع ومعرفة واسعة بما يلابسه أو يحيط به، وهذا النمط من الكتابة كان معروفًا في النثر العربي القديم، ولعل أقرب أشكال النثر الفني شبها به التوقيعات التي هي عبارات موجزة مركزة يعلق بها الخليفة أو الوالي على ما يرفع إليه من مخاطبات أو التماسات. ويختلف أسلوب التعليق باختلاف الموقف أو الموضوع. ويتم تحريره وفقًا للخطوات التالية: أولًا: استيعاب الموقف أو الموضوع والإحاطة به. ثانيًا: رصد نقاط الاتفاق والاختلاف إذا كان التعليق يدور حول رأي آخر مطروح. ثالثًا: بلورة الأفكار الرئيسية التي سيدور حولها التعليق. رابعًا: عرض الموضوع المراد التعليق عليه بإيجاز وفي نقاط محددة. خامسًا: البدء ببسط جوانب الاتفاق وتهيئة المتلقي لما سيرد بعدها من وجهة نظر. سادسًا: إيراد الرأي المراد طرحه حول الموضوع وعرضه بشكل متماسك ومتكامل مدعومًا بالأدلة والحجج. سابعًا: يختم التعليق بتأكيد الموقف الرئيسي في عبارات موجزة.

ويمكن تحديد أنماط التعليق على النحو التالي: أولًا: التعليق على مشكلة فكرية أو اجتماعية أو أدبية موضوع خلاف. ثانيًا: التعليق على موقف إنساني عاطفي. ثالثًا: التعليق على حدث سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. رابعًا: التعليق على تقرير أو شكوى أو طلب مقدم. وكل شكل من هذه الأشكال يتطلب أسلوبًا يناسبه، فقد تكون المشكلة موضوع التعليق تربوية كقضية العقاب البدني، ومثل هذه المشكلة تحتاج إلى بحث جاد، وتكون صياغة التعليق عليه متضمنة عرضًا لجذور المشكلة يقترب من آفاق المقالة والفرق بين التعليق والمقالة يكمن فيما يلي: أ- التعليق أكثر إيجازًا فهو يعالج الموضوع دون مقدمات ويدلف كاتبه إلى لب المشكلة دون تمهيد. ب- لا يملك كاتب التعليق وقتًا للبحث في جذور المشكلة، وغالبًا ما تكون وجهة النظر فيه انطباعية تعتمد على معطيات اللحظة، فالتعليق يكون معنيًا في الغالب بالأمور المستجدة. ج- التعليق ينبني على نص أو موقف أو حادث سابق له، فهو دائم الإحالة إلى هذا الموقف أو الحادث أو المشكلة ولا يمكن فهمه بمعزل عنها، فهو ليس نصًا قائمًا بذاته. د- التعليق يقوم على التحليل، بينما يقوم المقال أو البحث أو التقرير على التركيب. هـ- يبرز الجانب الذاتي في التعليق لأنه؛ يحمل انطباعًا شخصيًا، وقد يتكئ على حقائق موضوعية؛ ولكنه يظل مشدودًا إلى الموقف الذاتي.

نموذج من التعليق التعليق على الدعوة إلى الزواج المبكر الدخول في الموضوع مباشرة وذلك على النحو التالي: 1- التعرف على وجهة النظر السائدة بضرورة الزواج المبكر. 2- طرح رأي كاتب التعليق مدعومًا بالدليل. يرى كثيرون أن الزواج المبكر أمر لا بد منه استجابة لدعوة رسولنا الكريم محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" الذي يقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج وإلا فعليه بالصيام فإنه له وجاء" ويرون أنه عصمة للشباب من الانحراف وإغراءات العصر الكثيرة. والحقيقة أن هذا الرأي وجيه خصوصًا وأنه يستند على السنة الطاهرة المطهرة، ولكننا لو أمعنا النظر في مضمون الحديث النبوي الشريف؛ لوجدنا أنه يتسع للفهم العصري الذي يرى ضرروة التأهب وإعداد العدة قبل الإقدام على الزواج، فالباءة ذات معنى مرن يشمل كل جوانب القدرة التي تؤهل الإنسان للزواج، وليس ذلك مقصورًا على الجانب الحسي أو المادي، وإنما يستوعب أبعادًا متعددة. كما أن الحياة تغيرت وأصبح للزواج تكاليفه وأعباءه، لذا كان لا بد من استكمال مقوماته وإعداد العدة له، وقد جاء في الأثر "أنتم أعلم بشؤون دنياكم".

البحث

البحث يعرف بعض الدارسين البحث بأنه تقرير متكامل يقدمه باحث عن عمل أتمه، على أن يشمل التقرير كل المراحل التي مر بها الباحث في دراسته منذ اختباره للموضوع حتى النتائج التي توصل إليها، في تسلسل منطقي مدعم بالأدلة والبراهين، وموثق بالمصادر والمراجع. هل البحث عمل إبداعي أم وظيفي؟ إن أي لون من ألوان الكتابة يقتضي استعدادًا خاصًا يهيئ صاحبه للقيام بهذا العمل، ومما لا يتطرق إليه الشك أن البحث يحتاج إلى صبر وأناة وملكة قادرة على التحليل والاستنتاج، هذه الصفات في معظمها مما يحتاج إلى الدربة والمران، ورياضة النفس وحملها على المشقة والمعاناة، فضلًا عن القدرات الذهنية الخاصة التي في باب الموهبة، ولكن إذا صحت العزيمة وقويت الإرادة فيمكن -بمعونة الله سبحانه وتعالى- أن تنمى الاستعدادات الفطرية البسيطة بالدربة والقراءة الاستيعابية المثابرة، والأخذ بنصائح الباحثين الكبار، والاستفادة من تجاربهم، وتَرَسُّم خطاهم وتطوير القوى الإدراكية بالتأمل والتوفر على المسائل والتعمق فيها. وكل ذلك يساعد على بلورة شخصية الباحث واستقلالها، وهذا أهم عنصر من العناصر التي ينبغي أن تكون متحققة في الباحث، لأن؛ الباحث الذي لا تظهر شخصيته في بحثه بل يسعى إلى مجاراة الآخرين والأخذ بآرائهم يفقد المقوم الأساسي من مقومات البحث، ولا يعتد به ولا بكتاباته.

كيف تكتب البحث وما الخطوات التي يمر بها الباحث: أولًا: اختيار موضوع البحث: يخضع اختيار الموضوع لعدة عوامل منها: أ- مجال التخصص: يعمد الباحث إلى اختيار موضوعه بحيث يكون له صلة بقدراته وما هيئ له من خلال دراسته التخصصية، لأن؛ ذلك أجدى وأنفع من الكتابة في غير هذا المجال لمجرد الرغبة، ولكن ذلك لا يعني أن يحصر الباحث نفسه في تلك الدائرة إذا أنس من نفسه نزوعًا إلى الكتابة في موضوع يستهويه بشرط أن يعد إعداد كافيًا له بالقراءة والتأمل، واستشارة أمهات الكتب، وكبار العلماء والباحثين. ب- الحاجة الملحة: إلى دراسة موضوع بعينه كالبحث في أسباب ظاهرة تربوية تفشت وانتشرت، وأصبحت مشكلة يعاني منها الدارس أو المحيط الذي يعمل فيه، كظاهرة التسرب مثلًا أو ظاهرة التخلف الدراسي، الأمر الذي يدفع العامل في هذا المجال إلى استقصاء هذه الظاهرة وبحثها من أجل استكشاف أسبابها وطرق معالجتها. جـ- جدة الموضوع وأهميته: فقد يكون موضوعًا بكرًا لم يعالجه أحد من الدارسين، وفي الوقت ذاته له أهمية خاصة يراها الباحث جديرة بأن ينصرف إلى الكشف عنها وتحقيقها، ويرى في نفسه القدرة على الابتكار والوصول إلى نتائج ملموسة إذا هو انصرف إلى بحث الموضوع.

د- والهدف الذي يرمي إليها الباحث: يحدد اتجاهه في اختيار الموضوع؛ فإذا كان هذا الهدف يرمي إلى الحصول على درجة علمية، أو ترقية أكاديمية، فإن اختيار الموضوع يخضع لاعتبارات لا يقررها الباحث فقط؛ وإنما يتأثر فيها بالمحيط العلمي الذي يعمل فيه كالأستاذ المشرف وطبيعة المجال وما إلى ذلك مما ألمحنا إليه سابقًا، أما إذا كان الغرض من البحث عمليًا؛ تنشأ الحاجة إليه من ظروف الواقع ومعطياته ومستلزمات العمل فإن المسألة تكون واضحة، ولا تحتاج إلى طول تدبير وتفكير. ثانيًا- إعداد خطة البحث وفق تصور نظري قائم على دراسات تمهيدية واسعة، واستقصاء دؤوب للمراجع والمصادر، واستشارات متعددة لذوي الاختصاص، وخطة البحث لا يتم إعدادها إلا بعد جهد مضن واطلاع مثابر، وتمحيص متمكن، واختيار للمناهج وطرق البحث وتأمل مستديم فيها، ورجوع إلى الخطط المتبعة في الموضوعات المماثلة لها. والسؤال الآن هو: ماذا نعني بخطة البحث؟ خطة البحث تعني الجوانب التفصيلية للموضوع المراد بحثه منظمة ومبوبة ومرتبة في إطار هيكل متماسك تفضي كل نقطة فيه إلى التي تليها في إطار كلي مترابط يسلم إلى نتائج هي ثمرة البحث والدراسة، فمثلًا إذا أردنا دراسة ظاهرة الضعف في القراءة والكتابة لدى طلاب المرحلة الابتدائية، فما الخطوات التي نتبعها من أجل إعداد خطة البحث؟ الخطوة الأولى: أولًا: نحاول التعرف على مدى انتشار هذه الظاهرة عمليًا وأعراضها البادية ورصد هذه الأعراض. ثانيًا: القراءات النظرية الواسعة حول موضوع القراءة، ووسائل تنميتها.

وأسباب التخلف في أدائها على الوجه الأسلم. ثالثًا: استشارة المعلمين في المرحلة الابتدائية، وتدوين ملاحظاتهم، وكذلك مديري المدارس والموجهين، واستطلاع آراء إدارات التعليم. رابعًا: الرجوع إلى الأبحاث السابقة في هذا الموضوع. هذه مرحلة أولية ضرورية للتمهيد المبدئي قبل إعداد الخطة. الخطوة الثانية: أولًا: التعرف على جوانب الموضوع المختلفة على النحو التالي؟ أ- الجانب الاجتماعي، وهل لنظام حياة الأسرة وعلاقتها الاجتماعية أثر في ظهور هذه المشكلة؟ ب- الجانب النفسي ومدى تأثيره على اضطراب التلميذ، وعدم قدرته على الأداء الصحيح في القراءة والكتابة. ج- الجانب المتعلق بالنظام التربوي كاختيار المدرس، وإعداده، ونظام التوجيه، والطرق المتبعة في التعليم والإدارة والوسائل المعينة، وتصميم غرف الدرس وما إلى ذلك. د- الجانب اللغوي المتعلق بطبيعة اللغة العربية وازدواجية السلوك اللغوي "استخدام العامية والفصحى". هـ- نظام القبول في المرحلة الابتدائية، والسن التي ينبغي أن يقبل فيها الطالب. و المرحلة التمهيدية "الروضة" ودورها في إعداد التلميذ وما إلى ذلك. الخطوة الثالثة: المباشرة في تدوين النقاط الأساسية في تصور مبدئي لما يكون عليه البحث

وإخضاعه للتعديل والتحوير حينًا بعد آخر، وفي ضوء المعلومات المبدئية التي يحصل عليها الباحث يمكن أن يعد خطوط بحثه الرئيسية. أسس البحث العلمي: أولًا: ضررة تعرف الباحث على المصادر والمراجع وبطاقات التصنيف والفهرسة، ثم تجميع المعلومات والملاحظات والبيانات عنها وحصر ما يحتاجه البحث من تلك المصادر والمراجع. ثانيًا: إدراك نظام الاقتباس وأنواعه: الحرفي الذي يكون استشهادًا برأي أو تدعيمًا لفكرة أساسية ويوضع بين قوسين، أما الاقتباس بالمعنى فيشار إلى مرجعه في الهامش دون وضعه بين أقواس، وينبغي المحافظة على جوهر الفكرة في هذا النوع من الاقتباس، ويستحسن عدم التطويل والإكثار من الاقتباس. ثالثًا: الإلمام بطرق التوثيق المختلفة سواء في هوامش الصفحات أو في نهاية البحث حيث يكتب عنوان الكتاب وطبعته وأجزاؤه وبلده، ثم الناشر والتاريخ إذا أشير إليه للمرة الأولى في الهامش؛ وإلا فيشار إليه بـ "المرجع السابق". كتابة البحث: يجب أن يراعي الباحث عند كتابة البحث ما يلي: أولًا: أن يكون العنوان مختصرًا ودالًا بوضوح على محتوى البحث. ثانيًا: لا بد أن تحتوي المقدمة على تمهيد نظري مختصر يحدد مشكلة البحث ومظاهرها وأهمية دراستها وأسباب اختيار الباحث لهذه المشكلة، والأهداف التي يصبو إلى تحقيقها من خلال دراسته لها، والصعوبات التي جابهت الباحث أثناء إجراء البحث في مراحله المختلفة. ثالثًا: استعراض البحوث والدراسات السابقة لهذه المشكلة.

رابعًا: تحديد أهم المصطلحات الواردة في البحث. خامسًا: تحديد مشكلة البحث بدقة، ويتضمن ذلك جميع النقاط الرئيسية والفرعية. سادسا: تلخيص الطريقة أو الأسلوب أو المنهج الذي استخدمها الباحث ونوع الدراسة "ميدانية، وثائقية، وصفية، دراسة حالة"، ويشير إلى أساسيات البحث العلمي التي استند إليها والطرق الإحصائية والبيانات وما إلى ذلك. سابعًا: يجب أن يتميز الأسلوب بالدقة والتعبير بأقل الكلمات مع التأكد من سلامة اللغة، وأن تكون المعلومات منظمة ومنتظمة ومتماسكة داخل البحث، على أن يحرص الباحث على عدم تدوين أي رأي شخصي دون أدلة وأسانيد موثقة، والحرص على عدم التناقض مع الإيجاز. ثامنًا: لا بد من تفسير النتائج وفقًا للحيثيات والأدلة السليمة. تاسعًا: لا بأس بكتابة التوصيات والمقترحات والبحوث المقترحة في نهاية الرسالة لمعالجة المشكلات التي يثيرها البحث. عاشرًا: كتابة الخلاصة، وهي فكرة عامة موجزة وقصيرة بلغة علمية عن البحث. حادي عشر: لا بد للباحث من ترك بحثه لفترة يسيرة ثم يعود لمراجعته، ولا بأس من إشراك آخرين في هذه المهمة للكشف عن بعض الثغرات التي تخفى عن الباحث عادة لاندماجه في بحث واستغراقه فيه1.

_ 1 راجع: د. حنان عيسى سلطان، ود. غانم سعيد شرف العبيدي، أساسيات البحث العلمي بين النظرية والتطبيق، دار العلوم للطباعة والنشر الرياض، 1404هـ، 1984م من ص 421- ص 437.

البحث الأدبي لقد عمدت إلى إفراد الحديث عن البحث الأدبي لأن؛ له طبيعة خاصة متميزة، والبحث في الأدب الذي يبدو ذا صلة وثيقة بالإنسان وانفعالاته وأفكاره يحتاج إلى حس مرهف وذوق مدرب، ولعل من المفيد أن نتتبع خطواته العملية ونستقصي طرائقه، ولكن المجال لا يسعفنا، لذا فإننا سنقصر الحديث عن أهم هذه الخطوات بإيجاز. أولًا: اختيار موضوع البحث: لا بد أن يلاقي هذا الموضوع هوى في نفس الباحث واستجابة عميقة في وجدانه، وهو يستلزم تمرسًا بأساليب القول وفنونه، وثقافة واسعة مستوعبة، واتصال حميم بمصادره ومراجعه، وتختلف موضوعات البحث الأدبي وتتنوع: فمنها ما يتصل بالظواهر، ومنها ما يتصل بالشخصيات والأعلام، ومنها ما له علاقة وثيقة بمجالات النشاط الإنساني المتعددة، وينبغي على الباحث في هذا الميدان أن يعمد إلى الطريف غير المألوف، والجديد غير المطروق. ثانيًا: جمع المادة: لا بد من الإشارة إلى أن هناك مصدرين أساسيين لهذه المادة هما: النصوص موضوع الدراسة إذا كان البحث يتناول نصوصًا، وهو في الغالب كذلك، والمراجع المساعدة التي تضيء المادة التي يتناولها الباحث، وهذه المراجع نوعان: مراجع خاصة وثيقة بالمادة، متخصصة فيها، ومراجع عامة تدور حول قضايا فكرية أو فنية ذات صلة بالبحث، وحتى تتضح الصورة نشير إلى مثال محدد: إذا افترضنا أن عنوان البحث هو "الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي الحديث"

فإننا نجمع المادة من المصادر على النحو التالي: 1- النصوص الشعرية لشعراء هذا الاتجاه سواء كانت منشورة في الدواوين أو في الصحف والمجلات، وهذه تسمى مصادر. 2- الكتب التي تبحث في الرومانسية وتعريفها، وخصائصها، والاتجاه الرومانسي في فنون الأدب الأخرى؛ وهذه هي المراجع العامة. 3- الكتب التي تناولت بالدراسة شعر الشعراء الرومانسيين العرب سواء كانت الكتب تتناول نصوصًا شعرية لواحد أو أكثر من هؤلاء الشعراء؛ وهذه هي المراجع الخاصة. وقد يحتاج الباحث إلى البحث في مجالات متعددة تساعد على فهم النصوص، وهي تندرج تحت المراجع العامة. ثالثًا: تصنيف المادة وتنسيقها: فمثلًا النصوص الشعرية التي تم جمعها للشعراء الرومانسيين، يلجأ الباحث إلى تنظيمها وفقًا لخطة البحث التي رسمها، فما كان منها متعلقًا بالخصائص الموضوعية يدرج تحت هذا العنوان، وما كان خاصًا منها بالجوانب الفنية يدرج في هذا الإطار. فالنزعة الذاتية الوجدانية مثلًا من أخص خصائص الرومانسية، وهذه النزعة لها ظواهرها المتعددة التي تُصنف المادة وفقًا لها. ولا بد أثناء التصنيف والتنسيق من مراعاة الترابط المنطقي بحيث تسلم المقدمات إلى النتائج، وذلك في إطار الفصل الواحد والمبحث الواحد بل والفقرة الواحدة؛ فالعلاقات المحكمة ضررة هامة، كذلك لا بد من مراعاة الترتيب الزماني والمكاني للبحث؛ فإذا أردنا أن نتناول شعراء الرومانسية لا بد من تتبع

مراحل تطور هؤلاء الشعراء ومدارسهم واتجاهاتهم وفقًا للنسق الزماني والمكاني، فشعراء مصر لهم خصائصهم، وشعراء العراق أو الأقطار الأخرى يتمايزون فيما بينهم، ومما يساعد على ذلك العناية بالعناوين الفرعية والرئيسية وتنظيمها، وينبغي أن تتمم هذه العناوين بعضها بعضًا في سياق منظم ومترابط. رابعًا: الاستقراء والاستنباط: المقصود بالاستقراء الإلمام بالحقائق الجزئية، أما الاستنباط فهو يقوم على اسنتناج الحقائق الكلية من هذه الجزئيات، ولا غنى للباحث الأدبي من الاتكاء على هذين المنهجين من مناهج البحث، ففي الحديث عن الموضع السالف الذكر لا بد من استقراء المعلومات المتعلقة بنصوص الشعراء موضوع الدراسة استقراء شاملًا ثم استنتاج الحقائق المتعلقة في قواعد كلية. ولا بد للباحث من أن يكون دقيقًا في تفسيره للظواهر، ذواقة قادرًا على التحليل، ثم لا بد من حسن العرض بحيث يكون الكلام مضطردًا متراتب النتائج ولا بد للباحث من أن يكون متملكًا لأداته اللغوية قادرًا على بسط الأفكار بسطًا مقنعًا ممتعًا، فالإقناع لا يكفي -وحده- في البحوث الأدبية.

مراجع "البحث" 1- حلمي محمد فوده وعبد الرحمن صالح عبد الله: المرشد في كتابة الأبحاث، دار الفكر ط2 سنة 1979م عُني هذا الكتاب بتعريف البحث بأنه: "سعي منظم في ميدان معين يهدف إل كشف الحقائق والمبادئ"، وأورد العديد من التعريفات للبحث والتقرير، وعُني عناية فائقة في الحديث عن مصادر البحث وتقويم المراجع وبيانات التأليف، ودور المكتبة في كتابة الأبحاث والتقارير والهوامش، وأفاض في الحديث عن الأمور الإجرائية الخاصة بالبحث. 2- د. عبد الرحمن عميرة: أضواء عل البحث والمصادر، عكاظ للطباعة والنشر ط2 1980م، تحدث بشكل خاص عن أنواع البحوث: البحث الخاص "الصفى"، والبحث التخصصي، وقد عقد فصلًا عن المخطوطات وكتب التراث ودليل العمل في المخطوطات، وتحقيق النصوص والفهارس. 3- د. عبد اللطيف محمد العبد: مناهج البحث العلمي، مكتبة النهضة بمصر، القاهرة سنة 1979م، تحدث عن شروط البحث العلمي، وعن عملية التحليل والتركيب ومناهج البحث المختلفة. 4- د. أحمد بدر: أصول البحث العلمي ومناهجه، وكالة المطبوعات، الكويت ط4 1978م، عُني بالحديث عن طبيعة البحث العلمي ومناهجه، وعن مكونات المنهج العلمي وخطواته، ومخاطر البحث ومحظوراته. 5- د. يوسف مصطفى القاضي: مناهج البحوث وكتابتها، دار المريخ للنشر، الرياض سنة 1979م، تناول منهج البحث العلمي في الإسلام، وأنواع البحث ومناهجه وطريقة كتابة البحوث والتقارير.

6- د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان: البحث العلمي مدلولًا وممارسة، دار الشروق جدة سنة 1978م، يتحدث عن المعلومات وطرق تدوينها، ومناهج البحث، ثم بحث في مصادر التفسير والسنة والعقيدة وما إلى ذلك. 7- د. أحمد شلبي: كيف تكتب بحثًا أو رسالة، مكتبة الخانجي القاهرة، طبع هذا الكتاب عدة طبعات دون أن يضيف الكاتب إلى الطبعة الأولى شيئًا، وهو من الكتب المهمة في هذا الميدان. 8- د. حنان عيسى سلطان، ود. غانم سعيد شرف العبيدي: أساسيات البحث العلمي بين النظرية والتطبيق، دار العلوم للطباعة والنشر 1984، وقد عُني هذا البحث بدراسة أساسيات التفكير العلمي، وعلاقة التفكير المنطقي بالعلوم المختلفة، وتحدث عن أساسيات المعرفة العلمية، وأولويات البحث العلمي، وعقد فصلًا عن المكتبة والبحث العلمي، ثم حصر مصادر البحث ومراجعه في بطاقات، وتحدث عن الاقتباس وتدوين المعلومات وتوثيق المصادر، ومناهج البحوث العلمية، وأدوات البحث العلمي وأساليبه وأنواع البحوث العلمية، وكتابة البحث العلمي وتقويمه ومعاييره. 9- سيد الهواري: دليل الباحثين في كتابة التقارير ورسائل الماجستير والدكتواره، مكتبة عين شمس، القاهرة 1980. 10- محمد زياد عمر: البحث العلمي، مناهجه وتقنياته، دار الشروق جدة، 1975م.

تحليل النصوص

تحليل النصوص تحليل النصوص الأدبية ونقدها نمط من أنماط التحرير الذي يحتاج إلى دربة ومران، وذوق وحساسية خاصة، ونزوع مركوز في النفس بالإضافة إلى سعة في الثقافة، وفيض في المعرفة، إلى جانب حدة في النظر، وعمق في الإدراك، وانفعال لما يفصح عنه النص، وإلمام خاص بفنون اللغة وآدابها، والأساليب وخصائصها والأجناس الأدبية وقواعدها الكلية، ووسائل النظر فيها. وقد تعددت مناهج التحليل والنقد وتنوعت، ولكن الناقد الحصيف هو الذي يختار منهجًا تكامليًا يلم بأهم المرتكزات في كل منهج؛ فضلًا عن، أن بعض النصوص تستدعي منهجًا بعينه لأنه؛ أقرب إلى طبيعتها. ويمكن أن ندون مجموعة من الأسئلة تكون الإجابة عليها وسيلة لتقصي خصائص النص والتعرف على مميزاته. أولًا: فيما يتعلق بالجنس الأدبي لا بد أن نجيب على هذه الأسئلة: ما نوع الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه هذا النص؟ هل هو قصة، أم مقالة أم خطبة أم مسرحية ... إلخ، وإذا كان شعرًا هل هو غنائي أم موضوعي؟ ثم نسأل ما مدى توفر الأصول الفنية لهذا الجنس الأدبي في النص؟ وما مظاهر التميز والانحراف عن القواعد المألوفة؟ وما أثر ذلك سلبًا وإيجابًا. ثانيًا: الرؤية والموقف في النص؟ هل للكاتب رؤية محددة يمكن الإشارة إليها؟ أم أن النص يتسع لاحتمالات متعددة؟ كيف شكل الكاتب رؤيته وبسط أفكاره ومعانيه؟

ما العناصر التي كونت تجربته الفنية؟ ثالثًا: كيف صاغ الكاتب عمله؟ "الصياغة" ما الخصائص التي تميزت بها لغة النص، وما الخصائص الأسلوبية البارزة عنده؟ وما أثرها في بناء الرؤية؟ - ما هي أبعاد الخيال عنده؟ وهل صوره تقليدية؟ ما مصدرها؟ ما طبيعتها؟ ما عناصرها؟ هل هي كلية شاملة أم جزئية؟ وهل اعتمد على الرمز؟ ما الألفاظ الشائعة عنده؟ هل له معجمه الخاص؟ ما دلالة ذلك؟ ما الخصائص التي تميز ألفاظه من حيث الدقة والقدرة على الإيحاء والوضوح، والألفة والطرافة، والتكرار والإيقاع، وهل يتكئ على الموسيقى الظاهرية، أم يتخطاها إلى مجالات أخرى؟ رابعًا: تحليل النص في ضوء علاقته بالواقع والبيئة: - ما هي أصداء البيئة والواقع في هذا النص؟ - هل للطبيعة أثر في بناء الصورة عنده؟ - هل تعامل مع معطيات الواقع تعاملًا مباشرًا؟ خامسًا: النص في سياق جنسه الأدبي وفي سياق إنتاج كاتبه: إذا كان تحليل النص يستوجب التعرف على تطورات الجنس الأدبي وموقعه من هذا التطور لأهميته فلا بأس من ذلك من خلال الأسئلة التالية؟ - هل النص يضيف جديدًا من حيث خصائصه الأسلوبية العامة أو يمثل طورًا جديدًا أو انعطافة مهمة في تاريخ فنه؟ - هل يعتبر النص نقلة تطورية مهمة في إنتاج الكاتب؟ وهل فيه إضافة إلى منجزات الكاتب، وهل نهج نهجًا مغايرًا لطريقته السابقة؟

- هل يمكن موازنته بأعمال أخرى متشابهة؟ - ما الآراء التي قيلت فيه بخصوص كونه مرحلة جديدة في سياقه، أو في أعمال الكاتب؟ ولا بد من استبعاد الأحكام الصارمة والعامة في هذا المجال. سادسًا: معطيات النص: قد يسلط النص على قضية معينة ذات طابع اجتماعي أو نفسي أو إنساني أو ذاتي، لذا لا بد من الإجابة على الأسئلة التالية: ما مدى بروز العنصر الذاتي في النص؟ ما دلالته على نفسية الأديب؟ هل يفيد النص في الكشف عن رؤية الكاتب تجاه مشكلة سيكولوجية عامة؟ هل ثمة دافع شعوري أو نفسي يتضح لنا من خلال تحليل النص؟ وقد تبرز مجموعة من الأسئلة الإضافية عند تحليل النص: ما المناسبة التي قيل فيها النص؟ إذا كان النص من أدب المناسبات. ما مدى توفر الوحدة الموضوعية والعضوية بين أجزائه؟ ما الأغراض التي تناولها النص إذا كان النص شعريًا قديمًا؟ ما الغامض الذي يحتاج إلى تفسير في النص، وما علاقته بالمرحلة التي يمثلها؟ ما البحر الشعري الذي جاء النص على وزنه، وما دلالته؟ وما نوع القافية، وهل لحرف الروي دلالة معينة؟ عملية التقويم يمكن أن تتناول. - نجاح الكاتب في إيصال تجربته الشعورية. - مدى عمق رؤيته وصدق عاطفته.

- ما أضافه من ابتكار خاص في أسلوب النص. - خصوصية الرؤية والتشكيل الفني. - مدى توفر الوحدة العضوية فيه. - مكانته في سياق الفن الذي ينتمي إليه والمرحلة التي يعبر عنها. مكتبة التحليل 1- د. عبد الحليم محمود: النصوص الأدبية - تحليلها ونقدها، عكاظ للنشر والتوزيع جدة ط2 1982م، وقد عرض المؤلف في هذا الكتاب في القسم الأول منه إلى مناهج تحليل النصوص الأدبية، وخصوصًا المنهج الفني والتاريخي والنفسي والتكاملي والمنهج المدرسي، وعرض نصوصًا تطبيقية في مختلف العصور وفي مجال الشعر والنثر. 2- د. شوقي ضيف: في النقد الأدبي، دار المعارف ط1 1962م، وقد تناول الكاتب فيه نشأة النقد وتطوره، وتحدث عن التحليل والتقويم والجمال الفني وتصوير الشخصية الأدبية والأوزان والقوافي، والصياغة الشعرية، وكيفية دراسة النصوص الشعرية وعناصر التجربة الشعرية، والوحدة العضوية في القصيدة، والصورة والمضمون والخيال وأسلوب القصة والمسرحية وما إلى ذلك. 3- د. عبده بدوي: دراسات في النص الشعري "العصر العباسي"، منشورات دار الرياض للنشر والطباعة والتوزيع ط2 1984م، وقد تناول الكتاب بالتحليل بائِيَّة أبي تمام في فتح عمورية وبعض مدائحه ومرثيته النونية التي وضع لها الكاتب عنوان "الولد يموت" وقصيدة أخرى لأبي تمام عنوانها "الزمن والإنسان" لأبي تمام وقصائد أخرى للبحتري مثل قصيدته

في الذئب وفي "جريمة قتل في قصر الجعفري"، وتناول قصيدتين لابن الرومي في وحيد المغنية ورثاء البصرة، وقصيدتين للمتنبي "في فراق مصر" و"شعب بوان"، وقصائد أخرى لأبي فراس والديلمي والمعري والصنوبري، وقد أشار الكاتب في المقدمة إلى أنه عمد إلى معايشة النص واستبطانه والصبر عليه، ويشير إلى أنه يأخذ بنظرية الانصهار بين اللغة والفكر، وأنه قصد من تحليل هذه النصوص فهم الخصائص الجوهرية للشعر، وقد التفت إلى أهمية البناء التشكيلي بأبعاده المختلفة باللغة والصور والإيقاع، وليس من شك أن هذ الكتاب له طريقته المتميزة في فهم النصوص وتحليلها. 4- د/ وفاء سليم: النصوص الأدبية، وكالة المطبوعات، الكويت، وقد تناولت فيه نماذج من مختلف الفنون الشعرية والنثرية، وطريقتها في تحليل النصوص مبسطة. 5-د/ شكري عياد: مدخل إلى علم الأسلوب، دار العلوم للطباعة والنشر سنة 1983م، وقد تناول في القسم الثاني منه مجموعة مختارة من الشعر الوجداني الحديث في دراسة تطبيقية منها قصيدة الغروب لإبراهيم ناجي، ومنها: "استقبال القمر" و"عاصفة الروح" للشاعر نفسه، كذلك تناول ثلاثة قصائد للشاعر أبي القاسم الشابي: في "ظل وادي الموت" و"الصباح الجديد" و"من أغاني الرعاة" وقد أوضح في مقال سابق طريقته في فهم النصوص تحت عنوان: كيف نقرأ النص الشعري؟ ويرى أن خير وسيلة لتحليل النص، هي أن نتركه يتعامل مع حِسِّنا اللغوي العادي فنستكشف استعمالاته الخاصة للغة، ونكتشف المعنى الباطن المختبئ وراء المعنى الظاهر.

ملحق بمفردات التعبير والإنشاء في مراحل التعليم العام

ملحق بمفردات التعبير والإنشاء في مراحل التعليم العام التعبير بين الكتابة الإبداعية والوظيفية من المعروف أن مادة التعبير تمثل خلاصة ما استفاده الطالب في دراسته لمواد اللغة العربية بل المواد المختلفة أيضًا، ولا بد أن يتم التدرج في تشكيل ملكة الكتابة منذ الصفوف الدنيا في المرحلة الابتدائية بحيث لا يقتصر على الجانب الوظيفي دون الإبداعي، بل لا بد من استنهاض المواهب الإبداعية من مكامنها في وقت مبكر بموازاة التدريب على الجانب الوظيفي. ولعل اختيار الموضوع من أهم المحفزات لإيقاظ الملكات، ولكل مرحلة من المراحل ما يلائمها من هذه الموضوعات، فنحن نعرف أن التوجيه التربوي الرئيس لمعلم اللغة العربية أن يرشد تلاميذه في الصفوف الأولى إلى أن التعبير عن محيطهم المدرسي كالوصف المتعلق بحجرة الدراسة وملاعب المدرسة ومرافقها وما إلى ذلك على أن يترافق هذا الوصف بالانتقال من الحسي إلى المجرد وذلك في أبسط صورة؛ فإذا وصف الطالب السبورة مثلًا من حيث الشكل والمساحة واللون والموقع، وهذه أشياء حسية في مجملها، ينتقل إلى وظيفة السبورة وكيفية أداء هذا الدور، وهذا جانب تجريدي؛ فحينما نقول: إن وظيفة السبورة توضيح عناصر الدرس وترسيخها في ذهن الطالب ومساعدته على استذكارها؛ نكون قد اقتربنا من حدود التجريد، وهكذا ... وكذلك يمكننا أن نقترب خطوة أخرى فنمس الجانب الإبداعي مسًا رقيقًا كأن نشير إلى الارتباط الوجداني بين الطالب وفصله وعلاقته بزملائه وأساتذته وأشيائه الحميمة. معنى هذا أننا في تركيزنا على المحسوسات والمرئيات في المرحلة الأولى من مراحل التعليم الابتدائي لا ينبغي أن نغفل الجوانب الوجدانية في تجلياتها الأولى.

ولنأخذ مثالًا واضحًا: الفصل الدراسي: أولًا: تطرح مجموعة من الأسئلة تساعد على الإلمام بالجانب الوصفي الخالص: - مم يتكون الفصل الدراسي؟ وما الأدوات التي نستخدمها في الفصل؟ - ما محتوياته؟ - من هم الأشخاص الذين يدخلونه؟ - ما طريقة تنظيمه؟ كيف نحافظ على نظافته؟....إلخ ثانيًا: تطرح مجموعة من الأسئلة تتعلق بالجانب الوظيفي: - لماذا يجتمع الطلاب في الفصل الدراسي؟ - ما الذي يقوم به التلاميذ في الفصل؟ - ماذا يفعل المعلم في الفصل؟ - لماذا نستخدم الطباشير في الفصل؟ ثالثًا: تقديم مجموعة من الأسئلة تتعلق بالجانب الوجداني: - من هم أصدقاؤك في الفصل؟ - ما المادة الي تحبها ولماذا؟ - ما السلوك الذي لا يعجبك في الفصل؟ - ما علاقتك مع عريف الفصل؟ - ما أحب المعلمين إليك ولماذا؟ - هل تحب أن يزوركم المشرف التربوي؟ - كيف يعاقب المعلم التلميذ المهمل؟ - هل يمنح المعلم جوائز للمتفوقين في الفصل؟ - كم مرة زاركم مدير المدرسة؟ وهل ترحبون بزيارته؟....إلخ.

وهكذا نجعل التلاميذ ينطلقون في التعبير عن عواطفهم لنحفزهم على وصف مشاعرهم في صورة بسيطة، وإذا توبعت خلال المراحل الدراسية المختلفة فإنها ستكشف عن مواهب إبداعية حقيقية. ولكن السؤال الآن: كيف نصقل أسلوب التلميذ في هذه المرحلة، ونربي ذوقه اللغوي، وننشط ملكاته الإبداعية؟ والإجابة على هذا السؤال لا تبدو سهلة أو يسيرة، فإننا في الموضوعات الوصفية يكون مرجعنا ما هو ماثل أمامنا، ونكون نحن الفاعلين في توجيه التلميذ إلى اختيار المفردات والأساليب الملائمة، حيث نقوم بتعديل الصيغ التي يستخدمها التلميذ، ونوجهه إلى كتابتها على السبورة وفي كراسته، ولكن المشكلة تبرز في الجانب التجريدي، وخصوصًا الوجداني، وهنا لا بد من توسيع دائرة المرجعية بحيث تتجاوز ما يقدمه المعلم إلى مصادر أخرى يتأملها على مهل، وهنا تبرز أهمية مكتبة الفصل التي يشرف معلم اللغة العربية مباشرة عليها ويختار كتبها بعناية بحيث تناسب المرحلة التي يدرس فيها الطالب، ويتم ذلك بـ: أولًا- اختيار مجموعة من القصص تناسب أعمار التلاميذ، ومتابعة قراءتهم لها واستيعابهم لمحتواها وإدراكهم وتذوقهم لأساليبها. ثانيًا- الاشتراك في مجلات الأطفال التي يتم اصطفاؤها بعناية تامة بحيث تضم نسخًا متعددة يتم تداولها. ثالثًا- مطالبة التلاميذ بمتابعة برامج معينة في الإعلام المرئي يتم اختيارها بعناية، وعمل مسابقات في هذا المجال. رابعًا- مساعدة التلميذ على التعبير عن رأيه في الكتب التي يقرؤها والبرامج التي يراها بحرية تامة ومساعدته على ذلك بتوجيهه لغويًا.

إضاءات حول مفردات التعبير في المقررات الدراسية في مراحل التعليم العام

إضاءات حول مفردات التعبير في المقررات الدراسية في مراحل التعليم العام في المرحلة الابتدائية: أولًا: من الجزئي إلى الكلي: نص التعميم الخاص بتطوير مادتي التعبير والإنشاء على جملة من المفردات، بعضها يتعلق بالجزئيات كاستخدام المفردات الجديدة وتكوين الجمل واستخدام الأساليب والأنماط اللغوية وهي مفردات جزئية، ثم بناء الحوار وتمثيل الأدوار، وتكوين الموضوع وإبداء الرأي وكتابة القصة والتقارير والرسائل القصيرة والطويلة الخاصة والوظيفية وهي مفردات كلية، ونص على جملة من الأهداف سنعرض لها أثناء حديثنا عن هذه المفردات. لا تنفصل المفردات التي تتعلق بالجزئيات عن الكليات، وهذا أمر واضح في النظام الذي نص عليه التعميم لمختلف الفصول الابتدائية: فتكوين الجمل القصيرة يقتضي معرفة بأنواع الجمل الاسمية والفعلية، وهذا يجعل من استثمار ما يدرسه الطالب في مادة النحو ضروريًا، ولكن هذا الاستثمار ينبغي أن يتخذ طابعًا جديدًا بعرض جملة من الأمثلة ذات الطابع الجمالي التي تجذب الطالب وتنمي ذوقه سواء تلك التي تملأ فيها الفراغات أو التي تكون إجابة على الأسئلة أو المطلوب إعادة صياغتها أو توسيعها أو التي يتم فيها استثمار كلمات جديدة. نموذج: الجمل الاسمية: الضوء مبهر، الجو منعش، الحديقة غناء الجمل الفعلية: تتألق الشمس، ينهمر المطر، يتدفق النهر استخدام مفردات جديدة: احتدام - تميز - أدار - انبهر - ... إلخ لا بد من استثمارها في جمل جديدة أولًا ثم التدريب على استخدامها في جمل

أخرى، ويستحسن أن يكون ذلك في نص تتم قراءته أو كتابته على لوحة ثم عرضه على الطلاب، مثل: "احتدم القتال بين المجاهدين الذين استبسلوا في مقارعة الأعداء وبين الغزاة الذين شنوا هجمات متواصلة على مواقعهم، ولم يثنهم عن التصدي للقوات الغازية تلك الجحافل المزودة بالآليات والمدافع الرشاشة والطائرت التي تصب حممها فوق رؤوس الأبرياء". فالعمل على فهم النص يساعد على فهم المفردات، فيتم التعامل مع هذه المفردات الجديدة في سياقها ثم في جملها التي يمكن استخراجها عبر الأسئلة: - لماذا احتدم القتال بين الطرفين؟ - من المهاجمون ومن المدافعون؟ - كيف كان جيش الأعداء؟ - ما الذي فعلته الطائرات؟ ويمكن استثمار نصوص المقررات في المطالعة والمحفوظات والأناشيد، والربط بين ما يكتسبه الطالب من مفردات جديدة في تلك الموضوعات والتعبير وتوظيفها في تكوين الجمل ومعرفة الأساليب وإعادة صياغتها في أساليب جديدة، ومعرفة المترادفات والمتقابلات، فعلى سبيل المثال حين نقول: احتدم القتال يمكن أن نسأل التلاميذ عن كلمات تؤدي المعنى ذاته، وإعادة تكوين الجملة متضمنة لها بحيث يظل المعنى كما هو. احتدم القتال: اشتد القتال، بلغ ذروته، حمي وطيس المعركة "توسيع الجملة" بالإضافة بشكل عام وبإضافة الجار والمجرور، احتدم القتال في المعركة، أو بالظرف الدال على الزمان والمكان، وذلك دون استخدام مصطلحات النحو. وينبغي الإشارة إلى أن "الترادف" لا يعني التطابق التام في المعنى، فإن ذلك يؤدي إلى غرس مفاهيم خاطئة عن اللغة، فمن مظاهر عبقرية اللغة هذه الخاصية.

واكتساب مفردات جديدة والقدرة على استثمارها في بناء الجمل لا يستثني أي حقل من حقول المقررات الدراسية في المواد التي يدرسها الطالب، ولا بد من التركيز على الاستفادة من أساليب القرآن الكريم بعرض جملة من الآيات الكريمة التي حفظها الطالب أو درسها، وانتقاء مفردات منها واستعمالها في جمل جديدة. قال تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:1-3] . لا ريب، هدى، اليوم الآخر ... إلخ هذه مفردات يمكن استثمارها في جمل جديدة، ويتم تقديم الأمثلة التي تناسب مستوى الطلاب في كل صف وكل لمرحلة. وإعادة ترتيب الكلمات المبعثرة يستلزم حاسة لغوية مرهفة وإلا تحول إلى لعبة مملة، ولذلك لا بد من الإتيان بها في سياقات متعددة، والإشارة إليها في هذه السياقات، وإعادة تشكيلها في ذهن المعلم ثم طرحها من جديد. ولعل من أهم التدريبات على تشكيل الجمل والتعرف على الأساليب والتمييز بين تلك التي تعتمد على مرجعيات نصية محببة في سياقات كلية وغيرها، إذ من الخطورة بمكان النظر إلى هذه المسائل بمعزل عن النصوص، فلابد من ربط الجزئي بالكلي، فإذا أتينا مثلًا بجملة من الأبيات الشعرية كقولنا: كفكف دموعك ليس ينفعك البكاء ولا العويل وانهض ولا تشك الزمان فما شكا إلا الكسول ما ضل ذو أمل سعى يومًا وحكمته الدليل فيمكن استثمار هذه الأبيات في: أولًا- التعرف على أساليب الأمر: كفكف ... انهض. ثانيًا- التعرف على أساليب النهي: ولا تشك. ثالثًا- التعرف على أساليب النفي: ما ضل، ليس ينفعك. رابعًا- معرفة مفردات جديدة مثل كفكف والعويل وضل. خامسًا- التعرف على كيفية بناء الجمل الاسمية القصيرة: حكمته الدليل.

والجمل الفعلية القصيرة "ينفعك البكاء"، "انهض"، "لا تشك الزمان". سادسًا- إدارة حوار حول مضمون الأبيات: - هل البكاء يجدي في استرجاع ما فات؟ - لا ولكنه يفرج عن صاحبه. - وهل يليق بالرجل أن يبكي؟ - ولم لا، فالرجل إنسان يحس ويتألم. - أنا لا أنكر عليه البكاء، ولكن بقدر يسير وفي المواقف المؤثرة. - هناك ما يضطرنا أحيانًا إلى الاستغراق في البكاء. - ثمة فرق بين البكاء بأسًا أو خوفًا والبكاء في موقف إنساني مثير للشجن. وهكذا يمكن استثمار هذه الأبيات في تنمية ملكة الحوار، وهي من الأهداف التي نص عليها التعميم السابق. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المعلم ليس مقيدًا في اختيار محدد فلا بد أن يختار ما يناسب الموقف زمانًا ومكانًا ومستوى مع مراعاة الفروق الفردية. أما فيما يتعلق بالحوارات المنظمة بين الطالب وأستاذه فيمكن أن تكون أسلوبًا معتمدًا في كل "المراحل والمجالات والحصص" وذلك بتعويد الطالب على استخدام الفصحى المبسطة داخل الفصل وفي كل شأن من الشؤون، وذلك يقتضي حزمًا وصبرًا ومثابرة، وكلما زاد اعتماد المعلم على الأساليب التي تجعل من التلميذ محورًا للعملية التعليمية قاد ذلك تلقائيًا إلى جعل الحصص حافلة بسلسلة من الحوارات، فإشراك الطالب في الدرس على نحو عملي من خلال الأسئلة المطروحة والإصرار على أن تكون الإجابات جملًا تامة يؤدي إلى اعتماد الحوار أسلوبًا عفويًا لا تصنُّع فيه، حتى في المسألة التي تتعلق مباشرة بالمادة العلمية، وكذلك في تحويل بعض موضوعات القراءة إلى حواريات عن طريق إعدادها من جديد. أما تكوين الموضوعات فأعتقد أن من أحسن الوسائل توجيه اهتمام التلاميذ نحو قضايا بعينها مثلًا: الحديث عن برنامج بعينه من برامج الأطفال مع تحديد

الإطار العام لهذا الحديث كأن نقول -على سبيل المثال- نريد أن يكون حديثنا عن: - الموضوع الذي دار حوله البرنامج. - المشاركين في تقديمه. - الفائدة من هذا الموضوع. - ما لم يعجبك فيه؟ - مدى انجذابك إليه وما الذي جذبك....إلخ. ثم نتطور من هذه الجزئيات إلى صياغة كلية تتبلور في عدة نقاط: - الموضوع. - التقديم. - الإخراج. - الأهداف. - الإيجابيات والسلبيات ... إلخ. إذ لا بد أن نعود الطالب على كيفية تنظيم الأفكار من الجزئي إلى الكلي ومن الخاص إلى العام. ولا بأس من اختيار موضوع من الموضوعات التي يتم تداولها في المدرسة أو تتم مشاهدتها على مسرح المدرسة أثناء ممارسة الأنشطة المختلفة، واختيار هذه الموضوعات يتضمن تلقائيًا مسألة إبداء الرأي مع توجيه الطالب إلى أن إبداء الرأي لابد أن يتم في حدود "الأدب" وبعد تفكر وليس على نحو عشوائي، كما أن إبداء الرأي لا بد أن يكون حول أمور محددة مرتبطة بحياة الطالب ومشاهداته فمثلًا: - تأخر بعض الطلاب عن الطابور الصباحي. - الحديث مع الزملاء أثناء شرح المعلم. - الاستئذان لأتفه الأسباب في كل حصة. - ضرورة ترتيب المقاعد. - الاهتمام بنظافة الفصل. - الكتابة على الجدران ... إلخ.

والتدرج بالانتقال من هذه الموضوعات الجزئية إلى موضوعات كلية ومن الحسي إلى التجريدي: - التعبير عن الرأي فيما يتعلق بالأنشطة الاجتماعية أثناء الأسبوع. - الإنفاق بسخاء في بعض المناسبات. - التعاطف مع المسلمين في محنتهم في فلسطين وغيرها. - التعبير عن مشهد من المشاهد المؤثرة التي نراها هنا وهناك. أما كتابة القصة فتبدأ من السرد البسيط لتجربة معينة إلى حكاية سمعها الطالب، أو قصة يسردها المعلم على مسامع تلاميذه ويطلب منهم إعادة صياغتها، وهنا نعرض لمسألة التلخيص، وفي هذا الكتاب بحث كامل عن كيفية التلخيص. أما في المرحلة المتوسطة والثانوية فلا بد - كما أشار التعميم - الى الاعتماد على عرض النماذج، وهنا لابد من وضع دليل كامل للطالب لإرشاده إلى الكتب التي تضم نصوصًا تصلح لأن تكون أمثلة تحتذى مع التدرج في قراءتها: كتب المقالات مثل: وحي القلم - مصطفى صادق الرافعي فيض الخاطر - أحمد أمين. حديث الأربعاء - طه حسين....إلخ. والإشارة إلى ما ينشر في الملاحق الأدبية والمجلات الثقافية، وعرض نماذج منها، والاهتمام باقتنائها في مكتبة الفصل أو المدرسة، وهنا تبرز أهمية زيارة المكتبة باستمرار والتعرف على محتوياتها. ولا بد من الانتقال فيما يتعلق بالحوار من المواقف الحوارية إلى الكتب المتخصصة كمسرحيات توفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير وغيرهما. أما فيما يتعلق بالخاطرة والرسالة والمقالة والخبر الصحفي؛ فقد أفرد هذا الكتاب موضوعات مستقلة لها. أما الإنشاء في مرحلة الثانوية فإنه -كما يتضح من كلمة إنشاء - يختلف

إلى حد ما عن "التعبير" في المرحلتين السابقتين، ذلك أنه يوحي باكتمال القدرة على الكتابة المستقلة بثقة وجرأة، وفي هذه المرحلة تبدأ المواهب بالتفتح والتبلور، ولكن هذا لا يعني الخروج من الدائرة التعبيرية السابقة، إذ يرتقي الجانب الوظيفي للكتابة ليناسب المجالات الاجتماعية والإدارية، إذ تتوسع مدارك الطالب وتنمو علاقاته، وهنا لا بد من التحذير من الصيغ الجاهزة أو ما يسمى بالمسكوكات اللفظية خصوصًا في الكتابة الوظيفية - وإلى حد ما - وفي الكتابة الإبداعية، حيث يتم حفظ تراكيب لغوية خاصة بكل موضوع، وهنا لا بد من توسيع دائرة الكتابة للخروج بها من حجرة الفصل إلى مجال أوسع، فلا بد من استثمار النشاط والمسابقات على وجه الخصوص، ولا بد من العناية بالمرجعيات. ولعلنا في هذه السطور نبين أهم التحولات النوعية التي لا بد أن تطرأ على الكتابة في هذه المرحلة: أولًا: الاهتمام بالأساليب الفنية "التقنيات" أي: جانب الصنعة، ولا بد من توجيه الطالب إلى قراءة كتب نظرية في هذا المجال جنبًا إلى جنب مع النماذج، ومن ذلك: فن القصة القصيرة لرشاد رشدي، وللطاهر مكي وغيرهما، والكتب الخاصة بفن الرواية مثل: بناء الرواية لأدوين موير، وفن الرواية لكولن ولسون ونظرية الرواية لعبد الملك مرتاض وغيرها، وإن كانت هذه الكتب صعبة عصية على فهم الطالب في هذه المرحلة فلا بد من معاونته على قراءتها، وما هو مدون عن فنيات المقالة والتقرير ... إلخ. ثانيًا: التوجيه إلى قراءة الكتب المشهورة في بابها في الرواية مثلًا ككتب المنفلوطي وجبران خليل جبران ومحمد عبد الحليم عبد الله، وبعض النماذج من الرواية العالمية والعربية، ليس في الرواية فحسب ولكن في المجالات المختلفة. ثالثًا: لا بد من إحالة الطالب عند توجيهه إلى كتابة موضوع في الإنشاء إلى مراجعه الأساسية، ولا بد من تدريبه على عملية التوثيق والكتابة العلمية الصحيحة، وترتيب المراجع والمصادر. رابعًا: لا بد من تربية ملكة النقد عنده عن طريق إرشاد الطلاب إلى القضايا الخلافية في الحياة، والبحث عن الآراء المختلفة حولها ومناقشتها وإبداء الرأي الخاص فيما تتضمنه.

تطبيقات إملائية

تطبيقات إملائية تطبيقات على الهمزة أكرمنا الله سبحانه وتعالى؛ فلم يئد فكرنا ولم يسألنا إلا العمل الصالح والتؤدة والأناة في الإقدام والإحجام، فآمنا به وصدقنا وقد حسنت منا الهيئة، وكان بنا رؤوفًا رحيمًا، فإذا ما أحسنا قراءة القرآن الكريم وحللنا المآكل والمشارب؛ كان لنا ملجآن من النار وكان إيماننا لنا دفئًا وطمأنينة، وكان كل منا للجنة كفئًا. في هذ النص: أولًا- همزات القطع - أكرمنا: همزة الفعل الرباعي المزيد بالهمزة - إقدام: مصدر الرباعي - أحسنا: همزة الفعل الرباعي المزيد بالهمزة - إحجام: مصدر الرباعي - إيماننا: مصدر الفعل الرباعي - بعكس همزة الفعل الخماسي - اقترب: فهي همزة وصل وهمزة الفعل السداسي - استبشر: فهي همزة وصل والمعيار العملي لمعرفة همزة الوصل وتمييزها عن همزة القطع وضع واو العطف أو فاء العطف قبلها فإن نطقت كانت قطعًا وإن لم تلفظ كانت وصلًا. ثانيًا- الهمزة المتوسطة: - يئد: ما قبلها مفتوح وهي مكسورة تكتب على نبرة - يسألنا: ما قبلها ساكن وهي مفتوحة تكتب على ألف - التؤدة: ما قبلها مضموم وهي مفتوحة تكتب على واو لماذا؟ لأن الكسر في الأولى أقوى من الفتح فغلب الكسر وما يناسب الكسرة الياء لذا كتبت الهمزة على ياء. وفي الثانية كتبت الهمزة على ألف؛ لأن ما قبلها ساكن وهي مفتوحة والفتح أقوى من السكون فغلبت الفتحة على السكون وما يناسب الفتح الألف لذا كتبت على الألف. وفي الثالثة كتبت الهمزة على الواو؛ لأنها مفتوحة وما قبلها مضموم فغلبت

الضمة على الفتحة، والضمة يناسبها الواو. الحالات الخاصة في الكلمات التالية من النص: آمنا: التقت همزتان في أول الكلمة فأدمجتا في مد فوق الألف. الهيئة: الهمزة المتوسطة مسبوقة بياء ساكنة كتبت على نبرة مثل فيْئة. رءوف: الهمزة مضمومة وقبلها حرف منفصل لذا تكتب مفردة. قراءة: الهمزة المتوسطة مفتوحة ومسبوقة بألف ساكنة لذا كتبت الهمزة مفردة. المآكل: الهمزة مفتوحة ومسبوقة بحرف مفتوح ومتبوعة بألف المد هنا وألف. ملجآن: التنثنية في "ملجآن" فدمجت الهمزة مع الألف وكتبت مدة على الألف. دفئًا: تطرفت الهمزة بعد صحيح ساكن وجاء بعدها تنوين نصب لذا كتبت على نبرة. كفئًا: تطرفت الهمزة بعد صحيح ساكن وجاء بعدها تنوين نصب فكتبت على نبرة. أمثلة للتأمل: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ} [قريش:1-2] . {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان} [الرحمن:13] . أحشفًا وسوء كيلة أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم تلألأت النجوم في السماء وأقبل الفجر مضيئًا أرجاء الكون، فما أروع هذا المشهد، وما أدله على قدرة الله سبحانه وتعالى، فبئس الجاحد الكافر والمتآمر البائس.

تطبيقات على الحذف

تطبيقات على الحذف بسم الله الرحمن الرحيم إنه لليقين الصادق أن تصطفي من الناس أخيارهم "ما اصطفى أحد الخير فندم" كلا، بل إن الخير هو المراد في كل عمل يابن الصادقين المتقين كما فعل نبينا الكريم محمد بن عبد الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد قلت لأخ لي: أتعرف القبلي الذي يعتد بقبيلته؟ إنه قد تنكب طريق الخير وسار في سبيل الضلالة، إنه نذر نفسه للهو وللعب وللغواية، فبعد عن النصيحة، والنصيحة نعما ما يقدم إلى الإنسان، فإما نعرض عن مثل هذا لهو الأحسن والأفضل، ولكن لنتذكر قول الله سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة} [النحل:125] هذا دأب الأنبياء إبراهيم وسليمان وإسحاق "صلوات الله وسلامه عليهم" وذلك هو الحق. استخرج من النص السابق الحروف المحذوفة في الكلمات التي تم فيها الحذف بسم الله الرحمن الرحيم:حذفت همزة اسم في البسملة الكاملة. لليقين:حذفت الألف لدخول اللام على الاسم المعرف بأل. اصطفى: دخول همزة القطع على الاسم. يابن الصادقين: حذفت همزة ابن لأنها؛ بعد حرف النداء يا. محمد بن عبد الله: حذفت همزة ابن لأنها؛ وقعت بين علمين. قلت لأخ لي: حذفت ألف قال لاتصالها بضمير الرفع. للهو: حذفت الألف لاتصال اللام بأل التعريف. للعب: حذفت الألف لاتصال اللام بأل التعريف. نعما ما يقدم: حذفت ألف نعم لاتصالها بما. فإما نعرض: حذفت النون لاتصال "إن" بـ "ما" حيث أدغمت بها. ادع: حذفت الواو؛ لأن الفعل مبني على حذف حرف العلة. إبراهيم "إبراهيم": حذفت ألف إبراهيم لأن؛ هذه الأسماء كثيرة =

إسماعيل "إسمعيل" = الاستعمال فحذف الألف للتخفيف إسحق

تطبيقات على الحروف الزائدة

تطبيقات على الحروف الزائدة كم من رجل يقدر بمائة رجل لم يثبتوا في النوازل، وقد شاهدت اثنين تقاعسا عن الإقدام فقلت: اغربنانَّ عن وجهي فواأسفا على شباب هانت عليهم كرامتهم، فرد علي أحدهم قائلًا: أما نفسك فهذبها ودع الآخرين، ثم مضيا إلى حال سبيلهما، فرأيت من لحق بهما مناديًا فقلت: مه، ولما سمعني أحد اللغويين قال لي: لقد زدت هاء فلمه؟ وأسبابك ما هيه؟ والغتاه، فقلت له: سل أولي العلم وأولات المعرفة، فالعلم كالماء والهواء والأكسجين بخاصة، ألم تسمع بعمرو: استخرج حروف الزيادة من الكلمات التي بها حروف زائدة في النص السابق: أ- زيادة الألف في: مائة: زيدت في مئة تمييزًا له عن فئة. لم يثبتوا: زيدت الألف بعد واو الجماعة وهي الألف الفارقة بين الضمير والحرف. اغربنان: زيدت الألف لتفصل بين نون التوكيد ونون التثنية. فواأسفا: زيدت الألف للاستغاثة. ب- زيادة الهاء في: مه: زيدت في ما الاستفهامية عوضًا عن ألفها المحذوفة. لمه: زيدت في ما الاستفهامية عوضًا عن ألفها المحذوفة. ماهيه: لأن الاسم منته بحرف علة زيدت الهاء في آخره عند الوقف. والغتاه: زيدت الهاء في الندبة وكذلك في الاستغاثة. قِه: زيدت الهاء؛ لأن الفعل متحرك وقف عليه.

ج- زيدت الواو في وسط الكلمة في: أولي العلم: لأنها تزاد في أولو وأولي وأولات. أولات المعرفة: لأنها تزاد في أولات وأولئك. الأوكسجين: لأنه اسم أجنبي عمرو: تزاد في عمرو تمييزًا لها عن عمر.

تطبيقات على الفصل والوصل بين الحروف والكلمات

تطبيقات على الفصل والوصل بين الحروف والكلمات ما العمل وقد اشتد الخطب واتسع الخرق وأصبحت الأمة على شفير الخطر المحدق بها من كل مكان فمم نخشى وعلام نتردد وحتام الصبر؟ ولم التردد؟؟ وبمقتضام نفرط في الغالي والنفيس لا سيما وأن الخطب جلل، إنما للصبر حدود فأيما الأمرين اخترنا فنحن في حيرة وقلق، فعلينا أن نكون جادين كيما ننتصر، وكيلًا نأسى على ما فاتنا: استخرج الكلمات والحروف المفصولة والموصولة وبيِّن السبب: ما العمل: ما تفصل لأنها استفهامية ولم تتصل بإحدى حروف الجر. على شفير: على تفصل لأنها حرف جر ولم تتصل بما يوجب الوصل. مم: من اتصلت بما وهو جائز. وعلام: اتصلت على بما وهذا أمر جائز. وحتام: وكذلك حتى بما وهو جائز. بمقتضام: واتصلت ما بالاسم المضاف إليها وهذا جائز. إنما: اتصلت إن بما الزائدة وهذا جائز. كيما: كي اتصلت بما وهذا جائز. كيلا: كي اتصلت بلا وهذا جائز.

أن تكون: هنا يجب الفصل أيضًا. ويجب الفصل وفقًا للقاعدة التي تقول: ما صح الابتداء به والوقوف عيه وجب فصله عن غيره عند الكتابة، وذلك؛ لأنه سهل في النطق مثل الأسماء والضمائر المنفصلة.

تطبيقات على التاء المفتوحة والتاء المربوطة

تطبيقات على التاء المفتوحة والتاء المربوطة حين تمر الأمة بمنعطفات مهمة في تاريخها لا بد أن تجند جميع قواها، فقد سبق أن تجاوزت أمتنا العديد من العقبات والمفاوز التي كادت أن تحول بينها وبين تحقيق أهدافها، ومن ذلك ما فعله أركان جمعية الاتحاد والترقي وعلى رأسهم مدحت باشا "سفاح الشام"، وأحد أعمدة يهود "الدونمة"، لقد قمعوا الحركة العروبية في الشام، وعلقوا زعماءها على المشانق، ومع هذا لم يستطعيوا أن ينالوا من روح الأمة ولا من عزيمتها، فلم تلن لها قناة، وثبتت للشدائد، فما هانت، ولا لانت، وظلت قوية عزيزة منيعة. استخرج من النص السابق الكلمات المنتهية بالتاء المربوطة، وتلك المنتهية بالتاء المفتوحة مع تعليل سبب مجيء التاء على هذا النحو أو ذاك: 1- الأسماء المنتهية بتاء التأنيث المربوطة: الأمة: اسم انتهى بتاء التأنيث. مهمة: اسم انتهى بتاء التأنيث. جمعية: اسم انتهى بتاء التأنيث. أعمدة: جمع تكسير تاؤه مربوطة. الدونمة: اسم انتهى بتاء التأنيث. قناة: اسم انتهى بتاء التأنيث. عزيزة: اسم انتهى بتاء التأنيث.

2- الأسماء المنتهية بتاء التأنيث المفتوحة: منعطفات: جمع مؤنث سالم تأتي تاؤه مفتوحة. تجاوزت: فعل انتهى بتاء التأنيث فهي مفتوحة. العقبات: جمع مؤنث سالم تاؤه مفتوحة. كادت: فعل انتهى بتاء التأنيث. مدحت: اسم أجنبي ينتهي بتاء التأنيث المفتوحة. ثبتت: فعل انتهى بتاء التأنيث المفتوحة. هانت: فعل انتهى بتاء التأنيث المفتوحة. لانت: فعل انتهى بتاء التأنيث المفتوحة. ظلت: فعل انتهى بتاء التأنيث المفتوحة. ومن الواضح أن الأسماء في عمومها تنتهي بتاء التأنيث المربوطة ما عدا الأسماء الأجنبية، وخصوصًا من أصل تركي مثل: حكمت وحشمت وطلعت، أما الأفعال فتنتهي بتاء التأنيث المفتوحة.

تطبيقات على الأفعال والأسماء المنتهية بألف التأنيث المقصورة والممدودة

تطبيقات على الأفعال والأسماء المنتهية بألف التأنيث المقصورة والممدودة انتهى عهد التقاعس والتكاسل، ومضى وقت الانهزام والاستسلام والعصا الغليظة التي يرفعها المستعمرون في وجوه أصحاب الأرض والبلاد، ورجا كل مسلم من ربه أن يحشره في زمرة الجهاد والمجاهدين، فرمى الجميع عن قوس واحدة، ووعى كل دوره ومكانته فما عاد يخشى أحدًا إلا ربه، ومهما استدعى الأمر فإن المرجع هو الله عز وجل، ومهما اقتضى الموقف فالكل صف واحد، فكان أن دعا الداعون إلى الجهاد وسما كل في خلقه ودينه وسلوكه. استخرج كل كلمة منتهية بألف التأنيث المقصورة أو الممدودة وبين سبب مجيئها

على هذا النحو: 1- الكلمات المنتهية بالألف المقصورة: انتهى: وقد جاءت مقصورة؛ لأن الفعل يتكون من أكثر من ثلاثة حروف. مضى: جاءت الألف مقصورة؛ لأن الفعل ثلاثي وأصل الألف ياء. رمى: جاءت الألف مقصورة؛ لأن الفعل ثلاثي وأصل الألف ياء. وعى: جاءت الألف مقصورة؛ لأن أصلها ياء. يخشى: جاءت الألف مقصورة؛ لأن أصلها ياء. استدعى: جاءت الألف مقصورة؛ لأن الفعل يتكون من أكثر من ثلاثة حروف. اقتضى: جاءت الألف مقصورة؛ لأن الفعل يتكون من أكثر من ثلاثة حروف. وهكذا يتبين لنا أن الألف تأتي مقصورة إذا كانت في نهاية فعل ثلاثي وأصلها ياء، أو إذا كانت في نهاية فعل يتكون من أكثر من ثلاثة حروف. 2- الكلمات المنتهية بألف ممدودة: العصا: ألفها ممدودة؛ لأن أصلها واو "اسم". رجا: ألفها ممدودة؛ لأنها جاءت في آخر الفعل وأصلها واو - رجا: يرجو. دعا: ألفها ممدودة؛ لأنها جاءت في آخر الفعل وأصلها واو - دعا: يدعو. سما: ألفها ممدودة؛ لأنها جاءت في آخر الفعل وأصلها واو - سما: يسمو. وهكذا يتبين لنا أن الألف تأتي ممدودة في نهاية الاسم أو الفعل إذا كان أصلها واوا.

تطبيقات عامة

تطبيقات عامة صحح الخطأ في النص التالي: ارتأت نخبة من المثقفين ان تنهض بمشروع تربوي كبير فعملة على أن تجمع كافت الطاقاة والإمكانات وتوضفها مستثمرتا إياها في تأليف الكتب وإجراء البحوث وإعداد أوراق العمل من أجل خدمت هذا المشروع، وقد يأس من استثمار هذا المشروع واستحق البعض منهم التهنأة على جهودهم، ومثل هذه المشاريع الممتازة لا يمكن أن ينهظ بها إلا أولي العزم من المتحمسون لهذا العمل الضخم. فيا من كانة لديهم الغيرت على الأجيال القادمت خوفا عليها من الضياع، عليكم بمآزرت مثل هذه المشاريع ودعمها والوقوف إلى جانب المتحمسين من أصحابها: الكلمات التي كتبت خطأ: ان:أن التهنأة: التهنئة فعملة: فعملت أن ينهظ: أن ينهض ان: أن أولي العزم: أولو العزم كافت:كافة من المتحمسون: من المتحمسين الطاقاة:الطاقات كانة: كانت توضفها: توظفها الغيرت:الغيرة مستثمرتا: مستثمرة القادمت:القادمة خدمت: خدمة بمآزرت:بمؤازرة يأس:يئس

المؤلف في سطور [محمد صالح الشنطي] ناقد وأستاذ أكاديمي متخصص في النقد الأدبي الحديث، وهو أردني الجنسية من مواليد فلسطين سنة 1945م. له عدة مؤلفات أهمها: 1- متابعات أدبية. "يجرى حاليًا إعادة طبعه". 2- رحلة في آفاق الكلمة. "يجري حاليًا إعادة طبعه". 3- القصة السعودية القصيرة 4- القصيدة المهاجرة 5- فن الرواية في الأدب العربي السعودي. "يجري حاليًا إعادة طبعه". 6- فن التحرير العربي. 7- المهارات اللغوية. 8- آفاق الرؤيا وجماليات التشكيل. 9- ظواهر جديدة في شعر المقاومة بالاشتراك مع الدكتور أحمد الخطيب. وسلسلة الأدب العربي عصوره وفنونه وقضاياه ومختارات مدروسة من نصوصه، وقد صدر منها حتى الآن: 1- الأدب العربي القديم المجلد الأول. 2- الأدب العربي القديم المجلد الثاني. 3- الأدب الوسيط "تحت الطبع". 4- في الأدب الحديث. 5- في الأدب العربي السعودي. 6- في الأدب الإسلامي. 7- في أدب الأطفال. 8- التجربة الشعرية في الأدب العربي السعودي المعاصر يقع في مجلدين. كما صدر أيضًا سلسلة النقد الأدبي تاريخه وقضاياه واتجاهاته ومناهجه وتطبيقاته وصدر منها حتى الآن: 1- في النقد الأدبي الحديث مدارسه ومناهجه وقضاياه "دراسة نقدية تطبيقية" 2- النقد الأدبي المعاصر في المملكة العربية السعودية ملامحه واتجاهاته وقضاياه "في مجلدين".

§1/1