فقه قراءة القرآن

سعيد عبد الجليل يوسف صخر

من القرآن والسنة

من القرآن والسنة من القرآن الكريم: قال تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) (الإسراء: 9) من السنة المطهرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف». أخرجه الترمذى والحاكم بسند صحيح من حديث ابن مسعود، انظر صحيح الجامع (ج 2 ص 1104) رقم (6469)

مقدمة فضيلة الأستاذ الشيخ/ محمد الفقى

مقدمة فضيلة الأستاذ الشيخ/ محمد الفقى بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله الذى أنزل عليه كتاب لا يخلق من كثرة الرد ولا يزيد القارئ له إلا إجلالا وإعظاما. وبعد ... فقد أتاح لى الأخ الكريم أبو خالد- سعيد عبد الجليل يوسف الاطلاع على ما قام به من جهد مشكور وبحث طيب فى «فقه قراءة القرآن الكريم» سبقه إلى القول فيه علماء أجلاء أفنوا زهرة عمر هم فى خدمة كتاب الله إلا أن آراءهم والمسائل التي أثاروها جاءت متفرقة في ثنايا موسوعاتهم مما كان يكلف الطالب لشىء منها مشقة، فجاء أخونا- نفعه الله بما قدم- يجمع هذه المتفرقات من مصادرها ونظمها فى سلك من التبويب والمعالجة السهلة الميسرة للمسائل التى سبق بها أو مسائل ذات صلة بعلوم القرآن أو أخرى رآها مطروحة على الساحة وكان عليه أن يناقشها بما تيسر له من أدوات البحث والاجتهاد والاستنباط الأمر الذى جعل من إصداره هذا مرجعا سهلا ميسرا، وفقها طيبا لقارئ القرآن وسامعه وغنية يكتفى بها فى حدود رغبته فى الوقوف على الجواب الشافى دون حاجة إلى إطالة أو إملال. كما يتيح لمن يقتنى هذا البحث أن يضعه فى مكتبته وأن يحتل منها مكانا بارزا يسهل له الرجوع إليه متى أراد .. لقد جاء جهده المشكور انطلاقا من دعوته الجميع بضرورة العناية أولا بكتاب الله حفظا وفهما ومدارسة باعتباره المصدر الأول، وإنى إذ أحيى دعوته صادقا فإننى كذلك أعلن اعتزازى بالجهود المخلصة الأخرى التى تهتم بالسنة النبوية رواية ودراية، ولعل هذين الاتجاهين المتآزرين ينفعان شباب الإسلام فى أيامنا هذه ويخدمان القرآن والسنة مصداقا لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتى». هذا والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل كتبه أبو أنس/ محمد الفقى

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدى هدى محمد صلّى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار وبعد. فلمّا كان القرآن الكريم هو المنهج الذى ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده دستورا لحياتهم فى جميع شئون الحياة لذا ضمنه سبحانه وتعالى مقومات الحياة كلها على أكمل وأحسن وجه وأودع فيه علم كل شىء بحيث يفى بمطالب هذه البشرية فى حياتها الفردية والجماعية ويهديها إلى طريق الكمال فى الحياة الدنيا بقدر ما تطيق ثم إلى الحياة الأخرى فى نهاية المطاف. فلمّا غفل المسلمون عن هذا المنهج واتخذوا القرآن كتاب متاع للثقافة وكتاب تعبد للتلاوة فحسب لا منهج تربية للتوجيه والتكيّف ومنهج حياة للعمل والتنفيذ لم ينتفعوا من القرآن بشيء لأنهم خرجوا عن منهجه الذى رسمه العليم الخبير. والقرآن بخصائصه الموضوعية والتعبيرية، بهذا الكمال فى تناسقه وبهذا الكمال فى العقيدة التى جاء بها، وبهذا المنهج المبرأ من القصور والنقص ومن آثار الجهل والعجز كان الحجة التى أظهرها الله سبحانه وتعالى- على يد نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم وجعله تصديقا لما بين يديه من الكتب المتقدمة- فى أصل العقيدة والدعوة إلى الخير ومهيمنا عليها ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل، وتحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله أو أن يأتوا بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله أو بحديث مثله فما استطاعوا ولن يستطيعوا، ولا يزال التحدى قائما حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (¬1). وفى هذا بيان لإعجاز القرآن وأنه لا يستطيع أحد أن يأتى بشيء من جنسه لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعانى النافعة فى الدنيا والآخرة لا يكون إلا من عند الله الذى لا يشبهه شىء فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين فهذا القرآن لا يكون إلا من عند الله. قال تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (¬2). وكان القرآن ينزل على النبى صلّى الله عليه وسلم منجما بعضه فى إثر بعض والنبى صلّى الله عليه وسلم يتلقاه بروحه وجوارحه معا، فكان قرآنا يمشى على الأرض وكان خلقه القرآن، وكذا تلقاه الجيل الأول من أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم ف (كان الرجل منهم إذا تعلم عشر آيات من كتاب الله لا يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهنّ والعمل بهنّ) (¬3). وقد ثبت أن «عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أخذ فى تحصيل سورة البقرة ثمانى سنين يتعلمها بأحكامها ومعانيها وأخبارها فكذلك طال مكثه فيها» (¬4). ففتح الله لهم آفاقا من الفهم والمعرفة لم تكن لتفتح لهم لو أنهم قصدوا إلى كتاب الله بقصد القراءة أو الحفظ فحسب فهذا القرآن لا يمنح كنوزه ودرره إلا لمن يقبل عليه بهذا الشعور وبهذه الروح شعور التلقى للتنفيذ وروح المعرفة المنشئة للعمل (¬5). وكان لهذا المنهج- منهج التلقى والتعليم للتنفيذ والعمل- أكبر الأثر فى فهم هذا ¬

_ (¬1) الإسراء: 88. (¬2) النساء: 82. (¬3) ذكره ابن كثير (بسنده) عن ابن مسعود (ج 1 ص 4). (¬4) رواه مالك فى الموطأ (ج 1 ص 205) وذكره ابن عبد البر فى الاستذكار (ج 8 ص 91)، وفى الطبقات لابن سعد عن ميمون أن ابن عمر تعلم سورة البقرة فى أربع سنين. (¬5) من كتاب معالم فى الطريق بتصرف.

الدين ثم تمكّنه وتملّكه من قلوبهم فضربوا بذلك أروع الأمثلة لجيل لم يشهد له التاريخ مثيلا، فتح الله بهم مشارق الأرض ومغاربها فرضى الله عنهم ورضوا عنه. لكن الناظر فى حال أمة القرآن فى هذه الأزمنة يجدها بعيدة كل البعد عن هدى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم وأصحابه فقد هجر القرآن أنواعا شتى من الهجر، بداية من هجر قراءته وسماعه، مرورا بهجر تدبره وتفهمه والعمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وانتهاء بهجر تحكيمه والتحاكم إليه، وقد جاء ليكون منهاج حياة ليقود الأمة إلى طريق أقوم، لذا فإن أعظم جريمة على وجه هذه الأرض وأكبر كبيرة على ظهر هذه الأرض أن ينحّى كتاب الله. قال تعالى: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (¬1) فلا صلاح لهذه الأرض ولا راحة لهذه البشرية، ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا تناسق مع سنن الكون إلا بالرجوع إلى كتاب الله ولن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به عليه أولها، ولقد كان صلاح حال أول هذه الأمة هو التزامهم كتاب الله- عز وجل- وتمسكهم به تلاوة وفهما وعملا. لذا كان هذا الكتاب- فقه قراءة القرآن الكريم- والذى آمل أن يفتح الله به آفاقا واسعة لفهم كتاب الله وماذا أراد الله به منا. ولقد اشتمل هذا السّفر على أبواب ثلاثة، عرضت فى الباب الأول منها لأمور مهمة يحتاج كل مسلم إلى معرفتها عن القرآن الكريم ليكون عند قراءته لهذا الكتاب العزيز على علم به، وفهم له. تبعه الباب الثانى والذى نظمت فيه هدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى قراءة القرآن وعند استماعه وتوابع ذلك ليكون هديه صلّى الله عليه وسلم نموذجا يقتدى به المسلم ويستعين به على فهم كتاب الله، وتلاوته حق التلاوة، تلاوة ينعكس أثرها فى العمل والسلوك. أخيرا الباب الثالث والذى أشرت فيه لطرف من فضائل القرآن وفضائل أهله العاملين به المتمسكين بأمره المجتنبين لنهيه فكانت ¬

_ (¬1) الفرقان: 30.

هذه الأبواب الثلاثة بمجموعها إرشادا للسالك إلى أقرب وأوضح المسالك لتلقى كتاب الله وفهمه والعمل به كما تلقاه الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فالعامل بما فيه عامل- إن شاء الله- بهدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصحابته رضى الله عنهم. وكما هو دأبى فقد التزمت فيما أوردته بين دفتى هذا السّفر كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصحيحة مع إثبات مواضع الآيات من السور، ومواضع الأحاديث من كتب السنة والتحقق من صحة سندها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإتماما للفائدة قمت بفهرست الآيات والأحاديث والآثار مرتبة حسب ورودها فى الكتاب مع اعتبار السور فى ترتيب الآيات وأحرف الهجاء فى ترتيب الأحاديث والآثار. أما بالنسبة للمسائل الفقهية فإننى لم آل جهدا فى تحرى الأصوب واختيار الأصح وعدم التقيد بمذهب إمام خاص بل اعتماد الرأى الذى تقوم به الأدلة مع عزو القول الراجع إلى قائله والإرشاد إلى موضعه من كتب الفقه، مثل ذلك فعلت فيما له علاقة بالأصول أو القراءات أو التفسير كلّ ذلك مع التزام السهولة فى الأسلوب ومحاولة تجنب مواضع الخلاف قدر المستطاع. فعلى كل راع من أب وأم وزوج أن يتقى الله فى نفسه وفى أولاده وبناته وزوجته ويعلمهم كتاب الله ففيه العقائد والمفاهيم والقيم والموازين والعبادات والشعائر والأخلاق والآداب فى أسلوب رائع معجز هو نور من الكلام أو كلام من النور. كما أننى أهيب بمشايخنا الفضلاء وبإخوانى طلبة العلم المشتغلين بتعلم المصطلح والحديث عن تعلم كتاب الله المنشغلين بحفظ المتون والمنظومات عن حفظ كتاب الله أن يهتموا أولا بكتاب الله تعالى فالقرآن القرآن يا طالب العلم ولست أقرر جديدا فى هذا الميدان حين أدعو وأؤكد على ضرورة العناية بالقرآن الكريم أولا، فإن الغفلة عن القرآن الكريم والقصور فى إدراك معانيه نقص لا يجبره القراءة فى كتب الحديث فإن السنة تجىء بعد القرآن وحسن فقهها يجيء من حسن الفقه من الكتاب نفسه، فكل ما قاله أو حكم به الرسول صلّى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن

فكيف يفقه الفرع من جهل الأصل؟ (¬1). فيا طالب العلم- بارك الله فيك وفى علمك- كن سلفيا على جادة السلف الصالح من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم والتابعين من بعدهم. ولتعلم أن النبع الذى استقى منه ذلك الجيل الذى رباه النبى صلّى الله عليه وسلم هو نبع القرآن نعم .. القرآن وحده، فما كان حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا أثرا من آثار ذلك النبع، وما سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا ترجمة لما فهمه النبى صلّى الله عليه وسلم من القرآن الكريم وعلمه ربه إياه فلنصحّح الترتيب فالقرآن أولا والسّنة الصحيحة مفسرة له ومبينة وموضحة أى تابعة له والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا (¬2) ومن يفعل ذلك فقد ألهم رشده. وأنا أعلم يقينا أن مثلى ربّما لا يعطى هذا الموضوع حقه نظرا لقلة البضاعة وسعة الموضوع- ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه- ولكننى بذلت جهد المقل فإن أصبت فذاك ما أردت والفضل لله أولا وآخرا. وإن كانت الأخرى فأستغفر الله لذنبى، ويسعدنى أن أتلقى أى تنبيه أو نصيحة أو تصحيح خطا من مشايخنا وعلمائنا- حفظهم الله- أو من إخوانى طلبة العلم. ورحم الله امرأ أهدى إلىّ عيوبى. وأخيرا أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل من أسهم بجهد أو أعان على إتمام هذا العمل وتنقيحه ونشره بين المسلمين أخص بالذكر الوالد الفاضل الأستاذ: محمد الفقى- حفظه الله- لما أسداه إلىّ من نصح وتوجيه وإرشاد وتنبيه سائلا الله العلى القدير أن يجزل له الأجر والمثوبة. والله الكريم أسأل أن يجعل عملى صوابا خالصا لوجهه الكريم وسببا للفوز ¬

_ (¬1) أقول هذا الكلام وأنا أعلم أنه قد لا يرضى بعض إخواننا ... لكن ليلتمس لى العذر من يعلم أن هناك من طلبة العلم من لا يحسن قراءة القرآن الكريم فضلا عن العلم به والفهم له، والله حسبى ونعم الوكيل. (¬2) فاطر: 32.

بجنات النعيم، وأن يتم النعمة بقبوله وينفع به النفع العميم إخوانى وأحبائى وعموم المسلمين. وأن يهب لىّ نصيبا موفورا من التوفيق والاسترشاد بهديه كما خصّنا بتعليم القرآن العظيم، وبالله تعالى التوفيق وهو المستعان سبحانه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. كتبه أبو خالد/ سعيد عبد الجليل يوسف صخر ج. م. ع الغربية- سمنود

الباب الأول فى ظلال القرآن

الباب الأول فى ظلال القرآن فها أنا ذا أستلم قلمي لأقيد الباب الأول من معالم هذا الكتاب المبارك (¬1) فاتل ما أرقم لك زادك الله رشدا، وأنعم بك عينا. وإن أول ما سأسوقه بين يدى هذا الباب هو بعض التعاريف والمصطلحات ومعانى الكلمات التى ذكرت بين ثنايا هذا الكتاب مع إلقاء الضوء حول بعض أسماء وأوصاف القرآن العظيم وأقسام سوره، ثم أعرض بعض ما تميز به القرآن الكريم من خصائص، وأختم هذا الباب بلمحة تاريخية عن جمع القرآن ومنشأ القراءات، وكيف وصلنا المصحف الإمام. فأقول وبالله التوفيق. فصل فى بعض التعاريف والمصطلحات الهامة الفقه: لغة: العلم بالشىء والفهم له، ولكن استعماله فى القرآن الكريم يرشد إلى أن المراد منه ليس مطلق العلم، بل دقة الفهم، ولطف الإدراك، ومعرفة غرض المتكلم. اصطلاحا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية (¬2). * الباب: لغة: ما يتوصّل منه إلى غيره، اصطلاحا: اسم الجملة مختصة من الكتاب مشتملة على فصول غالبا. ¬

_ (¬1) بركته تأتى من أن كل ما فيه هو قال الله تعالى أو قال الرسول صلّى الله عليه وسلم. (¬2) من كتاب الوجيز فى أصول الفقه. د/ عبد الكريم زيدان (ص 8) بتصرف.

الفصل: لغة: الحاجز بين الشيئين، واصطلاحا: اسم لجملة مختصة من الباب مشتملة على فروع ومسائل غالبا (¬1). * القرآن: لغة مصدر «قرأ» وتأتى بمعنى الجمع والضم ومنه سمى القرآن لأنه يجمع السور ويضمها. واصطلاحا: هو كلام الله المعجز المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم المكتوب بالمصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته (¬2). أسماء القرآن: وقد سمّاه الله بأسماء كثيرة: منها (القرآن) ... وهو فى قوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (¬3) وفيه إشارة إلى جمعه وحفظه فى الصدور. و (الكتاب) ... وهو فى قوله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ (¬4) وفيه إشارة إلى كتابته فى السطور. و (الفرقان) ... وهو فى قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (¬5) وذلك لكونه فرق بين الحق والباطل. و (الذكر) ... وهو فى قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (¬6) وذلك لاشتماله على المواعظ وأخبار الأمم الماضية. (التنزيل) ... وهو فى قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (¬7) إلى غير ذلك مما ورد فى القرآن من أسماء. ¬

_ (¬1) تقريب فتح القريب المجيب لابن القاسم (ص 11). (¬2) هناك تعاريف ومصطلحات أخرى سوف أشير إليها فى موضعها. (¬3) الإسراء: 9. (¬4) الأنبياء: 10. (¬5) الفرقان: 1. (¬6) الحجر: 9. (¬7) الشعراء: 192.

* أوصاف القرآن: وقد وصفه الله بأوصاف كثيرة: منها أنه (نور) ... وهو فى قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (¬1). وذلك لأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام. وأنه (مبين) ... وهو فى قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (¬2) وذلك لأنه أبان أى أظهر الحق من الباطل. وأنه (شفاء) ... وهو فى قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (¬3). وأما الشفاء فلأنه يشفى من جميع الأدواء القلبية والبدنية فإذا أحسن العليل التداوى به لم يقاومه الداء أبدا. وأنه (هدى) ... وهو فى قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (¬4) وأما الهدى فلأن فيه الدلالة على الحق. وأنه (روح) ... وهو فى قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا (¬5) وأما الروح فلأنه تحيا به القلوب والأنفس، وكل تسمية أو وصف فهو باعتبار معنى من معانى القرآن (¬6). * أقسام القرآن: بداية فإن الحكمة من تسوير القرآن سورا تحقيق كون السورة بمفردها معجزة وآية من آيات الله، ومنها أن القارئ لكتاب الله إذا ختم سورة يشعر أنه قد أخذ من ¬

_ (¬1) النساء: 174. (¬2) المائدة: 15. (¬3) الإسراء: 82. (¬4) البقرة: 2. (¬5) الشورى: 52. (¬6) الأتقان فى علوم القرآن (ج 1 ص 67) بتصرف.

1 - السبع الطوال:

كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها فيعظم عنده ما حفظه ولا يخفى ما فى ذلك من التيسير ومن الحمل على التعليم. وسور القرآن باعتبار ما سبق وأن أشرت إليه أربعة أقسام لكل قسم منها اسم وسوف أوجز أرجح الأقوال فيها (¬1). 1 - السبع الطوال: وهى البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، والسابعة قيل الأنفال وبراءة معا لعدم الفصل بينهما بالبسملة، وقيل هى يونس. 2 - المئون: وهى التى تليها، وسميت بذلك لأن كل سورة تزيد على مائة آية أو ما يقاربها. 3 - المثانى: وهى التى آياتها أقل من مائة آية، وسميت بذلك لأنها تثنى فى القراءة وتكرر أكثر من الطوال والمئين. 4 - المفصّل: «ويسمى أيضا بالمحكم» (¬2). وقيل بأن بدايته من سورة «ق» وقيل من بداية «الحجرات» ووجه تسميته بالمفصل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة. والمفصّل ثلاثة أقسام: طوالة- أوساطه- قصاره. ¬

_ (¬1) ورد فى ذكر أقسام القرآن حديث واثلة بن الأسقع وفيه سعد بن أبى بشير وفيه لين، انظر ابن كثير (ج 1 ص 35). (¬2) حديث تسمية المفصل بالمحكم فى صحيح البخارى (ج 9 ص 83) مع الفتح. من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: (جمعت المحكم فى عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلت له وما المحكم؟، قال: المفصل).

فائدة فى تقسيم المصحف وتجزئته:

فطواله إلى «عم»، وأوساطه إلى «الضحى»، ومنها إلى آخر القرآن قصاره، وهذا أقرب ما قيل فيه. فائدة فى تقسيم المصحف وتجزئته: قامت طائفة من العلماء فقسمت القرآن ثلاثين قسما وأطلقوا على كل قسم منها اسم الجزء، ثم قسموا الجزء إلى حزبين وقسموا الحزب إلى أربعة أقسام، كل قسم منها يسمى ربعا وجرى العمل على هذه الأقسام. ولا شك أن هذا العمل فيه من التشويق والترغيب للقارئ ما يدفعه للاستزادة فى القراءة كلما علم أنه ختم ربعا دفعه إلى قراءة الربع الثانى حتى يتم جزءا، وهكذا. وأما تعداد سور القرآن فإنه مائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتد بهم، وقيل ثلاث عشرة بجعل الأنفال وبراءة سورة واحدة، وثمّ أقوال أخر لا تعويل عليها. وأما تعداد الآيات: فقد أفرده جماعة من القراء بالتصنيف وعدد الآيات توقيفى لا مجال للقياس فيه. وعدد آيات القرآن ستة آلاف ومائتا آية وست وثلاثون (¬1) وأطول آية فى القرآن هى آية الدّين وأطول سورة هى البقرة. * فائدة: يترتب على معرفة الآى وعدها وفواصلها أحكام فقهية منها: 1 - اعتبارها فيمن جهل الفاتحة فإنه يجب عليه بدلها سبع آيات فمن لم يستطع لعجز فى طبعه أو سوء فى فهمه فعليه التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ثم يركع (¬2). ¬

_ (¬1) اتبعت فى عد آياته طريقة الكوفيين، راجع (ناظمة الزهر) للإمام الشاطبى. (¬2) فقه السنة (ج 1 ص 203).

2 - اعتبارها فى الخطبة عند من قال بوجوب قراءة آية كاملة فيها كالإمام الشافعى- رحمه الله- وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وهو الحق (¬1). 3 - اعتبارها فى السورة التى تقرأ فى الصلاة وفى قيام الليل. 4 - اعتبارها فى الوقف كما سيأتى بيانه فى موضعه، والله الموفق للصواب. ¬

_ (¬1) نيل الأوطار (ج 3 ص 226).

فصل فى بعض خصائص القرآن الكريم

فصل فى بعض خصائص القرآن الكريم إنه ما من نبى من الأنبياء إلا وأعطى ما مثله آمن عليه البشر من كلام الله الخاص وآياته المعجزات إلى من اصطفى من رسله غير أن آيات الأنبياء السابقين ومعجزاتهم كانت حسية وقتية يؤمن بها من عاصرها وشاهدها دون من نأى بهم المكان أو تأخر بهم الزمان، وكان التشريع فيها خاصا بفئة معينة وموقوتة بزمن معين، وقد ذكر القرآن الكريم من الكتب السابقة صحف إبراهيم وصحف موسى، وثلاثة كتب هى توراة موسى وزبور داود، وإنجيل عيسى. وهذه الصحف والكتب السابقة جميعا قد داخلها التحريف والتبديل وليس فيها ما يجزم بصحة نسبته إلى الله تعالى وممّا لا شك فيه أن للقرآن الكريم المنزلة العلية الرفيعة بين سائر الكتب التى تقدمته فى النزول، وتتجلى هذه المنزلة له بكونه شاملا لأصول الهداية البشرية مع احتوائه على أعظم منهج ربانى محقق لسعادة الإنسان فى الدنيا والآخرة، منهج حياة كامل ملحوظ فيه نواميس الفطرة التى تصرف النفس البشرية فى كل جوانب حياتها، وإعجازه أبعد مدى من كونه إعجازا فى النظم أو المعانى بل إعجاز عن إبداع منهج كمنهجه يحيط بما يحيط به. ولم لا. وهو يحمل رسالة الرشد البشرى الذى يخاطب مدارك الإنسان جيلا بعد جيل، ولله درّ من قال. لا تذكر الكتب السوالف عنده ... طلع النهار فأطفئ القنديلا والقرآن بهذه الطبيعة المنهجية صنع الأمة المسلمة أول مرة وبها يصنع الأمة المسلمة فى كل مرة يراد فيها أن يعاد إخراج الأمة المسلمة للوجود بعد أن واراها ركام الجاهلية بما فيها من تصورات أوضاع وقوانين وأنظمة لا صلة لها بالإسلام (¬1). ¬

_ (¬1) من كتاب معالم فى الطريق بتصرف.

ولقد خص الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بخصائص كثيرة ينبغى لمن أراد أن يفهم القرآن أن يعيها ويدركها بعقله وبقلبه. وإن أول هذه الخصائص أنه- أى القرآن الكريم- كلام الله الخالص غير مخلوق ولا مفترى، غير مشوب بأوهام البشر ولا بأهواء البشر، فكله من الله من ألفه إلى يائه. ليس لجبريل منه إلا النزول به، ولا لمحمد صلّى الله عليه وسلم إلا التلقى والتبليغ قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (¬1). إذن فلا غرو أن تتصف أخبار هذا الكتاب بالصدق الكامل وأحكامه بالعدل المطلق. فكل ما فى القرآن من أخبار، ومواعظ وأوامر، ونواه، وتوجيهات، وتشريعات يتجلى فيها الحق كله، والخير كله والجمال كله والحكمة كلها والمصلحة كلها لأنها كلها صادرة من لدن حكيم خبير. والخصيصة الثانية للقرآن هى التيسير فهو كتاب يسره منزله، يسر تلاوته ويسر فهمه ويسر العمل به لمن أراد، لا يكلف الإنسان شططا ولا يرهقه من أمره عسرا. قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (¬2). فيستطيع كل إنسان سليم الفطرة. يقرأ القرآن أو يسمعه- أن يفهم منه ويتأثر ويستقى من منهله بقدر ما يتسع واديه. ومن خصائص القرآن: أنه كتاب معجز على مر الأيام وتعاقب الأزمان فهو آية محمد صلّى الله عليه وسلم العظمى ومعجزته الخالدة، وللإعجاز القرآنى أوجه وجوانب عديدة فهو معجز فى لفظه وأسلوبه ونظمه وعباراته وألفاظه معجز فى موضوعه ¬

_ (¬1) الشعراء: 192، 193، 194. (¬2) القمر: 17.

ومنهجه وتشريعه معجز فيما أرشد إليه من حقائق علمية كشف وما زال يكشف عنها العلم الحديث يوما بعد يوم إلى غير ذلك من وجوه الإعجاز. قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (¬1). ومن خصائص القرآن: أنه كتاب الخلود وليس كتاب جيل ما ولا كتاب عصر ما بل هو كتاب الزمن كله قيض له الله رجالا أمناء حفظوه فى صدورهم وسطورهم، فلن تقوى عليه يد الزمان، ومن دلائل ذلك أن أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن مرت على نزول هذا القرآن ولم يزل كما أنزله الله وكما بلغه محمد صلّى الله عليه وسلم وكما تلقاه الصحابة ومن بعدهم جيلا إثر جيل محفوظا فى الصدور، متلوا بالألسنة مكتوبا بالمصاحف يستظهره مئات الآلاف من أبناء المسلمين حتى الصبيان منهم، بل حتى الأعاجم الذين لا يعرفون لغته. قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (¬2). ومن خصائص كتاب الله العزيز الشمول فهو كتاب الحياة كلها وكتاب الإنسانية كلها فليس هو لجنس دون جنس، ولا لوطن دون وطن، ولا لطائفة دون طائفة، إنه كتاب الجميع ودستور الجميع فى نسق فريد ونظم بديع، ومن شمول القرآن: أن طالب الحقيقة العقلية يجد فى القرآن ما يرضى منطقه ويأخذ بلبه، والباحث عن الحقيقة الروحية يجد فى القرآن ما يرضى ذوقه ويغذى وجدانه، والحريص على القيم الأخلاقية يجد فى القرآن ضالته وطلبه. وعاشق القيم الجمالية يجد فى القرآن ما ينمى حاسته الجمالية ويغذى شعوره، ومن شمول القرآن: أنه لا يخاطب العقل وحده ولا القلب وحده، بل يخاطب الكيان الإنسانى كله فيقنع العقل ويحرك القلب فى وقت واحد كذلك. ¬

_ (¬1) فصلت: 53. (¬2) الحجر: 9.

فالقرآن دستور شامل وصفه منزّله بأنه تبيان لكل شىء. قال تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (¬1). ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة (¬2) ... ¬

_ (¬1) النحل: 89. (¬2) من كتاب ثقافة الداعية د/ يوسف القرضاوى بتصرف.

فصل فى جمع القرآن ومنشأ القراءات

فصل فى جمع القرآن ومنشأ القراءات نزل القرآن الكريم جملة واحدة فى ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فكان نزوله حدثا جليلا أشعر العالم العلوى من ملائكة الله بشرف الأمة المحمدية التى أكرمها الله بهذه الرسالة لتكون خير أمة أخرجت للناس، ثم بدأ ينزل منجما أى مفرقا فى ثلاث وعشرين سنة: منها ثلاث عشرة بمكة- على الرأى الراجح (¬1) - وعشر بالمدينة، فكان ينزل بحسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل من ذلك لحكم بليغة منها تثبيت فؤاد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتيسير وتسهيل حفظه وفهمه، والتدرّج فى التشريع، وغير ذلك ... وكان نزول القرآن آنذاك على سبعة أحرف لتيسير قراءته وحفظه على قوم أميين لكل قبيل منهم لهجة ولسان، ولا عهد لهم بحفظ الشرائع، وتحقيقا لقوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (¬2). والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة حتى تواتر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل على سبعة أحرف أذكر منها ما صح من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «أقرأنى جبريل عليه السلام على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف» (¬3). وقد اختلف أهل العلم فى معنى هذه السبعة أحرف على أقوال كثيرة، أورد منها الإمام ابن كثير فى ذيل تفسيره خمسة أقوال (¬4) أرجحها وهو قول أكثر أهل ¬

_ (¬1) الراجح: (الأصح): يقصد به المعتمد، وعكسه المرجوح يعنى غير المعتمد، وقيل يعنى أن ما بعدها ضعيف. (¬2) القمر: 17. (¬3) صحيح البخارى (ج 9 ص 23) مع الفتح، صحيح مسلم (ج 6 ص 101) بشرح النووى. (¬4) تفسير ابن كثير (ج 4 ص 598).

العلم كسفيان بن عيينة وابن وهب وابن جرير والطحاوى أن المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه من المعانى المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو (أقبل، تعال، هلم) ونحو (أقوم، أصوب، أهيأ) فهى ألفاظ مختلفة بمعنى واحد أو متقارب. وكان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم كتّاب للوحى من أجلاء الصحابة كعلى بن أبى طالب، وأبى بن كعب، وزيد بن ثابت وغيرهم. تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها ويرشدهم إلى موضوعها من سورتها، فيقول لهم: ضعوا هذه الآية فى الموضع المعين بين آية كذا وآية كذا، وضعوا هذه السورة بجانب تلك السورة وكانوا يكتبونه فى العسب- وهو جريد النخل، واللخاف- وهى الحجارة الرقاق- والرقاع من جلد أو ورق، وكان ذلك موزعا فى بيوت الصحابة لم يجمع فى مكان واحد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان محفوظا فى صدور الصحابة رضى الله عنهم أجمعين. وكان جبريل عليه السلام يعارض رسول الله صلّى الله عليه وسلم القرآن حين يلقاه فى كل ليلة فى شهر رمضان، والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى ليبقى ما بقى ويذهب ما نسخ توكيدا واستثباتا وحفظا، ولهذا عرضه فى السنة الأخيرة من عمره صلّى الله عليه وسلم على جبريل مرتين. وعارضه جبريل كذلك، وكان الصحابة يعرضون على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما لديهم من القرآن حفظا وكتابة كذلك. وجمع القرآن كله بهذه الصورة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإنما لم يجمع القرآن فى مصحف واحد فى عهده صلّى الله عليه وسلم لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته كما أن ترتيب الآيات لم يكن بترتيب النزول، بل تكتب الآية بعد نزولها على حسب ما يرشد صلّى الله عليه وسلم إلى موضع كتابتها بين آية كذا وآية كذا فى سورة كذا. فتم كتابة القرآن فى السطور وجمعه فى الصدور ويسمى هذا الجمع فى عهد النبى صلّى الله عليه وسلم حفظا وكتابة (الجمع الأول). فلمّا كمل القرآن وانتهى نزوله بوفاته صلّى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين جمع كتابه

وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر رضى الله عنهما. روى الإمام البخارى بسنده أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلىّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتانى، فقال: إن القتل قد استحر (¬1) بقراء القرآن، وإنى أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء فى الموطن، فيذهب كثير من القرآن، وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعنى حتى شرح الله صدرى لذلك، ورأيت فى ذلك الذى رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه، فو الله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان علىّ أثقل مما أمرنى به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعنى حتى شرح الله صدرى للذى شرح له صدر أبى بكر وعمر رضى الله عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبى خزيمة الأنصارى لم أجدها مع غيره (¬3) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ حتى خاتمة براءة (¬2). وهذا الجمع هو المسمى (بالجمع الثانى)، فكانت تلك الصحف عند أبى بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضى الله عنهم أجمعين. فلمّا كانت خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه والذى اتسعت الفتوحات الإسلامية فى عهده وتفرق القراء فى الأمصار، وأخذ أهل كل مصر عمّن وفد ¬

_ (¬1) استحر: أى اشتد القتل وكثر فى قراء القرآن يوم اليمامة يعنى يوم قتال مسليمة الكذاب وأصحابه بنى حنيفة بأرض اليمامة فى حديقة الموت. (¬3) يعنى أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، لا أنه لم يكن يحفظها غيره. (¬2) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 10).

إليهم قراءته وكانت وجوه القراءة مختلفة باختلاف الأحرف التى أنزل عليها، فكانوا إذا ضمهم موطن من مواطن الغزو ظهر الاختلاف فى وجوه القراءة مع إلف كل لقراءته ووقوفه عندها حتى خطأ بعضهم بعضا، وكان هذا باب لفتنة لا بدّ لها من علاج. روى الإمام البخارى- رحمه الله- بسنده أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ابن عفان رضى الله عنهما، وكان يغازى أهل الشام فى فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلى إلينا بالصحف فننسخها ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد ابن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شىء من القرآن (¬1). فاكتبوه بلسان قريش فإنما أنزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف فى المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أو مصحف أن يحرق (¬4) (¬2). وجمع عثمان للقرآن هو المسمى (بالجمع الثالث) وكان سنة (25 هـ). ... ¬

_ (¬1) أى اختلافهم فى رسم كتابته. (¬4) حكمة ذلك الخوف من أن يكون فى بعضها غلط أو تكون سببا للكذب والاختلاف. (¬2) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 11).

فائدة فى الفرق بين جمع أبى بكر وجمع عثمان

فائدة فى الفرق بين جمع أبى بكر وجمع عثمان إن الفرق بين جمع أبى بكر وجمع عثمان، أن جمع أبى بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شىء بذهاب حملته، لأنه لم يكن مجموعا فى موضع واحد، فجمعه فى صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبى صلّى الله عليه وسلم مشتملا علي الأحرف السبعة التى أنزل بها القرآن. أما جمع عثمان، فكان لمّا كثر الاختلاف فى وجوه القراءة فجمع قراءات الناس على مصحف واحد، واقتصر فيه من سائر اللغات على حرف واحد وسمى ذلك (بالمصحف الإمام) وأجمع عليه سائر الصحابة، وتلقت الأمة ذلك بالقبول وتم إرسال المصحف الإمام إلى سائر الأقطار الإسلامية كمكة، والشام، واليمن، والكوفة وبقى واحد بالمدينة. ***

فائدة حول منشأ القراءات وصلة القراءات السبع بالأحرف السبعة

فائدة حول منشأ القراءات وصلة القراءات السبع بالأحرف السبعة لم يكتف أمير المؤمنين عثمان بن عفان بإرسال المصاحف وحدها إلى الأمصار وإنما أرسل معها جماعة من قراء الصحابة يعلمون الناس، ولمّا لم تكن المصاحف العثمانية ملزمة بقراءة معينة لخلوها من النقط والشكل، لذا فقد أقرأ كل صحابى أهل إقليمه بما سمعه تلقيا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما دامت هذه القراءة يحتملها المصحف العثمانى الذى أرسل منه نسخ إلى جميع الآفاق، فمثلا لفظ (فتبينوا) من قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (¬1) من غير نقط يحتمل قراءة (فتثبتوا) ... ومن هنا كان منشأ القراءات. وأما عن صلة القراءات السبع بالأحرف السبعة المذكورة فى الحديث، فليعلم أن الأحرف السبعة نزلت فى أول الأمر للتيسير على الأمة. فالعرب ألسنتهم مختلفة ولهجاتهم متباينة، ويتعذّر على الواحد منهم أن ينتقل من لهجته التى درج عليها، ثم نسخ منها الكثير بالعرضة الأخيرة، وليس الأمر كما توهمه بعض الناس من أن القراءات السبع هى الأحرف السبعة. والصواب أن قراءات الأئمة السبعة بل العشرة التى يقرأ بها الناس اليوم هى جزء من الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن وهذه القراءات جميعها موافقة لخط المصاحف التى بعث بها الخليفة عثمان إلى الأمصار. وقد سوّغ كل واحد من القراء قراءة الآخر وأجازها وانعقد الإجماع على أن جميع القرآن الذى أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه، ولا رفع تلاوته، هو هذا الذى بين الدفتين الذى حواه المصحف العثمانى الإمام، وأنه لم ينقص منه ¬

_ (¬1) الحجرات: 6.

شىء، ولا زيد فيه شىء، وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله تعالى ورتبه عليه رسوله صلّى الله عليه وسلم من آى السور، لم يقدم من ذلك مؤخر ولا أخر مقدم وهذا ما تيسر (¬1) من البيان والسلام. ... ¬

_ (¬1) ليس المقام هذا مقام إفاضة واستقصاء عن القراءات والقرّاء وإنما المقصود لمحة موجزة، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتب القراءات.

الباب الثانى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قراءة القرآن وعند استماعه وتوابع ذلك

الباب الثانى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قراءة القرآن وعند استماعه وتوابع ذلك فى هذا الباب المهم من أبواب هذا الكتاب نعيش مع خير الهدى، وأطيبه وأنفعه هدى محمد صلّى الله عليه وسلم نستقى من منهله (فقه قراءة القرآن الكريم) كما استقاه الجيل الأول من صحابته الكرام الذين تعلموا العلم والعمل معا. فكان هذا الباب (هدى النبى صلّى الله عليه وسلم فى قراءة القرآن وعند استماعه، وتوابع ذلك) هدى تنفتح معه أقفال القلوب لتقتبس من أنوار المعرفة وتجنى ثمار الفهم. وفقنا الله لذلك، وبالله نستعين ومنه نستمد الحول والقوة فأقول وبالله تعالى التوفيق: فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى الاستعاذة كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا همّ بقراءة القرآن الكريم امتثل أمر ربه بالاستعاذة من الشيطان الرجيم. قال تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (¬1) فكان صلّى الله عليه وسلم يستعيذ عند بدئه للقراءة فيقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». ¬

_ (¬1) النحل: 98.

ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أى أستنجد بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرنى فى دينى أو دنياى، أو يصدنى عن فعل ما أمرت به، أو يحثنى على فعل ما نهيت عنه). وإن المتأمل للقرآن والسنة يجد اعتناءهما بذكر التحذير من الشيطان وكيده والعمل على محاربته كثيرا وذلك لشدة الحاجة إلى التعوذ منه عند قراءة القرآن وغيره من سبل الخير التى يسلكها الإنسان، فالشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها، فما من طريق خير إلا والشيطان قاعد عليه يقطعه على السالك ويثبطه عنه ويفسده عليه، وما من طريق سوء إلا والشيطان قاعد عليه يأمره به ويحثه عليه ويزينه فى عينه والمعصوم من عصمه الله تعالى. وفى الاستعاذة قول كثير انتشرت فروعه فى علم أصول الفقه وأصول الحديث وأصول القراءات. فأما أصول الفقه فيبحث فيها عن التعوذ من حيث أن الأمر به فى الآية. هل هو للوجوب أم الندب؟ وهل الآية واضحة الدلالة فيتعين لفظها أم مجملة فيصلح كل لفظ يدلّ على التعوذ؟ وأما أصول الحديث فيبحث فيها عن درجة الأحاديث الدالة على التعوذ وعن سندها وحال رواتها. وأما أصول القراءات فيبحث فيها عن التعوذ من حيث الجهر به والإخفاء ومن حيث الوقف عليه أو وصله بما بعده. وفيما يلى أوجز أرجح الأقوال وعلى الله الاتكال: أولا: فمن حيث التعوذ فى الآية، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه أمر ندب- أى استحباب- وليس بواجب (¬1). ¬

_ (¬1) الواجب شرعا: هو طلب الشارع الفعل على سبيل الحتم والإلزام، بحيث يذم تاركه ومع الذم العقاب، ويمدح فاعله ومع المدح الثواب والواجب هو الفرض عند الجمهور. الندب: هو طلب الشارع الفعل على سبيل الترجيح لا الإلزام بحيث يمدح فاعله ويثاب، ولا يذم تاركه ولا يعاقب. (انظر الوجيز فى أصول الفقه ص 29).

حكى الإجماع على ذلك أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة. وذهب فريق آخر من العلماء إلى أنها واجبة عند ابتداء القراءة وحكى الرازى عن عطاء بن رباح ذلك، واحتج بظاهر الأمر فى الآية (¬1). قلت: والصواب ما قاله الجمهور من أن الأمر بالتعوذ فى الآية أمر ندب وليس بواجب، والذى صرفه عن الوجوب- حيث أن كل أمر من الشارع يقع موقع الوجوب إلا إذا صرفه صارف- والصارف عن الوجوب هنا هو حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أظهرنا فى المسجد، إذا أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسما قلنا: ما أضحكك يا رسول الله. قال: «لقد أنزلت علىّ آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ثم قال: «أتدرون ما الكوثر ... الحديث» (¬2). والشاهد: أنه صلّى الله عليه وسلم لم يستعذ ولو كانت الاستعاذة واجبة لما تركها. وعن كون الاستعاذة هل هى قبل التلاوة أو بعدها؟ قالت طائفة من القراء وغيرهم، يتعوذ بعد القراءة واعتمدوا على ظاهر سياق الآية، والمشهور (¬4) الذى عليه الجمهور أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس عنها ومعنى الآية عندهم (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشّيطان الرّجيم) أى: إذا أردت القراءة كقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ (¬3) أى إذا أردتم القيام. والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ذلك لأن المقصد من الاستعاذة عند ابتداء القراءة. لئلا يلبّس الشيطان على القارئ قراءته ويخلط عليه ويمنعه من التدبر والتفكر، كما أن فيها تمهيدا للجو ¬

_ (¬1) مقدمة ابن كثير (ج 1 ص 15). (¬2) أخرجه أحمد فى مسنده (ج 3 ص 102)، مسلم بشرح النووى (ج 4 ص 113) واللفظ لمسلم. (¬4) المشهور: أى المعروف والذائع. (¬3) المائدة: 6.

الذى يتلى فيه كتاب الله وتطهيرا له من الوسوسة، واتجاها بالمشاعر إلى الله خالصة لا يشغلها شاغل من عالم الرجس، والشر الذى يمثله الشيطان (¬1). وأما عن الصفة المختارة للاستعاذة فهى قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) قاله النووى (¬2). وقال صاحب النشر: هى الصفة المختارة لجميع القراء من حيث الرواية (¬3). قلت: نعم وهى أقرب لمطابقة لفظ القرآن ... لكن بغير تقييد القارئ بلفظها، بل يجوز له النقص عنه كأن يقول (أعوذ بالله من الشيطان) والزيادة عليه كأن يقول (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) فالآية مجملة. أى مطلقة- تحتمل أن يزاد عليها أو ينقص. وبالبحث عن الأحاديث الدالة عن التعوذ وعن سندها وحال رواتها وفى ذلك تفصيل ملخصه: أن الأحاديث الدالة على ترك الزيادة عن آية النحل ضعيفة معارضة بأصح منها سندا (¬4). وفى الجهر بالاستعاذة أو إخفائها أقوال للعلماء، وفصل الخطاب فى هذه المسألة هو أن التعوذ يستحب إخفاؤه فى مواطن، والجهر به فى مواطن أخرى .. فمواطن الإخفاء. 1 - إذا كان القارئ يقرأ سرا، سواء كان منفردا أم فى مجلس. 2 - إذا كان خاليا- أى ليس معه أحد، سواء قرأ سرا أم جهرا. ¬

_ (¬1) فى ظلال القرآن (ج 4 ص 2194). (¬2) الأتقان فى علوم القرآن (ج 1 ص 139). (¬3) النفحات الإلهية فى شرح الشاطبية ص 54. (¬4) ذكر هذه الأحاديث، وأقوال أهل العلم فيها طويل لا يناسبه هذا المقام، وفيما ذكر كفاية وإرشاد إلى ما ترك.

فائدة:

3 - إذا كان فى الصلاة سواء كان إماما، أم مأموما، أم منفردا. ولا سيما إذا كانت الصلاة جهرية. 4 - إذا كان يقرأ وسط جماعة يتدارسون القرآن- كأن يكون فى مقرأة- ولم يكن هو المبتدئ بالقراءة. وما عدا هذه المواطن يستحب الجهر بالتعوذ فيها سواء كان البدء بأول سورة أو فى أثنائها إجماعا عند القراء. ففيه إظهار لشعار القراءة، ويمكّن السامع من الإصغاء للقراءة من أولها فلا يفوته شىء منها (¬1). فائدة: 1 - دلت السنة على أن الاستعاذة فى الصلاة إنما تكون قبل الركعة الأولى فقط. وفى ذلك تفصيل علمت ملخصه فالزمه زادك الله رشدا (¬2). 2 - لو عرض للقارئ ما يقطع قراءته من الأمور الضرورية كعطاس أو تنحنح أو كلام يتعلق بمصلحة القراءة فلا يعيد الاستعاذة، أما لو قطع القراءة بنية الإعراض عنها أو لكلام لا تعلق له بها فيستحب له أن يعيد الاستعاذة (¬3). 3 - يبقى للتعوذ مسألة واحدة وهى حالتها مع ما بعدها من حيث الوقوف عليه أو وصله بما بعده وسيأتى بيان ذلك عند الحديث- فى الفصل الذى يلى هذا- عن البسملة، إن شاء الله تعالى وبه الثقة. ... ¬

_ (¬1) الوافى فى شرح الشاطية (ص 44) بتصرف. (¬2) نيل الأوطار (ج 2 ص 198). (¬3) الوافى فى شرح الشاطبية (ص 45) بتصرف.

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى البسملة

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى البسملة كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه «بسم الله الرحمن الرحيم» (¬1) وسبق الإشارة إلى ذلك فى قوله صلّى الله عليه وسلم لقد أنزلت علىّ آنفا سورة فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ حتى ختمها (¬2). ومعنى بسم الله الرحمن الرحيم: أى أبدأ (بسم الله) وبعونه وتوفيقه وبركته، وهذا تعليم من الله تعالى لعباده ليذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها حتى يكون الافتتاح ببركة الله عز وجل. وهى تستحب فى أول كل عمل وقول تيمنا وتبركا واستعانة على الإتمام والتقبل فتشرع التسمية عند ابتداء الطعام، وعلى الذبيحة، وعند دخول البيت، وعند الخروج منه، وعند الوضوء، وعند النوم ... إلى غير ذلك، فباسمه إذن يكون كل ابتداء، وباسمه إذن تكون كلّ حركة وكلّ اتجاه. وقد افتتح بها الصحابة كتاب الله تعالى واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل من قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (¬3). كما أنه لا خلاف فى إثباتها خطا فى أوائل السور فى المصحف إلا فى أول ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم فى مستدركه بسند صحيح على شرط الشيخين والبيهقى وأبو داود، انظر صحيح الجامع الصغير للألبانى (ج 2 ص 878) رقم (4864). (¬2) الحديث سبق تخريجه (ص 41). (¬3) النمل: 30.

أولا: بالنسبة لحكم البسملة فى الصلاة:

سورة التوبة وذلك لما انطوت عليه هذه السورة من الأمر بالأخذ والعذاب والنكال على الكفار، ولا يناسب ذلك ما تحمله البسملة من أمان ورحمة. أما التلاوة فقد أجمع القراء على الإتيان بها أول فاتحة الكتاب وعدّها البعض آية من سورة الفاتحة كما سيأتى بيانه ... كذا اتفقوا على الإتيان بها عند ابتداء القراءة بأول كل سورة ما عدا سورة التوبة (براءة)، وأما فى أجزاء السور فالقارئ مخير بين الإتيان بها من عدمه (¬1). وللبسملة مبحثان أحدهما يتعلق بحكمها فى الصلاة، والآخر خاص بأوجه الابتداء من حيث وصلها بالاستعاذة وبما بعدها، أو قطع ذلك ... أولا: بالنسبة لحكم البسملة فى الصلاة: فأقوال أهل العلم وأئمة المذاهب فى هذه المسألة كثيرة ومتباينة فذهب ابن عباس وابن عمر، وابن الزبير وأبو هريرة، وعلىّ إلى أنها آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة سوى سورة براءة (التوبة). وبه يقول سعيد بن جبير، والزهرى، وابن المبارك، والشافعى، وأحمد بن حنبل فى رواية عنه. وقال الشافعى فى قول فى بعض طرق مذهبه: هى آية من الفاتحة وليست من غيرها (¬2). واستدل أصحاب هذا القول بجملة أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أذكر منها ما رواه أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: «كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم» (¬3). وحكى عن الأوزاعى ومالك وأبو حنيفة أنها ليست آية فى الفاتحة ولا فى أوائل السور. ¬

_ (¬1) الشاطبية فى القراءات السبع وشروحها. (¬2) تفسير ابن كثير (ج 1 ص 17). (¬3) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 90).

ثانيا: بالنسبة لأوجه الابتداء من حيث وصلها بالاستعاذة وبما بعدها أو قطع ذلك ففيها أربعة أوجه:

واستدل أصحاب هذا القول بجملة أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أذكر منها حديث أنس رضى الله عنه: (أن النبى صلّى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر- رضى الله عنهما- كانوا يفتتحون الصلاة ب الحمد لله ربّ العالمين) (¬1). وأما القول فى الجهر بها أو الإسرار فمداره على هذا فمن قال بأنها آية قال بالجهر بها فذهب الشافعىّ رحمه الله إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة وابن عمر وابن عباس ومن التابعين عكرمة والزهرى وابن المسيب ومجاهد وغيرهم ومن رأى أنها ليست آية قال بعدم الجهر بها، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مغفل، وطوائف من سلف التابعين، والخلف وهو مذهب أبى حنيفة، والثورى، وأحمد بن حنبل (¬2). فهذه أقوال الأئمة رحمهم الله فى هذه المسألة وهى قريبة لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسربها وقد أجمعت الأمة لذلك أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها بخلاف ما لو نفى حرفا مجمعا عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد فإنه يكفر بالإجماع. * قلت: والجمع بين هذه الأقوال هو الراجح وحاصله أنه صلّى الله عليه وسلم كان يجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها، وهو قول الإمام ابن القيم الجوزية (¬3). ثانيا: بالنسبة لأوجه الابتداء من حيث وصلها بالاستعاذة وبما بعدها أو قطع ذلك ففيها أربعة أوجه (¬4): ¬

_ (¬1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 2 ص 226). (¬2) نيل الأوطار: باب ما جاء فى بسم الله الرحمن (ج 2 ص 198). (¬3) انظر زاد المعاد فى هدى خير العباد (ج 1 ص 141). (¬4) الشاطبية فى القراءات السبع وشروحها بتصرف.

1 - الوقف على الاستعاذة ثم الوقف على البسملة ثم الابتداء بأول السورة وهذا الوجه أحسنها وهو فعل النبى صلّى الله عليه وسلم كما سيأتى بيانه. 2 - الوقف على الاستعاذة ثم وصل البسملة بأول السورة وهو يلى الوجه الأول فى الأفضلية. 3 - وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها ثم الابتداء بأول السورة وهو أفضل من الأخير. 4 - وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة ... يستثنى من ذلك سورة براءة لامتناع البسملة فى أولها بالاتفاق، فإذا كان القارئ مبتدئا بأول (براءة) فله فيها وجهان. 1 - الوقف على الاستعاذة وفصلها عن أول السورة بدون بسملة. 2 - وصل الاستعاذة بأول السورة بدون بسملة كذلك. هذا إن كان ما بعد البسملة أول السورة وأما إن كان فى أثناء السورة- أى غير افتتاح السورة- ولو الآية الثانية ففي هذه الحالة يجوز الإتيان بالبسملة أو تركها كما سبق الإشارة لذلك آنفا. فإذا أتى بها ففيها الأوجه الأربعة السالفة، وأما إن تركت البسملة ففيها وجهان. 1 - الوقف على الاستعاذة وفصلها عن أول الآية المبتدأ بها. 2 - وصل الاستعاذة بالآية المبتدأ بها، إلا إذا كانت مبدوءة بلفظ الجلالة فالأولى عدم الصلة لما فى ذلك من البشاعة. فائدة فى أوجه ما بين السورتين إذا وصل القارئ آخر سورة يقرؤها بالتى بعدها سوى سورة (براءة) فله ثلاثة أوجه:

1 - الوقف على آخر السورة وعلى البسملة ثم الابتداء بأول السورة. 2 - الوقف على آخر السورة ثم وصل البسملة بأول السورة التالية. 3 - وصل آخر السورة بالبسملة بأول السورة التالية. * أما الوجه الجائز عقلا وهو وصل آخر السورة بالبسملة والوقف عليها فهو ممتنع اتفاقا لأن البسملة شرعت لأوائل السور لا لأواخرها. أما إذا وصل القارئ آخر سورة (الأنفال) بأول سورة (براءة) وهى التى تلا (الأنفال) فى ترتيب سور المصحف، فله ثلاثة أوجه لجميع القراء: 1 - القطع ... أى الوقف على آخر الأنفال مع التنفس. 2 - السكت .. أى قطع الصوت بين السورتين لمدة يسيرة بدون تنفس. 3 - الوصل ... أى وصل (الأنفال) بأول (التوبة) وكل ذلك بغير بسملة. كما تقدم ولله الحمد والمنة. ***

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى أحوال قراءته القرآن

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى أحوال قراءته القرآن كان له صلّى الله عليه وسلم حزب يقرؤه، ولا يخلّ به، وكان يقرأ القرآن قائما، وقاعدا، ومضجعا، ومتوضئا، ومحدثا، وفى سيره، وركوبه، وسائر أحواله، ولم يكن يمنعه من القراءة شىء صلّى الله عليه وسلم. وهكذا ينبغى أن يكون المسلم والمسلمة. فمع النظر ومع اعتبار الأعذار، لا بد لكل مسلم ومسلمة من تلاوة فى كتاب الله لا بد لكل يوم من نظرة فى كتاب الله .. قال تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (¬1). وعن عبد الله بن المغفل رضى الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح» (¬2). وهذه سنة أحياها كثير من الصالحين فى هذه الأيام فترى الواحد منهم وهو فى طريقه للعمل أو الدراسة، فى القطار أو السيارة يفتح كتاب الله يقرأ فيه ... زادهم الله رشدا. وعن عائشة رضى الله عنها قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتكئ فى حجرى وأنا حائض فيقرأ القرآن» (¬3). قلت: وهذه من الأفعال التى كان يعملها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحيانا لبيان إباحتها فلا تتّخذ دائما ... ¬

_ (¬1) المزمل: 20. (¬2) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 83). (¬3) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 3 ص 111).

القول الأول فى هذه المسألة:

وأما القراءة فى الطريق فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها فإن التهى كرهت ولو قرأ قائما أو مضجعا، أو فى فراشه، أو على غير ذلك من الأحوال، جاز وله أجر، ولكن دون الأول يعنى دون من جلس متخشعا بسكينة فهذا هو الأكمل ولا شك (¬1). وهنا تتوارد بعض المسائل الفقهية: المسألة الأولى: (وهى هل يجوز للحائض أو النفساء والجنب قراءة القرآن؟). للعلماء فى هذه المسألة ثلاثة أقوال مشهورة أعرضها ثم أذكر الراجح منها الذى تقوم به الأدلة .. القول الأول فى هذه المسألة: فهو المنع واستدل المانعون بحديثين لا يصلحان للاحتجاج بهما باتفاق أهل المعرفة بالحديث وذلك لعدم ثبوتهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما اعتراهما من ضعف فى السند فلا يغتر بهما المانعون ومن سلك مسلكهم. فالحديث الأول: عن علىّ رضى الله عنه وفيه أن النبى صلّى الله عليه وسلم «كان يقضى حاجته، ثم يخرج فيقرأ القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولا يحجبه من القرآن شىء إلا الجنابة». فهذا الحديث فيه أنه موقوف (¬2) على علىّ رضى الله عنه- ثم إنه ليس فيه نهى عن قراءة الجنب والحائض، بل هو مجرد فعل، واستدل على المنع أيضا بحديث جابر، وابن عمر- رضى الله عنهما- مرفوعا (¬3) «لا يقرأ الجنب ولا ¬

_ (¬1) التبيان فى آداب حملة القرآن للإمام النووى (ص 38، ص 39) بتصرف. (¬2) الموقوف: هو الموقوف على الصحابى قولا أو فعلا ... وهو الذى يسميه كثير من الفقهاء والمحدثين أيضا (أثرا) .. وليس الموقوف حجة (انظر الباعث الحثيث ص 37). (¬3) المرفوع: هو ما أضيف إلى النبى صلّى الله عليه وسلم قولا أو فعلا عنه، «نفس المصدر السابق».

أما القول الثانى:

الحائض شيئا من القرآن» وهو حديث ضعيف السند لا يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم (¬1). فلا يعول على هذا القول ولا يصار إلى القول بالمنع أو التحريم فى هذه المسألة أو فى غيرها إلا بدليل. أما القول الثانى: فهو إباحة القراءة حال الحيض والجنابة بشرط أن تكون القراءة نظرا بالعين أو تأملا بالقلب بدون نطق باللسان مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فينظر إلى الآيات وتقرأ بالقلب. نقل هذا القول عن بعض أهل العلم (¬2). أما القول الثالث: فهو القول بجواز القراءة والتلفظ للحائض والجنب وأصحاب هذا القول هم الأكثرون فقال به الإمام البخارى، وابن جرير الطبرىّ، وابن المنذر، وحكى عن مالك، والشافعى- رحمهم الله جميعا (¬3) - وذلك لما ثبت عن عائشة رضى الله عنها أنها قال (كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) (¬4). قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- فى تحقيق هذه المسألة: «ليس فى منعها من القرآن سنة أصلا فإن قوله لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث وقد كان النساء يحضن على عهد النبى صلّى الله عليه وسلم فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة لكان هذا مما بينه النبى صلّى الله عليه وسلم لأمته وتعلّمه أمهات المؤمنين، وكان ذلك مما ينقلونه فى الناس، فلمّا لم ينقل أحد عن النبى صلّى الله عليه وسلم فى ذلك نهيا لم يجز أن تجعل حراما مع العلم أنه لم ينه عن ذلك، ¬

_ (¬1) راجع هذه الأحاديث وأقوال العلم بشأنها وكيف أنها لا تنهض للاستدلال لما اعترى سندها من علل الحديث. نيل الأوطار (ج 1 ص 225: 227). (¬2) نقل هذا القول عن الإمام النووى فى شرح المهذب (ج 2 ص 356). ورجحه الشيخ ابن عثيمين حفظه الله (ص 21) .. الدماء الطبيعية للنساء. (¬3) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 1 ص 408). (¬4) رواه مسلم بشرح النووى (ج 4 ص 68).

وإذ لم ينه عنه مع كثرة الحيض فى زمنه. علم أنه ليس بمحرم) (¬1). قلت: (وجواز قراءة القرآن للحائض والجنب هو الرأى الراجح عندى، والذى تقوم به الأدلة وترتاح له النفس ... والله أعلم). أما المسألة الثانية: والتى تدعو الحاجة لذكرها لأهميتها: «فهى هل يجوز للحائض أو الجنب مس المصحف؟». وفى هذه المسألة قولان لأهل العلم أعرضهما ثم أذكر الراجح منهما ... * القول الأول بعدم جواز المس: واستدل المانعون بقوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (¬2) وأجيب على هذا القول بأن المراد بالضمير فى قوله «لا يمسه» هو الكتاب المكنون الذى فى السماء «والمطهّرون» هم الملائكة، وهو قول أكثر المفسرين وحتى لو سلم رجوع الضمير إلى القرآن لكانت دلالته على المطلوب من المنع من مسه غير مسلمة لأن المطهر من ليس بنجس، والمؤمن ليس بنجس دائما لحديث «إن المؤمن لا ينجس» (¬3) وعليه فلا يصلح حمل المطهّر على من ليس بجنب ولا حائض بل يتعين حمله على من ليس بمشرك لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (¬4). واستدل المانعون أيضا بما روى عن النبى صلّى الله عليه وسلّم من قوله: «لا يمس القرآن إلا الطاهر» (¬5) وكل طرق هذا الحديث ضعيفة، فالحديث سنده ضعيف وهو لا يصلح أصلا للاحتجاج للقول السابق فى معنى لفظ (طاهر) وقد عرفته. ¬

_ (¬1) الفتاوى مجموعة ابن القاسم (ج 26 ص 191). (¬2) الواقعة: 79. (¬3) رواه مسلم بشرح النووى (ج 4 ص 67). بلفظ سبحان الله إن المؤمن لا ينجس. (¬4) التوبة: 28. (¬5) الحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك وغيره كالبيهقى والطبرى وفى كل طرقه ضعف، فهى إما مرسلة، وإما عن متروك أو ضعيف. انظر نيل الأوطار (ج 1 ص 205).

أما القول الثانى فهو رأى القائلين بجواز مس المصحف حال الحيض (أو النفاس) والجنابة: وحجتهم هى كون الأدلة الواردة على المنع لا يتم بها الاستدلال. ومن القائلين بجواز مس المصحف للحائض والجنب داود وابن حزم. قلت: والقول بجواز مس المصحف أو حمله حال الحيض أو الجنابة هو الذى تقوم به الأدلة فليس الدين بالاستحسان أو الرأى فى شىء. لكن مع اعتبار جواز المس: فماذا يمنع الحائض إن هى أرادت أن تمس المصحف لتقرأ القرآن أن ترتدى فى يدها قفازا إعظاما منها وإكبارا لكتاب الله. وماذا يمنع الجنب إن أراد أن يقرأ أن يغتسل ويزيل الأذى. فالأكمل فى حق كتاب الله أن يقرأ على وضوء مع تنظيف الفم بالسواك، والتطيب إن أمكن. وأن تكون القراءة فى جو تتحقق فيه النظافة وترفرف عليه السكينة، فهذه الأفعال وغيرها من مظاهر تعظيم كتاب الله عز وجل. ولقد كان الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اغتسل وتطيب ولبس أحسن ثيابه ثم خرج فحدث ... وهناك بعض المسائل التى تهم قارئ القرآن سأذكرها مفصلة فى الباب الثالث من أبواب هذا الكتاب- إن شاء الله- والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل.

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى تجويد القرآن

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى تجويد القرآن كانت قراءته صلّى الله عليه وسلّم ترتيلا لا هذّا كهذّ الشعر، ولا عجلة بالإسراع فى القراءة، بل قراءة مفسرة حرفا حرفا. قراءة لينة سهلة، وكان صلّى الله عليه وسلّم يقطّع قراءته آية آية يقف على رءوس الآى، ولا يصلها بما بعدها ويمد بها صوته. وهذا يدل على أن هناك صفة معينة وكيفية ثابتة لقراءة القرآن الكريم، لا بد لكل مسلم ومسلمة من تعلمها والاجتهاد فى تحققها عند تلاوته لكتاب الله تعالى: قال تعالى وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (¬1). وعن أم سلمة رضى الله عنها أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: «قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يقطّع قراءته آية آية». وفى رواية «كان إذا قرأ قطع آية آية. يقول: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ثم يقف. ثم يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» * ثم يقف ... الحديث» (¬2). وعن قتادة قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: «كان يمدّ مدّا» (¬3). ¬

_ (¬1) المزمل: 4. (¬2) رواه أبو داود (ج 4 ص 36)، وصححه الحاكم ووافقه الإمام الذهبى، وهو فى الإرواء (ج 2 ص 59)، ورواه أبو عمرو الدانى وقال: ولهذا الحديث طرق كثيرة وهو أصل فى الباب. (¬3) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 90).

وهكذا كانت صفة قراءته صلّى الله عليه وسلم والتى علمها أصحابه- رضى الله عنهم- فكان يتعاهدهم بإسماعهم القراءة أحيانا، وبالاستماع لهم أحيانا أخرى، ومن هؤلاء النفر من الصحابة من أتقنوا القراءة حتى صاروا فيها أعلاما يقتدى بهم، ويؤخذ عنهم كأبى بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعلى بن أبى طالب ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبى حذيفة وغيرهم. وبدأ الناس يتعلمون القراءة منهم، وتواتر تلقى القرآن عن طريق المشافهة، وصارت قراءة القرآن سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول، وقد ثبت عن زيد بن ثابت قوله: «القراءة سنة ... » (¬1). فعن موسى بن يزيد الكندى- رضى الله عنه- قال: كان ابن مسعود- رضى الله عنه- يقرئ رجلا، فقرأ الرجل: «إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين» مرسلة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقال الرجل: وكيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أقرأنيها هكذا: «إنّما الصّداقات للفقراء والمساكين» ومدها (¬2). وهكذا أنكر ابن مسعود- رضى الله عنه- على الرجل أن يقرأ كلمة (الفقراء) بالقصر لأن النبى صلّى الله عليه وسلم قرأها وأقرأه إياها بإطالة الصوت عند الألف، وهو من حروف المد الثلاثة مع الواو والياء. وصفة القراءة التى سبق الإشارة إليها، والتى تلقاها النبى صلّى الله عليه وسلم عن أمين الوحى جبريل عليه السلام. وكان يعارضه إياها فى كل عام مرة، وفى العام الذى توفى فيه مرتين، والتى أقرأها أصحابه- رضى الله عنهم- وعلمهم إياها، وحثهم على تعلمها، والقراءة، والإقراء بها. ¬

_ (¬1) أخرجه سعيد بن منصور فى سننه عن زيد بن ثابت (ج 2 ص 260) بتحقيق د. سعد بن عبد الله وصححه، كذا صححه الحاكم ووافقه الإمام الذهبى. (¬2) هذا الأثر ذكره السيوطى بسنده (ج 3 ص 250) فى الدر المنثور وقال أخرجه سعيد بن منصور والطبرانى وابن مردويه.

وتواتر نقلها جيلا بعد جيل بأعلى درجات الرواية وهى المشافهة، حيث يتلقى القارئ القرآن عن المقرئ، والمقرئ قد تلقاه عن شيخه، وشيخه عن شيخه، وهكذا ... حتى تنتهى السلسلة إلى النبى صلّى الله عليه وسلم. هذه الصفة هى التى اصطلح على تسميتها بعد ذلك (بعلم التجويد). وإن أول من وضع قواعد التجويد العلمية أئمة القراءة واللغة فى ابتداء عصر التأليف فى القرن الثالث الهجرى وذلك بعد ما كثرت الفتوحات الإسلامية وانضوى تحت راية الإسلام كثير من الأعاجم واختلط اللسان الأعجمى باللسان العربى وفشا اللحن على الألسنة. فخشى ولاة المسلمين أن يفضى ذلك إلى التحريف فى كتاب الله تعالى، فعملوا على تلافى ذلك، وأحدثوا من الوسائل ما يكفل صيانة كتاب الله عز وجل- من اللحن. فأحدثوا فيه النقط والشكل. بعد أن كان المصحف العثمانى خاليا منهما، ثم وضعوا قواعد التجويد حتى يلتزم كل قارئ بها عند ما يتلو شيئا من كتاب الله. وهذا العلم- ولا شك- هو حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة، وهو إعطاء الحروف حقها من الصفات اللازمة لها، ومستحقها من الأحكام الناشئة عن تلك الصفات. كما أن لتعلمه أهمية كبيرة حيث يعين المسلم، والمسلمة على تلاوة كتاب الله غضا كما أنزل. وعلم التجويد وإن كان صناعة علمية لها قواعدها. فإنه لا يكتسب بالدراسة بقدر ما يكتسب بالممارسة، والمرانة، والسماع من المشايخ، وقراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه ... قال ابن الجزرى- رحمه الله- وهو من أئمة القراءات: «ولا أعلم لبلوغ النهاية فى التجويد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ

المتلقى من فم المحسن» (¬1) هذا وقد عد العلماء القراءة بغير تجويد لحنا- أى خطأ فى القراءة وميلا عن الصواب- سواء كان هذا اللحن جليا ظاهرا يتعلق بمبنى الكلمة كالخطإ الإعرابى أو الصرفى أو لحنا خفيا يتعلق بعرف القراءة كترك بعض أحكام التجويد أثناء القراءة. أما اللحن الجلى الظاهر: فهو حرام ولا سيما إذا تعمده القارئ أو تساهل فيه فأخل بالمعنى. وأما اللحن الخفى: فحكمه بين الكراهة والتحريم بحسب تعمد القارئ له وتساهله فيه ولكونه يذهب برونق القراءة. قال ابن الجزرى فى النشر: (والناس فى ذلك بين محسن مأجور، ومسىء آثم، أو معذور. فمن قدر على تصحيح كلام الله باللفظ الصحيح العربى الفصيح وعدل إلى اللفظ الفاسد استغناء بنفسه واتكالا على ما ألفه من حفظه واستكبارا عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه. فإنه مقصر- بلا شك- وآثم- بلا ريب، وأما من كان لا يطاوعه لسانه أو لا يجد من يهديه إلى الصواب (فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها) (¬2). قلت: على الجانب الآخر فإنى أحذر من المبالغة فى التجويد إلى حد الإفراط، والتكلف فى النطق، أو التعسف. فهذه المبالغة ليست أقل من اللحن، لأنها زيادة فى الحروف فى غير مواضعها. إذا القراءة كالبياض إن قل صار سمرة، وإن زاد صار برصا ومن تأمل هدى ¬

_ (¬1) الإتقان فى علوم القرآن (ج 1 - 132). (¬2) من كتاب غاية المريد فى علم التجويد للشيخ عطية قابل نصر (ص 42) بتصرف.

رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع والتشدق فى إخراج الحروف ليس من سنته. إذن فلتكن القراءة بالطبع والسليقة التى جبل عليها المرء من غير زيادة، ولا نقص، حتى يجاوز الحناجر إلى القلوب. فتعيه وتعمل به وذلك هو حق تلاوته. قال تعالى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ (¬1). ومن يؤمن به ويتبعه يهبط به على رياض الجنة. فائدة فى مراتب القراءة وللقراءة بحسب الصفة التى سبق الإشارة إليها ثلاث مراتب: الترتيل، التدوير، الحدر:- فالترتيل: هو قراءة القرآن بتؤدة، وطمأنينة مع تدبر المعانى، وتجويد الحروف، ومراعاة الوقوف، وهذه المرتبة هى أفضل المراتب الثلاث لقوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (¬2). والتدوير: هو قراءة القرآن بحالة متوسطة بين الاطمئنان والسرعة مع مراعاة أحكام التجويد. وهى تلى الترتيل فى الأفضلية. ¬

_ (¬1) البقرة: 121. (¬2) المزمل: 4.

فائدة فى الوقف والابتداء

أما الحدر: فهو قراءة القرآن بسرعة بشرط المحافظة على الأحكام أيضا. ذكر بعض العلماء مرتبة رابعة وهى مرتبة (التحقيق). وقالوا بأنها أكثر تؤدة وأشد اطمئنانا من مرتبة (الترتيل) وهى تستحسن فى مقام التعليم. وهذه المراتب كلها جائزة، لمن أراد أن يقرأ كتاب الله. والله أعلم (¬1). فائدة فى الوقف والابتداء القارئ للقرآن الكريم لا يستطيع أن يقرأ السورة أو الآية أحيانا فى نفس واحد. علما بأنه لا يجوز التنفس بين الكلمتين حالة الوصل، ولا فى أثناء الكلمة، لذا تظهر أهمية معرفة ما ينبغى أن يوقف عنده منها وما لا يوقف. وليس أصلا فى القرآن من وقف واجب، ولا ممنوع. وإنما يرجع ذلك إلى ما يترتب على الوقف، والابتداء من إيضاح المعنى المراد أو إيهام غيره. فإن كان الوصل يغير المعنى لزم الوقف، وإن كان الوقف يغير المعنى لزم الوصل. والذى ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى هذا الصدد وقوفه على رءوس الآى. وما عداها جائز ما لم يوهم خلاف المعنى المراد وكذلك القول فى الابتداء. ¬

_ (¬1) من كتاب البرهان فى تجويد القرآن لمحمد الصادق قمحاوى (ص 6) بتصرف.

فينبغى أن يكون بكلام مستقل فى المعنى موف بالمقصود، بحيث لا يغير ما أراده الله تعالى. ويمتنع الابتداء بكلام يفسد المعنى أو يغير المقصود منه.

فائدة فى علامات الوقف فى الطباعة الحديثة للمصاحف

فائدة فى علامات الوقف فى الطباعة الحديثة للمصاحف جعل العلماء لأقسام الوقف رموزا وعلامات فى المصاحف يعرف بها حتى يسهل على القارئ لكتاب الله أن يقرأه على الوجه الصحيح وفيما يلى بيان لهذه العلامات ومدلولاتها. (م): علامة الوقف اللازم. نحو: قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا (¬1). (لا): علامة الوقف الممنوع. نحو: قوله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ (¬2). (قلى): علامة الوقف الجائز مع كون الوقف أولى من الوصل. نحو: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ (¬3). (صلى): علامة الوقف الجائز مع كون الوصل أولى من الوقف. نحو: قوله تعالى: قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (¬4). ¬

_ (¬1) آل عمران: 7. (¬2) النحل: 32. (¬3) الرعد: 11. (¬4) طه: 46.

(ج): علامة الوقف الجائز جوازا مستوى الطرفين. نحو: قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (¬1). ( ... ): علامة تعانق الوقف بحيث إذا وقف على أحد الموضعين لا يصح الوقف على الآخر. نحو: قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (¬2). وبالله تعالى التوفيق. ... ¬

_ (¬1) الكهف: 13. (¬2) البقرة: 2.

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى تدبر القرآن

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى تدبر القرآن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا شرع فى قراءة القرآن شأنه التدبر والخشوع والتفكر. والدلائل على فعله ذلك وصحابته وسلف هذه الأمة أكثر من أن تحصر. والحث على ذلك من الله. سبحانه وتعالى- أجلى وأظهر- فبه تنفتح القلوب فتدرك المقاصد الصحيحة والآيات العقلية الصريحة قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (¬1). وصفة ذلك أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر فى معنى ما يقرأ، ويتجاوب مع كل آية بمشاعره، وعواطفه، ويتأمل الأوامر، والنواهى ويعتقد قبول ذلك. فإن كان ممن قصر فيه فيما مضى اعتذر، واستغفر. وإن كان ممن وفق للعمل به شكر، وكبر. وإذا مر بآية رحمة استبشر، وسأل وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوذ. إلى غير ذلك من معانى الآيات. ويستعان على كشف هذه المعانى وإبانتها بأحد كتب التفسير (¬2) فإن تفاوت الإدراك بين الناس أمر لا مراء فيه. فعن حذيفة بن اليمان قال «صليت مع النبى صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها ثم النساء فقرأها ثم آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ... الحديث» (¬3). ¬

_ (¬1) ص: 29. (¬2) أعظم تفسير عند المسلمين هو تفسير ابن جرير الطبرى، وابن كثير الدمشقى، وإن كان لا بد من أحدهما فتفسير ابن كثير. (¬3) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 61).

روى عن ابن عباس- رضى الله عنهما: لأن أقرأ البقرة وآل عمران وأرتلهما وأتدبرهما أحب إلىّ من أن أقرأ القرآن كله هذرمة أى (بسرعة) (¬1). وذكر الإمام السيوطى عن ابن مسعود قوله: قفوا على عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة (¬2). وقال الحسن البصرى رحمه الله تعالى: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده. حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله. ما يرى له القرآن فى خلق ولا عمل (¬3). وهكذا ينبغى لتالى القرآن أن ينظر كيف لطف الله بخلقه فى إيصال معانى كلامه إلى أفهامهم وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه، ويتدبر كلامه، ويتفهم معانيه، وما أراد الله منا بهذا القرآن، ويطبع نفسه على قبول ما جاء به قبولا ينعكس أثره، ويظهر فى العمل والتنفيذ، وأن يستوضح من كل آية ما يليق بها، ويتفهم ذلك. فإذا تلا قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ (¬4) فليعلم عظمته سبحانه وتعالى يتلمّح قدرته فى كل ما يراه فهذه السماء من ذا رفعها بلا عمد؟ ونثر فيها النجوم بلا عدد وهذه الأرض من ذا الذى سطحها ومهدها وشق فيها البحار والأنهار وأخرج من بطنها الثمار والأزهار فأيّا كان حظ الإنسان من العلم. فهذه المشاهد يمكن أن يدركها فتحرك قلبه ووجدانه وجوارحه نحو الخالق المبدع سبحانه وتعالى. وإذا تلا أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (¬5) فليفكر فى ¬

_ (¬1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (ص 52)، ولم أجده بسنده إلى ابن عباس. (¬2) الأتقان فى علوم القرآن للسيوطى (ج 1 ص 140)، ولم أقف عليه بسنده إلى ابن مسعود. (¬3) هذا الأثر المقطوع ذكره ابن كثير (ج 4 ص 34). وقال رواه ابن أبى حاتم. (¬4) الأنعام: 1. (¬5) الواقعة: 58، 59.

نفسه، وكيف خلق الله هذه النطفة، وكيف خلق منها السمع والبصر والعظام واللحم. أم هل يدعى أحد أنه خلقها؟ وهذا أمر لا يدعيه أحد ولذا فهو لا يحتاج إلى جدل كثير أو قليل فلا سبيل لرد هذا الاستفهام فى هذه الآية من آيات القرآن وما يماثلها إلا بالإذعان الكامل لله رب العالمين الواحد- سبحانه وتعالى- الذى لا يشاركه أحد فى الخلق، والإنشاء. فلا يجوز أن يشاركه أحد فى الربوبية، والعبادة. وهذا منطق واضح بسيط يدركه كل إنسان أيا كان حظه من العلم. فالنظرة الواعية، وتدبر الآية وحدها يكفى. وليتخل التالى لكتاب الله تعالى عن موانع الفهم، والتى من أعظمها الذنوب، والهوى. فالعلم نور فى القلب، ونور الله لا يهدى لعاصى. ومن موانع الفهم. كذلك. ما سبق وأن أشرت إليه، حين حذرت من المبالغة فى النطق بالحروف مثل أن يخيل الشيطان للقارئ أنه ما حقق تلاوة الحرف، ولا أخرجه من مخرجه. فيكرره التالى فيصرف همته عن فهم المعنى. ومن أهم موانع الفهم- أيضا- ما سوف يأتى ذكره فى الفصل التالى من سماع اللغو والغناء. فقبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده. وسر ذلك أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء، ولا فهم لحديثه. ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة. ***

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى استماع القرآن

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى استماع القرآن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحب أن يسمع القرآن من غيره، وأمر عبد الله بن مسعود فقرأ عليه وهو يسمع، وخشع صلّى الله عليه وسلم لسماع القرآن منه حتى ذرفت عيناه صلّى الله عليه وسلم. فعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: «قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم «اقرأ علىّ القرآن». فقلت يا رسول الله: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: «إنى أحب أن أسمعه من غيرى». فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية «فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا» قال: «حسبك الآن. فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان» (¬1). وطلب استماع القراءة من القارئ حسن الصوت الذى يجيد التلاوة ويفصّلها أمر متفق على استحبابه، وهو عادة الأخيار، والصالحين من سلف هذه الأمة. فللتلاوة الجيدة أكبر الأثر فى فهم معانى القرآن لكن لا بد من تقييد ذلك بهدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند الاستماع من الإنصات لتلقى الموحيات المؤثرة فى القرآن الكريم والاستجابة لها ثم التدبر الذى يزيل الغشاوة، ويفتح النوافذ ويسكب النور، ويحرك المشاعر ويطمئن القلوب. أما ما يفعله بعض الناس عند سماعهم للقرآن من رفع الأصوات وقولهم (الله) أو ما شابه ذلك مما هو معلوم فهو بدعة منكرة ومصرفة عن فهم وتدبر القرآن الكريم. ولمّا كان القرآن الكريم هو الذكر الإلهى، الذى تحيا به قلوب المؤمنين. فتتفتح ¬

_ (¬1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 94)، صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 87).

وتنشرح، وتأنس، وتطمئن، وتلين لذكر الله، وما نزل من الحق فتفهمه، وتنقاد له، وتسمع له، وتطيعه، جاء التوجيه من الله لعباده المؤمنين إلى أدب الاستماع لهذا القرآن فى الأمر بالإنصات له عند تلاوته إعظاما له وإكبارا، ومخالفة للمشركين، الذين كانوا يتواصون فيما بينهم بعدم سماعه- فقالوا كما حكاه القرآن عنهم لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ (¬1). لمّا عجزوا عن مغالبته لعقولهم وقلوبهم رغم كفرهم. قال تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (¬2) وفى الآية أقوال كثيرة لأهل العلم تدور حول موضع الإنصات بمعناه فى الآية «وهو السكوت عن الكلام مع الاستماع» (¬3). - أعرض لهذه الأقوال ثم أذكر الراجح منها: قال القاسمىّ فى محاسن التأويل: (وظاهر الآية يقتضى وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن فى الصلاة وغيرها. وعليه أهل الظاهر وهو قول الحسن البصرى، وأبى موسى الأصفهانى). * وهو أيضا قول الإمام القرطبى فى الجامع لأحكام القرآن، والشوكانى فى فتح القدير، والسعدى فى تفسيره وغيرهم (¬4). وقال أبو جعفر بن جرير الطبرى فى جامع البيان: ( ... وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال أمروا باستماع القرآن فى الصلاة إذا قرأ الإمام وكان من خلفه ممن يأتم به يسمعه ... ). ¬

_ (¬1) فصلت: 26. (¬2) الأعراف: 204. (¬3) كذا فى مختار الصحاح (ص 661). (¬4) انظر محاسن التأويل للقاسمى (ج 7 ص 2934)، والجامع (ج 7، ص 353). وفتح القدير (ج 2 ص 278)، وتيسير الكريم الرحمن للسعدى (ج 3 ص 138).

* وتبعه فى ذلك الإمام ابن كثير فى تفسيره حيث قال: لكن يتأكد ذلك فى الصلاة المكتوبة إذا جهر الإمام بالقراءة وحجة من خص الأمر بالإنصات على الصلاة حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا» (¬1). قلت: والجمع بين هذه الأقوال هو الراجح لدى وهو كون الاستماع والإنصات للقرآن الكريم يدور حكمه بحسب المقام الذى يقرأ فيه. فإن كان فى الصلاة، أو كان المقام الذى يقرأ فيه مقام قراءة للقرآن، كأن يكون الإنسان فى مقرأة مثلا وجب وتأكد الاستماع والإنصات. أما ما عداها من الأحوال المختلفة التى يتنقل بينها الإنسان من عمل، أو حديث أهل، أو جلوس على طعام، أو ما شابه ذلك. فالاستماع، والإنصات بالمعنى الذى سبق الإشارة إليه يستحب ولا يجب. فلا يقل أحد: بأنه يجب على كل مسلم إذا سمع أحد يقرأ القرآن أن يشتغل بالاستماع وينصت إذ قد يكون القارئ يقرأ بمحضر صانع. فلو وجب عليه الاستماع لأمر بترك عمله، وهذا لا يصح بحال. والله أعلم. ثم يسوق الله سبحانه وتعالى. لنا مشهدا من عالم الغيب وهو حكاية استماع نفر من الجن للقرآن ويصور لنا ما وقع فى حسهم منه من التأثر والخشوع. فتعالوا بنا ننظر ماذا قالوا .... قال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (¬2). فإن أول ما قالوا حينما طرق القرآن أسماعهم أن تنادوا بالإنصات فكانت الاستجابة الطبيعية المستقيمة لسماع القرآن مع الإنصات له. اطمأنت قلوبهم إلى ¬

_ (¬1) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 4، ص 131) من حديث أبى موسى الأشعرى. (¬2) الأحقاف: 29.

الإيمان وانصرفوا بعد ذلك متأثرين بجاذبية القرآن عند من يتلقاه بحس واع وقلب مفتوح هذا التأثر دعاهم منذ أول وهلة أن يكونوا دعاة إلى الله فانصرفوا بعد ما قضى إلى قومهم مبشرين ومنذرين. فعلا لقد كان لهذا النفر من الجن قلوب يعقلون بها، وذوق ذواق، ومشاعر مرهفة. فليعتبر بهم من دونهم من بنى البشر ممن يقولون بعدم تأثرهم بسماع القرآن وعدم تحرك قلوبهم به. والعيب كل العيب فى هذه القلوب الغافلة. يا ترى ما الذى صرفها عن التذوق والتأثر بكتاب لا يثبت له شىء يتلقاه بحقيقته حتى لو كان هذا الشيء هو الجبل بعظمته وغلظته وشموخه. قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (¬1). فعند ما يصل هذا الإيقاع إلى الحس البشرى بلا عائق يعوقه ولا مانع يمنعه فإنه سوف يهزه هزا ويؤثر فيه تأثيرا ويفعل فيه الأفاعيل مما لا يدركه إلا من ذاقه وعرفه ... وها هو الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- (خرج ذات ليلة يتفقد أحوال الرعية يعس بالمدينة. فمر بدار رجل من المسلمين فوافقه قائما يصلى، فوقف يستمع قراءته وكان الرجل يقرأ من سورة (الطور) فلما بلغ قوله: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ قال رضى الله عنه قسم ورب الكعبة حق فنزل عن حماره واستند إلى حائط فمكث مليا ثم رجع إلى منزله فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه» (¬2). وذلك سر القرآن. فهناك لحظات خاصة غير مرقوبة تمس فيها الآية أو السورة موضع الاستجابة فإذا وافقت قلبا مكشوفا وحسا مرهفا مفتوحا نفذت إليه وفعلت به الذى فعلت فيكون منها ما يكون. ¬

_ (¬1) الحشر: 21. (¬2) هذا الأثر ذكره ابن كثير بسنده (ج 4 ص 241) وعزاه للحافظ ابن أبى الدنيا.

ومن تأثير هذا القرآن العجيب فى النفوس ووقعه الهائل على القلوب أن تأثيره لا يقتصر على المؤمنين به فحسب، بل يتعداه لغيرهم. وكم سمعنا ورأينا الداخلين فى دين الله أفواجا بفعل عمل القرآن فى قلوبهم، وقوة سلطانه الذى لا يتحمله الجبل- لولا تثبيت الله له- فضلا عن هذا القلب البشرى. وها هم أولاء مشركو قريش، قد ضربوا لنا المثل على وقع كتاب الله على قلوبهم- رغم كفرهم- والنماذج على تقرير هذه الحقيقة كثيرة، لا يسع المقام لسردها جميعا. أذكر منها على سبيل المثال: * حادثة سجود المشركين مع المسلمين، عند ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سورة (النجم) فلما كان عند آخر آية منها وهى قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا لم يتمالك المشركون أنفسهم. ومن ثم سجدوا، سجدوا وهم مشركون، وهم يمارون فى الوحى والقرآن، وهم يجادلون فى الله ورسوله، إنما سجدوا تحت وطأة القرآن، وسلطانه على الوجود (¬1). وعن جبير بن مطعم قال: «سمعت النبى صلّى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية «أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون» كاد قلبى أن يطير» (¬2). وكان جبير إذ ذاك مشركا فكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول فى الإسلام بعد ذلك. * وإنه لمن عظيم نعم الله علينا أن هيأ لنا فى هذه الأيام مع تقدم العلم الحديث فرصة أوسع لخدمة كتاب الله من حيث سهولة استماعه عى المذياع، والمسجل. ولعل الله يقيض لهذه الأمة أمر رشد. فتكون هناك قناة تليفزيونية للقرآن الكريم بدلا من اللغو، واللهو الذى يبث فى البيوت على مدار الساعة. والذى صرف الناس عن دينهم حتى صارت مزامير الشيطان احب إليهم من استماع سور القرآن. فلما انصرفوا صرف الله قلوبهم عن فهم كتابه. فلا يجتمع بهتان الشيطان، وقرآن ¬

_ (¬1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 8 ص 614). (¬2) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 8 ص 603).

الرحمن فى قلب أبدا .. وها هى أقوال الأئمة والعلماء فى ذم الغناء وتحريمه، وكونه صادا عن ذكر الله، وعن فهم كتاب الله. فهل أنتم منتهون؟ * سئل الإمام مالك عن الغناء؟ فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. * وقال الشافعى فى كتاب أدب القضاء: إن الغناء لهو مكروه، يشبه الباطل والمحال. ومن استكثر منه سفيه ترد شهادته. * وقال الإمام أحمد: الغناء ينبت النفاق فى القلب، لا يعجبنى. * وأما الإمام أبو حنيفة: فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وصرح أصحابه بتحريم المعازف كلها (¬1). ... ¬

_ (¬1) من أراد المزيد فليراجع كتاب إغاثة اللهفان للإمام ابن القيم (ج 1 ص 231).

فائدة جليلة فى شروط الانتفاع بالقرآن

فائدة جليلة فى شروط الانتفاع بالقرآن (¬1) ونختم بها هذا الفصل. * فإذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألف سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك وإن تمام التأثير موقوف على مؤثر مقتضى وهو القرآن، ومحل قابل وهو القلب الحىّ، وشرط التأثر بالكلام وهو الاستماع والإصغاء، وانتفاء المانع عن الانتفاع، والله أعلم وأحكم. ¬

_ (¬1) من كتاب الفوائد للإمام ابن القيم (ص 5) بتصرف.

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى قراءته فى الصلاة

فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى قراءته فى الصلاة كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم- على حسب التفصيل السابق- قبل بدئه للقراءة فى الصلاة، ثم يقرأ الفاتحة ويقطّعها آية آية يقف على رءوس الآى. ولا يصلها بما بعدها. فيقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يجهر بها تارة ويخفيها أكثر مما يجهر بها، ثم يقف، ثم يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ثم يقف، وهكذا إلى آخر السورة، وكذلك كانت قراءته صلّى الله عليه وسلم مدا، يقف عند كل آية ويمد بها صوته (¬1). فإذا فرغ من الفاتحة، أخذ فى سورة غيرها، وكان يطيلها تارة، ويخففها لعارض من سفر، أو سعال، أو مرض، أو بكاء طفل، ويتوسط فيها غالبا. وكان يقول صلّى الله عليه وسلم: «إنى لأدخل فى الصلاة، وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبىّ فأتجوّز فى صلاتى، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه» (¬2). وكان صلّى الله عليه وسلم لا يعين سورة فى الصلاة بعينها لا يقرأ إلا بها إلا فى الجمعة والعيدين. وكان من هديه صلّى الله عليه وسلم قراءة السورة كاملة، وربما قرأها فى الركعتين، وربما قرأ أول السورة. وأما قراءة أواخر السور وأواسطها. فلم يحفظ عنه. * قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما القراءة بأواخر السور وأوساطها فلم يكن غالبا عليهم ... إلى أن قال ومن أعدل الأقوال قول من قال يكره اعتياد ¬

_ (¬1) الوقوف على رءوس الآى سنة أعرض عنها كثير من القراء فى هذه الأزمنة، فينبغى أن ينتبه لذلك فخير الهدى هدى محمد صلّى الله عليه وسلم. (¬2) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 2 ص 202).

* قراءته صلى الله عليه وسلم فى صلاة الفجر (الصبح):

ذلك دون فعله أحيانا لئلا يخرج عما مضت به السنة، وعادة السلف من الصحابة والتابعين (¬1). وها أنا سوف أشير إلى بعض ما كان يقرأه النبى صلّى الله عليه وسلم من السور، والآيات فى الصلوات الخمس المكتوبات وفى الجمعة، والعيدين (¬2). ولا يتوهمن أحد أننى أقصد بذكر هذه الأحاديث أن يتقيد العبد بهذه السور فى صلواته ففي الأمر سعة ويسر فمن قرأ بها وبمثيلاتها فى صلواته فقد أصاب الهدى ومن لم يستطع فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. * قراءته صلّى الله عليه وسلم فى صلاة الفجر (الصبح): كان صلّى الله عليه وسلم يقرأ فى الفجر بنحو ستين إلى مائة آية يجهر فيها بالقراءة وصلاها بسورة (ق)، وصلاها ب (الرّوم)، وصلاها ب إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وصلاها ب إِذا زُلْزِلَتِ فى الركعتين كليهما، وصلاها ب (المعوذتين) وكان فى السفر، وصلاها فافتتح بسورة (المؤمنين) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون فى الركعة الأولى أخذته سعلة فركع وكان يطيل صلاة الصبح أكثر من سائر الصلوات. وهذا لأن قرآن الفجر مشهود وأيضا فإنها تكون عقب نوم والناس مستريحون لم ينشغلوا بعد فى استقبال المعاش، وأسباب الدنيا إلى غير ذلك. وكان صلّى الله عليه وسلم يطيل فى الركعة الأولى ويقصر فى الثانية وكان يصليها يوم الجمعة بالم تنزيل ... السجدة وسورة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ كاملتين ولم يفعل ما يفعله كثير من الناس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه فى الركعتين أو قراءة (السّجدة) وحدها فى الركعتين، وهو خلاف السنة. ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (ج 13 ص 412). (¬2) كل ما سوف أذكره فى هديه صلّى الله عليه وسلم فى قراءته فى الصلوات الخمس وفى الجمعة والعيدين ثابت عنه صلّى الله عليه وسلم فى الصحيحين (أو فى غيرهما بسند صحيح أو حسن) وذكر هذه الأحاديث بسندها لا يناسبه هذا المقام وهذه الأحاديث فى مظانها من كتب الفقه. (باب القراءة بعد الفاتحة من فقه الصلاة) نيل الأوطار (ج 2 ص 226). سبل السلام (ج 1 ص 357)، فقه السنة (ج 1 ص 113).

* قراءته صلى الله عليه وسلم فى صلاة الظهر:

وكان صلّى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين لما اشتملتا عليه من ذكر المبدأ والمعاد، وخلق آدم، وذكر الجنة والنار، وذلك مما كان ويكون فى يوم الجمعة (¬1). * قراءته صلّى الله عليه وسلم فى صلاة الظهر: كان صلّى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، ويطيل فى الركعة الأولى، ما لا يطيل فى الثانية. يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى، وكان يقرأ فيها تارة بقدر ثلاثين آية، قدر قراءة (الم. السّجدة) وتارة ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وتارة ب وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ، ونحوها من السور بعد فاتحة الكتاب وكان يجعل الركعتين الأخيرتين أقصر من الأوليين قدر النصف قدر خمس عشرة آية (¬2)، وربما اقتصر فيهما على الفاتحة. * قراءته صلّى الله عليه وسلم فى صلاة العصر: كان صلّى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين الأوليين من صلاة العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، ويطيل فى الركعة الأولى أكثر منها فى الثانية. يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة ويقرأ فيها قدر نصف ما يقرأ فى الركعتين الأوليين من الظهر. وكان يجعل الركعتين الأخيرتين أقصر من الأوليين قدر نصفهما، وكان يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب. * قراءته صلّى الله عليه وسلم فى صلاة المغرب: كان صلّى الله عليه وسلم يقرأ فيها أحيانا بقصار المفصل يجهر بالركعتين الأوليين منها بالقراءة فقرأ فيها ب وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وكان أحيانا يقرأ بطوال المفصل فكان تارة يقرأ ¬

_ (¬1) زاد المعاد فى هدى خير العباد (ج 1 ص 143). (¬2) الزيادة على الفاتحة فى الأخيرتين أحيانا ثابت عنه صلّى الله عليه وسلم وعليه جمع من الصحابة منهم أبو بكر رضى الله عنه وهو قول الإمام الشافعى سواء ذلك فى الظهر أو فى غيرها. انظر (صفة صلاة النبى صلّى الله عليه وسلم لشيخنا الألبانى حفظه الله- ص 94).

* قراءته صلى الله عليه وسلم فى صلاة العشاء:

ب (الطّور) ومرة ب (المرسلات) وصلاها مرة ب (الأعراف) فرقها فى الركعتين. فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسور من قصار المفصل خلاف السنة وهو فعل مروان بن الحكم وقد أنكر عليه زيد بن ثابت. * قراءته صلّى الله عليه وسلم فى صلاة العشاء: كان صلّى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين الأوليين من صلاة العشاء من وسط المفصل يجهر فيها بالقراءة. وكان مما يقرأ فيها صلّى الله عليه وسلم ب وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وب إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وب وَالشَّمْسِ وَضُحاها وأشباهها من السور، ونهى عن إطالة القراءة فيها. فائدة فى فقه قوله صلّى الله عليه وسلم «إذا أمّ أحدكم الناس فليخفّف فإن فيهم الصغير والكبير والمريض ... الحديث» (¬1). التخفيف فى الصلاة أمر نسبى يرجع إلى ما فعله النبى صلّى الله عليه وسلم وواظب عليه لا إلى هوى المأمومين، فإنه صلّى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه وقد علم أن من ورائه الكبير، والضعيف، وذا الحاجة. فالذى فعله هو التخفيف الذى أمر به. فهداه صلّى الله عليه وسلم هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون. * قراءته صلّى الله عليه وسلم فى الجمعة والأعياد: أما الجمعة، فكان يقرأ فيها بسورتى (الجمعة) و (المنافقون) كاملتين وسورة (سبّح) و (الغاشية) وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من (يا أيّها الّذين آمنوا .. ) إلى آخرها، فلم يفعله قط. وهو مخالف لهديه الذى كان يحافظ عليه. وأما قراءته فى الأعياد، فتارة كان يقرأ سورتى (ق) واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ كاملتين، وتارة سورتى (سبّح) و (الغاشية) وهذا هو الهدى الذى استمر صلّى الله عليه وسلم عليه إلى أن لقى الله- عز وجل- لم ينسخه شىء ... والحمد لله فى البدء والختام، والصلاة والسلام على خير الأنام. ¬

_ (¬1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 2 ص 200)، صحيح مسلم بشرح النووى (ج 4 ص 184) واللفظ لمسلم.

الباب الثالث قطوف من فضائل القرآن

الباب الثالث قطوف من فضائل القرآن هذا باب واسع كبير، ألّف فيه العلماء كتبا كثيرة، أنتقى من ذلك نكتا تدل على فضله، وما أعد الله لأهله إذا أخلصوا الطلب لوجهه، وعملوا به، وهذا أوان الشروع فى المقصود بعون الملك المعبود، فأقول وبالله التوفيق. فصل فى فضل قراءة القرآن * عن أبى أمامة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه» (¬1). لغة الحديث: شفيعا: أى شافعا طالبا المغفرة لأصحابه. لأصحابه: أى القارئين له والعاملين بأحكامه، وهديه، والمتمسكين بأمره ونهيه. - أفاد الحديث: فضل تلاوة القرآن وأن القرآن يشفع لقارئه العامل بما فيه يوم القيامة. - فيا أخى المسلم ترى كيف بك إذا جاء لك القرآن شفيعا؟ * وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «من قرأ حرفا من ¬

_ (¬1) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 90).

فائدة فى بعض المسائل التى يحتاج إليها قارئ القرآن:

كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها. لا أقول: الم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» (¬1). - لغة الحديث: كتاب الله: أى القرآن المنزل على رسوله صلّى الله عليه وسلم. - أفاد الحديث: الحث على تلاوة القرآن الكريم، وأن للقارئ بكل حرف من كل كلمة يتلوها حسنة مضاعفة. فائدة فى بعض المسائل التى يحتاج إليها قارئ القرآن (¬2): * مراعاة الأدب مع القرآن: فينبغى أن يستحضر القارئ فى نفسه أنه يناجى الله تعالى، ويقرأ على حال من يرى الله تعالى. فإنه إن لم يكن يراه، فإن الله يراه. فيتأكد الأمر باحترام القرآن الكريم، واجتناب الضحك، أو اللهو عنده، وترك الحديث فى خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه. - فإذا شرع فى القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر مع ترتيله للقراءة، وتحسين الصوت بها بقدر ما تيسر. * اختلف أهل العلم، هل الجهر بالقراءة أفضل أم الإسرار؟ فيه تفصيل وتقديم أحدهما على الآخر مداره بحسب المصالح والمفاسد المترتبة عليه. - قال الإمام الغزالى رحمه الله: الوجه فى الجمع بين هذه الأقوال أن الإسرار أبعد عن الرياء، والتصنع. فهو أفضل فى حق من يخاف ذلك على نفسه ¬

_ (¬1) الحديث سبق تخريجه (ص 3). (¬2) سبق الإشارة إلى بعض هذه المسائل فى فصل هديه صلّى الله عليه وسلم فى أحوال قراءته القرآن من الباب الثانى وهنا أضيف (مثلها وزيادة).

فإن لم يخف الرياء، فالجهر ورفع الصوت أفضل لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى غيره. ولأنه يوقظ قلب القارئ ويزيد فى نشاطه (¬1). * وتستحب القراءة على ترتيب المصحف: فتقرأ الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب. ولو خالف الموالاة، وقرأ سورة لا تلى الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز ذلك. * وحول مسألة هل قراءة القرآن من المصحف أفضل أم القراءة عن ظهر قلب؟ فيه تفصيل والمدار فى هذه المسألة على الخشوع. فإن كان الخشوع أكثر عند القراءة عن ظهر قلب فهو أفضل، وإن كان عند النظر فى المصحف أكثر فهو أفضل. فإن استويا فالقراءة نظرا أولى- لمن كان قادرا على ذلك، وإلا فهو معذور- لأنها أثبت وتمتاز بالنظر إلى المصحف. - قال الإمام النووى رحمه الله: والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل (¬2). * وحول مقدار القراءة: فقد اختلفت فيه عادات السلف. فمنهم من كان يختم القرآن كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم فى اليوم والليلة أكثر من ذلك، ومنهم من كان يختم فى كل ثلاث ختمة، ومنهم من كان يختم فى كل أسبوع، ومنهم من كان يختم فى كل شهر اشتغالا بالتدبر، أو بنشر العلم، أو بتعليمه، أو بغيره من اكتساب الدنيا، وأولى الأمر ما لا يمنع الإنسان عن أشغاله المهمة ولا يؤذيه فى بدنه، ولا يفوته معه الترتيل والفهم. المهم وكما سبق الإشارة أن يكون لكل يوم نظرة فى كتاب الله. * يسن لمن قرأ آية السجدة أو سمعها أن يكبر ويسجد سجدة وكان صلّى الله عليه وسلم ¬

_ (¬1) إحياء علوم الدين (ج 1 ص 279). (¬2) التبيان فى آداب حملة القرآن (ص 50).

يقول: «سجد وجهى للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته» (¬1) ثم يرفع من السجود- ولم يذكر عنه صلّى الله عليه وسلم أنه كان يكبر للرفع من السجود- وهذا يسمى سجود التلاوة. ولا تشهد فيه ولا تسليم وليس فى أحاديث سجود التلاوة- فى غير الصلاة- ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئا. - والمختار الذى قاله الشافعى والجماهير فى بيان عدد السجدات أنها أربع عشرة سجدة مشار إليها بقول (سجدة) فى مواضعها من سورها بالمصحف وهى فى: الأعراف- الرعد- النحل- الإسراء- مريم- الحج (وفيه سجدتان) الفرقان- النمل- السجدة- النجم- الانشقاق- الأعلى- وزاد البعض عليها سجدة سورة ص، ويسبح فى سجوده بما يسبح به فى سجود الصلاة ويدعو بما شاء (¬2). * من الأوقات الفاضلة التى يستحب فيها الإكثار من قراءة القرآن: شهر رمضان، وخاصة العشر الأواخر منه. ولذلك كان السلف- رضى الله عنهم- يخصصون جزءا كبيرا من وقتهم فى رمضان لقراءة القرآن. - حتى قال الزهرى رحمه الله: إذا دخل رمضان إنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام. - وكان الإمام مالك رحمه الله: إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث، وأقبل على قراءة القرآن من المصحف. - وكان الشافعى رحمه الله: يختم القرآن فى كل يوم وليلة من شهر رمضان ختمتين. فهذه المواسم قد خصها الله بمزيد من الفضل، والمثوبة على الطاعات، ولا سبيل لاغتنامها أعظم من قراءة القرآن. لما له من الفضيلة على غيره من الأذكار والأعمال. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود فى سننه (ج 2 ص 62) والحاكم فى مستدركه (ج 1 ص 220) وصححه وغيرهما، كلهم من حديث عائشة رضى الله عنها بإسناد حسن. (¬2) زاد المعاد (ج 1 ص 272)، نيل الأوطار (ج 3، ص 95)، فقه السنة (ج 1 ص 164).

* أما قراءة القرآن عند القبور حال الدفن وبعده:

وحول مسألة قراءة القرآن عند القبور، وهل يصل إلى الميت ثواب ما يقرأ؟ * أما قراءة القرآن عند القبور حال الدفن وبعده: فلا أصل له فى السنة، بل الأحاديث المذكورة فى المسألة تشعر بعدم مشروعيتها. إذا لو كانت مشروعة لفعلها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلمها أصحابه. ولا سيما وقد سألته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها عما تقول، إذا زارت القبور؟ فعلّمها السلام والدعاء، ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن. فلو كانت القراءة مشروعة لما كتم ذلك عنها ولو أنه صلّى الله عليه وسلم علمهم شيئا من ذلك لنقل إلينا فإذ لم ينقل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع ومما يقوى عدم المشروعية قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان ينفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقرة» (¬1). فقد أشار صلّى الله عليه وسلم إلى أن القبور ليست موضعا للقراءة شرعا لذلك حض على قراءة القرآن فى البيوت، وحذر من جعلها كالمقابر التى لا يقرأ فيها. والنهى عن القراءة عند القبور هو مذهب جمهور السلف كأبى حنيفة ومالك وغيرهم، وقد سئل الإمام أحمد عن القراءة عند القبر؟ قال: لا وهو عند الإمام الشافعى بدعة (¬2). * وأما وصول ثواب ما يقرأ إلى الميت: فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: « .. ومن قال إن الميت ينتفع بسماع القرآن ويؤجر على ذلك، فقد غلط. فالميت بعد الموت لا يثاب على سماع ولا غيره، غير ما استثنى من قوله صلّى الله عليه وسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» (¬3) .. والله تعالى أعلى وأعلم. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 86). (¬2) راجع أحكام الجنائز للألبانى (ص 191)، اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (ص 742). (¬3) مجموع الفتاوى (ج 24 ص 317)، والحديث رواه مسلم بشرح النووى (ج 11 ص 85).

* وحول مسألة القراءة من المصحف فى الصلاة: فالبعض كرهها والمختار أنها جائزة. وذكر الحافظ محمد بن نصر المروزى بسنده (أن عائشة كان يؤمها غلام لها فى المصحف- وكان يقال له ذكوان- فى رمضان بالليل) (¬1). قال الإمام النووى- رحمه الله: « .. لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا، ولو قلب أوراقه، وهو مذهب الشافعى ومالك وأحمد» (¬2). * وحول مسألة. هل يشرع المحافظة على قول «صدق الله العظيم» عقب تلاوة القرآن؟ لم يرد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دليل يفيد ذلك وخير الهدى هدى محمد صلّى الله عليه وسلم وسبق الإشارة إلى ذلك فى حديث ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم «اقرأ علىّ القرآن فقلت يا رسول الله: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: إنى أحب أن أسمعه من غيرى فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية «فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد ... الآية» قال حسبك الآن» (¬3). - الشاهد من الحديث ... لو كان قول (صدق الله العظيم) عقب انتهاء القراءة مشروعا، لأوقفه النبى صلّى الله عليه وسلم بقول: (قل صدق الله العظيم). - أما من يستشهد على مشروعية قول صدق الله العظيم عقب تلاوة القرآن بقوله تعالى: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ (¬4) فقد غلط فهذه الآية رد على اليهود والنصارى- قبحهم الله تعالى- فى باطل دعواهم المتقدم ذكره فى الآية قبلها وما يماثلها. وبهذا ¬

_ (¬1) لاستقصاء أدلة الفريقين انظر كتاب قيام الليل للمروزى (ص 81) وما بعدها .. وحديث عائشة رواه الحافظ عبد الرزاق فى المصنف (ص 394) وغيره. (¬2) المجموع شرح المهذب للإمام النووى (ج 4 ص 95). (¬3) الحديث سبق تخريجه (ص 56). (¬4) آل عمران: 95.

فصل فى فضل تعلم القرآن وتعليمه

يكون معنى قوله تعالى: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ أى: قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه فى القرآن. فصل فى فضل تعلم القرآن وتعليمه * عن عقبة بن عامر- رضى الله عنه قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن فى الصفة فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق. فيأتى منه بناقتين كوماوين فى غير إثم، ولا قطع رحم. فقلنا يا رسول الله: نحب ذلك قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد، فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهنّ من الإبل» (¬1). - لغة الحديث: الصفة: موضع مظلل من المسجد النبوى كان فقراء المهاجرين يأوون إليه. يغدو: أى يذهب فى الغدوة وهو أول النهار. بطحان: بضم الباء وإسكان الطاء، موضع بقرب المدينة. الكوماء من الإبل: بفتح الكاف أى العظيمة السنام. - أفاد الحديث: الندب والحث على قصد بيوت الله لتعلم العلم، وحفظ القرآن، لما فيها من السكينة مما لا تجده فى غيره من الأماكن، ولقطع علائق القلب عن شواغل الدنيا التى هى من أعظم موانع الحفظ والتدبر وليعلم أن آية واحدة يقرأها المسلم، أو ¬

_ (¬1) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 89).

يحفظها خير من الدنيا، وما فيها. وقد ضرب صلّى الله عليه وسلم لهذا المثل للترغيب، والحث على حفظ كتاب الله، وتعلمه. * وعن عثمان بن عفان رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». وفى رواية «إن من أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه» (¬1). - لغة الحديث: خيركم: أى يا معشر القراء. تعلم القرآن: يطلق على بعضه وعلى كله. - أفاد الحديث أن خير المتعلمين من كان تعلمه، وتعليمه فى القرآن، لا فى غيره. لأن خير الكلام كلام الله. فلذلك كان خير الناس بعد النبيين من اشتغل به. - قال الحافظ فى الفتح: (وقد سئل سفيان الثورى عن الجهاد، وعن إقراء القرآن: أى تعليمه للناس. فرجح الثانى. واحتج بهذا الحديث) (¬2). - قلت: لا شك أن هذا الكلام إنما ينسحب على الجهاد غير المتعين أما إذا انتهكت حرمات المسلمين وتعين الجهاد قدم على إقراء القرآن، وهكذا تنزل الأمور وتقدر الأحكام بقدرها، والله أعلم. ... ¬

_ (¬1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 74). (¬2) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 77).

فائدة فى آداب معلم القرآن ومتعلمه

فائدة فى آداب معلم القرآن ومتعلمه * أول وأهم ما ينبغى للمقرئ والقارئ أن يقصدا بذلك رضا الله وإخلاص النية له سبحانه فإن فقد العلم إخلاص النية انتقل من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات، وآفة العلم الرياء. فاحذر أن تقع فيها، وقى الله أهل القرآن شرها. * التحلى ب (رونق العلم) من حسن السمت والهدى الصالح مع دوام السكينة والوقار، والخشوع، والتواضع، والرفق، والقناعة، والزهادة، والمروءة، والتخلى عن نواقضها. وقانا الله وإياك العثرات. * تعاهد المحفوظات: تعاهد علمك من وقت لآخر، فإن عدم التعاهد عنوان الذهاب للعلم مهما كان. فصاحب القرآن إن داوم على تعهده بالتلاوة قرّ وإن ترك ذلك فرّ منه حفظه، ولا يقدر على عوده إلا بعد غاية الكلفة، والمشقة فعلى كل تعهد ما عنده حتى لا يفقده (¬1). * العمل بالعلم: فالمقصود من العلم العمل. فإذا تعلمت آية من كتاب الله فاحرص جهدك أن تعلمها لولدك، وأهلك، وأن تطبقها على نفسك. نسأل الله العمل بالعلم، والعون على ذلك. * احذر من القيل والقال وكثرة السؤال: واقصر خطاك عن جميع المحرمات والمحارم وأقبل على القرآن على طريقة السلف. فالإسلام كله لك جادة ومنهج، ولا تأخذ عن مبتدع، أو صوفى أو قبورى ¬

_ (¬1) فى هذا المعنى جملة أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أذكر منها قوله صلّى الله عليه وسلم: «تعاهدوا هذا القرآن فو الذى نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل فى عقلها». فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 79)، صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 78) واللفظ لمسلم.

ولا تكن خراجا ولاجا فى الجماعات، فتخرج من سعة الإسلام إلى ضيق الجماعات فلا طائفية ولا حزبية فى الإسلام بل كن من أصحاب العبودية المطلقة، وانهل من ميراث النبوة صافيا. سدد الله الخطى، ومنح الجميع التقى. * وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء فيه على أقوال أعرضها، ثم أذكر الراجح منها: (القول الأول): هو رأى القائلين بمنع أخذ الأجرة عليه. وهو قول جماعة من العلماء منهم الزهرى، وأبو حنيفة، واحتج المانعون بحديث فى إسناده مقال. (أما القول الثانى): فهو رأى القائلين بجواز أخذ الأجرة عليه. وفيه تفصيل. فقد ذهب البعض إلى أنه يجوز إن لم يشترطه، وهو قول الحسن البصرى والشعبى وابن سيرين وذهب عطاء ومالك والشافعى إلى الجواز وإن شارطه واستأجره إجارة صحيحة، وقد جاء بالجواز الأحاديث الصحيحة منها قوله صلّى الله عليه وسلم: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» (¬1). الراجح: جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ويستحب عدم الاشتراط. ... ¬

_ (¬1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 10 ص 198).

فصل فى فضل تجويد القرآن وإتقان قراءته وتحسين الصوت به

فصل فى فضل تجويد القرآن وإتقان قراءته وتحسين الصوت به * عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الذى يقرأ القرآن، وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذى يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران» (¬1). - لغة الحديث: ماهر به: أى يجيد تلاوته ويطبق أحكام تجويده. السفرة: أى الملائكة الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات ربهم، وقيل السفرة: الملائكة الكتبة الذين يحصون الأعمال لأنهم بكتابتهم سفرة بين الله وخلقه. الكرام: لأنهم مطهّرون من دنس المعاصى. البررة: المطيعون. يتتعتع فيه: يتردد فى قراءته، ويثقل عليه. - أفاد الحديث: بيان فضل من يجيد تلاوة القرآن، ويتقن قراءته، وأنه مع الملائكة الكرام السفرة فى منازلهم، وأن من تردد فى قراءته لثقله عليه له أجران: أجر القراءة، وأجر التعتعة. ¬

_ (¬1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 8 ص 691)، صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 84) اللفظ لمسلم.

* وعن أبى هريرة رضى الله عنه. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» (¬1). - لغة الحديث: ما أذن: أى ما استمع وفيه إشارة إلى الرضى والقبول. يتغنى بالقرآن: يحسن قراءته ويرتلها، وقيل الإفصاح بألفاظه. - أفاد الحديث: الحث على تحسين الصوت عند قراءة القرآن، وترتيله ترتيلا وأن هذا من أسباب إجزال المثوبة من الله فإن لكل شىء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن فإن لم يكن القارئ حسن الصوت فليحسنه ما استطاع. وأن الجهر بالقراءة فى بعض الأوقات لمقصود صحيح إما لتثبيت الحفظ، أو ليصرف عن نفسه الكسل والنوم من غير تشويش بالقراءة على الغير من المقاصد الطيبة. ¬

_ (¬1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 68) وصحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 79).

فوائد

فوائد * يستعان على تجويد القرآن، وتحسين الصوت به بكثرة الاستماع إليه فى الأشرطة المسجلة لأحد القراء المتقنين أمثال: الشيخ المنشاوى، والحصرى، وعبد الباسط، وغيرهم. ولا يعتمد على الأشرطة التى تسجل من صلاة التراويح. فكثيرا ما يغفل فيها عن ضبط أحكام التجويد. * المطلوب شرعا إنما هو تحسين الصوت الباعث على تدبر القرآن، وتفهمه، والخشوع عنده فبه تكون القراءة أشد تأثيرا فى النفس، وخشوعا فى القلب، واعتبارا فى العقل، وإن المحظور منها التطريب المتكلف الذى يشغل السامع بلذة الصوت، وحسن النظم عن المعنى المراد، والخشوع المطلوب. ولهذا كان أحسن القراءات ما كان عن خشوع من القلب. وما من أحد سمع قراءة المجودين أولى الأصوات الحسنة إلا وشعر بالتأثير العظيم فى قلبه بقراءتهم. * طيب الصوت وتحسينه بالقرآن يقارنه شيئان ... الأسف والتلهف. فالأسف على ما وقع من التقصير، والتلهف على ما يؤمل من التوقير. فإذا تألم القلب بالذنب، وتوجع، تحزّن الصوت ورجّع، فبدر الجفن بالدموع، والقلب بالخشوع فحينئذ يستلذ القارئ بالمناجاة، ويفرّ من الخلق إلى الخلوات. رجاء غفران السالف من الذنوب، والتجاوز عن الجنايات، والعيوب. اللهم اجعلنا ممن يقول فيعمل، ويعمل فيخلص ... اللهم استجب، وتقبل يا أرحم الراحمين، وبالله التوفيق.

فصل فى فضل حفظ القرآن الكريم

فصل فى فضل حفظ القرآن الكريم * عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنهما- عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» (¬1). - لغة الحديث: يقال: أى عند دخول الجنة. صاحب القرآن: أى حافظه عن ظهر قلب أو حافظ بعضه الملازم لتلاوته مع التدبر لآياته، والعمل بأحكامه، والتأدب بآدابه. ارق: اصعد درج الجنة بمقدار ما حفظته من آى القرآن. رتل: أى لمجرد التلذذ إذ لا عمل ولا تكليف هناك. - أفاد الحديث: الترغيب فى حفظ القرآن، وتخصيص الصاحب فى الحديث بالحافظ عن ظهر قلب دون التالى من المصحف. - فيا لها من سعادة! إذا قيل له اقرأ وارق ورتل. فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. ترى إلى أين يرقى؟ * عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يجيء القرآن يوم القيامة. فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود والترمذى وغيرهما بسند صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير للألبانى (ج 2 ص 1349).

حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه. فيقول: اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة» (¬1). - لغة الحديث: حله: أمر من التحلية، والمعنى: يا رب زيّنه. - أفاد الحديث: بيان لكرامة حافظ القرآن بالإنعام عليه بتاج الكرامة وحلة الكرامة، ورضا الله عنه، وهو أعظمها وأن ما ادّخره الله لحافظ القرآن لم يدخره لغيره إلا الأنبياء والشهداء. وأى نعيم فوق حلول رضوان الله عليك فلا يسخط عليك بعد ذلك أبدا .. ! ... ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذى والحاكم بسند حسن من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، انظر صحيح الجامع الصغير للألبانى (ج 2 ص 1333).

فائدة حول الأسباب الميسرة لحفظ القرآن الكريم

فائدة حول الأسباب الميسرة لحفظ القرآن الكريم قالوا مما يعين على الحفظ أكل الزبيب، ومما يضعف الحفظ أكل الباذنجان. قلت دعونا من الزبيب والباذنجان، أعظم ما يعين على الحفظ تقوى الرحمن. قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (¬1). فأقول مستعينا بالله وبحوله وقوته إن من أسباب حفظ القرآن الكريم ما يلى: * النية الصادقة: ولها علامات تدل على صدقها. حتى لا تكون أمانى وظنونا، ومن علاماتها تفريغ الأوقات للحفظ. وأعنى بذلك أن تستقطع من ثمين وقتك وقتا لكتاب الله لا يثنيك عنه أى شاغل، وما قيمة هذا الشاغل؟ فمهما كان مربحا .. فربحك آية من كتاب الله تحفظها أعظم وأبقى، أما أن يكون حفظك لكتاب الله بحسب الفضلة من وقتك، فإن بقى وقت بعد قضاء مصالح الدنيا، وإلا فلا حفظ. فأنى لك أن تكون من أهل القرآن ... * الدعاء والإلحاح فيه: من أهم الوسائل المعينة على حفظ كتاب الله. فهو وحده سبحانه القادر على أن ييسر لك سبيل حفظ كتابه، ولتتقى موانع الإجابة من المعاصى والآثام ولتطهّر القلب ليصلح لقبول القرآن. * الصبر والعزيمة القوية: ولا يثنيك عن عزمك فتور، أو ملل، ولا يصدنّك الشيطان، أو كون الحفظ قد يبدو صعبا أو شاقا فى بدايته. واعلم أن التيسير سيكون حليفك جزءا بعد جزء، ومن لازم طرق الباب أوشك أن يفتح له ومن ثبت نبت. * عليك تحديد مقدار للحفظ اليومى: بقدر ما تطيق حفظه ويمكنك ¬

_ (¬1) البقرة: 282.

المواظبة عليه، وقراءته على شيخ متقن. فإن لم يتيسر، فلتسمع لهذا المقطع الذى تريد حفظه من خلال شريط لأحد القراء المتقنين، ثم الشروع بعد ذلك فى تكرار هذه الآيات، وإعادتها مع تحسين الصوت بالقراءة بها لدفع السآمة، وتعويد اللسان على حسن القراءة. - وأنصح لمريدى الحفظ بقراءة طرف من معانى الآيات التى يحفظها كأن يكون الحفظ من أحد المصاحف المذيلة بمعانى الكلمات، ومن أفضلها (تفسير الجلالين) (¬1). - وينبغى عدم تجاوز الآيات المقرر حفظها إلى آيات أخر إلا بعد التأكد من إتقان حفظها وتسميعها، ويعتنى بالآيات المتشابهة المطالع. - كذا ينبغى المحافظة على رسم واحد للمصحف. فموضع الآية من المصحف ينطبع فى الذهن، فيعين على الحفظ. ويستعان على ذلك أيضا بالكتابة مع ملاحظة صون تلك الأوراق من العبث، ووضعها فى مكان لائق ... ثم كرّر ما تحفظه أثناء السير وفى الطريق للمدرسة، أو العمل، وفى الصلاة، واجعل يوما، أو يومين فى الأسبوع للمراجعة. فاستبقوا الخيرات فقد وضح الطريق ... * وأخيرا ... ليكن حفظك للقرآن الكريم (حفظ رعاية) بالعمل والتنفيذ. ليكن خلقك القرآن، وسلوكك القرآن ومنطقك وعملك القرآن. فإن لم تفعل فهو حجة عليك، وليكن نصب عينك حديث أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها حين سئلت عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن (¬2). ¬

_ (¬1) وهو كتاب قيّم، سهل المأخذ، مختصر العبارة، وهو يشير بالرمز إلى كثير من المسائل التى يشرحها غيره بأسلوب مطوّل ... فعليك به. (¬2) أخرجه الإمام أحمد (ج 6 ص 188)، صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 26).

- وقال الفضيل- رحمه الله: حامل القرآن حامل راية الإسلام. لا ينبغى أن يلغو مع من يلغو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلهو مع من يلهو، تعظيما لله تعالى (¬1). (فاللهم علمنا من القرآن ما جهلنا، وذكرنا منه ما نسّينا وارزقنا العمل به ... آمين). ... ¬

_ (¬1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (ص 51).

فصل فى فضل سور وآيات مخصوصة

فصل فى فضل سور وآيات مخصوصة أولا: وقبل أن أتعرض لهذا الفصل المهم من فصول فضائل القرآن أود أن أشير إلى مسألتين: المسألة الأولى: وهى هل يجوز تفضيل بعض القرآن على بعض؟ اختلف العلماء هل فى القرآن شىء أفضل من شىء؟ - فذهب بعض الأئمة إلى المنع، وروى هذا القول عن الإمام مالك، وحجتهم فى ذلك لئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه. - وذهب آخرون: إلى التفضيل لظواهر الأحاديث، وروى هذا القول عن الإمام الغزالى، وقال الإمام القرطبى: إنه الحق. ونقله عن جماعة من العلماء والمتكلمين، ولهم فى ذلك كلام طويل. فبعضهم يقوله: بأن التفضيل راجع إلى عظم الأجر، ومضاعفة الثواب. والبعض يقول: إنما هو بالمعانى العجيبة، وكثرتها، وغير ذلك من الأقوال (¬1). قلت: وجواز تفضيل بعض القرآن على بعض هو الرأى الراجح، وهو ما عليه الجمهور، والذى دلت عليه الأدلة. والله أعلم. * أما المسألة الثانية: وهى التنبيه على أننى سوف أقتصر فى هذا الفصل على ذكر (بعض) ما صح فى فضله الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما وقفت عليه، وإننى سوف أعرض عن كثير مما اشتهر تناقله بين الناس وذلك لعدم ثبوت صحته عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم (¬2). ¬

_ (¬1) الإتقان فى علوم القرآن (ج 2 ص 199). (¬2) وقفت فى بعض الكتب على أحاديث كثيرة لا تثبت فى أغلب سور القرآن، وقد ورد حديث طويل فى فضائل القرآن سورة سورة وهو موضوع ولا أصل له.

فضل فاتحة الكتاب

فضل فاتحة الكتاب - عن أبى سعيد رافع بن المعلى قال: قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك أعظم سورة فى القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ فأخذ بيدى. فلما أردنا أن نخرج قلت يا رسول الله: إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة فى القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هى السبع المثانى والقرآن العظيم، الذى أوتيته» (¬1). - لغة الحديث: المثانى: التى تثنى، وتقرأ فى كل ركعة من الصلاة، وقيل سميت بذلك لاشتمالها على قسمين ثناء ودعاء. - أفاد الحديث: عظيم شأن سورة الفاتحة. وذلك لأنها جمعت مقاصد القرآن، واشتملت على مجمل ما جاء مفصلا فى باقى السور. فاشتملت على الثناء على الله بما هو أهله، وعلى التعبد، وعلى الأمر والنهى، والوعد، والوعيد، وآيات القرآن لا تخلو من أحد هذه الأمور. وفى الصحيح من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال فيها- أى «فاتحة الكتاب- أنها رقية» (¬2). - وقد أفرد الإمام ابن قيم الجوزية لفاتحة الكتاب فصلا فى كتابه (الطب النبوى) وذكر فى فضلها كلاما طيبا بليغا ومما قال: (إن) هذه السورة غنى عن كثير من الأدوية والرقى وإن بها مفاتيح الخير ومغاليق الشر) (¬3). ¬

_ (¬1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 54). (¬2) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 54) بلفظ (وما يدريك أنها رقية) (¬3) الطب النبوى لابن القيم (ص 259).

فضل سورة البقرة

فضل سورة البقرة عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقرة» (¬1). - لغة الحديث: ينفر: أى يعرض ويبتعد. - أفاد الحديث: الحث على مداومة ذكر الله فى البيوت وقراءة سورة البقرة فيها لأنها تصد الشيطان وتجعله ييأس من إغوائهم وإضلالهم ببركة قراءتها. فضل سورة البقرة مع آل عمران عن النواس بن سمعان- رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن، وأهله الذين كانوا يعملون به فى الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما» (¬2). - لغة الحديث: تقدمه: أى تتقدمه. تحاجان: تجادلان وتدفعان. - أفاد الحديث: أن القرآن يأتى يوم القيامة- وقيل يصور بصورة ويراه الناس وكذا أصحابه ¬

_ (¬1) الحديث سبق تخريجه ص 71. (¬2) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 90).

فضل الآيات من سورة البقرة

الذين كانوا يعملون به فى الدنيا. فيأتمرون بما أمر، وينزجرون عما زجر. تتقدمه سورة البقرة وآل عمران تجادلان، وتدفعان عن العامل بما أمرتا به، والتارك ما نهتا عنه. فضل الآيات من سورة البقرة * فضل آية الكرسى: (وهى الآية (255) من سورة البقرة): عن أبى بن كعب- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر أى آية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فضرب فى صدرى، وقال: ليهنك العلم أبا المنذر» (¬1). - لغة الحديث: الله لا إله إلا هو الحى القيوم: أى جميع آية الكرسى. القيوم: أى القائم بنفسه والمقيم لغيره سبحانه. ليهنك العلم: أى ليكن هنيئا لك ونافعا لك. - أفاد الحديث:- أن آية الكرسى أعظم آية فى كتاب الله لما تضمنته من عظيم مقتضاها من إثبات الذات والصفات والأفعال. - وقد ورد فى فضلها جملة أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم منها ما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه وفيه قوله: «فإذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى من أولها حتى تختم الآية فلا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح» (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 93). (¬2) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 55) بلفظ (وكّلنى رسول الله بحفظ).

فضل الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة وهما 285، 286 من البقرة

- ومنها ما ثبت بسند صحيح من حديث أبى أمامة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسى فى دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» (¬1). - قلت: وهى أيضا من أعظم ما يستشفى به من الأمراض والأسقام وخاصة ما كان له علاقة بالجان كالسحر والمس ... وغيره. فهى تؤثر فى الجن وتطردهم بإذن الله، فهى سلاح والسلاح بضاربه. فضل الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة وهما 285، 286 من البقرة عن أبى مسعود البدرى- رضى الله عنه- عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه» (¬2). - لغة الحديث: كفتاه: أى كفتاه المكروه فى تلك الليلة، وقيل كفتاه عن قيام الليل. من آخر سورة البقرة: أى من قوله «آمن الرسول ... إلى آخرها). - أفاد الحديث:- بيان ما اختصت به هاتان الآيتان من حظ كبير لاشتمالهما على غاية التفويض، والتسليم لأوامر الله ولأن الدعاء بما فيهما متضمن لخيرى الدنيا والآخرة - وصح من حديث ابن عباس رضى الله عنهما ما يفيد بعظيم فضل هاتين الآيتين وكونهما نورا لصاحبهما يوم القيامة يسعى أمامه لإجلاله وتعظيمه وأنه لا ¬

_ (¬1) أخرجه النسائى وابن حبان بسند صحيح بشواهده ووثق رواته البخارى وابن معين، انظر صحيح الجامع الصغير للألبانى (ج 2 ص 1103)، وحكى عن ابن تيمية أنه قال: ما تركتها عقيب كل صلاة. راجع كتاب زاد المعاد لابن قيم الجوزية (ج 9 ص 222). (¬2) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 9 ص 55)، صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 92).

فضل سورة الكهف

يقرأ منهما بحرف مستعينا به على قضاء غرض لك إلا أعطيته (¬1). وبهذا يتضح لنا عظيم الفضل الذى اشتملت عليه سورة البقرة عامة وخاصة فى بعض آياتها كآية الكرسى والآيتين من آخر السورة ويظهر لنا جليا ما صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم من حديث بريدة رضى الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «اقرءوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة» (¬2). - فحقيق بكل مسلم ومسلمة أن يشمر عن ساعد الجد لحفظ هذه السورة المباركة. فضل سورة الكهف عن أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» (¬3). - لغة الحديث: سورة الكهف: أى السورة التى ورد فيها قصة أصحاب الكهف، والمسماة بذلك. - أفاد الحديث: بيان فضل قراءة هذه السورة فى يوم الجمعة، وفى ذلك عامل على حفظها بكثرة تكرارها، وفيما يلى ذكر فضل حفظ الآيات منها. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 91) بلفظ (هذا باب من السماء فتح). (¬2) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 90)، البطلة: أى السحرة، ومعنى لا تستطيعها البطلة. أى: لا يمكنهم حفظها وقيل لا تستطيع النفوذ فى قارئها. والله تعالى أعلم. (¬3) أخرجه الحاكم والبيهقى بسند صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير للألبانى (ج 2 ص 1104).

فضل حفظ الآيات من سورة الكهف

فضل حفظ الآيات من سورة الكهف عن أبى الدرداء- رضى الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال» (¬1). وفى رواية للحديث (من آخر سورة الكهف) .. وهذه الرواية شاذة والصحيح الرواية الأولى (¬2). - لغة الحديث: من حفظ: أى عن ظهر قلب. عصم: أى حفظ الدجال: أى الكذاب. - أفاد الحديث: الحث على حفظ هذه الآيات العشر من أول سورة الكهف لكون حفظها عاصما من فتنة المسيح الدجال، الذى يخرج آخر الزمان مدعيا الألوهية لخوارق تظهر على يده- بإذن الله- - وسر عصمة من حفظ تلك الآيات منه اشتمالها على عجائب وآيات يمنع تدبرها من فتنته. فضل سورة الإخلاص عن أبى الدرداء- رضى الله عنه- عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ فى ليلة ثلث القرآن. قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن» (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 92). (¬2) قال الألبانى: قلت الرواية الأخرى شاذة والمحفوظ الرواية الأولى كما حققته فى السلسلة الصحيحة (582) ويشهد له حديث النواس بن سمعان فإن فيه: ( ... فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف). (¬3) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 94).

- لغة الحديث: قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ: أى السورة المسماة بذلك وبسورة الإخلاص. تعدل: أى باعتبار ثواب قراءتها. - أفاد الحديث: أن اشتمال هذه السورة على توحيد الله وتعظيمه وتقديسه يحمل كل ذى إيمان كامل على أن يستمد بقراءتها ما يكمل به إيمانه ويزيد إيقانه ولذلك قيل إن ثواب قراءتها يعدل ثواب قراءة ثلث القرآن فى الأجر وقد حمل البعض الحديث على أن معناه أن لها فضلا وثوابا تحريضا على تعلمها وليس أن قراءتها ثلاث مرات كقراءة القرآن كله واختار ابن عبد البر أن السكوت عن ذلك كله أفضل وأسلم كما فعل أحمد بن حنبل وكذا ابن راهويه رحمهم الله. قلت: والراجح أن المراد ثلثه من حيث الأجر. فلا مانع أن يجعل الله فى الأحرف القليلة من الثواب ما لم يجعل فى الكثيرة. ألا ترى أن الصلاة بمكة أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه، والصلاة فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سوى المسجد الحرام والصلاة فى بيت المقدس بخمسمائة صلاة. كما صح ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم (¬1). - وقد ورد فى فضل هذه السورة العظيمة جملة أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم منها قوله: «من قرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» عشر مرات بنى الله له بيتا فى الجنة» (¬2) .. والله تعالى أعلى وأعلم. **** ¬

_ (¬1) أخرجه البخارى (ج 3 ص 63) مع الفتح، صحيح مسلم بشرح النووى (ج 2 ص 1012). (¬2) أخرجه الإمام أحمد من حديث أنس بن معاذ، انظر صحيح الجامع الصغير للألبانى (ج 2 ص 1104).

فضل المعوذتين

فضل المعوذتين عن عقبة بن عامر- رضى الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (¬1). - لغة الحديث: ألم تر: ألم تبصر- ألم تعلم. قط: ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان. - أفاد الحديث: الإرشاد إلى فضل المعوذتين فى التعوذ من شر كل ذى شر، كالجان وعين الإنسان. وقد تواتر هذا الحديث من عدة طرق (¬2). ترشد بمجملها إلى نفس المعنى من فضل التعوذ بهما فى الصباح، والمساء، وعند النوم، وفى كل حال. فهما أفضل ما تعوذ بهما المتعوذون لاشتمالهما على الجوامع فى المستعاذ والمستعاذ منه. - والحمد لله على التمام، إنه ولى الإنعام، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. والله أعلم وأحكم. ... ¬

_ (¬1) صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 92). (¬2) راجع طرق هذا الحديث فى تفسير ابن كثير (ج 4 ص 573).

خاتمة ودعاء الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنا الحكمة والقرآن وصلاة وسلاما على سيدنا محمد خير الأنام ... وبعد. بهذا ينتهى ما جمعناه فى كتابنا هذا- (فقه قراءة القرآن الكريم) فما وجدت فيه- أخى الكريم- من صواب فمن الله عز وجل. فله سبحانه النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، وإن كان فيه من سهو أو خطأ، أو نسيان فمن نفسى، ومن الشيطان. والله أسأل أن يتقبل منى أحسنه، وأن يغفر لى، وكما منّ علىّ بإتمام هذا الكتاب أن يتم النعمة بقبوله وينفع به. فاللهم إنا نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب غمومنا، وهمومنا. اللهم ذكرنا منه ما نسّينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا حق تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذى يرضيك عنا. واجعله سائقا لنا إلى رضوانك والجنة. اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا. اللهم اجعلنا ممن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويتلوه حق تلاوته. اللهم اجعلنا ممن يقيم حروفه وحدوده، ولا تجعلنا ممن يقيم حروفه ويضيع حدوده، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، يا أرحم الراحمين. اللهم أكرمنا بكرامة القرآن، وألبسنا بخلعة القرآن، وأسعدنا بسعادة القرآن، وشرفنا بشرف القرآن، وأدخلنا الجنة بشفاعة القرآن، ونجنا من النيران بحرمة القرآن. اللهم هذا الدعاء، ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان.

أخى القارئ الكريم: دونك هذا الكتاب. فاحرز نفسك فى حرزه، واشدد يدك بغرزه، ولا تنسنى من صالح دعائك ... والحمد لله على انتهائى كما حمدت الله فى ابتدائى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. «فرغت منه قبل صلاة العصر من يوم عرفة لسنة سبع عشرة وأربعمائة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم». ***

ملحق فهارس فقه قراءة القرآن الكريم وضعتها فى آخر الكتاب إتماما للفائدة وتسهيلا لمعرفة مكان الآية والحديث لطالب العلم وغيره وجعلته متمّما له وبالله التوفيق.

خاتمة ودعاء

فهرس الآيات القرآنية مرتبة حسب السور وحسب ورودها فى الكتاب / طرف الآية/ السورة/ رقم الآية/ الباب/ الصفحة ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ البقرة: 2/ 1/ 2/ 13، 52 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ البقرة: 121/ 2/ 48 وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ البقرة: 282/ 3/ 82 وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ آل عمران: 7/ 2/ 51 قُلْ صَدَقَ اللَّهُ آل عمران: 95/ 3/ 72 وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ النساء: 82/ م/ 6 يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ النساء: 174/ 1/ 13 قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ المائدة: 15/ 1/ 13 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ المائدة: 6/ 2/ 31 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ الأنعام: 1/ 2/ 54 وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا الأعراف: 204/ 2/ 57 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ التوبة: 28/ 2/ 42 إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ الرعد: 11/ 2/ 51 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ الحجر: 9/ 1/ 12، 19 وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً النحل: 89/ 1/ 20 فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ النحل: 98/ 2/ 29 الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ النحل: 32/ 2/ 51 إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي الإسراء: 9/ م، 1/ 3، 12 قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ الإسراء: 88/ م/ 6 وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ الإسراء 82/ 1/ 13 نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ الكهف: 13/ 2/ 52 قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ طه: 46/ 2/ 51 لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً الأنبياء: 10/ 1/ 12 وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ الفرقان: 30/ م/ 7 تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ الفرقان: 1/ 1/ 12 وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ الشعراء: 192/ 1/ 12، 18

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ الشعراء: 193، 194/ 1/ 18 إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ النمل: 30/ 2/ 34 ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ فاطر: 32/ م/ 9 كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ ص: 29/ 2/ 53 سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ فصلت: 53/ 1/ 19 وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا فصلت: 26/ 2/ 57 وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً الشورى: 52/ 1/ 13 وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ الأحقاف: 29/ 2/ 58 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ الحجرات: 6/ 1/ 26 وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ القمر: 17/ 1/ 18، 21 لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ الواقعة: 79/ 2/ 42 أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ الواقعة: 58/ 2/ 54 أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ الواقعة: 59/ 2/ 54 لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى الحشر: 21/ 2/ 59 فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ المزمل: 20/ 2/ 39 وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا المزمل 4/ 2/ 44، 48

فهرس الأحاديث والآثار بترتيبها هجائيا وحسب ورودها بالكتاب

فهرس الأحاديث والآثار بترتيبها هجائيا وحسب ورودها بالكتاب أولا: فهرس الأحاديث: طرف الحديث/ الراوى/ الباب/ الصفحة (حرف الألف) «أقرأنى جبريل على حرف» / عبد الله بن عباس/ الأول/ 21 «إنما جعل الإمام ليؤتم به» / أبو موسى الأشعرى/ الثانى/ 58 «إنى لأدخل فى الصلاة» / أنس بن مالك/ الثانى/ 63 «إذا أمّ أحدكم الناس» / أبو هريرة/ الثانى/ 66 «اقرءوا القرآن فإنه يأتى» / أبو أمامة/ الثالث/ 67 «إذا مات ابن آدم انقطع عمله» / أبو هريرة/ الثالث/ 71 أيكم يحب أن يغدو» / عقبة بن عامر/ الثالث/ 73 إن من أفضلكم من تعلم» / عثمان بن عفان/ الثالث/ 74 إن أحق ما أخذتم عليه أجرا» / عبد الله بن عباس/ الثالث/ 76 «الذى يقرأ القرآن وهو ما هربه» / عائشة/ الثالث/ 77 «ألا أعلمك أعظم سورة» / أبو سعيد رافع/ الثالث/ 86 «اقرءوا البقرة فإن أخذها» / بريدة/ الثالث/ 90 «أيعجز أحدكم أن يقرأ فى» / أبو الدرداء/ الثالث/ 91 «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة» / عقبة بن عامر/ الثالث/ 93 (حرف التاء) «تعاهدوا هذا القرآن» / أبو موسى/ الثالث/ 75 (حرف الخاء) «خيركم من تعلم القرآن» / عثمان بن عفان/ الثالث/ 74 (حرف الراء) «رأيت رسول الله يوم فتح مكة» / عبد الله بن المغفل/ الثانى/ 39 (حرف السين) «سبحان الله إن المؤمن لا ينجس» / أبو هريرة/ الثانى/ 42 «سجد النبى بالنجم وسجد معه» / عبد الله بن عباس/ الثانى/ 60

«سمعت النبى يقرأ فى المغرب» / جبير بن مطعم/ الثانى/ 60 سجد وجهى للذى خلقه» / عائشة/ الثانى/ 70 (حرف الصاد) «صليت مع النبى ذات ليلة» / حذيفة بن اليمان/ الثانى/ 53 «صلاة فى مسجدى هذا أفضل» / أبو هريرة/ الثالث/ 92 (حرف القاف) «قراءة رسول الله بسم الله» / أم سلمة/ الثانى/ 44 «قال لى رسول الله اقرأ علىّ» / عبد الله بن مسعود/ الثانى/ 56 (حرف الكاف) «كان رسول الله لا يعرف فصل السورة» / ابن عباس/ الثانى/ 34 «كانت مدا ثم قرأ بسم الله» / أنس بن مالك/ الثانى/ 35 «كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد» / أنس بن مالك/ الثانى/ 36 «كان رسول الله يتكئ فى حجرى» / عائشة/ الثانى/ 39 «كان رسول الله يذكر الله» / عائشة/ الثانى/ 41 «كان إذا قرأ قطّع قراءته آية» / أم سلمة/ الثانى/ 44 «كان يمد مدا» / أنس بن مالك/ الثانى/ 44 «كان خلقه القرآن» / عائشة/ الثالث/ 83 (حرف اللام) «لقد أنزلت علىّ آنفا سورة» / أنس بن مالك/ الثانى/ 31، 34 «لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا» / جابر، ابن عمر/ الثانى/ 41 «لا يمس القرآن إلا طاهر» / عمرو بن حزم/ الثانى/ 42 «لا تجعلوا بيوتكم مقابر» / أبو هريرة/ الثالث/ 71، 87 (حرف الميم) «من قرأ حرفا من كتاب الله» / ابن مسعود/ م، الثالث/ 3، 68 «ما أذن الله لشىء» / أبو هريرة/ الثالث/ 78 «من قرأ آية الكرسى» / أبو أمامة/ الثالث/ 89 «من قرأ بالآيتين من آخر» / أبو مسعود البدرى/ الثالث/ 89 «من قرأ سورة الكهف» / أبو سعيد الخدرى/ الثالث/ 90 «من حفظ عشر آيات» / أبو الدرداء/ الثالث/ 91 من قرأ «قل هو الله أحد» / أنس بن معاذ/ الثالث/ 92

(حرف الهاء) «هذا باب من السماء فتح» / ابن عباس/ الثالث/ 90 (حرف الواو) «وما يدريك أنها رقية» / أبو سعيد الخدرى/ الثالث/ 86 «وكلنى رسول الله بحفظ» / أبو هريرة/ الثالث/ 88 (حرف الياء) «يقال لصاحب القرآن اقرأ» / عبد الله بن عمرو/ الثالث/ 80 «يجيء القرآن يوم القيامة» / أبو هريرة/ الثالث/ 81 «يؤتى يوم القيامة بالقرآن» / النواس بن سمعان/ الثالث/ 87 «يا أبا المنذر أى آية من» / أبىّ بن كعب/ الثالث/ 88

ثانيا: فهرس الآثار:

ثانيا: فهرس الآثار: طرف الأثر/ الراوى/ الباب/ الصفحة (حرف الألف) «أنه بلغه أن ابن عمر» / ابن مسعود/ مقدمة/ 6 «أرسل إلىّ أبو بكر» / زيد بن ثابت/ 1/ 23 أن حذيفة بن اليمان قدم/ أنس بن مالك/ 1/ 24 «القراءة سنة» / زيد بن ثابت/ 2/ 45 «أن عائشة كان يؤمها» / ابن أبى مليكة/ 3/ 72 (حرف الجيم) «جمعت المحكم فى عهد» / ابن عباس/ 1/ 14 (حرف الخاء) «خرج عمر يعس بالمدينة» / جعفر بن زيد العبدى/ 2/ 59 (حرف الكاف) كان الرجل منا إذا تعلم/ ابن مسعود/ مقدمة/ 6 «كان يقضى حاجته ثم يخرج» / على بن أبى طالب/ 2/ 40 «كان ابن مسعود يقرئ رجلا» / موسى بن يزيد الكندى/ 2/ 45 (حرف اللام) «لأن أقرأ البقرة وآل عمران» / ابن عباس/ 2/ 54 لا تنثروه نثر الدقل قفوا على/ ابن مسعود/ 2/ 54

إثبات أهم المصادر والمراجع

إثبات أهم المصادر والمراجع أ- القرآن الكريم: طبعة شركة الشمرلى. ب- التفسير: 2 - جامع البيان فى تفسير القرآن- لابن جرير الطبرى- عن دار الحديث بالقاهرة. 3 - الجامع لأحكام القرآن- للإمام القرطبى- عن دار الكتاب العربى للطباعة والنشر. 4 - تفسير القرآن العظيم- للإمام ابن كثير- طبعة المكتبة التوفيقية. 5 - فتح القدير الجامع بين فنى الرواية والدراية من علم التفسير- للشوكانى- عن دار الفكر. 6 - تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنّان- للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدى- عن مكتبة النهضة العربية. 7 - تفسير القاسمى المسمى محاسن التأويل- تأليف العلامة محمد جمال الدين القاسمى- عن دار إحياء الكتب العربية- بيروت. 8 - فى ظلال القرآن- لسيد قطب (رحمه الله) - عن دار الشروق. ج- السنة: 9 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى- لابن حجر العسقلانى عن دار الفكر بيروت. 10 - صحيح مسلم بشرح النووى- عن دار الريان للتراث. 11 - مسند الإمام أحمد- عن دار الكتب العلمية بيروت. 12 - موطأ الإمام مالك- عن دار إحياء الكتب العربية.

د - الفقه - أصول الفقه:

13 - سنن أبى داود- عن دار الحديث. القاهرة. 14 - المستدرك على الصحيحين للحاكم عن دار المعرفة. بيروت. 15 - سنن سعيد بن منصور- دراسة وتحقيق د. سعد بن عبد الله آل حميد- عن دار الصميعى للنشر والتوزيع بالرياض. 16 - صحيح الجامع الصغير للألبانى- الطبعة الثانية عن دار المكتب الإسلامى. د- الفقه- أصول الفقه: 17 - المجموع شرح المهذب- للإمام النووى- عن دار الفكر- 18 - المغنى- لابن قدامة المقدسى- عن دار الريان للتراث- 19 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار- للشوكانى- عن مكتبة دار التراث. 20 - سبل السلام شرح بلوغ المرام- للصنعانى- عن دار الريان للتراث. 21 - فقه السنة- للشيخ السيد سابق- عن دار الفتح للإعلام العربى. 22 - مجموع الفتاوى- لابن تيمية- عن دار التقوى للنشر والتوزيع. 23 - الوجيز فى أصول الفقه- تأليف: د. عبد الكريم زيدان- عن مؤسسة الرسالة. بيروت. هـ- القراءات وعلوم القرآن: 24 - الوافى فى شرح الشاطبية فى القراءات السبع- تأليف عبد الفتاح القاضى- عن مكتبة الدار بالمدينة المنورة. 25 - النفحات الإلهية فى شرح متن الشاطبية- لمحمد عبد الدائم خميس عن دار المنار للطباعة والنشر والتوزيع. 26 - شرح متن الجزرية فى معرفة تجويد الآيات القرآنية- للعلامة الشيخ محمد ابن الجزرى- عن مكتبة صبيح. 27 - فتح الأقفال بشرح متن تحفة الأطفال- للشيخ سليمان الجمزورى- عن مكتبة صبيح.

و - المعاجم - اللغة:

28 - الإتقان فى علوم القرآن- للسيوطى- عن دار المعرفة. بيروت. 29 - مباحث فى علوم القرآن- للشيخ مناع القطان- الناشر مكتبة وهبة. والمعاجم- اللغة: 30 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم- محمد فؤاد عبد الباقى عن دار الريان للتراث. 31 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى- عن دار الدعوة- استامبول. 32 - لسان العرب لابن منظور عن دار المعارف. 33 - مختار الصحاح للرازى- ترتيب محمود خاطر الناشر دار الحديث. ى- متنوعات: 34 - زاد المعاد فى هدى خير العباد- لابن قيم الجوزية- عن دار الفكر للطباعة والنشر. بيروت. 35 - إحياء علوم الدين- لأبى حامد الغزالى- عن دار الحديث. 36 - رياض الصالحين للإمام النّووى عن دار الوفاء. 37 - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين- للصديقى الشافعى- عن دار الريان للتراث. 38 - موسوعة فى فضائل سور وآيات القرآن- للشيخ محمد بن رزق بن طرهونى- عن مكتبة دار العلم بجدة. 39 - التبيان فى آداب حملة القرآن- للإمام النووى- عن مكتبة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر. 40 - مختصر منهاج القاصدين- لابن قدامة المقدسى- عن مكتبة دار التراث.

الفهرس

الفهرس الموضوع الصفحة - من القرآن والسنة 3 - مقدمة فضيلة الأستاذ/ الشيخ محمد الفقى 4 - المقدمة 5 * الباب الأول: فى ظلال القرآن 11 - فصل فى بعض التعاريف والمصطلحات الهامة 11 - فصل فى بعض خصائص القرآن 17 - فصل فى جمع القرآن ومنشأ القراءات 21 * الباب الثانى: هدى رسول لله صلّى الله عليه وسلم فى قراءة القرآن وعند استماعه وتوابع ذلك 29 - فصل فى هديه صلّى الله عليه وسلم فى الاستعاذة وهو بحث مفيد جدا عليك به 29 - فصل فى هديه صلّى الله عليه وسلم فى البسملة وذكر مسائل العلماء فى هذه المسألة وأدلة كل وتحقيق المقام 34 - فصل فى هديه صلّى الله عليه وسلم فى أحوال قراءته القرآن وفيه بعض الفوائد الفقهية 39 - فصل فى هديه صلّى الله عليه وسلم فى تجويد القرآن وكلام أئمة القراءة فى ذلك 44 - فصل فى هديه صلّى الله عليه وسلم فى تدبر القرآن بأبسط عبارة وأوضح إشارة ولعلك لا تجده فى غير هذا الكتاب 53 - فصل فى هديه صلّى الله عليه وسلم فى استماع القرآن وهو مبحث نفيس جدا ينبغى مطالعته 56 - فصل فى هديه صلّى الله عليه وسلم فى قراءته فى الصلاة وفائدة فى فقه قوله صلّى الله عليه وسلم: «إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف» 63 * الباب الثالث: قطوف من فضائل القرآن 67 - فصل فى فضل قراءة القرآن وفيه فوائد وفرائد يحتاج إليها قارئ القرآن 67

- فصل فى فضل تعلم القرآن وتعليمه وفيه آداب معلم القرآن ومتعلمه 73 - فصل فى فضل تجويد القرآن وتحسين الصوت به ... وبه فوائد جليلة 77 - فصل فى فضل حفظ القرآن الكريم مع ذكر الأسباب الميسرة لحفظ القرآن 80 - فصل فى فضل سور وآيات مخصوصة 85 * فضل فاتحة الكتاب 86 * فضل سورة البقرة 87 * فضل سورة البقرة مع آل عمران 87 * فضل الآيات من سورة البقرة 88 * فضل سورة الكهف وحفظ الآيات منها 90 * فضل سورة الإخلاص 91 * فضل المعوذتين 93 * خاتمة ودعاء 95 * ملحق فهارس فقه قراءة القرآن الكريم 97 - فهرس الآيات القرآنية 99 - فهرس الأحاديث والآثار 101 * إثبات أهم المصادر والمراجع 105 * الفهرس 109

§1/1