فقه النوازل في العبادات

خالد المشيقح

مقدمات

من دروس الدورة العلمية بجامع الراجحي ببريدة لعام 1426هـ فقه النوازل في العبادات القسم الأول (الطهارة- الصلاة - الجنائز) من إلقاء الشيخ: أ. د / الدكتور: خالد بن علي المشيقح مقدمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد: في هذه الدورة رأيت أن نتعرض إلى «النوازل التي تعنى بأمور العبادات» ، فهناك نوازل كثيرة تتعلق بالطهارة والصلاة وكذلك أيضاً ما يتعلق بالزكاة والصيام كالمفطرات المستجدة..إلخ. وسنبدأ بإذن الله بنوازل الطهارة ثم بعد ذلك نعرج على نوازل الصلاة، ثم بعد ذلك إن فسح الوقت لنا سنتعرض لجملة من نوازل الزكاة كحكم المتاجرة بأموال الزكاة والصدقات وغير ذلك مما سنذكره , وسنحاول بإذن الله أن نختصر الكلام لأن النوازل كثيرة وقد استقرأت كثيراً من النوازل الموجودة الآن في الطهارة , هناك كثير من النوازل وجدت في المياه ووجدت في الوضوء ووجدت في الغسل ووجدت أيضاً في ما يتعلق بإزالة النجاسة..إلخ. وهذه النوازل يحتاج إليها الناس لأنهم يلابسونها وتلمس أمورهم العبادية. وسنذكر تعريفاً لهذه النوازل على سبيل الإجمال ثم بعد ذلك نذكر تخريجها من كلام الفقهاء السابقين. وقبل أن أبدأ بالنوازل أقدم بتعريف النوازل في اللغة والاصطلاح ثم بعد ذلك سأذكر طرفاً من أهمية دراسة النوازل والحوادث المستجدة في الفقه ثم بعد ذلك نشرع في نوازل الطهارة وسنحاول بإذن الله أن نأخذ كل يوم عشر مسائل. تعريف النوازل النوازل: جمع نازلة، وهي في اللغة: هبوط الشيء ونزوله. وأما في الاصطلاح: فهي الحادثة المستجدة التي تحتاج إلى حكم شرعي.

حكم دراسة هذه النوازل

حكم دراسة هذه النوازل فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين , لأن تبين العلم وما يحتاج إليه الناس هذا واجب على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين. والدليل على أنه فرض قال الله - عز وجل -: {وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} (1) . فتبين العلم ونشره هذا واجب على العلماء وطلاب العلم. ومثل هذه النوازل بالنسبة للعامي قد لايحسن تخريج حكمها على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما ذكره العلماء رحمهم الله. إنما كان على سبيل الكفاية لأن هذا العمل يتعلق بالعمل ولا يتعلق بالعامل وقد سبق لنا في القواعد الفقهية أن بينا الفرق بين فرض الكفاية وفرض العين وأن الأمر إذا تعلق بالعامل فهو فرض عين وأما إذا تعلق بالعمل فإنه فرض على الكفاية , وهذا يتعلق بالعمل يعني المطلوب تحصيل هذا العمل سواء كان من هذا الشخص أو من غيره. أهمية دراسة النوازل دراسة النوازل له أهمية فمن أهميته: أولاً: بيان كمال الشريعة وأنها صالحة لكل زمان ومكان , فما من نازلة من النوازل إلا ولها حكم في الشريعة جاء بيان ذلك في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يعلم ذلك ويعرفه الراسخون في العلم ,ودليل ذلك: قول الله - عز وجل -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} (2) . وقال سبحانه وتعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (3) . وقال أبو ذر - رضي الله عنه -: " تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما من طائر يقلب بجناحيه إلا ذكر لنا منه علماً " (4) .-

_ (1) آل عمران187 (2) المائدة3 (3) النحل89 (4) رواه أحمد والطبراني

وقيل لسلمان الفارسي - رضي الله عنه - علمكم رسول الله كل شيء حتى الخراءة قال نعم" (1) , يعني حتى ما يتعلق بآداب قضاء الحاجة فإن الشريعة جاءت ببيان هذه الآداب القولية والفعلية. ثانياً: الاستجابة لأمر الله وأمر رسول - صلى الله عليه وسلم - فإن دراسة هذه النوازل من تبليغ العلم والعمل به. وتبليغ العلم أمر الله به وأمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته, فقال الله - عز وجل -: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} (2) . وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (3) . وقال سبحانه وتعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (4) . والسنة كثيرة جداً من ذلك: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " (5) . وأيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" (6) . ثالثاً: التعبد لله عز وجل بدراسة هذه النوازل ن لأن دراستها هذه من تعلم العلم وتعليمه، والعلم من أفضل العبادات وأجل القربات فالتصدي لمثل هذه النوازل هذا عبادة لله عز وجل يؤجر عليها الإنسان. رابعاً: كسب الثواب والأجر عند الله عز وجل، لأن العالم والمجتهد إذا بذل جهده ونظره في تعلم حكم هذه النازلة وما هو حكمها هذا فيه أجر وثواب عند الله عز وجل، وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " متفق عليه.

_ (1) رواه مسلم وأبو داود والترمذي (2) طه114 (3) الزمر9 (4) المجادلة11 (5) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن عساكر (6) رواه الترمذي وقال حديث حسن من حديث أنس

النوازل المتعلقة بأحكام الطهارة

خامساً: القيام بهذا الفرض وهو فرض الكفاية لأنه كما أسلفنا أن تعلم هذه النوازل هذا فرض على الكفاية فكون الإنسان يتصدى لمعرفته وتبينه للناس هذا قيام بفرض من فروض الإسلام. سادساً: منح المتصدي لدراسة هذه النوازل إلى ملكة فقهية. وهذا طرف من أهمية وفوائد هذه النوازل. النوازل المتعلقة بأحكام الطهارة والنوازل في الطهارة كما ذكرنا أنها كثيرة جداً، وسنذكر اليوم ما يتعلق بنوازل المياه وكذلك أيضاً سنذكر طرفاً ما يتعلق بنوازل الوضوء والغسل وسنكمل إن شاء الله. فمن هذه النوازل: المسألة الأولى: الماء المتغير بالصدأ. والمسألة الثانية: الماء المتغير بالمنظفات المستجدة مثل: الماء المتغير بالصابون وغير ذلك من المنظفات التي استجدت. فعندنا هذان الماءان: الماء الأول: المتغير بالصدأ هو الذي تغير بسبب مروره بمواسير المياه أو بسبب طول بقائه ببعض الأواني التي تحفظه كالخزانات والقدور، حتى صار لونه يميل إلى الاحمرار. فما حكم هذا الماء الذي تغير بالصدأ بالنسبة للوضوء هل يرفع الحدث الأكبر والأصغر أو لا يرفع الحدث؟ وهل يزيل الخبث أولا يزيل الخبث؟ وكذلك أيضاً بالنسبة لمياه التي تغير بالمنظفات المستجدة، مثل الصابون وغير ذلك إذا وجدنا ماءاً قد تغير بهذا الصابون ونحوه هل يرفع الحدث ويزيل الخبث أم لا؟ لكي يتضح لنا حكم هاتين المسألتين نقول: بأن الماء ينقسم إلى أقسام ثم بعد ذلك سنخرج هاتين المسألتين على هذه الأقسام التي ذكرها العلماء رحمهم الله: * القسم الأول: الماء الباقي على خلقته ,لم يتغير بنجاسة ولا بشيء طاهر ينقله عن اسم الماء المطلق ويغلب على أجزائه كالحناء أو الحبر أو الأصباغ. هذا الماء طهور باتفاق العلماء يرفع الحدث ويزيل الخبث. ودليل ذلك: قول الله - عز وجل - {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} (1) .

_ (1) الفرقان48

وأيضا حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - في ماء البحر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيرهما وإسناده صحيح. * القسم الثاني: الماء الذي تغير بالنحاسة , تغير طعمه أو تغير لونه أو تغيرت رائحته. فنقول هذا ماء نجس باتفاق العلماء. ودليل ذلك: حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (1) . فحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن الماء طهور خرج عن هذه الطهورية بإجماع العلماء , فإن العلماء مجمعون على أن الماء إذا تغير بالنجاسة تغير طعمه أو ريحه أو لونه فإنه نجس لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث. *القسم الثالث: الماء الذي تغير بأمر لا ينفك عنه الماء غالباً. يعني تغير بشيء ملازم للماء غالباً، هذا نقول باتفاق الأئمة أيضا لا يسلبه الطهورية فإنه يرفع الحدث ويزيل الخبث وهذا مثل الماء الذي تغير بطول بقائه فهذا لا ينفك عنه الماء غالباً نقول هذا يرفع الحدث ويزيل الخبث، الماء الذي تغير بالأشجار الموجودة فيه أو الأعشاب التي نبتت فيه هذا لا ينفك عنه الماء غالباً هذا نقول بأنه لا يسلبه الطهورية يرفع الحدث ويزيل الخبث، الماء الذي تغير بالأسماك الموجودة فيه ... إلخ، الماء الذي تغير بتساقط الأوراق, الماء الذي تغير بما تلقيه فيه الرياح أو تنقله إليه السيول ... إلخ.

_ (1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي

*القسم الرابع: الماء الذي تغير بالتراب , أيضا هذا باتفاق الأئمة على أنه طهور يرفع الحدث ويزيل الخبث، لأن التراب بدل عن الماء والتراب أحد الطهورين وهو مطهر كالماء، ولهذا قال الله - عز وجل - في التراب لما ذكر التيمم: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ} (1) ، وفي حديث أبي ذر الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين " (2) . فإذا كان عندنا ماء تغير بالتراب وضع فيه تراب أو مثلا إنسان وجد غديرا في الصحراء وحرك فيه رجليه حتى أصبح أحمر فنقول هذا يرفع الحدث ويزيل الخبث وهذا باتفاق الأئمة وذكرنا الدليل على ذلك , ما لم يكن هذا الماء طييناً أي أصبح طيناً لا يسيل على الأعضاء فهذا قالوا لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث لكن لو أنه تغير بهذا التراب فقالوا بأن هذا لا يضر ويرفع الحدث ويزيل الخبث. *القسم الخامس: الماء الذي تغير بشيء طاهر. مثلاً تغير بحناء أو وضع فيه شيء من الحبر أو وضع فيه شيء من الأصباغ أو شيء من الشاي…إلخ هذا تغير بشيء طاهر، فهذا الماء فيه تفصيل وإن كان فيه خلاف بين العلماء رحمهم الله المهم والذي يعنينا القول الراجح في هذه المسألة. فنقول: الماء الذي تغير بشيء طاهر إن سلبه اسم الماء المطلق وغلب على أجزاءه فإنه ينتقل عن كونه طهوراً لا نقول بأنه طهور يرفع الحدث لكن بالنسبة لإزالته الخبث نقول هذا شيء ثاني لأن إزالة الخبث أوسع من رفع الحدث كما سنوضحه إن شاء الله. المسألة الأولى: عندنا الماء المتغير بالصدأ من أي هذه الأقسام؟

_ (1) لمائدة6 (2) رواه الترمذي وكذا أبو داود والنسائي والدارقطني والحاكم وأحمد وغيرهم من حديث أبي ذر وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "

المسألة الثانية: الماء الذي تغير بالصابون وغير ذلك

نقول أن الماء المتغير بالصدأ هذا من قسم الماء الذي تغير بشيء لا ينفك عنه. كما قلنا الماء الذي تغير بأمر لا ينفك عنه في الغالب يلازم الماء غالباً هذا طهور باتفاق الأئمة وعلى هذا نقول أن الماء الذي تغير بالصدأ:تغير بصدأ الأنابيب أو بصدأ الخزانات أو القدور ونحو ذلك نقول هذا ماء طهور باتفاق الأئمة يرفع الحدث ويزيل الخبث. المسألة الثانية: الماء الذي تغير بالصابون وغير ذلك ... إلخ. فهذا نقول يأخذ حكم القسم الخامس، إن كان هذا الصابون الذي تغير به الماء شيء يسير بحيث أنه لا يغير الماء لا يسلبه اسم الماء المطلق ولا يغلب على أجزائه فنقول أيضاً هو طهور يرفع الحدث ويزيل الخبث وإن كان هذا المغير سلبه اسم الماء المطلق وغلب على أجزائه فنقول بأنه لا يرفع الحدث وأما كونه يزيل الخبث فهذا يزيل الخبث كما سيأتي إن شاء الله أن نبينه. والحنفية هم أوسع المذاهب في هذه المسألة يعني من جهة رفع الحدث ومن جهة إزالة الخبث فهم يرون أن الماء الذي تغير بشيء من المنظفات كالصابون وغير ذلك من المسحوقات الآن التي توجد ... إلخ يقولون حتى ولو غلب على أجزائه وحتى لو نقله عن اسم الماء المطلق يقولون هذا يرفع الحدث ويزيل الخبث. بالنسبة لإزالة الخبث أيضا الماء المتغير بالصدأ يزيل الخبث باتفاق الأئمة. مسألة: هل يشترط الماء في إزالة الخبث أو نقول بأن الخبث يزول بكل مزيل: فيه قولان للعلماء رحمهم الله: القول الأول: أنه يشترط الماء لإزالة الخبث. قال به أكثر أهل العلم من الشافعية والمالكية والحنابلة. أدلتهم: منها: حديث أنس وأبي هريرة في قصة بول الأعرابي في المسجد "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بذنوب من ماء فأراقه عليه" (متفق عليه) . منها: حديث أسماء رضي الله تعالى عنها في الحيض وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه" (متفق عليه) . وغير ذلك من أدلتهم.

القول الثاني: أن الخبث لا يشترط في إزالته الماء. رأي الحنفية واختيار شيخ الإسلام رحمه الله. أدلتهم: منها: سائر أدلة الاستجمار، لأن المستجمر سيمسح النجاسة مسحاً ولن يزيلها بالماء يمسحها بالخرق أو بالتراب أو بالحجارة ... إلخ، ولا يزيلها بالماء. منها: ما ثبت في صحيح البخاري (1) من عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت:" كان لإحدانا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم حيض قالت بريقها هكذا وقصعته بظفرها ". منها: حديث أبي سعيد في طهارة النعلين أن الإنسان إذا أراد أن يدخل المسجد وفي نعليه أذى فإنه يدعكهما بالتراب "طهورهما التراب " (2) . منها: وحديث أم سلمة وإن كان فيه ضعف في ذيل المرأة الذي تجره إذا خرجت إلى السوق قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يطهره ما بعده " (3) . الترجيح: أن الخبث لا يشترط في إزالته الماء وهذا القول هو الصواب.

_ (1) باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه (2) رواه أبو داود في كتاب الصلاة " باب الصلاة في النعل "عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عن الخدري قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعاهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قال: " ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأينا ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما " ورواه ابن حبان أيضا في " صحيحه ". (3) رواه مالك وأحمد والترمذي وأبو داود والدارمي.

المسألة الثالثة: التنظيف الجاف

وعلى هذا نقول هذا الماء الذي تغير بهذه المنظفات بالصابون أو غير ذلك إذا غلب على أجزاء الماء لا يرفع الحدث لكنه يزيل الخبث. وكذلك أيضا نقول بالنسبة للأشياء الأخرى التي ليست ماءا مثل: البنزين والغاز وغير ذلك أن هذه الأشياء لا ترفع الحدث ولكنها تزيل الخبث المسألة الثالثة: التنظيف الجاف والتنظيف الجاف: هو عبارة عن إزالة النجاسة والأوساخ بمزيل سائل غير الماء مع استعمال بخار الماء. وهذا التنظيف الجاف العادة والغالب يلجأ إليه في الملبوسات التي تتأثر بالماء أي أن الماء يفسدها، وقد نص شيخ الإسلام وغيره على أن الأشياء التي إذا تنجست ويضر استعمال الماء فيها أنه يكفي فيها المسح مثل الأوراق النقدية، أو الأوراق والوثائق أصابتها نجاسة فإن ذهبت وغسلتها بالماء فسدت عليك، ومثَّل شيخ الإسلام بأثواب الحرير فلو غسلت لأدى ذلك إلى فسادها فهذه يقول شيخ الإسلام يكفي فيها المسح. فكل شيء إذا تنجس يؤدي غسله بالماء إلى تلفه أو فساده أو مضرته ... إلخ فإنه يكفي فيه المسح، فالآن وجد غير المسح الآن وجد هذا التنظيف الجاف أو مغاسل البخار. وعلى حسب المسألة السابقة التي ذكرنا وهي أن النجاسة تطهر بأي مطهر، فنقول ترد علينا هذه المسألة ونقول أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فالعلة هي الأذى فإذا وجد الأذى فالحكم باقي وإذا انتفى الأذى بأي مزيل فإن الحكم ينتفي. المسألة الرابعة: تركيبة الأسنان الصناعية أو تركيبة الأسنان بعض الناس يكون له أسنان صناعية يركبها أو له بعض الأسنان أيضا يركبها وهذه الأسنان تكون متحركة فهل يجب عليه إذا أراد الوضوء أو أراد الغسل أن يزيل هذه الأسنان المتحركة أو لا يجب عليه أن يزيلها؟ المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله أن المضمضة والاستنشاق أن كلا منهما واجب وفرض في الوضوء وفي الغسل،وهذا من مفردات مذهب الحنابلة. الحنفية يقولون بأن المضمضة والاستنشاق فرض في الغسل دون الوضوء.

الشافعية والمالكية يقولون المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء والغسل. فعلى رأي الشافعية والمالكية لا يجب لأنهما أصلا يرون أن المضمضة والاستنشاق أن كلا منهما سنة. لكن بقينا في مذهب الحنابلة فهم يرون أن المضمضة والاستنشاق أن كلا منهما واجب وفرض في الوضوء وفي الغسل. الراجح من هذه الأقوال هو مذهب الحنابلة أن المضمضمة والاستنشاق أن كلا منهما واجب وفرض في الوضوء وفي الغسل. ودليل ذلك القرآن: أن الله - عز وجل -قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} (1) والأنف من الوجه لا أحد يقول بأن الأنف ليس من الوجه والفم أيضا من الوجه وإن كان مجوف إلا أنه في حكم الظاهر، ولهذا لو أن الإنسان تمضمض فإنه لا ينتقض صيامه. كذلك أيضا حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: " ثم ليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر". وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب. وفي حديث صفوان وإن كان فيه ضعف " إذا توضأت فمضمض..". وأيضا الذين وصفوا وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يقرب من اثنين وعشرين صحابياً لم يذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخل بالمضمضة والاستنشاق. وعلى هذا يبقى عندنا أن المضمضة والاستنشاق أنهما واجبان، فهل يجب على الإنسان أن يزيل هذه الأشياء أو لا يجب عليه أن يزيل هذه الأشياء؟ الشافعية: نصوا على أن الإنسان إذا قطع أنفه ثم بعد ذلك اتخذ أنفا من ذهب كما أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - عرفجة بن أسعد لما قطع أنفه يوم الكلاب اتخذ أنفاً من فضة فأنتن عليه فأرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يتخذ أنفاً من ذهب (2) .

_ (1) المائدة6 (2) رواه أبو داود (4233، 4234) والنسائي (2 / 286) والترمذي (1 / 328) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 349) والبيهقي (2 / 425) وأحمد (5 / 25) .

المسألة الخامسة: طلاء الأظافر بالمواد الكيميائية (المناكير)

فالشافعية نصوا على أنه إذا اتخذ أنفاً من ذهب أن هذا الأنف يكون له حكم الأنف الأصلي فلا يجب عليه أن يزيله وإنما يغسله مع الوجه، وكذلك نصوا على أن الإنسان إذا قطعت الأنملة منه واتخذ بدلا من ذلك أنملة من ذهب،أنه لا يجب عليه أن يزيلها عند الغسل وتكون هذه الأنملة كالأصلية يغسلها. وعلى هذا نقول الصحيح في هذه المسألة:أن تركيبة الأسنان أو الأسنان الصناعية لا يجب على الإنسان أن يزيلها إذا أراد الوضوء أو أراد الغسل, والدليل على هذا دليلان: حديث عرفجة بن أسعد رضي الله تعالى عنه" فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يتخذ أنفاً من ذهب" (1) . وهذا الأنف سيحجب شيئاً من مواضع الماء ومع ذلك لم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزيل هذا الأنف عند الوضوء أو عند الغسل. أن الإنسان قد يشرع له أو يباح له أن يتخذ الخاتم ومع ذلك لم يرد أنه يجب عليه أن يخلع الخاتم أو أن يحركه، وقد يحجب الخاتم شيئاً من الماء،وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ الخاتم (2) ومع ذلك لم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحرك خاتمه لم يثبت ذلك أو أنه كان ينزع خاتمه، فلما لم يرد ذلك دل على أن مثل هذا يعفى عنه, والخاتم سيحجب شيئاً من الإصبع فيكون هذا معفوا عنه. فنقول مثل هذه التركيبة وإن كانت متحركة قد يكون في خلعها شيء من المشقة، فنقول أنها لا تنزع ولا تحرك فكما أن الخاتم الذي قد يباح للإنسان أن يتخذه أو قد يشرع لا يجب عليه أن ينزعه فكذلك أيضاً تركيبة الأسنان لا يجب أن تنزع. المسألة الخامسة: طلاء الأظافر بالمواد الكيميائية (المناكير) هذه المسألة وإن كانت ظاهرة إلا أنني أوردتها لأن بعض المفتين ذكر بأنها تأخذ حكم الجوارب وأنه لا بأس للمرأة أن تمسح عليها يوماً وليلة.

_ (1) المصادر السابقة (2) حديث" أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق" متفق عليه

المسألة السادسة: تركيبة الأظافر الصناعية

هذا الطلاء وإن كان فيه شيء من الضرر لكن إذا اتخذت المرأة مثل هذه الأشياء في وقت الوضوء أو وقت الغسل فإن هذا محرم ولا يجوز لأن استيعاب العضو بالغسل هذا واجب , والأئمة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) كلهم يتفقون على أن من شروط صحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة. ودليل ذلك: قول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (1) ، فأمر الله عز وجل بغسل اليد وهذا يشمل جميع اليد , وأمر بغسل الرجلين وهذا يشمل جميع الرجلين ,حتى الأظافر ,ومن اتخذ هذا الحاجز (المناكير) الذي يمنع من وصول الماء إلى البشرة أو الظفر ... إلخ هذا لم يغسل جميع اليد ولم يمتثل الأمر. حديث عائشة وعبد الله بن عمرو غيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" ويل للأعقاب من النار " (2) ،والأعقاب جمع عقب وهو مؤخر القدم،وتوعده النبي - صلى الله عليه وسلم - بالويل لأنه يغلب أن مثل هذه الأشياء يتساهل فيها الناس ولا يعنون فيها, فدل على أنه لابد من غسل الرجل كاملة،ولابد من إسباغ الوضوء الإسباغ الواجب. فنخلص من هذا أن اتخاذ مثل هذه الأشياء التي تمنع من وصول الماء إلى الظفر في وقت الوضوء أو الغسل محرم ولا يجوز ولا يصح معه الوضوء والغسل، حتى لو نسيت المرأة واغتسلت فنقول بأن غسلها غير صحيح ويجب عليها أن تزيل مثل هذه الأشياء ثم بعد ذلك تعاود الغسل مرة أخرى اللهم إلا إذا تذكرت بعد الغسل مباشرة بحيث لم يطل الفصل وتمكنت من إزالة هذه الأشياء فإنه يُكتفى بأن تغسل الموضع الذي لم يصبه الماء لأن الترتيب ليس واجباً في الغسل، وإنما تجب الموالاة على الصحيح والموالاة هنا قد استدركتها. المسألة السادسة: تركيبة الأظافر الصناعية.

_ (1) المائدة6 (2) متفق عليه

المسألة السابعة: أصباغ الشعر

وهي نوع من الأظافر البلاستيكية تشبه الأظافر الخَلقية تأخذها المرأة وتصبغها بأصباغ متنوعة ثم بعد ذلك تضعها على ظفرها أو تلزقها على ظفرها بمادة لاصقة. هذه الأظفار حكمها حكم ما تقدم من الأصباغ الكيميائية (المناكير) " , فنقول اتخاذها وقت الوضوء والغسل هذا محرم ولا يجوز لما ذكرنا أنها تمنع من وصول الماء إلى الظفر, وتقدم لنا أن الأئمة كلهم يتفقون على أن من شروط صحة الوضوء هو إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة, من طين أو عجين ... إلخ. مع أن اتخاذ مثل هذه الأظافر يَظهر والله أعلم أنه محرم ولا يجوز ,لأن الشارع أمر بقص الأظافر كم في حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب) (1) . ونص العلماء رحمهم الله على أن أخذ هذه السنن له ثلاثة أوقات: الوقت الأول:وقت الاستحباب وهو إذا طالت هذه الأشياء ,فإذا طالت هذه الأشياء فإنه يستحب للإنسان أن يأخذها. الوقت الثاني:وقت الكراهة وهو ما إذا تجاوزت أربعين يوماً , إذا تجاوزت أربعين يوماً فإنه يكره للإنسان أن يتركها, ولهذا في حديث أنس - رضي الله عنه - قال: "وُقِت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة" (2) . الوقت الثالث: وهو إذا طالت وتفاحشت فإن هذا محرم ولا يجوز , يعني إذا ترك شاربه حتى طال وتفاحش ,أو ترك أظافره حتى طالت وتفاحشت ,أو ترك شعر الإبط أو ترك شعر العانة ... إلخ , فإن هذا محرم ولا يجوز لأمرين: 1-لما في ذلك من التشبه بالسباع والبهائم. 2 - لما في ذلك من التشبه بأهل الكفر والشرك. المسألة السابعة: أصباغ الشعر من حيث الاستقراء يلحظ أن نوعية الأصباغ التي تستخدمها النساء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

_ (1) أخرجه البخاري ومسلم (2) رواه مسلم وابن ماجه ورواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود

المسألة الثامنة: الرموش الصناعية

القسم الأول: أصباغ نباتية وهذا مثل الحناء. القسم الثاني: أصباغ معدنية ,وهذه الأصباغ المعدنية عبارة عن مركبات معدنية تحتوي على الكبريت أو الرصاص أو النحاس. القسم الثالث: مُبَيِضات الشعر أو مشقرات الشعر، وهي تتم باستخدام البروكسيد، أو ماء الأكسجين، فيؤدي ذلك إلى تكسير صبغة المِِلَيين الموجودة في القشرة الخارجية للشعر فيتحول الشعر إلى اللون الأبيض أو الأصفر ثم بعد ذلك يصبغ مرة أخرى بحسب ما تريده المرأة. هذا التقسيم الأول من حيث نوعية الأصباغ. التقسيم الثاني من حيث الحكم الشرعي, نقول من حيث الحكم الشرعي هذه الصبغات تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: صبغات هي مجرد لون وهذا الغالب على هذه الأصباغ , يعني الأصباغ النباتية مثل الحناء ونحو ذلك , وكثير أيضا من الصبغات الموجودة اليوم هذه مجرد لون لا تُكوَّن جُرماً على الشعرة ولا طبقة عازلة, فنقول هذه استخدامها من حيث الوضوء والغسل هذا جائز ولا بأس به لأن مثل هذه الأشياء لا تمنع وصول الماء وإنما هي مجرد لون يكسي الشعر بلون آخر. القسم الثاني: أن يكون لهذه الصبغة جرم وطبقة يمنع وصول الماء إلى الشعرة بحيث تكون الشعرة سميكة وهو قليل، وهذا استخدامه لا يجوز لأن فترته تطول والمرأة بحاجة إلى الغسل عن الحدث الأكبر كالجنابة والحيض ونحو ذلك. المسألة الثامنة: الرموش الصناعية الرموش الصناعية: عبارة عن شعيرات رقيقة تصنع من المواد البلاستيكية تلصق على الجفن بواسطة مادة لاصقة توضع على طرف الرمش الأعلى. هذه الرموش الصناعية من خلال النظر فيها ووضعها في الماء ... إلخ, يوجد أنها تتحلل كما أن لها فتحات من جهة الأسفل لا تمنع من وصول الماء إلى داخل الشعيرات (الأهداب) فإذا كان كذلك يعني هذه الرموش إذا وضع عليها الماء وتوضأت المرأة أو اغتسلت فإنه يلاحظ أنها تتحلل كذلك أيضا لها فتحات من الداخل لا تمنع من وصول الماء إلى رمش العين.

فإذا كان كذلك نقول هذه الأشياء لا تمنع وصول الماء إلى شيء من الأعضاء التي يجب غسلها فهي من حيث الوضوء والغسل نقول وضوء المرأة صحيح وكذلك أيضاً غسلها صحيح. لكن يبقى استعمال مثل هذه الرموش هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟ نقول الذي يظهر والله أعلم أن استعمال مثل هذه الرموش غير جائز لأن هذه الرموش الصناعية توضع على الرموش الطبيعية فيلاحظ أن مثل هذه الأشياء نوع من الوصل , والنبي - صلى الله عليه وسلم - " لعن الواصلة والمستوصلة " (1) . والواصلة: هي التي تصل الشعر بشعر آخر أو بما يماثله. والوصل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يوصل الشعر بشعر آخر , فهذا محرم. القسم الثاني: أن يوصل الشعر بشيء غير الشعر كشعر مصنوع من البلاستيك لكنه مثل الشعر أو قريب منه في الهيئة والشكل ... إلخ. هذا موضوع خلاف والذي يظهر والله أعلم أنه لا يجوز. القسم الثالث: أن يوصل الشعر بشيء آخر ليس مثل الشعر بعيد عنه لا يماثله ولا يشابهه, مثل وصله بخرق ونحو ذلك بحيث إذا رأيته لا تقول أنه شعر ,فهذا نقول بأنه جائز ولا بأس به. فيظهر والله أعلم أن استعمال هذه الرموش الصناعية لا يجوز لا من جهة الوضوء والغسل ولكن من جهة أنه داخل في الوصل لأن العلة وهي الزور التي علل بها النبي - صلى الله عليه وسلم - موجودة هنا.

_ (1) وَعَنِ ابنِ عُمَرَ رضيَ اللَّهُ عَنْهُما: " أَنَّ النّبيّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لَعَنَ الْوَاصِلَةَ والْمُسْتَوْصِلَةَ والواشمةَ والمُسْتَوْشِمَةَ " مُتّفقٌ عَلَيهِ

المسألة التاسعة: استعمال الدهونات والكريمات والمساحيق

مثل ذلك أيضاً الآن ما يوجد في بعض مشابك للنساء حيث يوجد فيها شعر, كون هذه المرأة تضع هذا المشبك الذي فيه شعر نقول من جهة الوضوء والغسل الذي يظهر أن هذا لا يؤثر. كذلك أيضاً بعض النساء تحشو شعرها بشعر آخر نقول أيضاً من جهة الوضوء والغسل لا يؤثر، لأن الماء سائل رقيق يتخلل مثل هذه الأشياء، لكن يبقى مسألة الوصل فهذه هي التي تؤثر على استخدام مثل هذه الأشياء. المسألة التاسعة: استعمال الدهونات والكريمات والمساحيق. نقول أن هذه المسألة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن تُكَون هذه الدهونات والكريمات والمساحيق مجرد لون أو رطوبة أو جسومة مثل الأصباغ التي تضعها المرأة على وجهها أو ما تدهن به المرأة بدنها من الكريمات أو الدهونات، نقول أن هذه الأشياء التي تكون مجرد دسومة أو رطوبة أو مجرد لون لا تمنع من وصول الماء إلى البشرة فاستخدامها هذا لا يؤثر على الوضوء ولا يؤثر على الغسل. ويدل لذلك أن الماء يتخلل هذه الأشياء ,وكذلك أيضا استعمال الكحل هذا مأمور به في الشريعة ,استعمال الحناء أيضا مأمور به, الخضاب للمرأة ... إلخ. القسم الثاني: أن تُكَون مثل هذه الأشياء كثافة دهنية أو طبقة شمعية، بحيث تجد أن هذا الدهن يكون متراكماً على البدن ليس مطلياً، فنقول بأن هذا يمنع وصول الماء إلى البشرة. ومثل ذلك أيضاً ما يسمى اليوم بالكحل السائل تضعه المرأة , والكحل السائل هذا ينقسم إلى قسمين: 1:كحل يكون مادة بلاستيكية تمنع وصول الماء إلى البشرة هذا لا يجوز. 2: كحل يتحلل بالماء ويتساقط، فهو لا يؤثر على الوضوء ولا على الغسل. المسألة العاشرة: القَسْطَرة ومثل ذلك ما يسمى بالشَّرْج الصناعي وأثرهما على الطهارة.

القسطرة:هي أن يوضع للمريض في مجرى البول قِسْطار (ماسور بلاستيكي) يسبب إخراج البول دون إرادة المريض ويتجمع هذا البول في كيس ويكون معلقاً في المكان الذي ينام فيه المريض , وإنما يلجأ الطبيب أن يضع للمريض هذا القسطار: إما لأن المريض لا يقدر أن يتبول تبولاً طبيعياً وإما أن المريض يشق عليه أن يذهب لبيت للخلاء،ويكون البول في كيس بجانب المريض. أما الشَّرج الصناعي:وهو أن يبتلى المريض بسرطان القُولون بحيث لا يتمكن من أن يتبرز تبرزاً طبيعياً، أو أن المريض يكون فيه تشوهات خَلْقية لا يتمكن من أن يتبرز تبرزاً طبيعياً فيعمد الطبيب إلى أن يفتح في جدار البطن فتحةً, يسهل خروج البراز دون إرادة المريض عن طريق أنبوب ,ويكون هناك علبة يتجمع فيها هذا البراز تزال بين فترة وأخرى. فما أثر هذا البول على طهارة المريض وكذلك أيضاً على صلاته وكذلك أيضاً خروج هذا البراز على طهارة المريض وعلى صلاته؟ هذه المسألة تنبني على مسألة تكلم عليها العلماء رحمهم الله وهي صاحب الحدث الدائم (مَن حَدَثُه دائم لفرضه) هل يجب عليه الوضوء أو لا يجب عليه الوضوء؟ وإذا قلنا بوجوب الوضوء هل يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة أو يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة؟ هذه المسألة موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله ,فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: القول الأول: وهو أشد المذاهب وهو مذهب الشافعية يقولون أن مَن حَدَثُه دائم يجب أن يتوضأ لكل صلاة مفروضة وإذا توضأ لهذه الصلاة مفروضة يصلي بهذا الوضوء ما شاء من الفروض والنوافل، فإذا أراد أن يصلي صلاة أخرى مفروضة فإنه يتوضأ مرة أخرى.

القول الثاني: مذهب الحنفية والحنابلة قالوا لا يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة وإنما يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، قالوا يجب عليه إذا دخل الوقت أن يتوضأ ويصلي ما شاء من الفروض والنوافل فإذا جاء وقت الصلاة الثانية فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويصلي ما شاء من الفروض والنوافل. القول الثالث: مذهب المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو أوسع المذاهب في هذه المسألة قالوا بأن الذي يخرج منه الحدث الدائم هذا لا يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة ولا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه حدث آخر غير هذا الحدث الدائم فإنه فيجب عليه أن يتوضأ، فمثلاً هذا المريض الذي يخرج منه بول دائم لا يجب عليه أن يتوضأ , لكن لو خرج منه ريح فيجب عليه أن يتوضأ لهذه الريح أو خرج منه غائط يتوضأ لهذا الغائط. واستثنوا من ذلك مسألة:وهي ما إذا كان حصول الحدث في الوقت أمر يسير يعني غالب الوقت لا يخرج منه شيء ويخرج منه في وقت يسير فهنا قالوا يجب عليها الوضوء. وأقرب المذاهب هو مذهب المالكية رحمهم الله ,ودليل ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها قالت:جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي" (1) . فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة ,وإنما أرشدها أن تتحيض في وقت حيضتها فقط ,فإذا انقضى وقت الحيض فإنها تغتسل وتصلي وماعدا ذلك فأنه لا يجب عليها. وأما ما يروى من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " توضئي لكل صلاة " فهذه الفظة مدرجة لم تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإذا عرفنا ذلك نقول هذا الذي يخرج منه البول على سبيل الدوام لا يجب عليه الوضوء حتى يخرج حدث آخر غير هذا البول.

_ (1) متفق عليه

المسألة الحادية عشرة: غسيل الكلى وأثره على الطهارة

كذلك أيضاً هذا الذي حصل له فرج طبيعي, إذا كان خروج الغائط مستمراً لا يجب عليه أن يتوضأ له حتى يأتي حدث آخر غير هذا الحدث الطارئ، وإن كان خروج هذا الغائط غير مستمر وإنما هو أمر معتاد , كعادة الناس يخرج في اليوم مرة أو مرتين فهذا يجب عليه أن يتوضأ لخروج هذا الغائط. المسألة الحادية عشرة: غسيل الكلى وأثره على الطهارة. أمراض فشل الكلى عن عملها يُعد من الأمراض المنتشرة في وقتنا الحاضر, والكلى تقوم بعمل رئيسي في بدن الإنسان ,فهي تقوم بتخليص الدم من السموم والفضلات السائلة والأملاح الزائدة، وإذا مرض الإنسان بهذا المرض وفشل عنده عمل الكلى فإن هذا من الأمراض الخطيرة المخوفة على حياته ,وعدم تدارك عمل الكلى هذا يؤدي بحياة المريض إلى الهلاك. ومع تطور الطب ورقيه ظهر في وقتنا الحاضر ما يسمى بغسيل الكلى ,وغسيل الكلوي ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: الغسيل الدموي أو التنقية الدموية، وهذا هو الذي يكثر في وقتنا الحاضر. والغسيل الدموي طريقته: هو أن الطبيب يقوم بسحب دم المريض عن طريق إبرة توضع في أحد الأوردة، ثم بعد ذلك يمر هذا الدم مع الجهاز الذي يقوم بتنظيفه من السموم والفضلات السائلة والأملاح الزائدة، الذي يعمل عمل الكلية الطبيعية ويضاف إلى هذا الجهاز أثناء عمله شيء من الأدوية والعلاجات والأغذية التي يحتاجها المريض. ويكون هذا العمل ثلاث مرات أو أربع مرات في الأسبوع وتقدر كل جلسة بما يقرب من ثلاث أو أربع ساعات على حسب حاجة المريض. هنا الآن خروج هذا الدم ثم بعد ذلك دخوله إلى البدن مرة أخرى بعد تنقيته هل هذا الخروج ناقض للوضوء أو ليس ناقضاً للوضوء؟ هذه مسألة خلافية اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله , خروج الدم ينقض أو ليس ينقض؟. القول الأول:مذهب المالكية والشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية قالوا بأن خروج الدم لا ينقض الوضوء سواء كان خروجه قليلاً أو كثيراً.

القول الثاني: مذهب الحنابلة التفصيل في هذه المسألة قالوا إن كان خروج هذا الدم كثيراً فإنه ينقض الوضوء وإن كان يسيراً فإنه لا ينقض الوضوء. القول الثالث: مذهب الحنفية قالوا إن خرج وسال نقض وإن خرج وتجمع الدم ولم يسل فقالوا هذا لا ينقص. والصواب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه المالكية والشافعية وهو أن خروج الدم من بدن الإنسان ليس ناقضاً، ودليل ذلك: حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -في قصة الأنصاري الذي بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أحد المهاجرين لكي يكون حارساً في فم الشعب فضربه أحد المشركين بالسهم ثلاث مرات وخرج منه الدم ولم يقطع الصلاة بل واصل صلاته والدم يثعب منه. وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان وابن خزيمة وغيرهما. فخرج منه الدم ومع ذلك واصل صلاته فلو كان خروج الدم ينقض الوضوء لما واصل صلاته. كذلك أيضاً عمر - رضي الله عنه -كما في صحيح البخاري صلى وجرحه يثعب دماً (1) . وكذلك أيضاً ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه -أنه قال في الحجامة يعني إذا احتجم الإنسان: اغسل محاجمك ويكفيك ذلك. أخرجه البيهقي وإسناده فيه ضعف. وكذلك أيضاً ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما معلقاً في صحيح البخاري أنه عصر بثرة في وجهه وخرج منها شيء من الدم ومع ذلك لم يتوضأ. وأيضاً يتأيد ذلك بالأصل وهو أن الأصل بقاء الطهارة فلا ننتقل عن هذا الأصل إلا بدليل يدل على ذلك.

_ (1) أخرجه مالك (1 / 39 / 51) وكذا رواه ابن سعد في " الطبقات " (3 / 350) وإبن أبي شيبة في " الإيمان " (190 / 1) ورواه الدارقطني في سنته (ص 81) وكذا ررواه. ابن عساكر (13 / 85 / 2) وأخرجه البيهقي (1 / 357)

وعلى هذا نقول بأن من يعمل هذا الغسيل الكلوي وهو ما يسمى بالغسيل الدموي أو التنقية الدموية , نقول خروج الدم هذا منه ثم تنقيته ثم إرجاعه إلى البدن مرة أخرى هذا لا يؤثر على الوضوء ولا يجب عليه أن يتوضأ. القسم الثاني: الغسيل البروتيني: وهو عبارة عن أنبوب يوضع في جوف بطن المريض وهذا الأنبوب يوضع بين السرة والعانة، ويعطى المريض بعض السوائل والأدوية الخاصة التي تساعد الجسم على التخلص من السموم والفضلات السائلة والأملاح الزائدة، ثم بعد ذلك هذه السموم والفضلات السائلة والأملاح الزائدة تظل تجتمع في هذا الأنبوب ما يقرب من ثماني ساعات مع أن المريض يباشر سائر أعماله الحياتية بطريقة معتادة ,ثم بعد اجتماعها يقوم المريض بتفريغ هذا الأنبوب في كيس خارجي،ثم بعد ذلك يبعث بهذا الكيس ويؤتى بكيس آخر ... إلخ. وهذه الطريقة يستعملها المريض ما يقرب من ثلاث مرات في اليوم على حسب حاجته. وقد ذكر بعض الباحثين أن من يستعمل الغسيل البروتوني في الغالب أنه يستغني عن التبول الطبيعي وأن هذه العملية تقوم باستغنائه عن التبول الطبيعي. هذه المسألة تكلم عليها الفقهاء تحت مسألة ما إذا انسد المخرج الأصلي وانفتح مخرج آخر غير معتاد طارئ فهل يأخذ حكم المخرج الأصلي أو لا يأخذ حكم المخرج الأصلي؟ هذه المسألة موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله: القول الأول: المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله التفصيل في الخارج قالوا: إن كان الخارج دماً كثيراً فإنه ينقض الوضوء، وإن كان يسيراً فإنه لا ينقض الوضوء، وإن كان الخارج بولاً أو غائطاً فإنه ينقض قليله وكثيره. وكما ذكرنا في الغسيل الكلوي الصحيح أن خروج الدم لا ينقض الوضوء. القول الثاني: الشافعية قالوا بأن خروج هذه الأشياء لا تنقض إلا إذا كان خروجها من تحت السرة. القول الثالث: الحنفية قالوا بأن خروج هذه الأشياء تنقض ولم يفصلوا. المهم الخارج نقسمه إلى قسمين:

1 - إن كان دماً فهذا لا ينقض. 2 - أو يكون غير دم كبول أو غائط أو ما له صفة البول أو الغائط كما في الغسيل البروتيني لأن الغسيل البروتيني فيه صفة البول لأنه يحتوي على السموم والفضلات ... إلخ التي تكون في البول. فالغسيل البروتيني: مذهب الحنابلة ومذهب الحنفية أنه ينقض ومذهب الشافعية التفصيل: إن كان تحت السرة فإنه ينقض وإن كان فوق السرة فإنه لا ينقض. والأقرب في هذه المسألة: أن الغسيل البروتيني أنه ينقض الوضوء لأن هذا الخارج لا يأخذ حكم الدم، وإنما يأخذ حكم البول لأن فيه صفات البول من الفضلات والأملاح والسموم ... إلخ فنقول مثل هذا بإنه ينقض الوضوء اللهم إلا إذا كان شيئاً مستمراً ولكن هو ليس مستمر فيأخذ حكم السلس. الخلاصة في ذلك: أن الغسيل البروتيني ينقض، وأما الغسيل الدموي الذي هو إخراج الدم وتنقيته ثم إرجاعه فلا ينقض. المسألة الثانية عشر: تنقية المياه الصحية , وحكم استعمال هذه المياه الصحية التي نقيت في الشرب أو في سقي المزارع والمسطحات الخضراء أو تغذية المياه الجوفية بمثل هذه المياه الصحية التي نقيت. تعريف الصرف الصحي: هو عبارة عن مياه ناتجة عن استخدام الإنسان للماء في الأنشطة الحياتية العادية مثل ما يتعلق بالغسيل والتنظيف والاستنجاء ونحو ذلك. وهذا الصرف الصحي يحرم استعماله لثلاثة أمور: الأول: (النجاسة) فإن هذا الصرف الصحي توجد فيه كثير من فضلات بني آدم. الثاني: (الضرر) فإن هذا الصرف الصحي يوجد فيه كثير من السموم وكثير من المكروبات. الثالث: (الاستقذار) فإن هذا الصرف الصحي مستقذر في عرف الناس وعاداتهم. الصرف الصحي لكي يطهر ويعود لحالته الأولى يمر بمراحل: المرحلة الأولى: ويسمونها مرحلة ما قبل المعالجة وهذه تشتمل على ثلاثة أمور: 1 – إزالة المواد الطافية والأجسام الكبيرة مثل الأخشاب والحديد والمواد البلاستيكية. 2 – إزالة الرمل الناعم عن طريق الترسيب.

3 – إزالة الشحوم عن طريقة تعويمها في أحواض خاصة. المرحلة الثانية: المعالجة الأولية وهي تقوم بترسيب المواد العضوية (فضلات الإنسان) وغير العضوية بطريقة الترسيب الخاصة, وهذه هي مرحلة الترسيب الأولى. المرحلة الثالثة: المعالجة الحيوية: بعد أن يتم هذا الترسيب للمواد العضوية وغير العضوية تُنَمَّى نوع من البكتريا الهوائية تتغذى على هذه المواد التي رسبت. المرحلة الرابعة: مرحلة الترسيب الثاني: الماء يبقى فيه شيء من المواد العالقة بعد المرحلة الحيوية فيقام بمرحلة ترسيب مرة أخرى خاصة. المرحلة الخامسة: مرحلة المعالجة الثلاثية وتمسى بالمرشَّحات الرملية وهذه المرحلة عبارة عن إزالة ما تبقى من المواد العالقة من خلال مرشحات رملية. المرحلة السادسة: مرحلة التعقيم وهي المرحلة الأخيرة حيث يتم تعقيم هذا الماء عن طريق حقل غاز الكلور في الأحواض. هذه المراحل الست من حيث الحكم الشرعي تنقسم إلى قسمين: 1 – تنقية ثنائية. ... ... 2 – تنقية نهائية. التنقية الثنائية: هذه تكون قبل مرحلة المعالجة الثلاثية (المرشحات الرملية) يعني بعد المراحل الأربعة الأولى فإذا طبقت بكاملها حسب نظمها التعليمية فإن الماء يعود إلى حالته الطبيعية بمقدار 95%، وبعد مرحلة المعالجة الثلاثية والمرشحات الرملية يقولون بأن الماء في الغالب يعود إلى حالته الأولى وإلى خلقته الأولى. الحكم الشرعي بالنسبة للتنقية الثنائية فهذا يختلف باختلاف استخداماته: أولاً: استخدامه في الشرب والطهارة: هذا غير جائز ومحرم لأنه حتى الآن لم يطهر مادام أنه بقي عليه 5% وحتى الآن صفة النجاسة لا تزال باقية فيه.

ثانياً: استخدامه في سقي الزروع والأشجار: هذه المسألة مبنية على مسألة تكلم عليها العلماء رحمهم الله وهي حكم تسميد النباتات والأشجار بالأشياء النجسة مثلاً بفضلات بني آدم أو بفضلات الحيوان الذي لا يؤكل مثل الحمار..إلخ , فما حكم تسميد النباتات والأشجار بهذه بالأشياء النجسة؟ هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله على قولين: القول الأول: أن هذا جائز ولا بأس به , وهذا قول جمهور العلماء. أدلتهم: منها: ما يروى عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - " أنه كان يدمل أرضه بالعذرة " ويقول: مكتل من هذا بمكتلين " يعني نضع مكتل من العذرة ويأتينا مكتلان من البر أو الشعير ونحو ذلك. وهذا الأثر أخرجه البيهقي وإسناده ضعيف لا يثبت. منها: أن الأصل في ذلك الإباحة وأن هذا مما جرت به عادات الناس ولم يرد في الشرع المنع من ذلك. ومما يؤيد قولهم أن النجاسة تطهر بالاستحالة، فمثل هذه النجاسات كالعذرة ونحوها تستحيل إلى حبوب وتستحيل إلى ثمار.والنجاسة تطهر بالاستحالة كما سيأتينا إن شاء الله , والقول بأن النجاسة تطهر بالاستحالة هذا مذهب الظاهرية واختيار شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله , لأن العين النجسة هذه انقلبت من عين إلى عين أخرى , فمثلاً لو كان عندنا ميتة واحترقت هذه الميتة فإنها الآن أصبحت رماداً وذهبت منها الصفة الخبيثة، فنقول بأن هذا الرماد طاهر ولا شيء فيه. فإذا كانت هذه الأشياء تطهر بالاستحالة ولا يترتب على ذلك ضرر فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به. وأيضاً الإجماع قائم على أن الخمر - على القول بنجاستها - تطهر بالاستحالة،وكذلك أيضاً هذه الأشياء قالوا بأنها تطهر بالاستحالة. القول الثاني: لا يجوز أن تدمل الزروع والأشجار بالعذرة أو النجاسات،وهذا المشهور من مذهب الحنابلة. دليلهم:

ما يروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال:" كنا نُكْرِي الأرض ونشترط عليهم أن لا يدملوها بالعذرة " وهذا الأثر أيضاً ضعيف. والصواب في ذلك أن تسميد الزروع والأشجار بالعذرة أو بالفضلات النجسة أن هذا جائز ولا بأس به لما ذكرنا من الدليل. ويتبين بهذا أن هذا الصرف الصحي في مرحلته الثنائية أنه لا بأس أن تسقى به الزروع والأشجار. ثالثاً: استخدامه في ري المنتزهات والحدائق بماء الصرف الصحي في مرحلته الثائية ولم يعد إلى خلقته ولا تزال صفة النجاسة فيه وهذا يحدث كثيراً. ولهذا تجد بعض المنتزهات كتب عليها أنه سقي بمياه الصرف الصحي لكي يحذر الناس من الجلوس ... إلخ. هذا قسمه العلماء إلى قسمين: 1- مسطحات خضراء لا يحتاج الناس إلى الجلوس فيها وإنما هي للتجميل فمثل هذا العمل جائز ولا بأس به لأن هذا الضرر لا يتعدى إلى الناس. 2- حدائق ومنتزهات يحتاجها الناس للجلوس فيها. هذا ينبني على مسألة تكلم عليها العلماء رحمهم الله وهي حكم قضاء الحاجة في أماكن جلوس الناس ,أو في طرقهم أو في موارد المياه. هذا للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان: الرأي الأول: التحريم. الرأي الثاني: الكراهة. والصواب في ذلك أنه محرم ولا يجوز ,وعلى نقول سقي هذه الحدائق التي يجلس عليها الناس بمياه الصرف الصحي بعد المرحلة الثنائية نقول بأنه محرم ولا يجوز ودليل ذلك: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - " اتقوا اللاعنين. قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: " الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم " (1) . والله - عز وجل - يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} (2) .

_ (1) رواه مسلم. (2) الأحزاب58

رابعاً: استخدامه في تغذية المياه الجوفية بمثل هذا الماء يعني لو حقن هذا الماء في الأرض وغذيت به المياه الجوفية هل هذا جائز أوليس جائزاً؟ هذا موضع خلاف يين المتأخرين. والصواب أنه جائز ولا بأس به، لأن الأرض والتراب طهور وهو مطهر والدليل على ذلك: قال الله - عز وجل - {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ} (1) . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين " (2) . وأيضاً ذكر جملة من الباحثين أن الأرض والتراب والرمل إذا تخللها هذا الماء فإنه يتطهر بإذن الله عزوجل ويقوم ذلك مقام المرحلة الثالثة وهي مرحلة المعالجة الثلاثية وهي ما تسمى بالمرشحات الرملية. فتلخص لنا في المرحلة الثنائية أن استخدام هذا الماء من حيث الحكم الشرعي: أولاً: استخدامه في الأكل والشرب والطهارة هذا محرم ولا يجوز. ثانياً: استخدامه في سقي الأشجار والزروع..إلخ هذا جائز ولا بأس به. ثالثاً: استخدامه في سقي الحدائق والمنتزهات هذا فيه تفصيل: إن كانت هذه الحدائق والمنتزهات يغشاها الناس فإن هذا محرم ولا يجوز، وإن كان الناس لا يغشونها فإن هذا جائز ولا بأس به. رابعاً: تغذية المياه الجوفية فإن هذا جائز ولا بأس به. الحكم الشرعي الثاني ما يتعلق بمياه الصرف الصحي بعد مرحلة المعالجة الثالثة هذه يقولون بأن الماء يعود إلى حالته الطبيعية الأولى، وقد صدرت في ذلك قرارات ,من ذلك قرارات هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية أن الماء بعد مرحلة المعالجة الثلاثية أنه إذا عاد على خلقته فإنه لا بأس أن يستخدم في الطهارة وفي الشرب وكذلك أيضاً في سقي المزارع وفي تغذية المياه الجوفية..إلخ.

_ (1) المائدة6 (2) رواه الترمذي وكذا أبو داود والنسائي والدارقطني والحاكم وأحمد وغيرهم من حديث أبي ذر وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "

المسألة الثالثة عشرة: زرع الأعضاء ونقلها وأثر ذلك على الطهارة

وكذلك أيضاً قرار مجمع الفقهي في هيئة رابطة العالم الإسلامي أنه بعد مرحلة معالجة الثلاثية لا بأس أن يستخدم في الأكل والشرب والطهارة إلى آخره. المسألة الثالثة عشرة: زرع الأعضاء ونقلها وأثر ذلك على الطهارة. في هذه المسألة نحن لن نتكلم عن حكم زراعة الأعضاء أو عن حكم نقل هذه الأعضاء لأن هذه مسألة مستقلة، لكن سنتكلم عن حكم ما لو نقل هذا العضو إلى هذا البدن, هل نقول بأن هذا العضو طاهر أو نجس؟ زراعة الأعضاء هذه كانت موجودة في القِدَم لكنها في مراحلها الأولية، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر لما ضُرب أبو قتادة - رضي الله عنه - وندرت عينه أخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - فردها، وكانت أحسن عينيه مع أنها سقطت، وهذا من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأول من عرف زراعة الأعضاء قدماء المصريين عن طريق زارعة الأسنان ثم بعد ذلك أخذ عنهم هذه الطريقة اليونانيون وكذلك الرومانيون , وهذا في مراحلها الأولية , ثم بعد ذلك تطورت زراعة الأعضاء بتطور الطب ورقي العلم. الخلاصة من حيث الحكم الشرعي بالنسبة لما يتعلق بزراعة الأعضاء: نقول بأن زراعة الأعضاء أو نقلها من بدن إلى آخر أو من بدن المريض إلى بدن نفسه بأن هذا ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن يكون العضو منقولاً لصاحبه:مثلاً ينقل عظم من موضع إلى موضع آخر في البدن أو الجلد ينتقل من موضع إلى موضع آخر في نفس البدن، أو أن العضو ينقطع ويسقط مثل الإصبع ينقطع أو اليد ثم بعد ذلك تعاد وتزرع في البدن. فنقول بأن هذا العضو الذي نقل من موضع إلى موضع آخر في نفس البدن الأئمة الأربعة كلهم يتفقون على أنه طاهر.

القسم الثاني: أن يكون هذا الجلد أو هذا العظم منقولاً من إنسان آخر ليس منقولاً من نفس المريض،مثلاً أخذنا من جلد هذا الشخص ووضعناه في هذا الشخص أو من عظمه..إلخ , فهذا أيضاً عند جمهور العلماء أن هذا العضو طاهر، وهذه المسألة تنبني على مسألة وهي: الأدمي هل هو طاهر أو ليس طاهراً؟ وكذلك أيضاً أعضاءه وما انفصل منه, لأن ما أبين من الحي فهو كميتته , فميتة الآدمي هل هي طاهرة, وهل هناك فرق بين المسلم والكافر؟ فنقول: أولاً:المسلم الحي هذا طاهر بالاتفاق ودليل ذلك: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: " إن المؤمن لا ينجس " متفق عليه. ثانياً:أما الكافر الحي هل هو طاهر أم نجس؟ فيه رأيان لأهل العلم: الرأي الأول: أنه طاهر وهذا رأي جمهور أهل العلم. ودليلهم: أن الله - عز وجل - أباح للمسلمين نكاح نساء أهل الكتاب وأباح ذبائحهم فقال الله - عز وجل -: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} (1) , ولاشك أن الإنسان المسلم سيخالط زوجته الرأي الثاني: أنه نجس وهذا رأي الظاهرية. واستدلوا بقول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (2) . ويجاب عنه أن المراد بذلك النجاسة المعنوية وليس بالنجاسة الحسية. والصواب في ذلك:ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله. ثالثاً: ميتة الآدمي: الجمهور على أنها طاهرة. والحنفية يقولون بأن ميتة الآدمي نجسة، إلا إن كان مسلماً فإنه يطهر بالتغسيل، وأما الكافر فلا يطهر حتى ولو غسل. والصواب في ذلك: أن ميتة الآدمي سواء كان كافراً أو كان مسلماً أنها طاهرة.

_ (1) المائدة5 (2) التوبة28

والدليل على ذلك ما تقدم أن ذكرنا من الأدلة على طهارة الكفار ومن الأدلة على المسلمين , ومما يدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبَّل عثمان بن مظعون بعد موته مما يدل على أنه طاهر وإلا لو كان تنجس بالموت ما وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - فاه عليه. الخلاصة في ذلك: أن الآدمي طاهر سواء كان حياً أو ميتاً وسواء كان مسلماً أو كان كافراً وعلى هذا أن نقول بأن أعضاءه طاهرة وما أبين منه من الأعضاء فإنه كميتته ,فمثلاً لو قطع منه جلد , هذا الجلد كالميتة وميتته طاهرة فنقول بأنه طاهر، وما قطع منه من عظم نقول بأنه كميتته وميتته طاهرة فنقول بأنه طاهر. فيتبين أنه إذا نقل شيء من الجلد أو شيء من الأعضاء أو شيء من العظام من آدمي سواء كان ميتاً أو كان حياً فإن هذه الأشياء طاهرة ولا أثر لها على الوضوء والصلاة ويجوز له أن يصلي فيها. القسم الثالث: نقل الأعضاء من حيوان طاهر إلى الإنسان , الحيوان الطاهر: مثل حيوانات البحر ومثل الحيوانات المذكات،مثلاً لو كان عندنا شاة وذكيناها وأخذنا عظمها وأخذناه إلى إنسان انكسر عظمه. وقد نص الفقهاء على نقل العظام.أو أخذنا شيئا من الجلد وغرزناه في جلد الإنسان..إلخ. فنقول بأن هذه الأشياء طاهرة، ولا أثر لها على الصلاة ولا على الوضوء وهذا جائز باتفاق الأئمة. القسم الرابع: نقل الأعضاء النجسة إلى الإنسان ,مثل ميتة بهيمة الأنعام ومثل الخنزير ... إلخ. وقد ذكر الأطباء أن عظم الخنزير من أحسن العظام في ملائمتها لعظم الآدمي بحيث أنه يبرأ بسرعة ولا يؤدي إلى الاعوجاج. إذا نقل عظم الخنزير إلى الآدمي أو شاة ميتة أخذنا عظمها لم تذكى ونقلناه إلى آدمي حصل فيه تكسر ما حكم ذلك؟ نقول الأصل أن هذا محرم ولا يجوز لأن الميتة نجسة والخنزير أيضاً محرم ولا يجوز.

المسألة الرابعة عشرة:المنظفات التي يكون في تراكيبها شيء من النجاسات كالصابون وغيره

مع أن شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله بالنسبة لعظام الميتة يرى طهارتها، لكن على رأي جمهور أهل العلم الذين يرون نجاستها يرون أنه لا يجوز نقل مثل هذه الأعضاء التي تكون نجسة ,مثلاً الجلد , العظام , السن , عظم الخنزير..إلخ. لكن يبقى عندنا مسألة الاضطرار، فإذا اضطر الإنسان إلى مثل هذه الأشياء نقول يجوز هذا بشرطين: الشرط الأول: أن يكون ذلك بعد البحث والتقصي وهو أن يبحث عن الدواء الذي يناسبه فإذا بذل جهده في البحث والتقصي فلم يجد شيئاً طاهراً فإنه لا يجوز له أن يلجأ إلى النجس. الشرط الثاني: أن يكون موضع ضرورة يعني أن يكون محتاجاً إليه ومضطراً إليه أما إذا كان غير مضطر فلا يجوز. فتلخص لنا بالنسبة لنقل الأعضاء أنه ينقسم إلى أربعة أقسام: 1 - من الإنسان نفسه إلى بدنه هذا جائز بالاتفاق. 2 - من آدمي هذا جائز على رأي جمهور أهل العلم سواء كان ذلك الآدمي مسلماً أو كان كافراً وسواء كان حياً أو كان ميتاً. 3 - من حيوان طاهر كحيوان البحر وبهيمة الأنعام المذكاة هذا جائز بالاتفاق. 4 - من حيوان نجس هذا لا يجوز، لكن تأتينا مسألة الاضطرار. المسألة الرابعة عشرة:المنظفات التي يكون في تراكيبها شيء من النجاسات كالصابون وغيرها التي يدخل في تراكيبه شيء من دهن الخنزير أو الكحول. فما حكم هذه المنظفات؟ أولاً: ما يتعلق بالصابون وسائر المنظفات التي يدخل في تركيبها شيء من النجاسات، نقول: هذه النجاسات لا تخلو من أمرين: الأمر الأول: إذا اضمحلت هذه المركبات النجسة وذابت واستهلكت بسبب خلطها بالمواد الأخرى فاستخدام مثل هذا الصابون الذي فيه مثل هذه الأشياء بنسب يسيرة من دهن الخنزير وغيره , واضمحلت واستهلكت فهذا جائز ولا بأس به لأن هذا الدهن أصبح لا أثر له، وقد ذكر ابن رجب رحمه الله قاعدة في ذلك: أن العين التي تنغمر في غيرها وتستهلك فإنه لا حكم لها.

الأمر الثاني:إذا استحالت هذه المركبات النجسة وانقلبت إلى عين أخرى، فهذه أيضاً نقول بأن الاستحالة تصير الأعيان النجسة إلى أعيان طاهرة تنقلها من العين النجسة إلى العين الطاهرة كما هو مذهب الظاهرية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. مثلاً لو كان عندنا كلب ثم بعد ذلك احترق هذا الكلب وانتقل إلى كونه رماداً ودخاناً فهذا الرماد طاهر، لأن العين النجسة استحالت وانتقلت من عين إلى عين أخرى. والدليل على أن النجاسة تطهر بالاستحالة: أن العلماء أجمعوا على أن الخمر إذا استحالت بنفسها فإنها تنقلب من عين نجسة عند الجمهور إلى عين طاهرة، ومثل ذلك أيضاً دود الكُنُف , وهذا الدود يخرج من النجاسات ومع ذلك يستحيل إلى حيوان طاهر. الأمر الثالث: إذا كانت هذه التركيبات لا تزال باقية كدهن الخنزير أو دهن الميتة لا يزال باقياً لم يستحل ولم يستهلك في غيره. فهل يجوز استعمال مثل هذا الصابون أو مثل هذا المنظف الذي دخل في تركيبه هذه النجاسة التي لا تزال باقية فيه؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله في حكم استعمال النجاسة على وجه لا يتعدى , فيه رأيان لأهل العلم: الرأي الأول: أن استعمال مثل هذا الصابون غير جائز, وهو رأي أكثر العلماء. دليلهم: أن الشارع أمر بالتوقي من النجاسات ,وأمر بالاستنجاء والاستجمار. الرأي الثاني: أن استعمال مثل هذا الصابون جائز للحاجة، إذا كان على وجه لا يتعدى، يعني إذا كان لا يستعمل في الصلاة ولا في الأكل والشرب …الخ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. دليله: حديث جابر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو بمكة إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؟ فإنه تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال لا هو حرام. (متفق عليه)

أقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على قولهم تدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس وتطلى بها السفن مع أن دهن الميتة نجس , ومع ذلك أقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على الانتفاع به، وقال:"لا هو حرام " بالنسبة للبيع. ثانياً: بعض أدوات التجميل التي يستخدم في تركيبها شيء من النجاسات كدهن الخنزير مثلاً, فنقول كما تقدم: إن كانت هذه النجاسة قد استهلكت في غيرها أو استحالت يعني انتقلت من عين إلى عين أخرى فإن هذه الأدوات طاهرة وجائزة ولا بأس باستخدامها. وإن كانت هذه النجاسة لا تزال باقية في مثل هذه الأدوات فيأتينا الخلاف السابق: فاستخدامها في وقت الصلاة إن كانت باقية نقول بأن هذا غير جائز, وإذا كان استعمالها في غير الصلاة قلنا: أن أكثر أهل العلم على أن هذا لا يجوز ,وعلى رأي شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله أن هذا جائز لما ذكرنا من الدليل. ثالثاً: استخدام أدوات التجميل التي فيها شيء من أجزاء الأجنة. نقول أن استخدام هذه الأدوات محرم ولا يجوز حتى ولو استهلكت هذه الأجنة وحتى لو استحالت من عين إلى عين أخرى ولم يبقى لها أثر أو انتقلت. والدليل على ذلك: أن الأصل في الآدمي الحرمة،والإقدام على مثل هذا الشيء في الأصل محرم ولا يجوز والله - عز وجل - يقول {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} الإسراء70. حديث جابر رضي الله عنه " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.. ".

النوازل المتعلقة بأحكام الصلاة

حديث " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث.. " (1) . حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" كسر عظم الميت ككسره حياً " (2) . مما يدل على أن حرمته لا تزال باقية حتى بعد موته. ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُجلس على القبر وأن يوطأ عليه (3) . من كبائر الذنوب بيع الآدمي حتى ولو كان كافراً لأن الأصل في بني آدم الحرية , لحديث: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة من باع حراً وأكل ثمنه " (4) . فيدخل في ذلك بيع الأجنة وإدخالها في الصناعات وأدوات التجميل. النوازل المتعلقة بأحكام الصلاة 1- النوازل المتعلقة بشروط الصلاة أولا ً: ما يتعلق بالوقت: المسألة الأولى: هل ينوب مناب العلامات الكونية الأفقية شيء كالحساب أو لا؟

_ (1) حديث (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه أحمد والستة عن ابن مسعود ,ورواه أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم عن عثمان وعن عائشة بلفظ: (لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث رجل زنى بعد إحصان أو ارتد بعد إسلام أو قتل نفسا بغير حق فيقتل به) . (2) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وللبيهقي عن عائشة مرفوعا وحسنه ابن القطان وقال ابن دقيق العيد على شرط مسلم ورواه الدارقطني عنها وزاد في الإثم وذكره مالك في الموطأ بلاغا عن عائشة موقوفا ورواه ابن ماجه من حديث أم سلمة. (3) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر) رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (4) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (قال الله ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري وأحمد.

من شروط صحة الصلاة: الوقت باتفاق العلماء، ودليل ذلك: قول الله - عز وجل -: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} (1) . وأيضاً قوله - عز وجل -: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} النساء103 (2) . وأحاديث الوقت كثيرة ومن أصحها حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وهوحديث قولي وهو أرجح من حديث إمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر وبن عباس - رضي الله عنهم -. ومن تيسير الشريعة وتسهيلها أنها ربطت أوقات الصلاة بعلامات كونية أفقية يشاهدها الجميع لا تخفى عليهم، يدركها العالم والجاهل والحضري والبدوي. فنجد أن (صلاة الفجر) : يدخل وقتها بطلوع الفجر الثاني، ويستمر إلى طلوع الشمس. (صلاة الظهر) : يدخل وقتها بزوال الشمس، ويستمر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال. (صلاة العصر) : يستمر إلى اصفرار الشمس، ثم وقت ضرورة إلى غروب الشمس. (صلاة المغرب) : من غروب الشمس إلى مغيب الشفق. (صلاة العشاء) : من مغيب الشفق إلى انتصاف الليل. فهل ينوب مناب هذه العلامات الكونية الأفقية شيء كالحساب أو لا؟ نجد الناس اليوم بسبب كثرة الأنوار واتساع العمران وكذلك أيضاً وجود البنايات الشاهقة في المدن الكبيرة وحتى في المدن الصغيرة..إلخ ,قد أعرضوا عن هذه العلامات الكونية الأفقية واعتمدوا على ما يسمى بالحساب والتقاويم والساعات وكذلك ما يوجد الآن من أجهزة الكومبيوتر التي تحدد وقت الصلاة في أي مدينة من مدن العالم ليس لمجرد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين بل تحدده لسنوات. فما مدى صحة اعتماد المسلم في صلاته على مثل هذه التقاويم وكذلك أيضاً هذه الساعات والأجهزة كأجهزة الكومبيوتر؟

_ (1) الإسراء 78 (2) النساء103

القرافي رحمه الله تعالى ذكر فرقاً بين رمضان وبين الصلاة (1) . فقال بأن رمضان الشارع تَعبَّدنا بواحد من أمرين فقط ولم ينظر إلى الحساب: الأمر الأول: رؤية الهلال ,وهي علامة كونية أفقية تدرك للجميع. الأمر الثاني: إكمال العدة , فإذا لم نتمكن من رؤية الهلال، فإننا نقوم بإكمال العدة ثلاثين يوماً. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإذا غم عليكم فأكملوا العدة " (2) ، وفي صحيح البخاري: " فعدوا شعبان ثلاثين" (3) . وأما الحساب في رمضان فإن الشارع أبطله ولم يعتبره،لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا أو هكذا وهكذا وهكذا " (4) ، يعني عقد إصبعه في الثالثة يعني الشهر إما أن يكون ثلاثين يوماً وإما أن يكون تسعة وعشرين يوماً. أما الحساب في أوقات الصلاة فقد اعتبره الشارع، ودليل ذلك:

_ (1) مواهب الجليل: 2/388 (2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " (متفق عليه) . (3) أخرجه البخاري في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا (1810) . قال: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -أو قال قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) . (4) من حديث عبد الله بن عمر: أخرجه البخاري برقم: 1913 , ومسلم برقم: 1080 , وأبو داود برقم: 2319 , والنسائي: 4 / 139

المسألة الثانية: الصلاة بالبنطال

حديث الدجال، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر الصحابة عن مكث الدجال وقال " يمكث أربعين يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة " فقالوا يا رسول الله: هذا اليوم الذي كسنة أي كفينا فيه صلاة يوم قال: لا، اقدروا له قدره". كيف نقدر له قدر، ذكر النووي وغيره من أهل العلم كيف يقدر لهذا اليوم الذي كطول سنة. فكذلك في مثل هذه الأيام التي يحتاج الناس فيها إلى الحساب بسبب توسع المدن وانتشار الأنوار. وقد اتفق الأئمة أن الحساب معتبر في الصلاة مع أنهم في رمضان لا يعتبرونه ويقولون بأنه إذا عرف وقت الصلاة إما عن طريق صناعة أو ورد مجرب فإن الإنسان له أن يصلي. فتبين لنا أن الاعتماد على مثل هذه الآلات تورد الظن بدخول الوقت، والظن بدخول الوقت هذا يجوز أن يعمل به في الشريعة، ودليل ذلك حديث أسماء في صحيح البخاري (1) ، فإن أسماء ذكرت أنهم أفطروا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم غيم ثم طلعت الشمس. هذا يدل على أنهم بنوا على الظن. فلو بنوا على اليقين لم تطلع الشمس لكن كون الشمس تطلع هذا يدل على أنهم ظنوا أن الشمس قد غربت ومع ذلك أفطروا، فدل ذلك على الاعتماد على الظن في دخول الوقت وكذلك أيضاً في خروجه. ثانياً: ما يتعلق بستر العورة. المسألة الثانية: الصلاة بالبنطال. الصلاة بالبنطال هذا لم يكن موجوداً في الأزمنة السابقة ولهذا اختلف فيه المتأخرون. البنطال هذا نوع من السروايل إلا أنه يتميز ضيق وسميك، ويستر من السرة إلى الكعب، وقد يكون أنزل من الكعب. والصلاة في البنطال هذا أمر مستجد وهذا لم يكن موجوداً عند المسلمين في الأزمنة السالفة, وإنما انتقل إلى المسلمين من الغرب, وقال الألباني رحمه الله: إن هذا البنطال فيه مصيبتان: المصيبة الأولى أن فيه تشبهاً بالكفار ,والمصيبة الثانية أن فيه تحجيماً للعورة.

_ (1) البخاري في " باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس "

المسألة الثالثة: حمل المصلي للصور

أما بالنسبة لما يتعلق بالتشبه بالكفار فإنه أصبح الآن في بعض البلدان الإسلامية من ألبسة المسلمين، وأصبح منتشراً ولهذا أصبح ليس من خصائص الكفار. والسلف كرهوا لباس البرنس ومع ذلك سئل الإمام مالك رحمه الله عن لباس البرنس فقال لا بأس به ,فقالوا النصارى يلبسونه قال: يلبس هاهنا. فدل ذلك على أن الشيء إذا انتشر بين المسلمين ولم يكن من خصائص الكفار أنه لا بأس به ما لم يكن ذلك متضمناً محظوراً شرعياً، ككونه من الأمور والشعائر الدينية. أما ما يتعلق بالمصيبة الثانية التي ذكرها الشيخ الألباني رحمه الله وهي أنه يحجم العورة بتحجيمه, نقول أما بالنسبة لتحجيمه للعورة فإن الفقهاء رحمهم الله يتفقون على أن الصلاة في الثوب الضيق أنها جائزة ولا بأس بها هذا من حيث الصلاة بخلاف اللُّبس هذا كثير من العلماء يكرهون ذلك، وإن كان يؤدي إلى فتنة فإن هذا محرم ولا يجوز. والدليل على أن لبس الثوب الضيق أنه جائز حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في الثوب "إن كان واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فاتزر به " (1) . والبخاري بوب: باب الصلاة في الثوب الضيق. وعلى هذا نقول من صلى في هذا البنطال فإن صلاته صحيحة وجائزة، لكن لبس هذا البنطال الضيق أقل أحواله الكراهة لأن العلماء رحمهم الله كرهوا ذلك.لكن من ابتلي بهذا البنطال كمن اعتاد لبسه أو مثل أصحاب الوظائف المهنية نقول بأنه يجتهد بأن يوسع هذا البنطال ولا يجعله يصف العورة ويحجمها. المسألة الثالثة: حمل المصلي للصور. أغلب الناس ابتلوا بحمل الصور قد يكون حمل الصور في البطاقات وقد يكون حمل الصور في النقود، وقد يكون حمل الصور أيضاً في بطاقات الوظائف كما يوجد أن بعض الموظفين قد يضع الصورة في جيبه أو على أمامه ويلزم بهذا.

_ (1) أخرجه البخاري في باب إذا كان الثوب ضيقاً وأخرجه مسلم في باب أخرجه مسلم في الزهد والرقائق /3010

فحكم حمل هذه الصور فيه رأيان للعلماء: الرأي الأول: المشهور من مذهب الحنابلة كراهة صلاة من يحمل الصورة. الرأي الثاني: الحنفية والشافعية قالوا: إن هذا جائز ولا يكره. والأصل في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري، أنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أميطي عنا قرامك (1) فإن تصاويره لا تزال تعرض لي في صلاتي" (2) . قال العيني رحمه الله في عمدة القاري في شرح صحيح البخاري " إذا كان هذا النهي في البيت الذي يصلي فيه، فكونه في الثوب الذي يصلي فيه المصلي وفيه تصاوير هذا من باب أولى. والأقرب في هذه المسألة: أن مثل هذه الصور جائزة، ولا بأس بها كما هو في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والدعوة والإرشاد (3) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: لكن الأشياء الضرورية التي دخلت على الناس وعمت بها البلوى كالصور في النقود والكبريت والجوزات، فالذي يظهر أن هذا من باب الاضطرار وعموم البلوى يرجى فيها العفو من الله، ويسهل الأمر فيه. ويستدل العلماء رحمهم الله على أن مثل هذه الأمور يسهل فيها أن السلف رحمهم الله حملوا النقود الإفرنجية وهذه النقود الإفرنجية كانت تحمل صور الملوك وكذلك أيضاً تحمل صور الحيوانات، فيدل ذلك على أن مثل هذا جائز ولا بأس به. وهناك دليل أن هذه الأشياء ممتهنة بالأخذ والإعطاء. وكذلك أن أيضاً قال بعض العلماء إنما المشركين كانوا يعبدون الصور الكبار، وأما مثل هذه الصور فإنها صور صغيرة فانتفت المشابهة يعني لا يكون من حمل هذه الصورة متشبها بعباد الأوثان.

_ (1) قرامك) : القرام: الستر الرقيق (2) رواه البخاري في باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟ وما ينهى عن ذلك) (3) الفتوى رقم (658)

المسألة الرابعة: الآذان عن طريق المسجل

وعلى هذا نقول مثل هذه الأشياء يظهر أنها جائزة ولا بأس بها ولا تكره لكن بعض الموظفين ابتلي بتعليق الصورة فنقول هذه الصورة عند الصلاة الأحسن أن يجعلها مستورة في جيبه لأن كثيراً من العلماء علل بجواز مثل هذه الصور التي في النقود والبطاقات الغالب أنها تكون مستورة وليست ظاهرة. ثالثاً: المسائل المتعلقة بالآذان: المسألة الرابعة: الآذان عن طريق المسجل. هل هذا يكون عبادة يكتفى به عن فرض الكفاية وأيضاً هل نقول بمتابعته إذا سمعناه؟ أو نقول بأنه ليس عبادة وليس مشروعاً؟ نقول هذا الآذان الذي يكون عن طريق المسجل هذا ليس مشروعاً ويخشى أن يكون بدعة والدليل على ذلك: أن العبادات توقيفية. والله - عز وجل - يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} (1) . ويقول سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} (2) . أن الآذان عبادة يحتاج إلى نية لحديث " إنما الأعمال بالنيات " (3) , ومثل ذلك لا يحصل من هذا المسجل. وكذلك أيضاً ما ذكره بعض العلماء المتأخرين أن الاعتماد على مثل هذا المسجل يفوت كثيراً من سنن المؤذن وآدابه وأحكامه، لأن المؤذن له سنن وله آداب وله شروط , فمن السنن:الالتفات يميناً وشمالاً والطهارة واستقبال القبلة..إلخ فلا توجد هذه الأشياء في هذا المسجل , ومن شروط الآذان أن يكون الآذان من مسلم ذكر عاقل وهذا لا ينطبق على المسجل. ولهذه الأمور التي ذكرت فالآذان من هذا المسجل غير صحيح ولا يُكتفى به في فرض الكفاية ولا يكتفى به في المشروعية إذا كان هناك من يؤذن وسقط فرض الكفاية ولا تترب عليه أحكام الآذان من إجابة المؤذن إلى آخره. المسألة الخامسة: هل يشرع متابعة المؤذن الذي يؤذن عن طريق الآلات مثل المذياع..

_ (1) الشورى21 (2) القصص65 (3) متفق عليه

المسألة السادسة: الالتفات أثناء الأذان في مكبرات الصوت هل يشرع أم لا

إذا نقل الآذان عن طريق المذياع فهل له حكم الآذان من حيث أنه يتابع إذا سمعناه أو أنه لا يأخذ حكم الآذان قلا نتابعه فمثلاً إنسان فتح المذياع وسمع أنه يؤذن في البلد الفلاني فهل يتابع هذا المؤذن وهل يقول أذكار الآذان والدعاء؟ أو نقول بأنه لا يتابع هذا الآذان. فنقول هذا الآذان الذي نقل ينقسم إلى قسمين (1) : القسم الأول: أن يكون منقولاً نقلاً مباشراً، فهذا يتابع فإذا سمعتَ المؤذن فإنك تتابعه وتجيبه ودليل ذلك عموم قول النبي " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " (2) .وهذا يشمل ما إذا أذن في بلد الإنسان أو أذن في بلد آخر. وذكر شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله أنه يستحب أن يجيب مؤذناً ثانياً وثالثاً ورابعاً، لأن هذا الآذان ذكر والذكر هذا مأمور به ويدخل ذلك تحت قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " (3) . القسم الثاني: أن يكون هذا الآذان تسجيلاً كما تقدم كما تسلكه بعض الإذاعات نقول هذا لا تشرع إجابته وذكرنا فيما تقدم أن أصل هذا الآذان غير مشروع وأنه يخشى أن يكون بدعة لأن العبادات توقيفية كما ذكرنا. المسألة السادسة: الالتفات أثناء الأذان في مكبرات الصوت هل يشرع أم لا؟ كان في الزمن السابق المؤذن يصعد على المنارة أو على الصومعة ويؤذن ,ويدل لهذا أن بلالاً - رضي الله عنه - كان يؤذن على بيت امرأة من بني النجار وكان بيتها أعلى بيت عند المسجد" (4) .

_ (1) هذا من تقسيم الشيخ بن عثيمين رحمه الله. (2) متفق عليه من حديث أبي سعيد (3) متفق عليه من حديث أبي سعيد (4) أخرجه أبوداود (1/198) والبيهقي (1/425)

ومن هذا أخذ العلماء رحمهم الله أنه يستحب أن يؤذن على مرتفع ويؤيد ذلك أنه أبلغ في النداء وفي الإعلام وتنبيه الناس بالصلاة لأن المقصود من الآذان هو إعلام الناس بالصلاة لكي يحضروا إليها. فأصبح الآن في كثير من البلدان لا يعتمدون على هذا ولا تجد المؤذن يصعد على الصومعة أو على مكان مرتفع لكي يؤذن وإنما يكتفي بالآذان في الأسفل ويؤذن عن طريق مكبرات الصوت التي وجدت على الصومعة ويكون فيها رفع الآذان. فإذا كان يؤذن على المنارة أو على مكان مرتفع فالسنة أن يلتفت , وهذه السنة دل لها حديث أبي جحيفة " أنه رأى بلال يؤذن فجعلت أتتبع فاه هاهنا يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح " (1) . لكن بالنسبة الآن الذي يؤذن في مكبرات الصوت , هل نقول السنة له أن يلتفت أو نقول السنة أن يترك الالتفات؟ هذا موضع خلاف بين العلماء المتأخرين رحمهم الله: الرأي الأول: أنه يترك الالتفات. أدلتهم: منها: إن الحكمة من كون المؤذن يلتفت يميناً وشمالاً لكي يبلغ سائر الجهات،من جهة اليمين ,من جهة الشمال ,من جهة الأمام ومن جهة الخلف فيشرع له أن يلتفت وأما الآن انتفت الحكمة فلا يشرع أن يلتفت. منها: قالوا أيضاً: كونه يلتفت يميناً أو شمالاً فهذا يضعف الصوت لأنه سينحرف فلا يشرع أن يلتفت. الرأي الثاني: البقاء على أصل السنية ,لأن هذه سنة ثابتة في الصحيحين فيشرع للمؤذن أن يلتفت.

_ (1) متفق عليه البخاري في باب الأذان ومسلم في باب الصلاة

المسألة السابعة:من النوازل التي حدثت في الآذان وكذلك في الصلاة ما يتعلق بالصدى

والأقرب والله أعلم في هذه المسألة أن يقال ينظر إلى إضعاف الصوت إن كان الصوت يضعف،فإن المؤذن لا يلتفت لأن رفع الصوت هذا هو ركن الآذان، وإن كان الصوت لا يضعف بالالتفات فنقول الأصل بقاء السنية وأنه يلتفت, وعندنا قاعدة وهي أن العلة المستنبطة لا تقوى على تخصيص النص ,فقولهم أن الحكمة كي يبلغ الجهات نقول هذه علة مستنبطة قد تكون هذه حكمة وقد تكون هناك أيضاً حكم أخرى منها تنبيه غير المؤذن أن هذا الشخص يؤذن وانه دخل وقت الآذان..إلخ. المسألة السابعة:من النوازل التي حدثت في الآذان وكذلك في الصلاة ما يتعلق بالصدى يعني وضع جهاز يفخم صوت القارئ أو صوت المؤذن. نقول بالنسبة لهذا الصدى ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يترتب على هذا الصدى ترديد وتكرار للحرف فنقوا بأن هذا محرم ولا يجوز لما في ذلك من عدم احترام كتاب الله عز وجل وتعظيمه حق التعظيم وأيضاً فيه شيء من الابتذال بهذا العمل. والأصل في القرآن هو التدبر والتذكر لأن الله - عز وجل - قال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (1) . ومراعاة مثل هذه الأمور تصرف هذه المصلحة الكبيرة بحيث يكون المراد من القراءة أو من الآذان ونحو ذلك من بقية الأذكار الشرعية هو مجرد الظاهر دون الباطن وهذا خلاف ما أراده الشارع. القسم الثاني: أن لا يترتب عليه ترديد للحرف وتكرار له وهذا لا بأس به وجائز. والأولى أن تكون عناية المصلي وكذلك أيضاً الإمام هي ما يتعلق بالتدبر والتذكر وعدم التعلق بالظاهر دون الباطن. رابعاً: ما يتعلق باستقبال القبلة المسألة السابعة: تحديد القبلة بالأجهزة الحديثة. استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، والعلماء رحمهم الله يجمعون على أن استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة، ودليل ذلك:

_ (1) ص29

قول الله - عز وجل -: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ يَعْمَلُونَ} (1) . وأيضاً في حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر " (2) . كذلك أيضاً ما قلنا في دخول الوقت بالنسبة للصلاة نقوله في استقبال القبلة. القبلة الشارع جعل لها علامات، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من العلامات الكونية الأفقية للاستدلال على القبلة: مثل القطب والنجوم والشمس والقمر، وأيضاً ذكر بعض العلماء مصاب الأنهار الكبار، ووجوه الجبال أيضاً يستدل بها على القبلة ومهاب الرياح وكذلك أيضاً محاريب المسلمين..إلخ. والفقهاء يجمعون على أنه لا بأس من الاعتماد على الآلات في تحديد القبلة، قالوا: لأنها تفيد الظن، وقد وُجِد ما يسمى بالبوصلة, ووجد الآن ما يسمى بالبوصلة الإلكترونية، والبوصلة الإلكترونية هذه تقوم بتحديد جهة الشمال وجهة الجنوب بدقة تامة ولا تتأثر بمؤثرات أخرى كالكهرباء والمغناطيس وإذا حصل فيها تأثر فإنها توضح ذلك. وأما البوصلة القديمة قد يعترض عليها بأنه يحصل فيها شيء من التأثر بالكهرباء أو المغناطيس أما بالنسبة للبوصلة الإلكترونية فإنها تقوم بتحديد جهة الشمال والجنوب بدقة تامة، وإذا كان كذلك فإنها تفيد الظن والظن كم ذكرنا أنه معتبر في باب العبادات لما تقدم من حديث أسماء رضي الله عنها عند البخاري (3) .

_ (1) البقرة144 (2) أخرجه البخاري (1 / 145 - 146، 4 / 172، 367) ومسلم (2 / 11) وأبو عوانة (2 / 103) وأبو داود (856) والنسائي (1 / 141) والترمذي (2 / 103 - 104) وابن ماجه (1060) والبيهقي (2 / 15، 37، 62، 372) وأحمد (2 / 437) (3) أنظر صفحة 36

المسألة الثامنة: الصلاة في السفينة والطائرة

المسألة الثامنة: الصلاة في السفينة والطائرة. استقبال القبلة في الفرض شرط، وأما في النافلة فيسقط استقبال القبلة وهذا ليس شرطاً وليس واجباً لكن يستحب فقط في تكبيرة الإحرام استقبال القبلة كما في حديث أنس أن يستفتح الصلاة إلى جهة القبلة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي حيث توجه به ركابه، وأما في الفريضة فاستقبال القبلة شرط فنقول الإنسان يجتهد في استقبال القبلة، فإذا كان يتمكن من استقبال القبلة فإنه كما قال الله - عز وجل -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " (2) . فإذا انحرفت السفينة فإن قدر أن ينحرف معها فلينحرف معها , المهم أن هذا متعلق بالاستطاعة فإذا كان هناك مكاناً يتمكن فيه من استقبال القبلة فإنه يستقبل , وإن أخر الصلاة إلى أن ينزل إذا كان سينزل في الوقت أو كانت الصلاة تجمع مع ما قبلها كالظهر تجمع إلى العصر فهذا أحسن, وأما إذا كان سينزل بعد خروج الوقت مثلاً لو كان سينزل بعد طلوع الشمس بالنسبة لصلاة الفجر فهذا لا يجوز له أن يؤخر الصلاة بل يجب عليه أن يصلي. ولو صلى مع أنه يعلم أنه سوف ينزل قبل خروج الوقت فصلاته صحيحة. والعلماء مجمعون على صحة الصلاة في السفن، لأن السفن كانت موجودة في وقتهم. وذكر النووي رحمه الله في كتابه المجموع قال: وتصح صلاة الرجل المحمول على سرير في الهواء (3) ، وأخذ منه المتأخرون الآن أن الصلاة في الطائرة هذه جائزة وأنه لا بأس بذلك. ما يتعلق بصلاة الجماعة المسألة الأولى: حضور من ابتلي بشرب الدخان لصلاة الجماعة في المسجد. هل يجب عليه أن يحضر لصلاة الجماعة أو أن حضور الجماعة ساقط عنه.

_ (1) التغابن16 (2) أخرجه البخاري (4 / 422) ومسلم (7 / 91) وأحمد (2 / 258) . (3) المجموع: 3/214

تعريف الدخان: الدخان (التبغ) هو نبات من الفصيلة الباذنجانية تشتمل على أكثر النباتات السامة كالبْلادونا والبنج. وأصل هذه النباتات في بلاد الغرب، ولم يعرفها المسلمون إلا في نهاية القرن العاشر وأدخل الإنجليز الدخان على المسلمين في عهد الدولة العثمانية، وأدخله إلى بلاد المغرب رجل يهودي يزعم أنه حكيم يداوي الناس، ثم بعد ذلك جُلب إلى بقية بلاد المسلمين كمصر وبلاد الحجاز وغالب بلاد المسلمين. لما ظهر هذا الدخان اختلف العلماء رحمهم الله في شربه هل هو محرم أو مكروه أو مباح؟ على ثلاثة آراء، والصواب في هذه الآراء أنه محرم: والدليل على ذلك: أن الله - عز وجل - قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (1) . وثبت طبياً أن هذا الدخان يحمل سموماً قاتلة للإنسان، والإحصائيات الطبية تذكر أنه ما يقرب من خمسة وعشرون مليون شخص يموتون سنوياً في العالم بسب الدخان، فهذا من قتل النفس والله - عز وجل - يقول: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (2) . وأيضاً لما في ذلك من الأضرار التي يتفق عليها الأطباء، للقاعدة الشرعية:" لا ضرر ولا ضرار". وأيضاً لأن هذا البدن لا يملكه الإنسان. ولأنه أيضاً من الخبائث ومن صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. -- وهذا الدخان له رائحة كريهة. وبعض العلماء قال يحرم عليه حضور صلاة الجماعة وبعض العلماء قال يكره. والأقرب في ذلك الإيذاء فإذا كان يؤذي فإنه لا يجوز له أن يحضر صلاة الجماعة ويدل لهذا:

_ (1) النساء29 (2) البقرة195

المسألة الثانية: فصل مصلى النساء عن مصلى الرجال في المساجد

حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أكل من هذه الشجرة-يعني الثوم- فلا يقربن مسجدنا " (1) ، وإنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك هذا لأن هذا يؤذي وإيذاء المسلم لا يجوز والله - عز وجل - يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} (2) . وفي الحديث القدسي: " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب " (3) . وعلى هذا نقول بأن حضور الجماعة لمن شرب هذا التبغ ليس أو الدخان أن هذا محرم ولا يجوز وليس هذا تخفيفاً عليه وإنما تنكيلاً وتعزيراً لفعله فيحرم هذا الفضل العظيم والبركات الكثيرة المترتبة على حضور صلاة الجماعة. المسألة الثانية: فصل مصلى النساء عن مصلى الرجال في المساجد. أبو داود رحمه الله بوب في سننه " باب اعتزال النساء في المسجد عن الرجال"، وذكر حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " لو تركنا هذا الباب للنساء " قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. فهذا التبويب من أبي داود تفقه منه بأن النساء يعتزلن في مكان خاص في المسجد ,وأيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " لو تركنا هذا الباب للنساء"، يدل ترك هذا الباب الخاص بالنساء يدخلن منه ويخرجن منه أنه يشرع أن يكون مصلى النساء خاص بهن. ويدل لهذا حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها في صحيح البخاري قالت:" كان النساء في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الرجال ما شاء الله , فإذا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام الرجال".

_ (1) رواه البخاري ومسلم (2) الأحزاب58 (3) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب التواضع من حديث أي هريرة

المسألة الثالثة:الضرب بين مصلى الرجال وبين مصلى النساء بحائل

وهذا الحديث يدل على منع اختلاط الرجال بالنساء في المسجد، حتى في الأسواق، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يثبت في مكانه ومن معه من الرجال حتى تنصرف النساء. وإذا كان ذلك ممنوعاً في الرجال فكذلك أيضاً في المساجد. ويدل لهذا أيضاً حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال"خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها أولها وشرها أولها" أخرجه مسلم في صحيحه. وهذا يدل على أن النساء يعزلن وكلما كان الرجال أبعد عن النساء فإن ذلك خير لهن. هذه الأدلة وغيرها تدل على اعتزال النساء في مكان خاص وأنهن لا يختلطن بالرجال. ولذلك ما يوجد في بعض المساجد الكبار من اختلاط الرجال بالنساء هذا من الخطأ. المسألة الثالثة:الضرب بين مصلى الرجال وبين مصلى النساء بحائل وهذا الحائل فإما أن يكون جداراً وإما أن يكون من غير جدار كأن يكون من البلاستيك أو القماش أو نحو ذلك,. فهل هذا جائز أو أنه ليس بجائز مع أنه لم يرد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يفصل بين الرجال والنساء بحائل؟. هذا موضع خلاف بين المتأخرين: والذي يظهر أن هذا جائز ولا بأس به بل ذهب بعض العلماء إلى وجوبه كالغزالي رحمه الله فإنه نص في إحياء علوم الدين على وجوب ضرب مثل هذا الحائل فقال: ((ويجب أن يُضرب بين الرجال والنساء حائل يمنع من النظر فإنه مظنة الفساد)) (1) . وأما كون مثل هذا الحائل لم يوجد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نقول:

_ (1) إحياء علوم الدين 1/337

المسألة الرابعة: متابعة الإمام عبر وسائل الإعلام

الوجه الأول: المتأمل للسنة يجد أن النساء إنما كن يشهدن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء وصلاة الفجر , ووقتهما يكون فيه ظلام ولا حاجة إلى ضرب مثل هذا الحائل , ولهذا كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها " كن نساء المؤمنات يشهدن الصبح مع النبي - صلى الله عليه وسلم - متلفعات بمروطهن ثم ينصرفن لا يعرفهن أحد من الغلس " (1) . وأيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أيما امرأة مست بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " (2) . فإن هاذين الحديثين هما اللذان ورد فيهما التصريح بهاتين الصلاتين، صلاة الفجر وصلاة العشاء، فالمكان مظنة الظلام، وعدم المشاهدة، ولو كان هناك نور فهو نور يسير ولم يكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل وقتنا اليوم من الأنوار الكثيرة التي تجعل الليل كالنهار ولم يكن هناك حاجة إلى مثل ذلك. الوجه الثاني:أنه لا مقارنة بين تلك القرون المفضلة وبين عصورنا هذه، فذلك القرن هو قرن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين ومن تبعهم وهم خير الأمة، وعندهم من قوة الإيمان والعلم وتعظيم الله عز وجل ما يمنعهم ويصدهم ويدرأ عنهم الفتنة بخلاف وقتنا الحاضر فإن ضعف الإيمان موجود، وكذلك أيضاً إثارة الفتنة والشهوات والغرائز التي لم تكن في ذلك الزمن..إلخ. الوجه الثالث: أن هذا الباب من الوسائل، والوسائل يتوسع فيها ما لا يتوسع في المقاصد، والعلماء رحمهم الله يتوسعون في الوسائل مالا يتوسع في المقاصد. المسألة الرابعة: متابعة الإمام عبر وسائل الإعلام الموجودة اليوم سواء كانت هذه الوسائل مرئية أو كانت مسموعة.

_ (1) أخرجه الشيخان وغيرهما (2) رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة "

فإذا كانت الصلاة تنقل نقلاً مباشراً فهل تصح الصلاة خلف هذا الإمام الذي تنقل صلاته، أو نقول بأن هذه الصلاة غير صحيحة؟ هذه المسألة اختلف فيها العلماء المتأخرون ولهم في ذلك قولان: القول الأول:أن هذا غير جائز ,وهذا قال به أكثر العلماء رحمهم الله. واستدلوا على ذلك بأدلة منها: أن الصلاة عبادة والعبادات توقيفية كما قال الله - عز وجل -: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} (1) . وأيضاً قول الله - عز وجل -: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} (2) .وكون الإنسان يتابع الإمام وهو في بلد والإمام في بلد آخر نقول أن هذا محدث ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أن صلاة الجماعة وردت في الشرع على هيئة معينة، وهذه الهيئة أن يكون هناك اجتماع بين الإمام والمأمومين في مكان واحد وفي زمان واحد،وهيئات العبادة توقيفي والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال " لا صلاة لمنفرد خلف الصف " (3) .فإذا كان المنفرد خلف الصف لا تصح صلاته , قال ابن القيم: [فكيف بمن كان منفرداً عن الصف وعن الجماعة!] (4) . قالوا بأن هذا يلزم منه تعطيل صلاة الجماعة ولأدى ذلك أيضاً إلى أن يصلي الناس في بيوتهم وأيضا تتعطل الآثار والفوائد المترتبة على صلاة الجماعة من تلاقي الناس في المسجد وبعث المودة والمحبة والألفة وأخوة الرابطة. قالوا بأنه قد يحصل خلل في هذه الوسيلة التي نقلت الصلاة كأن ينقطع التيار أو أن ينقطع البث ثم بعد ذلك تتعطل المتابعة. الرأي الثاني: قالوا بالصحة استدلوا بأدلتهم.

_ (1) الشورى21 (2) القصص65 (3) أخرجه ابن أبي شيبة (13 / 2 / 1) . ورواه ابن ماجه (1003) وابن خزيمة (1 / 164 / 2) وابن حبان في صحيحه (401 و 402) والبيهقي وأحمد (4 / 23) وابن عساكر (15 / 99 / 1) (4) الصلاة وحكم تاركها 1/ 148

المسألة الخامسة: متابعة المأموم للإمام إذا كان يسمعه عن طريق مكبرات الصوت

قالوا إن الفقهاء نصوا على أن صلاة الجمعة وصلاة الجماعة تصح في البيوت المجاورة للمسجد والقريبة منه. ونوقش بأن هذا غير مُسَلَّم وإنما نص العلماء عن ذلك للحاجة مثلاً إذا امتلأ المسجد وامتلأت الطرقات واتصلت الصفوف فالبيوت التي وصلتها الصفوف فلا بأس أن يصلي أصحابها فيها لكن بشرط أن لا يكون منفرداً إذا كان رجلاً. قالوا بأنه إذا نزل المطر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -أَذِن للناس أن يصلوا في رحالهم وهم يسمعون صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقتدون به. ونوقش بأن هذا الدليل غير صحيح , بل المراد كما ورد في "حديث بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كان في ليلة ذات برد ومطر أن يقول ألا صلوا في الرحال" (1) ، فالمقصود بذلك أنه تسقط عنهم صلاة الجماعة للمشقة وليس المراد أنهم يتابعون النبي - صلى الله عليه وسلم - , ولم يرد ذلك أنهم كانوا يتابعون النبي - صلى الله عليه وسلم -. قالوا أن العبرة في الإئتمام هو الاقتداء وإن كان المتابعة والآن تهيأت المتابعة يعني الذي يسمع صوت المذياع يقتدي بالإمام يركع معه ويسمع صوته. ونوقش هذا الدليل بأنه غير صحيح بل العبرة هو أن يجتمع الإمام والمأموم في مكان واحد وزمان واحد وهذه هي العبرة التي دلت لها السنة. المسألة الخامسة: متابعة المأموم للإمام إذا كان يسمعه عن طريق مكبرات الصوت. أو المرأة التي في بيتها وتسمع مكبرات الصوت هل لها أن تصلي في البيت بصلاة الإمام أو نقول ليس لها أن تصلي بصلاته؟ هذه المسألة قسمها العلماء إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون جار المسجد بيته ملاصقاً للمسجد وبين المسجد والبيت منفذ. جمهور العلماء رحمهم الله قالوا يصح متابعة الإمام وأن صلاته صحيحة ولا تشترط الرؤية وإنما يكفي سماع الصوت.

_ (1) متفق عليه

لكن الحنابلة يشترطون أن تكون هناك رؤية يعني من كان في هذا البيت لابد أن يرى الإمام أو يرى المأمومين أو بعض المأمومين ولو في بعض الصلاة. والصحيح: أن هذا جائز ولا بأس به ولا تشترط الرؤية، والدليل على ذلك: حديث أسماء فإنها أتت عائشة رضي الله تعالى عنها حين خسفت الشمس والناس يصلون قياماً فإذا هي قائمة تصلي ".وهذا أخرجه البخاري في صحيحه , فهذه عائشة رضي الله تعالى عنها صلت في بيتها بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأيضاً ما ورد في مصنف عبد الرزاق أن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تصلي في بيتها بصلاة الإمام لأن بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ملاصقات للمسجد وكان لها فتحات على المسجد. وكذلك أيضاً كانت بعض بيوت الصحابة رضي الله تعلى عنهم ملاصقة للمسجد ولها فتحات إلى المسجد فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تسد كل خَوْخَة (1) إلا خَوْخَة أبي بكر " (2) . القسم الثاني: أن تكون هذه البيوت غير ملاصقة كما يوجد الآن في عصرنا أن أغلب البيوت ليست ملاصقة للمساجد.فهل يصح لأصحاب هذه البيوت أن يصلوا فيها وهم يسمعون الإمام أو نقول ليس لهم ذلك؟ هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله على ثلاثة آراء: الرأي الأول: أن الصلاة في هذه البيوت تصح ما دام أنهم يتمكنون من الاقتداء سواء كان الاقتداء بالتكبير أوبالرؤية. الرأي الثاني: أنه يشترط مع إمكان الاقتداء اتصال الصفوف وهذا قول ابن قدامة. الرأي الثالث: مذهب الحنابلة أنه لا يشترط اتصال الصفوف بل لابد من شرطين: 1 - الرؤية للإمام أو لبعض المأمومين ولو في بعض الصلاة. 2 - سماع التكبير.

_ (1) الخَوْخَةُ: بابٌ صغِيرٌ كالنَّافِذَة الكَبِيرَة وتكُون بَيْن بَيْتَيْن يُنْصَبُ عليها بابٌ. (2) متفق عليه

المسألة السادسة: وضع المدفأة أمام المصلي

والصحيح في هذه المسألة: أن الصفوف إذا اتصلت فلأصحاب البيوت أن يصلوا أما إذا كانت لم تتصل فإنه لا يصح , فإننا نشترط مع إمكان الاقتداء اتصال الصفوف. والدليل على هذا ما ذكرنا أن الجماعة لها هيئة شرعية والعبادات توقيفية وهيئتها الشرعية كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - أنهم يجتمعون في مكان واحد وزمان واحد هذه هي الهيئة الشرعية , لكن إذا اتصلت الصفوف فإنها تأخذ حكم هذا المكان فيصبح المكانان في حكم المكان الواحد لاتصال الصفوف ففي هذه الحالة نقول بأنه لا بأس أن يصلوا في بيوتهم ويتابعوا الإمام أما ماعدا ذلك فالصواب أن المتابعة لا تصح. المسألة السادسة: وضع المدفأة أمام المصلي وما حكم ذلك هل يكره أم لا أو أن هذا جائز أو ليس جائزاً؟ هذه المسألة للعلماء فيها ثلاثة آراء: الرأي الأول: يكره إذا كان لها لهب مثلاً نار حطب أو شمع أو سراج،وأما إذا كان ليس لها لهب وإنما مجرد جمر قالوا بأن هذا لا يكره الحنابلة. الرأي الثاني: عكس هذا القول: إذا كانت جمراً يكره وإذا كانت لهب فلا يكره وهذا هو مذهب الحنفية. الرأي الثالث: الأصل في ذلك الجواز سواء كان لهباً أو كان جمراً ولا دليل على الكراهة والكراهة دليل شرعي يفتقر إلى الدليل الشرعي ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أن كره ذلك وهو رأي الظاهرية. والخلاف بين الحنابلة والحنفية في تحقيق المناط , والعلة التي نص عليها العلماء رحمهم الله هي التشبه بالمجوس , والمجوس هل يعبدون الجمر أو يعبدون اللهب؟. فالحنابلة يقولون أن المجوس يعبدون اللهب ويستدلون بقول سلمان - رضي الله عنه -" وكنت قطن النار الذي يوقدها فلا تخبوا ". والحنفية يقولون أن المجوس يعبدون الجمر وليس اللهب. والأقرب في ذلك قول الحنابلة وهو أنهم يتعبدون باللهب. والأقرب في هذه المسألة ما ذهب إليه الظاهرية وأن هذا جائز ولا بأس به ولا كراهة.

المسألة السابعة: ترك حضور صلاة الجماعة لمن يحتاج إلى ذلك

لأن الأصل الجواز والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى الدليل الشرعي ولا ينتقل عنه إلا بدليل. العلة التي علل بها الحنابلة رحمهم الله أن المجوس يتعبدون باللهب فهذه المدفئات الموجودة الآن ليس لها لهب فانتفت مشابهة المجوس , وإن أخذنا بقول الحنفية أنهم يتعبدون بالجمر فجمر الحطب لا يشبه المدفئات الموجودة الآن التي تكون عن طريق الغاز أو عن طريق الكهرباء..إلخ وإنما هو عبارة عن احمرار بسبب التيار الكهربائي الذي ولد هذه الحرارة أي ليست لهب ولا جمر.. إلخ. المسألة السابعة: ترك حضور صلاة الجماعة لمن يحتاج إلى ذلك: مثل، الطبيب المناوب، أو رجل الإسعاف أو رجل الحريق أو الحارس ونحو ذلك ممن يحتاج إليه. هذه المسألة سهلة فالفقهاء رحمهم الله ينصون على أن من أعذار ترك الجماعة: الخوف سواء كان الخوف على أو الخوف على المال أو الخوف على النفس،أو الخوف على الأهل وأيضاً قالوا سواء خاف على نفسه أو خاف على نفس غيره أو خاف على ماله أو مال غيره أو خاف على أهله أو أهل غيره , كل هذا عذر يخفف في ترك الجماعة. والدليل على ذلك: قول الله - عز وجل -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) . وأيضاً قول الله - عز وجل -: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (2) . وأيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" (3) . ومن القواعد الفقهية قاعدة المشقة تجلب التيسير. المسألة الثامنة: جمع الصلاة في الحضر لمن احتاج إليها إما لإنقاذ معصوم مثل من يشتغل بإطفاء الحريق ولا يتمكن من أن يصلي كل صلاة في وقتها أو مثلا ًالطبيب الذي يجري العملية وقد تستغرق العملية عدة ساعات.

_ (1) التغابن16 (2) البقرة286 (3) أخرجه البخاري والنسائي والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا

الجمع إما أن يكون في السفر وإما أن يكون في الحضر , أما في السفر فهذا جائز مطلقاً فيجوز للمسافر أن يجمع في السفر حتى وإن لم يكن هناك مشقة لأن العلماء رحمهم الله اعتبروا هنا المظنة وهي مظنة المشقة , إلا إذا كان داخل البلد فإنه يجب عليه أنه يصلي مع الناس الصلاة الأولى ثم بعد ذلك إن أراد أن يصلي معها الصلاة الثانية فله ذلك ,والأفضل لمن كان غير سائر أن يصلي كل صلاة في وقتها، وإن كان سائراً فالأفضل أن يجمع. أما في الحضر: فهذا موضع خلاف هل الحضر موضع للجمع أو ليس موضعاً للجمع؟ الأصل أن تؤدى الصلاة في وقتها لأن الله - عز وجل - قال: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} (1) ، وأيضاً أحاديث المواقيت كثيرة جداً: وورد عن عمر- رضي الله عنه - قال: " من جمع بين الصلاتين بلا عذر فقد أتى باباً من الكبائر ". وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى:" لا يجوز أن تؤخر صلاة النهار إلى الليل لا لصنعة ولا شغل باتفاق الفقهاء" (2) . فالأصل أن تؤدى الصلاة في وقتها لكن قد يكون هناك مشقة لتأدية الصلاة في وقتها. فالحضر هل هو محل للجمع أو ليس محلاً للجمع؟ مذهب الحنابلة هو أوسع المذاهب في هذه المسألة - الجمع في الحضر- يقولون: الجمع يجوز بين الصلاتين في كل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة، وقالوا الحاجة والمشقة تبيح الجمع بين الصلاتين، وهذا قال به بعض السلف مثل: ابن سيرين والخطابي وشيخ الإسلام بن تيمية ومن المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ أحمد شاكر رحمهم الله، واشترط بعض هؤلاء العلماء أن لا يتخذ ذلك عادة. وأضيق المذاهب في الجمع مذهب الحنفية فهم لا يجوزون الجمع لا في سفر ولا في حضر، وإنما يجوزونه فقط في عرفة ومزدلفة مع الإمام وأما ما عدا ذلك فهو عندهم جمع صوري يؤخر وقت الأولى ويعجل الثانية.

_ (1) النساء103 (2) مجموع الفتاوى: 22/27

ما يتعلق بصلاة الجمعة

الشافعية أيضاً لا يجوزون الجمع في الحضر إلا المريض ويمنعونه لغيره، مثله أيضاً المالكية يقولون بالنسبة للمريض إذا خشي المانع فإنه يقدم الثانية ويصليها مع الأولى في أول وقتها. والصحيح هو ما ذهب إليه الحنابلة أنه إذا كان يلزم من ترك الجمع حرج ومشقة في الحضر فإن الجمع جائز ولا بأس به، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، - وفي رواية من غير خوف ولا سفر - , فسئل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن ذلك فقال: أراد أن لا يحرج أمته. فدل ذلك إذا كان في الجمع حرج ومشقة فإنه يصار إليه وعلى هذا من يحتاج إليه لإنقاذ معصوم ونحو ذلك كالطبيب الذي يحتاج إلى ساعات لإجراء العملية أو المداواة..إلخ أو رجل الإسعاف أو رجل الإطفاء لإطفاء الحرق ونحو ذلك إذا كان لا يتمكن من أن يصلي كل صلاة كل صلاة في وقتها فإنه يصير إلى الجمع، وعلى هذا يحمل فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم في غزو فتح تُسْتر فإنهم أخروا صلاة الفجر إلى الضحى حيث أنهم لم يتمكنوا أن يفعلوا الصلاة في وقتها. ما يتعلق بصلاة الجمعة المسألة الأولى: الحديث أثناء خطبة الجمعة من قِبَل القائمين على المسجد المساجد الكبار التي تؤدى فيها صلاة الجمعة بعضها قد يكون له أناس يقومون عليه ينظمون الناس ويرتبونهم إلى آخره، فما هو حكم حديثهم حال خطبة الإمام؟ الرأي الأول: جمهور أهل العلم على أن استماع الخطبة واجب. والدليل: لأن الله - عز وجل -قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (1) , فيجب السعي بحيث يتمكن الإنسان من استماع الخطبة.

_ (1) الجمعة9

وأيضاً يدل لذلك حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت " وهذا الحديث في الصحيحين (1) ، (ومن لغا فلا جمعة له) . وأيضاً استدلوا على ذلك بقول الله - عز وجل -: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2) .أمر الله - عز وجل - بالإنصات قال بعض العلماء: المراد بذلك الخطبة وعُبَّر عن الخطبة بالقرآن لأنه يُكثر فيها قراءة الآيات وهذا محل نزاع. الرأي الثاني:رأي الشافعي رحمه الله في الجديد، قال: بأن استماع الخطبة مستحب وليس واجباً واستدل على ذلك: بحديث أنس - رضي الله عنه - المتفق عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -كان قائماً يخطب فدخل رجل فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال فادع الله أن يغيثنا " فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه فقال:" اللهم أغثنا اللهم أغثنا الله أغثنا". فلما كان في الجمعة الأخرى فقال يا رسول الله ادع الله أن يصرفه عنا. فقال صلى الله عليه وسلم الله حولينا لا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر.. . فقالوا هذا الرجل لم يستمع الخطبة وتكلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك أيضاً استدلوا بحديث أنس - رضي الله عنه - أن رجلاً دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فجعل الناس يشيرون إليه فقال:متى الساعة؟ فجعل الناس يشيرون إليه قال ذلك ثلاث مرات فلما كان بعد الثالثة قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:ويحك ما أعددت لها قال: حب الله ورسوله.فقال النبي: - صلى الله عليه وسلم -أنت مع من أحببت ".فقالوا بأن هذا الرجل تكلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك لم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسكوت.

_ (1) أخرجه الشيخان وغيرهما (2) الأعراف204

المسألة الثانية: ما حكم العمل أثناء الخطبة

وكذلك أيضاً استدلوا بحديث عثمان - رضي الله عنه - لما جاء وعمر يخطب وقد تأخر عن الخطبة فأنكر عليه عمر - رضي الله عنه -. والصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه جمهور أهل العلم انه يجب الإنصات لسماع الخطبة وأما هذه الأدلة التي استدل بها الشافعي رحمه الله فنقول أنها أدلة تدل على أنه يجوز للمأموم أن يتكلم مع الخطيب والخطيب لا بأس أن يكلم من شاء من المأمومين فهذا جائز. وعلى هذا لو أن الإنسان لم يفهم شيئاً من الخطبة له أن يسأل الخطيب والخطيب له أن يجيبه، وكذلك لو لم يسمع صوته وأراد أن ينبهه على شيء فله ذلك , وعلى هذا يترتب عليه كلام القائمين على المسجد أثناء الخطبة هل لهم أن يتكلموا او هل لهم لأن ينظموا الناس؟ وهذا يحدث في المساجد الكبار مثل الحرم المكي. نقول الأصل أن هذا محرم ولا يجوز لأنغ استماع الخطبة واجب لكن قد تكون المصلحة عظيمة وكبيرة يحتاج إليها، فاللجنة الدائمة للإفتاء برقم الفتوى 12349 أفتوا القائمين بالمسجد الحرام الذين يرتبون الناس وينظمونهم ويمنعونهم من الجلوس بالممرات..إلخ أفتوهم بأن عملهم هذا جائز لعظم المصلحة أما ماعدا ذلك في بقية المساجد فالأصل في ذلك أنهم يستمعون ويتركون عملهم. المسألة الثانية: ما حكم العمل أثناء الخطبة من نقل الخطبة أو إصلاح مكبرات الصوت أو إصلاح أجهزة التسجيل؟ الفقهاء رحمهم الله يفرقون بين مسألة الكلام وبين مسألة العمل فهم يخففون في العمل يعني كون الإنسان يعمل هذا أخف من كونه يتكلم , لورود الدليل , ولأن الإنسان لا يمنعه عمله من أن يستمع إلى الخطبة. والدليل على أن العمل جائز حديث أبو هريرة أن سليك الغطفاني لما دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصليت ركعتين؟ قال: لا , قال: قم فصل ركعتين ". فكونه يصلي ركعتين أثناء الخطبة فهذا عمل.

المسألة الثالثة: ترجمة الخطبة بعد الصلاة لمن لا يتكلم بالعربية

وكذلك مما يدل على ذلك حديث أنس المتقدم حين قال الرجل متى الساعة يا رسول الله فجعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم يشيرون إليه وهذا نوع من العمل. ومثله أيضاً حديث معاوية بن الحكم حين تكلم في الصلاة فجعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم يشيرون إليه أن يسكت ويضربون بأفخاذهم. والحنابلة نصوا على أن من رأى منكراً في أثناء الخطبة فله أن يشير إلى صاحب المنكر أن ينتهي عن منكره، وأيضاً نص الفقهاء قالوا لا بأس للإنسان أن يشرب الماء في أثناء الخطبة، وكذلك نصوا على أنه إذا لحقه نعاس له أن يتحول من مكان إلى مكان آخر لطرد النعاس وله أن يستاك إذا احتاج إليه لطرد النعاس , وكذلك نصوا لو أن الإنسان تصدق على فقير في أثناء الخطبة أن هذا جائز ولا بأس به. وعلى هذا نفهم أنه لا بأس على العمل على إصلاح مكبرات الصوت في أثناء الخطبة وأن هذا لا يعتبر من اللغو , أو العمل على تسجيل الخطبة أو على العمل على نقل الخطبة إلى مكان آخر فهذا كله جائز ولا بأس به. المسألة الثالثة: ترجمة الخطبة بعد الصلاة لمن لا يتكلم بالعربية. أهل العلم رحمهم الله اختلفوا في خطبة الجمعة هل يشترط أن تكون بالعربية أو أنها تصح بكل لسان؟ للعلماء رحمهم الله في ذلك ثلاثة آراء: الرأي الأول: أنه يشترط تكون الخطبة بالعربية وهذا مذهب الإمام مالك والشافعي. واستدلوا على ذلك: بحديث مالك بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي" (1) . والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب بالعربية. وقالوا أيضاً بأن الأذكار توقيفية كقراءة القرآن فهذه يتوقف فيها على النص وكما أن القرآن لا يقرأ ولا يترجم ترجمة حرفية فكذلك أيضاً الخطبة. والرأي الثاني:أن الخطبة تصح بكل لغة، وهذا مذهب أبي حنفية رحمه الله , واستدل على ذلك:

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الآذان باب الأذان للمسافر (1 / 162)

قول الله - عز وجل -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (1) ، يعني بلغتهم ولا يحصل البلاغ والتعليم إلا إذا كان بلغة المخاطبين. والرأي الثالث: التفصيل في هذه المسألة أنه يشترط أن تكون الخطبة بالعربية إلا مع العجز إذا كان الخطيب لا يتكلم العربية فإنه يخطب بلسان قومه. وهذا هو المشهور من مذهب أحمد رحمه الله. والأقرب في هذه المسألة أن يقال: ينظر إلى حال المستمعين: 1- فإذا كان المستمعون لا يفهمون العربية فإن الخطبة تكون بلغتهم كما هو مذهب الحنفية لأن الله - عز وجل -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (2) يعني بلغتهم فإذا كان ذلك في أصل تبليغ الرسالة أنها تكون بلسان القوم المرسل إليهم ففي تفاريع الرسالة من باب أولى لأن الخطبة نوع من تبليغ الرسالة. وأيضاً النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود لكي يتمكن النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكاتبتهم بلغتهم وإقامة الحجة عليهم. 2- أن تكون لغة المستمعين هي العربية وفيهم أناس لا يتكلمون العربية فنقول لخطبة هنا تكون بالعربية وأما غير العرب فإن الخطبة تترجم لهم فهذا طريق. فالطريق الأول: أن الخطبة تترجم لهم بعد الصلاة فهذا جائز ولا بأس به ولا يكون هذا من قبيل المحدث بل إن هذا من قبيل تبليغ الخطبة, وتبليغ الخطبة قد لا يكون إلا بهذا الطريق كما يسلك في بعض المساجد. الطريق الثاني: قال به بعض أهل العلم أن هؤلاء الذين لا يتكلمون العربية تترجم لهم الخطبة في أوراق ثم توزع عليهم الخطبة ويقرؤونها. الطريق الثالث:أن الخطبة تسجل وأثناء إلقاء الإمام الخطبة أنه يوضع لهم تسجيل بلغتهم يستمعون إليه أثناء الخطبة عن طريق خلال سماعات.

_ (1) إبراهيم4 (2) إبراهيم4

النوازل المتعلقة بأحكام الكسوف

وكونه يقرؤون الخطبة في أوراق أو أنهم يقومون باستماعهم لها عن طريق التسجيل فهذا جائز ولا بأس به. وقد نص الحنابلة والشافعية رحمهم الله على ذلك، قالوا: بأن الشخص الذي لا يستمع خطبة الإمام لكونه أصم أو لكونه بعيداً عن الإمام ولا يستمع الخطبة له أن يشتغل بالذكر والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقراءة القرآن، وبقراءة كتب أهل العلم..إلخ. ومثل ذلك أيضاً هذا الأعجمي الذي لا يفهم العربية لو اشتغل بقراءة الخطبة التي يخطبها الإمام أو اشتغل بسماع الخطبة عن طريق المسجل وكذلك القراءة، فإن هذا جائز ولا بأس به وهو بمنزلة الأصم والبعيد. واستدلوا على ذلك بحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ " أخرجه الإمام أحمد رحمه الله. فقيد ذلك بسماع الكلام وهذا لا يسمع الكلام. وكذلك أيضاً أن المقصود من سماع الخطبة هو الإفادة والفهم، ومثل هذا الأعجمي وهذا البعيد لا يستفيد ولا يفهم فله أن يشتغل بعبادة أخرى. وسبق أن ذكرنا أنه يفرق بين العمل والحديث في الخطبة وأن العمل أخف من الحديث وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" من مس الحصى فقد لغا ". نقول أن العمل أناء الخطبة أنه ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: عمل للمصلحة كما تقدم وضربنا لذلك أمثلة وأن هذا جائز ولا بأس به. والقسم الثاني: عمل لغير مصلحة ولغير حاجة فإن هذا هو الذي لا يجوز. وأما مثل هذا العمل فإنه للحاجة فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به. النوازل المتعلقة بأحكام الكسوف تعريف الكسوف والخسوف: الكسوف: لغة هو التغير إلى السواد. الخسوف لغة: هو الذهاب والنقصان. وأما في الاصطلاح:هو انحجاب ضوء الشمس أو القمر كله أو بعضه بسبب غير معتاد سبب الكسوف: الكسوف له سببان: 1-: سبب شرعي 2 -: سبب كوني.

المسألة الأولى:ما يتعلق بنشر وقت حدوث الكسوف

فالسبب الشرعي: هو تخويف الله العباد لكي يرجعوا وينيبوا إلى الله - عز وجل - كما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيح:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده". ذكر ابن المُنَيَّر رحمه الله أن الكسوف بمثابة الإنذار بوقوع العقوبة من الله عز وجل، ولهذا أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد حصول الكسوف بالدعاء والصلاة والاستغفار والتوبة والصدقة والعتق، والرجوع إلى الله عز وجل. والسبب الكوني: أما بالنسبة لكسوف الشمس سبب ذلك هو حيلولة القمر بين الشمس وبين الأرض , فإذا حال القمر بين الشمس وبين الأرض فإنه يحصل كسوف الشمس. سبب الخسوف: أما سبب خسوف القمر هو حيلولة الأرض بين الشمس والقمر , لأن نور القمر مستفاد من نور الشمس، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن القمر كالمرآة والشمس كالقنديل، فالقمر يأخذ نوره من الشمس ثم يعكس مرة أخرى على الأرض فإذا حالت الأرض بين القنديل وبين المرآة لم يحصل انعكاس لضوء القمر. ومعرفة الكسوف ليس من علم الغيب الذي استأثر الله- عز وجل - بعلمه بل هو من العلم الحسي المدرك وقد نص على هذا العلماء رحمهم الله وأنهم يتفقون على ذلك وإنما يعرفه الحُسَّاب والمنجمون فكل من اطلع على شيء من علم الحساب والفلك فإنه يتمكن من معرفة الكسوف والخسوف عن طريق الحساب. المسألة الأولى:ما يتعلق بنشر وقت حدوث الكسوف أو الخسوف في وسائل الإعلام. هل نقول أن هذا من قبيل المشروع أو نقول بأن هذا ليس من قبيل المشروع؟

المسألة الثانية: وإذا نشر خبر حدوث الكسوف

نقول: إذا تأملنا الحكمة التي من أجلها حصلت هذه الآيات العظيمة بأن هذا ليس مشروعاً لأن الحكمة هي تخويف العباد وكونه ينشر ويتناقله الناس بوسائل الاتصال المختلفة هذا يخفف من وقع هذه الآية على قلوب الناس فلا تحصل الحكمة التي من أجلها شُرع الكسوف من تخويف العباد وإرجاعهم إلى الله عز وجل وأيضاً ما يتعلق بالسنن المتعلقة بهذه الصلاة من الصدقة والعتق والاستغفار والصلاة ,لأنه إذا خف وقع هذه الآية على قلوب الناس فإن الداعي لعمل هذه السنن والشعائر يضعف عند كثير من الناس وهذا شيء ملاحظ ,وعلى هذا فليس مشروعاً هذا العمل بل يترك فالأولى تركه وهذا هو الأليق بحكمة هذه الآيات. المسألة الثانية: وإذا نشر خبر حدوث الكسوف أو الخسوف في وسائل الإعلام ثم بعد ذلك حصل غيم أو قتر فهل يصلى بناءً على ما ذكر أنه سيحصل خسوف في وسائل الإعلام أو نقول بأنه لا تشرع الصلاة؟ نقول: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الأمر بالرؤية البصرية، فقال: " إذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى دعاء الله واستغفاره " وفي لفظ " الصلاة ". ولهذا قال الدارمي رحمه الله:" لا يعمل بالكسوف بقول المنجمين". فإن رأينا الكسوف فإننا نصلي وإن حال بيننا وبين رؤية الكسوف غيم أو قتر أو غير ذلك فإننا لا نصلي ولو نشر ذلك في وسائل الإعلام أنه سيقع. المسألة الثالثة:ما حكم لو كسفت الشمس أو خسف القمر ثم حصل بعد ذلك شيء من الغيم أو قتر وشككنا في وجوده أو عدم وجوده؟ نقول الأصل في ذلك الصلاة, ولهذا ذكر الزركشي رحمه الله في المنثور قال: ولو كسفت الشمس في حال سحاب فلم يدرى هل انجلت أم لا فله أن يصلي. وذكرنا فيما تقدم أن المعتمد هو الرؤية البصرية لما ذكرنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الأمر على الرؤية ,فقال: " إذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى دعاء الله واستغفاره ".

النوازل المتعلقة بأحكام الجنائز

وأيضا قال العلماء أن الأصل عدم الكسوف وقالوا أيضاً بأن قول الحُساب والمنجمين من باب الظن وليس من باب اليقين. النوازل المتعلقة بأحكام الجنائز المسألة الأولى: النعي والنعي:هو الإخبار بموت الميت. والأصل في النص النهي ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وغيره " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بالصحابة وصلى عليه صلاة الغائب ". وكذلك أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى أصحاب سرية مؤتة فقال: " أصيب زيد أصيب جعفر أصيب عبد الله " نعاهم للصحابة رضي الله تعالى عنهم بالمدينة. ووكذلك أيضاً حديث حذيفة رضي الله عنه قال أنه قال: إذا مت فلا تؤذنوا بي إني أخاف أن يكون نعياً فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ينهى عن النعي" وهذا أخرجه الإمام أحمد والترمذي وصححه الترمذي. النعي ذكر العلماء رحمهم الله أن له ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يُعلم أقارب الميت وأصدقاؤه وجيرانه بموته لكي يجتمعوا على تجهيزه من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه والدعاء له بالرحمة وغيره فنقول بأن هذا من النعي المشروع،وليس من النعي المذموم حتى ولو حصل ذلك بوسائل الاتصال. والدليل على ذلك حديث أبي هريرة السابق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بالصحابة "وأعلم الصحابة لكي يصلوا عليه وخرج النبي عليه الصلاة والسلام بالصحابة رضي الله تعالى عنهم وصلى بالنجاشي. الصورة الثانية: أن يُبعث من ينادي في الناس ومجامعهم ونواديهم ألا إن فلاناً قد مات فاشهدوا جنازته، ومن ذلك أيضاً ما يحصل في وسائل الإعلام في الصحف والمجلات وغير ذلك , هذه الصورة اختلف فيها العلماء رحمهم الله: الرأي الأول: أن ذلك مكروه وأنه مذموم وهو من النعي المذموم , وهذا رأي جمهور أهل العلم.

واستدلوا على ذلك ما تقدم من حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه" إذا مت فلا تؤذنوا بي فإني أخاف أن يكون نعياً فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي ". وأيضاً قالوا بأن هذا فيه تشبهاً بأهل الجاهلية،فإن أهل الجاهلية كان إذا مات فيهم الميت يصعدون على المرتفعات ويقفون في مجامع الناس فينادى بأن فلان قد مات ويذكرون شيئاً من مآثره ومناقبه..إلخ. الرأي الثاني: أن هذا جائز ولا بأس به وهو رأي الحنفية. واستدلوا على ذلك: بأن الأصل في ذلك الجواز. وأيضاً استدلوا بما تقدم أن - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه. وكذلك أيضاً أن - صلى الله عليه وسلم - نعى أصحاب سرية مؤتة. الرأي الثالث: التفصيل إذا كان المقصود في ذلك غرض صحيح ومصلحة فإن هذا جائز مثلاً المقصود أن يصلى عليه وأن تشهد جنازته وكذلك أيضاً أن يتعاون الناس في تغسيله وتكفينه ودفنه، وكذلك أيضاً من كان له دين أو معاملة من هذا الميت يأتي لكي يأخذ حقه منه لأنه قد لا يتمكن من ذلك إلا عن طريق وسائل الإعلام فإن هذا جائز ولا بأس به بل هو مطلوب لأن فيه إبراء لذمة الميت وهذا قال به طائفة من فقهاء الشافعية.وهذا القول هو الأقرب. الصورة الثالثة: أن يكون ذلك مُشْبِهاً لنعي أهل الجاهلية أن يُبعث من ينادي في الناس ومجامعهم ونواديهم فيذكر محاسنه ومآثره وقد يصحب ذلك شيء من الصياح والنياحة، فهذا نعي مذموم ومنهي عنه. فتلخص لنا أن النعي أن يكون قبل تجهيز الميت وقبل تغسيله وقبل تكفينه وقبل الصلاة عليه لكي يتساعد الناس في تجهيزه ولكي يجتمعوا على الصلاة عليه هذا أمر مطلوب ومشروع لأن - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وكذلك أيضاً النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى أصحاب سرية مؤتة هذا قبل تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.

المسألة الثانية: ما يتعلق بحجز جثة الميت من قبل المستشفى

القسم الثاني: النعي بعد الصلاة عليه نقول لا ينعى وأن هذا غير مشروع إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة كأن يكون لهذا الميت معاملات أو عليه ديون ويريد ورثته أن تسدد عنه الديون فنقول بأن هذه مصلحة وأن هذا جائز حتى ولو حصل في وسائل الإعلام من الجرائد وغيرها. أما إلقاء الخطب والمحاضرات بعد موت زيد من الناس ولو كان عالماً نقول هذا كله غير مشروع فإن كان في أثناء المصيبة فهو نوع من النعي ونوع من تهييج الأحزان ولا يترتب عليه فائدة وأما إن كان ذلك بعد تباعد المصيبة فنقول لا بأس أن تلقى محاضرة عن العالم الفلاني أداء لحقه وأيضاً حثاً الأمة أن تقتدي به وأن تقتبس من سيرته وتربية للناشئة على سيرته لأن هذا نوع من حقه, فنقول إن كان بعد تباعد المصيبة فإن هذا مطلوب ولا بأس به لأن العلماء ألفوا الكتب في سير الرجال وكتب الطبقات وذكروا مناقب الرجال والعلماء. وأما أثناء المصيبة فإن هذا منهي عنه بل هو نوع من تهييج الأحزان وإيقاظ المصيبة والشارع شرع التعزية لتسلية المصاب كل ذلك درءا لهذا المحظور. المسألة الثانية: ما يتعلق بحجز جثة الميت من قبل المستشفى مقابل تسديد ما عليه من مبالغ مالية. أي قد كون هذا المستشفى مستشفاً تجاري ويتعالج فيه هذا المريض ثم بعد ذلك تحصل الوفاة لهذا المريض وعليه شيء من الحقوق المالية فتقوم بعض المستشفيات بحجز الجثة وأنه لا تُسَلم الجثة لأقارب الميت إلا بعد أن يسدد ما عليه من المبالغ المالية. فما حكم هذا العمل هل هذا العمل سائغ أو نقول بأنه غير سائغ؟ نقول بأن حجز جثة الميت هذا عمل محرم ولا يجوز والدليل على ذلك: لأن الأصل هو الإسراع والمبادرة بتجهيز الميت وتغسيله وتكفينه ففيه تعطيلاً لهذه السنة. ولهذا ورد في الطبراني في الكبير وحسنه الحافظ بن حجر حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره ".

وأيضا ًحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكون سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " متفق عليه. وأيضاً الصحابة - رضي الله عنهم - كما في قصة المرأة التي تقم المسجد أو الرجل الذي كان يقم المسجد مات في الليل ومع ذلك لم ينتظر به الصحابة - رضي الله عنهم -صلاة الفجر بل جهزوه وغسلوه وصلوا عليه فدفنوه في الليل. فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هلا آذنتموني " فدلوه على قبرها أو قبره فصلى عليه " وهذا في صحيح البخاري وغيره. والعلماء يقولون: لا بأس بالتأخير اليسير مثلاً توفي الميت بعد الظهر فلابأس أن يؤخر إلى صلاة العصر أو توفي في الضحى فلابأس أن يؤخر إلى الظهر ولهذا نعرف أن ما يفعله بعض الناس إذا توفى الميت اليوم مثلاً فإنه يجهزونه من غد فهذا خطأ وخلاف السنة , اللهم إن كان ذلك يترتب عليه مصلحة عظيمة وملحة فهذه الأشياء تقدر بقدرها لكن الأصل في ذلك المبادرة بتجهبيز الميت. أما بالنسبة لهذه الديون لهذا المستشفى لا تخلوا من ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون الميت دخل بكفالة يعني كفله شخص فنقول ليس هناك داعي لحبس جثة الميت وإنما الكفيل هو الذي يقوم بتسديد المبلغ الذي عليه ثم بعد ذلك يرجع على التركة. الحالة الثانية: أن يكون الميت معسراً ليس عنده شيء، فنقول الآن فسدت ذمته يعني ليس له ذمة صحيحة فكيف يطالب! وليس هناك مسوغ شرعي لحبس جثة الميت لأنه ليس عنده شيء وورثته لا يجب عليهم أن يسددوا الديون ولا يطالب الورثة باتفاق العلماء لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} . وهذا خلاف ما يفهمه كثبر من الناس حيث يفهمون على أن الميت إذا كان معسراً وعليه ديون أن أولاده يجب عليهم أن يسددوا هذا الدين وربما أخذوا الزكاة لتسديد هذا الدين , وأداء الزكاة عن الميت هذا محرم ولا يجوز.

المسألة الثالثة: ما يتعلق بتشريح جثة الميت

ولكن كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله ". فهذا الميت إن أخذها يريد الأداء فإن الله عزوجل يؤدي عنه يوم القيامة لصاحب الدين , وإن أخذها يريد أكلها والمماطلة وغير ذلك فإن الله عزوجل يتلفه. الحالة الثالثة: أن يكون موسراً له تركة , فإن حقه يتعلق بمال الميت في التركة ولا يتعلق ببدن ولا بجثة الميت , فنقول المستشفى كسائر من له دين على هذا الميت فيرجع على التركة ويأخذ حقه من تركته كما قال الله عزوجل: {ِمن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} .فتقدم الديون والوصايا ثم بعد ذلك إن بقي شيء فيكون للورثة. ولهذا يتبن أن مثل هذا الحبس محرم ولا يجوز وأيضاً من باب المروءة والأخلاق الإسلامية هذا لا يستساغ. المسألة الثالثة: ما يتعلق بتشريح جثة الميت. علم التشريح: هو علم يبحث في كيفية أجزاء بدن الميت وتركيبها من العروق والأعصاب والغضاريف والعظام واللحم وغير ذلك من أحوال كل عضو. والفقهاء من قديم الزمان يتكلمون فني علم التشريح بل إن علماء الإسلام ألفوا مؤلفات في علم التشريح كما سنذكر شيئاً منها فمثلاً الفقهاء يقولون الاكتحال في رمضان يفطر لأن أهل التشريح يقولون بين العين وبين الحلق منفذ. وأيضاً قال بعض الفقهاء المني نجس لأنه يخرج من مخرج البول. والقول الثاني قالوا أن المني طاهر لأن علم التشريح يقولون هناك ثلاثة مخارج: مخرج للبول مخرج للمني ومخرج للمذي فمخرج البول غير مخرج البول. وغير ذلك فتجد أن الفقهاء يتكلمون عن علم التشريح وكما ذكرنا أن العلماء لهم مؤلفات في ذلك - علم التشريح -: ابن جماعة الكناني الشافعي رحمه الله له كتاب في التشريح والسيوطي له كتاب أيضاً في علم التشريح وكذلك حسن عطارله حاشية على شرح كتاب الجلال المحلي في أصول الفقه له كتاب مستقل في علم التشريح.

والعلماء رحمهم الله ذكروا أسباب تشريح الجثة: أولاً: سبب التعليم:كما يسلكه الآن طلاب كليات الطب البشري , فيأتون بالجثة ثم يشرحونها لكي يتعلم الطلبة على هذه الجثة وينظرون إلى الأعضاء. ثانياً: التشريح الجنائي: وذلك لمعرفة سبب وفاة المريض هل سبب وفاته سبب طبيعي أو أن سبب وفاته سبب غير طبيعي ناتج عن اعتداء إما خنق وإما ضرب وإما سم أو غير ذلك. ثالثاً: التشريح المرضي: وهو الكشف عن سبب الوفاة عموماً لماذا مات هذا الشخص, أي ليس هناك اتهام أو قضية وليس هناك تعلم في كليات الطب لكن لكي يعرف ما هو سبب موت هذا الشخص ما هي العلل وما هي الأسقام التي أدت بوفاته لكي يتخذ أسباب الوقاية من الأدوية ونحو ذلك. هذه أقسام التشريح اختلف فيها العلماء رحمهم الله: القسم الأول: التشريح لأجل التعلم هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟ هذا موضع خلاف فالعلماء رحمهم الله لهم في ذلك ثلاثة آراء: الجواز مطلقاً، المنع مطلقاً، التفصيل في هذه المسألة. الرأي الأول: الجواز مطلقاً. هذا صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة في دورته العاشرة اختار قول من قال بالجواز وأنه لا بأس لطلاب الطب البشري أن يزاولوا مثل هذه المهن وتشرح مثل هذه الجثث. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة: إذا تعارضت مصلحتان تقدم أعلى المصلحتين فعندنا مصلحة الميت أنه لا يشرح وعندنا المصلحة العامة وهي أنه يشرح كي يستفيد الناس ويتعلم هؤلاء الطلاب الذين سيتمكنون من مداواة الناس..إلخ فقالوا المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة. كذلك أيضاً إذا تعارضت مفسدتان فإنه ترتكب أدنى المفسدتين، فتشريحه مفسدة والجهل بأحكام علم الطب مفسدة عامة فترتكب أدنى المفسدتين. والفقهاء رحمهم الله نصوا على شيء من ذلك فقالوا: لا بأس من أن يشق بطن الميت الحامل لكي يخرج الحمل إذا كان هذا الحمل ترجى حياته.

وقالوا أيضا ًبأن الميت لو كان بطنه مال مغصوب فإنه لا بأس أن يشق بطنه ليستخرج هذا المال المغصوب. كذلك أيضاً قالوا أنه يجوز في حالة الاضطرار أكل بدن الميت فكذلك أيضاً هذا التشريح فإنه يجوز. الرأي الثاني: المنع مطلقاًوأن هذا لا يجوز. واستدلوا على ذلك بأدلة: قول الله - عز وجل - {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (1) . حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كسر عظم الميت ككسره حياً " (2) . أن العلماء مجمعون على أن الخصاء - يعني قطع خصتي أهل الحرب والأرقاء - محرم. أن الشارع نهى عن المثلة والنُّهبة كما في حديث قتادة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النهبة والمثلة" (3) . حديث أبي مرثد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " (4) فإذا كان الجلوس محرم فبتشريح الجثة من باب أولى. والرأي الثالث: التفصيل في هذه المسألة أنه يجوز تشريح جثة الكافر لغرض التعلم وأما المسلم فلا يجوز تشريح جثته , وهذا القول هو الذي صدرت به قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (47) , واستدلوا على ذلك بأدلة: أن الله - عز وجل -قال في حق الكافر: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (5) ، فكرامة الكافر ليست ككرامة المسلم فهي أخف وحرمته ليست كحرمة المسلم،فالكافر أهان نفسه بالكفر وعدم الإيمان فليس له مكرم , فقالوا بأن هذا يسوغ تشريح جثة الكافر دون المسلم.

_ (1) الإسراء70 (2) رواه مالك وأبو داود وابن ماجه (3) رواه البخاري من حديث عبد الله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن النهبة والمثلة. (4) رواه مسلم (5) الحج18

للحاجة والضرورة. بأن جثة الكفار يمكن الحصول عليها ويجوز شراء هذه الجثث بأرخص الأسعار للضرورة لأن الكفار لا يحترمون أبدانهم وجثثهم كما يحترم المسلمون جثة المسلم الذي امتثل أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - , ولهذا في كثير بلدان أهل الكفر يحرقون جثث موتاهم ومنهم من يلقيها في البحر ليتخلص منها. الترجيح: وهذا القول هو الأقرب يفصل في هذه المسألة. وذكروا لجواز ذلك شروطاً: أن يكون التشريح بقدر الحاجة، فإذا احتجنا أن نشرح اليد فلا نشرح بقية الجسم القدم أو احتجنا أن نشرح الرأس فلا نشرح بقية الجسم فمثلاً الطلاب الذين يدرسون طب العيون بحاجة إلى تشريح العين وليسوا بحاجة إلى القدم أو الرجل فالتشريح يكون بقدر الحاجة أو مثلا ً الذين يدرسون في تخصص القلب يشرحون القلوب فقد يحتاجون لإلى شيء آخر لكن إذا كانوا لا يحتاجون إلى شيء آخر نقول الضرورة تقدر بقدرها. أن تشريح جثث النساء يكون من قبل النساء وأما تشريح جثث الرجال فإنه يكون من قبل الرجال. أن هذه الأجزاء تدفن بعد تشريحها. القسم الثاني: التشريح الجنائي أو التشريح من أجل التحقيق الجنائي وذلك أن يشك في موت هذا الشخص هل كان موته طبيعياً أو أنه مات بسبب غير طبيعي كما لو أعتدي عليه إما بخنق أو بضرب أو بتسميم ونحو ذلك فيحتاج إلى أن تشرح جثثه فينظر هل هناك سبب غير طبيعي أدى إلى وفاته أو أن وفاته طبيعية. جمهور المعاصرين أن التشريح الجنائي جائز وقد يكون واجباً وقد أخذ به مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة وكذلك أيضاً هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية فتوى رقم (47) وكذلك أيضاً دار الفتيا المصرية، لأن التشريح الجنائي يترتب عليه مصالح عظيمة والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة وترتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما , فمصلحة الميت لا أنها لا تشرح جثثه لكن المصلحة العامة وهي مصلحة المجتمع أن تشرح الجثة.

ومن المصالح التي تترتب على تشريح الجثة في التشريح الجنائي: 1 - صيانة حكم القاضي من الخطأ , لأن القاضي إذا لم تشرح هذه الجثة قد يخطئ في الحكم لعدم وجود الدليل على أن الموت كان طبيعياً أو أن الموت كان بسبب اعتداء على هذا الشخص , فمع التشريح يهتدي القاضي إلى إصابة الحق. 2 - صيانة حق المتهم , قد يكون هناك شخص يتهم بقتل هذا الشخص فنحتاج إلى تشريح جثثه هل موته كان طبيعياً أو كان غير طبيعي. 3 - صيانة حق المجتمع وذلك بتحقيق الأمن. وهذا التشريح الجنائي اشترط العلماء رحمهم الله له شروطاً: الشرط الأول: أن يكون هناك متهم يتهم بالاعتداء على هذا الشخص وقتله , فإن لم يكن هناك متهم فلا حاجة إلى التشريح. الشرط الثاني: قيام الضرورة للتشريح هذه الجثة وذلك لضعف الأدلة الجنائية , لأن الأصل في التشريح أنه محرم ولا يجوز لما في ذلك من انتهاك هذه الحرمة ولما في ذلك من التمثيل والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المثلة (1) . وأما إذا لم تقم ضرورة بأن كانت الأدلة الجنائية واضحة في أن المعتدي هو زيد من الناس أو انه قد مات موتاً طبيعياً فإنه لا يلجأ إلى التشريح الشرط الثالث: إذن القاضي الشرعي. الشرط الرابع: أن يكون هناك طبيب ماهر يتمكن من معرفة ما يبين حال الجناية. الشرط الخامس: أن لا يُسقط الورثة حقهم فلو أن الورثة أسقطوا حقهم من المطالبة بدم الجاني فإنه لا فائدة من التشريح حينئذ. القسم الثالث: التشريح المرضي وذلك أن يشرح الميت لكي ينظر ما هي الأسباب والعلل التي أدت إلى موته، ويترتب على ذلك أنه تتخذ الأدوية والعلاجات والوقايات من هذا المرض. هذا التشريح المرضي موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله:

_ (1) رواه البخاري من حديث عبد الله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن النهبة والمثلة

المسألة الرابعة: نقل الميت من بلد إلى بلد آخر

والصحيح في هذه المسألة أنه يجوز عند وجود الغرض الصحيح فلا بد أن يكون هناك سبب أو غرض صحيح يدفع إلى جواز التشريح، كأن يصاب هذا الشخص بمرض ,وهذا المرض يخشى تعديه على المجتمع لكونه مرضاً حادثاً طارئاً لم تتخذ له العلاجات والوقايات. والعلة في ذلك أن المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة فتقدم أعلى المصلحتين على أدناهما وترتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما , وذلك أن تحصين المجتمع من الأمراض ووقايته منها هذه مصلحة عامة وحرمة الميت مصلحة خاصة فتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. والعلماء رحمهم الله جوزوا التشريح الجنائي حتى بعد موت الميت ودفنه لما يترتب على ذلك من المصلحة العظيمة التي تقدم على مصلحة حرمة الميت وحرمة انتهاكه بعد دفنه لكن التشريح من أجل التعلم هذا لا يجوز بعد دفن الميت وكذلك أيضاً التشريح المرضي هذا أيضاً لا يجوز. وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن نبش القبر يجوز في مواضع منها: الموضع الأول: إذا دفن الميت بلا تغسيل فجمهور أهل العلم قالوا يجوز أن ينبش القبر ثم يغسل الميت ما لم يتغير الميت كما لو تغيرت حالته أو تفسخ ونحو ذلك فإنه لا ينبش في هذه الحالة لكن إذا كان الميت قريب العهد بالدفن ودفن بلا تغسيل قال العلماء أنه يجوز أن ينبش لكي يغسل. الموضع الثاني: إذا دفن إلى غير القبلة فالشافعية والحنابلة قالوا بأنه لا بأس أن ينبش من قبره ويدفن إلى القبلة. الموضع الثالث: لو دفن قبل الصلاة عليه، فالحنابلة والمالكية قالوا لا بأس أن ينبش وأن يصلى عليه. الموضع الرابع: لو دفن بلا كفن فالحنابلة جوزوا نبشه وتكفينه ثم بعد ذلك يدفن والشافعية منعوا من ذلك. الموضع الخامس: لو دفن في أرض مغصوبة فالفقهاء يتفقون على أنه يجوز أن ينبش وأن يدفن مع الناس. المسألة الرابعة: نقل الميت من بلد إلى بلد آخر.

نقل الميت هذا ليس طارئاً ونازلا ً وإنما كان موجوداً في الزمن السابق لكن مع تقدم وسائل النقل أصبح نقل الأموات أسهل من غيره ففي فترة وجيزة ينقل الميت من مكان إلى مكان آخر ,فهل يجوز نقل الميت من بلد إلى بلد آخر أو لا يجوز نقله؟ أولاً: هناك مواضع لا يجوز فيها نقل الميت من بلد إلى بلد آخر: الموضع الأول: إذا أدى ذلك إلى هتك حرمة الميت أو تغيير جثته فنقول هذا لا يجوز كما لو كان النقل لفترة طويلة وسيسبب ذلك أن تتغير جثة الميت مما يؤدي إلى هتك حرمته , فنقول بأن هذا غير جائز ويجب أن يدفن في محله. الموضع الثاني: الشهداء لا يجوز نقلهم ويجب دفنهم في مواضعهم. ودليل ذلك حديث جابر- رضي الله عنه - " أن شهداء أحد نُقلوا إلى المدينة فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يردوا إلى مضاجهم فردوا إلى الأماكن التي استشهدوا فيها ". وهذا أخرجه أحمد وغيره. الموضع الثالث: نقل الميت للضرورة هذا جائز ولا بأس به كما لو مات في بلاد كفار وخشي على هذا الميت من أن يعبث الكفار بجثثه بالتمثيل أو بالتحريق أو بالتقطيع أو البيع ونحو ذلك فهذا جوز العلماء رحمهم الله نقله. أما في غير هذه المواضع الثالثة هل ينقل الميت أو لاينقل؟ وقد تجد أن بعض الأموات قد يوصي أن يدفن في البلد الفلاني إما لكون هذا البلد هو بلده حتى يكون قريباً من أهله أو لكون هذا البلد بلداً مقدساً كمكة والمدينة وبيت المقدس , فهل تنفذ هذه الوصية؟ أو لم تكن هناك وصية واختار أقاربه أن ينقلوه هل لهم ذلك أو ليس لهم ذلك؟ في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم: الرأي الأول:مذهب الحنابلة والمالكية أن النقل جائز وهو أوسع المذاهب في هذه المسألة في نقل الميت حتى نصوا على نقله بعد دفنه قالوا بعد دفنه ينبش وينقل.

الرأي الثاني: مذهب الحنفية أن نقل الميت مكروه إلا لمسافة يسيرة قالوا كالميلين- يعني ما يقرب ثلاثة كيلومترات فقط - أما ما عدا ذلك لا ينقل ولا يفرقون بين البلد المقدس وغيره وهو أضيق المذاهب في هذه المسألة. الرأي الثالث:مذهب الشافعية رحمهم الله التفصيل في هذه المسألة يقولون إن كان لبلد مقدس فإن هذه جائز لا بأس به وإن كان لغير لبلد مقدس فإنه يحرم ولا يجوز. وننبه أن هذا الكلام ما لم يؤدي النقل إلى هتك حرمة الميت بتغيره فإذا كان يؤدي إلى تغيره فإنه لا يجوز وأما إذا لم يؤدي إلى تغيره مثل وقتنا الحاضر فإنه يمكن نقله إلى مكة خلال ساعات وكذلك بسب وسائل الحفظ الموجودة فإنه لا يؤدي إلى تغيره. أدلة من قال بجواز النقل: " أن موسى عليه السلام لما حضرته الوفاة سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر" وهذا أخرجه البخاري ومسلم. أن عمر - رضي الله عنه - كما في البخاري استأذن عائشة رضي الله تعالى عنها أن يدفن في حجرتها بجوار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر رضي الله عنه , فيقاس عليه مثل ذلك لو أن هذا الرجل الذي مات وصى بأن ينقل إلى بلده ليدفن بجوار أهله وأقاربه. أن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - توفي بالعقيق ونقل إلى البقيع (إن ثبت فالأمر يسير) . أن عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنه - توفي بِحُبَشِي وهذا موضع قريب من مكة ونُقل إلى مكة. والمتأمل لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك أيضاً الصحابة - رضي الله عنهم - يجد انهم يدفنون موتاهم في البلد الذي مات فيه لم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بأن ينقل من مات في المدينة إلى مكة مع أن مكة أفضل من المدينة،أو أن من مات خرج المدينة ينقل إلى المدينة أو ينقل إلى مكة فهذا لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة - رضي الله عنهم -.

المسألة الخامسة: الجلوس للعزاء هل هذا مشروع أو نقول بأنه غير مشروع

وأما ما ورد من الآثار في ذلك فيحمل على الأمور اليسيرة كأثر سعد بن أبي وقاص إن ثبت ,وأما أثر عبد الرحمن بن أبي بكر فإنه ضعيف. فتخلص لنا أنه يجوز نقل الأموات في موضعين: الموضع الأول: إذا كان الأمر يسيراً فإن هذا جائز ولا بأس به كأن تكون المسافة عشرة كيلومترات، أو عشرين كيلومترات فإن سعد بن أبي وقاص نقل من العقيق إلى البقيع ودفن فيه.وكذلك أيضاً موسى عليه الصلاة والسلام سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر. ورمية الحجر هذه ليست مسافة كبيرة. الموضع الثاني: إذا مات في بلاد الكفار واختار أولياؤه أن ينقل إلى بلد المسلمين فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به لأن هذا غرض صحيح. وأما ما عدا ذلك فهذا غير مشروع لأدلة: لأنه م يرد أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا ينقلون موتاهم الصحابة , لم يرد النقل إلا في الشهداء فقط وإنما نقلوهم لكي يدفنوا مع المسلمين في البقيع فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الشهيد له أحكام خاصة فقال يبقى في موضعه وليس مرادهم هو النقل وإنما مرادهم بذلك أن يدفنوا في البقيع مع المسلمين. أن السنة هي المسارعة في تجهيز الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه لحديث ًحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكون سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " (1) .والنقل يؤدي إلى تأخير هذه السنة وتعطيلها. قد يلحق أولياء الميت في ذلك المشقة أو يلحقهم في ذلك تكاليف مالية. المسألة الخامسة: الجلوس للعزاء هل هذا مشروع أو نقول بأنه غير مشروع؟ هذا اختلف فيه العلماء رحمهم الله في الزمن السابق: الرأي الأول: لا يشرع الجلوس للعزاء ذهب إليه بعض العلماء وممن ذهب إليه من المتأخرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، قال النووي رحمه الله المصاب يتلقى في المسجد وفي الطرقات وفي الأسواق..إلخ ويعزى. واستدلوا على ذلك:

_ (1) متفق عليه.

المسألة السادسة: الموعظة في المقبرة

بحديث جرير بن عبد الله قال: " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصُنعة الطعام من النياحة " وهذا أخرجه الإمام أحمد في مسنده. الرأي الثاني: أن هذا جائز لا بأس به يعني كون أهل الميت يجتمعون في مكان ويقصدونهم الناس للتعزية, قال الخلال رحمه الله: سهَّل الإمام أحمد رحمه الله في الجلوس للعزاء وممن أخذ بهذا من المتأخرين الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. واستدلوا على ذلك: ما ثبت في صحيح البخاري حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: " لما جاء قَتل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعرف فيه الحزن فأتاه رجل فقال يا رسول الله إن نساء جعفر وذكر بكاءهن فأمره أن ينهاهن عن البكاء وأن يأمرهن بالصبر فذهب الرجل". قالوا هذا يدل على الجلوس من موضعين: الموضع الأول: قول عائشة رضي الله عنها "جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - " وكونه أن هذا الرجل جاء إليه يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس في مكان يقصده الناس فيه والحزن فيه بسبب موت سرية مؤتة. الموضع الثاني: أنه ذكر أن نساء جعفر فنهاهن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البكاء فقط وأما الجلوس فلم ينهاهن عن الجلوس ولم يأمرهن بالتفرق. وعلى هذا يظهر أن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله لكن يُحْذر من المحاذير الشرعية مثلاً بعض الناس يبالغون في الجلوس بكثرة الأطعمة أو بفتح الأنوار أو نحو ذلك , فيجعل الجلوس خاص بالمصابين وإن كان هناك طعام فيكون خاص بالمصاب ومن قدم من مكان بعيد , مع أنه ينبغي لمن قدم من مكان بعيد للتعزية أن لا يجلس وإنما يكون الجلوس خاص بالمصابين. وأما وضع الكراسي وإحضار المقرئين وإلقاء المواعظ ونحو ذلك فهذا كله من المآتم البدعية التي لم يكن عليها سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المسألة السادسة: الموعظة في المقبرة.

المسألة السابعة: إحضار المشروبات إلى المقبرة

البخاري رحمه الله بوب في صحيحه قال: باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله. ويؤخذ من هذا أن البخاري يذهب إلى هذا المذهب وأنه لا بأس بالموعظة في المقبرة إذا كان ذلك على سبيل الخصوص إذا كان الإنسان يجلس وحوله أصحابه ويذكرهم كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. واستدل على ذلك بحديث علي - رضي الله عنه - قال: " كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقعد وقعدنا حوله فقال: ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة أو النار، فقالوا يا رسول الله ألا نعتمد على كتابنا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" لا اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له " أخرجه البخاري وكذلك أيضاً. وكذلك أيضاً حديث البراء بن عازب. أما كون الإنسان يقوم خطيباً وواعظاً فهذا لم يفعله - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة - رضي الله عنهم -. المسألة السابعة: إحضار المشروبات إلى المقبرة. فبعض الناس يحضر شيئاً من المشروبات وقد يكون هذا ماءاً وقد يكون غير ذلك من المشروبات فهل هذا جائز أم نقول ليس جائزاً؟ الحكمة من حضور الجنازة وزيارة المقابر هو تذكر الموت والاتعاظ والرجوع إلى الله عزوجل والتخلي عن أمور الدنيا والتعلق بها من اللباس والطعام والشراب، فالمقابر لم تجعل للأكل والشرب ونحو ذلك وإنما شرع إتباع الميت للقيام بحقه والتذكر وانتفاع الميت بالدعاء له وانتفاع التابع بأنه يتذكر الموت والدار الآخرة والتقلل من شؤون الدنيا والعزوف عن الدنيا ويرجع وينيب..إلخ. فهذه هي الحكمة أما إحضار هذه المشروبات إلى المقابر فهذه مصادمة لهذه الحكمة التي من أجلها شرع زيارة المقابر وإتباع الأموات وحضور الجنائز , فنقول أقل أحوالها أنها غير مشروعة، ويؤيد ذلك أنه لم يفعل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة والعبادات توقيفية.

المسألة الثامنة: التحدث بأمور الدنيا في المقبرة بوسائل الاتصال

فالأحوط للمسلم أنه لا يفعل مثل هذه الأشياء , أما ما يتعلق بالماء والحاجة إليه , فمن يحتاج إليه فإنه يخرج من المقبرة ويشرب من البرادات التي بجانب المقبرة، ويؤيد ذلك أنه ربما يتوسع في الأمر ويكبر ويترتب محاذير شرعية. المسألة الثامنة: التحدث بأمور الدنيا في المقبرة بوسائل الاتصال بسبب وجود وسائل الاتصال المحمولة عند كثير من الناس تجد بعض الناس يتحدثون بأمور الدنيا في المقبرة كأمور الزراعة والصناعة والتجارة والبيع والشراء والسفر والنزهة وغيرها، فهذا كله مصادم للحكمة التي من أجلها شرعت زيارة المقابر وإتباع الجنائز وهي تذكر الآخرة ويكون الإنسان في هذه الفترة قلبه معلق بأمور الآخرة وقلبه عازفاً عن أمور الدنيا , أما كونه يتحدث في المقبرة بأمور الدنيا من البيع والشراء فهذا كرهه العلماء رحمهم الله وهو مصادم كما ذكرنا للحكمة التي من أجلها شرع زيارة الأموات. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فهرس الموضوع ... الصفحة المقدمة ... 2 تعريف النوازل وحكم دراستها ... 3 أهمية دراسة النوازل ... 4 الماء المتغير بالصدأ الماء المتغير بالمنظفات المستجدة ... 6 التنظيف الجاف ... 11 تركيبة الأسنان الصناعية ... 11 طلاء الأظافر المناكير ... 14 الأظافر الصناعية ... 15 أصباغ الشعر ... 16 الرموش الصناعية ... 17 استعمال الدهون والمساحيق ... 18 القسطرة - الشرج الصناعي ... 19 غسيل الكلى ... 21 تنقية المياه الصحية ... 24 زرع الأعضاء ونقلها ... 29 المنظفات التي يكون في تراكيبها شيء من النجاسات ... 33 هل ينوب مناب العلامات الكونية الأفقية شيء كالحساب أو لا؟ ... 37 حكم الصلاة بالبنطال ... 40 حمل المصلي للصور ... 41 الآذان عن طريق المسجل ... 43 هل يشرع متابعة المؤذن الذي يؤذن عن طريق الآلات مثل المذياع؟ ... 43 الالتفات أثناء الأذان في مكبرات الصوت ... 44 ما يتعلق بالصدى ... 46

تحديد القبلة بالأجهزة الحديثة ... 47 الصلاة في السفينة والطائرة ... 48 حضور من ابتلي بشرب الدخان لصلاة الجماعة في المسجد ... 49 فصل مصلى النساء عن مصلى الرجال في المساجد ... 50 الضرب بين مصلى الرجال وبين مصلى النساء بحائل ... 51 متابعة الإمام عبر وسائل الإعلام ... 53 متابعة المأموم للإمام إذا كان يسمعه عن طريق مكبرات الصوت. ... 55 حكم وضع المدفأة أمام المصلى ... 57 ترك حضور صلاة الجماعة لمن يحتاج إلى ذلك ... 58 جمع الصلاة في حضر لمن احتاج إلى ذلك. ... 58 الحديث أثناء خطبة الجمعة من قِبَل القائمين على المسجد ... 61 ما حكم العمل أثناء الخطبة من نقل الخطبة أو إصلاح مكبرات الصوت أو إصلاح أجهزة التسجيل؟ ... 63 ترجمة الخطبة بعد الصلاة لمن لا يتكلم بالعربية ... 64 تعريف الكسوف والخسوف وأسبابهما ... 67 نشر وقت حدوث الكسوف في وسائل الإعلام ... 68 حكم ما إذا نشر خبر حدوث الكسوف أو الخسوف في وسائل الإعلام ثم بعد ذلك حصل غيم أو قتر؟ ... 68 ما حكم لو كسفت الشمس أو خسف القمر ثم حصل بعد ذلك شيء من الغيم أو قتر وشككنا في وجوده أو عدم وجوده؟ ... 69 ما حكم النعي ... 70 صور النعي ... 70 حجز جثة الميت من قبل المستشفى مقابل تسديد ما عليه من مبالغ مالية ... 72 تشريح جثة الميت ... 74 نقل الميت من بلد إلى بلد آخر ... 81 الجلوس للعزاء ... 84 الموعظة في القبر ... 85 إحضار المشروبات إلى المقبرة ... 85 التحدث بأمور الدنيا في المقبرة ... 86 ...

§1/1